You are on page 1of 64

   

 

:

 
 

 
 
  41
  
 34

 
 2017
 
  
 

" ‫" ﺴﻔ‬

‫ﻋﻠ ﻰ‬

.
 

.
 
   

  

   
  

   

 
Civ : chambre civile de la cour de cassation.
JCP : juris-classeur périodique (semaine juridique), édition
générale.
Op.cit. : ouvrage précité.
p : page.
S : Sirey.
‫]‪< <Ví{{{{{{{ڂϹ‬‬

‫التعريف بالموضوع‪:‬‬
‫تعتبر المسؤولية عن فعل األشياء نقطة تطور حاسمة في مجال المسؤولية‬
‫المدنية‪ ،‬فتطور الحياة االجتماعية تبعا الزدھار الواقع االجتماعي واالقتصادي بظھور و‬
‫اكتشاف مجموعة من اآلالت الميكانيكية وتشعب االختراعات وكذا ظھور عربات ذات‬
‫محرك أدى إلى زعزعة العديد من األنظمة والمؤسسات القانونية‪ .1‬والمسؤولية عن فعل‬
‫األشياء ھي أكبر مثال على تأثير الثورة الصناعية واالقتصادية على مؤسسة قانونية تعد‬
‫من أھم المؤسسات على اإلطالق أال وھي مؤسسة المسؤولية المدنية عن فعل األشياء‪،‬‬
‫وقد برز ھذا التأثير بشكل خاص على مستوى دفع ھذه المسؤولية عن الحارس والتي‬
‫عرفت تطورا مھما مدفوعا بالحاجة إلى حماية األشخاص من مخاطر ھذه الطفرة‬
‫الصناعية الكبيرة‪ ،‬والتي وإن كانت سببا في تحسين مستوى عيش البشرية ورقيھا‪ ،‬لكنھا‬
‫في مقابل ذلك لم تكن خالية من أية آثار سلبية مصاحبة لھا‪.‬‬
‫وال شك أنه ينبغي علينا وقبل بحث ھذا الموضوع أن نفكك عنوان موضوع‬
‫البحث ونعطي شرحا ولو مقتضبا لكل واحد من مكوناته حتى تتضح الرؤية ويسھل فھم‬
‫الموضوع وأخذ فكرة عامة حوله‪.‬‬
‫دفع المسؤولية‪ :‬والمقصود من ذلك أن المسؤولية الواردة في الفصل ‪ 88‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع يمكن للحارس دفعھا بحيث يتخلص من عبء تعويض الضرر الذي تسبب فيه‬
‫الشيء الذي يرجع لحراسته إن كليا أو جزئيا‪ .‬وھكذا نص الفصل ‪ 88‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود على ما يلي‪ ":‬كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من األشياء‬
‫التي في حراسته‪ ،‬إذا تبين أن ھذه األشياء ھي السبب المباشر للضرر‪ ،‬وذلك ما لم يثبت‪:‬‬

‫‪ - 1‬سفيان ادريوش‪ ،‬وسائل دفع المسؤولية عن فعل األشياء غير الحية‪ ،‬مجلة اإلشعاع العدد ‪ ، 24‬دجنبر ‪،2001‬‬
‫‪ ،2012‬الصفحة ‪.57‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -1‬أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر‬
‫‪ -2‬و أن الضرر يرجع إما لحادث فجائي‪ ،‬أو لقوة قاھرة‪ ،‬أو لخطأ المضرور"‪.‬‬
‫و يالحظ أن المشرع المغربي لم يشر إلى خطأ الغير كسبب من أسباب دفع‬
‫مسؤولية حارس الشيء في الفصل ‪ 88‬من ق ل ع‪ ،‬غير أن العمل القضائي والفقه ‪ -‬كما‬
‫سوف يأتي معنا في متن الموضوع ‪ -‬قد أخذا بخطأ الغير كسبب معفي من المسؤولية‪.‬‬
‫المسؤولية المدنية‪ :‬المسؤولية بشكل عام ھي حالة الشخص الذي ارتكب أمرا‬
‫يوجب المؤاخذة‪ . 2‬والمسؤولية إما أن تكون أدبية والمؤاخذة ھنا ال تعدوا أن تكون‬
‫استھجان المجتمع ورفضه لذلك السلوك المخالف لألخالق‪ .‬وإما أن تكون المسؤولية‬
‫قانونية فيكون الجزاء فيھا إما عقوبة زجرية توقع على الجاني باسم المجتمع وتسمى‬
‫المسؤولية في ھذه الحالة جنائية أو يكون الجزاء عبارة عن تعويض يلتزم مرتكب‬
‫الضرر بأدائه للمضرور فتسمى المسؤولية ھنا بالمسؤولية المدنية‪.‬‬
‫والمسؤولية المدنية بدورھا تنقسم إلى مسؤولية عقدية تترتب عن اإلخالل بالتزام‬
‫عقدي‪ ،‬ومسؤولية تقصيرية تترتب عن اإلخالل بواجب قانوني عام و سابق بأن يصطنع‬
‫المرء في سلوكه اليقظة والتبصر حتى ال يضر بالغير‪.3‬‬
‫والمسؤولية التقصيرية والتي سماھا المشرع المغربي بااللتزامات الناشئة عن‬
‫الجرائم وأشباه الجرائم في قانون االلتزامات والعقود‪ ،4‬ونظمھا في الفصول من ‪ 77‬إلى‬
‫‪ 106‬تنقسم بدورھا إلى ثالثة أنواع فھناك المسؤولية عن الفعل الشخصي‪ ،‬والمسؤولية‬
‫عن فعل الغير‪ ،‬والمسؤولية عن األشياء بحيث يسأل الحارس عن الضرر الذي تسببت‬
‫فيه األشياء التي توجد تحت حراسته‪ .‬وھذا النوع األخير من المسؤولية ھو الذي سوف‬
‫يكون موضوع بحثنا وبالتحديد المسؤولية عن األشياء المنظمة بمقتضى الفصل ‪ 88‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬

‫‪ - 2‬سليمان مرقس "المسؤولية المدنية في تقنينات البالد العربية" القسم األول‪ :‬األحكام العامة‪ ،‬مطبعة الجبالوي‪،‬‬
‫مصر‪ ،1971 ،‬ص‪.1‬‬
‫‪- 3‬عبد الرزاق أحمد السنھوري "الوسيط في شرح القانون المدني" الجزء األول‪" :‬مصادر االلتزام" دار النشر‬
‫للجامعات القاھرة‪ ،1964 ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ص ‪ 778‬و‪.779‬‬
‫‪- 4‬ظھير شريف بتاريخ ‪ 9‬رمضان ‪ 12 ) 1331‬أغسطس ‪ (1913‬بشأن قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬والمنشور‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 46‬الصادرة بتاريخ ‪ 12‬سبتمبر ‪ ،1913‬ص ‪ 78‬إلى ‪.172‬‬
‫‪2‬‬
‫الحارس‪ :‬بخصوص تحديد المقصود بالحارس‪ ،‬فھناك نظريتان‪ ،‬فاألولى والتي‬
‫تسمى بنظرية الحراسة القانونية تتطلب في الشخص حتى يمكن اعتباره حارسا أن تكون‬
‫له سلطة قانونية على الشيء يستمدھا من حق عيني على ھذا الشيء – كأن يكون مالكا‬
‫لذلك الشيء‪ -‬أو من حق شخصي متعلق به ‪ .‬فلكي يكون الشخص حارسا يجب أن‬
‫تكون له السلطة على الشيء بناء على عقد أو على نص في القانون أو أي مصدر آخر‬
‫من مصادر الحقوق‪ .‬وتنسب ھذه النظرية إلى األستاذ "ھنري مازو" فھو أول من قال‬
‫بھا في بحث له بعنوان الخطأ في الحراسة ‪ ،la faute dans la garde‬نشر بالمجلة‬
‫الفصلية للقانون المدني سنة ‪ .51925‬وال يمكن للحارس أن يدفع عنه ھذه الصفة إال إذ‬
‫أثبت انتقال الحراسة إلى شخص آخر بواسطة تصرف قانوني وھذا ما أكده الفقيه‬
‫الفرنسي الكبير جوسران‪ .6‬والنظرية الثانية ھي نظرية الحراسة الفعلية‪ :‬والتي ‪ -‬في‬
‫نظري ‪ -‬ھي نفسھا نظرية الحراسة القانونية مضاف إليھا توسع في وسائل دفع صفة‬
‫الحارس بطريق خروج الشيء من يد حارسه بدون رضاه‪ ،‬مما يقتضى تطبيق قواعد‬
‫نظرية الحراسة القانونية في الحدود التي ال تتناقض مع ھذه اإلضافة‪ .‬ويتحدد مناط‬
‫الحراسة وفقا لھذه النظرية بتوافر السلطة في استعمال الشيء وتوجيھه ورقابته وذلك‬
‫بقطع النظر عما إذا كانت ھذه السلطة تقوم على حق قانوني أو لم تكن كذلك‪ .7‬وقد تم‬
‫التحول إلى نظرية الحراسة الفعلية على إثر قرار قضائي جد شھير يعرف في أدبيات‬
‫القانون الفرنسي بقرار فرانك » ‪ « Arrêt Frank‬صدر عن الدوائر المجتمعة لمحكمة‬
‫النقض الفرنسية وقد كان ذلك بتاريخ ‪ 2‬دجنبر ‪ 1941‬في قضية ھامة‪.8‬‬

‫‪ - 5‬محمد لبيب شنب‪" ،‬المسؤولية عن األشياء‪ ،‬دراسة في القانون المدني المصري مقارنا بالقانون الفرنسي"‪ ،‬مكتبة‬
‫النھضة المصرية‪ ،‬رقم الطبعة غير مذكور‪ ،‬ص‪.77 :‬‬
‫‪ - 6‬عاطف النقيب‪" ،‬النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن فعل األشياء في مبادئھا القانونية وأوجھھا العملية"‪،‬‬
‫منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪ ،1980 ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬ص‪ ،19 :‬الھامش رقم )‪.(1‬‬
‫‪ - 7‬محمد زھدور "المسؤولية عن فعل األشياء غير الحية ومسؤولية مالك السفينة في القانون البحري الجزائري"‪،‬‬
‫دار الحداثة‪ ،‬بيروت‪ ،1990 ،‬الطبعة األولى‪ ،‬ص‪.86 :‬‬
‫‪ - 8‬نجمل وقائع ھذه القضية في ما يلي‪" :‬وضع أحد األطباء –ويدعى السيد فرانك‪ -‬سيارته تحت تصرف ابنه‬
‫ليستعين بھا أثناء قضائه لعطلة رأس السنة الميالدية فأخذھا االبن حيث تركھا في باب إحدى المقاھي التي دخل إليھا‪.‬‬
‫عندما خرج االبن من المقھى لم يعثر على سيارة أبيه‪ ،‬وبعد التحري والبحث وجدھا على مسافة عدة كيلومترات من‬
‫أقرب نقطة إلى المدينة وإلى جوارھا أحد األشخاص دھمته فأردته قتيال‪ ،‬وقد تبين فيما بعد أن االبن ال دخل له فيما‬
‫حدث وإنما العملية كانت بفعل سرقة‪=.‬‬
‫‪3‬‬
‫الشيء‪ :‬لقد عرف تحديد مفھوم الشيء تطورا مھما على مستوى القضاء الفرنسي‬
‫بشكل خاص‪ ،‬وقد عبر عن ھذا التطور األستاذ عبد الرزاق أحمد السنھوري رحمه ﷲ‬
‫بإيجاز حيث قال‪" :‬وكان الخطأ المفترض مقصورا على األشياء المنقولة‪ ،‬ثم جاوزھا‬
‫إلى العقار‪ .‬وكان يستثني من دائرة الخطأ المفترض األشياء التي يحركھا عمل اإلنسان‬
‫كالسيارة ونحوھا‪ ،‬ثم عممت القاعدة فشملت جميع األشياء‪ ،‬وكان ھناك تفريق بين‬
‫الشيء الخطر يكون الخطأ فيه مفترضا‪ ،‬والشيء غير الخطر‪ ،‬يطلب فيه إثبات الخطأ‪،‬‬
‫ثم زالت ھذه التفرقة‪ .‬وھكذا أصبحت دائرة الخطأ المفترض تتسع ألي شيء منقوال أو‬
‫عقارا‪ ،‬متحركا بقوته الذاتية أو بيد اإلنسان‪ ،‬خطر أو غير خطر‪ ،‬ولم يستبق القضاء‬
‫الفرنسي إال معنى "الحراسة" )‪.9" (garde‬‬
‫العمل القضائي المغربي والمقارن‪ :‬ويقصد به األحكام والقرارات الصادرة عن‬
‫المحاكم المغربية وال سيما محكمة النقض‪ 10‬المغربية باعتبارھا تتربع على قمة الھرم‬
‫القضائي بالمملكة المغربية و مسؤولة عن توحيد االجتھاد القضائي‪ ،‬وكذلك القرارات‬
‫الصادرة عن محكمة النقض الفرنسية و األحكام الصادرة عن محاكم الموضوع بفرنسا‪،‬‬
‫وبعض القرارات الصادرة عن محكمة النقض المصرية‪.‬‬
‫<‬ ‫<<‬

‫=رفع ذوو حقوق الضحية في الحادثة دعوى المسؤولية المدنية مباشرة على الطبيب المالك للسيارة‪ ،‬وتمسكوا في‬
‫دعواھم بالفقرة األولى من الفصل ‪ 1384‬من القانون المدني الفرنسي المقابل للفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬غير أن محكمة‬
‫نانسي "‪ "tribunal de Nancy‬قد ردت الدعوى‪ .‬على اعتبار أنھا رفعت على غير ذي صفة وقد أيد الحكم استئنافيا‬
‫ولكن محكمة النقض قد نقضت ھذا الحكم بواسطة قرارھا الصادر في ‪ 3‬مارس ‪.1936‬‬
‫وأحيلت القضية من جديد على أنصار قضاة محكمة االستئناف بيزانسون » ‪، « cour d’appel de Besançon‬‬
‫فأخذت ھذه المحكمة بدورھا بالموقف الذي تبنته نظيرتھا بمدينة نانسي‪ ،‬أي أنھا عارضت نظرية محكمة النقض‬
‫الفرنسية‪ ،‬المتشبثة بنظرية الحراسة القانونية‪.‬‬
‫ولقد عرضت القضية ھذه المرة على أنظار غرف محكمة النقض الفرنسية مجتمعة‪ ،‬وبعد نقاش طويل وحاد بين‬
‫مختلف التيارات القانونية بتلك المحكمة‪ ،‬أخذت ھذه الغرف في النھاية بوجھة نظر محكمة بيزانسون المؤيد لموقف‬
‫محكمة نانسي‪ ،‬حيث قضت صراحة بأن صاحب السيارة المسروقة ‪-‬أي الطبيب فرانك في ھذه القضية بالذات‪ -‬ال‬
‫يظل حارسا لھا متى خرجت من تحت يده بفعل السرقة‪."...‬‬
‫‪ -‬محمد الكشبور‪"،‬حراسة األشياء طبيعتھا وآثارھا‪ ،‬دراسة مقارنة في مجال المسؤولية المدنية"‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،1990 ،‬ص‪.70-69 :‬‬
‫‪ - 9‬عبد الرزاق أحمد السنھوري‪. ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.1081 :‬‬
‫‪- 10‬تم التحول لھذه التسمية بمقتضى ظھير شريف رقم ‪ 1.11.170‬صادر في ‪ 27‬من ذي القعدة ‪ 25 ) 1432‬أكتوبر‬
‫‪ ( 2011‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 58.11‬المتعلق بمحكمة النقض والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ ‪ 26‬أكتوبر ‪2011‬‬
‫عدد ‪ ،5989‬ص ‪ ،5228‬المغير بموجبه الظھير الشريف رقم ‪ 1.57.223‬الصادر في ‪ 2‬ربيع األول ‪27 ) 1377‬‬
‫سبتمبر ‪ ( 1957‬بشأن المجلس األعلى‪ .‬وسوف نستعمل مصطلح محكمة النقض فقط في ھذا البحث‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫_‪< <VÅç•ç¹]<íéÛâ‬‬
‫وتكمن أھمية الموضوع في ما نراه اليوم من انتشار الحوادث التي تسببھا األشياء‬
‫والتي أفرزھا التقدم الصناعي والتكنولوجي‪ ،‬وبشكل خاص حوادث السير ‪ . 11‬وما‬
‫يترتب عن ھذه الحوادث من أضرار جسيمة للمضرورين تؤثر في نمط حياتھم‬
‫وعيشھم‪ ،‬ولذلك كان ال بد من البحث في ھذا الموضوع لجمع شتات القواعد التشريعية‬
‫والقضائية المقررة لصالح المضرور والتي تبرز التطور الذي عرفه موضوع دفع‬
‫مسؤولية حارس الشيء في ظل العمل القضائي المغربي و المقارن والتعريف بھا‪.‬‬
‫خاصة أمام وجود شركات وأشخاص يجنون أرباحا كبيرة من جراء استغالل ھذه‬
‫األشياء من جھة‪ ،‬وشركات للتأمين تجني أرباحا ضخمة من جراء التأمين على‬
‫األضرار عموما‪ ،‬واألضرار التي تتسبب فيھا األشياء بشكل خاص من جھة أخرى‪.12‬‬
‫وبذلك فإن تسھيل مھمة المضرور في الحصول على تعويض من ھذه الشركات‪،‬‬

‫‪ - 11‬قامت وزارة التجھيز والنقل واللوجيستيك بجمع واستغالل معطيات حوادث السير الجسمانية المسجلة من طرف‬
‫مصالح الدرك الملكي واألمن الوطني خالل شھر مايو ‪.2015‬‬
‫وقد اجتمعت اللجنة الوطنية المكلفة بفحص البيانات اإلحصائية لحوادث السير الجسمانية‪ ،‬يوم ‪ 30‬يونيو ‪ 2015‬من‬
‫أجل المصادقة على ھذه اإلحصائيات المؤقتة المسجلة ‪ 2015‬على الصعيد الوطني‪ ،‬حيث يتبين من خالل تحليل‬
‫األرقام المسجلة أن ھناك ارتفاعا في عدد الحوادث وعدد القتلى وعدد الجرحى‪.‬‬
‫ويمكن تقديم النتائج المؤقتة المسجلة على الصعيد الوطني عند نھاية شھر مايو ‪ 2015‬مقارنة مع إحصائيات شھر‬
‫مايو ‪ 2014‬على النحو التالي‪:‬‬
‫• ‪ 6588‬حادثة سير‪ ،‬مما يمثل ‪% +13,22‬‬
‫• ‪ 229‬حادثة سير مميتة‪ ،‬مما يمثل ‪% + 11,71‬‬
‫• ‪ 6359‬حادثة سير غير مميتة‪ ،‬مما يمثل ‪% + 13,27‬‬
‫• ‪ 261‬قتيل‪ ،‬مما يمثل ‪% + 11,54‬‬
‫• ‪ 778‬مصابا بجروح بليغة‪ ،‬مما يمثل ‪% +0,13‬‬
‫• ‪ 8461‬مصابا بجروح خفيفة‪ ،‬مما يمثل ‪%+ 12,32‬‬
‫‪-‬الموقع االلكتروني لوزارة التجھيز والنقــل المغربيـة ‪ www.equipement.gov.ma:‬تاريـخ الولـوج ‪ 26‬يوليوز‬
‫‪.2015‬‬
‫‪ - 12‬يمثل فرع التأمينات على السيارات أھم فروع نشاطات شركات التأمين‪ ،‬إذ تجاوز رقم معامالته‪ ،‬خالل النصف‬
‫األول من السنة الجارية‪ 4 ،‬ماليير و‪ 354‬مليونا و‪ 300‬ألف درھم‪ ،‬ما يمثل ‪ 33.2‬في المائة من رقم المعامالت‬
‫اإلجمالي لقطاع التأمينات‪ ،‬وإذا أضفنا إلى ذلك فرع التأمينات على الحياة‪ ،‬التي ترتبط بدورھا في جزء منھا‬
‫بالقروض العقارية‪ ،‬والتأمينات على الرسملة‪ ،‬فإن رقم معامالت ھذين الفرعين يرتفع إلى ‪ 7‬ماليير و‪ 931‬مليونا‬
‫و‪ 700‬ألف درھم‪ ،‬ما يمثل أزيد من ‪ 60‬في المائة من الرقم اإلجمالي للمعامالت‪.‬‬
‫وعرف قطاع التأمينات نموا ملحوظا خالل السنوات األخيرة‪ ،‬إذ سجل متوسط معدل نمو يتراوح مابين ‪8‬‬
‫و‪ 10‬في المائة‪ ،‬وعرف عمليات تركيز‪ ،‬إذ كان يضم حوالي ‪ 22‬شركة قبل عقدين‪ ،‬وتقلص العدد إثر تصفية بعض‬
‫الشركات خالل ‪ ،1995‬إضافة إلى عمليات انصھار واندماج بين شركات القطاع‪.‬‬
‫مقال منشور بتاريخ ‪ 07‬شتنبر‪ 2012‬بالموقع اإللكتروني لجريدة الصباح‪.www.assabah.press.ma :‬‬
‫تاريخ الولوج ‪ 26‬يوليوز ‪.2016‬‬
‫‪5‬‬
‫ينطوي على نوع من إعادة التوازن وتحقيق العدالة لفائدة المضرور‪ .‬ومن ھنا يتبين بأن‬
‫موضوعنا يكتسي أھمية وحساسية اجتماعية واقتصادية ال غبار عليھا‪ ،‬ويشكل نقطة‬
‫تنازع مصالح اجتماعية واقتصادية متعارضة‪.‬‬
‫دوافع اختيار الموضوع‪:‬‬
‫وما دفعنا للبحث في ھذا الموضوع فضال عن أھميته المذكورة أعاله‪ ،‬ھو الطابع‬
‫الخاص لمسؤولية حارس الشيء الواردة في الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬فالمتضرر ال يلزم‬
‫بإثبات خطأ الحارس‪ ،‬وإنما يكفي إثبات الضرر والعالقة السببية بين الشيء والضرر‪.‬‬
‫ويعكس ھذا الطابع الخاص تطورا جديرا باالھتمام في أساس المسؤولية المدنية‪ ،‬دفع‬
‫فريقا ال يستھان به من الفقھاء إلى حد المناداة باالستغناء عن الخطأ كأساس للمسؤولية‬
‫المدنية واستبدال فكرة تحمل التبعة به كقاعدة عامة‪.13‬‬
‫ولعل أھم ما يميز مسؤولية حارس الشيء ھو دفع ھذه المسؤولية‪ ،‬والذي يطرح‬
‫مجموعة من اإلشكاالت القانونية والعملية تضاربت اآلراء بشأنھا‪ ،‬بحيث تؤثر طريقة‬
‫الحسم فيھا بترجيح رأي دون آخر على وضعية أي من المضرور والحارس‪ .‬لذلك فإن‬
‫األمر يتطلب منا الوقوف عند كل واحدة من ھذه اإلشكاالت وإبداء الرأي فيھا مع‬
‫تعضيده بالحجج والبراھين المقنعة‪.‬‬
‫وإذا كان ھدفنا من ھذا الموضوع ھو حماية المضرور بالدرجة األولى‪ ،‬فإننا‬
‫نحرص في المقابل على أن يبقى موقفنا متسما بمحاولة تحقيق التوازن ما أمكن بين‬
‫مصالح الحارس والمضرور مع ترجيح كفة ھذا األخير عند تعذر إقامة ھذا التوازن‪،‬‬
‫ومع المحافظة كذلك لقواعد المسؤولية المدنية لحارس الشيء على انسجامھا وبناءھا‬
‫القانوني السليم‪.‬‬
‫الصعوبات المرتبطة بإعداد البحث‪:‬‬
‫وقد واجھتنا عدة صعوبات عند إعداد ھذا البحث‪ ،‬والمتمثلة أساسا في صعوبة‬
‫العثور على عدد أكبر من القرارات القضائية غير المنشورة و الصادرة عن محكمة‬

‫‪- 13‬سليمان مرقس "بحوث وتعليقات على األحكام في المسؤولية المدنية وغيرھا من موضوعات القانون المدني"‪،‬‬
‫مطبعة السالم‪ ،‬مصر‪ ،1987 ،‬الطبعة األولى‪ ،‬ص‪.4:‬‬
‫‪6‬‬
‫النقض المغربية‪ .‬فضال عما يتطلبه ھذا الموضوع الدقيق من استيعاب وتحليل وتركيب‬
‫مختلف النظريات والقرارات القضائية التي تؤطره‪ .‬وذلك عند محاولتنا حصر موضوع‬
‫البحث واإلحاطة به من مختلف زواياه‪ .‬ھذا باإلضافة إلى قلة المراجع الوطنية‬
‫المتخصصة في الموضوع ‪.‬‬
‫المناھج المعتمدة في إعداد البحث‪:‬‬
‫وبخصوص المناھج المعتمدة في دراستنا‪ ،‬فسوف نعتمد بشكل خاص على‬
‫المنھج التحليلي واإلستباطي والتركيبي والذي سيكون حاضرا على امتداد صفحات ھذا‬
‫البحث لتحليل المواقف التشريعية والفقھية‪ ،‬وبشكل خاص العمل القضائي وعلى رأسه‬
‫عمل محكمة النقض واجتھاداتھا‪ ،‬واستنباط مكنوناتھا‪ ،‬فضال عن تركيبھا وترتيبھا في‬
‫نسق منطقي يمكن القارئ من فھمھا وتتبعھا بسالسة ‪ .‬كما سنعتمد على المنھج المقارن‬
‫للمقارنة بين مواقف القضاء المغربي والفرنسي‪ ،‬وللمقارنة بين الفينة واألخرى بين‬
‫‪14‬‬
‫موقف القانون المغربي وبعض التشريعات المقارنة األخرى كالقانون المصر ي‬
‫واللبناني‪ .،....15‬وعلى أي حال فإننا نعترف بصعوبة حصر المناھج التي اعتمدناھا في‬
‫بحثنا‪ ،‬لذلك فقد اكتفينا باإلشارة إلى أھمھا‪.‬‬
‫إشكالية البحث‪:‬‬
‫ويتمحور موضوع بحثنا حول محاولة اإلجابة عن إشكالية أساسية‪ ،‬أال وھي‪:‬‬
‫كيف يتعامل العمل القضائي المغربي والمقارن مع دفع المسؤولية المدنية لحارس‬
‫الشيء؟‪.‬‬
‫تقسيم موضوع البحث‪:‬‬
‫وإجابة على اإلشكالية المطروحة‪ ،‬اخترنا تصميما التينيا وتقسيما ثنائيا تمشيا مع‬
‫العرف األكاديمي في ھذا الصدد‪ ،‬وبالنظر ألفضلية ھذا التصميم على غيره من‬
‫التصاميم والتقسيمات‪ .‬وھكذا قسمنا بحثنا على ضوء مقتضيات الفصلين ‪ 88‬من ق ل ع‬
‫المومإ إليه أعاله إلى مبحثين‪ ،‬خصصنا المبحث األول للحديث عن دفع مسؤولية حارس‬
‫‪ - 14‬قانون رقم ‪ 131‬لسنة ‪ 1948‬بتاريخ ‪.1948/07/29‬‬
‫‪ - 15‬قانون صادر في ‪ 9‬آذار سنة ‪ ،1932‬والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ ‪ 11‬نيسان ‪.1932‬‬
‫‪7‬‬
‫الشيء بفعل ما كان ضروريا لمنع الضرر‪ .‬بينما خصصنا المبحث الثاني للتطرق لدفع‬
‫مسؤولية حارس الشيء عن طريق الحادث الفجائي أو القوة القاھرة أو خطأ المضرور‬
‫أو خطأ الغير‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث األول‪ :‬فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬الحادث الفجائي أو القوة القاھرة أو خطأ المضرور أو خطأ‬
‫الغير‬

‫‪8‬‬
‫]‪< <Ùæù]<ovf¹‬‬
‫‪< <…†–Ö]<Äß¹<^è…憕<á^Ò<^Ú<ØÃÊ‬‬

‫يمكن اعتبار شرط "فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر" المنصوص عليه في‬
‫الفقرة األولى من الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع خصوصية مغربية وتونسية كذلك‪ .‬فالفصل ‪96‬‬
‫من المدونة أو المجلة المدنية التونسية تطابق نصا ومعنى مقتضيات الفصل ‪ 88‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬وال غرابة في ذلك مادام أن المجلة المدنية التونسية تمثل في حقيقتھا المصدر‬
‫المباشر للقانون المغربي‪.16‬‬
‫وقد طرحت عبارة فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر مجموعة من النقاشات‬
‫القانونية‪ ،‬حيث تم طرح التساؤل عن النھج الذي اتبعه المشرع المغربي في دفع‬
‫مسؤولية حارس الشيء‪ .‬وفيما إذا كان قد سلك في ذلك مسلك التشريعات المقارنة والتي‬
‫يذھب بعضھا إلى ضرورة إثبات السبب األجنبي الذي ال يد للحارس فيه لدفع مسؤوليته‪،‬‬
‫في حين يكتفي البعض اآلخر بإثبات نفي خطأ الحارس‪ .‬أم أن الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‬
‫سلك منھجا خاصا في دفع مسؤولية حارس الشيء بحيث يتطلب إثبات أمرين وھما‪:‬‬
‫الحادث الفجائي أو القوة القاھرة أو خطأ المتضرر أو خطأ الغير باإلضافة إلى إثبات‬
‫فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر‪ .‬وھو ما نصطلح عليه بلزوم ازدواجية اإلثبات في‬
‫إطار الفصل ‪88‬؟‪ .‬وسوف نحاول الوقوف عند ھذه النقاشات في المطلب األول‪.‬‬
‫ومن النقاشات المھمة أيضا‪ ،‬والتي أثارتھا عبارة "فعل ما كان ضروريا لمنع‬
‫الضرر" ما يتعلق بالتفسير الذي ينبغي أن يعطى لھا‪ .‬إذ نجد من يفسرھا بانعدام الخطأ‪،‬‬
‫في حين ھناك من يفسرھا بالقيام بعمل إيجابي واتخاذ االحتياطات الضرورية لمنع‬
‫الضرر سواء قبل أو عند وقوع الحادث‪ .‬وسوف نتعرض لھذه التفسيرات في المطلب‬
‫الثاني‪.‬‬

‫‪ - 16‬محمد الكشبور‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬الھامش رقم ‪ 32‬من الصفحة ‪.38‬‬


‫‪9‬‬
‫المطلب األول‪ :‬موقف المشرع المغربي من االتجاھات التشريعية في دفع‬
‫مسؤولية حارس الشيء‬
‫يتنازع دفع مسؤولية حارس الشيء في التشريعات المقارنة اتجاھين‪ :‬فھناك اتجاه‬
‫يتطلب إثبات الحارس للسبب األجنبي الذي ال يد له فيه لإلعفاء من المسؤولية‪ .17‬وفي‬
‫المقابل ذھبت تشريعات أخرى –وھي قليلة مقارنة مع االتجاه السـابق‪ -‬إلى التخفيف‬
‫على الحارس في دفع مسؤوليته بحيث تكتفي منه بإثبات عدم خطئه‪.18‬‬
‫أما بخصوص موقف المشرع المغربي‪ ،‬فقد جاءت صيغة الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‬
‫مبھمة ال تسعف على الجزم بتبنيه التجاه من االتجاھين المذكورين أعاله‪ .‬بل إن ھذه‬

‫‪ - 17‬ومن ھذه التشريعات القانون الفرنسي أو بتعبير أدق القضاء الفرنسي ألن ھذا األخير ھو الذي أسس قواعد ھذه‬
‫المسؤولية بعيدا حتى عن قصد المشرع نفسه‪ .‬ويتضح ذلك جليا من خالل قرار جاندور الشھير الصادر بتاريخ ‪13‬‬
‫فبراير ‪ .1930‬وكذا المادة ‪ 212‬من القانون المدني األردني‪1‬التي تنص على أن‪ " :‬من يتولى حراسة أشياء تتطلب‬
‫عناية خاصة لمنع وقوع الضرر منھا‪ ،‬يلتزم بتعويض الضرر الذي تحدثه ھذه األشياء ما لم يثبت أن الضرر وقع‬
‫بسبب أجنبي ال يد له فيه"‪ .‬والمادة ‪ 138‬من القانون المدني الجزائري‪ 2‬التي جاء في فقرتھا الثانية ما يلي‪ ":‬ويعفى من‬
‫ھذه المسؤولية الحارس للشيء إذا أثبت أن الضرر حدث بسبب لم يكن يتوقعه مثل عمل الضحية أو عمل الغير‪ ،‬أو‬
‫الحالة الطارئة‪ ،‬أو القوة القاھرة"‪ .‬وأخذ بنفس التوجه القانون المدني المصري والقانون المدني اللبناني‪3‬على التوالي‬
‫في المادتين ‪ 178‬و‪1314.‬‬
‫‪ - 1‬قانون رقم ‪ 22‬صادر بتاريخ ‪2004/06/30‬م الموافق ل ‪1425/05/12‬ه‪ ،‬والمنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪11‬‬
‫بتاريخ ‪ 2004/08/08‬م الموافق ل ‪ ،1425/04/22‬ص‪.364‬‬
‫الموقع االلكتروني‪ www.omanlegal.net :‬تاريخ الولوج‪2015./10/04:‬‬
‫‪ - 2‬األمر قم ‪ 58-75‬المؤرخ في ‪ 20‬رمضان عام ‪ 1395‬الموافق ل ‪ 26‬سبتمبر ‪ ،1975‬والمتضمن للقانون المدني‬
‫المعدل والمتمم‪.‬‬
‫‪ - 3‬قانون صادر في ‪ 9‬آذار سنة ‪ ،1932‬والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ ‪ 11‬نيسان ‪1932.‬‬
‫‪ -4‬كانت الفقرة األولى القديمة من المادة ‪ 131‬من القانون المني اللبناني تنص على ‪" :‬أن حارس الجوامد المنقولة‬
‫وغير المنقولة المشتملة على آلة محركة خاصة أو مستوجبة للمراقبة يكون مسؤوال عن األضرار التي تحدثھا تلك‬
‫الجوامد حتى في الوقت الذي ال تكون فيه تحت إدارته أو مراقبته الفعلية‪ ،‬كالسيارة وقت السير أو الطيارة وقت‬
‫طيرانھا أو المصعد )األسانسور( وقت استعماله‪".‬‬
‫وقد عدل نص الفقرة األولى من المادة ‪ 131‬بموجب المادة األولى من المرسوم االشتراعي رقم ‪ 51‬تاريخ‬
‫‪ 1932/11/5‬على الوجه التالي‪:‬‬
‫إن حارس الجوامد المنقولة وغير المنقولة يكون مسؤوال عن األضرار التي تحدثھا تلك الجوامد حتى في الوقت‬
‫الذي ال تكون فيه تحت إدارته أو مراقبته الفعلية‪ ،‬كالسيارة وقت السير أو الطيارة وقت طيرانھا أو المصعد وقت‬
‫استعماله‪.‬‬
‫وتلك التبعة الوضعية ال تزول إال إذا أقام الحارس البرھان على وجود قوة قاھرة أو خطأ من المتضرر‪ .‬وال يكفي‬
‫أن يثبت الحارس أنه لم يرتكب خطأ‪.‬‬
‫وإن وجود تعاقد سابق بين الحارس والمتضرر ال يحول دون إجراء حكم التبعة الناشئة عن األشياء إال إذا كان‬
‫في القانون نص على العكس‪.‬‬
‫‪ - 18‬ومن ھذه التشريعات التشريع العراقي الذي نص في المادة ‪ 231‬من القانون المدني‪ 1‬على‪ ":‬أن الحارس يكون‬
‫مسؤوال ما لم يثبت أنه اتخذ الحيطة الكافية لمنع وقوع ھذا الضرر"‪.‬‬
‫‪ - 1‬قانون رقم ‪ 40‬لسنة ‪ ،1951‬الوقائع العراقية عدد ‪ 3015‬بتاريخ ‪ 1951/08/09‬رقم الصفحة ‪ ،243‬مجموعة‬
‫القوانين واألنظمة‪ ،‬تاريخ ‪1951‬م‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الصياغة للفصل ‪ 88‬تدفع بنا إلى التساؤل عما إذا كان المشرع المغربي أراد أن يتخذ‬
‫لنفسه اتجاھا خاصا به ومتميزا في دفع مسؤولية حارس الشيء؟‪.‬‬
‫لقد تعددت وجھات النظر حول الموقف الذي سلكه المشرع المغربي‪ ،‬فھناك رأي‬
‫يرى بأن المشرع المغربي لم يشذ عن ما ذھبت إليه التشريعات المقارنة )الفقرة‬
‫األولى(‪ ،‬بينما ذھب رأي آخر للقول بأن المشرع المغربي قد أخذ بازدواجية اإلثبات‪.‬‬
‫ويقصد بازدواجية اإلثبات لزوم إثبات أمرين وھما‪ :‬الحادث الفجائي أو القوة القاھرة أو‬
‫خطأ المتضرر أو خطأ الغير‪ ،‬باإلضافة إلى فعل الحارس لما ھو ضروري لمنع الضرر‬
‫)الفقرة الثانية(‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الرأي القائل بتبني المشرع المغربي لموقف التشريعات المقارنة‬

‫يذھب األستاذ سليمان مرقس إلى أن قصد المشرع في الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع ھو‬
‫دفع المسؤولية بأحد األمرين‪ :‬نفي قرينة الخطأ‪ ،‬أو إثبات السبب األجنبي كما ھو الحال‬
‫في المسؤولية عن الحيوان )الفصل ‪ 86‬من ق‪.‬ل‪.‬ع(‪ ،‬ذلك أنه ال يوجد سبب ظاھر‬
‫للمغايرة بين المسؤولية عن األشياء والمسؤولية عن الحيوان‪ .‬باإلضافة إلى أن الفقه‬
‫والتشريع المقارنين ليس فيھما رأي أو مذھب يشترط اجتماع األمرين معا‪ .‬نفي الخطأ‬
‫وإثبات السبب األجنبي‪ .‬بل إن كل المذاھب إما أن تكتفي بنفي الخطأ أو تتشدد فتشترط‬
‫قيام السبب األجنبي‪ .‬لكل ھذه األسباب يرى األستاذ سليمان مرقس أن حرف العطف‬
‫)‪ (et‬وضع بدل الحرف )‪ (ou‬في بداية الفقرة الثانية نتيجة خطأ مادي‪.19‬‬
‫و انسجاما مع نفس الرأي يذھب األستاذ عبد القادر العرعاري إلى القول‪":‬‬
‫خالصة القول أن المشرع المغربي عندما ألزم الحارس بإثبات السبب األجنبي إلى‬
‫جانب نفي الخطأ عنه بإثبات أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر فإنه يكون قد تشدد‬
‫كثيرا مع الحارس ووضع في طريقه عدة عقبات قلما يتمكن من اجتيازھا‪ .‬ويعد موقف‬
‫المشرع المغربي ھذا من المواقف الغريبة والشاذة حقا‪ .‬فإذا استثنينا القانون المدني‬
‫‪ - 19‬سليمان مرقس "المسؤولية المدنية في تقنينات البالد العربية"‪ ،‬القسم الثاني‪ :‬األحكام الخاصة )المسؤولية‬
‫المفترضة عن فعل الغير وعن فعل األشياء(‪ ،‬مطبعة الجبالوي‪ ،‬القاھرة‪ ،1971 ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ص ‪ 189‬وما‬
‫بعدھا‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫التونسي الذي كرس نفس الموقف في المادة ‪ 96‬من مدونة ‪ 1906‬فإننا ال نجد لھذا الرأي‬
‫من سند في التشريع المقارن األمر الذي يتطلب مراجعته وإعادة النظر فيه مستقبال"‪.20‬‬
‫وفي نفس الرأي يذھب أحد الباحثين إلى االكتفاء بالسبب األجنبي بشروطه‬
‫األربعة‪ :21‬استحالة التوقع واستحالة الدفع‪ ،‬والخارجية عن الشيء والحارس‪ ،‬لكونه‬
‫كافيا لدفع مسؤولية حارس الشيء بشكل تام‪ .‬ومن ثمة يخلص الباحث إلى ضرورة‬
‫حذف الشرط األول من وسيلتي الدفع الواردة في المادة ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.22‬‬
‫وقد وجد ھذا الرأي بعض الصدى لدى محكمة النقض‪ ،‬ويظھر ذلك من خالل‬
‫القرارات التي ترتب على اصطباغ خطأ المضرور بشروط القوة القاھرة اإلعفاء التام‬
‫من المسؤولية‪ .‬ومن ھذه القرارات‪ ،‬قرار صادر عن محكمة النقض جاء فيه‪... ":‬إن‬
‫ظھور سيارة الحاج عمر مباغتة تكون قوة قاھرة بالنسبة إليه لم تعطه الوقت الكافي ولم‬
‫تسمح له للقيام بأية محاولة لتجنب الحادث‪ ،‬كما أن المحكمة قد عللت قرارھا تعليال كافيا‬
‫فيما نسب من خطأ للحاج عمر كما ھو مبين أعاله‪.‬‬
‫وحيث أن حارس السيارة أثبت أنه كان يستحيل عليه القيام بأية محاولة وأن‬
‫خطأ خصمه كان غير متوقع وال يمكن تجنبه‪ ،‬فإن ذلك كاف للقول بأنه فعل كل ما في‬
‫استطاعته لتجنب الضرر وأن الشرطيين اللذين يشترطھما الفصل ‪ 88‬متوفران لدرء‬
‫المسؤولية المرتكزة على ھذا الفصل‪ .‬مما يكون معه ھذا الوجه غير مرتكز على‬
‫أساس"‪.23‬‬

‫‪ - 20‬عبد القادر العرعاري "النظرية العامة لاللتزامات في القانون المدني المغربي"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مصادر‬
‫االلتزامات الكتاب الثاني "المسؤولية التقصيرية عن الفعل الضار"‪ ،‬دار األمان‪ ،‬الرباط‪ ،‬سنة ‪ ،1988‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫ص ‪.239‬‬
‫‪ - 21‬الحقيقة أن األمر يتعلق بثالثة شروط ألن شرط الخارجية يشمل الخارجية عن شخص الحارس والخارجية عن‬
‫الشيء المحروس كذلك‪.‬‬
‫‪ - 22‬دراريس محمد "وسائل دفع مسؤولية حارس الشيء غير الحي في القانون المغربي والجزائري وتطبيقاتھا‬
‫القضائية"‪ ،‬أطروحة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد‬
‫األول وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2000-1999‬ص‪.58:‬‬
‫‪ - 23‬القرار المدني عدد ‪ 256‬الصادر بتاريخ ‪ 04‬يونيو ‪ ،1969‬محمد أوغريس "قضاء المجلس األعلى في‬
‫المسؤولية المدنية"‪ ،‬دار القرويين الدار البيضاء‪ ،2002 ،‬الطبعة األولى‪ ،‬ص‪.17 :‬‬
‫‪12‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬االتجاه القائل بسلوك المشرع المغربي لمنھج خاص في دفع‬
‫مسؤولية حارس الشيء‬

‫في مقابل االتجاه السابق‪ ،‬ظھر اتجاه آخر يرى بأنه لدفع مسؤولية حارس الشيء‬
‫ال بد من إثبات أمرين‪ :‬القوة القاھرة أو الحادث الفجائي أو خطأ المتضرر أو خطأ الغير‬
‫إلى جانب فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر‪ .‬وذلك بالرغم من اختالف أصحاب ھذا‬
‫االتجاه حول المقصود بھذا الشرط األخير كما سوف نرى ذلك في حينه‪.‬‬
‫ومن بين أھم أصحاب ھذا االتجاه األستاذ أحمد الخمليشي الذي يرى بأن ما يقوله‬
‫الدكتور مرقس من وقوع خطأ مادي في كتابة كلمة )‪ (et‬بدل كلمة )‪ (ou‬يبدوا محل‬
‫نظر‪ ،‬فصيغة المادة ‪ 88‬سبق أن تضمنھا حرفيا القانون التونسي )المادة ‪ 96‬من قانون‬
‫‪ ،(1906‬ثم أعيدت في قانون االلتزامات والعقود لمنطقة طنجة سابقا )المادة ‪.(1362‬‬
‫فمن المستبعد أن يتكرر ھذا الخطأ المادي في ثالث تشريعات متالحقة دون أن يثير‬
‫انتباه القضاء وفضول الفقه‪.24‬‬
‫وقد أيد ھذا الرأي الكثير من الفقھاء القانونيين المغاربة كاألستاذ محمد‬
‫الكشبور‪ ،25‬وعبد الواحد العلمي‪ ،26‬وفؤاد معالل‪.27‬‬
‫وعلى مستوى القضاء المغربي‪ ،‬فقد وجد ھذا الرأي قبوال واسعا من لدنه‪.‬‬
‫وھكذا جاء في قرار للمحكمة االبتدائية بوجدة ما يلي‪ ":‬وحيث اتضح للمحكمة‬
‫بعد اطالعھا على محضر البحث التمھيدي عدد ‪ 2174‬المنجز من طرف أمن وجدة‬
‫الدائرة الثانية‪ ،‬أنه بتاريخ ‪ 2014/07/30‬عثر على موروث المدعين غارقا بالمسبح‬
‫البلدي والذي كانت تشرف على تسييره المدعى عليھا األولى‪.‬‬

‫‪ - 24‬أحمد الخمليشي‪ ،‬دفع المسولية عن األشياء في ظل المادة ‪ 88‬من قانون االلتزامات والعقود بفعل ماكان‬
‫ضروريا لمنع الضرر‪ ،‬المجلة المغربية للقانون والسياسة واالقتصاد‪ ،‬العدد‪ ، 3‬دجنبر ‪ ،1977‬ص‪.11 :‬‬
‫‪ - 25‬محمد الكشبور‪ ،‬حراسة األشياء طبيعتھا وآثارھا‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.37 :‬‬
‫‪ - 26‬عبد الواحد العلمي "األساس القانوني عن فعل األشياء غير الحية ووسيلة دفعھا في القانون المغربي " رسالة‬
‫لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،1982-1981 ،‬ص‪.211:‬‬
‫‪ - 27‬فؤاد معالل‪ ،‬خطأ المضرور وأثره على المسؤولية التقصيرية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪،1987-1986‬‬
‫ص‪.272 :‬‬
‫‪13‬‬
‫وحيث ثبت من تقرير الطب الشرعي المرفقة صورة منه أن الھالك توفي نتيجة‬
‫غرقه‪ ،‬وأنه ال يحمل أي آثار عنف أو جروح أو خدوش أو كدمات‪.‬‬
‫وحيث إن المحكمة برجوعھا إلى وثائق الملف وخاصة عقد إيجار المسبح الموقع‬
‫بين الجماعة الحضرية لوجدة والمدعى عليھا األولى أن ھذه األخيرة التزمت بمقتضى‬
‫الفصل التاسع من العقد المذكور بتأمين جميع مرافق المسبح الجماعي ورواده‬
‫ومستخدميه‪.‬‬
‫وحيث إن مقتضيات الفصل ‪ 88‬من ق ل ع تنص على أن كل شخص يسأل عن‬
‫الضرر الحاصل من األشياء التي في حراسته‪ ،‬إذا تبين أن ھذه األشياء ھي السبب‬
‫المباشر للضرر‪ ،‬وذلك ما لم يثبت‪:‬‬
‫‪ – 1‬أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر‪.‬‬
‫‪ – 2‬وأن الضرر يرجع إما لحادث فجائي‪ ،‬أو لقوة قاھرة‪ ،‬أو لخطأ المضرور‪.‬‬
‫وحيث إن مسؤولية المدعى عليھا األولى باعتبارھا حارسة للمسبح المتسبب في‬
‫غرق موروث المدعين‪ ،‬تبقى قائمة طالما أنھا لم تدل بما يفيد قيامھا بكل ما ھو‬
‫ضروري لمنع الضرر‪ ،‬ولم تثبت أنه راجع لحادث فجائي أو قوة قاھرة أو خطأ الضحية‬
‫وذلك حسب المقتضيات المذكورة أعاله"‪.28‬‬
‫و جاء في قرار صادر عن محكمة االستئناف بوجدة أيضا ما يلي‪ " :‬وحيث إنه‬
‫بخصوص المسؤولية فإنه فضال عن تأسيس الدعوى في إطار الفصل ‪ 88‬من ق ل ع‬
‫والذي ال يمكن التخلص من المسؤولية إال بإثبات حارس الشيء أنه فعل ما كان‬
‫ضروريا لمنع الضرر وأن سبب الضرر يرجع لقوة قاھرة أو حادث فجائي أو خطأ‬
‫‪29‬‬
‫المضرور وھو ما لم يثبته الطرف الطاعن"‬

‫‪ - 28‬حكم رقم ‪ 140‬بتاريخ ‪ 2017/02/07‬في الملف عدد ‪ ،15/416‬غير منشور‪.‬‬


‫‪ -‬راجع في نفس المعنى أيضا عن ابتدائية وجدة ‪:‬‬
‫*حكم رقم ‪ 382‬بتاريخ ‪ 2017/02/21‬في الملف عدد ‪ ،16/983‬غير منشور‪.‬‬
‫*حكم رقم ‪ 652‬بتاريخ ‪ 2015/04/09‬في الملف عدد ‪ ،13/940‬غير منشور‪.‬‬

‫‪ -‬قرار صادر عن استئنافية وجدة رقم ‪ 97‬بتاريخ ‪ 2008/01/24‬في الملف عدد ‪ ،06/691‬غير منشور‪.‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪14‬‬
‫وتذھب العديد من القرارات الصادرة عن اسئنافية وجدة والرباط أيضا إلى‬
‫اشتراط ازدواجية اإلثبات لدفع مسؤولية حارس الشيء‪.30‬‬
‫كما جاء في قرار صادر عن محكمة النقض ما يلي‪ ":‬وحيث أنه تطبيقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 88‬المستدل به في الوسيلة‪ ،‬فإن المسؤولية الناتجة عن األشياء غير‬
‫الحية تنشأ عن خطأ مفترض في حراسة الشيء الذي تسبب في حدوث الضرر‪ .‬وإن‬
‫الحارس لذلك الشيء ال يمكنه أن يعفى من مسؤوليته ويتخلص منھا نھائيا إال إذا أثبت‬
‫توافر أمرين اثنين وھما‪:‬‬
‫‪ -‬أنه قام بما ھو الزم لمنع حدوث الضرر‪.‬‬
‫‪ -‬وأن الضرر قد نجم عن حادث فجائي أو قوة قاھرة أو خطأ المتضرر‪.‬‬
‫وحيث إن لزوم األمرين المذكورين معا ھو شيء ضروري لنفي مسؤولية‬
‫حارس الشيء وال يكفي‪ ،‬إذن إثبات أحدھما دون اآلخر‪ ،‬ومن ثمة فإن الحكم المطعون‬
‫فيه عندما ارتكز في قضائه المشار إليه على مجرد إثبات أحد األمرين وھو خطأ‬
‫المتضرر والحادث الفجائي‪ ،‬ولم يتعرض قط لألمر الثاني الذي يقضي بكون الحارسين‬
‫قاما بمحاولتھما لمنع حدوث الضرر الالحق بالمتضرر يكون بذلك قد خرق مقتضيات‬
‫الفصل ‪ 88‬المومإ إليه أعاله‪ ،‬وبالتالي فھو معرض للنقض"‪.31‬‬
‫و في قرار آخر صادر عن محكمة النقض سنة ‪ 2008‬جاء فيه ما يلي‪ ":‬ال يمكن‬
‫دفع مسؤولية حارس الشيء وفقا للفصل ‪ 88‬أعاله إال بإثبات شيئين متالزمين وھما فعل‬

‫‪ - 30‬قرار صادر عن اسئنافية وجدة رقم ‪ 312‬بتاريخ ‪ 2006/02/23‬في الملف ‪ ،04.294‬غير منشور‪.‬‬
‫قرار صادر عن اسئنافية الرباط رقم ‪ 254‬الصادر بتاريخ ‪ 30‬مارس ‪2011‬ـ الغرفة المدنية األولى ‪ ،‬الملف‬
‫عدد ‪ ،14/07/101‬قضاء محكمة االستئناف بالرباط في ظل المبادئ الحديثة المعتمدة من طرف محكمة النقض‪،‬‬
‫العدد ‪ ،6‬السنة ‪ ،2013‬ص ‪ 31‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ -‬قرار صادر عن اسئنافية الرباط رقم ‪ 604‬الصادر بتاريخ ‪ 23‬دجنبر ‪ 2010‬في الملف عدد ‪/2010/304‬‬
‫‪ ،1202‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪ 186‬ومابعدھا‪.‬‬
‫‪ - 31‬القرار المدني عدد ‪ ،600‬بتاريخ ‪ ،1975/12/31‬في الملف المدني عدد ‪ ،41773‬محمد أوغريس "قضاء‬
‫المجلس األعلى في المسؤولية المدنية"‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.26 :‬‬
‫‪ -‬في نفس المعنى يراجع‪:‬‬
‫‪ -‬قرار مدني عدد ‪ 160‬الصادر بتاريخ ‪ 18‬مارس ‪ ،1970‬محمد أوغريس‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.20 :‬‬
‫‪ -‬قرار مدني عدد ‪ 239‬صادر بتاريخ ‪ 13‬ماي ‪ ،1970‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.21:‬‬
‫‪ -‬قرار مدني عدد ‪ 222‬صادر بتاريخ ‪ 23‬يونيو ‪ ،1971‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.23:‬‬
‫‪15‬‬
‫ما كان ضروريا لتفادي وقوع الضرر‪ ،‬وإقامة الدليل على أن الخطأ ‪-‬المفترض‪ -‬يرجع‬
‫لسبب أجنبي ال يد له فيه"‪.32‬‬
‫وفي قرار آخر أيضا صادر عن محكمة النقض ذھبت فيه إلى أن‪... " :‬مقتضيات‬
‫الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬تجعل المسؤولية مفترضة في حق حارس الشيء إال إذا أثبت أنه‬
‫فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر وأن الضرر يرجع لحادث فجائي أو قوة قاھرة أو‬
‫خطأ المضرور‪.33"...‬‬
‫وھكذا يتضح أن القضاء المغربي قد انتصر للرأي القائل بازدواجية اإلثبات في‬
‫ظل الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬تفسير عبارة "فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر"‪.‬‬

‫بالرغم من استقرار القضاء المغربي على ازدواجية اإلثبات في ظل الفصل ‪88‬‬


‫من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬فإن تفسير عبارة فعل ما ھو ضروريا لمنع الضرر قد عرف خالفا حادا إن‬
‫على مستوى القضاء أو الفقه‪ ،‬بين من يذھب إلى تفسيرھا بنفي الخطأ )الفقرة األولى(‪،‬‬
‫وبين من يفسرھا على أنھا تعني القيام بعمل إيجابي )الفقرة الثانية(‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تفسير عبارة "فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر" بنفي الخطأ‬

‫لقد ذھب القضاء المغربي في بعض قراراته إلى تفسير عبارة فعل ما كان‬
‫ضروريا لمنع الضرر بنفي الخطأ‪ .‬وھذا ما يتضح من خالل قرار صادر عن محكمة‬
‫االستئناف بالرباط جاء فيه‪ ":‬الحكم جنائيا ببراءة سائق الشاحنة من تھمة الجروح غير‬
‫العمدية‪ ،‬يثبت أنه فعل ما كان ضروريا لتفادي الضرر"‪ .34‬ويتضح أن ھذا القرار قد‬
‫اعتبر صدور الحكم بالبراءة من الخطأ الجنائي دليل على عدم ارتكاب الحارس لخطأ‬

‫‪ - 32‬قرار عدد ‪ 2364‬صادر بتاريخ ‪ 2008/06/18‬في الملف المدني عدد ‪ ،2006/3/1/ 2686‬منشور بمجلة‬
‫قضاء المجلس األعلى‪ ،‬العدد ‪ ،(2009) 71‬ص‪.97:‬‬
‫‪ - 33‬القرار عدد ‪ 3183‬صادر بتاريخ ‪ 20‬شتنبر ‪ 2001‬في الملف المدني عدد ‪ ،2001/5/1/1339‬مجلة قضاء‬
‫المجلس األعلى‪ ،‬العدد المزدوج ‪ ،60-56‬ص‪ 99 :‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ - 34‬قرار استئنافي صادر بتاريخ ‪ 18‬مارس ‪ ،1955‬مجموعة قرارات محكمة االستئناف الرباط‪ ،‬عدد مزدوج‬
‫‪ ،152-151‬ص ‪.476‬‬
‫‪16‬‬
‫مدني بالنظر لوحدة مفھومھما‪ .‬وبالتالي يمكن أن نستنتج أنه فسر عبارة فعل ما كان‬
‫ضروريا لمنع الضرر بنفي الخطأ‪.‬‬
‫ويثار التساؤل ھنا‪ ،‬ھل الحكم بالبراءة الجنائية فعال دليل قاطع على أن الحارس‬
‫لم يصدر عنه أي خطأ مدني؟‪ .‬أو بتعبير آخر ھل يجوز للمحكمة المدنية أن تحكم‬
‫بالتعويض في واقعة معينة بعد صدور الحكم الجنائي فيھا بالبراءة لعدم ثبوت الخطأ‬
‫الجنائي؟‪.‬‬
‫البد من اإلشارة في بادئ األمر أن ھذا التساؤل يرتبط ارتباطا وثيقا بحجية الحكم‬
‫الجنائي والتي تجد سندھا القانوني في القانون المغربي في المادة ‪ 10‬من قانون‬
‫المسطرة الجنائية‪ 35‬والتي تنص على أنه ‪ " :‬يمكن إقامة الدعوى المدنية‪ ،‬منفصلة عن‬
‫الدعوى العمومية‪ ،‬لدى المحكمة المدنية المختصة‪ .‬غير أنه يجب أن توقف المحكمة‬
‫المدنية البت في ھذه الدعوى إلى أن يصدر حكم نھائي في الدعوى العمومية إذا كانت قد‬
‫تمت إقامتھا"‪ .‬وھذا ما سوف نعمل على توضيحه‪.‬‬
‫فكما ھو معلوم يترتب على مبدأ حجية الحكم الجنائي‪ ،36‬أن يتقيد القاضي المدني‬
‫بكل ما فصل فيه الحكم الجنائي فصال قاطعا الزما للفصل في الدعوى العمومية‪ ،‬ولھذا‬
‫قررت محكمة النقض المصرية أن‪" :‬القاعدة الصحيحة في حجية الحكم الجنائي‬

‫‪ - 35‬ظھير شريف رقم ‪ 1.02.255‬صادر في ‪ 25‬من رجب ‪ 3) 1423‬أكتوبر ‪ (2002‬بتنفيذ القانون رقم ‪22.01‬‬
‫المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬والمنشور بالجريد الرسمية عدد ‪ 5078‬بتاريخ ‪ 27‬ذي القعدة ‪ 30) 1423‬يناير ‪،(2003‬‬
‫ص ‪.315‬‬
‫‪ - 36‬قد يتبادر إلى الذھن بادئ األمر أن حجية الحكم الجنائي على القاضي المدني متفرعة عن حجية الشيء المحكوم‬
‫فيه عموما‪ ،‬وأنھا تشترك معھا في شروطھا وأحكامھا‪ .‬ولكن الواقع غير ذلك‪ .‬إذ أن حجية الشيء المحكوم به عموما‬
‫أريد بھا وضع حد للمنازعات وعدم السماح للمتقاضين بشغل المحاكم بالقضية مرات متعددة إلى ما ال نھاية‪ .‬وجعل‬
‫معيار ھذه الحجية اتحاد الخصوم واتحاد الموضوع واتحاد السبب‪ ،‬وأثرھا نسبي‪ .‬أما حجية الحكم الجنائي على‬
‫القاضي المدني فليس أساسھا اتحاد الموضوع ألن موضوع الدعوى الجنائية توقيع العقاب‪ ،‬وموضوع الدعوى المدنية‬
‫التعويض‪ .‬وال اتحاد الخصوم ألن الخصم في الدعوى الجنائية النيابة العمومية وفي الدعوى المدنية المصاب‪ .‬ھذا‬
‫فضال عن أن الحكم الجنائي الصادر بإدانة متھم يقيد القاضي في الدعوى المرفوعة على المسؤول مدنيا‪ ،‬ولو لم يكن‬
‫ممثال في الدعوى العمومية‪ .‬فحجيته مطلقة أي تسري قبل الكافة ‪ ، erga ommes‬والحكمة فيھا كما تقول محكمة‬
‫النقض المصرية‪ ":‬ھي توافر الضمانات المختلفة التي قررھا الشارع في الدعاوي الجنائية ابتغاء الوصول إلى‬
‫الحقيقة فيھا الرتباطھا باألرواح والحريات‪ .‬األمر الذي تتأثر به مصلحة الجماعة ومصلحة األفراد مما يقتضي أن‬
‫تكون األحكام الجنائية محل ثقة على اإلطالق‪ ،‬وأن تبقى آثارھا نافذة على الدوام‪ ،‬وھذا ما يستلزم حتما أال تكون‬
‫ھذه= =األحكام معرضة في أي وقت إلعادة النظر في الموضوع الذي صدرت فيه حتى ال يجر ذلك إل تخطئتھا من‬
‫‪.‬‬
‫جانب أي جھة من جھات القضاء"‬
‫‪ -‬سليمان مرقس "بحوث وتعليقات على األحكام في المسؤولية المدنية وغيرھا من موضوعات القانون المدني"‪،‬‬
‫م‪.‬س‪ ،‬ص‪ 101:‬و‪. 102‬‬
‫‪17‬‬
‫االنتھائي أن ھذه الحجية تقوم كلما فصل الحكم الجنائي فصال شامال والزما في‪-1 :‬‬
‫تحقيق الفعل الذي يكون األساس المشترك لكال الدعويين الجنائية والمدنية‪ -2 ،‬في‬
‫الوصف القانوني لھذا الفعل‪ -3 ،‬في إدانة وعدم إدانة المتھم بارتكاب الفعل"‪.37‬‬
‫يحدد ھذا القرار الصادر عن محكمة النقض المصرية مدى أو نطاق حجية الحكم‬
‫الجنائي بالنسبة للمحكمة المدنية‪ .‬وقد حدد ھذا القرار مدى ھذه الحجية في ثبوت أو عدم‬
‫ثبوت الوقائع واألفعال شريطة أن تشكل ھذه األخيرة أساس كل من الدعوى الجنائية‬
‫والمدنية‪ ،‬وفي تكييف تلك الوقائع‪ ،‬وفي نسبة تلك األفعال إلى المتابع بھا من عدمھا‪.‬‬
‫غير أنه يشترط أن يكون ما قطع به القاضي الجنائي ‪-‬حتى يحوز الحجية في مواجھة‬
‫القاضي المدني‪ -‬ضروريا للفصل في الدعوى العمومية بحيث ال يعتبر تعرضه له تزيدا‬
‫منه‪ .‬فمثال إذا أثبت القاضي الجنائي في حكمه وقوع خطأ من المجني عليه‪ ،‬فإن ھذا ال‬
‫يقيد المحكمة المدنية ألنه لم يكن الزما له للفصل في الدعوى العمومية ويعتبر تزيدا منه‬
‫ال تثبت له حجية الحكم الجنائي‪.38‬‬
‫وقد عرفت حجية الحكم الجنائي في شقھا المتعلق بتكييف الوقائع المكونة ألساس‬
‫المتابعة الجنائية والمدنية خالفا حادا في حالة الحكم بالبراءة‪ .39‬حيث وجد من يرى أنه‬
‫يمكن للقاضي المدني أن يكيف تلك الوقائع الثابتة والمثارة‪ 40‬أمام القاضي الجنائي على‬
‫أنھا خطأ مدني ويحكم بالتعويض لفائدة المتضرر دون أن يعتبر ذلك مساسا بحجية‬
‫الحكم الجنائي‪ .‬ويصطلح على ھذا الخالف حول مدى حجية الحكم الجنائي على مستوى‬
‫إعادة تكييف الوقائع في حالة التصريح بالبراءة من قبل القاضي المدني في الكتابات‬
‫القانونية بوحدة مفھوم الخطأ الجنائي والمدني أو ازدواجيته‪ .‬أما إذا صرح القاضي‬

‫‪ - 37‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪ 102‬و‪.103‬‬


‫‪ - 38‬نفس المرجع ص‪ 103 :‬و‪.104‬‬
‫‪ - 39‬في حالة صدور الحكم باإلدانة فإن األمر ال يطرح أي إشكال‪ ،‬ألن القاضي يتقيد به لتقرير مسؤولية المحكوم‬
‫عليه لكون الخطأ الجنائي يجُب الخطأ المدني فاألول أشد جسامة من الثاني‪ .‬غير أن الحكم باإلدانة ال يعني اكتساب‬
‫الحكم حجية مطلقة في كل ما قضى به‪ ،‬فالوقائع التي تحوز الحجية ھي تلك التي ترتبط سببيا بحكم اإلدانة‪.‬‬
‫‪ - 40‬إن حجية الحكم الجنائي تثبت له سواء في حالة اإلدانة أو البراءة على حد سواء‪ ،‬لذلك اشترطنا أن تكون الوقائع‬
‫التي يتولى القاضي المدني تكييفھا مثارة أمام القاضي الجنائي‪ ،‬ألن االستناد على وقائع غير مثارة أمام القاضي‬
‫الجنائي من شأنه أن يفسح المجال لثبوت خطأ جنائي ال سبيل للمحاكمة عليه‪ ،‬وھو ما يتعارض مع النظام العام الذي=‬
‫=يقضي بأن تكون جميع الجرائم محال للعقاب والجزاء حفاظا على استقرار المجتمع وعلى الشعور باألمن والثقة في‬
‫المؤسسة القضائية الزجرية‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫الجنائي بإدانة المتھم فإن األمر ھنا ال يطرح أي إشكال إذ أن القاضي المدني يكون‬
‫ملزما باعتبار الحكم باإلدانة دليال قاطعا على ثبوت الخطأ المدني‪ ،‬وفي ھذا االتجاه‬
‫ذھبت ابتدائية وجدة في أحد أحكامھا إلى أن‪" :‬حيث إن المحكمة برجوعھا إلى وثائق‬
‫الملف وخاصة القرار االستئنافي عدد ‪ 292‬بتاريخ ‪ 2012/02/14‬وكذا محضر‬
‫الضابطة القضائية المدلى به يثبت للمحكمة أن المدعى عليه األول أدين من أجل الجرح‬
‫الخطأ وعدم ترك مسافة األمان والتجاوز المعيب مما ارتأت معه المحكمة تحميله كامل‬
‫مسؤولية الحادثة"‪ .41‬وقد رأينا بأن قرار استئنافية الرباط المشار إليه أعاله قد اعتنق‬
‫مبدأ وحدة الخطأ الجنائي والمدني ‪ ،‬فإلى أي حد كان صائبا فيما ذھب إليه؟‪.‬‬
‫إن فكرة وحدة الخطأ المدني والجنائي لم تكن محط ترحيب لدى الفقه‪ ،42‬حيث‬
‫وجھت لھا العديد من االنتقادات نذكر منھا‪:‬‬
‫‪ −‬إن القاضي ‪ -‬أيا كانت اآلراء النظرية – بحكم التصاقه بالواقع‪ ،‬يقدر الخطأ‬
‫الجنائي بكيفية أكثر تسامحا مما يفعله في تقدير الخطأ المدني‪ .‬فھو بقصد أو بدون قصد‬
‫يتأثر بطبيعة الجزاء الذي يترتب على كل منھما‪ ،‬في الميدان الجنائي يكون أمامه توقيع‬
‫العقوبة التي قد تصل إلى عدة سنوات حبسا‪ ،‬بينما في دعوى المسؤولية يكون أمامه‬
‫ضحية يطلب إنصافه وتعويض الضرر الذي لحقه‪ ،‬والتعويض يتحمل المؤمن أداءه في‬
‫كثير من الحاالت‪ .‬كل ذلك يجعل القاضي يتساھل في إضفاء صفة الخطأ على تصرف‬
‫المدعى عليه وفي تقرير العالقة السببية بينه وبين الضرر‪.43‬‬
‫‪ −‬إن القول بوحدة الخطأ الجنائي والخطأ المدني ال يدع للقاضي إال أن يختار‬
‫بين الحكم باإلدانة والتعويض معا‪ ،‬أو أن يحكم بالبراءة ويرفض التعويض معا‪ .‬فيحمله‬

‫‪ - 41‬حكم رقم ‪ 2269‬بتاريخ ‪ 2016/12/22‬في الملف رقم ‪ ،12/62‬غير منشور‪.‬‬


‫‪ -‬صدر في نفس المعنى أيضا عن ابتدائية وجدة ‪:‬‬
‫حكم رقم ‪ 2267‬بتاريخ ‪ 2016/12/22‬في الملف ‪ ،15/1025‬غير منشور‪.‬‬
‫حكم رقم ‪ 593‬بتاريخ ‪ 2015/04/02‬في الملف رقم ‪ ،13/899‬غير منشور‪.‬‬
‫حكم رقم ‪ 2219‬بتاريخ ‪ 2016/12/15‬في الملف رقم ‪ ،15/1053‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ - 42‬سليمان مرقس"بحوث وتعليقات على األحكام في المسؤولية المدنية وغيرھا من موضوعات القانون المدني" ‪،‬‬
‫م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 113‬وما يليھا‪.‬‬
‫‪ -‬أحمد الخمليشي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 29‬وما يليھا‪.‬‬
‫‪ -‬محمد الكشبور‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 38‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ - 43‬أحمد الخمليشي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪19‬‬
‫ذلك أحيانا على رفض التعويض ألنه يستكثر اإلدانة الجنائية‪ ،‬وأحيانا على رفض‬
‫البراءة لشعوره بأن العدالة تقتضي منح تعويض للمصاب‪ .‬وليس في شأن ذلك أن يساعد‬
‫على تحقيق العدالة على الوجه األكمل‪ .‬أما القول باستقالل الخطأ المدني عن الخطأ‬
‫الجنائي وعدم التالزم بين المسؤوليتين‪ .‬فإنه يتيح للقاضي حال وسطا يستطيع أن يدرأ‬
‫عن طريقه في كثير من الحاالت عيوب الحلين المتطرفين‪.44‬‬
‫‪ -‬إن القول بوحدة الخطأ تتفرع عنه‪ -‬إلى جانب تالزم انتفاء الخطأ جنائيا ومدنيا‬
‫‪ -‬نتيجة أخرى وھي ارتباط التقادم المدني بالتقادم الجنائي‪ ،‬ألن سقوط الدعوى العمومية‬
‫بالتقادم بمثابة الحكم بالبراءة النتفاء الخطأ‪ ،‬فال يجوز تحريك المسؤولية التقصيرية على‬
‫أفعال تقادمت جنائيا المتناع نسبة الخطأ إلى شخص انتفى عنه ھذا الخطأ بالتقادم‪.‬‬
‫واالجتھاد الفرنسي إذا مال إلى نظرية وحدة الخطأ‪ 45‬فإن المشرع ھناك أقر صراحة‬
‫سريان التقادم الجنائي على الدعوى المدنية الناتجة عن نفس األفعال‪ .‬أما في المغرب‬
‫فإن المادة ‪ 14‬من قانون المسطرة الجنائية تقضي بأنه ال يتقادم حق االدعاء المدني إال‬
‫طبقا للقواعد المعمول بھا في القضايا المدنية‪ .‬إزاء ھذا النص الصريح الذي يقرر عدم‬
‫انتفاء الخطأ التقصيري بالتقادم الجنائي يصعب القول بانتفاء ھذا الخطأ بالبراءة‪ .‬ألن‬
‫األخذ بنظرية وحدة الخطأ أو بنظرية ازدواجه ينتج عنه حكم واحد بالنسبة للبراءة‬
‫والتقادم معا‪.46‬‬

‫كما أن إرادة المشرع ذھبت أيضا إلى األخذ بنظرية ازدواجية الخطأ وھو ما‬
‫يظھر بشكل جلي من خالل ما ورد في المادة ‪ 410‬من قانون المسطرة الجنائية و التي‬
‫جاء فيھا‪ " :‬يقصر استئناف الطرف المدني أو المسؤول عن الحقوق المدنية نظر غرفة‬

‫‪ - 44‬سليمان مرقس‪ ،‬بحوث وتعليقات على األحكام في المسؤولية المدنية وغيرھا من موضوعات القانون المدني‬
‫‪،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪ - 45‬صدر عن محكمة النقض قرار يوضح تبنيھا لنظرية وحدة الخطأ وجاء في ھذا القرار ما يلي‪:‬‬
‫‪« Ainsi les actions qui dérivent des articles 1382 et 1384, alinéa 1er du Code civile, bien que poursuivant le‬‬
‫‪même objet, procèdent de causes juridiques différentes ; et, par suite, l’inexistence des conditions‬‬
‫‪auxquelles la première est subordonnée, même lorsque cette inexistence est constaté par une décision‬‬
‫‪passée en force de la chose jugée, ne fait pas nécessairement obstacle à l’exercice de la seconde ».‬‬
‫‪-Requête, 16juillet 1928 , (DP 1929.1.33, note Savatier, Gaz. Pal. 1928.2.370), Henri Capitant et autres,‬‬
‫‪Op.cit, p 438 et suiv.‬‬
‫‪ - 46‬أحمد الخمليشي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.33 :‬‬
‫‪20‬‬
‫الجنح االستئنافية على مصالح المستأَنف المدنية ويتيح للمحكمة تقدير حقيقة الوقائع‬
‫المتسببة في الضرر المدعى به‪.‬‬

‫ال يخول ھذا االستئناف للمحكمة إال تأييد الحكم أو تعديله أو إلغاءه لفائدة المستأنف‪.‬‬

‫ال يكون للحكم الصادر بعد ھذا االستئناف سواء قضى بالحقوق المدنية أو برفضھا‬
‫أي تأثير على الدعوى العمومية‪ ،‬إذا كان الحكم الصادر بناء على متابعة النيابة العامة قد‬
‫اكتسب قوة الشيء المقضي به"‪ .‬و في إطار تطبيق ھذه المادة فقد صدر عن محكمة‬
‫النقض قرار جاء فيه‪ " :‬الحكم النھائي الصادر بالبراءة ال يحول دون نظر قاضي‬
‫الدرجة الثانية في الدعوى المدنية التابعة‪ ،‬و اقتناعه بثبوت الضرر المستوجب‬
‫للتعويض"‪ .47‬و في قرار آخر صادر عن محكمة النقض تطبيقا لنفس المادة و الذي‬
‫نقرأ فيه‪ " :‬إن إلغاء الحكم المطعون فيه لطلب التعويض المدني الذي كان قد تقدم به‬
‫الطاعن لم يسبب له في الواقع أي ضرر‪ ،‬ألن ھذا اإللغاء حكمت به المحكمة باعتبارھا‬
‫محكمة زجرية ال يجوز لھا منح التعويض إال إذا تأكدت من وقوع الفعل ذي الصبغة‬
‫اإلجرامية المتابع من أجله‪ ،‬و عليه فيبقى بعد ھذا للمعني باألمر حق اللجوء إلى‬
‫المحكمة المدنية التي تنظر في طلب التعويض ال على أساس الصبغة اإلجرامية للفعل‬
‫بل بناء على قواعد القانون المدني الصرف و لھذا تكون غير جديرة بالقبول الوسيلة‬
‫المتخذة من كون محكمة الدرجة الثانية حكمت ضد منفعة المطالب بالحق المدني‬
‫المستأنف وحده"‪ .48‬و يتضح من ھذين القرارين لمحكمة النقض المغربية أنھا أخذت‬
‫بفكرة ازدواجية مفھوم الخطأ إلى مدني و جنائي وقررت بأن الحكم بالبراءة ال يمنع‬
‫من طلب التعويض استنادا إلى نفس الوقائع التي كان أساسا للدعوى العمومية‪.‬‬

‫و يبدوا بأن المحكمة االبتدائية بوجدة تأخذ فكرة ازدواجية الخطأ في بعض‬
‫أحكامھا وھكذا جاء في أحد أحكامھا ‪ " :‬حيث إن المدعية أدلت بشھادة بعدم الطعن‪،‬‬
‫فضال عن كون الدعوى في نازلة الحال قدمت باالستناد إلى مبادئ المسؤولية التقصيرية‬
‫‪47‬‬
‫‪ -‬قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ 09/2/11‬تحت عدد ‪ 10/285‬في الملف عدد ‪ 08/18014‬منشور بمجلة قضاء المجلس‬
‫األعلى عدد ‪ 71‬ص ‪ 425‬و ما يليھا‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫‪ -‬قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ 70/1/29‬تحت عدد ‪ 286‬منشور بمجموعة قرارات المجلس األعلى المادة الجنائية الجزء‬
‫األول ص ‪ 35‬و ما يليھا‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫وفقا للفصل ‪ 88‬من ق ل ع وھي غير أساس الدعوى العمومية مما يكون الدفع غير‬
‫مؤسس ويتعين رده"‪ .49‬غير أننا نالحظ في حكم آخر لنفس المحكمة يتعلق بالمسؤولية‬
‫الخطئية أنھا أخذت بفكرة وحدة الخطأ المدني والجنائي‪ ،‬ومما جاء في حيثيات ھذا الحكم‬
‫ما يلي‪ " :‬وحيث إنه بالرجوع إلى وثائق الملف وخاصة القرار االستئنافي عدد ‪4576‬‬
‫بتاريخ ‪ 2015/12/21‬يثبت للمحكمة أنه قضى بتبرئة المدعى عليھا من أجل العنف ضد‬
‫قاصر‪ ،‬لذلك تكون مسؤوليتھا الجنائية غير ثابتة ثبوتا جازما من جھة وتبقى عناصر‬
‫الجرم كصورة من صور الفعل الضار في المسؤولية التقصيرية عن األفعال الشخصية‬
‫غير قائمة في حقھا‪.‬‬
‫و حيث إنه لقيام المسؤولية التقصيرية ال بد من خطأ وضرر وعالقة سببية‬
‫بينھما‪ ،‬ومادام صدر حكم ببراءة المدعى عليھا فإن عنصر الخطأ غير ثابت في حقھا‬
‫كما أشير إليه‪ ،‬ويكون تبعا لذلك المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن العنف ضد‬
‫قاصر غير مؤسس ويتعين التصريح برفضه"‪.50‬‬
‫و جاء في قرار صادر عن عن محكمة االستئناف بوجدة ما يلي‪ " :‬حيث إن‬
‫المحكمة بعد اطالعھا على وثائق الملف ومحتوياته ودراستھا لتعليالت الحكم المستأنف‬
‫وتمحيصھا ألسباب االستئناف تبين لھا أن ما أثاره الطاعن من خرق المادة ‪ 10‬من‬
‫قانون المسطرة الجنائية‪ 51‬فقد أجاب عنه بتعليالت كافية وسليمة على اعتبار أن نازلة‬
‫الحال أساسھا الخطأ المفترض لحارس الشيء استنادا لمقتضيات الفصل ‪ 88‬من ق ل ع‬
‫وليس الخطأ الجنائي الواجب اإلثبات الشيء الذي يجعل ما تمسكت به الطاعنة غير‬

‫‪ - 49‬حكم ابتدائي رقم ‪ 1342‬بتاريخ ‪ 2016/06/16‬في الملف رقم ‪ ،15/278‬غير منشور‪.‬‬


‫‪ -‬صدر في نفس المعنى أيضا عن ابتدائية وجدة ‪ :‬حكم رقم ‪ 1516‬بتاريخ ‪ 2016/07/14‬في الملف رقم‬
‫‪.15/1199‬‬
‫‪ -50‬حكم ابتدائي رقم ‪ 1619‬بتاريخ ‪ 2016/07/28‬في الملف رقم ‪ ،16/153‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ - 51‬تنص المادة ‪ 10‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه ‪ " :‬يمكن إقامة الدعوى المدنية‪ ،‬منفصلة عن الدعوى‬
‫العمومية‪ ،‬لدى المحكمة المدنية المختصة‪.‬‬
‫غير أنه يجوز أن توقف المحكمة المدنية البت في ھذه الدعوى إلى أن يصدر حكم نھائي في الدعوى‬
‫العمومية إذا كانت قد تمت إقامتھا"‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫منتج"‪ .52‬ويتضح جليا من ھذا القرار أنه أخذ بفكرة ازداوجية مدلول الخطأ الجنائي‬
‫والمدني‪ ،‬وأنه اعتبر أن الثاني أوسع نطاقا من األول‪.‬‬
‫لكل ھذه األسباب نرى بأن القضاء المغربي يحسن به أن يأخذ بنظرية ازدواجية‬
‫الخطأ صراحة‪ ،‬ألن األخذ بھا ليس من شأنه أن يمس بحجية الحكم الجنائي‪ ،‬ما دام‬
‫القاضي المدني سوف يستخلص من الوقائع الثابتة والمثارة أمام القاضي الجنائي خطأ‬
‫مدنيا ال يرقى إلى مرتبة الخطأ الجنائي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تفسير عبارة فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر بالقيام بعمل‬
‫إيجابي‬

‫صدرت عن محكمة النقض مجموعة من القرارات التي عبرت فيھا عن تخليھا‬


‫عن موقفھا السابق والذي كان يفسر عبارة فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر بنفي‬
‫الخطأ‪ ،‬والذي كان يعتبر أن صدور الحكم الجنائي بالبراءة كافي للقول بتوافر شرط فعل‬
‫ما كان ضروريا لمنع الضرر معتنقة في ذلك الرأي القائل بوحدة مفھوم الخطأ الجنائي‬
‫والخطأ المدني‪ .‬ومن ھذه القرارات‪ ،‬قرار جاء فيه‪ ":‬وحيث إن محكمة االستئناف‬
‫ارتكزت على الحكم بالبراءة للقول بأن المسؤول عن الحادثة فعل كل ما في استطاعته‬
‫لتجنب الضرر في حين أن الحكم بالبراءة يثبت فقط انعدام الخطأ‪ .‬فتكون محكمة‬
‫االستئناف لم تركز حكمھا على أساس قانوني ولم تعلل ما صرحت به من توفر شروط‬
‫اإلعفاء المنصوص عليھا في الفصل ‪ 88‬المومإ إليه"‪ .53‬وفي قرار آخر فسرت محكمة‬
‫النقض عبارة فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر بكون الحارس قد فعل "كل ما في‬
‫استطاعته لتجنب الضرر‪ .‬وھل اتخذ االحتياطات الضرورية التي أمالھا الموقف في‬
‫طريق مسلوك جدا بالراجلين كتخفيف السرعة واستعمال المنبه عند االقتضاء خصوصا‬
‫حين مقابلته لعربة واقفة فتكون المحكمة لم تركز حكمھا على أساس قانوني"‪ .54‬وجاء‬

‫‪ -52‬قرار استئنافي رقم ‪ 97‬بتاريخ ‪ 2008/01/24‬في الملف رقم ‪ ،06/691‬غير منشور‪.‬‬


‫‪ - 53‬القرار المدني عدد ‪ 152‬الصادر بتاريخ ‪ ،1970/03/11‬محمد أوغريس‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.18 :‬‬
‫‪ -‬راجع في نفس المعنى القرار المدني عدد ‪ 239‬الصادر بتاريخ ‪ 13‬ماي ‪ ،1970‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.21 :‬‬
‫‪ - 54‬القرار المدني عدد ‪ 160‬الصادر بتاريخ ‪ 18‬مارس ‪ .1970‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.20 :‬‬
‫‪23‬‬
‫في قرار آخر لنفس لمحكمة‪ ":‬وحيث إن المحكمة باستخالصھا من الحكم بالبراءة أن‬
‫السائق فعل كل ما كان في استطاعته لتجنب الضرر‪ ،‬قد طبقت تطبيقا خاطئا الفصل ‪88‬‬
‫من ظھير العقود وااللتزامات‪ .‬إذ أنه ليس يكفي أن يطلب من الحارس عدم ارتكاب خطأ‬
‫بل المطلوب منه القيام بعمل إيجابي واتخاذ احتياطات خاصة تفرضھا الظروف لتجنب‬
‫الحادث"‪ .55‬وذھبت محكمة النقض في أحد قراراتھا أيضا إلى‪" :‬أن الفصل ‪ 1362‬من‬
‫قانون االلتزامات والعقود لطنجة يسمح بالتمسك بمسؤولية حارس الشيء حتى ولو كان‬
‫متبوعه مبرئا جنائيا‪ ،‬في حالة ما إذا كان القضاء المدني ال يالحظ أنه قام بكل ما عليه‬
‫من احتياطات لتفادي الضرر وأن البراءة تبين فقط أن ھذا المتبوع لم يرتكب أي‬
‫خطأ"‪ .56‬وجاء في قرار آخر لمحكمة النقض أيضا أنه‪ ":‬وبناء على الفصل ‪ 88‬من‬
‫ظھير العقود وااللتزامات‪ ،‬وحيث أن محكمة االستئناف ارتكزت على الحكم بالبراءة‬
‫للقول بأن المسؤول عن الحادثة فعل كل ما في استطاعته لتجنب الضرر في حين أن‬
‫الحكم بالبراءة يثبت فقط انعدام الخطأ فتكون محكمة االستئناف لم تركز حكمھا على‬
‫أساس قانوني ولم تعلل ما صرحت به من توافر شروط اإلعفاء المنصوص عليھا‬
‫الفصل‪ 88‬المومإ إليه"‪.57‬‬
‫ويجب أن تكون أعمال االحتياط واإلنقاذ التي قام بھا الحارس إيجابية وكافية‬
‫لتفادي الضرر وإال تحمل المسؤولية‪ .‬ويدخل تقدير ذلك في سلطة قاضي الموضوع وال‬
‫رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض إال من حيث التعليل لكون األمر يتعلق بمسألة‬
‫واقعية‪ .‬وقد أكدت محكمة النقض ذلك في قرار لھا جاء فيه‪ ":‬ولما كان ال يكفي الحارس‬
‫القيام بعمل لتفادي الضرر بل ال بد أن يكون ھذا الفعل إيجابيا‪ ،‬فإن المحكمة بما لھا من‬
‫سلطة تقدير الوقائع الحظت أن إشعال األضواء الخلفية للشاحنة غير كافي لتنبيه‬
‫مستعملي الطريق لتوقفھا‪ ،‬وأن سائقھا لم يضع مثلث العطب خاصة وأنھا كانت تمأل‬

‫‪ - 55‬القرار المدني عدد ‪ 240‬الصادر بتاريخ ‪ 13‬ماي ‪ ،1970‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.22 :‬‬
‫‪ -‬في نفس المعنى راجع القرار المدني عدد ‪ 414‬الصادر بتاريخ ‪ 12‬أبريل ‪ ،1972‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.24 :‬‬
‫‪ - 56‬القرار المدني عدد ‪ ،169‬الصادر في ‪ 14‬محرم ‪ 12 – 1369‬أبريل ‪ ،1969‬مجموعة قرارات المجلس األعلى‬
‫في المادة المدنية ‪ ،1982 - 1966‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 613‬ومابعدھا‪.‬‬
‫‪ - 57‬القرار المدني عدد ‪ 152‬الصادر في ‪ 3‬محرم ‪ 11 – 1390‬مارس ‪ ،1970‬مجموعة قرارات المجلس األعلى‬
‫في المادة المدنية ‪ ،1982 - 1966‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 637‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫الطريق المخصص لسيرھا واستخلصت من ذلك أن ما قام به الحارس ال يشكل عمال‬
‫إيجابيا لتجنب الحادث‪ .‬فإن استخالصھا كان سائغا يبرر ما انتھت إليه‪ ،‬وكان قرارھا‬
‫معلال ولم تخرق ما احتج به وكان ما بھذه الوسائل جميعھا غير جدير باالعتبار"‪.58‬‬
‫وال يجب على المحكمة أن تكتفي بذكر أن الحارس قد فعل ما باستطاعته لتجنب‬
‫الضرر‪ ،‬بل عليھا أن تبرر ذلك في قرارھا وإال كان عرضة للنقض‪ .‬وھكذا جاء في‬
‫قرار صادر عن محكمة النقض ما يلي‪ ":‬حيث يتبين صحة ما نعته الوسيلة‪ ،‬ذلك أن‬
‫المحكمة لما اقتصرت في تعليلھا المنتقد بالوسيلة على التصريح بأنه ال يمكن أن ينسب‬
‫أي خطأ لسائق السيارة دون أن تبين العناصر الواقعية والقانونية التي اعتمدتھا لنفي‬
‫قرينة المسؤولية المفترضة عنه‪ ،‬فإن تعليلھا يكون ناقصا وموازيا النعدامه‪ ،‬مما يعرض‬
‫القرار للنقض"‪ .59‬وفي المقابل فإن محكمة النقض تكتفي في بعض قراراتھا عند تحميل‬
‫الحارس المسؤولية بتعليل قرارھا بكون الحارس لم يفعل ما ھو ضروري لمنع الضرر‬
‫دون تحديد لما لم يفعله‪ .‬وھذا ما يتضح من قرار محكمة النقض والتي نقضت بمقتضاه‬
‫قرارا استئنافيا لعلة أنه لم يبين " ما إذا كان الحارس قد فعل كل ما في استطاعته لتجنب‬
‫الضرر وھل اتخذ االحتياطات الضرورية التي أمالھا الموقف"‪.60‬‬
‫ومن خالل ھذه القرارات الصادرة عن محكمة النقض يمكن استخالص القواعد‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ −‬فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر ال يتحقق بنفي الخطأ‪ ،‬بل بالقيام بعمل‬
‫إيجابي واتخاذ االحتياطات الضرورية التي أمالھا الموقف قبل الحادث أو عند وقوعه‪.‬‬
‫ويترتب على ذلك أن الحكم الجنائي الصادر بالبراءة ال يمنع من المطالبة بالتعويض‬

‫‪ - 58‬القرار عدد ‪ 3847‬بتاريخ ‪ 2001/11/08‬في الملف المدني عدد ‪ ،2001/928‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.74 :‬‬
‫‪ - 59‬القرار المدني عدد ‪ 5456‬بتاريخ ‪ 1995/10/28‬في الملف المدني عدد ‪ ،91/2216‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.31 :‬‬
‫وفي نفس المعنى أيضا‪:‬‬
‫‪ -‬القرار المدني عدد ‪ 2739‬بتاريخ ‪ 1995/05/18‬في الملف المدني عدد ‪ ،91/5313‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.30 :‬‬
‫‪ -‬القرار المدني عدد ‪ 207‬بتاريخ ‪ 23‬يونيو ‪ ،1971‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.23 :‬‬
‫‪ -‬القرار المدني عدد ‪ 222‬بتاريخ ‪ 23‬يونيو ‪ ،1971‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.24 :‬‬
‫‪ -‬القرار المدني عدد ‪ 5450‬بتاريخ ‪ 26‬أكتوبر ‪ ،1995‬في الملف المدني عدد ‪ ،93/3792‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.32‬‬
‫‪ - 60‬قرار صادر بتاريخ ‪ 18‬مارس ‪ ،1970‬مجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬عدد ‪ ،16‬ص‪.50 :‬‬
‫‪25‬‬
‫أمام القاضي الجنائي‪ ،‬حتى بالنسبة لمن يقولون بوحدة الخطأ الجنائي والمدني‪ .‬ألن‬
‫محكمة النقض تحاشت وصف "عدم قيام الحارس بعمل إيجابي واتخاذ االحتياطات‬
‫الضرورية التي أمالھا الموقف قبل الحادث أو عند وقوعه" بالخطأ‪ .‬وھو ما يطرح‬
‫مشكل البحث عن وصف مناسب لھذا الفعل؟‪.‬‬
‫‪ −‬ال يكفي أن يقوم الحارس بأي عمل‪ ،‬بل ال بد أن يكون ھذا العمل إيجابيا‬
‫ومؤثرا في عدم حدوث الضرر‪.‬‬
‫‪ −‬يجب على المحكمة أن تبين العناصر الواقعية والقانونية التي اعتمدتھا لنفي‬
‫قرينة المسؤولية على الحارس‪ ،‬بما في ذلك ثبوت قيام الحارس بفعل ما كان ضروريا‬
‫لمنع الضرر وإال كان قرارھا عرضة للنقض‪ .‬في حين تكتفي محكمة النقض في بعض‬
‫قراراتھا عند تحميل الحارس المسؤولية بتعليل قرارھا بكون الحارس لم يفعل ما ھو‬
‫ضروري لمنع الضرر دون تحديد لما لم يفعله‪.‬‬
‫ويمكن أن نسجل على التفسير المعتمد من طرف محكمة النقض لعبارة فعل ما‬
‫كان ضروريا لمنع الضرر‪ ،‬بأنھا تعني القيام بعمل إيجابي واتخاذ االحتياطات‬
‫الضرورية التي أمالھا الموقف قبل الحادث أو عند وقوعه‪ ،‬إضافة إلى مجموعة من‬
‫المالحظات نشير إلى أھمھا فيما يلي‪:‬‬
‫‪ −‬االكتفاء بتعليل أحكام المسؤولية بمثل عبارة الحارس لم يثبت القيام بكل ما في‬
‫استطاعته لمنع الضرر‪ ،‬يجعل الحارس مكلفا بإثبات واقعة غير محددة‪ ،‬ألن كل ما في‬
‫اإلمكان‪ ،‬أو كل ما في االستطاعة يشمل وقائع ال حصر لھا‪ ،‬وتعتبر لذلك واقعة مطلقة‬
‫أو عامة‪ .‬ومن المبادئ األساسية في اإلثبات أن الواقعة المقبول إثباتھا أمام القضاء‬
‫يشترط فيھا أن تكون محددة‪ ،‬ألن الواقعة المطلقة ال تقبل مناقشة إثباتھا ألنھا بطبيعتھا‬
‫تستعصي على اإلثبات‪ .61‬كما أن مثل ھذا التعليل يجعل الحارس عرضة للمسؤولية متى‬
‫أرادت المحكمة ذلك‪ ،‬فحتى لو أثبت عشرات االحتياطات وأعمال اإلنقاذ فيمكن للمحكمة‬

‫‪ - 61‬أحمد الخمليسي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪ 19 :‬و‪.20‬‬


‫‪ -‬ويبدو أن بعض قرارات محكمة النقض متنبھة لھذه المسألة ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬القرار المدني الصادر بتاريخ ‪ 18‬مارس ‪ .1970‬محمد أوغريس‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.20 :‬‬
‫‪ -‬القرار المدني عدد ‪ 207‬الصادر بتاريخ ‪ 23‬يونيو ‪ ،1971‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.23 :‬‬
‫‪26‬‬
‫أن تدينه لعلة أنه " لم يثبت قيامه بكل ما كان في استطاعته"‪ ،‬أو "لم يثبت قيامه بعملية‬
‫إنقاذ أخرى أو احتياط آخر"‪.62‬‬
‫ونحن نرى بأن المحكمة يجب أن تبين الوقائع التي ارتكزت عليھا للقول بأن‬
‫الحارس لم يقم بما ھو ضروري لمنع الضرر‪ .‬كما ينبغي تحديد مدلول و أساس واضح‬
‫لفعل ما كان ضروريا لمنع الضرر حتى يكون الحارس على بينة بالواقعة التي يجب‬
‫عليه إثباتھا ضمانا لحقه في الدفاع عن نفسه‪.‬‬
‫عاب األستاذ أحمد الخمليشي على القرارات التي تفسر فعل ما كان‬ ‫‪−‬‬
‫ضروريا لمنع الضرر بالقيام بعمل إيجابي واتخاذ أعمال االحتياط الضرورية قبل‬
‫الحادث أو عند وقوعه عدم الدقة في التعبير بل والتناقض بين وصف العمل أو االحتياط‬
‫باإلباحة وبين ترتيب المسؤولية عليه‪ .63‬ولقد استند األستاذ أحمد الخمليشي في ھذا النقد‬
‫على رأي األستاذ كلومبيني‪ 64‬المستشار السابق بمحكمة النقض المغربية‪ .‬و بتعبير آخر‬
‫فقد عاب األستاذ الخمليشي على محكمة النقض عدم تحديدھا لألساس الذي تقام عليه‬
‫مسؤولية الحارس في حالة عدم اتخاذه االحتياطات الضرورية لمنع الضرر‪ ،‬أو الوصف‬
‫القانوني الذي يمكن أن نسحبه على عدم اتخاذ ھذه االحتياطات‪ .‬وذلك بغية تكريس األمن‬
‫القضائي الذي يقتضي وضوح الرؤية واألساس الذي تنبني عليه أحكام القضاء‪ ،‬حتى‬
‫يمكن الحكم عليھا بالصحة أو الصواب استنادا لذلك األساس‪ .‬كما أن من شأن تحديد ھذا‬
‫األساس أن يؤدي للرفع من درجة التوقع لدى المتقاضين لمصير دعاويھم واستحضارھم‬

‫‪ - 62‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.20 :‬‬


‫‪ - 63‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.17 :‬‬
‫‪ -64‬يذھب األستاذ كلومبيني إلى ما يلي‪ ":‬إن القضاء المغربي يرى أن فعل كل ما كان ضروريا لتفادي الضرر‬
‫الوارد في الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ ،‬يلقي التزاما إضافيا على الحارس زيادة على إثبات السب األجنبي‪ .‬وھو أن عليه‬
‫أن يثبت أنه رغم حدوث الضرر بسبب قوة قاھرة أو حادث فجائي أو خطأ المتضرر قد قام باحتياط لتفادي وقوع ھذا‬
‫الضرر‪ ،‬أو أنه حاول القيام بعمل إنقاذ وذلك من غير أن يكون االحتياط أو عمل اإلنقاذ مكونا للخطا المحدد في‬
‫الفصل ‪ 78‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬أي أنه كان في إمكان الحارس أن اليقوم بھما دون أن يرتكب أي خطأ‪ .‬ويمثل لذلك بسائق‬
‫سيارة يسير بالسرعة المناسبة وعلى يمين الطريق‪ ،‬ويفاجأ بسيارة أخرى تلتوي يمينا ويسارا ويصطدم بھا‪ .‬فبعد أن‬
‫يثبت= =ھذا السائق أن سبب الحادث ھو حركة السيارة التي فاجأته والتي تكون قوة قاھرة بالنسبة إليه‪ .‬بعد أن يثبت‬
‫كل ھذا ال يعفى من المسؤولية حتى يثبت أنه حاول القيام بعملية إنقاذ لتقادي االصطدام‪ ،‬كأن يقف مثال أو ينحاز إلى‬
‫جانب الطريق"‪.‬‬
‫‪ -‬أورد ھذا الرأي‪ ،‬أحمد الخمليشي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.15 :‬‬
‫‪27‬‬
‫له عند توجيه دفوعاتھم أو الطعن في األحكام الصادرة ضدھم‪ .‬ونحن نرى بأن الوصف‬
‫المالئم لھذه األفعال ھو وصف الخطأ وذلك استنادا إلى الحجج التالية‪:‬‬
‫ إن المشرع المغربي ال يعترف بالمسؤولية عن العمل الشخصي إال إذا‬
‫اتصف بصفة الخطأ‪ .‬وإذا قلنا بعكس ذلك تعذر علينا تحديد أساس بديل‬
‫لمساءلة الحارس عن عدم اتخاذه االحتياطات الضرورية لمنع الضرر‪.‬‬
‫ إن الصياغة الواردة في الفقرة األولى من المادة ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع مماثلة‬
‫للصياغة المستعملة في المادة ‪ 86‬من نفس القانون‪ .‬وليس ھناك فرق ظاھر‬
‫فيما تفرضان إثباته على الحارس‪ .‬واالجتھاد الفقھي والقضائي متفقان على‬
‫أن المقصود باتخاذ االحتياطات الضرورية في المادة ‪ 86‬ھو نفي الخطأ وال‬
‫يبدو أن ھناك مبررا لتفسير" االحتياطات الضرورية في المادة ‪ 86‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع بمفھوم يختلف عن مفھوم االحتياطات الضرورية في المادة ‪ 88‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪.65‬‬
‫من كل ما ذكر‪ ،‬فإننا نرى بأن المقصود بعبارة "فعل ما كان ضروريا لمنع‬
‫الضرر" ال يعدوا أن يكون مجرد نفي الخطأ‪ ،‬كل ما ھنالك أن محكمة النقض لم ترغب‬
‫في أن تفصح عن موقفھا صراحة بتبني نظرية ازدواجية الخطأ في إطار المسؤولية‬
‫المدنية لحارس الشيء‪ .‬وھذا األمر أدى إلى كل ھذا الكالم والغموض الذي كان يمكن‬
‫لمحكمة النقض تفاديه بتبني نظرية ازدواجية الخطأ بشكل صريح وواضح وتعميم‬
‫تطبيقھا على المسؤولية المدنية‪ 66‬بشكل عام‪ .‬لكن ما المقصود بنفي الخطأ المقابل إلثبات‬
‫الحارس أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر؟‪.‬‬

‫‪ - 65‬دراريس محمد‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.54 :‬‬


‫‪ - 66‬على مستوى المسؤولية العقدية عن االلتزام بتحقيق نتيجة ال يطرح اإلشكال المتعلق بوحدة الخطأ الجنائي‬
‫والمدني أو ازدواجيته‪ ،‬ألن الخطأ يقدر في ھذه الحالة بمدى تحقق النتيجة من عدمھا‪ ،‬وال يرجع في تقديره إلى‬
‫اإلھمال والتقصير في بذل العناية المطلوبة‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫الخطأ الذي يتم نفيه في ظل الفقرة األولى من الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع حسب‬
‫بعض الفقه ھو الخطأ الذي يسبق أو يرافق السبب األجنبي‪ ،‬وھو عادة خطأ تافه ليست له‬
‫عالقة سببية قوية ومستقلة بالضرر‪.67‬‬
‫غير أننا ال نتفق مع ما ذھب إليه ھذا الفقه ألن مثل ذلك الخطأ ينتفي بمجرد‬
‫إثبات شرط الخارجية الذي يقتضي تحديد السبب الذي تسبب في الضررو إثبات‬
‫خارجية ھذا السبب بإثبات أنه ليس راجعا لخطأ الحارس المفترض أو لفعله‪.‬‬
‫و نحن نرى بأن نفي الخطأ المقصود ھو نفي خطأ الحارس على مستوى تعامله‬
‫مع السبب األجنبي بعد حدوثه والذي يتحقق بإثبات شرطي عدم التوقع وعدم إمكان‬
‫الدفع‪ ،‬فبإثبات ھذين الشرطين نثبت أن الحارس فعل ما ھو ضروري لمنع الضرر في‬
‫تعامله مع السبب األجنبي‪ :‬فبإثبات شرط عدم التوقع يثبت أن الحارس لم يكن بإمكانه‬
‫توقع السبب األجنبي ومن ثم ال يمكن القول بأنه قبل تحمل الضرر المحتمل وقوعه‪،‬‬
‫وإثبات شرط عدم الدفع يثبت أنه لم يكن بإمكان الحارس دفع السبب األجنبي في ذاته‬
‫كيفما كان سلوكه قبل الحادث وحتى لو قام بأي عمل من أعمال االحتياط‪ ،‬ولم يكن‬
‫بإمكانه كذلك دفع نتائج السبب األجنبي الضارة بواسطة القيام بأي عمل من أعمال‬
‫اإلنقاذ مثال‪.‬‬
‫و يبدوا جليا من خالل ھذا الفھم لفعل ما كان ضروريا لمنع الضرر أن المشرع‬
‫المغربي يتبنى ولو بشكل غير معلن عنه موقف التوجه التشريعي الذي يتطلب إلثبات‬
‫دفع مسؤولية حارس الشيء إثبات السبب األجنبي‪ ،‬فإثبات القوة القاھرة أو الحادث‬
‫الفجائي بشروطھما ھو إثبات لفعل ما كان ضروريا لمنع الضرر الذي يقابل شرطي‬
‫عدم التوقع وعدم الدفع‪.‬‬
‫أما فيما يخص خطأ المتضرر الذي يعد سببا أجنبيا وخارجيا بطبيعته فال يرقى‬
‫إلى درجة السبب األجنبي المعفي كلية من المسؤولية إال إذا اقترن بشرطي عدم التوقع‬
‫وعدم إمكان الدفع‪ ،‬إذ آنذاك يستجمع خصائص السبب األجنبي ويتخذ حكمه كما يتضح‬

‫‪ - 67‬أحمد الخمليشي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪ 27 :‬و‪.28‬‬


‫‪ -‬راجع في نفس الرأي فؤاد معالل ‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.273 ،272 :‬‬
‫‪29‬‬
‫من القرار المدني الصادر عن محكمة النقض تحت عدد ‪ 256‬الصادر بتاريخ ‪ 04‬يونيو‬
‫‪ 1969‬المشار إليه آنفا‪ .‬لذلك فإن فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر جاء خصيصا‬
‫لتوضيح ھذا المعنى األخير‪ .‬ونحن نرى بأن المشرع المغربي يفعل حسنا لو تدخل‬
‫لتغيير ھذه الصياغة المضطربة والتنصيص على أن مسؤولية الحارس تنتفي كلية‬
‫بإثبات السبب األجنبي الذي يدخل فيه خطأ المضرور الذي يتوافر فيه شرطي عدم‬
‫التوقع وعدم إمكان الدفع‪ .‬كما ينبغي عليه التدخل أيضا لتوضيح مسألة تشطير‬
‫المسؤولية‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫]‪< <êÞ^nÖ]<o{{{{vf¹‬‬
‫]‪ÇÖ]<`Ş}<æ_< …憖¹]<`Ş}<æ_<ì†â^ÏÖ]<ìçÏÖ]<æ_<êñ^rËÖ]<p^£‬‬

‫حسب المشرع المغربي في الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع يجب على حارس الشيء‬
‫لدفع المسؤولية عنه أن يثبت إلى جانب فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر أن سبب‬
‫الضرر يرجع إما لحادث فجائي أو لقوة قاھرة أو لخطأ المضرور‪ .‬وإذا كان المشرع لم‬
‫يشر إلى خطأ الغير‪ ،‬فإن الفقه‪ 68‬والقضاء جعله ھو اآلخر من أسباب دفع مسؤولية‬
‫حارس الشيء‪ .‬و عليه سنتناول في المطلب األول الحادث الفجائي و القوة القاھرة‪ ،‬بينما‬
‫نخصص المطلب الثاني للحديث عن خطأ المتضرر و خطأ الغير‪.‬‬

‫‪ -68‬سليمان مرقس "الوافي في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء الثاني‪ :‬في االلتزامات‪ ،:‬المجلد الثاني‪ :‬الفعل الضار‪،‬‬
‫القسم األول‪ :‬في األحكام العامة‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪ 112 :‬وما يليھا‪.‬‬
‫‪ -‬حشمت أبو ستيت‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪ 365 :‬وما يليھا‪.‬‬
‫‪ -‬محمد لبيب شنب‪" ،‬المسؤولية عن األشياء‪ ،‬دراسة في القانون المدني المصري مقارنا بالقانون الفرنسي"‪ ،‬م‪.‬س‬
‫‪ ،‬ص‪ 233 :‬وما يليھا‪.‬‬
‫‪ -‬أحمد عبد الرزاق السنھوري‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪ 895 :‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ -‬مأمون الكزيري‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪ 411 :‬وما يليھا‪.‬‬
‫‪ -‬محمد الكشبور‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪ 42 :‬وما يليھا‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الحادث الفجائي أو القوة القاھرة‬

‫قبل التطرق لشروط القوة القاھرة أو الحادث الفجائي‪ ،‬نرى بأنه من الضروري‬
‫التطرق للخالف الذي وقع حول وحدة مدلول القوة القاھرة أو الحادث الفجائي أو‬
‫ازدواجيته‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬وحدة مدلول الحادث الفجائي أو القوة القاھرة أو ازدواجيته‬

‫عنون المشرع المغربي الفرع الثاني من الباب الثالث من القسم الرابع من الكتاب‬
‫األول بـ "القوة القاھرة والحادث الفجائي"‪ .‬فھل نحن أمام صورتين مختلفتين للسبب‬
‫األجنبي لكل منھا مدلولھا الخاص وأحكامھا ؟‪.‬‬
‫ذھب األستاذ جوسران إلى التمييز بين القوة القاھرة المعفية والتي تتميز‬
‫بالخارجية عن الحارس وعن الشيء محل الحراسة‪ .‬والحادث الفجائي الذي يتميز‬
‫بمصدره الداخلي بالنسبة الستعمال الشيء‪ .‬ويمثل لألولى بفعل الطبيعة وللثاني بفعل‬
‫الشيء مثل كسر جھاز قيادة السيارة أو انفجار أحد إطاراتھا‪ . 69‬ورتب على ھذا‬
‫االختالف أن للقوة القاھرة أثرا معفيا من المسؤولية‪ ،‬في حين أن الحادث الفجائي ليس له‬
‫ھذا األثر‪.70‬‬
‫وفي مقابل ھذا االتجاه األخير‪ ،‬يرى األستاذ محمد لبيب شنب " أنه يكاد ينعقد‬
‫إجماع الفقه الحديث على أن الحادث الفجائي والقوة القاھرة تعبيران يدالن على معنى‬
‫واحد‪ ،‬ولذلك فال محل للتمييز بينھما‪ ،‬وعلى ھذا تسير أحكام القضاء – في مصر‪-‬إذ‬
‫تستعمل التعبيرين كمترادفين‪ ،‬وھذا أيضا ما فعله القانون المدني الجديد فقد حرص على‬
‫أن يذكر التعبيرين معا"‪.71‬‬
‫ونحن نرى بأن المشرع المغربي قد انحاز لھذا الرأي األخير وندلل على ذلك‬
‫بأنه اكتفى بتعريف القوة القاھرة وبيان شروطھا في الفصل ‪ 269‬من ق‪.‬ل‪.‬ع المغربي‪،‬‬

‫‪ -69‬إبراھيم الدسوقي‪" ،‬اإلعفاء من المسؤولية عن حوادث السيارات"‪ ،‬دار غريب للطباعة‪ ،‬القاھرة‪ 1975 ،‬ص‪:‬‬
‫‪.189‬‬
‫‪70‬‬
‫‪ -‬إبراھيم الدسوقي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.189 :‬‬
‫‪71‬‬
‫‪ -‬محمد لبيب شنب‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.333 :‬‬
‫‪32‬‬
‫وذلك بعد أن ذكر كل منھما في الفصل ‪ 268‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬وكأنه أراد بذلك أن يقول لنا‬
‫بأن ھذا التعريف وھذه الشروط يسريان كذلك حتى على الحادث الفجائي‪ .‬ونحن انسجاما‬
‫مع الرأي الراجح في الفقه وبناء على ھذا الفھم لمقتضيات الفصل ‪ 269‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‬
‫المغربي نؤيد الرأي القائل بوحدة مفھوم كل من السبب األجنبي والقوة القاھرة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شروط الحادث الفجائي أو القوة القاھرة‪.‬‬

‫ينص الفصل ‪ 269‬من ق‪.‬ل‪.‬ع على أن " القوة القاھرة ھي كل أمر ال يستطيع‬
‫اإلنسان أن يتوقعه كالظواھر الطبيعية ) الفيضانات والجفاف‪ ،‬والعواصف‪ ،‬والحرائق‪،‬‬
‫والجراد(‪ ،‬وغارات العدو وفعل السلطة‪ ،‬ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ االلتزام‬
‫مستحيال‪.‬‬
‫وال يعتبر من قبيل القوة القاھرة األمر الذي كان من الممكن دفعه‪ ،‬ما لم يقم‬
‫المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه‪.‬‬
‫وكذلك ال يعتبر من قبيل القوة القاھرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين"‪.‬‬
‫ومن ھذا النص يتبين بأن الحادث الفجائي أو القوة القاھرة ‪ ،‬حتى يعتبرا سببا‬
‫أجنبيا يدفع المسؤولية‪ ،‬يجب أن تتوافر فيھما ثالثة شروط وھي‪:‬‬
‫شرط عدم إمكان التوقع ‪ ،‬شرط عدم إمكان الدفع‪ ،‬وشرط الخارجية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬شرط عدم إمكان التوقع‪.‬‬
‫أشار المشرع لشرط عدم التوقع في الفصل ‪ 269‬من ق‪.‬ل‪.‬ع بعبارة "كل أمر ال‬
‫يستطيع اإلنسان أن يتوقعه"‪ .‬والمعيار ھنا في تقدير عدم التوقع ھو معيار موضوعي‬
‫مطلق ال معيار شخصي‪ .72‬بمعنى أنه ال يقدر بالمألوف في مسلك الشخص العادي وإنما‬
‫بأشد الناس يقظة وفطنة وحرصا وھذا ما يفھم من كلمة "اإلنسان" التي جاء بھا المشرع‬
‫في الفصل ‪ 269‬من ق‪.‬ل‪.‬ع على سبيل اإلطالق والعموم‪ .‬وھذا التشدد في تقدير شرط‬
‫عدم التوقع تشدد محمود يصب في مصلحة المضرور ويعقد على الحارس مأمورية‬
‫إثبات السبب األجنبي‪.‬‬
‫‪ - 72‬حشمت أبو ستيت‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.203 :‬‬
‫‪33‬‬
‫ويرى األستاذ سليمان مرقس في ھذا الصدد أن "المرء غير مطالب بكل ما في‬
‫وسعه بل إن للواجبات والتكاليف حدودا ال يجوز تخطيھا فال يسأل المرء إال عما كان‬
‫يجب عليه أن يتوقعه ال عن كل ما في إمكانه توقعه"‪ .73‬ويبدوا أن األستاذ مرقس يميل‬
‫من خالل كالمه إلى اعتماد المعيار الموضوعي المجرد أو معيار الشخص العادي‪.‬‬
‫وبالتبعية تسھيل المأمورية على الحارس في إثبات شرط من شروط السبب األجنبي‬
‫المتمثل في شرط عدم التوقع‪.‬‬
‫ومن القرائن التي تساعد على القول بأن حادث ما يمكن توقعه من عدمه ھو ندرة‬
‫الحادث أو كثرته‪ 74‬وعلى ذلك فال يكفي أن يكون الحدث قد وقع قبال ليكون مثله مرتقبا‬
‫في كل مرة‪ ،‬فإن كان الحدث الذي حصل من الندرة بحيث ال يوفر بذاته سببا معقوال‬
‫للتصور بأن حصوله سيتكرر فإنه يظل غير ممكن التوقع‪.75‬‬
‫ثانيا‪ :‬شرط عدم إمكان الدفع‪:‬‬
‫نقصد ھنا بشرط عدم إمكان الدفع‪ ،‬عدم إمكانية دفع السبب األجنبي في ذاته‪،‬‬
‫واستحالة دفع نتائجه الضارة أيضا‪ ،‬وقد عبر المشرع المغربي في الفقرة الثانية من‬
‫الفصل ‪ 269‬من ق‪.‬ل‪.‬ع عن ھذا الشرط بقوله" وال يعتبر من قبيل القوة القاھرة األمر‬
‫الذي كان من الممكن دفعه"‪ .‬وبمفھوم المخالفة فإن األمر الذي ال يمكن دفعه يشكل قوة‬
‫قاھرة‪ .‬ويضيف المشرع في الفقرة الثانية من الفصل ‪ 269‬من ق‪.‬ل‪.‬ع عبارة " ما لم يقم‬
‫المدين الدليل على أنه بدل كل العناية لدرئه عن نفسه"‪ .‬ويستشف من ھذه الفقرة أن‬
‫معيار تقدير عدم إمكان دفع القوة القاھرة في التشريع المغربي معيار شخصي يقاس‬
‫بقدرات الحارس الشخصية‪ .‬وكما ھو معلوم فقد تعرض المعيار الشخصي للنقد لكون‬
‫القاضي ال يمكنه الوقوف على حقيقة القدرات الشخصية للحارس لكونھا تتعلق بطبيعته‪،‬‬
‫مما قد يؤدي به األمر إلى سوء التقدير وبالتالي الوقوع في الظلم من دون أن يدري‪.‬‬

‫‪ -73‬سليمان مرقس "نظرية دفع المسؤولية المدنية"‪ ،‬رسالة دكتوراه من جامعة القاھرة )النسخة العربية(‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.205‬‬
‫‪ - 74‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.207 :‬‬
‫‪ -75‬عاطف النقيب‪" ،‬النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن فعل األشياء في مبادئھا القانونية وأوجھھا العملية"‪ ،‬م‪.‬س ‪،‬‬
‫ص‪.365 :‬‬
‫‪34‬‬
‫لذلك فقد استعاض الفقه عنه بمعيار آخر أكثر انضباطا وينطبق على الكافة في الشق‬
‫المتعلق بالقدرات الشخصية وھو معيار الشخص العادي‪.76‬‬
‫ويضيف المشرع المغربي في آخر الفقرة األولى من الفصل ‪ 269‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‬
‫شرطا آخر في األمر المشكل للقوة القاھرة وھو أن يكون من شأنه أن يجعل تنفيذ‬
‫االلتزام مستحيال‪ .‬ويقصد به أن يكون من المستحيل على الحارس تالفي الضرر الذي‬
‫خلفته القوة القاھرة‪ .‬و المعيار في تقديم ھذا الشرط ھو معيار موضوعي مطلق مادام‬
‫المشرع اشترط إثبات استحالة تنفيد االلتزام استحالة مطلقة‪ ،‬بحيث يتعذر على أي‬
‫شخص عند تحقق ظرف القوة القاھرة أن يقوم بتنفيذه‪.‬‬
‫وعليه نخلص من خالل القراءة الحرفية لمقتضيات الفصل ‪ 269‬من ق ل ع‬
‫المذكور أعاله‪ ،‬إلى أن عدم إمكان الدفع ينصب على الواقعة المكونة للقوة القاھرة في‬
‫ذاتھا‪ ،‬والمعيار في تقديره شخصي‪ .‬وعلى دفع نتائج ھذه الواقعة والمعيار في تقديره ھنا‬
‫معيار موضوعي مطلق‪ 77‬بحيث يتعذر على أشد الناس قوة أن يدفع تلك النتائج‪.‬‬
‫واإلثبات ينبغي أن ينصب من قبل الحارس على ھاذين األمرين معا حتى يعفى من‬
‫المسؤولية‪.‬‬
‫و على مستوى الفقه‪ ،‬فھناك إجماع على أن المعيار الواجب اعتماده في تقدير‬
‫شرطي عدم إمكان التوقع وعدم إمكان الدفع إنما ھو المعيار الموضوعي أو المجرد‬
‫وليس المعيار الشخصي‪ .78‬غير أنھم اختلفوا حول مقياس المعيار الموضوعي ھل ھو‬
‫الرجل العادي‪ 79‬أو معيار أشد الناس يقظة وحرصا‪ 80‬الموجودان في نفس الظروف‬
‫الخارجية للحارس‪.81‬‬

‫‪ - 76‬راجع بھذا الشأن‪ :‬عبد الرزاق أحمد السنھوري‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪ 788 :‬ومايليھا‪.‬‬
‫‪ -77‬عبد الرزاق أحمد السنھوري‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.996 :‬‬
‫‪78‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق أحمد السنھوي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 788‬ومايليھا‪.‬‬
‫‪ -‬أحمد رأفت تركي‪ ،‬محاضرات في مادة القانون المدني ألقيت على طلبة السنة الثانية شعبة الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية ‪،1995-1994‬‬
‫وجدة‪ ،‬ص ‪.255‬‬
‫‪ -‬محمد علي عمران‪ ،‬االلتزام بضمان السالمة وتطبيقاتھا في بعض العقود‪ ،‬دار النھضة العربية‪ ،‬طبعة ‪ ،1980‬ص ‪.219‬‬
‫‪ -‬أحمد سعيد الزقرد‪ ،‬الروابط القانونية الناشئة عن عقد الرحلة ‪ ،‬مقال منشور في مجلة الحقوق الصادرة عن مجلس النشر العلمي‬
‫‪،‬جامعة الكويت‪ ،‬السنة ‪ ، 22‬العدد األول ‪ ،‬مارس ‪ 1998‬ص ‪.237‬‬
‫‪79‬‬
‫‪ -‬عاطف النقيب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.489‬‬
‫‪80‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق أحمد السنھوري‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.788‬‬
‫‪81‬‬
‫‪ -‬سفيان ادريوش‪ ،‬وسائل دفع المسؤولية عن األشياء غير الحية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪35‬‬
‫و يرى األستاذ سفيان ادريوش بھذا الخصوص أنه ينبغي األخذ بمعيار الشخص‬
‫العادي ألنه األكثر قربا للعدالة وقائم على أساس المعقولية‪.82‬‬
‫و في رأينا الخاص‪ ،‬فإننا نرى بأن اعتماد المعيار الموضوعي ) المجرد( المطلق‬
‫الذي يقاس بأشد الناس يقظة وحرصا ھو األفضل وينسجم مع الفلسفة التي قامت عليھا‬
‫مسؤولية حارس الشيء في بادئ أمرھا وھي ضمان حصول المتضرر على التعويض‬
‫والتقليل من حاالت إفالت الحارس من المسؤولية والنحو شيئا فشيئا حول جعلھا‬
‫مسؤولية موضوعية‪ ،‬خاصة أمام انتشار التأمين‪.‬‬
‫و إذا كان الفصل ‪ 269‬من ق ل ع يسعفنا في اعتماد المعيار الموضوعي المطلق‬
‫لشرط عدم التوقع واستحالة دفع نتائج السبب األجنبي الضارة‪ ،‬فإن األمر على خالفه‬
‫بالنسبة إلثبات شرط عدم إمكان دفع السبب األجنبي في ذاته الذي يقدر بمعيار شخصي‬
‫حسب القراءة الحرفية لنص الفصل ‪ 269‬من ق ل ع‪ .‬وأي توجه نحو اعتماد المعيار‬
‫الموضوعي المطلق بخصوص ھذا الشرط األخير سيكون في إطار الدور اإليجابي الذي‬
‫ينبغي أن يتخذه القاضي بشأن التعامل مع ما استجد في الواقع من ظھور المكننة‬
‫والتأمين واستفادة شريحة معينة من عائدات المكننة خاصة في مجال عالقات الشغل‪،‬‬
‫والذي يفرض عليه التدخل إلصالح النص القانوني أحيانا‪ ،‬بل والذھاب بعيدا في‬
‫تفسيره‪ .‬ورغم ھذا النقاش القانوني الذي ال يخلوا من أھمية‪ ،‬فإننا نرى أن اشتراط‬
‫المعيار الموضوعي المطلق لتقدير شرطي عدم التوقع ودفع النتائج الضارة للسبب‬
‫األجنبي قد يكونان كافيين عمال لتالفي إفالت عدد كبير من حارسي الشيء من‬
‫المسؤولية المدنية‪.‬‬
‫وقد أشارت محكمة النقض المغربية إلى شرطي عدم التوقع والدفع في قرار‬
‫صادر عنھا‪ ،‬والذي جاء فيه ‪ ":‬لكن‪ ،‬فإن ما علل به القرار يعتبر تعليال سليما بخصوص‬
‫عدم االستجابة للدفع المتعلق بالقوة القاھرة حينما صرح أن الحادثة يمكن توقعھا وينبغي‬
‫تجنبھا بوضع الزجاج السميك للنوافذ وغير القابل لالنكسار أو وضع شبابيك واقية بعدما‬
‫أصبح التعرض لمثل ھذه الحوادث مألوفا ‪ ،‬مما يبقى معه ما أثير بالوسيلة على غير‬
‫‪82‬‬
‫‪ -‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪36‬‬
‫أساس"‪ .83‬وجاء في قرار آخر لمحكمة النقض أيضا‪ ":‬القوة القاھرة والحادث الفجائي‬
‫ھي أمر ال يمكن توقعه ويستحيل تجنبه والمحكمة لما ثبت لھا من خالل الخبرة أن‬
‫اختناق القنوات الرئيسية الخارجية للمياه العادمة )الواد الحار( ھي السبب المباشر في‬
‫حصول الضرر خالل فصل الشتاء‪ ،‬وقررت أن تھاطل األمطار بغزارة في ھذا الفصل‬
‫يمكن توقعه ويمكن تجنب االختناق الناتج عنه‪ ،‬فاعتبرته عن صواب ال يشكل قوة قاھرة‬
‫أو حادثا فجائيا‪ ،‬ولم تثبت الطاعنة وفقا للفصل ‪ 88‬من ق ل ع أنھا فعلت ما كان‬
‫ضروريا لتفاديه فإنھا ركزت قضاءھا على أساس وعللت قرارھا تعليال سليما"‪ ،84‬و قد‬
‫صدر ھذا القرار األخير تأييدا لقرار محكمة االستناف بالرباط رقم ‪ 225‬بتاريخ ‪17‬‬
‫مارس ‪ 2011‬في الملف عدد ‪.8514/2008/247‬‬
‫ثالثا‪ :‬شرط الخارجية‪.86‬‬
‫عبر المشرع في الفصل ‪ 268‬من ق‪.‬ل‪.‬ع عن ھذا الشرط بقوله‪" :‬وال يعتبر من‬
‫قبيل القوة القاھرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين" وبمفھوم المخالفة فإن السبب‬
‫الذي ينشأ بفعل خطأ الحارس ويحدث الضرر للغير يسأل عنه الحارس وال يعتبر أجنبيا‬
‫عنه‪ ،‬وفي ھذا الصدد فقد جاء في حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالمحمدية أن‪":‬‬
‫الدفع بواقعة الحادث الفجائي لإلعفاء من المسؤوليتين المدنية والجنائية تكون منفية إذا‬
‫كان الحادث وقع نتيجة خطإ سابق كان سببا رئيسيا ووحيدا في وقوع حادثة سير"‪.87‬‬
‫و باإلضافة إلى ھذه الصورة التشريعية لعدم خارجية السبب‪ ،‬فإن القضاء أعطى‬
‫مفھوما أوسع لشرط خارجية السبب في إطار المسؤولية عن األشياء ال ينحصر فقط في‬
‫عدم حصول ھذا السبب بخطأ الحارس بل يتعدى مداه ذلك‪ .‬إذ ال يكون الحدث خارجيا‬

‫‪ -83‬القرار عدد ‪ 1435‬بتاريخ ‪ 2001/05/07‬في الملف المدني عدد ‪ ،2000/2491‬محمد أوغريس‪" ،‬قضاء‬
‫المجلس األعلى في المسؤولية المدنية"‪ ،‬دار القرويين الدار البيضاء‪ ،2002 ،‬الطبعة األولى‪ ،‬ص‪ 71 :‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ - 84‬القرار رقم ‪ 23‬المؤرخ في ‪ 15‬يناير ‪– 2013‬الغرفة المدنية القسم الثالث‪ -‬الملف عدد ‪،2011/3/1/3647‬‬
‫منشور ب قضاء محكمة االستئناف بالرباط في ظل المبادئ الحديثة المعتمدة من طرف محكمة النقض‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‬
‫‪ 192‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ - 85‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪ 192‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ - 86‬ال ينبغي أن نقول شرط خارجية السبب األجنبي‪ ،‬ألن أجنبية السبب عن الحارس ال تثبت إال بعد التحقق من‬
‫كونه خارجيا أم ال‪.‬‬
‫‪ - 87‬حكم جنحي سير عدد ‪ ،70‬صادر بتاريخ ‪ 2010/05/27‬في الملف رقم ‪ ،08/715‬منشور بمجلة المقال العدد‬
‫المزدوج ‪ 4-3‬سنة ‪ ،2011‬ص ‪ 215‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫ولو حدث بفعل الحارس فقط ودون أن يصدر أي خطأ عنه‪ ،‬ألن مسؤولية الحارس ال‬
‫تقوم على الخطأ‪ .‬كما أن الضرر الذي يحدث من الشيء بسبب فقدان الحارس للوعي‬
‫لسبب خارج عن إرادته ال يشكل سببا أجنبيا حسب ما أكده قرار ‪ Trichard‬الصادر‬
‫عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ ‪ 18‬دجنبر ‪ 1964‬والذي صرحت فيه بأن سائق‬
‫السيارة الذي يصطدم بعربة ذات عجلتين يبقى مسؤوال عن الضرر الحاصل لسائق ھذه‬
‫األخيرة حتى ولو حصل على حكم جنحي يبرئه من الحادث من الناحية الجنائية بعلة أنه‬
‫كان فاقدا للوعي من جراء نوبة صرع أصابته‪ ،‬وذلك طبقا للفصل ‪ 64‬من القانون‬
‫الجنائي‪ .‬وقد علل ھذا القرار موقفه بأن مجرد الفقدان المؤقت للملكات الذھنية سواء تم‬
‫تكييفھا على أنھا صرع طبقا لمفھوم المادة ‪ 64‬من المدونة الجنائية‪،‬أو نتجت عن أي‬
‫اضطراب فزيولوجي آخر ال تشكل سببا أجنبيا عن الحارس معفيا له من المسؤولية"‪.88‬‬
‫وقد تم تكريس ھذا االجتھاد بمقتضى قانون ‪ 3‬يناير ‪ 1968‬الذي ألقى عبء التعويض‬
‫على الشخص الذي سبب الضرر للغير ولو كان في حالة اختالل عقلي ‪.89‬‬
‫وال يكون خارجيا عن الحارس أيضا الضرر الناشئ عن أشياء موضوعة من‬
‫طرفه بيد أحد تابعيه أو أحد أوالده ألن القانون يجعله مسؤوال عن ھذه الحراسة‪ .‬كما ال‬
‫يكون خارجيا كذلك الضرر الناتج بسبب عيب في الشيء ولو كان غير معلوم للحارس‬
‫وغير ممكن التوقع والدفع‪.‬‬
‫وال يتطلب في الشيء الذي أحدث الضرر حتى يتخلف شرط الخارجية أن يكون‬
‫جزءا من كيان وتكوين الشيء سبب الضرر‪ ،‬فالضرر الذي يحدث نتيجة قذف الحجر أو‬
‫المسمار أو غيرھم من األشياء الموجودة بالطريق من طرف السيارة يتحمل مسؤولية‬
‫تعويضه حارس ھذه السيارة‪ ،‬ألن الحجر أو غيره لم يكن سوى وسيلة أو أداة مطيعة‬
‫‪88‬‬
‫‪-« Mais attendu que pour décider que Trichard devrait, par application de texte susvisé, réparer‬‬
‫‪l’intégrité du préjudice souffert par Piccino, l’arrêt relève, à bon droit, qu’une obnubilation passagère des‬‬
‫‪facultés= =intellectuelles, qu’ elle soit qualifié de démence au sens de l’article 64 du Code pénal ou qu’elle‬‬
‫‪procéde d’un quelconque malaise physique , n’est pas un événement susceptible de constituer une cause de‬‬
‫‪dommage extérieure ou étrangère au gardien ;_ Attendu que, de ces constatations et énonciations, la cour‬‬
‫‪d’appel a justement déduit que l’absence épileptique au cour de laquelle s’était produit l’accident, n’avait‬‬
‫» ‪pas pour effet d’exonérer Trichard de la responsabilité qui pesait sur lui en sa qualité de gardien.‬‬
‫‪- Deuxième chambre civile, 18 décembre 1964,( D. 1965. 191, concl. Schmelck, note Esmein, JCP 1965.‬‬
‫‪II. 14304, note Dejean de la batie, Gaz. Pal. 1965.1. 202), Henri Capitant et autres, Op cit, p 404 et suiv.‬‬
‫‪89‬‬
‫‪- Henri Capitant et autres, Op.cit, p 408.‬‬
‫‪38‬‬
‫لنشاط السيارة ولم يقم في واقعة القذف إال بدور سلبي بحت‪ .‬وقد اعترف القضاء فعال‬
‫بتطبيق أحكام المسؤولية عن األشياء على حارس السيارة في ھذه الحاالت ‪.90‬‬
‫وقد أصدرت محكمة النقض المغربية عدة قرارات تؤكد على ضرورة توافر‬
‫شرط الخارجية‪ ،‬حيث ذھبت في أحد قراراتھا إلى أن انفجار العجلة ال يشكل قوة قاھرة‬
‫لدفع المسؤولية‪ 91‬ھذا فيما يتعلق بالخارجية عن الشيء‪ .‬أما فيما يخص الخارجية عن‬
‫الشخص فقد صدر عن نفس المحكمة قرار قضت فيه بأن وقوع الحادثة بسبب عدم تحكم‬
‫السائق وفقده السيطرة على سيارته بسبب سيره بسرعة ال تتالءم وظروف الزمان‬
‫والمكان‪ ،‬مما جعله ينحرف بھا ليصدم متجر الطاعنة ال يشكل قوة قاھرة‪.92‬‬
‫نستنج مما سبق‪ ،‬أن شرط الخارجية يقتضي أال يكون السبب المحدث للضرر أو‬
‫الذي ساھم في نشوئه أو تفاقمه راجع إما كليا أو جزئيا لخطأ الحارس‪ ،‬أو لفعله‪ ،‬أو‬
‫راجعا لذاتية الحارس كفقدان الملكات العقلية‪ ،‬أو لذاتية الشيء كعيب فيه‪ ،‬أو تسبب فيه‬
‫أشخاص ممن يسؤل عنھم الحارس قانونا أو اتفاقا‪.‬‬
‫و قد استندت المحكمة االبتدائية بوجدة على الحادث الفجائي أو القوة القاھرة لدفع‬
‫المسؤولية عن السائق حيث جاء في حكم لھا‪ ":‬حيث إنه بالرجوع إلى وثائق الملف‬
‫وخاصة صورة محضر الضابطة القضائية المنجز من طرف درك عين بني مطھر رقم‬
‫‪ 142‬بتاريخ ‪ 2010/06/06‬ومن خالل تصريحات األطراف به بما فيھا تصريحات‬
‫المدعي نفسه يثبت للمحكمة أن السبب الرئيسي في وقوع الحادثة يرجه إلى انزالق‬
‫السيارة بسبب تواجد حصى صغيرة كثيرة في الطريق ألنھا ال زالت في طور األشغال‪،‬‬
‫مما يكون معه عنصر الخطأ منتفيا في حق المدعى عليه‪ ،‬ويكون دفع المدعى عليھا‬
‫شركة التأمين بكون سبب وقوع الحادث ال يعود لفعل تسبب فيه السائق‪ ،‬وال يقع تحت‬
‫مسؤوليته‪ ،‬بل يعود لسبب أجنبي وحادث فجائي ال دخل للجھة المدعى عليھا فيه‬

‫‪ - 90‬إبراھيم الدسوقي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.283 :‬‬


‫‪ - 91‬قرار عدد ‪ 3403‬بتاريخ ‪ 2001/10/04‬في الملف المدني عدد ‪ ،2001/2051‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.73 :‬‬
‫‪ -‬في نفس المعنى أيضا‪ :‬القرار عدد ‪ 419‬بتاريخ ‪ 1999/01/28‬في الملف المدني عدد ‪ ،1997/3413‬محمد‬
‫أوغريس‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪ 35 :‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ - 92‬القرار عدد ‪ 4971‬بتاريخ ‪ 2000/12/21‬في الملف المدني عدد ‪ ،2000/1685‬محمد أوغريس‪ ،‬م‪.‬س‪،‬‬
‫ص‪.67:‬‬
‫‪39‬‬
‫مؤسسا"‪ .93‬ويالحظ على ھذا الحكم أنه يخلط بين السبب األجنبي الذي من صوره‬
‫الحادث الفجائي أو القوة القاھرة والسبب الخارجي‪ .‬ففي نازلة الحال فإن سبب الحادث‬
‫وإن كان خارجيا فھذا ال يعني أنه أجنبي‪ ،‬ألن السبب حتى يكون أجنبيا يجب إثبات‬
‫شرطي عدم التوقع وعدم الدفع باإلضافة إلى إثبات شرط الخارجية‪ .‬والحال أن السائق‬
‫يفترض فيه أن يتوقع أنه عندما يمشي في طريق بتلك الحالة أنه سيكون عرض لحادثة‬
‫سير وبالتالي عليه اتخاذ أقصى درجات االحتياط الممكنة والمشي بسرعة بطيئة وليس‬
‫متوسطة‪ ،‬بل عليه حتى تغيير الطريق إن كان ذلك ممكنا‪ .‬لذلك فالسبب األجنبي في ھذه‬
‫القضية غير مستجمع لشروطه‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬خطأ المضرور وخطأ الغير‬

‫الفقرة األولى‪ :‬خطأ المضرور‬

‫سوف نبدأ بتعريف خطأ المضرور)أوال(‪ ،‬ثم نتطرق ألثره على مسؤولية‬
‫حارس الشيء )ثانيا(‪ ،‬وأخيرا نتناول موضوع كيفية توزيع المسؤولية بين المضرور‬
‫والحارس)ثالثا(‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف خطأ المضرور‪.‬‬

‫اعترف المشرع في الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬بشكل صريح بخطأ المضرور‬


‫كشرط من شروط اإلعفاء من المسؤولية إلى جانب فعل ما كان ضروريا لمنع حدوث‬
‫الضرر‪ .‬وبالرجوع إلى تعريف الخطأ لدى الفقه‪ ،‬نجدھم يعرفونه بأنه إخالل بالتزام‬
‫قانوني عام وسابق بعدم اإلضرار بالغير في المسؤولية التقصيرية وبأنه إخالل بالتزام‬
‫عقدي في المسؤولية العقدية‪. 94‬‬
‫وااللتزام القانوني الذي يقع اإلخالل به إما أن يكون محددا في نصوص قانونية‬
‫فھنا يكفي إثبات ھذا اإلخالل دون حاجة إلثبات أنه يشكل خطأ مادام النص القانوني قد‬
‫‪93‬‬
‫‪ -‬حكم رقم ‪ 2270‬بتاريخ ‪ 2016/12/22‬في الملف رقم ‪ ،16/264‬غير منشور‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق أحمد السنھوري‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.779 :‬‬
‫‪40‬‬
‫أعطاه ھذا الوصف‪ .‬وأما إذا تم اإلخالل بالتزام غير محدد بنصوص قانونية فيتم اللجوء‬
‫لتقدير ما إذا كان ھذا اإلخالل يشكل خطأ أم ال إلى معيار موضوعي مجرد في الشق‬
‫المتعلق بالقدرات الداخلية للشخص‪.‬‬
‫وما دام أن األمر يتعلق بخطأ فيترتب على ذلك نتائج عديدة أھمھا‪:‬‬
‫أن فعل المضرور المجرد من الخطأ ال يؤدي إلى إعفاء الحارس من‬ ‫‪.1‬‬
‫المسؤولية ويقع على الحارس إثبات ھذا الخطأ وھو ما أكدته محكمة النقض المغربية في‬
‫قرار جاء فه‪" :‬لكن حيث إن الطاعنة لم تبين ماھية األخطاء التي ارتكبھا الضحية ولم‬
‫تناقشھا المحكمة وترد عليھا‪ ،‬مما يبقى معه ما أثير مبھما"‪.95‬‬
‫ال بد من توافر المضرور على التمييز حتى يمكن مساءلته عن خطئه‪ ،‬أما‬ ‫‪.2‬‬
‫إذا كان فاقد التمييز لعدم تجاوزه سن ‪ 12‬سنة شمسية كاملة ‪ ،‬أو بسبب الجنون أو لسبب‬
‫غير إرادي آخر‪ .‬فال محل للتمسك بخطأ المضرور‪ .‬وھذا ما أكدته محكمة النقض في‬
‫أحد قراراتھا حيث ذھبت إلى ما يلي‪ ":‬لما تبين لھا –أي المحكمة‪ -‬أن الضحية فاقد‬
‫التمييز قضت بجعل كامل المسؤولية على عاتق الحارس القانوني للسيارة لم تكن ملزمة‬
‫بمناقشة الدعوى على أساس الفصل ‪ 85‬من نفس القانون طالما أن الطاعنة لم تتقدم‬
‫بمقال مضاد في ھذا الصدد في مواجھة ولي الضحية مما كان معه قرارھا معلال‬
‫ومؤسسا ولم يخرق أي مقتضى قانوني وما بالوسيلة غير جدير باالعتبار"‪ ،96‬وجاء في‬
‫قرار آخر لمحكمة النقض ما يلي ‪ ":‬ما يصدر عن المجنون والقاصر في سن الطفولة ال‬
‫يمكن اعتباره خطأ بمعنى المادتين ‪ 78‬و‪ 88‬من قانون االلتزامات والعقود لكونھما في‬
‫حالة ال يصح معھا التكليف‪ .‬وعليه فإن حارس الشيء ال يمكنه دفع المسؤولية عنه‬
‫بالنسبة للضرر الحاصل لھما إال إذا أثبت أن الضرر ناشئ عن أمر مفاجئ أو قوة‬
‫قاھرة"‪ .97‬وورد في قرار آخر لمحكمة النقض أن ‪ " :‬مناط مسؤولية الضحية ھو‬
‫الخطأ ومادام الضحية طفال غير مميز ال يتصور صدور أي خطأ منه‪ ،‬وعلى فرض‬

‫‪ - 95‬قرار عدد ‪ 3382‬صادر بتاريخ ‪ 16‬غشت ‪ 2011‬في الملف المدني عدد ‪ ،2011/5/1/579‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ - 96‬القرار عدد ‪ 3183‬صادر بتاريخ ‪ 20‬شتنبر ‪ 2001‬في الملف المدني عدد ‪ ،2001/5/1/1339‬مجلة قضاء‬
‫المجلس األعلى العدد المزدوج ‪ ،60-59‬ص‪ 99 :‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ - 97‬القرار المدني عدد ‪ 375‬الصادر بتاريخ ‪ ،1966/06/15‬محمد أو غريس‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪ 12 :‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫قيام الضحية بأعمال ساھمت في وقوع االصطدام فإنھا ال توصف بكونھا خطأ بالمعنى‬
‫القانوني يقتضي تحميله مسؤولية الحادثة"‪.98‬‬

‫ثانيا‪ :‬أثر خطأ المضرور على مسؤولية حارس الشيء‪.‬‬

‫ال بد ونحن نتحدث عن أثر خطأ المضرور على مسؤولية حارس الشيء‪ ،‬أن‬
‫نستعرض التطور الذي عرفه القضاء الفرنسي بخصوص ھذه المسألة‪ .‬فقد كان القضاء‬
‫الفرنسي في البداية يرتب على خطأ المضرور إعفاء كليا من المسؤولية‪ ،‬وفي ھذا‬
‫الصدد صدر قرار عن محكمة النقض الفرنسية بصفتھا جھة نقض آنذاك بالنسبة للقضاء‬
‫المغربي إبان فترة الحماية الفرنسية‪ ،‬جاء فيه بأنه‪" :‬يكفي أن يالحظ القاضي أن حادثة‬
‫السير التي يطالب المضرور بالتعويض عنھا باالستناد إلى الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬كان‬
‫سببھا تھور ھذا المضرور‪ ،‬لكي يعفى الحارس من كامل المسؤولية"‪.99‬‬
‫ويالحظ أن ھذا القرار صدر قبل سنة ‪ 1936‬وبالتالي تأثر بالقاعدة العامة التي‬
‫كانت تسود أحكام القضاء الفرنسي قبل ھذا التاريخ‪ ،‬وھي إعفاء الحارس بمجرد إثبات‬
‫خطأ المضرور‪ .100‬وھذا األخير‪ -‬أي القضاء الفرنسي‪ -‬كان متأثرا بدوره بالقاعدة‬
‫الرومانية القديمة ‪:‬‬
‫» ‪،« Quad si quis ex culpa sans damnum sentit non intellegitur damnum‬‬
‫والتي بمقتضاھا يحرم المضرور من كل تعويض إذا ثبت ارتكابه لخطأ ما سواء كان‬
‫خطأه ھذا ھو السبب الوحيد للضرر أو اشترك مع خطأ المدعى عليھا‪.‬‬
‫وحرمان المضرور من التعويض في ھاته الحالة يأخذ حكم جزاء على خطأ‬
‫المضرور‪.101‬‬

‫‪ - 98‬القرار رقم ‪ 17‬الصادر بتاريخ ‪ 12‬يناير ‪ 1988‬في الملف المدني رقم ‪ ،35211‬منشور بمجموعة قرارات‬
‫المجلس األعلى في المادة المدنية ‪ ،1982 - 1966‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 502‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ - 99‬قرار صادر بتاريخ ‪ 3‬أبريل ‪ ،1933‬أورده دراريس محمد‪" ،‬وسائل دفع مسؤولية حارس الشيء غير الحي في‬
‫القانون المغربي والجزائري وتطبيقاتھا القضائية"‪ ،‬أطروحة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد األول وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2000-1999‬ص ‪.37‬‬
‫‪ - 100‬إبراھيم الدسوقي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.165 :‬‬
‫‪ - 101‬نفس الرجع‪ ،‬ص ‪.163‬‬
‫‪42‬‬
‫ إذ سرعان ما‬-‫بيد أن القضاء الفرنسي لم يبقى على موقفه ھذا – وحسنا فعل‬
‫ وھذا ما يتضح من خالل قرار صادر عن محكمة النقض‬،‫بدأ يتراجع عنه تدريجيا‬
‫ "مقتضيات الفقرة األولى من الفصل‬:‫ والذي ذھبت فيه إلى أن‬1938 ‫الفرنسية بتاريخ‬
‫ ال تمنع من تشطير المسؤولية بين الضحية الذي ساھم في إحداث‬،‫ف‬.‫م‬.‫ من ق‬1348
‫ وفي قرار‬.102"‫الضرر والحارس للشيء الذي يصبح مسؤوال مسؤولية مفترضة جزئية‬
‫ ذھبت فيه إلى ضرورة أن‬1982 ‫الحق صدر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ‬
،‫ واستحالة الدفع‬،‫ من عدم إمكان التوقع‬،‫يتصف خطأ المضرور بخصائص القوة القاھرة‬
‫وإال تحمل الحارس تعويض المسؤولية عن الضرر بشكل كامل حتى مع وجود خطأ‬
‫ ويالحظ بأن ھذا القرار األخير يتشدد في مساءلة الحارس ويرفض فكرة‬.103‫المضرور‬
‫تشطير التعويض بين المضرور والحارس وينھج على حد تعبير بعض الفقه الفرنسي‬
‫ فالمضرور إما أن يحصل على كامل التعويض أو ال‬،104"‫سياسة "الكل أو ال شيء‬
.‫يحصل على أي شيء‬
6 ‫وقد عدلت محكمة النقض عن موقفھا السابق بمقتضى قرار صدر عنھا بتاريخ‬
‫ عندما أقرت بإمكانية إعفاء الحارس جزئيا من المسؤولية إن ھو أثبت‬،1987 ‫أبريل‬
‫ مما يعني عودة‬.105 ‫ دون أن يتطلب فيه توافر شروط القوة القاھرة‬،‫خطأ المضرور‬
‫ اآلنف‬1938 ‫محكمة النقض من جديد للرأي الذي تبنته في قرارھا الصادر بتاريخ‬
.‫الذكر‬

102
-« les dispositions de l’article 1384, alinéa 1er du code civil ne font pas obstacle à ce que la
responsabilité d’un dommage puisse être partageé entre la victime, dont la faute a concourue à
l’occasionner, et le gardien de la chose qui en demeure présumé responsable pour partie ».
- civ, 8 février 1938, (DH 1938.194.S.1938.1.36. Gaz. Pal. 1938 1.558), cité par Henri capitant et autres,
p428 et suiv.
103
-« seul un événement constituant un cas de force majeur exonère le gardien de la chose, instrument du
dommage, de la responsabilité par lui encourue par l’application de l’article 1384, alinéa 1er, du code civile,
dés lors, le comportement de la victime s’il n’a pas été pour le gardien imprévisible et irrésistible, ne peut
l’on exonérer, même partiellement. ».
- deuxième chambre civile, 21 juillet 1982, (JCP 1982.II. 19861, note Chabas). Cité par Henris Capitant et
autres, Op.cit, p 430 et suiv.
104
- Henri Capitant et autres, Op.cit, p 434.
105
- « le gardien de la chose instrument du dommage est partiellement exonéré de sa responsabilité s’il
prouve que la faute a contribué au dommage. ».
- Deuxième chambre civile, 6 avril 1987, (JCP .1987. II. 20228, note Chabas), cité par Henri Capitant et
autres, Op.cit, p 431 suiv.
43
‫ويمكن تفسير قرارات محكمة النقض المشار إليھا أعاله‪ ،‬بالصعوبة التي وجدتھا‬
‫في تشطير المسؤولية بحيث لم تكن تقبل أو تتصور مسألة تشطير المسؤولية بين‬
‫الحارس والمتضرر ‪ ،‬أي تشطير المسؤولية بين خطإ مفترض وخطأ ثابت‪ .‬لذلك‬
‫استعانت بما توافر لھا من وسائل قانونية مستمدة من القواعد العامة للمسؤولية‬
‫التقصيرية القائمة على خطأ واجب اإلثبات باعتبارھا األقرب في طبيعتھا للجواب على‬
‫ھذا اإلشكال القانوني المطروح‪ ،‬ولم تجد بدا من فكرة االستغراق التي يتم إعمالھا في‬
‫حالة اشتراك خطأ المتسبب وخطأ المتضرر في إحداث الضرر‪ ،‬والتي تفضي إلى‬
‫اعتبار أنه في حالة كون خطأ أحدھما أكثر جسامة من خطأ اآلخر فإن ذلك يجعله‬
‫مستغرقا له وبالتالي يتم تحميل المسؤولية كاملة لمن استغرق خطأه خطأ اآلخر ‪.106‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك فقد وضعت محكمة النقض الفرنسية في قرارھا السالف الذكر كمعيار‬
‫لتحقق ھذا االستغراق أن يستجمع خطأ المتضرر شروط القوة القاھرة للقول بأن خطأ‬
‫المضرور ھو السبب الرئيسي للضرر‪ .‬ففي القرار الذي نھجت فيه محكمة النقض منطق‬
‫"الكل أو الشيء" فقد اعتبرت فيه أن توافر عناصر القوة القاھرة في خطأ المضرور‬
‫شروط ال بد منھا للقول باستغراقه لخطأ الحارس للتأكد من أن الحارس استنفد كل ما‬
‫لديه في تعامله مع السبب الخارجي الذي ھو خطأ المضرور‪ ،‬أما في حالة عدم توافر‬
‫ھذه الشروط فيتحمل الحارس كامل المسؤولية نظرا لصعوبة تحديد نسبة مساھمة كل‬
‫من خطأ المضرور وخطأ الحارس في إحداث الضرر‪ .‬وبالتالي فقرينة المسؤولية‬
‫المقررة بمقتضى الفصل ‪ 1/1384‬من ق‪.‬م‪.‬ف المقابلة للفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع ال تقبل‬
‫الھدم الجزئي‪.‬‬
‫أما في القرار الذي ذھبت فيه محكمة النقض الفرنسية إلى تشطير المسؤولية بين‬
‫المضرور والحارس فقد ارتأت أن تقدر بما لھا من سلطة تقديرية نسبة مساھمة كل من‬

‫‪ - 106‬راجع في أثر خطأ المضرور على المسؤولية المبنية على خطأ واجب اإلثبات أو مفترض‪ .‬عبد الرزاق أحمد‬
‫السنھوري ‪،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 881‬وما يليھا‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫خطأ الحارس المفترض وخطأ المتضرر الثابت في إحداث الضرر‪ .‬بمجرد إثبات خطأ‬
‫المتضرر وإن لم يثبت شرطي عدم التوقع والدفع‪.107‬‬
‫و نحن نرى بأن موقف محكمة النقض األخير كان موفقا‪ ،‬ألنه عمل على تحقيق‬
‫الموازنة بين مصالح المضرور والحارس وجلب مفھوما قانونيا جديدا لمجال المسؤولية‬
‫المدنية أال وھو تشطير المسؤولية‪ .‬كما أنه يتوافق و ال يتناقض مع موقف محكمة النقض‬
‫الفرنسية األول حينما اعتبر أن خطأ المتضرر الذي استجمع شروط القوة القاھرة يأخذ‬
‫حكم السبب األجنبي ويؤدي إلى اإلعفاء الكلي من المسؤولية كما فصلنا ذلك في المحور‬
‫السابق‪.‬‬
‫وقد صدرت عن محكمة النقض المغربية عدة قرارات تؤيد ھذا االتجاه األخير‬
‫الذي نؤيده‪ ،‬وھكذا جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي‪ ":‬لكن حيث إن محكمة‬
‫االستئناف مصدرة القرار المطعون فيه التي أيدت الحكم االبتدائي تتبنى تعليل ذلك الحكم‬
‫فيما لم تأت بشأنه بتعليالتھا الخاصة وفيما ال يتعارض مع تعليلھا وقد أثبتت المحكمة‬
‫االبتدائية في حيثيات حكمھا أن سائق السيارة كان يسير بسرعة معتدلة ملتزما أقصى‬
‫اليمين وفعل ما كان ضروريا لتفادي وقوع االصطدام وحاول التوقف قبل وقوع‬
‫الحادثة‪ ،‬إال أن السرعة المفرطة التي كان يسير بھا الضحية وفي اتجاه ممنوع وعلى‬
‫يسار الطريق جعلته يفقد التحكم في مقود دراجته ويرتطم بالسيارة‪ ،‬ورتبت على ذلك‬
‫عدم تحميل السائق أي جزء من المسؤولية‪ .‬تكون قد طبقت مقتضيات الفصل ‪ 88‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع المحتج بھا تطبيقا سليما وعللت قرارھا تعليال صحيحا وما بالوسيلة على غير‬
‫أساس"‪ .108‬وقد أكدت محكمة النقض نفس الموقف في قرار آخر‪ ،‬والذي قضت فيه‬
‫بأن‪ ":‬المحكمة لما أعفت الحارس القانوني من المسؤولية حين تبين لھا أن الضحية‬
‫خرق عالمة قف وأن حارس السيارة تالفى الحادثة بانحيازه يسارا أو استعماله الفرامل‬

‫‪107‬‬
‫‪- Deuxième chambre civile, Arrêt n° 301 du 24 février 2005.‬‬
‫‪ -‬الموقع االلكتروني لمحكمة النقض الفرنسية ‪ ، www.courdecassation.fr :‬تاريخ الولوج‪.2016/07/26:‬‬
‫‪- 108‬القرار عدد ‪ 1358‬صادر بتاريخ ‪ 9‬أبريل ‪ 2008‬في الملف المدني عدد ‪ ،2007/5/1/1218‬مجلة قضاء‬
‫المجلس األعلى‪ ،‬العدد ‪ ،70‬ص‪ 103 :‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫وأعفته لكون خطأ المضرور كان مستغرقا تكون قد اعتمدت الشرطين المنصوص‬
‫عليھما في الفصل ‪ 88‬من قانون االلتزامات والعقود"‪.109‬‬
‫كما صدر عن المحكمة االبتدائية لوجدة عدة أحكام تصب في نفس توجه محكمة‬
‫النقض ونذكر من ضمن ھذه األحكام على سبيل المثال ال الحصر حكما جاء فيه‪ ":‬حيث‬
‫إن المحكمة برجوعھا لوثائق الملف وخاصة محضر الضابطة القضائية عدد ‪4010‬‬
‫بتاريخ ‪ 2012/11/15‬المنجز من طرف شرطة وجدة والرسم البياني المرفق به وكذا‬
‫تصريحات المصرحين به تبين لھا أن السبب في وقوع الحادثة ھو عدم ضبط السرعة‬
‫وعدم القيام بالمناورات الالزمة لتفادي الحادث للمدعى عليه األول‪ ،‬وكذا عدم انتباه‬
‫المدعية عند قطع الطريق‪ ،‬مما ارتأت المحكمة بعد مقارنة األخطاء المرتكبة تحميل‬
‫المدعى عليه األول ثلثي مسؤولية الحادثة وجعل الثلث الباقي على عاتق المدعية"‪.110‬‬

‫ثالثا‪ :‬كيفية توزيع المسؤولية بين المضرور والحارس‪.‬‬

‫خلصنا في المحور السابق إلى إمكانية تجزيء المسؤولية عندما يشترك كل من‬
‫الحارس والمضرور في حدوث الضرر‪ .‬وبھذا الخصوص يثار التساؤل حول الكيفية‬
‫التي ينبغي أن يتم بھا توزيع المسؤولية بينھما ؟‪.‬‬
‫إجابة عن ھذا التساؤل‪ ،‬برز رأيان‪:‬‬
‫رأي أول يركز على وصف الخطأ مظھرا ودرجة ليقيس على قدره أمر‬ ‫‪-‬‬
‫التوزيع في التبعة والتخفيض من التعويض‪ .‬فكلما كان خطأ المتضرر أجسم وأشد‪ ،‬كان‬
‫الحق في التعويض على المدعي أقل وكان العبء على المدعى عليه أخف‪ .‬فيكون‬

‫‪ - 109‬القرار عدد ‪ 3857‬صادر بتاريخ ‪ 12‬نونبر ‪ 2008‬في الملف المدني عدد ‪ ،2007/5/1/3073‬مجلة قضاء‬
‫المجلس األعلى‪ ،‬العدد ‪ ،70‬ص‪ 106 :‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ - 110‬حكم رقم ‪ 1614‬بتاريخ ‪ 2016/07/28‬في الملف رقم ‪ ،15/801‬غير منشور‪.‬‬
‫و في نفس المعنى صدر عن المحكمة االبتدائية بوجدة األحكام التالية‪:‬‬
‫‪ -‬حكم رقم ‪ 837‬بتاريخ ‪ 2016/04/14‬في الملف عدد ‪ ،15/522‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ -‬حكم رقم ‪ 1095‬بتاريخ ‪ 2016/05/19‬في الملف عدد ‪ ،15/610‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ -‬حكم رقم ‪ 1195‬بتاريخ ‪ 2016/06/02‬في الملف عدد ‪ ،15/116‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ -‬حكم رقم ‪ 1516‬بتاريخ ‪ 2016/07/14‬في الملف عدد ‪ ،15/1199‬غير منشور‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫وصف الخطأ ھو الذي يحكم تقدير التعويض من غير حساب الزم لمدى مساھمته واقعا‬
‫في إحداث الضرر‪.111‬‬
‫في حين ينطلق رأي آخر من الضرر الذي عرف ومن الظروف التي‬ ‫‪-‬‬
‫حصل فيھا للتحقق من العوامل المؤثرة في حصوله‪ .‬فيكون تقدير خطأ المتضرر بالنظر‬
‫إلى تأثيره السببي في إحداث الضرر وفي ھذه الحالة يكون على القاضي أن يتثبت من‬
‫مدى مساھمة الخطأ في الحادث فيعتد بمعدل ھذه المساھمة في تقدير التعويض‪.112‬‬
‫وبين ھاذين االتجاھين ال يحتاج المرء إلى كثير من التفكير حتى يقرر بأن‬
‫االتجاه الثاني ھو األجدر باإلتباع‪ .‬ألنه يحاول الوقوف على حقيقة سبب الضرر وحقيقة‬
‫مساھمته في إحداثه‪ ،‬بدل أن يستنتجھا من جسامة الخطأ استنتاجا آليا قد يصيب وقد‬
‫يخطأ‪ .‬فھذا االتجاه الثاني يحاول أن يتجنب ھامش " خطأ االستنتاج " الذي يمكن أن يقع‬
‫فيه أصحاب الرأي األول‪.‬‬
‫وبالرغم من موقفنا ھذا‪ ،‬فإننا نرى أن بين الرأيين أعاله خيطا رفيعا جدا‪ .‬ذلك أنه‬
‫غالبا ما ترتبط جسامة خطأ المضرور بمدى مساھمته في إحداث الضرر‪ .‬ومع ذلك يبقى‬
‫الرأي الثاني أجدر بالتأييد نظرا لما ذكرناه بصدده‪.‬‬
‫و نحن نرى بأن المشرع المغربي قد اعتنق بدوره الرأي الثاني في الفقرة األولى‬
‫من الفصل ‪ 98‬من ق‪.‬ل‪.‬ع والتي جاء فيھا‪" :‬الضرر في الجرائم وأشباه الجرائم ھو‬
‫الخسارة التي لحقت المدعي فعال‪ ،‬والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر‬
‫إلنفاقھا إلصالح نتائج الفعل الذي ارتكب إضرارا به‪ ،‬وكذلك ما حرم منه من نفع في‬
‫دائرة الحدود العادية لنتائج ھذا الفعل"‪ .‬وإن كان ال يخفى تأثره بالرأي األول عندما نص‬
‫في الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 98‬من ق‪.‬ل‪.‬ع على أنه "ويجب على المحكمة أن تقدر‬
‫األضرار بكيفية مختلفة حسبما تكون ناتجة عن خطأ المدين أو تدليسه"‪.‬‬
‫وغني عن البيان أنه في حالة وفاة المضرور فإن حقه في التعويض عن الضرر‬
‫المادي والمعنوي ينتقل لورثته‪ .‬والقضاء المغربي مستقر بھذا الخصوص على أن خطأ‬

‫‪ -111‬عاطف النقيب‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.339 :‬‬


‫‪ -112‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.340 :‬‬
‫‪47‬‬
‫المضرور يسري على الخلف‪ ،‬وبالتالي فإن الدعوى التي يرفعھا ھذا األخير للمطالبة‬
‫بالتعويض عن الضرر الشخصي الذي لحقه من جراء وفاة سلفه تؤدي إلى منحه‬
‫تعويضا مخفضا بسبب خطإ سلفه المضرور‪ .113‬ويطبق ھذا الحكم باألولوية إذا كان‬
‫الضرر المطالب بالتعويض عنه من طرف الورثة قد أصاب المورث شخصيا باعتباره‬
‫يدخل في تركته سواء كان ھذا الضرر ماديا أو معنويا إذ يحق للورثة المطالبة بھذا‬
‫التعويض‪ .‬وھذا ما أكده حكم صادر عن ابتدائية وجدة جاء فيه‪ ":‬لكن حيث أن الجھة‬
‫المدعية باعتبارھا ورثة للمرحوم‪ ،‬تحل محله في جميع حقوقه والتزاماته‪ .‬وبما أن‬
‫الھالك وقت حياته لم تسعفه الظروف في رفع دعوى المطالبة بالتعويض لسبب من‬
‫األسباب وبما أن ھذا الحق لم يطله التقادم‪ ،‬فلورثته الحق في المطالبة به طالما أنه يعتبر‬
‫تركة بمفھوم المادة ‪ 321‬من مدونة األسرة التي تنص على أن التركة تتكون من مجموع‬
‫ما تركه الميت من مال أو حقوق مالية وأن الحق في المطالبة بالتعويض الذي كان‬
‫سيستفيد منه المالك ھو من بين ھذه الحقوق المالية مما يجعل الدفع غير مؤسس ويتعين‬
‫رده"‪.114‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬خطأ الغير‪.‬‬

‫لم يرد في الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع المغربي النص على خطأ الغير كسبب لإلعفاء‬
‫من المسؤولية المدنية لحارس الشيء‪ ،‬غير أن الفقه‪ 115‬و القضاء ‪ -‬كما سوف يأتي معنا‪-‬‬
‫دأبا على األخذ به و اعتباره سببا يمكن أن يعفي الحارس إن كليا أو جزئيا من المسؤولية‬
‫المدنية‪.‬‬
‫ويقصد بالغير‪ 116‬ھو كل شخص غير الحارس وغير المضرور‪.‬‬

‫‪ - 113‬محمد األمراني زنطار " تشطير التعويض بين المسؤولية الخطئية والمسؤولية المفترضة‪ :‬مواقف القضاء‬
‫وردود الفقه ‪-‬دراسة مقارنة‪ ، "-‬المطبعة الوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،1999 ،‬الطبعة األولى‪ ،‬ص‪.343 :‬‬
‫‪ - 114‬حكم عدد ‪ 275‬بتاريخ ‪ 09/01/27‬في الملف عدد ‪ ،07/865‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ - 115‬راجع األحالة رقم ‪ 68‬لالطالع على الفقه الذي يأخذ بخطأ الغير كسبب معف من المسؤولية المدنية عموما‬
‫بما في ذلك مسؤولية حارس الشيء‪.‬‬
‫‪ - 116‬لقد ورد استعمال مصطلح الغير في العديد من القوانين المغربية كقانون االلتزامات والعقود عندما تحدث‬
‫المشرع عن االشتراط لمصلحة الغير‪ ،‬والغير عن العقد‪ ،‬وكذا في قانون المسطرة المدنية عندما تحدث عن تعرض‬
‫الغير الخارج عن الخصومة‪ ،‬وكذا في ظھير التحفيظ العقاري الذي تمم وعدل بمقتضى القانون ‪ ،07.14‬عند حديثه‬
‫‪48‬‬
‫وال يعتبر من الغير من يسأل عنه الحارس قانونا أو اتفاقا ‪ .‬من قبيل مسؤولية التابع عن‬
‫المتبوع حيث يسأل المتبوع عن التابع قانونا‪ .‬ومن قبيل مسؤولية مستشفى األمراض‬
‫النفسية عن المرضى الذين يتولى رعايتھم واالعتناء بھم بمقتضى عقد رعاية حيث‬
‫يسأل المستشفى عنھم في ھذه الحالة اتفاقا ‪.117‬‬
‫ويشترط في الغير حتى ينھض سببا يمكن للحارس دفع المسؤولية عنه باالعتماد‬
‫عليه‪ ،‬أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط ) أوال(‪ ،‬وفي حالة تحقق ھذه الشروط يكون‬
‫له أثر معفي من المسؤولية إما كليا أو جزئيا ) ثانيا(‬

‫أوال‪ :‬الشروط الواجب توافرھا في خطأ الغير إلعفاء حارس الشيء من‬
‫المسؤولية‬

‫يشترط في فعل الغير حتى يعتبر سببا معفيا من المسؤولية إن كليا أو جزئيا أن‬
‫يكون خاطئا )أ(‪ ،‬كما يشترط في ذلك الغير أن يكون معينا )ب(‪.‬‬
‫أ( اتصاف فعل الغير بالخطأ‬
‫يشترط أغلب الفقه في فعل الغير أن يكون خاطئا حتى ينھض سببا لإلعفاء من‬
‫المسؤولية‪ .118‬وفي مقابل ھذا الرأي نجد رأيا آخر يذھب إلى أن العبرة بمدى إمكانية‬
‫اعتبار سبب ما أجنبيا أم ال ھو بمدى تدخله في إحداث الضرر أم ال‪ ،‬أو بعبارة أخرى‬
‫بمدى دفعه بالشيء إلى إحداث الضرر من عدمه‪،‬ال بكونه خاطئا أم ال‪ .119‬وفي نفس‬
‫االتجاه يذھب األستاذ عاطف النقيب إال أنه "ليس من الالزم أن يتصف فعل الغير‬

‫عن الغير حسن النية‪ .‬ويختلف المعنى الذي أراد المشرع إعطاءه للغير في كل حالة من الحاالت السابقة‪ .‬ويترتب‬
‫على تحديد ھذا المعنى آثار ھامة على حقوق األفراد‪ ،‬لذلك كان وال يزال تحديد مفھوم الغير من المواضيع القانونية‬
‫الھامة والحساسة‪.‬‬
‫‪ - 117‬الفصل ‪ 85‬من ق‪.‬ل‪.‬ع المغربي كما غير وتمم بمقتضى الظھير الشريف بتاريخ ‪.1973/07/19‬‬
‫‪ -118‬أحمد حشمت أبو ستيت "نظرية االلتزام في القانون المدني الجديد"‪ ،‬الكتاب األول‪ :‬مصادر االلتزام‪ ،‬مطبعة دار‬
‫الفكر العربي‪ ،1954 ،‬ص‪.451:‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق أحمد السنھوري‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.1017:‬‬
‫‪ -‬سليمان مرقس "الوافي في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء الثاني‪ :‬في االلتزامات‪ ،:‬المجلد الثاني‪ :‬الفعل الضار‪،‬‬
‫القسم األول‪ :‬في األحكام العامة‪ ،‬بدون ذكر اسم المطبعة‪ ،1988 ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬ص‪.116 :‬‬
‫‪ -‬محمد لبيب شنب‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.251:‬‬
‫‪ -119‬عبد الواحد العلمي‪" ،‬األساس القانوني عن فعل األشياء غير الحية ووسيلة دفعھا في القانون المغربي "‪ ،‬م‪.‬س‪،‬‬
‫ص‪.294 :‬‬
‫‪49‬‬
‫بالخطأ ليكون معفيا من التبعة كلھا‪ ،‬طالما أنه قد تكاملت فيه خصائص القوة القاھرة‪ ،‬إذ‬
‫يكون له أثرھا بحكم ما تكامل فيه من خصائصھا"‪.120‬‬
‫والرأي فيما أعتقد أن فعل الغير ينبغي أن يكون خاطئا‪ ،‬ألن ق‪.‬ل‪.‬ع ال يعترف‬
‫بالمسؤولية عن الفعل الشخصي إال إذا كان خاطئا سواء كان ھذ الخطأ ثابتا أو مفترضا‪.‬‬
‫والشذوذ عن ھذه القاعدة يحتاج إلى نص صريح في القانون والحال أن ھذا النص‬
‫معدوم‪ .‬كما أنه إذا قلنا بأن فعل الغير غير الخاطئ يكفي لدفع المسؤولية‪ ،‬وكان ھذا‬
‫الغير معينا‪ ،‬فعلى أي أساس سوف يقاضي المتضرر ھذا الغير ما دام لم يصدر من قبله‬
‫أي خطأ ؟‪ .‬لذلك فنحن من أنصار اشتراط الخطأ في فعل الغير ضمانا لحصول‬
‫المضرور على التعويض‪ .‬وقد جاء في قرار لمحكمة النقض ما يدل على أن محكمة‬
‫النقض تتطلب في فعل الغير الذي يرتكز عليه حارس الشيء لدفع المسؤولية عنه أن‬
‫يكون خاطئا حيث ذھب إلى أن‪" :‬خطأ الغير) صاحب الدراجة الذي انحاز لليسار بكيفية‬
‫غير متوقعة( ال يمكن أن يعفي من المسؤولية إال إذا كون ھذا الخطأ القوة القاھرة أو‬
‫حدثا فجائيا "‪.121‬‬
‫ب( تعيين الغير‬
‫لقد وقع اختالف كبير في الفقه حول ھذا الشرط‪ ،‬فالفقيه سليمان مرقس يشترط أن‬
‫يكون الغير شخصا معروفا ومعينا‪ ،‬ويبرر ذلك بأنه بغير تعيين الغير ال يمكن التأكد بأن‬
‫خطأ الغير في ذاته يشكل سببا أجنبيا إذ يتعذر الجزم بأن ذلك الغير أجنبي عن المدعى‬
‫عليه وليس ممن يلزمه ضمانھم‪ .122‬في حين يذھب غالبية الفقه‪ 123‬عكس ذلك إذ ال‬
‫يفرقون بين خطأ الغير المعين وخطئه غير المعين ألن وصف الخطأ قد يتحقق في فعل‬

‫‪ -120‬عاطف النقيب‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.361 :‬‬


‫‪ - 121‬القرار المدني عدد ‪ 147‬الصادر في ‪ 7‬محرم ‪ 26 – 1389‬مارس ‪ ،1969‬مجموع‪v‬ة ق‪v‬رارات المجل‪v‬س األعل‪v‬ى‬
‫في المادة المدنية ‪ ،1982-1966‬منشورات جمعية البحوث والدراسات القضائية‪ ،‬ص ‪ 611‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ -122‬سليمان مرقس "نظرية دفع المسؤولية المدنية"‪ ،‬رسالة دكتوراه من جامعة القاھرة )النسخة العربية( ‪ ،‬م‪.‬س‪،‬‬
‫ص‪.444 :‬‬
‫‪ -123‬عبد الرزاق أحمد السنھوري‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‪.898 :‬‬
‫‪ -‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.298 :‬‬
‫‪50‬‬
‫الغير ولو لم يتم التعرف عليه وتعيينه‪ .‬وظروف الحادث ھي التي تساعد على إثبات‬
‫ذلك‪.124‬‬
‫ونحن نرى بأنه ال بد من تعيين الغير‪ ،‬فاالحتمال الذي أقامه األستاذ سليمان‬
‫مرقس‪ ،‬البد من أن يفسر لمصلحة المضرور ألنه أولى بالرعاية والحماية‪ .‬كما أن‬
‫حارس الشيء غالبا ما يكون مؤمنا على أضرار الشيء الذي في حراسته أو موسرا مما‬
‫يسھل على المضرور مھمة الحصول على التعويض دون إرھاق كبير لكاھل الحارس‪.‬‬
‫وقد انتصرت محكمة النقض المغربية للرأي الذي ندعوا إليه عندما ذھبت إلى أنه ‪":‬‬
‫تكون المحكمة قد خرقت الفصل ‪ 88‬من ظھير العقود وااللتزامات عندما رفضت دعوى‬
‫الضحية لعلة أن الحادث الواقع في المصعد ) يرجع إلى حدث فجائي تسبب فيه شخص‬
‫لم يتعرف على ھويته( في حين أن ھذا االعتبار مجرد افتراض لم يثبت وعلى كل ال‬
‫ينتج بكيفية قاطعة من علل الحكم وأنه ال يكون القوة القاھرة"‪. 125‬‬

‫ثانيا‪ :‬تأثير خطأ الغير على المسؤولية المدنية لحارس الشيء‬

‫و فيما يتعلق بتأثير خطأ الغير على المسؤولية المدنية للحارس فإنه ينطبق عليه‬
‫ما قلناه عندما كنا بصدد الحديث عن تأثير خطأ المتضرر على مسؤولية حارس الشيء‪،‬‬
‫إذ إنه يجب التمييز بين أمرين‪ :‬فإذا أثبت الحارس أن خطأ الغير استجمع خصائص القوة‬
‫القاھرة ففي ھذه الحالة يأخذ حكمھا ويعفى الحارس بالكامل من المسؤولية‪ ،‬أما إذا أثبت‬
‫الحارس فقط خطأ الغير ومساھمته في الضرر فھنا المحكمة تعفي الحارس من‬
‫المسؤولية وفقا لسلطتھا التقديرية وتبعا لمساھمة خطأ الغير في الضرر‪ .‬وھذا ما أكدته‬
‫محكمة النقض المغربية في قرار لھا جاء فيه‪ ":‬إن مسؤولية السائق تكون محل تقدير‬
‫من طرف المحكمة في الحالة التي يرجع فيھا الضرر لخطأ الضحية أو مشاركة الغير‬
‫فيه"‪.126‬‬

‫‪ - 124‬محمد لبيب شنب‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪ 252 :‬وما بعدھا‪.‬‬


‫‪ - 125‬القرار المدني عدد ‪ 197‬الصادر في ‪ 8‬صفر ‪ 15 – 1390‬أبريل ‪ ،1970‬مجموعة قرارات المجلس األعلى‬
‫في المادة المدنية ‪ ،1982-1966‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪ 643‬وما بعدھا‪.‬‬
‫‪ - 126‬القرار عدد ‪ 290‬بتاريخ ‪ 1975/5/20‬في الملف المدني عدد ‪ ،38208‬محمد أوغريس‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.25 :‬‬
‫‪51‬‬
‫}^‪< <Ví{{{{³‬‬

‫يمكن الخروج من خالل ھذا البحث‪ ،‬بمجموعة من االستنتاجات نشير إليھا فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬قرينة المسؤولية المفترضة بمقتضى الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع حسب القضاء‬
‫المغربي ال تنتفي إال بإثبات القوة القاھرة أو الحادث الفجائي أو خطأ المتضرر‬
‫أو خطأ الغير‪ ،‬فضال عن إثبات فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر‪ .‬وھذا التوجه‬
‫ال ينسجم مع المنطق القانوني السليم وحبذا لو اكتفى المشرع بالتنصيص على‬
‫دفع مسؤولية حارس الشيء كليا بإثبات السبب األجنبي‪.‬‬
‫‪ -‬الحادث الفجائي والقوة القاھرة تعبيران يدالن على نفس المعنى‪.‬‬
‫‪ -‬شروط القوة القاھرة أو الحادث الفجائي ھي شرط عدم إمكان التوقع ‪ ،‬وشرط‬
‫عدم إمكان الدفع‪ ،‬وشرط الخارجية‪.‬‬
‫‪ -‬يجب اعتماد المعيار الموضوعي ) أو المجرد( المطلق الذي يقاس بأشد الناس‬
‫يقظة وحرصا لتقدير شرطي عدم التوقع وعدم إمكان الدفع لكونه ھو األفضل‬
‫وينسجم مع الفلسفة التي قامت عليھا مسؤولية حارس الشيء في بادئ أمرھا‪،‬‬
‫وھي ضمان حصول المتضرر على التعويض والتقليل من حاالت إفالت‬
‫الحارس من المسؤولية والنحو شيئا فشيئا حول جعلھا مسؤولية موضوعية تقوم‬
‫على إثبات الضرر وعالقة السسبية فقط‪ ،‬خاصة أمام انتشار التأمين‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان الفصل ‪ 269‬من ق ل ع يسعفنا في اعتماد المعيار الموضوعي المطلق‬
‫لشرط عدم التوقع واستحالة دفع نتائج السبب األجنبي الضارة‪ ،‬فإن األمر على‬
‫خالفه بالنسبة إلثبات شرط عدم إمكان دفع السبب األجنبي في ذاته الذي يقدر‬
‫بمعيار شخصي حسب القراءة الحرفية لنص الفصل ‪ 269‬من ق ل ع‪ .‬وأي توجه‬
‫نحو اعتماد المعيار الموضوعي المطلق بخصوص ھذا الشرط األخير سيكون‬
‫في إطار الدور اإليجابي الذي ينبغي أن يتخذه القاضي بشأن التعامل مع ما‬
‫استجد في الواقع من ظھور المكننة والتأمين واستفادة شريحة معينة من عائدات‬
‫المكننة خاصة في مجال عالقات الشغل‪ ،‬والذي يفرض على القاضي التدخل‬
‫‪52‬‬
‫إلصالح النص القانوني أحيانا‪ ،‬بل والذھاب بعيدا في تفسيره‪ .‬ورغم ھذا النقاش‬
‫القانوني الذي ال يخلوا من أھمية‪ ،‬فإننا نرى أن اشتراط المعيار الموضوعي‬
‫المطلق لتقدير شرطي عدم التوقع ودفع النتائج الضارة للسبب األجنبي قد يكونان‬
‫كافيين عمال لتالفي إفالت عدد كبير من حارسي الشيء من المسؤولية المدنية‪.‬‬
‫‪ -‬إن شرط الخارجية يقتضي أال يكون السبب المحدث للضرر أو الذي ساھم في‬
‫نشوئه أو تفاقمه راجعا إما كليا أو جزئيا لخطأ الحارس المفترض أو لفعله‪ ،‬وأال‬
‫يكون راجعا لذاتية الحارس كفقدان الملكات العقلية‪ ،‬أو لذاتية الشيء كعيب فيه‪،‬‬
‫أو تسبب فيه أشخاص ممن يسؤل عنھم الحارس قانونا أو اتفاقا‪.‬‬
‫‪ -‬خطأ المتضرر الذي استجمع شروط القوة القاھرة يأخذ حكمھا ويؤدي إلى‬
‫اإلعفاء الكلي للحارس من المسؤولية المدنية‪ .‬وفي حالة إثبات خطأ المتضرر‬
‫وعالقته السببية بالضرر تلجأ المحكمة إلى إعفاء الحارس جزئيا من المسؤولية‬
‫أو تشطيرھا بينه وبين المتضرر‪.‬‬
‫‪ -‬فعل الغير المعفي من المسؤولية يجب أن يكون خاطئا وأن يكون ھذا الغير معينا‪.‬‬
‫‪ -‬يقصد بالغير ھو كل شخص غير الحارس وغير المضرور‪ .‬وال يعتبر من قبيل‬
‫الغير من يسأل عنه الحارس قانونا أو اتفاقا‪.‬‬
‫‪ -‬خطأ الغير الذي استجمع شروط القوة القاھرة يأخذ حكمھا ويؤدي إلى اإلعفاء‬
‫الكلي للحارس من المسؤولية المدنية‪ .‬وفي حالة إثبات خطأ الغير وعالقته‬
‫السببية بالضرر تلجأ المحكمة إلى إعفاء الحارس جزئيا من المسؤولية أو‬
‫تشطيرھا بينه وبين الغير ‪.‬‬
‫‪ -‬ينبغي لمحكمة النقض تبني نظرية ازدواجية الخطأ بشكل صريح وواضح وتعميم‬
‫تطبيقھا على المسؤولية المدنية بشكل عام‪.‬‬
‫‪ -‬إثبات فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر يقصد به نفي الخطأ‪ ،‬وھذا الخطأ ينتفي‬
‫بإثبات شرطي عدم التوقع وعدم الدفع اللذان يقدران بمعيار موضوعي مطلق‪،‬‬
‫ويستغرقان جميع األخطاء التي يمكن أن تصدر عن الحارس في تعامله مع‬

‫‪53‬‬
‫السبب األجنبي لدفعه في ذاته أو لتفادي نتائجه الضارة‪ :‬فبإثبات شرطي عدم‬
‫التوقع و الدفع فإن الحارس يثبت أنه لم يكن بإمكانه توقع السبب األجنبي ومن ثم‬
‫ال يمكن القول بأنه قبل تحمل الضرر المحتمل وقوعه‪ ،‬كما أنه لم يكن بإمكانه‬
‫دفع السبب األجنبي في ذاته كيفما كان سلوكه قبل الحادث وحتى لو قام بأي عمل‬
‫من أعمال االحتياط‪ ،‬ولم يكن بإمكانه كذلك دفع نتائجه الضارة بواسطة القيام بأي‬
‫عمل من أعمال اإلنقاذ‪.‬‬
‫‪ -‬إثبات القوة القاھرة بشروطھا يغني عن إثبات فعل ما كان ضروريا لمنع‬
‫الضرر‪.‬‬
‫و على ضوء ھذه الخالصات نقترح الصياغة التالية للفصل ‪ 88‬من ق ل ع‬
‫وھي‪:‬‬
‫" كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من األشياء التي في حراسته‪ ،‬إذا‬
‫تبين أن ھذه األشياء ھي السبب المباشر للضرر‪ ،‬وذلك ما لم يثبت السبب األجنبي‬
‫الذي تسبب في الضرر حيث يعفى كلية من المسؤولية‪ .‬ويشمل السبب األجنبي القوة‬
‫القاھرة‪ ،‬وخطأ المضرور وخطأ الغير المستجمعين لشروط القوة القاھرة‪.‬‬
‫شروط السبب األجنبي ھي شرط الخارجية وشرط عدم التوقع وشرط عدم‬
‫الدفع‪ ،‬وتقدر بمعيار موضوعي مطلق‪.‬‬
‫يعفى الحارس جزئيا من المسؤولية إذا أثبت خطأ المتضرر أو خطأ الغير وعالقتھما‬
‫السببية بالضرر‪ ،‬وذلك تبعا لسلطة المحكمة التقديرية‪.‬‬
‫البراءة من الجرائم غير العمدية‪ ،‬ال تحول دون إقامة دعوى المسؤولية المدنية في‬
‫مواجھة المتسبب في الضرر"‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫÷‪< <VÄq]†¹]<ívñ‬‬
‫]‪< <Víée†ÃÖ]<íÇ×Ö^e<Äq]†¹‬‬

‫المراجع العامة‪< <:‬‬


‫‪ -‬أحمد حشمت أبو ستيت‪ ،‬نظرية االلتزام في القانون المدني الجديد‪ ،‬الكتاب األول‪:‬‬
‫مصادر االلتزام‪ ،‬مطبعة دار الفكر العربي‪.1954 ،‬‬
‫‪ -‬أحمد رأفت تركي‪ ،‬محاضرات في مادة القانون المدني ألقيت على طلبة السنة الثانية‬
‫شعبة الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1995-1994‬وجدة‪.‬‬
‫‪ -‬سليمان مرقس "المسؤولية المدنية في تقنينات البالد العربية" القسم األول‪ :‬األحكام‬
‫العامة‪ ،‬مطبعة الجبالوي‪ ،‬مصر‪.1971 ،‬‬
‫‪ -‬سليمان مرقس "المسؤولية المدنية في تقنينات البالد العربية"‪ ،‬القسم الثاني‪ :‬األحكام‬
‫الخاصة )المسؤولية المفترضة عن فعل الغير وعن فعل األشياء(‪ ،‬مطبعة الجبالوي‪،‬‬
‫القاھرة‪ ،1971 ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -‬سليمان مرقس "الوافي في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء الثاني‪ :‬في االلتزامات‪،:‬‬
‫المجلد الثاني‪ :‬الفعل الضار‪ ،‬القسم األول‪ :‬في األحكام العامة‪ ،‬بدون ذكر اسم المطبعة‪،‬‬
‫‪ ،1988‬الطبعة الخامسة‪.‬‬
‫‪ -‬سليمان مرقس "بحوث وتعليقات على األحكام في المسؤولية المدنية وغيرھا من‬
‫موضوعات القانون المدني"‪ ،‬مطبعة السالم‪ ،‬مصر‪ ،1987 ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق أحمد السنھوري "الوسيط في شرح القانون المدني" الجزء األول‪:‬‬
‫"مصادر االلتزام" دار النشر للجامعات القاھرة‪ ،1964 ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -‬عبد القادر العرعاري "المسؤولية المدنية"‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪ ،2014 ،‬الطبعة‬
‫الثالثة‪.‬‬
‫‪ -‬مأمون الكزبري "نظرية االلتزامات في قانون االلتزامات والعقود المغربي" ‪ ،‬الجزء‬
‫األول‪ ،‬مصادر االلتزامات‪ ،‬مطابع دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،1972 ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ -‬محمد أوغريس‪" ،‬قضاء المجلس األعلى في المسؤولية المدنية"‪ ،‬دار القرويين الدار‬
‫البيضاء‪ ،2002 ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪ -‬محمد علي عمران‪ ،‬االلتزام بضمان السالمة وتطبيقاتھا في بعض العقود‪ ،‬دار النھضة‬
‫العربية‪ ،‬طبعة ‪.1980‬‬
‫]‪< <Ví‘^¤]<Äq]†¹‬‬
‫‪ -‬محمد لبيب شنب‪" ،‬المسؤولية عن األشياء‪ ،‬دراسة في القانون المدني المصري مقارنا‬
‫بالقانون الفرنسي"‪ ،‬مكتبة النھضة المصرية‪ ،‬رقم الطبعة غير مذكور‪.‬‬
‫‪ -‬عاطف النقيب‪" ،‬النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن فعل األشياء في مبادئھا‬
‫القانونية وأوجھھا العملية"‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪ ،1980 ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪ -‬محمد زھدور "المسؤولية عن فعل األشياء غير الحية ومسؤولية مالك السفينة في‬
‫القانون البحري الجزائري"‪ ،‬دار الحداثة‪ ،‬بيروت‪ ،1990 ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪ -‬محمد الكشبور‪"،‬حراسة األشياء طبيعتھا وآثارھا‪ ،‬دراسة مقارنة في مجال المسؤولية‬
‫المدنية"‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪.1990 ،‬‬
‫‪ -‬إبراھيم الدسوقي‪" ،‬اإلعفاء من المسؤولية عن حوادث السيارات"‪ ،‬دار غريب‬
‫للطباعة‪ ،‬القاھرة‪.1975 ،‬‬
‫‪ -‬محمد األمراني زنطار " تشطير التعويض بين المسؤولية الخطئية والمسؤولية‬
‫المفترضة‪ :‬مواقف القضاء وردود الفقه ‪-‬دراسة مقارنة‪ ، "-‬المطبعة الوراقة الوطنية‪،‬‬
‫مراكش‪ ،1999 ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫]‪:íéÃÚ^¢]<l^uæ†ù‬‬
‫‪ -‬دراريس محمد‪" ،‬وسائل دفع مسؤولية حارس الشيء غير الحي في القانون‬
‫المغربي والجزائري وتطبيقاتھا القضائية"‪ ،‬أطروحة الدكتوراه في القانون الخاص‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد األول وجدة‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪.2000-1999‬‬

‫‪56‬‬
‫‪ -‬سليمان مرقس‪ ،‬نظرية دفع المسؤولية المدنية‪ ،‬رسالة دكتوراه من جامعة القاھرة‬
‫)النسخة العربية(‪ ،‬سنة ‪.1936‬‬
‫]‪< <VíéÃÚ^¢]<Øñ^‰†Ö‬‬
‫‪ -‬فؤاد معالل‪ ،‬خطأ المضرور وأثره على المسؤولية التقصيرية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫جامعة محمد الخامس الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪.1987-1986‬‬
‫‪ -‬عبد الواحد العلمي‪" ،‬األساس القانوني عن فعل األشياء غير الحية ووسيلة دفعھا في‬
‫القانون المغربي "‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬الدار البيضاء‪-1981 ،‬‬
‫‪.1982‬‬
‫]‪< <Vl÷^Ϲ‬‬
‫‪ -‬أحمد الخمليشي‪ ،‬دفع المسولية عن األشياء في ظل المادة ‪ 88‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود بفعل ماكان ضروريا لمنع الضرر‪ ،‬المجلة المغربية للقانون والسياسة‬
‫واالقتصاد‪ ،‬العدد‪ ، 3‬دجنبر ‪.1977‬‬
‫‪ -‬أحمد سعيد الزقرد‪ ،‬الروابط القانونية الناشئة عن عقد الرحلة ‪ ،‬مقال منشور في مجلة‬
‫الحقوق الصادرة عن مجلس النشر العلمي ‪،‬جامعة الكويت‪ ،‬السنة ‪ ، 22‬العدد األول ‪،‬‬
‫مارس ‪ 1998‬ص ‪.237‬‬
‫‪ -‬سفيان ادريوش‪ ،‬وسائل دفع المسؤولية عن فعل األشياء غير الحية‪ ،‬مجلة اإلشعاع ‪24‬‬
‫دجنبر ‪ ،2001‬سنة النشر ‪.2012‬‬

‫‪57‬‬
:íéŠÞ†ËÖ]<íÇ×Ö^e<Äq]†¹]
Les ouvrages spécieux :
- Henri Capitant, François Terrée, Yves Pequette, Les grands arrêts
de la jurisprudence civile, Tome 2, (obligation, contrats spéciaux,
suretés), Dalloz, 2008, 12 édition.
:íéÞæÓÖ÷]<ÄÎ]ç¹]
www.omanlegal.net
www.courdecassation.fr
www.equipement.gov.ma
www.assabah.press.ma

< <

58
< <Œ†ãËÖ]
1 ........................................................................................................................... Ví{{{{{{{ڂϹ]
9 ......................................................................... …†–Ö]<Äß¹<^è…憕<á^Ò<^Ú<ØÃÊ<VÙæù]<ovf¹]
10 .... ðêŽÖ]<Œ…^u<íéÖæöŠÚ<Äʁ<»<íéÃ膎jÖ]<l^â^Ÿ÷]<àÚ<êe†Ç¹]<ņŽ¹]<ÌÎçÚ<VÙæù]<gת¹]
11 ............................ íÞ…^Ϲ]<l^Ã膎jÖ]<ÌÎç¹<êe†Ç¹]<ņŽ¹]<fje<Øñ^ÏÖ]<ë_†Ö]<V±æù]<ì†ÏËÖ]
13ðêŽÖ]<Œ…^u<íéÖæöŠÚ<Äʁ<»<”^}<sãß¹<êe†Ç¹]<ņŽ¹]<Õç׊e<Øñ^ÏÖ]<å^Ÿ÷]<VíéÞ^nÖ]<ì†ÏËÖ]
16 ............................................ J>…†–Ö]<Äß¹<^è…憕<á^Ò<^Ú<ØÃÊ><ì…^fÂ<ŠËi<V<êÞ^nÖ]<gת¹]
16 ........................... `ޤ]<êËße<>…†–Ö]<Äß¹<^è…憕<á^Ò<^Ú<ØÃÊ><ì…^fÂ<ŠËi<V±æù]<ì†ÏËÖ]
23 ............... êe^«c<ØÛÃe<Ý^éÏÖ^e<…†–Ö]<Äß¹<^è…憕<á^Ò<^Ú<ØÃÊ<ì…^fÂ<ŠËi<VíéÞ^nÖ]<ì†ÏËÖ]
31........................... ÇÖ]<`Ş}<æ_<<…憖¹]<`Ş}<æ_<ì†â^ÏÖ]<ìçÏÖ]<æ_<êñ^rËÖ]<p^£]<êÞ^nÖ]<o{{{{vf¹]
32 ................................................................ ì†â^ÏÖ]<ìçÏÖ]<æ_<êñ^rËÖ]<p^£]<VÙæù]<gת¹]
32 .......................... äjéq]恇]<æ_<ì†â^ÏÖ]<ìçÏÖ]<æ_<êñ^rËÖ]<p^£]<ÙçÖ‚Ú<ì‚uæ<V±æù]<ì†ÏËÖ]
33 ................................................... Jì†â^ÏÖ]<ìçÏÖ]<æ_<êñ^rËÖ]<p^£]<½æ†<VíéÞ^nÖ]<ì†ÏËÖ]
40 ......................................................................... ÇÖ]<`Ş}æ<…憖¹]<`Ş}<VêÞ^nÖ]<gת¹]
40 .........................................................................................…憖¹]<`Ş}<V±æù]<ì†ÏËÖ]
40 .......................................................................................... J…憖¹]<`Ş}<Ìè†Ãi<V÷æ_
42 ........................................................ JðêŽÖ]<Œ…^u<íéÖæöŠÚ<î×Â<…憖¹]<`Ş}<†m_<V^éÞ^m
46 ...................................................... JŒ…^£]æ<…憖¹]<°e<íéÖæöŠ¹]<Äè‡çi<íéËéÒ<V^nÖ^m
48 ......................................................................................... JÇÖ]<`Ş}<V<íéÞ^nÖ]<ì†ÏËÖ]
49 ......................íéÖæöŠ¹]<àÚ<ðêŽÖ]<Œ…^u<ð^ËÂý<ÇÖ]<`Ş}<»<^â†Ê]çi<gq]çÖ]<½æ†ŽÖ]<V÷æ_
51 ............................................... ðêŽÖ]<Œ…^£<íéÞ‚¹]<íéÖæöŠ¹]<î×Â<ÇÖ]<`Ş}<m`i<V^éÞ^m
52 ............................................................................................................................. Ví{{{{³^}
55 ........................................................................................................................ VÄq]†¹]<ívñ÷

59

You might also like