Professional Documents
Culture Documents
:
41
34
2017
ﻋﻠ ﻰ
.
.
Civ : chambre civile de la cour de cassation.
JCP : juris-classeur périodique (semaine juridique), édition
générale.
Op.cit. : ouvrage précité.
p : page.
S : Sirey.
]< <Ví{{{{{{{ڂϹ
التعريف بالموضوع:
تعتبر المسؤولية عن فعل األشياء نقطة تطور حاسمة في مجال المسؤولية
المدنية ،فتطور الحياة االجتماعية تبعا الزدھار الواقع االجتماعي واالقتصادي بظھور و
اكتشاف مجموعة من اآلالت الميكانيكية وتشعب االختراعات وكذا ظھور عربات ذات
محرك أدى إلى زعزعة العديد من األنظمة والمؤسسات القانونية .1والمسؤولية عن فعل
األشياء ھي أكبر مثال على تأثير الثورة الصناعية واالقتصادية على مؤسسة قانونية تعد
من أھم المؤسسات على اإلطالق أال وھي مؤسسة المسؤولية المدنية عن فعل األشياء،
وقد برز ھذا التأثير بشكل خاص على مستوى دفع ھذه المسؤولية عن الحارس والتي
عرفت تطورا مھما مدفوعا بالحاجة إلى حماية األشخاص من مخاطر ھذه الطفرة
الصناعية الكبيرة ،والتي وإن كانت سببا في تحسين مستوى عيش البشرية ورقيھا ،لكنھا
في مقابل ذلك لم تكن خالية من أية آثار سلبية مصاحبة لھا.
وال شك أنه ينبغي علينا وقبل بحث ھذا الموضوع أن نفكك عنوان موضوع
البحث ونعطي شرحا ولو مقتضبا لكل واحد من مكوناته حتى تتضح الرؤية ويسھل فھم
الموضوع وأخذ فكرة عامة حوله.
دفع المسؤولية :والمقصود من ذلك أن المسؤولية الواردة في الفصل 88من
ق.ل.ع يمكن للحارس دفعھا بحيث يتخلص من عبء تعويض الضرر الذي تسبب فيه
الشيء الذي يرجع لحراسته إن كليا أو جزئيا .وھكذا نص الفصل 88من قانون
االلتزامات والعقود على ما يلي ":كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من األشياء
التي في حراسته ،إذا تبين أن ھذه األشياء ھي السبب المباشر للضرر ،وذلك ما لم يثبت:
- 1سفيان ادريوش ،وسائل دفع المسؤولية عن فعل األشياء غير الحية ،مجلة اإلشعاع العدد ، 24دجنبر ،2001
،2012الصفحة .57
1
-1أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر
-2و أن الضرر يرجع إما لحادث فجائي ،أو لقوة قاھرة ،أو لخطأ المضرور".
و يالحظ أن المشرع المغربي لم يشر إلى خطأ الغير كسبب من أسباب دفع
مسؤولية حارس الشيء في الفصل 88من ق ل ع ،غير أن العمل القضائي والفقه -كما
سوف يأتي معنا في متن الموضوع -قد أخذا بخطأ الغير كسبب معفي من المسؤولية.
المسؤولية المدنية :المسؤولية بشكل عام ھي حالة الشخص الذي ارتكب أمرا
يوجب المؤاخذة . 2والمسؤولية إما أن تكون أدبية والمؤاخذة ھنا ال تعدوا أن تكون
استھجان المجتمع ورفضه لذلك السلوك المخالف لألخالق .وإما أن تكون المسؤولية
قانونية فيكون الجزاء فيھا إما عقوبة زجرية توقع على الجاني باسم المجتمع وتسمى
المسؤولية في ھذه الحالة جنائية أو يكون الجزاء عبارة عن تعويض يلتزم مرتكب
الضرر بأدائه للمضرور فتسمى المسؤولية ھنا بالمسؤولية المدنية.
والمسؤولية المدنية بدورھا تنقسم إلى مسؤولية عقدية تترتب عن اإلخالل بالتزام
عقدي ،ومسؤولية تقصيرية تترتب عن اإلخالل بواجب قانوني عام و سابق بأن يصطنع
المرء في سلوكه اليقظة والتبصر حتى ال يضر بالغير.3
والمسؤولية التقصيرية والتي سماھا المشرع المغربي بااللتزامات الناشئة عن
الجرائم وأشباه الجرائم في قانون االلتزامات والعقود ،4ونظمھا في الفصول من 77إلى
106تنقسم بدورھا إلى ثالثة أنواع فھناك المسؤولية عن الفعل الشخصي ،والمسؤولية
عن فعل الغير ،والمسؤولية عن األشياء بحيث يسأل الحارس عن الضرر الذي تسببت
فيه األشياء التي توجد تحت حراسته .وھذا النوع األخير من المسؤولية ھو الذي سوف
يكون موضوع بحثنا وبالتحديد المسؤولية عن األشياء المنظمة بمقتضى الفصل 88من
ق.ل.ع.
- 2سليمان مرقس "المسؤولية المدنية في تقنينات البالد العربية" القسم األول :األحكام العامة ،مطبعة الجبالوي،
مصر ،1971 ،ص.1
- 3عبد الرزاق أحمد السنھوري "الوسيط في شرح القانون المدني" الجزء األول" :مصادر االلتزام" دار النشر
للجامعات القاھرة ،1964 ،الطبعة الثانية ،ص 778و.779
- 4ظھير شريف بتاريخ 9رمضان 12 ) 1331أغسطس (1913بشأن قانون االلتزامات والعقود ،والمنشور
بالجريدة الرسمية عدد 46الصادرة بتاريخ 12سبتمبر ،1913ص 78إلى .172
2
الحارس :بخصوص تحديد المقصود بالحارس ،فھناك نظريتان ،فاألولى والتي
تسمى بنظرية الحراسة القانونية تتطلب في الشخص حتى يمكن اعتباره حارسا أن تكون
له سلطة قانونية على الشيء يستمدھا من حق عيني على ھذا الشيء – كأن يكون مالكا
لذلك الشيء -أو من حق شخصي متعلق به .فلكي يكون الشخص حارسا يجب أن
تكون له السلطة على الشيء بناء على عقد أو على نص في القانون أو أي مصدر آخر
من مصادر الحقوق .وتنسب ھذه النظرية إلى األستاذ "ھنري مازو" فھو أول من قال
بھا في بحث له بعنوان الخطأ في الحراسة ،la faute dans la gardeنشر بالمجلة
الفصلية للقانون المدني سنة .51925وال يمكن للحارس أن يدفع عنه ھذه الصفة إال إذ
أثبت انتقال الحراسة إلى شخص آخر بواسطة تصرف قانوني وھذا ما أكده الفقيه
الفرنسي الكبير جوسران .6والنظرية الثانية ھي نظرية الحراسة الفعلية :والتي -في
نظري -ھي نفسھا نظرية الحراسة القانونية مضاف إليھا توسع في وسائل دفع صفة
الحارس بطريق خروج الشيء من يد حارسه بدون رضاه ،مما يقتضى تطبيق قواعد
نظرية الحراسة القانونية في الحدود التي ال تتناقض مع ھذه اإلضافة .ويتحدد مناط
الحراسة وفقا لھذه النظرية بتوافر السلطة في استعمال الشيء وتوجيھه ورقابته وذلك
بقطع النظر عما إذا كانت ھذه السلطة تقوم على حق قانوني أو لم تكن كذلك .7وقد تم
التحول إلى نظرية الحراسة الفعلية على إثر قرار قضائي جد شھير يعرف في أدبيات
القانون الفرنسي بقرار فرانك » « Arrêt Frankصدر عن الدوائر المجتمعة لمحكمة
النقض الفرنسية وقد كان ذلك بتاريخ 2دجنبر 1941في قضية ھامة.8
- 5محمد لبيب شنب" ،المسؤولية عن األشياء ،دراسة في القانون المدني المصري مقارنا بالقانون الفرنسي" ،مكتبة
النھضة المصرية ،رقم الطبعة غير مذكور ،ص.77 :
- 6عاطف النقيب" ،النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن فعل األشياء في مبادئھا القانونية وأوجھھا العملية"،
منشورات عويدات ،بيروت ،1980 ،الطبعة األولى ،ص ،19 :الھامش رقم ).(1
- 7محمد زھدور "المسؤولية عن فعل األشياء غير الحية ومسؤولية مالك السفينة في القانون البحري الجزائري"،
دار الحداثة ،بيروت ،1990 ،الطبعة األولى ،ص.86 :
- 8نجمل وقائع ھذه القضية في ما يلي" :وضع أحد األطباء –ويدعى السيد فرانك -سيارته تحت تصرف ابنه
ليستعين بھا أثناء قضائه لعطلة رأس السنة الميالدية فأخذھا االبن حيث تركھا في باب إحدى المقاھي التي دخل إليھا.
عندما خرج االبن من المقھى لم يعثر على سيارة أبيه ،وبعد التحري والبحث وجدھا على مسافة عدة كيلومترات من
أقرب نقطة إلى المدينة وإلى جوارھا أحد األشخاص دھمته فأردته قتيال ،وقد تبين فيما بعد أن االبن ال دخل له فيما
حدث وإنما العملية كانت بفعل سرقة=.
3
الشيء :لقد عرف تحديد مفھوم الشيء تطورا مھما على مستوى القضاء الفرنسي
بشكل خاص ،وقد عبر عن ھذا التطور األستاذ عبد الرزاق أحمد السنھوري رحمه ﷲ
بإيجاز حيث قال" :وكان الخطأ المفترض مقصورا على األشياء المنقولة ،ثم جاوزھا
إلى العقار .وكان يستثني من دائرة الخطأ المفترض األشياء التي يحركھا عمل اإلنسان
كالسيارة ونحوھا ،ثم عممت القاعدة فشملت جميع األشياء ،وكان ھناك تفريق بين
الشيء الخطر يكون الخطأ فيه مفترضا ،والشيء غير الخطر ،يطلب فيه إثبات الخطأ،
ثم زالت ھذه التفرقة .وھكذا أصبحت دائرة الخطأ المفترض تتسع ألي شيء منقوال أو
عقارا ،متحركا بقوته الذاتية أو بيد اإلنسان ،خطر أو غير خطر ،ولم يستبق القضاء
الفرنسي إال معنى "الحراسة" ).9" (garde
العمل القضائي المغربي والمقارن :ويقصد به األحكام والقرارات الصادرة عن
المحاكم المغربية وال سيما محكمة النقض 10المغربية باعتبارھا تتربع على قمة الھرم
القضائي بالمملكة المغربية و مسؤولة عن توحيد االجتھاد القضائي ،وكذلك القرارات
الصادرة عن محكمة النقض الفرنسية و األحكام الصادرة عن محاكم الموضوع بفرنسا،
وبعض القرارات الصادرة عن محكمة النقض المصرية.
< <<
=رفع ذوو حقوق الضحية في الحادثة دعوى المسؤولية المدنية مباشرة على الطبيب المالك للسيارة ،وتمسكوا في
دعواھم بالفقرة األولى من الفصل 1384من القانون المدني الفرنسي المقابل للفصل 88من ق.ل.ع ،غير أن محكمة
نانسي " "tribunal de Nancyقد ردت الدعوى .على اعتبار أنھا رفعت على غير ذي صفة وقد أيد الحكم استئنافيا
ولكن محكمة النقض قد نقضت ھذا الحكم بواسطة قرارھا الصادر في 3مارس .1936
وأحيلت القضية من جديد على أنصار قضاة محكمة االستئناف بيزانسون » ، « cour d’appel de Besançon
فأخذت ھذه المحكمة بدورھا بالموقف الذي تبنته نظيرتھا بمدينة نانسي ،أي أنھا عارضت نظرية محكمة النقض
الفرنسية ،المتشبثة بنظرية الحراسة القانونية.
ولقد عرضت القضية ھذه المرة على أنظار غرف محكمة النقض الفرنسية مجتمعة ،وبعد نقاش طويل وحاد بين
مختلف التيارات القانونية بتلك المحكمة ،أخذت ھذه الغرف في النھاية بوجھة نظر محكمة بيزانسون المؤيد لموقف
محكمة نانسي ،حيث قضت صراحة بأن صاحب السيارة المسروقة -أي الطبيب فرانك في ھذه القضية بالذات -ال
يظل حارسا لھا متى خرجت من تحت يده بفعل السرقة."...
-محمد الكشبور"،حراسة األشياء طبيعتھا وآثارھا ،دراسة مقارنة في مجال المسؤولية المدنية" ،مطبعة النجاح
الجديدة ،الدار البيضاء ،1990 ،ص.70-69 :
- 9عبد الرزاق أحمد السنھوري. ،م.س ،ص.1081 :
- 10تم التحول لھذه التسمية بمقتضى ظھير شريف رقم 1.11.170صادر في 27من ذي القعدة 25 ) 1432أكتوبر
( 2011بتنفيذ القانون رقم 58.11المتعلق بمحكمة النقض والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 26أكتوبر 2011
عدد ،5989ص ،5228المغير بموجبه الظھير الشريف رقم 1.57.223الصادر في 2ربيع األول 27 ) 1377
سبتمبر ( 1957بشأن المجلس األعلى .وسوف نستعمل مصطلح محكمة النقض فقط في ھذا البحث.
4
_< <VÅç•ç¹]<íéÛâ
وتكمن أھمية الموضوع في ما نراه اليوم من انتشار الحوادث التي تسببھا األشياء
والتي أفرزھا التقدم الصناعي والتكنولوجي ،وبشكل خاص حوادث السير . 11وما
يترتب عن ھذه الحوادث من أضرار جسيمة للمضرورين تؤثر في نمط حياتھم
وعيشھم ،ولذلك كان ال بد من البحث في ھذا الموضوع لجمع شتات القواعد التشريعية
والقضائية المقررة لصالح المضرور والتي تبرز التطور الذي عرفه موضوع دفع
مسؤولية حارس الشيء في ظل العمل القضائي المغربي و المقارن والتعريف بھا.
خاصة أمام وجود شركات وأشخاص يجنون أرباحا كبيرة من جراء استغالل ھذه
األشياء من جھة ،وشركات للتأمين تجني أرباحا ضخمة من جراء التأمين على
األضرار عموما ،واألضرار التي تتسبب فيھا األشياء بشكل خاص من جھة أخرى.12
وبذلك فإن تسھيل مھمة المضرور في الحصول على تعويض من ھذه الشركات،
- 11قامت وزارة التجھيز والنقل واللوجيستيك بجمع واستغالل معطيات حوادث السير الجسمانية المسجلة من طرف
مصالح الدرك الملكي واألمن الوطني خالل شھر مايو .2015
وقد اجتمعت اللجنة الوطنية المكلفة بفحص البيانات اإلحصائية لحوادث السير الجسمانية ،يوم 30يونيو 2015من
أجل المصادقة على ھذه اإلحصائيات المؤقتة المسجلة 2015على الصعيد الوطني ،حيث يتبين من خالل تحليل
األرقام المسجلة أن ھناك ارتفاعا في عدد الحوادث وعدد القتلى وعدد الجرحى.
ويمكن تقديم النتائج المؤقتة المسجلة على الصعيد الوطني عند نھاية شھر مايو 2015مقارنة مع إحصائيات شھر
مايو 2014على النحو التالي:
• 6588حادثة سير ،مما يمثل % +13,22
• 229حادثة سير مميتة ،مما يمثل % + 11,71
• 6359حادثة سير غير مميتة ،مما يمثل % + 13,27
• 261قتيل ،مما يمثل % + 11,54
• 778مصابا بجروح بليغة ،مما يمثل % +0,13
• 8461مصابا بجروح خفيفة ،مما يمثل %+ 12,32
-الموقع االلكتروني لوزارة التجھيز والنقــل المغربيـة www.equipement.gov.ma:تاريـخ الولـوج 26يوليوز
.2015
- 12يمثل فرع التأمينات على السيارات أھم فروع نشاطات شركات التأمين ،إذ تجاوز رقم معامالته ،خالل النصف
األول من السنة الجارية 4 ،ماليير و 354مليونا و 300ألف درھم ،ما يمثل 33.2في المائة من رقم المعامالت
اإلجمالي لقطاع التأمينات ،وإذا أضفنا إلى ذلك فرع التأمينات على الحياة ،التي ترتبط بدورھا في جزء منھا
بالقروض العقارية ،والتأمينات على الرسملة ،فإن رقم معامالت ھذين الفرعين يرتفع إلى 7ماليير و 931مليونا
و 700ألف درھم ،ما يمثل أزيد من 60في المائة من الرقم اإلجمالي للمعامالت.
وعرف قطاع التأمينات نموا ملحوظا خالل السنوات األخيرة ،إذ سجل متوسط معدل نمو يتراوح مابين 8
و 10في المائة ،وعرف عمليات تركيز ،إذ كان يضم حوالي 22شركة قبل عقدين ،وتقلص العدد إثر تصفية بعض
الشركات خالل ،1995إضافة إلى عمليات انصھار واندماج بين شركات القطاع.
مقال منشور بتاريخ 07شتنبر 2012بالموقع اإللكتروني لجريدة الصباح.www.assabah.press.ma :
تاريخ الولوج 26يوليوز .2016
5
ينطوي على نوع من إعادة التوازن وتحقيق العدالة لفائدة المضرور .ومن ھنا يتبين بأن
موضوعنا يكتسي أھمية وحساسية اجتماعية واقتصادية ال غبار عليھا ،ويشكل نقطة
تنازع مصالح اجتماعية واقتصادية متعارضة.
دوافع اختيار الموضوع:
وما دفعنا للبحث في ھذا الموضوع فضال عن أھميته المذكورة أعاله ،ھو الطابع
الخاص لمسؤولية حارس الشيء الواردة في الفصل 88من ق.ل.ع ،فالمتضرر ال يلزم
بإثبات خطأ الحارس ،وإنما يكفي إثبات الضرر والعالقة السببية بين الشيء والضرر.
ويعكس ھذا الطابع الخاص تطورا جديرا باالھتمام في أساس المسؤولية المدنية ،دفع
فريقا ال يستھان به من الفقھاء إلى حد المناداة باالستغناء عن الخطأ كأساس للمسؤولية
المدنية واستبدال فكرة تحمل التبعة به كقاعدة عامة.13
ولعل أھم ما يميز مسؤولية حارس الشيء ھو دفع ھذه المسؤولية ،والذي يطرح
مجموعة من اإلشكاالت القانونية والعملية تضاربت اآلراء بشأنھا ،بحيث تؤثر طريقة
الحسم فيھا بترجيح رأي دون آخر على وضعية أي من المضرور والحارس .لذلك فإن
األمر يتطلب منا الوقوف عند كل واحدة من ھذه اإلشكاالت وإبداء الرأي فيھا مع
تعضيده بالحجج والبراھين المقنعة.
وإذا كان ھدفنا من ھذا الموضوع ھو حماية المضرور بالدرجة األولى ،فإننا
نحرص في المقابل على أن يبقى موقفنا متسما بمحاولة تحقيق التوازن ما أمكن بين
مصالح الحارس والمضرور مع ترجيح كفة ھذا األخير عند تعذر إقامة ھذا التوازن،
ومع المحافظة كذلك لقواعد المسؤولية المدنية لحارس الشيء على انسجامھا وبناءھا
القانوني السليم.
الصعوبات المرتبطة بإعداد البحث:
وقد واجھتنا عدة صعوبات عند إعداد ھذا البحث ،والمتمثلة أساسا في صعوبة
العثور على عدد أكبر من القرارات القضائية غير المنشورة و الصادرة عن محكمة
- 13سليمان مرقس "بحوث وتعليقات على األحكام في المسؤولية المدنية وغيرھا من موضوعات القانون المدني"،
مطبعة السالم ،مصر ،1987 ،الطبعة األولى ،ص.4:
6
النقض المغربية .فضال عما يتطلبه ھذا الموضوع الدقيق من استيعاب وتحليل وتركيب
مختلف النظريات والقرارات القضائية التي تؤطره .وذلك عند محاولتنا حصر موضوع
البحث واإلحاطة به من مختلف زواياه .ھذا باإلضافة إلى قلة المراجع الوطنية
المتخصصة في الموضوع .
المناھج المعتمدة في إعداد البحث:
وبخصوص المناھج المعتمدة في دراستنا ،فسوف نعتمد بشكل خاص على
المنھج التحليلي واإلستباطي والتركيبي والذي سيكون حاضرا على امتداد صفحات ھذا
البحث لتحليل المواقف التشريعية والفقھية ،وبشكل خاص العمل القضائي وعلى رأسه
عمل محكمة النقض واجتھاداتھا ،واستنباط مكنوناتھا ،فضال عن تركيبھا وترتيبھا في
نسق منطقي يمكن القارئ من فھمھا وتتبعھا بسالسة .كما سنعتمد على المنھج المقارن
للمقارنة بين مواقف القضاء المغربي والفرنسي ،وللمقارنة بين الفينة واألخرى بين
14
موقف القانون المغربي وبعض التشريعات المقارنة األخرى كالقانون المصر ي
واللبناني .،....15وعلى أي حال فإننا نعترف بصعوبة حصر المناھج التي اعتمدناھا في
بحثنا ،لذلك فقد اكتفينا باإلشارة إلى أھمھا.
إشكالية البحث:
ويتمحور موضوع بحثنا حول محاولة اإلجابة عن إشكالية أساسية ،أال وھي:
كيف يتعامل العمل القضائي المغربي والمقارن مع دفع المسؤولية المدنية لحارس
الشيء؟.
تقسيم موضوع البحث:
وإجابة على اإلشكالية المطروحة ،اخترنا تصميما التينيا وتقسيما ثنائيا تمشيا مع
العرف األكاديمي في ھذا الصدد ،وبالنظر ألفضلية ھذا التصميم على غيره من
التصاميم والتقسيمات .وھكذا قسمنا بحثنا على ضوء مقتضيات الفصلين 88من ق ل ع
المومإ إليه أعاله إلى مبحثين ،خصصنا المبحث األول للحديث عن دفع مسؤولية حارس
- 14قانون رقم 131لسنة 1948بتاريخ .1948/07/29
- 15قانون صادر في 9آذار سنة ،1932والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 11نيسان .1932
7
الشيء بفعل ما كان ضروريا لمنع الضرر .بينما خصصنا المبحث الثاني للتطرق لدفع
مسؤولية حارس الشيء عن طريق الحادث الفجائي أو القوة القاھرة أو خطأ المضرور
أو خطأ الغير.
-المبحث األول :فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر.
-المبحث الثاني :الحادث الفجائي أو القوة القاھرة أو خطأ المضرور أو خطأ
الغير
8
]< <Ùæù]<ovf¹
< <…†–Ö]<Äß¹<^è…憕<á^Ò<^Ú<ØÃÊ
يمكن اعتبار شرط "فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر" المنصوص عليه في
الفقرة األولى من الفصل 88من ق.ل.ع خصوصية مغربية وتونسية كذلك .فالفصل 96
من المدونة أو المجلة المدنية التونسية تطابق نصا ومعنى مقتضيات الفصل 88من
ق.ل.ع .وال غرابة في ذلك مادام أن المجلة المدنية التونسية تمثل في حقيقتھا المصدر
المباشر للقانون المغربي.16
وقد طرحت عبارة فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر مجموعة من النقاشات
القانونية ،حيث تم طرح التساؤل عن النھج الذي اتبعه المشرع المغربي في دفع
مسؤولية حارس الشيء .وفيما إذا كان قد سلك في ذلك مسلك التشريعات المقارنة والتي
يذھب بعضھا إلى ضرورة إثبات السبب األجنبي الذي ال يد للحارس فيه لدفع مسؤوليته،
في حين يكتفي البعض اآلخر بإثبات نفي خطأ الحارس .أم أن الفصل 88من ق.ل.ع
سلك منھجا خاصا في دفع مسؤولية حارس الشيء بحيث يتطلب إثبات أمرين وھما:
الحادث الفجائي أو القوة القاھرة أو خطأ المتضرر أو خطأ الغير باإلضافة إلى إثبات
فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر .وھو ما نصطلح عليه بلزوم ازدواجية اإلثبات في
إطار الفصل 88؟ .وسوف نحاول الوقوف عند ھذه النقاشات في المطلب األول.
ومن النقاشات المھمة أيضا ،والتي أثارتھا عبارة "فعل ما كان ضروريا لمنع
الضرر" ما يتعلق بالتفسير الذي ينبغي أن يعطى لھا .إذ نجد من يفسرھا بانعدام الخطأ،
في حين ھناك من يفسرھا بالقيام بعمل إيجابي واتخاذ االحتياطات الضرورية لمنع
الضرر سواء قبل أو عند وقوع الحادث .وسوف نتعرض لھذه التفسيرات في المطلب
الثاني.
- 17ومن ھذه التشريعات القانون الفرنسي أو بتعبير أدق القضاء الفرنسي ألن ھذا األخير ھو الذي أسس قواعد ھذه
المسؤولية بعيدا حتى عن قصد المشرع نفسه .ويتضح ذلك جليا من خالل قرار جاندور الشھير الصادر بتاريخ 13
فبراير .1930وكذا المادة 212من القانون المدني األردني1التي تنص على أن " :من يتولى حراسة أشياء تتطلب
عناية خاصة لمنع وقوع الضرر منھا ،يلتزم بتعويض الضرر الذي تحدثه ھذه األشياء ما لم يثبت أن الضرر وقع
بسبب أجنبي ال يد له فيه" .والمادة 138من القانون المدني الجزائري 2التي جاء في فقرتھا الثانية ما يلي ":ويعفى من
ھذه المسؤولية الحارس للشيء إذا أثبت أن الضرر حدث بسبب لم يكن يتوقعه مثل عمل الضحية أو عمل الغير ،أو
الحالة الطارئة ،أو القوة القاھرة" .وأخذ بنفس التوجه القانون المدني المصري والقانون المدني اللبناني3على التوالي
في المادتين 178و1314.
- 1قانون رقم 22صادر بتاريخ 2004/06/30م الموافق ل 1425/05/12ه ،والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 11
بتاريخ 2004/08/08م الموافق ل ،1425/04/22ص.364
الموقع االلكتروني www.omanlegal.net :تاريخ الولوج2015./10/04:
- 2األمر قم 58-75المؤرخ في 20رمضان عام 1395الموافق ل 26سبتمبر ،1975والمتضمن للقانون المدني
المعدل والمتمم.
- 3قانون صادر في 9آذار سنة ،1932والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 11نيسان 1932.
-4كانت الفقرة األولى القديمة من المادة 131من القانون المني اللبناني تنص على " :أن حارس الجوامد المنقولة
وغير المنقولة المشتملة على آلة محركة خاصة أو مستوجبة للمراقبة يكون مسؤوال عن األضرار التي تحدثھا تلك
الجوامد حتى في الوقت الذي ال تكون فيه تحت إدارته أو مراقبته الفعلية ،كالسيارة وقت السير أو الطيارة وقت
طيرانھا أو المصعد )األسانسور( وقت استعماله".
وقد عدل نص الفقرة األولى من المادة 131بموجب المادة األولى من المرسوم االشتراعي رقم 51تاريخ
1932/11/5على الوجه التالي:
إن حارس الجوامد المنقولة وغير المنقولة يكون مسؤوال عن األضرار التي تحدثھا تلك الجوامد حتى في الوقت
الذي ال تكون فيه تحت إدارته أو مراقبته الفعلية ،كالسيارة وقت السير أو الطيارة وقت طيرانھا أو المصعد وقت
استعماله.
وتلك التبعة الوضعية ال تزول إال إذا أقام الحارس البرھان على وجود قوة قاھرة أو خطأ من المتضرر .وال يكفي
أن يثبت الحارس أنه لم يرتكب خطأ.
وإن وجود تعاقد سابق بين الحارس والمتضرر ال يحول دون إجراء حكم التبعة الناشئة عن األشياء إال إذا كان
في القانون نص على العكس.
- 18ومن ھذه التشريعات التشريع العراقي الذي نص في المادة 231من القانون المدني 1على ":أن الحارس يكون
مسؤوال ما لم يثبت أنه اتخذ الحيطة الكافية لمنع وقوع ھذا الضرر".
- 1قانون رقم 40لسنة ،1951الوقائع العراقية عدد 3015بتاريخ 1951/08/09رقم الصفحة ،243مجموعة
القوانين واألنظمة ،تاريخ 1951م.
10
الصياغة للفصل 88تدفع بنا إلى التساؤل عما إذا كان المشرع المغربي أراد أن يتخذ
لنفسه اتجاھا خاصا به ومتميزا في دفع مسؤولية حارس الشيء؟.
لقد تعددت وجھات النظر حول الموقف الذي سلكه المشرع المغربي ،فھناك رأي
يرى بأن المشرع المغربي لم يشذ عن ما ذھبت إليه التشريعات المقارنة )الفقرة
األولى( ،بينما ذھب رأي آخر للقول بأن المشرع المغربي قد أخذ بازدواجية اإلثبات.
ويقصد بازدواجية اإلثبات لزوم إثبات أمرين وھما :الحادث الفجائي أو القوة القاھرة أو
خطأ المتضرر أو خطأ الغير ،باإلضافة إلى فعل الحارس لما ھو ضروري لمنع الضرر
)الفقرة الثانية(.
الفقرة األولى :الرأي القائل بتبني المشرع المغربي لموقف التشريعات المقارنة
يذھب األستاذ سليمان مرقس إلى أن قصد المشرع في الفصل 88من ق.ل.ع ھو
دفع المسؤولية بأحد األمرين :نفي قرينة الخطأ ،أو إثبات السبب األجنبي كما ھو الحال
في المسؤولية عن الحيوان )الفصل 86من ق.ل.ع( ،ذلك أنه ال يوجد سبب ظاھر
للمغايرة بين المسؤولية عن األشياء والمسؤولية عن الحيوان .باإلضافة إلى أن الفقه
والتشريع المقارنين ليس فيھما رأي أو مذھب يشترط اجتماع األمرين معا .نفي الخطأ
وإثبات السبب األجنبي .بل إن كل المذاھب إما أن تكتفي بنفي الخطأ أو تتشدد فتشترط
قيام السبب األجنبي .لكل ھذه األسباب يرى األستاذ سليمان مرقس أن حرف العطف
) (etوضع بدل الحرف ) (ouفي بداية الفقرة الثانية نتيجة خطأ مادي.19
و انسجاما مع نفس الرأي يذھب األستاذ عبد القادر العرعاري إلى القول":
خالصة القول أن المشرع المغربي عندما ألزم الحارس بإثبات السبب األجنبي إلى
جانب نفي الخطأ عنه بإثبات أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر فإنه يكون قد تشدد
كثيرا مع الحارس ووضع في طريقه عدة عقبات قلما يتمكن من اجتيازھا .ويعد موقف
المشرع المغربي ھذا من المواقف الغريبة والشاذة حقا .فإذا استثنينا القانون المدني
- 19سليمان مرقس "المسؤولية المدنية في تقنينات البالد العربية" ،القسم الثاني :األحكام الخاصة )المسؤولية
المفترضة عن فعل الغير وعن فعل األشياء( ،مطبعة الجبالوي ،القاھرة ،1971 ،الطبعة الثانية ،ص 189وما
بعدھا.
11
التونسي الذي كرس نفس الموقف في المادة 96من مدونة 1906فإننا ال نجد لھذا الرأي
من سند في التشريع المقارن األمر الذي يتطلب مراجعته وإعادة النظر فيه مستقبال".20
وفي نفس الرأي يذھب أحد الباحثين إلى االكتفاء بالسبب األجنبي بشروطه
األربعة :21استحالة التوقع واستحالة الدفع ،والخارجية عن الشيء والحارس ،لكونه
كافيا لدفع مسؤولية حارس الشيء بشكل تام .ومن ثمة يخلص الباحث إلى ضرورة
حذف الشرط األول من وسيلتي الدفع الواردة في المادة 88من ق.ل.ع.22
وقد وجد ھذا الرأي بعض الصدى لدى محكمة النقض ،ويظھر ذلك من خالل
القرارات التي ترتب على اصطباغ خطأ المضرور بشروط القوة القاھرة اإلعفاء التام
من المسؤولية .ومن ھذه القرارات ،قرار صادر عن محكمة النقض جاء فيه... ":إن
ظھور سيارة الحاج عمر مباغتة تكون قوة قاھرة بالنسبة إليه لم تعطه الوقت الكافي ولم
تسمح له للقيام بأية محاولة لتجنب الحادث ،كما أن المحكمة قد عللت قرارھا تعليال كافيا
فيما نسب من خطأ للحاج عمر كما ھو مبين أعاله.
وحيث أن حارس السيارة أثبت أنه كان يستحيل عليه القيام بأية محاولة وأن
خطأ خصمه كان غير متوقع وال يمكن تجنبه ،فإن ذلك كاف للقول بأنه فعل كل ما في
استطاعته لتجنب الضرر وأن الشرطيين اللذين يشترطھما الفصل 88متوفران لدرء
المسؤولية المرتكزة على ھذا الفصل .مما يكون معه ھذا الوجه غير مرتكز على
أساس".23
- 20عبد القادر العرعاري "النظرية العامة لاللتزامات في القانون المدني المغربي" ،الجزء األول ،مصادر
االلتزامات الكتاب الثاني "المسؤولية التقصيرية عن الفعل الضار" ،دار األمان ،الرباط ،سنة ،1988الطبعة األولى،
ص .239
- 21الحقيقة أن األمر يتعلق بثالثة شروط ألن شرط الخارجية يشمل الخارجية عن شخص الحارس والخارجية عن
الشيء المحروس كذلك.
- 22دراريس محمد "وسائل دفع مسؤولية حارس الشيء غير الحي في القانون المغربي والجزائري وتطبيقاتھا
القضائية" ،أطروحة الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة محمد
األول وجدة ،السنة الجامعية ،2000-1999ص.58:
- 23القرار المدني عدد 256الصادر بتاريخ 04يونيو ،1969محمد أوغريس "قضاء المجلس األعلى في
المسؤولية المدنية" ،دار القرويين الدار البيضاء ،2002 ،الطبعة األولى ،ص.17 :
12
الفقرة الثانية :االتجاه القائل بسلوك المشرع المغربي لمنھج خاص في دفع
مسؤولية حارس الشيء
في مقابل االتجاه السابق ،ظھر اتجاه آخر يرى بأنه لدفع مسؤولية حارس الشيء
ال بد من إثبات أمرين :القوة القاھرة أو الحادث الفجائي أو خطأ المتضرر أو خطأ الغير
إلى جانب فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر .وذلك بالرغم من اختالف أصحاب ھذا
االتجاه حول المقصود بھذا الشرط األخير كما سوف نرى ذلك في حينه.
ومن بين أھم أصحاب ھذا االتجاه األستاذ أحمد الخمليشي الذي يرى بأن ما يقوله
الدكتور مرقس من وقوع خطأ مادي في كتابة كلمة ) (etبدل كلمة ) (ouيبدوا محل
نظر ،فصيغة المادة 88سبق أن تضمنھا حرفيا القانون التونسي )المادة 96من قانون
،(1906ثم أعيدت في قانون االلتزامات والعقود لمنطقة طنجة سابقا )المادة .(1362
فمن المستبعد أن يتكرر ھذا الخطأ المادي في ثالث تشريعات متالحقة دون أن يثير
انتباه القضاء وفضول الفقه.24
وقد أيد ھذا الرأي الكثير من الفقھاء القانونيين المغاربة كاألستاذ محمد
الكشبور ،25وعبد الواحد العلمي ،26وفؤاد معالل.27
وعلى مستوى القضاء المغربي ،فقد وجد ھذا الرأي قبوال واسعا من لدنه.
وھكذا جاء في قرار للمحكمة االبتدائية بوجدة ما يلي ":وحيث اتضح للمحكمة
بعد اطالعھا على محضر البحث التمھيدي عدد 2174المنجز من طرف أمن وجدة
الدائرة الثانية ،أنه بتاريخ 2014/07/30عثر على موروث المدعين غارقا بالمسبح
البلدي والذي كانت تشرف على تسييره المدعى عليھا األولى.
- 24أحمد الخمليشي ،دفع المسولية عن األشياء في ظل المادة 88من قانون االلتزامات والعقود بفعل ماكان
ضروريا لمنع الضرر ،المجلة المغربية للقانون والسياسة واالقتصاد ،العدد ، 3دجنبر ،1977ص.11 :
- 25محمد الكشبور ،حراسة األشياء طبيعتھا وآثارھا ،م.س ،ص.37 :
- 26عبد الواحد العلمي "األساس القانوني عن فعل األشياء غير الحية ووسيلة دفعھا في القانون المغربي " رسالة
لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة الحسن الثاني،
الدار البيضاء ،1982-1981 ،ص.211:
- 27فؤاد معالل ،خطأ المضرور وأثره على المسؤولية التقصيرية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون
الخاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة محمد الخامس الرباط ،السنة الجامعية ،1987-1986
ص.272 :
13
وحيث ثبت من تقرير الطب الشرعي المرفقة صورة منه أن الھالك توفي نتيجة
غرقه ،وأنه ال يحمل أي آثار عنف أو جروح أو خدوش أو كدمات.
وحيث إن المحكمة برجوعھا إلى وثائق الملف وخاصة عقد إيجار المسبح الموقع
بين الجماعة الحضرية لوجدة والمدعى عليھا األولى أن ھذه األخيرة التزمت بمقتضى
الفصل التاسع من العقد المذكور بتأمين جميع مرافق المسبح الجماعي ورواده
ومستخدميه.
وحيث إن مقتضيات الفصل 88من ق ل ع تنص على أن كل شخص يسأل عن
الضرر الحاصل من األشياء التي في حراسته ،إذا تبين أن ھذه األشياء ھي السبب
المباشر للضرر ،وذلك ما لم يثبت:
– 1أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر.
– 2وأن الضرر يرجع إما لحادث فجائي ،أو لقوة قاھرة ،أو لخطأ المضرور.
وحيث إن مسؤولية المدعى عليھا األولى باعتبارھا حارسة للمسبح المتسبب في
غرق موروث المدعين ،تبقى قائمة طالما أنھا لم تدل بما يفيد قيامھا بكل ما ھو
ضروري لمنع الضرر ،ولم تثبت أنه راجع لحادث فجائي أو قوة قاھرة أو خطأ الضحية
وذلك حسب المقتضيات المذكورة أعاله".28
و جاء في قرار صادر عن محكمة االستئناف بوجدة أيضا ما يلي " :وحيث إنه
بخصوص المسؤولية فإنه فضال عن تأسيس الدعوى في إطار الفصل 88من ق ل ع
والذي ال يمكن التخلص من المسؤولية إال بإثبات حارس الشيء أنه فعل ما كان
ضروريا لمنع الضرر وأن سبب الضرر يرجع لقوة قاھرة أو حادث فجائي أو خطأ
29
المضرور وھو ما لم يثبته الطرف الطاعن"
-قرار صادر عن استئنافية وجدة رقم 97بتاريخ 2008/01/24في الملف عدد ،06/691غير منشور. 29
14
وتذھب العديد من القرارات الصادرة عن اسئنافية وجدة والرباط أيضا إلى
اشتراط ازدواجية اإلثبات لدفع مسؤولية حارس الشيء.30
كما جاء في قرار صادر عن محكمة النقض ما يلي ":وحيث أنه تطبيقا
لمقتضيات الفصل 88المستدل به في الوسيلة ،فإن المسؤولية الناتجة عن األشياء غير
الحية تنشأ عن خطأ مفترض في حراسة الشيء الذي تسبب في حدوث الضرر .وإن
الحارس لذلك الشيء ال يمكنه أن يعفى من مسؤوليته ويتخلص منھا نھائيا إال إذا أثبت
توافر أمرين اثنين وھما:
-أنه قام بما ھو الزم لمنع حدوث الضرر.
-وأن الضرر قد نجم عن حادث فجائي أو قوة قاھرة أو خطأ المتضرر.
وحيث إن لزوم األمرين المذكورين معا ھو شيء ضروري لنفي مسؤولية
حارس الشيء وال يكفي ،إذن إثبات أحدھما دون اآلخر ،ومن ثمة فإن الحكم المطعون
فيه عندما ارتكز في قضائه المشار إليه على مجرد إثبات أحد األمرين وھو خطأ
المتضرر والحادث الفجائي ،ولم يتعرض قط لألمر الثاني الذي يقضي بكون الحارسين
قاما بمحاولتھما لمنع حدوث الضرر الالحق بالمتضرر يكون بذلك قد خرق مقتضيات
الفصل 88المومإ إليه أعاله ،وبالتالي فھو معرض للنقض".31
و في قرار آخر صادر عن محكمة النقض سنة 2008جاء فيه ما يلي ":ال يمكن
دفع مسؤولية حارس الشيء وفقا للفصل 88أعاله إال بإثبات شيئين متالزمين وھما فعل
- 30قرار صادر عن اسئنافية وجدة رقم 312بتاريخ 2006/02/23في الملف ،04.294غير منشور.
قرار صادر عن اسئنافية الرباط رقم 254الصادر بتاريخ 30مارس 2011ـ الغرفة المدنية األولى ،الملف
عدد ،14/07/101قضاء محكمة االستئناف بالرباط في ظل المبادئ الحديثة المعتمدة من طرف محكمة النقض،
العدد ،6السنة ،2013ص 31وما بعدھا.
-قرار صادر عن اسئنافية الرباط رقم 604الصادر بتاريخ 23دجنبر 2010في الملف عدد /2010/304
،1202نفس المرجع ،ص 186ومابعدھا.
- 31القرار المدني عدد ،600بتاريخ ،1975/12/31في الملف المدني عدد ،41773محمد أوغريس "قضاء
المجلس األعلى في المسؤولية المدنية" ،م.س ،ص.26 :
-في نفس المعنى يراجع:
-قرار مدني عدد 160الصادر بتاريخ 18مارس ،1970محمد أوغريس ،م.س ،ص.20 :
-قرار مدني عدد 239صادر بتاريخ 13ماي ،1970نفس المرجع ،ص.21:
-قرار مدني عدد 222صادر بتاريخ 23يونيو ،1971نفس المرجع ،ص.23:
15
ما كان ضروريا لتفادي وقوع الضرر ،وإقامة الدليل على أن الخطأ -المفترض -يرجع
لسبب أجنبي ال يد له فيه".32
وفي قرار آخر أيضا صادر عن محكمة النقض ذھبت فيه إلى أن... " :مقتضيات
الفصل 88من ق.ل.ع.تجعل المسؤولية مفترضة في حق حارس الشيء إال إذا أثبت أنه
فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر وأن الضرر يرجع لحادث فجائي أو قوة قاھرة أو
خطأ المضرور.33"...
وھكذا يتضح أن القضاء المغربي قد انتصر للرأي القائل بازدواجية اإلثبات في
ظل الفصل 88من ق.ل.ع.
الفقرة األولى :تفسير عبارة "فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر" بنفي الخطأ
لقد ذھب القضاء المغربي في بعض قراراته إلى تفسير عبارة فعل ما كان
ضروريا لمنع الضرر بنفي الخطأ .وھذا ما يتضح من خالل قرار صادر عن محكمة
االستئناف بالرباط جاء فيه ":الحكم جنائيا ببراءة سائق الشاحنة من تھمة الجروح غير
العمدية ،يثبت أنه فعل ما كان ضروريا لتفادي الضرر" .34ويتضح أن ھذا القرار قد
اعتبر صدور الحكم بالبراءة من الخطأ الجنائي دليل على عدم ارتكاب الحارس لخطأ
- 32قرار عدد 2364صادر بتاريخ 2008/06/18في الملف المدني عدد ،2006/3/1/ 2686منشور بمجلة
قضاء المجلس األعلى ،العدد ،(2009) 71ص.97:
- 33القرار عدد 3183صادر بتاريخ 20شتنبر 2001في الملف المدني عدد ،2001/5/1/1339مجلة قضاء
المجلس األعلى ،العدد المزدوج ،60-56ص 99 :وما بعدھا.
- 34قرار استئنافي صادر بتاريخ 18مارس ،1955مجموعة قرارات محكمة االستئناف الرباط ،عدد مزدوج
،152-151ص .476
16
مدني بالنظر لوحدة مفھومھما .وبالتالي يمكن أن نستنتج أنه فسر عبارة فعل ما كان
ضروريا لمنع الضرر بنفي الخطأ.
ويثار التساؤل ھنا ،ھل الحكم بالبراءة الجنائية فعال دليل قاطع على أن الحارس
لم يصدر عنه أي خطأ مدني؟ .أو بتعبير آخر ھل يجوز للمحكمة المدنية أن تحكم
بالتعويض في واقعة معينة بعد صدور الحكم الجنائي فيھا بالبراءة لعدم ثبوت الخطأ
الجنائي؟.
البد من اإلشارة في بادئ األمر أن ھذا التساؤل يرتبط ارتباطا وثيقا بحجية الحكم
الجنائي والتي تجد سندھا القانوني في القانون المغربي في المادة 10من قانون
المسطرة الجنائية 35والتي تنص على أنه " :يمكن إقامة الدعوى المدنية ،منفصلة عن
الدعوى العمومية ،لدى المحكمة المدنية المختصة .غير أنه يجب أن توقف المحكمة
المدنية البت في ھذه الدعوى إلى أن يصدر حكم نھائي في الدعوى العمومية إذا كانت قد
تمت إقامتھا" .وھذا ما سوف نعمل على توضيحه.
فكما ھو معلوم يترتب على مبدأ حجية الحكم الجنائي ،36أن يتقيد القاضي المدني
بكل ما فصل فيه الحكم الجنائي فصال قاطعا الزما للفصل في الدعوى العمومية ،ولھذا
قررت محكمة النقض المصرية أن" :القاعدة الصحيحة في حجية الحكم الجنائي
- 35ظھير شريف رقم 1.02.255صادر في 25من رجب 3) 1423أكتوبر (2002بتنفيذ القانون رقم 22.01
المتعلق بالمسطرة الجنائية ،والمنشور بالجريد الرسمية عدد 5078بتاريخ 27ذي القعدة 30) 1423يناير ،(2003
ص .315
- 36قد يتبادر إلى الذھن بادئ األمر أن حجية الحكم الجنائي على القاضي المدني متفرعة عن حجية الشيء المحكوم
فيه عموما ،وأنھا تشترك معھا في شروطھا وأحكامھا .ولكن الواقع غير ذلك .إذ أن حجية الشيء المحكوم به عموما
أريد بھا وضع حد للمنازعات وعدم السماح للمتقاضين بشغل المحاكم بالقضية مرات متعددة إلى ما ال نھاية .وجعل
معيار ھذه الحجية اتحاد الخصوم واتحاد الموضوع واتحاد السبب ،وأثرھا نسبي .أما حجية الحكم الجنائي على
القاضي المدني فليس أساسھا اتحاد الموضوع ألن موضوع الدعوى الجنائية توقيع العقاب ،وموضوع الدعوى المدنية
التعويض .وال اتحاد الخصوم ألن الخصم في الدعوى الجنائية النيابة العمومية وفي الدعوى المدنية المصاب .ھذا
فضال عن أن الحكم الجنائي الصادر بإدانة متھم يقيد القاضي في الدعوى المرفوعة على المسؤول مدنيا ،ولو لم يكن
ممثال في الدعوى العمومية .فحجيته مطلقة أي تسري قبل الكافة ، erga ommesوالحكمة فيھا كما تقول محكمة
النقض المصرية ":ھي توافر الضمانات المختلفة التي قررھا الشارع في الدعاوي الجنائية ابتغاء الوصول إلى
الحقيقة فيھا الرتباطھا باألرواح والحريات .األمر الذي تتأثر به مصلحة الجماعة ومصلحة األفراد مما يقتضي أن
تكون األحكام الجنائية محل ثقة على اإلطالق ،وأن تبقى آثارھا نافذة على الدوام ،وھذا ما يستلزم حتما أال تكون
ھذه= =األحكام معرضة في أي وقت إلعادة النظر في الموضوع الذي صدرت فيه حتى ال يجر ذلك إل تخطئتھا من
.
جانب أي جھة من جھات القضاء"
-سليمان مرقس "بحوث وتعليقات على األحكام في المسؤولية المدنية وغيرھا من موضوعات القانون المدني"،
م.س ،ص 101:و. 102
17
االنتھائي أن ھذه الحجية تقوم كلما فصل الحكم الجنائي فصال شامال والزما في-1 :
تحقيق الفعل الذي يكون األساس المشترك لكال الدعويين الجنائية والمدنية -2 ،في
الوصف القانوني لھذا الفعل -3 ،في إدانة وعدم إدانة المتھم بارتكاب الفعل".37
يحدد ھذا القرار الصادر عن محكمة النقض المصرية مدى أو نطاق حجية الحكم
الجنائي بالنسبة للمحكمة المدنية .وقد حدد ھذا القرار مدى ھذه الحجية في ثبوت أو عدم
ثبوت الوقائع واألفعال شريطة أن تشكل ھذه األخيرة أساس كل من الدعوى الجنائية
والمدنية ،وفي تكييف تلك الوقائع ،وفي نسبة تلك األفعال إلى المتابع بھا من عدمھا.
غير أنه يشترط أن يكون ما قطع به القاضي الجنائي -حتى يحوز الحجية في مواجھة
القاضي المدني -ضروريا للفصل في الدعوى العمومية بحيث ال يعتبر تعرضه له تزيدا
منه .فمثال إذا أثبت القاضي الجنائي في حكمه وقوع خطأ من المجني عليه ،فإن ھذا ال
يقيد المحكمة المدنية ألنه لم يكن الزما له للفصل في الدعوى العمومية ويعتبر تزيدا منه
ال تثبت له حجية الحكم الجنائي.38
وقد عرفت حجية الحكم الجنائي في شقھا المتعلق بتكييف الوقائع المكونة ألساس
المتابعة الجنائية والمدنية خالفا حادا في حالة الحكم بالبراءة .39حيث وجد من يرى أنه
يمكن للقاضي المدني أن يكيف تلك الوقائع الثابتة والمثارة 40أمام القاضي الجنائي على
أنھا خطأ مدني ويحكم بالتعويض لفائدة المتضرر دون أن يعتبر ذلك مساسا بحجية
الحكم الجنائي .ويصطلح على ھذا الخالف حول مدى حجية الحكم الجنائي على مستوى
إعادة تكييف الوقائع في حالة التصريح بالبراءة من قبل القاضي المدني في الكتابات
القانونية بوحدة مفھوم الخطأ الجنائي والمدني أو ازدواجيته .أما إذا صرح القاضي
كما أن إرادة المشرع ذھبت أيضا إلى األخذ بنظرية ازدواجية الخطأ وھو ما
يظھر بشكل جلي من خالل ما ورد في المادة 410من قانون المسطرة الجنائية و التي
جاء فيھا " :يقصر استئناف الطرف المدني أو المسؤول عن الحقوق المدنية نظر غرفة
- 44سليمان مرقس ،بحوث وتعليقات على األحكام في المسؤولية المدنية وغيرھا من موضوعات القانون المدني
،م.س ،ص .115
- 45صدر عن محكمة النقض قرار يوضح تبنيھا لنظرية وحدة الخطأ وجاء في ھذا القرار ما يلي:
« Ainsi les actions qui dérivent des articles 1382 et 1384, alinéa 1er du Code civile, bien que poursuivant le
même objet, procèdent de causes juridiques différentes ; et, par suite, l’inexistence des conditions
auxquelles la première est subordonnée, même lorsque cette inexistence est constaté par une décision
passée en force de la chose jugée, ne fait pas nécessairement obstacle à l’exercice de la seconde ».
-Requête, 16juillet 1928 , (DP 1929.1.33, note Savatier, Gaz. Pal. 1928.2.370), Henri Capitant et autres,
Op.cit, p 438 et suiv.
- 46أحمد الخمليشي ،م.س ،ص.33 :
20
الجنح االستئنافية على مصالح المستأَنف المدنية ويتيح للمحكمة تقدير حقيقة الوقائع
المتسببة في الضرر المدعى به.
ال يخول ھذا االستئناف للمحكمة إال تأييد الحكم أو تعديله أو إلغاءه لفائدة المستأنف.
ال يكون للحكم الصادر بعد ھذا االستئناف سواء قضى بالحقوق المدنية أو برفضھا
أي تأثير على الدعوى العمومية ،إذا كان الحكم الصادر بناء على متابعة النيابة العامة قد
اكتسب قوة الشيء المقضي به" .و في إطار تطبيق ھذه المادة فقد صدر عن محكمة
النقض قرار جاء فيه " :الحكم النھائي الصادر بالبراءة ال يحول دون نظر قاضي
الدرجة الثانية في الدعوى المدنية التابعة ،و اقتناعه بثبوت الضرر المستوجب
للتعويض" .47و في قرار آخر صادر عن محكمة النقض تطبيقا لنفس المادة و الذي
نقرأ فيه " :إن إلغاء الحكم المطعون فيه لطلب التعويض المدني الذي كان قد تقدم به
الطاعن لم يسبب له في الواقع أي ضرر ،ألن ھذا اإللغاء حكمت به المحكمة باعتبارھا
محكمة زجرية ال يجوز لھا منح التعويض إال إذا تأكدت من وقوع الفعل ذي الصبغة
اإلجرامية المتابع من أجله ،و عليه فيبقى بعد ھذا للمعني باألمر حق اللجوء إلى
المحكمة المدنية التي تنظر في طلب التعويض ال على أساس الصبغة اإلجرامية للفعل
بل بناء على قواعد القانون المدني الصرف و لھذا تكون غير جديرة بالقبول الوسيلة
المتخذة من كون محكمة الدرجة الثانية حكمت ضد منفعة المطالب بالحق المدني
المستأنف وحده" .48و يتضح من ھذين القرارين لمحكمة النقض المغربية أنھا أخذت
بفكرة ازدواجية مفھوم الخطأ إلى مدني و جنائي وقررت بأن الحكم بالبراءة ال يمنع
من طلب التعويض استنادا إلى نفس الوقائع التي كان أساسا للدعوى العمومية.
و يبدوا بأن المحكمة االبتدائية بوجدة تأخذ فكرة ازدواجية الخطأ في بعض
أحكامھا وھكذا جاء في أحد أحكامھا " :حيث إن المدعية أدلت بشھادة بعدم الطعن،
فضال عن كون الدعوى في نازلة الحال قدمت باالستناد إلى مبادئ المسؤولية التقصيرية
47
-قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 09/2/11تحت عدد 10/285في الملف عدد 08/18014منشور بمجلة قضاء المجلس
األعلى عدد 71ص 425و ما يليھا.
48
-قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 70/1/29تحت عدد 286منشور بمجموعة قرارات المجلس األعلى المادة الجنائية الجزء
األول ص 35و ما يليھا.
21
وفقا للفصل 88من ق ل ع وھي غير أساس الدعوى العمومية مما يكون الدفع غير
مؤسس ويتعين رده" .49غير أننا نالحظ في حكم آخر لنفس المحكمة يتعلق بالمسؤولية
الخطئية أنھا أخذت بفكرة وحدة الخطأ المدني والجنائي ،ومما جاء في حيثيات ھذا الحكم
ما يلي " :وحيث إنه بالرجوع إلى وثائق الملف وخاصة القرار االستئنافي عدد 4576
بتاريخ 2015/12/21يثبت للمحكمة أنه قضى بتبرئة المدعى عليھا من أجل العنف ضد
قاصر ،لذلك تكون مسؤوليتھا الجنائية غير ثابتة ثبوتا جازما من جھة وتبقى عناصر
الجرم كصورة من صور الفعل الضار في المسؤولية التقصيرية عن األفعال الشخصية
غير قائمة في حقھا.
و حيث إنه لقيام المسؤولية التقصيرية ال بد من خطأ وضرر وعالقة سببية
بينھما ،ومادام صدر حكم ببراءة المدعى عليھا فإن عنصر الخطأ غير ثابت في حقھا
كما أشير إليه ،ويكون تبعا لذلك المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن العنف ضد
قاصر غير مؤسس ويتعين التصريح برفضه".50
و جاء في قرار صادر عن عن محكمة االستئناف بوجدة ما يلي " :حيث إن
المحكمة بعد اطالعھا على وثائق الملف ومحتوياته ودراستھا لتعليالت الحكم المستأنف
وتمحيصھا ألسباب االستئناف تبين لھا أن ما أثاره الطاعن من خرق المادة 10من
قانون المسطرة الجنائية 51فقد أجاب عنه بتعليالت كافية وسليمة على اعتبار أن نازلة
الحال أساسھا الخطأ المفترض لحارس الشيء استنادا لمقتضيات الفصل 88من ق ل ع
وليس الخطأ الجنائي الواجب اإلثبات الشيء الذي يجعل ما تمسكت به الطاعنة غير
الفقرة الثانية :تفسير عبارة فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر بالقيام بعمل
إيجابي
- 55القرار المدني عدد 240الصادر بتاريخ 13ماي ،1970نفس المرجع ،ص.22 :
-في نفس المعنى راجع القرار المدني عدد 414الصادر بتاريخ 12أبريل ،1972نفس المرجع ،ص.24 :
- 56القرار المدني عدد ،169الصادر في 14محرم 12 – 1369أبريل ،1969مجموعة قرارات المجلس األعلى
في المادة المدنية ،1982 - 1966م.س ،ص 613ومابعدھا.
- 57القرار المدني عدد 152الصادر في 3محرم 11 – 1390مارس ،1970مجموعة قرارات المجلس األعلى
في المادة المدنية ،1982 - 1966م.س ،ص 637وما بعدھا.
24
الطريق المخصص لسيرھا واستخلصت من ذلك أن ما قام به الحارس ال يشكل عمال
إيجابيا لتجنب الحادث .فإن استخالصھا كان سائغا يبرر ما انتھت إليه ،وكان قرارھا
معلال ولم تخرق ما احتج به وكان ما بھذه الوسائل جميعھا غير جدير باالعتبار".58
وال يجب على المحكمة أن تكتفي بذكر أن الحارس قد فعل ما باستطاعته لتجنب
الضرر ،بل عليھا أن تبرر ذلك في قرارھا وإال كان عرضة للنقض .وھكذا جاء في
قرار صادر عن محكمة النقض ما يلي ":حيث يتبين صحة ما نعته الوسيلة ،ذلك أن
المحكمة لما اقتصرت في تعليلھا المنتقد بالوسيلة على التصريح بأنه ال يمكن أن ينسب
أي خطأ لسائق السيارة دون أن تبين العناصر الواقعية والقانونية التي اعتمدتھا لنفي
قرينة المسؤولية المفترضة عنه ،فإن تعليلھا يكون ناقصا وموازيا النعدامه ،مما يعرض
القرار للنقض" .59وفي المقابل فإن محكمة النقض تكتفي في بعض قراراتھا عند تحميل
الحارس المسؤولية بتعليل قرارھا بكون الحارس لم يفعل ما ھو ضروري لمنع الضرر
دون تحديد لما لم يفعله .وھذا ما يتضح من قرار محكمة النقض والتي نقضت بمقتضاه
قرارا استئنافيا لعلة أنه لم يبين " ما إذا كان الحارس قد فعل كل ما في استطاعته لتجنب
الضرر وھل اتخذ االحتياطات الضرورية التي أمالھا الموقف".60
ومن خالل ھذه القرارات الصادرة عن محكمة النقض يمكن استخالص القواعد
التالية:
−فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر ال يتحقق بنفي الخطأ ،بل بالقيام بعمل
إيجابي واتخاذ االحتياطات الضرورية التي أمالھا الموقف قبل الحادث أو عند وقوعه.
ويترتب على ذلك أن الحكم الجنائي الصادر بالبراءة ال يمنع من المطالبة بالتعويض
- 58القرار عدد 3847بتاريخ 2001/11/08في الملف المدني عدد ،2001/928نفس المرجع ،ص.74 :
- 59القرار المدني عدد 5456بتاريخ 1995/10/28في الملف المدني عدد ،91/2216نفس المرجع ،ص.31 :
وفي نفس المعنى أيضا:
-القرار المدني عدد 2739بتاريخ 1995/05/18في الملف المدني عدد ،91/5313نفس المرجع ،ص.30 :
-القرار المدني عدد 207بتاريخ 23يونيو ،1971نفس المرجع ،ص.23 :
-القرار المدني عدد 222بتاريخ 23يونيو ،1971نفس المرجع ،ص.24 :
-القرار المدني عدد 5450بتاريخ 26أكتوبر ،1995في الملف المدني عدد ،93/3792نفس المرجع ،ص:
.32
- 60قرار صادر بتاريخ 18مارس ،1970مجلة قضاء المجلس األعلى ،عدد ،16ص.50 :
25
أمام القاضي الجنائي ،حتى بالنسبة لمن يقولون بوحدة الخطأ الجنائي والمدني .ألن
محكمة النقض تحاشت وصف "عدم قيام الحارس بعمل إيجابي واتخاذ االحتياطات
الضرورية التي أمالھا الموقف قبل الحادث أو عند وقوعه" بالخطأ .وھو ما يطرح
مشكل البحث عن وصف مناسب لھذا الفعل؟.
−ال يكفي أن يقوم الحارس بأي عمل ،بل ال بد أن يكون ھذا العمل إيجابيا
ومؤثرا في عدم حدوث الضرر.
−يجب على المحكمة أن تبين العناصر الواقعية والقانونية التي اعتمدتھا لنفي
قرينة المسؤولية على الحارس ،بما في ذلك ثبوت قيام الحارس بفعل ما كان ضروريا
لمنع الضرر وإال كان قرارھا عرضة للنقض .في حين تكتفي محكمة النقض في بعض
قراراتھا عند تحميل الحارس المسؤولية بتعليل قرارھا بكون الحارس لم يفعل ما ھو
ضروري لمنع الضرر دون تحديد لما لم يفعله.
ويمكن أن نسجل على التفسير المعتمد من طرف محكمة النقض لعبارة فعل ما
كان ضروريا لمنع الضرر ،بأنھا تعني القيام بعمل إيجابي واتخاذ االحتياطات
الضرورية التي أمالھا الموقف قبل الحادث أو عند وقوعه ،إضافة إلى مجموعة من
المالحظات نشير إلى أھمھا فيما يلي:
−االكتفاء بتعليل أحكام المسؤولية بمثل عبارة الحارس لم يثبت القيام بكل ما في
استطاعته لمنع الضرر ،يجعل الحارس مكلفا بإثبات واقعة غير محددة ،ألن كل ما في
اإلمكان ،أو كل ما في االستطاعة يشمل وقائع ال حصر لھا ،وتعتبر لذلك واقعة مطلقة
أو عامة .ومن المبادئ األساسية في اإلثبات أن الواقعة المقبول إثباتھا أمام القضاء
يشترط فيھا أن تكون محددة ،ألن الواقعة المطلقة ال تقبل مناقشة إثباتھا ألنھا بطبيعتھا
تستعصي على اإلثبات .61كما أن مثل ھذا التعليل يجعل الحارس عرضة للمسؤولية متى
أرادت المحكمة ذلك ،فحتى لو أثبت عشرات االحتياطات وأعمال اإلنقاذ فيمكن للمحكمة
30
]< <êÞ^nÖ]<o{{{{vf¹
]ÇÖ]<`Ş}<æ_< …憖¹]<`Ş}<æ_<ì†â^ÏÖ]<ìçÏÖ]<æ_<êñ^rËÖ]<p^£
حسب المشرع المغربي في الفصل 88من ق.ل.ع يجب على حارس الشيء
لدفع المسؤولية عنه أن يثبت إلى جانب فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر أن سبب
الضرر يرجع إما لحادث فجائي أو لقوة قاھرة أو لخطأ المضرور .وإذا كان المشرع لم
يشر إلى خطأ الغير ،فإن الفقه 68والقضاء جعله ھو اآلخر من أسباب دفع مسؤولية
حارس الشيء .و عليه سنتناول في المطلب األول الحادث الفجائي و القوة القاھرة ،بينما
نخصص المطلب الثاني للحديث عن خطأ المتضرر و خطأ الغير.
-68سليمان مرقس "الوافي في شرح القانون المدني ،الجزء الثاني :في االلتزامات ،:المجلد الثاني :الفعل الضار،
القسم األول :في األحكام العامة ،م.س ،ص 112 :وما يليھا.
-حشمت أبو ستيت ،م.س ،ص 365 :وما يليھا.
-محمد لبيب شنب" ،المسؤولية عن األشياء ،دراسة في القانون المدني المصري مقارنا بالقانون الفرنسي" ،م.س
،ص 233 :وما يليھا.
-أحمد عبد الرزاق السنھوري ،م.س ،ص 895 :وما بعدھا.
-مأمون الكزيري ،م.س ،ص 411 :وما يليھا.
-محمد الكشبور ،م.س ،ص 42 :وما يليھا.
31
المطلب األول :الحادث الفجائي أو القوة القاھرة
قبل التطرق لشروط القوة القاھرة أو الحادث الفجائي ،نرى بأنه من الضروري
التطرق للخالف الذي وقع حول وحدة مدلول القوة القاھرة أو الحادث الفجائي أو
ازدواجيته.
عنون المشرع المغربي الفرع الثاني من الباب الثالث من القسم الرابع من الكتاب
األول بـ "القوة القاھرة والحادث الفجائي" .فھل نحن أمام صورتين مختلفتين للسبب
األجنبي لكل منھا مدلولھا الخاص وأحكامھا ؟.
ذھب األستاذ جوسران إلى التمييز بين القوة القاھرة المعفية والتي تتميز
بالخارجية عن الحارس وعن الشيء محل الحراسة .والحادث الفجائي الذي يتميز
بمصدره الداخلي بالنسبة الستعمال الشيء .ويمثل لألولى بفعل الطبيعة وللثاني بفعل
الشيء مثل كسر جھاز قيادة السيارة أو انفجار أحد إطاراتھا . 69ورتب على ھذا
االختالف أن للقوة القاھرة أثرا معفيا من المسؤولية ،في حين أن الحادث الفجائي ليس له
ھذا األثر.70
وفي مقابل ھذا االتجاه األخير ،يرى األستاذ محمد لبيب شنب " أنه يكاد ينعقد
إجماع الفقه الحديث على أن الحادث الفجائي والقوة القاھرة تعبيران يدالن على معنى
واحد ،ولذلك فال محل للتمييز بينھما ،وعلى ھذا تسير أحكام القضاء – في مصر-إذ
تستعمل التعبيرين كمترادفين ،وھذا أيضا ما فعله القانون المدني الجديد فقد حرص على
أن يذكر التعبيرين معا".71
ونحن نرى بأن المشرع المغربي قد انحاز لھذا الرأي األخير وندلل على ذلك
بأنه اكتفى بتعريف القوة القاھرة وبيان شروطھا في الفصل 269من ق.ل.ع المغربي،
-69إبراھيم الدسوقي" ،اإلعفاء من المسؤولية عن حوادث السيارات" ،دار غريب للطباعة ،القاھرة 1975 ،ص:
.189
70
-إبراھيم الدسوقي ،م.س ،ص.189 :
71
-محمد لبيب شنب ،م.س ،ص.333 :
32
وذلك بعد أن ذكر كل منھما في الفصل 268من ق.ل.ع .وكأنه أراد بذلك أن يقول لنا
بأن ھذا التعريف وھذه الشروط يسريان كذلك حتى على الحادث الفجائي .ونحن انسجاما
مع الرأي الراجح في الفقه وبناء على ھذا الفھم لمقتضيات الفصل 269من ق.ل.ع
المغربي نؤيد الرأي القائل بوحدة مفھوم كل من السبب األجنبي والقوة القاھرة.
ينص الفصل 269من ق.ل.ع على أن " القوة القاھرة ھي كل أمر ال يستطيع
اإلنسان أن يتوقعه كالظواھر الطبيعية ) الفيضانات والجفاف ،والعواصف ،والحرائق،
والجراد( ،وغارات العدو وفعل السلطة ،ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ االلتزام
مستحيال.
وال يعتبر من قبيل القوة القاھرة األمر الذي كان من الممكن دفعه ،ما لم يقم
المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.
وكذلك ال يعتبر من قبيل القوة القاھرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين".
ومن ھذا النص يتبين بأن الحادث الفجائي أو القوة القاھرة ،حتى يعتبرا سببا
أجنبيا يدفع المسؤولية ،يجب أن تتوافر فيھما ثالثة شروط وھي:
شرط عدم إمكان التوقع ،شرط عدم إمكان الدفع ،وشرط الخارجية.
أوال :شرط عدم إمكان التوقع.
أشار المشرع لشرط عدم التوقع في الفصل 269من ق.ل.ع بعبارة "كل أمر ال
يستطيع اإلنسان أن يتوقعه" .والمعيار ھنا في تقدير عدم التوقع ھو معيار موضوعي
مطلق ال معيار شخصي .72بمعنى أنه ال يقدر بالمألوف في مسلك الشخص العادي وإنما
بأشد الناس يقظة وفطنة وحرصا وھذا ما يفھم من كلمة "اإلنسان" التي جاء بھا المشرع
في الفصل 269من ق.ل.ع على سبيل اإلطالق والعموم .وھذا التشدد في تقدير شرط
عدم التوقع تشدد محمود يصب في مصلحة المضرور ويعقد على الحارس مأمورية
إثبات السبب األجنبي.
- 72حشمت أبو ستيت ،م.س ،ص.203 :
33
ويرى األستاذ سليمان مرقس في ھذا الصدد أن "المرء غير مطالب بكل ما في
وسعه بل إن للواجبات والتكاليف حدودا ال يجوز تخطيھا فال يسأل المرء إال عما كان
يجب عليه أن يتوقعه ال عن كل ما في إمكانه توقعه" .73ويبدوا أن األستاذ مرقس يميل
من خالل كالمه إلى اعتماد المعيار الموضوعي المجرد أو معيار الشخص العادي.
وبالتبعية تسھيل المأمورية على الحارس في إثبات شرط من شروط السبب األجنبي
المتمثل في شرط عدم التوقع.
ومن القرائن التي تساعد على القول بأن حادث ما يمكن توقعه من عدمه ھو ندرة
الحادث أو كثرته 74وعلى ذلك فال يكفي أن يكون الحدث قد وقع قبال ليكون مثله مرتقبا
في كل مرة ،فإن كان الحدث الذي حصل من الندرة بحيث ال يوفر بذاته سببا معقوال
للتصور بأن حصوله سيتكرر فإنه يظل غير ممكن التوقع.75
ثانيا :شرط عدم إمكان الدفع:
نقصد ھنا بشرط عدم إمكان الدفع ،عدم إمكانية دفع السبب األجنبي في ذاته،
واستحالة دفع نتائجه الضارة أيضا ،وقد عبر المشرع المغربي في الفقرة الثانية من
الفصل 269من ق.ل.ع عن ھذا الشرط بقوله" وال يعتبر من قبيل القوة القاھرة األمر
الذي كان من الممكن دفعه" .وبمفھوم المخالفة فإن األمر الذي ال يمكن دفعه يشكل قوة
قاھرة .ويضيف المشرع في الفقرة الثانية من الفصل 269من ق.ل.ع عبارة " ما لم يقم
المدين الدليل على أنه بدل كل العناية لدرئه عن نفسه" .ويستشف من ھذه الفقرة أن
معيار تقدير عدم إمكان دفع القوة القاھرة في التشريع المغربي معيار شخصي يقاس
بقدرات الحارس الشخصية .وكما ھو معلوم فقد تعرض المعيار الشخصي للنقد لكون
القاضي ال يمكنه الوقوف على حقيقة القدرات الشخصية للحارس لكونھا تتعلق بطبيعته،
مما قد يؤدي به األمر إلى سوء التقدير وبالتالي الوقوع في الظلم من دون أن يدري.
-73سليمان مرقس "نظرية دفع المسؤولية المدنية" ،رسالة دكتوراه من جامعة القاھرة )النسخة العربية( ،م.س ،ص:
.205
- 74نفس المرجع ،ص.207 :
-75عاطف النقيب" ،النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن فعل األشياء في مبادئھا القانونية وأوجھھا العملية" ،م.س ،
ص.365 :
34
لذلك فقد استعاض الفقه عنه بمعيار آخر أكثر انضباطا وينطبق على الكافة في الشق
المتعلق بالقدرات الشخصية وھو معيار الشخص العادي.76
ويضيف المشرع المغربي في آخر الفقرة األولى من الفصل 269من ق.ل.ع
شرطا آخر في األمر المشكل للقوة القاھرة وھو أن يكون من شأنه أن يجعل تنفيذ
االلتزام مستحيال .ويقصد به أن يكون من المستحيل على الحارس تالفي الضرر الذي
خلفته القوة القاھرة .و المعيار في تقديم ھذا الشرط ھو معيار موضوعي مطلق مادام
المشرع اشترط إثبات استحالة تنفيد االلتزام استحالة مطلقة ،بحيث يتعذر على أي
شخص عند تحقق ظرف القوة القاھرة أن يقوم بتنفيذه.
وعليه نخلص من خالل القراءة الحرفية لمقتضيات الفصل 269من ق ل ع
المذكور أعاله ،إلى أن عدم إمكان الدفع ينصب على الواقعة المكونة للقوة القاھرة في
ذاتھا ،والمعيار في تقديره شخصي .وعلى دفع نتائج ھذه الواقعة والمعيار في تقديره ھنا
معيار موضوعي مطلق 77بحيث يتعذر على أشد الناس قوة أن يدفع تلك النتائج.
واإلثبات ينبغي أن ينصب من قبل الحارس على ھاذين األمرين معا حتى يعفى من
المسؤولية.
و على مستوى الفقه ،فھناك إجماع على أن المعيار الواجب اعتماده في تقدير
شرطي عدم إمكان التوقع وعدم إمكان الدفع إنما ھو المعيار الموضوعي أو المجرد
وليس المعيار الشخصي .78غير أنھم اختلفوا حول مقياس المعيار الموضوعي ھل ھو
الرجل العادي 79أو معيار أشد الناس يقظة وحرصا 80الموجودان في نفس الظروف
الخارجية للحارس.81
- 76راجع بھذا الشأن :عبد الرزاق أحمد السنھوري ،م.س ،ص 788 :ومايليھا.
-77عبد الرزاق أحمد السنھوري ،م.س ،ص.996 :
78
-عبد الرزاق أحمد السنھوي ،م.س ،ص 788ومايليھا.
-أحمد رأفت تركي ،محاضرات في مادة القانون المدني ألقيت على طلبة السنة الثانية شعبة الحقوق ،السنة الجامعية ،1995-1994
وجدة ،ص .255
-محمد علي عمران ،االلتزام بضمان السالمة وتطبيقاتھا في بعض العقود ،دار النھضة العربية ،طبعة ،1980ص .219
-أحمد سعيد الزقرد ،الروابط القانونية الناشئة عن عقد الرحلة ،مقال منشور في مجلة الحقوق الصادرة عن مجلس النشر العلمي
،جامعة الكويت ،السنة ، 22العدد األول ،مارس 1998ص .237
79
-عاطف النقيب ،المرجع السابق ،ص .489
80
-عبد الرزاق أحمد السنھوري ،م.س ،ص .788
81
-سفيان ادريوش ،وسائل دفع المسؤولية عن األشياء غير الحية ،م.س ،ص .72
35
و يرى األستاذ سفيان ادريوش بھذا الخصوص أنه ينبغي األخذ بمعيار الشخص
العادي ألنه األكثر قربا للعدالة وقائم على أساس المعقولية.82
و في رأينا الخاص ،فإننا نرى بأن اعتماد المعيار الموضوعي ) المجرد( المطلق
الذي يقاس بأشد الناس يقظة وحرصا ھو األفضل وينسجم مع الفلسفة التي قامت عليھا
مسؤولية حارس الشيء في بادئ أمرھا وھي ضمان حصول المتضرر على التعويض
والتقليل من حاالت إفالت الحارس من المسؤولية والنحو شيئا فشيئا حول جعلھا
مسؤولية موضوعية ،خاصة أمام انتشار التأمين.
و إذا كان الفصل 269من ق ل ع يسعفنا في اعتماد المعيار الموضوعي المطلق
لشرط عدم التوقع واستحالة دفع نتائج السبب األجنبي الضارة ،فإن األمر على خالفه
بالنسبة إلثبات شرط عدم إمكان دفع السبب األجنبي في ذاته الذي يقدر بمعيار شخصي
حسب القراءة الحرفية لنص الفصل 269من ق ل ع .وأي توجه نحو اعتماد المعيار
الموضوعي المطلق بخصوص ھذا الشرط األخير سيكون في إطار الدور اإليجابي الذي
ينبغي أن يتخذه القاضي بشأن التعامل مع ما استجد في الواقع من ظھور المكننة
والتأمين واستفادة شريحة معينة من عائدات المكننة خاصة في مجال عالقات الشغل،
والذي يفرض عليه التدخل إلصالح النص القانوني أحيانا ،بل والذھاب بعيدا في
تفسيره .ورغم ھذا النقاش القانوني الذي ال يخلوا من أھمية ،فإننا نرى أن اشتراط
المعيار الموضوعي المطلق لتقدير شرطي عدم التوقع ودفع النتائج الضارة للسبب
األجنبي قد يكونان كافيين عمال لتالفي إفالت عدد كبير من حارسي الشيء من
المسؤولية المدنية.
وقد أشارت محكمة النقض المغربية إلى شرطي عدم التوقع والدفع في قرار
صادر عنھا ،والذي جاء فيه ":لكن ،فإن ما علل به القرار يعتبر تعليال سليما بخصوص
عدم االستجابة للدفع المتعلق بالقوة القاھرة حينما صرح أن الحادثة يمكن توقعھا وينبغي
تجنبھا بوضع الزجاج السميك للنوافذ وغير القابل لالنكسار أو وضع شبابيك واقية بعدما
أصبح التعرض لمثل ھذه الحوادث مألوفا ،مما يبقى معه ما أثير بالوسيلة على غير
82
-نفس المرجع ،ص .73
36
أساس" .83وجاء في قرار آخر لمحكمة النقض أيضا ":القوة القاھرة والحادث الفجائي
ھي أمر ال يمكن توقعه ويستحيل تجنبه والمحكمة لما ثبت لھا من خالل الخبرة أن
اختناق القنوات الرئيسية الخارجية للمياه العادمة )الواد الحار( ھي السبب المباشر في
حصول الضرر خالل فصل الشتاء ،وقررت أن تھاطل األمطار بغزارة في ھذا الفصل
يمكن توقعه ويمكن تجنب االختناق الناتج عنه ،فاعتبرته عن صواب ال يشكل قوة قاھرة
أو حادثا فجائيا ،ولم تثبت الطاعنة وفقا للفصل 88من ق ل ع أنھا فعلت ما كان
ضروريا لتفاديه فإنھا ركزت قضاءھا على أساس وعللت قرارھا تعليال سليما" ،84و قد
صدر ھذا القرار األخير تأييدا لقرار محكمة االستناف بالرباط رقم 225بتاريخ 17
مارس 2011في الملف عدد .8514/2008/247
ثالثا :شرط الخارجية.86
عبر المشرع في الفصل 268من ق.ل.ع عن ھذا الشرط بقوله" :وال يعتبر من
قبيل القوة القاھرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين" وبمفھوم المخالفة فإن السبب
الذي ينشأ بفعل خطأ الحارس ويحدث الضرر للغير يسأل عنه الحارس وال يعتبر أجنبيا
عنه ،وفي ھذا الصدد فقد جاء في حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بالمحمدية أن":
الدفع بواقعة الحادث الفجائي لإلعفاء من المسؤوليتين المدنية والجنائية تكون منفية إذا
كان الحادث وقع نتيجة خطإ سابق كان سببا رئيسيا ووحيدا في وقوع حادثة سير".87
و باإلضافة إلى ھذه الصورة التشريعية لعدم خارجية السبب ،فإن القضاء أعطى
مفھوما أوسع لشرط خارجية السبب في إطار المسؤولية عن األشياء ال ينحصر فقط في
عدم حصول ھذا السبب بخطأ الحارس بل يتعدى مداه ذلك .إذ ال يكون الحدث خارجيا
-83القرار عدد 1435بتاريخ 2001/05/07في الملف المدني عدد ،2000/2491محمد أوغريس" ،قضاء
المجلس األعلى في المسؤولية المدنية" ،دار القرويين الدار البيضاء ،2002 ،الطبعة األولى ،ص 71 :وما بعدھا.
- 84القرار رقم 23المؤرخ في 15يناير – 2013الغرفة المدنية القسم الثالث -الملف عدد ،2011/3/1/3647
منشور ب قضاء محكمة االستئناف بالرباط في ظل المبادئ الحديثة المعتمدة من طرف محكمة النقض ،م.س ،ص
192وما بعدھا.
- 85نفس المرجع ،ص 192وما بعدھا.
- 86ال ينبغي أن نقول شرط خارجية السبب األجنبي ،ألن أجنبية السبب عن الحارس ال تثبت إال بعد التحقق من
كونه خارجيا أم ال.
- 87حكم جنحي سير عدد ،70صادر بتاريخ 2010/05/27في الملف رقم ،08/715منشور بمجلة المقال العدد
المزدوج 4-3سنة ،2011ص 215وما بعدھا.
37
ولو حدث بفعل الحارس فقط ودون أن يصدر أي خطأ عنه ،ألن مسؤولية الحارس ال
تقوم على الخطأ .كما أن الضرر الذي يحدث من الشيء بسبب فقدان الحارس للوعي
لسبب خارج عن إرادته ال يشكل سببا أجنبيا حسب ما أكده قرار Trichardالصادر
عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 18دجنبر 1964والذي صرحت فيه بأن سائق
السيارة الذي يصطدم بعربة ذات عجلتين يبقى مسؤوال عن الضرر الحاصل لسائق ھذه
األخيرة حتى ولو حصل على حكم جنحي يبرئه من الحادث من الناحية الجنائية بعلة أنه
كان فاقدا للوعي من جراء نوبة صرع أصابته ،وذلك طبقا للفصل 64من القانون
الجنائي .وقد علل ھذا القرار موقفه بأن مجرد الفقدان المؤقت للملكات الذھنية سواء تم
تكييفھا على أنھا صرع طبقا لمفھوم المادة 64من المدونة الجنائية،أو نتجت عن أي
اضطراب فزيولوجي آخر ال تشكل سببا أجنبيا عن الحارس معفيا له من المسؤولية".88
وقد تم تكريس ھذا االجتھاد بمقتضى قانون 3يناير 1968الذي ألقى عبء التعويض
على الشخص الذي سبب الضرر للغير ولو كان في حالة اختالل عقلي .89
وال يكون خارجيا عن الحارس أيضا الضرر الناشئ عن أشياء موضوعة من
طرفه بيد أحد تابعيه أو أحد أوالده ألن القانون يجعله مسؤوال عن ھذه الحراسة .كما ال
يكون خارجيا كذلك الضرر الناتج بسبب عيب في الشيء ولو كان غير معلوم للحارس
وغير ممكن التوقع والدفع.
وال يتطلب في الشيء الذي أحدث الضرر حتى يتخلف شرط الخارجية أن يكون
جزءا من كيان وتكوين الشيء سبب الضرر ،فالضرر الذي يحدث نتيجة قذف الحجر أو
المسمار أو غيرھم من األشياء الموجودة بالطريق من طرف السيارة يتحمل مسؤولية
تعويضه حارس ھذه السيارة ،ألن الحجر أو غيره لم يكن سوى وسيلة أو أداة مطيعة
88
-« Mais attendu que pour décider que Trichard devrait, par application de texte susvisé, réparer
l’intégrité du préjudice souffert par Piccino, l’arrêt relève, à bon droit, qu’une obnubilation passagère des
facultés= =intellectuelles, qu’ elle soit qualifié de démence au sens de l’article 64 du Code pénal ou qu’elle
procéde d’un quelconque malaise physique , n’est pas un événement susceptible de constituer une cause de
dommage extérieure ou étrangère au gardien ;_ Attendu que, de ces constatations et énonciations, la cour
d’appel a justement déduit que l’absence épileptique au cour de laquelle s’était produit l’accident, n’avait
» pas pour effet d’exonérer Trichard de la responsabilité qui pesait sur lui en sa qualité de gardien.
- Deuxième chambre civile, 18 décembre 1964,( D. 1965. 191, concl. Schmelck, note Esmein, JCP 1965.
II. 14304, note Dejean de la batie, Gaz. Pal. 1965.1. 202), Henri Capitant et autres, Op cit, p 404 et suiv.
89
- Henri Capitant et autres, Op.cit, p 408.
38
لنشاط السيارة ولم يقم في واقعة القذف إال بدور سلبي بحت .وقد اعترف القضاء فعال
بتطبيق أحكام المسؤولية عن األشياء على حارس السيارة في ھذه الحاالت .90
وقد أصدرت محكمة النقض المغربية عدة قرارات تؤكد على ضرورة توافر
شرط الخارجية ،حيث ذھبت في أحد قراراتھا إلى أن انفجار العجلة ال يشكل قوة قاھرة
لدفع المسؤولية 91ھذا فيما يتعلق بالخارجية عن الشيء .أما فيما يخص الخارجية عن
الشخص فقد صدر عن نفس المحكمة قرار قضت فيه بأن وقوع الحادثة بسبب عدم تحكم
السائق وفقده السيطرة على سيارته بسبب سيره بسرعة ال تتالءم وظروف الزمان
والمكان ،مما جعله ينحرف بھا ليصدم متجر الطاعنة ال يشكل قوة قاھرة.92
نستنج مما سبق ،أن شرط الخارجية يقتضي أال يكون السبب المحدث للضرر أو
الذي ساھم في نشوئه أو تفاقمه راجع إما كليا أو جزئيا لخطأ الحارس ،أو لفعله ،أو
راجعا لذاتية الحارس كفقدان الملكات العقلية ،أو لذاتية الشيء كعيب فيه ،أو تسبب فيه
أشخاص ممن يسؤل عنھم الحارس قانونا أو اتفاقا.
و قد استندت المحكمة االبتدائية بوجدة على الحادث الفجائي أو القوة القاھرة لدفع
المسؤولية عن السائق حيث جاء في حكم لھا ":حيث إنه بالرجوع إلى وثائق الملف
وخاصة صورة محضر الضابطة القضائية المنجز من طرف درك عين بني مطھر رقم
142بتاريخ 2010/06/06ومن خالل تصريحات األطراف به بما فيھا تصريحات
المدعي نفسه يثبت للمحكمة أن السبب الرئيسي في وقوع الحادثة يرجه إلى انزالق
السيارة بسبب تواجد حصى صغيرة كثيرة في الطريق ألنھا ال زالت في طور األشغال،
مما يكون معه عنصر الخطأ منتفيا في حق المدعى عليه ،ويكون دفع المدعى عليھا
شركة التأمين بكون سبب وقوع الحادث ال يعود لفعل تسبب فيه السائق ،وال يقع تحت
مسؤوليته ،بل يعود لسبب أجنبي وحادث فجائي ال دخل للجھة المدعى عليھا فيه
سوف نبدأ بتعريف خطأ المضرور)أوال( ،ثم نتطرق ألثره على مسؤولية
حارس الشيء )ثانيا( ،وأخيرا نتناول موضوع كيفية توزيع المسؤولية بين المضرور
والحارس)ثالثا(.
- 95قرار عدد 3382صادر بتاريخ 16غشت 2011في الملف المدني عدد ،2011/5/1/579غير منشور.
- 96القرار عدد 3183صادر بتاريخ 20شتنبر 2001في الملف المدني عدد ،2001/5/1/1339مجلة قضاء
المجلس األعلى العدد المزدوج ،60-59ص 99 :وما بعدھا.
- 97القرار المدني عدد 375الصادر بتاريخ ،1966/06/15محمد أو غريس ،م.س ،ص 12 :وما بعدھا.
41
قيام الضحية بأعمال ساھمت في وقوع االصطدام فإنھا ال توصف بكونھا خطأ بالمعنى
القانوني يقتضي تحميله مسؤولية الحادثة".98
ال بد ونحن نتحدث عن أثر خطأ المضرور على مسؤولية حارس الشيء ،أن
نستعرض التطور الذي عرفه القضاء الفرنسي بخصوص ھذه المسألة .فقد كان القضاء
الفرنسي في البداية يرتب على خطأ المضرور إعفاء كليا من المسؤولية ،وفي ھذا
الصدد صدر قرار عن محكمة النقض الفرنسية بصفتھا جھة نقض آنذاك بالنسبة للقضاء
المغربي إبان فترة الحماية الفرنسية ،جاء فيه بأنه" :يكفي أن يالحظ القاضي أن حادثة
السير التي يطالب المضرور بالتعويض عنھا باالستناد إلى الفصل 88من ق.ل.ع ،كان
سببھا تھور ھذا المضرور ،لكي يعفى الحارس من كامل المسؤولية".99
ويالحظ أن ھذا القرار صدر قبل سنة 1936وبالتالي تأثر بالقاعدة العامة التي
كانت تسود أحكام القضاء الفرنسي قبل ھذا التاريخ ،وھي إعفاء الحارس بمجرد إثبات
خطأ المضرور .100وھذا األخير -أي القضاء الفرنسي -كان متأثرا بدوره بالقاعدة
الرومانية القديمة :
» ،« Quad si quis ex culpa sans damnum sentit non intellegitur damnum
والتي بمقتضاھا يحرم المضرور من كل تعويض إذا ثبت ارتكابه لخطأ ما سواء كان
خطأه ھذا ھو السبب الوحيد للضرر أو اشترك مع خطأ المدعى عليھا.
وحرمان المضرور من التعويض في ھاته الحالة يأخذ حكم جزاء على خطأ
المضرور.101
- 98القرار رقم 17الصادر بتاريخ 12يناير 1988في الملف المدني رقم ،35211منشور بمجموعة قرارات
المجلس األعلى في المادة المدنية ،1982 - 1966م.س ،ص 502وما بعدھا.
- 99قرار صادر بتاريخ 3أبريل ،1933أورده دراريس محمد" ،وسائل دفع مسؤولية حارس الشيء غير الحي في
القانون المغربي والجزائري وتطبيقاتھا القضائية" ،أطروحة الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة محمد األول وجدة ،السنة الجامعية ،2000-1999ص .37
- 100إبراھيم الدسوقي ،م.س ،ص.165 :
- 101نفس الرجع ،ص .163
42
إذ سرعان ما-بيد أن القضاء الفرنسي لم يبقى على موقفه ھذا – وحسنا فعل
وھذا ما يتضح من خالل قرار صادر عن محكمة النقض،بدأ يتراجع عنه تدريجيا
"مقتضيات الفقرة األولى من الفصل: والذي ذھبت فيه إلى أن1938 الفرنسية بتاريخ
ال تمنع من تشطير المسؤولية بين الضحية الذي ساھم في إحداث،ف.م. من ق1348
وفي قرار.102"الضرر والحارس للشيء الذي يصبح مسؤوال مسؤولية مفترضة جزئية
ذھبت فيه إلى ضرورة أن1982 الحق صدر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ
، واستحالة الدفع، من عدم إمكان التوقع،يتصف خطأ المضرور بخصائص القوة القاھرة
وإال تحمل الحارس تعويض المسؤولية عن الضرر بشكل كامل حتى مع وجود خطأ
ويالحظ بأن ھذا القرار األخير يتشدد في مساءلة الحارس ويرفض فكرة.103المضرور
تشطير التعويض بين المضرور والحارس وينھج على حد تعبير بعض الفقه الفرنسي
فالمضرور إما أن يحصل على كامل التعويض أو ال،104"سياسة "الكل أو ال شيء
.يحصل على أي شيء
6 وقد عدلت محكمة النقض عن موقفھا السابق بمقتضى قرار صدر عنھا بتاريخ
عندما أقرت بإمكانية إعفاء الحارس جزئيا من المسؤولية إن ھو أثبت،1987 أبريل
مما يعني عودة.105 دون أن يتطلب فيه توافر شروط القوة القاھرة،خطأ المضرور
اآلنف1938 محكمة النقض من جديد للرأي الذي تبنته في قرارھا الصادر بتاريخ
.الذكر
102
-« les dispositions de l’article 1384, alinéa 1er du code civil ne font pas obstacle à ce que la
responsabilité d’un dommage puisse être partageé entre la victime, dont la faute a concourue à
l’occasionner, et le gardien de la chose qui en demeure présumé responsable pour partie ».
- civ, 8 février 1938, (DH 1938.194.S.1938.1.36. Gaz. Pal. 1938 1.558), cité par Henri capitant et autres,
p428 et suiv.
103
-« seul un événement constituant un cas de force majeur exonère le gardien de la chose, instrument du
dommage, de la responsabilité par lui encourue par l’application de l’article 1384, alinéa 1er, du code civile,
dés lors, le comportement de la victime s’il n’a pas été pour le gardien imprévisible et irrésistible, ne peut
l’on exonérer, même partiellement. ».
- deuxième chambre civile, 21 juillet 1982, (JCP 1982.II. 19861, note Chabas). Cité par Henris Capitant et
autres, Op.cit, p 430 et suiv.
104
- Henri Capitant et autres, Op.cit, p 434.
105
- « le gardien de la chose instrument du dommage est partiellement exonéré de sa responsabilité s’il
prouve que la faute a contribué au dommage. ».
- Deuxième chambre civile, 6 avril 1987, (JCP .1987. II. 20228, note Chabas), cité par Henri Capitant et
autres, Op.cit, p 431 suiv.
43
ويمكن تفسير قرارات محكمة النقض المشار إليھا أعاله ،بالصعوبة التي وجدتھا
في تشطير المسؤولية بحيث لم تكن تقبل أو تتصور مسألة تشطير المسؤولية بين
الحارس والمتضرر ،أي تشطير المسؤولية بين خطإ مفترض وخطأ ثابت .لذلك
استعانت بما توافر لھا من وسائل قانونية مستمدة من القواعد العامة للمسؤولية
التقصيرية القائمة على خطأ واجب اإلثبات باعتبارھا األقرب في طبيعتھا للجواب على
ھذا اإلشكال القانوني المطروح ،ولم تجد بدا من فكرة االستغراق التي يتم إعمالھا في
حالة اشتراك خطأ المتسبب وخطأ المتضرر في إحداث الضرر ،والتي تفضي إلى
اعتبار أنه في حالة كون خطأ أحدھما أكثر جسامة من خطأ اآلخر فإن ذلك يجعله
مستغرقا له وبالتالي يتم تحميل المسؤولية كاملة لمن استغرق خطأه خطأ اآلخر .106
باإلضافة إلى ذلك فقد وضعت محكمة النقض الفرنسية في قرارھا السالف الذكر كمعيار
لتحقق ھذا االستغراق أن يستجمع خطأ المتضرر شروط القوة القاھرة للقول بأن خطأ
المضرور ھو السبب الرئيسي للضرر .ففي القرار الذي نھجت فيه محكمة النقض منطق
"الكل أو الشيء" فقد اعتبرت فيه أن توافر عناصر القوة القاھرة في خطأ المضرور
شروط ال بد منھا للقول باستغراقه لخطأ الحارس للتأكد من أن الحارس استنفد كل ما
لديه في تعامله مع السبب الخارجي الذي ھو خطأ المضرور ،أما في حالة عدم توافر
ھذه الشروط فيتحمل الحارس كامل المسؤولية نظرا لصعوبة تحديد نسبة مساھمة كل
من خطأ المضرور وخطأ الحارس في إحداث الضرر .وبالتالي فقرينة المسؤولية
المقررة بمقتضى الفصل 1/1384من ق.م.ف المقابلة للفصل 88من ق.ل.ع ال تقبل
الھدم الجزئي.
أما في القرار الذي ذھبت فيه محكمة النقض الفرنسية إلى تشطير المسؤولية بين
المضرور والحارس فقد ارتأت أن تقدر بما لھا من سلطة تقديرية نسبة مساھمة كل من
- 106راجع في أثر خطأ المضرور على المسؤولية المبنية على خطأ واجب اإلثبات أو مفترض .عبد الرزاق أحمد
السنھوري ،م.س ،ص 881وما يليھا.
44
خطأ الحارس المفترض وخطأ المتضرر الثابت في إحداث الضرر .بمجرد إثبات خطأ
المتضرر وإن لم يثبت شرطي عدم التوقع والدفع.107
و نحن نرى بأن موقف محكمة النقض األخير كان موفقا ،ألنه عمل على تحقيق
الموازنة بين مصالح المضرور والحارس وجلب مفھوما قانونيا جديدا لمجال المسؤولية
المدنية أال وھو تشطير المسؤولية .كما أنه يتوافق و ال يتناقض مع موقف محكمة النقض
الفرنسية األول حينما اعتبر أن خطأ المتضرر الذي استجمع شروط القوة القاھرة يأخذ
حكم السبب األجنبي ويؤدي إلى اإلعفاء الكلي من المسؤولية كما فصلنا ذلك في المحور
السابق.
وقد صدرت عن محكمة النقض المغربية عدة قرارات تؤيد ھذا االتجاه األخير
الذي نؤيده ،وھكذا جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي ":لكن حيث إن محكمة
االستئناف مصدرة القرار المطعون فيه التي أيدت الحكم االبتدائي تتبنى تعليل ذلك الحكم
فيما لم تأت بشأنه بتعليالتھا الخاصة وفيما ال يتعارض مع تعليلھا وقد أثبتت المحكمة
االبتدائية في حيثيات حكمھا أن سائق السيارة كان يسير بسرعة معتدلة ملتزما أقصى
اليمين وفعل ما كان ضروريا لتفادي وقوع االصطدام وحاول التوقف قبل وقوع
الحادثة ،إال أن السرعة المفرطة التي كان يسير بھا الضحية وفي اتجاه ممنوع وعلى
يسار الطريق جعلته يفقد التحكم في مقود دراجته ويرتطم بالسيارة ،ورتبت على ذلك
عدم تحميل السائق أي جزء من المسؤولية .تكون قد طبقت مقتضيات الفصل 88من
ق.ل.ع المحتج بھا تطبيقا سليما وعللت قرارھا تعليال صحيحا وما بالوسيلة على غير
أساس" .108وقد أكدت محكمة النقض نفس الموقف في قرار آخر ،والذي قضت فيه
بأن ":المحكمة لما أعفت الحارس القانوني من المسؤولية حين تبين لھا أن الضحية
خرق عالمة قف وأن حارس السيارة تالفى الحادثة بانحيازه يسارا أو استعماله الفرامل
107
- Deuxième chambre civile, Arrêt n° 301 du 24 février 2005.
-الموقع االلكتروني لمحكمة النقض الفرنسية ، www.courdecassation.fr :تاريخ الولوج.2016/07/26:
- 108القرار عدد 1358صادر بتاريخ 9أبريل 2008في الملف المدني عدد ،2007/5/1/1218مجلة قضاء
المجلس األعلى ،العدد ،70ص 103 :وما بعدھا.
45
وأعفته لكون خطأ المضرور كان مستغرقا تكون قد اعتمدت الشرطين المنصوص
عليھما في الفصل 88من قانون االلتزامات والعقود".109
كما صدر عن المحكمة االبتدائية لوجدة عدة أحكام تصب في نفس توجه محكمة
النقض ونذكر من ضمن ھذه األحكام على سبيل المثال ال الحصر حكما جاء فيه ":حيث
إن المحكمة برجوعھا لوثائق الملف وخاصة محضر الضابطة القضائية عدد 4010
بتاريخ 2012/11/15المنجز من طرف شرطة وجدة والرسم البياني المرفق به وكذا
تصريحات المصرحين به تبين لھا أن السبب في وقوع الحادثة ھو عدم ضبط السرعة
وعدم القيام بالمناورات الالزمة لتفادي الحادث للمدعى عليه األول ،وكذا عدم انتباه
المدعية عند قطع الطريق ،مما ارتأت المحكمة بعد مقارنة األخطاء المرتكبة تحميل
المدعى عليه األول ثلثي مسؤولية الحادثة وجعل الثلث الباقي على عاتق المدعية".110
خلصنا في المحور السابق إلى إمكانية تجزيء المسؤولية عندما يشترك كل من
الحارس والمضرور في حدوث الضرر .وبھذا الخصوص يثار التساؤل حول الكيفية
التي ينبغي أن يتم بھا توزيع المسؤولية بينھما ؟.
إجابة عن ھذا التساؤل ،برز رأيان:
رأي أول يركز على وصف الخطأ مظھرا ودرجة ليقيس على قدره أمر -
التوزيع في التبعة والتخفيض من التعويض .فكلما كان خطأ المتضرر أجسم وأشد ،كان
الحق في التعويض على المدعي أقل وكان العبء على المدعى عليه أخف .فيكون
- 109القرار عدد 3857صادر بتاريخ 12نونبر 2008في الملف المدني عدد ،2007/5/1/3073مجلة قضاء
المجلس األعلى ،العدد ،70ص 106 :وما بعدھا.
- 110حكم رقم 1614بتاريخ 2016/07/28في الملف رقم ،15/801غير منشور.
و في نفس المعنى صدر عن المحكمة االبتدائية بوجدة األحكام التالية:
-حكم رقم 837بتاريخ 2016/04/14في الملف عدد ،15/522غير منشور.
-حكم رقم 1095بتاريخ 2016/05/19في الملف عدد ،15/610غير منشور.
-حكم رقم 1195بتاريخ 2016/06/02في الملف عدد ،15/116غير منشور.
-حكم رقم 1516بتاريخ 2016/07/14في الملف عدد ،15/1199غير منشور.
46
وصف الخطأ ھو الذي يحكم تقدير التعويض من غير حساب الزم لمدى مساھمته واقعا
في إحداث الضرر.111
في حين ينطلق رأي آخر من الضرر الذي عرف ومن الظروف التي -
حصل فيھا للتحقق من العوامل المؤثرة في حصوله .فيكون تقدير خطأ المتضرر بالنظر
إلى تأثيره السببي في إحداث الضرر وفي ھذه الحالة يكون على القاضي أن يتثبت من
مدى مساھمة الخطأ في الحادث فيعتد بمعدل ھذه المساھمة في تقدير التعويض.112
وبين ھاذين االتجاھين ال يحتاج المرء إلى كثير من التفكير حتى يقرر بأن
االتجاه الثاني ھو األجدر باإلتباع .ألنه يحاول الوقوف على حقيقة سبب الضرر وحقيقة
مساھمته في إحداثه ،بدل أن يستنتجھا من جسامة الخطأ استنتاجا آليا قد يصيب وقد
يخطأ .فھذا االتجاه الثاني يحاول أن يتجنب ھامش " خطأ االستنتاج " الذي يمكن أن يقع
فيه أصحاب الرأي األول.
وبالرغم من موقفنا ھذا ،فإننا نرى أن بين الرأيين أعاله خيطا رفيعا جدا .ذلك أنه
غالبا ما ترتبط جسامة خطأ المضرور بمدى مساھمته في إحداث الضرر .ومع ذلك يبقى
الرأي الثاني أجدر بالتأييد نظرا لما ذكرناه بصدده.
و نحن نرى بأن المشرع المغربي قد اعتنق بدوره الرأي الثاني في الفقرة األولى
من الفصل 98من ق.ل.ع والتي جاء فيھا" :الضرر في الجرائم وأشباه الجرائم ھو
الخسارة التي لحقت المدعي فعال ،والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر
إلنفاقھا إلصالح نتائج الفعل الذي ارتكب إضرارا به ،وكذلك ما حرم منه من نفع في
دائرة الحدود العادية لنتائج ھذا الفعل" .وإن كان ال يخفى تأثره بالرأي األول عندما نص
في الفقرة األخيرة من الفصل 98من ق.ل.ع على أنه "ويجب على المحكمة أن تقدر
األضرار بكيفية مختلفة حسبما تكون ناتجة عن خطأ المدين أو تدليسه".
وغني عن البيان أنه في حالة وفاة المضرور فإن حقه في التعويض عن الضرر
المادي والمعنوي ينتقل لورثته .والقضاء المغربي مستقر بھذا الخصوص على أن خطأ
لم يرد في الفصل 88من ق.ل.ع المغربي النص على خطأ الغير كسبب لإلعفاء
من المسؤولية المدنية لحارس الشيء ،غير أن الفقه 115و القضاء -كما سوف يأتي معنا-
دأبا على األخذ به و اعتباره سببا يمكن أن يعفي الحارس إن كليا أو جزئيا من المسؤولية
المدنية.
ويقصد بالغير 116ھو كل شخص غير الحارس وغير المضرور.
- 113محمد األمراني زنطار " تشطير التعويض بين المسؤولية الخطئية والمسؤولية المفترضة :مواقف القضاء
وردود الفقه -دراسة مقارنة ، "-المطبعة الوراقة الوطنية ،مراكش ،1999 ،الطبعة األولى ،ص.343 :
- 114حكم عدد 275بتاريخ 09/01/27في الملف عدد ،07/865غير منشور.
- 115راجع األحالة رقم 68لالطالع على الفقه الذي يأخذ بخطأ الغير كسبب معف من المسؤولية المدنية عموما
بما في ذلك مسؤولية حارس الشيء.
- 116لقد ورد استعمال مصطلح الغير في العديد من القوانين المغربية كقانون االلتزامات والعقود عندما تحدث
المشرع عن االشتراط لمصلحة الغير ،والغير عن العقد ،وكذا في قانون المسطرة المدنية عندما تحدث عن تعرض
الغير الخارج عن الخصومة ،وكذا في ظھير التحفيظ العقاري الذي تمم وعدل بمقتضى القانون ،07.14عند حديثه
48
وال يعتبر من الغير من يسأل عنه الحارس قانونا أو اتفاقا .من قبيل مسؤولية التابع عن
المتبوع حيث يسأل المتبوع عن التابع قانونا .ومن قبيل مسؤولية مستشفى األمراض
النفسية عن المرضى الذين يتولى رعايتھم واالعتناء بھم بمقتضى عقد رعاية حيث
يسأل المستشفى عنھم في ھذه الحالة اتفاقا .117
ويشترط في الغير حتى ينھض سببا يمكن للحارس دفع المسؤولية عنه باالعتماد
عليه ،أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط ) أوال( ،وفي حالة تحقق ھذه الشروط يكون
له أثر معفي من المسؤولية إما كليا أو جزئيا ) ثانيا(
أوال :الشروط الواجب توافرھا في خطأ الغير إلعفاء حارس الشيء من
المسؤولية
يشترط في فعل الغير حتى يعتبر سببا معفيا من المسؤولية إن كليا أو جزئيا أن
يكون خاطئا )أ( ،كما يشترط في ذلك الغير أن يكون معينا )ب(.
أ( اتصاف فعل الغير بالخطأ
يشترط أغلب الفقه في فعل الغير أن يكون خاطئا حتى ينھض سببا لإلعفاء من
المسؤولية .118وفي مقابل ھذا الرأي نجد رأيا آخر يذھب إلى أن العبرة بمدى إمكانية
اعتبار سبب ما أجنبيا أم ال ھو بمدى تدخله في إحداث الضرر أم ال ،أو بعبارة أخرى
بمدى دفعه بالشيء إلى إحداث الضرر من عدمه،ال بكونه خاطئا أم ال .119وفي نفس
االتجاه يذھب األستاذ عاطف النقيب إال أنه "ليس من الالزم أن يتصف فعل الغير
عن الغير حسن النية .ويختلف المعنى الذي أراد المشرع إعطاءه للغير في كل حالة من الحاالت السابقة .ويترتب
على تحديد ھذا المعنى آثار ھامة على حقوق األفراد ،لذلك كان وال يزال تحديد مفھوم الغير من المواضيع القانونية
الھامة والحساسة.
- 117الفصل 85من ق.ل.ع المغربي كما غير وتمم بمقتضى الظھير الشريف بتاريخ .1973/07/19
-118أحمد حشمت أبو ستيت "نظرية االلتزام في القانون المدني الجديد" ،الكتاب األول :مصادر االلتزام ،مطبعة دار
الفكر العربي ،1954 ،ص.451:
-عبد الرزاق أحمد السنھوري ،م.س ،ص.1017:
-سليمان مرقس "الوافي في شرح القانون المدني ،الجزء الثاني :في االلتزامات ،:المجلد الثاني :الفعل الضار،
القسم األول :في األحكام العامة ،بدون ذكر اسم المطبعة ،1988 ،الطبعة الخامسة ،ص.116 :
-محمد لبيب شنب ،م.س ،ص.251:
-119عبد الواحد العلمي" ،األساس القانوني عن فعل األشياء غير الحية ووسيلة دفعھا في القانون المغربي " ،م.س،
ص.294 :
49
بالخطأ ليكون معفيا من التبعة كلھا ،طالما أنه قد تكاملت فيه خصائص القوة القاھرة ،إذ
يكون له أثرھا بحكم ما تكامل فيه من خصائصھا".120
والرأي فيما أعتقد أن فعل الغير ينبغي أن يكون خاطئا ،ألن ق.ل.ع ال يعترف
بالمسؤولية عن الفعل الشخصي إال إذا كان خاطئا سواء كان ھذ الخطأ ثابتا أو مفترضا.
والشذوذ عن ھذه القاعدة يحتاج إلى نص صريح في القانون والحال أن ھذا النص
معدوم .كما أنه إذا قلنا بأن فعل الغير غير الخاطئ يكفي لدفع المسؤولية ،وكان ھذا
الغير معينا ،فعلى أي أساس سوف يقاضي المتضرر ھذا الغير ما دام لم يصدر من قبله
أي خطأ ؟ .لذلك فنحن من أنصار اشتراط الخطأ في فعل الغير ضمانا لحصول
المضرور على التعويض .وقد جاء في قرار لمحكمة النقض ما يدل على أن محكمة
النقض تتطلب في فعل الغير الذي يرتكز عليه حارس الشيء لدفع المسؤولية عنه أن
يكون خاطئا حيث ذھب إلى أن" :خطأ الغير) صاحب الدراجة الذي انحاز لليسار بكيفية
غير متوقعة( ال يمكن أن يعفي من المسؤولية إال إذا كون ھذا الخطأ القوة القاھرة أو
حدثا فجائيا ".121
ب( تعيين الغير
لقد وقع اختالف كبير في الفقه حول ھذا الشرط ،فالفقيه سليمان مرقس يشترط أن
يكون الغير شخصا معروفا ومعينا ،ويبرر ذلك بأنه بغير تعيين الغير ال يمكن التأكد بأن
خطأ الغير في ذاته يشكل سببا أجنبيا إذ يتعذر الجزم بأن ذلك الغير أجنبي عن المدعى
عليه وليس ممن يلزمه ضمانھم .122في حين يذھب غالبية الفقه 123عكس ذلك إذ ال
يفرقون بين خطأ الغير المعين وخطئه غير المعين ألن وصف الخطأ قد يتحقق في فعل
و فيما يتعلق بتأثير خطأ الغير على المسؤولية المدنية للحارس فإنه ينطبق عليه
ما قلناه عندما كنا بصدد الحديث عن تأثير خطأ المتضرر على مسؤولية حارس الشيء،
إذ إنه يجب التمييز بين أمرين :فإذا أثبت الحارس أن خطأ الغير استجمع خصائص القوة
القاھرة ففي ھذه الحالة يأخذ حكمھا ويعفى الحارس بالكامل من المسؤولية ،أما إذا أثبت
الحارس فقط خطأ الغير ومساھمته في الضرر فھنا المحكمة تعفي الحارس من
المسؤولية وفقا لسلطتھا التقديرية وتبعا لمساھمة خطأ الغير في الضرر .وھذا ما أكدته
محكمة النقض المغربية في قرار لھا جاء فيه ":إن مسؤولية السائق تكون محل تقدير
من طرف المحكمة في الحالة التي يرجع فيھا الضرر لخطأ الضحية أو مشاركة الغير
فيه".126
يمكن الخروج من خالل ھذا البحث ،بمجموعة من االستنتاجات نشير إليھا فيما يلي:
-قرينة المسؤولية المفترضة بمقتضى الفصل 88من ق.ل.ع حسب القضاء
المغربي ال تنتفي إال بإثبات القوة القاھرة أو الحادث الفجائي أو خطأ المتضرر
أو خطأ الغير ،فضال عن إثبات فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر .وھذا التوجه
ال ينسجم مع المنطق القانوني السليم وحبذا لو اكتفى المشرع بالتنصيص على
دفع مسؤولية حارس الشيء كليا بإثبات السبب األجنبي.
-الحادث الفجائي والقوة القاھرة تعبيران يدالن على نفس المعنى.
-شروط القوة القاھرة أو الحادث الفجائي ھي شرط عدم إمكان التوقع ،وشرط
عدم إمكان الدفع ،وشرط الخارجية.
-يجب اعتماد المعيار الموضوعي ) أو المجرد( المطلق الذي يقاس بأشد الناس
يقظة وحرصا لتقدير شرطي عدم التوقع وعدم إمكان الدفع لكونه ھو األفضل
وينسجم مع الفلسفة التي قامت عليھا مسؤولية حارس الشيء في بادئ أمرھا،
وھي ضمان حصول المتضرر على التعويض والتقليل من حاالت إفالت
الحارس من المسؤولية والنحو شيئا فشيئا حول جعلھا مسؤولية موضوعية تقوم
على إثبات الضرر وعالقة السسبية فقط ،خاصة أمام انتشار التأمين.
-إذا كان الفصل 269من ق ل ع يسعفنا في اعتماد المعيار الموضوعي المطلق
لشرط عدم التوقع واستحالة دفع نتائج السبب األجنبي الضارة ،فإن األمر على
خالفه بالنسبة إلثبات شرط عدم إمكان دفع السبب األجنبي في ذاته الذي يقدر
بمعيار شخصي حسب القراءة الحرفية لنص الفصل 269من ق ل ع .وأي توجه
نحو اعتماد المعيار الموضوعي المطلق بخصوص ھذا الشرط األخير سيكون
في إطار الدور اإليجابي الذي ينبغي أن يتخذه القاضي بشأن التعامل مع ما
استجد في الواقع من ظھور المكننة والتأمين واستفادة شريحة معينة من عائدات
المكننة خاصة في مجال عالقات الشغل ،والذي يفرض على القاضي التدخل
52
إلصالح النص القانوني أحيانا ،بل والذھاب بعيدا في تفسيره .ورغم ھذا النقاش
القانوني الذي ال يخلوا من أھمية ،فإننا نرى أن اشتراط المعيار الموضوعي
المطلق لتقدير شرطي عدم التوقع ودفع النتائج الضارة للسبب األجنبي قد يكونان
كافيين عمال لتالفي إفالت عدد كبير من حارسي الشيء من المسؤولية المدنية.
-إن شرط الخارجية يقتضي أال يكون السبب المحدث للضرر أو الذي ساھم في
نشوئه أو تفاقمه راجعا إما كليا أو جزئيا لخطأ الحارس المفترض أو لفعله ،وأال
يكون راجعا لذاتية الحارس كفقدان الملكات العقلية ،أو لذاتية الشيء كعيب فيه،
أو تسبب فيه أشخاص ممن يسؤل عنھم الحارس قانونا أو اتفاقا.
-خطأ المتضرر الذي استجمع شروط القوة القاھرة يأخذ حكمھا ويؤدي إلى
اإلعفاء الكلي للحارس من المسؤولية المدنية .وفي حالة إثبات خطأ المتضرر
وعالقته السببية بالضرر تلجأ المحكمة إلى إعفاء الحارس جزئيا من المسؤولية
أو تشطيرھا بينه وبين المتضرر.
-فعل الغير المعفي من المسؤولية يجب أن يكون خاطئا وأن يكون ھذا الغير معينا.
-يقصد بالغير ھو كل شخص غير الحارس وغير المضرور .وال يعتبر من قبيل
الغير من يسأل عنه الحارس قانونا أو اتفاقا.
-خطأ الغير الذي استجمع شروط القوة القاھرة يأخذ حكمھا ويؤدي إلى اإلعفاء
الكلي للحارس من المسؤولية المدنية .وفي حالة إثبات خطأ الغير وعالقته
السببية بالضرر تلجأ المحكمة إلى إعفاء الحارس جزئيا من المسؤولية أو
تشطيرھا بينه وبين الغير .
-ينبغي لمحكمة النقض تبني نظرية ازدواجية الخطأ بشكل صريح وواضح وتعميم
تطبيقھا على المسؤولية المدنية بشكل عام.
-إثبات فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر يقصد به نفي الخطأ ،وھذا الخطأ ينتفي
بإثبات شرطي عدم التوقع وعدم الدفع اللذان يقدران بمعيار موضوعي مطلق،
ويستغرقان جميع األخطاء التي يمكن أن تصدر عن الحارس في تعامله مع
53
السبب األجنبي لدفعه في ذاته أو لتفادي نتائجه الضارة :فبإثبات شرطي عدم
التوقع و الدفع فإن الحارس يثبت أنه لم يكن بإمكانه توقع السبب األجنبي ومن ثم
ال يمكن القول بأنه قبل تحمل الضرر المحتمل وقوعه ،كما أنه لم يكن بإمكانه
دفع السبب األجنبي في ذاته كيفما كان سلوكه قبل الحادث وحتى لو قام بأي عمل
من أعمال االحتياط ،ولم يكن بإمكانه كذلك دفع نتائجه الضارة بواسطة القيام بأي
عمل من أعمال اإلنقاذ.
-إثبات القوة القاھرة بشروطھا يغني عن إثبات فعل ما كان ضروريا لمنع
الضرر.
و على ضوء ھذه الخالصات نقترح الصياغة التالية للفصل 88من ق ل ع
وھي:
" كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من األشياء التي في حراسته ،إذا
تبين أن ھذه األشياء ھي السبب المباشر للضرر ،وذلك ما لم يثبت السبب األجنبي
الذي تسبب في الضرر حيث يعفى كلية من المسؤولية .ويشمل السبب األجنبي القوة
القاھرة ،وخطأ المضرور وخطأ الغير المستجمعين لشروط القوة القاھرة.
شروط السبب األجنبي ھي شرط الخارجية وشرط عدم التوقع وشرط عدم
الدفع ،وتقدر بمعيار موضوعي مطلق.
يعفى الحارس جزئيا من المسؤولية إذا أثبت خطأ المتضرر أو خطأ الغير وعالقتھما
السببية بالضرر ،وذلك تبعا لسلطة المحكمة التقديرية.
البراءة من الجرائم غير العمدية ،ال تحول دون إقامة دعوى المسؤولية المدنية في
مواجھة المتسبب في الضرر".
54
÷< <VÄq]†¹]<ívñ
]< <Víée†ÃÖ]<íÇ×Ö^e<Äq]†¹
55
-محمد أوغريس" ،قضاء المجلس األعلى في المسؤولية المدنية" ،دار القرويين الدار
البيضاء ،2002 ،الطبعة األولى.
-محمد علي عمران ،االلتزام بضمان السالمة وتطبيقاتھا في بعض العقود ،دار النھضة
العربية ،طبعة .1980
]< <Ví‘^¤]<Äq]†¹
-محمد لبيب شنب" ،المسؤولية عن األشياء ،دراسة في القانون المدني المصري مقارنا
بالقانون الفرنسي" ،مكتبة النھضة المصرية ،رقم الطبعة غير مذكور.
-عاطف النقيب" ،النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن فعل األشياء في مبادئھا
القانونية وأوجھھا العملية" ،منشورات عويدات ،بيروت ،1980 ،الطبعة األولى.
-محمد زھدور "المسؤولية عن فعل األشياء غير الحية ومسؤولية مالك السفينة في
القانون البحري الجزائري" ،دار الحداثة ،بيروت ،1990 ،الطبعة األولى.
-محمد الكشبور"،حراسة األشياء طبيعتھا وآثارھا ،دراسة مقارنة في مجال المسؤولية
المدنية" ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء.1990 ،
-إبراھيم الدسوقي" ،اإلعفاء من المسؤولية عن حوادث السيارات" ،دار غريب
للطباعة ،القاھرة.1975 ،
-محمد األمراني زنطار " تشطير التعويض بين المسؤولية الخطئية والمسؤولية
المفترضة :مواقف القضاء وردود الفقه -دراسة مقارنة ، "-المطبعة الوراقة الوطنية،
مراكش ،1999 ،الطبعة األولى.
]:íéÃÚ^¢]<l^uæ†ù
-دراريس محمد" ،وسائل دفع مسؤولية حارس الشيء غير الحي في القانون
المغربي والجزائري وتطبيقاتھا القضائية" ،أطروحة الدكتوراه في القانون الخاص،
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة محمد األول وجدة ،السنة
الجامعية .2000-1999
56
-سليمان مرقس ،نظرية دفع المسؤولية المدنية ،رسالة دكتوراه من جامعة القاھرة
)النسخة العربية( ،سنة .1936
]< <VíéÃÚ^¢]<Øñ^‰†Ö
-فؤاد معالل ،خطأ المضرور وأثره على المسؤولية التقصيرية ،رسالة لنيل دبلوم
الدراسات العليا في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية،
جامعة محمد الخامس الرباط ،السنة الجامعية .1987-1986
-عبد الواحد العلمي" ،األساس القانوني عن فعل األشياء غير الحية ووسيلة دفعھا في
القانون المغربي " ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة الحسن الثاني ،الدار البيضاء-1981 ،
.1982
]< <Vl÷^Ϲ
-أحمد الخمليشي ،دفع المسولية عن األشياء في ظل المادة 88من قانون االلتزامات
والعقود بفعل ماكان ضروريا لمنع الضرر ،المجلة المغربية للقانون والسياسة
واالقتصاد ،العدد ، 3دجنبر .1977
-أحمد سعيد الزقرد ،الروابط القانونية الناشئة عن عقد الرحلة ،مقال منشور في مجلة
الحقوق الصادرة عن مجلس النشر العلمي ،جامعة الكويت ،السنة ، 22العدد األول ،
مارس 1998ص .237
-سفيان ادريوش ،وسائل دفع المسؤولية عن فعل األشياء غير الحية ،مجلة اإلشعاع 24
دجنبر ،2001سنة النشر .2012
57
:íéŠÞ†ËÖ]<íÇ×Ö^e<Äq]†¹]
Les ouvrages spécieux :
- Henri Capitant, François Terrée, Yves Pequette, Les grands arrêts
de la jurisprudence civile, Tome 2, (obligation, contrats spéciaux,
suretés), Dalloz, 2008, 12 édition.
:íéÞæÓÖ÷]<ÄÎ]ç¹]
www.omanlegal.net
www.courdecassation.fr
www.equipement.gov.ma
www.assabah.press.ma
< <
58
< <Œ†ãËÖ]
1 ........................................................................................................................... Ví{{{{{{{ڂϹ]
9 ......................................................................... …†–Ö]<Äß¹<^è…憕<á^Ò<^Ú<ØÃÊ<VÙæù]<ovf¹]
10 .... ðêÖ]<Œ…^u<íéÖæöŠÚ<ÄÊ<»<íéÃè†jÖ]<l^â^Ÿ÷]<àÚ<êe†Ç¹]<ņ¹]<ÌÎçÚ<VÙæù]<gת¹]
11 ............................ íÞ…^Ϲ]<l^Ãè†jÖ]<ÌÎç¹<êe†Ç¹]<ņ¹]<fje<Øñ^ÏÖ]<ë_†Ö]<V±æù]<ì†ÏËÖ]
13ðêÖ]<Œ…^u<íéÖæöŠÚ<ÄÊ<»<”^}<sãß¹<êe†Ç¹]<ņ¹]<Õç׊e<Øñ^ÏÖ]<å^Ÿ÷]<VíéÞ^nÖ]<ì†ÏËÖ]
16 ............................................ J>…†–Ö]<Äß¹<^è…憕<á^Ò<^Ú<ØÃÊ><ì…^fÂ<ŠËi<V<êÞ^nÖ]<gת¹]
16 ........................... `ޤ]<êËße<>…†–Ö]<Äß¹<^è…憕<á^Ò<^Ú<ØÃÊ><ì…^fÂ<ŠËi<V±æù]<ì†ÏËÖ]
23 ............... êe^«c<ØÛÃe<Ý^éÏÖ^e<…†–Ö]<Äß¹<^è…憕<á^Ò<^Ú<ØÃÊ<ì…^fÂ<ŠËi<VíéÞ^nÖ]<ì†ÏËÖ]
31........................... ÇÖ]<`Ş}<æ_<<…憖¹]<`Ş}<æ_<ì†â^ÏÖ]<ìçÏÖ]<æ_<êñ^rËÖ]<p^£]<êÞ^nÖ]<o{{{{vf¹]
32 ................................................................ ì†â^ÏÖ]<ìçÏÖ]<æ_<êñ^rËÖ]<p^£]<VÙæù]<gת¹]
32 .......................... äjéq]æ‡]<æ_<ì†â^ÏÖ]<ìçÏÖ]<æ_<êñ^rËÖ]<p^£]<ÙçÖ‚Ú<ì‚uæ<V±æù]<ì†ÏËÖ]
33 ................................................... Jì†â^ÏÖ]<ìçÏÖ]<æ_<êñ^rËÖ]<p^£]<½æ†<VíéÞ^nÖ]<ì†ÏËÖ]
40 ......................................................................... ÇÖ]<`Ş}æ<…憖¹]<`Ş}<VêÞ^nÖ]<gת¹]
40 .........................................................................................…憖¹]<`Ş}<V±æù]<ì†ÏËÖ]
40 .......................................................................................... J…憖¹]<`Ş}<Ìè†Ãi<V÷æ_
42 ........................................................ JðêÖ]<Œ…^u<íéÖæöŠÚ<î×Â<…憖¹]<`Ş}<†m_<V^éÞ^m
46 ...................................................... JŒ…^£]æ<…憖¹]<°e<íéÖæöŠ¹]<Äè‡çi<íéËéÒ<V^nÖ^m
48 ......................................................................................... JÇÖ]<`Ş}<V<íéÞ^nÖ]<ì†ÏËÖ]
49 ......................íéÖæöŠ¹]<àÚ<ðêÖ]<Œ…^u<ð^ËÂý<ÇÖ]<`Ş}<»<^â†Ê]çi<gq]çÖ]<½æ†Ö]<V÷æ_
51 ............................................... ðêÖ]<Œ…^£<íéÞ‚¹]<íéÖæöŠ¹]<î×Â<ÇÖ]<`Ş}<m`i<V^éÞ^m
52 ............................................................................................................................. Ví{{{{³^}
55 ........................................................................................................................ VÄq]†¹]<ívñ÷
59