You are on page 1of 135

‫وزارة التّعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة منوبة‬
‫كليّة اآلداب والفنون و االنسانيات بمنوبة‬

‫رسالة لنيل شهادة ماجستير البحث‬


‫في اللّغة واألدب والحضارة العربيّة‬
‫اختصاص لســــــانيـــــــــات‬

‫تص ّور اإلرهاب من خالل مداخالت‬

‫مجلس ن ّواب الشّعب‬

‫دراسة في إطار نظريّة االستعارة المفهوميّة‬

‫إشراف األستاذ ‪ :‬األزهر الزناد‬ ‫إعداد الطّالب‪ :‬حافظ الوسالتي‬

‫منــــــــوبة‪2017-2016 :‬‬
‫وزارة التّعليم العالي والبحث العلم ّي‬
‫جامعة منوبة‬
‫كليّة اآلداب والفنون و االنسانيات بمنوبة‬

‫رسالة لنيل شهادة ماجستير البحث‬


‫في اللّغة واألدب والحضارة العربيّة‬
‫اختصاص لســــــانيـــــــــات‬

‫تص ّور اإلرهاب من خالل مداخالت‬


‫مجلس ن ّواب الشّعب‬
‫دراسة في إطار نظريّة االستعارة المفهوميّة‬

‫إشراف األستاذ ‪ :‬األزهر الزناد‬ ‫إعداد الطّالب‪ :‬حافظ الوسالتي‬


‫منوبــــــــــة‪2017-2016 :‬‬

‫إهداء‬

‫إلى أمي وأبي أطال هللا بقاءهما‬


‫إلى زوجتي الّتي ح ّملتها أعباء كثيرة ألتفرّغ للبحث‬

‫إلى مهجة قلبي‬


‫ياسمين ومالك‬

‫إلى ك ّل من علمني حرفا وأنار‪ 1‬لي سبيل المعرفة‬


‫روحي أستاذ ّ‬
‫ي المميّزين‬ ‫َ‬ ‫إلى‬
‫عبد القادر المهيري‪ 1‬والمنجي الشملي‬
‫اللّذين فقدتهما السّاحة العل ّمية وأنا بصدد إنجاز هذه الرسالة‬

‫إلى نفسي أيضا اّلتي وطّئتها‪ 1‬على الصبر والمثابرة‬


‫وقد كنت عنيدا معها إلى درجة ال تطاق‬
‫شكر‬
‫أتق ّدم بوافر‪ 1‬ال ّشكر إلى أستاذي الفاضل‬

‫"األزهر ال ّزناد"‬

‫لتفضّله باإلشراف‪ 1‬على رسالتي‬

‫وتأطيره للبحث بمالحظاته القيّمة ورؤيته النّافذة‬

‫وال ّشكر موصول‪ 1‬ألساتذتي األفاضل في مرحلة الماجستير‬


‫وألعضاء لجنة المناقشة لقبولهم مناقشة رسالتي وإثرائها من‬
‫علمهم وتوجيهاتهم الّتي ما من ش ّ‬
‫ك أنّها سترفع قيمة هذا العمل‬
‫‪.‬فلهم ال ّشكر والعرفان‬

‫والحمد هلل على كلّ حال‬


‫فهرس المواضيع‬
‫‪01‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪05‬‬ ‫الباب األ ّول‪ :‬نظريّة االستعارة المفهوميّة‪ ،‬األصول والمبادئ‬
‫‪06‬‬ ‫مق ّدمة الباب األوّل‬

‫‪09‬‬ ‫‪ - I‬الفصل األول‪ :‬األصول النظريّة لنظريّة االستعارة المفهوميّة‬

‫‪10‬‬ ‫‪ I - 1‬االستعارة في البالغة الغربيّة قبل كتاب "االستعارات الّتي نحيا بها"‬

‫‪15‬‬ ‫‪ I - 2‬نظريّة االستعارة المفهوميّة‬

‫‪15‬‬ ‫‪ I - 2 - 1‬التّعريف‬

‫‪16‬‬ ‫‪ I - 2 - 2‬الرّؤية التجريبيّة‪ :‬نحو رؤية تأليفيّة جديدة‬

‫‪16‬‬ ‫‪ I - 2 - 2 -1‬مفهوم الصّدق في الرّؤية التجريبيّة‬

‫‪17‬‬ ‫‪ I - 2 - 2 -2‬االستعارة المفهوميّة في مقابل المفهوم الكالسيك ّي األرسط ّي‬


‫لالستعارة‬
‫‪18‬‬ ‫‪ I - 3‬االستعارة ودورها في تشكيل ّ‬
‫الذهن‬

‫‪18‬‬ ‫‪ I - 3 - 1‬االستعارة مبحث رئيس ّي في اللّسانيات العرفّنيّة‬

‫‪22‬‬ ‫‪ I - 3 - 2‬نحو التّأسيس لنظريّة جديدة في المعنى‬

‫‪25‬‬ ‫‪ I - 4‬توسيع النظريّة‬

‫‪25‬‬ ‫‪ I - 4 - 1‬مركزيّة الجسد في تشكيل أنساقنا التصوّرية‬

‫‪26‬‬ ‫‪ I - 4 - 2‬اللّغة ليست ملكة فطريّة خالصة‬

‫‪27‬‬ ‫‪ّ I -4 -3‬‬


‫الذهن في الجسد ‪ :‬في نقد الفكر ال ّديكارتي للعقل المتعالي‬

‫‪29‬‬ ‫‪ I -4 -4‬مفهوم الواقع من منظور التجريبيّة المجسدنة‬

‫‪33‬‬ ‫‪ -II‬الفصل الثّاني االستعارة المفهوميّة في اإلطار التجريب ّي‬

‫‪34‬‬ ‫‪ II- 1‬االستعارة المفهوميّة التّعريف وأهم المصطلحات‬

‫‪34‬‬ ‫‪ II- 1 -1‬التّعريف‬

‫‪34‬‬ ‫‪ II- 1 -1 -1‬االستعارة تمثّل مجال على أساس مجال آخر‬

‫‪35‬‬ ‫‪ II- 1 -1 -2‬االستعارة ظاهرة مركزيّة غالبة في داللة الكالم اليوم ّي‬

‫‪36‬‬ ‫‪ II- 1 -1 -3‬مغالطات الثّنائيّة التّمييزيّة حرف ّي‪-‬مجاز ّ‬


‫ي‬

‫‪37‬‬ ‫‪ II- 1 -2‬أه ّم مصطلحات نظريّة االستعارة المفهوميّة‬

‫‪38‬‬ ‫‪ II- 2‬حول صياغة نظريّة تجريبيّة للنّسق التصوّري‬


‫‪39‬‬ ‫‪ II- 2 -1‬تأسّس التصوّرات‬

‫‪41‬‬ ‫‪ II- 2 -2‬بنينة التصوّرات‬


‫‪41‬‬ ‫‪ II- 2 -2 -1‬الخطاطة الصّورة و المنوال العرفن ّي المؤمثل‬
‫‪41‬‬ ‫الخطاطة الصّورة‬ ‫‪II- 2 -2- 1-1‬‬
‫‪44‬‬ ‫‪ II - 2 -2-1-2‬المنوال العرفن ّي المؤمثل‬
‫‪45‬‬ ‫‪ II- 2 -2 -2‬المقولة‬
‫‪47‬‬ ‫‪ II- 2 -3‬اإلسقاط االمفهوم ّي وبناء التّعالقات‬
‫‪47‬‬ ‫‪ II- 2 -3 -1‬اإلسقاط قوالب من التّناسبات األنطولوجيّة‬
‫‪48‬‬ ‫‪ II- 2 -3 -2‬اإلسقاط كائن أ ّوال ما بين المستويات العليا في المقوالت‬
‫‪48‬‬ ‫‪ II -2 -3--2 - 1‬سلّمية اإلرث‬
‫‪48‬‬ ‫‪ II -2 -3--2 - 2‬البنية الحدثية‬
‫‪49‬‬ ‫‪ II- 2 -3 -3‬عملية اإلسقاط محكومة بمبدأ‪ 1‬الثبات‬
‫‪49‬‬ ‫‪ II- 2 -4‬الح ّد والفهم‬

‫‪51‬‬ ‫‪ - III‬الفصل الثّالث‪ :‬أنواع اإلستعارات المفهوميّة‬


‫‪52‬‬ ‫‪ III- 1‬أنواع االستعارات المفهوميّة حسب المعيار الوظيف ّي‬
‫‪52‬‬ ‫‪ III- 1-1‬االستعارة البنيويّة‬
‫‪53‬‬ ‫‪ III- 1-2‬االستعارة االتّجاهيّة‬
‫‪55‬‬ ‫‪ III- 1-3‬االستعارة األنطولوجيّة‬
‫‪56‬‬ ‫‪ III- 2‬أنواع االستعارة المفهوميّة باعتبار طبيعة بنيتها أوّلية أو معقدة‬
‫‪56‬‬ ‫‪ III- 2-1‬االستعارات األوليّة‬
‫‪57‬‬ ‫‪ III- 2-2‬االستعارة المعقّدة‬
‫‪58‬‬ ‫‪ III- 3‬أنواع االستعارات حسب مقياس التواضعيّة‬
‫‪59‬‬ ‫‪ III- 3-1‬االستعارات عالية التّواضع‬
‫‪59‬‬ ‫‪ III- 3-2‬االستعارات الجديدة‪1‬‬
‫‪60‬‬ ‫خاتمة الباب األوّل‬
‫‪62‬‬ ‫الباب الثّاني‪ :‬تص ّور اإلرهاب في مداخالت مجلس ن ّواب الشعب‬
‫‪63‬‬ ‫مق ّدمة الباب الثّاني‬
‫‪65‬‬ ‫المدوّنة وسياقاتها‬
‫‪65‬‬ ‫التّعريف بالمدوّنة‬
‫‪66‬‬ ‫السياقات التّاريخية للمدوّنة‬

‫‪67‬‬ ‫‪ - I‬الفصل األ ّول استعارات اإلرهاب‪ :‬أنواعها وخطاطاتها‬


‫‪69‬‬ ‫‪ I - 1‬أهم االستعارات المفهومية لتصوّر اإلرهاب‬
‫‪69‬‬ ‫‪ I - 1 - 1‬اإلرهاب ظاهرة‬
‫‪73‬‬ ‫‪ I - 1 - 2‬اإلرهاب بناء‬
‫‪75‬‬ ‫‪ I - 1 - 3‬اإلرهاب صناعة‬
‫‪77‬‬ ‫‪ I - 1 - 4‬اإلرهاب آفة‬
‫‪80‬‬ ‫‪ I - 1 - 5‬اإلرهاب نبات خبيث‬
‫‪84‬‬ ‫‪ I - 2‬تص ّور اإلرهاب والتّجربة المجسدنة‬
‫‪84‬‬ ‫‪I - 2 - 1‬اإلرهاب مرض‬
‫‪86‬‬ ‫‪ I- 2 - 2‬اإلرهاب جسد‬

‫‪88‬‬ ‫‪ -II‬الفصل الثّاني االستعارة في الخطاب السياس ّي‬


‫‪89‬‬ ‫‪ II- 1‬االستعارة في قلب الجدال السياس ّي‬
‫‪90‬‬ ‫‪ II- 1 -1‬تص ّور اإلرهاب من خالل أطروحة التّعميم والتّكثيف‬
‫‪94‬‬ ‫‪ II- 1 -2‬تص ّور اإلرهاب من خالل أطروحة التّخصيص والتّنسيب‬
‫‪99‬‬ ‫‪ II- 2‬وظيفة االستعارة في الخطاب السياس ّي‬

‫‪100‬‬ ‫‪ - III‬الفصل الثّالث االستعارات التّص ّورية لإلرهاب‪ :‬في الح ّد والفهم والتّأويل‬
‫‪101‬‬ ‫‪ III -1‬الح ّد والفهم في الرّؤية التجريبيّة‬
‫‪102‬‬ ‫‪ III -2‬التصوّر وعالقاته باستعاراته‬
‫‪105‬‬ ‫ي والتّأويل االيديولوج ّي‬
‫‪ III -3‬الفهم االستعار ّ‬
‫‪107‬‬ ‫‪ III -4‬االستعارة من وحدة السّيرورة إلى تع ّددية‪ 1‬الفهم والتّأويل‬
‫‪109‬‬ ‫خاتمة الباب الثّاني‬

‫‪113‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪119‬‬ ‫ثبت المصطلحات األجنبيّة الواردة في البحث‬
‫‪124‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫المقدّمــــــــــــــة‬
‫تبحث هذه الرّسالة في تصوّر اإلرهاب من خالل مداخالت نوّاب "مجلس نوّاب ال ّشعب" في إطار‬
‫نظريّة االستعارة المفهوميّة‪ .1‬وذلك بالرجوع إلى كتاب "االستعارات الّتي نحيا بها" لجورج اليكوف‪1‬‬
‫ومارك‪ 1‬جونسون الصادر سنة ‪ 1980‬وماتاله من أعمال لهما وسّعت أفق النظريّة ودقّقت آليّاتها االجرائيّة‪.‬‬
‫ونحن في معالجتنا لهذا الموضوع‪ 1‬نقيم بحثنا على بابين رئيسيين‪ .‬ويتف ّرع‪ 1‬ك ّل باب إلى ثالثة فصول‪.‬‬
‫نعرض في الباب األوّل األصول النظريّة وأه ّم المبادئ الفاعلة في نظريّة االستعارة المفهوميّة‪ .‬ونبدأ‬
‫ي محاولين تأصيل الموضوع داخل إرثه الفلسف ّي‪ ،‬والبالغ ّي‪ ،‬واللّغويّ‪ ،‬في‬
‫بالتّمهيد‪ 1‬لها في سياقها التّاريخ ّ‪1‬‬
‫الفكر الغرب ّي والتحوّالت الّتي شهدها في زوايا‪ 1‬النّظر والتّناول‪ ،‬والمنعطفات المه ّمة في دراسة االستعارة‬
‫منذ الثلث األوّل من القرن العشرين‪ .‬لننظر في ما أ ّدت إليه من نشأة منهج جديد في البحث في كيفيّة عمل‬
‫الذهن في تعقّل العالم‪ .‬ونربط ذلك كلّه بنظريّة االستعارة‬
‫االستعارة باعتبارها مقوّما للفكر‪ ،‬والشتغال ّ‬
‫المفهوميّة الّتي فتحت سبيال جديدة لدراسة االستعارة نحو التّأسيس لمنهج جديد تأليف ّي في الفكر الفلسف ّي‪،‬‬
‫يتماهي مع حقيقة إدراكنا للواقع والوجود‪ 1‬انطالقا من تجاربنا في العالم‪ ،‬وإعادة االعتبار للجسد‪.‬‬

‫سنبحث في األسئلة الّتي تثيرها‪ 1‬نظريّة االستعارة المفهوميّة في إطار شغلها االبستمولوج ّي داخل‬
‫اللّس‪1‬انيات العرفنيّة‪ 2‬بوج‪1‬ه خ‪1‬اصّ ‪ ،‬ومن داخ‪1‬ل منظ‪1‬ور العل‪1‬وم العرفنيّة‪ 3‬بش‪1‬كل ع‪1‬ا ّم من خالل محاوراته‪1‬ا‪1‬‬
‫المتع ّددة مع اإلرث الفكريّ‪ :‬البالغ ّي‪ ،‬واللّغو ّ‬
‫ي‪ ،‬والفلسف ّي‪ .‬وسننظر‪ 1‬في منطلقاتها‪ 1‬النّقدية‪ ،‬وأساليب البرهنة‬
‫على ما تفترضه من مبادئ كلّيّة لسيرورة النّسق التصوّري‪ 1‬ذي الطّبيعة التّجريبية‪ ،‬عبر دراس‪11‬تها‪ 1‬التّحليلي‪11‬ة‬
‫لالستعارات اللّغوية ور ّدها إلى أصولها‪ّ 1‬‬
‫الذهنية األولى كاستعارات مفهوميّة‪.‬‬

‫وننظر‪ 1‬في ما تق ّدمه ه‪11‬ذه النظريّ‪11‬ة من أجوب‪11‬ة جدي‪11‬دة عن أس‪11‬ئلة قديم‪11‬ة تتعلّ‪11‬ق بعالق‪11‬ة اللّغ‪11‬ة ب‪11‬الفكر‬
‫والذهن‪ ،‬وعالقة اللّغة بالواقع‪ .‬وهي تنقد بش ّدة الثّنائي‪11‬ة التّمييزيّ‪11‬ة الّ‪11‬تي حكمت الفك‪11‬ر اللّغ‪11‬وي طيل‪11‬ة الق‪11‬رون‬
‫ّ‬
‫الماضية ثنائية الحقيقة والمجاز‪ 1.‬وتراجع عبر ذلك مفهوم الصّدق نحو التّأسيس لنظريّة جديدة للمعنى‪ .‬تقوم‬
‫ي التّجري‪11‬ب ّ‪1‬‬
‫ي في س‪11‬يرورة اش‪11‬تغاله‪ ،‬وبنائ‪11‬ه للتص‪1‬وّرات‪.‬‬ ‫على النّس‪11‬بية من خالل البحث في النّس‪11‬ق التص‪1‬وّر ّ‪1‬‬
‫ونكشف‪ 1‬ع ّما توصّلت إلي‪11‬ه من نت‪11‬ائج مه ّم‪11‬ة عن أهميّ‪11‬ة الالّوعي حيث ال يمثّ‪11‬ل اإلدراك ال‪11‬واعي إالّ ج‪11‬زءا‬
‫بسيطا‪ 1‬للغاية من حقيقة تفكيرنا‪.‬‬

‫ويتعلّق‪ 1‬الباب الثّاني بإقامة تحليل إجرائ ّي حول تص ّور اإلرهاب من خالل مداخالت "مجلس نوّاب‬
‫ال ّشعب" باالستفادة من العمليّات اإلجرائيّة الّتي تتيحها آليّات نظريّة االستعارة المفهوميّة واستغالل‬
‫‪1‬‬
‫‪conceptual Metaphor Theory -‬‬
‫‪2‬‬
‫‪cognitive Linguistics -‬‬
‫‪3‬‬
‫‪cognitive science-‬‬
‫‪1‬‬
‫األدوات الجديدة في التّحليل اللّساني الّتي تأخذ بعين االعتبار مختلف األبعاد النّفسيّة‪ ،‬واالجتماعيّة‪،‬‬
‫واالنتروبولوجيّة‪ ،‬المتداخلة في إنتاج ال ّداللة‪ .‬وإجراء ذلك على مدوّنة غير أدبيّة تتمثّل في خطاب سياس ّ‪1‬‬
‫ي‬
‫مخصوص من حيث صدوره عن السلطة التشريعيّة المسؤولة باألساس عن تحويل الخطاب إلى سياسات‬
‫نافذة و قوانين‪ .‬أي ذلك الخطاب الّذي يمتلك في ح ّد ذاته قوّة إنجازيّة من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية ما يمتلكه‬
‫من قدرة على توجيه الرّأي العام وصناعته‪ .‬فنحن سنشتغل على خطاب سياس ّي‪ ،‬جدال ّي باألساس يعمل‬
‫على اإلقناع وكسب ال ّرأي العام لصالح أطروحته‪ .‬وفي نفس الوقت يعمل على دحض أطروحة الخطاب‬
‫أن الخطاب السياس ّي خطاب مقطّع ّ‬
‫يتعذر في الغالب اإلمساك به في كلّيته‪،‬‬ ‫المعارض ونسف حججها‪ .‬كما ّ‬
‫بما أنّه يتغيّر‪ 1‬حسب الخطابات المناصرة والخطابات المعارضة‪ ،‬وباعتبار السياق المكان ّي والزمان ّ‪1‬‬
‫ي‬
‫والجمهور المخاطب‪ .‬وهو يحاول وفق ذلك دوما إعادة تشكيل مجموعة من التّمثيالت المتناقضة‪ .‬وهذا‬
‫يقوده إلى إنتاج لغة متع ّددة األبعاد‪ .‬وسنتعامل‪ 1‬مع خطابات النوّاب بوصفها‪ 1‬ظواهر لغويّة أي طرق معيّنة‬
‫للكالم‪ ،‬عن أبعاد معيّنة للواقع‪ ،‬في سياقات وممارسات اجتماعيّة وسياسيّة معيّنة‪.‬‬
‫سنعتني‪ 1‬بدراسة االستعارات‪ 1‬الّتي صاغ بها النوّاب خطاباتهم‪ 1‬عن اإلرهاب‪ .‬وطرحوا فيها وجهات‬
‫الذهن‪ .‬تقوم على أساس تمثّل مجال على أساس مجال‬
‫نظرهم‪ 1‬باعتبارها عمليّة عرفنيّة مركزيّة في اشتغال ّ‬
‫آخر‪ .‬لنستخلص من ذلك كلّه ح ّد التصوّر‪ ،‬وطريقة تش ّكله وفهمه‪ .‬وسنق ّدم في البداية المدوّنة الّتي اشتغلنا‬
‫عليها وسياقاتها‪ 1‬التّاريخيّة المخصوصة‪ .‬ثم سنعرض أله ّم االستعارات المفهوميّة لتص ّور‪ 1‬اإلرهاب مع بيان‬
‫درجات تواترها‪ 1‬وتكرارها‪ ،‬وطرق‪ 1‬تعالقها‪ .‬لنبحث في تأسّس التصوّر‪ ،‬وكيفية بنينته االستعاريّة‪،‬‬
‫والخطاطات المتح ّكمة في سيرورته‪ .‬وسنكشف‪ 1‬عن أنواع استعارات تصوّر اإلرهاب من حيث معيار‬
‫الوظيفة العرفنيّة (بنيويّة أو اتّجاهيّة أو انطولوجيّة)‪ .‬وباعتبار طبيعة البنية االستعاريّة من حيث هي‬
‫استعارات أوّلية أو معقّدة‪ .‬وكذلك بالنّظر في درجة تواضعيّتها لنفرّق بين االستعارات عالية التّواضع‬
‫واالستعارات الحادثة الجديدة‪.‬‬

‫وسنهت ّ‪1‬م باالستعارة كمدار أساس ّي لصراع ال ّدالالت‪ ،‬وتع ّدد المعاني والتّأويالت بما تحويه من ق ‪1‬وّة‬
‫تخييلي‪11‬ة فائق‪11‬ة‪ ،‬وم‪11‬ا تمثّل‪11‬ه من اختراق‪11‬ات بين الحق‪11‬ول ال ّداللي‪11‬ة‪ ،‬وبم‪11‬ا تفتح‪11‬ه من إمكاني‪11‬ات متع ‪ّ 1‬ددة للفهم‪.‬‬
‫وسنطرح في هذا البُعد سؤاال يتعلّق بالتّأويل االستعار ّ‪1‬‬
‫ي كيف يمكن أن يح ّد؟ وم‪11‬اهي‪ 1‬الس‪11‬ياقات العامل‪11‬ة في‬
‫إطاره؟ في عالقة بقضيّة تمثّل النّصوص‪ ،‬والعالقة بين المتكلّم والمتلقّي‪ ،‬والمعرفة الموسوعيّة الّ‪11‬تي تلعب‬
‫دورا مركزيّ‪11‬ا في فهم االس‪11‬تعارات وتأويله‪11‬ا ت‪11‬أويال منس‪11‬جما‪ 1‬ومش‪11‬تركا بين المتكلّم والمتلقّي في مجموع‪11‬ة‬
‫لغويّة معيّنة‪ .‬وإلى أي مدى تش ّكل االستعارة المفهوميّة أداة حجاجيّة لإلقن‪11‬اع وتغي‪11‬ير المواق‪11‬ف‪ 1،‬حيث تكمن‬
‫الترس‪1‬خ في أذه‪11‬ان المتلقّين‬
‫ّ‬ ‫الص‪1‬ور‪ ،‬والمع‪11‬ارف‪ ،‬واألفك‪11‬ار‪ 1‬بم‪11‬ا يم ّكن للخط‪11‬اب من‬
‫فعاليته‪11‬ا في اس‪11‬تدعاء ّ‬

‫‪2‬‬
‫ّ‬
‫والتجذر‪ 1‬في بنية تفكيرهم باعتبار أنهم يصلون إلى الفهم عبر عمليّة االستدالل‪ ،‬وهي في ذلك تبسط تح ّكمها‬
‫غير الواعي في عواطفهم‪ ،‬ومشاعرهم‪ ،‬وحدوسهم‪ ،‬وطرق‪ 1‬تفكيرهم‪ ،‬وتساهم في توجيه أفعالهم؟‪1‬‬

‫ولننظر‪ 1‬كيف مثّلت االستعارة المفهوميّة األطروحات الحجاجيّة المتقابلة؟ وكيف كانت ركيزة‬
‫أساسيّة في الجدال السياس ّي القائم داخل البرلمان في النّقاشات الّتي كان مدارها اإلرهاب في الجلسات‬
‫العا ّمة السّاخنة إثر الحوادث الرّهيبة الّتي وقعت في تونس سواء حادثة باردو‪ 1‬أوسوسة‪ ،‬وكذلك في‬
‫المداوالت الخاصة بالمصادقة على قانون مكافحة اإلرهاب وغسيل األموال؟‬
‫واالستعارات إذ تبنين تصوّراتها‪ 1‬إنّما تصدر في جانب كبير منها عن الجانب الالّواعي في ّ‬
‫الذهن‪.‬‬
‫فاالستعارات الّتي يستخدمها السياسيون‪ 1‬تستغ ّل كالّ من المعتقدات الواعية‪ ،‬واالرتباطات االنفعاليّة غير‬
‫الواعية لترسم تمثيالت سُلطويّة معيّنة للمتكلّمين أنفسهم وللجمهور الّذي يخاطبونه‪ .‬وهذا الصّراع ال ّدائر‬
‫بين االستعارات إنّما مداره ما يترتّب على هيمنة استعارة ما‪ ،‬على موقف‪ 1‬ما‪ ،‬من نتائج خطيرة تخصّ ما‬
‫يجب فعله‪ ،‬ومن يجب عليه أن يفعله‪.‬‬
‫ي واإلجرائ ّي على األسئلة الجوهريّة التّالية ‪:‬‬
‫سيكون مدار البحث في جانبيه النظر ّ‪1‬‬
‫ماهي األسس الّتي انبنت عليها نظريّة االستعارة المفهوميّة؟ وما هي السبيل الجديدة الّتي فتحتها؟‬
‫كيف يحكم الجسد والمدركات الحسيّة والما ّدة عموما العقل وعمليّاته ّ‬
‫الذهنية وإنتاج المعرفة والتصرّف في‬
‫أهم أداة لها وهي اللّغة؟ وكيف يتجلّى ذلك خصوصا في االستعارة؟‬
‫أن ّ‬
‫الذهن متجسّد بطبعه‪.‬‬ ‫وسنرجع‪ 1‬إلى الفرضيّة المبدئيّة الّتي يقترحها اليكوف‪ 1‬وجونسون باعتبار ّ‬
‫وأن المفاهيم المجرّدة ذات طبيعة اس‪1‬تعاريّة إلى ح‪ّ 1‬د كب‪1‬ير‪ .‬فبنفس آليّ‪1‬ات عم‪1‬ل األعص‪1‬اب و اإلدراك الّ‪1‬تي‬
‫ّ‬
‫تسمح لنا بالتص ّور‪ 1‬والحرك‪1‬ة في ه‪1‬ذا الع‪1‬الم‪ ،‬تُب‪11‬نى أنظمتن‪1‬ا‪ 1‬المفهوميّ‪11‬ة وطرائ‪1‬ق‪ 1‬منطقن‪1‬ا الّ‪11‬ذي ال يمكن فهم‬
‫آليات عمله دون الرّجوع لتفاصيل نظامنا البصريّ‪ ،‬الح‪11‬رك ّي‪ ،‬واألنظم‪11‬ة العا ّم‪1‬ة للرّب‪11‬ط العص‪1‬ب ّي لل‪ّ 1‬دماغ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهو ما تشتغل عليه علوم األعصاب‪ .‬وعلى ه‪11‬ذا يؤسّس‪11‬ان فرض‪1‬يّتهما‪ 1‬األساس‪1‬يّة في ّ‬
‫أن الجس‪11‬د أساس‪ّ 1‬ي في‬
‫ي يظ‪ّ 1‬ل مرتبط‪11‬ا بوجودن‪11‬ا‪ ،‬وتجاربن‪11‬ا‪ 1،‬وعالقاتن‪11‬ا ب‪11‬الواقع‬
‫تحديد هويّتنا البشريّة‪ ،‬وحقيق‪11‬ة أن تفكيرن‪11‬ا البش‪11‬ر ّ‬
‫الما ّدي حولنا‪ .‬وهذا بالطّبع يتناقض مع النظريّات الّتي ترى ّ‬
‫أن التّفك‪11‬ير المج‪1‬رّد ه‪11‬و م‪11‬ا يميّ‪11‬ز اإلنس‪11‬ان عن‬
‫وأن هذا التّفكير متعا ّل ال يرتبط بالما ّدة بأي شكل من األشكال كما ه‪11‬و الح‪11‬ال‬
‫بقيّة أنواع الكائنات األخرى‪ّ ،‬‬
‫في ال ّديكارتية مثال مع الكوجيتو " أنا أفكر أنا موجود" ‪.‬‬

‫سننظر‪ 1‬في هذه المبادئ األساسيّة‪ .‬وسنقيم تحليلنا على طبيعة االستعارات وبنيته ‪1‬ا‪ 1‬من حيث قيامه ‪1‬ا‪1‬‬
‫على مجال مصدر ومجال ه‪11‬دف‪ ،‬وعلى اإلس‪11‬قاط الّ‪11‬ذي يج‪11‬ري بين ه‪11‬ذين المج‪11‬الين ويق‪11‬وم على التّناس‪11‬ب‪.‬‬
‫ونبحث في تجلّياتها وأنواعها من خالل معايير مختلفة للتّقسيم‪ .‬لنكشف طبيعتها‪ ،‬وأسسها‪ ،‬وط‪11‬رق‪ 1‬إجرائه‪11‬ا‬
‫في تحليل الخطاب‪ ،‬وذلك من خالل أمثلة متع ّددة من المدوّنة الّتي نشتغل عليها‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الذهنية للمتكلّمين في‬
‫متجذرة في اللّغة متأصّلة في البنية ّ‬
‫ّ‬ ‫سننظر‪ 1‬إلى أي مدى تكون االستعارة ثابتة‬
‫اللّغات الطبيعيّة المخصوصة متوارثة في االستعمال؟ وكي‪11‬ف تنش‪11‬أ االس‪11‬تعارات الحادث‪11‬ة الجدي‪11‬دة من حيث‬
‫حركيّتها‪ 1‬واشتغالها في آن القول والتّفكير؟‬

‫وسنحاول في هذا البحث ال ّنفاذ من زاوية االستعارة إلى طبيعة اشتغال العقل السياسيّ في خلفيات ه‬
‫ّ‬
‫الذهنية‪ ،‬وفي أبعاده القصيّة غير الواعية‪ .‬ونحن نريد اإلضافة من هذه ال ّناحية بما للدرس اللّساني الحديث‬
‫مثل هذا الموض وع أس اس دراس ات عدي دة كم ا‬ ‫من أهميّة في تحليل الخطاب السياسيّ بآليّات جديدة‪ .‬فقد ّ‬
‫هو الشأن مع اليكوف في مقاالت ه المترجم ة بعن وان " ح رب الخليج أو االس تعارات الّ تي تقت ل"‪ 4‬الّ تي‬
‫سعى فيها إلى جعل المعرفة اللّسانية أداة لفهم أعمق لما يمكن أن تؤ ّدي إليه االس تعارة على أرض الواق ع‬
‫من تزييف قاتل‪ ،‬خصوصا في المجال السياسيّ حين يستخدم السياسيون االستعارة ل تزييف ال وعي وقلب‬
‫الحقائق وتمرير الجرائم والقتل واإلبادة ف إن االس تعارة تقت ل ب دم ب ارد‪ .‬تقت ل تحت أغطي ة من العب ارات‬
‫المستعارة الّتي تحيل القتل إلى تحرير وال دمار إلى بن اء‪ .‬ويكش ف اليك وف عن ه ذه االس تعارات القاتل ة‬
‫الّتي استعملت في الخطاب السياسيّ لإلدارة األمريكية إبان الغزو األمريكيّ للعراق والّتي مارس ت بمك ر‬
‫ش ديد ال ّتزيي ف‪ ،‬وال ّتض ليل‪ ،‬والخ داع‪ .‬وه و ي دعو من خالل ه ذا الكش ف إلى ال وعي بخط ورة ه ذه‬
‫االستعارات القاتلة واالنتباه إلى ما يختفي وراءها‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫‪ -‬جورج اليكوف ‪ -‬حرب الخليج أو االستعارات التي تقتل‪ ،‬ترجمة عبد المجيد جحفة وعبد اإلله سليم ‪،‬ط‪ ،1‬دار توبقال ‪،‬‬
‫المغرب ‪( 2005 ،‬هذا الكتاب هو ترجمة لثالث مقاالت ناقش فيها جورج اليكوف‪ ،‬انطالقا من نظرية االستعارة ثالثة‬
‫أحداث كبيرة‪ .‬ابتدا ًء من حرب الخليج األولى ‪ 1990‬وأحداث الحادي عشر من سبتمبر ‪ 2001‬و الغزو األمريكي للعراق‬
‫وقد نشرت في لغتها األصلية بالعناوين التّالية‪:‬‬
‫‪- Metaphor and War: The Metaphor System Used to Justify War in the Gulf - 1991‬‬
‫‪- Metaphors of Terror -2001‬‬
‫‪- Metaphor and War, Again 2003-‬‬
‫‪4‬‬
‫الباب األ ّول‪ :‬نظريّة االستعارة المفهوميّة‬
‫األصول والمبادئ‬

‫‪5‬‬
‫مقدّمة الباب األ ّول‬
‫نبحث في ه‪11‬ذا الب‪11‬اب األوّل األص‪11‬ول التأسيس‪1‬يّة والمب‪11‬ادئ العامل‪11‬ة لنظريّ‪11‬ة االس‪11‬تعارة المفهوميّ‪11‬ة‪.‬‬
‫بالنّظر‪ 1‬أوّال في تاريخ االستعارة في البالغة الغربيّة منذ العهد اإلغريق ّي‪ .‬وتتبّع التطوّرات الّتي عرفته‪11‬ا في‬
‫ال ّدراس‪11‬ات البالغيّ‪11‬ة ع‪11‬بر اإلرث الالّتي‪11‬ن ّي‪ ،‬والتح‪11‬وّالت الّ‪11‬تي ش‪11‬هدتها في زواي‪11‬ا النّظ‪11‬ر‪ ،‬واالعتب‪11‬ارات‬
‫المفهوميّة‪ ،‬والوظيفيّة‪ ،‬والكيفيّات الّتي قُيّمت بها في مراحل مختلفة في الفكر الفلسف ّي الغرب ّي وصوال للتيّار‬
‫ي في العصور الحديثة‪ .‬ث ّم نعرض أله ّم المنعطف‪11‬ات المه ّم‪11‬ة في دراس‪1‬ة االس‪1‬تعارة‬ ‫الفكر ّ‬
‫ي العقالن ّي التجريب ّ‪1‬‬
‫منذ الثلث األ ّول من القرن العشرين مع علمين مهميّن هما "ريتشاردز ‪" Ritchards Ivor Armstrong‬و"ماكس‬
‫‪ "Max‬في إعادة االعتبار لالستعارة‪ .‬ولنشأة منهج جديد في البحث في كيفيّة عملها باعتباره‪11‬ا‬ ‫‪Black‬‬ ‫بالك‬
‫مقوّما للفكر‪ ،‬والشتغال ّ‬
‫الذهن في تعقّل العالم‪ .‬وس‪1‬نهت ّ‪1‬م ب‪1‬النّظر‪ 1‬في ك‪ّ 1‬ل ه‪11‬ذا اإلرث بطريق‪11‬ة مختزل‪11‬ة تر ّك‪11‬ز‬
‫ي بنظرة ابستمولوجيّة تأخذ بمفهوم التّواصل في الفكر‬ ‫على تأصيل النظريّة داخل إطارها التّاريخ ّ‪1‬‬
‫ي والفكر ّ‬
‫ال مفهوم القطيعة‪.‬‬
‫ي م‪11‬ع إرث لغ‪11‬ويّ‪ ،‬وبالغ ّي‪ ،‬وفلس‪11‬ف ّي‪ 1.‬وتمثّ‪11‬ل‬
‫فنظريّة االستعارة المفهوميّ‪11‬ة تق‪11‬وم على ح‪11‬وار‪ 1‬نق‪11‬د ّ‬
‫مراجعات جوهريّة لجملة من المبادئ والمرتكزات األساسيّة لتص ّور‪ 1‬المعرف‪11‬ة‪ ،‬وللتّجرب‪11‬ة‪ ،‬ولعالق‪11‬ة ال‪1ّ 1‬ذات‬
‫العارفة بتمثّل العالم والوجود‪ .‬فهي تُعيد النّظر في مس‪11‬ائل تتعلّ‪11‬ق ب‪11‬إدراك الواق‪11‬ع‪ .‬وتق‪ّ 1‬دم أجوب‪11‬ة جدي‪11‬دة عن‬
‫ماهية اإلنسان‪ ،‬وماهية ّ‬
‫الذهن‪ ،‬وطبيعة العقل‪ .‬ويخ‪11‬وض اليك‪11‬وف‪ 1‬وجونس‪11‬ون مغ‪11‬امرة كش‪11‬ف ع‪11‬بر دراس‪11‬ة‬
‫االستعارة كأداة مركزيّة تنصهر‪ 1‬من خالل آليّات اشتغالها وتتآلف الرؤيتان الفلس‪11‬فيتان اللّت‪11‬ان حكمت‪11‬ا الفك‪11‬ر‬
‫الغرب ّي وإن بنسب متفاوتة‪ .‬وهما الرّؤية الموضوعيّة الصّارمة الّ‪11‬تي تتح‪1‬رّى ّ‬
‫الص‪1‬دق العلم ّي‪ ،‬والعقالنيّ‪11‬ة‪،‬‬
‫وال ّدقة‪ ،‬والتجرّد‪ .‬والّتي تتطلّب استعمال لغة مح ّددة‪ ،‬ومباشرة‪ ،‬غير ملتبسة تعبّر بشكل واض‪11‬ح ودقي‪11‬ق‪ ،‬أي‬
‫أن ّ‬
‫الفن والش‪11‬عر‪ 1‬يتعالي‪11‬ان عن العقل ّي وعن الموض‪11‬وعيّة‪.‬‬ ‫الذاتي‪11‬ة الّ‪11‬تي ت‪11‬رى ّ‬
‫لغ‪11‬ة تواف‪1‬ق‪ 1‬الحقيق‪11‬ة‪ .‬والرّؤي‪11‬ة ّ‬
‫ويصالننا بأهم ّ حقيقة وهي حقيقة مشاعرنا وحدوسنا وأنّنا نصل إلى هذا الوعي عبر الخي‪11‬ال وليس العق‪11‬ل‪.‬‬
‫ولغة الخيال وخصوصا االستعارة ضروريّة في التّعبير‪ 1‬عن مظاهر تجربتنا الّتي تكون فري‪11‬دة‪ ،‬وله‪11‬ا دالل‪11‬ة‬
‫خاصة عندنا باعتبارنا أفرادً‪.‬‬
‫سنبحث في ما تق ّدمه بحوث اليكوف وجونسون انطالقا من كتابهما المشترك األوّل "االس‪11‬تعارات‪1‬‬
‫الّتي نحيا بها" وما تاله من أعمال مه ّمة‪ .‬ونكشف‪ 1‬عما فتحه ه‪11‬ذا البحث من ُس‪1‬بل جدي‪11‬دة إلع‪11‬ادة النّظ‪11‬ر في‬
‫ك ّل هذه القضايا نح‪1‬و التّأس‪1‬يس لمنهج جدي‪1‬د ت‪1‬أليف ّي في الفك‪1‬ر الفلس‪1‬ف ّي‪ ،‬يتم‪1‬اهى م‪1‬ع حقيق‪1‬ة إدراكن‪1‬ا للواق‪1‬ع‬
‫والوجود انطالقا‪ 1‬من تجاربنا‪ 1‬في العالم‪ ،‬وإعادة االعتبار للجسد‪ ،‬وس ّد الفجوة الديكارتيّة في الفص‪11‬ل المطل‪11‬ق‬
‫بين العقل المتعالي والجسد المفارق والمغيّب عن تحصيل المعرف‪11‬ة‪ .‬إذ ينظ‪11‬ر المؤلف‪11‬ان في إع‪11‬ادة االعتب‪11‬ار‬
‫للجسد انطالقا من م‪11‬دخل االس‪11‬تعارة باعتباره‪11‬ا طريق‪11‬ة في التّفك‪1‬ير تجم‪1‬ع بين متطلّب‪1‬ات العق‪1‬ل في المقول‪11‬ة‬
‫واالقتضاء ث ّم االستدالل‪ ،‬واألبعاد‪ّ 1‬‬
‫الذاتية والخيال ودوره في بناء تصوّر مجال من خالل مجال آخر‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫س‪11‬نجيب في ه‪11‬ذا الب‪11‬اب عن أس‪11‬ئلة تتعلّ‪11‬ق ب‪11‬دور‪ 1‬االس‪11‬تعارة في بن‪11‬اء الفك‪11‬ر‪ ،‬وتحص‪11‬يل المعرف‪11‬ة‪.‬‬
‫وسنبحث في األدلّة البرهانيّة الّ‪11‬تي يق‪ّ 1‬دمها التّش‪11‬ريح التجري‪11‬ب ّي للفك‪11‬ر االس‪11‬تعار ّ‬
‫ي عن دور الجس‪11‬د في بن‪11‬اء‬
‫تصوّراتنا القاعديّة األساسيّة‪ .‬تلك التصوّرات الّتي نظرت إليها الفلسفة الموضوعيّة نظرة تجريديّة متعالي‪11‬ة‬
‫مقص‪11‬ية الجس‪11‬د عن أي دور في إدراك الوج‪11‬ود‪ 1،‬وبن‪11‬اء المعرف‪11‬ة‪ ،‬والنّف‪11‬اذ إلى الماهي‪11‬ات‪ ،‬وأوّله‪11‬ا ماهيتن‪11‬ا‬
‫اإلنسانيّة المميّزة‪.‬‬
‫وسنبحث في األجوبة الّتي تق ّدمها نظريّة االستعارة المفهوميّة في إطار شغلها االبستمولوج ّ‪1‬‬
‫ي داخل‬
‫اللّس‪11‬انيات العرفنيّ‪11‬ة بوج‪11‬ه خ‪11‬اص‪ ،‬ومن داخ‪11‬ل منظ‪11‬ور العل‪11‬وم العرفنيّ‪11‬ة بش‪11‬كل ع‪11‬ا ّم من خالل محاوراته‪1‬ا‪1‬‬
‫المتع ّددة مع اإلرث الفكريّ‪ :‬اللّغويّ‪ ،‬والبالغ ّي‪ ،‬والفلسف ّي‪ .‬وسننظر‪ 1‬في منطلقاتها‪ 1‬النقديّة‪ ،‬وأساليب البرهنة‬
‫على سيرورة النّسق التصوّري ذي الطبيعة التجريبيّة عبر دراستها‪ 1‬التحليليّ‪11‬ة لالس‪11‬تعارات اللّغوي‪11‬ة ور ّده ‪1‬ا‪1‬‬
‫ي الّ‪11‬ذي يرتك‪1‬ز‪1‬‬ ‫إلى أصولها ّ‬
‫الذهنية األولى كاستعارات مفهوميّة‪ .‬ونحاول فهم بناء النّسق التصوّري البش‪11‬ر ّ‪1‬‬
‫باألساس على الجهاز الحس ّي الحرك ّي في التّفاع‪11‬ل م‪11‬ع الع‪11‬الم‪ ،‬وبن‪11‬اء المف‪11‬اهيم‪ ،‬وممارس‪11‬ة المقول‪11‬ة‪ .‬والّ‪11‬ذي‬
‫تقوده في ذلك خطاطات جشطلتية متح ّكم‪1‬ة مح‪11‬دودة من حيث ع‪1‬ددها يج‪11‬د فيه‪1‬ا المنهج التفس‪11‬ير ّ‬
‫ي للنظريّ‪1‬ة‬
‫الكلّيات األساسيّة الّتي يشتغل منها ّ‬
‫الذهن في ترابط مع اآلليات العصبيّة في ال‪ّ 1‬دماغ‪ .‬لننف‪11‬ذ ع‪11‬بر ذل‪11‬ك لفهم‬
‫ي وتميّزه الذهن ّي الّذي يتمظهر‪ 1‬في اللّغة اآلليّة اإلبداعيّة الفريدة للكائن البشر ّ‬
‫ي‪1.‬‬ ‫حقيقة ّ‬
‫الذكاء البشر ّ‬

‫تُجيب نظريّ‪1‬ة االس‪1‬تعارة المفهوميّ‪11‬ة بأجوب‪11‬ة جدي‪11‬دة عن أس‪11‬ئلة قديم‪1‬ة تتعلّ‪1‬ق بعالق‪11‬ة اللّغ‪1‬ة ب‪11‬الفكر‪،‬‬
‫وعالقة اللّغة بالواقع‪ .‬وهي تنقد بش ّدة الثنائيّة التمييزيّ‪11‬ة الّ‪11‬تي حكمت الفك‪11‬ر اللّغ‪11‬وي طيل‪11‬ة الق‪11‬رون الماض‪11‬ية‬
‫لتأس‪1‬س لنظريّ‪11‬ة جدي‪11‬دة للمع‪11‬نى من خالل‬
‫الص‪1‬دق‪ّ .‬‬
‫ثنائيّة الحقيقة والمجاز‪ .‬وتراج‪11‬ع من خالل ذل‪11‬ك مفه‪11‬وم ّ‬
‫ّ‬
‫توص‪1‬لت إلي‪1‬ه‬ ‫ي التّجريب ّ‪1‬‬
‫ي في سيرورة اشتغاله‪ ،‬وبنائه للتصوّرات‪ 1.‬ونكشف ع ّم‪1‬ا‬ ‫البحث في النّسق التصوّر ّ‬
‫من نتائج مه ّمة عن أه ّمية الالّوعي حيث ال يمثّل اإلدراك الواعي إالّ جزءا بسيطا‪ 1‬للغاية من حقيقة تفكيرنا‪،‬‬
‫واشتغالنا‪ّ 1‬‬
‫الذهني‪ .‬وهو تقويض آخر لمبدإ أساس ّي من مبادئ الرّؤي‪11‬ة الفلس‪11‬فيّة الموض‪11‬وعيّة للعق‪11‬ل المتع‪11‬الي‬
‫المدرك للحقائق بجالء وبوعي مستنير‪ 1‬وصاف تعكسه االستعارة ال ّديكارتيّة "المعرفة رؤية"‪.‬‬

‫سنحاول‪ 1‬في هذا الب‪11‬اب أن نس‪11‬بر أهم الفرض‪1‬يّات الّ‪11‬تي تق‪11‬وم عليه‪11‬ا النظريّ‪11‬ة‪ ،‬والمب‪11‬ادئ‪ 1‬المركزيّ‪11‬ة‬
‫العاملة فيها‪ .‬ونتبيّن طريقة استداللها‪ 1‬على ما تق ّدمه من نتائج تفسيريّة ُمقنعة بطريقتها المميّزة في البرهن‪11‬ة‪،‬‬
‫مما يضفي على النظريّة قوّة وصالبة فاعلة في مناظرتها‪ 1‬النقديّة أله ّم ما ق‪11‬امت علي‪11‬ه الرّؤي‪11‬ة الموض‪11‬وعيّة‬
‫العقالنيّة من مبادئ‪ ،‬وجّهت الفك‪11‬ر الفلس‪11‬ف ّي والمعرف‪11‬ة‪ .‬ونر ّك‪ 1‬ز‪ 1‬النّظ‪11‬ر على النّق‪11‬ود الّ‪11‬تي وجّهه‪11‬ا جونس‪11‬ون‬
‫واليكوف لسيطرة هذه الرّؤية على مناهج البحث بمق ّدماتها الفلسفيّة القبليّة الّتي يواجهانها‪ 1‬بخلخلة األص‪11‬ول‪1‬‬
‫المرتكزة عليها‪ ،‬محرّرين البحث اللّساني العرفن ّ‪1‬‬
‫ي من ك ّل المبادئ الفلسفيّة القبليّة‪ .‬تلك الفرض‪1‬يّات الفلس‪11‬فيّة‬
‫‪7‬‬
‫المتن ّك‪11‬رة في ش‪11‬كل نت‪11‬ائج علميّ‪11‬ة كم‪11‬ا يق‪11‬ول اليك‪11‬وف‪ 1‬والّ‪11‬تي س‪11‬يطرت على أعم‪11‬ال الجي‪11‬ل األوّل من أعالم‬
‫المدرسة العرفنيّة وفرضت‪ 1‬قيودا قبليّة على البحث بفرضيّات قبلتها‪ 1‬بطريقة مسلّمة من الفلس‪11‬فة وأثّ‪11‬رت في‬
‫أجزاء مه ّمة من نتائجها‪1.‬‬

‫‪8‬‬
‫الفصل األ ّول‬
‫األصول النظريّة لنظريّة االستعارة المفهوميّة‬

‫‪9‬‬
‫‪ I - 1‬االستعارة في البالغة الغربيّة قبل كتاب "االستعارات الّتي نحيا بها"‬
‫لقد شغلت قضية المجاز واالستعارة حيّ‪1‬زا مهّم‪1‬ا في الفك‪1‬ر الفلس‪1‬ف ّي واللّغ‪1‬و ّ‪1‬‬
‫ي اإلنس‪1‬ان ّي على م‪1‬دار‬
‫العصور‪ 1.‬وكانت االستعارة موضوعا أثيرا عند المختصين في ال ّشعرية والخطاب‪11‬ة‪ .‬وق‪11‬د أف‪11‬رد له‪11‬ا أرس‪11‬طو‪1‬‬
‫"فن ال ّشعر" و" الخطابة"‪ .‬فع ّدها في كتابه األوّل من فن‪11‬ون المحاك‪11‬اة وأداة معرف‪11‬ة‬
‫ّ‬ ‫مكانة هامة في كتابيه‬
‫لالقتراب من الحقيقة حين تعجز العبارة المباشرة واللّغة المفهوميّة‪ .‬واعت‪1‬بر ّ‬
‫أن للش‪1‬عر قيم‪11‬ة إيجابيّ‪11‬ة‪ ":‬إنّ‪1‬ه‬
‫لشيء مه ّم حقّا أن نستعمل بشكل كاف األشكال الشعريّة‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن األه ّم بكثير هو معرفة ص‪11‬نع االس‪11‬تعارات‪.‬‬
‫فاأللفاظ العاديّة تفيد فقط ما نعرفه من قبل‪ ،‬واالستعارات‪ 1‬هي الّتي تم ّكننا من صنع ش‪11‬يء جدي‪11‬د"‪ 5‬فالعمليّ‪11‬ة‬
‫الشعريّة ليست مجرّد نسخ وتقليد حرف ّي‪ .‬وإنّما هي رؤية إبداعيّة يستطيع ال ّشاعر بمقتضاها أن يخلق عمال‬
‫جديدا من مادة الحياة والواقع‪ ،‬طبقا لما كان أو لما هو ك‪1‬ائن‪ ،‬أوم‪1‬ا يمكن أن يك‪1‬ون‪ ،‬أو كم‪1‬ا يعتق‪1‬د أنّ‪1‬ه ك‪1‬ان‬
‫كذلك‪ .‬وبهذا تكون داللة االستعارة ليست إالّ إعادة خلق‪.‬‬
‫وهو في هذا يخالف أستاذه أفالطون الّذي كان مناهضا لك ّل ماله عالقة بالمحاكاة‪ .‬ومن هن‪1‬ا ك‪1‬انت‬
‫حملته على ال ّشعر والخطابة حيث يعتبر المحاكاة مسخا للع‪1‬الم المث‪1‬ال ّي‪ ،‬ع‪1‬الم الج‪1‬واهر عن‪1‬ده‪ .‬وه‪1‬و الواق‪1‬ع‬
‫الحقيق ّي في فلسفته‪ ،‬إذ الواقع العين ّي هو مجرّد انعكاس مشوّه‪ .‬والمحاكاة تصبح تشويها‪ 1‬لواقع مشوّه أي إنّها‬
‫واالستعارة ابتعاد بدرجتين عن العالم المثال ّي الحقيق ّي‪.‬‬
‫ودرس أرسطو في كتابه " الخطابــة" االس‪11‬تعارة في قس‪11‬م األس‪11‬لوب‪ .‬ولئن ع‪ّ 1‬ده في مرتب‪11‬ة ثانويّ‪11‬ة‬
‫مقابل اإلعالء من قيمة ك ّل ماله عالقة بالعقل وبالبرهان والحجّة‪ ،‬ومن تالحم الوحدات الس‪11‬رديّة وتماس‪11‬كها‬
‫الداخل ّي‪ ،‬ونسق بنائها واعتبرها العناصر‪ 1‬األساسيّة في الخطابة الّتي يرجع لها الفضل في نج‪11‬اح الخطيب‪،‬‬
‫صله لإلقناع‪ ،‬وتأثيره في المواقف‪ ،‬وتحويل وجهات النّظر‪ ،‬وكسب التّعاطف من الجمهور‪ .‬فقد نوّه مع‬
‫وتو ّ‬
‫ذلك بالعوامل األسلوبيّة وخصوصا‪ 1‬االستعارة‪ .‬واعتبرها من العوامل المساعدة حيث اكتسبت بعدا حجاجيّ‪11‬ا‬
‫‪6‬‬
‫إقناعيّا‪ .‬لقد أراد أرسطو معرفة كيف ترتب‪1‬ط‪ 1‬ص‪11‬ور‪ 1‬أس‪11‬لوب اإللق‪11‬اء بص‪11‬ور الفك‪11‬ر‪ .‬كم‪11‬ا ّ‬
‫تمس‪1‬ك شيش‪11‬رون‬
‫"إن استهالل الخطاب‪11‬ة الّ‪11‬تي تخ‪11‬دم َ‬
‫نموه‪11‬ا أجزاؤه‪11‬ا األخ‪11‬رى هي ابتك‪11‬ار‬ ‫صاحب كتاب "الخطيب" بالقول‪ّ :‬‬
‫ذهني أو تصوّر"‪ .‬وكشف‪ 1‬عن بعض العمليّات المسؤولة عن ابتكار ذلك وفي مق ّدمتها االستعارة‪.‬‬
‫وانحطّت البالغة بعد ذلك عن‪11‬دما تخلّت عن الفك‪1‬ر لص‪1‬الح األس‪11‬لوب‪ .‬وطمس‪1‬ت‪ 1‬الص‪1‬ور الس‪11‬طحيّة‬
‫الذهن‪ .‬واختزلت البالغة نفسها إلى م‪11‬ا اعت‪11‬بر على أن‪1‬ه من أن‪1‬واع اللّعب الس‪1‬طح ّ‪1‬‬
‫ي بالكلم‪1‬ات‪ .‬و به‪11‬ذا‬ ‫للّغة‪ّ /‬‬
‫فقدت البالغة قدرتها‪ 1‬على إخبارنا أي شيء حول الفكر واللّغة‪ .‬فالعناية بالمالمح الحجاجيّ‪11‬ة والتّرك‪11‬يز‪ 1‬على‬
‫القصد اإلقناع ّي المدعوم بالحجج المالئم‪11‬ة على النهج األرس‪11‬ط ّي‪ ،‬س‪11‬يترك مكان‪11‬ه في العص‪11‬ر الالّتي‪11‬ني إلى‬

‫‪ - 5‬جورج اليكوف ومارك جونسون ‪ ،‬االستعارات التي نحيا بها ‪ ،‬ترجمة عبد المجيد جحفة ‪ ،‬منشورات دار توبقال ‪،‬ال‪11‬دار‬
‫البيضاء‪ ،1996 ،‬ص ‪184‬‬
‫‪ - Marcus Tullius Cicero - 6‬شيشرون ‪ ،- Cicero‬الكاتب الروم‪1‬اني وخطيب روم‪11‬ا المم‪11‬يز‪ ،‬ول‪11‬د س‪11‬نة ‪ 106‬ق‪.‬م‪،‬‬
‫صاحب إنتاج ضخم يعتبر نموذجا مرجعيا للتعبير الالّتيني الكالسيك ّي‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫ّ‬
‫ومحس‪1‬نات‪ 1‬ال‪11‬تركيب‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ومحس‪1‬نات األلف‪11‬اظ‪،‬‬ ‫االهتمام باألسلوب‪ ،‬وبالمحسنات‪ 1‬البالغيّة‪ :‬محسّنات األصوات‪،‬‬
‫المحس‪1‬نات اللّفظي‪11‬ة‪ .‬ويعت‪1‬بر كت‪11‬اب فونتانيي‪11‬ه‬
‫ّ‬ ‫ومحسّنات‪ 1‬الفكر‪ ،‬حيث تحت ّل االستعارة مكانة مرموقة ض‪1‬من‬
‫"محسّنات الخطاب"‪ 7‬أبرز معبّر عن هذا االتّجاه‪ .‬وقد‪ 1‬نتج عن هذا أمر بالغ األهميّة وهو ّ‬
‫أن االس‪11‬تعارة في‬
‫بالغة المحسّنات قد تخلّصت شيئا فشيئا من بعدها الحجاج ّي كي تصبح مجرّد تزيين للمعنى‪ .‬و انحس‪11‬ر من‬
‫هنا النّظر إلى االستعارة كمحسّن بالغ ّي متحقّق في كلمة واحدة يختفي فيه السّياق النصّي اختفاء كلّيا‪.‬‬

‫لق‪11‬د ع‪11‬ولجت االس‪11‬تعارة في ت‪11‬اريخ البالغ‪11‬ة وعلى م‪11‬دى طوي‪11‬ل على أنّه‪11‬ا لعب باأللف‪11‬اظ ومناس‪11‬بة‬
‫الس‪1‬تغالل خص‪1‬ائص اللّغ‪1‬ة واس‪1‬تعماالتها‪ 1‬المتع‪ّ 1‬ددة‪ ،‬وعلى أنّه‪1‬ا ش‪1‬يء يوض‪1‬ع مك‪1‬ان ش‪1‬يء آخ‪1‬ر في بعض‬
‫األحيان‪ ،‬إالّ أنه يتطلّب مهارة وحذرا‪ .‬واعتبرت االستعارة باختصار‪ 1‬زخرفا أو قوّة إض‪11‬افية للّغ‪11‬ة‪ .‬وليس‪11‬ت‬
‫ال ّشكل والمكوّن األساسي لها‪ .‬وقد‪ 1‬ساد هذا التّصور في الفكر الغرب ّي لالستعارة لقرون طويلة‪.‬‬
‫أن نظريّة اشتغال االستعارات عند أرسطو كانت أساس النظريّ‪11‬ة الكالس‪11‬يكيّة‪ ،‬ف‪ّ 1‬‬
‫‪1‬إن تمجي‪11‬ده‬ ‫و رغم ّ‬
‫لقدرة االستعارة على استنباط معرفة جديدة لم يحتفظ ب‪1‬ه الفك‪1‬ر الفلس‪1‬ف ّي الح‪1‬ديث‪ .‬فالّتي‪1‬ار‪ 1‬الفك‪1‬ر ّ‬
‫ي العقالن ّي‬
‫ّ‬
‫التوس ‪1‬ل‬ ‫والتجري‪11‬ب ّي أقص ‪1‬ى‪ 1‬االعتم‪11‬اد على ال ُمقوّم‪11‬ات الحجاجيّ‪11‬ة والبالغيّ‪11‬ة‪ .‬واعت‪11‬بر أعالم ه‪11‬ذا التيّ‪11‬ار ّ‬
‫أن‬
‫بالمقوّمات البالغيّة واالستعاريّة على وجه الخصوص يمثّل مرحلة طفولة العلم الّذي يجب علي‪11‬ه أن يتخلى‬
‫عنها في مرحلة النّضج‪ .‬ونجد تعبيرا واضحا عن هذا االحتراز الّذي يبلغ ح‪ّ 1‬د اإلدان‪11‬ة للتّع‪11‬ابير االس‪11‬تعاريّة‬
‫‪8‬‬
‫في قول غاستون باشالر‪" : 1‬ينبغي‪ 1‬للعقل العلم ّي أن يقاوم بدون هوادة الصور‪ 1‬والتّناسبات واالستعارات"‬
‫وإن ت‪11‬اريخ ك ‪ّ 1‬ل علم يتّب‪11‬ع‬
‫ي إلى الحقيق ّي‪ّ .‬‬ ‫كما يقول " ّ‬
‫إن طريق العلم‪ ،‬الطريق‪ 1‬المعبّدة ‪ ،‬تنطلق من المج‪11‬از ّ‬
‫دائما نفس التّطور‪ ...‬الحالة األولى هي العصر االس‪11‬تعاريّ‪ .‬والحال‪11‬ة الثّاني‪11‬ة هي عص‪11‬ر النم‪11‬اذج التّناس‪11‬بيّة‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫والحالة الثّالثة هي العصر حيث يهيمن الفكر الخالص"‬
‫لقد تع ّززت هذه الرّؤي‪11‬ة المس‪11‬تهجنة لالس‪11‬تعارة في الفك‪11‬ر الغ‪11‬رب ّي م‪11‬ع ب‪11‬روز الرّؤي‪11‬ة الموض‪11‬وعيّة‬
‫المعتق‪11‬دة في العلم التجري‪11‬ب ّي باعتب‪11‬اره نموذج‪1‬ا‪ 1‬للص‪11‬دق‪ .‬وأص‪11‬بحت االس‪11‬تعارة والوس‪11‬ائل‪ 1‬المجازيّ‪11‬ة مث‪11‬ارا‬
‫لالزدراء فهوبز‪ 1‬مثال اعتبر االستعارات منافية للعقل فهي تض‪11‬لّل النّ‪11‬اس بطابعه‪1‬ا‪ 1‬الع‪11‬اطف ّي ‪" :‬إنّه‪11‬ا س‪11‬راب‬
‫واالحتجاج بواسطتها هو بمثابة التّي‪11‬ه داخ‪1‬ل س‪11‬خافات ال محص‪11‬ورة وم‪1‬ا تنتهي إلي‪1‬ه ه‪11‬و الخالف‪ ،‬والفتن‪1‬ة‪،‬‬
‫‪10‬‬
‫وعدم االحترام‪".‬‬
‫‪7‬‬
‫;‪- Fontonier;Pierre‬‬ ‫‪Les Figures du discoure . Flammarion, 1968‬‬
‫‪ - 8‬باشالر قاستون تكوين العقل العلمي‪ :‬مساهمة في التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية‪،‬ترجمة خليل أحمد خليل‪،‬المؤسس‪11‬ة‬
‫الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪-‬لبنان ‪ 1982 ،‬ص ‪29‬‬
‫‪9‬‬
‫‪-Jean Molino ",Métaphores modèles et analogies dans les sciences " ;langages (la‬‬
‫‪métaphore) 1979 Volume 12 Numéro 54 pp. 83-102-‬‬
‫‪http://www.persee.fr/docAsPDF/lgge_0458-726x_1979_num_12_54_1820.pdf‬‬
‫‪ - 10‬االستعارات التي نحيا بها‪ ،‬ص ‪184‬‬

‫‪11‬‬
‫ومثّ‪11‬ل كت‪11‬اب ريتش‪11‬اردز‪ " 1‬فلس‪11‬فة البالغ‪11‬ة" الص‪11‬ادر‪ 1‬س‪11‬نة ‪ 1936‬منعطف‪11‬ا حاس‪11‬ما إلع‪11‬ادة االعتب‪11‬ار‬
‫لالستعارة وكشف‪ 1‬ال ّزيف الوضع ّي الّذي يعتبر االستعارة تؤذي الخط‪11‬اب العلم ّي‪ .‬فيق‪11‬ول ريتش‪11‬اردز‪ّ " :‬‬
‫إن‬
‫االس‪11‬تعارة هي المب‪11‬دأ الحاض‪11‬ر أب‪11‬دا في اللّغ‪11‬ة‪ ،‬وه‪11‬ذا م‪11‬ا تمكن البرهن‪11‬ة علي‪11‬ه بالمالحظ‪11‬ة المج ‪1‬رّدة‪ .‬فنحن‬
‫ي دون اللّجوء لالس‪11‬تعارة ‪ ...‬وح‪11‬تى في اللّغ‪11‬ة الجّاف‪11‬ة‬
‫ي حديث اعتياد ّ‬
‫النستطيع‪ 1‬أن نصوغ‪ 1‬ثالث جمل في أ ّ‬
‫للعلوم الرّاسخة ال يمكننا أن نستغني‪ 1‬عنه‪11‬ا دون أن نع‪11‬اني من بعض المص‪11‬اعب ‪...‬وفي الموض‪11‬وعات ذات‬
‫الطبيعة شبه الفنيّة‪ ،‬مثل علم الجمال‪ ،‬والسياس‪11‬ة‪ ،‬وعلم االجتم‪11‬اع‪ ،‬واألخالق‪ ،‬وعلم النّفس‪ ،‬ونظريّ‪11‬ة اللّغ‪11‬ة‪،‬‬
‫فإن الصعوبة األساسيّة ال ّدائمة الّتي نواجهه‪11‬ا هي أن نع‪11‬رف‪ 1‬طريق‪11‬ة اس‪11‬تعمالنا له‪11‬ا‪ .‬وكي‪1‬ف‪ 1‬يمكن‬
‫وغيرها‪ّ ،‬‬
‫لكلماتنا أن تح ّول عن معانيها‪ ،‬على الرغم من االفتراض الّذي يرى الكلمات ذات معان ثابتة ومح ّددة‪.‬‬
‫وفي‪ 1‬الفلسفة قبل غيرها ال يمكنن‪11‬ا أن نخط‪11‬و بثق‪1‬ة دون أن ن‪1‬درك إدراك‪11‬ا ص‪1‬ارما‪ ،‬االس‪11‬تعارة الّ‪1‬تي‬
‫نستعملها‪ 1‬نحن ويستعملها جمهورنا ‪ ...‬ويصدق‪ 1‬هذا أكثر فأكثر كلّما كانت الفلس‪1‬فة أك‪1‬ثر ص‪1‬رامة وتجري‪1‬دا‪1.‬‬
‫وكلّما مضينا في التّجريد أكثر ازداد تفكيرنا اعتماد على االستعارة الّتي نتف‪11‬ادى اللّج‪11‬وء إلى اس‪11‬تعمالها‪ّ ،‬‬
‫إن‬
‫االستعارات‪ 1‬الّتي نتجنبه‪1‬ا توجّ‪1‬ه تفكيرن‪1‬ا‪ 1‬كتل‪1‬ك ال‪1‬تي نتقبّله‪1‬ا"‪ 11‬ثم ي‪1‬ردف‪ 1‬ق‪1‬ائال ‪":‬تجع‪1‬ل النظريّ‪1‬ة التقليديّ‪1‬ة‬
‫االس‪11‬تعارة مس‪11‬ألة لفظي‪11‬ة‪ ،‬أي مس‪11‬ألة تحوي‪11‬ل أو اس‪11‬تبدال الكلم‪11‬ات‪ ،‬في حين أنّه‪11‬ا في األس‪11‬اس عالق‪11‬ات بين‬
‫األفكار‪ ،‬إنّها عمليّة تبادل بين النّصوص‪ .‬الفكر استعار ّ‪1‬‬
‫ي وه‪1‬و يعم‪1‬ل بواس‪1‬طة المقارن‪1‬ة‪ ،‬ولتط‪1‬وير نظريّ‪1‬ة‬
‫االستعارة الب ّد أن نتذ ّكر‪ 1‬هذا‪ ،‬ونعير‪ 1‬اهتماما أكي‪11‬دا إلى المه‪11‬ارة الفكريّ‪11‬ة الّ‪11‬تي نمتلكه‪11‬ا‪ ،‬دون أن ننتب‪11‬ه إليه‪11‬ا‬
‫باستمرار‪ .‬علينا أن نترجم أكثر مهاراتنا إلى علم قابل للنّقاش‪ ...‬وعندما نسـأل كي‪11‬ف تعم‪11‬ل اللّغ‪11‬ة‪ ،‬فإنن‪11‬ا في‬
‫ال‪1‬ذهن ّي‪ ،‬كي‪1‬ف نتعلّم أن نعيش‪ ،‬وكي‪1‬ف يمكن أن‬
‫الواقع نسأل كيف يعمل الفكر وال ّشعور وك ّل أنماط النّش‪1‬اط ّ‬
‫ننقل ذلك الشيء العظيم أعني ملكة االستعارة‪ ،‬إلى اآلخرين‪ ،‬وهو عظيم ألنّه في حقيقة األمر‪ ،‬الملكة الّ‪11‬تي‬
‫نحيا بها "‪ 12‬لقد أوردنا هذا النصّ الطّويل لريتشاردز‪ 1‬أله ّميته البّالغة باعتب‪1‬اره م‪1‬دخال يهيّئ لوض‪1‬ع نظريّ‪1‬ة‬
‫االستعارة في مركز أفضل من ذلك الّذي كانت تحتلّه في البالغة التقليديّة في س‪11‬بيل بن‪11‬اء نظريّ‪11‬ة عا ّم‪11‬ة في‬
‫ّ‬
‫ومحس ‪1‬ن لغ‪11‬وي لفظ ّي‪ ،‬إلى‬ ‫المع‪11‬نى‪ .‬فه‪11‬و يخ‪11‬رج باالس‪11‬تعارة عن االعتب‪11‬ارات القديم‪11‬ة كمج ‪1‬رّد زخ‪11‬رف‪،‬‬
‫اعتبارها ملكة فكريّة ذهنيّة‪ .‬ويفتح الطّريق لنشأة منهج جديد في البحث في كيفيّة عمل االستعارة‪ ،‬أو عم‪11‬ل‬
‫الفك‪11‬ر على ح ‪ّ 1‬د قول‪11‬ه‪ .‬وي‪11‬دعو إلى أن يأخ‪11‬ذ البحث في االعتب‪11‬ار ض‪11‬رورة الفص‪11‬ل المنهج ّي بين مهاراتن ‪1‬ا‪1‬‬
‫وقدراتنا في استعمال االستعارة وبين نظريّاتنا أو بين أدواتنا الوص‪11‬فيّة وموض‪11‬وع‪ 1‬الوص‪11‬ف‪ .‬فمهاراتن‪11‬ا في‬
‫صياغة االستعارة والفكر شيء عظيم‪ .‬أ ّما وعينا المتر ّدي لتلك المهارة فشيء آخر فه‪1‬و‪ 1‬ن‪11‬اقص‪ ،‬ومش‪1‬وّه‪،‬‬
‫ومغالط‪ ،‬ومب ّسط‪ 1‬جدا‪.‬‬

‫;‪- Ritchards Ivor Armstrong ; The Philosophy of Rhetoric. ed. Oxford University Press‬‬
‫‪11‬‬

‫‪1965 p.91‬‬
‫‪ - 12‬نفسه ص ‪.92‬‬
‫‪12‬‬
‫نقد ريتشاردز‪ 1‬بش ّدة الجانب االستبدالي‪ 13‬لالستعارة في البالغة القديمة وما يراف‪1‬ق‪ 1‬ذل‪11‬ك من اعتب‪11‬ار‬
‫االستعارة محسّنا لفظيّا فحينما يقال "شيخوخة النهار" لل ّدالل‪11‬ة على "مس‪11‬اء النه‪11‬ار" تعت‪11‬بر البالغ‪1‬ة القديم‪11‬ة‬
‫"شيخوخة" مجرّد بديل لـ"مساء"‪ ،‬فإذا تغيّر اللّفظ يظ‪ّ 1‬ل المع‪11‬نى نفس‪1‬ه‪ .‬وبم‪1‬ا ّ‬
‫أن المع‪11‬نى يظ‪ّ 1‬ل ثابت‪11‬ا نعت‪1‬بر‬
‫االستعارة مجرّد زخرفة لمعنى موجود‪ 1‬سابقا‪ .‬هذا األمر ينتقده ريتشاردز‪ 1‬إذ المعنى المتولّد عن االستعارة‬
‫ناش‪11‬ئ عن التّفاع‪11‬ل بين العب‪11‬ارتين‪ ،‬ففي ه‪11‬ذه االس‪11‬تعارة هن‪11‬اك تجس‪11‬يد للنّه‪11‬ارعلى هيئ‪11‬ة إنس‪11‬ان في مرحل‪11‬ة‬
‫الشيخوخة ‪ ،‬وتصوير للشيخوخة باعتبارها تمثّل مرحلة زمنيّة من نهار الحي‪1‬اة‪ .‬ف‪1‬المعنى هن‪1‬ا نتيج‪1‬ة له‪1‬ذا‬
‫التّفاعل وهو مع‪1‬نى جدي‪11‬د ومبتك‪1‬ر‪ 1.‬وإذا ك‪11‬ان ك‪1‬ذلك فق‪1‬د انتفى عن‪1‬ه ملمح‪11‬ا الزخرف‪11‬ة والبدليّ‪1‬ة‪ .‬له‪1‬ذا س‪ّ 1‬مى‬
‫ريتشاردز‪ 1‬مقاربته بالمقاربة التّفاعليّة بدل المقاربة االستبداليّة‪ .‬وه‪11‬ذه المقارب‪11‬ة تط‪1‬وّرت في أبح‪11‬اث م‪11‬اكس‬
‫بالك حيث ّ‬
‫"أن االس‪11‬تعارة تت ّم على مس‪11‬توى‪ 1‬الجمل‪11‬ة ال على مس‪11‬توى الكلم‪11‬ة وهي تتك‪11‬وّن من عنص‪11‬رين‬
‫وأن معنى االستعارة ينتج من هذا الت‪11‬وتّر‪ ،‬وليس من اس‪11‬تبدال كلم‪11‬ة مك‪11‬ان أخ‪11‬رى‪ّ .‬‬
‫إن‬ ‫يشهدان توتّرا دائما‪ّ ،‬‬
‫ي هو الّذي يخلق جمال االستعارة‪ 14"،‬ويعبّر‪ 1‬م‪11‬اكس بالك عن ذل‪11‬ك بقول‪11‬ه‪ّ :‬‬
‫"إن االس‪11‬تعارة‬ ‫التوتّر‪ 1‬االستعار ّ‬
‫الجيّدة تؤثّر‪ 1‬أحيانا في منتجها وتذهله وتستولي‪ 1‬على لبّه‪ ،‬ن‪11‬و ّد أن نق‪11‬ول إنّن‪11‬ا نحص‪11‬ل على ومض‪11‬ة بص‪11‬يرة"‬
‫‪15‬‬
‫ولسنا مجرد مقارنين بين "س" و"ص" أو نتعامل مع "س" على أنّه "ص"‬
‫فحين نقول "اإلنسان ذئب " يعتبر ماكس بالك هن‪11‬ا ّ‬
‫أن كلم‪11‬ة "ذئب" المس‪11‬تعملة بطريق‪11‬ة اس‪11‬تعاريّة‬
‫هي بؤرة االستعارة‪ ،16‬ويُطلق اصطالح إطار‪ 17‬على بقية الجملة التي تحقّقت فيه‪11‬ا االس‪11‬تعارة‪ .‬واالس‪11‬تعارة‬
‫ي بين البؤرة واإلطار‪ .‬فاإلطار‪ 1‬والبؤرة عالمان يتداخالن ليولّ‪11‬دا عالم‪11‬ا‬
‫حسب بالك تقوم على الرّبط اإلراد ّ‬
‫جدي‪11‬دا غ‪11‬ير مس‪11‬بوق‪ 1.‬واالس‪11‬تعارة عن‪11‬د بالك هي من المص‪11‬طلحات المنتمي‪11‬ة لل ّدالل‪11‬ة ال إلى التّ‪11‬ركيب وهي‬
‫تتحقّق بفضل التّعاضد‪ 1‬بين اإلطار‪ 1‬والبؤرة‪ .‬وتقوم االستعارة عنده على التّرابطات غ‪1‬ير المقنّن‪1‬ة موض‪11‬وعيّا‬
‫الّتي يقيمها المتح ّدث بين طرفي‪ 1‬االستعارة والّتي تعتمد على قابليّة الشيئين لهذا الرّبط‪ ،‬وعلى مقاصد الباث‬
‫وعلى استجابة المتلقّي لتلك المقاصد‪ .‬يذهب ماكس بالك إلى ّ‬
‫أن ‪" :‬االستعارة تنتمي إلى التّداولية أك‪11‬ثر من‬
‫إن االس‪111‬تعارة في عب‪111‬ارة ّاإلنس‪111‬ان ذئب" تس‪111‬تدعي في ذهن المتلقّي نس‪111‬قا من‬
‫انتمائه‪111‬ا إلى ال ّدالل‪111‬ة "‪ّ .18‬‬
‫المواضيع‪ 1‬المش‪11‬تركة المواكب‪11‬ة وهي مجم‪11‬وع الخالص‪11‬ات الحاص‪11‬لة في أذهانن‪11‬ا عن ال‪1ّ 1‬ذئاب‪ .‬وربّم‪1‬ا‪ّ 1‬‬
‫أن م‪11‬ا‬
‫نحمل‪11‬ه عن ال‪11‬ذئاب ال يمثّ‪11‬ل حق‪11‬ائق ثابت‪11‬ة (كم‪11‬ا ه‪11‬و األم‪11‬ر الحاص‪11‬ل عن‪11‬دما نص‪1‬نّف الح‪11‬وت على أن‪11‬ه من‬

‫‪13‬‬
‫‪-substitution‬‬
‫‪14‬‬
‫‪- Kittay.Eva Feder; Metaphor: Its Cognitive Force and Linguistic Structure, Oxford‬‬
‫‪University Press 1987;p 22-23‬‬
‫‪15‬‬
‫‪- Black:Max;More about Metaphor .in Andrew Ortony .Metaphor And Thought.‬‬
‫‪Combridge University Press.1993 p 31‬‬
‫‪16‬‬
‫‪- focus of a metaphor‬‬
‫‪17‬‬
‫‪- frame‬‬
‫‪18‬‬
‫‪- Black Max , Models and Metaphors Studies In Language And Philosophy: Cornell‬‬
‫‪University Press; ITHACA, NEW YORK, 1962 ;p 549‬‬
‫‪13‬‬
‫األسماك)‪ .‬فما يكتسي أه ّمية كي تحدث االس‪11‬تعارة أث‪11‬را ال يعتم‪11‬د على ك‪11‬ون المواض‪11‬يع‪ 1‬حقيقيّ‪1‬ة‪ .‬ولكن على‬
‫ي ولهذا السبب ّ‬
‫فإن استعارة م‪1‬ا‪ ،‬تك‪1‬ون فعّال‪1‬ة في مجتم‪1‬ع م‪1‬ا‪ ،‬وق‪1‬د تب‪1‬دو‬ ‫كونها مستحضرة بشكل ح ّر وعفو ّ‬
‫ّ‬
‫سيخص‪1‬ون العب‪11‬ارة‬ ‫أن ال‪1ّ 1‬ذئاب تتناس‪11‬خ م‪11‬ع الم‪11‬وتى‬
‫غير معقولة في ثقافة أخرى‪ ،‬فالرّج‪11‬ال الّ‪11‬ذين يعتق‪11‬دون ّ‬
‫"الرجال ذئاب" بتأويل مختلف‪.‬‬
‫ينفي م‪11‬اكس بالك هن‪11‬ا التّهم‪11‬ة عن الخي‪11‬ال‪ ،‬واالس‪11‬تعارة‪ ،‬والمحاك‪11‬اة‪ .‬فه‪11‬و إذن يو ّج‪11‬ه نق‪11‬دا ص‪11‬ارما‬
‫للتص‪1‬وّر األفالط‪11‬ون ّي الّ‪11‬ذي ينفي عن المحاك‪11‬اة‪ ،‬وعن االس‪11‬تعارة ك‪ّ 1‬ل دور مع‪11‬رف ّي وك‪ّ 1‬ل كف‪11‬اءة للكالم عن‬
‫الواق‪1‬ع‪ .‬ومش‪1‬روع اليك‪1‬وف‪ 1‬وجونس‪1‬ون‪ 1‬في "االس‪1‬تعارات‪ 1‬الّ‪1‬تي نحي‪1‬ا به‪1‬ا" ه‪1‬و اس‪1‬تئناف‪ 1‬من زاوي‪1‬ة جدي‪1‬دة‬
‫لمشروع‪ 1‬ماكس بالك وريتشاردز‪ 1‬وأيضا لصاحب مصنّف "االستعارة الحيّة" بول ريك‪11‬ور‪ 1.‬ب‪11‬ل ونق‪11‬ول ّ‬
‫إن‬
‫مبادئ نظريّة االستعارة المفهوميّة سبقت إليها العديد من ال ّدراسات السّابقة حول االستعارة‪ .‬وإن ك‪11‬ان ذل‪11‬ك‬
‫من منظورات‪ 1‬مختلفة وانشغاالت‪ُ 1‬متباينة‪ ،‬وعلى س‪11‬بيل المث‪11‬ال فأرس‪11‬طو ال‪11‬ذي ق‪ّ 1‬دم غالب‪11‬ا بوص‪11‬فه مص‪11‬درا‬
‫لألفكار‪ 1‬الخاطئة أدرك بالفعل البُعد المع‪11‬رف ّي لالس‪11‬تعارة كم‪11‬ا أدرك قوّته‪1‬ا‪ 1‬البالغيّ‪11‬ة حيث ع‪ّ 1‬دها من س‪11‬مات‬
‫العبقريّة وأنّها وسيلة لخلق معرفة جدي‪11‬دة‪ .‬ون‪11‬اقش ك‪11‬ذلك عدي‪11‬د الفالس‪11‬فة واللّغ‪11‬ويين األورب‪11‬يين على م‪11‬دار‬
‫قرون التّطبيقات المعرفيّة لالستعارة وكلّية وجودها في اللّغة مثل جون لوك‪ ،‬وديفيد‪ 1‬هيوم‪ ،‬وايمانويل كانط‬
‫في كتابه المرجع "نقد العقل المحض" الّذي يستقصي فيه محدوديات وبنية العقل البشريّ ذاته‪ .‬وطرح فيه‬
‫س ؤاال خط يرا ه و ه ل لألش ياء والمواض يع الّ تي نعرفه ا خص ائص معيّن ة س ابقة على تجربتن ا وعلى‬
‫إحساسنا؟ وأجاب بأن مبدأ السببيّة هو مبدأ أساسيّ في العمل العقليّ المجرّ د ولكنه غير ك اف‪ .‬فهن اك أوّ ال‬
‫مواضيع ال يمكن للعقل معرفتها عن طريق السببيّة‪ .‬وثانيا أنّ مبدأ السببيّة هو طريقة في ال ّتفك ير اليمكن‬
‫أن تستق ّل عن ال ّتجربة واإلحس اس‪ .‬كم ا ك ان كان ط يعي تمام ا أنّ المف اهيم هي األدوات المنطق ّي ة لص نع‬
‫ّ‬
‫المخطط ات أو الرس وم التخطيط ّي ة الّ تي يق ترن بعض ها‬ ‫المعرفة‪ .‬إذ أ ّنه كان يرى أنّ ال ّتفكير يعتمد على‬
‫ببعض لتصنع معارف العقل المحض‪ .‬ونج د مفه وم الخطاط ة أيض ا مفهوم ا تفس يريا م ّ‬
‫ؤثرا في أعم ال‬
‫بياجيه وأعمال بارتالت‪ 19‬في تفسير الس لوك وأعم ال ال ّذاكرة وتحص يل المعرف ة‪ .‬وهي أفك ار اس تفادت‬
‫منها كثيرا نظريّة االستعارة المفهوميّة وذهبت بها إلى مداها األقصى‪.‬‬
‫فما هي أهم األسس النظريّة الّتي قامت عليها نظريّة االستعارة المفهوميّة؟ وم‪11‬اهو الس‪11‬بيل الجدي‪11‬د‬
‫للبحث الّذي فتحته؟ وماهي‪ 1‬البراهين الّتي اعتمدها أصحاب النظريّة للتّدليل على وجودها من خالل تحقّقها‬
‫ي غير اللّغوي؟ وماهي‪ 1‬أهم االستتباعات النّاتجة عن ه‪11‬ذه النظريّ‪11‬ة بم‪11‬ا فتحت‪11‬ه‬
‫في الل ّغة وفي السلوك البشر ّ‬
‫من مجال واسع أمام الرّؤية التجريبيّة لبناء تص ّور‪ 1‬جديد للمعنى‪ ،‬وللصدق‪ ،‬ولفهم العالم‪ ،‬وفهم‪ 1‬أنفسنا‪ ،‬ولما‬
‫يدور‪ 1‬حولنا وفي داخلنا‪ ،‬ومن إعادة اعتبار للجسد ولماله من دور‪ 1‬في تشكيل نسقنا التصوّري‪ 1‬وانسجامه؟‬

‫‪ Frederic Charles Bartlett ،(1886-1969) - 19‬عالم نفس بريطاني مختص في علم النّفس العرفن ّي وعرف خاصة‬
‫بأعماله حول ّ‬
‫الذاكرة وبمفهوم الخطاطة‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ I - 2‬نظريّة االستعارة المفهوميّة‬
‫‪ I - 2 - 1‬التّعريف‬
‫يعرّف فيفيان إيفنس في مؤلّفه "معجم اللّسانيات العرفنيّة"‪ 1‬نظريّة االستعارة المفهوميّ‪11‬ة بقول‪11‬ه "هي‬
‫ي طوّره جورج اليكوف‪ 1‬ومارك جونس‪11‬ن‪ ،‬ولكنّ‪11‬ه ارتب‪1‬ط‪ 1‬أيض‪11‬ا بدارس‪11‬ين آخ‪11‬رين م‪11‬ؤثّرين منهم‬
‫إطار نظر ّ‪1‬‬
‫زولطان كوفيتش‪ 1،‬ريموند غيبس‪ ،‬إيف سويتسر‪ ،‬ومارك ت‪11‬ورنر‪ .‬وعرض‪11‬ت نظريّ‪11‬ة االس‪11‬تعارة المفهوميّ‪11‬ة‬
‫أوّل مرّة من قبل جورج اليكوف ومارك‪ 1‬جونسن في كتابهما‪" 1‬االس‪1‬تعارات الّ‪1‬تي نحي‪1‬ا به‪1‬ا" المنش‪1‬ور س‪1‬نة‬
‫‪ .1980‬وتع ‪ّ 1‬د نظريّ‪11‬ة االس‪11‬تعارة المفهوميّ‪11‬ة واح‪11‬دة من األط‪11‬ر النظريّ‪11‬ة المب ّك‪11‬رة المط‪1‬وّرة ض‪11‬من ال ّدالل‪11‬ة‬
‫ي المب ّكر لهذه المقاربة للعالقة بين اللّغة‪ّ ،‬‬
‫والذهن‪ ،‬والتّجرب‪11‬ة‬ ‫العرفنيّة‪ .‬والّتي وفّرت الكثير من ال ّزخم النظر ّ‬
‫ي‬ ‫المجسدنة‪ .‬ومفاد المق ّدمة األساسية لنظريّة االستعارة المفهوميّة ّ‬
‫أن االستعارة ليست مج‪1‬رّد مظه‪11‬ر أس‪11‬لوب ّ‪1‬‬
‫‪20‬‬
‫ي وطبيع ّي "‬
‫ي بشكل أساس ّ‪1‬‬ ‫ّ‬
‫ولكن الفكر نفسه استعار ّ‪1‬‬ ‫للّغة‬

‫ولئن كانت الفكرة الكالسيكيّة ترى ّ‬


‫أن العقل يقوم على الحقيقة (المع‪11‬نى الح‪11‬رف ّي) ومجال‪11‬ه القض‪11‬ايا‬
‫الّتي تقبل الصّدق والكذب بصفة موضوعيّة‪ّ .‬‬
‫فإن الفكرة الجديدة تأخذ مظه‪1‬ر التخيّ‪1‬ل (المج‪1‬از واالس‪1‬تعارة‬
‫والمجاز‪ 1‬المرسل والتّصوير‪ 1‬الذهن ّي) باعتباره مكوّنا‪ 1‬مركزيا من مكوّنات العقل ال مكوّنا زائدا ينض‪11‬اف إلى‬
‫الحقيقة‪ .‬فيقول جونسون في مق ّدمة كتاب‪11‬ه "الجس‪11‬د في ال‪1ّ 1‬ذهن‪ :‬األس‪1‬س المجس‪1‬دنة للمع‪1‬نى والخي‪1‬ال والعق‪11‬ل‬
‫"بدون خيال تفقد ك ّل األشياء في العالم معانيها‪ ،‬وبدون خيال ال يمكننا التو ّجه بتاتا نحو إدراك الحقيقة"‬
‫‪21‬‬

‫وتق ّدم نظريّة االستعارة المفهوميّة االس‪11‬تعارة على أنّه‪11‬ا الملك‪11‬ة ّ‬


‫الذهني‪11‬ة األق‪11‬وى المؤهّل‪11‬ة لالبتك‪11‬ار‪.‬‬
‫الذهنية غير االستعاريّة الّتي تعيش حالة من التّبعية للواقع في حين ّ‬
‫أن االس‪11‬تعارة‬ ‫وهي على عكس الملكات ّ‬
‫وح‪11‬دها تمتل‪11‬ك الحرّي‪11‬ة للتّحلي‪11‬ق بعي‪11‬دا عن أس‪11‬وار الواق‪11‬ع‪ .‬فهي تنجح حين يخيب العلم ويص‪11‬اب باإلحب‪11‬اط‪.‬‬
‫وتمس‪11‬ك بحال‪11‬ة االمت‪11‬داد الالّنه‪11‬ائي للع‪11‬الم حين تغ‪11‬رق في الخي‪11‬ال‪ .‬وتمثّ‪11‬ل بص‪11‬ورة الواعي‪11‬ة ق‪11‬درات البش‪11‬ر‬
‫العظيم‪11‬ة في تعقّ‪11‬ل الع‪11‬الم والوج‪11‬ود‪ .‬وهي الفك‪11‬رة الّ‪11‬تي عبّ‪11‬رت عنه‪11‬ا الفيلس‪11‬وفة البريطاني‪11‬ة م‪11‬اري هيس‬
‫بقولها‪":‬إن العقلنة تكمن بالضبط‪ 1‬في تطويع اللّغة المستم ّر لعالم في امتداد متواصل‪ ،‬واالستعارة هي إح‪11‬دى‬
‫ّ‬
‫‪22‬‬
‫الوسائل األساسيّة إلنجاز ذلك"‬

‫‪20‬‬
‫‪-Vyvyan Evans: A Glossary of Cognitive Linguistics; Edinburgh University Press; 2007:p p‬‬
‫‪34-35‬‬
‫‪21‬‬
‫‪- Johnson Mark ; The Body in the Mind: The Bodily Basis of Meaning, Imagination, and‬‬
‫‪Reason; University of Chicago Press.1987 Acknowledgments: ix‬‬
‫‪22‬‬
‫‪- Hesse Mary ; Models, Metaphors and Truth; From a Metaphorical Point of View: A‬‬
‫;‪Multidisciplinary Approach to the Cognitive Content of Metaphor; Ed. by Radman, Zdravko‬‬
‫‪Series:Philosophie und Wissenschaft 7;1995;pp 351-372‬‬
‫‪15‬‬
‫‪ I - 2 - 2‬ال ّرؤية التجريبيّة‪ :‬نحو رؤية تأليفيّة جديدة‬
‫لقد مثّل صدور كتاب "االستعارات الّتي نحيا بها" تحوّال واض‪11‬حا عن النّظ‪11‬رة التقليديّ‪11‬ة لالس‪11‬تعارة‬
‫من ناحية‪ .‬واستيعابا من ناحية أخرى لما تراكم من نتائج ال ّدراسات الّتي س‪11‬بقته وج‪ّ 1‬ددت النّظ‪11‬ر لالس‪11‬تعارة‬
‫بما رسمته من مس‪1‬ارب جدي‪1‬دة للبحث‪ .‬خ‪1‬رجت باالس‪1‬تعارة عن األس‪1‬وار الّ‪1‬تي أح‪1‬اطت به‪1‬ا‪ .‬وأع‪1‬ادت له‪1‬ا‬
‫االعتبار باعتبارها كشفا لك ّل أنماط النّشاط ّ‬
‫الذهني‪.‬‬
‫ك من كل هذا اإلرث‪ .‬وهما ينوّهان ب‪11‬ذلك في مق ّدم‪11‬ة كتابهم‪1‬ا‪ 1‬ليفتح‪11‬ا‬
‫استفاد اليكوف وجونسون الش ّ‬
‫س‪11‬بيال جدي‪11‬دا لدراس‪11‬ة االس‪11‬تعارة والفك‪11‬ر في كتابهم‪11‬ا "االس‪11‬تعارات‪ 1‬الّ‪11‬تي نحي‪11‬ا به‪11‬ا" الّ‪11‬ذي دافع‪11‬ا في‪11‬ه عن‬
‫االستعارات‪ 1‬المفهوميّة من خالل التّنبيه على نسقيتها‪ .‬لقد كان تصوّرهما‪ 1‬مبنيّا على نظريّ‪11‬ة تفاعليّ‪11‬ة تس‪11‬عى‬
‫ي وقوامه التّفاعل مع المحي‪11‬ط‪ ،‬وباعتب‪11‬ار‪1‬‬
‫ي البشر ّ‬
‫إلى تغيير استناد التصوّرات االستعاريّة إلى البعد التجريب ّ‪1‬‬
‫حلول الفكر في الجسد‪ .‬ووجّها نقدهما إلى أسس النّزعة الموضوعيّة الّتي طغت على الفلسفة الغربيّة والّتي‬
‫تتح ّرى‪ 1‬الصدق العلم ّي‪ ،‬والعقالنيّة‪ ،‬وال ّدقة‪ ،‬والتج ّرد‪ 1‬وتتطلّب استعمال لغة مح ّددة‪ ،‬ومباشرة‪ ،‬وغير ملتبسة‬
‫تعبّر بشكل واضح ودقيق‪ .‬لغة توافق الحقيقة‪ .‬فوحده التح ّدث بهذه الطريقة يم ّكن البشر من التّواص‪11‬ل بدقّ‪11‬ة‪.‬‬
‫الش‪1‬عرية‪ ،‬التّخييليّ‪11‬ة‪ ،‬البالغيّ‪11‬ة يمكن أن نتجنّبه‪1‬ا‪ 1‬كلّم‪11‬ا تح‪11‬دثنا بش‪11‬كل‬
‫فاالستعارة واألنماط األخرى‪ 1‬من اللّغة ّ‬
‫موضوع ّي‪ 1،‬بل يجب تجنّبها ّ‬
‫ألن معانيها ليست واضحة ودقيقة‪ ،‬وال توافق بصفة واضحة الواقع‪.‬‬
‫الذاتية الّ‪11‬تي بقيت منحس‪11‬رة‬
‫وقد‪ 1‬سادت هذه الرّؤية الموضوعيّة في الفكر الغرب ّي في مقابل الرّؤية ّ‬
‫ي والّ‪11‬تي ت‪11‬رى ّ‬
‫أن أه ّم األش‪11‬ياء في حياتن‪11‬ا هي أحاسيس‪11‬نا‪ 1،‬وأذواقن‪11‬ا‪ 1‬الجماليّ‪11‬ة‬ ‫ّ‬
‫والفن الرومنس‪1ّ 11‬‬ ‫في األدب‪،‬‬
‫أن ّ‬
‫الفن والش‪11‬عر يتعالي‪11‬ان‬ ‫وممارستنا‪ 1‬األخالقيّة‪ ،‬ووعينا الرّوحي‪ ،‬وهذه كلّها أشياء ذاتيّة خالص‪11‬ة‪ .‬وتعت‪11‬بر ّ‬
‫عن العقل ّي وعن الموضوعيّة‪ .‬ويص‪11‬الننا‪ 1‬ب‪11‬أهم ّ حقيق‪11‬ة وهي حقيق‪11‬ة مش‪11‬اعرنا وحدوس‪11‬نا‪ .‬ونص‪11‬ل إلى ه‪11‬ذا‬
‫الوعي عبر الخي‪11‬ال وليس العق‪11‬ل‪ .‬ولغ‪11‬ة الخي‪11‬ال وخصوص‪1‬ا‪ 1‬االس‪11‬تعارة ض‪11‬روريّة في التّعب‪11‬ير عن مظ‪11‬اهر‬
‫تجربتنا‪ 1‬التي تكون فريدة‪ ،‬ولها داللة خاصة عندنا باعتبارنا‪ 1‬أفرادً‪.‬‬

‫‪ I - 2 - 2 -1‬مفهومـ الصدق في ال ّرؤية التجريبيّة‬


‫يق ّدم اليكوف وجونسون في كتابهما " االستعارات الّتي نحيا بها" رؤي‪11‬ة تأليفيّ‪11‬ة تجم‪11‬ع بين النزع‪11‬ة‬
‫الموضوعيّة والنزع‪1‬ة ّ‬
‫الذاتي‪1‬ة‪ .‬ت‪1‬رفض من ناحي‪1‬ة م‪1‬ا تفترض‪1‬ه النزع‪1‬ة الموض‪1‬وعيّة من اس‪1‬تناد مطل‪1‬ق إلى‬
‫الذاتي‪11‬ة للص‪11‬دق الّ‪11‬تي تق‪11‬ول إنّ‪11‬ه‬
‫مفهوم الصدق حيث ال وجود لصدق مطلق‪ .‬ك‪11‬ذلك دون أن تتبنّى المقارب‪11‬ة ّ‬
‫صل‪ 1‬إليه إالّ عبر الخيال الّذي ال تقيّده ظ‪1‬روف خارجيّ‪1‬ة‪ .‬وق‪1‬د ر ّك‪1‬زا على دراس‪1‬ة االس‪1‬تعارة كم‪1‬دخل‬
‫اليتو ّ‬
‫أساس ّي لبحث هذه القضايا الفلسفيّة يقول المؤلفان ‪":‬والسبب الّ‪11‬ذي جعلن‪11‬ا نر ّك‪11‬ز كث‪11‬يرا على االس‪11‬تعارة ه‪11‬و‬
‫إن العق‪11‬ل يتطلّب على األق‪ّ 1‬ل القلي‪11‬ل‪ ،‬من المقول‪11‬ة واالقتض‪11‬اء‪ 1‬ث ّم االس‪11‬تدالل‪.‬‬
‫أنّها توحّد بين العق‪11‬ل والخي‪11‬ال‪ّ ،‬‬

‫‪16‬‬
‫والخيال يتطلّب‪ ،‬في مظهر من مظاهره الكثيرة‪ ،‬النّظر إلى ن‪11‬وع من األش‪11‬ياء من خالل ن‪11‬وع آخ‪11‬ر ‪-‬أي م‪11‬ا‬
‫‪23‬‬
‫أسميناه الفكر االستعاريّ‪ -‬وبهذا‪ 1‬فاالستعارة عقليّة خياليّة"‬
‫ي النسق ّي يدعونا إلى التّفكير في نظريّة للمعنى غير مبنية على الصّدق‪1.‬‬
‫وهذا التص ّور‪ 1‬االستعار ّ‬
‫أن جزءا مه ّما من نسقنا التصوّري تبنيه االستعارة وجبت إعادة النّظر في مفهوم الصّدق‬
‫فإذا ص ّح ّ‬
‫وشروط الصدق‪ 1‬نفسها‪ .‬فما هو صادق لن يكون صادقا بالنّظر‪ 1‬إلى الحقائق الخارجيّة واألوضاع الّتي‬
‫إن ما هو صادق‪ 1‬سيكون صادقا بالنّظر إلى التّنظيم ّ‬
‫الذهني البشر ّ‬
‫ي وبالنظر‪ 1‬إلى نسق‬ ‫تصفها المعاني‪ّ .‬‬
‫تصوّري ُمبنين بشكل واسع باالستعارة‪ .‬فالبشر‪ 1‬يفهمون مجاالت تجارب معيّنة من خالل مجاالت تجارب‬
‫أخرى‪.‬‬
‫إن المقاربة التجريبيّة الّتي يقترحها اليكوف‪ 1‬وجونسون تق‪11‬وم على ّ‬
‫أن الص‪11‬دق أم‪11‬ر نس‪11‬ب ّي باعتب‪11‬ار‬ ‫ّ‬
‫الفهم‪ .‬وهذا يعني أنّه ال توجد وجهة نظر مطلقة‪ ،‬بل ّ‬
‫إن كل رؤية وك ّل تحديد لألشياء هو باألساس حص‪11‬يلة‬
‫نسقنا التصوّري‪ 1‬الّ‪11‬ذي يرتك‪1‬ز‪ 1‬على تجاربن‪11‬ا‪ ،‬وتفاعلن‪11‬ا الي‪11‬وم ّي م‪11‬ع محيطن‪11‬ا الم‪11‬اد ّ‬
‫ي والثق‪11‬اف ّي‪ّ .‬‬
‫وإن الرّؤي‪11‬ة‬
‫التجريبيّة ال تنفي تماما الموضوعيّة‪ ،‬بل تق ّر بوجود موضوعيّة نسبيّة بالنظر‪ 1‬إلى النّس‪11‬ق التص ‪1‬وّري‪ 1‬لثقاف‪11‬ة‬
‫ما تح ّدد نموذجا‪ 1‬معياريا للتّصوّرات‪ 1‬والقيم داخل مجتمعات معيّنة‪.‬‬
‫وقد‪ 1‬ر ّكز المؤلفان على الكيفيّة التي ندلّل بها‪ .‬كيف نفهم أنفسنا والعالم‪ 1‬من حولنا؟ وكيف‪ 1‬نعيّن‬
‫أن هناك تبريرا واحدا لقيام النّزعة الموضوعيّة‬
‫ماهو صادق (أو حقيق ّي) في منظورنا على اعتبار" ّ‬
‫والنّزعة ّ‬
‫الذاتية إنّه االنشغال بالفهم‪ .‬تعكس أسطورة النّزعة الموضوعيّة حاجة البشر إلى فهم العالم‬
‫ي كي يتم ّكنوا من أن يفعلوا فيه بنجاح‪ .‬أ ّما أسطورة النزعة ّ‬
‫الذاتية فتر ّكز‪ 1‬على المظاهر ال ّداخليّة‬ ‫الخارج ّ‪1‬‬
‫ق أن تعاش‪.‬أما أسطورة النّزعة التجريبيّة فتقترح عدم‬
‫للفهم‪ ،‬أي ما يجده الفرد داال‪ ،‬وما يجعل حياته تستح ّ‬
‫‪24‬‬
‫تعارض هذين االنشغالين‪ ،‬إنّها تق ّدم منظورا يلتقي فيه االنشغاالن دون تعارض"‬

‫‪ I - 2 - 2 -2‬االستعارة المفهوميّة في مقابل المفهوم الكالسيك ّي األرسط ّي لالستعارة‬


‫من الفرضيات المركزيّة الّتي يقوم عليها كتاب "االستعارات‪ 1‬الّتي نحيا بها" ّ‬
‫أن االستعارة ليست‬
‫أمرا من أمور اللّغة وليست مجرّد وسيلة بالغية تكمن وظيفتها‪ 1‬في ما تضيفه من جمالية‪ ،‬ومن حسن‬
‫يخرج بالكالم عن صورته المباشرة الحرفيّة الفقيرة إلى صورة جميلة‪ ،‬وغنيّة‪ ،‬ومختلفة‪ ،‬م ّما يثير االهتمام‬
‫إلى اعتبارها مقوّما من مقوّمات الفكر تختزن النّسق التّصوّري في ّ‬
‫الذهن البشريّ‪ .‬وهي بذلك تنقض أهم‬
‫أسس المفهوم األرسط ّي لالستعارة الّذي ساد لقرون طويلة والّذي يقوم على األفكار التّالية‪:‬‬

‫‪ - 23‬االستعارات التي نحيا بها ‪ ،‬ص ‪186‬‬

‫‪ - 24‬جورج اليكوف‪،‬حرب الخليج أو االستعارات التي تقتل‪ ،‬ترجمة عبد المجيد جحفة وعبد اإلله سليم ‪،‬ط‪ ،1‬دار توبقال ‪،‬‬
‫المغرب ‪ ، 2005 ،‬مق ّدمة المترجم ص‪-‬ص ‪12-11‬‬
‫‪17‬‬
‫* االستعارات‪ 1‬تخصّ األلفاظ وليس التّصوّرات‪.‬‬
‫* االستعارات‪ 1‬تتأسّس على المشابهة‪.‬‬
‫* ك ّل التّصوّرات‪ 1‬حرفيّة وليس فيها ما هو استعار ّ‬
‫ي‪1.‬‬
‫* الفكر العقالن ّي ال يتش ّكل من خالل طبيعة أدمغتنا وأجسادنا‪.‬‬
‫وقد‪ 1‬سعى كتاب "االستعارات الّتي نحيا بها" إلى تفنيد ك ّل هذه األفكار وبيّن ّ‬
‫أن‪:‬‬
‫* االستعارات‪ 1‬تتعلّق بالتّصوّرات ال باأللفاظ‪.‬‬
‫* االستعارات‪ 1‬ال تتأسّس في العموم‪ 1‬على المشابهة بل على اإلسقاطات العابرة لمجالين من خالل تجربتنا‪1.‬‬
‫* االستعارات‪ 1‬المفهوميّة ليست اعتباطيّة بل تتش ّكل إلى ح ّد بعيد من طبيعة أجسادنا والطّرق‪ 1‬المشتركة‬
‫الّتي نشتغل بها في عالمنا اليوم ّي‪.‬‬
‫ويؤ ّكد‪ 1‬المؤلفان ّ‬
‫أن‪:‬‬
‫* االستعارات‪ 1‬ليست سوى عبارات لغويّة ما هي إالّ مغالطة تحول دون فهم ما يتوصّل إليه تحليل‬
‫االستعارات‪ 1‬في نسقيّتها وفي‪ 1‬ارتباطها بالتّجربة البشريّة "إنّها المغالطة الّتي تفترض ّ‬
‫أن االستعارة توجد‬
‫في الطرق الّتي نتح ّدث بها وليس في بناء التّصوّرات وإنشاء المعرفة والفهم‪".‬‬
‫أن الفكر‬ ‫ي منتشر‪ 1‬في ك ّل مجاالت حياتنا ّ‬
‫الذهنية واعية كانت أو غير واعية‪ .‬كما ّ‬ ‫* الفكر االستعار ّ‬
‫المجرّد استعار ّ‪1‬‬
‫ي بشكل واسع ‪.‬‬
‫ي المستخدمة في ال ّشعر واألدب حاضرة في تصوّراتنا العادية التي نستخدمها‪1‬‬
‫* نفس آليّات الفكر االستعار ّ‬
‫في حياتنا اليوميّة‪.‬‬
‫* تنشأ االستعارات المفهوميّة من تجاربنا اليوميّة‪.‬‬
‫ي حتم ّي وال يمكن تجنّبه ومهيمن‪ ،‬ومنتشر‪ ،‬وال واع في أغلبه‪.‬‬
‫* الفكر االستعار ّ‬
‫* التّصوّرات‪ 1‬المجرّدة ال تكتمل بدون استعارات‪ 1‬مثال الحبّ ليس حبّا بدون استعارات السّحر والجنون‬
‫والسّفر‪ ..‬وال ّزمن ال يكتمل معناه بدون استعارة ال ّزمن المتحرّك الّتي تجعل ال ّزمن يأتي ويمضي‪ 1‬ويستقبل‪.‬‬

‫‪ I - 3‬االستعارة ودورها في تشكيل ّ‬


‫الذهن‬
‫‪ I -3 -1‬االستعارة مبحث رئيس ّي في اللّسانيات العرفنيّة‬
‫يعتبر المؤلفان نظريّة االستعارة بحثا فرعيّا رئيسيّا في اللّسانيات العرفنيّة‪ .‬وهو مبحث يسعى إلى‬
‫وضع أسس تفسيريّة لألنساق التّصوّرية واللّغة في ال ّدراسة العامة لل ّدماغ ّ‬
‫والذهن‪ .‬فالعلوم‪ 1‬العرفنيّة تسعى‬
‫الذاكرة وفهم‪ 1‬اللّغة والتعلّم‪ 1‬وظواهر ذهنية أخرى‪" .‬وال يستخدم‪ 1‬مصطلح‬
‫إلى فهم اإلدراك والتّفكير وعمل ّ‬
‫العرفنة اآلن لل ّداللة على سيرورات معالجة المعلومات في المستوى‪ 1‬األعلى فحسب مثل التّفكير ّ‬
‫والذاكرة‬
‫واتّخاذ‪ 1‬القرار والوظائف التّنفيذية عامة‪ ،‬بل ينسحب أيضا على السّيرورات‪ 1‬األش ّد أوّلية مثل اإلدراك‪،‬‬
‫‪18‬‬
‫والحركيّة‪ ،‬وكذا االنفعال‪ ،‬والعاطفة‪ ،‬هذا التّعريف‪ 1‬غالبا ما يشمل ك ّل السّيرورات ّ‬
‫الذكية حتى عند‬
‫‪25‬‬
‫الحيوانات‪ ،‬وفي أنظمة اصطناعيّة مثل الحواسيب‪".‬‬
‫ي نسقا معقّدا‪ .‬يتلقّى المعلومات‪ ،‬ويخ ّزنها‪ ،‬ويستعيدها‪1،‬‬ ‫ويعتبر‪ 1‬العلماء العرفنيّون ّ‬
‫الذهن البشر ّ‪1‬‬
‫ويحوّلها‪ 1،‬وينقلها في إطار ما يس ّمى سيرورات معالجة المعلومات‪ .‬وتقوم طبيعة العلم العرفن ّي على كشف‬
‫ال ّشبكات النّسقية‪ ،‬والخطاطات الخفيّة األوّلية المتح ّكمة في بناء تصوّراتنا‪ 1.‬وهي تحاول أن ترجع المتع ّدد‬
‫الالّنهائي في تحقّقاته المتن ّوعة والمختلفة‪ ،‬المبدعة والمبتكرة إلى مجموعة من القواعد الّتي تكتسي‪ 1‬طابعا‬
‫صوريا مضبوطا‪ 1.‬وهذه القواعد تشتغل بصورة ال واعية‪ .‬ورغم محدوديّة هذه القواعد‪ ،‬فإنها‪ 1‬تسمح‬
‫وإن تملّك هذه القواعد‬
‫أن سلوكاتنا الالّنهائيّة نقوم به اعتما ًد على نسق نهائ ّي‪ّ .‬‬
‫بعمليّات النهائيّة‪ .‬والنّتيجة ّ‬
‫وفهم‪ 1‬نسقيتها هو ما سيم ّكننا في النّهاية من فهم ّ‬
‫الذهن واالستفادة من نتائج هذه البحوث لتطوير البرمجيّات‬
‫الذكاء االصطناع ّي من ناحية‪ .‬وللتح ّكم في ّ‬
‫الذهن البشريّ‪ ،‬وفهم‪1‬‬ ‫الحاسوبيّة وتطويرها‪ 1‬في مجال بحوث ّ‬
‫ق لطبيعة اشتغال األنساق الثقافيّة لمختلف الشعوب من ناحية أخرى‪ .‬وهذا في ح ّد ذاته له خطر كبير لع ّل‬
‫أد ّ‬
‫أبرزه السيطرة النّاعمة‪ 26‬على العقول‪ ،‬وبسط‪ 1‬هيمنة العقول الذكيّة بما وراءها من دول لها مصالح‬
‫استراتيجيّة ومؤسّسات إنتاج ضخمة ‪ .‬والحصيلة ّ‬
‫أن اإلنسان يفهم نسق معالجة المعرفة إذا عرف القواعد‬
‫الصوريّة الّتي يطبّقها‪ .‬ومن يمتلك المعرفة يمتلك العالم ‪.‬‬
‫وتتناول‪ 1‬اللّسانيات العرفنيّة كما عند اليكوف‪ 1‬وجونسون سيرورات الرّموز والعالقات‪ 1‬التّمثيلية بينها‪ .‬وهي‬
‫ي حيث تفصل المقاربة‬
‫بذلك تختلف عن ما كان سائدا في ما يسميه اليكوف الجيل األوّل من العلم العرفن ّ‪1‬‬
‫الصّورية الرّموز‪ 1‬عن معانيها كي تتم ّكن من الرّصد العلم ّي لمعالجة المعلومات‪.‬‬
‫وهذا الطّور األوّل يتعلّق بالعلم العرفن ّي منذ نشأته في السنوات الخمسين من القرن الماضي إلى‬
‫غاية منتصف السبعينات وبداية الثمانينات الفترة الّتي عرفت تحوّال جذريا‪ 1‬وانطالقة أفكار جديدة أو ما‬
‫عرف بالثّورة العرفنيّة‪ ،‬موازاة مع انبثاق ما بات يعرف باللّسانيات العرفنيّة القائلة بتجسّد ّ‬
‫الذهن‪،‬‬
‫والمضادة لالتجاه التوليد ّ‪1‬‬
‫ي والمنطق ّي‪.‬‬
‫يمكننا إذن الحديث عن طورين أساسيين م ّر بهما العلم العرفن ّي‪ 1.‬يس ّمهما اليكوف ب"الجيل األول"‬
‫و"الجيل الثاني" للعلم العرفنّي في حوار أجراه معه جون بروكمان( ‪ ) John Brockman‬أين طرح عليه‬
‫ي عن الفلسفة؟"‪ .‬ليفصّل اليكوف أكثر في أسس هذا المشروع الجديد‬
‫سؤاال بصيغة "أتميّز العلم العرفن ّ‪1‬‬
‫وأطروحاته من خالل ر ّده‪ ":‬هذا سؤال خطير وعميق وفي‪ 1‬مركز مشروع الفلسفة في الجسد‪ .‬وهذه‬

‫‪- George Lakoff ; Mark Johnson : Philosophy in the Flesh: the Embodied Mind & its‬‬
‫‪25‬‬

‫‪Challenge to Western Thought:New york : Basic Books.1999 p 23‬‬


‫‪ Soft power - 26‬نرجع هنا لمفهوم الق ّوة الناعمة وهو مفهوم صاغه جوزيف ناي )‪ Joseph S Nye (1937-...‬أستاذ‬
‫باحث في العالقات الدولية بجامعة هارفارد لوصف القدرة على الجذب والضم دون االكراه أو استخدام القوة كوسيلة لالقناع‬
‫في كتابه‪:‬‬
‫‪Soft Power: The Means to Success in World Politics (Anglais) Broché – juin 2005‬‬
‫‪19‬‬
‫الخطورة تعود ألنّه ليس لهذا السؤال جواب بسيط لوجود‪ 1‬شكلين للعلم العرفنّي‪ 1‬أحدهما صيغ بناء على‬
‫افتراضات الفلسفة األنجلو‪-‬أمريكية واآلخر‪ ... 1‬مستق ّل عن االفتراضات الفلسفيّة المخصوصة التي تقيّد‬
‫ي في بداياته المب ّكرة‪ ،‬وهو ما أسميه "الجيل األوّل" أو "العلم العرفنّي‪ 1‬غير‬
‫نتائج البحث‪ .‬العلم العرفن ّ‪1‬‬
‫المجسدن" الّذي ص ّمم ليناسب النسخة الشكليّة‪ 27‬للفلسفة األنجلو‪-‬أمريكية‪ .‬وبعبارة أخرى أنها ش ّكلت‬
‫مسلّمات أوّلية وجّهت األجزاء الهامة لمحتوى‪ 1‬النّتائج العلميّة‪ .‬وبالعودة إلى أواخر‪ 1‬الخمسينيات صاغ‬
‫هيالري بوتنام‪ 281‬موقفا فلسفيّا نعت بـ "الوظيفيّة‪( 29‬وقد تخلّى بعد ذلك عن هذا الموقف) انطلق فيه من‬
‫مسلّمات ما قبلية حيث كان المقترح‪ :‬يمكن دراسة ّ‬
‫الذهن من خالل وظائفه العرفنيّة أي من خالل العمليّات‬
‫الّتي يؤ ّديها بشكل مستق ّل عن ال ّدماغ والجسد‪ .‬والعمليّات الّتي يؤ ّديها ّ‬
‫الذهن يمكن أن تنمذج على نحو كاف‬
‫عن طريق‪ 1‬معالجة رموز‪ 1‬صوريّة عديمة المعنى كما هو الحال في برنامج الحاسوب‪.‬‬
‫هذا البرنامج الفلسف ّي يناسب النّماذج الّتي كانت سائدة في ذلك الوقت في عدد من التّخصّصات ‪:‬‬
‫ي الّذي‬ ‫* في الفلسفة الشكليّة‪ :‬فكرة إمكانية تخصيص ّ‬
‫الذهن على نحو كاف باستخدام المنطق الرمز ّ‪1‬‬
‫يستخدم‪ 1‬معالجة الرّموز عديمة المعنى‪.‬‬
‫* وفي‪ 1‬اللّسانيات التوليديّة‪ :‬فكرة إمكانية تخصيص نحو اللّغة على نحو كاف من خالل القواعد الّتي تعالج‬
‫الرّموز‪ 1‬ال ّشكلية عديمة المعنى‪.‬‬
‫أن الذكاء يتر ّكب بصفة عامة في برامج الحاسوب الّتي تعالج‬
‫ي ‪ :‬فكرة ّ‬ ‫* وفي‪ 1‬مجال ّ‬
‫الذكاء االصطناع ّ‪1‬‬
‫الرّموز‪ 1‬ال ّشكلية عديمة المعنى‪.‬‬
‫أن ّ‬
‫الذهن هو جهاز لمعالجة المعلومات‪ ،‬حيث تؤخذ‬ ‫* وفي‪ 1‬معالجة المعلومات في علم النفس فكرة ّ‬
‫المعلومات المعالجة كمعالجة لرموز شكليّة عديمة المعنى كما هو الحال في برامج الحاسوب ‪.‬‬
‫ك ّل هذه المجاالت تطوّرت من الفلسفة الشكليّة‪ .‬وقد تقاربت هذه المجاالت األربعة في سنة ‪1970‬‬
‫ي في طوره األوّل حيث كانت رؤية ّ‬
‫الذهن بوصفه معالجة مجسدة للرّموز‪ 1‬الشكليّة‬ ‫لتش ّكل العلم العرفن ّ‪1‬‬
‫‪30‬‬
‫عديمة المعنى"‬
‫يواصل اليكوف‪ 1‬نقده لهذا الوضع وتقديم البديل من خالل ر ّده على سؤال آخر عن كيفيّة تناسب‬
‫وجهة النّظر هذه مع العلم التجريب ّي الّذي تبنته اللّسانيات العرفنيّة فيجيب بقوله‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫‪- a formalist version‬‬
‫الذهن وفلسفة اللّغة وفلسفة العلوم‪،‬‬
‫‪ Hilary Putnam (1926-2016) 28‬فيلسوف ورياضي أمريكي تتعلق أعماله بفلسفة ّ‬
‫عرف بصرامته النقدية حتى بالنسبة إلى مواقفه الفكرية‪ ،‬حيث لم يتردد في مراجعة كثير من أفكاره‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫‪- functionalism‬‬
‫‪30‬‬
‫‪- John Brockman; "Philosophy In The Flesh" A Talk With George Lakoff [3.9.99] FROM‬‬
‫‪https://www.edge.org/3rd_culture/lakoff/lakoff_p1.html22‬‬ ‫‪/09/ 2016‬‬
‫‪20‬‬
‫" ‪ ،‬لقد نشأت وجهة النّظر هذه من الفلسفة القبليّة‪ 31‬ولم تكن مؤسّسة تجريبيّا‪ ،‬ومع ذلك فإنّها‬
‫البداية لمجالنا‪ .‬فما كان جيّدا عنها أنها كانت مضبوطة‪ ،‬وما كان كارثيا بخصوصها‪ 1‬هو ما كان لديها من‬
‫رؤية فلسفيّة خفيّة تن ّكرت كنتيجة علميّة‪ .‬وإذا ما قبلت هذا الموقف‪ 1‬الفلسف ّي‪ ،‬فك ّل النتائج الّتي ال تتّفق مع‬
‫للذهن ضمن هذا الموقف‪ 1‬الفلسف ّي‬‫هذه الفلسفة يمكن اعتبارها بال معنى‪ .‬لقد كان العلم العرفن ّي في دراسته ّ‬
‫القبل ّي بالنّسبة إلى الباحثين الّذين تكوّنوا ضمن هذا التّقليد‪ .‬فقد ت ّم تكوين الجيل األوّل من العلماء العرفنيّين‬
‫للتّفكير بهذه الطّريقة‪ ...‬وهكذا لم يتميّز الجيل األوّل من العلم العرفن ّي عن الفلسفة‪ .‬بل إنّه يتوافق مع‬
‫وجهة النّظر الفلسفيّة القبليّة الّتي تضع القيود ال ّدائمة على ما يمكن أن يكون عليه ّ‬
‫الذهن (لع ّل أهمها)‪ :‬يجب‬
‫على التصوّرات‪ 1‬أن تكون حرفيّة‪ .‬فإذ ما ت ّم تخصيص التّفكير العقل ّي من خالل المنطق الشكل ّي التقليديّ‪،‬‬
‫فإنّه ال يمكن أن يكون هناك شيء يعتبر تصوّرا استعاريّا‪ ،‬وليس ث ّمة شيء يعتبر فكرا استعاريّا‪1".‬‬
‫بأن ال ّدماغ يكون‬ ‫ي في طوره األوّل بالنظريّة الحوسبيّة ّ‬
‫للذهن واالعتقاد ّ‬ ‫لقد ارتبط العلم العرفن ّ‪1‬‬
‫قابال لمقارنته بالحاسوب‪ .‬وهو نموذج البحث الّذي هيمن على العلم العرفن ّي لعقود‪ .‬ونجد الباحث روبرت‬
‫كلير‪ 32‬يرجع بتاريخه إلى ما بعيد الحرب العالمية الثّانية مع انعقاد مؤتمر هيكسون‪ )1948( 33‬بكاليفورنيا‪1‬‬
‫الّذي يؤرّخ به لنشأة العلوم العرفنيّة‪ .‬فقد التقى فيه باحثون من تخصّصات مختلفة من علم األعصاب‪ ،‬وعلم‬
‫بأن ّ‬
‫الذهن البشر ّ‬
‫ي يشتغل مثل‬ ‫النّفس‪ ،‬واللّسانيات‪ ،‬والرياضيات‪ ،‬لمناقشة ُمقتضيات نظريّة جديدة تُفيد ّ‬
‫الحاسوب‪ .‬وقد‪ 1‬قاد هذا السبيل الجديد في البحث نحو تخصّصات جديدة متع ّددة من قبيل اللّسانيات‬
‫للذهن‪ ،‬واللّسانيات الشكليّة‪...‬وقد تأسّست النّظريات‬
‫الحوسبيّة‪ ،‬و نماذج رياضيّة للّغة‪ ،‬ونماذج رياضيّة ّ‬
‫الذهن والجسد يشتغالن بصفة مستقلّة عن بعضهما البعض‪.‬‬
‫أن ّ‬‫الفلسفيّة لهؤالء الباحثين على اعتقاد مفاده ّ‬
‫وأن اللّغة هي باألساس تشفير رمز ّ‪1‬‬
‫ي تحيل إلى حالة قضايا‪ 1‬في العالم‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ويواصل‪ 1‬الب‪1‬احث قول‪1‬ه" إنّ‪1‬ه بع‪11‬د ثالثين س‪11‬نة من إنش‪1‬اء العلم العرف‪1‬ن ّي ب‪11‬دأ س‪1‬بيل لغ‪11‬وي جدي‪1‬د في‬
‫االنبثاق‪ 1.‬أتى هذا السّبيل الجديد من التحقّق بأن اللّغة هي استعاريّة على نطاق واس‪11‬ع‪ّ .‬‬
‫وأن االس‪11‬تعارة تلعب‬
‫دورا رئيسيّا‪ 1‬في كيفيّة تفكير الكائن البشريّ)اليكوف وجونس‪11‬ون ‪ .( 1980‬وس‪11‬ميّت ه‪11‬ذه المقارب‪11‬ة الجدي‪11‬دة‬
‫باللّسانيات العرفنيّة‪ .‬ولكن لم تكن من نفس نوع المقارب‪11‬ة اللّغوي‪11‬ة الّ‪1‬تي اس‪1‬تخدمها‪ 1‬تشومس‪1‬كي وتالمذت‪11‬ه في‬
‫معهد‪ .MIT‬وتأسّس هذا النّوع الجديد من اللّسانيات العرفنيّ‪11‬ة على ي‪11‬د الب‪11‬احثين من الجي‪11‬ل الثّ‪11‬اني من العلم‬
‫ي وال‪ّ 1‬دور‪ 1‬الّ‪11‬ذي تلعب‪11‬ه‬
‫العرفن ّي‪ 1.‬وكان اهتمام رواده األوائل منصبّا على الكيفيّة الّتي يف ّكر بها الكائن البش‪11‬ر ّ‪1‬‬

‫‪ -2031‬الفلسفة القبلية أو األولية ‪ Apriori philosophy‬وهي معرفة يفترضها الذهن وتسبق التجربة ‪(-‬المعجم‬
‫الفلسفي ‪،‬جميل صليبا‪،‬دار الكتاب اللبناني‪)1982،‬‬
‫‪32‬‬
‫‪- Robert N. St. Clair: Metaphor and the Foundations of the Second Generatin of Cognitive‬‬
‫‪Linguistic,‬‬
‫‪http://structural-communication.com/Articles/second-generation-cogsci-stcliar.html‬‬
‫‪33‬‬
‫‪- First Hixon Symposium on "Cerebral Mechanisms and Behavior"; Engineering and‬‬
‫‪Science; 1948 ; http://resolver.caltech.edu/CaltechES:12.1.Pump223‬‬ ‫‪/ 09 / 2016‬‬
‫‪21‬‬
‫اللّغ‪11‬ة في المعرف‪11‬ة‪ ...‬و انبنت األعم‪11‬ال الّ‪11‬تي ض‪ّ 1‬مها ه‪11‬ذا اإلط‪11‬ار الجدي‪11‬د على نم‪11‬وذج بحث الجي‪11‬ل الثّ‪11‬اني‬
‫الذهن المتجسّد‪ ،‬والتوجّه في ال ّدراسات اللّسانية نحو التّركيز على البحوث‬
‫للّسانيات العرفنيّة‪ ،‬وعلى مفهوم ّ‬
‫في ال ّداللة واس‪1‬تيعاب اللّغ‪1‬ة المجازيّ‪1‬ة وبخاص‪1‬ة االس‪1‬تعارة كم‪1‬دخل مه ّم في البحث لتأكي‪1‬د ه‪1‬ذه الفرض‪1‬يّات‬
‫ي للّغة ُمبنين في معظمه بواسطة مبادئ استعاريّة‬ ‫األولى‪ .‬فكما بيّن اليكوف‪ 1‬وجونسون ّ‬
‫فإن استخدامنا العاد ّ‬
‫تكشف عن االتّجاهية‪ .‬فالكائنات البش‪11‬ريّة له‪11‬ا تنظيم فض‪11‬ائ ّي وتتقاس‪11‬م عالم‪11‬ا تعكس اتّجاهات‪11‬ه مث‪11‬ل( ف‪11‬وق‪-‬‬
‫تحت‪ /‬داخل‪ -‬خارج‪ /‬أمام‪ -‬خلف‪ .)...‬وهذه االتّجاهية تخصّص بصفة نسقيّة األفكار‪ 1‬المج ‪1‬رّدة مث‪11‬ل األفك‪11‬ار‬
‫والمعتقدات ال ّدينية‪ ،‬والمواقف األخالقيّة والسياسيّة‪ ،‬من خالل حركات وأنشطة جسديّة"‬

‫‪ I -3 -2‬نحو التّأسيس لنظريّة جديدة في المعنى‬


‫تحاول اللّسانيات العرفنيّة مع الكوف وجونسون تجاوز‪ 1‬ال ّدراسات التركيبيّ‪11‬ة والش‪11‬كليّة الّ‪11‬تي ك‪11‬انت‬
‫سائدة خصوصا‪ 1‬مع التوليديّة‪ .‬والّتي وجّهت لها انتقادات قويّة بإهمال المعنى لتؤسّس في النّهاية لنظريّة في‬
‫المعنى‪ .‬فمعالجة المعلومات ينبغي أن تك‪11‬ون ذات دالل‪11‬ة كي تك‪11‬ون ذات فائ‪11‬دة‪ .‬ودراس‪11‬ة االس‪11‬تعارة هي في‬
‫مركز النظريّة ال ّداللية العرفنيّة‪ .‬ويعود‪ 1‬ذلك لمركزيتها‪ 1‬في إدراك المعنى‪ ،‬ومعرف‪11‬ة اإلنس‪11‬ان بنفس‪11‬ه وتمثّلّ‪11‬ه‬
‫الوجود‪ 1‬من حوله وبنائه لمختلف أنساقه الثقافيّة‪ .‬فاالستعارة ال تحكم ممارستنا اللّغوية فقط‪ ،‬ب‪11‬ل تحكم أيض‪11‬ا‬
‫نظامنا‪ 1‬التّصوّري وتجربتنا الحياتيّ‪11‬ة‪ .‬وهي تق‪11‬وم على ض‪11‬رب من االنس‪11‬جام ال‪11‬داخل ّي‪ .‬ه‪11‬ذا االنس‪11‬جام ال‪11‬ذي‬
‫يعكس انسجام تفكيرنا وانسجام‪ 1‬تجربتنا الوجوديّة‪ .‬لذلك جعل علم ال ّدالل‪11‬ة العرف‪11‬ن ّي من أه ّم أهداف‪11‬ه " تحلي‪11‬ل‬
‫‪34‬‬
‫الشبكة االستعاريّة التّصوّرية الّتي تنظّم إمساكنا‪ 1‬الرّمز ّ‬
‫ي بالعالم في عدد كبير من الميادين"‬

‫لقد تحوّل االنسجام مع العرفنيّين من كونه مقولة لغويّة تتش ّكل في اللّغة وبها‪ ،‬إلى اعتباره مقولة‬
‫تصوّرية‪ .‬فاالنسجام‪ 1‬كامن في نظامنا‪ 1‬التّصوّري‪ 1.‬وليست اللّغة إالّ تجلّيا من تجلّيات هذا االنسجام‪ 1‬الكامن‬
‫أن الوقائع الّتي تؤ ّكدها نظريّة االستعارة المفهوميّة‬
‫الذهن‪ .‬ويبيّن "كتاب االستعارات الّتي نحيا بها" ّ‬
‫في ّ‬
‫التتّفق مع العديد من االفتراضات الّتي تنبني عليها الفلسفة الغربيّة‪ .‬فليس صحيحا‪ّ 1‬‬
‫أن ك ّل الفكر واع‪،‬‬
‫وحرف ّي‪ ،‬وغير مجسّد‪ .‬لهذا وجب إعادة النّظر في هذا كلّه من خالل الوقوف على النّتائج التجريبيّة لعلم‬
‫الذهن واللّغة‪ .‬يكشف البنية االستعاريّة الّتي تنبني عليها األشكال األساسيّة للعقل‪.‬‬
‫عرفن ّي مجسدن حول ّ‬
‫ويفتح لرؤية جديدة لتصوّرنا لإلنسان ولماهيته‪ .‬ولع ّل من أبرز كشوف العلم العرفن ّي ّ‬
‫أن معظم فكرنا الواع‬
‫"ليس بالمعنى الفرويدي من أنّه مكبوت" وإنّما بمعنى أنّه يشتغل في مستوى أدنى من مستوى اإلدراك‬
‫ي ال يبلغه الوعي‪ .‬ويعمل بسرعة ال تتيح التّركيز عليه‪ .‬فلفهم تلفّظ ولو بسيط يجب أن ننجز بصورة‬
‫العرفن ّ‪1‬‬

‫‪34‬‬
‫;‪- Anne-Marie Diller Cohérence métaphorique; action verbal et action mentale en français‬‬
‫‪in Communication ; N 53. 1990. P210.‬‬
‫‪22‬‬
‫آليّة سلسلة من أشكال التّفكير البالغة التّعقيد منها‪ :‬ما يتعلّق بتقبّل سيل األصوات‪ ،‬ونظمها ضمن سمات‬
‫ومقاطع‪ ،‬وتحصيل الوحدات المعجميّة‪ ،‬واستيعابها داخل بنية تركيبيّة ضمن خيار من الخيارات الهائلة‬
‫الّتي توفّرها‪ 1‬اللّغة األ ّم‪ ،‬وانتقاء األلفاظ‪ ،‬وإعطائها معان تالئم السّياق‪ ،‬وإنجاز استدالالت بخصوص ما‬
‫ّ‬
‫‪...‬إن الفكر الواعي جزء بسيط‪ 1‬جدا مقابل‬ ‫قيل‪ ،‬وملء الثّغرات في الخطاب‪ ،‬والتّخطيط لما ستقوله مجيبا‬
‫الفكر الالّواعي الّذي يش ّكل عند العلماء العرفنيّين النّسبة العليا من تفكيرنا الّتي يق ّدرها اليكوف‪ 1‬وجونسون‪1‬‬
‫في كتابهما "الفلسفة في الجسد" بخمس وتسعين بالمائة حيث يقوال‪ّ ." :‬‬
‫إن الفكر الواعي هو القطعة‬
‫الظّاهرة من جبل جليد ضخم يش ّكل الفكر الالّواعي منه عند العلماء العرفنيّين ‪ 95‬بالمائة تقريبا من الفكر‬
‫فإن ‪ 95‬بالمائة الّتي توجد أسفل مساحة‬
‫كلّه‪ ،‬ولربّما كان هذا التّقدير تقليال لقيمته‪ ،‬وعالوة على هذا ّ‬
‫اإلدراك واإلحساس‪ 1‬الواعي تش ّكل وتُبنين كل ّ الفكر الواعي‪ .‬ولو لم يكن الفكر الواعي يقوم بهذا التّشكيل‪،‬‬
‫‪35‬‬
‫فلربّما‪ 1‬لم يوجد فكر واع"‬
‫بأن تشكيل ال ّدالالت والمعاني‪ 1،‬وعملي‪11‬ة التخيّ‪11‬ل‪،‬‬ ‫ويجادل جونسون في كتابه "الجسد في ّ‬
‫الذهن"‪ّ 36‬‬
‫إضافة إلى عملية التّفكير العقل ّي تق‪1‬وم كلّه‪1‬ا على عملي‪1‬ات اس‪11‬تعاريّة‪ .‬تق‪1‬وم فيه‪1‬ا الخطاط‪11‬ات ّ‬
‫الص‪1‬ور ب‪1‬دور‪1‬‬
‫المجال المصدر‪ ،‬حيث ينتقد جونسون النّظريات التقليديّة لل ّداللة الّتي يمكن إجمال آرائها الجوهريّ‪11‬ة في م‪11‬ا‬
‫يلي‪:‬‬
‫*إن المعنى هو عالقة تجريديّة بين رموز معيّنة كالكلمات أو التّص ّورات ّ‬
‫الذهنية‪ ،‬وبين واقع ماد ّ‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫محسوس‪ ،‬حيث ال يوجد‪ 1‬للرّموز معنى إالّ ارتباطها‪ 1‬بأمور ما ّدية كاألشياء الما ّدية‪ ،‬وصفاتها‪ ،‬والعالقات‪1‬‬
‫بينها‪.‬‬

‫إن المفاهيم هي تمثيالت ذهنيّة مجرّدة يت ّم استخدامها لتحديد الظّواهر الما ّدية الّتي تشير إليها أو سماتها‬
‫* ّ‬
‫أو عالقاتها‪ ،‬فمفهموم‪" 1‬الكرسي" يشير‪ 1‬إلى ك ّل الكراسي الموجودة‪.‬‬

‫أن الصّور‪ّ 1‬‬


‫الذهنية قد ترتبط‪1‬‬ ‫إن المفاهيم غير متجسّدة حيث أنّها ال ترتبط بتجربة ما ّدية معيّنة‪ .‬في ما ّ‬
‫* ّ‬
‫أن صورة الكرسي ّ‬
‫الذهنية قد تكون‬ ‫بتجربة ما ّدية‪ .‬فمفهوم‪ 1‬الكرسي مثال مفهوم عالي التجريد في ما ّ‬
‫مرتبطة بتجربة شخصيّة‪.‬‬

‫إن وظيفة نظريّة ال ّداللة هي القدرة على شرح قابليّة الرّموز‪ 1‬لل ّداللة‪ .‬وذلك عن طريق توضيح الظّروف‪1‬‬
‫* ّ‬
‫الّتي تكون فيها تلك الرّموز "صحيحة" من خالل ارتباطها بواقع‪ 1‬معيّن‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪- Lakoff ; Johnson ; 1999 ;p 23‬‬
‫‪36‬‬
‫‪- Johnson Marc; The Body in the Mind The Bodily Basis of meaning, imagination, and‬‬
‫‪reason, University of Chicago;1987‬‬
‫‪23‬‬
‫إن أي تحليل لل ّداللة ال ب ّد من أن يقوم أساسا على مفاهيم واقعيّة‪ ،‬وليست مجازيّة أبدا‪ .‬فالمفهوم‪ 1‬ال ب ّد أن‬
‫* ّ‬
‫أن المجاز واالستعارة ال يمكن مقارنتها بواقع مح ّدد يمكن‬
‫يشير إلى ظاهرة ما ّدية يمكن استكشافها‪ 1.‬في ما ّ‬
‫به التثبّت من صحّتها‪ .‬فقولنا " أرخى البّحارة قلوع السّفينة" يشير إلى داللة يمكن مقارنتها‪ 1‬بالواقع الما ّدي‪.‬‬
‫أن القول " الصّباح أرخى قلوعه" ال يمكن مقارنتها‪ 1‬بواقع حقيق ّي‪ .‬وهذا ما أ ّدى بالنّظريات الما ّدية‬
‫في ما ّ‬
‫إلى تهميش دور االستعارة في تشكيل المفاهيم‪.‬‬

‫أ ّما عن التّفكير العقل ّي فالنّظريّة الموضوعيّة تقوم على األسس التّالية‪:‬‬

‫إن لبّ عملية التّفكير العقل ّي هو المنطق الصّور ّ‬


‫ي وكما يقول جونسون ‪:‬‬ ‫* ّ‬

‫يمكن ال ّربط بين المفاهيم لتشكيل أفكار مختلفة األنواع‪ .‬وهناك عدد محدد من "الرّوابط‪ 1‬المنطقيّة"مثل‬
‫فإن" ‪...‬الخ) الّتي تعيّن العالقات الممكنة سواء كان في ما بين‬
‫(حرف العطف "و" "أو" " إذا كان‪ّ -‬‬
‫‪37‬‬
‫المفاهيم مثال "األحمر واألزرق" أو األفكار مثال " السّماء تمطر‪ 1‬والج ّو بارد"‬

‫إن التّفكير العقالن ّي ال عالقة له بالجسد والما ّدة حيث أنه يقوم على عالقات منطقيّة خالصة التّجريد‬
‫* ّ‬
‫وعمليات مستقلّة قائمة بذاتها في ذهن الشخص المف ّكر‪ .‬فالفكر الموضوع ّي السّائد كان يعتقد بش ّدة بوجود‬
‫التّفكير المتعالي غير المرتبط بأ ّ‬
‫ي ظاهرة أو تط ّور‪ 1‬تاريخ ّي‪ .‬ويعيد جونسون‪ 1‬من خالل كتابه "الجسد في‬
‫الذهن" ‪ 38‬النّظر لك ّل المبادئ األساسيّة في النّظريات التقليديّة لل ّداللة والفكر العقل ّي الّتي ترسّخت على م ّر‬
‫ّ‬
‫ي الّذي تقوم به األبنية غير‬
‫ال ّزمن‪ .‬ويش ّكك‪ 1‬في صالبة منطقها ال ّداخلي من خالل كشف ال ّدور المركز ّ‪1‬‬
‫أن الجسد أساس ّي في تحديد هويّتنا البشريّة وحقيقة ّ‬
‫أن‬ ‫الخبريّة‪ 39‬ودور المجاز واالستعارة فيها‪ .‬ويرى ّ‬
‫ي يظ ّل مرتبطا‪ 1‬بوجودنا ‪ ،‬وتجاربنا‪ ،‬وعالقتنا بالواقع الما ّدي من حولنا‪ ،‬ويركز باألساس‬
‫تفكيرنا البشر ّ‪1‬‬
‫على مفهوم "الخطاطة"‪.‬‬

‫إن النّظرة التجريبيّة للمعنى في خطوطها‪ 1‬العريضة تتعارض مع النّظرة الموضوعيّة‪ .‬ففي حين ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬
‫الفلسفة الموضوعيّة تعرّف ال ّداللة على نحو منفصل عن طبيعة األشخاص المف ّكرين وتجربتهم‪ .‬فهذه‬
‫الواقعيّة التجريبيّة تفسّر المعنى على أساس الجسدنة‪ ،‬أي على أساس مجموع قدراتنا البيولوجيّة‪ ،‬وتجاربنا‬
‫‪40‬‬
‫الما ّدية واالجتماعيّة باعتبارنا فاعلين في بيئتنا"‬

‫‪ I - 4‬توسيع النّظريّة‬

‫‪37‬‬
‫‪- Johnson; 1987 ;Preface ;p xxxiv‬‬
‫‪38‬‬
‫‪- Johnson;1987 ;Preface;p xxxiv‬‬
‫‪39‬‬
‫‪- nonporopsitional structures‬‬
‫‪40‬‬
‫‪- George Lakoff, Women, Fire and Dangerous Things: What Categories Reveal About the‬‬
‫‪Mind,University of Chicago Press.1987 ;p 266-267‬‬
‫‪24‬‬
‫لقد بيّن اليكوف‪ 1‬وجونسون انطالقا‪ 1‬من كتاب "االستعارات الّتي نحيا بها" أه ّمية حضور الجسد في‬
‫تشكيل أنساقنا‪ 1‬التّصوّرية‪ .‬وقد فتح بحثهما في االستعارة المفهوميّة سبيال جديدة لتوجّه فلسف ّي يقوم على‬
‫أساس مفهوم الجسدنة‪ .‬ليؤ ّكد ال ّدور األساس ّ‪1‬‬
‫ي للجسد والما ّدة عموما في تشكيل كثير من رؤانا‪ .‬ولقد عرف‬
‫هذا االتّجاه الجديد في البحث تطوّرا كبيرا في كتاباتهما الالّحقة مما وسّع في أفق النّظريّة ودفع بها إلى‬
‫نهاياتها‪ 1‬الفلسفيّة كرؤية جديدة لإلنسان والعقل والواقع والمعنى‪1.‬‬
‫‪ I -4 -1‬مركزيّة الجسد في تشكيل أنساقنا التّص ّوريّة‬
‫لقد تلقّت النّظريّة دعما قويّا بكتابين لاليكوف وجونسون صدرا سنة ‪ 1987‬فقد أصدر اليكوف‬
‫كتابه "نساء ونار وأشياء خطيرة‪ :‬ما تكشفه المقوالت حول العقل"‪ 41.‬وأصدر‪ 1‬جونسون كتابه " الجسد في‬
‫ّ‬
‫الذهن ‪:‬األسس الجسديّة للمعنى والخيال والعقل"‪ 42.‬في ما بدا وكأنّه تقسيم لألدوار في دعم النّظريّة‬
‫األساسيّة‪ .‬فكتاب "نساء ونار‪ 1‬وأشياء خطيرة" ر ّكز على جانب واحد من مظاهر ّ‬
‫الذهن وهي قضيّة‬
‫المقولة‪ .‬و يوضّح فيه الكوف لبّ الفلسفة التجريبيّة واختالفها‪ 1‬عن الفلسفة الموضوعيّة السّائدة قائال‪ّ ":‬‬
‫إن‬
‫النّظرة التجريبيّة مختلفة‪:‬إنّها تحاول وصف ال ّداللة على أساس طبيعة وتجربة األعضاء الّتي تقوم‬
‫بالتّفكير‪ .‬ليس طبيعة األفراد وتجربتهم فقط بل طبيعة وتجربة األنواع والمجتمعات‪ 1.‬فـ"التّجربة" ال تفهم‬
‫في معناها الضيّق الّذي يشير إلى األشياء "الّتي حدث وأن وقعت لفرد من األفراد"‪ .‬بل ّ‬
‫إن التّجربة تفسّر‬
‫في معناها الواسع‪ :‬المجموع الكلّي للتّجربة اإلنسانيّة‪ ،‬وك ّل ما يلعب دورا فيها كطبيعة أجسادنا‪ ،‬وقدراتنا‬
‫وفي خالصة‪ّ ،‬‬
‫فإن هذه‬ ‫‪43‬‬
‫الّتي ورثناها قبليّا‪ ،‬وصيغ فعلنا الما ّدي في العالم‪ ،‬وتنظيمنا االجتماع ّي إلخ‪".‬‬
‫النّظرة التجريبيّة تعتبر جوهريا كثيرا م ّما كان يعتبر غير مه ّم في التّفسير الموضوع ّي‪1.‬‬
‫ويدافع‪ 1‬اليكوف في هذا الكتاب عن فرضية الجسدنة الّتي تحاول أن تثبت ّ‬
‫أن األذهان ليس‪11‬ت بص‪11‬فة‬
‫جوهريّة عمليّات حوسبيّة غير متجسّدة مثل برنامج الحاسوب‪ .‬ولكنّها‪ 1‬تنشأ ب‪11‬دال من ذل‪11‬ك وتقيّ‪11‬د ب‪11‬أنواع من‬
‫التّنظيم‪ 1‬المنعكس في الخصائص البيولوجيّ‪11‬ة‪ ،‬والتش‪11‬ريحيّة‪ ،‬والكيميائيّ‪11‬ة الحيويّ‪11‬ة‪ ،‬والفيزيولوجيّ‪11‬ة العص‪11‬بيّة‬
‫للجسد وال ّدماغ‪.‬‬
‫في ما يحّدد جونسون‪ 1‬هدف نظريّته في إعادة الجسد إلى ّ‬
‫الذهن ويو ّ‬
‫ضح‪ 1‬مفهومه للجسد في األبعاد‬
‫غير الخبريّة والتجريبيّة واالستعاريّة للمعنى وال ّداللة‪ .‬ويرى ّ‬
‫أن الجسد أساس ّي في تحدي‪11‬د هويّتن‪11‬ا البش‪11‬ريّة‪.‬‬
‫ي يظ ّل مرتبطا بوجودنا‪ 1‬الما ّدي‪ ،‬وتجاربنا‪ ،‬وعالقاتنا بالواقع‪ 1‬الما ّدي حولنا‪ ،‬وليس‬ ‫وحقيقة ّ‬
‫أن تفكيرنا البشر ّ‬
‫تفكيرا مجرّدا غير مرتبط بشكل من األش‪11‬كال"‪ .44‬وه‪11‬ذا التو ّج‪11‬ه سيتش‪ّ 1‬كل بص‪11‬ورة أعم‪11‬ق م‪11‬ع بقيّ‪11‬ة أعم‪11‬ال‬
‫‪41‬‬
‫‪- George Lakoff, Women, Fire and Dangerous Things: What Categories Reveal About the‬‬
‫‪Mind,University of Chicago Press.1987‬‬
‫‪42‬‬
‫‪- Johnson Marc; The Body in the Mind the Bodily Basis of Meaning, Imagination, and‬‬
‫‪Reason, University of Chicago Press.1987‬‬
‫‪43‬‬
‫‪George Lakoff, 1987,p p266-267‬‬
‫‪44‬‬
‫‪- Johnson Marc ; 1987 ; Acknowledgments xxxvi‬‬
‫‪25‬‬
‫اليكوف‪ 1‬وجونسون في فترات الحقة لكتاب "االس‪11‬تعارات الّ‪11‬تي نحي‪11‬ا به‪11‬ا"ّ وخاص‪11‬ة في كتابهم‪11‬ا المش‪11‬ترك‬
‫الجسد‪:‬الذهن المجسدن وتح ّديه للفكر الغرب ّي" الّذي فتح السبيل للتأسيس لما غدا يع‪11‬رف‬
‫ّ‬ ‫الثّاني "الفلسفة في‬
‫"بنظريّة العرفنة المجسدنة" الّذي جمعا فيه نتائج بحوثهما‪ 1‬المنش‪1‬ورة س‪1‬ابقا في المجالّت العلميّ‪1‬ة المح ّكم‪1‬ة‪.‬‬
‫ودفعا‪ 1‬فيه بالنّظريّة الّتي طرحاها في كتاب "االس‪11‬تعارات الّ‪11‬تي نحي‪11‬ا به‪11‬ا" ح‪11‬ول االس‪11‬تعارة وم‪11‬ا تبعه‪11‬ا من‬
‫تطويرات‪ 1‬إلى نهايتها المنطقيّة أي تقصّي وجود الجسد في الفلسفة عموما حيث انطلق‪11‬ا من ثالث فرض ‪1‬يّات‪1‬‬
‫أساسيّة وهي‪:‬‬
‫* ّ‬
‫الذهن متجسّد أصال‪.‬‬

‫* الفكر الواع في أغلبه‪.‬‬

‫* التّصوّرات‪ 1‬المجرّدة استعاريّة بشكل كبير‪.‬‬

‫‪ I -4 -2‬اللّغة ليست ملكة فطريّة خالصة‬

‫أن اللّغة‬
‫يدافع اليكوف‪ 1‬وجونسون في كتابهما "الفلسفة في الجسد" عن فكرة جوهريّة‪ .‬وهي ّ‬
‫البشريّة ليست ابتداعا جينيّا خالصا كما هي عند تشومسكي‪ .‬فالمظاهر المركزيّة للّغة تنشأ تطوّريا من‬
‫النّسق الحس ّي‪ ،‬والنّسق الحرك ّي‪ ،‬ومن أنساق عصبيّة أخرى نجدها عند الحيوانات ال ّدنيا‪.‬‬

‫وألن أنساقنا التّصوّرية تنشأ من أجسادنا‪ّ ،‬‬


‫فإن المعنى ينشأ من أجسادنا‪ 1.‬فالبنيات العصبيّة ألدمغتنا‪1‬‬ ‫ّ‬
‫تنتج أنساقا‪ 1‬تصوّرية وبنيات لغويّة ال يمكن رصدها بصورة كافية بواسطة أنساق صوريّة تقتصر‪ 1‬على‬
‫معالجة الرّموز‪ 1.‬وهنا ينفي اليكوف"‪ 1‬وجود كائن فريجي‪ 1‬نسبة إلى فريجه كما طرحته الفلسفة التّحليليّة‬
‫الكائن الّذي يقصي الفكر من الجسد‪ .‬كائن معناه موضوع ّي صرف‪ 1‬يحد ّده العالم الخارج ّي‪ .‬ولغته يمكن أن‬
‫توافق‪ 1‬العالم الخارج ّي وتطابقه بدون أن يكون ّ‬
‫للذهن وال لل ّدماغ أو الجسد دور‪ 1‬دال‪ .‬وال يوجد‪ 1‬كائن يمكن‬
‫نعته بالكائن الحاسوب ّي الّذي يشبه ذهنه برنامج الحاسوب‪ .‬والّذي يشت ّ‬
‫ق ذهنه المعنى من خالل خوارزميّات‬
‫رياضيّة مبرمجة سلفا‪ .‬وأخيرا ال يوجد‪ 1‬كائن تشومسكاوي نسبة إلى تشومسكي‪ 1‬لغته محض شكل معزول‬
‫‪45‬‬ ‫ومستق ّل عن المعنى‪ ،‬وعن السّياق‪ ،‬وعن اإلدراك‪ ،‬والعاطفة‪ّ ،‬‬
‫والذاكرة‪ ،‬واالنتباه‪ ،‬والفعل‪" .‬‬

‫‪ّ I -4 -3‬‬
‫الذهن في الجسد ‪ :‬في نقد الفكر الدّيكارتي للعقل المتعالي‬

‫يه ّز اليكوف وجونسون أركان التقليد الفلسف ّي الغرب ّي الّذي يعتبر العقل مستقالّ عن اإلدراك وعن‬
‫أن هذه القدرة المستقلّة للعقل هي ما يجعلنا بشرا باألساس وتميّزنا عن بقيّة‬
‫الحركة الجسديّة‪ .‬والّذي يعتبر ّ‬
‫‪45‬‬
‫‪- George Lakoff ; Mark Johnson; 1999 ; p 16‬‬

‫‪26‬‬
‫الحيوانات األخرى‪ .‬فالتّقليد الفلسف ّي الغرب ّي في معظمه يفترض صيغة من علم النّفس القائم على الملكة‪.‬‬
‫ووفق هذه الصّيغة يتوفّر البشر على ملكة للتّفكير منفصلة عن اإلدراك وعن الحركة الجسديّة‪ .‬ويفترض‬
‫وجود‪ 1‬ثنائيّة مطلقة بين اإلدراك والتّصوّر‪ 1.‬فإذا كان اإلدراك‪ 46‬يقبل دوما باعتباره جسديّا بطبيعته مثلما هي‬
‫فإن التّصوّر‪ - 47‬تكوين التص ّورات واستخدامها‪ -‬نظر إليه تقليديّا على أنّه ذهن ّي خالص ومنفصل‬
‫الحركة ّ‬
‫كلّيا عن قدراتنا‪ 1‬في اإلدراك والحركة‪ .‬فكيف يحكم الجسد والمدركات‪ 1‬الحسّية والما ّدة عموما العقل‪،‬‬
‫الذهنية‪ ،‬وإنتاج المعرفة والتص ّرف‪ 1‬في أه ّم أداة لها وهي اللّغة؟ وكيف يتجلّى ذلك خصوصا‪ 1‬في‬
‫وعمليّاته ّ‬
‫االستعارة؟‬

‫سنحاول‪ 1‬اإلجابة عن هذه اْألسئلة وفهم عمقها االبستمولوج ّ‪1‬‬


‫ي واستتباعاتها الفلسفيّة من خالل نقد‬
‫ال يكوف‪ 1‬وجونسون ألسس الفلسفة ال ّديكارتية القّائمة على ال ّدعوى بانفصال العقل عن الجسد واختالفه‬
‫ي عنه‪ .‬وهي دعوى غير حقيقيّة في نظرهما‪ .‬حيث يحلّل المؤلفان فلسفة ديكارت حول العقل‬
‫الجوهر ّ‪1‬‬
‫واألفكار مبرهنين على أنّها تقوم أساسا على استعارات ترتبط بأمور‪ 1‬جسديّة محضة كاإلبصار واالحتواء‪1‬‬
‫وغيرها‪ .‬وأه ّم االستعارات وأكثرها‪ 1‬أساسيّة في نظرية ديكارت هي "المعرفة رؤية " والّتي تنقل مجال‬
‫‪48‬‬
‫رؤية األشياء الما ّدية عن طريق العين إلى مجال المعرفة وفهم األشياء كما يلي‪:‬‬

‫المجال الهدف‬ ‫المجال المصدر‬


‫مجال المعرفة‬ ‫مجال الرّؤية‬
‫الفكرة‬ ‫الموضوع المرئ ّي‬
‫معرفة الفكرة‬ ‫رؤية موضوع بوضوح‬
‫الشخص الّذي يعرف‬ ‫الشخص الّذي يرى‬
‫ضوء العقل‬ ‫الضّوء‬
‫االنتباه الذهن ّي‬ ‫التّركيز البصر ّ‬
‫ي‬
‫الح ّدة في التّفكير‬ ‫الح ّدة في النّظر‬
‫المنظور ّ‬
‫الذهن ّي‬ ‫المنظور الفيزيائ ّي‬
‫ما يعوق المعرفة‬ ‫ما يمنع الرّؤية‬

‫‪46‬‬
‫‪- perception‬‬
‫‪47‬‬
‫‪- concepts‬‬
‫‪48‬‬
‫‪- Lakoff ; Johnson; 1999; p354‬‬
‫‪27‬‬
‫ّ‬
‫إن استعارة " المعرفة رؤية" تعتبر من االستعارات السّائدة في مفهوم المعرفــة العا ّم‪.‬‬
‫إذ تح ّدد دور‪ 1‬اإلبصار في حصول المعرفة البشريّة‪ ،‬كما أنّها مركزيّة ج ّدا في تصوّرنا‪ 1‬للمعرفة الّتي نادرا‬
‫ي في بنينة معنى أن نعرف‪ 1‬شيئا‪ .‬وهي استعارة كليّة أوّلية حيث أنّنا نستعمل‬
‫ما نعي بكيفيّة اشتغالها القو ّ‬
‫هذه االستعارة على نحو مألوف فنقول "رؤية صائبة"‪ ،‬أو "أرجو‪ 1‬إيضاح فكرتك"‪ 1،‬أو "أفكارك‪ 1‬ضبابيّة"‬
‫أن ديكارت تعامل مع هذه االستعارة على أساس أنّها حقيقة فلسفيّة حيث اعتبر ّ‬
‫أن‬ ‫الخ ‪ .‬ويبيّن المؤلفان ّ‬
‫أه ّم مشاكل المعرفة هي كيف نك ّون رؤية واضحة بدون غموض وال لبس؟ ومن هنا فمشكلة المنهج‬
‫الفلسف ّي هي كيفيّة رؤية األفكار‪ 1‬رؤية واضحة‪ ،‬وتقديمها‪ 1‬للعقل لتفحّصها ومعاينة العالقات الموجودة بين‬
‫هذه األفكار‪ .‬ويس ّمي‪ 1‬ديكارت قدرة ّ‬
‫الذهن على الرّؤية بوضوح حدسا‪ " :‬الحدس كما أفهمه‪ :‬ليس شهادة‬
‫األحاسيس المتقلّبة‪ .‬وال الحكم الخادع الّذي يأتي من البناءات المضطربة للخيال‪ .‬ولكنّه البناء التّصوّري‬
‫الّذي يق ّدمه لنا ذهن غير ضباب ّي‪ ،‬ومتنبّه‪ ،‬ومستع ّد‪ 1،‬ومميّز بحيث نكون متحرّرين كليّا من أ ّ‬
‫ي شك بصدد‬
‫إن الحدس ‪...‬هو التصوّر الّذي ال يحتمل الش ّ‬
‫ك‪ ،‬من ذهن بدون غيوم‪ ،‬ينطلق من ضوء العقل‬ ‫ما نفهمه‪ّ .‬‬
‫‪49‬‬
‫وحده"‬

‫ّ‬
‫إن المنطق االستعار ّ‪1‬‬
‫ي لمفهوم الحدس عند ديكارت يقوم على استعارة أوّلية أخرى وهي "العقل‬
‫حاوية لألفكار"‪ ،‬فهو المح ّل الّذي توجد به األفكار حيث يسلّط عليها الضّوء وتعاين‪ .‬إضافة إلى هذه‬
‫االستعارة يفترض ديكارت استعارات‪ 1‬الملكات النفسيّة الّتي تش ّخص مقدرات ّ‬
‫الذهن وتعتبرها‪ 1‬شخوصا‬
‫ينجزون مختلف المهام ّ‬
‫الذهنية‪ .‬وبما ّ‬
‫أن اإلدراك يفهم استعاريّا‪ 1‬بوصفه استقباال لالنطباعات الحسّية من‬
‫العالم الخارج ّي ّ‬
‫فإن اإلدراك يتص ّور شخصا يقوم باالستقبال‪ ،‬وتتصوّر ملكة الخيال شخصا يكوّن صورا‬
‫من االنطباعات الحسّية‪ .‬فالعقل من هنا تشخيص للقدرة على التّفكير والمعرفة‪ .‬ويض ّم ديكارت استعارة‬
‫ي المعقّد الّذي يح ّدد مفهوم الحدس عنده‪.‬‬
‫المعرفة رؤية إلى هذه االستعارات إلنتاج النّسق االستعار ّ‬

‫الذهن والّتي‬
‫ينقد ال يكوف وجونسون في كتابهما الفلسفة في الجسد هذا البناء ال ّديكارتي‪ 1‬لفلسفة ّ‬
‫يجمالن حصيلتها‪ 1‬في المنطلقات التّالية ‪:‬‬

‫* يستطيع‪ 1‬الفكر أن يعرف‪ 1‬أفكاره بيقين مطلق‪.‬‬


‫* ك ّل الفكر واع‪.‬‬
‫* أنت واع بما ترى فكل شيء باإلمكان أن يرى‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫‪- Lakoff ; Johnson ; 1999 ; p356‬‬
‫‪28‬‬
‫* بنية ّ‬
‫الذهن تستطيع الوصول‪ 1‬إلى نفسها مباشرة‪.‬‬

‫فإن ك ّل األشياء قابلة ألن تُرى‪ ،‬فكل األفكار قابلة ألن‬


‫أن "األفكار أشياء"‪ ،‬و"المعرفة رؤية" ّ‬
‫وبما ّ‬
‫فإن بنية‪ ،‬وطبيعة سيرورات الفكر‪ ،‬يمكن أن تعرف مباشرة من ّ‬
‫الذهن‪.‬‬ ‫يعرفها‪ 1‬العقل‪ .‬وبعبارة أخرى ّ‬
‫وهكذا يخلص ديكارت إلى ّ‬
‫أن العقل يستطيع أن ينعكس بصورة مباشرة وبنجاح على طبيعته الخاصة‪.‬‬
‫واليحتاج بذلك إلى مساعدة البحث التّجريب ّي وبذلك نصل إلى نتيجة وهي أنّه‪:‬‬

‫* ال حاجة إلى البحث التّجريب ّي إلقامة معرفة معيّنة حول ّ‬


‫الذهن‪.‬‬

‫يقول اليكوف وجونسون " لقد مثّلت هذه الخالصات دعامات لفلسفة ّ‬
‫الذهن الحاليّة في التّقليد‬
‫ي فهي عبارة‬ ‫بأن فلسفة ّ‬
‫الذهن يمكن القيام بها بدون بحث تجريب ّ‪1‬‬ ‫األنغلو أمريكي‪ 1.‬ومازال يسلّم بشكل واسع ّ‬
‫‪50‬‬ ‫ي ينعكس فيه العقل مباشرة على بنية ّ‬
‫الذهن"‬ ‫عن سعي نظر ّ‪1‬‬

‫فإن اليكوف‪ 1‬وجونسون يكشفان الغطاء عن االستعارات‪ 1‬التّحتيّة الّتي حكمت فلسفة‬
‫وصفوة القول ّ‬
‫ّ‬
‫الذهن عند ديكارت‪ .‬وينقضان أسس الفكر ال ّديكارتي من داخله‪ .‬فدعوى ديكارت بانفصال العقل عن‬
‫الجسد واختالفه الجوهر ّ‬
‫ي عنه هي دعوى غير حقيقيّة‪ .‬ففلسفته حول العقل واألفكار‪ 1‬تقوم في أساسها على‬
‫استعارات ترتبط‪ 1‬بأمور جسديّة محضة كاإلبصار‪ 1‬واالحتواء وغيرها‪.‬‬

‫‪ I -4 -4‬مفهوم الواقع من منظور التجريبيّة المجسدنة‬

‫لقد مثّلت قضيّة الواقع إشكاال معرفيّا‪ 1‬قديما حيث طرح فالسفة اليونان سؤالهم‪ 1‬الكبير كيف‬
‫صل‪ 1‬إلى المعرفة ؟ وكان جوابهم أنّنا نتوصّل إليها بطريقة مباشرة‪ .‬حيث ذهب أرسطو‪ 1‬إلى ّ‬
‫أن هناك‬ ‫نتو ّ‬
‫تماثالت بين األفكار في ّ‬
‫الذهن وماهيات األشياء في العالم‪ .‬وخلص إلى أنّه بإمكاننا‪ 1‬أن نمسك بشكل مباشر‬
‫ماهيات األشياء في العالم‪ .‬وقد مثّلت تلك الخالصة عمق الواقعيّة الميتافيزيقيّة النّهائية‪ 51‬الّتي ال تفصل بين‬
‫األنطولوجيا‪( 1‬ما يوجد) وبين االبستيمولوجيا (ما يمكن معرفته)‪.‬‬

‫ومع ديكارت حدثت الفجوة بين ّ‬


‫الذهن والعالم ولم يعودا شيئا واحدا‪ .‬وأضحيا نوعين مختلفين من‬
‫األشياء‪ .‬إذ كان الجسد ما ّدة ينتمي إلى العالم‪ .‬وكان ّ‬
‫الذهن أقرب إلى الروح مفصوال عن الجسد والعالم‪.‬‬
‫وصارت‪ 1‬األفكار تمثّالت داخليّة لواقع خارج ّي ولكنّها توافقه بوجه من الوجوه‪ .‬وتربط‪ 1‬بينهما تمثيالت‬
‫رمزيّة هي عبارة عن كيانات مجرّدة ال خصائص لها غير كونها ُمتمايزة عن بعضها البعض‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫‪- Lakoff ; Johnson ; 1999; p357‬‬
‫‪51‬‬
‫‪- ultimate metaphysical‬‬
‫‪29‬‬
‫وهذه الواقعيّة ذات النّسق الرّمزي‪ 1‬تع ّمق الهوّة بين ّ‬
‫الذهن والعالم‪ .‬إنّها فجوة اعتباطية قصوى‪1‬‬
‫حيث ينعدم‪ 1‬التّعالق والتّشابه ‪ .‬لقد بّينت البراهين المستم ّدة من العلم العرفن ّي أنّه ال وجود‪ 1‬لملكة العقل‬
‫مستقلّة تماما وغير مرتبطة بقدراتنا‪ 1‬الجسديّة مثل اإلدراك والحركة‪ .‬وأتاح العلم العرفن ّ‪1‬‬
‫ي جوابا جديدا‬
‫وهاما على هذه القضيّة الفلسفيّة القديمة قضيّة الواقع وكيف نتم ّكن من معرفته‪ .‬وهو ّ‬
‫أن إحساسنا بالواقع‬
‫يبتدئ بأجسادنا‪ 1‬ويتوقّف عليها بشكل حاسم‪ ،‬وبخاصة جهازنا الحس ّي الحرك ّي الّذي يمكننا من اإلدراك‬
‫‪52‬‬
‫والتح ّرك‪ 1‬ومعالجة األشياء‪ ،‬وبالبنيات المفصّلة ألذهاننا الّتي ش ّكلها التّط ّور‪ 1‬والتّجربة معا‬
‫وينطلق‪ 1‬جونسون واليكوف في كتابهما "الفلسفة في الجسد" من فرضيّة أساسيّة في معالجة قضيّة‬
‫أن التّصوّرت البشريّة ليست انعكاسات لواقع خارج ّي‪ .‬بل إنّها تتش ّكل بواسطة أجسادنا‬
‫الواقع‪ .‬وهي ّ‬
‫وأدمغتنا‪ 1‬وبخاصة بواسطة نسقنا الحس ّي الحرك ّي‪ .‬ويحاوالن‪ 1‬البرهنة على ذلك بالنّظر في ثالثة أنواع من‬
‫التّصوّرات‪ 1:‬تصوّرات اللّون‪ ،‬وتصوّرات‪ 1‬المستويات العُليا من المقوالت‪ ،‬وتصوّرات العالقات الفضائيّة‪.‬‬
‫فالعلم العرفن ّي يبرهن على أنّه ال وجود‪ 1‬لأللوان في العالم الخارج ّي‪ .‬وهي الّتي تبدو للوهلة األولى من‬
‫البديهيات بالنسبة إلى المرء فالعشب أخضر‪ ،‬والسماء زرقاء‪ ،‬والشمس والقمر أصفران‪ ،‬وال ّدم أحمر‪.‬‬

‫أن طبيعة أجسادنا وأدمغتنا هي الّتي تخلق اللّون‪ .‬و يقول المؤلفان في‬
‫ي على ّ‬
‫يبرهن العلم العرفن ّ‪1‬‬
‫إن تجربة اللّون عندنا هي نتاج أربعة عوامل‪:‬الطول الموج ّي للضوء المنعكس‪ ،53‬وظروف‪1‬‬
‫تجربة اللّون" ّ‬
‫اإلضاءة ومظهرين مرتبطين بأجسادنا‪ :‬أوّال األنواع الثّالثة لمخروطات‪ 1‬اللّون في شبكيّة العين‪،54‬الّتي‬
‫المعقّدة المربوطة‬ ‫‪55‬‬
‫تمتصّ ضوء األطوال الموجبة الطويلة والمتوسّطة والقصيرة‪ .‬وثانيا ال ّدارة العصبيّة‬
‫‪56‬‬
‫بهذه المخروطات "‬

‫إن تصوّرات اللّون تفاعليّة فهي تنشأ من تفاعالت أجسادنا‪ ،‬وأدمغتنا‪ ،‬وخصائص انعكاس الضّوء‬
‫ّ‬
‫على األشياء‪ .‬فاأللوان ليست موضوعيّة‪ ،‬ال توجد في العشب وال في السّماء خضرة أو زرقة في استقالل‬
‫عن قدرتنا البصريّة‪ ،‬وتدرّجات الضّوء‪ ،‬وتفاعل أجهزتنا العصبيّة في ال ّدماغ‪ .‬ولهذا تبعات فلسفيّة إذ يبيّن‬
‫فشل الفكرة الّتي تقول ّ‬
‫إن الصّدق يكمن في العالقة بين األلفاظ والعالم الواقع ّي‪ 1.‬فبما أنّه ال يوجد لون في‬
‫العالم وهي من األفكار األكثر بداهة في أذهان النّاس واعتقاداتهم‪ّ ،‬‬
‫فإن جملة من قبيل " ال ّدم أحمر" التي‬
‫ي صادقة‪ .‬يعتبر اليكوف وجونسون أن تجربة اللّون هي‬
‫نعتبرها‪ 1‬كلّنا صادقة‪ ،‬لن تكون بالمنظار العرفن ّ‪1‬‬
‫الجزء الظّاهر من جبل الجليد حول أهميّة الجسد في بناء معظم‪ 1‬تصوّراتنا‪ 1‬وخصوصا‪ 1‬تلك المرتبطة‬
‫بالمستويات العليا من المقوالت‪ ،‬وتص ّورات العالقات الفضائيّة وهو ما سنتعرض إليه في فصول الحقة‬
‫‪52‬‬
‫‪- Lakoff ; Johnson ; 1999 ; p 27‬‬
‫‪53‬‬
‫‪- wavelengths of reflected light‬‬
‫‪54‬‬
‫‪- color cones in our retinas -‬‬
‫‪55‬‬
‫‪- neural circuitry‬‬
‫‪56‬‬
‫‪- Lakoff ; Johnson ;1999; p 31‬‬
‫‪30‬‬
‫من البحث‪ .‬ويحلّالن أبعاد ما يسميّانه الواقعيّة المجسدنة‪ 57‬بقولهما " ّ‬
‫إن تجسّد العقل ‪/‬الفكر كما يكتشفه‬
‫العلم العرفن ّي يزوّدنا بفهم جديد للتالؤم بين ّ‬
‫الذهن والواقع‪ 1.‬وهو المنظور الذي سنسميه الواقعيّة المجسدنة‪.‬‬
‫وهي أقرب إلى الواقعيّة المباشرة عند اليونانيين من الواقعيّة التّمثيلية غير المجسدنة في الفلسفة ال ّديكارتية‬
‫والتّحليليّة الّتي تنفصل بصورة جوهريّة عن العالم‪ّ .‬‬
‫إن الواقعيّة المجسدنة إذ ترفض الفصل ال ّديكارتي‪ 1‬هي‬
‫باألحرى‪ 1‬واقعيّة تستند إلى قدرتنا‪ 1‬على االشتغال بنجاح في محيطاتنا الفيزيائيّة ولذلك فهي واقعيّة مبنية‬
‫على التّطوّر‪ 1.‬وقد زوّدنا التّط ّور‪ 1‬بأجساد متكيّفة وبأذهان تسمح لنا بأن نتكيّف‪ 1‬مع ما يحيط بنا‪ ،‬بل وأن‬
‫‪58‬‬
‫نحوّله"‬

‫وهي أفكار تأخذ بجانب كبير من ال ّداروينية‪ ،‬ومن التّأمل الفلسف ّي والفينومينولوج ّ‪1‬‬
‫ي للجسد عند‬
‫"موريس‪ 1‬مورلوبنتي" الّذي يرى" ّ‬
‫أن الجسد هو مركبة الكائن في العالم‪ 59‬فوجود‪ 1‬الجسد بالنّسبة إلى المرء‬
‫يعني االنضمام‪ 1‬إلى وسط مح ّدد‪ .‬فالوجود يكون انطالقا من الوعي بالجسد ليس بصفته شيئا من األشياء بل‬
‫هو متحرّك وفعّال‪ .‬فالجسد‪ 1‬إذن وعي‪ ،‬وحركة‪ ،‬ومعرفة‪ ،‬وعليه تُبنى العالقات االنطولوجيّة مع األشياء‪،‬‬
‫واآلخرين‪ ،‬والعالم‪ ،‬واللّغة‪ ،‬والتّعبير‪ "...‬وأعطى مورلوبنتي‪ 1‬أهميّة كبرى‪ 1‬للرّؤية‪ 60‬أثناء عمليّة اإلدراك‬
‫أن حركة الجسد هي الّتي تقود الرّؤية وتوجّهها"‪ . 611‬فقد أخذت إشكالية‬
‫"وأنّنا النرى‪ 1‬إالّ إذا تحركنا‪ ،‬ذلك ّ‬
‫الجسد في فلسفة ميرلوبونتي‪ 1‬أفقا ً جديدًا لتجاوز ثنائيّة ّ‬
‫الذات والموضوع‪ 1‬في الفكر الفلسف ّي الحديث‬
‫باعتبارها تعتقد قدرة العقل والوعي على اإلمساك بموضوعه والتح ّكم فيه‪.‬‬
‫والواقعيّة المجسدنة إذ تنفي بناء على أسس تجريبيّة أن يوجد وصف صحيح واحد للعالم‪ ،‬فإنّها‬
‫تعتبر المعرفة نسبيّة بالنّظر‪ 1‬إلى طبيعة أجسادنا وأدمغتنا وتفاعلنا مع المحيط‪ .‬ولكنّها تعمل أيضا على‬
‫رصد كيف تكون المعرفة الواقعيّة والثّابتة في العلم وفي‪ 1‬العالم اليوم ّي ممكنة ولهذا الرصد‪ 1‬مظهران‪:‬‬
‫* أوّال هناك التص ّورات المجسدنة المباشرة مثل تص ّورات المستويات العليا من المقوالت‪ ،‬وتصوّرات‬
‫العالقات الفضائيّة‪ ،‬وتص ّورات بنية الحدث وهي تمكننا من أن نشتغل بنجاح في تفاعالتنا اليوميّة في‬
‫العالم‪ ،‬كما أنّها تمثّل أساس معرفتنا العلميّة الثّابتة‪.‬‬
‫*ثانيا االستعارات األوّلية تجعل توسيع هذه التصوّرات المجسدنة وتعميمها‪ 1‬على مجاالت نظريّة مجرّدة‬
‫أمرا ممكنا‪.‬‬
‫ويتحدث اليكوف‪ 1‬وجونسون‪ 1‬عن مركزية البعد النسب ّي في مقاربة الواقع في ما ينظّران له من‬
‫فكرة الواقعيّة المجسدنة حيث تمثّل االستعارة القدرة العظيمة للبشر لإلمساك بالمعنى‪ ،‬وإدراك الواقع‪،‬‬
‫‪57‬‬
‫‪- embodied realism‬‬
‫‪58‬‬
‫‪- Lakoff ; Johnson ; 1999 ; p 92‬‬
‫‪59‬‬
‫‪-" le corps de son côté est défini …comme le véhicule de l'être au monde "Maurice Merleau-‬‬
‫‪Pont. ; Phénoménologie de la perception; Paris : La Librairie Gallimard, NRF, 1945,p 180‬‬
‫‪60‬‬
‫‪-la vision‬‬
‫‪61‬‬
‫‪- Merleau-Ponty; 1945,pp115-126‬‬
‫‪31‬‬
‫والسيطرة على حالة االمتداد الالّنهائي للعالم‪ ،‬وما ينشأ فيه من سياقات‪ 1‬متنوّعة ومتغيّرة بقولهما‪":‬ورغم‪1‬‬
‫ذلك‪ ،‬فالواقعيّة المجسدنة تعترف‪ 1‬لقضيّة مرك ّزية في الفكر النسب ّي‪ .‬وهي أنّه في ع ّدة حاالت مه ّمة‪ ،‬تتغيّر‬
‫التصوّرات‪ 1‬عبر ال ّزمن‪ ،‬وتتنوّع عبر الثّقافات‪ ،‬ولها بنيات متع ّددة متضاربة‪ .‬وتعكس شروطا‪ 1‬اجتماعيّة‪.‬‬
‫وتق ّدم الواقعيّة المجسدنة كذلك آليّات لتخصيص هذه التغيّرات والتنوّعات‪ ،‬وع ّدة أمثلة من البناء‬
‫وإن تكوين االستعارات المر ّكبة وتوليفات تصوّرية أخرى يبدو اآلليّة الكبرى للواقعيّة‬
‫االجتماع ّي‪ّ .‬‬
‫‪62‬‬
‫المجسدنة"‬

‫‪62‬‬
‫‪Lakoff ; Johnson;1999; p 93-94‬‬
‫‪32‬‬
‫الفصل الثّاني‬

‫االستعارة المفهوميّةـ‬
‫في اإلطار التجريب ّي‬

‫‪ II - 1‬االستعارة المفهوميّة في اإلطار التجريب ّي‬

‫‪33‬‬
‫نتط ّرق‪ 1‬في قسم أوّل من هذا الفصل إلى تعريف االستعارة المفهوميّة من خالل ثالث نقاط رئيس‪11‬يّة‬
‫مميّزة‪ .‬تعكس زاوية النّظر الجديدة الّتي يشتغل من خالله‪1‬ا اليك‪1‬وف وجونس‪11‬ون في م‪1‬ا طرح‪1‬اه من أفك‪1‬ار‪1‬‬
‫حول االستعارة باعتبارها مقوّما للتّفكير ال وسيلة لغويّة في التّعبير‪ ،‬نافذين من وراء ذلك إلى دراسة ّ‬
‫الذهن‬
‫ي‪ 1.‬وه‪11‬ذه النق‪11‬اط المركزيّ‪11‬ة الثالث الّ‪11‬تي س‪11‬نحاول‪ 1‬تعري‪11‬ف‬ ‫وآليّات عمل النّسق التّص‪1‬وّري‪ 1‬التّجري‪11‬ب ّ‪1‬‬
‫ي البش‪11‬ر ّ‬
‫االستعارة المفهوميّة من خاللها تتمثّ‪1‬ل في ‪ :‬االس‪1‬تعارة تمثّ‪1‬ل مج‪1‬ال على أس‪1‬اس مج‪1‬ال آخ‪1‬ر‪ .‬و االس‪1‬تعارة‬
‫ظاهرة مركزيّة غالبة في داللة الكالم اليوم ّي‪ 1.‬وما تكشفه االستعارة من مغالطات الثنائيّة التمييزيّة ح‪11‬رف ّي‪-‬‬
‫ي‪ 1.‬كما سنعمل على توضيح أه ّم المصطلحات العاملة في النّظري‪11‬ة‪ ،‬والممثّل‪11‬ة لجهازه‪11‬ا االص‪11‬طالح ّ‪1‬‬
‫ي‬ ‫مجاز ّ‬
‫ي والتحليل ّي من خالل عرض موجز أله ّم مصطلحات‪ 1‬النظريّة‪.‬‬
‫الضّابط‪ 1‬ألدوات عملها اإلجرائ ّ‪1‬‬
‫وس‪11‬نبحث في قس‪11‬م ث‪11‬ان من ه‪11‬ذا الفص‪11‬ل محاول‪11‬ة ال يك‪11‬وف وجونس‪11‬ون ص‪11‬ياغة نظريّ‪11‬ة تجريبيّ‪11‬ة للنّس‪11‬ق‬
‫التصوّري تكون كافية‪ ،‬انطالقا‪ 1‬من حاالت نموذجيّة‪ ،‬واعتما ًد على معطيات اللّغة اليوميّة الّتي تع ّد حسبهما‬
‫مصدرا‪ 1‬مه ّما للبرهنة على الكيفيّة الّ‪11‬تي يش‪11‬تغل به‪11‬ا ه‪11‬ذا النّس‪11‬ق‪ .‬وعلى ه‪11‬ذه النظريّ‪11‬ة كي تك‪11‬ون كافي‪11‬ة أن‬
‫ترصد‪ 1‬الكيفيّة الّتي تتأسّس بها التصوّرات‪ ،‬وتُبنين بها‪ ،‬وتتعالق‪ 1‬في ما بينها‪ ،‬وتُح ّ‪1‬د بها‪.‬‬

‫‪ II -1 -1‬تعريف االستعارة المفهوميّة‬


‫‪ II -1 -1-1‬االستعارة تمثّل مجال على أساس مجال آخر‬
‫يع‪111‬رّف س‪111‬لطان ك‪111‬وفيتش‪ 1‬االس‪111‬تعارة المفهوميّ‪111‬ة في كتاب‪111‬ه " االس‪111‬تعارة‪ :‬م‪111‬دخل تط‪111‬بيق ّي"‬
‫ي آخ‪11‬ر"‪ 63‬ث ّم يحلّ‪11‬ل طبيع‪11‬ة‬
‫ي من خالل مج‪11‬ال تص‪1‬وّر ّ‬
‫بقوله‪":‬االستعارة المفهوميّة هي فهم مج‪11‬ال تص‪1‬وّر ّ‪1‬‬
‫تحقّ‪11‬ق ه‪11‬ذا الفهم في القس‪11‬م الثّ‪11‬الث من كتاب‪11‬ه بقول‪11‬ه‪ ":‬يتحقّ‪11‬ق ه‪11‬ذا الفهم بمالحظ‪11‬ة مجموع‪11‬ة من التّناس‪11‬بات‬
‫أواإلسقاطات‪ 1‬النّسقيّة بين المجالين‪ .‬ويمكن القول أن االستعارة المفهوميّة تتحقّق من خالل الصيغة ألف هو‬
‫‪64‬‬
‫باء‪ ،‬أو ألف مثل باء‪ ،‬حيث يشير ألف وباء إلى مجالين تصوّريين مختلفين‪".‬‬
‫ي العاد ّ‬
‫ي‬ ‫فمن االفتراضات المركزيّة في كتاب "االستعارات‪ 1‬الّتي نحيا بها" ّ‬
‫أن النّسق التّصوّر ّ‪1‬‬
‫الّذي يسيّر أفكارنا‪ 1‬وسلوكنا له طبيعة استعاريّة باألساس‪ .‬فنحن نمارس حياتنا في جزء كبير منها‬
‫باستعارات‪ 1‬مثل "ال ّزمن مال" و"الجدال حرب" و"الحبّ سفر"‪ .‬فجزء ها ّم من تجاربنا وانفعاالتنا‪ 1‬وسلوكنا‬
‫ي يكون مبنينا جزئيّا بواسطة االستعارة‪ .‬فاالستعارة‬ ‫ي‪ 1.‬وإن كان األمر كذلك ّ‬
‫فإن نسقنا االستعار ّ‪1‬‬ ‫استعار ّ‬
‫ي صرف‪ ،‬بل هي مظهر ثقاف ّي عا ّم تتأثّر به اللّغة كما تتأثّر‬
‫بهذا المنهج في التّحليل ليست مجرّد مظهر لغو ّ‬
‫به سائر المظاهر األخرى من السّلوكات واألنشطة الّتي نباشرها‪ .‬وكذلك فهذه االستعارات ليست تعابير‬
‫مشتقة من حقائق أصليّة خارجة عن أذهاننا‪ ،‬بل هي ستكون حقائق كامنة في النّسق التصوّر ّ‪1‬‬
‫ي البشريّ‪.‬‬
‫‪- Zoltán Kövecses.- Metaphor: A Practical Introduction, 2nd Edition. Oxford University‬‬
‫‪63‬‬

‫‪Press ;2010 ;p 4‬‬


‫‪ - 64‬نفسه ص‪33‬‬
‫‪34‬‬
‫ي إنّما يشتغل في معظمه بطريقة الواعية‪ .‬فاالستعارة بهذا المعنى ملكة‬
‫وهذا النّسق االستعار ّ‪1‬‬
‫ذهنيّة خالصة ندرك بها العالم تماما مثل الحواس الخمس حسب ما عبّر عنه اليكوف وجونسون"فالقدرة‬
‫المدهشة الّتي يمتلكها البشر على فهم التّجربة عن طريق‪ 1‬االستعارة تع ّد معنى في ح ّد ذاتها‪ ،‬وهي في ذلك‬
‫‪65‬‬
‫مثل استخدام حاسة الرّؤية أو حاسة اللّمس في حصول بعض اإلدراكات"‪1‬‬
‫وتقوم‪ 1‬هذه القدرة التصوّريّة المدهشة لالستعارة على أساس قدرة ّ‬
‫الذهن على نظم إسقاطات‬
‫تصوّرية بين مجال تصوّري‪ 1‬وآخر‪ .‬فاالستعارات‪ 1‬طريقة لفهم تجربة على أساس تجربة أخرى‪ .‬وعلى هذا‬
‫األساس ّ‬
‫فإن معاني جزء كبير من لغتنا اليوميّة تحتاج إلى هذا النوع من اإلسقاطات‪ .‬ورغم هذا فالتصوّر‬
‫ي يكون دوما‬ ‫ي ال يُبنين تصوّرا من خالل تص ّور‪ 1‬آخر بصورة كلّية‪ ،‬بل ّ‬
‫إن التص ّور‪ 1‬االستعار ّ‪1‬‬ ‫االستعار ّ‬
‫جزئيّا‪ .‬فاالستعارة تنصبّ على جزء من التّصوّر وتهمل جزءا آخر‪ .‬وعلى ذلك فقد تُبنين التّصور أكثر من‬
‫استعارة واحدة‪ .‬إذ يمكن لتصوّر استعار ّ‪1‬‬
‫ي معيّن تبئير مظهر واحد لتص ّور‪ 1‬معيّن مثال في استعارة‬
‫"الجدال حرب" تُر ّكز‪ 1‬االستعارة على المظاهر‪ 1‬الحربيّة في الجدال دون أن ننظر إلى مظاهر أخرى في‬
‫هذا التصوّر ال تالئم هذه االستعارة‪ .‬فمثال خالل جدال حا ّد حين نهاجم موقف خصمنا وندافع‪ 1‬عن موقف‪1‬‬
‫أن ال ّشخص الّذي يجادلنا يمكن أن نعتبره‬
‫آخر قد ال نلحظ مظاهر التّعاون الموجودة في الجدال‪ ،‬مثل ّ‬
‫متبرّعا علينا بوقته‪ ،‬وأنّه يبذل جهدا من أجل فهمنا وإفهامنا‪ ،‬أو قد نستقي منه معلومات لم نكن نعرفها‪1،‬‬
‫أوأنّه يفتح لنا أفقا للّتفكير لم نكن لنصله‪ .‬فحين ننشغل بالمظاهر‪ 1‬العدوانيّة للجدال ال ننتبه إلى هذه المظاهر‪.‬‬

‫‪ II -1 -1-2‬االستعارة ظاهرة مركزيّة غالبة في داللة الكالم اليوم ّي‬


‫االستعارة ظاهرة مركزيّة غالبة في داللة الكالم اليوم ّي على عكس النّظريات القديمة الّتي كانت‬
‫ي اليوم ّي للّغة‪ .‬فاللّغة‬
‫تعتبر االستعارة من مقومات اللّغة ال ّشعرية والخطاب األدب ّي ومنافية لالستعمال العاد ّ‬
‫اليوميّة ال تتض ّمن استعارات‪ .‬وهذه النّظرة ثبت خطؤها من وجهة النّظر العرفنيّة‪ .‬وكانت بداية تجاوز هذه‬
‫الفرضيّات الخاطئة أوّل مرّة مع "مايكل ريدي" في بحثه الموسوم‪ 1‬بـ "استعارة المجرى"‪ 66‬الّذي أثبت من‬
‫أن اللّغة اليوميّة العاديّة استعاريّة في المقام األوّل‪ .‬وبيّن ّ‬
‫أن مقام االستعارة هو‬ ‫ي دقيق ّ‬
‫خالل بحث لغو ّ‬
‫ي يعكس فهمنا االستعار ّ‪1‬‬
‫ي لتجربتنا في إدراك الوجود وتصوّر‬ ‫الفكر وليس اللّغة‪ّ .‬‬
‫وأن سلوكنا االستعار ّ‬
‫العالم‪ ،‬واألشياء‪ ،‬والظّواهر وتمثّلها‪ 1.‬وقد بيّن اليكوف الفرق الكبير بين النظريّة الجديدة لالستعارة‬
‫ووجهات‪ 1‬النّظر قبل عمل ريدي حيث أن النّظريّة الكالسيكيّة كانت تقوم على مجموعة من االفتراضات‪1‬‬
‫الّتي يقدمها كالتّالي‪:‬‬

‫‪ ، - 65‬االستعارات التي نحيا بها‪ ،‬ص ‪12‬‬


‫‪66‬‬
‫‪- Reddy, M. J. (1979). The conduit metaphor: A case of frame conflict in our language‬‬
‫‪about language. In A. Ortony (Ed.), Metaphor and Thought (pp. 284–310). Cambridge:‬‬
‫‪Cambridge University Press.‬‬
‫‪35‬‬
‫* جميع اللّغة الوضعيّة اليوميّة حرفيّة‪ ،‬وليس هناك ماهو استعار ّ‬
‫ي‪1.‬‬
‫* يمكن لجميع الموضوعات فهمها حرفيّا‪ ،‬دون استعارة‪.‬‬
‫* اللّغة الحرفيّة فقط يمكن أن تكون بصفة محتملة حقيقة أو كاذبة‪.‬‬
‫* جميع التّعريفات الواردة في قاموس اللّغة هي حرفيّة وليست استعاريّة‪.‬‬
‫* التّصورّات‪ 1‬المستخدمة في نحو اللّغة حرفية كلّها‪ ،‬وال واحدة هي استعاريّة‪.‬‬

‫ي‬
‫‪ II -1 -1-3‬مغالطات الثنائيّة التمييزيّة حرف ّي‪ -‬مجاز ّ‬
‫ي أساس هذه الفرضيّات الّتي انبنت عليها الرّؤية‬‫لقد مثّلت الثنائيّة التمييزيّة التقليدية حرف ّي‪ -‬مجاز ّ‬
‫الكالسيكيّة لالستعارة‪ .‬وقد بيّنت أبحاث اليكوف ومن قبله ريدي‪ 1‬أنّها قائمة على جملة من المغالطات كشف‬
‫عنها النّسق الهائل من االستعارات‪ 1‬اليوميّة‪ ،‬والوضعيّة‪ ،‬الّتي نستعملها‪ 1‬في كالمنا اليوم ّي‪ .‬وقد‪ 1‬هدمت‬
‫ي ّ‬
‫ألن مصطلح حرف ّي كما تستخدم في‬ ‫نظريّة االستعارة المفهوميّة هذا التّمييز التقليد ّ‬
‫ي حرف ّي‪ -‬مجاز ّ‪1‬‬
‫تحديد التّمييز التقليد ّ‬
‫ي تحمل في طيّاتها‪ 1‬ك ّل تلك االفتراضات‪ 1‬الخاطئة‪ .‬فالفرق الكبير بين نظريّة االستعارة‬
‫الكالسيكيّة والرّؤية الجديدة لالستعارة المفهوميّة يقوم على أساس هذا التّمييز القديم (حرف ّي‪ -‬مجازيّ)‬
‫ي وتطبيق‪ 1‬بعض العمليات‬ ‫الّذي كان المرجع في التّفسير االستعار ّ‪1‬‬
‫ي للجملة بواسطة البدء من المعنى الحرف ّ‪1‬‬
‫الخوارزميّة ألجل الوصول لهذا التّفسير‪ .‬وهو ما فّنده عمل اليكوف وجونسون فاالستعارة ال تشتغل بهذه‬
‫الذهن تقوم على أساس تمثّل مجال على أساس مجال‬
‫الكيفيّة بل هي عمليّة عرفنيّة مركزيّة في اشتغال ّ‬
‫آخر‪ .‬ويقول األزهر الزنّاد في ذلك "‪ ...‬فاالستعارة ظاهرة مركزيّة غالبة في داللة الكالم العاد ّ‬
‫ي اليوم ّي‬
‫وهي جزء من الفكر من حيث مثّلت أداة في تص ّور‪ 1‬العالم واألشياء‪ 1‬وتمثّلها في جميع مظاهرها‪ ،‬فهي جزء‬
‫من النّظام العرفن ّي‪ ،‬ولذلك س ّميت باالستعارة المفهوميّة‪ .‬إذ كانت االستعارة أداة مفهمة وتمثيل‪ 1‬وتص ّور‪ 1‬يع ّم‬
‫ك ّل مظاهر‪ 1‬الفكر بما في ذلك المفاهيم المجرّدة والمتّصلة بالمجاالت األساسيّة من قبيل ال ّزمن واألوضاع‪1‬‬
‫والمكان والعالقات واألحداث والتغيّر والجعل وما إليها‪ ،‬ويج ّر هذا التحوّل تغييرا‪ 1‬في مصطلح االستعارة‬
‫إجراء ومفهوما‪:‬‬
‫فاالستعارة ‪ -‬في النّظريّة الكالسيكيّة‪ -‬عبارة لغوية جديدة أو شعريّة يستعمل فيها لفظ واحد أو أكثر في‬
‫معنى غير معناه المعهود‪ 1‬المألوف للتعبير عن معنى شبيه به ( اليكوف‪ )1992 1‬وهي ‪ -‬في النظريّة‬
‫الحديثة‪ -‬إسقاط عابر للمجاالت في النّظام‪ 1‬المفهوم ّي‪ ،‬وما العبارة االستعاريّة إالّ تحقّق سطح ّ‪1‬‬
‫ي لتلك‬
‫‪67‬‬ ‫العمليّات الّتي يجري بها اإلسقاط المفهوم ّي في ّ‬
‫الذهن"‬

‫‪ II -1 -2‬أه ّم مصطلحات نظريّة االستعارة المفهوميّة ‪:‬‬

‫‪ -‬الزناد األزهر‪ ،‬نظريات لسانية عرفانية‪ ،‬ص ‪142‬‬ ‫‪67‬‬

‫‪36‬‬
‫سنرجع من أجل توضيح مختصر‪ 1‬أله ّم المصطلحات ال ّشائعة ض‪11‬من نظريّ‪11‬ة االس‪11‬تعارة المفهوميّ‪11‬ة‬
‫إلى التّعريفات الّتي وضعها سلطان كوفيتش في مؤلّفه "االستعارة ‪ :‬مدخل تطبيق ّي "‪ 68‬وس‪11‬نتوقّف‪ 1‬على م‪11‬ا‬
‫نعتبره من المصطلحات المفاتيح الشتغال هذه النّظريّة‪:‬‬
‫المجال المفهومي‪ :69‬هو تمثيلن‪11‬ا التّص‪1‬وّري‪ ،‬أو معارفن‪11‬ا الخاص‪11‬ة ب‪11‬أي قس‪11‬م منس‪11‬جم من التّجرب‪11‬ة‪.‬‬
‫كثيرا ما تس ّمى هذه التمثيالت "تصوّرات"‪ 1.‬تتض ّمن هذه المعارف كالّ من العناص‪11‬ر األساس‪11‬ية الّ‪11‬تي تش‪ّ 1‬كل‬
‫مجاال ما‪ ،‬والمعارف‪ 1‬الثريّة بالتّفاصيل حول مجال ما والّتي غالبا ما تخدم االقتضاءات االستعاريّة‪.‬‬
‫المجال المصدر‪ :70‬إننا نستخدم المجال المصدر‪ ،‬كمجال مفهوم ّي‪ ،‬لفهم المج‪1‬ال المفه‪1‬وم ّي اآلخ‪1‬ر (المج‪1‬ال‬
‫اله‪11‬دف)‪ .‬تك‪11‬ون المج‪11‬االت المص‪11‬در نمطيّ‪11‬ا أق ‪ّ 1‬ل تجري‪11‬دا‪ 1‬أو أق‪11‬ل تعقي‪11‬دا من المج‪11‬االت اله‪11‬دف‪ .‬فمثال في‬
‫االستعارة المفهوميّة "الحي‪11‬اة س‪11‬فر" ينظ‪1‬ر‪ 1‬للمج‪11‬ال التّص‪1‬وّري‪ 1‬للس‪11‬فر بص‪11‬فة نمطيّ‪11‬ة على أنّ‪11‬ه أق‪ّ 1‬ل تجري‪11‬دا‬
‫أوتعقيدا من المجال التصوّري للحياة‪.‬‬
‫المجال الهدف‪ :71‬إننا نحاول فهم المجال الهدف‪ ،‬كمجال تصوّري‪ ،‬بمساعدة مجال تصوّري‪ 1‬آخ‪11‬ر (المج‪11‬ال‬
‫المصدر)‪ .‬تكون المجاالت الهدف بصفة نمطيّة أكثر تجريدا وارتباطا ّ‬
‫بالذات من المجاالت المصدر‪ .‬مثال‪،‬‬
‫في االستعارة المفهوميّة "الحياة سفر" ينظر إلى المجال التّص ّوري للحياة على أنه أكثر تجريدا وتعقيدا من‬
‫المجال التصوّري‪ 1‬للسفر‪.‬‬
‫التّناسبات‪ :72‬يع‪11‬ني فهم المج‪11‬ال اله‪11‬دف من خالل المج‪11‬ال المص‪11‬در أن نأخ‪11‬ذ باالعتب‪11‬ار تناس‪11‬بات مفهوميّ‪11‬ة‬
‫معيّنة بين عناصر المجال المصدر وعناصر المجال الهدف‪.‬‬
‫اإلسقاطات‪ :73‬تتخصّص االستعارات المفهوميّة بواسطة مجموع‪11‬ة من التّناس‪11‬بات التص‪1‬وّريّة بين عناص‪11‬ر‬
‫المجال المصدر وعناصر المجال الهدف‪ .‬هذه التّناسبات يقال لها "إسقاطات" بصفة تقنيّة‪.‬‬
‫االقتضــاءات االســتعاريّة‪ :74‬هي العناص ‪1‬ر‪ 1‬االس‪11‬تعاريّة النّاش‪11‬ئة عن المع‪11‬ارف الثريّ‪11‬ة الّ‪11‬تي يملكه‪11‬ا النّ‪11‬اس‬
‫بخصوص عناص‪11‬ر المج‪1‬االت المص‪1‬در‪ 1.‬مثال في اس‪1‬تعارة "الغض‪11‬ب س‪11‬ائل ح‪11‬ار في وع‪11‬اء"‪ ،‬تك‪1‬ون ل‪1‬دينا‬
‫معرفة سابقة حول سلوك السوائل الحارة في وعاء‪ .‬عندما تُع ّزز هذه المعارف المج‪11‬ال اله‪11‬دف انطالق‪11‬ا من‬
‫المجال المصدر‪ ،‬فإنّنا نحصل على عناصر استعاريّة‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫‪- Zoltán Kövecses.- Metaphor: A Practical Introduction, 2nd Edition. Oxford University‬‬
‫‪Press ;2010 ;p323-329‬‬
‫‪69‬‬
‫‪- conceptual domain‬‬
‫‪70‬‬
‫‪- source domain‬‬
‫‪71‬‬
‫‪- target domain‬‬
‫‪72‬‬
‫‪- correspondences‬‬
‫‪73‬‬
‫‪- mappings‬‬
‫‪74‬‬
‫‪- entailments, metaphorical‬‬
‫‪37‬‬
‫ي المحتمل‪ :75‬للمجاالت المصدر‪ 1‬مجموعة واسعة من االقتضاءات المحتمل‪11‬ة أو الكامن‪11‬ة‬
‫االقتضاء االستعار ّ‬
‫الّتي يمكن توجيهها إلى اقتضاءات استعاريّة‪ .‬تؤلّ‪11‬ف ه‪11‬ذه االقتض‪11‬اءات المحتمل‪11‬ة االقتض‪11‬اءات االس‪11‬تعاريّة‬
‫للمجاالت المصدر في االستعارات البنيويّة‪.‬‬
‫ضوء‪ :76‬في عمليّة تسليط الضّوء على مظاهر متن ّوعة من المجال الهدف‪ ،‬يت ّم التّركيز‪ 1‬على بعض‬
‫تسليط ال ّ‬
‫المظاهر عن طريق المجال المصدر‪1.‬‬

‫‪ II -2‬حول صياغة نظريّة تجريبيّة للنّسق التّصو ّري‬

‫لقد اهتم اليكوف وجونسون بدراسة الكيفيّة الّتي يفهم بها اإلنسان لغته وتجربته والعالقات الرّابطة‬
‫بينهما‪ ،‬أي كيف تؤثر التّجربة في اللّغة؟ وكيف تؤثر‪ 1‬اللّغة في التّجربة؟ ونظرا‪ 1‬إلى اللّغة باعتبارها حامال‬
‫أن المعطيات اللّغوية تعبّر عن ترميزنا‪ 1‬لمكوّنات نسقنا المفهوم ّي ولنسقيّته‪ ،‬فإنّها‪1‬‬
‫لنسقنا المفهوم ّي‪ .‬وبما ّ‬
‫تش ّكل مصدرا للبرهنة على الكيفيّة الّتي يشتغل بها النّسق التّصوّري‪ 1‬عند البشر‪ .‬وانطلقا من فرضيّة أوّليّة‬
‫وهي ّ‬
‫أن جزءا كبيرا من تجاربنا‪ ،‬وسلوكنا‪ ،‬وانفعالنا‪ ،‬استعار ّ‪1‬‬
‫ي من حيث طبيعته‪ .‬وهما يأسّسان لمبحثهما‬
‫الجديد في االستعارة ينطلقان من نقد النّظرة الموضوعيّة في تحليل االستعارة المبنيّة على أساس التّبادل‬
‫والمشابهة وما يدخل في باب االشتراك اللّفظ ّي الضّعيف‪ 1‬ففي مثال ‪ :‬لم أستطع هضم أفكاره‪ 77‬والّتي هي‬
‫حسب الطّرح التّجريب ّ‪1‬‬
‫ي استعارة لغوية حيّة متحقّقة عن االستعارة المفهوميّة " األفكار أغذية" وعليه يت ّم‬
‫تحليل لفظ "هضم" في الجملة على هذا األساس التصوّري‪ .‬أما ذو النّزعة الموضوعيّة فينكر‪ 1‬ذلك وسيق ّدم‬
‫تفسيرا آخر مفاده ّ‬
‫أن لفظ "هضم"كان يحيل أوّال على تص ّور‪ 1‬الغذاء‪ ،‬ث ّم تحوّل بواسطة استعارة حيّة إلى‬
‫ي موجود من قبل في عالم األفكار‪ ،‬وذلك على أساس التّشابهات الموضوعيّة بين الغذاء‬
‫معنى موضوع ّ‪1‬‬
‫واألفكار‪ ،‬بعد ذلك ماتت االستعارة وأصبح االستعمال االستعار ّ‪1‬‬
‫ي لعبارة "هضم الفكرة" وضعيّا‪ ،‬وبهذا‬
‫حصل لفظ "هضم" على معنى حرف ّي موضوع ّي ثان‪ .‬وك ّل حالة مثل هذه ستعتبر‪ 1‬من "المشترك‪ 1‬اللّفظ ّي"‬
‫الّذي هدفه توفير‪ 1‬ألفاظ لمعان قبليّة ال ألفاظ لها‪ .‬فقد كان األمر بدءا استعارة‪ .‬ث ّم أصبحت هذه االستعارة‬
‫جزءا من اللّغة متواضعا‪ 1‬عليه‪ .‬ث ّم ماتت وأصبحت متحجّرة وبذلك أضحى معناها االستعار ّ‬
‫ي القديم معنى‬
‫إن موقف‪ 1‬االشتراك اللّفظي الضّعيف في تفسير االستعارة في الطّرح الموضوع ّي‪ ،‬ال يمكن‬
‫حرفيّا‪ 1‬جديدا‪ّ .‬‬
‫له أن يفسّر أيّا من العالقات النسقيّة الموجودة في االستعارات التّصوّرية كما في التّحليل التجريب ّي‪ .‬ذلك ّ‬
‫أن‬
‫الموقف‪ 1‬الموضوع ّي ينظر‪ 1‬إلى ك ّل تص ّور‪ 1‬بطريقة معزولة وباعتباره ال يربط عالقات بتصوّرات‪ 1‬أخرى‬
‫يعبّر عنها بنفس اللّفظ‪ .‬كما ينكر أن نفهم المجرّد من خالل الملموس يقول ال يكوف وجونسون ّ‬
‫"إن أوضح‬
‫‪75‬‬
‫‪- metaphorical Entailment potential‬‬
‫‪76‬‬
‫‪- highlighting‬‬
‫‪ - 77‬االستعارات اّلتي نحيا بها‪ ،‬ص ص ‪202-201‬‬
‫‪38‬‬
‫فرق‪ 1‬بين موقف االشتراك اللفظ ّي الضّعيف وطرحنا‪ّ 1‬‬
‫أن األوّل ال يتصوّر أن يت ّم فهم شيء معيّن من خالل‬
‫شيء آخر‪ .‬وبهذا فهو‪ 1‬ال يتوافر على مفهوم البنية االستعاريّة ال ّشاملة‪ ،‬والسبب ّ‬
‫أن أغلب من يتبنّون هذا‬
‫الطّرح اليهتمون بالطّريقة الّتي يتأسّس بها نسقنا االستعار ّ‪1‬‬
‫ي داخل التّجربة‪ .‬وال بكيفيّة انبثاق الفهم من‬
‫‪78‬‬
‫عملية التّأسيس هذه ‪...‬وهذه النّقائص نفسها تنسحب بالطبع‪ ،‬على موقف‪ 1‬االشتراك اللّفظ ّي القويّ‪".‬‬
‫لهذا سير ّكز المؤلفان بحثهما حول صياغة نظريّة تجريبيّة للنّسق التصوّري‪ .‬وذلك رغم اعترافهما‪ّ 1‬‬
‫أن‬
‫"نسقنا التصوّري‪ 1‬ليس من األشياء الّتي نعيها بشكل عاديّ"‪ 79‬إالّ أنّهما حاوال بناء نظريّة كافية انطالقا من‬
‫حاالت نموذجيّة واعتماد على معطيات اللّغة اليوميّة الّتي تع ّد حسبهما‪ 1‬مصدرا مه ّما للبرهنة على الكيفيّة‬
‫الّتي يشتغل بها هذا النّسق‪ .‬وعلى هذه النّظريّة كي تكون كافية أن ترصد الكيفيّة الّتي تتأسّس بها‬
‫‪80‬‬
‫التّصوّرات‪ ،‬وتبنين بها‪ ،‬وتتعالق‪ 1‬في ما بينها‪ ،‬وتح ّد‬

‫سس التّص ّورات‪:‬‬


‫‪ II -2 -1‬تأ ّ‬
‫يبيّن اليكوف‪ 1‬وجونسون‪ 1‬خالل مناقشتهما‪ 1‬ألسس االستعارات أنه جرت العادة التّفريق بين نوعين‬
‫من التّصوّرات‪ .‬التّص ّورات المنبثقة بشكل مباشر‪ 1‬وهي محدودة نسبيا‪ ،‬و التّصوّرات المبنينة استعاريّا‪1‬‬
‫وهي الغالبة‪ .‬فالتّص ّورات المنبثقة بشكل مباشر وتشتغل بها أجسادنا هي‪:‬‬
‫* أوّال تصورات مقوالت المستوى األدنى‪" 81‬الّتي تتميّز عن المقوالت الّتي ال تعيّن األشياء رأسا‬
‫بمظاهر‪ 1‬أجسادنا وأدمغتنا وأذهاننا‪ 1:‬الصّور ّ‬
‫الذهنية‪ ،‬واإلدراك الجشطالتي‪ ،‬والبرامج الحركيّة ‪ ،‬وبنية‬
‫المعرفة ‪ ....‬وتتميّز‪ 1‬مقوالت المستوى‪ 1‬األدنى بأنها تس ّمى لدى األطفال وتفهم بصورة مب ّكرة‪ .‬وتدخل اللّغة‬
‫في تاريخها‪ 1‬المب ّكر‪ .‬ويتع ّرف عليها بطريقة أسرع‪ .‬كما ّ‬
‫أن مقوالت المستوى‪ 1‬األدنى تستعمل في السّياقات‪1‬‬
‫المحايدة"‬
‫* ثانيا تصوّرات‪ 1‬العالقات الفضائيّة‪ 82‬مثل (فوق‪ -‬تحت‪/‬داخل‪ -‬خارج‪/‬أمام‪ -‬خلف‪ )...‬وتقع تصوّرات‬
‫العالقات الفضائيّة في مركز نسقنا التصوّري‪ 1.‬فالتصوّر الفضائ ّي نابع من تجربتنا‪ 1‬الفضائيّة‪ .‬فنحن نمتلك‬
‫أجسادا ونقف منتصبين‪ ،‬وك ّل حركة نقوم بها تتطلّب في الغالب برنامجا‪ 1‬حركيّا فوق‪/‬تحت قد يغيّر من‬
‫اتجاهنا أو يحافظ عليه أو يقتضيه‪ .‬ونحن نستخدم‪ 1‬تصوّرات العالقات الفضائيّة بصورة ال واعية‪.‬‬
‫ونفرضها‪ 1‬عبر نسقينا اإلدراك ّي والتصوّري‪.‬فإنّنا‪ 1‬ندرك آليّا وبصورة الواعية كيانا بوصفه كيانا آخر‪.‬‬
‫ولكنّنا ال نفعل هذا فقط فهذا اإلدراك يتوقّف على قدر هائل من النّشاط ّ‬
‫الذهني الالّواعي‪ .‬فكي نرى فراشة‬
‫مثال باعتبارها توجد في الحديقة علينا أن نسقط قدرا ال يستهان به من البنية التصويريّة على مشهد‪ :‬منه‬
‫‪ - 78‬االستعارات التي نحيا بها‪ ،‬ص ‪123‬‬
‫‪ - 79‬نفسه‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫‪ - 80‬نفسه‪ ،‬ص ‪119‬‬
‫‪basic-level categories - 81‬‬
‫‪82‬‬
‫‪spatial-relations concepts‬‬
‫‪39‬‬
‫بناء تصوّر لحدود الحديقة باعتبارها وعا ًء ثالثي األبعاد له داخل يمت ّد في الهواء‪ ،‬ومنه أن نموقع‪ 1‬الفراشة‬
‫بوصفها‪ 1‬عابرا بالنّظر إلى هذا الوعاء التصوّري‪ 1‬الّذي يعتبر خلفيّة أو معلما‪ ،‬ومنه تحديد المسافة (القرب‬
‫والبعد)‪ .‬ونحن نمارس هذه األعمال المعقّدة المتعلّقة باإلدراك الخيال ّي في ك ّل لحظة من لحظات حياتنا‪.‬‬
‫يتأسّس إذن جزء هام من بنيتنا التصوّرية من أنشطتنا اإلدراكيّة الحسّية‪ .‬فتصوّرات‪ 1‬العالقات‬
‫الفضائيّة هي تصوّرات عليا في نسقنا التصوّري‪ 1.‬وته ّم تجارب مرسومة بشكل أد ّ‬
‫ق وأكثر وضوحا‪1‬‬
‫بالقياس إلى تجاربنا العاطفيّة مثال‪ .‬فلتجلية التصوّرات الخاصة بتجربتنا‪ 1‬العاطفيّة فإنه ال ينبثق أي تص ّور‪1‬‬
‫لهذه التجربة من فعلنا العاطف ّي وحده‪ ،‬بل تنشأ في ّ‬
‫الذهن شبكة من التّعالقات النسقيّة بين عواطفنا مثل‬
‫السّعادة وتجاربنا‪ 1‬الحسّية اإلدراكيّة حيث تتش ّكل أسس تصوّراتنا‪ 1‬االتجاهيّة االستعاريّة مثل "السعادة فوق"‪1‬‬
‫فتنشأ‪ 1‬أقوال من نوع‪:‬‬
‫* أكاد أطير من السّعادة‪.‬‬
‫* إنّه يحلّق عاليا من الفرحة بنجاحه‪.‬‬
‫فاستعارات كهذه تسمح ببناء تصوّرات عواطفنا بأشكال مح ّددة بوضوح‪ 1.‬ثم ربطها بتصوّرات‬
‫أخرى تتعلّق برفاهنا‪ 1‬الشامل مثال (الصّحة‪/‬الحياة‪/‬الهيمنة‪..‬الخ) وبهذا المعنى يمكن أن نتح ّدث عن‬
‫‪83‬‬
‫استعارات أوّلية بسيطة تنبثق منها استعارات أكثر تعقيدا‪.‬‬
‫ولكن التّجربة الفيزيائيّة المباشرة لن تكون المسؤولة الوحيدة رغم أهميتها في بناء هذه‬
‫التصوّرات‪ ،‬حيث ال تختزل التّجربة في امتالك جسد من نوع معيّن‪ .‬بل ّ‬
‫إن ك ّل تجربة تقوم على أساس‬
‫أن ك ّل تجربة تتطلّب اقتضاءات ثقافيّة‪ ،‬فإنّه يمكن أن‬
‫عدد من االقتضاءات الثقافيّة‪ .‬إالّ أنه إذ اعتبرنا ّ‬
‫نحافظ‪ 1‬على تمييز هام بين التّجارب الّتي يكون فيها الجانب الفيزيائ ّي أكثر حضورا‪ 1‬كأن ننجز وضعية‬
‫االنتصاب بأجسادنا‪ 1.‬وتلك التّجارب الّتي يكون فيها الجانب الثّقاف ّي أكثر حضورا‪ 1‬كأن نشارك في حفل‬
‫زفاف‪1.‬‬
‫‪ II -2 -2‬بنينة التص ّورات‬
‫تقوم البنية التّصوّرية على نسق منسجم يمكن دراسته من مدخلين أساسيين ‪:‬الخطاطة‬
‫الصّورة‪ ‬والمنوال‪ 1‬العرفني المؤمثل من ناحية والمقولة من ناحية أخرى‪.‬‬
‫صورة والمنوال العرفني المؤمثل‬
‫‪ II -2 --2 1‬الخطاطة ال ّ‬
‫‪ II -2 --2 1-1‬الخطاطة الصورة‬
‫هي عبارة عن جشتلطات متع ّددة األبعاد‪ .‬وهي الكيفيّات الّتي يت ّم بها تنظيم التّجربة من حيث كانت‬
‫كالّ منضّدا وليست مجرّد أجزاء مج ّمعة‪ ،‬وهي قالب متواتر‪ ،‬وشكل‪ ،‬وانتظام يتجلّى في جميع األنشطة‬
‫المن ّ‬
‫ضدة‪ .‬وينشأ في شكل أبنية ذات معنى عندنا من خالل حركات الجسد في الفضاء‪ .‬ومن خالل معالجتنا‬

‫‪ - 83‬االستعارات الّتي نحيا بها‪ ،‬ص‪78‬‬


‫‪40‬‬
‫الذهنية هي ما ينضّد المدركات والصّور‪ّ 1‬‬
‫الذهنية‬ ‫ي بما يحيط بنا‪ .‬فالخطاطة ّ‬
‫لألشياء وتفاعلنا اإلدراك ّ‪1‬‬
‫واألحداث‪ 84‬وهي ما تجعل التّجربة منسجمة " ّ‬
‫إن فهم هذه الجشتلطات المتع ّددة األبعاد والتعالقات‬
‫الموجودة بينها هو مفتاح فهم االنسجام في تجربتنا‪ ،‬وهذه األبعاد تتح ّدد بدورها‪ 1‬من خالل تصوّرات منبثقة‬
‫بشكل مباشر"‪ 85‬وهذه الخطاطات هي أساس في تكوّن المناويل العرفنيّة المؤمثلة التي ينظم بها البشر‬
‫معارفهم وتمثل قدرتهم‪ 1‬على إنشاء المقوالت العامة والمفاهيم المر ّكبة باستعمال الخطاطات‪ 1‬لتنضيدها‪.‬‬
‫وقد‪ 1‬ر ّكز جونسون في كتابه "الجسد في ّ‬
‫الذهن" على دور‪ 1‬الخطاطة الصّورة‪ 86‬في عملية‬
‫االستعارات‪ 1‬المفهوميّة‪ .‬وهي الظّاهرة الّتي يعرّفها جونسون كما يلي‪ ":‬الخطاطة الصّورة هي نمط دينام ّ‪1‬‬
‫ي‬
‫متك ّرر‪ 1‬في تفاعالتنا العرفنيّة وبرامج حركتنا‪ ،‬يخلق لتجربتنا‪ 1‬تماسكا وبنية‪ .‬فخطاطة العموديّة مثال تنشأ‬
‫من سعينا إلى توظيف اتّجاهية "فوق‪ -‬تحت" في انتقاء البنى ال ّدالة في تجربتنا‪ .‬ونالحظ‪ 1‬بنية العموديّة هذه‬
‫على نحو متكرّر في اآلالف من مدركاتنا وأنشطتنا الّتي نعايشها ك ّل يوم‪ ،‬كإدراك شجرة‪ ،‬أوإدراكنا‪1‬‬
‫ي بأنّنا واقفون‪ ،‬أو من خالل الصعود على سلّم‪ ،‬أو من خالل تشكيل صورة ذهنيّة لسارية العلم‪،‬‬
‫الشعور ّ‬
‫أوقياس‪ 1‬طول طفل‪ ،‬أو من خالل تجربة ارتفاع مستوى الماء في حوض االستحمام‪ّ .‬‬
‫إن خطاطة العموديّة‬
‫هي البنية التجريديّة لهذه التّجارب والصّور والمدركات‪ 1‬العموديّة‪ّ .‬‬
‫إن إحدى األفكار المركزيّة في هذا‬
‫أن البنى المتخيّلة القائمة على التّجربة من هذا النّوع من الخطاطات الصّور‪ 1‬هي جزء اليتج ّزأ‬
‫الكتاب هي ّ‬
‫من ال ّداللة والعقالنيّة‪ 87".‬ويناقش‪ 1‬جونسون في كتابه أكثر من خطاطة صورة مثل خطاطة الحاوية‪،‬‬

‫وخطاطة المسلك والهدف‪.‬‬ ‫وخطاطة الكل‪-‬جزء‪ ،‬وخطاطة الرّبط ‪ ،‬وخطاطة المركز واألطراف‪،‬‬

‫وسنأخذ‪ 1‬مثاال منها وهو خطاطة الحاوية‪ 88‬فبنية االحتواء بسيطة جدا كما هي في ال ّشكل التّالي‪:‬‬

‫فالحاوية الّتي قد تكون بيتا أو‬


‫أو كأسا ‪ ....‬تتكوّن من بنية‬ ‫سيّارة‬
‫بسيطة كما يلي‪:‬‬

‫‪- 84‬الزناد األزهر‪ ،‬نظريات لسانية عرفانية ‪،‬ص ‪166‬‬


‫‪ - 85‬االستعارات التي نحيا بها‪ ،‬ص ص‪98‬‬
‫‪86‬‬
‫‪image schema‬‬
‫‪87‬‬
‫‪- Johnson; 1987 ;Preface p.xiv.‬‬

‫‪88‬‬
‫‪a container schema‬‬
‫‪41‬‬
‫* خارج‬ ‫*داخل * حدود‬
‫إالّ ّ‬
‫أن البنية البسيطة تتبعها أيضا بعض النّتائج المرتبطة بها‪ .‬فأن تكون داخل شيء يعني أنّك‬
‫أن لك حيّز مكان ّي ثابت‪ .‬ولالحتواء نتائج منطقيّة فإن كنت في ال ّداخل‬
‫محم ّي أو مقاوم لقوى الخارج‪ ،‬كما ّ‬
‫يعني أنّك ال يمكن أن تكون في الخارج‪ .‬وإن كان "س" موجودا في "ص" ّ‬
‫فإن ك ّل ما هو في "س" موجود‪1‬‬
‫بالضرورة في "ص"‪ .‬فأن توجد الحقيبة في السيارة‪ ،‬فهذا يقتضي بالضرورة ّ‬
‫أن ك ّل ما في الحقيبة موجود‪1‬‬
‫بالسيارة‪.‬‬
‫لنرى نتيجة هذه البنية البسيطة ونتائجها المنطقيّة في تشكيلنا‪ 1‬لل ّداللة وفي‪ 1‬تفكيرنا العقل ّي‪ .‬ولنر ّكز‪1‬‬
‫على جانب واحد فقط من هذه البنية وهو جانب الخروج كما في الشكل التّالي‪:‬‬

‫‪...... .....‬‬

‫في الظّواهر الما ّدية يمكن أن نقول ‪:‬‬


‫* خرج زيد من بيته‪.‬‬
‫* أخرج عمرو الكتاب من المحفظة‪.‬‬
‫* خرج التّالميذ من المدرسة‪.‬‬
‫ي حيث نجد إطارا ما ّديا حاويا (البيت‪ ،‬المحفظة‪ ،‬المدرسة)‪ .‬ونجد شيئا‬
‫في هذه األمثلة الخروج له تج ّل ماد ّ‬
‫ما ّديا يخرج من داخل الحاوية إلى خارجها (زيد‪ ،‬عمرو‪ ،‬التّالميذ) ولكن إذا قلنا‪:‬‬
‫* خرج الثّوار على السلطة‪.‬‬
‫* هذا العمل خروج عن ال ّدين‪.‬‬
‫* لقد خرجت عن الموضوع‪1.‬‬
‫في هذه األمثلة يخرج القول عن الظّواهر الماديّة فهي تتح ّدث عن (الثّورة‪ ،‬ال ّدين‪ ،‬الجّدال) وهنا‬
‫يكمن دور‪ 1‬االستعارة حيث يت ّم بها نقل معرفتنا باالحتواء في شكله الماد ّ‬
‫ي الفيزيائ ّي لتشكيل مفاهيم مجرّدة‬
‫تتعلّق في هذه األمثلة بالسّياسة‪ ،‬وال ّدين‪ ،‬والجّدال الفكريّ‪ .‬وهو ما ير ّد على النظريّات التقليديّة الّتي ترى‬
‫أن هذه األمور يكون الحديث حولها نظريّا وال عالقة له بالتّجربة الماديّة‪ ،‬والعالقات الفضائيّة االتجاهيّة‬
‫ّ‬
‫ي ال تتح ّكم في األمور‬ ‫إن األمر األكثر خطورة هنا هو ّ‬
‫أن خطاطة االحتواء الماد ّ‬ ‫الخاضعة لوضع الجسد‪ّ .‬‬
‫غير المجرّدة على مستوى البنية فقط ‪ -‬خروج الشيء من شيء آخر يحتويه‪ .-‬ولكن على مستوى‪ 1‬منطق‬
‫االحتواء نفسه‪ ،‬فال ّدين مثال يصبح حاويا قد يكون اإلنسان داخله أو خارجه‪ .‬فما تعوّد النّاس على اعتباره‬
‫ي هو مفهوم االحتواء الّذي بنين‬
‫أمرا مجرّدا مثل مفهوم ال ّدين هو في حقيقته يقع تحت سيطرة مفهوم ماد ّ‬

‫‪42‬‬
‫مفهوم ال ّدين من خالل اإلسقاط االستعاريّ‪ ،‬وسيطر على آليّته والتّفكير فيه من خالل إسقاط االمكانيات‬
‫المنطقيّة لبنية االحتواء‪.‬‬
‫إن هذه البنية األوّلية هي الّتي يمكن أن تخصّص بها االقتضاءات االستعاريّة نسقا منسجما من‬
‫ّ‬
‫التّصوّرات‪ 1‬االستعاريّة‪ ،‬وكذلك‪ 1‬نسقا منسجما من العبارات االستعاريّة الّتي تقابل هذه الصّور‪ 1‬عبر شبكة‬
‫من اإلسقاطات بين المجال المصدر‪( 1‬التجربة الحسيّة اإلدراكيّة) والمجال الهدف (التّجربة الفكريّة‬
‫المجرّدة)‪ .‬وخالل عملية اإلسقاط تتكوّن الشبكة النّسقية االستعاريّة حاملة معها ك ّل االقتضاءات‬
‫االستعاريّة المحتملة الثقافيّة واالجتماعيّة للتّجربة‪ ،‬متعالقة مع التّجربة المجسدنة الفيزيائيّة القائمة في‬
‫المثال السّابق على العالقات االتجاهيّة‪ .‬وعلى هذا تكون الخطاطة الصّورة "بنية على غاية من العموم‬
‫‪89‬‬ ‫والتّجريد‪ 1‬وعلى غاية من المرونة ومن الفقر في التّفاصيل بوجه تكون به أداة أوّليّة يشتغل بها ّ‬
‫الذهن"‬
‫فالخاصيّة األولى لهذه الخطاطات‪ 1‬هي أنّها تمثّل أطر الفكر واألداة األوّلية الّتي يشتغل بها‪.‬‬
‫والخاصية الثّانية لهذه الخطاطات‪ 1‬ذات المستوى ال ّشامل ‪ 90‬مثل "الحركة" هي إمكانية ملئها بطرق ع ّدة‪.‬‬
‫فيمكن لخطاطة الحركة أن تتحقّق كمشي‪ ،‬جري‪ ،‬صعود‪ ،‬تسلق‪...‬هذه ال ّشواهد هي عن المستوى‬
‫المخصّص للخطاطة ال ّشاملة للحركة‪ . 91‬ولذلك يكون للخطاطة دوران مه ّمان عند اليكوف " أوّلهما كون‬
‫الخطاطة مفهوما قابال للتمثّل في ذاته من حيث بنيته وعناصره ومنطقه األساس ّ‪1‬‬
‫ي الكامن فيه‪ ،‬وثانيهما‬
‫‪92‬‬
‫كونها جارية على سبيل االستعارة لتنضيد‪ 1‬المر ّكب من المفاهيم األخرى"‪1‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ II -2 --2 1-2‬المنوال العرفن ّي المؤمثل‬
‫أن البش‪11‬ر ينظّم‪11‬ون مع‪11‬ارفهم‪ 1‬بواس‪11‬طة أبني‪11‬ة يطل‪11‬ق عليه‪11‬ا المناوي‪11‬ل العرفنيّ‪11‬ة‬
‫"يذهب اليك‪11‬وف‪ 1‬إلى ّ‬
‫الص‪1‬ور‪ 1‬أس‪11‬اس لقي‪11‬ام المناوي‪11‬ل العرفنيّ‪11‬ة المؤمثل‪11‬ة‪ .‬وك‪ّ 1‬ل عنص‪11‬ر في من‪11‬وال‬ ‫المؤمثل‪11‬ة وإلى ّ‬
‫أن الخطاط‪11‬ات ّ‬
‫عرفن ّي يمثّل مقولة مفهوميّة ‪ :‬الخطاطة شبكة من العقد والتّرابط‪11‬ات تمثّ‪11‬ل ك‪ّ 1‬ل عق‪11‬دة فيه‪11‬ا مقول‪11‬ة مفهوميّ‪11‬ة‬
‫وخصائص‪11‬ها مس‪11‬تم ّدة من دور العق‪11‬دة في الش‪11‬بكة ومن عالقاته‪11‬ا بس‪11‬ائر العق‪11‬د في الخطاط‪11‬ة ومن عالق‪11‬ة‬

‫‪ - 89‬الزناد األزهر‪ ،‬نظريات لسانية عرفانية‪ ،‬ص‪106‬‬


‫‪90‬‬
‫‪- generic-level schemas‬‬
‫‪91‬‬
‫‪- specific-level‬‬
‫‪92‬‬
‫‪- Lakoff;1987;p283‬‬

‫‪93‬‬
‫‪idealized cognitive model-‬‬
‫‪43‬‬
‫الخطاطة كاملة بسائر الخطاطات ومن التّفاعل الكائن ما بين الخطاطة وسائر‪ 1‬الملكات العرفنيّ‪11‬ة في النظ‪11‬ام‬
‫‪94‬‬
‫ي –اليكوف ‪" 70-69 ،1987‬‬
‫العرفن ّ‪1‬‬

‫وتقوم‪ 1‬المناويل العرفنيّة على ركنين‪ :‬أفضية ذهنية ومناويل عرفنيّ‪11‬ة ّ‬


‫تنض‪1‬د تل‪11‬ك األفض‪11‬ية‪ .‬ويمكن‬
‫أن نق‪11‬ول ّ‬
‫إن المناوي‪11‬ل العرفنيّ‪11‬ة هي مناوي‪11‬ل ذهنيّ‪11‬ة مش‪11‬تركة بين المجموع‪11‬ة البش‪11‬ريّة المتجانس‪11‬ة في إط‪11‬ار‬
‫ي متقارب‪ .‬وهي مترسّخة في عم‪11‬ق تج‪11‬ربتهم وفي‪ 1‬مخي‪11‬الهم الجمع ّي تش‪11‬تغل به‪11‬ا أذه‪11‬انهم‬ ‫حضار ّ‪1‬‬
‫ي وتاريخ ّ‪1‬‬
‫ويفهمون من خاللها تج‪1‬اربهم الجدي‪1‬دة‪ .‬فهي تتح ّكم بطريق‪1‬ة ال واعي‪1‬ة في توجي‪1‬ه اس‪1‬تدالالتهم‪ 1‬واستص‪1‬حاب‬
‫االقتضاءات من المجال المصدر نحو المجال الهدف‪ ،‬وإدراك ال ُمتصورات‪ ،‬وفهم‪ 1‬ما يب‪11‬دو في البداي‪11‬ة على‬
‫غير ذي عالق‪1‬ة بالمف‪1‬اهيم الجدي‪1‬دة الّ‪1‬تي يبنونه‪1‬ا‪ 1‬من خالل إس‪1‬قاط تج‪1‬اربهم القديم‪1‬ة المتنوّع‪1‬ة عليه‪1‬ا‪ .‬وبه‪1‬ا‬
‫يتيسّراالهتداء في التّواصل باالستعارات تلك الملكة العظيمة الّتي يتفرّد بها ّ‬
‫الذهن البش‪11‬ر ّ‬
‫ي في فهم تجرب‪11‬ة‬
‫من خالل تجربة أخرى‪ .‬وعلى ه‪11‬ذا نب‪11‬ني مفاهيمن‪11‬ا اس‪11‬تعاريّا بط‪11‬رق‪ 1‬متنوّع‪11‬ة‪ ،‬ومختلف‪11‬ة من حيث التّع‪11‬ابير‬
‫االستعاريّة اللّغوية‪ .‬ولكنّه‪1‬ا ترج‪11‬ع في أساس‪11‬ها إلى وح‪11‬دة مفهوميّ‪11‬ة أوّلي‪11‬ة وإلى من‪1‬وال ج‪11‬امع يم ّكن من فهم‬
‫االس‪11‬تعارات داخ‪11‬ل الخط‪11‬اب بطريق‪11‬ة مندمح‪11‬ة بحيث تك‪11‬ون االس‪11‬تعارات أداة النس‪11‬جام الخط‪11‬اب وانس‪11‬جام‬
‫النّصوص‪ .‬فهي تتعالق في إطار مناويل عرفنيّ‪11‬ة تجع‪11‬ل من النصّ أو القص‪11‬يد "‪....‬فض‪11‬ا ًء اس‪11‬تعاريا كب‪11‬يرا‬
‫تنصهر‪ 1‬فيه جميع المكوّنات ما كان منها لغويّا ومعجميّا‪ 1‬وثقافيّا بما ين‪11‬درج في الثّقاف‪11‬ة من المع‪11‬ارف العا ّم‪11‬ة‬
‫ي هو التّاريخ العفو ّ‬
‫ي البسيط وبعضها‪ 1‬تاريخ ّي واقع ّي هو‬ ‫وجميعها‪ 1‬منضّد في مناويل ذهنيّة بعضها أسطور ّ‬
‫تمثّل اإلنسان لعالمه وإدراكه إيّاه من موقعه حاجيّا أو كماليّا وبعضها اجتم‪11‬اعي وج‪11‬ود ّ‪1‬‬
‫ي في‪1‬ه تعام‪11‬ل الح ّي‬
‫ليعيش وفيه مقاومة الموت وإن ال مهرب منها وفيه باختصار ك ّل ما به اإلنس‪11‬ان إنس‪11‬ان متج‪1ّ 1‬ذرا في زمان‪11‬ه‬
‫ومكانه وجميعها تمثّل في خطاب مخص‪11‬وص كتب‪11‬ه ش‪11‬خص مخص‪11‬وص من زاوي‪11‬ة مخصوص‪11‬ة ق‪11‬د تواف‪1‬ق‪1‬‬
‫فالمناويل العرفنيّة تُنشئ نوعا من االنتظ‪11‬ام الخف ّي في النّص‪11‬وص يُب‪11‬نى‬ ‫‪95‬‬
‫زاوية المجموعة وقد تختلف‪" .‬‬
‫ي ويعود الفهم والتّأويل‪ 1‬إلى امتالك المفتاح أو المفاتيح األساسيّة الّتي يكون بها‬
‫من خاللها الفضاء االستعار ّ‬
‫االهتداء إلى ذلك االنتظام‪ 1‬وهي محدودة جدا من حيث العدد ومختزلة لك ّل المناويل‪ 1‬المتناسبة في المج‪11‬الين‪:‬‬
‫المجال المصدر والمجال الهدف‪.‬‬

‫وفي‪ 1‬الحقيقة ّ‬
‫فإن الحديث عن الخطاطة الصّورة‪ ،‬والمناويل‪ 1‬العرفنيّة المؤمثلة هو أكثر منه حديث‬
‫عن ظاهرة انسجام التّص ّور‪ 1‬أكثر منه حديث عن بنية التّصور الّتي تتمثّل بوضوح أكبر في المقولة فكيف‬
‫تتجسّد فيها ظاهرة البنية التصوّرية؟ وماعالقة االستعارة بذلك؟‬

‫قولَةُ‪:‬‬
‫‪ II -2 --2 2‬ال َم َ‬
‫‪94‬‬ ‫ّ‬
‫الزناد األزهر‪ ،‬نظريات لسانيّة عرفنيّة‪ ،‬ص ‪- 173‬‬
‫‪95‬‬ ‫ّ‬
‫الزناد األزهر‪ ،‬النص والخطاب‪،‬ص ‪- 256‬‬ ‫ّ‬
‫‪44‬‬
‫إن مظاهر النّقلة النوعيّة للمقاربة التجريبيّة هو في ثورتها على المنظور‪ 1‬الموضوع ّي لعملية‬
‫ّ‬
‫المقولة‪ ،‬أي تنظيم العالم وتصنيف أشيائه ووضعياته وأحداثه‪ .‬وهي الرّؤية الّتي سادت على مدار قرون‬
‫طويلة والقائمة على أساس الشروط الضروريّة الكافية حسب التّحديد األرسط ّي‪ .‬والّتي تعتبر ّ‬
‫أن العالم‬
‫ي وذهنه‪ .‬وأن اللّغة‬
‫ي عبارة عن موضوعات ذات خصائص مميّزة ومستقلّة عن الكائن البشر ّ‬
‫الخارج ّ‪1‬‬
‫تتل ّخص في كونها‪ 1‬عمليّة ترميز ثابتة وواضحة ومطابقة للواقع مطابقة مطلقة وغير مشروطة‪ .‬كما ّ‬
‫أن‬
‫جميع النّاس يستخدمون نسقا تصوّريا‪ 1‬واحدا‪.‬‬
‫ي هذا التّصور الّذي يعزل ذهن اإلنسان وجسده عن بقيّة العالم‪ .‬ويُقصي‬
‫لقد دحض الطرح التّجريب ّ‪1‬‬
‫من االعتبار فاعليّة الجسد‪ ،‬والخيال‪ ،‬والثّقافة‪ ،‬في تنظيم العالم وفهمه‪ .‬فالمقولة ليست مسألة فكريّة خالصة‬
‫تظهر بعد قيام التّجربة‪ .‬بل إنّها جزء م ّما تنخرط فيه أجسادنا وأدمغتنا باستمرار‪ .‬والمقوالت في الطرح‬
‫ي ليست ثابتة وال متماثلة‪ ،‬وإنّما تح ّدد من خالل التّشابهات األسريّة المرتبطة بالطّرازات‪ .‬ويبيّن‬
‫التّجريب ّ‪1‬‬
‫اليكوف‪ 1‬أن المقوالت المنبثقة من التّجربة المباشرة تبنين على أساسها التّصورات المنبثقة مباشرة‪،‬‬
‫كالتّصورات الفضائيّة‪ ،‬وتص ّورات ال ّشيء والمادة‪ ،‬والغرض والسبب ‪ ...‬ولكن عندما نخرج من المقوالت‬
‫المنبثقة من التّجربة الفيزيائيّة المباشرة كاالتّجاهية مثال فإنّنا نقوم بعملية إسقاط لهذه المقوالت على مظاهر‬
‫من التّجارب األق ّل مباشرة‪ .‬لذلك فعندما يقوم اإلنسان بإسقاط هذه االتّجاهات (مثل‪ :‬فوق‪ -‬تحت‪ /‬أمام ‪-‬‬
‫خلف) على مجال مجرّد مثل السّعادة وال ّشقاء أو ال ّزمن‪ ،‬يكون قد أنتج مقولة بفعل تفاعل الجسد والمحيط‪.‬‬
‫أن لغته تستطيع إنتاج بنيات تعكس كون السّعادة فوق‪ 1.‬وبناء على ذلك ّ‬
‫فإن سمات األشياء‬ ‫كما ّ‬
‫والموضوعات ليست مالزمة وثابتة بل إنّها ذات طبيعة تفاعليّة‪ .‬والمقولة تنتج عن هذا التّفاعل أيضا‪.‬‬
‫ويندرج‪ 1‬في هذا ما يس ّمى باالستعارات‪ 1‬االنطولوجيّة الّتي تعني ّ‬
‫أن "فهم تجاربنا‪ 1‬عن طريق األشياء والمواد‬
‫يسمح لنا باختيار عناصر تجربتنا‪ 1‬ومعالجتها باعتبارها كيانات معزولة أو باعتبارها مواد من نوع واحد‪،‬‬
‫وحين نتم ّكن من تعيين تجاربنا باعتبارها كيانات أو مواد فإنّه يصبح بوسعنا‪ 1‬اإلحالة عليها‪ ،‬ومقولتها‪1،‬‬
‫‪96‬‬
‫وتجميعها‪ 1،‬وتكميمها‪ ،‬وبهذا نعتبرها أشياء تنتمي إلى منطقنا"‬
‫فالتّفاعل المستم ّر‬ ‫‪98‬‬
‫ويقترح الباحثان مصطلح الخصائص التّفاعليّة ‪97‬بدل الخصائص المالزمة‬
‫الذوات مع الواقع هو ما يتولّد منه نظامنا المفهوم ّي‪ّ .‬‬
‫وإن إعادة التّصنيف لدى الباحثين‪ ،‬تصنيف‬ ‫بين ّ‬
‫الموجودات‪ 1‬يؤ ّكد البعد المفهوم ّي لوضع األشياء في أصناف‪ .‬فاإلحالة تكون على النّظام المفهوم ّي ال على‬
‫ما يفترض أنّه واقع عار من الفهم‪ .‬فالخصائص الّتي ننسبها لألشياء المصنّفة تولّدت من تجاربنا التفاعليّة‪.‬‬
‫وليست خصائص مالزمة لألشياء كامنة فيها‪.‬‬

‫‪ - 96‬جورج اليكوف حرب الخليج أو االستعارات التي تقتل ‪،‬تقديم الترجمة ص ‪9‬‬
‫‪97‬‬
‫‪interaction Proprties‬‬
‫‪98‬‬
‫‪inherent Proprties‬‬
‫‪45‬‬
‫إن أغلب مقوالتنا تكوّنت بصورة آليّة والواعية نتيجة اشتغالنا في العالم وحتّى مقوالتنا الواعية‬
‫ّ‬
‫فإن مقوالتنا‪ 1‬غير الواعية تتد ّخل في اختيارنا لها‪ .‬واأله ّم من هذا فأدمغتنا‪ 1‬وأجسادنا ال تفرض علينا أن‬
‫ّ‬
‫نمقول فحسب‪ .‬بل إنّها تح ّدد أيضا أنواع المقوالت الّتي ستكون لنا والبنية الّتي ستتخذها‪ .‬فخصائص الجسد‬
‫ي تسهم في خصوصيّات نسقنا التّصوّري‪ 1.‬فلدينا أعين وآذان تعمل بكيفيّات معيّنة‪ ،‬ولدينا‪ 1‬نسق‬
‫البشر ّ‪1‬‬
‫وإن إمكانيات الحركة لدينا بالطّرق‪1‬‬
‫بصريّ‪ ،‬وخاليا حسّاسة لالتّجاه تم ّكننا من بناء تصوّراتنا الفضائيّة‪ّ .‬‬
‫الّتي ننجزها بها ونتتبّع‪ 1‬حركة أشياء أخرى‪ ،‬تمنح الحركة دورا أساسيّا في بنينة نسقنا التّصوّري‪ 1.‬وقس‬
‫على ذلك مختلف أجهزة بنيتنا الجسديّة‪ ،‬وقوّتنا‪ 1‬العضليّة‪ ،‬ودرجاتها‪ 1‬اإلجهاديّة الممكنة‪ .‬وهي كلّها تسهم في‬
‫تشكيل إمكاناتنا العاديّة في المقولة وفي‪ 1‬بناء التصوّرات‪.‬‬
‫كما ّ‬
‫أن عملية المقولة نفسها قائمة على إسقاط استعار ّ‪1‬‬
‫ي حيث تتص ّور‪ 1‬المقولة حاوية وعناصر‪1‬‬
‫المقولة مادة تحويها‪ 1‬فما كان في الحاوية كان في المقولة‪ ،‬وما كان خارجها كان خارج المقولة‪ .‬ففي مقولة‬
‫النّبات مثال نجد صنف األشجار وضمن األشجار نجد األنواع المختلفة مثل الصنوبريات بأنواعها‪،‬‬
‫والصبّار بأنواعه‪ ،‬فك ّل من هذه األنواع المندرجة ضمن صنف األشجار هي بالضّرورة مندرجة ضمن‬
‫المقولة األعلى وهي النّبات‪.‬‬
‫وهكذا نالحظ أنه حتى في مقولتنا لألشياء واألنشطة واألحداث‪ ،‬فإننا نقوم بإسقاطات استعاريّة‬
‫بخصوص جانب مهم من تجاربنا‪ ،‬تلك التّجارب الّتي ال نفهمها بشكل واضح ودقيق‪ 1.‬ونعتمد في بنينة‬
‫تصوّراتنا األكثر تجريدا على إسقاطات كثيرة من تجربتنا‪ 1‬الحسيّة اإلدراكيّة الّتي تدخل خصوصا ضمن‬
‫تصوّرات‪ 1‬المستويات العليا من المقوالت المباشرة وتصوّرات العالقات الفضائيّة‪.‬‬

‫‪ II -2 -3‬اإلسقاط المفهوم ّي وبناء التّعالقات‬


‫اإلسقاط المفهوم ّي مفهوم أساس ّي في بنينة التّصورات‪ 1‬االستعاريّة " فاألساس في االستعارة إسقاط‬
‫البنية الخطاطيّة في المجال المصدر‪ 1‬على البنية الخطاطيّة في المجال الهدف بوجه يضمن التّناسب بين‬
‫مكوّنات الخطاطتين ويحافظ على التّناسبات الثّابتة بينهما‪ .‬ويو ّجه هذا اإلسقاط شرط الحفاظ على البنية‬
‫الخطاطيّة في المجال الهدف‪ ،‬وذلك بعدم تغييرها أو تحويرها أو تبديلها‪ .‬فخطاطة المجال الهدف تمثّل قيدا‬
‫‪99‬‬
‫يح ّد من امكانيات اإلسقاط فال يكون آليّا عشوائيا ‪ ...‬فالغلبة في اإلسقاط تكون دائما للمجال الهدف"‬
‫فاإلسقاط‪ 1‬التّصوري‪ 1‬يخضع إلى جملة من المبادئ‪ 1‬الّتي تضبط مفهومه وتحكم اشتغاله يمكن أن‬
‫نل ّخصها في النّقاط التّالية‪:‬‬
‫‪ II -2 -3-1‬اإلسقاط قوالب من التّناسبات األنطولوجيّة‬

‫‪ - 99‬الزناد األزهر‪ ،‬نظريات لسانية عرفنية‪،‬ص ‪147‬‬


‫‪46‬‬
‫يهدف التم ّشي االستعار ّ‬
‫ي إلى تحقيق الفهم‪ ،‬فهم الميدان الهدف من خالل الميدان المصدر‪ .‬وهذا‬
‫الفهم يتأسّس على مجموعة من اإلسقاطات فالعناصر الّتي تكوّن الميدان "ب" تتعلّق بتلك العناصر التي‬
‫تكون الميدان "أ" وبعبارة أخرى فعناصر الميدان المصدر‪ 1‬ترسّم عناصر الميدان الهدف‪ .‬فهي قوالب قارة‬
‫من التّناسب االنطولوج ّ‪1‬‬
‫ي ما بين المجاالت‪ .‬وهذه القوالب قد تنطبق على مجال مصدر‪ 1‬لبنية معرفيّة ما‪،‬‬
‫أوعلى مجال مصدر لوحدة معجميّة ما‪ ،‬فتحدث االستعارة وقد ال تنطبق‪ 1‬فال تحدث االستعارة‪ .‬فهو بهذا‬
‫المعنى عند اليكوف‪ ،‬وهو ليس عملية خوازميّة آليّة‪.‬‬
‫فاإلسقاطات‪ 1‬تم ّكن من بيان العناصر المكوّنة للميدان المصدر والميدان الهدف‪ .‬أ ّما عالقة هذه‬
‫أن الثّانية هي مجرّد تج ّل من تجلّيات األولى فنحن نعبّر‬
‫االستعارات‪ 1‬المفهوميّة باالستعارات‪ 1‬اللّغويّة فهي ّ‬
‫لسانيّا بطرق‪ 1‬مختلفة عن هذه االستعارات‪ 1‬المفهوميّة فنعبّر مثال عن استعارة مفهوميّة "الحبّ نار" بتعابير‪1‬‬
‫لسانيّة مختلفة‪:‬‬
‫*يضطرم الفؤاد من الوجد‪.‬‬
‫*أنا أذوب لحرارة هذا الحبّ ‪.‬‬
‫*وهيج حبّك ّ‬
‫يعذبني‪.‬‬
‫*أحرقني‪ 1‬هواك‪.‬‬
‫لذلك يجب أن نفرّق مع العرفنيّين‪ 1‬بين االستعارات‪ 1‬األوّلية الّتي هي استعارات مفهوميّة وبين‬
‫التّجليات اللّسانية‪ .‬فاالستعارة تبنين نظامنا المفهوم ّي‪ ،‬واللّغة هي إحدى اآلليّات الّتي من خاللها تتجلّى‬
‫االستعارة المفهوميّة‪ ،‬أو لنقل مع العرفنيّين االستعارة المفهوميّة طريقة في التّفكير واالستعارة اللّغويّة‬
‫طريقة في الكالم‪.‬‬
‫‪ II -2 -3-2‬اإلسقاط كائن أ ّوال ما بين المستويات العليا في المقوالت بوجه يكون أكثر ثراء وشموليّة‬
‫ليستوعب قدرا أكبر من االمكانيات على مستوى‪ 1‬اإلنجاز اللّغويّ‪ .‬وهو بذلك يمثّل قدرة كامنة ومصدرا‪1‬‬
‫الحب رحلة" يجري اإلسقاط ما بين "رحلة"و "حبّ " فنتعامل‬
‫خصبا لتنويعات إنجازيّة عديدة‪ .‬ففي مثال " ّ‬
‫مع الحبّ بوصفه طريقا‪ .‬والطريق‪ 1‬يمثّل مستوى‪ 1‬أعلى في المقولة يتض ّمن عددا من المقوالت األساسيّة من‬
‫قبيل درب ومسلك وشعب ومسرب ومعبر ‪ ...‬ويم ّكن اإلسقاط ما بين المقوالت العليا من توارد إسقاطات‬
‫جديدة تشملها المقوالت المنضوية تحت المقولة العليا‪ .‬فنتوسّع الستعارات‪ 1‬جديدة من نوع " دروب الحبّ "‬
‫"شعاب الحبّ الصّعبة" " الحبّ عبور إلى السّعادة"‪...‬وتدخل في هذه الباب ما يسميه اليكوف بسلّمية‬
‫اإلرث‬

‫‪47‬‬
‫‪ II -2 -3--2 - 1‬سلّمية اإلرث‪ 100‬حيث " تتع ّدد اإلسقاطات في العبارات االستعاريّة‪ ،‬وتتج ّدد‪ 1‬على‬
‫أساس توسّع بعضها من بعض فتنتظمها‪ 1‬سلّمية ترث بمقتضاها اإلسقاطات ال ّدنيا في السّلمية اإلسقاطات‬
‫العليا فيها"‪ 101‬وهذه السلّمية عند اليكوف تتفرّع إلى ثالثة مستويات‪ :‬أوّالها االستعارات ذات االنتشار‪1‬‬
‫الواسع بين مختلف الثّقافات وعبر مختلف العصور‪ ،‬ثم يتتالى بعدها المستويان الثّاني والثّالث في درجة‬
‫ال ّشيوع واالستعمال‪ .‬فترث االستعارة من المستوى الثّالث بنية االستعارة من المستوى الثّاني‪ .‬وهذه ترث‬
‫بدورها‪ 1‬بنية االستعارة من المستوى‪ 1‬األوّل الّتي يمكن تمثيلها من خالل المثال التّالي ‪:‬‬
‫المستوى‪ 1‬األوّل‪ :‬استعارة‪ :‬البنية الحدث‬
‫المستوى‪ 1‬الثّاني‪ :‬الحبّ نار‬
‫المستوى‪ 1‬الثّالث‪:‬البعد نار ‪ ،‬الشوق يحرق‬
‫‪102‬‬
‫‪ II -2 -3--2 - 2‬البنية الحدثيّة‬
‫تمثل البنية الحدثيّة خطاطة عليا تقوم على تناسبات ثابتة بين مجال المشاعر و بين مجال حسّي‬
‫يتعلق بال ّشعور‪ 1‬بالدفء والحرارة‪ .‬فالمجال الهدف هو مجال العاطفة وال ّشعور‪ .‬والمجال المصدر‪ 1‬هو مجال‬
‫حسّي فيزيائ ّي وهو مجال الحرارة والبرودة والتّناسبات‪ 1‬كما يلي‪:‬‬
‫فالمشاعر‪ 1‬تلتبس بتجربتنا‪ 1‬الجسديّة وتفاعلنا مع المعطيات الفيزيائيّة‪ .‬وهي استعارة أوّلية نرجع في‬
‫تفسيرها إلى نظرية ال ّدمج عند "كريستوفر جونسون"‪ 1031‬بالنّسبة إلى األطفال الصّغار أثناء التعلّم‪،104‬‬
‫فالتجارب‪ّ 1‬‬
‫الذاتية غير الحسيّة الحركيّة واألحكام من جهة‪ ،‬والتجارب‪ 1‬الحسّية الحركيّة من جهة أخرى‬
‫تندمج دوما إلى درجة أنّه في وقت معيّن ال يميّز األطفال بين نوعي التّجارب عندما يظهران معا‪ .‬فتقترن‬
‫الذاتية للعاطفة عند الطفل نمطيّا بالتّجربة الحسّية للدفء‪ .‬ال ّدفء الّذي يحسّ به من يكون‬
‫مثال التّجربة ّ‬
‫مح ّل رعاية وخالل هذه المرحلة التي يسميها جونسون مرحلة ال ّدمج تبنى بصفة طبيعية إسقاطات بين‬
‫المجالين‪ .‬وفي ما بعد خالل مرحلة التّمايز يصير‪ 1‬األطفال قادرين على فصل هذين المجالين أحدهما عن‬
‫اآلخر‪ّ .‬‬
‫لكن اإلسقاطات العابرة للمجالين تظ ّل موروثة‪ .‬هذه اإلسقاطات الموروثة‪ ،‬هي إسقاطات البنية‬
‫الحدث الّتي ستقود هذا الطّفل في حياته في ما بعد إذ يتح ّدث عن " ابتسامة دافئة" أو"مشاعر‪ 1‬باردة " أو‬
‫‪ II -2 -3-3‬عملية اإلسقاط محكومة بمبدأ الثبات ويقيّد الغلبة للمجال الهدف فاإلسقاط يقوم على‬
‫التّناسب بين المجال المصدر‪ 1‬والمجال الهدف الّذي يكون بالحفاظ على األبعاد الطوبولوجيّة في المجال‬

‫‪ 100‬سلمية اإلرث ‪ : Inheritance hierarchy‬من المفاهيم الّتي ط ّورها اليكوف بعد صدور كتاب االستعارات الّتي نحي‪11‬ا‬
‫بها‪ ،‬الّذي نشر في بداية التسعينات (‪ )1992‬عمال مستقال ض ّمنه نظريته المعاصرة لالستعارة عنوانه " النظرية المعاص‪11‬رة‬
‫لالستعارة ‪ " The Contemporary Theory of Metaphor‬وفيه عرض لجملة من التنظيرات الجدي‪11‬دة مث‪11‬ل س‪11‬لّميّة‬
‫اإلرث والبنية الحدثية‪1.‬‬
‫‪ - 101‬الزناد األزهر ‪ ،‬نظريات لسانية عرفنيّة‪ ،‬ص‪149‬‬
‫‪ - 102‬البنية الحدثية ‪ event structure‬نفس المرجع ‪54‬‬
‫‪103‬‬
‫‪Christopher Jonson‬‬
‫‪104‬‬
‫‪- Lakoff ; Johnson;1999 ;pp 50-51‬‬
‫‪48‬‬
‫المصدر‪ 1.‬وهي األبعاد التي تمثّل بنيته الخطاطيّة‪ ،‬ففي مثال "الحبّ رحلة " التّناسب قائم باعتبارنا نتعامل‬
‫مع الحبّ باعتباره رحلة له طريق‪ ،‬وأمكنة‪ ،‬ومحطّات‪ ،‬وبداية ونهاية‪ .‬بمعنى أنّنا نستعمل الميدان المصدر‪1‬‬
‫وهو الرّحلة لفهم الميدان الهدف وهو الحبّ ‪ .‬فتجربة الحبّ تبدأ وتسير‪ 1‬في طريق‪ ،‬وتصل إلى مفترق‪،‬‬
‫وتنتهي‪ 1‬إلى نهاية‪ .‬ولكن مجال الحبّ يحافظ على خصوصيّاته الخطاطيّة فال تطمسها‪ 1‬خصوصيّات‪ 1‬الرّحلة‬
‫من ذلك ما في الحبّ من عواطف متأجّجة‪ ،‬ومشاعر ملتهبة‪ ،‬وهو ما ال يتناسب مع الرّحلة فيمتنع قولنا‬
‫"الرّحلة نار" قياسا‪ 1‬على " الحبّ نار"‪.‬‬
‫‪ II -2 -4‬الح ّد والفهم‬
‫"إن الحديث عن ح ّد التص ّور‪ 1‬هو حديث عن الكيفيّة الّتي يمعجم بها في القواميس وهذا الح ّد حسب‬
‫ّ‬
‫الطّرح التّجريب ّي يختلف كثيرا عن الموقف‪ 1‬المعيار الّذي يطمح أن يكون موضوعيّا‪ 1.‬ولذلك يفترض ّ‬
‫أن‬
‫للتّجارب واألشياء خصائص تالزمها نفهمها كلّيا انطالقا منها‪ .‬والح ّد عند ذوي النّزعة الموضوعيّة هو أن‬
‫نبيّن ماهي هذه الخصائص المالزمة ‪ ...‬وذلك عن طريق إعطاء الشروط‪ 1‬الضروريّة الكافية النطباق‬
‫التّصوّر"‪ 105‬مثال ذلك يمكن التّمييز بين الح ّدين الموضوع ّي والتجريب ّي لتص ّور‪ 1‬الحبّ من خالل هذا‬
‫الجدول‪:‬‬
‫الح ّد التجريبي‬ ‫الح ّد الموضوعي‬ ‫التصور‪/‬الكلمة‬
‫يت ّم من خالل استعارات ع ّدة‪ :‬الحبّ‬ ‫مداخل قاموسيّة تشير إلى العاطفة‪/‬الحنان‪/‬‬ ‫الحبّ‬
‫سفر‪/‬رحلة ‪/‬جنون ‪/‬موت‪..‬الخ‬ ‫التفاني ‪/‬الولع‪ ...‬الخ‬
‫اعتراض الطّرح التّجريبي عن مثل هذا التّحديد يرجع إلى كونه يهمل الطّريقة الّتي يفهم بها النّاس‬
‫ي بين طبيعة الحّد الّذي يضعه اليكوف‪1‬‬
‫تصوّراتهم‪ 1‬من خالل االستعارات‪ 1.‬وعلى هذا يكمن الفرق الجوهر ّ‬
‫وجونسون للتّصورات الّتي تقتضي فهم نوع من التجربة من خالل نوع آخر‪ ،‬وعمل واضعي‪ 1‬القواميس‬
‫أن من الغريب أن نجد أنّه من معاني الحبّ السفر والجنون والموت ‪.‬‬
‫وباقي‪ 1‬المختصين في المعنى ذلك ّ‬
‫إذن فإن كانت الرّؤية الموضوعيّة تنظر إلى حدود التّصورات باعتبارها تخصّص األشياء الّتي‬
‫فإن الرّؤية التّجريبية تهتم بالكيفيّة الّتي يمسك بها البشر التصوّر‪ ،‬كيف‬
‫تكون مالزمة لهذا التص ّور في ذاته ّ‬
‫يفهمونه؟ وكيف يشتغلون ويتصرّفون باعتباره؟‬

‫‪ - 105‬االستعارات التي نحيا بها ‪ ،‬ص ‪130‬‬


‫‪49‬‬
‫الفصل الثّالث‪:‬‬
‫‪50‬‬
‫أنواع اإلستعارات المفهوميّة‬

‫‪ - III‬الفصل الثّالث‪ :‬أنواع االستعارات المفهوميّة‬


‫نحاول من خالل هذا الفصل تبيّن أهم أنواع االستعارة المفهوميّة حسب ما رسمه اليكوف‪1‬‬
‫وجونسون في كتابهما "االستعارات الّتي نحيا بها" وأه ّم التّغييرات الّتي طرأت على هذا التّفريع في ما‬
‫تال ذلك من أبحاثهما خصوصا‪ 1‬في كتابهما المشترك الثّاني "الفلسفة في الجسد"‪ .‬وسنستند‪ 1‬في هذا التّفريع‬
‫إلى معايير ثالثة ‪ :‬أوّال بالنّظر‪ 1‬إلى معيار الوظيفيّة‪ .‬وثانيا بالنّظر في طبيعة البنية االستعاريّة هل هي‬
‫استعارة أوّلية أو معقّدة‪ .‬وثالثا من خالل معيار التواضعيّة ‪.‬‬
‫‪ III -1‬أنواع االستعارات المفهوميّة حسب المعيار الوظيف ّي‬
‫تقسّم االستعارات المفهوميّة حسب المعيار الوظيف ّي طبقا للوظائف العرفنيّة الّتي تنجزها في ما‬
‫تق ّدمه لنا من مفاهيم حول العالم‪ ،‬وما تصوغه من رؤى تتح ّكم في عمليتي المقولة والمفهمة‪ .‬وهي تقسّم‬
‫حسب هذا المعيار إلى ثالثة أنواع‪ :‬االستعارة البنيويّة‪ ،‬واالستعارة االتّجاهية‪ ،‬واالستعارة االنطولوجيّة‬
‫وسنق ّدم‪ 1‬هذا التقسيم مع اإلشارة إلى ما ق ّدمه المؤلفان من توضيحات ومراجعات في طبعة الكتاب الصادرة‬
‫سنة ‪ 2003‬ومن بينها ما راجعاه من تقسيم االستعارات إلى ثالثة أنواع ‪ :‬اتّجاهية وانطولوجيّة وبنيويّة‬
‫أن هذا التّقسيم ال يخلو من تكلّف ذلك ّ‬
‫أن ك ّل االستعارات بنيويّة ( تتر ّسم‪ 1‬فيها بنيات في بنيات‬ ‫مبينين ّ‬

‫‪51‬‬
‫أخرى) وكلّها انطولوجيّة ( تخلق كيانات الميدان الهدف) والعديد منها اتّجاهية ( ترسم خطاطات صور‬
‫اتّجاهية)‪.‬‬
‫‪ III -1 -1‬االستعارة البنيويّة‪:‬‬
‫تتمثّل االستعارة البنيويّ‪11‬ة في أن يُب‪11‬نين تص‪1‬وّر م‪11‬ا اس‪11‬تعاريّا بواس‪11‬طة تص‪ّ 1‬ور‪ 1‬آخ‪11‬ر‪ ،‬مث‪11‬ل اس‪11‬تعارة‬
‫"ال ّزمن مورد"‪ .‬وي‪11‬وفّر المج‪11‬ال المص‪11‬در في ه‪11‬ذا النّ‪11‬وع من االس‪11‬تعارة بني‪11‬ة معرفيّ‪11‬ة ثريّ‪11‬ة نس‪11‬بيّا للمي‪11‬دان‬
‫الهدف‪ ،‬أي أن الوظيفة المعرفيّة له‪11‬ذه االس‪11‬تعارات تم ّكن المتكلّم فهم اله‪11‬دف "س" بواس‪11‬طة بني‪11‬ة المص‪11‬در‬
‫"ص"‪ .‬ويتموضع هذا الفهم بواسطة إسقاطات تصوّرية بين عناص‪11‬ر من "س" وعناص‪11‬ر من "ص" مث‪11‬ال‬
‫العمل مورد فهذه االستعارة تتأسّس على تجربتن‪11‬ا بص‪11‬دد‪ 1‬الم‪11‬وارد الما ّدي‪11‬ة‪ ،‬وبالخص‪11‬وص‪ 1‬الم‪11‬وارد األوّلي‪11‬ة‬
‫وموارد الطّاقة الّتي نستفيد منها في أغراض مح‪ّ 1‬ددة ومتنوّع‪11‬ة‪ .‬وه‪11‬ذه الم‪11‬وارد‪ 1‬الما ّدي‪11‬ة ك‪11‬الوقود مثال يمكن‬
‫تكميمها وإعطاؤها‪ 1‬قيمة ما‪ ،‬ويمكن تحويلها عبر سلسلة إنت‪11‬اج معيّن‪11‬ة‪ ،‬وهي تنف‪11‬ذ باس‪11‬تعمالنا إيّاه‪11‬ا‪ .‬وك‪11‬ذلك‬
‫العمل فحين نصنع منتوجا انطالقا من ما ّدة أوّلية فهذا األم‪11‬ر يتطلّب ق‪11‬درا من العم‪11‬ل يس‪11‬تغرق‪ 1‬وقت‪11‬ا معيّن‪11‬ا‪،‬‬
‫وبقدر ما يكثر العمل يكثر المنتوج‪ ،‬وإنّه باإلمكان أن نسند قيمة للعمل باعتبار ال‪1‬وقت الالّزم لص‪1‬نع وح‪1‬دة‬
‫من هذا المنتوج‪ .‬وهذا المثال يعطينا‪ 1‬أس‪11‬اس اس‪11‬تعارة "العم‪11‬ل م‪11‬ورد"‪ 1‬فتب‪11‬نين ه‪11‬ذه االس‪11‬تعارة البنيويّ‪11‬ة على‬
‫الشكل التّالي ‪:‬‬

‫المجال الهدف‬ ‫المجال المصدر‬


‫العمل‬ ‫المورد المادي‬
‫نوع من النّشاط‬ ‫نوع من الما ّدة‬
‫يمكن تكميمه‪ 1‬عن طريق ال ّزمن‬ ‫يمكن تكميمه‪ 1‬بشكل معيّن‬
‫يمكن أن نسند قيمة لوحداته‬ ‫يمكن أن نسند قيمة لوحداته‬
‫يخدم غرضا نافعا‬ ‫يخدم غرضا نافعا‬
‫ينفذ تدريجا كلّما خدم الغرض المرتبط به‬ ‫ينفذ تدريجا كلّما خدم الغرض المرتبط به‬

‫أن العمل يمكن أن يك ّمم عبر ال ّزمن وهو ما يحصل عادة في المجتمعات الصناعيّة‪ ،‬فّإننا نحص‪1‬ل على‬
‫وبما ّ‬
‫استعارة بنيويّة جدي‪11‬دة وهي "ال‪ّ 1‬زمن م‪11‬ورد"‪ .‬وق‪11‬د انبثقت هات‪11‬ان االس‪11‬تعارتان بص‪11‬ورة طبيعيّ‪11‬ة من ثقافتن‪11‬ا‬
‫وطريقة نظرنا للعمل وبسبب ولعنا بالتّكميم‪ .‬ومن ناحي‪11‬ة أخ‪11‬رى فتص‪1‬وّرنا‪ 1‬للعم‪11‬ل باعتب‪11‬اره نش‪11‬اطا‪ 1‬منتج‪11‬ا‬
‫تقدر قيمته في الوقت الّذي يستغرقه‪ ،‬تبني تصوّرنا لمفهوم آخر وهو وقت الفراغ الّذي أصبح بدوره موردا‬
‫ّ‬
‫أونقس‪11‬مه‪ ،‬أو‬ ‫لالستثمار‪ 1‬فيه‪ ،‬ونعمد بدورنا‪ 1‬لتكميمه وتجزءته‪ ،‬والتصرّف فيه إ ّما ننفقه بحذر‪ ،‬أو نوفّر‪ 1‬منه‪،‬‬
‫نض‪11‬يعه‪ ،‬أو ح‪11‬تى نبيع‪11‬ه باالس‪11‬تمرار‪ 1‬في العم‪11‬ل لس‪11‬اعات زائ‪11‬دة‪ ،‬تخص‪11‬م من وقت فراغن‪11‬ا‪ ،‬ويك‪11‬ون ثمنه‪11‬ا‬

‫‪52‬‬
‫إن ما تخفيه استعارة الما ّدة في العمل وال ّزمن هو كيف يؤثّر تصوّرنا لوقت الف‪11‬راغ فيحوّالن‪11‬ه إلى‬
‫مضاعفا‪ّ .‬‬
‫شيء يشبه العمل‪.‬‬

‫‪ III -1 -2‬االستعارة االتجاهيّة‬


‫تقع االستعارات االتجاهيّة في مركز نسقنا التصوّري فهي الّتي تعطي معنى للفضاء بالنسبة إلينا‪.‬‬
‫مثلما تح ّدد لنا االستدالالت الفضائيّة غير أنّها ال توجد ككيانات في العالم الخارج ّي فنحن ال نرى القرب‬
‫والبعد‪ ،‬إنّما نرى األشياء حيث توجد انطالقا‪ 1‬من معلم معيّن‪ .‬فنسند‪ 1‬لها القرب والبعد‪ .‬ونحن نفرض‬
‫العالقتين "أمام كذا" و"وراء‪ 1‬كذا" على الفضاء بطريقة معقّدة فلنأخذ تصوّر "عبر" فإذا ّ‬
‫جذفت عبر‬
‫ي على نحو مستقيم من زاية بدرجة ‪ 90‬من الضفّة فتكون ّ‬
‫جذفت عبرها بالتّأكيد‪ ،‬وإذا‬ ‫بركة لها شكل دائر ّ‬
‫جذفت من زاوية بدرجة ‪ 45‬فلن يكون مرورك‪ 1‬عبرها واضحا‪ 1‬كالسّابق‪ .‬وإذا ّ‬
‫جذفت انطالقا من زاوية‬ ‫ّ‬
‫بدرجة ‪ 15‬فلن تكون ّ‬
‫جذفت عبرها إطالقا‪ ،‬كما يعتبر "عبر" هنا متنوّعا بالنّظر‪ 1‬إلى شكل المجال المعبور‬
‫وزاوية العبور‪ ،‬كما أنّه يخضع لل ّدرجة‪ .‬إذن ّ‬
‫فإن تصوّرات العالقات الفضائيّة ليست بسيطة أو مباشرة‬
‫‪106‬‬
‫وصريحة كما أنّها تتنوّع إلى ح ّد بعيد من لغة إلى أخرى‬

‫إنّنا نستخدم تصوّرات‪ 1‬العالقات الفضائيّة بصورة الواعية‪ .‬ونفرضها عبر نسقينا اإلدراك ّ‪1‬‬
‫ي‬
‫والتصوّري‪ 1.‬فنحن ندرك كيانا ما بوصفه "في" أو "على" أو "أمام" أو وراء" عبر كيان آخر وفي‪ 1‬إطار‬
‫ي مبن ّي فيها داخليّا‪ .‬وذلك بمقتضى‪ 1‬بنيات الخطاطة الصّورة مثل‬
‫ما‪ .‬وللعالقات الفضائيّة منطق فضائ ّ‪1‬‬
‫خطاطة الحاوية الّتي تكون بنيتها البسيطة على النّحو التّالي داخل وح ّد وخارج وهي بنية جشتلطية‬
‫بمعنى ّ‬
‫أن األجزاء ال معنى لها بدون الك ّل‪ ،‬ال يوجد داخل بدون خارج‪ ،‬وال يوجد خارج بدون داخل‪،‬‬
‫واليوجد خارج بدون ح ّد وبدون داخل‪ ،‬وال يوجد ح ّد بدون الخارج وال ّداخل‪ .‬ولهذه الخطاطات الفضائيّة‬
‫مثل خطاطة "الحاوية" أو "المصدر و المسار والهدف" أو "المركز واألطراف"‪ ...‬خطاطات تفرض‬
‫شروطها واقتضاءاتها على ك ّل ما تتحقّق فيه‪.‬‬

‫واالستعارة االتّجاهية تنظّم نسقا كامال من التّصوّرات المتعالقة‪ .‬وهي تنبع من تجربتنا‪ 1‬الجسديّة‬
‫ومن كوننا لنا أجساد لها هذا ال ّشكل الّذي هي عليه‪ ،‬وكونها تشتغل بهذا ال ّشكل الّذي تشتغل به في محيطنا‬
‫الفيزيائ ّي‪ .‬وهذه االستعارات االتّجاهية تعطي للتّصوّرات‪ 1‬توجّهات فضائيّة كما في التّص ّور‪ 1‬التّالي‪ :‬السّعادة‬
‫فوق‪ 1‬وهذه االستعارة األوّلية هي الّتي تبرّر وجود‪ 1‬تعابير من قبل‪:‬‬
‫أحسّ أنّني في ق ّمة السّعادة‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫‪- Lakoff‬‬ ‫‪; Johnson;1999 ;p 37‬‬
‫‪53‬‬
‫أكاد أطير من الفرح‪.‬‬
‫ارتفعت معنوياتي‪.‬‬
‫في حين ننظر إلى ال ّشقاء تصوّريا على أنّه في األسفل فنجد تعابير من قبل ‪:‬‬
‫إنّه يغوص في الشقاء‪.‬‬
‫أحسّ باالنهيار‪.‬‬
‫لقد نزلت معنوياته‪.‬‬
‫إن االستعارات الفضائيّة تقع في مركز نسقنا التصوّري‪ 1‬فج ّل تصوّراتنا األساسيّة منظّمة تبعا‬
‫ّ‬
‫الستعارة أومجموعة من االستعارات ذات التوجّه الفضائ ّي‪ .‬ولك ّل استعارة نسقيّة داخليّة فاستعارة "السّعادة‬
‫فوق"‪ 1‬تح ّدد نسقا منسجما من االستعارات‪ .‬وتفرض منطقها الداخل ّي على نسقنا التصوّري‪ 1.‬فالنّسق سيفقد‬
‫انسجامه مثال إذا كانت جملة مثل "إنّني في الق ّمة" تعني "أنا سعيد"‪ 1‬في حين تكون جملة من قبل "ارتفعت‬
‫معنوياتي" تعني "أنا حزين"‪ .‬وتق ّدم التّجربة الثّقافيّة والفيزيائيّة العديد من األسس الممكنة الستعارات‬
‫التفضية‪ .‬ولهذا السبب يمكن أن يختلف اختيارها وأه ّميتها‪ 1‬نسبيا من ثقافة إلى أخرى‪.‬‬

‫‪ III -1 -3‬االستعارة األنطولوجيّة‬


‫ّ‬
‫"إن فهم تجاربنا عن طريق األشياء والمواد يسمح باختيار‪ 1‬عناصر‪ 1‬تجربتنا ومعالجتها‪ 1‬باعتبارها‬
‫كيانات معزولة أو باعتبارها مواد من نوع واحد‪ .‬وحين نتم ّكن من تعيين تجاربنا‪ 1‬باعتبارها كيانات‬
‫أومواد‪ 1‬فإنّه يصبح بوسعنا‪ 1‬اإلحالة عليها ومقولتها وتجميعها وتكميمها‪ ، 1‬وبهذا‪ 1‬نعتبرها أشياء تنتمي إلى‬
‫تتيح االستعارة للتّصوير‪ّ 1‬‬
‫الذهني المتواضع‪ 1‬عليه الموجود في المجاالت الحسيّة أن يستخدم في‬ ‫‪107‬‬
‫منطقنا"‬
‫الذاتية‪ .‬فاالستعارات األنطولوجيّة هي االستعارات الّتي تعطينا طرقا‪ 1‬للنّظر إلى األحداث‬
‫مجاالت التّجربة ّ‬
‫واألنشطة والعواطف باعتبارها كيانات ومواد لها وجود‪ .‬وأن نخضعها‪ 1‬إلى التّكميم والتّشخيص واإلحالة‪.‬‬
‫ونبين في الجدول التّالي أمثلة لالستعارات األنطولوجيّة حسب تنويعاتها‪ 1‬في سياقات مختلفة‪:‬‬

‫أمثلة لغويّة‬ ‫أنواع فرعيّة‬ ‫االستعارات األنطولوجيّة‬


‫إنّنا نعمل من أجل الح ّرية‬ ‫أن نحيل‬ ‫استعارة الكيان والمادة‬
‫تتطلب المسؤولية قدرا كبيرا من ال ّشجاعة‬ ‫أن نك ّمم‬
‫لقد تدهور الجانب النّفس ّي من صحته‬ ‫أن نعيّن الجوانب‬

‫‪ - 107‬االستعارات الّتي نحيا بها ‪،‬ص ‪45‬‬


‫‪54‬‬
‫خوفه المفرط سبب قلقه ال ّدائم‬ ‫أن نعيّن األسباب‬
‫إنني أغير أسلوب عملي ألتجاوز ال ّرتابة‬ ‫أن نحد ّد األهداف‬
‫دخلنا فجوة في الغابة‬ ‫المناطق الجغرافية‬ ‫استعارات الوعاء‬
‫صار الهالل في مجال ال ّرؤية‬ ‫مجال الرّؤية‬
‫هل ستكون في السباق (السباق شيء_وعاء)‬ ‫األحداث‬
‫لقد اكتسبت تجربة كبيرة في عملي‬ ‫األعمال‬
‫لقد بذلت طاقة كبيرة في العمل‬ ‫األنشطة‬
‫الحب‬
‫ّ‬ ‫إنه في سعادة ألنه وقع في‬ ‫الحاالت‬
‫لقد خدعتني الحياة‬ ‫وتهم فهم كيانات غير‬ ‫التّشخيص‬
‫لقد أفلسه القمار‬ ‫بشرية أو أشياء من خالل‬
‫تم ّخض الجبل فولد فأرا‬ ‫الكائن البشري وبالتالي‬
‫تنسّب خصائص بشريّة‬
‫لألشياء‬

‫وعلى العموم تسمح لنا االستعارات‪ 1‬األنطولوجيّة برؤية بنية مرسومة بوضوح‪ 1‬أكبر حيث توجد‬
‫بنية مرسومة بوضوح أق ّل أو غير واضحة البتّة‪.‬‬
‫‪ III -2‬أنواع االستعارة المفهوميّة باعتبار طبيعة بنيتها أ ّولية أو معقّدة‬
‫‪108‬‬
‫‪ III -2-1‬االستعارات األوليّة‬
‫االستعارات‪ 1‬األوّلية حسب نظريّة غرادي‪ 109‬الّتي يوردها‪ 1‬اليكوف وجونسون في كتابهما "الفلسفة‬
‫في الجسد" ضمن جملة من النّظريّات الّتي تحل ّل االستعارة األوّلية مكوّنة من أجزاء استعاريّة "ذرّية" ‪.‬‬
‫ولك ّل استعارة أوّلية بنية دنيا‪ .‬وتنشأ طبيعيا بصورة آليّة غير واعية عبر تجربتنا اليوميّة بواسطة ال ّدمج‬
‫الّذي تتك ّون عبره إسقاطات عابرة للمجاالت‪ .‬وتعمل االستعارات األوّلية على تعميق العالقة بين المجال‬
‫المصدر‪ 1‬والمجال الهدف‪ ،‬وبناء محطّات تفاعل بين المجالين‪.‬‬
‫فالتّجارب‪ّ 1‬‬
‫الذاتية غير الحسيّة الحركيّة واألحكام من جهة‪ ،‬والتّجارب‪ 1‬الحسّية الحركيّة من جهة‬
‫أخرى تندمج دوما‪ .‬وقد برهن "كريستوفر جونسون" من خالل بحثه التّجريبي‪ 1‬حول اكتساب االستعارة‬
‫عند األطفال مع أحد األطفال يدعى "شيم" تابع مراحل تط ّور‪ 1‬اكتسابه للّغة‪ ،‬ودوّن ملفوظاته األولى في‬
‫السن الّتي تمكن فيها شيم من امتالك أولى االستعارات األوليّة‪ .‬وتابع‬
‫ّ‬ ‫مدوّنة خاصة محاوال اكتشاف‪1‬‬
‫استعماله للفعل "رأى" وقد افترض ال ّدمج‪ 110‬باعتباره آليّة ممكنة‪ ،‬وقد أراد أن يتأ ّكد هل توجد‪ 1‬فعال مرحلة‬

‫‪108‬‬
‫‪-primary metaphor‬‬
‫‪109‬‬
‫‪-Joe Grady‬‬
‫‪110‬‬
‫‪- conflation‬‬
‫‪55‬‬
‫لل ّدمج سابقة على استعمال االستعارة وكان رائزه في ذلك هو "المعرفة رؤية" كما في " أرى ما تعنيه"‪.‬‬
‫صل‪ 1‬جونسون إلى ّ‬
‫أن شيم قبل استعماله لالستعارة م ّر من مرحلة كانت فيها المعرفة والرؤية مجالين‬ ‫وتو ّ‬
‫مدمجين بما أنّنا نحصل عادة على أغلب معرفتنا من الرّؤية ّ‬
‫فإن اندماج هذين المجالين كان متوقعا‪ .‬إذ‬
‫ينشط في هذا ال ّدمج مجال ال ّرؤية‪ ،‬ومجال المعرفة معا‪ .‬ويستخدم الفعل "عرف" مع الفعل "رأى" في‬
‫سياق تظهر‪ 1‬فيه الرّؤية والمعرفة معا مثال ‪" :‬سنرى‪ 1‬ما في الصندوق‪ " 1‬هنا تندمج رؤية ما في الصندوق‬
‫بمعرفة ما في الصندوق‪ .‬وهذه المرحلة عند "كريستوفر‪ 1‬جونسون" هي مرحلة سابقة في تملّك ّ‬
‫الذهن‬
‫لملكة االستعارة‪ .‬فال ّدمج يم ّكننا من تعلّم االستعارات المفهومية األوّلية‪ .‬ث ّم وفي مرحلة الحقة على تجربة‬
‫ال ّدمج يستطيع‪ 1‬الطّفل أن يميّز بين المجالين المفهوميين‪ .‬بعد ذلك تظهر االستعارة المفهوميّة‪ .‬وبإيجاز‬
‫يفترض جونسون ّ‬
‫أن االستعارة المفهوميّة تنبثق من مرحلتين ‪:‬‬
‫الّتي تقام خاللها ترابطات بين مجالين من ّشطين معا‪ ،‬وال تمارس تجربة المجالين‬ ‫‪111‬‬
‫األولى ‪ :‬مرحلة ال ّدمج‬
‫باعتبارهما منفصلين‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مرحلة التّمايز‪ 112‬ويتمايز‪ 1‬خاللها المجاالن اللّذان ن ّشطا معا‪ ،‬فيكون أحدهما مجاال مصدرا واآلخر‬
‫‪113‬‬
‫مجاال هدفا‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫‪ III -2-2‬االستعارة المعقّدة‬
‫وتتكون االستعارات‪ 1‬المعقّدة بواسطة المزج التصوّري‪ 1.‬وتؤ ّدي التجارب األولى الكلّية إلى حاالت‬
‫دمج كلّية‪ .‬وهي في هذا تتداخل مع نظرية المزج التصوّري‪ 1‬لفوكنييه‪ 115‬وتورنر‪ ،1161‬حيث يمكن لمجالين‬
‫تصوريين متباينين أن يفعّال معا‪ .‬فتتش ّكل ترسيمات عبر المجالين في ظ ّل ظروف‪ 1‬معيّنة مما ينجم عنه‬
‫استدالالت جديدة‪ .‬وهذا المزج التصوّري‪ 1‬قد يكون مألوفا أو جديدا بر ّمته‪ .‬وتتطوّر في ما بعد لتصير‬
‫استعارات تواضعيّة كلّية‪ ،‬أو ذات انتشار‪ 1‬كبير‪ ،‬وهي استعارات المستوى‪ 1‬األول‪ ،‬استعارات البنية الحدث‬
‫الّتي رأيناها في تحليلنا لسلميّة اإلرث في االسقاط االستعاري‪ 1.‬ويرى اليكوف ّ‬
‫أن المزج التواضع ّي‬
‫المألوف‪ 1‬هو تلك اآلليّة الّتي يمكن أن تُجمع بها استعارتان‪ 1‬أوّليتــــان أوأكثر من أجل تكوين استعارات‬
‫الذرات الّتي يمكن تجميعها من أجل خلق جزيئات‪ .‬كما ّ‬
‫أن عددا‬ ‫أوسع وأعقد‪" .‬فاالستعارات األوّلية مثل ّ‬
‫هائال من هذه االستعارات المعقّدة والجزيئيّة مستقرّ‪ ،‬وتم التواضع بشأنه‪ ،‬وهو مرسّخ عبر مراحل طويلة‬
‫من ال ّزمن‪ .‬وتش ّكل هذه االستعارات جزءا هائال من نسقنا التصوّري‪ .‬وتؤثّر في الطّريقة الّتي نمارس بها‬
‫تفكيرنا‪ .‬وعالوة على هذا فهي تبنين أحالمنا‪ .‬وتألّف أسس تأليفات استعاريّة جديدة‪".‬‬
‫‪117‬‬

‫‪111‬‬
‫‪- conflation stage‬‬
‫‪112‬‬
‫‪- the differentiation stage‬‬
‫‪113‬‬
‫‪- Lakoff ; Johnson ;1999 ;p52‬‬
‫‪114‬‬
‫‪-complex Metaphor‬‬
‫‪115‬‬
‫‪- Gilles Fauconnier‬‬
‫‪116‬‬
‫‪- Mark Turner‬‬
‫‪117‬‬
‫‪- Lakoff ; Johnson ; 1999 ;p 63‬‬
‫‪56‬‬
‫وتنشأ‪ 1‬االستعارات المعقّدة بواسطة ال ّدمج بين االستعارات األوّلية مثال‪:‬‬
‫* الحياة الهادفة رحلة‬
‫أن النّاس بموجبه لهم هدف في الحياة‪ ،‬وإن كنت بال‬
‫في ثقافتنا هناك نموذج عميق األثر يفترض ّ‬
‫هدف فهذا يعني أنّك ضائع وضال وال اتجاه لك في الحياة‪ .‬وإذا كان لك هدف وغايات‪ ،‬فهذا يتطلّب منك‬
‫التّخطيط‪ ،‬وتحديد‪ 1‬المراحل‪ ،‬وتوفير األسباب الّتي تقودك لهدفك‪ ،‬وتوقّع‪ 1‬ما يمكن أن يعترضك من عوائق‪.‬‬
‫وحصيلة ك ّل هذا استعارة معقّدة وهي "الحياة الهادفة رحلة " وهي استعارة تنشأ من تعالق عدد من‬
‫االستعارات‪ 1‬األوّلية يمكن أن نبينها كالتّالي‪:‬‬
‫وتبدأ بالمعتقد الثّقافي ‪ :‬يفترض أن للنّاس غايات في الحياة ويفترض أنهم يعملون من أجل بلوغ هذه‬
‫الغايات‪.‬االستعارتان األوليتان هما ‪:‬‬
‫* األعمال حركات‬ ‫* الغايات وجهات‬
‫إذا حوّلنا هذا إلى صيغة استعاريّة من هذا المعتقد الثّقاف ّي حصلنا على ما يلي‪:‬‬

‫يفترض ّ‬
‫أن للناس وجهات نظر في الحياة‪ ،‬ويفترض أنهم يتحرّكون من أجل بلوغ هذه الوجهات‪.‬‬
‫وهذا يتألّف مع واقعة بسيطة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫السفر الطّويل المتكوّن من مراحل عبارة عن رحلة‪ .‬وعندما نأخذ ك ّل هذه األشياء‪ ،‬ونضعها مع بعضها‪1‬‬
‫ي معقّد‪" :‬الحياة الهادفة رحلة" الّتي يمكن أن نعبّر عنها من خالل االسقاطات‬
‫نحصل على إسقاط استعار ّ‬
‫االستعارية التالية‪:‬‬
‫الحياة الهادفة‬ ‫الرّحلة‬
‫الشخص الح ّي‬ ‫المسافر‪1‬‬
‫أهداف الحياة‬ ‫الوجهات‬
‫خطّة الحياة‬ ‫خطّة الرّحلة‬

‫تح ّدد هذه اإلسقاطات استعارة معقّدة تتكوّن من أربع استعارات فرعيّة أوالها ناتجة عن المعتقد‬
‫الثّقاف ّي الّذي يفترض ّ‬
‫أن ك ّل شخص له هدف وغاية في الحياة‪ .‬وعن االستعارتين األوّليتين "الغايات‬
‫وجهات" و"العمل حركات"‪ ،‬ورابعا كون السفر الطويل المتك ّون من سلسلة من الوجهات عبارة عن‬
‫رحلة‪ .‬وتنشأ‪ 1‬أهمية هذه االستعارات‪ 1‬من اقتضاءاتها‪ 1‬النّاتجة عن معرفتنا‪ 1‬الثّقافيّة ال ّشائعة عن الرّحالت‬
‫وخاصة‪:‬‬
‫‪57‬‬
‫* تتطلّب الرّحلة خطّة طريق تقودك إلى وجهاتك‪.‬‬
‫* توقّع صعوبات‪ 1‬وعراقيل عليك محاولة استباقها‪1.‬‬
‫*عليك أن تتزوّد بما تحتاجه في رحلتك‪.‬‬
‫* تحديد مسار الرّحلة‪ ،‬وتوقيت‪ 1‬كل مرحلة‪ ،‬وأ ّ‬
‫ي الطرق يجب أن تسلك من خالل االمكانيات المتاحة‪.‬‬
‫إن هذه التّرسيمات الّتي يبرزها‪ 1‬اإلسقاط االستعار ّ‬
‫ي بما تنطوي عليه من هذه االقتضاءات تحوّل‬ ‫ّ‬
‫هذه المعرفة حول السفر إلى دليل للحياة‪ .‬ويش ّكل نسق االستعارات‪ 1‬األوّلية والمعقّدة جزءا من الالّوعي‬
‫العرفن ّي‪ 1،‬وفي أغلب األحيان النصل إليه مباشرة‪ ،‬وال نتح ّكم في استعماله‪ ،‬وال نراقبه‪.‬‬

‫‪ III -3‬أنواع االستعارات حسب مقياس التّواضعيّة‬


‫يمكن تقسيم االستعارات حسب درجة التّواضعيّة‪ ،‬فهناك استعارات مترسّخة شاملة االستعمال في‬
‫االستخدام‪ 1‬اليوم ّي للنّاس العاديين في أغراضهم‪ 1.‬وهناك استعارات مفهوميّة حادثة جديدة تتحقّق عنها‬
‫تعابير‪ 1‬لغويّة غير مألوفة‪.‬‬

‫‪ III -3-1‬االستعارات عالية التّواضع‬


‫وهي االستعارات المترسّخة في االستعمال الجماعي للّغة‪ .‬وتنبع أيضا من استعارات مفهوميّة‬
‫عالية التّواضع‪ .‬وهذه بعض األمثلة لهذه االستعارات وما يقابلها من تجلّيات لغويّة‪:‬‬
‫مثال لتجلّيها في اللّغة‬ ‫االستعارات المفهوميّة‬
‫لقد دافعت عن حجّتي‬ ‫الجدال حرب‬
‫نحن مع بعض إلى نهاية الطريق‬ ‫الحبّ سفر‬
‫هذه النّظريّة لها أساس قوي‬ ‫النّظريّات بنايات‬
‫يستحق أبو مازن‪ ٬‬كل الثقة التي عبر عنها الفلسطينيون‬ ‫األفكار غذاء‬
‫الطبيعيون‪..... ٬‬فهو ال يخادع وال يبتلع الفكرة وال‬
‫‪118‬‬
‫يقضمها‪.‬‬
‫المؤسسة تنمو بسرعة‬ ‫التّنظيم االجتماع ّي نباتات‬

‫‪ III -3-2‬االستعارات الجديدة‬


‫وإلى جانب االستعارات‪ 1‬عالية التّواضع هناك استعارات جديدة تتحقّق عنها تعابير لغويّة غير‬
‫مألوفة االستعمال ومبتكرة‪ .‬فالحبّ مثال الّذي نفهمه من خالل استعارات تصوّرية عالية التّواضع‪ 1‬مثل‬

‫‪118‬‬
‫‪http://www.amin.org/Print.php?t=opinion&id=13156‬‬
‫‪58‬‬
‫"الحب سفر" "الحب جنون" وهي عالية التّواضع و شائعة في عديد الثّقافات‪ ،‬ولكن قد تخرج االستعارة‬
‫عن هذه المصادر‪ 1‬التصوّرية المألوفة حيث توظّف مجاالت مصدر أق ّل وضعية مثل ما أورده اليكوف‬
‫وجونسون عن االستعارة المفهوميّة غير الوضعيّة "الحب عمل فن ّي مشترك"‪ 1191‬وهي استعارات مبدعة‬
‫تتجلى أكثر في اللّغة الشعريّة واألدبيّة وتفتح مجاالت رؤيا‪ 1‬جديدة‪.‬‬

‫خاتمة الباب األ ّول‬


‫تع ّد نظريّة االستعارة المفهوميّة واحدة من األطر النظريّة المب ّكرة المطوّرة ضمن ال ّداللة العرفنيّ‪11‬ة‬
‫ي المب ّكر لهذه المقاربة للعالقة بين اللّغة‪ّ ،‬‬
‫والذهن‪ ،‬والتّجربة المجس‪11‬دنة‪.‬‬ ‫الّتي وفّرت الكثير من الزخم النظر ّ‬
‫ومفاد المق ّدمة األساسيّة لنظريّة االستعارة المفهوميّة أن االستعارة ليست مجرّد مظهر‪ 1‬أس‪11‬لوب ّي للّغ‪11‬ة‪ ،‬ولكن‬
‫ي بشكل أساس ّي وطبيع ّي على عكس النّظريّات القديمة الّ‪11‬تي ك‪11‬انت تعت‪11‬بر‪ّ 1‬‬
‫أن االس‪11‬تعارة‬ ‫الفكر نفسه استعار ّ‪1‬‬
‫ي للّغ‪11‬ة‪ .‬وتق‪11‬وم‪ 1‬النظريّ‪11‬ة على ح‪11‬وار نق‪11‬د ّ‬
‫ي م‪11‬ع‬ ‫من مقوّمات اللّغة ال ّشعرية ومنافية لالستعمال العاد ّ‬
‫ي الي‪11‬وم ّ‪1‬‬
‫إرث لغ‪11‬ويّ‪ ،‬وبالغ ّي‪ ،‬وفلس‪11‬ف ّي‪ .‬وتمثّ‪11‬ل مراجع‪11‬ات جوهريّ‪11‬ة لجمل‪11‬ة من المب‪11‬ادئ والمرتك‪11‬زات األساس ‪1‬يّة‬
‫الذات العارفة بتمثّ‪11‬ل الع‪11‬الم والوج‪11‬ود‪ .‬وق‪11‬د أع‪11‬ادت النّظ‪11‬ر في مس‪11‬ائل‬
‫لتص ّور‪ 1‬المعرفة‪ ،‬والتّجربة‪ ،‬ولعالقة ّ‬
‫تتعلّق بإدراك الواقع‪ .‬وعملت على تقديم أجوبة جديدة عن ماهية اإلنسان‪ ،‬وماهية ّ‬
‫الذهن‪ ،‬وطبيعة العقل‪.‬‬

‫و تؤسّس نظريّة االستعارة المفهوميّ‪11‬ة لمنهج جدي‪11‬د ت‪11‬أليفي في الفك‪11‬ر الفلس‪11‬ف ّي‪ ،‬يتم‪11‬اهى م‪11‬ع حقيق‪11‬ة‬
‫إدراكنا للواقع والوجود انطالقا‪ 1‬من تجاربنا‪ 1‬في العالم‪ ،‬وإعادة االعتبار للجسد‪ ،‬وس ‪ّ 1‬د الفج‪11‬وة ال ّديكارتي‪11‬ة في‬
‫الفص‪11‬ل المطل‪11‬ق بين العق‪11‬ل المتع‪11‬الي والجس‪11‬د المف‪11‬ارق‪ ،‬والمغيّب عن تحص‪11‬يل المعرف‪11‬ة‪ .‬ويُنظّ‪11‬ر المؤلف‪11‬ان‬
‫إلعادة االعتبار للجسد انطالقا‪ 1‬من مدخل االستعارة باعتبارها طريقة في التّفكير تجمع بين متطلّبات العق‪11‬ل‬
‫في المقولة واالقتضاء ث ّم االستدالل‪ ،‬واألبعاد ّ‬
‫الذاتية والخيال ودوره في بناء تصوّر مجال من خالل مج‪11‬ال‬
‫آخر‪ .‬ويق ّدمانها على أنّها الملكة ّ‬
‫الذهنية األقوى المؤهّلة لالبتكار‪ 1.‬فهي وحدها تمتلك الحرّية للتّحلي‪11‬ق بعي‪11‬دا‬

‫‪ - 119‬االستعارات الّتي نحيا بها‪ ،‬ص ‪145‬‬


‫‪59‬‬
‫الذهني‪11‬ة غ‪11‬ير االس‪11‬تعاريّة الّ‪11‬تي تعيش حال‪11‬ة من التّبعي‪11‬ة للواق‪11‬ع‪.‬‬
‫عن أس‪11‬وار‪ 1‬الواق‪11‬ع على عكس الملك‪11‬ات ّ‬
‫فاالستعارة تمثّل بصورة الواعية قدرات البشر العظيمة في تعقّل العالم والوجود‪.‬‬

‫ويدافع‪ 1‬اليكوف وجونس‪11‬ون عن فرض‪1‬يّة الجس‪11‬دنة الّ‪11‬تي تح‪11‬اول أن تثبت ّ‬


‫أن األذه‪1‬ان ليس‪1‬ت بص‪11‬فة‬
‫جوهريّة عمليات حوسبيّة غير متجسّدة مثل برنامج الحاسوب‪ .‬ولكنّها‪ 1‬تنشأ بدال من ذلك‪ ،‬وتقيّ‪11‬د ب‪11‬أنواع من‬
‫التّنظيم‪ 1‬المنعكس في الخصائص البيولوجيّ‪11‬ة‪ ،‬والتش‪11‬ريحيّة‪ ،‬والكيميائيّ‪11‬ة الحيويّ‪11‬ة‪ ،‬والفيزيولوجيّ‪11‬ة العص‪11‬بيّة‬
‫ي أنّ‪1‬ه ال وج‪11‬ود لملك‪1‬ة العق‪11‬ل مس‪1‬تقلّة تمام‪11‬ا‪،‬‬
‫للجسد وال ّدماغ‪ .‬ولقد بّينت البراهين المس‪11‬تم ّدة من العلم العرف‪1‬ن ّ‪1‬‬
‫وغير مرتبطة بقدراتنا الجسديّة مثل اإلدراك والحركة‪ .‬وأتاح العلم العرفن ّي جوابا جديدا وهاما على قض ‪1‬يّة‬
‫فلسفيّة قديمة‪ ،‬وهي قضيّة الواقع وكيف‪ 1‬نتمكن من معرفته‪ .‬ويتمثّل‪ 1‬في ّ‬
‫أن إحساسنا بالواقع‪ 1‬يبتدئ بأجس‪11‬ادنا‪1‬‬
‫ويتوقّف‪ 1‬عليها بشكل حاسم‪ ،‬وبخاصة جهازنا الحس ّي الحرك ّي الّذي يمكننا من اإلدراك والتح ‪1‬رّك ومعالج‪11‬ة‬
‫األشياء‪ ،‬وبالبنيات المفصّلة ألذهاننا الّتي ش ّكلها التط ّور‪ 1‬والتّجربة معا‪.‬‬

‫ويق ّدم اليكوف‪ 1‬وجونسون في كتابهما " االستعارات الّتي نحيا بها" رؤية تأليفيّة تجم‪11‬ع بين النّزع‪11‬ة‬
‫الموضوعيّة والنزعة ّ‬
‫الذاتية‪ ،‬ت‪11‬رفض من ناحي‪11‬ة م‪1‬ا تفترض‪1‬ه النّزع‪1‬ة الموض‪11‬وعيّة من اس‪11‬تناد مطل‪1‬ق على‬
‫الذاتي‪1‬ة للص‪1‬دق‪ 1‬الّ‪1‬تي تق‪1‬ول إنّ‪1‬ه‬
‫مفهوم الصّدق‪ ،‬حيث ال وجود‪ 1‬لصدق مطلق‪ ،‬كذلك دون أن تتبنّى المقارب‪1‬ة ّ‬
‫صل‪ 1‬إليه إالّ عبر الخيال الّذي ال تقيّده ظروف خارجيّ‪11‬ة‪ .‬فالمقارب‪11‬ة التجريبيّ‪11‬ة الّ‪11‬تي يقترحه‪11‬ا المؤلف‪11‬ان‬
‫اليتو ّ‬
‫أن الصّدق أمر نسب ّي باعتبار الفهم‪ .‬وهذا يعني أنّه ال توجد وجهة نظر مطلقة‪ ،‬بل ّ‬
‫إن كل رؤي‪11‬ة‪،‬‬ ‫تقوم على ّ‬
‫ي الّذي يرتك‪1‬ز‪ 1‬على تجاربن‪1‬ا‪ ،‬وتفاعلن‪1‬ا الي‪1‬وم ّي م‪1‬ع‬
‫وك ّل تحديد لألشياء هو باألساس حصيلة نسقنا التصوّر ّ‪1‬‬
‫ي والثقاف ّي‪ 1.‬وال تنفي الرّؤية التجريبيّة الموض‪1‬وعيّة تمام‪1‬ا ب‪1‬ل تق‪ّ 1‬ر بوج‪1‬ود موض‪1‬وعيّة نس‪1‬بيّة‬
‫محيطنا‪ 1‬الماد ّ‬
‫بالنّظر‪ 1‬إلى النّسق التصوّري‪ 1‬لثقاف‪1‬ة م‪11‬ا تح‪ّ 1‬دد نموذج‪1‬ا معياريّ‪11‬ا للتص‪1‬وّرات والقيم داخ‪11‬ل مجتمع‪1‬ات معيّن‪11‬ة‪.‬‬
‫ويعتبر‪ 1‬المؤلفان نظريّ‪11‬ة االس‪11‬تعارة بحث‪11‬ا فرعيّ‪11‬ا رئيس‪1‬يّا‪ 1‬في اللّس‪11‬انيات العرفنيّ‪11‬ة‪ .‬يس‪11‬عى إلى وض‪11‬ع أس‪11‬س‬
‫والذهن‪ .‬وتتناول اللّسانيات العرفنيّة كم‪11‬ا عن‪11‬د‬
‫تفسيريّة لألنساق التّصوّرية واللّغة في ال ّدراسة العامة لل ّدماغ ّ‬
‫اليكوف‪ 1‬وجونسون سيرورات الرّموز‪ 1‬والعالقات التمثيليّة بينها‪ .‬وهي بذلك تختلف عن ما كان سائدا في ما‬
‫ي حيث تفص‪11‬ل المقارب‪11‬ة الص‪11‬وريّة الرّم‪11‬وز‪ 1‬عن معانيه‪11‬ا كي‬
‫يسميه اليك‪11‬وف الجي‪11‬ل األوّل من العلم العرف‪11‬ن ّ‪1‬‬
‫تتم ّكن من الرص‪11‬د العلم ّي لمعالج‪11‬ة المعلوم‪11‬ات‪ .‬وتح‪11‬اول‪ 1‬اللّس‪11‬انيات العرفنيّ‪11‬ة تج‪11‬اوز ال ّدراس‪11‬ات التّركيبي‪11‬ة‬
‫ّ‬
‫لتؤس ‪1‬س في‬ ‫والشكليّة الّتي كانت سائدة خصوصا مع التوليديّة‪ .‬وقد وجّهت لها انتقادات قويّة بإهمال المعنى‬
‫النهاية لنظريّة في المعنى‪ .‬فمعالجة المعلوم‪11‬ات ينبغي أن تك‪11‬ون ذات دالل‪1‬ة كي تك‪11‬ون ذات فائ‪11‬دة‪ ،‬ودراس‪11‬ة‬
‫االستعارة هي في مركز‪ 1‬النّظرية ال ّداللية العرفنيّة‪.‬‬
‫وير ّكز‪ 1‬المؤلفان بحثهما حول صياغة نظريّة تجريبيّة للنّسق التصوّري‪ 1.‬وذلك رغم اعترافهم‪11‬ا ّ‬
‫أن‬
‫نسقنا التصوّري‪ 1‬ليس من األشياء الّتي نعيها بش‪11‬كل ع‪11‬اد ّ‬
‫ي إالّ أنهم‪11‬ا ح‪11‬اوال بن‪11‬اء نظريّ‪11‬ة كافي‪11‬ة انطالق‪11‬ا من‬
‫‪60‬‬
‫حاالت نموذجيّة واعتماد على معطيات اللّغة اليوميّة الّتي تع ّد حسبهما‪ 1‬مص‪11‬درا مه ّم‪11‬ا للبرهن‪11‬ة على الكيفيّ‪11‬ة‬
‫الّ‪11‬تي يش‪11‬تغل به‪11‬ا ه‪11‬ذا النّس‪11‬ق‪ .‬وعلى ه‪11‬ذه النّظري‪11‬ة كي تك‪11‬ون كافي‪11‬ة أن ترص‪11‬د الكيفيّ‪11‬ة الّ‪11‬تي ّ‬
‫تتأس‪1‬س به‪11‬ا‬
‫التّصوّرات‪ ،‬وتبنين بها‪ ،‬وتتعالق‪ 1‬في ما بينها‪ ،‬وتح ّد بها ‪.‬‬

‫وقد‪ 1‬فتحت نظريّة االستعارة المفهوميّة سبيال جديدة لل ّدراس‪11‬ات اللّس‪11‬انية في مج‪11‬ال تحلي‪11‬ل الخط‪11‬اب‬
‫على أساس هذه الرّؤية الجديدة للكشف عن تش ّكل المعنى وس‪11‬يرورة بنائ‪11‬ه من خالل التّص‪11‬وير االس‪11‬تعار ّ‬
‫ي‬
‫الذهن في تأثّر مباشر بتجربتنا‪ 1‬المجسدنة في الكون وفي استثمار لحصيلة‬
‫الّذي يع ّد آليّة مركزية في اشتغال ّ‬
‫معارفنا المختلفة‪ .‬وسنحاول‪ 1‬من خالل الباب الثّاني أن نجري بحثن‪11‬ا ح‪11‬ول تص‪ّ 1‬ور‪ 1‬اإلره‪11‬اب في م‪11‬داخالت‬
‫"مجلس نوّاب ّ‬
‫الش‪1‬عب" من خالل رص‪1‬د أهم االس‪1‬تعارات الفاعل‪1‬ة في بنين‪1‬ة ه‪1‬ذا التّص‪1‬وّر لننظ‪1‬ر في م‪1‬دى‬
‫نجاعة اآلليات االجرائيّة الّتي تم ّكننا منها هذه النظريّ‪11‬ة؟ وم‪11‬اهي النّت‪11‬ائج الّ‪11‬تي تفي‪11‬دنا به‪11‬ا؟ وم‪11‬ا هي اآلف‪11‬اق‪1‬‬
‫الجديدة الّتي تفتحها أم‪11‬ام ال ّدراس‪11‬ات ال ّداللي‪11‬ة وتحلي‪11‬ل الخط‪11‬اب؟ وإلى أ ّ‬
‫ي ح‪ّ 1‬د تم ّكنن‪11‬ا من النّف‪11‬اذ إلى طبيع ة‬
‫مثلت االستعارة مدارا‬ ‫الذهنية‪ ،‬وفي أبعاده القصيّة غير الواعية؟ وكيف ّ‬ ‫اشتغال العقل السياسيّ في خلفياته ّ‬
‫لصراع ال ّدالالت وتعدد التأويالت في إط ار خط اب سياس يّ ج داليّ مخص وص؟ وكي ف بنت االس تعارة‬
‫المفهوم من خالل تعد ّد اإلسقاطات ومن زوايا نظرمختلفة تتآلف ضمن مناويل عرفنيّة مؤمثلة؟‬

‫الباب الثّاني‬

‫‪61‬‬
‫تص ّور اإلرهاب في مداخالت مجلس ن ّواب الشّعب‬

‫مقدّمة الباب الثّاني‪:‬‬

‫نبحث في هذا الباب تصوّر اإلرهاب من خالل مداخالت نوّاب "مجلس نوّاب ال ّشعب"‪ ،‬مستغلّين‬
‫العمليّات اإلجرائيّة الّتي تتيحها آليّات نظريّة االستعارة المفهوميّة‪ .‬وهي محاولة لالستفادة من النظريّات‪1‬‬
‫اللّسانية الحديثة في توسيع الرّؤية في مجال ال ّدراسات ال ّداللية‪ ،‬واستغالل‪ 1‬األدوات الجديدة في التّحليل‬
‫اللّساني‪ .‬تأخذ بعين االعتبار مختلف األبعاد النفسيّة‪ ،‬واالجتماعيّة‪ ،‬واالنتروبولوجيّة‪ ،‬المتداخلة في إنتاج‬
‫ال ّداللة‪ .‬وإجراء ذلك على مدوّنة تتمثّل في خطاب سياس ّي مخصوص من حيث صدوره عن السلطة‬
‫التّشريعيّة المسؤولة باألساس عن تحويل الخطاب إلى سياسات نافذة و قوانين‪ ،‬أي ذلك الخطاب الّذي‬
‫يمتلك في ح ّد ذاته قوّة إنجازيّة من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية ما يمتلكه من قدرة على توجيه الرّأي العا ّم‬
‫وصناعته‪ .‬وسنعتني‪ 1‬بدراسة االستعارات‪ 1‬الّتي صاغ بها النّواب خطاباتهم‪ 1‬عن اإلرهاب‪ ،‬وطرحوا فيها‬
‫وجهات نظرهم باعتبارها مكوّنا‪ 1‬مركزيّا من مكوّنات ّ‬
‫الذهن‪ ،‬وأداة جوهريّة في نسق الفكر في إدراك‬
‫الوجود‪ ،‬وتصوّر العالم‪ ،‬واألشياء‪ ،‬والظواهر وتمثّلها‪ 1.‬وباعتبارها عمليّة عرفنيّة مركزيّة في اشتغال‬
‫الذهن‪ ،‬تقوم على أساس تمثّل مجال على أساس مجال آخر‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪62‬‬
‫ونحاول‪ 1‬اإلجابة عن سؤال مركزيّ‪ :‬هل ينبع هذا التصوّر من بنى ذهنيّة متع ّددة‪ ،‬ومختلفة‪،‬‬
‫ومحكومة باالنتماءات اإليديولوجيّة‪ ،‬والتوجّهات السياسيّة‪ ،‬واالختالف‪ 1‬الجزئ ّي للبيئات االجتماعيّة‪،‬‬
‫والثقافيّة‪ ،‬والجهويّة‪ ،‬والمسارات‪ 1‬التعليميّة‪ ،‬والتّجارب المعيشة للنوّاب أفرادً؟ أم أنّها تنبع من بنية نسقيّة‬
‫ذهنيّة عليا تحكمها خطاطات عرفنيّة تجعلهم رغم كل التّناقضات‪ 1‬الفكريّة‪ ،‬واالختالفات الجزئيّة والفرديّة‬
‫القائمة بينهم يف ّكرون‪ ،‬ويستقرئون‪ ،‬ويستدلّون‪ ،‬ويبنون تصوراتهم وفقها‪.‬‬
‫فاالستعارة ليست ظاهرة لغويّة فحسب بل هي عمليّة تفاعل ذهن ّي بين مجاالت مختلفة‪ .‬ففي الغالب‬
‫نتعامل مع المفاهيم‪ ،‬واألفكار‪ ،‬من خالل معرفتنا‪ 1‬بالمجاالت الما ّدية هذا من ناحية‪ .‬و يبدو‪ 1‬من ناحية أخرى‬
‫أن أفكارنا وتصوّراتنا ليست خلوّا من الجسد باعتبارها‪ 1‬أفكارا يحكمها جهاز مجرّد متعال‪ .‬بل إنّها متجسّدة‬
‫ّ‬
‫بسبل متنوّعة حيث تتمثّل األفكار والتص ّورات في مجازات تقوم على أساس التّجربة الما ّدية في بنيتها وفي‪1‬‬
‫منطقها‪.‬‬
‫سننظر‪ 1‬في هذه المبادئ األساسيّة‪ .‬وسنقيم تحليلنا على طبيعة االستعارات وبنيتها‪ .‬وسنبحث في‬
‫تص ّور‪ 1‬اإلرهاب من خالل سياقاته المختلفة في مداخالت النّواب من حيث أسسه‪ ،‬وكيفيّة بَنيَنته‪ ،‬والتّعالقات‬
‫الناشئة بين مختلف االستعارات‪ 1‬ال ُمبنينة له‪ .‬لنكشف عن عناصر االنسجام فيه‪ .‬و لنبحث عن إجابة لسؤال‬
‫ي وهو هل يمكن ّ‬
‫للذهن أن يدرك التص ّور‪ 1‬مفصوال عن استعارته؟‬ ‫مركز ّ‪1‬‬
‫ي ح ّد تَبني االستعارات البنية الحجاجيّة للخطاب؟ وتمثّل نوعا من العوازل المطاطيّة الّتي‬
‫وإلى أ ّ‬
‫تحتمي بها األطروحات المتضاربة للتّخفيف من احتداد الصّدام النّاتج عن الجّدال الفكر ّ‬
‫ي ‪-‬الذي يصل ح ّد‬
‫الصّراع أحيانا‪ -‬لو ت ّم بطريقة حرفيّة مباشرة وجافة‪ ،‬باإلضافة إلى ما تحمله الصيغ االستعاريّة من مرونة‬
‫في الفهم والتّأويل‪ ،‬مما يسهّل تغيير االستراتيجيّات داخل الخطاب‪ ،‬خاصة الخطاب السياس ّي الّذي هو‬
‫خطاب جدال ّي باألساس يترك الباب وراءه دائما مواربا‪.‬‬
‫وسننطلق في هذا الباب الثّاني من أه ّم ما استخلصناه من دراستنا ألسس نظريّة االستعارة‬
‫المفهوميّة ومبادئها‪ ،‬وم ّما توفّره من جهاز اجرائ ّي وآليّات اشتغال تجريبيّة‪ .‬لنجريها في بحثنا حول تصوّر‬
‫اإلرهاب في مداخالت نوّاب " مجلس نوّاب الشعب"‪ ،‬لنستخلص من ذلك كلّه ح ّد التصوّر‪ ،‬وطريقة تش ّكله‬
‫وفهمه‪ .‬وسنق ّدم في البداية المدوّنة الّتي اشتغلنا عليها وسياقاتها‪ 1‬التّاريخية المخصوصة‪ .‬ثم سنعرض في‬
‫الفصل األوّل ألهم االستعارات المفهوميّة لتص ّور‪ 1‬اإلرهاب مع بيان درجات تواترها‪ 1‬وتكرارها‪ 1.‬ونبحث‬
‫في تأسّس هذه التصوّر‪ ،‬وكيفيّة بَنينته االستعاريّة‪ ،‬والخطاطات‪ 1‬المتح ّكمة في سيرورته‪ .‬وسنتعرّض أثناء‬
‫ذلك إلى بيان أنواع استعارات تص ّور‪ 1‬اإلرهاب من حيث معيار الوظيفة العرفنيّة (بنيويّة أو اتّجاهية‬
‫أوانطولوجيّة)‪ .‬وباعتبار طبيعة البنية االستعاريّة من حيث هي استعارات أوّلية أو معقّدة‪ .‬و بالنّظر أيضا‬
‫في درجة تواضعيتها‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫وسنبحث في الفصل الثّاني كيف كانت االستعارة مدارا لصراع ال ّدالالت وتع ّدد التأويالت؟ وكيف‬
‫ساهمت في بناء األطروحات‪ 1‬الحجاجيّة وتحقيق انسجامها ال ّداخلي؟ وكيف بنت وجهات النّظر المتقابلة‬
‫ود ّعمت قوّتها اإلقناعيّة ؟ لنخلص في الفصل الثّالث إلى البحث في مسألة الح ّد‪ ،‬والفهم‪ ،‬والتّأويل من‬
‫خالل الرّؤية التجريبيّة‪ .‬ولننظر في أسئلة تطرحها‪ 1‬سيرورة البحث من نوع ما عالقة التصوّر باستعاراته ؟‬
‫ي بالتّوظيف‪ 1‬االيديولوج ّي؟‪1‬‬
‫كيف تح ّد االستعارات التصوّر؟ وكيف‪ 1‬توجّه الفهم؟ وما عالقة الفهم االستعار ّ‪1‬‬
‫وقبل ذلك هل االستعارة هي وليدة الموقف‪ 1‬االيديولوج ّي أم هي تصنع اإليديولوجيا‪ 1‬بصفة الواعية؟‬

‫المد ّونة وسياقاتها‪:‬‬

‫المد ّونة ‪:‬‬


‫سأشتغل على ثمانية أعداد من مداوالت مجلس نوّاب ال ّشعب الّتي تنشر وجوبا‪ 1‬بالقانون بالرّائد‬
‫ي وبخط رقيق وهي كالتّالي‪:‬‬
‫ي للجمهوريّة التونسيّة وقد‪ 1‬امتدت على ‪ 164‬صفحة من الحجم العاد ّ‬
‫الرّسم ّ‪1‬‬

‫*مداوالت مجلس نوّاب ال ّشعب حول دراسة الوضع العام بالبالد إثر العمليّة اإلرهابيّة بباردو‪1‬‬
‫‪ -‬مداوالت مجلس نوّاب ال ّ‬
‫شعب – ال ّدورة العادية األولى ‪ – 2014-2015‬المدة النيابيّة األولى‪2014-2019‬‬

‫الجلسة التّاسعة عشر(‪ )19‬بتاريخ ‪ 18‬مارس ‪2015‬‬


‫‪ -‬مداوالت مجلس نوّاب ال ّ‬
‫شعب – ال ّدورة العادية األولى ‪ – 2014-2015‬الم ّدة النيابيّة األولى ‪2014-2019‬‬

‫الجلسة التّاسعة عشر (‪ )22‬بتاريخ ‪ 08‬أفريل ‪2015‬‬

‫*مداوالت مجلس نوّاب ال ّشعب حول دراسة الوضع العام بالبالد إثر العملية اإلرهابية بسوسة الحوار مع‬
‫الحكومة حول الوضع العام بالبالد وإقرار‪ 1‬حالة الطوارئ‬

‫‪64‬‬
‫‪ -‬مداوالت مجلس نوّاب ال ّ‬
‫شعب – ال ّدورة العادية األولى ‪ – 2014-2015‬الم ّدة النيابيّة األولى ‪2014-2019‬‬

‫الجلسة التّاسعة عشر (‪ )35‬بتاريخ ‪ 30‬جوان ‪2015‬‬


‫‪ -‬مداوالت مجلس نوّاب ال ّ‬
‫شعب – ال ّدورة العادية األولى ‪ – 2014-2015‬الم ّدة النيابيّة األولى ‪2014-2019‬‬

‫الجلسة السّابعة والثّالثون (‪ )37‬بتاريخ ‪ 08‬جويلية ‪2015‬‬


‫‪ -‬مداوالت مجلس نوّاب ال ّ‬
‫شعب – ال ّدورة العادية األولى ‪ – 2014-2015‬الم ّدة النيابيّة األولى ‪2014-2019‬‬

‫الجلسة الثامنة والثالثون (‪ )38‬بتاريخ ‪ 09‬جويلية ‪2015‬‬

‫* مداوالت مجلس نوّاب ال ّشعب حول المصادقة على القانون األساسي عدد ‪ 26‬لسنة ‪ 2015‬المتعلق‬
‫بمكافحة اإلرهاب وغسيل األموال‪:‬‬
‫‪-‬مداوالت مجلس نوّاب ال ّ‬
‫شعب – الدورة العادية األولى ‪ – 2014-2015‬الم ّدة النيابيّة األولى ‪2014-2019‬‬

‫الجلسة التّاسعة والثالثون (‪ )39‬بتاريخ ‪ 22‬جويلية ‪2015‬‬


‫‪-‬مداوالت مجلس نوّاب ال ّ‬
‫شعب – ال ّدورة العادية األولى ‪ – 2014-2015‬الم ّدة النيابية األولى ‪2019-2014‬‬

‫الجلسة األربعون (‪ )40‬بتاريخ ‪ 23‬جويلية ‪2015‬‬


‫‪-‬مداوالت مجلس نوّاب ال ّ‬
‫شعب – ال ّدورة العادية األولى ‪ – 2014-2015‬الم ّدة النيابيّة األولى‪2019-2014‬‬

‫الجلسة الواحدة واألربعون (‪ )41‬بتاريخ ‪ 24‬جويلية ‪2015‬‬

‫وتعتبر‪ 1‬مداوالت المجلس الوثيقة الرسميّة والمرجعيّة الموثّقة لكل ما يدور‪ 1‬بالجلسات العامة من‬
‫نقاش وتصويت ومصادقة على القوانين واالتّفاقيات‪ .‬وهي ال تكتفي بمجرّد نقل ما يُسجّل من نقاشات بل‬
‫تحاول أيضا أن ترصد تفاعل النّواب مع ما يقال ‪ -‬ومثال ذلك عندما يحظى مشروع أو مداخلة بالقبول‬
‫واالستحسان بالتصفيق فتكتب بين قوسين (تصفيق) أو عندما يكون النّواب في حالة وقوف تكتب بين‬
‫قوسين (وقوفا)‪ .-‬والمداوالت‪ 1‬هي وثيقة مرجعيّة وأساسيّة في فقه القضاء‪ .‬يرجع إليها لضبط التّأويل‬
‫وتنزيل‪ 1‬النّصوص القانونيّة في سياقاتها‪ 1‬المضبوطة عندما يكون هناك مشكل في تأويل النصّ القانوني‬
‫وقراءته‪ .‬وهي متوفّرة في نسخة ورقيّة تطبع في المطبعة الرسميّة للجمهوريّة التونسيّة ‪ .‬وتصدر‪ 1‬بشكل‬
‫متسلسل يمكن الرّجوع‪ 1‬إليها باعتماد عدد الجلسة داخل ال ّدورة النيابيّة والم ّدة النيابيّة‪ ،‬وباعتماد ترتيبها‬
‫ي ‪.‬وتباع بمصلحة المقابيض بمجلس نواب ال ّشعب‪ .‬و توجد كذلك في نسخة الكترونيّة على الموقع‬
‫التّاريخ ّ‪1‬‬
‫‪120‬‬
‫الرّسمي‪ 1‬لمجلس نوّاب ال ّشعب ‪.‬‬

‫سياقات التاريخيّة للمد ّونة‬


‫ال ّ‬

‫‪120‬‬
‫‪-http://www.arp.tn‬‬
‫‪65‬‬
‫وقد‪ 1‬اخترنا هذه األعداد من المداوالت لتعلّقها بموضوع‪ 1‬بحثنا نظرا إلى السّياقات التّاريخية الّتي‬
‫دارت فيها‪ .‬إذ تزامنت مع عقد المجلس لجلسات حوار مع الحكومة للتّدارس حول الوضع العام في البالد‬
‫وإقرار حالة الطّوارئ‪ ،‬بعد حصول عمليّات إرهابية كبرى سواء بعد عملية باردو في ‪ 18‬مارس ‪2015‬‬
‫الّتي خلّفت‪ 20‬قتيال و‪ 45‬جريحا وتم احتجاز حوالي ‪ 200‬سائح‪.‬‬
‫وكذلك الجلسة العامة الّتي دارت إثر هجوم سوسة في ‪ 26‬جوان ‪ 2015‬والّذي خلّف حوالي ‪39‬‬
‫قتيال أغلبهم من السياح و‪ 38‬جريحا‪ .‬وقد‪ 1‬تزامن مع عمليات إرهابيّة أخرى في العالم حيث وقع في نفس‬
‫اليوم تفجير مسجد اإلمام الصادق في الكويت‪ ،‬وهجوم‪ 1‬سان كانتان فاالفييه‪ 121‬في فرنسا‪ .‬وقد كانت لهذه‬
‫العمليّات اإلرهابيّة تداعيات خطيرة على الوضع العام في البالد‪ ،‬م ّما أ ّدى إلى إعالن حالة الطّوارئ‪ 1‬الّتي‬
‫مازالت تم ّدد في ك ّل مرّة إلى اليوم‪.‬‬
‫وشملت هذه المدوّنة أيضا مداوالت مجلس نوّاب ال ّشعب حول المصادقة على القانون األساس ّي‬
‫عدد ‪ 26‬لسنة ‪ 2015‬المتعلّق بمكافحة اإلرهاب وغسيل األموال‪ ،‬وخاصة المداولة عدد ‪39‬الّتي ت ّم فيها‬
‫نقاش الفصول األولى من القانون المتعلّقة بتعريف الجريمة اإلرهابيّة‪ ،‬وتحديد أركانها‪ ،‬وأنواعها‪،‬‬
‫والعقوبات الزجريّة المترتّبة عنها‪.‬‬

‫الفصل األ ّولـ ‪:‬‬


‫‪121‬‬
‫‪- Saint-Quentin-Fallavier‬‬
‫‪66‬‬
‫‪-I‬استعارات اإلرهاب ‪:‬أنواعها وخطاطاتها‬

‫‪- I‬استعارات اإلرهاب ‪:‬أنواعها وخطاطاتها‬

‫تغزو‪ 1‬االستعارة نسقنا التص ّوري‪ 1‬العاديّ‪ .‬وبما ّ‬


‫أن عددا كبيرا من التص ّورات‪ 1‬المه ّم‪11‬ة ل‪11‬دينا هي إ ّم‪11‬ا‬
‫تصوّرات‪ 1‬مجرّدة أو غير مح ّددة بوضوح‪ 1‬في تجربتنا ّ‬
‫فإن مسكنا بها يت ّم من خالل تصوّرات‪ 1‬أخرى نفهمه‪11‬ا‬
‫بوضوح‪ 1.‬ويع ّد تصوّر اإلرهاب من هذه التصوّرات المعقّدة الّتي استعصت على التّحديد والتّعريف والح‪ّ 11‬د‪.‬‬
‫ويق ّر أغلب فقهاء القانون الّذين درسوا‪ 1‬هذه الظّاهرة وحاولوا‪ 1‬إيجاد تعريف‪ 1‬دقيق ومض‪11‬بوط‪ 1‬لإلره‪11‬اب على‬
‫صعوبة هذه المحاولة وهذا التّعريف‪ .‬وق‪1‬د‪ 1‬تش‪1‬عّبت المح‪1‬اوالت والجه‪1‬ود‪ 1‬بين مختل‪1‬ف ف‪1‬روع الق‪1‬انون الع‪1‬ام‬
‫والخاص‪ .‬فمفهوم "اإلرهاب" بقي مفهوما عصيّا على التّحديد القانون ّي‪ ،‬ومفهوما‪ 1‬ملتبسا‪ .‬فالمجتمع ال‪ّ 11‬دولي‬
‫لم يتمكن من االتّفاق على تعريف‪ 1‬واحد ومح ّدد‪ 1‬لمفهوم اإلره‪11‬اب‪ ،‬نظ‪11‬را إلى اختالف المع‪11‬ايير بين ال‪11‬دول‪،‬‬
‫وتب‪11‬اين ال‪11‬رؤى حول‪11‬ه‪ .‬فمص‪11‬طلح العن‪11‬ف واس‪11‬تخدام الق‪1‬وّة مفه‪11‬وم نس‪11‬ب ّي ال ّدالل‪11‬ة‪ ،‬ل‪11‬ه وظيفت‪11‬ه واس‪11‬تخداماته‬
‫المح ّددة‪ ،‬وظروفه وبيئته‪ .‬وهو ليس مجرّد لفظ يُع ّد بذاته مستحسنا أو مستقبحا‪ .‬ويتو ّسع‪ 1‬بعض الباحثين‬
‫والخبراء في مفهوم اإلرهاب ليشمل الهجمات ض ّد األشخاص وض ّد الممتلك‪11‬ات‪ .‬ويأخ‪11‬ذ بعض‪11‬هم‪ 1‬بالحس‪11‬بان‬
‫بواعث الفاعلين‪ ،‬فيف ّرق‪ 1‬بين الهجمات الجنائيّة‪ ،‬والهجمات السياسيّة‪ .‬ويخل‪11‬ط بعض‪11‬هم اآلخ‪11‬ر بين اإلره‪11‬اب‬

‫‪67‬‬
‫ق في المقاومة واالستخدام‪ 1‬المشروع للقوّة إلنهاء االستعمار واالحتالل وممارسة الح‪ّ 1‬‬
‫ق في‬ ‫المحظور‪ 1،‬والح ّ‬
‫أن النّصوص واألعراف‪ 1‬ال ّدولية واإلنس‪1‬انيّة وأحك‪1‬ام ّ‬
‫الش‪1‬ريعة اإلس‪1‬الميّة تؤك‪1‬د‪ 1‬التّب‪1‬اين‬ ‫تقرير المصير‪ .‬كما ّ‬
‫بين المقاومة والجهاد‪ 1‬من جهة‪ ،‬واإلرهاب من جهة ثانية‪ .‬وذل‪11‬ك في مختل‪11‬ف الج‪11‬وانب القانونيّ‪11‬ة والسياس‪1‬يّة‬
‫واالجتماعيّة‪ ،‬وبالوسائل الّتي تس‪1‬تخدم‪ 1‬في الح‪1‬الين واأله‪11‬داف المرج‪1‬وّة‪ .‬وق‪11‬د تج‪11‬اوزت مح‪1‬اوالت تعري‪11‬ف‬
‫اإلرهاب ال ّدراسات القانونيّة لتصبح الظّاهرة اإلرهابيّة موضوعا مغريا للبحث من مختلف العلوم اإلنسانيّة‬
‫واالجتماعيّة‪ .‬فتص ّور‪ 1‬اإلرهاب يظ ّل تصوّرا‪ 1‬معقّدا وغير محدود‪ .‬وتتق‪11‬اطع‪ 1‬في‪11‬ه ع‪ّ 1‬دة عوام‪11‬ل تجعل‪11‬ه منفلت‪11‬ا‬
‫على الضّبط والتّحديد‪ 1‬من وجهات كثيرة‪ .‬كما أنّه تص‪1‬وّر على درج‪11‬ة من االتّس‪11‬اع الّ‪11‬ذي يس‪11‬توعب التّأوي‪11‬ل‬
‫والتّوظيف بطريقة خطيرة‪.‬‬
‫وقد‪ 1‬كان النّواب على وعي بذلك ويظهر‪ 1‬هذا بوضوح في المداخلة األولى لمناقشة مشروع‪ 1‬القانون‬
‫المتعلّق بمكافحة اإلرهاب ومنع غسل األموال للنّائب خالد شوكات بقوله ‪":‬ال شك ّ‬
‫أن عشرات المالحظات‬
‫يمكن أن تُسدى حول فصول هذا المشروع‪ 1.‬وهي مالحظات مفيدة بالضّرورة يمكن االستفادة منها كليّا‬
‫أوجزئيّا‪ 1.‬وال ش ّ‬
‫ك أن اختالفات ستظهر بيننا حول تعريف‪ 1‬هذه اآلفة‪ ،‬وحول األطراف‪ 1‬والجماعات‬
‫والجهات ذات الصّلة بها‪ .‬كما ليس لدي ش ّ‬
‫ك في أن تصوّراتنا‪ 1‬للعقوبات واإلجراءات الوقائيّة وغيرها من‬
‫األمور‪ 1‬الالّزمة ستتباين‪ .‬لكن هذا ال يجب أن يحجب أبدا إجماعنا على أه ّمية تزويد‪ 1‬مؤسّستنا‪ 1‬العسكريّة‬
‫واألمنية وسائر‪ 1‬أجهزة الحكومة البطلة الموجودة في الجبهة األماميّة بكافة الوسائل الّتي تحتاجها‪ ،‬وفي‬
‫مق ّدمتها هذا القانون الذي هو آليّة واحدة من آليّات كثيرة علينا العمل على توفيرها‪"122.‬‬

‫‪ I-1‬أه ّم االستعارات المفهوميةـ لتص ّور اإلرهاب‬


‫سنحاول‪ 1‬في هذا الفصل رصد تص ّور‪ 1‬اإلرهاب من منطلق لسان ّي عرفن ّي من خالل االستعارات‬
‫الّتي بنينت هذا التصوّر في مداخالت النّواب حيث يمثّل المجال التصوّري‪ 1‬لإلرهاب المجال الهدف الّذي‬
‫تعاضدت لتشكيله‪ ،‬وتأسيس‪ 1‬حدود معرفته‪ ،‬وتحديده‪ ،‬إسقاطات متع ّددة لمجاالت مصدر مختلفة‪ .‬وسنبحث‬
‫في العالقات الوثيقة بين االستعماالت االستعاريّة للّغة من ناحية والتّمثيالت ّ‬
‫الذهنية للفكر من ناحية ثانية‪.‬‬
‫وسنعرض‪ 1‬في البداية رصدا شامال لالستعارات‪ 1‬الّتي بنينت هذا التصوّر في مداخالت النّواب‪ ،‬مفصّلين‬
‫النّظر في أنواعها‪ ،‬وطريقة بنينتها للمفهوم‪ ،‬وسيرورة االنسجام في نسقها التصوّري‪ ،‬والخطاطات‪1‬‬
‫المتح ّكمة فيها‪ .‬ونق ّدمها حسب تدرّج تواترها‪ ،‬مع إعطاء أمثلة من تجلّياتها اللّغوية الّتي ظهرت في السياق‪.‬‬

‫‪ I-1-1‬اإلرهاب ظاهرة‬

‫‪ - 122‬مداوالت مجلس نواب الشعب – الدورة العادية األولى ‪ – 2015-2014‬المدة النيابية األولى ‪ 2019-2014‬الجلسة التاسعة والثالثون (‬
‫‪ )39‬بتاريخ ‪ 22‬جويلية ‪ ،2015‬ص ‪1343‬‬
‫‪68‬‬
‫تكرّرت هذه االستعارة المفهوميّة مائة وستة عشر مرّة (‪ .)116‬وهي بذلك تعتبر االستعارة األكثر‬
‫تواترا‪ 1‬كما أنّها تع ّد استعارة تواضعيّة كلّية استعملت في مداخالت أغلب النّواب باختالف توجّهاتهم‪1‬‬
‫السياسيّة‪ .‬وهذه بعض األمثلة للسّياقات الّتي وردت فيها في متن الخطاب الّذي نشتغل عليه‪:‬‬

‫المصدر مداولة عدد‪...‬ص‪..‬‬ ‫التّجليات االستعاريّة اللّغوية‬


‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1345‬‬ ‫‪ - 1‬ظاهرة اإلرهاب لم نفتح أعيننا فجأة فوجدناها أمامنا بل اليوم لديها سيرورة‪،‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1351‬‬ ‫ظاهرة معقّدة وعندما أقول ذلك فإنه ال ينبغي أن نواجهها فقط‬ ‫‪ -2‬إن هذه ال ّ‬
‫ي والثقاف ّي كلّها في‬
‫ي والتربو ّ‪1‬‬
‫ي واالجتماع ّي واالقتصاد ّ‪1‬‬‫ي وإنّما القانون ّ‪1‬‬
‫بالقانون ّ‪1‬‬
‫إطار استراتيجيّة شاملة لمواجهة اإلرهاب‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1357‬‬ ‫‪ -3‬ونعتبر ذلك خطوة مه ّمة في مكافحة هذه الظّاهرة البغيضة والغريبة عن‬
‫حضارتنا العربيّة اإلسالميّة وعن مجتمعنا‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1358‬‬ ‫إن اإلرهاب ظاهرة عالمية طالت الجميع من كل الديانات وفي كل الدول ومن‬ ‫‪ّ -4‬‬
‫كل الفئات‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1358‬‬ ‫‪ -5‬اإلرهاب ظاهرة عابرة للحدود‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1358‬‬ ‫‪ -6‬اإلرهاب ظاهرة معقّدة وغير محدّدة المعالم ‪.‬‬

‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1357‬‬ ‫يظن أنّه و بهذا القانون وحده نكون قادرين على اجتثاث اإلرهاب‪،‬‬ ‫‪ -7‬فواهم من ّ‬
‫اجتثاث هذه الظاهرة القديمة الجديدة على ال ّشعب التّونس ّي وتونس‪ ،‬وواهم من‬
‫يظن أنّه بالحل األمن ّي وحده يمكن مجابهة اإلرهاب‪.‬‬
‫ّ‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1371‬‬ ‫إن اإلرهاب ظاهرة معقّدة وليدة ع ّدة عوامل دوليّة وإقليميّة‪ ،‬فهي ّ‬
‫تتغذى من‬ ‫‪ّ -8‬‬
‫شبكات الجريمة المنظّمة وتجارة المخ ّدرات والتّجارة بالبشر‪ 1‬وأنشطة استخباراتيّة‬
‫ي الغريب على تونس‪.‬‬ ‫دوليّة يختلط على مستوى المحل ّي بالخطاب الدين ّي التكفير ّ‬

‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1355‬‬ ‫‪ -9‬هذه الظاهرة هي ظاهرة مر ّكبة وعابرة للحدود تتو ّرط‪ 1‬فيها تنظيمات‬
‫ومخابرات‪ 1‬وأجهزة دول تستهدف‪ 1‬ال ّشعب التّونسي‪ ،‬وتستهدف الحلقة األقوى في‬
‫ال ّشعب التونسي وهي الشباب الّذي قاد الثورة ورفع شعارات ال ّشغل والحريّة‬
‫والكرامة‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1344‬‬ ‫‪ -10‬فمحاربة اإلرهاب تقتضي أن تكون لنا منظومة وطنيّة متكاملة لدراسة‬
‫واستشراف الظّاهرة اإلرهابيّة في تونس وفي العالم وهنا ال ّدعوة للحكومة لبعث‬
‫ي لدراسة واستشراف‪ 1‬الظاهرة اإلرهابيّة تكون من مهامه ‪...‬‬ ‫مركز وطن ّ‪1‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1345‬‬ ‫‪ -11‬هناك سياسات تنتج هذه الظاهرة‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1351‬‬ ‫ظاهرة يدعونا إلى االشتغال على العلوم اإلنسانيّة لتسهيل فهمنا‬ ‫‪ -12‬تعقيد هذه ال ّ‬
‫ي لفهم الحاضنة الحقيقيّة‬ ‫لها‪ ،‬وتفكيك قدرتها على استقطاب ال ّشباب التونس ّ‪1‬‬
‫لإلرهاب‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1361‬‬ ‫أن هذه الظّاهرة هي ظاهرة عالميّة وليست محليّة وهذا ما أكدته‬ ‫‪ -13‬كما ّ‬

‫‪69‬‬
‫المعاهدات ال ّدولية الّتي صادقت عليها تونس في مجال مكافحة اإلرهاب‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1365‬‬ ‫‪-14‬هذه ربما جزء من األسباب العميقة لإلرهاب ‪.‬‬

‫يمكن أن نرسم من خالل هذه التّجليات اللّغوية لالستعارة المفهوميّة "اإلرهاب ظاهرة" جملة‬
‫الذهن في عملية اشتغاله الالّواعي‪ .‬والّتي ينقلها من المجال المصدر‬
‫اإلسقاطات الّتي يصدر عنها ّ‬
‫"الظاهرة" إلى المجال الهدف "اإلرهاب"‪ .‬ليؤسّس زاوية تص ّور‪ 1‬خاص تعكس آليّات تأسّس التّصور‪ 1‬عند‬
‫مستعملي‪ 1‬هذه االستعارات‪ 1.‬فخالل عملية اإلسقاط تتكوّن الشبكة النسقيّة االستعاريّة حاملة معها ك ّل‬
‫االقتضاءات االستعاريّة المحتملة الثقافيّة واالجتماعيّة للتّجربة‪.‬‬
‫فالظّاهرة مصطلح يُطلق على أي حدث يمكن مراقبته‪ .‬وتُشير في االستخدام العام إلى حدث غير‬
‫عاديّ‪ .‬و تطلق في االستخدام العلم ّي على أي حدث يمكن مالحظته‪ ،‬ومراقبته‪ ،‬ورصده‪ .‬وقد تتطلّب‬
‫المالحظة العلميّة والمراقبة استخدام أجهزة معيّنة للمتابعة‪ ،‬وتسجيل البيانات المتعلّقة بهذه الظّاهرة‬
‫فاإلرهاب‪ 1‬من خالل هذا التصوّر هو ظاهرة اجتماعيّة معقّدة لها امتداداتها‪ 1‬الفكريّة‬ ‫‪123‬‬
‫وتجميعها‪1.‬‬
‫ي‪ .‬وللظواهر‪ 1‬االجتماعية اقتضاءات عديدة منها‪:‬‬ ‫والعقائديّة والسياسيّة‪ .‬ويتداخل فيها االقتصاد ّ‬
‫ي بالثقاف ّ‪1‬‬
‫الظّاهرة االجتماعيّة مشكلة إذا ما كانت ذات بعد سلب ّي أو ذات نتائج سلبيّة‪ ،‬تُلقي بظاللها على‬ ‫‪-‬‬
‫المجتمع بشكل عا ّم‪.‬‬
‫تترابط‪ 1‬عناصرها‪ 1‬ترابطا عضويا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سريعة االنتشار والنّفوذ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يجب أن تخضع الظّاهرة لتوظيف المنهج العلم ّي‪ ،‬لمراقبتها وتحديد‪ 1‬خصائصها‪ ،‬وإدراك‪1‬‬ ‫‪-‬‬
‫أسبابها وكيفيّة معالجتها‪ ،‬والح ّد من سرعة انتشارها ونفوذها‪ 1‬في المجتمع‪ .‬وهذه ال ّدراسة‬
‫تستدعي منّا دراسة البؤر االجتماعيّة الّتي أنتجت هذه الظاهرة أو تلك‪.‬‬
‫الظّاهرة يمكن السيطرة عليها والتح ّكم فيها بكشف سيرورتها‪ ،‬وتفكيك عواملها األوّلية‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وضبط‪ 1‬العالقات القائمة بين عناصرها‪ ،‬وتحديد البعد الوظيف ّي لك ّل عنصر فيها‪.‬‬
‫تتّسم الظاهرة في البداية بالتّعقّد بنظرتنا إليها على أنّها حدث غير عاد ّ‬
‫ي وغير مفهوم‪ .‬وهو ما‬
‫تكشف عنه التّوصيفات لهذه الظّاهرة في أمثلة االستعارات اللّغوية الّتي أوردناها‪( 1‬معقّدة‪ /‬مر ّكبة‪ /‬غير‬
‫مح ّددة المالمح‪/‬غريبة وبغيضة ‪ /‬قديمة جديدة )‪ .‬وهي تملك ق ّوة انتشار ونفوذ مثيرة للقلق‪ .‬وتبعث فينا‬
‫ال ّشعور‪ 1‬بعدم األمان‪ .‬وتمثّل تهديدا حقيقيّا (عابرة للحدود‪ /‬تتو ّرط‪ 1‬فيها تنظيمات ومخابرات وأجهزة دول‬
‫تتغذى من شبكات الجريمة المنظّمة وتجارة المخ ّدرات والتّجارة بالبشر وأنشطة‬
‫تستهدف‪ 1‬ال ّشعب التونسي‪ّ 1/‬‬
‫استخباراتيّة)‪ .‬إالّ ّ‬
‫أن استعمالنا في الحديث عن اإلرهاب استعارة "اإلرهاب ظاهرة" فيه رغم ك ّل ذلك‬

‫‪123‬‬
‫‪- "https://www.google.fr/#q=new+oxford+american+dictionary+online‬‬
‫‪70‬‬
‫تنسيب لعاطفة الخوف بما لها من داللة أنّنا نصدر في تعاملنا مع اإلرهاب بطريقة عقالنيّة‪ ،‬وعلميّة‪،‬‬
‫باحتياط‪ 1‬من دون خوف مبالغ أو هلع قد يؤثّر في تقييمنا للموقف‪ .‬ويفقدنا المبادرة والسقوط‪ 1‬في ردود‬
‫األفعال غير المدروسة الّتي قد تزيد تعقيد األمر‪ .‬فهي تقتضي مثلما ورد في المثال عدد ‪( 10‬دراسة‬
‫واستشراف) و (تدعونا إلى االشتغال على العلوم اإلنسانيّة لتسهيل فهمنا لها‪ ،‬وتفكيك قدرتها) كما في‬
‫المثال عدد‪ . 11‬فاالستعارة المفهوميّة "اإلرهاب ظاهرة" تصدر‪ 1‬من هذه النّاحية عن التص ّور‪ 1‬االستيعاب ّ‪1‬‬
‫ي‬
‫ي إنّما يصدر‪ 1‬عن خطاطة أوّلية‪.‬‬ ‫الّذي ينطلق منه ّ‬
‫الذهن في التّعامل مع التصوّرات‪ 1.‬وهذا الموقف االستيعاب ّ‪1‬‬
‫وهي خطاطة الحاوية باعتبار أنّنا كائنات تمقول‪ ،‬حيث تتصوّر المقولة حاوية وعناصر المقولة مادة‬
‫تحويها‪ 1‬فما كان في الحاوية كان في المقولة‪ ،‬وما كان خارجها كان خارج المقولة‪ .‬فاالستعمال المتواتر‪1‬‬
‫ي من ّ‬
‫أن إدراك‬ ‫الستعارة "اٍإل رهاب ظاهرة" إنّما هو صادر عن هذه النّزعة المتم ّكنة في ّ‬
‫الذهن البشر ّ‬
‫األشياء والمجرّدات ال يكون إالّ في إطار المقولة‪ .‬يقول جونسون واليكوف "كي نفهم العالم ونشتغل فيه‬
‫ونفعل‪ ،‬علينا أن نمقول األشياء والتّجارب الّتي نصادفها‪ 1‬بطريقة تجعلها ذوات معنى لدينا"‪ .124‬فهذه‬
‫االستعارة تمارس عمليّة المقولة‪ .‬والمقولة هي المستوى‪ 1‬األوّل من السيطرة وال ّشعور‪ 1‬بالقدرة على التح ّكم‬
‫في األشياء‪ .‬فاإلرهاب يصنّف ضمن الظّواهر‪ 1‬االجتماعيّة البالغة التّعقيد‪ ،‬لكنّه يبقى خاضعا لك ّل القوانين‬
‫الخاصة بدراسة الظّواهر‪ 1‬االجتماعيّة حيث يمكن عرضه للبحوث االختباريّة والتعرّف على ك ّل‬
‫خصائصه‪ .‬فمع هذه االستعارة لم يعد اإلرهاب شيئا مجهوال بل بات من األشياء المعلومة‪ .‬وهذا ينسّب‬
‫عواطف الخوف ويبعث في النّفس نوعا من ال ّشعور باالطمئنان الّذي يريد السياس ّ‪1‬‬
‫ي والبالد في وقت أزمة‬
‫ووسط حالة من الهلع والخوف أن يزرعه في نفوس عموم ال ّشعب من المتابعين للنقاش داخل قبّة البرلمان‪.‬‬
‫بث الخوف‪ 1‬الّذي يعتبر‬
‫وهو خطوة مه ّمة لكسب الحرب أمام هذه العصابات اإلرهابية الّتي تعمل على ّ‬
‫سالحها األقوى‪ 1‬في التم ّدد وكسر‪ 1‬المعنويات‪ .‬وهي تجنّد لذلك أساليب دعائيّة كثيرة لنشر ثقافة الخوف‬
‫وأهمها الصّورة المتع ّددة األبعاد خصوصا صور‪ 1‬القتل‪ّ ،‬‬
‫والذبح‪ ،‬و التّنكيل‪ ،‬والحرق‪ ،‬واإلغراق‪1.‬‬
‫واستعارة "اإلرهاب ظاهرة" هي استعارة بنيويّة حيث يُبنين المجال المصدر لتصوّر مجرّد المجال الهدف‬
‫أن المجال المصدر يم ّكن المجال الهدف من بنية ثريّة ألنه نابع من‬
‫لمجال تصوّري‪ 1‬مجرّد آخر‪ .‬باعتبار ّ‬
‫تجربة متم ّكنة ولنا فيها خبرات متراكمة‪ .‬وعلى هذا يمكن أن نمثّل لهذه البنينة بالشكل التّالي‪:‬‬
‫المجال الهدف‪ :‬اإلرهاب‬ ‫المجال المصدر‪ :‬الظاهرة‬
‫حدث غير عاديّ‪.‬‬ ‫حدث غير عاديّ‪.‬‬
‫يتك ّون من عناصر مترابطة ترابطا عضويّا‪.‬‬ ‫تتك ّون من عناصر مترابطة ترابطا عضويّا‪.‬‬
‫معقّد األسباب والظواهر‪.‬‬ ‫معقّدة األسباب والمظاهر‪.‬‬
‫له سيرورة داخليّة خفيّة‪.‬‬ ‫لها سيرورة داخليّة خفيّة‪.‬‬
‫يمكن دراسته ومراقبته‪.‬‬ ‫يمكن مراقبتها ودراستها ‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫االستعارات التي نحيا بها ‪ ،‬ص ‪- 165‬‬
‫‪71‬‬
‫التعاون األمن ّي واللوجست ّي وتبادل المعلومات واستغالل‬ ‫التّعاون العلم ّي وتراكم البحوث بين المراكز البحثيّة‬
‫البحوث الفكريّة واالجتماعيّة يم ّكن من تراكم الخبرات‬ ‫يسهّل الوصول إلى نتائج مفيدة تم ّكن من التّوقي‪.‬‬
‫والوصول إلى نتائج مفيدة تم ّكن من التّوقي‪.‬‬
‫الكشف عن نظامه الداخلي‪ ،‬وتفكيك عناصره‪ ،‬يم ّكن التح ّكم‬ ‫الكشف عن نظامها الداخل ّي‪ ،‬وتفكيك عناصرها‪ ،‬يم ّكن‬
‫والسيطرة عليه‪.‬‬ ‫التح ّكم والسيطرة عليها‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن هذه االستعارة المركزيّة األولى "اإلرهاب ظاهرة" تعمل على تحديد اإلرهاب وتعريفه من‬
‫منطلق علم ّي‪ .‬وتسقط عليه جملة تراكمات تجربتنا في التّعامل مع الظّواهر االجتماعيّة المعقّدة بمختلف‬
‫اقتضاءتها‪ 1‬ومن ث ّمة نتبيّن حدوده وسيروته‪ .‬وتتجلّى‪ 1‬لنا خطّة واضحة في التّعامل معه والسّيطرة عليه‪.‬‬
‫نحن نستفيد بصفة مباشرة من خبراتنا‪ 1‬السّابقة من خالل اإلسقاطات الّتي يشتغل بها نسقنا التصوّري‪1.‬‬
‫فجالء التّصوّر والخروج‪ 1‬من المجهول إلى المعلوم يم ّكن من تنسيب عواطف الخوف‪ .‬ويبعث الشعور‪1‬‬
‫باألمان‪ .‬ويعطي الّثقة في النّفس‪ .‬ويرسم لنا بوضوح خطواتنا‪ 1‬القادمة‪ .‬وهو ما يعمل الخطاب السياس ّي على‬
‫ترسيخه في الوعي العا ّم وقت األزمات‪.‬‬
‫وتتد ّعم هذه االستعارة المركزيّة باستعارات فرعيّة نستم ّدها‪ 1‬أيضا من تجربتنا‪ 1‬مع العالم الخارج ّ‪1‬‬
‫ي‬
‫وتخدم‪ 1‬انسجام النّسق التصوّري‪ 1‬مثل استعارة "اإلرهاب بناء" و"اإلرهاب صناعة"‪.‬‬

‫‪ I-1-2‬اإلرهاب بناء‬

‫المصدر مداولة عدد‪...‬ص‪..‬‬ ‫التجليات االستعارية اللغوية‬


‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1365‬‬ ‫‪ -1‬ال ب ّد أن تكون استراتيجية األمن القومي قادرة على كشف المخطّطات‬
‫اإلرهابيّة‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1354‬‬ ‫‪ -2‬التّهريب اليوم هو البنية التحتيّة واللوجستيّة لإلرهاب‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1354‬‬ ‫‪ّ -3‬‬
‫ألن اإلرهاب مدخله هو الفوضى‪.‬‬

‫تد ّعم هذه االستعارة المفهوميّة االنطولوجيّة "اإلرهاب بناء" النّسق التّصوّري لالستعارة‬
‫المركزيّة "اإلرهاب ظاهرة"‪ .‬واستعارة "اإلرهاب ظاهرة" هي استعارة بنيويّة بين مجالين مجرّدين بينما‬
‫هنا تكون اإلسقاطات بين مجال مصدر‪ 1‬ما ّدي ملموس ومجال هدف مجرّد‪ .‬وإسقاط المجرّد على الملموس‬
‫سيعطيه بعدا ما ّديا فيزيائيّا‪ .‬وسيكون بإمكاننا حينها أن نمسكه بحواسنا اإلدراكيّة والجسديّة‪ .‬وهذا يقرّب‬
‫عمليّة الفهم إلى درجة أكثر وضوحا‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫واستعارة "اإلرهاب بناء" تسلّط الضّوء على سيرورة تطوّر هذه الظّاهرة من خالل جملة من‬
‫اإلسقاطات الجزئيّة بين المجال المصدر "البناء" والمجال الهدف "اإلرهاب"‪ .‬فيأخذ‪ 1‬تأسيس النّسق‬
‫فالذهن يسلّط الضّوء‬
‫التّصوّري للمجال الهدف بعض خصائص المجال المصدر‪ .‬وال يأخذ كل خصائصه‪ّ .‬‬
‫فقط على ما يحتاج إليه‪ .‬وعادة يقع تسليط الضّوء على ما يتعلّق بالجوانب األساسيّة من المجال المصدر‪.‬‬
‫ونالحظ‪ 1‬هنا أن التّجليات االستعاريّة اللّغوية في األمثلة الّتي أوردنا نصّها تتعلّق ببعض خصائص البناء‬
‫الرئيسيّة‪ ،‬خاصة تلك المتعلّقة باألسس المثال األوّل والثاني (المخطّطات‪ ،‬والبنيّة التحتيّة واللّوجستيّة)‪.‬‬
‫وبعد ذلك أصبحنا نتح ّدث عن مداخل لإلرهاب‪ .‬وفي هذا تدليل أو تصريح غير واع ّ‬
‫بأن هذه العمليّات‬
‫أن اإلرهاب في تونس لم يعد أمرا هيّنا وعابرا‪ ،‬بل إنّه‬
‫اإلرهابيّة الكبيرة قد كوّنت لدينا قناعة داخليّة ثابتة ّ‬
‫تطوّر‪ 1.‬ونحن نفهم هذا التطوّر من خالل تجربة البناء‪ .‬فنستصحب‪ 1‬مع هذه االستعارة عديد االقتضاءات‬
‫الضمنيّة التّالية‪:‬‬
‫اإلرهاب أصبح له مكان ثابت‪ ،‬إذ البناء يد ّل على ممارسة الثّبوت والمكوث‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫اإلرهاب تم ّكن من أن يأخذ فترة زمنيّة مالئمة‪ّ ،‬‬
‫ألن البناء وخاصة المرحلة التأسيسيّة‬ ‫‪-‬‬
‫والمرور من ال ّدراسة والتّخطيط ‪ -‬الّذي ال يقوم به البناؤون( المنفّذون) بل تقوم به العقول‬
‫المخطّطة الّتي ستختفي بعد ذلك‪ .‬وتترك‪ 1‬األمر لدخول البنّائين المنفّذين‪ -‬إلى مرحلة االنتهاء‬
‫من أعقد المراحل أي استكمال البنية التحتيّة‪ .‬يحتاج إلى فترة زمنيّة طويلة نسبيّا‪ .‬وهي مرحلة‬
‫تت ّم عادة تحت األرض‪ .‬وكذلك اٍإل رهاب ر ّكز قواعده في الجبال‪ .‬وتم ّكن من نشر خالياه‬
‫النّائمة‪ .‬وإنجاز‪ 1‬عمليات االختراق‪ .‬ث ّم نزل بعدها للمدن‪ .‬واستعارة "لإلرهاب مدخل" تد ّل ّ‬
‫أن‬
‫البناء بدأ يظهر على األرض‪ .‬وبدأ يفتح لنفسه مداخل‪ .‬ومداخله هي ّ‬
‫بث الفوضى وزرع‪1‬‬
‫الفتنة‪.‬‬
‫يشتغل ّ‬
‫الذهن مرّة أخرى عن طريق االستعارة في بنينة سيرورة تطوّر اإلرهاب انطالقا من‬
‫وإن ك ّل هذه اإلسقاطات واالقتضاءات الّتي‬
‫تجربة ما ّدية معتادة ولنا فيها خبرات متينة وهي تجربة البناء‪ّ .‬‬
‫تحملها االستعارة وهي تبني التصوّر في حركة انتقال بين المجال المصدر والمجال الهدف هي الّتي تفسّر‬
‫أهميّة عمل ّ‬
‫الذهن كآلة استدالليّة عظيمة‪ .‬فاالستدالل‪ 1‬ليس عمليّة منطقيّة صرف‪ ،‬بل هو أيضا عمليّة‬
‫ي لل ّدماغ‪ .‬ويثبته اليكوف وجونسون‬
‫عصبيّة كما يبرهن على ذلك العلم العرفن ّي في دراسته للتكوّن العصب ّ‪1‬‬
‫في فصول‪ 1‬مدقّقة من كتابهما‪" 1‬الفلسفة في الجسد" خاصة في الملحق المعنون بالنظريّة العصبيّة في‬
‫ومازال العمل كبيرا في هذا المجال إذ هو المدخل الرئيس في تصميم‪ 1‬تطبيقات‬ ‫‪125‬‬
‫األنموذج اللّغوي‪.‬‬
‫الذكاء االصطناع ّي‪ .‬وتعتبر‪ 1‬النّتائج الّتي توصّل لها ناراينان‪ )1997( 126‬حول نظريّة االستعارة العصبيّة‬
‫ّ‬
‫‪125‬‬
‫‪- Lakoff ; Johnson;1999 ;P P 507-521‬‬
‫‪ Srini Narayanan 126‬عضو فريق البحث في النظرية العصبية للّغة ‪ NTL‬في المعهد ال ّدولي لعلم الحاسوب بب‪11‬يركلي‬
‫الّذي بدأ في بداية الثمانينات باالشتراك مع جيروم فلدمان‪ Jerome Feldman‬وجورج اليكوف وطلبتهم‪ .‬ويكمن المشروع‬
‫‪73‬‬
‫رائدة اعتمادا على تقنيات حاسوبيّة للنمذجة العصبيّة‪ .‬وهي نظريّة تحوسب االستعارات‪ 1‬التصوّريّة عصبيّا‬
‫عبر خرائط‪ 1‬عصبيّة‪ 127‬أو دارات تقرن النّسق الحرك ّي بنطاقات‪ 1‬قشريّة أعلى في ال ّدماغ‪ .‬وتترسّخ هذه‬
‫الخرائط عبر التّعبئة العصبيّة الموجودة في المصدر‪ 1‬والهدف الّتي تفعّل بعضها‪ 1‬خالل مرحلة ال ّدمج‪ .‬وتنتج‬
‫هذه اآلليّة التعلميّة العصبيّة نسقا تواضعيّا‪ 1‬وقارا من االستعارات األوليّة الّتي تميل إلى االستقرار بشكل‬
‫دائم في النّسق التصوّري‪ 1‬في استقالل عن اللّغة‪ .‬فاالستعارة في هذا التص ّور‪ 1‬ظاهرة عصبيّة تش ّكل اآلليّة‬
‫الّتي تقوم بالتّعبئة الطبيعيّة والحتميّة لالستدالل الحس ّي الحرك ّي‪ .‬ليت ّم استعماله في التّفكير المجرّد‪ .‬فتبرز‬
‫االستعارات‪ 1‬األوّلية تلقائيّا وآليّا دون أن نكون واعين بذلك‪.‬‬

‫‪ I-1-3‬اإلرهاب صناعة‬

‫المصدر مداولة عدد‪...‬ص‪..‬‬ ‫التجلّيات االستعاريّة اللغويّة‬


‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1348‬‬ ‫‪ -1‬اإلرهاب عبارة عن صناعة استعماريّة من الطّراز األول‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1344‬‬ ‫‪ -2‬ع ّشش فكر وهاب ّي ينتج اإلرهاب واإلرهابيّين‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1357‬‬ ‫‪ -3‬رغم مساهمة الفقر في إنتاج اإلرهاب ودعمه وتشكيل‪ 1‬حاضنة له‪ ،‬ال يمكن‬
‫أن نفسّر أساسا اإلرهاب بالفقر‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1365‬‬ ‫‪ -4‬من واجبنا تمكين السلط األمنية والعسكريّة من تشريع‪ 1‬يتالءم مع خطورة‬
‫اإلمكانيات الضخمة لإلرهابيين‪.‬‬

‫تخدم هذه االستعارة نفس النّسق التصوّري‪ 1‬لالستعارتين السّابقتين في تحديد اإلرهاب‪ ،‬وضبط‪1‬‬
‫حدوده‪ ،‬والتعرّف أله ّم خصائصه‪ .‬وذلك من خالل التّعالقات االستعاريّة الّتي تتداخل عُقدها لتنسج انسجام‬
‫نسقنا التصوّري‪ 1‬بصورة محكمة وفريدة‪ .‬غير أنّه يمكن اعتبارها من االستعارات الجديدة‪ .‬والحادثة عن‬
‫تحوّل مجتمعنا في بعض وجوهه إلى الصناعة الّتي أصبحت تحت ّل مكانة هامة من نسيجنا‪ 1‬االقتصاد ّ‪1‬‬
‫ي‬
‫والمعيش ّي‪ 1.‬باعتبار أنّها أصبحت نشاطا تشغيليّا يه ّم شريحة واسعة من ال ّشعب سواء من أصحاب‬
‫المؤسّسات‪ 1‬أو العاملين بالقطاع الصناع ّي‪ّ .‬‬
‫إن سلطة هذا النشاط االقتصاديّة وممارستنا‪ 1‬لألنشطة الصناعيّة‬

‫ي للفريق في إيجاد نماذج عصبيّة للمعرفة المتجسّدة‪ .‬وخاصة اكتساب اللّغة والفكر واستخدامها وفق الوصف المنجز‬
‫المركز ّ‬
‫في اللسانيات العرفنيّة ‪ -‬الفلسفة في الجسد ‪ -‬الفص‪1‬ل األخ‪1‬ير‪Language Paradigm The Neural Theory of‬ص‬
‫‪521-507‬‬
‫‪127‬‬
‫‪- neural maps‬‬
‫‪74‬‬
‫قد جعل منها واحدة من التّجارب المه ّمة في حياتنا اليوميّة‪ .‬فنحن إذ نشتغل بأجسادنا في هذا القطاع إنّما‬
‫تتش ّكل معه أنساقنا ّ‬
‫الذهنية والتصوّرية‪ .‬فنرى‪ 1‬العالم والمتصوّرات الحادثة من خالل هذه التّجربة‪ .‬فنجد‬
‫استعارات من نوع "اإلرهاب صناعة أجنبيّة"‪ .‬و الفقر يساهم في إنتاج اإلرهاب‪ .‬والفكر المتط ّرف‪ 1‬ينتج‬
‫اإلرهابيّين‪ .‬وسنتوقف‪ 1‬عند المثال األول (اإلرهاب صناعة أجنبية من الطّراز األوّل)‪ .‬وسنتوقف‪ 1‬هنا عند‬
‫أمرين حاكمين في بنينة هذه االستعارة‪:‬‬
‫أ ّوال‪ :‬يصدر‪ّ 1‬‬
‫الذهن هنا من نظريّة مسيطرة على كثير من األذهان وهي نظريّة المؤامرة‪.‬‬
‫فاإلرهاب‪ 1‬ليس منّا بل هو منتوج أجنب ّي دخيل علينا‪ .‬ث ّم إنّه يفترض جملة من االقتضاءات نبنين من‬
‫خاللها تصوّر اإلرهاب باعتباره كك ّل صناعة لها صانع‪ ،‬ومصانع‪ 1،‬وآالت إنتاج‪ ،‬وتس ّخر‪ 1‬لها امكانيات‬
‫ضخمة (المثال الرابع) وعمليات تسويق‪ ،‬وتتعلّق‪ 1‬به مصالح‪ ،‬وله لوبيات مستفيدة‪ ،‬وأسواق عالميّة‪ ،‬وله‬
‫زبائن‪ ،‬وتجار‪1...‬‬
‫ي سياس ّي‪ .‬وتنطلق‪ 1‬من حكم أوّل ّي تجاه‬
‫ثانيا‪ :‬تصدر هذه االستعارة عن اشتغال ايديولوج ّ‪1‬‬
‫الصناعات األجنبيّة مرتبط بكثير من الرّيبة وال ّشكوك‪ .‬والصناعة األجنبيّة المقصودة هي الصّادرة أساسا‬
‫من البلدان الصناعيّة المهيمنة والمسيطرة‪ .‬فتشتغل هنا تجربة قديمة جديدة مؤلمة مع االستعمار‪ 1‬والهيمنة‬
‫في إطار الحركة االستعماريّة للسيطرة على األسواق‪ 1.‬لترويج فوائض إنتاج مصانع ال ّدول المصنّعة‪.‬‬
‫وسرقة الثروات األوّلية لألوطان‪ .‬وماعاناه ال ّشعب التّونسي‪ 1‬من ويالت‪ ،‬وتنكيل‪ ،‬واضطهاد‪ ،‬في تاريخه‬
‫غير البعيد مع االستعمار‪ 1.‬وما هو حاصل اليوم أيضا من تخريب للبلدان العربيّة في العراق وسوريا‪ 1‬ومن‬
‫هجمة شرسة‪ .‬إنّه تجربة الحرب من جديد‪ ،‬والمقاومة‪ ،‬والمكافحة ض ّد عد ّو قديم يحاول العودة بطرق‬
‫جديدة ومن مداخل متخفّية بأغطية متع ّددة‪ .‬فاالستعارة تكشف الحجاب عن حقائق متخفيّة‪.‬‬
‫االستعارة هنا استعارة معقّدة‪ ،‬تمزج بين سياقات تصوّرية متع ّددة‪ :‬بينها ماهو تجريبي ّي معيشي‪،‬‬
‫ي تفسير ّ‬
‫ي لألحداث المؤلمة والصادمة باعتبارها نتاج تآمر‬ ‫ي فكر ّ‪1‬‬
‫ي سياس ّي‪ ،‬وماهو نظر ّ‬
‫وما هو إيديولوج ّ‪1‬‬
‫خارجي‪ ،‬وبين ما هو نفس ّي صادر عن تجربة تاريخيّة مؤلمة لصدمة استعماريّة كانت غاشمة وظالمة‬
‫وتركت ندوبا‪ 1‬كثيرة في ّ‬
‫الذاكرة‪ .‬كما تحمل أيضا في طيّاتها اقتضاءات عديدة باعتبار اإلرهاب عدوّا أجنبيّا‬
‫وإن جنّدت له أياد داخليّة‪ ،‬وبوجوب الحرب عليه واعتبارها حربا مقدسة للدفاع عن ّ‬
‫الذات‪ .‬وفيها‪ 1‬أيضا‬
‫دعوة لترك الصناعات األجنبيّة ومنتجاتها واالهتمام‪ 1‬ببناء صناعة وطنيّة قويّة تم ّكن لل ّدولة أسس المناعة‬
‫ألن اإلرهاب هو نتيجة لضعف ال ّدولة‪.‬‬
‫ّ‬
‫الذهن بكل ذلك وهو يبني بكل الجزئيات هذه االستعارة المعقّدة الّتي هي حصيلة تجارب‬
‫يشتغل ّ‬
‫عديدة وبطريقة الواعية‪ .‬فهو يستحضر‪ 1‬التّجارب من مجاالت مصدر متنوّعة‪ .‬ويقتطع منها الجوانب‬
‫المفيدة في تركيب التصوّر للمجال الهدف‪ .‬ويستجلب االقتضاءات‪ .‬ويبني االستدالالت بينها‪ .‬ويكثّف عمليّة‬

‫‪75‬‬
‫اإلسقاط داخل البؤرة االستعاريّة المختزلة في العبارة اللّغوية‪ .‬ليحصل في النّهاية عن تركيب مزج ّي‬
‫ي مر ّكب تنفجر منه دالالت متع ّددة‪.‬‬
‫استعار ّ‪1‬‬
‫يعمل ّ‬
‫الذهن في ك ّل ذلك من خالل نظام عصب ّي دقيق‪ ،‬ويجري عمليات معقّدة في وقت سريع جدا‬
‫وهو ما يبرهن عليه العلم العرفن ّي من أه ّمية الالّوعي في بناء التص ّورات مثلما سبق وأن بيّنا ذلك في‬
‫الباب األوّل من البحث‪.‬‬

‫‪ I-1-4‬اإلرهاب آفة‬
‫تعتبر هذه االستعارة المفهوميّة االستعارة المركزيّة الثّانية لتص ّور‪ 1‬اإلرهاب من حيث التّواتر‪ 1‬في‬
‫مداخالت النّواب‪ .‬وقد‪ 1‬تكرّرت أربعا وخمسين مرّة وهي تترد ّ‪1‬د كما استعارة "اإلرهاب ظاهرة" في‬
‫مداخالت أغلب النّواب على اختالف انتماءاتهم‪ 1‬وإن بنسب مختلفة‪.‬‬
‫المصدرمداولة عدد‪...‬ص‪..‬‬ ‫التّجليات االستعاريّة اللّغوية‬
‫م‪.‬ع ‪39‬ص‪1344‬‬ ‫‪-1‬اإلرهاب آفة تطوّرت‪ 1‬وتتّجه نحو تخريب الدول والقضاء عليها ونحو‪ 1‬تقسيم‬
‫المجتمعات وتشتيتها‪ 1‬ونحو العودة بالبلدان إلى الماضي‪1.‬‬
‫م‪.‬ع ‪39‬ص‪1339‬‬ ‫إن اإلستراتيجيّة الوطنيّة ال ّشاملة‪ ...‬كفيلة بالقضاء على هذه اآلفة‪.‬‬
‫‪ّ -2‬‬
‫م‪.‬ع ‪39‬ص‪1345‬‬ ‫‪ -3‬إن تحديث البرامج التربويّة بما يتالءم والعصر‪ 1‬وفي ظل تنامي اإلرهاب‬
‫بات أمرا ضروريا للتّوقي‪ 1‬من هذه اآلفة واجتثاثها‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪38‬ص‪1310‬‬ ‫‪ -4‬أنتم وحكومتكم‪ 1‬الموقّرة تحملون عبء ومسؤولية ثقيلة لمحو هذا العار‬
‫واإلهانة للشعب التونسي‪ 1‬بالقضاء على آفة اإلرهاب الدّخيل على ديننا الحنيف‬
‫وقيمنا التونسية‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫م‪.‬ع ‪37‬ص‪1275‬‬ ‫‪ -5‬وما يتطلبه ذلك من تعبئة كافة إمكانيات الدولة لدحر آفة اإلرهاب والتّوقي‬
‫منها‬
‫م‪.‬ع ‪37‬ص‪1279‬‬ ‫‪ -6‬وسيكون قرارا حاسما في حربنا هذه وفي آليات مقاومة هذه اآلفة‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪37‬ص‪1288‬‬ ‫‪ -7‬إن انخراط‪ 1‬الشعب التونسي في محاربة آفة اإلرهاب عن قناعة أمر هام جدا‪.‬‬
‫من األوصاف‪ 1‬التي نجدها تتكرر في الحديث عن هذه اآلفة نذكر خطيرة‪،‬‬
‫مدمرة‪ ،‬تهدد‪ ،‬هدامة‪ ،‬كبرى‪....‬‬

‫تعرّف اآلفة في معاجم اللّغة على أنّها ك ّل ما يصيب شيئا فيفسده من عاهة َأو مرض َأوقحط‪.‬‬
‫ويقال آفَة العلم النّسيان بمعنى مصيبة العلم‪ .‬واآلفة معروفة خاصة في ميدان ال ّزراعة‪ .‬وهي ك ّل ما يفسد‬
‫ال ّزرع من دود أو حشرات وغيرها‪ .‬وهي بهذا المعنى منتشرة االستعمال في تونس‪.‬‬
‫فمن خالل هذه السّياقات‪ 1‬يمكن أن نستخلص عديد السّمات ال ّداللية الّتي تحملها كلمة آفة فهي تعني‬
‫الفساد واإلفساد‪ 1.‬وتعني المصيبة والكارثة‪ .‬واآلفة ال حقيقة مجسّمة لها‪ ،‬بل هي تتش ّكل في ك ّل ما يفسد‪.‬‬
‫فاآلفات‪ 1‬ال ّزراعية تشمل أنواعا ً من الحشرات‪ ،‬والحشائش‪ ،‬ومسبّبات أمراض النّبات من البكتيريا‪،‬‬
‫والفطريّات‪ ،‬والفيروسات‪ ،‬والديدان الثعبانيّة‪ ،‬وأيضاً‪ 1‬من الفقاريات مثل القوارض‪ ،‬والطّيور‪ ،‬والجراد‪.‬‬
‫إذن قد تكون قارضا‪ ،‬أو طائرا‪ ،‬أو حشرة‪ ،‬أو دودة‪ ،‬أو كائنا مجهريّا المرئيّا‪ ،‬يفسد الزرع بطريقة تتميّز‬
‫بسرعة االنتشار‪ ،‬وبالقضاء التّام على ك ّل ما يعترضها‪ ،‬و هي ال تشبع أبدا ‪.‬وتتكاثر‪ 1‬بطريقة كثيفة جدا‪.‬‬
‫من ك ّل هذه السّمات ال ّداللية تنشأ استعارات عديدة في اللّهجة التونسية‪ .‬يُبنينُها المجال التصوّري الّذي‬
‫نحمله في أذهاننا لآلفة فنجد عبارات من نوع‪:‬‬
‫فالن ‪" :‬آفة قراية "‪" /‬آفة ماكلة" ‪" /‬آفة "كذب"‬
‫أن كالّ من هذه األمثلة االستعاريّة تبنين التّصور بطريقة جزئيّة‪ ،‬حيث يأخذ اإلسقاط‬
‫نالحظ ّ‬
‫االستعار ّ‬
‫ي جانبا جزئيّا مقابل إهمال الجوانب األخرى‪:‬‬
‫‪ -‬ففالن "آفة قراية" إنّما نُبنين من خالل هذه االستعارة تصوّرنا‪ 1‬مستفيدين من إسقاط مفهوم السّرعة في‬
‫تحصيل المعرفة‪ .‬ومن مفهوم اإلقبال ال ّدائم على المعرفة والعلم بنهم دون شبع ‪.‬‬
‫‪ -‬فالن "آفة ماكلة" نستفيد في هذه االستعارة من إسقاط جزئيّة معيّنة من المجال المصدر وهي القدرة‬
‫الكبيرة لاللتهام لآلفات الحيوانيّة خاصة القوارض أو الجراد الّذي ال يترك شيئا‪.‬‬
‫‪ -‬فالن "آفة كذب" تأخذ هذه االستعارة من المجال المصدر‪ 1‬إسقاطا جزئيا يخصّ ّ‬
‫أن شخصا ما يكذب وال‬
‫يم ّل من الكذب‪ .‬فاآلفة ال تم ّل وال تك ّل من إفساد‪ 1‬الزرع والقضاء عليه‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫قد تبدو لنا من خالل هذه األمثلة مالحظة مثيرة للتّساؤل عن االنسجام االستعاريّ‪ .‬إذ قد تكشف‬
‫عن نوع من التّناقض في الظّاهر‪ .‬فمرّة تحمل االستعارة شحنة دالليّة إيجابيّة "فالن آفة قراية"‪ .‬بينما في‬
‫المثالين اآلخرين نجد نفس االستعارة تحمل شحنة دالليّة سلبيّة‪ .‬فكيف‪ 1‬تفسّر لنا نظريّة االستعارة‬
‫المفهوميّة ذلك؟ أي بمعنى آخر كيف تُعيد ما بدا لنا متناقضا داخل النّسق التصوّري‪ 1‬لالستعارة الواحدة إلى‬
‫صورته المنسجمة في األصل؟‬
‫ي يظل قائما‪ّ 1‬‬
‫ألن في كل سياق استعار ّ‪1‬‬
‫ي ركزنا على جزء من سمات المجال‬ ‫ّ‬
‫إن االنسجام االستعار ّ‪1‬‬
‫ي يظ ّل شديد‬ ‫المصدر‪ 1‬وأهملنا سمات أخرى‪ .‬سير ّكز‪ 1‬عليها في سياق‪ 1‬استعار ّ‬
‫ي آخر‪ .‬فاالنسجام‪ 1‬االستعار ّ‬
‫التعلّق بالسّياق‪ .‬فإن كانت السرعة محمودة في تحصيل المعرفة فهي منبوذة في األكل‪.‬‬
‫نعود إلى استعارة "اإلرهاب آفة" فهي على عكس استعارة "اإلرهاب ظاهرة" الّتي تنسّب‬
‫عواطف الخوف والهلع وتر ّد المجهول للمعلوم‪ ،‬و تُبنين التّصوّر انطالقا‪ 1‬من التّجربة الثّقافية والمعرفيّة في‬
‫التّعامل مع الظواهر‪ ،‬وإخضاعها للنّسق العلم ّي الخاص بدراسة الظواهر ومعالجتها‪ 1‬م ّما يخلق شعورا‬
‫بالثّقة والسيطرة والقدرة‪ .‬على عكس ذلك استعارة "اإلرهاب آفة" تكثّف عواطف الخوف والفزع النّاتجة‬
‫باألساس من الخوف الطبيع ّي من المجهول غير المعلوم فهي (دخيلة على ديننا الحنيف وقيمنا التونسيّة‬
‫المثال عدد‪ .)4‬و نجد تعزيزا‪ 1‬لذلك في توصيفات ع ّدة في هذه االستعارات تأتي مقترنة مع كلمة آفة مثل‬
‫(خطيرة‪ /‬مد ّمرة‪ /‬ه ّدامة‪ /‬كبرى‪ )...‬أو أفعال تبيّن سرعتها الفائقة وقدرتها الكبيرة على التم ّدد والتّطور‬
‫والتّدمير‪ 1‬والتّخريب (المثال عدد ‪1‬اإلرهاب آفة تطوّرت‪ ،‬وتتّجه نحو تخريب الدول‪ ،‬والقضاء عليها‪ ،‬ونحو‬
‫تقسيم المجتمعات‪ ،‬وتشتيتها)‪.‬‬
‫تأتي هذه االستعارة "اإلرهاب آفة" من خلفيّة أنتروبولوجيّة مترسّخة في عادات وتصوّرات‪1‬‬
‫المجتمعات الزراعيّة الّتي تمثّل ال ّزراعة موردها‪ 1‬الوحيد للعيش والّتي لها تجارب قاسية عبر تاريخها مع‬
‫الجوائح الطبيعيّة واآلفات الزراعيّة‪ .‬وتونس لها ماض أليم مع هذه الجوائح واآلفات خاصة في القرن‬
‫التّاسع عشر ‪ -‬ويمكن الرجوع‪ 1‬في ذلك إلى نصوص إتحاف أهل ال ّزمان البن أبي الضياف وما أصاب أهل‬
‫المحروسة من عسر نتيجة الجفاف واآلفات والجوائح ذهبت بالثلثين وتركت الثلث ‪ . -‬فاآلفات الزراعيّة‬
‫كانت تمثّل ق ّوة قاهرة‪ .‬تأتي على األخضر واليابس بطريقة سريعة ومفاجئة في زمن لم تكن فيه العلوم‬
‫الفالحيّة متطوّرة لرصد األمراض الزراعيّة‪ ،‬والفيروسات الطبيعيّة الّتي تنتقل‪ ،‬وتنتشر‪ 1‬بسرعة‪ .‬فظهور‪1‬‬
‫اآلفة كان مصيبة وكارثة ته ّدد المصير والوجود‪ 1.‬وتقضي على موارد الحياة‪ .‬وكان ظهور اآلفات صراعا‬
‫ي يتكاثف‪ 1‬بكثرة‪ ،‬ويتق ّدم‪ ،‬وينتشر‪ ،‬ويتف ّشى بسرعة‪ .‬وكانت مواجهته بالوسائل‬
‫مع المجهول‪ ،‬ومع عد ّو قو ّ‬
‫الما ّدية المتوفّرة قليلة الجدوى في أحيان كثيرة‪ .‬فكان اللّجوء إلى الطّقوس وإلى الجوانب الميتافيزيقيّة ‪ .‬فمع‬
‫اآلفة ينشط‪ 1‬في ّ‬
‫الذهن جانب آخر قديم في التّعامل مع التّصوّرات هو الجانب األسطور ّ‬
‫ي في تكوين تجربتنا‬
‫أن ال شيىء من تجاربنا‪ 1‬ولو تلك القديمة ج ّدا في معارفنا‪1‬‬
‫األولى في العالم‪ .‬و نلمح هنا شيئا مه ّما وهو ّ‬
‫‪78‬‬
‫الموروثة يموت ويضمحل‪ 1.‬بل ربّما ينطوي تحت سطح المعارف والتّجارب األكثر ج ّدة‪ .‬ولكنّه يظ ّل‬
‫متم ّكنا في الالّوعي ويبرز إلى السطح في وقت األزمات مع ظهور مثيرات قويّة خاصة تلك الّتي تتعلّق‬
‫بعاطفة الخوف‪ 1‬وال ّشعور بالتّهديد‪1.‬‬
‫ولعلّنا نجد هنا أثرا للفكرة الّتي عبّر عنها كاسيرير‪ 128‬الّذي يرى ّ‬
‫أن هناك روابط‪ 1‬قويّة بين نم ّو‬
‫ي والفكر اللّغوي‪ .‬فهما يفيضان من النّبع ذاته‪ .‬وهذا النّبع يس ّميه "استعارة الجذر"‪.129‬‬
‫الفكر األسطور ّ‪1‬‬
‫فاالستعارات اللّغوية تنمو بالطريقة نفسها اّلتي تنمو بها اآللهة لدى مختلف ال ّشعوب الّتي مازالت تعيش‬
‫على الطّبيعة‪ .‬بل ّ‬
‫إن ال ّديانات القديمة كافة كانت تعتمد في األساس على اإليمان بقوّة االستعارة أي امكانية‬
‫‪130‬‬
‫التّطابق‪ 1‬بين االسم و الشيىء‪.‬‬

‫‪ I-1-5‬اإلرهاب نبات خبيث‬


‫المصدرمداولة عدد‪...‬ص‪..‬‬ ‫التجلّيات االستعاريّة اللّغويّة‬
‫م‪.‬ع ‪39‬ص‪1345‬‬ ‫‪ -1‬أعتقد أن االستبداد والفقر والتّهميش والجّهويات‪ 1‬وبيع البالد هي األرضيّة‬
‫الخصبة لإلرهاب‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪39‬ص‪1345‬‬ ‫‪ -2‬ما يه ّمنا هو قانون يحمي الحقوق والحرّيات وفي‪ 1‬نفس الوقت مجديا في‬
‫مقاومة هذه اآلفة واجتثاثها‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪39‬ص‪1352‬‬ ‫‪ -3‬فاإلرهاب له عدة منابع‪ ،‬ودون استئصاله من جذوره سيبقى قائم ّ‬
‫الذات‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪39‬ص‪1357‬‬ ‫يظن أنّه و بهذا القانون وحده نكون قادرين على اجتثاث‬ ‫‪ -4‬فواهم من ّ‬
‫اإلرهاب‪ ،‬اجتثاث هذه الظاهرة القديمة الجديدة على ال ّشعب التّونسي وتونس‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪39‬ص‪1365‬‬ ‫‪ -5‬ال بد من إزالة مسبّباته بصفة جديّة من هذه المناطق‪ 1‬حتى نتم ّكن من اقتالع‬
‫هذه الظّاهرة بصفة جذريّة‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪39‬ص‪1368‬‬ ‫‪ -6‬اإلرهاب إذا ما نما وترعرع فإنه ينمو بثنائيات التّخاذل والتّهاون أو قلّة‬
‫الوعي أو االنقياد األعمى للمال‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪39‬ص‪1371‬‬ ‫‪ -7‬ويتغذى كذلك من الهشاشة الثقافيّة واالجتماعيّة الّتي يعانى منها الشباب‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪37‬ص‪1274‬‬ ‫‪ -8‬أؤكد أن العمليّة إلرهابيّة الجبانة لن تزيدنا إال إصرارا‪ 1‬على مواصلة‬
‫الحرب بدون هوادة من أجل اقتالع اإلرهاب من جذوره ومالحقة اإلرهابيين‬
‫‪ Cassirer Ernst - 128‬ارنست كاسيرير ( ‪ )1945-1874‬فيلسوف ألماني اشتهر كأبرز شارح للفلسفة الكانطية هاجر‬
‫للواليات المتحدة األمريكية في ‪ 1933‬وتوفي بها له عدة أعمال في دراسة اللّغة وعالقتها باألسطورة وبدراسة الرّموز‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫‪Root metaphor -‬‬
‫ت ّم الرجوع للمصطلح باللغة االنقليزية إلى نصّ الترجمة االنقليزية لكتاب كاسيرير ورأينا أن نستعمل مصطلح "استعارة‬
‫الجذر" عوضا عن مصطلح "االستعارة الجذرية" الوارد في الترجمة العربية لسعيد الغانمي‬
‫‪Language and Myth ;Translated By Susanne K.Langer ;Dover Publication .inc;New‬‬
‫‪york .1953‬‬
‫‪https://monoskop.org/images/f/fa/Cassirer_Ernst_Language_and_Myth_1953.Pdf‬‬
‫‪ - 130‬أرنست كاسيرير‪ ،‬اللّغة واألسطورة‪ ،‬ترجمة سعيد الغانمي‪ ،‬الفصل السادس‪ :‬ق ّوة االستعارة ‪ ،‬هيئة أبو ظبي للثقافة‬
‫والتراث ‪،‬المجمع الثقافي‪ - 2009 ،‬ص‪151‬‬
‫‪79‬‬
‫القتلة‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪37‬ص‪1280‬‬ ‫ّ‬
‫ولتجذر اإلرهاب وهو أمر غريب‬ ‫‪ -9‬نحن عندما نعود للسبب الرئيس ّي لتفاقم‬
‫عنّا في تونس‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪39‬ص‪1345‬‬ ‫‪ -10‬حربنا ض ّد اإلرهاب لن تنجح نهائيّا إذا لم نقتلع هذه اآلفات من جميع‬
‫مؤسّساتنا وهذا بال هوان وال أيادي مرتعشة‪.‬‬

‫تتعالق استعارة "اإلرهاب آفة" مع استعارة أخرى لتبني انسجام النّسق التّصوّري‪ 1‬وهي استعارة‬
‫"اإلرهاب نبات"‪ .‬فمن نفس اإلطار ال ّزراعي الّذي صدرت عنه استعارة "اإلرهاب آفة" تنشأ استعارة‬
‫أخرى وهي اإلرهاب نبات‪ .‬فمن اآلفات كما رأينا أنواع من الحشائش و الشتالت المصابة‪ ،‬وكذلك‬
‫األشجار‪ 1‬الّتي تصيبها العدوى‪ 1‬فهي تتحوّل بدورها إلى آفة وخطر‪ 1‬مح ّدق ببقيّة الحقول المجاورة‪.‬‬
‫إن الخروج من التّصوّر المجرّد لآلفة وهو تص ّور‪ 1‬عام‪ ،‬وخف ّي‪ ،‬وغامض‪ ،‬وتجسيمها‪ 1‬في تصوّر‬
‫ّ‬
‫النّبات أو ال ّشجرة الخبيثة المصابة بالعدوى‪ 1‬يم ّكن من الح ّد من عواطف الخوف والهلع‪ .‬وإنّنا وقتها‪ 1‬بالضبط‬
‫نفعّل تجاربنا‪ 1‬الماضية في التّعامل مع هذا النّوع من الخطر المحدق‪ .‬وهي تجارب تطوّرت‪ 1‬مع ال ّزمان‬
‫وتق ّدم العلم‪ .‬و لئن حافظت على أسس التّجربة األولى في التّعامل مع هذه الحالة‪ ،‬فهي تستفيد من تط ّور‪1‬‬
‫هذه التّجربة بحكم التّفاعل اليوم ّي وما تم ّكننا منه الكشوفات العلميّة من نتائج‪.‬‬
‫ع ال ّشيء من َأصله"‪.‬‬‫فالح ّل يكمن في القلع بل في االجتثاث‪ .‬والقل ُع في لسان العرب هو "ا ْنتِزا ُ‬
‫ع ال ّشجر من ُأصوله‪ .‬و في التّنزيل‬ ‫طعُ؛ وقيل‪ :‬قَ ْ‬
‫ط ُع الشيء من َأصله‪ ،‬وقيل‪ :‬انتزا ُ‬ ‫ث في اللّسان " القَ ْ‬
‫وال َج ُّ‬
‫ت بَأنها ال ُم ْنتزَ عة ال ُم ْقتَلَعة‪ .‬قال‬ ‫وق اَألرض ما لها من قَرار‪ .‬فُس َِّر ْ‬ ‫العزيز في الشجرة الخبيثة‪ :‬اجْ تُثَّ ْ‬
‫ت من فَ ِ‬
‫ت جُثَّتُه بكمالها"‪.‬‬ ‫ث الشي ُء في اللغة‪ُ :‬أ ِخ َذ ْ‬ ‫ت من فوق‪ 1‬اَألرض ومعنى اجْ تُ َّ‬ ‫الزجاج‪َ :‬أي ا ْستُْؤ ِ‬
‫صل َ ْ‬
‫واالستعارة المفهوميّة "اإلرهاب نبات" نجد لها تجلّيات استعاريّة لغويّة مختلفة مثلما تبيّنه األمثلة المختلفة‬
‫الّتي أوردناها‪ .‬فتصوّرنا‪ 1‬لإلرهاب على أنه نبات شيطان ّ‪1‬‬
‫ي يستح ّ‬
‫ق القلع واالجتثاث تجعلنا نتعامل معه‬
‫بجملة من االقتضاءات منها ّ‬
‫أن‪:‬‬
‫‪ -‬له أرضيّة خصبة‪.‬‬
‫‪ -‬وله منابع‪.‬‬
‫‪ -‬وله جذور‪.‬‬
‫‪ -‬وهو يتغذى وينمو ويترعرع‪. 1‬‬
‫انطالقا‪ 1‬من ك ّل هذه االقتضاءات يشتغل ّ‬
‫الذهن في تأسيس التّصوّر بترسيم‪ 1‬اإلسقاطات التصوّرية‬
‫المنقولة من المجال المصدر" النّبات الخبيث" إلى المجال الهدف "اإلرهاب"‪ .‬فعبر‪ 1‬هذه االستعارة‬
‫االنطولوجيّة نستطيع فهم تجاربنا‪ 1‬عن طريق األشياء والمواد م ّما يسمح لنا باختيار‪ 1‬عناصر تجربتنا‪1‬‬

‫‪80‬‬
‫ومعالجتها‪ 1‬ككيانات محسوسة قابلة للتّكميم‪ ،‬والتّحجيم‪ ،‬والتّقييم‪ .‬فيبنين نسقنا التصوّري من خالل ك ّل ذلك‬
‫مفهومنا للمجال الهدف اإلرهاب نسخا عن بنية المجال المصدر النّبات الخبيث كالتّالي‪:‬‬

‫المجال الهدف‪ :‬اإلرهاب‬ ‫المجال المصدر‪ :‬النّبات الخبيث‬


‫له قاعدة فكريّة‪ ،‬وحاضنة ايديولوجيّة‪ ،‬ويستفيد من الوضع‬ ‫له أرضية خصبة تيسّر نموّه‪.‬‬
‫ي غير المتوازن وحالة التّهميش الّتي تعيشها عديد الجهات‬
‫االقتصاد ّ‬
‫والفئات‪.‬‬
‫له فكر تكفيريّ‪ ،‬وله تمويل ماديّ‪ ،‬وجهات دوليّة واستخباريّة‬ ‫له منابع‪.‬‬
‫مستفيدة داعمة‪.‬‬
‫ي تاريخ ّي‪.‬‬ ‫له اتّصال فكر ّ‬
‫ي وحضار ّ‬ ‫له جذور‪.‬‬
‫يتطوّر ويتّسع ويقوى‪.‬‬ ‫يتغذى وينمو ويكبر‪.‬‬

‫إن بنينة التّصور‪ 1‬من هذا الجانب تر ّكز باألساس على التّوصيف‪ ،‬والتّعريف‪ ،‬والتّحديد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ه‬
‫للبيئة التي توفّر األسباب المباشرة لظهور النّبات الخبيث الّذي يمثل آفة خطيرة ته ّدد بانتقال العدوى‬
‫بسرعة إلى بقيّة المزارع إذا لم يت ّم التّعامل معه‪ .‬وإسقاطاتها‪ 1‬في بنينتنا لتصوّرالبيئة الحاضنة لإلرهاب‪.‬‬
‫فكيف‪ 1‬تم ّدنا التجربة بالحلّ؟ هنا أيضا تقع جملة من اإلسقاطات من المجال المصدر نحو المجال الهدف‬

‫المجال الهدف‪ :‬اإلرهاب‬ ‫المجال المصدر‪ :‬النبات الخبيث‬


‫‪ -‬رصد بؤر اإلرهاب‪.‬‬ ‫‪ -‬رصد النّباتات الخبيثة وتحديد مكانها‪.‬‬
‫‪ -‬المطاردة األمنية لك ّل العناصر اإلرهابية وإحالتها للقضاء‪.‬‬ ‫‪ -‬قلع النّبات المصاب والمنتقلة إليه العدوى‪.‬‬
‫‪ -‬القبض على الرؤوس القياديّة الكبيرة ‪ ،‬والمنفّذين للعمليّات‬ ‫‪ -‬اجتثاث األشجار الخبيثة من جذورها‪.‬‬
‫اإلرهابيّة‪ ،‬وخصوصا العناصر المتخفيّة والتّعامل معها‬
‫بأقصى العقوبات الّتي تص ّل ح ّد اإلعدام في قانون اإلرهاب‬
‫الجديد‪.‬‬
‫تم ّكننا من االستفادة من خبرتنا في مجال مقاومة اآلفات ال ّزراعية لمقاومة آفة اإلرهاب وتكون كالتّالي‪:‬‬

‫ن‬
‫‪81‬‬
‫أن كلمتي " اجتثاث" و"قلع" تكرّرت في مداخالت النّواب بطريقة مكثّفة (نجتث‪،‬‬
‫نالحظ هنا ّ‬
‫اجتثاث ستة عشر مرة ) (نقتلع ‪ ،‬اقتالع ثماني مرات) ‪ .‬وقد عبّر عنها قانونيّا بالعقوبات الزجريّة القاسية‬
‫الّتي تصل ح ّد اإلعدام في نصّ القانون المكافئ تقريبا لالجتثاث‪ .‬ومن هنا تكون خصوصيّة المدوّنة الّتي‬
‫اشتغلنا عليها باعتبار أنّها تمثّل نوعا خاصا من الخطاب السياس ّي الّذي يخصّ السلطة التشريعيّة بما لها‬
‫من سلطة تفويضيّة مباشرة من ال ّشعب‪ .‬إذ يكتسب الخطاب واللّغة في هذه المدوّنة بعدا إنجازيّا‪ 1311‬عندما‬
‫يتحوّل إلى نصّ قانون ّي ملزم‪ 132‬وله سلطة نافذة باسم ال ّشعب‪ .‬فيتحوّل الخطاب إلى فعل متض ّمن في القول‬
‫يكتسب به الفعل قوّة إنجازية فعليّة‪ .‬واألفعال اإلنجازيّة عند أوستين‪ 133‬مؤسسة على مواضعات من النّوع‬
‫القضائ ّي‪ ،‬حيث تترتب على المتكلّم‪ ،‬والمستمع‪ 1‬حقوق وواجبات‪ 1‬هما مطالبان بااللتزام بها‪ .‬وهذا الجانب‬
‫التّداولي‪ 1‬هو ما اهت ّم سلطان كوفيتش‪ 1341‬بتطويره في نظريّة االستعارة المفهوميّة‪ .‬فقد عمل على توسيع‬
‫النّظر في االستعارة باستيعاب األبعاد التداوليّة حيث تستم ّد االستعارة قوّتها من هذا التّقاطب المنتج للتوتّر‬
‫ولتو ّسع‪ 1‬حركة المعنى بين الفعل القول ّي (فعل أن تقول) والفعل المتض ّمن في القول (ما أفعل وأنا أقول)‬
‫فما بدا في البداية استعاريّا يتحوّل في النصّ القانوني‪ 1‬إلى أحكام و أشكال من العقوبات الزجريّة السّالبة‬
‫للحريّة والّتي تصل ح ّد اإلعدام‪.‬‬
‫فالصّور االستعاريّة الّتي تظهر غائبة في النصّ القانون ّ‪1‬‬
‫ي الملتزم بأعلى درجات التّجريد إنّما هي‬
‫فاعلة باألساس في األنساق التصوّرية االستعاريّة للمشرّع‪ 1.‬وتظهر قوّة تأثيرها في المرحلة األساسيّة من‬
‫صياغة القوانين سواء بالمناقشات‪ 1‬والمداوالت في اللّجان أو في النقاش العام بالجلسات العا ّمة‪ .‬وهذا ربّما‬
‫وأن اللّغة المجرّدة هي مستوى‪ 1‬ثان للّغة وهي نتاج‬
‫أن اللّغة االستعاريّة هي األصل‪ّ .‬‬
‫يقودنا إلى افتراض ّ‬
‫التّفكير الواعي باألساس‪.‬‬

‫بعد هذه المالحظة ننتقل إلى وجه آخر من اإلسقاط االستعار ّ‪1‬‬
‫ي الستعارة "اإلرهاب نبات خبيث"‬
‫الّتي تتعلّق بالمرحلة األساسيّة من الح ّل ونعني الوقاية‪ .‬فبعد عملية التص ّدي‪ 1‬المفروضة بحكم استعجاليتها‬
‫لدفع الخطر القائم والّتي رأينا اقتضاءاتها‪ 1‬وإسقاطاتها‪ 1‬في الجدول السابق‪ ،‬نلتفت إلى المرحلة األساسيّة من‬
‫الح ّل الّذي نستفيده من تجربتنا الطّويلة في مقاومة اآلفات ال ّزراعية‪ .‬فالتّجربة تقودنا إلى أنّه الب ّد من‬
‫ّ‬
‫ولكن الحكمة في معالجة أسبابه‬ ‫سياسة وقائيّة‪ .‬فالحكمة ال تتمثّل في مقاومة الخطر بعد تكوّنه وتغوّله‪،‬‬

‫‪131‬‬
‫‪performative‬‬
‫‪132‬‬
‫خطاب إلزام ّي ‪prescriptive speech‬‬
‫‪133‬‬
‫‪John Langshaw Austin -‬‬
‫‪134‬‬
‫‪Zoltán Kövecses‬‬
‫‪82‬‬
‫ومنع حدوثه أصال‪ .‬وتكون هنا بنينة استعاريّة تصوّرية ثانية بين المجال المصدر‪ 1‬والمجال الهدف‬
‫تفاصيلها كالتّالي‪:‬‬

‫المجال الهدف‪ :‬اإلرهاب‬ ‫المجال المصدر‪ :‬النبات الخبيث‬

‫االهتمام بالمناطق المه ّمشة والمحرومة‪ ،‬وبالفئات‬ ‫مداواة األرض لمنع حصول العدوى‪.‬‬
‫األكثر عرضة لالستقطاب خاصة ال ّشباب‪.‬‬

‫محاربة الفكر التّكفير ّ‬


‫ي بالفكر المعتدل والوسطي‪،‬‬ ‫القضاء على منابع العدوى‪.‬‬
‫وقطع التّمويل المشبوه ‪،‬وغرس الرّوح الوطنيّة في‬
‫النّاشئة‪.‬‬

‫ي من‬‫المحافظة على التع ّددية‪ 1‬السياسيّة واالنفتاح الفكر ّ‬ ‫المحافظة على التّوازن البيئ ّي باعتبار ّ‬
‫أن للطبيعة‬
‫دون إقصاء‪ .‬واحترام مبادئ حقوق اإلنسان‪ .‬والحفاظ‬ ‫توازنها ال ّداخلي وهو ما تعمل عليه اليوم الفالحة‬
‫على التّوازن االجتماع ّي‪.‬‬ ‫البيولوجيّة‪.‬‬

‫هذه بعض األمثلة لما يمكن أن تكون عليه اإلسقاطات االستعاريّة من كثافة دالليّة‪ .‬وم ّما تأخذه‬
‫معها من اقتضاءات واستلزامات متعلّقة بالمجال المصدر نحو المجال الهدف‪ .‬وهنا تكون التّجربة والتّفاعل‬
‫مع المحيط هي األساس في عملية النّقل االستعاريّ‪ .‬أي نقل مجال تجربة ثريّة سبق وأن تكونت لنا فيها‬
‫خبرة متراكمة إلى تجربة جديدة نفتقر فيها إلى التّجربة‪ .‬وتكون عملية االستدالل عمليّة حاكمة في ك ّل ذلك‪.‬‬
‫إن عمليّة االستدالل الّتي يقوم بها متقبّل االستعارة تجعله مشاركا‪ 1‬ومساهما بصفة جذريّة في إنتاج ال ّداللة‬
‫ّ‬
‫أن ما تنتجه من معنى إنّما يظهر وكأنه تحصيله الفكر ّ‬
‫ي‬ ‫والمعنى‪ 1.‬ومن ذلك تكون أقرب لإلقناع‪ 1‬باعتبار ّ‬
‫الذات ّي الخالص‪ .‬إنّها تجعل ما يُس ّوق‪ 1‬على أنّه حقائق داخل الخطاب وكأنّه ينبع من داخله عن طريق ما‬
‫تحقنه في ّ‬
‫الذهن من حوافز وموجّهات‪ 1‬للفهم‪.‬‬

‫‪ I-2‬تص ّور اإلرهاب والتّجربة المجسدنة‪:‬‬


‫من الكشوفات‪ 1‬الجديدة والخطيرة للعلم العرفن ّي هو ما توصّل إليه من نتائج حاسمة في الكشف عن‬
‫ي لفهمنا المجسدن في ك ّل مظاهر المعنى‪ ،‬وفي‪ 1‬بنية فكرنا‪ ،‬ومحتواه‪ .‬يقول جونسون‬
‫الدور المركز ّ‪1‬‬
‫واليكوف في كتابهما "الفلسفة في الجسد" " ّ‬
‫إن المعنى يرتبط بطرق‪ 1‬اشتغالنا بشكل دال في العالم‪ .‬وهي‬
‫الطّرق‪ 1‬الّتي ينشأ المعنى من خاللها عبر بنياتنا الجسديّة والتخييليّة‪ .‬وهذا يخالف الرّأي السّائد في الجيل‬

‫‪83‬‬
‫األوّل حيث المعنى ليس سوى عالقة مجرّدة بين الرّموز‪ 1‬أوبين الرّموز‪ 1‬والحاالت في العالم وال عالقة له‬
‫‪135‬‬
‫بكيفية اتّصال فهمنا بالجسد"‬
‫تجد االستعارة باعتبارها تمثّل لمجال على حساب مجال آخر في الجسد مجاال خصبا لتمثُّل‬
‫المفاهيم المجرّدة‪ .‬وتُعتبر‪ 1‬االستعارة الجسديّة‪ 136‬فرعا من فروع‪ 1‬االستعارة المفهوميّة‪ .‬وهي تكون في‬
‫اتجاهين إ ّما تمثّل المفاهيم المجرّدة على أساس أعضاء الجسد‪ ،‬أو تمثّل الجسد على أساس مجاالت أخرى‪.‬‬
‫وسننظر في استعارتين مفهوميتين تداولتا في مداخالت النّواب حول اإلرهاب ت ّمت فيهما بَنينَةُ هذا‬
‫التص ّور‪ 1‬وتقريبه للفهم من خالل إدراكاتنا الحسيّة الحركيّة َمثّل "الجسد" فيهما المجال المصدر الّذي‬
‫ننطلق منه لتفعيل جملة من اإلسقاطات لفهم المجال الهدف "اإلرهاب"‪.‬‬

‫‪ I-2-1‬اإلرهاب مرض‬
‫المصدر مداولة عدد‪...‬ص‪..‬‬ ‫التجلّيات االستعاريّة اللّغويّة‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1352‬‬ ‫‪ -1‬فاإلرهاب له عدة منابع‪ ،‬ودون استئصاله من جذوره سيبقى قائم ّ‬
‫الذات‬
‫حتّى في ظ ّل وجود‪ 1‬هذا القانون‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1357‬‬
‫أن الظّاهرة اإلرهابيّة ومعالجتها يجب أن تم ّر‬‫‪ -2‬أريد أن أنبّه الجميع إلى ّ‬
‫عبر معالجة اجتماعيّة واقتصاديّة وتنمويّة وبالخصوص بالمناطق‪ 1‬والجّهات‬
‫ال ّداخلية‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلرهاب ظاهرة وهو مرض وككل مرض فإن لديه أسبابا واألمراض لها م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1363‬‬
‫أسباب وأعراض‪ .‬وإن أردنا فعال مداواة المرض على أسس صحيحة فيجب‬
‫علينا أن نغوص في األسباب ونعرفها ألننا إذا اكتفينا بمعالجة األعراض‪ .‬من‬
‫الممكن أن نس ّكن األلم نوعا ما ولكن عندئذ سيصبح مرضا مزمنا فما هي‬
‫األسباب الحقيقيّة لإلرهاب؟‬
‫‪ -4‬مما تسبّب في تفشّي ظاهرة اإلرهاب وتوسع‪ 1‬رقعته لتشمل الجبال والمدن م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1365‬‬
‫على حد السواء‪.‬‬
‫تخدم هذه االستعارة النّسق التصوّري‪ 1‬الّذي تُبَنينُه استعارة "اإلرهاب ظاهرة" فهي تُواصل‬
‫التّدقيق‪ ،‬وتحصر التّعريف‪ 1.‬وهي بذلك تحاصر عواطف الخوف والفزع‪ .‬فاإلرهاب مع هذه االستعارة‬
‫اليتع ّدى‪ 1‬أن يكون حدثا دوريّا‪ 1‬من الحاالت الّتي نعيشها‪ 1‬في حياتنا اليوميّة‪ .‬فإن كان التّحديد في استعارة‬
‫"اإلرهاب ظاهرة" بإسقاطات من تجربة تُحيل على عالقاتنا بالعالم الخارج ّي‪ ،‬الظّواهر الّتي هي متع ّددة‬
‫سواء في العالم الماد ّ‬
‫ي وهو ما تبحث فيه العلوم الصحيحة مثل الفيزياء والكيمياء وعلم الفلك مثال‪ ،‬أو في‬
‫وسطنا‪ 1‬االجتماع ّي اإلنسان ّي وهو ما تبحث فيه العلوم اإلنسانيّة كعلم االجتماع وعلم النّفس‪ّ .‬‬
‫فإن استعارة‬
‫"اإلرهاب مرض" تحيل إلى تجربة ذاتيّة يعيشها كل فرد منّا‪ .‬وهي تجربة مجسدنة باألساس‪ .‬فالمرض‬
‫‪135‬‬
‫‪- Lakoff‬‬
‫‪; Johnson ;1999; p78‬‬
‫‪136‬‬
‫‪-body metaphor‬‬
‫‪84‬‬
‫إنّما يصيب الجسد‪ ،‬وله أسباب‪ ،‬وتظهر‪ 1‬له عوارض‪ ،‬وهو حالة طارئة‪ ،‬تستوجب التّشخيص والعالج‪،‬‬
‫وتقتضي‪ 1‬التقيّد بوصفة الطبيب الخبير‪ ،‬وتناول ال ّدواء ولو كان مرّا‪ّ .‬‬
‫إن المرور في تأسيس التصوّر من‬
‫ي والظّواهر‪ 1‬إلى اإلسقاطات ال ُمنتقية من تجربتنا الجسديّة يجعلنا نحسّ‬
‫إسقاطات تجربتنا مع العالم الماد ّ‬
‫بفهم أوضح للتص ّور‪ 1‬ونستكنه ماهيته من داخلنا وتكون البَنينَةُ كالتّالي‪:‬‬
‫المجال الهدف‪ :‬اإلرهاب‬ ‫المجال المصدر‪ :‬المرض‬
‫اإلرهاب له أسباب‪.‬‬ ‫المرض له أسباب‪.‬‬
‫اإلرهاب له أعراض‪.‬‬ ‫المرض له أعراض‪.‬‬
‫يجب الغوص في األسباب وعدم ااٌل قتصار على‬ ‫ال يجب تسكين األعراض عن طريق أدوية مس ّكنة بل‬
‫األعراض أي تجاوز المعالجة األمنيّة إلى معالجة‬ ‫يجب التّوجه بالعالج إلى األسباب األصلية للمرض‪.‬‬
‫األسباب الحقيقيّة‪.‬‬
‫اإلكتفاء بالمعالجة األمنية ال يح ّل المشكل بل يجعله‬ ‫االكتفاء بمس ّكنات األلم يجعل المرض يتطوّر ويتحوّل‬
‫يتعقّد ويكبر إن لم نتوجه لمعالجة شاملة‪.‬‬ ‫لمرض مزمن‪.‬‬
‫العناصر التي ثبت تو ّرطها في اإلرهاب خاصة تلك‬ ‫العضو المريض الّذي تف ّشى فيه المرض ولو أنه من‬
‫المسؤولة عن التّخطيط والتّمويل والتّوجيه والقيادة‬ ‫جسدنا إال أنّنا يجب أن نبادر باسئصاله لضمان سالمة‬
‫والتّنفيذ يجب استئصالها وتنفيذ أقسى العقوبات في‬ ‫بقيّة الجسد‪ .‬وهذا بحكم طب ّي‪.‬‬
‫حقّها‪ .‬وهذا بحكم قضائي‪.‬‬

‫يربط اليكوف‪ 1‬وجونسون استعارة الصّحة والمرض ارتباطا‪ 1‬وثيقا بتصوّراتنا‪ 1‬األخالقيّة‪ .‬فك ّل‬
‫تصوّراتنا األخالقيّة المجرّدة مبنية استعاريّا حيث تلعب الصحّة بالنسبة إلى غالبية النّاس دورا‪ 1‬هاما في‬
‫حياتهم حياة سعيدة‪ .‬وعليه ليس من المدهش العثور على استعارة "الصحّة رفاه" ومن التّبعات الحاسمة‬
‫أن الالّأخالق مرض كالطّاعون إذا تركناه انتشر في المجتمع‪ ،‬وأصاب الجميع بالعدوى‪1.‬‬
‫لهذه االستعارة ّ‬
‫وهذا يتطلّب تدابير قويّة لحفظ الصحّة األخالقيّة من قبيل الحجر الصحّي والتّطبيق‪ 1‬الصّارم لإلجراءات‬
‫وإن هذا يتطلّب عزل الناس غير المتخلّقين عن الناس المتخلّقين مخافة أن‬
‫الّتي تضمن النّقاء الصحّي‪ّ .‬‬
‫‪137‬‬
‫يصبحوا‪ 1‬غير متخلقين بدورهم‪ . 1‬وهذا المنطق‪ 1‬يعطي األسبقية لألدلّة على ارتكاب الجرم بالمشاركة"‬

‫‪ I--2-2‬اإلرهاب جسد‬

‫المصدر مداولة عدد‪...‬ص‪..‬‬ ‫التّجلّيات االستعاريّة اللّغويّة‬


‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1345‬‬ ‫‪ -1‬يكتسي اإلرهاب هذه المرة لبوس ال ّدين اإلسالم ّي‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1351‬‬ ‫‪ -2‬لفهم الحاضنة الحقيقيّة لإلرهاب وفهم من يحضن اإلرهاب في تونس‪.‬‬
‫‪137‬‬
‫‪- Lakoff ; Johnson ;1999 p278‬‬
‫‪85‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1352‬‬ ‫إن لإلرهاب وجها واضحا ومكشوفا‪.‬‬ ‫‪ّ -3‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1352‬‬ ‫‪ -4‬ضرب عنق اإلرهاب‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1359‬‬ ‫بالذات له غطاء وحاضنة سياسيّة‪.‬‬ ‫إن اإلرهاب وفي خصوصيّة تونس ّ‬ ‫‪ّ -5‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1355‬‬ ‫‪ -6‬اإلرهاب هو عابر للحدود‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 19‬ص‪551‬‬ ‫‪ -7‬اإلرهاب قد تغيّر اليوم في عمله وأصبح داخل المدينة‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1371‬‬ ‫‪- 8‬إن اإلرهاب ظاهرة معقّدة وليدة ع ّدة عوامل‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1359‬‬ ‫‪- 9‬انتصر في كولومبيا‪ 1‬على اإلرهاب الملتحف بالماركسيّة‪ ،‬وجاء لتونس ليسدّد‬
‫له اإلرهاب الملتحف باإلسالم ضربة قاسمة ("قاسمة" وردت كذا في النّص األصلي)‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 19‬ص‪556‬‬ ‫‪- 10‬اإلرهاب الّذي يقرع أبوابنا على بعض أمتار من هذا المجلس‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 39‬ص‪1351‬‬ ‫تتغذى من الحرمان ومن الفقر‪.‬‬ ‫‪ -11‬الظّاهرة االرهابيّة ّ‬
‫م‪.‬ع ‪ 37‬ص‪1277‬‬ ‫‪ - 12‬ويتواصل‪ 1‬مع الخاليا اإلرهابية النّائمة‪.‬‬
‫م‪.‬ع ‪ 38‬ص‪1315‬‬ ‫‪ -13‬أن اإلرهاب تس ّرب إلينا منذ أمد بعيد ولن تقاوم هذه الحكومة اإلرهاب‬
‫لوحدها‪.‬‬

‫ترجع ك ّل هذه التّجليات االستعاريّة اللّغوية إلى استعارة مفهوميّة واحدة وهي "اإلرهاب جسد" له‬
‫عنق‪ ،‬وله وجه‪ ،‬وله خاليا‪ .‬وتم ّكننا هذه االستعارة األنطولوجيّة الّتي يعتبرها المؤلّفان من االستعارات‬
‫األولى الّتي نتعلّمها في ّ‬
‫سن مب ّكرة‪ .‬ونخصّص من خاللها األشياء واألفكار‪ 1‬المجرّدة كما لو كانت شخصا‪.‬‬
‫وهذه االستعارات تسمح لنا بفهم عدد كبير ومتنوّع من التّجارب عن طريق‪ 1‬الحوافز والخصائص‬
‫واألنشطة البشريّة‪ .‬ويعتبر‪ 1‬التّشخيص‪ 138‬مقولة عامة تغطّي عددا كبيرا ومتنوّعا من االستعارات‪ .‬وهي‬
‫تسمح لنا بأن نعطي معنى للظّواهر في هذا العالم عن طريق ما هو بشريّ‪ ،‬فالنّظر‪ 1‬إلى شيىء مجرّد عن‬
‫‪139‬‬
‫ي له سلطة تفسيريّة تش ّكل بالنّسبة إلى غالبيتنا الوسيلة الوحيدة إلعطائه معنى‬
‫طريق‪ 1‬ما هو بشر ّ‬
‫ونحن نرصد ذلك بوضوح في األمثلة السّابقة الّتي أوردناها‪ 1‬لالستعارة المفهوميّة "اإلرهاب جسد"‬
‫حيث يسند لإلرهاب جملة من الخصائص واألفعال‪ 1‬واألنشطة البشريّة‪ .‬فهو يولد‪ ،‬وله حاضنة‪ ،‬وله غطاء‪،‬‬
‫فالخاصيّة األولى لهذه‬ ‫ّ‬
‫ويتغذى‪ ،‬ويتسرّب‪ ،‬ويقرع األبواب‪ ،‬ويعبر‪ 1‬الحدود‪....‬‬ ‫وكساء‪ ،‬ولحاف‪،‬‬
‫االستعارة المفهوميّة هي التّدقيق والتّخصيص‪ 1.‬فهي صريحة ومباشرة في تعيين اإلرهاب ال كممارسة‬
‫للعنف مجهولة المصدر‪ ،‬أو ضبابيّة النّسب‪ .‬بل هي تمضي‪ 1‬مباشرة التّهام أطراف‪ 1‬معيّنة تعتبرها المسؤولة‬
‫باألساس‪ .‬فاإلرهاب‪ 1‬له وجه واضح مكشوف‪ ،‬وله كيان مجسّد‪ .‬وتتجاوز ذلك إلصدار الحكم أي استئصاله‬
‫وإقصاؤه من الحلبة السياسيّة حيث يجب ضرب عنقه‪.‬‬
‫إن آليّات اشتغال النّسق التصوّري‪ 1‬ليست آليّات ذهنية متعالية عن الجسد والتّجربة‪ .‬بل كما رأينا‬
‫ّ‬
‫هي متّصلة أش ّد االتّصال بتجرتنا‪ 1‬الحياتيّة في العالم والمحيط‪ ،‬ومتأصّلة تمام التأصّل في تجربتنا‪ 1‬الجسديّة‪.‬‬

‫‪personification‬‬
‫‪138‬‬

‫‪139‬‬
‫االستعارات التي نحيا بها ‪ ،‬ص ‪54-53‬‬
‫‪86‬‬
‫وهذا بالضبط ما يثبته العلم العرفن ّي‪ .‬واللّسانيات العرفنيّة هي حقل أساس للتّدليل على ذلك وخاصة في‬
‫دراسة البنينة االستعاريّة وبناء نسقنا التصوّري بصفة عامة‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫الفصل الثّاني ‪ :‬االستعارة في الخطاب السياس ّي‬

‫‪-II‬الفصل الثّاني ‪ :‬االستعارة في الخطاب السياس ّي‬

‫ي خطاب جدال ّي باألساس يعمل على اإلقناع‪ ،‬وكسب الرّأي العام لصالح‬ ‫ّ‬
‫إن الخطاب السياس ّ‪1‬‬
‫أطروحته‪ .‬و يعمل في نفس الوقت على دحض أطروحة الخطاب المعارض ونسف‪ 1‬حججها‪ .‬وتوجد في‬
‫قلب السياسة عمليات تشتمل على اكتساب السّلطة‪ ،‬والحفاظ عليها‪ ،‬والتّفاوض بشأنها‪ ،‬وممارستها‪ 1،‬وفقدها‪.‬‬
‫تقول الباحثة ايلينا سيمينو‪..." 1‬واحدة من الطرق‪ 1‬الرئيسيّة الّتي يمكن بها الحصول على السلطة واالحتفاظ‬
‫بها أو تقليصها هو التّأثير في وجهات نظر اآلخرين وسلوكهم‪ 1،‬أي بمعنى جعل اآلخرين يتبنّون وجهات‬
‫نظر(ربّما‪ 1‬تؤ ّدي إلى أفعال) تحمل مزايا ألفراد أو جماعات أو غايات بعينها‪ .‬بصياغة أخرى ّ‬
‫فإن الغاية‬
‫البالغيّة العا ّمة لإلقناع هي مركزيّة للكثير من األفعال السياسيّة‪ .‬واللّغة واحدة من األدوات األساسيّة‬
‫‪88‬‬
‫ي أنّه خطاب مقطّع ّ‬
‫يتعذر‪ 1‬في‬ ‫لتحقيق هذا الهدف العا ّم"‪ 140.‬كما ّ‬
‫أن من أبرز خصائص الخطاب السياس ّ‪1‬‬
‫الغالب اإلمساك به في كلّيته‪ ،‬بما أنّه يتغيّر حسب الخطابات المناصرة والخطابات المعارضة‪ .‬وباعتبار‪1‬‬
‫السّياق المكاني وال ّزماني والجمهور المخاطب‪ .‬وفق ذلك يحاول الخطاب السياس ّي دوما‪ 1‬إعادة تشكيل‬
‫مجموعة من التّمثيالت المتناقضة‪ .‬وهذا يقوده إلى إنتاج لغة متع ّددة األبعاد‪.‬‬

‫وسنتعامل‪ 1‬مع خطابات النّواب بوصفها‪ 1‬ظواهر لغويّة‪ ،‬أي طرق‪ 1‬معيّنة للكالم عن أبعاد معيّنة‬
‫للواقع في سياقات وممارسات اجتماعيّة وسياسيّة معيّنة‪ .‬وسنتعامل‪ 1‬مع االيديولوجيّات بوصفها ظواهر‪1‬‬
‫معرفيّة‪ ،‬أي صياغات مفهوميّة مشتركة ألبعاد معيّنة من الواقع تُبنيَن من خالل استعارات مفهوميّة تعكس‬
‫تمثيالت ذهنيّة طويلة المدى‪.141‬‬

‫فكيف‪ 1‬مثّلت االستعارة المفهوميّة األطروحات‪ 1‬الحجاجيّة المتقابلة؟ وكيف كانت ركيزة أساسيّة في‬
‫الجدال السياس ّي القائم داخل البرلمان من خالل النّقاشات الّتي كان مدارها اإلرهاب في الجلسات العا ّمة‬
‫الساخنة إثر الحوادث الرهيبة الّتي وقعت في تونس سواء حادثة باردو‪ 1‬أوسوسة‪ ،‬وكذلك في المداوالت‬
‫الخاصة بالمصادقة على قانون مكافحة اإلرهاب وغسيل األموال؟‬

‫‪ II-1‬االستعارة في قلب الجدال السياس ّي‪:‬‬

‫ّ‬
‫"إن االستعارات نادرا ما تكون محايدة فإنشاء‪ 1‬شيء بمفردات شيء آخر تنتج عنه وجهة نظر‬
‫معيّنة حول ال ّشيء موضوع التّساؤل‪ .‬وينطوي غالبا على اتّجاهات وتقييمات مح ّددة‪ .‬وبمفردات نظريّة‬
‫‪142‬‬
‫االستعارة المفهوميّة ّ‬
‫فإن االستعارات تبرز بعض أبعاد المجال الهدف وتخفي أخرى"‬
‫ويكشف‪ 1‬لنا تسليط الضّوء على االستعارات الثّاوية لتصوّر اإلرهاب في مداخالت نوّاب ال ّشعب‬
‫عن تص ّورين رئيسيين ينطلقان من ثنائيتين متداخلتين هما ثنائية تكثيف العواطف وتنسيبها من جهة‪،‬‬
‫وثنائية التّعميم والتّخصيص من جهة ثانية‪ .‬حيث يتعاضد‪ 1‬التّكثيف مع التّعميم في ما يندمج التّخصيص مع‬

‫‪ - 140‬إيلينا سيمينو ‪ ،Elena semino‬االستعارة في الخطاب ‪ ،‬ترجمة عم‪1‬اد عب‪1‬د اللطي‪1‬ف ‪ -‬خال‪1‬د توفي‪1‬ق‪ ،‬المرك‪1‬ز الق‪1‬ومي‬
‫للترجمة‪ ،‬لقاهرة ‪ -‬مصر‪ ،‬ط‪ ،2013 ،1‬ص ‪190‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -141‬نقصد بالتّمثيالت ّ‬
‫الذهنية‪ 1‬طويلة المدى الخطاطات والمجاالت التصوّرية التي تشكل خلفيتنا المعرفيّة ورؤيتنا للعالم‪ ،‬في‬
‫مقابل التّمثيالت ّ‬
‫الذهنية قصيرة المدى التي نكوّنها أثناء معالجة نصّ معين‪.‬‬
‫‪ - 142‬إيلينا سيمينو ‪ ،2013 ،‬ص ‪80‬‬
‫‪89‬‬
‫التّنسيب‪ .‬وهما في النّهاية عمادا األطروحتين‪ 1‬الرئيسيتين اللّتين يدور بينهما السّجال‪ ،‬والجّدال‪ .‬وتتراوح‪1‬‬
‫المواقف‪ 1‬بينهما من االعتدال إلى التحيّز إلى إحدى األطروحتين‪ .‬ونبينهما كالتّالي‪:‬‬

‫‪ II-1 -1‬تص ّور اإلرهاب من خالل أطروحة التّعميم والتّكثيف‬

‫تقوم هذه األطروحة على التّعميم باعتماد استعارة "اإلرهاب ظاهرة" حيث يق ّدم على أنه ظاهرة‬
‫مر ّكبة‪ ،‬ومعقّدة‪ ،‬وعابر للحدود‪.‬‬
‫"فاإلرهاب ظاهرة عالميّة طالت الجميع في ك ّل الدّيانات وفي ك ّل الدّول وك ّل الفئات"‪ 143‬كما ّ‬
‫أن‬
‫"االرهاب في تونس لم يكن مستحدثا عرفت تونس عمليّات إرهابيّة قبل الثّورة‪ ...‬كما أنّ هذه الظّاهرة‬
‫‪144‬‬
‫ظاهرة عالميّة وليست محليّة"‬
‫هو إذا ظاهرة ممت ّدة في ال ّزمان والمكان‪ .‬وال يمكن أيضا أن نح ّدده بفكر معيّن حيث يستعير النّائب‬
‫عن حركة النّهضة عبد اللطيف المكي حكاية من مفارقات حادثة باردو ليبرهن عن فكرته ّ‬
‫بأن اإلرهاب‬
‫ليس له دين أو هويّة أو فكر‪ .‬فهو يضرب في كل مكان وتحت ألوية مختلفة تمام االختالف يقول‪:‬‬
‫"أبدأ بحادثة باردو األليمة عندما ذهبت مع مجموعة من النّواب لمواساة من بقي من ال ّ‬
‫سياح‪ ،‬وجدت‬
‫جنراال كولومبيا بجانب جثتي زوجته وابنه قيل لي بأن هذ الجنرال كانت له صوالت وجوالت في كولومبيا ضد‬
‫اإلرهاب المتمثّل أساسا في الق ّوات المسلّحة الثّوريّة الكولومبيّة ذات االنتماء الماركس ّي الشيوع ّي‪ ،‬هذا الجنرال‬
‫انتصر في كولومبيا على اإلرهاب الملتحف بالماركسيّة‪ .‬وجاء لتونس ليسدّد له اإلرهاب الملتحف باإلسالم‬
‫ضربة قاسمة‪.‬‬
‫في األيام األخيرة في تركيا اغتيل أحد المدّعين العامين بال ّرصاص من طرف مجموعة إرهابيّة ترفع شعار‬
‫المنجل والمطرقة‪ ،‬ما االستنتاج من هذا؟ هو أن اإلرهاب ال يمكن أن نع ّرفه بالفكر الّذي يلتحف به بل ال ب ّد‬
‫‪145‬‬
‫أن نع ّرفه بشيء آخر سأذكره‪".‬‬
‫هذا النصّ المليء باالستعارات‪ ،‬والّذي نعتبره في ح ّد ذاته استعارة تمثيليّة إنّما هو يغرق في‬
‫التّعميم‪ .‬ويص ّور اإلرهاب ظاهرة عالميّة بدون حدود‪ ،‬وبدون هويّة‪ ،‬وبدون مرجعيّة دينيّة‪ ،‬وبدون فكر‪.‬‬
‫فيظهر‪ 1‬اإلرهاب كائنا له ألف وجه يجيد االختفاء والتن ّكر‪ 1.‬وله أقنعة عديدة من الماركسيّة إلى اإلسالم‪ .‬وهو‬
‫ممت ّد في ال ّزمان والمكان من كولمبيا إلى تركيا إلى تونس‪ .‬فهو‪ 1‬يتجاوز الحدود التّونسية ليشمل كافة العالم‪.‬‬
‫تستفيد األطروحة من استراتيجيّة التّعميم لتبعد عن نفسها ما تراه أمامها من حمالت االتّهام بالوقوف وراء‬
‫اإلرهاب فكريّا وسياسيّا باعتبارها الطرف األقرب للفكر ال ّديني‪ .‬وتخوض صراعها ض ّد خصومها‪ 1‬الّذين‬
‫‪ - 143‬مداوالت مجلس نواب الشعب – الدورة العادية األولى ‪ 2015-2014‬الم ّدة النّيابية األولى ‪ 2019-2014‬الجلسة‬
‫التّاسعة والثّالثون (‪ )39‬بتاريخ ‪ 22‬جويلية ‪ -2015‬ص‪ 1358‬مداخلة النائب األخضر بلهوشات عن حركة النهضة‬
‫‪ - 144‬مداوالت مجلس نواب الشعب – الدورة العادية األولى ‪ 2015-2014‬المدة النيابية األولى ‪2019-2014‬الجلسة‬
‫التاسعة والثالثون (‪ )39‬بتاريخ ‪ 22‬جويلية ‪ -2015‬ص ‪ 1361‬مداخلة النائب فريدى العبيدي عن حركة النهضة‬
‫‪ - 145‬مداوالت مجلس نواب الشعب – الدورة العادية األولى ‪ – 2015-2014‬المدة النيابية األولى ‪ 2019-2014‬الجلسة‬
‫التاسعة والثالثون (‪ )39‬بتاريخ ‪ 22‬جويلية ‪ -2015‬ص ‪1359‬‬
‫‪90‬‬
‫ي الّذي يرغبون في إضعافه‪ ،‬والتّقليص من حجمه‬
‫يرون فيها المنافس اإليديولوج ّي والسياس ّي القو ّ‬
‫ي لصياغة التصوّر الّذي‬
‫االنتخاب ّي‪ ،‬وحجمه المقلق في البرلمان‪ ،‬وتمثّل االستعارة مدار هذا الصراع القو ّ‬
‫يخدم أهدافها‪ .‬فتبعث من وراء االستعارات المع ّممة رسائل‪ :‬منها اعتبار اإلرهاب ليس شأنا وطنيّا بل له‬
‫امتداداته ال ّدولية‪ ،‬ومنها أنّه لم يظهر في السنوات األخيرة فقط بل هو يتجاوز ذلك بكثير‪ .‬وإن كان األمر‬
‫كذلك فهذا كفيل بتبرئتها من ك ّل اتّهام‪ .‬وهذا نجد صداه في مداخلة النّائب عبد اللطيف المكي حين يواصل‪1‬‬
‫قوله‪:‬‬
‫" ما هو اإلرهاب؟ هو أطروحة معادية للدّيمقراطية‪ ،‬الدّيمقراطية هي اعتراف باالختالف وإدارة له‬
‫بصفة سلميّة‪ .‬اإلرهاب هو إنكار لالختالف وتصفية للتنّوع بالقوة‪ .‬هذا هو اإلرهاب في جوهره يجب أن‬
‫نتوحد على أساس هذا الفهم لنقاوم هذا اإلرهاب باستراتيجيّة ‪...‬وطنيّة متكاملة‪....‬حركة النّهضة تقع بين‬
‫ّ‬
‫ي والسياس ّي نار اإلرهابيين الّذين يتّهمونها بالتّحريض والتّكفير‬
‫نارين متقاطعتين نتيجة النتمائها الفكر ّ‬
‫وغيره وعديد من قادتها منهم أمينها العام األخ علي العريض مستهدف في أكثر من قائمة ويعيش تحت‬
‫حراسة قوات األمن‪ ،‬وبين نار الّذين ال يتّفقون مع حركة النّهضة في األطروحة الفكريّة ويهاجمونها‬
‫‪146‬‬
‫ويلفقون لها التّهم‪ ،‬ويرفضون االحتكام للمرجعيّات الوطنيّة مثل وزارة الداخليّة والقضاء"‬

‫تظهر مع تق ّدم الخطاب الجدال ّي استعارة جديدة وهي "اٍإل رهاب أطروحة ُمعادية لل ّديمقرطية"‪ .‬هذه‬
‫االستعارة توسّع دائرة المتجادلين‪ ،‬بل هي تضع ح ّدا فاصال بين فريقين هما اإلرهاب وال ّديمقراطية‪ .‬وهنا‬
‫أن المتح ّدث واألطروحة الّتي يصدر منها‪ ،‬ويدافع‪ 1‬عنها‪ ،‬إنّما هم‬
‫تمرّر هذه االستعارة اقتضا ًء ضمنيا وهي ّ‬
‫أن ال ّديمقراطية تقوم على االختالف‪.‬‬
‫صف ال ّديمقراطية‪ .‬ث ّم تم ّر االستعارة لتَبني مق ّدمة أخرى وهي ّ‬
‫ّ‬ ‫في‬
‫أن من ال يقبل االختالف من األعداء االيديولوجيين ال ّداعين‬
‫وينتج عن هذه المق ّدمة اقتضاء جديد وهو ّ‬
‫لتصفية التنّوع بقوّة إرهابيّون ألنهم ممارسون للعنف واإلقصاء‪ .‬وهنا يتحوّل تصوّر اإلرهاب ليصبح مح ّل‬
‫ي بين خصوم تاريخيين في الفكر‪ ،‬وااليديولوجيا‪ 1.‬وليصير سالح تصفية خطير‪ .‬و تلعب‬
‫جدل ايديولوج ّ‪1‬‬
‫االستعارة وفي‪ 1‬ما تحمله معها من اقتضاءات لعبتها الخطيرة حين تتحوّل عند السياسيين إلى سالح‪ ،‬وحين‬
‫توظّف‪ 1‬كآلة للتّضليل‪ ،‬ولخلط األوراق‪ ،‬وال ّدمج بين سياقات مختلفة تمام االختالف‪.‬‬
‫تقوم االستراتيجيّة الثّانية لهذه األطروحة األولى على تكثيف‪ 1‬العواطف‪ ،‬عواطف الخوف والفزع‪.‬‬
‫وتستفيد‪ 1‬في ذلك من استعارة "اإلرهاب آفة" الّتي تعبّر بصفة الواعية عن مشاعر طبيعيّة بالخوف نتيجة‬
‫للحوادث اإلرهابيّة الفظيعة الّتي ت ّمت‪ .‬وما نتج عنها من خسائر ثقيلة في األرواح‪ .‬وما خلّفته من حالة‬
‫حزن عامة‪ .‬وما سكن في النفوس من شعور بخطورة التّهديدات‪ .‬وقد نزل اإلرهاب من الجبال إلى قلب‬
‫المدن‪ .‬ومسّ مناطق حسّاسة من البالد‪ .‬تستفيد هذه األطروحة من االستعارات الّتي تكثّف من عواطف‬
‫الخوف والفزع من المجهول‪ .‬كما كانت تستفيد من ال ّدفع باالستعارات‪ 1‬المع ّممة‪ .‬باعتبار اإلسقاطات‬

‫‪ - 146‬نفس المرجع السابق‬


‫‪91‬‬
‫واالقتضاءات الّتي تحملها استعارة "اإلرهاب آفة" وما ترسّخ في بنيتنا ّ‬
‫الذهنية من تجربة صعبة ومخيفة‬
‫مع اآلفات‪ .‬فهي تُبنين التص ّور‪ 1‬بطريقة تتداخل فيها ضغوط‪ 1‬نفسيّة متع ّددة الجوانب‪ .‬حيث سيدفع الشعور‪1‬‬
‫بالخوف‪ 1‬ك ّل األطراف المساهمة في اللّعبة السياسيّة باختالف انتماءاتها الحزبيّة وااليديولوجيّة وأغلب‬
‫المواطنين إلى م ّد جسور التّواصل‪ 1‬بينهم‪ .‬والتوجّه لوحدة وطنيّة مفروضة لمحاربة عد ّو مجهول يه ّدد‬
‫الجميع‪.‬‬
‫تمثّل مشاعر الخوف المتأجّجة والشعور‪ 1‬القو ّ‬
‫ي بالتهديد‪ 1‬من المجهول بالنّسبة إلى هذه األطروحة‬
‫نوعا من الحرارة العالية الّتي تستعمل في المختبرات العلميّة أو في باطن األرض لتسهيل عمليّة االندماج‬
‫بين المعادن المختلفة التّركيب‪ .‬هذه المعادن الّتي ال يمكن أن تنصهر‪ 1‬مع بعضها في الحاالت الطبيعيّة بحكم‬
‫ما فيها من جزيئات متنافرة‪ .‬وهذه الصورة االستعاريّة الّتي تبنيها هذه األطروحة لإلرهاب فتصوّره كائنا‬
‫غير مرئي‪ 1‬مخيف ومرعب تم ّكنها من أن تنزع عن نفسها مالمح صورة مقترنة في نفوس الكثيرين منها‬
‫ُمثقلة بمخاوف عديدة‪ -‬قد تكون عن حقيقة أو وهم أو نتيجة ممارسات‪ 1‬قديمة ثابتة‪ .-‬إذن هي تستفيد من هذه‬
‫االستعارة بنزع مشاعر الخوف المترسّبة في النّفوس منها ونقلها إلى عد ّو آخر‪ .‬فهي اليوم مه ّددة بقوة من‬
‫طرف‪ 1‬اإلرهاب وفي نفس خندق المقاومة ض ّد من يمثل مصدر الرّعب والخوف الحقيق ّي‪.‬‬
‫تحكم خطاطة الحاوية هذا التصوّر‪ .‬فشعور أصحاب هذه األطروحة بأنّهم خارج الحاوية‬
‫االجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة الوطنيّة يبعث فيهم‪ 1‬شعورا بعدم األمان‪ .‬وهو شعور متم ّكن في أقاصي‪1‬‬
‫األطروحة لتجربة مريرة ما تزال قريبة فيها النّفي‪ ،‬والتّشريد‪ 1،‬والسجون‪ ،‬والوصم‪ ،‬والعزل االجتماع ّي‪.‬‬
‫واألطروحة وهي تجادل عن نفسها إنّما تعيد فعل التموضع من جديد داخل الحاوية حيث األمان‪ .‬إنّها في‬
‫ي ض ّد من يحاولون عرقلة هذا التموضع الجديد واالستماتة في تركها خارج الحاوية‪ .‬وهذا‬
‫صراع قو ّ‪1‬‬
‫واضح في مداخلة النّائب عبد اللّطيف المكي بجالء إذ يقول‪:‬‬
‫ي والسياس ّي نار اإلرهابيين الّذين‬
‫"حركة النّهضة تقع بين نارين متقاطعتين نتيجة النتمائها الفكر ّ‬
‫يتهمونها بالتّحريض والتّكفير‪ ...‬وبين نار الّذين ال يتّفقون مع حركة النّهضة في األطروحة الفكريّة‬
‫‪147‬‬
‫ويهاجمونها‪ .‬ويلفّقون لها التّهم"‬
‫تلعب االستعارة هنا أيضا دورا مركزيّا في جلب التّعاطف وقلب األدوار‪ 1.‬فمن كان متّهما بمساعدة‬
‫اإلرهاب‪ ،‬وغضّ الطرف‪ 1‬عنه‪ ،‬وتوفير‪ 1‬الحاضنة السياسيّة له أصبح ضحيّة له‪ .‬واالستعارة هنا ماكرة فهي‬
‫تجمع بين صورتين متباعدتين‪ .‬وتسقط‪ 1‬مجاال مصدرا‪ 1‬على مجال هدف‪ .‬لتحصّل في النّهاية وعبر استدالل‬
‫ي ُمساويا لإلرهاب‪ .‬إنّها وهي تجاهد في ال ّدخول إلى الحاوية‬
‫بسيط نتيجة منطقيّة تجعل خصمها االيديولوج ّ‪1‬‬
‫إنّما تستغ ّل الفرصة إلخراج نقيضها منها‪ .‬ويُبنى االستدالل من خالل هذه االستعارة كالتّالي‪:‬‬
‫* النّهضة بين نارين متقاطعتين‪.‬‬

‫‪ - 147‬نفس المرجع السابق‬


‫‪92‬‬
‫* اإلرهاب نار‪.‬‬
‫* الّذين ال يتفقون مع النّهضة في األطروحة الفكرية نار‪.‬‬
‫الّذين ال يتفقون مع حركة النّهضة في األطروحة الفكريّة إرهاب‪،‬‬
‫والنهضة ضحيّة‪.‬‬

‫النتيجة‬

‫فهذه استعارة معقّدة تدمج استعارتين في حكم واحد‪ ،‬والنّتيجة على المقاس‪ .‬كم هي االستعارات‬
‫"مخادعة"‪ ،‬و"مخاتلة"‪ ،‬و"ماكرة"‪ .‬إنّها السّالح األقوى للسياسيين‪ .‬ث ّم ّ‬
‫إن هذه األطروحة وهي تُمارس‬
‫جدالها االيديولوج ّي التنسى في نفس الوقت أن ترفع عقيرتها بالصياح وعبر استعمال استعارة "اإلرهاب‬
‫نبات" إلى اجتثاثه من جذوره‪ .‬فهي في مق ّدمة الجيش المتق ّدم لمحاربة اإلرهاب‪ .‬وهذه بدورها‪ 1‬في التّحليل‬
‫الذهن الّذي يشعر‪ 1‬بثقل االتهامات وإن كانت ظالمة ليبعدها‬
‫النفس ّي من االستراتيجيّات الخفيّة الّتي يمارسها ّ‬
‫عن نفسه فينادي‪ 1‬بأقسى العقوبات للمتّهم الخف ّي الذي أوقعه في هذه الورطة‪ .‬إذن هي في نفس الوقت الّذي‬
‫تصرخ فيه بالحرب على اإلرهاب تجد ّ‬
‫أن هناك وقتا‪ 1‬كاف أيضا لتواصل نضاالتها‪ 1‬اإليديولوجية القديمة‪.‬‬
‫فلنرم‪ 1‬خصومنا في ش ّ‬
‫ق األعداء ولنحارب بعد ذلك‪.‬‬
‫هذا على صعيد‪ 1‬األطروحة األولى وكيف بنينت فيها االستعارات‪ 1‬خطاطتها الحجاجيّة‪ .‬فماذا عن‬
‫الجهة المقابلة‪ ،‬وفي األطروحة األخرى الّتي تبني بدورها‪ 1‬استراتيجيّة هجوميّة مع ّززة بترسانة من‬
‫االستعارات‪ 1‬الفتّاكة؟‬

‫‪ II-1 -2‬تص ّور اإلرهاب من خالل أطروحة التّخصيص والتّنسيب‬


‫تقوم هذه األطروحة على نقيض األطروحة السّابقة بنبذ التّعميمات وخلط السياقات‪ 1.‬ويُبنين نسقها‬
‫التصوّري اإلرهاب على كونه مفهوما يدرك داخل إطار مكان ّي وزمان ّي معيّن‪ .‬وهي تحاول التحرّر من‬
‫األبعاد المطلقة فكي نعرّف اإلرهاب ليس علينا أن ننطلق في دراسته من تنوعاته المتع ّددة ووجوهه‬
‫المختلفة‪ .‬بل يجب أن نُدينه من حيث الوقائع كممارسة للعنف‪ ،‬ولترويع المواطنين‪ ،‬وتخريب الدولة‪ .‬وهذا‬
‫واضح في مداخلة المنجي الرّحوي النائب عن الجبهة الشعبية ‪:‬‬

‫‪93‬‬
‫سكان ولترويع الشّعوب وتقويض بناء الدّولة‬
‫"اإلرهاب هو ممارسة للعنف‪ ،‬ممارسة للعنف لترويع ال ّ‬
‫والمجتمع واألسرة وكل مك ّونات ما راكمته البشريّة من تقدّم‪ .‬يريدون إرجاعنا إلى التص ّور ما قبل القبل ّي‬
‫‪148‬‬
‫ي الّذي مازالت فيه المك ّونات البدائيّة"‬
‫والماقبل العشائر ّ‬
‫أن للنّسق‬
‫وهنا نجد استعارة اتّجاهية تحكم مفهومنا‪ 1‬لل ّزمن‪ .‬وهي استعارة مفهومية أوّلية حيث ّ‬
‫ي لل ّزمن في اللّغة بنية‪ .‬وهي االستعارة األكثر قاعديّة بالنسبة إلى ال ّزمن تتل ّخص في وجود‬
‫االستعار ّ‬
‫مالحظ يواجه المستقبل و(المستقبل أمامه) والماضي‪ 1‬خلفه‪ .‬ونس ّمي‪ 1‬هذه البنية "استعارة التّوجيه‬
‫ال ّزمني"‪ 1491‬وتكون استعارة التّوجيه ال ّزمني‪ 1501‬كالتّالي‪:‬‬

‫الحاضر‬ ‫موقع المالحظ‬


‫المستقبل‬ ‫الفضاء الذي أمام المالحظ‬
‫الماضي‬ ‫الفضاء الذي وراء المالحظ‬

‫تنضوي‪ 1‬داخل هذه االستعارة األوّلية لتص ّور‪ 1‬ال ّزمن استعارة ضمنيّة لإلرهاب وهي "اإلرهاب‬
‫ارتداد للماضي"‪ 1.‬ومن هنا تموقع‪ 1‬األطروحة نفسها ضمن القوى التق ّدمية‪ .‬وتتّخذ موقع‪ 1‬ال ُمالحظ في البنية‬
‫االستعاريّة للزمن المتّجه إلى المستقبل تاركا الماضي‪ 1‬وراءه‪ .‬وتُظهر أيضا من وراء ذلك اإلرهاب‬
‫ال ُمتجسّد يمضي‪ 1‬في االتّجاه المعاكس تماما أي ّ‬
‫أن ظهره للمستقبل وهو ماض في طريقه إلى الماضي‪1‬‬
‫السحيق محاوال ج ّر الجميع إلى هوّة الماضي معه‪ .‬وهنا تبرز استعارة أخرى قاعدية لل ّزمن وهي "ال ّزمن‬
‫طريق"‪ 1.‬بهذا الشكل تتراكب االستعارات حاملة معها جزيئات كثيرة لتر ّكب استعارة معقّدة وواسعة‪.‬‬
‫ي ال ُمعقّد من خالل خطاطة المصدر‪ -‬المسار ‪ -‬الهدف‬ ‫ويشتغل‪ّ 1‬‬
‫الذهن في تركيب هذا التص ّور‪ 1‬االستعار ّ‪1‬‬
‫حيث تتكوّن هذه الخطاطة من العناصر‪ 1‬التّالية‪:‬‬

‫عاب‬
‫‪---------------------------‬‬
‫الهدف‬ ‫ر‬ ‫المصدر‪1‬‬
‫عا‪ :‬عابر يتحرّك‪.‬‬
‫موقع مصدر‪( 1‬نقطة االنطالق)‪.‬‬
‫هدف‪ ،‬أي المكان الذي يقصده العابر‪.‬‬
‫المسار الفعلي للحركة‪.‬‬

‫‪ - 148‬مداوالت مجلس نواب الشعب – الدورة العادية األولى ‪ – 2015-2014‬المدة النيابية األولى ‪ 2019-2014‬الجلسة‬
‫التاسعة والثالثون (‪ )39‬بتاريخ ‪ 22‬جويلية ‪ -2015‬ص‪1359-1358‬‬
‫‪149‬‬
‫‪- the time orientation metaphor‬‬
‫‪150‬‬
‫‪- Lakoff ; Johnson ;1999 ;p129‬‬

‫‪94‬‬
‫موقع العابر في زمن معيّن‪.‬‬
‫اتّجاه العابر في الزمن‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫الموقع الفعلي النهائ ّي للعابر‪ ،‬الّذي قد يكون أو ال يكون هو المقصود‪.‬‬
‫والحركة على خطّ ال ّزمن إنّما تحكمها إسقاطاتنا‪ 1‬الجسديّة‪ .‬وهذا دليل واضح ج ّدا على الطّريقة التي‬
‫تش ّكل بها أجسادنا‪ 1‬البنية التصوّرية فـ"أمام" و "وراء" مرتبطة بأجسادنا‪ .‬فنحن ننظر إلى أمثلة من قبيل‬
‫"أمام كذا" و"وراء كذا" بارتباطها‪ 1‬بوضعيّة أجسادنا‪ .‬فنحن تالزمنا "أمامات" و"وراءات"‪ 1‬لذلك كانت‬
‫االستعارات‪ 1‬ال ُمجسدنة تخدم انسجام التص ّور‪ 1‬في هذه البنية التصوّرية لإلرهاب في "استعارة اإلرهاب‬
‫ارتداد للماضي"‪ 1.‬وهذا يدخل في مجال التّرابطات االستعاريّة حيث تمثّل التّرابطات بين المجاالت‬
‫مجموعة من التّناسبات النّسقية‪ 152‬بين المصدر والهدف‪ .‬بالمعنى‪ 1‬الّذي تكون فيه سمات العناصر‪ 1‬األساسيّة‬
‫للمصدر‪" 1‬ب" توافق سمات العناصر األساسية للهدف"أ"‪ .‬وتتض ّمن هذه التّرابطات مجموعتين من‬
‫‪ -‬تتعلّق خاصة بالمعارف الموسوعيّة‪ -‬وانطولوجيّة ‪ .‬فجسدنة تص ّور اإلرهاب هو‬ ‫‪153‬‬
‫التّناسبات معرفيّة‬
‫الذهن بطريقة الواعية في إقامة هذه التّناسبات االنطولوجيّة الّتي يتطلّبها اتّساق‬
‫من باب ما يشتغل به ّ‬
‫النّسق التصوّري‪ .‬وتفرضه هنا خطاطة المصدر‪-‬المسار‪-‬الهدف‪ ،‬والحركة على خطّ ال ّزمن ‪.‬‬
‫إذن يشتغل ّ‬
‫الذهن انطالقا من هذه االستعارة في إطار عا ّم تصوّري للمعرفة ولمسار‪ 1‬ال ّزمن‪.‬‬
‫فاإلرهاب‪ 1‬رؤية مغرقة في الماضويّة‪ ،‬والرّجعية‪ .‬وتعبير‪ 1‬عن العقل المتج ّمد عند الفهم المتش ّدد‪،‬‬
‫والمنحرف‪ ،‬للنصّ المؤسّس‪ .‬ينظر إلى التّاريخ على أنه َمضيعة للحقائق المطلقة‪ .‬وأنّه كلّما تق ّدمنا في‬
‫ال ّزمن فإنما‪ 1‬نبتعد عن مصدر النّور ونغرق في الظّالم‪ .‬و يصبح التق ّدم مفهوما لالنحراف عن الحقيقة فهو‬
‫بدعة‪ .‬فاإلرهاب من خالل هذا التص ّور‪ 1‬عد ّو سائر نحو مجاهل الماضي‪ 1‬الّذي ال يعترف‪ 1‬بك ّل ال ُمنجزات‬
‫البشريّة الحديثة‪ .‬ويريد‪ 1‬أن يوقف‪ 1‬عجلة التّاريخ بل ويُرجعها إلى الوراء البعيد‪ .‬وهو يملك في ذلك آلة‬
‫ال ّزمن حيث تغسل األدمغة‪ ،‬ويستقطب الشباب بمجرّد الدخول إلى تلك اآللة‪ .‬وهي آلة تسيطر‪ 1‬عليها عقول‬
‫مد ّمرة‪ ،‬ومخطّطة‪ ،‬وتملك القوّة واالمكانيات‪ 1.‬هي اآللة الّتي عبّرت عنها استعارة "اإلرهاب آفة" وكذلك‬
‫استعارة "اإلرهاب صناعة" اللّتان سبق وأن فصلنا فيهما القول‪.‬‬
‫هذه االستعارة إذن تُق ّدم مقدمتها األولى وهي ّ‬
‫أن اإلرهاب مشروع‪ 1‬رجع ّي‪ .‬وإن كان اإلرهاب‬
‫كذلك فاالقتضاء الرئيس ّي لذلك أنه يستهدف‪ 1‬باألساس القوى التق ّدمية الّتي موضعت األطروحة نفسها‬
‫كممثّلة رئيسيّة لها‪ .‬وهي وإن بدت تعمل على تخصيص تصوّر اإلرهاب فإنها داخل هذا التّخصيص‬
‫تحاول حشر خصومها‪ 1‬داخل التص ّور‪ 1‬المشيطن‪ .‬وإن بدا خطابها استعاريّا‪ 1‬في البداية فإنها وفي إطار‬
‫اندفاعها لكشف خصومها‪ 1‬تتوجّه إليهم باالتّهام المباشر‪ 1‬وذلك ما نجد في مداخلة النّائب منجي الرّحوي‪:‬‬
‫‪151‬‬
‫‪- Lakoff‬‬
‫‪; Johnson ;1999 p40‬‬
‫‪152‬‬
‫‪- systematic correesspondences‬‬
‫‪153‬‬
‫‪-epistemic‬‬
‫‪95‬‬
‫" إنّ اإلرهاب وفي خصوصية تونس ّ‬
‫بالذات له غطاء وحاضنة سياسيّة‪ ،‬نذكر منذ ثالث سنوات‬
‫ي في مجلس الشورى لحركة النّهضة كان يدافع على تنظيم إرهاب ّي‬ ‫خلت هنا في هذا المجلس ّ‬
‫بالذات قياد ّ‬
‫وهو أنصار الشريعة‪ .‬ثالث سنوات م ّرت زعيم من زعماء أنصار الشريعة يفلت ويت ّم تخليصه من قبضة‬
‫األمن بتعليمات أمين عام حركة النّهضة‪ ،‬الب ّد أن نقول أنّنا نعمل على تحويل كل األحزاب إلى أحزاب مدنيّة‬
‫‪154‬‬
‫حقيقيّة تقطع مع التص ّورات الّتي تكون متردّدة"‬
‫تقوم هذه األطروحة في تأسيس تصوّرها لإلرهاب على التّخصيص في المكان وال ّزمان‪ .‬المكان‬
‫هو تونس والزمان منذ ثالث سنوات خلت‪ .‬من هنا يكون التّواجه بين األطروحتين وكما تبيّنه السّياقات‪1‬‬
‫اللّغوية واالستعاريّة كالتّالي‪:‬‬
‫األطروحة الثانية‬ ‫األطروحة األولى‬
‫ّ‬
‫إن اإلرهاب وفي خصوصية تونس بالذات له غطاء‬ ‫اإلرهاب ظاهرة عالمية طالت الجميع في كل الديانات‬
‫وحاضنة سياسية‪.‬‬ ‫وفي ك ّل الدول وكل الفئات‪.‬‬
‫نذكر منذ ثالث سنوات خلت هنا في هذا المجلس بالذات‬ ‫االرهاب في تونس لم يكن مستحدثا عرفت تونس‬
‫قيادي في مجلس الشورى لحركة النهضة كان يدافع‬ ‫عمليات إرهابية قبل الثورة كما أنّ هذه الظاهرة‬
‫على تنظيم إرهابي وهو أنصار الشريعة‪.‬‬ ‫ظاهرة عالمية وليست محلية‪.‬‬
‫لإلرهاب وجها واضحا ومكشوفا‪.‬‬ ‫ظاهرة معقّدة غير ّ‬
‫محدة المعالم‪.‬‬
‫تحصر‪ 1‬هذه األطروحة تصوّرها في أطر مح ّددة مكانيّا وزمانيّا‪ 1.‬وتكشف‪ 1‬الغطاء بصورة مباشرة‬
‫عمن تعتبره يتحم ّل المسؤوليّة السياسيّة في دعم اإلرهاب بل وتعتبره ال ّداعم األساس ّي له‪ .‬وهي عبر‬
‫التّخصيص تختزل التصوّر المتع ّدد األبعاد لإلرهاب الذي ق ّدمته االستعارات المفهوميّة في األطروحة‬
‫األولى‪ .‬لتق ّدمه في شكل استعارة مجسدنة مح ّددة المالمح ‪ ،‬واضحة المعالم لحقيقة ُمفترضة تعمل على‬
‫ي‬ ‫ترسيخها‪ 1‬وإقناع ال ُمتابعين لخطابها بها‪ .‬وهي ّ‬
‫أن اإلرهاب يساوي ضمن ما يُساوي خصمها االيديولوج ّ‪1‬‬
‫والسياس ّي‪.‬‬
‫وهي تنزع في ذلك إلى التّحديد والتّدقيق‪ 1‬عن طريق التّشخيص عبر االستعارات الجسديّة مثلما‬
‫نجده في مداخلة النائب أيمن العلوي عن الجبهة الشعبية‪:‬‬
‫" التّعميم مخطر ومقلق ألنه ينسينا أنّ لإلرهاب وجها واضحا ومكشوفا‪ ،‬له دول تدعم تنفيذ‬
‫سلطة وخارجها‪ ،‬وأئمة تدعو له وسفّرت ابناءنا إلى‬
‫مشاريعه التقسيميّة‪ ،‬لديه في تونس أحزابا في ال ّ‬
‫‪155‬‬
‫معاقل القتل أحزاب وتيّارات سياسيّة مصالحها متشابكة مع االرهاب وهم على عالقة مع االرهاب"‬
‫تمارس االستعارة هنا لعبة الكشف من خالل التّخصيص في مقابل ما تعتبره في طرحها‬
‫الحجاج ّي أطروحة أخرى تمارس لعبة التّعميم والتخفّي‪ .‬ويظهر‪ 1‬التخفّي واضحا من خالل استعارات‬

‫‪ - 154‬نفس المرجع السابق‬


‫‪ - 155‬مداوالت مجلس نواب الشعب – الدورة العادية األولى ‪ – 2015-2014‬المدة النيابية األولى ‪ 2019-2014‬الجلسة‬
‫التاسعة والثالثون (‪ )39‬بتاريخ ‪ 22‬جويلية ‪ -2015‬ص‪1352‬‬
‫‪96‬‬
‫الكساء واللّحاف والغطاء‪ .‬فهي تكشف األغطية وتعرّي الوجوه المتخفّية وراء األقنعة‪ .‬و تمارس بذلك‬
‫استراتيجيّة هجوميّة مباشرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن االستعارة المجسدنة تمارس هنا نمطا من طقوس االستحضار‪ 1‬الرّاجعة للجانب األسطور ّ‪1‬‬
‫ي‬
‫المغمور‪ 1‬في الالّوعي‪ .‬و هو يبقى كما بينا سابقا متم ّكنا في أقاصي‪ّ 1‬‬
‫الذهن وتحت سطح معارفنا األكثر ج ّدة‪.‬‬
‫لكنّه يبرز في أوقات األزمات مع وجود مثيرات محفّزة مثل عواطف الخوف وال ّشعور بالتّهديد‪ 1.‬فهي‬
‫تحوّل المتص ّور‪ 1‬المجرّد إلى جسد‪ ،‬وتر ّكز باألساس على الوجه باعتبار أنّه حامل للهويّــــــة ‪ -‬وهي‬
‫طريقة في التفكير تظ ّل فاعلة حتى عند من يمثّل القوى التق ّدمية‪ -‬ث ّم تمارس عليه فعل التّسمية‪ .‬فتشتغل هنا‬
‫مرّة أخرى خطاطة الحاوية فمع هذه البَنينَة االستعاريّة لتص ّور‪ 1‬اإلرهاب ال تبقى هناك مسافة تفصل بين‬
‫المتصوّر وال ّشيء الّذي تريده هي أن يكون هو الوعاء المختزل الحاوي لما بدا في األطروحة المضادة‬
‫بأنّه تص ّور‪ 1‬ممت ّد غير قابل لالحتواء ضمن دين أو هويّة أو فكر مخصوص‪ .‬فالخصم االيديولوج ّ‪1‬‬
‫ي هو‬
‫الحاوية لهذا المتص ّور‪ 1‬ويتم ذلك عن طريق "مبدأ التّسمية" الّذي يمثّل عند األنتروبولوجيين قوّة االستعارة‪،‬‬
‫أي في ما تحدثه من مطابقة بين الكلمة والمتص ّور‪ 1‬أو الكلمة وال ّشيء‪ .‬وهي فكرة يشرحها بوضوح‪1‬‬
‫"كاسيرير" عند حديثه في الفصل األخير من كتابه "اللّغة واألسطورة" والذي جاء تحت عنوان "قوّة‬
‫ولنا في طقوس الرّجم خير مثال فالشيطان‪ 1‬الممثّل للش ّر ال ُمطلق يجسّم في شكل صخرة‬ ‫‪156‬‬
‫االستعارة"‪.‬‬
‫معيّنة‪ .‬وله مكان معلوم حتى نتمكن من رجمه فبدون تجسيم سنجد أنفسنا نرجم الالّشيء‪.‬‬
‫ث ّم إنّها وهي تُمارس التّخصيص تُنسّب في نفس الوقت عواطف الخوف والفزع حيث لم نعد‬
‫نواجه خطرا مجهوال فالعدو أضحى معلوما‪ 1.‬وله عنوان واضح‪ ،‬و كيان محدود‪ ،‬وجسد ووجه‪ .‬وعلينا‬
‫ضرب عنقه دون ترد ّد‪ .‬وهي تريد بذلك أن تنزع عن خصومها استغالل حالة الخوف والفزع من الخطر‬
‫الكبير القادم والمه ّدد للجميع لتسهيل عملية انضوائهم‪ 1‬داخل الحاوية كما بينا في السّابق‪ .‬بل إنّها تستفيد‬
‫أيضا من استعارة "اإلرهاب آفة" الّتي تستعملها األطروحة المنافسة كما بيّنا لالستفادة من حالة الخوف‬
‫العا ّم الّتي تزرعها‪ .‬تستفيد هذه األطروحة أيضا من نفس االستعارة الّتي تستعملها هي أيضا في جدالها‪.‬‬
‫ولكن لتجعل عبر عملية الجسدنة خصمها هو ال ُمجسّد لهذه اآلفة‪ .‬وبالتّالي فهي تُوجّه طاقة الخوف الّتي‬
‫تزرعها هذه االستعارة عند النّاس نحو خصمها ّ‬
‫بالذات‪ .‬فتزيد في حصاره وفي عملية عزله‪ .‬وهذا مثال‬
‫للتّوظيف‪ 1‬االيديولوج ّي الستعارة واحدة يستغلها ك ّل طرف ليضرب بها الطّرف‪ 1‬المقابل له‪.‬‬
‫تتح ّدث هذه األطروحة عبر استعاراتها‪ 1‬المجسدنة بوثوق وكأنّها تق ّدم الحقيقة الخالصة‪ .‬كم تكون‬
‫االستعارات‪ 1‬قاتلة حين تحتكر الحقيقة‪ ،‬وحين تق ّدم نفسها بطريقة مخادعة وماكرة على أنّها ك ّل الحقيقة‪.‬‬
‫وتلك هي لعبة اللّغة داخل الخطاب السياس ّي ‪.‬‬

‫‪ - 156‬أرنست كاسيرير‪،‬اللغة واألسطورة ‪،‬تعريب سعيد الغانمي‪ ،‬هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث‪،‬المجمع الثقافي‪،‬أبو ظبي‪،‬‬
‫‪2009‬‬
‫‪97‬‬
‫تبني االستعارات المتع ّددة في هذه األطروحة تصوّرا مح ّددا لإلرهاب يجعل من اإلسالميين‬
‫وحركة النّهضة الخصم االيديولوج ّ‪1‬‬
‫ي تيّارا محاصرا ومشكوكا‪ 1‬فيه باستمرار‪ 1.‬وتعمل جاهدة على إخراجه‬
‫من الحاوية الوطنيّة الّتي بيّنا كيف تحاول األطروحة األولى جاهدة أن تكون داخلها‪ .‬هي تُحاصرها من‬
‫وجهات كثيرة بالرّبط بين الوقائع على األرض الّتي تجد فيها قرائن ما ّدية‪ .‬وبتحميلها المسؤولية السياسيّة‬
‫ّ‬
‫باعتبارأن لها نفس‬ ‫باعتبارها تمارس السلطة‪ .‬وكانت على رأس هذه السلطة‪ .‬وكذلك وهذا هو األساس‬
‫المناهل الفكريّة لإلرهاب الملتحف باإلسالم حصرا فيبنى‪ 1‬االستدالل كالتّالي‪:‬‬
‫اإلرهاب يلتحف باإلسالم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫النّهضة تلتحف باإلسالم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫اإلرهاب والنهضة شيء واحد‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تزيد هذه األطروحة ضُغوطها‪ .‬فتُص ّعد‪ 1‬خطابها الجدال ّي االتّهام ّي بإسقاطات استعاريّة تحوّل‬
‫االتّهامات إلى حقائق‪ .‬وهي تمارس أيضا التّعميم الّذي تحاربه أطروحتها‪ 1‬في األساس حيث تصل إلى‬
‫أن اإلرهاب له مرجعيّة دينيّة إسالميّة‪ .‬وبالتّالي‪ 1‬فك ّل من يعمل من‬
‫نتيجة تبدو‪ 1‬منطقيّة وواضحة‪ .‬وهي ّ‬
‫داخل تلك المرجعيّة هو داخل حاوية اإلرهاب‪.‬‬

‫‪ II-2‬وظيفة االستعارة في الخطاب السياس ّي‬


‫نالحظ أنّه كما األطروحة األولى الّتي حاول أصحابها الظّهور‪ 1‬بوجه الضحيّة‪ .‬واستعملوا‬
‫االستعارة إلقصاء خصومهم واعتبارهم ال منافسين سياسيين بل أعداء تحاول إقصاءهم من تصوّرها‪1‬‬
‫فإن األطروحة الثّانية مشبعة هي أيضا‬
‫لل ّديمقراطية ومساواتهم باإلرهابيين حتى يسهل القضاء عليهم‪ّ .‬‬
‫بالرّفض والحكم على اآلخر باإلقصاء‪ 1‬وضرب عنق اإلرهاب المجسّد في الخصم السياس ّي كما بيّنا في‬
‫تحليل االستعارة المفهوميّة "اإلرهاب جسد"‪ .‬وهنا تنهض االستعارة بوظيفة رئيسيّة تمارسها‪ 1‬في الخطاب‬
‫ي تتعلّق بنزع الشرعيّة وتقويض المصداقيّة‪ .‬واالستعارة تنهض بهذه الوظيفة كما بيّنا في‬
‫السياس ّ‪1‬‬

‫‪98‬‬
‫االتّجاهين‪ .‬ويح ّدد شيلتون‪ 157‬ثالث وظائف رئيسيّة ربّما تستخدم االستعارات والتّعابير اللّغوية لتحقيقها في‬
‫‪158‬‬
‫السياسة‪ :‬القسر‪ ،‬وإضفاء ال ّشرعية وسحب ال ّشرعية‪ ،‬والتّمثيل وإساءة التّمثيل‪.‬‬
‫ويتعلّق‪ 1‬القسر بالتّأثير‪ 1‬في سُلوك اآلخرين من خالل إصدار األوامر‪ ،‬أو وضع األولويّات‪،‬‬
‫أوإصدار‪ 1‬القوانين‪ .‬ونزع ال ّشرعيّة يتعلّق بتأسيس مصداقيّة المرء أو اآلخرين أو تقويضها‪ 1‬بوصفهم‬
‫ممسكين بالسّلطة‪ ،‬أو أشخاصا يستحقّون أن يُطاعوا الخ‪ .‬وإساءة التّمثيل تتعلّق بالتح ّكم‪ 1‬في قدر‪ 1‬المعلومات‬
‫الّتي يتلقّاها اآلخرون وطبيعتها‪ 1،‬وباستدعاء وجهات نظر معيّنة للواقع‪ .‬ووفقا لشيلتون ّ‬
‫فإن التّعبيرات‬
‫أن تأويل هذه التّعبيرات يشتمل على‬
‫االستعاريّة تنخرط‪ 1‬على وجه التّحديد في وظيفة التّمثيل‪ ،‬نظرا إلى ّ‬
‫إسقاط المادة من مجاالت المصدر‪ 1‬إلى مجاالت الهدف بما فيها على وجه التّحديد أنماط االستدالل‪ .‬كما ّ‬
‫أن‬
‫الوظائف‪ 1‬الثالث االستراتيجيّة الرئيسيّة للّغة في السياسة ترتبط بشكل وثيق‪ .‬فمن خالل استدعاء تمثيالت‬
‫استعاريّة معيّنة للخصم كما رأينا في األطروحتين تعمل على سحب الشرعيّة منه وتقويض مصداقيته‪.‬‬
‫فإنّها في نفس الوقت تستهدف‪ 1‬اضفاء ال ّشرعية على نفسها‪.‬‬

‫تمثّل االستعارة في ك ّل هذه الطروحات‪ 1‬الجداليّة ال مجرّد وسيلة إقناع ودعاية من ناحية أو وسيلة‬
‫لضرب الخصوم‪ 1‬من ناحية ثانية وتبكيت حججهم وإظهار تهافت أرائهم وأفكارهم‪ .‬إنّما هي الوسيلة‬
‫األساسيّة لبناء الخطاب الجدال ّي‪ .‬وهي إذ تُبنين تصوّراتها‪ 1‬إنّما تصدر‪ 1‬في جانب كبير منها عن الجانب‬
‫الذهن‪ .‬فاالستعارات الّتي يستخدمها السياسيّون تستغ ّل كالّ من المعتقدات الواعية‬
‫الالّواعي في ّ‬
‫واالرتباطات االنفعاليّة غير الواعية كي ترسم تمثيالت سُلطويّة معيّنة للمتكلّمين أنفسهم وللجمهور‪ 1‬الّذي‬
‫يخاطبونه‪ .‬وهذا الصّراع ال ّدائر بين االستعارات إنّما مداره ما يترتّب على هيمنة استعارة ما على موقف‪1‬‬
‫ما من نتائج خطيرة تخصّ ما يجب فعله‪ ،‬ومن يجب عليه أن يفعله‪.‬‬

‫بول شيلتون )‪ Paul Anthony Chilton (1945-...‬أس‪11‬تاذ الّلس‪1‬انيات واللّغ‪11‬ة األنقليزي‪11‬ة بجامع‪11‬ة النكاس‪11‬تر‬ ‫‪157‬‬

‫‪Lancaster University‬‬
‫‪158‬‬
‫;‪- Paul Anthony Chilton, Analysing Political Discourse : Theory and Practice, London‬‬
‫‪Routledge; first published.2004, p45-46‬‬
‫‪99‬‬
‫الفصل الثّالث‬
‫االستعارات التص ّورية لإلرهاب‬
‫في الح ّد والفهم والتّأويلـ‬

‫‪ -III‬االستعارات التّصورية لإلرهاب‪ :‬في الح ّد والفهمـ والتّأويل‬


‫يمكن أن نرجع في هذا الفصل إلى ما أشرنا إليه في الباب األوّل من توضيح لمسألتي الح ّد والفهم‬
‫في نظريّة االستعارة المفهوميّة‪ .‬وما عرضته من أفكار رائدة تفتح أفاقا جديدة لبناء المعنى وال ّداللة‪.‬‬
‫ي المعيار الّذي يفترض ح ّد األشياء‬
‫تخرج بها عن الح ّد المعجم ّي الصّادر عن الموقف الموضوع ّ‪1‬‬
‫والتّجارب‪ 1‬من خصائص تالزمها ونفهمها كلّيا انطالقا منها‪ .‬فالح ّد عند ذو ّ‬
‫ي النّزعة الموضوعيّة هو أن‬
‫نبيّن ماهي هذه الخصائص المالزمة وذلك عن طريق إعطاء ال ّشروط‪ 1‬الضروريّة الكافية النطباق‬
‫التصوّر‪ 1.‬فماهي خصائص الح ّد في الرّؤية التجريبيّة؟‬
‫‪100‬‬
‫‪ III- 1‬الح ّد والفهم في ال ّرؤية التجريبيّة‬
‫ي عن مثل هذا التّحديد يرجع إلى كونه يهمل الطّريقة الّتي يفهم بها‬
‫إن اعتراض الطرح التّجريب ّ‪1‬‬
‫ّ‬
‫ي بين طبيعة الحّد الّذي يضعه‬
‫النّاس تصوّراتهم‪ 1‬من خالل االستعارات‪ .‬وعلى هذا يكمن الفرق الجوهر ّ‪1‬‬
‫اليكوف‪ 1‬وجونسون للتّصورات الّتي تقتضي فهم نوع من التّجربة من خالل نوع آخر‪ .‬فإن كانت الرّؤية‬
‫الموضوعيّة تنظر إلى حدود التصوّرات باعتبارها تخصّص األشياء الّتي تكون مالزمة لهذا التص ّور‪ 1‬في‬
‫فإن الرّؤية التّجريبيّة تهت ّم بالكيفيّة الّتي يدرك بها البشر التصوّر‪ .‬وكيف يفهمونه؟ وكيف يشتغلون‬
‫ذاته ّ‬
‫ويتصرّفون باعتباره؟‪ 159‬وهي أسئلة حاولنا اإلجابة عنها من خالل عرضنا لتص ّور‪ 1‬اإلرهاب في مداخالت‬
‫النّواب داخل البرلمان‪ .‬حيث وضحنا عبر أمثلة استعاريّة لغويّة من داخل خطاباتهم سيرورة بناء التصوّر‪،‬‬
‫وطرق فهمه المختلفة داخل سياق‪ 1‬خطاب سياس ّي جدال ّي معقّد‪ .‬يكون فيه لالستعارات فائض قيمة عالي‬
‫الشحن بمعاني‪ 1‬متع ّددة األبعاد‪.‬‬
‫إن الرّؤية التّجريبيّة تخرج ع ّما اهتمت به القواميس من تحديد المتصوّرات واألشياء‪ 1‬على أساس‬
‫ّ‬
‫لتعطي اهتماما أكبر لما اعتبر غير ذي فائدة في التّحديد‪ .‬وترك‪ 1‬خارج أسوار ال ّداللة أال‬ ‫‪160‬‬
‫داللة المطابقة‬
‫وهو داللة اإليحاء‪ 161‬باعتبارها مسألة انفعاليّة تخرج عن االعتبارات المعرفيّة‪ .‬تلك هي المسألة الّتي‬
‫يمكن لالستعارة أن تؤ ّدي فيها وظيفة في بناء نظريّة جديدة للمعنى تُخرج االستعارة من علم داللة الكلمة‬
‫وال ّدراسات‪ 1‬المعياريّة الشكليّة لتضعها في مركز النظريّة ال ّداللية باعتبار مركزيتها في إدراك المعنى‪،‬‬
‫ومعرفة اإلنسان بنفسه‪ ،‬وتمثّلّه الوجود من حوله‪ ،‬وبنائه لمختلف أنساقه الثقافيّة‪ .‬فاالستعارة ال تحكم‬
‫ممارستنا اللّغوية فقط‪ .‬بل تحكم أيضا نظامنا التّصوري‪ 1‬وتجربتنا‪ 1‬الحياتيّة‪ .‬وهي تقوم على ضرب من‬
‫االنسجام‪ 1‬الداخل ّي الّذي هو انعكاس النسجام نسقنا التصوّري‪ 1‬حيث تكون االستعارة خلقا تلقائيّا وابتكارا‪1‬‬
‫دالليّا ال مكان له في اللّغة السّائدة‪.‬‬
‫‪ III- 2‬عالقة التص ّور باستعاراته‬
‫نرجع لمسألة الح ّد وهي المسألة الجوهريّة الّتي يؤسّس عليها الفهم‪ .‬يسأل ال يكوف وجونسون‬
‫سؤاال مه ّما وهو هل التصوّر مستق ّل عن استعارته؟‬
‫ويجيبان هنا بالنّفي الصّريح "فاالستعارات هي الّتي تش ّكل دالالت تصوّرنا‪ّ 1.‬‬
‫فإن استعارات الحبّ‬
‫هي الّتي تكوّن بشكل دال تصوّرنا للحبّ ‪ .‬إذ ّ‬
‫أن تصورا‪ 1‬للحبّ بدون انجذاب‪ ،‬وكهرباء‪ ،‬ومغناطيس‪1،‬‬
‫وبدون اتّحاد‪ ،‬وجنون‪ ،‬أو مرض‪ ،‬أو سحر‪ ،‬أو رحالت‪ ،‬أو قرب‪ ،‬أو حرارة‪ ...،‬بدون هذه االستعارات‪ 1‬لن‬
‫ي تقريبا محبّ ومحبوب وأحاسيس حبّ ‪..‬بدون االستعارات التّواضعيّة للحبّ ال‬
‫يبقى سوى الهيكل الحرف ّ‪1‬‬
‫يتبقّى لنا سوى الهيكل المجرّد من ك ّل ما يصنع غنى التصوّر‪.‬‬
‫‪159‬‬
‫االستعارات التي نحيا بها ‪ ،‬ص ‪130‬‬
‫‪160‬‬
‫‪- denotation‬‬
‫‪161‬‬
‫‪- connotation‬‬
‫‪101‬‬
‫فلو كان النّاس قد أجبروا‪ 1‬بكيفيّة من الكيفيّات على التح ّدث عن الحبّ والتّفكير فيه باستخدام‪ 1‬هذا‬
‫فإن معظم ما ف ّكر فيه وما قيل حول الحبّ على م ّر العصور‪ 1‬لم يكن ليوجد‪ .‬بدون هذه‬
‫القليل الحرف ّي‪ّ 1.‬‬
‫االستعارات‪ 1‬التّواضعيّة‪ ،‬سيكون من المستحيل افتراضيّا‪ 1‬أن نف ّكر بصدد الحبّ ‪ ،‬أو نتح ّدث عنه‪ .‬فج ّل ال ّشعر‬
‫‪162‬‬
‫المرتبط‪ 1‬بالحبّ في تقليدنا ليس سوى تطوير وتوسيع لهذه االستعارات التصوّرية"‬
‫ومن خالل رصدنا لالستعارات التصوّرية لمتصوّر اإلرهاب يمكن أن نجري هذه المقابلة بين الح ّد‬
‫ي والح ّد التجريب ّي كالتّالي‪:‬‬
‫الموضوع ّ‪1‬‬

‫الح ّد التّجريب ّي‬ ‫الح ّد الموضوع ّي‬ ‫التص ّور‪1‬‬


‫رهب (لسان العرب)‬ ‫اإلرهاب‬
‫اإلرهاب ‪ :‬آفة‪ /‬ظاهرة ‪ /‬صناعة‪/‬‬ ‫ب‪ ،‬بالكسر‪ ،‬يَرْ هَبُ َر ْهبَةً و ُر ْهباً‪ ،‬بالضم‪،‬‬
‫َر ِه َ‬
‫بناء‪ /‬نبات أطروحة‪/‬ارتداد‪/‬‬ ‫و َرهَباً‪ ،‬بالتحريك‪َ ،‬أي خافَ ‪.‬‬
‫حيوان كاسر‪ ، /‬مرض‪ /‬جسد ‪...‬‬ ‫ورهَبا ً و َر ْهبةً‪ :‬خافَه‪.‬‬
‫ب الشي َء َر ْهبا ً َ‬
‫و َر ِه َ‬
‫ورهَّبَه واستَرْ هَبَه‪َ :‬أخافَه وفَ َّزعه‪.‬‬
‫وأرْ هَبَه َ‬
‫وا ْستَرْ هَبَه‪ :‬ا ْستَ ْدعَى َر ْهبَتَه حتى َر ِهـبَه الناسُ ؛‬
‫وبذلك فسر قوله عز وجل‪ :‬واسْترْ هَبُوهُم وجاُؤوا‬
‫عظيم؛ َأي َأرْ هَبُوهم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بسحْ ٍر‬
‫وفي حديث بَهْز بن َح ِكـيم‪ِ :‬إني َألسمع الرَّا ِهـبةَ‪ .‬قال‬
‫ابن اَألثير‪ :‬هي الحالة التي تُرْ ِهبُ َأي تُ ْف ِز ُ‬
‫ع‬
‫وتُ َخ ِّوفُ ؛ وفي رواية‪َ :‬أ ْس َمعُك را ِهـبا ً َأي خائفا ً‬
‫فح ّد اإلرهاب في المعجم الخوف والفزع‪.‬‬
‫من خالل متابعتنا‪ 1‬لتصوّر اإلرهاب في المدوّنة الّتي اشتغلنا عليها نجد أنّه ال يمكن إدراك هذا‬
‫التص ّور‪ 1‬بدون استحضار هذه الصّور المختلفة المحفّزة لعواطفنا‪ ،‬عواطف الخوف والفزع من المجهول‪.‬‬
‫الذهن في بنينة المفهوم وح ّده من خالل تمثّالت تم ّكن من ح ّده ووضعه في مجال قدراتنا‪ 1‬الحسيّة‬
‫فيشتغل‪ّ 1‬‬
‫اإلدراكيّة‪ .‬وإسقاط تجاربنا‪ 1‬الواقعيّة في مواجهة األخطار المه ّددة لوجودنا عليه‪ .‬وهي تجارب مستم ّدة من‬
‫مجاالت مختلفة متباعدة تعبّر عن اتّساع تجربتنا‪ 1‬الوجوديّة وارتباطها بحقيقة وجودنا الجسديّ‪ّ .‬‬
‫إن اإلدراك‬
‫وتعقّل المتصوّرات يت ّم عبر مقاربات متع ّددة تتوضّح بالتّدريج‪ .‬وعملية التعقّل والتّحديد‪ 1‬والفهم الّتي‬
‫يمارسها‪ّ 1‬‬
‫الذهن تعيد المجهول إلى المعلوم والمجرّد إلى المحسوس‪ .‬وهي بذلك تح ّد من االنفعاالت األولى‪،‬‬
‫وترفع‪ 1‬عواطف الخوف‪ ،‬وتع ّزز الثّقة والقدرة على معالجة األمور باستثمار ما أفادتنا‪ 1‬به تجاربنا الطّويلة‬
‫في الحياة ‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫‪-- Lakoff‬‬ ‫‪; Johnson;1999 ;p72‬‬
‫‪102‬‬
‫وقد‪ 1‬الحظنا من خالل متابعتنا لالستعارات المفهوميّة الّتي بلورت تصوّر اإلرهاب أنّها تتحرّك‬
‫في ُمسترسل يبدأ من التّجريد ال ُمغرق في المجهول ويتحرّك نحو المحسوس الما ّدي المعلوم‪ 1.‬ويمكن أن‬
‫نبني هذا المسترسل‪ 1‬على النّحو التّالي ‪:‬‬

‫مجرد‬
‫ّ‬ ‫اإلرهاب‬ ‫اإلرهاب‬ ‫اإلرهاب‬ ‫اإلرهاب‬ ‫اإلرهاب‬ ‫اإلرهاب‬ ‫اإلرهاب‬ ‫ملموس‬

‫آفـــــــة‬ ‫ظاهرة‬ ‫صناعة‬ ‫بناء‬ ‫نبات‬ ‫حيوان‬ ‫جسد‬


‫مجهول‬ ‫معلوم‬

‫المجال المصدر‬ ‫المجال الهدف‬


‫مجهول‬ ‫مجرّد‬ ‫اآلفة‬ ‫مجهول‬ ‫مجرّد‬ ‫اإلرهاب‬
‫معلوم‬ ‫مجرّد‬ ‫ظاهرة‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫"‬
‫معلوم‬ ‫ملموس‪/‬جماد‬ ‫صناعة‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫"‬
‫معلوم‬ ‫ملموس‪/‬جماد‬ ‫بناء‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫"‬
‫معلوم‬ ‫ملموس‪/‬ح ّي‪/‬اليتحرّك‬ ‫نبات‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫"‬
‫معلوم‬ ‫ملموس‪/‬ح ّي‪/‬يتح ّرك‪/‬ال يف ّكر‬ ‫حيوان‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫"‬
‫معلوم‬ ‫ملموس‪/‬ح ّي‪/‬يتح ّرك‪ /‬يف ّكر‬ ‫جسد بشر‬ ‫"‬ ‫"‬ ‫"‬
‫ي لتصوّر اإلرهاب يتش ّكل خالل النّسق التصوّري‪ 1‬عبر ُمسترسل عرفنّي تتعالق‬
‫إن الح ّد التجريب ّ‪1‬‬
‫ّ‬
‫فيه االستعارات‪ 1‬بطريقة ُمتدرّجة‪ .‬إذ يشتغل ّ‬
‫الذهن في بداية تعقّل المتصوّرات المجرّدة بالتّنقل بين‬
‫المجاالت التصوّرية األقرب للمجال الهدف من حيث التّناسبات األنطولوجيّة والمعرفيّة‪ .‬ث ّم تتوسّع ال ّدائرة‬
‫بما تحدثه االستعارات من تعالقات‪ ،‬وما يترتّب عنها من عمليات استدالل ومصاحبة لالقتضاءات بين‬
‫المجال الهدف والمجال المصدر‪ ،‬وما يخلقه التّفاعل من تحوّالت للطّبيعة األنطولوجيّة والمعرفيّة للمجال‬
‫الهدف بحكم ما تفرضه االستعارة من وجوب التّناسبات‪ .‬وهي عمليّات ذهنيّة عصبيّة معقّدة تجري في‬
‫الجانب الالّواعي من تفكيرنا وهو الجانب األعظم غير المكشوف‪ .‬ففي تعقّل ُمتص ّور‪ 1‬اإلرهاب مح ّل‬
‫ال ّدراسة في هذا البحث تبدأ مقاربات الفهم باالشتغال في دائرة المجرّد أوّال‪ .‬فيتنقل ّ‬
‫الذهن في استعارة‬
‫"اإلرهاب آفة" بين مجال مصدر ومجال هدف يتّصفان بالتجرّد والمجهوليّة‪ .‬ث ّم ينتقل تعقّل التص ّور‪ 1‬في‬
‫ولكن الخطوة الّتي يمضي‬
‫ّ‬ ‫استعارة "اإلرهاب ظاهرة" ليقارب بين مجال مصدر ومجال هدف مجرّدين‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫بها ّ‬
‫الذهن إلى األمام هي في رفع المجهوليّة عن المجال المصدر‪ .‬فتكون هنا عملية اإلسقاط في شكل أكثر‬
‫تطوّرا‪ 1‬بين مجال هدف مجرّد مجهول ومجال مصدر مجرّد معلوم‪ .‬ومع استعارتي‪" 1‬اإلرهاب صناعة"‬
‫و"اإلرهاب‪ 1‬بناء" ينتقل ّ‬
‫الذهن بحركة الفهم إلى درجة أكثر تق ّدما بالمقابلة بين مجال هدف مجرّد ‪ -‬زائد ما‬
‫اكتسبه من معلوميّة من االستعارة السّابقة‪ -‬ومجال مصدر ملموس معلوم‪ .‬ثم وفي االستعارات‪ 1‬الثالث‬
‫التّالية "اإلرهاب نبات" و"اإلرهاب حيوان" و"اإلرهاب‪ 1‬جسد بشر ّ‬
‫ي"‪ 1‬تُصبح عمليّة اإلسقاط بين مجال‬
‫مصدر‪ 1‬يمثّل كائنا حيّا ومجال هدف يمثّل تصوّرا‪ 1‬مجرّدا‪ .‬فيتحوّل مع هذه االستعارات‪ 1‬المتطوّرة إلى حالة‬
‫أنطولوجيّة جديدة تأخذ سمات الحياة والحركة والتّفكير‪.‬‬
‫إن ما تقوم به االستعارة لشيء يشبه الخلق‪ .‬وهو ما عبّر عنه أرسطو‪ .‬وهذا التّمثيل الموضّح‬
‫ّ‬
‫للفهم للتصوّرات المجرّدة من ّ‬
‫الذهن إلى المادة إلى الحياة نهاية بالتّشخيص والتّجسيم‪ 1.‬لنجد فيه ال ّشيء‬
‫الكثير من المعرفة األفالطونيّة معرفة الوجود بماهو وجود‪ 1‬أو نظريّة المعرفة المباشرة في الفلسفة‬
‫االغريقيّة‪ .‬إنّه بالضبط ما تعبّر عنه النّظريّة التّجريبيّة من ردم للفجوة بين ّ‬
‫الذات الباحثة ومواضيع‪ 1‬البحث‬
‫القائمة على فكرة العقل المتعالي‪ .‬فوضوح ال ُمتصوّرات‪ 1‬والمفاهيم واألشياء ال يكون مما تحمله من‬
‫خصائص ُمالزمة لها‪ .‬إنّما من الطريقة الّتي يفهم بها النّاس تصوّراتهم من خالل االستعارات‪ .‬فالرّؤية‬
‫التّجريبيّة تهت ّم بالكيفيّة الّتي يمسك بها البشر التصوّر‪ .‬كيف يفهمونه؟ وكيف‪ 1‬يشتغلون ويتصرّفون‬
‫باعتباره؟‬
‫إنّنا نستم ّد المعنى وال ّداللة من تجاربنا المعرفيّة والجسديّة‪ .‬وتحصيلنا‪ 1‬ال ُمجسدن للمعنى هو ما‬
‫يمكننا من مسك المتصوّر المجرّد‪ .‬و يعطينا ال ّشعور‪ 1‬بالثّقة والقدرة على التح ّكم والمواجهة‪ .‬و يح ّدد ردود‬
‫فعلنا باالستفادة مما تراكم‪ 1‬لدينا من تجارب‪ .‬فاألبعاد المعقّدة للتص ّور‪ 1‬الّتي تفيض عن الح ّد المعجمي بك ّل ما‬
‫تحويه من دالالت إيحائيّة تجد في االستعارة منافذها الالّمتناهية الستيعاب االيحاءات واالنفعاالت‬
‫المختلفة‪ ،‬ونقلها‪ ،‬والنّجاح في التّواصل بها عن طريق جملة التّناسبات المعرفيّة واألنطولوجيّة‪.‬‬

‫ي والتأويل االيديولوج ّي‬


‫‪ III- 3‬الفهم االستعار ّ‬
‫إن من وظائف االستعارة في الخطاب " تمثيل أبعاد معيّنة من الواقع ّ‬
‫ألن االستعارة تنطوي على‬ ‫ّ‬
‫إنشاء شيء بمفردات شيء آخر أو مجال مصدر يؤثّر في كيفية تمثيل ال ّشيء أو (المجال الهدف)‪ .‬وعلى‬
‫نحو أكثر تحديدا ّ‬
‫فإن االستعارات يمكن أن تستخدم لإلقناع‪ 1‬بصيغة مفهوميّة جديدة للواقع وتبريرها‪،‬‬
‫وتقييمها‪ ،‬وشرحها‪ 1،‬والتّنظير لها‪ .‬وهي بذلك تقيم عالقات ديناميّة مع االيديولوجيا‪ 1.‬فالخطابات تعكس‬
‫ايديولوجيّات معيّنة‪ .‬لكنّها أيضا تسهم في صياغة االيديولوجيّات‪ 1‬وتغييرها‪ .‬وااليديولوجيّات تنتج عن‬
‫ممارسات‪ 1‬اجتماعيّة وخطابيّة لكنّها تح ّدد وتقيّد تلك الممارسات‪ .‬واالستعارات المفهوميّة هي مكوّن مه ّم‬

‫‪104‬‬
‫إن تسليط الضّوء على بعض جوانب التصوّر واإل ّدعاء ّ‬
‫أن هذا الجانب أو ذاك هو‬ ‫ّ‬ ‫‪163‬‬
‫لاليديولوجيّات‪".‬‬
‫الحقيقة هو ما يصنع االيديولوجيا‪ 1.‬وهذا خطير خصوصا إذا تعلّق ببيئة فكريّة تنطلق من مسلّمات الرّؤية‬
‫ي ومطلق‪ .‬وينبّه اليكوف وجونسون إلى خطورة األمر على المستوى‬
‫الموضوعيّة بوجود‪ 1‬صدق موضوع ّ‪1‬‬
‫إن عددا كبيرا من استعاراتنا‪ 1‬نشأ في ثقافتنا منذ تاريخ طويل‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن عددا‬ ‫ي إذ يقوالن" ّ‬
‫االجتماع ّي والسياس ّ‪1‬‬
‫كبيرا منها فرضه أصال ممارسوا السلطة من زعماء سياسيين ودينيين وزعماء مجال األعمال والتجارة‬
‫واإلعالن ووسائل‪ 1‬االتّصال‪...،‬الخ ‪ .‬فمتى كانت أسطورة النّزعة الموضوعيّة سائدة في الثّقافة‪ ،‬وكان‬
‫الصدق دائما صدقا‪ 1‬مطلقا‪ ،‬نجح فارضوا‪ 1‬استعاراتهم‪ 1‬على الثّقافة في تحديد ما نعتبره صادقا أي صادقا‪1‬‬
‫فاالستعارة ال تكتفي بجعلنا نفهم واقعا يوجد قبال‪ .‬إنّها تختلق الواقع‪ .‬وهي‬ ‫‪164‬‬
‫بصفة موضوعيّة ومطلقة"‬
‫بهذا لها أثر عظيم في تمرير قيم معيّنة واإلقناع بها‪ .‬وجعل المتلقّي يتص ّور‪ 1‬األمور كما تفرضها‪ 1‬عليه‬
‫االستعارة ليستجيب بأفعال‪ ،‬خاصة إن طلب منه ذلك‪.‬‬
‫ويمكن أن نستنتج من خالل تحليلنا لالستعارات الّتي بنينت تص ّور‪ 1‬اإلرهاب في ِكال الطرحين‬
‫أن الطّريقة الّتي يصوغ‪ 1‬بها الناس المفاهيم‪ ،‬ويتواصلون من خاللها هي جزء أصيل من‬
‫ال ُمتجادلين ّ‬
‫وأن االستعارات مكوّن مهم لك ّل من صياغة المفاهيم والتّواصل‪ .‬وربّما‪ 1‬هي تسبّب على‬
‫السياسة والفعل‪ّ .‬‬
‫ي سينجز‪ 1‬المه ّمة" على ح ّد‬ ‫ي غير متاح ّ‬
‫فإن االستعار ّ‬ ‫نحو مباشر أفعاال وأحداثا‪" 1.‬فحين يكون ماهو حرف ّ‪1‬‬
‫قول اليكوف‪ 1‬في االستعارات‪ 1‬التي تقتل‪ .‬ومن هنا تخرج االستعارة من باب القول إلى القوّة المتضمنة في‬
‫القول إلى التأثير بالقول وهي أبعاد تداوليّة مهمة في فهم االستعارة وتأويلها‪.‬‬
‫فإن دور سياقات استعمال معيّنة حاسم في فهم ال ّدافع المحتمل وراء اختيار استعارة‬
‫وفي‪ 1‬الواقع ّ‬
‫معيّنة‪ ،‬وتأثيراتها المحتملة على الجمهور‪ 1‬المخاطب‪ ،‬وحدوث اإلقناع‪ ،‬أو تغيير المواقف‪ ،‬أو كسب‬
‫التّعاطف‪ 1.‬ولع ّل التأثير البالغ ّي وااليديولوج ّي لالستعارة إنّما هو ناتج عن التّأثير التّراكم ّ‪1‬‬
‫ي الستخدامات‬
‫ُمترابطة عبر ما يقيمه النّسق التصوّري من تناسبات بين بنى استعاريّة متناسقة‪ .‬تجمع بين تجارب متع ّددة‬
‫وتربط‪ 1‬بينها استدالالت منطقيّة تتماهي مع تمثيالت ّ‬
‫الذهن الكامنة في الالّوعي‪ .‬وبقدر ما يحصل االنسجام‬
‫صل االستعارة فهما لتفرض نفسها عبر االستدالل تأويال يخدم اإلقناع‪ .‬ويتح ّكم‪ 1‬في توجيه الرّأي العا ّم‬
‫تتأ ّ‬
‫أوصناعته على ح ّد تعبير هابرماس‪ 165‬وهو أمر شديد الخطورة حيث يصف خطيب الثورة الفرنسية‬

‫‪ - 163‬إيلينا سيمينو‪ ،‬االستعارة في الخطاب ‪ ،‬ترجمة عماد عبد اللطيف ‪ -‬خالد توفيق‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬لقاهرة ‪-‬‬
‫مصر‪ ،‬ط ‪ ،2013 ،1‬ص‪78‬‬
‫‪164‬‬
‫االستعارات التي نحيا بها ‪ ،‬ص ‪- 164‬‬
‫‪ - Jürgen Habermas 165‬فيلس‪11‬وف وع‪11‬الم اجتم‪11‬اع ألم‪11‬اني معاص‪11‬ر (‪ )... - 1929‬يعت‪11‬بر من أهم علم‪11‬اء االجتم‪11‬اع‬
‫والسياسة في عالمنا المعاصر‪..‬يع ّد من أهم منظري مدرسة فرانكفورت النقدية وهو صاحب نظرية الفعل التّواصلي‪.‬‬
‫‪105‬‬
‫ميرابو‪ 1661‬الرّأي العام بأنّه «سيّد المشرعين جميعًا وأنه المستب ّد الّذي ال يدانيه في السّلطة المطلقة مستب ّد‬
‫آخر»‬
‫تعبّر إيلينا سيمينو في كتابها "االستعارة في الخطاب" عن أهميّة االستعارة في بناء وجهات النّظر‬
‫إزاء األشياء‪ ،‬والمواضيع‪ ،‬والتص ّورات الّتي يرمي السياس ّي إلى تثبيتها‪ 1‬لدى الرّأي العا ّم بقولها‪ ":‬فواحدة‬
‫من الوظائف‪ 1‬الرئيسيّة لالستعارة السياسيّة هي أن تربط الشخص ّي بالسياس ّي من خالل تقديم طريقة لرؤية‬
‫ّ‬
‫سهلة‪....‬وإن اختيار استعارة ما دون استعارة‬ ‫العالقات‪ ،‬وتشييئ المجرّدات‪ ،‬وتأطير‪ 1‬التّعقيد بمفردات‬
‫أخرى له نتائج على كيفية "تأطير" موضوع معيّن أو إنشائه‪ ،‬وعلى طبيعة األبعاد الّتي توضع في‬
‫الصدارة وتلك الّتي تنحني إلى الخلف‪ .‬وعلى طبيعة االستدالالت الّتي يت ّم تيسيرها‪ ،‬وطبيعة االرتباطات‪1‬‬
‫‪167‬‬
‫التقييميّة أو االنفعاليّة الّتي يت ّم استدعاؤها‪ ،‬وطبيعة سالسل األفعال الّتي تبدو ممكنة"‬
‫وهذا يؤ ّكد البعد الثقاف ّي الستعاراتنا‪ 1.‬فاالستعارة إذن تخضع لالنتقاء عبر آليّة تسليط الضّوء‪.‬‬
‫ي يُبنى بصورة جزئيّة حسب الوظيفة المتو ّخاة‪ .‬ويرتبط‪ 1‬من هذه النّاحية بالمقاصد الّتي‬
‫والمفهوم‪ 1‬االستعار ّ‬
‫توجّه االستعمال االستعاريّ‪ .‬وهذا له أهميّة عظيمة في تغليب وجهة نظر على أخرى خاصة في الخطاب‬
‫ي حيث ستفرض وجود‪ 1‬ردود أفعال خاصة من المتلقّين هي الّتي و ّد المخاطب تحقيقها‪.‬‬
‫السياس ّ‪1‬‬
‫إنّنا ونحن نبحث في الجانب التّأويل ّي المنفتح على دالالت متع ّددة نالحظ ّ‬
‫أن هذه ال ّدالالت تبقى‬
‫مرتهنة في جانب كبير منها إلى كثرة االستعمال الّذي يوهم بمفعول التّوظيف االيديولوج ّي والتّأثير‬
‫ي لالستخدامات االستعاريّة المترابطة‪ ،‬وتسليط‪ 1‬الضّوء على جانب معيّن من التصوّر أنّنا أصبحنا‬
‫التراكم ّ‪1‬‬
‫نمتلك الفكرة األوضح عن التصوّر‪ .‬فنعتقد أنّه حقيقته الكاملة لتتولّد‪ 1‬من ث ّمة عن هذا االعتقاد سلسلة أفعالنا‪.‬‬
‫ولع ّل هذا ما يعبّر عنه برغسون بقوله" لعقلنا نزعة قويّة العتبار الفكرة األوضح هي الفكرة األكثر‬
‫استعماال"‪ 1681‬إذن فالبحث في الجانب التأويل ّي لالستعارة يقتضي التّركيز‪ 1‬على أهمية العنصر‪ 1‬التداول ّي في‬
‫تأويل االستعارة‪ .‬وكذا دور التّجارب والمضامين المعرفيّة المتع ّددة واستثمارها‪ 1‬في عملية التّحليل‬
‫االستعاريّ‪ .‬فاالستعارة وسيلة رمزيّة تشتغل في ثناياها ك ّل أشكال البنى اإلجتماعيّة‪ ،‬والثقافيّة‪،‬‬
‫واالقتصاديّة‪ ،‬والسياسيّة‪ .‬فتأويل االستعارة يتطلّب موسوعيّة من قبل القارئ ومتقبّل الخطاب‪.‬‬

‫سيرورة إلى تعدّدية الفهم والتّأويل‬


‫‪ III- 4‬االستعارة من وحدة ال ّ‬

‫‪ -comte de Mirabeau. 166‬أونوريه جابرييل ريكويتي المعروف بالكونت دي ميرابو (‪ )1791 1- 1749‬هو ثوري‬
‫فرنسي‪ ،‬وكاتب‪ ،‬وصحفي‪ ،‬ودبلوماسي‪ ،‬وسياسي‪ ،‬وماس‪11‬وني وخطيب الث‪11‬ورة الفرنس‪11‬ية‪ .‬خالل الث‪11‬ورة الفرنس‪11‬ية ك‪11‬ان مي‪11‬االً‬
‫لنظام ملكي دستوري مبني على نموذج المملكة المتحدة‪ .‬أدار مفاوضات س ّرية فاشلة مع النظام الملكي الفرنس‪11‬ي في محاول‪11‬ة‬
‫للتوفيق بينه وبين الثورة ‪.‬‬
‫‪ - 167‬إيلينا سيمينو‪ ،2013 ،‬ص ‪206‬‬
‫‪168‬‬
‫‪- Henri‬‬
‫;‪Bergson: L'intuition philosophique; suivi de De la position des problèmes‬‬
‫‪Collection : Petite Bibliothèque Payot | Numéro : 932 p 120‬‬
‫‪106‬‬
‫نستخلص من خالل تحليلنا لالستعارات في خطاب النّواب المتعلّقة بتص ّور اإلرهاب ّ‬
‫أن النّماذج‬
‫االستعاريّة تستخدم‪ 1‬باتّساق في الخطاب السياس ّي لتوفّر‪ 1‬تمثيالت معيّنة للموضوعات‪ 1‬والمواقف‪ 1‬واألحداث‪.‬‬
‫ولتنجز‪ 1‬تأثيرات إقناعيّة عبر استعارات تستند إلى نقل حصيلة تجاربنا المتراكمة والمترسّخة في عمقنا‬
‫االنتروبولوج ّي‪ ،‬والمعرف ّي‪ ،‬وحياتنا اليوميّة‪ ،‬وإدراكاتنا الحسيّة‪ ،‬وتجربتنا الجسديّة‪ .‬لنفهم من خاللها‬
‫المجال الهدف وهو هنا تصوّر اإلرهاب‪ .‬فاالستعارات مفيدة خصوصا‪ 1‬عندما يكون من الضّرور ّ‬
‫ي تبسيط‪1‬‬
‫موضوعات‪ 1‬معقّدة ومجرّدة وتقديمها‪ 1‬بمفردات حيويّة وعاطفيّة‪.‬‬
‫وهذه العملية العرفنيّة أي االستعارة باعتبارها تصوّرا لمجال على أساس مجال آخر إنّما هي‬
‫حصيلة مشتركة بين جميع البشر‪ .‬وهو ما تكشف عنه نظريّة االستعارة المفهوميّة في ما تق ّدمه من‬
‫تفسيرات لسيرورة النّسق التصوّري‪ ،‬ولطرق‪ 1‬بنينته للمفاهيم والتصوّرات‪ ،‬ومن دور الخطاطات‪ 1‬الصّور‬
‫ي على استعماالتنا اللّغوية اليوميّة من‬
‫كأبنية عليا تسيّر عمليّة الفهم واإلدراك‪ 1.‬وفي ما يق ّدمه عملها االجرائ ّ‪1‬‬
‫ي الّذي يتعلّق بالمقوالت العليا حيث تتيّسر بعد ذلك االندراجات بطريقة‬
‫إبراز لفاعليّة اإلسقاط االستعار ّ‬
‫مفتوحة وثريّة تكشف القدرة االبداعيّة للّغة‪ .‬فنظريّة االستعارة المفهوميّة تحاول وضع نظريّة متكاملة‬
‫ي في بناء المعنى‪ .‬واالستعارة في مركز‪ 1‬هذه النظريّة حيث تتولّد ال ّداللة من انعقاد‬ ‫الشتغال ّ‬
‫الذهن البشر ّ‬
‫االقتضاءات بين المجال المصدر والمجال الهدف‪ .‬ويكون الفهم عن طريق‪ 1‬االستدالل‪ .‬و ينفتح من ث ّمة‬
‫المجال أمام عمليّة التّأويل بتنزيل الخطاب في سياقاته االستعماليّة المخصوصة‪ ،‬وإدراك مقاصده القريبة‬
‫والبعيدة‪.‬‬
‫إن البشر أو لنقل بأكثر دقّة المجموعات البشريّة الكبيرة المتجانس‪11‬ة في إط‪11‬ار حض‪11‬ار ّ‪1‬‬
‫ي وت‪11‬اريخ ّي‬ ‫ّ‬
‫مشترك‪ 1‬تتطوّر لديهم بنى ذهنيّة واحدة تتش ّكل مناويال عرفنيّة مؤمثلة‪ .‬تجعلهم رغم كل التّناقضات الفكريّ‪11‬ة‬
‫واالختالف‪11‬ات الجزئيّ‪11‬ة والفرديّ‪11‬ة‪ ،‬وتوظيف‪11‬اتهم‪ 1‬المختلف‪11‬ة الموجّه‪11‬ة للفهم والتأوي‪11‬ل يف ّك‪11‬رون‪ ،‬ويس‪11‬تقرئون‪،‬‬
‫ويستدلّون‪ ،‬ويبنون‪ 1‬تصوراتهم‪ 1‬في الواقع وفقها‪.‬‬
‫وتكشف‪ 1‬النّظريّة العصبيّة اللّغويّة (‪ )NTL‬التي توصّل لها فريق‪ 1‬العمل في المعهد ال ّدولي لعلم‬
‫الحاسوب ببيركلي‪ 1‬المتكوّن من ناراينان وجيروم‪ 1‬فلدمان وجورج اليكوف وطلبتهم ّ‬
‫أن العمليّات الخاصة‬
‫باشتغال ّ‬
‫الذهن هي عمليات إدراكية عصبيّة اعتمادا على تقنيات حاسوبيّة للنمذجة العصبية تحوسب‬
‫االستعارات‪ 1‬التصوّرية عبر خرائط عصبيّة‪ .‬وهي بذلك تفتح أفاقا جديدة للبحث إذ يقع تثمين نتائجها‪ 1‬من‬
‫الذكاء االصطناعي‪ 169،‬واالستفادة من القوانين الكلّية الّتي‬
‫خالل التّطبيقات الخاصة بتطوير عمليات ّ‬
‫تكشف عنها نظريّة االستعارة المفهوميّة في بنينة التص ّورات‪ ،‬وسيرورة اشتغال ّ‬
‫الذهن البشريّ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫‪- Lakoff ; Johnson ; 1999; P P 507-52‬‬
‫‪107‬‬
‫خاتمة الباب الثّاني‬

‫حاولنا في هذا الباب الثّاني رصد تصوّر اإلرهاب من منطلق لسان ّي عرفن ّي بدراسة االستعارات‪1‬‬
‫الّتي بنينت هذا التصوّر في مداخالت النّواب‪ .‬إذ يمثّل المجال المفهوم ّي لإلرهاب المجال الهدف الّذي‬
‫تعاضدت لتشكيله‪ ،‬وتأسيس‪ 1‬حدود معرفته‪ ،‬وتحديده‪ ،‬إسقاطات متع ّددة لمجاالت مصدر مختلفة‪ .‬وسعينا أن‬
‫نبيّن كيف ساهمت جملة العالقات الحادثة بين االستعماالت االستعاريّة للّغة من ناحية‪ ،‬والتّمثيالت ّ‬
‫الذهنية‬
‫للفكر من ناحية أخرى في تبلور المفهوم‪ .‬وتتبعنا‪ 1‬انطالقا من نماذج تحليليّة عمليّة اشتغال ّ‬
‫الذهن في بناء‬
‫المعنى وح ّد المفهوم عبر سيرورة من التّعالقات بين أطر متع ّددة يستدعيها ّ‬
‫الذهن من تجارب متنوّعة‪،‬‬
‫ليأخذ منها ما يحتاجه في بنينة التصوّر‪ 1.‬وتعرضنا إلى ما وصلت إليه البحوث المتق ّدمة للنظريّة العصبيّة‬
‫اللّغوية من نتائج تُخضع النّسق التصوّري البشر ّ‪1‬‬
‫ي إلى جملة من العمليّات العصبيّة‪ .‬برهنت عليها بواسطة‬
‫عمليّات اختباريّة باعتماد تقنيات حاسوبيّة للنّمذجة العصبيّة تُحوسب االستعارات المفهوميّة من خالل‬
‫خرائط عصبيّة تقرن النّسق الحرك ّي بنطاقات‪ 1‬قشريّة أعلى في ال ّدماغ‪ .‬وتترسّخ هذه الخرائط عبر التّعبئة‬
‫العصبيّة الموجودة في المصدر والهدف الّتي تُفعّل بعضها أثناء مرحلة ال ّدمج‪ .‬وتُنتج هذه اآلليّة التعلميّة‬
‫‪108‬‬
‫العصبيّة نسقا تواضعيّا‪ 1‬وقارا من االستعارات األوليّة الّتي تميل إلى االستقرار بشكل دائم في النّسق‬
‫التصوّري في استقالل عن اللّغة‪ .‬فاالستعارة في هذا التصوّر ظاهرة عصبيّة تش ّكل اآلليّة الّتي تقوم‬
‫بالتّعبئة الطبيعيّة والحتميّة لالستدالل الحس ّي الحرك ّي‪ .‬ليت ّم استعماله في التّفكير المجرّد بطريقة الوعية‪.‬‬
‫ويمكن أن نحوصل‪ 1‬أه ّم النّتائج الّتي خرجنا بها من تحليلنا أله ّم النّماذج االستعاريّة لتص ّور‪1‬‬
‫اإلرهاب في مداخالت النّواب في النّقاط األساسيّة التّالية‪:‬‬
‫* يت ّم اإلدراك وتعقّل المتص ّورات عبر مقاربات متع ّددة مترابطة‪ .‬يتوضّح معها التصوّر‬
‫بالتّدريج‪ .‬فعمليّة التعقّل والتّحديد والفهم الّتي يمارسها ّ‬
‫الذهن تُعيد المجهول إلى المعلوم والمج ّرد‪ 1‬إلى‬
‫المحسوس‪ .‬وهي بذلك تح ّد من االنفعاالت األولى‪ ،‬وترفع‪ 1‬عواطف الخوف‪ ،‬وتع ّزز الثقة والقدرة على‬
‫معالجة األمور‪ 1‬باستثمار ما أفادتنا به تجاربنا الطّويلة في الحياة‪.‬‬
‫* تشتغل النماذج االستعاريّة المتع ّددة ضمن أبنية عليا تحكم سيرورتها‪ 1‬وهي الخطاطات‪ 1‬الصّور‬
‫اّلتي تتآلف بدورها ضمن مناويل‪ 1‬عرفنيّة مترسخة في عمق تجاربنا المعرفية واالنتروبولوجيّة‪ ،‬وحياتنا‬
‫اليوميّة‪ ،‬وإدراكاتنا الحسيّة‪ ،‬وتجربتنا الجسديّة‪ ،‬لنفهم بها المجال الهدف ‪ -‬وهو تص ّور‪ 1‬االرهاب في بحثنا‪.-‬‬
‫فاالستعارات مفيدة خصوصا‪ 1‬عندما يكون من الضّروري‪ 1‬تبسيط موضوعات معقّدة‪ ،‬ومجرّدة‪ ،‬وتقديمها‪1‬‬
‫بمفردات حيويّة وعاطفيّة‪.‬‬

‫إن االستعارة باعتبارها تصوّرا لمجال على أساس مجال آخر إنّما هي حصيلة مشتركة بين‬
‫* ّ‬
‫جميع البشر‪ .‬وهو ما تكشف عنه نظريّة االستعارة المفهوميّة في ما تق ّدمه من تفسيرات لسيرورة النّسق‬
‫التصوّري‪ ،‬ولطرق‪ 1‬بنينته للمفاهيم والتصوّرات‪ ،‬ومن دور‪ 1‬الخطاطات الصّور كأبنية عليا تسيّر عمليّة‬
‫الفهم واإلدراك‪ .‬وفي ما يق ّدمه عملها االجرائ ّي على استعماالتنا اللّغوية اليوميّة من إبراز لفاعليّة اإلسقاط‬
‫ي الّذي يتعلّق بالمقوالت العُليا حيث تتيّسر بعد ذلك االندراجات بطريقة مفتوحة وثريّة تكشف‬
‫االستعار ّ‬
‫القدرة االبداعيّة للّغة‪ .‬فنظريّة االستعارة المفهوميّة تحاول وضع نظريّة متكاملة الشتغال ّ‬
‫الذهن البشر ّ‬
‫ي‬
‫في بناء المعنى‪ .‬واالستعارة في مركز‪ 1‬هذه النظريّة حيث تتولّد ال ّداللة من انعقاد االقتضاءات‪ 1‬بين المجال‬
‫المصدر‪ 1‬والمجال الهدف‪ .‬ويكون الفهم عن طريق االستدالل‪ .‬و ينفتح من ث ّمة المجال أمام عمليّة التّأويل‬
‫بتنزيل الخطاب في سياقاته االستعماليّة المخصوصة‪ ،‬وإدراك مقاصده القريبة والبعيدة‪.‬‬
‫إن البشر أو لنقل بأكثر دقّة المجموعات البشريّة الكبيرة المتجانسة في إط‪11‬ار حض‪11‬ار ّ‬
‫ي وت‪11‬اريخ ّي‬ ‫ّ‬
‫مشترك‪ 1‬تتطوّر لديهم بنى ذهنيّة واحدة تتش ّكل مناويال عرفنيّة مؤمثلة‪ .‬تجعلهم رغم كل التّناقضات الفكريّ‪11‬ة‬
‫واالختالف‪11‬ات الجزئيّ‪11‬ة والفرديّ‪11‬ة‪ ،‬وتوظيف‪11‬اتهم‪ 1‬المختلف‪11‬ة الموجّه‪11‬ة للفهم والتأوي‪11‬ل يف ّك‪11‬رون‪ ،‬ويس‪11‬تقرئون‪،‬‬
‫ويستدلّون‪ ،‬ويبنون‪ 1‬تصوراتهم‪ 1‬في الواقع وفقها‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫* ينبغي أن نضع في اعتبارنا ّ‬
‫أن االستعارات نادرا ما تكون محايدة‪ .‬فإنشاء شيء بمفردات شيء‬
‫آخر تنتج عنه وجهة نظر معيّنة حول ال ّشيء موضوع‪ 1‬التّساؤل‪ .‬وينطوي‪ 1‬غالبا على اتّجاهات وتقييمات‬
‫فإن االستعارات تُبرز بعض أبعاد المجال الهدف وتخفي‬
‫ُمح ّددة‪ .‬وبمفردات نظريّة االستعارة المفهوميّة ّ‬
‫أخرى‪ .‬و ّ‬
‫إن من وظائف‪ 1‬االستعارة في الخطاب تمثيل أبعاد معيّنة من الواقع طبقا لطبيعة التبئير‬
‫االستعاري‪ّ .‬‬
‫فإن االستعارات‪ 1‬يمكن أن تستخدم‪ 1‬لإلقناع بصيغة مفهوميّة جديدة للواقع وتبريرها‪ 1،‬وتقييمها‪،‬‬
‫وشرحها‪ ،‬والتّنظير‪ 1‬لها‪ .‬وهي بذلك تقيم عالقات ديناميّة مع االيديولوجيا‪ 1.‬فالخطابات تعكس ايديولوجيّات‬
‫معيّنة‪ .‬لكنّها أيضا تسهم في صياغة االيديولوجيّات‪ 1‬وتغييرها‪ 1.‬واالستعارات المفهوميّة مكوّن مه ّم‬
‫لاليديولوجيّات فتسليط‪ 1‬الضّوء على جانب معيّن واإل ّدعاء ّ‬
‫أن هذا الجانب أو ذاك هو الحقيقة هو ما يخلق‬
‫االيديولوجيا‪1.‬‬

‫ي لتُوفّر تمثيالت معيّنة للموضوعات‬


‫* تُستخدم‪ 1‬النّماذج االستعاريّة باتّساق‪ 1‬في الخطاب السياس ّ‪1‬‬
‫والمواقف واألحداث‪ .‬ولتنجز‪ 1‬تأثيرات إقناعيّة‪ .‬فتستغ ّل االستعارات الّتي يستخدمها السياسيون‪ 1‬كالّ من‬
‫المعتقدات الواعية واالرتباطات االنفعاليّة غير الواعية كي ترسم تمثيالت سلطويّة معيّنة للمتكلّمين أنفسهم‬
‫وللجمهور الّذي يخاطبونه‪ .‬فهذا الصّراع ال ّدائر بين االستعارات إنّما مداره ما يترتب على هيمنة استعارة‬
‫ما على موقف ما من نتائج خطيرة تخصّ ما يجب فعله‪ ،‬ومن يجب عليه أن يفعله‪.‬‬
‫إن الرؤية التّجريبية وفي‪ 1‬ما يتعلّق بالح ّد والفهم تهت ّم بالكيفيّة الّتي يمسك بها البشر التصوّر‪،‬‬
‫* ّ‬
‫كيف يفهمونه؟ وكيف‪ 1‬يشتغلون ويتصرّفون باعتباره؟ على عكس الرّؤية الموضوعيّة الّتي تنظر إلى حدود‬
‫التصوّرات‪ 1‬باعتبارها تخصّص األشياء الّتي تكون مالزمة لهذا التصوّر في ذاته‪.‬‬

‫ّ‬
‫النص‪1‬ية‪ .‬فهي يُمكن أن‬ ‫إن لإلستعارة دور مه ّم في البناء ال ّداخلي لنصّ ما وتعزيز ترابط‪ 1‬عالقاته‬
‫* ّ‬
‫مؤش‪1‬رات‪ 1‬قويّ‪11‬ة لج‪11‬ذب انتب‪11‬اه المتلقّين إلى أج‪11‬زاء معيّن‪11‬ة في‪11‬ه‪ .‬و تم ّكن من‬
‫ّ‬ ‫تمثّل صورة مختزلة له أو تمثّ‪11‬ل‬
‫توجي‪11‬ه الفهم وتحص‪11‬يل المع‪11‬نى وتأويل‪11‬ه‪ .‬وه‪11‬ذا م‪11‬ا كش‪11‬فنا عن‪11‬ه خالل تحليلن‪11‬ا ل‪11‬دور االس‪11‬تعارة في ص‪11‬ياغة‬
‫ي الجدال ّي وكيف‪ 1‬مثّلت وسيلة أساسية لبناء النسق الحجاج ّي لألطروحات المتنافسة وتحقيق‬
‫الخطاب السياس ّ‪1‬‬
‫االنسجام‪ 1‬داخلها رغم تع ّدد ال ُمتد ّخلين في جانب ك ّل أطروحة‪ .‬فالمناويل العرفنيّ‪11‬ة تُنش‪11‬ئ نوع‪11‬ا من االنتظ‪11‬ام‪1‬‬
‫ي ويع‪11‬ود‪ 1‬الفهم والتّأوي‪11‬ل‪ 1‬إلى امتالك المفت‪11‬اح‬
‫الخف ّي في النّص‪11‬وص يُب‪11‬نى من خالله‪11‬ا الفض‪11‬اء االس‪11‬تعار ّ‬
‫أوالمفاتيح األساسيّة الّتي يكون بها االهتداء إلى ذلك االنتظام وهي مح‪11‬دودة ج‪11‬دا من حيث الع‪11‬دد ومختزل‪11‬ة‬
‫لك ّل المناويل المتناسبة في المجالين المجال المصدر والمج‪11‬ال اله‪11‬دف ‪ .‬ولعلّن‪11‬ا نص‪11‬ل إلى نتيج‪11‬ة على ق‪11‬در‬
‫إن االستعارة مثّلت خيطا ناظما لتك‪11‬وين وح‪11‬دة الخط‪11‬اب داخ‪11‬ل ك‪ّ 1‬ل أطروح‪11‬ة‬
‫كبير من الصواب حين نقول ّ‬
‫جامع‪11‬ة بين نص‪11‬وص متفرّق‪11‬ة لمتخ‪11‬اطبين متع‪ّ 1‬ددين‪ .‬وق‪11‬د حاولن‪11‬ا ت‪11‬بيّن ذل‪11‬ك من خالل تتبّ‪11‬ع طريق‪11‬ة تع‪11‬الق‬
‫‪110‬‬
‫استعارات تص ّور‪ 1‬اإلرهاب في خطاب النّواب داخل ك ّل أطروحة من خالل المناويل العرفنيّة التي ّ‬
‫نض‪11‬دت‬
‫انتظامه‪11‬ا‪ 1.‬وه‪11‬و م‪11‬ا س‪11‬عت نظريّ‪11‬ة االس‪11‬تعارة المفهومي‪11‬ة إلى ترك‪11‬يزه في إط‪11‬ار بحثه‪11‬ا االج‪11‬رائ ّي عن دور‬
‫ّ‬
‫النص‪1‬وص‬ ‫االستعارة في تحقّ‪11‬ق انس‪11‬جام النص‪11‬وص باعتباره‪11‬ا آلي‪1‬ة من آلي‪11‬ات بن‪11‬اء الخط‪11‬اب‪ .‬وفي دراس‪11‬ة‬
‫باعتبارها شبكة على غاية من التعقيد والتشابك‪ 1‬تتشاكل عُقدها في إطار خطاطات شاملة تتفاع‪11‬ل م‪11‬ع س‪11‬ائر‬
‫الملكات العرفنيّة لتولّد المعنى ولتوجّه الفهم وتحقّ‪1‬ق التواص‪1‬ل ولت‪1‬أثّر‪ 1‬ب‪1‬القول وتتح ّكم‪ 1‬في س‪1‬يرورة األفع‪1‬ال‬
‫الممكنة باعتبار قوّتها‪ 1‬الناعمة في التغلغل في البنية ّ‬
‫الذهنية للمتلقّي وتحفيز آليّات الفهم والتأويل الذي يص‪11‬ل‬
‫إليه عبر االستدالل بما يخدم غاياتها ‪.‬‬

‫ويمكننا‪ 1‬أن نستفيد في إثراء هذا المبحث بما طرحه بول ريك‪11‬ور‪ 1‬في دراس‪11‬ته "للنّص واالس‪11‬تعارة‬
‫خطابا"‪ 1‬في كتابه "مقاالت ومحاضرات في التّأويلية" حيث بحث فيه عن صعيد مشترك‪ 1‬بين نظريّة النّص‬
‫ونظريّة االستعارة‪ .‬وأجاب بأنّهما يمثّالن وحدتين نصيّتين تختلف‪11‬ان من حيث الم‪11‬دى الطُ‪11‬ول ّ‪1‬‬
‫ي لك‪11‬لٍّ منهم‪11‬ا‪.‬‬
‫‪170‬‬
‫وقد‪ 1‬تجاوز فيه الحديث عن االستعارة المنحسرة في اللّفظ إلى مصطلح جديد وهو "الملفوظُ االستعاريّ"‬
‫الّذي يقتضي على األق ّل طُ‪1‬ول جمل‪1‬ة‪ .‬وه‪1‬ذا م‪1‬ا نَظّ‪1‬ر ل‪1‬ه م‪1‬اكس بالك حيث اعت‪1‬بر ّ‬
‫"أن االس‪1‬تعارة تت ّم على‬
‫مستوى‪ 1‬الجملة ال على مستوى الكلمة وهي تتكوّن من عنصرين يشهدان توتّرا دائما‪ّ ،‬‬
‫وأن معنى االس‪11‬تعارة‬
‫إن الت‪11‬وتّر االس‪11‬تعار ّ‪1‬‬
‫ي ه‪11‬و م‪11‬ا يخل‪11‬ق جم‪11‬ال‬ ‫ينتج من ه‪11‬ذا الت‪11‬وتّر‪ ،‬وليس من اس‪11‬تبدال كلم‪11‬ة مك‪11‬ان أخ‪11‬رى‪ّ .‬‬
‫االستعارة‪ 171"،‬وقد اعتبر اللّفظة االستعاريّة هي البؤرة والسياق‪ 1‬هو اإلطار‪ّ .‬‬
‫وأن المعنى هو ناتج باألساس‬
‫عن التّفاعل بين الب‪1‬ؤرة واإلط‪11‬ار‪ .‬وه‪11‬و م‪1‬ا نج‪1‬ده أيض‪11‬ا عن‪11‬د ريتش‪1‬اردز‪ 1‬ال‪1‬ذي ر ّك‪1‬ز على البني‪11‬ة اإلس‪1‬نادية‬
‫لالس‪11‬تعارة في مقابلت‪11‬ه بين النّاقل‪ 172‬والمحت‪11‬وى‪ .173‬وهي نفس الثنائيّ‪11‬ة ال‪11‬تي يس‪11‬تعملها‪ 1‬بيردس‪11‬لي‪ 174‬وهي‬
‫بمصطلحاته ال ُمغيّر‪ 175‬والموضوع الرئيسي‪ 176‬وفي هذا المستوى‪ 1‬عالج بول ريكور‪ 1‬االستعارة بوصفها أث ٌر‬
‫مص ّغر‪ .1771‬وانطلق‪ 1‬من فرضيّة عمل يعبّر عنها بقوله‪":‬غرضي أن أستكشف فرض‪1‬يّة عم‪11‬ل أعرض‪11‬ها ب‪11‬ديًّا‬
‫لذاتها‪ .‬ففهم االستعارة هو الذي يُمكنه‪ ،‬من وجهة نظر أولى‪ ،‬أن يقوم بمه ّمة ال ّدليل لفهم نصوص أطول ‪"..‬‬
‫"‪...‬أن فهم األث‪11‬ر بم‪11‬ا ه‪11‬و ك ‪ّ 1‬ل ه‪11‬و الّ‪11‬ذي يعطي من وجه‪11‬ة نظ‪11‬ر أخ‪11‬رى مفت‪11‬اح‬
‫ّ‬ ‫"‪ 178‬ويواص‪11‬ل مفترض ‪1‬ا‪1‬‬

‫‪l'énoncé métaphorique‬‬
‫‪170‬‬

‫‪171‬‬
‫‪- Kittay.Eva Feder; Metaphor: Its Cognitive Force and Linguistic Structure, Oxford‬‬
‫‪University Press 1987;p 22-23‬‬
‫‪172‬‬
‫‪-vehicle‬‬
‫‪173‬‬
‫‪- teneur - Tenor ‬‬
‫‪174‬‬
‫‪-Monroe Curtis Beardsley‬‬
‫‪175‬‬
‫‪- modificateur - modifier‬‬
‫‪176‬‬
‫‪- sujet principal- principal subject‬‬
‫‪177‬‬
‫‪- œuvre miniature‬‬
‫‪ - 178‬ريكور بول‪ ،‬مقاالت ومحاضرات في التأويليّة ( ‪ )Ecrits et conférences, 2 Herméneutique‬تعريب محمد‬
‫محجوب‪،‬المركز الوطني للترجمة‪ ،‬دار سناترا للنشر‪ ،‬تونس‪ 2013،‬ص ‪71‬‬
‫‪111‬‬
‫االستعارة"‪ 179‬ومن هنا يكون تحصيل المعنى وبناء التّأويل في ه‪11‬ذه الحرك‪11‬ة المزدوج‪11‬ة ص‪11‬عودا من األث‪11‬ر‬
‫األص‪1111‬غر (االس‪1111‬تعارة) إلى األث‪1111‬ر األك‪1111‬بر (النصّ أو الخط‪1111‬اب) معنًى‪ .‬ون‪1111‬زوال من األث‪1111‬ر األك‪1111‬بر‬
‫(النصّ ‪/‬الخطاب) إلى األثر األصغر(االستعارة) ت‪11‬أويالً‪ .‬ليخلُص انطالق‪1‬ا‪ 1‬من ه‪11‬ذه الفرض‪1‬يّة لط‪11‬رح جمل‪11‬ة‬
‫ي الح‪11‬دود يمكن للمش‪11‬اكل التأويليّ‪11‬ة الّ‪11‬تي يثيره‪11‬ا‬
‫خطيرة من األسئلة يصوغها على النّح‪11‬و التّ‪11‬الي ‪ ...":‬في أ ّ‬
‫تأويل النّصوص أن تعتبر كاالمتداد الموسّع لما يتكثّ‪11‬ف من المش‪11‬اكل في تفس‪11‬ير اس‪11‬تعارة موض‪11‬عيّة ض‪11‬من‬
‫إن استعارة ما هي أثر مص ّغر؟ فهل يمكن ألثر ما (قصيدة مثال) أو خط‪11‬اب م‪11‬ا أن يعت‪11‬بر‬
‫نصّ معطى؟ هل ّ‬
‫بمثابة استعارة موص‪11‬ولة أو ممت‪ّ 1‬دة ؟"‪ 180‬لينتهي إلى س‪11‬ؤال مه ّم وه‪11‬و "أ ّ‬
‫ي الج‪11‬وانب من تفس‪11‬ير االس‪11‬تعارة‬
‫‪181‬‬
‫يمكنها أن تلعب دور البراديغم‪ 1‬لتفسير نصّ ؟"‬

‫أتوقّف‪ 1‬عند هذه األسئلة العميقة الّتي يطرحها‪" 1‬بول ريكور" والّتي تفتح فُرجة لمقاربة االستعارة‬
‫من زاوية جديدة دون أن أخوض في ما يقترحه من أجوبة ألنّها تفتح الباب لدراسة مه ّمة حول دور‬
‫االستعارة في انسجام النّص وبناء تماسكه ال ّداخلي من ناحية‪ ،‬وفي التّأسيس لنظريّة متماسكة للتّأويل من‬
‫ناحية أخرى‪ .‬وهذا أمر آخر يحتاج إلى البحث والتع ّمق‪1.‬‬

‫الخاتمة‬
‫تع ّد نظريّة االستعارة المفهوميّة واحدة من األطر النظريّة المب ّكرة المطوّرة ضمن ال ّداللة العرفنيّة‪.‬‬
‫وفّرت‪ 1‬الكثير من الزخم النّظري المب ّك‪11‬ر له‪11‬ذه المقارب‪11‬ة للعالق‪11‬ة بين اللّغ‪11‬ة‪ ،‬وال‪1ّ 1‬ذهن‪ ،‬والتّجرب‪11‬ة المجس‪11‬دنة‪.‬‬
‫ومفاد المق ّدمة األساسيّة لنظريّة االستعارة المفهوميّة أن االستعارة ليست مجرّد مظهر‪ 1‬أس‪11‬لوب ّي للّغ‪11‬ة‪ .‬ولكن‬
‫الفكر نفسه استعار ّ‪1‬‬
‫ي بشكل أساس ّي وطبيع ّي‪ .‬على عكس النظريّات القديمة التي كانت تعت‪11‬بر االس‪11‬تعارة من‬
‫ي اليوم ّي للّغة‪.‬‬
‫مقوّمات اللّغة الشعريّة والخطاب األدب ّي ومنافية لالستعمال العاد ّ‬

‫ويق ّدم اليكوف‪ 1‬وجونسون في كتابهما " االستعارات الّتي نحيا بها" رؤية تأليفيّة تجم‪11‬ع بين النّزع‪11‬ة‬
‫الموضوعيّة والنّزعة ّ‬
‫الذاتية‪ .‬ت‪11‬رفض من ناحي‪11‬ة م‪11‬ا تفترض‪11‬ه النّزع‪11‬ة الموض‪11‬وعيّة من اس‪11‬تناد مطل‪11‬ق على‬
‫الذاتي‪11‬ة للص‪11‬دق الّ‪11‬تي تق‪11‬ول إنّ‪11‬ه‬
‫مفهوم الصّدق‪ ،‬حيث ال وجود‪ 1‬لصدق مطلق‪ .‬كذلك دون أن تتبنّى المقارب‪11‬ة ّ‬
‫صل‪ 1‬إليه إالّ عبر الخيال الّذي ال تقيّده ظ‪1‬روف خارجيّ‪1‬ة‪ .‬وق‪1‬د ر ّك‪1‬زا على دراس‪1‬ة االس‪1‬تعارة كم‪1‬دخل‬
‫اليتو ّ‬
‫ي النس‪11‬ق ّي إلى وض‪11‬ع أس‪11‬س نظريّ‪11‬ة‬
‫أساس ّي لبحث هذه القضايا الفلسفيّة‪ .‬وسعيا من خالل التصوّر االستعار ّ‬
‫للمعنى غير مبنية على الصّدق‪ 1.‬فما هو صادق لن يكون صادقا‪ 1‬بالنّظر إلى الحق‪11‬ائق الخارجيّ‪11‬ة واألوض‪11‬اع‪1‬‬
‫الّتي تصفها المعاني‪ .‬إنّما سيكون صادقا بالنّظر‪ 1‬إلى التّنظيم ّ‬
‫الذهني البش‪11‬ريّ‪ .‬وب‪11‬النّظر إلى نس‪11‬ق تص‪1‬وّري‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪- 72‬‬


‫‪179‬‬

‫‪ -180‬نفسه‪ ،‬ص ص ‪66-65‬‬


‫‪181‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪- 72‬‬
‫‪112‬‬
‫مبنين بشكل واسع باالستعارة‪ .‬فالبشر‪ 1‬يفهمون مجاالت تجارب معيّنة من خالل مج‪11‬االت تج‪11‬ارب أخ‪11‬رى‪.‬‬
‫والش‪1‬كليّة الّ‪1‬تي ك‪1‬انت س‪1‬ائدة خصوص‪1‬ا‪ 1‬م‪1‬ع‬
‫ّ‬ ‫وتحاول‪ 1‬اللّسانيات العرفنيّة تجاوز‪ 1‬ال ّدراسات التّركيبيّة‬
‫التّوليديّة والّتي وجّهت لها انتقادات قويّة بإهمال المعنى لتؤسّس لنظريّة في المع‪11‬نى‪ .‬ولق‪11‬د ت‪11‬وجّهت أبح‪11‬اث‬
‫ي الّ‪11‬تي مثّلت أس‪11‬اس الرّؤي‪11‬ة‬
‫اليك‪11‬وف‪ 1‬وجونس‪11‬ون بالنّق‪11‬د إلى الثّنائي‪11‬ة التّمييزيّ‪11‬ة التقليديّ‪11‬ة ح‪11‬رف ّي‪ -‬مج‪11‬از ّ‪1‬‬
‫الكالسيكيّة لالستعارة‪ .‬و بيّنا أنها قائمة على جملة من المغالطات كشف عنها النّسق الهائل من االستعارات‬
‫اليوميّة والوضعيّة الّتي نستعملها في كالمنا اليوم ّي‪ .‬فاالستعارة ال تحكم ممارس‪11‬تنا‪ 1‬اللّغوي‪11‬ة فق‪11‬ط‪ ،‬ب‪11‬ل تحكم‬
‫أيضا نظامنا التّصوّري وتجربتنا الحياتيّ‪11‬ة‪ .‬وهي تق‪11‬وم على ض‪11‬رب من االنس‪11‬جام ال‪11‬داخل ّي‪ ،‬ه‪11‬ذا االنس‪11‬جام‬
‫الّذي يعكس انسجام‪ 1‬تفكيرنا‪ 1‬وانسجام تجربتنا‪ 1‬الوجوديّة‪.‬‬

‫لقد اهتم اليك‪11‬وف وجونس‪11‬ون بدراس‪11‬ة الكيفيّ‪1‬ة الّ‪11‬تي يفهم به‪11‬ا اإلنس‪11‬ان لغت‪11‬ه‪ ،‬وتجربت‪11‬ه‪ ،‬والعالق‪11‬ات‪1‬‬
‫الرّابطة بينهما‪ ،‬أي كيف تؤثّر التّجربة في اللّغة؟ وكيف تؤثّر اللّغة في التّجربة؟ ونظرا إلى اللّغة باعتبارها‬
‫أن المعطيات اللّغوية تعبّر عن ترميزنا لمكون‪11‬ات نس‪11‬قنا المفه‪11‬وم ّي ولنس‪11‬قيته‪،‬‬
‫حامال لنسقنا المفهوم ّي‪ 1.‬وبما ّ‬
‫فإنّها تش ّكل مصدرا للبرهنة على الكيفيّة الّتي يشتغل بها النّسق التّصوري‪ 1‬عند البش‪11‬ر‪ .‬وانطلق‪11‬ا من فرض‪1‬يّة‬
‫أوّلي‪11‬ة وهي ّ‬
‫أن ج‪11‬زءا كب‪11‬يرا من تجاربن‪11‬ا‪ ،‬وس‪11‬لوكنا‪ ،‬وانفعالن‪11‬ا‪ ،‬اس‪11‬تعار ّ‪1‬‬
‫ي من حيث طبيعت‪11‬ه‪ .‬فاالس‪11‬تعارة‬
‫المفهوميّة تع ّم كالّ من الفكر واللّغة‪ .‬ومن الصعب أن نجد تجربة ذاتيّة مشتركة ليس‪11‬ت متص‪1‬وّرة تواض‪11‬عيّا‬
‫من خالل االستعارة‪.‬‬
‫ويركز‪ 1‬اليكوف وجونسون في بحوثهما حول صياغة نظريّة تجريبيّة للنّسق التصوّري وذل‪11‬ك رغم‬
‫أن " نسقنا التصوّري‪ 1‬ليس من األشياء الّتي نعيها بشكل عاديّ" إالّ أنّهما حاوال بناء نظريّة كافية‬
‫اعترافهما ّ‬
‫انطالقا‪ 1‬من حاالت نموذجيّة‪ ،‬واعتماد على معطيات اللّغة اليومية الّتي تع ّد حسبهما مص‪11‬درا‪ 1‬مهم‪11‬ا للبرهن‪11‬ة‬
‫على الكيفيّة الّتي يشتغل بها هذا النّسق‪ .‬وعمال على وضع أسس نظريّة كافية ترصد الكيفيّة الّ‪11‬تي ّ‬
‫تتأس‪1‬س‬
‫وتبنين بها‪ ،‬وتتعالق في ما بينها‪ ،‬وتح ّد بها‪.‬‬ ‫بها التّصورات‪،‬‬

‫أن الوق‪11‬ائع الّ‪11‬تي تؤ ّك‪11‬دها نظريّ‪11‬ة االس‪11‬تعارة المفهوميّ‪11‬ة‬


‫ويبيّن "كتاب االستعارات‪ 1‬الّ‪11‬تي نحي‪11‬ا به‪11‬ا" ّ‬
‫التتّفق مع العدي‪11‬د من االفتراض‪11‬ات الّ‪11‬تي تنب‪11‬ني عليه‪1‬ا الفلس‪11‬فة الغربيّ‪11‬ة‪ .‬فليس ص‪1‬حيحا‪ّ 1‬‬
‫أن ك‪ّ 1‬ل الفك‪1‬ر واع‪،‬‬
‫وحرف ّي‪ ،‬وغير مجسّد‪ .‬لهذا وجب إعادة النّظر في ه‪11‬ذا كلّ‪11‬ه من خالل الوق‪11‬وف على النّت‪11‬ائج التجريبيّ‪11‬ة لعلم‬
‫الذهن واللّغة يكشف البني‪11‬ة االس‪1‬تعاريّة الّ‪1‬تي تنب‪1‬ني عليه‪1‬ا األش‪1‬كال األساس‪1‬يّة للعق‪1‬ل‪.‬‬
‫عرفن ّي مجسدن حول ّ‬
‫ي جوابا جديدا وهاما على هذه القض‪11‬يّة‬
‫ويفتح لرؤية جديدة لتصوّرنا لإلنسان وللواقع‪ .‬وقد أتاح العلم العرفن ّ‪1‬‬
‫الفلسفيّة القديمة‪ ،‬قضيّة الواقع وكيف نتمكن من معرفته‪ .‬فإحساسنا بالواقع يبت‪11‬دئ‪ 1‬بأجس‪11‬ادنا ويتوقّ‪11‬ف عليه‪11‬ا‬
‫الحس‪ّ 1‬ي الح‪11‬رك ّي الّ‪11‬ذي يم ّكنن‪11‬ا من اإلدراك والتح‪ّ 1‬رك‪ 1‬ومعالج‪11‬ة األش‪11‬ياء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بش‪11‬كل حاس‪11‬م‪ .‬وبخاص‪11‬ة جهازن‪11‬ا‬
‫المفص‪1‬لة ألذهانن‪11‬ا ال‪11‬تي ش‪ّ 1‬كلها التط‪1‬وّر والتّجرب‪11‬ة‪ .‬فالواقعيّ‪11‬ة المجس‪11‬دنة إذ تنفي بن‪11‬اء على أس‪11‬س‬
‫ّ‬ ‫وبالبنيات‪1‬‬
‫‪113‬‬
‫تجريبيّة أن يوج‪11‬د وص‪11‬ف ص‪11‬حيح واح‪11‬د للع‪11‬الم‪ ،‬فإنّه‪11‬ا تعت‪11‬بر‪ 1‬المعرف‪11‬ة نس‪11‬بيّة ب‪11‬النّظر إلى طبيع‪11‬ة أجس‪11‬ادنا‬
‫وأدمغتنا‪ 1‬وتفاعلنا مع المحيط‪ .‬ولكنّها‪ 1‬تعمل أيضا على رصد كيف تكون المعرفة الواقعيّ‪11‬ة والثّابت‪11‬ة في العلم‬
‫وفي‪ 1‬العالم اليوم ّي ممكنة‪.‬‬

‫وق‪11‬د‪ 1‬عملن‪11‬ا في ه‪11‬ذا البحث على رصد تص‪ّ 11‬ور‪ 1‬اإلره‪11‬اب من منطل‪11‬ق لس‪11‬ان ّي عرف‪11‬ن ّي بدراس‪11‬ة‬
‫االستعارات‪ 1‬الّتي بنينت هذا التص‪ّ 1‬ور‪ 1‬في م‪1‬داخالت النّ‪1‬واب‪ .‬إذ يمثّل المج‪1‬ال المفه‪1‬وم ّي لإلره‪11‬اب المج‪11‬ال‬
‫الهدف الّ‪11‬ذي تعاض‪11‬دت لتش‪1‬كيله‪ ،‬وتأس‪11‬يس ح‪11‬دود معرفت‪1‬ه‪ ،‬وتحدي‪1‬ده‪ ،‬إس‪11‬قاطات متع‪ّ 1‬ددة لمج‪11‬االت مص‪11‬در‬
‫مختلفة‪ .‬وسعينا‪ 1‬أن نبيّن كيف ساهمت جملة العالقات الحادثة بين االستعماالت االستعاريّة للّغة من ناحي‪11‬ة‪،‬‬
‫والتّمثيالت ّ‬
‫الذهنية للفكر من ناحية أخ‪11‬رى في تبل‪11‬ور المفه‪11‬وم‪ .‬وتتبّعن‪1‬ا‪ 1‬انطالق‪11‬ا من نم‪11‬اذج تحليليّ‪11‬ة عملي‪11‬ة‬
‫الذهن في بناء المعنى وح ّد المفهوم عبر سيرورة من التّعالق‪11‬ات بين أط‪11‬ر متع‪ّ 1‬ددة يس‪11‬تدعيها ال‪1ّ 1‬ذهن‬
‫اشتغال ّ‬
‫من تجارب متنوّعة ليأخذ منها ما يحتاجه في بنينة التصوّر‪ّ 1.‬‬
‫فالذهن في لحظة اشتغاله بإدراك المتص‪1‬وّرات‪1‬‬
‫وبنينة المفاهيم إنّما يستعين في ذلك بحص‪1‬يلة معارفن‪11‬ا المستخلص‪11‬ة من تجربتن‪11‬ا في الوج‪1‬ود‪ 1.‬وهي تج‪1‬ارب‬
‫تظ ّل موروثة حاضرة في أذهاننا‪ .‬وإذ يشتغل ّ‬
‫الذهن بطريقة مباشرة انطالق‪11‬ا من معارفن‪1‬ا‪ 1‬الجدي‪11‬دة وق‪11‬دراتنا‬
‫العلميّة في إدراك األشياء‪ ،‬وتصنيفها‪ ،‬وح ّدها‪ ،‬وتحلي‪11‬ل أبعاده‪11‬ا‪ ،‬وتحدي‪11‬د ردود‪ 1‬أفعالن‪11‬ا‪ ،‬فإنّ‪11‬ه يحتف‪11‬ظ ك‪11‬ذلك‬
‫بجملة معارفنا القديمة‪ .‬فينشط وتحت ظروف‪ 1‬معيّنة الجانب األسطور ّ‪1‬‬
‫ي في تكوين تجربتنا األولى في العالم‬
‫حيث النّبع األوّل للمعرفة المتمثّل حسب "كاسيرير" في استعارة الجذر‪ .‬فتكون قوّة االستعارة في المطابق‪11‬ة‬
‫بين ال ّشيء واستعارته‪ .‬فال شيء من تجاربنا ولو تلك القديمة ج ّدا في معارفنا الموروث‪11‬ة يم‪11‬وت ويض‪11‬مح ّل‪1.‬‬
‫بل ربما ينكمش تحت سطح المعارف‪ 1‬والتّجارب األكثر ج ّدة‪ .‬ولكنّ‪11‬ه يظ‪ّ 1‬ل متم ّكن‪11‬ا في الالّوعي‪ .‬وي‪11‬برز‪ 1‬إلى‬
‫السطح في وقت األزمات مع ظهور‪ 1‬مثيرات قويّة خاصة تلك المتعلّقة بعاطفة الخوف وال ّشعور‪ 1‬بالتّهديد‪.‬‬

‫ّ‬
‫توص‪1‬ل إلي‪11‬ه من نت‪11‬ائج حاس‪11‬مة في‬ ‫ي هو م‪11‬ا‬ ‫ّ‬
‫وإن من أه ّم الكشوفات الجديدة والخطيرة للعلم العرفن ّ‪1‬‬
‫الكشف عن ال ّدور‪ 1‬المرك ّزي لفهمنا المجس‪11‬دن في ك‪ّ 1‬ل مظ‪11‬اهر المع‪11‬نى‪ ،‬وفي بني‪11‬ة فكرن‪11‬ا‪ .‬ويعت‪11‬بر‪ 1‬اليك‪11‬وف‬
‫وجونسون االستعارات المجسدنة من االس‪11‬تعارات األولى الّ‪11‬تي نتعلمه‪11‬ا في س‪ّ 1‬‬
‫‪1‬ن مبك‪11‬رة‪ .‬ه‪11‬ذه االس‪11‬تعارات‬
‫تسمح لنا بفهم عدد كبير ومتنوّع من التّجارب عن طريق‪ 1‬الحوافز‪ 1‬والخصائص واألنشطة البشريّة‪ .‬وتم ّكننا‬
‫من أن نعطي معنى للظّواهر في هذا العالم عن طريق‪ 1‬ما هو بشريّ‪ .‬فالنّظر إلى شيء مجرّد عن طريق ما‬
‫ي له س‪1‬لطة تفس‪11‬يريّة تش‪ّ 1‬كل بالنس‪11‬بة إلى غالبيّتن‪11‬ا‪ ،‬الوس‪11‬يلة الوحي‪11‬دة إلعطائ‪11‬ه مع‪11‬نى‪ّ .‬‬
‫وإن اإلدراك‬ ‫هو بشر ّ‬
‫وتتوض‪1‬ح بالتّ‪11‬دريج‪ .‬فعملي‪11‬ة التعقّ‪11‬ل والتّحدي‪1‬د‪ 1‬والفهم الّ‪11‬تي‬
‫ّ‬ ‫وتعقّ‪11‬ل المتص‪1‬وّرات يت ّم ع‪11‬بر مقارب‪11‬ات متع‪ّ 1‬ددة‬
‫يمارسها‪ّ 1‬‬
‫الذهن تعيد المجهول إلى المعلوم والمجرّد إلى محسوس‪ .‬وهي ب‪11‬ذلك تح‪ّ 1‬د من االنفع‪11‬االت األولى‪،‬‬
‫وترفع‪ 1‬عواطف الخوف‪ ،‬وتع ّزز الثّقة والقدرة على معالجة األمور باستثمار ما أفادتن‪11‬ا ب‪11‬ه تجاربن‪11‬ا الطّويل‪11‬ة‬
‫في الحياة ‪.‬فنحن نستم ّد المعنى وال ّداللة من تجاربنا المعرفيّة والجسديّة‪ .‬وتحصيلنا‪ 1‬المجسدن للمعنى هو م‪11‬ا‬
‫‪114‬‬
‫يمكننا من مسك المتصوّر المجرّد‪ .‬و يعطينا ال ّشعور‪ 1‬بالثّقة والق‪11‬درة على التح ّكم والمواجه‪11‬ة‪ .‬و يح‪ّ 1‬دد ردود‬
‫فعلنا باالستفادة مما تراكم‪ 1‬لدينا من تجارب‪ .‬فاألبعاد المعقّدة للتص ّور‪ 1‬الّتي تفيض عن الح ّد المعجمي بك ّل ما‬
‫تحوي‪11‬ه من دالالت إيحائيّ‪11‬ة تج‪11‬د في االس‪11‬تعارة مناف‪11‬ذها الالّمتناهي‪11‬ة الس‪11‬تيعاب االيح‪11‬اءات واالنفع‪11‬االت‬
‫المختلفة‪ ،‬ونقلها‪ ،‬والنّجاح في التّواصل بها عن طريق جملة التّناسبات المعرفيّة واألنطولوجيّة‪.‬‬

‫ونستخلص من خالل تحليلنا لالستعارات المتعلّقة بتص ّور‪ 1‬اإلرهاب في خطاب النّواب ّ‬
‫أن النّماذج‬
‫االستعاريّة تستخدم‪ 1‬باتّساق في الخطاب السياس ّي لتوفّر‪ 1‬تمثيالت معيّنة للموضوعات‪ 1‬والمواقف‪ 1‬واألحداث‪.‬‬
‫ولتنجز‪ 1‬تأثيرات إقناعيّة عبر استعارات تستند إلى نقل حصيلة تجاربنا المتراكمة والمترسّخة في عمقنا‬
‫االنتروبولوج ّي‪ ،‬والمعرف ّي‪ ،‬وحياتنا اليوميّة‪ ،‬وإدراكاتنا الحسيّة‪ ،‬وتجربتنا الجسديّة‪ ،‬لنفهم بها المجال‬
‫الهدف ‪ -‬وهو تصوّر االرهاب في بحثنا‪ .-‬فاالستعارات مفيدة خصوصا‪ 1‬عندما يكون من الضّروري تبسيط‪1‬‬
‫موضوعات‪ 1‬معقّدة‪ ،‬ومجرّدة‪ ،‬وتقديمها بمفردات حيويّة وعاطفيّة‪.‬‬
‫ومن النّتائج المه ّمة الّتي نستخلصها‪ 1‬من البحث في دراسة تص‪ّ 1‬ور‪ 1‬اإلره‪11‬اب في م‪11‬داخالت "مجلس‬
‫أن البش‪11‬ر أو لنق‪11‬ل ب‪11‬أكثر دقّ‪11‬ة المجموع‪11‬ات البش‪11‬ريّة‬
‫نوّاب الشعب" في إطار نظري‪11‬ة االس‪11‬تعارة المفهوميّ‪11‬ة ّ‬
‫ي مشترك تتط ّور‪ 1‬ل‪11‬ديهم بُ‪11‬نى ذهنيّ‪11‬ة واح‪11‬دة‪ .‬تجعلهم رغم ك‪11‬ل‬ ‫الكبيرة المتجانسة في إطار حضار ّ‪1‬‬
‫ي وتاريخ ّ‪1‬‬
‫التّناقضات‪ 1‬الفكريّة واالختالفات الجزئيّة والفرديّة‪ ،‬وتوظيفاتهم المختلفة الموجّه‪11‬ة للفهم والتأوي‪11‬ل يف ّك‪11‬رون‪،‬‬
‫ويستقرئون‪ ،‬ويستدلّون‪ ،‬ويبنون تصوراتهم في الواق‪11‬ع وفقه‪11‬ا‪ .‬فاالس‪11‬تعارة باعتباره‪1‬ا‪ 1‬تص‪1‬وّرا لمج‪11‬ال على‬
‫أساس مج‪11‬ال آخ‪11‬ر إنّم‪11‬ا هي حص‪11‬يلة مش‪11‬تركة بين جمي‪11‬ع البش‪11‬ر‪ .‬وه‪11‬و م‪11‬ا تكش‪11‬ف عن‪11‬ه نظريّ‪11‬ة االس‪11‬تعارة‬
‫المفهوميّة في ما تق ّدمه من تفسيرات لسيرورة النّسق التصوّري‪ ،‬ولطرق بنينته للمفاهيم والتصوّرات‪ ،‬ومن‬
‫الص‪1‬ور كأبني‪11‬ة علي‪11‬ا تس‪1‬يّر عمليّ‪11‬ة الفهم واإلدراك‪ 1‬وفي م‪11‬ا يق ّدم‪11‬ه عمله‪11‬ا االج‪11‬رائ ّي على‬
‫دور الخطاط‪11‬ات‪ّ 1‬‬
‫ي الّذي يتعلّق ب‪11‬المقوالت العلي‪11‬ا حيث تتيّس‪11‬ر‬
‫استعماالتنا‪ 1‬اللّغوية اليوميّة من إبراز لفاعليّة اإلسقاط االستعار ّ‬
‫بعد ذلك االندراجات بطريقة مفتوحة وثريّ‪11‬ة تكش‪11‬ف الق‪11‬درة االبداعيّ‪11‬ة للّغ‪1‬ة‪ .‬فنظريّ‪11‬ة االس‪11‬تعارة المفهوميّ‪11‬ة‬
‫ي في بناء المعنى‪ .‬واالس‪11‬تعارة في مرك‪1‬ز‪ 1‬ه‪11‬ذه النظريّ‪11‬ة‬ ‫تحاول وضع نظريّة متكاملة الشتغال ّ‬
‫الذهن البشر ّ‬
‫حيث تتولّد‪ 1‬ال ّداللة من انعقاد االقتضاءات بين المجال المص‪11‬در والمج‪11‬ال اله‪11‬دف‪ .‬ويك‪11‬ون الفهم عن طري‪11‬ق‬
‫االستدالل‪ .‬وينفتح من ث ّمة المجال أمام عمليّة التّأويل بتنزيل الخطاب في سياقاته االستعماليّة المخصوصة‪،‬‬
‫وإدراك‪ 1‬مقاصده القريبة والبعيدة‪ .‬فاالستعارة تمثّل من هذه الناحية بؤرة مختزنة لدالالت متع ‪ّ 1‬ددة وبتنزيله‪11‬ا‬
‫في إطار سياقي‪ 1‬معين ومن زاوية نظ‪1‬ر مح‪ّ 1‬ددة يمكن اج‪1‬راء ن‪1‬وع من الغربل‪1‬ة يمكنه‪1‬ا أن تحقّ‪1‬ق ج‪1‬زءا من‬
‫ُممكنها الدالل ّي‪.‬‬
‫و ينبغي أن نضع في اعتبارنا‪ّ 1‬‬
‫أن االستعارات‪ 1‬نادرا ما تكون محايدة فإنشاء شيء بمفردات شيء‬
‫آخر تنتج عنه وجهة نظر معيّنة حول الشيء موضوع‪ 1‬التّساؤل‪ .‬وينطوي‪ 1‬غالبا على اتّجاهات وتقييمات‬

‫‪115‬‬
‫مح ّددة‪ .‬وبمفردات نظريّة االستعارة المفهوميّة ّ‬
‫فإن االستعارات تبرز بعض أبعاد المجال الهدف وتخفي‬
‫أخرى‪ .‬فهي تقوم من هذه النّاحية على ثنائية اإلبراز والحجب فمن وظائف‪ 1‬االستعارة في الخطاب تمثيل‬
‫أبعاد معيّنة من الواقع طبقا لطبيعة التّبئير االستعار ّ‬
‫ي‪ّ 1.‬‬
‫فإن االستعارات يمكن أن تستخدم لإلقناع بصيغة‬
‫مفهوميّة جديدة للواقع وتبريرها‪ ،‬وتقييمها‪ ،‬وشرحها‪ ،‬والتّنظير‪ 1‬لها‪ ،‬وهي بذلك تُقيم عالقات ديناميّة مع‬
‫االيديولوجيا‪ 1.‬فالخطابات تعكس ايديولوجيّات‪ 1‬معيّنة‪ .‬لكنّها أيضا تسهم في صياغة االيديولوجيّات‬
‫وتغييرها‪ .‬واالستعارات‪ 1‬المفهوميّة مكون مه ّم لاليديولوجيّات‪ .‬فتسليط‪ 1‬الضّوء على بعض جوانب التص ّور‪1‬‬
‫أن هذا الجانب أو ذاك هو الحقيقة هو ما يصنع االيديولوجيا‪ 1.‬فاالستعارات الّتي يستخدمها‪1‬‬
‫واإل ّدعاء ّ‬
‫السياسيون‪ 1‬تستغ ّل كالّ من المعتقدات الواعية واالرتباطات االنفعاليّة غير الواعية لكي ترسم تمثيالت‬
‫سلطويّة معيّنة للمتكلمين أنفسهم وللجمهور الذي يخاطبونه‪ .‬وهذا الصراع ال ّدائر بين االستعارات إنّما‬
‫مداره ما يترتب على هيمنة استعارة ما على موقف ما من نتائج خطيرة تخصّ ما يجب فعله‪ ،‬ومن يجب‬
‫عليه أن يفعله‪.‬‬
‫وإذا كانت الرؤية الموضوعية تنظر إلى حدود‪ 1‬التصوّرات باعتبارها تخصّص األشياء التي تك‪11‬ون‬
‫مالزمة لهذا التص ّور‪ 1‬في ذاته ّ‬
‫فإن الرؤي‪11‬ة التجريبي‪11‬ة تهتم بالكيفي‪11‬ة ال‪11‬تي يمس‪11‬ك به‪11‬ا البش‪11‬ر التص‪1‬وّر‪ ،‬كي‪11‬ف‬
‫يفهمونه؟ وكيف يشتغلون ويتصرّفون باعتباره؟‬

‫وفي‪ 1‬الواقع ّ‬
‫فإن دور سياقات استعمال معيّنة حاس‪11‬م في فهم ال‪11‬دافع المحتم‪11‬ل وراء اختي‪11‬ار اس‪11‬تعارة‬
‫معيّن‪11‬ة‪ ،‬وتأثيراته‪11‬ا المحتمل‪11‬ة على الجمه‪11‬ور‪ 1‬المخ‪11‬اطب‪ ،‬وح‪11‬دوث اإلقن‪11‬اع‪ ،‬أو تغي‪11‬ير المواق‪11‬ف‪ 1،‬أو كس‪11‬ب‬
‫التّعاطف‪ 1.‬فاالستعارة وسيلة رمزيّة تشتغل في ثناياها ك ّل أشكال البنى اإلجتماعيّة‪ ،‬والثقافيّ‪11‬ة‪ ،‬واالقتص‪11‬اديّة‬
‫أن تأويل االستعارة يتطلّب موسوعيّة من قبل القارئ ومتقبّل الخطاب‪.‬‬
‫والسياسيّة‪ .‬لنخلص إلى ّ‬

‫إن االستعارة هي الّتي تبني فينا حسّنا االنساني‪ .‬ونعود‪ 1‬في ذلك إلى إحدى‬
‫ويمكن أن نقول ّ‬
‫التّعريفات الفلسفيّة لإلنسان باعتباره كائنا رامزا فما يميّز اإلنسان عن الحيوان حسب "كاسيرار"‪ 1‬هو‬
‫قدرته على التّرميز أي أن يتواصل‪ 1‬بواسطة هذا الجهاز الرّمزي الّذي ينتج دالالت يتش ّكل بواسطتها‪ 1‬معنى‬
‫العالم‪ .‬فالواقع ليس معطى خارج ّي بل نبنيه من خالل تصوّراتنا المجسدنة باألساس‪ .‬ونشكلّه باللّغة‬
‫وبمختلف‪ 1‬أنظمتنا الرمزية‪ .‬واالستعارة وسيلة ذهنيّة رئيسيّة في بنينة المفاهيم والتص ّورات‪ .‬ويمكن أن‬
‫تُدرس من الجانب الفلسف ّي المتعلّق بالوسائط واألنظمة الرّمزية‪ .‬فالرّمز هو تمثيل حسّي لمعنى ذهن ّي‬
‫باعتماد عالقة مماثلة أو إيحاء بينهما يم ّكن الفكر من تأويل الشكل الحسّي وفهمه من أجل تمثّل للمعنى‬
‫وفي‪ 1‬هذا جانب كبير من عمل االستعارة‪.‬‬
‫إن جز ًءا من حلمنا بتغيير العالم الّذي نعيش فيه قد نستطيع إنجازه بواسطة تغيير االستعارات‬
‫ّ‬
‫الّتي نستخدمها في وصفه‪ ،‬وتحليله‪ ،‬والكالم عنه‪ .‬فما النستطيع‪ 1‬فعله خارج االستعارة هو أن نتوصّل إلى‬
‫‪116‬‬
‫ي‬ ‫ي ينصف جميع جوانب التص ّور‪ 1‬ويق ّدرها ح ّ‬
‫ق قدرها‪ 1.‬فالعقل اإلنسان ّ‪1‬‬ ‫فهم واحد موحّد‪ ،‬وموضوع ّي‪ ،‬وحرف ّ‪1‬‬
‫يتش ّكل بدرجة أساسيّة عبر االستعارة‪ .‬فاالستعارة الّتي ننطق بها تعكس على نحو شفّاف رؤيتنا للعالم‬
‫وطرق تفكيرنا فيه‪ .‬فالفهم في النّهاية قد يكون هو هذه القدرة الّتي تمكننا منها االستعارة لصنع العالم‪ .‬ولفهم‬
‫الوجود‪ 1‬بما هو وجود‪ .‬أليست هذه الرّؤية في وجه من الوجوه هي جواب أفالطون حول مسألة المعرفة‬
‫ونظريّة اإلغريق في المعرفة المباشرة؟ ربّما يق ّدم العلم العرفن ّ‪1‬‬
‫ي هنا مقاربة علميّة مبرهن عليها لمقاربة‬
‫قديمة لسؤال المعرفة‪ ،‬مقاربة كانت غارقة في الواقعية الميتافيزيقية النّهائية‪ ،‬فالميتافيزيقا بذلك هي إقرار‬
‫بعجز العقل في مرحلة معيّنة عن إدراك القوانين‪ .‬والعلم العرفن ّي يبحث في ما وراء العقل‪ .‬إنّه يحاصر‬
‫الميتافزيقا في مناطقها المحصّنة‪.‬‬
‫وفي الخت ام يمكن أن نق ول إنّ أهمي ة البح وث اللّس انية العرفن ّي ة هي في م ا تكش فه من الق وانين‬
‫الذهن في تحصيل المفهمة وبناء الع الم‪ .‬وربّم ا يك ون ه ذا الم دخل مه ّم ا‬ ‫النسقيّة الخفيّة للفكر‪ ،‬والشتغال ّ‬
‫جدا في م ا نتح ّدث ب ه عن تغي ير العقل ّي ات الّ ذي ال يك ون إال بفهم ه ذه الق وانين واآلل ّي ات المتح ّكم ة في‬
‫الذهن‪ .‬ومن هنا يكون تغيير عادات الفكر‪ /‬اللّغة يعني تغيير رؤية ال ّناس للعالم‪ ،‬أو تغي ير ص ورة‬ ‫اشتغال ّ‬
‫الع الم في األذه ان‪ .‬وبه ذا يمكن إع ادة بن اء المنظوم ة ّ‬
‫الذهني ة وتغي ير العملي ات المعرف ّي ة‪ ،‬وهي أم ور‬
‫ترسّخت مع معتقدات وثقافات المجتمعات‪ .‬وهذا ال يعني الجمود والتحجّ ر فالعقل البشريّ في حال ة تك ّي ف‬
‫مستمر‪ ،‬وتفاعل دائم مع المحيط والتغيّرات‪ .‬وتبقى أهمية هذا ال ّنوع من ال ّدراسات في ما يمكن أن تس اهم‬
‫فيه من فتح ّ‬
‫الطريق لوضع سياس ات تعليم ّي ة ه دفها بن اء عق ول يك ون أس اس تفكيره ا مرون ة دينام ّي ة‪،‬‬
‫وقدرة منهجيّة على فهم المشكالت وح ّل المسائل وابتكار الحلول‪.‬‬

‫والذهن مجال عمل واسع لكي نتأمل واقعن ا ّ‬


‫الثق افي وتراثن ا‬ ‫أمام هذه الدراسات العرفنيّة في اللّغة ّ‬
‫ودراسة كيف يف ّكر اإلنسان العربيّ ؟ وكيف يرى العالم؟ وما الجذور ّ‬
‫الثقافية للمعرفة ولل ّتفكير عنده؟ وما‬
‫المنظومة ّ‬
‫الذهنية الحاكمة فيه؟ وكيف نغيّر عادات ال ّتفكير وأسسه إن كان ذلك الزما؟‬

‫‪117‬‬
‫ثبت المصطلحات األجنبية الواردة في البحث‬

‫‪A‬‬
‫‪absolute‬‬ ‫مطلق‬
‫‪abstraction‬‬ ‫تجريد‬
‫كفاية‬
‫‪adequacy‬‬
‫الفلسفة القبلية أو األولية‬
‫‪apriori philosophy‬‬ ‫اعتباطي‬
‫‪arbitrary‬‬ ‫الذكاء االصطناعي‬
‫‪artificial Intelligence‬‬ ‫ترابط‬
‫‪association‬‬

‫‪B‬‬
‫‪basic-Level Categories‬‬ ‫مقوالت المستوى األدنى‬
‫‪body metaphor‬‬ ‫استعارة جسدية‬

‫‪118‬‬
C
categorization ‫َمق َولَة‬
causation ‫سببية‬
characterization ‫تخصيص‬
coherence ‫انسجام‬
cognize ‫عرفن‬
cognitive Linguistics ‫اللّسانيات العرفنية‬
cognitive science ‫العلوم العرفنيّة‬
complex Metaphor ‫االستعارة المعقّدة‬
concept ‫ مفهوم‬1/‫تصوّر‬
conceptualization ‫المفهمة‬
conceptual domain ‫المجال المفهومي‬
conceptual Metaphor Theory ‫نظريّة االستعارة المفهوميّة‬
conflation ‫دمج‬
conflation stage ‫مرحلة ال ّدمج‬
container schema ‫خطاطة الحاوية‬
context ‫سياق‬
connector ‫رابط‬
connotation ‫داللة االيحاء‬
conventional metaphor ‫استعارة تواضعية‬
color cones in our retinas ‫مخروطات اللّون في شبكية العين‬
correlation ‫تعالق‬
correspondences ‫التناسبات‬
cross -metaphorical ‫عبر استعاري‬

D
definition ‫ح ّد‬
denotation ‫داللة المطابقة‬
dichotomy ‫ثنائية‬
differentiation stage ‫مرحلة التمايز‬
discourse ‫خطاب‬
E
entailments, metaphorical ‫االقتضاءات االستعارية‬
embodied realism ‫الواقعية المجسدنة‬
event structure ‫البنية الحدثية‬
epistemic Correspondences ‫التناسبات المعرفية‬

119
event ‫حدث‬
evidence ‫برهان‬
experiential theory ‫نظرية تجريبية‬
F
figurative 1‫مجازي‬
frame ‫إطار‬
focus ‫بؤرة‬
formalist version ‫الصورية‬/‫النسخة الشكلية‬
functionalism ‫الوظيفية‬
G
generic-level schemas ‫الخطاطات ذات المستوى الشامل‬
generalization ‫تعميم‬
H
highlighting ‫تسليط الضوء‬
homonymy ‫ اللفظي‬1‫االشتراك‬
I
idealized cognitive model ‫منوال عرفن ّي مؤمثل‬
imagery ‫التّصوير‬
image schema ‫الخطاطة الصورة‬
implicational 1‫استلزامي‬
induction ‫استقراء‬
inherent Proprties ‫الخصائص المالزمة‬
inheritance hierarchy ‫سلّمية اإلرث‬
interaction Proprties ‫الخصائص التفاعلية‬
inference ‫استدالل‬
innateness ‫فطرية‬
interaction ‫تفاعل‬
intuition ‫حدس‬
interpretation ‫تأويل‬
invariance principle ‫مبدأ الثبات‬
L
literal 1‫حرفي‬
M
mapping ‫إسقاط‬
meaning ‫معنى‬
mental imagery ّ ‫التّصوير‬
‫الذهني‬
metaphor ‫استعارة‬

120
metaphorical Entailment potential ‫ االستعاري المحتمل‬1‫االقتضاء‬
mind ‫ذهن‬
modifier ‫ُمغيّر‬
motor ‫حركي‬

N
neural circuitry ‫الدارة العصبية‬
neural maps ‫خرائط عصبية‬
neurolinguistics ‫لسانيات عصبية‬
nonporopsitional structures )‫األبنية غير الخبرية (االنشائية‬
nuclear ‫ذرّي‬
O
objectivism ‫النزعة الموضوعية‬
ontological metaphor ‫استعارة انطولوجية‬
orientational metaphor ‫استعارة اتجاهية‬

P
perception ‫إدراك‬
personification ‫تشخيص‬
perspective 1‫منظور‬
prescriptive Speech ‫خطاب إلزامي‬
polysemous ‫متع ّدد الداللة‬
polysemy ‫تع ّدد الداللة‬
premise ‫مق ّدمة منطقية‬
primary Metaphor ‫االستعارة األوّلية‬
principal subject 1‫موضوع رئيسي‬
process ‫ سيرورة‬/‫مسار‬
projection ‫إسقاط‬
proposition ‫قضيّة‬
purpose 1‫قصد‬
R
relativity ‫نسبية‬
realty ‫واقع‬
realism ‫واقعية‬
reasoning ‫تعقّل‬
representation ‫تمثيل‬
restriction ‫قيد‬

121
rhetorical ‫بالغي‬
root metaphor ‫استعارة جذرية‬
rule ‫قاعدة‬
S
semantic features ‫سمات داللية‬
source domain ‫المجال المصدر‬
similar ‫مشابه‬
similarity ‫مشابهة‬
source- Path- Goal schema ‫خطاطة مصدر مسار هدف‬
spatial-Relations Concepts ‫ العالقات الفضائية‬1‫تصورات‬
specific-level schemas ‫ المخصّص للخطاطة الشاملة‬1‫المستوى‬
structural metaphor ‫استعارة بنيوية‬
structuration ‫بنينة‬
subjectivism ‫النزعة الذاتية‬
substitution ‫إبدال‬
systematicity ‫نسقية‬
systematic correesspondences ‫التناسبات النسقية‬

target domain ‫المجال الهدف‬


tenor 1‫محتوى‬
time Orientation metaphor ‫استعارة التوجيه الزمني‬
true 1‫صادق‬
‫صدق‬
truth ‫نمطيّة‬
typology

U
understanding ‫فهم‬
underlying ‫تحتي‬
universal ‫كلّي‬
universalism ‫كلّية‬
ultimate metaphysical ‫الميتافيزيقية النهائية‬

v
vague ‫غامض‬
122
‫‪value‬‬ ‫قيمة‬
‫‪variable‬‬ ‫متغيّر‬
‫‪vehicle‬‬ ‫ناقل‬
‫‪vision‬‬ ‫رؤية‬
‫‪visual‬‬ ‫بصري‪1‬‬
‫‪w‬‬
‫‪wavelengths of reflected light‬‬ ‫الطول الموجي للضوء المنعكس‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫المراجع باللّغة العربية‬


‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار إحياء ال ّتراث العربي ‪18،‬جزءا ‪1998،‬‬ ‫‪‬‬
‫أرسطو‪ ،‬فنّ ال ّشعر‪ ،‬ترجمة وتقديم وتعليق إبراهيم حمادة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة األنجاو المصرية‪،‬دت‬ ‫‪‬‬
‫أرنست كاسيرير‪ ،‬اللغة واألسطورة‪ ،‬ترجمة س‪11‬عيد الغ‪11‬انمي‪،‬أب‪11‬و ظ‪11‬بي‪ ،‬هيئ‪11‬ة أب‪11‬و ظ‪11‬بي للثقاف‪11‬ة وال‪11‬تراث ‪ ،‬المجم‪11‬ع‬ ‫‪‬‬
‫الثقافي ‪2009،‬‬
‫إيلينا سيمينو ‪ ،Elena semino‬االستعارة في الخطاب ‪ ،‬ترجمة عماد عبد اللطيف ‪ -‬خالد توفيق‪ ،‬المركز الق‪11‬ومي للترجم‪11‬ة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫القاهرة ‪ -‬مصر‪ ،‬ط‪2013 ،1‬‬
‫باش‪11‬الر قاس‪11‬تون‪ ،‬تك وين العق ل العلميّ ‪ :‬مس اهمة في التحلي ل النفس ي للمعرف ة الموض وعية‪،‬ترجم ة خلي ل أحم د‬ ‫‪‬‬
‫خليل‪،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ -‬لبنان ‪1982 ،‬‬
‫الزناد‪،‬جامعة م ّنوبة(تونس)كليّة اآلداب والفنون‬
‫تورنر(مارك)‪ ،‬مدخل في نظريّة المزج‪ ،‬نقله إلى العربيّة ‪:‬األزهر ّ‬ ‫‪‬‬
‫واإلنسانيّات‪.‬وحدة البحث‪:‬اللّسانيّات العرفنيّة واللّغة العربيّة ‪.2011،‬‬

‫‪123‬‬
‫توماسيلو (ميشيل)‪،‬األصول الثقافية للمعرف ة البش رية ‪،‬ترجم ة ش وقي غ ريب ‪،‬أب و ظ بي‪ ،‬هيئ ة أب و ظ بي للثقاف ة‬ ‫‪‬‬
‫والتراث‪ ،‬المجمع الثقافي‪.2002 ،‬‬
‫الح دّاد مص طفى‪ ،‬اللّغ ة والفك ر وفلس فة ال ّذهن‪ ،‬منش ورات جمعي ة األعم ال االجتماع ّي ة والثقاف ّي ة ‪،‬كلّي ة اآلداب‬ ‫‪‬‬
‫بتطوان‪ -‬المغرب‪1995 ،‬‬
‫الحراصي (عبد هللا)‪ ،‬دراسات في االستعارة المفهومية ‪،‬مسقط‪ ،‬سلسلة كتاب ن زوى‪ ،‬اإلص دار الث الث‪ ،‬مؤسس ة‬ ‫‪‬‬
‫عمان للصحافة واألنباء والنشر واإلعالن‪.2002 ،‬‬
‫الجرجاني ( عبد القاهر)‪ ،‬أسرار البالغة ‪ .‬تحقيق وتعليق محمود شاكر‪ .‬القاهرة‪ ،‬مطبعة المدني‪ ،‬ط ‪1991، 1‬‬ ‫‪‬‬
‫نفسه ‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ .‬تحقيق وتعليق محمود شاكر‪ .‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬ط ‪2004، 5‬‬ ‫‪‬‬
‫ريكور بول ‪ ،‬االستعارة الحيّة ‪ ،‬ترجمة محمد الولي‪ ،‬دار الكتاب الجديد‪ ،‬بيروت ‪-‬لبنان‪2012 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫نفس‪11‬ه ‪ ،‬مق‪11‬االت ومحاض‪11‬رات في التأويليّ‪11‬ة ( ‪ )Ecrits et conférences, 2 Herméneutique‬تع‪11‬ريب‬ ‫‪‬‬
‫محمد محجوب‪،‬المركز الوطني للترجمة‪ ،‬دار سناترا للنشر‪ ،‬تونس‪2013،‬‬
‫الزناد (األزهر)‪ ،‬دروس البالغة العربية‪ :‬نحو رؤية جديدة ‪،‬بيروت ‪ ،‬المركز الثقافي العربي للنشر والتوزيع‪،‬ط‪، 1‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1992‬‬
‫نفس ه‪ ،‬نظر ّي ات لس انيّة عرفن ّي ة ‪ ،‬دار مح ّم د علي لل ّنش ر ت ونس‪ ،‬ال دّار العرب ّي ة للعل وم ناش رون‪ ،‬منش ورات‬ ‫‪‬‬
‫اإلختالف‪،‬ط‪.2010، 1‬‬
‫نفسه‪ ،‬النص والخطاب‪ :‬مباحث لسانية عرف ّنية‪،‬تونس ‪ ،‬مركز النشر الجامعي ‪ ،‬دار محمد علي للنشر‪2011 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫نفسه‪ ،‬اللغة والجسد ‪،‬العراق‪ ،‬دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪2014 ،1‬‬ ‫‪‬‬
‫الزيات (فتحي مصطفى)‪،‬علم النفس المعرفي‪ ،‬مداخل ونماذج ونظريات‪،‬القاهرة‪ ،‬دار النشر للجامعات‪.2001،‬‬ ‫‪‬‬
‫السّكاكي‪( :‬أبو يعقوب يوسف ابن أبي بكر مح ّم‪1‬د علي)‪ ،‬مفت‪1‬اح العل‪1‬وم ‪،‬ض‪1‬بطه وكتب هوامش‪1‬ه وعلّ‪1‬ق علي‪1‬ه ‪ :‬نعيم‬ ‫‪‬‬
‫زرزور‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلميّة ‪،‬ط‪1983، 1‬‬
‫ص‪11‬ولة عب‪11‬د هللا‪ ،‬المقول‪11‬ة في نظري‪11‬ة الط‪11‬راز األص‪11‬لية‪ ،‬حولي‪11‬ات الجامع‪11‬ة التونس‪11‬ية‪،‬ع‪11‬دد ‪ ،46‬ص‪-‬ص ‪-369‬‬ ‫‪‬‬
‫‪388،2002‬‬
‫اليكوف جورج ومارك جونسون‪ ،‬االس‪11‬تعارات ال‪11‬تي نحي‪1‬ا به‪11‬ا‪ ،‬ترجم‪11‬ة عب‪11‬د المجي‪11‬د جحف‪11‬ة ‪،‬المغ‪1‬رب ‪،‬دار توبق‪1‬ال‬ ‫‪‬‬
‫للنشر‪ ،‬سلسلة المعرفة اللسانية ‪،‬ط‪.2009، 2‬‬
‫نفسه‪ ،‬الفلسفة في الجسد‪ ،‬ترجمة عبد المجيد جحفة‪ ،‬دار الكتاب الجديد‪ 1،‬بيروت‪-‬لبنان‪2015 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫اليكوف جورج‪ ،‬حرب الخليج أو االس‪1‬تعارات ال‪1‬تي تقت‪1‬ل‪ ،‬ترجم‪1‬ة عب‪1‬د المجي‪1‬د جحف‪1‬ة وعب‪1‬د اإلل‪1‬ه س‪1‬ليم ‪،‬ط‪ ،1‬دار‬ ‫‪‬‬
‫توبقال ‪ ،‬المغرب ‪2005 ،‬‬
‫كانط ايمانويل ‪ ،‬نقد العل المحض ‪،‬ترجمة موسى وهبة‪ ،‬بيروت‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪1988 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫المسيري عبد الوهاب‪ ،‬اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود ‪ ،‬القاهرة ‪،‬دار الشروق ‪2002،‬‬ ‫‪‬‬
‫هيلي باتريك‪،‬صور المعرفة‪ :‬مقدمة لفلسفة العلم المعاصرة‪ ،‬ترجمة نورال‪11‬دين ش‪11‬يخ عبي‪11‬د‪ 1،‬مراجع‪11‬ة ح‪1‬اج اس‪11‬ماعيل‬ ‫‪‬‬
‫حيدر ‪،‬بيروت المنظمة العربية للترجمة‪،2008،‬الفصل الرابع كانط العلم والنسق‪،‬ص‪-‬ص ‪115-97‬‬
‫هيوم ديفيد‪ ،‬تحقيق في الذهن البشري‪،‬ترجمة محمد محجوب‪،‬المنظمة العربية للترجمة‪،‬بيروت ‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪.1،2008‬‬ ‫‪‬‬

‫‪124‬‬
‫المراجع باللّسان األجنبي‬
.

 A .Boden Margret, Mind as machine :A history of cognitive science ,volume 1-2, Oxford


University Press ,2006
 Black Max, More about Metaphor .in Andrew Ortony .Metaphor And Thought. Combridge
University Press.1993
 Models and Metaphors STUDIES IN LANGUAGE AND PHILOSOPHY: Cornell University Press;
ITHACA, NEW YORK, 1962
 Brockman John, "Philosophy In The Flesh" A Talk With George Lakoff [3.9.99] FROM
https://www.edge.org/3rd_culture/lakoff/lakoff_p1.html
 Cassirer .Ernst, Language and Myth ;Translated By Susanne K.Langer ;Dover
Publication .inc;New york .1953
https://monoskop.org/images/f/fa/Cassirer_Ernst_Language_and_Myth_1953.Pdf /10/10/2016
 Chomsky Noam, New Horizons in the Study of Language and Mind ;Cambridge University
press ; first published 2000
 Chilton Paul Anthony,Analysing Political Discourse : Theory and Practice, London; Routledge;
first published.2004
 Diller Anne-Marie, Cohérence métaphorique; action verbal et action mentale en français; in
Communication ; N 53. 1990.
 Fauconnier Gilles, Mental spaces :Aspects of Meaning construction in Natural language ;
Cambridge University Press ; 2003
 Joseph S Nye, Soft Power: The Means to Success in World Politics (Anglais) Broché – juin
2005
 Hesse Mary; Models, Metaphors and Truth; From a Metaphorical Point of View: A
Multidisciplinary Approach to the Cognitive Content of Metaphor; Ed. by Radman, Zdravko;
Series:Philosophie und Wissenschaft 7;1995
 Johnson Marc, The Body in the Mind: The bidIly basis of meaning, imagination, and reason,
University of Chicago;1987
 Kittay.Eva Feder Metaphor: Its Cognitive Force and Linguistic Structure, Oxford University
Press 1987
 Kövecses Zoltán,Metaphor: A Practical Introduction, 2nd Edition. Oxford University;
Press ;2010
 Kövecses Zoltán, Metaphor and Emotion; Language, Culture, and Body in Human Feeling;
Maison des Sciences de l’Homme and Cambridge University Press 2004
 Laikoff George and Jhonsen Mark, Metaphors we live by , ed 2003; London: The university of
Chicago press.
http://shu.bg/tadmin/upload/storage/161.pdf (09/09/2016)
 Laikoff George and Jhonsen, Mark Philosophy in the flesh :The Embodied Mind and its
Challenge to Western Thought ; New York ,Basic Books :1999
http://fr.bookzz.org/s/?
q=philosophy+in+the+flech&yearFrom=&yearTo=&language=&extension=&t=0 - 23/9/2016

125
 Laikoff George; Women ;fire and dangerous things ; what Categories Reveals about the
mind ; chicago : University of Chicago Press :1987
 Laikoff George; The Contemporary Theory of Metaphor ;in Ortony A (ed)M Metaphor and
Thougt ; Cambridge; Cambridge University Press ;1992
 Laikoff George; Don't Think Of An Elephant!: Know Your Values And Frame The Debate: The
Essential Guide For Progressives ; Chelsea green publishing ; white river junction, vermont ;
First printing, September, 2004
 Merleau-Ponty ; Maurice Phénoménologie de la perception; Paris : La Librairie Gallimard,
NRF, 1945
 Molino Jean;"Métaphores modèles et analogies dans les sciences " ;Langages (la métaphore)
1979 Volume 12 Numéro 54 pp. 83-102
http://www.persee.fr/docAsPDF/lgge_0458-726x_1979_num_12_54_1820.pdf (2016/09/24)
 Ricoeur Paul; La métaphore vive, Paris, Seuil, 1975. (Collection « L’Ordre philosophique »)
 Reddy ; M. J ; The conduit metaphor: A case of frame conflict in our language about
language. In A. Ortony (Ed.), Metaphor and Thought (pp. 284–310). Cambridge: Cambridge
University Press; 1979
 Ritchards Ivor Armstrong; The Philosophy of Rhetoric. ed. Oxford University Press
 Robert N. St. Clair; Metaphor and the Foundations of the Second Generatin of Cognitive
Linguistic,
http://structural-communication.com/Articles/second-generation-cogsci-stcliar.html
(11/10/2016)
 Vyvyan EvansA Glossary of Cognitive Linguistics; Edinburgh University Press; 2007

126

You might also like