You are on page 1of 259

‫مجلة علمية محكمة تعنى بالدراسات واألبحاث في القانون واألعمال تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال‬

‫بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية (جامعة الحسن األول – سطات(‬

‫عدد خاص بقانون الشغل‬


‫‪ ..........‬محور الدراسات والأبحاث باللغة العربية ‪................................................................................‬‬

‫عدنان بوشان‬ ‫‪ ‬قراءة في القانون رقم ‪ 91.91‬المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعامالت والعمال المنزليين‬
‫أوسامة اوعيسى‬ ‫‪ ‬التمثيلية النقابية في مدونة الشغل ‪ :‬إشكالية المفهوم ؟‬
‫محمد أنور مسعود‬ ‫‪ ‬مسطرة الفصل التأديبي لألجير بين القانون المغربي و المقارن‬
‫عادل مسعود عبدربه‬ ‫‪ ‬الحماية القانونية للمرأة العاملة في التشريع الليبي‬
‫محمد اشهيهب‬ ‫‪ ‬الحماية القانونية لليد العاملة األجنبية ‪ :‬الجهود التشريعية و المؤسساتية‬
‫صديق عزيز‬ ‫‪ ‬قراءة في عملية التوظيف بموجب العقد المنظمة من طرف األكاديميات الجهوية للتربية و التكوين‬
‫هشام بلحسن‬ ‫‪ ‬التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية وأي دور لمحكمة النقض‬
‫عدنان بوشان‬ ‫‪ ‬مدى مشروعية اقتطاع اإلدارة من أجور الموظفين المضربين‬
‫محمد البشير وحمان‬ ‫‪ ‬التأديب في مدونة الشغل‬
‫مصطفى الفوركي‬ ‫‪ ‬نزاعات الشغل الجماعية بين الواقع و القانون‬
‫محمد الجاي‬ ‫‪ ‬مدى مالئمة مدونة الشغل للمواثيق الدولية للشغل‬
‫يونس شكران‬ ‫‪ ‬دور االجتهاد القضائي االجتماعي في تطوير نظام اثبات حوادث الشغل و األمراض المهنية‬

‫‪ ..........‬محور العمل القضائي ‪..............................................................................................‬‬

‫مليجي الصحراوي‬ ‫‪ -‬التعليق على القرار رقم ‪ 1602‬ملف اجتماعي عدد ‪ 91/1256‬حول فقدان االجير للوعي في مكان العمل ووفاته داخل المستشفى‬

‫‪‬‬

‫اإلدارة العلمية‬ ‫إدارة التحرير‬ ‫المدير المسؤول‬ ‫‪1‬‬

‫الدكتور رياض فخري‬ ‫محمد أفقير‬ ‫الدكتور مصطفى الفوركي‬


‫اللجنة العلمية و الاستشارية للمجةل القانون و ا ألعامل‬

‫لكية احلقوق‪-‬جامعة احلسن ا ألول‪ -‬د‪:‬عبد القادرالتعاليت لكية احلقوق‪-‬جامعة احلسن ا ألول‪-‬‬ ‫د‪ :‬أأبوبكر همم‬
‫سطات‬ ‫سطات‬
‫لكية احلقوق‪-‬جامعة احلسن ا ألول‪ -‬د‪ :‬نورادلين النارصي لكية احلقوق‪-‬جامعة احلسن ا ألول‪-‬‬ ‫عبد الكرمي عباد‬
‫سطات‬ ‫سطات‬
‫الرحامن لكية احلقوق‪ -‬جامعة محمد اخلامس‪-‬‬ ‫لكية احلقوق‪-‬جامعة محمد اخلامس‪ -‬د‪:‬عبد‬ ‫د‪ :‬همدي منري‬
‫السوييس‪ -‬الرابط‬ ‫الرشقاوي‬ ‫السوييس‪ -‬الرابط‬
‫لكية احلقوق‪-‬جامعة محمد ا ألول‪-‬وجدة‬ ‫د‪:‬احلسني بلحسايين لكية احلقوق‪ -‬جامعة محمد ا ألول‪-‬وجدة د‪ :‬بنارص حايج‬
‫لكية احلقوق –جامعة محمد ا ألول‪-‬وجدة د‪:‬اسامة عبد الرحامن لكية احلقوق‪-‬جامعة محمد ا ألول‪-‬وجدة‬ ‫د‪ :‬امحد العاليل‬
‫لكية احلقوق‪-‬جامعة محمد ا ألول‪-‬وجدة‬ ‫د‪ :‬ادريس الفاخوري لكية احلقوق‪-‬جامعة محمد ا ألول‪-‬وجدة دة‪ :‬زينب اتغيا‬
‫لكية احلقوق‪-‬جامعة محمد اخلامس‪ -‬سال‬ ‫لكية احلقوق‪-‬جامعة محمد ا ألول‪ -‬وجدة دة‪ :‬فاطمة حداد‬ ‫دة‪ :‬اندية قايدي‬
‫لكية احلقوق‪-‬جامعة ابن زهر‪-‬ااكدير‬ ‫لكية احلقوق – جامعة احلسن الثاين – د‪:‬هشام البخفاوي‬ ‫د‪ :‬عزادلين بنس يت‬
‫ادلار البيضاء‬
‫لكية احلقوق‪ -‬جامعة س يدي محمد بن د‪ :‬عبد الرحمي مشيعة لكية احلقوق‪-‬جامعة موالي اسامعيل‪-‬‬ ‫د‪:‬محمد خبنيف‬
‫مكناس‬ ‫عبد هللا‪ -‬فاس‬

‫الادارة العلمية‬
‫(لكية احلقوق‪-‬جامعة احلسن ا ألول‪ -‬سطات)‬ ‫د‪ :‬رايض خفري‬
‫(لكية احلقوق‪-‬جامعة احلسن ا ألول‪ -‬سطات)‬ ‫د‪ :‬طارق مصدق‬

‫ادارة التحرير‬ ‫املدير املسؤول‬


‫أأ‪ .‬محمد افقري‬ ‫د‪ .‬مصطفى الفوريك‬

‫املنسق التقين والفين‬ ‫هيئة حترير اجملةل‬


‫د‪ .‬عايل طوير‬ ‫ذ‪ :‬حيدا عزادلين‬
‫ذ‪ .‬عبد هللا بوزااك‬ ‫ذة‪ :‬فاطمة افقري‬
‫أأ‪ :‬محمد أأمني اسامعييل‬ ‫ذ‪.‬عبد العايل قرواوي‬ ‫ذ‪ :‬حلسن بوصبار‬
‫ذ‪ .‬حس ناء جربان‬ ‫ذ‪ :‬هشام بلخنفر‬
‫ذ‪ :‬يونس ابالغ‬

‫‪2‬‬
‫كلمة افتتاحية‬
‫يعتبر قانون الشغل او القانون الاجتماعي كما يطلق عليه الفقهاء المشارقة من بين‬

‫اهم القوانين الوضعية التي تمس أكبر شر يحة في المجتمع ‪ ,‬وما لها من أهمية بالغة‬

‫في تحقيق الامن القانوني و الاقتصادي و الاجتماعي ‪.‬‬

‫فنظرا للظرفية الراهنة و تقلبات الأوضاع الاجتماعية في مختلف الدول سواء‬

‫العربية او الأجنبية ارتأينا ان نخرج هذا العدد الذي يحمل بين دفتيه مجموعة من‬

‫الأبحاث و المقالات التي سعت الى الإحاطة ببعض الجوانب من هذا القانون‬

‫من حماية للطبقة الشغيلة سواء على مستوى القوانين الوطنية و الدولية مرورا بحق‬

‫المرأة في الشغل ومدى حماية المشرع لها ‪ ,‬ثم التمثيليات النقابية و دورها في حماية‬

‫الاجراء ‪ ,‬وانتهاءا بالنزاعات المتعلقة بالشغل سواء المتعلقة بالتأديب او المتعلقة‬

‫بوسائل فض هذه المنازعات ومدى ملائمة قانون الشغل المغربي للمواثيق الدولية‬

‫للشغل‪.‬‬

‫إدارة مجلة القانون والأعمال‬

‫‪3‬‬
‫محتو يات العدد‬

‫‪ ‬قراءة في القانون رقم ‪ 91.91‬المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعامالت‬
‫عدنان بوشان‬ ‫والعمال المنزليين‬
‫أوسامة اوعيسى‬ ‫‪ ‬التمثيلية النقابية في مدونة الشغل ‪ :‬إشكالية المفهوم ؟‬
‫محمد أنور مسعود‬ ‫‪ ‬مسطرة الفصل التأديبي لألجير بين القانون المغربي و المقارن‬
‫عادل مسعود عبدربه‬ ‫‪ ‬الحماية القانونية للمرأة العاملة في التشريع الليبي‬
‫محمد اشهيهب‬ ‫‪ ‬الحماية القانونية لليد العاملة األجنبية ‪ :‬الجهود التشريعية و المؤسساتية‬
‫صديق عزيز‬ ‫‪ ‬قراءة في عملية التوظيف بموجب العقد المنظمة من طرف األكاديميات الجهوية للتربية و التكوين‬
‫هشام بلحسن‬ ‫‪ ‬التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية وأي دور لمحكمة النقض‬
‫عدنان بوشان‬ ‫‪ ‬مدى مشروعية اقتطاع اإلدارة من أجور الموظفين المضربين‬
‫محمد البشير وحمان‬ ‫‪ ‬التأديب في مدونة الشغل‬
‫مصطفى الفوركي‬ ‫‪ ‬نزاعات الشغل الجماعية بين الواقع و القانون‬
‫محمد الجاي‬ ‫‪ ‬مدى مالئمة مدونة الشغل للمواثيق الدولية للشغل‬
‫يونس شكران‬ ‫‪ ‬دور االجتهاد القضائي االجتماعي في تطوير نظام اثبات حوادث الشغل و األمراض المهنية‬
‫مليجي الصحراوي‬ ‫محمور العمل القضائي ‪:‬‬
‫‪ -‬التعليق على القرار رقم ‪ 1602‬ملف اجتماعي عدد ‪ 91/1256‬حول فقدان االجير للوعي في مكان العمل‬
‫ووفاته داخل المستشفى‬

‫‪4‬‬
5
‫قراءة في القانون رقم ‪ 91.91‬المتعلق بتحديد شروط‬
‫الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين‪.‬‬

‫عدنان بوشان‬
‫باحث في العلوم القانونية‬
‫تقديم‪:‬‬
‫بعد مرور ثلاثة عشرة سنة من الانتظار خرج إلى العلن مؤخرا القانون رقم ‪ 91.91‬المتعلق بتحديد‬
‫شروط التشغ يل والشغل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين‪ ،‬بناء على ما جاء بالمادة الرابعة من مدونة‬
‫الشغل‪ ،‬وقد جاء هذا القانون في ‪ 12‬مادة موزعة على خمسة أبواب‪.‬‬
‫إن خروج هذا القانون إلى حيز الوجود ليكتسي أهمية كبرى‪ ،‬خاصة في ظل الوضعية التي تعرفها بعض‬
‫العاملات و العمال المنزليين دون السن القانوني للتشغيل‪ ،‬والذين غالبا ما يستثنون من تطبيق أحكام‬
‫مدونة الشغل كعاملات المنازل وعمال البستنة والحراسة وشؤون البيت‪ ،‬الأمر الذي بات يفرض ليس‬
‫فقط التدخل التشر يعي بل ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التزامات المغرب الدولية باعتباره مصادقا على‬
‫كل من الاتفاقية الدولية رقم ‪ 981‬بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفور ية‬
‫للقضاء عليها‪ ،‬والاتفاقية رقم ‪ 938‬بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام‪ ،‬فهل فعلا أخد هذا القانون في‬
‫الاعتبار هذين الوضعين؟ هو تساؤل سنحاول الإجابة عنه من خلال اتباع التقسيم الذي اعتمده القانون‬
‫نفسه في قراءة بسيطة لهذا القانون‪.‬‬

‫المحور الأول‪ :‬أحكام عامة‬


‫المحور الثاني‪ :‬شروط التشغيل والشغل‬
‫المحور الثالث‪ :‬المراقبة والعقوبات‬

‫‪6‬‬
‫المحور الأول‪ :‬أحكام عامة‬
‫لقد تطرق القانون رقم ‪ 91.91‬في الباب الأول منه إلى تحديد تعر يف لأطراف العلاقة الشغلية‪،‬‬
‫وموضوع هذه العلاقة وذلك حتى يسهل تحديد مجال تطبيق هذا القانون‪ ،‬فما المقصود بكل من العاملة أو‬
‫العامل المنزلي و المشغلة أو المشغل وما هي الفئات التي تخضع لنطاق تطبيق هذا القانون والفئات التي‬
‫تستثنى من الخضوع لأحكامه ؟‪.‬‬
‫أولا‪ :‬التعار يف‬
‫إن أول ما يحسب لهذا القانون استخدامه مصطلح "العاملة أو العامل المنزلي" بصيغة المؤنث والمذكر‬
‫في نفس الوقت‪ ،‬عوضا عن مصطلح "خدم البيوت" الذي استخدمه مشرع مدونة الشغل في المادة‬
‫الرابعة‪ ،‬والذي لاقى انتقادا من طرف البعض لما يشكله من تعبير عن استعباد الإنسان لأخيه الإنسان‪،‬‬
‫هذا وقد عرفت الاتفاقية الدولية رقم ‪ 981‬بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين‪ ،‬العامل المنزلي بالقول‬
‫"أي شخص مستخدم في العمل المنزلي في إطار علاقة استخدام"‪ ،‬كما اعتبرت الاتفاقية أنه لا يعتبر‬
‫عاملا منزليا الشخص الذي يؤدي عملا منزليا من حين إلى آخر‪ ،‬أو على نحو متقطع فهل كان للقانون‬
‫رقم ‪ 91.91‬نفس التوجه في تحديد تعر يف للعاملات و العمال المنزليين؟‪.‬‬
‫حاول هذا القانون من خلال المادة الأولى منه أن يسير في نفس اتجاه المعايير الدولية‪ ،‬فأعطى‬
‫تعر يفا للعاملة أو العامل المنزلي مفاده أن العاملة أو العامل المنزلي هو " الذي يقوم بصفة دائمة‬
‫واعتيادية مقابل أجر‪ ،‬بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت أو بالأسرة كما هي محددة في المادة ‪ 1‬من هذا‬
‫القانون سواء عند مشغل واحد أو أكثر"‪ ،‬وهو ما يفيد أن عمل العامل المنزلي ينبغي أن يكون متصفا‬
‫بوصفي الدوام والاعتياد‪ ،‬وإذا كان مصطلح الدوام يفيد الاستمرار ية فإن مصطلح الاعتياد يفيد تكرار‬
‫العمل ولو بشكل متقطع‪ ،‬وذلك حتى لا يدخل في حظيرة العمال المنزليين‪ ،‬الأشخاص الذين يقومون‬
‫بأعمال مؤقتة التي يستغرق شغلها بضع ساعات في الشهر‪.‬‬
‫كما وقف هذا القانون على تعر يف المشغلة أو المشغل وقد أحسن المشرع باعتماده لهذا المصطلح بدلا‬
‫من مصطلح "صاحب البيت" الذي عبر عنه هذا القانون في صيغته كمشروع‪ ،‬بل زاد حسنا بتعبيره‬
‫بصيغة المؤنث عن طرفي العلاقة الشغلية‪ ،‬وقد تم تعر يف المشغلة أو المشغل بكونه "كل شخص ذاتي‬
‫يستأجر عمل عاملة أو عامل منزلي لإنجاز الأشغال المنصوص عليها في المادة ‪ 1‬أو أحدها"‪ ،‬و يؤخذ على‬
‫هذا التعر يف استخدامه لمصطلحات مدنية من قبيل "الاستئجار" و"الإنجاز" وحبذا لو تم استخدام‬
‫مصطلحات مثل "الإشتغال" و "أداء"‪.‬‬
‫وقد أضاف هذا القانون عن ما كان مضمنا فيه كمشروع‪ ،‬تعر يفا للعمل المنزلي باعتباره ذلك العمل‬
‫المنجز لدى أسرة أو عدة أسر‪ ،‬وعليه فإن العمل المنزلي قد يشمل بالإضافة إلى الأشغال المنصوص عليها‬

‫‪7‬‬
‫في المادة الثانية من هذا القانون‪ ،‬بعض الأشغال الأخرى التي ترتبط بالأسرة على اعتبار أن الأشغال‬
‫المحددة بالمادة الثانية جاءت على سبيل المثال لا الحصر‪.‬‬
‫من خلال كل ما سبق يتضح أن هذا القانون نحى نفس التوجه الذي سار عليه المشرع في مدونة‬
‫الشغل‪ ،‬حيث لم يعمد إلى إعطاء تعر يف لعقد الشغل وإنما اكتفى بتعر يف أطراف هذا العقد‪ ،‬وإذا‬
‫كانت مدونة الشغل قد وقفت على أهم عنصر في عقد الشغل وهو عنصر التبعية فإن القانون محل هذه‬
‫القراءة لم يشر إلى هذا العنصر خلال تعر يفه لأطراف العقد‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مجال التطبيق‬
‫بدل أن يعمد القانون رقم ‪ 91.91‬إلى تحديد الفئات التي ستستفيد من مقتضياته‪ ،‬عمد إلى التعر يف‬
‫بأطراف العلاقة الشغلية‪ ،‬وبالعمل المنزلي‪ ،‬وتحديد الأشغال التي تدخل في نطاقه على سبيل المثال لا‬
‫الحصر‪ ،‬وهو بذلك حدد نطاق تطبيق هذا القانون من خلال الاعتماد على التعار يف‪.‬‬
‫وبذلك فإن الخضوع لنطاق تطبيق هذا القانون لا يتطلب فقط في العاملة أو العامل المنزلي أداء العمل‬
‫بصفة دائمة واعتيادية مقابل أجر سواء عند مشغلة أو مشغل واحد أو أكثر‪ ،‬بل لابد أن يكون هذا‬
‫العمل عملا منزليا‪ ،‬يدخل ضمن الأشغال التي حددتها المادة الثانية على اعتبار أن الأشغال التي حددتها‬
‫المادة الثانية جاءت على سبيل المثال لا الحصر‪ ،‬أو يدخل ضمن التعر يف الذي حدده المشرع للعمل‬
‫المنزلي بشكل عام‪.‬‬
‫وقد أشارت المادة الأولى من القانون في صيغته كمشروع إلى ارتباط الأشغال المشار إليها في المادة‬
‫الثانية فقط بالبيت كالتنظيف والطبخ وحراسة البيت والبستنة‪ ،‬إلا أنه يمكن كذلك أن ترتبط بشخص‬
‫صاحب البيت أو ذو يه من خلال الاعتناء بالأطفال أو بفرد من أفراد البيت بسبب سنه‪ ،‬أو عجزه أو‬
‫مرضه أو كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة‪ ،‬وقد عمل القانون في صيغته الأخيرة إلى التنبه إلى‬
‫ذلك باعتماده لمصطلح الأشغال المرتبطة بالبيت أو بالأسرة‪.‬‬
‫هذا وقد استثنى القانون محل هذه القراءة من نطاق تطبيق أحكامه‪ ،‬كل عامل يتم وضعه رهن إشارة‬
‫المشغل من قبل مقاولة التشغيل المؤقت‪ ،‬على اعتبار أنه يكون في خدمة شخص اعتباري وبالتالي لا‬
‫تربطه بالمشغل أي علاقة تعاقدية‪ ،‬كما أن المادة ‪ 614‬من مدونة الشغل حصرت حالات اللجوء إلى هذا‬
‫النوع من العقود‪ ،‬و يخرج من نطاق تطبيق هذا القانون كذلك البوابون في البنايات المعدة للسكنى نظرا‬
‫لخضوعهم لنظام خاص بهم‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة للعمال الذين ينجزون أشغالا لفائدة المشغل بصفة‬
‫مؤقتة نظرا لتعارض ذلك مع صفة الدوام والاعتياد التي تميز عمل العاملات و العمال المنزليين‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬شروط التشغيل والشغل‬
‫نظرا ل كون القانون رقم ‪ 91.91‬سيكون تشر يعا مواز يا لمدونة الشغل‪ ،‬وخاصا بتنظيم تشغيل فئة‬
‫العاملات والعمال المنزليين المستثنين من تطبيق هذه المدونة‪ ،‬فإن مقتضياته ينبغي أن تتسم بالشمولية‬
‫والوضوح‪ ،‬مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الأشغال التي يقوم بها العمال المنزليين‪ ،‬ومكان‬
‫قيامهم بهذه الأشغال‪.‬‬
‫أولا‪ :‬شروط التشغيل‬
‫خصص هذا القانون الباب الثاني لشروط تشغيل العاملات و العمال المنزليين‪ ،‬والذي جاء في عشر‬
‫مواد‪ ،‬تطرق من خلالها إلى كيفية إبرام عقد الشغل‪ ،‬وشروط هذا الإبرام والتزامات الأطراف إبان‬
‫هذا الإبرام‪ ،‬إلا أنه أغفل أهم المراحل التي قد يصل إليها العقد وهي انتهاؤه وأسباب هذا الإنهاء‬
‫ومسطرته‪.‬‬
‫لقد تم تحديد سن التشغيل في ‪ 98‬سنة كحد أدنى لا يجوز للمشغل النزول عنه‪ ،‬غير أن المشرع وكأنه‬
‫لم يستسغ الانتقادات التي تم توجيهها للقانون في صيغته الأولية كمشروع باعتماده لسن ‪ 94‬سنة كحد‬
‫أدنى‪ ،‬حيت عمل على فتح الباب أمام إمكانية تشغيل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين ‪ 94‬و‬
‫‪ 98‬سنة وذلك خلال فترة إنتقالية مدتها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ دخول هذا القانون حيز‬
‫التنفيذ‪ ،‬ومادام أن الحد الأدنى لسن الاستخدام كما حددته الاتفاقية رقم ‪ 938‬يتمثل في ‪ 91‬سنة فإن‬
‫القانون قد جاء أكثر حماية مما ورد بالاتفاقية‪ ،‬على اعتبار أن الإشتغال بالمنازل خاصة الأعمال التي‬
‫تتعلق بالتنظيف والطبخ وكذا رعاية الأطفال‪ ،‬تبقى أعمال يصعب تصور قيام طفل لا يتجاوز سنه ‪98‬‬
‫سنة الاضطلاع بها بالشكل المطلوب الذي يرضي المشغلة أو المشغل‪ ،‬بل إن البيئة الاجتماعية للبيت‬
‫والأسرة المغربية‪ ،‬قد يكون لها تأثير على الصحة النفسية والسلوك الأخلاقي للطفل‪ ،‬خاصة إذا علمنا أن‬
‫المادة الأولى أعطت للمشغل تشغيل العاملات و العمال المنزلين في أكثر من عمل واحد من الأعمال‬
‫المشار إليها في المادة الثانية‪ ،‬بل يمكن لمجموعة من المشغلين الاستفادة من خدمات عامل منزلي واحد‬
‫ودون سن الثامنة عشر‪.‬‬
‫و حتى يتم إبرام عقد الشغل بالشكل المطلوب فإن المادة الثالثة من القانون جعلت المشغل يضطلع‬
‫بهذا الدور‪ ،‬من خلال السهر على إفراغ تراضي الطرفين الذي يجب أن تتوفر فيه الشروط المنصوص‬
‫عليها في قانون الالتزامات والعقود‪ ،‬حيث يتم إفراغ هذا التراضي في عقد شغل محدد المدة أو غير محدد‬
‫المدة الذي سيتم تحديد نموذج له بنص تنظيمي‪ ،‬وهو ما يفيد أن العقد لا يمكن أن يكون إلا كتابيا‬
‫ومصادق الإمضاء من طرف السلطة المختصة‪ ،‬حيت يعمل المشغل على تسليم نظير من العقد للعاملة أو‬
‫العامل المنزلي مع احتفاظه بنظير منه‪ ،‬فيما يقوم على ايداع النظير الثالث لدى مفتشية الشغل‪ ،‬ولمفتش‬

‫‪9‬‬
‫الشغل كنوع من الرقابة القبلية أن يثير انتباه الطرفين في حالة وجود مقتضيات مخالفة لأحكام هذا‬
‫القانون قصد العمل على مراجعتها وتعديل العقد‪ ،‬وقد أغفل القانون إمكانية تسليم نسخة أخرى لولي أمر‬
‫العامل المنزلي الذي لم يبلغ بعد سن ‪ 98‬سنة‪ ،‬على الرغم من أنه نص على ضرورة توفره على إذن‬
‫مكتوب من ولي أمره لإبرام عقد الشغل‪.‬‬
‫و تعزيزا للدور الحمائي وتماشيا مع الاتفاقية الدولية رقم ‪ 981‬بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال‬
‫والإجراءات الفور ية للقضاء عليها المصادق عليها من طرف المغرب‪ ،‬فإن المادة السادسة من القانون‬
‫تمنع أي تشغيل للعاملات والعمال المنزليين يكون ليلا‪ ،‬كما يمنع تشغيلهم في الأماكن المرتفعة غير‬
‫الآمنة‪ ،‬وفي حمل الأجسام الثقيلة‪ ،‬وفي استعمال التجهيزات والأدوات والمواد الخطيرة‪ ،‬وفي كل‬
‫الأشغال التي تشكل مخاطر بينة قد تضر بصحتهم أو سلامتهم أو بسلوكهم الأخلاقي‪ ،‬أو قد يترتب عنها‬
‫ما قد يخل بالآداب العامة‪ ،‬غير أن هذه الحماية تم قصرها فقط على العاملات والعمال المنزليين الذين‬
‫تتراوح أعمارهم مابين ‪ 94‬و ‪ 98‬سنة فقط دون غيرهم‪.‬‬
‫كما يمنع تسخير العاملة و العامل المنزلي لأداء الشغل قهرا أو جبرا‪ ،‬غير أن هذا القانون لم يبين‬
‫الإجراءات الضرور ية والفور ية الممكن القيام بها بخصوص الممارسات التي يوجد فيها بعض العاملات‬
‫والعمال المنزليين‪ ،‬أو يمكن الوقوف عليها إبان تطبيق مقتضيات هذا القانون‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬شروط الشغل‬
‫لقد تطرق القانون محل هذه القراءة ضمن شروط الشغل‪ ،‬إلى مدة الشغل و الراحة الأسبوعية والعطلة‬
‫السنو ية وأيام العطل‪ ،‬بالإضافة للأجر والذي خصه بباب خاص به‪.‬‬
‫ومادام أن هذا القانون سيكون تشر يعا مواز يا لمدونة الشغل ومستقلا عنها كليا فإن تمتع عمال المنازل‬
‫بالحقوق الأساسية في العمل يقتضي الإشارة إلي هذه الحقوق بشكل واضح وصريح‪ ،‬وقد أغفل القانون‬
‫مجموعة من هذه الحقوق كعدم تحديده لساعات العمل الإضافية والتعو يض عنها وإغفاله لإجازة‬
‫الأمومة‪ ،‬كما لم يبين مدى أحقية العمال المنزليين في الحر ية النقابية والحق في التنظيم النقابي وحق‬
‫المفاوضة الجماعية كما هو مقرر بالاتفاقية رقم ‪ 981‬بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين‪.‬‬
‫وإذا كان لعمال المنازل الحق في الحماية الاجتماعية طبقا للقانون رقم ‪ 91.98‬المتعلق بالتعو يض عن‬
‫حوادث الشغل وظهير نظام الضمان الاجتماعي فإننا لم نجد أي نص بالقانون يربط ما بين عمال‬
‫المنازل وهذه الحماية‪.‬‬
‫لقد حددت المادة الثالثة عشرة من هذا القانون مدة العمل في ‪ 68‬ساعة في الأسبوع وفي ‪ 64‬ساعة‬
‫بالنسبة للعاملات والعمال المنزليين المتراوحة أعمارهم مابين ‪ 94‬و ‪ 98‬سنة يتم توز يعها باتفاق الطرفين‪،‬‬
‫الأمر الذي يتماشى والاتفاقية ‪ 938‬بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫وإذا ما حاولنا مقارنة بعض المقتضيات التي جاء بها القانون بما هو منصوص عليه بمدونة الشغل‬
‫بالنسبة لباقي الأجراء‪ ،‬نجد أن البعض منها جاء موافقا لما هو مكرس ضمن الكتاب الثاني من مدونة‬
‫الشغل‪ ،‬خاصة ما يتعلق بالراحة الأسبوعية والراحة في أيام الأعياد المؤدى عنها‪ ،‬مع استثناء العطل ولو‬
‫أن ع نوان الباب الثالث من هذا القانون أشار إلى العطل في حين تم التنصيص في متنه على الأعياد‬
‫الوطنية والدينية فقط‪ ،‬بالإضافة إلى مدة العطلة السنو ية المؤدى عنها والاستراحة الخاصة بالرضاعة‪ ،‬على‬
‫أن القانون لم يبين مدى اعتبار هذه الراحة مؤدى عنها من عدمه‪ ،‬وسيطرح الإشكال بلا شك في‬
‫الحالة التي يقيم فيها العامل المنزلي مع المشغل وكيفية استفادته من هذه المقتضيات‪ ،‬وهي نقطة لم‬
‫يتطرق إليها القانون‪.‬‬
‫أما بخصوص بعض التغيبات القانونية فقد أشار القانون إلى نفس التغيبات التي نظمتها مدونة الشغل‬
‫في المواد ‪ 141‬و ‪ ،126‬وما يلاحظ أنها موافقة لما جاء بمدونة الشغل باستثناء ز يادة هذا القانون‬
‫لثلاث أيام عن التغيب بسبب زواج العامل المنزلي‪ ،‬لتصير المدة سبعة أيام مؤذاة الأجر عن أربعة أيام‬
‫منها فقط‪.‬‬
‫كما تطرق القانون للأجر واعتبره مبلغا نقديا لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار مزايا الإطعام‬
‫والمسكن تدخل ضمن مكونات هذا الأجر‪ ،‬في مقابل ألا يقل هذا المبلغ النقدي عن ستين بالمائة من‬
‫الحد الأدنى القانوني للأجر المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة‪ ،‬وهو ما يؤكد بشكل‬
‫ضمني اعتبار هذا القانون للإطعام والمسكن بمثابة أربعين بالمائة من الحد الأدنى القانوني لأجر العامل‬
‫المنزلي‪ ،‬ولا شك أن المشرع قد أخد بعين الاعتبار في تحديده للأجر في حدود ستين بالمائة إمكانية‬
‫اشتغال العاملة أو العامل المنزلي لدى أكثر من مشغلة أو مشغل‪.‬‬
‫هذا وإذا كان القانون قد أغفل كيفية إنهاء عقد شغل العامل المنزلي وأسباب هذا الإنهاء‪ ،‬فإنه قد‬
‫تطرق من خلال المادة ‪ 19‬إلى استحقاق العامل المنزلي لتعو يض عند فصله‪ ،‬غير أنه اشترط على هذا‬
‫العامل أن يكون قضى ما لا يقل عن سنة متواصلة من الشغل الفعلي لدى نفس المشغل‪ ،‬وهي مدة‬
‫طو يلة قد تدفع بعض المشغلين إلى التحايل من خلال فصل العامل المنزلي قبل مرور تلك المدة‬
‫وتعو يضه بعامل آخر‪ ،‬وكان الأجدر بالمشرع جعل هذه المدة في ستة أشهر كما هو الشأن بالنسبة للمادة‬
‫‪ 11‬من مدونة الشغل‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬المراقبة والعقوبات‬
‫جاء الباب الخامس من القانون رقم ‪ 91.91‬كآخر باب ليؤكد على الجانب الجزري لهذا القانون‬
‫حيث تناول من خلاله الدور الرقابي لجهاز مفتش الشغل‪ ،‬والعقوبات الممكن أن تطال كل مخالف‬
‫لأحكام هذا القانون‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫أولا‪ :‬المراقبة‬
‫في ظل الانتقادات التي توجه بين الفين والآخر للضعف الذي يعرفه جهاز تفتيش الشغل‪ ،‬سواء من‬
‫خلال تعدد الوظائف والمهام الموكولة بهذا الجهاز والنصوص القانونية المكلف بمراقبة تطبيقها‪ ،‬أو من‬
‫خلال الأعداد القليلة التي تضطلع بهذه المهام‪ ،‬نجد هذا القانون محل هذه القراءة قد أولى مهمة أخرى‬
‫هي السهر على مراقبة تطبيق أحكام هذا القانون إلى جهاز تفتيش الشغل‪ ،‬الأمر الذي سيؤدي لا محال‬
‫إلى التأثير على فعالية المراقبة‪.‬‬
‫وقد تم حصر نطاق تدخل مفتش الشغل بموجب المادة ‪ 11‬من القانون في القيام بتلقي الشكايات‬
‫من طرف أطراف العلاقة الشغلية‪ ،‬والسهر على إجراء عملية التصالح بين الطرفين‪ ،‬وهو ما يبين أن‬
‫القانون يخلط بين المهام التصالحية لمفتش الشغل والمهام الرقابية التي تفترض وقوف مفتش الشغل على‬
‫المخالفات التي قد يقترفها المشغلين في حق العمال المنزلين‪ ،‬كتشغيل المشغل لعمال منزليين في أشغال‬
‫تشكل مخاطر قد تضر بصحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬العقوبات‬
‫عمل القانون رقم ‪ 91.91‬على حصر العقوبات الزجر ية التي تطال كل مخالف لأحكام هذا القانون‬
‫في ثلاث مواد‪ ،‬وقد جعل من الغرامة عقوبة أصلية والتي يمكن أن تتضاعف أوتتحول إلى الحبس في‬
‫حالة العود بالنسبة للمخالفات المشار إليها في المادة ‪.13‬‬
‫و إذا كان مشرع مدونة الشغل قد جعل للغرامة حدا أدنى وأقصى يتمثل في ‪ 344‬و‪ 34.444‬درهم‬
‫فإن هذا القانون قد رفع من الحد الأدنى ليصل به إلى ‪ 144‬درهم‪ ،‬هذا وقد جرم القانون مجموعة من‬
‫الأفعال التي قد تقترف من طرف المشغل أو أي شخص آخر كتشغيل العمال المنزليين دون سن ‪94‬‬
‫سنة أو التوسط في تشغيلهم بصفة اعتيادية بمقابل‪ ،‬كما تم تجريم الأفعال التي تستهدف شروط الشغل‬
‫كعدم تقيد المشغل بإلزامية إتاحة الراحة الأسبوعية أو امتنع من تمتيع العامل المنزلي بحقه في العطلة‬
‫السنو ية أو الامتناع عن أداء الأجر أو التماطل في أدائه‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫إن ما يمكن أن نختم به هذه القراءة القول بأنه إذا كان يصعب تنظيم علاقة شغلية ما بين طرفين‬
‫يجمعه ما مكان الشغل فقط‪ ،‬فكيف الحال بالنسبة لأطراف يجمعهما مكان الشغل وفي نفس الوقت هو‬
‫بيت الأسرة‪ ،‬ولا شك أن تنظيم هذه العلاقة بادرة طيبة ستمكن القضاء من العمل على تطبيق‬
‫مقتضيات هذا القانون بدلا من القواعد العامة في انتظار ما ستفرزه الممارسة العملية والعمل القضائي‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫لائحة المراجع المعتمدة‪:‬‬
‫ال كتب‪:‬‬
‫‪ ‬محمد سعيد جرندي‪ ،‬الدليل العملي لمدونة الشغل‪ ،‬الجزء الأول‪،‬مطبعة صناعة الكتاب‪ ،‬الطبعة‬

‫الأولى ‪.1494‬‬

‫‪ ‬محمود جمال الدين زكي‪ ،‬عقد العمل في القانون المصري‪ ،‬مطابع الهيئة المصر ية العامة للكتاب‪،‬‬

‫الطبعة الثانية‪.9181،‬‬

‫الاتفاقيات الدولية‪:‬‬
‫الاتفاقية رقم ‪ 981‬بشأن العمل‬ ‫‪‬‬

‫اللائق للعمال المنزليين‪.‬‬

‫‪ ‬الاتفاقية رقم ‪ 981‬بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفور ية للقضاء عليها‪.‬‬

‫‪ ‬الاتفاقية رقم ‪ 938‬بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام‪.‬‬

‫النصوصو القانونية‪:‬‬
‫‪ ‬قانون رقم ‪ 41.11‬يتعلق بمدونة الشغل‪.‬‬

‫‪ ‬قانون رقم ‪ 91.98‬يتعلق بالتعو يض عن حوادث الشغل‪.‬‬

‫تقارير‪:‬‬
‫‪ ‬رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول مشروع قانون ‪ 91.91‬بتحديد شروط‬

‫الشغل والتشغيل المتعلقة بالعمال المنزليين‪ ،‬إحالة رقم ‪.1493/1‬‬

‫‪13‬‬
‫التمثيلية النقابية في مدونة الشغل ‪ :‬إشكالية المفهوم ؟‬

‫أسامة أوعيسى‬
‫حاصل على ماستر قانون الأعمال‬
‫بكلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية – أكدال‪-‬‬

‫لقد أخد التشر يع المغربي بفكرة النقابات الأكثر تمثيلا و ذلك على غرار منظمتي الشغل الدولية‬

‫والعربية ‪ ,‬إذ ظهر مفهوم النقابات الأكثر تمثيلا لأول مرة في التشر يع المغربي بمقتضى ظهير ‪ 12‬يوليوز‬

‫‪1‬‬
‫و نص على نفس المقتضى الفصل الأول من‬ ‫‪ 9121‬المنظم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي‬

‫المرسوم رقم ‪ 1 -26 -433‬المؤرخ في ‪ 18‬شتنبر ‪ 9126‬و المتعلق بتعين المستشارين لدى القسم‬

‫‪2‬‬
‫الاجتماعي في المحاكم الابتدائية‬

‫و هكذا بالنظر إلى الدور الذي تقوم به التمثيلية النقابية عمل المشرع المغربي على تنظيم النقابات الأكثر‬

‫‪3‬‬
‫و يكون بالتالي تجاوز إشكالية التمثيلية النقابية و التي‬ ‫تمثيلا بمقتضى المادة ‪ 611‬من مدونة الشغل‬

‫تطرح خصوصا عند تعيين ممثلي العمال على مستوى منظمة الشغل الدولية و منظمة العمل العربية ‪,‬‬

‫‪ 1‬إذ ينص على أن المجلس اإلداري للصندوق المذكور يتألف من أربعة و عشرين عضوا رسميا منهم ثمانية ممثلون للدولة و ثمانية ممثلون لألجراء‬
‫و ثمانية ممثلون للمؤاجرين و أن األعضاء الممثلين للمؤاجرين و األجراء يعينون لمدة ثالث سنوات بقرار من وزير الشغل بناء على اقتراح‬
‫المنظمة األكثر تمثيال‪.‬‬

‫‪ 2‬حيث نص أن‪ " :‬هؤالء المستشارين يعينون بقرار مشترك لوزير العدل و وزير الشغل و انه يقع اختيارهم بخصوص كل محكمة من الئحة‬
‫تحتوي على كل صنف باقتراح من المنظمات المهنية األكثر تمثيلية "‬
‫‪ 3‬لقد خصص المشرع المغربي الباب الثالث من مدونة الشغل للنقابات المهنية‬
‫‪14‬‬
‫‪4‬‬
‫التي لم تعطي لنا تعر يف لمفهوم التمثيلية النقابية و إنما وضعت معايير لتحديد النقابات‬ ‫هذه المادة‬

‫الأكثر تمثيلا‪ ,‬كما أنه من جهة أخرى ينبغي الإشارة إلى أن المشرع المغربي في مدونة الشغل لم يستعمل‬

‫لا لفظ "النقابة" و لا لفظ " الاتحاد النقابي " و إنما استعمل عبارة " المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا "‬

‫‪.‬و يستشف من مقتضيات المادة ‪ 611‬أن المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا هي التي لها الحق في تمثيل‬

‫الأجراء ‪ ,‬من خلال عدد مندوبيها ‪ ,‬و قدرتها التعاقدية و استقلاليتها في مواجهة السلطة الحكومية و‬

‫أرباب العمل ‪. 5‬‬

‫و للإحاطة أكثر بمفهوم التمثيلية النقابية كان لابد من الوقوف أكثر على هذه المعايير المعتمدة لتحديد‬

‫النقابات الأكثر تمثيلا " المحور الأول " و إلقاء الضوء على اختصاصات و مزايا النقابات الأكثر تمثيلا‬

‫في مدونة الشغل " المحور الثاني "‬

‫المحور الأول ‪ :‬المعايير المعتمدة لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا‬

‫كان من نتائج الخروج عن مبدأ المساواة القانونية بين النقابات المهنية المتعددة و إعمال مفهوم النقابة‬

‫الأكثر تمثيلا بروز إشكالية تتمثل في ضرورة وضع معايير دقيقة من شأنها تحديد النقابات المهنية التي‬

‫يمكن إضفاء هذه الصفة عليها‪ .‬فالتمثيلية النقابية قد تكون على عدة مستو يات سواء على المستوى الوطني‪,‬‬

‫القطاعي‪ ,‬الإقليمي‪ ,‬المهني‪ ,‬أو على مستوى المقاولة أو المؤسسة‪ ...‬فإشكالية وضع معايير قانونية لتحديد‬

‫النقابات الأكثر تمثيلا لم تثر في القانون المغربي كمسألة قانونية إلا عند الإقدام على تكوين الوفد المغربي‬

‫أمام المؤتمر الدولي للشغل‪.6‬‬

‫‪4‬و في ظل غياب أي معايير للتمثيلية النقابية على مستوى ظهير ‪ ,7591‬كان منتظرا أن تحسم مدونة الشغل في هذا المفهوم من خالل اعتماد‬
‫مجموعة من المعايير لتحديد النقابات األكثر تمثيال‬
‫‪ 5‬ذ‪ .‬أبو المجد عبد الجليل ‪ :‬النقابات بالمغرب – مقاربة قانونية في ضوء التشريع المقارن – مطبعة النجاح الجديدة ‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ،‬الطبعة األولي‬
‫‪ 8002‬ص ‪48‬‬
‫‪ 6‬إذ يمكن القول أن الشكاوى التي رفعتها كل من المركزيتين النقابيتين ‪ MTGU‬سنة ‪ 7595‬و ‪ 7591‬و كذا ‪ TDG‬سنة ‪ 7514‬ضد الحكومة‬
‫المغربية شكلت فرصة سانحة لبداية حوار و تفكير جدي في الموضوع‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫وإذا كان ظهير ‪ 94‬يوليوز ‪ 9112‬لم يتضمن أي إشارة لمفهوم النقابات الأكثر تمثيلا فالمشرع المغربي‬

‫تدخل ليحسم الأمر و بالتالي ملء الفراغ الذي كان يشكو منه الحقل القانوني في مجال التمثيلية النقابية‬

‫بمقتضى المادة ‪ 611‬من مدونة الشغل التي نصت على أنه لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا على‬

‫الصعيد الوطني يتعين الأخذ بعين الاعتبار ما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬الحصول على ‪ %4‬على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين العمومي و‬

‫الخاص‪.‬‬

‫‪ -‬الاستقلال الفعلي للنقابة‪.‬‬

‫‪ -‬القدرة التعاقدية للنقابة‪.‬‬

‫لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا على مستوى المقاولة أو المؤسسة يتعين الأخذ بعين الاعتبار بما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬الحصول على نسبة ‪ %31‬على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين على صعيد المقاولة أو‬

‫المؤسسة‪.‬‬

‫‪ -‬القدرة التعاقدية‪.‬‬

‫فيتضح لنا من خلال المادة ‪ 611‬أن مدونة الشغل أخذت بمستو يين لتحديد مفهوم النقابات الأكثر‬

‫تمثيلا ‪ :‬المستوى الوطني " أولا " و مستوى المقاولة " ثانيا "‪.‬‬

‫أولا ‪ :‬معاير التمثيلية النقابية على الصعيد الوطني‬

‫لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني نجد أن المشرع اعتمد معيار يين و هي معايير كمية و‬

‫نوعية في نفس الوقت ‪:‬‬

‫‪ -‬الحصول على نسبة ‪ %4‬على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين العمومي و‬

‫الخاص‬

‫‪16‬‬
‫‪ -‬الاستقلال الفعلي للنقابة‪.‬‬

‫‪ -9‬الحصول على نسبة ‪ %4‬على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين العمومي و‬

‫الخاص‬

‫فالمعيار الكمي يتجلى أساسا في نتائج الانتخابات المهنية و الذي يتمثل في الحصول على نسبة ‪ %4‬على الأقل‬

‫من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين العمومي و الخاص‪ ,‬فنحن هنا أمام تقييم عام‬

‫للتمثلية النقابية أي القطاعيين معا ‪ ,‬و يطرح هذا المعيار العديد من الإشكاليات يمكن إجمالها فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬إن هذا المعيار لا يمكن من تقييم التمثيلية النقابية سوى على الصعيد الوطني و الدولي بحيث لا يمكن‬

‫من حسم التمثيلية على مستو يات القطاعات أو فروع الأنشطة الاقتصادية المختلفة أو على مستوى المقاولة‬

‫‪ -‬فالانتخابات المهنية في نظر بعض الفقه يظل معيار غير كاف لأن النص القانوني الخاص بانتخاب‬

‫مندوبي الأجراء داخل المؤسسات الخاضعة لقانون الشغل لا نجد فيه أي أثر للوائح النقابية بل اكتفى‬

‫‪7‬‬
‫بمجرد الإحالة على اللوائح الخاصة بالمرشحين المستقلين عن النقابات‬

‫‪ -‬إن نسبة ‪ %4‬المعتمدة من انتخاب مجموع مندوبي الأجراء قد تجعلنا أمام نقابات أكثر تمثيلية خاصة‬

‫‪8‬‬
‫مما يطرح مشكل‬ ‫على المستوى الوطني ‪ ,‬فهي تبقى نسبة ضئيلة جدا و قد تفوز بها أكثر من نقابة‬

‫التمثيلية على مستوى المنظمات الدولية و الجهو ية‪ ,‬لدى يرى بعض الفقه أن المشرع المغربي كان عليه أن‬

‫يحدد النقابات الأكثر تمثيلا داخل النقابات التي تحصل على أعلى نسبة و يظل سقف اعتبار النقابة‬

‫‪ 7‬د‪ .‬أحمد العواني ‪ :‬مفهوم النقابة أو النقابات األكثر تمثيلية في القانون الوضعي المغربي للشغل ‪ ,‬مقال منشور بالمجلة المغربية للقانــون االجتماعي‬
‫العدد ‪ , 2‬التاريخ غير مدكور‬
‫‪8‬جاءت انتخابات مندوبي األجراء في االنتخابات المهنية لسنة ‪ 2179‬كالتالي ‪:‬‬
‫‪ -‬االتحاد المغربي للشغل ‪%71.71 :‬‬
‫‪ -‬الكونفدرالية الديموقراطية للشغل ‪% 7..1 :‬‬
‫‪ -‬االتحاد العام للشغالين ‪% 1..1 :‬‬
‫‪ -‬االتحاد الوطني للشغل ‪% 1..7 :‬‬
‫الفيدرالية الديمقراطية للشغل ‪%.... :‬‬
‫المنظمة الديمقراطية للشغل ‪% 7..1 :‬‬
‫نقابات أخرى ‪% ..71 :‬‬
‫" منشورات وزارة التشغيل و الشؤون االجتماعية برسم سنة ‪.17.‬‬
‫‪17‬‬
‫‪9‬‬
‫و إذا‬ ‫الأكثر تمثيلا هو النسبة المحددة و بالتالي نكون إزاء نقابات أكثر تمثيلا ل كن بينها أعلى تمثيلية‬

‫كان اتجاه أخر من الفقه يعتبر أن هذه النسبة من شأنها أن تعزز فقط المنظمات النقابية التقليدية‬

‫بالمغرب‪ ,‬فإننا نرى من وجهة نظرنا أن نسبة ‪ %4‬لا هي بالمرتفعة و لا بالمنخفضة و ليس من شأنها أن‬

‫تهمش موقع المنظمات النقابية الفتية خاصة و قد أفرزت نتائج بعض الانتخابات المهنية تصاعد موجة‬

‫الأجراء الغير المنتمين لأية نقابة إذ نجد أن الحصة الأكبر ظلت للأجراء الغير المنقبين في الانتخابات‬

‫المهنية الأخيرة ‪. 10‬‬

‫‪ -‬المشرع المغربي قد حدد نسبة موحدة لتحديد النقابة الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني شمل القطاعين‬

‫العام و الخاص ‪ ,‬بغض النظر عن التمييز بين عدد مندوبي الأجراء في كل قطاع على حدى ‪ ,‬إذ حسب‬

‫‪11‬‬
‫الأمر هنا يطرح إشكالين ‪ ,‬فمن جهة يلاحظ أن العمل النقابي يجد مكانه الطبيعي في‬ ‫بعض الفقه‬

‫الدفاع عن مصالح الأجراء في القطاع الخاص أكثر منه في القطاع العام بحكم ظروف العمل و‬

‫خصوصياته في القطاع الأول قياسا على الثاني ‪ ,‬مما يدفع بالحركة النقابية لبدل جهد أكبر في البحث عن‬

‫موقعها في المقاولات الخاصة منه في الإدارات و المؤسسات العمومية ‪ ,‬لدرجة قد تغيب معها في‬

‫القطاع العام و هو الأمر الذي يدفع إلى المطالبة بإعادة النظر في مسألة توحيد نسبة التمثيلية في القطاعين‬

‫و إعطاء الحضور النقابي في القطاع الخاص أهمية خاصة ‪. 12‬‬

‫‪ 9‬أحمد بودراع ‪ " :‬تطبيق االتفاقيات الدولية للشغل في إطار الممارسة المغربية " أطروحة لنيل دكتوراه في القطاع العام ‪ ,‬جامعة محمد الخامس‬
‫الرباط ‪ ,‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ‪ ,‬السنة الجامعية ‪ 2112-2117‬ص ‪18‬‬
‫‪ 10‬بالرجوع لالنتخابات المهنية لسنة ‪ 2112‬نصادف تبوء األجراء غير المنتمين ب ‪ 77914‬مندوبا و هو ما لوحظ في االنتخابات المهنية لسنة‬
‫‪ 2115‬إذ تبوء األجراء الغير المنتمون ب ‪ 72999‬مندوبا و حتى في االنتخابات المهنية األخيرة لسنة ‪ 2179‬نجد تبوء األجراء غير المنتمين ب‬
‫‪ 78424‬مندوبا‬
‫" نتائج انتخابات مندوبو األجراء يونيو ‪ 2179‬منشورات وزارة التشغيل و الشؤون االجتماعية "‬
‫‪ 11‬وفاء بنفضول المجدوبي ‪ :‬تنظيم عالقات الشغل عن طريق المفاوضة الجماعية ‪ ,‬أطروحة لنيل دكتورة الدولة في الحقوق ‪ ,‬جامعة محمد‬
‫الخامس كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ‪ -‬أكدال ‪ , -‬السنة الجامعية ‪-2119‬ص ‪ 14‬و ما بعد‬
‫‪ 12‬محمد الشرقاني ‪ :‬النظام القانوني للمفاوضة الجماعية " الحوار االجتماعي " الطبعة ‪ 2178‬ص ‪789‬‬

‫‪18‬‬
‫فإضافة إلى الحصول على ‪ %4‬على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين‬

‫العمومي و الخاص نجد مدونة الشغل اعتمدت معيار أخر لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا على الصعيد‬

‫الوطني و هو معيار الاستقلال الفعلي للنقابة و القدرة التعاقدية للنقابة ‪ ,‬فالاستقلال الفعلي للنقابة يعتبر‬

‫من المعايير النوعية التي أخذت به مجموعة من التشر يعات المقارنة كالتشر يع الفرنسي ‪ ,‬على خلاف القدرة‬

‫التعاقدية للنقابة و الذي لا نجده في التشر يعات المقارنة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬معيار الاستقلال الفعلي‬

‫يعتبر معيار الاستقلالية النقابية إحدى المعايير المعتمدة دوليا لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا‪ ,‬فالمقصود‬

‫بالاستقلالية هنا‪ ,‬استقلال النقابة المهنية اتجاه المشغل و السلطة العمومية‪ ,‬و هذا المعيار بدوره يثير‬

‫مجموعة من الملاحظات يمكن إجمالها فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬إن معيار" الاستقلال الفعلي للنقابة " قد جاء فضفاضا يتعذر ضبطه سواء فيما يتعلق بمصداقية ذلك‬

‫الاستقلال من خلال كلمة الفعلي أو فيما يتعلق بالجهة المراد الاستقلال عنها‪ ,‬هل المشغل أم السلطة‬

‫العامة أم الأحزاب السياسية أو النقابات الأخرى نفسها‪ ,‬و يمكن أن نقول نفس الأمر بخصوص‬

‫المشرع الفرنسي فيما يخص هذا المعيار إذ بالرجوع للفصل ‪ L-2121-1‬نجده استعمل عبارة "‬

‫‪" L'indépendance‬‬

‫‪13‬‬
‫أو من السلطة الحكومية‬ ‫‪ -‬إن النقابات المهنية قد تحصل على دعم مالي أو مادي من صاحب العمل‬

‫مما يثير هنا مسألة الاستقلالية ‪ ,‬خصوصا أن منظمة الشغل الدولية تعتبر أنه من الضروري الحفاظ في‬

‫‪ 13‬لقد اعتبر االجتهاد القضائي الفرنسي أن تقديم المساعدة المادية للنقابة من طرف رب العمل يؤدي الى خضوعها ألهوائه و توجيهاته‬
‫‪Cass soc 31 janvier 1973 Bull civ numéro 50‬‬
‫‪19‬‬
‫كل دولة على حر ية و استقلالية التمثيلية النقابية لتمكين هذه الأخيرة من القيام بمهامها الاقتصادية و‬

‫الاجتماعية على الخصوص في إطار استقلالية عن التغييرات السياسية التي من شأنها أن تقع ‪. 14‬‬

‫‪ -‬من الصعب الم نقل من المستحيل ‪ ,‬إتباث الاستقلالية النقابية و الالتزام بها في بلد كالمغرب‪ ,‬إذ‬

‫باستثناء الاتحاد المغربي للشغل الذي تتسم مواقفه بنوع من الاستقلالية فان باقي المركز يات النقابية‬

‫مرتبطة حزبيا بحزب من الأحزاب وقادتها يتولون مراكز قيادية في هذه الأحزاب بشكل يصعب معه‬

‫التمييز بين مواقف المنظمة المهنية و الحزب المرتبطة به أو المرتبط بها‪.‬‬

‫‪ -‬كما أنه من جهة أخرى كيف يمكن تقيم مدى الاستقلال الفعلي لنقابة معينة‪ ,‬فهل سيخضع للسلطة‬

‫التقدير ية للوزارة المكلفة بالتشغيل؟ خصوصا أنه يمكن القول أن هذا سيضعها في مأزق كبير إزاء‬

‫المركز يات النقابية فيما يخص قياس درجة الاستقلال‪.15‬‬

‫‪ -‬إذا كانت النقابات المغربية قد استطاعت أن تستقل عن الأجهزة الحكومية المكلفة بالشغل إلى أقصى‬

‫الحدود ‪ ,‬و ذلك من خلال تقليص تدخل هذه الأخيرة ‪ ,‬سواء على مستوى التأسيس أو على مستوى‬

‫التسيير أو التنظيم ‪ ,‬أو على مستوى الحل ‪ ,‬بشكل يحترم مبدأ الحر ية النقابية‪ ,‬فإنها لم تستطع تحقيق‬

‫استقلال فعلي عن الأحزاب السياسية ‪ ,‬إذا رغم مغالاة النقابات و المسؤولين النقابيين في تأكيد ذلك‬

‫على عدة مستو يات ‪ ,‬و في كل الخطابات الرسمية ‪ ,‬ومن خلال فصل العمل النقابي الممارس من لدنها‬

‫عن كل نشاط سياسي بشكل تام ‪ ,‬و هو الأمر الذي لم يستسغه العديد من الفقهاء الذين عبروا عن‬

‫صور ية هذا الاستقلال إما بالنظر إلى الصيرورة التار يخية للوجود النقابي المغربي ‪ ,‬و الذي يتضح منها‬

‫بجلاء الارتباط الوثيق بين النقابات و الأحزاب ‪ ,‬و إما بالنظر إلى واقع الممارسة النقابية التي لا تكاد‬

‫‪14‬‬
‫‪Résolution de la conférence internationale du travail concernant l’ indépendance du mouvement syndical‬‬
‫‪adopté le 26 juin 1952‬‬
‫‪ 15‬أحمد بودراع ‪ " :‬إشكالية تحديد النقابات األكثر تمثيال في القانون المغربي و القانون الدولي " مقال منشور بمجلة القانون المغربي العدد ‪, 9‬‬
‫أكتوبر ‪ 2112‬ص ‪18‬‬

‫‪20‬‬
‫تخلوا من مساندة سياسية أو بالأحرى كتلة سياسية معينة ‪ ,‬بل أن هذه المساندة تصل إلى حد الانخراط‬

‫‪17‬‬
‫‪ ,‬الذي أكد‬ ‫في تحمل المسؤولية ضمن حزب من الأحزاب‪ .16‬و قد عبر عن هذه الحقائق بعض الفقه‬

‫أن النقابات العمالية بالمغرب تحوم حول الأحزاب السياسية ‪ ,‬سواء كانت جزء منها أو زعمت أنها‬

‫مستقلة و أكثر من ذلك أنها من العمال و إليهم تنتسب الشيء الذي يجعل معيار الاستقلالية بالمغرب‬

‫أمر وهيا في واقع الممارسة النقابية بالمغرب ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬القدرة التعاقدية للنقابة‬

‫نجد أن المشرع المغربي اعتبر القدرة التعاقدية للنقابة كمعيار ثالث لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا على‬

‫المستوى الوطني و جدير بالذكر هنا أن المشرع المغربي في مشروع مدونة الشغل لسنة ‪ 9111‬لم يكن‬

‫‪18‬‬
‫يعتمد معيار القدرة التعاقدية بل معيار أخر و يتعلق الأمر هنا ب"مستوى الاشتراكات المؤذاة فعلا "‬

‫الذي أخد به المشرع الفرنسي‪ ,‬و إن كنا نرى أن هذا المعيار كان من شأنه أن يطرح العديد من‬

‫الإشكاليات فيما يتعلق بالطر يقة و الجهة التي ستشرف على الاشتراكات خصوصا أن هذا يتعارض مع‬

‫الضمانات الممنوحة للنقابة فيما يتعلق بالاستقلال المالي إلى غير ذلك من الإشكالات‪ ...‬فنحن من‬

‫وجهة نظرنا نعتبر هذا المعيار أكثر مصداقية من معيار الاشتراكات المؤذاة فعلا‪.‬‬

‫فمعيار القدرة التعاقدية للمقاولة قد يقدر بالاتفاقيات الجماعية المبرمة على المستوى الوطني ‪ ,‬القطاعي‪ ,‬أو‬

‫على مستوى المقاولة أو المؤسسة مما من شأنه أن يعكس لنا الكثافة النقابية و مساهمتها في تحسين و‬

‫تطوير قانون الشغل الإتفاقي ‪ .‬و يمكن أن نبرز قدرة النقابة التعاقدية من خلال مجمل الصلاحيات‬

‫‪ 16‬محسن ماني ‪ :‬الممثل النقابي في ضوء مدونة الشغل ‪ ,‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون و المقاولة " كلية العلوم القانونية و االقتصادية و‬
‫االجتماعية مكناس ‪ 2171-2115‬ص ‪29‬‬
‫‪ 17‬ذ‪ .‬الحسين و القيد ‪ :‬الوجيز في القانون االجتماعي المغربي ‪ ,‬الطبعة األولى ‪ , 2112‬ص ‪29‬‬
‫‪ 18‬راجع بهذا الخصوص ‪:‬‬
‫‪Abdellah Boudahrain , Le droit du travail au Maroc Tome II Société d'édition et de diffusion Al Madariss‬‬
‫‪2005, P.‬‬ ‫‪366‬‬

‫‪21‬‬
‫المخولة لها و الأهداف المرسومة لها بمقتضى مدونة الشغل ‪ ,‬فإذا كان أصل هذه الأخيرة ينطلق من‬

‫ضمان الحدود الدنيا لفائدة الأجراء ‪ ,‬فهذا لا يعني أن الأمر يتوقف عندها بل يمكن تجاوز مجمل أحكامها‬

‫بمقتضى الأنظمة الأساسية أو عقو د الشغل أو الاتفاقيات الجماعية أو الأنظمة الداخلية التي تتضمن‬

‫أكثر إفادة للأجير‪ .‬و بالتالي فالتمثيلية النقابية يمكن أن تلعب أدوار جد ايجابية على مستوى النهوض‬

‫بأوضاع الأجراء من خلال إبرام اتفاقية جماعية أو ثنائية مع المشغلين ‪ ,‬تتجاوز بكثير مقتضيات المدونة ‪,‬‬

‫و هو أمر يتطلب قدرة على المحاورة و الإقناع متميزة بطبيعتها و أيضا امتلاك وسائل ضغط معينة ‪ ,‬من‬

‫أجل حث المشغل على الاستجابة للمطالب النقابية و تجسيدها على أرض الواقع من خلال اتفاقيات‬

‫مكتوبة ‪. 19‬‬

‫كما تبرز أهمية قدرة النقابة التعاقدية من خلال مجمل المواقف التي تبديها منها الاستشارات التي تطلب‬

‫منها‪ ,‬خاصة التي تطلبها السلطة الحكومية من أجل إصدار النصوص التنظيمية هذا إلى جانب العقود و‬

‫الاتفاقيات التي تبرمها مع جهات معينة‪.‬‬

‫وهكذا يمكن القول أن هذا المعيار يختزل موضوعية في طياته ‪ ,‬و ذلك من خلال القدرة على قياس‬

‫هذا ا لمعيار بشكل مكتف و متنوع و سهل ‪ ,‬إذ يكفي مجمل الاتفاقيات الجماعية و الثنائية التي أبرمتها‬

‫التمثيلية النقابية في هذا الإطار ‪.‬‬

‫و على هذا الأساس يمكن القول أن المشرع المغربي أحسن صنعا عندما وضع ثلاث معايير لتحديد‬

‫النقابات الأكثر تمثيلية على المستوى الوطني و على مستوى المقاولة و إن كان نعتبر من وجهة نظرنا أن‬

‫معيار " الاستقلال الفعلي للنقابة " يمكن تجاوز بحيث أن هذه الاستقلالية مسألة مفترضة سواء عند‬

‫محسن ماني ‪ :‬الممثل النقابي في ضوء مدونة الشغل ‪ ,‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون و المقاولة " كلية العلوم القانونية و االقتصادية و‬ ‫‪19‬‬

‫االجتماعية مكناس‪ ,‬السنة الجامعية ‪ 2171-2115‬ص ‪24‬‬

‫‪22‬‬
‫تأسيس المنظمة النقابية أو عند ممارسة نشاطها بل أكثر من ذلك فمدونة الشغل أشارت إلى مسألة‬

‫‪20‬‬
‫منها و هو نفس النهج الذي تسير فيه منظمة الشغل الدولية ‪ ,‬خلافا للمعيار‬ ‫الاستقلالية في المادة ‪312‬‬

‫الأول الذي يمكن الفصل فيه بشكل حازم و حاسم ‪ .‬فمدا عن المعايير المعتمدة لتحديد النقابات الأكثر‬

‫تمثيلا على مستوى المقاولة أو المؤسسة هل تتطلب نفس المعايير ؟‬

‫ثانيا ‪ :‬معاير التمثيلية النقابية على صعيد المقاولة أو المؤسسة‬

‫لقد حدد المشرع المغربي في الفقرة الثانية من المادة ‪ 611‬معيار يين لتحديد المنظمات النقابية الأكثر‬

‫تمثيلا على مستوى المقاولة أو المؤسسة هما‪:‬‬

‫‪ -‬الحصول على نسبة ‪ %31‬على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين على صعيد المقاولة أو‬

‫المؤسسة‬

‫‪ -‬القدرة التعاقدية للنقابة‬

‫باستقرائنا للفقرة الثانية من هذه المادة فأول ملاحظة تثير انتباهنا هي أن المشرع اكتفى بمعيار يين فقط‬

‫‪ ,‬و يكون بالتالي قلص من المعايير المعتمدة لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا على صعيد المقاولة أو المؤسسة‬

‫‪ ,‬فنجد المشرع اعتمد معيار نتائج الانتخابات المهنية كما هو الشأن عند تحديد النقابات الأكثر تمثيلا على‬

‫المستوى الوطني إلى جانب معيار القدرة التعاقدية و تم تجاوز معيار الاستقلالية النقابية ‪ ,‬ل كن يبقى‬

‫السؤال المطروح هنا على ماذا تعتمد هذه القدرة التعاقدية على مستوى المقاولة ؟ و ما غايتها ؟ و هل‬

‫تهدف إلى إبرام الاتفاقيات الجماعية خصوصا أن مدونة الشغل تعطي هذا الحق للنقابات الأكثر تمثيلا‬

‫فقط ؟‬

‫‪20‬يمنع على المنظمات المهنية للمشغلين ولألجراء أن تتدخل في شؤون بعضها البعض‪ ،‬سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة فيما يخص تكوينها‬
‫وتسييرها وإدارتها‪ .‬يعتبر من بين أعمال التدخل المشار إليها في الفقرة أعاله‪ ،‬كل إجراء يرمي إلى إنشاء نقابات لألجراء يهيمن عليها المشغل أو‬
‫من ينوب عنه‪ ،‬أو منظمة من منظمات المشغلين‪ ،‬أو يهدف إلى تقديم دعم مالي أو غيره لهذه النقابات‪ ،‬قصد وضعها تحت مراقبة المشغل أو‬
‫منظمة من منظمات المشغلين ‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪ -9‬الحصول على نسبة ‪ %31‬على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين على صعيد المقاولة أو‬

‫المؤسسة‬

‫فالمشرع هنا حافظ على معيار نتائج الانتخابات المهنية لإضفاء صفة النقابة الأكثر تمثيلا ‪ ,‬فنعتبر من‬

‫وجهة نظرنا أن نسبة ‪ %31‬تبقى نسبة مرتفعة و بالتالي تبقى مسألة بلوغها نوعا ما صعبة خاصة في‬

‫المقاولات التي تعرف تعدد النقابات داخلها هذا من جهة ‪,‬و من جهة أخرى حتى و لو افترضنا بلوغ‬

‫هذه النسبة ‪ ,‬فإننا لن نكون أمام تعددية نقابية كون أن نسبة ‪ %31‬لا يمكن الحصول عليها لأكثر من‬

‫نقابتين على خلاف نسبة ‪ %4‬المعتمدة لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني التي تعتبر‬

‫نسبة مرنة‪ .‬و بناءا عليه تكون المادة ‪ 611‬من م‪.‬ش ‪ ,‬في فقرتها الثانية ‪ ,‬قد أخلت بمبدأ التعددية‬

‫النقابية ‪ ,‬طالما أننا هنا أمام ثنائية نقابية و ليس تعددية نقابية‪.‬‬

‫كما أننا نؤكد على تشدد المشرع المغربي من خلال فرض هذه النسبة لاعتبارات عدة ‪ ,‬في مقدمتها‬

‫واقع الممارسة الثقافية و النقابية لدى الفئة الشغيلة بالمغرب ‪ ,‬و المتسمة بنوع من الضعف بحيث إن‬

‫أغلب مندوبو الأجراء يفضلون الترشح بصفة مستقلة بعيدا عن أي اسم نقابي ‪ ,‬و هو ما كان يفرض نوع‬

‫من الليونة في تحديد هذه النسبة‪.‬‬

‫‪ -1‬القدرة التعاقدية للنقابة‬

‫أما على مستوى المعيار الثاني المتمثل في القدرة التعاقدية ‪ ,‬الذي اعتمده المشرع المغربي لتحديد النقابات‬

‫الأكثر تمثيلا على صعيد المقاولة و على الصعيد الوطني‪ ,‬فأول سؤال يمكن طرحه في هذا الصدد ‪ ,‬هو ما‬

‫الغاية من وجود هذا المعيار على الصعيد الوطني من جهة و على صعيد المقاولة من جهة أخرى ؟‬

‫فالغاية من هذا التمييز تتجلى أساسا من خلال نوعية التعاقدات التي تجيريها هذه التمثيلية النقابية سواء‬

‫على الصعيد الوطني أو على صعيد المقاولة‪ ,‬و بالتالي فان اعتماد نفس المعيار لتحديد النقابات الأكثر‬

‫‪24‬‬
‫تمثيلا على صعيد المقاولة و على الصعيد الوطني‪ ,‬لا يعني وحدته كما الشأن في التشر يع الفرنسي الذي‬

‫‪21‬‬
‫‪ ,‬و إنما يتم التميز فيه بين‬ ‫يجعل من التمثيلية النقابية على الصعيد الوطني هي كذلك على صعيد المقاولة‬

‫نوعية و مجال هذه التعاقدات التي أجرتها النقابة ‪ ,‬فللقول بتمثيلية هذه الأخيرة على صعيد المقاولة يتم‬

‫النظر إلى مجمل الاتفاقيات و المفاوضات التي أجرتها على صعيد المقاولة ‪ ,‬أما على الصعيد الوطني فيتم‬

‫النظر إلى قدرتها التعاقدية بصفتها نقابة أكثر تمثيلا على الصعيد الوطني هذا إلى جانب كونها أكثر‬

‫كفاءة لإبرام اتفاقيات متعددة بالنظر إلى المجالات التي يكون حضورها و استشارتها فيها ضرور يا‪.‬‬

‫و هكذا يمكن القول أن المشرع المغربي في مدونة الشغل و بخلاف التشر يعات المقارنة – التشر يع‬

‫الفرنسي ‪ -‬وضعت معايير هامة و أساسية لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا و تتمثل هذه المعايير في ‪:‬‬

‫‪ -‬نتائج الانتخابات المهنية‬

‫‪ -‬القدرة التعاقدية للنقابة‬

‫‪ -‬الاستقلال الفعلي للنقابة‬

‫و كخلاصة القول يكون المشرع المغربي قد عمل من خلال مدونة الشغل على سد الفراغ التشر يعي الذي‬

‫كان حاصلا في ظل ظهير ‪ 9112‬باعتماده معايير مضبوطة لتحديد المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا‪,‬‬

‫وطنيا و على صعيد المقاولة هذه الأخيرة التي لها عدة اختصاصات و مزايا سنتناولها في المطلب الموالي ‪:‬‬

‫المحور الثاني ‪ :‬اختصاصات و مزايا النقابات الأكثر تمثيلا‬

‫إن النقابات الأكثر تمثيلا باعتبارها تعكس تمثيلا حقيقيا للأجراء‪ ,‬فان جل التشر يعات بما في ذلك‬

‫التشر يع المغربي منحتها مجموعة من الاختصاصات ‪ ,‬إذ أن هذه الأخيرة تتمتع في ظروف محدودة بمجموعة‬

‫‪21‬‬
‫‪Mialon Marie-France : Les relations collectives dans l’ entreprise. LG. D.J Edition 1999 . P 41‬‬
‫‪25‬‬
‫من الامتيازات تملك بمقتضاها صلاحية ممارسة بعض المهام سواء على المستوى الدولي " أولا " أو على‬

‫المستوى الوطني " ثانيا " ‪.‬‬

‫أولا ‪ :‬على الصعيد الدولي‬

‫تحظى النقابات الأكثر تمثيلا على المستوى الدولي بمجموعة من الاختصاصات و المزايا يمكن إجمالها فيما‬

‫يلي‪:22‬‬

‫‪23‬‬
‫الذي يعد‬ ‫‪ -‬تحظى النقابات الأكثر تمثيلا بميزة الحضور و المشاركة في أشغال المؤتمر الدولي للشغل‬

‫أهم وأبرز المنتديات الدولية المعنية بالسياسات العمالية إذ تجتمع وفود الدول الأعضاء في المنظمة‬

‫الدولية من كل عام في شهر يونيو لمناقشة تقرير المدير العام للمنظمة‪ ،‬والمعلومات والتقارير المعنية بتنفيذ‬

‫الاتفاقيات و معايير العمل الدولية‪ ،‬وذلك كبنود دائمة في كل اجتماع و اعتماد معايير العمل الدولية‪،‬‬

‫ومراجعة الالتزام بها وبتطبيقها‪.‬‬

‫‪ -‬كما تحظى النقابات الأكثر تمثيلا بميزة الحضور و المناقشة في أشغال مؤتمر العمل العربي لمنظمة العمل‬

‫العربية إذ تجتمع الدول الأعضاء في منظمة العمل العربية مرة كل سنة من شهر مارس أو أبر يل بمقر‬

‫المنظمة بجمهور ية مصر العربية أو في بلد عربي آخر وافق على استضافة أشغال المؤتمر هذا و يتم تسيير و‬

‫تنظيم مؤتمر العمل العربي وفق نفس مبادئ وطرق اشتغال مؤتمر الدولي للعمل‪.‬‬

‫‪22‬بالل العشيري ‪:‬النقابات المهنية بالمغرب – دراسة مقارنة ‪ , -‬دار أبي رقراق للطباعة و النشر ‪ ,‬الطبعة األولى ‪ ,2172‬ص‪44‬‬
‫‪23‬‬
‫‪La charte de l OIT par son article 3 , paragraphe 5 dispose que « les membres s’engagent à designer les‬‬
‫‪délègues et conseillers non techniques non gouvernementaux d’accord avec les organisations professionnels les‬‬
‫‪plus représentatives soit des employeurs soit des travailleurs » à la conférence international du travail.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ -‬تنخرط النقابات الأكثر تمثيلا في ال كونفدرالية النقابية الدولية التي تتمتع بوضع استشاري لدى هيئة‬

‫الأمم المتحدة و تعمل بشكل وثيق مع منظمة الشغل الدولية وعدة وكالات متخصصة تابعة لهيئة‬

‫الأمم المتحدة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬على الصعيد الوطني‬

‫لقد عمل المشرع المغربي من خلال مدونة الشغل على تنظيم النقابات الأكثر تمثيلا من خلال مادة‬

‫فريدة تحدث فيها عن المعايير المعتمدة لاكتساب صفة منظمة نقابية الأكثر تمثيلا ‪ ,‬و باستقراء مدونة‬

‫الشغل نجدها أولت للمنظمات النقابية الأكثر تمثيلا مجموعة من المزايا و الاختصاصات يمكن إجمالها‬

‫فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬النقابات الأكثر تمثيلا الحاصلة على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات المهنية على مستوى‬

‫المقاولة أو المؤسسة لها الحق في تعيين من بين أعضاء المكتب النقابي بالمقاولة أو المؤسسة ممثلا أو ممثلين‬

‫نقابيين لها ‪ ,‬و حسب المادة ‪ 624‬من مدونة الشغل ‪ ,‬فان عدد الممثلين النقابيين يتراوح ما بين ممثل‬

‫واحد و ‪ 4‬ممثلين‪.‬‬

‫‪ -‬في إطار دعم النهوض بالمفاوضة الجماعية والتشجيع على إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية‪ ,‬فمن جهة الأجراء‬

‫فقط المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا التي لها الحق في إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية حسب المادة ‪946‬‬

‫‪24‬‬
‫إذ يتم تعيين ‪2‬‬ ‫من مدونة الشغل ‪ ,‬تم أنها حسب المادة ‪ 949‬تدخل في تشكيل مجلس المفاوضة الجماعية‬

‫‪25‬‬
‫و تتمثل مهام هذا المجلس أساسا في تقديم اقتراحات من أجل‬ ‫ممثلين عن المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا‬

‫قد تم تنظيم هذا المجلس بمقتضى المواد من ‪ 303‬إلى ‪ 301‬من مدونة الشغل‬ ‫‪24‬‬

‫مرسوم رقم ‪ 972.18.2‬صادر في ‪ 79‬من ذي القعدة ‪ 25 " 7829‬ديسمبر ‪ " 2118‬بتحديد عدد أعضاء مجلس طب الشغل والوقاية من‬ ‫‪25‬‬

‫األخطار المهنية و طريقة تعيينهم و كيفية تسيير المجلس ‪ ,‬جريدة رسمية عدد ‪ 9215‬بتاريخ ‪ 27‬دو القعدة ‪2 " 7829‬يناير ‪ " 2119‬الصفحة ‪298‬‬
‫‪27‬‬
‫تنمية المفاوضة الجماعية‪ ,‬و تقديم اقتراحات بشأن تشجيع إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية وتعميمها‪ ،‬و إبداء‬

‫الرأي حول تفسير بنود اتفاقية شغل جماعية كلما طلب منه ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬كما أن المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا تعتبر عضوا في مجلس طب الشغل و الوقاية من المخاطر المهنية‬

‫المحدث بمقتضى المادة ‪ 331‬من مدونة الشغل ‪ ,‬إذ يتم تعيين ‪ 94‬ممثلين عن المنظمات المهنية للمشغلين‬

‫‪26‬‬
‫و تتجلى مهام مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية في‬ ‫الأكثر تمثيلا‪ ،‬تنتدبهم هذه المنظمات‬

‫تقديم اقتراحات وآراء من أجل النهوض بمفتشية طب الشغل‪ ،‬والمصالح الطبية للشغل‪ ،‬وفي كل ما يخص‬

‫حفظ الصحة والسلامة المهنية والوقاية من حوادث الشغل والأمراض المهنية‪.‬‬

‫‪ -‬كما أن المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا يعهد إلى استشارتها بشأن مقاولات التشغيل المؤقتة كما تدخل في‬

‫تكوين اللجنة المختصة المتعلقة بمقاولات التشغيل المؤقتة إذ يتم تعيين ‪ 4‬ممثلين عن المنظمات النقابية للأجراء‬

‫الأكثر تمثيلا بصفتهم ممثلين عن المنظمات النقابية للأجراء ‪. 27‬‬

‫إذن و كنتيجة لما سبق يمكن القول أن المشرع المغربي بمقتضى مدونة الشغل أعطى للتمثيلية النقابية أهمية‬

‫خاصة لم تكن تحضا بها في ظل ظهير ‪ , 9112‬و أصبحت هذه الأخيرة تتمتع بعدة مهام دوليا و كذا وطنيا‬

‫من خلال المهام الاستشار ية للنقابات الأكثر تمثيلا في مختلف المجالس المحدثة بمقتضى مدونة الشغل‪.‬‬

‫و قبل الانتقال للحديث عن الدور الذي تلعبه التمثيلية النقابية في تفعيل الحوار الاجتماعي كان لابد من‬

‫الخروج بمفهوم للتمثيلية النقابية في ظل غياب تعر يف لهذا المفهوم في مدونة الشغل التي أشارت فقط إلى‬

‫المعايير المعتمدة لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا كما سبق الإشارة إلى ذلك ‪ ,‬إذ أن بعض الفقه المغربي اعتبر أن‬

‫‪ 26‬مرسوم رقم ‪ 829.18.2‬صادر في ‪ 79‬من دي القعدة ‪ 25 " 7829‬ديسمبر ‪ "2118‬بتحديد عدد أعضاء مجلس المفاوضة الجماعية و كيفية‬
‫تعيينهم و طريقة تسيير المجلس‪ ,‬جريدة رسمية عدد ‪ 9215‬بتاريخ ‪ 27‬دو القعدة ‪2 " 7829‬يناير ‪ " 2119‬الصفحة ‪9‬‬
‫‪ 27‬مرسوم رقم ‪ 898.18.2‬صادر في ‪ 79‬من دي القعدة ‪ 25 " 7829‬ديسمبر ‪ "2118‬بتحديد تكوين و طريقة عمل اللجنة المختصة المتعلقة‬
‫بمقاوالت التشغيل المؤقت‪ ,‬جريدة رسمية عدد ‪ 9215‬بتاريخ ‪ 27‬دو القعدة ‪2 " 7829‬يناير ‪ " 2119‬الصفحة ‪1‬‬
‫‪28‬‬
‫" المقصود بالنقابات الأكثر تمثيلا كل النقابات التي تعكس تمثيلا حقيقيا لعمال المهنة لتكتسب بفعل هدا‬

‫الوجود الحقيقي بين الأجراء اعتراف القانون بها ‪ ,‬اعتبارها منظمات مؤهلة لتمثيل المهنة في مواجهة السلطات‬

‫العامة ‪ ,‬و في مواجهة المشغلون في المحيط النقابي الوطني أو الدولي "‬

‫‪29‬‬
‫مسطرة الفصل التأديبي للأجير بين القانون المغربي و المقارن‬

‫محمد أنور مسعود‬

‫باحث في القانون الخاص‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫يعتبر قانون الشغل أهم قانون يحمي مصالح الأجير الطرف الضعيف في علاقات الشغل‪ ،‬لذا فقانون‬

‫الشغل هو مجموعة من القواعد القانونية التي تكون قائمة بين المشغلين والأجراء الذين يشتغلون تحت‬

‫إشرافهم ورقابتهم مقابل أجر‪،‬ل كن حينما يتعلق الامر بفصل الأجير عن عمله يتعلق الامر هنا إما‬

‫لأسباب اقتصادية لا يمكن حلها إلا عبر مدة طو يلة أو عندما يختل الأجير لشرط من شروط‬

‫العمل التي اشترطها عليه مشغله أو تأخر أو تهاون في عمله أو لعدة أسباب أخرى‪ ،‬فيتعرض الأجير‬

‫للطرد بشكل تعسفي من طرف مشغله‪.‬‬

‫ففي ظل التطورات التي عرفها الشغل و سيادة التكنولوجيا الصناعية وحلولها محل القوة اليدو ية‪،‬‬

‫فإن الحصول على منصب شغل أصبح أكثر صعوبة وتعقيدا لا من حيت الخبرات المطلوبة في الأجير‬

‫أو من حيت التنافسية ال كبيرة حول كل منصب شغل من قبل أعداد كبيرة من العاطلين‪ ،‬أضف‬

‫إلى ذلك التوجهات المتنامية ل كبر يات الشركات العالمية ولصغارها في تسريح أعداد كبيرة من العمال‬

‫في إطار مساعيها لإعادة الهيكلة المنبنية على التقليص من النفقات لأقصى حد ممكن لضمان نسب‬

‫عالية من التنافسية و تحقيق الإستمرار ية في جني الأرباح‪ ،‬ونظرا لخطورة هذه العقوبة التأدبية على‬

‫الحياة المهنية للأجير فقد أحاطها المشرع المغربي بجملة من الضمانات طر يقا إجرائيا واجب الإتباع‬

‫لتوقيع عقوبة الفصل عن العمل سيكون دا وقع كبير على الأجير و يأخد الفصل الذي يتعرض له‬
‫‪30‬‬
‫الاجير صورتين الصورة الأولى صورة الفصل التأديبي الذي يتخده المشغل في حق الأجير المرتكب‬

‫لخطأ جسيم و الصورة التانية الفصل التعسفي الذي يقوم فيه المشغل بفصل الأجير حتى ولو لم‬

‫يرتكب أي خطأ‪.‬‬

‫وعلى هذا الأساس لماذا يتعرض الأجير للفصل من العمل‪.‬؟ و ما طبيعة الخطأ المرتكب من طرف‬

‫هذا الأخير الذي يجعله يفقد عمله من طرف مشغله‪.‬؟ وإلى أي حد توفق المشرع المغربي في بسط‬

‫أجنحة الحماية للأجير عند تعرضه للفصل‪.‬؟‬

‫للإجابة عن هذه الأسئلة المطروحة ارتأيت ان اتناول هذا الموضوع وفق التصميم التالي‪:‬‬

‫المبحت الأول‪ :‬الأسباب المبررة للفصل التأديبي ومسطرته‬

‫المبحت الثاني‪ :‬مدى إلزامية مسطرة الفصل التأديبي‬

‫سأحاول من خلال هذين المبحثين بسط أهم القواعد و الإجراءات الواجب احترامها في حالة الفصل لارتكاب‬

‫الأجير لخطإ جسيم‪ ،‬مع إلقاء نظرة مقارنة لأوجه مقاربة التشر يعات المغاربية لمختلف نقاط الفصل التأديبي‪.‬‬

‫المبحت الأول‪ :‬الأسباب المبررة للفصل التأديبي ومسطرته‬

‫من البديهي أن يتعرض الأجراء للفصل جراء أي خطأ من طرفهم ذاخل أورقة العمل كالسرقة و‬

‫افشاء السر المهني و التحرش الجنسي‪ ...‬وهو ما يطلق عليه في قانون الشغل بالخطأ الجسيم (المطلب‬

‫الأول) ‪ ،‬ل كن المشرع المغربي قد أحسن صنعا حينما غل يد المشغل من اتخاذ قرار فصل الأجير‬

‫عن العمل جراء ارتكابه لأي خطأ كان وهو ما تحتم عليه اتباع مسطرتين عامة (المطلب الثاني)‬

‫وخاصة (المطلب التالث)‬

‫‪31‬‬
‫المطلب الاول‪ :‬الخطا الجسيم كسبب أساسي لإقاع الفصل التأديبي في حق الأجير‬

‫جرت العادة على أن إذا أخل الأجير بواجباته المهنية بعدم أداء العمل المطلوب منه بكل عناية أو ارتكب فعلا‬

‫يتعارض مع ما توجبه قواعد حسن النية أثناء تنفيذ التزاماته التعاقدية أو خالف مقتضيات النظام العام أو‬

‫عارض أوامر مشغله أو أي شخص أخرله سلطة القيام بذلك أو منع الأجراء الأخرين من أداء عملهم مثلا كأن‬

‫يقوم باحتجاجات ذاخل مقر العمل وخارجه‪ ،‬فإن ذلك يرتب مسؤولية تجاه مشغله ويسمح لهذا الأخير بأعمال‬

‫سلطته التأدبية المبنية على نظر ية التبعية القانونية التي ينتج مباشرة عن عقد الشغل‪ ،‬ومن أجل ضمان إستقرار‬

‫علاقة الشغل وازدهارها عمل المشرع على تركيز الحر ية المطلقة للمؤاجر ولم يتركهم يستعملوا هذه السلطة وقت ما‬

‫شاءوا‪.‬‬

‫وتندرج أنواع العقوبات المخولة للمشغل إيقاعها على الأجير المخطأ تبعا لطبيعة وحجم الخطأ غير الجسيم‬

‫المرتكب من طرف الأجير حسب ما نصت على ذلك المادة ‪ 32‬و ‪ 38‬من مدونة الشغل وفضلا‬

‫عن هذه العقوبات التأديبية فإن المشغل له سلطة فصل الأجير فصلا تأديبيا في حال ارتكاب هذا‬

‫الأخير لخطأ جسيم‪.‬‬

‫وقد ذهبت العديد من التشر يعات إلى مساءلة الأجير عن خطأه وإذا كان ناتجا عن إهمال منه‬

‫باعتباره ملزما ببذل ما يمكنه من تبصر وحيطته وهو ما نصت عليه المادة ‪ 289/18‬من قانون العمل‬

‫المصري الجديد وهو ما يأخذ به كذلك في ظل القانون اللبناني من خلال المادة ‪ 434‬التي تقضي بأن‬

‫الأجير لا يكون مسؤولا عن خطإه فقط بل يسأل عن إهماله وقلة تبصره وعدم حيطته‪.29‬‬

‫أما في إطار التشر يع المغربي فرغم انه لم يعطي تعر يفا للخطأ الجسيم إلا أنه حدد بعض الحالات‬

‫اعتبرها نماذج عن الأخطاء الجسيمة أوردها في المادة ‪ 31‬من مدونة الشغل على سبيل المثال لا‬

‫‪ :28‬المادة ‪ 7/94‬من قانون العمل المصري‪.‬‬


‫‪ :29‬المادة ‪ 929‬من مدونة الشغل اللبناني‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫الحصر‪ ،‬وتنص الفقرة ‪ 91‬منها‪ ":‬إلحاق ضرر جسيم بالتجهيزات أو المواد الأولية عمدا أو نتيجة إهمال‬

‫فادح ‪ "....‬وبقراءة الخطأ المنصوص في المادة ‪ 31‬من مدونة الشغل خاصة الفقرة ‪ 91‬منها ومقارنة‬

‫بالأخطاء الجسيمة ‪ 96‬التي نص عليها الفصل السادس من ظهير ‪ 68‬نجد أن المشرع في المدونة قيد‬

‫بعض الأخطاء التي كانت عامة ومنها الحكم الصادر عن المحاكم العادية‪ ،‬وحصر السبب في ارتكاب‬

‫جنحة ماسة بالشرف و الأمانة و الأداب العامة على أن يصدر بشأنها حكم نهائي وسالب الحر ية‪.‬‬

‫وما يلاحظ من جديد في مدونة الشغل أن المشرع ربط بعض الأفعال بالنتائج التي يمكن أن تترتب‬

‫عنها في تكييف أخطاء على أنها جسيمة أي أنها ترتبط بالنتيجة التي أدت إليها ومدى خطورتها‪،‬‬

‫بحيت مثلا يجب أن ينتج عن إفشاء السر المهني ضرر للمقاولة أو أن عدم مراعاة حفظ الصحة و‬

‫السلامة أدى إلى خسارة وترتب عنه ضرر بتجهيزات ومعدات المؤسسة‪ ،‬وقد أضافت المدونة بعض‬

‫الأخطاء التي اعتبرتها جسيمة كتعاطي مادة مخذرة و التحر يض على الفساد‪ ،‬وهذا التوجه الجديد‬

‫كذلك قد يطرح إشكالات على مستوى التطبيق إذ قد يحصل التحر يض على الفساد من زميل‬

‫للأجيرة وليس للمشغل الصفة في رفع الدعوة‪ ،‬ويمكن أن يكون التحر يض على الفساد من أجير‬

‫لمشغلته‪ ،‬إلا أن الأكثر شيوعا هو التحر يض من قبل المشغل ضد الأجيرة نظرا لمركزه وسلطته‪،‬ففي‬

‫حالة مغادرة الأجيرة للعمل بعد أن تبين تحر يضها على الفساد يكون الفعل تعسفيا وموجبا‬

‫للتعو يض‪،‬إن الفصل التأديبي باعتباره فعلا مشروعا يفقد الأجير ل كثير من حقوقه وامتيازاته‪ ،‬لذلك‬

‫حرص المشرع على إحاطته بمجموعة من الضمانات‪ ،‬فأين تكمن هذه الضمانات؟ هذا ما سأتصدى له‬

‫في (المطلب التاني)‬

‫المطلب التاني‪:‬المسطرة العامة للفصل التأديبي‬

‫‪33‬‬
‫شهدت مسطرة لفصل عن العمل العديد من التطورات في ظل مدونة الشغل الجديدة بالمقارنة مع ما كان عليه‬

‫الوضع في ظل النظام النمودجي الذي كان الفصل ‪ 4‬منه هو المنظم لمسطرة الفصل عن العمل في قطاعات‬

‫الصناعة و التجارة و المهن الحرة‪ ،‬أما فصل العمال في قطاع الزراعة فكانت تؤطره مقتضيات قانونية خاصة‬

‫(مرسوم ‪ 4‬فبراير ‪ )9121‬وكذلك الشأن بالنسبة لمستخدمي مقاولات القطاع العام (الفصل ‪ 16‬من مرسوم‬

‫‪ 96‬نونبر ‪ .)9143‬إذ أنه بعد مصادقة المغرب على الإتفاقية الدولية للشغل رقم ‪ 918‬بموجب ظهير ‪ 9113‬و‬

‫المنظمة لمسطرة خاصة‪ ،‬دقيقة وجديدة للفصل عن العمل سعى المغرب إلى جعل تشر يعه الذاخلي مطابقا لتلك‬

‫الإتفاقية‪ ،‬من خلال إدراج أهم مقتضياتها في المادة ‪ 41‬وما بعدها من مدونة الشغل لإحاطة الفصل التأديبي‬

‫بجملة من الإجراءات الواجب على المشغل احترامها وإلا اعتبر الفصل تعسفيا‪.‬‬

‫وقد نظمت المسطرة العامة للفصل التأديبي التي تهم عموم الأجراء مدونة الشغل في موادها‬

‫(‪.)41_46_43_41‬ونظرا لما يتمتع به المشغل من سلطة تأديبية فإنه إذا تبث له كون الأجير‬

‫ارتكب خطأ جسيم فإن له حق فصله عن العمل‪ ،‬ونظرا لخطورة هذه العقوبة على الأجير الذي يجد‬

‫نفسه دون عمل تدخل المشرع و أنشأ قاعدة تتمحور في أن المشغل الراغب في الفصل التأديبي عليه‬

‫قبل اتخاد هذا القرار التقييد ببعض الإجراءات الشكلية التي نصت عليها المدونة في المواد ‪41_41‬‬

‫ونميز في إطار هذه الإجراءات بين مرحلتين مرحلة الإستماع إلى الأجير(الفقرة الأولى)‪،‬ومرحلة‬

‫تسليم المقرر(الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة الأولى‪:‬مسطرة الإستماع إلى الأجير‬

‫أولا‪:‬الإستماع إلى الأجير (حق الدفاع)‬

‫في هذا الإطار نصت مدونة الشغل في الفصل ‪ 41‬على وجوب أن تتاح للأجير فرصة الدفاع عن‬

‫نفسه قبل فصله وذلك بالإستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء‬

‫‪34‬‬
‫او الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه وذلك ذاخل أجل لا يتعدى ‪ 8‬أيام من التاريخ‬

‫الذي تبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه و يحرر محضر في الموضوع من قبل إدارة المقاولة يوقعه‬

‫الطرفان وتسلم نسخة منه إلى الأجير وإذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة يتم اللجوء إلى‬

‫مفتش الشغل‪.30‬ولقد كان موقف المشرع المغربي إ يجابيا عند تخو يله للأطراف المتنازعة فرصة لمحاولة‬

‫فض النزاع حبيا‪ ،‬خاصة ما يمكن أن ينجم عن هذا الحوار و الإستماع من تفهم المشغل لحقيقة‬

‫الوضع وأيضا للظروف الدافعة بالأجير لإرتكاب الفعل المنسوب إليه‪.‬وذلك على غرار المشرع‬

‫الفرنسي الذي لم يقف عند حدود إلزام المشغل بالإشعار بالطرد بل ألح على ضرورة إجراء حوار بين‬

‫الطرفين قبل اتخاذ أي قرار بالطرد وهكذا ألزمت المادة ‪ 96_911‬المشغل أو ممثله الذي ينوي تسريح‬

‫الأجير قبل اتخاذ أي قرار باستدعاء المعني لإجراء المقابلة الأولية بين المشغل و الأجير المعني بعد‬

‫مرور ‪ 1‬أيام من تاريخ توصل الأجير بالإستدعاء‪ ،‬وقد نص القانون الفرنسي على اللقاء الذي يجر يه‬

‫صاحب العمل مع الأجير ليستعرض فيه المشغل على الأجير الأخطاء التي ارتكبها ويتلقى منه‬

‫الإجابات‪ ،‬وتعتبر مسطرة الإستماع إلى الأجير هي جوهر المسطرة لأن لقاء المشغل بالأجير يمكن أن‬

‫يوضح له أمورا كانت غائبة عليه وأنه في إطار دفاع الأجير عن نفسه يمكن أن يقدم لمشغله جميع‬

‫الإتباتات و يقنعه بكون الأخطاء المنسوبة إليه لا أساس لها من الصحة‪.‬‬

‫الفقرة التانية‪ :‬مسطرة تسليم مقرر الفصل‬

‫بعد تبوت ارتكاب الأجير للخطأ الجسيم وبعد سلوك مسطرة الإستماع إليه وتمكنيه من الدفاع عن نفسه بحضور‬

‫ممثل العمال وتحرير محضر بذلك يوقع عليه الطرفان يتم اللجوء مباشرة إلى ما يسمى بمسطرة تسليم مقرر الفصل‬

‫إلى الأجير‪.‬‬

‫‪:30‬الفصل ‪ 92‬من مدونة الشغل‪.‬‬


‫‪35‬‬
‫أولا‪:‬مقرر الفصل‬

‫‪:9‬ماهية مقرر الفصل‬

‫يمكن أن أعرف مقرر الفصل بأنه محرر كتابي يكون على شكل رسالة أومقرر يسلمه المشغل للأجير يبين له فيه‬

‫الأسباب التي أدت إلى فصله عن العمل‪،‬وكذلك جعلها المشرع الوسيلة التي يعلم بها بموجبها الأجير بفصله عن‬

‫العمل‪ ،‬وهو ما أكده المجلس الأعلى في قراره ‪..."9911‬الغاية من اشتراط المشرع أن يكون الطرد برسالة‬

‫مضمونة الوصول أو تسليم الأجير نسخة يدا بيد هو علمه بالطرد وسببه‪"...‬‬

‫‪:1‬مضمون مقرر الفصل ومرفقاته‬

‫تنص المادة ‪ 46‬من مدونة الشغل في فقرتها التانية ما يلي‪:‬‬

‫"‪...‬يجب أن يتضمن مقرر فصل الأجير للأسباب المبررة لإتخاذه‪،‬وتاريخ الإستماع إليه‪،‬مرفقا بالمحضر‬

‫المشار إليه في المادة ‪ 41‬أعلاه‪.31"..‬وعليه نجد أن المشرع قد أوجب من خلال هذه المادة على رب‬

‫العمل أن يتضمن في مقررالفصل الموجه للأجير الأسباب و المبررات التي تجعله يتخد ذلك القرار‬

‫بفصله عن العمل كما يجب أن يتضمن ذلك المقرر تاريخ الإستماع للأجير وذلك في إطار المادة ‪41‬‬

‫و يجب ذكر كل الأخطاء المنسوبة إليه بدقة حتى تتمكن المحكمة من بسط رقابتها على السلطة التأديبية‬

‫للمشغل‪ ،‬ومسألة التنصيص على الأخطاء المنسوبة للأجير في مقرر الفصل حرص عليها القضاء‬

‫المغربي حتى قبل صدور المدونة ويتجسد ذلك من خلال ما أكد عليه المجلس وذلك خلال قراره‬

‫الصادر بتاريخ ‪ 9111/44/93‬عدد ‪ 914‬الذي جاء فيه‪...":‬فإن رسالة الفصل التي يوجهها رب‬

‫العمل بصورة للأجير يجب أن تتضمن بصفة واضحة أسباب الطرد وتار يخه‪ ."...‬وفي الأخير يجب أن‬

‫تتضمن من خلال التنصيص على أجال تسعين يوما في المقرر حتى يتمكن الأجير من رفع دعواه ضد‬

‫‪:31‬الفقرة التانية من المادة ‪ 98‬من مدونة الشغل‪.‬‬


‫‪36‬‬
‫المشغل ذاخل الأجال المحددة يبتدئ سر يان هذا الأجال من تاريخ توصل الأجير بمقرر الفصل‪،‬‬

‫ز يادة على ذلك يجب إرفاق مقرر الفصل بصورة من محضر الإستماع المشار إليه في المادة ‪ 41‬من‬

‫مدونة الشغل‪.‬‬

‫تانيا‪ :‬تسليم أو تبليغ مقرر الفصل‬

‫كان المشرع المغربي ينص في إطار النظام النموذجي على أن المشغل أو المؤاجر ملزم بتسليم مقرر الفصل للأجير‬

‫يدا بيد مع إرسالية له مرة تانية بواسطة البريد المضمون مع إشعار بالتوصل وهو ما تراجع عنه في ظل مدونة‬

‫الشغل (قانون ‪ )41-11‬رغبة منه في تبسيط الإجراءات حيت اكتفى المشرع بإحدى الوسيلتين أي إما تسليم‬

‫المقرر يدا بيد أو رسالة بواسطة البريد المضمون مع إشعار بالتوصل وبإلقاء نظرة على التشر يعات المقارنة نجد أن‬

‫المشرع الجزائري كذالك نص على أن العامل الذي يتعرض للتسريح التأديبي يجب أن يتم إبلاغه بصفة رسمية‬

‫وكتابية بقرار الفصل سواء كان ذلك الفصل بإشعار مسبق وتعو يض التسريح أو بدونهما وذلك ما نصت عليه‬

‫الفقرة التانية من الفصل ‪ 1/23‬من قانون رقم ‪ 99-14‬و التي جاء فيها‪...":‬يجب أن تنص هذه الإجراءات‬

‫على التبليغ الكتابي لقرار التسريح‪.32"....‬‬

‫وكما نلاحظ أن المشرع أوجب على المشغل أن يوجه نسخة من المقرر إلى العنوان المكلف بتفتيش‬

‫الشغل دون أن يلزمه باتباع طر يقة خاصة للتيليغ و بخصوص أجال إصدار مقرر الفصل نلاحظ أن‬

‫المشرع المغربي لم يحدد أجالا معينة يتوجب على المشغل أن يتقيد بها لإصدار قراره بفصل الأجير‬

‫من العمل‪ ،‬ونقصد هنا الأجال بين ارتكاب الفعل أو الخطأ الجسيم من طرف الأجير وبين وقت‬

‫إصدار مقرر الفصل‪ ،‬وهذا عكس ما ذهب إليه المشرع الفرنسي حيت نص في مادته ‪ 96-9‬على أن‬

‫رسالة الفصل يجب أن توجه إلى الأجير في أجل أقصاه شهر بعد تاريخ إجراء أول حول الفصل‪.‬‬

‫‪:32‬الفقرة التانية من المادة ‪ 12‬من مدونة الشغل الجزائرية‪.‬‬


‫‪37‬‬
‫و يعد مقرر الفصل نقطة أساسية وتسليمه الأجير ألية لحماية الأجير من تعسف المشغل ومن جهة‬

‫أخرى وسيلة تبين مدى احترام المشغل لشكليات الفصل‪ ،‬وإذا كان المبدأ أو القاعدة هو احترام‬

‫شكليات مسطرة الفصل بكاملها حتى يكون الفصل مستوف لشروطه القانونية‪،‬إلا أن هناك بعض‬

‫الإستثناءات يمكن من خلالها أوتوفير شروطها أن يعفى المشغل من تبليغ مقرر الفصل وهي حالة‬

‫المغادرة التلقائية للعمل من قبل الأجير وكذا حالة المرأة الحامل المنصوص عليها في المادة ‪ 911‬من‬

‫مدونة الشغل التي سنقف عندها لدى دراستنا لمسطرة الفصل الخاصة بالمرأة الحامل‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الرقابة القضائية على مقرر الفصل‬

‫بتصريح المادة ‪ 61‬من مدونة الشغل وخاصة الفقرة الأخيرة منها والتي تنص على أنه‪":‬تخضع لمراقبة‬

‫السلطة القضائية القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسته للسلطة التأديبية‬

‫ورغم ذلك وبعد سنة ‪ 9129‬اتجه المجلس الأعلى في اتجاه مخالف للمدونة‪ ،‬حيت بدأ يتخذ قرارات‬

‫مخالفة تماما للقرار السابق تزكية لمبدأ الحماية الممنوحة للأجير بمقتضى القانون وفرضت الرقابة على‬

‫أفعال المشغل انطلاقا مما يكون قد تذكره من أسباب في مقرر الفصل‪.‬‬

‫فالقرار عدد ‪ 411‬أكد أن المحكمة لا يمكن أن تناقش إلا أسباب الطرد الواردة في الرسالة نفس‬

‫التوجه سار عليه المشرع بعد صدور مدونة الشغل سنة ‪ 1446‬حيت أكد في قراره ‪ 696‬على أن‬

‫المحكمة في جميع الأحوال لا تكون ملزمة بمناقشة كل الأخطاء الواردة برسالة الفصل والتي نسبتها‬

‫المشغلة لأجيرها‪ ،‬ل كن يتعين عليها التقييد بها و يكفيها اعتماد إحداها فقط متى كان جسيما لتبرير‬

‫الطرد فرسالة الفصل أو الإعفاء كما هو على لسان الفقيه هي التي ترسم حدود و إطار النزاع بين‬

‫الطرفين لما يرفع أمام القضاء‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫واستناذا لما سبق يمكن أن نؤكد على أن الرقابة القضائية على مقرر الفصل هي مقيدة بدورها وليس‬

‫مطلقة وهذا التقييد بها يظل يفرضه المشرع نفسه سواء من خلال الفصل ‪ 4‬من تانظام النموذجي‬

‫المعمول به سابقا أو من خلال ما سارت عليه مدونة الشغل الحالية‬

‫المطلب التالث‪ :‬المسطرة الخاصة للفصل التأديبي‬

‫إن المقصود بالأجير "المحمي" هو ذلك الذي أفرد له المشرع قواعد قانونية خاصة وذلك إما لصفة فيه أو بغض‬

‫النظر لوضعية صحية يوجد عليها‪ ،‬وإذا هذه الحماية في ظل التشر يع القديم قد همت مندوب الأجراء والأجيرة‬

‫الحامل‪ ،‬فإن ما يلاحظ في ظل مدونة الشغل هو أن هذه الحماية امتدت أيضا لتشمل طبيب الشغل‬

‫بدوره‪.‬وعلى اعتبار هذا الأخير ة الأول يوجدان في وضعية خاصة بالمقاولة فمندوب الأجراء باعتباره المدافع‬

‫عن الأجراء قد يتعرض للمضايقات من طرف المشغل الذي يسعى عادة إلى الحفاظ على السلطة التأديبية التي‬

‫يتمتع بها بعيدا عن أي عقبات قد تحد من سلطته‪ ،‬أما طبيب الشغل فباعتباره ملزما بأداء مهمته بكل استقلال‬

‫وحر ية وأن لا يراعي في ذلك إلا اعتبارات خاصة بمهنته فإنه يتعرض بدوره للمقتضيات من طرف‬

‫المشغل‪.‬وبالنسبة للأجيرة الحامل فاعتبارا لحالتها الجسمانية و الصحية خلال تلك الفترة أفرد لها المشرع حماية‬

‫خاصة‪.‬‬

‫وعلى هذا المنوال سأتناول الحالات التي نصت عليها مدونة الشغل في (الفقرة أولى) ومعالجة‬

‫إشكاليات الفصل التأديبي بالنسبة لبعض المقاولات وفق الأنظمة الأساسية أو بمقتضى الإتفاق في‬

‫(الفقرة تانية)‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬الحالات التي نصت عليها مدونة الشغل‬

‫أولا‪ :‬طبيب الشغل‬

‫‪39‬‬
‫جاءت مدونة الشغل تنبه المشرع للتفوهة التي أوجبته المادة ‪ 393‬من أن يكون كل إجراء تأديبي يعتزم المشغل‬

‫أو رئيس المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات اتخاذه في حق طبيب الشغل موضوع قرار يوافق عليه العون‬

‫المكلف بتفتيش الشغل بعد أخد رأي الطبيب مفتش الشغل‪.‬‬

‫والواضح أن المشرع قد سوى بين جميع حالات الإجراءات التأديبية سواء كان موضوعه الفصل أم‬

‫مجرد إنذار أو توبيخ أو نقل واشترط فيها جميعا وجوب موافقة العون المكلف بتفتيش الشغل على‬

‫الأجراء المزمع اتخاده أيضا استشارة الطبيب مفتش الشغل وقد ذهب بعض الفقه إلى القول أن‬

‫جزاء خرق هذه المقتضيات سيجعل لا محالة الأجراء المتخد غير مبرر ويمكن إلغاؤه أو اعتباره فصلا‬

‫تعسفيا في حالة حدوثه‪.‬‬

‫تانيا‪ :‬مندوب الأجراء والممثل النقابي‬

‫‪:9‬مندوب الأجراء‬

‫أوجب المشرع على جميع المؤسسات التي تشغل اعتياديا مالا يقل عن عشرة أجراء دائمين أن تنشئ نظاما تمتيليا‬

‫للأجراء في شخص مندوب الأجراء والذين تتمثل مهمتهم وحسب المادة ‪ 6‬من مدونة الشغل‪":‬في تقديم جميع‬

‫الشكايات الفردية المتعلقة بظروف الشغل الناتجة عن تطبيق تشر يع الشغل أو عقد الشغل واتفاقية الشغل أو‬

‫النظام الذاخلي إلى المشغل وإذا لم تقع الإستجابة لها مباشرة أحيلت تلك الشكايات إلى العون المكلف بتفتيش‬

‫الشغل إذا استمر الخلاف بشأنها ونظرا لهذا الدور الحساس الذي يقوم به مندوب الأجراء ذاخل المقاولة فقد‬

‫أوجب المشرع لفصله عن العمل إتباع مسطرة خاصة جدا تفاديا لكل ما من شأنه أن يؤدي إلى التعسف في‬

‫حقه فكان أبرز العمال المحمسين على الإطلاق‪.‬‬

‫وهكذا بمقتضى الفصل ‪ 91‬من ظهير ‪ 9141/94/11‬المتعلق بتمثيلية الأجراء ذاخل المؤسسات‬

‫الصناعية و التجار ية و الفلاحية و المنجمية وأجراء الإنتخابات ألزم المشرع رب العمل بأن يكون‬

‫‪40‬‬
‫كل نقل أو طرد مؤقت أو نهائي أونهائي تقرره مدير ية المؤسسة بشأن كل مندوب من المستخدمين‬

‫رسميا أو نائب الأجراء يجب عرضه فورا على نظر العون المكلف بتفتيش الشغل الذي يبدي رأيه‬

‫معللا بالأسباب‪ ،‬أما مدونة الشغل فتجاوزت الجدل الذي أثارثه المادة ‪ 91‬السالفة الذكر حول مدى‬

‫اعتبار رأي مفتش الشغل إلزاميا أو اختيار يا‪،‬بأن أقرت من خلال ما نصت عليه المادة ‪ 612‬من‬

‫مدونة الشغل‪ ":‬يجب أن يكون كل إجراء تأديبي‪،‬يعتزم المشغل اتخاده في حق مندوب الأجراء أصليا‬

‫أو نائبا‪،‬موضوع مقرر يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل‪ "..‬إلزامية الموافقة الصر يحة لمفتش‬

‫الشغل على مقرر الفصل مما يفيد بمفهوم المخالفة أن أي تجاوز لهذه الموافقة سيجعل الفصل غير‬

‫مبرر‪،‬و يفتح الباب أمام المحكمة لتقدير وجود عناصر التعسف في إنهاء عقد الشغل‪.‬‬

‫‪ :1‬الممثل النقابي‬

‫منح القانون للنقابة الأكثر تمثيلا و التي حصلت على عدد أكبر من الأصوات في الإنتخابات المهنية الأخيرة‬

‫داخل المقاولة أو المؤسسة الحق في تعيين ممثلين نقابيين لها من بين أعضاء المكتب النقابي وتنحصر مهمة الممتل‬

‫النقابي حسب المادة ‪ 629‬من مدونة الشغل فيما يلي‪...":‬تقديم الملف المطلبي للمشغل أو من ينوب عنه و‬

‫الدفاع عن المطالب الجماعية و أجراء المفاوضات حولها و المساهمة في إبرام الإتفاقية الجماعية‪.33"..‬‬

‫و بخصوص مسطرة فصل الممثل النقابي الذي تبت أنه ارتكب خطأ جسيما فإن المشغل يسلك معه‬

‫نفس المسطرة المقررة بخصوص فصل مندوب الأجراء‪ ،‬وهو ما نصت عليها المادة ‪ 621‬على اعتبار‬

‫الممثل النقابي أجيرا محميا يستفيد من نفس الحماية التي يستفيد منها مندوب الأجراء‪ ،‬أما بالنسبة‬

‫للمشرع التونسي فقد سار في نفس اتجاه نظيره المغربي من خلال تأكيده على ضرورة سلوك هذا‬

‫الإجراء الذي ورد بالفصل ‪ 944‬من مجلة الشغل التونسية‪..":‬كلما اعتزم المؤجر طرد عضو رسمي أو‬

‫‪:33‬المادة ‪ 817‬من مدونة الشغل‪.‬‬


‫‪41‬‬
‫مناوب ممثل للحملة باللجنة الإستشار ية للمؤسسة أو نائب رسمي أو مناوب للعملة فإنه يتعين عليه‬

‫عرض ذلك على تفقدية الشغل المختصة تربيا و يكون ذلك بالنسبة لأعضاء اللجنة الإستشار ية للمؤسسة‬

‫بعد أخذه رأي هذه الأخيرة ويبدي مفتقد الشغل رأيه معللا في أجل لا يتجاوز ‪ 94‬أيام من تاريخ‬

‫تعهده و يعتبر تعسفيا إذا تم دون احترام الإجراءات المنصوص عليها بالفقرة الأولى من هذا‬

‫‪34‬‬
‫الفصل‪"....‬‬

‫ونشير في الأخير أن هذه المسطرة الخاصة بفصل الأجراء عن وجوب اتباع المسطرة العامة المقررة‬

‫بمقتضى المواد ‪ 41‬وما بعدها من مدونة الشغل ولا سيما ما يتعلق بالإستماع إلى الأجير وإتاحة‬

‫الفرصة له للدفاع عن نفسه قبل اتخاد أي قرار‪،‬وبالتالي نعتقد وفي إطار التنسيق بين مسطرتين أن‬

‫المسطرة العامة تطبق أولا تم بعد ذلك تطبق في حقه المسطرة الخاصة ما دام أن صفته كمندوب‬

‫أجراء لا تنفي عن صفته كأجير وبالتالي عدم حرمانه من حقه في الدفاع عن نفسه كما هو منصوص‬

‫عليه قانونا و إلا اعتبر الفصل تعسفيا‬

‫تالثا‪ :‬المرأة الحامل‬

‫يجب الإشارة هنا أنه بخصوص المقتضيات الواردة بمدونة الشغل الجاري بها العمل حاليا هو أنه إذا زادت‬

‫غيبة الأجيرة الحامل ‪ 14‬يوما وإن كان ذلك بسبب مرضها الذي نتج عن العمل أو النفاس وتجاوزت مدة‬

‫الغياب ‪ 984‬يوما ولو أتبتتها شواهذ طبية فإنه يمكن للمشغل أن يعتبرها في حكم المستقلية من عملها طبقا للمادة‬

‫‪ 121‬من المدونة ما لم يكن قد وقع اتفاق بينهما لإستفاذتها من عطلة غير مدفوعة الأجر لمدة سنة لتربية‬

‫مولودها إضافة إلى أنه حتى في حالة تبوت ارتكابها لخطأ جسيم فالمشرع ألزم المشغل بعدم تبليغه الأجيرة قرار‬

‫الفصل أثناء فترة التوقف فهل ذلك يعني إعفاءها من مسطرة الإستماع‪.‬؟‬

‫‪:34‬الفصل ‪ 799‬من مجلة الشغل التونسية‪.‬‬


‫‪42‬‬
‫إن وضعيتها كحامل إذا كانت تقرر لها حماية خاصة‪ ،‬فلا يجوز في نفس الوقت أن تسلبها الحماية المقررة بمقتضى‬

‫المواد ‪ 41‬وما يليها من المدونة‪ ،‬وهذا ما تمت الإشارة إليه كاستثناء على مبدأ تسليم مقرر الفصل‪.‬‬

‫الفقرة التانية‪ :‬مسطرة الفصل بالنسبة لبعض المقاولات بمقتضى الأنظمة الأساسية أو بمقتضى‬

‫الإتفاق‬

‫أفرد المشرع قوانين لبعض المقاولات نظرا للإختلاف الذي يوجد بينهما سواء من حيت تنظيمها أو من حيت‬

‫الأهداف التي أنشأت من أجلها واعتبر هذه القوانين الضابط المنظم للعلاقة فيما بينها وبين أجراءها وإذا كان‬

‫ال كتير منها قد تم نسخه بمقتضى مدونة الشغل فإنه بالرجوع للمادة ‪ 3‬من المدونة نجدها تنص على ما يلي‪..":‬تظل‬

‫فئات الأجراء التي ذكرها‪_9:‬أجراء المقاولات و المؤسسات العمومية التابعة للدولة المحلية ‪ _1‬البحارة ‪_3‬‬

‫الصحفيون المهنيون‪_6،‬أجراء المقاولات المنجمية ‪_1‬أجراء الصناعة السينمائية ‪ _4‬البوابون في البنايات المعدة‬

‫للسكن خاضعة لأحكام الأنظمة الأساسية المطبقة عليها و التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقل عما‬

‫تنص عليه مدونة الشغل من ضمانات‪ ،‬تخضع الفئات المذكورة أعلاه لأحكام هذا القانون في كل ما لم يرد‬

‫النص عليه في الأنظمة الأساسية المطبقة عليها‪ "...‬مما يعني أن الأنظمة الأساسية للفئات المشار إليها أعلاه لم‬

‫تنسخ و أن العمل بها لا يزال سار يا و أنه في نفس الوقت تطبق عليهم المدونة فقط في كل ما لم ينص عليه من‬

‫نظامه الأساسي‪ ،‬و بالتالي كان لابد من إعطاء لمحة سر يعة عن القانون المنظم لبعض تلك الفئات‪.‬‬

‫بالنسبة للمؤسسات العمومية التابعة للدولة والجماعات المحلية‪:‬‬

‫فيحكمها مرسوم ‪ 9141/91/91‬الذي نص في فصله الرابع والخامس على أن الإعفاءات لا يمكن أن تتم إلا‬

‫بعد استشارة لجنة الموظفين‪.‬‬

‫بالنسبة للبحارة‪:‬‬

‫‪43‬‬
‫فهم يخضعون للقانون البحري هذا الأخير نص في فصله ‪ 149‬مكرر على أن فسخ عقد الإستخدام المبرم لمدة‬

‫غير محدودة يباشر في موانئ المغرب بإ يحاز من أحد المتعاقدين عند انصرام أجل سابق الإعلام المحدد‪.‬‬

‫بالنسبة لأجراء المقاولات المنجمية‪:‬‬

‫فهم يخضعون لظهير ‪ 9144/91/16‬بشأن النظام الأساسي لمستخدمي القاولات المنجمية هذا الأخير تطرق‬

‫للإعفاء في جزئه الرابع المتعلق بالعقوبات و الإعفاءات و الإستقالة ولا سيما الفصل ‪ 1‬منه و الذي حدد‬

‫العقوبات ونص على أنها يجب أن تبلغ كتابة مع بيان الأسباب و أن جميع العقوبات باسثثناء التوبيخ و التوفيق‬

‫لا تصبح نافذة المفعول في حالة النزاع إلا بعد دراستها من طرف الفرع المختص للجنة النظام الأساسي و‬

‫المستخدمين‬

‫بالنسبة للصحفين المهنين‪:‬‬

‫فهم يخضعون لظهير ‪ 9111/41/11‬المتعلق بالنظام الأساسي للصحافين ومن خلال إلقاء نظرة على مقتضيات‬

‫هذا الظهير الذي يتضمن ‪ 11‬مادة فقط نلاحظ أن المشرع لم يخصص أية قواعد شكلية خاصة بإعفائهم و إنما‬

‫أحال شأنهم بمقتضى المادة ‪ 91‬على أحكام التشر يع الخاص بالشغل‪.‬‬

‫بالنسبة للبوابين في البنايات المعدة للسكن‪:‬‬

‫فالقانون المنظم لهم هو ظهير ‪ 9122/94/48‬المتعلق بتعهد البنايات وتخصيص مساكين البوابين المعدة للسكن‬

‫والملاحظ بشأن هذا الظهير أيضا أنه لم ينظم أية مسطرة شكلية للفصل وإنما أحال هو الأخر بمقتضى الفصل‬

‫‪ 91‬منه على التشر يع الخاص بالشغل و بأن هذا الأخير هو المطبق على البوابين‪.‬‬

‫وهكذا نلاحظ أن المشرع شرع مساطر وقوانين خاصة هذه الفئات السالفة الذكر التي تنظمهم وتبين‬

‫لكل شخص من هذه الفئات أن يلتزم بما يطبق عليه‪ ،‬وإذا كان هذا ما شرحته وتطرقت له بالتفصيل‬

‫‪44‬‬
‫الذي يتعلق بالأسباب المبررة للفصل التاديبي ومسطرته في المبحت الأول سأشرح كذلك مدى‬

‫إلزامية مسطرة الفصل التأديبي في(المبحت الثاني)‬

‫المبحت الثاني‪ :‬مدى إلزامية مسطرة الفصل التأديبي‬

‫إن قراءة في مدى توفق المشرع المغربي في توفير الحماية القانونية للأجير قد يتعرض للفصل يفرض التطرق‬

‫للإشكالات التي تطرحها مسألة إلزامية مسطرة الفصل التأديبي‪،‬هذه الإشكالات التي تناولها كل من الفقه و‬

‫القضاء المغربيين عبر مجموعة من الأراء الفقهية و الإجتهادات القضائية‪،‬هذا ما سأحاول تناوله من خلال‬

‫المطلبين التاليين‪:‬‬

‫المطلب الأول‪ :‬موقف الفقه من مدى إلزامية مسطرة الفصل التأديبي‬

‫قبل التطرق إلى مختلف الإتجاهات الفقهية التي أثارت النقاشات التي أفرزتها مسطرة الفصل التأديبي‪،‬حري بي‬

‫أن أذكر ما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة ‪ 41‬من مدونة الشغل التي تنص على ما يلي‪..":‬إذا رفض أحد‬

‫الطرفين إجراء أو إتمام هذه المسطرة يتم اللجوء إلى مفتش الشغل‪.35"..‬ومعنى ذلك أن المشرع لم يرتب أي جزاء‬

‫والحال أن الفقرة الأولى قد جاءت بصيغة الوجوب وألزمت المشغل بإتاحة الفرصة للأجير من أجل الدفاع‬

‫عن نفسه و الإستماع إليه‪،‬وأن ما يؤكد صيغة الوجوب هو ما نصت عليه مقتضيات المادة ‪ 46‬التي تنص على‬

‫أنه‪..":‬يجب أن يتضمن مقرر فصل الأجير الأسباب المبررة لإتخاده وتاريخ الإستماع إليه مرفقا بالمحضر المشار‬

‫إليه في المادة ‪ ،41‬وبناء عليه أستنتج أن صيغة النص جاءت معيبة لوجود تناقض بين الفقرة الأولى من المادة‬

‫‪ 41‬التي جاءت بصيغة من الوجوب و الفقرة الأخيرة حيت خولت إمكانية لجوء الأطراف إلى مفتش الشغل‬

‫في حالة إذا رفض أحد الأطراف إجراء أو إتمام هذه المسطرة‪،‬وسيستشف من ذلك أنها لم ترتب أي جزاء‬

‫والحال أن هناك تناقضا بين الفقرة الأولى و الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة‪.‬‬

‫‪:35‬الفقرة األخيرة من المادة ‪ 92‬من مدونة الشغل‪.‬‬


‫‪45‬‬
‫وعلى هذا الأساس فقد أثار الفقهاء نقاش جدلي حول مدى إلزامية مسطرة الفصل التأديبي ثلاثة‬

‫اتجاهات فقهية يمكن لي إجمالها فيما يلي‪:‬‬

‫الإتجاه الأول‪ :‬إتجاه معتدل مرن يتجاوز إجراءات المسطرة إلى البحت في طبيعة الخطأ المرتكب من‬

‫قبل الأجير‪،‬و يعتبر الطرد من قبل التعبير عن إرادة منفرذة‪ ،‬وأن مقرر الفصل قد يصدر بشكل‬

‫كتابي أو شفوي‪ ،‬فمن وجهة نظر أصحاب هذا الإتجاه أن المشرع لم يجعل الكتابة ركنا لوجوب الإشعار‬

‫بالطرد وإنما هي شرط الإتبات فقط ‪ ،‬حيت يمكن تعو يضها بوسيلة أخرى‪ ،‬إذ أن العبرة من سلوك‬

‫مسطرة الفصل هو أساس تبليغ الأجير بقرار الطرد‪.‬‬

‫الإتجاه التاني‪ :‬هو اتجاه متمسك بحرفية النص و يقول على أن المشرع لم يضع هذه المقتضيات عبثا‬

‫وإنما جاءت بشكل إلزامي وذلك من خلال بعض العبارات التي ساقها مثل‪ :‬يجب_لا يمكن_ وغيرها‬

‫مما جاء في المواد ‪ 41‬و ‪ 43‬و ‪ 46‬و ‪ ،41‬من مدونة الشغل رغبة من المشرع في حماية حقوق الأجير‬

‫حيت أنه إن لم تكن هناك رسالة طرد فلن يكون هناك تحديد للوقائع ولا للأسباب مما يفسح المجال‬

‫لرب العمل ليتعسف في طرد الأجير‪ ،‬و بالتالي فإن خرق المشغل للمسطرة يجعل من طرد الأجير‬

‫طردا تعسفيا‪ ،‬وهكذا يرهن هذا الإتجاه حماية الأجير بمدى احترام مسطرة الفصل التأديبي‪.‬‬

‫الإتجاه التالث‪ :‬استقر هذا الإتجاه على وجوب الإشعار بالطرد في كل الأحوال سواء ارتكب الأجير‬

‫خطأ جسيم أم لا‪ ،‬ما عدا إذا تعدر ذلك لسبب قاهر بالرغم مما لاحظه ممثلوا هذا الإتجاه من‬

‫تناقض بين النصوص القانونية التي تتحدت عن الإشعار بالطرد‪.‬‬

‫والواقع أنه لا يمكن إنكار أن بعض الأخطاء التي قد يرتكبها الأجير قد تكون من الحدة بحيت تلحق‬

‫أضرار خطيرة بالمؤسسة التي يعمل فيها‪ ،‬ومع ذلك فإن المشغل إذا أغفل أحيانا احترام المسطرة التي‬

‫تستلزمها مدونة الشغل في موادها السابقة إما عن جهل أوعدم اهتمام فإنه يواجه من طرف المحكمة‬

‫‪46‬‬
‫بكونه خرق المسطرة فيعتبر الفصل الذي أوقعه على الأجير تعسفيا‪ ،‬رغم أنه من الحيف اعتبار هذا‬

‫الطرد تعسفيا‬

‫المطلب التاني‪ :‬موقف القضاء من مدى إلزامية الفصل التأديبي‬

‫أما بخصوص القضاء فسيتم معالجته من خلال تلاث فقرات‪:‬موقف محاكم الموضوع في(الفقرة الأولى) و‬

‫موقف المجلس الأعلى سابقا و الذي هو محكمة النقض حاليا في(الفقرة التانية) وبعض مواقف القضاء المقارن‬

‫في(الفقرة التالثة)‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬موقف محاكم الموضوع‬

‫إن الرقابة القضائية على إجراءات الفصل التأديبي التي تشمل في إطارها مرحلة الإستماع إلى الأجير المرشح‬

‫للفصل عن العمل وكذا مرحلة تسليم مقرر الفصل تعتبر مبدأ أساسي نصت عليه عدة نصوص قانونية كالإتفاقية‬

‫الدولية رقم ‪ 918‬والقانون الفرنسي وكذلك مدونة الشغل المغربية‪ ،‬والهذف من هذه الرقابة هو الحد من سلطة‬

‫المشغل في فصل الأجير بكل حر ية إلا أن بعض الفقه يرى بأن هذه الرقابة غير فعالة في حين أن القضاء‬

‫الإجتماعي المغربي أو القضاء المقارن أولى هذه الرقابة كامل عنايته واهتمامه‪ ،‬وعلى الرغم من أن المشرع لم‬

‫يرتب أي جزاء في حالة عدم احترام رب العمل للإجراءات الواجبة الإتباع قبل فصل الأجير إلأ أنه من‬

‫المعلوم أن كل قاعدة قانونية لا يجب أن تكون مقرونة حتما بالجزاء حتى يضمن لها التطبيق و الإحترام‪،‬بل إن‬

‫الجزاء يرتبه القاضي في نطاق القواعد العامة أو الخاصة للمسؤولية إذا ظهر له تضررر أحد الأطراف من جراء‬

‫خرق الطرف الاخر للإلتزام المفروض عليه بموجب القواعد القانونية‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإن الجهة التي يتم اللجوء إليها من طرف الأجير عندما يواجه بالطرد بداية هي‬

‫المحاكم الإبتدائية‪ ،‬حيت يكون على القاضي الإبتدائي تقدير و التأكد من مدى جسامة الخطأ الذي‬

‫‪47‬‬
‫ارتكبه الأجير ومدى واقعيته ومدى ملائمة الجزاء له من جهة‪ ،‬تم هل هو من ضمن ما نصت عليه‬

‫المادة ‪ 31‬من مدونة الشغل من جهة تانية‬

‫الفقرة التانية‪ :‬موقف المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا)‬

‫في ظل النظام النموذجي الذي كان معمولا به في السابق أثارت مسألة اعتبار مقرر الفصل شرط صحة أم‬

‫مجرد وسيلة إتبات جدلا كبيرا‪،‬فكان توجه المجلس الأعلى قبل سنة ‪ 9126‬يذهب في اتجاه اعتبار مقرر الفصل‬

‫وسيلة إثبات‪ ،‬توجه ستتغير معالمه بعد ذلك إلى اعتبار المقرر شرط صحة‪،‬وذلك من خلال قراره عدد ‪311‬‬

‫الصادر بتاريخ ‪ 9124/41/14‬و الذي جاء فيه‪" :‬المحكمة كانت على صواب حين صرحت أن طرد أي عامل‬

‫يستوجب إتباع المسطرة حيت أشار إلى وجوب إعلام الأجير ومفتش الشغل وأنها في نطاق سلطة تقدير الحجج‬

‫الموكولة إليها‪،‬اعتبرت أن ليس في وثائق الملف ما يتبت أن الطاعنة قد طبقت المسطرة بل اعتبرت أن الفصل‬

‫يكون تعسفيا في عدم بيان أسبابه وبأن المؤاجر لم يتوصل بأي إشعار عن فصله‪،‬و بعد توصله به يعتبر المشغل‬

‫فاسخا للعقد فسخا تعسفيا"هذا بخصوص موقف المجلس الأعلى‪ ،‬أما بخصوص موقف القضاء المقارن فسأتطرق‬

‫له في الفقرة الموالية‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬موقف القضاء المقارن‬

‫لقد سار القضاء التونسي على نفس نهج القضاء المغربي حيت أكد على إلزامية مسطرة الفصل التأديبي حيت‬

‫اعتبر الفصل تعسفيا حتى ولوثبت الخطأالجسيم في حق الأجير إذا جاء قرار الفصل غير مراعي للإجراءات‬

‫المنصوص عليها في القانون والتي يوليها القضاء أهمية كبرى وجعل رقابة مشددة على مدى احترام يطبيق‬

‫مقتضيات هذه المسطرة وهكذا ذهبت محكمة التعقيب التونسية في قرارها عدد ‪ 999186‬الصادر بتاريخ‬

‫‪ 9188/94/19‬إلى"أن يشكيل المجلس ‪ 1‬أعضاء عوض ‪ 4‬أعضاء فيه إخلال من شأنه حرمان العامل من‬

‫حقوقه في ثمثيل فعلي أمام لجنة التأديب"‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫كما اعتبرت محكمة التعقيبي من خلال قرارها ‪" 93119‬أن طرد العاملة دون استدعائها للمثول أمام‬

‫المجلس التأديبي الذي أصدر قراره في غيابها بإعفائها من العمل بمثابة طرد تعسفي‪.‬‬

‫نخلص إلى اعتماد القضاء التونسي لإجبار ية احترام إجراءات مسطرة الفصل التأديبي وأن أي‬

‫إخلال بأي جزء منها يؤدي إلى اعتبار الفصل تعسفيا ويستوجب التعو يض‪.‬‬

‫أما إلى القضاء الفرنسي الرائد في مجال السهر على احترام النصوص القانونية المخولة للحماية القانونية‬

‫للأجراء باعتبارهم الطرف الأضعف في علاقات الشغل فقد أكد بدوره على مدى إلزامية احترام‬

‫مسطرة الفصل التأديبي وعدم الإخلال بها حماية لحقوق الأجراء‪ ،‬إلا أن القضاء الفرنسي لا يعتبر‬

‫الإخلال بالمسطرة موجبا لتكييف الفصل على أنه فصل تعسفي وإنما على أنه فصل غير نظامي أو غير‬

‫قانوني‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫وفي خلاصة القول يمكن القول بأن الأجير الطرف الضعيف في علاقات الشغل يتعرض للطرد من‬

‫طرف مشغله سواء ارتكب لخطأ جسيم أو لم يرتكب أي خطأ‪،‬لهذا السبب تذخل المشرع المغربي‬

‫وفرض قيودا على المشغلين كي لا يطبقوا على الأجراء تعسف غير قانوني وطرده من العمل‪ ،‬وعليه‬

‫فقد توفق المشرع في فرض سيطرته على المشغلين اللذين يتجاوزون حدودهم أحيانا‪،‬فرغم هذه‬

‫الإمتيازات التي منحها المشرع للأجراء نجد العديد من المؤاجرين عاطلين عن العمل بسبب الفصل‬

‫الذي يتعرض له الأجراء عادة من طرف المشغلين لعدة أسباب وعلى هذا الأساس هل توفق المشرع‬

‫المغربي أيضا في إ يجاد حل للأجراء اللذين يتعروضون للطرد لأسباب اقتصادية من طرف المشغلين‪.‬؟‬

‫‪49‬‬
‫الحماية القانونية للمرأة العاملة في التشر يع الليبي‬

‫عادل مسعود عبدربه‬


‫محامي وباحث بسلك الدكتوراه شعبة القانون الخاص‬

‫مقدمة‬

‫عرفت ليبيا خلال العقود الأخيرة تحولات أساسية مست مختلف المجالات الاقتصادية‬

‫والاجتماعية والثقافية‪ ،‬بحيث أصبح الوضع المتجدد للنساء داخل المجتمع يؤهلهن للقيام بأدوار إ يجابية‬

‫وفعالة فيه ويبين قدراتهن العالية وإمكانياتهن الخلاقة‪.‬‬

‫وكان من الطبيعي أن يرافق ذلك ظهور العديد من الإشكالات الاجتماعية والقانونية ذات‬

‫الطبيعة المغايرة لتلك التي تتعلق بالرجل‪ ،‬والتي فرضتها طبيعة المرأة وظروفها وشروط عملها‪ ،‬وهي‬

‫إشكالات كانت كفيلة بأن تدفع المشرع الليبي إلى تنظيم عمل المرأة ووضع الضوابط والضمانات التي‬

‫تكفل حمايتها وحماية أمومتها‪ ،‬ومراعاة طبيعتها الخاصة انطلاقا من دورها كزوجة وأم‪ ،‬على الرغم من‬

‫أن مثل هذه الأحكام والضوابط التي تلائم خصوصيتها تتمتع بها المرأة العاملة وحدها دون الرجل‪،‬‬

‫‪36.‬‬
‫بالإضافة إلى الحقوق الأخرى المقررة لجميع العمال والأجراء‬

‫وانطلاقا من أهمية المرأة التي تعد شر يكا أساسيا في تحقيق أهداف التنمية وتطوير المجتمع‪ ،‬فقد‬

‫جعل معظم الدول تتجه إلى تفعيل دورها في هذا المجال‪.‬‬

‫جامعة الكويت‪- ،‬محمد سالمة جبر‪ :‬الحماية الدولية والوطنية للمرأة العاملة‪ ،‬مجلة الحقوق العدد الثاني‪ ،‬السنة ‪،22‬‬
‫‪36‬‬

‫‪ ،2115‬ص‪298:‬‬

‫‪50‬‬
‫ومن هنا يتبين لنا بأن موضوع المرأة العاملة‪ ،‬قد حضي باهتمام كبير من طرف فقهاء‬

‫القانون‪ ،‬ومنظمات المجتمع المدني‪ ،‬والقوانين الوطنية والدولية‪.‬‬

‫وسعيا من المشرع الليبي نحو توفير أكبر قدر ممكن من الحماية والضمانات الممكنة للمرأة‬

‫العاملة‪ ،‬عمد إلى إفراد مجموعة من المقتضيات التي ترمي بالدرجة الأولى إلى توفير الضمانات القانونية‬

‫التي تحقق للمرأة العاملة العيش ال كريم وتحفظ لها حقوقها في العمل بما يمنع مظاهر التمييز بينها وبين‬

‫الرجل سواء تعلق الأمر بطبيعة ونوع العمل‪ ،‬أو بالأجر‪ ،‬إقرارا من المشرع لمبدأ المساواة بينها وبين‬

‫الرجل‪ ،‬أو على مستوى الحقوق الشخصية كحق الأجيرة في الزواج وتكوين أسرة‪ ،‬إضافة إلى حظر‬

‫الأشغال التي تفوق طاقتها الجسمانية‪ ،‬والتي من شأنها أن تشكل خطرا عليها وعلى صحتها الجسدية أو‬

‫النفسية‪ ،‬و يضمن لها من جهة أخرى العديد من المزايا والاجازات التي على رأسها إجازة الأمومة‬

‫والوضع والنفاس والرضاعة لمولودها‪.‬‬

‫إشكالية الدراسة‬

‫على الرغم من الضمانات القانونية التي حملتها فصول قانون العمل الليبي والتي تهدف إلى توفير‬

‫الحماية للمرأة العاملة وصيانة حقوقها‪ ،‬إلا أن هذه النصوص قد تبقى في بعض أحكامها قاصرة عن‬

‫مسايرة الواقع العملي التطبيقي‪ ،‬نظير ما تتعرض له المرأة العاملة من انتهاكات تطال حريتها وحقوقها‪،‬‬

‫مما يجعل إشكالية الموضوع تتمحور حول‪:‬‬

‫إلى أي حد استطاع المشرع الليبي توفير الضمانات القانونية التي تمنح للمرأة العاملة العمل في‬

‫أحسن الظروف؟‬

‫تأسيسا على ما تقدم‪ ،‬سنتناول الموضوع وفق المحورين الآتيين‪:‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ ‬المبحث الأول‪ :‬مظاهر الحماية القانونية لكيان المرأة العاملة‬

‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬مظاهر الحماية القانونية للمرأة العاملة كفاعل اجتماعي‬

‫‪ ‬المبحث الأول‪ :‬مظاهر الحماية القانونية لكيان المرأة العاملة‬

‫لا يستطيع أحد أن يجادل في أهمية دور المرأة في المجتمع‪ ،‬وانطلاقا من ذلك سيتم توضيح مدى‬

‫تمكن المشرع الليبي من توفير الضمانات القانونية‪ ،‬وأوجه الحماية الكاملة للمرأة الأجيرة من خلال النظر‬

‫إليها كشر يكة في التنمية المجتمعية دون المساس بحقها في العمل إلى جانب الرجل؟‬

‫‪ ‬المطلب الأول‪ :‬حماية كيان المرأة العاملة غير المتزوجة‬

‫حرص المشرع الليبي على توفير أكبر قدر ممكن من الضمانات الممكنة لليد العاملة النسائية في‬

‫علاقتها بالمشغل وضمان العيش ال كريم لها‪ ،‬وفي هذا الإطار اتجه من خلال قانون العمل إلى سن‬

‫مجموعة من المقتضيات التي ترمي بالدرجة الاولى إلى توفير ضمانات قانونية تحمي العاملة‪ ،‬بأن أقر‬

‫المساواة وعدم التمييز‪ ،‬كما يراعي في ذات الوقت طبيعتها الأنثو ية بالحيلولة بينها وبين الأشغال الشاقة‪،‬‬

‫التي قد تفوق طاقتها وقدرتها الجسدية‪ ،‬أو تتطلب منها جهدا كبيرا من شأنه أن يسبب لها مشاقا وتعبا‬

‫انطلاقا من ايمانه ال كبير برفع أوجه التمييز عن المرأة‪ ،‬خاصة بعد توقيعه على اتفاقية القضاء على جميع‬

‫‪37‬‬
‫أشكال التمييز ضد المرأة ‪.‬‬

‫وانطلاقا مما سبق فإننا سنتحدث عن الحماية المقررة للمرأة العاملة في كونها أنثى من خلال‬

‫استحضارنا لبعض مظاهر الحماية‪ ،‬كحقها في المساواة وعدم التمييز‪.‬‬

‫العظمي حق لكل المواطنين ذكورا واناثا يقوم على مبدا المساواة بين الرجل والمرأة دون تمييز ‪،"....‬راجع في ذلك الفصل الثاني من قانون العمل الليبي ‪37‬‬ ‫‪ -‬جاء في الفصل الثاني من قانون العمل الليبي "العمل في الجماهيرية‬
‫رقم ‪ 72‬لسنة ‪. 2171‬وتجدر االشارة هنا بأن منظمة العمل الدولية سبق لها ارساء مبدأ تكافؤ الفرص في المعاملة بين الرجل والمرأة في ميدان العمل دون تمييز وألول مرة في اعالن فيالدلفيا الذي أعتمد سنة ‪ 7588‬وأصبح‬
‫جزءا من دستور المنظمة ‪.‬راجع في ذلك عصام الحموي " الحماية القانونية للمرأة العاملة في القانون الوضعي ‪ :‬دراسة مقارنة "‪،‬الطبعة االولي ‪ ،‬دار المطبوعات الحديثة للنشر والتوزيع ‪،‬بيروت ‪/‬لبنان ‪ 2115‬الصفحه ‪.92‬‬

‫‪52‬‬
‫أولا‪ :‬مبدأ المساواة في التشغيل والأجر‬

‫بخصوصيتها‬ ‫اهتم المشرع الليبي بعمل المرأة وأقر لها حماية تناسب أوضاعها سواء تعلق الأمر‬

‫كأنثى غير متزوجة أو متزوجة‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق بحمايتها من ظروف العمل القاسية‪ ،‬كما كفل لها‬

‫المساواة في الحقوق والمعاملة بينها وبين الرجل‪ ،‬فضلا عن المساواة في الأجر وهو ما نصت عليه المادة‬

‫‪ 16‬من قانون العمل الليبي‪ .‬وفي هذا الإطار نشير أن المشرع الليبي يستجيب دوما ً للاتفاقيات‬

‫‪.39‬‬
‫الدولية‪ 38‬و يضمنها في القوانين الداخلية‬

‫ثانيا‪ :‬حظر التمييز في التشغيل‬

‫يعتبر صدور قانون العمل الجديد إحدى مظاهر ملائمة تشر يع العمل الليبي مع الاتفاقيات الدولية‬

‫المصادق عليها من طرف ليبيا‪ ،‬وذلك استجابة منه للمعايير الدولية في مجال التشغيل‪ ،‬والتي عمد من‬

‫خلالها على إيراد مجموعة من المقتضيات القانونية لضمان حق العمل لجميع الموطنين‪.‬‬

‫حيث كرس المشرع المساواة بين الرجل والمرأة في ميدان العمل دون أي تمييز بينهما انطلاقا من‬

‫أن الأصل في النصوص القانونية أنها تسري على الرجال والنساء دون تمييز‪ ،‬وفي هذا الإطار جاءت‬

‫المادة الأولى من قانون العمل الجديد رقم (‪ )91‬لسنة ‪ 1494‬لترسم طبيعة العلاقات في ميدان العمل‬

‫وجعلها علاقات طبيعية حرة تقوم على أساس المساواة والتخلص من الرق والعبودية "‪..‬علاقات العمل‬

‫بين المواطنين في الجماهير ية العربية الليبية العظمى علاقات حرة غايتها التخلص من عبودية الأجر وإقرار‬

‫الشراكة في الوحدة الاقتصادية التي ينشئونها ‪،"...‬كما جاءت المادة الثانية منه لتنص صراحة على‬

‫محاربة التمييز في العمل بكافة أشكاله سواء تعلق الأمر بالجنس أو اللون أو الدين ‪ "...‬مرتبا في نفس‬

‫اتفاقية العمل الدولية رقم ‪ 711‬لسنة ‪ 7597‬بشأن مساواة العمال و العامالت في األجر‪ ،‬االتفاقية رقم ‪ 777‬لسنة ‪ 7594‬بشأن حظر التمييز في االستخدام والمهنة‪ ،‬االتفاقية رقم ‪ 799‬والتوصية رقم ‪ 799‬لسنة ‪ 7547‬بشأن ‪38 -‬‬
‫تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة بين الجنسين‪.‬‬

‫عبدالغني عمرو الرويمض‪39،‬‬ ‫ليبيا‪ ،2172 ،‬ص ‪-.298‬القانون االجتماعي‪ ،‬الجزء االول عالقات العمل الفردية‪ ،‬الطبعة الثامنة‪ ،‬دار الكتب الوطنية بنغازي‬

‫‪53‬‬
‫الإطار لغرامات مالية على من يخالف هذه النصوص طبقا للمادة ‪919‬منه وهي غرامة لا تقل قيمتها‬

‫‪40‬‬
‫عن ألف دينار‪.‬‬

‫من خلال ما سبق يتضح جليا أن المشرع الليبي قد لامس روح المواثيق الدولية الرامية إلى إلغاء التمييز‬

‫بين الرجل والمرأة وحماية حقوقها‪ ،‬خاصة بعد مصادقته على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تنص‬

‫بمنع التمييز في ميدان العمل وإلغاء كل أشكال التمييز بين الجنسين‪ ،‬منها الاتفاقية العربية رقم (‪ )1‬لسنة‬

‫‪ 9124‬بشأن المرأة العاملة التي أكدت بدورها على ضرورة المساواة بين الرجل والمرأة‪ ،‬وأقرت وجوب‬

‫ضمان تكافؤ الفرص في الاستخدام بينهما في كافة مجالات العمل‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ضمان الحقوق الشخصية للأجيرة‬

‫تعتبر الحقوق الشخصية للمرأة العاملة إحدى المكتسبات التي كرستها المواثيق الدولية‪ ،‬وحتى‬

‫القوانين الوطنية‪ ،‬فنصت بذلك على منع كل شرط يقضي بفصل المرأة العاملة بسبب الزواج أو اختيار‬

‫المظهر الذي يناسبها‪.‬‬

‫أولا‪ :‬الحق في الزواج‬

‫يعتبر الحق في الزواج من الحقوق الأساسية للإنسان بصفة عامة‪ ،‬والمرأة بصفة خاصة باعتباره‬

‫حقا من الحقوق الشخصية اللصيقة بطبيعتها الفيز يولوجية‪ ،‬فيمنع بذلك على المشغل المساس به في‬

‫مراحل العقد‪ ،‬وهكذا نصت اتفاقيات منع جميع أشكال التمييز ضد المرأة على اتخاذ جميع التدابير‬

‫‪41‬‬
‫المناسبة لحظر الفصل من الخدمة والتمييز في العمل على أساس الحالة الزوجية‪.‬‬

‫‪ -‬راجع في ذلك نص المادة ‪727‬من قانون العمل الليبي‪40.‬‬


‫‪41‬‬ ‫جاء في الفقرة الثانية من االتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة " توخيا لمنع التمييز ضد المرأة بسبب الزواج‪ ...‬تتخذ الدول األطراف التدابير المناسبة‬

‫‪54‬‬
‫ول كن رغم الأهمية التي يكتسيها الزواج في المجتمع الإنساني‪ ،‬إلا أن حق كل إنسان في‬

‫الانضمام إليه قد تعرض للانتهاك وعدم الاحترام‪ ،‬إذ أن شرط عدم الزواج أصبح من بين الشروط‬

‫المفروضة على بعض العاملات بمناسبة إبرامها لعقود العمل‪ ،‬ومخالفة هذا الشرط يعد سببا لفسخ عقد‬

‫العمل من طرف بعض المؤسسات المشغلة‪ ،‬مما يكرس التمييز وعدم المساواة بسبب الحالة الزوجية عند‬

‫إنهاء عقد العمل‪.‬‬

‫فالمؤاجر يفضل ولأسباب اقتصادية التعاقد مع أجيرة عازبة‪ ،‬وذلك نظرا ل كون وضعية المرأة‬

‫العاملة المتزوجة تؤثر على تنفيذ عقد العمل‪ ،‬وهذا ما يدفع المؤاجر إلى إدخال بند عدم الزواج في عقد‬

‫العمل كشرط البقاء في العمل‪.‬‬

‫ووعيا من مؤتمر العمل الدولي بأهمية المساواة بين الجنسين ومنع التمييز على أساس الحالة الزوجية‬

‫‪42‬‬
‫بشأن العمال ذوي المسؤوليات العائلية‪ ،‬وتقضي هذه الاتفاقية بضرورة‬ ‫أصدر الاتفاقية رقم ‪911‬‬

‫ممارسة كلا الجنسين لعملهم دون أي تمييز بسبب المسؤوليات العائلية حيث جاء في ديباجتها أنه رغم‬

‫المعايير الدولية التي صدرت عن المنظمة الدولية بشأن المساواة‪ ،‬إلا أنها لا تغطي صراحة التمييز المبني‬

‫على أساس المسؤوليات العائلية‪ ،‬مما تقرر معه اعتماد هذه الاتفاقية لتحقيق تكافؤ الفرص والمساواة في‬

‫المعاملة بين العمال من الجنسين ذوي المسؤوليات العائلية‪.‬‬

‫وتعد النساء العاملات من أهم المستفيدات من هذه الاتفاقية لأن المرأة العاملة وخاصة في‬

‫المجتمعات العربية تتحمل أعباء الأبناء والزوج‪ ،‬لذلك فإن تطبيق مقتضيات هذه الاتفاقية في ظل غياب‬

‫‪42‬‬
‫‪7542 4 77‬‬ ‫‪792‬‬

‫‪55‬‬
‫نص قانوني صريح في التشر يع الليبي يمنع على رب العمل إدراج شرط يقضي بعد زواج المرأة العاملة‪،‬‬

‫‪43‬‬
‫يعد في غاية الأهمية لضمان استمرارها في العمل‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الحق في اختيار المظهر‬

‫يعتبر الحق في اختيار المرأة للمظهر الشخصي من بين الحقوق التي تدخل ضمن كيانها‪ ،‬ل كن‬

‫و بخصوص المشرع الليبي لا يوجد ما يوحي بالتطر ّق إلى مثل هذا الحق بشكل صريح ضمن مواد‬

‫ونصوص قانون العمل الجديد للعام ‪ 1494‬وتحديدا ضمن مواد الفصل الثالث‪ ،‬سوى كونه تطرق‬

‫بشكل ضمني إلى ما مفاده تكريس حقوق المرأة الأجيرة واعتبار فصلها لسبب يعود الى كينونتها‬

‫الفيز يولوجية كامرأة فصلا تعسفيا يستحق التعو يض‪ ،‬رغم أن القانون القديم (قانون العمل رقم ‪18‬‬

‫لسنة ‪ ) 9124‬قد أفاد وبشكل صريح عدم أحقية صاحب العمل بفسخ العقد دون سابق إنذار أو‬

‫تعو يض للمرأة العاملة إلا في عشر حالات قانونية حصر ية لم يدخل ضمنها الحقوق الشخصية كالزواج‬

‫والمظهر والاسم‪ ،‬وفي هذا ورد في المادة ‪ 19‬من قانون العمل القديم للعام ‪ 9124‬ما يلي "‪..‬لا يجوز‬

‫لصاحب العمل فسخ العقد دون سابق انذار أو مكافأة أو تعو يض إلا في الحالات الحصر ية التالية‪ :‬إذا‬

‫لم يراع التعليمات اللازم اتباعها‪ ،‬إذا تغيب بدون عذر قانوني‪،.......‬اذا اعتدى على صاحب العمل أو‬

‫وقع منه اعتداء جسيم على احدى وسائل العمل‪."...‬‬

‫وأمام غياب مقتضى قانوني صريح ضمن قانون العمل الليبي يمكن الاهتداء إلى المواثيق الدولية التي‬

‫تعد ضمانة أساسية في حماية حق المرأة في اختيار المظهر والاسم الذي يليق بها‪.‬‬

‫‪ ‬المبحث الثاني‪ :‬مظاهر الحماية القانونية للمرأة العاملة كزوجة‬

‫‪43‬‬

‫‪99‬‬ ‫‪2115 2114‬‬

‫‪56‬‬
‫إن حماية الأم العاملة أمرا ذا أهمية بالغة‪ ،‬إذا كنا نريد فعلا تحقيق مبدأ المساواة وإعطاء الفرصة لها في‬

‫العمل دون المساس بوظيفة الأمومة التي تتميز بها‪ ،‬وبالتالي المحافظة على تكاثر النسل بكيفية سليمة‪.‬‬

‫ومن هنا حاولت التشر يعات قدر الإمكان التوفيق بين هاتين المصلحتين مصلحة الأم العاملة من‬

‫‪44‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬وذلك كله في إطار تحقيق المساواة في الواقع لا تلغي وجود‬ ‫جهة‪ ،‬ومصلحة المشغل‬

‫الأم في سوق العمل‪.‬‬

‫ومن أبسط مظاهر الحماية التي يمكن أن تطال الأم الأجيرة أن تمنح لها إجازة الوضع خلال‬

‫الأسابيع الأخيرة من فترة الحمل وعند الوضع وخلال الأسابيع التي تليه مباشرة‪ ،‬لأن العمل خلال هذه‬

‫الفترة قد يؤدي في أحيان كثيرة إلى مرضها أو وفاتها‪.‬‬

‫وانطلاقا من هذه المكانة الهامة للمرأة العاملة نصت الاتفاقية رقم ‪ 983‬المتعلقة بحماية الأمومة‬

‫صراحة على حماية حق المرأة في الأمومة‪ ،‬وحماية حقها في العمل في ظروف صحية سليمة كفيلة بحمايتها‬

‫هي وجنينها‪ ،‬قبل أن تتجه التشر يعات العربية إلى العمل على ضمان حقوق المرأة الحامل من تعسف‬

‫المؤاجر حفاظا على حقوقها وتماشيا مع وضعها الصحي والنفسي‪.‬‬

‫وفي هذا نجد أن المشرع الليبي‪ ،‬من خلال مقتضيات قانون العمل الجديد قد حرص بدوره‬

‫على صيانة تلك الحقوق والمكتسبات سواء تلك المتعلقة بسلامتها وسلامة جنينيها (المطلب الأول)‪ ،‬أو‬

‫تأمين منصبها وعدم فصلها خلال فترة الحمل (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫‪57‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬الحفاظ على صحة وسلامة الحمل والجنين‬

‫إذا كان يفترض في الأجير حضور نفسي وبدني أثناء تأدية عمله سواء أكان رجلا أم امرأة‪،‬‬

‫فإن الأمر يكتسي بعض الخصوصية فيما يتعلق بالمرأة العاملة الحامل ‪ ،‬نظير الخصوصية الفيز يولوجية‬

‫الطارئة التي ستؤهلها للأمومة‪ ،‬وهي خصوصية حت ّمت على المجتمع الدولي وكذا التشر يعات الوطنية إلى‬

‫سن العديد من القواعد الحمائية الخاصة بالمرأة الحامل في إطار نظرة حقوقية تزاوج بين حق المرأة العاملة‬

‫وحق الجنين وسلامته‪ ،‬وحق المشغل على السواء‪ ،‬والذي قد يعرض معها المرأة العاملة لبعض المخاطر‬

‫الصحية الانجابية ويحميها من بعض المواد ال كيميائية‪ ،‬التي تشكل ضررا على صحتها وصحة جنينها في‬

‫الأشهر الأولى أو الأخيرة للحمل‪ ،‬ولهذه الغاية سعت منظمة العمل الدولية إلى وضع البنود العامة‪،‬‬

‫الخاصة بحماية الاجيرة خلال فترة الحمل بنصها المباشر على حماية صحتها وصحة جنينها‪ ،‬وفي هذا نجد‬

‫الاتفاقية رقم ‪ 3‬بشأن استخدام النساء قبل الوضع وبعده ‪ ،‬قد نصت على ضرورة السهر على حماية المرأة‬

‫الأجيرة أثناء فترة الحمل وبعده‪ ،‬كون الحالة الصحية للأجيرة الحامل ستتطلب حتما رعاية أشد وأدق‪،‬‬

‫من أجل حماية وظيفة الانجاب والمولود المرتقب من أي ضرر أو تشو يه‪ ،‬الأمر الذي يدفعنا بالتالي إلى‬

‫التساؤل عن مدى توفر تلك الحماية في التشر يع الليبي؟‬

‫لقد ألزم المشرع الليبي من خلال المواد الخاصة بتشغيل النساء والأحداث‪ ،‬بعض المقتضيات التي من‬

‫ل من أهمها نص المادة ‪ 16‬التي منعت تشغيل النساء ‪،‬‬


‫شأنها أن توفر الحماية للمرأة العاملة الحامل‪ ،‬ولع ّ‬

‫في الأعمال التي لا تتناسب وطبيعتها مع ضرورة تخفيض ساعات العمل بالنسبة لهن في بعض المهن‬

‫والأعمال التي تحددها اللجنة الشعبية العامة‪ ،‬كما اضافت المادة ‪ 11‬ما يلي ‪ " :‬للمرأة الحق في اجازة‬

‫امومة بمقابل مدتها أربعة عشر أسبوعا عند تقديمها شهادة طبية تبين التاريخ المحتمل للولادة‪ ،‬وتتضمن‬

‫‪58‬‬
‫هذه الاجازة فترة الزامية بعد الوضع لا تقل عن ستة أسابيع ‪ ،‬وتمتد اجازة الامومة الى ستة عشر‬

‫اسبوعا ً اذا أنجبت أكثر من طفل‪ ،‬ولا يجوز انهاء عمل المرأة أثناء حملها أو أثناء تغيبها في اجازة أمومة‬

‫إلا لأسباب مبررة لا تمت بصلة الى الحمل أو الولادة ومضاعفاتها أو الإرضاع‪ ،‬كما يكون للمرأة العاملة‬

‫في خلال الثمانية عشر شهرا التالية لتاريخ الوضع‪ ،‬الحق في التمتع بفترة أو فترات توقف عن العمل خلال‬

‫ساعات العمل لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة من أجل ارضاع طفلها على أن تعتبر ساعات‬

‫مدفوعة المقابل "‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حماية منصب عمل الأجيرة الحامل‬

‫حرص المشرع الليبي على توفير أقصى حماية للمرأة العاملة أثناء فترة الحمل وما بعدها‪ ،‬فقد أسّس‬

‫للعديد من النصوص الحمائية التي تستبعد أي إجراء تعسفي تجاهها من طرف المشغل‪ ،‬خاصة فيما يتعلق‬

‫بالفصل من العمل طبقا لما جاءت به الفقرة الثانية من المادة ‪ 11‬التي نصت بالقول "‪ ...‬لا يجوز إنهاء‬

‫عمل المرأة أثناء حملها أو أثناء تغيبها في اجازة الامومة إلا لأسباب م ُبر ّرة لا تمت بصلة إلى الحمل أو‬

‫الولادة ومضاعفاتها ‪."...‬‬

‫وإذا وقع الفصل اثناء فترة توقف عقد العمل المنصوص عليها في المادتان ‪ 11/16‬من قانون‬

‫العمل فإنه يكون باطلا وتستحق عن ذلك التعو يضات المخولة لها قانونا‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫ونظرا للحالة النفسية والصحية للحامل‪ ،‬فقد منح المشرع الليبي للعاملة الحامل على وجه الاستثناء‬

‫العديد من الامتيازات أثناء ممارستها عملها انطلاقا من المقتضيات التي اوردتها المادتان ‪ 11/16‬من‬

‫قانون العمل الليبي‪.‬‬

‫‪ ‬الحماية القانونية للأجيرة بعد وضع الحمل‬

‫دأبت التشر يعات الدولية والوطنية إلى تنظيم الحالة القانونية للمرأة العاملة التي تتقمص أحيانا‬

‫دور الأم‪ ،‬بعد حملها ووضعها لمولودها بهدف الحفاظ على وظيفة الإنجاب وحماية المرأة والمولود من‬

‫أي ضرر أو تشو يه‪ ،‬قد ينعكس سلبا على المجتمع ككل‪ ،‬وذلك حتى تتمكن المرأة الأجيرة من القيام‬

‫ل مثل هذه الأهمية قد جاءت في العديد من الاتفاقيات‬


‫بوظيفتها كأم وكعاملة في آن واحد‪ ،‬ولع ّ‬

‫الدولية والتشر يعات الوطنية‪ ،‬التي نصت جميعها على ضرورة تمتيع الأجيرة خلال فترة الوضع بإجازة‬

‫إجبار ية‪ ،‬سواء في الأسابيع الأخيرة للحمل أو عند الوضع والأسابيع التي تليه‪ ،‬والتي يطلق عليها إجازة‬

‫الوضع‪ ،‬مع تمتيعها بحماية أخرى تتعلق بإرضاع مولودها وتربيته‪.‬‬

‫أولا‪ :‬حق الأجيرة في إجازة وضع‬

‫حتى لا تكون الوظيفة الطبيعية والاجتماعية للمرأة عائقا في متابعة عملها المأجور أو سببا لفقدانها لهذا‬

‫العمل‪ ،‬فقد بات من الضروري تأسيس تنظيم قانوني يرمي إلى المحافظة على صحة المرأة العاملة ‪ ،‬وصحة‬

‫مولودها حتى تتمكن من القيام بوظيفتها كأم وكعاملة‪ ،‬ومن أجل هذا الغرض حرصت جل التشر يعات‬

‫‪60‬‬
‫على تمتيع العاملة بإجازة قبل الوضع ‪ ،‬نظير ما قد يشكله هذا العمل من خطورة على صحة المرأة‬

‫والمولود‪ ،45‬وفي هذا ذهبت اتفاقية الشغل رقم(‪ )3‬إلى القول بعدم السماح للمرأة بالعمل خلال‬

‫الاسابيع الستة التالية لوضع مولودها ‪ ،‬مع اعطائها حق الانقطاع عن العمل‪ ،‬شر يطة تقديمها شهادة‬

‫طبية تثبت عدم قدرتها على احتمال العمل اثناء حملها‪ ،‬ووجود احتمال كبير في وضعها في غضون‬

‫الستة اسابيع الموالية‪ ،‬كما نصت المادة الثانية من الاتفاقية رقم ‪943‬على احقية اجازة الأمومة لكل‬

‫عاملة تنطبق عليها بنود الاتفاقية ‪ 943‬م ُبر ّرة بشهادة طبية تبين التاريخ المحتمل للوضع على أن لا تقل‬

‫مدة اجازتها عن اثنى عشر اسبوعا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬حق الأجيرة في ارضاع وتربية مولودها‬

‫إضافة إلى الحقوق السابقة التي منحها المشرع الليبي للمرأة الأجيرة سواء أثناء حملها أو بعد‬

‫وضعها لمولودها‪ ،‬هناك حماية أخرى نص عليها قانون العمل الليبي الجديد وتتعلق بالخصوص في حق‬

‫العاملة في إرضاع مولودها وتربيته خلال فترة العمل‪ ،‬انطلاقا من أهمية الأمومة السليمة التي تستوجب‬

‫الاعتناء بالمولود في جميع مراحله وفقا للظروف الصحية والنفسية السليمة‪ .‬إضافة لما للرضاعة من أثار‬

‫إ يجابية على صحة المولود باعتبارها حقا من حقوقه الطبيعية لارتباطها بحقه في الحياة والصحة والنمو‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن قانون العمل الليبي الجديد حسب ما جاءت به صراحة المادتان ‪ 14 ،11‬منه‬

‫والتي جاء فيها "‪ ...‬كما يكون للمرأة العاملة في خلال الثمانية عشر شهرا التالية لتاريخ الوضع‪ ،‬واستئناف‬

‫العمل الحق في التمتع بفترة من فترات توقف عن العمل خلال الساعات الرسمية‪ ،‬لا تقل في مجموعها‬

‫عن ساعة واحدة بغية ارضاع طفلها‪ ،...‬و يجب على جهات العمل التي تقوم بتشغيل نساء ذوات‬

‫راجع في ذلك أحمد جرادات العيسوي "الحماية القانونية للمرأة العاملة بين التشريعات العربية والدولية"‪،‬ورقة عمل مقدمة إلى مؤتمر المرأة العربية وتحديات القرن‪ ،‬جامعة عين شمس‪ ،‬مصر ‪ 2171‬صفحة ‪4572‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪61‬‬
‫اطفال أن تخصص لهن أماكن لحضانة أطفالهن وإرضاعهم‪ ،‬و يجوز أن تشترك أكثر من جهة عمل‬

‫واحدة في تخصيص أماكن لحضانة أطفالهن‪."....‬‬

‫قائمة المراجع‬

‫‪ ‬محمد سلامة جبر‪ :‬الحماية الدولية والوطنية للمرأة العاملة‪ ،‬مجلة الحقوق العدد الثاني‪ ،‬السنة ‪ ،13‬جامعة‬

‫ال كويت‪.1441 ،‬‬

‫عصام الحموي "الحماية القانونية للمرأة العاملة في القانون الوضعي‪ :‬دراسة مقارنة "‪،‬الطبعة الاولي ‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫دار المطبوعات الحديثة للنشر والتوز يع‪ ،‬بيروت ‪/‬لبنان ‪. 1441‬‬

‫‪ ‬عبدالغني عمرو الرويمض‪ ،‬القانون الاجتماعي‪ ،‬الجزء الاول علاقات العمل الفردية‪ ،‬الطبعة الثامنة‪،‬‬

‫دار ال كتب الوطنية بنغازي‪ -‬ليبيا‪.1491 ،‬‬

‫‪ ‬عمرو بنعلي‪ ،‬حظر التمييز ضد المرأة في مدونة الشغل_ دراسة مقارنة_‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات‬

‫العليا المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الأول‪ ،‬كلية الحقوق وجدة‪ ،‬السنة الجامعية‬

‫‪.1441/1448‬‬

‫‪ ‬أحمد جرادات العيسوي "الحماية القانونية للمرأة العاملة بين التشر يعات العربية والدولية"‪ ،‬ورقة عمل‬

‫مقدمة إلى مؤتمر المرأة العربية وتحديات القرن‪ ،‬جامعة عين شمس‪ ،‬مصر ‪.1494‬‬

‫‪62‬‬
‫الحماية القانونية لليد العاملة الأجنبية ‪ :‬الجهود النشر يعية والمؤسساتية‬

‫محمد اشهيهب‬

‫محام متمرن بهيئة مكناس‬

‫وباحث في القانون والمقاولة‬

‫تقديم‬

‫مما لا شك فيه أن الحق في الشغل من الحقوق الأساسية لكل إنسان‪ ،‬حيث نجد المادة‬

‫‪ 13‬من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أنه " لكل شخص حق في العمل وحر ية اختيار عمله‬

‫‪ ،"...‬وهذا ما جعل المشرع الدستوري ارتقى بهذا الحق إلى مصاف الحقوق الدستور ية‪ ،‬وفي هذا‬

‫الإطار نجد هذا الحق منظم بمقتضى قوانين داخلية فضلا عن اتفاقيات دولية ثنائية الأطراف وكذا‬

‫ذات الأطراف المتعددة‪ ،‬كل ذلك ينطوي تحت ما يسمى بالقانون الدولي الخاص بالشغل‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى المنظومة التشر يعية المغربية نجد في أول الأمر كانت تنظم علاقات الشغل في‬

‫إطار نصوص متناثرة ومتفرقة بعد أن يتم تجميع ذلك في مدونة الشغل بمقتضى قانون ‪ 41-11‬كاستجابة‬

‫لإرادة سياسية وتشر يعية لمحاولة ملائمة التشر يع الداخلي مع ما تنص عليه المواثيق الدولية خاصة إذا‬

‫علمنا أن المغرب صادق على العديد من الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص‪ ،‬وفي نفس السياق فإن‬

‫القانون الدولي للشغل يعتبر بما لا يدع مجالا للشك مصدرا أساسيا للتشر يع‪ ،‬فضلا على أنه مقياس‬

‫لمقارنة التطور الحاصل في مجال إقرار الحقوق الأساسية للعمل خاصة وأن المغرب صادق على أزيد من‬

‫‪63‬‬
‫خمسين (‪ )14‬اتفاقية تعتبر من الإتفاقيات الأساسية لمنظمة العمل الدولية‪ ،‬إذ تساءل البعض عن‬

‫القيمة القانونية للقانون الدولي للشغل على ضوء القانون الداخلي خاصة فيما يتعلق بالحماية القانونية لليد‬

‫العاملة الأجنبية‪.‬‬

‫وتجدر الإشارة إلى أن التطور الإقتصادي والتكنولوجي الذي عرفه العالم المعاصر فرض على‬

‫الدول ومنها المغرب ترك باب الإنعزالية والإنزواء ومواكبة هذا التطور والذي سينعكس لا محال سلبا‬

‫أو إ يجابا وذلك بسبب التغييرات وإحداث مجموعة من القوانين والتشر يعات الحديثة‪ ،‬ولن يتحقق ذلك‬

‫بمنأى عن فتح هذه الدول أبوابها لإستقطاب اليد العاملة و تصديرها إن صح التعبير‪ ،‬وهذا ما فرض‬

‫على المغرب بحكم موقعه الإستراتيجي العمل على وضع تشر يعات لضمان الإستقرار خاصة في العلاقة‬

‫الشغلية‪ ،‬وهو ما تحقق من خلال صدور مدونة الشغل والتي جاءت في العديد من مقتضياتها منسجمة‬

‫وملائمة مع الإتفاقيات الدولية‪ ،‬كما أنها خصصت الباب الرابع والخامس منها لتنظيم تشغيل المغاربة‬

‫بالخارج وكذا الأجانب بالمغرب بمقتضى المواد من ‪ 191‬إلى ‪.119‬‬

‫وتجدر الإشارة إلى أن المغرب ليس بلد لتصدير اليد العاملة فقط‪ ،‬ل كنه في المقابل يعد من‬

‫البلدان المستقطبة للعمال الأجانب خاصة في السنين الأخيرة والتي عرفت تزايدا كبيرا من المهاجرين‬

‫من شمال إفر يقيا وسور يا خاصة نظرا للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية‪ ،‬حيث‬

‫أصبح هؤلاء الأجانب يفضلون الاستقرار بالمغرب سواء المهاجرون بصفة شرعية أم غير قانونية وأصبح‬

‫البحث عن عمل ل كسب قوت يومهم أمرا ملحا ومن أهم المتطلبات الأساسية‪ ،‬وقد عمل المغرب على‬

‫تنظيم عملية استثنائية لتسو ية وضعية الأجانب المقيمين بصفة غير قانونية مؤخرا‪.‬‬

‫ولا تفوتنا الإشارة ونحن نتحدث عن هجرة اليد العاملة إلى أن المغرب أبرم " اتفاقية اليد‬

‫العاملة "سنة ‪ 9143‬مع فرنسا‪ ،‬وكذا المصادقة على اتفاقية مع هولندا بخصوص استقدام اليد العاملة‬

‫‪64‬‬
‫المغربية في ‪ 96‬ماي ‪ ، 9141‬كما تم إطلاق مشروع تحسين إدارة هجرة اليد العاملة وحماية حقوق‬

‫العمال – ‪ 6‬يونيو ‪ – 1496‬الذي تموله الفيدرالية السويسر ية بهدف النهوض بالحكامة الجيدة لهجرة اليد‬

‫العاملة وحماية حقوق العمال المهاجرين‪ ،‬كما تمت المصادقة على عدة اتفاقيات صادرة عن منظمة العمل‬

‫الدولية منها الاتفاقية رقم ‪ 6‬ورقم ‪.96‬‬

‫وفي نفس المضمار فإن الحماية القانونية لليد العاملة الأجنبية لن تتحقق من خلال وضع‬

‫تشر يعات داخلية تهم مجال التشغيل وكذا المصادقة على اتفاقيات دولية في هذا المجال بل عبر وضع‬

‫تشر يعات داخلية للحماية الاجتماعية وهو ما عمل المشرع المغربي عل تحقيقه من خلال ظهير ‪9121‬‬

‫المتعلق بالضمان الإجتماعي وغيره من النصوص المنظمة للحماية الإجتماعية خاصة للأجانب المقيمين‬

‫في المغرب وكذا المغاربة المهاجرين‪ ،‬كما عمل المغرب على المصادقة على عدة اتفاقيات بخصوص الحماية‬

‫الاجتماعية من قبيل اتفاقية الضمان الاجتماعي بين المغرب والدانمرك والبروتوكول الملحق بها الموقعين‬

‫بكوبنهاك ‪ 14‬أبر يل ‪ ،9184‬واتفاقية الضمان الاجتماعي بين المغرب و تونس ‪ ،9111‬واتفاقية‬

‫الضمان الإجتماعي بين المغرب وألمانيا ‪ ،1449‬وكذا نفس الاتفاقية مع فرنسا ‪ 9441‬وغيرهم من‬

‫الدول‪.‬‬

‫إن الحماية القانونية لليد العاملة الأجنبية تنبني على جهود تشر يعية ومؤسساتية كبيرة ومكثفة‬

‫يمكن القول أنها قد تعطي أكلها لتحقيق نوع من العدالة الإجتماعية خاصة إذا علمنا أن المغرب يعتبر‬

‫طرفا نشيطا في المصادقة على الإتفاقيات الدولية حتى يلائم التشر يع الداخلي مع التشر يعات الدولية بما‬

‫يساهم في الرقي بالمجتمع وازدهاره وما لذلك من انعكاسات على احترام مبادئ حقوق الإنسان‪.‬‬

‫وتبرز أهمية موضوع الحماية القانونية لليد العاملة الأجنبية‪ :‬الجهود التشر يعية والمؤسساتية من‬

‫خلال ما يقوم به المغرب من مجهودات جبارة على مستوى سن القوانين ووضع ضوابط وإبرام‬

‫‪65‬‬
‫اتفاقيات دولية لتدبير وضعية اليد العاملة الوطنية والأجنبية‪ ،‬هذا فضلا عن تدخل الممل كة عن طر يق‬

‫مؤسسات وطنية لتدبير الوضعية القانونية لهؤلاء العمال الأجانب وكذا الوطنيين‪.‬‬

‫ومن هنا تبرز إشكالية الموضع والمتجسدة في إلى أي حد توفق القانون الدولة الخاص في تدبير‬

‫وضعية اليد العاملة الأجنبية ؟ وهل تسعى الدول إلى سن تشر يعات والمصادقة على اتفاقيات لحماية‬

‫حقوق هذه الفئة‪ ،‬أم أن ذلك مجرد تلميع الصورة الوطنية والزعم بملاءمة التشر يعات الوطنية مع‬

‫الإتفاقيات الدولية بعيدا عن الأهداف النبيلة المتمثلة في حماية هذه الفئة الضعيفة ؟‬

‫لمعاجة هذه الإشكالات وأخرى سوف نحاول الحديث في المحور الأول ‪ :‬الجهود التشر يعية‬

‫لحماية اليد العاملة الأجنبية من خلال الوقوف على النقط الآتية ‪:‬‬

‫‪‬سعي الدول إلى سن تشر يعات داخلية لتدبير وضعية اليد العاملة الأجنبية‪.‬‬

‫‪‬وضع ضوابط حمائية لليد العاملة الوطنية ‪.‬‬

‫‪‬سعي الدول إلى إبرام اتفاقيات ثنائية وأخرى متعددة الأطراف لتدبير الوضعية‬

‫القانونية لمواطنيها العاملين في بلاد المهجر ‪.‬‬

‫على أن نعرج في المحور الثاني لمناقشة مدى توفق الجهود المؤسساتية في حماية هذه الفئة‪ ،‬إن‬

‫على المستوى الوطني أو الدولي من خلال النقط التالية ‪:‬‬

‫‪‬مدى تدخل المؤسسات الوطنية في تدبير الوضعية القانونية لليد العاملة الأجنبية ‪.‬‬

‫‪‬مدى قابلية الأجانب للتأطير النقابي ‪.‬‬

‫دور المؤسسات الدولية في حماية حقوق العمال الأجانب ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫‪‬النقطة الأولى ‪ :‬دور الإتفاقيات الدولية والهيآت المؤسساتية في دعم حقوق اليد العاملة في بلدان‬

‫المهجر‬

‫يعتبر الشغل من أهم حقوق الإنسان بل هو يأتي من حيث الأهمية المباشرة بعد الحق في‬

‫الحياة‪ ،‬إذ قال مونتسكيو في هذا الصدد " ليس الإنسان فقير لأنه لا يملك شيئا ول كن لأنه لا يشتغل‪".‬‬

‫ويبقى العمل في الحقل الإجتماعي بصفة عامة ذلك الجهد سواء بدنيا كان أو عقليا الذي يبذله‬

‫الإنسان بمقتضى الإتفاق مع الغير في مجال نشاط مهني مشروع بمقابل أو بعوض لمصلحة هذا الغير‬

‫وتحت إشرافه وإمرته ‪...‬‬

‫ومما لا شك فيه أن الحق في الشغل ما فتئ يحتل الصدارة ضمن مطالب المنظمات النقابية‪،‬‬

‫حتى ارتقي إلى مصاف الحقوق الدستور ية بل إلى مستوى الحق الدولي مع صدور الإعلانات والمواثيق‬

‫الدولية المتعلقة بحقوق الطبقة الشغيلة وحقوق الإنسان عامة‪ ،‬وهذا ما يفسر تنظيم التشر يعات الداخلية‬

‫لهذا الحق فضلا عن الإتفاقيات والمعاهدات الدولية‪.‬‬

‫وما تج در الإشارة إليه أن الإتفاقيات الدولية المتعلقة بالشغل سواء الصادرة عن الأمم‬

‫المتحدة أو عن منظمة العمل الدولية وتلك الصادرة عن منظمة العمل العربية‪ ،‬تتضمن مقتضيات هامة‬

‫لحماية الطبقة العاملة تحت ما يسمى بالقانون الدولي الخاص بالشغل‪ ،‬فهذه الإتفاقيات تتضمن كذلك‬

‫أحكام خاصة بالعمال الأجانب كل ذلك إيمانا منها بالضغوطات والإكراهات التي سيواجهها هؤلاء‬

‫الأجانب في بلاد المهجر‪ ،‬وحتى يتحقق نوع من المساواة ونوع من الإنصاف وعدم التمييز بين العمال‬

‫الوطنيين والعمال الأجنبيين تم وضع عدة اتفاقيات لحماية هذه الفئة ومن بين هذه الإتفاقيات نجد ‪:‬‬

‫‪‬الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة ‪9168‬‬

‫بالرجوع إلى المادة ‪ 13‬نجده ينص على أنه لكل شخص الحق في العمل وله الحر ية في اختياره بشروط‬

‫‪67‬‬
‫عادلة وأجر مساو للعمل الذي يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان‪ ،‬وكما نص كذلك عل‬

‫أنه لكل شخص بصفته عضوا في المجتمع الحق في الضمان الإجتماعي وترك هامشا ومساحة واسعة‬

‫للتشر يعات الوطنية لتنظيم التمتع بهذه الحقوق بما ينسجم مع النظام العام وخصوصية البلد‪ ،‬ولا يجيز‬

‫بأي شكل من الأشكال حرمان الأفراد سواء المواطنين أو المهاجرين من هذه الحقوق‪.‬‬

‫‪‬وبالرجوع للعهديين الدوليين نجدهما كذلك يؤكدان كذلك على الحق في العمل والذي يشمل الحق‬

‫في أن تتاح للفرد مواطنا كان أم غير مواطن إمكانية كسب رزقه بعمل يختار و يقبله بحر ية وفرض على‬

‫الدول التزاما بضمان تمتع الأفراد بهذا الحق‪ ،‬وفي هذا الصدد يمكن القول بأن تنظيم التشر يعات لشرط‬

‫عدم المنافسة وإجازة تضمينه في عقد الشغل مما يترتب عليه حرمان العامل أو الأجير مؤقتا من مزاولة‬

‫عمل قد ينافس فيه صاحب العمل بعد انتهاء العقد إذا ما كانت طبيعة العمل تتيح للأجير التعرف على‬

‫أسرار مهنية تتنافى كليا مع ما جاء به العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والثقافية والإجتماعية‪،‬‬

‫فضلا عما قيل فإن هذا العهد نص على إلزامية تمتع جميع الأشخاص بظروف عمل تكفل السلامة‬

‫والصحة وبشروط مرضية تكفل لهم الحق في الحصول على أجر منصف دون تمييز بين الأجانب‬

‫والمواطنين‪.‬‬

‫ونصه كذلك على الحق في تكوين نقابات والإنضمام إليها‪ ،‬وقد تم تكرار هذا الحق في‬

‫أكثر من وثيقة دولية وعلى الرغم مصادقة أغلبية الدول على هذين العهدين إلا أنه ليست كل‬

‫الدول تلتزم بكفالة هذا الحق للعمالة المهاجرين‪ ،‬هذا بالإضافة إلى تنصيص العهد على حق الأفراد‬

‫على الحق في الضمان الإجتماعي سواء كانوا مواطنين أو غير مواطنين‪.‬‬

‫‪‬الإتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله‬

‫نظرا لما كان يعرفه العالم من أشكال التمييز في جميع المجالات خاصة الإقتصادية‬

‫‪68‬‬
‫والإجتماعية منها‪ ،‬ونظرا لتزايد هجرة اليد العاملة من دول الجنوب إلى دول الشمال وما نتج عن‬

‫ذلك من أشمال التمييز العنصري‪ ،‬فقد تم إصدار هذه الإتفاقية والتي أكدت على التزام الدول‬

‫الأطراف بحضر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة أشكاله وبضمان حق كل إنسان دون تمييز‬

‫بسسب العرق‪ ،‬اللون أو الجنس في الحقوق الإقتصاديو والثقافية والإجتماعية‪ ،‬ولا سيما الحق في‬

‫العمل وفي حر ية اختيار نوع العمل بشروط مرضية وعادلة والحق في تكوين نقابات والإنتماء إليها‪،‬‬

‫فضلا عن حق التمتع بخدمات الصحة العامة والرعاية الطبية والضمان الإجتماعي ‪...‬‬

‫‪‬وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ضد المرأة أكدت على‬

‫ذلك خاصة في ميدان العمل وحق التمتع بنفس فرص التوظيف‪ ،‬والحق في المساواة في الأجر والحق‬

‫في الضمان الإجتماعي وصحة وسلامة ظروف العمل وهذا ما عملت عليه جل التشر يعات إن لم نقل‬

‫كلها‪.‬‬

‫‪‬الإتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم‬

‫بادئ ذي بدء يجب القول أن هذه الإتفاقية جاءت لتؤكد المبادئ التي نص عليها الإعلان العالمي‬

‫لحقوق الإنسان والعهديين الدوليين والإتفاقيات الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز كما أن‬

‫هذه الإتفاقية تصب في مصلحة الحلقة الضعيفة في العلاقة الشغلية‪ ،‬ألا وهي العمال المهاجرين مع‬

‫الأخذ بعين الإعتبار العمال غير النظاميين والذين يتم استغلالهم من طرف المشغلين واستخدامهم‬

‫بشروط أقل بكثير من شروط عمل الأجراء الآخرين‪.‬‬

‫ومن الملاحظات الأساسية على هذه الإتفاقية تلك المتعلقة بعدد الدول المصادقة عليها والتي لا‬

‫تتجاوزخمسين (‪ )14‬دولة من بينهم المغرب ‪.‬‬

‫وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإتفاقية تعرف العامل المهاجر بأنه " كل شخص سيزاول أو يزاول أو ما‬

‫‪69‬‬
‫برح يزاول نشاط مقابل اجر في دولة ليس من رعاياها "‪ ،‬ومن الملاحظات كذلك أن هذه الإتفاقية‬

‫تميز بين العمال المهاجرين في وضع نظامي وأخرين في وضع غير نظامي‪ ،‬وقد يقول قائل بأن هذه‬

‫الإتفاقية جاءت بنوع من التمييز العنصري‪ ،‬ل كننا نقول بأن هذا لا يدخل ضمن أي شكل من أشكال‬

‫التمييز العنصري الذي نصت عليه إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري‪ ،‬وإنما جاء هذا التمييز‬

‫فقط ل كي يشجع على الهجرة النظامية وإعطاء حقوق إضافية للعمال المهاجرين النظاميين دون المساس‬

‫بالحقوق الاساسية المعترف بها في الإتفاقيات السابقة‪.‬‬

‫وكما هو الشأن بالنسبة للإتفاقيات السالفة الذكر فإن هذه الإتفاقية نصت على حق العمال‬

‫المهاجرين في التمتع بالحقوق الأساسية‪ ،‬بل الأكثر من ذلك والجديد فيها أنها نصت على عدم جواز‬

‫تعرض العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لإجراءات الفصل – الطرد‪ -‬الجماعي‪ ،‬وأن ينظر ويبث في‬

‫كل قضية على حدة‪ ،‬فضلا عن عدم سجن العامل المهاجر المخل بإلتزاماته التعاقدية من جهة‪ ،‬ومن جهة‬

‫أخرى فإن هذه الإتفاقية تكفل حق العمال المهاجرين في المشاركة في الإجتماعات وأنشطة تقابات‬

‫العمال بقصد حماية مصالحهم إضافة إلى الإنضمام بحر ية إلى أي نقابة عمالية مع احترام القيود التي‬

‫ينص عليها القانون‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بالضمان الإجتماعي فإن هذه الإتفاقية تنص على تمتع العمال المهاجرين في دولة‬

‫العمل بنفس المعاملة التي يعامل بها رعايا تلك الدولة‪.‬‬

‫وعليه فإن اتفاقية حماية حقوق كل العمال المهاجرين وأفراد اسرهم تكفل حقوقا واسعة‬

‫للعمال المهاجرين مستندة في ذلك على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود والإتفاقات اللاحقة‪،‬‬

‫وفي ذات الوقت تكفل سلطة الدول في تنظيم هذه الحقوق‪.‬‬

‫‪‬الإتفاقية رقم ‪ 41‬المتعلقة بالعمل الجبري والإلزامي والتي منعت على المشغل أن يمارس أي‬

‫‪70‬‬
‫شكل من أشكال التهديد على العامل من أجل إرغامه على القيام بعمل معين غير متفق عليه في العقد‬

‫دون رغبة الاجير سواء كان مواطنا أو أجنبيا‪.‬‬

‫‪‬الإتفاقية رقم ‪ 12‬المتعلقة بالعمال المهاجرين ‪9161‬‬

‫إن اهتمام منظمة العمل الدولية بالدفاع عن العمال ومصالحهم وتنظيم شروط العمل لم يكن يتم بمعزل‬

‫عن اهتماها بفئة من العمال الأكثر تعرضا للغستغلال والتمييز‪ ،‬لهذا وجهت المنظمة عنليتها بوضع قواعد‬

‫تحمي العمال المهاجرين فهذه الإتفاقية تلزم الدول الأطراف باتخاذ الإجراءات المناسبة لمكافحة‬

‫الدعايات المظللة فيم ا يتعلق بالهجرة إلى الخارج والهجرة الوافدة‪ ،‬كما تلزم عند الضرورة الدول‬

‫الأطراف بالتحقق من الحالة الصحية للعمال المهاجرين وأفراد اسرهم‪ ،‬فضلا عن ضمان تمتع هؤلاء‬

‫الاجراء برعاية طبية كافية وظروف صحية جيدة عند مغادرتهم لبلدانهم‪ ،‬كما أنها تتيح للوافدين النظاميين‬

‫معاملة لا تقل عن المعاملة التي تتيحها لمواطنيها فيما يتعلق بالأجور وعضو ية النقايات والضمان‬

‫الإجتماعي‪.‬‬

‫‪‬اتفاقية العمل اللائق للعمال المنزليين رقم ‪981‬‬

‫فقد تم التركيز على هذه الإتفاقية نظرا لتعليق أغلبية التشر يعات استفادة هاته الفئة من العمال على‬

‫صدور قانون خاص بهم‪ ،‬الشيء الذي لم يتحقق في أغلب الدول لحد الآن على الرغم من مصادقتها على‬

‫هذه الإتفاقية‪.‬‬

‫وهذه الإتفاقية تعنى بهذه الفئة من العمال وقد جاءت نتيجة لطبيعة عمل هذه الفئة وما لها من مساهمة‬

‫في الإقتصاد العالمي تشمل ز يادة فرص العمل بأجر للعمال‪ ،‬وجاء في مقتضيات هذه الإتفاقية إلزامية‬

‫الدولة باتخاذ التدابير اللازمة التي تضمن نجاعة وتعزيز حماية حقوق الإنسان لجميع الأجراء بالمنازل‪،‬‬

‫وتحقيق الحقوق الأساسية في العمل فيما يتعلق خاصة بالحر ية النقابية والقضاء على جميع اشكال التمييز‬

‫‪71‬‬
‫والعمل الجبري‪ ،‬وأن يتمتع العمال بالمنازل بحماية فعالة من جميع أشكال الإساءة والمضايقات والعنف‬

‫وأن يتمتعوا شانهم شأن العمال بشروط استجدام عادلة ومرضية وظروف عمل لائق‪.‬‬

‫وقد نصت الإتفاقية على أن يتضمن عقد العمل جميع المعلومات الواجب توافرها حتى تكون‬

‫هاته الفئة على علم بشروط وظروف استخدامهم وعلى نحو يضمن لهم كرامتهم‪.‬‬

‫من خلال ماسبق يمكن القول بأن القانون الدولي الخاص بالشغل عمل على وضع مقتضيات‬

‫قانونية غاية في الأهمية لحماية الطبقة العاملة على المستوى الدولي سواء العمال المواطنين أو المهاجرين‪ ،‬إذ‬

‫عمل في هذا الإطار القانون الدولي للشغل على بذل جهود تشر يعية لتمتيع هؤلاء العمال من الحقوق‬

‫الأساسية فضلا عن الحقوق الإضافية‪ ،‬وتم ترجمة ذلك من خلال إبرام عدة اتفاقيات دولية ومعاهدات‬

‫وإصدار توصيات خاصة في هذا المجال على نحو ما سبق مناقشته‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن هناك عدة مؤسسات دولية تعنى بحماية حقوق العمال وتعمل على بذل العديد من‬

‫المجهودات لتمتيع هذه الفئة الهشة من الحماية اللازمة خاصة العمال الأجانب‪ .‬هكذا نجد على المستوى‬

‫الأوربي من بين أكثر المنظمات الإقليمية فعالية "المجلس الأوربي" والذي نظم عدة اتفاقيات أوربية‬

‫لحماية حقوق العمال من ضمنها "الاتفاقية الأوربية حول الوضعية القانونية للعمال المهاجرين" لسنة‬

‫‪ ،9122‬و"الميثاق الاجتماعي" لسنة ‪ 9149‬الذي يركز على الحق في العمل‪ ،‬حق المفاوضة الجماعية‪ ،‬حق‬

‫الضمان الاجتماعي‪ ،‬حق المساعدة الطبية والاجتماعية‪ ،‬حق الحماية الاجتماعية والاقتصادية للعائلة‪ ،‬ثم‬

‫حق حاية ومساعدة العمال المهاجرين وعائلاتهم‪.‬‬

‫أما على المستوى الأمريكي فنجد منظمة الدول الأمريكية خاصة في إطار الاتفاقية الأمريكية‬

‫لحقوق الإنسان التي تتمتع بآلية مراقبة وتنفيذ تشبه آلية الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان‪ ،‬وكذا على‬

‫المستوى الافر يقي نجد منظمة الوحدة الافر يقية والميثاق الافر يقي لحقوق الإنسان لسنة ‪ 9189‬الذي‬

‫‪72‬‬
‫ينص في بعض بنوده على حماية حقوق العمال كحق العمل وحق الأجر؛ هذا فضلا عن وكالات‬

‫الاستخدام الخاصة والتي تقوم بالعمل على حسن سير سوق العمل وحماية العمال من التجاوزات‪ ،‬كما‬

‫تعمل على القيام بعناية العمال الذين يلجئون إلىخدماتها‪ ،‬توخيا لتعزيز تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة‬

‫في الحصول على عمل ومزاولة مهن معينة‪ ،‬وقد تم اعتماد وكالات الاستخدام الخاصة من طرف المؤتمر‬

‫العام الدولي للشغل بمقتضى الاتفاقية رقم ‪.989‬‬

‫‪‬النقطة الثانية ‪ :‬سعي التشر يعات الدولية لحماية اليد العاملة الوطنية‬

‫القاعدة والأصل أن الأجير حر في الاشتغال من عدمه‪ ،‬وهذا المبدأ مقرر بالنسبة للمشغل كذلك‪،‬‬

‫حيث بإمكانه قبول أو رفض من يتقدمون للإشتغال لديه سواء كانوا مواطنين أو أجانب‪ ،‬شر يطة أن‬

‫تكون دوافع الرفع مبنية على اعتبارات مهنية وليس الاعتبارات التميز ية المحظورة قانونا والتي أسلفنا الذكر‬

‫حولها‪ .‬وحماية لليد العاملية الوطنية من مزاحمة زميلتها الأجنبية فرض المشرع قيودا على تشغيل الأجراء‬

‫الأجانب‪ ،‬وسنعود للحديث عن هذه الفئة فيما يتعلق بتشغيل الأجانب في المغرب‪.‬‬

‫في هذا الإطار نجد المشرع المغربي وإيمانا منه بإقامة وإقرار الحماية اللازمة للأجراء المغاربة ببلاد‬

‫المهجر بذل مجهودات جبارة لإقرار الحماية اللازمة لهؤلاء إن على مستوى التشر يع أو على مستوى‬

‫المؤسسات العاملة بهذا الإطار شأنه شأن باقي التشر يعات الدولية‪ ،‬هكذا وبعد أن كانت علاقة الشغل‬

‫منظمة في إطار نصوص متناثرة ومتفرقة فقد عمل المشرع الاجتماعي على تجميع هذه النصوص في‬

‫مدونة خاصة بالشغل بموجب قانون ‪ ،11.41‬والتي خصصت الباب الرابع من الكتاب الرابع منها‬

‫لتشغيل الأجراء المغاربة بالخارج من المادة ‪ 191‬إلى المادة ‪ ،191‬حيث ألزمت المادة ‪ 191‬على‬

‫الأجراء المغاربة المتوجهين إلى دولة أجنبية قصد الاشتغال بها أن يتوفروا على عقود شغل مؤشر عليها‬

‫من طرف المصالح المختصة لدى الدولة المهاجر إليها وكذا من فبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل‬

‫‪73‬‬
‫بالمغرب‪ ،‬في إطار إقرار الحماية لرعاياها ألزم التشر يع المغربي مطابقة تلك العقود مع الاتفاقيات المتعلقة‬

‫باليد العاملة المبرم ة مع تلك الدول‪ ،‬كما تعمل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل على اختيار المهاجرين بناء‬

‫على أهليتهم المهنية والصحية وتقوم بكل الاجراءات الإدار ية لتوجيههم إلى بلد الاستقبال بتنسيق مع‬

‫الادارات والمشغلين المعنيين‪.‬‬

‫وبعد تعليق استفادتهم من أحكام المدونة على صدور قانون خاص فقد أوجب المشرع في المادة‬

‫‪ 191‬من م ش على المشغل الذي يغادر التراب الوطني صحبة خادم منزلي لمدة أقصاها ‪ 4‬أشهر أن‬

‫يتعهد بتحمل نفقات إرجاعه إلى وطنه وعند الاقتضاء مصار يف استشفائه في حالة مرضه أو تعرضه‬

‫لحادث‪ .‬كما قرر عقوبة زجر ية في حالة مخالفة أحكام هذا الباب‪.‬‬

‫وفي إطار الحديث عن حماية اليد العاملة الوطنية فقد عمل المغرب على المصادقة على عدة‬

‫اتفاقيات دولية في جال الشغل‪ ،‬وقد جاءت هذه المصادقة لاعتبارين أساسيين‪ ،‬أولهما ملاءمة التشر يع‬

‫الداخلي مع هذه الاتفاقيات‪ ،‬وثانيهما حماية اليد العاملة الوطنية من جهة‪ ،‬وحماية العمال الأجتنب من‬

‫جهة أخرى بما يضمن حماية حقوق الإنسان‪ ،‬ومن هذه الاتفاقيات نجد "اتفاقية القضاء على جميع‬

‫أشكال الميز العنصري" لسنة ‪ 9144‬المنشورة بالجريدة الرسمية سنة ‪ 9124‬تحت عدد ‪ ،1188‬والاتفاقية‬

‫رقم ‪ 914‬المتعلقة بإدارة الشغل ودوره ووظائفه وتنظيمه‪ ،‬والتي تمت المصادقة عليها سنة ‪1499‬‬

‫والمنشورة في الجريدة الرسمية تحت عدد ‪ ،1181‬واتفاقية "حماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد‬

‫أسرهم" المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة ‪ 9114‬حيث صادق عليها المغرب سنة‬

‫‪ 1499‬ونشرت بالجريدة الرسمية تحت عدد ‪ 4491‬في يناير ‪1491‬؛ من خلال هذه الاتفاقية يظهر لنا‬

‫أن المشرع المغربي ينحو في اتجاه حماية الأجراء المغاربة بالخارج‪ ،‬وذلك لأهمية وحجم ظاهرة الهجرة التي‬

‫تشمل ملايين الناس وتمس عددا كبيرا من الدول في المجتمع الدولي‪ ،‬وإدراكا منها لأثر تدفق موجات‬

‫‪74‬‬
‫العمال المهاجرين على الدو ل المعنية‪ ،‬ورغبة منها في إرساء قواعد يمك أن تسهم في التوفيق بين مواقف‬

‫الدول عن طر يق قبول مبادئ أساسية تتعلق بمعاملة العمال المهاجرين‪ ،‬كما تأخذ هذه الاتفاقية بعين‬

‫الاعتبار حالة الضعف التي يوجد فيها العمال المهاجرين لعدة اعتبارات‪ ،‬هذا فضلا على أن الهجرة غير‬

‫النظامية تكون أجسم بالنسبة لهؤلاء الأجراء‪ ،‬إذ أن بعض المشغلين يجدون في ذلك ما يغريهم بالبحث‬

‫عن هذا النوع من اليد العاملة يغية جني فوائد المنافسة غير العادلة والمشروعة‪ ،‬لذلك صادق المغرب على‬

‫هذه الاتفاقية حتى يضمن لهؤلاء الأجراء الحقوق الإنسانية الأساسية‪.‬‬

‫إن الجهود التشر يعية المغربية لم تقف عند هذا الحد‪ ،‬بل عمل المغرب على المصادقة على اتفاقية‬

‫أخرى متعلقة بالعمال المهاجرين مؤخرا وهي الاتفاقية التي لم يصادق عليها منذ زمن بعيد والمتمثلة في‬

‫الاتفاقية رقم ‪ 12‬لسنة ‪ ،9161‬وقد تم نشرها بالجريدة الرسمية تحت عدد ‪ 4122‬بيوليوز ‪ ،1496‬هذه‬

‫الاتفاقية تضمنت قواعد هامة ترمي إلى حماية الحلقة الأضعف في العلاقة الشغلية‪ ،‬إذ نادت بتمتيع‬

‫الأجراء الأجانب بنفس الحماية المقررة للأجراء المواطنين‪.‬‬

‫وفي إطار حماية الأجراء المغاربة في بلد المهجر‪ ،‬فبالإضافة إلى إبرام اتفاقيات متعددة الأطراف‬

‫كالاتفاقية رقم ‪ 6‬المتعلقة بشأن عمل النساء ليلا لسنة ‪ ،9191‬والاتفاقية رقم ‪ 96‬لسنة ‪ 9119‬بشأن‬

‫تطبيق الراحة الأسبوعية في المنشآت الصناعية‪ ،‬ثم اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ‪ 918‬لسنة ‪9188‬‬

‫المتعلقة بإنهاء الاستخدام (الشغل أو العمل) بمبادرة من صاحب العمل والتي عملت المدونة على‬

‫استنساخ المادة ‪ 6‬منها بمقتضى المادة ‪ ،31‬حيث أوردت مجموعة من المقتضيات التي حاولت من خلالها‬

‫تحقيق نوع من التوازن بين حق المشغل في الإنهاء واحترام حقوق الأجراء الأساسية‪.‬‬

‫فضلا عن هذه الاتفاقيات المتعددة الأطراف‪ ،‬فقد أبرم المغرب اتفاقيات ثنائية قصد تنظيم‬

‫مواطنيه حينما ينتقلون للعمل فوق تراب بلد آخر‪ ،‬ومن ذلك الاتفاقية المتعلقة "بانتقال اليد العاملة"‬

‫‪75‬‬
‫المبرمة مع ألمانيا في ماي ‪ ،9143‬وفرنسا بيونيو ‪ ،9143‬والاتفاقية بين المغرب وبلجيكا المتعلقة بتشغيل‬

‫العمال المغاربة بها سنة ‪ ،9146‬وكذا اتفاقية مع هولندا في يناير ‪ ،9141‬فضلا عن اتفاق إداري سنة‬

‫‪ 9111‬بين حكومة المغرب واسبانيا يتعلق بالعمال الموسمين المغاربة باسبانيا‪ .‬وكذلك الاتفاقية الثنائية بين‬

‫المغرب واسبانيا سنة ‪ 1499‬التي تحدد كيفية اختيار المرشحين للهجرة‪ ،‬وتنص على استفادتهم من‬

‫الحقوق الواردة بقانون الشغل المطبق ببلد العمل خاصة شروط العمل‪ ،‬السلامة‪ ،‬الأجور والعطل‬

‫المؤدى عنه‪ ،‬كما صادقت الحكومة مؤخرا على مشروع قانون يحدد شروط الشغل والتشغيل الخاصة‬

‫بالعمال المنزليين بموجب قانون رقم ‪.44/36‬‬

‫من خلال ما سبق يتضح أن المغرب على علم يقين بما قد يتعرض إليه المغاربة المقيمين بالخارج‬

‫من استغلالات من طرف أرباب العمل‪ ،‬لذلك كثف من الجهود التشر يعية المتمثلة خاصة في إصدار‬

‫مدونة الشغل وإبرام اتفاقيات ثنائية مع الدول المستقطبة لليد العاملة المغربية وكذا المصادقة على‬

‫اتفاقيات دولية‪ .‬إلا أن ما يثير الانتباه أن هذه الاتفاقيات كلها تتضمن حماية للأجير وحده‪ ،‬ونعتقد أن‬

‫ذلك راجع بالأساس إلى الاعتقاد السائد منذ زمن بعيد بأن الأجير هو الأجدر بالحماية باعتباره طرفا‬

‫ضعيفا في العلاقة الشغلية أمام قوة المقاولة‪ ،‬ل كن في السنوات الأخيرة أصبح هاجس التشر يعات‬

‫ينصب على الاهتمام اللازم بالأجراء والمقاولات على حد سواء‪ ،‬نظرا للدور الذي يلعبه الطرفان في‬

‫مجال التنمية الاقتصادية وتحقيق الحكامة في التشغيل إن على المستوى الدولي أو الوطني‪.‬‬

‫‪‬النقطة الثالثة ‪ :‬الجهود التشر يعية لحماية الأجراء المغاربة بالخارج على مستوى الضمان‬

‫الإجتماعي‬

‫‪76‬‬
‫‪‬إلى أي حد يتمتع العامل المغربي بالحق في الضمان الإجتماعي في البلد الأجنبي‬

‫؟‬

‫تعتبر حماية الأجراء من صميم اهتمامات مشرعي العالم والمشرع المغربي بدوره سن قانونا لهذه‬

‫الحماية بموجب ظهير ‪ ،9121‬إلا أن ما يعاب على هذا الأخير غياب تام في مقتضياته لنظام الحماية‬

‫الاجتماعية للأجراء المغاربة بالخارج‪ ،‬على خلاف ما هو عليه الأمر بالنسبة لأنظمة الضمان الاجتماعي‬

‫لبلدان أخرى سواء كانت مصدرة أو مستقبلة لهذه اليد العاملة‪.‬‬

‫إن القصور التشر يعي المغربي بخصوص الحماية الاجتماعية للأجراء بالخارج يواز يه استفادة هؤلاء‬

‫من الاتفاقيات التي يبرمها المغرب في هذا الشأن‪ ،‬حيث تجد هذه الحماية سندها في المادة ‪ 11‬من‬

‫الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة ‪ ،9168‬عندما نصت على أنه "لكل شخص عضو في المجتمع حق‬

‫في الضمان الاجتماعي"‪ .‬وقد كانت غاية المغرب من إبرام الاتفاقيات المتعلقة بمجال الضمان‬

‫الاجتماعي وضع لبنات أساسية للاستفادة واستحقاق العامل المغربي وأفراد أسرته من منافع الضمان‬

‫الاجتماعي المضمنة في التشر يعات الوطنية لهذه الدول دون تمييز بين مواطني هذه الأخيرة والعمال‬

‫المغاربة العاملين فوق ترابها‪.‬‬

‫إن استفادة الأجراء المغاربة من جل الاتفاقيات الدولية يبقى معلقا على شروط تشكل حيفا في‬

‫حق هؤلاء العمال وجورا على حق الضمان الاجتماعي برمته‪ ،‬خصوصا وأن هؤلاء الأجراء المهاجرين‬

‫يقدمون اشتراكات لصناديق الضمان الاجتماعي ببلدان الإقامة ويساهمون في ميزانيتها‪.‬‬

‫في ذات السياق يثار الإشكال بخصوص ما مدى تمتيع الأجراء المغاربة بالخارج بحق الضمان‬

‫الاجتماعي؟‬

‫للإجابة عن هذا الإشكال سنخصص الحديث (أولا) عن شروط الاستفادة من الضمان‬

‫‪77‬‬
‫الاجتماعي في بلد الإقامة‪ ،‬فيما سنعرج (ثانيا) للحديث عن نطاق تطبيق الضمان الاجتماعي بالخارج‪.‬‬

‫أولا ‪ :‬شروط الاستفادة من الضمان الاجتماعي ببلد الإقامة‬

‫يعتبر مبدأ إقليمية نظام الضمان الاجتماعي شرطا قاسيا يقلص استحقاق الأجراء المهاجرين من‬

‫منافع هذا النظام‪ ،‬ومن بين الدول التي أقرت هذا الشرط نجد فرنسا حيث كان شرط الإقامة فيها عند‬

‫باذئ الأمر ضيق النطاق (يشمل التأمين الشخصي وفيما بعد الإعانات العائلية)‪ ،‬إلا أنه في سنة ‪9113‬‬

‫أصبحت الإقامة شرطا للانخراط والاستفادة من كافة التعو يضات الاجتماعية‪.‬‬

‫إن حرمان الأجير المغربي غير المتوفر على إقامة من الانخراط والاستفادة من نظام الضمان‬

‫الاجتماعي جعل البعض ينادي بعدم تطبيق هذا الشرط على إطلاقه‪ ،‬حيث يجب أن تؤخذ بعين‬

‫الاعتبار بعض الفئات الخاصة (المرضى والشيوخ)‪ ،‬علاوة على أن شرط الإقامة يتعارض وبعض‬

‫المواثيق الدولية ونخص بالذكر منها الاتفاقية رقم ‪ 998‬المتعلقة بالمساواة في المعاملة بين المواطنين وغير‬

‫المواطنين في ميدان الضمان الاجتماعي‪ ،‬ويتضح ذلك من خلال مادتها ‪ 6‬التي نصت على أنه فيما‬

‫يتعلق بالتعو يضات فإن المساواة في المعاملة يجب أن تتضمن دون شرط الإقامة‪ ،‬غير أن المغرب لم‬

‫يصادق على هذه الاتفاقية مما يترتب عنه عدم استفادة عماله من مقتضيات المادة الانف ذكرها‪.‬‬

‫ومما يجدر التنبيه عليه كون المقصود بالإقامة هي الإقامة الاعتيادية وليست القانونية‪ ،‬فأغلب‬

‫التشر يعات الأوربية تستوجبها ومنها التشر يع الفرنسي الذي يحددها في أكثر من ‪ 4‬أشهر من كل سنة‪،‬‬

‫ولا تقف الإقامة الفعلية الاعتيادية عند حد الأجير بل تتعداه إلى ذو يه‪ ،‬فمثلا التعو يضات العائلية‬

‫تقتضي إقامة المؤمن وأولاده إقامة فعلية بفرنسا‪.‬‬

‫وعلى نقيض المشرع الفرنسي‪ ،‬فإن نظيره الهولندي لطف من حدة شرط الإقامة الفعلية‪ ،‬وسمح‬

‫للأجير المهاجر بإمكانية صرف أداءاته الاجتماعية عند الإقامة خارج هولندا إذا وجدت اتفاقية ثنائية‬

‫‪78‬‬
‫حول هذا الأمر مع بلد المؤمن العامل ‪ ،‬شر يطة ألا تتعدى هذه الإقامة الخارجية ‪ 3‬أشهر ‪ ،‬هذا دون‬

‫إغفال أن التشر يع الهولندي يبسط رقابته على الأداءات و التعو يضات المستحقة للعامل المغربي الذي‬

‫استقر بالمغرب سواء كان متقاعدا أو ليس كذلك وذلك بموجب اتفاقية أبرمتها هولندا مع المغرب سنة‬

‫‪ ،1444‬ل كن هذه الاتفاقية أخذت منعطفا جديدا حينما قدم وزير الشؤون الاجتماعية والشغل‬

‫الهولندي يوم ‪ 96‬أكتوبر ‪ 1496‬مشروع قانون لإلغاء هذه الاتفاقية حيث اتخذ الوزير الهولندي عدة‬

‫إجراءات للحد من تصدير التعو يضات الاجتماعية نحو الخارج‪ ،‬من بينها توقيف أداء تعو يضات الأطفال‬

‫القاطنين بالمغرب ابتداء من ‪ ،1491‬وحذف التغطية الصحية أثناء العطلة في المغرب‪ ،‬وخفض‬

‫تعو يضات الأرامل واليتامى بنسبة ‪.%64‬‬

‫أما بخصوص الشرط الثاني فيتعلق بالمدة الدنيا من التأمين‪ ،‬حيث يشترط للاستفادة من‬

‫المعاشات (كمعاش الشيخوخة ومعاش الزمانة) تجميع عدد من الاشتراكات يوازي المدة المتطلبة‬

‫للاستفادة‪ ،‬إلا أن الإشكال يطرح بخصوص ما إذا كان الأجير المغربي المهاجر اشتغل بعدة دول في‬

‫أوربا ولم يتمكن من التوفر على المدة الدنيا من كل تشر يع على حده‪ ،‬جوابا على هذا الإشكال فالاتفاق‬

‫الأوربي المتوسطي المؤسس لشراكة بين المغرب من جهة والمجموعة الأوربية والدول الأعضاء فيها من‬

‫جهة ثانية يمنح العمال المغاربة صلاحية تجميع فترات التأمين أو التشغيل أو الإقامة المستوفاة بمختلف‬

‫الدول الأعضاء فيها‪ ،‬لاسيما فيما يتعلق بمعاشات وإيرادات الشيخوخة والعجز‪.‬‬

‫أما ثالث شرط فيتجسد في الجنسية حيث يشترط للاستحقاق بعض المعاشات أن يكون الأجير‬

‫حاملا لجنسية البلد الذي يشتغل به‪ ،‬ففي فرنسا مثلا تُع َلق الاستفادة من المعاشات والتعو يضات ذات‬

‫الطابع الإسهامي (التعو يض الخاص بالشغالين الأجراء الطاعنين في السن)‪ ،‬وكذا تعو يض ربات الأسرة‬

‫على حاملي الجنسية الفرنسية‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫هذا بخصوص شروط الاستفادة من الضمان الاجتماعي ببلد الإقامة‪ ،‬فماذا عن نطاق تطبيقه؟‬

‫ثانيا ‪ :‬نطاق تطبيق الضمان الاجتماعي ببلد الإقامة‬

‫تهدف أنظمة الضمان الاجتماعي إلى تغطية الأفراد الذين هم بحاجة لهذه الحماية الاجتماعية‪،‬‬

‫لذلك فنطاق تطبيقه يشمل المجال الشخصي والمادي وكذا المخاطر موضوع الضمان‪ ،‬فبالرجوع لاتفاقية‬

‫الضمان الاجتماعي التي تربط المغرب باسبانيا والتي دخلت حيز التنفيذ فاتح أكتوبر من سنة ‪9181‬‬

‫نجد أن مجال التطبيق المادي لهذه الاتفاقية يشمل التشر يع المتعلق بالنظام العام للضمان الاجتماعي‬

‫الاسباني وكذا التشر يع المتعلق بالأنظمة الخاصة (العلاجات الصحية مثلا)‪ ،‬أما عن مجال تطبيق‬

‫الاتفاقية الشخصي فنلاحظ على أنها وسعت من دائرة المستفيدين بحيث تضمنت الأجراء الأجانب‬

‫اللاجئين وعديمي الجنسية علاوة على العمال المغاربة الخاضعين أو الذين خضعوا للتشر يعات المتعلقة‬

‫بالضمان الاجتماعي بالإضافة إلى أفراد أسرهم والمتوفى عنهم‪.‬‬

‫أما فيما يخص المنافع المشمولة بنظام الضمان الاجتماعي فيستفيد العمال المغاربة المشتغلون‬

‫باسبانيا من التعو يض على كل من المرض؛ الأمومة؛ معاشات الشيخوخة والعجز ؛ منحة الوفاة؛‬

‫حوادث الشغل والأمراض المهنية؛ ثم التعو يضات العائلية‪.‬‬

‫أما بخصوص اتفاقية الضمان الاجتماعي التي تجمع المغرب ببلجيكا‪ ،‬فقد دخلت حيز التنفيذ‬

‫بتاريخ ‪ 49‬غشت ‪ ،9129‬وتمت مراجعتها عدة مرات كانت آخرها سنة ‪ ،1446‬وما يلاحظ على هذه‬

‫الاتفاقية أنها أضافت البطالة للمخاطر موضوع الضمان التي تقدم ذكرها في الاتفاقية الاسبانية حيث‬

‫تخضع هذه البطالة للتشر يع المتعلق بالبطالة غير الطوعية علاوة على مجموعة من التشر يعات تندرج ضمن‬

‫مجال التطبيق المادي لهذه الاتفاقية من قبيل التشر يع المتعلق بمعاش التقاعد والمتوفى عنهم للعمال‬

‫الأجراء ؛ وكذا التشر يع المتعلق بالتأمين عن المرض و الإصابة بالعجز الذي قد يتعرض له العمال‬

‫والبحارة العاملين في السفن التجار ية‪ ،‬والتشر يع المتعلق بمعاش العجز لعمال المناجم والمشبهين بهم؛ ثم‬

‫التشر يع المتعلق بالتعو يضات العائلية للعمال الأجراء‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫إن الاتفاقيات المبرمة في مجال الضمان الاجتماعي تهدف في مجملها إلى صيانة الحقوق المكتسبة‬

‫للجالية المغربية من أجل تحقيق المساواة في المعاملة ومن تم إلغاء المقتضيات التشر يعية التميز ية‪.‬‬

‫‪‬النقطة الرابعة ‪ :‬سعي التشر يعات إلى حماية اليد العاملة الأحنبية‬

‫لما كان الحق في العمل من أبرز الحقوق الإنسانية ولذي نصت جل المواثيق الدولية‪ ،‬فإن هذا‬

‫الحق لا يقتصر على أفراد الدولة أي مواطنيها وإنما يتعداه لحماية اليد العاملة الأجنبية‪ ،‬لذلك نجد جميع‬

‫التشر يعات عملت على تنظيم تشغيل الأجراء الأجانب بمقتضيات خاصة‪ ،‬وهو نفس النهج الذي سار‬

‫عليه تشر يعنا الاجتماعي حيث خصص الباب الخامس من الكتاب الرابع من مدونة الشغل لتشغيل‬

‫هذه الفئة‪ ،‬وذلك من خلال وضعه لقواعد آمرة لا يمكن مخالفتها من خلال المواد ‪ 194‬إلى المادة‬

‫‪ ، 119‬حيث ألزم كل مشغل يرغب في تشغيل أجير أجنبي أن يحصل على ترخيص بذلك من قبل‬

‫السلطة الحكومية المكلفة بالشغل على شكل تأشيرة توضع على عقد الشغل‪ ،‬وأضافت المادة ‪ 192‬من م‬

‫ش إلزامية مطابقة عقد شغل الأجانب بالنموذج الذي تحدده هذه السلطة‪ ،‬وقد تم تحديد هذا النموذج‬

‫فعلا بموجب قرار لوزير التشغيل والتكوين المهني رقم ‪ 314.41‬في فبراير ‪ 1441‬وتم تتميمه في نونبر من‬

‫نفس السنة‪ ،‬وهذا يدل على الجهود التشر يعية المبذولة في هذا المجال من طرف التشر يع المغربي لحماية‬

‫الأجراء الأجانب من كل تعسف أو استغلال يمكن أن يمارس على هذه الفئة الموصوفة بالهشة‬

‫والضعيفة‪ ،‬والملاحظ أن المشرع جعل الكتابة كشرط للانعقاد تحت طائلة بطلان العقد‪ ،‬وقد سبق‬

‫للقضاء أن قرر بطلانه في عدة مناسبات‪.‬‬

‫وما تجدر الإشارة إليه أن القرار الوزاري حدد البيانات التي يجب تضمينها في عقد الشغل بالنسبة‬

‫للأج انب دون إمكانية الز يادة فيها أو النقصان‪ ،‬مما يصبح معه التساؤل مشروعا بخصوص تضمين عقد‬

‫الشغل لبيان يتعلق بسر ية الأجر مثلا؟ كماهو حال عقد شغل المدرب إير يك غيريتس الذي تضمن بيان‬

‫‪81‬‬
‫عدم ال كشف عن الراتب‪.‬‬

‫وبعيدا عن كل ذلك فقد ألزمت المادة ‪ 198‬من م ش على المشغل في حالة رفض منح الرخصة‬

‫المنصوص عليها في المادة ‪ 194‬من م ش بتحمل مصار يف عودة الأجير إلى بلده‪ ،‬وقد نصت المادة‬

‫‪ 114‬من ذات القانون على مراعاة أحكام الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف أو الثنائية المنشورة‬

‫قانونا‪ ،‬بل الأكثر من ذلك فقد وضع المشرع عقوبات مالية للمشغلين الذين يشغلون أجيرا أجنبيا لا‬

‫يتوفر على الرخصة المذكورة أو في حالة عدم مطابقة عقده مع المنصوص عليه في المادة ‪ 192‬من م‬

‫ش‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن المغرب صادق على اتفاقيات دولية متعددة الأطراف وأخرى ثنائية تتعلق بحماية‬

‫الأجراء بصفة عامة‪ ،‬وبالأجراء الأجانب أو المهاجرين بصفة خاصة‪ ،‬وما قيل عن الأجراء المغاربة‬

‫بالخارج يقال أو ينطبق على اليد العاملة الأحنبية بالمغرب‪ ،‬كل ذلك في إطار قواعد القانون الدولي‬

‫الخاص بالشغل إيمانا من المشرع الدولي بوضعية هاته الفئة والعمل على إقرار قواعد حمائية لها ومساواتها‬

‫باليد العاملة الوطنية‪ ،‬ويتضح ذلك جليا من خلال إطلال مشروع إدارة هجرة اليد العاملة وحماية‬

‫حقوق العمال مؤخرا ب ‪ 6‬يونيو ‪ ،1496‬والذي تم تمو يله من طرف الفيدرالية السويسر ية بهدف‬

‫النهوض بالحكامة الجيدة لهجرة اليد العاملة وحماية حقوق العمال الأجانب‪.‬‬

‫وفي هذا الإطار يتضح أن المشرع المغربي حاول التأسيس لنوع من التوازن بين اليد العاملة‬

‫الأجنبية والأجراء الوطنيين من خلال فرض التأشيرة والتي يمكن من خلالها مراقبة تأثير تشغيل‬

‫الأجانب بالمغرب ليتسنى لها تصحيح الوضع من خلال إعادة التوازن كلما تطلب الأمر ذلك‪.‬‬

‫وتجدر الإشارة إلى أن ما هو منصوص عليه قانونا يبقى مجرد حبر على ورق إلى حد بعيد حيث‬

‫يؤكد الواقع العملي أن عددا كبيرا من الأجراء يشتغلون دون الحصول على تأشيرة من السلطة الحكومية‪،‬‬

‫‪82‬‬
‫بالإضافة إلى عدم تطبيق عدد مهم من الاتفاقيات الدولية من طرف عدة دول فيما يتعلق بفئة الأجراء‬

‫الأجانب خاصة فيما يخص الحماية الاجتماعية أو الضمان الاجتماعي‪.‬‬

‫‪‬النقطة الخامسة ‪ :‬الحماية القانونية للأجراء الأجانب بالمغرب على مستوى الضمان‬

‫الإجتماعي‬

‫‪‬ما هي الجهود التشر يعية المبذولة من طرف المغرب لحماية العمال الأجانب على مستوى الضمان‬

‫الإجتماعي ؟‬

‫إذا كانت حماية الأجير المغربي في بلاد المهجر في قلب اهتمامات المشرع المغربي من خلال‬

‫إبرامه لعدة اتفاقيات سواء متعددة أو ثنائية الأطراف المتعلقة بالضمان الإجتماعي‪ ،‬فإن هاجسه‬

‫كذلك ينصب على ملائمة تشر يعه الداخلي مع تلك المعاهدات‪ ،‬لذلك نجد المغرب عمل على إبرام‬

‫والمصادقة على إتفاقيات متعددة في هذا المجال خاصة مع الدول الأوروبية‪.‬‬

‫وعليه فإن المغرب ومراعات لما قد ينشأ للعامل الأجنبي من حقوق قبل الهجرة فقد تم الإقرار‬

‫بمبدأ استمرار الحقوق المكتسبة في العلاقات الدولية في مجال الضمان الإجتماعي وذلك عن طر يق‬

‫السماح بجمع فترات التأمين أو الشغل أو الإقامة المقضية في ظل تشر يعات الأطراف المتعاقدة وفي‬

‫هذا الإطار أبرمت إتفاقية الضمان الإجتماعي ‪ 9182‬بين المغرب وتونس والتي قضت في فصلها‬

‫الثالث بأن الشغالين والأجراء الذين يمارسون بكيفية اعتيادية خدمة على التراب الوطني لأي من‬

‫الطرفين المتعاقدين يخضعون لتشر يع هذا الطرف ولو كانوا يقيموا على التراب الوطني للطرف‬

‫المتعاقد‪ ،‬بما يعني أن ذلك أن الأجراء التونسيون بالمغرب تسري عليهم أحكام التشر يع المغربي المتعلق‬

‫بالضمان الإجتماعي لظهير ‪ ،9121‬ويستفيدون مما يستفيد منه الأجراء المغاربة سيما وأن الفصل‬

‫الرابع من ذات الإتفاقية يشير إلى أن الجرايات والمنافع الأخرى النقدية لا يمكن إنقاصها ولا‬

‫‪83‬‬
‫تعليقها ولا حذفها بحجة أن المستفيد منها يقيم على التراب الوطني للطرف الآخر المتعاقد‪.‬‬

‫إن هاجس الدول في حماية رعاياها في بلد المهجر جعلت المغرب وألمانيا يبرمان إتفاقية ثنائية‬

‫متعلقة بالضمان الإجتماعي لسنة ‪ 9186‬والتي تم نشرها بالجريدة الرسمية ‪ 1‬ماي ‪ ،1441‬والتي‬

‫تضمنت حماية أكثر بالمقارنة مع سابقتها حيث جاء ضمن مقتضياتها أن هذه الإتفاقية تطبق على‬

‫مواطني أي من الطرفين المتعاقدين‪ ،‬واللاجئين ثم عديمي الجنسية‪ ،‬كما أضافت المادة الرابعة منها على‬

‫أن هؤلاء الأشخاص يكون وضعهم القانوني مشابها للوضع القانوني لمواطني أي من الدولتين‬

‫المتعاقدتين‪.‬‬

‫ل كن هذه الإتفاقية أقرنتن الإستفادة من ذلك بشرط الأقامة من خلال الفصل الخامس‬

‫حيث لا يطبق تشر يع أي من الدولتين الذي ينيط إكتساب الحق في الإعانات النقدية ‪ ...‬شر يطة‬

‫أن يكون المعني بالأمر مقيما على التراب الوطني لهذه الدولة‪ ،‬ولا يطبق على الاشخاص المشار إليهم‬

‫في الفصل الثالث والمقيمين أو الذين يقضون بضعة أيام على التراب الوطني للدولة الأخرى‪ ،‬ونرى‬

‫أن هذا الشرط مجحف في حق الأجير الأجنبي مما سيساهم في حرمان فئة هامة من العمال‬

‫الأجانب‪ ،‬كما أن هذا الشرط يخدم البلد الألماني أكثر من المغرب نظرا للعدد الهائل من اليد العاملة‬

‫المغربية بألمانيا‪.‬‬

‫وعلى كل حال فإن الأجراء الألمان بالمغرب يسري عليهم ما ينطبق على الاجراء المغاربة فيما‬

‫يتعلق بالضمان الإجتماعي إستنادا لأحكام هذه الإتفاقية بإعتبارها قانونا دوليا إتفاقيا بين البلدين‪.‬‬

‫فتكريسا لمبدأ المساواة في المعاملة لرعايا الطرفين المتعاقدين‪ ،‬حرصا المغرب والبرتغال على إبرام‬

‫إتفاقية الضمان الإجتماعي سنة ‪ 9118‬والتي تم نشرها بالجريدة الرسمية ‪ 6‬يناير ‪ .1449‬كل ذلك‬

‫رغبة منهما في ضمان حقوق رعاياهما في مجال الضمان الإجتماعي ومقتضى هذه الإتفاقية تحمل‬

‫‪84‬‬
‫الأشخاص الذين يوجدون فوق تراب أحد الطرفين – العمال البرتغاليون في مقامنا هذا – لإلتزامات‬

‫تشر يع الضمان الإجتماعي أي ظهير ‪ ،9121‬وبالمقابل يستفدون من مقتضيات هذا النظام بنفس‬

‫الشروط المطبقة على الأجراء المغاربة‪ ،‬ولا يحق للأجراء الأجانب أن يحتجوا بالمقتضيات السار ية‬

‫المفعول في بلدهم المتعلقة بحوادث الشغل والأمراض المهنية‪.‬‬

‫وبالرجوع للإتفاقية المبرمة بين كندا والمغرب سنة ‪ 9118‬المنشورة بالجريدة الرسمية في دجنبر‬

‫‪ 1444‬وعزما منهما على التعاون في ميدان الضمان الإجتماعي‪ ،‬وتأكيدا منهما لمبدأ المساواة في‬

‫المعاملة بين كافة الأشخاص الخاضعين أو اللذين سبق لهم أن لتشر يع أحد البلدين فيما يتعلق‬

‫بالضمان الإجتماعي‪ ،‬ورغبة منهما في المحافظة على أحسن للحقوق التي إكتسبها أو سيكتسبها المؤمن‬

‫لهم الإجتماعيون بكلا البلدين في مجال التأمين عن الشيخوخة والعجز‪ ،‬أو المتوفى عنهم وكذا التأمين‬

‫عن الحياة‪ ،‬فقد تم إقرار إبرام هذه الإتفاقية لتعزيز الحماية اللازمة لهاته الفئة وعليه فإنه حسب هذه‬

‫الإتفاقية تسري على ال كنديين بالمغرب ما يسري على المغاربة فيما يخص الضمان الإجتماعي‪ ،‬وهو‬

‫نفس ما قضت به الإتفاقية المبرمة بين المغرب وإسبانيا سنة ‪ 9121‬والتي تم نشرها بالجريدة الرسمية‬

‫سنة ‪. 9186‬‬

‫وقد صدر مؤخرا بالجريدة الرسمية قانون ‪ 96.61‬الموافق بموجبه على إتفاقية الضمان الإجتماعي‬

‫الموقعة ببروكسيل في ‪ 98‬فبراير ‪ 1496‬بين المغرب وبلجيكا وقد تم نشره بالجريدة الرسمية ب ‪94‬‬

‫مارس ‪ ، 1491‬فهذه الإتفاقية جاءت بمقتضيات هامة في إطار الجهود التشر يعية المغربية المبذولة‬

‫لتعزيز حماية اليد العاملة بالخارج‪ ،‬وكذا ضمان حقوق الاجراء الأجانب بالمغرب حيث تقضي‬

‫بإستفادة الأجانب من الحقوق التي يستفيد منها المواطنين المغاربة فيما يخص الضمان الإجتماعي‪،‬‬

‫كما يتمتع المغاربة ببلجيكا بنفس الإمتيازات حيث يتساوون في الحقوق والإلتزامات الناتجة عن‬

‫‪85‬‬
‫تطبيق نظام الضمان الإجتماعي في بلد المهجر‪.‬‬

‫وفي الأخير لا يسعنا سوى القول بأن الدول العربية ومنها المغرب تسعى إلى وضع نظام للضمان‬

‫الإجتماعي ذا نطاق واسع يضمن الحماية المتطلبة للمغاربة والأجانب على حد سواء‪ ،‬وذلك من‬

‫خلال المصادقة على عدة إتفاقيات دولية بهذا الخصوص‪ ،‬غير أنه وعلى الرغم من أن الدول‬

‫المتقدمة بالقارة العجوز تدعي أنها صاحبة الدمقراطية وأنها ضامنة للحقوق والحر يات بسياج متين‬

‫وحصن حصين إلا أنه يلاحظ تراجع من قبلها على احترام المواثيق الدولية فيما يتعلق بالحق في‬

‫الضمان الإجتماعي خاصة بالنسبة للعمال المهاجرين المستقرين بها ‪.‬‬

‫‪‬النقطة السادسة‪ :‬المؤسسات الدولية في حماية حقوق العمال الأجانب‬

‫لئن كان العمال يشكلون فئة كبيرة داخل المجتمع‪ ،‬فإن الاهتمام بها أمر لا مفر منه‪ ،‬وهو ما‬

‫جعل جل التشر يعات بما فيها الدولية والوطنية على إقرار قواعد حمائية لهؤلاء‪ ،‬كما فصلنا ذلك سابقا‪،‬‬

‫ل كن هذه الجهود التشر يعية لن ترى النور إذا لم تكن هناك مؤسسات ساهرة على تطبيقها ومراقبة‬

‫تنفيذها وهو ما تم فعلا من خلال خلق عدة مؤسسات ووكالات ومكاتب أساسها وعقيدتها حماية اليد‬

‫العاملة الأجنبية ونخص بالذكر في هذا الإطار منظمة العمل الدولية التي تم تأسيسها سنة ‪ 9191‬والتي‬

‫تعنى بقضايا العمال والشغل والتي تتكون من ثلاث هياكل يعتبر أسمى جهاز فيها المؤتمر الدولي للشغل‬

‫والذي يتولى تنظيم مشاكل الشغل على المستوى الدولي‪ ،‬و المجلس الإداري الذي يعد جهازا تنفيذيا‬

‫للمنظمة ثم مكتب الشغل الدولي والذي يتولى القيام بعدة صلاحيات منها على الخصوص جمع ونشر‬

‫المعلومات المتعلقة بالقضايا العمالية‪ ،‬والسهر على تطبيق الدول الأعضاء في المنظمة للاتفاقيات‬

‫والتوصيات التي تقررها ومساعدة الدول على وضع تشر يعات الشغل بما من شأنه حماية اليد العاملة‪،‬‬

‫‪86‬‬
‫وتتجلى أهمية هذا المكتب في دعم ومساندة الدول على تنظيم منتديات ولقاءات وندوات في مجال‬

‫التشغيل‪.‬‬

‫بالإضافة إلى منظمة العمل الدولية نجد منظمة العمل العربية كمؤسسة دولية تهدف إلى تنسيق‬

‫الجهود العربية في ميدان العمل‪ ،‬وتوحيد التشر يعات العمالية وظروف وشروط العمل بها وتتكون هذه‬

‫المؤسسة كذلك من عدة هيئات منها مؤتمر العمل العربي‪ ،‬المجلس الإداري ثم مكتب العمل العربي‬

‫والذي يقوم تقريبا بنفس المهام التي يقوم بها المكتب الدولي للشغل‪ ،‬بالإضافة إلى بعض الأجهزة‬

‫المساعدة‪.‬‬

‫وغني عني البيان أن الوزارات المكلفة بالتشغيل تبذل مجهودات جبارة لإقرار الحماية الضرور ية‬

‫لفئة العمال من خلال القيام بتنظيم ملتقيات مفتوحة تهم مجال الشغل وذلك بتعاون مع عدة‬

‫مؤسسات سواء وطنية أو دولية‪ ،‬وفي هذا الإطار فإنه سيتم تنظيم المنتدى الدولي الثالث للسياسات‬

‫العمومية في مجال التشغيل الذي سينعقد يومي ‪ 3/1‬ماس ‪ 1494‬في مراكش بشراكة مع مكتب‬

‫العمل الدولي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الإقتصادي‪.‬‬

‫وفي نفس المضمار فقد وضعت وزارة التشغيل إستراتيجية لذلك حيث أحدثت لجنة وزار ية‬

‫للتشغيل برئاسة رئيس الحكومة تضطلع بمهمة تدقيق الإجراءات العملية لإنعاش الشغل وتعزيز البرامج‬

‫النشيطة في ذلك وتحسين حكامته‪ ،‬كما نجد من ضمن هيئاتها مصلحة خاصة بالعمال المهاجرين‪.‬‬

‫ومن المؤسسات التي تقوم بدور مهم في حماية اليد العاملة خاصة الأجنبية نجد وكالات التشغيل‬

‫سواء العمومية أو الخصوصية وما لها من دور فعال في إطار الوساطة أو التقريب بين طالبي الشغل‬

‫والمشغلين ‪ .‬وفي المغرب نجد من بين أهم الفاعلين الرئيسيين في مجال التشغيل فضلا عن وزارة‬

‫التشغيل‪ ،‬الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل وال كفاءات من ضمن اختصاصاتها دراسة عروض التشغيل‬

‫‪87‬‬
‫الصادرة من البلدان الأجنبية واستكشاف جميع فرص توظيف المواطنين الراغبين في الهجرة إلى‬

‫الخارج هذا فضلا عن إنشاء المجلس الأعلى لإنعاش التشغيل بمقتضى مدونة الشغل بدل المجلس الأعلى‬

‫لليد العاملة‪ ،‬وعلى المستوى الإقليمي تم إحداث لجان جهو ية وإقليمية لإنعاش التشغيل وغيرها من‬

‫المؤسسات التي تعمل في مجال التشغيل كوكالات التشغيل الخصوصية والوكالة الفنية ثم وكالات‬

‫التشغيل المؤقت‪ ،‬والتي تم تنظيمها من خلال المواد ‪ 6111‬إلى ‪ 144‬من مدونة الشغل‪.‬‬

‫ولا تفوتنا الإشارة ونحن نتحدث عن الجهود المؤسساتية المبذولة لحماية اليد العاملة إلى كل من‬

‫مفتشية الشغ ل والقضاء باعتبارهما مؤسستين فعاليتين ومراقبتين وضامنتين لتنفيذ ما تلتزم به الدول في‬

‫مجال التشغيل‪ ،‬حيث أن قانون الشغل وحده لا يمكنه أن يحقق هدفه المتمثل في حماية الأجير الطرف‬

‫الضعيف في العلاقة الشغلية إلا إذا كان مدعما بجهاز أو مؤسسة تضمن احترام قواعده والتطبيق الفعلي‬

‫لأحكامه وهذا ما جعل المغرب كغيره من الدول يعمل على إحداث هيئة تفتيش الشغل وتخصيصها‬

‫بنظام أساسي خاص بها‪ ،‬ولضمان نجاعة هذه المؤسسة فقد أسند له مهمة قانونية وتقنية متمثلة خاصة‬

‫في مراقبة تطبيق أحكام الشغل (المادة ‪ 131‬من م‪.‬ش)‪ ،‬ومعاينة أي عرقلة لسير العمل وتحرير‬

‫المحاضر بشأنها حس مقتضيات المادة ‪ 31‬من م‪.‬ش وغيرها من المواد‪ ،‬هذا كله فضلا عن الدور‬

‫البارز والمتجسد في المهام التصالحية والتحكيمية بين الأجراء والمشغلين كيفما كانت جنسيتهم بمقتضى‬

‫المواد ‪ 632‬و‪ 131‬و ‪ 119‬من م‪.‬ش‪ ،‬بالإضافة إلى المهام الإدار ية‪.‬‬

‫إن هذه المهام والصلاحيات المختلفة التي تتمتع بها هذه المؤسسة من شانها أن تكون كفيلة‬

‫بتحقيق نوع من التوازن في العلاقة الشغلية وإقرار حماية لليد العاملة من كل تعسف او استغلال من‬

‫طرف المشغلين‪ ،‬وذلك من خلال دخول المفتشين لكل مؤسسة خاضعة للمراقبة دون سابق إعلام‪،‬‬

‫والإطلاع على جميع الوثائق التي يلزم القانون المشغل بمسكها ثم إنجاز تقارير في حالة مخالفة الأحكام‬

‫‪88‬‬
‫التشر يعية حسب المادة ‪ 131‬من م‪.‬ش ‪.‬‬

‫وجدير بالذكر إلى أن أي قانون كيفما كانت درجة رقيه و تقدمه فإنه لابد له من مؤسسة‬

‫قضائية تنقله من حالة السكون إلى الحركة وهذا ما تلاحظه على المستوى الدولي حيث أن جميع‬

‫التشر يعات تشتمل على محاكم اجتماعية أو أقسام اجتماعية داخل المحاكم يتم اللجوء إليها عند حدوث‬

‫نزاع بين رب العمل و الأجير سواء كان أجنبيا أو وطنيا‪.‬‬

‫من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية في العلاقة الشغلية لابد من التعاون والتنسيق بين مفتشية‬

‫الشغل والمؤسسة القضائية حسب ما تنص عليه المادة ‪ 1‬من اتفاقية تفتيش العمل رقم ‪ ،89‬باعتبار‬

‫هذه المفتشية حارسة لأحكام المدونة ليس في المغرب فقط بل في جميع بلدان العالم‪ ،‬إذ لا يجب أن‬

‫تظل معزولة في ممارسة مهامها عن باقي السلطات وعلى رأسها القضاء باعتباره المسؤول عن حماية حقوق‬

‫الأجراء الفردية والجماعية وتحقيق الأمن القضائي والقانوني وكذا تحقيق ما يسمى بالأمن التعاقدي بين‬

‫أطراف عقد الشغل‪.‬‬

‫في هذا الإطار يمكن طرح التساؤل حول مدى إمكانية اعتماد الاتفاقيات الدولية من طرف‬

‫المحكمة تلقائيا ولو لم يطلب الأطراف ذلك‪ ،‬لاسيما عند غياب نص داخلي في الموضوع‪ ،‬أو إعمالا للمبدأ‬

‫المنصوص عليه في المادة ‪ 99‬من م‪.‬ش القاضي بتطبيق " المقتضيات الأكثر فائدة للأجراء أو المؤاجرين‬

‫‪ ،"...‬وخاصة عندما يتعلق الأمر بحق أساسي من حقوق الإنسان كأعمال تمس بكرامة العامل‪ ،‬فيما‬

‫يتعلق بهذا ال إشكال نرى أن المحكمة لا تطبق أحكام الإتفاقيات الدولية حتى إذا ما طلب ذلك أحد‬

‫الأطراف فما بالك في حالة عدم طلب ذلك‪ ،‬ونرى أن ذلك راجع لعدة اعتبارات منها على الخصوص‬

‫عدم تقديم دفوعات من هذا القبيل وكذا غياب التخصص لدى القضاة في القانون الدولي للشغل‪.‬‬

‫فماذا عن حق الأجانب في التأطير النقابي؟‬

‫‪89‬‬
‫‪‬النقطة السابعة ‪ :‬مدى قابليىة الأجانب للتأطير النقابي‬

‫لعل تكريس مبدأ الحر ية النقابية وتوسيع نطاقه وحمايته كان ولا زال من أهم انشغلات منظمة‬

‫العمل الدولية‪ ،‬حيث اعتبرت هذا المبدأ أحد المبادئ الرئيسية التي نشا من أجلها‪ ،‬وفي هذا الإطار‬

‫أقرت مؤتمرات العمل الدولية عدة صكوك نظمت شؤون الحركية النقابية بدأت بالإتفاقية رقم ‪99‬‬

‫لسنة ‪ 9119‬بشان الحق النقابي للعمال الزراعيين‪ ،‬ثم إتفاقية رقم ‪ 86‬لسنة ‪ 9162‬إلى أن تم خلق لجنة‬

‫خاصة بالحر ية النقابية وإصدار الإتفاقية رقم ‪ 82‬المتعلقة بالحر ية النقابية وحماية الحق النقابي وكذا‬

‫الإتفاقية رقم ‪ 18‬المتعلقة بحق التنظيم والمفاوضة الجماعية‪ ،‬وقد تم ضمان الحق في الإنخراط في أي‬

‫منظمة نقابية بمقتضى جل دساتير الدول ‪-‬الفصل ‪ 3‬و ‪ 1‬من الدستور المغربي‪ -‬وكذا في القوانين‬

‫الداخلية‪.‬‬

‫فبالرجوع إلى مدونة الشغل المغربية نجدها تنص على تأسيس النقابات المهنية بكل حر ية وكذا‬

‫حق الأجراء في الإنضمام إلى النقابة التي تختارها بكل حر ية حسب المادة ‪ 318‬منها‪ ،‬كما أكدت على‬

‫منع كل تمييز بين الأجراء على أساس الإنتماء النقابي‪.‬‬

‫ل كم ما تجب الإشارة إليه أن المغرب لم يصادق بعد على الإتفاقية رقم ‪ 82‬و كذا ‪ 18‬لسنة‬

‫‪ ،9161‬ل كنه تبنى عدة مقتضيات من هذه الإتفاقيات‪.‬‬

‫وإذا كان كان يحق للأجير الأجنبي الإنخراط في النقابة فقد ارتأى مشرع المدونة أن يشترط‬

‫الجنسية المغربية في الأعضاء المكلفين بإدارة النقابة وتسييرها حسب المادة ‪ 694‬من مدونة الشغل‪،‬‬

‫وإن هذه اللإلزا مية تأتي من ناحية الحفاظ على الهو ية المغربية للنقابة بل إن المشرع من خلال‬

‫مقتضيات المادة ‪ 644‬أعطى الإمكانية للنقابات المهنية أن تنخرط في منظمات نقابية دولية للأجراء أو‬

‫‪90‬‬
‫المشغلين‪ ،‬ومن التشر يعات التي تنص على شرط الجنسية الوطنية لتأسيس النقابات العمالية نجد قانون‬

‫العمل الأردني والفرنسي والجزائري‪.‬‬

‫فالملاحظ أن العديد من الدول لم تصادق على هاتين الإتفاقيتين كما أن أغلبية الدول تنص في‬

‫تشر يعاتها على حر ية الأجراء في الإنضمام إلى النقابات المهنية أو الإنسحاب ممنها ل كنها تجعل تأسيسها‬

‫وإدارتها حكرا على أبناء الوطن‪ ،‬ولا يمكن إعتبار ذلك تمييزا عنصر يا في رأينا ما دامت هذه التشر يعات‬

‫تحاول الحفاظ على هويتها الوطنية علما أن هذه النقابات تهدف إلى المساهمة في التحضير للسياسة‬

‫الوطنية في ميادين مختلفة‪ ،‬وحتى لا يتم الخروج عن هذه الأهداف والدفاع عن مصالح منخرطيها فقد‬

‫ألزمت التشر يعات في المكلفين بإدارتها بالتمتع بالجنسية الوطنية‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫قراءة في عملية التوظيف بموجب العقد المنظمة من طرف‬
‫الأكاديميات الجهو ية للتربية و التكوين‬

‫صديق عزيز‬
‫باحث في القانون الخاص‬

‫أعلنت وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني بموجب مذكرة عدد ‪ 94/844‬بتاريخ ‪9‬‬
‫نونبر ‪ 1494‬عن تنظيم مبار يات للتوظيف بموجب عقود‪ ،‬تسهر على تنز يلها و مواكبة جميع‬
‫إجراءاتها و عملياتها الأكاديميات الجهو ية للتربية و التكوين بجهات الممل كة‪ .‬و تأتي هذه‬
‫العملية‪ ،‬حسب الوزارة الوصية للحد من ظاهرة الاكتظاظ بالأقسام الذي وصل لمستو يات‬
‫غير مسبوقة‪ ،‬و كذا من أجل توفير موارد بشر ية إضافية في ظل خصاص حاد ناتج عن‬
‫تصاعد عمليات النزوح الجماعي القسري نحو التقاعد المبكر(‪.)9‬‬
‫أولا‪ :‬السياق العام‪:‬‬

‫إن تنظيم مبار يات التوظيف بموجب عقود بالإدارات العمومية ليس وليد صدفة‪،‬‬
‫بل أملته التوجهات الاستراتيجية للدولة في مجال إصلاح الإدارة‪ ،‬في ظل مناخ عالمي‬
‫هيمن عليه التوجه نحو تفو يض الخدمات الإدار ية للقطاع الخاص و السعي لجعل الإدارة‬
‫في خدمة التنمية(‪.)2‬‬
‫فحسب الفصل ‪ 916‬من الدستور‪... " :‬تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة‬

‫والشفافية والمحاسبة والمسؤولية‪ ،‬وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها‬

‫الدستور"‪ .‬و بين ارتباط النشاط الإداري بمبادئ الحكامة الجيدة بحث حثيث عن سبل‬

‫ناجعة لتنظيم الإدارة‪ ،‬و تقديم خدمات عمومية تليق بالمرتفقين‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫و يرجع الحديث عن التشغيل بموجب عقود لمنشور ‪ 49-11‬بتاريخ ‪ 2‬غشت ‪9149‬‬

‫المتعلق بالتوظيف بعقد‪ ،‬و الذي سمح للإدارات العمومية بالتوظيف بناء على عقود‬

‫خاضعة للقانون العام ‪ ،‬بشرط ألا تتوفر هذه الإدارات على أنظمة أساسية خاصة بموظفيها‪.‬‬

‫و يرى الأستاذ عبد الخالق العلاوي (‪ )3‬أن هذا النوع من التشغيل استند آنذاك على‬

‫أسس قانونية هشة لاعتماده طر يقة لشغل الوظائف العمومية بواسطة منشور في حين أنه‬

‫مجال متروك للقانون‪ .‬و كان من الأجدى إصدار قانون ينظم عملية التشغيل بموجب عقد‬

‫عبر بوابة البرلمان على غرار المشرع الفرنسي الذي أرسى قانونيا للتوظيف بموجب عقد‪ ،‬من‬

‫خلال قانون ‪ 3‬أبر يل ‪ 9114‬المتعلق بالأعوان المساعدين المتعاقدين‪ ،‬ثم القانون‬

‫رقم‪ 86.94‬الصادر سنة ‪ 9186‬المتعلق بالمقتضيات النظامية المطبقة على الوظيفة‬

‫العمومية‪ .‬و كذا المشرع الجزائري الذي حدد حالات التوظيف بموجب عقد في القانون‬

‫‪ ،43.44‬بمثابة القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية الصادر بتاريخ ‪ 91‬يوليوز ‪.1444‬‬

‫و يجد التوظيف بموجب العقد سنده كذلك في توصيات المناظرة الوطنية حول‬

‫إصلاح الإدارة المنظمة سنة ‪ 1441‬و التي ركزت على ضرورة ‪:‬‬

‫إسناد بعض الأنشطة المزاولة على مستوى سلالم الإدارة للقطاع الخاص في‬ ‫‪‬‬

‫إطار تعاقدي‪.‬‬

‫إقرار مبدأ التوظيف عن طر يق عقود محددة في الزمن و حصره في‬ ‫‪‬‬

‫التخصصات النادرة المرتبطة بإنجاز مشار يع وبرامج وفق كناش التحملات‪.‬‬

‫كما ركزت الاستراتيجية الوطنية لإصلاح الإدارة العمومية ‪ 1494/1496‬التي أعلنت‬

‫عنها الحكومة السابقة‪ ،‬على ضرورة تثمين الرأسمال البشري من خلال تقو ية الإطار‬

‫‪93‬‬
‫المؤسساتي و تطوير منظومة الموارد البشر ية‪ .‬وذلك باعتماد مناهج حديثة للوظائف و‬

‫ال كفاءات‪ ،‬و على رأسها التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية‪.‬‬

‫و من بين الأسس القانونية للتوظيف بموجب العقد‪ ،‬نجد ما نص عليه الفصل ‪4‬‬

‫مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية (‪ 16‬فبراير ‪ )9118‬على أنه‪ ":‬يمكن‬

‫للإدارات العمومية عند الاقتضاء أن تشغل أعوانا بموجب عقود‪ ،‬وفق الشروط و‬

‫ال كيفيات المحددة بموجب مرسوم‪ .‬لا ينتج عن هذا التشغيل‪ ،‬في أي حال من الأحوال‬

‫حق الترسيم في أطر الإدارة‪ ".‬ولم يصدر هذا المرسوم التطبيقي إلا بتاريخ ‪ 1‬غشت ‪1494‬‬

‫الذي حدد شروط وكيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المذكرة الوزار ية و مكامن الخلل‪:‬‬

‫إن الملاحظة الأولية للمذكرة الوزار ية عدد ‪ 94/844‬بتاريخ ‪ 9‬نونبر ‪ ،1494‬و‬

‫المتعلقة بتنظيم مبار يات للتوظيف بموجب عقود‪ ،‬تجعلنا نقف عند الغياب التام للمراجع‬

‫القانونية التي استندت عليها وزارة التر بية الوطنية في إصدار هذه الأخيرة‪ .‬فكان من‬

‫الأحرى الإشارة للقانون رقم ‪ 42.44‬القاضي بإحداث الأكاديميات الجهو ية للتربية‬

‫والتكوين الصادر بتنفيذه الظهير الشر يف رقم ‪ 9.44.143‬الصادر في ‪ 91‬صفر ‪9619‬‬

‫الموافق ‪ 91‬ماي ‪ ،1444‬ثم الفصل ‪ 4‬مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية‪.‬‬

‫و المرسوم رقم ‪ 224.91.1‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬غشت ‪ 1494‬و المحدد لشروط و كيفيات‬

‫التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية‪ .‬فحتى هذا المرسوم الأخير لم ينزع هالة‬

‫الغموض و الضبابية عن الية التعاقد في ميدان التوظيف‪ ،‬حيث هناك تركيز فقط على‬

‫الأثر الأساسي لهذا النوع من التشغيل‪ ،‬و المتمثل في عدم إمكانية ترسيم العون المتعاقد في‬

‫أسلاك الوظيفة العمومية‪ .‬وذلك دون التفصيل في باقي العناصر الأساسية المكونة لنظام‬

‫‪94‬‬
‫التوظيف بالتعاقد‪ ،‬و في مقدمتها التأسيس للآليات و القواعد‪ ،‬و الضمانات المجسدة لمبدأ‬

‫المساواة في ولوج التوظيف بالتعاقد (‪.)6‬‬

‫و بالانتقال للعنصر المتمثل في حقوق و التزامات المتعاقدين مع الأكاديميات كما هي‬

‫مبينة في المذكرة الوزار ية‪ ،‬نسجل الطابع الانفرادي الذي تم التنصيص به عليها‪ ،‬بمعزل عن‬

‫إرادة المتعاقد مع الإدارة‪ .‬الشيء الذي يجعلنا نتساءل عن مداخل التأطير القانوني لعقد‬

‫التوظيف الذي يجمع الأكاديمية الجهو ية للتربية و التكوين و العون المتعاقد الناجح في مباراة‬

‫التوظيف وحدود التحديد القانوني لشكله‪.‬‬

‫كما نسجل عدم وضوح عبارة "الوسائل المتاحة " لتبليغ الأكاديمية قرار تعو يض‬

‫الأساتذة المتعاقدين المتخلفين عن الالتحاق بمقر عملهم‪ ،‬هل سيكتفى بالقواعد العامة للتبليغ‬

‫الواردة في قانون المسطرة المدنية؟ أم سيسمح للتبليغ بالوسائل الحديثة ( التبليغ الال كتروني‬

‫مثلا) ؟ و ما هي اثار التوسع في تفسير هذه الوسائل المتاحة؟‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التأطير القانوني لعقد التوظيف‪:‬‬

‫أسال تحديد نوع العقد المبرم بين الأكاديمية الجهو ية للتربية و التكوين و الأستاذ‬

‫المتعاقد ال كثير من المداد‪ ،‬و تناسلت حوله العديد من الأسئلة حول التأطير القانوني السليم‬

‫لهذا النوع من العقد‪ .‬فبين من يؤكد أنه من العقود الخاضعة للقانون الخاص‪ ،‬و بين من‬

‫يرى أنه من العقود الإدار ية الخاضعة للقانون العام‪ .‬سنحاول هنا‪ ،‬استجلاء أهم العناصر‬

‫التي تسمح بإلقاء المزيد من الضوء على التكييف القانوني الصحيح لعقد التوظيف السالف‬

‫الذكر‪.‬‬

‫يرى أحد الباحثين أن عقد التوظيف المبرم بين الأكاديمية الجهو ية للتربية و التكوين‬

‫و الأستاذ المتعاقد يدخل في إطار عقود الإذعان‪ ،‬التي يفرض فيها أحد المتعاقدين شروطه‬

‫‪95‬‬
‫المعدة سلفا على الطرف الاخر بعيدا عن المناقشة أو منطق التفاوض‪ ،‬و في غياب تام‬

‫لسلطان الإرادة ‪ .‬و مرد ذلك " ‪ ...‬حاجة المواطنين الماسة للتعليم العمومي‪ ،‬وكذا ارتفاع‬

‫عدد العاطلين الحاصلين على الشهادات و قلة مناصب الشغل" (‪ )1‬والمحدد لتوجه الوزارة‬

‫لإعمال هذا النوع من العقود حسب رأي الباحث‪.‬‬

‫و مما لاشك فيه أن عقود الإذعان و بالرغم من اتسارع رقعة انتشارها نتيجة التطور‬

‫المستمر للحياة الاقتصادية و الاجتماعية‪ ،‬يتحدد مكانها الأساسي في المجال الاقتصادي‬

‫تتميز بخصائص معينة حددها الأستاذ عبد الحق‬ ‫لارتباطها بعنصر الاحتكار‪ ،‬حيث‬

‫الصافي (‪ )4‬في ‪:‬‬

‫أن يكون احد طرفي العقد في مركز اقتصادي متغلب نظرا لما يتمتع به من‬ ‫‪‬‬

‫احتكار قانوني أو فعلي يجعل التفوق الاقتصادي واضحا لمدة طو يلة‪.‬‬

‫أن يتعلق بسلع او مرافق تعتبر من الضرور يات الأولية بالنسبة للمستهلك أو‬ ‫‪‬‬

‫المنتفع‪.‬‬

‫و هناك من يرى أن عقد التوظيف المبرم بين الأكاديمية الجهو ية للتربية و التكوين و‬

‫الأستاذ المتعاقد هو عقد شغل خاضع لقواعد القانون الخاص(‪ .)2‬وأساسهم القانوني يتمثل‬

‫في الفصل ‪723‬من قانون الالتزامات والعقود‪ ،‬الذي ينص على" أن إجارة الخدمة أو‬

‫العمل عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم للآخر خدماته الشخصية لأجل محدد‪ ،‬أو‬

‫من أجل أداء عمل معين‪ ،‬في نظير أجر يلتزم هذا الآخر بدفعه له‪ ,".....‬فالمشرع المغربي‬

‫هنا لم يعط تعر يفا دقيقا لعقد الشغل بعناصره الكاملة و ترك الأمر لفقهاء القانون‪.‬‬

‫فالأكاديمية تمثل المشغل‪ ،‬و هذا الأخير حسب المادة ‪ 4‬من مدونة الشغل المغربية‬

‫هو ‪ ..." :‬كل شخص طبيعي أو اعتباري‪ ،‬خاصا كان أو عاما‪ ،‬يستأجر خدمات شخص‬

‫‪96‬‬
‫ذاتي واحد أو أكثر"‪ .‬ل كن بالرجوع لمدونة الشغل في المادة الأولى نجد أنها تنص على‬

‫أنه‪ ":‬تسري أحكام هذا القانون على الأشخاص المرتبطين بعقد شغل‪ ،‬أيا كانت طرق‬

‫تنفيذه‪ ،‬وطبيعة الأجر المقرر فيه‪ ،‬وكيفية أدائه‪ ،‬و أيا كان نوع المقاولة التي ينفذ العقد‬

‫داخلها‪ ،‬وخاصة المقاولات الصناعية والتجار ية‪ ،‬ومقاولات الصناعة التقليدية‪،‬‬

‫والاستغلالات الفلاحية و الغابو ية وتوابعها‪ .‬كما تسري على المقاولات والمؤسسات التابعة‬

‫للدولة والجماعات المحلية‪ ،‬إذا كانت تكتسي طابعا صناعيا أو تجار يا أو فلاحيا‪ ،‬وعلى‬

‫التعاونيات والشركات المدنية‪ ،‬والنقابات والجمعيات والمجموعات على اختلاف أنواعها‪ .‬كما‬

‫تسري أحكام هذا القانون على المشغلين الذين يزاولون مهنة حرة‪ ،‬وعلى قطاع الخدمات‪،‬‬

‫وبشكل عام على الأشخ اص الذين ارتبطوا بعقد شغل‪ ،‬ولا يدخل شغلهم في نطاق أي‬

‫نشاط من النشاطات المشار إليها أعلاه‪ .".‬كما تنص المادة الثانية من مدونة الشغل على‬

‫سر يان‪ ":‬أحكام هذا القانون أيضا على ‪:‬‬

‫‪ - 9‬الأشخاص الذين يضعون أنفسهم في مقاولة ما‪ ،‬رهن إشارة الزبناء ل كي يقدموا‬

‫إليهم مختلف الخدمات‪ ،‬سواء كان ذلك بتكليف من رئيس المقاولة أو برضاه؛‬

‫‪ - 1‬الأشخاص الذين عهدت إليهم مقاولة واحدة بمباشرة مختلف البيوعات وبتلقي‬

‫مختلف الطلبات‪ ،‬إذا كان هؤلاء الأشخاص يمارسون مهنتهم في محل سلمته لهم المقاولة‪،‬‬

‫ويتقيدون بالشروط والأثمنة التي تفرضها تلك المقاولة؛‬

‫‪ - 3‬الأجراء المشتغلين بمنازلهم‪".‬‬

‫إذا افترضنا أن عقود الشغل التي أبرمتها الأكاديميات تخضع للقانون الخاص‪ ،‬فإنها‬

‫ملزمة بأن تنزل منزلة الخواص من حيث التفاوض على شروط العقد‪ ،‬وحقوق و‬

‫التزامات كل طرف من أطراف العقد‪ .‬على أساس أن عقد الشغل في أصله هو عقد‬

‫‪97‬‬
‫رضائي‪ ،‬بالإضافة إلى تحديد القضاء العادي كجهة مختصة للبت في المنازعات التي تنشأ بينها‬

‫و بين الأعوان المتعاقدين‪ .‬فخصوصية عقد الشغل تجعله يكتسي طابعا حمائيا للطرف‬

‫الضعيف المتمثل في الأجير تشر يعا و فقها و قضاء‪.‬‬

‫ورغم كون عقد الشغل المحدد المدة يؤسس للاستقرار بين طرفي العقد‪ ، ،‬لا نجد‬

‫ذلك في العقود غير المحددة المدة‪ ،‬بالرغم من تنظيم المشرع لهذه الأخيرة بشكل أدق على‬

‫اعتبار أنها هي الأصل و العقود محددة المدة استثناء ‪ ،‬فبالرجوع للمذكرة الوزار ية المنظمة‬

‫للتوظيف بموجب عقود‪ ،‬نجد أنها تنص على أن العقد يبرم بين الطرفين لمدة محددة في‬

‫سنتين قابلة للتجديد‪ .‬ل كن ما يجب التأكيد عليه هنا‪ ،‬أن المادة ‪ 94‬من مدونة الشغل‬

‫نصت على الحالات التي ينبغي إبرام عقد شغل محدد المدة فيها على سبيل الحصر‪ ،‬وذلك‬

‫وفق ما يلي‪:‬‬

‫" ‪ -‬إحلال أجير محل أجير آخر في حالة توقف عقد شغل هذا الأخير‪ ،‬ما لم يكن‬

‫التوقف ناتجا عن الإضراب؛‬

‫‪ -‬ازدياد نشاط المقاولة بكيفية مؤقتة؛‬

‫‪ -‬إذا كان الشغل ذا طبيعة موسمية‪.‬‬

‫يمكن إبرام عقد الشغل محدد المدة في بعض القطاعات والحالات الاستثنائية التي‬

‫تحدد بموجب نص تنظيمي بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية‬

‫للأجراء ال أكثر تمثيلا أو بمقتضى اتفاقية شغل جماعية‪ ".‬و بالرجوع للمرسوم رقم‬

‫‪ 224.91.1‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬غشت ‪ 1494‬و المحدد لشروط و كيفيات التشغيل بموجب‬

‫‪98‬‬
‫عقود بالإدارات العمومية‪ ،‬نقف عند تنصيص المشرع على لجوء الإدارة العمومية كلما‬

‫اقتضت ضرورة المصلحة إلى تشغيل بموجب عقود إما لخبراء لإنجاز مشار يع أو دراسات‬

‫أو تقديم استشارات أو خبرات أو القيام بمهام محددة يتعذر القيام بها من قبل هذه‬

‫الأخيرة بإمكاناتها الذاتية‪ .‬و إما إلى تشغيل أعوان للقيام بوظائف ذات طابع مؤقت أو‬

‫عرضي‪ )8(.‬وذلك لمدة أقصاها سنتين قابلة للتمديد لسنتين‪ .‬الشيء الذي يجعلنا نتساءل‬

‫عن كيفية تجديد عقد الشغل‪ ،‬هل سنحترم مقتضيات المادة ‪ 33‬من مدونة الشغل(‪)1‬؟‬

‫أم المادة ‪ 99‬من المرسوم رقم ‪ 224.91.1‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬غشت ‪ 1494‬و المحدد‬

‫لشروط و كيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية ؟أم الشروط الواردة‬

‫بمقتضيات المذكرة الوزار ية موضوع الدراسة(‪)94‬؟‬

‫فالأساتذة المتعاقدون هنا سيشغلون وظائف التدريس‪ ،‬و التي تكتسي في غاياتها‬

‫طابعا دائما لارتباطها بمرفق عمومي ذي طابع اجتماعي يبتغي تحقيق المصلحة العامة و من‬

‫أهم مبادئه استمرايته في أداء الخدمة العمومية بانتظام و اضطراد‪.‬‬

‫كما أنهم سيستفيدون خلال مسارهم المهني من الترقية في الرتبة و الدرجة و فق‬

‫نفس القواعد المطبقة على الموظفين الرسميين‪ .‬و بالنسبة للأجرة سيتقاضى الأستاذ المتعاقد‬

‫كذلك أجرة شهر ية جزافية مماثلة للأجرة التي يتقاضاها الأستاذ المرتب في الدرجة الثانية‬

‫(السلم ‪ .)94‬الشيء الذي يدفعنا للتساؤل عن أوجه الاختلاف الحقيقية هنا بين الأستاذ‬

‫الرسمي و المتعاقد‪ ،‬حيث أنه بالرغم من أنه غير مرسم فهو مرتب في درجة و رتبة‪ ،‬و‬

‫يستفيد من الرخص‪ ،‬التعو يضات‪ ،‬الترقية و الحماية الاجتماعية‪.‬‬

‫و إن اعتبرنا أن قانون الشغل هو المنظم للعقود بين الأكاديميات و الأساتذة‬

‫المتعاقدين ستكون طبيعة العلاقة القائمة بين الطرفين علاقة تبعية قانونية‪ ٬‬باعتبارها أحد‬

‫‪99‬‬
‫أهم عناصر عقد الشغل و أساسها القانوني‪ .‬حيث سيخضع الأجير(الأستاذ المتعاقد) في‬

‫أداء العمل لإدارة و إشراف المشغل(الأكاديمية)‪.‬‬

‫و الحال أن الاجتهاد القضائي و الفقه الفرنسيين اعتبرا أن هذه العلاقة هي علاقة‬

‫نظامية و ليست علاقة تبعية أو علاقة تعاقدية (‪ ،)99‬و يرتب على ذلك أن النظام القانوني‬

‫الذي سيخضع له العون المتعاقد محدد سلفا‪ ،‬لا يمكن تعديله باعتبار أساسه تدابير خاصة‬

‫أتت في صورة عقد‪ ،‬و ل كنها ذات طابع نظامي بعيدا عن منطق المناقشات أو التفاوض‬

‫سواء عند ولوجهم المرفق العمومي أو بعد ذلك(‪.)91‬‬

‫و مما يبعد عقد التوظيف هنا عن دائرة عقد الشغل الخاضع لقواعد القانون الخاص‪،‬‬

‫وجود مجموعة من المؤشرات و العناصر المعتبرة في فلك وسائل القانون العام‪ .‬و من‬

‫الضروري تجاوز الاجتهاد الخاص الذي تقدمه بعض الإدارات العمومية كتكييف لعقود‬

‫نص عليه قرار لمحكمة النقض عدد ‪38‬‬ ‫التوظيف التي تبرمها مع الأفراد‪ ،‬نذكر هنا ما‬

‫بتاريخ ‪ 1496/49/41‬ملف إداري عدد ‪ 1491/9/6/18‬حيث جاء فيه‪.... ":‬إلا أن‬

‫أحد المراقبين الماليين أثار مسألة تعلقت برفضه التأشيرة على قرار ترقية الموظفين التابعين‬

‫لبعض المعاهد و المدارس الفلاحية ملاحظا وجود غموض في وضعيتهم إزاء قانون‬

‫الوظيفة العمومية‪ ،‬وبعد عدة نقاشات مع الجهات المعنية تم الاهتداء إلى إدماج الموظفين‬

‫المعنيين ضمن أطر وزارة الفلاحة مراعاة للوضعية المواز ية التي كانت لهم‪ ،‬إلا أنها فوجئت‬

‫بأن وزير الفلاحة طلب منها التوقيع على عقدة سماها بعقد خاضع للقانون العام( عقد‬

‫الشغل) يبتدئ من فاتح يناير ‪ 1442‬لمدة سنة قابلة للفسخ تحت شرط وحيد هو الإعلام‬

‫بالفسخ ‪ 8‬أيام قبل انصرام تلك المدة‪)93( ".‬‬

‫‪100‬‬
‫فالطبيعة الاستثنائية لعقد التوظيف المبرم بين الأكاديمية و الأستاذ المتعاقد تقتضيه‬

‫طبيعة نظام الوظيفة العمومية المغربية كنظام مسار مهني بامتياز‪ ،‬الشيء الذي يحيلنا على‬

‫العقود الإدار ية التي تنطوي على امتيازات السلطة العامة‪ ،‬و التي لا مثيل لها في علاقات‬

‫الأفراد فيما بينهم نظرا لارتباطها بالمرفق العمومي(‪.)96‬‬

‫و الثابت أن العقود الإدار ية تصنف إلى صنفين‪:‬‬

‫عقود إدار ية محددة بالقانون‪ ،‬و هي بقوة القانون كذلك ل كون موضوعها‬ ‫‪‬‬

‫يتعلق بالمرفق العمومي‪ .‬جاء في قرار لمحكمة النقض عدد ‪ 288‬بتاريخ ‪ 96‬نونبر ‪ 9114‬أن‬

‫الصفقة " تعتبر عقدا إدار يا بنص القانون‪ ،‬و بالتالي لا حاجة للبحث عن وجود شروط‬

‫غير مألوفة في العقد المتعلق بالصفقات المبرمة لصالح الإدارة للقول بأن الأمر لا يتعلق‬

‫بعقود في مجال القانون الخاص‪)91( ".‬‬

‫عقود إدار ية لم يتدخل المشرع لتحديد طبيعتها و نظامها‪ ،‬ل كن القضاء حدد‬ ‫‪‬‬

‫مجموعة من المبادئ التي تميزها عن عقود القانون الخاص‪.‬‬

‫فما هي محددات تكييف هذا العقد على أساس أنه من العقود الإدار ية؟ بالرجوع‬

‫للمذكرة الوزار ية عدد ‪ 94/844‬بتاريخ ‪ 9‬نونبر ‪ 1494‬المتعلقة بتنظيم مبار يات للتوظيف‬

‫بموجب عقود من طرف الأكاديميات‪ ،‬نجد أنها أكدت في العنصر الثامن المرتبط بحقوق‬

‫وواجبات الأساتذة المتعاقدين مع الأكاديميات‪ ،‬أنه يتم التوظيف بموجب عقد بين‬

‫الأكاديمية بصفتها مؤسسة عمومية و المترشح الناجح بصفة نهائية في المباراة الخاصة بمسطرة‬

‫هذا النوع من التوظيف‪ .‬و هذا هو المحدد الأول للقول بكون عقد التوظيف هذا عقد‬

‫إداري‪ ،‬على اعتبار أحد طرفيه من أشخاص القانون العام حسب الثابت من الاجتهاد‬

‫القضائي‪ .‬فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى محكمة النقض حاليا الغرفة الإدار ية عدد ‪146‬‬

‫‪101‬‬
‫بتاريخ ‪ 1443/91/99‬أن " العقد يعتبر إدار يا إذا كان أحد طرفيه مؤسسة عامة تقوم‬

‫بتسيير المرفق العام"‪ )94( .‬كما جاء في حكم لإدار ية مراكش عدد ‪ 944‬بتاريخ‬

‫‪ 1443/6/34‬أنه ‪ ":‬تعد عقودا إدار ية تلك التي تبرمها وزارة الأوقاف في إطار المرفق‬

‫الذي تضطلع بتسييره و تنظم في إطاره رحلات الحج للمواطنين المغاربة و يرجع‬

‫اختصاص البت في النزاعات الناشئة عن هذه العقود للمحاكم الإدار ية"(‪.)92‬‬

‫المحدد الثاني يتعلق باتصال العقد هنا بنشاط المرفق العام‪ .‬جاء في حكم لإدار ية‬

‫الرباط رقم ‪ 131‬بتاريخ ‪ ":1446/3/1‬وحيث ينبغي التسليم بداية بأن العقد الإداري هو‬

‫ذلك العقد الذي يكون أحد طرفيه على الأقل شخصا معنو يا عاما و يكون الهدف منه‬

‫ضمان تنفيذ مرفق عمومي أو تسييره‪ ،‬وأنه من أجل تقرير الصبغة الإدار ية للعقد المبرم من‬

‫طرف شخص معنوي عام في غير حالة العقود الإدار ية المسماة‪ ،‬فقد اجمع الفقه و القضاء‬

‫على استعمال معيار المرفق العام في العقد المذكور و هو المعيار الذي يتم البحث عنه في‬

‫مضمون محله‪ ،‬و الذي ينبغي أن يجسد تلك الحاجة العامة التي يكون إشباعها داخلا ضمن‬

‫إحدى المهام ال مسندة للشخص المعنوي العام المتعاقد أو تكون لازمة لأداء المرفق لمهامه‬

‫بصفة كاملة(‪" .)98‬‬

‫المحدد الثالث يتمثل في احتواء عقد التوظيف على شروط استثنائية‪ ،‬تعكس أساليب‬

‫القانون العام باعتبارها شروطا غير مألوفة في نطاق القانون الخاص‪ .‬جاء في قرار للمجلس‬

‫الأعلى محكمة النقض حاليا عدد ‪ 648‬بتاريخ ‪ ": 9111/99/1‬وحيث يتضح من تصفح‬

‫العقد أن الفصل ‪ 6‬ينص على بعض المقتضيات غير المألوفة في العقود العادية‪ .‬ذلك أن‬

‫الفصل المذكور يخول مدير الصندوق الوطني للقرض الفلاحي الحق في التعاقد المبرم مع‬

‫المستأنف و إرجاعه إلى إدارته الأصلية دون تحمل أي تعو يض‪ ،‬وحيث أنه من الواضح أن‬

‫الإدارة سل كت وسائل القانون العام في تعاملها مع المتعاقد معها لأن الشرط المشار إليه‬
‫‪102‬‬
‫ليس من نفس الشروط و المقتضيات التي توجد عادة في عقود القانون الخاص (‪".)91‬‬

‫ومن قبيل هذه الشروط نذكر عدم المساواة في المراكز القانونية للمتعاقدين‪ ،‬و ظهور‬

‫الأكاديمية هنا بوضع متميز يخول لها الفسخ الأحادي لعقد التوظيف بإرادتها المنفردة و‬

‫قبول المتعاقد لمقر العمل المؤقت لما تبقى من هذه السنة الدراسية‪ .‬و كذا تعيينه الجديد‬

‫ضمن النفوذ الترابي المحدد من طرف الأكاديمية منظمة المباراة‪ .‬الشيء الذي يعكس هنا‬

‫حدود العلاقة النظامية بين المتعاقد و الإدارة‪ ،‬بالإضافة إلى سلطة توقيع الجزاء على‬

‫المتعاقد في حالة اخلاله بالتزاماته‪.‬‬

‫و هذا هو المعيار المميز للعقد الإداري‪ ،‬حيث أكد قرار للمجلس الأعلى محكمة‬

‫النقض حاليا عدد ‪ 9618‬بتاريخ ‪ 1‬أكتوبر ‪ 9112‬أنه‪... ":‬إذا كان شرط المؤسسة‬

‫العمومية قائما بالنسبة للطرفين و إدارة المرفق العام و توفر عناصر المنفعة العامة ماثلة‪ ،‬فإن‬

‫الأمر يتعلق على شرط أساسي اخر لا يمكن إغفاله و هو أن تكون شروط غير مألوفة‬

‫تخول أحد الطرفين اللجوء إلى جزاء معين في حالة إخلال الطرف الاخر بالتزاماته‬

‫التعاقدية(‪ " .)14‬و جاء في حكم صادر عن إدار ية أكادير عدد ‪ 1491/34‬بتاريخ‬

‫‪ 1491/1/13‬أنه‪.... ":‬استقر قضاء محكمة النقض‪-‬المجلس الأعلى سابقا‪ -‬على أن العقد‬

‫يعتبر إدار يا متى توفر فيه شرطان لازمان أولهما أن يكون احد طرفي العقد شخصا من‬

‫أشخاص القانون العام و أو من يقوم مقامه‪ ،‬وثانيهما أن يتعلق العقد بتسيير مرفق عام و أن‬

‫يتضمن العقد شروطا غير مألوفة في القانون الخاص‪)19(.‬‬

‫و مادام الأمر كذلك‪ ،‬فإن الجهة القضائية المختصة نوعيا بالبت في المنازعات الناتجة‬

‫عن تنفيذ عقد التوظيف بين الأكاديمية و الأستاذ المتعاقد هي القضاء الإداري‪ .‬وذلك‬

‫استنادا إلى مقتضيات المادة الثامنة من القانون ‪ 69.14‬المحدث للمحاكم الإدار ية(‪ ،)11‬و‬

‫لاستجماع عقد التوظيف في هذه الحالة للعناصر الثلاثة التي سبق تناولها‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫وتجدر الإشارة إلى أن هناك عقود أو اتفاقات تبرمها أشخاص القانون العام‪ ،‬و تكون‬

‫خاضعة للقانون العاد ي‪ .‬وقد وردت الأعمال التي يمكن أن تكون موضوع اتفاقات أو‬

‫عقود خاضعة للقانون العادي في الملحق رقم ‪ 9‬بالمرسوم المنظم للصفقات العمومية(‪،)13‬‬

‫الشيء الذي سيغير من طبيعة المركز القانوني لأطراف التعاقد من حيث التراضي على‬

‫شروط و مكونات العقد‪ ،‬وكذا خلال تحديد الجهة القضائية المختصة للبت في النزاعات‬

‫الناشئة عن تنفيذ هذه العقود‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬بعض الإشكالات المرتبطة بنتفيذ عقد التوظيف بين الأكاديمية و الأستاذ‬

‫المتعاقد‪:‬‬

‫من المعلوم أن العقد يمثل شر يعة المتعاقدين‪ ،‬وذلك بصريح المادة ‪ 134‬من قانون‬

‫الالتزامات و العقود التي تنص على أن‪ ":‬الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم‬

‫مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها‪ ،‬ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات‬

‫المنصوص عليها في القانون"‪ .‬و يفترض في هذه الأخيرة أن تنفذ بحسن نية من طرف‬

‫الأطراف المتعاقدة(‪ .)16‬و يقتضي ذلك أن يقوم الأستاذ المتعاقد بتنفيذ التزاماته‪ ،‬و على‬

‫رأسها القيام بمهام التدريس في مقابل استفادته من مجموعة من الحقوق و في مقدمتها الحق‬

‫في الأجرة‪ ،‬و التي ستصرف من ميزانية الأكاديمية‪ .‬ل كن سيثار إشكال قانوني بمناسبة قيام‬

‫الأستاذ المتعاقد بمهامه على الوجه الصحيح‪ ،‬و تأخر الإدارة في أداء أجرته الشهر ية لعدم‬

‫استكمال الاجراءات المسطر ية اللازمة لذلك‪ .‬مما يفرض على الأكاديمية الوفاء بمستحقاته‬

‫أو قضاء‪ .‬فقد قضت إدار ية الرباط في حكم لها بتاريخ‬ ‫إما رضاء أو قانونا(‪)11‬‬

‫‪ 9111/1/34‬تحت عدد ‪ ... " :214‬لا يمكن للمتعاقد مع الإدارة أن يتحمل وزر‬

‫الإجرا ءات و الشكليات الإدار ية المعقدة من أجل الحصول على مستحقاته‪ ،‬مما يبرر الحكم‬

‫بالتعو يض عن الضرر اللاحق من جراء التأخر في الأداء(‪ ".)14‬فهل ستصبح الإدارة هنا‬
‫‪104‬‬
‫في حالة مطل (‪) 12‬و تثار مسؤوليتها العقدية؟ و هل يحق للمتعاقد المطالبة بالتعو يض عن‬

‫التماطل أيضا؟ و هل ينبغي عليه توجيه إنذار إلى الأكاديمية يتضمن مطالبته بأداء‬

‫مستحقاته الثابتة بموجب بنود العقد داخل أجل معقول؟‪ ،‬و فق ما جاء في الفصل ‪111‬‬

‫من قانون الالتزامات و العقود الذي نص على أنه‪ ":‬يصبح المدين في حالة مط ل بمجرد‬

‫حلول الأجل المقرر في السند المنشئ للالتزام‪ .‬فإن لم يعين للالتزام أجل‪ ،‬لم يعتبر المدين في‬

‫حالة مط ل‪ ،‬إلا بعد أن يوجه إليه أو إلى نائبه القانوني إنذار صريح بوفاء الدين‪ ،‬و يجب أن‬

‫يتضمن هذا الإنذار‪:‬‬

‫‪ - 9‬طلبا موجها إلى المدين بتنفيذ التزامه في أجل معقول؛‬

‫‪ - 1‬تصر يحا بأنه إذا انقضى هذا الأجل فإن الدائن يكون حرا في أن يتخذ ما يراه‬

‫مناسبا إزاء المدين‪.‬‬

‫و يجب أن يحصل هذا الإنذار كتابة‪ ،‬ويسوغ أن يحصل ولو ببرقية أو برسالة مضمونة‬

‫أو بالمطالبة القضائية ولو رفعت إلى قاض غير مختص‪ ".‬فقد جاء في حكم لإدار ية الرباط‬

‫عدد ‪ 44‬بتاريخ ‪ ...": 1446/9/19‬وحيث إن طلب التعو يض عن التماطل له ما يبرره‬

‫طالما أن المدعى عليها امتنعت عن أداء دين حال بعدما أنجزت المدعية التزاماتها‪ ،‬فتكون‬

‫بذلك مقتضيات الفصلين ‪ 116‬و ‪ 111‬من ق‪.‬ل‪.‬ع قابلة للتطبيق‪ ،‬ويتعين الحكم لفائدة‬

‫المدعية بتعو يض تحدده المحكمة في مبلغ ‪ 64.444‬درهم‪.")18(.‬‬

‫كما تثار هنا إشكالية حدود سلطة الإدارة في تعديل بنود العقد في ضوء النظر يات‬

‫التي استقر عليها الاجتهاد القضائي الإداري و في مقدمتها نظر ية الظروف الطارئة‪ .‬أما فيما‬

‫يتعلق بنهاية عقد التوظيف فينبغي أن نميز بين النهاية الطبيعية و غير الطبيعية(‪:)11‬‬

‫‪105‬‬
‫الانقضاء الطبيعي‪ :‬بحيث تكون النهاية طبيعية إذا تم تنفيذ ما ترتب على العقد‬ ‫‪)9‬‬

‫من التزامات أو بانتهاء مدته المحددة‪.‬‬

‫الانقضاء غير الطبيعي‪ :‬حيث ينتهي العقد قبل الأوان إما بشكل اتفاقي أو‬ ‫‪)1‬‬

‫قضاء أو بالإرادة المنفردة للإدارة‪.‬‬

‫و بالرجوع لمقتضيات المذكرة الوزار ية‪ ،‬نجد أنها أغفلت الحديث عن إنهاء العقد‬

‫المبرم بي ن الأكاديمية و الأستاذ المتعاقد‪ .‬و قد يكون ذلك مدرجا ضمن بنود العقد ل كن‬

‫عدم نشر الوزارة لنسخة من هذا العقد للعموم‪ ،‬يجعل صعبا التنبأ بشكل هذا الإنهاء‪.‬‬

‫وبالعودة للمرسوم رقم ‪ 224.91.1‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬غشت ‪ 1494‬و المحدد لشروط و‬

‫كيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية‪ ،‬نصت المادة ‪ 14‬على أنه ‪" :‬يحق‬

‫لرئيس الإدارة المعنية إنهاء عقد التشغيل خلال سر يانه‪ ،‬شر يطة إخبار الخبير أو العون‬

‫المتعاقد بذلك شهرا على الأقل قبل التاريخ المقرر لإنهاء العقد‪ .‬ويستفيد الخبير أو العون‪ ،‬في‬

‫هذه الحالة‪ ،‬إذا قضى مدة لا تقل عن ‪ 91‬شهرا من الخدمة الفعلية بالإدارة المعنية‪ ،‬من‬

‫تعو يض يحدد مقداره في أجرة شهر واحد‪".‬‬

‫فأشكال إنهاء عقد التوظيف تتعدد‪ ،‬و قد جاء في حكم لإدار ية مراكش عدد ‪81‬‬

‫بتاريخ ‪..." 1443/6/94‬لا مانع يمنع الإدارة من الالتجاء إلى القضاء الإداري بشان فسخ‬

‫العقد مادامت ترى في ذلك ضمانة للطرفين أفضل مما هو مقرر لفائدتها بمقتضى بنود‬

‫العقد‪ .)34("....‬و في حكم اخر لإدار ية الدار البيضاء بتاريخ ‪ 1443/1/1‬تحت عدد‬

‫‪ ": 146‬للجهة الإدار ية أن تنهي العقد في أي وقت تشاء دون وقوع خطأ من المتعاقد إذا‬

‫اقتضى الصالح العام بشرط تعو يض المتعاقد تعو يضا كاملا‪" )39( .‬‬

‫‪106‬‬
‫وبالتالي فالمتعاقد قد يجد إشكالا أثناء الرغبة في إنهاء عقد التوظيف لولوج وظيفة أو‬

‫شغل اخر‪ ،‬فهل ستراعى مقتضيات المادتين ‪ 33‬و ‪ 36‬من مدونة الشغل؟ وماهي وضعية‬

‫الأستاذ المتعاقد أثناء رغبته في ممارسة الإضراب؟ هل سيكون خاضعا لمقتضيات أخرى‬

‫غير تلك المنصوص عليها في المادة ‪ 31‬من مدونة الشغل؟ و ما هي حدود الإنهاء التعسفي‬

‫لعقد التوظيف(‪)31‬؟ ثم لو أرادت الوزارة الوصية إخضاع هذه العقود لقواعد القانون‬

‫الخاص‪ ،‬لماذا لا يتم التنصيص على ذلك صراحة في صلب المذكرة الوزار ية أو في بنود‬

‫العقد؟ على أساس أن التكييف القانوني السليم للعقد يؤدي إلى ضمان تنفيذه و ترتيب اثاره‬

‫القانونية على الوجه الصحيح‪.‬‬

‫أسئلة كثيرة و غيرها تطفو إلى سطح النقاش العمومي في علاقة الأكاديميات الجهو ية‬

‫للتربية و التكوين بالأساتذة المتعاقدين‪ ،‬حيث يصعب تصور القيام بمهام التدريس في‬

‫غياب التكوين اللازم و العدة البيداغوجية و الديداكتيكية‪ ،‬نظرا لحساسية القطاع المرتبط‬

‫بتكوين أجيال المستقبل‪.‬‬

‫يخشى الباحثون أن يؤدي غياب المراجع القانونية عن مذكرة التوظيف بموجب‬

‫عقود‪ ،‬التي أصدرتها وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني إلى تطبيقات و ممارسات قد‬

‫تحيد عن مراعاة مبدأ الأمن الوظيفي‪ .‬و في ذلك تساؤل و مساءلة للأسباب الحقيقية‬

‫المترجمة لتخلي الدولة عن التزاماتها الاجتماعية‪ ،‬و في مقدمتها الارتقاء بجودة المدارس‬

‫العمومية‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫الهوامش‬

‫التقاعد المبكر يهدد التعليم المغربي مقال منشور ب ‪http://www.aljazeera.net/news‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫خاصة مع انهيار المعيار العضوي في تحديد نشاطات الإدارة و ما يرافقه من تنازع للاختصاص بين‬ ‫(‪)2‬‬

‫القضاء العادي و القضاء الإداري‪ .‬للمزيد حول هذا الموضوع راجع د‪ .‬ميشيل روسي المنازعات الإدار ية بالمغرب‬

‫ترجمة د‪.‬الجيلالي أمزيد ود‪ .‬مصطفى هيري ص ‪ 89،81‬و ‪.83‬‬

‫لمزيد من التفصيل حول هذه الإشكالية يراجع مقال الأستاذ عبد الخالق العلاوي‪ :‬طرق التوظيف في‬ ‫(‪)2‬‬

‫الوظيفة العمومية على ضوء القانون ‪ 14.418‬المغير للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية منشور بالمجلة المغربية للإدارة‬

‫المحلية و التنمية عدد ‪ 999‬يوليوز غشت ‪ 1493‬ص ‪11‬و‪.14‬‬

‫ذ‪.‬عبد الخالق العلاوي‪ :‬طرق التوظيف في الوظيفة العمومية على ضوء القانون ‪ 14.418‬المغير للنظام‬ ‫(‪)8‬‬

‫الأساسي العام للوظيفة العمومية منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد ‪ 999‬يوليوز غشت ‪ 1493‬ص ‪.49‬‬

‫ذ‪ .‬المعاشي محمد التوظيف بموجب العقود المحددة ‪ :‬تهديد لمبدأ استقرار العمل في غياب‬ ‫(‪)9‬‬

‫الضمانات مقال منشور ب ‪http://www.nashess.com/?p=7038‬‬

‫د‪ .‬عبد الحق الصافي دروس في القانون المدني ص ‪ 94‬و ‪92‬‬ ‫(‪)9‬‬

‫لم تنسخ المادة ‪ 184‬من مدونة الشغل صراحة المقتضيات القانونية الخاصة بعقد إجارة الخدمة عقد الشغل‬ ‫(‪)1‬‬

‫وعقد المقاولة من قانون الالتزامات والعقود؛ فإذا كانت مقتضيات قانون الالتزامات والعقود تعتبر منسوخة في الحدود التي‬

‫تتعارض فيها مع مقتضيات مدونة الشغل‪ ،‬من منطلق استعمال قاعدة النسخ‪ ،‬أي في كل مرة تبين فيها تناقض بين القاعدتين‪،‬‬

‫تطبيقا للفصل ‪ 626‬من قانون الالتزامات والعقود‪ ،‬فإن وجود مطابقة بصيغ مختلفة‪ ،‬أو اختلاف يهدف الإضافة أو الحذف‪،‬‬

‫يجعل من عملية تدقيق علاقة قانون الالتزامات والعقود بمدونة الشغل ضرورة ملحة بما يرفع كل لبس أو غموض على النصين معا‪.‬‬

‫المادة ‪ 1‬من المرسوم رقم ‪ 224.91.1‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬غشت ‪ 1494‬و المحدد لشروط و كيفيات التشغيل‬ ‫(‪)4‬‬

‫بموجب عقود بالإدارات العمومية‪.‬‬

‫تنص المادة ‪ 33‬من مدونة الشغل على ما يلي‪ " :‬ينتهي عقد الشغل المحدد المدة بحلول الأجل المحدد للعقد‪ ،‬أو‬ ‫(‪)5‬‬

‫بانتهاء الشغل الذي كان محلا له‪.‬‬

‫يستوجب قيام أحد الطرفين بإنهاء عقد الشغل محدد المدة‪ ،‬قبل حلول أجله‪ ،‬تعو يضا للطرف الآخر‪ ،‬ما لم يكن الإنهاء‬

‫مبررا‪ ،‬بصدور خطأ جسيم عن الطرف الآخر‪ ،‬أو ناشئا عن قوة قاهرة‪.‬‬

‫يعادل التعو يض المشار إليه في الفقرة الثانية أعلاه‪ ،‬مبلغ الأجور المستحقة عن الفترة المتراوحة ما بين تاريخ إنهاء العقد‬

‫والأجل المحدد له‪".‬‬

‫‪108‬‬
‫يتم إبرام العقد حسب المذكرة الوزار ية لمدة سنتين يخضع المتعاقد خلال السنة الأولى لتقييمين للمردودية‬ ‫(‪)71‬‬

‫المهنية‪ ،‬و يتم تجديد العقد لسنة قابلة للتجديد بصفة تلقائية بعد سنتي التدريب و بعد اجتياز امتحان التأهيل المهني بنجاح والذي‬

‫سينظم خلال سنتي التدريب لفائدة الأساتذة المتعاقدين‪.‬‬

‫للمزيد من التفاصيل عن العلاقة النظامية يراجع د‪ .‬عبد الخالق العلاوي القاضي الإداري و مفهوم التوظيف‬ ‫(‪)77‬‬

‫بناء على الشهادات‪ ،‬تعليق على حكم إدار ية الرباط عدد ‪ 348‬بتاريخ ‪ 13‬ماي ‪ 1493‬منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية‬

‫عدد ‪ 993-991‬شتنبر دجنبر ‪ 1493‬ص ‪.941‬‬

‫ذ‪ .‬عبد الخالق العلاوي‪ :‬طرق التوظيف في الوظيفة العمومية على ضوء القانون ‪ 14.418‬المغير للنظام‬ ‫(‪)72‬‬

‫الأساسي العام للوظيفة العمومية منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد ‪ 999‬يوليوز غشت ‪ 1493‬ص ‪ 14‬و‬

‫‪.12‬‬
‫قرار منشور بمجلة القضاء الإداري العدد السابع السنة الرابعة صيف خر يف ‪ 1491‬ص ‪.941‬‬ ‫(‪)72‬‬

‫د‪ .‬محمد الأعرج القانون الإداري المغربي الجزء الأول منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ‪ 1499/26‬ص‬ ‫(‪)78‬‬

‫‪.134‬‬

‫قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى في ذكراه الأربعين ‪ 9112‬ص ‪264‬‬ ‫(‪)79‬‬

‫ذ‪ .‬احمد بوعشيق الدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدار ية الجزء الثاني منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية‬ ‫(‪)79‬‬

‫والتنمية ص ‪388‬‬

‫ذ‪ .‬احمد بوعشيق الدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدار ية الجزء الثاني منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية‬ ‫(‪)71‬‬

‫والتنمية ص ‪.311‬‬

‫حكم اورده د‪ .‬محمد الأعرج القانون الإداري المغربي الجزء الأول منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية‬ ‫(‪)74‬‬

‫‪ 1499/26‬ص ‪.169‬‬

‫قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد ‪ 14-61‬ص ‪914‬‬ ‫(‪)75‬‬

‫قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد ‪ 16/13‬ص ‪342‬‬ ‫(‪)21‬‬

‫جكم منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد ‪ 944-941‬يوليوز أكتوبر ‪ 1491‬ص ‪182‬‬ ‫(‪)27‬‬

‫تنص المادة ‪ 8‬من القانون رقم ‪ 69.14‬المحدث بموجبه محاكم إدار ية على أنه " تختص المحاكم الإدار ية‪ ،‬مع‬ ‫(‪)22‬‬

‫مراعاة أحكام المادتين ‪ 1‬و‪ 99‬من هذا القانون‪ ،‬بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدار ية بسبب تجاوز السلطة وفي‬

‫النزاعات المتعلقة بالعقود الإدار ية ودعاوي التعو يض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام‪ ،‬ماعدا‬

‫الأضرار التي تسببها في الطر يق العام مركبات أيا كان نوعها يمل كها شخص من أشخاص القانون العام‪.‬‬
‫وتختص المحاكم الإدار ية كذلك بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشر يعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة‬

‫المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي إدارة مجلس المستشارين‪ 1‬وعن‬

‫تطبيق النصوص التشر يعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات والضرائب ونزع المل كية لأجل المنفعة العامة‪ ،‬وبالبت في الدعاوي المتعلقة بتحصيل‬

‫الديون المستحقة للخزينة العامة والنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة‬

‫‪109‬‬
‫وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي مجلس المستشارين‪ ،‬وذلك كله وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون‪ .‬وتختص المحاكم الإدار ية‬

‫أيضا بفحص شرعية القرارات الإدار ية وفق الشروط المنصوص عليها في المادة ‪ 66‬من هذا القانون‪".‬‬

‫وردت الأعمال التي يمكن أن تكون موضوع عقود أو اتفاقات خاضعة للقانون العادي على سبيل الحصر في‬ ‫(‪)22‬‬
‫الملحق رقم‪ 9‬من المرسوم رقم ‪ 1.91.361‬بتاريخ ‪ 8‬جمادى الأولى ‪ 14( 9636‬مارس ‪ )1493‬المتعلق بالصفقات العمومية‪":‬‬

‫‪ ‬الأعمال المنجزة بين مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والإدارات العمومية؛‬

‫‪ ‬الاشتراك في شبكات الاتصالات؛‬

‫‪ ‬الاشتراك في الصحف والمجلات ومنشورات مختلفة واقتنائها؛‬

‫‪ ‬الاشتراك في خدمات الانترنيت؛‬

‫‪ ‬الاشتراك المتعلق بالولوج إلى قواعد المعطيات على الخط؛‬

‫‪ ‬اقتناء التحف الفنية أو العتيقة أو المتعلقة بالمجموعات؛‬

‫‪ ‬التوكيلات القانونية؛‬

‫‪ ‬الاستشارات الطبية؛‬

‫‪ ‬الاستشارات أو البحوث القانونية أو العلمية أو الأدبية التي‪ ،‬باعتبار طبيعتها وصفة أصحابها‪ ،‬لا تسمح أن تكون موضوع‬

‫صفقات؛‬

‫‪ ‬اقتناء العروض الفنية؛‬

‫‪ ‬أعمال التكوين المؤدية إلى الحصول على شهادة والتي تقوم بها الجامعات أو مؤسسات معاهد التعليم العمومي؛‬

‫‪ ‬أعمال التكوين التي تتطلب مؤهلات أو خبرة خاصة؛‬

‫‪ ‬نقل البعثات المغربية المؤطرة للحجاج المغاربة إلى الحج عبر رحلات جو ية؛‬

‫‪ ‬اقتناء العربات والآليات؛‬

‫‪ ‬اقتناء الصويرات لتسديد إتاوة الماء وال كهرباء والهاتف؛‬

‫‪ ‬اقتناء الصويرات لشراء المحروقات وز يوت التشحيم وإصلاح حظيرة سيارات الدولة؛‬

‫‪ ‬اقتناء الصويرات لأداء مصار يف نقل الموظفين داخل الممل كة المغربية؛‬

‫‪ ‬الأعمال البريدية ومصار يف التخليص؛‬

‫‪ ‬الأعمال المرتبطة باقتناء أو كراء العقارات؛‬

‫‪ ‬تأمين حظيرة سيارات الإدارات العمومية؛‬

‫‪ ‬تأمين سيارات وقوارب وآليات الإغاثة (والدراجات المائية )؛‬

‫‪ ‬تأمين التغطية الصحية الأساسية والتكميلية؛‬

‫‪ ‬تأمين الموظفين أو الشخصيات المأذون لها في التنقل جوا بمناسبة مأمور يات رسمية؛‬

‫‪ ‬الصناعة الفندقية والإيواء و الاستقبال والمأكل؛‬

‫‪ ‬مشاركة الفنانين والتقنيين والمحاضرين في الأعمال الثقافية أو العلمية أو الأدبية؛‬

‫‪ ‬نقل المدعوين من داخل الممل كة المغربية أو من المغرب إلى الخارج أو من الخارج إلى المغرب؛‬

‫‪110‬‬
‫‪ ‬نقل الأثاث والمعدات ومواد البناء ومنتجات الصناعة التقليدية وال كتب والمؤلفات الموجهة إلى المراكز الثقافية المغربية‬

‫بالخارج؛‬

‫‪ ‬الاستعانة بخبراء لتقييم الأضرار الناتجة عن أحداث استثنائية؛‬

‫‪ ‬أعمال تجزيء البلاسما‬

‫ينص الفصل ‪ 139‬من من قانون الالتزامات و العقود المغربي ‪ " :‬كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية‪.‬‬ ‫(‪)28‬‬

‫وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب‪ ،‬بل أيضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الانصاف وفقا‬

‫لما تقتضيه طبيعته"‬


‫ينص الفصل ‪ 143‬من قانون الالتزامات و العقود ‪ " :‬يستحق التعو يض‪ ،‬إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام‪ ،‬وإما‬ ‫(‪)29‬‬

‫بسبب التأخر في الوفاء به وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين‪".‬‬

‫د‪ .‬محمد الأعرج القانون الإداري المغربي الجزء الأول منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية‬ ‫حكم أشار إليه‬ ‫(‪)29‬‬
‫‪ 1499/26‬ص ‪141‬‬

‫ينص الفصل ‪ 116‬من قانون الالتزامات و العقود على أنه ‪ " :‬يكون المدين في حالة م َ ْط ل‪ ،‬إذا تأخر عن تنفيذ‬ ‫(‪)21‬‬

‫التزامه‪ ،‬كليا أو جزئيا‪ ،‬من غير سبب مقبول"‪.‬‬

‫حكم أورته الأستاذة حليمة بن حفو في مقال لها تحت عنوان‪ ":‬حماية مستحقات المقاولة في منازعات الصفقات‬ ‫(‪)24‬‬
‫العمومية" منشور بمجلة القضاء الإداري عدد ‪ 2‬السنة الرابعة صيف خر يف ‪ 1491‬ص ‪.88‬‬

‫ينص الفصل ‪ 261‬من قانون الالتزامات و العقود‪ " :‬إجارة الصنعة وإجارة الخدمة تنقضيان‪:‬‬ ‫(‪)25‬‬

‫أولا‪ :‬بانتهاء الأجل المقرر أو بأداء الخدمة أو الصنع الذي كان محلا للعقد؛‬

‫ثانيا‪ :‬بالفسخ المحكوم به من القاضي في الحالات التي يحددها القانون؛‬

‫ثالثا‪ :‬باستحالة التنفيذ الناشئة إما بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة وإما بسبب وفاة مؤجر الصنعة أو الخدمة‪ ،‬مع مراعاة ما‬

‫يقضي به القانون من استثناءات بالنسبة إلى الحالة الأخيرة‪ ،‬ولا تنفسخ الإجارتان بموت السيد أو رب العمل‬

‫د‪ .‬محمد الأعرج القانون الإداري المغربي الجزء الأول منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية‬ ‫حكم أشار إليه‬ ‫(‪)21‬‬
‫‪ 1499/26‬ص ‪.122‬‬

‫د‪ .‬محمد الأعرج القانون الإداري المغربي الجزء الأول منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية‬ ‫حكم أشار إليه‬ ‫(‪)27‬‬
‫‪ 1499/26‬ص ‪121‬‬

‫تنص المادة ‪ 61‬من مدونة الشغل‪ " :‬إذا أنهى الأجير عقد الشغل بصفة تعسفية‪ ،‬ثم تعاقد مع مشغل جديد‪،‬‬ ‫(‪)22‬‬

‫أصبح هذا المشغل متضامنا معه في تحمل المسؤولية عن الضرر اللاحق بالمشغل السابق‪ ،‬وذلك في الأحوال التالية ‪:‬‬

‫‪ - 9‬إذا ثبت أنه تدخل من أجل إخراج الأجير من شغله؛‬


‫‪ - 1‬إذا شغل أجيرا مع علمه أنه مرتبط بعقد شغل؛‬

‫‪111‬‬
‫‪ - 3‬إذا استمر في تشغيل أجير بعد أن علم أنه ما زال مرتبطا بمشغل آخر بموجب عقد شغل‪.‬‬
‫تنتفي مسؤولية المشغل الجديد في الحالة الأخيرة‪ ،‬إذا علم بالأمر بعد إنهاء عقد الشغل بصفة تعسفية من طرف‬
‫الأجير‪ ،‬إما بحلول أجله إذا كان محدد المدة‪ ،‬أو بانصرام أجل الإخطار إذا كان غير محدد المدة‪.‬‬
‫تخضع لمراقبة السلطة القضائية القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسة سلطته التأديبية"‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية وأي دور لمحكمة النقض ؟‬
‫هشام بلحسن‬
‫طالب باحث بماستر الوسائل البديلة لفض‬
‫النزاعات بكلية الحقوق بفاس‬

‫خلافا لنزاعات الشغل الفردية والتي أسند المشرع اختصاص النظر والفصل فيها للقضاء بعد فشل محاولة‬
‫الصلح ‪ ،‬فان نزاعات الشغل الجماعية وهي تلك الخلافات الناشئة بسبب الشغل التي يكون أحد أطرافها‬
‫منظمة نقابية للأجراء أو جماعة من الأجراء ‪ ،‬و يكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية مهنية لهؤلاء‬
‫الأجراء ‪ ،‬أو النزاعات التي يكون أحد أطرافها مشغل واحد ‪ ،‬أو عدة مشغلين ‪ ،‬أو منظمة مهنية‬
‫للمشغلين و يكون هدفها الدفاع عن مصالح الشغل أو المشغلين أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين ‪.‬‬
‫ونظرا لخ صوصية هذه النزاعات التي لا تتعلق بمصالح الأجير ‪ ،‬بل لها أيضا ارتباط وثيق بالاقتصاد‬
‫الوطني من خلال ضمان استمرار المقاولات والشركات ‪.‬‬
‫وقد اعتمد بالدرجة الأولى على أليات التسو ية الودية وذلك من خلال الفصل ‪ 119‬من مدونة‬
‫الشغل والتي جاء فيها أن كل خلاف بسبب الشغل من شأنه أن يؤدي الى نزاع جماعي أن يعرض على‬
‫محاولة للتصالح أمام مندوب أو مفتش الشغل وذلك قبل عرضه على اللجنة الاقليمية أو الوطنية للبحث‬
‫والمصالحة ‪ ،‬وان كان هذا الأمر يبقى ظاهر يا فقط لأنه في الحالة التي يقرر فيه الأجير رفع دعوى أمام‬
‫القضاء __ وان كان الأمر يتعلق بنزاع جماعي __ فباسمه الخاص فان هذا النزاع يتحول الى نزاع‬
‫فردي‪.‬‬
‫وبعد فشل كل الجهود والمحاولات من أجل فض هذا النزاع وعدم توصل أطرافه الى حل متفق عليه‪،‬‬
‫يبقى الخيار بيدي الأجراء والذي لا يخرج عن احتمالين اما خوض الاضراب بمعنى دخول الأجراء‬
‫في اضراب م فتوح عن العمل الى غاية تسو ية وضعيتهم القانونية ‪ ،‬أو احالة النزاع الى التحكيم من أجل‬
‫الفصل فيه بعد موافقة الأطراف ‪ ،‬وفي هذا الخيار الأخير تقوم اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة برئاسة‬
‫وزير الشغل باحالة النزاع الجماعي على التحكيم وذلك خلال ‪ 68‬ساعة من تاريخ فشل الصلح أمام اللجنة‬
‫الوطنية مرفقا بالمحضر المحرر من قبلها الذي يحدد الأسباب التي جعلت أطراف النزاع لايصلون الى‬
‫حل للنزاع ‪ ،‬و يعهد حسب المادة ‪ 148‬من مدونة الشغل اجراءات التحكيم في هذه النزاعات الى محكم‬
‫يختاره الأطراف باتفاقه ‪ ،‬وذلك ضمن قائمة الحكام التي تصدر بقرار من وزير الشغل التي يضعها‬

‫‪113‬‬
‫اعتمادا على اقتراحات منظمات المشغلين أو نقابات الأجراء الأكثر تمثيلا ‪ ،‬وفي حالة عدم توافق‬
‫الأطراف علىى محكم معين فان وزير الشغل يقوم بتعيينه من ضمن الائحة المذكورة التي تتم مراجعتها مرة‬
‫واحدة كل ثلاث سنوات ‪.‬‬
‫ويبث الحكم في النزاع اعتمادا على محضر لجنة المصالحة ومعطيات النزاع وله أن يطلب من الأفراد‬
‫تقديم كل المستندات والمعلومات كيفما كان نوعها ليستنير بها ‪ ،‬كما يمكنه الاستعانة بخبراء أو أي‬
‫شخص أخر يرى فائدة من تدخله ‪ .‬و يجب على المحكم اصدار قراره داخل أجل لا يتعدى أربعة أيام من‬
‫تاريخ مثول الأطراف أمامه كما يجب عليه أن يعلل قراره ويبلغه للأطراف داخل أجل ‪ 16‬ساعة من‬
‫تاريخ صدوره ‪ .‬وتطرح في هذا الصدد مجموعة من الاشكاليات التي تتعلق بضيق الوقت الممنوح للمحكم‬
‫من أجل اصدار قراره ‪ ،‬الاستماع الى الأطراف ‪ ،‬تعيين الخبراء ‪ .‬مما قد ينعكس سلبا على جودة قرار‬
‫المحكم و يجعلها في كثير من الأحيان عرضة للطعن ‪.‬‬
‫وتبرز خصوصية نزاعات الشغل الجماعية على مستوى قرارات المحكم وبالضبط الجهة التي يقدم أمامها‬
‫هذا الطعن ‪ ،‬فاذا كان الأصل أن يقدم هذا الطعن أمام احدى محاكم الموضوع وعلى صعيد المحكمة‬
‫الابتدائية من أجل احترام مبدأ التدرج القضائي فان مدونة الشغل قد خرجت عن هذه القاعدة‬
‫وأسندت مهمة مراقبة القرارات التحكيمية الى الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض ‪ ،‬بصفتها غرفة‬
‫تحكيمية حسب الفصل ‪ 124‬من مدونة الشغل الا أنها حصرت صلاحيتها في الطعن الذي يرتكز على‬
‫الشطط في استعمال السلطة أو خرق القانون ‪ ،‬وبهذا يكون قانون الشغل قد انتصر لصالح الطرف‬
‫القوي (المشغل) على حساب الطرف الضعيف (الأجير) من خلال حرمانه من تعدد درجات‬
‫التقاضي المكفولة دستور يا ‪.‬‬
‫و يقدم هذا الطعن من طرف من صدر ضده الحكم ‪ ،‬وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار‬
‫بالتوصل تتضمن أسباب الطعن تحت طائلة عدم القبول الى الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض داخل‬
‫أجل ‪ 91‬يوما من تاريخ صدور الحكم التحكيمي‪ ،‬والتي يجب أن تصدر قراراها داخل أجل ثلاثن يوما‬
‫من تقديم الطعن أمامها وتبليغه للأطراف داخل أجل ‪ 16‬ساعة من تاريخ صدوره ‪ .‬والغرفة‬
‫الاجتماعية تبث في هذا الطعن بصفتها غرفة تحكيمية على مرحلتين مختلفتين ‪:‬‬
‫المرحلة الأولى ‪ :‬حيث تبث كجهة طعن فقط ‪ ،‬فاما أن تأيد الحكم التحكيمي الذي أصدره المحكم‬
‫فيصبح نهائيا ‪ ،‬واما أن تقرر نفده فتحيل القضية على محكم جديد يتولى الفصل فيه بمقتضى حكم اخر‪.‬‬
‫المرحلة الثان ية ‪ :‬تيث كهيئة تحكيمية وذلك عندما يتم الطعن في الحكم التحكيمي للمحكم الجديد الذي‬
‫أحالت عليه محكمة النقض الأطراف حيث تعين مستشارا مقررا من أعضائها بهدف اجراء بحث‬
‫تكيميلي ثم تصدر حكم نهائي غير قابل للطعن أمام أي جهة أخرى خلال الثلاثين يوما الموالية لتاريخ‬

‫‪114‬‬
‫صد ور قرار النقض الثاني وتعتبر هذه الحالة الثانية _ البث كغرفة تحكيمية _ من أهم مستجدات‬
‫مدونة الشغل وتمثل خروجا عن المبدأ العام المتجسد في كون محكمة النقض محكمة قانون تقتصر مهمتها‬
‫على مراقبة مدى احترام مخنلف المحاكم للضوابط القانونية ‪،‬وذلك بجعلها محكمة واقع تفصل في النزاع‬
‫بحكم نهائي غير قابل لأي طعن حسب المادة ‪ 184‬من مدونة الشغل ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫مدى مشروعية اقتطاع الإدارة من أجور الموظفين المضربين‬

‫عدنان بوشان‬
‫باحت في قانون الشغل والعلاقات المهنية‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫يكتسي قطاع الوظيفة العمومية أهمية بالغة خاصة بالنسبة للدول النامية نظرا لاستقطابه لفئات عريضة‬
‫من الموظفين‪ ،‬كما أن المرفق العمومي له أهميته باعتباره يقدم مصلحة عامة ترتبط بحاجيات المجتمع‪،‬‬
‫وهو ما جعل القانون الدولي يعمل على إقرار حق الموظفين العموميين في التنظيم النقابي وفي ممارسة حق‬
‫الإضراب‪ ،‬رغم عدم تخصيص أية اتفاقية دولية لموضوع الإضراب كما هو الحال بالنسبة لحق المفاوضة‬
‫الجماعية والتنظيم النقابي والتمثيلية العمالية‪.‬‬
‫وإذا كان دستور فرنسا لسنة ‪ 9164‬أول دستور يعترف بحق الإضراب كحق دستوري‪ ،‬فإن المغرب‬
‫هو الآخر قد اعترف بالإضراب للموظفين العموميين من خلال أول دستور له سنة ‪ ،469141‬وأمام‬
‫غياب طال أمده للقانون التنظيمي للإضراب الذي سيحدد شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق‪ ،‬نجد‬
‫الممارسة العملية لهذا الحق قد أفرزت مجموعة من الإشكالات‪ ،‬فبعد أن تم الانتقال بالنقاش من تجريم‬
‫الإضراب إلى القول بالمشروعية والحسم فيها‪ ،‬صار النقاش اليوم حول نطاق و حدود هذا الحق بما لا‬
‫يجعل منه حقا مرهقا يؤثر على استمرار ية المرفق العام في أداء خدماته‪.‬‬
‫الأمر الذي جعل الإدارة المغربية وبدعم من القضاء الإداري تفرض مجموعة من الضوابط‬
‫والإجراءات تهدف من خلالها تنظيم ممارسة الإضراب حتى لا يصطدم واستمرار ية المرفق العام‪ ،‬وهو‬
‫ما يطرح السؤال عن مدى دستور ية التدخل الإداري في تنظيم الإضراب‪ ،‬وعن مدى دستور ية‬
‫المراسيم والقرارات والمذكرات الوزار ية التي صدرت وتصدر لتقييد ممارسة حق الإضراب‪ ،‬ومن بين‬
‫هذه الإجراءات طبعا الاقتطاع من أجور الموظفين المضربين‪ ،‬فمن أين يستمد هذا الإجراء مصدره‬
‫خاصة إذا علمنا أن الحق الذي يقابله يجد مصدره من الفصل ‪ 11‬من الدستور المغربي لسنة ‪ 1499‬؟‪.‬‬
‫هي إشكالية سنحاول جاهدين مقاربتها من خلال التقسيم التالي ‪:‬‬

‫المطلب الأول ‪ :‬الاضراب بين الحق الدستوري واستمرار ية المرفق العام‬

‫‪116‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬أي أساس قانوني للاقتطاع من أجور المضربين‬

‫المطلب الأول ‪ :‬الاضراب بين الحق الدستوري واستمرار ية المرفق العام‬


‫إن الاعتراف الدستوري بحق الإضراب‪ ،‬يجعل هذا الأخير مكتسبا لمناعة دستور ية قو ية من أي‬
‫تدخل للإدارة‪ ،‬يهدف إلى المساس بهذا الحق تحث ذر يعة ضمان استمرار ية المرفق العام في أداء‬
‫خدماته‪ ،‬فكيف يمكن القول باتصاف الإضراب في نفس الوقت بصفتي الحق الدستوري (الفصل ‪11‬‬
‫الدستور المغربي) والتغيب غير المشروع عن العمل (الإدارة المغربية)‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬الاضراب حق دستوري‬
‫قبل الاعتراف الدستوري بالحق في الاضراب كان هذا الأخير ممارسة ممنوعة يعاقب عليها القانون‪،‬‬
‫وقد كان أول دستور يقر بهذا الحق هو الدستور الفرنسي لسنة ‪ ،9164‬وغير بعيد عن ذلك تقرر هذا‬
‫الحق دستور يا بالمغرب مع أول دستور للممل كة المغربية سنة ‪.9141‬‬
‫غير أن هذا الحق كان مقررا ولو بشكل ضمني‪ ،‬قبل إقراره من قبل المشرع الدستوري وذلك بموجب‬
‫ظهير ‪ 9164‬والذي يشترط ضرورة استنفاد مسطرتي المصالحة والتحكيم قبل اللجوء إلى الإضرب‪،‬‬
‫وظهير ‪ 9118‬المتعلق بالحر يات العامة‪ ،‬الذي لم يمنع ممارسة الإضراب ونفس الشيء بالنسبة للقانون‬
‫الجنائي‪ ،‬الذي لم يجرم الإضراب رغم تجريمه لبعض الأفعال المصاحبة له كالمس بحر ية الشغل‪.47‬‬
‫لقد أقرت جميع الدساتير المتعاقبة بما فيها دستور ‪ 1499‬الحق في الإضراب كحق دستوري يدخل‬
‫ضمن الحقوق والحر يات الأساسية للأفراد وذلك بموجب الفصل ‪ 11‬منه‪ ،‬وبعد هذا الاعتراف‬
‫بالإضراب كحق دستوري أصبح يفترض في كل إضراب أنه مشروع كممارسة لحق دستوري وعلى من‬
‫يريد اتبات العكس أن يثبت التعسف في استعمال هذا الحق‪.‬‬
‫إلا أن الممارسة العملية لهذا الحق الدستوري و في ظل غياب للقانون التنظيمي‪ ،‬أضعفت لحد ما من‬
‫قيمة هذا الحق مادام أنه حق نظري لم يرقى إلى مصاف باق الحقوق التي تم تنظيم كيفية ممارستها‪ ،‬بل‬
‫إن الإدارة وأمام هذا الفراغ صارت تبحث عن إجراءات معينة لتنظيم ممارسته بدعوى محاولة خلق‬
‫توافق بين الحق في الإضراب والسير العادي للمرافق العامة‪ ،‬إلا أن هناك فرقا كبيرا بين إقرار الحق‬
‫وبين تنظيم ممارسته‪ ،‬فالتنظيم التشر يعي لأي حق من الحقوق لا يعني سوى تحديد الشروط‬
‫والإجراءات اللازمة لممارسته والتي ليس من شأنها بأي حال من الأحوال أن تمس بطبيعة هذا الحق‬
‫إلى حد تعطيله‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫وإن خير دليل على صعوبة التوفيق بين المصالح المهنية للموظفين المضربين وبين المصلحة العامة التي‬
‫تقتضي استمرار ية المرفق العام في أداء خدماته للجمهور هو عجز السلطة التشر يعية ولحد الساعة عن إخراج‬
‫القانون التنظيمي إلى حيز الوجود‪.‬‬
‫الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الإدارة لفرض مجموعة من الشروط و الإجراءات التي‬
‫تتوخى من خلالها تأمين وضمان السير العادي للمرفق العام‪ ،‬وذلك طبعا تحت مراقبة القضاء الإداري‪،‬‬
‫وهو ما يفرض التساؤل حول مدى اعتبار اقتطاع الادارة من أجور المضربين إجراء لتنظيم ممارسة‬
‫الإضراب أو أن الأمر فقط ذر يعة لغرض الحد من الحق في الإضراب ؟‬
‫إن كل من المجلس الدستوري بفرنسا ومجلس الدولة الفرنسي لما أعطيا إمكانية وضع شروط‬
‫وإجراءات لتنظيم ممارسة الحق في الإضراب إنما أرادا من ذلك محاولة خلق توازن ما بين متناقضين‬
‫ممارسة حق مضمون دستور يا و استمرار ية المرفق العام‪.48‬‬
‫وإن من بين الشروط والإجراءات التي عمد القضاء الفرنسي إلى الأخذ بها في هذا الإطار ضرورة أن‬
‫يكون الاضراب مسبوقا بإخطار يقدم للإدارة قبل خمسة أيام كاملة من البدء في الإضراب وهو ما‬
‫يعطي للإدارة فرصة تدبير شؤونها سواء بالدخول في مفاوضات مع الموظفين بشأن مطالبهم المهنية أو‬
‫الاستعداد لتدبير المرفق العام أثناء مدة الإضراب‪ ،‬بل فرض كذلك وجوب أن يكون الاضراب قد‬
‫تمت الدعوة إليه من طرف التنظيم النقابي الأكثر تمثيلا على المستوى الوطني أو المستوى المهني أو‬
‫المرفق المهني‪.49‬‬
‫‪50‬‬
‫لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره إجراء تنظيميا لممارسة‬ ‫إن مجمل القول أن الاقتطاع‬
‫أيدي الموظفين وحثهم على التراجع عن‬ ‫الإضراب وإنما هو إجراء تأديبي غايته الضرب على‬
‫المكتسبات النضالية للتنظيمات النقابية‪ ،‬بل هو إجراء تمييزي لا زال يستمر العمل به فقد كانت‬
‫سلطات الحماية أيام الاستعمار تؤيد المضربين الفرنسيين في إضرابهم‪ ،‬ما دام دو طابع مهني وتحرم‬
‫الموظفين المغاربة من أجورهم عن فترة الاضراب‪.51‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬هل الاضراب تغيب غير مشروع عن العمل‬
‫غالبا ما تحتج الإدارة لتبرير الاقتطاع من أجور المضربين بأن الإضراب تغيب غير مشروع عن‬
‫‪52‬‬
‫المتعلق بالاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان‬ ‫الوظيفة‪ ،‬وذلك بالاستناد إلى القانون رقم ‪89.91‬‬

‫‪118‬‬
‫الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة‪ ،‬والمرسوم الصادر بتطبيق هذا‬
‫القانون‪ ،53‬وهو ما يطرح السؤال حول مدى إمكانية اعتبار الإضراب تغيب غير مشروع عن العمل‬
‫وهل هو فعلا تغيب عن العمل بغض النظر عن مشروعيته من عدمها ؟‬
‫لقد تناول قانون الوظيفة العمومية حالات التغيب القانونية وبطبيعة الحال ليس من بينها الإضراب‪،‬‬
‫لأنه ليس تغيبا‪ ،54‬بل هو حق مكفول ومضمون دستور يا‪ ،‬يبقى الهدف منه تطوير الظروف والأوضاع‬
‫المهنية للموظفين‪ ،‬وعلى اعتبار أن الحق هو مصلحة مشروعة يحميها القانون‪ ،55‬فلا يمكن القول باعتباره‬
‫تغيبا مادام أن هذا الأخير يعد عملا سلبيا‪.‬‬
‫فإذا كان الاضراب ليس تغيبا كيف يمكن القول باعتباره تغيبا غير مشروع؟‬
‫جاء في المادة الأولى من مرسوم ‪ 94‬ماي ‪ 1444‬المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تطبيق القانون رقم‬
‫‪ ،91.89‬أن رواتب الموظفين تخضع للاقتطاع متى تبت غيابهم عن العمل بدون ترخيص أو مبرر‬
‫مقبول‪ ،‬فهل الإضراب كحق دستوري يحتاج إلى ترخيص‪ ،‬إن حق الإضراب كحق أصيل لا يقتضي‬
‫طلبا من قبل صاحب الشأن ولا يلزم لنشوئه صدور قرار من الإدارة بالترخيص كما هو الشأن لبعض‬
‫الحقوق السياسية الأخرى‪ ،56‬وإذا ما فرضنا ذلك فإن غالبا ما يقوم التنظيم النقابي بإخطار الإدارة‬
‫بالإضراب ليس باعتباره تغيبا عن العمل وإنما باعتباره حقا دستور يا‪ ،‬فهل يمكن القول بأن الإضراب‬
‫لا يعتبر مبررا مقبولا للدفع به للإدارة عن فترة ممارسته؟‬
‫إن المبرر مقبولا كان أو غير مقبول لا يكون إلا إذا فرضنا وجود الموظف في حالة تغيب عن‬
‫العمل‪ ،‬وما دام أن الموظف إنما يمارس حقه النقابي بل هو أساس هذا الحق ألا وهو الإضراب‪ ،‬فهو‬
‫بذلك بعيد عن أي إجراء تأديبي أو تمييزي‪ ،‬قد يمس وضعيته الإدار ية بصفة عامة‪ ،57‬وما دام أن‬
‫الإضراب لا يمكن أن يجمع بين صفتي الحق الدستوري والتغيب عن العمل غير المشروع‪ ،‬فما هو أساس‬
‫اقتطاع الإدارة من أجور المضربين ؟‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬أي أساس قانوني للاقتطاع من أجور المضربين‬
‫إن الإضراب كحق دستوري لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره تغيبا عن العمل‪ ،‬كما لا يمكن‬
‫الاستناد إلى قواعد تنظم العلاقات التعاقدية في تأسيس الإدارة للاقتطاعات من أجور المضربين‪ ،‬وإذا‬
‫كان الفراغ الذي لا زال يعيشه التنظيم القانوني للحق في الإضراب‪ ،‬خلق توترا في العلاقة ما بين‬
‫الإدارة والموظفين‪ ،‬فإن على القضاء الإداري أن يحاول التأسيس لقواعد جديدة تناسب الطبيعة‬
‫القانونية لهذه العلاقة‪.‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬غياب الأساس القانوني للاقتطاع‬


‫أمام غياب القانون التنظيمي للإضراب‪ ،‬جعل الإدارة تستند على مجموعة من القوانين التي لا ترقى إلى‬
‫مرتبة القانون التنظيمي لمحاولة تنظيم الحق في الإضراب‪ ،‬معتمدة على قاعدة الأجر مقابل العمل‪.‬‬
‫أولا ‪ :‬غياب القانون التنظيمي‬
‫إذا كان قد صعب على الفقه إعطاء مجرد تعر يف شامل جامع لكل عناصر الاضراب‪ ،‬نظرا لتداخل‬
‫عدة عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية وحتى نفسية في تفسير هذه الظاهرة الانسانية المعقدة‪ ،‬فما‬
‫بالك بمدى سهولة وضع قانون يجمع بين طياته كل هذه التداخلات خاصة إذا كان الأمر يتعلق بقانون‬
‫‪58‬‬
‫يتساءل حول مدى إمكانية إخضاع الإضراب لقبضة القانون‪.‬‬ ‫تنظيمي‪ ،‬وهو ما جعل البعض‬
‫لقد أعطى المشرع الدستوري اختصاص تنظيم شروط وإجراءات ممارسة حق الاضراب‪ ،‬إلى القانون‬
‫التنظيمي‪ ،‬هذا إن كان يدل على شيء فإنما يدل على قيمة هذا الحق نظرا للقيمة التي يحتلها القانون‬
‫التنظيمي في التسلسل الهرمي للقوانين‪ ،‬والذي يقع في مرتبة وسطى ما بين الدستور والقانون العادي‪،‬‬
‫فهو مكمل للدستور ومنبثق عن أحكامه‪.‬‬
‫ومادام أن القانون التنظيمي هو المختص بتحديد الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا‬
‫الحق‪ ،‬وهو بذلك المختص بضمان التوفيق بين ممارسة حق الإضراب ومتطلبات حسن سير المرفق‬
‫العام‪ ، 59‬فإن الأمر يقتضي التساؤل عن مدى مشروعية التدخل الإداري الذي من شأنه التطاول على‬
‫هذا الاختصاص بدعوى تطبيق فكرة النظام العام والمصلحة العامة ؟‪.‬‬
‫إن التهاون التشر يعي في إصدار القانون التنظيمي للإضراب‪ ،‬فتح المجال بل صار متسعا للإدارة من‬
‫خلال أعمالها الإدار ية التي تهدف إلى ضمان السير العادي للمرفق العام‪ ،‬وبالتالي انتقل الحديث من‬

‫‪120‬‬
‫حديث عن الحق في الإضراب وضرورة اخراج القانون التنظيمي‪ ،‬إلى حديث عن ضمان استمرار ية‬
‫المرفق العام لخدمة المرتفقين‪.‬‬
‫وفي انتظار أن يجد المشرع المغربي الصيغة النهائية لمشروع القانون التنظيمي يبقى أملنا في إعمال المشرع‬
‫‪60‬‬
‫بعد إهمال طال أمده لمقتضيات الفصل ‪ 11‬من الدستور‬ ‫المغربي مقتضيات الفصل ‪ 84‬من الدستور‬
‫(الفصل ‪ 96‬سابقا)‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬هل يصلح تطبيق قاعدة الأجر مقابل العمل‬


‫يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة‬
‫التابعة للدولة‪ ،61‬فعلاقة الموظف بالإدارة هي علاقة نظامية تحكمها القوانين والقواعد التنظيمية‪ ،‬حيث‬
‫أن الموظف بمجرد تعيينه يكون قد شغل مركزا كان قائما وموجودا‪ ،‬فالتعيين لا يخلق وظيفة بقدر ما‬
‫يعني فقط التصاق الشخص بوظيفة كانت موجودة سلفا ويمارس اختصاصات ومسؤوليات حددتها‬
‫القوانين‪ ،62‬فهل يمكن القول بإمكانية تطبيق قاعدة الأجر مقابل العمل على علاقة الموظف بالإدارة ؟‪.‬‬
‫إن قاعدة العمل مقابل الأجر هي قاعدة تستمد أساسها من المبادئ العامة لنظر ية العقد‪ ،‬بمعنى أن‬
‫العقد إذا كان ملزما لجانبين فإن توقف التزام أحد الطرفين يؤدي بلا شك إلى توقف التزام الآخر‪،63‬‬
‫فمثلا في عقد الشغل فإنه عند توقف الأجير عن أداء العمل الملزم به تجاه المشغل يصبح هذا الأخير‬
‫بدوره في حل من التزاماته ومن ضمنها طبعا دفع الأجر تطبيقا لقاعدة لا أجر مقابل عمل‪.64‬‬
‫وقد استقر القضاء والفقه على إعمال هذه القاعدة في العلاقة الشغلية‪ ،‬في غياب أي نص صريح لهذه‬
‫القاعدة غير ما أشارت إليه مدونة الشغل من توقف عقد الشغل‪ ،‬الأمر الذي يفيد عدم إمكانية تطبيق‬
‫قاعدة تنبع من علاقة تعاقدية على علاقة نظامية‪.‬‬
‫ونتيجة لتطور مفهوم الأجر من مفهوم مدني إلى مفهوم اجتماعي‪ ،‬مما أدى إلى ظهور اتجاه جديد‬
‫يدعوا إلى قصر الاقتطاع من الأجر فقط على حالة الإضراب غير المشروع‪ ،‬دون الاستناد إلى قاعدة‬
‫الأجر مقابل العمل‪ ،‬وقد دافع عن هذا الاتجاه الذي سار فيه القضاء اللبناني البعض باعتماد حجج منها‬
‫الصفة المعيشية للأجر وما يمثله من أولو ية في حياة الأجير والموظف وأفراد أسرهم‪ ،‬كما أن ذلك من‬
‫شأنه حث المشغل و الإدارة على الإسراع في فض النزاع العالق بينها وبين المضربين‪ ،‬الأمر الذي من‬

‫‪121‬‬
‫شأنه كذلك إعطاء قوة إضافية للإضراب باعتباره السلاح الوحيد للأجراء والموظفين في تحقيق مطالبهم‬
‫المهنية‪.65‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬موقف القضاء المغربي من الاقتطاع‬


‫بالرجوع إلى الاجتهاد القضائي المغربي فيما يخص الإضراب‪ ،‬نجد ندرة في الأحكام القضائية في هذا‬
‫الشأن سواء في القطاع الخاص الذي له مبرراته على اعتبار أن تسو ية النزاعات الجماعية ليس من‬
‫اختصاص القضاء بل له مساطر خاصة تناولتها مدونة الشغل في الكتاب السادس منها‪ ،‬بخلاف الأمر‬
‫بالنسبة للقطاع العام‪ ،‬وقد تضاربت القرارات القضائية حول مسألة مشروعية الاقتطاع من أجر‬
‫الموظفين بين اتجاهين نعرضهما كالتالي ‪:‬‬
‫أولا ‪ :‬اتجاه يربط مشروعية الاقتطاع بمدى مشروعية الاضراب‬
‫يؤسس هذا الاتجاه قراراته بالربط ما بين مشروعية الاضراب والاقتطاع من أجور الموظفين‬
‫المضربين‪ ،‬وذلك من خلال بحته عن مدى احترام المضربين للإجراءات والشروط التي استقر عليها‬
‫القضاء المقارن والمغربي‪ ،‬بمعنى احترام أجل الإخطار ودعوة التنظيم النقابي الأكثر تمثيلا للإضراب‪،‬‬
‫وذلك طبعا حتى لا يتأثر السير العادي واستمرار ية المرفق العام في أداء خدماته للمرتفقين‪.‬‬
‫وهو ما صرحت به المحكمة الإدار ية بمكناس في أحد أحكامها حيث جاء فيه ما يلي " حق الإضراب‬
‫حق دستوري أكدته جميع الدساتير المتعاقبة ‪ ....‬عدم صدور تشر يع تنظيمي يحدد كيفية ممارسة حق‬
‫الاضراب‪ ،‬لا يعني إطلاق هذا الحق بلا قيود بل لابد من ممارسته في إطار ضوابط تمنع من إساءة‬
‫استعماله مع مقتضيات النظام العام والسير العادي للمرافق العامة‪ ....‬وعدم ثبوت كون الاضراب‬
‫الذي خاضه الطاعن فيه خروج عن الضوابط المذكورة لذلك لا يمكن اعتباره تقصيرا في الواجب‬
‫المهني وبالتالي تكون عقوبة الانذار على هذه الواقعة لاغية "‪. 66‬‬

‫ثانيا ‪ :‬اتجاه يراقب مدى توفر الشروط الشكلية للاقتطاع‬


‫ينصب اهتمام هذا الاتجاه على مجرد مراقبة مدى قيام الادارة باحترام الشروط الشكلية للاقتطاع من‬
‫أجور المضربين‪ ،‬المنصوص عليها في المرسوم رقم ‪ 1.19.9194‬الصادر بتاريخ ‪ 94‬ماي ‪ 1444‬المتعلق‬
‫بتحديد شروط وكيفيات تطبيق القانون رقم ‪ ،91.89‬وهو بذلك لا يجادل في مدى مشروعية الاقتطاع‬
‫من أجور الموظفين المضربين‪ ،‬بل يؤسسه على قاعدة الأجر مقابل العمل ذات الأصل التعاقدي‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫و هو ما سارت عليه المحكمة الإدار ية بالرباط في قرار لها سنة ‪ ،1493‬الذي جاء فيه "‪ ....‬ما دامت‬
‫هذه الشكلية مقررة لصالح الموظف لتفادي عنصر المفاجأة في الاقتطاع وتخو يل المعني به فرصة‬
‫التحضير لنتائج النقص الذي تتعرض له أجرته الشهر ية تبعا لالتزاماته المالية المترتبة عليه‪ ،‬فتكون شكلية‬
‫جوهر ية تمس بشرعية القرار المخالف لها‪ ،‬وحيث إنه في ظل نفي الطاعن سبق توجيه أي استفسار إليه‬
‫قبل مباشرة الاقتطاع مع منازعته الجدية في الاخلال بهذا الإجراء الشكلي الجوهري ‪ ....‬مما يكون معه‬
‫ما أثاره الطاعن بخصوص مخالفة الادارة لعيب الشكل صحيحا من هذه الناحية‪ ،‬ويتعين إلغاء قرار‬
‫الاقتطاع المطعون فيه لهذه العلة مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك"‪.67‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬
‫إن خير ما يمكن أن نختم به هذه الدراسة المتواضعة لموضوع هم ويهم فئة عريضة من الموظفين‬
‫العموميين الذين حجر عليهم في ممارسة حقهم الدستوري في الإضراب‪ ،‬من خلال الاقتطاع من‬
‫أجورهم ليس كإجراء تنظيمي للإضراب وإنما تأديبي يهدف إلى تعطيل هذا الحق‪ ،‬هو مطالبة المشرع‬
‫المغربي بإعمال مقتضيات الفصل ‪ 84‬من الدستور‪ ،‬بالعمل على إخراج القانون التنظيمي للإضراب قبل‬
‫انتهاء الولاية التشر يعية الأولى التي لم يتبقى لها ال كثير‪ ،‬وقد لا يكون لهذا القانون طبعا أن يستجيب‬
‫لكل الطموحات سواء التي تنشدها الشغيلة أو الموظفين أو حتى الإدارة والقضاء كذلك‪ ،‬ل كن يبقى‬
‫خروجه أفيد من بقاء الحال على ما عليه‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫بعض الدول منعت الإضراب على الموظفين العموميين باعتباره من الأمور التي تمس أمن‬ ‫‪‬‬
‫الدولة ومصلحة المواطنين‪ ،‬هذا المنع الذي قصرته دول أخرى على بعض الفئات من الموظفين‬
‫فقط‪.‬‬
‫‪ 1 ‬محمد الشرقاني‪ ،‬مدى مشروعية الإضراب العمالي بالمغرب‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا‬
‫في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية‬
‫الرباط‪ ،9119/9114 ،‬ص ‪14.‬‬
‫‪3‬‬
‫بلال العشيري‪ ،‬مدى مشروعية إضراب الموظفين العموميين بالمغرب‪ ،‬سلسلة الندوات‬ ‫‪‬‬
‫والأيام الدراسية العدد ‪ ،11‬المطبعة والوراقة الوطنية مراكش‪ ،1441 ،‬ص ‪366.‬‬
‫‪6‬‬
‫حيت جاء في أحد قرارات القضاء الفرنسي أن الإضراب الذي تمت الدعوة إليه على‬ ‫‪‬‬
‫المستوى الوطني والذي اشتركت فيه السيدة ‪ poinsard‬المعاونة المؤقتة في المستشفى قد سبقه‬
‫تقديم إخطار وعليه فإن السيدة المذكورة لا تعتبر محلا لتوقيع عقوبة تأديبية‬
‫‪1‬‬
‫كان الأجدر أن تعمد الإدارة المغربية إلى الاقتطاع من أجور الموظفين ليس الذين يمارسون‬ ‫‪‬‬

‫حقهم الدستوري‪ ،‬وإنما الذين تجدهم في المرفق العام دون طائل‪ ،‬منهمكين في تبادل الكلام‬

‫عن أمور منزلية أو ر ياضية أو سياسية أو فنية دون الاهتمام بخدمة المرتفقين‪ ،‬فاستمرار ية‬

‫المرفق العام لا تعني فتح أبوابه مدار الأسبوع فقط‪ ،‬وإنما أداء الوظيفة الموكولة له بالشكل‬

‫المطلوب‬

‫‪ 4 ‬بلال العشيري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪361.‬‬


‫‪2‬‬
‫الظهير الشر يف رقم ‪ 9.83.134‬صادر بتاريخ ‪ 1‬محرم ‪ 1( 9641‬أكتوبر ‪ )9186‬بتنفيذ‬ ‫‪‬‬
‫القانون رقم ‪ 91.89‬بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية‬
‫المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 3246‬بتاريخ ‪،9186/91/91‬‬
‫ص ‪9981.‬‬
‫‪8‬‬
‫مرسوم رقم ‪ 1.11.9194‬صادر في ‪ 4‬صفر ‪ 94( 9619‬ماي ‪ )1444‬بتحديد شروط‬ ‫‪‬‬
‫وكيفيات تطبيق القانون رقم ‪ 91.89‬بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولة‬
‫والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6849‬بتاريخ‬
‫‪ ،1444/44/41‬ص ‪9333.‬‬

‫‪124‬‬
‫‪1‬‬
‫عبد العزيز العتيقي‪ ،‬الإضراب والاقتطاعات من الأجرة سؤال المشروعية‪ ،‬منشورات‬ ‫‪‬‬
‫المرشد التضامني‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء‪ ،1441/1448 ،‬ص ‪38.‬‬
‫‪94‬‬
‫ادريس العلوي العبدلاوي‪ ،‬المدخل لدراسة القانون‪ ،‬نظر ية الحق‪ ،‬الجزء الثاني‪،‬الطبعة‬ ‫‪‬‬
‫الثانية‪ ،9121 ،‬ص ‪31‬‬
‫‪99‬‬
‫حكم المحكمة الإدار ية بالرباط عدد ‪ 968‬الصادر بتاريخ ‪ ،1444/2/1‬منشور بمنشورات‬ ‫‪‬‬
‫المرشد التضامني‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء‪ ،1441/1448 ،‬ص ‪38.‬‬
‫‪91‬‬
‫ينص الفصل الرابع عشر من النظام الأساسي للوظيفة العمومية على أنه " يمارس الموظف‬ ‫‪‬‬
‫الحق النقابي ضمن الشروط المنصوص عليها في التشر يع الجاري به العمل‪ .‬ولا ينتج عن الانتماء‬
‫أو عدم الانتماء إلى نقابة ما أية تبعة فيما يرجع لتوظيف المستخدمين الخاضعين لهذا القانون‬
‫الأساسي العام وترقيتهم وتعينهم‪ ،‬أو فيما يخص وضعيتهم الإدار ية بصفة عامة"‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫محمد الشرقاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪14.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪96 ‬حسن صحيب‪ ،‬بعض إشكالات ممارسة الإضراب في القطاع العام بالمغرب‪ ،‬سلسلة الندوات‬
‫والأيام الدراسية العدد ‪ ،11‬المطبعة والوراقة الوطنية مراكش‪ ،1441 ،‬ص ‪324‬‬
‫‪91‬‬
‫ينص هذا الفصل على أنه "تعرض مشار يع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا‬ ‫‪‬‬
‫الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان‪ ،‬في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشر يعية‬
‫الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور"‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫الفصل الثاني من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪92‬‬
‫ابراهيم كومغار‪ ،‬القانون الإداري‪،‬مطبعة آنفو‪ ،‬فاس‪،‬الطبعة الثانية‪ ،1494 ،‬ص ‪12.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪98‬‬
‫محمد الشرقاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪134.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪91‬‬
‫جعلت مدونة الشغل من فترة الإضراب سببا لتوقف عقد الشغل من خلال المادة ‪،31‬‬ ‫‪‬‬
‫وهو ما يجعل المدونة قد تناولت أثر الاضراب على عقد الشغل‪ ،‬ما يفرض التساؤل عن‬
‫دستور ية هذا المقتضى ما دام الدستور أعطى الاختصاص بهذا التنظيم للقانون التنظيمي لا‬
‫القانون العادي‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫محمد ر ياض دغمان‪ ،‬النظام العام في علاقات العمل‪ ،‬المؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫الطبعة الاولى‪111./118 ،1496 ،‬‬
‫‪19‬‬
‫حكم صادر عن المحكمة الادار ية بمكناس بتاريخ ‪ ،1449/42/91‬عدد ‪1443/43‬غ‪ ،‬منشور‬ ‫‪‬‬
‫بالمجلة المغربية للإدارة والتنمية عدد ‪ ،61‬ص ‪924.‬‬

‫‪125‬‬
‫‪11‬‬
‫حكم المحكمة الإدار ية بالربط رقم ‪ 3321‬بتاريخ ‪ 1493/99/12‬ملف رقم ‪141/1/1493‬‬ ‫‪‬‬
‫غير منشور‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫التأديب في مدونة الشغل‬

‫محمد البشير وحمان‬

‫ماستر القضاء الإداري جامعة محمد الخامس‬

‫كلية العلوم الٌقانونية والاقتصادية‬

‫والاجتماعية سلا‬

‫مقدمــــــــــــة‬

‫إن الحق في الشغل ضرورة من ضرورات الحياة و عاملا أساسيا في تنمية الشعوب و وسيلة مشروعة‬

‫للحصول على مقابل مادي لتوفير الحاجيات الضرور ية للأجير و أسرته‪ ،‬لهذا دأبت مختلف التشر يعات و‬

‫الدساتير و المواثيق الدولية على التنصيص عليه‪.‬‬

‫فعلاقة الشغل التي تربط المشغل و الأجير في إطار القانون الخاص تختلف عما هي عليه في إطار القانون‬

‫العام بين الإدارة و الموظف‪ ،‬فهذا الأخير تربطه بالإدارة علاقة نظامية أساسها النظام الأساسي العام‬

‫للوظيفة العمومية‪ ،‬أما الأول فتربطه بالمشغل علاقة تعاقدية يكون أساسها العقد‪ ،‬إتباعا لقاعدة "العقد‬

‫شر يعة المتعاقدين"‪ ،‬ل كن نظرا للوضعية اللامتكافئة التي تطبع عقد الشغل بين مشغل يملك النفوذ المادي‬

‫و الاجتماعي و بين أجراء مستعدين لتقديم كل ما يمل كون من أجل ضمان العيش‪ ،‬تدخل المشرع‬

‫لحماية هذه الفئة بمقتضى مدونة الشغل الجديدة‪ ،‬خصوصا فيما يتعلق بالجانب التأديبي موضوع دراستنا‪،‬‬

‫و انسجاما مع المطالب الدولية خصوصا منظمة العمل الدولية‬

‫"‪. "AMNESTY international‬‬

‫‪127‬‬
‫لأجل ذلك عمل المشرع المغربي على تكييف النظام القانوني المغربي الخاص بالشغل مع التشر يعات‬

‫المقارنة‪ ،‬من أجل الحفاظ على التوازنات الاقتصادية و الاجتماعية‪ ،‬على اعتبار أن القطاع الخاص‬

‫يشمل فئة عريضة من المجتمع‪ ،‬مما يستدعي التدخل من أجل ضبط العلاقة ما بين المشغل و الأجير‪.‬‬

‫و تتجلى لنا أهمية الموضوع من خلال جانبين‪ ،‬الأول ينطلق من قناعات شخصية تتجلى في كون تأديب‬

‫الأجير يشكل أحد الإشكاليات التي تستدعي البحث فيها من أجل الوقوف على الضمانات التي يقدمها‬

‫المشرع المغربي في المجال الاجتماعي‪.‬‬

‫أما الجانب الثاني فهو موضوعي علمي يتمثل في مساهمة متواضعة من خلال الدراسة و التحليل لكافة‬

‫جوانب الموضوع و وصولا إلى الخلاصات و الاستنتاجات‪.‬‬

‫و لمعالجة موضوعنا هذا ارتأينا الإحاطة به من خلال عناصر مضمونه و هدفه و المتعلق أساسا بتحقيق‬

‫المحاكمة العادلة في تأديب الأجراء‪ ،‬وهي الإشكالية التي سوف نقوم بمقاربتها من خلال الوقوف على‬

‫النظام التأديبي في مدونة الشغل (المبحث الأول) و ذلك قصد الاطلاع على الأخطاء المحددة للعقوبة‬

‫التأديبية و على أساس معرفة السلطة التي تتخذ العقوبة التأديبية‪ ،‬هذا من جانب‪ ،‬و من جانب أخر أن‬

‫تأديب الأجير يتطلب توفر مجموعة من الضمانات القانونية التي تميز المرحلتين الإدار ية و القضائية‬

‫(المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث الأول‪ :‬نظام التأديب في مدونة الشغل‬

‫‪128‬‬
‫سوف نتعرض في هذا المبحث إلى الأخطاء المحركة للعقوبة التأديبية و أنواع العقوبات التي من الممكن‬

‫أن يتعرض لها الأجراء و ذلك ضمن المطلب الأول‪ ،‬و سلطة المشغل في اتخاذ العقوبة التأديبية من‬

‫خلال التعرف على مصادر هذه السلطة و نطاق تطبيقها ضمن المطلب الثاني‪.‬شئ‬

‫المطلب الأول‪ :‬الأخطاء المحركة للعقوبة التأديبية‬

‫إن مضمون التبعية القانونية التي تحكم علاقة الشغل و الأجير تعني خضوع هذا الأخير للسلطة التنظيمية‬

‫و التأديبية‪ ،‬ل كن سلطة المشغل في فرض الجزاءات مقيدة بما هو وارد في لائحة الجزاءات عند‬

‫وجودها‪ ،‬و كذلك بالقيود القانونية التي ينصص عليها القانون‪ ،‬و لمقاربة هذا المطلب ارتأينا التطرق إلى‬

‫تحديد الخطأ التأديبي ضمن الفقرة الأولى على أساس مناقشة أنواع العقوبات التأديبية ضمن الفقرة‬

‫الثانية‪.‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬تحديد الخطأ التأديبي‬

‫يمكن تعر يف الخطأ الموجب للعقوبة التأديبية بأنه كل خطأ يرتكب داخل المؤسسة أو حتى خارجها و‬

‫الذي يترتب عنه مسؤولية الأجير تجاه مشغله و بالتالي قد تتسبب له في الطرد و الذي يكون غالبا نتيجة‬

‫القيام بعمل أو امتناع عن عمل و يشكل إخلالا من الأجير بأحد التزاماته الملقاة علي عاتقه في إطار‬

‫عقد الشغل أم قد تتسبب للأجير في عقوبات أقل وقعا كالإنذار أو التوبيخ… الخ‪.‬‬

‫و يميز المشرع في تصنيفه للخطأ بين الخطأ الجسيم و الخطأ غير الجسيم‪:‬‬

‫فبالنسبة للخطأ غير الجسيم لم يعطي المشرع المغربي كغيره من التشر يعات تعر يفا محدد له و إن كان قد‬

‫حدد آثاره على مستوى العقوبة الواجبة التطبيق على الأجير المرتكب لذلك الخطأ‪ ،‬و من ثمة فان وجود‬

‫الخطأ غير الجسيم المبيح لتأديب الأجير مسألة تندرج ضمن السلطة التقدير ية لمحاكم الموضوع‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫أما بالنسبة للخطأ الجسيم‪ ،‬فالمشرع المغربي كذلك لم يتعرض لتعر يف محدد له‪ ،‬و إن كان قد أورد أمثلة‬

‫عنه في المادة ‪ 31‬من مدونة الشغل و التي تستوجب عقوبة الفصل‪.‬‬

‫وقد عرفت محكمة النقض الفرنسية الخطأ الجسيم بأنه الخطأ الذي يجعل من المستحيل استمرار علاقة‬

‫العمل بين المشغل و الأجير المخطئ‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى مضمون المادة ‪ 31‬من مدونة الشغل‪ ،‬يلاحظ أن المشرع قد استغنى عن بعض الأخطاء‬

‫الجسيمة كانعدام ال كفاءة و جاء بأخرى لم يكن منصوصا عليها من قبل‪ ،‬مثل التحر يض على الفساد‬

‫والتغيب غير المبرر…الخ‪.‬‬

‫كما يلاحظ أيضا أن المشرع ميز بين الأخطاء التي ترتكب داخل المؤسسة وتلك التي ترتكب خارجها‪ ،‬و‬

‫سوف تتعرض لأمثلة من هذه العقوبات‬

‫‪ -9‬الأخطاء الجسيمة المرتكبة خارج المؤسسة‪.‬‬

‫أ‪-‬ارتكاب جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة صدر بشأنها حكم نهائي سالب للحر ية‬

‫من اجل الوقوف على الجنح الماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة لابد من الرجوع إلى المدونة‬

‫الجنائية و انطلاقا من مقتضياتها نقرر السرقة و خيانة الأمانة والنصب هي جرائم تمس بالشرف و‬

‫بالأمانة و نقرر أن الفساد و أفعال الشدود الجنسي هي جرائم مخلة بالآداب العامة السائدة داخل‬

‫المجتمع المغربي المسلم ‪.‬‬

‫و يجب ل كي تعتبر الجنحة المرتكبة خطأ جسيم يبرر طرد الأجير أن يصدر بشأنها حكم نهائي و هدا‬

‫الأخير هو الحكم الذي لا يقبل طرق الطعن سواء عادية أو الغير عادية ‪.‬‬

‫ب‪-‬إفشاء سر مهني نتج عنه ضرر للمقاولة ‪:‬‬

‫‪130‬‬
‫بنص الفصل ‪ 662‬من القانون الجنائي على ما يلي " كل مدير أو مساعد أو عامل في مصنع إدا أفشى أو‬

‫حاول إفشاء أسرار المصنع الذي يعمل به سواء كان دلك الإفشاء إلى أجنبي ا والى مغربي مقيم في بلد‬

‫أجنبي يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات و غرامة من مائتين الى عشرة الآلاف درهم إدا‬

‫أفشى هده الأسرار إلى مغربي مقيم في المغرب فعقوبته الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين و غرامة من‬

‫مائتين إلى مائتين و خمسين درهما "‪.‬‬

‫رغم أن المشرع المغربي فد عاقب جنائيا على إفشاء الأسرار بواسطة الفصل ‪ 662‬ق‪.‬ج فإنه لم يشترط‬

‫في هده الحالة متابعة الأجير أمام القضاء الزجري و إصدار حكم نهائي عليه كما فعل بالنسبة للحالة السابقة‬

‫و إنما يكفي للمشغل ل كي يفصل الأجير بسبب ارتكابه لخطا جسيم أن يتب ثان هدا الأخير قد أفشى‬

‫إلى الغير سرا مهنيا يتعلق بالشغل و إن هدا الإفشاء قد تضررت منه المقاولة خلافا لما قرره النص‬

‫الجنائي الذي جاء مطلقا ‪.‬‬

‫‪ -1‬الأخطاء الجسيمة المرتكبة داخل المؤسسة أو أثناء الشغل‪.‬‬

‫ا‪-‬السرقة ‪:‬‬

‫في هده الحالة للمشغل أن يثبت الركن المادي لفعل السرقة التي تمي داخل المؤسسة ولو لم يكن هناك‬

‫متابعة جنائية و له أن يعتمد في دلك كافة الوسائل الإثبات لأن الأمر يتعلق بواقعة مادية ‪.‬‬

‫و إدا صدر الحكم بالإدانة على الأجير في الموضوع فإن هدا الحكم يعتبر حجة كافية تعتمد أمام القضاء‬

‫الاجتماعي من أجل تبر يرا لفصل بسبب ارتكاب خطأ جسيم يبرر الفصل من المؤسسة ‪.‬‬

‫ب‪-‬خيانة الأمانة ‪.‬‬

‫يقصد بها أن يختلس الأجير أو يبدد بسوء نية إضرارا بالمشغل أمتعة أو نقود أو بضائع أو سندات…‬

‫‪131‬‬
‫إن قيام الأجير بهدا الفعل الغير الأخلاقي يترتب عنه فصله من المقاولة لأن هدا الفعل المرتكب هو‬

‫فعل كيفه المشرع بالجريمة المعاقب عليها جنائيا قبل تكييفه بالخطأ الجسيم في المادة الاجتماعية الدي‬

‫يرتب كل أثاره بعد تبوثه ولو لم تكن هناك متابعة جنائية في الموضوع‪.‬‬

‫ج‪-‬السكر العلني و تعاطي المخدرات ‪.‬‬

‫السكر حالة غير طبيعية تنتج عادة عن تناول الخمر و هو عبارة عن وضع يفقد الأجير معه قواه العقلية و‬

‫توازن جسده فيتلفظ بأقوال و يقوم بأفعال تخل بالنظام و الاستقرار داخل المؤسسة‪.‬‬

‫فالمشرع لم يشر في النظام النموذجي الملغى إلى تعاطي المخدرات لأن هده الظاهرة لم تكن متفشية كما هو‬

‫الحال اليوم ‪.‬‬

‫ويمكن القول إلى أن السكر العلني بالإضافة انه يمثل خطأ جسيم في مجالنا هدا فهو معاقب عليه بنص‬

‫جنائي ‪.‬‬

‫د‪-‬الاعتداء بالضرب و السب الفادح‪.‬‬

‫المقصود هنا أن يعتدي الأجير بالضرب على أي شخص أخر يوجد داخل المقاولة قد يكون أجير أخر أو‬

‫المشغل نفسه أو احد نوابه أو احد الزبائن ما دام أن القاعدة أعلاه جاءت مطلقة لم تحدد المعتدى عليه‬

‫‪.‬‬

‫ففي حالة تبادل الضرب مع أجير أخر فإن الخطأ الجسيم لا يمكن أن ينسب إلا إلى المتسبب أو البادئ‬

‫أما الأجير الأخر الذي كان في حالة دفاع عن النفس فلا يمكن أن تكييف مشاركته في الضرب‬

‫بالخطأ الجسيم الموجب للفصل‪.‬‬

‫أما السبب الفادح هو توجيه إهانة تحط من ال كرامة إلى شخص ما داخل المقاولة و هو فعل معاقب‬

‫عليه سواء في المجموعة الجنائية أو في قانون الصحافة ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫و‪-‬التغييب بدون مبرر لأكتر من أربعة أو ثمانية أنصاف يوم خلال أثنى عشر شهرا‬

‫يجب على الأجير إن يقوم بالشغل المطلوب منه قانونيا أو إتفاقيا فقط خلال الوقت المحدد في العقد و‬

‫إلا خلال الوقت الذي حدده المشرع أو يقضي به العرف السائد في المهنة ‪.‬‬

‫وقد حدد المشرع ساعات الشغل اليومية أو الأسبوعية كما حدد مختلف العطل المؤدى عنها الأجر ‪.‬‬

‫فلا يمكن للأجير أن يتغيب عن العمل الذي كان له مبرر مقبول ‪ .‬ومن باب المبرر المقبول كإصابة‬

‫الأجير بحادث شغل أو مرض مهني أو عادي مبرر بشهادة طبية صادرة عن طبيب مختص ‪.‬‬

‫ولقد نصت المادة ‪ 31‬م‪.‬ش انه يعد خطأ جسيما ادا تغيب الأجير عن العمل لأكثر من أربعة أيام أو‬

‫ثمانية إنصاف اليوم داخل اثنتي عشر شهرا ‪.‬‬

‫و عليه فإن التغييب لأقل من المدة المشار إليها لا يعدا خطأ جسيما ‪.‬‬

‫ز‪-‬إلحاق ضرر جسيم بالتجهيزات أو الآلات أو المواد الأولية عمدا أو نتيجة إهمال فادح‪.‬‬

‫من خلال المادة ‪ 11‬م‪.‬ش و الفصلين ‪264‬و‪ 269‬من ق‪.‬ل‪.‬ع يتضح انه من القواعد العامة التي تحرم‬

‫الإضرار بالغير بشأن ما يوضع تحت يد الأجير داخل المقاولة و حتى خارجها من أشياء في مل كية‬

‫المشغل يجب عليه أن يحافظ عليها كما يحافظ على الأشياء التي يمل كها‪ ,‬فيده هنا يد أمانة و الأمانة لا‬

‫يمكن خيانتها‪.‬‬

‫كما قرر المشرع في المادة ‪ 31‬م‪.‬ش إن إخلال الأجير بالالتزام بالمحافظة على التجهيزات أو الآلات أو‬

‫المواد الأولية هو خطأ جسيم بشرط أن يترتب على هدا الإخلال ضرر جسيم و أن يكون دلك‬

‫الإخلال قد كان نتيجة فعل عمدي أو نتيجة إهمال فادح ‪.‬‬

‫خ‪-‬ارتكاب خطأ نشأت عنه خسارة مادية جسيمة‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫بخلاف الأخطاء السابقة التي تعتبر جسيمة بنص في القانون فإن المعتبر في هده الحالة بالذات هو‬

‫النتيجة المترتبة على الخطأ و الممثلة في إحداث ضرر جسيم للمشغل بغض النظر عن طبيعة دلك الخطأ‬

‫هل هو جسيم أم يسير فالمناط هو جسامة الضرر لا جسامة الخطأ‪.‬‬

‫فهو يتعارض مع توجه المشرع الذي يعتدي في مجال الفصل بالخطأ الجسيم المرتكب من جانب الأجير‬

‫ولو لم يترتب على دلك ضرر بالنسبة للمشغل أو المقاولة‪.‬‬

‫ط‪ -‬عدم مراعىات التعليمات اللازم إتباعها لحفظ السلامة في الشغل و سلامة المؤسسة ترتب عنه‬

‫خسارة جسيمة ‪.‬‬

‫هناك العديد من المؤسسات الصناعية التي تمارس أنشطة خطيرة أو على الأقل تستخدم مواد أو على‬

‫الأقل تستخدم مواد أو تستفيد من الآلات خطيرة على صحة وسلامة من يوجد داخلها و أحيانا حتى‬

‫خارجها ومن هده الناحية كثيرا ما تعطي للأجراء في بعض المؤسسات الصناعية تعليمات صارمة يجب‬

‫أن يلتزموا بها حفاظا على سلامتهم و على سلامة الغير ‪.‬‬

‫من ابرز خصائص حوادث الشغل التي يحكمها ظهير ‪ 4‬فبراير ‪ 9143‬إن الخطأ الجسيم لا يمنع الأجير‬

‫المصاب من الحصول على تعو يض ‪.‬دلك أن المشرع اقتصر على منح المحكمة سلطة تقدير ية تسمح لها‬

‫بتخفيض التعو يض لا غير ‪.‬‬

‫ي‪-‬التحر يض على الفساد ‪.‬‬

‫يعتبر تخليق المقاولة من القواعد التي راهنت عليها مدونة الشغل و هكذا فلقد نصت المادة ‪19‬من م‪.‬ش‬

‫على انه يجب على الأجير أن يمتثل للنصوص المنظمة لأخلاقيات المهنة وكذلك جاءت المادة ‪ 16‬من‬

‫‪134‬‬
‫م‪.‬ش تنص على انه يجن مراعاة حسن السلوك و الأخلاق الحميدة أن يسهر على أن تسود الآداب‬

‫العامة داخل المقاولة ‪.‬‬

‫وتحقيقا لهده الغاية قرر المشرع أن التحر يض على الفساد هو خطا جسيم سواء بالنسبة للأجير (م‪31‬‬

‫م‪.‬ش) أو المشغل (م‪ 64‬م‪.‬ش)‬

‫و هكذا فقد اعتبر المشرع التحر يض على الفساد داخل مقر الشغل خطأ جسيما دون ربطه بأي شرط‬

‫أخر‪.‬‬

‫ك‪-‬استعمال أي نوع من أنواع العنف و الاعتداء البدني الموجب ضد الأجير أو المشغل أو من ينوب‬

‫عنه لعرقلة سير المقاولة ‪.‬‬

‫سبق للمشرع أن اعتبر في إطار تعداد الأخطاء الجسيمة المضمن بالمادة ‪ 31‬من م‪.‬ش إن مجرد‬

‫الاعتداء بالضرب على أيا كان داخل المقاولة يعد خطأ جسيما يبرر فصل الأجير ‪.‬‬

‫وقد عاد المشرع ثانية فقرر أن استعمال أي نوع من أنواع العنف و الاعتداء البدني الموجه ضد أجير‬

‫أخر أو المشغل أو من ينوب عنه لعرقلة سير المقاولة يعد خطأ جسيم يبرر فصل الأجير الذي ارتكب‬

‫الفعل بشرط أن يقوم مفتش الشغل بمعاينة عرقلة سير المؤسسة و تحرير محضر بشأن دلك‪.‬‬

‫إن الاستعانة بمفتش الشغل في هده الحالة الخاصة بالذات إنما ترمي إلى حماية الأجراء الذي قد يكونون‬

‫ضحايا الادعاءات الكاذبة مع العلم أن خرق هدا الأجراء يجعل الفصل غير مشروع‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬أنواع العقوبات التأديبية‬

‫لقد تطرقت مدونة الشغل إلى العقوبات التأديبية في المادة ‪ 32‬و التي تنص "يمكن للمشغل اتخاذ‬

‫إحدى العقوبات التأديبية التالية في حق الأجير لارتكابه خطأ غير جسيم‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫أ‪-‬الإنذار ‪ :‬إن الإنذار هز اخف العقوبات التأديبية التي يمكن للمشغل إيقاعها من ضمن سلطاته‪,‬وهو‬

‫إجراء تأديبي يقصد منه تنبيه الأجير إلى المخالفات التي ارتكبها وتهديده بتوقيع عقوبة اشد في حالة يكرر‬

‫نفس المخالفة’‪.‬‬

‫غير انه من باب احترام حقوق الأجراء في التأديب إن يتم الإنذار بشكل كتابي و غير شفوي لأن في‬

‫هده الحالة الأخيرة يقع عبئ الإتباث على المشغل و هو نفس الاتجاه الذي صار معه المشرع الأردني‬

‫في المادة ‪ 18‬من قانون العمل الأردني لسنة ‪,1443‬‬

‫ب‪-‬التوبيخ ‪ :‬هو عقوبة اشد من الإندار يوقعه المشغل على الأجير و يعتبر مظهر من المظاهر البارزة‬

‫لرابطة التبعية التي تربط المشغل بالأجير و تكشف عما للمشغل من حق الرقابة و الإشراف على الأجير‬

‫فيما يتعلق بأداء عمله و بالتالي فإن مضمون الجزاء هو زجر الأجير المرتكب للخطأ من جهة و إلى حفظ‬

‫النظام في المؤسسة و ضمان سير العمل من جهة ثانية‪.‬‬

‫ج‪-‬التوبيخ الثاني أو التوقف عن الشغل لمدة لا تتعدى ‪ 8‬أيام ‪ :‬هو عقوبة يوقعها المشغل على الأجير ادا‬

‫ارتكب خطأ غير جسيم و يمكن أن تكون على شكل توبيخ ثاني بعد أن توصل لتوبيخ أول ا وان يوقع‬

‫المشغل توقيفا مؤقتا عن ممارسة العمل مع حرمانه من الأجر خلالها بسبب المخالفة التي وقعت منه‪ ,‬و‬

‫عقوبة التوقف عن الشغل حددها المشرع في الفصل ‪ 32‬من مدونة الشغل و أجازت لدلك مدة لا‬

‫تتعدى ثمانية أيام عن المخالفة الواحدة فلا ينبغي توقيف الأجير لمدة مفتوحة‬

‫‪ .‬د‪-‬التوبيخ الثالث أو النقل إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى عند الاقتضاء مع مراعاة سكنى الأجير ‪ :‬في‬

‫هده الحالة فإن المشرع قد وضع للأجير حماية في حالة توقيع العقوبات التأديبية المتمثل في نقله على‬

‫المشغل ان يراعي سكنى الأجير حتى لا يحصل له ضرر من جراء الجزاء التأديبي هدا وقد أكد المشرع‬

‫الحماية في الفقرة الأخيرة من الفصل ألمدكور و دلك بتمتيع الأجير بحقه في الدفاع عن نفسه بالاستماع‬

‫‪136‬‬
‫إليه من طرف المشغل أو من ينوب عليه بحضور مندوب العمال أو الممثل النقابي بالمؤسسة الذي‬

‫يختاره الأجير بنفسه و دلك داخل اجل لا يتعدى ‪ 8‬أيام ابتدءا من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب‬

‫الفعل المنسوب إليه و لقد أكد المشرع في المادة ‪ 38‬من مدونة الشغل انه على المشغل أن يتبع مبدأ‬

‫التدرج في العقوبة و إمكانية المشغل بعد استنفاد هده العقوبات داخل السنة أن يقوم بفصل الأجير و‬

‫يعتبر في هده الحالة فصلا مبررا‪.‬‬

‫أما فيما يخص التنقل من مصلحة إلى أخرى أو من مؤسسة إلى أخرى فهده العقوبة تدخل في الرتبة‬

‫الرابعة و هي تمس الأجير في تغييره من جهة إلى أخرى وهي من السلطات القيادية للمؤاجر التي تجد‬

‫أساسها في إخلال الأجير بالالتزامات أو مخالفته أوامر رؤسائه إلا أن هده القيادة يجب أن تكون في‬

‫صدد القانون و الحقوق الأساسية للأجير ‪.‬‬

‫أما فيما يخص العقوبات التأديبية المترتبة عن ارتكاب الأجير لخطأ جسيم فلقد جاءت المادة ‪ 31‬من‬

‫مدونة الشغل على ما يلي " يعتبر بمثابة أخطاء جسيمة يمكن إن تؤدي إلى الفصل وهي الأخطاء ا لتالية‬

‫المرتكبة من طرف الأجير‪.‬‬

‫‪-‬ارتكاب جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة صدر بشأنها حكم نهائي وسالب للحر ية‬

‫‪-‬إفشاء سر مهني نتج عنه ضرر للمقاولة‬

‫ارتكاب الأفعال التالية داخل المؤسسة أثناء الشغل‬

‫‪-‬السرقة‬

‫‪-‬خيانة الأمانة‬

‫‪-‬السكر العلني‬

‫‪-‬الاعتداء بالضرب‬

‫‪137‬‬
‫‪-‬السب الفادح‬

‫‪-‬رفض انجاز شغل من اختصاصه عمدا و بدون مبرر‬

‫‪-‬التغييب بدون مبرر لأكثر من أربعة أيام أو ثمانية أنصاف يوم خلال الاثنى عشر شهرا‬

‫‪-‬إلحاق ضرر جسيم بالتجهيزات أو الآلات أو المواد الأولية عمدا أو نتيجة إهمال فادح‬

‫‪-‬ارتكاب خطأ نشأة عنه خسارة مادية جسيمة للمشغل‬

‫‪-‬عدم مراعاة التعليمات ألازم إتباعها لحفظ السلامة في الشغل و سلامة المؤسسة ترتب عنها خسارة‬

‫جسيمة‬

‫‪-‬التحر يض على الفساد‬

‫‪-‬استعمال أي نوع من أنواع العنف و الاعتداء البدني الموجه ضد أجير أو مشغل أو من ينوب عنه‬

‫لعرقلة سير المقاولة‬

‫في هده الحالة الأخيرة يقوم مفتش الشغل بمعاينة عرقلة سير المؤسسة و تحرير محضر بشأنها‬

‫المطلب الثاني‪:‬سلطة المشغل في اتخاذ العقوبة التأديبية و نطاق تطبيقها‬

‫إن الإحاطة بهذا المطلب يتطلب التركيز على السلطة التأديبية للمشغل(الفقرة الأولى)‪,‬على أساس‬

‫التطرق لنطاق تطبيق هده الأخيرة في (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة الأولى‪:‬مصادر السلطة التأديبية‬

‫على خلاف جل القواعد القانونية التي يعتبر القانون أهم مصادرها ؛فإن مساهمة المشرع في قيام قانون‬

‫تأديبي متكامل تعتبر ضعيفة و غير دات أهمية‪.‬‬

‫وتبقى الأنظمة الداخلية للمقاولة و الإتفاقيات الجماعية للشغل أهم مصدر من مصادر السلطة التأديبية‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫إن دور القانون كمصدر من مصادر السلطة التأديبية تمثلت في إقرار المغرب بالظهير‬

‫‪98‬يونيو‪9134‬الدي حد من حر ية المؤاجرين في اللجوء إلى العقوبات المالية ضد الأجراء إلا عند مخالفتهم‬

‫للمقتضيات المتعلقة بالمحافظة على الصحة و السلامة بالمقاولة ‪.‬‬

‫وبصدور مدونة الشغل الجديدة تم تضمينها لبعض المقتضيات القانونية التي تحد من سلطة المشغل في‬

‫توقيع الجزاءات التأديبية؛كما تم الإقرار بحق الأجراء في الدفاع عن أنفسهم و الإستعانة بمندوبي‬

‫الأجراء لمؤزارتهم قبل إيقاع أية عقوبة عليهم‪.‬‬

‫كما نجد الأنظمة الداخلية للمقاولة تعتبر من بين أهم المصاد‬

‫ر الأساسية التي يستمد منها المشغل سلطته التأديبية؛وبإلقاء نظرة على جل الأنظمة الداخلية للمقاولات‬

‫يتضح جليا بأن هده الأنظمة صيغت بطر يقة عامة و غير واضحة ولا تحدد بدقة لائحة للأخطاء المرتكبة‬

‫من طرف الأجراء ولا تصنيفها؛كما لا تضع ترتيبا للجزاءات بحسب كل مخالفة ولا مساطر لتوقيع هده‬

‫الجزاءات‪.‬‬

‫ومن تما فإن لغياب المشرع على الحقل التأديبي نجد أن هده الأنظمة صادرة عن إرادة منفردة لرب‬

‫العمل؛ولا يتم فيها التشاور في شأن وضعها مع مندوبي الأجراء أو ممثليهم النقابين‪.‬‬

‫هدا وتعتبر الإتفاقيات الجماعية للشغل الجماعية من المصادر المؤطرة لسلطة التأديب ؛على إعتبار أن مثل‬

‫هده الإتفاقيات تعنى بتنظيم علاقات الشغل داخل المقاولة و ما يدخل في مفهوم السلطة التأديبية‬

‫المشغل؛ووضع لائحة بالمخالفات المرتكبة من طرف الأجراء و كدا الجزاءات التي تلحقهم من جراءها‪.‬‬

‫غبر أن الملاحظ على الإتفاقيات الجماعية بالمغرب على ندرتها لم تعطي المجال التأديبي ما يستحقه من‬

‫عناية ؛ليتركو اللأنظمة الداخلية في كل مؤسسة –على حدة‪-‬أمر ضبطها و تنظيمها‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪:‬نطاق تطبيق السلطة التأديبية للمشغل‬

‫‪139‬‬
‫إن موضوع السلطة التأديبة تنحصر في المعاقبة على الأخطاء التي يرتكبها العمال و التي تمس بسير الحسن‬

‫للمؤسسة‪.‬‬

‫ولايشترط في الخطأ الموجب للعقوبة للتأديب أن يؤدي الى الإضرار بالغير بل يكفي ان يشكل إخلالا‬

‫بمقتضيات النظام الداخلي (مثلا الأجير الدي يدخن)في أماكن الشغل يعتبر مرتكبا لخطأ موجب‬

‫للعقاب حتى ولو لم يترتب عن الفعل الخاطىءو المخالف للنظام الداخلي ضرر للمشغل‪.‬‬

‫وعلى خلاف الجزاءات التأديبية التي تعتبر –مبدئيا‪-‬سهلة التحديد (الإندار –التوبيخ‪-‬الطردالمؤقت‪-‬‬

‫التوقيف…‪).‬؛فإن تحديد قائمة بالأخطاء التي يمكن ان يرتكبها الأجراء تبدو معقدة لصعوبة تصور كل‬

‫السلوكات الخاطئة التي قد يقترفها العمال؛ كما أن ما يوصف بسلوك خاطىءبل جسيم في مقاولة ما‬

‫(التدخين في مؤسسة لتعبئة قنينات الغاز)قد لا يعتبر كدلك في مقاولة أخرى ‪.‬‬

‫غير أن مايثير التساؤل هنا هو من هو الممارس الحقيقي للسلطة التأديبية؟‬

‫الأصل أن رب العمل أو المؤاجر هو الممارس الحقيقي للسلطة التأديبية ؛إلا أن تطور المقاولات و‬

‫إتساع حجمها وعدم إمكانية تصور الإتصال المباشر بين رئيس المقاولة وبين أعضاء الأجراء في هدا النوع‬

‫من المؤسسات ؛ تما تفو يض ممارسة السلطة التأديبية لبعض رؤساء الغرف أو لبعض للجن‪.‬‬

‫وبالرجوع للمشرع المغربي نجده في الفصل ‪4‬من النظام النمودجي (الملغي)كان ينص على أنه يتوجب‬

‫على الأجراء الإمتثال لرئيسهم المباشر و يجب على المؤاجر و مساعديه اي كانت مهنتهم التأدب مع‬

‫الأجراء‪.‬‬

‫وبتحليل هدا الفصل يتضح بأن المشرع لم يحدد بدقة الممارس الحقيقي للسلطة التأديبية و تركها مشاعة‬

‫بين الرئيس المباشر و المؤاجر و مساعديه؛وهو الأمر الدي قد يولد خطورة على حقوق الأجراء دلك أن‬

‫‪140‬‬
‫ترك اتخاد القرارات التأديبية لروؤساء المباشرين؛يجعل قراراتهم مطبوعة في غالب الأحيان بروح‬

‫الإنتقام و تصفية الحسابات لاروح الإصلاح و التهديب‪.‬‬

‫ل كن بالرجوع إلى مدونة الشغل الجديدة نجدها تحد قليلا من هدا التوسع وهو الإتجاه الدي نؤيده من‬

‫حيث تركيز السلطة التأديبية على المشغل وحده دون مساعديه؛مثلا المادة ‪32‬منها تنص "يمكن للمشغل‬

‫اتخاد إحدى العقوبات التأديبية في حق الأجير لارتكابه خطأ غير جسيم"؛و المادة ‪38‬كدلك التي‬

‫تنص على أن "يتبع المشغل العقوبات التأديبية مبدأ التدرج في العقوبة…"؛والمادة ‪43‬منها التي جاءت‬

‫فيها "يسلم مقرر العقوبات التأديبية الوارة في المادة ‪32‬أعلاه أو المقرر الفصل إلى الأجير المعني بالأمر‬

‫يدا بيد مقابل وصل أو بواسطة رسالة مضمونة مع إشعاره داخل أجل ثماني وأربعين ساعة من تاريخ‬

‫إتخاد المقرر المدكور‪.‬‬

‫و بتالي فإن المشرع من خلال مونة الشغل قد حدد المسؤول الفعلي في تأديب الأجراء و دلك من‬

‫خلال إلزام المشغل عبئ الإثبات عند وجود مبرر مقبول للفصل كما يقع عليه كدلك عبئ الإثبات‬

‫عندما يدعي مغادرة الأجير لشغله؛على الرغم من كون هدا التصنيف غير كاف ودلك في الحالات‬

‫التي يتم فيها تفو يض بعض الصلاحيات للرؤساء المباشرين للعمال أو مندوبيهم‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بلخاضعين للسلطة التأديبية فهي تتحدد في كل الأشخاص المنتمين للمؤسسة سواء أكانو‬

‫عمالا عاديين أو أطر عليا أو مستخدمين أو كانو يرتبطون بالمقاولة بعقد شغل‪.‬‬

‫كما يخضع كدلك كل الأجراء الموجودين في فترة تدريب أو إختبار و كدا الأجراء الدين يرتبطون‬

‫بالمقاولة بموجب عقد تمرين أو تعلم المهنة ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الضمانات القانونية للأجير بين المرحلة الإدار ية والمرحلة القضائية‬

‫‪141‬‬
‫قدم المشرع المغربي للأجير ضمانات تنقسم بين المرحلة الإدار ية (المطلب الاول)‪ ،‬والمرحلة القضائية‬

‫(المطلب الثاني)‬

‫المطلب الأول ‪ :‬المرحلة الإدار ية‬

‫عملت مجموعة من التشر يعات المقارنة‪ ،‬وكذا المشرع المغربي على حماية الأجير من تعسف المشغل في‬

‫سلطته التأديبية‪ ،‬خصوصا في حالة ارتكاب الأجير لخطأ جسيم يوقع عليه الفصل من مهامه‪ ،‬بحيث‬

‫يعتبر الفصل من الشغل أكبر خطر يهدد الأجير خلال حياته المهنية‪ ،‬ووعيا من مشرعي قانون الشغل‬

‫في مختلف الدول بهذه الخطورة‪ ،‬فقد ثم إحاطة الأجير بضمانات تحول دون فصله بشكل تعسفي‪ ،‬ولم‬

‫يخرج المشرع المغربي بدوره عن هذا المنحى إذ أحاط الأجير بمجموعة من الضمانات‪ ،‬وبمثابة شروط‬

‫إلزامية بالنسبة للمشغل يجب القيام بها قبل اتخاذ مقرر الفصل‪ ،‬وهذه الضمانات منصوص عليها من‬

‫المواد ‪ 41‬إلى ‪ 41‬من مدونة الشغل ( الفقرة الأولى) كما قيد المشرع من سلطة المشغل بضرورة تدخل‬

‫مندوب الأجراء ومفتش الشغل ( الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة الأولى ‪ :‬إجراءات الفصل التأديبي للأجير‬

‫بعد توقيع المشرع المغربي على الاتفاقية الدولية رقم ‪ 918‬لمنظمة العمل الدولية بتاريخ ‪ 2‬أكتوبر ‪،9113‬‬

‫فقد ادمج مجموعة من المقتضيات القانونية المنصوص عليها في الاتفاقية الأنفة الذكر بمدونة الشغل‪ ،‬ومن‬

‫ضمنها استدعاء الأجير قصد الاستماع إليه‪.‬‬

‫أولا ‪ :‬الإستماع إلى الاجير‬

‫تنص المادة ‪ 41‬من مدونة الشغل على مايلي‪" :‬يجب قبل فصل الأجير ان تتاح له فرصة الدفاع عن‬

‫نفسه بالإستماع إليه من طرف المشغل‪ ،‬أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء‪ ،‬او الممثل النقابي‬

‫‪142‬‬
‫الذي يختاره الأجير بنفسه‪ ،‬وذلك داخل أجل لا يتعدى ‪ 8‬أيام ابتداء من تاريخ الذي تبين فيه‬

‫ارتكاب الفعل المنسوب إليه"‬

‫حيث يتضح أن المشغل استعمل صيغة الوجوب على المشغل بضرورة إتاحة فرصة للأجير للدفاع عن‬

‫نفسه قبل الإقدام على فصله‪ ،‬من أجل إقناع المشغل بالعدول عن قراره وخاصة في حالة ما إذا كان‬

‫خطأ الأجير بسيط لم يلحق ضرر يذكر بالمقاولة ‪ ،‬وكذالك كأن ينفي التهمة الموجهة إليه‪ ،‬أو بان يرد‬

‫الخطأ الصادر عنه إلى عوامل خارجة عن إرادته ‪.‬‬

‫وهكذا عبر القضاء في عدة قرارات له على أنه لا ينظر إلى الأخطاء المنسوبة إلى الأجير ل كون المشغل‬

‫لم يحترم الشروط الشكلية لفصله‪ ،‬وفي هذا السياق جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالدار‬

‫البيضاء"…حيث أنه لا يوجد بالملف ما يفيد احترام المشغلة لمقتضيات الفصول ‪ 41‬و ‪ 43‬و ‪ 46‬من‬

‫مدونة الشغل المتعلق بإتاحة الفرصة للأجير قصد الدفاع عن نفسه قبل الإقدام على فصله…" وحيث‬

‫أن هذه المقتضيات تعتبر قواعد أمرة وردت بصيغة الوجوب وان عدم احترمها يجعل الفصل الذي‬

‫تعرض له الأجير فصلا تعسفيا ورغم منح المشرع ضمانة الاستماع إليه من اجل الدفاع عن نفسه‪ ،‬إلا‬

‫أنه أي المشرع لم يحدد كيفية استدعاء الأجير‪ ،‬هل برسالة كتابية أم بخطاب شفوي؟ بمعنى هل المشغل‬

‫يبقى حرا في تبليغ الأجير بآية وسيلة كانت؟‬

‫فعلى عكس المشرع الفرنسي الذي نص على ان الاستدعاء يتم كتابة عن طر يق رسالة مضمونة أو رسالة‬

‫تسلم إلى المعني بالأمر شخصيا وصل استلام ‪ ،‬كما أن بعض الفقه المغربي ساير نهج التشر يع الفرنسي‬

‫بالقول " إن أول إجراء على المشغل احترامه هو إبلاغ الأجير المتهم بالإخلال بالتزاماته بماهو منسوب‬

‫إليه‪ ،‬وذلك حتى يتمكن من إعداد دفاعه قبل الاستماع إليه‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫وحدد المشرع النطاق الزمني للاستماع للأجير في أجل لا يتعدى ‪ 8‬أيام تبدأ من تاريخ اكتشاف المؤاجر‬

‫للأفعال المنسوبة إلى الأجير‪ ،‬وهنا يطرح التساؤل في حالة عدم قيام المشغل بإجراء الاستماع للأجير‬

‫داخل هذا الاجل ‪ ،‬فما مصير مسطرة الفصل؟‬

‫يرى جانب من الفقه المغربي‪ ،‬بان عدم إستماع المشغل للأجير داخل أجل ‪ 8‬أيام‪ ،‬يسقط حقه في‬

‫تحر يك إجراءات التاديب الواردة في المادة ‪ 41‬من مدونة الشغل‪ ،‬لأن عدم تحر يك المسطرة هو دليل‬

‫على اقتناع المشغل بعدم ارتكاب الأجير لأي فعل أو لعدم أهمية المخالفة المرتكبة التي لا تصل لدرجة‬

‫توقيع جزاء تأديبي‪ ،‬وهذا ما أكده قرار محكمة الاستئناف بالرباط رقم ‪ 1441/91/9418‬الصادر‬

‫بتاريخ ‪ 1444/94/92‬والذي جاء فيه ‪ :‬إن عدم الاستماع للأجير داخل اجل ‪ 8‬أيام من تاريخ إرتكاب‬

‫الخطأ الجسيم يشكل خرقا لمقتضيات المادة ‪ 44‬من مدونة الشغل‪ ،‬ذلك أنه متى استطالت الفترة الزمنية‬

‫من تاريخ إرتكاب الخطأ الجسيم وتاريخ الاستماع إليه لمدة تفوق ‪ 8‬أيام فإن ذلك يعتبر دليل لعدم اقتناع‬

‫المشغل بعدم ارتكاب الأجير لأي فعل يستحق عليه المساءلة التأديبية‪ ،‬و يعتبر في هذه الحالة قد تنازل‬

‫عن حقه في الفسخ‪ ،‬وأن عدم تحر يك إجراءات التأديب داخل أجل ‪ 8‬أيام يسقط حقه في المتابعة‪.‬‬

‫وإن تطبيق مسطرة الاستماع تقتضي توافق الطرفين على إجرائها‪ ،‬ذلك انه في حالة رفض أحد الطرفين‬

‫إجرائها وإتمامها‪ ،‬فإنه يتم اللجوء إلى مفتش الشغل‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تبليغ مقرر الفصل‬

‫حث المشرع المغربي بمقتضى المادة ‪ 43‬من م‪.‬ش‪ ،‬على ضرورة تبليغ الأجير المراد فصله مقرر العقوبة‬

‫التأديبية الواردة في الفصل ‪ 32‬من م ش أو مقرر الفصل يدا بيد مقابل وصل‪ ،‬او بواسطة رسالة‬

‫مضمونة مع الإشعار بالتوصل داخل أجل ‪ 68‬ساعة من تاريخ اتخاذ المقرر المذكور وذلك من أجل‬

‫إحاطة الأجير علما بالأسباب المنسوبة إليه المبررة لاتخاذ قرار الفصل في حقه‪ ،‬ويتبنى المشرع الفرنسي‬

‫‪144‬‬
‫نفس الإجراء المنصوص عليه فب المادة ‪ 43‬من م ش ‪ ،‬إذ تنص المادة ‪ L1232-6‬من القانون‬

‫الجديد لسنة ‪ ،1448‬عندما يقرر المشغل فصل الأجير‪ ،‬يبلغ قراره بواسطة رسالة مضمونة الوصول‪،‬‬

‫وتتضمن الرسالة الأسباب التي اعتمد عليها المشغل‪ ،‬ولا يمكن بعث الرسالة قبل مرور يومين من اللقاء‬

‫المسبق بين المشغل والأجير‪ ،‬إلا ان مسألة تبليغ رسالة الفصل إلى الأجير ليس امر سهلا‪ ،‬بل في كثير‬

‫من الاوقات تعترض هذه العملية صعوبات‪ ،‬وفي الوقع ينبغي التمييز في هذه الحالة بين عدم تبليغ رسالة‬

‫الفصل الناتج عما يمكن اعتباره سوء نية الاجير كأن يمتنع او يتهرب من تسلمها‪ ،‬وبين عدم التبليغ الناتج‬

‫عن تقصير المشغل‪ ،‬وبالتالي فالأمر لا يخلو من الحالات التالية‪ :‬فإدا رجع الاشعار بالتوصل بملاحظة‬

‫"مرفوض" او "انتقل إلى عنوان اخر" أو "لا يمكن بهذا العنوان"‪ ،‬فالتبليغ يمكن اعتباره قانونا لأن صيغة‬

‫"مرفوض"‪ ،‬تفيد أن التبليغ قانوني‪ ،‬وان عبارة "انتقل إلى عنوان اخر" او لا يمكن بهذا العنوان"‪ ،‬تفيد‬

‫انه غير عنوانه ومن ثم فهو يتحمل نتيجة إغفاله لذلك‪ ،‬اما إذا أرجع الإشعار بالتوصل بملاحظة "غير‬

‫مطلوب" أو ان "المكان مغلق"‪ ،‬فإن تبليغ الإنذار بهذا الشكل لا يعتبر تبليغا قانونيا ويمكن للمشغل ان‬

‫يلجأ إلى وسيلة ناجعة أكثر ومن أبرزها توجيه الإنذار استنادا على أوامر رئيس المحكمة ‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى المادة ‪ 43‬من م ش نجد ان المشرع أكد بصريح العبارة على تبليغ مقرر الفصل داخل‬

‫أجل ‪ 68‬ساعة من تاريخ اتخاذ المقرر المذكور‪ ،‬لهذا فلا يؤخد بالتبليغ الذي لم يحترم هذه المدة القانونية‪،‬‬

‫وهذا ما أقره المجلس الاعلى من خلال قرار له والذي جاء فيه ‪ :‬حيث أن المشغل بعث برسالة الفصل‬

‫بعد فواث أجل ‪ 68‬ساعة من فصله أي بعد مدة ‪ 16‬يوما من تاريخ فصله لهذا فالمحكمة لم تكن في‬

‫حاجة لمناقشة الأخطاء المنسوبة للأجير ما دام المشغل لم يحترم المسطرة القانونية‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬دور مندوب الأجراء ومفتش الشغل‬

‫أولا ‪ :‬دور مندوب الأجراء‬

‫استحدث المشرع في إطار القانون الإجتماعي مؤسسة تمثيلية هامة للأجراء داخل المقاولة من المواد‬

‫‪ 634‬إلى ‪ 643‬من مدونة الشغل وبذلك يكون إنتخاب مندوب الأجراء امر إلزميا داخل المقولات‪،‬‬

‫ومن بين المهام التي يقوم بها هي ربط الاتصال بين الأجراء من جهة والمشغلين من جهة ثانية بصدد‬

‫القضايا الاجتماعية والقانونية‪ ،‬المطروحة داخل المؤسسة وكدا مهمة الدفاع عن صالح لزملائه عن العمل‬

‫هدا ما قد يعرضه للمضايقات من قبل المشغل لهذه الاعتبارات عمل المشرع المغربي على اتخاد تدابير‬

‫خاصة لحماية هذه الفئة من المشغلين‬

‫ثانيا ‪ :‬دور مفتش الشغل‬

‫في البداية نشير إلى أن مفتشية الشغل تعتبر احد المصالح الخارجية للوزارة المكلفة بالشغل وأعوان‬

‫التفتيش هم بالأساس موظفون تابعون لوزارة الشغل‪ ،‬وقد ألزم المشرع بمقتضى المادة ‪ 46‬من م ش‬

‫المشغل بتوجيه نسخة من مقرر الفصل إلى العون المكلف بتفتيش الشغل‪ ،‬وذلك لحماية الاجير من‬

‫تعسف المشغل في إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة‪ ،‬إذ يقوم عون تفتيش الشغل بمراقبة مدى التزام‬

‫المشغل بمسطرة الفصل في إطار مهمته الرقابية بالسهر على تطبيق الأحكام التشر يعية والتنظيمية المتعلقة‬

‫بالشغل‪ ،‬لهذا فإن مفتش الشغل يقوم عند توجيه نشخة من مقرر الفصل إليه‪ ،‬بالتحقق من تضمين‬

‫مقرر الفصل للأسباب المبررة لاتخاده‪ ،‬حيث ينظر في مدى موضوعية هذه الأسباب وتناسبها مع‬

‫الجزاء المراد توقيعه على الأجير‪ ،‬إذ في حالة تبين له ان الاخطاء بسيطة ولا ترقى إلى درجة تستوجب‬

‫فصل الأجير فإنه يحاول في إطار مهامه التصالحية التوفيق والمصالحة بين طرفي النزاع وذلك ضمانا‬

‫لاستقرار عقد الشغل ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫كما يعمل العون المكلف بتفتيش الشغل على مراقبة مدى احترام المشغل لمسطرة الاستماع‪ ،‬وذلك من‬

‫خلال مقرر الفصل الذي يجب أن يتضمن تاريخ الاستماع إلى الأجير‪ ،‬وان يرفق بمحضر جلسة الاستماع‬

‫الذي يتضمن حيثيات هذه الجلسة‪ ،‬إذ يستطيع مفتش الشغل من خلال هذا المحضر أن يقيم مدى‬

‫احترام المشغل لحق دفاع الأجير في تفسير ودحض الأخطاء المنسوبة إليه‪ ،‬ومنح المشرع لمفتش الشغل‬

‫دورا تقرير يا في مسطرة تأديب بعض الفئات من الأجراء نظرا لطبيعة عملهم أو لوضعهم الصحي‬

‫كالتأديب الذي قد يتعرض له مندوب الأجراء حيث ألزم المشرع المشغل بالحصول على موافقة مفتش‬

‫الشغل‪ ،‬وذلك طبقا لمقتضيات المادة ‪ 612‬من م ش‪ ،‬و يعتبر هذا الإجراء من النظام العام حيث‬

‫يؤدي مخالفته إلى بطلان مقرر الفصل واعتباره تعسفيا‪ ،‬وهذا ما أقره المجلس الأعلى في أحد قراراته‬

‫الذي جاء فيه " أن كل نقل وكل طرد مؤقت أو نهائي تقرره المؤسسة بشأن كل مندوب من‬

‫المستخدمين يجب عرضه فورا إلى العون المكلف بتفتيش الشغل الذي يبدي رأيا معللا بأسباب‪ ،‬وانه‬

‫في حالة الخطأ الجسيم يجوز لرئيس المؤسسة طرد المندوب طردا مؤقتا ريثما يصر مفتش الشغل رأيه"‬

‫وتجدر الإشارة أن موافقة مفتش الشغل على مقرر فصل مندوب الأجراء لا تعفي المشغل من سلوك‬

‫مسطرة الفصل العادية المنصوص عليها من المواد ‪ 41‬إلى ‪ 41‬من مدونة الشغل‪ ،‬فإذن مفتش الشغل‬

‫هو بمثابة الضوء الأخضر للشروع في مباشرة إجراءات الفصل العادية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الرقابة القضائية‬

‫الرقابة القضائية على فصل الأجير هي التي تتولاها المحاكم بمختلف درجاتها ضمانا لحسن سير العدالة‪،‬‬

‫وتحقيق الإنصاف لأطراف العلاقة الشغيلة‪ .‬ومن هنا سوف نتطرق في (الفقرة الأولى) للإختصاص‬

‫وطرق الطعن في المقررات التأديبية‪ ،‬ونعالج في (الفقرة الثانية) الرقابة على الشروط الشكلية‬

‫والموضوعية للمقرر التأديبي‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬الاختصاص وطرق الطعن في المقررات التأديبية‬

‫لقد تم تنظيم إجراءات الدعوى في القضايا الاجتماعية من خلال مقتضيات قانون المسطرة المدنية‪،‬‬

‫فقد افرد لها المشرع الباب الرابع من القسم الخامس المتعلق بالمساطر الخاصة‪( .‬الفصول من ‪ 141‬إلى‬

‫غاية الفصل ‪ 116‬من قانون المسطرة المدنية)‪ .‬ويتبين من خلال هذه النصوص الواردة في قانون‬

‫المسطرة المدنية‪ .‬أن الإجراءات المسطر ية التي تتبعها المحكمة الإجتماعية عند رفع دعوى التعو يض عن‬

‫الطرد التعسفي أمامها من طرف الأجير خاصة ما أتت به مدونة الشغل من جديد بمقتضى مسطرة‬

‫الصلح التمهيدي‪.‬‬

‫وهناك حالة استثنائية في حالة الفصل الجماعي لأسباب اقتصادية إلا أنه قد يدفع أحد الأطراف أمام‬

‫المحكمة بعدم الإختصاص النوعي خاصة إذا كان أحد الأطراف يمثل الدولة فيتمسك بمقتضيات المادة‬

‫‪ 93‬من القانون المحدث للمحاكم الإدار ية‪ ،‬وقد تضم المحكمة الابتدائية هذا الدفع إلى الجوهر وتعمل‬

‫محكمة الإستئناف على تأييده كما هو الحال في القرار عدد ‪ 614‬إذا تقضى لمجلس القرار الإستئنافي بعد‬

‫أن عابت الطاعنة على القرار المطعون فيه خرق المادة ‪ 93‬من قانون المحاكم الإدار ية ذلك أنها أثارت‬

‫ابتدائيا الدفع بعدم الاختصاص للبث في الطلب المعروض على أنظار المحكمة الابتدائية مشيرة أن‬

‫الاختصاص يعود للمحكمة الإدار ية بالدار البيضاء إلا أن الحكم الابتدائي رد الدفع بعدم الاختصاص‬

‫النوعي بعلة أن محكمة القضاء الشامل هي المختصة للبث في الطلب كما أن محكمة الاستئناف تبنت‬

‫حيثيات الحكم الابتدائي حين ضمت الدفع إلى الموضوع وخولت لنفسها الاختصاص خلافا لما تنص‬

‫عليه الفقرة الثانية من المادة ‪ 93‬من القانون المحدث للمحاكم الإدار ية مما يتعين معه الحكم بنقض القرار‪.‬‬

‫وكان جواب المجلس الأعلى عن ما عابت الطاعنة على القرار‪" :‬حيث تبث صحة ما عاتبه الوسيلة على‬

‫القرار المطعون فيه ذلك أن الطاعنة كانت قد أتارث خلال مراحل الدعوى عدم الاختصاص النوعي‬

‫‪148‬‬
‫بالنسبة للمحكمة الابتدائية وأن المحكمة الإدار ية هي المختصة تبعا للفصلين ‪ 91‬و ‪ 93‬من قانون المحاكم‬

‫الإدار ية إلا أن المحكمة الابتدائية ضمت الدفع بعدم الاختصاص النوعي‪.‬‬

‫إلى الموضوع وتبنت محكمة الاستئناف تعليلها والحال أن مقتضيات المادة ‪ 93‬من قانون المحاكم الإدار ية‬

‫تقضي بالبث في الدفع المشار بالاختصاص النوعي بمقتضى حكم مستقل دون ضمه إلى الموضوع ما يبقى‬

‫معه الحكم بنقض القرار" ‪.‬‬

‫* الطعن في مقرر الفصل‬

‫حسب مقتضيات المادة ‪ 41‬من مدونة الشغل‪" :‬يجب تحت طائلة سقوط الحق‪ ،‬رفع دعوى الفصل‬

‫أمام المحكمة المختصة في أجل تسعين يوما من تاريخ توصل الأجير بمقرر الفصل" وحدد المشرع هذه‬

‫المدة واعتبرها من النظام العام‪ ،‬بحيث لا يجوز مخالفتها‪ ،‬خلافا لما كان عليه الأمر في ظهير‬

‫‪ 9168/94/13‬بحيث كان ينص في فصله السادس على أنه " و يجوز للأجير في ظرف شهر واحد‬

‫ابتداء من يوم توصله بالرسالة المذكورة أو تسليمه نسخة منها أن يرفع قضية إلى محكمة الشغل مدعما‬

‫مطلبه برسالة الطراء" إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه حول مفهوم الأجل الذي حدده هذا النص في‬

‫شهر واحد‪ ،‬فهل يعني أنه أجل مسقط للدعوى؟‬

‫بمعنى أن الأجير الذي لا يقدم دعواه داخل ذلك الأجل يسقط حقه في تقديم الدعوى؟‬

‫لقد انقسم الفقه في الجواب على هذا الإشكال إلى اتجاهين رئيسيين‪:‬‬

‫الإتجاه الأول‪ :‬يرى أن الأجل المنصوص عليه في الفصل المذكور أعلاه ينبغي على الأجير احترامه‬

‫لإقامة دعواه وإلا سقط حقه في الطعن في مقرر الفصل‪ ،‬ومبرراته في هذا القول أن المشرع خول‬

‫للأجير الحق بالطعن في تصرف المشغل متى اعتبره تعسفيا فنص على حق الأجير في إقامة دعواه إلى‬

‫‪149‬‬
‫القضاء‪ ،‬ل كنه حدد له أجل شهر لممارسة هذا الحق وإلا سقط‪ ،‬وهذا التفسير يتفق مع تفسير الفقرة‬

‫الأولى من الفصل ‪.261‬‬

‫من ق‪.‬ل‪.‬ع والذي ينص على أن "التوصل الذي يعطيه العامل لرب العمل عند فسخ أو انقضاء عقده‬

‫بتصفية كل حساباته اتجاهه يجوز نقضه خلال ثلاثين يوما التالية لتوقيعه ……‬

‫الاتجاه الثاني‪ :‬يرى أنه يمكن للأجير أن يقسم دعواه بعد صدور أجل الشهر المنصوص عليه في الفصل‬

‫‪ 4‬من النظام النموذجي دون أن يرتب عليه المشرع أي جزاء‪ ،‬بحيث يمكن لإقامة دعوى الفصل بعد‬

‫انصرام أجل الشهر‪ ،‬والقضاء المغربي في تلك الفترة قد سار مع هذا الاتجاه بحيث صدر قرار عن‬

‫المجلس الأعلى يقضي فيه " ل كن حيث أن القرار المطعون فيه كان على صواب عندما رد على الفرع‬

‫الأول من الوسيلة بأن عدم تسجيل الأجير دعواه في أجل شهر من توصله برسالة الطرد‪ ،‬لا يسقط‬

‫حقه لعدم تنصيص الفصل ‪ 4‬من قرار ‪ 9168-94 – 13‬على ذلك سيما وأن الفصل المذكور لا يرتب‬

‫جزاء على عدم تسجيل الدعوى داخل أجل الشهر الذي ينص عليه مما يكون معه الوسيلة بفرعيها غير‬

‫جديرة بالاعتبار ‪.‬‬

‫إلا أن الإشكال الذي طرح أجل الشهر المنصوص عليه في الظهير النموذجي قد حلته مدونة الشغل‬

‫والتي نصت على أجل ‪ 14‬يوما من تاريخ توصل الأجير بمقرر الفصل وذلك تحت سقوط الحق‪.‬‬

‫ويبدو أن أجل ‪ 14‬يوما التي جاءت به المدونة هو أجل الحماية للأجير بحيث يعتبر مدة كافية من أجل‬

‫أن يطعن في مقرر الفصل‪ ،‬وإن كانت ترى إحدى الباحثات عكس هذا‪ ،‬بقولها "أن القانون السابق هو‬

‫أكثر حماية للأجير من المدونة لأن أجل ‪ 14‬يوما يجب أن يراعي تحت طائلة سقوط الحق‪ ،‬ولم يعد‬

‫للأجير حق رفع الدعوى بعد ‪ 14‬يوما……‪ "..‬وتعتبر هذه الباحثة "أن المشرع قد سلب حقا من حقوق‬

‫الأجراء التي كانت مكسبا لهم في ظهير ‪.9168/94/13‬‬

‫‪150‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الرقابة القضائية على الشروط الشكلية والموضوعية للمقرر التأديبي‪.‬‬

‫يفرض القضاء رقابته على القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسة سلطته التأديبية‪ ،‬و يعتبر قرار‬

‫الفصل من اخطر هذه القرارات‪ ،‬وذلك حماية للأجراء من تعسف المشغل للشروط الشكلية‬

‫والموضوعية للفصل‪ ،‬التي تضفي مشروعية على قرار الفصل وكذلك مراقبة مدى تناسب الجزاء مع‬

‫الأخطاء المرتكبة من طرف الأجير‪.‬‬

‫و يؤدي انحراف المشغل عن المقتضيات القانونية المنظمة لفصل الأجراء اعتبار الفصل تعسفيا وغير‬

‫مبرر مما نتج عنه مجموعة من الآثار‪ ،‬لهذا فسوف نعمل على دراسة أوجه الرقابة القضائية‪.‬‬

‫قيد المشرع المغربي سلطة المشغل التأديبية برقابة السلطة القضائية‪ ،‬التي تتولاها المحاكم بمختلف درجتها‬

‫وذلك ضمانا لحسن سير العدالة‪ ،‬حماية الأجير من تعسف المشغل في استعمال هذه السلطة‪ ،‬وتتمحور‬

‫هذه الرقابة حول الشروط الشكلية والموضوعية للفصل‪ ،‬حيث يعمل القضاة على مراقبة مدى احترام‬

‫المشغل لهذه الشروط‪ ،‬كما يقوم القضاة بالملائمة بين الأفعال المرتكبة والجزاءات الموقعة من طرف‬

‫المشغل للنظر في مدى تناسبها‪.‬‬

‫لهذا فسوف نتطرق لرقابة القضاء على احترام الشروط الشكلية والموضوعية للفصل‪ ،‬سلطة القضاء في‬

‫الملائمة بين الأفعال المرتكبة والعقوبات المطبقة من طرف المشغل التي قيد سلطة المشرع في فصل أجره‬

‫بمجموعة من الإجراءات الشكلية وذلك حماية للأجير من تعسف مشغله وضمانا لاستقرار عقد شغل‬

‫هذه ومن جملة الإجراءات التي يتعين على المشغل احترامها‪ ،‬إخطار الأجير بقرار الفصل وذلك حتى لا‬

‫يفاجئ بهذا القرار وكذا من اجل منحه أجلا للبحث عن عمل خر حيث يستفيد أثناء أجل الإخطار‬

‫من رخص للتغيب‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫كما يقوم القضاء بمراقبة مدى احترام المشغل لمسطرة الفصل التأديبي المنصوص عليها في المواد ‪ 41‬إلى‬

‫‪ 41‬من مدونة الشغل‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه القرار الصادر عن المجلس الأعلى ‪ .‬الذي جاء فيه‪.‬‬

‫" حيث أنه من استقراء المواد ‪ 49‬و‪ 41‬و‪ 43‬و‪ 46‬و‪ 41‬يتجلى بان تضييق مسطرة الفصل ملقاة على‬

‫كامل المشغل باعتباره صاحب المبادرة في فصل الأجير بادعائه ارتكاب للخطأ الجسيم وبالتالي فدور‬

‫المشغل في هذه المسطرة هل إ يجابي وليس سلبي"‪.‬‬

‫فمسطرة الفصل تعتبر من أهم الضمانات التي وضعها المشرع لحماية الأجير من تعسف المشغل‪ ،‬إذا يجب‬

‫على المشغل قبل الإقدام على فصله أن يتيح له فرصة للدفاع عن نفسه خاصة إذا كان يرى أن الأفعال‬

‫المنسوبة إليه غير حقيقية أو‪ ،‬لا تشكل خطورة كبيرة على مصلحة المقاولة‪ ،‬إذا يعتبر فصل الأجير بدون‬

‫الاستماع إليه فصلا تعسفيا وهذا ما أكده القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء‪ ،‬إذا قام‬

‫مشغل بفصل أجيره بدعوى ارتكابه خطا جسيم‪ ،‬ولم يقم قبل فصل الأجير بسلوكك مسطرة الفصل‬

‫المنصوص عليها في المادة ‪ 41‬وما يليها من مدونة الشغل‪ ،‬وذلك بتمكين الأجير من الدفاع عن نفسه‪ ،‬مما‬

‫يضفي على قرار الفصل الطابع التعسفي‪.‬‬

‫ونص المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة ‪ 41‬من م‪.‬ش أنه في حالة رفض احد طرفي عقد شغل‬

‫إجراء أو إتمام مسطرة الاستماع‪ ،‬فإنه يتم اللجوء إلى مفتش الشغل‪ ،‬وعند اتخاذ المشرع القرار بفصل‬

‫الأجير فعليه أن يحيطه علما بالأخطاء المنسوبة إليه وذلك عن طر يق تسليمه مقرر الفصل مباشرة يدا‬

‫بيد أو بواسطة البريد المضمون‪ ،‬إذا يؤدي خرق هذا الإجراء إلى اعتبار الفصل تعسفيا من قبل‬

‫القضاء‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى في أحد قراراته الذي جاء فيه" يجب على المشغل أن يخطر‬

‫العامل بالخطأ الذي يستوجب طرده عن طر يق البريد المضمون ويسلم منه يدا بيد‪ ،‬وان المشغلة المطلوبة‬

‫‪152‬‬
‫في النقض أقرت بأنها لم توجه إنذار أو إشعار بالفصل للطاعنة‪ ،‬وكان على المحكمة عندما تبين لها المشغلة‬

‫لم تحترم هذا الإجراء أن تعتبر الطرد تعسفيا‪ ،‬وان ترتب عنه آثاره…)‪.‬‬

‫ويتعين على المشغل أن يضمن قرار الفصل الأسباب المبررة لاتخاذه بكل وضح ودقة لان الأجير لا‬

‫يسال إلى على ضوء ما جاء في مقرر الفصل وهذا ما أكده احد القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى‬

‫إذا اقر انه على المحكمة أن تتقيد بالأسباب التي وردت في الإنذار كما أن من جملة الإجراءات الشكلية‬

‫التي تتم مراقبتها من طرف القضاء‪ ،‬رسالة الرجوع إلى العمل في حالة ادعاء المشغل للمغادرة التلقائية‬

‫للأجير فإذا لم يقدم المشغل للمحكمة ما يفيد سلوك مسطرة الرجوع‪ ،‬فإن المحكمة تعتبر الفصل تعسفيا‬

‫يستحق عليه الأجير التعو يضات المستحقة‪.‬‬

‫لهذا فعدم احترام الإجراءات الشكلية للفصل تجعل الفصل تعسفيا‪ ،‬وتعفي القاضي من النظر في حقيقة‬

‫وجدية الأسباب المنسوبة للأجير‪ ،‬فخرق الجانب الشكلي كاف لاعتبار الطرد تعسفي وهذا ما أكد‬

‫المجلس الأعلى في قراره عدد ‪ . 121‬يجب على الأجير أن يتمسك بالدفع بخرق الإجراءات الشكلية‬

‫ويثيره أمام المحكمة‪ ،‬لأنها لا يمكن أن تثير ذلك من تلقاء نفسها‪ ،‬لان مسطرة الفصل ليست من النظام‬

‫العام‪ ،‬وهذا ما حسم فيه المجلس ورفع حدا للجدل الفقهي الذي ثار حول طبيعة مسطرة الفصل‪ ،‬هل‬

‫تعتبر من النظام العام أم لا؟ فلقد ذهب المجلس الأعلى في أحد قراراته إلى اعتبار مسطرة الفصل‬

‫ليست من النظام العام لأنها لا تتعلق بمصلحة الأجير لهذا يجب عليه أن يثيرها أمام المحكمة‪ ،‬ونفس‬

‫الموقف تبنته محكمة الاستئناف بالدار البيضاء‪.‬‬

‫من أوجه الرقابة القضائية على الشروط الموضعية للفصل‪ ،‬يقوم القاضي في إطار مهمته الرقابية بالنظر في‬

‫الأسباب المدرجة في مقرر الفصل التي يستند عليها المشغل كمبرر لفصل أجره ليرى مدى الوصف‬

‫القانوني الذي يضفيه المشغل على الأخطاء المنسوبة للأجير‪ ،‬فالقضاء غير ملزم بالتكييف الذي يقرره‬

‫‪153‬‬
‫المشغل‪ ،‬بل هو الذي يحدد الخطأ يعتبر جسيما أم لا‪ ،‬وهذا ما قضى به المجلس الأعلى في أحد قراراته‪.‬‬

‫وقد منح المشرع المغربي للمشغل الحق في نزال عقوبات تأديبية في حق الأجير الذي ارتكب أخطاء‬

‫غير جسيمة التي من شأنها أن تخل بنظام المؤسسة‪ ،‬ل كن يجب عليه ملائمة العقوبات مع الأخطاء‬

‫المرتكبة من طرف الأجير‪ ،‬واحترام مبدأ التدرج في تطبيق العقوبات إذ يتوجب عليه أن لا يطبق‬

‫العقوبة الأشد بعد استنفاذ العقوبات الأخف‪ ،‬وذلك ضمانا لاستقرار عقد الشغل وحماية الأجير من‬

‫البطالة وذلك طبقا للمادة ‪ 38‬من م‪ .‬ش يتبع المشغل بشان العقوبات التأديبية مبدأ التدرج في‬

‫العقوبة‪ ،‬ويمكن له بعد استنفاذ هذه العقوبات داخل السنة أن يقوم بفصل الأجير‪ ،‬و يعتبر الفصل في‬

‫الحالة فصلا مبررا"‪.‬‬

‫و يفرض القضاء رقابته على المشغل لاحترام مبدأ التدرج في العقوبة وهذا ما أكده القرار الصادر عن‬

‫محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ويذهب الاجتهاد القضائي إلى أن المحكمة لا تستعمل سلطتها في تقدير‬

‫جسامة الخطأ إلا إذا كان الخطأ غير ووارد في الأخطاء الجسيمة الواردة في المادة ‪ 31‬م‪.‬ش وهذا ما‬

‫اقره المجلس الأعلى في أحد قراراته‪.‬‬

‫أما فيما يخص إثبات الخطأ المنسوب للأجير فإنه يقع على عاتق المشغل طابق للفقرة الثانية من المادة‬

‫‪ 43‬من م‪.‬ش" يقع على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر مقبول للفصل…" وإذا لم يستطع المشغل‬

‫إثباته في حق الأجير فالفصل تعسفي وهذا ما قضت به المحكمة الابتدائية بالرباط وهو ما أكدته محكمة‬

‫الاستئناف بالدار البيضاء في قرار الذي جاء فيه ‪) ،‬حيث ان مشغلة ادعت ارتكاب أجيرها لخطأ‬

‫جسيم يتمثل في رفضه الامتثال لأوامر مدير الشركة وتوجيه السب والشتم لرؤسائه المباشرين في العمل‪،‬‬

‫ل كن بالرجوع إلى ملف القضائية لم تجد المحكمة ما ثبت ذلك‪ ،‬والمشغلة لم تقدم الدليل على ارتكاب‬

‫‪154‬‬
‫الأجير للأخطاء المنسوبة إليه تبقى المشغلة قد أنهت عقد الشغل بدون مبرر‪ ،‬وما أقدمت عليه يكتسي‬

‫طابعا تعسفيا…"‬

‫لهذا ففصل الأجير بدون وجود سبب حقيقي وجدي يبرر الفصل‪ ،‬وعدم قدرة المشغل على إثبات‬

‫الأفعال المنسوبة للأجير تجعل الفصل تعسفيا وغير مبرر‪ ،‬وعلى المحكمة أن تعلل قرارها لأنها تخضع لرقابة‬

‫المجلس الأعلى‪.‬‬

‫إذا كان للقضاء سلطة البحث في مشروعية قرار الفصل‪ ،‬وكذا إعادة تكييف الأخطاء المنسوبة للأجير‪،‬‬

‫فإنه يطرح التساؤل حول سلطة القضاء في مراقبة مدى الملائمة بين الخطأ المقترف من طرف الأجير‬

‫والعقوبة المطبقة من طرف المؤاجر؟‬

‫درج قضاة الموضوع على تخو يل أنفسهم سلطة الملائمة بين الخطأ المقترف من طرف الأجير والعقوبة‬

‫الموقعة من طرف أنفسهم سلطة الملائمة بين الخطأ المقترف من طرف الأجير والعقوبة الموقعة من‬

‫طرف المؤاجر‪ ،‬وهذا ما نجده في الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط الذي جاء فيه" ما دامت‬

‫المدعية قد حملت على الإذن بالتغيب لز يارة الطبيب… فإن خروجها وعودتها من تلك الز يارة لا يعد في‬

‫نظر المحكمة خطا مرتكب من طرفها…‬

‫الأمر الذي يتعين معه التصريح بأن الإجراء التاديبي الصادر في حق المدعية‪ ،‬وهو عقوبة التوقيف عن‬

‫العمل لمدة ثلاثة ايام مع الحرمان من الأجرة عن نفس المدة… لا يرتكز على أي أساس ويتعين‬

‫التصريح بإلغائه‪ "،‬ذهبت في نفس التوجه كل من المحكمة الابتدائية بفاس وابتدائية القنيطرة ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫ل كن نجد أن المجلس الأعلى كمحكمة قانون‪ ،‬ينكر على قضاء الموضع هذه السلطة و يقر أن تقدير العقوبة‬

‫يدخل في صميم اختصاص المشغل‪ ،‬الذي له الحق في تقدير للأخطاء المرتكبة من طرف الأجير وتحديد‬

‫العقوبات المناسبة لها‪ ،‬وليس لقضاة الموضوع سلطة التدخل لإلغائها‪ ،‬وهذا ما جاء في احد قرارات‬

‫المجلس الأعلى " المحكمة اعتبرت مقرر ب العمل القاضي بنقل العامل كعقوبة تأديبية قضت بإلغائهن‬

‫متجاوزة بذلك حدود سلطتها مما يجعل حكمها معرضا للنقض"‪.‬‬

‫أما الفقه فقد نادى بتخو يل قضاة الموضوع سلطة ملائمة العقو بة مع الأخطاء المقترفة مع المخالفة المقترفة‬

‫من طرف الأجير‪ ،‬ذ يذهب الأستاذ عبد اللطيف خالفي‪ ":‬أنه لأي عقل أن نعاقب الأجير المقترف‬

‫لخطا يسير بعقوبة الفصل مثلا‪ ،‬دون أن نسمح بتدخل القضاء لإعادة الأمور إلى نصابها‪ ،‬بدعوى أن‬

‫المشغل هو بما يحقق السلم والانضباط اللازمين لنجاج مشروعه" ‪.‬‬

‫الأستاذ محمد سعيد بناني نفس التوجه إذ يحث على ضرورة أن يمارس القضاء رقابته على مدى التناسب‬

‫بين الأخطاء والعقوبة ونحن نرى ان هذا التوجه حري بالتأييد وندعو بدورنا أن يتم الاعتراف لقضاء‬

‫الموضوع بسلطة الملائمة بين الخطأ والعقوبة التأديبية‪ ،‬لأن من شان ذلك أن يعزز حماية الأجير من‬

‫تعسف المشغل ويساهم في السلم الاجتماعي داخل المقاولة‪.‬‬

‫لهذا فالقضاء رغم المعيقات التي تواجهه فانه يقوم بدور فعال في مراقبة القرارات التي يتخذها المشغل‬

‫في إطار ممارسة السلطة التأديبية‪ ،‬وذلك من اجل الموازاة بين حق المشغل في تأديب الأجير ومصلحة‬

‫هذا الأجير في استمرار عقد عمله للمحافظة على أجره كمورد للرزق له ولأسرته لهذا نجده في سبيل ذلك‬

‫يوسع من مفهوم التعسف في استعمال الحق‪ ،‬ويتشدد في ضرورة احترام المشغل لمختلف الإجراءات‬

‫المسطر ية المنصوص عليها في مدونة الشغل‪ ،‬ويتحقق من موضوعية الأسباب المدرجة في مقرر الفصل‬

‫‪156‬‬
‫إذا يقوم بتكييفها وتقييم مدى تناسبها مع العقوبات الموقعة من طرف المشغل‪ ،‬وأي مخالفة لهذه‬

‫الفروض تجعل الفصل تعسفيا وغير مبرر‪ ،‬مما يترتب عليه مجموعة من الآثار في مواجهة الشغل‪.‬‬

‫خاتمــــــــــــــــــــــــــــة‬

‫وختاما يمكن القول أن المشرع المغربي ولا العمل القضائي لم يترك الحر ية المطلقة للمشغل في استعمال‬

‫الحق أن سلطته دائما تبقى مقيدة‪ .‬بالقانون والقضاء الذي يجسد رقابته سواء على شروط الشكلية أو‬

‫الموضوعية وذلك من أجل احترام مبادئ المحاكمة العادلة عن طر يق المحافظة على المعادلة الثلاثية وهي‬

‫حماية الأجير‪ ،‬وحقوق المشغل‪ ،‬حماية اقتصادية‪ ،‬التي تهدف إلى استقرار علاقة الشغل‪ ،‬كما ألزم المشرع‬

‫المشغل سلوك المسطرة خاصة وضرور ية حتى في ارتكاب الأجير خطأ جسيم يتبين من خلال‬

‫مقتضيات المدونة الجديدة لم تكفل الأجير جميع حقوقه وإنما جاءت لتكريس حقوق أكثر أصحاب‬

‫المؤسسات وذلك قصد توفير المناخ الملائم لجلب المستثمرين وخاصة أجانب منهم‪.‬‬

‫خصوصا وأن الفصل الأجير سيظل محل جدل ونقاشا بين مختلف الفاعلين‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫—————————————————‬

‫المراجع المعتمدة‪:‬‬

‫كتب‬

‫محمد كشبور‪،‬إنهاء عقد الشغل‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬طبعة ‪1448‬‬ ‫‪‬‬

‫عبد ال كريم الطالب‪,‬الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية‪,‬المطبعة الوطنية بمراكش‪1449.‬‬ ‫‪‬‬

‫احمد عبد ال كريم أبو شنب شرح قانون العمل الجديد –الأردن‪-‬مكتبة الثقافة للنشر و التوز يع ‪,‬‬ ‫‪‬‬

‫جامعة الأمراء عمان لسنة ‪1443‬‬

‫بلال العشري؛الوجيز في علاقات الشغل الفردية؛محاضرات في القانون الإجتماعي ؛طبعة‬ ‫‪‬‬

‫‪1441‬‬

‫عبد اللطيف خالفي الوسيط في مدونة الشغل ل علاقة الشغل الفردية) ‪1446‬‬ ‫‪‬‬

‫محمد سعيد بناني قانون الشغل بالمغرب في مواد مدونة الشغل( علاقات الشغل الفردية الجزء‬ ‫‪‬‬

‫الثاني ‪1442‬‬

‫رسائل جامعية‬

‫رشيد الزعيم الفصل لخطأ جسيم على ضوء مدونة الشغل رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا‬ ‫‪‬‬

‫المعمقة ‪1442‬‬

‫نوال السعدي ‪ :‬فصل الأجير للخطا الجسيم من منظور القضاء‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات‬ ‫‪‬‬

‫العليا المتخصصة في المهن القضائية والقانونية‪ ،‬جامعة محمد الخامس السويسي‪1441-1448،‬‬

‫محمد التباع‪ :‬الضمانات القانونية لفصل الأجراء في قانون الشغل المغربي‪ ،‬رسالة لنيل الماستر في‬ ‫‪‬‬

‫قانون الأعمال والمقاولات‪ ،‬جامعة محمد الخامس السويسي‪1448-1442،‬‬

‫‪158‬‬
‫بشرى العلوي‪ :‬الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الجامعي‬ ‫‪‬‬

‫العالي‪،‬جامعة محمد الخامس السويسي‪ ،‬سنة ‪1441‬‬

‫‪159‬‬
‫نزاعات الشغل الجماعية بين الواقع والقانون‬

‫مصطفى الفوركي‬

‫دكتور في الحقوق‬

‫مقدمة‬

‫في قانون مدونة الشغل تُعر ّف نزاعات الشغل الجماعية بكونها كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي‬

‫يكون أحد أطرافها منظمة نقابية أو جماعية من الأجراء و يكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية مهنية‬

‫لهؤلاء الأجراء‪ .‬كما تُعد نزاعات الشغل الجماعية كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد‬

‫أطرافها مشغل واحد أو عدة مشغلين أو منظمة مهنية للمشغلين و يكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل‬

‫المعنيين]‪.[1‬‬ ‫للمشغلين‬ ‫المهنية‬ ‫المنظمة‬ ‫أو‬ ‫المشغلين‬ ‫أو‬

‫تُسو ّى هذه النزاعات وفقا لمسطرة التصالح والتحكيم المنصوص عليها‪ ،‬إذ تبدأ محاولة التصالح على‬

‫مستوى مفتشية الشغل‪ ،‬وإذا لم تسفر هذه المحاولة عن أي اتفاق يتم اللجوء إلى اللجنة الإقليمية للبحث‬

‫والمصالحة التي يترأسها عامل العمالة أو الإقليم وتتكون من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية‬

‫للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا‪ .‬أما إذا لم يُحل النزاع على مستوى هذه اللجنة فيتم‬

‫إحالته إلى اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة التي تُحدث لدى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل‪ ،‬يترأسها‬

‫الوزير المكلف بالشغل أو من ينوب عنه وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية‬

‫للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا‪.‬‬

‫ويرفع إليها النزاع في حالة إذا امتد نزاع الشغل الجماعي إلى عدة عمالات أو أقاليم أو إلى مجموع التراب‬

‫الوطني أو في حالة إذا لم يحصل أي اتفاق بين أطراف النزاع أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫وما أكثر نزاعات الشغل الجماعية برفوف المحاكم والتي ما زال العمال ومنذ سنين ينتظرون فيها أن‬

‫ينصفهم القانون‬

‫ومن هنا نجد مجموعة من الاسئلة التي تطرح نفسها وهي‬

‫من هم أطراف نزاع الشغل الجماعي وما هو محل النزاع الجماعي ؟ و ماهي المعايير التي على اساسها نميز‬

‫النزاع الجماعي عن النزاع الفردي ؟ وما هي الوسائل التي تسوى بها نزاعات الشغل ؟ وما مدى فعاليتها‬

‫؟‬

‫للاجابة عن هده الاسئلة نقترح التصميم الاتي‪:‬‬

‫‪161‬‬
‫التصميم‬

‫الفصل الاول ‪ :‬ماهية نزاعات الشغل الجماعية‬

‫المبحث الاول ‪ :‬مفهوم و أطراف نزاعات الشغل الجماعية‬

‫المطلب الاول ‪ :‬مفهوم النزاع الجماعي‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬أطراف النزاع الجماعي‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬محل النزاع الجماعي‬

‫المطلب الاول ‪ :‬تعدد المواضيع‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬المصلحة المهنية الجماعية‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬اثار نزاعات الشغل الجماعية‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬اليات تسو ية نزاعات الشغل الجماعية‬

‫المبحث الاول ‪ :‬التحكيم‬

‫المطلب الاول ‪ :‬مرحلة اللجوء الى التحكيم‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬الجهة المختصة بالتحكيم‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬المصالحة‬

‫المطلب الاول ‪ :‬الاجراءات المسطر ية امام جهات المصالحة‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬القواعد المسطر ية لجهة المصالحة‬

‫‪162‬‬
‫الفصل الاول ‪ :‬ماهية نزاعات الشغل الجماعية‬

‫المبحث الاول ‪ :‬مفهوم و أطراف نزاعات الشغل الجماعية‬

‫قبل التطرق الى اطراف نزاعات الشغل الجماعية وهي المتمثلة في المعيار العضوي والمعيار العددي لابد‬

‫من اعطاء مفهوم للنزاع الجماعي‬

‫المطلب الاول ‪ :‬مفهوم النزاع الجماعي‬

‫أوضحت المادة ‪ 161‬من مدونة الشغل( "نزاعات الشغل الجماعية"‪ ،‬هي كل الخلافات الناشئة بسبب‬

‫الشغل‪ ،‬والتي يكون أحد أطرافها منظمة نقابية أو جماعية من الأجراء‪،‬و يكون هدفها الدفاع عن مصالح‬

‫جماعية‪ ،‬مهنية لهؤلاء الأجراء‪.‬‬

‫كما تعد نزاعات الشغل الجماعية كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد أطرافها مشغل‬

‫واحد‪ ،‬أو عدة مشغلين‪ ،‬أو منظمة مهنية للمشغلين‪ ،‬و يكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل أو المشغلين‬

‫أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين)‪.‬‬

‫وما عرفت به مدونة الشغل في المادة ‪ 161‬يتعين اذن توفر عنصرين اثنين حتى يمكن اعتبار النزاع‬

‫جماعيا وهو‪:‬‬

‫أن يكون أحد الاطراف مجموعة من العمال مؤطرين تأطيرا قانونيا في شكل نقابة أو تأطيرا واقعيا أي‬

‫مجموعة من العمال و العنصر الثاني هو أن يكون هدف العمال الدفاع عن مصالحهم المشتركة]‪[2‬‬

‫و جاء في قرار صادر عن المجلس الاعلى في الملف عدد ‪ 1214‬بتاريخ ‪ 9114/41/16‬قائلا ‪ :‬ل كن‬

‫خلافا لما في الوسائل ‪ ,‬فان الامر يتعلق بنزاع فردي بين عمال تعرضوا للطرد من طرف مشغلهم ’ و انه‬

‫لايهم المجموعة عمال متظمين في اطار نقابة او جمعية مهنية أو بفعل الواقع ‪ ,‬كما لا توجد مصلحة جماعية‬

‫‪163‬‬
‫يسعون الى تحقيقها ‪ ,‬والمحكمة حين ردت الدفع بقولها ‪ :‬حيث أنه من المتفق عليه ان النزاع الجماعي‬

‫يستلزم توافر عنصرين اساسيين و هما‪:‬‬

‫أولا‪ :‬ان يكون أحد أطراف النزاع مجموعة من العمال مؤطرة تأطيرا قانونيا كنقابة مثلا او واقعيا و يعني‬

‫مجموعة من العمال او صنف منهم فقط‬

‫ثانيا ‪ :‬أن يمثل النزاع مصلحة جماعية لهؤلاء العمال يستهدف تعديل ماهو متفق عليه او منصوص عليه‬

‫في القانون تكون قد طبقت القانون تطبيقا سليما]‪…. )[3‬‬

‫ومن هدا المنطلق نتسائل هل هناك حد ادنى للعمال حتى يعتبر النزاع جماعيا ؟‬

‫ان المادة ‪ 161‬من مدونة الشغل التي أعطت تعر يفا لنزاعات الشغل الجماعية لم تحدد حدا أدنى من‬

‫الاجراء لوجود نزاع جماعي بل فرضت بالضرورة أن يكون احد الاطراف مجموعة من العمال مؤطرين‬

‫قانونيا ( نقابة ) أو واقعيا فقط ( مجموعة من العمال]‪) [4‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬أطراف النزاع الجماعي‬

‫المهنية للمشغلين من جهة ' ومنظمة‬ ‫ان أطراف النزاع الجماعي هم المشغل أو المشغلون أو المنظمة‬

‫نقابية للأجراء أو جماعة من الأجراء من جهة أخرى‪.‬‬

‫وما يلاحظ عن هذا التعر يف أن تحديد مشغل واحد أو عدة مشغلين لا يثير أي إشكال عند تحديد‬

‫احد طرفي النزاع ل كن الإشكال يثار عند تحديد الطرف الآخر للنزاع الجماعي'‬

‫أن أجير واحد لا يمكن أن يكون طرفا في نزاع جماعي‬ ‫إذا كانت للتشر يعات و كذا الفقه يعتبر‬

‫عكس المشغل ' فان الاختلاف برز في التشر يعات المقارنة و الفقه حول مسالة العضو ية في النقابة]‪'[5‬‬

‫‪164‬‬
‫وهناك من اعتبر عدد الأجراء فقط ' علما أن المشرع المغربي ومن خلال المادة ‪ 161‬من مدونة الشغل‬

‫لم يأخذ بالمعيار العضوي ولم يحدد المقصود من "جماعة الأجراء" التي يمكن أن تكون طرفا في النزاع‬

‫الجماعي‪.‬فما المقصود بمنازعات الشغل الجماعية ؟‬

‫لتحديده سنحتاج الى تعر يفه عن طر يق معيارين‬

‫المعيار العضوي والمعيار العددي‬

‫الفقرة الأولى ‪ :‬المعيار العضوي‬

‫حسب المعيار العضوي يعتبر النزاع جماعيا إذا كان احد طرفيه هو التنظيم النقابي المعبر عن مصالح‬

‫جماعية للأجراء بصرف النظر عن كون الطرف الأخر خاضعا لتنظيم أم لا‬

‫ونقصد بذلك المشغل أو المشغلين المسيرين للمقاولة أو المؤسسة مكان وقوع المنازعة الجماعية‪ .‬و يخرج عن‬

‫نطاق النزاع الجماعي أي مجموعة من الأجراء غير منضو ية في نقابة' حتى ولو كان هؤلاء الأجراء يمثلون‬

‫النسبة ال كبير من أجراء المقاولة طرف في النزاع‪.‬‬

‫ونفس الاتجاه سار فيه جانب من الفقه الدي دهب الى ان النزاع الجماعي هو دلك النزاع الناتج عن‬

‫تدبير فردي او جماعي من طرف المشغل ‪ ,‬يكون من شأنه المساس بالمصلحة الجماعية لمجموعة من‬

‫الاجراء المعترف بهم قانونا ]‪[6‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬المعيار العددي‬

‫يعتمد المعيار العددي على التمييز بين النزاع الفردي و النزاع الجماعي من خلال الآثار التي يرتبها كل‬

‫أجير واحد في مواجهة مشغله 'و تنحصر أثاره‬ ‫منهما فالنزاع الفردي هو النزاع الذي لا يهم سوى‬

‫أما النزاع الجماعي فهو الذي يتعلق‬ ‫فقط تجاه الأجير المعني الذي يتأثر مركزه في علاقته مع مشغله‬

‫بمجموع الأجراء أو بفر يق منهم و تكون أثاره و نتائجه جماعية ‪ ,‬و قد تبنى المشرع من خلال المادة ‪161‬‬

‫‪165‬‬
‫من مدونة الشغل هذا المعيار عندما سوى بين أن يكون الأجراء منضوين في تنظيم نقابي أو أن‬

‫تكون فقط مجموعة من الأجراء‪.‬‬

‫يرى بعض الفقه أنه بالمقارنة مع مجموعة الأجراء بحيث يجب ان يكون العدد مؤثرا في سير أو عدم سير‬

‫المقاولة بانتظام عند توقف هؤلاء عن العمل‪ .‬هذا الأمر متروك لهيئات المصالحة والتحكيم للنظر فيه‪ ,‬لما‬

‫تتمتع به من صلاحيات لتحديد مدى حجم و أهمية الأجراء طرف النزاع الجماعي‪ ,‬مادام المشرع المغربي‬

‫أحجم عن تحديد هذا العدد]‪.[7‬‬

‫إلا أن المعيار المتعلق بأطراف النزاع الجماعي لا يعد كافيا بمفرده لتميز بين النزاع الفردي والنزاع الجماعي‬

‫بل لا بد من معرفة موضوع النزاع أو محله ومدى علاقته بالمصلحة المهنية لفئة الأجراء طرف‬

‫النزاع]‪.[8‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬محل النزاع الجماعي‬

‫أن محل الالتزام هو الذي ينشئه محل العقد الذي هو العملية القانونية التي تراضى الطرفان على تحقيقها (‬

‫كالبيع ‪ ،‬الإ يجار ‪ ،‬التأمين ) ‪ ،‬أما محل الالتزام فهو ما يتعهد به المدين في مواجهة الدائن و هذا الأداء‬

‫قد يكون نقل حق عيني لصالح الدائن ‪ ،‬و قد يكون قيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل ومثال‬

‫الالتزام بإعطاء نقل أو إنشاء حق عيني ‪ ،‬كالتزام البائع بنقل حق عيني كحق الرهن أو حق الارتفاق‬

‫فمحل النزاع الجماعي في قانون الشغل فيتكون من تعدد المواضيع و المصلحة المهنية الجماعية‬

‫المطلب الاول ‪ :‬تعدد المواضيع‬

‫تعتمد معظم التشر يعات و معها الفقه معيار محل النزاع الجماعي كضابط للتميز بين النزاع الفردي‬

‫والنزاع الجماعي وان كان هناك اختلاف حول طر يقة الاستغلال فالاتجاه الأول يسير نحو حصر و‬

‫تعداد المواضيع التي تعتبر محلا للنزاع الجماعي دون سواها معتبرا أن النزاع الجماعي هو دلك النزاع‬

‫‪166‬‬
‫الذي يكون على علاقة بالقضايا المهنية مثل الشغل المنجز او المطلوب انجازه ونوعية الحقوق و‬

‫الالتزامات‬

‫الثابتة للأجراء و المشغلين في اطار العلاقة الشغلية بالنسبة لمختلف المهن للأجراء و المشغلين وكدا‬

‫الاتحادات التي تمثلها الا ان ما يلاحظ ان حصر مواضيع النزاع الجماعي للتمييز بين هدا الاخير و النزاع‬

‫الفردي يحتوي على مجموعة من نقاط الضعف نظرا لتداخل النزاعين في مجال واحد وهو علاقات الشغل‬

‫التي يترتب عنها النزاع الفردي كما يترتب عنها النزاع الجماعي مع ان حصر المواضيع التي تعتبر محلا للنزاع‬

‫الجماعي تعتريها صعوبة كبرى نظرا لتطور هده المشاكل وتجددها باستمرار]‪[9‬‬

‫'فبدا ان معيار اخر قد يكون لازما لتحقيق مهمة الفصل بين النزاع الفردي و الجماعي و تتمتل في‬

‫المصلحة المهنية الجماعية المشتركة ‪ .‬دلك ان منح نزاع ما صفة نزاع جماعي لابد من افتراض مجموعة من‬

‫الأطراف لها مصالح متباينة في هدا النزاع فهناك المشغلون الدين يرغبون في تحقيق الأرباح و هناك‬

‫الأجراء الدين يطمحون إلى تحسين مستواهم الاقتصادي و الاجتماعي‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬المصلحة المهنية الجماعية‬

‫ان هذا المعيار يربط النزاع بالمصلحة ‪ ,‬فيعتبر النزاع جماعيا اذا كان موضوعه المطالبة بمصلحة جماعية‬

‫للعمال و يعتبره فرديا اذاكان موضوعه لايتعلق بمصلحة جماعية وانما بمجرد مصلحة فردية واذاكان‬

‫الامر كذلك ‪ ,‬فان التساؤل يثار عن ماهية هذه المصلحة المهنية الجماعية والمشتركة والتي تقوم بهذا الدور‬

‫ال كبير في التمييز بين النزاع الفردي والنزاع الجماعي وتسمح بالتالي بتحديد مفهوم هدا الاخير هل هي‬

‫المصلحة الجماعية الخاصة ببعض الاجراء ام هي مجموع المصالح الفردية الخاصة بمجموع الاجراء؟‬

‫وفقا لذلك تعتبر مصلحة جماعية المصلحة التي تهم مجموعة من الاشخاص غير معروفين حاليا ولا مستقبلا‬

‫‪ ,‬بل يجب ان يطبق المبدا على أي شخص يكون في مثل وضع هؤلاء الاجراء ‪ ,‬وكمثال على ذلك اذا‬

‫‪167‬‬
‫تناول موضوع النزاع ز يادة في الاجر فهذه اللز يادة تهم جميع الاجراء الحاليين والمستقبلين واعتبارا‬

‫لذلك يصبح النزاع جماعيا]‪ [10‬وخلافا لذلك أي اذاتناول نزاع معين مجموعة من الاجراء المعروفين‬

‫والمحددة اسماؤهم ومطالبهم كما في حال اقدام مجموعة من الاجراء على المطالبة بدفع اجورهم اوتصفية‬

‫حقوقهم فلايعتير النزاع جماعي وانما مجموعة نزاعات عمل فردية]‪[11‬‬

‫غيلر ان احد الفقهاء ذهب الى القول انه يجب لاعتبار النزاع جماعيا ان يمس المصلحة الجماعية‬

‫والمشتركة لجميع الاجراء اولفئة منهم ‪ ,‬وتتحقق هذه المصلحة الجماعية اذا كان حل الن من شانه ان‬

‫يمس المركز القانوني الفردي لجميع اجراء المقاولة اولفر يق منهم على الاقل سواء تعلق الامر بتغيير القوانين‬

‫او المراسيم ‪ ,‬او الانظمة او العقود الجماعية او الانظمة الداخلية ‪ ,‬وتنفيذها او كنزاعات متعلقة بالحر ية‬

‫النقابية ‪ 3‬اوبالاجور اوبشروط العمل اوبنزاعات متعلقة بالمفاوضات او اعادة النظر في العقود‬

‫الجماعية اوممارسة حق الاضراب او مشكلة الاغلاق أي النزاعات التي تخرق فيها الامتيازات‬

‫والحقوق المخولة قانونا اواتفاقا‬

‫واخيرا فبعد محاولة تمييزنا لنزاع الشغل الفردي عن الجماعي ‪,‬معتمدين بذلك على عنصرين وهما اطراف‬

‫النزاع وموضوعه يتضح لنا ان المشرع المغربي تاثر بذلك وافرد لكل واحدمنهما نظاما خاصا لتسويته]‪[12‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬اثار نزاعات الشغل الجماعية‬

‫محدودة بالنسبة لاجير واحد في الغالب فان نزاعات‬ ‫اذاكانت نزاعات الشغل الفردية تخلف اثارا‬

‫الشغل الجماعية تخلف اثارا واسعة وذلك بالنسبة للعديد من العمال الدين يصبحون بسبب النزاع القائم‬

‫متوقفين عن العمل وقد يتم طردهم من عملهم وذلك نتيجة لاغلاق المؤسسة التي كانوا يعملون بها ’‬

‫وتتجلى الاثار السلبية لنزاعات الشغل الجماعية كذلك في عدم تسويتها في تعرض العمال الذين فقدوا‬

‫مناصبهم للبطالة الشىء الذي يؤثر بدون شك على عائلات هؤلاء العمال وعلى مستقبل ابنائهم لاسيما‬

‫‪168‬‬
‫وان النسبة ال كبيرة من الاجراء في المغرب غير متخرجين من مراكز تكوينية وبالتالي لايعملون بشواهد‬

‫مهنية تسمح لهم في اطار الحركية المهنية الحصول على مناصب عمل في مؤسسات اخرى بسهولة‬

‫ولاتتجلى الاثار السلبية لنزاعات الشغل الجماعية في الميدان الاجتماعي فحسب وانما تتجلى كذلك في‬

‫الميدان الاقتصادي وذلك نظرا لما تخلفه هذه النزاعات من اضرار مالية بالنسبة للمقاولات الشىء‬

‫الذي قد يجعل ديون هذه المقاولات تتكاثر نتيجة لتوقفها عن دفع ديونها اضف الى كل هده‬

‫الاثارتهديد السلم الاجتماعي]‪ [13‬نتيجة لاضراب العمال ولاسيما اذا كان هذا الاضراب قد حصل‬

‫في مدن اقتصادية اواستراتيجية ‪ ,‬وقد يمتد هذا الاضراب الى مقاولات موجودة في مدن اخرى ومن‬

‫هذه الناحية وبهذه الصورة تهدد نزاعات الشغل الجماعية الاستقرار الاقتصادي والامني والاجتماعي‬

‫والسياسي]‪[14‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬اليات تسو ية نزاعات الشغل الجماعية‬

‫المبحث ‪ :‬الاول التحكيم‬

‫تتجلى اهمية التحكيم كوسيلة لتسو ية المنازعات في كونه يشكل اداة قانونية لحسمها بشكل متميز عما‬

‫تقتضيه المساطر القضائية التقليدية و يضمن تلافي مايوجه عادة للجهاز القضائي من انتقادات بخصوص‬

‫تعقيد المساطر والبطء في البت في القضايا‬

‫وسنحاول العمل من خلال هذا المبحث على دراسة مرحلة اللجوء الى التحكيم (مطلب اول) والجهة‬

‫المنوط بها اختصاص التحكيم (مطلب ثاني)‬

‫المطلب الاول ‪ :‬مرحلة اللجوء الى التحكيم‬

‫‪169‬‬
‫ان نزاعات الشغل الجماعية تعد من اهم المخاطر التي تهدد السير العادي لمقاولات الانتاج ومن خلالها‬

‫الاقتصاد الوطني برمته ‪ ,‬لذلك تعمل مختلف التشر يعات المقارنة ‪ ,‬ومنها التشر يع المغربي على ايجاد‬

‫وسائل كفيلة لتجنيب الاطراف هذه النزاعات وحلها‬

‫وبالرجوع الى مدونة الشغل ‪,‬فانه اذا لم يتم التوصل الى اي حل كفيل بتسو ية النزاع الجماعي امام اللجنة‬

‫الاقليمية للبحث والمصالحة وامام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة او اذا بقي الخلاف بشان بعض‬

‫النقاط قائما اوفي حال تخلف احد الاطراف عن الحضور ‪ ,‬يمكن لاحدى اللجان المعنية احالة النزاع‬

‫الجماعي الى مسطرة التحكيم بعد استصدار مواقفة الاطراف ‪ .‬حيث يحيل رئيس اللجنة المعنية عند‬

‫الاقتضاء الى الحكم خلال ثمانية واربعين ساعة الموالية لتحضير المحضر‪ ,‬الملف المتعلق بموضوع النزاع‬

‫الجماعي‪ ,‬مرفقا به المحضر المحرر من قبل اللجنة المعنية]‪[15‬‬

‫ويرى جانب من الفقه]‪ [16‬ان المشرع المغربي من خلال اخذه باختيار ية اللجوء الى التحكيم في‬

‫نزاعات الشغل الجماعية لم يكن موفقا ولا منسجما في اختياراته‬

‫فعلى مستوى عدم الانسجام في الاختيارات يرى هذا الجانب]‪ [17‬انه من غير المستساغ ان يختار‬

‫المشرع اسلوب الزامية تحر يك اجراءات الصلح التي تنص على انه يتم الشروع في محاولته فورا ‪ ,‬سواء‬

‫بمبادرة من الطرف الراغب في التعجيل ‪ ,‬اوبمبادرة من عون التفتيش او من المندوب المكلف بالشغل‬

‫لدى العمالة او الاقليم ‪ ,‬حيث اذا لم تسفر هذه المحاولة عن اى اتفاق ‪ ,‬فان النزاع الجماعي يرفع الى‬

‫اللجنة الاقليمية للبحث والمصالحة وعند فشلها يحال مباشرة على اللجنة الوطنية فاذا فشلت هذه الاخيرة‬

‫في الوصول بطرفي النزاع الجماعي الى اتفاق يمكن لها وبعد موافقة الاطراف احالة النزاع على التحكيم ‪,‬‬

‫كان هذا الجانب يامل ان ينص عليه المشرع على غرار مستو يات المصالحة ان يحال النزاع الجماعي‬

‫الذي تفشل اجراءات الصلح في حله ‪ .‬مباشرة الى التحكيم ‪ ,‬دون ان يتوقف ذلك على موافقة طرفي‬

‫‪170‬‬
‫النزاع ‪ ,‬على اعتبار ان تحر يك اجراءات الصلح يكون معناه عرض النزاع الجماعي على التحكيم بعد‬

‫فشل مساعي الصلح‪.‬‬

‫اما على مستوى عدم التوافق في نهج اختيار ية اللجوء الى التحكيم ‪ ,‬فقد ذهب هذا الجانب من الفقه الى‬

‫ان هذا الاختيار لايتفق مع الخطورة التي تتسم بها نزاعات الشغل الجماعية ‪ ,‬التي من شانها المساس‬

‫بالسلم الاجتماعي والاقتصادي داخل المقاولة ‪,‬فاذا لم تلزم الاطراف او السلطة الحكومية المكلفة‬

‫بالشغل بتحر يك مسطرة التحكيم لحل النزاعات الجماعية فان هذا يعني فتح المجال امام الاطراف لسلوك‬

‫وسائل العنف المتمثلة في الاضراب من جهة الاجراء والاغلاق من جهة المشغلين مع ما يسبب ذلك‬

‫من فوضى اقتصادية واجتماعية‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬الجهة المختصة بالتحكيم في نزاعات الشغل‬

‫ان مسالة تشكيل الجهة المنوط بها نظر نزاعات الشغل الجماعية ‪ ,‬على درجة كبيرة من الاهمية لان هذا‬

‫التشكيل يوجه الى حد ما ‪ ,‬وبصورة مستبقة المسار الذي ستاخذه اجراءات التسو ية من جهة ولانه‬

‫يقوم بدور مهم في نجاح اوفشل هذه الاجراءات من جهة ثانية فتشكيل هيئة تسو ية نزاعات الشغل‬

‫الجماعية يعطي من ناحية مؤشرا على الموقف الذي تتخذه السلطة العامة في الدولة من هذا النظام ‪ ,‬ومن‬

‫ناحية ثانية يبين نطاق وحدود تدخلها في العلاقة بين اطراف النزاعات الجماعية ومدى الدور المتروك‬

‫لها في ايجاد تسو ية الملائمة لخلافاتها]‪[18‬‬

‫فيما يتعلق بالهيئة التي يسند لها اختصاص نظر نزاعات الشغل الجماعية تحكيما ‪ ,‬فاننا نجد التشر يع‬

‫المصري قد اخذ بالتشكيل الجماعي لهيئة التحكيم مع تحديده لاعضاء هذه‬

‫الهيئة ‪,‬و الاجراءات التي تتم امامها مما يؤدي الى تقييد حر ية الاطراف ما لم يتفقوا على اللجوء الى‬

‫التحكيم الخاص بدلا من الهيئة المنصوص عليها قانونا‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫وقد ذهب المشرع المغربي على غرار المشرع الفرنسي اثناء اختياره للتشكيل الفردي للجهة المنوط بها‬

‫نظر النزاع الجماعي تحكيما ‪ ,‬حيث يعود اختصاص النظر في النزاع الى حكم يختاره الاطراف باتفاقهم‬

‫من ضمنه قائمة احكام تصدر بقرار للوزير المكلف بالشغل ‪ ,‬تكون محل مراجعة مرة كل ثلاث سنوات‬

‫اعتمادا على اقتراحات المنضمات المهنة للمشغلين والمنظمات النقابية للاجراء الاكثر تمثيلية وبذل تكون‬

‫احكام مدونة الشغل ما كان عليه الامر في ظل ظهير ‪ 91‬يناير ‪ 9164‬الملغى‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬المصالحة‬

‫تشكل المصالحة وسيلة من وسائل تسو ية المنازعات الجماعية ‪ ,‬وتعد بذلك المرحلة الاولى ومن مراحل‬

‫التسو ية السلمية لهذا النوع من النزاعات فلا يلجأ الى غيرها من الوسائل الا بعد استنفاذ اجراءاتها ‪ .‬وهي‬

‫تعد اداة لتفادي هذه النزاعات أكثر مما هي اداة لحلها ‪ ,‬فبوادرها تضهر بالخصوص عند بروز المعالم‬

‫الاولى للنزاع الجماعي وقبل لجوء طرفيه الى وسائل العنف المتمثلة في الاضراب و الاغلاق‬

‫المطلب الاول ‪ :‬الاجراءات المسطر ية امام جهات المصالحة‬

‫أولى المشرع المغربي شأنه في ذلك شأن باقي التشر يعات أهمية للاجراءات المسطر ية أمام جهات‬

‫المصالحة ‪ ,‬محاولا طبعها بعامل السرعة ‪ ,‬و التنصيص على مواعيد قصيرة سواء للقيام بالاجراءات او‬

‫النظر للنزاع‪.‬‬

‫الفقرة الاولى ‪ :‬قيام الاجراءات المسطر ية امام لجنة المصالحة‬

‫حسب المادة ‪ 113‬من مدونة الشغل فان محاولة التصالح قد تبتدئ اما بمبادرة من الطرف الراغب في‬

‫التعجيل بحل النزاع ‪ .‬او بمبادرة من السلطة الحكومية المختصة‬

‫أ‪ :‬اجراءات المصالحة بمبادرة من احد طرفي النزاع الجماعي‬

‫‪172‬‬
‫تخول مجمل التر يعات المقارنة حق اتخاذ المبادرة في تحر يك اجراءات التسو ية لاحد الاطراف النزاع ‪,‬‬

‫وقد حذا المشرع المغربي حذو هذه التشر يعات ‪ ,‬حيث يظهر ذلك جليا من خلال مقتضيات المادة‬

‫‪ 113‬من مدونة الشغل التي جاء فيها ‪ ,‬انه يتم الشروع فورا في محاولة التصالح بمبادرة من احد طرفي‬

‫النزاع الراغب في التعجيل في نظر النزاع الجماعي صلحا وذلك بموجب مقال يورد فيه نقط الخلاف ‪.‬‬

‫حيث يتم اتخاذ هذه المبادرة من قبل الطرف الاكثر استعجالا واستقلالا عن الطرف الاخر‪.‬‬

‫وتجدر الاشارة الى ان المادة ‪ 161‬من مدونة الشغل التي عرفت النزاع الجماعي بانه ذلك الذي يكون‬

‫اطرافه منظمة نقابية للاجراء ‪ ,‬او جماعة من الاجراء بالاضافة الى مشغل او عدة مشغلين ‪ ,‬او‬

‫منظمتهم المهنية ‪ ,‬انطلاقا من هذا التعر يف القانوني لاطراف النزاع الجماعي ‪ ,‬يمكننا القول ان لهؤلاء‬

‫جميعا الحق في تحر يك اجراءات المصالحة امام الجهة المختصة]‪.[19‬‬

‫ب ‪:‬اجراءات المصالحة بمبادرة من السلطة الحكومية المختصة‬

‫الى جانب الحق الذي خوله المشرع المغربي للاطراف في تحر يك مسطرة المصالحة نجده ايضا يقر‬

‫للسلطة الحكومية المكلفة بالشغل نفس صلاحيات اطراف النزاع الجماعي في تحر يك اجراءات المصالحة‬

‫والسلطة الحكومية المكلفة بالشغل تكون اما ممثلة في شخص العون المكلف بالتفتيش اذا كان الخلاف‬

‫الجماعي منحصرا في مقاولة واحدة ‪ ,‬واما في شخص المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة او الاقليم اذا‬

‫كان النزاع الجماعي قائما على مستوى اكثر من مقاولة‬

‫و يعتبر جانب من الفقه التشاور مع الاطراف المعنية بالنزاع الجماعي ضرورة تضمن نجاح المصالحة فهذه‬

‫الاخيرة تقوم على التقريب بين وجهة نظر كل طرف من اطراف النزاع الجماعي ‪ ,‬لذلك يرى هذا‬

‫الاتجاه انه بالرغم من الحق الخالص للعون المكلف تفتيش الشغل و كذلك المندوب المكلف بالشغل‬

‫‪173‬‬
‫على مستوى العمالة او الاقليم ‪ ,‬في الشروع الفوري في اجراء المصالحة فان ذلك يتعين ان يتم بتشاور مع‬

‫الاطراف المعنية بالنزاع ضمانا لحضورها جلسة المصالحة وبلورة لفرص نجاحها‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬القواعد المسطر ية لجهة المصالحة‬

‫عمد المشرع المغربي الى البت في نزاعات الشغل الجماعية على وجه السرعة ‪ ,‬حتى لايستعسرايجاد حل‬

‫كفيل بحفظ مصالح الاطراف المعنية والحفاظ على الامن والنظام الاجتماعي والاقتصادي على‬

‫مستوى المقاولة ‪ ,‬بل حتى على المستوى الوطني ‪ ,‬فكان المشرع بذلك مسايرا لجل التشر يعات المقارنة‬

‫التي سعت الى خلق قواعد مسطر ية تتسم بالبساطة وتطبعها خاصية السرعة ‪ ,‬ويمكن اجمال هذه القواعد‬

‫المسطر ية في كل من ‪ :‬الاستدعاء وأجله (فقرة اولى) و مشاركة الاطراف بصفة شخصية في المناقشات‬

‫وتمثيلهم ( فقرة ثانية)‬

‫الفقرة الاولى ‪ :‬الاستدعاء و أجله‬

‫اذا كانت التشر يعات المقارنة تسعى دائما الى ان تحضى هيئات تسو ية نزاعات الشغل الجماعية‬

‫بثقة أطراف هذه النزاعات على اعتبار ان الثقة فيها تعتبر عنصرا مهما من عناصر نجاحه في اداء مهمتها ‪.‬‬

‫فان هذه التشر يعات ‪ ,‬وفي سبيل تحقيق هذا المسعى تهتم ببعض القواعد التي تحكم اجراءات نظر‬

‫النزاعات الجماعية والتي تهدف الى كسب ثقة الاطراف المهنية بها ‪ .‬وفي ذات الوقت تهدف الى عملية‬

‫تسهيل الوصول الى حل النزاع ‪ .‬ومن ضمن هذه القواعد التنصيص على ما يترجم الطابع السر يع‬

‫لاجراءات التسو ية على اعتبار ان هذه السرعة تسمح بتطو يق الخلاف او النزاع ‪ .‬وتحول دون‬

‫استفحاله]‪[20‬‬

‫‪174‬‬
‫ومن أجل تفعيل الطابع السر يع لاجراءات تسو ية نزاعات الشغل الجماعية تنص مقتضيات مدونة‬

‫الشغل]‪ [21‬على انه بمجرد ممارسة حق المبادرة في تحر يك مسطرة التسو ية عن طر يق المصالحة سواء من‬

‫لدن احد اطراف النزاع او بمبادرة من المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة او الاقليم او من طرف‬

‫العون المكلف بتفتيش الشغل في المقاولة ‪ .‬او في حالة فشل المسطرة امام الجهازين الاخيرين و رفع‬

‫النزاع الى اللجنة الاقليمية للبحث و المصالحة في حال امتد النزاع ليشمل عدة اقاليم او عمالات ‪ .‬ا والى‬

‫مجموع التراب الوطني في حال لم يحصل اي اتفاق بين اطراف النزاع امام اللجنة الاقليمية للبحث و‬

‫المصالحة فان جميع هذه الجهات المخول لها بموجب القانون نظر النزاع الجماعي صلحا ‪ .‬و عليها ان‬

‫تستدعي على وجه السرعة اطراف النزاع بواسطة برقية ‪ ,‬وذلك في اجل اقصاه ثمانية وأربعين ساعة من‬

‫تاريخ رفع النزاع الى اي منها]‪ . [22‬اذ ينبغي عليها بذل الجهد الازم داخل اجل لايجب ان يتعدى‬

‫ستة ايام من تاريخ رفع النزاع الجماعي للشغل الى اي منها]‪[23‬‬

‫اذا استدعي احد الطرفين بالشكل المنصوص عليه قانونا من اجل المثول امام اللجنة الاقليمية للبحث و‬

‫المصالحة دون ان ينيب عنه ممثله القانوني ‪ ,‬فان رئيس اللجنة المذكورة يحرر تقريرا في هذا الخصوص و‬

‫يوجه الى وزير الشغل الذي يحيله الى النيابة العامة فيعاقب في حالة الادانة بغرامة تتراوح بين عشرة‬

‫الاف (‪ )94.444‬و ( ‪ )14.444‬درهم]‪[24‬‬

‫وبذلك فان مدونة الشغل تسهر على طبع تسو ية نزاعات الشغل الجماعية بالسرعة و الفعالية من خلال‬

‫نصها على مدة معقولة لنظر النزاع و الانتهاء منه مكرسة موقف منظمة الشغل الدولية في هذا‬

‫الاتجاه]‪[25‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬مشاركة الاطراف بصفة شخصية في المناقشات و تمثيلهم‬

‫‪175‬‬
‫المشرع المغربي أكد على الحضور الشخصي لهؤلاء الاطراف لمناقشة التسو ية على اعتبار ان الهدف‬

‫الرئيسي هو الوصول بأطراف النزاع الى حل مرض والى اتفاق يضع حدا للنزاع ‪ .‬وهذه النتيجة‬

‫لايمكن الوصول اليها الا اذا كان الطرفان حاضرين و بصفة شخصية جلسات الجهة المنوط بها النظر في‬

‫النزاع‬

‫وبذلك فان مشاركة اطراف النزاع الشخصية تجعل من اجراءات تسو ية النزاع اكثر فاعلية حيث يفسح‬

‫المجال لجهة التسو ية للإلمام بكافة حيثيات النزاع الجماعي كما يجعل الاطراف اقل تعصبا بل قد يصل‬

‫بهم الامر الى تقديم تنازلات احيانا ‪ ,‬وعلى خلاف ذلك فان الانابة قد تؤدي الى اطالة امد النزاع‬

‫نظرا لتمسك النائب القانوني بتعليمات موكله التي لايمكن الرجوع عنها الا بعد استشارة هذا الاخير‬

‫خاتمة‬

‫اخيرا لابد لنا ان نشير على انه في حالة ما ادت فشل طرفا النزاع في حله عن طر يق المفاوضات ‪ .‬او‬

‫عن طر يق تدخل طرف ثالث اجنبي عن النزاع ‪ .‬فان هدا الاخير من شأنه ان يدفع بالطرفين او‬

‫الاطراف الى الدخول في تجربة القوة ‪ ,‬تاخد شكل اضراب عن الشغل من قبل الاجراء ‪ ,‬وشكل‬

‫اغلاق من جانب المشغلين و دلك باعتبارهما وسيلتين فعليتين لحل النزاعات الجماعية للشغل ‪ ,‬على‬

‫خلاف الوسائل السليمة المتمثلة في الوساطة و التحكيم و الحوار الاجتماعي‬

‫لم يبقى لنا سوى ان نشير الى انه عندما تشتد حدة النزاع بين المشغل و نقابة الاجراء فان الطرفين‬

‫يتحملان خسائر مهمة تتمثل في تضرر رب العمل جراء الاضراب وفقدان الزبناء أما العمال فيفقدون‬

‫مهنهم جراء الاغلاق بسبب الخسائر التي لحقت المقاولة لذلك يجب قبل احتدام النزاع حله بالوسائل‬

‫السلمية ل كي لايتضرر الطرفين‬

‫‪176‬‬
‫لائحة المراجع‬

‫ال كتب‬

‫الحاج ال كوري ‪ :‬مدونة الشغل الجديدة احكام عقد الشغل ‪ .‬مطبعة الامة الطبعة الاولى‬ ‫‪‬‬

‫‪ 1446‬الرباط ص ‪346‬‬

‫أحمد بوهرو ‪ :‬نزاعات الشغل الجماعية وفق المدونة الجديدة للشغل‪ :‬المفاهيم‪ ،‬أنماط التسو ية‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫تقنيات المفاوضة‪ .‬دار القلم الرباط ‪1444‬‬

‫أحمد حسن البرعي ‪ :‬علاقات العمل الجماعية في القانون المصري الجزء الثاني عقد العمل‬ ‫‪‬‬

‫المشترك‬

‫– عبد اللطيف خالفي ‪ :‬الوسيط في مدونة الشغل ‪ .‬الجزء الثاني ‪ .‬علاقات الشغل الجماعية ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المطبعة و الوراقة الوطنية مراكش ‪1444‬‬

‫–سعيد بناني ‪ .‬قانون الشغل بالمغرب ‪ .‬علاقات الشغل الجماعية ‪ .‬مطبعة دار النشر المغربية ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫طبعة ‪9181‬‬

‫الرسائل و الاطروحات‬

‫العلوي هاشم ‪ ْ :‬القضاء الاجتماعي بالمغرب ْ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون‬ ‫‪‬‬

‫الخاص ‪ ،‬منشورة ‪ ،‬طبعة ‪ 9184-9181‬الجزء الثاني‬

‫امال ازداد ‪ .‬التحكيم في نزاعات الشغل ‪ .‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون‬ ‫‪‬‬

‫الخاص وحدة قانون الاعمال وجدة سنة ‪1448‬‬

‫‪177‬‬
‫المقالات‬

‫–بشرى العلوي – الطرق البديلة لحل نزاعات الشغل الجماعية – مجلة المحاكم المغربية – عدد‬ ‫‪‬‬

‫‪948‬‬

‫ادريس جلام ‪ .‬الوسائل البديلة لحل النزاعات و علاقتها بالقضاء ‪ .‬مجلة المحاكم المغربية عدد‬ ‫‪‬‬

‫‪ 991‬سنة ‪ 1448‬ص ‪16‬‬

‫–العربي لحلو ‪ :‬الموارد البشر ية و السلم الاجتماعي داخل المقاولة ‪.‬جريدة الايام عدد ‪19‬‬ ‫‪‬‬

‫بتاريخ فبراير ‪1441‬‬

‫]‪– http://www.startimes2.com/review/1645.htm[1‬‬

‫]‪ – [2‬بشرى العلوي – الطرق البديلة لحل نزاعات الشغل الجماعية – مجلة المحاكم المغربية – عدد ‪948‬‬

‫ص ‪18‬‬

‫]‪ – [3‬قرار منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد ‪ 9111 / 44‬ص ‪936 :‬‬

‫]‪ – [4‬أحمد بوهرو ‪ :‬نزاعات الشغل الجماعية وفق مدونة الشغل الجديدة – مطبعة القلم – سنة ‪1446‬‬

‫ص ‪11 :‬‬

‫]‪ – [5‬أحمد حسن البرعي ‪ :‬علاقات العمل الجماعية في القانون المصري الجزء ‪II‬ص ‪914‬‬

‫]‪ – [6‬عبد اللطيف خالفي ‪ :‬الوسيط في مدونة الشغل ‪ .‬الجزء الثاني ‪.‬الطبعة الاولى ‪. 1444‬ص‬

‫‪91‬‬

‫]‪ – [7‬العلوي هاشم ‪ ْ :‬القضاء الاجتماعي بالمغرب ْ الجزء الثاني ‪ ،‬ص ‪ 44 :‬وما بعدها‬

‫‪178‬‬
‫]‪–[8‬أحمد بوهرو ‪ :‬مرجع سابق ‪.‬ص ‪94‬‬

‫]‪ –[9‬أحمد بوهرو ‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪11‬‬

‫]‪ – [10‬سعيد بناني ‪ .‬قانون الشغل بالمغرب ‪ .‬علاقات الشغل الجماعية ‪ .‬مطبعة دار النشر المغربية ‪.‬‬

‫طبعة ‪ 9181‬ص ‪31‬‬

‫]‪ – [11‬احمد بوهرو ‪ .‬مرجع سابق ‪ .‬ص ‪12‬‬

‫]‪ – [12‬امال ازداد ‪ .‬التحكيم في نزاعات الشغل ‪ .‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في‬

‫القانون الخاص وحدة قانون الاعمال وجدة سنة ‪ . 1448‬ص ‪14‬‬

‫]‪ – [13‬العربي لحلو ‪ :‬الموارد البشر ية و السلم الاجتماعي داخل المقاولة ‪.‬جريدة الايام عدد ‪ 19‬بتاريخ‬

‫فبراير ‪1441‬‬

‫]‪ – [14‬الحاج ال كوري ‪ :‬مدونة الشغل الجديدة احكام عقد الشغل ‪ .‬مطبعة الامة الطبعة الاولى‬

‫‪ 1446‬الرباط ص ‪346‬‬

‫]‪ – [15‬المادة ‪ 142‬من مدونة الشغل‬

‫]‪ – [16‬عبد اللطيف خالفي ‪ .‬مرجع سابق ‪ .‬ص ‪161‬‬

‫]‪ – [17‬عبد اللطيف خالفي ‪ .‬مرجع سابق ‪ .‬ص ‪164‬‬

‫]‪ – [18‬ادريس جلام ‪ .‬الوسائل البديلة لحل النزاعات و علاقتها بالقضاء ‪ .‬مجلة المحاكم المغربية عدد‬

‫‪ 991‬سنة ‪ 1448‬ص ‪16‬‬

‫‪179‬‬
‫]‪ – [19‬المواد ‪ 113‬و ‪ 118‬و ‪ 111‬و ‪ 144‬من مدونة الشغل‬

‫]‪ – [20‬عبد اللطيف خالفي ‪ .‬مرجع سابق ‪ .‬ص ‪119‬‬

‫]‪ – [21‬انضر المواد ‪ . 116 . 113‬لفقرة الأولى من المادة ‪ .118‬و الفقرة الاخيرة من المادة ‪144‬‬

‫من مدونة الشغل‬

‫]‪ – [22‬الفقرة الاولى من المادة ‪ 118‬من مدونة الشغل‬

‫]‪ – [23‬المادة ‪ 144‬من مدونة الشغل‬

‫]‪ – [24‬المادة ‪ 183‬من مدونة الشغل‬

‫]‪ – [25‬التي ترى انه كلما طال امد النزاع كلما اصبح من الصعب التقريب بين وجهة نظر كل من‬

‫اطرافه ‪ .‬مما يفتح باب النزاع المفتوح ( الاضراب و الاغاق)‬

‫‪180‬‬
‫مدى ملائمة مدونة الشغل للمواثيق الدولية للشغل‬

‫محمد الجاي‬

‫طالب باحت بسلك الماستر‬

‫تخصص القانون والمقاولة كلية الحقوق مكناس‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫عرف التشر يع في ال كثير من المجتمعات في عصور مبكرة‪ ،‬واعتبرته النظم الحاكمة وسيلة لبسط سلطاتها‬

‫والتعبير عن هيمنتها بهدف ضبط سلوك الأفراد وتنظيمهم‪ ،‬فاعتبر نتيجة لذلك مظهرا من مظاهر‬

‫سيادتها الإقليمية‪.‬‬

‫وعلى هذا النحو فقد ظل التشر يع وعلى مدة زمنية طو يلة وليد المجتمع بظروفه وعلاقاته ونظمه ومبادئه‪،‬‬

‫نابعا من حضارة الدولة وخصوصية ثقافتها وطبيعة واقعها‪ ،‬وهو ما يعبر عن ارتكاز التشر يع على الذاتية‬

‫الحضار ية والثقافية للمجتمع‪ ،‬فعن طر يقه أي التشر يع يثبت المجتمع به ذاتيته ويتأكد به استقلاليته‬

‫و يعبر عن حضارته‪.‬‬

‫غير أنه نظرا لما يشهده العالم حاليا من تحولات عميقة بفعل الثورة الهائلة في مجال قنوات الاتصال بين‬

‫دول العالم في كافة المجالات‪ ،‬وخاصة في المجال الاقتصادي بفعل النظام العالمي الجديد “العولمة”‪ ،‬فقد‬

‫أدى ذلك إلى نشر قيم عالمية جديدة وتغيير في شكل العلاقات الدولية على كافة المستو يات‪ ،‬وقد أفرز‬

‫ذلك شكلا من أشكال التكتل وتركيز القوة الاقتصادية في العالم في نطاق دائرة محدودة من الدول‪،‬‬

‫مارست نفوذها في منظمة التجارة العالمية‪ ،‬لفرض قواعد موحدة تحكم العلاقات التجار ية بين مختلف‬
‫‪181‬‬
‫دول العالم‪ ،‬وذلك كله من تجليات العولمة التي برزت الدعوة إلى مبادئها التي تركز على القيم والمفاهيم‬

‫المشتركة التي تجمع بين البشر وتسعى إلى نشر نموذج ثقافي وحضاري واقتصادي موحد‪.‬‬

‫ولقد أفرزت العولمة‪ ،‬تحقيقا لهذه الأهداف‪ ،‬العديد من الاتفاقيات الدولية في شتى المجالات‪ ،‬تلزم‬

‫جميعها التشر يعات الوطنية للدول الموقعة عليها بما تحتو يه من أحكام‪ ،‬لا تقتصر على المبادئ العامة فقط‬

‫بل تمتد إلى الأحكام التفصيلية‪ ،‬بغية تحقيق توحيد تشر يعي دولي في الموضوعات التي تتناولها هذه‬

‫الاتفاقيات‪.‬‬

‫وهكذا بدأت المجتمعات تنتقل من التشر يعات الوطنية الإقليمية التي تعبر عن إرادة الشعوب عبر‬

‫هيئاتها الوطنية‪ ،‬إلى تشر يعات عالمية كونية تعبر عن إرادة المجتمعات الدولية عبر منظماتها العالمية‪ ،‬وإن‬

‫كان هذا في حقيقته ما هو إلا مظهر من مظاهر السيطرة والقوة التي تتمتع بها الدول الصناعية ال كبرى‬

‫في مجال التشر يع ــ شأنه في ذلك شأن باقي المجالات الأخرى ــ والتي لا تهدف في عمقها إلا لطمس‬

‫الهو يات والثقافات المحلية للدول الفقيرة‪.‬‬

‫وعلى العموم فإن ميدان الشغل يبقى أهم مجال تناولته المنظمات العالمية عن طر يق الاتفاقيات الدولية‪،‬‬

‫ونذكر على الخصوص الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية‪ ،‬وكذا المواثيق الدولية الصادرة عن‬

‫هيئة الأمم المتحدة كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة ‪ ،9168‬والعهدين الدوليين للحقوق المدنية‬

‫والسياسية والحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لسنة ‪.9144‬‬

‫‪182‬‬
‫وباعتبار المغرب عضوا نشطا في هذه المنظمات كما يؤكد ذلك دستور الممل كة‪ ،‬ونظرا لالتزامه بكل ما‬

‫تقتضيه هذه المواثيق وبملاءمة تشر يعه الوطني معها‪ ،‬فإن موضوع ملاءمة مدونة الشغل المغربية مع هذه‬

‫المواثيق يجد مشروعيته وأهميته‪.‬‬

‫فكما هو معلوم أن المغرب أصدر سنة ‪ 1443‬مدونة للشغل جاء في أول ديباجتها “إن تشر يع العمل‬

‫هذا‪ ،‬تتحدد معالمه بتوافقه مع المبادئ الأساسية التي يحددها الدستور‪ ،‬وبتطابقه مع المعايير العالمية‪ ،‬كما‬

‫تنص عليها مواثيق هيأة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة والتي لها صلة بالعمل‪”.‬‬

‫كما جاء في آخرها أنه “تشمل الحقوق التي يصونها هذا القانون و يضمن ممارستها داخل المقاولة‬

‫وخارجها‪ ،‬الحقوق الواردة في اتفاقيات العمل الدولية المصادق عليها من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪،‬‬

‫الحقوق التي تقرها الاتفاقيات الأساسية لمنظمة العمل الدولية‪”.‬‬

‫وعليه يمكن القول أن صدور المدونة شكل مناسبة للحد من الشوائب والثغرات التي كانت تسود‬

‫النصوص القانونية المتفرقة المنظمة لعلاقات الشغل بدءا بجعل نصوص هذه المدونة مواكبة لما هو‬

‫منصوص عليه في الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة بعلاقة الشغل‪ ،‬من خلال احترام مبادئ‬

‫حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا‪ ،‬واحترام الاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل‬

‫الدولية ومنظمة العمل العربية وتعزيز شروط النهوض بظروف وتوفير الصحة والسلامة في أماكن‬

‫العمل‪.‬‬

‫كما عملت مدونة الشغل على إعادة تنظيم العلاقة الرابطة بين الأجير والمشغل من خلال تحديد حقوق‬

‫والتزامات الطرفين وإعادة التوازن بين أطراف العلاقة الشغلية‪.‬‬

‫فشكلت بذلك مدونة الشغل إطارا تشر يعيا مهما يسعى إلى تحفيز المقاولات على الاستثمار واستقرار‬

‫الشغل والعلاقات المهنية على أساس الثقة المتبادلة بين أطراف عملية الإنتاج‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫وإذا كانت المدونة قد وضعت مجموعة هائلة من المقتضيات راعت من خلالها المصالح الاقتصادية‬

‫للمشغل المشغلة‪ ،‬فإن الملاحظ أن هذا الاهتمام (حماية المقاولة) كان شبه غائب من أهداف التشر يع‬

‫الدولي للشغل‪ ،‬فإذا رجعنا مثلا للاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية نجد جلها تتعلق‬

‫بحماية حقوق الأجير وحده‪.‬‬

‫ونعتقد أن ذلك راجع بالأساس إلى الاعتقاد السائد منذ بداية القرن العشرين بأن الأجدر بالحماية هو‬

‫الأجير باعتباره طرفا ضعيفا في العلاقة الشغلية أمام قوة المقاولة‪ .‬غير أنه مع التحولات التي عرفها‬

‫العالم حديثا في الميدان الاقتصادي وما خلفته الأزمات الاقتصادية من آثار سلبية في العالم‪ ،‬فإنه أعيد‬

‫النظر في حقيقة تلك العلاقة‪ ،‬وأصبح التوجه الحديث هو أن المقاولة والأجراء جديرين على السواء‬

‫بالحماية التشر يعية‪ .‬وأصبح الاعتقاد راسخا بأهمية دور المقاولة في كل تنمية اقتصادية‪.‬‬

‫فإذا كان الأجير يسعى إلى الحفاظ على مصدر لقمة عيشه وحماية حقوقه المترتبة عن عقد الشغل‬

‫انطلاقا من مبدأ الاستقرار في العمل‪ ،‬فإن هاجس المشغل يتجه أساسا نحو تحقيق الربح وحماية‬

‫المكتسبات الاقتصادية للمشغل‪ ،‬كغاية أي مشروع تجاري انطلاقا من مبدأ المرونة في الشغل‪ ،‬بين‬

‫هذين الهاجسين الاجتماعي والاقتصادي حاول المشرع المغربي من خلال نصوص هذه المدونة تحقيق‬

‫نوع من التوازن بينهما‪ .‬وعليه فإن دراستنا ستركز بشكل كبير على مدى ملاءمة نصوص المدونة للمواثيق‬

‫الدولية المهتمة بمجال الشغل في إطار مظاهر تحقيق التوازن بين مصالح الطرفين‪ ،‬أخذا بعين الاعتبار‬

‫صعوبة إ يجاد اتفاقيات دولية تعنى بحماية الصالح الاقتصادية للمشغل‪.‬‬

‫إذا ثبت هذا‪ ،‬فإن إشكالية البحث يمكن صياغتها إذن كالتالي‪ :‬كيف عمل المشرع المغربي على ملاءمة‬

‫أحكام المدونة مع المواثيق الدولية المهتمة بالشغل في إطار تحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية‬

‫والاجتماعية؟‬

‫‪184‬‬
‫لمعالجة هذه الإشكالية ارتأينا تناول موضوعنا من خلال مبحثين اثنين‪ :‬نتناول فيهما مدى ملاءمة‬

‫المدونة مع المواثيق الدولية للشغل فيما يتعلق بحماية المصالح الاقتصادية للمشغل(المبحث الأول) ‪،‬‬

‫مقابل حماية المصالح الاجتماعية للطبقة الشغيلة (المبحث الثاني‪(.‬‬

‫‪185‬‬
‫التصميم‬
‫المبحث الأول‪ :‬ملاءمة مقتضيات مدونة الشغل المقررة لصالح المشغل مع المواثيق الدولية‬
‫المطلب الأول‪ :‬ملاءمة المقتضيات المنظمة لتدبير مدة الشغل للتشر يع للدولي‬
‫الفقرة الأولى ‪:‬مدة الشغل العادية بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل‬
‫الفقرة الثاني ‪:‬مدة الشغل الاستثنائية بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل‬
‫أولا ‪:‬التجاوز ‪:‬الاستثنائي لمدة الشغل العادية‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مقتضيات إنهاء العلاقة الشغلية بإرادة المشغل‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬ملاءمة المقتضيات المتعلقة بالفصل بسبب كفاءة الأجير أو سلوكه‬
‫أولا ‪:‬على مستوى مجال التطبيق‬
‫ثانيا ‪:‬على مستوى تضييق حالات اللجوء إلى الإنهاء‬
‫ثالثا ‪:‬على مستوى مدة الإخطار‬
‫رابعا ‪:‬على مستوى التعو يض عن الفصل‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬ملاءمة المقتضيات المتعلقة بالفصل لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية‬
‫أولا ‪:‬على مستوى استشارة ممثلي العمال‬
‫ثانيا ‪:‬على مستوى استشارة ممثل السلطة المختصة‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ملاءمة مقتضيات مدونة الشغل للمواثيق الدولية المقررة لصالح الأجراء‬
‫المطلب الأول‪ :‬المقتضيات الضامنة للحقوق الأساسية لكافة الأجراء‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬الحقوق الفردية للأجراء بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل‬
‫أولا‪ :‬منع العمل الجبري‬
‫ثانيا‪ :‬منع التمييز‬
‫لفقرة الثانية‪ :‬الحقوق الجماعية للأجراء بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل‬
‫أولا‪ :‬على مستوى الحر ية النقابية‬

‫ثانيا‪ :‬بخصوص المفاوضة الجماعية‬


‫المطلب الثاني‪ :‬المقتضيات الخاصة ببعض أصناف الأجراء‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬حماية الأحداث‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬حماية المرأة الأجيرة‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬حماية الأجير في حالة إعاقة‬

‫‪186‬‬
‫المبحث الأول‪ :‬مدى ملاءمة مقتضيات مدونة الشغل المقررة لصالح المشغل مع المواثيق الدولية‬

‫لا شك أن الصعوبة تثار بمجرد البحث عن حماية المصالح الاقتصادية للمشغل ضمن المواثيق الدولية‬

‫المهتمة بالشغل‪ ،‬وذلك راجع كما سبقت الإشارة إلى الاعتقاد السائد قديما‪ ،‬بأن الأجير هو الأجدر‬

‫بالحماية أمام قوة المشغل‪ ،‬فكانت أغلب المواثيق الدولية تعنى بحماية الأجير فقط‪ ،‬غير أنه ومع ذلك يمكن‬

‫“تلمس” بعض الاتفاقيات الدولية التي تطرقت للموضوع ولو عرضا عند حديثها عن حقوق الأجير‪،‬‬

‫وذلك كما هو الشأن بالنسبة لحق المشغل في تدبير الشغل داخل مقاولته (المطلب الأول) وحقه أيضا‬

‫في إنهاء العلاقة الشغلية مع الأجير بإرادته المنفردة (المطلب الثاني)‪ .‬فلنرى إذن كيف تطرقت إليهما‬

‫المدونة وما مدى ملاءمتها مع المواثيق الدولية المهتمة بالشغل‪.‬‬

‫المطلب الأول‪ :‬ملاءمة المقتضيات المنظمة لتدبير مدة الشغل للتشر يع للدولي‬

‫لقد أصبح لزاما على المشرع أن يوفر مرونة كبيرة للمشغل من أجل تدبير مدة الشغل‪ ،‬وذلك مراعاة‬

‫للمحيط والظروف التي تشتغل فيها المقاولة‪ .‬وبالرجوع لمدونة الشغل نجدها بعيدة عن ملاءمة التشر يع‬

‫الدولي للشغل‪ ،‬فتدبير مدة الشغل حددته المدونة بشكل دقيق ولم تتركه للتفاوض بشأنه مع الفرقاء‬

‫الاجتماعيين‪ ،‬حيث حددت المدة العادية للشغل (فقرة أولى) وكذا المدة الاستثنائية له (فقرة ثانية)‪.‬‬

‫فهل تم تنظيمهما وفق توجهات التشر يع الدولي للشغل ؟‬

‫الفقرة الأولى ــ مدة الشغل العادية بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل‬

‫إن أول ما يثير الانتباه في مدونة الشغل كونها ميزت في مادتها ‪ 986‬بخصوص مدة الشغل بين‬

‫القطاعات الفلاحية وغير الفلاحية‪ .‬حيث حددتها في القطاع الأول في مدة ‪ 1614‬ساعة في السنة‪،‬‬

‫تجزأ على فترات حسب المتطلبات الضرور ية للمزروعات‪ .‬أما القطاعات غير الفلاحية فحددت فيها مدة‬

‫الشغل في ‪ 1188‬ساعة في السنة أو ‪ 66‬ساعة في الأسبوع‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫نصت المادة ‪ 9/981‬من المدونة على أنه يمكن للمشغل‪ ،‬للوقاية من الأزمات الدور ية العابرة وبعد‬

‫استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم‪ ،‬توز يع المدة السنو ية الإجمالية‬

‫للشغل على السنة حسب حاجيات المقاولة شر يطة ألا تتجاوز مدة العمل العادية عشر ساعات في اليوم‪.‬‬

‫في حين حددت منظمة العمل الدولية بمقتضى الاتفاقية رقم ‪ 9‬الصادرة سنة ‪ 9191‬بشأن تحديد‬

‫ساعات العمل في المنشآت الصناعية هذه المدة في ثمان (‪ )8‬ساعات يوميا وبثمان وأربعين (‪ )68‬ساعة‬

‫في الأسبوع كحد أقصى (المادة ‪ 1‬من الاتفاقية ‪ 9‬وأيضا المادة ‪ 3‬من الاتفاقية رقم ‪ 34‬لمنظمة العمل‬

‫الدولية بشأن ساعات العمل في التجارة والمكاتب لسنة ‪).9134‬‬

‫هذا ولم يفت المدونة أن أكدت على أن تخفيض ساعات الشغل سواء في النشاطات الأولى أو الثانية‬

‫لا يجب أن يؤثر على قيمة الأجر العادي للأجير (المادة ‪ )986‬خصوصا وأن منظمة العمل الدولية‬

‫سمحت بتخفيض مدة الشغل الأسبوعية إلى حدود ‪ 64‬ساعة إذا سمح بذلك النظام الاقتصادي للبلد‪.‬‬

‫وكذا التفاقية رقم ‪ 49‬لمنظمة العمل الدولية بشأن تخفيض ساعات العمل في قطاع النسيج‪ ،‬والاتفافية‬

‫رقم ‪ 931‬بشأن تخفيظ ساعات العمل وفترات الراحة في قطاع النقل البري‪ ،‬والتوصية رقم ‪ 2‬بشأن‬

‫تحديد ساعات العمل في قطاع صيد الأسماك…‬

‫وتجدر الإشارة إلى أن مدونة الشغل تطرقت إلى بعض أشكال تدبير مدة الشغل وتوز يعها‪ ،‬ويتعلق‬

‫الأمر بالشغل بالتناوب وبالتعاقب كتدبيرين استثنائيين ــ فقط ــ بالنسبة للمقاولات التي تحتم عليها‬

‫أسباب تقنية اعتماد هذا النمط من الشغل (المادة ‪).9/982‬‬

‫‪188‬‬
‫ويراد “بالشغل بالتناوب” حسب المادة ‪ ،982‬الطر يقة التي ينظم بها الشغل‪ ،‬بحيث يتسنى للمؤسسة أن‬

‫تبقى مفتوحة في جميع أيام الأسبوع‪ ،‬من غير أن تتجاوز‪ ،‬مدة شغل كل أجير‪ ،‬الحد الأقصى القانوني‬

‫لمدة الشغل‪.‬‬

‫أما “الشغل بالتعاقب”‪ ،‬فيراد به الطر يقة التي ينظم بها الشغل‪ ،‬بحيث تؤديه فرق شغل تتعاقب الواحدة‬

‫تلو الأخرى‪ ،‬على أساس أن الأجراء لا يقضون جميعا فترة راحتهم في وقت واحد خلال نفس اليوم‪.‬‬

‫وحسب المادة ‪ 988‬من المدونة فإنه يمنع في حالة تنظيم الشغل بين فرق متتابعة‪ ،‬أن تتجاوز المدة المقررة‬

‫لكل فرقة ثماني ساعات في اليوم‪ ،‬وهذه المدة جاءت متلائمة مع مقتضيات المادة ‪ 1‬فقرة ج والمادة ‪6‬‬

‫من اتفاقية منظمة العمل الدولة رقم ‪.9‬‬

‫الفقرة الثانية ــ مدة الشغل الاستثنائية بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل‬

‫لقد أعطت المدونة للمشغل أن ينظم ساعات الشغل بطر يقة مختلفة عما رأيناه أعلاه‪ ،‬وذلك بشكل‬

‫استثنائي ووفق ضوابط محددة ومضبوطة‪ ،‬حيث يمكنه تجاوزها (أولا) وكذا الإنقاص منها (ثانيا‪).‬‬

‫أولا ــ التجاوز الاستثنائي لمدة الشغل العادية‬

‫يمكن حسب المادة ‪ 981‬من المدونة‪ ،‬في حالة توقف الشغل جماعيا في مؤسسة أو في جزء منها‬

‫لأسباب عارضة أو لقوة قاهرة‪ ،‬تمديد فترة الشغل اليومية لاستدراك ساعات الشغل الضائعة‪ ،‬وذلك‬

‫بعد استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم‪.‬‬

‫مع الإشارة إلى أنه يمنع في كل الأحوال‪:‬‬

‫–العمل لأكثر من ‪ 34‬يوما في السنة لاستدراك الساعات الضائعة؛‬

‫‪189‬‬
‫–أن تفوق مدة التمديد ساعة في اليوم؛‬

‫–أن تفوق مدة الشغل اليومية ‪ 94‬ساعات‪.‬‬

‫أما حسب منظمة العمل الدولية‪ ،‬يمكن‪:‬‬

‫استثناء الز يادة عن الثماني ساعات في باقي أيام الأسبوع بموافقة السلطة العامة المختصة أو باتفاق بين‬

‫منظمات المشغلين وممثلي الأجراء‪ ،‬على ألا يزيد هذا التجاوز عن أكثر من ساعة واحدة في اليوم‪،‬‬

‫وذلك متى كانت ساعات العمل محددة في أقل من ثمان ساعات بموجب قانون أو عرف أو اتفاق بين‬

‫منظمات أصحاب العمل والعمال أو بين ممثليهم (البند ب من المادة ‪ 1‬من الاتفاقية رقم ‪).9‬‬

‫الز يادة في مدة الشغل العادية في حالة العمل بالتناوب‪ ،‬شر يطة ألا يزيد متوسط ساعات العمل على‬

‫مدى ثلاثة أسابيع أو أقل‪ ،‬عن ثمان ساعات في اليوم و‪ 68‬ساعة في الأسبوع (البند ج من المادة ‪1‬‬

‫من الاتفاقية رقم ‪).9‬‬

‫في حالة القوة القاهرة أو في حالة وقوع حادث أو ترجيح حدوثه أو الاضطرار للقيام بأشغال عاجلة‬

‫تتعلق بالآلات أو المصنع‪ ،‬بشرط أن تكون الز يادة متناسبة مع ما يستلزم لتفادي حدوث اضطراب‬

‫جسيم في سير العمل المعتاد بالمقاولة (المادة ‪ 3‬من الاتفاقية ‪).9‬‬

‫عموما يمكن القول أن مدونة الشغل لا تزال بعيدة كل البعد عن توجهات منظمة العمل الدولية فيما‬

‫يتعلق بتنظيم مدة الشغل‪.‬‬

‫ثانيا ــ الإنقاص الاستثنائي لمدة الشغل العادية‬

‫سمحت المادة ‪ 981‬من المدونة للمشغل‪ ،‬بعد استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند‬

‫وجودهم‪ ،‬أن يقلص من مدة الشغل العادية ولفترة متصلة أو منفصلة لا تتجاوز ستين (‪ )44‬يوما في‬

‫السنة‪ ،‬وذلك عند حدوث أزمة اقتصادية عابرة لمقاولته أو لظروف طارئة خارجة عن إرادته‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫إذا كان التقليص من مدة الشغل العادية تزيد مدته عن الفترة المحددة أعلاه‪ ،‬وجب الاتفاق بين‬

‫المشغل ومندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم حول الفترة التي سيستغرقها هذا‬

‫التقليص‪.‬‬

‫وفي حالة عدم التوصل إلى أي اتفاق‪ ،‬لا يسمح بالتقليص من مدة الشغل العادية إلا بإذن يسلمه عامل‬

‫العمالة أو الإقليم طبقا للمسطرة المحددة في المادة ‪ 42‬أعلاه‪.‬‬

‫في حين لم يتطرق التشر يع الدولي للشغل لمسألة الانقاص الاستثنائي من مدة الشغل لأسباب اقتصادية‬

‫تمر بها المقاولة‪ ،‬وهذا يعد تقدم لمدونة الشغل في هذه المسألة وتنبه لصعوبات صارت تطرق وبإلحاح في‬

‫الاونة الاخيرة ولا يمكن التنبؤ بها مسبقا‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مقتضيات إنهاء العلاقة الشغلية بإرادة المشغل‬

‫من أهم المقتضيات التي تضمنها مدونة الشغل المغربية لصالح المشغل (ولصالح الأجير في نفس الوقت)‬

‫تلك التي أعطتها إمكانية إنهاء العلاقة الشغلية من جانب المشغل‪ ،‬كلما ارتأى ذلك شر يطة توافر‬

‫الأسباب القانونية المشروعة طبعا‪.‬‬

‫فالعلاقة الشغلية القائمة على أساس عقد الشغل ليست دائمة بين المشغل والأجير‪ ،‬بل يمكن إنهاءها من‬

‫جانب المشغل في مجموعة من الحالات‪ ،‬فقد يكون إما لأسباب اقتصادية تواجه المقاولة فتضطر‬

‫للاستغناء عن الأجراء وإما لأسباب تعود للأجير نفسه بحيث لم تعد كفاءته تستجيب لمتطلبات‬

‫المقاولة‪ ،‬أو بسلوكه الذي يهدد مصالحها… وإلى غير ذلك من الأسباب الأخرى‪.‬‬

‫وأول ما يلاحظ بخصوص تعامل المدونة مع موضوع إنهاء علاقة الشغل‪ ،‬تكريسها للمبادئ والأحكام‬

‫الواردة في اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ‪ 918‬لسنة ‪ 9188‬المتعلقة بموضوع “إنهاء الاستخدام‬

‫(الشغل) بمبادرة من صاحب العمل‪”.‬‬

‫‪191‬‬
‫وهكذا استنسخت المادة ‪ 31‬من المدونة مضمون المادة ‪ 6‬من هذه الاتفاقية عندما نصت على أنه” يمنع‬

‫فصل الأجير دون مبرر مقبول إلا إذا كان المبرر مرتبطا بكفاءته أو بسلوكه… أو تحتمه ضرورة سير‬

‫المقاولة…” وبمفهوم المخالفة فإنه يحق للمشغل فصل الأجير إذا كان ذلك مرتبطا بكفاءته أو بسلوكه أو‬

‫بضرورة سير المقاولة‪.‬‬

‫على العموم فقد تطرقت الاتفاقية الدولية رقم ‪ 918‬وأوردت فيها مجموعة من المقتضيات حاولت من‬

‫خلالها تحقيق نوع من التوازن بين حق المشغل في إنهاء العلاقة الشغلية وضرورة احترامه لحقوق الأجير‬

‫الأساسية وكذا إحاطة عملية الإنهاء هاته بمجموعة من الضوابط‪.‬‬

‫وعليه سنعرض في هذا المطلب إلى مدى تطابق المدونة مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية سواء فيما‬

‫يتعلق بالفصل بسبب كفاءة الأجير أو سلوكه (فقرة أولى) أما فيما يتعلق بفصله بسبب الصعوبات‬

‫الاقتصادية والتكنولوجية التي تمر منها المقاولة (فقرة ثانية‪).‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬ملاءمة المقتضيات المتعلقة بالفصل بسبب كفاءة الأجير أو سلوكه‬

‫لقد تطرقت مدونة الشغل لموضوع فصل الأجير بسبب كفاءته أو سلوكه في الباب الخامس (توقف‬

‫عقد الشغل وإنهاؤه) من الكتاب الأول (الاتفاقيات المتعلقة بالشغل)‪ ،‬فما مدى تطابق هذه الأحكام‬

‫مع الاتفاقية رقم ‪ 918‬؟‬

‫أولا على مستوى مجال التطبيق‬

‫بالرغم من كون المادة الثانية من الاتفاقية الدولية رقم ‪ 918‬تنص اصلا على أن المقتضيات الواردة‬

‫فيها تطبق على كل أصناف الأجراء‪ ،‬فإنها أعطت للدول الموقعة إمكانية استثناء‪:‬‬

‫‪192‬‬
‫الأجراء المرتبطين بالعقود محددة المدة‪ ،‬مع التزام هذه الدول بتوفير الضمانات الكافية ضد اللجوء لهذه‬

‫العقود قصد استبعاد مقتضيات هذه الاتفاقية‪.‬‬

‫الأجراء الخاضعين لمدة اختبار أو لمهمة محددة‪.‬‬

‫الأجراء المستخدمين على أساس عرضي‪.‬‬

‫وبالرجوع لمدونة الشغل نجدها قد استثنت العقود محددة المدة‪ ،‬وذلك عندما خصت إنهاء العلاقة‬

‫الشغلية للأجراء المرتبطين بعقود محددة المدة بأحكام خاصة تختلف عن تلك التي تطبق على العقود غير‬

‫محددة المدة‪ ،‬فجاء في المادة ‪ 33‬منها أنه “يستوجب قيام أحد الطرفين بإنهاء عقد الشغل محدد المدة‪،‬‬

‫قبل حلول أجله‪ ،‬تعو يضا للطرف الآخر‪ ،‬ما لم يكن الإنهاء مبررا‪ ،‬بصدور خطإ جسيم عن الطرف‬

‫الآخر‪ ،‬أو ناشئا عن قوة قاهرة‪”.‬‬

‫وبالتالي فإن المدونة قد استفادت من بنود الاتفاقية التي تسمح باستثناء العلاقات القائمة على عقود‬

‫محددة المدة‪ ،‬فليس هناك أي تعارض بينهما‪.‬‬

‫ثانيا ــ على مستوى حالات اللجوء إلى الإنهاء‬

‫نصت الاتفاقية رقم ‪ 918‬على مجموعة من الحالات يمنع فيها على المشغل إنهاء علاقة الشغل قبل أوانها‪،‬‬

‫تحت طائلة اعتبار الفصل تعسفيا وهذه الحالات هي نفسها المحددة في المادة ‪ 34‬من مدونة الشغل‪،‬‬

‫وتعلق الأمر بالحالات التالية‪:‬‬

‫– ‪1‬الانتماء النقابي أو ممارسة مهمة الممثل النقابي؛‬

‫– ‪2‬المساهمة في أنشطة نقابية خارج أوقات الشغل‪ ،‬أو أثناء تلك الأوقات‪ ،‬برضى المشغل أو عملا‬

‫بمقتضيات اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي؛‬

‫– ‪3‬طلب الترشيح لممارسة مهمة مندوب الأجراء‪ ،‬أو ممارسة هذه المهمة‪ ،‬أو ممارستها سابقا؛‬

‫‪193‬‬
‫– ‪4‬تقديم شكوى ضد المشغل‪ ،‬أو المشاركة في دعاوى ضده‪ ،‬في نطاق تطبيق مقتضيات هذا القانون؛‬

‫– ‪5‬العرق‪ ،‬أو اللون‪ ،‬أو الجنس‪ ،‬أو الحالة الزوجية‪ ،‬أو المسؤوليات العائلية‪ ،‬أو العقيدة‪ ،‬أو الرأي‬

‫السياسي‪ ،‬أو الأصل الوطني‪ ،‬أو الأصل الاجتماعي؛‬

‫‪6‬ــ التغيب المؤقت عن العمل (المادة ‪ 4‬من الاتفاقية‪ /‬المادة ‪ 121‬من المدونة‪).‬‬

‫وأضافت المدونة في المادة ‪ 34‬حالة جديدة لم تشر إليها الاتفاقية وهي حالة الإعاقة‪ ،‬إذا لم يكن من‬

‫شأنها أن تحول دون أداء الأجير المعاق لشغل يناسبه داخل المقاولة‪ ،‬وهو ما تم التنبه اليه بموجب‬

‫الاتفاقية المصادق عليها من طرف المغرب شهر مارس من سنة ‪ 1442‬المتعلقة بحقوق الاشخاص‬

‫المعاقين‪.‬‬

‫وبالتالي فإن هناك تطابق تام بين المدونة والاتفاقية الدولية في تحديد الحالات غير المبررة للإنهاء‬

‫المشروع‪.‬‬

‫وهو ما سيكون موضوع نقاش في المبحث الثاني بمناسبة الحديث عن حقوق الأجير المعاق‪.‬‬

‫ثالثا على مستوى مدة الإخطار‬

‫جاء في المادة ‪ 99‬من الاتفاقية ‪ 918‬أن المشغل عليه أن يحترم مهلة معقولة لإخطار الأجير الذي‬

‫سيطرد بسبب كفاءته أو أن يعوضه عنها‪ ،‬وذلك حتى تتاح له فرصة البحث عن عمل آخر‪ .‬أما في حالة‬

‫الخطأ الجسيم فإنه لا يعقل أن يلزم المشغل بإمهال الأجير وإعطائه فرصة الاستمرار بالشغل لمدة معينة‪،‬‬

‫بل يكون الفصل فور يا‪.‬‬

‫هذه المقتضيات نفسها ورد النص عليها في المواد ‪ 63‬و ‪ 19‬ثم ‪ 49‬من المدونة‪ .‬بمناسبة تنظيم المشرع‬

‫لأجل الإخطار ونص على أنه لا يمكن أن يقل عن ‪ 8‬ايام وحدد تاريخ بدايته وحالات توقفه ومدة‬

‫رخصة التغيب التي يتمتع بها الأجير داخل أجل الإخطار للبحث عن شغل وكيفية تحديد هذه المدة‬

‫‪194‬‬
‫وعبء اثبات وجود المبرر المقبول للفصل أو مغادرة الأجير شغله‪.‬‬

‫رابعا ــ على مستوى التعو يض عن الفصل‬

‫انسجاما مع مقتضيات الاتفاقية الدولية ‪ 918‬خصوصا في المادة رقم ‪ 91‬منها‪ ،‬ضمنت المدونة للأجير‬

‫المفصول بصفة قانونية وفق الضوابط المسطرة أعلاه‪ :‬تعو يضا عن الفصل (م ‪ )13‬والتعو يض عن‬

‫الإخطار (م ‪).11‬‬

‫غير أن أهم ملاحظة يمكن تسجيلها في هذا الصدد هو أن المدونة اشترطت بمقتضى المادة ‪ 11‬أن‬

‫يكون الأجير قد قضى مدة ستة أشهر على الأقل حتى يمكنه الاستفادة من هذه التعو يضات‪ ،‬وذلك‬

‫على عكس توجهات الاتفاقية رقم ‪ 918‬التي ضمنت هذه التعو يضات لكل أجير مهما قضى من وقت‬

‫قصير في الشغل‪ ،‬بقولها في المادة ‪“ 91‬يكون لأي عامل مسرح… الحق في‪…”.‬‬

‫وبالتالي هناك مطابقة بين مدونة الشغل من خلال المواد التي أفردتها لمعالجة آثار الفصل وانتهاء عقد‬

‫الشغل عموما والمادة ‪ 91‬من الإتفاقية ‪ 918‬بخصوص أساس حساب هذه التعو يضات الذي هو‬

‫الأقدمية وقيمة الأجر كما يسجل أن هناك تقدم للمدونة المغربية على هذا المستوى‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬ملاءمة المقتضيات المتعلقة بالفصل لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية‬

‫تطرقت مدونة الشغل لهذا الفصل في المواد من ‪ 44‬إلى ‪ ،29‬في حين أن الاتفاقية رقم ‪ 918‬تطرقت‬

‫إليه في الجزء الثالث منها تحت عنوان “أحكام تكميلية تتعلق بإنهاء الاستخدام لأسباب اقتصادية أو‬

‫تكنولوجية أو تنظيمية أو مثيلة‪”.‬‬

‫وعلى العموم فإن حق المشغل في تسريح الأجراء بعد مواجهته لهذه الصعوبات في ظل المدونة مرتبط‬

‫بضرورة احترامه لبعض الضوابط القانونية‪ ،‬فما مدى ملاءمتها للتشر يع الدولي للشغل وعلى الخصوص‬

‫منظمة العمل الدولية ؟‬

‫‪195‬‬
‫أولا ــ على مستوى استشارة ممثلي العمال‬

‫فرضت المادة ‪ 93‬من الاتفاقية أن يزود المشغل ممثلي العمال في الوقت المناسب بالمعلومات المتصلة‬

‫بذلك‪ ،‬وخاصة عن أسباب تسر يحهم ‪ ،‬وعدد وفئات الأجراء المعنيين‪ ،‬وكذلك عن الفترة التي سيتم فيها‬

‫التسريح‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك عليه إتاحة الفرصة لممثلي العمال‪ ،‬وبأسرع ما يمكن‪ ،‬فرصة استشارتهم بشأن التدابير‬

‫اللازمة لتجنب أو تخفيض حالات التسريح إلى أدنى حد ممكن‪ ،‬والتدابير اللازمة لتخفيف الآثار‬

‫الضارة لأي تسريح على العمال المعنيين‪ ،‬وخاصة إ يجاد أعمال جديدة لهم‪.‬‬

‫هذا بخصوص الاتفاقية‪ ،‬أما بالنسبة للمدونة فقد اشترطت بدورها كل هذه الإجراءات‪ ،‬غير أن‬

‫الملاحظ أنها اشترطت إلى جانب هذا شرطا ضرور يا‪ ،‬وهو أن تكون المقاولة تشغل اعتياديا عشرة‬

‫أجراء أو أكثر‪.‬‬

‫ثانيا ــ على مستوى استشارة ممثل السلطة المختصة‬

‫لم تحدد الاتفاقية المقصود بهذه السلطة المختصة‪ ،‬وتركت ذلك إلى كل دولة على حدة‪ ،‬وهكذا حددته‬

‫مدونة الشغل في “عامل العمالة أو الإقليم”‪ .‬غير أن ما يلاحظ في هذا الصدد أن الاتفاقية تتحدث عن‬

‫مجرد “استشارة” ممثل السلطة وتقديم المعلومات عن عملية التسريح الجماعي للعمال (المادة ‪ ،)96‬في حين‬

‫أن المدونة تتحدث عن “إذن” هذه السلطة كشرط من شروط التسريح (المادة ‪).42‬‬

‫كخلاصة بالنسبة لمدى ملاءمة المدونة للتشر يع الدولي للشغل ــ وعلى الخصوص اتفاقيات منظمة العمل‬

‫الدولية ــ في موضوع إنهاء عقد الشغل‪ ،‬يمكن القول عموما أن هناك نسبة كبيرة من مقتضيات المدونة‬

‫متلائمة مع الاتفاقية رقم ‪ ،918‬باستثناء بعض الحالات التي وقفنا عليها حيث كان هناك تعارض‬

‫طفيف في تنظيم بعض الجزئيات رغم خطورت آثارها تارة على مصالح الأجير كما هو الشأن بالنسبة‬

‫‪196‬‬
‫لشرط قضاء الأجير فترة ستة أشهر في الشغل حتى يمكنه الاستفادة من تعو يضات عن الفصل‪ ،‬وتارة‬

‫أخرى على مصالح المشغل كما هو الشأن بالنسبة لاشتراط الحصول على إذن العامل لسلوك مسطرة‬

‫التسريح الجماعي‪ ،‬فهو شرط تعجيزي لا يمكن لأي عامل أن يمنحه‪ ،‬مراعاة منه للأوضاع الأمنية‬

‫وضرورات الاستقرار الاجتماعي داخل إقليمه الترابي‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬ملاءمة مقتضيات مدونة الشغل للمواثيق الدولية المقررة لصالح الأجراء‬

‫إذا كان المبحث الأول قد خصصناه لمدى ملاءمة مقتضيات مدونة الشغل للمواثيق الدولية ذات‬

‫الصلة بالشغل‪ ،‬فيما يتعلق بالاعتراف للمشغل بحماية مصالحه الاقتصادية‪ ،‬فإن هذا المبحث سنخصصه‬

‫للطرف الآخر في العلاقة الشغلية‪ ،‬ويتعلق الأمر بالأجير‪.‬‬

‫تعتبر الطبقة العاملة المحور الرئيسي للنهوض بالحياة الاقتصادية داخل المقاولات‪ ،‬والمساهمة في تنميتها‬

‫وتطورها وتحقيق رهان استمرارها على المستوى الداخلي والخارجي‪ ،‬ولا يمكن تحقيق هذا المبتغى إلا‬

‫باحترام مجموعة من الضوابط القانونية للسعي وراء تحقيق التوازن بين الحقوق الاقتصادية لرئيس المقاولة‬

‫وبين الحقوق الاجتماعية للأجراء وذلك سعيا لتحقيق السلم والاستقرار الاجتماعيين وعدالة متوازنة‬

‫تراعي المصلحة العامة أولا وأخيرا‪.‬‬

‫لقد جاءت مدونة الشغل متناغمة مع مجموعة من الاتفاقيات الدولية لإقرار مجموعة من الحقوق للأجراء‬

‫سواء منها تلك التي تهم كافة الأجراء (المطلب الأول ) أو تلك الخاصة بفئة معينة منهم (المطلب‬

‫الثاني‪).‬‬

‫المطلب الأول‪ :‬المقتضيات الضامنة للحقوق الأساسية لكافة الأجراء‬

‫لقد عمد المنتظم الدولي إلى حماية الأجير من كل المظاهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية‪ ،‬حيث‬

‫عمل بصفة مطردة على ز يادة الوعي بضرورة توفير حماية للأجراء العاملين في مختلف المجالات‪ ،‬وذلك‬

‫‪197‬‬
‫عبر مجموعة من الاتفاقيات التي حاولت توفير حماية نوعية لكل الأجراء أيا كان جنسهم أو مكان‬

‫تواجدهم‪ ،‬بغية دعم مركزهم القانوني على المستوى الوطني‪ ،‬إلا أنه يبدو أن هذه الجهود لا بد من‬

‫مضاعفاتها لحمل الدول على تسر يع وثيرة ملاءمة نصوصها القانونية مع الأحكام الواردة في الاتفاقيات‬

‫الدولية المتعلقة بالشغل‪ ،‬الأمر الذي انعكس إ يجابا على التشر يعات الوطنية منها التشر يع المغربي‪ ،‬الذي‬

‫حاول ملاءمة الأحكام الخاصة بالشغل مع المبادئ المقررة في القانون الدولي المنظم لهذا الموضوع‪ ،‬إلا‬

‫أنه ومع ذلك توجد جوانب قصور عديدة لم تشملها مدونة الشغل الجديدة بأي حماية‪.‬‬

‫ولقد ارتأينا أن نتطرق بخصوص المقتضيات الضامنة لحقوق الأجراء في فقرتين تتعلق بالحقوق الفردية‬

‫(فقرة أولى) والحقوق الجماعية (فقرة ثانية)‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬الحقوق الفردية للأجراء بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل‬

‫صدر عن منظمة العمل الدولية مجموعة من الاتفاقيات‪ ،‬همت( الراحة الأسبوعية‪ ،‬والعطلة السنو ية‪،‬‬

‫والأجر‪ ،‬ومفتشية الشغل‪ ،‬كما عملت المنظمة على ضمان مبدئي الحر ية والمساواة في الشغل‪ ،‬ز يادة على‬

‫حماية صحة الأجراء‪).‬‬

‫إلا انه نظرا لتعدد هده الاتفاقيات و الحقوق المضمنة بها سنقتصر على التطرق لاتفاقيتين أو بالاحر‬

‫حقيين يعتبران من أسمى ما تم التوصل إليه في تشر يع الشغل الدولي وقد تبنتهما مدونة الشغل إثر‬

‫مصادقة المغرب على هاتين الاتفاقيتين ويتعلق الأمر بمنع العمل الجبري (أولا) وعدم التمييز (ثانيا‪).‬‬

‫أولا‪ :‬منع العمل الجبري‬

‫وضعت منظمة العمل الدولية اتفاقيتين اثنتين تمنعان السخرة والعمل الجبري‪ ،‬وهما الاتفاقيتين رقم ‪11‬‬

‫و‪.941‬‬

‫‪198‬‬
‫وقد حددت الاتفاقية رقم ‪ 11‬المقصود بالسخرة في مادتها الثانية‪ ”:‬يقصد بتعبير العمل الجبري أو‬

‫الإلزامي‪ ،‬كل أعمال أو خدمات تغتصب من أي شخص تحت التهديد بأي عقوبة‪ ،‬ولم يتطوع هذا‬

‫الشخص بأدائها عن طيب خاطر‪”.‬‬

‫ولا يتضمن مفهوم العمل الجبري في منطوق هده الاتفاقية أي أعمال أو خدمات تغتصب بموجب‬

‫قوانين الخدمات العسكر ية الإلزامية أو الأعمال التي تغتصب في حالة الطوارئ أو الأعمال التي تفرض‬

‫على شخص بناء على إدانة من المحكمة‪….‬‬

‫ويمثل الأطفال دون سن ‪ 92‬سنة ربع مجموع ضحايا العمل الجبري وكدا العمال المهاجرين إما دوليا أو‬

‫داخل بلدهم ودلك نظرا لصعوبة توجههم إلى العدالة ‘خاصة أولئك الدين يوجدون في وضع الهجرة‬

‫غير النظامية‪.‬‬

‫وقد احترم المغرب هذا المنع عند إعداده لمدونة الشغل‪ ،‬وذلك في المادة العاشرة‪ ،‬ورغبة من المشرع في‬

‫احترام هذا المنع نص في المادة ‪ 91‬على مقتضيات زجر ية‪ ،‬تتمثل في معاقبة المشغل بغرامة من ‪11444‬‬

‫إلى ‪ 34444‬درهم‪ ،‬وفي حالة العود تضاعف الغرامة‪ ،‬ز يادة على الحكم بحبس تتراوح مدته ما بين ‪4‬‬

‫أيام و‪ 3‬أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬منع التمييز‬

‫منع التمييز أو المساواة في الاستخدام تعني” منح فرص متكافئة دون تمييز بين الناس بسبب عرقهم أو‬

‫جنسهم‪ ،‬أو دينهم‪ ،‬أو لغتهم أو انتمائهم السياسي أو لأي سبب أخر‪”.‬‬

‫ومن أجل التخلص من التمييز وضعت منظمة العمل ثلاث اتفاقيات‪ ،‬صادق المغرب على اثنين فقط‬

‫هما‪:‬‬

‫–اتفاقية المساواة في الأجر رقم ‪ 944‬لعام ‪ ،9119‬التي تقرر أن من الواجب أن ينطبق على جميع‬

‫‪199‬‬
‫العمال مبدأ مساواة الرجال والنساء في المكافأة على العمل المتساوي‪.‬‬

‫–اتفاقية التمييز في الاستخدام والمهنة رقم ‪ 999‬لعام ‪ ،9118‬وهي تدعو إلى وضع سياسات مناسبة‬

‫للظروف الوطنية‪ ،‬وتعزيز المساواة في الفرص والمعاملة فيما يتعلق بالاستخدام والمهنة‪ ،‬بغية القضاء على‬

‫أي تمييز في هذين المجالين‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى مدونة الشغل يتضح من الديباجة أن المشرع حاول سد ثغرات التشر يع السابق للشغل‬

‫المتجاهل لمبدأ المساواة‪ ،‬وكدا اتفاقيات منظمة العمل الدولية‪ ،‬في الموضوع فحاول التأكيد على هدا المبدأ‬

‫وعلى الاستثناءات الواردة عليه من خلال نصوص متفرقة أهمها المادة التاسعة التي نصت على أنه يمنع‬

‫كل تمييز بين الأجراء من حيت السلالة أو اللون أو الجنس أو الإعاقة أو الحالة الزوجية أو العقيدة أو‬

‫الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي يكون من شأنه خرق أو‬

‫تحر يف مبدأ تكافؤ الفرص‪ ،‬أو عدم المعاملة بالمثل في مجال التشغيل‪ .‬وكذا المواد ‪ 941‬و‪ 924‬والمادة‬

‫‪ 364‬التي نصت على منع كل تمييز في الأجر بين الجنسين إذا تساوت قيمة الشغل الذي يؤديانه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الحقوق الجماعية للأجراء بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل‬

‫لعل من أبرز حسنات مدونة الشغل أنها أعادت الاعتبار للبعد الجماعي لعلاقات الشغل‪ ،‬وراعت مواقع‬

‫جميع المكونات المكونات البشر ية بالمقاولة من مشغل وممثلين للأجراء سواء كانوا ممثلين نقابيين أو‬

‫مندوبين منتخبين من زملائهم‪.‬‬

‫وواضح من مراجعة أحكام المدونة أن منحاها العام يتجه من جهة أولى نحو تعزيز مكانة النقابة خاصة‬

‫على المستوى الوطني نسبيا على مستوى المقاولة‪ ،‬ومن جهة ثانية على مستوى مجالات الاستشارة ومن‬

‫جهة ثالثة نحو خلق إطارات قانونية تمثيلية جديدة وإنعاش إطارات ظل العمل العمل بها معطلا في‬

‫ضوء التشر يع السابق‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫أولا‪ :‬على مستوى الحر ية النقابية‬

‫إن العمل النقابي يحكمه مبدأ الحر ية النقابية‪ ،‬لذلك يملك كل أجير حق الانخراط في العمل النقابي عن‬

‫طر يق انضمامه إلى إحدى النقابات كما وقع عليها اختياره‪ ،‬فهو حق له لا يمكن لأحد أن يجادله فيه‪،‬‬

‫وقد عملت التشر يعات المقارنة والاتفاقيات الدولية على كفالة حر ية الانضمام إلى التجمعات النقابية‬

‫لكل الأفراد الذين يمارسون نشاطا مهنيا معينا وهو ما أكدته مدونة الشغل‪ ،‬ففي الفقرة الثانية من المادة‬

‫‪ 318‬من المدونة جاء ما يلي‪“ :‬يمكن للمشغلين والأجراء أن ينخرطوا بحر ية في النقابات المهنية التي وقع‬

‫عليها اختيارهم‪”.‬‬

‫كما يمكن للنقابات المهنية أن تتكتل‪ ،‬وتتشاور فيما بينها بكل حر ية‪ ،‬لتدارس مصالحها المشتركة والدفاع‬

‫عنها‪ ،‬كما يمكن لها‪ ،‬أن تنخرط في منظمات نقابية دولية للأجراء أو للمشغلين وهذا ما أكدته كل من‬

‫المادتين ‪ 311‬و‪ 644‬من مدونة الشغل‪ .‬و يعتبر شرط الاتحاد أو التشابه أو الارتباط بمهنة أو حرفة‬

‫معينة‪ ،‬هو الشرط الوحيد اللازم لممارسة حق الانخراط النقابي قياسا إلى ما جاء في الفقرة الأولى من‬

‫المادة ‪ 318‬من مدونة الشغل‪ ،‬التي أشارت إلى أن حر ية وحق تأسيس النقابات المهنية يكون من‬

‫طرف أشخاص يتعاطون حرفة أو مهنة واحدة أو مهنا أو حرفا متشابهة أو مرتبطة ببعض‪ ،‬وبالرجوع إلى‬

‫الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الحر ية النقابية نجدها تدافع عن نفس المبدأ وتكفل حر ية الانتماء أو‬

‫الانضمام إلى النقابات‪.‬‬

‫فالاتفاقية رقم ‪ 82‬الخاصة بالحر ية النقابية وحماية حق كما اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في‬

‫يوليوز ‪ ،9168‬تنص في بابها المعنوي بالحر ية النقابية على حق العمال وأصحاب العمل في الانضمام إلى‬

‫المنظمات النقابية ودون أي ترخيص مسبق من طرف أي جهة معينة‪ ،‬وذلك حسب المادة ‪ 1‬من‬

‫الاتفاقية‪ ،‬كما كفلت نفس الاتفاقية لمنظمات العمال وأصحاب العمل حق الانضمام إلى الاتحادات‬

‫‪201‬‬
‫العمالية وحق الانتساب إلى منظمات دولية للعمال وأصحاب العمل وذلك في المادة منها‬

‫فلا يجوز إذن فرض قيود على حق الانضمام أو الانتساب إلى النقابات المهنية سوى تلك المنصوص‬

‫عليها في منظمة العمل الدولية والمواثيق الدولية ذات العلاقة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر‬

‫في ‪ 9168‬ينص على حق الأفراد في الانضمام إلى النقابات‪ ،‬وقد وضعت اتفاقية العمل الدولية رقم‬

‫‪ 18‬لعام ‪ 9161‬بعض الضمانات ل كفالة الحق في الانتساب للنقابات بكل حر ية‪.‬‬

‫فمن حق كل فرد إذن الانضمام إلى ما يختاره من نقابات‪ ،‬وذلك في حدود ما تفرضه قواعد التنظيم‬

‫المعنى‪ ،‬وقد حثت الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي وضعتها الأمم‬

‫المتحدة سنة ‪ ،9111‬الدول الأطراف فيها بأن تكفل وتحفظ هذا الحق ومثلها فعلت الاتفاقية الدولية‬

‫بشأن الحقوق المدنية والسياسية التي وضعتها الأمم المتحدة سنة ‪ 9111‬وكذلك الاتفاقية الدولية لإزالة‬

‫كافة أشكال التمييز العنصري التي وضعتها الأمم المتحدة عام ‪ ،9141‬والميثاق الأوربي لحقوق الإنسان‬

‫أعطى بدوره الحق لكل الأفراد في تكوين النقابات والانضمام إليها وذلك في المادة ‪ 99‬منه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬بخصوص المفاوضة الجماعية‬

‫تعتبر المفاوضات الجماعية آلية من الآليات القانونية المساهمة بشكل كبير في استقرار علاقات الشغل‬

‫الجماعية وبالتالي فتح الباب نحو تقدم وتنمية اقتصادية واجتماعية‪.‬‬

‫وقد عرفت مدونة الشغل المغربية في القانون رقم ‪ 41-11‬المفاوضة الجماعية بأنها الحوار الذي يجري‬

‫بين ممثلي المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا أو الاتحادات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا من جهة‪،‬‬

‫وبين مشغل أو عدة مشغلين أو ممثلي المنظمات المهنية للمشغلين من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫وعلى مستوى الفقه فقد عرفها البعض بأنها عبارة تستعمل لوصف الحوار والتفاوض بين عنصري‬

‫الإنتاج أو ممثليهم‪ ،‬بشأن أي موضوع يتعلق بشروط وأوضاع الشغل والتشغيل أو بأية مواضيع أخرى‬

‫ذات اهتمام مشترك بالنسبة لكل من الأجراء ومشغليهم‪.‬‬

‫فحين عرفها البعض الآخر بأنها تفترض مواجهة لمصالح متعارضة يدافع عنه كل طرف من خلال ممثله‬

‫الذي يمتلك سلطة تقديم التنازلات‪ ،‬ومن خلال التنازلات المتبادلة تأمل الوصول إلى تجاوز الخلافات‬

‫الأساسية‪.‬‬

‫وهناك جانب آخر من الفقه قد عرفها بأنها وسيلة سلمية كما أنها جماعية تتم في إطار تنظيم قانوني معين‪،‬‬

‫وتسعى للوصول لأهداف معروفة بما يحقق في النهاية مصلحة العمل والعمال أيضا‪.‬‬

‫والواضح أن التعر يف الذي جاءت به المدونة أنه يكاد يكون مطابقا للتعر يف الذي أوردته الاتفاقية‬

‫الدولية لمنظمة العمل الدولية رقم ‪ 169‬حول تنمية المفاوضة الجماعية الصادرة سنة ‪ 9189‬من خلال‬

‫مادته الثانية‪ ،‬وقريبا من هذا التعر يف نص المشرع المصري في المادة ‪ 964‬من قانون العمل المصري‬

‫على أن المفاوضة الجماعية هي الحوار والمناقشات التي تجري بين المنظمات النقابية العمالية وبين أصحاب‬

‫الأعمال أو منظماتهم من أجل‪:‬‬

‫–تحسين شروط وظروف العمل وأحكام الاستخدام‪.‬‬

‫–التعاون بين طرفي العمل لتحقيق التنمية الاجتماعية لعمال المنشأة‪.‬‬

‫–تسو ية المنازعات بين العمال وأصحاب الأعمال‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المقتضيات الخاصة ببعض أصناف الأجراء‬

‫سنخصص هذا المطلب للحديث عن مدى تلاءم المدونة مع الاتفاقيات الخاصة بفئة معينة من الأجراء‪،‬‬

‫غير أننا سنتناول في هذا المطلب بعض هده الفئات فقط مقتصرين على الأحداث (فقرة أولى ) والمرأة‬

‫‪203‬‬
‫الأجيرة (فقرة ثانية ) والأجير المعاق في (فقرة ثالثة)‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬حماية الأحداث‬

‫وضعت منظمة العمل الدولية عددا هاما من الاتفاقيات الرامية إلى حماية الطفل من كل أشكال‬

‫الاستغلال‪.‬‬

‫ولقد صادق المغرب على اتفاقيتين‪ ،‬هما الاتفاقية رقم ‪ 938‬المتعلقة بالحد الأدنى لسن الاستخدام‪،‬‬

‫والاتفاقية رقم ‪ 981‬المتعلقة بحظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفور ية للقضاء عليها‪.‬‬

‫فالاتفاقية رقم ‪ ،938‬نصت على التزام الدولة المصادقة على وضع حد أدنى للتشغيل‪ ،‬مع الإشارة إلى‬

‫أن هذا السن لا يمكن أن يقل عن ‪ 91‬سنة‪.‬‬

‫وهذا ما اتبعته المدونة من خلال المادة ‪ ،963‬بحيث حددت هذا السن في ‪ 91‬سنة كاملة‪.‬‬

‫كما أن الاتفاقية نصت على أنه لا يجوز أن يقل الحد الأدنى عن ‪ 98‬سنة إذا كان العمل يحتمل أن‬

‫يعرض الحدث للخطر‪.‬‬

‫وهذه المسالة نصت عليها أيضا المدونة من خلال المادة ‪ ،989‬وقد حدد المشرع المغربي هذه الأعمال‬

‫عبر نص تنظيمي‪.‬‬

‫وقد وضعت المدونة تدابير زجر ية من أجل مواجهة خرق هذه المقتضيات وذلك في المادة ‪ ،919‬وهذا‬

‫مطابق لما جاء في المادة التاسعة من الاتفاقية‪.‬‬

‫أما الاتفاقية رقم ‪ 981‬فقد حددت أسوأ أشكال العمل التي يحظر تشغيل الأطفال فيها‪.‬‬

‫وهذه الأعمال هي‪:‬‬

‫‪204‬‬
‫–كافة أشكال الرق أو الممارسة الشبيهة بالرق‪ ،‬كبيع الأطفال والاتجار بهم وعبودية الدين‪ ،‬والقنانة‬

‫والعمل القسري أو الجبري بما في ذلك التجنيد القسري‪.‬‬

‫–استخدام طفل أو تشغيله أو عرضه للدعارة‪ ،‬أو إنتاج أعمال إباحية‪.‬‬

‫–استخدام طفل أو تشغيله في عمل غير مشروع (المخدرات‪).‬‬

‫–الأعمال التي يرجح أن تؤدي بفعل طبيعتها أو بفعل الظروف التي تزاول فيها( الإضرار بصحة‬

‫الأطفال أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي‪).‬‬

‫وهذا ما نص عليه المشرع المغربي في المادة ‪ 989‬من مدونة الشغل التي تنص على‪ ”:‬يمنع تشغيل‬

‫الأحداث دون ‪ 98‬سنة‪ ،‬والنساء والأجراء والمعاقين في الأشغال التي تشكل مخاطر بالغة عليهم‪ ،‬أو‬

‫تفوق طاقتهم‪ ،‬أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة‪”.‬‬

‫فمصطلح الآداب العامة يمكن أن تدخل فيه أسوأ أشكل العمل المشار إليها في الاتفاقية رقم ‪.981‬‬

‫وإذا كانت المقتضيات المشار إليها أعلاه‪ ،‬تحملنا على التصفيق للمشرع المغربي‪ ،‬فإنه يحق لنا التساؤل عن‬

‫نصيب الطفلة الخادمة من هذه المكتسبات‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫فكل ما وضعته المدونة هو الإشارة إلى أن شروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم البيوت‪ ،‬سيحددها‬

‫قانون خاص ( المادة ‪).6‬‬

‫وهكذا فإن قانون الشغل يكرس معانات الخادمات من خلال إحجامه عن إقرار قواعد قانونية مانعة‬

‫وزاجرة لهذا النوع من الشغل‪ ،‬ثم من خلال إقصائه لهن من نطاق تطبيق هذا القانون‪.‬‬

‫وهكذا فإن المشرع أعفى مشغلي القاصرات من الالتزامات التي كان يجب أن تقرر لفائدة خادمات‬

‫البيوت باعتبارهن أجيرات‪ ،‬ومن الالتزامات المقررة لفائدة الأجراء القاصرين‪.‬‬

‫وبالتالي لا يتم احترام‪:‬‬

‫–السن الأدنى للتشغيل‪ ،‬كما نصت عليه الاتفاقية رقم ‪.938‬‬

‫–مدة العمل‪ ،‬والراحة الأسبوعية‪ ،‬العطلة السنو ية‪ ،‬بحيث أن الخادمات يشتغلن ما بين ‪ 1‬ساعات‬

‫و‪ 94‬ساعة في اليوم‪ ،‬كما أن أيام الأعياد ونهاية الأسبوع‪ ،‬تمثل أيام العمل الشاق بالنسبة لهن‪.‬‬

‫–غياب الرقابة وتكريس أبشع مظاهر الاستغلال‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫كما أن عمل الخادمات الصغيرات يشكل في الحقيقة عملا إجبار يا‪ ،‬مما يجعلنا أمام تعارض صريح مع‬

‫الاتفاقيات المانعة للعمل الجبري ‪ 11‬و‪.941‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حماية المرأة الأجيرة‬

‫صادق المغرب على ثلاثة اتفاقيات‪ ،‬خاصة بتشغيل النساء‪ ،‬وهذه الاتفاقيات هي الاتفاقية رقم ‪6‬‬

‫الخاصة بمنع بتشغيل النساء ليلا‪ ،‬والمعدلة بمقتضى الاتفاقية رقم ‪ 69‬الصادرة سنة ‪ ،9136‬ثم الاتفاقية‬

‫رقم ‪ 61‬والمتعلقة باستخدام النساء للعمل تحت سطح الأرض في المناجم بمختلف أنواعها‪.‬‬

‫وبالإطلاع على هذه النصوص يتضح لنا‪ ،‬أن المشرع المغربي بخصوص اشتغال النساء ليلا‪ ،‬لم يصل حد‬

‫المنع‪ ،‬بل قام فقط بتنظيم هذا العمل بمقتضيات من شأنها حماية المرأة فقط‪ ،‬وذلك في المواد من ‪921‬‬

‫إلى ‪.921‬ز يادة على نص تنظيمي يحدد الشروط الواجب توافرها‪.‬لتسهيل تشغيل النساء في شغل ليلي‪:‬‬

‫–توفير وسائل النقل من محل إقامتهن إلى مقرات الشغل ذهابا وإيابا‪ ،‬في حالة عدم توفر وسائل النقل‬

‫العمومي‪.‬‬

‫–تمتعهن براحة لا تقل عن نصف ساعة بعد كل أربع ساعات من العمل المتواصل تدخل مدة هذه‬

‫الاستراحة ضمن مدة الشغل الفعلي‪.‬‬

‫–توفير وسائل الراحة‪.‬‬

‫بالنسبة لاشتغالهن تحت سطح الأرض‪ :‬فإن المشرع المغربي منع هذا النوع من العمل على النساء‪،‬‬

‫وذلك من خلال المادة ‪ ،921‬وهذا موافق لما جاء في المادة الثانية من الاتفاقية رقة ‪.61‬‬

‫والملاحظ أن الاتفاقية‪ ،‬أجازت وضع قوانين أو لوائح وطنية تسمح باشتغال نساء معينات في المناجم‬

‫مثل‪:‬‬

‫‪207‬‬
‫أ‪ -‬النساء اللاتي تشغلن مناصب في الإدارة ولا تؤدين أعمال يدو ية‪.‬‬

‫ب‪ -‬النساء العاملات في الخدمات الصحية وخدمات الرعاية‪.‬‬

‫ج‪ -‬النساء اللاتي تقضين أثناء دراستهن فترة تدريب في أقسام المناجم الواقعة تحت سطح الأرض‪.‬‬

‫د‪ -‬أي نساء أخر يات يتعين عليهن النزول أحيانا إلى أقسام المناجم الواقعة تحت سطح الأرض لأداء‬

‫عمل غير يدوي‪.‬‬

‫وقد قام المغرب بوضع نص تنظيمي مطابقا لهذا الاستثناء‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬حماية الأجير في حالة إعاقة‬

‫لقد جاءت مدونة الشغل التي أشارت لأول مرة في تاريخ التشر يع الاجتماعي المغربي إلى خصوصية‬

‫وضع الأجير المعاق خاصة بعد أحداث كتابة الدولة المكلفة بالأشخاص المعاقين‪ ،‬إذ أن من المقتضيات‬

‫الإ يجابية في مدونة الشغل الجديدة هي التنصيص على حقوق إ يجابية بالنسبة للمعاقين سواء بفتح المجال‬

‫أمام تشغيلهم‪ ،‬والتأكيد على أن الإعاقة لا يمكن أن تكون سببا في الفصل من العمل‪.‬‬

‫وهكذا فقد نص المشرع على أن كل تمييز بين الأجراء من حيث الإعاقة يكون من شأنه خرق أو‬

‫تحر يف مبدأ تكافؤ الفرص أو عدم المعاملة بالمثل في مجال التشغيل أو الفصل من التشغيل وذلك إذا‬

‫كان من بين طالبي الشغل أجيرا معاقا‪ .‬كما ألزم المشرع المشغل الذي يعتزم تشغيل أجير معاق بان يقدم‬

‫‪208‬‬
‫تصر يحا بذلك إلى مفتش الشغل وذلك حتى يتسنى لهذا الأخير إجراء المراقبة اللازمة بخصوص‬

‫ظروف شغل ذلك الأجير‪ .‬ولم تكتف المدونة بذلك بل قررت أيضا ضرورة عرض الأجير المعاق على‬

‫فحص طبي قبل تشغيله حتى لا يسند إليه شغل يفوق طاقته وقدراته‪.‬‬

‫أما من حيث ظروف التشغيل‪ ،‬فيتمتع الأجير المعاق بمقتضيات حمائية عديدة سواء فيما يتعلق بنوعية‬

‫الأشغال الموكولة إليه أو بمدة الشغل أو بالمراقبة الصحية‪.‬‬

‫فذهبت المدونة إلى منع تشغيل الأجراء المعاقين في أشغال تعرضهم لأضرار تزيد من حدة إعاقتهم‪ .‬كما‬

‫نصت أيضا على ضرورة تجهيز أماكن الشغل بالولوجيات اللازمة لتسهيل قيام الأجراء المعاقين بشغلهم‬

‫وأن توفر لهم كل الشروط الصحية والسلامة المهنية‪ .‬حيث منعت تشغيل الأجراء المعاقين في المقالع‬

‫وفي الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم‪ .‬وفي كل الأشغال التي من شأنها أن تشكل‬

‫مخاطر بالغة عليهم أو تفوق طاقتهم أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة‪.‬‬

‫وهذا ما أكدته الاتفاقية الدولية للأشخاص المعاقين لسنة ‪ 1442‬التي وقعها المغرب والتي تعترف للدول‬

‫الأطراف بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل‪ ،‬على قدم المساواة معا لآخرين؛ ويشمل هذا الحق‬

‫إتاحة الفرصة لهم ل كسب الرزق في عمل يختارونه أو يقبلونه بحر ية في سوق عمل وبيئة عمل منفتحتين‬

‫أمام الأشخاص ذوي الإعاقة وشاملتين لهم ويسهل انخراطهم فيهما‪ .‬وتحمي الدول الأطراف إعمال الحق‬

‫في العمل وتعززه‪ ،‬بما في ذلك حق أولئك الذين تصيبهم الإعاقة خلال عملهم‪ ،‬وذلك عن طر يق اتخاذ‬

‫‪209‬‬
‫الخطوات المناسبة‪ ،‬بما في ذلك سن التشر يعات‪ ،‬لتحقيق عدة أهداف منها ما يلي‪:‬‬

‫حظر التمييز على أساس الإعاقة فيما يختص بجميع المسائل المتعلقة بكافة أشكال العمالة‪ ،‬ومنها‬

‫شروط التوظيف والتعيين والعمل‪ ،‬واستمرار العمل‪ ،‬والتقدم الوظيفي‪ ،‬وظروف العمل‬

‫الآمنة والصحية‪.‬‬

‫حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في ظروف عمل عادلة وملائمة‪ ،‬على قدم المساواة مع الآخرين‪،‬‬

‫بما في ذلك تكافؤ الفرص وتقاضي أجر متساو لقاء القيام بعمل متساوي القيمة‪ ،‬وظروف‬

‫العمل المأمونة والصحية‪ ،‬بما في ذلك الحماية من التحرش‪ ،‬والانتصاف من المظالم‪.‬‬

‫كفالة تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من ممارسة حقوقهم الع ُمالية والنقابية على قدم المساواة‬

‫مع الآخرين‪.‬‬

‫تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الحصول بصورة فعالة على البرامج العامة للتوجيه التقني والمهني‪،‬‬

‫وخدمات التوظيف‪ ،‬والتدريب المهني والمستمر‪.‬‬

‫تعزيز فرص العمل والتقدم الوظيفي للأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل‪ ،‬فضلا عن تقديم‬

‫المساعدة على إ يجاد العمل والحصول عليه والمداومة عليه والعودة إليه‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫تعزيز فرص العمل الحر ّ‪ ،‬ومباشرة الأعمال الحرة‪ ،‬وتكوين التعاونيات‪ ،‬والشروع في الأعمال‬

‫التجار ية الخاصة‪.‬‬

‫تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع العام‪.‬‬

‫تشجيع عمالة الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع الخاص من خلال انتهاج سياسات واتخاذ تدابير‬

‫مناسبة‪ ،‬قد تشمل البرامج التصحيحية‪ ،‬والحوافز‪ ،‬وغير ذلك من التدابير‪.‬‬

‫كفالة توفير ترتيبات تيسير ية معقولة للأشخاص ذوي الإعاقة في أماكن العمل‪.‬‬

‫تشجيع اكتساب الأشخاص ذوي الإعاقة للخبرات المهنية في سوق العمل المفتوحة؛‬

‫تعزيز برامج إعادة التأهيل المهني والوظيفي‪ ،‬والاحتفاظ بالوظائف‪ ،‬والعودة إلى العمل لصالح الأشخاص‬

‫ذو الإعاقة‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫خاتمة‬

‫من خلال ما سبق يظهر لنا أن المشرع المغربي‪ ،‬احترم العديد من المقتضيات الواردة في الاتفاقيات‬

‫المصادق عليها‪ ،‬كما خلصنا إلى إمكانية تمتيع الأجراء بالحقوق الواردة في هذه الاتفاقيات حتى و لو لم‬

‫يتم التنصيص عليها في المدونة‪ ،‬ما دام أن المشرع اعتبر الاتفاقيات المصادق عليها في حكم نصوص‬

‫المدونة‪.‬‬

‫غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما محل الاتفاقيات غير المصادق عليها‪ ،‬وبالأخص الاتفاقية رقم‬

‫‪ 82‬المتعلقة بالحر ية النقابية ‪،‬والاتفاقية رقم‪948‬المتعلقة بالبطالة‪:‬‬

‫–بالنسبة للاتفاقية رقم‪ :82‬بالرغم من أن المشرع احترم العديد من الضمانات الواردة فيها‪ ،‬فإنه ما‬

‫يزال هناك مسألة عالقة تحتاج إلى حل‪ ،‬ونقصد مسألة الحق في الإضراب‪ ،‬فهذا الحق تمت الإشارة‬

‫إليه في الدستور‪ ،‬غير أن شروطه بقي تحديدها مرتبطا بصدور نص تنظيمي‪.‬‬

‫–بالنسبة للاتفاقية رقم ‪ :948‬تتكلم هذه الاتفاقية عن الحق في الحصول عن تعو يض البطالة‪.‬‬

‫فهذه الاتفاقيات تشكل أهمية بالغة كان على المشرع المغربي المصادقة عليها‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫لائحة المراجع‬

‫المراجع العامة‬
‫محمد الشرقاني‪ ،‬علاقات الشغل بين تشر يع الشغل ومشروع مدونة الشغل‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ ،1496/1493‬مطبعة سجلماسة‬
‫مكناس‪،‬‬
‫عمر تيزاوي‪ ،‬مدونة الشغل بين متطلبات المقاولة وحقوق الأجراء‪ ،‬الطبعة الأولى يونيو ‪1499‬‬
‫المقالات‬

‫عبد الهادي بوطالب‪ ،‬المقاولات العملاقة تحكم العالم مقال منشور في كتاب “العالم ليس سلعة” منشورات‬ ‫‪‬‬

‫جريدة الزمن عدد ‪ 14‬سنة ‪ ،1444‬مطبعة النجاح الجديدة‬

‫بشرى العلوي‪ ،‬تعامل مدونة الشغل مع الاتفاقيات الدولية‪ ،‬مقال منشور بالمجلة الال كترونية لندوات محاكم‬ ‫‪‬‬

‫فاس‪ ،‬العدد الرابع – يونيو ‪،1444‬‬

‫محمد لهيني إشكالية القيمة القانونية للقانون الدولي للعمل على ضوء مدونة الشغل الجديدة مقال منشور بالمجلة‬ ‫‪‬‬

‫الال كترونية لندوات محاكم فاس‪ ،‬م‪.‬س‪.‬‬

‫ورقة أعدت من طرف وزارة العدل أهم مستجدات مدونة الشغل الجديدة منشورة في رسالة المحاماة العدد‬ ‫‪‬‬

‫‪ ،11‬نونبر ‪1446‬‬

‫التقرير الرابع ‪ ,‬مكتب العمل الدولي جنيف ‪ ,‬تعزيز إجراءات لوضع حد للعمل الجبري‪ .‬الدورة ‪1496, 943‬‬ ‫‪‬‬

‫عبد العزيز مباح ‪,‬الحق النقابي بالمغرب قراءة نقدية في ظهير ‪ 94‬يوليوز بشأن النقابات مطبعة فضالة الطبعة ‪3‬‬ ‫‪‬‬

‫سنة ‪1443‬‬

‫فريدة اليوموري أحكام المفاوضة الجماعية “المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ” سنة ‪1444‬‬ ‫‪‬‬

‫تقرير حول ندوة ملائمة التشر يعات الوطنية في الشغل مع المعايير الدولية المنظمة يوم ‪1499/46/46‬‬ ‫‪‬‬

‫بالرباط نظمتها وزارة التشغيل والتكوين المهني بتعاون مع منظمة العمل الدولية‬

‫تقرير ندوة فكر ية تحت شعار ” من أجل ملائمة مدونة الشغل مع الدستور وتشر يعات المنظمة العالمية للشغل‬ ‫‪‬‬

‫والالتزام بالتطبيق الفعلي والسليم للقانون “‪ ،‬منظمة من طرف المنظمة الديمقراطية للشغل وذلك يوم الأربعاء ‪ 6‬يونيو‬
‫‪ 1496‬بالرباط‬

‫‪213‬‬
‫دور الإجتهاد القضائي الاجتماعي في تطوير نظام إثبات حوادث الشغل‬

‫و الأمراض المهنية‬

‫يونس شكران‬

‫باحث في الإجتهاد القضائي المغربي و المقارن‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫إن نظام الإثبات في إطار حوادث الشغل و الأمراض المهنية ‪ ،‬مر عبر مراحل كان الفاعل‬

‫الجوهري فيها هو الإجتهاد القضائي الإجتماعي بدءا بتقرير مسؤولية المشغل طبقا لقواعد المسؤولية المدنية‬

‫المرتكزة على إثبات الخطأ والضرر والعلاقة السببية‪ ،‬مرورا بالتكييف القضائي لمسؤولية المشغل الذي جعل هذه‬

‫المسؤولية مفترضة‪ ،‬تستند إلى نظر ية المخاطر المهنية التي يتحمل فيها المشغل المسؤولية‪ ،‬ما لم يثبت أنه فعل ما‬

‫كان ضرور يا لدفع الخطر‪ ،‬وبأن الضرر راجع إلى قوة قاهرة أو حادث فجائي‪ ،‬أو يعزى إلى خطأ الأجير‪،‬‬

‫وصولا إلى مرحلة التشر يع الخاص التي في ظلها جعل المشرع مسؤولية المشغل بدون خطأ حيث أعفى الأجير‬

‫المصاب من إثبات الخطأ من جانب مشغله‪ ،‬كما منع على هذا الأخير التنصل من مسؤوليته بناء على خطأ‬

‫المضرور‪ ،‬والقوة القاهرة والحادث الفجائي‪.‬‬

‫وإذا كانت مسؤولية المشغل لا تقتضي إلا عنصرين واجبي الإثبات‪ ،‬وهما الضرر والعلاقة السببية‪ ،‬فهذا لا‬

‫يعني اختفاء عنصر الخطأ كليا‪ ،‬وإنما يتخذ هذا الأخير في حالة خاصة كعنصر مهم واجب الإثبات‪ ،‬ومؤثر في‬

‫مقدار التعو يض‪ ،‬وذلك في حالتين الخطأ العمدي والخطأ غير المقبول‪.‬‬

‫وتطو ير نظام الإثبات في حوادث الشغل جاء عبر الإجتهاد القضائي بابتكاره أسلوب جديد وهو قرينة الإسناد‪،‬‬

‫التي نجحت إلى حد ما في قلب عبء الإثبات‪ ،‬وجعله على عاتق المشغل‪ ،‬ل كن يؤخذ على هذه القرينة أنها‬

‫بسيطة قابلة لإثبات العكس‪ ،‬لأنها تفتح الباب أمام المشغل أو مؤمنه للتنصل من مسؤوليتهما إذا ما أثبتوا أن‬

‫‪214‬‬
‫الحادثة راجعة إلى سبب خارجي تماما عن الشغل ‪ ،‬وبعجز قرينة الإسناد في تحقيق حماية أكثر للأجير‪ ،‬افرز‬

‫الإجتهاد القضائي قرينة التبعية والتي بواسطتها يتم افتراض خضوع الأجير ليس بالنظر إلى تواجده في مكان‬

‫ووقت الشغل ‪ ،‬وإنما إلى قيامه بتنفيذ أوامره وتعليماته ‪،‬ولو كان ذلك خارج النطاق الزمني والمكاني للشغل ‪،‬‬

‫وبذلك تهدف إلى تيسير الإثبات من خلال دعهما لمضمون قرينة الإسناد‪ ،‬بشكل يؤدي إلى اتساع نطاقها لا‬

‫إلى تقييدها‪ .‬ومن جهة أخرى تم تدعيم نظام الإثبات في حوادث الشغل بأسلوب آخر وهو القرينة المادية و‬

‫القرينة السببية ‪ ،‬والتي تعفي الأجير من إقامة الدليل على التحقق المادي للحادثة‪.‬‬

‫لذلك إذا كان القانون المتعلق بحوادث شغل و الأمراض المهنية ‪ 98/91‬يعتبر استثناء من القواعد العامة‬

‫للمسؤولية‪ ،‬فإن المشرع المغربي حصر نطاق تطبيقه في وقائع معينة ‪ ،‬وبالتالي فإن كل حادثة تسببت في ضرر‬

‫للأجير أثناء وقت ومكان الشغل لا تتصف بصبغة حادثة شغل التي يحميها القانون المذكور إلا إذا تم إثبات‬

‫توفر شروط معينة في هذه الحادثة سنها المشرع و طورها الإجتهاد القضائي‪ ،‬من هنا برزت أهمية تطوير‬

‫الإجتهاد القضائي لنظام إثبات حوادث الشغل و الأمراض المهنية لإفتقاد الإثبات عبر القواعد العامة للدقة‬

‫واصطدامه مع خصوصية الإثبات في حوادث الشغل ‪ ،‬بحيث من هنا نطرح التساؤل والإشكال الجوهري‬

‫المتمثل في ماهي الأسس الواقعية و العناصر المادية التي يعتمد عليها الإجتهاد القضائي في إثبات حوادث‬

‫الشغل ؟‪ ،‬و كيف استطاع الإجتهاد القضائي تطوير نظام إثبات حوادث الشغل و الأمراض المهنية ؟ و ما‬

‫هي الوسائل التي يعتمدها الإجتهاد القضائي لاعتبار حادثة ما حادثة شغل؟ هل يلقى على عاتق الأجير عبء‬

‫الإثبات؟ أم أن الإجتهاد القضائي يستند على قرينة الإسناد و التبعية القابلة أو غير القابلة لإثبات العكس؟ أم‬

‫يستند الى نظر ية الضرر المباشر و الغير المباشر؟‬

‫لهذا و للإجابة على الإشكال الجوهري و الأسئلة الفرعية سنعمد الى دراستها و معالجتها وفق ثلاثة ركائز‬

‫سنعمل على رصد و تحليل دور الاجتهاد القضائي في إثبات عنصر الحادثة في أولا‪ ،‬كما سنعمد في ثانيا على‬

‫‪215‬‬
‫دراسة مدى استناد الاجتهاد القضائي على إثبات عنصر الضرر‪ ،‬على أساس مناقشة دور الاجتهاد القضائي في‬

‫تكييف العلاقة السببية في ثالثا‪.‬‬

‫أولا‪ :‬دور الإجتهاد القضائي في إثبات عنصر الحادثة‬

‫إن إثبات أن الحادثة حادثة شغل يقتضي إثبات أن عنصر الحادثة يتوفر على عناصر معينة‪ ،‬هذه الأخيرة ثار‬

‫خلاف فقهي و اختلاف التوجهات القضائية حول أهميتها‪ ،‬ل كن الإجتهاد القضائي ابتدع عناصر أصبح‬

‫مستقر عليها لإعتبار الحادثة حادثة شغل رغم عدم دقتها ‪ ،‬لذا يتعين أن نحدد عناصر الحادثة ثم نقوم بتقييم‬

‫تلك العناصر والذي سيفرز لنا أسلوبا جديدا في إطار الإثبات في حوادث الشغل وهو القرينة‪.‬‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬عناصر الحادثة‬

‫حدد الاجتهاد القضائي عناصر الحادثة أو الفعل الضار في السبب الخارجي‪ ،‬وعنصر العنف ثم عنصر‬

‫الفجأة أو المباغتة‪ ،‬ل كن ثار خلاف فقهي و قضائي حول أهميتها‪ ،‬وهذا راجع إلى عدم احتواء التشر يع المنظم‬

‫لحوادث الشغل الى تعر يف دقيق لحادثة شغل والذي من شأنه لم يسهل الإثبات على من يدعي أن الحادثة‬

‫التي وقعت له هي حادثة شغل‪ ،‬والمادة ‪ 3‬من القانون ‪ 98/91‬تنص على انه ‪ » :‬تعتبر حادثة شغل كل‬

‫حادثة‪ ،‬كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر‪ ،‬للمستفيد من أحكام هذا القانون‪ ،‬سواء كان أجيرا أو يعمل بأية‬

‫صفة تبعية كانت وفي أي محل كان إما لحساب مشغل واحد أو عدة مشغلين‪ ،‬وذلك بمناسبة أو بسبب الشغل‬

‫أو عند القيام به‪ ،‬ولو كانت هذه الحادثة ناتجة عن قوة قاهرة أو كانت ظروف الشغل قد تسببت في مفعول‬

‫هذه القوة أو زادت في خطورتها إلا إذا أثبت المشغل أو مؤمنه طبقا للقواعد العامة للقانون أن مرض المصاب‬

‫كان سببا مباشرا في وقوع الحادثة‪.‬‬

‫و يقصد بالضرر في مفهوم هذا القانون كل إصابة جسدية أو نفسية تسببت فيها حادثة الشغل وأسفرت عن عجز‬

‫‪i‬‬
‫جزئي أو كلي‪ ،‬مؤقت أو دائم‪ ،‬للمستفيد من أحكامه‪» .‬‬

‫‪216‬‬
‫‪68 ».‬ونهج المشرع المصري نفس النهج بقوله‪ » :‬كل واقعة تحدث أثناء العمل أو بسببه‪ ،‬تعد الإصابة الناتجة‬

‫عنها إصابة عمل‬

‫لهذا فإن ما جاء في هذه النصوص أقرب من أن يكون بيانا لطبيعة علاقة الإرتباط بين الحادث والنشاط‬

‫المهني‪ ،‬وتعر يف عام لحادثة الشغل يفتقد للدقة وتبيان عناصرها‪،‬وعدم تعر يف حادث شغل بدقة هو نهج‬

‫كل تشر يعات الدول المختلفة لصعوبة دمج مختلف الإجتهادات القضائية و الفقهية في تعر يف موحد شمولي‬

‫يعطي تعر يف دقيق‪.‬‬

‫في تعر يف حادثة الشغل‪ ،‬قام القضاء المغربي بوضع تعر يف لحادثة شغل‬ ‫وأمام عدم دقة المشرع‬

‫فاعتبرها‪» :‬ما يصيب جسم الإنسان فجأة بفعل عنيف وبسبب خارجي » وهو نفس التعر يف الذي أتى به‬

‫الفقه والقضاء الفرنسي حيث جاء يقول في تعر يفه لحادثة شغل‪ » :‬الواقعة التي تلحق بالعامل على إثرها أضرار‬

‫‪69‬‬
‫جسد ية وتتميز بالمباغتة والعنف وتجد مصدرها في سبب خارجي»‬

‫وانطلاقا من هذا التعر يف القضائي يمكن القول أنه لإثبات أن حادثة ما تعتبر حادثة شغل وضع الإجتهاد‬

‫القضائي مجموعة من العناصر يجب إثبات توافرها تتمثل في ‪ :‬عنصر السبب الخارجي العنف الفجأة ‪ ،‬لهذا نقوم‬

‫بتحديد مفهوم كل عنصر على حدة و مدى أهميته في مجال الإثبات‪ ،‬و كيف ابتدع الإجتهاد القضائي هذه‬

‫العناصر التي أصبح مستقر عليها رغم عدم دقتها هي الأخرى ‪،‬ل كن على الأقل تساعد القضاء في إثبات حادثة‬

‫الشغل‪.‬‬

‫يماثل ا) العنصر الأول‪ :‬السبب الخارجي‪:‬‬

‫‪68‬‬

‫‪69‬‬

‫‪217‬‬
‫وهو كما اعتبره الفقه والقضاء الفرنسي القوة التي لا ترجع إلى التركيب العضوي للمضرور‪ ،‬أي إلى تكوينه‬

‫‪70‬‬
‫الطبيعي‪.‬‬

‫إذا كان الأمر كذلك فإنه يصعب عمليا إثبات الصفة الخارجية للحادث خاصة في الحالات التي تكون فيها‬

‫الإصابة غير ظاهرة وإن كانت مؤكدة في وجودها‪ ،‬مما دفع القضاء إلى خلق اجتهادات قضائية أكثر مرونة‬

‫حيث ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أنه‪:‬‬

‫» إذا كانت فكرة حادث العمل تتطلب وجود مساس مادي بالجسد بمعنى إصابة ناتجة عن تدخل عامل‬

‫خارجي فإن هذا الشرط يتحقق إذا ثبت أن الإصابة ترجع إلى الجهد‪ ،‬حتى ولو كان هذا الجهد قد بذل في‬

‫‪71‬‬
‫تنفيذ عمل عادي اتصل بنشاط العامل‪» .‬‬

‫‪72‬‬
‫أن »الجهد يماثل الحادث» وبالنسبة لبعض الفقه المغربي‪،‬‬ ‫وفي نفس الاتجاه تعتبر بعض الأحكام القضائية‬

‫اعتبر السبب الخارجي بمثابة كل سبب لا يعود إلى البيئة الجسمية للمصاب واعتبر هذا الفقه أن هذا العنصر‬

‫يتجلى في كل عامل مادي أو معنوي خارجي‬

‫عن التكوين البيولوجي للمصاب‪ ،‬والعامل المادي قد يكون أداة من أدوات الشغل‪ ،‬أو فعل الحيوان‪ ،‬أو‬

‫الحرارة‪ ،‬أو ال كهرباء‪ ،‬أو قوى الطبيعة …‬

‫أما العامل المعنوي فقد يتمثل في الإصابة بصدمة نفسية بمثابة حادثة شغل كالصدمة التي اعترت سائق الشاحنة‬

‫‪73‬‬
‫بعد أن داسه أحد المارة فأرداه قتيلا وبعد أن نظر إلى جثته‪ ،‬رأى مخه مشتتا على الأرض "‬

‫‪70‬‬

‫‪71‬‬

‫‪72‬‬

‫‪73‬‬

‫‪218‬‬
‫وهكذا إذا كان سبب الإصابة راجع على عامل داخلي للمصاب‪ ،‬كإصابته بالمرض أو كونه عرضة سهلة‬

‫للأمراض‪ ،‬فإنه لا يمكن أن يستفيد من الحماية التي يقررها القانون ‪ ،98/91‬لعدم وجود سبب خارجي‪ ،‬و‬

‫بالتالي استناد الإجتهاد القضائي على العنصر الخارجي أصبح مستقر عليه لاعتبار الحادثة حادثة شغل‪.‬‬

‫ب)العنصر الثاني‪ :‬عنصر العنف ‪ :‬إن عنصر العنف كما هو الشأن بالنسبة للعنصر الأول يتخذ صورة النشاط‬

‫المادي أو العنف المعنوي‪ ،‬بالنسبة للنشاط المادي كبتر عضو من أعضاء الجسم من قبل الآلة وإصابة الأجير‬

‫بحروق أو الانزلاق الذي يؤدي الى ال كسر‪ ،‬أما بالنسبة للعنف المعنوي كإصابة العامل بانهيار عصبي أو أزمة‬

‫نفسية نتيجة مشاهدته لمشهد مروع‪.‬‬

‫وهكذا فقد توسع الاجتهاد القضائي في مفهوم هذا العنصر ولا يكتفي فقط تحقق عنصر العنف ببروز آثار مادية‬

‫على جسم المصاب‪ ،‬بل إن الإ ضطرابات العصبية وما ينتج عنها في القوى العقلية أو النفسية تدخل كذلك في‬

‫‪74‬‬
‫مفهوم العنف الذي يقتضيها تعر يف حادثة شغل‪.‬‬

‫ج) العنصر الثالث‪ :‬عنصر الفجأة‪ :‬المقصود بهذا العنصر هو أن تكون الحادثة قد وقعت في فترة وجيزة يمكن‬

‫تحديد وقت وقوعها بكل دقة وحصر المكان الذي وقعت فيه بالضبط‪ ،‬ولا يقصد هنا الحادثة التي نتجت عنها‬

‫آثار بعد مدة زمنية‪.‬‬

‫وباعتماد الاجتهاد القضائي على هذا العنصر فإن وجود عنصر المباغتة في الحادثة‪ ،‬وحصول ضرر‪ ،‬يجعل‬

‫المصاب يستفيد من قرينة الإسناد أي إسناد الضرر للحادثة‪ ،‬وبالتالي اعتبارها بمثابة حادثة شغل‪ ،‬وهذا العنصر‬

‫إن كان عنصرا أساسيا في تعر يف الحادثة‬

‫‪75‬‬
‫والقضاء المصري يشهد على أهمية هذا العنصر بقوله في تعر يف الحادثة أنها‪ :‬فإنه يعد أساسا للتمييز بينها‬ ‫‪،‬‬

‫وبين المرض المهني‬

‫‪74‬‬

‫‪219‬‬
‫» الواقعة التي تتحقق بغتة بفعل قوة خارجية » وفي نفس الإتجاه يعتبر القضاء الفرنسي‪ » :‬أن الظهور المفاجئ في‬

‫وقت ومكان العمل لإصابة جسدية يكون في حد ذاته حادثة عمل ما لم يقم الدليل على نسبتها إلى سبب أجنبي‬

‫‪76‬‬
‫تماما عن العمل‪» .‬‬

‫وهذا الاتجاه هو ما سار عليه الاجتهاد القضائي المغربي و الفرنسي اللذان يصرحان انه مادامت الجروح ظهرت‬

‫‪77‬‬
‫بغثة بفعل عنيف أثناء العمل ‪ ،‬فالمفروض فيها أن تكون ناتجة عن حادثة شغل‪.‬‬

‫‪.‬الفقرة الثانية‪ :‬القرينة‬

‫فكرة القرينة والتي ابتدعها الإجتهاد القضائي الفرنسي لم تظهر إلا بعد عجز وعدم دقة العناصر التي تطرقنا إليها‬

‫سابقا وهي السبب الخارجي والعنف والفجأة‪ ،‬في تحديد مفهوم حادثة شغل وكونها لا تعطي حماية أكبر للأجير‬

‫وإنما تلقي على عاتقه إثبات صعب في غالب الأحيان‪ ،‬وكون القرينة إفراز لعدم جدوى تلك العناصر فمن المفيد‬

‫أن نبين سلبيات وعدم دقة كل عنصر على حدة حتى نتمكن من فهم فكرة القرينة كمعيار لتحديد حادثة شغل‪،‬‬

‫فبالنسبة للعنصر الأول أي السبب الخارجي‪ ،‬فإن ما يلاحظ عند الاطلاع على بعض القرارات القضائية سواء‬

‫في المغرب أو في فرنسا‪ ،‬أنه غالبا ما لا تلتزم تلك القرارات بعناصر تعر يف حادثة شغل التي وضعها الاجتهاد‬

‫القضائي‪ ،‬ذلك أنها تعتبر بعض الحوادث بمثابة حوادث شغل رغم افتقارها لعنصر السبب الخارجي و أكثر من‬

‫ذلك تعتبر الفعل الضار الذي لا يعرف له سبب بمثابة حادثة شغل‪ ،‬ومن هذه القرارات قرار محكمة النقض‬

‫الصادر في ‪ 16‬مارس ‪ 9146‬الذي يعتبر فيه‪:‬‬

‫‪75‬‬

‫‪76‬‬

‫‪77‬‬

‫‪220‬‬
‫» الوفاة التي لم يعرف سببها والحاصلة للأجير في مكان ووقت العمل وهو يقوم بشغله العادي تعد بمثابة حادثة‬

‫‪78‬‬
‫شغل‪.» .‬‬

‫ونفس الاتجاه يسير فيه القضاء الفرنسي في اعتبار عنصر السبب الخارجي عنصرا غير أساسي ويستفاد ذلك من‬

‫إحدى قرارات محكمة النقض الفرنسية حين اعتبرت‪ » :‬إن الشعور المفاجئ لإصابة جسدية يكون في حد ذاته‬

‫‪79‬‬
‫حادث عمل‪» .‬‬

‫تأسيسا على هذه القرارات القضائية وغيرها‪ ،‬نستنتج أن العنصر الأجنبي غير مؤثر في تكييف الفعل الضار بأنه‬

‫حادثة شغل‪ ،‬وليس كذلك عنصرا مميزا بين حادثة شغل والمرض المهني‪ ،‬وهذا الموقف هو الذي تبناه غالبية‬

‫الفقه الفرنسي لأن القضاء الفرنسي هو بدوره أقصى هذا العنصر في تحديد حادثة شغل‪.‬‬

‫من تم سيكون القضاء في كل من فرنسا و المغرب قد نجحا في قلب عبء الإثبات لصالح الأجير حيث تم‬

‫إعفاؤه من إثبات الصفة الخارجية للفعل الضار‪ ،‬حيث بمقتضى ذلك يستفيد من قرينة الإسناد‪ ،‬هذه الأخيرة‬

‫التي تعتبر كل إصابة تحققت في وقت ومكان العمل تعد حادثة شغل ما لم يقم الدليل على عكس ذلك أي أن‬

‫‪80‬‬
‫الحادث يجد مصدره في ظروف أجنبية تماما عن العمل‪.‬‬

‫وفي حالة عدم إثبات الدليل العكسي فإن الأجير يقرر له الحق في التعو يض‪ ،‬وفي هذا الإطار ذهبت محكمة‬

‫النقض الفرنسية إلى القول‪ » :‬طالما أن الإصابة ظهرت بمناسبة العمل فإن الموظف يستفيد من قرينة الإسناد‬

‫‪81‬‬
‫ما لم يقم الدليل على عكس ذلك»‬

‫‪78‬‬

‫‪79‬‬

‫‪80‬‬

‫‪81‬‬

‫‪221‬‬
‫وبالنسبة لعنصر العنف فإنه هو كذلك لم يعد أساسيا لتكييف الفعل الضار على انه حادثة شغل‪ ،‬ذلك أنه‬

‫يم كن أن نكون أمام حادثة شغل رغم افتقاره لصفة العنف كما هو الشأن عند إصابة الطيار بأزمة قلبية‪،‬‬

‫‪82‬‬
‫فالاجتهاد القضائي يعتبر هذه الحادثة بمثابة حادثة شغل رغم عدو وجود عنصر العنف فيها‪.‬‬

‫وصورة أخرى يضربها الفقه لتصوير هذه الحالة وهي الإصابة بالتيفوس إثر لدغة حشرة حدثت أثناء العمل‬

‫فهي حادثة شغل رغم انتفاء عنصر العنف فيها‪ ،‬وحالة أخرى عرضت أمام القضاء الفرنسي وكان موقفه هو‪:‬‬

‫» أن الآلام التي يشعر بها مهندس على إثر شربه ماء يحتوي على جرثوم والتي تسبب له أضرارا أقام على إثرها‬

‫‪83‬‬
‫مدة طو يلة في المستشفى ليغادره مصابا بعجز جزئي دائم يعتبر بمثابة حادثة شغل»‬

‫بذلك تتقوى حماية المصاب بحادثة حيث يعفى من إثبات عنصر العنف والذي يشكل عائقا في الحصول على‬

‫التعو يض في الحالات التي لا تتصف فيها الحوادث التي يتعرض لها بصفة العنف رغم الأضرار البليغة التي قد‬

‫تنتج عنها‪ ،‬وهذا ما حدا ببعض الفقه إلى اعتبار هذا العنصر غير لازم لافتقاره إلى الدقة وذلك بقوله‪ » :‬إذا‬

‫كان هناك ضرر قد يتحقق فجأة ووجدت علاقة ارتباط كاف بين ظهوره ونشاط المضرور‪ ،‬فلماذا يحرم ضحيته‬

‫‪84‬‬
‫من الاستفادة من أحكام الحماية الاجتماعية في مواجهة إصابات العمل‪» .‬‬

‫وفيما يخص العنصر الأخير أي عنصر الفجأة ‪ ،‬فإن بعض الفقه يعتبره لازما خاصة في التمييز بين حادثة شغل‬

‫والمرض المهني ل كن في مقابل ذلك نجد رأيا آخر يسير في اتجاه مغاير وذلك بقوله‪ » :‬إن اتخاذ القضاء من‬

‫الظروف الزمنية لتحقيق الواقعة مصدر الإصابة معيارا للتميز بين الحادث والمرض أدى إلى نتائج عملية لا تتفق‬

‫‪85‬‬
‫والمنطق القانوني‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫‪83‬‬

‫‪84‬‬

‫‪85‬‬

‫‪222‬‬
‫و يبرر هذا التصور غياب العدالة في اشتراط عنصر الفجأة الذي يضيق من حماية المصاب‪ ،‬كونه أنه من‬

‫الأمراض ما تتصف أو تظهر فجأة‪ ،‬وكذلك هناك من الحوادث التي لا تظهر فجأة وإنما مع وقت طو يل‪ ،‬مما‬

‫يعني معه عدم صلاحية عنصر الفجأة ك عنصر مميزا بين حادث شغل والمرض المهني لأنه إذا كان صحيحا أن‬

‫عنصر المباغتة يعد أساسيا فيما مضى فإن التطور الصناعي والاجتماعي أثبت عدم جدية وعدم دقة عنصر‬

‫الفجأة‪.‬‬

‫لذلك أن التمييز بين حادثة شغل والمرض المهني على أساس عنصر الفجأة لا يجب أن يكون‪ ،‬لأن ذلك يلقي‬

‫على عاتق الأجير المصاب عبء إثبات صعب في كثير من الأحوال مما يهدد مصالحه للضياع‪.‬‬

‫ومن تم فإن المنطق والعدالة تفرض تعو يض المصاب متى حدثت له الإصابة بسبب المهنة اعتمادا على قرينة‬

‫الإسناد التي ابتدعها القضائي الفرنسي وسمحت بإعطاء حماية أكبر للأجير وإعفاءه من إثبات كل العناصر‬

‫السالفة الذكر‪ .‬الاجتهاد‬

‫وهذه القرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس فهي تقتضي أن الحادثة مصدر الإصابة التي تقع في وقت ومكان‬

‫العمل يتم إسنادها إلى العمل‪ ،‬ولا يمكن دحض ذلك إلا بإثبات غياب العلاقة بين الحادثة وعمل المصاب‪،‬‬

‫وعلى هذا يذهب القضاء الفرنسي بقوله‪ » :‬كل حادثة تقع في وقت ومكان العمل يجب اعتبارها بمثابة حادثة‬

‫‪86‬‬
‫شغل إلا إذا أقيم الدليل على عكس ذلك أي إلى نسبتها إلى سبب أجنبي تماما عن العمل‪» .‬‬

‫من خلال ذلك فالأجير غير ملزم بإثبات الحادثة ‪ ،‬حيث يستفيد من قرينة الإسناد‪ ،‬ل كن هذه الأخيرة كما‬

‫يتضح ليست قاطعة بل قابلة للدحض بمعنى أنه يمكن للمشغل أو لمؤمنه أن يتنصلا من مسؤوليتهما إذا تم إثبات‬

‫أن الحادثة راجعة إلى سبب خارجي تمام عن العمل‪ ،‬وقضت محكمة النقض الفرنسية أن إثبات غياب الفعل‬

‫‪86‬‬

‫‪223‬‬
‫الضار غير كاف لدحض القرينة‪ ،‬و الدليل العكسي لا يمكن قبوله إلا إذا تم تبيان أن سبب الحادثة راجع إلى‬

‫‪87‬‬
‫سبب أجنبي تماما عن العمل‪.‬‬

‫وبدوره القضاء المغربي يسير في نفس الإ تجاه الذي يعتمد على العناصر السالفة الذكر وهذا ما يمكن ملاحظته‬

‫واستنتاجه في بعض قرارات محكمة النقض التي اعتبرت أن ‪ … » :‬الوفاة التي لم يعرف لها سببها والحاصلة‬

‫لأجير في مكان الشغل وهو يقوم بشغله العادي تعد حادثة شغل»‬

‫وفي قرار آخر اعتبرت أن ‪ » :‬العامل الذي يدخل سيارته إلى المرآب طبقا لتعليمات صاحب عمله والذي وجد‬

‫ميتا داخل سيارته بعدما أوقفها داخل هذا المرآب يعتبر أنه قد أصيب في حادثة شغل‪ ،‬لأنه لازال يوجد وقت‬

‫إصابته تحت التبعية القانونية التي تربطه بصاحب العمل من جهة أولى ومن جهة ثانية لأن أسباب الوفاة لم‬

‫يكن بالإمكان تحديدها‪ ،‬وفي هذا الاتجاه يذهب بعض الفقه المغربي إلى أن « الحادث الذي يصاب به الأجير‬

‫أثناء قيامه بعمله أو بمناسبة قيامه به يعد حادث شغل ما لم يثبت عكس ذلك‪ ،‬إما إثبات أن الأجير المصاب‬

‫‪88‬‬
‫عرضة سهلة ل لأمراض وإما إثبات أن وضعيته المرضية هي التي كانت سببا في إصابته‪« .‬‬

‫لذلك أن وجود هاتين الحالتين التي تؤدي إلى نقض قرينة الإسناد يفتح الباب أمام المشغل أو مؤمنه ليتنصلا‬

‫من مسؤوليتهما‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬دور الإجتهاد القضائي في إثبات عنصر الضرر‬

‫متى علمنا بأهمية عنصر الضرر بالنسبة للأجير المصاب في الحصول على التعو يض ل كون هذا الأخير يعتبر مناط‬

‫تحقق المسؤولية عن حوادث الشغل‪ ،‬فلا يمكن من الناحية القانونية تكييف حادث ما‪ ،‬يتعرض له الأجير‬

‫أثناء قيامه بالشغل‪ ،‬أو من جراء قيامه به‪ ،‬على أساس أنه حادث شغل‪ ،‬يستحق عنه التعو يض‪ ،‬إلا إذا نتج‬

‫‪87‬‬

‫‪45‬‬ ‫‪88‬‬

‫‪224‬‬
‫عنه ضرر للأجير المصاب ‪ ،‬وهذا أمر بديهي مادام أن الأجير الذي قد يتعرض لحادثة بالمفهوم الدارج لها‪،‬‬

‫ول كنه لم يلحقه أي ضرر‪ ،‬ففي هذه الحالة‪ ،‬لا نكون أمام حادثة بالمفهوم القانوني وذلك لانتفاء عنصر الضرر‪،‬‬

‫ونموذج الذي نضر به في هذا المجال‪ ،‬الأجير الذي يسقط في مكان العمل أو يصاب بصعقة كهربائية ولا‬

‫يصاب بأي أذى يذكر‪ ،‬ومتى كان الأجير أمام هذه الحالة فلا يمكن له التمسك بالاستفادة من مقتضيات‬

‫التشر يع الخاص بالتعو يض عن حوادث الشغل وذلك لتخلف شرط من شروط ذلك التعو يض‪.‬‬

‫أما في الحالة المعاكسة‪ ،‬والمتمثلة في إلحاق ضرر بالأجير من جراء حادثة شغل‪ ،‬كأن تظهر عليه جروح‪ ،‬أو‬

‫كسر‪ ،‬على إثر سقوطه‪ ،‬فإنه في هذه الحالة يعوض استنادا إلى مقتضيات القانون ‪ ،98/91‬وبرجوعنا إلى‬

‫مقتضيات الفصل ‪ 28‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬يتضح لنا أن الضرر في مجال المسؤولية المدنية قد يكون ماديا أو معنو يا‪،‬‬

‫علما بأن الضرر المادي قد يمس جسم الإنسان‪ ،‬وقد يمس ذمته المالية‪ ،‬انطلاقا من مضمون هذا الفصل يتبادر‬

‫إلى ذهننا تساؤل له أهمية بالغة نود طرحه في هذا المجال ‪ ،‬هل كل ضرر يلحق الأجير يخوله الاستفادة من‬

‫مقتضيات القانون ‪ ، 98/91‬أم هناك أضرار حددها المشرع على سبيل الحصر‪ ،‬هي وحدها ال كفيلة للاستفادة‬

‫من مقتضيات القانون‬

‫السالف الذكر؟‬

‫وعند تفحصنا لمقتضيات هذا القانون ‪ ،‬لا نجد جوابا مباشرا لهذه الإشكالية‪ ،‬ل كن هذا لا يمنعنا من الإستنتاج‬

‫ضمنيا من بعض المقتضيات الخاصة بالتعو يض‪ ،‬أن الأضرار التي يعوض عنها في إطار هذا القانون هي‪ :‬الضرر‬

‫الذي يصيب جسم الأجير‪ ،‬والضرر الذي يستلزم نيل إصلاح أجهزة استبدال أو تقويم الأعضاء‪..‬‬

‫‪ .‬وهي التي سنتناولها بالدراسة في الفقرة الأولى بينما سنخصص الفقرة الثانية ل كيفية إثبات عنصر الضرر‬

‫الفقرة الأولى‪ :‬الضرر الواجب الإثبات‬

‫‪225‬‬
‫لاشك و أن عنصر الضرر عنصر جوهري في تعو يض الأجير جراء حادثة شغل ل كن هذا الضرر يجب أن‬

‫يصيب جسم الأجير أو‬

‫أن يكون الضرر الذي يستلزم نيل أو إصلاح أجهزة الاستبدال أو تقويم الأعضاء‪ ،‬أما الضرر الذي يصيب‬

‫الحيوان رغم كونه في مل كية الأجير مثلا فهو غير معني بالتعو يض ‪ ،‬و الإجتهاد القضائي سار على هذا المنحى‬

‫‪.‬‬

‫ا الضرر الذي يصيب جسم الأجير‬

‫عرفه الاجتهاد الفقهي الفرنسي على أنه‪ » :‬يتمثل في مساس مادي بالخلايا‪ ،‬وبالأنسجة التي تدخل في التركيب‬

‫الداخلي أو الخارجي للجسم‪ ،‬وقد تتمثل في مساس بالأداء الوظيفي لعضو من أعضائه‪ » .‬فاستنادا‪ ،‬لهذا التعر يف‬

‫الموسع للضرر‪ ،‬يجب على الأجير المتضرر‬

‫طبيا هذا الضرر‪ ،‬سواءا تحقق بالفعل‪،‬أو سيتحقق حتما في من جراء حادثة شغل إذا ما أراد الحصول على‬

‫التعو يض‪ ،‬أن يثبت‬

‫‪89‬‬
‫المستقبل‪.‬‬

‫وهذا هو المنحى الذي سل كه المشرع المغربي ويتضح هذا بالخصوص في كون إصابة الجسم البشري‪ ،‬هي مناط‬

‫تطبيق المقتضيات المنصوص عليها في القانون ‪98/91‬على الفعل الضار‪ ،‬الذي قد يتسبب فيها وهذا دون إعطاء‬

‫القضاء أية أهمية لطبيعة الضرر أو لنوعه‬

‫أو لمحل الإصابة أو لنسبة العجز الذي قد ينتج عنها‪ ،‬وكذلك لا يعتد بخطورة الإصابة‪ ،‬أو بكونها هينة‪ ،‬أو‬

‫كذلك في ما إذا كانت قد أدت إلى توقف الأجير المصاب عن العمل‪ ،‬أم لا‪ ،‬وكمثال على هذه الحالة الأخيرة‬

‫‪89‬‬

‫‪226‬‬
‫الأجير المتضرر من جراء إصابة شغل نتيجة جروح خفيفة اضطرته إلى تلقي العلاج الطبي دون توقف عن‬

‫العمل‪ ،‬ومتى كان الأجير أمام هذه الحالة‪ ،‬وقع على عاتق المشغل التحمل‬

‫بالصوائر الطبية‪ ،‬والصيدلانية‪..‬‬

‫ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال هو كون الضرر الجسدي الناتج عن حادثة شغل والمتمثل في المساس‬

‫المادي بالخلايا والأنسجة التي تدخل في التركيب الداخلي أو الخارجي للجسم فإنها لا تطرح لنا أي إشكال‬

‫قانوني‪ ،‬سواء عندما يتعلق الأمر بالإثبات‪ ،‬إذ من السهولة بمكان التثبت منها بواسطة المعاينة أو التشريح …‬

‫(جروح‪ ،‬كسور …) وسواء تعلق الأمر في البحث أو ال كشف عن أسباب الضرر الحقيقة والمتمثلة في‬

‫المساس بالأداء الوظيفي لعضو من أعضاء الجسم‪ ،‬ول كن في بعض الأحيان قد تثار صعوبة التوصل إلى سبب‬

‫الضرر ولو بواسطة التشريح … وفي هذه الحالة لا يوجد بديل من الاستعانة بقرينة الإسناد التي بموجبها تجتمع‬

‫للضرر عناصر إصابة العمل طالما أن الواقعة التي ظهر على إثرها غير مشكوك في تحققها‪.‬‬

‫وكما تجدر الإشارة أيضا إلى أن هناك نوع من الضرر الجسدي‪،‬الذي يتجسد في فقد القدرة على الأداء الوظيفي‬

‫الطبيعي‪ ،‬بحيث يستحيل معها من الناحية التشر يعية ال كشف عن أصله‪ ،‬كما يستحيل أيضا معها افتراض وجود‬

‫مثل ذلك الأصل‪ ،‬وأحسن مثال يجسد لنا هذه الحالة‪ :‬الإضطرابات التي قد تنتج على حوادث الشغل‪،‬‬

‫‪90‬‬
‫ف بالنسبة للقضاء الفرنسي فموقفه واضح إذ يقرر التعو يض عن اختلال القوى العقلية باعتبارها حادثة شغل‬

‫ونفس المنحى يسل كه القضاء المغربي‪.91‬‬

‫ومحكمة النقض الفرنسية لا تولي أية أهمية في مجال قرينة الإسناد‪ ،‬بحيث أنها لا تفرق بين الإصابة التي تتمثل في‬

‫وتلك التي تتمثل في اختلال الأداء الوظيفي الطبيعي لعضو من أعضائه ‪ ،‬فالإصابة متى‬ ‫مساس مادي بالجسم‬

‫‪90‬‬

‫‪91‬‬

‫‪227‬‬
‫ظهرت بغتة كيفما كانت طبيعتها ودرجة خطورتها في وقت ومكان العمل تؤدي طبقا لقرينة الإسناد إلى‬

‫إعفاء الأجير المصاب من عبء إقامة الدليل على تحققها‪.‬‬

‫كما يعد ضررا كذلك الضرر المادي الذي ينتج عن تشو يه جسم الأجير‪ ،‬وبالتالي المساس بسمته الجمالية‬

‫وحسب الإجتهاد القضائي فإن الأجير يعوض ل كن بشرط أن يعكس هذا التشو يه على قدرته على العمل‪،‬‬

‫‪92‬‬
‫وخصوصا متى كان عمله يكمن في الاتصال المستمر بالزبائن‪.‬‬

‫ب الضرر الذي يستلزم نيل أو إصلاح أجهزة الاستبدال أو تقويم الأعضاء‬

‫والسؤال الذي نود طرحه في هذا المجال هو هل ل كي يعوض عن الضرر‪ ،‬لابد وأن يتعلق بجسم الإنسان‪ ،‬أم‬

‫أنه يشمل مسائل أخرى‪ ،‬كملابس الأجير ودراجته وسيارته مثلا؟‬

‫للإجابة عن هذه الإشكالية لابد من التمييز ما بين حادث الطر يق التي حددتها المادة الرابعة من القانون‬

‫‪ 98/91‬في الزمان والمكان‪ ،‬تأخذ صفة حادثة شغل ذلك من حيث ما تخوله للمصاب من تعو يضات حسب‬

‫مقتضيات هذا القانون‪ ،‬بالإضافة إلى أنها تعطيه إمكانية الرجوع على الغير المتسبب فيها وذلك وفقا لمقتضيات‬

‫القو اعد العامة للمسؤولية‪ ،‬هذه الأخيرة‪ ،‬تغطي كل الأضرار الحاصلة‬

‫له بما في ذلك التعو يض عن الملابس ووسيلة التنقل‪.‬‬

‫أما بالنسبة للحالة الثانية وهي حالة ما إذا كان الغير هو المتسبب في حادثة الشغل فإن الأجير المصاب في هذه‬

‫الحالة يملك الحق في الرجوع على هذا الغير وفقا للقواعد العامة للمسؤولية من أجل الحصول على تعو يض يغطي‬

‫بصفة شاملة كل الأضرار‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫‪228‬‬
‫أما في الحالة المعاكسة والمناقضة للحالتين السالفتين الذكر حيث يكون فيها الفعل الضار بحادثة شغل‪ ،‬نتجت‬

‫بسبب العمل أو بمناسبة القيام به‪ ،‬وسواء تسبب فيها المشغل أو أحد تابعيه‪ ،‬ففي هذه الحالة‪ ،‬يكون التعو يض‬

‫جزافيا‪.‬‬

‫وهذا لم يمنع المشرع المغربي‪ ،‬وهو بصدد تناوله للضرر الذي يصيب جسم المصاب‪ ،‬أن يلحق به حالة‬

‫أكثر أهمية نظرا لما تكتسي ه في الواقع العملي من دور مهم‪ ،‬وتتمثل هذه الحالة في أجهزة استبدال أو تقويم‬

‫الأعضاء حيث كان موقفه صر يحا من خلال مقتضيات المادة ‪ 69‬من القانون ‪ ، 98/91‬التي بموجبها ‪» :‬يخول‬

‫للمصاب الحق في نيل وإصلاح وتجديد أجهزة استبدال أو تقويم الأعضاء التي تفرض الحادثة استعمالها‪ ،‬وكذا‬

‫الحق في إصلاح أو تعو يض الأجهزة التي فرضت استعمالها عاهة سابقة ولو كانت غير ناتجة عن حادثة من‬

‫حوادث الشغل‪ ،‬والتي أفسدتها الحادثة أو سببت ضياعها أو جعلتها غير صالحة للاستعمال‪.‬‬

‫و يحدد بمرسوم يتخذ باقتراح من السلطتين الحكوميتين المكلفتين بالتشغيل وبالصحة نوع الأجهزة وقيمتها‬

‫وشروط تخصيصها وإصلاحها وتجديدها‪» .‬‬

‫ما يمكن أن نخلص إليه انطلاقا من هذه المادة كونها لا تخلو من إ يجابيات‪ ،‬والمتمثلة في تخو يلها للأجير المتضرر‬

‫من جراء حادثة شغل الحق في تعو يض الأجهزة التي تفضي عنها الحادثة‪ ،‬أو تنال من قدرتها باستبدالها‪ ،‬أو‬

‫بتقويمها بأجهزة أخرى‪ ،‬كالأسنان والأرجل والأيدي الصناعية‪ ،‬ل كن مع كل ذلك فإن هذا النص لا يخلو‬

‫أيضا من سلبيات‪ ،‬إذ مما يؤخذ عليه‪ ،‬كونه يربط تقديم الحق في التعو يض المستحق للأجير المتضرر‪ ،‬ببعض‬

‫الحواجز‪ ،‬من ذلك مثلا ضرورة اقتران الضرر المتمثل في تلف الأجهزة المشار إليه في المادة أعلاه بضرر‬

‫جسدي‪.‬‬

‫ومن بين الصور التي نضربها لتصوير مثل هذه الحالة‪ ،‬افتراض كون الأجير سقط في مكان الشغل نتيجة زلة‬

‫قدم ولم تلحقه أضرار في جسمه‪ ،‬وإنما تكسرت على إثرها أسنانه الإصطناعية‪ ،‬تحطمت نظارته‪ ،‬فمتى كان‬

‫‪229‬‬
‫الأجير أمام هذه الحالة فإنه لا يستحق أي تعو يض‪ ،‬لأن الفعل الضار المتمثل في السقوط والخالي من الإصابة‬

‫الجسمية لا يعتبر حادثة شغل في المعنى المألوف‪ ،‬وهذا ما تسير عليه محكمة النقض الفرنسية ‪ ،‬أما عن الإجتهاد‬

‫القضائي المغربي فيظل موقفه غامضا لحد الآن وذلك راجع إلى افتقاره لإجتهادات تجسد هذه الحالات‪.‬‬

‫ل كن وفقا لقواعد العدل و الإنصاف يحبذ التعو يض عن هذه الأجهزة إذا أصيبت لوحدها‪ ،‬بغض النظر عن‬

‫وجود أو عدم وجود ضرر جسدي‪ ،‬ل كون إعمال هذه القاعدة‪ ،‬كونها لا تتعارض وليس فيها أي تحر يف‬

‫للفعل الضار‪ ،‬بل يعتبر من العدالة بمكان عدم الاعتداد باقتران تلف تلك الأجهزة الإصطناعية بالضرر‬

‫الجسدي‪.‬‬

‫وهذا فيه مصلحة للأجير المتضرر‪ ،‬إذ يحقق له الحماية اللازمة باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية‪،‬‬

‫ل كن تطبيقه يجب ألا يكون مطلا بل معلقا على شرط‪ ،‬وهو كون الأجير يستعمل الجهاز المقوم لما أعد له‬

‫ساعة ضياعه أو إتلافه من جراء الفعل الضار‪.‬‬

‫والإستدلال الذي يمكن أن ن ستدل به في تقرير الحق في التعو يض‪ ،‬هو أنه باعتبار الجهاز الإصطناعي المقوم‬

‫والمساعدة لعضو من الأعضاء في جسم الإنسان‪ ،‬بمثابة هذا العضو الأصلي‪ ،‬فإذا أصيب الأجير بحادثة شغل‬

‫ترتب عنها تلف الجهاز الإصطناعي دون الإصابة بضرر جسدي‪ ،‬فإنه مع ذلك يجب اعتبار ضياع هذا الجهاز‬

‫بمثابة ضرر في جسمه‪ ،‬لأنه لولا هذا الجهاز‪ ،‬لكان من الممكن أن تكسر الرجل الطبيعية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬كيفية إثبات الضرر‬

‫ل كي يستفيد الأجير المتضرر من جراء الضرر الحاصل به بسبب حادثة شغل‪ ،‬من التعو يضات التي‬

‫يخولها له القانون ‪ ،98/91‬يسعى القضاء في هذا المجال لإثبات الضرر بالخبرة الطبية الضرور ية‪ ،‬باعتبار الضرر‬

‫واقعة مادية‪ ،‬يدخل أمر تقديرها واستخلاصها للسلطة التقدير ية لقاضي الموضوع‪ ،‬وإذا كان من السهولة بمكان‬

‫التوصل إلى هذا النوع من الإثبات‪ ،‬فإن هناك حالات يستعصى فيها إثبات عنصر الضرر بالنظر إلى ظروف‬

‫‪230‬‬
‫العمل‪ ،‬وفي هذه الحالة لا يجد القضاء مانعا من الاستعانة بالقرائن مساعدة منه للأجير في ذلك الإثبات‪ ،‬مثلا‬

‫إذا تعرض الأجير لحادثة شغل ونتج مباشرة عنها ضرر‪ ،‬افترض معها القضاء أن الحادثة هي التي تسببت فيه‪،‬‬

‫وهذا الاقتران يعد في حكم القضاء إعمالا لتقنية القرينة‪ ،‬وهذه الخبرة تعتبر في هذا المثال بسيطة‪ ،‬بمعنى أنها‬

‫تقبل الدحض العكسي من جانب المشغل أو مؤمنه‪ ،‬متى أثبتوا أن الحادثة ترجع إلى سبب آخر خارج عن‬

‫الشغل‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد سبق لمحكمة النقض الفرنسية أن صرحت مرارا بما يلي‪ … » :‬كل إصابة تلحق بالعامل إثر‬

‫‪93‬‬
‫الحادث تتحقق بسبب أو بمناسبة العمل يجب اعتبارها‪ ،‬ما لم يثبت خلافه‪ ،‬أثرا لهذا الحادث‪» .‬‬

‫ومن أهم القرارات التي صدرت عن محكمة النقض الفرنسية قرار جاء فيه‪ … » :‬إن وفاة العامل بعد شهور‬

‫بغتة أثناء العمل بأعراض آلام حادة بينما كان يبدو قبل ذلك في تمام صحته‪ ،‬تعتبر حادثة شغل‪ ،‬مادامت‬

‫‪94‬‬
‫أسباب الوفاة قد ظلت مجهولة‪ ،‬ولم يقم الدليل على أنها ترجع إلى حالة مرضية ذات تطور بطيء‪» .‬‬

‫و يعتبر هذا القرار في حقيقته تراجعا من جانب محكمة النقض الفرنسية‪ ،‬حيث اشترطت ل كي تعتبر مثل هذه‬

‫الواقعة حادثة شغل‪ ،‬أن تكون هنالك إصابة جسدية مصاحبة للشعور بالأذى‪ ،‬ثم التثبت منه طبيا‪.‬‬

‫ومن أهم القرارات التي صدرت بهذا الخصوص كذلك قرار جاء فيه‪ … » :‬إن وفاة العامل الذي أوجد‬

‫‪95‬‬
‫الجزء العلوي من جسده غارقا في برميل يحتوي على خليط من الزيت والماء حادثة شغل»‬

‫لذلك فإن محكمة النقض قد ألغت الحكم الصادر عن محكمة الإستئناف والتي ألقت على عاتق أرملة الأجير‬

‫عبء الإثبات خلافا لما تقضي به قرينة الإسناد‪ ،‬وفي نفس الاتجاه جاء قرار محكمة النقض‪ » :‬إن كل ضرر‬

‫‪93‬‬

‫‪94‬‬

‫‪95‬‬

‫‪231‬‬
‫يحصل من جراء حادثة تقع بسبب الشغل أو بمناسبة القيام به‪ ،‬يجب اعتباره ناتجا عن حادثة شغل إلا إذا أقيم‬

‫‪96‬‬
‫الدليل على خلاف ذلك»‬

‫وجاء في قرار آخر بنفس الإتجاه ما نصه‪ » :‬إن وفاة الأجير التي تحصل بسبب سكتة قلبية أثناء الشغل‬

‫يفترض أنها ناتجة عن حادثة شغل ولهدم هذه القرينة‪ ،‬فإنه يجب على المؤاجر أو على مؤمنه أن يثبت مرضا‬

‫‪97‬‬
‫سابقا للمصاب وأن يقيم الدليل على أن الأزمة القلبية لم يتسبب فيها الشغل»‬

‫ل كن في الحالة المعاكسة فإن إصابة الأجير من جراء حادثة شغل أو بمناسبته‪ ،‬ولم تظهر الأضرار مباشرة بعد‬

‫الحادث‪ ،‬بل استغرقت مدة طو يلة ففي هذه الحالة عكس الحالة السابقة التي رأيناها‪ ،‬فإن القرينة أعلاه تنقلب‬

‫لمصلحة المشغل أو مؤمنه‪ ،‬بحيث على الأجير المتضرر أن يقيم الدليل على علاقة هذا الضرر بالحادثة‪ ،‬وفي هذا‬

‫الصدد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط ما يلي‪:‬‬

‫» لا يمكن تطبيق‬ ‫بالتعو يض عن حوادث الشغل‪ ،‬إذا لم تتمكن أرملة العامل المصاب بحادثة شغل الذي‬

‫التشر يع المغربي الخاص‬

‫‪98‬‬
‫توفي بعد أشهر عديدة من برء جرحه أن تقيم الدليل على وجود علاقة سببية بين الحادثة والوفاة‪» .‬‬

‫لذلك فان الإجتهاد القضائي المغربي و المقارن رغم تضاربهما في بعض القرارات بخصوص الاستناد على‬

‫عنصر الضرر كأساس لاعتبار الحادثة حادثة شغل ‪ ،‬ل كن ساهمت مختلف القرارات القضائية في تطوير نظام‬

‫الإثبات في قضايا حوادث الشغل عبر البحث على عنصر الضرر‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬دور الإجتهاد القضائي في إثبات العلاقة السببية‬

‫‪96‬‬

‫‪97‬‬

‫‪98‬‬

‫‪232‬‬
‫كل حادثة يتعرض لها الأجير لا يمكن اعتبارها بمثابة حادثة‪ ،‬إلا إذا ثبت أن هناك علاقة بين هذه‬

‫الحادثة والشغل‪ ،‬نظرا للطابع الإستثنائي للقانون ‪ ، 98/91‬وجاءت المادة ‪ 3‬من القانون المذكور بالقول انه ‪» :‬‬

‫تعتبر حادثة شغل كل حادثة‪ ،‬كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر‪ ،‬للمستفيد من أحكام هذا القانون‪ ،‬سواء‬

‫كان أجيرا أو يعمل بأية صفة تبعية كانت وفي أي محل كان إما لحساب مشغل واحد أو عدة مشغلين‪ ،‬وذلك‬

‫بمناسبة أو بسبب الشغل أو عند القيام به‪ ،‬ولو كانت هذه الحادثة ناتجة عن قوة قاهرة أو كانت ظروف الشغل‬

‫قد تسببت في مفعول هذه القوة أو زادت في خطورتها إلا إذا أثبت المشغل أو مؤمنه طبقا للقواعد العامة‬

‫للقانون أن مرض المصاب كان سببا مباشرا في وقوع الحادثة‪.‬‬

‫و يقصد بالضرر في مفهوم هذا القانون كل إصابة جسدية أو نفسية تسببت فيها حادثة الشغل وأسفرت عن عجز‬

‫جزئي أو كلي‪ ،‬مؤقت أو دائم‪ ،‬للمستفيد من أحكامه‪». » .‬‬

‫ومن هنا جاءت أهمية تحديد معيار ثابت للعلاقة بين الحادثة والشغل من جهة وبين الحادثة والضرر من جهة‬

‫أخرى‪ ،‬فبالنسبة للحالة الأولى استطاع القضاء الفرنسي أن يبتدع معيار قرينة الإسناد ل كن عدم كفاية هذه‬

‫الأخيرة في بعض الحالات جعل القضاء الفرنسي يبتدع قرينة أخرى وهي قرينة التبعية والتي جاءت لتدعم‬

‫مضمون القرينة الأولى‪.‬‬

‫بالنسبة للحالة الثانية اهتدى القضاء المذكور وتبعه في نفس المسار القضاء المغربي إلى وضع معيار لتحديد‬

‫العلاقة بين الضرر والحادثة وهذا الأخير يتمثل في القرينة السببية‪ ،‬وقبل الحديث عن هذه الأخيرة‪ ،‬لابد من‬

‫التحقق المادي من الواقعة مصدر الإصابة‪ ،‬وذلك باستعمال القرينة المادية‪.‬‬

‫الفقرة الأولى ‪ :‬العلاقة بين الحادثة وظروف الشغل‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫إن إثبات عنصر الحادثة وعنصر الضرر لا يكفيان لوحدهما لاعتبار أن حادثة ما حادثة شغل‪ ،‬بل لابد من‬

‫إثبات كذلك العلاقة بين الحادثة وظروف الشغل أي الطبيعة المهنية للحادثة‪ ،‬فعلى أي أساس إذن تتحدد هذه‬

‫العلاقة؟‬

‫أ ‪ :‬قرينة الإسناد‬

‫إذا كانت المادة الأولى من القانون الفرنسي لسنة ‪ ،9818‬نصت على أن حادثة شغل هي كل واقعة تحدث‬

‫بفعل أو بمناسبة العمل‪ ،‬فإن القضاء الفرنسي من خلال محكمة النقض فسرت هذا النص على أنه ل كي تتحقق‬

‫حادثة شغل فيجب أن تقع في مكان ووقت العمل‬

‫وعلى المستوى الفقهي نجد نفس الشيء‪ ،‬و يبرر ذلك أن وقوع حادثة شغل في مكان ووقت العمل يلزم‬

‫المشغل بالتعو يض لأنه لم يتخذ الإ حتياطات اللازمة للحفاظ على سلامة وأمن العمال في مكان العمل وأثناء‬

‫‪99‬‬
‫تأديتهم لعملهم‪ ،‬لذا يبقى هذا التفسير منطقيا عند هذا الفقه‪.‬‬

‫ومن هنا برزت أهمية المكان والزمان لتحديد ارتباط الواقعة مصدر الإصابة بالعمل‪ ،‬وكل واقعة تحققت في‬

‫وقت ومكان العمل تعد بمثابة حادثة شغل سواء كان الشغل هو السبب المباشر فيها أو سببا غير مباشر‪ ،‬أو أنه‬

‫لم يعرف له سبب‪ ،‬وعلى هذا فقرينة الإسناد تعني كل إصابة تحققت في وقت ومكان العمل يجب اعتبارها‬

‫كحادث يفترض نسبته إلى الشغل‪.‬‬

‫إذن الإرتباط بين الحادثة والشغل على أساس الإفتراض وكما عبر عنه بعض الفقه‪ ،‬تصور ذهني للواقع بالنظر‬

‫‪100‬‬
‫إلى المألوف والراجح‪.‬‬

‫‪99‬‬

‫‪100‬‬

‫‪234‬‬
‫من تم أصبح عنصر الوقت والمكان عنصر الإستدلال على تحقق قرينة الإسناد والضحية هو الذي يقع عليه‬

‫عبء إثباتهما‪ ،‬ومن هنا جاءت ضرورة تحديد مفهوم كل عنصر على حدة‪.‬‬

‫لقد اعتبر القضاء أن وقت العمل لا يقصد به فقط الزمن الذي تقتضيه تأدية العمل وإنما كذلك الفترة التي‬

‫تلي انتهاء ساعة العمل‪ ،‬وأثناء قيام الأجير بتسليم أدواته وفترة قبل بدء العمل و الدقائق التي كان يتسلم فيها‬

‫عمله كما جاء في إحدى قرارات محكمة باريس التي اعتبرت بمثابة حادثة شغل وقعت على الساعة ‪ 91,34‬وهو‬

‫في قضاء حاجة بأمر من صاحب العمل‪» 101» .‬‬

‫ونفس الشيء فعل فيما يخص مكان العمل فقد توسع في مفهومه ليشمل الأمكنة الملحقة والتابعة لجهات‬

‫العمل و هو ما جاء في إحدى‬

‫المواقف لمحكمة النقض‪ » :‬أن النهر الذي حدثت فيه الواقعة التي نتجت عنها الوفاة كان ملصقا لمكان العمل‪،‬‬

‫بحيث أمكن للعامل الوصول إليه لعدم وجود سياج يفصل بينه ومكان العمل أو على الأقل تعليمات مكتوبة‬

‫‪102‬‬
‫في أمكنة ظاهرة أو تحذر من الاقتراب من النهر»‬

‫إذا كانت وقت ومكان العمل يجب أن يفهم ككل مكان يقوم فيه العمل بأداء حاجيات الاستعمال وأداء‬

‫وظيفته أو إحدى وظائفه‬

‫ومكان العمل لاعتبار حادثة ما بحادثة شغل‪ ،‬فالواقع يعطينا حالات قد يتخلف فيها عنصر من العنصرين‬

‫السالفين الذكر هذه الحالات يمكن تحديدها فيما يلي ‪:‬‬

‫‪101‬‬

‫‪102‬‬

‫‪235‬‬
‫‪ )9‬الحادثة التي تقع في مكان العمل ول كن خارج أوقات العمل وهي الحالة التي تحدث فيها الحادثة قبل بدء‬

‫أو بعد انتهاء العمل والأجير يوجد تحت توجيهات المشغل‪ ،‬بعد منتصف النهار حيث يقوم الأجير بأخذ وجبة‬

‫الغذاء داخل المؤسسة عندما يتحول الى‬

‫‪ .‬أماكن أخرى من المؤسسة كالسلم الذي يؤدي إلى أماكن اللباس‬

‫كما نجد كذلك حوادث تقع أثناء وقت العمل ول كن خارج مكان العمل كمثال على ذلك عندما يذهب‬

‫الأجير إلى مقهى المؤسسة‪ ،‬كما نجد كذلك حوادث تقع خارج مكان ووقت العمل وهذا النوع من الحوادث‬

‫يطرح فيها الإثبات صعوبة بالغة لأنه صعب تحديد ما إذا كانت الحادثة بمثابة حادثة شغل للاستفادة من قرينة‬

‫الإسناد‪ ،‬وضمن هذا النوع نجد حالة الأجراء الذين يعملون خارج المؤسسة‪.‬‬

‫‪ )1‬الحادثة التي وقعت أثناء وقت ومكان العمل يفترض أنها حادثة شغل أي أن الأجير المصاب يستفيد من‬

‫قرينة الإسناد إلى إسناد الحادثة إلى العمل كي تكتسي صفة حادثة شغل لأن الأجير رغم ذلك يبقى ملزما‬

‫بإثبات كونه يتواجد أثناء إصابته بالحادثة في مكان ووقت العمل‪ ،‬و بالتالي ففعالية القرينة كوسيلة إثبات تبقى‬

‫‪103‬‬
‫رهينة بالإثبات الذي يقع على المصاب‪.‬‬

‫ل كن معيار وقت ومكان العمل أصبح معيارا غير كافي‪ ،‬كونه جد ضيق لا يعطي كل الحالات التي يصاب‬

‫فيها الأجير بحادثة شغل وهذا ينعكس على نظام الإثبات إذ يجعله ضيقا ولا يحمي المصاب في بعض الحالات‪،‬‬

‫التي لم يتحقق فيها عنصر الوقت و المكان‪ ،‬من تم تبقى‬

‫قرينة الإسناد بمفهومها هذا معيارا غير كافيا مما جعل القضاء يرتكز على قرينة أخرى هي قرينة التبعية‪.‬‬

‫ب‪ :‬قرينة التبعية‬

‫‪103‬‬

‫‪236‬‬
‫قرينة التبعية أسلوب جديد اعتمده الاجتهاد القضائي بعد عجز قرينة الإسناد لوحدها في تحقيق الحماية‬

‫اللازمة للمضرور‪ ،‬وأقرها القضاء الفرنسي لمواجهة بعض الحالات التي لا تتحقق فيها عناصر قرينة الإسناد من‬

‫وقت ومكان العمل‪.‬‬

‫هكذا ذهبت محكمة النقض في إحدى قراراتها‪ » :‬أن المبعوث في مهمة له الحق في التمتع بالحماية الاجتماعية‬

‫أثناء الفترة الزمنية التي يستغرقها تنفيذ المهمة المكلف بها‪ ،‬و يجب اعتباره قائما بتنفيذ مهمة ما لم يقم الدليل على‬

‫‪104‬‬
‫أنه استرد كامل استقلاله»‬

‫يتضح أن محكمة النقض استطاعت أن توسع من مضمون قرينة الإسناد و هكذا فأهمية قرينة التبعية تتجلى في‬

‫دعم المضمون‬

‫الموضوعي لقرينة الإسناد‪ ،‬وليس استغناء عن هذه الأخيرة لأن الأجير الذي ينفذ أوامر المشغل في أداء‬

‫مهمة خارج وقت ومكان العمل يستفيد من قرينة الإسناد خلال الفترة الزمنية التي يستغرقها في أداء تلك‬

‫المهمة ما لم يثبت أنه كان أثناء تعرضه للإصابة أنه يقوم بعمل من أعماله الشخصية أو الطبيعية والتي لا علاقة‬

‫لها بالعمل من تم فقرينة التبعية تقوي مضمون قرينة الإسناد وتعطي لهذه الأخيرة مفهوما واسعا‪.‬‬

‫ل كن يجب التمييز بين مفهومين لقرينة التبعية فهناك مفهوم تقليدي حيث تم افتراض أن الأجير خاضع‬

‫لتوجيهات وإشراف المشغل أثناء وقت ومكان العمل‪ ،‬هذا المفهوم يهدف إلى تيسير الإثبات ول كن إلى تقييد‬

‫الحماية الاجتماعية لأنها تسمح بإثبات العكس وبهذا المفهوم فإن حادثة شغل تكتسب صفة المهنية عندما‬

‫تتحقق في وقت ومكان العمل إضافة إلى وجود علاقة التبعية بين الأجير و المشغل مما يعني أن قرينة التبعية‬

‫تؤدي دورا مستقلا عن قرينة الإسناد‪ ،‬في تحديد العلاقة بين الحادثة والعمل‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫‪237‬‬
‫ل كن المفهوم الحديث لقرينة التبعية لا يعني ما سبق ذكره‪ ،‬وإنما يتم افتراض خضوع الأجير لسلطة المشغل و‬

‫ليس بالنظر الى تواجده‬

‫في مكان ووقت العمل وإنما إلى قيامه بتنفيذ أوامره وتعليماته ولو كان ذلك خارج النطاق الزمني والمكاني‬

‫للعمل‪ ،‬وبذلك يهدف المفهوم الجديد إلى تيسير الإثبات من خلال دعمه لمضمون قرينة الإسناد بشكل يؤدي‬

‫إلى اتساع نطاقه لا إلى تقييدها لذا فقرينة التبعية بهذا المفهوم تؤدي دورا غير مباشر لتحديد العلاقة بين الحادثة‬

‫والعمل‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬العلاقة بين الإصابة والحادث‬

‫بموجب المادتين الثالثة و الرابعة من القانون ‪ 98/91‬فللإستفادة من التعو يض عن حوادث شغل لا بد ربط‬

‫العلاقة بين الحادثة و الإصابة و القانون ‪ 98/91‬بقي قاصرا على وضع ضوابط محددة لإثبات هذه العلاقة‬

‫ل كن الإجتهاد القضائي الاجتماعي من خلال تكييفاته للوقائع‪ ،‬عمل على خلق قرائن أصبح مستقر عليها في‬

‫ظل عدم دقة التشر يع‪.‬‬

‫لدراسة هذه الفقرة يستلزم منا تقسيمها إلى نقطتين جوهريتين حيث نتناول في النقطة الأولى القرينة المادية‬

‫بينما نتناول في النقطة الثانية القرينة السببية‪.‬‬

‫أ‪ :‬القرينة المادية‬

‫إذا كان القضاء قد حاول أن يحدد الخصائص القانونية للوقاية التي تعد مصدرا للحادثة فإنه قد أعفى المؤمن‬

‫عليه من عبء إقامة الدليل على تحققها‪ ،‬إذ أن ظهور الإصابة في وقت ومكان العمل يؤدي إلى افتراض‬

‫‪238‬‬
‫وجودها‪ ،‬وكنتيجة بديهية لهذا فإعفاء الأجير من عبء الإثبات لا يقتصر على التحقق المادي للحادث‬

‫‪105‬‬
‫« القرينة المادية » بل يتجاوز هذا الإعفاء حتى إلى العلاقة السببية بين الحادثة والضرر‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫وهذا ما يحدو بجانب من الفقه الفرنسي أمام هذه النتيجة إلى القول بأن القرينة المادية‪ ،‬تضم القرينة‬ ‫‪.‬‬

‫السببية وتستغرقها‬

‫فإذا سلمنا القول بكون الأجير المتضرر معفى من إقامة الدليل على تحقق الحادثة استنادا إلى القرينة المادية‪،‬‬

‫بينما القول أن اقتران الإصابة بزمان ومكان الحادثة يعتبر في ذاته حادثة شغل ‪ ،‬أو حادث يفترض نسبته إلى‬

‫الشغل‪.‬‬

‫من هذا نستخلص أن الأمر يتعلق هنا بقرار حقيقي‪ ،‬خاص بسبب الإصابة الثابتة‪ ،‬أو بمعنى آخر أنه يعطي‬

‫لواقعة التحقق من وجود الإصابة وظهورها في وقت ومكان العمل أهمية سببية مغالى فيها وخصوصا متى علمنا‬

‫أنها لا تأخذ بعين الاعتبار ببعض المعطيات المتمثلة في عناصر الواقع‪ ،‬هذه الأخيرة التي لها قيمة استدلالية لا‬

‫يستهان بها والتي يمكن أن تقوم عليها القرينة‪.‬‬

‫إن هذا المنحى الذي يسل كه الإ جتهاد القضائي الفرنسي في هذا الصدد‪ ،‬يبين عن القفزة التي خطاها والتي‬

‫طرأت على المبادئ التي يقيم عليها أحكامه ‪ ،‬فقرينة السببية في صياغتها الأولية كانت تعتمد في إثبات العلاقة ما‬

‫بين الإصابة والحادث على عناصر ثابتة ومؤكدة تتصل بالتحقق المادي للحادث‪،‬بحيث اعتبر أن » كل إصابة‬

‫تلحق بالعامل إثر حادث‪ ،‬تحقق بسبب أو بمناسبة العمل‪ ،‬يجب اعتباره مالم يثبت العكس أثرا لهذا الحادث‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫»‬

‫‪105‬‬

‫‪106‬‬

‫‪107‬‬

‫‪239‬‬
‫فقرينة السببية كانت تستند كما سبق أن رأينا على واقعة الاقتران الزمني والمكاني للحادث والإصابة‪ ،‬وبالتالي‬

‫فالاحتمال الراجح والمألوف في هذا الصدد‪ ،‬يؤدي بنا إلى افتراض قيام علاقة ما بين ظهور الإصابة وتحقق‬

‫الحادث‪ ،‬وهذا يفيد أن هناك التزام يلقى على الأجير مفاده ال كشف على الوجود المادي لواقعة لها خصائص‬

‫الحادث حتى يكون هذا الاقتران حقيقة مؤكدة‪ ،‬ل كن أمام العراقيل والصعوبات التي تواجه الأجير في تحقيق‬

‫مثل هذا الالتزام‪ ،‬حدا بالقضاء الفرنسي إلى استنباط التحقق المادي للحادث انطلاقا من ظروف الواقع التي‬

‫يكشف عنها المضرور‪ ،‬بحيث أنه متى تبث انطلاقا من هذه الظروف أن الحادثة محتملة الوقوع‪ ،‬فإن إثبات‬

‫تحققها المادي يعتبر قد تم بحيث » كل إصابة يعتبر العمل حتى المألوف سببا أو مناسبة لها يفترض ما لم يتم‬

‫‪108‬‬
‫إثبات العكس أنها ناتجة عن حادث عمل»‬

‫ما يستخلص من هذا الحكم القضائي‪ ،‬هو أن القضاء الفرنسي‪ ،‬ومن أجل التحقق من إثبات الحادثة يستعين في‬

‫هذا المجال بالقرينة المادية التي تؤدي إلى إعفاء الأجير من إقامة الدليل على التحقق المادي للحادث‪ ،‬هذه‬

‫الأخيرة تستند وكما رأينا إلى الافتراض‪ ،‬والعناصر التي يقوم عليها هذا الافتراض يثبت الواقع العملي بأنها لا‬

‫تكون دائما حاسمة وقاطعة في دلالتها على حقيقة الواقع‪.‬‬

‫هذا ما يبين إذن القصور الذي يعتري النتائج التي يمكن أن يتوصل إليها القضاء باستعانته بالقرينة المادية من‬

‫أجل إثبات الحادثة‪ ،‬وبالتالي فأحكامه في هذا المجال لا تكون مطلقة‪ ،‬بل نسبية‪ ،‬وذلك بالنظر إلى كون القرينة‬

‫‪109‬‬
‫المادية تبنى لا على احتمالات راجحة و يقينية بل على احتمالات مشكوك فيها يغلب عليها طابع الظن‪.‬‬

‫ب‪ :‬القرينة السببية‬

‫إن الحماية التي يوفرها المشرع المغربي للأجير المتضرر من جراء حادثة شغل كرسها القانون ‪ 98/91‬هذا القانون‬

‫وككل التشر يعات الخاصة بالتعو يض تعطي أهمية بالغة لعنصر الضرر‪ ،‬وكما سبقت الإشارة إليه لا يستفيد‬

‫‪108‬‬

‫‪109‬‬

‫‪240‬‬
‫الأجير الذي تعرض للحادث ولم يصب بأي أذى من أي تعو يض‪ ،‬ول كن هذا لا يبين أن عنصر الضرر وحده‬

‫يكفي للاستفادة من التعو يض‪ ،‬بل لابد من ربط الضرر بحادثة شغل‪ ،‬وبمعنى آخر ضرورة تحقق العلاقة‬

‫السببية بين الحادثة والضرر‪ ،‬التي تصيب جسم الأجير مباشرة على إثر الإصابة‪.‬‬

‫كما أن هن اك أيضا حالات معاكسة‪ ،‬يصعب بل ويستحيل من خلالها إثبات العلاقة السببية بين الضرر‬

‫والحادث والصعوبات في هذه الأحوال تختلف‪ ،‬ويمكن إ يجازها فيما يلي‪:‬‬

‫* إما لعدم معرفة الظروف التي وقعت فيها الحادثة‪ ،‬والنموذج الذي يجسد هذه الحالة كأن يسقط أحد‬

‫البحارة من أعلى السفينة إلى البحر ليلا فيموت غرقا لا يعرف ما إذا كان الأمر يتعلق بحادثة شغل أم بانتحار‪.‬‬

‫* إما لوجود أسباب متعددة من وراء الفعل الضار‪ ،‬والمثال الذي يجسد هذه الحالة‪ ،‬كأن يكون‬

‫الأجير عليل الجسم‪ ،‬أو من معطوبي الحرب مثلا ‪..‬‬

‫‪ * .‬إما لعدم التناسب بين جسامة الضرر وهول الحادث‬

‫* إما لعدم ظهور الأضرار مباشرة بعد الحادثة‪ ،‬وخير مثال على هذه الحالة هو خروج الأجير سالما عند‬

‫‪110‬‬
‫حصول الحادثة‪ ،‬ثم يشتكي بعد مرور وقت من الزمن على وقوعها‪ ،‬من وجود أضرار في جسمه‪.‬‬

‫ولما كان من المنطقي أن الحماية التي يوفرها قانون الشغل لابد وأن تكون لها حدود بحيث يعرف المشغل ما له‬

‫وما عليه‪ ،‬فالمنطق القانوني يفرضان تحمل المشغل مسؤوليته في حدود نتائج الأضرار التي تلحق بأجرائه‪ ،‬من‬

‫جراء الحوادث التي لها علاقة بالشغل‪ ،‬دون باقي الأضرار الأخرى‪ ،‬والتي لها أسباب لا علاقة لها بالحادثة‪.‬‬

‫فالرغبة في تحديد المسؤولية هو الذي حدا بالقضاء الفرنسي‪ ،‬وتبعه في ذلك القضاء المغربي‪ ،‬إلى وضع معيار‬

‫يهتدي إليه لتحديد هذه العلاقة السببية بكل يسر وسهولة‪ ،‬وفي هذا الإطار نجد المحاكم المغربية و الفرنسية تميز‬

‫‪110‬‬

‫‪241‬‬
‫بين نوعين من الضرر‪ ،‬ضرر مباشر والذي ينت ج عن الحادثة مباشرة‪ ،‬وفي المقابل ضرر غير مباشر بمعنى أنه لا‬

‫يرتبط بالحادثة مباشرة‪.‬‬

‫‪ 9‬الضرر بالمباشر‪ :‬إن هذه الحالة والتي لا تثير أي إشكال فيما يخص الإثبات والمتعلقة بحصول ضرر للأجير‬

‫مباشرة‪ ،‬وفور وقوع الحادثة‪ ،‬بحيث هناك تلازم ما بين وقت الحادثة وحصول الضرر‪ ،‬فإن المحاكم في هذه‬

‫الحالة تهتدي إلى قرينة الإسناد والتي بواسطتها‬

‫الضرر أو يسند الى حادثة شغل‪ .‬يعزى‬

‫والتساؤل المطروح في هذا المجال هو هل من اللازم إثبات العلاقة السببية طبقا للقاعدة القائلة بها البينة على‬

‫المدعي‪ ،‬أو يكتفي بوقوع الحادثة فقط من أجل استنباط العلاقة السببية؟‬

‫فالمنحى الذي سار فيه الإجتهاد القضائي المغربي منذ صدور ظهير ‪ 11‬يونيو ‪ 9112‬هو منحى الإجتهاد‬

‫القضائي الفرنسي‪ ،‬بحيث يأخذ بقرينة السببية‪ ،‬مستعملا نفس العبارات التي كانت توردها محكمة النقض‬

‫الفرنسية مرارا في قراراتها‪ » :‬أن كل ضرر يحصل من جراء الحادثة تقع بسبب الشغل أو بمناسبة القيام به‪،‬‬

‫‪111‬‬
‫يجب اعتباره ناتجا عن حادثة شغل إلا إذا أقيم الدليل على عكس ذلك»‬

‫ومن الملاحظ أن الإ جتهاد القضائي المغربي مازال يأخذ بهذه القرينة‪ ،‬كما تدل على ذلك القرارات الصادرة‬

‫عن محكمة النقض بهذا الخصوص‪ ،‬هذه القرارات التي تجد سندها في المنحى الذي نحاه المشرع المغربي‬

‫بالقانون ‪ 98/91‬خصوصا مقتضيات المادة ‪ 3‬منه‪.‬‬

‫وذلك بتحميله المسؤولية عن كل ضرر لحق الأجير من جراء حادثة نتجت عن الشغل بحيث يفترض مع كل‬

‫ضرر لحق الأجير أنه يرجع مباشرة للحادثة وهذا ما يعبر عنه بقرينة الإسناد هذه الأخيرة لا تعتبر قاطعة‪ ،‬بمعنى‬

‫‪111‬‬

‫‪242‬‬
‫آخر ل كي يتنصل المشغل من المسؤولية عليه أن يقيم الدليل على عكس ذلك‪ ،‬وذلك كان يثبت بأن الضرر‬

‫الذي يعتقد أنه موال لوقوع الحادثة هو سابق لوقعها ‪ ،‬وفي هذا الصدد قضىت محكمة النقض ‪ » :‬بان وفاة‬

‫الأجير التي تحصل بسبب سكتة قلبية أثناء الشغل يفترض أنها ناتجة عن حادثة شغل و لهدم هذه‬

‫« القرينة فإنه يجب على المؤاجر أو على مؤمنه‪ ،‬أن يثبت مرضا سابقا للمصاب‪ ،‬وأن يقيم الدليل على أن‬

‫‪112‬‬
‫الأزمة القلبية لم يتسبب فيها الشغل »‬

‫كما قضىت نفس المحكمة ‪ » :‬بأن التكثف في عدسة العين الذي يظهر بعد ساعات على إصابتها من جراء انكسار‬

‫حجرة‪ ،‬يعتبر ناتجا عن حادثة شغل بالرغم من أن الخبرة الطبية لم تستطع تأكيد أصل هذه الإصابة‪ ،‬وعلى‬

‫‪113‬‬
‫المؤاجر أو مؤمنه أن يقيم الدليل على أن هذا التكثف مترتب عن سبب أجنبي عن الحادثة‪» .‬‬

‫و من خلال هذين القرارين نخلص إلى التأكيد على أن الإجتهاد القضائي المغربي استطاع تطوير نظام إثبات‬

‫حوادث الشغل عبر اجتهاداته ‪ ،‬بحيث ما يزال ثابتا في موقفه والذي يتمثل في كونه يعفي الأجير‪ ،‬كطرف‬

‫ضعيف في العلاقة التعاقدية من عبء إثبات العلاقة السببية بين حادثة شغل والضرر ‪ ،‬ول كن هذا التوجه‬

‫ليس على إطلاقه بحيث أعطى في نفس الوقت للمشغل عبء إقامة الدليل العكسي ل كي يتنصل من مسؤوليته‪،‬‬

‫و يعتبر هذا الموقف منطقيا متى علمنا أنه قد تكون هناك استعد ادات الأجير المرضية أو الأمراض السابقة لوقوع‬

‫الحادثة التي تعتبر من بين الوسائل‪ ،‬التي يستطيع المشغل التمسك بها للوصول إلى هذا الإثبات‪ ،‬فلا يعقل أن‬

‫يتحمل المشغل المسؤولية عن هذه الأسباب الخارجة عن حادث الشغل‪.‬‬

‫وقد سبق للقضاء المغربي أن عرض عليه هذا النوع من القضايا‪ ،‬وكان موقفه في هذا الصدد جريئا‪ ،‬ويتمثل في‬

‫كون المشغل يتحلل من المسؤولية كلما أثبت الاستعداد المرضي عند الأجير‪ ،‬وأن الحادثة لم تكن السبب الذي‬

‫يسمح باندلاع هذا الضرر‪.‬‬

‫‪112‬‬

‫‪113‬‬

‫‪243‬‬
‫وعلى هذا المنوال قضت محكمة استئناف الرباط في حكمها الصادر بتاريخ ‪ 92‬أبر يل ‪ 9116‬على » أنه تعتبر‬

‫ناتجة عن حادثة شغل وفاة الأجير المصاب بداء السل والتي حدثت إثنا عشر يوما بعد إصابة هذا الأخير في‬

‫ظهره‪ ،‬على إثر حادثة شغل وأنه كان على المؤاجر أن يثبت في الوقت المناسب أن وفاة هذا الأجير كانت‬

‫‪114‬‬
‫ستحصل ولو لم يصب في حادثة شغل‪» .‬‬

‫كما قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ ‪ 99‬فبراير ‪ 9111‬نقض حكم محكمة الإستئناف بالرباط الصادر في ‪13‬‬

‫ماي ‪ 9113‬لأن هذه المحكمة الأخيرة لم تمنح أرملة الأجير الذي أصيب في رأسه في ساحة المؤسسة وهو‬

‫يؤدي أجور العمال‪ ،‬إيرادا بدعوى أن وفاة زوجها نجمت عن نز يف داخلي في المخ تطور خفية على إثر إصابة‬

‫سابقة في مباراة من مبار يات ال كرة المستطيلة‪ ،‬وقد صرحت محكمة النقض في تعليلها لنقضها أنه‪ » :‬مادامت‬

‫حادثة شغل المتمثلة في ارتطام رأس المصاب بوجه الأجير الآخر قد كشفت عندما اختفى إلى حد وقوعها‬

‫‪115‬‬
‫وأنها هي التي عجلت بتطوره‪ ،‬تطورا قضى على المصاب فإنه يجب اعتبار هذه الوفاة ناتجة عن حادثة شغل‪».‬‬

‫وسيرا في هذا الإتجاه الذي كرسته محكمة النقض الفرنسية نجد محكمة الإستئناف بالرباط في حكمها الصادر‬

‫‪ 91‬مارس ‪ 9144‬تعتبر‪ » :‬أن وفاة الأجير المصاب بداء السكري التي تحدث بضعة أيام على إثر إصابته بحادثة‬

‫شغل في رأسه تكون ناتجة عن هذه الحادثة نظرا لضعف أوعية الجمجمة بسبب هذا المرض الذي سبب نز يفا‬

‫‪116‬‬
‫دمو يا داخليا‪» .‬‬

‫وقد اتجهت محكمة النقض على غرار المحاكم الأدنى درجة‪ ،‬وما يوضح ذلك هو كونه قضى برفض نقض حكم‬

‫محكمة الاستئناف بالرباط في قراره في ‪ 34‬دجنبر ‪ 9141‬ل كون المحكمة المذكورة قضت» بكون إصابة عظام‬

‫‪114‬‬

‫‪115‬‬

‫‪116‬‬

‫‪244‬‬
‫الرجل تكون ناتجة عن حادثة شغل حتى ولو كان هناك داء ناتج عن إصابة سابقة‪ ،‬وبرزت حكمها بكون‬

‫‪117‬‬
‫الحادثة هي التي كشفت عن هذا أداء الذي اختفى إلى حد وقوعها‪» .‬‬

‫وإذا أردنا تقييم مسلك الإجتهاد القضائي في هذا الصدد وجدناه ينبني على أساس مقبول ومنطقي مفاده أن‬

‫الأجير يستفيد من مقتضيات قانون حوادث الشغل و الأمراض المهنية متى نتج الضرر عن حادثة شغل‪ ،‬ولو‬

‫تداخلت معه أسباب أخرى بحيث أن جميع الأسباب على درجة واحدة من الأهمية‪ ،‬تطبيقا لنظر ية تكافؤ‬

‫الأسباب‪ ،‬وهذه النظر ية تعتبر وجيهة بحيث أنها تعتبر آخر هذه الأسباب وهي وقوع الحادثة‪ ،‬لما ظهرت‬

‫الأسباب الأخرى الخفية‪ ،‬باعتبارها آخر هذه الأسباب‪ ،‬وبإمكان المشغل التنصل من مسؤوليته متى أثبت أن‬

‫الضرر يجد أساسه في سبب آخر غير الحادثة ‪.‬‬

‫‪ 1‬الضرر غير المباشر‬

‫إذا كان الأجير المتضرر من جراء حادثة شغل يستفيد من قرينة الإسناد متى اقترن ظهور الضرر بتحقيق حادثة‬

‫شغل‪ ،‬وبالتالي يعفى من عبء الإثبات‪ ،‬فإن هناك حالة معاكسة لا يظهر فيها الضرر مباشرة بعد وقوع الحادثة‬

‫بل يختفي ولا يظهر إلا بعد فترة زمنية‪ ،‬ففي هذه الحالة والتي تثير إشكالا على مستوى الإثبات‪ ،‬فالأجير لا‬

‫يستفيد من قرينة الإسناد‪ ،‬وهذا أمر بديهي متى علمنا أنه إذا كان من الممكن إرجاع سبب الضرر إلى الحادثة‬

‫فمن غير المستبعد‪ ،‬بعد مرور فترة زمنية أن ينتج عن أسباب أخرى لاحقة لوقوعها‪.‬‬

‫وبالتالي يتعذر اللجوء إلى استعمال قرينة الإسناد متى كان الضرر غير مباشر‪ ،‬لذلك يتحمل الأجير المتضرر أو‬

‫ذوي حقوقه في حالة وفاته إثبات العلاقة بين الحادثة والضرر‪ ،‬و بحكم مركز الأجير كطرف ضعيف في العلاقة‬

‫التعاقدية فقد أعطى المشرع اللجوء إلى كافة وسائل الإثبات الدامغة‪ ،‬كالشهادة الطبية والخبرة المضادة‪ ،‬كذا‬

‫تشريح الجثة في حالة وفاته‪.‬‬

‫‪117‬‬

‫‪245‬‬
‫في هذا الصدد قررت محكمة الإستئناف بالرباط في حكمها الصادر في ‪ 98‬أبر يل ‪ » :9113‬أنه لا يمكن تطبيق‬

‫مقتضيات التشر يع المغربي الخاص بالتعو يض عن حوادث الشغل إذا لم تتمكن أرملة الأجير المصاب بحادثة‬

‫‪118‬‬
‫شغل الذي توفي بعد أشهر عديدة من برء جرحه أن تقيم الدليل على وجود علاقة سببية بين الحادثة والوفاة »‬

‫كما قررت نفس المحكمة بتاريخ ‪ 2‬فبراير ‪ » :9113‬أنه إذا توفي المصاب بعجز يقدر ب ‪ %8‬بعد أربعة عشر شهرا‬

‫من وقوع حادثة شغل‪ ،‬وقامت أرملته تطالب بالإيراد عن الوفاة‪ ،‬مدعمة طلبها بشهادة لفيفية وضعت بعد مرور‬

‫عشرة أشهر عن الوفاة فإن تصر يحات الشهود الواردة في الشهادة اللفيفية تشكل مجرد آراء شخصية غير دامغة‪،‬‬

‫‪119‬‬
‫لأنها لم تصدر عن أهل الفن والخبرة ولا تشكل بالتالي دليلا قاطعا عن العلاقة السببية بين الحادثة والوفاة»‬

‫وموقف المشرع المغربي والذي تجسده هذه القرارات يعتبر منطقيا ومعقولا بل بحيث لا يعقل إعمال قرينة‬

‫الإسناد‪ ،‬كلما كان الضرر غير مباشر وذلك راجع بالخصوص إلى كون ظهور الضرر بعد وقوع الحادثة لفترة‬

‫زمنية طالت أم قصرت‪ ،‬لا يمكن معه التسليم بكون الضرر ناتج عن الحادثة والسبب في ذلك راجع إلى أنه من‬

‫المحتمل أن تتدخ ل أسباب أخرى بعد الحادثة تتسبب في الضرر‪ ،‬وعليه فمن الواعي ومن العدل أن يلتزم الأجير‬

‫أو ذوي حقوقه في حالة وفاته بإقامة الدليل على كون الضرر يرتبط بالحادثة‪ ،‬بعلاقة وطيدة ومتماسكة‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫بأنه لفسخ العلاقة السببية بين الضرر والحادثة يكفي أن‬ ‫وهذا ما حدا بجانب من الفقه الفرنسي إلى القول‬

‫يدخل العلاقة سببا أجنبيا‪ ،‬وبالتالي فعلى الأجير من أجل الإستفادة من التعو يض أن يثبت بالإضافة إلى‬

‫علاقة الضرر بالحادثة‪ ،‬أيضا كون الضرر لم يحصل لهذا السبب الأجنبي ‪ ،‬وانطلاقا من هذا المبدأ نجد الإجتهاد‬

‫القضائي يقضي كلما نتجت وفاة المصاب بحادثة شغل في وقت العلاج الذي استلزمه هذه الحادثة‪ ،‬بحيث يضع‬

‫اعتبار المشغل مسؤولا عن الوفاة‪ ،‬كذلك نظرا ل كونها تشكل مع الحادثة وحدة غير قابلة للتجزئة فإن المشغل لا‬

‫‪118‬‬

‫‪119‬‬

‫‪120‬‬

‫‪246‬‬
‫يكون مسؤولا عن تفاقم جرح المصاب بسبب رفضه للعلاج‪ ،‬أو عن الوفاة التي تحدث بسبب أجنبي عن‬

‫الحادثة‪.‬‬

‫فهكذا نقضت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر عن غرفتها المدنية بتاريخ ‪ 94‬فبراير ‪ 9114‬حكم محكمة‬

‫استئناف بتاريخ ‪ 19‬شتنبر ‪ 9116‬لأن هذه الأخيرة لم تعتد برفض الأجير لتلقي العلاج بالرغم‪ ،‬بساطة‬

‫الإصابة‪ ،‬وقد صرحت محكمة النقض‪ » :‬أن الأجير الذي جرح في أصبعه ورفض استئصال الداحوس الناتج‬

‫عن الجرح بواسطة عملية خفيفة بعد تنبه مؤاجره و الطبيب على المضاعفات التي قد‬

‫‪121‬‬
‫قد عرض أصبعه إلى الخطر حينما ظل يشتغل غير مكترث‪ ،‬بكل ما يتسرب إليه تنجم عن هذا الرفض‬ ‫»‬

‫يكون‬

‫لذلك قررت محكمة النقض عدم تحميل المشغل بالعواقب الناتجة عن قطع الأصبع مادامت أسباب أخرى منها‬

‫رفض المصاب للعلاج وتسرب المكروبات إلى الجرح قد ساهمت في حصول الضرر‪ ،‬وقياما على هذه الحالة نجد‬

‫محكمة النقض المذكورة في قرارها الصادر عن غرفتها الإجتماعية بتاريخ ‪ 11‬غشت ‪ 9111‬ترفض الأخذ‬

‫بقرينة إسناد الضرر للحادثة التي يجرح فيها الأجير يوم ‪ 13‬غشت ويموت متأثرا بالتيطانوس يوم ‪ 4‬أكتوبر مع أنه‬

‫لم يوقف شغله ولم يطالب بأي علاج‪ ،‬كما قررت محكمة الإستئناف بالرباط في قرارها الصادر بتاريخ ‪98‬‬

‫أكتوبر ‪ 9111‬أنه‪:‬‬

‫» إذا انتحر الأجير المصاب بعجز دائم جزئي ناتج عن حادثة شغل فإنه لا توجد في هذه الحالة قرينة إسناد‬

‫‪122‬‬
‫الضرر للحادثة وعلى ذوي حقوقه أن يقيموا الدليل على وجود علاقة سببية بين الحادثة والإنتحار»‬

‫‪121‬‬

‫‪122‬‬

‫‪247‬‬
‫لذلك يتمظهر من خلال مختلف الإجتهادات القضائية للقضاء الإجتماعي في فرنسا و المغرب تطوير نظام‬

‫الإثبات في قضايا حوادث الشغل من طرف الإجتهادات القضائية ‪ ،‬بحيث أصبح القضاء مستقر عليها في ظل‬

‫القصور التشر يعي و صعوبة سن وسائل إثبات دقيقة لإثبات حوادث الشغل و الأمراض المهنية ‪.‬‬

‫الملاحظ أن الإجتهاد القضائي غطى على القصور التشر يعي و عدم دقة وسائل الإثبات العامة و عدم قدرتها‬

‫عل ى مواكبة تطور الوقائع بحيث هذا القصور خول للقضاء الحق الضمني لإصدار اجتهادات قضائية نابعة من‬

‫الواقع وحسب النوازل المعروضة أمامه ‪ ،‬طور من خلالها نظام إثبات حوادث الشغل و الأمراض المهنية ‪.‬‬

‫لذلك أصبح القضاء الاجتماعي يذهب في اتجاه القضاء الأنكلوساكسوني يستند على الفلسفة الواقعية لإصدار‬

‫قرارات قضائية استطاع من خلالها خلق وسائل أصبح مستقر عليها تتجه في مصلحة الأجير بالدرجة الأولى‪،‬‬

‫وأصبح الإجتهاد القضائي من خلالها آلية لتطوير نظام إثبات حوادث الشغل و الأمراض المهنية نظرا‬

‫لخصوصيته و صعوبة الإستناد على القواعد العامة مخافة ضياع حقوق الأجراء‪.‬‬

‫ل كن يبقى التساؤل المطروح هل تطوير الإجتهاد القضائي لنظام إثبات حوادث الشغل و الأمراض المهنية‬

‫يمكن من خلاله تطوير التشر يع عبر سن ما استقر عليه الإجتهاد القضائي أم أنه لصعوبة هذا الطرح يكفي‬

‫الاستقرار على الإجتهادات القضائية من طرف القضاء الاجتماعي دون سنها في تشر يع حوادث الشغل و‬

‫الأمراض المهنية ‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫خاتمة‪:‬‬

‫ما يمكن أن نخلص إليه‪ ،‬أن نظام الإثبات في إطار حوادث الشغل‪ ،‬تم تطو يره عبر الإجتهاد القضائي و هنا‬

‫يمكن لنا القول أن الإ جتهاد القضائي هو بالفعل مصدر رسمي من مصادر القانون و آلية واقعية لتطوير الترسانة‬

‫التشر يعية فاستطاع الإجتهاد القضائي الاجتماعي بواقعيته ابتكار أسلوب جديد في الإثبات وهو قرينة‬

‫الإسناد و قرينة التبعية و القرينة المادية و السببية بالإضافة الى الأخد بمعيار الضرر المباشر و الغير المباشر‪ ،‬هذه‬

‫الوسائل المبتكرة ساهمت في تطوير نظام إثبات حوادث الشغل و الأمراض المهنية ونجحت إلى حد ما في قلب‬

‫عبء الإثبات‪ ،‬وجعلته رهين بهذه الوسائل‪ ،‬فرغم ما يؤخذ على أن قرينة الإسناد تبقى بسيطة قابلة لإثبات‬

‫العكس‪ ،‬لأنها تفتح الباب أمام المشغل أو مؤمنه للتنصل من مسؤوليتهما إذا ما أثبتوا أن الحادثة راجعة إلى‬

‫سبب خارجي تماما عن العمل‪ ،‬ل كن عند عجز قرينة الإسناد في تحقيق حماية أكثر للأجير‪ ،‬ابتدع الاجتهاد‬

‫القضائي مرة أخرى قرينة التبعية والتي بواسطتها يتم افتراض خضوع الأجير ليس بالنظر إلى تواجده في مكان‬

‫ووقت العمل‪ ،‬وإنما إلى قيامه بتنفيذ أوامره‪ ،‬وتعليماته ولو كان ذلك خارج النطاق الزمني والمكاني للعمل‪،‬‬

‫وبذلك تهدف إلى تيسير الإثبات من خلال دعهما لمضمون قرينة الإسناد‪ ،‬بشكل يؤدي إلى اتساع نطاقها لا‬

‫إلى تقييدها‪ ،‬ومن جهة أخرى تم تدعيم نظام الإثبات في حوادث الشغل بأسلوب آخر وهو القرينة المادية‪،‬‬

‫والتي تعفي الأجير من إقامة الدليل على التحقق المادي للحادث‪.‬‬

‫وبالرغم من تطو ير نظام الإثبات في حوادث الشغل عبر الاجتهاد القضائي ‪ ،‬فإنه غالبا ما يصطدم بصعوبة‬

‫تحقيق الحماية اللازمة للمضرور‪ ،‬ذلك أن المشغلين يقبلون على مؤسسات التأمين للتأمين على حوادث الشغل‬

‫حتى يتجنبوا المبالغ الباهظة والتي قد لا تتحملها ميزانية مؤسساتهم‪ ،‬فإن شركات التأمين هذه تستغل هذا الميدان‪،‬‬

‫ليس لتحقيق الحماية الاجتماعية للأجير‪ ،‬والتي دأب الفقه والقضاء و الحركة النقابية إلى تحقيقها منذ قرون‪ ،‬و‬

‫إنما لتحقيق الربح على حساب بؤس المصابين وحرمانهم من أبسط الحقوق‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫ذلك أن هذه المؤسسات تعمل على مماطلة المصاب للحصول على الإيراد‪ ،‬برفضها لنتائج الخبرة الطبية‪ ،‬ونسبة‬

‫العجز الذي قدرها الطبيب المعالج ومطالبتها بخبرة مضادة‪.‬‬

‫"يعدل القاضي العادل بحكمه ما كان جائرا في القانون" جوستاف لوبون‬

‫‪250‬‬
251
‫التعليق على القرار رقم ‪ 1441‬ملف اجتماعي عدد ‪ 81/1124‬حول‬
‫فقدان الاجير للوعي في مكان العمل ووفاته داخل المستشفى‬

‫مليجي الصحراوي‬

‫باحث في القانون الخاص‬

‫سنحاول التعليق على القرار رقم ‪ 1441‬الصادر عن المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا ) بتاريخ‬
‫‪ 94‬شتنبر ‪ 9114‬ملف اجتماعي عدد ‪.123 81/1124‬‬
‫تتلخص الوقائع في أن المرحوم صالح الوادي سقط مغشيا عليه و هو يعمل في فندق سفير و نقل‬
‫إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه في نفس اليوم‪ ,‬و بعد إحالة التصريح بالحادثة على المحكمة الابتدائية‬
‫أصدرت حكمها في الملف عدد ‪ 1303/86‬باعتبار الحادثة حادثة شغل و قضت لورثة الضحية بالإيراد‬
‫‪ ,‬و بعد استئناف الحكم من طرف كل من شركة التامين العربية و المشغل أصدرت محكمة الاستئناف‬
‫بمراكش قرارها عدد ‪ 233‬بتاريخ ‪ 25‬يناير ‪ 1989‬بإلغاء الحكم الابتدائي و الحكم من جديد برفض‬
‫الطلب ‪ .‬طعن الورثة في القرار و عابوا عليه انعدام الأساس القانوني ذلك أن موروثهم كان يعمل بصفة‬
‫طبيعية لصالح فندق سفير و هذا ما أكده التقرير الطبي في ‪ 07‬فبراير‪ 1981‬و أن وفاته كانت بسبب‬
‫النز يف بعد سقوطه و أنه بعد ‪ 7‬سنوات يأتي تقرير مقتضب للدكتور المنصوري اعتمد على الوثائق‬
‫الط بية دون معاينة المرحوم يخلص فيه إلى أنه لا علاقة لوفاة موروثهم بانزلاقه كما أن القرار لم يبين‬
‫لماذا استبعد الخبرات السابقة مما يجعله منعدم الأساس القانوني ‪.‬‬
‫وقد ثبت صدق ما نعته الوسيلة على القرار ‪ ,‬وأنه من الثابت و مما لا جدال فيه أن الضحية سقط مغميا‬
‫علي ه و هو يعمل عند مشغله فندق سفير حيث لفظ أنفاسه بعد نقله للمستشفى و من تم فان الحادثة‬
‫تعتبر حادثة شغل و لو كانت نتيجة عن نز يف دموي أصيب به الضحية قبل سقوطه على الأرض‬
‫اللهم إلا إذا برهن المؤاجر انه كان عرضة سهلة للأمراض قبل إصابته ‪.‬و أن محكمة الاستئناف عندما‬
‫اعتبرت الحادثة ليست حادثة شغل بمجرد كون التقرير الطبي أثبت أن الوفاة كانت نتيجة عن النز يف و‬
‫ليس عن السقوط من غير أن يثبت المؤاجر أو مؤمنه أن الضحية كان عرضة سهلة للأمراض و من غير‬
‫أن تتأكد من ذلك جعلت قرارها منعدم الأساس القانوني مما يتعين نقضه ‪.‬‬

‫‪ - 123‬مجلة قرارات المجلس األعلى في المادة االجتماعية ‪ ,1996-1962‬منشورات المجلس األعلى في ذكراه األربعين سنة‬
‫‪ ,1997‬ص ‪.79‬‬
‫‪252‬‬
‫و لهذه الأسباب قضى المجلس الأعلى بنقض قرار محكمة الاستئناف بمراكش و بإحالة الملف على‬
‫نفس المحكمة لتبت فيه من جديد طبقا للقانون و هي مؤلفة من هيئة أخرى و بتحميل المطلوبتين الصائر‬
‫‪.‬‬

‫سنحاول البحث و التركيز في هذا التعليق على العلاقة السببية بين الحادثة و الشغل أي الطابع المهني‬
‫للحادثة في نقطة أولى‪ ,‬و على العلاقة السببية بين الحادثة و الضرر في نقطة ثانية‪.‬‬

‫النقطة الأولى ‪ :‬العلاقة السببية بين الشغل و الحادثة أو الطبيعة المهنية للحادثة‪:‬‬

‫‪124‬‬
‫لا يعتبر كل فعل ضار يتعرض له الأجير الذي يستفيد من مقتضيات القانون ‪18.12‬‬
‫حادثة للشغل ‪ ,‬إذا لا بد ل كي يطالب هذا الأخير بتطبيق أحكام هذا القانون ‪ ,‬من وجود علاقة ما بين‬
‫الشغل و الحادثة نظرا للطابع الاستثنائي للمسؤولية الملقاة على عاتق المشغل و الأسس التي تنبني عليها‬
‫هذه المسؤولية من جهة أخرى‪.‬ولذلك فان هذه العلاقة غالبا ما يصعب تحديدها لانعدام وجود خط‬
‫يفصل ما بين الضرر المسمى بحادثة شغل و الضرر العادي ‪ ,‬وحتى لا يبقى تردد فيما إذا كان الفعل‬
‫الضار الذي يعتبر حادثة شغل هو الضرر الحاصل من جراء الشغل أو الضرر الذي ما كان يقع لو لم‬
‫يقم الأجير بعمله ‪ ,‬فقد نص المشرع المغربي في المادة ‪ 3‬من القانون ‪ 18.12‬على أنه ‪ ":‬تعتبر حادثة‬
‫شغل كل حادثة ‪ ,‬كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر ‪ ,‬للمستفيد من أحكام هذه القانون ‪ ,‬سواء كان‬
‫أجيرا أو يعمل بأي صفة تبعية كانت و في أي محل كان إما لحساب مشغل واحد أو عدة مشغلين ‪,‬‬
‫وذلك بمناسبة أو بسبب الشغل أو عند القيام به ‪ ,‬و لو كانت هذه الحادثة ناتجة عن قوة قاهرة ‪ ,‬أو‬
‫كانت ظروف الشغل قد تسببت في مفعول هذه القوة أو زادت من خطورتها إلا إذا اثبت المشغل أو‬
‫مؤمنه طبقا للقواعد العامة للقانون أن مرض المصاب كان سببا مباشرا في وقوع الحادثة ‪.‬‬
‫و يقصد بالضرر في مفهوم هذا القانون كل إصابة جسدية أو نفسية تسببت فيها حادثة الشغل و‬
‫أسفرت عن عجز جزئي أو كلي ‪ ,‬مؤقت أو دائم ‪ ,‬للمستفيد من أحكامه " ‪ .‬وبهذا النص يكون المشرع‬

‫‪ - 124‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.14.190‬بتاريخ ‪ 29‬دجنبر ‪ ,2014‬الجريدة الرسمية عدد ‪ , 6328‬بتاريخ ‪22‬‬
‫يناير ‪ ,2015‬ص ‪. 489‬‬
‫‪253‬‬
‫المغربي قد استخدم صيغة مرنة تترك مجالا‪ ,‬و حر ية كبيرة للمحاكم و للاجتهاد القضائي في تكييف الفعل‬
‫الضار الذي يقع بمناسبة القيام بالشغل أو بسببه بأنه حادثة شغل أم لا‪.‬‬

‫موقف الفقه و الاجتهاد القضائي من العلاقة بين الشغل و الحادثة‪:‬‬

‫ثار جدال فقهي لمعرفة ما إذا كانت العلاقة بين الشغل و الحادثة تستند إلى نظر ية المخاطر المهنية‬
‫أم إلى نظر ية التبعية القانونية ‪ .125‬فالنظر ية الأولى تقوم على المبدأ القائل بأن الغنم بالغرم ‪ ,‬و اعتبرت‬
‫المشغل مسؤولا عن الحوادث التي يتعرض لها أجراءه لأنه يجني الفائدة التي تدرها عليه المهنة ‪ ,‬و من‬
‫هنا جعلت هذه النظر ية العلاقة بين الشغل و الحادثة قائمة على الفوائد التي تجنيها المقاولة من مهنة‬
‫الأجير ‪ ,‬بحيث يصبح التعو يض الذي يجب على المشغل دفعه للمصاب أو ذوي حقوقه داخلا ضمن‬
‫المخاطر التي تتحملها المقاولة في مقابل ما يعود عليها من نفع ‪ ,‬و بذلك فقد بنيت العلاقة ما بين الشغل و‬
‫الحادثة في هذه النظر ية على أساس المخاطر الناتجة عن النفع ‪ .‬أما النظر ية الثانية فهي نظر ية التبعية‬
‫القانونية التي تعتد بما إذا كان الشغل قد أنجز بأمر من المشغل أو تحت رقابته أو إشرافه و توجيهه لأن‬
‫التبعية القانونية من المميزات الأساسية لعقد الشغل ‪ ,‬و بالتالي فإن التعو يض عن حوادث الشغل ما هو‬
‫إلا أثر من الآثار الناتجة عن تنفيذ عقد الشغل ‪ ,‬و أن المشغل مسؤول عن الأضرار التي تحدث للأجير‬
‫مادام يقوم بعمله تحت إشرافه و رقابته و توجيهه ‪ ,‬وبذلك لا تبنى هذه النظر ية العلاقة بين الشغل و‬
‫الحادثة على النفع الذي تجنيه المؤسسة من الشغل ‪ ,‬و ل كن على أساس المخاطر الناتجة عن سلطة المشغل‬
‫في الإشراف و التوجيه و إعطاء الأوامر أو ما يعبر عنه بالتبعية القانونية ‪ ,‬التي نرى أنها أولى بالتطبيق‬
‫على نازلة القرار الذي نحن بصدد التعليق عليه ‪ ,‬فالأجير لما حل بالفندق و باشر القيام بالشغل المنوط‬
‫به تنفيذا لأوامر المشغل و تحت رقابة و توجيه هذا الأخير أو من يقوم مقامه فإنه يكون مسؤولا عن‬
‫الضرر الذي تعرض له الأجير المتوفى و دفع الإيرادات و التعو يضات الواردة في القانون ‪12.18‬‬
‫لذوي حقوقه ‪ .‬و قد صرحت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر في ‪ 20‬أبر يل ‪" 1912‬بأنه‬
‫يجب أن تعتبر بمثابة حادثة للشغل الحادثة التي تقع للأجير بمناسبة ممارسته لمهامه التي يفرضها عليه عقد‬
‫الشغل المبرم بينه وبين المؤاجر"‪. 126‬‬

‫‪ - 125‬أستاذنا الدكتور آمال جالل " مسؤولية المؤاجر عن حوادث الشغل و األمراض المهنية "نشر كلية الحقوق بالرباط ‪ ,‬الطبعة‬
‫األولى ‪,1977‬ص ‪. 203‬‬
‫‪126‬‬
‫‪ -‬أستاذنا الدكتور آمال جالل‪ ,‬المرجع السابق ‪,‬ص ‪. 206‬‬
‫‪254‬‬
‫و يعتبر الاجتهاد القضائي المغربي شأنه شأن نظيره الفرنسي أن الحادثة التي يتعرض لها الأجير و‬
‫هو في وقت و مكان العمل حادثة شغل نظرا لوجود هذا الأخير في علاقة التبعية التي تربطه بالمشغل ‪,‬‬
‫و في هذا الصدد تتوسع المحاكم في إعطاء الفعل الضار و صف حادثة شغل لأن المادة ‪ 3‬من القانون‬
‫‪ 12.18‬لا تعتد بسبب الحادثة من جهة ‪ ,‬و تترك لها سلطة تقدير ية لتفسير الحادثة التي تصيب الأجير‬
‫بمناسبة القيام بالشغل من جهة أخرى ‪ ,‬بحيث متى ثبت لها أن الحادثة حصلت في وقت و مكان‬
‫العمل إلا و مالت إلى اعتبارها تكتسي طابعا مهنيا أي حادثة شغل ‪ ,‬حتى إن عبارة " وقت و مكان‬
‫العمل " أصبحت من العبارات المألوفة التي كثيرا ما ترد في أحكام المحاكم ‪ ,‬و لا يحصر الاجتهاد‬
‫القضائي المغربي هذه المسالة في الحوادث التي تتسبب فيها الآلة أو أدوات الشغل فقط ‪ ,‬بل يعممها على‬
‫الحوادث مهما كان سببها ‪ ,‬اذ يعتبر الفعل الضار الحاصل في و وقت و مكان العمل حادثة شغل ‪ ،‬و‬
‫قد ورد في القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ ‪ 5‬فبراير ‪ " 1969‬بما أن محكمة الاستئناف ثبت‬
‫لديها أن الحادثة وقعت في مكان و وقت العمل ‪ ,‬فإنها صادفت الصواب عندما اعتبرتها حادثة شغل‬
‫"‪. 127‬‬
‫من خلال ما تقدم يتضح أن الاجتهاد القضائي يعتمد على علاقة التبعية لتحديد العلاقة بين‬
‫الشغل و الحادثة ‪ ,‬متى أنجز الشغل في وقت و مكان العمل و بمناسبته ‪ ,‬و كان الأجير خاضعا لتوجيه و‬
‫إشراف مشغله منفذا لأوامره ‪ ,‬أي خاضعا للتبعية القانونية ‪ ,‬لذا فإننا نسلم بسهولة أنه كان يخضع إلى‬
‫هذه التبعية ‪ ,‬فإذا ما أصيب بحادثة شغل ‪ ,‬فإن المشغل مسؤول عن هاته الأضرار و أن عليه أو على‬
‫مؤمنه دفع التعو يضات و الإيرادات المنصوص عليها لفائدة الأجير أو لذوي حقوقه في حالة وفاته ‪.‬‬

‫النقطة الثانية ‪ :‬العلاقة السببية بين الحادثة و الضرر‪:‬‬

‫يهدف قانون ‪ 12.18‬إلى تعو يض الضرر الحاصل من جراء حادثة الشغل ‪ ,‬و ككل القوانين‬
‫الخاصة بالتعو يض يهتم القانون المذكور بالضرر اهتماما كبيرا إذ أن حاثة الشغل لا تؤخذ بعين الاعتبار‬
‫إلا إذا كانت السبب في حصول هذا الضرر بحيث أن الأجير إذا ما تعرض لحادثة و هو يقوم بعمله و‬
‫خرج منها سالما معافى ‪ ,‬غير مصاب بأذى فإنه لا يمكنه مطالبة مشغله بشيء ‪ .‬على أنه إذا كان لا بد‬
‫من وجود ضرر للمطالبة بالتعو يض ‪ ,‬فإنه يجب القول أن و جود الضرر و حده لا يكفي ‪ ,‬بل لابد أن‬

‫‪127‬‬
‫‪ -‬أورده أستاذنا الدكتور آمال جالل‪ ,‬بالمرجع السابق ص ‪.207‬‬
‫‪255‬‬
‫‪128‬‬
‫أي أنه لا بد‬ ‫يكون هذا الأخير ناتجا عن حادثة التي هي عبارة عن فعل ضار يصيب الأجير فجأة‬
‫من وجود علاقة سببية بين الحادثة و بين الضرر الذي يصيب جسم الأجير و في أغلب الأحيان فان‬
‫إثبات هذه العلاقة يتم بدون صعوبة إذا ما اكتسى الفعل الضار صفة حادثة شغل و ترتب عليه‬
‫حصول أضرار للأجير في جسمه مباشرة على إثر الإصابة ‪.‬‬
‫فذا خلفت حادثة الشغل ضررا حصل للمصاب بكيفية فور ية و مباشرة ‪ ,‬فإن المحاكم تأخذ بصدد‬
‫هذا الضرر المباشر بقرينة الإسناد و العزو ية و اللزومية ‪ ,‬و التي بمقتضاها يعزى الضرر أو يسند إلى‬
‫حادثة الشغل ‪ .‬ل كن هل لابد من إقامة الدليل على أن السبب في حصول الضرر هو الحادثة طبقا‬
‫للقاعدة القائلة بان البينة على المدعي‪ ,‬أم يكتفي بوقوع الحادثة فقط من أجل استخراج العلاقة السببية‬
‫بينها و بين الضرر ‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫يأخذ بقرينة‬ ‫منذ السنوات الأولى لتطبيق ظهير ‪ 25‬يونيو ‪ 1927‬نجد الاجتهاد القضائي المغربي‬
‫الإسناد مستعملا نفس العبارات التي كانت توردها محكمة النقض الفرنسية مرارا في قراراتها التي‬
‫تصرح " بأن كل ضرر يحصل من جراء حادثة تقع بسبب الشغل أو بمناسبة القيام به يجب اعتباره‬
‫‪130‬‬
‫و هذه القرينة التي يأخذ بها الاجتهاد‬ ‫ناتجا عن حادثة شغل إلا إذا أقيم الدليل على عكس ذلك "‬
‫‪131‬‬
‫القضائي المغرب يستفاد من قرارات المجلس الأعلى كما في القرار الصادر بتاريخ ‪ 24‬مارس ‪1964‬‬
‫الذي يتمسك بنفس العبارات التي توردها محكمة النقض الفرنسية ‪ ,‬يمكن تبريرها انطلاقا من الاتجاه‬
‫الذي أعطاه المشرع المغربي للقانون ‪ 12.18‬و خصوصا مقتضيات المادة ‪ 3‬منه التي تقضي بأنه " تعتبر‬
‫حادثة شغل كل حادثة ‪ ,‬كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر ‪ ,‬للمستفيد من أحكام هذه القانون ‪ ,‬سواء‬
‫كان أجيرا أو يعمل بأي صفة تبعية كانت و في أي محل كان إما لحساب مشغل واحد أو عدة مشغلين‬
‫‪ ,‬وذلك بمناسبة أو بسبب الشغل أو عند القيام به ‪... ,‬إلا إذا اثبت المشغل أو مؤمنه طبقا للقواعد‬
‫العامة للقانون أن مرض المصاب كان سببا مباشرا في وقوع الحادثة‪ . " ...‬فقد أراد المشرع المغربي أن‬
‫يحمل المشغل الأضرار التي تقع للأجير من جراء الحادثة التي تقع بسبب الشغل الذي أمره بالقيام به‬
‫بحيث أ ن كل ضرر ينجم مباشرة عن هذه الحادثة يفترض أنه مرتبط بها ‪ ,‬و على المشغل أن يقيم الدليل‬

‫‪ - 128‬للتوسع أكثر في العناصر المكونة للحادثة راجع أستاذنا الدكتور آمال جالل‪ ,‬المرجع السابق الفقرة رقم ‪ 159‬ص ‪ 183‬و ما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫‪ -‬المرجع السابق الفقرة ‪ 177‬الصفحة ‪ 219‬و ما بعدها‪.‬‬

‫‪ - 130‬القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية بغرفها مجتمعة بتاريخ ‪ 17‬ابريل ‪ ,1921‬أورده ألستاذنا الدكتور آمال جالل‪,‬‬
‫بالمرجع السابق ص ‪219‬‬
‫‪131‬‬
‫‪ -‬أورده أستاذنا الدكتور آمال جالل‪ ,‬بالمرجع السابق ص الصفحة ‪.219‬‬
‫‪256‬‬
‫على عكس ذلك بأن يثبت بأن الضرر الذي يعتقد أنه موال لوقوع الحادثة هو سابق لوقوعها مثلا أو أنه‬
‫بالرغم من كونه ظهر مع الحادثة فإن له سببا آخر أجنبيا عن هذه الأخيرة ‪.‬‬
‫و في هذا الصدد قضى المجلس الأعلى في قراره بتاريخ ‪ 27‬يونيو ‪ " 1961‬بأن وفاة الأجير التي حصلت‬
‫بسبب سكتة قلبية أثناء الشغل يفترض أنها ناتجة عن حادثة الشغل ‪ ,‬و لهدم هذه القرينة فإنه يجب على‬
‫المؤاجر أو على مؤمن أن يثبت مرضا سابقا للمصاب و أن يقيم الدليل على أن الأزمة القلبية لم يتسبب‬
‫‪132‬‬
‫كما في نازلة الحال لدينا فعلى المشغل أو مؤمنه إثبات أن النز يف سابق عن السقوط‬ ‫فيها الشغل "‬
‫المفاجئ للأجير و ليس ملازما له ‪ ,‬و أن وفاة هذا الأخير كانت بسبب النز يف و ليس بسبب السقوط‬
‫العنيف ‪ ,‬و أن النز يف ناتج عن استعدادات مرضية سابقة و ليس عن ظروف و ضغوط الشغل ‪ ,‬وأن‬
‫الأجير كان سيموت في جميع الأحوال حتى و لو لم يحضر إلى الفندق و لاأدائه لعمله ‪ .‬مع الإشارة‬
‫إلى أن أي منهما لم يطالب بتشريح الجثة و أن ذوي الحقوق لم يعارضوا في ذلك‪ ,‬بل اكتفيا بعد ‪7‬‬
‫سنوات من الوفاة بتقرير منجز من طرف الطبيب المنصوري دون معاينة المرحوم ‪.‬‬
‫و يرى ‪ -‬أستاذنا الدكتور امال جلال ‪ -‬بأن موقف الاجتهاد القضائي المغربي و على رأسه المجلس‬
‫الأعلى يعفي الأجير أو ذوي حقوقه في حالة وفاته من إثبات العلاقة السببية بين حادثة الشغل و الضرر‬
‫و يحمل على عاتق المشغل أو مؤمنه عبئ إثبات العكس و إثبات استعدادات الأجير المرضية السابقة‬
‫أو الأمراض السابقة لوقوع الحادثة التي غالبا ما يتمسك بها المشغل للدليل على أن الإصابة ناتجة عنها و‬
‫ليس عن حادثة الشغل ‪ .‬و قد قدر للاجتهاد القضائي المغربي أن ينظر في قضايا من هذا النوع تتعلق‬
‫مثلا بالإصابات الناتجة عن الفتق أو داء السل بحيث كان موقفه واضحا إذ قضى بأن المشغل أو مؤمنه‬
‫لا يمكنه أن يتحلل من أداء التعو يض إلا إذا اثبت أن الضرر يشكو منه المصاب يجد مصدره في‬
‫الاستعداد المرضي لهذا الأخير و أن الحادثة لم تكن السبب الذي سمح باندلاع هذا الضرر ‪ .‬و في هذا‬
‫الصدد قضت محكمة استئناف الرباط في حكمها الصادر بتاريخ ‪ 17‬ابر يل ‪ " 1954‬أنه تعتبر ناتجة عن‬
‫حادثة شغل وفاة الأجير المصاب بداء السل و التي حدثت ‪ 12‬يوما بعد إصابة هذا الأخير في ظهره‬
‫على حادثة شغل ‪ ,‬و أنه كان على المؤاجر أن يثبت في الوقت المناسب أن وفاة هذا الأجير كانت‬
‫‪133‬‬
‫‪ ,‬فمن باب أولى الوفاة التي حصلت مباشرة بعد سقوط‬ ‫ستحصل و لو لم يصب في حادثة شغل "‬
‫الأجير مغشيا عليه و هو يعمل في الفندق و نقله إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه هناك كما في نازلة‬
‫الحال التي بين أيدينا‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫‪ -‬أورده أستاذنا الدكتور آمال جالل‪ ,‬بالمرجع السابق ص ‪.220‬‬
‫‪133‬‬
‫‪ -‬أورده أستاذنا الدكتور آمال جالل‪ ,‬بالمرجع السابق ص ‪.221‬‬
‫‪257‬‬
‫كما نحا المجلس الأعلى منحى المحاكم المغربية الدنيا إذ رفض في قراره الصادر في ‪ 30‬دجنبر‬
‫‪134‬‬
‫نقض حكم محكمة استئناف الرباط لأن المحكمة المذكورة اعتبرت أن إصابة عظام الرجل‬ ‫‪1965‬‬
‫تكون ناتجة عن حادثة شغل حتى و لو كان هناك داء من هذا النوع ناتج عن إصابة سابقة ما دامت‬
‫الحادثة هي التي كشفت عن هذا الداء الذي اختفى إلى حد وقوعها ‪.‬‬
‫فهذا الاتجاه الذي يسير فيه الاجتهاد القضائي المغربي و الذي يبدو معقولا و مقبولا‪ -‬حسب‬
‫أستاذنا الفاضل ‪ -‬يمكن تبريره بأن المحاكم تطبق مقتضيات القانون ‪ 12.18‬متى تبين لها أن رابطة‬
‫السببية هي كافية لهذا التطبيق و لو كانت عرضية‪ .‬فكما هو الشأن بالنسبة للمسؤولية المدنية ‪ ,‬فان المحاكم‬
‫لا تفحص أمام أسباب متعددة للضرر أي هذه الأسباب كان رئيسيا و أيها كان فرعيا ‪ ,‬و لذلك فهي‬
‫تكتفي بالتصريح بأن الفعل المختلف حوله و هو حادثة الشغل ‪ ,‬هو أحد أسباب الضرر ‪ ,‬علما بأن‬
‫الأسباب الأخرى تعد على درجة واحدة من حيث أهميتها ‪ .‬و عليه فهي تطبق نظر ية تكافؤ الأسباب‬
‫حماية الأجير و لذوي حقوقه ‪ ,‬و هذه النظر ية تعد منطقية نظرا ل كونها تعتبر أن آخر هذه الأسباب ‪,‬‬
‫وهي وقوع الحادثة ‪ ,‬هي التي سمحت للأسباب السابقة بأن تتدخل ‪ ,‬و لذلك لا يعقل أن تكون قيمة‬
‫هذه الحادثة أقل من قيمة الأسباب الأخرى ‪ ,‬لأنه لولا وقوع هذه الأخيرة لتأخرت الاستعدادات‬
‫المرضية للمصاب عن الظهور أو لما اندلعت إطلاقا‪ .‬و عليه فانه من العدالة أن يعتبر ضرر المصاب ناتجا‬
‫عن الحادثة التي هي آخر سبب من أسباب الضرر ‪ ,‬و على المشغل أو مؤمنه أن يقيم الدليل على أن‬
‫الضرر لا يجد مصدره في الحادثة و إنما في سبب آخر هو أجنبي عنها ‪.‬‬

‫من خلال ما تقدم نرى أن موقف كل من المحكمة الابتدائية‪ ,‬و المجلس الأعلى ( محكمة النقض‬
‫حاليا) كان سليما لما اعتبر أن حادثة سقوط الأجير أثناء عمله حيث لفظ أنفاسه حادثة شغل ولو كانت‬
‫ناتجة عن نز يف‪ .‬و أن محكمة الاستئناف قد خرقت القانون لما اعتبرت الحادثة ليست حادثة شغل لمجرد أن‬
‫الوفاة كانت نتيجة نز يف و ليس للسقوط على الأرض‪ ,‬و من غير أن يثبت المشغل أو مؤمنه أن الضحية كان‬
‫عرضة سهلة للأمراض قبل إصابته بالنز يف الدموي ‪ ,‬ومن غير أن تتأكد من ذلك جعلت قرارها منعدم‬
‫الأساس القانوني مما عرضه للنقض ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫‪ -‬أورده أستاذنا الدكتور آمال جالل‪ ,‬بالمرجع السابق ص ‪.222‬‬
‫‪258‬‬
259

You might also like