Professional Documents
Culture Documents
1ماجستير نهائي
1ماجستير نهائي
جامعة منوبة
كليّة اآلداب والفنون و االنسانيات بمنوبة
منــــــــوبة2017-2016 :
وزارة التّعليم العالي والبحث العلم ّي
جامعة منوبة
كليّة اآلداب والفنون و االنسانيات بمنوبة
إهداء
"األزهر ال ّزناد"
10 I - 1االستعارة في البالغة الغربيّة قبل كتاب "االستعارات الّتي نحيا بها"
15 I - 2 - 1التّعريف
35 II- 1 -1 -2االستعارة ظاهرة مركزيّة غالبة في داللة الكالم اليوم ّي
100 - IIIالفصل الثّالث االستعارات التّص ّورية لإلرهاب :في الح ّد والفهم والتّأويل
101 III -1الح ّد والفهم في الرّؤية التجريبيّة
102 III -2التصوّر وعالقاته باستعاراته
105 ي والتّأويل االيديولوج ّي
III -3الفهم االستعار ّ
107 III -4االستعارة من وحدة السّيرورة إلى تع ّددية 1الفهم والتّأويل
109 خاتمة الباب الثّاني
113 الخاتمة
119 ثبت المصطلحات األجنبيّة الواردة في البحث
124 قائمة المصادر والمراجع
المقدّمــــــــــــــة
تبحث هذه الرّسالة في تصوّر اإلرهاب من خالل مداخالت نوّاب "مجلس نوّاب ال ّشعب" في إطار
نظريّة االستعارة المفهوميّة .1وذلك بالرجوع إلى كتاب "االستعارات الّتي نحيا بها" لجورج اليكوف1
ومارك 1جونسون الصادر سنة 1980وماتاله من أعمال لهما وسّعت أفق النظريّة ودقّقت آليّاتها االجرائيّة.
ونحن في معالجتنا لهذا الموضوع 1نقيم بحثنا على بابين رئيسيين .ويتف ّرع 1ك ّل باب إلى ثالثة فصول.
نعرض في الباب األوّل األصول النظريّة وأه ّم المبادئ الفاعلة في نظريّة االستعارة المفهوميّة .ونبدأ
ي محاولين تأصيل الموضوع داخل إرثه الفلسف ّي ،والبالغ ّي ،واللّغويّ ،في
بالتّمهيد 1لها في سياقها التّاريخ ّ1
الفكر الغرب ّي والتحوّالت الّتي شهدها في زوايا 1النّظر والتّناول ،والمنعطفات المه ّمة في دراسة االستعارة
منذ الثلث األوّل من القرن العشرين .لننظر في ما أ ّدت إليه من نشأة منهج جديد في البحث في كيفيّة عمل
الذهن في تعقّل العالم .ونربط ذلك كلّه بنظريّة االستعارة
االستعارة باعتبارها مقوّما للفكر ،والشتغال ّ
المفهوميّة الّتي فتحت سبيال جديدة لدراسة االستعارة نحو التّأسيس لمنهج جديد تأليف ّي في الفكر الفلسف ّي،
يتماهي مع حقيقة إدراكنا للواقع والوجود 1انطالقا من تجاربنا في العالم ،وإعادة االعتبار للجسد.
سنبحث في األسئلة الّتي تثيرها 1نظريّة االستعارة المفهوميّة في إطار شغلها االبستمولوج ّي داخل
اللّس1انيات العرفنيّة 2بوج1ه خ1اصّ ،ومن داخ1ل منظ1ور العل1وم العرفنيّة 3بش1كل ع1ا ّم من خالل محاوراته1ا1
المتع ّددة مع اإلرث الفكريّ :البالغ ّي ،واللّغو ّ
ي ،والفلسف ّي .وسننظر 1في منطلقاتها 1النّقدية ،وأساليب البرهنة
على ما تفترضه من مبادئ كلّيّة لسيرورة النّسق التصوّري 1ذي الطّبيعة التّجريبية ،عبر دراس11تها 1التّحليلي11ة
لالستعارات اللّغوية ور ّدها إلى أصولهاّ 1
الذهنية األولى كاستعارات مفهوميّة.
وننظر 1في ما تق ّدمه ه11ذه النظريّ11ة من أجوب11ة جدي11دة عن أس11ئلة قديم11ة تتعلّ11ق بعالق11ة اللّغ11ة ب11الفكر
والذهن ،وعالقة اللّغة بالواقع .وهي تنقد بش ّدة الثّنائي11ة التّمييزيّ11ة الّ11تي حكمت الفك11ر اللّغ11وي طيل11ة الق11رون
ّ
الماضية ثنائية الحقيقة والمجاز 1.وتراجع عبر ذلك مفهوم الصّدق نحو التّأسيس لنظريّة جديدة للمعنى .تقوم
ي التّجري11ب ّ1
ي في س11يرورة اش11تغاله ،وبنائ11ه للتص1وّرات. على النّس11بية من خالل البحث في النّس11ق التص1وّر ّ1
ونكشف 1ع ّما توصّلت إلي11ه من نت11ائج مه ّم11ة عن أهميّ11ة الالّوعي حيث ال يمثّ11ل اإلدراك ال11واعي إالّ ج11زءا
بسيطا 1للغاية من حقيقة تفكيرنا.
ويتعلّق 1الباب الثّاني بإقامة تحليل إجرائ ّي حول تص ّور اإلرهاب من خالل مداخالت "مجلس نوّاب
ال ّشعب" باالستفادة من العمليّات اإلجرائيّة الّتي تتيحها آليّات نظريّة االستعارة المفهوميّة واستغالل
1
conceptual Metaphor Theory -
2
cognitive Linguistics -
3
cognitive science-
1
األدوات الجديدة في التّحليل اللّساني الّتي تأخذ بعين االعتبار مختلف األبعاد النّفسيّة ،واالجتماعيّة،
واالنتروبولوجيّة ،المتداخلة في إنتاج ال ّداللة .وإجراء ذلك على مدوّنة غير أدبيّة تتمثّل في خطاب سياس ّ1
ي
مخصوص من حيث صدوره عن السلطة التشريعيّة المسؤولة باألساس عن تحويل الخطاب إلى سياسات
نافذة و قوانين .أي ذلك الخطاب الّذي يمتلك في ح ّد ذاته قوّة إنجازيّة من جهة ،ومن جهة ثانية ما يمتلكه
من قدرة على توجيه الرّأي العام وصناعته .فنحن سنشتغل على خطاب سياس ّي ،جدال ّي باألساس يعمل
على اإلقناع وكسب ال ّرأي العام لصالح أطروحته .وفي نفس الوقت يعمل على دحض أطروحة الخطاب
أن الخطاب السياس ّي خطاب مقطّع ّ
يتعذر في الغالب اإلمساك به في كلّيته، المعارض ونسف حججها .كما ّ
بما أنّه يتغيّر 1حسب الخطابات المناصرة والخطابات المعارضة ،وباعتبار السياق المكان ّي والزمان ّ1
ي
والجمهور المخاطب .وهو يحاول وفق ذلك دوما إعادة تشكيل مجموعة من التّمثيالت المتناقضة .وهذا
يقوده إلى إنتاج لغة متع ّددة األبعاد .وسنتعامل 1مع خطابات النوّاب بوصفها 1ظواهر لغويّة أي طرق معيّنة
للكالم ،عن أبعاد معيّنة للواقع ،في سياقات وممارسات اجتماعيّة وسياسيّة معيّنة.
سنعتني 1بدراسة االستعارات 1الّتي صاغ بها النوّاب خطاباتهم 1عن اإلرهاب .وطرحوا فيها وجهات
الذهن .تقوم على أساس تمثّل مجال على أساس مجال
نظرهم 1باعتبارها عمليّة عرفنيّة مركزيّة في اشتغال ّ
آخر .لنستخلص من ذلك كلّه ح ّد التصوّر ،وطريقة تش ّكله وفهمه .وسنق ّدم في البداية المدوّنة الّتي اشتغلنا
عليها وسياقاتها 1التّاريخيّة المخصوصة .ثم سنعرض أله ّم االستعارات المفهوميّة لتص ّور 1اإلرهاب مع بيان
درجات تواترها 1وتكرارها ،وطرق 1تعالقها .لنبحث في تأسّس التصوّر ،وكيفية بنينته االستعاريّة،
والخطاطات المتح ّكمة في سيرورته .وسنكشف 1عن أنواع استعارات تصوّر اإلرهاب من حيث معيار
الوظيفة العرفنيّة (بنيويّة أو اتّجاهيّة أو انطولوجيّة) .وباعتبار طبيعة البنية االستعاريّة من حيث هي
استعارات أوّلية أو معقّدة .وكذلك بالنّظر في درجة تواضعيّتها لنفرّق بين االستعارات عالية التّواضع
واالستعارات الحادثة الجديدة.
وسنهت ّ1م باالستعارة كمدار أساس ّي لصراع ال ّدالالت ،وتع ّدد المعاني والتّأويالت بما تحويه من ق 1وّة
تخييلي11ة فائق11ة ،وم11ا تمثّل11ه من اختراق11ات بين الحق11ول ال ّداللي11ة ،وبم11ا تفتح11ه من إمكاني11ات متع ّ 1ددة للفهم.
وسنطرح في هذا البُعد سؤاال يتعلّق بالتّأويل االستعار ّ1
ي كيف يمكن أن يح ّد؟ وم11اهي 1الس11ياقات العامل11ة في
إطاره؟ في عالقة بقضيّة تمثّل النّصوص ،والعالقة بين المتكلّم والمتلقّي ،والمعرفة الموسوعيّة الّ11تي تلعب
دورا مركزيّ11ا في فهم االس11تعارات وتأويله11ا ت11أويال منس11جما 1ومش11تركا بين المتكلّم والمتلقّي في مجموع11ة
لغويّة معيّنة .وإلى أي مدى تش ّكل االستعارة المفهوميّة أداة حجاجيّة لإلقن11اع وتغي11ير المواق11ف 1،حيث تكمن
الترس1خ في أذه11ان المتلقّين
ّ الص1ور ،والمع11ارف ،واألفك11ار 1بم11ا يم ّكن للخط11اب من
فعاليته11ا في اس11تدعاء ّ
2
ّ
والتجذر 1في بنية تفكيرهم باعتبار أنهم يصلون إلى الفهم عبر عمليّة االستدالل ،وهي في ذلك تبسط تح ّكمها
غير الواعي في عواطفهم ،ومشاعرهم ،وحدوسهم ،وطرق 1تفكيرهم ،وتساهم في توجيه أفعالهم؟1
ولننظر 1كيف مثّلت االستعارة المفهوميّة األطروحات الحجاجيّة المتقابلة؟ وكيف كانت ركيزة
أساسيّة في الجدال السياس ّي القائم داخل البرلمان في النّقاشات الّتي كان مدارها اإلرهاب في الجلسات
العا ّمة السّاخنة إثر الحوادث الرّهيبة الّتي وقعت في تونس سواء حادثة باردو 1أوسوسة ،وكذلك في
المداوالت الخاصة بالمصادقة على قانون مكافحة اإلرهاب وغسيل األموال؟
واالستعارات إذ تبنين تصوّراتها 1إنّما تصدر في جانب كبير منها عن الجانب الالّواعي في ّ
الذهن.
فاالستعارات الّتي يستخدمها السياسيون 1تستغ ّل كالّ من المعتقدات الواعية ،واالرتباطات االنفعاليّة غير
الواعية لترسم تمثيالت سُلطويّة معيّنة للمتكلّمين أنفسهم وللجمهور الّذي يخاطبونه .وهذا الصّراع ال ّدائر
بين االستعارات إنّما مداره ما يترتّب على هيمنة استعارة ما ،على موقف 1ما ،من نتائج خطيرة تخصّ ما
يجب فعله ،ومن يجب عليه أن يفعله.
ي واإلجرائ ّي على األسئلة الجوهريّة التّالية :
سيكون مدار البحث في جانبيه النظر ّ1
ماهي األسس الّتي انبنت عليها نظريّة االستعارة المفهوميّة؟ وما هي السبيل الجديدة الّتي فتحتها؟
كيف يحكم الجسد والمدركات الحسيّة والما ّدة عموما العقل وعمليّاته ّ
الذهنية وإنتاج المعرفة والتصرّف في
أهم أداة لها وهي اللّغة؟ وكيف يتجلّى ذلك خصوصا في االستعارة؟
أن ّ
الذهن متجسّد بطبعه. وسنرجع 1إلى الفرضيّة المبدئيّة الّتي يقترحها اليكوف 1وجونسون باعتبار ّ
وأن المفاهيم المجرّدة ذات طبيعة اس1تعاريّة إلى حّ 1د كب1ير .فبنفس آليّ1ات عم1ل األعص1اب و اإلدراك الّ1تي
ّ
تسمح لنا بالتص ّور 1والحرك1ة في ه1ذا الع1الم ،تُب11نى أنظمتن1ا 1المفهوميّ11ة وطرائ1ق 1منطقن1ا الّ11ذي ال يمكن فهم
آليات عمله دون الرّجوع لتفاصيل نظامنا البصريّ ،الح11رك ّي ،واألنظم11ة العا ّم1ة للرّب11ط العص1ب ّي للّ 1دماغ.
ّ
وهو ما تشتغل عليه علوم األعصاب .وعلى ه11ذا يؤسّس11ان فرض1يّتهما 1األساس1يّة في ّ
أن الجس11د أساسّ 1ي في
ي يظّ 1ل مرتبط11ا بوجودن11ا ،وتجاربن11ا 1،وعالقاتن11ا ب11الواقع
تحديد هويّتنا البشريّة ،وحقيق11ة أن تفكيرن11ا البش11ر ّ
الما ّدي حولنا .وهذا بالطّبع يتناقض مع النظريّات الّتي ترى ّ
أن التّفك11ير المج1رّد ه11و م11ا يميّ11ز اإلنس11ان عن
وأن هذا التّفكير متعا ّل ال يرتبط بالما ّدة بأي شكل من األشكال كما ه11و الح11ال
بقيّة أنواع الكائنات األخرىّ ،
في ال ّديكارتية مثال مع الكوجيتو " أنا أفكر أنا موجود" .
سننظر 1في هذه المبادئ األساسيّة .وسنقيم تحليلنا على طبيعة االستعارات وبنيته 1ا 1من حيث قيامه 1ا1
على مجال مصدر ومجال ه11دف ،وعلى اإلس11قاط الّ11ذي يج11ري بين ه11ذين المج11الين ويق11وم على التّناس11ب.
ونبحث في تجلّياتها وأنواعها من خالل معايير مختلفة للتّقسيم .لنكشف طبيعتها ،وأسسها ،وط11رق 1إجرائه11ا
في تحليل الخطاب ،وذلك من خالل أمثلة متع ّددة من المدوّنة الّتي نشتغل عليها.
3
الذهنية للمتكلّمين في
متجذرة في اللّغة متأصّلة في البنية ّ
ّ سننظر 1إلى أي مدى تكون االستعارة ثابتة
اللّغات الطبيعيّة المخصوصة متوارثة في االستعمال؟ وكي11ف تنش11أ االس11تعارات الحادث11ة الجدي11دة من حيث
حركيّتها 1واشتغالها في آن القول والتّفكير؟
وسنحاول في هذا البحث ال ّنفاذ من زاوية االستعارة إلى طبيعة اشتغال العقل السياسيّ في خلفيات ه
ّ
الذهنية ،وفي أبعاده القصيّة غير الواعية .ونحن نريد اإلضافة من هذه ال ّناحية بما للدرس اللّساني الحديث
مثل هذا الموض وع أس اس دراس ات عدي دة كم ا من أهميّة في تحليل الخطاب السياسيّ بآليّات جديدة .فقد ّ
هو الشأن مع اليكوف في مقاالت ه المترجم ة بعن وان " ح رب الخليج أو االس تعارات الّ تي تقت ل" 4الّ تي
سعى فيها إلى جعل المعرفة اللّسانية أداة لفهم أعمق لما يمكن أن تؤ ّدي إليه االس تعارة على أرض الواق ع
من تزييف قاتل ،خصوصا في المجال السياسيّ حين يستخدم السياسيون االستعارة ل تزييف ال وعي وقلب
الحقائق وتمرير الجرائم والقتل واإلبادة ف إن االس تعارة تقت ل ب دم ب ارد .تقت ل تحت أغطي ة من العب ارات
المستعارة الّتي تحيل القتل إلى تحرير وال دمار إلى بن اء .ويكش ف اليك وف عن ه ذه االس تعارات القاتل ة
الّتي استعملت في الخطاب السياسيّ لإلدارة األمريكية إبان الغزو األمريكيّ للعراق والّتي مارس ت بمك ر
ش ديد ال ّتزيي ف ،وال ّتض ليل ،والخ داع .وه و ي دعو من خالل ه ذا الكش ف إلى ال وعي بخط ورة ه ذه
االستعارات القاتلة واالنتباه إلى ما يختفي وراءها.
4
-جورج اليكوف -حرب الخليج أو االستعارات التي تقتل ،ترجمة عبد المجيد جحفة وعبد اإلله سليم ،ط ،1دار توبقال ،
المغرب ( 2005 ،هذا الكتاب هو ترجمة لثالث مقاالت ناقش فيها جورج اليكوف ،انطالقا من نظرية االستعارة ثالثة
أحداث كبيرة .ابتدا ًء من حرب الخليج األولى 1990وأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001و الغزو األمريكي للعراق
وقد نشرت في لغتها األصلية بالعناوين التّالية:
- Metaphor and War: The Metaphor System Used to Justify War in the Gulf - 1991
- Metaphors of Terror -2001
- Metaphor and War, Again 2003-
4
الباب األ ّول :نظريّة االستعارة المفهوميّة
األصول والمبادئ
5
مقدّمة الباب األ ّول
نبحث في ه11ذا الب11اب األوّل األص11ول التأسيس1يّة والمب11ادئ العامل11ة لنظريّ11ة االس11تعارة المفهوميّ11ة.
بالنّظر 1أوّال في تاريخ االستعارة في البالغة الغربيّة منذ العهد اإلغريق ّي .وتتبّع التطوّرات الّتي عرفته11ا في
ال ّدراس11ات البالغيّ11ة ع11بر اإلرث الالّتي11ن ّي ،والتح11وّالت الّ11تي ش11هدتها في زواي11ا النّظ11ر ،واالعتب11ارات
المفهوميّة ،والوظيفيّة ،والكيفيّات الّتي قُيّمت بها في مراحل مختلفة في الفكر الفلسف ّي الغرب ّي وصوال للتيّار
ي في العصور الحديثة .ث ّم نعرض أله ّم المنعطف11ات المه ّم11ة في دراس1ة االس1تعارة الفكر ّ
ي العقالن ّي التجريب ّ1
منذ الثلث األ ّول من القرن العشرين مع علمين مهميّن هما "ريتشاردز " Ritchards Ivor Armstrongو"ماكس
"Maxفي إعادة االعتبار لالستعارة .ولنشأة منهج جديد في البحث في كيفيّة عملها باعتباره11ا Black بالك
مقوّما للفكر ،والشتغال ّ
الذهن في تعقّل العالم .وس1نهت ّ1م ب1النّظر 1في كّ 1ل ه11ذا اإلرث بطريق11ة مختزل11ة تر ّك11ز
ي بنظرة ابستمولوجيّة تأخذ بمفهوم التّواصل في الفكر على تأصيل النظريّة داخل إطارها التّاريخ ّ1
ي والفكر ّ
ال مفهوم القطيعة.
ي م11ع إرث لغ11ويّ ،وبالغ ّي ،وفلس11ف ّي 1.وتمثّ11ل
فنظريّة االستعارة المفهوميّ11ة تق11وم على ح11وار 1نق11د ّ
مراجعات جوهريّة لجملة من المبادئ والمرتكزات األساسيّة لتص ّور 1المعرف11ة ،وللتّجرب11ة ،ولعالق11ة ال1ّ 1ذات
العارفة بتمثّل العالم والوجود .فهي تُعيد النّظر في مس11ائل تتعلّ11ق ب11إدراك الواق11ع .وتقّ 1دم أجوب11ة جدي11دة عن
ماهية اإلنسان ،وماهية ّ
الذهن ،وطبيعة العقل .ويخ11وض اليك11وف 1وجونس11ون مغ11امرة كش11ف ع11بر دراس11ة
االستعارة كأداة مركزيّة تنصهر 1من خالل آليّات اشتغالها وتتآلف الرؤيتان الفلس11فيتان اللّت11ان حكمت11ا الفك11ر
الغرب ّي وإن بنسب متفاوتة .وهما الرّؤية الموضوعيّة الصّارمة الّ11تي تتح1رّى ّ
الص1دق العلم ّي ،والعقالنيّ11ة،
وال ّدقة ،والتجرّد .والّتي تتطلّب استعمال لغة مح ّددة ،ومباشرة ،غير ملتبسة تعبّر بشكل واض11ح ودقي11ق ،أي
أن ّ
الفن والش11عر 1يتعالي11ان عن العقل ّي وعن الموض11وعيّة. الذاتي11ة الّ11تي ت11رى ّ
لغ11ة تواف1ق 1الحقيق11ة .والرّؤي11ة ّ
ويصالننا بأهم ّ حقيقة وهي حقيقة مشاعرنا وحدوسنا وأنّنا نصل إلى هذا الوعي عبر الخي11ال وليس العق11ل.
ولغة الخيال وخصوصا االستعارة ضروريّة في التّعبير 1عن مظاهر تجربتنا الّتي تكون فري11دة ،وله11ا دالل11ة
خاصة عندنا باعتبارنا أفرادً.
سنبحث في ما تق ّدمه بحوث اليكوف وجونسون انطالقا من كتابهما المشترك األوّل "االس11تعارات1
الّتي نحيا بها" وما تاله من أعمال مه ّمة .ونكشف 1عما فتحه ه11ذا البحث من ُس1بل جدي11دة إلع11ادة النّظ11ر في
ك ّل هذه القضايا نح1و التّأس1يس لمنهج جدي1د ت1أليف ّي في الفك1ر الفلس1ف ّي ،يتم1اهى م1ع حقيق1ة إدراكن1ا للواق1ع
والوجود انطالقا 1من تجاربنا 1في العالم ،وإعادة االعتبار للجسد ،وس ّد الفجوة الديكارتيّة في الفص11ل المطل11ق
بين العقل المتعالي والجسد المفارق والمغيّب عن تحصيل المعرف11ة .إذ ينظ11ر المؤلف11ان في إع11ادة االعتب11ار
للجسد انطالقا من م11دخل االس11تعارة باعتباره11ا طريق11ة في التّفك1ير تجم1ع بين متطلّب1ات العق1ل في المقول11ة
واالقتضاء ث ّم االستدالل ،واألبعادّ 1
الذاتية والخيال ودوره في بناء تصوّر مجال من خالل مجال آخر.
6
س11نجيب في ه11ذا الب11اب عن أس11ئلة تتعلّ11ق ب11دور 1االس11تعارة في بن11اء الفك11ر ،وتحص11يل المعرف11ة.
وسنبحث في األدلّة البرهانيّة الّ11تي يقّ 1دمها التّش11ريح التجري11ب ّي للفك11ر االس11تعار ّ
ي عن دور الجس11د في بن11اء
تصوّراتنا القاعديّة األساسيّة .تلك التصوّرات الّتي نظرت إليها الفلسفة الموضوعيّة نظرة تجريديّة متعالي11ة
مقص11ية الجس11د عن أي دور في إدراك الوج11ود 1،وبن11اء المعرف11ة ،والنّف11اذ إلى الماهي11ات ،وأوّله11ا ماهيتن11ا
اإلنسانيّة المميّزة.
وسنبحث في األجوبة الّتي تق ّدمها نظريّة االستعارة المفهوميّة في إطار شغلها االبستمولوج ّ1
ي داخل
اللّس11انيات العرفنيّ11ة بوج11ه خ11اص ،ومن داخ11ل منظ11ور العل11وم العرفنيّ11ة بش11كل ع11ا ّم من خالل محاوراته1ا1
المتع ّددة مع اإلرث الفكريّ :اللّغويّ ،والبالغ ّي ،والفلسف ّي .وسننظر 1في منطلقاتها 1النقديّة ،وأساليب البرهنة
على سيرورة النّسق التصوّري ذي الطبيعة التجريبيّة عبر دراستها 1التحليليّ11ة لالس11تعارات اللّغوي11ة ور ّده 1ا1
ي الّ11ذي يرتك1ز1 إلى أصولها ّ
الذهنية األولى كاستعارات مفهوميّة .ونحاول فهم بناء النّسق التصوّري البش11ر ّ1
باألساس على الجهاز الحس ّي الحرك ّي في التّفاع11ل م11ع الع11الم ،وبن11اء المف11اهيم ،وممارس11ة المقول11ة .والّ11ذي
تقوده في ذلك خطاطات جشطلتية متح ّكم1ة مح11دودة من حيث ع1ددها يج11د فيه1ا المنهج التفس11ير ّ
ي للنظريّ1ة
الكلّيات األساسيّة الّتي يشتغل منها ّ
الذهن في ترابط مع اآلليات العصبيّة في الّ 1دماغ .لننف11ذ ع11بر ذل11ك لفهم
ي وتميّزه الذهن ّي الّذي يتمظهر 1في اللّغة اآلليّة اإلبداعيّة الفريدة للكائن البشر ّ
ي1. حقيقة ّ
الذكاء البشر ّ
تُجيب نظريّ1ة االس1تعارة المفهوميّ11ة بأجوب11ة جدي11دة عن أس11ئلة قديم1ة تتعلّ1ق بعالق11ة اللّغ1ة ب11الفكر،
وعالقة اللّغة بالواقع .وهي تنقد بش ّدة الثنائيّة التمييزيّ11ة الّ11تي حكمت الفك11ر اللّغ11وي طيل11ة الق11رون الماض11ية
لتأس1س لنظريّ11ة جدي11دة للمع11نى من خالل
الص1دقّ .
ثنائيّة الحقيقة والمجاز .وتراج11ع من خالل ذل11ك مفه11وم ّ
ّ
توص1لت إلي1ه ي التّجريب ّ1
ي في سيرورة اشتغاله ،وبنائه للتصوّرات 1.ونكشف ع ّم1ا البحث في النّسق التصوّر ّ
من نتائج مه ّمة عن أه ّمية الالّوعي حيث ال يمثّل اإلدراك الواعي إالّ جزءا بسيطا 1للغاية من حقيقة تفكيرنا،
واشتغالناّ 1
الذهني .وهو تقويض آخر لمبدإ أساس ّي من مبادئ الرّؤي11ة الفلس11فيّة الموض11وعيّة للعق11ل المتع11الي
المدرك للحقائق بجالء وبوعي مستنير 1وصاف تعكسه االستعارة ال ّديكارتيّة "المعرفة رؤية".
سنحاول 1في هذا الب11اب أن نس11بر أهم الفرض1يّات الّ11تي تق11وم عليه11ا النظريّ11ة ،والمب11ادئ 1المركزيّ11ة
العاملة فيها .ونتبيّن طريقة استداللها 1على ما تق ّدمه من نتائج تفسيريّة ُمقنعة بطريقتها المميّزة في البرهن11ة،
مما يضفي على النظريّة قوّة وصالبة فاعلة في مناظرتها 1النقديّة أله ّم ما ق11امت علي11ه الرّؤي11ة الموض11وعيّة
العقالنيّة من مبادئ ،وجّهت الفك11ر الفلس11ف ّي والمعرف11ة .ونر ّك 1ز 1النّظ11ر على النّق11ود الّ11تي وجّهه11ا جونس11ون
واليكوف لسيطرة هذه الرّؤية على مناهج البحث بمق ّدماتها الفلسفيّة القبليّة الّتي يواجهانها 1بخلخلة األص11ول1
المرتكزة عليها ،محرّرين البحث اللّساني العرفن ّ1
ي من ك ّل المبادئ الفلسفيّة القبليّة .تلك الفرض1يّات الفلس11فيّة
7
المتن ّك11رة في ش11كل نت11ائج علميّ11ة كم11ا يق11ول اليك11وف 1والّ11تي س11يطرت على أعم11ال الجي11ل األوّل من أعالم
المدرسة العرفنيّة وفرضت 1قيودا قبليّة على البحث بفرضيّات قبلتها 1بطريقة مسلّمة من الفلس11فة وأثّ11رت في
أجزاء مه ّمة من نتائجها1.
8
الفصل األ ّول
األصول النظريّة لنظريّة االستعارة المفهوميّة
9
I - 1االستعارة في البالغة الغربيّة قبل كتاب "االستعارات الّتي نحيا بها"
لقد شغلت قضية المجاز واالستعارة حيّ1زا مهّم1ا في الفك1ر الفلس1ف ّي واللّغ1و ّ1
ي اإلنس1ان ّي على م1دار
العصور 1.وكانت االستعارة موضوعا أثيرا عند المختصين في ال ّشعرية والخطاب11ة .وق11د أف11رد له11ا أرس11طو1
"فن ال ّشعر" و" الخطابة" .فع ّدها في كتابه األوّل من فن11ون المحاك11اة وأداة معرف11ة
ّ مكانة هامة في كتابيه
لالقتراب من الحقيقة حين تعجز العبارة المباشرة واللّغة المفهوميّة .واعت1بر ّ
أن للش1عر قيم11ة إيجابيّ11ة ":إنّ1ه
لشيء مه ّم حقّا أن نستعمل بشكل كاف األشكال الشعريّة ،إالّ ّ
أن األه ّم بكثير هو معرفة ص11نع االس11تعارات.
فاأللفاظ العاديّة تفيد فقط ما نعرفه من قبل ،واالستعارات 1هي الّتي تم ّكننا من صنع ش11يء جدي11د" 5فالعمليّ11ة
الشعريّة ليست مجرّد نسخ وتقليد حرف ّي .وإنّما هي رؤية إبداعيّة يستطيع ال ّشاعر بمقتضاها أن يخلق عمال
جديدا من مادة الحياة والواقع ،طبقا لما كان أو لما هو ك1ائن ،أوم1ا يمكن أن يك1ون ،أو كم1ا يعتق1د أنّ1ه ك1ان
كذلك .وبهذا تكون داللة االستعارة ليست إالّ إعادة خلق.
وهو في هذا يخالف أستاذه أفالطون الّذي كان مناهضا لك ّل ماله عالقة بالمحاكاة .ومن هن1ا ك1انت
حملته على ال ّشعر والخطابة حيث يعتبر المحاكاة مسخا للع1الم المث1ال ّي ،ع1الم الج1واهر عن1ده .وه1و الواق1ع
الحقيق ّي في فلسفته ،إذ الواقع العين ّي هو مجرّد انعكاس مشوّه .والمحاكاة تصبح تشويها 1لواقع مشوّه أي إنّها
واالستعارة ابتعاد بدرجتين عن العالم المثال ّي الحقيق ّي.
ودرس أرسطو في كتابه " الخطابــة" االس11تعارة في قس11م األس11لوب .ولئن عّ 1ده في مرتب11ة ثانويّ11ة
مقابل اإلعالء من قيمة ك ّل ماله عالقة بالعقل وبالبرهان والحجّة ،ومن تالحم الوحدات الس11رديّة وتماس11كها
الداخل ّي ،ونسق بنائها واعتبرها العناصر 1األساسيّة في الخطابة الّتي يرجع لها الفضل في نج11اح الخطيب،
صله لإلقناع ،وتأثيره في المواقف ،وتحويل وجهات النّظر ،وكسب التّعاطف من الجمهور .فقد نوّه مع
وتو ّ
ذلك بالعوامل األسلوبيّة وخصوصا 1االستعارة .واعتبرها من العوامل المساعدة حيث اكتسبت بعدا حجاجيّ11ا
6
إقناعيّا .لقد أراد أرسطو معرفة كيف ترتب1ط 1ص11ور 1أس11لوب اإللق11اء بص11ور الفك11ر .كم11ا ّ
تمس1ك شيش11رون
"إن استهالل الخطاب11ة الّ11تي تخ11دم َ
نموه11ا أجزاؤه11ا األخ11رى هي ابتك11ار صاحب كتاب "الخطيب" بالقولّ :
ذهني أو تصوّر" .وكشف 1عن بعض العمليّات المسؤولة عن ابتكار ذلك وفي مق ّدمتها االستعارة.
وانحطّت البالغة بعد ذلك عن11دما تخلّت عن الفك1ر لص1الح األس11لوب .وطمس1ت 1الص1ور الس11طحيّة
الذهن .واختزلت البالغة نفسها إلى م11ا اعت11بر على أن1ه من أن1واع اللّعب الس1طح ّ1
ي بالكلم1ات .و به11ذا للّغةّ /
فقدت البالغة قدرتها 1على إخبارنا أي شيء حول الفكر واللّغة .فالعناية بالمالمح الحجاجيّ11ة والتّرك11يز 1على
القصد اإلقناع ّي المدعوم بالحجج المالئم11ة على النهج األرس11ط ّي ،س11يترك مكان11ه في العص11ر الالّتي11ني إلى
- 5جورج اليكوف ومارك جونسون ،االستعارات التي نحيا بها ،ترجمة عبد المجيد جحفة ،منشورات دار توبقال ،ال11دار
البيضاء ،1996 ،ص 184
- Marcus Tullius Cicero - 6شيشرون ،- Ciceroالكاتب الروم1اني وخطيب روم11ا المم11يز ،ول11د س11نة 106ق.م،
صاحب إنتاج ضخم يعتبر نموذجا مرجعيا للتعبير الالّتيني الكالسيك ّي.
10
ّ
ومحس1نات 1ال11تركيب، ّ
ومحس1نات األلف11اظ، االهتمام باألسلوب ،وبالمحسنات 1البالغيّة :محسّنات األصوات،
المحس1نات اللّفظي11ة .ويعت1بر كت11اب فونتانيي11ه
ّ ومحسّنات 1الفكر ،حيث تحت ّل االستعارة مكانة مرموقة ض1من
"محسّنات الخطاب" 7أبرز معبّر عن هذا االتّجاه .وقد 1نتج عن هذا أمر بالغ األهميّة وهو ّ
أن االس11تعارة في
بالغة المحسّنات قد تخلّصت شيئا فشيئا من بعدها الحجاج ّي كي تصبح مجرّد تزيين للمعنى .و انحس11ر من
هنا النّظر إلى االستعارة كمحسّن بالغ ّي متحقّق في كلمة واحدة يختفي فيه السّياق النصّي اختفاء كلّيا.
لق11د ع11ولجت االس11تعارة في ت11اريخ البالغ11ة وعلى م11دى طوي11ل على أنّه11ا لعب باأللف11اظ ومناس11بة
الس1تغالل خص1ائص اللّغ1ة واس1تعماالتها 1المتعّ 1ددة ،وعلى أنّه1ا ش1يء يوض1ع مك1ان ش1يء آخ1ر في بعض
األحيان ،إالّ أنه يتطلّب مهارة وحذرا .واعتبرت االستعارة باختصار 1زخرفا أو قوّة إض11افية للّغ11ة .وليس11ت
ال ّشكل والمكوّن األساسي لها .وقد 1ساد هذا التّصور في الفكر الغرب ّي لالستعارة لقرون طويلة.
أن نظريّة اشتغال االستعارات عند أرسطو كانت أساس النظريّ11ة الكالس11يكيّة ،فّ 1
1إن تمجي11ده و رغم ّ
لقدرة االستعارة على استنباط معرفة جديدة لم يحتفظ ب1ه الفك1ر الفلس1ف ّي الح1ديث .فالّتي1ار 1الفك1ر ّ
ي العقالن ّي
ّ
التوس 1ل والتجري11ب ّي أقص 1ى 1االعتم11اد على ال ُمقوّم11ات الحجاجيّ11ة والبالغيّ11ة .واعت11بر أعالم ه11ذا التيّ11ار ّ
أن
بالمقوّمات البالغيّة واالستعاريّة على وجه الخصوص يمثّل مرحلة طفولة العلم الّذي يجب علي11ه أن يتخلى
عنها في مرحلة النّضج .ونجد تعبيرا واضحا عن هذا االحتراز الّذي يبلغ حّ 1د اإلدان11ة للتّع11ابير االس11تعاريّة
8
في قول غاستون باشالر" : 1ينبغي 1للعقل العلم ّي أن يقاوم بدون هوادة الصور 1والتّناسبات واالستعارات"
وإن ت11اريخ ك ّ 1ل علم يتّب11ع
ي إلى الحقيق ّيّ . كما يقول " ّ
إن طريق العلم ،الطريق 1المعبّدة ،تنطلق من المج11از ّ
دائما نفس التّطور ...الحالة األولى هي العصر االس11تعاريّ .والحال11ة الثّاني11ة هي عص11ر النم11اذج التّناس11بيّة.
9
والحالة الثّالثة هي العصر حيث يهيمن الفكر الخالص"
لقد تع ّززت هذه الرّؤي11ة المس11تهجنة لالس11تعارة في الفك11ر الغ11رب ّي م11ع ب11روز الرّؤي11ة الموض11وعيّة
المعتق11دة في العلم التجري11ب ّي باعتب11اره نموذج1ا 1للص11دق .وأص11بحت االس11تعارة والوس11ائل 1المجازيّ11ة مث11ارا
لالزدراء فهوبز 1مثال اعتبر االستعارات منافية للعقل فهي تض11لّل النّ11اس بطابعه1ا 1الع11اطف ّي " :إنّه11ا س11راب
واالحتجاج بواسطتها هو بمثابة التّي11ه داخ1ل س11خافات ال محص11ورة وم1ا تنتهي إلي1ه ه11و الخالف ،والفتن1ة،
10
وعدم االحترام".
7
;- Fontonier;Pierre Les Figures du discoure . Flammarion, 1968
- 8باشالر قاستون تكوين العقل العلمي :مساهمة في التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية،ترجمة خليل أحمد خليل،المؤسس11ة
الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،ط ،1بيروت-لبنان 1982 ،ص 29
9
-Jean Molino ",Métaphores modèles et analogies dans les sciences " ;langages (la
métaphore) 1979 Volume 12 Numéro 54 pp. 83-102-
http://www.persee.fr/docAsPDF/lgge_0458-726x_1979_num_12_54_1820.pdf
- 10االستعارات التي نحيا بها ،ص 184
11
ومثّ11ل كت11اب ريتش11اردز " 1فلس11فة البالغ11ة" الص11ادر 1س11نة 1936منعطف11ا حاس11ما إلع11ادة االعتب11ار
لالستعارة وكشف 1ال ّزيف الوضع ّي الّذي يعتبر االستعارة تؤذي الخط11اب العلم ّي .فيق11ول ريتش11اردزّ " :
إن
االس11تعارة هي المب11دأ الحاض11ر أب11دا في اللّغ11ة ،وه11ذا م11ا تمكن البرهن11ة علي11ه بالمالحظ11ة المج 1رّدة .فنحن
ي دون اللّجوء لالس11تعارة ...وح11تى في اللّغ11ة الجّاف11ة
ي حديث اعتياد ّ
النستطيع 1أن نصوغ 1ثالث جمل في أ ّ
للعلوم الرّاسخة ال يمكننا أن نستغني 1عنه11ا دون أن نع11اني من بعض المص11اعب ...وفي الموض11وعات ذات
الطبيعة شبه الفنيّة ،مثل علم الجمال ،والسياس11ة ،وعلم االجتم11اع ،واألخالق ،وعلم النّفس ،ونظريّ11ة اللّغ11ة،
فإن الصعوبة األساسيّة ال ّدائمة الّتي نواجهه11ا هي أن نع11رف 1طريق11ة اس11تعمالنا له11ا .وكي1ف 1يمكن
وغيرهاّ ،
لكلماتنا أن تح ّول عن معانيها ،على الرغم من االفتراض الّذي يرى الكلمات ذات معان ثابتة ومح ّددة.
وفي 1الفلسفة قبل غيرها ال يمكنن11ا أن نخط11و بثق1ة دون أن ن1درك إدراك11ا ص1ارما ،االس11تعارة الّ1تي
نستعملها 1نحن ويستعملها جمهورنا ...ويصدق 1هذا أكثر فأكثر كلّما كانت الفلس1فة أك1ثر ص1رامة وتجري1دا1.
وكلّما مضينا في التّجريد أكثر ازداد تفكيرنا اعتماد على االستعارة الّتي نتف11ادى اللّج11وء إلى اس11تعمالهاّ ،
إن
االستعارات 1الّتي نتجنبه1ا توجّ1ه تفكيرن1ا 1كتل1ك ال1تي نتقبّله1ا" 11ثم ي1ردف 1ق1ائال ":تجع1ل النظريّ1ة التقليديّ1ة
االس11تعارة مس11ألة لفظي11ة ،أي مس11ألة تحوي11ل أو اس11تبدال الكلم11ات ،في حين أنّه11ا في األس11اس عالق11ات بين
األفكار ،إنّها عمليّة تبادل بين النّصوص .الفكر استعار ّ1
ي وه1و يعم1ل بواس1طة المقارن1ة ،ولتط1وير نظريّ1ة
االستعارة الب ّد أن نتذ ّكر 1هذا ،ونعير 1اهتماما أكي11دا إلى المه11ارة الفكريّ11ة الّ11تي نمتلكه11ا ،دون أن ننتب11ه إليه11ا
باستمرار .علينا أن نترجم أكثر مهاراتنا إلى علم قابل للنّقاش ...وعندما نسـأل كي11ف تعم11ل اللّغ11ة ،فإنن11ا في
ال1ذهن ّي ،كي1ف نتعلّم أن نعيش ،وكي1ف يمكن أن
الواقع نسأل كيف يعمل الفكر وال ّشعور وك ّل أنماط النّش1اط ّ
ننقل ذلك الشيء العظيم أعني ملكة االستعارة ،إلى اآلخرين ،وهو عظيم ألنّه في حقيقة األمر ،الملكة الّ11تي
نحيا بها " 12لقد أوردنا هذا النصّ الطّويل لريتشاردز 1أله ّميته البّالغة باعتب1اره م1دخال يهيّئ لوض1ع نظريّ1ة
االستعارة في مركز أفضل من ذلك الّذي كانت تحتلّه في البالغة التقليديّة في س11بيل بن11اء نظريّ11ة عا ّم11ة في
ّ
ومحس 1ن لغ11وي لفظ ّي ،إلى المع11نى .فه11و يخ11رج باالس11تعارة عن االعتب11ارات القديم11ة كمج 1رّد زخ11رف،
اعتبارها ملكة فكريّة ذهنيّة .ويفتح الطّريق لنشأة منهج جديد في البحث في كيفيّة عمل االستعارة ،أو عم11ل
الفك11ر على ح ّ 1د قول11ه .وي11دعو إلى أن يأخ11ذ البحث في االعتب11ار ض11رورة الفص11ل المنهج ّي بين مهاراتن 1ا1
وقدراتنا في استعمال االستعارة وبين نظريّاتنا أو بين أدواتنا الوص11فيّة وموض11وع 1الوص11ف .فمهاراتن11ا في
صياغة االستعارة والفكر شيء عظيم .أ ّما وعينا المتر ّدي لتلك المهارة فشيء آخر فه1و 1ن11اقص ،ومش1وّه،
ومغالط ،ومب ّسط 1جدا.
;- Ritchards Ivor Armstrong ; The Philosophy of Rhetoric. ed. Oxford University Press
11
1965 p.91
- 12نفسه ص .92
12
نقد ريتشاردز 1بش ّدة الجانب االستبدالي 13لالستعارة في البالغة القديمة وما يراف1ق 1ذل11ك من اعتب11ار
االستعارة محسّنا لفظيّا فحينما يقال "شيخوخة النهار" لل ّدالل11ة على "مس11اء النه11ار" تعت11بر البالغ1ة القديم11ة
"شيخوخة" مجرّد بديل لـ"مساء" ،فإذا تغيّر اللّفظ يظّ 1ل المع11نى نفس1ه .وبم1ا ّ
أن المع11نى يظّ 1ل ثابت11ا نعت1بر
االستعارة مجرّد زخرفة لمعنى موجود 1سابقا .هذا األمر ينتقده ريتشاردز 1إذ المعنى المتولّد عن االستعارة
ناش11ئ عن التّفاع11ل بين العب11ارتين ،ففي ه11ذه االس11تعارة هن11اك تجس11يد للنّه11ارعلى هيئ11ة إنس11ان في مرحل11ة
الشيخوخة ،وتصوير للشيخوخة باعتبارها تمثّل مرحلة زمنيّة من نهار الحي1اة .ف1المعنى هن1ا نتيج1ة له1ذا
التّفاعل وهو مع1نى جدي11د ومبتك1ر 1.وإذا ك11ان ك1ذلك فق1د انتفى عن1ه ملمح11ا الزخرف11ة والبدليّ1ة .له1ذا سّ 1مى
ريتشاردز 1مقاربته بالمقاربة التّفاعليّة بدل المقاربة االستبداليّة .وه11ذه المقارب11ة تط1وّرت في أبح11اث م11اكس
بالك حيث ّ
"أن االس11تعارة تت ّم على مس11توى 1الجمل11ة ال على مس11توى الكلم11ة وهي تتك11وّن من عنص11رين
وأن معنى االستعارة ينتج من هذا الت11وتّر ،وليس من اس11تبدال كلم11ة مك11ان أخ11رىّ .
إن يشهدان توتّرا دائماّ ،
ي هو الّذي يخلق جمال االستعارة 14"،ويعبّر 1م11اكس بالك عن ذل11ك بقول11هّ :
"إن االس11تعارة التوتّر 1االستعار ّ
الجيّدة تؤثّر 1أحيانا في منتجها وتذهله وتستولي 1على لبّه ،ن11و ّد أن نق11ول إنّن11ا نحص11ل على ومض11ة بص11يرة"
15
ولسنا مجرد مقارنين بين "س" و"ص" أو نتعامل مع "س" على أنّه "ص"
فحين نقول "اإلنسان ذئب " يعتبر ماكس بالك هن11ا ّ
أن كلم11ة "ذئب" المس11تعملة بطريق11ة اس11تعاريّة
هي بؤرة االستعارة ،16ويُطلق اصطالح إطار 17على بقية الجملة التي تحقّقت فيه11ا االس11تعارة .واالس11تعارة
ي بين البؤرة واإلطار .فاإلطار 1والبؤرة عالمان يتداخالن ليولّ11دا عالم11ا
حسب بالك تقوم على الرّبط اإلراد ّ
جدي11دا غ11ير مس11بوق 1.واالس11تعارة عن11د بالك هي من المص11طلحات المنتمي11ة لل ّدالل11ة ال إلى التّ11ركيب وهي
تتحقّق بفضل التّعاضد 1بين اإلطار 1والبؤرة .وتقوم االستعارة عنده على التّرابطات غ1ير المقنّن1ة موض11وعيّا
الّتي يقيمها المتح ّدث بين طرفي 1االستعارة والّتي تعتمد على قابليّة الشيئين لهذا الرّبط ،وعلى مقاصد الباث
وعلى استجابة المتلقّي لتلك المقاصد .يذهب ماكس بالك إلى ّ
أن " :االستعارة تنتمي إلى التّداولية أك11ثر من
إن االس111تعارة في عب111ارة ّاإلنس111ان ذئب" تس111تدعي في ذهن المتلقّي نس111قا من
انتمائه111ا إلى ال ّدالل111ة "ّ .18
المواضيع 1المش11تركة المواكب11ة وهي مجم11وع الخالص11ات الحاص11لة في أذهانن11ا عن ال1ّ 1ذئاب .وربّم1اّ 1
أن م11ا
نحمل11ه عن ال11ذئاب ال يمثّ11ل حق11ائق ثابت11ة (كم11ا ه11و األم11ر الحاص11ل عن11دما نص1نّف الح11وت على أن11ه من
13
-substitution
14
- Kittay.Eva Feder; Metaphor: Its Cognitive Force and Linguistic Structure, Oxford
University Press 1987;p 22-23
15
- Black:Max;More about Metaphor .in Andrew Ortony .Metaphor And Thought.
Combridge University Press.1993 p 31
16
- focus of a metaphor
17
- frame
18
- Black Max , Models and Metaphors Studies In Language And Philosophy: Cornell
University Press; ITHACA, NEW YORK, 1962 ;p 549
13
األسماك) .فما يكتسي أه ّمية كي تحدث االس11تعارة أث11را ال يعتم11د على ك11ون المواض11يع 1حقيقيّ1ة .ولكن على
ي ولهذا السبب ّ
فإن استعارة م1ا ،تك1ون فعّال1ة في مجتم1ع م1ا ،وق1د تب1دو كونها مستحضرة بشكل ح ّر وعفو ّ
ّ
سيخص1ون العب11ارة أن ال1ّ 1ذئاب تتناس11خ م11ع الم11وتى
غير معقولة في ثقافة أخرى ،فالرّج11ال الّ11ذين يعتق11دون ّ
"الرجال ذئاب" بتأويل مختلف.
ينفي م11اكس بالك هن11ا التّهم11ة عن الخي11ال ،واالس11تعارة ،والمحاك11اة .فه11و إذن يو ّج11ه نق11دا ص11ارما
للتص1وّر األفالط11ون ّي الّ11ذي ينفي عن المحاك11اة ،وعن االس11تعارة كّ 1ل دور مع11رف ّي وكّ 1ل كف11اءة للكالم عن
الواق1ع .ومش1روع اليك1وف 1وجونس1ون 1في "االس1تعارات 1الّ1تي نحي1ا به1ا" ه1و اس1تئناف 1من زاوي1ة جدي1دة
لمشروع 1ماكس بالك وريتشاردز 1وأيضا لصاحب مصنّف "االستعارة الحيّة" بول ريك11ور 1.ب11ل ونق11ول ّ
إن
مبادئ نظريّة االستعارة المفهوميّة سبقت إليها العديد من ال ّدراسات السّابقة حول االستعارة .وإن ك11ان ذل11ك
من منظورات 1مختلفة وانشغاالتُ 1متباينة ،وعلى س11بيل المث11ال فأرس11طو ال11ذي قّ 1دم غالب11ا بوص11فه مص11درا
لألفكار 1الخاطئة أدرك بالفعل البُعد المع11رف ّي لالس11تعارة كم11ا أدرك قوّته1ا 1البالغيّ11ة حيث عّ 1دها من س11مات
العبقريّة وأنّها وسيلة لخلق معرفة جدي11دة .ون11اقش ك11ذلك عدي11د الفالس11فة واللّغ11ويين األورب11يين على م11دار
قرون التّطبيقات المعرفيّة لالستعارة وكلّية وجودها في اللّغة مثل جون لوك ،وديفيد 1هيوم ،وايمانويل كانط
في كتابه المرجع "نقد العقل المحض" الّذي يستقصي فيه محدوديات وبنية العقل البشريّ ذاته .وطرح فيه
س ؤاال خط يرا ه و ه ل لألش ياء والمواض يع الّ تي نعرفه ا خص ائص معيّن ة س ابقة على تجربتن ا وعلى
إحساسنا؟ وأجاب بأن مبدأ السببيّة هو مبدأ أساسيّ في العمل العقليّ المجرّ د ولكنه غير ك اف .فهن اك أوّ ال
مواضيع ال يمكن للعقل معرفتها عن طريق السببيّة .وثانيا أنّ مبدأ السببيّة هو طريقة في ال ّتفك ير اليمكن
أن تستق ّل عن ال ّتجربة واإلحس اس .كم ا ك ان كان ط يعي تمام ا أنّ المف اهيم هي األدوات المنطق ّي ة لص نع
ّ
المخطط ات أو الرس وم التخطيط ّي ة الّ تي يق ترن بعض ها المعرفة .إذ أ ّنه كان يرى أنّ ال ّتفكير يعتمد على
ببعض لتصنع معارف العقل المحض .ونج د مفه وم الخطاط ة أيض ا مفهوم ا تفس يريا م ّ
ؤثرا في أعم ال
بياجيه وأعمال بارتالت 19في تفسير الس لوك وأعم ال ال ّذاكرة وتحص يل المعرف ة .وهي أفك ار اس تفادت
منها كثيرا نظريّة االستعارة المفهوميّة وذهبت بها إلى مداها األقصى.
فما هي أهم األسس النظريّة الّتي قامت عليها نظريّة االستعارة المفهوميّة؟ وم11اهو الس11بيل الجدي11د
للبحث الّذي فتحته؟ وماهي 1البراهين الّتي اعتمدها أصحاب النظريّة للتّدليل على وجودها من خالل تحقّقها
ي غير اللّغوي؟ وماهي 1أهم االستتباعات النّاتجة عن ه11ذه النظريّ11ة بم11ا فتحت11ه
في الل ّغة وفي السلوك البشر ّ
من مجال واسع أمام الرّؤية التجريبيّة لبناء تص ّور 1جديد للمعنى ،وللصدق ،ولفهم العالم ،وفهم 1أنفسنا ،ولما
يدور 1حولنا وفي داخلنا ،ومن إعادة اعتبار للجسد ولماله من دور 1في تشكيل نسقنا التصوّري 1وانسجامه؟
Frederic Charles Bartlett ،(1886-1969) - 19عالم نفس بريطاني مختص في علم النّفس العرفن ّي وعرف خاصة
بأعماله حول ّ
الذاكرة وبمفهوم الخطاطة.
14
I - 2نظريّة االستعارة المفهوميّة
I - 2 - 1التّعريف
يعرّف فيفيان إيفنس في مؤلّفه "معجم اللّسانيات العرفنيّة" 1نظريّة االستعارة المفهوميّ11ة بقول11ه "هي
ي طوّره جورج اليكوف 1ومارك جونس11ن ،ولكنّ11ه ارتب1ط 1أيض11ا بدارس11ين آخ11رين م11ؤثّرين منهم
إطار نظر ّ1
زولطان كوفيتش 1،ريموند غيبس ،إيف سويتسر ،ومارك ت11ورنر .وعرض11ت نظريّ11ة االس11تعارة المفهوميّ11ة
أوّل مرّة من قبل جورج اليكوف ومارك 1جونسن في كتابهما" 1االس1تعارات الّ1تي نحي1ا به1ا" المنش1ور س1نة
.1980وتع ّ 1د نظريّ11ة االس11تعارة المفهوميّ11ة واح11دة من األط11ر النظريّ11ة المب ّك11رة المط1وّرة ض11من ال ّدالل11ة
ي المب ّكر لهذه المقاربة للعالقة بين اللّغةّ ،
والذهن ،والتّجرب11ة العرفنيّة .والّتي وفّرت الكثير من ال ّزخم النظر ّ
ي المجسدنة .ومفاد المق ّدمة األساسية لنظريّة االستعارة المفهوميّة ّ
أن االستعارة ليست مج1رّد مظه11ر أس11لوب ّ1
20
ي وطبيع ّي "
ي بشكل أساس ّ1 ّ
ولكن الفكر نفسه استعار ّ1 للّغة
20
-Vyvyan Evans: A Glossary of Cognitive Linguistics; Edinburgh University Press; 2007:p p
34-35
21
- Johnson Mark ; The Body in the Mind: The Bodily Basis of Meaning, Imagination, and
Reason; University of Chicago Press.1987 Acknowledgments: ix
22
- Hesse Mary ; Models, Metaphors and Truth; From a Metaphorical Point of View: A
;Multidisciplinary Approach to the Cognitive Content of Metaphor; Ed. by Radman, Zdravko
Series:Philosophie und Wissenschaft 7;1995;pp 351-372
15
I - 2 - 2ال ّرؤية التجريبيّة :نحو رؤية تأليفيّة جديدة
لقد مثّل صدور كتاب "االستعارات الّتي نحيا بها" تحوّال واض11حا عن النّظ11رة التقليديّ11ة لالس11تعارة
من ناحية .واستيعابا من ناحية أخرى لما تراكم من نتائج ال ّدراسات الّتي س11بقته وجّ 1ددت النّظ11ر لالس11تعارة
بما رسمته من مس1ارب جدي1دة للبحث .خ1رجت باالس1تعارة عن األس1وار الّ1تي أح1اطت به1ا .وأع1ادت له1ا
االعتبار باعتبارها كشفا لك ّل أنماط النّشاط ّ
الذهني.
ك من كل هذا اإلرث .وهما ينوّهان ب11ذلك في مق ّدم11ة كتابهم1ا 1ليفتح11ا
استفاد اليكوف وجونسون الش ّ
س11بيال جدي11دا لدراس11ة االس11تعارة والفك11ر في كتابهم11ا "االس11تعارات 1الّ11تي نحي11ا به11ا" الّ11ذي دافع11ا في11ه عن
االستعارات 1المفهوميّة من خالل التّنبيه على نسقيتها .لقد كان تصوّرهما 1مبنيّا على نظريّ11ة تفاعليّ11ة تس11عى
ي وقوامه التّفاعل مع المحي11ط ،وباعتب11ار1
ي البشر ّ
إلى تغيير استناد التصوّرات االستعاريّة إلى البعد التجريب ّ1
حلول الفكر في الجسد .ووجّها نقدهما إلى أسس النّزعة الموضوعيّة الّتي طغت على الفلسفة الغربيّة والّتي
تتح ّرى 1الصدق العلم ّي ،والعقالنيّة ،وال ّدقة ،والتج ّرد 1وتتطلّب استعمال لغة مح ّددة ،ومباشرة ،وغير ملتبسة
تعبّر بشكل واضح ودقيق .لغة توافق الحقيقة .فوحده التح ّدث بهذه الطريقة يم ّكن البشر من التّواص11ل بدقّ11ة.
الش1عرية ،التّخييليّ11ة ،البالغيّ11ة يمكن أن نتجنّبه1ا 1كلّم11ا تح11دثنا بش11كل
فاالستعارة واألنماط األخرى 1من اللّغة ّ
موضوع ّي 1،بل يجب تجنّبها ّ
ألن معانيها ليست واضحة ودقيقة ،وال توافق بصفة واضحة الواقع.
الذاتية الّ11تي بقيت منحس11رة
وقد 1سادت هذه الرّؤية الموضوعيّة في الفكر الغرب ّي في مقابل الرّؤية ّ
ي والّ11تي ت11رى ّ
أن أه ّم األش11ياء في حياتن11ا هي أحاسيس11نا 1،وأذواقن11ا 1الجماليّ11ة ّ
والفن الرومنس1ّ 11 في األدب،
أن ّ
الفن والش11عر يتعالي11ان وممارستنا 1األخالقيّة ،ووعينا الرّوحي ،وهذه كلّها أشياء ذاتيّة خالص11ة .وتعت11بر ّ
عن العقل ّي وعن الموضوعيّة .ويص11الننا 1ب11أهم ّ حقيق11ة وهي حقيق11ة مش11اعرنا وحدوس11نا .ونص11ل إلى ه11ذا
الوعي عبر الخي11ال وليس العق11ل .ولغ11ة الخي11ال وخصوص1ا 1االس11تعارة ض11روريّة في التّعب11ير عن مظ11اهر
تجربتنا 1التي تكون فريدة ،ولها داللة خاصة عندنا باعتبارنا 1أفرادً.
16
والخيال يتطلّب ،في مظهر من مظاهره الكثيرة ،النّظر إلى ن11وع من األش11ياء من خالل ن11وع آخ11ر -أي م11ا
23
أسميناه الفكر االستعاريّ -وبهذا 1فاالستعارة عقليّة خياليّة"
ي النسق ّي يدعونا إلى التّفكير في نظريّة للمعنى غير مبنية على الصّدق1.
وهذا التص ّور 1االستعار ّ
أن جزءا مه ّما من نسقنا التصوّري تبنيه االستعارة وجبت إعادة النّظر في مفهوم الصّدق
فإذا ص ّح ّ
وشروط الصدق 1نفسها .فما هو صادق لن يكون صادقا بالنّظر 1إلى الحقائق الخارجيّة واألوضاع الّتي
إن ما هو صادق 1سيكون صادقا بالنّظر إلى التّنظيم ّ
الذهني البشر ّ
ي وبالنظر 1إلى نسق تصفها المعانيّ .
تصوّري ُمبنين بشكل واسع باالستعارة .فالبشر 1يفهمون مجاالت تجارب معيّنة من خالل مجاالت تجارب
أخرى.
إن المقاربة التجريبيّة الّتي يقترحها اليكوف 1وجونسون تق11وم على ّ
أن الص11دق أم11ر نس11ب ّي باعتب11ار ّ
الفهم .وهذا يعني أنّه ال توجد وجهة نظر مطلقة ،بل ّ
إن كل رؤية وك ّل تحديد لألشياء هو باألساس حص11يلة
نسقنا التصوّري 1الّ11ذي يرتك1ز 1على تجاربن11ا ،وتفاعلن11ا الي11وم ّي م11ع محيطن11ا الم11اد ّ
ي والثق11اف ّيّ .
وإن الرّؤي11ة
التجريبيّة ال تنفي تماما الموضوعيّة ،بل تق ّر بوجود موضوعيّة نسبيّة بالنظر 1إلى النّس11ق التص 1وّري 1لثقاف11ة
ما تح ّدد نموذجا 1معياريا للتّصوّرات 1والقيم داخل مجتمعات معيّنة.
وقد 1ر ّكز المؤلفان على الكيفيّة التي ندلّل بها .كيف نفهم أنفسنا والعالم 1من حولنا؟ وكيف 1نعيّن
أن هناك تبريرا واحدا لقيام النّزعة الموضوعيّة
ماهو صادق (أو حقيق ّي) في منظورنا على اعتبار" ّ
والنّزعة ّ
الذاتية إنّه االنشغال بالفهم .تعكس أسطورة النّزعة الموضوعيّة حاجة البشر إلى فهم العالم
ي كي يتم ّكنوا من أن يفعلوا فيه بنجاح .أ ّما أسطورة النزعة ّ
الذاتية فتر ّكز 1على المظاهر ال ّداخليّة الخارج ّ1
ق أن تعاش.أما أسطورة النّزعة التجريبيّة فتقترح عدم
للفهم ،أي ما يجده الفرد داال ،وما يجعل حياته تستح ّ
24
تعارض هذين االنشغالين ،إنّها تق ّدم منظورا يلتقي فيه االنشغاالن دون تعارض"
- 24جورج اليكوف،حرب الخليج أو االستعارات التي تقتل ،ترجمة عبد المجيد جحفة وعبد اإلله سليم ،ط ،1دار توبقال ،
المغرب ، 2005 ،مق ّدمة المترجم ص-ص 12-11
17
* االستعارات 1تخصّ األلفاظ وليس التّصوّرات.
* االستعارات 1تتأسّس على المشابهة.
* ك ّل التّصوّرات 1حرفيّة وليس فيها ما هو استعار ّ
ي1.
* الفكر العقالن ّي ال يتش ّكل من خالل طبيعة أدمغتنا وأجسادنا.
وقد 1سعى كتاب "االستعارات الّتي نحيا بها" إلى تفنيد ك ّل هذه األفكار وبيّن ّ
أن:
* االستعارات 1تتعلّق بالتّصوّرات ال باأللفاظ.
* االستعارات 1ال تتأسّس في العموم 1على المشابهة بل على اإلسقاطات العابرة لمجالين من خالل تجربتنا1.
* االستعارات 1المفهوميّة ليست اعتباطيّة بل تتش ّكل إلى ح ّد بعيد من طبيعة أجسادنا والطّرق 1المشتركة
الّتي نشتغل بها في عالمنا اليوم ّي.
ويؤ ّكد 1المؤلفان ّ
أن:
* االستعارات 1ليست سوى عبارات لغويّة ما هي إالّ مغالطة تحول دون فهم ما يتوصّل إليه تحليل
االستعارات 1في نسقيّتها وفي 1ارتباطها بالتّجربة البشريّة "إنّها المغالطة الّتي تفترض ّ
أن االستعارة توجد
في الطرق الّتي نتح ّدث بها وليس في بناء التّصوّرات وإنشاء المعرفة والفهم".
أن الفكر ي منتشر 1في ك ّل مجاالت حياتنا ّ
الذهنية واعية كانت أو غير واعية .كما ّ * الفكر االستعار ّ
المجرّد استعار ّ1
ي بشكل واسع .
ي المستخدمة في ال ّشعر واألدب حاضرة في تصوّراتنا العادية التي نستخدمها1
* نفس آليّات الفكر االستعار ّ
في حياتنا اليوميّة.
* تنشأ االستعارات المفهوميّة من تجاربنا اليوميّة.
ي حتم ّي وال يمكن تجنّبه ومهيمن ،ومنتشر ،وال واع في أغلبه.
* الفكر االستعار ّ
* التّصوّرات 1المجرّدة ال تكتمل بدون استعارات 1مثال الحبّ ليس حبّا بدون استعارات السّحر والجنون
والسّفر ..وال ّزمن ال يكتمل معناه بدون استعارة ال ّزمن المتحرّك الّتي تجعل ال ّزمن يأتي ويمضي 1ويستقبل.
- George Lakoff ; Mark Johnson : Philosophy in the Flesh: the Embodied Mind & its
25
27
- a formalist version
الذهن وفلسفة اللّغة وفلسفة العلوم،
Hilary Putnam (1926-2016) 28فيلسوف ورياضي أمريكي تتعلق أعماله بفلسفة ّ
عرف بصرامته النقدية حتى بالنسبة إلى مواقفه الفكرية ،حيث لم يتردد في مراجعة كثير من أفكاره.
29
- functionalism
30
- John Brockman; "Philosophy In The Flesh" A Talk With George Lakoff [3.9.99] FROM
https://www.edge.org/3rd_culture/lakoff/lakoff_p1.html22 /09/ 2016
20
" ،لقد نشأت وجهة النّظر هذه من الفلسفة القبليّة 31ولم تكن مؤسّسة تجريبيّا ،ومع ذلك فإنّها
البداية لمجالنا .فما كان جيّدا عنها أنها كانت مضبوطة ،وما كان كارثيا بخصوصها 1هو ما كان لديها من
رؤية فلسفيّة خفيّة تن ّكرت كنتيجة علميّة .وإذا ما قبلت هذا الموقف 1الفلسف ّي ،فك ّل النتائج الّتي ال تتّفق مع
للذهن ضمن هذا الموقف 1الفلسف ّيهذه الفلسفة يمكن اعتبارها بال معنى .لقد كان العلم العرفن ّي في دراسته ّ
القبل ّي بالنّسبة إلى الباحثين الّذين تكوّنوا ضمن هذا التّقليد .فقد ت ّم تكوين الجيل األوّل من العلماء العرفنيّين
للتّفكير بهذه الطّريقة ...وهكذا لم يتميّز الجيل األوّل من العلم العرفن ّي عن الفلسفة .بل إنّه يتوافق مع
وجهة النّظر الفلسفيّة القبليّة الّتي تضع القيود ال ّدائمة على ما يمكن أن يكون عليه ّ
الذهن (لع ّل أهمها) :يجب
على التصوّرات 1أن تكون حرفيّة .فإذ ما ت ّم تخصيص التّفكير العقل ّي من خالل المنطق الشكل ّي التقليديّ،
فإنّه ال يمكن أن يكون هناك شيء يعتبر تصوّرا استعاريّا ،وليس ث ّمة شيء يعتبر فكرا استعاريّا1".
بأن ال ّدماغ يكون ي في طوره األوّل بالنظريّة الحوسبيّة ّ
للذهن واالعتقاد ّ لقد ارتبط العلم العرفن ّ1
قابال لمقارنته بالحاسوب .وهو نموذج البحث الّذي هيمن على العلم العرفن ّي لعقود .ونجد الباحث روبرت
كلير 32يرجع بتاريخه إلى ما بعيد الحرب العالمية الثّانية مع انعقاد مؤتمر هيكسون )1948( 33بكاليفورنيا1
الّذي يؤرّخ به لنشأة العلوم العرفنيّة .فقد التقى فيه باحثون من تخصّصات مختلفة من علم األعصاب ،وعلم
بأن ّ
الذهن البشر ّ
ي يشتغل مثل النّفس ،واللّسانيات ،والرياضيات ،لمناقشة ُمقتضيات نظريّة جديدة تُفيد ّ
الحاسوب .وقد 1قاد هذا السبيل الجديد في البحث نحو تخصّصات جديدة متع ّددة من قبيل اللّسانيات
للذهن ،واللّسانيات الشكليّة...وقد تأسّست النّظريات
الحوسبيّة ،و نماذج رياضيّة للّغة ،ونماذج رياضيّة ّ
الذهن والجسد يشتغالن بصفة مستقلّة عن بعضهما البعض.
أن ّالفلسفيّة لهؤالء الباحثين على اعتقاد مفاده ّ
وأن اللّغة هي باألساس تشفير رمز ّ1
ي تحيل إلى حالة قضايا 1في العالم. ّ
ويواصل 1الب1احث قول1ه" إنّ1ه بع11د ثالثين س11نة من إنش1اء العلم العرف1ن ّي ب11دأ س1بيل لغ11وي جدي1د في
االنبثاق 1.أتى هذا السّبيل الجديد من التحقّق بأن اللّغة هي استعاريّة على نطاق واس11عّ .
وأن االس11تعارة تلعب
دورا رئيسيّا 1في كيفيّة تفكير الكائن البشريّ)اليكوف وجونس11ون .( 1980وس11ميّت ه11ذه المقارب11ة الجدي11دة
باللّسانيات العرفنيّة .ولكن لم تكن من نفس نوع المقارب11ة اللّغوي11ة الّ1تي اس1تخدمها 1تشومس1كي وتالمذت11ه في
معهد .MITوتأسّس هذا النّوع الجديد من اللّسانيات العرفنيّ11ة على ي11د الب11احثين من الجي11ل الثّ11اني من العلم
ي والّ 1دور 1الّ11ذي تلعب11ه
العرفن ّي 1.وكان اهتمام رواده األوائل منصبّا على الكيفيّة الّتي يف ّكر بها الكائن البش11ر ّ1
-2031الفلسفة القبلية أو األولية Apriori philosophyوهي معرفة يفترضها الذهن وتسبق التجربة (-المعجم
الفلسفي ،جميل صليبا،دار الكتاب اللبناني)1982،
32
- Robert N. St. Clair: Metaphor and the Foundations of the Second Generatin of Cognitive
Linguistic,
http://structural-communication.com/Articles/second-generation-cogsci-stcliar.html
33
- First Hixon Symposium on "Cerebral Mechanisms and Behavior"; Engineering and
Science; 1948 ; http://resolver.caltech.edu/CaltechES:12.1.Pump223 / 09 / 2016
21
اللّغ11ة في المعرف11ة ...و انبنت األعم11ال الّ11تي ضّ 1مها ه11ذا اإلط11ار الجدي11د على نم11وذج بحث الجي11ل الثّ11اني
الذهن المتجسّد ،والتوجّه في ال ّدراسات اللّسانية نحو التّركيز على البحوث
للّسانيات العرفنيّة ،وعلى مفهوم ّ
في ال ّداللة واس1تيعاب اللّغ1ة المجازيّ1ة وبخاص1ة االس1تعارة كم1دخل مه ّم في البحث لتأكي1د ه1ذه الفرض1يّات
ي للّغة ُمبنين في معظمه بواسطة مبادئ استعاريّة األولى .فكما بيّن اليكوف 1وجونسون ّ
فإن استخدامنا العاد ّ
تكشف عن االتّجاهية .فالكائنات البش11ريّة له11ا تنظيم فض11ائ ّي وتتقاس11م عالم11ا تعكس اتّجاهات11ه مث11ل( ف11وق-
تحت /داخل -خارج /أمام -خلف .)...وهذه االتّجاهية تخصّص بصفة نسقيّة األفكار 1المج 1رّدة مث11ل األفك11ار
والمعتقدات ال ّدينية ،والمواقف األخالقيّة والسياسيّة ،من خالل حركات وأنشطة جسديّة"
لقد تحوّل االنسجام مع العرفنيّين من كونه مقولة لغويّة تتش ّكل في اللّغة وبها ،إلى اعتباره مقولة
تصوّرية .فاالنسجام 1كامن في نظامنا 1التّصوّري 1.وليست اللّغة إالّ تجلّيا من تجلّيات هذا االنسجام 1الكامن
أن الوقائع الّتي تؤ ّكدها نظريّة االستعارة المفهوميّة
الذهن .ويبيّن "كتاب االستعارات الّتي نحيا بها" ّ
في ّ
التتّفق مع العديد من االفتراضات الّتي تنبني عليها الفلسفة الغربيّة .فليس صحيحاّ 1
أن ك ّل الفكر واع،
وحرف ّي ،وغير مجسّد .لهذا وجب إعادة النّظر في هذا كلّه من خالل الوقوف على النّتائج التجريبيّة لعلم
الذهن واللّغة .يكشف البنية االستعاريّة الّتي تنبني عليها األشكال األساسيّة للعقل.
عرفن ّي مجسدن حول ّ
ويفتح لرؤية جديدة لتصوّرنا لإلنسان ولماهيته .ولع ّل من أبرز كشوف العلم العرفن ّي ّ
أن معظم فكرنا الواع
"ليس بالمعنى الفرويدي من أنّه مكبوت" وإنّما بمعنى أنّه يشتغل في مستوى أدنى من مستوى اإلدراك
ي ال يبلغه الوعي .ويعمل بسرعة ال تتيح التّركيز عليه .فلفهم تلفّظ ولو بسيط يجب أن ننجز بصورة
العرفن ّ1
34
;- Anne-Marie Diller Cohérence métaphorique; action verbal et action mentale en français
in Communication ; N 53. 1990. P210.
22
آليّة سلسلة من أشكال التّفكير البالغة التّعقيد منها :ما يتعلّق بتقبّل سيل األصوات ،ونظمها ضمن سمات
ومقاطع ،وتحصيل الوحدات المعجميّة ،واستيعابها داخل بنية تركيبيّة ضمن خيار من الخيارات الهائلة
الّتي توفّرها 1اللّغة األ ّم ،وانتقاء األلفاظ ،وإعطائها معان تالئم السّياق ،وإنجاز استدالالت بخصوص ما
ّ
...إن الفكر الواعي جزء بسيط 1جدا مقابل قيل ،وملء الثّغرات في الخطاب ،والتّخطيط لما ستقوله مجيبا
الفكر الالّواعي الّذي يش ّكل عند العلماء العرفنيّين النّسبة العليا من تفكيرنا الّتي يق ّدرها اليكوف 1وجونسون1
في كتابهما "الفلسفة في الجسد" بخمس وتسعين بالمائة حيث يقوالّ ." :
إن الفكر الواعي هو القطعة
الظّاهرة من جبل جليد ضخم يش ّكل الفكر الالّواعي منه عند العلماء العرفنيّين 95بالمائة تقريبا من الفكر
فإن 95بالمائة الّتي توجد أسفل مساحة
كلّه ،ولربّما كان هذا التّقدير تقليال لقيمته ،وعالوة على هذا ّ
اإلدراك واإلحساس 1الواعي تش ّكل وتُبنين كل ّ الفكر الواعي .ولو لم يكن الفكر الواعي يقوم بهذا التّشكيل،
35
فلربّما 1لم يوجد فكر واع"
بأن تشكيل ال ّدالالت والمعاني 1،وعملي11ة التخيّ11ل، ويجادل جونسون في كتابه "الجسد في ّ
الذهن"ّ 36
إضافة إلى عملية التّفكير العقل ّي تق1وم كلّه1ا على عملي1ات اس11تعاريّة .تق1وم فيه1ا الخطاط11ات ّ
الص1ور ب1دور1
المجال المصدر ،حيث ينتقد جونسون النّظريات التقليديّة لل ّداللة الّتي يمكن إجمال آرائها الجوهريّ11ة في م11ا
يلي:
*إن المعنى هو عالقة تجريديّة بين رموز معيّنة كالكلمات أو التّص ّورات ّ
الذهنية ،وبين واقع ماد ّ
ي ّ
محسوس ،حيث ال يوجد 1للرّموز معنى إالّ ارتباطها 1بأمور ما ّدية كاألشياء الما ّدية ،وصفاتها ،والعالقات1
بينها.
إن المفاهيم هي تمثيالت ذهنيّة مجرّدة يت ّم استخدامها لتحديد الظّواهر الما ّدية الّتي تشير إليها أو سماتها
* ّ
أو عالقاتها ،فمفهموم" 1الكرسي" يشير 1إلى ك ّل الكراسي الموجودة.
إن وظيفة نظريّة ال ّداللة هي القدرة على شرح قابليّة الرّموز 1لل ّداللة .وذلك عن طريق توضيح الظّروف1
* ّ
الّتي تكون فيها تلك الرّموز "صحيحة" من خالل ارتباطها بواقع 1معيّن.
35
- Lakoff ; Johnson ; 1999 ;p 23
36
- Johnson Marc; The Body in the Mind The Bodily Basis of meaning, imagination, and
reason, University of Chicago;1987
23
إن أي تحليل لل ّداللة ال ب ّد من أن يقوم أساسا على مفاهيم واقعيّة ،وليست مجازيّة أبدا .فالمفهوم 1ال ب ّد أن
* ّ
أن المجاز واالستعارة ال يمكن مقارنتها بواقع مح ّدد يمكن
يشير إلى ظاهرة ما ّدية يمكن استكشافها 1.في ما ّ
به التثبّت من صحّتها .فقولنا " أرخى البّحارة قلوع السّفينة" يشير إلى داللة يمكن مقارنتها 1بالواقع الما ّدي.
أن القول " الصّباح أرخى قلوعه" ال يمكن مقارنتها 1بواقع حقيق ّي .وهذا ما أ ّدى بالنّظريات الما ّدية
في ما ّ
إلى تهميش دور االستعارة في تشكيل المفاهيم.
يمكن ال ّربط بين المفاهيم لتشكيل أفكار مختلفة األنواع .وهناك عدد محدد من "الرّوابط 1المنطقيّة"مثل
فإن" ...الخ) الّتي تعيّن العالقات الممكنة سواء كان في ما بين
(حرف العطف "و" "أو" " إذا كانّ -
37
المفاهيم مثال "األحمر واألزرق" أو األفكار مثال " السّماء تمطر 1والج ّو بارد"
إن التّفكير العقالن ّي ال عالقة له بالجسد والما ّدة حيث أنه يقوم على عالقات منطقيّة خالصة التّجريد
* ّ
وعمليات مستقلّة قائمة بذاتها في ذهن الشخص المف ّكر .فالفكر الموضوع ّي السّائد كان يعتقد بش ّدة بوجود
التّفكير المتعالي غير المرتبط بأ ّ
ي ظاهرة أو تط ّور 1تاريخ ّي .ويعيد جونسون 1من خالل كتابه "الجسد في
الذهن" 38النّظر لك ّل المبادئ األساسيّة في النّظريات التقليديّة لل ّداللة والفكر العقل ّي الّتي ترسّخت على م ّر
ّ
ي الّذي تقوم به األبنية غير
ال ّزمن .ويش ّكك 1في صالبة منطقها ال ّداخلي من خالل كشف ال ّدور المركز ّ1
أن الجسد أساس ّي في تحديد هويّتنا البشريّة وحقيقة ّ
أن الخبريّة 39ودور المجاز واالستعارة فيها .ويرى ّ
ي يظ ّل مرتبطا 1بوجودنا ،وتجاربنا ،وعالقتنا بالواقع الما ّدي من حولنا ،ويركز باألساس
تفكيرنا البشر ّ1
على مفهوم "الخطاطة".
إن النّظرة التجريبيّة للمعنى في خطوطها 1العريضة تتعارض مع النّظرة الموضوعيّة .ففي حين ّ
أن ّ
الفلسفة الموضوعيّة تعرّف ال ّداللة على نحو منفصل عن طبيعة األشخاص المف ّكرين وتجربتهم .فهذه
الواقعيّة التجريبيّة تفسّر المعنى على أساس الجسدنة ،أي على أساس مجموع قدراتنا البيولوجيّة ،وتجاربنا
40
الما ّدية واالجتماعيّة باعتبارنا فاعلين في بيئتنا"
I - 4توسيع النّظريّة
37
- Johnson; 1987 ;Preface ;p xxxiv
38
- Johnson;1987 ;Preface;p xxxiv
39
- nonporopsitional structures
40
- George Lakoff, Women, Fire and Dangerous Things: What Categories Reveal About the
Mind,University of Chicago Press.1987 ;p 266-267
24
لقد بيّن اليكوف 1وجونسون انطالقا 1من كتاب "االستعارات الّتي نحيا بها" أه ّمية حضور الجسد في
تشكيل أنساقنا 1التّصوّرية .وقد فتح بحثهما في االستعارة المفهوميّة سبيال جديدة لتوجّه فلسف ّي يقوم على
أساس مفهوم الجسدنة .ليؤ ّكد ال ّدور األساس ّ1
ي للجسد والما ّدة عموما في تشكيل كثير من رؤانا .ولقد عرف
هذا االتّجاه الجديد في البحث تطوّرا كبيرا في كتاباتهما الالّحقة مما وسّع في أفق النّظريّة ودفع بها إلى
نهاياتها 1الفلسفيّة كرؤية جديدة لإلنسان والعقل والواقع والمعنى1.
I -4 -1مركزيّة الجسد في تشكيل أنساقنا التّص ّوريّة
لقد تلقّت النّظريّة دعما قويّا بكتابين لاليكوف وجونسون صدرا سنة 1987فقد أصدر اليكوف
كتابه "نساء ونار وأشياء خطيرة :ما تكشفه المقوالت حول العقل" 41.وأصدر 1جونسون كتابه " الجسد في
ّ
الذهن :األسس الجسديّة للمعنى والخيال والعقل" 42.في ما بدا وكأنّه تقسيم لألدوار في دعم النّظريّة
األساسيّة .فكتاب "نساء ونار 1وأشياء خطيرة" ر ّكز على جانب واحد من مظاهر ّ
الذهن وهي قضيّة
المقولة .و يوضّح فيه الكوف لبّ الفلسفة التجريبيّة واختالفها 1عن الفلسفة الموضوعيّة السّائدة قائالّ ":
إن
النّظرة التجريبيّة مختلفة:إنّها تحاول وصف ال ّداللة على أساس طبيعة وتجربة األعضاء الّتي تقوم
بالتّفكير .ليس طبيعة األفراد وتجربتهم فقط بل طبيعة وتجربة األنواع والمجتمعات 1.فـ"التّجربة" ال تفهم
في معناها الضيّق الّذي يشير إلى األشياء "الّتي حدث وأن وقعت لفرد من األفراد" .بل ّ
إن التّجربة تفسّر
في معناها الواسع :المجموع الكلّي للتّجربة اإلنسانيّة ،وك ّل ما يلعب دورا فيها كطبيعة أجسادنا ،وقدراتنا
وفي خالصةّ ،
فإن هذه 43
الّتي ورثناها قبليّا ،وصيغ فعلنا الما ّدي في العالم ،وتنظيمنا االجتماع ّي إلخ".
النّظرة التجريبيّة تعتبر جوهريا كثيرا م ّما كان يعتبر غير مه ّم في التّفسير الموضوع ّي1.
ويدافع 1اليكوف في هذا الكتاب عن فرضية الجسدنة الّتي تحاول أن تثبت ّ
أن األذهان ليس11ت بص11فة
جوهريّة عمليّات حوسبيّة غير متجسّدة مثل برنامج الحاسوب .ولكنّها 1تنشأ ب11دال من ذل11ك وتقيّ11د ب11أنواع من
التّنظيم 1المنعكس في الخصائص البيولوجيّ11ة ،والتش11ريحيّة ،والكيميائيّ11ة الحيويّ11ة ،والفيزيولوجيّ11ة العص11بيّة
للجسد وال ّدماغ.
في ما يحّدد جونسون 1هدف نظريّته في إعادة الجسد إلى ّ
الذهن ويو ّ
ضح 1مفهومه للجسد في األبعاد
غير الخبريّة والتجريبيّة واالستعاريّة للمعنى وال ّداللة .ويرى ّ
أن الجسد أساس ّي في تحدي11د هويّتن11ا البش11ريّة.
ي يظ ّل مرتبطا بوجودنا 1الما ّدي ،وتجاربنا ،وعالقاتنا بالواقع 1الما ّدي حولنا ،وليس وحقيقة ّ
أن تفكيرنا البشر ّ
تفكيرا مجرّدا غير مرتبط بشكل من األش11كال" .44وه11ذا التو ّج11ه سيتشّ 1كل بص11ورة أعم11ق م11ع بقيّ11ة أعم11ال
41
- George Lakoff, Women, Fire and Dangerous Things: What Categories Reveal About the
Mind,University of Chicago Press.1987
42
- Johnson Marc; The Body in the Mind the Bodily Basis of Meaning, Imagination, and
Reason, University of Chicago Press.1987
43
George Lakoff, 1987,p p266-267
44
- Johnson Marc ; 1987 ; Acknowledgments xxxvi
25
اليكوف 1وجونسون في فترات الحقة لكتاب "االس11تعارات الّ11تي نحي11ا به11ا"ّ وخاص11ة في كتابهم11ا المش11ترك
الجسد:الذهن المجسدن وتح ّديه للفكر الغرب ّي" الّذي فتح السبيل للتأسيس لما غدا يع11رف
ّ الثّاني "الفلسفة في
"بنظريّة العرفنة المجسدنة" الّذي جمعا فيه نتائج بحوثهما 1المنش1ورة س1ابقا في المجالّت العلميّ1ة المح ّكم1ة.
ودفعا 1فيه بالنّظريّة الّتي طرحاها في كتاب "االس11تعارات الّ11تي نحي11ا به11ا" ح11ول االس11تعارة وم11ا تبعه11ا من
تطويرات 1إلى نهايتها المنطقيّة أي تقصّي وجود الجسد في الفلسفة عموما حيث انطلق11ا من ثالث فرض 1يّات1
أساسيّة وهي:
* ّ
الذهن متجسّد أصال.
أن اللّغة
يدافع اليكوف 1وجونسون في كتابهما "الفلسفة في الجسد" عن فكرة جوهريّة .وهي ّ
البشريّة ليست ابتداعا جينيّا خالصا كما هي عند تشومسكي .فالمظاهر المركزيّة للّغة تنشأ تطوّريا من
النّسق الحس ّي ،والنّسق الحرك ّي ،ومن أنساق عصبيّة أخرى نجدها عند الحيوانات ال ّدنيا.
ّ I -4 -3
الذهن في الجسد :في نقد الفكر الدّيكارتي للعقل المتعالي
يه ّز اليكوف وجونسون أركان التقليد الفلسف ّي الغرب ّي الّذي يعتبر العقل مستقالّ عن اإلدراك وعن
أن هذه القدرة المستقلّة للعقل هي ما يجعلنا بشرا باألساس وتميّزنا عن بقيّة
الحركة الجسديّة .والّذي يعتبر ّ
45
- George Lakoff ; Mark Johnson; 1999 ; p 16
26
الحيوانات األخرى .فالتّقليد الفلسف ّي الغرب ّي في معظمه يفترض صيغة من علم النّفس القائم على الملكة.
ووفق هذه الصّيغة يتوفّر البشر على ملكة للتّفكير منفصلة عن اإلدراك وعن الحركة الجسديّة .ويفترض
وجود 1ثنائيّة مطلقة بين اإلدراك والتّصوّر 1.فإذا كان اإلدراك 46يقبل دوما باعتباره جسديّا بطبيعته مثلما هي
فإن التّصوّر - 47تكوين التص ّورات واستخدامها -نظر إليه تقليديّا على أنّه ذهن ّي خالص ومنفصل
الحركة ّ
كلّيا عن قدراتنا 1في اإلدراك والحركة .فكيف يحكم الجسد والمدركات 1الحسّية والما ّدة عموما العقل،
الذهنية ،وإنتاج المعرفة والتص ّرف 1في أه ّم أداة لها وهي اللّغة؟ وكيف يتجلّى ذلك خصوصا 1في
وعمليّاته ّ
االستعارة؟
46
- perception
47
- concepts
48
- Lakoff ; Johnson; 1999; p354
27
ّ
إن استعارة " المعرفة رؤية" تعتبر من االستعارات السّائدة في مفهوم المعرفــة العا ّم.
إذ تح ّدد دور 1اإلبصار في حصول المعرفة البشريّة ،كما أنّها مركزيّة ج ّدا في تصوّرنا 1للمعرفة الّتي نادرا
ي في بنينة معنى أن نعرف 1شيئا .وهي استعارة كليّة أوّلية حيث أنّنا نستعمل
ما نعي بكيفيّة اشتغالها القو ّ
هذه االستعارة على نحو مألوف فنقول "رؤية صائبة" ،أو "أرجو 1إيضاح فكرتك" 1،أو "أفكارك 1ضبابيّة"
أن ديكارت تعامل مع هذه االستعارة على أساس أنّها حقيقة فلسفيّة حيث اعتبر ّ
أن الخ .ويبيّن المؤلفان ّ
أه ّم مشاكل المعرفة هي كيف نك ّون رؤية واضحة بدون غموض وال لبس؟ ومن هنا فمشكلة المنهج
الفلسف ّي هي كيفيّة رؤية األفكار 1رؤية واضحة ،وتقديمها 1للعقل لتفحّصها ومعاينة العالقات الموجودة بين
هذه األفكار .ويس ّمي 1ديكارت قدرة ّ
الذهن على الرّؤية بوضوح حدسا " :الحدس كما أفهمه :ليس شهادة
األحاسيس المتقلّبة .وال الحكم الخادع الّذي يأتي من البناءات المضطربة للخيال .ولكنّه البناء التّصوّري
الّذي يق ّدمه لنا ذهن غير ضباب ّي ،ومتنبّه ،ومستع ّد 1،ومميّز بحيث نكون متحرّرين كليّا من أ ّ
ي شك بصدد
إن الحدس ...هو التصوّر الّذي ال يحتمل الش ّ
ك ،من ذهن بدون غيوم ،ينطلق من ضوء العقل ما نفهمهّ .
49
وحده"
ّ
إن المنطق االستعار ّ1
ي لمفهوم الحدس عند ديكارت يقوم على استعارة أوّلية أخرى وهي "العقل
حاوية لألفكار" ،فهو المح ّل الّذي توجد به األفكار حيث يسلّط عليها الضّوء وتعاين .إضافة إلى هذه
االستعارة يفترض ديكارت استعارات 1الملكات النفسيّة الّتي تش ّخص مقدرات ّ
الذهن وتعتبرها 1شخوصا
ينجزون مختلف المهام ّ
الذهنية .وبما ّ
أن اإلدراك يفهم استعاريّا 1بوصفه استقباال لالنطباعات الحسّية من
العالم الخارج ّي ّ
فإن اإلدراك يتص ّور شخصا يقوم باالستقبال ،وتتصوّر ملكة الخيال شخصا يكوّن صورا
من االنطباعات الحسّية .فالعقل من هنا تشخيص للقدرة على التّفكير والمعرفة .ويض ّم ديكارت استعارة
ي المعقّد الّذي يح ّدد مفهوم الحدس عنده.
المعرفة رؤية إلى هذه االستعارات إلنتاج النّسق االستعار ّ
الذهن والّتي
ينقد ال يكوف وجونسون في كتابهما الفلسفة في الجسد هذا البناء ال ّديكارتي 1لفلسفة ّ
يجمالن حصيلتها 1في المنطلقات التّالية :
يقول اليكوف وجونسون " لقد مثّلت هذه الخالصات دعامات لفلسفة ّ
الذهن الحاليّة في التّقليد
ي فهي عبارة بأن فلسفة ّ
الذهن يمكن القيام بها بدون بحث تجريب ّ1 األنغلو أمريكي 1.ومازال يسلّم بشكل واسع ّ
50 ي ينعكس فيه العقل مباشرة على بنية ّ
الذهن" عن سعي نظر ّ1
فإن اليكوف 1وجونسون يكشفان الغطاء عن االستعارات 1التّحتيّة الّتي حكمت فلسفة
وصفوة القول ّ
ّ
الذهن عند ديكارت .وينقضان أسس الفكر ال ّديكارتي من داخله .فدعوى ديكارت بانفصال العقل عن
الجسد واختالفه الجوهر ّ
ي عنه هي دعوى غير حقيقيّة .ففلسفته حول العقل واألفكار 1تقوم في أساسها على
استعارات ترتبط 1بأمور جسديّة محضة كاإلبصار 1واالحتواء وغيرها.
لقد مثّلت قضيّة الواقع إشكاال معرفيّا 1قديما حيث طرح فالسفة اليونان سؤالهم 1الكبير كيف
صل 1إلى المعرفة ؟ وكان جوابهم أنّنا نتوصّل إليها بطريقة مباشرة .حيث ذهب أرسطو 1إلى ّ
أن هناك نتو ّ
تماثالت بين األفكار في ّ
الذهن وماهيات األشياء في العالم .وخلص إلى أنّه بإمكاننا 1أن نمسك بشكل مباشر
ماهيات األشياء في العالم .وقد مثّلت تلك الخالصة عمق الواقعيّة الميتافيزيقيّة النّهائية 51الّتي ال تفصل بين
األنطولوجيا( 1ما يوجد) وبين االبستيمولوجيا (ما يمكن معرفته).
50
- Lakoff ; Johnson ; 1999; p357
51
- ultimate metaphysical
29
وهذه الواقعيّة ذات النّسق الرّمزي 1تع ّمق الهوّة بين ّ
الذهن والعالم .إنّها فجوة اعتباطية قصوى1
حيث ينعدم 1التّعالق والتّشابه .لقد بّينت البراهين المستم ّدة من العلم العرفن ّي أنّه ال وجود 1لملكة العقل
مستقلّة تماما وغير مرتبطة بقدراتنا 1الجسديّة مثل اإلدراك والحركة .وأتاح العلم العرفن ّ1
ي جوابا جديدا
وهاما على هذه القضيّة الفلسفيّة القديمة قضيّة الواقع وكيف نتم ّكن من معرفته .وهو ّ
أن إحساسنا بالواقع
يبتدئ بأجسادنا 1ويتوقّف عليها بشكل حاسم ،وبخاصة جهازنا الحس ّي الحرك ّي الّذي يمكننا من اإلدراك
52
والتح ّرك 1ومعالجة األشياء ،وبالبنيات المفصّلة ألذهاننا الّتي ش ّكلها التّط ّور 1والتّجربة معا
وينطلق 1جونسون واليكوف في كتابهما "الفلسفة في الجسد" من فرضيّة أساسيّة في معالجة قضيّة
أن التّصوّرت البشريّة ليست انعكاسات لواقع خارج ّي .بل إنّها تتش ّكل بواسطة أجسادنا
الواقع .وهي ّ
وأدمغتنا 1وبخاصة بواسطة نسقنا الحس ّي الحرك ّي .ويحاوالن 1البرهنة على ذلك بالنّظر في ثالثة أنواع من
التّصوّرات 1:تصوّرات اللّون ،وتصوّرات 1المستويات العُليا من المقوالت ،وتصوّرات العالقات الفضائيّة.
فالعلم العرفن ّي يبرهن على أنّه ال وجود 1لأللوان في العالم الخارج ّي .وهي الّتي تبدو للوهلة األولى من
البديهيات بالنسبة إلى المرء فالعشب أخضر ،والسماء زرقاء ،والشمس والقمر أصفران ،وال ّدم أحمر.
أن طبيعة أجسادنا وأدمغتنا هي الّتي تخلق اللّون .و يقول المؤلفان في
ي على ّ
يبرهن العلم العرفن ّ1
إن تجربة اللّون عندنا هي نتاج أربعة عوامل:الطول الموج ّي للضوء المنعكس ،53وظروف1
تجربة اللّون" ّ
اإلضاءة ومظهرين مرتبطين بأجسادنا :أوّال األنواع الثّالثة لمخروطات 1اللّون في شبكيّة العين،54الّتي
المعقّدة المربوطة 55
تمتصّ ضوء األطوال الموجبة الطويلة والمتوسّطة والقصيرة .وثانيا ال ّدارة العصبيّة
56
بهذه المخروطات "
إن تصوّرات اللّون تفاعليّة فهي تنشأ من تفاعالت أجسادنا ،وأدمغتنا ،وخصائص انعكاس الضّوء
ّ
على األشياء .فاأللوان ليست موضوعيّة ،ال توجد في العشب وال في السّماء خضرة أو زرقة في استقالل
عن قدرتنا البصريّة ،وتدرّجات الضّوء ،وتفاعل أجهزتنا العصبيّة في ال ّدماغ .ولهذا تبعات فلسفيّة إذ يبيّن
فشل الفكرة الّتي تقول ّ
إن الصّدق يكمن في العالقة بين األلفاظ والعالم الواقع ّي 1.فبما أنّه ال يوجد لون في
العالم وهي من األفكار األكثر بداهة في أذهان النّاس واعتقاداتهمّ ،
فإن جملة من قبيل " ال ّدم أحمر" التي
ي صادقة .يعتبر اليكوف وجونسون أن تجربة اللّون هي
نعتبرها 1كلّنا صادقة ،لن تكون بالمنظار العرفن ّ1
الجزء الظّاهر من جبل الجليد حول أهميّة الجسد في بناء معظم 1تصوّراتنا 1وخصوصا 1تلك المرتبطة
بالمستويات العليا من المقوالت ،وتص ّورات العالقات الفضائيّة وهو ما سنتعرض إليه في فصول الحقة
52
- Lakoff ; Johnson ; 1999 ; p 27
53
- wavelengths of reflected light
54
- color cones in our retinas -
55
- neural circuitry
56
- Lakoff ; Johnson ;1999; p 31
30
من البحث .ويحلّالن أبعاد ما يسميّانه الواقعيّة المجسدنة 57بقولهما " ّ
إن تجسّد العقل /الفكر كما يكتشفه
العلم العرفن ّي يزوّدنا بفهم جديد للتالؤم بين ّ
الذهن والواقع 1.وهو المنظور الذي سنسميه الواقعيّة المجسدنة.
وهي أقرب إلى الواقعيّة المباشرة عند اليونانيين من الواقعيّة التّمثيلية غير المجسدنة في الفلسفة ال ّديكارتية
والتّحليليّة الّتي تنفصل بصورة جوهريّة عن العالمّ .
إن الواقعيّة المجسدنة إذ ترفض الفصل ال ّديكارتي 1هي
باألحرى 1واقعيّة تستند إلى قدرتنا 1على االشتغال بنجاح في محيطاتنا الفيزيائيّة ولذلك فهي واقعيّة مبنية
على التّطوّر 1.وقد زوّدنا التّط ّور 1بأجساد متكيّفة وبأذهان تسمح لنا بأن نتكيّف 1مع ما يحيط بنا ،بل وأن
58
نحوّله"
وهي أفكار تأخذ بجانب كبير من ال ّداروينية ،ومن التّأمل الفلسف ّي والفينومينولوج ّ1
ي للجسد عند
"موريس 1مورلوبنتي" الّذي يرى" ّ
أن الجسد هو مركبة الكائن في العالم 59فوجود 1الجسد بالنّسبة إلى المرء
يعني االنضمام 1إلى وسط مح ّدد .فالوجود يكون انطالقا من الوعي بالجسد ليس بصفته شيئا من األشياء بل
هو متحرّك وفعّال .فالجسد 1إذن وعي ،وحركة ،ومعرفة ،وعليه تُبنى العالقات االنطولوجيّة مع األشياء،
واآلخرين ،والعالم ،واللّغة ،والتّعبير "...وأعطى مورلوبنتي 1أهميّة كبرى 1للرّؤية 60أثناء عمليّة اإلدراك
أن حركة الجسد هي الّتي تقود الرّؤية وتوجّهها" . 611فقد أخذت إشكالية
"وأنّنا النرى 1إالّ إذا تحركنا ،ذلك ّ
الجسد في فلسفة ميرلوبونتي 1أفقا ً جديدًا لتجاوز ثنائيّة ّ
الذات والموضوع 1في الفكر الفلسف ّي الحديث
باعتبارها تعتقد قدرة العقل والوعي على اإلمساك بموضوعه والتح ّكم فيه.
والواقعيّة المجسدنة إذ تنفي بناء على أسس تجريبيّة أن يوجد وصف صحيح واحد للعالم ،فإنّها
تعتبر المعرفة نسبيّة بالنّظر 1إلى طبيعة أجسادنا وأدمغتنا وتفاعلنا مع المحيط .ولكنّها تعمل أيضا على
رصد كيف تكون المعرفة الواقعيّة والثّابتة في العلم وفي 1العالم اليوم ّي ممكنة ولهذا الرصد 1مظهران:
* أوّال هناك التص ّورات المجسدنة المباشرة مثل تص ّورات المستويات العليا من المقوالت ،وتصوّرات
العالقات الفضائيّة ،وتص ّورات بنية الحدث وهي تمكننا من أن نشتغل بنجاح في تفاعالتنا اليوميّة في
العالم ،كما أنّها تمثّل أساس معرفتنا العلميّة الثّابتة.
*ثانيا االستعارات األوّلية تجعل توسيع هذه التصوّرات المجسدنة وتعميمها 1على مجاالت نظريّة مجرّدة
أمرا ممكنا.
ويتحدث اليكوف 1وجونسون 1عن مركزية البعد النسب ّي في مقاربة الواقع في ما ينظّران له من
فكرة الواقعيّة المجسدنة حيث تمثّل االستعارة القدرة العظيمة للبشر لإلمساك بالمعنى ،وإدراك الواقع،
57
- embodied realism
58
- Lakoff ; Johnson ; 1999 ; p 92
59
-" le corps de son côté est défini …comme le véhicule de l'être au monde "Maurice Merleau-
Pont. ; Phénoménologie de la perception; Paris : La Librairie Gallimard, NRF, 1945,p 180
60
-la vision
61
- Merleau-Ponty; 1945,pp115-126
31
والسيطرة على حالة االمتداد الالّنهائي للعالم ،وما ينشأ فيه من سياقات 1متنوّعة ومتغيّرة بقولهما":ورغم1
ذلك ،فالواقعيّة المجسدنة تعترف 1لقضيّة مرك ّزية في الفكر النسب ّي .وهي أنّه في ع ّدة حاالت مه ّمة ،تتغيّر
التصوّرات 1عبر ال ّزمن ،وتتنوّع عبر الثّقافات ،ولها بنيات متع ّددة متضاربة .وتعكس شروطا 1اجتماعيّة.
وتق ّدم الواقعيّة المجسدنة كذلك آليّات لتخصيص هذه التغيّرات والتنوّعات ،وع ّدة أمثلة من البناء
وإن تكوين االستعارات المر ّكبة وتوليفات تصوّرية أخرى يبدو اآلليّة الكبرى للواقعيّة
االجتماع ّيّ .
62
المجسدنة"
62
Lakoff ; Johnson;1999; p 93-94
32
الفصل الثّاني
االستعارة المفهوميّةـ
في اإلطار التجريب ّي
33
نتط ّرق 1في قسم أوّل من هذا الفصل إلى تعريف االستعارة المفهوميّة من خالل ثالث نقاط رئيس11يّة
مميّزة .تعكس زاوية النّظر الجديدة الّتي يشتغل من خالله1ا اليك1وف وجونس11ون في م1ا طرح1اه من أفك1ار1
حول االستعارة باعتبارها مقوّما للتّفكير ال وسيلة لغويّة في التّعبير ،نافذين من وراء ذلك إلى دراسة ّ
الذهن
ي 1.وه11ذه النق11اط المركزيّ11ة الثالث الّ11تي س11نحاول 1تعري11ف وآليّات عمل النّسق التّص1وّري 1التّجري11ب ّ1
ي البش11ر ّ
االستعارة المفهوميّة من خاللها تتمثّ1ل في :االس1تعارة تمثّ1ل مج1ال على أس1اس مج1ال آخ1ر .و االس1تعارة
ظاهرة مركزيّة غالبة في داللة الكالم اليوم ّي 1.وما تكشفه االستعارة من مغالطات الثنائيّة التمييزيّة ح11رف ّي-
ي 1.كما سنعمل على توضيح أه ّم المصطلحات العاملة في النّظري11ة ،والممثّل11ة لجهازه11ا االص11طالح ّ1
ي مجاز ّ
ي والتحليل ّي من خالل عرض موجز أله ّم مصطلحات 1النظريّة.
الضّابط 1ألدوات عملها اإلجرائ ّ1
وس11نبحث في قس11م ث11ان من ه11ذا الفص11ل محاول11ة ال يك11وف وجونس11ون ص11ياغة نظريّ11ة تجريبيّ11ة للنّس11ق
التصوّري تكون كافية ،انطالقا 1من حاالت نموذجيّة ،واعتما ًد على معطيات اللّغة اليوميّة الّتي تع ّد حسبهما
مصدرا 1مه ّما للبرهنة على الكيفيّة الّ11تي يش11تغل به11ا ه11ذا النّس11ق .وعلى ه11ذه النظريّ11ة كي تك11ون كافي11ة أن
ترصد 1الكيفيّة الّتي تتأسّس بها التصوّرات ،وتُبنين بها ،وتتعالق 1في ما بينها ،وتُح ّ1د بها.
ي
II -1 -1-3مغالطات الثنائيّة التمييزيّة حرف ّي -مجاز ّ
ي أساس هذه الفرضيّات الّتي انبنت عليها الرّؤيةلقد مثّلت الثنائيّة التمييزيّة التقليدية حرف ّي -مجاز ّ
الكالسيكيّة لالستعارة .وقد بيّنت أبحاث اليكوف ومن قبله ريدي 1أنّها قائمة على جملة من المغالطات كشف
عنها النّسق الهائل من االستعارات 1اليوميّة ،والوضعيّة ،الّتي نستعملها 1في كالمنا اليوم ّي .وقد 1هدمت
ي ّ
ألن مصطلح حرف ّي كما تستخدم في نظريّة االستعارة المفهوميّة هذا التّمييز التقليد ّ
ي حرف ّي -مجاز ّ1
تحديد التّمييز التقليد ّ
ي تحمل في طيّاتها 1ك ّل تلك االفتراضات 1الخاطئة .فالفرق الكبير بين نظريّة االستعارة
الكالسيكيّة والرّؤية الجديدة لالستعارة المفهوميّة يقوم على أساس هذا التّمييز القديم (حرف ّي -مجازيّ)
ي وتطبيق 1بعض العمليات الّذي كان المرجع في التّفسير االستعار ّ1
ي للجملة بواسطة البدء من المعنى الحرف ّ1
الخوارزميّة ألجل الوصول لهذا التّفسير .وهو ما فّنده عمل اليكوف وجونسون فاالستعارة ال تشتغل بهذه
الذهن تقوم على أساس تمثّل مجال على أساس مجال
الكيفيّة بل هي عمليّة عرفنيّة مركزيّة في اشتغال ّ
آخر .ويقول األزهر الزنّاد في ذلك " ...فاالستعارة ظاهرة مركزيّة غالبة في داللة الكالم العاد ّ
ي اليوم ّي
وهي جزء من الفكر من حيث مثّلت أداة في تص ّور 1العالم واألشياء 1وتمثّلها في جميع مظاهرها ،فهي جزء
من النّظام العرفن ّي ،ولذلك س ّميت باالستعارة المفهوميّة .إذ كانت االستعارة أداة مفهمة وتمثيل 1وتص ّور 1يع ّم
ك ّل مظاهر 1الفكر بما في ذلك المفاهيم المجرّدة والمتّصلة بالمجاالت األساسيّة من قبيل ال ّزمن واألوضاع1
والمكان والعالقات واألحداث والتغيّر والجعل وما إليها ،ويج ّر هذا التحوّل تغييرا 1في مصطلح االستعارة
إجراء ومفهوما:
فاالستعارة -في النّظريّة الكالسيكيّة -عبارة لغوية جديدة أو شعريّة يستعمل فيها لفظ واحد أو أكثر في
معنى غير معناه المعهود 1المألوف للتعبير عن معنى شبيه به ( اليكوف )1992 1وهي -في النظريّة
الحديثة -إسقاط عابر للمجاالت في النّظام 1المفهوم ّي ،وما العبارة االستعاريّة إالّ تحقّق سطح ّ1
ي لتلك
67 العمليّات الّتي يجري بها اإلسقاط المفهوم ّي في ّ
الذهن"
36
سنرجع من أجل توضيح مختصر 1أله ّم المصطلحات ال ّشائعة ض11من نظريّ11ة االس11تعارة المفهوميّ11ة
إلى التّعريفات الّتي وضعها سلطان كوفيتش في مؤلّفه "االستعارة :مدخل تطبيق ّي " 68وس11نتوقّف 1على م11ا
نعتبره من المصطلحات المفاتيح الشتغال هذه النّظريّة:
المجال المفهومي :69هو تمثيلن11ا التّص1وّري ،أو معارفن11ا الخاص11ة ب11أي قس11م منس11جم من التّجرب11ة.
كثيرا ما تس ّمى هذه التمثيالت "تصوّرات" 1.تتض ّمن هذه المعارف كالّ من العناص11ر األساس11ية الّ11تي تشّ 1كل
مجاال ما ،والمعارف 1الثريّة بالتّفاصيل حول مجال ما والّتي غالبا ما تخدم االقتضاءات االستعاريّة.
المجال المصدر :70إننا نستخدم المجال المصدر ،كمجال مفهوم ّي ،لفهم المج1ال المفه1وم ّي اآلخ1ر (المج1ال
اله11دف) .تك11ون المج11االت المص11در نمطيّ11ا أق ّ 1ل تجري11دا 1أو أق11ل تعقي11دا من المج11االت اله11دف .فمثال في
االستعارة المفهوميّة "الحي11اة س11فر" ينظ1ر 1للمج11ال التّص1وّري 1للس11فر بص11فة نمطيّ11ة على أنّ11ه أقّ 1ل تجري11دا
أوتعقيدا من المجال التصوّري للحياة.
المجال الهدف :71إننا نحاول فهم المجال الهدف ،كمجال تصوّري ،بمساعدة مجال تصوّري 1آخ11ر (المج11ال
المصدر) .تكون المجاالت الهدف بصفة نمطيّة أكثر تجريدا وارتباطا ّ
بالذات من المجاالت المصدر .مثال،
في االستعارة المفهوميّة "الحياة سفر" ينظر إلى المجال التّص ّوري للحياة على أنه أكثر تجريدا وتعقيدا من
المجال التصوّري 1للسفر.
التّناسبات :72يع11ني فهم المج11ال اله11دف من خالل المج11ال المص11در أن نأخ11ذ باالعتب11ار تناس11بات مفهوميّ11ة
معيّنة بين عناصر المجال المصدر وعناصر المجال الهدف.
اإلسقاطات :73تتخصّص االستعارات المفهوميّة بواسطة مجموع11ة من التّناس11بات التص1وّريّة بين عناص11ر
المجال المصدر وعناصر المجال الهدف .هذه التّناسبات يقال لها "إسقاطات" بصفة تقنيّة.
االقتضــاءات االســتعاريّة :74هي العناص 1ر 1االس11تعاريّة النّاش11ئة عن المع11ارف الثريّ11ة الّ11تي يملكه11ا النّ11اس
بخصوص عناص11ر المج1االت المص1در 1.مثال في اس1تعارة "الغض11ب س11ائل ح11ار في وع11اء" ،تك1ون ل1دينا
معرفة سابقة حول سلوك السوائل الحارة في وعاء .عندما تُع ّزز هذه المعارف المج11ال اله11دف انطالق11ا من
المجال المصدر ،فإنّنا نحصل على عناصر استعاريّة.
68
- Zoltán Kövecses.- Metaphor: A Practical Introduction, 2nd Edition. Oxford University
Press ;2010 ;p323-329
69
- conceptual domain
70
- source domain
71
- target domain
72
- correspondences
73
- mappings
74
- entailments, metaphorical
37
ي المحتمل :75للمجاالت المصدر 1مجموعة واسعة من االقتضاءات المحتمل11ة أو الكامن11ة
االقتضاء االستعار ّ
الّتي يمكن توجيهها إلى اقتضاءات استعاريّة .تؤلّ11ف ه11ذه االقتض11اءات المحتمل11ة االقتض11اءات االس11تعاريّة
للمجاالت المصدر في االستعارات البنيويّة.
ضوء :76في عمليّة تسليط الضّوء على مظاهر متن ّوعة من المجال الهدف ،يت ّم التّركيز 1على بعض
تسليط ال ّ
المظاهر عن طريق المجال المصدر1.
لقد اهتم اليكوف وجونسون بدراسة الكيفيّة الّتي يفهم بها اإلنسان لغته وتجربته والعالقات الرّابطة
بينهما ،أي كيف تؤثر التّجربة في اللّغة؟ وكيف تؤثر 1اللّغة في التّجربة؟ ونظرا 1إلى اللّغة باعتبارها حامال
أن المعطيات اللّغوية تعبّر عن ترميزنا 1لمكوّنات نسقنا المفهوم ّي ولنسقيّته ،فإنّها1
لنسقنا المفهوم ّي .وبما ّ
تش ّكل مصدرا للبرهنة على الكيفيّة الّتي يشتغل بها النّسق التّصوّري 1عند البشر .وانطلقا من فرضيّة أوّليّة
وهي ّ
أن جزءا كبيرا من تجاربنا ،وسلوكنا ،وانفعالنا ،استعار ّ1
ي من حيث طبيعته .وهما يأسّسان لمبحثهما
الجديد في االستعارة ينطلقان من نقد النّظرة الموضوعيّة في تحليل االستعارة المبنيّة على أساس التّبادل
والمشابهة وما يدخل في باب االشتراك اللّفظ ّي الضّعيف 1ففي مثال :لم أستطع هضم أفكاره 77والّتي هي
حسب الطّرح التّجريب ّ1
ي استعارة لغوية حيّة متحقّقة عن االستعارة المفهوميّة " األفكار أغذية" وعليه يت ّم
تحليل لفظ "هضم" في الجملة على هذا األساس التصوّري .أما ذو النّزعة الموضوعيّة فينكر 1ذلك وسيق ّدم
تفسيرا آخر مفاده ّ
أن لفظ "هضم"كان يحيل أوّال على تص ّور 1الغذاء ،ث ّم تحوّل بواسطة استعارة حيّة إلى
ي موجود من قبل في عالم األفكار ،وذلك على أساس التّشابهات الموضوعيّة بين الغذاء
معنى موضوع ّ1
واألفكار ،بعد ذلك ماتت االستعارة وأصبح االستعمال االستعار ّ1
ي لعبارة "هضم الفكرة" وضعيّا ،وبهذا
حصل لفظ "هضم" على معنى حرف ّي موضوع ّي ثان .وك ّل حالة مثل هذه ستعتبر 1من "المشترك 1اللّفظ ّي"
الّذي هدفه توفير 1ألفاظ لمعان قبليّة ال ألفاظ لها .فقد كان األمر بدءا استعارة .ث ّم أصبحت هذه االستعارة
جزءا من اللّغة متواضعا 1عليه .ث ّم ماتت وأصبحت متحجّرة وبذلك أضحى معناها االستعار ّ
ي القديم معنى
إن موقف 1االشتراك اللّفظي الضّعيف في تفسير االستعارة في الطّرح الموضوع ّي ،ال يمكن
حرفيّا 1جديداّ .
له أن يفسّر أيّا من العالقات النسقيّة الموجودة في االستعارات التّصوّرية كما في التّحليل التجريب ّي .ذلك ّ
أن
الموقف 1الموضوع ّي ينظر 1إلى ك ّل تص ّور 1بطريقة معزولة وباعتباره ال يربط عالقات بتصوّرات 1أخرى
يعبّر عنها بنفس اللّفظ .كما ينكر أن نفهم المجرّد من خالل الملموس يقول ال يكوف وجونسون ّ
"إن أوضح
75
- metaphorical Entailment potential
76
- highlighting
- 77االستعارات اّلتي نحيا بها ،ص ص 202-201
38
فرق 1بين موقف االشتراك اللفظ ّي الضّعيف وطرحناّ 1
أن األوّل ال يتصوّر أن يت ّم فهم شيء معيّن من خالل
شيء آخر .وبهذا فهو 1ال يتوافر على مفهوم البنية االستعاريّة ال ّشاملة ،والسبب ّ
أن أغلب من يتبنّون هذا
الطّرح اليهتمون بالطّريقة الّتي يتأسّس بها نسقنا االستعار ّ1
ي داخل التّجربة .وال بكيفيّة انبثاق الفهم من
78
عملية التّأسيس هذه ...وهذه النّقائص نفسها تنسحب بالطبع ،على موقف 1االشتراك اللّفظ ّي القويّ".
لهذا سير ّكز المؤلفان بحثهما حول صياغة نظريّة تجريبيّة للنّسق التصوّري .وذلك رغم اعترافهماّ 1
أن
"نسقنا التصوّري 1ليس من األشياء الّتي نعيها بشكل عاديّ" 79إالّ أنّهما حاوال بناء نظريّة كافية انطالقا من
حاالت نموذجيّة واعتماد على معطيات اللّغة اليوميّة الّتي تع ّد حسبهما 1مصدرا مه ّما للبرهنة على الكيفيّة
الّتي يشتغل بها هذا النّسق .وعلى هذه النّظريّة كي تكون كافية أن ترصد الكيفيّة الّتي تتأسّس بها
80
التّصوّرات ،وتبنين بها ،وتتعالق 1في ما بينها ،وتح ّد
وخطاطة المسلك والهدف. وخطاطة الكل-جزء ،وخطاطة الرّبط ،وخطاطة المركز واألطراف،
وسنأخذ 1مثاال منها وهو خطاطة الحاوية 88فبنية االحتواء بسيطة جدا كما هي في ال ّشكل التّالي:
88
a container schema
41
* خارج *داخل * حدود
إالّ ّ
أن البنية البسيطة تتبعها أيضا بعض النّتائج المرتبطة بها .فأن تكون داخل شيء يعني أنّك
أن لك حيّز مكان ّي ثابت .ولالحتواء نتائج منطقيّة فإن كنت في ال ّداخل
محم ّي أو مقاوم لقوى الخارج ،كما ّ
يعني أنّك ال يمكن أن تكون في الخارج .وإن كان "س" موجودا في "ص" ّ
فإن ك ّل ما هو في "س" موجود1
بالضرورة في "ص" .فأن توجد الحقيبة في السيارة ،فهذا يقتضي بالضرورة ّ
أن ك ّل ما في الحقيبة موجود1
بالسيارة.
لنرى نتيجة هذه البنية البسيطة ونتائجها المنطقيّة في تشكيلنا 1لل ّداللة وفي 1تفكيرنا العقل ّي .ولنر ّكز1
على جانب واحد فقط من هذه البنية وهو جانب الخروج كما في الشكل التّالي:
...... .....
42
مفهوم ال ّدين من خالل اإلسقاط االستعاريّ ،وسيطر على آليّته والتّفكير فيه من خالل إسقاط االمكانيات
المنطقيّة لبنية االحتواء.
إن هذه البنية األوّلية هي الّتي يمكن أن تخصّص بها االقتضاءات االستعاريّة نسقا منسجما من
ّ
التّصوّرات 1االستعاريّة ،وكذلك 1نسقا منسجما من العبارات االستعاريّة الّتي تقابل هذه الصّور 1عبر شبكة
من اإلسقاطات بين المجال المصدر( 1التجربة الحسيّة اإلدراكيّة) والمجال الهدف (التّجربة الفكريّة
المجرّدة) .وخالل عملية اإلسقاط تتكوّن الشبكة النّسقية االستعاريّة حاملة معها ك ّل االقتضاءات
االستعاريّة المحتملة الثقافيّة واالجتماعيّة للتّجربة ،متعالقة مع التّجربة المجسدنة الفيزيائيّة القائمة في
المثال السّابق على العالقات االتجاهيّة .وعلى هذا تكون الخطاطة الصّورة "بنية على غاية من العموم
89 والتّجريد 1وعلى غاية من المرونة ومن الفقر في التّفاصيل بوجه تكون به أداة أوّليّة يشتغل بها ّ
الذهن"
فالخاصيّة األولى لهذه الخطاطات 1هي أنّها تمثّل أطر الفكر واألداة األوّلية الّتي يشتغل بها.
والخاصية الثّانية لهذه الخطاطات 1ذات المستوى ال ّشامل 90مثل "الحركة" هي إمكانية ملئها بطرق ع ّدة.
فيمكن لخطاطة الحركة أن تتحقّق كمشي ،جري ،صعود ،تسلق...هذه ال ّشواهد هي عن المستوى
المخصّص للخطاطة ال ّشاملة للحركة . 91ولذلك يكون للخطاطة دوران مه ّمان عند اليكوف " أوّلهما كون
الخطاطة مفهوما قابال للتمثّل في ذاته من حيث بنيته وعناصره ومنطقه األساس ّ1
ي الكامن فيه ،وثانيهما
92
كونها جارية على سبيل االستعارة لتنضيد 1المر ّكب من المفاهيم األخرى"1
93
II -2 --2 1-2المنوال العرفن ّي المؤمثل
أن البش11ر ينظّم11ون مع11ارفهم 1بواس11طة أبني11ة يطل11ق عليه11ا المناوي11ل العرفنيّ11ة
"يذهب اليك11وف 1إلى ّ
الص1ور 1أس11اس لقي11ام المناوي11ل العرفنيّ11ة المؤمثل11ة .وكّ 1ل عنص11ر في من11وال المؤمثل11ة وإلى ّ
أن الخطاط11ات ّ
عرفن ّي يمثّل مقولة مفهوميّة :الخطاطة شبكة من العقد والتّرابط11ات تمثّ11ل كّ 1ل عق11دة فيه11ا مقول11ة مفهوميّ11ة
وخصائص11ها مس11تم ّدة من دور العق11دة في الش11بكة ومن عالقاته11ا بس11ائر العق11د في الخطاط11ة ومن عالق11ة
93
idealized cognitive model-
43
الخطاطة كاملة بسائر الخطاطات ومن التّفاعل الكائن ما بين الخطاطة وسائر 1الملكات العرفنيّ11ة في النظ11ام
94
ي –اليكوف " 70-69 ،1987
العرفن ّ1
وفي 1الحقيقة ّ
فإن الحديث عن الخطاطة الصّورة ،والمناويل 1العرفنيّة المؤمثلة هو أكثر منه حديث
عن ظاهرة انسجام التّص ّور 1أكثر منه حديث عن بنية التّصور الّتي تتمثّل بوضوح أكبر في المقولة فكيف
تتجسّد فيها ظاهرة البنية التصوّرية؟ وماعالقة االستعارة بذلك؟
قولَةُ:
II -2 --2 2ال َم َ
94 ّ
الزناد األزهر ،نظريات لسانيّة عرفنيّة ،ص - 173
95 ّ
الزناد األزهر ،النص والخطاب،ص - 256 ّ
44
إن مظاهر النّقلة النوعيّة للمقاربة التجريبيّة هو في ثورتها على المنظور 1الموضوع ّي لعملية
ّ
المقولة ،أي تنظيم العالم وتصنيف أشيائه ووضعياته وأحداثه .وهي الرّؤية الّتي سادت على مدار قرون
طويلة والقائمة على أساس الشروط الضروريّة الكافية حسب التّحديد األرسط ّي .والّتي تعتبر ّ
أن العالم
ي وذهنه .وأن اللّغة
ي عبارة عن موضوعات ذات خصائص مميّزة ومستقلّة عن الكائن البشر ّ
الخارج ّ1
تتل ّخص في كونها 1عمليّة ترميز ثابتة وواضحة ومطابقة للواقع مطابقة مطلقة وغير مشروطة .كما ّ
أن
جميع النّاس يستخدمون نسقا تصوّريا 1واحدا.
ي هذا التّصور الّذي يعزل ذهن اإلنسان وجسده عن بقيّة العالم .ويُقصي
لقد دحض الطرح التّجريب ّ1
من االعتبار فاعليّة الجسد ،والخيال ،والثّقافة ،في تنظيم العالم وفهمه .فالمقولة ليست مسألة فكريّة خالصة
تظهر بعد قيام التّجربة .بل إنّها جزء م ّما تنخرط فيه أجسادنا وأدمغتنا باستمرار .والمقوالت في الطرح
ي ليست ثابتة وال متماثلة ،وإنّما تح ّدد من خالل التّشابهات األسريّة المرتبطة بالطّرازات .ويبيّن
التّجريب ّ1
اليكوف 1أن المقوالت المنبثقة من التّجربة المباشرة تبنين على أساسها التّصورات المنبثقة مباشرة،
كالتّصورات الفضائيّة ،وتص ّورات ال ّشيء والمادة ،والغرض والسبب ...ولكن عندما نخرج من المقوالت
المنبثقة من التّجربة الفيزيائيّة المباشرة كاالتّجاهية مثال فإنّنا نقوم بعملية إسقاط لهذه المقوالت على مظاهر
من التّجارب األق ّل مباشرة .لذلك فعندما يقوم اإلنسان بإسقاط هذه االتّجاهات (مثل :فوق -تحت /أمام -
خلف) على مجال مجرّد مثل السّعادة وال ّشقاء أو ال ّزمن ،يكون قد أنتج مقولة بفعل تفاعل الجسد والمحيط.
أن لغته تستطيع إنتاج بنيات تعكس كون السّعادة فوق 1.وبناء على ذلك ّ
فإن سمات األشياء كما ّ
والموضوعات ليست مالزمة وثابتة بل إنّها ذات طبيعة تفاعليّة .والمقولة تنتج عن هذا التّفاعل أيضا.
ويندرج 1في هذا ما يس ّمى باالستعارات 1االنطولوجيّة الّتي تعني ّ
أن "فهم تجاربنا 1عن طريق األشياء والمواد
يسمح لنا باختيار عناصر تجربتنا 1ومعالجتها باعتبارها كيانات معزولة أو باعتبارها مواد من نوع واحد،
وحين نتم ّكن من تعيين تجاربنا باعتبارها كيانات أو مواد فإنّه يصبح بوسعنا 1اإلحالة عليها ،ومقولتها1،
96
وتجميعها 1،وتكميمها ،وبهذا نعتبرها أشياء تنتمي إلى منطقنا"
فالتّفاعل المستم ّر 98
ويقترح الباحثان مصطلح الخصائص التّفاعليّة 97بدل الخصائص المالزمة
الذوات مع الواقع هو ما يتولّد منه نظامنا المفهوم ّيّ .
وإن إعادة التّصنيف لدى الباحثين ،تصنيف بين ّ
الموجودات 1يؤ ّكد البعد المفهوم ّي لوضع األشياء في أصناف .فاإلحالة تكون على النّظام المفهوم ّي ال على
ما يفترض أنّه واقع عار من الفهم .فالخصائص الّتي ننسبها لألشياء المصنّفة تولّدت من تجاربنا التفاعليّة.
وليست خصائص مالزمة لألشياء كامنة فيها.
- 96جورج اليكوف حرب الخليج أو االستعارات التي تقتل ،تقديم الترجمة ص 9
97
interaction Proprties
98
inherent Proprties
45
إن أغلب مقوالتنا تكوّنت بصورة آليّة والواعية نتيجة اشتغالنا في العالم وحتّى مقوالتنا الواعية
ّ
فإن مقوالتنا 1غير الواعية تتد ّخل في اختيارنا لها .واأله ّم من هذا فأدمغتنا 1وأجسادنا ال تفرض علينا أن
ّ
نمقول فحسب .بل إنّها تح ّدد أيضا أنواع المقوالت الّتي ستكون لنا والبنية الّتي ستتخذها .فخصائص الجسد
ي تسهم في خصوصيّات نسقنا التّصوّري 1.فلدينا أعين وآذان تعمل بكيفيّات معيّنة ،ولدينا 1نسق
البشر ّ1
وإن إمكانيات الحركة لدينا بالطّرق1
بصريّ ،وخاليا حسّاسة لالتّجاه تم ّكننا من بناء تصوّراتنا الفضائيّةّ .
الّتي ننجزها بها ونتتبّع 1حركة أشياء أخرى ،تمنح الحركة دورا أساسيّا في بنينة نسقنا التّصوّري 1.وقس
على ذلك مختلف أجهزة بنيتنا الجسديّة ،وقوّتنا 1العضليّة ،ودرجاتها 1اإلجهاديّة الممكنة .وهي كلّها تسهم في
تشكيل إمكاناتنا العاديّة في المقولة وفي 1بناء التصوّرات.
كما ّ
أن عملية المقولة نفسها قائمة على إسقاط استعار ّ1
ي حيث تتص ّور 1المقولة حاوية وعناصر1
المقولة مادة تحويها 1فما كان في الحاوية كان في المقولة ،وما كان خارجها كان خارج المقولة .ففي مقولة
النّبات مثال نجد صنف األشجار وضمن األشجار نجد األنواع المختلفة مثل الصنوبريات بأنواعها،
والصبّار بأنواعه ،فك ّل من هذه األنواع المندرجة ضمن صنف األشجار هي بالضّرورة مندرجة ضمن
المقولة األعلى وهي النّبات.
وهكذا نالحظ أنه حتى في مقولتنا لألشياء واألنشطة واألحداث ،فإننا نقوم بإسقاطات استعاريّة
بخصوص جانب مهم من تجاربنا ،تلك التّجارب الّتي ال نفهمها بشكل واضح ودقيق 1.ونعتمد في بنينة
تصوّراتنا األكثر تجريدا على إسقاطات كثيرة من تجربتنا 1الحسيّة اإلدراكيّة الّتي تدخل خصوصا ضمن
تصوّرات 1المستويات العليا من المقوالت المباشرة وتصوّرات العالقات الفضائيّة.
47
II -2 -3--2 - 1سلّمية اإلرث 100حيث " تتع ّدد اإلسقاطات في العبارات االستعاريّة ،وتتج ّدد 1على
أساس توسّع بعضها من بعض فتنتظمها 1سلّمية ترث بمقتضاها اإلسقاطات ال ّدنيا في السّلمية اإلسقاطات
العليا فيها" 101وهذه السلّمية عند اليكوف تتفرّع إلى ثالثة مستويات :أوّالها االستعارات ذات االنتشار1
الواسع بين مختلف الثّقافات وعبر مختلف العصور ،ثم يتتالى بعدها المستويان الثّاني والثّالث في درجة
ال ّشيوع واالستعمال .فترث االستعارة من المستوى الثّالث بنية االستعارة من المستوى الثّاني .وهذه ترث
بدورها 1بنية االستعارة من المستوى 1األوّل الّتي يمكن تمثيلها من خالل المثال التّالي :
المستوى 1األوّل :استعارة :البنية الحدث
المستوى 1الثّاني :الحبّ نار
المستوى 1الثّالث:البعد نار ،الشوق يحرق
102
II -2 -3--2 - 2البنية الحدثيّة
تمثل البنية الحدثيّة خطاطة عليا تقوم على تناسبات ثابتة بين مجال المشاعر و بين مجال حسّي
يتعلق بال ّشعور 1بالدفء والحرارة .فالمجال الهدف هو مجال العاطفة وال ّشعور .والمجال المصدر 1هو مجال
حسّي فيزيائ ّي وهو مجال الحرارة والبرودة والتّناسبات 1كما يلي:
فالمشاعر 1تلتبس بتجربتنا 1الجسديّة وتفاعلنا مع المعطيات الفيزيائيّة .وهي استعارة أوّلية نرجع في
تفسيرها إلى نظرية ال ّدمج عند "كريستوفر جونسون" 1031بالنّسبة إلى األطفال الصّغار أثناء التعلّم،104
فالتجاربّ 1
الذاتية غير الحسيّة الحركيّة واألحكام من جهة ،والتجارب 1الحسّية الحركيّة من جهة أخرى
تندمج دوما إلى درجة أنّه في وقت معيّن ال يميّز األطفال بين نوعي التّجارب عندما يظهران معا .فتقترن
الذاتية للعاطفة عند الطفل نمطيّا بالتّجربة الحسّية للدفء .ال ّدفء الّذي يحسّ به من يكون
مثال التّجربة ّ
مح ّل رعاية وخالل هذه المرحلة التي يسميها جونسون مرحلة ال ّدمج تبنى بصفة طبيعية إسقاطات بين
المجالين .وفي ما بعد خالل مرحلة التّمايز يصير 1األطفال قادرين على فصل هذين المجالين أحدهما عن
اآلخرّ .
لكن اإلسقاطات العابرة للمجالين تظ ّل موروثة .هذه اإلسقاطات الموروثة ،هي إسقاطات البنية
الحدث الّتي ستقود هذا الطّفل في حياته في ما بعد إذ يتح ّدث عن " ابتسامة دافئة" أو"مشاعر 1باردة " أو
II -2 -3-3عملية اإلسقاط محكومة بمبدأ الثبات ويقيّد الغلبة للمجال الهدف فاإلسقاط يقوم على
التّناسب بين المجال المصدر 1والمجال الهدف الّذي يكون بالحفاظ على األبعاد الطوبولوجيّة في المجال
100سلمية اإلرث : Inheritance hierarchyمن المفاهيم الّتي ط ّورها اليكوف بعد صدور كتاب االستعارات الّتي نحي11ا
بها ،الّذي نشر في بداية التسعينات ( )1992عمال مستقال ض ّمنه نظريته المعاصرة لالستعارة عنوانه " النظرية المعاص11رة
لالستعارة " The Contemporary Theory of Metaphorوفيه عرض لجملة من التنظيرات الجدي11دة مث11ل س11لّميّة
اإلرث والبنية الحدثية1.
- 101الزناد األزهر ،نظريات لسانية عرفنيّة ،ص149
- 102البنية الحدثية event structureنفس المرجع 54
103
Christopher Jonson
104
- Lakoff ; Johnson;1999 ;pp 50-51
48
المصدر 1.وهي األبعاد التي تمثّل بنيته الخطاطيّة ،ففي مثال "الحبّ رحلة " التّناسب قائم باعتبارنا نتعامل
مع الحبّ باعتباره رحلة له طريق ،وأمكنة ،ومحطّات ،وبداية ونهاية .بمعنى أنّنا نستعمل الميدان المصدر1
وهو الرّحلة لفهم الميدان الهدف وهو الحبّ .فتجربة الحبّ تبدأ وتسير 1في طريق ،وتصل إلى مفترق،
وتنتهي 1إلى نهاية .ولكن مجال الحبّ يحافظ على خصوصيّاته الخطاطيّة فال تطمسها 1خصوصيّات 1الرّحلة
من ذلك ما في الحبّ من عواطف متأجّجة ،ومشاعر ملتهبة ،وهو ما ال يتناسب مع الرّحلة فيمتنع قولنا
"الرّحلة نار" قياسا 1على " الحبّ نار".
II -2 -4الح ّد والفهم
"إن الحديث عن ح ّد التص ّور 1هو حديث عن الكيفيّة الّتي يمعجم بها في القواميس وهذا الح ّد حسب
ّ
الطّرح التّجريب ّي يختلف كثيرا عن الموقف 1المعيار الّذي يطمح أن يكون موضوعيّا 1.ولذلك يفترض ّ
أن
للتّجارب واألشياء خصائص تالزمها نفهمها كلّيا انطالقا منها .والح ّد عند ذوي النّزعة الموضوعيّة هو أن
نبيّن ماهي هذه الخصائص المالزمة ...وذلك عن طريق إعطاء الشروط 1الضروريّة الكافية النطباق
التّصوّر" 105مثال ذلك يمكن التّمييز بين الح ّدين الموضوع ّي والتجريب ّي لتص ّور 1الحبّ من خالل هذا
الجدول:
الح ّد التجريبي الح ّد الموضوعي التصور/الكلمة
يت ّم من خالل استعارات ع ّدة :الحبّ مداخل قاموسيّة تشير إلى العاطفة/الحنان/ الحبّ
سفر/رحلة /جنون /موت..الخ التفاني /الولع ...الخ
اعتراض الطّرح التّجريبي عن مثل هذا التّحديد يرجع إلى كونه يهمل الطّريقة الّتي يفهم بها النّاس
ي بين طبيعة الحّد الّذي يضعه اليكوف1
تصوّراتهم 1من خالل االستعارات 1.وعلى هذا يكمن الفرق الجوهر ّ
وجونسون للتّصورات الّتي تقتضي فهم نوع من التجربة من خالل نوع آخر ،وعمل واضعي 1القواميس
أن من الغريب أن نجد أنّه من معاني الحبّ السفر والجنون والموت .
وباقي 1المختصين في المعنى ذلك ّ
إذن فإن كانت الرّؤية الموضوعيّة تنظر إلى حدود التّصورات باعتبارها تخصّص األشياء الّتي
فإن الرّؤية التّجريبية تهتم بالكيفيّة الّتي يمسك بها البشر التصوّر ،كيف
تكون مالزمة لهذا التص ّور في ذاته ّ
يفهمونه؟ وكيف يشتغلون ويتصرّفون باعتباره؟
51
أخرى) وكلّها انطولوجيّة ( تخلق كيانات الميدان الهدف) والعديد منها اتّجاهية ( ترسم خطاطات صور
اتّجاهية).
III -1 -1االستعارة البنيويّة:
تتمثّل االستعارة البنيويّ11ة في أن يُب11نين تص1وّر م11ا اس11تعاريّا بواس11طة تصّ 1ور 1آخ11ر ،مث11ل اس11تعارة
"ال ّزمن مورد" .وي11وفّر المج11ال المص11در في ه11ذا النّ11وع من االس11تعارة بني11ة معرفيّ11ة ثريّ11ة نس11بيّا للمي11دان
الهدف ،أي أن الوظيفة المعرفيّة له11ذه االس11تعارات تم ّكن المتكلّم فهم اله11دف "س" بواس11طة بني11ة المص11در
"ص" .ويتموضع هذا الفهم بواسطة إسقاطات تصوّرية بين عناص11ر من "س" وعناص11ر من "ص" مث11ال
العمل مورد فهذه االستعارة تتأسّس على تجربتن11ا بص11دد 1الم11وارد الما ّدي11ة ،وبالخص11وص 1الم11وارد األوّلي11ة
وموارد الطّاقة الّتي نستفيد منها في أغراض محّ 1ددة ومتنوّع11ة .وه11ذه الم11وارد 1الما ّدي11ة ك11الوقود مثال يمكن
تكميمها وإعطاؤها 1قيمة ما ،ويمكن تحويلها عبر سلسلة إنت11اج معيّن11ة ،وهي تنف11ذ باس11تعمالنا إيّاه11ا .وك11ذلك
العمل فحين نصنع منتوجا انطالقا من ما ّدة أوّلية فهذا األم11ر يتطلّب ق11درا من العم11ل يس11تغرق 1وقت11ا معيّن11ا،
وبقدر ما يكثر العمل يكثر المنتوج ،وإنّه باإلمكان أن نسند قيمة للعمل باعتبار ال1وقت الالّزم لص1نع وح1دة
من هذا المنتوج .وهذا المثال يعطينا 1أس11اس اس11تعارة "العم11ل م11ورد" 1فتب11نين ه11ذه االس11تعارة البنيويّ11ة على
الشكل التّالي :
أن العمل يمكن أن يك ّمم عبر ال ّزمن وهو ما يحصل عادة في المجتمعات الصناعيّة ،فّإننا نحص1ل على
وبما ّ
استعارة بنيويّة جدي11دة وهي "الّ 1زمن م11ورد" .وق11د انبثقت هات11ان االس11تعارتان بص11ورة طبيعيّ11ة من ثقافتن11ا
وطريقة نظرنا للعمل وبسبب ولعنا بالتّكميم .ومن ناحي11ة أخ11رى فتص1وّرنا 1للعم11ل باعتب11اره نش11اطا 1منتج11ا
تقدر قيمته في الوقت الّذي يستغرقه ،تبني تصوّرنا لمفهوم آخر وهو وقت الفراغ الّذي أصبح بدوره موردا
ّ
أونقس11مه ،أو لالستثمار 1فيه ،ونعمد بدورنا 1لتكميمه وتجزءته ،والتصرّف فيه إ ّما ننفقه بحذر ،أو نوفّر 1منه،
نض11يعه ،أو ح11تى نبيع11ه باالس11تمرار 1في العم11ل لس11اعات زائ11دة ،تخص11م من وقت فراغن11ا ،ويك11ون ثمنه11ا
52
إن ما تخفيه استعارة الما ّدة في العمل وال ّزمن هو كيف يؤثّر تصوّرنا لوقت الف11راغ فيحوّالن11ه إلى
مضاعفاّ .
شيء يشبه العمل.
إنّنا نستخدم تصوّرات 1العالقات الفضائيّة بصورة الواعية .ونفرضها عبر نسقينا اإلدراك ّ1
ي
والتصوّري 1.فنحن ندرك كيانا ما بوصفه "في" أو "على" أو "أمام" أو وراء" عبر كيان آخر وفي 1إطار
ي مبن ّي فيها داخليّا .وذلك بمقتضى 1بنيات الخطاطة الصّورة مثل
ما .وللعالقات الفضائيّة منطق فضائ ّ1
خطاطة الحاوية الّتي تكون بنيتها البسيطة على النّحو التّالي داخل وح ّد وخارج وهي بنية جشتلطية
بمعنى ّ
أن األجزاء ال معنى لها بدون الك ّل ،ال يوجد داخل بدون خارج ،وال يوجد خارج بدون داخل،
واليوجد خارج بدون ح ّد وبدون داخل ،وال يوجد ح ّد بدون الخارج وال ّداخل .ولهذه الخطاطات الفضائيّة
مثل خطاطة "الحاوية" أو "المصدر و المسار والهدف" أو "المركز واألطراف" ...خطاطات تفرض
شروطها واقتضاءاتها على ك ّل ما تتحقّق فيه.
واالستعارة االتّجاهية تنظّم نسقا كامال من التّصوّرات المتعالقة .وهي تنبع من تجربتنا 1الجسديّة
ومن كوننا لنا أجساد لها هذا ال ّشكل الّذي هي عليه ،وكونها تشتغل بهذا ال ّشكل الّذي تشتغل به في محيطنا
الفيزيائ ّي .وهذه االستعارات االتّجاهية تعطي للتّصوّرات 1توجّهات فضائيّة كما في التّص ّور 1التّالي :السّعادة
فوق 1وهذه االستعارة األوّلية هي الّتي تبرّر وجود 1تعابير من قبل:
أحسّ أنّني في ق ّمة السّعادة.
106
- Lakoff ; Johnson;1999 ;p 37
53
أكاد أطير من الفرح.
ارتفعت معنوياتي.
في حين ننظر إلى ال ّشقاء تصوّريا على أنّه في األسفل فنجد تعابير من قبل :
إنّه يغوص في الشقاء.
أحسّ باالنهيار.
لقد نزلت معنوياته.
إن االستعارات الفضائيّة تقع في مركز نسقنا التصوّري 1فج ّل تصوّراتنا األساسيّة منظّمة تبعا
ّ
الستعارة أومجموعة من االستعارات ذات التوجّه الفضائ ّي .ولك ّل استعارة نسقيّة داخليّة فاستعارة "السّعادة
فوق" 1تح ّدد نسقا منسجما من االستعارات .وتفرض منطقها الداخل ّي على نسقنا التصوّري 1.فالنّسق سيفقد
انسجامه مثال إذا كانت جملة مثل "إنّني في الق ّمة" تعني "أنا سعيد" 1في حين تكون جملة من قبل "ارتفعت
معنوياتي" تعني "أنا حزين" .وتق ّدم التّجربة الثّقافيّة والفيزيائيّة العديد من األسس الممكنة الستعارات
التفضية .ولهذا السبب يمكن أن يختلف اختيارها وأه ّميتها 1نسبيا من ثقافة إلى أخرى.
وعلى العموم تسمح لنا االستعارات 1األنطولوجيّة برؤية بنية مرسومة بوضوح 1أكبر حيث توجد
بنية مرسومة بوضوح أق ّل أو غير واضحة البتّة.
III -2أنواع االستعارة المفهوميّة باعتبار طبيعة بنيتها أ ّولية أو معقّدة
108
III -2-1االستعارات األوليّة
االستعارات 1األوّلية حسب نظريّة غرادي 109الّتي يوردها 1اليكوف وجونسون في كتابهما "الفلسفة
في الجسد" ضمن جملة من النّظريّات الّتي تحل ّل االستعارة األوّلية مكوّنة من أجزاء استعاريّة "ذرّية" .
ولك ّل استعارة أوّلية بنية دنيا .وتنشأ طبيعيا بصورة آليّة غير واعية عبر تجربتنا اليوميّة بواسطة ال ّدمج
الّذي تتك ّون عبره إسقاطات عابرة للمجاالت .وتعمل االستعارات األوّلية على تعميق العالقة بين المجال
المصدر 1والمجال الهدف ،وبناء محطّات تفاعل بين المجالين.
فالتّجاربّ 1
الذاتية غير الحسيّة الحركيّة واألحكام من جهة ،والتّجارب 1الحسّية الحركيّة من جهة
أخرى تندمج دوما .وقد برهن "كريستوفر جونسون" من خالل بحثه التّجريبي 1حول اكتساب االستعارة
عند األطفال مع أحد األطفال يدعى "شيم" تابع مراحل تط ّور 1اكتسابه للّغة ،ودوّن ملفوظاته األولى في
السن الّتي تمكن فيها شيم من امتالك أولى االستعارات األوليّة .وتابع
ّ مدوّنة خاصة محاوال اكتشاف1
استعماله للفعل "رأى" وقد افترض ال ّدمج 110باعتباره آليّة ممكنة ،وقد أراد أن يتأ ّكد هل توجد 1فعال مرحلة
108
-primary metaphor
109
-Joe Grady
110
- conflation
55
لل ّدمج سابقة على استعمال االستعارة وكان رائزه في ذلك هو "المعرفة رؤية" كما في " أرى ما تعنيه".
صل 1جونسون إلى ّ
أن شيم قبل استعماله لالستعارة م ّر من مرحلة كانت فيها المعرفة والرؤية مجالين وتو ّ
مدمجين بما أنّنا نحصل عادة على أغلب معرفتنا من الرّؤية ّ
فإن اندماج هذين المجالين كان متوقعا .إذ
ينشط في هذا ال ّدمج مجال ال ّرؤية ،ومجال المعرفة معا .ويستخدم الفعل "عرف" مع الفعل "رأى" في
سياق تظهر 1فيه الرّؤية والمعرفة معا مثال " :سنرى 1ما في الصندوق " 1هنا تندمج رؤية ما في الصندوق
بمعرفة ما في الصندوق .وهذه المرحلة عند "كريستوفر 1جونسون" هي مرحلة سابقة في تملّك ّ
الذهن
لملكة االستعارة .فال ّدمج يم ّكننا من تعلّم االستعارات المفهومية األوّلية .ث ّم وفي مرحلة الحقة على تجربة
ال ّدمج يستطيع 1الطّفل أن يميّز بين المجالين المفهوميين .بعد ذلك تظهر االستعارة المفهوميّة .وبإيجاز
يفترض جونسون ّ
أن االستعارة المفهوميّة تنبثق من مرحلتين :
الّتي تقام خاللها ترابطات بين مجالين من ّشطين معا ،وال تمارس تجربة المجالين 111
األولى :مرحلة ال ّدمج
باعتبارهما منفصلين.
ثانيا :مرحلة التّمايز 112ويتمايز 1خاللها المجاالن اللّذان ن ّشطا معا ،فيكون أحدهما مجاال مصدرا واآلخر
113
مجاال هدفا.
114
III -2-2االستعارة المعقّدة
وتتكون االستعارات 1المعقّدة بواسطة المزج التصوّري 1.وتؤ ّدي التجارب األولى الكلّية إلى حاالت
دمج كلّية .وهي في هذا تتداخل مع نظرية المزج التصوّري 1لفوكنييه 115وتورنر ،1161حيث يمكن لمجالين
تصوريين متباينين أن يفعّال معا .فتتش ّكل ترسيمات عبر المجالين في ظ ّل ظروف 1معيّنة مما ينجم عنه
استدالالت جديدة .وهذا المزج التصوّري 1قد يكون مألوفا أو جديدا بر ّمته .وتتطوّر في ما بعد لتصير
استعارات تواضعيّة كلّية ،أو ذات انتشار 1كبير ،وهي استعارات المستوى 1األول ،استعارات البنية الحدث
الّتي رأيناها في تحليلنا لسلميّة اإلرث في االسقاط االستعاري 1.ويرى اليكوف ّ
أن المزج التواضع ّي
المألوف 1هو تلك اآلليّة الّتي يمكن أن تُجمع بها استعارتان 1أوّليتــــان أوأكثر من أجل تكوين استعارات
الذرات الّتي يمكن تجميعها من أجل خلق جزيئات .كما ّ
أن عددا أوسع وأعقد" .فاالستعارات األوّلية مثل ّ
هائال من هذه االستعارات المعقّدة والجزيئيّة مستقرّ ،وتم التواضع بشأنه ،وهو مرسّخ عبر مراحل طويلة
من ال ّزمن .وتش ّكل هذه االستعارات جزءا هائال من نسقنا التصوّري .وتؤثّر في الطّريقة الّتي نمارس بها
تفكيرنا .وعالوة على هذا فهي تبنين أحالمنا .وتألّف أسس تأليفات استعاريّة جديدة".
117
111
- conflation stage
112
- the differentiation stage
113
- Lakoff ; Johnson ;1999 ;p52
114
-complex Metaphor
115
- Gilles Fauconnier
116
- Mark Turner
117
- Lakoff ; Johnson ; 1999 ;p 63
56
وتنشأ 1االستعارات المعقّدة بواسطة ال ّدمج بين االستعارات األوّلية مثال:
* الحياة الهادفة رحلة
أن النّاس بموجبه لهم هدف في الحياة ،وإن كنت بال
في ثقافتنا هناك نموذج عميق األثر يفترض ّ
هدف فهذا يعني أنّك ضائع وضال وال اتجاه لك في الحياة .وإذا كان لك هدف وغايات ،فهذا يتطلّب منك
التّخطيط ،وتحديد 1المراحل ،وتوفير األسباب الّتي تقودك لهدفك ،وتوقّع 1ما يمكن أن يعترضك من عوائق.
وحصيلة ك ّل هذا استعارة معقّدة وهي "الحياة الهادفة رحلة " وهي استعارة تنشأ من تعالق عدد من
االستعارات 1األوّلية يمكن أن نبينها كالتّالي:
وتبدأ بالمعتقد الثّقافي :يفترض أن للنّاس غايات في الحياة ويفترض أنهم يعملون من أجل بلوغ هذه
الغايات.االستعارتان األوليتان هما :
* األعمال حركات * الغايات وجهات
إذا حوّلنا هذا إلى صيغة استعاريّة من هذا المعتقد الثّقاف ّي حصلنا على ما يلي:
يفترض ّ
أن للناس وجهات نظر في الحياة ،ويفترض أنهم يتحرّكون من أجل بلوغ هذه الوجهات.
وهذا يتألّف مع واقعة بسيطة ،وهي:
السفر الطّويل المتكوّن من مراحل عبارة عن رحلة .وعندما نأخذ ك ّل هذه األشياء ،ونضعها مع بعضها1
ي معقّد" :الحياة الهادفة رحلة" الّتي يمكن أن نعبّر عنها من خالل االسقاطات
نحصل على إسقاط استعار ّ
االستعارية التالية:
الحياة الهادفة الرّحلة
الشخص الح ّي المسافر1
أهداف الحياة الوجهات
خطّة الحياة خطّة الرّحلة
تح ّدد هذه اإلسقاطات استعارة معقّدة تتكوّن من أربع استعارات فرعيّة أوالها ناتجة عن المعتقد
الثّقاف ّي الّذي يفترض ّ
أن ك ّل شخص له هدف وغاية في الحياة .وعن االستعارتين األوّليتين "الغايات
وجهات" و"العمل حركات" ،ورابعا كون السفر الطويل المتك ّون من سلسلة من الوجهات عبارة عن
رحلة .وتنشأ 1أهمية هذه االستعارات 1من اقتضاءاتها 1النّاتجة عن معرفتنا 1الثّقافيّة ال ّشائعة عن الرّحالت
وخاصة:
57
* تتطلّب الرّحلة خطّة طريق تقودك إلى وجهاتك.
* توقّع صعوبات 1وعراقيل عليك محاولة استباقها1.
*عليك أن تتزوّد بما تحتاجه في رحلتك.
* تحديد مسار الرّحلة ،وتوقيت 1كل مرحلة ،وأ ّ
ي الطرق يجب أن تسلك من خالل االمكانيات المتاحة.
إن هذه التّرسيمات الّتي يبرزها 1اإلسقاط االستعار ّ
ي بما تنطوي عليه من هذه االقتضاءات تحوّل ّ
هذه المعرفة حول السفر إلى دليل للحياة .ويش ّكل نسق االستعارات 1األوّلية والمعقّدة جزءا من الالّوعي
العرفن ّي 1،وفي أغلب األحيان النصل إليه مباشرة ،وال نتح ّكم في استعماله ،وال نراقبه.
118
http://www.amin.org/Print.php?t=opinion&id=13156
58
"الحب سفر" "الحب جنون" وهي عالية التّواضع و شائعة في عديد الثّقافات ،ولكن قد تخرج االستعارة
عن هذه المصادر 1التصوّرية المألوفة حيث توظّف مجاالت مصدر أق ّل وضعية مثل ما أورده اليكوف
وجونسون عن االستعارة المفهوميّة غير الوضعيّة "الحب عمل فن ّي مشترك" 1191وهي استعارات مبدعة
تتجلى أكثر في اللّغة الشعريّة واألدبيّة وتفتح مجاالت رؤيا 1جديدة.
و تؤسّس نظريّة االستعارة المفهوميّ11ة لمنهج جدي11د ت11أليفي في الفك11ر الفلس11ف ّي ،يتم11اهى م11ع حقيق11ة
إدراكنا للواقع والوجود انطالقا 1من تجاربنا 1في العالم ،وإعادة االعتبار للجسد ،وس ّ 1د الفج11وة ال ّديكارتي11ة في
الفص11ل المطل11ق بين العق11ل المتع11الي والجس11د المف11ارق ،والمغيّب عن تحص11يل المعرف11ة .ويُنظّ11ر المؤلف11ان
إلعادة االعتبار للجسد انطالقا 1من مدخل االستعارة باعتبارها طريقة في التّفكير تجمع بين متطلّبات العق11ل
في المقولة واالقتضاء ث ّم االستدالل ،واألبعاد ّ
الذاتية والخيال ودوره في بناء تصوّر مجال من خالل مج11ال
آخر .ويق ّدمانها على أنّها الملكة ّ
الذهنية األقوى المؤهّلة لالبتكار 1.فهي وحدها تمتلك الحرّية للتّحلي11ق بعي11دا
ويق ّدم اليكوف 1وجونسون في كتابهما " االستعارات الّتي نحيا بها" رؤية تأليفيّة تجم11ع بين النّزع11ة
الموضوعيّة والنزعة ّ
الذاتية ،ت11رفض من ناحي11ة م1ا تفترض1ه النّزع1ة الموض11وعيّة من اس11تناد مطل1ق على
الذاتي1ة للص1دق 1الّ1تي تق1ول إنّ1ه
مفهوم الصّدق ،حيث ال وجود 1لصدق مطلق ،كذلك دون أن تتبنّى المقارب1ة ّ
صل 1إليه إالّ عبر الخيال الّذي ال تقيّده ظروف خارجيّ11ة .فالمقارب11ة التجريبيّ11ة الّ11تي يقترحه11ا المؤلف11ان
اليتو ّ
أن الصّدق أمر نسب ّي باعتبار الفهم .وهذا يعني أنّه ال توجد وجهة نظر مطلقة ،بل ّ
إن كل رؤي11ة، تقوم على ّ
ي الّذي يرتك1ز 1على تجاربن1ا ،وتفاعلن1ا الي1وم ّي م1ع
وك ّل تحديد لألشياء هو باألساس حصيلة نسقنا التصوّر ّ1
ي والثقاف ّي 1.وال تنفي الرّؤية التجريبيّة الموض1وعيّة تمام1ا ب1ل تقّ 1ر بوج1ود موض1وعيّة نس1بيّة
محيطنا 1الماد ّ
بالنّظر 1إلى النّسق التصوّري 1لثقاف1ة م11ا تحّ 1دد نموذج1ا معياريّ11ا للتص1وّرات والقيم داخ11ل مجتمع1ات معيّن11ة.
ويعتبر 1المؤلفان نظريّ11ة االس11تعارة بحث11ا فرعيّ11ا رئيس1يّا 1في اللّس11انيات العرفنيّ11ة .يس11عى إلى وض11ع أس11س
والذهن .وتتناول اللّسانيات العرفنيّة كم11ا عن11د
تفسيريّة لألنساق التّصوّرية واللّغة في ال ّدراسة العامة لل ّدماغ ّ
اليكوف 1وجونسون سيرورات الرّموز 1والعالقات التمثيليّة بينها .وهي بذلك تختلف عن ما كان سائدا في ما
ي حيث تفص11ل المقارب11ة الص11وريّة الرّم11وز 1عن معانيه11ا كي
يسميه اليك11وف الجي11ل األوّل من العلم العرف11ن ّ1
تتم ّكن من الرص11د العلم ّي لمعالج11ة المعلوم11ات .وتح11اول 1اللّس11انيات العرفنيّ11ة تج11اوز ال ّدراس11ات التّركيبي11ة
ّ
لتؤس 1س في والشكليّة الّتي كانت سائدة خصوصا مع التوليديّة .وقد وجّهت لها انتقادات قويّة بإهمال المعنى
النهاية لنظريّة في المعنى .فمعالجة المعلوم11ات ينبغي أن تك11ون ذات دالل1ة كي تك11ون ذات فائ11دة ،ودراس11ة
االستعارة هي في مركز 1النّظرية ال ّداللية العرفنيّة.
وير ّكز 1المؤلفان بحثهما حول صياغة نظريّة تجريبيّة للنّسق التصوّري 1.وذلك رغم اعترافهم11ا ّ
أن
نسقنا التصوّري 1ليس من األشياء الّتي نعيها بش11كل ع11اد ّ
ي إالّ أنهم11ا ح11اوال بن11اء نظريّ11ة كافي11ة انطالق11ا من
60
حاالت نموذجيّة واعتماد على معطيات اللّغة اليوميّة الّتي تع ّد حسبهما 1مص11درا مه ّم11ا للبرهن11ة على الكيفيّ11ة
الّ11تي يش11تغل به11ا ه11ذا النّس11ق .وعلى ه11ذه النّظري11ة كي تك11ون كافي11ة أن ترص11د الكيفيّ11ة الّ11تي ّ
تتأس1س به11ا
التّصوّرات ،وتبنين بها ،وتتعالق 1في ما بينها ،وتح ّد بها .
وقد 1فتحت نظريّة االستعارة المفهوميّة سبيال جديدة لل ّدراس11ات اللّس11انية في مج11ال تحلي11ل الخط11اب
على أساس هذه الرّؤية الجديدة للكشف عن تش ّكل المعنى وس11يرورة بنائ11ه من خالل التّص11وير االس11تعار ّ
ي
الذهن في تأثّر مباشر بتجربتنا 1المجسدنة في الكون وفي استثمار لحصيلة
الّذي يع ّد آليّة مركزية في اشتغال ّ
معارفنا المختلفة .وسنحاول 1من خالل الباب الثّاني أن نجري بحثن11ا ح11ول تصّ 1ور 1اإلره11اب في م11داخالت
"مجلس نوّاب ّ
الش1عب" من خالل رص1د أهم االس1تعارات الفاعل1ة في بنين1ة ه1ذا التّص1وّر لننظ1ر في م1دى
نجاعة اآلليات االجرائيّة الّتي تم ّكننا منها هذه النظريّ11ة؟ وم11اهي النّت11ائج الّ11تي تفي11دنا به11ا؟ وم11ا هي اآلف11اق1
الجديدة الّتي تفتحها أم11ام ال ّدراس11ات ال ّداللي11ة وتحلي11ل الخط11اب؟ وإلى أ ّ
ي حّ 1د تم ّكنن11ا من النّف11اذ إلى طبيع ة
مثلت االستعارة مدارا الذهنية ،وفي أبعاده القصيّة غير الواعية؟ وكيف ّ اشتغال العقل السياسيّ في خلفياته ّ
لصراع ال ّدالالت وتعدد التأويالت في إط ار خط اب سياس يّ ج داليّ مخص وص؟ وكي ف بنت االس تعارة
المفهوم من خالل تعد ّد اإلسقاطات ومن زوايا نظرمختلفة تتآلف ضمن مناويل عرفنيّة مؤمثلة؟
الباب الثّاني
61
تص ّور اإلرهاب في مداخالت مجلس ن ّواب الشّعب
نبحث في هذا الباب تصوّر اإلرهاب من خالل مداخالت نوّاب "مجلس نوّاب ال ّشعب" ،مستغلّين
العمليّات اإلجرائيّة الّتي تتيحها آليّات نظريّة االستعارة المفهوميّة .وهي محاولة لالستفادة من النظريّات1
اللّسانية الحديثة في توسيع الرّؤية في مجال ال ّدراسات ال ّداللية ،واستغالل 1األدوات الجديدة في التّحليل
اللّساني .تأخذ بعين االعتبار مختلف األبعاد النفسيّة ،واالجتماعيّة ،واالنتروبولوجيّة ،المتداخلة في إنتاج
ال ّداللة .وإجراء ذلك على مدوّنة تتمثّل في خطاب سياس ّي مخصوص من حيث صدوره عن السلطة
التّشريعيّة المسؤولة باألساس عن تحويل الخطاب إلى سياسات نافذة و قوانين ،أي ذلك الخطاب الّذي
يمتلك في ح ّد ذاته قوّة إنجازيّة من جهة ،ومن جهة ثانية ما يمتلكه من قدرة على توجيه الرّأي العا ّم
وصناعته .وسنعتني 1بدراسة االستعارات 1الّتي صاغ بها النّواب خطاباتهم 1عن اإلرهاب ،وطرحوا فيها
وجهات نظرهم باعتبارها مكوّنا 1مركزيّا من مكوّنات ّ
الذهن ،وأداة جوهريّة في نسق الفكر في إدراك
الوجود ،وتصوّر العالم ،واألشياء ،والظواهر وتمثّلها 1.وباعتبارها عمليّة عرفنيّة مركزيّة في اشتغال
الذهن ،تقوم على أساس تمثّل مجال على أساس مجال آخر.
ّ
62
ونحاول 1اإلجابة عن سؤال مركزيّ :هل ينبع هذا التصوّر من بنى ذهنيّة متع ّددة ،ومختلفة،
ومحكومة باالنتماءات اإليديولوجيّة ،والتوجّهات السياسيّة ،واالختالف 1الجزئ ّي للبيئات االجتماعيّة،
والثقافيّة ،والجهويّة ،والمسارات 1التعليميّة ،والتّجارب المعيشة للنوّاب أفرادً؟ أم أنّها تنبع من بنية نسقيّة
ذهنيّة عليا تحكمها خطاطات عرفنيّة تجعلهم رغم كل التّناقضات 1الفكريّة ،واالختالفات الجزئيّة والفرديّة
القائمة بينهم يف ّكرون ،ويستقرئون ،ويستدلّون ،ويبنون تصوراتهم وفقها.
فاالستعارة ليست ظاهرة لغويّة فحسب بل هي عمليّة تفاعل ذهن ّي بين مجاالت مختلفة .ففي الغالب
نتعامل مع المفاهيم ،واألفكار ،من خالل معرفتنا 1بالمجاالت الما ّدية هذا من ناحية .و يبدو 1من ناحية أخرى
أن أفكارنا وتصوّراتنا ليست خلوّا من الجسد باعتبارها 1أفكارا يحكمها جهاز مجرّد متعال .بل إنّها متجسّدة
ّ
بسبل متنوّعة حيث تتمثّل األفكار والتص ّورات في مجازات تقوم على أساس التّجربة الما ّدية في بنيتها وفي1
منطقها.
سننظر 1في هذه المبادئ األساسيّة .وسنقيم تحليلنا على طبيعة االستعارات وبنيتها .وسنبحث في
تص ّور 1اإلرهاب من خالل سياقاته المختلفة في مداخالت النّواب من حيث أسسه ،وكيفيّة بَنيَنته ،والتّعالقات
الناشئة بين مختلف االستعارات 1ال ُمبنينة له .لنكشف عن عناصر االنسجام فيه .و لنبحث عن إجابة لسؤال
ي وهو هل يمكن ّ
للذهن أن يدرك التص ّور 1مفصوال عن استعارته؟ مركز ّ1
ي ح ّد تَبني االستعارات البنية الحجاجيّة للخطاب؟ وتمثّل نوعا من العوازل المطاطيّة الّتي
وإلى أ ّ
تحتمي بها األطروحات المتضاربة للتّخفيف من احتداد الصّدام النّاتج عن الجّدال الفكر ّ
ي -الذي يصل ح ّد
الصّراع أحيانا -لو ت ّم بطريقة حرفيّة مباشرة وجافة ،باإلضافة إلى ما تحمله الصيغ االستعاريّة من مرونة
في الفهم والتّأويل ،مما يسهّل تغيير االستراتيجيّات داخل الخطاب ،خاصة الخطاب السياس ّي الّذي هو
خطاب جدال ّي باألساس يترك الباب وراءه دائما مواربا.
وسننطلق في هذا الباب الثّاني من أه ّم ما استخلصناه من دراستنا ألسس نظريّة االستعارة
المفهوميّة ومبادئها ،وم ّما توفّره من جهاز اجرائ ّي وآليّات اشتغال تجريبيّة .لنجريها في بحثنا حول تصوّر
اإلرهاب في مداخالت نوّاب " مجلس نوّاب الشعب" ،لنستخلص من ذلك كلّه ح ّد التصوّر ،وطريقة تش ّكله
وفهمه .وسنق ّدم في البداية المدوّنة الّتي اشتغلنا عليها وسياقاتها 1التّاريخية المخصوصة .ثم سنعرض في
الفصل األوّل ألهم االستعارات المفهوميّة لتص ّور 1اإلرهاب مع بيان درجات تواترها 1وتكرارها 1.ونبحث
في تأسّس هذه التصوّر ،وكيفيّة بَنينته االستعاريّة ،والخطاطات 1المتح ّكمة في سيرورته .وسنتعرّض أثناء
ذلك إلى بيان أنواع استعارات تص ّور 1اإلرهاب من حيث معيار الوظيفة العرفنيّة (بنيويّة أو اتّجاهية
أوانطولوجيّة) .وباعتبار طبيعة البنية االستعاريّة من حيث هي استعارات أوّلية أو معقّدة .و بالنّظر أيضا
في درجة تواضعيتها.
63
وسنبحث في الفصل الثّاني كيف كانت االستعارة مدارا لصراع ال ّدالالت وتع ّدد التأويالت؟ وكيف
ساهمت في بناء األطروحات 1الحجاجيّة وتحقيق انسجامها ال ّداخلي؟ وكيف بنت وجهات النّظر المتقابلة
ود ّعمت قوّتها اإلقناعيّة ؟ لنخلص في الفصل الثّالث إلى البحث في مسألة الح ّد ،والفهم ،والتّأويل من
خالل الرّؤية التجريبيّة .ولننظر في أسئلة تطرحها 1سيرورة البحث من نوع ما عالقة التصوّر باستعاراته ؟
ي بالتّوظيف 1االيديولوج ّي؟1
كيف تح ّد االستعارات التصوّر؟ وكيف 1توجّه الفهم؟ وما عالقة الفهم االستعار ّ1
وقبل ذلك هل االستعارة هي وليدة الموقف 1االيديولوج ّي أم هي تصنع اإليديولوجيا 1بصفة الواعية؟
*مداوالت مجلس نوّاب ال ّشعب حول دراسة الوضع العام بالبالد إثر العمليّة اإلرهابيّة بباردو1
-مداوالت مجلس نوّاب ال ّ
شعب – ال ّدورة العادية األولى – 2014-2015المدة النيابيّة األولى2014-2019
*مداوالت مجلس نوّاب ال ّشعب حول دراسة الوضع العام بالبالد إثر العملية اإلرهابية بسوسة الحوار مع
الحكومة حول الوضع العام بالبالد وإقرار 1حالة الطوارئ
64
-مداوالت مجلس نوّاب ال ّ
شعب – ال ّدورة العادية األولى – 2014-2015الم ّدة النيابيّة األولى 2014-2019
* مداوالت مجلس نوّاب ال ّشعب حول المصادقة على القانون األساسي عدد 26لسنة 2015المتعلق
بمكافحة اإلرهاب وغسيل األموال:
-مداوالت مجلس نوّاب ال ّ
شعب – الدورة العادية األولى – 2014-2015الم ّدة النيابيّة األولى 2014-2019
وتعتبر 1مداوالت المجلس الوثيقة الرسميّة والمرجعيّة الموثّقة لكل ما يدور 1بالجلسات العامة من
نقاش وتصويت ومصادقة على القوانين واالتّفاقيات .وهي ال تكتفي بمجرّد نقل ما يُسجّل من نقاشات بل
تحاول أيضا أن ترصد تفاعل النّواب مع ما يقال -ومثال ذلك عندما يحظى مشروع أو مداخلة بالقبول
واالستحسان بالتصفيق فتكتب بين قوسين (تصفيق) أو عندما يكون النّواب في حالة وقوف تكتب بين
قوسين (وقوفا) .-والمداوالت 1هي وثيقة مرجعيّة وأساسيّة في فقه القضاء .يرجع إليها لضبط التّأويل
وتنزيل 1النّصوص القانونيّة في سياقاتها 1المضبوطة عندما يكون هناك مشكل في تأويل النصّ القانوني
وقراءته .وهي متوفّرة في نسخة ورقيّة تطبع في المطبعة الرسميّة للجمهوريّة التونسيّة .وتصدر 1بشكل
متسلسل يمكن الرّجوع 1إليها باعتماد عدد الجلسة داخل ال ّدورة النيابيّة والم ّدة النيابيّة ،وباعتماد ترتيبها
ي .وتباع بمصلحة المقابيض بمجلس نواب ال ّشعب .و توجد كذلك في نسخة الكترونيّة على الموقع
التّاريخ ّ1
120
الرّسمي 1لمجلس نوّاب ال ّشعب .
120
-http://www.arp.tn
65
وقد 1اخترنا هذه األعداد من المداوالت لتعلّقها بموضوع 1بحثنا نظرا إلى السّياقات التّاريخية الّتي
دارت فيها .إذ تزامنت مع عقد المجلس لجلسات حوار مع الحكومة للتّدارس حول الوضع العام في البالد
وإقرار حالة الطّوارئ ،بعد حصول عمليّات إرهابية كبرى سواء بعد عملية باردو في 18مارس 2015
الّتي خلّفت 20قتيال و 45جريحا وتم احتجاز حوالي 200سائح.
وكذلك الجلسة العامة الّتي دارت إثر هجوم سوسة في 26جوان 2015والّذي خلّف حوالي 39
قتيال أغلبهم من السياح و 38جريحا .وقد 1تزامن مع عمليات إرهابيّة أخرى في العالم حيث وقع في نفس
اليوم تفجير مسجد اإلمام الصادق في الكويت ،وهجوم 1سان كانتان فاالفييه 121في فرنسا .وقد كانت لهذه
العمليّات اإلرهابيّة تداعيات خطيرة على الوضع العام في البالد ،م ّما أ ّدى إلى إعالن حالة الطّوارئ 1الّتي
مازالت تم ّدد في ك ّل مرّة إلى اليوم.
وشملت هذه المدوّنة أيضا مداوالت مجلس نوّاب ال ّشعب حول المصادقة على القانون األساس ّي
عدد 26لسنة 2015المتعلّق بمكافحة اإلرهاب وغسيل األموال ،وخاصة المداولة عدد 39الّتي ت ّم فيها
نقاش الفصول األولى من القانون المتعلّقة بتعريف الجريمة اإلرهابيّة ،وتحديد أركانها ،وأنواعها،
والعقوبات الزجريّة المترتّبة عنها.
67
ق في المقاومة واالستخدام 1المشروع للقوّة إلنهاء االستعمار واالحتالل وممارسة الحّ 1
ق في المحظور 1،والح ّ
أن النّصوص واألعراف 1ال ّدولية واإلنس1انيّة وأحك1ام ّ
الش1ريعة اإلس1الميّة تؤك1د 1التّب1اين تقرير المصير .كما ّ
بين المقاومة والجهاد 1من جهة ،واإلرهاب من جهة ثانية .وذل11ك في مختل11ف الج11وانب القانونيّ11ة والسياس1يّة
واالجتماعيّة ،وبالوسائل الّتي تس1تخدم 1في الح1الين واأله11داف المرج1وّة .وق11د تج11اوزت مح1اوالت تعري11ف
اإلرهاب ال ّدراسات القانونيّة لتصبح الظّاهرة اإلرهابيّة موضوعا مغريا للبحث من مختلف العلوم اإلنسانيّة
واالجتماعيّة .فتص ّور 1اإلرهاب يظ ّل تصوّرا 1معقّدا وغير محدود .وتتق11اطع 1في11ه عّ 1دة عوام11ل تجعل11ه منفلت11ا
على الضّبط والتّحديد 1من وجهات كثيرة .كما أنّه تص1وّر على درج11ة من االتّس11اع الّ11ذي يس11توعب التّأوي11ل
والتّوظيف بطريقة خطيرة.
وقد 1كان النّواب على وعي بذلك ويظهر 1هذا بوضوح في المداخلة األولى لمناقشة مشروع 1القانون
المتعلّق بمكافحة اإلرهاب ومنع غسل األموال للنّائب خالد شوكات بقوله ":ال شك ّ
أن عشرات المالحظات
يمكن أن تُسدى حول فصول هذا المشروع 1.وهي مالحظات مفيدة بالضّرورة يمكن االستفادة منها كليّا
أوجزئيّا 1.وال ش ّ
ك أن اختالفات ستظهر بيننا حول تعريف 1هذه اآلفة ،وحول األطراف 1والجماعات
والجهات ذات الصّلة بها .كما ليس لدي ش ّ
ك في أن تصوّراتنا 1للعقوبات واإلجراءات الوقائيّة وغيرها من
األمور 1الالّزمة ستتباين .لكن هذا ال يجب أن يحجب أبدا إجماعنا على أه ّمية تزويد 1مؤسّستنا 1العسكريّة
واألمنية وسائر 1أجهزة الحكومة البطلة الموجودة في الجبهة األماميّة بكافة الوسائل الّتي تحتاجها ،وفي
مق ّدمتها هذا القانون الذي هو آليّة واحدة من آليّات كثيرة علينا العمل على توفيرها"122.
I-1-1اإلرهاب ظاهرة
- 122مداوالت مجلس نواب الشعب – الدورة العادية األولى – 2015-2014المدة النيابية األولى 2019-2014الجلسة التاسعة والثالثون (
)39بتاريخ 22جويلية ،2015ص 1343
68
تكرّرت هذه االستعارة المفهوميّة مائة وستة عشر مرّة ( .)116وهي بذلك تعتبر االستعارة األكثر
تواترا 1كما أنّها تع ّد استعارة تواضعيّة كلّية استعملت في مداخالت أغلب النّواب باختالف توجّهاتهم1
السياسيّة .وهذه بعض األمثلة للسّياقات الّتي وردت فيها في متن الخطاب الّذي نشتغل عليه:
م.ع 39ص1357 يظن أنّه و بهذا القانون وحده نكون قادرين على اجتثاث اإلرهاب، -7فواهم من ّ
اجتثاث هذه الظاهرة القديمة الجديدة على ال ّشعب التّونس ّي وتونس ،وواهم من
يظن أنّه بالحل األمن ّي وحده يمكن مجابهة اإلرهاب.
ّ
م.ع 39ص1371 إن اإلرهاب ظاهرة معقّدة وليدة ع ّدة عوامل دوليّة وإقليميّة ،فهي ّ
تتغذى من ّ -8
شبكات الجريمة المنظّمة وتجارة المخ ّدرات والتّجارة بالبشر 1وأنشطة استخباراتيّة
ي الغريب على تونس. دوليّة يختلط على مستوى المحل ّي بالخطاب الدين ّي التكفير ّ
م.ع 39ص1355 -9هذه الظاهرة هي ظاهرة مر ّكبة وعابرة للحدود تتو ّرط 1فيها تنظيمات
ومخابرات 1وأجهزة دول تستهدف 1ال ّشعب التّونسي ،وتستهدف الحلقة األقوى في
ال ّشعب التونسي وهي الشباب الّذي قاد الثورة ورفع شعارات ال ّشغل والحريّة
والكرامة.
م.ع 39ص1344 -10فمحاربة اإلرهاب تقتضي أن تكون لنا منظومة وطنيّة متكاملة لدراسة
واستشراف الظّاهرة اإلرهابيّة في تونس وفي العالم وهنا ال ّدعوة للحكومة لبعث
ي لدراسة واستشراف 1الظاهرة اإلرهابيّة تكون من مهامه ... مركز وطن ّ1
م.ع 39ص1345 -11هناك سياسات تنتج هذه الظاهرة.
م.ع 39ص1351 ظاهرة يدعونا إلى االشتغال على العلوم اإلنسانيّة لتسهيل فهمنا -12تعقيد هذه ال ّ
ي لفهم الحاضنة الحقيقيّة لها ،وتفكيك قدرتها على استقطاب ال ّشباب التونس ّ1
لإلرهاب.
م.ع 39ص1361 أن هذه الظّاهرة هي ظاهرة عالميّة وليست محليّة وهذا ما أكدته -13كما ّ
69
المعاهدات ال ّدولية الّتي صادقت عليها تونس في مجال مكافحة اإلرهاب.
م.ع 39ص1365 -14هذه ربما جزء من األسباب العميقة لإلرهاب .
يمكن أن نرسم من خالل هذه التّجليات اللّغوية لالستعارة المفهوميّة "اإلرهاب ظاهرة" جملة
الذهن في عملية اشتغاله الالّواعي .والّتي ينقلها من المجال المصدر
اإلسقاطات الّتي يصدر عنها ّ
"الظاهرة" إلى المجال الهدف "اإلرهاب" .ليؤسّس زاوية تص ّور 1خاص تعكس آليّات تأسّس التّصور 1عند
مستعملي 1هذه االستعارات 1.فخالل عملية اإلسقاط تتكوّن الشبكة النسقيّة االستعاريّة حاملة معها ك ّل
االقتضاءات االستعاريّة المحتملة الثقافيّة واالجتماعيّة للتّجربة.
فالظّاهرة مصطلح يُطلق على أي حدث يمكن مراقبته .وتُشير في االستخدام العام إلى حدث غير
عاديّ .و تطلق في االستخدام العلم ّي على أي حدث يمكن مالحظته ،ومراقبته ،ورصده .وقد تتطلّب
المالحظة العلميّة والمراقبة استخدام أجهزة معيّنة للمتابعة ،وتسجيل البيانات المتعلّقة بهذه الظّاهرة
فاإلرهاب 1من خالل هذا التصوّر هو ظاهرة اجتماعيّة معقّدة لها امتداداتها 1الفكريّة 123
وتجميعها1.
ي .وللظواهر 1االجتماعية اقتضاءات عديدة منها: والعقائديّة والسياسيّة .ويتداخل فيها االقتصاد ّ
ي بالثقاف ّ1
الظّاهرة االجتماعيّة مشكلة إذا ما كانت ذات بعد سلب ّي أو ذات نتائج سلبيّة ،تُلقي بظاللها على -
المجتمع بشكل عا ّم.
تترابط 1عناصرها 1ترابطا عضويا. -
سريعة االنتشار والنّفوذ. -
يجب أن تخضع الظّاهرة لتوظيف المنهج العلم ّي ،لمراقبتها وتحديد 1خصائصها ،وإدراك1 -
أسبابها وكيفيّة معالجتها ،والح ّد من سرعة انتشارها ونفوذها 1في المجتمع .وهذه ال ّدراسة
تستدعي منّا دراسة البؤر االجتماعيّة الّتي أنتجت هذه الظاهرة أو تلك.
الظّاهرة يمكن السيطرة عليها والتح ّكم فيها بكشف سيرورتها ،وتفكيك عواملها األوّلية، -
وضبط 1العالقات القائمة بين عناصرها ،وتحديد البعد الوظيف ّي لك ّل عنصر فيها.
تتّسم الظاهرة في البداية بالتّعقّد بنظرتنا إليها على أنّها حدث غير عاد ّ
ي وغير مفهوم .وهو ما
تكشف عنه التّوصيفات لهذه الظّاهرة في أمثلة االستعارات اللّغوية الّتي أوردناها( 1معقّدة /مر ّكبة /غير
مح ّددة المالمح/غريبة وبغيضة /قديمة جديدة ) .وهي تملك ق ّوة انتشار ونفوذ مثيرة للقلق .وتبعث فينا
ال ّشعور 1بعدم األمان .وتمثّل تهديدا حقيقيّا (عابرة للحدود /تتو ّرط 1فيها تنظيمات ومخابرات وأجهزة دول
تتغذى من شبكات الجريمة المنظّمة وتجارة المخ ّدرات والتّجارة بالبشر وأنشطة
تستهدف 1ال ّشعب التونسيّ 1/
استخباراتيّة) .إالّ ّ
أن استعمالنا في الحديث عن اإلرهاب استعارة "اإلرهاب ظاهرة" فيه رغم ك ّل ذلك
123
- "https://www.google.fr/#q=new+oxford+american+dictionary+online
70
تنسيب لعاطفة الخوف بما لها من داللة أنّنا نصدر في تعاملنا مع اإلرهاب بطريقة عقالنيّة ،وعلميّة،
باحتياط 1من دون خوف مبالغ أو هلع قد يؤثّر في تقييمنا للموقف .ويفقدنا المبادرة والسقوط 1في ردود
األفعال غير المدروسة الّتي قد تزيد تعقيد األمر .فهي تقتضي مثلما ورد في المثال عدد ( 10دراسة
واستشراف) و (تدعونا إلى االشتغال على العلوم اإلنسانيّة لتسهيل فهمنا لها ،وتفكيك قدرتها) كما في
المثال عدد . 11فاالستعارة المفهوميّة "اإلرهاب ظاهرة" تصدر 1من هذه النّاحية عن التص ّور 1االستيعاب ّ1
ي
ي إنّما يصدر 1عن خطاطة أوّلية. الّذي ينطلق منه ّ
الذهن في التّعامل مع التصوّرات 1.وهذا الموقف االستيعاب ّ1
وهي خطاطة الحاوية باعتبار أنّنا كائنات تمقول ،حيث تتصوّر المقولة حاوية وعناصر المقولة مادة
تحويها 1فما كان في الحاوية كان في المقولة ،وما كان خارجها كان خارج المقولة .فاالستعمال المتواتر1
ي من ّ
أن إدراك الستعارة "اٍإل رهاب ظاهرة" إنّما هو صادر عن هذه النّزعة المتم ّكنة في ّ
الذهن البشر ّ
األشياء والمجرّدات ال يكون إالّ في إطار المقولة .يقول جونسون واليكوف "كي نفهم العالم ونشتغل فيه
ونفعل ،علينا أن نمقول األشياء والتّجارب الّتي نصادفها 1بطريقة تجعلها ذوات معنى لدينا" .124فهذه
االستعارة تمارس عمليّة المقولة .والمقولة هي المستوى 1األوّل من السيطرة وال ّشعور 1بالقدرة على التح ّكم
في األشياء .فاإلرهاب يصنّف ضمن الظّواهر 1االجتماعيّة البالغة التّعقيد ،لكنّه يبقى خاضعا لك ّل القوانين
الخاصة بدراسة الظّواهر 1االجتماعيّة حيث يمكن عرضه للبحوث االختباريّة والتعرّف على ك ّل
خصائصه .فمع هذه االستعارة لم يعد اإلرهاب شيئا مجهوال بل بات من األشياء المعلومة .وهذا ينسّب
عواطف الخوف ويبعث في النّفس نوعا من ال ّشعور باالطمئنان الّذي يريد السياس ّ1
ي والبالد في وقت أزمة
ووسط حالة من الهلع والخوف أن يزرعه في نفوس عموم ال ّشعب من المتابعين للنقاش داخل قبّة البرلمان.
بث الخوف 1الّذي يعتبر
وهو خطوة مه ّمة لكسب الحرب أمام هذه العصابات اإلرهابية الّتي تعمل على ّ
سالحها األقوى 1في التم ّدد وكسر 1المعنويات .وهي تجنّد لذلك أساليب دعائيّة كثيرة لنشر ثقافة الخوف
وأهمها الصّورة المتع ّددة األبعاد خصوصا صور 1القتلّ ،
والذبح ،و التّنكيل ،والحرق ،واإلغراق1.
واستعارة "اإلرهاب ظاهرة" هي استعارة بنيويّة حيث يُبنين المجال المصدر لتصوّر مجرّد المجال الهدف
أن المجال المصدر يم ّكن المجال الهدف من بنية ثريّة ألنه نابع من
لمجال تصوّري 1مجرّد آخر .باعتبار ّ
تجربة متم ّكنة ولنا فيها خبرات متراكمة .وعلى هذا يمكن أن نمثّل لهذه البنينة بالشكل التّالي:
المجال الهدف :اإلرهاب المجال المصدر :الظاهرة
حدث غير عاديّ. حدث غير عاديّ.
يتك ّون من عناصر مترابطة ترابطا عضويّا. تتك ّون من عناصر مترابطة ترابطا عضويّا.
معقّد األسباب والظواهر. معقّدة األسباب والمظاهر.
له سيرورة داخليّة خفيّة. لها سيرورة داخليّة خفيّة.
يمكن دراسته ومراقبته. يمكن مراقبتها ودراستها .
124
االستعارات التي نحيا بها ،ص - 165
71
التعاون األمن ّي واللوجست ّي وتبادل المعلومات واستغالل التّعاون العلم ّي وتراكم البحوث بين المراكز البحثيّة
البحوث الفكريّة واالجتماعيّة يم ّكن من تراكم الخبرات يسهّل الوصول إلى نتائج مفيدة تم ّكن من التّوقي.
والوصول إلى نتائج مفيدة تم ّكن من التّوقي.
الكشف عن نظامه الداخلي ،وتفكيك عناصره ،يم ّكن التح ّكم الكشف عن نظامها الداخل ّي ،وتفكيك عناصرها ،يم ّكن
والسيطرة عليه. التح ّكم والسيطرة عليها.
ّ
إن هذه االستعارة المركزيّة األولى "اإلرهاب ظاهرة" تعمل على تحديد اإلرهاب وتعريفه من
منطلق علم ّي .وتسقط عليه جملة تراكمات تجربتنا في التّعامل مع الظّواهر االجتماعيّة المعقّدة بمختلف
اقتضاءتها 1ومن ث ّمة نتبيّن حدوده وسيروته .وتتجلّى 1لنا خطّة واضحة في التّعامل معه والسّيطرة عليه.
نحن نستفيد بصفة مباشرة من خبراتنا 1السّابقة من خالل اإلسقاطات الّتي يشتغل بها نسقنا التصوّري1.
فجالء التّصوّر والخروج 1من المجهول إلى المعلوم يم ّكن من تنسيب عواطف الخوف .ويبعث الشعور1
باألمان .ويعطي الّثقة في النّفس .ويرسم لنا بوضوح خطواتنا 1القادمة .وهو ما يعمل الخطاب السياس ّي على
ترسيخه في الوعي العا ّم وقت األزمات.
وتتد ّعم هذه االستعارة المركزيّة باستعارات فرعيّة نستم ّدها 1أيضا من تجربتنا 1مع العالم الخارج ّ1
ي
وتخدم 1انسجام النّسق التصوّري 1مثل استعارة "اإلرهاب بناء" و"اإلرهاب صناعة".
I-1-2اإلرهاب بناء
تد ّعم هذه االستعارة المفهوميّة االنطولوجيّة "اإلرهاب بناء" النّسق التّصوّري لالستعارة
المركزيّة "اإلرهاب ظاهرة" .واستعارة "اإلرهاب ظاهرة" هي استعارة بنيويّة بين مجالين مجرّدين بينما
هنا تكون اإلسقاطات بين مجال مصدر 1ما ّدي ملموس ومجال هدف مجرّد .وإسقاط المجرّد على الملموس
سيعطيه بعدا ما ّديا فيزيائيّا .وسيكون بإمكاننا حينها أن نمسكه بحواسنا اإلدراكيّة والجسديّة .وهذا يقرّب
عمليّة الفهم إلى درجة أكثر وضوحا.
72
واستعارة "اإلرهاب بناء" تسلّط الضّوء على سيرورة تطوّر هذه الظّاهرة من خالل جملة من
اإلسقاطات الجزئيّة بين المجال المصدر "البناء" والمجال الهدف "اإلرهاب" .فيأخذ 1تأسيس النّسق
فالذهن يسلّط الضّوء
التّصوّري للمجال الهدف بعض خصائص المجال المصدر .وال يأخذ كل خصائصهّ .
فقط على ما يحتاج إليه .وعادة يقع تسليط الضّوء على ما يتعلّق بالجوانب األساسيّة من المجال المصدر.
ونالحظ 1هنا أن التّجليات االستعاريّة اللّغوية في األمثلة الّتي أوردنا نصّها تتعلّق ببعض خصائص البناء
الرئيسيّة ،خاصة تلك المتعلّقة باألسس المثال األوّل والثاني (المخطّطات ،والبنيّة التحتيّة واللّوجستيّة).
وبعد ذلك أصبحنا نتح ّدث عن مداخل لإلرهاب .وفي هذا تدليل أو تصريح غير واع ّ
بأن هذه العمليّات
أن اإلرهاب في تونس لم يعد أمرا هيّنا وعابرا ،بل إنّه
اإلرهابيّة الكبيرة قد كوّنت لدينا قناعة داخليّة ثابتة ّ
تطوّر 1.ونحن نفهم هذا التطوّر من خالل تجربة البناء .فنستصحب 1مع هذه االستعارة عديد االقتضاءات
الضمنيّة التّالية:
اإلرهاب أصبح له مكان ثابت ،إذ البناء يد ّل على ممارسة الثّبوت والمكوث. -
اإلرهاب تم ّكن من أن يأخذ فترة زمنيّة مالئمةّ ،
ألن البناء وخاصة المرحلة التأسيسيّة -
والمرور من ال ّدراسة والتّخطيط -الّذي ال يقوم به البناؤون( المنفّذون) بل تقوم به العقول
المخطّطة الّتي ستختفي بعد ذلك .وتترك 1األمر لدخول البنّائين المنفّذين -إلى مرحلة االنتهاء
من أعقد المراحل أي استكمال البنية التحتيّة .يحتاج إلى فترة زمنيّة طويلة نسبيّا .وهي مرحلة
تت ّم عادة تحت األرض .وكذلك اٍإل رهاب ر ّكز قواعده في الجبال .وتم ّكن من نشر خالياه
النّائمة .وإنجاز 1عمليات االختراق .ث ّم نزل بعدها للمدن .واستعارة "لإلرهاب مدخل" تد ّل ّ
أن
البناء بدأ يظهر على األرض .وبدأ يفتح لنفسه مداخل .ومداخله هي ّ
بث الفوضى وزرع1
الفتنة.
يشتغل ّ
الذهن مرّة أخرى عن طريق االستعارة في بنينة سيرورة تطوّر اإلرهاب انطالقا من
وإن ك ّل هذه اإلسقاطات واالقتضاءات الّتي
تجربة ما ّدية معتادة ولنا فيها خبرات متينة وهي تجربة البناءّ .
تحملها االستعارة وهي تبني التصوّر في حركة انتقال بين المجال المصدر والمجال الهدف هي الّتي تفسّر
أهميّة عمل ّ
الذهن كآلة استدالليّة عظيمة .فاالستدالل 1ليس عمليّة منطقيّة صرف ،بل هو أيضا عمليّة
ي لل ّدماغ .ويثبته اليكوف وجونسون
عصبيّة كما يبرهن على ذلك العلم العرفن ّي في دراسته للتكوّن العصب ّ1
في فصول 1مدقّقة من كتابهما" 1الفلسفة في الجسد" خاصة في الملحق المعنون بالنظريّة العصبيّة في
ومازال العمل كبيرا في هذا المجال إذ هو المدخل الرئيس في تصميم 1تطبيقات 125
األنموذج اللّغوي.
الذكاء االصطناع ّي .وتعتبر 1النّتائج الّتي توصّل لها ناراينان )1997( 126حول نظريّة االستعارة العصبيّة
ّ
125
- Lakoff ; Johnson;1999 ;P P 507-521
Srini Narayanan 126عضو فريق البحث في النظرية العصبية للّغة NTLفي المعهد ال ّدولي لعلم الحاسوب بب11يركلي
الّذي بدأ في بداية الثمانينات باالشتراك مع جيروم فلدمان Jerome Feldmanوجورج اليكوف وطلبتهم .ويكمن المشروع
73
رائدة اعتمادا على تقنيات حاسوبيّة للنمذجة العصبيّة .وهي نظريّة تحوسب االستعارات 1التصوّريّة عصبيّا
عبر خرائط 1عصبيّة 127أو دارات تقرن النّسق الحرك ّي بنطاقات 1قشريّة أعلى في ال ّدماغ .وتترسّخ هذه
الخرائط عبر التّعبئة العصبيّة الموجودة في المصدر 1والهدف الّتي تفعّل بعضها 1خالل مرحلة ال ّدمج .وتنتج
هذه اآلليّة التعلميّة العصبيّة نسقا تواضعيّا 1وقارا من االستعارات األوليّة الّتي تميل إلى االستقرار بشكل
دائم في النّسق التصوّري 1في استقالل عن اللّغة .فاالستعارة في هذا التص ّور 1ظاهرة عصبيّة تش ّكل اآلليّة
الّتي تقوم بالتّعبئة الطبيعيّة والحتميّة لالستدالل الحس ّي الحرك ّي .ليت ّم استعماله في التّفكير المجرّد .فتبرز
االستعارات 1األوّلية تلقائيّا وآليّا دون أن نكون واعين بذلك.
I-1-3اإلرهاب صناعة
تخدم هذه االستعارة نفس النّسق التصوّري 1لالستعارتين السّابقتين في تحديد اإلرهاب ،وضبط1
حدوده ،والتعرّف أله ّم خصائصه .وذلك من خالل التّعالقات االستعاريّة الّتي تتداخل عُقدها لتنسج انسجام
نسقنا التصوّري 1بصورة محكمة وفريدة .غير أنّه يمكن اعتبارها من االستعارات الجديدة .والحادثة عن
تحوّل مجتمعنا في بعض وجوهه إلى الصناعة الّتي أصبحت تحت ّل مكانة هامة من نسيجنا 1االقتصاد ّ1
ي
والمعيش ّي 1.باعتبار أنّها أصبحت نشاطا تشغيليّا يه ّم شريحة واسعة من ال ّشعب سواء من أصحاب
المؤسّسات 1أو العاملين بالقطاع الصناع ّيّ .
إن سلطة هذا النشاط االقتصاديّة وممارستنا 1لألنشطة الصناعيّة
ي للفريق في إيجاد نماذج عصبيّة للمعرفة المتجسّدة .وخاصة اكتساب اللّغة والفكر واستخدامها وفق الوصف المنجز
المركز ّ
في اللسانيات العرفنيّة -الفلسفة في الجسد -الفص1ل األخ1يرLanguage Paradigm The Neural Theory ofص
521-507
127
- neural maps
74
قد جعل منها واحدة من التّجارب المه ّمة في حياتنا اليوميّة .فنحن إذ نشتغل بأجسادنا في هذا القطاع إنّما
تتش ّكل معه أنساقنا ّ
الذهنية والتصوّرية .فنرى 1العالم والمتصوّرات الحادثة من خالل هذه التّجربة .فنجد
استعارات من نوع "اإلرهاب صناعة أجنبيّة" .و الفقر يساهم في إنتاج اإلرهاب .والفكر المتط ّرف 1ينتج
اإلرهابيّين .وسنتوقف 1عند المثال األول (اإلرهاب صناعة أجنبية من الطّراز األوّل) .وسنتوقف 1هنا عند
أمرين حاكمين في بنينة هذه االستعارة:
أ ّوال :يصدرّ 1
الذهن هنا من نظريّة مسيطرة على كثير من األذهان وهي نظريّة المؤامرة.
فاإلرهاب 1ليس منّا بل هو منتوج أجنب ّي دخيل علينا .ث ّم إنّه يفترض جملة من االقتضاءات نبنين من
خاللها تصوّر اإلرهاب باعتباره كك ّل صناعة لها صانع ،ومصانع 1،وآالت إنتاج ،وتس ّخر 1لها امكانيات
ضخمة (المثال الرابع) وعمليات تسويق ،وتتعلّق 1به مصالح ،وله لوبيات مستفيدة ،وأسواق عالميّة ،وله
زبائن ،وتجار1...
ي سياس ّي .وتنطلق 1من حكم أوّل ّي تجاه
ثانيا :تصدر هذه االستعارة عن اشتغال ايديولوج ّ1
الصناعات األجنبيّة مرتبط بكثير من الرّيبة وال ّشكوك .والصناعة األجنبيّة المقصودة هي الصّادرة أساسا
من البلدان الصناعيّة المهيمنة والمسيطرة .فتشتغل هنا تجربة قديمة جديدة مؤلمة مع االستعمار 1والهيمنة
في إطار الحركة االستعماريّة للسيطرة على األسواق 1.لترويج فوائض إنتاج مصانع ال ّدول المصنّعة.
وسرقة الثروات األوّلية لألوطان .وماعاناه ال ّشعب التّونسي 1من ويالت ،وتنكيل ،واضطهاد ،في تاريخه
غير البعيد مع االستعمار 1.وما هو حاصل اليوم أيضا من تخريب للبلدان العربيّة في العراق وسوريا 1ومن
هجمة شرسة .إنّه تجربة الحرب من جديد ،والمقاومة ،والمكافحة ض ّد عد ّو قديم يحاول العودة بطرق
جديدة ومن مداخل متخفّية بأغطية متع ّددة .فاالستعارة تكشف الحجاب عن حقائق متخفيّة.
االستعارة هنا استعارة معقّدة ،تمزج بين سياقات تصوّرية متع ّددة :بينها ماهو تجريبي ّي معيشي،
ي تفسير ّ
ي لألحداث المؤلمة والصادمة باعتبارها نتاج تآمر ي فكر ّ1
ي سياس ّي ،وماهو نظر ّ
وما هو إيديولوج ّ1
خارجي ،وبين ما هو نفس ّي صادر عن تجربة تاريخيّة مؤلمة لصدمة استعماريّة كانت غاشمة وظالمة
وتركت ندوبا 1كثيرة في ّ
الذاكرة .كما تحمل أيضا في طيّاتها اقتضاءات عديدة باعتبار اإلرهاب عدوّا أجنبيّا
وإن جنّدت له أياد داخليّة ،وبوجوب الحرب عليه واعتبارها حربا مقدسة للدفاع عن ّ
الذات .وفيها 1أيضا
دعوة لترك الصناعات األجنبيّة ومنتجاتها واالهتمام 1ببناء صناعة وطنيّة قويّة تم ّكن لل ّدولة أسس المناعة
ألن اإلرهاب هو نتيجة لضعف ال ّدولة.
ّ
الذهن بكل ذلك وهو يبني بكل الجزئيات هذه االستعارة المعقّدة الّتي هي حصيلة تجارب
يشتغل ّ
عديدة وبطريقة الواعية .فهو يستحضر 1التّجارب من مجاالت مصدر متنوّعة .ويقتطع منها الجوانب
المفيدة في تركيب التصوّر للمجال الهدف .ويستجلب االقتضاءات .ويبني االستدالالت بينها .ويكثّف عمليّة
75
اإلسقاط داخل البؤرة االستعاريّة المختزلة في العبارة اللّغوية .ليحصل في النّهاية عن تركيب مزج ّي
ي مر ّكب تنفجر منه دالالت متع ّددة.
استعار ّ1
يعمل ّ
الذهن في ك ّل ذلك من خالل نظام عصب ّي دقيق ،ويجري عمليات معقّدة في وقت سريع جدا
وهو ما يبرهن عليه العلم العرفن ّي من أه ّمية الالّوعي في بناء التص ّورات مثلما سبق وأن بيّنا ذلك في
الباب األوّل من البحث.
I-1-4اإلرهاب آفة
تعتبر هذه االستعارة المفهوميّة االستعارة المركزيّة الثّانية لتص ّور 1اإلرهاب من حيث التّواتر 1في
مداخالت النّواب .وقد 1تكرّرت أربعا وخمسين مرّة وهي تترد ّ1د كما استعارة "اإلرهاب ظاهرة" في
مداخالت أغلب النّواب على اختالف انتماءاتهم 1وإن بنسب مختلفة.
المصدرمداولة عدد...ص.. التّجليات االستعاريّة اللّغوية
م.ع 39ص1344 -1اإلرهاب آفة تطوّرت 1وتتّجه نحو تخريب الدول والقضاء عليها ونحو 1تقسيم
المجتمعات وتشتيتها 1ونحو العودة بالبلدان إلى الماضي1.
م.ع 39ص1339 إن اإلستراتيجيّة الوطنيّة ال ّشاملة ...كفيلة بالقضاء على هذه اآلفة.
ّ -2
م.ع 39ص1345 -3إن تحديث البرامج التربويّة بما يتالءم والعصر 1وفي ظل تنامي اإلرهاب
بات أمرا ضروريا للتّوقي 1من هذه اآلفة واجتثاثها.
م.ع 38ص1310 -4أنتم وحكومتكم 1الموقّرة تحملون عبء ومسؤولية ثقيلة لمحو هذا العار
واإلهانة للشعب التونسي 1بالقضاء على آفة اإلرهاب الدّخيل على ديننا الحنيف
وقيمنا التونسية.
76
م.ع 37ص1275 -5وما يتطلبه ذلك من تعبئة كافة إمكانيات الدولة لدحر آفة اإلرهاب والتّوقي
منها
م.ع 37ص1279 -6وسيكون قرارا حاسما في حربنا هذه وفي آليات مقاومة هذه اآلفة.
م.ع 37ص1288 -7إن انخراط 1الشعب التونسي في محاربة آفة اإلرهاب عن قناعة أمر هام جدا.
من األوصاف 1التي نجدها تتكرر في الحديث عن هذه اآلفة نذكر خطيرة،
مدمرة ،تهدد ،هدامة ،كبرى....
تعرّف اآلفة في معاجم اللّغة على أنّها ك ّل ما يصيب شيئا فيفسده من عاهة َأو مرض َأوقحط.
ويقال آفَة العلم النّسيان بمعنى مصيبة العلم .واآلفة معروفة خاصة في ميدان ال ّزراعة .وهي ك ّل ما يفسد
ال ّزرع من دود أو حشرات وغيرها .وهي بهذا المعنى منتشرة االستعمال في تونس.
فمن خالل هذه السّياقات 1يمكن أن نستخلص عديد السّمات ال ّداللية الّتي تحملها كلمة آفة فهي تعني
الفساد واإلفساد 1.وتعني المصيبة والكارثة .واآلفة ال حقيقة مجسّمة لها ،بل هي تتش ّكل في ك ّل ما يفسد.
فاآلفات 1ال ّزراعية تشمل أنواعا ً من الحشرات ،والحشائش ،ومسبّبات أمراض النّبات من البكتيريا،
والفطريّات ،والفيروسات ،والديدان الثعبانيّة ،وأيضاً 1من الفقاريات مثل القوارض ،والطّيور ،والجراد.
إذن قد تكون قارضا ،أو طائرا ،أو حشرة ،أو دودة ،أو كائنا مجهريّا المرئيّا ،يفسد الزرع بطريقة تتميّز
بسرعة االنتشار ،وبالقضاء التّام على ك ّل ما يعترضها ،و هي ال تشبع أبدا .وتتكاثر 1بطريقة كثيفة جدا.
من ك ّل هذه السّمات ال ّداللية تنشأ استعارات عديدة في اللّهجة التونسية .يُبنينُها المجال التصوّري الّذي
نحمله في أذهاننا لآلفة فنجد عبارات من نوع:
فالن " :آفة قراية "" /آفة ماكلة" " /آفة "كذب"
أن كالّ من هذه األمثلة االستعاريّة تبنين التّصور بطريقة جزئيّة ،حيث يأخذ اإلسقاط
نالحظ ّ
االستعار ّ
ي جانبا جزئيّا مقابل إهمال الجوانب األخرى:
-ففالن "آفة قراية" إنّما نُبنين من خالل هذه االستعارة تصوّرنا 1مستفيدين من إسقاط مفهوم السّرعة في
تحصيل المعرفة .ومن مفهوم اإلقبال ال ّدائم على المعرفة والعلم بنهم دون شبع .
-فالن "آفة ماكلة" نستفيد في هذه االستعارة من إسقاط جزئيّة معيّنة من المجال المصدر وهي القدرة
الكبيرة لاللتهام لآلفات الحيوانيّة خاصة القوارض أو الجراد الّذي ال يترك شيئا.
-فالن "آفة كذب" تأخذ هذه االستعارة من المجال المصدر 1إسقاطا جزئيا يخصّ ّ
أن شخصا ما يكذب وال
يم ّل من الكذب .فاآلفة ال تم ّل وال تك ّل من إفساد 1الزرع والقضاء عليه.
77
قد تبدو لنا من خالل هذه األمثلة مالحظة مثيرة للتّساؤل عن االنسجام االستعاريّ .إذ قد تكشف
عن نوع من التّناقض في الظّاهر .فمرّة تحمل االستعارة شحنة دالليّة إيجابيّة "فالن آفة قراية" .بينما في
المثالين اآلخرين نجد نفس االستعارة تحمل شحنة دالليّة سلبيّة .فكيف 1تفسّر لنا نظريّة االستعارة
المفهوميّة ذلك؟ أي بمعنى آخر كيف تُعيد ما بدا لنا متناقضا داخل النّسق التصوّري 1لالستعارة الواحدة إلى
صورته المنسجمة في األصل؟
ي يظل قائماّ 1
ألن في كل سياق استعار ّ1
ي ركزنا على جزء من سمات المجال ّ
إن االنسجام االستعار ّ1
ي يظ ّل شديد المصدر 1وأهملنا سمات أخرى .سير ّكز 1عليها في سياق 1استعار ّ
ي آخر .فاالنسجام 1االستعار ّ
التعلّق بالسّياق .فإن كانت السرعة محمودة في تحصيل المعرفة فهي منبوذة في األكل.
نعود إلى استعارة "اإلرهاب آفة" فهي على عكس استعارة "اإلرهاب ظاهرة" الّتي تنسّب
عواطف الخوف والهلع وتر ّد المجهول للمعلوم ،و تُبنين التّصوّر انطالقا 1من التّجربة الثّقافية والمعرفيّة في
التّعامل مع الظواهر ،وإخضاعها للنّسق العلم ّي الخاص بدراسة الظواهر ومعالجتها 1م ّما يخلق شعورا
بالثّقة والسيطرة والقدرة .على عكس ذلك استعارة "اإلرهاب آفة" تكثّف عواطف الخوف والفزع النّاتجة
باألساس من الخوف الطبيع ّي من المجهول غير المعلوم فهي (دخيلة على ديننا الحنيف وقيمنا التونسيّة
المثال عدد .)4و نجد تعزيزا 1لذلك في توصيفات ع ّدة في هذه االستعارات تأتي مقترنة مع كلمة آفة مثل
(خطيرة /مد ّمرة /ه ّدامة /كبرى )...أو أفعال تبيّن سرعتها الفائقة وقدرتها الكبيرة على التم ّدد والتّطور
والتّدمير 1والتّخريب (المثال عدد 1اإلرهاب آفة تطوّرت ،وتتّجه نحو تخريب الدول ،والقضاء عليها ،ونحو
تقسيم المجتمعات ،وتشتيتها).
تأتي هذه االستعارة "اإلرهاب آفة" من خلفيّة أنتروبولوجيّة مترسّخة في عادات وتصوّرات1
المجتمعات الزراعيّة الّتي تمثّل ال ّزراعة موردها 1الوحيد للعيش والّتي لها تجارب قاسية عبر تاريخها مع
الجوائح الطبيعيّة واآلفات الزراعيّة .وتونس لها ماض أليم مع هذه الجوائح واآلفات خاصة في القرن
التّاسع عشر -ويمكن الرجوع 1في ذلك إلى نصوص إتحاف أهل ال ّزمان البن أبي الضياف وما أصاب أهل
المحروسة من عسر نتيجة الجفاف واآلفات والجوائح ذهبت بالثلثين وتركت الثلث . -فاآلفات الزراعيّة
كانت تمثّل ق ّوة قاهرة .تأتي على األخضر واليابس بطريقة سريعة ومفاجئة في زمن لم تكن فيه العلوم
الفالحيّة متطوّرة لرصد األمراض الزراعيّة ،والفيروسات الطبيعيّة الّتي تنتقل ،وتنتشر 1بسرعة .فظهور1
اآلفة كان مصيبة وكارثة ته ّدد المصير والوجود 1.وتقضي على موارد الحياة .وكان ظهور اآلفات صراعا
ي يتكاثف 1بكثرة ،ويتق ّدم ،وينتشر ،ويتف ّشى بسرعة .وكانت مواجهته بالوسائل
مع المجهول ،ومع عد ّو قو ّ
الما ّدية المتوفّرة قليلة الجدوى في أحيان كثيرة .فكان اللّجوء إلى الطّقوس وإلى الجوانب الميتافيزيقيّة .فمع
اآلفة ينشط 1في ّ
الذهن جانب آخر قديم في التّعامل مع التّصوّرات هو الجانب األسطور ّ
ي في تكوين تجربتنا
أن ال شيىء من تجاربنا 1ولو تلك القديمة ج ّدا في معارفنا1
األولى في العالم .و نلمح هنا شيئا مه ّما وهو ّ
78
الموروثة يموت ويضمحل 1.بل ربّما ينطوي تحت سطح المعارف والتّجارب األكثر ج ّدة .ولكنّه يظ ّل
متم ّكنا في الالّوعي ويبرز إلى السطح في وقت األزمات مع ظهور مثيرات قويّة خاصة تلك الّتي تتعلّق
بعاطفة الخوف 1وال ّشعور بالتّهديد1.
ولعلّنا نجد هنا أثرا للفكرة الّتي عبّر عنها كاسيرير 128الّذي يرى ّ
أن هناك روابط 1قويّة بين نم ّو
ي والفكر اللّغوي .فهما يفيضان من النّبع ذاته .وهذا النّبع يس ّميه "استعارة الجذر".129
الفكر األسطور ّ1
فاالستعارات اللّغوية تنمو بالطريقة نفسها اّلتي تنمو بها اآللهة لدى مختلف ال ّشعوب الّتي مازالت تعيش
على الطّبيعة .بل ّ
إن ال ّديانات القديمة كافة كانت تعتمد في األساس على اإليمان بقوّة االستعارة أي امكانية
130
التّطابق 1بين االسم و الشيىء.
تتعالق استعارة "اإلرهاب آفة" مع استعارة أخرى لتبني انسجام النّسق التّصوّري 1وهي استعارة
"اإلرهاب نبات" .فمن نفس اإلطار ال ّزراعي الّذي صدرت عنه استعارة "اإلرهاب آفة" تنشأ استعارة
أخرى وهي اإلرهاب نبات .فمن اآلفات كما رأينا أنواع من الحشائش و الشتالت المصابة ،وكذلك
األشجار 1الّتي تصيبها العدوى 1فهي تتحوّل بدورها إلى آفة وخطر 1مح ّدق ببقيّة الحقول المجاورة.
إن الخروج من التّصوّر المجرّد لآلفة وهو تص ّور 1عام ،وخف ّي ،وغامض ،وتجسيمها 1في تصوّر
ّ
النّبات أو ال ّشجرة الخبيثة المصابة بالعدوى 1يم ّكن من الح ّد من عواطف الخوف والهلع .وإنّنا وقتها 1بالضبط
نفعّل تجاربنا 1الماضية في التّعامل مع هذا النّوع من الخطر المحدق .وهي تجارب تطوّرت 1مع ال ّزمان
وتق ّدم العلم .و لئن حافظت على أسس التّجربة األولى في التّعامل مع هذه الحالة ،فهي تستفيد من تط ّور1
هذه التّجربة بحكم التّفاعل اليوم ّي وما تم ّكننا منه الكشوفات العلميّة من نتائج.
ع ال ّشيء من َأصله".فالح ّل يكمن في القلع بل في االجتثاث .والقل ُع في لسان العرب هو "ا ْنتِزا ُ
ع ال ّشجر من ُأصوله .و في التّنزيل طعُ؛ وقيل :قَ ْ
ط ُع الشيء من َأصله ،وقيل :انتزا ُ ث في اللّسان " القَ ْ
وال َج ُّ
ت بَأنها ال ُم ْنتزَ عة ال ُم ْقتَلَعة .قال وق اَألرض ما لها من قَرار .فُس َِّر ْ العزيز في الشجرة الخبيثة :اجْ تُثَّ ْ
ت من فَ ِ
ت جُثَّتُه بكمالها". ث الشي ُء في اللغةُ :أ ِخ َذ ْ ت من فوق 1اَألرض ومعنى اجْ تُ َّ الزجاجَ :أي ا ْستُْؤ ِ
صل َ ْ
واالستعارة المفهوميّة "اإلرهاب نبات" نجد لها تجلّيات استعاريّة لغويّة مختلفة مثلما تبيّنه األمثلة المختلفة
الّتي أوردناها .فتصوّرنا 1لإلرهاب على أنه نبات شيطان ّ1
ي يستح ّ
ق القلع واالجتثاث تجعلنا نتعامل معه
بجملة من االقتضاءات منها ّ
أن:
-له أرضيّة خصبة.
-وله منابع.
-وله جذور.
-وهو يتغذى وينمو ويترعرع. 1
انطالقا 1من ك ّل هذه االقتضاءات يشتغل ّ
الذهن في تأسيس التّصوّر بترسيم 1اإلسقاطات التصوّرية
المنقولة من المجال المصدر" النّبات الخبيث" إلى المجال الهدف "اإلرهاب" .فعبر 1هذه االستعارة
االنطولوجيّة نستطيع فهم تجاربنا 1عن طريق األشياء والمواد م ّما يسمح لنا باختيار 1عناصر تجربتنا1
80
ومعالجتها 1ككيانات محسوسة قابلة للتّكميم ،والتّحجيم ،والتّقييم .فيبنين نسقنا التصوّري من خالل ك ّل ذلك
مفهومنا للمجال الهدف اإلرهاب نسخا عن بنية المجال المصدر النّبات الخبيث كالتّالي:
إن بنينة التّصور 1من هذا الجانب تر ّكز باألساس على التّوصيف ،والتّعريف ،والتّحديد،
ّ ه
للبيئة التي توفّر األسباب المباشرة لظهور النّبات الخبيث الّذي يمثل آفة خطيرة ته ّدد بانتقال العدوى
بسرعة إلى بقيّة المزارع إذا لم يت ّم التّعامل معه .وإسقاطاتها 1في بنينتنا لتصوّرالبيئة الحاضنة لإلرهاب.
فكيف 1تم ّدنا التجربة بالحلّ؟ هنا أيضا تقع جملة من اإلسقاطات من المجال المصدر نحو المجال الهدف
ن
81
أن كلمتي " اجتثاث" و"قلع" تكرّرت في مداخالت النّواب بطريقة مكثّفة (نجتث،
نالحظ هنا ّ
اجتثاث ستة عشر مرة ) (نقتلع ،اقتالع ثماني مرات) .وقد عبّر عنها قانونيّا بالعقوبات الزجريّة القاسية
الّتي تصل ح ّد اإلعدام في نصّ القانون المكافئ تقريبا لالجتثاث .ومن هنا تكون خصوصيّة المدوّنة الّتي
اشتغلنا عليها باعتبار أنّها تمثّل نوعا خاصا من الخطاب السياس ّي الّذي يخصّ السلطة التشريعيّة بما لها
من سلطة تفويضيّة مباشرة من ال ّشعب .إذ يكتسب الخطاب واللّغة في هذه المدوّنة بعدا إنجازيّا 1311عندما
يتحوّل إلى نصّ قانون ّي ملزم 132وله سلطة نافذة باسم ال ّشعب .فيتحوّل الخطاب إلى فعل متض ّمن في القول
يكتسب به الفعل قوّة إنجازية فعليّة .واألفعال اإلنجازيّة عند أوستين 133مؤسسة على مواضعات من النّوع
القضائ ّي ،حيث تترتب على المتكلّم ،والمستمع 1حقوق وواجبات 1هما مطالبان بااللتزام بها .وهذا الجانب
التّداولي 1هو ما اهت ّم سلطان كوفيتش 1341بتطويره في نظريّة االستعارة المفهوميّة .فقد عمل على توسيع
النّظر في االستعارة باستيعاب األبعاد التداوليّة حيث تستم ّد االستعارة قوّتها من هذا التّقاطب المنتج للتوتّر
ولتو ّسع 1حركة المعنى بين الفعل القول ّي (فعل أن تقول) والفعل المتض ّمن في القول (ما أفعل وأنا أقول)
فما بدا في البداية استعاريّا يتحوّل في النصّ القانوني 1إلى أحكام و أشكال من العقوبات الزجريّة السّالبة
للحريّة والّتي تصل ح ّد اإلعدام.
فالصّور االستعاريّة الّتي تظهر غائبة في النصّ القانون ّ1
ي الملتزم بأعلى درجات التّجريد إنّما هي
فاعلة باألساس في األنساق التصوّرية االستعاريّة للمشرّع 1.وتظهر قوّة تأثيرها في المرحلة األساسيّة من
صياغة القوانين سواء بالمناقشات 1والمداوالت في اللّجان أو في النقاش العام بالجلسات العا ّمة .وهذا ربّما
وأن اللّغة المجرّدة هي مستوى 1ثان للّغة وهي نتاج
أن اللّغة االستعاريّة هي األصلّ .
يقودنا إلى افتراض ّ
التّفكير الواعي باألساس.
بعد هذه المالحظة ننتقل إلى وجه آخر من اإلسقاط االستعار ّ1
ي الستعارة "اإلرهاب نبات خبيث"
الّتي تتعلّق بالمرحلة األساسيّة من الح ّل ونعني الوقاية .فبعد عملية التص ّدي 1المفروضة بحكم استعجاليتها
لدفع الخطر القائم والّتي رأينا اقتضاءاتها 1وإسقاطاتها 1في الجدول السابق ،نلتفت إلى المرحلة األساسيّة من
الح ّل الّذي نستفيده من تجربتنا الطّويلة في مقاومة اآلفات ال ّزراعية .فالتّجربة تقودنا إلى أنّه الب ّد من
ّ
ولكن الحكمة في معالجة أسبابه سياسة وقائيّة .فالحكمة ال تتمثّل في مقاومة الخطر بعد تكوّنه وتغوّله،
131
performative
132
خطاب إلزام ّي prescriptive speech
133
John Langshaw Austin -
134
Zoltán Kövecses
82
ومنع حدوثه أصال .وتكون هنا بنينة استعاريّة تصوّرية ثانية بين المجال المصدر 1والمجال الهدف
تفاصيلها كالتّالي:
االهتمام بالمناطق المه ّمشة والمحرومة ،وبالفئات مداواة األرض لمنع حصول العدوى.
األكثر عرضة لالستقطاب خاصة ال ّشباب.
ي منالمحافظة على التع ّددية 1السياسيّة واالنفتاح الفكر ّ المحافظة على التّوازن البيئ ّي باعتبار ّ
أن للطبيعة
دون إقصاء .واحترام مبادئ حقوق اإلنسان .والحفاظ توازنها ال ّداخلي وهو ما تعمل عليه اليوم الفالحة
على التّوازن االجتماع ّي. البيولوجيّة.
هذه بعض األمثلة لما يمكن أن تكون عليه اإلسقاطات االستعاريّة من كثافة دالليّة .وم ّما تأخذه
معها من اقتضاءات واستلزامات متعلّقة بالمجال المصدر نحو المجال الهدف .وهنا تكون التّجربة والتّفاعل
مع المحيط هي األساس في عملية النّقل االستعاريّ .أي نقل مجال تجربة ثريّة سبق وأن تكونت لنا فيها
خبرة متراكمة إلى تجربة جديدة نفتقر فيها إلى التّجربة .وتكون عملية االستدالل عمليّة حاكمة في ك ّل ذلك.
إن عمليّة االستدالل الّتي يقوم بها متقبّل االستعارة تجعله مشاركا 1ومساهما بصفة جذريّة في إنتاج ال ّداللة
ّ
أن ما تنتجه من معنى إنّما يظهر وكأنه تحصيله الفكر ّ
ي والمعنى 1.ومن ذلك تكون أقرب لإلقناع 1باعتبار ّ
الذات ّي الخالص .إنّها تجعل ما يُس ّوق 1على أنّه حقائق داخل الخطاب وكأنّه ينبع من داخله عن طريق ما
تحقنه في ّ
الذهن من حوافز وموجّهات 1للفهم.
83
األوّل حيث المعنى ليس سوى عالقة مجرّدة بين الرّموز 1أوبين الرّموز 1والحاالت في العالم وال عالقة له
135
بكيفية اتّصال فهمنا بالجسد"
تجد االستعارة باعتبارها تمثّل لمجال على حساب مجال آخر في الجسد مجاال خصبا لتمثُّل
المفاهيم المجرّدة .وتُعتبر 1االستعارة الجسديّة 136فرعا من فروع 1االستعارة المفهوميّة .وهي تكون في
اتجاهين إ ّما تمثّل المفاهيم المجرّدة على أساس أعضاء الجسد ،أو تمثّل الجسد على أساس مجاالت أخرى.
وسننظر في استعارتين مفهوميتين تداولتا في مداخالت النّواب حول اإلرهاب ت ّمت فيهما بَنينَةُ هذا
التص ّور 1وتقريبه للفهم من خالل إدراكاتنا الحسيّة الحركيّة َمثّل "الجسد" فيهما المجال المصدر الّذي
ننطلق منه لتفعيل جملة من اإلسقاطات لفهم المجال الهدف "اإلرهاب".
I-2-1اإلرهاب مرض
المصدر مداولة عدد...ص.. التجلّيات االستعاريّة اللّغويّة
م.ع 39ص1352 -1فاإلرهاب له عدة منابع ،ودون استئصاله من جذوره سيبقى قائم ّ
الذات
حتّى في ظ ّل وجود 1هذا القانون.
م.ع 39ص1357
أن الظّاهرة اإلرهابيّة ومعالجتها يجب أن تم ّر -2أريد أن أنبّه الجميع إلى ّ
عبر معالجة اجتماعيّة واقتصاديّة وتنمويّة وبالخصوص بالمناطق 1والجّهات
ال ّداخلية.
-3اإلرهاب ظاهرة وهو مرض وككل مرض فإن لديه أسبابا واألمراض لها م.ع 39ص1363
أسباب وأعراض .وإن أردنا فعال مداواة المرض على أسس صحيحة فيجب
علينا أن نغوص في األسباب ونعرفها ألننا إذا اكتفينا بمعالجة األعراض .من
الممكن أن نس ّكن األلم نوعا ما ولكن عندئذ سيصبح مرضا مزمنا فما هي
األسباب الحقيقيّة لإلرهاب؟
-4مما تسبّب في تفشّي ظاهرة اإلرهاب وتوسع 1رقعته لتشمل الجبال والمدن م.ع 39ص1365
على حد السواء.
تخدم هذه االستعارة النّسق التصوّري 1الّذي تُبَنينُه استعارة "اإلرهاب ظاهرة" فهي تُواصل
التّدقيق ،وتحصر التّعريف 1.وهي بذلك تحاصر عواطف الخوف والفزع .فاإلرهاب مع هذه االستعارة
اليتع ّدى 1أن يكون حدثا دوريّا 1من الحاالت الّتي نعيشها 1في حياتنا اليوميّة .فإن كان التّحديد في استعارة
"اإلرهاب ظاهرة" بإسقاطات من تجربة تُحيل على عالقاتنا بالعالم الخارج ّي ،الظّواهر الّتي هي متع ّددة
سواء في العالم الماد ّ
ي وهو ما تبحث فيه العلوم الصحيحة مثل الفيزياء والكيمياء وعلم الفلك مثال ،أو في
وسطنا 1االجتماع ّي اإلنسان ّي وهو ما تبحث فيه العلوم اإلنسانيّة كعلم االجتماع وعلم النّفسّ .
فإن استعارة
"اإلرهاب مرض" تحيل إلى تجربة ذاتيّة يعيشها كل فرد منّا .وهي تجربة مجسدنة باألساس .فالمرض
135
- Lakoff
; Johnson ;1999; p78
136
-body metaphor
84
إنّما يصيب الجسد ،وله أسباب ،وتظهر 1له عوارض ،وهو حالة طارئة ،تستوجب التّشخيص والعالج،
وتقتضي 1التقيّد بوصفة الطبيب الخبير ،وتناول ال ّدواء ولو كان مرّاّ .
إن المرور في تأسيس التصوّر من
ي والظّواهر 1إلى اإلسقاطات ال ُمنتقية من تجربتنا الجسديّة يجعلنا نحسّ
إسقاطات تجربتنا مع العالم الماد ّ
بفهم أوضح للتص ّور 1ونستكنه ماهيته من داخلنا وتكون البَنينَةُ كالتّالي:
المجال الهدف :اإلرهاب المجال المصدر :المرض
اإلرهاب له أسباب. المرض له أسباب.
اإلرهاب له أعراض. المرض له أعراض.
يجب الغوص في األسباب وعدم ااٌل قتصار على ال يجب تسكين األعراض عن طريق أدوية مس ّكنة بل
األعراض أي تجاوز المعالجة األمنيّة إلى معالجة يجب التّوجه بالعالج إلى األسباب األصلية للمرض.
األسباب الحقيقيّة.
اإلكتفاء بالمعالجة األمنية ال يح ّل المشكل بل يجعله االكتفاء بمس ّكنات األلم يجعل المرض يتطوّر ويتحوّل
يتعقّد ويكبر إن لم نتوجه لمعالجة شاملة. لمرض مزمن.
العناصر التي ثبت تو ّرطها في اإلرهاب خاصة تلك العضو المريض الّذي تف ّشى فيه المرض ولو أنه من
المسؤولة عن التّخطيط والتّمويل والتّوجيه والقيادة جسدنا إال أنّنا يجب أن نبادر باسئصاله لضمان سالمة
والتّنفيذ يجب استئصالها وتنفيذ أقسى العقوبات في بقيّة الجسد .وهذا بحكم طب ّي.
حقّها .وهذا بحكم قضائي.
يربط اليكوف 1وجونسون استعارة الصّحة والمرض ارتباطا 1وثيقا بتصوّراتنا 1األخالقيّة .فك ّل
تصوّراتنا األخالقيّة المجرّدة مبنية استعاريّا حيث تلعب الصحّة بالنسبة إلى غالبية النّاس دورا 1هاما في
حياتهم حياة سعيدة .وعليه ليس من المدهش العثور على استعارة "الصحّة رفاه" ومن التّبعات الحاسمة
أن الالّأخالق مرض كالطّاعون إذا تركناه انتشر في المجتمع ،وأصاب الجميع بالعدوى1.
لهذه االستعارة ّ
وهذا يتطلّب تدابير قويّة لحفظ الصحّة األخالقيّة من قبيل الحجر الصحّي والتّطبيق 1الصّارم لإلجراءات
وإن هذا يتطلّب عزل الناس غير المتخلّقين عن الناس المتخلّقين مخافة أن
الّتي تضمن النّقاء الصحّيّ .
137
يصبحوا 1غير متخلقين بدورهم . 1وهذا المنطق 1يعطي األسبقية لألدلّة على ارتكاب الجرم بالمشاركة"
I--2-2اإلرهاب جسد
ترجع ك ّل هذه التّجليات االستعاريّة اللّغوية إلى استعارة مفهوميّة واحدة وهي "اإلرهاب جسد" له
عنق ،وله وجه ،وله خاليا .وتم ّكننا هذه االستعارة األنطولوجيّة الّتي يعتبرها المؤلّفان من االستعارات
األولى الّتي نتعلّمها في ّ
سن مب ّكرة .ونخصّص من خاللها األشياء واألفكار 1المجرّدة كما لو كانت شخصا.
وهذه االستعارات تسمح لنا بفهم عدد كبير ومتنوّع من التّجارب عن طريق 1الحوافز والخصائص
واألنشطة البشريّة .ويعتبر 1التّشخيص 138مقولة عامة تغطّي عددا كبيرا ومتنوّعا من االستعارات .وهي
تسمح لنا بأن نعطي معنى للظّواهر في هذا العالم عن طريق ما هو بشريّ ،فالنّظر 1إلى شيىء مجرّد عن
139
ي له سلطة تفسيريّة تش ّكل بالنّسبة إلى غالبيتنا الوسيلة الوحيدة إلعطائه معنى
طريق 1ما هو بشر ّ
ونحن نرصد ذلك بوضوح في األمثلة السّابقة الّتي أوردناها 1لالستعارة المفهوميّة "اإلرهاب جسد"
حيث يسند لإلرهاب جملة من الخصائص واألفعال 1واألنشطة البشريّة .فهو يولد ،وله حاضنة ،وله غطاء،
فالخاصيّة األولى لهذه ّ
ويتغذى ،ويتسرّب ،ويقرع األبواب ،ويعبر 1الحدود.... وكساء ،ولحاف،
االستعارة المفهوميّة هي التّدقيق والتّخصيص 1.فهي صريحة ومباشرة في تعيين اإلرهاب ال كممارسة
للعنف مجهولة المصدر ،أو ضبابيّة النّسب .بل هي تمضي 1مباشرة التّهام أطراف 1معيّنة تعتبرها المسؤولة
باألساس .فاإلرهاب 1له وجه واضح مكشوف ،وله كيان مجسّد .وتتجاوز ذلك إلصدار الحكم أي استئصاله
وإقصاؤه من الحلبة السياسيّة حيث يجب ضرب عنقه.
إن آليّات اشتغال النّسق التصوّري 1ليست آليّات ذهنية متعالية عن الجسد والتّجربة .بل كما رأينا
ّ
هي متّصلة أش ّد االتّصال بتجرتنا 1الحياتيّة في العالم والمحيط ،ومتأصّلة تمام التأصّل في تجربتنا 1الجسديّة.
personification
138
139
االستعارات التي نحيا بها ،ص 54-53
86
وهذا بالضبط ما يثبته العلم العرفن ّي .واللّسانيات العرفنيّة هي حقل أساس للتّدليل على ذلك وخاصة في
دراسة البنينة االستعاريّة وبناء نسقنا التصوّري بصفة عامة.
87
الفصل الثّاني :االستعارة في الخطاب السياس ّي
ي خطاب جدال ّي باألساس يعمل على اإلقناع ،وكسب الرّأي العام لصالح ّ
إن الخطاب السياس ّ1
أطروحته .و يعمل في نفس الوقت على دحض أطروحة الخطاب المعارض ونسف 1حججها .وتوجد في
قلب السياسة عمليات تشتمل على اكتساب السّلطة ،والحفاظ عليها ،والتّفاوض بشأنها ،وممارستها 1،وفقدها.
تقول الباحثة ايلينا سيمينو..." 1واحدة من الطرق 1الرئيسيّة الّتي يمكن بها الحصول على السلطة واالحتفاظ
بها أو تقليصها هو التّأثير في وجهات نظر اآلخرين وسلوكهم 1،أي بمعنى جعل اآلخرين يتبنّون وجهات
نظر(ربّما 1تؤ ّدي إلى أفعال) تحمل مزايا ألفراد أو جماعات أو غايات بعينها .بصياغة أخرى ّ
فإن الغاية
البالغيّة العا ّمة لإلقناع هي مركزيّة للكثير من األفعال السياسيّة .واللّغة واحدة من األدوات األساسيّة
88
ي أنّه خطاب مقطّع ّ
يتعذر 1في لتحقيق هذا الهدف العا ّم" 140.كما ّ
أن من أبرز خصائص الخطاب السياس ّ1
الغالب اإلمساك به في كلّيته ،بما أنّه يتغيّر حسب الخطابات المناصرة والخطابات المعارضة .وباعتبار1
السّياق المكاني وال ّزماني والجمهور المخاطب .وفق ذلك يحاول الخطاب السياس ّي دوما 1إعادة تشكيل
مجموعة من التّمثيالت المتناقضة .وهذا يقوده إلى إنتاج لغة متع ّددة األبعاد.
وسنتعامل 1مع خطابات النّواب بوصفها 1ظواهر لغويّة ،أي طرق 1معيّنة للكالم عن أبعاد معيّنة
للواقع في سياقات وممارسات اجتماعيّة وسياسيّة معيّنة .وسنتعامل 1مع االيديولوجيّات بوصفها ظواهر1
معرفيّة ،أي صياغات مفهوميّة مشتركة ألبعاد معيّنة من الواقع تُبنيَن من خالل استعارات مفهوميّة تعكس
تمثيالت ذهنيّة طويلة المدى.141
فكيف 1مثّلت االستعارة المفهوميّة األطروحات 1الحجاجيّة المتقابلة؟ وكيف كانت ركيزة أساسيّة في
الجدال السياس ّي القائم داخل البرلمان من خالل النّقاشات الّتي كان مدارها اإلرهاب في الجلسات العا ّمة
الساخنة إثر الحوادث الرهيبة الّتي وقعت في تونس سواء حادثة باردو 1أوسوسة ،وكذلك في المداوالت
الخاصة بالمصادقة على قانون مكافحة اإلرهاب وغسيل األموال؟
ّ
"إن االستعارات نادرا ما تكون محايدة فإنشاء 1شيء بمفردات شيء آخر تنتج عنه وجهة نظر
معيّنة حول ال ّشيء موضوع التّساؤل .وينطوي غالبا على اتّجاهات وتقييمات مح ّددة .وبمفردات نظريّة
142
االستعارة المفهوميّة ّ
فإن االستعارات تبرز بعض أبعاد المجال الهدف وتخفي أخرى"
ويكشف 1لنا تسليط الضّوء على االستعارات الثّاوية لتصوّر اإلرهاب في مداخالت نوّاب ال ّشعب
عن تص ّورين رئيسيين ينطلقان من ثنائيتين متداخلتين هما ثنائية تكثيف العواطف وتنسيبها من جهة،
وثنائية التّعميم والتّخصيص من جهة ثانية .حيث يتعاضد 1التّكثيف مع التّعميم في ما يندمج التّخصيص مع
- 140إيلينا سيمينو ،Elena seminoاالستعارة في الخطاب ،ترجمة عم1اد عب1د اللطي1ف -خال1د توفي1ق ،المرك1ز الق1ومي
للترجمة ،لقاهرة -مصر ،ط ،2013 ،1ص 190
ّ -141نقصد بالتّمثيالت ّ
الذهنية 1طويلة المدى الخطاطات والمجاالت التصوّرية التي تشكل خلفيتنا المعرفيّة ورؤيتنا للعالم ،في
مقابل التّمثيالت ّ
الذهنية قصيرة المدى التي نكوّنها أثناء معالجة نصّ معين.
- 142إيلينا سيمينو ،2013 ،ص 80
89
التّنسيب .وهما في النّهاية عمادا األطروحتين 1الرئيسيتين اللّتين يدور بينهما السّجال ،والجّدال .وتتراوح1
المواقف 1بينهما من االعتدال إلى التحيّز إلى إحدى األطروحتين .ونبينهما كالتّالي:
تقوم هذه األطروحة على التّعميم باعتماد استعارة "اإلرهاب ظاهرة" حيث يق ّدم على أنه ظاهرة
مر ّكبة ،ومعقّدة ،وعابر للحدود.
"فاإلرهاب ظاهرة عالميّة طالت الجميع في ك ّل الدّيانات وفي ك ّل الدّول وك ّل الفئات" 143كما ّ
أن
"االرهاب في تونس لم يكن مستحدثا عرفت تونس عمليّات إرهابيّة قبل الثّورة ...كما أنّ هذه الظّاهرة
144
ظاهرة عالميّة وليست محليّة"
هو إذا ظاهرة ممت ّدة في ال ّزمان والمكان .وال يمكن أيضا أن نح ّدده بفكر معيّن حيث يستعير النّائب
عن حركة النّهضة عبد اللطيف المكي حكاية من مفارقات حادثة باردو ليبرهن عن فكرته ّ
بأن اإلرهاب
ليس له دين أو هويّة أو فكر .فهو يضرب في كل مكان وتحت ألوية مختلفة تمام االختالف يقول:
"أبدأ بحادثة باردو األليمة عندما ذهبت مع مجموعة من النّواب لمواساة من بقي من ال ّ
سياح ،وجدت
جنراال كولومبيا بجانب جثتي زوجته وابنه قيل لي بأن هذ الجنرال كانت له صوالت وجوالت في كولومبيا ضد
اإلرهاب المتمثّل أساسا في الق ّوات المسلّحة الثّوريّة الكولومبيّة ذات االنتماء الماركس ّي الشيوع ّي ،هذا الجنرال
انتصر في كولومبيا على اإلرهاب الملتحف بالماركسيّة .وجاء لتونس ليسدّد له اإلرهاب الملتحف باإلسالم
ضربة قاسمة.
في األيام األخيرة في تركيا اغتيل أحد المدّعين العامين بال ّرصاص من طرف مجموعة إرهابيّة ترفع شعار
المنجل والمطرقة ،ما االستنتاج من هذا؟ هو أن اإلرهاب ال يمكن أن نع ّرفه بالفكر الّذي يلتحف به بل ال ب ّد
145
أن نع ّرفه بشيء آخر سأذكره".
هذا النصّ المليء باالستعارات ،والّذي نعتبره في ح ّد ذاته استعارة تمثيليّة إنّما هو يغرق في
التّعميم .ويص ّور اإلرهاب ظاهرة عالميّة بدون حدود ،وبدون هويّة ،وبدون مرجعيّة دينيّة ،وبدون فكر.
فيظهر 1اإلرهاب كائنا له ألف وجه يجيد االختفاء والتن ّكر 1.وله أقنعة عديدة من الماركسيّة إلى اإلسالم .وهو
ممت ّد في ال ّزمان والمكان من كولمبيا إلى تركيا إلى تونس .فهو 1يتجاوز الحدود التّونسية ليشمل كافة العالم.
تستفيد األطروحة من استراتيجيّة التّعميم لتبعد عن نفسها ما تراه أمامها من حمالت االتّهام بالوقوف وراء
اإلرهاب فكريّا وسياسيّا باعتبارها الطرف األقرب للفكر ال ّديني .وتخوض صراعها ض ّد خصومها 1الّذين
- 143مداوالت مجلس نواب الشعب – الدورة العادية األولى 2015-2014الم ّدة النّيابية األولى 2019-2014الجلسة
التّاسعة والثّالثون ( )39بتاريخ 22جويلية -2015ص 1358مداخلة النائب األخضر بلهوشات عن حركة النهضة
- 144مداوالت مجلس نواب الشعب – الدورة العادية األولى 2015-2014المدة النيابية األولى 2019-2014الجلسة
التاسعة والثالثون ( )39بتاريخ 22جويلية -2015ص 1361مداخلة النائب فريدى العبيدي عن حركة النهضة
- 145مداوالت مجلس نواب الشعب – الدورة العادية األولى – 2015-2014المدة النيابية األولى 2019-2014الجلسة
التاسعة والثالثون ( )39بتاريخ 22جويلية -2015ص 1359
90
ي الّذي يرغبون في إضعافه ،والتّقليص من حجمه
يرون فيها المنافس اإليديولوج ّي والسياس ّي القو ّ
ي لصياغة التصوّر الّذي
االنتخاب ّي ،وحجمه المقلق في البرلمان ،وتمثّل االستعارة مدار هذا الصراع القو ّ
يخدم أهدافها .فتبعث من وراء االستعارات المع ّممة رسائل :منها اعتبار اإلرهاب ليس شأنا وطنيّا بل له
امتداداته ال ّدولية ،ومنها أنّه لم يظهر في السنوات األخيرة فقط بل هو يتجاوز ذلك بكثير .وإن كان األمر
كذلك فهذا كفيل بتبرئتها من ك ّل اتّهام .وهذا نجد صداه في مداخلة النّائب عبد اللطيف المكي حين يواصل1
قوله:
" ما هو اإلرهاب؟ هو أطروحة معادية للدّيمقراطية ،الدّيمقراطية هي اعتراف باالختالف وإدارة له
بصفة سلميّة .اإلرهاب هو إنكار لالختالف وتصفية للتنّوع بالقوة .هذا هو اإلرهاب في جوهره يجب أن
نتوحد على أساس هذا الفهم لنقاوم هذا اإلرهاب باستراتيجيّة ...وطنيّة متكاملة....حركة النّهضة تقع بين
ّ
ي والسياس ّي نار اإلرهابيين الّذين يتّهمونها بالتّحريض والتّكفير
نارين متقاطعتين نتيجة النتمائها الفكر ّ
وغيره وعديد من قادتها منهم أمينها العام األخ علي العريض مستهدف في أكثر من قائمة ويعيش تحت
حراسة قوات األمن ،وبين نار الّذين ال يتّفقون مع حركة النّهضة في األطروحة الفكريّة ويهاجمونها
146
ويلفقون لها التّهم ،ويرفضون االحتكام للمرجعيّات الوطنيّة مثل وزارة الداخليّة والقضاء"
تظهر مع تق ّدم الخطاب الجدال ّي استعارة جديدة وهي "اٍإل رهاب أطروحة ُمعادية لل ّديمقرطية" .هذه
االستعارة توسّع دائرة المتجادلين ،بل هي تضع ح ّدا فاصال بين فريقين هما اإلرهاب وال ّديمقراطية .وهنا
أن المتح ّدث واألطروحة الّتي يصدر منها ،ويدافع 1عنها ،إنّما هم
تمرّر هذه االستعارة اقتضا ًء ضمنيا وهي ّ
أن ال ّديمقراطية تقوم على االختالف.
صف ال ّديمقراطية .ث ّم تم ّر االستعارة لتَبني مق ّدمة أخرى وهي ّ
ّ في
أن من ال يقبل االختالف من األعداء االيديولوجيين ال ّداعين
وينتج عن هذه المق ّدمة اقتضاء جديد وهو ّ
لتصفية التنّوع بقوّة إرهابيّون ألنهم ممارسون للعنف واإلقصاء .وهنا يتحوّل تصوّر اإلرهاب ليصبح مح ّل
ي بين خصوم تاريخيين في الفكر ،وااليديولوجيا 1.وليصير سالح تصفية خطير .و تلعب
جدل ايديولوج ّ1
االستعارة وفي 1ما تحمله معها من اقتضاءات لعبتها الخطيرة حين تتحوّل عند السياسيين إلى سالح ،وحين
توظّف 1كآلة للتّضليل ،ولخلط األوراق ،وال ّدمج بين سياقات مختلفة تمام االختالف.
تقوم االستراتيجيّة الثّانية لهذه األطروحة األولى على تكثيف 1العواطف ،عواطف الخوف والفزع.
وتستفيد 1في ذلك من استعارة "اإلرهاب آفة" الّتي تعبّر بصفة الواعية عن مشاعر طبيعيّة بالخوف نتيجة
للحوادث اإلرهابيّة الفظيعة الّتي ت ّمت .وما نتج عنها من خسائر ثقيلة في األرواح .وما خلّفته من حالة
حزن عامة .وما سكن في النفوس من شعور بخطورة التّهديدات .وقد نزل اإلرهاب من الجبال إلى قلب
المدن .ومسّ مناطق حسّاسة من البالد .تستفيد هذه األطروحة من االستعارات الّتي تكثّف من عواطف
الخوف والفزع من المجهول .كما كانت تستفيد من ال ّدفع باالستعارات 1المع ّممة .باعتبار اإلسقاطات
النتيجة
فهذه استعارة معقّدة تدمج استعارتين في حكم واحد ،والنّتيجة على المقاس .كم هي االستعارات
"مخادعة" ،و"مخاتلة" ،و"ماكرة" .إنّها السّالح األقوى للسياسيين .ث ّم ّ
إن هذه األطروحة وهي تُمارس
جدالها االيديولوج ّي التنسى في نفس الوقت أن ترفع عقيرتها بالصياح وعبر استعمال استعارة "اإلرهاب
نبات" إلى اجتثاثه من جذوره .فهي في مق ّدمة الجيش المتق ّدم لمحاربة اإلرهاب .وهذه بدورها 1في التّحليل
الذهن الّذي يشعر 1بثقل االتهامات وإن كانت ظالمة ليبعدها
النفس ّي من االستراتيجيّات الخفيّة الّتي يمارسها ّ
عن نفسه فينادي 1بأقسى العقوبات للمتّهم الخف ّي الذي أوقعه في هذه الورطة .إذن هي في نفس الوقت الّذي
تصرخ فيه بالحرب على اإلرهاب تجد ّ
أن هناك وقتا 1كاف أيضا لتواصل نضاالتها 1اإليديولوجية القديمة.
فلنرم 1خصومنا في ش ّ
ق األعداء ولنحارب بعد ذلك.
هذا على صعيد 1األطروحة األولى وكيف بنينت فيها االستعارات 1خطاطتها الحجاجيّة .فماذا عن
الجهة المقابلة ،وفي األطروحة األخرى الّتي تبني بدورها 1استراتيجيّة هجوميّة مع ّززة بترسانة من
االستعارات 1الفتّاكة؟
93
سكان ولترويع الشّعوب وتقويض بناء الدّولة
"اإلرهاب هو ممارسة للعنف ،ممارسة للعنف لترويع ال ّ
والمجتمع واألسرة وكل مك ّونات ما راكمته البشريّة من تقدّم .يريدون إرجاعنا إلى التص ّور ما قبل القبل ّي
148
ي الّذي مازالت فيه المك ّونات البدائيّة"
والماقبل العشائر ّ
أن للنّسق
وهنا نجد استعارة اتّجاهية تحكم مفهومنا 1لل ّزمن .وهي استعارة مفهومية أوّلية حيث ّ
ي لل ّزمن في اللّغة بنية .وهي االستعارة األكثر قاعديّة بالنسبة إلى ال ّزمن تتل ّخص في وجود
االستعار ّ
مالحظ يواجه المستقبل و(المستقبل أمامه) والماضي 1خلفه .ونس ّمي 1هذه البنية "استعارة التّوجيه
ال ّزمني" 1491وتكون استعارة التّوجيه ال ّزمني 1501كالتّالي:
تنضوي 1داخل هذه االستعارة األوّلية لتص ّور 1ال ّزمن استعارة ضمنيّة لإلرهاب وهي "اإلرهاب
ارتداد للماضي" 1.ومن هنا تموقع 1األطروحة نفسها ضمن القوى التق ّدمية .وتتّخذ موقع 1ال ُمالحظ في البنية
االستعاريّة للزمن المتّجه إلى المستقبل تاركا الماضي 1وراءه .وتُظهر أيضا من وراء ذلك اإلرهاب
ال ُمتجسّد يمضي 1في االتّجاه المعاكس تماما أي ّ
أن ظهره للمستقبل وهو ماض في طريقه إلى الماضي1
السحيق محاوال ج ّر الجميع إلى هوّة الماضي معه .وهنا تبرز استعارة أخرى قاعدية لل ّزمن وهي "ال ّزمن
طريق" 1.بهذا الشكل تتراكب االستعارات حاملة معها جزيئات كثيرة لتر ّكب استعارة معقّدة وواسعة.
ي ال ُمعقّد من خالل خطاطة المصدر -المسار -الهدف ويشتغلّ 1
الذهن في تركيب هذا التص ّور 1االستعار ّ1
حيث تتكوّن هذه الخطاطة من العناصر 1التّالية:
عاب
---------------------------
الهدف ر المصدر1
عا :عابر يتحرّك.
موقع مصدر( 1نقطة االنطالق).
هدف ،أي المكان الذي يقصده العابر.
المسار الفعلي للحركة.
- 148مداوالت مجلس نواب الشعب – الدورة العادية األولى – 2015-2014المدة النيابية األولى 2019-2014الجلسة
التاسعة والثالثون ( )39بتاريخ 22جويلية -2015ص1359-1358
149
- the time orientation metaphor
150
- Lakoff ; Johnson ;1999 ;p129
94
موقع العابر في زمن معيّن.
اتّجاه العابر في الزمن.
151
الموقع الفعلي النهائ ّي للعابر ،الّذي قد يكون أو ال يكون هو المقصود.
والحركة على خطّ ال ّزمن إنّما تحكمها إسقاطاتنا 1الجسديّة .وهذا دليل واضح ج ّدا على الطّريقة التي
تش ّكل بها أجسادنا 1البنية التصوّرية فـ"أمام" و "وراء" مرتبطة بأجسادنا .فنحن ننظر إلى أمثلة من قبيل
"أمام كذا" و"وراء كذا" بارتباطها 1بوضعيّة أجسادنا .فنحن تالزمنا "أمامات" و"وراءات" 1لذلك كانت
االستعارات 1ال ُمجسدنة تخدم انسجام التص ّور 1في هذه البنية التصوّرية لإلرهاب في "استعارة اإلرهاب
ارتداد للماضي" 1.وهذا يدخل في مجال التّرابطات االستعاريّة حيث تمثّل التّرابطات بين المجاالت
مجموعة من التّناسبات النّسقية 152بين المصدر والهدف .بالمعنى 1الّذي تكون فيه سمات العناصر 1األساسيّة
للمصدر" 1ب" توافق سمات العناصر األساسية للهدف"أ" .وتتض ّمن هذه التّرابطات مجموعتين من
-تتعلّق خاصة بالمعارف الموسوعيّة -وانطولوجيّة .فجسدنة تص ّور اإلرهاب هو 153
التّناسبات معرفيّة
الذهن بطريقة الواعية في إقامة هذه التّناسبات االنطولوجيّة الّتي يتطلّبها اتّساق
من باب ما يشتغل به ّ
النّسق التصوّري .وتفرضه هنا خطاطة المصدر-المسار-الهدف ،والحركة على خطّ ال ّزمن .
إذن يشتغل ّ
الذهن انطالقا من هذه االستعارة في إطار عا ّم تصوّري للمعرفة ولمسار 1ال ّزمن.
فاإلرهاب 1رؤية مغرقة في الماضويّة ،والرّجعية .وتعبير 1عن العقل المتج ّمد عند الفهم المتش ّدد،
والمنحرف ،للنصّ المؤسّس .ينظر إلى التّاريخ على أنه َمضيعة للحقائق المطلقة .وأنّه كلّما تق ّدمنا في
ال ّزمن فإنما 1نبتعد عن مصدر النّور ونغرق في الظّالم .و يصبح التق ّدم مفهوما لالنحراف عن الحقيقة فهو
بدعة .فاإلرهاب من خالل هذا التص ّور 1عد ّو سائر نحو مجاهل الماضي 1الّذي ال يعترف 1بك ّل ال ُمنجزات
البشريّة الحديثة .ويريد 1أن يوقف 1عجلة التّاريخ بل ويُرجعها إلى الوراء البعيد .وهو يملك في ذلك آلة
ال ّزمن حيث تغسل األدمغة ،ويستقطب الشباب بمجرّد الدخول إلى تلك اآللة .وهي آلة تسيطر 1عليها عقول
مد ّمرة ،ومخطّطة ،وتملك القوّة واالمكانيات 1.هي اآللة الّتي عبّرت عنها استعارة "اإلرهاب آفة" وكذلك
استعارة "اإلرهاب صناعة" اللّتان سبق وأن فصلنا فيهما القول.
هذه االستعارة إذن تُق ّدم مقدمتها األولى وهي ّ
أن اإلرهاب مشروع 1رجع ّي .وإن كان اإلرهاب
كذلك فاالقتضاء الرئيس ّي لذلك أنه يستهدف 1باألساس القوى التق ّدمية الّتي موضعت األطروحة نفسها
كممثّلة رئيسيّة لها .وهي وإن بدت تعمل على تخصيص تصوّر اإلرهاب فإنها داخل هذا التّخصيص
تحاول حشر خصومها 1داخل التص ّور 1المشيطن .وإن بدا خطابها استعاريّا 1في البداية فإنها وفي إطار
اندفاعها لكشف خصومها 1تتوجّه إليهم باالتّهام المباشر 1وذلك ما نجد في مداخلة النّائب منجي الرّحوي:
151
- Lakoff
; Johnson ;1999 p40
152
- systematic correesspondences
153
-epistemic
95
" إنّ اإلرهاب وفي خصوصية تونس ّ
بالذات له غطاء وحاضنة سياسيّة ،نذكر منذ ثالث سنوات
ي في مجلس الشورى لحركة النّهضة كان يدافع على تنظيم إرهاب ّي خلت هنا في هذا المجلس ّ
بالذات قياد ّ
وهو أنصار الشريعة .ثالث سنوات م ّرت زعيم من زعماء أنصار الشريعة يفلت ويت ّم تخليصه من قبضة
األمن بتعليمات أمين عام حركة النّهضة ،الب ّد أن نقول أنّنا نعمل على تحويل كل األحزاب إلى أحزاب مدنيّة
154
حقيقيّة تقطع مع التص ّورات الّتي تكون متردّدة"
تقوم هذه األطروحة في تأسيس تصوّرها لإلرهاب على التّخصيص في المكان وال ّزمان .المكان
هو تونس والزمان منذ ثالث سنوات خلت .من هنا يكون التّواجه بين األطروحتين وكما تبيّنه السّياقات1
اللّغوية واالستعاريّة كالتّالي:
األطروحة الثانية األطروحة األولى
ّ
إن اإلرهاب وفي خصوصية تونس بالذات له غطاء اإلرهاب ظاهرة عالمية طالت الجميع في كل الديانات
وحاضنة سياسية. وفي ك ّل الدول وكل الفئات.
نذكر منذ ثالث سنوات خلت هنا في هذا المجلس بالذات االرهاب في تونس لم يكن مستحدثا عرفت تونس
قيادي في مجلس الشورى لحركة النهضة كان يدافع عمليات إرهابية قبل الثورة كما أنّ هذه الظاهرة
على تنظيم إرهابي وهو أنصار الشريعة. ظاهرة عالمية وليست محلية.
لإلرهاب وجها واضحا ومكشوفا. ظاهرة معقّدة غير ّ
محدة المعالم.
تحصر 1هذه األطروحة تصوّرها في أطر مح ّددة مكانيّا وزمانيّا 1.وتكشف 1الغطاء بصورة مباشرة
عمن تعتبره يتحم ّل المسؤوليّة السياسيّة في دعم اإلرهاب بل وتعتبره ال ّداعم األساس ّي له .وهي عبر
التّخصيص تختزل التصوّر المتع ّدد األبعاد لإلرهاب الذي ق ّدمته االستعارات المفهوميّة في األطروحة
األولى .لتق ّدمه في شكل استعارة مجسدنة مح ّددة المالمح ،واضحة المعالم لحقيقة ُمفترضة تعمل على
ي ترسيخها 1وإقناع ال ُمتابعين لخطابها بها .وهي ّ
أن اإلرهاب يساوي ضمن ما يُساوي خصمها االيديولوج ّ1
والسياس ّي.
وهي تنزع في ذلك إلى التّحديد والتّدقيق 1عن طريق التّشخيص عبر االستعارات الجسديّة مثلما
نجده في مداخلة النائب أيمن العلوي عن الجبهة الشعبية:
" التّعميم مخطر ومقلق ألنه ينسينا أنّ لإلرهاب وجها واضحا ومكشوفا ،له دول تدعم تنفيذ
سلطة وخارجها ،وأئمة تدعو له وسفّرت ابناءنا إلى
مشاريعه التقسيميّة ،لديه في تونس أحزابا في ال ّ
155
معاقل القتل أحزاب وتيّارات سياسيّة مصالحها متشابكة مع االرهاب وهم على عالقة مع االرهاب"
تمارس االستعارة هنا لعبة الكشف من خالل التّخصيص في مقابل ما تعتبره في طرحها
الحجاج ّي أطروحة أخرى تمارس لعبة التّعميم والتخفّي .ويظهر 1التخفّي واضحا من خالل استعارات
- 156أرنست كاسيرير،اللغة واألسطورة ،تعريب سعيد الغانمي ،هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث،المجمع الثقافي،أبو ظبي،
2009
97
تبني االستعارات المتع ّددة في هذه األطروحة تصوّرا مح ّددا لإلرهاب يجعل من اإلسالميين
وحركة النّهضة الخصم االيديولوج ّ1
ي تيّارا محاصرا ومشكوكا 1فيه باستمرار 1.وتعمل جاهدة على إخراجه
من الحاوية الوطنيّة الّتي بيّنا كيف تحاول األطروحة األولى جاهدة أن تكون داخلها .هي تُحاصرها من
وجهات كثيرة بالرّبط بين الوقائع على األرض الّتي تجد فيها قرائن ما ّدية .وبتحميلها المسؤولية السياسيّة
ّ
باعتبارأن لها نفس باعتبارها تمارس السلطة .وكانت على رأس هذه السلطة .وكذلك وهذا هو األساس
المناهل الفكريّة لإلرهاب الملتحف باإلسالم حصرا فيبنى 1االستدالل كالتّالي:
اإلرهاب يلتحف باإلسالم. -
النّهضة تلتحف باإلسالم. -
اإلرهاب والنهضة شيء واحد. -
تزيد هذه األطروحة ضُغوطها .فتُص ّعد 1خطابها الجدال ّي االتّهام ّي بإسقاطات استعاريّة تحوّل
االتّهامات إلى حقائق .وهي تمارس أيضا التّعميم الّذي تحاربه أطروحتها 1في األساس حيث تصل إلى
أن اإلرهاب له مرجعيّة دينيّة إسالميّة .وبالتّالي 1فك ّل من يعمل من
نتيجة تبدو 1منطقيّة وواضحة .وهي ّ
داخل تلك المرجعيّة هو داخل حاوية اإلرهاب.
98
االتّجاهين .ويح ّدد شيلتون 157ثالث وظائف رئيسيّة ربّما تستخدم االستعارات والتّعابير اللّغوية لتحقيقها في
158
السياسة :القسر ،وإضفاء ال ّشرعية وسحب ال ّشرعية ،والتّمثيل وإساءة التّمثيل.
ويتعلّق 1القسر بالتّأثير 1في سُلوك اآلخرين من خالل إصدار األوامر ،أو وضع األولويّات،
أوإصدار 1القوانين .ونزع ال ّشرعيّة يتعلّق بتأسيس مصداقيّة المرء أو اآلخرين أو تقويضها 1بوصفهم
ممسكين بالسّلطة ،أو أشخاصا يستحقّون أن يُطاعوا الخ .وإساءة التّمثيل تتعلّق بالتح ّكم 1في قدر 1المعلومات
الّتي يتلقّاها اآلخرون وطبيعتها 1،وباستدعاء وجهات نظر معيّنة للواقع .ووفقا لشيلتون ّ
فإن التّعبيرات
أن تأويل هذه التّعبيرات يشتمل على
االستعاريّة تنخرط 1على وجه التّحديد في وظيفة التّمثيل ،نظرا إلى ّ
إسقاط المادة من مجاالت المصدر 1إلى مجاالت الهدف بما فيها على وجه التّحديد أنماط االستدالل .كما ّ
أن
الوظائف 1الثالث االستراتيجيّة الرئيسيّة للّغة في السياسة ترتبط بشكل وثيق .فمن خالل استدعاء تمثيالت
استعاريّة معيّنة للخصم كما رأينا في األطروحتين تعمل على سحب الشرعيّة منه وتقويض مصداقيته.
فإنّها في نفس الوقت تستهدف 1اضفاء ال ّشرعية على نفسها.
تمثّل االستعارة في ك ّل هذه الطروحات 1الجداليّة ال مجرّد وسيلة إقناع ودعاية من ناحية أو وسيلة
لضرب الخصوم 1من ناحية ثانية وتبكيت حججهم وإظهار تهافت أرائهم وأفكارهم .إنّما هي الوسيلة
األساسيّة لبناء الخطاب الجدال ّي .وهي إذ تُبنين تصوّراتها 1إنّما تصدر 1في جانب كبير منها عن الجانب
الذهن .فاالستعارات الّتي يستخدمها السياسيّون تستغ ّل كالّ من المعتقدات الواعية
الالّواعي في ّ
واالرتباطات االنفعاليّة غير الواعية كي ترسم تمثيالت سُلطويّة معيّنة للمتكلّمين أنفسهم وللجمهور 1الّذي
يخاطبونه .وهذا الصّراع ال ّدائر بين االستعارات إنّما مداره ما يترتّب على هيمنة استعارة ما على موقف1
ما من نتائج خطيرة تخصّ ما يجب فعله ،ومن يجب عليه أن يفعله.
بول شيلتون ) Paul Anthony Chilton (1945-...أس11تاذ الّلس1انيات واللّغ11ة األنقليزي11ة بجامع11ة النكاس11تر 157
Lancaster University
158
;- Paul Anthony Chilton, Analysing Political Discourse : Theory and Practice, London
Routledge; first published.2004, p45-46
99
الفصل الثّالث
االستعارات التص ّورية لإلرهاب
في الح ّد والفهم والتّأويلـ
162
-- Lakoff ; Johnson;1999 ;p72
102
وقد 1الحظنا من خالل متابعتنا لالستعارات المفهوميّة الّتي بلورت تصوّر اإلرهاب أنّها تتحرّك
في ُمسترسل يبدأ من التّجريد ال ُمغرق في المجهول ويتحرّك نحو المحسوس الما ّدي المعلوم 1.ويمكن أن
نبني هذا المسترسل 1على النّحو التّالي :
مجرد
ّ اإلرهاب اإلرهاب اإلرهاب اإلرهاب اإلرهاب اإلرهاب اإلرهاب ملموس
104
إن تسليط الضّوء على بعض جوانب التصوّر واإل ّدعاء ّ
أن هذا الجانب أو ذاك هو ّ 163
لاليديولوجيّات".
الحقيقة هو ما يصنع االيديولوجيا 1.وهذا خطير خصوصا إذا تعلّق ببيئة فكريّة تنطلق من مسلّمات الرّؤية
ي ومطلق .وينبّه اليكوف وجونسون إلى خطورة األمر على المستوى
الموضوعيّة بوجود 1صدق موضوع ّ1
إن عددا كبيرا من استعاراتنا 1نشأ في ثقافتنا منذ تاريخ طويل ،إالّ ّ
أن عددا ي إذ يقوالن" ّ
االجتماع ّي والسياس ّ1
كبيرا منها فرضه أصال ممارسوا السلطة من زعماء سياسيين ودينيين وزعماء مجال األعمال والتجارة
واإلعالن ووسائل 1االتّصال...،الخ .فمتى كانت أسطورة النّزعة الموضوعيّة سائدة في الثّقافة ،وكان
الصدق دائما صدقا 1مطلقا ،نجح فارضوا 1استعاراتهم 1على الثّقافة في تحديد ما نعتبره صادقا أي صادقا1
فاالستعارة ال تكتفي بجعلنا نفهم واقعا يوجد قبال .إنّها تختلق الواقع .وهي 164
بصفة موضوعيّة ومطلقة"
بهذا لها أثر عظيم في تمرير قيم معيّنة واإلقناع بها .وجعل المتلقّي يتص ّور 1األمور كما تفرضها 1عليه
االستعارة ليستجيب بأفعال ،خاصة إن طلب منه ذلك.
ويمكن أن نستنتج من خالل تحليلنا لالستعارات الّتي بنينت تص ّور 1اإلرهاب في ِكال الطرحين
أن الطّريقة الّتي يصوغ 1بها الناس المفاهيم ،ويتواصلون من خاللها هي جزء أصيل من
ال ُمتجادلين ّ
وأن االستعارات مكوّن مهم لك ّل من صياغة المفاهيم والتّواصل .وربّما 1هي تسبّب على
السياسة والفعلّ .
ي سينجز 1المه ّمة" على ح ّد ي غير متاح ّ
فإن االستعار ّ نحو مباشر أفعاال وأحداثا" 1.فحين يكون ماهو حرف ّ1
قول اليكوف 1في االستعارات 1التي تقتل .ومن هنا تخرج االستعارة من باب القول إلى القوّة المتضمنة في
القول إلى التأثير بالقول وهي أبعاد تداوليّة مهمة في فهم االستعارة وتأويلها.
فإن دور سياقات استعمال معيّنة حاسم في فهم ال ّدافع المحتمل وراء اختيار استعارة
وفي 1الواقع ّ
معيّنة ،وتأثيراتها المحتملة على الجمهور 1المخاطب ،وحدوث اإلقناع ،أو تغيير المواقف ،أو كسب
التّعاطف 1.ولع ّل التأثير البالغ ّي وااليديولوج ّي لالستعارة إنّما هو ناتج عن التّأثير التّراكم ّ1
ي الستخدامات
ُمترابطة عبر ما يقيمه النّسق التصوّري من تناسبات بين بنى استعاريّة متناسقة .تجمع بين تجارب متع ّددة
وتربط 1بينها استدالالت منطقيّة تتماهي مع تمثيالت ّ
الذهن الكامنة في الالّوعي .وبقدر ما يحصل االنسجام
صل االستعارة فهما لتفرض نفسها عبر االستدالل تأويال يخدم اإلقناع .ويتح ّكم 1في توجيه الرّأي العا ّم
تتأ ّ
أوصناعته على ح ّد تعبير هابرماس 165وهو أمر شديد الخطورة حيث يصف خطيب الثورة الفرنسية
- 163إيلينا سيمينو ،االستعارة في الخطاب ،ترجمة عماد عبد اللطيف -خالد توفيق ،المركز القومي للترجمة ،لقاهرة -
مصر ،ط ،2013 ،1ص78
164
االستعارات التي نحيا بها ،ص - 164
- Jürgen Habermas 165فيلس11وف وع11الم اجتم11اع ألم11اني معاص11ر ( )... - 1929يعت11بر من أهم علم11اء االجتم11اع
والسياسة في عالمنا المعاصر..يع ّد من أهم منظري مدرسة فرانكفورت النقدية وهو صاحب نظرية الفعل التّواصلي.
105
ميرابو 1661الرّأي العام بأنّه «سيّد المشرعين جميعًا وأنه المستب ّد الّذي ال يدانيه في السّلطة المطلقة مستب ّد
آخر»
تعبّر إيلينا سيمينو في كتابها "االستعارة في الخطاب" عن أهميّة االستعارة في بناء وجهات النّظر
إزاء األشياء ،والمواضيع ،والتص ّورات الّتي يرمي السياس ّي إلى تثبيتها 1لدى الرّأي العا ّم بقولها ":فواحدة
من الوظائف 1الرئيسيّة لالستعارة السياسيّة هي أن تربط الشخص ّي بالسياس ّي من خالل تقديم طريقة لرؤية
ّ
سهلة....وإن اختيار استعارة ما دون استعارة العالقات ،وتشييئ المجرّدات ،وتأطير 1التّعقيد بمفردات
أخرى له نتائج على كيفية "تأطير" موضوع معيّن أو إنشائه ،وعلى طبيعة األبعاد الّتي توضع في
الصدارة وتلك الّتي تنحني إلى الخلف .وعلى طبيعة االستدالالت الّتي يت ّم تيسيرها ،وطبيعة االرتباطات1
167
التقييميّة أو االنفعاليّة الّتي يت ّم استدعاؤها ،وطبيعة سالسل األفعال الّتي تبدو ممكنة"
وهذا يؤ ّكد البعد الثقاف ّي الستعاراتنا 1.فاالستعارة إذن تخضع لالنتقاء عبر آليّة تسليط الضّوء.
ي يُبنى بصورة جزئيّة حسب الوظيفة المتو ّخاة .ويرتبط 1من هذه النّاحية بالمقاصد الّتي
والمفهوم 1االستعار ّ
توجّه االستعمال االستعاريّ .وهذا له أهميّة عظيمة في تغليب وجهة نظر على أخرى خاصة في الخطاب
ي حيث ستفرض وجود 1ردود أفعال خاصة من المتلقّين هي الّتي و ّد المخاطب تحقيقها.
السياس ّ1
إنّنا ونحن نبحث في الجانب التّأويل ّي المنفتح على دالالت متع ّددة نالحظ ّ
أن هذه ال ّدالالت تبقى
مرتهنة في جانب كبير منها إلى كثرة االستعمال الّذي يوهم بمفعول التّوظيف االيديولوج ّي والتّأثير
ي لالستخدامات االستعاريّة المترابطة ،وتسليط 1الضّوء على جانب معيّن من التصوّر أنّنا أصبحنا
التراكم ّ1
نمتلك الفكرة األوضح عن التصوّر .فنعتقد أنّه حقيقته الكاملة لتتولّد 1من ث ّمة عن هذا االعتقاد سلسلة أفعالنا.
ولع ّل هذا ما يعبّر عنه برغسون بقوله" لعقلنا نزعة قويّة العتبار الفكرة األوضح هي الفكرة األكثر
استعماال" 1681إذن فالبحث في الجانب التأويل ّي لالستعارة يقتضي التّركيز 1على أهمية العنصر 1التداول ّي في
تأويل االستعارة .وكذا دور التّجارب والمضامين المعرفيّة المتع ّددة واستثمارها 1في عملية التّحليل
االستعاريّ .فاالستعارة وسيلة رمزيّة تشتغل في ثناياها ك ّل أشكال البنى اإلجتماعيّة ،والثقافيّة،
واالقتصاديّة ،والسياسيّة .فتأويل االستعارة يتطلّب موسوعيّة من قبل القارئ ومتقبّل الخطاب.
-comte de Mirabeau. 166أونوريه جابرييل ريكويتي المعروف بالكونت دي ميرابو ( )1791 1- 1749هو ثوري
فرنسي ،وكاتب ،وصحفي ،ودبلوماسي ،وسياسي ،وماس11وني وخطيب الث11ورة الفرنس11ية .خالل الث11ورة الفرنس11ية ك11ان مي11االً
لنظام ملكي دستوري مبني على نموذج المملكة المتحدة .أدار مفاوضات س ّرية فاشلة مع النظام الملكي الفرنس11ي في محاول11ة
للتوفيق بينه وبين الثورة .
- 167إيلينا سيمينو ،2013 ،ص 206
168
- Henri
;Bergson: L'intuition philosophique; suivi de De la position des problèmes
Collection : Petite Bibliothèque Payot | Numéro : 932 p 120
106
نستخلص من خالل تحليلنا لالستعارات في خطاب النّواب المتعلّقة بتص ّور اإلرهاب ّ
أن النّماذج
االستعاريّة تستخدم 1باتّساق في الخطاب السياس ّي لتوفّر 1تمثيالت معيّنة للموضوعات 1والمواقف 1واألحداث.
ولتنجز 1تأثيرات إقناعيّة عبر استعارات تستند إلى نقل حصيلة تجاربنا المتراكمة والمترسّخة في عمقنا
االنتروبولوج ّي ،والمعرف ّي ،وحياتنا اليوميّة ،وإدراكاتنا الحسيّة ،وتجربتنا الجسديّة .لنفهم من خاللها
المجال الهدف وهو هنا تصوّر اإلرهاب .فاالستعارات مفيدة خصوصا 1عندما يكون من الضّرور ّ
ي تبسيط1
موضوعات 1معقّدة ومجرّدة وتقديمها 1بمفردات حيويّة وعاطفيّة.
وهذه العملية العرفنيّة أي االستعارة باعتبارها تصوّرا لمجال على أساس مجال آخر إنّما هي
حصيلة مشتركة بين جميع البشر .وهو ما تكشف عنه نظريّة االستعارة المفهوميّة في ما تق ّدمه من
تفسيرات لسيرورة النّسق التصوّري ،ولطرق 1بنينته للمفاهيم والتصوّرات ،ومن دور الخطاطات 1الصّور
ي على استعماالتنا اللّغوية اليوميّة من
كأبنية عليا تسيّر عمليّة الفهم واإلدراك 1.وفي ما يق ّدمه عملها االجرائ ّ1
ي الّذي يتعلّق بالمقوالت العليا حيث تتيّسر بعد ذلك االندراجات بطريقة
إبراز لفاعليّة اإلسقاط االستعار ّ
مفتوحة وثريّة تكشف القدرة االبداعيّة للّغة .فنظريّة االستعارة المفهوميّة تحاول وضع نظريّة متكاملة
ي في بناء المعنى .واالستعارة في مركز 1هذه النظريّة حيث تتولّد ال ّداللة من انعقاد الشتغال ّ
الذهن البشر ّ
االقتضاءات بين المجال المصدر والمجال الهدف .ويكون الفهم عن طريق 1االستدالل .و ينفتح من ث ّمة
المجال أمام عمليّة التّأويل بتنزيل الخطاب في سياقاته االستعماليّة المخصوصة ،وإدراك مقاصده القريبة
والبعيدة.
إن البشر أو لنقل بأكثر دقّة المجموعات البشريّة الكبيرة المتجانس11ة في إط11ار حض11ار ّ1
ي وت11اريخ ّي ّ
مشترك 1تتطوّر لديهم بنى ذهنيّة واحدة تتش ّكل مناويال عرفنيّة مؤمثلة .تجعلهم رغم كل التّناقضات الفكريّ11ة
واالختالف11ات الجزئيّ11ة والفرديّ11ة ،وتوظيف11اتهم 1المختلف11ة الموجّه11ة للفهم والتأوي11ل يف ّك11رون ،ويس11تقرئون،
ويستدلّون ،ويبنون 1تصوراتهم 1في الواقع وفقها.
وتكشف 1النّظريّة العصبيّة اللّغويّة ( )NTLالتي توصّل لها فريق 1العمل في المعهد ال ّدولي لعلم
الحاسوب ببيركلي 1المتكوّن من ناراينان وجيروم 1فلدمان وجورج اليكوف وطلبتهم ّ
أن العمليّات الخاصة
باشتغال ّ
الذهن هي عمليات إدراكية عصبيّة اعتمادا على تقنيات حاسوبيّة للنمذجة العصبية تحوسب
االستعارات 1التصوّرية عبر خرائط عصبيّة .وهي بذلك تفتح أفاقا جديدة للبحث إذ يقع تثمين نتائجها 1من
الذكاء االصطناعي 169،واالستفادة من القوانين الكلّية الّتي
خالل التّطبيقات الخاصة بتطوير عمليات ّ
تكشف عنها نظريّة االستعارة المفهوميّة في بنينة التص ّورات ،وسيرورة اشتغال ّ
الذهن البشريّ.
169
- Lakoff ; Johnson ; 1999; P P 507-52
107
خاتمة الباب الثّاني
حاولنا في هذا الباب الثّاني رصد تصوّر اإلرهاب من منطلق لسان ّي عرفن ّي بدراسة االستعارات1
الّتي بنينت هذا التصوّر في مداخالت النّواب .إذ يمثّل المجال المفهوم ّي لإلرهاب المجال الهدف الّذي
تعاضدت لتشكيله ،وتأسيس 1حدود معرفته ،وتحديده ،إسقاطات متع ّددة لمجاالت مصدر مختلفة .وسعينا أن
نبيّن كيف ساهمت جملة العالقات الحادثة بين االستعماالت االستعاريّة للّغة من ناحية ،والتّمثيالت ّ
الذهنية
للفكر من ناحية أخرى في تبلور المفهوم .وتتبعنا 1انطالقا من نماذج تحليليّة عمليّة اشتغال ّ
الذهن في بناء
المعنى وح ّد المفهوم عبر سيرورة من التّعالقات بين أطر متع ّددة يستدعيها ّ
الذهن من تجارب متنوّعة،
ليأخذ منها ما يحتاجه في بنينة التصوّر 1.وتعرضنا إلى ما وصلت إليه البحوث المتق ّدمة للنظريّة العصبيّة
اللّغوية من نتائج تُخضع النّسق التصوّري البشر ّ1
ي إلى جملة من العمليّات العصبيّة .برهنت عليها بواسطة
عمليّات اختباريّة باعتماد تقنيات حاسوبيّة للنّمذجة العصبيّة تُحوسب االستعارات المفهوميّة من خالل
خرائط عصبيّة تقرن النّسق الحرك ّي بنطاقات 1قشريّة أعلى في ال ّدماغ .وتترسّخ هذه الخرائط عبر التّعبئة
العصبيّة الموجودة في المصدر والهدف الّتي تُفعّل بعضها أثناء مرحلة ال ّدمج .وتُنتج هذه اآلليّة التعلميّة
108
العصبيّة نسقا تواضعيّا 1وقارا من االستعارات األوليّة الّتي تميل إلى االستقرار بشكل دائم في النّسق
التصوّري في استقالل عن اللّغة .فاالستعارة في هذا التصوّر ظاهرة عصبيّة تش ّكل اآلليّة الّتي تقوم
بالتّعبئة الطبيعيّة والحتميّة لالستدالل الحس ّي الحرك ّي .ليت ّم استعماله في التّفكير المجرّد بطريقة الوعية.
ويمكن أن نحوصل 1أه ّم النّتائج الّتي خرجنا بها من تحليلنا أله ّم النّماذج االستعاريّة لتص ّور1
اإلرهاب في مداخالت النّواب في النّقاط األساسيّة التّالية:
* يت ّم اإلدراك وتعقّل المتص ّورات عبر مقاربات متع ّددة مترابطة .يتوضّح معها التصوّر
بالتّدريج .فعمليّة التعقّل والتّحديد والفهم الّتي يمارسها ّ
الذهن تُعيد المجهول إلى المعلوم والمج ّرد 1إلى
المحسوس .وهي بذلك تح ّد من االنفعاالت األولى ،وترفع 1عواطف الخوف ،وتع ّزز الثقة والقدرة على
معالجة األمور 1باستثمار ما أفادتنا به تجاربنا الطّويلة في الحياة.
* تشتغل النماذج االستعاريّة المتع ّددة ضمن أبنية عليا تحكم سيرورتها 1وهي الخطاطات 1الصّور
اّلتي تتآلف بدورها ضمن مناويل 1عرفنيّة مترسخة في عمق تجاربنا المعرفية واالنتروبولوجيّة ،وحياتنا
اليوميّة ،وإدراكاتنا الحسيّة ،وتجربتنا الجسديّة ،لنفهم بها المجال الهدف -وهو تص ّور 1االرهاب في بحثنا.-
فاالستعارات مفيدة خصوصا 1عندما يكون من الضّروري 1تبسيط موضوعات معقّدة ،ومجرّدة ،وتقديمها1
بمفردات حيويّة وعاطفيّة.
إن االستعارة باعتبارها تصوّرا لمجال على أساس مجال آخر إنّما هي حصيلة مشتركة بين
* ّ
جميع البشر .وهو ما تكشف عنه نظريّة االستعارة المفهوميّة في ما تق ّدمه من تفسيرات لسيرورة النّسق
التصوّري ،ولطرق 1بنينته للمفاهيم والتصوّرات ،ومن دور 1الخطاطات الصّور كأبنية عليا تسيّر عمليّة
الفهم واإلدراك .وفي ما يق ّدمه عملها االجرائ ّي على استعماالتنا اللّغوية اليوميّة من إبراز لفاعليّة اإلسقاط
ي الّذي يتعلّق بالمقوالت العُليا حيث تتيّسر بعد ذلك االندراجات بطريقة مفتوحة وثريّة تكشف
االستعار ّ
القدرة االبداعيّة للّغة .فنظريّة االستعارة المفهوميّة تحاول وضع نظريّة متكاملة الشتغال ّ
الذهن البشر ّ
ي
في بناء المعنى .واالستعارة في مركز 1هذه النظريّة حيث تتولّد ال ّداللة من انعقاد االقتضاءات 1بين المجال
المصدر 1والمجال الهدف .ويكون الفهم عن طريق االستدالل .و ينفتح من ث ّمة المجال أمام عمليّة التّأويل
بتنزيل الخطاب في سياقاته االستعماليّة المخصوصة ،وإدراك مقاصده القريبة والبعيدة.
إن البشر أو لنقل بأكثر دقّة المجموعات البشريّة الكبيرة المتجانسة في إط11ار حض11ار ّ
ي وت11اريخ ّي ّ
مشترك 1تتطوّر لديهم بنى ذهنيّة واحدة تتش ّكل مناويال عرفنيّة مؤمثلة .تجعلهم رغم كل التّناقضات الفكريّ11ة
واالختالف11ات الجزئيّ11ة والفرديّ11ة ،وتوظيف11اتهم 1المختلف11ة الموجّه11ة للفهم والتأوي11ل يف ّك11رون ،ويس11تقرئون،
ويستدلّون ،ويبنون 1تصوراتهم 1في الواقع وفقها.
109
* ينبغي أن نضع في اعتبارنا ّ
أن االستعارات نادرا ما تكون محايدة .فإنشاء شيء بمفردات شيء
آخر تنتج عنه وجهة نظر معيّنة حول ال ّشيء موضوع 1التّساؤل .وينطوي 1غالبا على اتّجاهات وتقييمات
فإن االستعارات تُبرز بعض أبعاد المجال الهدف وتخفي
ُمح ّددة .وبمفردات نظريّة االستعارة المفهوميّة ّ
أخرى .و ّ
إن من وظائف 1االستعارة في الخطاب تمثيل أبعاد معيّنة من الواقع طبقا لطبيعة التبئير
االستعاريّ .
فإن االستعارات 1يمكن أن تستخدم 1لإلقناع بصيغة مفهوميّة جديدة للواقع وتبريرها 1،وتقييمها،
وشرحها ،والتّنظير 1لها .وهي بذلك تقيم عالقات ديناميّة مع االيديولوجيا 1.فالخطابات تعكس ايديولوجيّات
معيّنة .لكنّها أيضا تسهم في صياغة االيديولوجيّات 1وتغييرها 1.واالستعارات المفهوميّة مكوّن مه ّم
لاليديولوجيّات فتسليط 1الضّوء على جانب معيّن واإل ّدعاء ّ
أن هذا الجانب أو ذاك هو الحقيقة هو ما يخلق
االيديولوجيا1.
ّ
النص1ية .فهي يُمكن أن إن لإلستعارة دور مه ّم في البناء ال ّداخلي لنصّ ما وتعزيز ترابط 1عالقاته
* ّ
مؤش1رات 1قويّ11ة لج11ذب انتب11اه المتلقّين إلى أج11زاء معيّن11ة في11ه .و تم ّكن من
ّ تمثّل صورة مختزلة له أو تمثّ11ل
توجي11ه الفهم وتحص11يل المع11نى وتأويل11ه .وه11ذا م11ا كش11فنا عن11ه خالل تحليلن11ا ل11دور االس11تعارة في ص11ياغة
ي الجدال ّي وكيف 1مثّلت وسيلة أساسية لبناء النسق الحجاج ّي لألطروحات المتنافسة وتحقيق
الخطاب السياس ّ1
االنسجام 1داخلها رغم تع ّدد ال ُمتد ّخلين في جانب ك ّل أطروحة .فالمناويل العرفنيّ11ة تُنش11ئ نوع11ا من االنتظ11ام1
ي ويع11ود 1الفهم والتّأوي11ل 1إلى امتالك المفت11اح
الخف ّي في النّص11وص يُب11نى من خالله11ا الفض11اء االس11تعار ّ
أوالمفاتيح األساسيّة الّتي يكون بها االهتداء إلى ذلك االنتظام وهي مح11دودة ج11دا من حيث الع11دد ومختزل11ة
لك ّل المناويل المتناسبة في المجالين المجال المصدر والمج11ال اله11دف .ولعلّن11ا نص11ل إلى نتيج11ة على ق11در
إن االستعارة مثّلت خيطا ناظما لتك11وين وح11دة الخط11اب داخ11ل كّ 1ل أطروح11ة
كبير من الصواب حين نقول ّ
جامع11ة بين نص11وص متفرّق11ة لمتخ11اطبين متعّ 1ددين .وق11د حاولن11ا ت11بيّن ذل11ك من خالل تتبّ11ع طريق11ة تع11الق
110
استعارات تص ّور 1اإلرهاب في خطاب النّواب داخل ك ّل أطروحة من خالل المناويل العرفنيّة التي ّ
نض11دت
انتظامه11ا 1.وه11و م11ا س11عت نظريّ11ة االس11تعارة المفهومي11ة إلى ترك11يزه في إط11ار بحثه11ا االج11رائ ّي عن دور
ّ
النص1وص االستعارة في تحقّ11ق انس11جام النص11وص باعتباره11ا آلي1ة من آلي11ات بن11اء الخط11اب .وفي دراس11ة
باعتبارها شبكة على غاية من التعقيد والتشابك 1تتشاكل عُقدها في إطار خطاطات شاملة تتفاع11ل م11ع س11ائر
الملكات العرفنيّة لتولّد المعنى ولتوجّه الفهم وتحقّ1ق التواص1ل ولت1أثّر 1ب1القول وتتح ّكم 1في س1يرورة األفع1ال
الممكنة باعتبار قوّتها 1الناعمة في التغلغل في البنية ّ
الذهنية للمتلقّي وتحفيز آليّات الفهم والتأويل الذي يص11ل
إليه عبر االستدالل بما يخدم غاياتها .
ويمكننا 1أن نستفيد في إثراء هذا المبحث بما طرحه بول ريك11ور 1في دراس11ته "للنّص واالس11تعارة
خطابا" 1في كتابه "مقاالت ومحاضرات في التّأويلية" حيث بحث فيه عن صعيد مشترك 1بين نظريّة النّص
ونظريّة االستعارة .وأجاب بأنّهما يمثّالن وحدتين نصيّتين تختلف11ان من حيث الم11دى الطُ11ول ّ1
ي لك11لٍّ منهم11ا.
170
وقد 1تجاوز فيه الحديث عن االستعارة المنحسرة في اللّفظ إلى مصطلح جديد وهو "الملفوظُ االستعاريّ"
الّذي يقتضي على األق ّل طُ1ول جمل1ة .وه1ذا م1ا نَظّ1ر ل1ه م1اكس بالك حيث اعت1بر ّ
"أن االس1تعارة تت ّم على
مستوى 1الجملة ال على مستوى الكلمة وهي تتكوّن من عنصرين يشهدان توتّرا دائماّ ،
وأن معنى االس11تعارة
إن الت11وتّر االس11تعار ّ1
ي ه11و م11ا يخل11ق جم11ال ينتج من ه11ذا الت11وتّر ،وليس من اس11تبدال كلم11ة مك11ان أخ11رىّ .
االستعارة 171"،وقد اعتبر اللّفظة االستعاريّة هي البؤرة والسياق 1هو اإلطارّ .
وأن المعنى هو ناتج باألساس
عن التّفاعل بين الب1ؤرة واإلط11ار .وه11و م1ا نج1ده أيض11ا عن11د ريتش1اردز 1ال1ذي ر ّك1ز على البني11ة اإلس1نادية
لالس11تعارة في مقابلت11ه بين النّاقل 172والمحت11وى .173وهي نفس الثنائيّ11ة ال11تي يس11تعملها 1بيردس11لي 174وهي
بمصطلحاته ال ُمغيّر 175والموضوع الرئيسي 176وفي هذا المستوى 1عالج بول ريكور 1االستعارة بوصفها أث ٌر
مص ّغر .1771وانطلق 1من فرضيّة عمل يعبّر عنها بقوله":غرضي أن أستكشف فرض1يّة عم11ل أعرض11ها ب11ديًّا
لذاتها .ففهم االستعارة هو الذي يُمكنه ،من وجهة نظر أولى ،أن يقوم بمه ّمة ال ّدليل لفهم نصوص أطول "..
"...أن فهم األث11ر بم11ا ه11و ك ّ 1ل ه11و الّ11ذي يعطي من وجه11ة نظ11ر أخ11رى مفت11اح
ّ " 178ويواص11ل مفترض 1ا1
l'énoncé métaphorique
170
171
- Kittay.Eva Feder; Metaphor: Its Cognitive Force and Linguistic Structure, Oxford
University Press 1987;p 22-23
172
-vehicle
173
- teneur - Tenor
174
-Monroe Curtis Beardsley
175
- modificateur - modifier
176
- sujet principal- principal subject
177
- œuvre miniature
- 178ريكور بول ،مقاالت ومحاضرات في التأويليّة ( )Ecrits et conférences, 2 Herméneutiqueتعريب محمد
محجوب،المركز الوطني للترجمة ،دار سناترا للنشر ،تونس 2013،ص 71
111
االستعارة" 179ومن هنا يكون تحصيل المعنى وبناء التّأويل في ه11ذه الحرك11ة المزدوج11ة ص11عودا من األث11ر
األص1111غر (االس1111تعارة) إلى األث1111ر األك1111بر (النصّ أو الخط1111اب) معنًى .ون1111زوال من األث1111ر األك1111بر
(النصّ /الخطاب) إلى األثر األصغر(االستعارة) ت11أويالً .ليخلُص انطالق1ا 1من ه11ذه الفرض1يّة لط11رح جمل11ة
ي الح11دود يمكن للمش11اكل التأويليّ11ة الّ11تي يثيره11ا
خطيرة من األسئلة يصوغها على النّح11و التّ11الي ...":في أ ّ
تأويل النّصوص أن تعتبر كاالمتداد الموسّع لما يتكثّ11ف من المش11اكل في تفس11ير اس11تعارة موض11عيّة ض11من
إن استعارة ما هي أثر مص ّغر؟ فهل يمكن ألثر ما (قصيدة مثال) أو خط11اب م11ا أن يعت11بر
نصّ معطى؟ هل ّ
بمثابة استعارة موص11ولة أو ممتّ 1دة ؟" 180لينتهي إلى س11ؤال مه ّم وه11و "أ ّ
ي الج11وانب من تفس11ير االس11تعارة
181
يمكنها أن تلعب دور البراديغم 1لتفسير نصّ ؟"
أتوقّف 1عند هذه األسئلة العميقة الّتي يطرحها" 1بول ريكور" والّتي تفتح فُرجة لمقاربة االستعارة
من زاوية جديدة دون أن أخوض في ما يقترحه من أجوبة ألنّها تفتح الباب لدراسة مه ّمة حول دور
االستعارة في انسجام النّص وبناء تماسكه ال ّداخلي من ناحية ،وفي التّأسيس لنظريّة متماسكة للتّأويل من
ناحية أخرى .وهذا أمر آخر يحتاج إلى البحث والتع ّمق1.
الخاتمة
تع ّد نظريّة االستعارة المفهوميّة واحدة من األطر النظريّة المب ّكرة المطوّرة ضمن ال ّداللة العرفنيّة.
وفّرت 1الكثير من الزخم النّظري المب ّك11ر له11ذه المقارب11ة للعالق11ة بين اللّغ11ة ،وال1ّ 1ذهن ،والتّجرب11ة المجس11دنة.
ومفاد المق ّدمة األساسيّة لنظريّة االستعارة المفهوميّة أن االستعارة ليست مجرّد مظهر 1أس11لوب ّي للّغ11ة .ولكن
الفكر نفسه استعار ّ1
ي بشكل أساس ّي وطبيع ّي .على عكس النظريّات القديمة التي كانت تعت11بر االس11تعارة من
ي اليوم ّي للّغة.
مقوّمات اللّغة الشعريّة والخطاب األدب ّي ومنافية لالستعمال العاد ّ
ويق ّدم اليكوف 1وجونسون في كتابهما " االستعارات الّتي نحيا بها" رؤية تأليفيّة تجم11ع بين النّزع11ة
الموضوعيّة والنّزعة ّ
الذاتية .ت11رفض من ناحي11ة م11ا تفترض11ه النّزع11ة الموض11وعيّة من اس11تناد مطل11ق على
الذاتي11ة للص11دق الّ11تي تق11ول إنّ11ه
مفهوم الصّدق ،حيث ال وجود 1لصدق مطلق .كذلك دون أن تتبنّى المقارب11ة ّ
صل 1إليه إالّ عبر الخيال الّذي ال تقيّده ظ1روف خارجيّ1ة .وق1د ر ّك1زا على دراس1ة االس1تعارة كم1دخل
اليتو ّ
ي النس11ق ّي إلى وض11ع أس11س نظريّ11ة
أساس ّي لبحث هذه القضايا الفلسفيّة .وسعيا من خالل التصوّر االستعار ّ
للمعنى غير مبنية على الصّدق 1.فما هو صادق لن يكون صادقا 1بالنّظر إلى الحق11ائق الخارجيّ11ة واألوض11اع1
الّتي تصفها المعاني .إنّما سيكون صادقا بالنّظر 1إلى التّنظيم ّ
الذهني البش11ريّ .وب11النّظر إلى نس11ق تص1وّري
لقد اهتم اليك11وف وجونس11ون بدراس11ة الكيفيّ1ة الّ11تي يفهم به11ا اإلنس11ان لغت11ه ،وتجربت11ه ،والعالق11ات1
الرّابطة بينهما ،أي كيف تؤثّر التّجربة في اللّغة؟ وكيف تؤثّر اللّغة في التّجربة؟ ونظرا إلى اللّغة باعتبارها
أن المعطيات اللّغوية تعبّر عن ترميزنا لمكون11ات نس11قنا المفه11وم ّي ولنس11قيته،
حامال لنسقنا المفهوم ّي 1.وبما ّ
فإنّها تش ّكل مصدرا للبرهنة على الكيفيّة الّتي يشتغل بها النّسق التّصوري 1عند البش11ر .وانطلق11ا من فرض1يّة
أوّلي11ة وهي ّ
أن ج11زءا كب11يرا من تجاربن11ا ،وس11لوكنا ،وانفعالن11ا ،اس11تعار ّ1
ي من حيث طبيعت11ه .فاالس11تعارة
المفهوميّة تع ّم كالّ من الفكر واللّغة .ومن الصعب أن نجد تجربة ذاتيّة مشتركة ليس11ت متص1وّرة تواض11عيّا
من خالل االستعارة.
ويركز 1اليكوف وجونسون في بحوثهما حول صياغة نظريّة تجريبيّة للنّسق التصوّري وذل11ك رغم
أن " نسقنا التصوّري 1ليس من األشياء الّتي نعيها بشكل عاديّ" إالّ أنّهما حاوال بناء نظريّة كافية
اعترافهما ّ
انطالقا 1من حاالت نموذجيّة ،واعتماد على معطيات اللّغة اليومية الّتي تع ّد حسبهما مص11درا 1مهم11ا للبرهن11ة
على الكيفيّة الّتي يشتغل بها هذا النّسق .وعمال على وضع أسس نظريّة كافية ترصد الكيفيّة الّ11تي ّ
تتأس1س
وتبنين بها ،وتتعالق في ما بينها ،وتح ّد بها. بها التّصورات،
وق11د 1عملن11ا في ه11ذا البحث على رصد تصّ 11ور 1اإلره11اب من منطل11ق لس11ان ّي عرف11ن ّي بدراس11ة
االستعارات 1الّتي بنينت هذا التصّ 1ور 1في م1داخالت النّ1واب .إذ يمثّل المج1ال المفه1وم ّي لإلره11اب المج11ال
الهدف الّ11ذي تعاض11دت لتش1كيله ،وتأس11يس ح11دود معرفت1ه ،وتحدي1ده ،إس11قاطات متعّ 1ددة لمج11االت مص11در
مختلفة .وسعينا 1أن نبيّن كيف ساهمت جملة العالقات الحادثة بين االستعماالت االستعاريّة للّغة من ناحي11ة،
والتّمثيالت ّ
الذهنية للفكر من ناحية أخ11رى في تبل11ور المفه11وم .وتتبّعن1ا 1انطالق11ا من نم11اذج تحليليّ11ة عملي11ة
الذهن في بناء المعنى وح ّد المفهوم عبر سيرورة من التّعالق11ات بين أط11ر متعّ 1ددة يس11تدعيها ال1ّ 1ذهن
اشتغال ّ
من تجارب متنوّعة ليأخذ منها ما يحتاجه في بنينة التصوّرّ 1.
فالذهن في لحظة اشتغاله بإدراك المتص1وّرات1
وبنينة المفاهيم إنّما يستعين في ذلك بحص1يلة معارفن11ا المستخلص11ة من تجربتن11ا في الوج1ود 1.وهي تج1ارب
تظ ّل موروثة حاضرة في أذهاننا .وإذ يشتغل ّ
الذهن بطريقة مباشرة انطالق11ا من معارفن1ا 1الجدي11دة وق11دراتنا
العلميّة في إدراك األشياء ،وتصنيفها ،وح ّدها ،وتحلي11ل أبعاده11ا ،وتحدي11د ردود 1أفعالن11ا ،فإنّ11ه يحتف11ظ ك11ذلك
بجملة معارفنا القديمة .فينشط وتحت ظروف 1معيّنة الجانب األسطور ّ1
ي في تكوين تجربتنا األولى في العالم
حيث النّبع األوّل للمعرفة المتمثّل حسب "كاسيرير" في استعارة الجذر .فتكون قوّة االستعارة في المطابق11ة
بين ال ّشيء واستعارته .فال شيء من تجاربنا ولو تلك القديمة ج ّدا في معارفنا الموروث11ة يم11وت ويض11مح ّل1.
بل ربما ينكمش تحت سطح المعارف 1والتّجارب األكثر ج ّدة .ولكنّ11ه يظّ 1ل متم ّكن11ا في الالّوعي .وي11برز 1إلى
السطح في وقت األزمات مع ظهور 1مثيرات قويّة خاصة تلك المتعلّقة بعاطفة الخوف وال ّشعور 1بالتّهديد.
ّ
توص1ل إلي11ه من نت11ائج حاس11مة في ي هو م11ا ّ
وإن من أه ّم الكشوفات الجديدة والخطيرة للعلم العرفن ّ1
الكشف عن ال ّدور 1المرك ّزي لفهمنا المجس11دن في كّ 1ل مظ11اهر المع11نى ،وفي بني11ة فكرن11ا .ويعت11بر 1اليك11وف
وجونسون االستعارات المجسدنة من االس11تعارات األولى الّ11تي نتعلمه11ا في سّ 1
1ن مبك11رة .ه11ذه االس11تعارات
تسمح لنا بفهم عدد كبير ومتنوّع من التّجارب عن طريق 1الحوافز 1والخصائص واألنشطة البشريّة .وتم ّكننا
من أن نعطي معنى للظّواهر في هذا العالم عن طريق 1ما هو بشريّ .فالنّظر إلى شيء مجرّد عن طريق ما
ي له س1لطة تفس11يريّة تشّ 1كل بالنس11بة إلى غالبيّتن11ا ،الوس11يلة الوحي11دة إلعطائ11ه مع11نىّ .
وإن اإلدراك هو بشر ّ
وتتوض1ح بالتّ11دريج .فعملي11ة التعقّ11ل والتّحدي1د 1والفهم الّ11تي
ّ وتعقّ11ل المتص1وّرات يت ّم ع11بر مقارب11ات متعّ 1ددة
يمارسهاّ 1
الذهن تعيد المجهول إلى المعلوم والمجرّد إلى محسوس .وهي ب11ذلك تحّ 1د من االنفع11االت األولى،
وترفع 1عواطف الخوف ،وتع ّزز الثّقة والقدرة على معالجة األمور باستثمار ما أفادتن11ا ب11ه تجاربن11ا الطّويل11ة
في الحياة .فنحن نستم ّد المعنى وال ّداللة من تجاربنا المعرفيّة والجسديّة .وتحصيلنا 1المجسدن للمعنى هو م11ا
114
يمكننا من مسك المتصوّر المجرّد .و يعطينا ال ّشعور 1بالثّقة والق11درة على التح ّكم والمواجه11ة .و يحّ 1دد ردود
فعلنا باالستفادة مما تراكم 1لدينا من تجارب .فاألبعاد المعقّدة للتص ّور 1الّتي تفيض عن الح ّد المعجمي بك ّل ما
تحوي11ه من دالالت إيحائيّ11ة تج11د في االس11تعارة مناف11ذها الالّمتناهي11ة الس11تيعاب االيح11اءات واالنفع11االت
المختلفة ،ونقلها ،والنّجاح في التّواصل بها عن طريق جملة التّناسبات المعرفيّة واألنطولوجيّة.
ونستخلص من خالل تحليلنا لالستعارات المتعلّقة بتص ّور 1اإلرهاب في خطاب النّواب ّ
أن النّماذج
االستعاريّة تستخدم 1باتّساق في الخطاب السياس ّي لتوفّر 1تمثيالت معيّنة للموضوعات 1والمواقف 1واألحداث.
ولتنجز 1تأثيرات إقناعيّة عبر استعارات تستند إلى نقل حصيلة تجاربنا المتراكمة والمترسّخة في عمقنا
االنتروبولوج ّي ،والمعرف ّي ،وحياتنا اليوميّة ،وإدراكاتنا الحسيّة ،وتجربتنا الجسديّة ،لنفهم بها المجال
الهدف -وهو تصوّر االرهاب في بحثنا .-فاالستعارات مفيدة خصوصا 1عندما يكون من الضّروري تبسيط1
موضوعات 1معقّدة ،ومجرّدة ،وتقديمها بمفردات حيويّة وعاطفيّة.
ومن النّتائج المه ّمة الّتي نستخلصها 1من البحث في دراسة تصّ 1ور 1اإلره11اب في م11داخالت "مجلس
أن البش11ر أو لنق11ل ب11أكثر دقّ11ة المجموع11ات البش11ريّة
نوّاب الشعب" في إطار نظري11ة االس11تعارة المفهوميّ11ة ّ
ي مشترك تتط ّور 1ل11ديهم بُ11نى ذهنيّ11ة واح11دة .تجعلهم رغم ك11ل الكبيرة المتجانسة في إطار حضار ّ1
ي وتاريخ ّ1
التّناقضات 1الفكريّة واالختالفات الجزئيّة والفرديّة ،وتوظيفاتهم المختلفة الموجّه11ة للفهم والتأوي11ل يف ّك11رون،
ويستقرئون ،ويستدلّون ،ويبنون تصوراتهم في الواق11ع وفقه11ا .فاالس11تعارة باعتباره1ا 1تص1وّرا لمج11ال على
أساس مج11ال آخ11ر إنّم11ا هي حص11يلة مش11تركة بين جمي11ع البش11ر .وه11و م11ا تكش11ف عن11ه نظريّ11ة االس11تعارة
المفهوميّة في ما تق ّدمه من تفسيرات لسيرورة النّسق التصوّري ،ولطرق بنينته للمفاهيم والتصوّرات ،ومن
الص1ور كأبني11ة علي11ا تس1يّر عمليّ11ة الفهم واإلدراك 1وفي م11ا يق ّدم11ه عمله11ا االج11رائ ّي على
دور الخطاط11اتّ 1
ي الّذي يتعلّق ب11المقوالت العلي11ا حيث تتيّس11ر
استعماالتنا 1اللّغوية اليوميّة من إبراز لفاعليّة اإلسقاط االستعار ّ
بعد ذلك االندراجات بطريقة مفتوحة وثريّ11ة تكش11ف الق11درة االبداعيّ11ة للّغ1ة .فنظريّ11ة االس11تعارة المفهوميّ11ة
ي في بناء المعنى .واالس11تعارة في مرك1ز 1ه11ذه النظريّ11ة تحاول وضع نظريّة متكاملة الشتغال ّ
الذهن البشر ّ
حيث تتولّد 1ال ّداللة من انعقاد االقتضاءات بين المجال المص11در والمج11ال اله11دف .ويك11ون الفهم عن طري11ق
االستدالل .وينفتح من ث ّمة المجال أمام عمليّة التّأويل بتنزيل الخطاب في سياقاته االستعماليّة المخصوصة،
وإدراك 1مقاصده القريبة والبعيدة .فاالستعارة تمثّل من هذه الناحية بؤرة مختزنة لدالالت متع ّ 1ددة وبتنزيله11ا
في إطار سياقي 1معين ومن زاوية نظ1ر محّ 1ددة يمكن اج1راء ن1وع من الغربل1ة يمكنه1ا أن تحقّ1ق ج1زءا من
ُممكنها الدالل ّي.
و ينبغي أن نضع في اعتبارناّ 1
أن االستعارات 1نادرا ما تكون محايدة فإنشاء شيء بمفردات شيء
آخر تنتج عنه وجهة نظر معيّنة حول الشيء موضوع 1التّساؤل .وينطوي 1غالبا على اتّجاهات وتقييمات
115
مح ّددة .وبمفردات نظريّة االستعارة المفهوميّة ّ
فإن االستعارات تبرز بعض أبعاد المجال الهدف وتخفي
أخرى .فهي تقوم من هذه النّاحية على ثنائية اإلبراز والحجب فمن وظائف 1االستعارة في الخطاب تمثيل
أبعاد معيّنة من الواقع طبقا لطبيعة التّبئير االستعار ّ
يّ 1.
فإن االستعارات يمكن أن تستخدم لإلقناع بصيغة
مفهوميّة جديدة للواقع وتبريرها ،وتقييمها ،وشرحها ،والتّنظير 1لها ،وهي بذلك تُقيم عالقات ديناميّة مع
االيديولوجيا 1.فالخطابات تعكس ايديولوجيّات 1معيّنة .لكنّها أيضا تسهم في صياغة االيديولوجيّات
وتغييرها .واالستعارات 1المفهوميّة مكون مه ّم لاليديولوجيّات .فتسليط 1الضّوء على بعض جوانب التص ّور1
أن هذا الجانب أو ذاك هو الحقيقة هو ما يصنع االيديولوجيا 1.فاالستعارات الّتي يستخدمها1
واإل ّدعاء ّ
السياسيون 1تستغ ّل كالّ من المعتقدات الواعية واالرتباطات االنفعاليّة غير الواعية لكي ترسم تمثيالت
سلطويّة معيّنة للمتكلمين أنفسهم وللجمهور الذي يخاطبونه .وهذا الصراع ال ّدائر بين االستعارات إنّما
مداره ما يترتب على هيمنة استعارة ما على موقف ما من نتائج خطيرة تخصّ ما يجب فعله ،ومن يجب
عليه أن يفعله.
وإذا كانت الرؤية الموضوعية تنظر إلى حدود 1التصوّرات باعتبارها تخصّص األشياء التي تك11ون
مالزمة لهذا التص ّور 1في ذاته ّ
فإن الرؤي11ة التجريبي11ة تهتم بالكيفي11ة ال11تي يمس11ك به11ا البش11ر التص1وّر ،كي11ف
يفهمونه؟ وكيف يشتغلون ويتصرّفون باعتباره؟
وفي 1الواقع ّ
فإن دور سياقات استعمال معيّنة حاس11م في فهم ال11دافع المحتم11ل وراء اختي11ار اس11تعارة
معيّن11ة ،وتأثيراته11ا المحتمل11ة على الجمه11ور 1المخ11اطب ،وح11دوث اإلقن11اع ،أو تغي11ير المواق11ف 1،أو كس11ب
التّعاطف 1.فاالستعارة وسيلة رمزيّة تشتغل في ثناياها ك ّل أشكال البنى اإلجتماعيّة ،والثقافيّ11ة ،واالقتص11اديّة
أن تأويل االستعارة يتطلّب موسوعيّة من قبل القارئ ومتقبّل الخطاب.
والسياسيّة .لنخلص إلى ّ
إن االستعارة هي الّتي تبني فينا حسّنا االنساني .ونعود 1في ذلك إلى إحدى
ويمكن أن نقول ّ
التّعريفات الفلسفيّة لإلنسان باعتباره كائنا رامزا فما يميّز اإلنسان عن الحيوان حسب "كاسيرار" 1هو
قدرته على التّرميز أي أن يتواصل 1بواسطة هذا الجهاز الرّمزي الّذي ينتج دالالت يتش ّكل بواسطتها 1معنى
العالم .فالواقع ليس معطى خارج ّي بل نبنيه من خالل تصوّراتنا المجسدنة باألساس .ونشكلّه باللّغة
وبمختلف 1أنظمتنا الرمزية .واالستعارة وسيلة ذهنيّة رئيسيّة في بنينة المفاهيم والتص ّورات .ويمكن أن
تُدرس من الجانب الفلسف ّي المتعلّق بالوسائط واألنظمة الرّمزية .فالرّمز هو تمثيل حسّي لمعنى ذهن ّي
باعتماد عالقة مماثلة أو إيحاء بينهما يم ّكن الفكر من تأويل الشكل الحسّي وفهمه من أجل تمثّل للمعنى
وفي 1هذا جانب كبير من عمل االستعارة.
إن جز ًءا من حلمنا بتغيير العالم الّذي نعيش فيه قد نستطيع إنجازه بواسطة تغيير االستعارات
ّ
الّتي نستخدمها في وصفه ،وتحليله ،والكالم عنه .فما النستطيع 1فعله خارج االستعارة هو أن نتوصّل إلى
116
ي ي ينصف جميع جوانب التص ّور 1ويق ّدرها ح ّ
ق قدرها 1.فالعقل اإلنسان ّ1 فهم واحد موحّد ،وموضوع ّي ،وحرف ّ1
يتش ّكل بدرجة أساسيّة عبر االستعارة .فاالستعارة الّتي ننطق بها تعكس على نحو شفّاف رؤيتنا للعالم
وطرق تفكيرنا فيه .فالفهم في النّهاية قد يكون هو هذه القدرة الّتي تمكننا منها االستعارة لصنع العالم .ولفهم
الوجود 1بما هو وجود .أليست هذه الرّؤية في وجه من الوجوه هي جواب أفالطون حول مسألة المعرفة
ونظريّة اإلغريق في المعرفة المباشرة؟ ربّما يق ّدم العلم العرفن ّ1
ي هنا مقاربة علميّة مبرهن عليها لمقاربة
قديمة لسؤال المعرفة ،مقاربة كانت غارقة في الواقعية الميتافيزيقية النّهائية ،فالميتافيزيقا بذلك هي إقرار
بعجز العقل في مرحلة معيّنة عن إدراك القوانين .والعلم العرفن ّي يبحث في ما وراء العقل .إنّه يحاصر
الميتافزيقا في مناطقها المحصّنة.
وفي الخت ام يمكن أن نق ول إنّ أهمي ة البح وث اللّس انية العرفن ّي ة هي في م ا تكش فه من الق وانين
الذهن في تحصيل المفهمة وبناء الع الم .وربّم ا يك ون ه ذا الم دخل مه ّم ا النسقيّة الخفيّة للفكر ،والشتغال ّ
جدا في م ا نتح ّدث ب ه عن تغي ير العقل ّي ات الّ ذي ال يك ون إال بفهم ه ذه الق وانين واآلل ّي ات المتح ّكم ة في
الذهن .ومن هنا يكون تغيير عادات الفكر /اللّغة يعني تغيير رؤية ال ّناس للعالم ،أو تغي ير ص ورة اشتغال ّ
الع الم في األذه ان .وبه ذا يمكن إع ادة بن اء المنظوم ة ّ
الذهني ة وتغي ير العملي ات المعرف ّي ة ،وهي أم ور
ترسّخت مع معتقدات وثقافات المجتمعات .وهذا ال يعني الجمود والتحجّ ر فالعقل البشريّ في حال ة تك ّي ف
مستمر ،وتفاعل دائم مع المحيط والتغيّرات .وتبقى أهمية هذا ال ّنوع من ال ّدراسات في ما يمكن أن تس اهم
فيه من فتح ّ
الطريق لوضع سياس ات تعليم ّي ة ه دفها بن اء عق ول يك ون أس اس تفكيره ا مرون ة دينام ّي ة،
وقدرة منهجيّة على فهم المشكالت وح ّل المسائل وابتكار الحلول.
117
ثبت المصطلحات األجنبية الواردة في البحث
A
absolute مطلق
abstraction تجريد
كفاية
adequacy
الفلسفة القبلية أو األولية
apriori philosophy اعتباطي
arbitrary الذكاء االصطناعي
artificial Intelligence ترابط
association
B
basic-Level Categories مقوالت المستوى األدنى
body metaphor استعارة جسدية
118
C
categorization َمق َولَة
causation سببية
characterization تخصيص
coherence انسجام
cognize عرفن
cognitive Linguistics اللّسانيات العرفنية
cognitive science العلوم العرفنيّة
complex Metaphor االستعارة المعقّدة
concept مفهوم1/تصوّر
conceptualization المفهمة
conceptual domain المجال المفهومي
conceptual Metaphor Theory نظريّة االستعارة المفهوميّة
conflation دمج
conflation stage مرحلة ال ّدمج
container schema خطاطة الحاوية
context سياق
connector رابط
connotation داللة االيحاء
conventional metaphor استعارة تواضعية
color cones in our retinas مخروطات اللّون في شبكية العين
correlation تعالق
correspondences التناسبات
cross -metaphorical عبر استعاري
D
definition ح ّد
denotation داللة المطابقة
dichotomy ثنائية
differentiation stage مرحلة التمايز
discourse خطاب
E
entailments, metaphorical االقتضاءات االستعارية
embodied realism الواقعية المجسدنة
event structure البنية الحدثية
epistemic Correspondences التناسبات المعرفية
119
event حدث
evidence برهان
experiential theory نظرية تجريبية
F
figurative 1مجازي
frame إطار
focus بؤرة
formalist version الصورية/النسخة الشكلية
functionalism الوظيفية
G
generic-level schemas الخطاطات ذات المستوى الشامل
generalization تعميم
H
highlighting تسليط الضوء
homonymy اللفظي1االشتراك
I
idealized cognitive model منوال عرفن ّي مؤمثل
imagery التّصوير
image schema الخطاطة الصورة
implicational 1استلزامي
induction استقراء
inherent Proprties الخصائص المالزمة
inheritance hierarchy سلّمية اإلرث
interaction Proprties الخصائص التفاعلية
inference استدالل
innateness فطرية
interaction تفاعل
intuition حدس
interpretation تأويل
invariance principle مبدأ الثبات
L
literal 1حرفي
M
mapping إسقاط
meaning معنى
mental imagery ّ التّصوير
الذهني
metaphor استعارة
120
metaphorical Entailment potential االستعاري المحتمل1االقتضاء
mind ذهن
modifier ُمغيّر
motor حركي
N
neural circuitry الدارة العصبية
neural maps خرائط عصبية
neurolinguistics لسانيات عصبية
nonporopsitional structures )األبنية غير الخبرية (االنشائية
nuclear ذرّي
O
objectivism النزعة الموضوعية
ontological metaphor استعارة انطولوجية
orientational metaphor استعارة اتجاهية
P
perception إدراك
personification تشخيص
perspective 1منظور
prescriptive Speech خطاب إلزامي
polysemous متع ّدد الداللة
polysemy تع ّدد الداللة
premise مق ّدمة منطقية
primary Metaphor االستعارة األوّلية
principal subject 1موضوع رئيسي
process سيرورة/مسار
projection إسقاط
proposition قضيّة
purpose 1قصد
R
relativity نسبية
realty واقع
realism واقعية
reasoning تعقّل
representation تمثيل
restriction قيد
121
rhetorical بالغي
root metaphor استعارة جذرية
rule قاعدة
S
semantic features سمات داللية
source domain المجال المصدر
similar مشابه
similarity مشابهة
source- Path- Goal schema خطاطة مصدر مسار هدف
spatial-Relations Concepts العالقات الفضائية1تصورات
specific-level schemas المخصّص للخطاطة الشاملة1المستوى
structural metaphor استعارة بنيوية
structuration بنينة
subjectivism النزعة الذاتية
substitution إبدال
systematicity نسقية
systematic correesspondences التناسبات النسقية
U
understanding فهم
underlying تحتي
universal كلّي
universalism كلّية
ultimate metaphysical الميتافيزيقية النهائية
v
vague غامض
122
value قيمة
variable متغيّر
vehicle ناقل
vision رؤية
visual بصري1
w
wavelengths of reflected light الطول الموجي للضوء المنعكس
123
توماسيلو (ميشيل)،األصول الثقافية للمعرف ة البش رية ،ترجم ة ش وقي غ ريب ،أب و ظ بي ،هيئ ة أب و ظ بي للثقاف ة
والتراث ،المجمع الثقافي.2002 ،
الح دّاد مص طفى ،اللّغ ة والفك ر وفلس فة ال ّذهن ،منش ورات جمعي ة األعم ال االجتماع ّي ة والثقاف ّي ة ،كلّي ة اآلداب
بتطوان -المغرب1995 ،
الحراصي (عبد هللا) ،دراسات في االستعارة المفهومية ،مسقط ،سلسلة كتاب ن زوى ،اإلص دار الث الث ،مؤسس ة
عمان للصحافة واألنباء والنشر واإلعالن.2002 ،
الجرجاني ( عبد القاهر) ،أسرار البالغة .تحقيق وتعليق محمود شاكر .القاهرة ،مطبعة المدني ،ط 1991، 1
نفسه ،دالئل اإلعجاز .تحقيق وتعليق محمود شاكر .القاهرة ،مكتبة الخانجي ،ط 2004، 5
ريكور بول ،االستعارة الحيّة ،ترجمة محمد الولي ،دار الكتاب الجديد ،بيروت -لبنان2012 ،
نفس11ه ،مق11االت ومحاض11رات في التأويليّ11ة ( )Ecrits et conférences, 2 Herméneutiqueتع11ريب
محمد محجوب،المركز الوطني للترجمة ،دار سناترا للنشر ،تونس2013،
الزناد (األزهر) ،دروس البالغة العربية :نحو رؤية جديدة ،بيروت ،المركز الثقافي العربي للنشر والتوزيع،ط، 1
1992
نفس ه ،نظر ّي ات لس انيّة عرفن ّي ة ،دار مح ّم د علي لل ّنش ر ت ونس ،ال دّار العرب ّي ة للعل وم ناش رون ،منش ورات
اإلختالف،ط.2010، 1
نفسه ،النص والخطاب :مباحث لسانية عرف ّنية،تونس ،مركز النشر الجامعي ،دار محمد علي للنشر2011 ،
نفسه ،اللغة والجسد ،العراق ،دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع ،ط2014 ،1
الزيات (فتحي مصطفى)،علم النفس المعرفي ،مداخل ونماذج ونظريات،القاهرة ،دار النشر للجامعات.2001،
السّكاكي( :أبو يعقوب يوسف ابن أبي بكر مح ّم1د علي) ،مفت1اح العل1وم ،ض1بطه وكتب هوامش1ه وعلّ1ق علي1ه :نعيم
زرزور ،بيروت ،دار الكتب العلميّة ،ط1983، 1
ص11ولة عب11د هللا ،المقول11ة في نظري11ة الط11راز األص11لية ،حولي11ات الجامع11ة التونس11ية،ع11دد ،46ص-ص -369
388،2002
اليكوف جورج ومارك جونسون ،االس11تعارات ال11تي نحي1ا به11ا ،ترجم11ة عب11د المجي11د جحف11ة ،المغ1رب ،دار توبق1ال
للنشر ،سلسلة المعرفة اللسانية ،ط.2009، 2
نفسه ،الفلسفة في الجسد ،ترجمة عبد المجيد جحفة ،دار الكتاب الجديد 1،بيروت-لبنان2015 ،
اليكوف جورج ،حرب الخليج أو االس1تعارات ال1تي تقت1ل ،ترجم1ة عب1د المجي1د جحف1ة وعب1د اإلل1ه س1ليم ،ط ،1دار
توبقال ،المغرب 2005 ،
كانط ايمانويل ،نقد العل المحض ،ترجمة موسى وهبة ،بيروت ،مركز اإلنماء القومي1988 ،
المسيري عبد الوهاب ،اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود ،القاهرة ،دار الشروق 2002،
هيلي باتريك،صور المعرفة :مقدمة لفلسفة العلم المعاصرة ،ترجمة نورال11دين ش11يخ عبي11د 1،مراجع11ة ح1اج اس11ماعيل
حيدر ،بيروت المنظمة العربية للترجمة،2008،الفصل الرابع كانط العلم والنسق،ص-ص 115-97
هيوم ديفيد ،تحقيق في الذهن البشري،ترجمة محمد محجوب،المنظمة العربية للترجمة،بيروت -لبنان ،ط.1،2008
124
المراجع باللّسان األجنبي
.
125
Laikoff George; Women ;fire and dangerous things ; what Categories Reveals about the
mind ; chicago : University of Chicago Press :1987
Laikoff George; The Contemporary Theory of Metaphor ;in Ortony A (ed)M Metaphor and
Thougt ; Cambridge; Cambridge University Press ;1992
Laikoff George; Don't Think Of An Elephant!: Know Your Values And Frame The Debate: The
Essential Guide For Progressives ; Chelsea green publishing ; white river junction, vermont ;
First printing, September, 2004
Merleau-Ponty ; Maurice Phénoménologie de la perception; Paris : La Librairie Gallimard,
NRF, 1945
Molino Jean;"Métaphores modèles et analogies dans les sciences " ;Langages (la métaphore)
1979 Volume 12 Numéro 54 pp. 83-102
http://www.persee.fr/docAsPDF/lgge_0458-726x_1979_num_12_54_1820.pdf (2016/09/24)
Ricoeur Paul; La métaphore vive, Paris, Seuil, 1975. (Collection « L’Ordre philosophique »)
Reddy ; M. J ; The conduit metaphor: A case of frame conflict in our language about
language. In A. Ortony (Ed.), Metaphor and Thought (pp. 284–310). Cambridge: Cambridge
University Press; 1979
Ritchards Ivor Armstrong; The Philosophy of Rhetoric. ed. Oxford University Press
Robert N. St. Clair; Metaphor and the Foundations of the Second Generatin of Cognitive
Linguistic,
http://structural-communication.com/Articles/second-generation-cogsci-stcliar.html
(11/10/2016)
Vyvyan EvansA Glossary of Cognitive Linguistics; Edinburgh University Press; 2007
126