Professional Documents
Culture Documents
*
محمد جاسم جبارة
يتناول البحث مجموعة من المحاور تدور حول مسألة اللغة العربية وعالقتها بمفاهيم
القومية العربية وأيديولوجية الوحدة التي دعا إليها أغلب األحــزاب القومية في ربطها
بين التاريخ واللغة والمصير المشترك .وبعد تأمله مناهج الدراسات اللسانية الحديثة
التي تب ّنتها المكتبة العربية في تعبيرها عن نهضة الحداثة العربية ،رأى أن من شأن دراسة
اللغة من وجهة نظر اجتماعية أن تعمل على ربط محاور الحداثة مع محاور الدراسات
االجتماعية في بحث المسألة القومية ،فأخذ على عاتقه مناقشة مسائل اللغة وعالقتها
بالقومية من جهة وباللهجات المحلية من جهة أخرى ،إلى جانب ارتباطها باألقليات
العرقية التي أخذ نشاطها يزداد في عدد من األقطار العربية وهي تدعو إلى التخلي عن
اللغة العربية لتعزيز انعزالها وتحقيق استقاللها عن الوطن األم؛ إذ أصبحت اللغة أدا ًة
أكد البحث أن اللغة العربية تختلف في طبيعتها التاريخية عن للصراع ضد الدولة .وقد ّ
اللغات األخــرى التي انفصلت عن لغاتها األم ،ألن اللغة العربية ذات طابع تاريخي،
فارتباطها القومي ال ينبع من ارتباطها الحزبي الضيق ،وإنما هو حتمية تاريخية ال يمكن
االنفصال عنها ،سواء للعرب أو لغيرهم من الناطقين بالعربية ،ألنهم شركاء بالتاريخ
العربي واإلسالمي .وعلى هذا األســاس ،يدعو البحث إلى إعــادة بناء خطاب عربي
جديد للنهضة يستلهم طموح العرب واألقليات غير العربية داخــل الوطن العربي،
ألن خطاب الحداثة الذي نادت به اللسانيات الحديثة لم يكن سوى خطاب مستعار
ال عالقة لــه بالمنظور االستراتيجي للغة العربية .ويكمن الـهــدف فــي إعـطــاء وظيفة
جــديــدة لــدراســة اللغة العربية وهــي «الــوحــدة» ،ألن دراســة هــذه الوظيفة تعطي اللغة
كل من ُبعدها األخالقي و ُبعدها االجتماعي و ُبعدها العربية مكانتها الحقيقية في بيان ٍّ
التعصب والسطحية ّ تفردها في بناء خطاب إنساني شمولي نزيه عن التاريخي ،وبيان ّ
أو التسلط والـتـعــالــي ،أو االنـكـفــاء تـحــت مـنـظــور أيــديــولــوجــي أح ــادي كـمــا هــي حــال
العبرية أو الفرنكوفونية ،على سبيل المثال ال الحصر.
وعـلــى الــرغــم مــن تضعيف بـعــض الـعـلـمــاء لهذا وح ــدة الـ ِـعــرق وأصــالــة الـنـســب ،وال تعني أيـ ًـضــا
الحديث ،فإنه اتخذ مكانته في أدبيات الدفاع عن وحدة العقيدة واأليديولوجيا ،غير أننا نرمي إلى
اللغة العربية .ومثل هــذه األدبـيــات ساهمت في صناعة أيديولوجيا قومية من خالل اللغة العربية
وتحوله من إعجاز النص ّ توسيع ميادين اإلعجاز الـتــي أم ـ ّـدت الكثير مــن الثقافات بـبــوادر التنوير
القرآني إلى إعجاز لغة النص عمو ًما ،بما أنتجته وبناء المجتمع الحديث ،على الرغم من بقائها
مــن أدب رفـيــع الـمـسـتــوى كــان لــه ال ــدور الفاعل داخل مجتمعاتها في صراع دائم مع التراث من
في فهم النص القرآني وتفسيره وإنتاج الخطاب جهة والـحــداثــة مــن جهة أخ ــرى .فثمة ادع ــاءات
ً
أشكال العقائدي المتعدد .لذلك اتخذ اإلعجاز تقول بانتهاء عصر األيديولوجيا ،لكننا نــرى أن
تــاريـخـيــة وعلمية اتـسـعــت لتصبح الـلـغــة العربية ذلــك ال يعني انـتـهــاء الـفـكــر األيــديــولــوجــي بقدر
مـعـجــزة ف ــي ذات ـه ــا؛ فـفـكــرة اإلع ـج ــاز ل ــم تختص المؤسسة ِّ ما يعني القضاء على األيديولوجيات
بالبيان القرآني ،ألن تفسير اإلعجاز وفهم أصوله ألن ـظ ـم ــة ك ـث ـيــر م ــن ال ـ ــدول ال ـم ـع ــاص ــرة .ونـعـتـقــد
وأنـمــاطــه كــانــا يـعـتـمــدان عـلــى الـشــواهــد الشعرية أن الـلـغــة الـعــربـيــة ذات ب ـنــاء أيــديــولــوجــي بسبب
والـنـثــريــة العربية لفصحاء الـعــرب وشـعــرائـهــا في ارتباطها بالموروث العربي بصورة تامة ،بما في
سـبـيــل تــوض ـيــح ال ـق ــواع ــد وال ـتــراك ـيــب ال ـتــي يــأتــي ذل ــك االرت ـب ــاط ال ـع ـقــائــدي وال ـعــاط ـفــي عـلــى حـ ٍّـد
بها اإلعـجــاز الـقــرآنــي .وقــد فـ ّـســر الـقــدمــاء إعجاز لتغطي معا ّ ســواء ،فهي تمثّل الوعي والممارسة ً
القرآن الكريم باعتمادهم على بيان إعجاز النص واقع المثقّف العربي وطموحه في إنتاج ثقافته.
حد سواء ،ويظهر العربي الشعري والنثري على ٍ ونحن نؤكّ د بذلك ضرورة وجود أيديولوجيا لكل
ذلــك فــي متابعتهم الفنون البيانية مــن تشبيهات مجتمع من أجل المحافظة على قيمه األخالقية
نادرة واستعارات جديدة ،ومن تقييمهم للشعراء وتماسكه الوطني ،ذلك أن وظيفة األيديولوجيا
واألدباء على أساس اإليجاز واالبتكار وااللتزام ليست السيطرة على الحكم بقدر سيطرتها على
بـفـصــاحــة األل ـف ــاظ ودق ــة ال ـتــراك ـيــب .ول ـيــس هــذا تماسك النظام االجتماعي.
فحسب ،بل إن العرب نظروا إلــى اللغة العربية
ـول ونـحـ ًـوا ومـفــردات معجزة أيضا في عمومها قـ ً ً العربية بين العجز واإلعجاز
اخـ ـت ــص الـ ـل ــه ب ـه ــا الـ ـع ــرب دون سـ ــواهـ ــم ،فـمــن ارت ـبــط مصطلح اإلع ـجــاز بــالـلـغــة الـعــربـيــة بسبب
تتفرد به العربية إعجازها :حــرف «الـضــاد» الــذي َّ اإلع ـ ـجـ ــاز الـ ـق ــرآن ــي ال ـ ــذي تـ ـط ــور مـ ــن اإلعـ ـج ــاز
دون س ــواه ــا م ــن ال ـل ـغــات األخ ـ ـ ـ ــرى ،وكــذلــك
()2
قدمه التاريخي إلى اإلعجاز الفني اللغوي الذي ّ
عالميا،
ً ترتيبا
الترتيب األب ـجــدي الــذي أصبح ً
()3
عبد الـقــاهــر الـجــرجــانــي (ت 471هـ ــ) فــي نظرية
أيضا اإليجاز والحركات اإلعرابية والصرفية ومنه ً النظم .ثم توالت مظاهر اإلعجاز لتنتقل من النص
والعروض والقافية واالتساع والمجاز والتشبيه.. َ القرآني إلى النص العربي ثم إلى اللغة في ذاتها
وغيرها مما جــاء على لـســان الخطباء والشعراء ابتدا ًء من تاريخها الذي يرتبط بلسان آدم ) ( أو
وأه ــل الـبـيــان .ويـبــدو أن الـعــرب ُأعـجـبــوا بلغتهم إسماعيل ( ) ،أو سيمضي قد ًما إلــى لغة أهل
فانكبوا على دراستها بعدما نزل القرآن الكريم، الجنة كما ورد في حديث النبي (ﷺ)ِ :
«أحـ ّـبــوا
ّ
والمعرب وجـ ْـمــع ألفاظها وتمييزها من الدخيل َ لثالث :ألني عربي ،والقرآن عربي ،وكالم ٍ العرب
َ
َّ
فحددوا والمولّد ،للحفاظ على جوهرها ونقائهاَّ ، أهل الجنة عربي» .
()1
العدد 4 / 14
خريف 2015 136
المقترحات والمعالجات التي تظهر عليها النزعة عصر االستشهاد بالشعر والنثر وبيئته ،وانتخبوا
الخيالية الطوباوية؛ فأغلب الحديث يدور حول النصوص النقية التي لم تخالط لغة األعاجم أو
محاربة العاميات واللغات األجنبية واستبدالها لك َن َتهم ،فكلما كــان الشاعر مــوغـ ًـا فــي الـبــداوة ْ
بألفاظ من مقترحات المجامع اللغويةً ،
فضل عن كان أفصح وأقــرب إلى االستعمال األمثل للغة،
وضوح التبرير األيديولوجي لقومية اللغة العربية. وكلما اختلط بالمدينة واألعــاجــم كــان أبعد عن
وسنتناول فــي مــا يلي أهــم القضايا التي توضح الفصاحة والبيان ،وهذه النظرة ربطت بين البداوة
العالقة بين اللغة وعالقتها بأيديولوجية الواقع وال ـف ـص ــاح ــة ،وهـ ــو م ــا ج ـع ــل ب ـع ــض الـمـفـكــريــن
فضل عن التمييز بين العامية ً وحركات التطور، ـورا
وال ـش ـعــراء ،قــديـ ًـمــا وحــدي ـ ًثــا ،يجعل ذل ــك مـحـ ً
وال ـف ـص ـحــى ع ـلــى م ـس ـتــوى االس ـت ـع ـمــال ال على لنقد الفكر العربي ووصـفــه بــالـبــداوة و ُبـعـ ِـده عن
مستوى المفاهيم والحدود المعروفة عند علماء الـحـضــارة والـمــدنـيــة .ويـبــدو أن فـكــرة االستعمال
األمـ ـث ــل ل ـل ـغــة ك ــان ــت ت ـق ــوم ع ـل ــى م ـج ـمــوعــة مــن
اللغة والمتخصصين ،ثم دور اللهجات المحلية
المبادئ واألصول ،أهمها اإليجاز والبيان ،حتى
ف ــي إع ـ ــادة ال ـت ــواص ــل ب ـيــن ال ـعــام ـيــة وال ـف ـص ـحــى.
وسنعتمد عـلــى ج ـهــود الـبــاحـثـيــن المتخصصين
يفرق
يفرق بينهما المعنى ولكن ِّ نجد ال َقولين ال ِّ
بينهما التقييم؛ فهناك تقييم داخلي للغة نفسها ،إذ
فــي التأليف المعجمي لــاسـتـفــادة مــن نتائجهم
يفرق العلماء بين القول الفصيح واألفصح ضمن
بشأن مكانة اللغة العربية بين اللهجات العامية،
قوانين االستعمال أو لــداللــة المعنى ووضوحه
وكذلك مكانتها في تأسيس الفكر الحداثي الذي
عـلــى الـغــايــة ،أو لـتــأثـيــره فــي الـســامــع ،فـضـ ًـا عن
سعت إليه األطروحات الحديثة وكانت تتأرجح
الكمي القائم بين الجملة والمعنى ،إذ ّ القياس
بين نبذ الماضي بلغته وفكره وإعادة مقاربته مع تصبح اللغة مؤسسة اقتصادية تستطيع بأقل ما
ما يتناسب والموقف االجتماعي والحضاري. يمكن من األلفاظ أداء أكبر ما يمكن من المعاني.
وال ـح ــدي ــث ف ــي ه ــذا ال ـم ـســار ي ـط ــول ،ولـكـنـنــا ما
اللغة والهوية القومية
زلنا نعيد قضية اإلعجاز على اختالف المرامي
كــان للغة دور مهم فــي الفلسفات الحديثة من
تحديات والـغــايــات؛ فقد واجـهــت اللغة العربية ّ
خــال تعبيرها عــن هــويــة الـفــرد والمجتمع على
كـثـيــرة ،أهمها الـعــامـيــة ،ثــم الـلـغــات األجـنـبـيــة ،ثم
ح ـ ٍـد سـ ــواء .وي ـب ــدو أن رب ــط الـلـغــة بــالـهــويــة كــان التطور التقني والترجمة .وكــان لمناهج الحداثة
نـتـيـجــة ت ـط ــور ال ـم ـفــاه ـيــم ال ـقــوم ـيــة ومـ ــا ظ ـهــر في على مستوى األدب واأليديولوجيا الدور الفاعل
العالم الحديث مــن نــزعــات انفصالية َّأدت إلى فــي توطيد فـكــرة العجز وانـحـســار اللغة العربية
االعـتـقــاد بــأن خصوصية الـلـغــة تعني خصوصية وتــراجـعـهــا عــن تحقيق دوره ــا الـفــاعــل فــي إنـتــاج
الهوية القومية .وترجع نشأة القوميات إلى القرن الـمـعــرفــة .لــذلــك عـقــدت الـجــامـعــات الـعــربـيــة في
الثامن عشر ،وكانت أوالها القومية الفرنسية التي السنوات األخيرة مؤتمرات عــدة من أجــل إعــادة
ظهرت منذ قيام الثورة الفرنسية ،وتلتها القوميتان تنشيط دور اللغة العربية في المجتمع العربي ،غير
اإليطالية واأللمانية في القرن التاسع عشر ،ثم غالبا ما نقرأ التوصيات والمقترحات البعيدة أننا ً
انتقل مفهوم القومية من أوروبــا إلى باقي بلدان عــن الــواقــع العملي الــذي يـحــاول ربــط معطيات
العالمّ .أمــا القومية العربية ،فهي ولـيــدة الصراع الواقع االجتماعي والنفسي للفرد والمجتمع مع
137 تاعجارمو تاشقانم
ةدحولا ةيجولويديأو ةيبرعلا ةغللا
ذلــك بسبب دع ــوات الك ّتاب اليهود إلــى إظهار ضــد السيطرة العثمانية واإلمبريالية الغربية ،ثم
أهـمـيــة الـ ــدور ال ــذي ت ـمــارســه الـلـغــة الـقــومـيــة في غذتها قضية فلسطين بغذاء متصل(.)4 َّ
تأسيس الدولة القومية التي يبحث عنها اليهود، إذا راج ـع ـنــا ت ــاري ــخ ال ـعــاقــة ب ـيــن ال ـل ـغــة وال ـهــويــة
ـت تصوراتهم الـطــوبــاويــة على دول ــة يهودية فـ ُـبــنِـ َـيـ ْ قدم مجموعة القومية ،نجد أن الفكر الماركسي ّ
مغلقة على «الـ ِـعــرق» الـيـهــودي وتتحدث باللغة م ــن األط ـ ــروح ـ ــات ف ــي هـ ــذا الـ ـص ــدد ت ـت ـم ـ ّثــل فــي
العبرية. تقييم دور اللغة فــي تعاملها مــع الــرؤيــة األممية
رب ـمــا لــو راجـعـنــا األط ــروح ــات الـمــاركـسـيــة بشأن وف ــي تـمـثـيـلـهــا االج ـت ـمــاعــي وال ـن ـف ـســي والـثـقــافــي
المسألة اليهودية ،لوجدنا الكثير من المشتركات لـلـتـنــوعــات الـمـجـتـمـعـيــة ال ـخــاض ـعــة لـلـمــاركـسـيــة.
األيــديــولــوجـيــة بينها وبـيــن الـكـتــابــات الـعــربـيــة في لــذلــك ،دع ــت الـمــاركـسـيــة إل ــى فـصــل الـلـغــة عن
مـعــالـجـتـهــا ال ـم ـســألــة ال ـقــوم ـيــة ،وذلـ ــك ي ـعــود إلــى الـهــويــة القومية واستبدالها باللغة الوطنية التي
منظري الماركسية اليهود أنفسهم الذين وقعوا بين ّ تسع إلى نشر تمثّل ثقافة األكثرية ،حتى أنها لم َ
إشـكــاالت المنهج وارتـبــاطــات العقيدة؛ فاليهود اللغة الروسية أو الصينية أو الالتينية (اإلسبانية)
تب َّنوا مفاهيم اللغة بوصفها الخصوصية القومية كما تفعل الرأسمالية اإلنكليزية أو الفرنسية؛ فقد
متميزا داخل المجتمع ً مجتمعا
ً التي تجعل منهم كثيرا من المفاهيم استغ ّلت السياسات الحديثة ً
األوروبـ ــي ال ــذي يعيشون داخ ــل ثـقــافــاتــه ولغاته االج ـت ـمــاع ـيــة لـلـسـيـطــرة االس ـت ـع ـم ــاري ــة ،ذلـ ــك أن
الـمـتـعــددة .وق ــد كتبت مجموعة مــن المفكرين الـشـعــور الـقــومــي يـمـ ّثــل الـحــق الطبيعي والـفـطــرة
عن تفنيد الربط بين الخصوصية القومية واللغة الـتــي تتناسب مــع الـجــوانــب النفسية للمجتمع،
من طريق التفريق بين اللغة واللهجات المحلية وك ــل مـجـتـمــع يـفـهــم ان ـت ـمــاءاتــه بـحـســب حــاجــاتــه
االقتصادية والنفسية وكذلك الوراثية .وقد كانت
ال ـتــي ال ت ـحـ ّـل مـحــل الـلـغــة األم .ي ـقــول ستالين:
الـلـغــة ،ومــا زال ــت ،أحــد مـحــاور ال ـصــراع القومي
«فــالـلـهـجــات المحلية تـمـ ّثــل تـفــرعــات مــن اللغة
والوطني في الــدول ذات األقليات العرقية التي
الوطنية للشعب بأسره؛ تفرعات محرومة من كل
أصبح من السهل تفكيك وحدتها الوطنية بتفعيل
ومقضيا عليها بحياة خاملةّ .أما ً استقالل لغوي،
الشعور القومي وتغيير انتماء األقليات وتعزيز
االعتقاد بأن اللهجات واأللسنة الخاصة تستطيع
الـتـعـصــب ال ـطــائ ـفــي .والـمــاركـسـيــة أك ــدت عــاقــة
أن تتطور إلى لغات مستقلة ،قادرة على زحزحة
االستعمار في مجال تعزيز مفهوم اللغة القومية
اللغة الوطنية والحلول محلها ،فهو إضاعة لألفق
الستغالل الطبقة الكادحة وابتزاز حقوقها ،كما
التاريخي ،وانحراف عن مواقع الماركسية»(.)5
أنها أصرت على حداثة مفهوم القومية ،وتفريقها
على الرغم من صحة هذا القول ،فإن اللغة األم بين القومية الرجعية والقومية التقدمية؛ فالدول
ال تعني بالضرورة اللغة الوطنية ،فسكان أميركا القومية ظهرت منذ أواخــر الـقــران التاسع عشر،
أو أسـتــرالـيــا األص ـل ـيــون ال يـتـحــدثــون اإلنكليزية وارتبط نشوؤها بالجانب السياسي وبالنضال ضد
الـتــي أصبحت الـلـغـ َة الوطنية بعد أن استعمرها فضل عن ً االستعمار من أجــل التحرر الوطني.
اإلن ـك ـل ـيــز .ول ـكــن الـفـكــر ال ـمــارك ـســي يـنـطـلــق من واضحا
ً حيزا
ذلك ،كانت المسألة اليهودية تشغل ً
أيــديــولــوجـيــا أمـمـيــة تـضــع الـمـســألــة الــوطـنـيــة فــوق من المعالجات الماركسية لقضية اللغة من جهة
االنتماء الثقافي والعقائدي والعرقي .ويبدو أن وقضية المسألة القومية مــن جهة أخ ــرى ،وكــان
العدد 4 / 14
خريف 2015 138
إلى طمس الهوية ،إذ الحركة األمازيغية لم تقم ال ــدع ــوات الـيـهــوديــة ال ـتــي ن ــادت بتشكيل قومية
ّإل لتحويل هذه الوجهة»( .)7وعلى الرغم من أننا يـهــوديــة اسـتـفــادت مــن الـلـغــة لـتـعــزز دعــوتـهــا إلــى
ال نعرف الكثير عن اللغة األمازيغية ومــا يحيط ااالنـفـصــال عــن المجتمعات الـحــاضـنــة لليهود؛
بها من ظروف اجتماعية وثقافية ذات خصوصية فــالـلـغــة الـعـبــريــة مغلقة عـلــى الـيـهــود ف ـقــط ،وهــي
مغاربية ،وهــي خصوصية تثير حفيظة المجتمع أشبه بلهجة محلية ضيقة تختص بـ «شعب الله
األمازيغي وارتباطاته الوطنية ،فإننا نؤكد أهمية الـمـخـتــار» ،وبـهــذا تختلف عــن اللغات العالمية
وجــود التوافق النفسي في استعمال لغة موحدة األخ ــرى الـتــي تحتضن مـجـمــوعــات مـتـعــددة من
ليس فقط بين مواطني الدولة الواحدة ،بل كذلك ـوعــا
الـقــومـيــات واألق ـل ـي ــات ،وبــالـتــالــي تمتلك تـنـ ً
ً
فضل التوافق بين المجموعة الثقافية الــواحــدة، فــي الـثـقــافــات .فاللغة الـعـبــريــة ليست لـغــة ثقافة
عن التوافق بين لغة الحياة اليومية ولغة العقيدة متعالية ،بل هي لغة محدودة النطاق ألنها تخضع
نتعبد بها ،وذلــك من أجل الحضور الدائم التي ّ تحولت إلى قومية تنبثق من نظرية للعقيدة التي ّ
أللـفــاظ ال ـقــرآن الـكــريــم ودمـجـهــا فــي االستعمال اليهود االستعمارية القاضية بإنشاء وطن قومي،
اليومي ،فال تصبح اللغة العربية لغة عقيدة فقط فـهــي لـغــة عـقــائــديــة تـقـتــرب ك ـث ـيـ ًـرا م ــن الـلـهـجــات
يـغــادرهــا المسلم بـعــد أن يـفــرغ مــن أداء الـصــاة المحلية لبعض األقليات الدينية أو اإلثنية التي
أو مــن أي عـبــادة أخ ــرى تستلزم اسـتـخــدام اللغة تـعـيــش داخ ــل ال ــوط ــن ال ـعــربــي ،ول ــم ت ـق ـ ّـدم فـكـ ًـرا
ال ـعــرب ـيــة ،كــالــدعــاء واالس ـت ـغ ـفــار .فــالـقــومـيــة على علميا من خالل تلك اللهجات؛ فاللغة ً أدبيا أو
ً
هــذا األســاس هي «صلة اجتماعية عاطفية تنشأ األمازيغية – مثل – كما يقول محمد األوراغي، ً
من االشتراك في الجنس واللغة والمنافع ،فهي وهــو صاحب نظرية اللسانيات النسبية ،ليست
شعور مجموعة من األفــراد بأنهم يؤلفون وحدة س ــوى لـغــة أنـشــأهــا االسـتـعـمــار الـفــرنـســي ووضــع
اجتماعية نتيجة لما يجمعهم من روابط عنصرية حرفها المسمى «تـيـفـنــاغ»؛ إذ كــانــت فــي بدايتها
وثقافية ولغوية وما يشعرون به من رغبات صادقة تعتمد في الكتابة على الحرفين العربي والالتيني
في تحقيق أهدافهم الوطنية السياسية»(.)8 إلــى أن ُصنعت حروفها فــي األكاديمية البربرية
وعلى الرغم من محاولة اليهود االرتـقــاء باللغة في باريس في سبيل تطويرها وجعلها لغة عريقة
ال ـع ـب ــري ــة ،وإدخ ــالـ ـه ــا ف ــي ن ـظ ــام ال ــدول ــة الـعـبــريــة فــي الـمـغــرب مــن أج ــل تفكيك الــوحــدة الوطنية
(إس ــرائ ـي ــل) ،ف ــإن ه ــذه الـلـغــة ال ت ــزال لـغــة ضيقة المغاربية(.)6
الـنـطــاق واالس ـت ـخ ــدام .ف ـضـ ًـا عــن ذل ــك ،أكــدت وه ــذا األم ــر ي ــؤكّ ــده الـمـفـكــر الـمـغــربــي عـبــد الـلــه
أغلب الدراسات األنثروبولوجية والنفسية الفصل العروي في ما يتعلق باالنتقال من الحرف العربي
العرق واللغة .يقول دي سوسير« :من الخطأ بين ِ إلــى حــرف «التيفناغ» بـقــولــه« :إن الــدافــع القوي
أن نعتقد أن اللغة الواحدة تعني قرابة الدم ،وأن سياسيا ،بغرض فرض االنتماء ً وراء االختيار كان
األس ــرة الـلـغــويــة تتفق واألسـ ــرة األنـثــروبــولــوجـيــة، ونبذ أو عرقلة االنصهار .قد يقال :التمييز قائم
فواقع األمر ليس بهذه السهولة»()9؛ فهناك وحدة على أي حــال ،واالنصهار غير محقق حتى في
اجتماعية ودينية وعرقية ولكنها ال ترتكز على حالة الرغبة فيه والمطالبة به .لماذا ال نعمل إذن
اللغة الواحدة ،وهذا ما أكده دي سوسير بقوله: على تركيز وترسيم التمييز؟ االستمرار في تو ّلي
«إن الــوحــدة الـعــرقـيــة وحــدهــا ق ــوة ثــانــويــة ليست الحرف العربي ،وهــو االختيار التقليدي ،يؤدي
139 تاعجارمو تاشقانم
ةدحولا ةيجولويديأو ةيبرعلا ةغللا
دخلت إلى اإلسالم بعد ذلك .وتفاوت استعمال ض ــروري ــة ،فــي أي ح ــال مــن األحـ ـ ــوال ،لـلــوحــدة
الـعــربـيــة بـيـنـهــم ،واخ ـت ـلــف م ــا قــدمــه ك ــل مجتمع نوعا آخر من الوحدة – له اللغوية .بيد أن هناك ً
باستعماله اللغة نفسها ،وهذا يشير إلى استيعاب أهـمـيــة كـبـيــرة ،يـتــألــف مــن األواصـ ــر االجتماعية،
وتقبلها بيئات جديدة ،مع العربية التعدد الثقافيّ ، وه ــي ال ــوح ــدة االجـتـمــاعـيــة ethnisme؛ وأعـنــي
ِ
انسجام المجتمعات معها .إن هــذه النظرة تُبعد بذلك الوحدة التي تستند إلى العالقات المتنوعة
دعــاة العنصرية ،ســواء مــن دعــاة محاربة العربية للدِّ ين والحضارة والــدفــاع المشترك وغير ذلك،
التزمت ،بفرض العربية على جميع أو من دعــاة ّ وهــذه الــوحــدة تنبع حتى بين األمــم الـتــي تنتمي
مظاهر الحياة االجتماعية في المجتمع العربي، إل ــى أج ـن ــاس مـخـتـلـفــة ،وال تـجـمــع بـيـنـهــا آص ــرة
وتبعدهم عن المغاالة والعنصرية ،وتُخرج العربية سياسية»(.)10
مــن دائــرتـهــا األيــديــولــوجـيــة الضيقة إل ــى االتـســاع ـوسـعـنــا فــي الـحــديــث عــن الـمـســألــة اليهودية لــو تـ ّ
الثقافي .علينا إذن أن نتعامل مع اللغة من منظور وال ـل ـغ ــة ،ل ــوج ــدن ــا م ــداخ ــل م ـض ـطــربــة ب ـيــن الـلـغــة
اجـتـمــاعــي ،ونــرصــد الـمـعـطـيــات الـثـقــافـيــة والـقـيــم العربية واإلرث اليهودي؛ فشعراء اليهود العرب
نجرد
األخالقية التي أنتجها مستعمل اللغة ،وال ّ الجاهليون لم ينفصلوا عن ثقافتهم عندما نظموا
منمذجا يتقوقع حول نموذج ً مثاليا
اللغة تجريدً ا ً أش ـعــارهــم بــالـعــرب ـيــة ،وت ـف ــاخ ــروا بـقـيــم المجتمع
مسبق. الـ ـع ــرب ــي ،ولـ ــم ت ـت ـغ ـلــب ال ـع ـق ـي ــدة ع ـل ــى ال ـث ـقــافــة.
وإذا أعدنا النظر في التاريخ المعاصر ،سنجد أن ونحن نعتقد أن اللغة العربية تستطيع أن تحدد
الكثير من األفكار والدعوات القومية التي تربط نمط ال ـصــراع بين الـيـهــود وال ـعــرب فــي تاريخهم
بين اللغة والـ ِـعــرق انتقلت إلــى الــوطــن العربي، ال ـحــديــث ،م ــن خ ــال مــراج ـعــة ال ـعــاقــة الـتــراثـيــة
لت أحد المنابع في الفكر القومي العربي ّ
وشك ْ التزمت في الرؤية الدينية، بين االثنين من دون ُّ
في دعوته إلى التحرر والكفاح ضد االستعمار. ومن دون استرجاع المواقف التاريخية السياسية
ولكن ما الــذي يدعو المجتمعات إلــى الحرص المتوترة بين الطرفين.
التفرد والخصوصية؟ وما الذي ينتج على إثبات ّ إن اللغة والـهــويــة تعنيان جــدل الـتــاريــخ والبنية؛
التفرد؟ من هذا ّ فعندما تحدثت الماركسية عن المسألة القومية
إن م ــا نـعـتـقــده ف ــي ه ــذا ال ـخ ـصــوص ه ــو أن هــذه والهوية ،احتاجت إلى مناهج تاريخية واجتماعية
ال ــدع ــوات كــانــت نـتـيـجــة ارت ـب ــاط الـلـغــة بــالـتــاريــخ لتعزيز الــرؤيــة األيديولوجية التي تريد تحقيقها
ـوضــح مسيرة الـتـطــور التاريخي والـثـقــافــة ،فهي تـ ّ مــن دون ال ــوق ــوع فــي الـعـنـصــريــة الـقــومـيــة أو في
للمجتمع الــذي يستطيع – بتتبع اللغة وتطورها الرجعيات اإلقليمية والتضييق اإلثني .وإذا ابتعدنا
ال ــدالل ــي – أن ي ـتــواصــل ويـسـتـمــر فــي تشكيالته عن النظريات البيولوجية التي اتسمت بالتفريق
االجتماعية وعالقاته بالطبيعة والحياة وتكوين العنصري بين األجناس البشرية ،ونظرنا إلى اللغة
ف ـكــره األيــديــولــوجــي أو ال ـع ـقــائــدي؛ فــالـلـغــة هي بوصفها قيمة حضارية وأخالقية ،سنصل بالتأكيد
الوثيقة التاريخية األهم في الكشف عن مراحل إلى المعطى الحقيقي لكل لغة ولكل مستخدم
التطور التاريخي لمجتمع مــا .غير أن الموقف لـهــذه الـلـغــة؛ فــالـعــربـيــة اسـتـخــدمـهــا الـعــربــي وغير
الـعــربــي مــن عــاقــة الـلـغــة بــالـهــويــة لـيــس مــوحــدً ا، قديما ،والشعوب التي العربي من الفرس والروم ً
العدد 4 / 14
خريف 2015 140
السياسي المعاصر إلــى تغييب الـصــراع المباشر فــاألغـلـبـيــة تــؤيــد ه ــذه الـعــاقــة الــوثـيـقــة بـيــن اللغة
وتوجيه اللغة إلى تغيير مسار الخطاب المعادي ال ـعــرب ـيــة وال ـق ــوم ـي ــة ،خ ــاص ــة األحـ ـ ــزاب الـقــومـيــة
من الخارج إلى الداخل ،فيرتسم الصراع بصورة (الـعــروبـيــة) التي تجعل مــن الـعــرب ّأمــة وحدوية
عــامـ ّـيــات وفصحى أو اخـتــاف عـقــائــدي يتجسد بطبيعتها التاريخية واالجتماعية والعرقية .وقد
عبر اللغة ،األمر الذي يؤدي إلى تحوير خطاب تساندها بعض األفـكــار السلفية التي تجعل من
تحوله إلى رفض الذات وإعادة المواجهة وإلى ّ العرب َح َملة الرسالة اإلسالمية ،كما تجعل من
هيكلة الماضي برؤية مناقضة .لذلك ،نرى عد ًدا الـعــربـيــة ل ـغ ـ ًة عـقــائــديــة لـهــا خـصــوصـيـتـهــا مــن لغة
من أطروحات الحداثة العربية سعت إلى نقض ال ـقــرآن الـعــربــي ولـغــة آدم ولـغــة أهــل الـجـنــة ،فهي
ال ـمــاضــي وتـهـمـيــش ال ـهــويــة الـعــربـيــة الـمـعــاصــرة، تنظر إلى العربية بوصفها ضــرورة لكل من يريد
فاستبدلت هوية اآلخــر بهوية ال ــذات ،واتجهت أن يحمل رسالة اإليمان من األرض إلى الجنة.
إلى نقض نفسها بنفسها. وهذه الدعوة ترفدها األسانيد من األخبار وبعض
فضل عن القرآن الكريم الذي يؤكد ً األحاديث،
علينا هنا أن نحدد الفرق الكبير بين اللغة العبرية
منزلة اللغة العربية وتشريفه لها بالبيان .ومن هذه
ال ـع ـقــائــديــة ال ـقــائ ـمــة ع ـلــى مــواج ـهــة الـ ـص ــراع ضد الــدعــوات ما نقرأه ً
مثل في دراســة عبد الرحمن
إســرائـيــل ومــرجـعـيــات الـيـهــودي (ال ـتــائــه) ،واللغة
أحمد البوريني في محاولته للتشديد على حقيقة
العربية التي لــم تختص حضارتها بالعقيدة ،أو
أن اللغة العربية أصل اللغات كلها ،وأنها لغة آدم،
بالصراع بل امتدت إلى آفاق واسعة من األدبيات تفرعت منها( ،)11وهي وأن جميع لغات العالم َّ
التي مثلتها اللغة العربية خالل تاريخها الطويل دعوة ال تخلو من المبالغة والتك ّلف بإرجاع عدد
الذي يقرب من ألفي سنة(.)12 من األلفاظ األجنبية إلى أصــول عربية .وما نراه
وف ــي ال ـجــانــب ال ـم ـضــاد دع ـ ــوات نـهـضــويــة تنكر هو ارتباط القومية بالقيم وليس باللغة ،فالقومية
وتجرد العرب ّ على اللغة العربية مكانتها العليا، ال ـعــرب ـيــة ،م ـث ـ ًـا ،ه ــي م ـج ـمــوعــة م ــن ال ـق ـيــم الـتــي
م ــن ت ـلــك ال ـم ـفــاخــر (ال ـم ــزي ـف ــة) ال ـت ــي يـحـصـلــون تمثل أيديولوجية الــوحــدة العربية ،إذ تربط هذه
عـلـيـهــا م ــن ال ـل ـغــة ال ـعــرب ـيــة؛ فــالـمـفـكــر ال ـس ـعــودي األيديولوجيا بين التاريخ والمجتمع الذي صنعه،
عـبــد ال ـلــه الـقـصـيـمــي يـصــف ّ
األمـ ــة الـعــربـيــة بأنها وهو تاريخ مثالي يتأسس على شخصيات بطولية
ظــاهــرة صوتية ُتـصـ ّـدق بالخطاب المزيف الــذي ن ـمــوذج ـيــة ،وي ــؤم ــن ب ــأن ال ـمــاضــي ه ــو ال ـن ـمــوذج
فعليا موهو ًما .ويستنكر واقعا ً تتخيله حتى يصبح ً األم ـث ــل للمستقبل ال ـعــربــيّ .أم ــا الـلـغــة الـعــربـيــة،
أن ت ـكــون الـلـغــة الـعــربـيــة م ــوج ــودة ف ـعـ ًـا قـبــل أن فهي لغة الثقافة والـتـنــوع االجتماعي والعرقي،
يضع الواضعون قواعد النحو واإلعــراب ،وذلك وهــي اللغة التي ت ــوازي بين الماضي والحاضر
ألسـ ـب ــاب عـ ـ ــدة ،م ـن ـهــا أن هـ ــذه الـ ـق ــواع ــد نـسـيـهــا فضل عن ً كما توازي بين الطبقات االجتماعية،
المجتمع الـعــربــي تـمــا ًمــا ،فكيف َيـنـســى العربي تمثيلها الــذات والموضوع ،وهي بالتالي ليست
ال ــذي أخــذ قــواعــد اإلع ــراب والـحــركــات بالفطرة لغة العرب وحدهم.
وال ـم ــول ــد وال ـط ـب ــع ،وأصـ ـب ــح ال يـتـقـنـهــا اآلن إال ّأم ــا ربــط الـشـعــور الـقــومــي الـعــربــي بــالـصــراع ضد
بالتعلم الصعب والمجاهدة في البحث .ومنها االستعمار ،فربما يؤدي إلى غياب الحافز القومي
أيـ ًـضــا أن هــذه اللغة لــم تنتج فـكـ ًـرا وأخــا ًقــا ،ولم مع غياب الصراع الظاهر ،وربما يتجه الخطاب
141 تاعجارمو تاشقانم
ةدحولا ةيجولويديأو ةيبرعلا ةغللا
منذ الـمــولــد ،وعــاقــة العامية بالفصحى ،وليس تـتــأســس عـلــى م ـبــادئ واض ـحــة وقــوان ـيــن مـعــروفــة
من جهة التشكيك والتوثيق .ويبدو أن القصيمي ومــوجــودة من قبل .يقول« :إنها لم تكن توجد،
يـضــع ال ـن ـمــوذج الـيــونــانــي أمــامــه ليقيس المنتوج أي في ذلك التاريخ ،كتب وال أفكار أو مذاهب
األدبــي والفلسفي المكتوب لليونان أمــام الشعر أو نظريات أو دراسات أو فنون أو قوانين أو أية
الـجــاهـلــي واألخ ـب ــار الشفاهية الـعــربـيــة ،وحقيقة معرفة من المعارف اإلنسانية الجيدة ،موضوعة
األمـ ــر أن ــه يـعـتـمــد عـلــى ق ـيــاس خــاطــئ يـلـغــي فيه فــي اللغة العربية أو منقولة إلـيـهــا ...هــل يمكن
الخصوصية الثقافية للمجتمع .لذلك ،ال يكتفي أن ي ـكــون ه ــذا الـتـخــاطــب بـيــن لـغــة وأهـلـهــا دون
أيضا في قدرة العربي بإلغاء الموروث بل يشكك ً أن يـتـحــول ه ــذا الـتـخــاطــب إل ــى كـتــب ونـظــريــات
األم ــي على تعلم حــركــات اإلع ــراب ثــم نسيانها وم ــذاه ــب وإلـ ــى ف ـنــون وق ــوان ـي ــن ومـ ـع ــارف على
ب ـص ــورة مـفــاجـئــة ،ف ـي ـقــول« :ه ــل يـمـكــن أن يفقد مستوى مــن المستويات الجيدة أو الــرديـئــة ،أي
جميع أفراد مجتمع من المجتمعات قدرتهم على تحويل للنفس ً مكتوبة؟ أليست اللغة ،كل لغة،
أن يتعلموا القراءة والكتابة ،أو قدرتهم على أن وللذات ولمواجهاتها إلى صيغ فكرية أو فنية أو
يبكوا أو يضحكوا ...أو قدرتهم على أن يسقطوا أخالقية أو عاطفية؟ نعم لعله لم تكن توجد في
أو يهونوا أو على أن يكذبوا وينافقوا أو على أن ذلك التاريخ لغة عربية صحيحة ،ألن أية عالمة
يـصــدِّ قــوا األك ــاذي ــب ويـحـتــرمــوا األوغـ ـ ــاد؟ ...هل مــن عــامــات أيــة لغة لــم تكن مــوجــودة فــي اللغة
يصدق الزعم أن معرفة قواعد اإلعراب يمكن أن ْ العربية بأي أسلوب.)13(»..
الـمـعـقــدة الـصـعـبــة ج ــدً ا بــالـسـمــاع ،أو الـمـحــاكــاة، ع ـل ــى ال ــرغ ــم م ــن اخ ـت ــاف ـن ــا ال ـك ـب ـيــر واع ـت ــراض ـن ــا
أو الــوراثــة ،أو بالسليقة أسهل من معرفة القراءة على هــذه األطــروحــات التي ال تستند إلــى دليل
والكتابة بالمولد أو بالموهبة أو بالقدر؟»(.)14 وال تقوم ّإل على المنطق العقلي الــذي يشكك
وي ـظ ـهــر ل ـل ـق ــارئ أن ف ــي أطـ ــروحـ ــات الـقـصـيـمــي فــي الـعـقـيــدة ،وال يــؤمــن بــالـعـبـقــريــة ال ـفــرديــة كما
الـكـثـيــر مــن االن ـف ـعــال وال ـتــوتــر الـلــذيــن رب ـمــا كانا ال ي ــؤم ــن ب ــال ـت ـغ ـي ــرات االج ـت ـم ــاع ـي ــة وال ـتــاري ـخ ـيــة
نتيجة هزائم العرب أمــام إسرائيل وعــدم قدرتهم الـتــي تــؤثــر فــي تـحــوالت اللغة بانتقال المجتمع
على بناء دولة جديدة وإنسان متحضر ،بعد كل مــن الـمــرحـلــة الـشـفــاهـيــة إل ــى الـمــرحـلــة الكتابية،
الـثــورات واأليديولوجيات التقدمية التي سادت فـضـ ًـا عــن تشكيكه فــي جميع الشعر الجاهلي
فــي المجتمع الـعــربــي ،فـضـ ًـا عــن سعة الـمــوارد واألخـ ـب ــار ال ـعــرب ـيــة والـ ـم ــوروث ال ـل ـغــوي بأكمله
االقتصادية للعرب؛ فدعوته أشبه ما تكون بنقض الــذي نقله ال ــرواة والمحققون ،وهـنــاك دراســات
سلبيا ال يقوم على تقديم ً للقومية العربية ً
نقضا متخصصة في هذا الجانب تنقض كل ما ذهب
وأمــا قضية تع ّلم اإلع ــراب ،فمن السهل البديلّ . الك ّتابإليه القصيمي ،ويكفي أن نشير إلى ر ّد ُ
نؤكد أن التعلم الشفاهي ألصــوات الحركات أن ِّ على تشكيكات مارجليوث وطه حسين من قبل،
كثيرا من تع ُّلمها من طريق حفظ اإلعرابية أيسر ً عـلــى الــرغــم مــن ذلــك كـلــه ،نــرى أن هــذا الـطــرح
القواعد وقــراءة المتون ،وهــذا ما أثبته عــدد كبير ربما يفتح أمامنا مـحــاور عــدة تفيد فــي الكشف
مــن ال ــدراس ــات المتخصصة بتعليم الـلـغــة لغير عن الجانب القومي من جهة والجانب اللغوي –
أبنائها ويمكن قياسها على تع ّلم العربي حركات االجتماعي من جهة أخرى ،خاصة في ما يتعلق
اإلعراب بوساطة المحاكاة أو المشافهة. بطرائق تعلم الفصحى ،وتثبيت حركاتها ونطقها
العدد 4 / 14
خريف 2015 142
اإلثنية للمطالبة بالخصوصية واالعتراف بثقافاتها ّأما كمال بشر ،فهو ينتقد الوضع العربي من خالل
معكوسا مع
ً وتاريخها ولغاتها .وربما نجد األمر اللغة فيقول« :اللغة العربية في عصرنا هذا الذي
تعمد اليهود
المجتمع العربي الفلسطيني الــذي َّ وثقافيا،
ً نعيش فيه مضطربة اضطراب أهليها فكر ًيا،
تغيير مالمحه العربية لمحو شخصية المجتمع َ وسياسيا كذلك .ليست ً واجتماعيا ،واقتصاد ًيا،
ً
الـعــربـيــة ،لــذلــك يـحــس ال ـش ـعــراء ب ـهــذا التغييب، لنا ثوابت فكرية نلتقي عليها ونعود إليها لتوحيد
فـيــرجـعــون إل ــى الـلـغــة بــوصـفـهــا أدا ًة للتعبير عن الرؤى أو تقريب مسارات هذه الرؤى في الحاضر،
هويتهم القومية وشخصيتهم الـعــربـيــة ،فما زال خواص عربية
ّ ولرسم خطوط متناسقة متآلفة ذات
ال ـشــاعــر مـحـمــود درويـ ــش ي ـ ــر ّد ُد ه ــذا اإلح ـســاس مـمـ ِّـيــزة لـلـمـسـتـقـبــل»( .)15ونـجــد فــي ه ــذا الخطاب
باللغة ،فيقول ً
مثل: يحمل اللغة أو المجتمع العربي انفعاليا ّ
ً درس ــا
ً
أسباب انتكاسها أمام الوضع الراهن ،وال نرى أن
ُ
الدليل الدليل أناُ علي .أنا ما د َّلني أحدٌ َّ عالقة اللغة بالمجتمع ترتبط بهذا االرتباط اليائس،
ولدتُ والصحراء .من لغتي ِ إلي بين البحر َّ انتصارا
ً فاالنتصار السياسي واالقتصادي ال يعني
الهند بين قبيلتين صغيرتين عليهما ِ ِ
طريق على صحيحا ،والشواهد التاريخية ً للغة ،والعكس ليس
ُ
المستحيل والسالم
ُ ِ
القديمة، ِ
الديانات قمر ُ كثيرة فــي ه ــذا الـمـجــال ،فـضـ ًـا عــن أن االقتصاد
الفارسي
ِّ وعليهما أنْ تَحفظا ف َل َك الجوا ِر العالمي اآلن ال يقوم على العالقات القومية بعد
ليهبط الزمن ُ ُ
الثقيل َ الكبير،
َ وهاجس الروم َ عصر العولمة .وربما يعود سبب هــذا الربط بين
أكثرَ .م ْن أنا؟ هذا عن خيمة العربي َ ِ الـلـغــة وال ــوض ــع ال ـعــربــي الـسـلـبــي إل ــى الــربــط بين
جواب له .أنا لغتي أنا، َ سؤال اآلخرين وال ُ اللغة والهوية القومية ،إذ إن الهوية العربية ال تزال
عشر ،هذه لغتي معلقة ...معلقتانٌ ... ٌ وأنا بعيدة عــن االسـتـقــرار والــوضــوح على الــرغــم من
الكلمات:ُ أنا لغتي .أنا ما قالت األم ــة العربية في
التجربة الـثــوريــة التي م ـ َّـر ْت بها ّ
فكنت لنب ِرها جسدً ا .أنا ما كن جسدي، «األمــة العربية
سبيل التحرير .يقول نديم البيطارّ :
ُ ْ
حاليا بمرحلة انتقالية تعني التحول الجذري تمر ً
قلت للكلمات :كوني ملتقى جسدي مع ُ
عن مجتمعها التقليدي إلى مجتمع جديد ينفيه،
األبدية الصحراء .كوني كي أكون كما أقول....
وتفرض علينا ،فيما تفرضه ،ما يمكن تسميته أزمة
فلتنتصر
ْ وتاج ُه. ...للمرء مملكة الغبار ُ الـهــويــة ،أي مشكلة تكوين هــويــة جــديــدة تترتب
لغتي على الدهر العدو ،على سالالتي، على تقلص وتبعثر المجتمع التقليدي في شتى
زوال ال ُ
يزول علي ،على أبي ،وعلى ٍ
َّ أبـعــاده ،األيديولوجية واالقتصادية واالجتماعية.
...هذه لغتي ومعجزتي عصا سحري. تكوين نظرية علمية واضحة حــول طبيعة الهوية
حدائق بابلي ومس َّلتي ،وهويتي األولى، ُ أساسيا من أبعاد ً القومية ومقوماتها يشكل بعدً ا
ُ
الصقيل ومعدني
َ هذا التكوين»(.)16
ومقد ُس العربي في الصحراءِ، ّ هــذه األطــروحــات التي تربط بين اللغة والهوية
يعبد ما ُ
يسيل هــي فــي حقيقتها بـحــث عــن الـمــرجـعـيــة الثقافية
ِ
عباءته، من القوافي كالنجوم على المشتركة التي أخــذت تتش َّت ْت داخــل المجتمع
ويعبد ما يقول.)17(.. الـعــربــي ،وهــو مــا سيتيح الـفــرصــة أم ــام األقليات
143 تاعجارمو تاشقانم
ةدحولا ةيجولويديأو ةيبرعلا ةغللا
وأما ما يخص اللغة العربية ،فإننا نجد أنها مرت – ّ وربما يتوهم القارئ أن هذه القصيدة تعبير عن
على امتداد مراحلها التاريخية – بتحديات ثقافية القومية العربية ،غير أن درويش لم يكن من دعاة
وأي ــدي ــول ــوج ـي ــة ك ـب ـيــرة ج ـ ــدً ا وم ـع ـق ــدة ،ب ـس ـبــب ما القومية العربية بقدر ما كان يتحدث عن جميع
تـتـضـمـنــه م ــن م ــوق ــف ع ـق ــائ ــدي وت ــراث ــي إن ـســانــي األفـكــار الخاطئة أو الصائبة؛ فهو يتمثّل الواقع
يجمع تحت خيمته ثقافات متعددة ،كالفارسية واقعا من التناقضات المتآلفة في العربي بوصفه ً
والــروم ـيــة ،فـضـ ًـا عــن انـتـمــاءاتـهــا اإلقليمية التي فضاء الصحراء ،ويتحدث عن القضية الفلسطينية
ورثتها مــن حـضــارات الـعــراق القديم والحضارة التي أصبحت قضية المستضعفين في عالم تتردد
ال ـفــرعــون ـيــة وال ـح ـض ــارة الـفـيـنـيـقـيــة وغ ـي ــره ــا ،إلــى فيه القوة بين موازين العدالة والظلم .وهنا نذكر
جــانــب الـشـعــوب المتنوعة الـتــي مــرت بالمنطقة له موق ًفا آخر يدافع فيه عن األقليات المضطهدة
العربية خالل تاريخها الطويل ،فهي لغة تنتمي ف ــي ح ـق ـبــة م ــن الـ ـت ــاري ــخ ،ف ـي ـك ـتــب ع ــن الـشـعــب
إليها ثقافات متعددة تجعلها ال تنتمي إلــى أي الكردي في بالد األناضول معتمدً ا على تحديد
أيــديــولــوجـيــا قــومـيــة عنصرية بطبيعتها التاريخية الهوية عن طريق توظيف ثيمة «اللغة» ،فيقول في
والـثـقــافـيــة .فــالـقــومـيــة الـعــربـيــة قــومـيــة مـتـعــددة منذ قصيدة عنوانها :ليس للكردي ّإل الريح:
أصــول ـهــا األول ـ ــى ،وح ـتــى ف ــي مــراحـلـهــا الـحــزبـيــة أزوره ،غدَ ُه..
الكردي حين ُ ُّ يتذكر
المعاصرة .وعلينا أن ننبه القارئ إلى أننا ال ندافع إليك عني ! بمكنسة الغبا ِرَ :ِ فيبعده
عن األحــزاب القومية أو األيديولوجيات ،وإنما الجبال .ويشرب الفودكا ُ ُ
فالجبال هي
ن ــداف ــع ع ــن ال ــواق ــع ال ـتــاري ـخــي ال ــذي ع ـ َّـبــرت عنه ِ
الحياد :أنا الخيال على ُ لكي يبقى
ال ـل ـغــة ال ـعــرب ـيــة وت ـم ـ َّث ـل ـ ْتــه بـبـنــائـهــا الـمـعـجـمــي بين
والكراكي الشقية
ُّ المسافر في مجازي،
ال ـم ـعـ َّـرب وال ــدخ ـي ــل ،أو تــركـيـبـهــا ال ـن ـحــوي ال ــذي
إخوتي الحمقى .وينفض عن هويته
استوعب داخله صيغً ا متعددة ولم يقف عند ما
الظالل :هويتي لغتي .أنا ..وأنا.
يسمى «النموذج األعــرابــي» الــذي هو دعــوة إلى ّ
بالتفرد الشعور د ّ
ل يو إذ األصالة؛ إلى ال العنصرية
المنفي في لغتي..... ُّ أنا لغتي .أنا
ّ
يسمى وهم الهوية المتفردة، انتصرت على الهوية َ ...باللغة
عند العربي ،أو ما ّ
وهو ما يجعله ينعزل عن اآلخر الذي يشاطره في انتقمت
َ قلت للكردي ،باللغة ُ
كثيرا من ِ من الغياب
ثقافته وهويته .يقول أمارتيا ســن« :إن ً
النزاعات واألعـمــال الوحشية في العالم تتغذى فقال :لن أمضي إلى الصحراء
على وهم هوية متفردة ال اختيار فيها .وفن بناء قلت وال أنا(.)18 ُ
الكراهية يأخذ شكل إثارة القوى السحرية لهوية فهنا تظهر بــوضــوح قيمة الـلـغــة فــي بـنــاء الثقافة
مزعومة السيادة والهيمنة تحجب كل االنتماءات القومية ،غير أن القومية التي يدعو إليها درويش
مالئما
ً ً
شكل األخرى ،وعندما تعطي هذه الهوية ه ــي قــوم ـيــة ال ـم ـظ ـلــوم ـيــن ال ال ـقــوم ـيــة الـعـنـصــريــة
أي تعاطف إنساني ميال للقتال ،يمكن أن تهزم َّ ً االستعمارية كالتي يــدافــع عنها اليهود ،فيصبح
أو مـشــاعــر شفقة فـطــريــة قــد تـكــون مــوجــودة في الدفاع عن اللغة إحدى آليات الدفاع عن الكيان
نفوسنا بشكل طبيعي .والنتيجة يمكن أن تكون والحرية والهوية.
العدد 4 / 14
خريف 2015 144
الصوتية ل ّلهجات العامية .وتظهر إشكالية العامية عـنـ ًفــا ع ــار ًم ــا مـصـنـ ً
ـوعــا داخ ــل ال ــوط ــن ،أو إرهــا ًبــا
والـفـصـحــى م ــرة ف ــي مـنــاهــج الـنـحــو وأخـ ــرى في ومدبرا على مستوى كوكبي»(.)19 ً ً
مراوغا وعن ًفا
مفردات المعجم .وبإلقاء نظرة سريعة على عموم
الـلـغــة الـعــربـيــة لــم تـمــر بـمــراحــل انـحـطــاط تــؤدي
اللغة ،ربما نالحظ أن النحو هو الخاسر األكبر في
بها إلــى حــدوث نهضة داخلية تفصل بين اللغة
اللهجات العامية ،ويظهر أكثر من غياب األلفاظ
القديمة البائدة واللغة الحديثة القائمة ،كما هي
التي وقع عليها اإلبدال والقلب ،وأ ّدى إلى تغيير
الحال في اللغة التركية التي تفصل بين العثمانية
أصواتها وابتعادها عن األصل حتى ن ُِسي واختلط
القديمة والتركية المعاصرة الـتــي فرضها كمال
مع الدخيل واللفظ األجـنـبــي( ،)20على أن هناك
أت ــات ــورك بــال ـقــوة .وه ــي لـيـســت لـغــة اسـتـعـمــاريــة،
فرو ًقا بين الشعوب العربية واإلسالمية في مدى
لــذلــك لــم تـتـكــئ عـلــى ال ــدع ــوات الـعـنـصــريــة من
ابـتـعــاد الـعــامـيــة عــن الـفـصـحــى .ومـنـهــا المستوى
أجل استغالل الشعوب وقمعها وفــرض ثقافتها
الحضاري والسياسي والوطني الــذي تظهر فيه
عليها .وهي ،إلى جانب ذلك ،تمتلك خصوصية
مسائل بشكل أوس ــع؛ فقد نظر بعض الدارسين
تاريخية وعقائدية وبنائية وصوتية تجعلها أكثر
إلــى دعــوات العامية على أنها «مـشــروع سياسي
تـعـقـيــدً ا مــن أن تـمـ ّثــل نكسة الـشـعــب الـعــربــي أو
يعا َلج في ميدان الصراع بين معسكر حركة التحرر
العربي والمعسكر الصهيو – إمبريالي»(.)21 الـمـجـتـمــع اإلس ــام ــي ،أو تـعـ ّـبــر عــن اضـطــرابــات
ال ـتــاريــخ الـعــربــي؛ فـهــي لـغــة مــواجـهــة حـيـ ًنــا ولغة
ونــرى أن مصطلح العامية يعود إلــى الــدراســات دع ــوة حـيـ ًنــا ،ثــم لغة ثقافة وح ـضــارة حي ًنا ثالثًا.
روجـ ــت لـمـفـهــوم الـعــامـيــة ،إذ االسـتـشــراقـيــة ال ـتــي ّ وعلى الرغم من إيماننا بأهمية الشعور القومي
قــاســت الـلـغــة الـعــربـيــة عـلــى ال ـلـغــات األوروب ـي ــة،
وح ـت ـم ـيــة ت ـم ـظ ـهــراتــه ف ــي أي ل ـغ ــة ،فــإن ـنــا نـنـقــض
وحقيقة األم ــر هــو أن اللغة العربية تختلف في
ـورا
الــدعــوات القومية الـتــي تتخذ مــن اللغة مـحـ ً
بنائها وتاريخها عن اللغات األوروبية ولهجاتها
للدفاع عن أيديولوجية القومية العربية ،ألن ذلك
العامية ،فالعامية العربية لهجات عربية فصيحة
يبعدها عــن كونها لغة ثقافة وح ـضــارة إنسانية،
ل ـهــا إرث ـه ــا ال ـتــاري ـخــي ال ـل ـغ ــوي ،فـنـحــن ب ـيــن لغة
فضل عن أن ذلــك يعمل على تجزئة المجتمع ً
ولهجات ال بين لغة فصحى وأخرى عامية ،أي إن
وتفكيك وحدته الوطنية.
العامية العربية ال تنفصل عن موروثها الفصيح،
غير أننا نجد الباحثين يتعاملون مع العامية وكأنها
العامية والفصحى
لـغــة غــريـبــة دخـيـلــة عـلــى الـثـقــافــة الـعــربـيــة ،واألم ــر
صراعا بين اللغة األدبية العالية ال يتعدى أن يكون بين الهوية والثقافة
ً
واللهجات العامة ذات الوظيفة التواصلية ،ومثل ت ـقــف أم ــام ـن ــا إش ـكــال ـيــة ال ـف ـص ـحــى وال ـع ــام ـي ــة أو
يسميها فرغسون االزدواجية اللغوية هذه الحالة ّ ال ــدارج ــة ل ـت ـطــرح م ـســائــل ع ــدة ع ـلــى مـسـتــويــات
ويعرفها بـأنها «الحالة اللغوية ِّ )(bilingualism ش ـتــى ،مـنـهــا الـمـسـتــوى الـفـنــي ال ــذي ي ــدور حــول
الموجودة في جماعة المتكلمين التي يستخدم األل ـف ــاظ وال ـتــراك ـيــب ،فــالـعــامـيــة غــالـ ًـبــا مــا تتخلى
فيها بعض المتحدثين نوعين أو أكثر من اللغة عــن الـقــواعــد الـصــارمــة وتـمـيــل إل ــى تخفيف لغة
ال ــواح ــدة ف ــي ظـ ــروف م ـخ ـت ـل ـفــة»( ،)22م ـثــال ذلــك ال ـت ــواص ــل االج ـت ـم ــاع ــي ،م ــع احـتـفــاظـهــا بــأصــول
سويسرا التي تمثل فوضى لغوية(.)23 األل ـفــاظ الفصيحة الـتــي تختفي وراء الـتـغـ ّـيــرات
145 تاعجارمو تاشقانم
ةدحولا ةيجولويديأو ةيبرعلا ةغللا
قالب واحد ،وتذويب الهوية الوطنية ودمج متزايد ّأما االزدواجية بين العربية الفصحى والعاميات،
للثقافات الفرعية والخصوصيات المحلية؟»(.)25 ف ـه ــي ت ـع ـنــي ع ـن ــدن ــا أن ال ـع ــام ـي ــة ال ـع ــرب ـي ــة حــالـهــا
نـجــد فــي الـعــالــم الـعــربــي الـمـعــاصــر ت ـطــور حركة ح ــال الـفـصـحــى فــي تـعـبـيــرهــا عــن الـ ُـبـعــد الـقــومــي
للمجتمع ال ـعــربــي ،إذ إنـهــا تمتلك الخصائص
اإلث ـن ـي ــات واألق ـل ـي ــات ال ـل ـغــويــة ون ـش ــاط الـعــامـيــة
الصوتية والـنـحــويــة واإلمــائـيــة الـتــي أخــذتـهــا من
لتحقيق اإلقـلـيـمـيــة ،وه ــو ي ـحــدث عـلــى مستوى
الـفـصـحــى ،مــع وج ــود تـســامــح كـبـيــر فــي ضبطها
ت ـع ــري ــب ال ـم ـس ـل ـس ــات ال ـت ـل ـف ــزي ــون ـي ــة واألغ ــان ــي
بسبب كثرة استعمالها في المجتمع .يقول أحد
واإلع ــان ــات ال ـت ـجــاريــة .وه ــذا يـشـيــر إل ــى تحول
الباحثين« :يمثّل التعايش بين اللهجات الدارجة
المفهوم الـقــومــي للغة الفصحى إلــى اللهجات
ـوحــا وب ــروزًا
والـلـغــة الفصحى الـمـيــزة األكـثــر وضـ ً
العامية األكثر ضيقًا وإقليمية من الرؤية القومية،
لـلـحــالــة الـلـغــويــة ف ــي ال ـب ـلــدان ال ـعــرب ـيــة .ويشكل
أي التحول من القومي إلــى الوطني والمحلي.
المظهر األول المستوى األدنــى )(low variety
وحقيقة األمــر هــي أن اللهجات العامية العربية
المستخدَ م في التخاطب العادي اليومي واللغة
لـهـجــات فـصـحــى ف ــي أغـلـبـهــا ،ولـيـســت خـ ً
ـروجــا
الــوحـيــدة للمتكلمين األمـيـيــن ،فــي حـيــن يشكل
عن اللغة األم ،وما دخل عليها من ألفاظ أجنبية
المظهر الثاني المستوى األعلى )(high variety
ال يجعلها عامية مبتذلة ،ألن الفصحى كذلك
المستخدَ م في الخطابات الرسمية والمحاضرات
دخلتها األلـفــاظ الفارسية والــرومـيــة وغيرها ولم
والبرامج التلفزيونية»(.)24
يـخـ ّـل ذلــك بقيمتها الثقافية والـحـضــاريــة .ولسنا
بهذا ندعو إلى العامية بقدر ما ندعو إلى التعامل وت ـب ــدو م ـســألــة ال ـعــام ـيــة أك ـث ــر ت ـع ـق ـيــدً ا م ــن مـجــرد
مــع اللهجات العامية العربية بوصفها لهجات الدعوة إلى ترك الفصحى التي تعني ترك التراث
والـحـضــارة ،وبالتالي تــرك المرجعية المشتركة،
عــربـيــة تـنـتـمــي إل ــى الـ ـم ــوروث ال ـح ـضــاري نفسه
فـهــي تعني كــذلــك ال ـعــودة إل ــى «لـعـنــة بــابــل» من
للغة الفصحى .وربما كان سبب هذه الدعوات
جديد ،حيث تتفرق األلسن واألقليات العرقية.
هــو ارتـبــاط اللغة الفصحى بأيديولوجية القومية
وقد ذهب عدد من الباحثين إلى ربط العاميات
سبب نفور األقليات غير العربية العربية ،وهو ما ّ باالتجاهات السياسية الداعية إلى تكوين كيانات
أيديولوجيا
ً مــن اللغة الفصحى بوصفها انـتـمــا ًء
اجتماعية ودينية منفصلة عن الدولة األم؛ إذ يؤكد
وليست ثقافة عامة ال ترتبط بسلسلة نسب وعرق
بعض الدارسين «أن ما حدث في الثلث األخير
أو دين وهوية.
من القرن الماضي يؤكد انفجار الهوية المركزية،
ّإل أن مشكلة العامية تصبح ذات مخاطر متعددة غالبا ما تنتمي إلى وانشطارها إلى هويات جزئية ً
عندما يعني استعمالها تــرك الفصحى واعتبارها عامل واحدً ا ،أو عدة عوامل ثقافات فرعية تُغَ ّلب ً
تحمل
لغة التراث والدين ،وأنها غير قادرة على ّ تبني عليها هــويــة منفصلة واحـتـجــاجـيــة ،وتـنــذر
أعباء العلم والتعليم؛ فقد ناقش عبد الله العروي بعودة إلى العرقية أو اإلثنية .فهل إن السبب هو
وترك الفصحى، قضية التعليم بالدارجة المغربية ْ األمة – الدولة؟ أم إن السبب ضعف أو إضعاف ّ
وهــي الــدعــوى التي أخــذت تنتشر فــي األوســاط هو ما أ ّدت إليه الشمولية الكوكبية أو العولمة من
المغاربية حتى أخرجت العروي من عزلته – كما سـيــاســات فــوق وطنية ) (supranationalتعمل
يـقــول – لـلــدفــاع عــن الـفـصـحــى وإظ ـهــار مخاطر عـلــى نـمــذجــة ) (modelingوتنميط الـثـقــافــة في
العدد 4 / 14
خريف 2015 146
لـهــا بـقـبــول تـلــك ال ــدع ــوة ،وال بـشـعــوب ال ـشــرق، االن ـت ـقــال مــن الـفـصـحــى إل ــى الـلـغــة ال ــدارج ــة في
يضم
ّ وإنـمــا لها عالقة بثقافة وبـمـخــزون ثقافي، المؤسسة التعليمية المغاربية ،ونحن نعلم مدى
كتاب ‹ألف ليلة وليلة› و‹بخالء› الجاحظ و‹كليلة ابـتـعــاد ال ــدارج ــة الـمـغــاربـيــة عــن الـعــربـيــة األم؛ إذ
ودم ـن ــة› .فــي ق ــراءات ــي الـكـثـيــرة لـبـخــاء الـجــاحــظ، اصـطـلــح الـمـغــاربــة عـلــى تسمية الـلـغــة المغاربية
أقف في كل قراءة على أنني أقرأ كتا ًبا جديدً ا لم ال ــدارج ــة بـ ـ «تـمـغــربـيــت» مــن أج ــل اعـتـمــادهــا في
يسبق لي أن قرأتُه .هل نتخ ّلص من هذا الكتاب ال ـم ــدارس وال ـمــؤس ـســات الـحـكــومـيــة ،وه ــي لغة
ونـمـحــوه مــن ثقافتنا بــدعــوى أن ــه ال يـمــت بصلة ال ـش ــارع الـمـغــربــي ال ـتــي تـتـضـمــن أل ـفـ ً
ـاظــا أجنبية
إلينا ،وأنه كتاب ُكتب في البصرة؟! نتخلص من وعربية وأمازيغية لتكون بمثابة اللغة «الرومانثية»
البخالء ومن ألف ليلة وليلة واألدب األندلسي، (خ ـل ـيــط م ــن ال ـعــرب ـيــة واإلس ـب ــان ـي ــة) ال ـت ــي ظـهــرت
ف ـم ــاذا سـيـتـبـقــى ل ـنــا ف ــي ال ـم ـغ ــرب؟! سـتـبـقــى لنا في األنــدلــس بعد الفتح العربي .ونقول إن هذا
تمغربيت؟! أسأل هنا ،ما هي الثقافة المغربية؟ اإلج ـ ـ ــراء ف ــي ال ـتـع ـل ـيــم ه ــو تـ ـج ــاوز ع ـلــى حـقــوق
ستقول الثقافة المغربية هي اليوسي ،سأرد عليك األط ـف ــال ال ـم ـغــاربــة ال ــذي ــن سـيـنـشــأون منفصلين
ب ــأن ال ـيــوســي كـتــب م ـحــاضــراتــه بــالـلـغــة الـعــربـيــة، أيضا عن ثقافة ال عن تراثهم العربي فقط وإنما ً
ولم يكتبها بالدارجة أو األمازيغية ،واألمــر نفسه آبائهم والجيل الذي يحاول أن يفرض عليهم لغة
بالنسبة للمختار الـســوســي .هــل نـطــوي صفحة ال تاريخ لها .ثم إن هذه الدعوة هي في أساسها
هذه الثقافة المغربية المكتوبة بالعربية ونبدأ من ـزيــف بــالـتـفـ ّـرد وال أص ــل ل ــه ،ألن في إح ـســاس مـ ّ
جديد كأننا شعب ليست له ثقافة مكتوبة ،ويريد أغلب األقطار العربية هذا التعايش بين اللغات
مثل ،وخاصة في مدينة واللهجات؛ ففي العراق ً
أن يخدم ثقافته الشفوية؟! .لهذا السبب رفضت
الموصل ،يتعايش العرب مع التركمان واألكــراد
منذ أول كتاب كتبته وهو ‹األيديولوجيا العربية›،
وال ـس ــري ــان وال ـيــزيــدي ـيــن م ـنــذ سـنـيــن طــوي ـلــة قبل
ما أسميته ‹الثقافة الفلكلورية›»(.)26
حرجا
دخول تنظيم الدولة اإلسالمية ،ولم يجدوا ً
وهناك عــدد من الدارسين المغاربة تناولوا هذه في التع ّلم باللغة العربية ،بل ما زالــوا يفتخرون
التمسك
ّ الـقـضـيــة ،وأك ـثــرهــم يــدافــع عــن ض ــرورة بمعرفتهم للغة العربية حتى بعد ما جرى عليهم
باللغة الـعــربـيــة ،نــذكــر منهم عبد الـفـتــاح كيليطو من شؤون السياسة والتفرقة.
فــي كـتــابــه أتـكـ ّلــم جـمـيــع الـلـغــات لـكــن بالعربية،
حاسما
ً ّأمــا رد الـعــروي على هــذه الــدعــوة ،فجاء
وعـبــد الـســام الـمـسـ ّـدي فــي كتابه الـهــويــة العربية
في رفضه لها ألنها تعني االنفصال عن الموروث
واألم ــن الـلـغــوي .وال مـجــال هنا لمناقشة جميع
الثقافي الـعــربــي؛ يـقــول« :أم ــا مسألة ‹تمغربيت›
اآلراء المتعلقة بهذه القضية.
فــأقــول عنها إنـهــا تـعــود إل ــى ن ــوع مــن االنـعــزالـيــة،
هكذا تتضح مسألة العامية أو تغيير العربية ،سواء وأظ ـ ــن أن رجـ ــل ال ـس ـيــاســة بــال ـم ـغــرب ال يمكنه
بتغيير حروفها المستعملة في كتابة لغات أخرى، ال ـيــوم أن يطبق ه ــذه الـسـيــاســة االنـعــزالـيــة ،ولكن
م ـثــل ال ـتــرك ـيــة ســاب ـ ًقــا وال ـفــارس ـيــة وال ـك ــردي ــة حتى أنا باعتباري رجل ثقافة لدي الحق في أن أميل
اآلن ،أو باالنتقال إلى استعمال اللغات المحلية مــع ه ــذا االت ـجــاه أو ذاك .لـهــذا أق ــول فــي قضية
واللهجات العامية .إنها مسألة مرتبطة بالحالة الدعوة إلى التدريس بالدارجة ،أرفضها وأنا أعتز
الـسـيــاسـيــة واالق ـت ـص ــادي ــة ،فحينما كــانــت الــدولــة وخصوصيتي ،وهــذه مسألة ال عالقة َّ بمغربيتي
َّ
147 تاعجارمو تاشقانم
ةدحولا ةيجولويديأو ةيبرعلا ةغللا
– ليست العربية أسوأ منزلة من لغات كثيرة ،مثل العربية متماسكة في خطابها وثقافتها ،لم تستطع
الفرنسية واأللمانية والصينية والــروسـيــة وغيرها الـلـهـجــات الـمـحـلـيــة أن تـعـ ّـبــر ع ــن طـمــوحـهــا في
من لغات الدول المتقدمة؛ فالمدنية المعاصرة أو االستقالل الفتقارها وعجزها عن صناعة خطاب
سببا في انتشار اللغة أو انحسارها، التقانة ليست ً أيديولوجي خاص بها .وليست هذه الحركات رد
فـبــالـنـسـبــة إلـ ــى ال ـل ـغــة ال ـفــرن ـس ـيــة مـ ـث ـ ًـا ،ال يفهم فعل تجاه الفكر القومي أو الممارسات السياسية
الفرنسي المعاصر اللغة الفرنسية القديمة ،بينما للسلطة ،وإنما هي نتيجة إخفاق الحداثة العربية
يفهم الـعــربــي إل ــى حــد كبير لـغــة ال ـقــرآن الكريم
فــي ب ـنــاء خ ـطــاب اجـتـمــاعــي شـمــولــي ق ــادر على
والشعر الجاهلي.
استيعاب خطاب األقـلـيــات .إننا نــؤكّ ــد دائـ ًـمــا أن
– إن واقــع اللغة العربية ليس ً
فقيرا كما ُيـصـ ِّـو ُره النهضة ليست مرحلة تاريخية مـحــددة ،بــل هي
ب ـع ــض ال ــدارسـ ـي ــن أو الـ ـع ــام ــة ،ف ـن ـحــن ن ـج ــد فــي رؤيــة أخالقية مستمرة للواقع وللمجتمع .وألن
تفوق أعداد الطلبة المتقدمين مؤسساتنا التعليمية ّ اللغة هي المسؤولة عن بناء النهضة ،فإن تراجع
لدراسة اللغة العربية على أعداد الطلبة المتقدمين
الــروح النهضوي ال يشير إلــى فقر اللغة العربية
ل ـ ــدراس ـ ــة ب ــاق ــي ال ـ ـل ـ ـغـ ــات ،فـ ـض ـ ًـا عـ ــن اه ـت ـم ــام
بـقــدر مــا يـشـيــر إل ــى ف ـقــدان الـمــرجـعـيــة األخــاقـيــة
الجامعات الغربية في الوقت الراهن باستحداث
للخطاب النهضوي المعاصر.
أقسام اللغة العربية.
م ــن أجـ ــل م ـعــال ـجــة هـ ــذه ال ـم ـش ـك ـلــة ،ال ب ــد مــن
– ال بــد مــن تـحــديــد الـمـشـكــات الــرئـيـسـيــة التي
ت ـع ــان ــي ال ـع ــرب ـي ــة بـسـبـبـهــا ف ــي داخ ـ ــل مـجـتـمـعـهــا، التركيز على:
فهي – بحسب ما نعتقد – تعاني طبقة المثقفين – تشجيع اسـتـعـمــال الـمـصـطـلـحــات وال ـع ـبــارات
في استعمالهم الخاطئ لقواعد اللغة ،ودالالتها الفصيحة الـمـتــداولــة فــي الـلـهـجــات الـعــامـيــة بين
أكثر من معاناتها من العامة .وليس العامة ً
قديما المجتمعات العربية ،وذلك من أجل إعادة الثقة
فضل عن أنهم وحديثًا منزهين عن أخطاء اللغةً ، بـيــن الـلـغــة الـعــربـيــة ومستعمليها؛ فـهــذه األلـفــاظ
غير مسؤولين عن أخطائهم. فضل عن ً فصيحة ،وال يعرف مستعم ُلها ذلــك،
– غ ـي ــاب ال ـش ـع ــور ال ـق ــوم ــي ت ـج ــاه ال ـل ـغ ــة ،وه ــذا اللهجات في قراءة الكلمة.
يعود إلــى غياب األه ــداف القومية بسبب غياب
– عــدم ربــط اللغة بالجانب السلطوي ،أي عدم
الصراع ضد إسرائيل واإلمبريالية العالمية بتغيير
وانحسارا
ً انكسارا للغة
ً جعل االنكسار الحضاري
مصطلحات الصراع القومي والوطني وتحويلها
سلبا باعتبار
لوظيفتها المتعالية ،ألن ذلك سيؤثر ً
إلـ ــى الـ ــداخـ ــل .وه ـ ــذا ي ـس ـتــوجــب إعـ ـ ــادة تنشيط
المصطلحات القديمة من أجل استرجاع الشعور العربية لغة التخلف واألجنبية لغة الثقافة.
الوطني والقومي. – االع ـت ـمــاد عـلــى الـ ـق ــراءة الـشـفــاهـيــة ف ــي تعليم
أخـيـ ًـرا نقول إننا بحاجة إلــى إع ــادة تقييم مناهج ال ـل ـغــة ،وتــوظ ـيــف األجـ ـه ــزة ال ـصــوت ـيــة ف ــي تـعـ ّلــم
ال ـل ـغــة ال ـعــرب ـيــة وإجـ ـ ــراء ب ـحــوث م ـيــدان ـيــة لمعرفة الـعــربـيــة بــأصــواتـهــا الـعــامــة ولهجاتها المختلفة،
المشكالت والصعوبات التي يعانيها دارسو اللغة ل ـكــي ت ـك ــون بـمـسـتــوى ت ـع ـ ّلــم ال ـل ـغــات األجـنـبـيــة
فضل عن تقييم دور اللغة في المجتمع العربيةً ، داخل مؤسساتنا التعليمية.
العدد 4 / 14
خريف 2015 148
( )10المصدر نفسه ،ص .245 ومؤسسات الدولة؛ فالعربية ال تكون معجزة ّإل
( )11انـظــر :عبد الرحمن أحمد البوريني ،اللغة العربية أصل رقيها الـحـضــاري ،وتخلصت من
الـلـغــات كلها (ع ـمــان ،األردن :دار الـحـســن للنشر والـتــوزيــع،
إذا عـ ّـبــرت عــن ّ
انحسارها األيديولوجيّ .أما العجز ،فلم ّ
يعبر عن
،)1998ص .9 – 7
( )12ان ـظــر :نيقوال دوبــرشــان« ،اللغة العربية خــارج حدودها البنية الداخلية للغة العربية ،بل عن ردود أفعال
(جــام ـعــة بــوخــارســت روم ــان ـي ــا) »،ف ــي :أح ـمــد شـفـيــق الخطيب وحمل ْتها مسؤولية هزائم
َّ سلبية اتهمت الـلـغــة،
[وآخ ــرون] ،اللغة العربية وتحديات القرن الحادي والعشرين: الــدعــوات الثورية والسياسات العربية الخاطئة.
بـحــوث ال ـنــدوة العلمية الـتــي نظمتها المنظمة الـعــربـيــة للتربية
إلــى جانب ذلــك ،نــؤكّ ــد أن اللغة العربية ليست
والـثـقــافــة وال ـع ـلــوم بــدولــة الـبـحــريــن فــي الـفـتــرة مــن 11إل ــى 14
وتنوع
لغة قومية ضيقة بل هي لغة ثقافة وحضارة ّ
سـبـتـمـبــر ( 1995ت ــون ــس :الـمـنـظـمــة ال ـعــرب ـيــة لـلـتــربـيــة والـثـقــافــة
والعلوم ،)1996 ،ص .100 يشهد لها تاريخها على ذلك.
( )13عبد الله القصيمي ،العرب ظاهرة صوتية (باريس :شركة
مونمارتن للطباعة والنشر ،)1977 ،ص .670 الهوامش
( )14المصدر نفسه ،ص .669 ( )1محمد بن عبد الباقي الزرقاني ،مختصر المقاصد الحسنة
( )15كمال بشر ،اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم (القاهرة: فــي بـيــان كثير مــن األح ــادي ــث المشتهرة عـلــى األلـسـنــة ،تحقيق
دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ،)1999 ،ص .27 محمد بــن لطفي الصباغ ،ط ( 4بـيــروت :المكتب اإلســامــي،
( )16نــديــم البيطار ،حــدود الهوية القومية :نقد عــام (بيروت: ،)1989الحديث رقم ( .)29وقد ورد في هامشه خالصة سند
دار الوحدة للطباعة والنشر ،)1982 ،ص .12 (حسن
ٌ ضعفه األلـبــانــي وع ـ ّـده المص ّنف الحديث وقــوتــه ،فقد ّ
لغيره).
( )17مـ ـحـ ـم ــود درويـ ـ ــش ،ل ـم ــاذا تــركــت ال ـح ـصــان وحـ ـي ــدً ا ،ط
( )2انـ ـظ ــر :عــدنــان الـخـطـيــب ،الـمـعـجــم الـعــربــي بـيــن الـمــاضــي
( 2ب ـي ــروت :ري ــاض الــريــس ،)1995 ،قـصـيــدة قــافـيــة مــن أجــل
وال ـح ــاض ــر ،ط ( 2بـ ـي ــروت :مـكـتـبــة ل ـب ـنــان ن ــاش ــرون،)1994 ،
المعلقات ،ص .118 – 115
ص 84وما بعدها.
( )18مـحـمــود دروي ــش ،ال تعتذر عما فعلت ،ط ( 2بيروت: ( )3وهو ترتيب فينيقي قديم يتكون من 22حر ًفا ،وقد أضاف
رياض الريس ،)2004 ،ص 159وما بعدها. إليه العرب ستة حروف هي «ثخذ ضظغ».
( )19أمــارت ـيــا صــن ،الـهــويــة والـعـنــف :وهــم المصير الحتمي، ( )4انظر :معجم العلوم االجتماعية ،إعداد نخبة من األساتذة
ترجمة سحر توفيق ،عالم المعرفة؛ ( 352الكويت :المجـلس المصريين وال ـعــرب المتخصصين؛ تصدير ومــراجـعــة ابراهيم
الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،)2008 ،ص .12 – 11 مدكور (القاهرة :الهيئة المصرية العامة للكتاب ،)1975 ،مادة
( )20انظر :هادي العلوي ،المعجم العربي الجديد :المقدمة (قومية).
( )5جـ ــوزيـ ــف سـتــالـيــن« ،حـ ــول الـمــاركـسـيــة ف ــي عـلــم الـلـغــة»،
(ال ــاذق ـي ــة ،س ــوري ــة :دار ال ـح ــوار لـلـنـشــر وال ـت ــوزي ــع،)1983 ،
نقل عن الموقع (لقاء منشور في مجلة البرافدا عــام ً ،)1950
ص .20
اإللكتروني<http://www.ahewar.org>. :
( )21المصدر نفسه ،ص .7 ( )6انظر :ياسر الخلفي« ،محمد األوراغــي :اللغة األمازيغية
( )22دوبرشان ،ص .101 لـغــة افـتــراضـيــة وال وج ــود لـهــا فــي ال ـتــاريــخ( »،نـشــر فــي السند،
( )23في سويسرا أربع لغات رسمية هي :األلمانية والفرنسية ،)2011/4/7نـقـ ًـا عــن الموقع اإللـكـتــرونــي<http://www. :
واإليطالية والرومانشية (التينية قديمة). maghress.com/essanad/9056>.
( )24دوبرشان ،ص .101 ونرى اليوم أكــراد العراق يتبعون الخطوات نفسها في استبدال
( )25م ـح ـمــد الـعــربــي ول ــد خـلـيـفــة ،الـمـســألــة الـثـقــافـيــة وقـضــايــا تضخم الشعور القومي ّ الحرف العربي بالحرف الالتيني بسبب
لديهم.
اللسان والـهــويــة :دراس ــة فــي مـيــار األفـكــار فــي عالقتها باللسان
( )7عـبــد الله الـعــروي ،مــن دي ــوان السياسة (الـمـغــرب :المركز
والـهــويــة ومتطلبات الـحــداثــة والخصوصية والعولمة والعالمية
الثقافي العربي ،)]2009[ ،ص .48
(الجزائر :منشورات ثالة ،)2007 ،ص .92 – 91 ( )8معجم العلوم االجتماعية ،مادة (قومية).
( )26ح ـ ـ ـ ـ ــوار ع ـب ــد ال ـل ــه ال ـ ـعـ ــروي ،أجـ ـ ــرى ال ـ ـحـ ــوار ال ـم ـخ ـتــار ( )9ف ــردي ـن ــان دي س ــوس ــور ،عـلــم الـلـغــة ال ـع ــام ،تــرجـمــة يوئيل
الغزيوي وجمال زايد (الجزء الثاني) ،في :األحداث المغربية، يوسف عــزيــز؛ مراجعة النص العربي مالك يوسف المطلبي،
.2013/11/21 (بغداد :دار آفاق عربية للصحافة والنشر ،)1985 ،ص .244