You are on page 1of 29

‫صالة المسيح؛ لماذا؟‬

‫يف تعليم آباء الكنيسة‬

‫أجمد بشارة‬
‫كتاب‪ :‬صالة املسيح‪.‬‬
‫إعداد‪ :‬أجمد بشارة‬
‫نرش‪ :‬مركز إيكونوميا للدراسات املسيح ّية (‪.)2019‬‬

‫رصح ببيعه أو تداوله يف املكتبات هبدف‬


‫املجاين فقط‪ ،‬وغري ُم َّ‬
‫ّ‬ ‫ُيسمح بطبعه للتوزيع‬
‫املادي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الربح‬
‫الفهرس‬

‫‪3‬‬ ‫الفهرس‬

‫‪4‬‬ ‫ُمقدمة‬

‫‪6‬‬ ‫اإلهلي‬
‫ّ‬ ‫التجسد‬
‫ُّ‬

‫‪11‬‬ ‫‪ – 1‬نيابة عَ نَّا كرئيس كهنة وشفيع‬

‫‪14‬‬ ‫‪ – 2‬واض ًعا ً‬


‫مثال لنا لنتعلم منه‬

‫‪16‬‬ ‫‪ – 3‬نحن كنا فيه ّ‬


‫نصل ونرصخ‬

‫‪17‬‬ ‫‪ –4‬ألجلنا وألجل خالصنا‬

‫‪19‬‬ ‫إن أمكن فلتعرب عني هذه الكأس‬


‫مُقدِّمة‬
‫يف نصوص األناجيل نجد السيد املسيح قدَّ م ص ّلوات كثرية‪ .‬فقد قدَّ م لنا القديس‬
‫أرسارا فائقة (يو ‪ ،)17‬كام أبرز اإلنجيل‬
‫ً‬ ‫يوحنا صالة السيد املسيح الوداع ّية التي حتمل‬
‫ّ‬
‫يصل أثناء عامده‪،‬‬ ‫كل الظروف‪.‬‬ ‫بالصالة يف ّ‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫كقائد لنا‬ ‫لوقا اهتام ًما بالسيد املسيح‬
‫فانفتحت السامء ونزل عليه الروح القدس… (لو ‪ .)22-21 :3‬كام ّ‬
‫صل قبل اختياره‬
‫ّ‬
‫وصل قبل أن يسأل تالميذه‪" :‬ماذا يقول الناس‬ ‫ً‬
‫تلميذا (لو ‪،)13-12 :6‬‬ ‫الثني عرش‬
‫يتجل (لو‪ .)29-28 :9‬كام ّ‬
‫صل قبل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وصل قبل أن‬ ‫إين أنا" (لو ‪.)29-18 :98‬‬
‫وأيضا يف حلظة األمل (لو ‪ ،)43-42 :22‬وقبل‬
‫رس اإلفخارست ّيا (لو‪ً .)19 :22‬‬
‫تأسيس ُّ‬
‫قائال‪" :‬يا أبتاه يف يديك استودعك روحي"‪َّ .‬‬
‫وحذر تالميذه‬ ‫موته باجلسد (لو ‪ً )46 :24‬‬
‫الصالة (لو ‪ ،18:11‬مت ‪ ،21 :7 ،8-5 :6‬مر ‪ .)38 :12‬وقدَّ م‬ ‫َّ‬ ‫من إساءة استخدام‬
‫ٍ‬
‫بسطاء باحلكمة املخف ّية عن احلكامء‬ ‫ٍ‬
‫كأطفال‬ ‫شكرا لآلب من أجلنا لتمتعنا‬
‫تسبيحا و ً‬
‫ً‬
‫‪1‬‬
‫والفهامء (لو ‪.)21 :10‬‬
‫قديام ليوحنا ذهبي الفم‪:‬‬
‫وللوقت تظهر يف ذهننا تساؤلت كثرية‪ :‬كام قال اهلراطقه ً‬
‫اآلن إقتبس النصوص التي ُتبّي العكس‪ .‬أي نصوص تبّي العكس؟ نصوص مثل أ َّنه‬

‫‪ 1‬احلب اإللهي ‪ .‬األب اتدرس يعقوب ملط ‪ .‬إصدار كنيسة مارجرجس ابإلسكندرية‪ .‬ص ‪.595‬‬
‫‪4‬‬
‫يصل لآلب‪ .‬إن كان له نفس القدرة ومن نفس جوهره ويعمل ّ‬
‫كل يشء باقتدار‪ ،‬فلامذا‬ ‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫ُي ّ‬
‫صل؟‬
‫َّ‬
‫للصالة؟!‬ ‫فلامذا قدَّ م يسوع هذه الص َّلوات؟ هل كان حيتاج‬

‫‪ 2‬يوحنا ذهيب الفم‪ .‬مساو لآلب يف اجلوهر‪ .‬مُرتمج عن ‪ .The Fathers of the Church. vol. 72‬ترمجة‬
‫نشأت مرجان‪ .‬إصدار دار النرش األسقفية‪ .‬ص ‪.17‬‬
‫التجسُّد اإلهليّ‬
‫التجسد كام‬
‫ُّ‬ ‫رس‬
‫لنعرف اإلجابة عل هذه األسئلة جيب أن نعود إىل معرفة حقيقة ّ‬
‫يقول القديس كريلس الكبري‪:‬‬
‫أرجوكم أن تنظروا ُهنا إىل عمق التدبري يف اجلسد‪ ،‬وإىل ُسمو تلك احلكمة‬
‫التي ل يمكن لكلامت أن ُُت ررب هبا‪ ،‬ثبتوا عليها عّي العقل الثاقبة‪ ،‬وإن مل‬
‫أيضا ستقولون‪" :‬يا لعمق غنى اهلل وحكمته‬
‫الس‪ ،‬فأنتم ً‬
‫تستطيعوا رؤية مجال ّ‬
‫وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الستقصاء"‬
‫‪3‬‬
‫(رو‪.)33:11‬‬

‫فالتجسد هو أ ّن املسيح كآدم اجلديد مجع البرش ّية يف شخصه وأصبح ً‬


‫رأسا جديدً ا‬ ‫ُّ‬
‫عي يف الكتاب املُقدَّ س هبذه األسامء‪ :‬آدم األخري (‪ 1‬كو ‪،) 45 :15‬‬
‫جلنس البرش‪ ،‬وهلذا ُد َّ‬
‫والبكر (عب ‪ ،6 :1‬كو ‪ )15 :1‬ورئيس الكهنة (عب ‪17 :2‬؛ ‪1 :3‬؛ ‪15 ،14 :4‬؛ ‪:5‬‬
‫‪10 ،4 ،1‬؛ ‪20 :6‬؛ ‪26 :7‬؛ ‪3 ،1 :8‬؛ ‪.)11 :9‬‬
‫وهبذا احتوانا يف جسده كام احتوانا آدم األ ّول إذ هو رأس اخلليقة‪ ،‬وأدخل الطبيعة‬
‫رأسا جديدً ا للبرش ّية حيث إ ّنه كإله‬
‫الرش والفساد باخلطية‪ ،‬فصار هو ً‬
‫البرش ّية يف معرفة ّ‬
‫عندما احتد بالطبيعة البرش ّية فهو قد احتد بطبيعة ّ‬
‫كل شخص‪ ،‬وهكذا محلنا مجي ًعا يف ذاته‪،‬‬
‫وإذ محلنا يف شخصه فكرئيس كهنة محل نتيجة خطايانا ليدخل إىل قدس األقداس مرة‬

‫‪ 3‬تفسري اجنيل لوقا للقديس كريلس السكندري‪ .‬ترمجة د ‪ /‬نصح عبد الشهيد‪ ،‬إصدار املركز األرثوذكس لدلراسات‬
‫اآلابئية‪ .‬ص ‪.711‬‬
‫‪6‬‬
‫قديام (راجع لويّي ‪،32 :16‬‬
‫واحدة ويكفر عن أثامنا كام كان يفعل رئيس الكهنة ً‬
‫‪.)34‬‬
‫جتس رده‪ ،‬فقد‪:‬‬ ‫وهكذا جيب أن ننظر إىل ّ‬
‫كل عمل عمله السيد الرب يف ُّ‬
‫يضا ول‬
‫‪ُ -‬مسح بالروح القدس ليكون لنا الدالة أن يسكن فينا روح اهلل أ ً‬
‫يفارقنا كام كان يف العهد القديم‪.‬‬
‫تعمد ل ُيقدس لنا طريق املعمود ّية‪.‬‬
‫‪َّ -‬‬
‫يضا عندما قام من األموات‪ ،‬رفع لعنة املوت عن اجلميع إذ أ ّننا‬
‫‪ -‬هكذا أ ً‬
‫رس املعمود ّية للدخول‬
‫يضا معه (وهذا ما نشرتك فيه يف ّ‬
‫مجي ًعا ُمتنا فيه وقمنا أ ً‬
‫يف حياة املسيح)‪.‬‬
‫هلي‪ .‬كام‬
‫التجسد هو ألجلنا وألجل تربير طبيعتنا البرش ّية يف جسد الكلمة اإل ّ‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬
‫فكل‬
‫يقول القديس أثناسيوس‪:‬‬
‫"إ ّن ربنا بينام هو ’كلمة‘ اهلل وابن اهلل‪ ،‬فإ ّنه قد لبس جسدً ا‪ ،‬وصار ابن‬
‫اإلنسان لكي بصريورته وسي ًطا بّي اهلل والناس‪ ،‬فإ َّنه خيدم أمور اهلل من نحونا‬
‫وخيدم أمورنا من نحو اهلل‪ .‬وعندما قيل عنه إ ّنه جيوع ويبكي ويتعب‪ ،‬ويرصخ‬
‫إلوي إلوي‪ ،‬وه َي آلمنا البرش ّية‪ ،‬فإ ّنه يأخذها‪ ،‬ويقدمها لآلب‪ ،‬متشف ًعا عنَّا‪،‬‬
‫إىل ّ‬
‫كل سلطان‘‬ ‫لكي بواسطته وفيه تبطل هذه اآللم‪ .‬وحينام قال‪ُ ’ :‬دفع َّ‬
‫(مت‪ )18:28‬و’آخذها‘ (انظر يو‪ )18:10‬و’لذلك رف ّعه اهلل‘ (ىف‪.)9:2‬‬
‫هي اهلبات املمنوحة لنا من اهلل بواسطته‪ّ .‬‬
‫ألن ’الكلمة‘ مل يكن يف‬ ‫ّ‬
‫فإن هذه َ‬
‫احتياج إىل أي يشء يف أي وقت‪ ،‬كام أ ّنه مل ُخيلق‪ .‬ومل يكن البرش قادرين‬
‫(بذواهتم) أن يعطوا هذه (اهلبات) ألنفسهم‪ ،‬ولكنها ُأعطيت لنا بواسطة‬
‫جتسد‪ ،‬حتّى‬
‫وكأنا معطاة له فه َي تنتقل إلينا‪ .‬وهلذا السبب َّ‬
‫ّ‬ ‫’الكلمة‘‪ .‬لذا‬
‫بإعطائها له تنتقل إلينا‪ .‬أل ّن اإلنسان وحده (بدون وسيط) مل يكن مستح ًقا أن‬
‫حمتاجا إليها‪ .‬لذا احتد ’الكلمة‘‬
‫ً‬ ‫يأخذ تلك اهلبات‪ ،‬و’الكلمة‘ يف ذاته مل يكن‬
‫‪4‬‬
‫بنا ونقل إلينا السلطان وجمدنا جمدً ا عال ًيا"‪.‬‬
‫ويكمل ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫"إل ّنه كام أباد املوت باملوت‪ ،‬وبوسائل برش ّية أبطل ّ‬
‫كل ما لإلنسان (من‬
‫أيضا هبذا الذي ظهر وكأ َّنه خوف‪ ،‬نزع خوفنا‪ ،‬وأعطى‬
‫ضعفات)‪ ،‬هكذا ً‬
‫‪5‬‬
‫الناس أل يعودوا خيافون املوت فيام بعد"‪.‬‬
‫يضا‪:‬‬
‫ويقول أ ً‬
‫إن شيئًا ما قد ُأعط َّي للرب‪ ،‬جيب أن نعرف أ ّنه مل ُي َ‬
‫عط له‬ ‫"هلذا عندما ُيقال َّ‬
‫كمحتاج إليه‪ ،‬بل ُأعط َّي لإلنسان نفسه بواسطة ’الكلمة‘‪ّ .‬‬
‫ألن ّ‬
‫كل من يتش َّفع‬
‫من أجل آخر ينال هو نفسه اهلبة‪ ،‬ليس كمحتاج إليها‪ ،‬بل حلساب من يتش َّفع‬
‫ألجله‪ .‬وكام أ َّن الرب يأخذ ضعفاتنا‪ ،‬دون أن يكون ضعي ًفا‪ ،‬وجيوع دون أن‬
‫حمتاجا لألكل‪ .‬وهو يأخذ ضعفاتنا لكي ُيالشيها‪ .‬كام أ َّنه ‪-‬يف مقابل‬
‫ً‬ ‫يكون‬
‫أيضا اهلبات التي من اهلل‪ ،‬حتّى أ ّن اإلنسان الذي يتحد به‪،‬‬
‫ضعفاتنا‪ -‬يقبل ً‬
‫يمكنه أن يشرتك يف هذه اهلبات‪ .‬ولذلك يقول الرب‪ّ ’ :‬‬
‫كل ما أعطيتني‪ ..‬قد‬
‫وأيضا‪’ :‬من أجلهم أنا أسأل‘ (يو‪7:17‬ـ‪ ،)9‬أل ّنه كان يسأل‬
‫ً‬ ‫أعطيتهم‘‪.‬‬
‫ألجلنا‪ ،‬آ ً‬
‫خذا لنفسه ما هو لنا‪ ،‬ومعط ًيا لنا ما أخذه‪ .‬أل َّنه عندما احتد الكلمة‬

‫‪ 4‬ضد اآلريوس يني‪ ،‬ترمجة د ‪ /‬وهيب قزمان بولس‪ .‬إصدار املركز األرثوذكس لدلراسات اآلابئية ‪ .‬مقاةل ‪ . 4‬ف ‪. 6‬‬
‫ص ‪.15‬‬
‫‪ 5‬ضد اآلريوس يني املقاةل الثالثة فقرة ‪.57‬‬
‫مجد‪ ،‬وأن‬
‫فإن اآلب من أجل ابنه قد أنعم عل اإلنسان بأن ُي َّ‬‫باإلنسان نفسه‪َّ ،‬‬
‫كل هذه األمور ’للكلمة‘‬ ‫كل سلطان‪ ،‬وما شابه ذلك‪ .‬لذا ُن رس َبت ّ‬
‫ُيدفع له ّ‬
‫كل هذه األمور التي ُأعطيت له‪ .‬فكام ّ‬
‫أن ’الكلمة‘‬ ‫نفسه‪ ،‬لكي ننال بواسطته ّ‬
‫صار إنسانًا ألجلنا‪ ،‬هكذا نحن ُنر َّفع ألجله‪ .‬فإن كان ألجلنا قد وضع نفسه‬

‫(اتضع)‪ ،‬فليس من غري املعقول إ ًذا أن ُيقال إ ّنه قد ُجمد ُ‬


‫ورفع ألجلنا‪ ،‬هلذا‬
‫’أعطاه‘ (اآلب) أي ’أعطانا من أجله هو‘‪ ،‬وقد ’ر َّفعه‘ أي ’ر َّفعنا نحن‬
‫نتمجد ونأخذ وننال معونة‪ ،‬كأ َّنه هو نفسه الذي‬
‫َّ‬ ‫فيه‘‪’ .‬والكلمة‘ نفسه‪ ،‬حينام‬
‫قائال‪ّ ’ :‬‬
‫كل ما‬ ‫ُجمدَ وأخذ ونال معونة‪ ،‬يقدم الشكر لآلب‪ ،‬ناس ًبا ما لنا لنفسه ً‬
‫‪6‬‬
‫أعطيتني‪ ..‬قد أعطيتهم‘ (يو‪.")8،7:17‬‬
‫ّ‬
‫فصل بطبيعتنا متشف ًعا لنا عند اآلب‪،‬‬ ‫يضا قدَّ م السيد بالصالة بنا وعنَّا‪،‬‬
‫وهكذا أ ً‬
‫يضا صلواتنا فيه‪.‬‬
‫ولكي ُتسمع أ ً‬
‫القديس يوحنا ذهبي الفم يسبب صالة املسيح باآليت‪:‬‬
‫كل البرش يف تلك األيام وما يليها من‬ ‫جتس رده‪ :‬إ َّنه تسبل باجلسد وأراد ّ‬
‫أن ّ‬ ‫‪ُّ – 1‬‬
‫عصور أن يؤمنوا َّ‬
‫أن ما رأوه مل يكن جم َّرد خيال أو هيئة ظاهر ّية بل طبيعة‬
‫حقيق ّية‪ 7.‬أل تزال تسمع حتّى اليوم ّ‬
‫أن ماركيان وماين وفالنتيان وآخرين‬
‫ترصف هكذا ليربهن ويؤ ّمن عل‬ ‫كثريين أنكروا تدبري الفداء يف اجلسد؟ إ َّنه َّ‬
‫بكل ج ر‬
‫هده لنزع هذا اإليامن عن البرش‪ ،‬أل َّنه‬ ‫إن إبليس سعى ّ ُ‬ ‫تدبري الفداء‪َّ .‬‬

‫‪ 6‬ضد اآلريوس يني‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬مقاةل‪ . 4‬ف ‪.7 ،6‬‬


‫‪ 7‬يوحنا ذهيب الفم‪ ،‬مساو لآلب يف اجلوهر‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.18‬‬
‫علر َم أ َّنه إذا ما لشى إيامن اإلنسان بتدبري الفداء سيتالشى معه ّ‬
‫كل األشياء‬
‫‪8‬‬
‫نتمسك هبا عل أ َّنا حقيقة‪.‬‬
‫التي َّ‬
‫‪ – 2‬ليعلمنا التضاع‪ :‬إ َّنه أراد ممن يسمعونه أن يكونوا متضعّي يف قلوهبم‬
‫وأذهانم‪ ،‬لو كان شخص ما ُيعلم عن إتضاع القلب‪ ،‬إ َّنه يفعل هذا (أي‬
‫يضا بام يفعله‪ .‬إ َّنه متضع يف القول والفعل‪.‬‬
‫يعلمهم) ليس فقط بام يقوله‪ ،‬بل أ ً‬
‫‪9‬‬
‫(تع َّلموا مني أل ّين وديع ومتواضع القلب‪ ..‬مت‪.)29 :11‬‬
‫‪ – 3‬متايز أقانيم الثالوث القدُّ وس‪ :‬لكي يمنعنا من السقوط أبدً ا يف العتقاد‬
‫أ ّنه ل يوجد إ َّل إقنوم واحد يف اهلل بسبب التقارب فائق الوصف بّي األقانيم‬
‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬
‫الثالثة‪.‬‬
‫وهكذا يمكننا أن نوضح أ ّن صالة السيد املسيح كانت‪:‬‬
‫‪ – 1‬نيابة عنَّا كرئيس كهنة وشفيع‪.‬‬
‫‪ – 2‬واض ًعا لنا ً‬
‫مثال نتع َّلم منه‪.‬‬
‫‪ – 3‬نحن ُكنَا فيه ّ‬
‫نصل ونرصخ‪.‬‬
‫‪ – 4‬ألجلنا وألجل خالصنا‪.‬‬

‫‪ 8‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬


‫‪ 9‬نفس املرجع السابق ص ‪.23‬‬
‫‪ 1‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ – 1‬نيابة عَنَّا كرئيس كهنة وشفيع‬
‫فلم ُيصل املسيح عن رع ّوز أو احتياج‪ ،‬بل كان َير َفع الصلوات إلجلنا نحن الذي‬
‫يتش َّفع فينا أمام اآلب‪ ،‬فندخل به ومن خالله إىل حمرض اآلب‪ ،‬إىل قدس األقداس‪،‬‬
‫حيث احلضور ال ُكل إلهلنا‪ ،‬ذاك املحرض الذي نفينا عنه يف آدم حّي سقط من نعمة اهلل‬
‫املؤهلة‪.‬‬
‫كام يقول القديس كريلس الكبري‪:‬‬
‫"إ ّنه ُي ّ‬
‫صل ليس كمن يعوزه يشء إذ هو اإلله‪ ،‬بل بصفته رئيس كهنة يرفع‬
‫‪1‬‬
‫التوسالت التي من أجلنا"‪.‬‬
‫ويقول العامل دونالد جوثري‪:‬‬
‫ساسا هو ُممثل لإلنسان‪ ،‬إ َّنه مأخوذ من الناس فأل َّنه ُمتر َخذ‬
‫"رئيس الكهنة أ ً‬
‫مرا‬
‫يترضع نيابة عنهم‪ .‬كان هذا أ ً‬
‫طبيعة الناس يستطيع أن يعمل باسمهم و َّ‬
‫‪2‬‬
‫أساسيا يف كهنوت هارون"‪.‬‬
‫ويكتب أثناسيوس‪:‬‬
‫صالها املُخلص‪ ،‬إ ّنام َّ‬
‫صالها بالنيابة عن طبيعة اإلنسان"‪.‬‬ ‫صالة َّ‬
‫"كل َّ‬

‫‪1‬‬ ‫‪P. G., 72 : 417.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 1‬التفسري احلديث للكتاب امل ُقدس‪ .‬الرساةل إىل العربانيني‪ .‬تأليف ‪ /‬دواندل جوثري‪ .‬ص ‪.116‬‬
‫‪11‬‬
‫املطوب جريوم‪:‬‬
‫ويكتب َّ‬
‫"من أجلنا قدَّ م التش ُكرات لئال نظن ّ‬
‫أن اآلب والبن أقنوم واحد بعينه عندما‬
‫نسمع عن إمتام ذات العمل بواسطة اآلب والبن‪ .‬هلذا فلكي ُي ر‬
‫ظهر لنا ّ‬
‫أن رد‬
‫تشكراته ليست رضيبة يلتزم هبا من هو يف عجز عن السلطان‪ ،‬بل بالعكس‬
‫اإلهلي‪ ،‬لذلك رصخ‪“ :‬لعازر‬
‫ّ‬ ‫أ َّنه ابن اهلل الذي ينسب لنفسه دو ًما السلطان‬
‫‪4‬‬ ‫خارجا”‪ُ .‬هنا بالتأكيد أمر ل َّ‬
‫صالة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ه ُل َّم‬
‫املطوب أغسطينوس‪:‬‬
‫ويقول َّ‬
‫ّ‬
‫ويصل‬ ‫ونصل إليه‪ّ .‬‬
‫يصل عنا بكونه كاهننا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويصل فينا‪،‬‬ ‫" ّ‬
‫يصل املسيح َعنَّا‪،‬‬
‫ّ‬
‫ونصل إليه بكونه إهلنا‪ ،‬هلذا نتعرف عل صوتنا فيه‪،‬‬ ‫فينا بكونه رأسنا‪،‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪5‬‬
‫ونتعرف عل صوته فينا"‪.‬‬
‫َّ‬
‫النيزنزي يقول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫والقديس غريغوريوس‬
‫خاصة‬
‫ّ‬ ‫"إ َّنه ليس عبدً ا ينطرح أمام اآلب شاف ًعا فينا‪ّ .‬‬
‫فإن مثل هذه الفكرة‬
‫وأيضا بالبن‬
‫بالرقيق وغري لئقة بالروح! إ َّنه ل يليق باآلب أن يطلب ذلك‪ً ،‬‬
‫حيق لنا أن نفكر بمثل هذه األمور بالنسبة هلل‪ .‬ولكن ما تأمل‬
‫أن خيضع هلا‪ ،‬ول ّ‬
‫ٍ‬
‫كإنسان‪ ،‬فإ َّنه إذ هو الكلمة واملشري يطلب من اهلل أن يطيل أناته علينا‪ .‬أظن‬ ‫به‬
‫‪1‬‬ ‫‪6‬‬
‫هذا هو معنى شفاعته"‪.‬‬

‫‪ 1‬املس يح يف صالته وصومه من أجلنا يف تعلمي القديس يني أثناس يوس الرسويل وكريلس السكندري‪ .‬دار جمةل مرقس‪.‬‬
‫ص ‪.33‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪Of the Christian Faith,‬‬ ‫‪4:6:72..‬‬
‫‪ 1‬األب اتدرس يعقوب‪ ،‬احلب اإللهي ‪ .‬ص ‪.551‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪Theological‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪Orations‬‬ ‫‪30: 14.‬‬
‫ويف مقطوعة شاعر ّية‪ ،‬يقول أغسطينوس متحد ًثا عن حمبوبه املسيح‪ :‬وإن غاب عن‬
‫الكل ‪Totus Christus‬‬
‫باحلب‪ .‬وحيث املسيح ّ ّ‬
‫ّ‬ ‫أعيننا‪ ،‬فاملسيح رأسنا مرتبط بنا‬
‫هو الرأس واجلسد‪ ،‬لنص رغ يف املزمور إىل صوت الرأس لكي نسمع ً‬
‫أيضا اجلسم‬
‫األعضاء‪ ،‬كنيسته الك ّل ّية التي تنترش عرب العامل‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫يتكلم‪ 7.‬إن كان هو الرأس‪ ،‬فإ ّننا نحن‬
‫أي جسده‪ ،‬الذي هو رأسه‪ .‬ليس فقط املؤمنون الذين عل األرض اآلن‪ ،‬والذين سبقونا‬
‫ّ‬
‫والكل يف جسده‪ ،‬وهو رأس هذا‬ ‫والقادمون فيام بعد إىل ناية الزمن‪ ،‬يتصلون الواحد‬
‫وأيضا صوتنا هو‬ ‫اجلسد‪ ،‬الذي صعد إىل السامء… يمكننا القول ّ‬
‫إن صوته هو صوتنا‪ً ،‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪8‬‬ ‫صوته‪ .‬لنفهم ّ‬
‫أن املسيح يتكلم فينا‪.‬‬
‫وخيتم ذهبي الفم‪:‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪9‬‬ ‫"لكن ملن قد ترضع؟ ترضع نيابة عن ّ‬
‫كل من آمن به"‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪In Ps 56 PL 36: 662.‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪8 PL 36: 748 f.‬‬
‫‪Enarr. in Psalm 62:2‬‬
‫‪ 1‬تفسري رساةل بولس الرسول إىل العربانيني‪ .‬للقديس يوحنا ذهيب الفم‪ .‬ترمجة د ‪ /‬سعيد حكمي يعقوب‪ .‬إصدار املركز‬
‫األرثوذكس لدلراسات اآلابئية‪ .‬ص ‪.140‬‬
‫‪ – 2‬واضعًا مثالًا لنا لنتعلم منه‬
‫مل يكن املسيح جمُ َّرد مثال فقط‪ ،‬يشء سا ٍم وعظيم وبعيد ل ُيمكن أن نصل إليه‪ ،‬بل‬
‫ّ‬
‫ككل‪ ،‬لذا نقول يف‬ ‫شبيها بنا‪ ،‬وع َّلمنا بأفعاله‪ ،‬ل بالقول فقط‪ ،‬بل بحياته‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫ذكصولوج ّية الصوم املُقدَّ س‪:‬‬
‫حمب البرش الصالح‪ .‬صنع فعل الصوم مع رع َظم‬ ‫"تعالوا انظروا خملصنا ّ‬
‫جسدي‪ ،‬وع َّلمنا املسري لكي نسري مثله"‪.‬‬ ‫ر‬
‫تواضعه فوق اجلبال العالية بانفراد‬
‫ّ‬
‫السكندري يكتب‪:‬‬
‫ّ‬ ‫والقديس كريلس‬
‫نموذجا للصالة بالنسبة لنا‪ .‬إل ّنه كان‬
‫ً‬ ‫"ما يقوله املسيح ُهنا‪ ،‬ينبغي أن يكون‬
‫الرضوري ل أن يأيت شيخ أو رسول‪ ،‬بل أن يظهر املسيح نفسه‪ .‬ليكون‬
‫ّ‬ ‫من‬
‫قائدنا ومرشدنا يف ّ‬
‫كل صالح‪ ،‬ويف الطريق الذي يؤدي إىل اهلل‪ .‬إل َّننا ُدعينا –‬
‫‪0‬‬
‫وهكذا نحن باحلق– كام يقول النبي‪ :‬متعلمّي من اهلل"‪.‬‬
‫ويقول يف موضع آخر‪:‬‬
‫يترصفوا بام يناسب هذا الظرف (العصيب) بقوله‬
‫َّ‬ ‫"وكان حيث تالميذه أن‬
‫هلم‪’ :‬اسهروا وص ّلوا لئال تدخلوا يف جتربة‘‪ .‬وح ّتى ل يكون تعليمه بالكالم‬

‫‪ 2‬رشح إجنيل يوحنا‪ .‬اجملدل الثاين‪ .‬للقديس كريلس السكندري‪ .‬إصدار املركز األرثوذكس لدلراسات اآلابئية‪ .‬ص‬
‫‪.352‬‬
‫‪14‬‬
‫مثال َمل را ينبغي أن يفعلوه ُهم‪ ،‬فقد انفصل عنهم ً‬
‫قليال‪،‬‬ ‫فقط‪ ،‬صار هو نفسه ً‬
‫‪1‬‬
‫َّ‬
‫وصل"‪.‬‬ ‫نحو رمية حجر‪ ،‬وجثا عل ركبتيه‬
‫يضا‪:‬‬
‫ويقول أ ً‬
‫" ّ‬
‫كل ما فعله املسيح‪ ،‬فعله ألجل بنياننا‪ ،‬وألجل منفعة أولئك الذين يؤمنون‬
‫به‪ ،‬وعن طريق تعريفنا بسلوكه اخلاص كنموذج للحياة الروح ّية‪ ،‬فإ ّنه جعلنا‬
‫عابدين حقيق ّيّي‪ ،‬لذلك دعنا نرى يف النموذج واملثال الذي ُتزودنا به أعامل‬
‫املسيح‪ ،‬نرى الطريقة التي ينبغي أن ُنقدم هبا صلواتنا إىل اهلل"‪.‬‬

‫‪ 2‬تفسري إجنيل لوقا للقديس كريلس السكندري‪ .‬ترمجة د‪ /‬نصح عبد الشهيد‪ .‬إصدار املركز األرثوذكس لدلراسات‬
‫اآلابئية‪ .‬ص ‪.715‬‬
‫‪ 2‬إجنيل لوقا للقديس كريلس السكندري‪ .‬ترمجة د‪ /‬نصح عبد الشهيد‪ .‬إصدار املركز األرثوذكس لدلراسات اآلابئية‪.‬‬
‫ص ‪.122 , 121‬‬
‫‪ – 3‬حنن كنا فيه نصلّي ونصرخ‬
‫نصل برصاخ شديد ودموع ونطلب أن َيب ُطل سلطان املوت‪.‬‬
‫نحن الذين ُكنَّا فيه ّ‬
‫‪3‬‬ ‫كندري َّ‬
‫صالة املسيح‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هبذه الكلامت وصف القديس كريلس الس‬
‫ً‬
‫اصال ويف احلقيقه رصخاتنا التي رصخها من أجلنا‪،‬‬ ‫هي‬ ‫ف ّ‬
‫إن هذه الرصخات َ‬
‫هي توسالتنا توسلها‬
‫التوسالت َ‬
‫هي دموعنا وقد كان يبكي من أجلنا‪ ،‬و ُ‬
‫والدموع َ‬
‫كل أوجاعنا‪ ،‬فتحم ّلها يف جسده الذي هو‬
‫صمم أن حيمل ّ‬
‫باسمنا‪ .‬أل ّنه ابن اهلل فقد َّ‬
‫صال جسدنا الذي لبسه عليه ليظهر به كإنسان خاطئ أمام اهلل أبيه لينال تع ُّطفاته عل‬
‫أ ً‬
‫‪2‬‬
‫السكندري‪:‬‬
‫‪ّ 4‬‬ ‫جنسنا‪ .‬لذا يكتب القديس كريلس‬
‫"نحن الذين كنا فيه – كام يف مبدأ ثان جلنسنا – ّ‬
‫نصل برصاخ شديد ودموع‬
‫‪2‬‬ ‫‪5‬‬
‫ونطلب أن يبطل سلطان املوت"‪.‬‬

‫‪ 2‬املس يح يف صالته وصومه من أجلنا يف تعلمي القديس يني أثناس يوس الرسويل وكريلس السكندري‪ .‬دار جمةل مرقس‪.‬‬
‫ص ‪.33‬‬
‫‪ 2‬األب مت املسكني‪ .‬رشح وتفسري الرساةل إىل العربانيني‪ .‬ص ‪.377‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪P.G. 76 , 1392 A . 5‬‬
‫‪16‬‬
‫‪ –4‬ألجلنا وألجل خالصنا‬
‫هي ألجلنا‪ ،‬أي ّ‬
‫أن هذه‬ ‫الترضعات التي رفعها َ‬
‫ُّ‬ ‫موضحا ّ‬
‫أن‬ ‫ً‬ ‫يكتب القديس كريلس‬
‫هي صلواتنا نحن التي كنَّا نرفعها‪ ،‬فيكتب‪:‬‬
‫الصلوات َ‬
‫نت‬
‫"قدَّ م طلبات وترضعات لآلب لكي جيعل أذن اآلب صاغية لصلواتك أ َ‬
‫‪2‬‬ ‫‪6‬‬
‫يضا"‪.‬‬
‫أ ً‬
‫ويقول يف موضع آخر‪:‬‬
‫"لقد بكى برشيا لكي ُجي ّفف دموعك… وقدَّ م طلبات وترضعات لآلب‬
‫‪2‬‬
‫يضا‪ 7...‬لكي جيعل صلواتنا‬
‫نت أ ً‬
‫لكي جيعل آذان اآلب صاغية لصلواتك أ َ‬
‫يضا تصري مقبولة لدى اآلب‪ ،‬لذلك قد وضع بنفسه بداية جديدة‬
‫نحن أ ً‬
‫‪8‬‬ ‫َّ‬
‫الصالة‪ ،‬لكي يستميل بذلك أذن اآلب لرصاخ الطبيعة البرش ّية"‪.‬‬ ‫لفعل‬
‫ويقول أمربسيوس‪:‬‬
‫"ولذلك‪ ،‬أخذ مشيئتي لنفسه‪ ،‬أخذ أحزاين وبثقة أدعوها أحزاين‪ ،‬أل ّنني أكرز‬
‫سامها مشيئته‪ ،‬أل َّنه كإنسان هو‬
‫بصليبه‪ .‬إن ما هو خاص يب هو املشيئة التي ّ‬
‫محل أحزاين‪ ،‬وكإنسان تك َّلم ولذلك قال‪’ :‬ل مشيئتى بل مشيئتك‘‪ .‬األحزان‬
‫هي أحزاين‪ ،‬وما هو خاص يب وا رحلمل الثقيل الذى محله بسبب حزين هو‬ ‫َ‬

‫‪ 2‬ردا عىل ثيئودوريت أسقف قورش خبصوص احلرم العارش‪. P.G , 76 : 44.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪P.G 76, 441.‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪P.G. 76, 1392 A . 8‬‬
‫‪17‬‬
‫محل أنا‪ ،‬أل َّنه ل يوجد ًمن يته ّلل عندما يكون عل حافة املوت‪ .‬هو َّ‬
‫يتأمل معي‬
‫ويتأمل ألجل‪ ،‬فهو حزن ألجل‪ .‬وتث َّقل ألجل‪ .‬لذلك فهو حزن ً‬
‫بدل مني‬ ‫َّ‬
‫وح رزن َّيف‪ ،‬هو الذي مل يكن هناك سبب جيعله حيزن ألجل نفسه‪ 9...‬ودعنا‬ ‫َ‬
‫نذكر أنفسنا بمنفعة اإليامن الصحيح‪ .‬إ َّنه نافع يل أن أعرف أ َّنه رمن أجل َمحَل‬
‫املسيح ضعفايت‪ ،‬أخضع نفسه ملشاعر جسدي‪ ،‬وألجل‪ ،‬أي ألجل ّ‬
‫كل‬
‫ويف تذ َّلل وصار خاض ًعا‪ ،‬وألجل صار‬
‫إنسان‪ ،‬صار خط َّية ولعنة‪ ،‬وألجل َّ‬
‫محال وكرمة وصخرة وعبدً ا‪ ،‬وابن األَ َمة (يقصد العذراء)‪( ،‬قاصدً ا) ألّ‬
‫ً‬
‫يعرف يوم الدينونة‪ ،‬وألجل ل يعرف اليوم ول الساعة‪ .‬أل َّنه كيف يمكنه‪،‬‬
‫وهو الذي صنع األيام واألزمنة أن يكون غري عارف لليوم (الدينونة)؟ كيف‬
‫ل يمكنه أن يعرف اليوم وهو الذي أعلن زمن الدينونة اآلتية وسببها؟ وهو‬
‫قد صار لعنة‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬ل من جهة إلوه ّيته وإ ّنام من جهة جسده‪ ،‬أل ّنه مكتوب‪:‬‬
‫’ملعون ّ‬
‫كل َمن ُعلق عل خشبة‘ (تث‪ ،23:21‬غل‪ ،)13:3‬ولذلك فإ ّنه يف‬
‫التجسد قد ُعلق‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫فإن هذا الذي َمحَل لعناتنا صار لعنة‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫اجلسد أي بعد‬
‫إ َّنه بكى‪ ،‬حتّى ل يطول بكاؤك أهيا اإلنسان‪ ،‬واحت ََم َل اإلهانة حتّى ل حتزن‬
‫‪0‬‬
‫رقبالة اإلساءة التي تصيبك‪.‬‬

‫‪ 2‬رشح اإلميان املس يح ‪ .‬الكتاب الثاين‪ .‬ترمجة د‪ /‬نصح عبد الشهيد‪ .‬إصدار املركز األرثوذكس لدلراسات اآلابئية‪.‬‬
‫فقرة ‪ .53‬ص ‪.107‬‬
‫‪ 3‬رشح اإلميان املس يح ‪ .‬الكتاب الثاين‪ .‬مرجع سابق‪ .‬فقرات ‪ .94 ،93‬ص ‪.125 , 124‬‬
‫إن أمكن فلتعرب عين هذه الكأس‬
‫من نص إنجيل ق‪ .‬متى (‪َ « ،)39 :26‬يا َأ َبتَا ُه رإ ْن َأ ْم َك َن َف ْلتَ ْع ُربْ عَني َه رذ ره ا ْلك َْأ ُس‬
‫يتضح وجود اعرتاضّي متداخلّي وليس‬ ‫ْت»‪َّ .‬‬ ‫َو َلكر ْن َل ْي َس ك ََام ُأ رريدُ َأنَا َب ْل ك ََام ُت رريدُ َأن َ‬
‫اعرتاض واحد‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫‪ -1‬خوف املسيح ورفضه للصلب والفداء من جانب‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن اجلانب اآلخر اختالف إرادته مع إرادة اآلب مما يضع عقيدة‬
‫املسيح ّيّي بشأن احتاد طبيعة اآلب واإلبن َّ‬
‫حمل تساؤل وشك‪.‬‬
‫جيب أن نعرف بداية ّ‬
‫أن السيد املسيح مل ُي ّ‬
‫صل أن يعرب عنه الكأس الذي هو املوت‪،‬‬
‫وذلك أل َّنه من غري املعقول أ ّن الذي قال إ َّن له سلطان عل نفسه‪:‬‬
‫آلخ َذ َها َأ ْي ًضا‪َ 18 .‬ل ْي َس َأ َحدٌ َي ْأ ُخ ُذ َها رمني‪َ ،‬ب ْل َأ َض ُع َها َأنَا رم ْن‬
‫إلين َأ َض ُع َن ْف رِس ُ‬
‫آخ َذ َها َأ ْي ًضا (يو‪.)18 ،17 :10‬‬ ‫ان َأ ْن ُ‬ ‫َذ رايت‪ .‬ريل ُس ْل َط ٌ‬
‫ان َأ ْن َأ َض َع َها َو ريل ُس ْل َط ٌ‬
‫يضا إ ّنه ُيعطي ملن يتبعه حياة أبد ّية‪:‬‬ ‫وقال أ ً‬
‫يها َح َيا ًة َأ َب رد َّي ًة‪َ ،‬و َل ْن‬‫ر‬ ‫ر‬ ‫رخ َر رايف ت َْس َم ُع َص ْو ريت‪َ ،‬و َأنَا َأ ر‬
‫عْر ُف َها َف َت ْت َب ُعني‪َ 28 .‬و َأنَا ُأعْ ط َ‬
‫خي َط ُف َها َأ َحدٌ رم ْن َي ردي (يو‪.)28 ،27 :10‬‬ ‫َ ْهتلر َك إر َىل األَ َب رد‪َ ،‬ولَ َ ْ‬
‫واحلق واحلياة (يو‪ ،)6 :14‬وأ ّنه هو القيامة ذاهتا واحلياة‬
‫ّ‬ ‫وأخربنا أ ّنه هو الطريق‬
‫عينها ومن يتبعه ل يبقى يف املوت بل إن مات يعود للحياة (يو‪ ،)25 :11‬وأمر تالميذه‬
‫أل خيافوا من الذين يقتلون اجلسد (مت‪ .)28 :10‬فكيف ملن يقول ّ‬
‫كل هذا ويطالب به‬
‫وحيياه يعود فيخاف من املوت؟!‬
‫بل كيف خياف من املوت ذاك الذي قال‪:‬‬
‫الساع رَة؟ َولكر ْن ألَ ْج رل َ‬
‫هذا َأ َتيْ ُت إر َىل‬ ‫رر‬ ‫ر ر‬
‫اآلب نَجني م ْن هذه َّ‬
‫ُ‬ ‫ول؟ َأ ُّ َهيا‬
‫َو َما َذا َأ ُق ُ‬
‫اعَة (يو‪.)12‬‬ ‫هذ ره الس ر‬ ‫ر‬
‫َّ‬
‫وكام يقول العالمة اورجيينوس‪:‬‬
‫" من املستحيل أن ابن اإلنسان كان يقول‪ :‬يا أبتاه إن أمكن فلتعرب عني هذه‬
‫الكأس‪ ،‬حتت إحساس باخلوف! فالرب يسوع ل يستعفي من ذبيحة املوت‬
‫‪1‬‬
‫البرشي ُك َّله"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ح ّتى تصل نعمة اخلالص للجنس‬
‫ويقول ق‪ .‬يوحنا ذهبي الفم‪:‬‬
‫طوبه ووهبه‬
‫"لقد دعا (بطرس) ذاك الذي ُوهب إعالنًا من اآلب وقد ّ‬
‫مفاتيح ملكوت الساموات‪ ،‬دعاه "شيطانًا"‪ ،‬ودعاه "معثرة"‪ ،‬واهتمه أنه ل‬
‫هيتم بام هلل‪ ...‬هذا كله ألنه قال له‪" :‬حاشاك يا رب ل يكون هذا لك" أي ل‬
‫يكون لك أن تصلب‪ .‬فكيف إذن ل يرغب يف الصليب‪ ،‬هذا الذي وبخ‬
‫وصب عليه هذا القدح إذ دعاه شيطانًا بعدما كان قد مدحه‪ ،‬وذلك‬
‫ّ‬ ‫التلميذ‬
‫ألنه طلب منه أن يتجنب الصليب؟ كيف ل يرغب يف الصليب ذاك الذي‬
‫رسم صورة للراعي الصالح معلنًا إياها كربهان خاص بصالحه‪ ،‬وهي بذله‬
‫لنفسه من أجل خرافه‪ ،‬إذ يقول "أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح‬
‫يبذل نفسه عن اخلراف" (يو ‪ ...)11 :10‬انظر كيف ُيعجب منه بسبب‬
‫إعالنه هذا "أنه يبذل نفسه"‪ً ،‬‬
‫قائال‪" :‬الذي كان يف صورة اهلل مل ُحيسب خلسة‬
‫صائرا يف شبه الناس‪،‬‬
‫ً‬ ‫آخذا صورة عبد‪،‬‬ ‫ً‬
‫معادل هلل‪ ،‬لكنه أخل نفسه‪ً ،‬‬ ‫أن يكون‬

‫‪3‬‬ ‫‪Ad Martyr. 4‬‬ ‫‪1‬‬


‫فإذ ُوجد يف اهليئة كإنسان وضع نفسه‪ ،‬وأطاع حتى املوت موت الصليب"‬
‫(يف ‪)8-6 :2‬؟ وقد تكلم عن نفسه مرة أخرى فقال‪" ...‬هلذا حيبني اآلب‬
‫أيضا" (يو ‪ ...)17 :10‬وكيف يقول الرسول‬
‫ألين أضع نفِس آلخذها ً‬
‫أيضا‪ ،‬وأسلم نفسه‬
‫بولس مرة أخرى‪" :‬واسلكوا يف املحبة كام أحبنا املسيح ً‬
‫ألجلنا" (أف ‪)2 :5‬؟‪ .‬وعندما اقرتب السيد املسيح من الصلب قال بنفسه‪:‬‬
‫"أهيا اآلب قد أتت الساعة‪ ،‬جمد ابنك" (يو ‪ .)10 :17‬لقد تكلم هنا عن‬
‫الصليب كمجد‪ ،‬فكيف يستعفي عنه‪ ،‬وها هو يستعجله"؟‬
‫السكندري‪:‬‬
‫ّ‬ ‫يضا ق‪ .‬كريلس‬
‫ويتسائل أ ً‬
‫"كيف خاف املوت ذاك الذي قال للذين فتشوا عنه وذهبوا ليقبضوا عليه‪ :‬أنا‬
‫هو (يو‪ ،)6 :18‬كيف خاف املوت ذاك الذي قال‪ :‬يل سلطان أن أضعها ويل‬
‫يضا‪ :‬ليس أحد يأخذها مني‪ ،‬بل أنا‬
‫يضا (يو‪ ،)18 :10‬وأ ً‬
‫سلطان أن آخذها أ ً‬
‫‪3‬‬
‫يضا (يو‪.")18 :10‬‬
‫أضعها من ذايت وأنا آخذها أ ً‬
‫ثم كيف نقول إ ّنه خاف‪ ،‬هذا الذي عندما جاءوا ليقبضوا عليه قال هلم أنا هو ّ‬
‫بكل‬ ‫ّ‬
‫جرأة‪ ،‬حتّى إ ّنم من قوة لهوته وقوته سقطوا عل وجوههم (يو‪ ،)6 :18‬كام يقول ق‪.‬‬
‫أثناسيوس‪:‬‬
‫أن الكلمة كان خائ ًفا‪ ،‬فلامذا إ ًذا وهو قد تك ّلم‬
‫"ولكن إن كان حسب رأيكم ّ‬
‫عن مكيدة اليهود قبلها بوقت طويل‪ ،‬مل هيرب‪ ،‬بل حينام جاءوا للقبض عليه‬
‫‪4‬‬
‫قال‪’ :‬أنا هو‘ (يو‪.")5:18‬‬

‫‪ 3‬ترمجة األب اتدرس يعقوب مالط ‪ ،‬احلب اإللهي ‪ ،‬ص ‪.641‬‬


‫‪ 3‬الكنوز يف الثالوث القدوس‪ ،‬ترمجة د‪ /‬جورج عوض‪ ،‬إصدار املركز الارثوذكس لدلراسات الاابئية‪ ،‬ص ‪.361‬‬
‫‪ 3‬ضد اآلريوس يني ‪.54 :3‬‬
‫ويكتب عن هذا احلدث أغسطينوس فيقول‪:‬‬
‫"صوته وحده الناطق‪’ :‬أنا هو‘ بدون أسلحة رضب اجلمع الغفري وأثبطهم‬
‫أرضا مع ّ‬
‫كل وحشية كراهيتهم ورعب أسلحتهم‪ .‬فإن اهلل خمفي يف‬ ‫وأسقطهم ً‬
‫غامضا يف تلك األذرع البرشية‬
‫ً‬ ‫اجلسد البرشي‪ ،‬واليوم كان (النور) األبدي‬
‫‪3‬‬ ‫‪5‬‬
‫حتى بحثوا عنه بمشاعل ومصابيح ليقتلوه بالظلمة"‪.‬‬
‫ويقول ق‪ .‬غريغوريوس النيِس‪:‬‬
‫"رب املجد الذي استهان باخلزي واحتضن اآللم يف اجلسد مل هيجر حرية‬
‫إرادته‪ ،‬إذ يقول‪" :‬انقضوا هذا اهليكل‪ ،‬ويف ثالثة أيام أقيمه" (يو ‪.)19 :2‬‬
‫مرة أخرى‪" :‬ليس أحد يأخذ حيايت مني‪ ،‬بل أنا أضعها بنفِس"‪" .‬يل سلطان‬
‫أن أضعها‪ ،‬ويل سلطان أن آخذها" (راجع يو ‪ .)10:18‬وملا اقرتب منه‬
‫املسلحون بالسيوف والعيص يف ليلة آلمه‪ ،‬جعلهم يرتاجعون إىل الوراء‬
‫بقوله‪" :‬أنا هو" (يو ‪6 :18‬؛ خر ‪ .)14 :3‬مرة أخرى عندما طلب منه اللص‬
‫وهو يموت أن يذكره‪ ،‬أظهر سلطانه اجلامعي بقوله‪" :‬اليوم تكون معي يف‬
‫‪6‬‬ ‫الفردوس" (لو ‪ .)24 :23‬حتى يف حلظات آلمه مل َ‬
‫يتخل عن سلطانه"‪.‬‬
‫كام أ ّن املسيح ربنا مل يكن يطلب مساعدة من آخر بصالته هذه‪ ،‬كام يقول ق‪ .‬كريلس‬
‫السكندري‪:‬‬
‫ّ‬
‫"أي إنسان ذو فهم لن يقول إن الرب قدَّ م هذه التوسالت كأنه يف احتياج إىل‬
‫‪7‬‬
‫قوة أو عون من آخرـ ألنه هو نفسه قوة واقتدار اآلب ال ُكل القدرة"‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪St. Augustine: On 5the Gospel of St. John, tractate, 112: 3.‬‬
‫‪3 Against Eunomius62: 11.‬‬

‫‪ 3‬تفسري اجنيل لوقا‪ ،‬إصدار املركز اإلرثوذكس لدلراسات اآلابئية‪ ،‬ص ‪.716‬‬
‫وبالطبع مل حيزن الرب ويكتئب من أجل انه ُمقبل عل املوت الذي يتبعه القيامة يف‬
‫جمد وهبذا احلدث يتم خالص البرش ّية كلها‪ ،‬بل أ ّن حزن الرب كان هلذه األسباب‪:‬‬

‫سد اإللهي‬
‫‪ -1‬بسبب التج ُّ‬
‫من خالل هذه املشاعر البرش ّية قد أثبت اآلباء الذين واجهوا البدعة الغنوس ّية أ ّن‬
‫َّ‬
‫ويتأمل وحيزن‬ ‫املسيح الرب كان حيمل جسدً ا برشيا حقيقيا يتعب وجيوع ويعطش‬
‫ممتزجا وخمُ تف ًيا يف الطبيعة اإلهل ّية‪ ،‬بل‬
‫ً‬ ‫ويموت‪ ،‬فجسده مل يكن جسدً ا ً‬
‫نازل من السامء ل‬
‫حقيقي جمُ َّرب يف ّ‬
‫كل يشء مثلنا (عب‪ ،)15 :4‬أو كام يقول ق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫برشي‬
‫ّ‬ ‫إ ّنه جسد‬
‫أثناسيوس‪:‬‬
‫"اإلنفعالت مل تكن من خصائص طبيعة الكلمة بكونه الكلمة‪ ،‬بل كانت من‬
‫‪3‬‬ ‫‪8‬‬
‫خصائص اجلسد الذي اُتذه الكلمة"‪.‬‬
‫وهذا ما ُخيربنا به أمربسيوس‪:‬‬
‫اجلسدي ح ّتى ل يوجد‬
‫ّ‬ ‫"إ ّنه بكونه اهلل الذي لبس جسدً ا قام بدور الضعف‬
‫التجسد‪ .‬فمع قوله هذا إذا بأتباع ماين ل‬
‫ّ‬ ‫عذر لدى األرشار ُمنكري‬
‫ً‬
‫خيال‪ ...‬لقد‬ ‫التجسد‪ ،‬ومرقيون َيدَّ عي أ ّنه كان‬
‫ُّ‬ ‫يصدّ قون‪ ،‬وفالنتيوس ينكر‬
‫أظهر نفسه أ ّنه حيمل جسدً ا حقيقيا‪ 9.‬ويف الواقع‪ّ ،‬‬
‫فإن املسيح ُهنا يضع ‪3‬نفسه‬
‫ىف مستوى اإلنسان‪ ،‬ح ّتى ُيظهر نفسه ليكون يف حقيقة شكله البرش ّي‪،‬‬
‫فيقول‪’ :‬ولكن ليس كام أريد أنا بل كام تريد أنت‘ (مت‪ ،)39:26‬مع أ ّنه حقا‬

‫‪ 3‬ضد اآلريوس يني‪.55 :3 ،‬‬


‫‪3‬‬ ‫‪Of Christian‬‬ ‫‪Faith 92:5.‬‬
‫هي أن يريد ما يريد اآلب‪ ،‬كام أ َّنه يفعل ما يفعله‬
‫اخلاصة َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن قوة املسيح‬
‫‪4‬‬ ‫‪0‬‬
‫اآلب"‪.‬‬
‫ويقول ق‪ .‬يوحنا فم الذهب‪:‬‬
‫أيضا كانت قطرات العرق تتدفق منه‪ ،‬وظهر مالك ليقويه‪،‬‬
‫"هلذا السبب ً‬
‫ومغتام‪ ،‬إذ قبل أن ينطق بتلك الكلامت (ليس كام أريد أنا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وكان يسوع حزينًا‬
‫بل كام تريد أنت) قال‪" :‬نفِس حزينة جدً ا حتى املوت"‪ .‬فإ َّنه بعد هذا ك َّله قام‬
‫الشيطان يتكلم عل فم ّ‬
‫كل من مرقيون الذي من بنطس وفالنتينوس وماين‬
‫التجسد‪ ،‬ناطقّي‬
‫ُّ‬ ‫الذي من فارس وهراطقة كثريين‪ ،‬حماولّي إنكار تعاليم‬
‫بكلامت شيطان ّية‪ ،‬مدّ عّي أ َّنه مل يأخذ جسدً ا حقيقيا‪ ،‬ول التحف به إ ّنام كان له‬
‫ومهي‪ ...‬لقد أعلن املشاعر البرش ّية احلقيق ّية بوضوح‪ ،‬تأكيدً ا‬
‫ّ‬ ‫جسد خيا ّيل‬
‫‪1‬‬
‫جتسده وتأنسه"‪.‬‬
‫حلقيقة ُّ‬

‫‪ -2‬واضعًا منهج لتعليمنا‬


‫لكي نتعلم منه ونسري عل خطواته‪ ،‬فهو قد جاء ليضع لنا ً‬
‫مثال بذاته عل احلياة‬
‫العمل عل كيف ّية احلياة‬
‫ّ‬ ‫يضا أعطانا املثال‬
‫بحسب تعاليمه‪ ،‬فهو مل ُيعلمنا فقط‪ ،‬بل أ ً‬
‫بحسب تلك التعاليم‪ .‬ولذلك يقول ق‪ .‬يوحنا الذهبي الفم‪:‬‬
‫مه ّية‪ ...‬وهو ّ‬
‫أن السيد املسيح جاء عل‬ ‫" ُهناك اعتبار آخر ل يقل عنه أ ّ‬
‫األرض‪ ،‬راغ ًبا يف تعليم البرش ّية الفضائل‪ ،‬ل بالكالم فقط وإ ّنام باألعامل‬
‫هي أفضل وسيلة للتدريس‪ ...‬إ ّنه يقول‪" :‬من عمل وع ّلم فهذا‬
‫أيضا‪ .‬وهذه َ‬
‫ً‬

‫‪ 4‬رشح اإلميان املس يح ‪ ،‬إصدار املركز اإلرثوذكس لدلراسات اآلابئية‪ ،‬الكتاب الثاين فقرة ‪ .45‬ص ‪.103 ,102‬‬
‫‪ 4‬احلب اإللهي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.644‬‬
‫عظيام يف ملكوت السموات" (مت ‪ ...)19 :5‬لقد أوىص (تالميذه)‬
‫ً‬ ‫ُيدعى‬
‫معلام إياهم هذه الوصية عينها بوضعها يف‬
‫أن يصلوا‪" :‬ل تدخلنا يف جتربة"‪ً ،‬‬
‫صورة عملية‪ً ،‬‬
‫قائال‪" :‬يا أبتاه إن أمكن فلتعرب عني هذه الكأس"‪ .‬هكذا يعلم‬
‫ّ‬
‫كل القديسّي أل يثبتوا بأنفسهم يف املخاطر‪ ،‬غري ملقّي أنفسهم بأنفسهم‬
‫حب املجد الباطل‪...‬‬
‫فيها‪ ...‬فامذا؟ ح ّتى يعلمنا تواضع الفكر‪ ،‬وينزع عنَّا ّ‬
‫الصالة‪ ،‬ولكي نطلب ’ َّأل ندخل يف جتربة‘‪ ،‬ولكن إن مل‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫صل كمن ُيعلم‬
‫يسمح اهلل هبذا‪ ،‬نطلب منه أن يصنع ما حيسن يف عينيه‪ ،‬لذلك قال‪" :‬ولكن‬
‫ليس كام أنا أريد بل كام تريد أنت"‪ ،‬ليس ألن إرادة البن غري إرادة اآلب‪ ،‬إ َّنام‬
‫لكي يعلم البرش أن يقمعوا إرادهتم يف إرادة اهلل ولو كانوا يف ضيق أو‬
‫اضطراب‪ ،‬ح ّتى وإن أحدق هبم اخلطر‪ ،‬ولو مل يكونوا راغبّي يف النتقال من‬
‫‪4‬‬ ‫‪2‬‬
‫احلياة احلارضة"‪.‬‬
‫يترصفوا‬
‫َّ‬ ‫السكندري فاملسيح الرب كان حيث تالميذه أن‬
‫ّ‬ ‫وبحسب القديس كريلس‬
‫بام ُيناسب هذا الظرف (العصيب) بقوله هلم‪" :‬اسهروا وصلوا لئال تدخلوا يف جتربة"‪.‬‬
‫مثال َمل را ينبغي أن يفعلوه ُهم‪ ،‬فقد‬
‫وح ّتى ل يكون تعليمه بالكالم فقط‪ ،‬صار هو نفسه ً‬
‫‪3‬‬
‫َّ‬
‫وصل‪.‬‬ ‫انفصل عنهم ً‬
‫قليال‪ ،‬نحو رمية حجر‪ ،‬وجثا عل ركبتيه‬
‫َّ‬
‫التوسالت كأ َّنه يف احتياج إىل‬ ‫فأي إنسان ذو فهم لن يقول ّ‬
‫إن الرب قدَّ م هذه‬

‫قوة أو عون من آخر ‪-‬أل َّنه هو نفسه قوة واقتدار اآلب ال ُك ّ‬


‫ل القدرة‪ -‬ولكنه‬
‫نتخل عن ّ‬
‫كل إمهال عندما تدامهنا‬ ‫َّ‬ ‫ترصف هكذا لكي نتع َّلم نحن منه أن‬
‫َّ‬

‫‪ 4‬احلب اإللهي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.646‬‬


‫‪ 4‬تفسري اجنيل لوقا‪ ،‬إصدار املركز األرثوذكس لدلراسات اآلابئية‪ ،‬ص ‪.715‬‬
‫التجربة وتضغط علينا الضطهادات‪ ،‬وحيتال علينا الغادرون‪ ،‬وحييكون لنا‬
‫فخاخهم‪ ،‬ويعدُّ ون لنا شبكة املوت‪ .‬هذه هي نفس وسيلة خالصنا أن نسهر‬
‫ونجثو عل ركبنا‪ ،‬ونقدم ترضعات متواصلة‪ ،‬ونسأل املعونة التي تأيت من‬
‫فوق‪ ،‬لئال نضعف‪ ،‬فنعاين من حت ُّطم مرعب جدا لسفينة حياتنا‪.‬‬

‫‪ -3‬هزم األلم والحزن فيه‬


‫جتسد البن أن يقهر ّ‬
‫كل فساد وضعف يف الطبيعة‬ ‫وأخريا فقد كان من أهداف ُّ‬
‫ً‬
‫البرش ّية وكان احلزن واإلكتئاب من هذه الضعفات التي جيب أن خيتربها املسيح ليهزمها‬
‫وينترص ليس لذاته بل لطبيعة البرش التي حيملها فيه‪ ،‬فحزن املسيح ُهنا وطلبه عبور‬
‫الكأس عنه‪ ،‬هذا الكأس الذي يتم َّثل يف األمل واملوت‪ ،‬وهبذا يصري بحق جمر ًبا يف ّ‬
‫كل‬
‫يشء مثلنا‪ ،‬ذاك الذي محل يف ذاته خطايانا عل الصليب ل ُيميتها بموته و ُيقيمنا نحن‬
‫بقيامته‪.‬‬
‫اخلاص بنا‪ ،‬تلك‬
‫ّ‬ ‫فلم يكن يسوع خيشى املوت‪ ،‬لكنَّه محل يف ذاته ضعف البرش ّية‬
‫الطبيعة التي ُتشى التجربة وترفض كأس األمل واملوت والشعور بالرتك –هذا‬
‫يضا ما جعل املسيح‬ ‫َّ‬
‫وكأن اهلل قد تركنا‪ -‬وهذا أ ً‬ ‫الحساس الذي نشعر به يف التجربة‬
‫ينادي بصوت عظيم عل الصليب ً‬
‫قائال‪( :‬إهلي إهلي ملاذا تركتني)‪.‬‬
‫نعم الكأس ُهنا هي كأس األمل والتجربة واملوت‪ ،‬لكن املسيح ل خيشى أن يذوق‬
‫من هذه الكأس‪ ،‬بل قال ذلك كونه محل يف ذاته طبيعتنا ّ‬
‫بكل خماوفها وآلمها لكي‬

‫‪ 4‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.716‬‬


‫ُيبيدها فيه و ُيعطينا حياته وقوته ً‬
‫بدل من ضعفنا‪ ،‬ذلك كام نقول يف التسبحة‪" :‬أخذ الذي‬
‫لنا واعطانا الذي له"‪.‬‬
‫كام يقول أمربسيوس‪:‬‬
‫"إين أعجب هنا بحنان الرب وعظمته‪ ،‬فلو مل تكن له مشاعري لنقصت‬
‫إحساناته‪ ...‬سمح أن يتعب لضعفايت! محل حزين ليهبني سعادته! نزل حتى‬
‫أمل املوت‪ ،‬ثم بدأ يرجعنا للحياة ثانية‪ ،‬وتأمل لينترص عل احلزن‪ .‬قيل عنه‬
‫أنه رجل أوجاع وخمترب احلزن (إش ‪ .)3 :53‬لقد أراد أن يعلمنا‪ ،‬فقد سبق‬
‫فعلمنا يوسف أل نخاف السجن‪ ،‬ويف املسيح نتعلم كيف نغلب املوت‪...‬‬
‫إنك تتأمل يا رب ل بسبب جراحاتك‪ ،‬ل بسبب قوتك بل بسبب ضعفاتنا‬
‫(إش ‪ .)4 :53‬نراك فريسة لألمل‪ ،‬لكنك تتأمل ألجل‪ ،‬رصت ضعي ًفا من أجل‬
‫خطايانا (إش ‪ .)5 :53‬هذا الضعف ليس من طبعك لكنك أخذته ألجل‪...‬‬
‫أيضا حزن‪ ،‬ألنه منذ سقوط آدم كان خالصنا الوحيد للخروج من هذا‬
‫ربام ً‬
‫العامل هو بالرضورة "املوت"‪ ،‬وملا كان اهلل مل خيلق املوت ول يشاء موت‬
‫‪5‬‬
‫اخلاطي مثلام يرجع وحتيا نفسه‪ ،‬يعز عليه أن حيتمل ما مل خيلقه"‪.‬‬
‫ويقول ق‪ .‬كريلس السكندري‪:‬‬
‫"لقد صار كلمة اهلل إنسا ًنا‪ ،‬ليس ألي سبب‪ ،‬لكن لكي يأخذ لنفسه ّ‬
‫كل ما لنا‬
‫‪6‬‬
‫من ضعفاتنا حتّى تتقوي الطبيعة البرشية و ُيعطيها ثبا ًتا مثل طبيعته"‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪In Luc 22: 39-53. 5‬‬


‫‪ 4‬الكنوز يف الثالوث القدوس‪ ،‬ترمجة د‪ /‬جورج عوض‪ ،‬إصدار املركز الارثوذكس لدلراسات الاابئية‪ ،‬املقاةل ‪،24‬‬
‫ص ‪.366‬‬
‫ويكتب ق‪.‬اثناسيوس‪:‬‬
‫"وحيث إن الرب صار إنسانًا فهذه األمور حتدث وتقال كام من إنسان‪ ،‬لكي‬
‫‪4‬‬
‫وحيرر اجلسد منها‪ 7...‬أن األلوهية مل تكن هى التي‬
‫ُيبطل أوجاع اجلسد هذه‪ّ ،‬‬
‫ُتاف‪ ،‬بل هو خوفنا ذلك الذي نزعه املخ ّلص‪ .‬ألنه كام أباد املوت باملوت‪،‬‬
‫أيضا هبذا الذي‬ ‫وبوسائل برشية أبطل ّ‬
‫كل ما لإلنسان (من ضعفات) هكذا ً‬
‫ظهر وكأنه خوف‪ ،‬نزع خوفنا‪ ،‬وأعطى الناس أن ل يعودوا خيافون املوت فيام‬
‫‪4‬‬ ‫‪8‬‬
‫بعد"‪.‬‬
‫هي ذاهتا إرادة اآلب‪ ،‬فيجيب ق‪.‬‬
‫أ َّما عن السؤال‪ ،‬هل إرادة البن ليست َ‬
‫النيزنزي‪ً ،‬‬
‫قائال‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫غريغوريوس‬
‫" هذه الكلامت ل تعني أن له إرادة من ذاته بل أن ليس له إرادة من ذاته تعلو‬
‫ضد إرادة اآلب‪ .‬وهذا يفس معنى "ليس ألعمل مشيئتي" عل أنه ما هو يل‬
‫فإن لنا مشيئة واحدة كام ّ‬
‫أن لنا‬ ‫خيص كالنا م ًعا ّ‬
‫ل خيتلف عام هو لآلب ولكن ُّ‬
‫حتتوي عل نفي مشرتك‪ ،‬دون‬
‫ّ‬ ‫ألوه ّية واحدة‪ .‬وهناك عبارات كثرية مماثلة‪،‬‬
‫إثبات‪ ،‬عل سبيل املثال‪" :‬إل ّنه ليس بكيل يعطي اهلل الروح" (يو ‪،)34 :3‬‬
‫فهو "ل يعطي" الروح "ول يكيله"‪ّ -‬‬
‫فإن اهلل ل يقيس (يكيل) اهلل‪ ،‬ومثال‬
‫آخر "ل إلثمي ول خلطيتي" (مز ‪ّ ،)3 :59‬‬
‫فإن هذه الكلامت ل تعني أ ّنه كان‬
‫له إثم أو خطية‪ -‬بل إ ّنه مل يكن لديه أيا منهام‪ .‬وكذلك‪" :‬ل ألجل برنا" (دا‬
‫‪ ،)9 :8‬فإ ّنه مل يكن لدهيم بر‪ .‬وهذا هو املعنى الواضح يف باقي كلامت‬

‫‪ 4‬ضد اآلريوس يني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،56 :3 ،‬ص ‪.102‬‬


‫‪ 4‬املرجع السابق‪ ،‬فقرة ‪ ،57‬ص ‪.104‬‬
‫إن البن خيربنا بمشيئة اآلب‪" :‬إل ّن هذه هي مشيئة‬
‫األصحاح (يو ‪َّ .)48 :6‬‬
‫الذي أرسلني‪ ،‬أن ّ‬
‫كل من يرى البن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه‬
‫يف اليوم األخري"‪ .‬هل هذه مشيئة اآلب وليست مشيئة البن؟ هل ل يرغب‬
‫البن أن يكرز به ويؤمن به الناس؟ من الذي يمكن أن يقول بمثل هذه‬
‫الفكرة؟ بينام لدينا اآلية‪" :‬الكالم الذي تسمعونه ليس يل بل لآلب الذي‬
‫أرسلني" (يو ‪ .)24 :14‬فالكالم الذي يقوله البن هو كالم اآلب‪ -‬هذا‬
‫إثبات قوي لنفس الفكرة إذا آمنتم بوجهة النظر هذه من ناحية أن البن ليس‬
‫له مشيئة خاصة به ولذلك فقد نزل ل لينفذ مشيئته بل مشيئة اهلل التي يشرتك‬
‫أن ّ‬
‫كل من‬ ‫ديني سليم وصادق‪ .‬وأعتقد ّ‬
‫فيها مع اآلب‪ ،‬فإ ّنكم تؤمنون برأي ّ‬
‫‪4‬‬ ‫‪9‬‬
‫له حكم سليم عل األمور سيؤمن هبذا"‪.‬‬

‫‪ 4‬العظات الالهوتية‪ ،‬املقاةل الرابعة عن الابن‪ ،‬عظة ‪.12 :30‬‬

You might also like