Professional Documents
Culture Documents
التنظيم القضائي بين العدالة المؤسساتية والعدالة المكملة
التنظيم القضائي بين العدالة المؤسساتية والعدالة المكملة
التنظيم القضائي بين العدالة المؤسساتية والعدالة المكملة
التنظيم القضائي
بني العدالة املؤسساتية والعدالة املكملة أو البديلة
2020
1
عبد الرمحان الرشقاوي التنظيم القضائي بني العدالة املؤسساتية والعدالة املكملة أو البديلة
مقدمة
.1إن االعرتاف باحلقوق وحدها ال يكفي للحديث عن دولة احلق والقانون؛ بل ال بد من
حتديد الوسائل التي متكن من الوصول هلاته احلقوق .ومن أجل بلوغ هذه الغاية ،فإن اإلنسان كان
1
يف البداية حيتكم إىل قوته الذاتية من أجل أخذ حقه بنفسه؛ وهو ما كان يسمى بعهد العدالة اخلاصة،
التي من خالهلا حيقق الشخص محاية ذاتية مع مؤازرة أهله وعشريته ،بحكم التضامن القائم بينهم
وأيضا بالنظر لرتابط املصالح وتبادهلا .
2
.2ثم تطور األمر ،فأصبح شيخ القبيلة حيكم بني أفرادها طبقا ألعرافها وتقاليدها ،كام هو
الشأن بالنسبة للوضع الذي كان سائدا يف احلقبة السابقة عن اإلسالم ؛ حيث كان العرب يعهدون
3
بالقضاء إىل شيخ القبيلة ،الذي كان يفصل يف املنازعات بناء عىل األعراف السائدة ،والتي كان
مصدرها إما من جتارهبم أو معتقداهتم ،وأيضا مما اقتبسوه من الشعوب املجاورة هلم كالروم
والفرس ،أو أولئك الذين احتكوا هبم كاملسيحيني أو اليهود .كام كان العرب يلجؤون إىل الكهان أو
إىل العرافني ،وعموما إىل من عرف بجودة الرأي وأصالة احلكم من أهل الرشف والصدق.
.3إال أنه بمجرد أن أصبحت الدولة قوية ،قامت باحتكار العدالة؛ ومن ثم أصبحت هي التي
تقوم بتعيني القضاة من أجل إصدار األحكام باسمها ،كام حددت رشوط تسميتهم وترقيتهم
1لعل هذا هو املربر الذي دفع عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه إىل التأكيد ،يف رسالته التي بعث هبا إىل أيب موسى األشعري بمناسبة توليته القضاء،
عىل أنه ال ينفع تكلم بحق ال نفاذ له.
أيب احلسن بن حممد بن حبيب البرصي املاوردي :األحكام السلطانية والواليات الدينية؛ طبعة دار الكتاب ،بريوت1978/؛ ص.71:
وجدي راغب :النظرية العامة للتنفيذ القضائي يف قانون املرافعات املدنية والتجارية؛ دار الفكر العريب؛ ص.7: 2
حممد السامحي :نظام التنفيذ املعجل لألحكام املدنية يف القانون املغريب ،دراسة مقارنة؛ أطروحة لنيل دكتوراه يف القانون اخلاص /جامعة حممد
اخلامس الرباط؛ مؤسسة غبور للطباعة -دمشق ،الطبعة الثانية 1996؛ ص.13:
3أما بعد اإلسالم ،فإن الناس يف البداية كانوا حيتكمون إىل الرسول عليه أفضل الصالة والسالم متى تراضوا فيام بينهم عىل حتكيمه؛ ثم بعد ذلك
أصبح كل فرد يف الدولة اإلسالمية ملزم بتحكيم الرسول يف مجيع األمور ،تطبيقا لآلية الكريمة التي قال فيها احلق سبحانه وتعاىل) :فال وربك ال
يؤمنون حتى حيكموك فيام شجر بينهم ثم ال جيدوا يف أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليام( .اآلية 63من سورة النساء.
مما يعني ،أن الرسول عليه الصالة والسالم مجع بني السلطات الثالث؛ واملتمثلة يف الترشيع والتنفيذ والقضاء .غري أن ممارسته للوظيفة الترشيعية،
كام أكد عىل ذلك الفقه ،ختتلف ،من حيث العموم واخلصوص ،عن ممارسته لوظيفتي التنفيذ والقضاء؛ فاألوىل كان يؤدهيا بصفته مكلفا بأدائها
عىل وجه اخلصوص ،وكانت وسيلتها الوحي الساموي ،وما يبينه رسول اهلل من ذلك ،وقد انتهت هذه الوظيفة بوفاته عليه السالم.
أما أداؤه عليه أفضل الصالة والسالم لوظيفتي القضاء والتنفيذ فكان تكليفه هبام عىل سبيل العموم ،ولذلك ورثتهام عنه األمة اإلسالمية مرياثا
كامال ،فقد مارس اخللفاء الر اشدين من بعده وظيفتي القضاء والتنفيذ ،وسيظل املسلمون يامرسوهنام إىل أن يرث اهلل األرض ومن عليها كعمل
تقتضيه مصلحة اجلامعة.
سعود بن سعد آل دريب :التنظيم القضائي يف اململكة العربية السعودية يف ضوء الرشيعة اإلسالمية ونظام السلطة القضائية؛ رسالة يف السياسة
الرشعية؛ جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية/وزارة التعليم العايل؛ نرش اإلدارة العامة للثقافة والنرش 1999؛ ص.119:
2
عبد الرمحان الرشقاوي التنظيم القضائي بني العدالة املؤسساتية والعدالة املكملة أو البديلة
وضامنات استقالهلم ،وحددت أيضا جمال اختصاص هؤالء ،وهذا ما يعرف بالتنظيم القضائي .كام
قامت الدولة بتنظيم طرق اللجوء إىل العدالة عن طريق قواعد آمرة تشكل لوحدها فرعا خاصا
للقانون ،يطلق عليه قانون املسطرة املدنية .وكال الفرعني يكونان ما يسمى بالقانون القضائي
اخلاص.
أي أن الصورة النهائية التي صاغها املجتمع اإلنساين لصيانة حقوق األفراد ،تتمثل يف احلامية
ا لقضائية ،التي تفرتض وجود جهاز قضائي ،ونشاط تتولد عنه احلامية القانونية .بمعنى أن الدولة
هي التي أصبحت تتوىل احلامية القانونية حلقوق األفراد واجلامعات ،معتربة إياها إحدى مظاهر
سيادهتا ،ونشاطا أساسيا إلحدى السلط الثالث التابعة هلا .
4
.4غري أنه قبل االنتقال إىل العدالة العامة؛ أو ما يسمى بالعدالة املؤسساتية ،كان الناس
يلجؤون إىل التحكيم ؛ حيث كانوا يف البداية حيتكمون للتحكيم اختياريا إليامهنم بأن القوة واالنتقام 5
طريق غري فعال يف فض املنازعات .ثم يف مرحلة الحقة ،أصبح االلتجاء للتحكيم إجباريا ،بعدما
6
حرمت الدولة العدالة اخلاصة؛ ومن ثم أصبحت تفرض عليهم اختيار حماكم حلل املنازاعات
القائمة بينهم.
وبالنظر لفوائد التحكيم اجلمة ،فقد ظهر منذ عهد قديم يعود إىل البابليني وإىل اإلمرباطوريتني
الرومانية واليونانية ،كام ذهب لذلك الفقيه املرصي أبو زيد رضوان ،الذي ردد مقولة أرسطو "إن
7
أطراف النزاع يستطيعون تفضيل التحكيم عن القضاء ،ذلك ألن املحكم يرى 'العدالة' بينام ال يعتد
القايض إال بالترشيع"؛ بل إن البعض اآلخر وصفه بأنه أصل القضاء نفسه.
8
.5وإذا كان اجلميع متفق عىل كون العدالة أصبحت إحدى الوظائف األساسية التي تقوم هبا
الدولة ،بل إن القضاء أصبح بمثابة السلطة الثالثة التي تقوم عليها خمتلف األنظمة الديموقراطية
احلديثة إضافة إىل السلطتني الترشيعية والتنفيذية ،فإن ما تنبغي اإلشارة إليه أيضا ،هو أن التحكيم،
3
عبد الرمحان الرشقاوي التنظيم القضائي بني العدالة املؤسساتية والعدالة املكملة أو البديلة
إىل جانب الوسائل الودية األخرى ،أصبح له اليوم دور أسايس السيام يف جمال األعامل ؛ فقد أصبح
9
بمثابة وسيلة مكملة للعدالة وليست جمرد وسيلة بديلة كام يذهب البعض لذلك .وما زاد من هذه
10
األمهية ،هو تزايد السلبيات والعراقيل التي تواجه القضاء ،واملتمثلة أساسا يف الرتاكم املهول الذي
أصبحت تعرفه املحاكم من حيث عدد القضايا املعروضة عليها ،إىل جانب التعقيد الذي تعرفه
مسطرة التبليغ والتنفيذ وافتقارها إىل الرس عة والفعالية ،مع ما يرتتب عن ذلك من بطء يف الفصل يف
النزاعات.
.6يف ختام هذا التقديم املقتضب ،أود أن أشري إىل أنه بالنظر ألمهية التحكيم إىل جانب باقي
الوسائل املكملة للعدالة املؤسساتية ،فإننا ارتأينا أن نخصص هلا فصال خاصا ،السيام بعدما تم
تنظيمه يف قانون املسطرة املدنية ،ثم وضع مسودة مرشوع قانون حديثا ،خاصة بالتحكيم والوساطة
االتفاقية؛ وذلك إىل جانب املحاور األساسية التي تشكل املكونات البنيوية األساسية ملادة التنظيم
القضائي كام تتداوهلا معظم الدراسات األكاديمية ،والتي تتمثل باخلصوص يف مبادئ التنظيم
القضائي وخمتلف أنواع املحاكم واختصاصاهتا إضافة إىل أشخاص القضاء بوجه عام.
.7عموما ،فإننا سنتن اول هذه الدراسة من خالل التمهيد هلا بأهم املبادئ العامة واألساسية
للتنظيم القضائي (الفصل األول) ،ثم نتطرق بعد ذلك لتنظيم املحاكم وأهم اختصاصاهتا (الفصل
الثاين) ،قبل أن ننتقل إىل احلديث عن أهم أشخاص املحاكم يف التنظيم القضائي (الفصل الثالث)،
ويف األخري نتنا ول بالدرس والتحليل الوسائل البديلة أو املكملة للمحاكم أو للعدالة املؤسساتية
(الفصل الرابع).
9مل تقترص احللول البديلة عىل جمال األعامل ،بل تعدته إىل خمتلف املجاالت ،فالوساطة األرسية مثال كتقنية يف إدارة احلوار برزت أساسا يف
الواليات املتحدة األمريكية ومنها انتقلت إىل فرنسا يف هناية الثامنينات من القرن املايض وإىل كندا.
وبحسب أحد الباحثني املغاربة ،فإن الوساطة يف النموذج األمريكي إما أن تكون؛ وساطة قضائية ،حيث تتطلب وجود نزاع مطروح أمام
القضاء ،هذا األخري هو الذي حييل األطراف عىل وسيط معني من ضمن قائمة الوسطاء املعتمدين لدى املحاكم ،والذين غالبا ما يعملون يف
القطاع اخلاص وهم إما حمامون قدماء يتفرغون للوساطة ،أو قضاة متقاعدون أو خرباء يف ميادينهم .أما النوع الثاين ،فهو الوساطة االتفاقية ،التي
يتفق عليها الطرفان من غري أن يكون هناك أي نزاع أمام املحكمة ،وفيها يتوجهان مبارشة إىل الوسيط املتفق عليه بعيدا عن املحكمة.
زهور احلر :الصلح والوساطة األرسية يف القانون املغريب والقانون املقارن؛ الندوة اجلهوية احلادية عرش املنظمة من قبل حمكمة النقض بقرص
املؤمترات بالعيون يومي 01و 02نونرب 2007حتت عنوان الصلح والتحكيم والوسائل البديلة حلل النزاعات من خالل اجتهادات املجلس
األعىل؛ مطبعة األمنية2007/؛ ص.127:
10 ECHARKAOUI Abderrahman: L’accès du consommateur au droit et à la justice en droit marocain et en droit
européen ; op.cit; P:220.
4
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
5
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
الفصل األول
املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
6
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
7
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
.8قلنا املبادئ األساسية للتنظيم القضائي ،ومل نردفه باملغريب ،عىل اعتبار أن هذه املبادئ تكاد
تكون شاملة ملجموع الدول احلديثة ،بالرغم من االختالف احلاصل بينها عىل مستوى التنظيم .غري
11
أنه قبل تناول أهم هذه املبادئ ،فإننا ارتأينا الوقوف عىل إشكالية يف غاية األمهية؛ وهي املتعلقة
بوحدة القضاء بالنظر للنقاش الذي ال زالت تثريه .ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن املرشع
املغريب تراجع عن هذا املبدأ ،وذلك منذ إحداثه جلهات قضائية أخرى إىل جانب القضاء العادي؛ 12
وتتمثل هذه اجلهات يف كل من القضاء اإلداري (املحاكم اإلدارية وحماكم االستئناف اإلدارية)
والقضاء التجاري (املحاكم االبتدائية وحماكم االستئناف التجارية).
يف مقابل هذا الرأي ،نجد غالبية الفقه املغريب ،يؤكد بأن التنظيم القضائي املغريب ال زال ملتزما
بمبدأ وحدة القضاء؛ وحجة مجهور الفقه ،هو أنه بالرغم من إحداث املحاكم اإلدارية والتجارية،
فإن القضاء ال زال واحدا ما دام أن حمكمة النقض ،هي اهليأة الوحيدة التي تنظر يف مجيع األحكام
13
االنتهائية الصادرة عن خمتلف حماكم اململكة سواء كانت مدنية أو إدارية أو جتارية ؛ بينام يتطلب
14
احلديث عن ازدواجية القضاء أو تعدد اجلهات القضائية بدولة معينة تواجد أو قيام حماكم نقض
موازية هلذه اجلهات اجلديدة ،كام هو الشأن بالنسبة ملجلس الدولة الفرنيس الذي ينظر يف نقض
األحكام والقرارات الصادرة يف املادة اإلدارية ؛ وهذا ما يعرف باالختصاص الوظيفي.
15
8
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
.9من وجهة نظرنا الشخصية ،يمكن القول أن املغرب كان يسري يف اجتاه اعتامد ازدواجية
القضاء ،السيام بعد إحداثه ملحاكم االستئناف اإلدارية بمقتىض القانون رقم 80.03؛ كل ما هنالك
أنه بقيت خطوة إضافية أخرى ينبغي عليه استكامهلا ،وهي املتمثلة يف رضورة إحداثه ملجلس الدولة
عىل غرار حمكمة النقض ؛ وبالتايل نكون متفقني مع الرأي الذي سار عليه بعض فقهاء القانون
اإلداري يف املغرب ،حيث كتب أحدهم 'وبالنظر هلذا التطور النوعي ،فقد وضعت لبنة أخرى نحو
إقامة نظام ازدواجية القضاء يف بالدنا ،مما يؤكد أن مبدأ االزدواجية أضحى اختيارا هنائيا أساسيا ال
رجعة فيه ،ي تحقق تدرجييا عىل أرض الواقع بخطى متأنية وثابتة ،وإن استكامل البناء املؤسسايت
لقضاء إداري سيتم ال حمالة يف املستقبل القريب مع إحداث جملس الدولة إىل جانب املجلس
األعىل' .
16
.10غري أن مراجعة مرشوع القانون رقم 38.15املتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة ،تؤكد
لنا بأن توجه املرشع املغريب ،سار نحو املحافظة عىل وحدة القضاء ،كام يتضح لنا من خالل املادة
األوىل من هذا القانون األخري ،التي حددت معامل التنظيم القضائي للمملكة ،وأيضا من خالل املادة
اخلامسة التي نصت عىل هذا املبدأ بشكل رصيح يف فقرهتا األوىل ،والتي جاء فيها ما ييل' :يرتكز
التنظيم القضائي عىل مبدإ وحدة القضاء ،وتعترب حمكمة النقض أعىل هيئة قضائية باململكة'.
ثم أكدت الفقرة الثانية من هذه املادة عىل أن هذا املبدأ يعترب أحد أهم توجهات التنظيم
القضائي املغريب بشكل غري مبارش ،وإن كانت الفقرتني الثالثة والرابعة لطفت من حدته ،من خالل
اعتبار القضاء املتخصص هو اآلخر من أسس التنظيم القضائي املغريب.
وهذا ما يتأكد لنا من خالل قراءة هذه الفقرات' :تشكل املحكمة االبتدائية الوحدة الرئيسية
يف التنظيم القضائي ،وهي صاحبة الوالية العامة يف كل القضايا التي مل يسند االختصاص بشأهنا
رصاحة إىل جهة قضائية أخرى.
يرتكز التنظيم القضائي أيضا مبدأ القضاء املتخصص ،السيام بالنسبة للمحاكم واألقسام
املتخصصة.
تطبيقها للقانون .ورغم إنشاء املحاكم اإلدارية كمحاكم أول درجة ،وحماكم االستئناف اإلدارية كمحاكم ثاين درجة يف املادة اإلدارية ،فإن غياب
جملس دولة يبت يف القضايا اإلدارية وحدها عىل غرار جملس الدولة الفرنيس ،جيعل القول بأخذ املغرب بازدواجية القضاء حمل نظر".
عبد الكريم الطالب :التنظيم القضائي املغريب؛ املطبعة والوراقة الوطنية الداوديات مراكش ،الطبعة الرابعة مزيدة وحمينة وفق آخر التعديالت/
مارس 2012؛ ص.38:
عبد الكريم الطالب :الرشح العميل لقانون املسطرة املدنية؛ مطبوعات املعرفة ،طبعة مزيدة وحمينة وفق آخر التعديالت2009/؛ ص.18:
16أمال املرشيف :إحداث حماكم االستئناف اإلدارية :نحو ازدواجية القضاء والقانون؛ مداخلة بمناسبة اليوم الدرايس املنظم من طرف املجلة
املغربية لإلدارة املحلية والتنمية واملدرسة الوطنية لإلدارة بتعاون مع املؤسسة األملانية هانس سايدل يف موضوع تطور القضاء اإلداري باملغرب
عىل ضوء إحداث حماكم االستئناف اإلدارية؛ منشورات املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،العدد 2007/55؛ ص.32:
9
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
املبحث األول :مبادئ التنظيم القضائي اهلادفة إىل تعزيز ضامنات املتقايض
.11سنتناول هذه املبادئ تباعا بحسب األمهية واملسامهة التي يمكن أن تقوم هبا عىل مستوى
تعزيز الضامنات املتاحة للمتقايض .وسنتقترص عىل أهم هذه املبادئ ،السيام تلك التي تتمثل يف حق
الولوجية إىل القضاء (املطلب األول) ،وأيضا مبدأ جمانية القضاء (املطلب الثاين) ،ثم مبدأ التقايض عىل
درجتني (املطلب الثالث) ،ومبدأ القضاء اجلامعي والقضاء الفردي (املطلب الرابع) ،زد عىل ذلك مبدأ
علنية اجللسات (املطلب اخلامس) ،والقضاء بني شفوية اجللسات ومبدأ الكتابة (املطلب السادس).
.14غري أن الولوجية إىل العدالة يصطدم بالعديد من الصعوبات والعراقيل التي تتمثل يف
ارتفاع كلفة مراجعة القضاء ،وتعقد املساطر القضائية ،وطول املسطرة أمام املحاكم ،وضعف
18
فعالية عدالة القرب ،إضافة إىل ضعف وسائل الدفاع املقررة للجمعيات .
19
17 ECHARKAOUI Abderrahman: L’accès du consommateur au droit et à la justice en droit marocain et en droit
européen ; op.cit ; P : 32.
18 ANCEL P. et COTTIN M. : Le coût de la durée du procès pour les parties : Les intérêts de retard dans le procès
civil. R.I.D.E, N°2, 1999, P:239 .
10
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
.15ومن ثم ،فإنه من أجل تفعيل هذا احلق ،ينبغي القيام بالعديد من اخلطوات من قبل
الدولة ،تتمثل باألساس يف ترسيع البت يف القضايا املعروضة عىل املحاكم أو استصدار األحكام يف
مدة معقولة كام نصت عىل ذلك املادة السادسة من االتفاقية األوروبية حلقوق اإلنسان (الفقرة
20
األ وىل) ،وأيضا يف تبسيط اللغة القانونية املستعملة يف املجال القضائي (الفقرة الثانية).
املطلب الثاين :مبدأ جمانية القضاء
.33إن مبدأ جمانية القضاء ،ال يعني أن املتقايض ال يؤدي أي مقابل أو ال يتحمل أي أعباء
مادية يف حالة اللجوء للقضاء من أجل املطالبة بحقه ،وإنام عىل العكس من ذلك يتحمل العديد من
املصاريف واألتعاب ،منها ما هو مبارش ومنها ما هو غري مبارش؛ مما جعل املرشع املغريب عىل غرار
الترشيعات األجنبية يقر نظام املساعدة القضائية هبدف حتقيق نوع من املساواة بني املتقاضني ؛ وإن
21
كان الواقع يؤكد عىل حمدودية هذا املبدأ كام سنرى (الفقرة الثانية)؛ غري أنه قبل ذلك ينبغي حتديد
مفهوم جمانية القضاء (الفقرة األوىل).
الفقرة األوىل :مفهوم جمانية القضاء
.34يقصد بمجانية القضاء ،أن القايض حينام يصدر حكام معينا ،فإن ذلك يتم جمانا؛ أي أنه ال
يتقاىض أي مقابل عن ذلك من املتقاضني ،بل إن الدولة هي التي تتوىل تسديد مرتب شهري
للقايض عن املهام القضائية التي يقوم هبا .ولعل هذا املبدأ هيدف إىل متكني كل شخص من احلق يف
22
الولوج إىل العدالة أيا كانت جنسيته ،سنه ،جنسه ،ثقافته ،أو مكان حياته ،كام أكد عىل ذلك اإلعالن
العاملي حلقوق اإلنسان لسنة .1948
23
Goyens et Vos : Les litiges de consommation transfrontières dans la communauté européenne. RED
consommation, 1991, 207 .
Normand et Balate : Relations transfrontières et consommation : Quel juge et quelle loi ? INC
Hebdo. N°633, P:93.
19 S. BESSIS : Les associations d’aide aux tiers monde à la croisée des chemins, Dossier, in problèmes politiques
et sociaux, N°615, septembre 1989, P:6.
20 ECHARKAOUI Abderrahman : L’accès du consommateur au droit et à la justice en droit marocain et en droit
européen ; op.cit ; P : 189.
21 Myriam DORIAT-DUBAN : Analyse économique de l’accès à la justice : Les effets de l’aide juridictionnelle.
Revue Internationale de droit économique, 1995. P:77.
André RIALS : L’accès à la justice, Que sais-je ? Presse universitaire de France, 1993, P : 24.
M. KRAMER : La communauté européenne et la protection des consommateurs. Centre international d’études et
de recherches européennes. COURS 1983, p:286.
Léon COFFIN : L’accès à la justice dans l’union Européenne, actes de la journée d’études organisée par les cahiers
de droit européen. Cah. De droit européen, 1995, P:529.
22 Abdellah BOUDAHRAIN : Droit judiciaire privé au Maroc, Société d’édition et de diffusion AL MADARISS,
Casablanca, 2003, P : 223.
23 ECHARKAOUI Abderrahman : L’accès du consommateur au droit et à la justice en droit marocain et en droit
européen ; op.cit ; P : 138.
11
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
وإذا كان يظهر بأن القانون املغريب قد أكد عىل هذه القاعدة يف الفصل 121من دستور اململكة
املغربية وأيضا يف املادة السادسة من مرشوع القانون رقم 38.15املتعلق بالتنظيم القضائي ،فإن قراءة
متأنية ملقتضيات هاتني املادتني ،تربز لنا اللبس الذي وقع فيه املرشع املغريب؛ حيث اختلط عليه مبدأ
املجانية واملصاريف التي تثقل كاهل املتقاضني حينام يلجون إىل العدالة ،حينام استعمل الفصل األول
عبارات ' يكون التقايض جمانيا يف احلاالت املنصوص عليها قانونا ملن ال يتوفر عىل موارد مالية
كافية'؛ واحلال أن التقايض يكون دائام جمانيا ،بمفهوم املجانية املتعارف عليه يف إطار مبادئ التنظيم
القضائي ،يف حني أن الفصل املذكور ،ربط املجانية بمن ال يتوفر عىل موارد مالية كافية؛ وكأنه يتكلم
عن املساعدة القضائية.
وما يؤكد لنا هذا االستنتاج األخري ،هو مقتضيات املادة السادسة من مرشوع قانون التنظيم
القضائي ،التي أحالت عىل أحكام الفصل 121أعاله ،معيدة نفس عباراته ،ثم تأيت يف الفقرة الثانية
لتنص عىل املساعدة القضائية واملساعدة القانونية.
حيث نصت هذه املادة عىل ما ييل' :طبقا ألحكام الفصل 121من الدستور ،يكون التقايض
جمانيا يف احلاالت املنصوص عليها قانونا ملن ال يتوفر عىل موارد كافية للتقايض.
تتم االستفادة من املساعدة القضائية واملساعدة القانونية طبقا للرشوط التي حيددها القانون'.
.35واحلق يقال ،إن الفقهاء املسلمون كان هلم السبق يف املجادلة بل ومعارضة فكرة أخذ
القايض أجرا أو مقابال من املتقاضني؛ بل إن هناك من جادل يف مبدأ إعطاء أجر للقايض عن
اخلدمات أو املهام القضائية التي يقوم هبا ولو كان هذا األجر عبارة عن مرتب من طرف الدولة .أما
في ام يتعلق بام يسمى بمصاريف ونفقات الدعوى ،فإنه مل ينقل يف التاريخ اإلسالمي أن الدولة
اإلسالمية كانت تأخذ مثل هذا ،باستثناء ما ذكر أنه يف آخر عقد خلفاء العباس وضعت رسوما عىل
القضاء . 24
.36هذا بخالف الوضع الذي كان سائدا يف أوربا قبل قيام الثورة الفرنسية ؛ حيث مل يتم
25
إلغاء مبدأ إعطاء اجلهات املتقاضية مقابال للقايض ،أو ما كان يعرف بنظام التوابل ،إال بمقتىض
قانون 16غشت 1790الذي أكد عىل مبدأ جمانية عمل القايض ،وأن الدولة هي امللزمة بأداء مرتب
له .وحتى مع اإلقرار بمجانية القضاء يف خمتلف الترشيعات احلديثة ،فإن املامرسة أثبتت حمدودية 26
24سعود بن سعد آل دريب :التنظيم القضائي يف اململكة العربية السعودية يف ضوء الرشيعة اإلسالمية ونظام السلطة القضائية؛ مرجع سابق؛
ص.543 :
25ادريس العلوي العبدالوي :الوسيط يف رشح املسطرة املدنية (القانون القضائي اخلاص) وفق آخر التعديالت؛ اجلزء األول ،أساس القانون
القضائي اخلاص -النظرية العامة للعمل القضائي -املبادئ األساسية للنظام القضائي -النظام القضائي املغريب -االختصاص -التحكيم؛ مطبعة
النجاح اجلديدة /الدار البيضاء؛ الطبعة األوىل 1998؛ ص.275:
26 Th. BOURGOIGNIE : L’accès des consommateurs à la justice dans la communauté européenne : Apports de
droit comparé, Centre de droit de la consommation, Université catholique de Louvain, 1982, P:2.
12
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
هذا املبدأ سواء من خالل املصاريف القضائية التي تثقل كاهل املتقاضني ،أو من خالل قصور مبدأ
املساعدة القضائية السيام يف الترشيع املغريب كام سنرى يف الفقرة املوالية.
الفقرة الثانية :حدود مبدأ املجانية
.37بالرغم من أن اجلميع يتفق عىل كون مبدأ جمانية القضاء من املبادئ األساسية للنظام القضائي
املغريب ،ما دام أن القايض يتقاىض أجره من الدولة ال من املتقايض ،فإن ذلك ال يعني أن املتقايض ال
يؤدي أي مقابل أثناء سلوكه الطريق القضائي ،بل عىل العكس من ذلك ،فهو يتحمل العديد من
املصاريف القضائية التي حتد من مبدأ املجانية كام سنرى ؛ ووعيا من املرشع املغريب بمدى تأثري هذه
27
املصاريف عىل مبدأ جمانية القضاء (أوال) ،فإنه أقر نظام املساعدة القضائية من أجل إقرار نوع من املساواة
بني املتقايض الفقري ونظريه الغني ،غري أن املامرسة أثبتت حمدودية هذا النظام ،لذلك فإن العديد من
الدول األوروبية عملت عىل استبداله بنظام أكثر فاعلية (ثانيا)؛ مع اإلشارة إىل أن هناك العديد من
املصاريف األخرى التي يتحملها املتقايض قد تثنيه عن سلوك الطريق القضائي الستيفاء حقوقه ،أو ما
أطلقنا عليه باملصاريف غري املبارشة (ثالثا).
املطلب الثالث :مبدأ التقايض عىل درجتني
.51يمكن القول إمجاال ،ب أن اهلدف األسايس هلذا املبدأ الذي أخذ به النظام القضائي املغريب،
هو توفري املزيد من الضامنات للمتقايض ،ما دام أن هذا املبدأ خيول للمتقايض إمكانية عرض نزاعه
28
من جديد أمام حمكمة ثانية أعىل درجة من املحكمة األوىل -أي أمام حمكمة االستئناف . -ومن ثم،
29
فهو يضمن حقوق الدفاع للمتقايض بفضل الدراسة اجلديدة التي تتم من قبل حمكمة أعىل درجة .
30
27 ECHARKAOUI Abderrahman: L’accès du consommateur au droit et à la justice en droit marocain et en droit
européen; op.cit ; P:7 .
28بحسب أحد فقهاء القضاء املغريب ،فإن االستئناف جيسد مفهوم التقايض عىل درجتني ،ويتحقق بإعادة نرش اخلصومة القضائية عىل حمكمة موضوع
أعىل درجة من التي أصدرت احلكم املستأنف ،وذلك من خالل الطعن يف هذا احلكم -باالستئناف -بقصد إلغائه ،ثم احلكم وفق ما يلتمسه الطاعن.
نور الدين لربيس :نظرات يف قانون املسطرة املدنية؛ مطبعة األمنية /الرباط2012 -؛ ص 147:وص.177:
29يف مقابل هذا االمتياز الذي يمنحه مبدأ التقايض عىل درجتني ،فإن هناك العديد من االنتقاذات التي وجهت هلذا املبدأ ،والتي تتمثل
باألساس يف:
أنه يؤدي إىل تعطيل العدالة ،مما قد يرتتب عنه فقدان الثقة يف القضاء بوجه عام؛ -
أن هذا املبدأ بام فيه من عرض النزاع عىل حمكمة أخرى مكونة من عدد مهم من القضاة واملوظفني ،يؤدي إىل تضخيم نفقات الدولة -
من جهة أوىل ،ومن جهة ثانية يؤدي إىل الزيادة يف تكلفة التقايض بالنسبة للمتقايض نفسه ما دام أنه سيؤدي إىل املزيد من املصاريف بمناسبة
عرضه النزاع أمام حمكمة أخرى؛
-بل إن هذا الرأي ،يرى أن حجة الفريق املتحمس ملبدأ التقايض عىل درجتني واملتمثلة يف كون عرض النزاع عىل أكثر من حمكمة يشكل ضامنة إضافية
للمتقايض ،يرى هذا الفريق أن هذه احلجة م ردودة عىل أصحاهبا ،عىل اعتبار أهنا لو كانت حجة دامغة لتعددت درجات التقايض إىل ما ال هناية.
30 BOUDAHRAIN Abdellah : Droit judiciaire privé ; op.cit ; P:28 .
13
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
.52واحلق يقال ،إن هذا املبدأ يتيح للمتقاضني إمكانية رفع نزاعاهتم وعرضها يف جمموعها
بوقائعها ،واعتامد خمتلف األسس القانونية أمام درجة أوىل من املحاكم (حماكم الدرجة األوىل أو املحاكم
االبتدائية) ،ثم عىل حمكمة الدرجة الثانية بعد حصول البت من قبل األوىل .لذلك ،فهو خيتلف عن
31
التعرض الذي تنظر فيه نفس املحكمة التي أصدرت احلكم األول وليس من قبل حمكمة أعىل درجة؛ كام
أنه خيتلف عن النقض الذي هو طعن يعرض عىل حمكمة أعىل ،غري أهنا حمكمة قانون وليس حمكمة
موضوع .
32
.65قبل أ ن نتطرق للمبدأ املعتمد يف النظام القضائي املغريب ،والذي يتمثل يف تبنيه لنظام
القضاء الفردي كقاعدة عامة بالنسبة للمحاكم االبتدائية (الفقرة الثانية) ،فإننا ارتأينا أن نتناول يف
البداية خمتلف النتائج املرتتبة عن اعتامد أحد األنظمة املعروفة عامليا ،ونقصد بذلك نظام القضاء
اجلامعي ونظام القضاء الفردي ،عىل اعتبار أن لكل منهام إجيابيات وسلبيات (الفقرة األوىل).
.66جيمع الفقه القضائي ،عىل أنه سواء تعلق األمر بالقضاء اجلامعي أو القضاء الفردي ،فإن
لكل واحد منهام إجيابياته وسلبياته وإن اختلفت درجة كل واحد منهام .فبخصوص النظام األول،
33
فإن املدافعني عنه يرون أنه حيقق العدالة بالنظر لعدد القضاة الذين يشاركون يف إصدار احلكم؛
إضافة إىل ذلك ،فإن القضاة يستفيدون من جتربة بعضهم البعض ،كام أهنم يبتعدون هبذا النظام عن
14
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
االنتقادات التي يمكن أن توجه إليهم مادام احلكم الذي نتج عن املداولة هو حكم مجاعي وليس
فردي.
.67يف مقابل هذا الرأي ،فإن أنصار القضاء الفردي ،يرون أن هذا األخري يوفر للدولة ممثلة يف
وزارة العدل واحلريات كثريا من االعتامدات املالية التي متكنها من حتسني الوضعية املادية للقضاة
املعتمدين ومن تقريب القضاء من املتقاضني؛ زد عىل ذلك ،يرى هؤالء املدافعني عن القضاء
الفردي ،أن هذا النظام خيلق لدى القايض روح املسؤولية واملبادرة ما دام هو األول واألخري الذي
يصدر احلكم أو القرار ،مما يعني أنه سيبدل قصارى جهده من أجل البحث والرتوي قبل إصدار
احلكم ،يف حني أنه يف إطار القضاء اجلامعي يكون القايض املقرر يف امللف ملزم باحرتام أغلبية
األصوات ولو كان ال يؤمن بالتوجه املتخذ.
املطلب اخلامس :مبدأ علنية اجللسات
.81ذهب الفقه إىل أن املقصود هبذا املبدأ هو أن مجيع اإلجراءات التي تقوم هبا املحكمة قبل 34
إصدار احلكم كالتحقيق يف الدعوى مثال جيب أن جترى بصورة علنية .بعبارات أخرى ،أنه يقصد
بعلنية اجللسات أن تتم مناقشة القضية والنطق باحلكم فيها يف جلسة مفتوحة للجميع ،مع إمكانية
إعالم الرأي العام بام راج فيها عن طريق النرش يف الصحف وباقي وسائل اإلعالم األخرى .وبالنظر
ألمهية هذا املبدأ ،فإن العهد الدويل اخلاص باحلقوق املدنية والسياسية نص عليه يف املادة 14منه،
والتي جاء فيها " :الناس مجيعا سواء أمام القضاء ،ومن حق كل فرد عند الفصل يف أية هتمة جزائية
توجه إليه ،أو يف حقوقه والتزاماته يف أية دعوى مدنية ،أن تكون قضيته حمل نظر منصف وعلني من
قبل حمكمة مستقلة حيادية ،منشأة بحكم القانون".
.82وقد أمجع الفقه القضائي ،عىل أن مبدأ علنية اجللسات يعترب من بني ضامنات العدالة،
35
مادام أهنا متكن اجلمهور من مراقبة القضاء ،حيث جتعل القايض متيقضا بشكل كبري يف جملسه ولفظه
ونظره إلظهار املساواة بني اخلصوم ،مما يؤدي إىل جتنب الوقوع يف اخلطأ أو عىل األقل تعمد احليف
وامليل إىل أحد األطراف؛ إضافة إىل أن املناقشة العلنية وما يستتبعها من صدور األحكام عىل مرأى
ومسمع من احلضور تبعث الطمأنينة يف نفوس املتقاضني.
34ادريس العلوي العبدالوي :الوسيط يف رشح املسطرة املدنية (القانون القضائي اخلاص) وفق آخر التعديالت؛ اجلزء األول :أساس القانون
القضائي اخلاص -النظرية العامة للعمل القضائي -املبادئ األساسية للنظام القضائي -النظام القضائي املغريب -االختصاص -التحكيم؛ مرجع
سابق؛ ص.293:
35سعود بن سعد آل دريب :التنظيم القضائي يف اململكة العربية السعودية يف ضوء الرشيعة اإلسالمية ونظام السلطة القضائية؛ مرجع سابق؛
ص.539:
15
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
.83وبالرجوع للقانون املغريب نجده أكد عىل هذا املبدأ يف العديد من النصوص القانونية؛ بل
إن هذا املبدأ تم التنصيص عليه دستوريا بمقتىض الفصل 123من الدستور اجلديد -دستور
،-2011الذي جاء فيه "تكون اجللسات علنية ماعدا يف احلاالت التي يقرر فيها القانون خالف
ذلك".
كام أكد عليه املرشع املغريب بمقتىض قانون املسطرة املدنية بخصوص املحاكم االبتدائية
واالستئنافية ،حيث جاء يف الفصل 43منه عىل أنه "تكون اجللسات علنية ،إال إذا قرر القانون
خالف ذلك .لرئيس اجللسة سلطة حفظ النظام العام ،ويمكنه أن يأمر بأن تكون املناقشة يف جلسة
رسية ،إذا استوجب ذلك النظام العام أو األخالق احلميدة. "...
36
.85وقد أحسن مرشوع القانون رقم 38.15املتعلق بالتنظيم القضائي ،حينام أشار بشكل
واضح هلذا املبدأ ،الذي يطبق أمام مجيع املحاكم ،وذلك بمقتىض الفقرة األوىل من املادة 11منه،
التي جاء فيها بأنه طبقا للفصل 123من الدستور ،تكون اجللسات علنية ،ما عدا يف احلاالت التي
يقرر فيها القانون خالف ذلك.
.86لعل من أهم املبادئ التي كان يقف عندها الفقه بصدد دراسة مبادئ التنظيم القضائي
مبدأ شفوية املرافعات ،الذي يقصد به متكني اخلصوم من رشح نزاعهم بشكل مبارش أمام املحكمة
واستامعها إليهم -أي باحلضور الشخيص -أو إىل وكالئهم والشهود واخلرباء من أجل الوصول
للحقيقة م ن خالل خالصة أقواهلم ومالحظتهم وأيضا باالعتامد عىل الوثائق املعروضة بام يسمح هلا
من تكوين قناعتها .
37
.87غري أن هذا املبدأ أصبح نطاقه ضيقا مقارنة بمبدأ الكتابة ،حيث أصبحت هذه األخرية
38
هي األصل حتى عىل مستوى املحاكم االبتدائية -باستثناء املسطرة أمام أقسام قضاء القرب التي
36أما بخصوص حماكم االستئناف ،فقد جاء يف املادة 339من قانون املسطرة املدنية "تكون اجللسات علنية إال أنه جيوز للمحكمة أن تأمر
بعقدها رسية إذا كانت علنيتها خطرية بالنسبة للنظام العام أو األخالق احلميدة".
37إدريس العلوي العبدالوي :الوسيط يف رشح املسطرة املدنية؛ اجلزء األول ،مرجع سابق ،ص.294:
نور الدين لربيس :نظرات يف قانون املسطرة املدنية؛ مرجع سابق؛ ص.64:
38تتميز املسطرة الكتابية بالدور اجلوهري للقايض املقرر يف عملية حتقيق الدعوى ،ومسامهة كتابة الضبط يف تنفيذ وإنجاز تعليامته .وهي منظمة
وحمددة يف الفصول من 329إىل 336من قانون املسطرة املدنية ،ابتداء من إحالة امللف عليه إىل حني إصداره األمر بالتخيل .وبحسب أحد
املامرسني ،فإن التقيد بتطبيق إجراءات املسطرة الكتابية ،كام هي حمددة قانونا ،يرتتب عنه عمليا وحقيقة أمران اثنان" :أوهلام ،إرهاق كتابة الضبط
16
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
تكون شفوية -كام يتضح لنا من مقتضيات الفصل 45من قانون املسطرة املدنية كام عدل بمقتىض 39
القانون رقم 72.03وأيضا بمقتىض القانون رقم 35.10السالف الذكر ،والذي جاء فيه ما ييل:
"تطبق أمام املحاكم االبتدائية وغرف االستينافات هبا قواعد املسطرة الكتابية املطبقة أمام حماكم
االستئناف وفقا ألحكام الفصول 329و 331و 332و 334و 335و 336و 342و 344اآلتية
بعده ."...بينام أصبحت الشفوية جمرد استثناء حتى عىل مستوى املحاكم االبتدائية ،كام يتضح من
الفقرة الثالثة من نفس الفصل السالف الذكر ،والتي جاء فيها "غري أن املسطرة تكون شفوية يف
القضايا التالية :القضايا التي ختتص املحاكم االبتدائية فيها ابتدائيا وانتهائيا؛ قضايا النفقة والطالق
والتطليق؛ القضايا االجتامعية؛ قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء؛ قضايا احلالة املدنية".
.88كام أن الكتابة هي املقررة أمام حماكم االستئناف وحمكمة النقض وذلك بمقتىض قواعد قانون
املسطرة املدنية (الفصول من 328إىل 344؛ وأيضا الفصول 354و 356و 362إىل )366؛ وأيضا أمام
املحاكم التج ارية االبتدائية واالستئنافية وأيضا أمام املحاكم اإلدارية االبتدائية واالستئنافية.
بإنجاز وتنفيذ هذه اإلجراءات بكل مراحلها املتعددة واملتنوعة ،وتبليغها ،وانتظار األجل املمنوح للخصم لرتتيب أثره .وثانيهام ،أن كل واحد
من اإلجراءات املنجزة يف الدعوى ،يتطلب لتنفيذه وحتقيق أثره مدة زمنية ال تقل عن شهرين أو ثالثة يف أحسن الظروف ،وهو ما يعني –واقعيا-
إطالة املدة بني تقييد الدعوى وبني احلكم فيها .وهذا يرتتب عنه أيضا ازدياد وتراكم القضايا أمام املحكمة ،إذ يكون ما يقع البت فيه منها أقل
عددا من القضايا اجلديدة املسجلة".
نور الدين لربيس :نظرات يف قانون املسطرة املدنية؛ مرجع سابق؛ ص.64:
39نصت املادة السادسة من القانون رقم 42.10املتعلق بقضاء القرب عىل ما ييل" :تكون املسطرة أمام أقسام قضاء القرب شفوية وجمانية،
ومعفاة من الرسوم القضائية".
17
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
املبحث الثاين :مبادئ التنظيم القضائي اهلادفة إىل ترسيخ استقالل ونزاهة القايض
.90من أجل توفري أكرب قدر من الضامنات للمتقاضني ،فإنه ينبغي بداية ترسيخ وتعزيز آليات
استقالل القضاة؛ عىل اعتبار أن استقالل النظام القضائي ال يعترب هدفا يف حد ذاته ،وإنام هو جمرد
وسيلة تؤدي يف حالة احرتامها وتكريسها عمليا إىل إقامة العدل ونرش الثقة لدى املواطنني
40
بطمأنتهم عىل أن القوانني سيتم تطبيقها بمساواة وإنصاف ودون متييز؛ وعىل حد تعبري أحد فقهاء
القضاء املغريب ،فإن املجتمعات املتحرضة اعتربت استقالل القضاء بمثابة صامم األمان ودرعه 41
جلميع مواطنيها حكاما كانوا أو حمكومني واحلارس الطبيعي حلقوق أفرادها وحرياهتا.
.91ويذهب اجلميع ،بأن استقالل القايض يشكل دعامة متينة لقيام املحاكمة العادلة ؛ حيث
42
يعترب القايض بمثابة مأمور إلعادة احلق لصاحبه؛ غري أن ذلك ال يمكن أن يتحقق إال إذا كان حرا يف
قراراته وأيضا مستقال عن أي تأثري .وقد عرب عن هذا املفهوم إعالن القاهرة الذي متت صياغته
خالل املؤمتر الثاين للعدالة العربية ،فرباير ،2003الذي جاء فيه "إن نظام القضاء املستقل يشكل
الدعامة الرئيسية لدعم احلريات املدنية وحقوق اإلنسان وعمليات التطور الشاملة واإلصالحات يف
أنظمة التجارة واالستثامر والتعاون االقتصادي اإلقليمي والدويل وبناء املؤسسات الديمقراطية".
لذلك ،فإن استقالل القضاء أصبح مبدأ عامليا ،كرسته املواثيق الدولية ،ويف مقدمتها مؤمتر
األمم املتحدة السابع ملنع اجلريمة ومعاملة املجرمني الذي انعقد بإيطاليا (بمدينة ميالنو) يف الفرتة
املمتدة من 26غشت 1985إىل 6شتنرب ،1985واملكرسة بقراري اجلمعية العامة ،األول حيمل
رقم 32/40الصادر بتاريخ 29نونرب 1985والثاين حيمل رقم 146/40الصادر بتاريخ 13
دجنرب 1985؛ حيث أصبح لزاما عىل الدول بمقتىض هاذين القرارين كفالة استقالل السلطة
القضائية ،وضامن سري اإلجراءات القضائية من أجل حتقيق العدالة واحرتام حقوق األطراف ،بل إنه
ينبغي عىل الدول أن توفر املوارد الكافية حتى تتمكن السلطة القضائية من أداء مهامها بطريقة
مالئمة ومناسبة ويف الوقت واآلجل املعقول.
40العدل يف اللغة هو ما كان مستقيام يف النفوس وهو ضد اجلور ،وهو اسم من أسامء اهلل تعاىل ،واالسم مأخوذ من عدل يعدل عدال فهو عادل
ومجعه عدول .وتقول العرب بسط الوايل عدله وعدل عليه يف القضية فهو عادل وهو الذي ال يتبع اهلوى ويميل إىل جهة معينة ،فهو احلاكم باحلق
ومنه يأيت أحد أوصاف القضاء عندما نقول :فالن يقيض باحلق ويعدل.
عمر بومحوش :اإلصالح القضائي بني النظرية والتطبيق -اجلزء األول؛ مطبعة دار السالم بالرباط؛ الطبعة األوىل ،2000 /ص.28:
41حممد النجاري :القضاء املستقل القوي قاطرة للتنمية؛ جملة امللحق القضائي ،العدد -44السنة 2011؛ ص.3:
42عبد السالم العامين :القضاء ورهان اإلصالح ،مسامهة يف النقاش حول إصالح القضاء؛ دون ذكر دار الطبع؛ اإليداع القانوين
.2009/0136
18
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
.92إذا كان املرشع املغريب هو اآلخر تعرض للعديد من ضامنات استقالل القضاء ،سواء من
خالل الدساتري السابقة أومن خالل النظام األسايس لرجال القضاء ،فإن الدستور اجلديد لسنة
،2011جاء بالعديد من الضامنات اإلضافية واملهمة ،كام هو الشأن بالنسبة حلرية التعبري وتكوين
اجلمعيات ،أو عن طريق التنصيص دستوريا عىل بعض الضامنات التي كانت مكفولة فقط بمقتىض
النصوص الترشيعية العادية.
.93لعل من املالحظات األساسية أيضا عىل دستور ،2011هو أنه ارتقى هبذا القطاع إىل
درجة التعبري عنه بالسلطة القضائية ،بخالف الوضع بالنسبة للدساتري السابقة التي كانت تكتفي
بالتعبري عنها فقط بالقضاء ،كام هو الشأن بالنسبة لدستور 13شتنرب ،1996الذي خصص له الباب
السابع حتت عنوان 'القضاء'؛ وهو ما أدى بكثري من الباحثني واملختصني إىل القول بأن الدستور
43
املغريب السابق مل يعرتف للقضاء بكونه سلطة عىل غرار ما أقره للسلطتني الترشيعية والتنفيذية ،كام
يتضح لنا من خالل مقتضيات الفصل 82من ذلك الدستور ،الذي جاء فيه ما ييل" :القضاء مستقل
عن السلطة الترشيعية وعن السلطة التنفيذية".
.94وبعد االنتهاء من احلوار الوطني حول إصالح منظومة العدالة ،أصدر املرشع املغريب
قانونني تنظيميني ،األول حيمل رقم 100.13املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية ،يف حني أن
الثاين هو القانون التنظيمي رقم 106.13املتعلق بالنظام األسايس للقضاة.
يف ضوء هاذين القانونني ،وباقي النصوص القانونية األخرى ذات الصلة ،سنحاول الوقوف
عىل أهم املبادئ اهلادفة إىل ترسيخ استقالل القايض ،وذلك من خالل مطلبني ،نتناول يف األول
ضامنات استقالل القضاة وعدم حتيزهم الواجب عىل الدولة توفريها ،بينام نعالج يف املطلب الثاين
املعايري املتطلبة من القضاة أنفسهم لتحقيق استقالل القضاء.
43ذهب أحد املامرسني للقضاء ،عىل أن استقراء مجيع الفصول الستة التي خصصها الدستور املغريب لسنة 1996للجهاز القضائي توضح عىل
أن هناك غياب تام ألي إشارة إىل كون القضاء هو سلطة عىل غرار السلطتني الترشيعية والتنفيذية .مما يعني أن ذلك يعترب بمثابة ثغرة يف البناء
الديمقراطي املوحد عامليا وفق املنظور املتحدث عنه سابقا من خالل مبدأ فصل السلط .ويعكس بالتايل إحدى نقط ضعف اجلهاز القضائي يف
املغرب ،حيث كان لذلك انعكاسات سلبية عىل فعالية اجلهاز ككل الذي أصبح أداة طيعة يف يد السلطة التنفيذية املتدخل املبارش يف كافة شؤون
القضاء والقضاة من خالل مؤسسة وزير العدل التي هلا الوالية العامة واإلرشاف املبارش عىل كل ما له عالقة باجلهاز من خالل جمموعة من
القوانني اخلاصة التي تقوى معها وزير العدل.
عبد السالم العامين :القضاء ورهان اإلصالح ،مسامهة يف النقاش حول إصالح القضاء؛ مرجع سابق؛ ص.68:
19
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
املطلب األول :ضامنات استقالل القضاة وعدم حتيزهم الواجب عىل الدولة توفريها
.95يقتيض منا دراسة هذا املطلب أن نقسمه إىل فقرتني ،نتناول يف األوىل ماهية ضامنات
استقالل القضاة وعدم حتيزهم؛ غري أنه بالنظر للمعوقات التي تقف يف وجه حتقيق هذا املبدأ بالرغم
من املجهود ات التي ال زالت الدولة تقوم هبا ،فإننا سنقف عندها هي األخرى يف فقرة ثانية.
الفقرة األوىل :ماهية ضامنات استقالل القضاة وعدم حتيزهم
.96تنبغي دراسة هذه الفقرة ،تقسيمها إىل شقني ،نتناول يف األول ماهية ضامنات استقالل
القضاة (أوال) ،ويف الثاين ضامنات عدم حتيزهم (ثانيا).
أوال :ماهية ضامنات استقالل القضاة
.97إن احلديث عن متكني املتقايض من الولوج الفعيل للعدالة ،ال يمكن أن يتم بدون حتقيق
استق الل تام للسلطة القضائية؛ وهو األمر الذي أكدت عليه خمتلف املواثيق الدولية ،ونص عليه
44
الدستور املغريب اجلديد يف الباب السابع املعنون حتت اسم السلطة القضائية ،حيث خصص
الستقالل القضاء ستة فصول قانونية من الفصل 107إىل ،112حيث جاء يف األول "السلطة
القضائية مستقلة عن السلطة الترشيعية وعن السلطة التنفيذية.
امللك هو الضامن الستقالل السلطة القضائية".
.98وجيمع خمتلف املختصني يف التنظيم القضائي ،أنه من أجل ضامن جتسيد حقيقي هلذا املبدأ
فإنه ينبغي صياغة قواعد تعزز هذا االستقالل ؛ لعل أهم هذه الضامنات تتمثل يف عدم عزل القضاة
45
أو نقلهم ( ،)1وأن ال تبقى ترقية القضاة بيد السلطة التنفيذية ( ،)2ومحايتهم مما قد يتعرضون له من
التهديدات ( ،) 3وأخريا نقف عند الضامنة اجلديدة التي جاء هبا دستور ،2011وهي حرية التعبري
وتكوين اجلمعيات (.)4
:1عدم عزل القضاة أو نقلهم
.99بالنظر ألمهية هذه الضامنة ،فإن الدستور املغريب اجلديد نص عليها بمقتىض الفصل ،108
الذي جاء فيه ما ييل " :ال يعزل قضاة األحكام وال ينقلون إال بمقتىض القانون" .46كام أكدت عىل
هذا املبدأ العديد من الدساتري الدولية ،منها دستور الواليات املتحدة األمريكية ،الذي أكد بمقتىض
مادته الثالثة عىل أن للقضاة احلق يف االستمرار يف شغل مناصبهم ما داموا حسني السلوك ،ويتم
44حممد النجاري :القضاء املستقل القوي قاطرة للتنمية؛ مرجع سابق؛ ص.3 :
45عمر بومحوش :اإلصالح القضائي بني النظرية والتطبيق -اجلزء األول؛ مرجع سابق؛ ص.74 :
46قبل ذلك ،كان النظام األسايس لرجال القضاء ينص عىل مسطرة عزل القضاة يف الفصلني 59و ،63واملتمثلة يف أن عزل القضاة يتم بظهري
صادر عن امللك بعد استشارة املجلس األعىل للقضاء ،ويعزل القايض عىل إثر ارتكاب خطأ فادح يستوجب توقيع جزاء تأديبي يف حقه.
20
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
عزل القايض بعد أن يوجه إليه اهتام نيايب ،ويصدر حكم يقيض بطرده .بل إن األعراف الدستورية يف
اململكة املتحدة قد درج ت عىل عدم إمكانية نقل القضاة إال بموجب توصية صادرة عن جمليس
العموم والشيوخ معا.
.100وقد أحسن القانون التنظيمي رقم 106.13املتعلق بالنظام األسايس للقضاة ،من
خالل حتديده ملسطرة تأديب القضاة بشكل دقيق؛ هدف من خالهلا إىل توفري املزيد من الضامنات هلم،
وذلك يف املواد من 96إىل 102منه؛ وبعد نقاش مستفيض ،وتدخل املجلس الدستوري ،47جاءت
صيغة املادة 97من هذا القانون 48متناسبة إىل حد ما مع هواجس السادة القضاة وكل املهتمني
بالشأن القضائي املغريب ،السيام بعد حذف عبارة 'بصفة خاصة' ،التي كانت تنطوي عىل الكثري من
املخاوف؛ عىل اعتبار أن االحتفاظ هبا يف هذا النص القانوين ،كان من شأنه أن يفتح املجال أمام
توسيع احلاالت ايل يمكن اعتبارها خطأ جسيام ،يعرض القايض لعقوبات تأديبية؛ مما كان سينعكس
سلبا عىل االستقاللية التي ينبغي أن يتمتع هبا القايض أثناء مزوالة مهامه.
قرار املجلس الدستوري رقم 992.16بتاريخ 5مجادى اآلخرة 15( 1437مارس ،)2016الذي رصح بمقتضاه بأن: 47
-1عبارة 'بصفة خاصة' الواردة يف الفقرة الثانية من املادة 97من القانون التنظيمي رقم 106.13املتعلق بالنظام األسايس للقضاة ،وما ورد يف
البند األول من نفس الفقرة من 'إخالل القايض بواجب االستقالل والتجرد والنزاهة واالستقامة' .وما تضمنه املقطع الثاين من البند التاسع من
نفس الفقرة 'أو اإلدالء بترصيح يكتيس صبغة سياسية' ،خمالف للدستور؛
-2بأن املواد 35و 43و 72والبندين الثاين والثالث من الفقرة الثانية من املادة 97من القانون التنظيمي املذكور ،ليس فيها ما خيالف الدستور،
مع مراعاة املالحظات املسجلة بشأهنا؛
-3بأن باقي مقتضيات هذا القانون التنظيمي ،ليس فيها ما خيالف الدستور؛
-4بأن عبارة 'بصفة خاصة' الواردة يف الفقرة الثانية ،والبند األول من هذه الفقرة ،واملقطع الثاين من البند التاسع من نفس الفقرة من املادة 97
املذكورة أعاله ،املرصح بعدم مطابقتها للدستور ،يمكن فصلها عن أحكام هذه املادة ،وجيوز بالتايل إصدار األمر بتنفيذ القانون التنظيمي رقم
106.13املتعلق بالنظام األسايس للقضاة ،باستثناء هذه املقتضيات.
48نصت املادة 97من القانون التنظيمي رقم 106.13عىل ما ييل :يمكن توقيف القايض حاال من مزاولة مهامه إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ جسيام.
21
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
يف حني تطرقت املادة السادسة من نفس القانون لدرجات القضاة؛ حيث أكدت بأهنا مخس
درجات ،تتكون من ثالث درجات ودرجة استثنائية ووضعية خارج الدرجة؛ هاته الدرجات تبتدئ
من الدرجة الثالثة األدنى مرتبة وتنتهي بوضعية خارج الدرجة وهي األعىل سلام .49إضافة لذلك،
فإن هناك رتبا داخل الوضعيات اخلمس تنتقل باملعني باألمر من أسفل السلم إىل أعاله.
.102وتأكيدا عىل استقالل القضاء ،فإنه ال ينبغي أن تبقى ترقية القضاة بيد السلطة
التنفيذية ؛ وعليه ،فإن الدستور اجلديد والقانونني التنظيميني املتعلقني باملجلس األعىل للسلطة 50
القضائية والنظام األسايس للقضاة ،حدد املسطرة التي يتعني سلوكتها لرتقية القضاة.51
49بحسب املادة السادسة من القانون التنظيمي رقم 106.13املتعلق بالنظام األسايس للقضاة ،فإنه يرتب القضاة يف درجات متسلسلة عىل
النحو التايل:
-الدرجة الثالثة؛
-الدرجة الثانية؛
-الدرجة األوىل؛
-الدرجة االستثنائية؛
-خارج الدرجة.
حتدد بنص تنظيمي الرتب التي تشتمل عليها كل درجة من الدرجات املذكورة وتسلسل األرقام االستداللية املطابقة هلا.
50عمر بومحوش :اإلصالح القضائي بني النظرية والتطبيق -اجلزء األول؛ مرجع سابق؛ ص.96:
51بالرجوع ملا كان ينص عليه النظام األسايس لرجال القضاء ،نجد الفصل 23منه ينص عىل خضوع ترقية القضاة من درجة إىل درجة أعىل
ملسطرة خاصة يؤخذ فيها دائام بعني االعتبار رأي املجلس األعىل للقضاء؛ كام أن نظام الرتقية من رتبة إىل أخرى يتم بالنظر ملدة األقدمية.
يف حني كان الفصل 23من النظام األسايس لرجال القضاء ،نجده ينص عىل ما ييل" :تقع ترقية القضاة درجة ورتبة .وتتم بصفة مستمرة من
درجة إىل أخرى ومن رتبة إىل أخرى.
ال يمكن ترقية أي قاض إىل الدرجة األعىل ضمن حدود املناصب الشاغرة إن مل يكن مسجال بالئحة األهلية.
غريت الفقرة الثالثة بالظهري الرشيف رقم 1.80.329بتاريخ 17صفر 1401املوافق 25دجنرب 1980بتنفيذ القانون رقم ( :14.80اليمكن
أن يسجل يف الئحة األهلية إال األشخاص الذين يتوفرون عند وضع هذه الالئحة عىل أقدمية مخس سنوات يف الدرجة).
22
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
فبالنسبة للدستور ،نجده أوكل للمجلس األعىل للسلطة القضائية ،بمقتىض الفصل 113منه،
مهمة السهر عىل ترقية القضاة.
وبالفعل ،فإنه من خالل مراجعة القانون التنظيمي رقم 100.13املتعلق باملجلس األعىل
للسلطة القضائية ،نجده يؤكد عىل هذا املقتىض الدستوري بواسطة املادتني 74و 75منه؛ حيث جاء
يف األوىل ما ييل" :هييء املجلس الئحة األهلية للرتقية برسم السنة اجلارية.
ال يسجل بالئحة األهلية للرتقية ملدة حيددها النظام الداخيل للمجلس ،القضاة الذين صدرت
يف حقهم عقوبة اإلقصاء املؤقت عن العمل.
تنرش الالئحة باملحاكم وباملوقع اإللكرتوين للمجلس وبكل الوسائل املتاحة قبل متم شهر
يناير من كل سنة.
يمكن للقضاة ،عند االقتضاء ،أن يتقدموا إىل املجلس ،داخل أجل مخسة ( )5أيام من تاريخ
النرش ،بطلبات تصحيح الالئحة.
يبت املجلس يف هذه الطلبات داخل أجل مخسة ( )5أيام من تاريخ توصله هبا.
يمكن الطعن يف قرار املجلس برفض تصحيح الئحة األهلية للرتقي ،أمام الغرفة اإلدارية
بمحكمة النقض خالل أجل سبعة ( )7أيام من تاريخ تبليغه بكل الوسائل املتاحة.
تبت املحكمة اإلدارية بمحكمة النقض يف الطلب داخل أجل مخسة عرش ( )15يوما بقرار غري
قابل ألي طعن".
يف حني أشارت املادة 75من نفس القانون إىل املعايري التي يأخذها املجلس األعىل للسلطة
القضائية بعني االعتبار؛ حيث نصت عىل أن املجلس يراعي عند ترقية القضاة:
-األقدمية يف السلك القضائي واألقدمية يف الدرجة؛
غريت بالظهري الرشيف رقم 1.85.99بتاريخ 23صفر 1407املوافق ل 28أكتوبر 1986بتنفيذ القانون رقم ( 19.83غري أنه ال يمكن أن
يسجل يف قائمة األهلية للرتقي إىل الدرجة الثانية إال القضاة الذين بلغوا الرتبة السادسة من الدرجة الثالثة).
تعترب عند وضع لوائح األهلية الشهادات اجلامعية التي يتوفر عليها املعنيون باألمر مع كفاءهتم واستعدادهم ملزاولة املهام املوازية للدرجة العليا.
يتقيد الرتقي من رتبة إىل أخرى يف آن واحد باألقدمية والنقط التي حيصل عليها القايض ضمن الرشوط املحددة بمرسوم.
هييئ وزير العدل وحيرص سنويا الئحة األهلية املشار إليها يف الفقرة الثانية أعاله بعد استشارة املجلس األعىل للقضاء.
حيدد مرسوم رشوط تنقيط القضاة وكيفية حتضري الئحة األهلية".
23
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
52كان الفصل 20من النظام األسايس لرجال القضاء ،ينص عىل ما ييل" :حتمي الدولة القضاة مما قد يتعرضون له من التهديدات والتهجامت
والسب والقذف ضمن مقتضيات القانون اجلنائي والقوانني اخلاصة اجلاري هبا العمل .تضمن هلم -زيادة عىل ذلك عند االقتضاء -طبقا
للقوانني اجلاري هبا العمل تعوي ضا عن األرضار التي يمكن أن تلحقهم أثناء مبارشة مهامهم أو بسبب القيام هبا وذلك يف غري ما يشمله الترشيع
اخلاص برواتب املعاش ورأس مال الوفاة.
وحتل يف هذه احلالة حمل املصاب يف حقوقه ودعاويه ضد املتسبب يف الرضر".
24
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
بالنظام األسايس للقضاة عىل ما ييل' :يتمتع القضاة بحامية الدولة وفق مقتضيات القانون اجلنائي
والقوانني اخلاصة اجلاري هبا العمل ،مما قد يتعرضون له من هتديدات أو هتجامت أو إهانات أو سب
أو قذف ومجيع االعتداءات أيا كانت طبيعتها أثناء مبارشة مهامهم أو بسبب القيام هبا.
وتضمن هلم الدولة التعويض عن األرضار اجلسدية التي يمكن أن يتعرضوا هلا أثناء مبارشة
مهامهم أو بسبب القيام هبا والتي ال تشملها الترشيعات املتعلقة بمعاشات الزمانة ورصيد الوفاة،
ويف هذه احلالة حتل الدولة حمل الضحية يف احلقوق والدعاوى ضد املتسبب يف الرضر'.
.105يف األخري نود اإلشارة إىل بعض املقتضيات التي جاء هبا دستور ،2011والتي نعتربها
بمثابة ضامنات الستقالل القضاء ،نوجزها فيام ييل:
-يمنع كل تدخل يف القضايا املعروضة عىل القضاء؛ وال يتلقى القايض بشأن مهمته القضائية
أي أوامر أو تعليامت ،وال خيضع ألي ضغط (الفقرة األوىل من الفصل )109؛
-جيب عىل القايض كلام اعترب أن استقالله مهدد ،أن حييل األمر إىل املجلس األعىل للسلطة
القضائية (الفقرة الثانية من الفصل )109؛
-يعاقب القانون كل من حاول التأثري عىل القايض بكيفية غري مرشوعة (الفقرة األخرية من
الفصل )109؛
-ال يلزم قضاة األحكام إال بتطبيق القانون ،وال تصدر أحكام القضاء إال عىل أساس التطبيق
العادل للقانون (الفقرة األوىل من الفصل )110؛
-جيب عىل قضاة النيابة العامة تطبيق القانون .كام يتعني عليهم االلتزام بالتعليامت الكتابية
القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون هلا (الفقرة الثانية واألخرية من الفصل 110من الدستور
املغريب اجلديد).
:4حرية التعبري وتكوين اجلمعيات
.106لعل من املستجدات األساسية التي جاء هبا الدستور املغريب املؤرخ يف 1يوليوز ،2011
تلك املتعلقة بحرية التعبري وتكوين اجلمعيات ،وذلك بعدما تم حرماهنم ملدة طويلة من هذا احلق،
53
بالرغم من مناشدات اهليئات احلقوقية وتقارير املنظامت الدولية وأيضا توصيات مؤمترات
54
امل حامني .وقد نص املرشع املغريب عىل هذا احلق يف الفصل 111من دستور ،2011الذي جاء فيه
عىل أن للقضاة احلق يف حرية التعبري ،بام يتالءم مع واجب التحفظ واألخالقيات القضائية.
53يف املقابل ،يمنع عىل القضاة االنخراط يف األحزاب السياسية واملنظامت النقابية( .الفقرة األخرية من الفصل 111من دستور .)2011
54عبد السالم العامين :القضاء ورهان اإلصالح ،مسامهة يف النقاش حول إصالح القضاء؛ مرجع سابق ،ص.26:
25
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
يمكن للقضاة االنخراط يف مجعيات ،أو إنشاء مجعيات مهنية ،مع احرتام واجبات التجرد
واستقالل القضاء ،وطبقا للرشوط املنصوص عليها يف القانون.
.107وبالفعل ،فقد حرص القانون التنظيمي رقم 106.13املتعلق بالنظام األساس
للقضاة ،عىل تنظيم هذه الضامنة ،بمقتىض املادتني 37و 38منه؛ حيث جاء يف األوىل بأنه تطبيقا
ألحكام الفقرة األوىل من الفصل 111من الدستور ،للقضاة احلق يف حرية التعبري ،بام يتالءم مع
واجب التحفظ واألخالقيات القضائية ،بام يف ذلك احلفاظ عىل سمعة القضاء وهيبته واستقالله.
يف حني نصت املادة 38عىل أنه تطبيقا ألحكام الفقرة األوىل من الفصل 12والفقرة الثانية من
الفصل 111من الدستور ،يمكن للقضاة املعينني طبقا ملقتضيات املادة 68من القانون التنظيمي
املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية ،االنخراط يف مجعيات مؤسسة بصفة قانونية وتسعى
لتحقيق أهداف مرشوعة ،أو إنشاء مجعيات مهنية ،ويف كلتا احلالتني يتعني مراعاة واجب التحفظ
واألخالقيات القضائية ،واحرتام واجب التجرد واستقالل القضاء ،واحلفاظ عىل صفات الوقار
صونا حلرمة القضاء وأعرافه.
غري أنه يمنع عىل القايض تأسيس مجعية غري مهنية أو تسيريها بأي شكل من األشكال.
.108ومبارشة بعد تبني الدستور املغريب هلذه املقتضيات ،تشكلت العديد من اهليئات املهنية
اخلاصة بالقضاة؛ من بينها نادي قضاة املغرب ،والذي يعترب أول مجعية مستقلة للقضاة يتم إنشاؤها
يف ظل هذا الدستور ،حيث تم تأسيسه يف 20غشت ،2011ولقي جتاوبا كبريا من قبل القضاة،
السيام الشباب منهم.
فمثل هذه اجلمعيات ستكون بمثابة اجلرس الذي جيسد حرية القضاة واستقالهلم ،وحيقق غاية
األمة ،املتمثلة يف بلوغ استقالل فعيل للسلطة القضائية عن السلطتني الترشيعية والتنفيذية ،بام يؤدي
إىل خلق الثقة والشعور باألمن لدى املواطن املغريب.
ثانيا :ضامنات عدم حتيز القضاة
.109ذهب بعض الفقه املغريب إىل أن ضامنات استقالل القضاة هي نفسها ضامنات لعدم 55
حتيزه ،وإن كانت هناك ضامنات تسعى بشكل مبارش إىل عدم حتيزه .ونرى بأن ضامنات عدم حتيز
القضاة املطلوبة من الدولة السهر عىل توفريها حتى تكون هناك حماكمة عادلة ،تتجىل يف مراقبة 56
55موسى عبود وحممد السامحي :املخترص يف املسطرة املدنية والتنظيم القضائي وفق تعديالت سنة 1993؛ مرجع سابق؛ ص.109:
56املقصود بعدم التحيز أن القايض ملزم بأن حيكم باالستناد فقط عىل الوقائع الثابتة يف امللف املعروضة عليه مطبقا عليها تطبيقا سليام القواعد
القانونية دون أن يأخذ بعني االعتبار أي عنرص أخر جيعله يتحيز لفريق ضد اآلخر.
موسى عبود وحممد السامحي :املخترص يف املسطرة املدنية والتنظيم القضائي وفق تعديالت سنة 1993؛ مرجع سابق؛ ص.107:
26
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
أموال القايض (أ) ،ومنع حاالت التنايف (ب) ،وأيضا السهر عىل منع القايض من النظر يف بعض
القضايا بسبب عدم أهليته (ج).
أ :مراقبة أموال القايض
.110كان ينص عىل هذه الضامنة النظام األسايس للقضاء بشكل رصيح من خالل الفصل
16الذي جاء فيه " :يرصح كل قاض كتابة وبرشفه بام يملكه من عقار وقيم منقولة وكذا ما يملكه
منها زوجه وأبناؤه القارصون.
إذا كان كال الزوجني قاضيا أدىل كل واحد منهام بترصيح مستقل عىل أساس أن يقدم األب
الترصيح املتعلق باألبناء القارصين.
يقدم ترصيح إضايف فورا ضمن نفس الرشوط كلام حدث تغيري يف الوضعية املالية للمعنيني
باألمر.
يقدم القايض داخل الثالثة أشهر املوالية لتعيينه الترصيح املنصوص عليه يف الفقرة األوىل أعاله.
يقدم القضاة املزاولون ملهامهم عند نرش هذا الظهري بمثابة قانون الترصيح داخل الثالثة
األشهر املوالية هلذا النرش".
.111بالرجوع للقانون التنظيمي رقم 106.13املتعلق بالنظام األسايس للقضاة ،يتضح لنا
بأنه أغفل هذه النقطة ،ومل يرش إىل واجب ترصيح القايض بممتلكاته ،سواء بصورة مبارشة أو غري
مبارشة .غري أن ذلك ،ال يعني أن قصد املرشع املغريب هو الرتاجع عن هذا املقتىض ،الذي يعترب أحد
أهم االلتزامات امللقاة عىل عاتق القضاة ،يف مقابل احلقوق التي يتمتعون هبا.
.112إن ما يؤكد لنا هذه القراءة ،هو مقتضيات املادة 107من القانون التنظيمي رقم
100.13املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية ،التي نصت عىل أنه يكلف الرئيس املنتدب
للمجلس بتتبع ثروة القضاة؛ وهو األمر الذي ال يمكن أن يتحقق ،إذا مل يرصح هؤالء بأمواهلم.
حيق له دائام ،بعد موافقة أعضاء املجلس ،أن يقدر ثروة القضاة وأزواجهم وأوالدهم بواسطة التفتيش.
يمكن أن يكون موضوع متابعة تأديبية كل قاض ثبتت زيادة ممتلكاته ،خالل فرتة ممارسة مهامه،
زيادة ملحوظة ال يستطيع تربيرها بصورة معقولة.
27
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
.115كان املرشع املغريب ينص عىل هذا املبدأ يف الفصلني 24و 25من ظهري التنظيم القضائي
للمملكة ،58قبل أن يتم التأكيد عىل ذلك أيضا بمقتىض مرشوع القانون رقم 38.15املتعلق بالتنظيم
القضائي للمملكة.
57كان ينص عىل هذه الضامنة الفصل 15من النظام األسايس للقضاء ،الذي جاء فيه" :يمنع عىل القضاة أن يبارشوا خارج مهامهم ولو بصفة عرضية نشاطا أيا
كان نوعه بأجر أو بدونه .غري أنه يمكن خمالفة هذه القاعدة بقرارات فردية لوزير العدل لصالح التعليم أو املستندات القانونية .ال يمتد هذا املنع إىل التآليف األدبية
أو العلمية أو الفنية غري أنه ال يمكن ملؤلفيها اإلشارة هبذه املناسبة إىل صفتهم القضائية إال بإذن من وزير العدل .إذا كان زوج قاض يامرس نشاطا خاصا يدر عليه
نفعا رصح القايض بذلك لوزير العدل ليتخذ أو يأمر باختاذ التدابري الالزمة للحفاظ عىل استقالل القضاء وكرامته.
تتبع نفس املسطرة إذا كان قاض أو زوجه يملك يف مقاولة مصالح من شأهنا أن متس باملهمة املنوطة به".
58ظهري رشيف بمثابة قانون رقم 1.74.338بتاريخ 24مجادى الثانية 15( 1394يوليوز )1974يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة.
بالرجوع هلام ،نجد الفصل 24ينص عىل ما ييل " :ال يمكن لألزواج واألقارب واألصهار إىل درجة العمومة أو اخلؤولة أو أبناء االخوة أن
يكونوا بأية صفة كانت قضاة يف آن واحد بنفس املحكمة عدا يف حالة ترخيص يمكن منحه بمرسوم عندما تشتمل املحكمة عىل أكثر من غرفة
28
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
.116وبالرجوع إىل مرشوع القانون اجلديد هذا ،نجده أكد عىل نفس احلكم ،يف املادتني 42و43
منه؛ حيث نصت األوىل عىل أنه ال يمكن لألزواج واألقارب واألصهار إىل درجة العمومة أو اخلؤولة أو
أبناء اإلخوة أن يكونوا بأي صفة قضاة للحكم أو قضاة للنيابة العامة بنفس اهليئة باملحكمة.
يف حني نصت املادة 43عىل أنه ال يسوغ للقضاة النظر يف القضايا التي يرافع فيها ،أو ينوب عن
األطر اف فيها ،أزواجهم أو أصهارهم أو أقارهبم إىل الدرجة الرابعة.
)2التجريح
.117نظم املرشع املغريب التجريح بمقتىض الفصول من 295إىل 299من قانون املسطرة
املدنية؛ حيث خصص الفصل األول (الفصل 295من ق.م.م ).للحاالت التي يتحقق فيها
التجريح ،والتي تتمثل فيام ييل:
إذا كانت للقايض أو لزوجه مصلحة شخصية مبارشة أو غري مبارشة يف النزاع؛ ➢
إذا وجدت قرابة أو مصاهرة بينه أو بني زوجه مع أحد األطراف حتى درجة ابن العم ➢
املبارش بإدخال الغاية؛
إذا كانت هناك دعوى قائمة أو انتهت منذ أقل من سنتني بينه أو بني زوجه أو أصوهلام ➢
أو فروعهام وبني أحد األطراف؛
إذا كان دائنا أو مدينا ألحد األطراف؛ ➢
إذا قدم استشارة أو رافع أو كان طرفا يف النزاع أو نظر فيه كحكم أو أدىل فيه بشهادة؛ ➢
إذا وجدت عالقة تبعية بني القايض أو زوجه وبني أحد األطراف أو زوجه؛ ➢
إذا وجدت صداقة أو عداوة مشهورة بني القايض وأحد األطراف. ➢
واحدة أو إذا كانت املحكمة تعقد جلس اهتا بقاض منفرد ،وبرشط أن ال يكون أحد األزواج واألقارب أو األصهار املشار إليهم أعاله رئيسا من
رؤساء املحكمة.
ال يمكن يف أي حال من األحوال ولو بعد الرتخيص املذكور أن ينظر األزواج واألقارب أو األصهار املشار إليهم باملقطع السابق يف قضية
واحدة".
كام أن الفصل 25من نفس القانون نص عىل أنه " ال يسوغ ألي قاض يكون أحد أقاربه أو أصهاره إىل درجة العمومة أو اخلؤولة أو أبناء االخوة
حماميا ألحد األطراف أن ينظر يف ذلك النزاع وإال اعترب احلكم أو القرار باطال".
29
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
.118وقد اكتفى مرشوع القانون رقم 38.15املتعلق بالتنظيم القضائي باإلحالة عىل أحكام
قانون املسطرة املدنية ،بمقتىض املادة 41منه ،حيث جاء يف فقرهتا األوىل بأنه حتدد حاالت جتريح
القضاة طبقا للمقتضيات املنصوص عليها يف كل من قانون املسطرة املدنية وقانون املسطرة اجلنائية.
)3طلب اإلحالة بسبب التشكك املرشوع
.119تطرق املرشع املغريب لطلب اإلحالة بسبب التشكك املرشوع يف الفصول 383و384
و 385من قانون املسطرة املدنية ،وهو بصدد تناول اختصاصات حمكمة النقض .وبالرجوع للفصل
383من ق.م.م .نجده ينص عىل أنه " :يمكن تقديم طلب اإلحالة من أجل التشكك املرشوع من
أي شخص طرف يف النزاع بوصفه مدعيا أو مدعى عليه أو متدخال أو مدخال كضامن.
تطبق عىل هذا الطلب نفس مسطرة تنازع االختصاص أمام حمكمة النقض.
إذا قبلت حمكمة النقض دعوى التشكك املرشوع أحالت القضية بعد استشارة النيابة العامة
عىل حمكمة تعينها .وتكون من نفس درجة املحكمة املتشكك فيها.
إذا مل تقبل املحكمة الدعوى حكم عىل املدعي غري النيابة العامة باملصاريف .كام يمكن احلكم
عليه بغرامة مدنية لصالح اخلزينة ال تتجاوز ثالثة آالف درهم.
ال تقبل طلبات التشكك املرشوع ضد حمكمة النقض".
)4خماصمة القضاة
.120أضاف الفقه القضائي إىل ا حلاالت الثالثة السالفة الذكر ،ما خيوله قانون املسطرة املدنية
للمتقاضني من إمكانية دفعهم بمسطرة خماصمة القضاة ،التي تطرق هلا املرشع املغريب بمقتىض
الفصول من 391إىل 401من قانون املسطرة املدنية ،وأيضا بمقتىض الفصل 81من قانون
االلتزامات والعقود املغريب الذي جاء فيه " :القايض الذي خيل بمقتضيات منصبه ،يسأل مدنيا عن
هذا اإلخالل يف مواجهة الشخص املرضور ،يف احلاالت التي يكون فيها حمل خماصمة".
وبالرجوع للفصل 391من قانون املسطرة املدنية ،نجده عدد احلاالت التي يمكن فيها
خماصمة القضاة ،والتي تتجىل يف:
-إذا ادعي ارتكاب تدليس أو غش أو غدر من طرف قايض احلكم أثناء هتيئ القضية أو
احلكم فيها أو من طرف قاض من النيابة العامة أثناء قيامه بمهامه؛
-إذا قىض نص ترشيعي رصاحة بجوازها؛
30
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
.121كام أشار مرشوع القانون رقم 38.15املتعلق بالتنظيم القضائي ملخاصمة القضاة ،مكتفيا
باإلحالة عىل قواعد قانون املسطرة املدنية ،كام يتضح لنا من قراءة الفقرة الثانية من املادة 41منه ،التي
جاء فيها بأنه حتدد حاالت خماصمة القضاة طبقا للمقتضيات املنصوص عليها يف قانون املسطرة املدنية.
ذلك من الوصف والقراءة احلرفية هلذا الفصل الذي جاء فيه "القضاء مستقل عن السلطة الترشيعية
والتنفيذية" .بعبارات أخرى ،إن الدستور املغريب امللغى تناول القضاء بصياغة وأسلوب غامض
كوظيفة أو كمهمة من مهام الدولة ،يف الوقت الذي يتحدث فيه بشكل رصيح عن اهليئتني التنفيذية
60
تعيني القضاة (أوال) ،وترقية القضاة (ثانيا) ،وأخريا يف نقل القضاة وعزهلم (ثالثا).
أوال :طريقة تعيني القضاة
.124كان االنتقاد األسايس املوجه هلذا املبدأ يتمثل يف طريقة تعيني حكام اجلامعات
واملقاطعات؛ حيث كان هناك تدخل سافر لوزارة الداخلية يف مسطرة اختيار وتعيني هؤالء احلكام؛
59عبد السالم العامين :القضاء ورهان اإلصالح ،مسامهة يف النقاش حول إصالح القضاء؛ مرجع سابق ،ص.68:
60عمر بومحوش :اإلصالح القضائي بني النظرية والتطبيق -اجلزء األول؛ مرجع سابق؛ ص.112:
61نص الفصل 113من دستور 2011عىل ما ييل" :يسهر املجلس األعىل للسلطة القضائية عىل تطبيق الضامنات املمنوحة للقضاة ،والسيام
فيام خيص استقالهلم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم".
31
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
ذلك أنه بمقتىض الفصول 3و 4و 5من ظهري 15يوليوز 1974املتعلق بتنظيم وحتديد
اختصاصات حماكم اجلامعات واملقاطعات ،فإن تعيني جانب من قضاة اجلامعات واملقاطعات يتم
عن طريق االنتخاب .غري أن هذا االنتقاد أصبح فقط من باب املعاجلة التارخيية مادام أن املرشع 62
كام أن امللحق القضائي عند نجاحه يف املباراة كان يعني بقرار لوزير العدل واحلريات ويعترب خالل
مرحلة التكوين موظفا تابعا لوزارة العدل ،وال يعني كقاض إال بعد خترجه.
بل إن هذه اهليمنة كانت تربز أيضا عىل مستوى تغييب املجلس األعىل للقضاء ،الذي ال يظهر
إال يف املرحلة النهائية بمباركته هلذا املنتوج اجلاهز .وربام ،أن هذه اهليمنة لوزارة العدل عىل طريقة
تعيني القضاة ،هي التي تؤدي حسب بعض الفقه إىل اعتقاد القايض وهو بصدد بدء عمله املهني
64
عىل أن حماوره األسايس والذي يتحكم أيضا يف مصريه هو وزارة العدل؛ بل إنه يتشكل له اعتقاد
عىل أن املجلس األ عىل للقضاء ما هو إال سلطة غائبة أو باألحرى مغيبة ال تظهر إال يف مناسبات
شكلية .
65
.126وقد أحسن القانون التنظيمي رقم 100.13املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية،
من خالل تنصيصه عىل أن هذا املجلس هو الذي يقوم بتعيني القضاة ،وأن امللك يوافق فقط عىل هذا
التعيني بمقتىض ظهري ،كام يتضح لنا من مراجعة أحكام املادتني 67و 68منه .
66
62جعفر علوي :استقالل القضاء اجلنائي اجلالس؛ منشورات املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،العدد 2007/55؛ ص.183:
63عبد السالم العامين :القضاء ورهان اإلصالح ،مسامهة يف النقاش حول إصالح القضاء؛ مرجع سابق ،ص.72:
64حممد كرم :معوقات استقالل القضاء يف املغرب؛ يف ندوة استقالل القضاء يف املغرب ،مجعية عدالة؛ مطبعة النجاح اجلديدة /الدار البيضاء؛ ص.93:
65لعل من مظاهر هيمنة وزارة العدل واحلريات أيضا ،ما يربز من خالل نامذج األحكام التي تسلم إىل القضاة من أجل حترير أحكامهم فيها،
حيث نجد اسم وزارة العدل يف أعىل الصفحة ،مما جيعل القايض يعتقد أنه تابع لوزارة العدل واحلريات.
نصت املادة 67من هذا القانون التنظيمي عىل ما ييل" :يعني املجلس القضاة يف السلك القضائي وحيدد مناصبهم القضائية. 66
كام يعني املسؤولني القضائيني بمختلف حماكم االستئناف وحماكم أول درجة".
بينام نصت املادة 68من نفس القانون التنظيمي عىل ما ييل" :طبقا ألحكام الفصل 57من الدستور ،يوافق امللك بظهري عىل تعيني القضاة يف
السلك القضائي.
32
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
نظام الرتقية يف املغرب ،يتضح لنا مدى حمدودية استقالل القضاء بخصوص هذه النقطة من خالل
اجلهة ال تي تقوم بإعداد الئحة الرتقية ،وأيضا من خالل معايري التنقيط .ذلك أنه بالرجوع للنظام
الداخيل للمجلس األعىل للقضاء املؤرخ يف 03أكتوبر 2000نجده يؤكد يف مادته 13عىل أن
الئحة األهلية للرتقي يقوم بإعدادها وزير العدل برسم كل سنة ،وبعد ذلك يقوم املجلس األعىل
للقضاء بدراستها واملصادقة عليها بحسب املرسوم 2.75.883الصادر بتاريخ 23دجنرب 1997
والذي حيدد رشوط الرتقية إىل أعىل درجة.
.128من جهة ثانية ،فإنه من خالل الرجوع للفصل 22من النظام األسايس لرجال القضاء،
نجده كان حي دد معايري التقييم عىل أساس التنقيط عىل سبيل احلرص ،يكون فيه لإلدارة املركزية دور
بارز ،السيام أن بعض من هذه املعايري هلا مفهوم مرن ،كام هو الشأن بالنسبة ملعايري الكفاءة والنشاط
العلمي والنجاعة يف العمل والسلوك املهني وااللتزام بأخالقيات املهنية ،فكل هذه املعايري تبدو لنا
أهنا فضفاضة ومرنة ختول لإلدارة املركزية ممثلة يف وزارة العدل أن يكون هلا دور رئييس يف اقرتاح
القضاة الذين ترى فيهم هذه املواصفات للرتقية؛ وهو األمر الذي يمكن أن يؤدي إىل املساس بمبدأ
استقالل القضاة.
.129وبالنظر ألمهية وحساسية هذه النقطة ،فإن القانون التنظيمي رقم 100.13املتعلق
باملجلس األعىل للسلطة القضائية ،أكد عليها بشكل رصيح ،حيث خصص هلا الفرع الثاين من الباب
األول من القسم الرابع من هذا املرشوع ،وعنونه برتقية القضاة ،وبالرجوع إىل املادة 74منه ،نجدها
تنص عىل ما ييل" :هييء املجلس الئحة األهلية للرتقية برسم السنة اجلارية.
ال يسجل بالئحة األهلية للرتقية ملدة حيددها النظام الداخيل للمجلس ،القضاة الذين صدرت
يف حقهم عقوبة اإلقصاء املؤقت عن العمل.
تنرش الالئحة باملحاكم وباملوقع اإللكرتوين للمجلس وبكل الوسائل املتاحة قبل متم شهر
يناير من كل سنة.
يوافق امللك كذلك عىل تعيني املسؤولني القضائيني ملختلف حماكم االستئناف وحماكم أول درجة".
67جعفر علوي :استقالل القضاء اجلنائي اجلالس؛ مرجع سابق؛ ص.185:
33
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
يمكن للقضاة ،عند االقتضاء ،أن يتقدموا إىل املجلس ،داخل أجل مخسة ( )5أيام من تاريخ
النرش ،بطلبات تصحيح الالئحة.
يبت املجلس يف هذه الطلبات داخل أجل مخسة ( )5أيام من تاريخ توصله هبا.
يمكن الطعن يف قرار املجلس برفض تصحيح الئحة األهلية للرتقي ،أمام الغرفة اإلدارية
بمحكمة النقض خالل أجل سبعة ( )7أيام من تاريخ تبليغه بكل الوسائل املتاحة.
تبت املحكمة اإلدارية بمحكمة النقض يف الطلب داخل أجل مخسة عرش ( )15يوما بقرار غري
قابل ألي طعن".
.130بل إن املادة 75من القانون التنظيمي رقم 100.13حدد معايري الرتقية ،وجعلها
كمحددات أساسية للمجلس األعىل للسلطة القضائية ،من األجل االهتداء هبا يف ترقية القضاة؛ وقد
سبق لنا تناوهلا يف باب الضامنات املخولة للقضاة.
ثالثا :نقل القضاة وعزهلم
.131كان الفصل 85من الدستور املغريب املنسوخ ينص عىل أنه" :ال يعزل قضاة األحكام
وال ينقلون إال بمقتىض القانون" .واحلق يقال ،إن القانون املغريب ،حافظ يف مرحلة أوىل عىل روح
هذا املبدأ الدستوري ،من خالل حتديده لألسباب التي تسمح بنقل قايض األحكام ،والتي تتمثل
68
68أي أن حصانة النقل تأيت يف أغلب الترشيعات مقصورة عىل قضاة األحكام دون قضاة النيابة العامة؛ ولعل اهلدف من ذلك هو تعزيز املركز
القانوين للقايض احلاكم ،وذلك بعدم السامح بنقله إال بموجب رشعي ضامنا الستقالله وحتصينا له من الضغوط التي يمكن أن متارس عليه
لتوجيه أحكامه هاته الوجهة أو تلك.
جعفر علوي :استقالل القضاء اجلنائي اجلالس؛ مرجع سابق؛ ص.184:
34
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
ا لعدل لتأديب القضاة حتت غطاء النقل ،لكون املصلحة اقتضت ذلك؛ فال بد إذن من إلغاء هذا
الفصل؛ بحيث ال يتم نقل القايض إال إذا كان ذلك بسبب الرتقية أو يف حالة تكليف بمسؤولية أو
بناء عىل طلبه الشخيص ،بام يوفر ضامنات مهمة للقضاة.
.133وقد أحسن القانون التنظيمي رقم 100.13املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية،
من خالل تأكيده عىل أن هذا املجلس هو الذي يسهر عىل نقل القضاة وانتداهبم وإحلاقهم وتأديبهم،
كام يتضح لنا من خالل أحكام املواد من 76إىل 100منه.
ففيام خيص النقل ،فإن املادة 76من هذا القانون التنظيمي نصت عىل ما ييل" :تقوم األمانة
العامة للمجلس بإعداد الئحة اخلصاص باملحاكم وباملوقع اإللكرتوين للمجلس ،وبكل الوسائل
املتاحة ،وتتلقى طلبات القضاة بشأهنا.
تشعر األمانة العامة للمجلس كل قاض بتوصلها بطلب انتقاله ،كام تشعره بمآله".
أما بخصوص مسطرة التأديب ،فقد نصت املادة 85من نفس القانون التنظيمي عىل ما ييل:
"خيتص املجلس بالنظر فيام قد ينسب إىل القايض من إخالل كام هو منصوص عليه يف النظام
األسايس للقضاة".
املطلب الثاين :املعايري املتطلبة من القضاة أنفسهم لتحقيق استقالل القضاء
.134من خالل الرجوع إىل املواثيق الدولية السيام مبادئ األمم املتحدة بشأن استقالل
العدالة الصادرة بقرار للجمعية العامة لألمم املتحدة ومواثيق دولية أخرى ذات صلة ،يتبني لنا أنه
يتعني لتحقيق املبدأ السالف الذكر إيالء مهام القضاء لذوي النزاهة والتكوين والكفاءة (الفقرة
69
األوىل) ،إضافة إىل التزام القضاة بعدم التحيز وااللتزام بالرس املهني والتحفظ (الفقرة الثانية).
الفقرة األوىل :رضورة إيالء مهام القضاء لذوي النزاهة والتكوين والكفاءة
.135جيمع املختصون يف الشأن القضائي عىل أنه يستحيل أن نتصور قاضيا مستقال بدون
كفاءة واحرتافية واقتدار مهني ؛ بل إنه يف ظل التحوالت العميقة والرسيعة التي تعرفها العديد من
القوانني ،فإنه ينبغي استمرارية التكوين الذايت .وإدراكا منه بأمهية هذا املبدأ ،فإن إعالن بريوت
للمؤمتر العريب األول للعدالة ،أوىص بأن يكون اختيار القضاة متحررا من التمييز عىل أساس العرق
واللون واجلنس والدين واللغة واألصل القومي واملركز االجتامعي ومكان الوالدة وامللكية واالنتامء
69يونس العيايش :نزاهة القايض وفق مدونة القيم القضائية؛ جملة القانون املغريب ،العدد -20يناير 2013؛ ص.5 :
35
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
السيايس أو أي اعتبار آخر ،وجيب اتباع مبدأ تساوي الفرص لضامن التقييم املوضوعي جلميع
املرتشحني ملنصب القضاء .
70
األكثر من ذلك ،أنه من املبادئ الراسخة لدى فقهاء القضاء ،هو أنه ينبغي أن تتحقق يف
القايض ثالثة خصال حتى يمكن أن يكون يف مركز يسمح له بتجسيد استقالل فعيل يف مهامه
القضائية الرصفة ،وإن كان من النادر اجتامع كل هذه اخلصال يف وقتنا احلايل ،بالنظر لعدة أسباب،
من بينها املعايري املعتمدة يف طريقة الولوج إىل سلك القضاء ،وتتمثل هذه اخلصال يف الكفاءة،
والنزاهة ،والشجاعة.
.136وبالرجوع إىل مدونة القيم األخالقية التي أصدرهتا الودادية احلسنية للقضاة ،فإن
املقصود بالكفاءة توفر القايض عىل صناعة تنبثق من احلصول عىل أكرب قدر من املعرفة بالقانون،
وبالعمل القضائي ،وبعلوم العرص ،وبتقنيات املعامالت وأعراف املجتمع ،باعتبارها عنرصا أساسيا
يف املحاكمة العادلة؛ ولتحقيق ذلك عليه:
-أن يصقل هذه الصناعة بالتتبع اآلين واملستمر لكل القوانني واالجتهادات القضائية؛
-ال يقترص يف تطوير ملكته القانونية ،وصناعته القضائية عىل ما هو حميل ،بل عليه أن يواكب
العمل القضائي األجنبي واالتفاقيات الدولية؛
-يتخد اإلجراءات العملية لتطوير معلوماته والرفع منها ،ويعمل جاهدا لصقل مؤهالته وكفاءاته؛
-يساهم يف البحوث واملؤلفات وحضور الندوات وإلقاء املحارضات ويف كل األنشطة التي
من شأهنا إثراء العمل القضائي؛
-يواكب العمل القضائي ملحكمة النقض ،71ويرصد االجتهاد املستقر لديه بشأن القضايا األخالقية؛
70لقد أكد العديد من املامرسني ،عىل أنه ينبغي اختيار القضاة من بني حاميل الشهادات اجلامعية العليا من مستوى دبلوم الدراسات العليا
امل عمقة أو املتخصصة يف القانون اخلاص أو يف القانون العام أو شهادة املاسرت أو ما يعادهلا عىل األقل ،بعدما انترشت كليات احلقوق يف سائر
ربوع اململكة ،وبعدما أصبح عدد حاميل مثل هذه الشهادات وشهادات الدكتوراه يف احلقوق يف تزايد مستمر.
حممد حمجويب :القانون القضائ ي اخلاص ،الكتاب األول :املبادئ األساسية وخمتلف أنواع االختصاص القضائي ،مطبعة دار القلم-الطبعة الثانية
مزيدة ومنقحة2007/؛ ص.54:
36
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
-يامرس حقه يف التكوين حتى يكون مواكبا للتطورات العلمية والتكنولوجية خاصة ما تعلق
منها باستعامل املعلوميات واستغالل خدمات الشبكة العنكبوتية؛
-حيرص عىل تطوير مهاراته الشخصية بخصوص الدورات املتخصصة التي يشارك فيها.
الفقرة الثانية :التزام القضاة بعدم التحيز وااللتزام بالرس املهني والتحفظ
.137بالنظر ألمهية حياد القايض ،فإن الدستور املغريب اجلديد أكد عليه بشكل بارز يف الفقرة
األوىل من الفصل 111التي جاء فيها بأن للقضاة احلق يف حرية التعبري بام يتالءم مع واجب التحفظ
واألخالقيات القضائية ؛ كام أكدت عىل هذا املبدأ املادتني 37و 38من القانون التنظيمي املتعلق 72
القايض أن:
-يقوم بأداء واجباته القضائية من غري مفاضلة وال حتيز وال حتامل وال تعصب ،بل يؤدهيا
بام يعزز الثقة يف القضاء؛
يتفادى كل ما من شأنه أن يثري شبهة سواء يف عالقته مع مساعدي القضاء أو مع -
األشخاص املرتددين عىل املحكمة؛
- 71غري أن الواقع يثبت عكس ذلك ،لكون القايض جيد صعوبة مجة يف االطالع واحلصول عىل قرارات حمكمة النقض غري املنشورة.
72بل إن الفصل 109من الدستور املغريب اعترب عىل أن كل إخالل من القايض بواجب االستقالل والتجرد يعترب خطأ مهنيا جسيام ،برصف
النظر عن املتابعات القضائية املحتملة.
73بالنظر ألمهية هذا املبدأ ،فإن الرسول عليه الصالة والسالم ركز عليه بشكل كبري ،حيث بني العديد من األمور التي ينبغي أن يسلكها القايض
يف جملس احلكم لتحقيق املساواة بني اخلصوم للوصول إىل احلق والعدل يف احلكم.
فمن جهة ،بني طريقة جلوس اخلصمني ورضورة التسوية بينهام أثناء الرتافع؛ فقد روي عن عبد اهلل بن الزبري قال قىض رسول اهلل صىل اهلل عليه
وسلم أن اخلصمني يقعدان بني يدي احلاكم .وعن أم سلمة أنه روي عن النبي قوله 'من ابتيل بالقضاء بني املسلمني فليعدل يف حلظه ولفظه
وإشارته ومقعده' .يف نفس السياق ،فإن النبي صىل اهلل عليه وسلم هنى عن رفع الصوت عىل أحد اخلصوم دون اآلخر ،فقد روي عنه أنه من ابتيل
بالقضاء بني الناس فال يرفعن صوته عىل أحد ما ال يرفع عىل اآلخر .كام أنه من أجل املساواة بينهم ،فإنه أوىص عليه السالم برضورة سامع ما
لدى اخلصوم قبل الفصل يف النزاع ،كام يتضح من توصيته لعيل بن أيب طالب حينام واله قضاء اليمن ،حيث قال له 'فإذا جلس بني يديك
اخلصامن فال تقيض حتى تسمع كالم اآلخر ،فإنه أحرى أن يتبني لك وجه القضاء'.
من جهة أخرى ،فإن النبي عليه السالم أوىص القايض بأن يكون خال البال وبعيد عن املشاغل ،وحذر احلكم يف قضية معينة حلظة غضب
القايض ،ألنه يف مثل هذه األحوال ال يستطيع حتري احلق ،لذلك روي عنه صىل اهلل عليه وسلم أنه قال "ال يقيض القايض وهو غضبان".
للتعمق يف هذا املوضوع يمكن الرجوع لرسالة الدكتور سعود بن سعد آل دريب :التنظيم القضائي يف اململكة العربية السعودية يف ضوء الرشيعة
اإلسالمية ونظام السلطة القضائية؛ مرجع سابق؛ ص 132:وما بعدها.
37
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
ال يسمح لعالقاته االجتامعية أو األرسوية أن تؤثر يف سلوكه وأحكامه ومواقفه؛ -
ال جيهر برأيه أثناء رسيان الدعوى ،وال يفصح عن موقفه منها ويمتنع عن إبداء أية -
تعليقات من املرجح أن تؤثر يف نتيجتها ولو مل تكن معروضة عليه؛
-ال يديل بأي تعليق أو رأي حول الدعاوى التي نظرها هو أو زمالؤه ما مل يتعلق األمر
بالبحث العلمي أو التدريب القضائي؛
-ال يكشف عن املعلومات الرسية التي عرفها بمناسبة وظيفته أو يديل هبا إىل الغري أو
يستخدمها يف أغراض أخرى؛
ال يشارك يف أي بحث أو نقاش قانوين يتعلق بالنزاع املعروض عليه. -
.139ويف سبيل تكريس ه ذه املبادئ ،فإن مدونة القيم القضائية التي أقرهتا الودادية احلسنية
للقضاة ،ذهبت إىل أن استقالل القايض ال يمكن أن يتحقق إال باحرتام ما ييل:
يتعني عىل القايض أن يفرض استقالله عن باقي السلط؛ -
-يتعني عليه االبتعاد عن إقامة عالقات غري مالئمة مع السلطتني الترشيعية والتنفيذية
وعن اخلضوع ألي تأثري منهام.
يقوم بمهامه القضائية بفعالية وأمانة ،مستقال إزاء زمالئه القضاة عند اختاذه للقرارات. -
-يصون مقومات احلياد والتجرد ،حفاظا عىل االستقالل املؤسسايت للجهاز القضائي
والنهوض به.
يكون مستقال عن املجتمع قاطبة ،وعن أطراف النزاع بصفة خاصة. -
يمتنع عن االنتامء السيايس. -
.123ومل تكتفي الودادية احلسنية للقضاة بإعداد هذه املدونة ،بل عملت بتنسيق مع وزارة
العدل واحلريات واملعهد العايل للقضاء عىل تدريس هذه املدونة لألفواج األخرية ،أي 36و37
و 38و 39و 40و 41و ،42من امللحقني القضائيني ،وذلك هبدف حتسيس القضاة بدورهم يف
حتقيق استقالهلم اخلاص.
.140كام أن القانون التنظيمي رقم 100.13املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية نص يف
الباب الثاين من القسم الرابع منه عىل ما اعتربه محاية استقالل القايض يف املواد من 103إىل 107؛ حيث
نص يف األوىل عىل أنه يسهر املجلس عىل ضامن احرتام القيم القضائية والتشبت هبا وإشاعة ثقافة النزاهة
والتخليق بام يعزز استقالل القضاء ،ويتخذ ألجل ذلك كل اإلجراءات التي يراها مناسبة.
38
عبد الرمحان الرشقاوي املبادئ األساسية للتنظيم القضائي
يف حني نصت املادة 99من نفس القانون التنظيمي عىل أن املجلس يضع ،بعد استشارة
اجلمعيات املهنية للقضاة ،مدونة لألخالقيات القضائية تتضمن القيم واملبادئ والقواعد التي يتعني
عىل القضاة االلتزام هبا أثناء ممارستهم ملهامهم ومسؤولياهتم القضائية ،وذلك من أجل:
-احلفاظ عىل استقاللية القضاة ومتكينهم من ممارسة مهامهم بكل نزاهة وجترد ومسؤولية؛
-صيانة هيبة اهليئة القضائية التي ينتسبون إليها والتقيد باألخالقيات النبيلة للعمل القضائي
وااللتزام بحسن تطبيق قواعد سري العدالة؛
-محاية حقوق املتقاضني وسائر مرتفقي القضاء والسهر عىل حسن معاملتهم يف إطار
االحرتام التام للقانون؛
-تأمني استمرارية مرفق القضاء والعمل عىل ضامن حسن سريه؛
تنرش مدونة األخالقيات القضائية باجلريدة الرسمية.
يشكل املجلس ،طبقا ملقتضيات املادة 52من هذا القانون التنظيمي ،جلنة لألخالقيات تسهر
عىل تتبع ومراقبة التزام القضاة باملدونة املذكورة.
39
عبد الرمحان الرشقاوي فهرس املواد
40