Professional Documents
Culture Documents
قضـايـا فقهيـة معـاصـرة
قضـايـا فقهيـة معـاصـرة
2003 / 2002
2
بسـم هللا الـرحمـــن الرحيـــم
3
المقدمة
إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا ،من يهده اهلل فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،ونشهد أن ال إله إال اهلل
وحده ال شريك لـه ،ونشهد أن محمداً عبده ورسوله ،أرسله اهلل للناس كافة بشيراً
وداعيا إليه بإذنه وسراجاً منيراً ،بلّغ الرسالة ،وأدى األمانة ،ونصح األمة،
ً ونذيراً،
وبين لها الحالل والحرام ،القائل – عليه الصالة والسالم – " من يرد اهلل به خيراً
يفقهه في الدين "( ،)1أما بعد:
)1متفق عليه :البخاري في كتاب العلم باب قول النبي :رب مبلغ أوعى من سامع ( ،1/39 )71ومسلم في (
كتاب الزكاة باب النهي عن المسألة ( )2/718( )1037من حديث معاوية .
4
فهذا مقرر " قضايا فقهية معاصرة " يضم مجموعة أبحاث في مسائل
معاصرة ،أعددتها لطالب وطالبات كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية بجامعة
الشارقة :بعد أن بحثنا عن مرجع جامع لهذا المساق ولم نجد في المكتبة اإلسالمية
على اتساعها وثرائها مؤلف يجمع المواضيع المقررة في المنهج.
وصحيح أن هناك كتبا ومؤلفات كثيرة بهذا العنوان " قضايا فقهية معاصرة "
لكن كل كتاب منها يحوي عدداً محدوداً جداً من القضايا والوقائع المستجدة ،إضافة
إلى أن أهم ما يجب أن يحتوي عليه الكتاب :وهي المقدمة المنهجية في تعريف
القضايا المعاصرة وأنواعها وخصائصها ،واالجتهاد شروطه ،ضوابطه ،أهميته...
كل هذه المواضيع وغيرها ال تذكر في مثل هذه الكتب والمؤلفات المطبوعة
والمتداولة اليوم...
-أهمية الموضوع :
لقد من اهلل على هذه األمة بأن جعل الشريعة اإلسالمية خالدة :وأنها صالحة
لكل زمان ومكان :فال ينضب معينها وال ينفذ عطاؤها فهي أبداً تفي بحاجات كل
عصر ،وبمتطلبات كل دهر ،فال تجد حادثة إال وللشريعة فيها حكم ،وال تنزل نازلة
إال وألهل العلم والفقه رأي ،استناداً إلى النصوص تارة ،أو قياساً واجتهاداً تارة
أخرى.
وهذا الكتاب يحوي قضايا ونوازل حيوية تمس حياة األمة اإلسالمية في شتى
مجاالتها تم بحثها من خالل مصادر الشريعة اإلسالمية األصلية واجتهادات العلماء
والمجامع الفقهية.
وال ينكر أحد أهمية هذه القضايا والنوازل بالنسبة لجمهور الناس ولطلبة
الشريعة خاصة.
-األهداف العلمية والعملية في تدريس هذا المقرر :
يسعى هذا المقرر لتحقيق األهداف التالية :
-التعرف الدقيق على األحكام الشرعية في جملة مهمة من القضايا والمسائل
المستجدة.
5
-مزيد من اإلدراك لعظمة هذا الدين الذي جاء لتحقيق مصالح الناس ودرء
المفاسد عنهم.
-والتأكيد على صالحية الشريعة للتطبيق في كل زمان ومكان.
-معرفة الخطوات التي يتبعها المجتهد للنظر في القضايا المعاصرة.
-تعليم الطالب فقه الموازنة والترجيح ،وإ كسابه الملكة الفقهية كيما يكون
رائداً من رواد الشريعة وداعية من دعاتها :يستعمله اهلل في تحقيق خلودها
وإ ثبات أهليتها وعموم صالحيتها.
-وتزكية لهذا العلم بنشره وتعليمه لدى من يجهله.
منهج الكتاب :
لقد كان منهجنا في كتابة هذا المقرر على النحو التالي :
-1االقتصار على أهم المسائل والقضايا المعاصرة وخاصة التي تشغل بال
الناس ويكثر السؤال حولها ،وأن تكون في أبواب الفقه المختلفة (قضايا في
العبادات ،وأخرى في المعامالت ،وبعض القضايا الطبية ،وغيرها.)...
-2االختصار قليالً في األبحاث ما أمكن مع مالحظة عدم اإلخالل
بالموضوع ،وذلك ألن كل قضية تحتاج في الواقع إلى كتاب مستقل...
-3االهتمام بالتعريفات وبيان ماهية كل قضية وذلك ألن الحكم على الشيء
فرع عن تصوره.
-4عرض كل قضية بآرائها المختلفة مع ذكر األدلة من القرآن والسنة أو
أنواع التعليالت األخرى ،وتوثيق ذلك دائماً.
-5الرجوع واالستعانة بفتاوى هيئات كبار العلماء ،والمجامع ومراكز
البحوث الفقهية.
-6تقييد جميع المراجع التي استعنا بها في البحث لتكون ثبتاً مرجعياً للطلبة
لعلهم يرجعون إليها لمن أراد التعمق أو االستزادة والتفصيل...
هذا وقد كانت خطة البحث على النحو التالي:
خطة البحث :
6
جعلت البحث في مقدمة وفصلين على النحو التالي:
7
المبحث الخامس :االجتهاد الجماعي في القضايا المعاصرة
-المطلب األول :تعريف االجتهاد الجماعي.
-المطلب الثاني :أهمية االجتهاد الجماعي في هذا العصر.
-المطلب الثالث :ظهور المجامع الفقهية.
المبحث األول :اعتماد الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور القمرية -
المبحث الثاني :مصرف " في سبيل اهلل " -
المبحث الثالث :إجراء العقود بآالت االتصال الحديثة -
المبحث الرابع :البطاقة االئتمانية -
المبحث الخامس :التأمين التعاوني -
المبحث السادس :زواج المسيار -
المبحث السابع :حكم التبرع باألعضاء -
المبحث الثامن :إجهاض الجنين المشوه -
المبحث التاسع :االستنساخ -
8
المبحث العاشر :قتل الرحمة -
المبحث الحادي عشر :مسائل من فقه األقليات المسلمة -
المبحث الثاني عشر :حكم التجنس بالجنسية األجنبية -
المبحث الثالث عشر :اشتراك المرأة في االنتخاب ومؤسسات الشورى -
المبحث الرابع عشر :موقف اإلسالم من السينما والتمثيل -
أسأل اهلل تعالى أن أكون قد وفقت في تقديم هذا العمل لطالب الشريعة اإلسالمية
وخدمة للشريعة اإلسالمية راجيا عفوه وغفرانه عن كل تقصير أو سهو بدر مني ،
والحمد هلل رب العالمين .
د .عبد الحق حميش الشارقة في 13جمادى الثانية 1424هـ
كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية 11أغسطس 2003م
9
10
الفصــل األول
11
12
المبحث األول
بعد أن ذكرنا بصالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان نتطرق في هذا
المدخل لبعض المواضيع المهمة التي لها عالقة بالقضايا الفقهية المعاصرة :
حقيقتها ،أهمية الموضوع ،االجتهاد في القضايا المعاصرة ،االجتهاد الجماعي ،
ومصادر القضايا الفقهية المعاصرة .
المطلب األول
صالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان
13
أودعها اهلل مرونة عجيبة جعلتها تتسع لمواجهة كل طريف ،ومعالجة كل جديد بغير
عنت وال إرهاق.
ولقد خيل لبعض الناس أن الشريعة اإلسالمية شريعة جامدة صارمة ال يتسع
()1
صدرها لمسايرة التطور ومواجهة ما يجد من أحداث الزمان!!
ومن الناس من يقول بأن الفقه اإلسالمي مجرد أوامر محددة ونواه معددة
جامدة غير صالحة لمسايرة تطور األمم والشعوب ،ويبنون ظنونهم هذه على أن
التشريع اإلسالمي تشريع جاء ألمة بدائية بدوية بعيدة عن الرقي ،جاء في أرض
صحراوية الحظ لها من المدنية أو التقدم ،كما جاء في فترة معينة من الزمن مضى
عليها القرون الطويلة وأني لمثل هذا الفقه أن يساير الزمن أو يالئم تطور
المدنيات(.)2
إن الشريعة اإلسالمية من وضع اهلل العليم الخبير بأحوال عباده الذين
استخلفهم في أرضه ليعمروها إلى أن يرثها سبحانه ،ومنها خرج الفقه اإلسالمي
ودرب أصحابه ليكونوا مصابيح تنير الطريق باالجتهاد الذي أذن به رسول اهلل ّ
لمن جاء بعدهم من الفقهاء الذين يبحثون عن حكم اهلل لكل واقعة بما أقامه الشارع
من أدلة وأمارات.
ولم يقف الفقه اإلسالمي يوماً من األيام أمام الحوادث ولم يضق عن حكم
لمعضلة أياً كان نوعها مدنية كانت أو جنائية أو عائلية بل كان وما يزال وإ لى قيام
الساعة قابالً للقيام بأعباء الحياة وباإلجابة عن كل حادثة أو نازلة تعترض الناس في
حياتهم المتطورة :إنه فقه متطور ال جمود فيه وال رجعية متى حسن تطبيقه ،ولقد
تطور بسرعة مذهلة أيام االجتهاد األولى ثم ضعفت فيه هذه الحركة بعد انتشار
التقليد ولكنها لم تمت(.)3
14
المطلب الثاني
عموم الشريعة وبقاؤها وما يستلزم ذلك
الشريعة اإلسالمية عامة لجميع البشر في كل زمان ومكان ،قال تعالى :
قل يا أيها الناس إني رسول اهلل إليكم جميعاً [ األعراف ،]158 :وقال تعالى :وما
أرسلناك إال كافة للناس بشيراً ونذيراً [ سبأ.]28 :
وهي باقية ال يلحقها نسخ وال تغيير ألن الناسخ يجب أن يكون بقوة المنسوخ
أو أقوى منه ،فال ينسخ الشريعة اإلسالمية من اهلل إال تشريع آخر من اهلل ،وحيث أن
الشريعة اإلسالمية خاتمة الشرائع ومحمد خاتم النبيين كما قال تعالى :ما كان
محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول اهلل ،وخاتم النبيين [ األحزاب.]40 :
وعموم الشريعة وبقاؤها وعدم قابليتها للنسخ والتبديل كل ذلك يستلزم عقالً
أن تكون قواعدها وأحكامها على نحو يحقق مصالح الناس في كل عصر ومكان
ويفي بحاجاتهم ،وال يضيق بها وال يتخلف عن أي مستوى عال سيبلغه المجتمع،
وهذا كله متوفر في الشريعة اإلسالمية ألن اهلل تعالى إذ جعلها عامة في الزمان
والمكان وخاتمة لجميع الشرائع ،وجعل قواعدها وأحكامها على النحو الذي يجعلها
صالحة لكل زمان ومكان وهذا ما يدل عليه واقع الشريعة ومصادرها وطبيعية
مبادئها وأحكامها وما ابتنيت عليه هذه األحكام(.)1
المطلب الثالث
دالئل صالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان
1
(?) التشريع اإلسالمي :شعبان محمد إسماعيل ص ،35 – 34المدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية :د .عبد
الكريم زيدان ص.40 – 39
15
إن من األس باب ال تي ت دل على أن الش ريعة اإلس المية ص الحة لكل زم ان
ومكان ،وأنها ال يمكن أن تعجز عن اإلجابة عن أي نازلة تقع بالناس ما يلي:
أوالً :أن نصوص الشريعة قد اقتصرت على األحكام التي ال تتغير بتغير
األزمنة واألمكنة ،وتركت ما وراء ذلك للمجتهدين والعلماء وأولي األمر في األمة
أهل الحل والعقد يجتهدون في تلك الوقائع والنوازل ويطبقون عليها ما يناسبها من
قواعد أصول الفقه المقتبسة من النصوص الشرعية األساسية.
إن الشريعة اإلسالمية وضعت سبالً لعالج ما يجد من أحكام :فقد شرعت
االجتهاد لتبين أحكام األمور والمشكالت التي ليس لها حكم منصوص في الشريعة،
مثل ما شرعت التعزير لمعالجة الجرائم التي لم ينص الشارع على عقوبة مقدرة
فيها ،ومقدار التعزيرات وأجناسها وصفاتها تتغير بحسب اقتضاء المصلحة لها
زماناً ومكاناً(.)1
ثانياً :عوامل السعة والمرونة في الشريعة( :)2ومن األسباب أيضاً سعة
الشريعة اإلسالمية ومرونتها وقابليتها لمالءمة كل وضع جديد - ،وكما سبق وأن
أكدنا – فإن من الحقائق المسلمة أن الشريعة اإلسالمية قد وسعت العالم اإلسالمي
كله على تنائي أطرافه وتعدد أجناسه وتنوع بيئاته الحضارية ،وتجدد مشكالته
الزمنية.
إن اإلسالم ،الذي ختم اهلل به الشرائع والرساالت السماوية ،أودع اهلل فيه
عنصر الثبات والخلود ،وعنصر المرونة والتطور ،معاً ،وهذا من روائع اإلعجاز
في هذا الدين ،وآية من آيات عمومه وخلوده ،وصالحيته لكل زمان ومكان.
ونستطيع أن نحدد مجال الثبات ،ومجال المرونة ،في شريعة اإلسالم،
ورسالته الشاملة الخالدة ،فنقول:
إن الثبات على األهداف والغايات ،والمرونة في الوسائل واألساليب.
1
(?) خصائص الشريعة اإلسالمية :د .عمر سليمان األشقر ،ص.63 – 62
2
(?) مدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية :د .يوسف القرضاوي ،ص.151 – 149
16
الثبات على األصول والكليات ،والمرونة في الفروع والجزئيات.
الثبات على القيم الدينية واألخالقية ،والمرونة في الشؤون الدنيوية والعلمية.
وربما سأل سائل :لماذا كان هذا هو شأن اإلسالم؟! لماذا لم يودعه اهلل
المرونة المطلقة أو الثبات المطلق؟!
والجواب :إن اإلسالم بهذا ،يتسق مع طبيعة الحياة اإلنسانية خاصة ،ومع
طبيعة الكون الكبير عامة ،فقد جاء هذا الدين مسايراً لفطرة اإلنسان وفطرة الوجود.
أما طبيعة الحياة اإلنسانية نفسها ،ففيها عناصر ثابتة ما بقي اإلنسان،
وعناصر مرنة قابلة للتغيير والتطور ،كما أشرنا إلى ذلك من قبل.
وإ ذا نظرنا إلى الكون من حولنا وجدناه يحوي أشياء ثابتة ،ما بقي اإلنسان،
وعناصر مرنة قابلة للتغيير والتطور ،كما أشرنا إلى ذلك من قبل.
وإ ذا نظرنا إلى الكون من حولنا وجدناه يحوي أشياء ثابتة ،تمضي ألوف
السنين وألوف األلوف ،وهي :أرض وسماء وجبال وبحار ،وليل ونهار ،وشمس
وقمر ونجوم ومسخرات بأمر اهلل ،كل في فلك يسبحون.
وفيه أيضاً :عناصر جزئية متغيرة ،جزر تنشأ ،وبحيرات تجف ،وأنهار
تحفر ،وماء يطغي على اليابسة ،ويبس يزحف على الماء ،وأرض ميتة تحيا،
وصحار قفر تخضر ،وبالد تعمر ،وأمصار تخرب ،وزرع ينبت وينمو ،وآخر
يذوي ،ويصبح هشيماً تذروه الرياح ،هذا هو شأن اإلنسان ،وشأن الكون ،ثبات
وتغير في آن واحد ،ولكنه ثبات في الكليات والجوهر ،وتغير في الجزئيات
والمظهر.
– فإذا كان التطور قانوناً في الكون والحياة ،فالثبات قانون قائم فيهما
كذلك – بال مراء ،وإ ذا كان من الفالسفة في القديم ،من قال بمبدأ الصيرورة
والتغير ،باعتباره القانون األزلي ،الذي يسود الكون كله ،فإن فيهم من نادى بعكس
ذلك ،واعتبر الثبات هو األساس ،واألصل الكلي للكون كله.
والحق أن المبدأين كليهما من الثبات والتغير يعمالن معاً في الكون والحياة،
كما هو مشاهد وملموس.
17
فال عجب أن تأتي شريعة اإلسالم ،مالئمة لفطرة اإلنسان وفطرة الوجود،
جامعة بين عنصر الثبات وعنصر المرونة.
وبهذه المزية يستطيع المجتمع المسلم ،أن يعيش ويستمر ويرتقي ،ثابتاً على
أصوله وقيمه وغاياته ،متطوراً في معارفه وأساليبه وأدواته.
فبالثبات ،يستعصي هذا على المجتمع عوامل االنهيار والفناء أو الذوبان في
المجتمعات األخرى ،أو التفكك على عدة مجتمعات ،تتناقض في الحقيقة ،وإ ن ظلت
داخل مجتمع واحد في الصورة.
بالثبات يستقر التشريع وتتبادل الثقة ،وتبنى المعامالت والعالقات على دعائم
مكينة ،وأسس راسخة ،ال تعصف بها األهواء والتقلبات السياسية واالجتماعية ما
بين يوم وآخر ،وبالمرونة ،يستطيع هذا المجتمع أن يكيف نفسه وعالقاته ،حسب
تغير الزمن وتغير أوضاع الحياة ،دون أن يفقد خصائصه ومقوماته الذاتية.
وإ ن للثبات والمرونة مظاهر ودالئل شتى ،نجدها في مصادر اإلسالم
وشريعته وتاريخه ،يتجلى هذا الثبات في:
النصية القطعية للتشريع :من كتاب ،وسنة رسوله، ّ المصادر األصلية
فالقرآن هو األصل والدستور ،والسنة هي الشرح النظري ،والبيان العملي للقرآن،
وكالهما مصدر إلهي معصوم وال يسع مسلماً أن يعرض عنه:
أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول [ النور ,]54 :إنما كان قول المؤمنين إذا
دعوا إلى اهلل ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا [ النور.]51 :
وتتجلى في " المصادر االجتهادية " التي اختلف فقهاء األمة في مدى
االحتجاج بها ،ما بين موسع ومضيق ،ومقل ومكثر ،مثل اإلجماع والقياس،
واالستحسان ،والمصالح المرسلة ،وأقوال الصحابة ،وشرع من قبلنا ...وغير ذلك
من مآخذ االجتهاد ،وطرائق االستنباط.
ومن أحكام الشريعة التي نجدها تنقسم إلى قسمين بارزين:
-قسم يمثل الثبات والخلود.
-وقسم يمثل المرونة والتطور.
18
نجد الثبات في العقائد األساسية :من اإليمان باهلل ،ومالئكته ،وكتبه ،ورسله،
واليوم اآلخر ،وهي التي ذكرها القرآن في غير موضع كقوله :ليس البر أن تولوا
وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن باهلل واليوم اآلخر والمالئكة
والكتاب والنبيين [ البقرة ,]177 :ومن يكفر باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم
اآلخر فقد ضل ضالالً بعيداً [ النساء.]136 :
وفي األركان العملية الخمسة :من الشهادتين ،وإ قام الصالة ،وإ يتاء الزكاة،
وصوم رمضان ،وحج البيت الحرام ،وهي التي صح عن الرسول أن اإلسالم
بني عليها.
وفي المحرمات اليقينية :من السحر ،وقتل النفس ،والزنا ،وأكل الربا ،وأكل
مال اليتيم ،وقذف المحصنات الغافالت المؤمنات ،والتولي يوم الزحف ،والغصب،
والسرقة ،والغيبة ،والنميمة ،وغيرها مما ثبت بقطعي القرآن والسنة.
وفي أمهات الفضائل :من الصدق ،واألمانة ،والعفة ،والصبر ،والوفاء
بالعهد ،والحياء ،وغيرها من مكارم األخالق ،التي اعتبرها القرآن والسنة من شعب
اإليمان.
وفي شرائع اإلسالم القطعية= :في شؤون الزواج ،والطالق ،والميراث،
والحدود والقصاص ،ونحوها من نظم اإلسالم ،التي ثبتت بنصوص قطعية الثبوت،
قطعية الداللة ،فهذه األمور ثابتة ،تزول الجبال وال تزول ،نزل بها القرآن،
وتوافرت بها األحاديث ،وأجمعت عليها األمة ،فليس من حق مجمع من المجامع،
وال من حق مؤتمر من المؤتمرات ،وال من حق خليفة من الخلفاء ،أو رئيس من
الرؤساء ،أن يلغي أو يعطل شيئاً منها ،ألنها كليات الدين وقواعده وأسسه ،أو كما
قال الشاطبي " :كلية أبدية ،وضعت عليها الدنيا ،وبها قامت مصالحها في الخلق،
حسبما بين ذلك االستقراء ،على وفاق ذلك جاءت الشريعة أيضاً ،فذلك الحكم الكلي
باق إلى أن يرث اهلل األرض وما عليها "(.)1
1
(?) الموافقات :للشاطبي .2/298
19
ونجد – في مقابل ذلك – القسم اآلخر ،الذي يتمثل فيه المرونة ،وهو ما
يتعلق بجزئيات األحكام وفروعها العملية ،وخصوصاً في مجال السياسة الشرعية.
يق ول اإلم ام ابن القيم في كتاب ه " :إغاثة اللهف ان " األحك ام نوع ان :ن وع ال
يتغ ير عن حالة واح دة مر عليه ا ،وال بحسب األزمنة وال األمكن ة ،وال اجته اد
األئم ة :كوج وب الواجب ات ،وتح ريم المحرم ات ،والح دود المق درة بالش رع على
الجرائم ،ونحو ذلك فهذا ال يتطرق إليه تغير ،وال اجتهاد يخالف ما وضع عليه.
والنوع الثاني :ما يتميز بحسب اقتضاء المصلحة لـه زماناً ومكاناً وحاالً:
كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها ،فإن الشارع ينوع فيها حسب المصلحة،
وقد ضرب ابن القيم لذلك عدة أمثلة من سنة النبي وسنة خلفائه الراشدين
المهديين من بعده ،ثم قال " :وهذا باب واسع ،اشتبه فيه على كثير من الناس
األحكام الثابتة الالزمة ،التي ال تتغير ،بالتغيرات التابعة للمصالح وجوداً وعدماً
"(. )1
ثالثاً :كذلك من األسباب التي جعلت الشريعة اإلسالمية صالحة لكل زمان
ومكان أنها شريعة جاءت تهدف إلى تحقيق مصالح الخلق بأنواعها المختلفة :وال
يمكن بأي حال من األحوال أن تقف في وجه أي مصلحة بشرية :ولقد اقتصرت
نصوصها التفصيلية على األحكام التي ال تتغير بتغير الزمان والمكان ،وتفتح باب
االجتهاد بل توجبه فيما ال نص فيه على أن يجري في ظل قواعد عامة تقر مصالح
العباد ،وتسعى إلى إقرار الحق والعدل بين جميع الناس وتعترف باختالف األحكام
الجزئية باختالف البيئات مراعاة الختالف أعراف الناس وأساليب حياتهم:
فالشريعة التي جمعت كل هذه الميزات البد وأن تكون صالحة لكل زمان ومكان.
رابعاً :سعة المجال أمام السياسية الشرعية :ومن األدلة على صالحية
الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان أن اإلمام أو الحاكم ومن معه من أولي األمر
وأهل االجتهاد في األمة يجدون أمامهم مجاالً فسيحاً في باب السياسة الشرعية –
أي سياسة األمة بأحكام الشرع – بحيث تستطيع الدولة تحقيق كل مصلحة خالصة
1
(?) إغاثة اللهفان :البن القيم الجوزية .349 – 1/346
20
أو راجحة ودرء كل مفسدة خالصة أو غالبة وهي في ظل الشريعة السمحة ال
تخرج عنها وال تحتاج إلى غيرها.
إن الذي يحظر على الدولة المسلمة شيء واحد ،هو أن تتبع هواها ،أو هوى
البشر أياً كانوا ،معرضة عما أنزل اهلل على رسوله من الهدى ودين الحق ،بحيث
تخرج عن القواعد الشرعية ،أو تخالف النصوص الدينية المعصومة الصحيحة في
ثبوتها ،الصريحة في داللتها ،أما ما كان موضع االجتهاد ،واختالف وجهات النظر
في داللته ،فهي في سعة من أن تأخذ من اآلراء المنقولة في فهم النص الثابت بما
تراه أرجح ديناً ،أو في تحقيق مقاصد الشرع الذي أنزل لرعاية مصالح الخلق في
الدارين ،كما يستطيع أهل االجتهاد أن يفهموا النص فهماً جديداً لم ينقل عن
السابقين ،وأن يستنبطوا في ضوئه ما لم يستنبطه سلفهم ،مادام ذلك في دائرة الحدود
واألصول المجمع عليها في فهم النصوص وتفسيرها.
إن المهم في السياسة الشرعية إذاً أال تعارض القواعد والنصوص ،وإ ن لم
تجئ بتفصيالتها النصوص الجزئية ،فليس المفروض في السياسة العادلة أن تأتي
بما نطق به الشرع ،بل المفروض أال تأتي بما يخالف الشرع(.)1
لقد تركت الشريعة مجاالً واسعاً للعلماء والحكام كي يعالجوا بآرائهم
وحكمتهم في ضوء التوجيهات القرآنية والنبوية العامة أال وهو المباح :فالقانون
اإلداري والقانون التجاري والبحري… أغلبها تدخل دائرة ما ترك ألهل الرأي من
علماء األمة وحكامها لتسييره وفق ما يرون أنه األفضل واألصلح ،ولكن ال يجعل
هذا ديناً يتعبد اهلل به فإذا ترقت الحياة عرف الناس طرق أفضل لإلدارة والتجارة
كان لهم أن يرقوا أنظمتهم وإ دارتهم ألن ذلك اجتهادات بشرية متروكة للناس(.)2
21
المبحث الثاني
حقيقة " القضايا الفقهية المعاصرة "
المطلب األول
22
القضايا :جمع قضية :وهي مأخوذة من قضى :وهي األمر المتنازع عليه
التي تعرض على القاضي أو المجتهد ليحكم أو يفتي فيها(.)1
جاء في المعجم الوسيط القضية :الحكم ،والقضية مسألة يتنازع فيها وتعرض
على القاضي أو القضاء للبحث والفصل(.)2
ثانيا -الفقهية :
ً
من الفقه وهو لغة :الفهم الدقيق( ،)3أما اصطالحاً :فهو العلم باألحكام
الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية(.)4
ومعلوم أن الفقيه يبحث في فعل المكلف من حيث ما يثبت لـه من األحكام
الشرعية والفقه هو المرجع في معرفة الحكم الشرعي فيما يصدر عن اإلنسان أو ما
يعترضه من مسائل في حياته(.)5
ثالثا – المعاصرة :
ً
المعاصرة مأخوذة من العصر وهو لغة :الدهر ،وهو الزمن الذي نزلت فيه
هذه القضية ،والمقصود به العصر الحالي أو الوقت الحاضر الذي ظهرت فيه كثير
من القضايا والمسائل المستجدة التي تحتاج إلى حكم شرعي واجتهاد العلماء
المتخصصين فيها.
فمصطلح قضايا فقهية معاصرة :يعني أن هناك قضايا مستجدة تستحق أن
توجه إليها العناية في البحث والتأصيل والتقويم ،واإلسالم هو الدين الذي أنزله اهلل
عز وجل لتقويم الحياة اإلنسانية بما فيها من حركة ونشاط :ومما يقطع به أن له
أحكاماً وضوابط في كل ما يكتشفه اإلنسان من حيث كيفية االستفادة منه والتعامل
معه ،وال شك أن علماء الشرع مدعوون دائماً إلى استنباط تلك األحكام والبحث عن
تلك الضوابط ،مستنيرين بمقاصد شريعة اهلل وقواعدها العامة ومناهج السلف
23
الصالح التي اتخذوها في مواجهة المستجدات للحكم عليها وضبط التعامل معها(،)1
وإ ن حاجة العصر إلى االجتهاد حاجة أكيدة لما يعرض من قضايا لم تعرض لمن
تقدم عصرنا ،وكذلك ما سيحدث من قضايا جديدة في المستقبل(.)2
المطلب الثاني
األلفاظ ذات الصلة
لقد أطلق الفقهاء على تلك المسائل التي استجدت بالناس في عصورهم
المتتالية عدة ألفاظ ومصطلحات ،كما تعددت تعبيراتهم وتسمياتهم لهذا اللون من
التأليف في الفقه :ومن التسميات التي ذكرت ما يلي:
-1الفتاوى :
24
هي جمع فتوى -بالواو – بفتح الفاء ،وبالياء ،فتضم وهي اسم من أفتى
العالم إذا بين الحكم(.)3
وفي االصطالح " :هو إظهار األحكام الشرعية باالنتزاع من الكتاب والسنة
واإلجماع والقياس" ( ،)2وقيل :هي اإلخبار بحكم اهلل تعالى عن دليل شرعي(.)3
ولعل إطالق اسم الفتاوى على " القضايا الفقهية المعاصرة " هو األشهر
واألكثر تداوالً بين الناس ،من أمثلتها :الفتاوى الهندية ،وفتاوى ابن حجر
الهيثمي ,وفتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية …
-2الفتاوى المعاصرة :
بعضهم يسميها الفتاوى المعاصرة ألنها تتعرض لمسائل الوقت الحاضر
وقضاياه أو العصر الحالي ،فقد برزت في هذا العصر نوازل كثيرة تحتاج إلى
اجتهاد فقهي وحكم شرعي ،لعل أشهر من ألف تحت هذا العنوان الشيخ يوسف
القرضاوي في كتابه المشهور في جزأين إلى اآلن ،وهو من أنفس الكتب.
-3القضايا المستجدة :
القضايا جمع قضية وهي األمر المتنازع عليه ،وأضيف إليها المستجدة ألنها
مسائل مستحدثة جديدة الوقوع.
-4المسائل -أو األسئلة :
سماها بعض العلماء القدماء بالمسائل ألنها تتناول قضايا مطلوبة تطلب حالً
أو تطلب فتوى ،وبعضهم يسميها باألسئلة ألنها أسئلة يطرحها الناس ويتكفل العلماء
بالرد عليها ،ومن أشهر من ألف بهذا االسم :مسائل :القاضي أبو الوليد بن رشد.
-5األجوبة -أو الجوابات :
كذلك سماها بعض علماء األندلس بالجوابات ألنها مسائل أجاب عنها العلماء
بطلب من الن اس ،وفي اللغة يقول ون :ال يس مى ج واب إال بعد طلب( ،)4ومن أش هر
25
من ألف تحت ه ذا االس م :أحمد بن محمد العباسي الس=====ماللي في كتابه "األجوبة
العباسية".
-6المشكالت:
كما عبر عنها اإلمام شلتوت في كتابه الفتاوى حيث قال " :مشكالت المسلم
المعاصر التي تعترضه في حياته اليومية " ،وكذلك سماها محمد فاروق النبهان في
كتابه المدخل للتشريع اإلسالمي( ،)1والمشكالت جمع مشكلة وهي في اللغة من
أشكل ،يقال أشكل األمر :إذا التبس(.)2
-7الواقعات :
وقال ابن عابدين :الفتاوى أو الواقعات :وهي مسائل استنبطها المجتهدون
المتأخرون لما سئلوا عن ذلك( ،)3والواقعات جمع واقعة وهي لغة بمعنى نزل ،أما
في االصطالح فهي الحادثة التي تحتاج إلى استنباط حكم شرعي لها ،وقيل هي
الفتاوى المستنبطة للحوادث المستجدة(.)4
-8المستجدات :
وهي المسائل الحادثة التي لم يكن لها وجود من قبل وهذه المسائل يكثر
السؤال عن حكمها الشرعي(.)5
-9الحوادث :
قال الشيخ محمد البركتي " :الحوادث هي النوازل التي يستفتى فيها "(.)6
-10فقه النوازل :
26
ويسمي كثير من العلماء " القضايا الفقهية المعاصرة " فقه النوازل وذلك ألن
النازلة هي األمر الشديد الذي يقع بالناس( ،)7وبيان حكمها الشرعي يعني فقه
النوازل فأطلق عليه هذا المصطلح ،واشتهر استعماله عند فقهاء المغرب خاصة.
27
المبحث الثالث
أهمية= " القضايا الفقهية المعاصرة "
المطلب األول
أنواع القضايا المعاصرة وأمثلتها
سأذكر فيما يلي مجموعة كبيرة من القضايا والنوازل المعاصرة وأحيل في
(* )
الهامش على المجامع أو فتاوى العلماء الذين بحثوا هذه القضايا لالستفادة منها:
28
-1قضايا في العبادات :
الصالة في الطائرة(.)1
استئجار الكنائس للصالة فيها (في بالد الغرب)(.)2
أوقات الصالة والصيام في البالد ذات خطوط العرض العالية الدرجات(.)3
تحديد أوائل الشهور القمرية بالحساب(.)4
()5
راكب الطائرة متى يفطر؟
()6
الحقنة هل تفطر؟
زكاة األسهم والسندات(.)7
استثمار أموال الزكاة(.)8
صرف الزكاة على الدعوة وعلى المراكز اإلسالمية(.)9
صرف الزكاة على بناء المساجد(.)10
مشكلة لحوم األضاحي في الحج(.)11
-2قضايا في مجال األسرة والمرأة :
)*( 1تتنوع النوازل باعتبارات شتى :بالنظر إلى أبواب الفقه ،وبالنظر إلى الرجل والمرأة ،وبالنظر إلى اإلفراد
والتركيب ...واخترت الترتيب المثبت أعاله اجتهاداً مني ليس إال.
(?) فتاوى إسالمية :الشيخ ابن باز ،1/271فتاوى شرعية وبحوث :الشيخ حسنين هيكل .1/22
)?( 2قرار رقم )11/3( 23مجمع الفقه اإلسالمي.
)?( 3قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء).
)?( 4فتاوى معاصرة :الشيخ يوسف القرضاوي ،1/221الموسوعة الفقهية الكويتية مادة رؤية ،22/22فقه
النوازل :بكر أبو زيد ،الجزء األول.
)?( 5اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء (رمضان 1420هـ).
)?( 6فتوى للشيخ يوسف القرضاوي ((.www.islamonline.net
7
(?) انظر قرار مجلس المجمع الفقهي اإلسالمي المنعقد في دورته الخامسة مكة المكرمة 1419هـ.
)?( 8مجلس المجمع الفقهي اإلسالمي المنعقد في دورته الخامسة مكة المكرمة 1419هـ القرار السادس.
)?( 9مجلة البحوث اإلسالمية بالرياض (المجلد األول ،العدد الثاني) ،أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة:
لمجموعة من العلماء.
)?( 10انظر المراجع السابقة.
)?( 11قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان الدين السنبهلي ،ص( 101دار القلم).
29
الزواج المدني(.)12
النكاح بإضمار نية الفرقة(.)2
زواج المسيار(.)3
التحريم بنقل الدم(.)4
تنظيم النسل(.)5
إجهاض الجنين الناتج عن اغتصاب(.)6
المشاركة السياسية للمرأة(.)7
وسائل تنظيم النسل(.)8
12
(?) فتوى للدكتور وهبة الزحيلي (.)www.zuhayli.com
2
(?) فتوى اللجنة الدائمة للبحوث واإلفتاء بالرياض ،وفتوى للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه اهلل ،وآخر
فتوى نشرت للشيخ ابن باز رحمه اهلل بتاريخ 5صفر 1420هـ.
3
(?) فتوى للشيخ يوسف القرضاوي ( ،)www.qaradawi.netمستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق:
أسامة األشقر (دار النفائس).
4
(?) المجمع الفقهي اإلسالمي لرابطة العالم اإلسالمي مكة المكرمة (رجب 1409هـ).
5
(?) فتوى الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية 12ذو القعدة 1355هـ ،قرار هيئة كبار العلماء
بالمملكة العربية السعودية برقم 42وتاريخ 13/4/1396هـ.
6
(?) فتوى للشيخ يوسف القرضاوي (فتاوى معاصرة.)2/674
7
(?) قضايا فقهية معاصرة :د.محمد سعيد رمضان البوطي ،1/165فتاوى معاصرة :الشيخ يوسف القرضاوي
.2/409
8
(?) قرار مجمع الفقه اإلسالمي بجدة في دورته الخامسة المنعقدة بالكويت ( 6-1جمادى األولى 1409هـ).
9
(?) انظر قرار المجمع الفقهي في دورته الخامسة المنعقدة عام 1402هـ ،ومجلس مجمع الفقه اإلسالمي في
دورته مؤتمره الخامس بالكويت ( 6-1جمادى األولى 1409هـ الموافق 15/12/1988م) ،أبحاث هيئة كبار
العلماء بالمملكة العربية السعودية .1/27
10
(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة (12-7ذي القعدة 1412هـ الموافق
14/5/1992-9م).
30
بيع الحقوق المجردة(.)1
بيع الخلو(.)2
الترخيص التجاري(.)3
التأمين(.)4
تغير قيمة العملة(.)5
اإليجار المنتهي بالتمليك(.)6
إجراء العقود بآالت االتصال الحديثة (الفاكس واإلنترنت)(.)7
األسواق المالية – البورصة(.)8
بطاقات االئتمان(.)9
عقد المزايدة(.)10
بيع الدم(.)11
1
(?) قرارات وتوصيات مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي بجدة ،بحوث فقهية في قضايا
فقهية معاصرة :محمد تقي العثماني ،ص.77
2
(?) مجلة مجمع الفقه اإلسالمي العدد الرابع ،قرارات مجمع الفقه اإلسالمي بجدة في دورة مؤتمره الرابع.
3
(?) المعامالت المالية المعاصرة في الفقه اإلسالمي :د.محمد عثمان شبير ،ص .55
4
(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي الدورة الثانية بجدة ( 16-10ربيع الثاني 1406هـ الموافق -22
28/12/1985م).
5
(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان األردن ( 13-8صفر 1407هـ
الموافق 16/10/1986-11م).
6
(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت ( 6-1جمادى األولى 1409هـ
الموافق 15/12/1988 -10م).
7
(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي في دورة مؤتمره السادس بجدة ( 23-17شعبان 1410هـ الموافق -14
20/3/1990م).
8
(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي في دورة مؤتمره السادس السابق.
9
(?) البطاقات البنكية :د.عبد الوهاب أبو سليمان (دار القلم ،ومجمع الفقه اإلسالمي بجدة).
10
(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي في دورة مؤتمره الثامن ببروناي ( 7-1محرم 1414هـ الموافق -21
27/6/1993م).
11
(?) مجلة المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم اإلسالمي العدد األول 1408هـ ،وقرار المجمع المنعقد برجب
1409هـ.
31
البنوك الربوية والتعامل معها والعمل فيها(.)12
الفوائد المصرفية(.)2
الشرط الجزائي(.)3
-4قضايا طبية :
قتل الرحمة (تيسير الموت للمريض الميؤوس منه)(.)4
إجهاض الجنين المشوه(.)5
أطفال األنابيب(.)6
بنوك الحليب(.)7
أجهزة اإلنعاش(.)8
زراعة األعضاء التناسلية(.)9
استخدام األجنة مصدراً لزراعة األعضاء(.)10
مداواة الرجل المرأة(.)11
مسؤوليات الطبيب وأخالقه وأدبه(.)12
12
(?) مجلة المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم اإلسالمي العدد األول 1408هـ.
2
(?) قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان السنبهنلي (دار القلم) ،ص.9
3
(?) أبحاث هيئة كبار العلماء .1/99
4
(?) فتاوى معاصرة :الشيخ يوسف القرضاوي ،2/577الندوة السنوية بكلية طب جامعة عين شمس ندوة قتل
الرحمة (عام 2000م).
5
(?) مجلس مجمع الفقهي اإلسالمي رابطة العالم اإلسالمي في دورته ( 12مكة المكرمة 15رجب 1410هـ).
6
(?) قرار المجمع الفقهي رقم ،17/4/3الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية :د.عبد اهلل الجبرين ص ،7فقه
النوازل :بكر أبو زيد ،الجزء األول.
7
(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي الدورة الثانية جدة ( 16-10ربيع الثاني 1406هـ الموافق /12/ 28-22
1985م).
8
(?) انظر بحث موت الدماغ بين الطب واإلسالم :ندى محمد نعيم (دار الفكر المعاصر).
9
(?) قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية 1401هـ ،أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة:
د.محمد نعيم ياسين.
10
(?) المؤتمر السادس للمجمع الفقهي اإلسالمي رابطة العالم اإلسالمي 1410هـ 1990 /م.
11
(?) مجمع الفقه اإلسالمي في دورة مؤتمره الثامن (القرار /85/12د.)8
12
(?) المؤتمر العالمي األول للطب اإلسالمي المنعقد بالكويت ( 10-6ربيع األول 1401هـ الموافق -12
16/1/1981م).
32
مرض نقص المناعة المكتسبة (اإليدز)(.)1
االستنساخ(.)2
الرتق العذري(.)3
زراعة خاليا المخ والجهاز العصبي(.)4
حكم تشريح جسم اإلنسان( ،)5نقل الدم(.)6
إزالة الشحوم الزائدة (سحب الدهون)(.)7
العقاقير واألدوية المحتوية على محرم(.)8
اختيار جنس الجنين(.)9
األحكام المتعلقة بالعالج الطبي(.)10
استئجار الرحم( ،)11موت الدماغ(.)12
1
(?) مجمع الفقه اإلسالمي في دورة مؤتمره الثامن في بروناي ( 7-1محرم 1414هـ الموافق -21
27/6/1993م).
2
(?) القرار رقم )2/10( 94 :لمجلس مجمع الفقه اإلسالمي في دورة مؤتمره العاشر بجدة ( 28 -23صفر
1418هـ الموافق 28/6/1997م).
3
(?) أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة :د.محمد نعيم ياسين (دار النفائس) ،ص.227
4
(?) مجمع الفقه اإلسالمي بجدة ( 2 -17 )56/5/6شعبان 1410هـ الموافق 3/1990/ 14 -10م.
5
(?) أبحاث هيئة كبار العلماء ،2/5مجلس مجمع الفقهي اإلسالمي رابطة العالم اإلسالمي الدورة العاشرة مكة
المكرمة ( 24صفر 1408هـ الموافق 17/10/1987م) ،حكم تشريح اإلنسان :د.عبد العزيز خليفة القصار
(دار ابن حزم).
6
(?) مجمع الفقهي اإلسالمي رابطة العالم اإلسالمي مكة المكرمة رجب 1409هـ.
7
(?) فقه النوازل :الجامعة األمريكية المفتوحة ،ص.176 – 160
8
(?) حكم التداوي بالمحرمات :د.عبد الفتاح إدريس ،بحوث في قضايا فقهية معاصرة :محمد تقي العثماني،
ص.340
9
(?) فتوى للشيخ يوسف القرضاوي (.)www.islamonline.net /fatwa
10
(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة ( 12 -7ذي القعدة 1412هـ الموافق
1992 /14/5 -9م).
11
(?) راجع فتوى صادرة عن مجمع البحوث بمصر (ال تحضرني معلومات صدورها).
12
(?) موت الدماغ بين الطب واإلسالم :ندى محمد نعيم الدقر (دار الفكر المعاصر).
33
عمليات التجميل(.)13
-5قضايا أخرى :
()2
التجنس بالجنسية األجنبية .
الرياضات العنيفة (المالكمة ،المصارعة)(.)3
المسرح والسينما(.)4
خطف الطائرات(.)5
حوادث السير(.)6
العمل في المحالت التي تبيع الخمر والخنزير(.)7
المطلب الثاني
خصائص القضايا الفقهية المعاصرة
13
(?) فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه اهلل (فتاوى إسالمية ،)4/412العمليات التجميلية وحكمها في الشريعة
اإلسالمية :د .أسامة الدباغ.
2
(?) مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي ،العدد الرابع ص ،169قضايا فقهية معاصرة :محمد سعيد رمضان البوطي
.1/181
3
(?) قرار مجلس المجمع الفقهي اإلسالمي رابطة العالم اإلسالمي في دورته العاشرة مكة المكرمة 1408هـ /
1987م.
4
(?) حكم اإلسالم في وسائل اإلعالم :عبد اهلل ناصح علوان.
5
(?) فتوى للشيخ يوسف القرضاوي (.)www.islamonline.net
6
(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن بروناي 7-1محرم 1414هـ الموافق -21
27يونيو 1993م.
7
(?) فتوى للشيخ عبد الباري الزمزمي عضو رابطة علماء المغرب (.)www.islamonline.net
34
النوازل في معظم األحيان لون جديد من المسائل لم يسبق حدوثها ،لهذا قد
تكون على الناس غريبة يصعب فهمها من أول وهلة فهي تحتاج إلى إمعان نظر
وإ لى بصيرة ثاقبة.
وقليل منها نظري محض أو تعليمي خالص كما هو حال كتب الفقه بصفة
خاصة ،فهو في الغالب إجابات عن أسئلة يطرحها الناس ،وحل لمشكالت تتعلق
بحياتهم اليومية لهذا يقبل عليه الناس ويتلهفون معرفة الجواب الصحيح المتعلق به:
فكانت مدعاة إلى إثارة علم المتصدر لها واستجالب رأيه والتعرف على
اجتهاداته واختياراته.
كما أن المسائل التي بحثت في القضايا الفقهية المعاصرة عدت ثروة جيدة،
ومادة قانونية إسالمية صحيحة استطاعت أن تدخل في الكتب والمصنفات وأن
تستمر ويقبل عليها الناس بلهفة ،دون أن تفقد صالحيتها وقابليتها للحياة.
لذا نرى كيف أن المفتين استندوا إليها في فتاواهم واستشهدوا بها في كتبهم،
وأيدوا أجوبتهم بمضمونها ،أو باقتباس منها في عبارتها أو أجابوا بها نفسها ناسبين
أجوبتهم إلى صاحبها(.)1
إن فقه القضايا المعاصرة يختلف عن تلك االفتراضات النظرية فهي مسائل
واقعية تحدث للناس وكل متلهف لمعرفة حكمها الشرعي.
كما تتميز المسائل المتعرض لها في القضايا الفقهية المعاصرة بالتعقيد وكثرة
تشابكها ودقة فهمها وصعوبة حل معضالتها لذا فهي تحتاج إلى مزيد جهد وإ لى
إمعان نظر وعدم التسرع في الحكم واالجتهاد فيها.
كما أن أكثر هذه المشكالت والقضايا المطروحة قد سببت الحرج والضيق
بمن نزلت بهم وهم في حاجة ماسة إلى من يجيبهم عن تلك المسائل وإ لى من يرفع
الحرج عنهم باالجتهاد والفتوى.
المطلب الثالث
في فوائد وأهمية " القضايا الفقهية المعاصرة "
35
للقضايا الفقهية المعاصرة فوائد تتعلق بصفة المسائل الواقعية التي تعرض
صوراً من المجتمع الذي نزلت فيه النازلة ،وله فوائد تتعلق بالفتوى أو الحكم
الشرعي ،وله فوائد تعود على الفقيه المجتهد الناظر في الواقعة وفيما يلي ذكر لهذه
الفوائد:
-1أنه من العلوم المهمة والفنون الضرورية في حياة الناس اليوم ،ألنه يرد
ويجيب عن مشكالت وقضايا مستجدة وعويصة نزلت بالناس وهم في أمس الحاجة
لمعرفة الحكم الشرعي فيها:
ومن المعلوم أن الناس لم يكونوا علماء كلهم ال في عهد الرسول وال في
عهد الصحابة والتابعين واألئمة المرضيين ،ولقد أمر اهلل الجاهل أن يسأل العالم عن
الحكم فيما ينزل به من قضايا وواقعات ،قال تعالى :فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال
تعلمون [ النحل.]43 :
إذاً يهدف فقه القضايا المعاصرة إلى توليد البدائل الشرعية للمشكالت
اجتماعيا وسياسياً واقتصادياً وقانونياً…
ً المطروحة على الساحة المعاصرة
-2كما أن للقضايا الفقهية المعاصرة أهمية أخرى تتصل بصفة النوازل
الواقعية التي تعرض لنا صوراً من المجتمع الذي وقعت فيه تلك النوازل من الناحية
الفكرية واالجتماعية والسياسية واالقتصادية والتاريخية واألدبية:
أ – فمن الناحية الفكرية :يعرفنا فقه القضايا المعاصرة بالعالقة بين المذاهب
الفقهية والفرق الكالمية ويظهر ذلك من خالل المناظرات والمناقشات العلمية التي
كانت تدور بين علماء الفرق والمذاهب في أثناء التعرض لنازلة من النوازل ،كما
يظهر ذلك من خالل مواجهة األفكار المنحرفة مثل ظاهرة الردة والزندقة وكيف
واجه العلماء هذه الظواهر بالقواعد الشرعية الالزمة في هذا الميدان مع االجتهاد
العادل(.)1
ب – ومن الناحية االجتماعية :تقدم " النوازل " الكثير من اإلشارات إلى
أحوال المجتمع اإلسالمي في منطقة النازلة من عادات في األفراح واألتراح ،كما
36
تقدم لنا صورة حية عن حياة الناس وعاداتهم في السلم والحرب والعمران وأنواع
الملبوسات والمطعومات وما إلى ذلك ،األمر الذي يجعل منها مصدراً وثيقاً لعالم
االجتماع مثلما هو للفقيه والعالم.
وكل ذلك سوف يسجله التاريخ ،وتتناقله األجيال ،وتصبح كتب فقه النوازل
من المصادر والمراجع التي يرجع إليها ،لذا نجد كثيرًا من المؤرخين قد انصرف
إلى مصنفات النوازل والفتاوى لدراستها واستنباط ظواهر اجتماعية منها واستنتاج
إفادات تاريخية ،ومن هؤالء المستشرق الفرنسي "جاك بارك" الذي اعتنى بنوازل
المازوني – الذي استفاد كثيراً من كتب فقه النوازل إلبراز جوانب اجتماعية
للمغرب في عصر هذه النوازل.
ج – ومن الناحية األدبية :فإن لفقه القضايا المعاصرة فوائد عظيمة :فقد
تحتوي األسئلة واألجوبة عن تلك النوازل على قطع أدبية بليغة أو شعر نادر
استشهد به ،كما أنها تحافظ لنا على لغة الفقه والفقهاء األدبية الرائعة.
د – ومن الناحية السياسية :تنقل هذه النوازل صورة واقعية لحوادث
تاريخية تمس ذلك المجتمع الذي وقعت فيه النازلة في السلم والحرب مما قد يفيد
السياسي في دراسته ومما يعينه في فهم كثير من أحداث الزمان.
هـ – ومن الناحية االقتصادية :تقدم النوازل جملة من الصور عن الحالة
االقتصادية التي تمر بها البالد اإلسالمية ،وعن الملكية والتجارة والبنوك وهذا كله
يمكن معرفته من خالل تلك النوازل والمسائل المتعلقة بالمواضيع االقتصادية:
كطغيان البنوك الربوية على واقع المسلمين اليوم وكثرة األسئلة التي يطرحها
المسلمون ويطرحها الواقع المر الذي يتخبط فيه الجانب االقتصادي في المجتمعات
المسلمة ،ومشكلة الديون التي تتعب كاهل الدول اإلسالمية وغيرها من المواضيع
االقتصادية التي تحتاج إلى فقه واجتهاد في نوازلها وواقعاتها المريرة.
و – ومن الناحية التاريخية :تقدم " النوازل " أحداثاً تاريخية وقعت لألمة
اإلسالمية ونزلت بها وتم الجواب عنها ،وتقدم أحياناً أحداثاً أغفلها المؤرخون الذين
غالبا بالشؤون السياسية وما يتصل بالحكام واألمراء ومثال عن ينصب اهتمامهم ً
37
ذلك ما يحدث اليوم في أفغانستان من تقاتل بين الفصائل األفغانية ،أو مثل الحرب
العراقية اإليرانية التي وقعت في الثمانينات أو اجتياح العراق للكويت وما ترتب
عليه من استعانة بالكفار ،وما حدث ويحدث إلخواننا المسلمين في يوغسالفيا من
اضطهاد واغتصاب وما يستلزم ذلك من فقه واجتهاد يجيب عن تلك الشدائد
والنوازل التي تنزل باألمة اإلسالمية في عصورها المتتالية.
-3ومن فوائد فقه القضايا المعاصرة ذلك األثر العلمي الذي تخلفه هذه
اإلجابات ألنها تحفظ لنا مسائل واجتهادات العلماء بنصها لتكون سجالً للفتوى
مهما للمهتمين بها من أهل االختصاص ال يمكن االستغناء عنها
والقضاء ومرجعاً ً
بحال.
-4كما أن فقه القضايا المعاصرة يعرفنا بأسماء المعة من العلماء المجتهدين
المفتيين ،الذين تصدوا لهذه النوازل وأغاثوا األمة ،وكيف أنهم بذلوا الجهد والوسع
للوصول إلى الحكم الشرعي وذلك باتباع أصول االجتهاد دون تعصب أو هوى.
-5وإ ضافة للفائدة السابقة فإن فقه القضايا المعاصرة يلقي األضواء على
شخصية صاحب ذلك الفقه ،وتدلنا على اتجاهه وموقفه وعلى أصوله التي اعتمد
عليها في اجتهاده وما إلى ذلك..
-6كما أن لهذا الفقه فائدة أخرى :وهي فيما إذا نوقشت هذه المسائل في
المجامع الفقهية التي يتم تشكيلها من علماء يمثلون جميع الدول اإلسالمية ،فإن ذلك
من شأنه تلقيح أفكار العلماء واستفادة بعضهم من علم البعض ،وكذلك من أجل
التعاون والتكاتف للوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح ،وهذا يعصمهم من الخطأ
أو االختالف ،كما يساعد على وضع األصول والضوابط االجتهادية مما يسهل على
الفقيه والمجتهد النوازلي عمله في استنباط األحكام الشرعية.
لهذا كله دونت أجوبة العلماء وفتاوى الفقهاء في تلك العصور الزاهرة وكانت
عظيما لمعرفة األحكام ،وثروة فقهية واسعة ،وكانت في الوقت نفسه
ً مرجعاً
مصادر يرجع إليها مختصون في علم التاريخ واالجتماع واالقتصاد والسياسة
وينهلون منها ما يفيدهم ويعينهم على الفهم الصحيح والعلم الناجح.
38
وتدوين هذه النوازل ونشرها فيه الفائدة العظيمة ويكون وصالً لما انقطع من
سلسلة البحوث الفقهية التي بدأها سلفنا العلماء األعالم.
-7كسب األجر والمثوبة من اهلل عز وجل ،فإن الدارس " للنازلة " المتجرد
الذي يريد أن يصل إلى حكمها الشرعي إذا بذل جهده ووصل إلى حكم فيها فهو
مأجور ،إن أصاب فله أجران ،وإ ن أخطأ فله أجر واحد.
الميثاق
َ العلماء :فقد أخذ اهللُ
َ حملها اهللُ
-8الحرص على تأدية األمانة التي ّ
على العلماء ببيان األحكام الشرعية وعدم كتمانها ،وقد حصر التكليف بهم ،فكان
لزاماً عليهم التصدي للفتوى في النوازل ما استطاعوا إلى ذلك سبيالً ،وذلك إبراء
للذمة بالقيام بتكاليف إبالغ العلم وعدم كتمانه.
-9كما أن هذه النوازل تثري الفقيه بعلم من سبقه من العلماء ،ومن ثم
يستطيع االستفادة واإلفتاء بفتاوى من سبقه إذا كانت مطابقة ومتناسبة مع النازلة،
أو على األقل أن يسلك مسالكهم ومناهجهم في دراسة نوازل عصرهم على نازلة
عصره حتى يصل إلى استنباط الحكم الشرعي المناسب لها ،والناظر بعين فاحصة
ونظرة شمولية في هذا الجانب من الكتابة في النوازل والفتاوى الفقهية وما كان فيها
للعلماء والفقهاء من مؤلفات جليلة متكاملة مع بعضها واستفادة الالحق من السابق
فيها يجد تلك الحقيقة جلية بارزة للفكر والعيان(.)1
1
(?) مقدمة كتاب " النوازل الجديدة الكبرى :للوزاني " :تحقيق األستاذ عمر بن عباد (وزارة األوقاف والشؤون
اإلسالمية المغرب) .1/3
39
المبحث الرابع
االجتهاد في القضايا المعاصرة
المطلب األول
شروط المتصدر للفتوى في القضايا المعاصرة
40
من الض رورة أن يك ون في األمة ع دد من العلم اء المجته دين ال ذين نس ميهم:
بالع الم الن وازلي أو الفقيه الن وازلي أو المجتهد الن وازلي :ال ذي إلى ج انب ت وافر
ملما بأمور
شروط االجتهاد فيه -و التي سوف أذكرها بعد قليل -يجب أن يكون ً
أخرى مهمة أصبحت ضرورية خاصة في هذا العصر بحوادثه المعقدة والمتشابكة:
منها فهمه واقع عصره واستيعابه للتكنولوجيا التي ما فتأت تتطور وترتقي.
وليس كل أحد يصلح للفتوى واالجتهاد بل ال بد من توافر شروط معينة فيمن
يتصدى لالجتهاد " :قال مالك :وجاء رجل ابن هرمز فأرسل بعض السالطين
أهال لذلك؟ ،قال :إن كنت عند الناس كذلك
يستشيره في الفتوى فسأله أتراني ً
أهال لذلك فباشر.
ورأوك ً
قال محمد بن رشد :زاد في هذه الحكاية في كتاب األقضية أنه قال لـه :إن
أهال لذلك فافعل ،وهي زيادة صحيحة ألنه هو أهال لذلك ورآك الناس ً رأيت نفسك ً
أهال لذلك فال ينبغي له أن يفعل وإ ن رآه الناس ً
أهال أعرف بنفسه ،فإن لم ير نفسه ً
أهال لذلك فال ينبغي أن يفتي وإ ن رأى هو نفسه ً
أهال لذلك ،وأما إذا لم يره الناس ً
لذلك ،ألنه قد يغلط فيما يعتقده في نفسه من أنه أهل لذلك ،وال حرج عليه إن فعل إذا
عالما بالقرآن وبالسنة،
ً علم من نفسه أنه قد كملت لـه آالت االجتهاد بأن يكون
عالما بأقوال العلماء من الصحابة والتابعين ومنً مميزا بين صحيحها وسقيمها،
ً
بعدهم من فقهاء األمصار وما اتفقوا عليه وما اختلفوا فيه من أهل النظر
عارفا بوضع األدلة في مواضعها ،ويكون عنده ً بصيرا بوجه القياس
ً واالجتهاد
من علم اللسان ما يفهم به معاني الكالم ،فإذا اجتمعت فيه هذه الخصال مع العدالة
والخير والدين صح استفتاؤه فيما ينزل من األحكام وجاز للعاصي تقليده فيها "(.)1
إذاً البد وأن تتوافر في المجتهد الذي يبحث في حكم النوازل شروط االجتهاد
المطلوبة في العلماء المجتهدين ألنه ال يتأتى اجتهاد بدون آلته ،وحتى ال تتعثر
االجتهادات وتحيد عن أمر اهلل تعالى إذ ال يمكن فهم مقاصد الشرع في الكتاب
الكريم وسنة الرسول إال بها.
1
(?)البيان والتحصيل :البن رشد .17/339
41
وشروط المجتهد كما نص عليها علماء األصول( )1في كتبهم هي:
بالغا :ألن غير البالغ لم يكمل عقله حتى يؤخذ بقوله.
-1أن يكون ً
عاقال :ألن غيره ال تمييز لـه يهتدي به إلى ما يريد فال يعتبر
ً -2أن يكون
قوله ،والمراد من الشرط األول هو الوصول إلى مجرد العقل بالبلوغ ،أما
الشرط الثاني فالمراد منه كماله.
عالما بنصوص الكتاب والسنة يقول ابن النجار " :وليس المراد ً -3أن يكون
أن يعرف سائر آيات القرآن وجميع أحاديث السنة وإ نما المراد ما يحتاج
إلى معرفته … " ،وليس المراد بعلمه بذلك حفظه ،بل المراد أن يكون
بحيث يمكن استحضاره لالحتجاج به ال حفظه(.)2
عالما بالناسخ والمنسوخ منها -أي
ً -4يشترط في المجتهد أيضاً أن يكون
من الكتاب والسنة -حتى ال يستدل بدليل منسوخ.
-5العلم باللغة العربية :من نحو وصرف وغيرهما من علوم اللغة العربية،
وأن يكون عارفاً بعلوم البالغة من معان وبيان وبديع وبذا يستطيع النظر
في الدليل نظراً صحيحاً ويستخرج منه األحكام استخراجاً قوياً ،ويكفيه
في ذلك الدرجة الوسطى ال أن يبلغ مبلغ األئمة في اللغة العربية كالخليل
وسيبويه واألخفش(.)3
عالما خبيراً بمواقع اإلجماع حتى ال يفتي ويجتهد بخالف ما
ً -6أن يكون
أجمع عليه فيكون قد خرق اإلجماع ،وخرق اإلجماع حرام(.)4
عالما بأسباب النزول في اآليات واألحاديث ليعرف المراد من ً -7أن يكون
ذلك ،وما يتعلق بهما من تخصيص أو تعميم :وألن بعض النصوص نزل
1
(?) انظر المراجع التالية في شروط المجتهد :الرسالة ص ،509جمع الجوامع ،2/382األحكام لآلمدى
،4/162المستصفى ،2/250شرح تنقيح الفصول ص ،437المحصول ،2/3/30تيسير التحرير ،4/180
الموافقات ،4/67فواتح الرحموت ،2/362إرشاد الفحول ص .250
2
(?) شرح الكوكب المنير .4/461
3
(?) انظر ضوابط االجتهاد والفتوى ألستاذنا د .أحمد طه ريان ،ص.44
4
(?) نهاية السول ،3/244إرشاد الفحول ص.251
42
عاما وقد أريد به الخصوص وال يفهم ذلك إال من خالل العلم بسبب نزول ً
النص.
عالما بأصول الفقه :أي بأن تكون لـه قدرة على
ً -8يشترط فيه أن يكون
استخراج أحكام الفقه من أدلتها وذلك بمعرفة القواعد األصولية ،وعليه أن
يطول الباع في هذا الشرط ويضطلع على مختصراته ومطوالته بما تبلغ
به طاقته فإن هذا العلم هو عماد فسطاط االجتهاد وأساسه الذي تقوم عليه
أركان بنائه(.)1
عالما بمقاصد الشريعة وعارفاً بمصالح الناس وعرفهم حتى ً -9أن يكون
يستنبط األحكام التي توافق مقصد الشارع وحتى ال يوقع الناس في الحرج
نقال عن الشافعي " :مقاصد الشرع قبلة والعسر :يقول اإلمام السيوطي ً
المجتهدين من توجه إلى جهة منها أصاب الحق "(.)2
شروط أخرى :
ويمكننا أن نضيف إلى تلك الشروط التي ذكرها العلماء في المجتهد شروطاً
أخرى والتي ال بد وأن تتوافر في المجتهد النوازلي بصفة خاصة وهي:
-1الملكة الفقهية= :
وذلك بأن يكون ذا ملكة فقهية :وقد تكونت لديه من خالل ممارسته ألساليب
الفقهاء واصطالحاتهم ،وأن يكون شديد الفهم بالطبع لمقاصد الكالم ألن من دون
هذه المرتبة لن تتأتى لديه القدرة على االستنباط المقصود باالجتهاد(.)3
-2سعة األفق :
ويجب أن تتوفر في المجتهد النوازلي سعة األفق ،وتتحقق سعة األفق بعدم
الجمود على ظواهر ألفاظ النص ،وبالقدرة على تقليب وجوه النظر في المشكلة،
1
(?) إرشاد الفحول ص ،252شرح الكوكب المنير .4/459
2
(?) االجتهاد (الرد على من أخلد إلى األرض وجهل أن االجتهاد في كل عصر فرض) :جالل الدين السيوطي،
ص.182
3
(?) انظر ضوابط االجتهاد والفتوى ص ،44وانظر الكتاب الذي أصدرته وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية
بقطر بعنوان " الملكة الفقهية " فهو كتاب نفيس.
43
تحقيقا للمصلحة وإن خفي
ً أثرا واألكثر
وإ دراك تعدد وجوه القياس ،وانتقاء األقوى ً
مأخذه ودق تخريجه(.)1
-3الدربة على الفتوى واالستنباط والتخريج :
ال بد من التدريب على تخريج األحكام ألن التدريب يكسب الفقيه المرونة
الفقهية الالزمة في معالجة المشكالت الحديثة ،وضرورة التدريب على تخريج
األحكام كضرورة التدريب على حل مسائل الرياضيات :فكما ال يكفي العلم
بالقوانين الرياضية دون التدرب عليها فكذلك ال يكفي العلم بالقواعد األصولية دون
التدرب على تطبيقها واستنباط وتخريج األحكام منها.
وقد تنبه اإلمام أبو حنيفة – رحمه اهلل -قديماً إلى أهمية التدريب على
تخريج األحكام فكان يدرب خواص تالميذه على ذلك :بطرح المشكلة عليهم ثم
يتلقى األحكام واإلجابات منهم ثم يناقش هذه األجوبة معهم فيصحح منها ما يصحح
أحدا على قول( ،)2والهدف من ذلك هو الدربة على الفتوى ويرد ما يرد وال يكره ً
واالستنباط…
1
(?) انظر بحث " منهج معالجة القضايا المعاصرة " :د .محمد راوس قلعجي ،ص.61
2
(?) المرجع السابق ،ص.62
44
فإنه إذا لم يكن فقيهاً بمعرفة الناس فقد يتصور لـه الظالم بصورة المظلوم
وعكسه ،والمحق بصورة المبطل وعكسه ،وراج عليه المكر والخداع واالحتيال،
وتصور لـه الزنديق في صورة الصديق ،والكاذب في صورة الصادق ،ولبس كل
مبطل ثوب زور تحتها اإلثم والكذب والفجور ،وهو لجهله بالناس وأحوالهم
وعوائدهم وعرفياتهم ،فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد واألحوال
وذلك كله من دين اهلل كما تقدم بيانه(.)1
فرع :وجوب ضبط المتصدين للفتوى واالجتهاد في القضايا المعاصرة :
يق ول ال راغب األص فهاني " :الش يء أوجب على الس لطان من مراع اة
المتص دين للرياسة ب العلم فمن اإلخالل بها ينتشر الشر ويك ثر األش رار ،ويقع بين
الن اس التب اغض والتن افر وذلك أن الس واس أربعة :األنبي اء وحكمهم على الخاصة
والعامة ظ اهرهم وب اطنهم ،وال والة وحكمهم على ظ اهر الخاصة والعامة دون
ب اطنهم ،والحكم اء وحكمهم على ب واطن الخاص ة ،والوع اظ وحكمهم على ب واطن
العامة.
وصالح العامة بمراعاة أمر هذه السياسات لتخدم العامة الخاصة ،وتسوس
الخاصة العامة ،وفساده في عكس ذلك ولما تركت مراعاة المتصدي للحكمة
والوعظ ،وترشح قوم للزعامة في العلم من غير استحقاق منهم لها فأحدثوا بجهلهم
بدعا استغروا بها العامة واستجلبوا بها منفعة ورياسة ،ووجدوا من العامة مساعدة ً
لمشاكلتهم لهم وقرب جوهرهم منهم ،فكل قرين إلى شكله كأنس الخنافس بالعقرب
وفتحوا بذلك طرقاً منسدة ورفعوا بها ستوراً مسبلة وطلبوا منزلة الخاصة فوصلوا
وكفروهم اغتصاباً لسلطانهم
فبدعوا العلماء ّ
إليها بالوقاحة وبما فيهم من الشرةّ ،
ومنازعة في مكانهم ،فاغروا بهم أتباعهم حتى وطؤهم بأخفافهم وأظالفهم فتولد من
ذلك البوار والجور العام…"(.)2
1
(?) إعالم الموقعين .3/472
2
(?) الذريعة إلى مكارم الشريعة :أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب األصفهاني ،ص.51
45
حرم اهلل القول فيه بغير علم ،قالإن أمر الدين عظيم وخطير ،ومن أجل هذا ّ
تعالى :قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن واإلثم والبغي بغير
الحق ،وأن تشركوا باهلل ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على اهلل ما ال تعلمون
[األعراف.]33 :
تحصل على آلة االجتهاد
ّ لذا يجب أن يتولى النظر في فقه النوازل من
وتوفرت فيه شروط االجتهاد المعروفة والمذكورة في كتب أصول الفقه والتي
أشرنا إليها قريباً " ،أما أدعياء االجتهاد الذين ال يملكون إال الجراءة على النصوص
حفاظا على
ً باألصول وإ تيان البيوت من غير أبوابها فهؤالء ينبغي أن ُيرفضوا
قداسة الدين وحرمة الشريعة " (.)1
وينبغي ألولياء األمور القيام بواجبهم في هذا فال يسمحوا بالفتوى واالجتهاد
أهال لذلك ،وأما من كان بعيداً عن االجتهاد وال يحمل آلته فينبغي منعهإال لمن كان ً
بقوة السلطان :حفاظاً على الدين وعلى أنفس وأرواح الناس…
فرع :ضرورة اإللمام بعلم مقاصد الشريعة للمجتهدين في القضايا المعاصرة :
أمر المقاصد الشرعية أمر في غاية األهمية بالنسبة لحملة العلم الشرعي
والمتفقهين والمجتهدين في النوازل والوقائع المستجدة :
إذ إنها كالبوصلة التي تحدد للمسافر صحة اتجاهه من عدمه فهي باإلضافة –
إلى شروط االجتهاد التي يجب توافرها في المجتهد – تساعد الباحث عن أحكام
الشريعة في تحديد صحة سيره ،وسالمة طريقه في التعامل مع نصوص الكتاب
والسنة وعباراتها واستخراج واستنباط مدلوالتها ومعانيها ومراميها.
إن االلتفات إلى فقه المقاصد يساعد على تجاوز كثير من المزالق التي قد يقع
فيها بعض الفقهاء والمجتهدين أو طلبة العلم حين يقصرون نظرهم على دليل جزئي
شرعي ،غير ملتفتين إلى موقعه في سياقه العام من كليات الشريعة ومقاصدها
العامة ،وما قد يترتب على تنزيله في الواقع بالكيفية التي ارتأوها غير عابئين
بالموازنة بين المصالح والمفاسد الذي هو ثمرة لفقه المقاصد والذي هو في الحقيقة
1
(?) مدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية :د .يوسف القرضاوي ،ص.281
46
لب السياسة الشرعية وروحها وحقيقتها في التعامل مع األحداث والوقائع
والمستجدات في الحياة ببصيرة وهدى وفقه وعقل وما أقل من جمع ذلك في
زماننا…
وإ ن مثل من يتصدى للفتوى واالجتهاد في النوازل من غير إلمام بمقاصد
الشرع وال معرفة حقيقية بالواقع مثل من يبحث عن الثمرة في غير شجرتها ،أو
كمن يحاول استنبات البذرة في غير بيئتها ومكانها المناسب الذي ال تنمو وتنتج إال
()1
فيه ،وأنى لهذا أو لذاك أن يبلغ المراد أو يصل للغاية والهدف...
وإ ذا عرضت على الفقيه واقعة ليس فيها نص حكم للشارع فإنه يعطي هذه
محققا لمصلحة من
ً الواقعة حكماً يتفق مع مقاصد الشارع ،وذلك بأن يكون الحكم
جنس المصالح التي دلت النصوص على اعتبارها ،ومن ذلك أن الصحابة حكموا
بتضمين الصناع السلع التي تتلف بأيديهم ،محافظة على األموال ،وحكموا بقتل
الجماعة إذا اشتركوا في قتل الواحد ،حفظاً لألرواح ،وحفظ المال والنفس من
المصالح التي الحظها الشارع في تشريعه ،وسار على وفقها في تشريع األحكام.
وأخيراً فإن الفقيه يزن األدلة الجزئية الظنية بمقاصد الشارع التي قامت أدلته
مخالفا لهذه المقاصد رده ولم يعتمد عليه في االستنباط،
ً على اعتبارها ،فما كان منها
()2
فقد ردت عائشة -رضي اهلل عنها -حديث " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه "
مقصدا شرعياً دل عليه قوله تعالى :أال تزر وازرة وزر أخرى وأن ً ألنه يخالف
ليس لإلنسان إال ما سعى [ النجم ،]39-38 :وأهمل "مالك" اعتبار حديث " من مات
وعليه صوم صام وليه عنه " ( )3لمخالفته لهذا المقصد أيضا(.)4
1
(?) المختصر الوجيز في مقاصد التشريع :د .عوض بن محمد القرني ،ص.13
(?) البخاري في الجنائز باب قول النبي يعذب الميت ( ،1/432 )1226ومسلم في الجنائز باب الميت يعذب 2
ببكاء أهله عليه ( 2/639 )926من حديث عبداهلل بن عمر وقول عائشة أخرجه البخاري ( )3759ومسلم (
.)932
3
(?) أخرجه البخاري في الصوم باب من مات وعليه صوم ( ،2/690 )1851ومسلم في الصيام باب قضاء
الصيام عن الميت ( 2/803 )1147من حديث عائشة -رضي اهلل عنها .-
4
(?) انظر أصول الفقه :د .حسين حامد ص 14و ،15ومقدمة لدراسة الفقه اإلسالمي :د .محمد كمال الدين
إمام ص 20و.21
47
إن المجتهد في حاجة إلى معرفة مقاصد الشارع وإ لى الطرق التي بها تعرف
المقاصد حتى تكون مقاصده تابعة لمقاصد الشارع ومحكومة بها ،وذلك ألن
اجتهاده في األمور التي ليست داللتها واضحة إنما يقع موقعه على فرض أن يكون
ما ظهر لـه هو األقرب إلى قصد الشارع ،واألولى بأدلة الشريعة دون ما ظهر
لغيره من المجتهدين فيجب عليه اتباع ما هو األقرب ،وأما غير المجتهد فهو بحاجة
لعلم المقاصد للتعرف على أسرار التشريع وحكمه.
وكذلك لتنشيط العقل المسلم وتخليصه من األمراض والعلل الناجمة عن
النظر الجزئي ،وتناسي الغايات وتجاهل المقاصد والتشبث باألمور الشكلية
واللفظية واإلحالة على التعبد ألدنى مالبسة وتجاهل الحكم أو الكسل عن طلبها
والتفتيش عنها.
وإ ن العلم بمقاصد الشريعة وأهدافها وغاياتها يساعد كثيراً على إخراج العقل
المسلم من تلك الوهدة ويعالجه من تلك األمراض ويعيد إليه نقاءه وصفاءه وتألقه
وقدرته على العطاء واالجتهاد وتوخي المقاصد والغايات(.)1
قال عبد الوهاب خالف " :ومعرفة المقصد العام من التشريع من أهم ما
يستعان به على فهم نصوصه حق فهمها ،وتطبيقها على الوقائع ،واستنباط الحكم
فيما ال نص فيه " ( )2ألن داللة األلفاظ والعبارات على المعاني قد تحتمل عدة
وجوه ،والذي يرجح واحداً من هذه الوجوه هو الوقوف على مقصد الشارع ،وألن
بعض النصوص قد تتعارض ظواهرها ،والذي يرفع هذا التعارض ويوفق بينها أو
يرجح أحدها هو الوقوف على مقصد الشارع ،وألن كثيراً من الوقائع التي تحدث
ربما ال تتناولها عبارات النصوص ،وتمس الحاجة إلى معرفة أحكامها بأي دليل من
األدلة الشرعية ،والهادي في هذا االستدالل هو معرفة مقصد الشارع.
ولهذا يعنى رجال السلطة التشريعية في الحكومات الحاضرة بوضع
المذكرات التفسيرية ،التي تبين المقصد من تشريع القانون بوجه عام ،وتبين المقصد
1
(?) راجع مذكرتنا " مقاصد الشريعة " نشر الجامعة األمريكية المفتوحة بواشنطن ،ص.6
2
(?) علم أصول الفقه :عبد الوهاب خالف ،ص.197
48
الخاص من كل مادة من مواده ،وهذه المذكرات التفسيرية وجميع البحوث
والمناقشات التي تبودلت أثناء تحضير القانون وتشريعه هي عون رجال القضاء
على فهم القانون وتطبيقه بنصوصه وروحه ومعقوله.
وكذلك نصوص األحكام الشرعية ال تفهم على وجهها الصحيح إال إذا عرف
المقصد العام للشارع من تشريع األحكام وعرفت الوقائع الجزئية التي من أجلها
نزلت األحكام القرآنية أو وردت السنة القولية أو العملية (.)1
المطلب الثاني
اجتهاد الصحابة في النوازل
قال ابن القيم الجوزية في كتابه إعالم الموقعين …" :وقد كان أصحاب
رسول اهلل يجتهدون في النوازل ،ويقيسون بعض األحكام على بعض ،ويعتبرون
النظير بنظيره ".
وقد اجتهد الصحابة -رضي اهلل عنهم جميعاً -في زمن النبي في كثير
يعنفهم ،كما أمرهم يوم األحزاب أن يصلّوا العصر في بني
من األحكام ولم ّ
قريظة( ،)2فاجتهد بعضهم وصالّها في الطريق ،وقال :لم يرد منا التأخير ،وإ نما
وأخروها إلى بنيأراد سرعة النهوض ،فنظروا إلى المعنى ،واجتهد آخرون ّ
1
(?) المرجع السابق ،ص .198وهذا ال يعني إطالقاً أننا نوافق على القوانين المخالفة للشريعة اإلسالمية التي
تصدرها بعض الحكومات ،بل ندعو القانونيين دائماً للرجوع إلى الشريعة اإلسالمية وجعلها األساس في بناء
القوانين فهي ديننا وعقيدتنا ومنهج حياتنا الذي نسأل عنه يوم القيامة ...
2
(?) أخرجه البخاري في الجمعة باب صالة الطالب والمطلوب ( ،1/321 )904ومسلم في الجهاد والسير باب
المبادرة بالغزو ( 1/1391 )1770من حديث ابن عمر – رضي اهلل عنهما .-
49
قريظة فصلوها ليالً ،نظروا إلى اللفظ ،وهؤالء سلف أهل الظاهر ،وهؤالء سلف
أصحاب المعاني والقياس.
ولما كان علي باليمن أتاه ثالثة من نفر يختصمون في غالم ،فقال كل
منهم :هو ابني ،فأقرع علي بينهم ،فجعل الولد للقارع ،وجعل عليه للرجلين ثلثي
الدية ،فبلغ النبي فضحك حتى بدت نواذجه من قضاء علي ،)1( واجتهد سعد بن
معاذ في بني قريظة وحكم فيهم باجتهاده ،فصوبه النبي وقال " :لقد َح َك ْم َ
ت
فيهم بحكم اهلل من فوق سبع سماوات " (.)2
واجتهد الصحابيان اللذان خرجا في سفر ،فحضرت الصالة وليس معهما ماء
فصليا ،ثم وجدا الماء في الوقت ،فأعاد أحدهما ولم يعد اآلخر ،فصوبهما النبي ، ّ
وقال للذي لم يعد " :أصبت السنة ،وأجزأتك صالتك " وقال لآلخر " :لك األجر
مرتين" (.)3
ولما قاس مجزز المدلجي وقاف وحكم بقياسه وقيافته على أن أقدام زيد
سر بذلك رسول اهلل حتى وأسامة – رضي اهلل عنهما -ابنه بعضها من بعض َّ
برقت أسارير وجهه من صحة هذا القياس وموافقته للحق ،وكان زيد أبيض وابنه
أسامة أسود ،فألحق هذا القائف الفرع بنظيره وأصله وألغى وصف السواد والبياض
الذي ال تأثير له في الحكم(.)4
وقال أبو بكر الصديق في الكاللة :أقول فيها برأيي ،فإن يكن صواباً فمن
اهلل ،وإ ن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ،أراه ما خال الوالد والولد(.)5
1
(?) أخرجه البيهقي في السنن ( )10/276وقال :فيه داود بن يزيد األودي غير محتج به.
2
(?) أخرجه البخاري في الجهاد باب إذا نزل العدو على حكم رجل ( ،)2878ومسلم في الجهاد والسير باب
جواز قتال من نقض العهد ( )1768من حديث أبي سعيد .
3
(?) أخرجه الدارمي ( ،)771وأبو داود ( ،)338والنسائي ( ،)1/213والدارقطني ( ،)1/189قال أبو داود:
وذكر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ ،وهو مرسل.
( (?) أخرجه البخاري في صفة النبي ، (3362) 3/1303ومسلم في الرضاع باب العمل بالحقاق القائف 4
.2/1081 )1459
5
(?) أخرجه عبد الرزاق ( ،)19191وابن شيبة ( )11/415في مصنفيهما ،والدارمي ( ،)3015وسعيد بن
منصور ( ،)591والبيهقي ( )6/224في سننهما ورجاله ثقات إال أنه منقطع :الشعبي لم يدرك أبا بكر.
50
خلف عمر قال :إني ألستحيي من اهلل أن ّ
أرد شيئاً قاله أبو بكر، و لما استُ ِ
ْ
وقال الشعبي عن شريح قال :قال لي عمر :اقض بما استبان لك من كتاب اهلل ،فإن
لم تعلم كل كتاب اهلل فاقض بما استبان لك من قضاء رسول اهلل فإن لم تعلم كل
أقضية رسول اهلل فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين ،فإن لم تعلم كل ما
قضت به أئمة المهتدين فاجتهد رأيك ،واستشر أهل العلم والصالح(.)1
وقد اجتهد ابن مسعود في المفوضة وقال :أقول فيها برأيي ،ووفّقه اهلل
للصواب ،وقال سفيان عن عبد الرحمن األصبهاني عن عكرمة قال :أرسلني ابن
عباس – رضي اهلل عنهما -إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين ،فقال:
للزوج النصف ،ولألم ثلث ما بقي ،ولألب بقية المال ،فقال :تجده في كتاب اهلل أو
أما على أب(.)2
أفضل ً
تقول برأيك؟ قال :أقوله برأيي ،وال ّ
المطلب الثالث
طريقة االجتهاد في اإلسالم
يقول تعالى :يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول وأولي األمر
منكم ،فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اهلل ورسوله [ النساء.]59 :
وبين رسول اهلل لمعاذ كيفية االجتهاد في النوازل في الحديث المشهور:ّ
فعن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل أن رسول اهلل لما أراد أن
يبعث معاذاً إلى اليمن قال " :كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ " قال :أقضي
بكتاب اهلل ،وقال " :فإن لم تجد في كتاب اهلل ؟ " قال :فبسنة رسول اهلل ،قال" :
فإن لم تجد في سنة رسول اهلل ،وال في كتاب اهلل ؟ " قال :اجتهد رأيي وال آلو،
)?( 1أخرجه ابن عساكر في التاريخ ( )23/19ورجاله ثقات.
)?(2عون المعبود ،9/371إعالم الموقعين .162 – 160 /1
51
فضرب رسول اهلل صدره وقال " :الحمد هلل الذي وفق رسول رسول اهلل لما
يرضي رسول اهلل " (.)1
وكذلك كان دأب الخلفاء إذا عرضت لهم نازلة :فإنهم أول ما ينظرون فيه
كتاب اهلل ،فإن لم يجدوا فيه حكماً قضوا بالسنة فإن لم يكن في القرآن والسنة حكم
في ذلك األمر ،اجتمعوا ونظروا في المسألة باالجتهاد الجماعي.
وعن شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه " :إذا أتاك أمر فاقض فيه بما في
كتاب اهلل ،فإن أتاك ما ليس في كتاب اهلل فاقض بما سن فيه رسول اهلل ،فإن أتاك
ما ليس في كتاب اهلل ،ولم يسن فيه رسول اهلل فاقض بما اجتمع عليه الناس إن
أتاك ما ليس في كتاب اهلل ولم يسنه رسول اهلل ولم يتكلم فيه أحد فأي األمرين شئت
فخذ به " (.)2
وعن عبيد اهلل بن أبي يزيد قال " :سمعت ابن عباس إذا سئل عن شيء ،فإن
كان في كتاب اهلل قال به ،فإن لم يكن في كتاب اهلل وكان عن رسول اهلل قال به،
فإن لم يكن في كتاب اهلل وال عن رسول اهلل ،وكان عن أبي بكر وعمر -رضي
اهلل عنهما -قال به ،فإن لم يكن في كتاب اهلل وال عن رسول اهلل وال عن أبي بكر
وال عن عمر اجتهد رأيه " (.)3
1
(?) أخرجه أحمد ( ،5/230 )22060وأبو داود في باب اجتهاد الرأي في القضاء (،3/303 )3592
والترمذي باب ما جاء في القاضي كيف يقضي ( 3/616 )1327وقال :وليس إسناده عندي بمتصل وصححه
ابن القيم وبسط القول فيه.
2
(?) أخرجه النسائي في سننه ( ،)5944والدارمي ( ،)167وابن أبي شيبة ( ،)7/241والبيهقي (،)10/110
وصححه الضياء في المختارة ( ،)133والحافظ في موافقة الخبر الخبر (.)1/120
3
(?) أخرجه الدارمي ( )166وابن شيبة ( ،)7/242وابن سعد في الطبقات ( ،)2/366والحاكم (،)1/127
والخطيب في الفقيه والمتفقه ( ،)2/202وجامع بيان العلم وفضله ( ،)2/849والبيهقي في السنن ()10/115
وصححه.
52
المطلب الرابع
ضوابط االجتهاد في النوازل
53
إن الذي ينظر في النوازل البد وأن يكون مسلحاً بشروط االجتهاد التي
ذكرناها سابقاً ،كما أنه البد وأن يكون مستحضراً لعدة أمور أخرى مثل :فهم واقع
المسألة ،و إعطاؤها حقها من االستيعاب واالستيضاح ،واالستعانة بأهل الخبرة
واالختصاص ،و فهم مقاصد الشريعة في النازلة ،وتحقيق المصالح التي ال تصدم
بالشرع ،ومبدأ رعاية الضرورات واألعذار وغير ذلك من القواعد والمبادئ...
إن هذه القواعد التي سنذكر بعضاً منها ستساعد المجتهد في الوصول للحكم
الصحيح للنازلة – بإذن اهلل وتوفيقه ،-وبالتالي نضمن فيما إذا التزم المجتهد بها أن
االجتهاد المعاصر يسير في الطريق الصحيح الذي رسمه اإلسالم لالجتهاد والفقه
والفتوى بعيداً عن الخطأ والزلل...
وفيما يلي أهم المعالم والضوابط لالجتهاد والنظر في النوازل المعاصرة :
-1جمع كل ما يتصل بالنازلة من أدلة وقرائن :
إذا وقعت حادثة أو نازلة جديدة :فعلى المجتهد إذا أراد النظر فيها أن
يستجمع كل ما يتعلق بها من :آيات قرآنية وأحاديث نبوية وآثار السلف ،وأوجه
القياس الممكنة ،ونواح لغوية ،ويبحث عن حكم القضية المستجدة في اجتهادات
األئمة وكتب الفقه القديمة.
يقول اإلمام الشافعي ..." :وال يكون ألحد أن يقيس حتى يكون عالماً بما
مضى قبله من السنن وأقاويل السلف وإ جماع الناس واختالف العلماء ولسان العرب
ويكون صحيح العقل ليفرق بين المشتبهات ،وال يعجل ،وال يمتنع من االستماع ممن
خالفه ليتنبه بذلك على غفلة إن كانت ،وأن يبلغ غاية جهده ،وينصف من نفسه حتى
يعرف من أين قال ما قال.)1( "...
وقال علي بن الحسن بن شقيق سمعت عبداهلل بن المبارك ُيسأل :متى يسع
الرجل أن يفتي؟ ،قال :إذا كان عالماً باألثر بصيراً بالرأي " (.)2
54
بالماضي " قال ابن عبد البر " :ال يكون فقيهاً في الحادث ما لم يكن عالماً
(.)1
وكم من المس ائل والقض ايا يظنها الب احث جدي دة حادثة فت بين بعد البحث
والتنقيب أنها ليست كذلك.
-2استفراغ الوسع :
فال اجتهاد في أي قضية من القضايا إال بعد استفراغ الوسع :وذلك بأن يبذل
مظانها وبيان منزلتها،
المجتهد أقصى ما في وسعه في تتبع األدلة والبحث عنها في ّ
والموازنة بينها إذا تعارضت باالس تفادة مما وض عه علم اء األص ول من قواعد
التعادل والترجيح(.)2
والتس رع في إب داء الحكم وع دم التثبت وال تروي في النازلة مما يوقع المجتهد
في الخطأ.
وإ ذا كانت النازلة غامضة أو غير مفهومة أو لم يعلم الفقيه حكمها فإنه ال
يحل لـه التسرع في إبداء الرأي فيها ،بل البد من سؤال أقرانه وطلب مساعدتهم
للوصول إلى الحق ،ومتى أقدم على الفتوى وهو غير عالم فقد تعرض لعقوبة اهلل
حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن واإلثم ودخل تحت قوله تعالى :إنما ّ
والبغي بغير الحق ،وأن تشركوا باهلل ما لم ينزل به سلطاناً ،وأن تقولوا على اهلل ما
ال تعلمون [ األعراف.]33:
وعن أبي هريرة قال النبي " :من أفتى بغير علم فإن إثمه على من أفتاه
" ( ،)3وعن ابن عباس قال " :من أفتى بفتيا وهو يعمى عنها كان إثمها عليه " (.)4
إن الفتاوى تختلف في وزنها فمنها ما ال يحتاج إال قليل من التدبر ،وهي
الفتاوى المطروقة الممهدة السبيل ،التي أدلتها واضحة جلية يقع عليها النظر بمجرد
55
البحث عنها ،ومنها ما يحتاج إلى تدقيق نظر وعمق بحث :ألنها تتطلب وقتاً ،كما
عرض لإلمام مالك – رحمه اهلل – فإنه روي أنه قال :إني ألفكر في مسألة بضع
عشرة سنة فما اتفق لي رأي إلى اآلن(.)1
والمالَ َحظ إذا توقف اإلمام مالك وهو من هو في علمه وبعد نظره وسعة ُ
مداركه:
قال عبد الرحمن بن مهدي :جاء رجل إلى مالك :فسأله عن شيء فمكث أياماً
ما يجيبه ،فقال :يا أبا عبداهلل إني أريد الخروج ،فأطرق طويالً ورفع رأسه فقال :ما
شاء اهلل ! ،يا هذا إني أتكلم فيما احتسب فيه الخير ولست أحسن مسألتك هذه(،)2
وقال ابن وهب :سمعت مالكاً يقول :العجلة في الفتوى نوع من الجهل والخرق(.)3
-3التزام النصوص وعدم االجتهاد في المسائل القطعية= :
فعلى المجتهد في القضايا المستجدة االلتزام بما تدل عليه النصوص الشرعية
بحسب داللتها مباشرة أو بحسب ظواهرها العامة – أي بنصها أو ظاهرها : -
فإن أول ما يجب البحث فيه عن حكم المسألة هو في النصوص من كتاب أو
سنة ،كما كان يفعل الصحابة الكرام في اجتهادهم بعد النبي صلى اهلل عليه وآله
()4
وسلم.
فال يجوز فتح باب االجتهاد في حكم ثبت بداللة القرآن القاطعة ،مثل فرضية
الصيام على األمة ،أو تحريم الخمر ،أو لحم الخنزير ،أو أكل الربا ،أو إيجاب قطع
يد السارق إذا انتفت الشبهات واستوفيت الشروط ،ومثل توزيع تركة األب الميت
بين أوالده للذكر مثل حظ األنثيين ،ونحو ذلك من أحكام القرآن والسنة اليقينية ،التي
أجمعت عليها األمة ،وأصبحت معلومة من الدين بالضرورة ،وصارت هي عماد
الوحدة الفكرية والسلوكية لألمة.
56
ومقتضى هذا أال ننساق وراء المتالعبين الذين يريدون تحويل محكمات
النصوص إلى متشابهات ،وقطعيات األحكام إلى ظنيات ،قابلة لألخذ والرد،
واإلرخاء والشد...
يجب أن نذكر أن مجال االجتهاد هو األحكام الظنية الدليل ،أما ما كان دليله
قطعياً فال سبيل إلى االجتهاد فيه( ،)1ويجب تطبيق الحكم الوارد فيه دون تردد...
-4مراعاة األعراف والعادات :
الع==رف :هو ما اعت اده الن اس ،وس اروا علي ه ،من كل فعل ش اع بينهم ،أو لفظ
تعارفوا إطالقه على معنى خاص ال تألفه اللغة ،وال يتبادر غيره عند سماعه ،وهذا
يشمل العرف العملي والعرف القولي.
والشارع الحكيم راعى الصحيح من عرف العرب في التشريع ففرض الدية
على العاقلة ،وشرط الكفاءة في الزواج ،واعتبر العصبية في الوالية واإلرث،
والعرف حجة في الشريعة ،فتفهم النصوص الشرعية من القرآن والسنة بداللة
العرف القائم حين ورود النص ،وال يلتفت لتبدل األعراف ،ويخصص النص عند
الحنفية والمالكية بالعرف العام العملي ،فال تلزم المرأة الشريفة القدر بإرضاع
البر ،كما يخصص القياس ،ويترك ولدها ،ويقصد بالطعام الذي يحرم في الربا ُ
النص المذهبي بالعرف الخاص المعارض له ،فيحكم بطهارة خرء الحمام في
()2
المسجد ،وتصح اإلجارة المشروطة بشرط متعارف عليه...
ولهذا قال العلماء :العادة محكمة ،والثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي ،وقالوا
أيضاً :كل ما ورد به الشرع مطلقاً وال ضابط له فيه وال في اللغة يرجع فيه إلى
العرف( ،)3واإلمام مالك بنى كثيراً من أحكامه على عمل أهل المدينة ،والشافعي لما
نزل بمصر غير بعض األحكام التي كان قد ذهب إليها وهو في العراق لتغير
العرف وأصبح معروفاً في المذهب الشافعي :قال الشافعي في القديم وقال الشافعي
57
في الجديد ،...وفي فقه الحنفية أحكام كثيرة مبنية على العرف منها :إذا اختلف
المتداعيان وال بينة ألحدهما فالقول لمن يشهد له العرف(.)1
فعلينا ونحن نجتهد أن نعترف بما طرأ على حياتنا من تغيرات في األفكار
واألعراف والعالقات والسلوك ،وأن نقدر ظروف العصر وضروراته ،وما عمت
به البلوى ،وأن نطبِّق على الواقع ما قرره علماؤنا من تغير الفتوى بتغير الزمان
والمكان والعرف والحال(.)2
ورحم اهلل ابن أبي زيد القيرواني صاحب " الرسالة " المشهورة في الفقه
المالكي ,حيث كان يسكن في أطراف المدينة ،فاتخذ كلباًَ للحراسة فقيل لـه :كيف
تفعل ذلك ومالك يكرهه؟ فقال :لو كان مالك في زماننا التخذ أسداً ضارياً !(.)3
يقول ابن القيم الجوزية " :تتغير الفتوى لتغير العرف والعادة " (.)4
ثم نقل رحمه اهلل قول المالكية في العرف حيث قال " :قالوا :وعلى هذا أبداً
تجيء الفتاوى في طول األيام ،فمهما تجدد في العرف فاعتبره ومهما سقط فألغه
وال تجمد على المنقول في الكتب طول عمرك ،بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك
يستفتيك فال تجره على عرف بلدك ،وسله عن عرف بلده فأجره عليه وأفته به ،دون
عرف بلدك المذكور في كتبك ،قالوا :فهذا هو الحق الواضح والجمود على
المنقوالت أبداً ضالل في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين،
قالوا :وعلى هذه القاعدة تخرج أيمان الطالق والعتاق وصيغ الصرائح والكنايات،
فقد يصير الصحيح كناية يفتقر إلى النية ،وقد تصير الكناية صريحاً تستغني عن
النية...
ثم عقب ابن القيم على هذا بما يلي " :وهذا محض الفقه ،ومن أفتى الناس
بمجرد المنقول في الكتب على اختالف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم
وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل وكانت جنايته على الدين أعظم من طبب
58
الناس كلهم على اختالف بالدهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من
كتب الطب على أبدانهم ،بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضر ما على
أديان الناس وأبدانهم واهلل المستعان(.)1
-5مراعاة الضرورة أو الحاجة :
ولقد عرف العلماء الضرورة " :ما يترتب على عدم مراعاتها خطر أو
ضرر شديد محقق كالموت جوعاً ".
أما الحاجة " :فهي ما يترتب على تركها مشقة وحرج أو عسر وصعوبة ".
من أهم المبادئ التي تقوم عليها الشريعة اإلسالمية والتي ينبغي للمجتهد في
النوازل مراعاتها واالهتمام بها :موضوع الضرورات والحاجة والظروف
االستثنائية التي قد تعترض الناس في حياتهم اليومية ،وقد شرعت الشريعة
اإلسالمية أحكاماً استثنائية مناسبة لتلك الحاالت وفقاً التجاه الشريعة العام في
التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم ،ولكونها شريعة تهتم بالواقع البشري.
ولقد استثنت حاالت الضرورة في كثير من تشريعاتها ،حتى يبقى المكلف
دائماً داخل إطار الشريعة في كل أعماله(.)2
ومن األدلة على مراعاة الشريعة للضرورة قوله تعالى :فمن اضطر غير
باغ وال عاد فال إثم عليه إن اهلل غفور رحيم [ البقرة.]173 :
وقولـه سبحانه :وقد فصل لكم ما حرم عليكم إال ما اضطررتم إليه
[األنعام.]119 :
وعن سمرة بن جندب قال " :يجزئ من الضرورة صبوح أو غبوق "
(.)3
59
يقول شيخ اإلسالم ابن تميمة " :ومن استقرأ الشريعة في مواردها
ومصادرها وجدها مبنية على قوله تعالى :فمن اضطر غير باغ وال عاد فال إثم
عليه [ البقرة ،]173 :و قوله :فمن اضطر في مخمصة غير متجانف إلثم فإن اهلل
غفور رحيم [ المائدة ،]3 :فكل ما احتاج الناس إليه في معاشهم ولم يكن سببه
معصية وهي ترك واجب أو فعل محرم – لم يحرم عليهم ألنهم في معنى المضطر
الذي ليس بباغ و ال عاد " (.)1
القاعدة الفقهية المقررة تقول " :الضرورات تبيح المحظورات" (.)2
وتطبيق ات الض رورة أو الحاجة من الن وازل والفت اوي كث يرة فيما يلي بعض
األمثلة عنها:
-تناول بعض المآكل أو المشارب المحظورة إلنقاذ النفس من الهالك أو
الموت جوعاً ،فيباح تناول شيء من الميتة أو الخنزير أو الخمر ،أو أخذ
مال شخص آخر غير مضطر مثله ،لدفع خطر الهالك ،إما محققاً ،أو بظن
غالب ،أو الوقوع في وهن ال يحتمل.
-كشف العورات أمام الطبيب للعالج والمداواة.
-كما يباح النظر لوجه المرأة للمعاملة واإلشهاد والخطبة والتعليم ونحوها،
للحاجة لذلك ،ولكن بقدر الحاجة في كل ما ذكر ،ألن (الضرورة أو الحاجة
تقدر بقدرها)(.)3
-6مراعاة تحقيق مصالح الناس :
الشريعة اإلسالمية التي خصها اهلل بالعموم لجميع الناس في كل زمان ومكان
وجعلها خاتمة الشرائع السماوية يرى الباحث في أحكامها أنها تساير وتراعي
مصالح الناس وتهدف إلى تحقيق هذه المصالح :ومن مظاهر هذا األمر تدرجها في
تشريع األحكام ،ووجود النسخ في عصر الرسالة ،فقد يشرع الشارع حكماً لمالءمته
60
للناس وقت التشريع أو لمقصد خاص ثم تزول مالءمته أو ينتهي الغرض المقصود
منه( ،)1فينسخ ذلك الحكم بحكم آخر.
يقول تعالى :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها [ البقرة:
.]106
ومعنى هذا أن اهلل سبحانه وتعالى قد شرع بعض األحكام ثم أبطلها ونسخها
لما اقتضت المصلحة ذلك.
أما بعد عصر النبوة فإن التشريع جاء ليراعي مصالح الناس ألن أحكامه
شرعت لعلل وحكم صرحت النصوص ببعضها وهذا التعليل يفيد أن الحكم يدور مع
علته وجوداً وعدماً ،فإذا كانت المصلحة التي شرع لها الحكم دائمة ال تتغير فال
يتغير الحكم أبداً لعدم وجود ما يقضي التغيير ،وإ ذا ثبت أنها تتغير تبعاً لتغير
الظروف واألحوال تغير الحكم معها وإ ال لم تكن فائدة من شرعيته.
ومن هنا منع عمر بن الخطاب سهم المؤلفة قلوبهم بعد أن كان رسول اهلل
يعطيهم لما زال السبب(.)2
ولتحقيق مصالح الناس اختلف أسلوب التشريع ففي األشياء التي ال تتغير
مصالحها فصلها وبينها أجلى بيان كالعبادات وبعض األنظمة المتعلقة باألسرة من
زواج وطالق وميراث كما حدد عقوبات لبعض الجنايات التي ال تتغير مفسدتها
على مر األيام :كالقتل والزنا والسرقة وقطع الطريق والقذف.
أما األشياء التي تتغير مصالحها أو تختلف باختالف األزمان كالمعامالت،
وما يتعلق بالنظام االجتماعي أتى التشريع على صفة قواعد عامة صالحة للتطبيق
ليطبقها المجتهدون وأولو األمر حسبما تقتضيه مصالح الناس(.)3
لذا البد على الفقيه النوازلي أن يراعي مصلحة الناس في اجتهاده في النوازل
لكن شرط أن ال تتعارض مصلحتهم مع أصل شرعي أو قاعدة محكمة.
)?(1راجع :المدخل في الفقه اإلسالمي :د .محمد مصطفى شلبي ،ص 89وما بعدها.
)?(2مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية .33/94
)?( 3أنظر المدخل إلى الفقه اإلسالمي :محمود محمد الطنطاوي ص ،51والمدخل في الفقه اإلسالمي :د .محمد
مصطفى شلبي ص.94 – 91
61
وقد ألف العلماء قديماً وحديثاً كتباً كثيرة تبين ضوابط العمل بالمصلحة البد
من مراجعتها واالستفادة منها(.)1
يقول ابن القيم " :إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في
المعاش والمعاد وهي عدل كلها ،ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة
خرجت عن العدل إلى الجور ،وعن الرحمة إلى ضررها وعن المصلحة إلى
المفسدة ،وعن الحكمة إلى العبث فهي ليست من الشريعة.)2( "...
62
األولى ،كما رأينا ذلك فيما اقتبسه المسلمون في العصور الذهبية من األمم
األخرى(.)1
-8الحذر من الوقوع تحت ضغط الواقع :
ففي الوقت الذي ندعو فيه إلى مراعاة أحوال التطور وروح العصر
والترحيب بالجديد النافع فإنه ينبغي أن نحذر من الوقوع تحت ضغط الواقع القائم
في مجتمعاتنا المعاصرة وهو واقع لم يصنعه اإلسالم بعقيدته وشريعته وأخالقه،
ولم يصنعه المسلمون بإرادتهم وعقولهم وأيديهم ،إنما هو واقع صنع لهم ،وفرض
عليهم ،في زمن غفلة وضعف وتفكك منهم ،وزمن قوة ويقظة وتمكن من عدوهم
المستعمر ،فلم يملكوا أيامها أن يغيروه أو يتخلصوا منه ،ثم ورثه األبناء من اآلباء،
واألحفاد من األجداد ،وبقى األمر كما كان.
فليس معنى االجتهاد أن نحاول تبرير هذا الواقع على ما به ،وجر النصوص
من تالبيبها لتأييده ،وافتعال الفتاوى إلضفاء الشرعية على وجوده ،واالعتراف
بنسبه مع أنه دعي زنيم.
إن اهلل جعلنا أمة وسطاً لنكون شهداء على الناس ،ولم يرض لنا أن نكون ذيالً
لغيرنا من األمم ،فال يسوغ لنا أن نلغي تميزنا ونتبع سنن من قبلنا شبراً بشبر
وذراعاً بذراع.
وأدهى من ذلك أن نحاول تبرير هذا وتجويزه بأسانيد شرعية ،أي أننا نحاول
الخروج على الشرع بمستندات من الشرع! وهذا غير مقبول(.)2
63
المطلب الخامس
منهج دراسة القضايا الفقهية
بعد أن عرفنا الشروط التي يجب أن تتوفر فيمن يتصدى للحكم في القضايا
المستجدة :فيما يلي بيان للخطوات التي ينبغي أن يتبعها ذلك المتصدي ليكون حكمه
موفقاً للصواب بإذن اهلل تعالى(.)1
-1التجرد في دراسة النازلة ،واإلخالص هلل في ذلك :وأن يكون الهدف من وراء
انشغاله بتلك النازلة هو إرضاء اهلل تعالى أوالً وآخراً ،ليس من أجل فالن ،أو
لنصرة مذهب معين أو للوصول إلى مكانة أو رئاسة قال تعالى :وما أمروا إال
ليعبدوا اهلل مخلصين لـه الدين [ البينة ،]5 :يقول ابن القيم " :فأما النية فهي رأس
األمر وعموده وأساسه وأصله الذي عليه يبنى فإنها روح العمل وقائده وسائقه
1
(?) سيكون بحثي لهذا المنهج بشكل مختصر خشية التطويل ،ومن أراد التفصيل فعليه مراجعة المصادر التالية
( إعالم الموقعين البن القيم الجوزية ،265 – 4/157منهج معالجة القضايا المعاصرة في ضوء الفقه
اإلسالمي :د .محمد رواس قلعة جي ( مجلة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية العدد الخامس الصفحة ،)59
المعامالت المالية المعاصرة في الفقه اإلسالمي :د .محمد عثمان شبير ،ص.)40
64
والعمل تابع لها يبنى عليها يصح بصحتها ويفسد بفسادها وبها يستجلب التوفيق
وبعدمها يحصل الخذالن " (.)1
" -2على المجتهد إظهار االفتقار هلل تعالى ملهم الصواب :يقول ابن القيم:
ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه االفتقار الحقيقي ال
العلمي المجرد إلى ملهم الصواب ،ومعلم الخير وهادي القلوب :أن يلهمه الصواب
ويفتح لـه طريق السداد ،ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة ،فمتى
قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق ،)2( "...وكان سعيد بن المسيب ال يفتي فتيا إال
قال " :اللهم سلمني " (.)3
-3فقه حقيقة النازلة :وذلك بتصورها تصوراً واضحاً ،ألن الحكم على الشيء
فرع عن تصوره :وتحقق ذلك بثالثة أمور:
أ -جمع كل ما يتصل بالنازلة من أدلة وقرائن ،لتعرف حقيقتها وأقسامها
ونشأتها والظروف المحيطة بها..
ب -سؤال أهل االختصاص واالستعانة بهم في موضوع النازلة فإذا كانت
المسألة طبية فينبغي الرجوع لألطباء والمختصين وهكذا...
ج -تحليل القضية المركبة إلى عناصرها األساسية التي تتكون منها:
فعلى المجتهد أن يتأمل النازلة تأمالً شافياً حتى ولو بدت من أول وهلة أنها
سهلة ميسر الحكم فيها ،وذلك ألن التسرع في إبداء الحكم وعدم التثبت من النازلة
طويالً ،كثيراً ما يوقع المجتهد في الخطأ :فعن ابن عباس قال " :من أفتى بفتيا
وهو يعمى عنها كان إثمها عليه" (.)4
65
-4تكييف النازلة تكييفاً فقهياً :والمراد بالتكييف الفقهي للمسألة :تحريرها،
وتصورها التصور الكامل ،وتحرير األصل الذي تنتمي إليه( ،)1وهذا التكييف يفيد
في تحرير مسار البحث بتعيين مصادره المعينة في معرفة الحكم ،كما أنه يضيق
دائرة البحث في المصادر والمراجع الواسعة(.)2
-5عرض النازلة على المصادر الشرعية من الكتاب والسنة واإلجماع ،كما فعل
الصحابة والتابعين -رضي اهلل عنهم ،-وقد ال يجد الباحث نصاً صريحاً في
()3
المسألة ألنها نازلة ،ولكنه قد يجد داللة النصوص عليها بااللتزام أو التضمن...
-6عرض النازلة على أقوال الصحابة واجتهاداتهم= :فقد كان عمر ينظر في
كتاب اهلل وسنة رسول اهلل فإن لم يجد ،نظر في قضاء أبي بكر ،وكان التابعون
()4
ينظرون في اجتهادات الصحابة...
-7البحث في حكم النازلة في اجتهادات األئمة :قال ابن البر " :ال يكون فقيهاً في
الحادث ما لم يكن عالماً بالماضي " ( ،)5وللباحث حين إذن حاالن:
األولى :أن يجد نصها في النازلة ذاتها وذلك مثل بنوك الحليب ،فقد تكلم ابن
قدامه في المغني في كتاب الرضاع عن مسألة مشابهة جداً لهذه النازلة ،وكذلك
نازلة عقد التأمين فقد تكلم عليه ابن عابدين في معرض كالمه عن السوكرة .
الثانية أن ال يجد الباحث نصاً في النازلة بذاتها ولكنه يجد نصاً قريباً منها
فحينئذ يتمكن بواسطته من فهم النازلة ،أو يخرجها على مسألة من المسائل التي قد
تتفرع عنها فيسهل الحكم عليها(.)6
-8البحث في قرارات المجامع الفقهية= والندوات الفقهية المتخصصة :والتي
يصدر عنها قرارات وفتاوى فقهية تغني الباحث وترضيه.
معجم لغة الفقهاء :محمد رواس قلعه جي ود .حامد قنيبي ،ص.143 )?(1
مقدمة في فقه النوازل :د.ناصر العمر (.)www.almoslim.net )?(2
انظر المعامالت المالية المعاصرة ،ص.40 )?(3
إعالم الموقعين .4/119 )?(4
جامع بيان العلم وفضله (.)2/47 )?(5
مقدمة في فقه النوازل :د .ناصر العمر (.)www.almoslim.net )?(6
66
-9البحث في الرسائل العلمية المتخصصة كرسائل الدكتوراه والماجستير في
علوم الشريعة وخاصة فيما يتعلق بالنوازل المعاصرة.
-10إذا لم يجد الباحث حكماً للنازلة فيما سبق من خطوات فإنه يعيد النظر في
النازلة ،ثم يفترض فيها أقسام الحكم التكليفي من وجوب أو ندب أو إباحة أو تحريم.
ويبحث في كل افتراض ما يترتب عليه مصالح ومفاسد ويوازن بينهما
مراعياً عند إجراء تلك الموازنة القواعد التالية:
-1عدم مصادمة النصوص الشرعية.
-2اعتبار مقاصد الشريعة اإلسالمية.
-3درء المفاسد مقدم على جلب المصالح عند التعارض.
-4الضرورات تبيح المحظورات.
-5الضرورة تقدر بقدرها.
-6رفع الحرج.
-11وإ ذا لم يتوصل الباحث إلى حكم شرعي في النازلة توقف فيها لعل اهلل يهيئ
من العلماء من يتصدى لإلفتاء فيها(.)1
1
(?) انظر :المعامالت المعاصرة في الفقه اإلسالمي ص ،46 – 44مقدمة في فقه النوازل :د .ناصر العمر
(.)www.almoslim.net
67
المبحث الخامس
االجتهاد الجماعي في القضايا المعاصرة
المطلب األول
تعريف االجتهاد الجماعي
االجتهاد الفردي :أن يبذل أحد المجتهدين غاية وسعه في استنباط حكم
شرعي من أدلته في مسألة من المسائل ،أما االجتهاد الجماعي فهو " :اتفاق أكثر
من مجتهد بعد تشاور بينهم على حكم شرعي مع بذلهم غاية وسعهم في استنباطه
من أدلته" (.)1
وقال الدكتور شعبان محمد إسماعيل في تعريف االجتهاد الجماعي " :وهو
الذي يتشاور فيه أهل العلم في القضايا المطروحة ،وخصوصاً فيما يكون لـه طابع
العموم يهم جمهور الناس " (.)2
ولقد كان االجتهاد الجماعي معروفاً عند الصحابة فقد كانوا إذا نزلت بهم
نازلة اجتمع أهل العلم والرأي منهم وتشاوروا في حكم تلك المسألة وغالباً ما كانوا
يتفقون على رأي واحد فيها واألمثلة على ذلك كثيرة.
1
(?) من كتاب خاص أصدرته جامعة اإلمارات العربية المتحدة بعنوان :االجتهاد الجماعي في العالم اإلسالمي
.1/31
2
(?) االجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية في تطبيقه :د .شعبان محمد إسماعيل ،ص.21
68
ثم اتسم االجتهاد بالطابع الفردي بعد أن كان شورى بين الصحابة :عن
ميمون بن مهران أنه قال :كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه الخصم :نظر في
كتاب اهلل فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به ،وإ ن لم يكن في الكتاب ،وعلم من
رسول اهلل في ذلك األمر سنة قضى بها ،فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال:
أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول اهلل قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه
النفر كلهم يذكر من رسول اهلل فيه قضاء ،فيقول أبو بكر :الحمد هلل الذي جعل
فينا من يحفظ عن نبينا ،فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول اهلل :جمع رؤوس
الناس وخيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به(.)1
ومما يؤيد ويدلل على االجتهاد الجماعي ما روي عن علي بن أبي طالب
قال :قلت يا رسول اهلل :إن عرض لي أمر لم ينزل فيه قضاء في أمره وال سنة
كيف تأمرني؟ قال :تجعلونه شورى بين أهل الفقه والعابدين من المؤمنين ،وال
تقضي فيه برأيك خاصة " (.)2
وكان عمر بن الخطاب إذا لم يجد في المسألة كتاباً وال سنة وال قضاء من
أبي بكر دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر
قضى به(.)3
وقد حرص عمر على أن يكون هذا المنهج الجماعي في االجتهاد هو
األسلوب الذي ينبغي أن يسير عليه والة األمور في األقاليم :فقد كان يوصي والته
باتباع هذا األسلوب ومن ذلك ما قاله لشريح ،..وروى الدارمي عن المسيب بن
رافع قال :كانوا إذا نزلت بهم قضية ليس فيها من رسول اهلل أثر اجتمعوا لها
وأجمعوا فالحق فيما رأوا فالحق فيما رأوا " (.)4
)?( 1أخرجه الدارمي ( ،)161والبيهقي في السنن ( ،)10/114وابن عساكر 30/327ورجاله ثقات إال أنه
منقطع ،وميمون بن مهران لم يدرك أبا بكر.
)?( 2أخرجه الدارقطني في غرائب مالك والخطيب في كتاب الرواة عن مالك (لسان الميزان ،)3/78وفي الفقيه
والمتفقه ( ،)1/190وابن عيد البر في جامع بيان العلم وفضله ( ،)2/852وقال الدارقطني :ال يصح تفرد به
إبراهيم بن أبي الفياض عن سليمان ومن دون مالك ضعيف ،وقال الخطيب :ال يثبت عن مالك ،وقال ابن عبد
البر وابن القيم :فيه البرقي وسليمان بن الربيع ليسا بالقويين وال ممن يحتج بهما وال يعول عليهما.
)?( 3أخرجه البيهقي في المدخل (.)803
)?(4أخرجه الدارمي ( )115وفي إسناده هشيم وهو مدلس وقد عنعنه وبقية رجاله ثقات.
69
يقول اإلمام مالك رحمه اهلل :إن عمر بن الخطاب وعامة خيار الصحابة –
رضي اهلل عنهم -كانت ترد عليهم المسائل وهم خير القرن الذي بعث فيهم النبي
وكانوا يجمعون أصحاب النبي ويألون ثم حينئذ يفتون فيها بمعنى( )1أنه إذا
نزلت نازلة أو واقعة ليس عندهم فيها نص عن اهلل تعالى وال عن سنة رسول اهلل
عمال بقوله تعالى :وأمرهم شورى ً جمعوا لها الصحابة ثم جعلوها شورى بينهم
بينهم [ الشورى ،]38 :وقولـه سبحانه :وشاورهم في األمر [ آل عمران.]159 :
المطلب الثاني
أهمية االجتهاد الجماعي في هذا العصر
إذا كان االجتهاد -بصفة عامة – في هذا العصر ضرورة ملحة ،فإن
االجتهاد الجماعي أشد حاجة وأكثر إلحاحاً لألسباب التالية :
أوالً -االجتهاد الجماعي العالج المناسب للقضايا المعاصرة :
ظهرت في هذا العصر العديد من القضايا التي صاحبت النمو وتطوير
الحياة ،مثل التعامل مع المصارف ،والعقود االقتصادية الحديثة ،ومسائل التأمين
بأنواعه المختلفة ،وإ جراء العقود بوسائل االتصال الحديثة (اإلنترنت ،التلفون،
الفاكس .)...
ومثل مسائل التبرع باألعضاء ،وقتل الرحمة ،واالستنساخ ،والتجنس
بالجنسية األجنبية ،ومشاركة المرأة السياسية...
وغير ذلك من المسائل المستحدثة التي ال يكفي فيها االجتهاد الفردي ،بل البد
فيها من التشاور( )2والبحث العميق للوصول للحكم الصحيح فيها وذلك:
ألن هذه المستجدات تكون في الغالب قضايا عامة يهم تنظيمها كل المجتمع و
يمس أثرها كل فرد في عالقته باآلخرين ،والخطأ فيها يصيب أثره عموم الناس،
لذلك كان من األجدى أن يكون االجتهاد في مثل هذه القضايا جماعياً لما فيه من دقة
في البحث ،وشمول في النظر وتمحيص للرأي ،يتبلور ذلك من خالل اشتراك جمع
70
من العلماء في النقاش وتبادل اآلراء فيأتي حكمهم أكثر دقة في االستنباط وأكثر
قرباً للصواب من االجتهاد الفردي.
وألن الكث ير من ه ذه القض ايا المس تجدة قد يحيط بها الكث ير من المالبس ات
والتش عبات مما يجعل الق درة على فهم كل جوانبها ومتعلقاتها ال يكتمل إال أن يك ون
جماعي اً ،حيث يص عب على ف رد اس تيعاب كل ما تتطلبه تلك القض ايا من عل وم
ومعارف.
فاالجتهاد الجماعي هو األقدر على عالج قضايا األمة في زمن تعددت فيه
الخبرات وتشعبت فيه العلوم وتعقدت المعامالت أشد التعقيد ،وتغيرت التصورات
االجتماعية لألنظمة القانونية ،وأصبح الفقير مهما كان علمه وجودة قريحته ال مفر
لـه من االستعانة بذوي الخبرة واالختصاص في كل فن وفي كل علم( ،)1واالستعانة
بإخوانه من العلماء حتى في مجاله الشرعي فقد يتبدى لغيره ما يغيب عنه فيسترشد
بتلك اآلراء وتتالقح األفكار وتتجمع على رأي واحد صواب بإذن اهلل تعالى.
)?(1االجتهاد الجماعي في التشريع اإلسالمي :الزميل د .عبد المجيد السوسوة ،ص.88 – 87
)?(2سبق تخريج الحديث.
71
وهذا ما سار عليه الخلفاء والتابعون ...ومما ال شك فيه أن الشورى بين
العلماء في المسائل المستجدة يحقق فوائد كثيرة أهمها :تقريب وجهات النظر،
()1
وتقليل مساحة الخالف وتمحيص اآلراء و تالقح األفكار...
فالشورى فضيلة إنسانية ،والطريق الصحيح لمعرفة أصوب اآلراء،
والوصول إلى الحقيقة وجالء األمر ،ألن العقول كالمصابيح إذا اجتمعت ازداد
النور ووضح السبيل ،ومبدأ الشورى أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن يكون
نظاماً أساسياً للدولة إذ هو طابع أساسي للجماعة كلها(.)2
72
لتحقق اإلجماع شروط يقول بعض العلماء بعدم تحققها في هذا العصر :لذا
نرى أن االجتهاد الجماعي يعوض في التشريع ما قد يتعذر تحققه لغياب اإلجماع
واالجتهاد معاً ،وهو بذلك يعيد للفقه حيويته وقدرته على مواجهة المشكالت بحلول
شرعية صحيحة.
ويرى بعض المفكرين أن االجتهاد الجماعي يمكن أن يكون هو الجسر الذي
يوصل إلى اإلجماع التام ،وذلك أن الحكم الذي يتوصل إليه باالجتهاد الجماعي
يمكن عرضه على بقية العلماء المجتهدين فإن وافقوا عليه صراحة كان ذلك إجماعاً
صريحاً ،وإ ن سكتوا بعد علمهم كان إجماعاً سكوتياً(.)1
يقول الشيخ يوسف القرضاوي ..." :وإ ذا اتفق علماء مجمع على رأي في
مسألة من المسائل االجتهادية اعتبر هذا إجماعاً من مجتهدي العصر لـه حجيته
وإ لزامه " (.)2
)?(1االجتهاد الجماعي في التشريع اإلسالمي ص ،83فقه الشورى واالستشارة :توفيق الشاوي ص.186
)?(2االجتهاد في الشريعة اإلسالمية :د .يوسف القرضاوي ،ص.182
73
والسياسة والقانون والطب والتربية :وال يمكن لعالم الشرع المتخصص النظر فيها
لوحده :بل ال بد من النظر فيها من خالل كل العلوم المتصلة بتلك القضية وهذا
متعذر أن يقوم به فرد ألنه ليس باإلمكان أن يجمع شخص واحد بين معارف كثيرة
في آن واحد ،فكان البد من أن يكون االجتهاد في هذه القضايا من خالل مجموعة
من العلماء المتخصصين تتكامل فيهم المعارف والثقافة :فيكمل أعضاء المجلس
بعضهم بعضاً وبالتالي تحدث اإلحاطة التامة بالمسألة من جميع جوانبها ومالبساتها
ومتعلقاتها(.)1
74
المطلب الثالث
وتلبية لهذه الحاجة الماسة لالجتهاد الجماعي ظهر في عصرنا الحالي ما
عددا ال بأس به من العلماء يدرسون
يسمى بالمجامع الفقهية :وهي هيئات تجمع ً
القضايا والنوازل المطروحة وبعد البحث والتمحيص والتنقيب والمناقشة الجماعية
يتم إصدار الحكم الشرعي في تلك القضايا ،وفيما يلي نبذة مختصرة عن أهم هذه
المجامع:
-1مجمع البحوث اإلسالمية بمصر :
أنشئ مجمع البحوث اإلسالمية سنة 1961ليحل محل جماعة كبار العلماء
عضوا من كبار علماء اإلسالم
ً في مصر ويتألف من عدد ال يزيد على خمسين
يمثلون جميع المذاهب اإلسالمية ،ولهذا المجمع بحوثه الفقهية القيمة ،وهي تعد من
المراجع المهمة في القضايا الفقهية المعاصرة.
-2مجمع الفقه اإلسالمي الدولي بجدة :
لما انعقد مؤتمر القمة اإلسالمي الثالث بمكة المكرمة سنة 1401هـو أصدر
قراره التاريخي بإنشاء مجمع رسمي يطلق عليه" :مجمع الفقه اإلسالمي" يكون
أعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين البارزين في شتى مجاالت المعرفة الفقهية
والثقافية والعلمية من مختلف أنحاء العالم اإلسالمي لدراسة مشكالت الحياة
75
المعاصرة ،واالجتهاد فيها اجتهاداً أصيالً فعاالً يهدف إلى تقديم الحلول النابعة من
التراث اإلسالمي والمتفتحة على تطور الفكر اإلنساني.
ولقد انعقد المؤتمر التأسيسي للمجمع في مكة المكرمة في شعبان 1403هـو ولقد
نص على أن من األهداف التي أنشئ المجمع من أجلها:
-1بيان الحكم الشرعي في القضايا الطارئة التي ال نص فيها وال إجماع والتي
اختلفت فيها اآلراء ولم يتبين الوجه السديد الذي تطمئن إليه النفوس ويمكن
اعتماده بشأنها.
-2شد األمة اإلسالمية إلى شريعتها السمحة وتمكينها من حل مشاكلها عن
طريق المنهج الجيد للفقه اإلسالمي واالستخدام الصحيح لقواعده
والخضوع في ذلك كله ألسرار التشريع اإلسالمي ومقاصده.
-3جمع كلمة األمة اإلسالمية باالهتمام بمشاكلها وتدبر أحوالها ودراسة
أوضاعها وفحص قضاياها ،قصد إيجاد الحلول المناسبة لها عن طريق
االجتهاد الجماعي :في مجمع فقهي يضم علماء ومجتهدين من مختلف
األقطار اإلسالمية كما يضم أصحاب االختصاص والخبرة الذين يدعون
للمشاركة في كل دورة أو ندوة.
-3المجمع الفقهي اإلسالمي التابع لرابطة العالم اإلسالمي بمكة المكرمة :
أوصت األمانة العامة لرابطة العالم اإلسالمي في عام 1383هـو بإنشاء
هيئة فقهية تضم جماعة من العلماء والفقهاء المحققين الجديرين باإلفتاء ،من مختلف
أنحاء العالم اإلسالمي ،يتولون دراسة أمور واقع األمة اإلسالمية والمشكالت
الطارئة التي تواجهها في أمور حياتها وإ يجاد الحلول الصحيحة على أساس كتاب
اهلل العزيز والسنة النبوية المطهرة واإلجماع وبقية المصادر المعتمدة في الفقه
والتشريع اإلسالمي العظيم.
ومن األهداف التي أنشئ من أجلها المجمع الفقهي برابطة العالم اإلسالمي ما
يلي:
-1إحياء التراث الفقهي ونشره.
76
-2إبراز تفوق الفقه اإلسالمي على جميع القوانين الوضعية المنتشرة في
العالم.
-3دراسة جميع ما يواجه الع الم اإلس المي من مس ائل مس تجدة وبي ان حكم
الشريعة فيها على هدي الكتاب والسنة واإلجماع والقياس.
عددا ال بأس به من الدورات التي درس فيها
ولقد عقد مجلس المجمع ً
()1
موضوعات كثيرة أصدر بعد إتمام دراستها القرارات والفتاوى المناسبة لها .
-4هيئة كبار العلماء بالرياض :
أنشأت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بأمر ملكي عام 1391
هـ :وتفرعت عن هذه الهيئة لجنة دائمة للبحوث والفتوى في الشؤون الفردية ،ومن
مهمتها أيضاً اإلجابة عن أسئلة المستفتين في شؤون العقائد والعبادات والمعامالت
الشخصية ،وتصدر األمانة العامة لهيئة كبار العلماء " مجلة البحوث اإلسالمية "
التي تحوي بحوثاً فقهية ّقيمة.
-5مجلس الفكر اإلسالمي بباكستان :
وهذا المجلس ذو مكانة عالية في باكستان وسلطاته واسعة في إصدار
القوانين ومراجعتها وتعديلها بما يتواءم مع أحكام الشريعة اإلسالمية ،ولقد أنجز
المجلس منذ تأسيسه عام 1973م أبحاثاً جليلة في مسائل ونوازل شتى.
-6مجمع الفقه اإلسالمي بالهند :
مؤسسة علمية إسالمية أسسها القاضي مجاهد اإلسالم القاسمي ،تقوم بخدمات
جليلة في مجال معالجة القضايا المعاصرة وتقديم حلولها الشرعية في ضوء الكتاب
والسنة ،من أهم أنشطتها :الندوات الفقهية ،ترجمة أوردوية للموسوعة الفقهية
الكويتية ،ولقد استكمل المجمع عقد ثالثة عشر ندوة تم مناقشة أربعين موضوعاً
متعلقاً بالقضايا المستجدة(.)2
)?(1انظر قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم اإلسالمي فأبحاثهم نفيسة ومفيدة.
)?(2راجع موقع المجلس على اإلنترنت. /http://ifa-india.org :
77
المبحث السادس
مصادر القضايا الفقهية المعاصرة
المطلب األول
أهم الكتب التي تعرضت " للقضايا الفقهية المعاصرة "
فيما يلي ثبت ش امل ألهم الكتب والمص نفات القديمة والحديثة في موض وع
القض ايا الفقهية المعاص رة ،وال ن دعي أنها احت وت فقط ن وازل ومش كالت حديثة بل
لقد شملت إجابات عن أسئلة متكررة الحدوث وأخرى تقع ألول مرة فاجتهد العلماء
أصحاب هذه الكتب في الرد عليها.
ونبدأ بعرض مجموعة كبيرة من الكتب التي عنونت لهذا العلم بفقه النوازل
وهي كلها لمؤلفين ينتسبون للمذهب المالكي ولمنطقة المغرب العربي واألندلس
بصفة خاصة ،ومن ثم نذكر بقية الكتب المؤلفة عند المذاهب الفقهية األخرى:
أوال :كتب المالكية القديمة :
ً
-1اإلعالم بنوازل األحكام :عيسى بن سهل أبي األصبغ الجياني قاضي طنجة
ومكناس وغرناطة (ت 486هـ).
-2نوازل األحكام( :فتاوى أبي مطرف) :عبد الرحمن بن قاسم ( 497هـ).
-3معين الحكام في نوازل القضايا واألحكام :إلبراهيم بن حسن المكنى بابن عبد
الرفيع ( 513هـ).
-4فتاوى ابن رشد ( 520هـ) – مطبوع .-
-5نوازل ابن الحاج :محمد بن أحمد بن خلف ( 529هـ).
78
-6مذاهب الحكام في نوازل األحكام :القاضي عياض اليحصبي ( 544هـ) .
-7مفيد الحكام فيما يعرض لهم من نوازل األحكام :ألبي الوليد بن هشام األزدي (
606هـ).
-8نوازل أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن القباب قاضي جبل طارق ( 799هـ).
-9فتاوي ابن لب :فرج بن قاسم الغرناطي ( 782هـ).
-10الفتاوى :اإلمام أبو اسحق إبراهيم الشاطبي (ت 790هـ) – مطبوع .-
– 11الدرة المكنونة في نوازل مازونة :ليحيى بن أحمد المغيلي المازوني (
883هـ) .
-12جامع مسائل األحكام مما نزل من القضايا بالمفتين والحكام :أحمد بن محمد
الشهير بالبرزلي ( 844هـ) .
-13نوازل إبراهيم بن هالل الزلماطي مفتي سلجماسة ( 903هـ).
-14المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل أفريقية واألندلس البن
العباس أحمد ابن يحيى الونشريسي ( 914هـ) (طبع وزارة األوقاف
المغربية).
-15نوازل عيسى بن عبد الرحمن السجستاني ( 1062هـ) .
-16النوازل الكبرى :لعبد القادر بن علي الفاسي الفهري (ت 1091هـ) طبعت
بفاس طبعة حجرية وسميت باألجوبة.
-17نوازل لمحمد التاودي بن الطالب بن سودة :جمعها ولده القاضي أبو العباس:
طبعت طبعة حجرية بفاس عام 1301هـ ومعها النوازل الصغرى للشيخ عبد
القادر بن علي الفاسي.
-18نوازل محمد بن أحمد المنساوي الدالئي (ت 1136هـ) جمعها تلميذه محمد
بن الخياط الدكالي.
-19نوازل أحمد الشدادي القاضي النوازلي (ت 1146هـ).
-20نوازل محمد بن محمد الورزازي ( 1176هـ) .
79
-21مواهب ذي اإلجالل في نوازل البالد السائبة والجبال :لمحمد بن عبد اهلل بن
عبد الرحمن الكيكي (1185هـ).
-22نوازل العربي بن محمد الهاشمي العزوزي الزرهوني (ت 1260هـ).
-23نوازل :لمحمد بن محمد التامرادي (1285هـ).
نوازل عمر عبد القادر الرندي (ت 1290هـ). -24
الفتح العلي المالك :الشيخ عليش ( 1299هـ) – مطبوع .- -25
نوازل أبي الحسن علي بن عيسى بن علي بن أحمد الشريف العلمي مطبوع -26
طبعة حجرية.
النوازل الجديدة الكبرى في أجوبة أهل فاس وغيرهم من أهل المدن الكبرى: -27
المهدي ابن محمد الوزاني (ت 1342هـ).
النوازل :للمهدي بن محمد الوزاني (ت 1342هـ) جمع فيه فتاوى المتأخرين -28
من علماء المغرب كالشيخ التاودي والرهوني وآخرين ،حققه عمر بن عباد
في أحد عشر جزءاً.
نوازل عبد الصمد بن التهامي بن المدني نزيل طنجة (1352هـ). -29
نوازل لمحمد بن أحمد العبادي قاضي الجماعة بمراكش. -30
نوازل محمد المختار بن األعمش الشنقيطي. -31
النوازل :للمكي بن عبداهلل البناني مفتي الرباط. -32
80
-5فتاوى قاضيخان :لإلمام فخر الدين حسن بن منصور األوزجندي الفرغاني (
295هـ) جاء في مقدمة الكتاب " :ذكر في هذا الكتاب جملة من المسائل التي
يغلب وقوعها وتمس الحاجة إليها وتدور عليها واقعات األمة ".
-6العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية :للشيخ العالمة محمد أمين أفندي
(دار المعرفة – بيروت).
-7الفتاوى الخيرية لنفع البرية على مذهب اإلمام أبي حنيفة إبراهيم بن سليمان
بن محمد بن عبد العزيز.
-8فتاوى النووي (المسمى بالمسائل المنثورة) :اإلمام أبو زكريا محيي الدين بن
شرف النووي.
-9الفتاوى الكبرى :ابن حجر الهيثمي ،بهامشه فتاوى العالمة شمس الدين
الرملي..
-10النتف في الفتاوى :لأبي الحسن علي بن محمد المسعودي ( 461هـ) تحقيق
صالح الدين الناهي (مؤسسة الرسالة :بيروت).
-11فتاوى ومسائل ابن الصالح :تحقيق عبد المعطي أمين قلعه جي (دار المعرفة:
بيروت).
-12فتاوى السبكي :أبو الحسين تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي( :دار
المعرفة :بيروت).
-13الحاوي للفتاوى :الحافظ جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي
(طبعت طبعات كثيرة متنوعة).
-14مطلع األنوار البهية ومنبع األسرار الفقهية :الشيخ محمد صالح بن محمد
الخزرجي الشافعي (1363هـ) -لجنة التراث و التاريخ بدولة اإلمارات.
-15الفتاوى الكبرى :اإلمام العالمة تقي الدين بن تيمية (طبعت طبعات كثيرة).
-16القواعد النورانية الفقهية :شيخ اإلسالم أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم ابن
تيمية (طبعت كثيراً).
81
-17االختيارات الفقهية من فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيميه :الشيخ عالء الدين أبو
الحسن علي بن محمد ابن عباس البعلي (مكتبة الرياض الحديثة).
-18الفتاوى السعدية :عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي.
82
-12فتاوى شرعية -دائرة األوقاف والشؤون اإلسالمية بدبي – إعداد قسم اإلفتاء
ط األولى .1418/97
-13من هدى اإلسالم :فتاوى معاصرة -د.يوسف القرضاوي – دار القلم:
الكويت ط الثالثة.
-14أنت تسأل واإلسالم يجيب -د.محمد سالم محيسن ،دار الجيل بيروت ط
األولى .1414
-15الفتاوى :كل ما هم المسلم في حياته ويومه وغده -الشيخ محمد متولي
الشعراوي ( -دار القلم).
-16فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين -إعداد و ترتيب :أشرف عبد المقصود
( -دار عالم الكتب بالرياض ط األولى .)1411
-17مجموعة رسائل :الشيخ عبد اهلل بن زيد آل حمود -رئيس المحاكم الشرعية
بقطر -نشرها زهير الشاويش -المكتب اإلسالمي.
-18من غريب ما سألوني -الشيخ عبد اهلل النوري ( -ذات السالسل :الكويت
.)1984
-19الفتاوى -اإلمام األكبر محمود شلتوت -الشروق ط السادسة عشرة
.1411/1991
-20المجموع المفيد من رسائل وفتاوى الشيخ سعد بن حمد بن عتيق -جمع
وترتيب :إسماعيل بن سعد بن عتيق -دار الهداية الرياض .1403
-21أنت تسأل واإلسالم يجيب – عبد اللطيف مشتهري – دار االعتصام ط الثانية
.1402/1982
-22أسئلة طال حولها الجدل -عبد الرحمن عبد الصمد – دار الفتح :الشارقة ط
األولى .1414
-23هداية الطريق من رسائل وفتاوى الشيخ حمد بن عتيق – تقديم إسماعيل بن
سعد بن عتيق – دار الهداية الرياض.
83
-24الفتاوى – اإلمام األكبر حسن مأمون – المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية
القاهرة .1389
-25بحوث فقهية في قضايا عصرية :صالح بن فوزان بن عبد اهلل الفوزان – دار
العصمة – النشرة األولى – 1415الرياض.
-26فقه النوازل -بكر أبو زيد( :مكتبة الرسالة :بيروت).
-27فتاوى إسالمية :الشيخ محمد بن عبد العزيز المسند( :دار الوطن الرياض).
-28مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (دار الثريا
الرياض).
-29رأي الدين بين السائل والمجيب :د.محمد البهي (دار الفكر).
-30فتاوى نور على الدرب :الشيخ صالح بن فوزان الفوزان (مكتبة ابن تيميه -
الكويت).
-31فتاوى وأحكام :د.محمد إبراهيم الحفناوي (دار الحديث:مصر).
-32اإلسالم والمشكالت السياسية المعاصرة :جمال الدين محمد محمود (دار
الكتاب المصري :القاهرة).
-33االقتصاد اإلسالمي والقضايا الفقهية المعاصرة :أ.د.علي أحمد السالوس (دار
الثقافة:الدوحة).
-34مجموعة بحوث فقهية معاصرة :د .عبد الكريم زيدان (مؤسسة الرسالة).
-35قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم اإلسالمي بمكة المكرمة.
-36أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة :د .محمد سليمان األشقر :دار
النفائس ط األولى.
-37بحوث في الفقه الطبي :د .عبد الستار أبو غدة :نشر دار األقصى ط األولى
.1411
-38فتاوى شرعية :إدارة األوقاف والبحوث :دبي ،مطبعة البيان ط األولى
.1418
84
-39قرارات وتوصيات مجمع الفقه اإلسالمي( :منظمة المؤتمر اإلسالمي) دار
القلم ط الثانية .1418
-40الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية :الشيخ الدكتور عبد اهلل بن عبد الرحمن
الجبرين :دار الصميعي ط األولى 1418جزءان.
-41الطبيب أدبه وفقهه :د .زهير السباعي ود .محمد علي البار دار القلم ط
الثانية .1418
-42قضايا فقهية معاصرة :د .محمد سعيد رمضان البوطي ،ط الخامسة 1414
– مكتبة الفارابي.
-43مسائل فكرية وفقهية :هشام البدراني ،دار البيارق ط األولى 1418هـ.
-44أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة :د .محمد نعيم ياسين ،دار النفائس ط
الثانية 1410هـ .ز
-45بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة :د.محمد سليمان األشقر وآخرون:
دار النفائس ط األولى 1418هـ.
-46المعامالت المالية المعاصرة:د .محمد عثمان شبير :دار النفائس ط األولى
1416هـ.
-47بحوث فقهية هامة :د.عبد العزيز الخياط دار السالم ط األولى 1406هـ.
-48األحكام السياسية لألقليات المسلمة في الفقه اإلسالمي :سليمان توبولياك -
دار النفائس ط األولى 1418هـ.
-49مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق :أسامة عمر سليمان األشقر -
دار النفائس – األردن 1420هـ – 2000م.
-50قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان الدين السنبهنلي دار القلم.
-51إتحاف السائل بما ورد من المسائل :محمد أديب كلكل ط األولى.
-52بحوث في قضايا فقهية معاصرة :محمد تقي العثماني :دار القلم.
-53بحوث فقهية معاصرة :د.إبراهيم فاضل الدبو دار عمار.
-54مع الناس :مشورات وفتاوى :د .محمد سعيد رمضان البوطي – دار الفكر –
دمشق -سورية ،الطبعة األولى 1999م.
85
-55حكم إجراء العقود بوسائط االتصال الحديثة :أ.د .وهبة الزحيلي ،دار
المكتبي -دمشق – الطبعة األولى 1420هـ 2000 /م.
-56العمليات االستشهادية في الميزان الفقهي :نواف هايل تكروري ،الطبعة
الثانية 1418هـ 1997 /م.
-57البطاقات البنكية :أ.د .عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان ،دار القلم – دمشق -
الطبعة األولى 1419هـ 1998 /م.
المطلب الثاني
المجالت المتخصصة= في الدراسات اإلسالمية وبأبحاث الفقه واالجتهاد
ح اولت أن أرصد جميع المجالت اإلس المية وال تي تهتم بالدراس ات الفقهية
وتجمع عن دي ه ذا الع دد ،وذك رت مع كل مجلة عنوانها ّ واألص ولية والش رعية
بالتفصيل لمن أراد المراسلة واالشتراك أو حتى الكتابة:
-1األحمدية :مجلة علمية دورية محكمة تعنى بالدراسات اإلسالمية وإ حياء
التراث.
دار البحوث للدراسات اإلسالمية وإ حياء التراث
ص.ب - 25171 :دبي – دولة اإلمارات العربية المتحدة
-2األزهر :مجلة شهرية جامعة :يصدرها مجمع البحوث اإلسالمية.
ت2638599 : إدارة األزهر – القاهرة
-3االقتصاد اإلسالمي :مجلة شهرية اقتصادية متخصصة يصدرها بنك دبي
اإلسالمي.
ص.ب - 12988 :دبي – دولة اإلمارات العربية المتحدة
-4آفاق اإلسالم :مجلة ثقافية علمية تبحث في جوهر الدين ومكونات نهضة
المسلمين.
تصدر عن الدار المتحدة للنشر والتوزيع
عمان :الصويفية -شارع التباشير -رقم 4
ص.ب5229 – 11118 :
86
-5التجديد :مجلة علمية نصف سنوية محكمة :تصدرها الجامعة اإلسالمية
العالمية بماليزيا.
Gombak , Selangor , Malaysia 53100
-6الحق :شريعة وقانون مجلة دورية محكمة تعنى بنشر الدراسات الشرعية
والقانونية ،تصدر عن جمعية الحقوقيين بدولة اإلمارات العربية المتحدة:
ص.ب – 2233 :الشارقة ،دولة اإلمارات العربية المتحدة
هاتف009716 – 5354888 :
-7منبر اإلسالم :يصدرها المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية بوزارة األوقاف
بمصر
9ش النباتات بجاردن سيتي – القاهرة
هاتف7958664 - 7958659 :
-8المجلة اإلسالمية :مجلة تعنى بالدراسات والبحوث اإلسالمية ،تصدرها رابطة
الجامعات اإلسالمية.
ص.ب – 242 :الرباط ،المملكة المغربية
-9مجلة البحوث اإلسالمية :مجلة دورية تصدر عن رئاسة إدارة البحوث العلمية
واإلفتاء :الرياض.
ص.ب – 22571 :الرياض – الرمز البريدي 11416
-10مجلة البحوث الفقهية= المعاصرة :مجلة علمية محكمة متخصصة في الفقه
اإلسالمي.
المملكة العربية السعودية
الرياض 11441 :هاتف4351872 :
-11مجلة جامعة أم القرى للبحوث العلمية المحكمة :
ص.ب 715 :مكة المكرمة ،المملكة العربية السعودية
-12مجلة جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية :مجلة علمية محكمة.
الرياض ،ص.ب18011 / 11415 :
87
الهاتف4358284 :
-13مجلة الشريعة والقانون :حولية محكمة تصدرها كلية الشريعة والقانون
بجامعة اإلمارات العربية المتحدة.
العين ص.ب 15551 :
هاتف643998 :
88
المراسالت على عنوان 3 :ش وزارة الزراعة – الدقي – القاهرة
المطلب الثالث
المواقع اإللكترونية المهتمة بفقه القضايا المعاصرة
لقد أص بح اإلن ترنت الوس يلة األك ثر اس تخداماً الي وم في جميع ج وانب الحي اة،
وذلك للسرعة في الحصول أو الوصول إلى أي معلومة وفي جميع التخصصات:
لذا اجتهدت في جمع عدد ال بأس به من المواقع اإلسالمية المهتمة بموضوع
النوازل والفتاوى والقضايا المعاصرة ،ولقد اخترت وانتقيت هذه المواقع من مئات
المواقع المتوفرة على شبكة اإلنترنت:
كما يجب أن نحذر المستفتي من أخذ الفتوى من موقع دون معرفة
المشرفين عليه والكاتبين فيه وعلى من يعتمد في الفتوى عندهم . .
-موقع الشيخ ابن باز – رحمه اهلل – http://www.binbaz.org.sa :
يحتوي الموقع على :جامع لفتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه اهلل
تعالى ،وعلى كتبه ورسائله ،ومشاركاته في برنامج الفتاوى الشهير " :نور على
الدرب ".
-موقع الشيخ ابن عثيمين – رحمه اهلل – :
http://www.binothaimeen.com
يحتوي الموقع على مجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه
اهلل ال تي وص لت إلى عش رين مجل داً يمكن تحميلها وتنزيلها من الموق ع ،إض افة إلى
حلقات برنامج " نور على الدرب " .
89
-موسوعة فتاوى األزهر http://www.elazhar.com/ftawa.htm :
تشمل أوالً :الفتاوى اإلسالمية من دار اإلفتاء المصرية منذ السابع من
جمادى اآلخرة 1313هجرية الموافق 21نوفمبر عام 1885ميالدية ،ثانياً:
الفتاوى األحكام لفضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى باألزهر الشريف،
ثالثاً :الجامع للفتاوى لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي :يمكن البحث في
نصوص الفتاوى كما يمكن تصفح محتوى موسوعة الفتاوى بترتيب األحكام
والموضوعات.
-موقع إسالم أون الين http://islamonline.net :
تشرف عليه هيئة علمية من كبار العلماء من مختلف أنحاء العالم اإلسالمي
برئاسة األستاذ الدكتور يوسف القرضاوي مهمتها ضمان عدم مخالفة ما ينشر في
هذا الموقع لثوابت الشريعة اإلسالمية ،باإلضافة إلى نخبة من الخبراء والمختصين
في السياسة واالقتصاد واإلعالم واالجتماع والتكنولوجيا والفنون وغيرها من
المجاالت.
يحتوي الموقع على :فتاوى مباشرة ،اسألوا أهل الذكر ،وبنك الفتوى.
-موقع الشؤون اإلسالمية بدبي :
http://www.godubai.com/awqaaf/fatawa.asp
ومما جاء في مقدمة موقعهم هذا :وإ نه بحمد اهلل تعالى قد من اهلل علينا في
دائرة األوقاف والشؤون اإلسالمية بثلة من هؤالء الفقهاء الحكماء العلماء تفخر بهم
األوقاف ،وتزهو بهم دولتنا الحبيبة ،لما هم عليه من مكانة في العلم والصالح
والسير على نهج السلف الصالح ،وإ ن من عطائهم اليوم ما يتمثل بين يديك أيها
تباعا إن شاء اهلل تعالى
ً القارئ الكريم من هذه الفتاوى النافعة التي سيتوالى نشرها
في هذه الصفحة .
-موقع فتوى أون الين http://www.fatwa-online.com :
وهو باللغة اإلنجليزية يعتمد فيه على فتاوى الشيخين :عبد العزيز بن باز
ومحمد بن صالح العثيمين رحمهما اهلل تعالى.
-موقع اإلسالمwww.al-islam.com :
90
يحوي الموقع القاموس اإلسالمي والفقه وأصول الفقه والفتاوى االقتصادية،
والزكاة لألفراد وخدمات أخرى نافعة.
-موقع وزارة الشؤون اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد بالمملكة العربية
السعوديةwww.islam.org.sa :
موقع جيد في كل ما يخص الشريعة اإلسالمية.
-موقع القرضاويwww.qaradawi.net :
فيه صفحة للفتاوى واألحكام في النوازل ،إضافة إلى أبحاث وكتب وخطب
الشيخ يوسف القرضاوي.
-وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بقطرwww.islam.gov.qa :
موقع جيد ومرجع في الفتاوى والقضايا الفقهية المعاصرة.
-موقع وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية – دولة الكويت:
www.awkaf.net
يقدم خدمة الفتوى الهاتفية وخدمات أخرى.
-موقع الموسوعة اإلسالمية المعاصرة http://www.islampedia.com :
يحتوى هذا الموقع على مكان للقضايا الفقهية المعاصرة :تجمع قرارات
المجامع الفقهية في المملكة العربية والسعودية وغيرها.
-موقع المنبر http://www.fatwanet.net :
المتميز ،لجمع واستيعاب الفتاوى الشرعية ّ ُأسِّس هذا الموقع العلمي
المطبوعة ألهل العلم المعتبرين من المتقدمين والمتأخرين ،وتلخيصها وفهرستها،
ويسد ثُلمةَ ف ْق ِد العلماء الربانيين ،وهو في
ُّ وتسهيل اإلفادة منها ،مما يعين المفتين
المعتمدة على األصول العلمية الصحيحة ،ويح ّذر من التقليد ِ ذلك ينتقي الفتاوى
األعمى ،ويحارب التعصب المذهبي ،ويدعو إلى األخذ بما ترجح دليله وبانت
حجته.
-شبكة الفتوى الشرعية http://www.islamic-fatwa.net :
91
يجيب على األسئلة فضيلة الشيخ :أ.د أحمد الحجي الكردي ،خبير في
الموسوعة الفقهية ،وعضو هيئة اإلفتاء في دولة الكويت.
الفصـل الثانـي
92
93
المبحث األول
94
بعد غروب الشمس للتثبت من بعض مناسباتهم الدينية :فبعضهم قد يوفق في رؤية
الهالل ،بينما يشتبه اآلخرون فيتوهمون رؤيته ،ومنهم من ال يتمكن من رؤيته البتة،
وبذلك قد يحصل االختالف بين األقطار العربية واإلسالمية في تعيين موعد إقامة
الشعائر الدينية.
والبد من اإلشارة هنا إلى أن اعتماد بداية الشهور القمرية على رؤية الهالل
هو أمر استقر عليه العرب قبل اإلسالم ،وكانت القبائل العربية تعنى بالرؤية من
أجل تحديد األشهر الحرم في أوقات الخصومات والحروب المستعمرة بينهم ،ومن
أجل مواسم الحج ،ولم نقرأ وكذلك لم نسمع بوسيلة أخرى أو معيار آخر لتحديد
بداية الشهر العربي ،وال يعقل أن تكون لهم غير هذه الوسيلة الواضحة.
ولقد برز من الفلكيين المسلمين الذين تطرقوا إلى موضوع استخدام الحساب
الفلكي لتحديد أوائل الشهور الهجرية العديد من العلماء ،أشهرهم "البتاني" – 850
929م ،و"البيروني" 1048 – 973م ،و"نصير الدين الطوسي" – 1258
1274م ،وفي القرن الماضي قام اللواء المصري "محمد مختار باشا" – 1846
1897م بتأليف كتابه القيِّم " التوفيقات اإللهامية في مقارنة التواريخ الهجرية
بالسنين اإلفرنجية والقبطية من سنة 1إلى سنة 1500هجرية ".
وقد قام الدكتور" محمد عمارة " بدراسة وتحقيق وتكملة هذا الكتاب ،وتم نشر
الطبعة األولى منه عام 1400هـ 1980 -م ،عن طريق المؤسسة العربية
للدراسات والنشر في مجلدين.
أما في السنوات األخيرة ،فقد برز اهتمام المسلمين بالموضوع ،ولعل السبب
هو تطور طرق المواصالت واالتصاالت بين أرجاء العالم اإلسالمي المختلفة ،في
حين ال زال المسلمون يختلفون في أوقات أعيادهم وحتى في الدول المتجاورة مما
ال يمكن تفسيره !
لكن اليوم مع التقدم العلمي الكبير الحاصل ،وبخاصة في مجال علوم الحساب
والفلك ولشدة دقتها :فهل يجوز االعتماد واألخذ بالحساب الفلكي لتحديد أوائل
الشهور القمرية...؟ أم ال!
95
قديماً نكاد نقول إن فقهاء اإلسالم األوائل في المذاهب المختلفة متفقون على
عدم اعتبار الطرق الحسابية الفلكية في إثبات بداية األشهر الهجرية خاصة وأن
الحساب الفلكي في أزمنتهم كان مقروناً بالتنجيم وفيما يلي بعض األمثلة ألقوالهم:
قال السرخسي ..." :ومنهم من قال يرجع إلى أهل الحساب عند االشتباه
وهذا بعيد فإن النبي قال " :من أتى كاهناً أو عرافاً وصدقه بما يقول فقد كفر بما
أنزل على محمد .)1( "
قال ابن عابدين " :مطلب :ال عبرة بقول المؤقتين في الصوم ،بل في
المعراج :ال يعتبر قولهم باإلجماع " (.)2
قال القرافي المالكي ..." :وقاعدة رؤية األهلة في الرمضانات ال يجوز
إثباتها بالحساب " (.)3
قال اإلمام سند المالكي " :إن كان اإلمام يرى الحساب فأثبت الهالل لم يتبع
إلجماع السلف على خالفه " (.)4
قال النووي ..." :ألن النجوم والحساب ال مدخل لهما في العبادات " (.)5
وفي حواشي الشرواني ..." :أن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه
بالكلية.)6( "...
وقال الخطيب الشربيني " :والمعتمد قبولها إذ ال عبرة بقول الحساب كما مر
" (.)7
قال ابن مفلح الحنبلي ..." :ومن صام بنجوم أو حساب لم يجزئه وإ ن أصاب
وال يحكم بطلوع الهالل بهما ولو كثرت إصاباتهما " (.)8
1
المبسوط 3/78وسيأتي تخريج الحديث. (?)
2
حاشية ابن عابدين .2/387 (?)
3
مواهب الجليل .2/388 (?)
4
مواهب الجليل ،2/388التاج واإلكليل .2/391 (?)
5
المجموع :للنووي .6/282 (?)
6
حواشي الشرواني .3/373 (?)
7
مغني المحتاج .1/421 (?)
8
الفروع :البن مفلح .3/8 (?)
96
اختالف العلماء المعاصرين في هذه القضية :
أما في هذا العصر فلقد اختلف العلماء في هذه المسألة اختالفاً كبيراً ولقد
انقسم الفقهاء في جواز إثبات الشهور القمرية بالحساب الفلكي إلى فريقين:
الفريق األول :وهو لجمهور العلماء ويقول بعدم جواز اعتماد الحساب الفلكي
في إثبات دخول الشهور القمرية.
الفريق الثاني :وهو للعالمة المحدث أحمد محمد شاكر – رحمه اهلل –
والفقيه الشيخ مصطفى الزرقا – رحمه اهلل – ومفتي تونس األسبق المختار
السالمي :ويقولون بجواز اعتماد الحساب الفلكي في إثبات الشهور القمرية.
97
دلت هاتين اآليتين على أن األهلة هي المرجع في الصوم واإلفطار والحج
وغيرها من األحكام المتعلقة بها.
ومنها :ما ثبت عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب " أنه خطب في اليوم
الذي شك فيه ،فقال :إني جالست أصحاب رسول اهلل وساءلتهم وأنهم حدثوني أن
رسول اهلل قال " :صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ,وانسكوا لها ,فإن غم عليكم
فأتموا ثالثين يوماً ,فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا " (.)1
ومنها :ما ثبت عن أمير مكة الحرث بن حاطب قال " :عهد إلينا رسول اهلل
أن ننسك للرؤية ،فإن لم نره وشهد شاهدا عدل ،نسكنا بشهادتهما " (.)2
والحديث يدل على أن المرجع في إثبات دخول الشهر هو الرؤية.
ومنها :ما ورد في الصحيح عن ابن عمر عن رسول اهلل قال " :إذا
رأيتموه فصوموا ،وإ ذا رأيتموه فأفطروا ،فإن غم عليكم فأقدروا " (.)3
وفي لفظ " :الشهر تسع وعشرون ليلة ،فال تصوموا حتى تروه ،فإن ُغم
عليكم فأكملوا العدة ثالثين " (.)4
وفي لفظ " :أنه ذكر رمضان ،فضرب بيديه فقال :الشهر هكذا وهكذا وهكذا،
ثم عقد إبهامه في الثالثة ،صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ،فإن غم عليكم فأقدروا
ثالثين " (.)5
ووجه االستدالل من هذه األحاديث :أنه ليس من المطلوب االستعانة
باألجهزة الفلكية والقواعد الرياضية ،كما أنه ليس من المطلوب تحمل المشقة
1
(?) أخرجه اإلمام أحمد ( ،4/321 )18915والنسائي في الصيام باب قبول شهادة الرجل الواحد ()2116
،4/132وذكره الحافظ في التلخيص ولم يذكر فيه قدحاً وإ سناده ال بأس به على اختالف فيه ،كما أفاده
الشوكاني (نيل األوطار .)4/261
2
(?) أخرجه أبو داود في الصوم باب شهادة رجلين على رؤية هالل شوال ( 2/301 )2338وسكت عنه،
والدار قطني في الصيام باب الشهادة على رؤية الهالل ،2/167وقال إسناد متصل صحيح وسكت عنه
المنذري ورجاله رجال الصحيح ( نيل األوطار .)4/261
3
(?) أخرجه البخاري في الصوم باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان ( ،2/672 )1801ومسلم في الصيام
باب وجوب صوم رمضان لرؤية (.2/760 )1080
(?) أخرجه البخاري في الصوم باب قول النبي . (1808) 2/674 4
5
(?) أخرجه مسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان ( .2/759 )1079
98
وتكلف رؤية الهالل بل المطلوب أن يصوم المسلمون إذا رئي الهالل بالعين
المجردة في اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان ،ويفطروا إذا رئي الهالل في
اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان ،وأما إذا لم ير الهالل بالعين المجردة
فليكملوا العدة ثالثين (.)1
وأما الطائفة األخرى :
فقول رسول اهلل " :إنا أمة أمية ال نحسب وال نكتب ،الشهر هكذا وهكذا،
تارة تسعاً وعشرين ،وتارة ثالثين ،فال تصوموا حتى تروا الهالل ،وال تفطروا
حتى تروه ،فإن غم عليكم فأقدروا لـه " ( ،)2ولمسلم " :فأقدروا لـه ثالثين " (.)3
وقال اإلمام النووي ..." :ومن قال بحساب المنازل فقوله مردود بقوله في
الصحيحين :إنا أمة أمية ال نحسب وال نكتب.)4( "...
وقول رسول اهلل " :إنه من يعش منكم فسيجد اختالفاً كثيراً ،فعليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ،
وإ ياكم ومحدثات األمور ،فإن كل بدعة ضاللة " (.)5
فهذه النصوص هي رؤوس أصول المسألة ،وعليها العمل عند سلفنا الصالح،
واستقر ذلك حتى المائة الثالثة ،بل واستمر العمل به عند المذاهب األربعة المعروفة
عند األمة ،ال يعرف لهم مخالف يعتد بخالفه.
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية " :فإنا نعلم باالضطرار من دين اإلسالم أن العمل
في رؤية هالل الصوم أو الحج أو العدة أو اإليالء أو غير ذلك من األحكام المتعلقة
بالهالل بخبر الحاسب أنه يرى أو ال يرى :ال يجوز ،والنصوص المستفيضة عن
1
(?) قضايا فقهية معاصرة :السنبهنلي ,ص.83
(?) أخرجه البخاري في الصوم باب قول النبي ال نكتب وال نحسب ( ،2/675 )1814مسلم في الصيام باب 2
ما جاء في األخذ بالسنة ( ،5/44 )2676وابن ماجة في اتباع سنة الخلفاء الراشدين ( ،1/16 )43وأحمد (
،4/126 )17184وابن حبان في صحيحه (.)1/179
99
خالف قديم أصالً،
ٌ النبي بذلك كثيرة ،وقد أجمع المسلون عليه ،وال ُيعرف فيه
وال خالف حديث ،إال أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة،
زعم أنه إذا ُغم الهالل ،جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب ،فإن كان
الحساب دل على الرؤية صام وإ ال فال ،وهذا القول وإ ن كان مقيداً باإلغمام،
ومختصاً بالحاسب :فهو قول شاذ ،مسبوق باإلجماع على خالفه ،فأما اتباع ذلك في
الصحو ،أو تعليق عموم الحكم العام به :فما قال به مسلم.)1( "...
واستدلوا بدليل عقلي :
قال اإلمام النووي ..." :وألن الناس لو كلفوا بذلك – يعني بالحساب – ضاق
عليهم ألنه ال يعرف الحساب إال أفراد من الناس في البلدان الكبار " (.)2
1
(?) مجموع فتاوي شيخ اإلسالم ابن تيمية .25/132
2
(?) المجموع .6/271
100
يوصلنا إلى معرفة يقينية بمواعيد ميالد الهالل في كل شهر ،وفي أي وقت تمكن
رؤيته بالعين الباصرة إذا انتفت العوارض الجوية التي قد تحجب الرؤية ،فحينئذ ال
يوجد مانع شرعي من اعتماد هذا الحساب والخروج بالمسلمين من مشكلة إثبات
الهالل ،ومن الحاالت التي أصبحت مخجلة بل مذهلة حيث يبلغ فرق اإلثبات
للصوم واإلفطار بين مختلف األقطار اإلسالمية ثالثة أيام ".
ويضيف " :أن الفقهاء األوائل لم يعتمدوا الحساب المبني على الحدس
محكمة " والتخمين ،ولم يكن في وقتهم علم للفلك قائماً على رصد دقيق بوسائل
(. )1
وقد لخص العالمة الشيخ األستاذ " المختار السالمي " رأيه في أن يعتبر
الحساب وسيلة يقينية لثبوت دخول الشهور القمرية ونهايتها ،وأن العبرة بوضع
القمر وضعاً تمكن رؤيته ،وأن كل دعوى رؤية تخالف الحساب هي دعوى
مرفوضة يكذب صاحبها شأن الشهادة بما يخالف الواقع ،وأن القصد هو العمل على
توحيد المسلمين في أعيادهم وفي صومهم ونسكهم.
هذا ولقد استدلوا على مذهبهم بما نقله ابن رشد من قول مطرف بن عبداهلل
بن الشخير وهو من كبار التابعين ،وابن قتيبة من اللغويين:
" يعتبر الهالل إذا غم بالنجوم ومنازل القمر وطريق الحساب " :يريد استدلوا
عليه بمنازله ,وقدروا إتمام الشهر بحسابه( )2أخذاً من الحديث " ...فإن غم عليكم
فأقدروا له " يعني بالحساب.
دل الحساب على أن الهالل قد طلع من األفق على وجه وبقول من قال :إذا َّ
يرى لوال وجود المانع كالغيم مثالً :فهذا يقتضي الوجوب لوجود السبب الشرعي "
( ,)3ولإلمام السبكي الشافعي تأليف مال فيه إلى االعتماد على الحساب (.)4
)?(1نقالً عن الدكتور مسلم شلتوت :الحساب الفلكي لتحديد أوائل الشهور العربية :إسالم أون الين.
2
(?) تفسير القرطبي ،2/293بداية المجتهد .1/207
3
(?) إحكام األحكام :ابن دقيق العين ،2/206تلخيص الحبير .2/188
4
(?) إعانة الطالبين :الدمياطي ،2/216مغني المحتاج ،1/421حاشية ابن عابدين .2/387
101
واستدلوا أيضاً بقولهم " :أن اآلليات واألدوات التي يعرف بها الحساب قد
تطورت حتى كادت نتيجته تكون قطعية ،وهذا بخالف ما كان عليه األمر في عصر
السلف ,وهم إنما ردوا األخذ بالحساب في زمنهم لظنيته ،قالوا :وما دامت
الحسابات قد صارت قطعية ،فإن األخذ بها مقدم على الشهادة برؤية الهالل ،وهي
ظنية.
وقالوا أيضاً :إن األجهزة والقواعد الحسابية يؤخذ بها لتحديد دخول أوقات
الصالة والصوم وخروجها فلم ال تؤخذ بها في رؤية الهالل (.)1
1
قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان الدين السنبهنلي ،ص .86 (?)
2
سبق تخريج الحديث. (?)
3
فتح الباري .4/121 (?)
4
بداية المجتهد .208 – 1/207 (?)
5
(?) اإلنصاف ،3/349الفروع ،94 – 3/93فتح الباري .4/122
102
وقالوا بعدم جواز االعتماد على الحساب كحساب الجداول وغيرها لكون
الحساب مبنياً على الظن والتخمين ال على العلم واليقين فهم في إجراء عملية
الحساب يجعلون شهراً كامالً وشهراً ناقصاً إلى نهاية السنة ومن المعلوم أن تمام
الشهر ثالثين قد يتوالى في شهرين أو ثالثة والنقص في الشهر وكونه تسعاً
وعشرين قد يتوالى في شهرين أو ثالثة.
وأنكروا العمل بالحساب لما رأوه من أناس يستنطقون النجوم بالحوادث
الغيبية ويوهمون العامة بأنهم يعرفون عن طريقها كل شيء لذلك كانت أقوالهم
مردودة ألنها مبنية على ظنون وأوهام ،ويؤيد هذا التفسير ما ذكره السرخسي" :
ومنهم من قال يرجع إلى قول أهل الحساب عند االشتباه ،وهذا بعيد فإن النبي
قال " :من أتى كاهناً أو عرافاً وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد "
(.)1
وقال ابن دقيق العيد :إن الحساب ال يجوز أن يعتمد عليه في الصوم لمقارنة
القمر للشمس على ما يراه المنجمون فإنهم قد يقدمون الشهر بالحساب على الرؤية
بيوم أو يومين وفي اعتبار ذلك إحداث شرع لم يأذن به اهلل(.)2
أما االستدالل ببعض ما روي عن بعض التابعين فقد عد ابن العربي ذلك من
الزلل قال ..." :وقد زل بعض المتقدمين فقال يعول على الحساب بتقدير المنازل
حتى يدل ما يجتمع حسابه على أنه لو كان صحو لرئي ..وقد زل أيضاً بعض
أصحابنا فحكي عن الشافعي أنه قال :يعول على الحساب وهي عثرة ال لعا لها(.)3
وجواباً على قياس االعتماد على األجهزة والقواعد الحسابية في تحديد دخول
أوقات الصالة والصوم وخروجها:
1
(?) أخرجه أحمد في سنده ( ،2/429 )9532وأبو داود في الطب باب في الكاهن ( ،4/15 )3904والطبراني
في األوسط ( ،6/378 )6670قال الهيثمي :عن شيخه مصعب بن إبراهيم بن حمزة الدهري ،ولم أعرفه وبقية
رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد .)5/117
2
(?) إحكام األحكام .2/206
3
(?) أحكام القرآن :البن العربي .1/118
103
الجواب :أن هناك فرق بين أوقات الصالة وشهر رمضان فأوقات الصالة
إنما هي ظرف لها ،أما شهر رمضان فهو معيار للصوم ،ومعنى ذلك أن أوقات
الصالة تسعها وتزيد فيتبقى وقت زائد إذا صلى اإلنسان على الطريقة المسنونة في
وقتها ،فمن الممكن دائماً االحتراز عن الخطأ الذي يحدث بسبب تعيين وقت الصالة
بالطريقة الحسابية بأن يؤخر أداء الصالة قليالً عن أول وقتها المعين بالحساب ،أما
شهر رمضان فال يمكن أن يقدم عليه الصوم أو يؤخر عنه يوماً ألنه يستلزم ترك
فريضة أو إتيان حرام ،ومن ثم فال يصح قياس أوقات الصالة على دخول رمضان
وخروجه.
وعالوة على ذلك فإن مراد دخول شهر رمضان شرعاً على رؤية الهالل
وهي أمر عملي خالص وليس فكرياً ،وذلك ألن القواعد الرياضية أو األدوات
الفلكية ال يتجاوز داللتها إمكان الرؤية أما وقوع الرؤية عمالً وعدم وقوعها فهذا
مما ال يتأتى في نطاق ما تدل عليه اآلالت والقواعد ،هذا األمر قد ثبت بتصريحات
خبراء هذا العلم ،أما أوقات الصالة فإنها تقوم على حاالت الشمس وتأثيراتها وهي
تظهر في كل سنة على مواعيدها المحددة بشكل ثابت يقيني وال يحدث فيها أي
تغيير ولذلك يكفي فيها تجارب سنة واحدة لضبط مواعيد الصالة للعام كله(.)1
1
(?) قضايا فقهية معاصرة :محمد السنبهنلي ،ص .87 – 86
104
الذي أخرجه أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعاً " :من اقتبس علماً من النجوم
اقتبس شعبة من السحر " (.)1
واالستدالل بالحديث " نحن أمة أمية ال نكتب وال نحسب " لو صح على نفي
العمل بالحساب لكان الحديث يدل على نفي الكتابة وإ سقاط اعتبارها فقد تضمن
الحديث أمرين دلل بهما على أمية األمة وهما الكتابة والحساب :ولم يقل أحد بذم
الكتابة قديماً وال حديثاً بل دل القرآن والسنة واإلجماع على أهمية الكتابة
وضرورتها.
ومهما قيل في هذا الصدد أن الرسول لم يشرع لنا العمل بالحساب ولم يأمرنا
باعتباره وإ نما أمرنا باعتبار " الرؤية " واألخذ بها في إثبات الشهر وهذا الكالم فيه
شيء من الغلط ألمرين " :األول – أنه ال يعقل أن يأمر الرسول باالعتداد بالحساب
في وقت كانت األمة ال تكتب وال تحسب فشرع لها الوسيلة زماناً ومكاناً وهي
الرؤية المقدورة لجمهور الناس في عصره ،ولكن إذا وجدت وسيلة أدق وأضبط
وأبعد عن الغلط والوهم فليس في السنة ما يمنع اعتبارها.
– والثاني – أن السنة أشارت بالفعل إلى اعتبار الحساب في حالة الغيم
كما عرفنا ذلك سابقاً.-
ومن ينكر الحساب ويجعله من التخمين والظن فهو مخطئ ومردود عليه
بنصوص القرآن التي أتت متظافرة تخبرنا بأهمية علم الحساب وبأنه ليس من
ضروب الظن والتخمين.
قال تعالى :الشمس والقمر بحسبان [ الرحمن ]5 :أي بحساب له قواعده
وأصوله يقف عليها من درسها وتمكن منها ،قال الشوكاني " :أي يجريان بحساب
ومنازل ال يعدوانها وال يحيدان عنها " (.)2
1
(?) أخرجه أبو داود في الطب باب في النجوم ( ،4/15 )3905وابن ماجة في باب تعلم النجوم ()3726
،2/1228أحمد في سنده ( ،1/311 )2848قال الشوكاني :حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري
رجال إسناده ثقات ( نيل األوطار .) 7/369
2
(?) فتح القدير :الشوكاني .5/131
105
قوله :والقمر قدرناه منازل [ ...إبراهيم ]33 :قال الشوكاني " :أي قدر
مسيره في منازل ،منازل القمر هي المسافة التي يقطعها في يوم وليلة بحركته
الخاصة " (.)1
وقال سبحانه :هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل
لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق اهلل ذلك إال بالحق يفصل اآليات لقوم يعلمون
[ يونس.]5 :
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة،
لتبتغوا فضالً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيال
[اإلسراء.]12 :
فالق اإلصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز
العليم [ األنعام.]96 :
وسخر الشمس والقمر كل يجري ألجل مسمى [ لقمان ،]29 :فهذه اآليات
الشريفة دليل على وجوب تعلم الحساب وأصوله وقواعده ،ثم اعتماده بعد إفادة
اليقين في قضايا الكون الشاسعة وأبعاده الواسعة...
حتى أصبحت حركات األجرام السماوية معلومة بدقة ال يتسرب إليها الشك.
الترجيح :
جمعاً بين األقوال وخاصة إذا كان الجمع بين النصوص الشرعية والعلم
الفلكي والحسابي :فإننا نقول :ال يجوز إثبات رؤية الهالل في اليوم الذي علم وثبت
بصراحة ويقين أنه ال يمكن فيه رؤية الهالل إطالقاً.
إنه من المعروف أن المستحيل عقالً وع ادة ال تقبل فيه رواية ثقة وال شهادته
وخبره ،بل يرد ذلك الخبر والشهادة إذا ثبت أنهما مستحيالن ومتصادمان مع العقل
والبداهة.
1
(?) فتح القدير.2/425 :
106
فمن ادعى رؤية الهالل في الوقت الذي تحيل القواعد الحسابية المبنية على
الدقة العلمية حملت دعواه على الوهم إن لم تحمل على الكذب(.)1
وكما قال الشيخ يوسف القرضاوي( " :)2ويمكننا على األقل أن نأخذ بالحساب
الفلكي القطعي في النفي ال في اإلثبات تقليالً لالختالف الشاسع الذي يحدث كل سنة
في بدء الصيام وفي عيد الفطر ،إلى حد يصل إلى ثالثة أيام بين بعض البالد
اإلسالمية وبعض ،ومعنى األخذ بالحساب في النفي أن نظل على إثبات الهالل
بالرؤية وفقاًُ لرأي األكثرين من أهل الفقه في عصرنا ،ولكن إذا نفى الحساب إمكان
الرؤية وقال :إنها غير ممكنة :ألن الهالل لم يولد أصالً في أي مكان من العالم
اإلسالمي كان الواجب أال تقبل شهادة الشهود بحال ألن الواقع الذي أثبته العلم
الحسابي القطعي يكذبهم ويؤيد هذا ما ذكره السبكي في فتاويه أن الحساب إذا نفى
إمكان الرؤية البصرية فالواجب على القاضي أن يرد شهادة الشهود حيث قال" :
ألن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان ,والظني ال يعارض القطعي ,فضالً
عن أن يقوم عليه " (.)3
107
توحيد بدايات الشهور القمرية=
بعمان
إن مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث ّ
عاصمة المملكة األردنية الهاشمية من 13 – 8صفر 1407هـ 16 – 11/تشرين
األول (أكتوبر) 1986م :
بعد استعراضه في قضية توحيد بدايات الشهور القمرية مسألتين:
األولى :مدى تأثير اختالف المطالع على توحيد بداية الشهور.
الثاني ة :حكم إثب ات أوائل الش هور القمرية بالحس اب الفلكي ،وبعد اس تماعه إلى
الدراسات المقدمة من األعضاء والخبراء حول هذه المسألة قرر ما يلي:
أوالً :إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين االلتزام بها وال عبرة الختالف
المطالع لعموم الخطاب باألمر بالصوم واإلفطار.
ثانياً :يجب االعتماد على الرؤية ،ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد ،ومراعاة
لألحاديث النبوية ،والحقائق العلمية ،واهلل أعلم.
108
المبحث الثاني
109
من القضايا المطروحة على الساحة بقوة هذه األيام :قضية صرف الزكاة في
بناء المساجد أو على المراكز اإلسالمية والمدارس التعليمية وبصفة خاصة بالنسبة
للمسلمين الذين يعيشون بالخارج:
فهذه القضية يسأل عنها الناس كثيراً ألنها تتعلق بأمر عبادتهم لذا كان من
الواجب بحث هذه المسألة ضمن القضايا الفقهية المعاصرة وبيان الجواب الشافي
فيها.
قال تعالى :إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة
قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل اهلل وابن السبيل فريضة من اهلل واهلل عليم
حكيم [ التوبة :آية.]60
فقد خصها اهلل تعالى بأصناف ثمانية بأداة حصر وقصر وهي " إنما " التي
تثبت المذكور وتنفي ما عداه.
وإ ذا صرفت لغير هؤالء كان صرفاً غير شرعي ال يسقط الوجوب كما قال
القاضي عبد الوهاب( ،)1فال يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر لقوله للذي
جاء يسأله الصدقة " :إن اهلل لم يرض بحكم نبي وال غيره في الصدقات حتى حكم
فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك األجزاء أعطيتك حقك " (.)2
فهل بناء المساجد والمراكز اإلسالمية والمدارس التعليمية والمستشفيات
وغيرها من أعمال البر مثل تكفين الموتى ،أو تعليم األيتام ورعايتهم وتدريبهم على
مهنة من المهن ونحو ذلك يدخل في عموم قوله تعالى في سبيل اهلل في اآلية
الكريمة التي حددت مصارف الزكاة فتكون األعمال الخيرية ضمن مصارف
الزكاة ،أم أن في سبيل اهلل المراد بها الجهاد والغزو ليس إال ...
1
(?) المعونة :القاضي عبد الوهاب البغدادي .1/84
2
(?) أخرجه أبو داود في الزكاة باب من يعطى من الصدقة ( ،2/117 )1630قال المنذري في إسناده عبد
الرحمن بن زياد بن أنعم األفريقي وقد تكلم فيه غير واحد (عون المعبود .)5/27
110
السبيل :لغة الطريق(.)3 -
وسبيل اهلل :هو الطريق الموصل إلى مرضاته ،قال ابن األثير " :السبيل -
في األصل الطريق ،و"سبيل اهلل" عام يقع على كل عمل خالص سلك به
طريق التقرب إلى اهلل عزوجل بأداء الفرائض والنوافل وأنواع الطاعات،
وإ ذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة االستعمال
كأنه مقصور عليه " (.)2
111
-قال اإلمام مالك " :سبل اهلل كثيرة ,ولكني ال أعلم خالفاً في أن المراد بسبيل
اهلل ها هنا الغزو من جملة سبيل اهلل " (.)1
الرباط -و قال ابن عبد البر " :وفـي سبيـل اهلل : فهم الغزاة و موضع
" (.)2
-قال القرافي " :الصنف السابع سبيل اهلل تعالى وفي الجواهر هو الجهاد
دون الحج " (.)3
-وقال العبدري المالكي ..." :من الثمانية األصناف التي تصرف الزكاة
فيها :سبيل اهلل -:أبو عمر– وذلك الجهاد والرباط " (.)4
-قال الدسوقي في حاشيته ..." :ومجاهد أي المتلبس به إن كان ممن يجب
عليه لكونه حراً مسلماً ذكراً بالغاً قادراً وال بد أن يكون غير هاشمي ويدخل
فيه المرابط وآلته كسيف ورمح تشترى منها " (.)5
-المذهب الشافعي :
-قال النووي " :ومذهبنا أن سهم سبيل اهلل المذكور في اآلية الكريمة يصرف
إلى الغزاة الذين ال حق لهم في الديوان بل يغزون متطوعين.)6( "...
-وقال في روضة الطالبين " :وفي سبيل اهلل :وهم الغزاة الذين ال رزق لهم
في الفيء " (.)7
-وقال الغزالي " :الصنف السابع المجاهدون في سبيل اهلل وهم المطوعة من
الغزاة الذين ال يأخذون من الفيء وال اسم لهم في الديوان " (.)8
1
المدونة الكبرى ،3/97أحكام القرآن :البن العربي .2/968 (?)
2
الكافي :البن عبد البر .1/326 (?)
3
الذخيرة .3/148 (?)
4
التاج واإلكليل .2/351 (?)
5
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير .1/497 (?)
6
المجموع :النووي .6/200 (?)
7
روضة الطالبين .2/321 (?)
8
الوسيط .4/563 (?)
112
-قال الخطيب الشربيني " :وسبيل اهلل تعالى غزاة ال فيء لهم أي ال اسم لهم
في ديوان المرتزقة بل يتطوعون بالغزو " (.)1
-المذهب الحنبلي :
-قال ابن قدامة " :الصنف السابع من أهل الزكاة :وال خالف في استحقاقهم
وبقاء حكمهم وال خالف في أنهم الغزاة في سبيل اهلل " (.)2
-قال ابن مفلح " :في سبيل اهلل وهم الغزاة الذين ال حق لهم في الديوان "
(.)3
-وقال الخرقي أيضاً " :ويعطى أيضاً في الحج وهو من سبيل اهلل ".
-قال ابن قدامة " :ويروى هذا عن ابن عباس وابن عمر وهو قول اسحق "
(.)4
-وقال الشيخ منصور البهوتي " :السابع في سبيل اهلل للنص وهم الغزاة ألن
السبيل عند اإلطالق هو الغزو( ,)5والحج من السبيل نصاً " (.)6
1
مغني المحتاج .3/111 (?)
2
المغني .6/333 (?)
3
الفروع :البن مفلح .2/470 (?)
4
المغني .6/334 (?)
5
كشاف القناع .2/283 (?)
6
المرجع السابق .2/284 (?)
113
-القول األول :وهو لجمهور العلماء في المذاهب األربعة ،والعلماء السابقين
والالحقين من عهد الصحابة إلى اليوم :أن المراد من سبيل اهلل هو الغزو
والجهاد(.)7
-القول الثاني :وهو لمحمد بن الحسن الشيباني من الحنفية وأحمد بن حنبل
في إحدى الروايتين عنه وإ سحاق وجمع من الصحابة منهم عبداهلل بن عمر
وابن عباس – رضي اهلل عنهما :-أن المراد بـ سبيل اهلل هم الغزاة
والحجاج والعمار(.)2
-القول الثالث :للكاساني من الحنفية وهو قول بعض المفسرين والمحدثين
والفقهاء وبعض العلماء المعاصرين منهم صديق خان ،المراغي ،رشيد
رضا ,جمال الدين القاسمي ،الشيخ شلتوت ،والشيخ مخلوف :فسروا
في سبيل اهلل بالمعنى الواسع :وقالوا بأن المراد به جميع وجوه البر(.)3
-4سبب اختالف العلماء في هذه المسألة :
وسبب اختالف العلماء في هذا :هو اختالفهم في تفسير قوله تعالى في
مصارف الصدقات وفي سبيل اهلل ،وكذلك اختالفهم في ثبوت األحاديث من عدم
ثبوتها ،واختالفهم في الوضع اللغوي لآلية(.)4
-أدلتهم :
استدل أصحاب القول األول :على أن المراد بسبيل اهلل الغزو بما يلي:
7
(?) المبسوط ،2/46تبيين الحقائق ،1/298شرح فتح القدير ،2/264المدونة الكبرى ،3/97الكافي
،1/326التاج واإلكليل ،2/351الذخيرة ،3/148حاشية الدسوقي ،1/497المجموع ،6/200روضة
الطالبين ،2/321الوسيط ،4/563مغني المحتاج ،3/111المغني ،6/334الفروع ،2/470كشاف القناع
.2/283
2
(?) المبسوط :للسرخسي ،3/10تبيين الحقائق ،1/298شرح فتح القدير :البن الهمام ،2/17المغني
،6/334كشاف القناع ،2/283المجموع ،6/200بداية المجتهد .1/202
3
(?) بدائع الصنائع :الكاساني ،2/45روح المعاني :لآللوسي ،9/123تفسير الرازي ،16/113سبل
السالم ،2/198تفسير المراغبي ،4/142تفسير المنار ،10/585اإلسالم عقيدة وشريعة لشلتوت ص 97
– ،98فتاوي شرعية :الشيخ مخلوف .1/255
4
(?) مصارف الزكاة وتمليكها في ضوء الكتاب والسنة :د .خالد عبد الرزاق العاني ص .357
114
-1أن المفهوم المتبادر في معنى وفي سبيل اهلل إذا أطلق في الكتاب والسنة
ولسان الصحابة :الغزو والجهاد.
يقول ابن جرير الطبري " :وأما قوله في سبيل اهلل فإنه يعني :النفقة في
نصرة دين اهلل ،وطريقه وشريعته التي شرعها لعباده بقتال أعدائه وذلك هو الغزو "
(.)1
ويقول ابن األثير " :السبيل في األصل الطريق ،ويذكر ويؤنث والتأنيث فيها
أغلب ،وسبيل اهلل عام يقع على كل عمل خالص ،سلك به طريق التقرب إلى اهلل
تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات.
وإ ذا أطلق سبيل اهلل فهو في الغالب واقع على الجهاد ،حتى صار لكثرة
االستعمال كأنه مقصور عليه " (.)2
قال الخطيب الشربيني( ..." :)3وإ نما فسر سبيل اهلل بالغزاة ألن استعماله في
الجهاد أغلب عرفاً بدليل قوله تعالى في غير موضع يقاتلون في سبيل اهلل
[النساء ،]76 :ولقوله تعالى :إن اهلل يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً [ الصف:
،]4وقوله تعالى :وقاتلوا في سبيل اهلل [ البقرة ،]190 :وغير ذلك من اآليات...
ويقول ابن الجوزي " :إذا أطلق ذكر سبيل اهلل فالمراد به الجهاد " (.)4
-2واستدلوا بالحديث الذي رواه أبي سعيد الخدري أنه قال :قال رسول اهلل :
" ال تحل الصدقة لغني إال لخمسة لغاز في سبيل اهلل ،أو لعامل عليها أو لغارم أو
لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فأهدى المسكين إليه " (.)5
1
(?) تفسير الطبري .10/165
2
(?) النهاية في غريب الحديث .2/338
3
(?) مغني المحتاج .3/111
4
(?) فتح الباري ،6/48تحفة األحوذي .5/207
5
(?) أخرجه أبو داود في الزكاة باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني ( ،2/119 )1636وابن ماجة في
الزكاة باب من تحل له الصدقة ( ،1/590 )1841ومالك في موطئه ( ،1/268 )604وأحمد ()11286
115
ووجه االستدالل من الحديث:
فقد ُذكر في الحديث ممن تحل الصدقة :الغازي ،وليس في األصناف الثمانية
من يعطى باسم الغزاة إال الذين نعطيهم من سبيل اهلل.
قال العيني :هو حديث صريح مفسر لقوله تعالى وفي سبيل اهلل فيجب
حمله عليه(.)1
قال ابن حزم " :وقد روى هذا الحديث عن غير معمر فأوقفه بعضهم ونقص
بعضهم مما ذكر فيه معمر ،وزيادة العدل ال يحل تركها "..ثم قال ..." :فلم يجز أن
توضع إال حيث بين النص وهو الذي ذكرنا وباهلل تعالى التوفيق " (.)2
مر رجل على النبي فرأى -3ومما يؤيد رأيهم ما روى كعب بن عجرة قالَّ :
أصحاب رسول اهلل من جلده ونشاطه فقالوا " :لو كان هذا في سبيل اهلل " ...
(.)3
يريدون في الجهاد ونصرة اإلسالم(.)4
-4كما استدلوا ببعض اآلثار الدالة على أن المقصود من " سبيل اهلل " في اآلية هو
الغزو والجهاد منها:
.1ما ساقه الطبري بسنده في تفسيره قال :حدثني يونس قال :أخبرنا ابن وهب
قال :قال ابن زيد في قوله وفي سبيل اهلل قال :الغازي في سبيل اهلل (.)5
.2ما ذكره السيوطي في تفسيره :قال :أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في
قوله :وفي سبيل اهلل قال :هم المجاهدون(.)6
116
اهلل ج .وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله وفي سبيل
قال :الغازي في سبيل اهلل(.)1
-وأدلة أصحاب القول الثاني:
فباإلض افة إلى األدلة ال تي اس تدل بها الجمه ور على أن الم راد بس بيل اهلل
الجهاد والغزو فلقد استدلوا على أن المراد به الحج والعمرة أيضاً بما يلي:
-2أما تفسيرهم بالحجاج والعمار فقد استدلوا على ذلك بما يلي:
.1حديث أم معقل :قالت لما حج رسول اهلل حجة الوداع وكان لنا جمل
فجعله أبو معقل في سبيل اهلل وأصابنا مرض وهلك أبو معقل وخرج النبي
فلما فرغ من حجته جئته فقال " :يا أم معقل ما منعك أن تخرجي " قالت:
لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه فأوصى به أبو
معقل في سبيل اهلل ،قال " :فهال خرجت عليه فإن الحج من سبيل اهلل " (.)2
.2وعن ابن عباس – رضي اهلل عنهما – أن امرأة قالت لزوجها :احججني مع
رسول اهلل على جملك الفالني ،قال ذلك حبيس في سبيل اهلل ،الحديث،
وفيه أن رسول اهلل قال " :أما أنك لو أحججتها عليه كان في سبيل اهلل "
(.)3
ج .واحتجوا كذلك بما روى عن أبي الس قال " :حملنا النبي على إبل
الصدقة للحج "( .)4قال الشوكاني " :حديث أم معقل وحديث أبي الس يدالن
على أن الحج من سبيل اهلل وأن من جعل شيئاً من ماله في سبيل اهلل جاز لـه
صرفه في تجهيز الحجاج وإ ذا كان شيئاً مركوباً جاز حمل الحاج عليه
1
(?) المرجع السابق .3/252
2
(?) أخرجه أبو داود في الحج باب العمرة ( ،2/204 )1988والترمذي في الحج باب ما جاء في عمرة
رمضان ( ،3/276 )939وأحمد في مسنده ( ،4/210 )17875وفي إسناده رجل مجهول ،وفي إسناده أيضاً
إبراهيم من مهاجر البجلي متكلم فيه (نيل األوطار .)4/238
3
(?) أخرجه أبو داود في الحج باب العمرة ( ،2/205 )1990وقال النووي :إسناده صحيح (المجموع
،)6/213وكذلك قال ابن حجر (الدراية .)1/266
4
(?) أخرجه أحمد ( ،4/221 )17968وابن خزيمة ( ،4/73 )2377والحاكم ( ،1/612 )1625وقال:هذا
حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وله شاهد صحيح.
117
ويدالن أيضاً على أنه يجوز صرف شيء من سهم سبيل اهلل من الزكاة
على قاصدين الحج(.)1
.8وبما روى أبو عبيد في األموال عن أبي معاوية ،عن أبي جعفر عن
األعمش عن حسان أبي األشرس عن مجاهد عن ابن عباس :أنه كان ال
يرى بأساً أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج(.)2
هـ.وبما روي عن ابن عمر – رضي اهلل عنهما – أنه سئل عن امرأة أوصت
بثالثين درهماً في سبيل اهلل فقيل لـه :أتجعل في الحج فقال :أما أنه في
سبيل اهلل (.)3
خرج أبو محمد عبد الغني الحافظ: و .وبما روى القرطبي في تفسيره قالَّ :
حدثنا محمد بن محمد الخياش حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى حدثنا يزيد بن
هارون أخبرنا مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن عبد الرحمن
بن أبي نعم ويكنى أبا الحكم قال :كنت جالساً مع عبداهلل بن عمر فأتته امرأة
فقالت لـه :يا أبا عبد الرحمن أن زوجي أوصى بماله في سبيل اهلل ,قال ابن
عمر :فهو كما قال في سبيل اهلل ،فقلت أما زدتها فيما سألت عنه إال غماً,
قال :فما تأمرني يا ابن أبي نعم آمرها أن تدفعه إلى هؤالء الجيوش الذين
يخرجون فيعتدون في األرض ويقطعون السبيل؟ قال :قلت فما تأمرها قال:
آمرها أن تدفعه إلى قوم صالحين إلى حجاج بيت اهلل الحرام أولئك وفد
الرحمن أولئك وفد الرحمن أولئك وفد الرحمن ليسوا كوفد الشيطان ثالثاً
يقولها قلت :يا أبا عبد الرحمن وما وفد الشيطان؟ قال :قوم يدخلون على
هؤالء األمراء فيمنون إليهم الحديث ويسعون في المسلمين بالكذب
فيجازون الجوائز ويعطون عليها العطايا(.)4
1
نيل األوطار .4/238 (?)
2
األموال ألبي عبيد .1/722 (?)
3
أبو عبيدة في األموال .1/723 (?)
4
تفسير القرطبي ،8/185التمهيد :البن عبد البر .5/102 (?)
118
ز .وبما روى البخاري عن الحسن قال :إن اشترى أباه من الزكاة جاز ويعطى
في المجاهدين والذي لم يحج ثم تال إنما الصدقات للفقراء اآلية في أيهما
أعطيت أجزأت(.)1
-أما أصحاب القول الثالث فلقد استدلوا على ما ذهبوا إليه من التوسع في مص رف
" في سبيل اهلل " على جميع أنواع القرب والبر:
-1أن لفظ في سبيل اهلل عام فال يجوز قصره على بعض أفراده دون
سائرها إال بدليل ،وال دليل على ذلك.
وعن دما قيل لهم :إن لفظ في س بيل اهلل إذا ذكر في الكت اب والس نة
انصرف إلى الجهاد دون غيره أبوا ذلك ،ورفضوا قصره على الجهاد دون
س واه يق ول ص ديق حسن خ ان " :وأما س بيل اهلل ف المراد به هنا الطريق
إليه عزوجل ،والجهاد وإ ن كان أعظم الطرق إلى اهلل عزوجل ،لكن ال دليل
على اختص اص ه ذا الس هم ب ه ،بل يصح ص رف ذلك في كل ما ك ان طريق اً
إلى اهلل عزوج ل ،ه ذا مع نى اآلية لغ ة ،وال واجب الوق وف على المع اني
اللغوية حيث لم يصح النقل هنا شرعاً " (.)2
-2ويدل على أن المراد بـ سبيل اهلل في آية الصدقات العموم نصوص وآثار
جاءت دالة على جواز صرف الزكاة في بعض القربات.
-3كما استدلوا بما ثبت في صحيح البخاري في باب القسامة أن الرسول ودى
الصحابي الذي قتله اليهود في خيبر عندما لم ُيعرف قاتله من إبل الصدقة،
وذلك ألن الرسول كره أن يبطل دمه(.)3
-4واس تدل ص ديق حسن خ ان على ص حة دفع الزك اة في جميع الق رب " ب أن
الصحابة كانوا يأخذون من أموال اهلل التي كان من جملتها الزكاة في كل عام،
1
(?) أخرجه البخاري معلقاً في الزكاة باب قول اهلل تعالى وفي الرقاب وفي سبيل اهلل ويذكر عن ابن عباس
– رضي اهلل عنهما – يعتق من زكاة ويعطي في الحج وقال الحسن إن اشترى أباه.2/534 ...
2
(?) الروضة الندية ،ص.56
3
(?) راجع الحديث في صحيح البخاري في الديات باب القسامة ( ،6/2528 )6502ومسلم في القسامة باب
القسامة ( ،3/1294 )1669وانظر فتح الباري ،12/229شرح النووي على صحيح مسلم .11/151
119
ويس مون ذلك عط اء ،وفيهم األغني اء والفق راء ،وك ان عط اء الواحد منهم يبلغ
إلى ألوف متعددة " (.)1
وقال في موضع آخر " :وقد كان علماء الصحابة يأخذون من العطاء ما
يقوم بما يحتاجون إليه مع زيادات كثيرة يتفوضون بها في قضاء حوائج من
يرد عليهم من الفقراء وغيرهم ،واألمر في ذلك مشهور ،ومنهم من كان يأخذ
زيادة على مائة ألف درهم ،ومن جملة هذه األموال التي كانت تفرق بين
المسلمين على هذه الصفة الزكاة ،وقد قال لعمر لما قال لـه :يعطي من هو
أحوج منه :ما أتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف وال سائل فخذه ،وما ال
فال تتبعه نفسك ،كما في الصحيح ،واألمر ظاهر(.)2
1
الروضة الندية .1/206 (?)
2
المرجع السابق .1/207 (?)
3
المقنع ،1/249المغني .6/437 (?)
4
المحلى .6/151 (?)
120
واألحاديث التي استدلوا بها على أن المراد هو الحج والعمرة فمعظمها متكلم
فيه(.)1
()2
كما أجاب العالمة المباركفوري عن القول بعموم اللفظ بأجوبة كثيرة منها:
-أن هذا القول هو أبعد األقوال ألنه ال دليل عليه من كتاب أو سنة.
-وأنه لم يذهب إلى هذا التعميم أحد من السلف إال ما حكى القفال في تفسيره
عن بعض الفقهاء المجاهيل...
-وما يذكر لالحتجاج بذلك من رواية البخاري في دية األنصاري الذي قتل
بخيبر مائة من إبل الصدقة فهو مخالف لما روى البخاري أيضاً في قصته
أنه وداه من عنده ،وجمع بين الروايتين بأنه اشتراه من أهل الصدقة بعد أن
ملكوها ثم دفعها تبرعاً إلى أهل القتيل حكاه النووي عن الجمهور وعلى هذا
" وحديث أي سعيد فال حجة فيه لمن ذهب إلى التعميم إلى أن قال:
ينافي التعميم لكونه كالنص في أن المراد بسبيل اهلل المطلق في اآلية هم
الغزاة والمجاهدون خاصة فيجب الوقوف عنده " (.)3
فهذه القرائن كلها كافية في ترجيح أن المراد من " سبيل اهلل " في آية
المصارف هو الجهاد كما ذهب إلى ذلك جمهور علماء األمة من السلف والخلف.
1
(?) انظر المجموع ،6/213شرح فتح القدير :البن الهمام ،2/264فتح الباري ،6/269نيل األوطار
.4/192
2
(?) مراعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح .119 – 3/117
3
(?) المرجع السابق .119 –3/118
121
ألن الجهاد قد يكون بالقلم واللسان ،كما يكون بالسيف والسنان ،قد يكون
الجهاد فكرياً أو تربوياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً كما يكون عسكرياً.
وكل هذه األنواع من الجهاد تحتاج إلى اإلمداد والتمويل ،المهم أن يتحقق
الشرط األساسي لذلك كله ،وهو أن يكون " في سبيل اهلل " أي في نصرة اإلسالم
وإ عالء كلمته في األرض ،فكل جهاد أريد به أن تكون كلمة اهلل هي العليا فهو في
سبيل اهلل أياً كان نوع هذا الجهاد وسالحه " (.)1
وقال أيضاً " :والذي أراه أن مصرف " في سبيل اهلل " يتسع على الرأيين
جميعاً لينفق منه على إنشاء مراكز إسالمية للدعوة والتوجيه والتعليم في البالد التي
يهدد فيها وجود المسلمين بالغزو التنصيري أو الشيوعي أو العلماني ،أو غير ذلك
من الملل والنحل ،التي تعمل على سلخ المسلمين من عقيدتهم أو تضليلهم عن حقيقة
دينهم ،وذلك مثل وضع المسلمين خارج العالم اإلسالمي ،حيث يكونون أقلية
محدودة اإلمكانات في مواجهة الكثرة صاحبة النفوذ والسلطان والمال.
وأما على الرأي اآلخر ،فال شك أن إنشاء هذه المراكز هو ضرب من الجهاد
اإلسالمي في عصرنا ،وهو الجهاد باللسان والقلم والدعوة والتربية ...وهو جهاد ال
يستغني عنه اليوم لمقاومة الغزو المكثف من قبل القوى المعادية لإلسالم.
وكما أن من قاتل لتكون كلمة اهلل هي العليا فهو في سبيل اهلل ،فكذلك من دعا
وعلَّم ووجَّه لتكون كلمة اهلل هي العليا فهو في سبيل اهلل.
إن المركز اإلسالمي اليوم بمثابة قلعة للدفاع عن اإلسالم ،وإ نما لكل امرئ
ما نوى " (.)2
" إن إنشاء مراكز إسالمية واعية للدعوة إلى اإلسالم الصحيح وتبليغ رسالته
إلى غير المسلمين في كافة القارات في هذا العالم الذي تتصارع فيه األديان
والمذاهب جهاد في سبيل اهلل وإ ن الصرف في هذه المجاالت لهو أولى ما ينبغي أن
1
(?) فتاوي معاصرة .291 – 1/286
2
(?) فتاوي معاصرة .234 – 2/233
122
يدفع فيه المسلم زكاته ،وفوق زكاته فليس لإلسالم – بعد اهلل – إال أبناء اإلسالم
وخاصة في عصر غربة اإلسالم " (.)1
123
-8تمويل الجهود الجادة التي تثبت اإلسالم بين األقليات اإلسالمية في الديار التي
تسلط فيها غير المسلمين على رقاب المسلمين ،والتي تتعرض لخطط تذويب
البقية الباقية من المسلمين في تلك الديار(.)1
1
(?) أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة .878 – 2/877
2
(?) مجلة البحوث اإلسالمية :المجلد األول العدد الثاني .56
124
المبحث الثالث
من المسائل التي أصبحت واقعاً ملموساً يتعامل به الناس آناء الليل وأطراف
النهار ،تلك الوسائل التي تمخض عنها فكر اإلنسان في عصرنا ،لتيسير االتصال
بين أرجاء المعمورة ،فاختصرت المسافات ،وتخطت حواجز الزمان والمكان،
وجعلت من البعيد قريباً ومن هذه الوسائل الهاتف سلكياً كان أم السلكياً والتلكس
والبرق والفاكس واإلنترنت.
125
لقد أضحى التعامل بهذه المخترعات في إبرام العقود المالية والتجارية وحتى
الشخصية كالزواج أمراً متاحاً من خالل هذه الوسائل وفي ذلك من التيسير على
اإلنسان وتوفير الجهد والوقت الشيء الكثير ،وهو ما يتجاوب مع ُروح شريعتنا
الغراء المتسمة بالسماحة ورفع الحرج والمرونة(.)1
إن بيان الحكم الشرعي في عملية إجراء العقود عبر أجهزة االتصال الحديثة
من القضايا الطارئة المعاصرة والتي يحتاج الناس إلى معرفة حكم اهلل فيها.
وسنعتمد في بحث هذا الموضوع على ما ورد في كتب الفقه من آراء أئمة
المذاهب ،وما قرروه عند الكالم على صيغة العقد ،وشروط اإليجاب والقبول،
وشروط تحقيق معنى اتصال القبول باإليجاب ليكون شطرا العقد في مجلس
واحد(.)2
1
(?) حكم إجراء العقود بوسائل االتصال الحديثة :د .محمد عقلة اإلبراهيم ،ص.80
2
(?) حكم إجراء العقود بوسائط االتصال الحديثة :د .وهبة الزحيلي ،ص.5
3
(?) حكم التعاقد عبر أجهزة االتصال الحديثة :د .عبد الرزاق رحيم الهيتي ،ص.12
126
والمشترك في التلكس بعد إكمال اإلجراءات الفنية الخاصة بالجهاز ،فإنه يبدأ
بإرسال المطلوب على شريط تثقيب خاص عن طريق جهاز اإلرسال اآللي حيث
يقوم الجهاز بدوره بنقل كل ما كتب إلى الجهاز المرسل إليه ليظهر المكتوب كما
هو(.)1
-3الفاكس :واإلرسال عن طريق البريد المصور (الفاكس) فإنه يتم من خالل
جهازين مرتبطين بالخطوط الهاتفية ،حيث يضع المرسل الورقة المكتوبة في
الجهاز ويضرب األرقام الخاصة بالجهاز الثاني ،حيث يقوم بفتح الخط ليطبع
صورة الورقة المرسلة على ورقة خاصة موجودة فيه لتظهر الورقة للمرسل إليه
كما هو دون تغيير أو تبديل(.)2
-4اإلنترنت :هو عبارة عن عدد كبير من شبكات الحاسوب المترابطة والموزعة
في أنحاء كثيرة من العالم وتتصل هذه الشبكات ويحكمها نظام موحد ،وعن طريق
هذه الشبكة يمكن للمشترك من خالل جهاز حاسوبه الخاص الحصول على مزايا ال
حصر لها من المعلومات والخدمات في جميع أنواع المعرفة ،كما يمكن للمشترك
من خالل اإلنترنت الشراء والبيع وإ جراء العقود المختلفة(.)3
المطلب األول :في العقد
1
المرجع الساق ،ص.11-10 (?)
2
المرجع السابق ،ص.10 (?)
3
اإلنترنت تقنيات وخدمات :د .عبد القادر بن عبداهلل الفتوح ،ص.8 (?)
4
الصحاح :مادة عقد ,2/510المصباح المنير :مادة عقد .2/71 (?)
5
الملكية ونظرية العقد :الشيخ محمد أبو زهرة ،ص.171 (?)
127
وهذا معنى خاص للعقد يخصه بالتصرف الذي يتوقف على رضا الطرفين
وال يصح إال بإيجاب وقبول كالبيع والزواج ،وهذا هو المعنى الشائع في كتب الفقه.
الثاني " :وهو كل ما عزم المرء على فعله سواء صدر بإرادة منفردة أو
احتاج إلى إرادتين في إنشائه " (.)1
وهذا هو المعنى العام للعقد والذي يتناول كل تصرف شرعي يفيد التزاماً
سواء تم هذا التصرف برضا طرف واحد – مثل الوقف والطالق واإلبراء ،أو كان
ال ينعقد إال بتوافق إرادتين – كالبيع والزواج واإلجارة.
1
(?) نظرية العقد :البن تيمية ،ص 18و .78
2
(?) راجع كتابنا :فقه العقود المالية ،ص.28 – 27
3
(?) بدائع الصنائع ،5/133البحر الرائق ،5/258األشباه والنظائر :البن نجيم ،ص ،337حاشية ابن
عابدين .3/9
4
(?) المجموع ،9/149مغني المحتاج ،2/3بداية المجتهد ،2/129القوانين الفقهية ص ،212المبدع ،4/4
كشاف القناع .3/146
128
ألنه لما كان الرضا أمراً نفسياً وأثراً خفياً داخلياً ال يستطيع أحد االطالع
عليه أقيم مقامه ما يدل عليه ويترجم عنه من مظهر مادي محسوس سواء كان ذلك
بالقول أو الكتابة المستبينة أو اإلشارة المفهمة أو الفعل كما في التعاطي.
وهذه الصيغة هي التي تدل على التراضي من كال الجانبين على إنشاء
العقد(.)1
قال الشربيني " :وإ نما احتيج إلى الصيغة ألن العقد منوط بالرضا لقوله
سبحانه :يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن
تراض منكم [ النساء ,]29 :ولقوله ":إنما البيع عن تراض ٍ" ( )2والرضا أمر ٍ
خفي ال ُيطلع عليه ،فأنيط الحكم بسبب ظاهر من الصيغة " (.)3
وقال الدسوقي في حاشيته " :وينعقد العقد بما يدل على الرضا من قول أو
كتابة أو إشارة منها أو من أحدهما " (.)4
-4معنى اإليجاب والقبول :
وعند الحنفية :اإليجاب :هو ما صدر أوالً من أحد العاقدين ،والقبول :ما
صدر عن العاقد اآلخر داالً على موافقته ورضاه بما أوجبه األول(.)5
وعند الجمهور :اإليجاب :هو ما صدر ممن يكون منه التمليك وإ ن جاء
متأخراً ،والقبول :هو ما صدر ممن يصير له الملك وإ ن صدر أوالً (.)6
ففي عقد البيع مثالً :إذا قال المشتري اشتريت منك هذه البضاعة بكذا ،وقال
البائع بعته لك بهذا الثمن :انعقد البيع ،وكان اإليجاب ما صدر عن البائع ألنه
المملك ،والقبول ما صدر من المشتري وإ ن صدر أوالً (.)7
1
(?) فقه العقود المالية ص ،28حكم إجراء العقود بوسائل االتصال الحديثة ص.91 – 90
2
(?) أخرجه ابن ماجة في كتاب التجارات باب بيع الخيار ( ،2/727 )2185وابن حبان في كتاب البيوع
( ،11/340 )4967قال الكناني :هذا إسناد صحيح رجاله ثقات (مصباح الزجاجة .)3/17
3
(?) مغني المحتاج .2/3
4
(?) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير .3/3
5
(?) البحر الرائق ،5/278بدائع الصنائع ،5/134شرح فتح القدير .3/190
6
(?) حاشية الدسوقي ،3/3حاشية العدوي ،2/180المجموع ،9/162مغني المحتاج ،2/3المغني ،4/4
كشاف القناع .3/146
7
(?) فقه العقود المالية ،ص.28
129
-5شروط اإليجاب والقبول :
يشترط الرتباط اإليجاب بالقبول على نحو معتبر يترتب عليه انعقاد العقد
()1
ولكي ينتج آثاره الشروط التالية:
-1وضوح داللة اإليجاب والقبول والعلم بمضمون العقد :وذلك بأن يكون كل
منهما واضح الداللة على مراد المتعاقدين ،وإ ن كان في الداللة شك أو عدم
وضوح أو أن ال يفهم كل منهما مقصود اآلخر لم ينعقد العقد.
-2موافقة القبول لإليجاب :وذلك بأن يتحد موضوعهما ،فإذا لم يوافق القبول
اإليجاب :كأن يرد اإليجاب على شيء والقبول على شيء آخر لم يتم العقد
لعدم توافق اإليجاب والقبول.
-3اتصال القبول باإليجاب :وذلك بأن يكون اإليجاب والقبول في مجلس واحد
إن كان الطرفان حاضرين معاً ،أو في مجلس علم الطرف الغائب
باإليجاب.
جاء في الفتاوي الهندية " :ومنها أن يكون اإليجاب والقبول في مجلس واحد
حتى لو اختلف المجلس " (.)2
1
(?) انظر الفتاوي الهندية ،1/269القوانين الفقهية ص ،212نهاية المحتاج ،3/381الروض المربع
،2/184كشاف القناع ،3/148الملكية ونظرية العقد ص ،203فقه العقود المالية ص.29
2
(?) الفتاوي الهندية .1/269
130
واألول يبدأ منذ وصول اإليجاب إلى علم الموجه إليه – من خالل الرسول أو
الكتاب أو البرقية ويمتد المدة المعتادة لإلجابة بحسب طبيعة العقد وعرف التعامل
حتى إذا صدر القبول اتصل باإليجاب حكماً.
والثاني :يبدأ من سماع اإليجاب في المجلس وينتهي بانتهاء المجلس أو
بالقبول أو باألعراض الصريح أو الضمني(.)1
1
(?) حكم إجراء العقود بوسائل االتصال الحديثة ،ص .101 – 100
2
(?) الدر المختار ورد المحتار :البن عابدين 4/10وما بعدها ،شرح فتح القدير ،5/79البدائع ،5/137
الشرح الكبير للدردير مع الدسوقي ،3/3 :الخرشي على خليل .5/5
3
(?) مجلة األحكام العدلية المادة .69
4
(?) حكم إجراء العقود بوسائط االتصال الحديثة ،ص.9
5
(?) حكم التعاقد عبر أجهزة االتصال الحديثة في الشريعة اإلسالمية ،ص.54
131
-2ما ثبت في األدلة الصحيحة القاطعة من أن رسول اهلل قد استعمل الكتابة
كوسيلة من وسائل نشر الدعوة ،فلقد خاطب الرؤساء والملوك ودعاهم
إال الدخول في اإلسالم عن طريق الكتابة.
قالوا :وإ ذا كانت الكتابة صالحة لنشر الدعوة ،فكيف ال تكون صالحة إلنشاء
العقود.
1
(?) المهذب ،1/257غاية المنتهى .2/4
2
(?) بدائع الصنائع ،5/137شرح فتح القدير ،5/78مواهب الجليل :للحطاب ،4/240الشرح الكبير مع
الدسوقي ،3/5الشرح الصغير وحاشية الصاوي ،3/17الشرح الكبير مع المغني ،4/4غاية المنتهى .2/4
132
واحد ،ولو طال الوقت إلى آخر المجلس ،ألن المجلس الواحد يجمع المتفرقات
للضرورة ،وفي اشتراط الفورية تضييق على القابل ،أو تفويت للصفقة من غير
مصلحة راجحة ،فإن رفض فوراً ،فتضيع عليه الصفقة ،وإ ن قبل فوراً ,فربما كان
في العقد ضرر له ،فيحتاج لفترة تأمل ,للموازنة بين ما يأخذ أو يغنم ,وبين ما
يعطي أو يغرم في سبيل العقد ،ألن المجلس جامع للمتفرقات ،فتعتبر ساعاته وحدة
زمنية تيسيراً على الناس ،ومنعاً للمضايقة والحرج ،ودفعاً للضرر عن العاقدين قدر
اإلمكان.
وقال الرملي من الشافعية :يشترط أن يكون القبول فور اإليجاب ،فلو تخلل
لفظ أجنبي ال تعلق لـه بالعقد ،ولو يسيراً ،بأن لم يكن من مقتضاه وال من مصالحه
وال من مستحباته ،ال يتحقق االتصال بين القبول واإليجاب ،فال ينعقد العقد(.)1
المطلب الثاني
حكم التعاقد بواسطة وسائل االتصال الحديثة
(الهاتف ،التلكس ،الفاكس ،اإلنترنت)
لما كان اإلسالم منهج حياة ودستور أمة ،ونظام اً صالحاً لكل زمان ومكان،
ومص ادر التش ريع فيه تتناسب والتط ور الحض اري واألزمن ة ،وبما فيه من التيس ير
على الناس ورعاية مصالحهم.
ك ان من الط بيعي أن تس توعب تعاليمه وقواع ده الكلية توظيف اله اتف
والبرقية والتلكس واإلن ترنت وس ائر ما أحدثه العلم من وس ائل االتص ال الحديثة
بحيث تكون وسيلة إلجراء العقود ألن هذه الوسائل هي عبارة عن صورة لما حرره
المرسل بنفسه ووقع عليه فيعلم منها رغبته في إنشاء العقد.
1
(?) نهاية المحتاج ،3/8مغني المحتاج .2/6
133
والتعاقد بالبرقية ال يختلف في ش يء عن التعاقد بالرس الة – اللهم إال في
وس يلة نقل اإليج اب والقب ول – فاإليج اب يتم في زم ان ومك ان يختلف ان عن زم ان
ومك ان القب ول ،وهنالك فاصل زم ني بين ص دور القب ول وبين علم الم وجب ب ه،
وبالت الي ينطبق عليه أحك ام التعاقد بين الغ ائبين في جميع تفص يالتها ال تي س بق
ذكره ا ،س واء من حيث زم ان تم ام العقد أو مكانه وما يب نى على االختالف بينهما
من آثار.
أما بالنس بة للتعاقد بواس طة اله اتف والتلكس والرادي و ...فهي كما أس لفنا من
وسائل اإليجاب الصريحة ،وإ ن كانت وسيلة الهاتف هي اللفظ المباشر ،أما التلكس
ف الرموز المكتوب ة ،ل ذا ف إن ه ذه الوس ائل ينطبق عليها ما ينطبق على التلف ون من
حيث أحكام التعاقد به(.)1
ليس المراد من اتحاد المجلس المطلوب في كل عقد كما بيَّنا كون المتعاقدين
في مكان واحد ،ألنه قد يكون مكان أحدهما غير مكان اآلخر ،إذا وجد بينهما
واسطة اتصال ،كالتعاقد بالهاتف أو الالسلكي أو بالمراسلة (الكتابة) وإ نما المراد
باتحاد المجلس :اتحاد الزمن أو الوقت الذي يكون المتعاقدان مشتغلين فيه بالتعاقد،
فمجلس العقد :هو الحال التي يكون فيها المتعاقدان مقبلين على التفاوض في
العقد( ،)2وعن هذا قال الفقهاء " :إن المجلس يجمع المتفرقات " (.)3
وعلى ه ذا ،يك ون مجلس العقد في المكالمة الهاتفية أو الالس لكية :هو زمن
االتص ال م ادام الكالم في ش أن العق د ،ف إن انتقل المتح دثان إلى ح ديث آخ ر ،انتهى
المجلس.
ومجلس التعاقد بإرسال رسول أو بتوجيه خطاب أو بالبرقية أو التلكس أو
الفاكس ونحوهما :هو مجلس تبليغ الرسالة ،أو وصول الخطاب أو البرقية أو إشعار
التلكس والفاكس ،ألن الرسول سفير ومعبر عن كالم المرسل ،فكأنه حضر بنفسه
1
(?) حكم إجراء العقود بوسائل االتصال الحديثة ،ص.129
2
(?) المدخل الفقهي العام :لألستاذ مصطفى الزرقاء :ف.349 – 1/348 ،171
3
(?) بدائع الصنائع.5/137 :
134
وخوطب باإليجاب فقبل ،فينعقد العقد ،وفي مكاتبة الغائب بخطاب أو برقية
ونحوهما يجعله كأنه حضر بنفسه ،وخوطب باإليجاب ،فقبل في المجلس.
فإن تأخر القبول إلى مجلس ٍ
ثان ،لم ينعقد العقد ،وبه تبين أن مجلس التعاقد
بين حاضرين :هو محل صدور اإليجاب ،ومجلس التعاقد بين غائبين :هو محل
وصول الكتاب أو تبليغ الرسالة ،أو المحادثة الهاتفية.
لكن للمرسل أو للكاتب أن يرجع عن إيجابه أمام شهود ،بشرط أن يكون قبل
قبول اآلخر ووصول الرسالة أو الخطاب ونحوه من اإلبراق والتلكس والفاكس،
ويرى جمهور المالكية :أنه ليس للموجب الرجوع قبل أن يترك فرصة للقابل يقرر
العرف مداها ،كما تقدم.
هذا وإ ن بقية شروط اإليجاب والقبول عدا اتحاد المجلس ،البد من توافرها
في وسائط االتصال الحديثة(.)1
()2
واألدلة على جواز هذا النوع من التعاقد :
لقد بحث فقهاؤنا -رحمهم اهلل – مسائل شبيهة بمسألتنا هذه ،يمكننا االعتماد
عليها في تقرير الحكم ،وهي حكم التعاقد بين المتعاقدين المتباعدين اللذين ال يرى
أحدهما اآلخر ،لكنه يسمعه ،وحكم التعاقد بين الغائبين ،وحكم التعاقد بين متعاقدين
يفصل بينهما ساتر.
أما بالنسبة للمسألة األولى :فيذكرها فقهاء الشافعية – رحمهم اهلل – جاء في
المجموع " :لو تناديا وهما متباعدان ،وتبايعا؟؟ صح البيع بال خالف " ( ,)3وجاء في
مغني المحتاج أيضاً " :لو تناديا من بعيد ،ثبت لهما الخيار وامتد ما لم يفارق
أحدهما مكانه " (.)4
1
(?) حكم إجراء العقود بوسائط االتصال الحديثة :د .وهبة الزحيلي ،ص.28
2
(?) انظر :حكم التعاقد عبر أجهزة االتصال الحديثة في الشريعة اإلسالمية :د .عبد الرزاق الهيتي ،ص– 16
.19
3
(?) المجموع ،9/171روضة الطالبين .3/438
4
(?) مغني المحتاج ،2/45حاشية البجيرمي .2/235
135
فهذان النصان صريحان في صحة إبرام العقد بين المتباعدين ،ويمكننا
االعتماد عليهما في القول بصحة العقد المبرم من خالل جهاز الهاتف.
وهناك مسألة أخرى شبيهة بمسألتنا هذه يذكرها فقهاء الشافعية أيضاً وهي:
حكم التعاقد بين الغائبين ،يقول اإلمام النووي " :لو قال :بعت داري فالن
وهو غائب ،فلما بلغه الخبر قال :قبلت ،انعقد البيع ،ألن النطق أقوى من الكتب "
(.)1
وهذا يعني أن هناك فاصالً زمانياً بين صدور اإليجاب وقبوله ،إض افة إلى
الفاصل المك اني بين المتعاق دين ،ومع ذلك فقد ذهب اإلم ام الن ووي إلى الق ول
بصحة هذا العقد.
وهناك أيضاً مسألة أخرى -قريبة من مسألتنا هذه يذكرها بعض الفقهاء -
رحمهم اهلل ،-فقد ذكروا أن وجود ساتر بين المتعاقدين ،بل وحتى إقامة وإ نشاء هذا
الساتر أثناء التعاقد ،ال يؤثر على خيار المجلس ،فعدم تأثيره على صحة العقد من
باب أولى.
يقول ابن قدامة " :ولو أقاما المجلس وسدال بينهما ساتراً ،أو بنيا بينهما
حاجزاً ...فالخيار بحاله وإ ن طالت المدة " (.)2
وجاء في المجموع " :قال أصحابنا :فلو لم يتفرقا ،ولكن جعل بينهما حائل
من ستر أو نحوه ،أو شق بينهما نهر لم يحصل التفرق بال خالف ،وإن ُبني بينهما
جدار ،فوجهان ...إلى أن يقول( :أصحهما) ال يحصل التفرق كما لو جعل بينهما
ستر " (.)3
فجميع هذه النصوص التي ذكرها هؤالء الفقهاء لمعالجة مسائل تتعلق
بالتعاقد بين متعاقدين لا يرى أحدهما اآلخر،تنص على أن عدم رؤية أحد المتعاقدين
1
(?) لمجموع ،9/159فتح العزيز :للرافعي ،8/103روضة الطالبين .3/339
2
(?) المغني :ابن قدامة .4/6
3
(?)المجموع .4/171
136
لآلخر ال تؤثر على إبرام العقد وصحته ،وإ ن كان للفقهاء الحنفية رأي يختلف في
الحكم في هذه المسألة عما ذهب إليه هؤالء الفقهاء(.)1
ومن ناحية أخرى :فإن الفقهاء مجمعون على أن األساس في صحة العقود
هو تحقيق الرضا ،كما تدل على ذلك نصوصهم(.)2
وإ ن مما ال شك فيه هو :أن ذلك الشرط متحقق في المكالمة الهاتفية ذلك ألن
التعبير إنما يتم من خالل اللفظ الصادر من كال المتعاقدين -وهذا محل اتفاق بين
الفقهاء -وما الهاتف وبقية وسائل االتصال إال وسيلة إيصال وتبليغ لصوت اللفظ
الصادر ،وليس هو وسيلة جديدة للتعبير عن اإلرادة.
وبقياس التلكس والفاكس واإلنترنت لصورة خاصة على ما ذكرناه من جواز
التعاقد بالكتابة عند جميع العلماء بين الغائبين.
إضافة إلى ما سبق كله ،فإن الفقهاء مجمعون على أن العرف هو األساس في
تحديد كيفية البيع وصحة انعقاده ،ما دام أنه لم يرد في ذلك نص.
يقول ابن نجيم " :واعلم أن اعتبار العادة والعرف ،يرجع إليه في الفقه في
مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصالً ،فقالوا في باب ما تترك به الحقيقة :تترك
الحقيقة بداللة االستعمال والعادة " (.)3
ويقول الدسوقي " :والحاصل أن المطلوب في انعقاد البيع ما يدل على الرضا
عرفاً " (.)4
وجاء في المجموع " :ولم يثبت في الشرع لفظ لـه -أي العقد – فوجب
الرجوع إلى العرف ،فكل ما عده الناس بيعاً كان بيعاً " (.)5
1
(?) فقد جاء في الفتاوى الهندية ما نصه " :ال يجوز أن ينادي من بعيد ،أو من وراء جدار " الفتاوي .3/5
2
(?) فتح القدير ،3/4الفروق :للقرافي ،1/44المجموع ،9/154كشاف القناع ،3/151المغني .4/4
3
(?) األشباه والنظائر :البن نجيم ،ص.93
4
(?) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير :للدسوقي .3/4
5
(?) المجموع .9/154
137
ويقول ابن قدامة " :إن اهلل أحل البيع ،ولم يبين كيفيته ،فوجب الرجوع فيه
إلى العرف " (.)6
بعد كل ما س بق يمكننا الق ول :إن ع دم رؤية أحد المتعاق دين لآلخر أثن اء
التعاقد ال ي ؤثر على ص حة العق د ،قياس اً على التعاقد بين المتباع دين أو الغ ائبين أو
اللذين يفصل بينهما ساتر.
وإ ذا ك ان ع دم رؤية كال المتعاق دين لآلخر ال ت ؤثر على ص حة العقد فإنه
يمكننا القطع بصحة التعاقد من خالل أجهزة االتصال الحديثة.
6
(?) المغني .4/4
2
(?) حكم إجراء العقود بوسائط االتصال الحديثة ،ص.30 – 29
138
في التعاقد بين حاضرين :تنص المادة ( )91على أن " التعبير عن اإلرادة
ينتج أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه ،ويعتبر وصول التعبير قرينة
على العلم به ،ما لم يقم الدليل على عكس ذلك " واشتراط السماع أو العلم بالقبول
حتى بين الحاضرين أخذ به بعض فقهاء الحنفية مثل النسفي وابن كمال باشا.
في التعاقد بين غائبين :تنص المادة ( )97على ما يلي " :يعتبر التعاقد ما
بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ،ما لم
يوجد اتفاق أو نص قانوني بغير ذلك ،ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في
المكان والزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول ".
وأرى األخذ بضرورة العلم بالقبول بالنسبة للموجب في التعاقد بين غائبين
بسبب تقدم وسائل االتصال الحديثة وتعقُّد المعامالت ،وتحقيقاً الستقرار التعامل
جهل
ومنع إيقاع الموجب في القلق ،وتمكيناً من إثبات العقد وإ لزام القابل ،فإن ْ
الموجب بالقبول يوقعه في حرج شديد ،وهذا رأي األستاذ الدكتور عبد الرزاق
السنهوري(.)1
1
(?) مصادر الحق.2/57 :
2
(?) الزواج والطالق في اإلسالم :بدران أبو العينين بدران ،ص.41
139
الشرط ،فإذا كان هناك شهود يسمعون كال من اإليجاب والقبول مباشرة ومن
الممكن فعالً أن يتحقق هذا الشرط إذا كان هنالك أكثر من هاتف فاستمع الشهود
وشهدوا على العقد فبذلك ينعقد عقد الزواج مباشرة وال يكون هناك أي غضاضة
وذلك لتوفر شروط العقد وأركانه الالزمة النعقاده(.)1
وقال د .وهبة الزحيلي " :ولكن عقد الزواج باإلجماع ال ينعقد وال يصح
بالفعل أو بالمعاطاة كإعطاء المهر مثالً ،وال يصح أيضاً بوسائل االتصال الحديثة
أمام الشاهدين بل البد فيه من النطق باإليجاب والقبول لخطورته وأهميته وتأثيره
الدائم على المرأة وحفاظاً على حرمات األعراض المصونة شرعاً(.)2
وأرجح هذا الرأي األخير.
فتوى مجمع الفقه اإلسالمي :
الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى
آله وصحبه.
()3
إجراء العقود بآالت االتصال الحديثة .
إن مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في
المملكة العربية السعودية من 23 – 17شعبان 1410هـ ،الموافق 20 – 14آزار
(مارس) 1990م.
بعد اطالعه على البح وث ال واردة إلى المجمع بخص وص موض وع( :إج راء
العقود بآالت االتصال الحديثة).
ونظ راً إلى التط ور الكب ير ال ذي حصل في وس ائل االتص ال وجراي ان العمل
بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعامالت المالية والتصرفات.
وباستحضار ما تعرض لـه الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة
وباإلشارة وبالرسول ،وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط لـه اتحاد
1
(?) حكم إجراء العقود بوسائل االتصال الحديثة :د .محمد عقله ،ص.137
2
(?) حكم إجراء العقود بوسائط االتصال الحديثة :د .وهبة الزحيلي ،ص.8 – 7
3
(?) القرار رقم 54/3/6في دورة المؤتمر السادس لمجلس مجمع الفقه اإلسالمي في منظمة المؤتمر اإلسالمي
المنعقد في جدة في المملكة العربية السعودية 23 – 17شعبان 1410هـ الموافق 20 – 14مارس 1990م.
140
المجلس (عدا الوصية واإليصاء والوكالة) وتطابق اإليجاب والقبول ،وعدم صدور
ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد ،والمواالة بين اإليجاب والقبول
بحسب العرف:
قرر:
-1إذا تم التعاقد بين غائبين ال يجمعهما مكان واحد ،وال يرى أحدهما اآلخر
معاينة ،وال يسمع كالمه ،وكانت وسيلة االتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو
السفارة (الرسول) ،وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات
الحاسب اآللي (الكمبيوتر) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول اإليجاب
إلى الموجه إليه وقبوله.
-2إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين ،وينطبق
هذا على الهاتف والالسلكي ،فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين
وتطبق على هذه الحالة األحكام األصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في
الديباجة.
-3إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجاباً محدد المدة يكون ملزماً بالبقاء على
إيجابه خالل تلك المدة ،وليس له :الرجوع عنه.
-4إن القواعد السابقة ال تشمل النكاح الشتراط اإلشهاد فيه ،وال الصرف
الشتراط التقابض ،وال السلم الشتراط تعجيل رأس المال.
-5ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة
لإلثبات.
141
142
المبحث الرابع
البطاقات االئتمانية
143
قبل أن نبدأ في تعريف " بطاقات االئتمان " نشير هنا إلى مالحظة هامة
القيم عن بطاقات االئتمان:
ذكرها أستاذنا الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان في كتابه ّ
عنوانها بـ " تصحيح العنوان " حيث قال " :بطاقات االئتمان :عنوان غير صحيح:
ألنه جرت عادة االقتصاديين والمصرفين تقديم هذا النوع من البطاقات بعنوان
(البطاقات االئتمانية) سواء في هذا البحوث العلمية ،أو اإلعالنات المصرفية وهي
في نظر هؤالء ترجمة لكلمة ( )Credit cardsفي اللغة اإلنجليزية.
لكن بالرجوع إلى معنى هذه الكلمة ( )Creditفي المعجم اإلنجليزي نجد أن
لها عدة معان :تطلق غالباً على شرف الشخص واعتزازه وانتماءه ،واالعتراف
بكفاءته وسمعته الطيبة ،المبدأ والثقة ،مالءته ورصيده في البنك ،قدرته على
الحصول على حاجياته قبل دفع الثمن بناء على الثقة بوفائه بالدفع.
أما كلمة ( )Cardفمعناها المعروف هو تلك الرقعة الصغيرة من الورق أو
البالستيك يصدرها البنك أو غيره لحاملها وعليها بعض البيانات الخاصة بالبنك
وبحاملها .)1( "...
وفي العرف االقتصادي تطلق كلمة CREDITعلى معنى اإلقراض ،وهو
من قبيل افتراض ثقة المقرض في أمانة المقترض وصدقه ولذلك منحه أجالً للوفاء
بدينه.
ولهذا يقول الدكتور عبد الوهاب " :فالعنوان السليم المناسب لهذا النوع من
البطاقات هو :بطاقات اإلقراض" (.)2
ومادام هذا االسم (بطاقات االئتمان) قد انتشر وشاع استخدامه نبقي عليه مع
تسليمنا صحة ما ذهب إليه فضيلة األستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان.
1
(?) البطاقات البنكية :أ.د .عبد الوهاب أبو سليمان ،ص.24 – 23
2
(?) المرجع السابق ،ص.25
144
بطاقة االئتم ان هي :البطاقة الص = = ==ادرة من بنك أو غ = = ==يره تخ = = ==ول حاملها
الحصول على حاجياته من السلع أو الخدمات ديناً (.)3
وعرفها المعجم االقتصادي العربي بأنها " :بطاقة خاصة يصدرها المصرف
لعميله تمكنه من الحصول على السلع والخدمات من أماكن ومحالت معينة عند
تقديمه لهذه البطاقة ،ويقوم بائع السلع أو الخدمات بتقديم الفاتورة الموقعة من العميل
إلى المصرف – مصدر االئتمان – فيسدد قيمتها لـه ،ويقدم المصرف للعميل كشفاً
شهرياً بإجمالي القيمة لتسديدها ،أو لخصمها من حسابه الجاري لطرفه " (.)2
كما عرفها مجمع الفقه اإلسالمي بأنها " :مستند يعطيه مصدره ،لشخص
طبيعي أو اعتباري – بناء على عقد بينهما – يمكنه من شراء السلع ,أو الخدمات
ممن يعتمد المستند ،دون دفع الثمن حاالً ،لتضمنه التزام المصدر بالدفع ،ويكون
الدفع من حساب المصدر ،ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية .)3( "...
وعرف الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان البطاقات البنكية اإلقراضية
والسحب المباشر من الرصيد تعريفاً يبين حقيقتها وأقسامها بأنها " :أداة يصدرها
بنك أو تاجر ،أو مؤسسة تخول حاملها الحصول على السلع والخدمات ،سحباً
ألثمانها من رصيده ،أو قرضاً مدفوعاً من قبل مصدرها ضامناً ألصحاب الحقوق
ما يتعلق بذمة حاملها ،الذي يتعهد بالوفاء والتسديد للقرض خالل مدة معينة من
دون زيادة على القرض إال في حالة عدم الوفاء ،أو بزيادة ربوية لدى اختياره
الدفع على أقساط ،مع حسم عمولة على التاجر من قيمة مبيعاته في جميع
الحاالت " (.)4
3
(?) هذا هو تعريف معجم أكسفورد مع إضافة يسيرةThe concise oxford Dictionary (Credit .
Card) P.277
2
(?) معجم المصطلحات التجارية والتعاونية :د .أحمد زكي بدوي ،ص.62
3
(?) مجلة المجمع الفقه اإلسالمي العدد الثاني عشر (.)676 – 3/675
4
(?) البطاقات البنكية :د .عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان ،ص.227
145
في ظل التنامي التجاري والتطور االقتصادي وتنافس البنوك لكسب أكبر قدر
ممكن من األموال مع التيسير على العمالء في الدفع ظهر ما يسمى بـ " بطاقات
االئتمان " " ." CREDIT CARD
وكان أول ظهور لها عام (1914م) حيث قامت شركة وسترن يونين
Western Unionفي أمريكا بإصدار بطاقة عادية لتسديد المدفوعات لزبائنها
المتميزين وذلك للتيسير عليهم وإلعطائهم الشعور باألمان أثناء التنقل.
ثم بدأ التعامل بالبطاقة يزداد شيوعاً مروراً بمحطات الوقود وبعض
المؤسسات التجارية إلى أن وصل إلى البنوك.
146
والبنك ال يقدم قرضاً لحامل هذه البطاقة وال يسمح لـه باستعمال البطاقة إال في حدود
رصيده بالبنك ،ولهذه البطاقة نفس استخدامات بطاقة الخصم الشهري Charge
Cardوبطاقة االئتمان القرضية Credit Cardفي الحصول على السلع
والخدمات والنقد(.)1
النوع الثاني :بطاقة الخصم الشهري أو الدفع المؤجل ()Charge Card
وهي بطاقة تتيح لحاملها أن يستخدمها في عمليات الشراء المختلفة والحصول على
الخدمات في شتى أنحاء العالم باإلضافة إلى صالحيتها في عمليات السحب النقدي
ومن خالل األجهزة التابعة للبنوك التي أصدرتها في كافة أنحاء العالم.
وإ صدارها ال يتطلب من حاملها الدفع المسبق للبنك المصدر في صورة
حساب جاري وإ نما يطالب البنك المصدر حامل البطاقة بقيمة مشترياته ومسحوباته
في نهاية كل شهر على أن يسددها في مدة تالية تتراوح بين 40 – 25يوماً وإ ذا
تأخر عن السداد يحمل بفائدة معدولها بين %1.75 – 1.5شهرياً( :)2أي من
- %18إلى %21سنوياً.
( النوع الثالث :بطاقة االئتمان القرضية أو السداد على فترات الحقة
)Credit Cardوهي األكثر انتشاراً في الدول المتقدمة وهذه يخير صاحبها بين
سداد مسحوباته عليها بالكامل خالل فترة السماح أو سداد جزء منها وتأجيل الباقي
إلى أقساط على شهور تالية مع حساب فائدة بنفس المعدالت التي ذكرناها في النوع
الثاني.
وليس للمسحوبات عليها حد أعلى مادام صاحبها مستمراً في السداد الجزئي
للديون والفوائد(.)3
-5خطوات إصدار البطاقة والعالقة بين األطراف التي لها صلة بالبطاقة :
1
(?) بطاقة االئتمان :الصديق محمد األمين الضرير ( 2/640ضمن بحوث مؤتمر األعمال المصرفية
اإللكترونية بين الشريعة والقانون /جامعة اإلمارات).
2
(?) بحث بطاقات االئتمان :دكتور محمد عبد الحليم عمر ( 2/666ضمن بحوث مؤتمر األعمال المصرفية
اإللكترونية بين الشريعة والقانون /جامعة اإلمارات).
3
(?) فقه النوازل :الجامعة األمريكية المفتوحة ،ص.12 – 11
147
أوالً :يق وم البنك بإص دار البطاقة لطالبه ا ،وقد ف رض البنك رس ماً لإلص دار،
ورسماً لالشتراك ،أي مقابالً مالياً نظير هذين األمرين فيستوفي البنك ممن صدرت
له البطاقة رسم اإلصدار ،ورسم االشتراك ،وقد يعفيه من أحدهما أو من كليهما.
والعالقة المتمثلة في هذا العمل هي تقديم خدمة يقوم بها البنك تعريفاً وتمهيداً
الستخدام البطاقة ،وهي خدمة يجوز للبنك أن يحصل على مقابل مالي نظير تقديمها
لعميله.
وهذا االلتزام المالي من العميل قابل البطاقة للبنك مصدر البطاقة يحدث قبل
االستخدام الفعلي للبطاقة فيما أصدرت من أجله.
ثانياً :يتفق البنك مصدر البطاقة مع التاجر على أن يقبل البيع لحامل بطاقته
مداينة ،ويضع تحت تصرفه الوسائل التي يستلزمها ذلك ،فتنشأ عالقة تقديم خدمة
أيضاً ،وهي مما يجوز أخذ األجرة عليه.
وهذا االلتزام المالي من التاجر قابل البطاقة للبنك هو أيضاً قبل االستخدام
الفعلي للبطاقة فيما خصصت له.
ثالثاً :يشتري حامل البطاقة سلعة من التاجر أو يحصل على خدمة ذات قيمة
مالية ،وال يدفع ثمناً لذلك لمن باع له السلعة أو أدى له هذه الخدمة ،وإ نما يوقع على
مستند خاص يمكن التاجر قابل البطاقة من أن يحصل على الثمن من البنك مصدر
البطاقة ،وتنشأ هنا عالقة بين حامل البطاقة والبنك المصدر لها ،ويترتب على هذه
العالقة التزام مالي من جهة حامل البطاقة للبنك الذي أصدرها.
رابعاً :يقدم التاجر أو مقدم الخدمة الذي قبل التعامل ببطاقة االئتمان ،إلى
البنك مصدر البطاقة ،نسخة من مستند الدفع الذي وقع عليه حامل البطاقة ،وهنا
تنشأ عالقة تعاقدية بين البنك والتاجر الذي قبل التعامل بالبطاقة ،إسناداً إلى ما اتفق
عليه بين الجانبين ،تجاه أي حالة قبول للبطاقة.
كما ينشأ مع هذه العالقة التزام مالي على البنك للتاجر الذي قبل التعامل
ببطاقة االئتمان.
148
وينشأ أيضاً التزام مالي مقابل للبنك على حامل البطاقة ،وهو قيمة ما حصل
عليه حامل البطاقة من سلع أو ما أدى إليه من خدمات ،ألنه لم يدفع أثمانها ،وإ نما
اكتفى بالتوقيع على مستند الدفع(.)1
البنوك المحلية
المخولة بإصدار البطاقة من قبل (فيزا)
149
عنه ،وقد ينحسر عدد أطراف العقد إلى اثنين ،كما هو األمر في البطاقات
الخاصة بالمحالت التجارية الكبيرة.
وفيما يلي تعريف باألطراف الرئيسين لهذه البطاقات:
الطرف األول :مصدر البطاقة ( )Issuing Bankهو المخول قانوناً بإصدار
البطاقة لحاملها ،ويقوم وكالة عنه بتسديد قيمة المشتريات للتاجر.
الطرف الثاني :حامل البطاقة ( )Card Holderهو الشخص الذي صدرت
خول باستخدامها ،وأخذ على نفسه االلتزام أمام مصدر البطاقة البطاقة باسمه ،أو ِّ
الوفاء بكل الواجبات التي تنشأ عن استعمال البطاقة.
الطرف الثالث :التاجر ( )Merchant or Supplierهو الذي يبرم عقداً مع
مصدر البطاقة بتقديم السلع والخدمات المتوافرة لديه ،المطلوبة من قبل العمالء
تم االتفاق معه(.)1
حاملي بطاقة البنك الذي ّ
150
واحد له تكوين معين ،وشكل ال يختلف ،وما يقال عن عقد بطاقة اإلقراض (
)Credit Cardيقال بالمثل عن غيره من عقود البطاقات األخرى.
أصبح من الضروري تصنيف أقسامه حسب تنوع مضامين كل قسم ونوع
فيه ،ثم تحليل كل واحد منها وتركيبه ،واتفاقاته المتعددة في داخله ،فمن ثم تتكشف
جوانب كل عقد ،وتتضح رؤيته ،فيسلم تكييف(.)1
1
(?) البطاقات البنكية :ص.140 – 139
151
وهذا المعنى هو ما يسمى في الفقه اإلسالمي بعقد الضمان (الكفالة) كما
الحق " عرفه الفقهاء " :هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام
(.)2
2
(?) المبدع ،4/248والمغني ،4/344مغني المحتاج ،2/198البحر الرائق ،6/221الشرح الكبير:
للدردير .3/329
2
(?) كشاف القناع ،3/461التعاريف :للمناوي .1/733
3
(?) انظر تبيين الحقائق ،4/288مواهب الجليل ،5/188روضة الطالبين ،4/330المغني ،4/391كشاف
القناع .3/489
)?(4الدر المختار ،5/161التعاريف .1/580
)?( 5بحث " بطاقة االئتمان " :د.مبارك جزاء الحربي ( 5/2174ضمن أوراق مؤتمر األعمال المصرفية
اإللكترونية بين الشريعة والقانون /جامعة اإلمارات ،ربيع األولى 1424هـ/مايو 2003م).
152
ووعد بالقرض والوكالة فإذا ما استخدمت فعالً وقام المصرف بالسداد نيابة عن
العميل فقد تحقق هذا الوعد وأصبح القرض والوكالة حقيقة واقعة.
ثانياً :العالقة بين مصدر البطاقة والتاجر :
لقد كثرت التخريجات الفقهية لهذه العالقة بين كونها شبيهة بخصم األوراق
التجارية ،إلى كونها عالقة كفالة :أي أن الجهة المصدرة قد كفلت للتاجر أن تدفع لـه
قيمة المبيعات بهذه البطاقة ،إلى كونها وكالة بأجر ،إلى كونها عالقة سمسرة ،بل إن
من الناس من خرجها على أنها عالقة بيع فجعل مصدر البطاقة هو المشتري
الحقيقي لهذه البضائع ثم يعيد بيعها للعميل فتكون قريبة الشبه ببيع المرابحة لآلمر
بالشراء.
ولعل أظهر هذه التخريجات هو تخريجها على أساس الكفالة والوكالة وهو
تخريج يفتح الباب لمشروعية العمولة أو نسبة الخصم التي يتقاضاها البنك في هذه
الحالة ألن األجرة الممنوعة في الكفالة هي التي تكون من المكفول عنه إلى الكفيل،
وهي هنا من المكفول لـه وهو التاجر إلى الكفيل ،أما األجرة في الوكالة فهي جائزة
في جميع األحوال.
ثالثاً :العالقة بين حامل البطاقة والتاجر :
ترددت التخريجات الفقهية لهذه العالقة بين كونها عالقة:
-1حوالة حيث أحال حاملها التاجر على مليء وهو الجهة المصدرة ،وتتحقق
هذه الحوالة بتوقيعه على فاتورة الشراء.
-2أو كونها عالقة بيع أو إجارة عادية بحيث تصنف العقود بحسبها بيعاً أو
إجارة بحسب المعقود عليه ثم تنتقل مسؤولية المطالبة بالقيمة إلى مصدر
البطاقة الذي ضمن تسديد ما يسحب عليها من أثمان أو أجور.
-3أو العالقة بينهما وكالة بأجر :وهذا المعنى يتضح من خالل توكيل التاجر
للمصدر بأن يحصل المبلغ المستحق له في ذمة العميل لقاء مبلغ يحصل
عليه المصدر محدد بنسبة معينة من فاتورة الشراء.
153
-10التكييف اإلجمالي لبطاقات االئتمان :
لعل أقرب تخريج إجمالي لبطاقات االئتمان أنها عقد مركب من جملة عقود:
()1
1
(?) فقه النوازل ،ص.13
154
ش أن أي عقد ف إن أرك ان العقد الثالثة إجم االً هي :العاقد والمعق ود عليه
والصيغة ومدى توفرها في بطاقة االئتمان بصفتها عقد ضمان يتضح اآلتي:
-1العاقد :عقد الضمان ثالثي األطراف هم الضامن والمضمون عنه والمضمون
له ،وهو ما يتوفر في البطاقة:
-فالمص در هو الض امن وش رطه الرشد أو األهلية وهو مت وفر لـه بص فته
الشخصية المعنوية.
-والمض مون عنه وهو حامل البطاقة ومن أهم ش روطه معرفته ليعلم هو
موسراً أم ال ؟ وهو ما يتم في بطاقة االئتمان حيث يص در البنك لـه البطاقة
بعد دراسة حالة العميل االئتمانية.
-والمضمون له وهو التاجر ويستفيد بضمان حقه.
-2المض===مون :وهو مبلغ ال دين الناشئ في ذمة حامل البطاقة للت اجر أو البن وك
األخ رى عن مش ترياته أو مس حوباته وأهم ش رط فيه كونه ثابت اً الزم اً ومع أن
دين البطاقة ال يكون موجوداً عند إصدارها الذي يمثل عقد الضمان فإن جميع
المذاهب الفقهية تجيز ضمان ما يسحب.
-3الص==يغة :وتتمثل في اإليج اب والقب ول ال ذي ي دل على رضا أط راف البطاقة
وإ ص دار البنك للبطاقة بن اء على طلب حامله ا ،وك ذا اتفاقية البنك مع التج ار
يحقق ركن الصيغة(.)1
-2عرفنا فيما سبق أن بطاق=ات االئتم==ان أن=واع فما هو الن==وع المنس=جم مع أحك==ام
الشريعة اإلسالمية والخالي من الربا يا ترى؟
يجيب فضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عن هذا التساؤل ويقول" :
بطاقة السحب المباشر من الرصيد ( )Debit Cardهي األصح واألسلم شرعاً بين
جميع أن واع البطاق ات ،وهي ال تي تنس جم مع القواعد الش رعية ،وفي نفس ال وقت
1
(?)بطاقة االئتمان :ماهيتها والعالقات الناشئة عن استخدامها بين الشريعة والقانون :د .محمد عبد الحليم عمر
( 688 – 2/687بحوث مؤتمر األعمال المصرفية اإللكترونية بين الشريعة والقانون /جامعة اإلمارات).
155
تحقق ربح اً إس المياً حالالً للبن وك ،خصوص اً إذا ط ورت واتخذ رص يد حاملها في
البنك أداة استثمارية بالمضاربة والمشاركة مع البنك ،يتحقق به العدل للطرفين ،إذ
يس تفيد حامل البطاقة من تنمية رص يده ،فال يجمد بالنس بة لـه ،وال يك ون المس تفيد
الوحيد من الرص يد البنك فحس ب ،بل يص بح ال ربح مش اركة بين الط رفين حسب
االتفاق دون غبن ،أو شطط " (.)1
156
ويفهم من هذا أنه إذا تعنت أحد بفرض شرط مخالف للشرع فيما تعم الحاجة
إليه من العق ود وأبى إب رام العقد إلى على ه ذا الش رط الفاسد فال تتعطل ه ذه العق ود
بس بب التعنت ،وال يف تى بع دم مش روعيتها بل تج ري رغم ذلك ويجتهد على إبط ال
ه ذا الش رط الفاسد من خالل الس لطان ،أو التح وط في ع دم الوق وع تحت طائلته عند
خلو الزمان من السلطان القائم على أمر اهلل.
1
(?) أخرجه البخاري في الصالة باب ذكر البيع والشراء على المنبر (.1/174 )444
2
(?) المجموع ،9/350روضة الطالبين ،3/403المدونة ،10/345نيل األوطار .5/282
157
داء على فصل ال دين عن الدولة والكفر بمرجعية الش ريعة المطه رة في عالقة ابت ً
الدين بالحياة!
-2مناقشة القي= = ==اس على ما عمت به البل======وى من عق======ود الكهرب======اء واله======اتف
ونحوها:
كما ناقشوا القياس على عقود الكهرباء والهاتف التي تتضمن شروطاً مماثلة
الحاجة إلى هذه المرافق وتعلق مصالح األمة الحيوية بها.
واألمر في بطاقات االئتمان أدنى من ذلك ،فقد يستطيع اإلنس ان أن يحيا حياته
بص ورة طبيعية أو ش به طبيعية ب دون بطاق ات االئتم ان ،ولكنه ال يس تطيع أن يفعل
ذلك بدون هاتف وكهرباء.
القول المختار :
وال ذي ي ترجح ل دينا انتف اء الح رج عمن غلب على ظنه قدرته على الوف اء في
مدة السماح وبالتالي عدم الوقوع تحت طائلة هذا الشرط وبذل من األسباب ما يمكنه
من ذلك.
158
ومنهم من خرجها على أنها أج رة مقابل الخ دمات ال تي يق وم بها البنك للت اجر
كالدعاية واإلعالن والتحص يل ونح وه ،أو باعتبارها أم ور سمس رة فالبنك قد جلب
الزبائن للتاجر وأخذ أجرة مقابل ذلك.
-3تخريجها على أنها مصالحة مع الدائن :
ومنهم من اعتبرها من قبيل المص الحة مع ال دائن بأقل من المبلغ ال ذي ال تزم
به المكف ول باعتب ار أن العالقة بين مص در البطاقة وحاملها عالقة كفال ة ،ومثل ذلك
منصوص على جوازه عند األحناف.
159
-2الهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي وللبنك اإلسالمي األردني :
كما ذهب إلى الجواز أيضاً الفتوى الصادرة عن الهيئة الشرعية لكل من بيت
التمويل الكويتي والبنك اإلسالمي األردني ،حيث عدت " العمولة التي يأخذها البنك
من الت اجر المتعامل بالبطاقة أجر وكالة على الوس اطة بين الت اجر وحامل البطاقة
وما ينتج بسببها من :ترويج التعامل معه ،وتأمين الزبائن وتحصيل الديون ،كما أنه
ال يوجد أثر للض مان ال ذي يوجد في بعض الح االت ،ألن العمولة ال ت زداد مقابل ه،
وال ينظر للمبلغ المضمون ".
1
(?) فقه النوازل ،ص.18
160
-6هل يجوز شراء الذهب والفضة ببطاقات االئتمان ؟
ال ذهب والفضة ال يباع ان إال من اجزة " ي داً بيد " فالتق ابض الف وري ش رط في
ص حة ه ذه المعاملة لقوله " :ال ذهب بال ذهب والفضة بالفضة س ً
واء بس واء ي داً
بيد ...فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد " ( )1فهل يجوز
شراء الذهب والفضة ببطاقات االئتمان ؟
أجمع مجمع الفقه اإلسالمي بجواز شراء الذهب والفضة بالشيكات المصدقة
على أن يتم التق ابض في المجلس ،واعت بر تس ليم الش يك المص دق بمثابة التس ليم
الفوري للمبلغ ،ولما كانت قسيمة الدفع تخول للتاجر الحصول الفوري على المبلغ
عند تقديمها للبنك الذي يتعامل به التاجر فإن قبض القسيمة يحقق التقابض المنشود
في بيع الذهب والفضة.
وعلى هذا فالبطاقة التي يتحقق فيها القبض الفوري يمكن استخدامها في شراء
الذهب والفضة ،والتي ال يتحقق فيها ذلك ال يشرع استخدامها(.)2
1
(?) أخرجه البخاري في البيوع باب بيع الذهب بالذهب ( ،2/761 )2066ومسلم في المساقاة باب الصرف
وبيع الذهب بالورق نقدًا (.3/1211 )1583
2
(?) لبائع الذهب طريقان لتحصيل قيمة الذهب من العميل صاحب البطاقة:
-1استخدام الجهاز اآللي " الدفع السريع " وذلك بتمرير البطاقة في هذا الجهاز الذي يقوم على الفور بسلسلة
من العمليات الفورية اآللية التي تنتهي بتحويل قيمة هذه المبيعات إلى حساب التاجر.
-2استعمال الجهاز اليدوي ويستغرق قيامه بهذه العمليات وقتاً ال يقل عن ثالثة أيام ،كما أن تحويل المبلغ إلى
حساب التاجر مرهون بتقديمه لفواتير البيع إلى الجهة المصدرة للبطاقة.
161
ال يخفى أن التق ابض الف وري ش رط في ص حة الص رف لقوله " :ف إذا
اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد " ( ،)1وتجوز المصارف على
ما في الذمة إذا ك ان بالس عر الحاضر إذا تف رق الطرف ان وليس بينهما ش يء ،أي
بشرط أال يبقى شيء في الذمة ألحدهما.
والمصارفة على ما في الذمة قد تكون بين بدل في الذمة وبين حاضر ,أو بين
بدلين في الذمة وتسمى في هذه الحالة " مقاصة أو تطارح الدينين " فتكون المقاصة
في ح دود الب دل األص غر ويس دد الب اقي بالعملة األخ رى على أن يتفرقا وليس بينهما
شيء.
واألصل في ذلك ح ديث ابن عمر " :كنت أبيع اإلبل ب البقيع ،ف أبيع بال ذهب
وأقضي ب الورق ،أو أبيع ب الورق وأقضي بال ذهب ،فس ألت في ذلك رس ول اهلل
فقال " :ال بأس إذا كان بسعر يومكما إذا تفرقتما وليس بينكما شيء " (.)2
وعلى ه ذا فال ب أس به ذه العملية على أن تتم المحاس بة على أس اس س عر
الص رف ي وم التس وية أو المقاص ة ،أي :ي وم الخصم من الحس اب الج اري لحامل
البطاقة.
1
(?) سبق تخريج الحديث قريباً.
2
(?) أخرجه أبو داود في البيوع باب في اقتضاء الذهب من الورق ( ،3/250 )3354والترمذي في البيوع باب
في الصرف ( ،3/544 )1242والنسائي (المجتبى) في البيوع باب بيع الفضة بالذهب (،7/281 )4582
وأحمد في مسنده (.2/139 )6239
162
المجيزون :
فمنهم من ي رى ج واز ه ذه العم والت ألنها ال تع دو أن تك ون أج راً مقابل
توص يل العميل من حس ابه إلى المن اطق ال تي يس تخدم فيها البطاقة وما يقتض يه ذلك
من نفق ات ومص روفات ،فهي أجر تحويل العم والت من بلد إلى بلد إال أنه تحويل
معك وس حيث تق وم البن وك الوكيلة لش ركة البطاقة ب دفع النق ود أوالً ثم تس ترد من
العميل ثاني اً تحقيق اً للفورية المطلوبة في ه ذه العملي ة ،واألجل المتخلل بين القبض
والتسديد ليس مقصوداً في هذه العملية وال هو من صميمها ،وهذا الذي أخذ به بنك
التمويل الكويتي والبنك اإلسالمي األردني.
المانعون :
ومنهم من يرى حرمة هذه العموالت ألن عملية السحب تعد إقراض اً من قبل
ون من الربا جهة البطاقة أو البنك الوكيل لحامل البطاقة فما يؤخذ مقابلها يك
المحرم ،وهذا الذي أخذت به الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية.
الرأي الراجح :
والذي يترجح هو التفرقة بين وضعين :
-عندما تكون العملية سحباً من حس اب العميل فما يؤخذ مقابلها يكون عمولة
مشروعة.
-وعندما تكون إقراضاً له فما يؤخذ مقابلها يكون ربا محرماً ،واهلل أعلم.
وال يخفى أن الحرمة في ه ذه الحالة إنما تتعلق بالجهة المص درة للبطاقة وبين
البنك الوكي ل ،أما العميل فهو في كل حاالته يس حب من أمواله المودعة ل دى جهة
البطاقة ،والعمولة التي يتحملها إنما تكون مقابل ما تتجشمه هذه الجهة من جهد وما
تتكلفه من نفقة بمناس بة قيامها به ذا العم ل ،وال عالقة لـه بما ي دور بين الجهة
المصدرة وبين البنك الوكيل(.)1
1
(?) فقه النوازل ،ص.21
163
164
المبحث الخامس
التأمين التعاوني
165
()1
يهدف التأمين إلى تحقيق عدة أمور منها:
-1تحصين المجتمع من آثار المصائب والنكبات :فبدالً أن يتحملها فرد بعينه
أو مجموعة بعينها ،فإن أفراد األمة جميعهم يهبُّون لنصرة المصاب
وتخفيف أثر المصيبة عليه.
-2وهذا من شأنه تحقيق التحابب والتواد واألخوة وتماسك المجتمع.
-3تحقيق طمأنينة النفس والسعادة في الدنيا :فحينما يشعر الفرد أن كل حاجاته
مؤمنة في حاالت الطوارئ ترتاح نفسه ويطمئن على حياته.
-4توفير األموال وادخارها ،فالمشترك في نظام من نظم التأمين يدفع قسطاً
شهرياً قليالً جداً يكون ذا أثر كبير عند وقوع الخطر.
-5واإلنسان في حاجة إلى التأمين ألنه محاط باألخطار وهو يعاني منها
ويتحمل أعباء جسيمة وإ ن الخوف من هذه المخاطر – كغرق البواخر في
البحر – يوقف كثيراً من رجال األعمال عن بعض الفعاليات االقتصادية
التي كان بإمكانها أن تنفع البالد والعباد ،وإ ن وقوع هذه المخاطر يسبب
كوارث اقتصادية واجتماعية كحريق مصنع وموت عامل وهو يعيل
()2
أسرة...
166
حتى القرن العشرين ،حيث جاء القانون الفرنسي المؤرخ في 13/7/1930م منظماً
ألحكامه تنظيماً شامالً مما جعله قانوناً رائداً في هذا الموضوع(.)1
ويعد العالمة محمد أمين الشهير بابن عابدين (1252هـ) أول من تكلم عن
التأمين وسماه " السوكرة " وأفتى بحرمة التأمين البحري(.)2
-3أنواع التأمين :
()3
ينقسم التأمين من حيث شكله إلى قسمين:
أحدهما :التأمين التعاوني :بحيث يجتمع مجموعة من األشخاص المعرضين
للخطر المشابه ويدفع كل منهم اشتراكاً معيناً وتصرف هذه االشتراكات ألداء
التعويض لمن ُيصيبه الضرر ،وإ ذا زادت االشتراكات على ما صرف من تعويض
كان لألعضاء حق استردادها ،وإ ن نقصت طولب األعضاء باشتراك إضافي
لتغطية العجز وأعضاء شركة التأمين التعاوني ال يسعون إلى تحقيق األرباح ولكن
يسعون إلى تخفيف الخسائر وتحمل المصائب وتدار الشركة بواسطة أعضائها فكل
واحد يكون مؤمناً ومؤمناً لـه (وهذا النوع قليل التطبيق اليوم).
الثاني :التأمين بقسط ثابت :وهو أن يلتزم المؤمن لـه بدفع قسط محدد إلى
المؤمن وهو شركة التأمين المكونة من أفراد مساهمين غير المؤمن لهم وهؤالء هم
الذين يستفيدون من أرباح الشركة (وهذا النوع هو السائد اآلن).
الفرق بين النوعين :أن الذي يتولى التأمين التعاوني ليس هيئة مستقلة عن
المؤمن لهم وال يسعى أعضاؤه إلى تحقيق الربح وإ نما يسعون إلى تخفيف الخسائر
التي تلحق ببعض األعضاء ،فالغرض اجتماعي إنساني.
أما التأمين بقسط ثابت فيتواله المؤمن (الشركة المساهمة) الذي يهدف إلى
تحقيق الربح على حساب المشتركين المؤمن لهم.
وينقسم التأمين من حيث موضوعه إلى قسمين:
)?( 1فقه العقود المالية :د .عبد الحق حميش ود .الحسين شواط ص ،126المعامالت المالية المعاصرة في
ضوء الفقه والشريعة ص.150
)?(2رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين) .4/170
)?(3انظر كتابنا :فقه العقود المالية ،ص.128 – 126
167
أحدهما :تأمين األضرار :وهو يتناول المخاطر التي تؤثر في مال أو ذمة
المؤمن لـه والغرض منه تعويض الخسارة التي تلحق المؤمن له بسبب الحادث وهو
ينقسم إلى قسمين:
-1تأمين على األشياء :تعويض المؤمن له عن الخسارة التي تلحقه في ماله
مثل :التأمين على الحريق ،والسرقة والغرق ،وموت الحيوانات ،وسقوط
الطائرات.
-2التأمين من المسؤولية :ضمان المؤمن له ضد الرجوع الذي قد يتعرض له
من جانب الغير بسبب ما أصابهم بسببه :حوادث السيارات ،حوادث
العمل...
الث==اني :ت==أمين األش==خاص :وهو يتن اول كل أن واع الت أمين المتعلقة بش خص
الم ؤمن لـه ويقصد به دفع مبلغ معين إذا وقع خطر معين لإلنس ان في وج وده أو
سالمته ويشمل تأمين األشخاص نوعين أساسين:
أ -الت أمين لح ال الوف اة :وهو أن يتعهد الم ؤمن في مقابل أقس اط أن ي دفع مبلغ اً
معيناً عند وفاة المؤمن عليه لورثته أو ألي شخص آخر.
168
ب -التأمين لحال البقاء ويسمى التأمين المضاد :وهو التزام من المؤمن بدفع
مبلغ من المال إلى المؤمن له إذا ظل حياً في تاريخ معين إو ذا مات قبل
التاريخ المحدد لها يدفع المؤمن شيئاً مع احتفاظه باألقساط.
ج -التأمين المختلط والذي يجمع بين النوعين السابقين :حيث يلتزم فيه المؤمن
بأداء المبلغ المؤمن به إما في تاريخ معين للمؤمن لـه نفسه إذا ظل حياً في
هذا التاريخ ،إو ما إلى المستفيد المعين أو إلى ورثة المؤمن له إذا مات قبل
ذلك التاريخ ويكون القسط في هذا النوع أكبر منه في النوعين السابقين.
د -التأمين من الحوادث الجسمانية :ويلتزم فيه المؤمن بدفع مبلغ معين إلى
المؤمن لـه إذا أصابه في أثناء المدة المؤمن فيها حادث جسماني أو إلى
المستفيد المعين إذا مات المؤمن له من الحادث.
وينقسم التأمين إلى:
-1تأمين خاص :وهو ما عقد المؤمن لـه ليؤمن عن نفسه من خطر معين
ويكون الدافع إلى هذا التأمين الصالح الشخصي.
-2تأمين اجتماعي :وهو ما كان الغرض منه تأمين األشخاص – الذين
يعتمدون في معايشهم على كسب عملهم – من بعض األخطار التي
يتعرضون لها فتعجزهم أو تعطلهم عن العمل كالمرض والشيخوخة
والعجز...
169
وبعد الدراسة الوافية وت داول ال رأي في ذلك ق َّرر المجلس باألكثرية تح ريم
الت أمين بجميع أنواعه س واء ك ان على النفس أو البض ائع التجارية أو غ ير ذلك من
األموال.
كما قرر مجلس المجمع باإلجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء
من جواز التأمين التعاوني بدالً من التأمين التجاري المحرم والمنوه عنه آنفاً وعهد
بصياغة القرار إلى لجنة خاصة.
تقرير اللجنة المكلفة بإعداد قرار مجلس المجمع حول التأمين :
بناء على قرار مجلس المجمع المتخذ بجلسة األربعاء 14شعبان 1398هـ
المتضمن تكليف كل من أصحاب الفضيلة العلماء الشيخ عبد العزيز بن عبداهلل بن
باز ،والشيخ محمد محمود الصواف ،والشيخ محمد بن عبداهلل السبيل بصياغة قرار
مجلس المجمع حول التأمين بشتى أنواعه وأشكاله.
وعليه فقد حضرت اللجنة المشار إليها وبعد المداولة أقرت ما يلي:
الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى
بهداه ..أما بعد:
فإن المجمع الفقهي اإلسالمي في دورته األولى المنعقدة في 10شعبان
1398هـ بمكة المكرمة بمقر رابطة العالم اإلسالمي نظر في موضوع التأمين
بأنواعه بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك وبعد ما اطلع أيضاً على ما
قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة
بمدينة الرياض بتاريخ 4/4/1397هـ بقراره رقم ( )55من التحريم للتأمين
التجاري بأنواعه.
وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي
باإلجماع عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه
سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك لألدلة اآلتية:
األول :عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية االحتمالية
المشتملة على الغرر الفاحش ،ألن المستأمن ال يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار
170
ما يعطي أو يأخذ ،فقد يدفع قسطاً أو قسطين ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به
المؤمن ،وقد ال تقع الكارثة أصالً فيدفع جميع األقساط وال يأخذ شيئاً ،وكذلك
المؤمن ال يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده ،وقد ورد في
الحديث الصحيح عن النبي النهي عن بيع الغرر(.)1
الثاني :عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة (الميسر) ،لما فيه
من المخاطرة في معاوضات مالية ومن الغرم بال جناية أو تسبب فيها ومن الغنم بال
مقابل أو مقابل غير مكافئ ،فإن المستأمن قد يدفع قسطاً من التأمين ثم يقع الحادث
فيغرم المؤمن كل مبلغ التأمين ،وقد ال يقع الخطر ومع ذلك يغنم المؤمن أقساط
التأمين بال مقابل ،وإ ذا استحكمت فيه الجهالة كان قماراً ودخل في عموم النهي عن
الميسر في قوله تعالى :يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر واألنصاب
واألزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون [ المائدة.]91 :
الثالث :عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسيئة ,فإن الشركة
إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا
فضل ،والمؤمن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة يكون ربا النسيئة ،وإ ذا دفعت الشركة
للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا النسيئة فقط ،وكالهما محرم بالنص
واإلجماع(.)2
الرابع :عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم ،ألن كال منهما فيه جهالة
وغرر ومقامرة ولم يبح الشرع من الرهان إال ما فيه نصرة لإلسالم وظهور
ألعالمه بالحجة والسنان ،وقد حصر النبي رخصة الرهان بعوض في ثالثة
)?( 1أخرجه مسلم في البيوع باب بطالن بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر ( ،3/1153 )1513وأبو داود في
البيوع باب في بيع الغرر ( ،3/254 )3376ومالك في موطئه في كتاب البيوع باب بيع الغرر ()1345
،2/664وأحمد (.2/376 )8871
)?(2المغني ،4/127مغني المحتاج ،2/21تبيين الحقائق ،4/3الثمر الداني .1/495
171
بقوله " :ال سبق إال في خف أو حافر أو نصل " ( ,)3وليس التأمين من ذلك وال
شبيهاً به فكان محرماً.
الخامس :عقد التأمين التجاري فيه أخذ مال الغير بال مقابل ،وأخذ بال مقابل
في عقود المعاوضات التجارية محرم لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى :يا
أيها الذين آمنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن تراض منكم
[ النساء.]29 :
السادس :في عقد التأمين التجاري اإللزام بما ال يلزم شرعاً ،فإن المؤمن لم
يحدث الخطر منه ولم يتسبب في حدوثه ،وإ نما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن
على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن لـه ،والمؤمن لم
يبذل عمالً للمستأمن فكان حراماً.
وأما ما استدل به المبيحون للتأمين التجاري مطلقاً أو في بعض أنواعه
فالجواب عنه ما يلي:
(أ) االستدالل باالستصالح غير صحيح ،فإن المصالح في الشريعة اإلسالمية
ثالثة أقسام :قسم شهد الشرع باعتباره فهو حجة ،وقسم سكت عنه الشرع فلم يشهد
لـه بإلغاء وال اعتبار فهو مصلحة مرسلة وهذا محل اجتهاد المجتهدين ،والقسم
الثالث :ما شهد الشرع بإلغائه ،وعقود التأمين التجاري فيها جهالة وغرر وقمار
وربا فكانت مما شهدت الشريعة بإلغائه لغلبة جانب المفسدة فيه على جانب
المصلحة.
(ب) اإلباحة األص لية ال تص لح دليالً هن ا ،ألن عق ود الت أمين التج اري ق امت
األدلة على مناقض تها ألدلة الكت اب والس نة ،والعمل باإلباحة األص لية مش روط بع دم
الناقل عنها وقد وجد فبطل االستدالل بها.
3
(?) أخرجه أبو داود في الجهاد باب المسابقة ( ،1/395 )1638وابن ماجه في الجهاد باب السبق والرهان
( ،2/960 )2878والنسائي في الخيل باب السبق ( ،6/227 )3589وصححه ابن القطان وابن دقيق العين
(تلخيص الحبير )4/161
172
(ج) الض رورات ت بيح المحظ ورات ال يصح االس تدالل به هن ا ،ف إن ما أباحه
اهلل من ط رق كسب الطيب ات أك ثر أض عافاً مض اعفة مما حرمه عليهم ،فليس هن اك
ضرورة معتبرة شرعاً تلجئ إلى ما حرمته الشريعة من التأمين.
(د) ال يصح االستدالل بالعرف ،فإن العرف ليس من أدلة تشريع األحكام
وإ نما يبنى عليه في تطبيق األحكام وفهم المراد من ألفاظ النصوص ومن عبارات
الناس في أيمانهم وتداعيهم وأخبارهم وسائر ما يحتاج إلى تحديد المقصود منه من
األفعال واألقوال فال تأثير لـه فيما تبين أمره وتعين المقصود منه ،وقد دلت األدلة
داللة واضحة على منع التأمين فال اعتبار به معها.
(هـ) االستدالل بأن عقود التأمين التجاري من عقود المضاربة أو في معناه
غير صحيح :فإن رأس المال في المضاربة لم يخرج عن ملك صاحبه وما يدفعه
المستأمن يخرج بعقد التأمين من ملكه إلى ملك الشركة حسبما يقضي به نظام
التأمين ،وأن رأس مال المضاربة يستحقه ورثة مالكه عند موته ،وفي التأمين قد
يستحق الورثة نظاماً مبلغ التأمين ولو لم يدفع مورثهم إال قسطاً واحداً ،وقد ال
يستحقون شيئاً إذا جعل المستفيد سوى المستأمن وورثته ،وأن الربح في المضاربة
يكون بين الشريكين نسباً مئوية مثالً بخالف التأمين فربح رأس المال وخسارته
للشركة وليس للمستأمن إال مبلغ التأمين أو مبلغ غير محدد.
(و) قياس عقود التأمين على والء المواالة عند من يقول به غير صحيح ،فإنه
قياس مع الفارق ،ومن الفروق بينهما :أن عقود التأمين هدفها الربح المادي
المشوب بالغرر والقمار وفاحش الجهالة بخالف عقد والء المواالة فالقصد األول
فيه التآخي في اإلسالم والتناصر والتعاون في الشدة والرخاء وسائر األحوال وما
يكون من كسب مادي فالقصد إليه بالتبع.
(ز) قياس عقد التأمين التجاري على الوعد الملزم عند من يقول به ال يصح،
ألنه قياس مع الفارق ،ومن الفروق أن الوعد بقرض أو إعارة أو تحمل خسارة مثالً
من باب المعروف المحض ،فكان الوفاء به واجباً أو من مكارم األخالق ،بخالف
173
عقود التأمين فإنها معاوضة تجارية باعثها الربح المادي فال يغتفر فيها ما يغتفر في
التبرعات من الجهالة والغرر.
(ح) قياس عقود التأمين التجاري على ضمان المجهول وضمان ما لم يجب
قياس غير صحيح ،ألنه قياس مع الفارق أيضاً ،ومن الفروق أن الضمان نوع من
التبرع يقصد به اإلحسان المحض بخالف التأمين فإنه عقد معاوضة تجارية يقصد
منها أوالً الكسب المادي فإن ترتب عليه معروف فهو تابع غير مقصود إليه
واألحكام يراعى فيها األصل ال التابع ما دام تابعاً غير مقصود إليه.
(ط) قياس عقود التأمين التجاري على ضمان خطر الطريق ال يصح ،فإنه
قياس مع الفارق كما سبق في الدليل قبله.
(ي) قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد غير صحيح ،فإنه قياس
مع الفارق أيضاً ألن ما يعطى من التقاعد حق التزم به ولي األمر باعتباره مسؤوالً
عن رعيته وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة األمة ووضع له نظاماً
راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف ،ونظر إلى مظنة الحاجة فيهم ،فليس
نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها ،وعلى هذا ال شبه
بينه وبين التأمين الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية التي يقصدها بها
استغالل الشركات للمستأمنين والكسب من ورائهم بطرق غير مشروعة ،ألن ما
يعطى في حالة التقاعد يعتبر حقاً التزم به من حكومات مسؤولة عن رعيتها
وتصرفها لمن قام بخدمة األمة كفاء لمعروفه وتعاوناً معه جزاء تعاونه معها ببدنه
وفكره وقطع الكثير من فراغه في سبيل النهوض معها باألمة.
(ك) قياس نظام التأمين التجاري وعقوده على نظام العاقلة ال يصح :فإنه
قياس مع الفارق ،ومن الفروق أن األصل في تحمل العاقلة لديه الخطأ وشبه العمد
ما بينها وبين القاتل خطأ أو شبه العمد من الرحم والقرابة التي تدعو إلى النصرة
والتواصل والتعاون وإ سداء المعروف ولو دون مقابل ،وعقود التأمين التجارية
استغاللية تقوم على معاوضات مالية محضة ال تمت إلى عاطفة اإلحسان وبواعث
المعروف بصلة.
174
(ل) قياس عقود التأمين التجاري على عقود الحراسة غير صحيح :ألنه
قياس مع الفارق أيضاً ،ومن الفروق أن األمان ليس محالً للعقد في المسألتين ،وإ نما
محله في التأمين األقساط ومبلغ التأمين ،وفي الحراسة األجرة وعمل الحارس ،أما
األمان فغاية ونتيجة وإ ال لما استحق الحارس األجرة عند ضياع المحروس.
(م) قياس التأمين على اإليداع ال يصح :ألنه قياس مع الفارق أيضاً ،فإن
األجرة في اإليداع عوض عن قيام األمين بحفظ شيء في حوزته يحوطه بخالف
التأمين ،فإن ما يدفعه المستأمن ال يقابله عمل من المؤمن يعود إلى المستأمن بمنفعة
وإ نما هو ضمان األمن والطمأنينة ،وشرط العوض عن الضمان ال يصح بل هو
مفسد للعقد ،وإ ن جعل مبلغ التأمين في مقابلة األقساط كان معاوضة تجارية جعل
فيها مبلغ التأمين أو زمنه فاختلف في عقد اإليداع بأجر.
(ن) قياس التأمين على ما عرف بقضية تجار البز مع الحاكة ال يصح،
والفرق بينهما أن المقيس عليه من التأمين التعاوني وهو تعاون محض والمقيس
تأمين تجاري وهو معاوضات تجارية فال يصح القياس.
175
الثاني :خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه :ربا الفضل وربا النسيئة,
فليس عقود المساهمين ربوية وال يستغلون ما جمع من األقساط في معامالت
ربوية.
الثالث :إنه ال يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود
عليهم من النفع ،ألنهم متبرعون فال مخاطرة وال غرر وال مقامرة بخالف التأمين
التجاري فإنه عقد معاوضة مالية تجارية.
الرابع :قيام جماعة من المساهمين أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من
األقساط لتحقيق الغرض الذي من أجله أنشئ هذا التعاون سواء كان القيام بذلك
تبرعاً أو مقابل أجر معين.
ورأى المجلس أن يكون التأمين التعاوني على شكل شركة تأمين تعاونية
مختلطة لألمور اآلتية:
أوالً :االلتزام بالفكر االقتصادي اإلسالمي الذي يترك لألفراد مسؤولية القيام
بمختلف المشروعات االقتصادية وال يأتي دور الدولة إال كعنصر مكمل لما عجز
األفراد عن القيام به وكدور موجه ورقيب لضمان نجاح هذه المشروعات وسالمة
عملياتها.
ثانياً :االلتزام بالفكر التعاوني التأميني الذي بمقتضاه يستقل المتعاونون
بالمشروع كله من حيث تشغيله ومن حيث الجهاز التنفيذي ومسؤولية إدارة
المشروع.
ثالثاً :تدريب األهالي على مباشرة التأمين التعاوني وإ يجاد المبادرات الفردية
واالستفادة من البواعث الشخصية ،فال شك أن مشاركة األهالي في اإلدارة تجعلهم
أكثر حرصاً ويقظة على تجنب وقوع المخاطر التي يدفعون مجتمعين تكلفة
تعويضها مما يحقق بالتالي مصلحة لهم في إنجاح التأمين التعاوني ،إذا أن تجنب
المخاطر يعود عليهم بأقساط أقل في المستقبل ،كما أن وقوعها قد يحملهم أقساطاً
أكبر في المستقبل.
176
رابعاً :إن صورة الشركة المختلطة ال تجعل التأمين كما لو كان هبة أو منحة
من الدولة للمستفيدين منه بل بمشاركة منها معهم فقط لحمايتهم ومساندتهم
باعتبارهم هم أصحاب المصلحة الفعلية ،وهذا موقف أكثر إيجابية ليشعر معه
المتعاونون بدور الدولة وال يعفيهم في نفس الوقت من المسؤولية.
ويرى المجلس أن يراعى في وضع المواد التفصيلية للعمل بالتأمين التعاوني
على األسس اآلتية:
األول :أن يكون لمنظمة التأمين التعاوني مركز لـه فروع في كافة المدن،
وأن يكون بالمنظمة أقسام تتوزع بحسب األخطار المراد تغطيتها وبحسب مختلف
فئات ومهن المتعاونين كأن يكون هناك قسم للتأمين الصحيٍ ،
وثان للتأمين ضد
العجز والشيخوخة ...الخ ،أو يكون هناك قسم لتأمين الباعة المتجولين ،وآخر
للتجار ،وثالث للطلبة ،ورابع ألصحاب المهن الحرة كالمهندسين واألطباء
والمحامين ...الخ.
الثاني :أن تكون منظمة التأمين التعاوني على درجة كبيرة من المرونة
والبعد عن األساليب المعقدة.
الثالث :أن يكون للمنظمة مجلس أعلى يقرر خطط العمل ويقترح ما يلزمها
من لوائح وقرارات تكون نافذة إذا اتفقت مع قواعد الشريعة.
الرابع :يمثل الحكومة في هذا المجلس تختاره من األعضاء ويمثل
المساهمين من يختارونه ليكونوا أعضاء في المجلس ليساعد ذلك على إشراف
الحكومة عليها واطمئنانها على سالمة سيرها وحفظها من التالعب والفشل.
الخامس :إذا تجاوزت المخاطر موارد الصندوق بما قد يستلزم زيادة
األقساط فتقوم الدولة والمشتركون بتحمل هذه الزيادة.
ويؤيد مجلس المجمع الفقهي ما اقترحه مجلس هيئة كبار العلماء في قراره
المذكور بأن يتولى وضع المواد التفصيلية لهذه الشركة التعاونية جماعة من
الخبراء المختصين في هذا الشأن.
واهلل ولي التوفيق ،وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
توقيع نائب الرئيس توقيع الرئيس
محمد علي الحركان عبـداهلل بن حميـد
177
األمين العام لرابطة العالم اإلسالمي رئيس مجلس القضاء األعلى في السعودية
األعضاء :عبد العزيز بن باز /محمد محمود صواف /محمد بن صالح بن
عثيمين /مصطفى الزرقاء /محمد بن عبداهلل السبيل /محمد رشيد قباني /أبوبكر
جومي /محمد رشيدي /عبد القدوس الهاشمي الندوي.
178
المبحث السادس
زواج المسيار
من المس ائل المس تجدة في ه ذا العصر " زواج المس يار " ال ذي انتشر في
بعض بالد المسلمين ،وسأتناول هذه القضية في النقاط التالية:
179
تعريف زواج المسيار لغة واصطالحاً. -1
نشأة زواج المسيار. -2
الفرق بينه وبين األنكحة األخرى. -3
أسباب ظهور زواج المسيار. -4
موقف الفقه من زواج المسيار (أقوال العلماء في زواج المسيار). -5
1
المفردات في غريب القرآن :األصفهاني ،ص.247 (?)
2
لسان العرب :ابن منظور مادة سير .2/252 (?)
3
مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق :أسامة عمر سليمان األشقر ،ص.161 (?)
4
حلقة " الشريعة والحياة "3/5/1998 :م ( ) http://www.aljazeera.net (?)
180
سمي هذا النوع من الزواج بزواج المسيار ألن المتزوج ال يلتزم بالحقوق
الزوجية التي يلزمه بها الشرع :فكأنه زواج السائر الماشي الذي يتخفف في سيره
من األثقال والمتاع ،ولعدم التزامه بالحقوق التي يقتضيها الزواج من النفقة والمبيت
ال زواج المقيم الذي يشبه الملتزم بكل مقتضيات الزواج(.)1
1
(?) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق ،ص.162 – 161
181
بناء على تعريفنا السابق لنكاح المسيار نتبين أن الفرق بينه وبين الزواج
الشرعي هو وجود شرط يقتضي بإسقاط حق النفقة والسكن للزوجة ،كما أن طبيعته
تقتضي بعدم وجود قوامة من الزوج على المرأة :فهي تتصرف في حياتها إقامة في
منزلها وخروجاً منه وفق رأيها(.)1
الفرق بين زواج المسيار ونكاح السر:
نكاح السر نوعان :نوع باطل بإجماع األمة ،وهو النكاح الذي ال شهود فيه
وال إعالن ،والنوع الثاني هو الذي فيه إيجاب وقبول ويشهد عليه شاهدان ،وقد
يكون فيه ولي ،ولكن يتواصى الزوجان والولي والشهود على كتمانه وعدم إعالنه
ويثبت في هذا النوع من الزواج حقي النفقة والمبيت ،وال يسقطا كما هو الحال في
زواج المسيار ،وهذا الزواج مختلف فيه ،كما سبق بيانه.
فإن كان زواج المسيار من النوع األول فهو باطل جزماً ،وإ ن كان من النوع
الثاني فإنه يضاف إلى العيوب التي يتصف بها ،عيب آخر وهو السرية والكتمان،
وهذا مما يزيد في سلبياته(.)2
وسنبين حكم زواج المسيار الحقاً ،خاصة إذا ما انضاف له عيب آخر وهو ّ
السرية والكتمان.
1
(?) المرجع السابق ،ص.165
2
(?) المرجع السابق ،ص.166
3
(?)الفروع .5/164
4
(?)كشاف القناع .5/96
182
وهو منهي عنه :لما روى الربيع بن سبرة أنه قال أشهد على أبي أنه حدث
أن رسول اهلل نهى عنه في حجة الوداع(.)5
أما زواج المسيار فليس كذلك :فهو غير مؤقت إلى أمد ,ولم يرد فيه نص
بالتحليل أو التحليل.
5
(?) أخرجه أبو داود في النكاح باب في نكاح المتعة ( ،2/226 )2072وابن ماجة في النكاح باب النهي عن
نكاح المتعة ( ،1/631 )1962واإلمام أحمد في مسنده ( .3/404 )15374
183
مسؤولية البيت ،ويرغب أولياؤها في إعفافها والحصول على الذرية وال
يكلفون الزوج شيئاً.
184
الشيخ يوسف المطلق ،الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري ،شيخ األزهر محمد سيد
طنطاوي(.)1
وفيما يلي السؤال الذي طرح للشيخ عبد العزيز بن باز وجوابه عليه:
السؤال :قرأت في إحدى الجرائد تحقيقاً عما يسمى زواج المسيار وهذا
الزواج هو أن يتزوج اإلنسان ثانية أو ثالثة أو رابعة ،وهذه الزوجة يكون عندها
ظروف تجبرها على البقاء عند والديها أو أحدهما في بيتهما فيذهب إليها زوجها في
أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما :فما حكم الشريعة الغراء في مثل هذا
الزواج أفتونا مأجورين؟
الجواب :ال حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعاً وهي
وجود الولي ،ورضا الزوجين ،وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد وسالمة
الزوجية من الموانع لعموم قول النبي " :إن أحق الشروط أن يوفى به ما
استحللتم به الفروج " ( ،)2وقوله " :المسلمون على شروطهم " ( :)3فإذا اتفق
الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها أو على أن القسم يكون لها نهاراً أو ليالً أو
في أيام معينة أو ليالي معينة ،فال بأس بذلك بشرط إعالن النكاح وعدم إخفائه ،واهلل
ولي التوفيق(.)4
ولقد استدل هذا الفريق على ما ذهبوا إليه من اإلباحة باألدلة التالية:
-1أنه زواج مستكمل لجميع األركان والشروط وما كان كذلك كان صحيحاً
ومباحاً.
1
(?) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق ،ص.176 – 174
2
(?) أخرجه البخاري في كتاب الشروط باب الشروط في المهر ( ،2/970 )2572ومسلم في النكاح باب الوفاء
بالشروط في النكاح (.2/1035 )1418
3
(?) أخرجه الحاكم في مستدركه ( ،2/57 )2309والطبراني في الكبير ( ،4/275 )4404قال الهيثمي :فيه
حكيم بن جبير وهو متروك ،وقال أبو زرعه محله الصدق (مجمع الزوائد .)4/205
4
(?) فتاوي علماء البلد الحرام ،ص.671 – 670
185
-2ثبت في السنة أن أم المؤمنين سودة – رضي اهلل عنها -وهبت يومها من
رسول اهلل إلى ضرتها أم المؤمنين عائشة – رضي اهلل عنها ،-وحديث هبة
سودة يومها لعائشة رواه البخاري ومسلم عن عائشة " :قالت :ما رأيت امرأة أحب
إلي أن أكون في مسالخها( )1من سودة بنت زمعة ،من امرأة فيها حدة ،قالت :فلما
كبرت جعلت يومها من رسول اهلل لعائشة ،قالت :يا رسول اهلل! قد جعلت يومي
منك لعائشة ،فكان رسول اهلل يقسم لعائشة يومين :يومها ،ويوم سودة " (.)2
ووجه االستدالل بالحديث أن سودة بهبتها يومها لعائشة وقبول الرسول بذلك ما
يدل على أن من حق الزوجة أن تسقط حقها الذي جعله الشارع لها ،كالمبيت
والنفقة.
-3أن في هذا النوع من النكاح مصالح كثيرة ،فهو يشبع غريزة الفطرة عند
المرأة ،وقد كف من تزوجن عن الفاحشة ،وقد ترزق المرأة منه بالولد ،وهو بدون
شك يقلل من العوانس الالتي فاتهن قطار الزواج.
يقول األستاذ وهبة الزحيلي " :إن إعفاف المرأة مطلب فطري واجتماعي
وإ نساني ،فإذا أمكن لرجل أن يسهم في ذلك كان مقصده مشروعاً وعمله مأجوراً
مبروراً " (.)3
-4وجود أنواع من الزواج مشابهة لهذا النوع من الزواج ،كزواج النهاريات
وزواج الليليات ،احتج بهذا الشيخ القرضاوي.
يذكر الفقهاء قديماً نوعاً من الزيجات سموه بزواج النهاريات والليليات،
وصورة هذا النوع من الزواج أن يتزوج رجل من امرأة تعمل خارج منزلها في
الليل ،وترجع إلى زوجها في النهار ،أو تعمل في النهار وترجع إلى المنزل الذي
1
(?) مسالخ الحية جلدها ،وكأنها تمنت أن تكون في مثل هديها وطريقتها (النهاية في غريب الحديث :البن
األثير .)5/283
2
(?) أخرجه البخاري في النكاح باب المرأة تهب يومها ( ،5/1999 )4914ومسلم في الرضاع باب جواز هبة
نوبتها لضرتها (.2/1085 )1463
3
(?) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق ،ص.179 – 178
186
فيه زوجها ليالً ،وقد بحث الفقهاء في حكم هذا النوع من الزواج ،كما بحثوا في
مدى استحقاق الزوجات النفقة في هذا النوع من الزواج على القول بصحته(.)1
ويرى المالكية وجوب فسخ نكاح الليليات والنهاريات قبل الدخول ال بعده،
وفي ذلك يقول الفقيه الدردير المالكي " :يفسخ النكاح قبل الدخول ال بعده إن
تزوجها على شرط أن ال تأتيه الزوجة أو ال يأتيها إال نهاراً أو ليالً ،ألنه مما يناقض
مقتضى النكاح ،لما فيه من الخلل في الصداق ،ولذا كان يثبت بعد الدخول بصداق
المثل ،ألن الصداق يزيد وينقص بالنسبة لهذا الشرط " (.)2
ويرى بعض أهل العلم القول بإباحته وإ ن اختلفوا في لزوم النفقة فيه ،يقول
عالء الدين الحصكفي الحنفي " :قال في المجتبى :وبه عرف جواب واقعة في
زماننا َّأنه لو تزوج من المحترفات التي تكون في النهار في مصالحها وبالليل عنده
فال نفقة لها قال في النهر :وفيه نظر " (.)3
وفي سنن سعيد بن منصور قال :حدثنا سعيد قال نا هشيم قال :أن يونس عن
الحسن أنه كان ال يرى بتزويج النهاريات بأساً ،وكان ابن سيرين يكره ذلك(.)4
الرأي الثاني :القائلون بالمنع وعدم اإلباحة :ومنهم الشيخ محمد بن ناصر
الدين األلباني -رحمه اهلل ،-واألستاذ الدكتور علي القرة داغي ،واألستاذ الدكتور
إبراهيم فاضل الدبو ،والدكتور جبر الفضيالت ،واألستاذ الدكتور عمر سليمان
األشقر ،واألستاذ الدكتور محمد الزحيلي واألستاذ الدكتور عبداهلل الجبوري،
والشيخ عبد العزيز المسند(.)5
()6
استدل القائلون بالتحريم باألدلة التالية :
-1إن هذا الزواج يتنافى ومقاصد الزواج فليس المقصود من الزواج في اإلسالم
قضاء الوطر الجنسي ،بل الغرض أسمى من ذلك ،فقد اعتبر الرسول سنة
1
المرجع السابق ،ص.171 (?)
2
الشرح الصغير :للدردير .2/384 (?)
3
حاشية ابن عابدين .3/577 (?)
4
سنن سعيد بن منصور ،1/216مصنف ابن أبي شيبه .3/508 (?)
5
مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق ،ص.179 (?)
6
المرجع السابق ،ص.181 (?)
187
اإلسالم فقال " :وإ ن من سنتنا النكاح " ( ،)1وقد شرع لمعان ومقاصد اجتماعية
ونفسية ودينية ،وزواج المسيار ال يحقق شيئاً من مقاصد الزواج الشرعية ،من
المودة والرحمة ،والسكن ،وحفظ النوع اإلنساني ،وتعهده على أكمل وجه،
ورعاية الحقوق والواجبات التي يولدها عقد الزواج الصحيح " ،والعبرة في
العقود للمقاصد والمعاني ،ال لأللفاظ والمباني " (.)2
-2مخالفة طريقة هذا الزواج لنظام الزواج الذي جاءت به الشريعة اإلسالمية،
فعندما ندقق النظر فيه ال نجده موافقاً للنظام الشرعي في الزواج ،ولم يكن
المسلمون يعرفون مثل هذا النوع في زواجهم.
-3يقترن به بعض الشروط التي تخالف مقتضى العقد ،وتنافي مقاصد الشريعة في
الزواج من السكن والمودة ،ورعاية الزوجة أوالً ،واألسرة ثانياً ،واإلنجاب،
وتربية األوالد ،ووجوب العدل بين الزوجات ،كما يتضمن عقد الزواج تنازل
المرأة عن حق الوطء واإلنفاق ...وغير ذلك.
وإ ن الزوجة التي تنازلت عن حقها اليوم ،في المبيت والمعاشرة ،كثيراً ما
تغير رأيها ،وخاصة بعد أن تدرك أسرار الحياة الزوجية ،وتتعرف من الشرع
والواقع والناس على الحقوق التي تتمتع بها الزوجة عادة.
-4هذا النوع من الزواج سيكون مدخالً للفساد واإلفساد ،فإنه يتساهل فيه تقدير
المهر ،وال يتحمل الزوج مسؤولية األسرة ،وإ ذا سهل عليه أن يتزوج سهل عليه
أن يطلق ،وقد يعقد سراً ،وقد يكون بغير ولي ،وكل هذا يجعل الزواج لعبة في
أيدي أصحاب األهواء.
-5في هذا الزواج استغالل من الرجل للمرأة ،فهو يلبي رغباته الجنسية ال هدف له
إال ذلك ،من غير أن يتكلف شيئاً في هذا الزواج.
-6قد يقدر للزوج أوالد من هذه المرأة ،وبسبب البعد عنها وقلة مجيئه إليها
سينعكس ذلك سلباً على أوالده في تربيتهم وخلقهم.
1
(?) أخرجه عبد الرزاق ( ،6/171 )10387والطبراني في الكبير ( ،18/85 )158وأبو يعلى ،قال الهيثمي
فيه أبو معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف (مجمع الزوائد .)4/251
2
( )3قواعد الفقه :للبركتي ،1/91مجلة األحكام العدلية ،1/16المبسوط ،22/23البحر الرائق ،3/94بدائع
الصنائع ،4/134مغني المحتاج ،2/68أعالم الموقعين .3/119
188
-7اشتراط إسقاط النفقة والمبيت على الزوجة يبطل العقد ،ذهب هذا المذهب
الدكتور علي القرة داغي ،والقول ببطالن النكاح باشتراط إسقاط المبيت أحد
وجهين عند الشافعية ،كما يقول الدكتور القرة داغي نقالً عن الماوردي في كتابه
الحاوي(.)1
القول الثالث :المتوقفون في المسألة :
توقف بعض أهل العلم في الحكم على هذا النوع من الزواج ،وتوقفهم هذا
يدل على أن حكمه لم يظهر لهم ،فهم يحتاجون إلى مزيد من النظر والتأمل.
من هؤالء فضيلة الشيخ محمد صالح بن عثيمين( – )2رحمه اهلل ,-والدكتور
عمر بن سعود العيد األستاذ بكلية أصول الدين في جامعة اإلمام محمد بن سعود،
فإنه ذكر شيئاً من مساوئه ،وأورد بعض أدلة المجيزين باختصار ،كما ذكر أن عدداً
من كبار العلماء توقف في جوازه ،ودعا في الختام إلى دراسة هذا الزواج دراسة
تفصيلية دقيقة ،ألن محاذيره كثيرة ،وقد يكون ظاهرة مرضية ،ولم ِ
يعط حكماً بيِّناً
فيه مما يدل على توقفه في الحكم عليه(.)3
ويذكر إحسان عايش أن سبب توقف بعض أهل العلم بالجواز " أن بعض
الناس تجاوزا فيه الحد ،واستغل من قبل بعض ضعاف النفوس ،وتبنته مكاتب
حددت أسعاراً لهذا الزواج (يعني عمولة).
هذا ولقد وقفت على مواقع في اإلنترنت عبارة عن مكاتب تزوج بطريق "
زواج المسيار " (.)4
المناقشة والترجيح :
-1أقوى ما احتج به الفريق المجيز لزواج المسيار أنه عقد شرعي استكمل
شروطه وأركانه ،وإ ن الذي يجري في هذا الزواج ليس اشتراط الزوج على زوجته
إسقاط النفقة والمبيت وإ نما من باب إسقاط المرأة حقوقها التي تجب لها بالعقد.
1
(?) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق ،ص.183 – 182
2
(?) نقله عنه إحسان بن محمد بن عايش في كتابه :أحكام التعدد في ضوء الكتاب والسنة ،ص.28
3
(?) مجلة األسرة ،العدد ( ،)46ص.15
4
(?) http://www.misiar.com
189
الجواب أن بعض نكاح المسيار تتنازل المرأة عن حقها من غير شرط
وبعضاً منه يشترط الزوج هذا الشرط وقد يصر على تدوين هذا الشرط إن سمح له
القاضي.
يقول ابن قدامة :القسم الثاني :ما يبطل الشرط ويصح العقد مثل أن يشترط
أن ال مهر لها أو أن ال ينفق عليها ...أو ال يكون عندها في الجمعة إال ليلة أو شرط
لها النهار دون الليل أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئاً فهذه الشروط
كلها باطلة في نفسها ألنها تنافي مقتضى العقد وألنها تتضمن إسقاط حقوق تجب
بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع(.)1
فحتى على افتراض أن المرأة هي التي تنازلت فيه عن حقها فهذا ال يجعل
تنازلها مشروعاً كما قال ابن قدامة.
-2استداللهم بحديث هبة سودة يومها لعائشة ،وال ُحجَّة لهم فيه ،ألن حق
المبيت ملكته سودة ،وكان الرسول يقسم لها حقها ،ولم يشترط عليها إسقاطه قبل
الزواج وال مع العقد ،فلما كانت مالكة له جاز لها هبته ،مثله مثل المهر ،فإذا ملكته
المرأة جاز لها أن تهبه للزوج أو جزء منه ،قال تعالى :فإن طبن لكم عن شيء
منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً [ النساء.]4 :
-3دعواهم أن هذا النوع من الزواج يحقق مصالح كثيرة ،وأكثر ما
يتحدثون عنه من المصالح هو تقليل نسبة النساء العوانس ،وإ شباع الرغبة الجنسية
عند المتزوجات منهن ،وهذا االستدالل فيه نظر ،فكم نسبة العوانس الغنيات اللواتي
يستطعن أن ينفقن على أنفسهن من غير حاجة نفقة الزوج ،إن هذه النسبة قليلة ،وإ ذا
عالجنا مشكلة العدد القليل من العوانس عالجاً جزئياً مبتوراً ،فمن للعدد األكبر من
العوانس الالتي ال يجدن المال!!
وإ ذا كان في هذا النوع من الزواج هذه المصالح ،فما بال المفاسد الكثيرة التي
شر لفريق من أصحاب النفوس تترتب على هذا النوع من الزواج ،ومنها فتح باب ّ
1
(?) المغني .7/72
190
الضعيفة من الرجال والنساء الذين يريدون اللعب بالزواج كيف تشاء أهواؤهم بعيداً
عن الرقابة الشرعية.
-4االستدالل بزواج النهاريات والليليات ،وقد استدل بهذا القائلون بالجواز
والقائلون بالمنع ،وكال االستداللين غير صحيح ،ألن العلماء اختلفوا في صحته
اختالف الفقهاء المعاصرين في زواج المسيار(.)1
-أما األدلة التي استدل بها المانعون لزواج المسيار فهي أدلة صحيحة
واقعية :وقفت على المشاكل والمفاسد التي تنتج عن هذا الزواج ،فحتى وإ ن تراءى
لنا بأن الزواج مكتمل األركان والشروط إال أنه في مجمله ال يجري على النحو
الذي قام عليه الزواج في اإلسالم من السكن والمودة والتعاون على القيام بأعبائه
ومسؤولياته.
-وأرى أن ما أبداه المانعون من أسباب ومخاوف في تحريم ومنع هذا
الزواج وجيهة وتدعو للتوقف والتأمل :لذا أدعو إلى مزيد بحث واستقراء ودراسة
لهذه القضية المستجدة من جميع جوانبها ولعل هذا السبب الذي أخر المجامع الفقهية
في عدم إصدارها لفتوى في هذا الشأن ،واهلل أعلم.
المبحث السابع
1
(?) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق ،ص.195 – 192
191
التبرع باألعضاء من المسائل الحادثة ،التي لم يتعرض لها فقهاء المسلمين
القدامى :ذلك ألن هذه المسألة وليدة التقدم العلمي الذي توصل إليه األطباء في
مجال غرس األعضاء :فلقد حققوا نتائج باهرة في نقل وزراعة األعضاء من
األحياء واألموات وغرسها فيمن فقدوا أعضاءهم أو تلفت بسبب مرض أو غيره..
وألن هذه القضية من المسائل المستجدة ،والتي لم يتكلم فيها الفقهاء السابقون
فلقد اختلفت أراء العلماء المعاصرين فيها :وقبل البدء في سرد األقوال وأدلتها،
يفضل بيان القواعد الفقهية الكلية التي تندرج تحتها هذه القضية ،وجذورها في
التراث الفقهي القديم ثم نأتي لحكم التبرع باألعضاء.
192
-القاع دة الثالث ة :تنهض مش روعية اإليث ار على س ائر الحق وق البدنية والدنيوية
الداخلية في حقوق العباد ،دون ما سواها من حقوق اهلل عزوجل ،ومن الثابت
أن المحافظة على أصل الحياة ومقوماتها من حقوق اهلل عزوجل.
-القاعدة الرابعة :الحقوق المعنوية الداخلة في حقوق العباد تورث بالموت كما
تورث الحقوق العينية ،دون خالف في ذلك ،وإ نما ينعكس الخالف إلى مسائل
بعض هذه الحقوق ،من الخالف بين الفقهاء في :هل هي داخلة في حقوق اهلل،
أم في حقوق العباد :كالقذف وحق المعاقبة عليه(.)1
فه ذه القواعد األربع تش كل جس راً ممت داً بين ينب وع الش ريعة اإلس المية ،إلى
هذا العصر والعصور التالية ،من شأنه أن يكشف لنا عن موقف الشريعة اإلسالمية
في حكم التبرع باألعضاء.
1
(?) قضايا فقهية معاصرة :د .محمد سعيد رمضان البوطي .111 – 1/110
2
(?) أخرجه أبو داود في كتاب الخاتم باب ما جاء في ربط األسنان بالذهب ( ،4/92 )4232والنسائي
(المجتبى) في الزينة باب من أصيب أنفه هل يتخذ أنفاً من ذهب ( ،8/163 )5161والترمذي في اللباس باب
ما جاء في شد األسنان بالذهب ( 4/240 )1770وقال :هذا حديث حسن غريب.
3
(?) قضايا فقهية معاصرة :البوطي .1/113
193
انتهاء بالعصر الحديث والتطور الهائل الذي حصل في هذا ً ثم عصر النبوة وما بعده
الميدان.
أما كتب الفقه القديم ة :فال يك اد يجد الب احث نص اً مباش راً تن اول مس ألة حكم
الت برع باألعض اء اآلدمية لنقلها إلى جسم إنس ان آخ ر ،وإ نما توجد بعض النص وص
ور من التص رف بالجسد اإلنس اني ذك رت في ب اب ال بيع عند تحديد في أحك ام ص ٍ
ش روط الم بيع ،وفي ب اب الت داوي وعن الكالم عن حالة االض طرار وما يج وز
للمض طر وما ال يج وز ،وعند الكالم عن بعض القواعد الفقهية وبخاصة قاع دة "
ارتكاب أخف الضررين " وغير ذلك(.)1
وفيما يلي بعض األمثلة عن أقوال العلماء تلك:
-ق ال المرغين اني " :ال يج وز بيع ش عور اإلنس ان وال االنتف اع بها ألن اآلدمي
مكرم ال مبتذل ،فال يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهاناً ومبتذالً " (.)2
-وفي الفت اوي الهندي ة " :االنتف اع ب أجزاء اآلدمي ال يج وز :قيل للنجاسة وقيل
للكرامة هو الصحيح " (.)3
-وقال الدردير ..." :وكذا جلد اآلدمي – ال يرخص فيه مطلق اً – لشرفه كما يعلم
من وجوب دفنه " (.)4
-وفي حاشية الدسوقي ..." :أن ما أبين منه حياً ال يختلف في نجاسته وليس ك ذلك
بل فيه الخالف تنبيه على المعتمد من طهارة ما أبين من اآلدمي مطلق اً يجوز رد
سن قلعت لمحلها ال على مقابلة .)5( "...
-قال الشربيني الشافعي ..." :واآلدمي يحرم االنتفاع به وبسائر أجزائه لكرامته
" ( . )6
1
أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة :د .محمد نعيم ياسين ،ص.138 (?)
2
الهداية شرح البداية :المرغيناني .3/46 (?)
3
الفتاوي الهندية .5/345 (?)
4
الشرح الكبير .1/55 (?)
5
حاشية الدسوقي .1/54 (?)
6
مغني المحتاج .1/191 (?)
194
-قال ابن مفلح ..." :وحرم بيع العضو المقطوع ألنه ال نفع فيه " (.)1
وه ذه النص وص وأش بابها ت دل على أن األصل تح ريم االنتف اع ب أجزاء
اإلنسان :إما لكرامته ،وإ ما لعدم إمكان االنتفاع بها على وجه مشروع " (.)2
وإ ن ك ان بعض الفقه اء قد أورد اس تثناءات على ه ذا األصل أب احوا فيها
االنتفاع بأجزاء اآلدمي ببعض وجوه االنتفاع ومعظمها مقيد بحالة الضرورة مثل:
بيع لبن اآلدمية( ،)3وأكل المض طر من ب دن إنس ان حي مس تحق القتل( ،)4وإ ج ازة
فقه اء الش افعية للمض طر أن يقطع قطعة من نفسه ليأكلها( ،)5كما أج از بعض فقه اء
الشافعية وصل عظم اإلنسان الحي بعظم الميت إذا كان ينجبر به " (.)6
195
-المجلس األردني األعلى للفتوى.
-المجلس األعلى للفتوى بالجزائر.
-وزارة األوقاف الكويتية.
-المجمع الفقهي اإلسالمي.
-الشيخ مخلوف المفتي األسبق لجمهورية مصر العربية ،والشيخ جاد الحق
المفتى األكبر لمصر.
-الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي.
-الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.
أدلة المانعين:
استدل المانعون للتبرع بأعضاء اآلدمي باألدلة التالية:
-1أن الجسد ال ذي بين جنبينا ليس ملك اً لنا وإ نما هو ملك هلل تع الى :أمن يملك
السمع واألبصار [ يونس ،]10 :فال يصح من اإلنسان التصرف بجسمه(.)1
ومما يج در بال ذكر هنا أن اإلنس ان مع أنه أش رف من الجميع لكنه ليس
بمالك لجسمه وروحه ،بل اإلنسان إنما هو أمين (كمستعير) في ماله وجسمه,
فال يج وز له أن يس تعمله في محل نهى اهلل عن ه ،فالتص رف فيه من غ ير إذن
المالك الحقيقي يعتبر خيانة ،والمالك الحقيقي هو اهلل سبحانه وتعالى(.)2
-2على أن قطع أعض اء اإلنس ان – حي اً ك ان أو ميت اً – وفص لها عن موض عها "
مثلة " ( )3وهو ح رام – أو مك روه تحريم اً – عند عامة العلم اء والفقه اء ،كما
بينه غ ير واحد من العلم اء الكب ار ،منهم ش يخ اإلس الم العالمة ابن تيمية
الح راني في " فت اواه " ( ،)4واإلم ام الن ووي في " ش رح الص حيح لمس لم " (،)5
وابن قدامة في " المغ ني " ( ،)6لما روى البخ اري في ص حيحه عن قت ادة" :
1
الطبيب أدبه وفقهه ،ص.205 (?)
2
قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان الدين السنبهنلي ،ص.62 (?)
3
عمدة القاري :بدر الدين .8/296 (?)
4
مجموع فتاوى شيخ اإلسالم .28/314 (?)
5
شرح صحيح مسلم :النووي .2/82 (?)
6
المغني .10/565 (?)
196
بلغنا أن الن بي بعد ذلك – بعد وقعة عكل وعرينة – ك ان يحث على الص دقة
وينهى عن المثلة " ( ،)1ولما روى مس لم في ص حيحه " :ك ان رس ول اهلل إذا
أمر أم يراً ...أوص اه في خاص ته بتق وى اهلل...ثم ق ال ..." :ال تغ دروا وال
تمثل وا وال تقتل وا ولي داً " ( )2فثبت من ذلك كله أن اس تعمال أعض اء اإلنس ان –
حياً كان أو ميتاً – ال يجوز عند عامة الفقهاء(.)3
-3ثم إن العلماء الذين أباحوا استعمال المحرمات في حالة االضطرار هم أنفسهم
حرم وا أكل وقطع جسم اإلنس ان وأعض ائه واس تعمالها لغ يره ،ولم يس مح أحد
باس تعمال عضو من أعض ائه ،ق ال الفقيه الحنفي الش هير ابن عاب دين " :وإ ن
قال لـه آخر اقطع يدي وكلها ال يحل ألن لحم اإلنسان ال يباح في االضطرار "
( ،)4وقال ابن نجيم في " األشباه والنظائر" " :ال يأكل المضطر طعام آخر وال
شيئاً من بدنه " ( ،)5وعلى هذا ال يباح للمكره – حتى المكره باإلكراه التام
– أن يقطع عضو رجل إلنق اذ حياته وإ ن س مح ذلك الرجل ب ذلك ،كما ق ال
الكاساني في " بدائع الصنائع " " :أما النوع الذي ال يباح وال يرخص باإلكراه
أص الً فهو قتل المسلم بغير حق سواء كان اإلكراه ناقص اً أو تام اً ..وكذا قطع
عضو من أعضائه ...ولو أذن له المكره عليه ...فقال للمكره :افعل ،ال يباح
له ،ألن هذا مما ال يباح باإلباحة " ( ,)6وهذا الحكم يستفاد أيض اً مما قاله الفقيه
المح دث اإلم ام موفق ال دين ابن قدامة الحنبلي في كتابه القيم " المغ ني " حيث
ق ال ..." :لنا على وجوبه – القص اص – على المك ره – ب الفتح – أنه قتله
عم داً ظلم اً الس تبقاء نفسه فأش به ما لو قتله في المخمصة ليأكل ه ...ول ذلك أثم
بقتله وح رم علي ه ،وإ نما قتله عند اإلك راه ظن اً منه أن في قتله نج اة نفسه
1
أخرجه البخاري في المغازي باب قصة عكل وعرينة (.4/1535 )3956 (?)
2
أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير باب تأمير األمير األسراء (.3/1357 )1731 (?)
3
قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان الدين السنبهنلي ،ص.62 – 61 (?)
4
حاشية ابن عابدين .5/215 (?)
5
األشباه والنظائر :ابن نجيم ،ص.124 (?)
6
بدائع الصنائع .7/177 (?)
197
وخالصه من شر المكره – بالكسر -فأش به القاتل في المخمصة ليأكله " (،)1
وأص رح من ذلك ما قاله في موضع آخر في نفس المص در – في بحث
المضطر ،من كتاب الذبائح – هذا نصه " :فإن لم يجد المضطر شيئاً لم يبح
لـه أكل بعض أعض ائه ...وإ ن لم يجد إال آدمي اً محق ون ال دم لم يبح أن يبقي
نفسه بإتالفه وهذا ال خالف فيه ...وإ ن وجد معصوماً ميتاً لم يبح أكله " (.)2
-4األصل التحريم فال يجوز إتالف النفس المعصومة إال بحق وهنا ال يوجد
الحق ال ذي ي بيح إتالفها أو إتالف ج زء منها وقد ق ال تع الى :وال تقتل وا
أنفس كم [ النس==اء ،]29 :وق ال :وال تقتل وا النفس ال تي ح رم اهلل إال ب الحق
[األنع==ام ،]151 :وق ال تع الى :وال تلق وا بأي ديكم إلى التهلكة [ البق==رة]195 :
وغير ذلك من اآليات.
-5وأما األحاديث فقد روى مسلم وأصحاب السنن عن جابر بن سمرة أن رجالً
قتل نفسه بمش اقص فلم يصل عليه الن بي ،)3( وق ال اإلم ام أحم د :ما نعلم أن
النبي ترك الصالة على أحد إال على الغال وقاتل نفسه(.)4
بل قد ج اء النهي عن تم ني الم وت فقد ج اء في الص حيحين عن أنس أن
رس ول اهلل ق ال " :ال يتم نين أح دكم الم وت لضر ن زل به ف إن ك ان البد متمني اً
لي " فليقل :اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً
( ،)5فإتالف النفس بغير حق يتعلق به ثالثة حقوق :حق هلل تعالى وحق للمقتول وحق
لورثة المقتول ،أما أقوال العلماء في هذا الباب فكثيرة منها ما قاله في شرح اإلقناع:
" وكما يحرم قتل نفسه فإنه يحرم عليه إباحة قتلها " (.)6
1
(?) المغني .9/331
2
(?) المرجع السابق .11/79
3
(?) أخرجه مسلم في الجنائز باب ترك الصالة على القاتل نفسه (.2/672 )978
4
(?) المبدع ،2/262كشاف القناع ،2/123السيل الجرار .1/354
5
(?) أخرجه البخاري في المرضى باب نهي تمني المريض الموت ( ،5/2146 )5347ومسلم في الذكر
والدعاء باب تمني كراهة الموت (.4/2064 )2680
6
(?) شرح منتهى اإلرادات :البهوتي ،3/385وكشاف القناع .6/155
198
وبن اء على ما تق دم من النص وص ف إن نفس اإلنس ان ليست ملك اً خالص اً له
وإ نما هي أمانة عنده هلل تعالى الذي خلقها وأوجدها وأمدها بما تتمكن به من إعمار
الك ون وخالفة األرض فال يب اح لإلنس ان أن يتص رف بنفسه وال يتلفها أو يلقيها فيما
يهلكها بل يجب عليه الحف اظ عليها واجتن اب كل ما يض رها أو يعرض ها للخطر
والهالك.
هذا هو األصل في األنفس التي حرم اهلل تعالى:
وإ ن ب ذل ج زء من ه ذا الب دن وإ يث ار إنس ان آخر به لهو تص رف من اإلنس ان
فيما ال يملك وافتي ات على أمانة لديه بغ ير م برر ،واهلل أمر بحفظ األمان ات وأعظم
األمان ات هي أمانة األنفس وال دماء فقد ج اء في الح ديث " :إن أول ما يقضي ي وم
القيامة هي ال دماء " ( )1لعظم حرمتها وجس امة خطره ا ،ه ذا هو ما يمكن عرضه –
اآلن – من عدم جواز اإليثار بالنفس أو بطرف منها آلخر ،واهلل أعلم(.)2
أدلة المجوزين :
واستدل المجوزون للتبرع باألعضاء باألدلة التالية:
-1زرع األعض اء يعت بر نوع اً من الت داوي ،وحفظ النفس ال ذي حث عليه
الشارع الحكيم ،وفيه إنقاذ للنفوس من الهلكة :لقوله تعالى :وال تلقوا بأيديكم
إلى التهلكة [ البقرة ,]195 :وقوله عزوجل :ومن أحياها فكأنما أحيا الناس
جميعاً [ المائدة.]32 :
-2وفي نقل األعض اء تف ريج للكرب ات ،وتأكيد على مب دأ ال تراحم والتكافل
والتع اطف بين أف راد المجتم ع ،واإلحس ان إلى المحت اجين والمض طرين :فمن
األحاديث الواردة في ذلك:
" من فرج عن مسلم كربة فرج اهلل عنه كربة من كرب يوم القيامة " (.)3
1
(?) أخرجه ابن حبان في صحيحه (.16/338 )7344
2
(?) بحث :زراعة األعضاء اإلنسانية في جسم اإلنسان :فضيلة الشيخ عبداهلل العبد الرحمن البسام (مجلة
المجمع الفقهي السنة األولى العدد األول ،ص.)16
3
(?) أخرجه البخاري في المظالم باب ال يظلم المسلم المسلم وال يسلمه (.2/863 )2310
199
" من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل " (.)1
" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " (.)2
" مثل المؤم نين في ت وادهم وت راحمهم وتع اطفهم كمثل الجسد إذا اش تكى منه
عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " (.)3
" ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه " (.)4
-3واهلل سبحانه وتعالى قد مدح األنصار رضوان اهلل عليهم ألنهم كانوا يؤثرون
إخوانهم المهاجرين على أنفسهم ،قال تعالى :ويؤثرون على أنفسهم ولو كان
بهم خصاصة [ الحش===ر ،]9 :وما الخصاصة إال بش دة الحاجة وهي تتمثل في
أج زاء الب دن أك ثر منه في غ يره من المن افع الدنيوي ة ،واإليث ار يك ون بالم ال
وغيره ،بشرط أن ال يؤدي إلى هالك المؤثر ،أو حصول ضرر بالغ به ،ألن
قتل النفس محرم أشد التحريم في اإلسالم.
ولقد ج رى بين الص حابة من ض روب اإليث ار ب النفس بعض هم لبعض في
حاالت تفقد فيها الحياة ويتوقع فيها الموت فقد أصيب معركة اليرموك كل من
عكرمة بن أبي جهل والح ارث بن هش ام وعي اش بن أبي ربيعة فجيء بش ربة
م اء وحي اة كل منهم مرهونة فيها فما زالوا يتدافعونها كل واحد منهم يؤثر بها
ص احبه ح تى م اتوا جميع اً رضي اهلل عنهم( ،)5وأوجب العلم اء رحمهم اهلل
المدافعة عن محارم اإلنسان إذا صيل عليها ولو أدت المدافعة إلى قتله قال في
اإلقناع وشرحه " :وإ ن كان الدفع للصائل عن نسائه فهو الزم لما فيه من حق
1
(?) أخرجه اإلمام أحمد في مسنده ( ،3/302 )14269والحاكم في مستدركه ( 4/460 )7277وقال حديث
صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه ،والبيهقي (.4/366 )7540
2
(?) أخرجه البخاري في الصالة باب تشبيك األصابع في المسجد ( ،1/182 )467ومسلم في البر والصلة
باب تراحم المؤمنين (.4/1999 )2585
3
(?) أخرجه مسلم في البر والصلة باب تراحم المؤمنين (.4/1999 )2586
4
(?) أخرجه البخاري في كتاب اإليمان باب من اإليمان أن يحب ألخيه ( ،1/14 )13ومسلم في اإليمان باب
الدليل على أن من خصال اإليمان (.1/67 )45
5
(?) أخرجه البيهقي في شعب اإليمان ( ،3/260 )3484والطبراني في الكبير ( ،3/259 )3342والحاكم في
مستدركه ( ،3/270 )5058تاريخ دمشق .11/504
200
اهلل وهو منعه من الفاحشة " ( ،)1وق ال في حق الم دافع عن نفس ه " :وإ ن قتل
المصول عليه فهو شهيد لحديث أبي هريرة قال :جاء رجل فقال يا رسول اهلل:
أرأيت أن ج اء رجل يريد أخذ م الي؟ ق ال :ال تعطي ه ،ق ال :أرأيت إن ق اتلني؟
ق ال :قاتل ه ،ق ال :أرأيت إن قتل ني؟ ق ال :ف أنت ش هيد " ( ،)2وغ ير ذلك من
األحاديث الشاهدة بجواز إيثار النفس وبذلها إذا تحققت مصالح ذلك.
-4ه ذه هي األدلة النقلية في ج واز اإليث ار ب أجزاء من الب دن عند الض رورة ،وقد
أب اح الشرع ارتك اب بعض المحرمات لحفظ النفس وصيانتها عن التلف ،ق ال
تعالى :إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اهلل به فمن
اضطر غير باغ وال عاد فال إثم عليه [ البقرة ،]173 :فهذه المحرمات أبيحت
لضرورة حفظ النفس عن الهالك.
وقد أبيح مال الغير بغير إذنه ،كما أبيح جرعة من الخمر إذا كان فيه حياة
إنسان في وقت ال يوجد فيه غير الخمر.
كل ه ذه األم ور أبيحت وس ومح فيها حفاظ اً على النفس وص يانة لها عن
التلف والهالك :فه ذه النص وص وتحليلها وتطبيقها على الواقع س يقت من أجل
إص دار حكم في إباحة حق اهلل تع الى من النفس البش رية ال تي هي ملكه وخلقها
لعبادته وطاعته وأوج دها لخالفته في أرضه وإ عم ار ه ذا الك ون واس تمرار
نوعيته فيها ،وهي نصوص في إباحة اإليثار تقابل النصوص التي تحرم ذلك
فتعتبر هذه النصوص المبيحة مخصصة لتلك المحرمة.
-5فإن القاعدة الشرعية أنه إذا أشكل علينا حكم أمر من األمور نظرنا إلى آثاره
ونتائجه وإ لى مفاسده ومضاره أو مصالحه ومنافعه فإذا تجلت نتائجه وعرفت
عواقبه أمكننا تص وره والحكم على الش يء ف رع عن تص وره وحينئذ أمكننا
الحكم الش رعي فيه من الحالل أو الحرمة ومن الوج وب أو االمتن اع بحسب
أحواله ف إن الدين اإلسالمي ج اء لتحقيق المص الح ودفع المضار فمتى تحققت
المصلحة خالصة أو رجحت على المفسدة فهناك اإلباحة والجواز.
1
(?) كشاف القناع .6/155
2
(?) أخرجه مسلم في اإليمان باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق (.1/124 )140
201
وإ ن تحققت المفس دة خالصة أو رجحت على المص لحة فهن اك المنع والتح ريم
وهذه قاعدة شرعية عامة تسندها النصوص الكريمة ويدعمها المعنى العام الذي جاء
من أجله هذا الدين القيم.
قال تعالى في المصالح الخالصة :قل من حرم زينة اهلل التي أخرج لعباده
والطيبات من الرزق [ األعراف ,]32 :وقال تعالى في المفاسد الخالصة :قل إنما
حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن [ األعراف.]33 :
وق ال فيما ت رجحت مص لحته :وال تجعل وا اهلل عرضة أليم انكم أن ت بروا
وتتقوا وتصلحوا بين الناس [ البقرة ،]224 :وق ال فيما ترجحت مفس دته:
ويس ألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كب ير ومن افع للن اس وإ ثمهما أك بر من
نفعهما [ البقرة.]219 :
وبمثل هذه النصوص الكريمة والقواعد العامة نس تطيع بكل طمأنينة وبكل ثقة
أن نحكم على األش ياء بالحل والحرمة والوج وب والمن ع :ف إذا علمنا رضا ص احب
العضو الم نزوع وموافقته في ح ال هو متص رف بنفسه وعلمنا ض رورة الم ريض
إلى ذلك العضو وق ال األطب اء الثق ات أنه باإلمك ان ن زع عضو من ه ذا اإلنس ان
وتركيبه في ه ذا اإلنس ان اآلخر بال ض رر كب ير يلحق الم نزوع وبنج اح محقق أو
م ترجح في حق ال ذي س يركب فيه وإ ن المع دات واألجه زة موج ودة علمنا من
النصوص الكريمة ومن القواعد الشرعية العامة أن الشرع الشريف يبيح نقل عضو
إنس ان غ ير متضرر من نقله منه كث يراً إلى آخر في ض رورة ماسة إلى ذلك العضو
وأنه عمل مباح ال إثم فيه وال حرج.
وأنه صار فيه إيثار كبير من المعطي سينال من أجله إذا دخلته النية الصالحة
إلنقاذ هذا اإلنسان أجراً كبيراً وثواب اً عظيم اً وإ ن كان قريبه فهذا هو أرقى مراتب
ال بر واإلحس ان ،أما اآلخر المعطي ففي تق دير اهلل تع الى وت دبيره قد أنق ذت حياته
المهددة واطمأنت نفسه وقد تكون هذه الحياة الباقية أفضل أيام حياته صالحاً وتقى،
202
وحصل للق ائمين على ذلك والمنف ذين لـه محم دة كب يرة ومفخ رة عالية وإ حس اناً إلى
هذا اإلنسان الواقف بين الحياة والموت واهلل ال يضيع أجر المحسنين(.)1
أمثلة في اعتبار الشرع مصلحة حفظ الروح واألعضاء مقدمة على ما سواهما:
قال اإلمام المحدث الفقيه سلطان العلماء عز الدين بن عبد السالم السلمي:
" -وأما ما ال يمكن تحصيل مصلحته إال بإفساد بعضه فكقطع اليد المتآكلة حفظاً
للروح إذا كان الغالب السالمة ،فأنه يجوز قطعها وإ ن كان إفساد لها ،لما فيه
من تحصيل المصلحة الراجحة وهو حفظ الروح " (.)2
" -ولو اض طر إلى أكل النجاس ات وجب عليه أكله ا ،ألن مفس دة ف وات النفس
واألعضاء أعظم من مفسدة أكل النجاسات ".
" -وإ ذا وجد المض طر إنس اناً ميت اً أكل لحم ه ،ألن المفس دة في أكل لحم ميت
اإلنسان أقل من المفسدة في فوت حياة اإلنسان " (.)3
" -وجاز التداوي بالنجاسات إذا لم يجد طاهراً يقوم مقامها ،ألن مصلحة العافية
والسالمة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة " (.)4
" -ولو ك ان في الس فينة م ال أو حي وان مح ترم ،ل وجب إلق اء الم ال ،ثم الحي وان
المح ترم ،ألن المفس دة في ف وات األم وال والحيوان ات المحترمة أخف من
المفسدة في فوات أرواح الناس " (.)5
" -نبش األم وات مفس دة محرمة لما فيه من انته اك ح رمتهم ،لكنه واجب إذا
دفنوا بغير غسل أو وجهوا إلى غير القبلة ،ألن مصلحة غسلهم وتوجههم إلى
القبلة أعظم من توقيرهم بترك نبشهم " (.)6
1
(?) بحث :زراعة األعضاء اإلنسانية في جسم اإلنسان :فضيلة الشيخ عبداهلل العبد الرحمن البسام (مجلة
المجمع الفقهي السنة األولى العدد األول ،ص.)19 – 16
2
(?) قواعد األحكام :للعز بن عبد السالم .1/87
3
(?) المرجع السابق .1/89
4
(?) المرجع السابق .1/90
5
) ) المرجع السابق .1/91
6
) ) المرجع السابق .1/96
203
" -وإ ن دفن وا في أرض مغص وبة ج از نقلهم ،ألن حرمة م ال الحي أكد من
حرمة الميت " (.)1
" -وك ذلك شق ج وف الم رأة على الج نين المرجو حيات ه ،ألن حفظ حياته أعظم
مصلحة من مفسدة انتهاك حرمة أمه " (.)2
" -ذبح الحي وان الم أكول للتغذية مفس دة في حق الحي وان ،لكنه ج از تق ديماً
لمصلحة بقاء اإلنسان على مصلحة بقاء الحيوان " (.)3
وهك ذا نجد أن قواعد الش ريعة تنظر إلى مص لحة حفظ ال روح والنفس
واألعض اء والعافية والس المة ،ومص لحة بق اء اإلنس ان ،كمص لحة راجح ة ،كما هو
مقرر في األمثلة السابقة وأشباهها.
1
) ) المرجع السابق /1نفس الموضع.
2
(?) المرجع السابق .1/97
3
(?) المرجع السابق .1/98
4
(?) سبق تخريج الحديث قريباً.
5
(?) أخرجه البزار والبيهقي في شعب اإليمان ( ،7/120 )9703والطبراني ( ،3/143 )2937رفعه صالح
بن بشير المزني وهو ضعيف (مجمع الزوائد .)6/119
204
اإلنسان في أحسن تقويم ،وأنه فضله على كثير من خلق تفضيالً ،وأنه سواه
فعدله.
ثالثاً :إن هذا العمل ما هو إال تغيير لهذا الخلق السوي والتركيب الحكيم وإ ن كل
ج زء من أج زاء الب دن وعض واً من أعض ائه له وظائفه وله دوره اله ام في
حي اة اإلنس ان وانتظ ام ص حته وبق اء عافيته وأنه إذا فقد ش يئاً من ذلك اختلت
ص حته وس اءت عافيته ف الحكيم الخب ير خلق اإلنس ان وص وره وشد أس ره
وخلقه وفي أنفس كم أفال تبص رون [ ال= ==ذاريات ]21 :فاالعت داء على ه ذا
الخلق المحكم ما هو إال ه دم له ذا البن اء المتقن وتخ ريب ل ذلك التص ميم
الوثيق.
رابعاً :إن في هذا إيالماً وتعذيباً للمأخوذ منه والمعطى وكل تصرف في األبدان
يؤذي ويؤلم فإنه من األمور المحرمة المنهي عنها فاهلل تعالى حرم الدماء إال
بحقها.
ويجاب عن تلك األدلة المعارضة بما يلي:
إننا نس لم أن ه ذا ن وع من التمثيل منهي عنه ش رعاً ونس لم – أيض اً – ب أن فيه
ش يئاً من تغي ير خلق اهلل تع الى واهلل تع الى ذكر أن ه ذا من عمل الش يطان وإ يحاءاته
الخبيثة وال شك أيض اً أن في ذلك إيالم اً ش ديداً لمن أخذ منه العضو ولمن ركب فيه
العض و ،كل ه ذا ص حيح مس لم فيه إال أننا نس تطيع اإلجابة على ه ذه االعتراض ات
باألمور اآلتية:
أوالً :إن ه ذا التمثيل ال يمكن أن يق ارن بما يعمل في الح روب والمع ارك ف إن ذلك
يختلف عن ه ذا تم ام المخالفة ذلك أن تمثيل الح روب يك ون بج دع األن وف
واآلذان وشق البط ون وقطع األجه زة التناس لية وتش ويه الجثة وإ بق اء ذلك
التش ويه الش نيع والتمثيل الفظيع أما نقل عضو من الب دن فهو يتبع بعملي ات
التجميل وإ خفاء اآلثار بحيث ال يحس وال يرى.
205
ثانياً :إن دوافع التمثيل في الحروب هو االنتقام والتشفي والبغضاء والعداء ،أما
هذا فدافعه الرحمة والعطف والحنان من شخص محب مؤثر إلنقاذ ق ريب أو
صديق أو حبيب مهددة حياته بالتلف :ففرق بين الدافعين.
ثالثاً :أن هذا المسمى تمثيالً جار – اآلن – بين األطباء في عموم المستشفيات
ال تي تحت إش راف المس لمين أو تحت إش راف غ يرهم ،إال أنه يك ون بنقل
ج زء من الب دن إلى موضع آخر منه فكث يراً ما تؤخذ الش رايين من الس اق أو
من غ يره إلس عاف القلب أو غ يره به ولم يعت بر ه ذا عند عم وم المس لمين
تمثيالً وتشويهاً يتحاشاه الناس ،وإ نما اعتبر ذلك نجاح اً كبيراً في عالم الطب
وغوثاً مفيداً لحياة المرضى المقعدين.
رابعاً :أن علماء المسلمين قد أجازوا شق بطن المرأة الميتة في حالة وجود مصلحة
محققة أو راجحة ومن ذلك ما قاله العلم اء في الحامل إذا م اتت وفي بطنها
ج نين حي فإنه يشق بطن أمه إلخراجه حي اً والتمثيل ب الميت كالتمثيل ب الحي
من حيث الحرمة والمنع.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه اهلل تعالى:
" ويغلب على الظن أن الفقه اء لو ش اهدوا ت رقى الطب وفن الجراحة
لحكموا بجواز شق بطن الحامل بمولود حي وإ خراجه " ويريد رحمه اهلل –
بطن الحامل الحية – أما الميتة ق الوه وص رحوا ب ه ،وقد أص بح اآلن شق
بطن الحامل الحية – ع ادة – يج ري لمج رد التخلص من ألم ال والدة أو
االبقاء على المتعة الجنسية لسهولة أمر الشق وتحقق نجاحه ومع هذا فإننا ال
نحبذه وال نجيزه بدون عرض صحيح ومصلحة ظاهرة.
خامس اً :نعود في مثل هذا األمر إلى القواعد الشرعية التي قدمت اإلشارة إليها من
وزن األمور ،واألحوال بميزان المصالح والمفاسد خالصة أو راجحة.
ف إذا نص بنا ه ذا الم يزان الش رعي واستعرض نا المفاسد المترتبة على نقل
العضو وجدنا أن دعوى التمثيل وتغيير خلق اهلل الذي أتقنه ونزع أعضاء لم توضع
إال لمنافعها الخاصة ووظائفها الالزمة ،وأن في هذا إيالماً وتعذيباً.
206
فه ذه هي المفاسد والمض ار ال تي يمكن أن يع ارض النقل ولكننا نس تطيع أن
نجيب على ه ذه المفاسد المتوهمة ب أن ه ذا التمثيل الخفيف داعية الرحمة ولم يكن
داعية الحقد المنهي عنه وإ ن ه ذا التمثيل يج ري بع ده عملية التجميل والتحس ين بما
ال تدع له أثراً وال عاقبة.
وأما أنه تغي ير لخلق ف التغيير المنهي هو ما ك ان يعتق ده أهل الجاهلة من أنهم
إذا علم وه في أنع امهم بتخريق آذانها وج دع أنوفها وتح ريم ركوبها تمويه اً من
الش يطان لتك ون س ائبة لتس لم بقية أنع امهم من العين ويكتف ون به ذا عن حسد الحاسد
ونحو ذلك من االعتق ادات الفاس دة ،وهي بعي دة عن ه ذا المع نى ال ذي لم يقصد به
تغيير خلق ولم يكن من إيحاء الشيطان ووسوسته ،وإ نما يقصد منه اإلصالح وإ نقاذ
األنفس البش رية ال واجب إنقاذها ثم ليس هو من تمويه كه ان أو دجاجلة وإ نما ج اء
ذلك من ثمار العلوم وإ عمال العقول ونتائج التجارب وتحقق المصالح.
ثم إن إجراءها بواسطة األطباء المهرة واألجهزة الفنية الدقيقة مما يدعو بقين اً
إلى سالمة العاقبة وحصول المطلوب.
وبما تق دم علمنا انتف اء المفاسد أو ض آلتها وتحقق المص الح الكب يرة الراجحة
وتيسير التنفيذ وسهولته.
وبهذا يعتقد بكل ثقة واطمئنان على أن المشرع الحكيم ال يقف في سبيل تحقق
مص الح عظيمة ب دون مض ار ت ذكر وإ نما الش رع المطهر الخالد س يحث على إنق اذ
حياة المتضررين وإ سعاف المحتاجين ،واهلل أعلم.
207
ثاني اً :قد يك ون العضو الم نزوع من ك افر وبعض العلم اء ومنهم الظاهرية ي رون
نجاسة اآلدمي الك افر نجاسة عينية في ح ال الحي اة وفي ح ال المم ات مس تدلين
بقوله تعالى :إنما المشركون نجس [ التوبة.]28 :
ثالث اً :ج اء في مع الم التنزيل أن المس لمين لما قتل وا ي وم الخن دق نوفل بن عبداهلل بن
" المغيرة المخزومي فطلب المشركون جيفته بالثمن فقال رسول اهلل :
خذوه فإنه حيث الجيفة خبيث الدية " ( ،)1مما يدل على أن جسد الكافر نجس ال
يباح نزعه ووضعه في غيره إن كان مسلماً فظاهر وإ ن كان كافراً فالنجاسات
منهي عن مالبسها واقترابها.
1
(?) أخرجه اإلمام أحمد (.1/248 )2230
2
(?) أخرجه البخاري في الغسل باب عرق الجنب ( ،1/109 )281ومسلم في الحيض باب الدليل على أن
المسلم ال ينجس (.1/282 )371
3
(?) صحيح البخاري .1/422
208
منه ط اهر فقد ق ال العلم اء رحمهم اهلل " :وما أبين من حي فهو كميتته طه ارة
ونجاسة " (.)1
ثانياً :ما تقدم عن حكم طهارة المسلم حي اً أو ميت اً ،أما الكافر فهو أيض اً طاهر البدن
حي اً وميت اً ول ذا أبيح للمس لم ال زواج بالكتابية وهو يخالطها ويجامعها وتباشر
أشياءه وأمور طهارته ولم يؤمر بالتحرز منها مما يدل على طهارتها.
أما وص فهم ب أنهم نجس باآلية الكريمة والح ديث فإنها نجاسة معنوية ب الكفر
والش رك واالعتق اد وليست نجاسة م ادة عيني ة ،.ق ال ابن عب اس وغ يره :الش رك هو
الذي نجسه.
وأما اغتس ال الك افر إذا أس لم ف أمر ث ابت في إس الم قيس بن عاصم وإ س الم
ثمامة بن آثال فقد أمرهما النبي باالغتسال لما أسلما( ،)2ولكن العلماء لم يروا أن
ه ذا عن نجاسة أو عن ح دث وإ نما ق ال في ش رح اإلقن اع وغ يره " :ألن الك افر ال
يسلم غالباً من جنابة فأقيمت المظنة مقام الحقيقة " (.)3
وبهذا ظهر اإلنسان مسلماً كان أو كافراً ليس بنجس ال في حال الحياة وال في
حال الممات وإ ن ما أبين منه وقطع من أعضائه فهو طاهر بطهارة أصله ،على ما
ص رح به العلم اء رحمهم اهلل تع الى وبه ذا خرجنا من جميع االعتراض ات ال تي قد
توجه إلى عدم إمكان نقل عضو إنسان إلى إنسان آخر حين ضرورته إليه وأنه عمل
س ليم من حيث اإليث ار به أو عدم ه ،ومن حيث حق اهلل فيه ومن حيث كونه تم ثيالً
وتش ويهاً ومن حيث األلم والتع ذيب ،ومن حيث طه ارة العضو من المس لم أو من
الك افر ،وأص بح الحكم بحمد اهلل واض حاً يطمئن القلب إلى ج وازه ويرت اح من ع دم
اإلثم والحرج فيه إن شاء اهلل(.)4
-اعتراض آخر:
1
(?) الروض المربع ،1/152كشاف القناع .1/293
2
(?) انظر :سنن النسائي (المجتبى) ،1/109عمدة القاري .12/261
3
(?) المغني :ابن قدامة .1/133
4
(?) بحث :زراعة األعضاء اإلنسانية في جسم اإلنسان :فضيلة الشيخ عبداهلل العبد الرحمن البسام (مجلة
المجمع الفقهي السنة األولى العدد األول ،ص.)22
209
وهو أن فتح ه ذا الب اب وهو الت برع باألعض اء ي ؤدي إلى مفاسد كث يرة
ويع رض حي اة الن اس لالس تغالل والمت اجرة بها وقد ي ذكر في ه ذا الص دد ح وادث
وقعت في بعض البالد ونش رتها الص حف اق ترنت بالنصب واالحتي ال واالس تغالل
إما من المت برعين باس تغالل حاجة المرض ى ،وإ ما من المحت اجين الط البين للت برع
باستغالل فقر المتبرعين وحاجتهم المادية فيقتضي القول بتحريم التبرع أخذاً بمبدأ
سد الذرائع.
والجواب:
ب أن أغلب الظن أن ك ثرة الفس اد في ب اب الت برع باألعض اء إنما يع ود إلى
الفوضى وعدم التحديد والوضوح ونقص الرقابة والذي يقطع الشر في هذا الباب أو
يخففه إلى الدرجة التي تكون فيها مصالحه أكثر من مفاسده إنما هو تسييجه بسياج
من القي ود( )1والش روط ف الجواز ليس مطلق اً بل هو مقيد بش روط كث يرة ن ذكرها فيما
يلي:
()2
شروط جواز التبرع باألعضاء:
أن يكون هذا العضو قد استقطع لعلة أصابت صاحبه ،مثل عين تقرر طبي اً -1
إزالتها لمرضها ،ومع ذلك يمكن االستفادة من القرنية لشخص آخر ،فال شك
في إباحة ذل ك ،ألن فيه منفعة إلنس ان ب دل ذه اب العين دون فائ دة لت دفن في
التراب.
أن يك ون المت برع (المعطي) كامل األهلي ة ،أي بالغ اً ع اقالً ،وك انت فت وى -2
مجمع الفقه اإلس المي رقم ( )1د 4/08/88بت اريخ 23/5/1408هـ هي
التي نصت صراحة على كون الباذل كامل األهلية.
1
(?) أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة ،ص.184 – 181
2
(?) انظر :الطبيب أدبه وفقهه ص ،218 – 216أبحاث فقهية طبية معاصرة :محمد نعيم ياسين ص– 160
،163موت الدماغ بين الطب والشريعة ص.205
210
نصت جميع الفت اوى على وج وب أن يك ون الب ذل ب دون مقاب ل ،احتس اباً -3
لوجه اهلل تع الى ،ومع ه ذا لم تم انع في إعط اء مبلغ من الم ال من قبيل الهبة
ال المعاوض ة ،وقد نصت الق وانين الوض عية أيض اً إلى وج وب الت برع ،ومع
ه ذا فقد س محت بإعط اء هبة تش جيعاً ،كما أن تك اليف الفحوص ات وإ ج راء
العملية لـه ينبغي أن تتكفل بها الجهة المس تفيدة أو الدول ة ،باإلض افة إلى ذلك
فإن إضاعة وقت المتبرع ودخوله المستشفى ،وبقاءه في المنزل دون عمل،
ينبغي أن يحس ب ،وأن يع وض عنه تعويض اً ع ادالً ،ويج وز للمض طر
(الم ريض) أن يب ذل الم ال للحص ول على دم أو عضو إذا لم يجد من يت برع
له.
أن ال يضر أخذ العضو من المت برع به ض رراً يخل بحياته العادي ة ،ألن -4
القاعدة الشرعية أن الضرر ال يزال بضرر مثله وال بأشد منه.
يح رم نقل عضو من إنس ان حي ي ؤدي إلى هالك ه ،مثل نقل القلب أو -5
الكب د ...الخ ،ألن ذلك انتح ار وقتل نفس ،وكالهما من أبشع الج رائم في
اإلسالم.
أب اح بعض الفقه اء نقل قرينة واح دة من إنس ان حي إلى ش خص أعمى، -6
بحيث يس تطيع أن يبص ر ،وتوقف بعض الفقه اء في ذل ك ،ومنعه بعض هم،
ألن فيه ضرراً بالغاً بالمتبرع.
أن يك ون زرع العضو هو الوس يلة الطبية الوحي دة الممكنة لمعالجة -7
المض طر ،وه ذا الش رط قد ال يتحقق في زرع الكلى ،فالفشل الكل وي يع الج
بطريقتين:
-1الديلزة (الغسيل الكلوي).
-2زرع الكلى.
وزرع الكلى أفضل في نتائجه في الغ الب من ال ديلزة ،وإ ن ك انت
الديلزة ضرورية جداً قبل إجراء العملية ،ويحتاج إليها بعد إجرائها لفترات
211
متقطعة في كث ير من الح االت ،كما يحت اج إليها عند فشل عميلة زرع الكلى
بسبب الرفض أو لغير ذلك من األسباب.
أن يك ون المس تقبل (( )Recepientأي اآلخذ للعضو أو ال دم) مض طراً، -8
ألخذ العض و ،والمض طر من تك ون حياته مه ددة ب الموت ،إن لم يقم ب ذلك
الفعل.
أن يك ون نج اح كل من عملي تي ال نزع وال زرع محقق اً في الع ادة أو غالب اً، -9
ولذا ال يجوز إجراء زرع األعضاء في األمور التجريبية على اإلنسان ،وال
بد أن تتم ه ذه العملي ات على حيوان ات التج ارب ح تى تحقق نس بة نج اح
عالية.
أن يكون إعطاء العضو طوعاً من المتبرع دون إكراه مادي أو معنوي. -10
أال يؤدي االستقطاع إلى فتنة. -11
أن يك ون تنفيذ عملي ات غ رس األعض اء تحت إش راف مؤسس ات رس مية -12
مؤهلة علمياً وخلقياً للتحقق من الشروط والمسوغات.
أن ال يك ون الت برع س بب أكيد لإلس اءة إلى الكرامة مث ل :إذا ك ان الت برع -13
بالعضو لجهة يغلب على ظن المت برع أنها تتجر ب أجزاء الجسد اإلنس اني
وتستغل حاجة المرضى وتتخذ ذلك أسلوباً للربح.
()1
-4مسائل متعلقة بموضوع التبرع باألعضاء :
حكم بيع األعضاء :
ونحب أن ننبه هنا على أن الق ول بج واز الت برع باألعض اء ال يقتضي الق ول
بجواز بيعها ،ألن البيع كما عرفه الفقهاء مبادلة مال بمال بالتراضي ،وبدن اإلنسان
ليس بم ال ،ح تى ي دخل دائ رة المعاوضة والمس اومة ،وتص بح أعض اء الجسد
اإلنس اني محالً للتج ارة وال بيع والش راء ،وهو ما ح دث لألسف في بعض األقط ار
1
(?) أجاب وأفتى في هذه المسائل فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه القيم :فتاوي معاصرة – 2/534
.540
212
الفق يرة ،حيث ق امت س وق أش به بس وق النخاس ين ،لش راء أعض اء الفق راء
والمستض عفين من الن اس ،لحس اب األغني اء ،ونفقت ه ذه التج ارة الخسيسة ال تي
دخلتها " مافيا " جديدة تنافس " مافيا " المخدرات.
ولكن لو بذل المنتفع بالتبرع للشخص المتبرع مبلغ اً من المال غير مشروط
وال مسمى من قبل ،على سبيل الهبة والهدية والمساعدة ،فهو جائز ،بل هو محمود
ومن مكارم األخالق ،وهذا نظير إعطاء المقرض عند رد القرض أزيد من قرضه
دون اش تراط س ابق ،فهو مش روع ومحم ود ،وقد فعله الن بي ،حيث رد أفضل مما
أخذ ،وقال " :إن خياركم أحسنكم قضاء " (.)1
213
ونق ول :إن أخذ عضو من جسم الميت ال يتن افى مع ما هو مق رر لحرمته
شرعاً ،فإن حرمة الجسم مصونة غير منتهكة ،والعملية تجري لـه كما تجري للحي
بكل عناية واحترام دون مساس بحرمة جسده.
على أن الحديث إنما جاء في كسر العظم ،وهنا ال مساس بالعظم ،والمقصود
منه هو النهي عن التمثيل بالجث ة ،والتش ويه له ا ،والعبث به ا ،كما ك ان يفعل أهل
الجاهلية في الحروب ،وال زال بعضهم يفعلها إلى اليوم ،وهو ما ينكره اإلسالم وال
يرضاه.
وال يعترض معترض بأن السلف لم يؤثر عنهم فعل شيء من ذلك ،وكل خير
في اتباعهم ...فهذا صحيح لو ظهرت لهم حاجة إلى هذا األمر ،وقدروا عليه ،ولم
يفعل وه ،وكث ير من األعم ال ال تي نمارس ها الي وم لم يفعلها الس لف ،ألنها لم تكن في
زمنهم.
والفت وى تتغ ير بتغ ير الزم ان والمك ان والع رف والح ال ،كما ق رر ذلك
المحقق ون ،وكل ما يمكن وض عه هنا من قيد هو أال يك ون الت برع بالجسم كل ه ،أو
ب أكثر أو بما دون ذل ك ،مما يتن افى مع ما هو مق رر للميت من أحك ام ،من وج وب
تغس يله وتكفينه والص الة علي ه ،ودفنه في مق ابر المس لمين ...الخ ،والت برع ببعض
األعضاء ال يتنافى مع شيء من ذلك بيقين (.)1
هل يجوز لألولياء والورثة التبرع بجزء من ميتهم ؟
وإ ذا جاز تبرع الميت ببعض أعضائه عن طريق الوصية ،فهل يجوز لورثته
وأوليائه أن يتبرعوا عنه بمثل ذلك؟
قد يق ال :إن الجسم الميت ملك ص احبه ،وليس ملك أوليائه وورثت ه ،ح تى
يك ون لهم حق التص رف فيه أو الت برع ببعض ه ،ولكن الميت بعد موته لم يعد أهالً
للمل ك ،فكما أن ماله انتقل ملكه إلى ورثته ك ذلك يمكن الق ول ب أم جسم الميت قد
(.7/437 )3167
1
(?) فتاوي معاصرة .2/535
214
أصبح من حق األولياء أو الورثة ،ولعل منع الشرع من كسر عظم الميت أو انتهاك
حرمة جثته ،إنما هو رعاية لحق الحي أكثر مما هو رعاية لحق الميت.
وقد جعل الش ارع لألولي اء الحق في القص اص أو العفو في حالة القتل العم د،
كما ق ال تع الى :ومن قتل مظلوم اً فقد جعلنا لوليه س لطاناً فال يس رف في القتل إنه
كان منصوراً [ اإلسراء.]33 :
وكما أن لهم حق القص اص عنه إن ش اءوا ،أو المص الحة على الدية أو ما هو
أقل أو أك ثر منه ا ،أو العفو المطلق لوجه اهلل تع الى ،عف واً كلي اً أو جزئي اً ،كما ق ال
تعالى :فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان [ البقرة:
.]178
ال يبعد أن يك ون لهم حق التص رف في ش يء من بدن ه ،بما ينفع الغ ير وال
يضر الميت ،بل قد يس تفيد منه ثواب اً ،بق در ما أف اد اآلخ رين من المرضى
والمتض ررين وإ ن لم يك ون لـه فيه ني ة ،كما يث اب في حياته على ما أكل من زرعه
من إنس ان أو طير أو بهيم ة ،وما أص ابه من نصب أو وصب أو حزن أو أذى حتى
الش وكة يش اكها ...وكما ينتفع بعد موته ب دعاء ول ده خاصة ودع اء المس لمين عامة
وبص دقتهم عن ه ..وقد ذكرنا أن الص دقة ببعض الب دن أعظم أج راً من الص دقة
بالمال.
ومن هنا أرى أنه ال م انع من ت برع الورثة ببعض أعض اء الميت ،مما يحت اج
إليه بعض المرضى لعالجهم كالكلية والقلب ونحوهم ا ،بنية الص دقة ب ذلك عن
الميت ،وهي صدقة يستمر ثوابها ما دام المريض المتبرع له منتفعاً بها(.)1
زرع عضو من كافر لمسلم :
أما زرع عضو من غ ير مس لم في جسم إنس ان مس لم فال م انع من ه ،وأعض اء
اإلنسان ال توصف بإسالم وال كفر ،وإ نما هي آالت لإلنسان ،يستخدمها وفق اً لعقيدته
ومنهاجه في الحي اة ،ف إذا انتقل العضو من ك افر إلى مس لم ،فقد اص بح ج زءاً من
1
(?) فتاوي معاصرة .2/536
215
كيانه ،وأداة له في القيام برسالته ،كما أمر اهلل تعالى ،فهذا كما لو أخذ المسلم سالح
الكافر وقاتل به في سبيل اهلل.
بل قد نقول :إن األعضاء في بدن الكافر مسلمة مسبحة ساجدة هلل تعالى ،وفق
المفه وم القرآني ،أن كل ما في الس ماوات واألرض ساجد مس بح هلل تع الى ،ولكن ال
تفقه ون تس بيحهم ،فالص واب إذن أن كفر الش خص أو إس المه ال ي ؤثر في أعض اء
بدن ه ،حتى القلب نفس ه ،الذي ورد وص فه في القرآن بالس المة والم رض ،واإليم ان
وال ريب ،والم وت والحي اة ،فالمقص ود به ذا ليس هو العضو المحس ال ذي ي دخل في
اختصاص األطباء والمحللين ،فإن هذا ال يختلف باختالف اإليمان والكفر والطاعة
والمعص ية ،إنما المقص ود به (المع نى) ال روحي ،ال ذي به يش عر اإلنس ان ويعقل
ويفقه ،كما قال تعالى :فتكون لهم قلوب يعقلون بها [ الحج ،]46 :لهم قلوب ال
يفقهون بها [ األعراف ،]179 :وقوله تعالى :إنما المشركون نجس [ التوبة،]28 :
ال ي راد به النجاسة الحس ية ال تي تتصل باألب دان بل النجاسة المعنوية ال تي تتصل
بالقلوب والعقول ولهذا ال يوجد حرج شرعي من انتفاع المسلم بعضو من جسد غ ير
المسلم(.)1
1
(?) فتاوي معاصرة .2/538
216
المبحث الثامن
217
-وجنين اآلدمي :هو المخلوق الذي يتكون في رحم المرأة نتيجة تالقح بويضتها
مع الحيوان المنوي الذي يحتوي عليه ماء الرجل ،ويطلق اسم الجنين على
هذا المخلوق ما دام في رحم أمه لتحقق استتاره فيه ،فيشمل جميع مراحله من
حين تكونه إلى وقت والدته(.)1
)?(1أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة :د .محمد نعيم ياسين ،ص.52
)?(2لسان العرب :مادة جهض .7/131
)?(3النهاية في غريب األثر :مادة جهض .1/322
)?(4المحلى ،11/29حاشية ابن عابدين .6/587
)?(5الموسوعة الطبية الفقهية :أحمد محمد كنعان ص ،42والموسوعة الفقهية الكويتية .2/52
218
ومعظم حاالت اإلجهاض تحصل بصورة عفوية دون تحريض خارجي
وسببها في الغالب وجود تشوهات َخلقيَّة في الجنين ،وبهذا يكون اإلجهاض العفوي
رحمة كبيرة من الخالق عزوجل ،ألن الجنين المشوه إذا ولد حياً كان عالة على أهله
وعلى المجتمع.
وقد يحصل اإلجهاض عمداً بطريقة مصطنعة باستعمال أدوية أو بعض
المواد المجهضة أو بالضرب على البطن.
ودوافع اإلجهاض المتعمد قد تكون مشروعة تستهدف سالمة األم ودفع
الخطر الذي يسببه بقاء الحمل في بطنها ،وقد يكون الدافع لإلجهاض غير شرعي،
أو جنائي كأن ينتج عن االعتداء على الحامل ،أو يكون لستر جريمة الزنا أو غير
ذلك من األغراض غير المشروعة.
واإلجهاض المتعمد منتشر جداً في البلدان الصناعية التي تبيح اإلجهاض أو
تتساهل به ،بينما تتدنى نسبته في البيئات التي تحرم اإلجهاض ألسباب دينية مثل
معظم البلدان اإلسالمية(.)1
219
والتعقل والتخيل واإلرادة والتفكير وقد سمى اهلل تعالى ورسوله هذا المخلوق
بالروح(.)1
ولقد وردت اإلشارة إلى كال النوعين من التطور في كتاب اهلل عزوجل وفي
سنة رسوله .
يقول تعالى :يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من
تراب ،ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في
األرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفالً ثم لتبلغوا أشدكم ،ومنكم من
[الحج: يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيال يعلم من بعد علم شيئاً
.]5
وقال سبحانه :ولقد خلقنا اإلنسان من ساللة من طين ،ثم جعلناه نطفة في
قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا
العظام لحماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك اهلل أحسن الخالقين
[المؤمنين ،]14 -12 :قال ابن كثير :ثم أنشأناه خلقاً آخر أي نفخنا فيه الروح
فتحرك وصار خلقاً آخر ذا سمع وبصر وإ دراك وحركة واضطراب فتبارك اهلل
أحسن الخالقين ،وروى ذلك عن علي بن أبي طالب وعبداهلل بن عباس وأبي سعيد
الخدري – رضي اهلل عنهم – ورواه عن التابعين ومن بعدهم مجاهد وعكرمة
والشعبي والحسن البصري والضحاك والربيع بن أنس والسدي( ..)2وقال ابن جرير
الطبري :وأجمع أهل التفسير على ذلك ال نعلم أحداً شذ منهم عن ذلك(.)3
وقال عزوجل :الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق اإلنسان من طين ثم
جعل نسله من ساللة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع
واألبصار واألفئدة قليالً ما تشكرون ] السجدة.[9 – 6 :
وعن عبداهلل بن مسعود قال :حدثنا رسول اهلل وهو الصادق المصدوق:
" إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ،ثم يكون علقة مثل ذلك ،ثم يكون
)?(1أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة ،ص.53
)?(2تفسير ابن كثير :البن كثير .3/242
)?(3جامع البيان :للطبري .10 – 18/9
220
مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ،ويؤمر بأربع كلمات :بكتب
رزقه ،وأجله ،وعمله وشقي أو سعيد " (.)1
)?( 1أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب ذكر المالئكة ( 3/1174K )3036ومسلم في كتاب القدر باب
كيفية خلق اآلدمي (.4/2036 )2643
)?(2حاشية ابن عابدين .1/302
)?(3الذخيرة .2/470
)?(4شرح النووي على صحيح مسلم .16/191
)?(5جامع العلوم والحكم ،ص.49
)?(6تفسير القرطبي .12/8
221
عندما جاء اإلسالم لم يكن اإلجهاض المتعمد شائعاً في المجتمع كما هو شائع
اليوم :بل كانت عندهم في أيام الجاهلية عادة قتل األوالد الصغار بعد والدتهم وهو
يعرف باسم الوأد فكانوا يئدون أوالدهم للتخفف من نفقاتهم وخشية الفقر ،أما البنات
فكانوا يئدونهن خوفاً من السبي والفضيحة.
قال تعالى :وإ ذا الموءودة سئلت ،بأي ذنب قتلت ] التكوير.[9 – 8 :
وقال عز من قال :وال تقتلوا أوالدكم خشية إمالق نحن نرزقهم وإ ياكم إن
قتلهم كان خطئاً كبيراً [ اإلسراء.]31 :
أما في العصور المتأخرة عادت عادة الوأد بصورة جديدة أال وهي اإلجهاض
بعد أن ضعف وازع الدين في القلوب وأصبحت وسائل اإلجهاض المختلفة ميسورة
بين أيدي الناس.
ونظراً لما ينطوى عليه اإلجهاض المتعمد من أضرار بالغة على األم
والجنين ،وألن الجنين يعد حياً من بداية الحمل وحياته محترمة في كافة أدوارها
وبخاصة بعد نفخ الروح عند نهاية الشهر الرابع :فقد ذهب معظم الفقهاء إلى حرمة
اإلجهاض المتعمد إال لعذر شرعي سواء قبل نفخ الروح في الجنين أو بعد نفخ
الروح ،ورأى قلة منهم جواز اإلجهاض قبل نفخ الروح ،وأجازه آخرون فقط قبل
األربعين يوماً من عمر الجنين اعتماداً على بعض األحاديث التي ورد فيها أن نفخ
الروح في الجنين يكون بعد األربعين يوماً(.)1
وفيما يلي تفصيل لهذه األقوال حسب المراحل الجنينية:
-1مرحلة األربعين األولى (النطفة) :يرى إباحة إسقاط الجنين فيها معظم فقهاء
الحنفية ،ومعظم فقهاء الشافعية ،ومعظم فقهاء الحنابلة ،واللخمي من فقهاء
المالكية ،ويرى تحريمه معظم فقهاء المالكية ،ويعض فقهاء الحنفية ،والغزالي
من فقهاء الشافعية ،وابن الجوزي من فقهاء الحنابلة(.)2
222
-2مرحلة األربعين الثانية (العلقة) :يرى إباحة اإلجهاض فيها معظم فقهاء
الحنفية ،ومعظم فقهاء الشافعية ،وابن عقيل من فقهاء الحنابلة ،ويرى تحريم
ذلك جميع فقهاء المالكية ،وبعض فقهاء الحنفية ،ومعظم فقهاء الحنابلة،
والغزالي من فقهاء الشافعية(.)1
-3مرحلة األربعين الثالثة (المضغة) :يرى إباحة اإلجهاض فيها معظم فقهاء
الحنفية ،وجمهور فقهاء الشافعية ،وابن عقيل من الحنابلة ،ويرى تحريمه
جميع فقهاء المالكية ،ومعظم فقهاء الحنابلة ،وبعض الحنفية ،والغزالي من
فقهاء الشافعية ،وتابعه في ذلك اثنان آخران منهم ،على اعتبار أن هذه
المرحلة تعتبر حريماً لنفخ الروح(.)2
-4يتفق جميع الفقهاء على أن اإلجهاض قبل تمام األشهر األربعة األولى من
عمر الجنين يختلف في حقيقته وحكمه الشرعي الدقيق ،عن اإلجهاض بعدها،
وال يساويه ،فهم ال يعدونه قتالً آلدمي ،وال يرتبون عليه إثم القتل ،قال ابن
قدامة " :وأما قبل نفخ الروح فال يكون الجنين نسمة فال يصلى عليه،
كالجمادات والدم " ( ،)3وأكد ابن حزم على هذه الحقيقة :وأن إسقاط الجنين
قبل األربعة األشهر ال يعد إزهاقاً لروح آدمي ،وال نقالً من الحياة إال
الموت( ،)4ومثل ذلك نقل الشوكاني عن اإلمام الشافعي قوله " :إنما يغسل
ألربعة أشهر إذ يكتب في األربعين الرابعة رزقه وأجله ،و إنما ذلك للحي "
(.)5
)?( 1البحر الرائق ،8/387شرح فتح القدير ،2/495حاشية ابن عابدين ،6/591نهاية المحتاج ،8/416
حاشية قليوبي وعميرة ،160 – 3/159اإلنصاف ،1/386الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي .2/267
)?( 2شرح فتح القدير ،2/495حاشية ابن عابدين ،1/302شرح الكبير مع حاشية الدسوقي ،2/267فتح العلي
المالك ،400 – 1/399بداية المجتهد ،2/416نهاية المحتاج ،8/416حاشية قليوبي 3/160و،5/490
المغني ،9/539 ،2/398الفروع ،6/191اإلنصاف .1/386
)?(3المغني .2/398
)?(4المحلى .8/33
)?(5نيل األوطار .4/83
223
ونقل عن غ يره قول ه " :إنما يص لى عليه إذا نفخت فيه ال روح ،وهو أن
يس تكمل أربعة أش هر ،فأما إن س قط ل دونها فال ،ألنه ليس بميت ،إذ لم ينفخ فيه
روح " (.)1
-5إو ذا كان األمر كذلك ،وأن إسقاط الجنين قبل نفخ الروح ال يعتبر قتالً آلدمي
باتفاق الفقهاء ،فإنا نرى :أن جواز اإلسقاط في هذه المرحلة لعذر معقول ال
تأباه مختلف المذاهب الفقهية.
أما على مذهب القائلين باإلباحة فاألمر واضح ،وأما على مذهب القائلين
بالتحريم فأغلب الظن أنهم ال يقصدون شمول التحريم لحالة العذر ،حتى عند
المالكية الذي تشددوا في هذه المسألة وجد من علمائهم من رأى ضرورة تقييد التحريم
الذي اعتمده المذهب بأن ال يكون الحمل نتيجة الزنى ،فإن كان كذلك فال تحريم،
وبخاصة إذا خافت المرأة على نفسها عند ظهور الحمل(.)2
إو ذا كان الفقهاء لم يذكروا إال قليالً من األعذار ،كالخوف على الرضيع من
الهالك بانقطاع لبن أمه بالحمل مع تعذر البديل ،فإنما كان ذلك منهم متناسباً مع
معارفهم الطبية ،ولم يكن عندهم من العلم في هذا المجال ما يمكنهم من معرفة كثير
من اآلفات التي قد تصيب الجنين ،أو تصيب أمه إذا بقي في بطنها حتى الوالدة.
واليوم حيث تقدمت العلوم الطبية ،صار في مقدور الطبيب أن يدرك أنواعاً
من المخاطر على الحمل إذا بقي ،وأنواعاً من المخاطر على الحامل إذا ترك الجنين
إلى آخر أشهر الحمل ،وهي أعذار ال تقل في أهميتها عما ذكر الفقهاء ،فينبغي أن
تحمل مذاهبهم على اعتبارها(.)3
على أن األعذار الشرعية التي يباح لها اإلجهاض قبل نفخ الروح ال ينبغي
فتح الباب فيها على مصراعيه حتى ال يحشر فيها ما ليس منها.
واالحتياط في ذلك ينصح بأن ال تجري عمليات اإلجهاض إال في مستشفيات
محددة ،وال يجريها أي طبيب بل تعرض الحاالت على لجنة من األطباء المسلمين
)?(1المرجع السابق.
)?(2فتح العلي المالك .1/399
)?(3أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة ،ص.210
224
العدول وبعض أهل االختصاص الشرعي لتقدير األعذار وكفايتها من الناحية
الصحية والشريعة(.)1
وهل تشوه الجنين ،أو حالة االغتصاب عذر شرعي فهذا ما سنبينه فيما يلي:
-7حكم إجهاض الجنين المشوه :
بناء على ما أوردناه من كالم الفقهاء في موضوع إجهاض الجنين عموماً
والتفريق عندهم بين أن يكون اإلجهاض بعذر أو بغير عذر ،ومتى يكون ذلك قبل
نفخ الروح أو بعده فالذي ذهب إليه كثير من العلماء :أن إجهاض الجنين في مرحلة
قبل نفخ الروح – أي قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل – إذا ثبت وتأكد
بتقرير لجنة طبية موثوقة مختصة أن الجنين مشوه تشويهاً خطيراً غير قابل للعالج
وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآالماً عليه وعلى أهله فعندئذ
يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين(.)2
ق على عموم أما بعد نفخ الروح فيه فإن إجهاض الجنين المشوه ال يزال با ٍ
()3
تحريم اإلجهاض فال يجوز وال يحل لما يأتي:
أوالً :عموم النهي من كتاب اهلل وسنة رسول اهلل عن قتل النفس التي حرم اهلل
إال بالحق ،وهذه نفس قد اكتسبت الحياة وأصبح لها حكم نفس اآلدميين المعصومين
ولذا لو جني عليه في بطن أمه ثم سقط حياً ومات ففيه دية كاملة فإن سقط ميتاً ففيه
غرة.
ثانياً :يوجد نصوص تشمل مثل هذه الحالة بالتحريم وتتناولها بالحكم فمن
ذلك ما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك قال :قال رسول اهلل " :ال يتمنين
لضر نزل به فإن كان البد متمنياً فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة أحدكم الموت ٍ
()4
خيراً لي وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي " .
225
وقصة الذي جرح نفسه فعجل بنفسه إلى النار وامتنع من الصالة على
الذي قتل نفسه بمشاقص(.)1
مما يدل على أن قتل النفس جريمة كبيرة ،هذا في حق من قتل نفسه وهو
صاحب الحق فيها فكيف بمن يعتدي عليه ويقتله غيره استضعافاً له.
أما كالم العلماء في ذلك فقد قال فقهاؤنا واللفظ لشرح اإلقناع (وال يجوز قتل
البهيمة لإلراحة كاآلدمي المتألم باألمراض الصعبة أو المصلوب بنحو حديد ألنه
معصوم ما دام حياً)(.)2
ثالثاً :بعد أن اكتسب الجنين الحياة وصار إنساناً فإن له الحق في بقائه حياً
على أي حال يكون وال يحل ألحد أن ينزع منه هذه الحياة التي وهبه اهلل إياها،
وتقدم أنه يتعلق بالقتل العمد ثالثة حقوق :حق هلل وحق للورثة وحق للمقتول ،وإ ذا
حرم علينا قرب أموال الضعفاء إال بالتي هي أحسن فكيف يحل لنا كان اهلل تعالى ّ
القضاء على حياتهم؟! وكم رأينا من مشوهين ال يستطيع اإلنسان أن يثبت نظره إلى
خلقتهم وهم راضون بخلقتهم بل لقد سمعنا أن كثيراً منهم عرض عليهم إزالة هذا
التشويه فلم يرضوا بذلك ألنهم وجدوا في هذه العاهات مصدر ثروة لهم لما يالقونه
من العطف والشفقة واإلحسان من الناس.
رابعاً :في والدتهم على هذه الحالة عظة للمعافين ففي الحديث " :اللهم كما
حسنت خلقي فحسن خلقي وحرم وجهي على النار " ( ،)3وعن عمر أن رسول اهلل
قال " :من رأى صاحب بالء فقال :الحمد هلل الذي عافاني مما ابتالك به وفضلني
على كثير ممن خلق تفضيالً لم يصبه ذلك البالء أبداً كائناً ما كان ما عاش " (.)4
خامساً :فيه معرفة لقدرة اهلل تعالى وتحقيقاً لقوله تعالى :هو الذي يصوركم
في األرحام كيف يشاء [ آل عمران ]6 :فاهلل تعالى يري خلقه مظاهر قدرته
)?(1أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ترك الصالة على القاتل نفسه (.2/672 )978
)?(2كشاف القناع .5/495
)?( 3أخرجه أحمد ( ،6/68 )24441والبيهقي في شعب اإليمان ( ،6/364 )8543وصححه ابن حبان ()959
( ،3/239فتح الباري .)10/456
)?( 4أخرجه ابن ماجة في كتاب الدعاء باب ما يدعو به الرجل إذا نظر إلى أهل البالء (،2/1281 )3892
والترمذي في كتاب الدعوات باب ما يقول إذا رأى مبتلى ( ،5/493 )3431قال أبو عيسى :هذا حديث غريب.
226
وعجائب صنعه وحين ولد عيسى بال أب قال تعالى :ولنجعله آية للناس
[مريم ،]21 :أي برهاناً على كمال القدرة اإللهية ،فإجهاضه محادة لهذه اإلرادة.
سادساً :إن قتلهم ثم إجهاضهم نظرة مادية صرفة لم تعر األمور المعنوية أي
نظرة.
ومن األغالط واألخطاء أن الباحث والمحقق ال ينظر إلى الشيء إال من
زاوية واحدة وال يدرسه من جميع جوانبه ويتحقق عن المقاصد واألمور واألهداف
المرادة من هذه األشياء ،فكثير من األمور منوطة بنتائجها ومرهونة بثمراتها.
ٍ
لمعان سامية ومقامات ونحن إذا تدبرنا المراد من خلق اإلنسان فنجده خلق
عالية هي أعز وأغلى من هذه الحياة الدنيا وما فيها من ملذات ومتع فقد خلقه اهلل
لعبادته قال تعالى :وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون [ الذاريات.]56 :
وينتج عن تحقيق عبادته وإ نفاذ إرادته الشرعية السعادة األبدية في الدار
اآلخرة وإ جهاض هذا اآلدمي البريء حرمان له من كمال سعادته األخروية.
فإننا إذا أخذنا هذا المعنى السامي في حق الخلق وجدنا أن هذا التشويه مما
يزيده تحقيقاً لهذه الغاية المرادة منه واإلرادة المتعلقة بإيجاده فوجودها فيه أدعى إلى
ذله ومسكنته لربه وصبره عليها احتساباً منه األجر الكبير.
س= ==ابعاً :مس ألة تش وه الج نين ليست متقنة فقد يظن أن الج نين مش ّوه ويولد
سليماً ،كما حدث ذلك مرات عديدة.
المشوه :
ّ -8قرار المجمع الفقهي بشأن موضوع إسقاط الجنين
الحمد هلل وحده والصالة والسالم على من ال نبي بعده سيدنا ونبينا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم ،أما بعد:
227
فإن مجلس المجمع الفقهي اإلسالمي لرابطة العالم اإلسالمي في دورته الثانية
عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 15رجب 1410هـ الموافق
10فبراير 1990م إلى يوم السبت 22رجب 1410هـ الموافق 17فبراير
1990م قد نظر في هذا الموضوع وبعد مناقشته من قبل هيئة المجلس الموقرة ومن
قبل أصحاب السعادة األطباء المختصين الذي حضروا لهذا الغرض ،قرر باألكثر
ما يلي:
-1بلوغ الحمل مائة وعشرين يوماً :
إذا ك ان الحمل قد بلغ مائة وعش رين يوم اً ال يج وز إس قاطه ولو ك ان
التش خيص الط بي يفيد أنه مش وه الخلقة إال إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من األطب اء
الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة األم يجوز إسقاطه سواء
كان مشوهاً أو ال دفعاً ألعظم الضررين.
-2عدم بلوغ الحمل مائة وعشرين يوماً :
قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية
من األطباء المختصين الثقات ،وبناء على الفحوص الفنية باألجهزة والوسائل
مشوه تشويهاً خطيراً غير قابل للعالج وأنه إذا بقي وولد في
المختبرة أن الجنين ّ
بناء على ٍ
موعده ستكون حياته سيئة وآالماً عليه وعلى أهله فعندئذ يجوز إسقاطه ً
طلب الوالدين.
والمجلس إذا يقرر ذلك يوصي األطباء والوالدين بتقوى اهلل والتثبت في هذا
األمر ،واهلل ولي التوفيق.
228
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي مجيب اً عن هذا السؤال" )1(:
ئلت مثل هذا السؤال من قبل من أخوة في أرتيريا فعل ببناتهم وأخواتهم الجن ودلقد ُس ُ
النص ارى في جيش ما يس مى الجبهة الش عبية لتحرير أرتيري ا ،ما يفعل جن ود
الصرب اليوم بشعب البوسنا الحرائر.
وقبل ذلك بسنوات أرسلت جماعة من النساء المؤمنات المعتقالت ظلماً ،من
داخل سجون الظلمة الطغاة في بعض البالد بنفس السؤال إلى عدد من العلماء في
البالد العربية :ماذا يصنعن فيما تحمله أرحامهن من حمل حرام ال ذنب لهن فيه،
وال اختيار لهن فيه؟
وأحب أن أؤكد أوالً :أن هؤالء النسوة من أخواتنا وبناتنا ،ليس عليهن أي
ذنب فيما حدث لهن ،ما دمن قد رفضن وقاومن في أولى األمر ،ثم أكرهن عليه
تحت أسنة الرماح ،وضغط القوة الباطشة ،وماذا تصنع أسيرة أو سجينة مهيضة
الجناح ،أمام آسر أو سجان مدجج بالسالح؟ ال يخشى خالقاً ،وال يرحم مخلوقاً؟!
واهلل تعالى قد رفع اإلثم عن المكره فيما هو أشد من الزنى ،وهو الكفر،
والنطق به ،قال تعالى :إال من أكره وقلبه مطمئن باإليمان [ النحل.]106 :
بل رفع القرآن اإلثم عن اإلنسان في حالة الضرورة القاهرة ،وإ ن بقي لـه
شيء من االختيار الظاهري ،وما ذاك إال ألن ضغط الضرورة أقوى منه ،قال
تعالى بعد أن ذكر األطعمة المحرمة :فمن اضطر غير باغ وال عاد فال إثم عليه
إن اهلل غفور رحيم [ البقرة.]173 :
والنبي قال " :إن اهلل وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه
" ( ،)2بل إن هؤالء البنات واألخوات يؤجرن على ما أصابهن من بالء ،إذا تمسكن
بإسالمهن الذي ابتلين وامتحن من أجله ،واحتسبن ما نالهن من األذى عند اهلل
عزوجل ،وقد قال رسول اهلل " :ما يصيب المسلم من نصب وال وصب ،وال هم
229
وال حزن ،وال أذى وال غم – حتى الشوكة يشاكها – إلى كفّر اهلل بها من خطاياه "
(.)3
ف إذا ك ان المس لم يث اب في الش وكة يش اكها ،فكيف إذا انتهك عرضه أو ل وث
شرفه؟!
ومن أجل هذا أنصح للشباب المسلم أن يتقرب إلى اهلل تعالى بالزواج من
إحدى هؤالء الفتيات ،رفقاً بحالهن ،ومداواة لجرحهن ،وهو جرح نفسي قبل كل
شيء ،ناشئ عن إحساسهن بأنهن فقدن أعز ما تملكه فتاة شريفة طاهرة ،وهو
عذريتها.
أما إجهاض الحمل ،فقد بينا في فتوى سابقة أن األصل في اإلجهاض هو
المنع ،منذ يتم العلوق ،أي منذ يلتقي الحيوان المنوي الذكر بالبويضة األنثوية،
وينشأ منهما ذلك الكائن الجديد ،ويستقر في قراره المكين في الرحم.
فهذا الكائن لـه احترامه وإ ن جاء نتيجة اتصال محرم كالزنى ،وقد أمر
الرسول المرأة الغامدية التي أقرت بالزنى واستوجبت الرجم ،أن تذهب بجنينها
حتى تلد ،ثم بعد الوالدة تذهب به حتى يفطم.
وهذا ما أختاره للفتوى في الحاالت العادية ،وإ ن كان هناك من الفقهاء من
يجيز اإلجهاض إذا كان قبل مضي أربعين يوماً على الحمل ،عمالً ببعض الروايات
التي صحت بأن نفخ الروح في الجنين يتم بعد أربعين أو اثنين وأربعين يوماً.
بل من الفقهاء من يرى الجواز إذا كان قبل مضي ثالث أربعينات أي قبل
مائة وعشرين يوماً ،عمالً بالرواية األشهر بأن نفخ الروح يتم بعد ذلك.
والذي نرجحه هو ما ذكرناه أوالً ،ولكن في حاالت األعذار ال بأس باألخذ
بأحد القولين اآلخرين ،وكلما كان العذر أقوى كانت الرخصة أظهر ،وكلما كان ذلك
قبل األربعين األولى كان أقرب إلى الرخصة.
وال ريب أن االغتصاب من عدو كافر فاجر ،معتد أثيم ،لمسلمة عذراء
طاهرة ،عذر قوي ،لدى المسلمة ولدى أهلها ،وهي تكره هذا الجنين – ثمرة
230
االعتداء الغشوم – وتريد التخلص منه ،فهذه رخصة يفتى بها للضرورة ،التي تقدر
بقدرها.
ونحن نعلم أن هناك من الفقهاء من شددوا في األمر ،ومنعوا اإلسقاط ولو بعد
يوم واحد من الحمل ،بل هناك من حرموا مجرد االمتناع االختياري عن اإلنجاب،
بمنع الحمل من قبل الرجل أو المرأة أو كليهما ،مستدلين بما جاء في بعض
األحاديث من تسمية (العزل) بـ (الوأد الخفي) ،فال غرو أن يحرم اإلجهاض بعد
الحمل.
واألرجح هو التوسط بين المتوسعين في اإلجازة ،والمتشددين في المنع،
والقول بأن (البيضة) منذ يلقحها المنوي أصبحت (إنساناً) إنما هو لون من (المجاز)
في التعبير ،فالواقع أنها (مشروع إنسان).
صحيح أن هذا الكائن يحمل الحياة ،ولكن الحياة درجات ومراتب ،والحيوان
المنوي نفسه يحمل الحياة ،والبيضة قبل تلقيحها أيضاً تحمل الحياة ،ولكن هذه وتلك
ليست هي الحياة اإلنسانية التي تترتب عليها األحكام.
ومن ثم تكون الرخصة مقيدة بحالة العذر المعتبر ،الذي يقدره أهل الرأي من
الشرعيين واألطباء والعقالء من الناس ،وما عدا ذلك يبقى على أصل المنع.
وخاصة إذا علمنا أن النبي لم يأمر الغامدية التي زنت بإسقاط حملها بل
قال لها " :ارجعي حتى تضعي ما في بطنك " (.)1
على أن من حق المسلمة التي ابتليت بهذه المصيبة في نفسها ،أن تحتفظ بهذا
الجنين ،وال حرج عليها شرعاً ،كما ذكرت ،وال تجبر على إسقاطه ،وإ ذا قدر لـه أن
يبقى في بطنها المدة المعتادة للحمل ووضعته ،فهو طفل مسلم ،كما قال النبي " :
كل مولود يولد على الفطرة " ( )2والفطرة هي التوحيد وهي اإلسالم.
ومن المقرر فقهاً :أن الولد إذا اختلف دين أبويه ،يتبع خير األبوين ديناً ،وهذا
فيمن له أب يعرف ،فكيف بمن ال أب له؟ إنه طفل مسلم بال ريب.
)?(1أخرجه البزار ورجاله ثقات إال أن األعمش لم يسمع من أنس (مجمع الزوائد .)6/252
)?(2أخرجه البخاري في الجنائز باب ما قيل في أوالد المشركين (.1/465 )1317
231
وعلى المجتمع المسلم أن يتولى رعايته واإلنفاق عليه ،وحسن تربيته ،وال
يدع العبء على األم المسكينة المبتالة ،والدولة في اإلسالم مسئولة عن هذه الرعاية
" كلكم بواسطة الوزارة أو المؤسسة المختصة ،وفي الحديث المتفق عليه:
راع ،وكلكم مسئول عن رعيته " (.)1
المبحث التاسع
االستنساخ=
)?(1أخرجه البخاري في االستقراض باب العبد راع في مال سيده (.2/848 )2278
232
االستنساخ لغةً :نسخ الشيء ينسخه نسخاً وانتسخه واستنسخه اكتتبه عن
حرف بحرف ،واألصل نسخة والمكتوب ٍ معارضة ،والنسخ اكتتابك كتاباً عن كتاب
عنه نسخة ألنه قام مقامه واهلل سبحانه وتعالى يقول :إنا كنا نستنسخ ما كنتم
تعملون [ الجاثية ]29 :أي نستنسخ ما تكتب الحفظة فيثبت عند اهلل(.)1
واالستنساخ اصطالحاً وفق قرار مجمع الفقه اإلسالمي الدولي :من المعلوم
أن سنة اهلل في الخلق أن ينشأ المخلوق البشري من اجتماع نطفتين اثنتين تشتمل
نواة كل منهما على عدد من الصبغيات (الكروموسومات) يبلغ نصف عدد
الصبغيات التي في الخاليا الجسدية لإلنسان ،فإذا اتحدت نطفة األب (الزوج) التي
تسمى الحيوان المنوي بنطفة األم (الزوجة) التي تسمى البييضة ،تحولتا معاً إلى
نطفة أمشاج أو لقيحة ،تشتمل على حقيبة وراثية كاملة وتمتلك طاقة التكاثر ،فإذا
انغرست في رحم األم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقاً مكتمالً بإذن اهلل ،وهي في
مسيرتها تلك تتضاعف فتصير خليتين متماثلتين فأربعاً فثمانية ...ثم تواصل
تضاعفها حتى تبلغ مرحلة تبدأ عندها بالتمايز والتخصص ،فإذا انشطرت إحدى
خاليا اللقيحة في مرحلة ما قبل التمايز إلى شطرين متماثلين تولد منهما توأمان
متماثالن ،وقد أمكن في الحيوان إجراء فصل اصطناعي ألمثال هذه اللقائح فتولدت
منها توائم متماثلة ،ولم يبلغ بعد عن حدوث مثل ذلك في اإلنسان ،وقد ُع ّد ذلك نوعاً
من االستنساخ أو التنسيل ،ألنه يولد نسخاً أو نسائل متماثلة ،وأطلق عليه اسم
االستنساخ بالتشطير.
وثمة طريقة أخرى الستنساخ مخلوق كامل ،تقوم على أخذ الحقيبة الوراثية
الكاملة على شكل نواة من خلية من الخاليا الجسدية ،وإ يداعها في خلية بييضة
منزوعة النواة فتتألف بذلك لقيحة تشمل على حقيبة وراثية كاملة ،وهي في الوقت
نفسه تمتلك طاقة التكاثر ،فإذا غرست في رحم األم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقاً
مكتمالً بإذن اهلل ،وهذا النمط من االستنساخ الذي يعرف باسم (النقل النووي) أو
(اإلحالل النووي للخلية البييضية) وهو الذي يفهم من كلمة استنساخ إذا أطلقت،
1
(?) لسان العرب :مادة نسخ .3/68
233
وهو الذي حدث في النعجة "دولي" ،على أن هذا المخلوق الجديد ليس نسخة طبق
األصل ،ألن بييضة األم المنزوعة النواة تظل مشتملة على بقايا نووية في الجزء
الذي يحيط بالنواة المنزوعة ،ولهذه البقايا أثر ملحوظ في تحوير الصفات التي
ورثت من الخلية الجسدية ،ولم يبلغ أيضاً عن حصول ذلك في اإلنسان.
فاالستنساخ إذا هو :توليد كائن حي أو أكثر إما بنقل النواة من خلية جسدية
إلى بييضة منزوعة ،وإ ما بتشطير بييضة مخصبة في مرحلة تسبق تمايز األنسجة
()1
واألعضاء.
فهو إيجاد نسخة طبق األصل عن شيء ما من الكائنات الحية نباتاً أو حيواناً
أو إنساناً.
1
(?) من نص قرار مجلس المجمع الفقهي اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدة في هر صفر
1418هـ.
234
اإلنزيمات التي تشطر الحمض النووي ( )DNAعند متواليات معينة مما ساعد في
ظهور علم الهندسة الوراثية.
ويمكن اعتبار تجارب الهندسة الوراثية :عمليات جراحية تتم بواسطة
إنزيمات محددة تقطع الحمض النووي من أجزاء معينة تحمل صفة وراثية محددة
وإ دخالها في خلية أخرى بكتيرية أو خلية خميرة أو خلية إنسانية أو حيوانية أو
نباتية بطرق مختلفة منها الحقن المباشر تحت الميكروسكوب ،ومنها استخدام
محاليل خاصة توضع فيها الخاليا ويسلط عليها تيار كهربائي ،وبعد ذلك توضع
الخاليا الجديدة الحاملة للمورث المطلوب في تفاعالت خاصة لتساعد على نموها
وتكاثرها وبذلك يمكن الحصول على أكبر قدر ممكن من البروتين المطلوب المشفر
في المورث أو صفة أخرى من الصفات الستخدامها على نطاق كبير في شتى
المجاالت الطبية والعالجية والصناعية واالقتصادية(.)1
لكن فرق هام جداً بين " الهندسة الوراثية " و " االستنساخ " :فالهندسة
الوراثية في النبات والحيوان تهدف إلى التعرف على المورثات وعالقتها
باألمراض الوراثية ومن ثم معالجتها ،وهذا عمل جيد ومحمود ،كما أنه يمكن
بواسطة الهندسة الوراثية الحصول على عقاقير جديدة ومفيدة لإلنسان ،كاألنسولين
البشري الذي تم الحصول عليه وغيره من األدوية كالسوماتاستاتين ،واألنترفيرون
المستخدم في عالج السرطان واألمراض الفيروسية وغيرها(.)2
أما االستنساخ فهو يهدف إلى االستفادة من الهندسة الوراثية – كما سبق وأن
شرحناها – إليجاد كائن حي بشري بناء على هذا العلم الخطير.
235
تمتاز النباتات بتكاثرها الخضري ،ويعتبر التكاثر الخضري استنساخاً في حد
ذاته لكن العلماء طوروا طريقة لتكاثر النباتات عن طريق زرع خاليا من نسيج
نباتي في ظروف معقمة على وسط ٍ
مغذ ،مما يؤدي إلى نمو هذه الخاليا (ال جنسياً)
منتجة نباتات يمكن تقسيمها واستنساخها مرات عديدة ،وعندما تعالج هذه النباتات
المهجنة المتماثلة بهرمونات نباتية معينة ،تتمايز إلى نباتات كاملة تحمل خصائص
النبات األصلي كلها ،وبهذه الطريقة استطاع العلماء الحصول في فترة مدتها ثمانية
أشهر على ملياري درنة بطاطا مشتقة من درنة واحدة ،ويمثل ذلك معدل تكاثر
يفوق معدل التكاثر الجنسي مئة ألف مرة.
إن هذا االستنساخ يحقق للبشرية مصالح عظيمة في توفير الغذاء وزيادته
وتحسين نوعيته بما يتناسب مع النمو السكاني وما يحتاجونه من طعام وغذاء بما
يحفظ نفوس الكثيرين من الناس من الهالك والجوع المميت ،وهذا ال شك في جوازه
لتحقيق مقاصد الشريعة من حفظ أنفس الناس والتوسعة عليهم في معايشهم وتيسير
سبل حياتهم(.)1
1
(?) الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع ص ،136قضايا طبية معاصرة :جمعية العلوم الطبية
المعاصرة .103 – 2/102
236
وقد نجح العلماء بإجراء عملية فصل الخليتين أو الخاليا األربع عن مماثلة
بعضهما البعض ليتكون عندهم أجنة متطابقة وراثياً ،وهذا النجاح لم يقتصر على
إنتاج األغنام واألبقار فحسب ،بل نجح على اإلنسان.
االستنساخ الجسدي :
تنقسم الخاليا من حيث التمايز وعدمه إلى خاليا متمايزة وخاليا غير
متمايزة ،ومن الخاليا المتمايزة خاليا األمعاء والكبد والقلب وغيرها ،والخاليا غير
المتمايزة كالخاليا الجنينية عند بدء تكوينها ،والتمايز هو تخصص الخلية بعمل
معين ،ويستلزم تمايز الخاليا تغيرات معينة في بنية الخلية ،وتختلف هذه التغيرات
بين خلية عصبية أو خلية عضلية أو قلبية أو غيرها ،والخاليا المتمايزة ال يمكنها
العودة إلى الحالة الجنينية (الخاليا الجنينية) ،وهذا كان أمراً مسلماً علمياً إلى أن
استطاع د .ويلموت ،صاحب النعجة دوللي ،إعادة خلية ناضجة ومتخصصة لتقوم
بوظيفة الخاليا الجنينية ،وهي العودة إلى مرحلة البداية لتكوين كائن جديد متكامل،
حيث إن الخاليا الجنينية ال يتخصص طاقمها الوراثي ،فهي تستطيع أن توجه جميع
العمليات الحيوية داخل الخلية بما في ذلك عمليات التكوين الجنيني ،خالفاً للخاليا
الجسدية التي يتخصص طاقمها الوراثي لتأدية مهام محددة.
لقد ولدت دوللي بطريقة االستنساخ الجسدي نتيجة إجراء 277تجربة
اندماج ،من تجربة مجراة على ألف بييضة تم الحصول عليها من عدد كبير من
اإلناث ،وأنتجت حاالت االندماج ثالثة عشر حمالً فقط ،نجح منها واحد فقط بقي
عند الوالدة وبعدها ،أي بنسبة تصل إلى واحد باأللف ،ووصلت كلفة إنتاج دوللي
إلى 750ألف دوالر(.)1
الحكم= الشرعي لالستنساخ الحيواني :
يذهب معظم الفقهاء إلى جواز االستنساخ الحيواني بنوعيه الجنيني والجسدي
لما يحقق من مصالح عظيمة للبشرية كالحصول على نخبة من حيوان المزرعة
1
(?) االستنساخ قنبلة العصر :صبري الدمرداش ص ،27 – 24الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط
الشرع ص.143 – 141
237
(أغنام ،أبقار ،خيول) تمتلك خصائص وراثية متميزة ،وصناعة أدوية لعالج الكثير
من األمراض الوراثية مثل صناعة بروتينات آدمية ضرورية لعالج األطفال ناقص
النمو كي يكملوا حياتهم دون عنان.
يقول الشيخ يوسف القرضاوي " :االستنساخ في النبات ال مانع منه ،وأيضاً
في الحيوان وهو نوع من تحسين الساللة أو نحو ذلك! " (.)1
ثالثاً :االستنساخ البشري
قبل أن نبين الحكم الشرعي لالستنساخ البشري أود فيما يلي تذكير
باالستخدامات التي يقترحها أنصار االستنساخ البشري ثم نعرض بعض مخاطر
االستنساخ:
ما هي االستخدامات التي يقترحها أنصار االستنساخ البشري ؟
يق ول أنص ار االستنس اخ البش ري ب أن هن اك اس تخدامات متوقفة لالستنس اخ
البشري ومنها:
.1زوجان مصابان بالعقم وال يصلحان لطفل األنابيب.
.2أبوان لهما طفل واحد أصيب بمرض خطير وتوفي ،أو سنهما ال يسمح
باإلنجاب بعد ذلك.
.3زوجان مصابان بمرض وراثي واحتمال حدوثه عال جداً عند األبناء.
.4طفل أصيب بمرض خطير ويلزمه نقل نخاع عظمي (مثالً) دون أي فرصة
أن يرفض جسمه النخاع الجديد.
وه ذه بعض األمثلة لالس تخدامات المحتملة لالستنس اخ البش ري ،وبما ك ان
هناك الكثير من االستخدامات األخرى والخطيرة(.)2
ما هي مخاطر االستنساخ البشري ؟
1
(?) فتوى للشيخ يوسف القرضاوي حول االستنساخ على اإلنترنت) http://www.islam-online.net ( :
2
(?) االستنساخ البشري هل هو قادم؟ د .حسان شمسي باشا
( ) http://www.khayma.com/chamsipasha/lstinsakh.htm
238
إذا ق در لالستنس اخ البش ري أن يظهر للوج ود ،وهو أمر محتمل ج داً ،وربما
في وقت قريب ،فإن ذلك سيترافق بمشاكل عديدة اجتماعية وإ نسانية ونفسية.
فسيكون هناك اضطراب في األنساب ،وما يتبعه من اضطراب في المجتمع،
وقد يضطرب أعداد الذكور أو اإلناث ،فتخيلوا مثالً أن المستنسخين كلهم كانوا
جميعاً من الذكور ،فماذا سيحدث؟ ولن يكون هناك مفهوم الفرد بذاته ،بل ستميع
ذاتية الفرد ،وتختل المواريث ،ويتزلزل كيان األسرة ،وقد يلجأ في االستنساخ إلى
طرق إجرامية كاستنساخ شخص بدون إذنه ،أو بيع أجنة مستنسخة ،أو الحصول
على نسخ متماثلة من أشد المجرمين عنوة ووحشية ،أو اختيار ساللة متميزة تعتبر
()1
هي الجنس األرقى ،وساللة أخرى من العبيد ،وهكذا..
هذا ولقد أصدر المجمع الفقهي اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر
بجدة في المملكة العربية السعودية في شهر صفر 1418هـ الموافق 28يونيو
1997م بناء على ما استمعه من البحوث والمناقشات والمبادئ الشرعية التي
طرحت على المجلس قرر ما يلي:
-1تحريم االستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأي طريقة أخرى تؤدي
إلى التكاثر البشري.
-2إذا حصل تجاوز للحكم الشرعي المبين في الفقرة ( )1فإن آثار تلك الحاالت
تعرض لبيان أحكامها الشرعية.
طرف ثالث على العالقة الزوجية سواء ٌ -3تحريم كل الحاالت التي يقحم فيها
أكان رحماً أو بييضة أو حيواناً منوياً أو خلية جسدية لالستنساخ.
ويقول الشيخ يوسف القرضاوي ..." :أما دخول االستنساخ في عالم اإلنسان
فهو ممنوع .)2( "...
ولقد جاء تحريم العلماء لالستنساخ لألدلة التالية:
1
(?) المرجع السابق.
2
(?) فتوى للشيخ يوسف القرضاوي حول االستنساخ.
239
يقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي " :إن منطق الشرع اإلسالم بنصوصه
المطلقة وقواعد الكلية ومقاصده العامة يمنع دخول هذا االستنساخ في عالم البشر
لما يترتب عليه من مفاسد كثيرة منها:
-1مناقضة سنة اهلل في خلقه القائمة على مبدأ الزوجية وأن الولد يأتي من
الزوجين فال يجوز مناقضة السنة اإللهية قال تعالى :وخلقناكم أزواجاً
[النبأ ،]8 :وقال :وأنه خلق الزوجين الذكر واألنثى من نطفة إذا تُمنى
أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً
ٍ [النجم ،]45 :وقال :إنا خلقنا اإلنسان من ٍ
نطفة
بصيراً [ اإلنسان ،]2 :وجعل الزوجية من دالئل قدرته سبحانه وعالمة على
وجوده فقال تعالى :ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها
لقوم يتفكرون [ الروم ،]21 :بل ٍ
آليات ٍ وجعل بينكم مودةً ورحمةً إن في ذلك
ويقسم اهلل بخلقه الذكر واألنثى ليدلل على عظمة هذا الخلق فيقول :وما خلق
الذكر واألنثى [ الليل.]3 :
-2تغيير خلق اهلل ،حيث إن نزع محتويات البييضة منها والتدخل في الخلية
اإلنسانية يعد تغييراً لخلق اهلل ،فإذا كان اإلسالم حرم النمص والوصل والوشم
لما فيها من تغيير خلق اهلل ظاهرياً ،فمن باب أولى تحريم التدخل في محتويات
البييضة ونزع ما فيها من المادة الوراثية التي تعبر عن الصفات الشكلية
وغيرها.
-3امتهان كرامة اإلنسان الذي كرمه اهلل ورفع درجته وأعلى منزلته بسجود
علمه ،وسخر لـه ما في السماوات واألرض، المالئكة المقربين لـه ،وعلَّمه من ِ
فهو سيد الكون وكل ما فيه مسخر لـه ،فال يصح أن يتساوى مع الحيوان
مورثاته
والنبات في وسائل التكاثر أو إخضاعه للتجارب العلمية واللعب في ِّ
بما ال تؤمن عواقبه.
-4تشويه األجنة وقتلها ،حيث يقرر علماء األجنة والوراثة أن االستنساخ يؤدي
إلى حدوث تشوهات في صبغيات الخلية الجسدية التي خضعت لعملية إعادة
الخاليا الجسدية إلى خاليا جنينية ،حيث سجل العلماء نقصاً في قدرة
240
الصبغيات على تكوين األحماض األمينية الالزمة لنمو الكائن الجديد ،مما
يؤدي إلى ظهور التشوهات في أعضاء الجنين الداخلية والخارجية،
ورثات على درجة عالية من التأثر بالعوامل الخارجية ،وليس أدل على فالم َّ
ُ
صحة هذا الكالم ما حدث في تجربة النعجة دوللي حيث كانت نسبة النجاح
واحداً باأللف.
-5أن اهلل خلق هذا الكون على قاعدة التنويع واالستنساخ يناقض التنوع ألنه يقوم
على تخليق نسخة مكررة من الشخص الواحد وهذا يترتب عليه مفاسد كثيرة
في الحياة البشرية واالجتماعية بعضها ندركه وبعضها ال ندركه إلى حين،
كيف يعرف الرجل زوجته من غيرها واألخرى نسخة مطابقة لها؟ إن الحياة
ستضطرب وتفسد إذا انتفت ظاهرة التنوع واختالف األلوان التي خلق اهلل
عليها الناس.
-6ما عالقة المستنسخ بالشخص المستنسخ منه هل هو نفس الشخص باعتباره
نسخة مطابقة منه أو هو أب أو أخ توأم لـه ،وعدم وجود آباء لألوالد
المستنسخين من إناث دون أن يكون معهن ذكر وعدم وجود أمهات لهم عندما
توضع البويضة المندمجة في نواة الخلية في رحم أنثى غير األنثى التي
وضعت البويضة في رحمها وهو إضاعة لألنساب فال أب أو أم وهو مناقض
لقول اهلل تعالى :يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى [ الحجرات،]13 :
واإلسالم أوجب حفظ األنساب وصيانتها.
-7إن االستنساخ يشكل تالعباً جذرياً في صالت القرابة المتعارف عليها والتي
هي أساس التناسل البشري ،إذ أن االستنساخ ال يستدعي وجود ذكر من أجل
تحقيق عملية اإلخصاب بحيث تصبح األنثى هي المصدر وسبب الوجود
للمواليد ،وإ ن االستنساخ سيؤدي إلى إيجاد مشاكل اجتماعية كبيرة ويتم بسببه
إفساد الصالت األساسية للشخصية اإلنسانية وعالقات األبوة والنسب وقرابة
الدم :مثل حق التوارث وحق الرضاعة والحضانة والنفقات وتحديد
المحرمات من النساء ،ولقد اهتم اإلسالم بوضوح األنساب وحذر من جهالتها.
241
-8القضاء على تمايز الناس ،فاهلل سبحانه وتعالى خلق الناس متمايزين متفاوتين
لتستمر الحياة على وجه األرض في عالقة تكاملية يخدم الناس بعضهم بعضاً،
قال تعالى :نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق
درجات ليتَّخذ بعضهم بعضاً ُسخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون ٍ ٍ
بعض
[الزخرف.]32 :
-9إن األفراد المستنسخين سيشعرون بفقدان ذاتيتهم وشخصيتهم ألن اآلخرين
سيعتبرونهم نسخاً مطابقة لغيرهم ،وينظرون إليهم نظرة نقص ،وهذا مما
يؤثر في نفسيتهم وبالتالي سلوكهم.
-10انتشار الجريمة وصعوبة التعرف على المجرم من بين المئات من األفراد
المستنسخين فال يستطاع كشف المجرم التحاد المستنسخين في بصماتهم
الوراثية ،وفي ذلك أخطار جسيمة على اإلنسانية ،حيث ينعدم األمن ويعظم
اإلجرام ،مما ال يجوز غض النظر عنه ،واهلل سبحانه وتعالى يقول :وال
تفسدوا في األرض بعد إصالحها [ األعراف.]56 :
وفيما يلي قرار مجمع الفقه اإلسالمي المنبثق من منظمة الم=ؤتمر اإلس=المي
بجدة حول موضوع االستنساخ البشري:
بسم اهلل الرحمن الرحيم
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى
آله وصحبه.
قرار رقم)2/10( 94 :
بشأن
االستنساخ البشري
إن مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمر العاشر بجدة
بالمملكة العربية السعودية خالل الفترة من 28 – 23صفر 1418هـ الموافق 28
حزيران (يونيو) – 3تموز (يوليو) 1997م.
242
بعد اطالعه على البحوث المقدمة في موضوع االستنساخ البشري،
والدراسات والبحوث والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي
عقدتها المنظمة اإلسالمية للعلوم الطبية ،بالتعاون مع المجمع وجهات أخرى ،في
الدار البيضاء بالمملكة المغربية في الفترة من 12 – 9صفر 1418هـ الموافق 14
– 17حزيران (يونيو) 1997م ،واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع
بمشاركة الفقهاء واألطباء ،انتهى إلى ما يلي:
وبناء على ما سبق من البحوث والمناقشات والمبادئ الشرعية التي طرحت
على مجلس المجمع ،قرر ما يلي:
أوالً :تحريم االستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأي طريقة أخرى تؤدي
إلى التكاثر البشري.
ثانياً :إذا حصل تجاوز للحكم الشرعي المبين في الفقرة (أوالً) فإن آثار تلك
الحاالت تعرض لبيان أحكامها الشرعية.
ثالثاً :تحريم كل الحاالت التي يقحم فيها طرف ثالث على العالقة الزوجية سواء
أكان رحماً أم بييضة أو حيواناً منوياً أو خلية جسدية لالستنساخ.
رابعاً :يجوز شرعاً األخذ بتقنيات االستنساخ والهندسة الوراثية في مجاالت
الجراثيم وسائر األحياء الدقيقة والنبات والحيوان في حدود الضوابط
الشرعية بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد.
خامساً :مناشدة الدول اإلسالمية إصدار القوانين واألنظمة الالزمة لغلق األبواب
المباشرة وغير المباشرة أمام الجهات المحلية أو األجنبية والمؤسسات
البحثية والخبراء األجانب للحيلولة دون اتخاذ البالد اإلسالمية ميداناً
لتجارب االستنساخ البشري والترويج لها.
سادساً :المتابعة المشتركة من قبل كل مجمع الفقه اإلسالمي والمنظمة اإلسالمية
للعلوم الطبية لموضوع االستنساخ ومستجداته العلمية ،وضبط مصطلحاته،
وعقد الندوات واللقاءات الالزمة لبيان األحكام الشرعية المتعلقة به.
243
سابعاً :الدعوة إلى تشكيل لجان متخصصة تضم الخبراء وعلماء الشريعة لوضع
الضوابط الخلقية في مجال بحوث علوم األحياء (البيولوجيا) العتمادها في
الدول اإلسالمية.
ثامناً :الدعوة إلى إنشاء ودعم المعاهد والمؤسسات العلمية التي تقوم بإجراء
البحوث في مجال علوم األحياء (البيولوجيا) والهندسة الوراثية في غير
مجال االستنساخ البشري ،وفق الضوابط الشرعية ،حتى ال يظل العالم
اإلسالمي عالة على غيره ،وتبعاً في هذا المجال.
تاسعاً :تأصيل التعامل مع المستجدات العلمية بنظرة إسالمية ،ودعوة أجهزة
اإلعالم العتماد النظرة اإليمانية في التعامل مع هذه القضايا ،وتجنب
توظيفها بما يناقض اإلسالم ،وتوعية الرأي العام للتثبت قبل اتخاذ أي
موقف ،استجابة لقول اهلل تعالى :وإ ذا جاءهم أمر من األمن أو الخوف
أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإ لى أولي األمر منهم لعلمه الذين
يستنبطونه منهم [ النساء.]83 :
()1
نص فتوى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي في االستنساخ
عنوان الفتوى :االستنساخ.
تاريخ الفتوى/14 :أكتوبر.99/
نص السؤال :ما حكم االستنساخ؟
اسم المفتي :يوسف عبداهلل القرضاوي.
نص اإلجابة :بسم اهلل الرحمن الرحيم بالنسبة لالستنساخ ،االستنساخ في النبات ال
مانع منه ،وأيضاً حتى في الحيوان ،وهو نوع من تحسين الساللة أو نحو ذلك ..إنما
دخول االستنساخ في عالم اإلنسان هو الممنوع ،ألن معنى االستنساخ أخذ خلية
وتحويلها بطريقة ما إلى البشر المأخوذة منه هذه الخلية ويمكن استحداث صور
عديدة لهذا الشخص ،فهذا مرفوض ديناً ألن اهلل سبحانه وتعالى خلق الكون على
1
(?) http://www.islam-online.net
244
أساس التنوع ،مختلفاً ألوانه ،أما أن نعمل من اإلنسان نسخ فهذا مفسدة للحياة ،كيف
يفرق بين زيد وعبيد ،وفي االمتحان يستطيع اإلنسان لو كان مدرس في فصل أن ِّ
تفرق المرأة زوجها من غيره، يفرق بين أوالده ،كيف ِّيفرق هذا من ذاك كيف ّ كيف ّ
وكيف يفرق الزوج بين امرأته من غيرها ،كيف يفرق القاضي بين المتهمين ،هذه
مفسدة وهذا يدخل أيضاً فيه نوع من التغيير في خلق اهلل ،الشيطان جعل من وسائله
تغيير الفطرة قال :وآلمرنهم فليغيرن خلق اهلل والناس إذا غيروا فطرة اهلل
تدخل اإلنسان في الفطرة فسدت الحياة ،األولى أن تبقى الحياة كما فطرها اهلل عليهُّ ،
يفسدها ،خصوصاً التدخل في الحياة اإلنسانية ،ومن ناحية أخرى إنهم يقولون أن
اإلنسان ممكن أن يستغني بجنس واحد عن الجنس اآلخر ،ربنا جعل الزواج وهو
اللقاء بين الرجل والمرأة هو أساس التناسل ،وهم يقولون إننا ال نحتاج الزواج وال
التناسل لبقاء النوع وهذه مفسدة كبرى ألن اهلل خلق الكون على أساس ظاهرة
الزوجية ،سنة الزوجية ومن كل شيء خلقننا زوجين لعلكم تذكرون ، سبحان
الذي خلق األزواج كلها مما تنبت األرض ،ومن أنفسهم ومما ال يعلمون ،حتى في
الكهرباء يوجد موجب وسالب ،حتى في الذرة التي هي أساس البناء الكوني يوجد
بروتون وإ لكترون أي شحنة كهربائية موجبة وشحنة كهربائية سالبة ،فهذا
االزدواج هو األساس وهؤالء يريدون أن يمنعوا هذا االزدواج ،كيف يعيش الناس
نساء بال رجال ،ومن الممكن أن يستغلها بعض الناس فيما يضر رجاالً بال نساء أو ً
الحياة البشرية ،ممكن بعض الدول الكبرى مثل أمريكا كما حظروا على الدول
الصغيرة أن تملك األسلحة النووية ،تأتي دولة وتحظر على الناس أن تستعمل
االستنساخ وهي تستنسخ جيش قوي من العمالقة ،تحضر أناس أقوياء وتستنسخ
منهم واهلل أعلم.
245
المبحث العاشر
قتل الرحمة
تيسير الموت للمرضى الميؤوس من شفائهم
246
ح رمت الش ريعة اإلس المية االعت داء على األنفس بغ ير حق واعت برت ه ذا
الفعل من أعظم المفاسد على ظهر األرض ومن أك بر الكب ائر وأنكر المنك رات بعد
الكفر باهلل.
وجاء ذلك التحريم في آيات كثيرة وأحاديث متنوعة نذكر منها :قوله تعالى:
وال تقتلوا النفس التي حرم اهلل إال بالحق [ اإلسراء ،]33 :وقول عزوجل :وال
تقتلوا أوالدكم [ األنعام ،]151 :كما قال تعالى :ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه
جهنم خالداً فيها وغضب اهلل عليه وأعد له عذاباً عظيماً [ النساء ،]93 :وقال
سبحانه :إن اهلل ال يحب المعتدين [ البقرة.]190 :
وقال عليه الصالة والسالم " :ال يحل دم امرئ مسلم إلى بإحدى ثالث :الثيب
الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة " (.)1
1
(?) أخرجه البخاري في كتاب الديات باب إذا قتل بحجر أو بعصا ( ،6/2521 )6484ومسلم في القسامة باب
ما يباح به دم المسلم (.3/1302 )1676
247
ال يخفى أن حق الحياة حق خالص هلل تعالى ،ومن هنا حرم اإلسالم على
الفرد أن يعرض نفسه للتهلكة ،كما حرم االنتحار ألن حياة اإلنسان ليست ملكاً
خالصاً له وإ نما هي حق لباريها وخالقها.
ولقد جاءت اآليات واألحاديث بتحريم جميع وسائل االنتحار مع التهديد
والوعيد الشديد لمن يلجأ إليه.
قال تعالى :وال تقتلوا أنفسكم [ النساء ،]29 :وقال تعالى :وال تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة [ البقرة.]195 :
وقوله " :من ترد من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً
مخلد فيها أبداً ،ومن وجأ بطنه بحديدة فحديدته في يده يجأ به بطنه في نار جهنم ً
خالداً مخلداً فيها أبداً ،ومن تحس سماً فسمه بيده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً
فيها أبداً " (.)1
فهذا الحديث يدل على حرمة قتل اإلنسان نفسه ،ويدل على الوعيد الشديد
المترتب على قتل النفس ،قال اإلمام الشاطبي " :ونفس المكلف داخلة في هذا الحق
أي حق اهلل الخالص إذ ليس لـه التسليط على نفسه وال على عضو من أعضائه
باإلتالف " (.)2
1
(?) أخرجه البخاري في الطب باب شرب السم والدواء به ( ،5/2179 )5442ومسلم في اإليمان باب غلظ
تحريم قتل اإلنسان (.1/103 )109
2
(?) الموافقات :للشاطبي .2/322
248
فاإلسالم يرشد من يدخل على المريض ولو كان مرضه ال أمل من شفائه أن
ينفس لـه في األجل ،أي أن يبعث في نفسه األمل بالشفاء :يقول " :إذا دخلتم على
المريض فنفسوا لـه في األجل فإن ذلك ال يرد شيئاً وهو يطيب نفس المريض " (.)1
وأن يدعوا العائد للمريض بالشفاء والعافية وأن يوصيه بالصبر واالحتمال,
()2
كما يستحب تسلية المرض بما يحب من حالل في القول أو الفعل.
أما كتب السنة فتزخر باألحاديث حول المرض ومفهومه وبعده الروحي
والفلسفي ،وكيف يمكن التعامل معه ،فقد جاءت األحاديث مصرحة بأن المرض
يكفر السيئات و يمحو الذنوب :فقد روي عن النبي أنه قال " :ما يصيب المسلم
من نصب وال وصب وال هم وال حزن وال أذى ،حتى الشوكة يشاكها إال كفر اهلل
بها من خطاياه " (.)3
ينبغي للمريض أن يصبر على ما ينزل به من ضر ،فما أعطي العبد عطاء
خيراً وأوسع لـه من الصبر :روى مسلم عن صهيب بن سنان أن النبي قال" :
عجباً ألمر المؤمن إن أمره كله خير – وليس ذلك ألحد إال للمؤمن – إن أصابته
سراء شكر فكان خيراً لـه وإ ن أصابته ضراء صبر فكان خيراً لـه " ( ،)4وروى
البخاري عن أنس قال :سمعت رسول اهلل يقول " :إن اهلل تعالى قال " إذا
ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة " ( )5يريد عينيه.
249
وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي " ( ،)1وحكمة النهي عن تمني الموت ما جاء من
حديث أم الفضل أن النبي دخل على العباس وهو يشتكي فتمنى الموت فقال" :
يا عباس يا عم رسول اهلل ال تتمن الموت إن كنت محسناً تزداد إحساناً إلى إحسانك
خير لك ،وإ ن كنت مسيئاً فإن تؤخر تستعتب خيراً لك ال تتمن الموت " (،)2
(تستعتب :تسترضي اهلل باإلقالع عن اإلساءة واالستغفار منها ،واالستعتاب :طلب
إزالة العتاب).
1
(?) أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب نهي تمني المريض الموت ( ،5/2146 )5347ومسلم في الذكر
والدعاء باب تمني كراهة الموت لضر نزل به (.4/2064 )2679
2
(?) أخرجه اإلمام أحمد ( ،6/339 )26916والحاكم في مستدركه ( 1/489 )1254وقال حديث صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه.
3
(?) قالوا :القتل رحمه :د .عبد الجبار دية
( ) http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp
250
قوي مضاد لأللم لتضع هذه الجرعة -إعطاء المريض جرعة كبيرة من ٍ
دواء ٍّ
المفرطة حداً لحياته.
( -أن يكون المريض غير قادر على التنفس إال بواسطة المنفاس
)Respiratorفإذا فصل عنه الجهاز توقف تنفسه ومات.
-أن يكون عالج المريض سبباً في استمرار حياته دون شفائه ،فإذا أوقف
عنه العالج مات.
ومن الواضح أن الح التين األول يين تقتض يان ت ُّ
دخالً إيجابي اً من الط بيب ،أما
الحالة الثالثة فال تقتضي إال موقف اً س لبياً يتمثل بامتن اع الط بيب عن عالج الم ريض،
غير أن موت المريض هو النتيجة العملية في الحاالت الثالث(.)1
1
(?) انظر الموسوعة الطبية الفقهية :د .أحمد محمد كنعان ،ص.780
251
وفي أوائل القرن العشرين الميالدي قامت في ألمانيا حركة تنادي بإباحة قتل
الرحمة ،وفي عام 1930أنشئت الجمعية األمريكية لقتل الرحمة ،وقد عدلت اسمها
في عام 1970إلى جمعية حق اإلنسان في الموت ،وفي عام 1936أباح بعض
أساقفة الكنيسة في الواليات المتحدة قتل الرحمة في حدود معقولة ومقبولة! وفي
العام نفسه عقدت الجمعية البريطانية لقتل الرحمة أول اجتماع لها ،وقدمت مشروعاً
إلى مجلس اللوردات يجعل قتل الرحمة أمراً يبيحه القانون ،ولكن المجلس رفضه.
وفي عام 1939أصدر الزعيم األلماني النازي (هتلر) أمراً أباح فيه قتل
المرضى العقليين والمعتوهين والشيوخ الذين أصيبوا بالخرف! وفي عام 1966
يجرم الطبيب الذي يمارس قتل الرحمة وضعت إحدى المحاكم األمريكية قانوناً ِّ
(ألن التعجيل بموت المريض تخليصاً لـه من آالمه يعد فعالً معاقباً عليه قانوناً)
وفي عام 1970ظهرت في بريطانيا حركة نشطة تنادي بالسماح بقتل الرحمة.
وفي عام 1977أعطى القانون في والية كاليفورنيا الحق لكل شخص أن
يحدد موعد موته بأن يكون سهالً وبال معاناة ،وفي عام 1982تأسست في بريطانيا
جمعية لتيسير الموت وتسهيله(.)1
252
أ -في مصلحة المريض :
ويقدم المؤيدون المنطلقون من هذه النقطة تلك األسباب لتدعيهم موقفهم.
-1الحرية االستقاللية :Autonomy
يقولون :اإلنسان في رأيه حر في تقرير مصيره ،ويقولون :لإلنسان حق
التصرف في جسده كما يشاء.
ويقولون :إن اليوثنيزيا بمثابة مساعدة على االنتحار المشروع Assisted
.Suicide
ويقولون :ال بأس من أن يكتب المريض وصية الحياة قبل دخوله المستشفى،
وقبل تعرضه ألي داء عضال ،فيقر أنه إذا كان في وضع يعاني منه معاناة شديدة،
على الطبيب المعالج أن يرفع يديه عنه ،وأن ال يحاول اإلبقاء على الحياة بأي ثمن.
-2الحقوق :Rights
ويقولون :لإلنسان حق الموت!
ويقولون :للمريض حق أن ُيقتل إن هو طلب ذلك.
ويقولون :لإلنسان حق الحياة وحق الموت.
-3الرحمة :Compassion
يقولون :اليوثنيزيا من شأنها أن تريح المريض من معاناته وآالمه!..
-4نوعية الحياة :Quality Of Life
يقولون :إن حياة بعض المرضى ال تساوي عدمها ،وخير لهم أن يموتوا.
ويقولون :إن قيمة الحياة تقاس بمقدار مساهمة اإلنسان إبداعاً وإ نتاجاً.
ويقولون :ما قيمة الحياة عندما يصبح اإلنسان يعتمد على غيره في قضاء
حوائجه.
ب -لمصلحة اآلخرين (األقارب/األصدقاء/المجتمع العام) :
-1الرحمة :Compassion
يقول ون :إن أق ارب الم ريض وأص دقائه يع انون نتيجة معان اة الم ريض ،وفي
اليوثنيزيا وضع حد لهذه المعاناة رحمة بهم.
253
-2العامل االقتصادي (المادي) :Economics
يقولون :إن التخلص من بعض المرضى فيه توفير مادي على المجتمع
والدولة.
-3منطق العقوبة :Punishment
يقولون :من الواجب تخليص المجتمع من الحشائش الضارة ،ويستدلون على
ذلك بمرض اإليدز(.)1
أما من الوجهة الشرعية فقد أجمع أهل العلم ممن تعرضوا لهذه المسألة على
اعتداء على ِّ
حق اهلل تعالى في الحياة التي وهبها لإلنسان، ٌ حرمة القتل شفقةً ألنه
تعبير عن رضى العبد بقضاء اهلل
مطلوب شرعاً ،وهو ٌٌ وألن الصبر على األلم
وقدره ،وقد ضرب القرآن الكريم مثالً على هذا من صبر نبي اهلل أيوب عليه السالم
الذي ابتاله اهلل عزوجل بالمرض واآلالم المبرحة لفترة طويلة من الزمن فصبر
على مرضه وآالمه حتى جاءه الفرج من عند اهلل عزوجل وقد بحث الفقهاء القدامى
ما يسمى في القوانين الحديثة بالجريمة السَّلبية ،وذلك عند بحثهم الحالة التي يمتنع
بعضهم
شخص عن إرشاد شخص أعمى ،ويتركه ليقع في بئر فيموت ،واعتبر ُ ٌ فيها
هذا الشخص قاتالً بالرغم من عدم قيامه بأي دور إيجابي ،وكذلك فعلوا تجاه
ط فيموت.الشخص الذي يترك اللقي َ
وفي العصر الحاضر فإن المجمع الفقهي اإلسالمي في دورته السابعة
المنعقدة في جدة من 14 – 9أيار/مايو 1992م في قراره (رقم )67/5/17قد
قرر رفضه بشدة لما يسمى قتل الرحمة ،بأي حال من األحوال ،وأن العالج في
الحاالت الميئوس منها يخضع للتداوي والعالج واألخذ باألسباب التي أودعها اهلل
عزوجل في الكون ،وال يجوز شرعاً اليأس من روح اهلل أو القنوط من رحمته ،بل
ينبغي بقاء األمل بالشفاء بإذن اهلل تعالى ،وعلى األطباء وذوي المرضى تقوية
معنويات المريض ورعايته وتخفيف آالمه النفسية والبدنية ،بصرف النظر عن
توقع الشفاء أو عدمه.
1
(?) http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp
254
وعلى هذا فال يجوز للمريض إنهاء حياته بنفسه ألنه ُي َع ُّد منتحراً ،وال يجوز
لـه أن يطلب ذلك من الطبيب كما أن الطبيب الذي يساعد المريض على إنهاء حياته
يكون آثماً ،وتطبَّق بحقِّه أحكام القتل العمد كما ذكرنا آنفاً ..هذا مع تذكير األطباء
بضرورة االجتهاد في خدمة المريض وفق القواعد الطبية المتعارف عليها ،مع
تقوى اهلل في ذلك كله ،واستحضار النية الخالصة بمنفعة المريض وتخفيف آالمه
حتى آخر رمق من حياته ،وإ ذا غلب على ظن الطبيب أن حجب الدواء أو العالج
عن المريض ال يقدم له نفعاً وال يدفع عنه ضراً جاز له ذلك ،وأمره إلى اهلل ،وأما
من الوجهة القانونية فعليه أن يدون في ملف المريض حيثيات اجتهاده..
255
إعداد فريق من المتخصصين في شتى المجاالتMultidisciplinary -2
Approachلإلشراف والقيام بأعباء العناية في أماكن االستضافة هذه.
تطوير العالج التسكيني :Palliative Careكاألدوية والعالج الطبيعي -3
واإلبر الصينية ...الخ.
التعامل مع األلم بشمولية Holistic Approachولأللم أبعاد جسدية ونفسية -4
واجتماعية وروحية.
مراعاة أن يكون العالج المقدم مما ال يشكل عبئاً فيزيقيًّا طبيعيًّا أو ماليًّا على -5
المريض.Burdensome ..
التواصل والمشورة :Communication / Counselingضرورة التحدث -6
إلى المرضى وذويهم وشرح عللهم ودور الدواء في التعامل مع األعراض
واآلالم التي تؤرقهم ،وهذا من شأنه تنمية شخصياتهم وإ عادة الثقة بالنفس
Self Esteemوتقوية عامل الثقة بين المريض وطبيبه وطرد الكثير من
األوهام والخرافات.
عدم إكراههم على الطعام والشراب ،فيكفيهم في العادة القليل من هذا وذاك، -7
عن عقبة بن عامر قال :قال رسول اهلل " :ال تكرهوا مرضاكم على
الطعام والشراب فإن اهلل يطعمهم ويسقيهم " (.)1
الدعم المعنوي والروحي :Moral/Spiritual Supportوذلك بإعطاء -8
المريض فسحة من األمل ،فحتى مرضى السرطان المنتشر في مراحله
األخيرة أحياناً يفاجئون الطبيب المعالج بما لم يكون في حسبانه من تحسن،
وربما عاشوا شهوراً أو أعواماً على غير المتوقع.
1
(?) أخرجه ابن ماجة في الطب باب ال تكرهوا المريض على الطعام ( ،2/1140 )3444والترمذي في الطب
باب ما جاء ال تكرهوا مرضاكم ،4/384 )2040( ...والحاكم في مستدركه ( 1/501 )1296وقال هذا
حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
256
قال رسول اهلل " :إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في األجل ،فإن
ذلك ال يرد شيئاً ،وهو يطيب نفس المريض " (.)2
-9االهتمام بأقارب المريض وأصدقائه ،وذلك بالتحدث إليهم وشرح الغامض ما
أمكن وإ ظهار التعاطف الوجداني ،وكذلك المساعدة المادية ما أمكن ،وكل ما
من شأنه أن يخفف عنهم ويجبر خاطرهم ويعزيهم في مصابهم(.)2
()3
فتوى للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في الموضوع :
ولفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي فتوى في موضوع قتل الرحمة
نوردها كما جاءت ففيها تفصيل ال يجوز لنا اختصاره أو حذف بعض عباراته
فيقول حفظه اهلل :
تيسير الموت الفعال:
يتخذ الطبيب إجراءات فعالة إلنهاء حياة المريض.
أمثلة:
-1مريض مصاب بالسرطان يعاني من األلم واإلغماء ويعتقد الطبيب بأنه
سيموت بأي حال من األحوال ويعطيه جرعة عالية من عالج قاتل لأللم الذي
يوقف تنفسه.
-2مريض في حالة إغماء لفترة طويلة مثالً بعد إصابته بالتهاب السحايا أو
بإصابة شديدة في رأسه ،ومن الممكن أن يبقى حياً باستعمال منفسة (جهاز
إنعاش) ويعتقد الطبيب بعدم وجود أي أمل بشفائه ،والمنفسة تضخ الهواء
للرئتين ،وتديم تنفسه " أتوماتيكيا " ،فإذا ما أوقف المنفسة لن يتمكن المريض
2
(?) سبق تخريج الحديث.
2
(?) قالوا القتل رحمة :د .عبد الجبار دية
( ) http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp
3
(?) فتاوي معاصرة :الدكتور يوسف القرضاوي .529 – 2/525
257
من إدامة تنفسه ،فمن الممكن إبقاء هذا المريض حياً بواسطة هذه المنفسة
الصناعية التي تديم فعالياته الحيوية ،ولكن لكل االعتبارات األخرى يعتبر مثل
هذا المريض " ميتاً " وغير قادر على السيطرة على وظائفه وإ يقاف هذه
المنفسة يعتبر تيسيراً فعاالً للموت.
تيسير الموت المنفعل:
هنا ال تتخذ خط وات فعالة إلنه اء حي اة الم ريض بل ي ترك للم رض أن يأخذ
أدواره بدون إعطاء المريض أي عالج إلطالة حياته.
أمثلة :
-1مريض نهائي بالسرطان أو اإلغماء من إصابة بالرأس أو التهاب سحائي وال
يرجى شفاؤه منه ،ومصاب بالتهاب الرئة التي إن لم تعالج – وهي ممكنة
العالج – يمكن أن تقتل المريض وإ يقاف العالج من الممكن أن يعجل بموت
المريض.
-2طفل مشوه تشويهاً شديداً بتصلب أشرم – شوكة مشقوقة – أو بشلل مخي
يمكن أن يترك من دون عالج إذا أصيب بالتهاب الرئتين أو بالتهاب السحايا،
ويمكن يموت الطفل من هذه االلتهابات.
والتصلب األشرم – الشوكة المشقوقة – هي حالة غير طبيعية للعمود الفقري
تؤدي إلى شلل الساقيين وفقدان السيطرة على المثانة واألمعاء الغليظة والطفل
المريض بهذا الداء يكون مشلوالً يحتاج إلى عناية خاصة طيلة حياته.
أما الشلل المخي فهي حالة تلف في المخ خالل الوالدة تسبب تخلفاً عقلياً
وشلالً في األطراف بدرجات متفاوتة ،ومثل هذا الطفل يكون مشلوالً جسمياً وعقلياً
ويحتاج لعناية خاصة طيلة حياته.
258
في األمثلة السابقة " إيقاف العالج " هو نوع من أنواع تيسير الموت المنفعل
وبصورة عامة ال يعيش هؤالء األطفال عمراً طويالً ،وإ يقاف العالج وتيسير الموت
المنفعل يمنع إطالة معاناة الطفل المريض أو والديه.
األسئلة :
-1هل تيسير الموت الفعال مسموح به في اإلسالم ؟
-2هل تيسير الموت المنفعل مسموح به في اإلسالم ؟
تيسير الموت الفعال:
-1تيسير الموت الفعال في المثال رقم ( )1ال يجوز شرعاً ،ألن فيه عمالً
إيجابياً من الطبيب بقصد قتل المريض ،والتعجيل بموته ،بإعطائه تلك الجرعة
العالية من الدواء المتسبب في الموت ،فهو قتل على أي حال ،سواء كان بهذه
الوسيلة أم بإعطاء مادة سمية سريعة التأثير ،أم بصعقة كهربائية أم بآلة حادة ،كله
قتل ،وهو محرم ،بل هو من الكبائر الموبقة ،وال يزيل عنه صفة القتل أن دافعه هو
الرحمة بالمريض ،وتخفيف المعانة عنه ،فليس الطبيب أرحم به ممن خلقه ،وليترك
أمره إلى اهلل تعالى ،فهو الذي وهب الحياة لإلنسان وهو الذي يسلبها في أجلها
المسمى عنده.
أما المثال رقم ( )2من أمثلة تيسير الموت الفعال ،فنؤخر الحديث عنه بعد
الحديث عن تيسير الموت المنفعل.
تيسير الموت المنفعل (بإيقاف العالج):
وأما تيسير الموت " بالطرق المنفعلة " كما في السؤال ،فإنها تدور كلها س واء
في المث ال ( )1أم ( )2على " إيق اف العالج " عن الم ريض ،واالمتن اع عن إعطائه
الدواء ،الذي يوقن الطبيب أنه ال جدوى منه ،وال رجاء فيه للمريض ،وفق سنن اهلل
تعالى ،وقانون األسباب والمسببات.
ومن المعروف لدى علماء الشرع :أن العالج أو التداوي من األمراض ليس
بواجب عند جماهير الفقهاء ،وأئمة المذاهب ،بل هو في دائرة المباح عندهم ،وإ نما
259
أوجبه طائفة قليلة ،كما قاله بعض أصحاب الشافعي وأحمد ،كما ذكر شيخ اإلسالم
ابن تيمية( ,)1وبعضهم استحبه(.)2
بل قد تنازع العلماء :أيهما أفضل :التداوي أم الصبر؟ فمنهم من قال :الصبر
أفضل ،لحديث ابن عباس في الصحيح عن الجارية التي كانت تصرع – يصيبها
الصرع – وسألت النبي أن يدعو لها ،فقال " :إن أحببت أن تصبري ولك الجنة،
وإ ن أحببت دعوت اهلل أن يشفيك " فقالت :بل أصبر ،ولكني أتكشف ،فادع اهلل لي
أال أتكشف ،فدعا لها أال تتكشف(.)3
وألن خلقاً من الصحابة والتابعين لم يكونوا يتداوون ،بل فيهم من اختار
المرض ،كأبي بن كعب ،وأبي ذر – رضي اهلل عنهما – ومع هذا فلم ينكر عليهم
ترك التداوي(.)4
وقد عقد اإلمام أبو حامد الغزالي في " كتاب التوكل " من " اإلحياء " باباً في
الرد على من قال :ترك التداوي أفضل بكل حال(.)5
هذا هو رأي فقهاء األمة في العالج أو التداوي للمريض ،فأكثرهم يجعلونه من
قسم المباح ،وأقلهم يجعلونه من المستحب ،واألقل منهم يجعلونه واجباً.
وأنا مع الذين يوجبونه في حالة ما إذا كان األلم شديداً ،والدواء ناجعاً،
والشفاء مرجوا منه وفق سنة اهلل تعالى.
وهو الموافق لهدي النبي الذي تداوى وأمر أصحابه بالتداوي ،كما ذكر
ذلك ابن القيم في هديه " في زاد المعاد " ( )6وأدنى ما يدل عليه ذلك هو السنية
واالستحباب.
1
(?) الفتاوي الكبرى البن تيمية 4/260ط ،مطبعة كردستان العلمية بالقاهرة.
2
(?) انظر المراجع التالية :البحر الرائق ،8/237تبيين الحقائق ،6/32حاشية ابن عابدين ،4/399الفواكه
الدواني ،2/294مواهب الجليل ،2/425اإلقناع ،1/209حاشية البجيرمي ،1/448مغني المحتاج ،1/357
المغني ،9/106شرح منتهى اإلرادات .1/341
3
(?) رواه البخاري في كتاب المرضى باب ما فضل من يصرع من الريح (.5/2140 )5328
4
(?) الفتاوي الكبرى البن تيمية 4/260ط.
5
(?) انظر :إحياء علوم الدين 4/290وما بعدها.
6
(?) زاد المعاد في هدي خير العباد :ابن القيم الجوزية .4/10
260
ومن هنا يكون العالج أو التداوي حيث يرجى للمريض الشفاء مستحباً أو
واجباً ،أما إذا لم يكن يرجى له الشفاء ،وفق سنن اهلل في األسباب والمسببات التي
يعرفها أهلها وخبراؤها من أرباب الطب واالختصاص ،فال يقول أحد باستحباب
ذلك فضالً عن وجوبه.
وإ ذا كان تعريض المريض للعالج بأي صورة كانت – شرباً أو حقناً أو
تغذية بالجلوكوز ونحوه ،أو توصيالً بأجهزة التنفس واإلنعاش الصناعي ،أو غير
ذلك مما وصل إليه الطب الحديث ،ومما قد يصل إليه بعد – يطيل عليه مدة
المرض ،ويبقى عليه اآلالم زمناً أطول ،فمن باب أولى أال يكون ذلك واجباً وال
مستحباً ،بل لعل عكسه هو الواجب أو المستحب.
فهذا النوع من تيسير الموت – إن صحت التسمية – ال ينبغي أن يدخل في
مسمى " قتل الرحمة " ,لعدم وجود فعل إيجابي من قبل الطبيب ،إنما هو ترك ألمر
ليس بواجب وال مندوب ،حتى يكون مؤاخذاً على تركه.
وهو إذن أمر جائز ومشروع ،إن لم يكن مطلوباً ،وللطبيب أن يمارسه ،طلباً
لراحة المريض وراحة أهله ،ال حرج عليه إن شاء اهلل.
تيسير الموت بإيقاف أجهزة اإلنعاش:
بقى الجواب عن المثال الثاني في النوع األول ،الذي اعتبره السؤال من
تيسير الموت بالطرق الفعالة ال المنفعلة ،وهو يقوم على إيقاف المنفسة الصناعية أو
ما يسمونه " أجهزة اإلنعاش الصناعي " عن المريض ،الذي يعتبر في نظر الطب "
ميتا ً" أو في " حكم الميت " وذلك لتلف جذع الدماغ ،أو المخ ،الذي به يحيا اإلنسان
ويحس ويشعر.
وإ ذا كان عمل الطبيب مجرد إيقاف أجهزة العالج ،فال يخرج عن كونه تركاً
للتداوي ،شأنه شأن الحاالت األخرى ،الذي سماها " الطرق المنفعلة ".
ومن أجل ذلك أرى إخراج هذه الحالة وأمثالها عن دائرة النوع األول "
تيسير الموت بالطرق الفعالة " وإ دخالها في النوع اآلخر.
261
وبناء على ذلك يكون هذا أمراً مشروعاً وال حرج فيه أيضاً ،وبخاصة أن
هذه األجهزة تبقى عليه هذه الحياة الظاهرية – المتمثلة في التنفس والدورة الدموية
– وإ ن كان المريض ميتاً بالفعل ،فهو ال يعي وال يحس وال يشعر ،نظراً لتلف
مصدر ذلك كله وهو المخ.
وبقاء المريض على هذه الحالة يتكلف نفقات كثيرة دون طائل ،ويحجز
أجهزة يحتاج إليها غيره ،ممن يجدي معه العالج ،وهو – وإ ن كان ال يحس – فإن
أهله وذويه يظلون في قلق وألم ما دام على هذه الحالة ،التي قد تطول إلى عشر
سنوات أو أكثر!.
وقد ذكرت هذا الرأي منذ سنوات أمام جمع من الفقهاء واألطباء في أحد
اجتماعات الندوة التي تقيمها بين الحين والحين " المنظمة اإلسالمية للعلوم الطبية "
بالكويت ،فلقي قبول الحاضرين من أهل الفقه وأهل الطب.
والحمد هلل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا اهلل.
فتوى بشأن أجهزة اإلنعاش رقم القرار ( )5د 3/07/86
إن مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان
عاصمة المملكة األردنية الهاشمية من 8إلى 13صفر 1407هـ 11إلى
16أكتوبر 1986م ،بعد تداوله في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع أجهزة
اإلنعاش واستماعه إلى شرح مستفيض من األطباء المختصين قرر ما يلي-:
يعتبر شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب عليه جميع األحكام المقررة شرعاً
للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العالمتين التاليتين:
-1إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً وحكم األطباء بأن هذا التوقف ال رجعة فيه.
-2إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطالً نهائياً وحكم األطباء االختصاصيون
الخبراء بأن هذا التعطل ال رجعة فيه ،وأخذ دماغه في التحلل.
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة اإلنعاش المركبة على الشخص وإ ن كان
بعض األعضاء كالقلب مثالً ال يزال يعمل آلياً بفعل األجهزة المركبة ،واهلل أعلم.
262
263
المبحث الحادي عشر
264
هذا ولقد اخترت أهم المسائل والقضايا التي تشغل بال األقليات اإلسالمية في
البالد غير اإلسالمية ،واستعنت بقرارات المجامع الفقهية وفتاوى العلماء لبيان
األحكام الشرعية لتلك المسائل.
265
" في الوقت الذي يخطط أئمة الغزو الفكري في العالم ،لتجزيء اإلسالم
العالمي الواحد إلى " إسالميات " إقليمية متعددة ،ومن ثم مختلفة فمتصارعة،
تتعاظم وتتالحق األصوات الداعية إلى إيجاد ما يسمونه بـ " فقه األقليات " وتفصيله
كسوةً إسالمية مناسبة لإلسالم الذي يتنامى اليوم في الغرب بشطريه األوروبي
واألمريكي ،دون اإلسالم اآلخر المنتشر في األوطان اإلسالمية عامة.
ولقد قلت سائالً :ما هي المستندات أو األسس التي ينبغي أن يستولد منها "
فقه األقليات " هذا؟
فقيل لي :إنها كثيرة :قاعدة المصالح ..الضرورات تبيح المحظورات..
المشقة تجلب التيسير ..ما جعل عليكم من الدين من حرج.
ولكن هذه المستندات ليست خاصة للمسلمين المقيمين في أوروبا ّ قلت:
وأمريكا ..إنها مستندات لفقه إسالمي عالمي ال وطن لـه ،ولم تكن يوماً ما مستندات
لما تسمونه " فقه األقليات " دون غيره ،فحيثما وجدت الضرورة بمعناها الشرعي
المعروف ارتفع الحظر المسبب لها ،وأينما وجدت المشقة التي تتجاوز الحد
المعتاد ،تثبت الرخصة الشرعية المتكلفة برفعها ،وحيثما تعارضت المصلحتان في
اَألولَى منهما ..ولم نجد في قرآن أو سنة ،وال في
قدمت ْ سلّم المقاصد الشرعيةّ ،
كالم أحد من أئمة الشريعة اإلسالمية ،أن هذه المستندات خاصة بحال األقليات التي
تقيم في ديار الكفر ،فال يجوز لغيرهم من المسلمين في العالم اإلسالمي األخذ بها
واالستناد إليها.
قيل لي :إن الضرورات التي تنبثق منها الحاجة الماسة إلى فقه خاص بتلك
األقليات ،نابعة من وجودهم في مجتمعات غير إسالمية ،لها خصوصيتها المتميزة
عن المجتمعات اإلسالمية!
يعد
قلت :أي إسالم هذا الذي يقرر أن مجرد وجود المسلم في دار الكفر ّ
خاص به ينسجم مع ما يحيط به من تيارات الكفر ٍ ضرورة تبرر تشريع فقه إسالمي
والفسوق والعصيان؟! ..إذاً فلماذا شرع اهلل الهجرة وأمر بها ،من دار الكفر (إن لم
يتح للمسلم تطبيق أحكام اإلسالم فيها) إلى دار اإلسالم ،وهالّ أقام رسول اهلل
266
وصحبه بين ظهراني المشركين في مكة ،مستندين في ذلك إلى هذا الذي لم يكن
يعرفه مما تسمونه " فقه األقليات " ؟
تبر ُر ابتداع
وإ ذا كان مجرد وجود المسلمين في دار الكفر مصدراً لضرورة ِّ
فقه جديد يناسب حال تلك الدار ومن فيها ،فمن هم الذي عناهم اهلل تعالى بقوله :
إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في
األرض قالوا ألم تكن أرض اهلل واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت
مصيراً [ النساء.]4 :
لقد كنا نستبشر بأن تزايد المسلمين في الغرب مع التزامهم باإلسالم
وانضباطهم بأحكامه ،يبعث على ذوبان الحضارة الغربية الجانحة في تيار
الحضارة اإلسالمية.
ولكنا اليوم ،وفي ظل الدعوة الملحة إلى ما يسمى بـ " فقه األقليات " نعلم أننا
مهددون بنقيض ما كنا نستبشر به ،إننا مهددون بذوبان الوجود اإلسالمي في تيار
الحضارة الغربية الجانحة ،بضمانة من هذا الفقه.
أال فليتق اهلل أئمة هذه الدعوة التي ال عهد لنا بها قبل اليوم ،وليعلموا أن
ثمرتها تحقيق ما يراد باإلسالم اليوم ،من تحويله إلى إسالمات إقليمية متنوعة ،وإ ن
لنا في المجامع الفقهية الكثيرة في عالمنا العربي واإلسالمي ما يغني عن ابتداع
مرجعيات خاصة ،متخصصة بهذا الفقه اإلسالمي الجديد الذي ال عهد للشريعة
اإلسالمية به(.)1
والحقيقة أن تخوف فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي مبالغ فيه،
وإ ال فإن األقليات المسلمة في حاجة إلى بيان كثير من األحكام الشرعية المتعلقة
بمعامالتها وعباداتها ،وال يعني ذلك مطلقاً الدعوة إلى تجزئة اإلسالم أو التفريق
بين فقهه واجتهاده الموحد أصالً بوحدة أصوله وتشريعاته واهلل أعلم.
وفيما يلي مجموعات مختارة من تلك القضايا والمسائل التي تهم األقليات
المسلمة:
267
-1حكم وضع اليد على الت===========وراة أو اإلنجيل أو كليهما حين أداء اليمين أم===========ام
القضاء:
الحمد هلل والصالة والسالم على من ال نبي بعده.
أما بعد :
فإن مجلس المجمع الفقهي اإلسالمي( )1قد اطلع على السؤال الوارد حول
حكم وضع المسلم يده على التوراة واإلنجيل أو كليهما عند أداء اليمين القضائية أمام
المحاكم في البالد غير اإلسالمية إذا كان النظام القضائي فيها يوجب ذلك على
الحالف.
واستعرض المجلس آراء فقهاء المذاهب حول ما يجوز الحلف به وما ال
يجوز في القسم بوجه عام وفي اليمين القضائية أمام القاضي( ،)2وانتهى المجلس إلى
القرار التالي:
-1ال يجوز الحلف إال باهلل تعالى دون شيء آخر ،لقول الرسول " :من كان
حالفاً فليحلف باهلل أو ليصمت " (.)3
-2وضع الحالف يده عند القسم على المصحف أو التوراة أو اإلنجيل أو غيرها
ليس بالزم لصحة القسم ،لكن يجوز إذا رآه الحاكم لتغليظ اليمين ليتهيَّب
الحالف من الكذب.
)?(1القرار رقم 1في دورته الخامسة.
)?( 2انظر المراجع التالية :البحر الرائق ،4/301حاشية ابن عابدين ،3/705شرح فتح القدير ،5/59الثمر
الداني ،1/421الفواكه الدواني ،1/408مواهب الجليل ،3/264المهذب ،2/129مغني المحتاج ،4/320
المبدع ،9/263شرح منتهى اإلرادات ،3/441كشاف القناع ،64/234المغني .9/405
)?( 3أخرجه البخاري في الشهادات باب كيف يستحلف ( ،2/951 )2533ومسلم في األيمان باب النهي عن
الحلف بغير اهلل (.3/1267 )1646
268
-3ال يجوز لمسلم أن يضع يده عند الحلف على التوراة أو اإلنجيل ،ألن النسخ
محرفة وليست األصل المنزل على موسى وعيسى المتداولة منهما اآلن َّ
عليهما السالم ،وألن الشريعة التي بعث اهلل تعالى بها نبيه محمداً قد نسخت
ما قبلها من الشرائع.
-4إذا كان القضاء في بلد ما حكمه غير إسالمي يوجب على من توجهت عليه
اليمين وضع يده على التوراة أو اإلنجيل أو كليهما على المسلم أن يطلب من
المحكمة وضع يده على القرآن ،فإن لم يستجب لطلبه يعتبر مكرهاً ،وال بأس
عليه في أن يضع يده عليهما أو على أحدهما دون أن ينوي بذلك تعظيماً ،واهلل
ولي التوفيق.
وصلى اهلل على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
نائب الرئيس رئيس مجلس المجمع الفقهي
محمد علي الحركان عبداهلل بن حميد
1
(?) انظر :حاشية ابن عابدين ،3/161المجموع ،3/161نيل األوطار .2/143
2
(?) أخرجه البخاري معلقاً في الصالة باب الصالة في البيعة ،1/167والطبراني في األوسط ،2/193
والبيهقي في سننه ( ،7/268 )14341وعبد الرزاق (.1/411 )1610
3
(?) المدونة الكبرى ،1/90كفاية الطالب الرباني .1/211
269
.3وذهب بعض أصحاب أحمد إلى الجواز مطلقاً ،قال ابن تيمية " :قال أكثر
أصحابنا :ال تكره الصالة في الكنيسة والبيعة النظيفة " (.)1
قال ابن تيمية " :والصحيح أنه إن كان فيها صور لم يصل فيها ،ألن المالئكة
(مالئكة الرحمة ال الحفظة) ،ال تدخل بيتاً فيه صورة( ،)2وأما إذا لم يكن فيها صور
فقد صلى الصحابة في الكنيسة " (.)3
وإ ذا جازت الصالة في كنيسة مع خلوها عن الصور ،جازت في أي معبد
آخر ال يوجد فيه صور :فلقد ذكر البخاري أن ابن عباس كان يصلي في البيعة إذا
لم يكن فيها تماثيل(.)4
ويظهر من كالم الجمهور أن من صلى فيها مع وجود التماثيل فصالته
صحيحة مع الكراهة( ،)5وإ ن كان األولى أن ينأى المسلم في صالته عن مثل هذه
األماكن إذا توفرت لـه أماكن أخرى ولم يحتج إليها ..أما إذا اضطر إلى الصالة فيها
كخوف برد ،أو عدم توفر محل آخر ،جازت بال كراهة ،وال إعادة عليه ،فكل
أرض مصلى للمسلمين " إال ما تيقنا نجاسته " ،لقول النبي ُ " :
()6
وجعلت لي
األرض مسجداً وطهوراً ،فأيما رجل أدركته الصالة فليصل " (.)7
ولقد أجاز المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي ،استئجار الكنائس
بتجنب استقبال التماثيل ،فإن لم يمكن فإنها تستر بحائل إذا للصالة ،ولكن أوصى ّ
كانت باتجاه القبلة(.)8
وهنا أهيب بالمسلمين أن يوفروا ما يحتاجون إليه من مساجد ليستغنوا عن
معابد أهل الشرك ،وأن يبذلوا في سبيل ذلك ما يقدرون عليه.
)?( 1شرح العمدة .4/502
)?( 2للحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب إذا قال أحدكم آمين ( ،3/1179 )3054ومسلم في
اللباس والزينة باب تحريم تصوير الحيوان (.3/1666 )2105
)?( 3مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية 22/162و .27/14
)?(4صحيح البخاري في كتاب الصالة باب الصالة في البيعة :معلقاً .1/167
)?(5بدائع الصنائع ،1/115المدونة ،1/91فتح الباري ،1/532نيل األوطار .2/151
)?(6من فقه األقليات المسلمة ،ص.101 – 100
)?(7أخرجه البخاري في التيمم (.1/128 )328
)?(8القرار رقم )11/3( 23في دورة مؤتمره الثالث.
270
-3الدفن في التابوت :
أجمع الفقهاء على أن الدفن في التابوت مكروه( ،)1وال يستعمل إال في حالة
العذر فقط( ،)2واعتمدوا في ذلك على أنه لم يصح أن أحداً في زمن النبي أو أن
النبي نفسه قد دفن في تابوت ،بل كانوا يوضعون على التراب ،ولم يصح أن النبي
رخص فيه أيضاً أو منع منه.
وقد أجاز الفقهاء اتخاذ التابوت إذا كانت التربة رخوة وغير متماسكة ،أو
كان جسد الميت مهترئاً باالحتراق ،أو مقطعاً ،أو أشالء بحيث ال يضبطه إلى
الصندوق.
وقالوا :والسنة أن يفترش في التابوت التراب(.)3
وعليه فمن أجبرته سلطات بالده ،على أن يضع متوفاه في صندوق خشبي أو
حديدي ،فال شيء في ذلك – إن شاء اهلل – للعذر ،وإ ال فال يفعله.
271
جانباً منها لهم ،ال يشاركهم فيه غيرهم ،فإن لم يكن جاز دفنه للضرورة ،وبه أفتى
مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي حيث جاء في القرار رقم 23
( " :)11/3إن دفن المسلم في مقابر غير المسلمين في بالد غير إسالمية جائز
للضرورة " (.)1
272
فقد ذهب الجمهور إلى ُحرمة أن يؤجر المسلم نفسه لكافر في عمل كهذا(:)1
فقد سئل اإلمام مالك :المسلم يؤجر نفسه للكافر يحمل له خمراً ،فقال " :ال تصلح
هذه اإلجارة " ،وقال " :بل ال يعطى عليها إجارة " (.)2
وسئل اإلمام أحمد :أيبني مسلماً للمجوس ناووساً – والناووس :حجر ينقر
ويوضع فيه الميت -؟ فقال " :ال يبني لهم " ،وقاله اآلمدي ،وكرهه الشافعي(،)3
ومثله الكنيسة ،وما يماثلها عند أهل الكفر(.)4
وأما العمل في معامالت ربوية فمحرم ،لحديث جابر " :لعن رسول اهلل
آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه " ،وقال " :وهم فيه سواء " (.)5
قال النووي " :هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المرابين والشهادة
عليهما " ( ،)6وفي الحديث أيضاً تحريم اإلعانة على الباطل أيًّا كان نوعه.
والنص هنا عام مطلق ،بال فرق بين من عمل بذلك في دار اإلسالم أم في
دار الكفر.
نخلص من هذا إلى أنه يحرم على المسلم أن يبني للمشركين داراً للكفر ،أو
أن يعمل لديهم ببيع خمر ،أو بيع خنزير أو أي محرم آخر ،ألنها أفعال محرمة.
أما إذا اضطر إلى ذلك جاز ،ولكن فليعمل بقاعدة " :الضرورة تقدر بقدرها "
فال يتجاوز قدر الحاجة ،وال يتوسع في ذلك ،وليكتف بالكفاف ،وليعمل جاهداً
للخروج من هذا الواقع متى وجد مكاناً حالالً خالصاً.
وقد أفتى المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي ،بحرمة العمل في
المطاعم من غير ضرورة (أي المطاعم التي تقدم الخمر والخنزير) ،وبحرمة
تصميم معابد شركية ،أو اإلسهام فيها.
273
وأما إذا اضطر للعمل في تلك المطاعم فيجوز ،بشرط أال يباشر نفسه سقي
الخمر أو حملها ،أو صناعتها ،أو االتجار بها ،وكذلك الحال بالنسبة لتقديم لحوم
الخنزير ،ونحوها من المحرمات(.)1
()2
وعلى ذلك يجوز للمسلم أن يؤجر نفسه للكافر بشروط منها:
.1أن يكون عمله مباحاً.
.2أن ال يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين.
.3أال يشتمل على مذلة وإ هانة.
274
أما تقبيلهم فقد كرهه بعض العلماء ،وبه أقول للسبب الذي ُذكر في كراهية
معانقتهم ،وإ ن حدث ذلك فال إثم إن شاء اهلل لعدم النص ،إن لم يترتب عليه المحبة
والرضا ،التي قد تجر إلى المواالة المحظورة(.)1
275
وعن عبداهلل بن عمرو قوله" :من بنى ببالد األعاجم ،وصنع نيروزهم
وتشبه بهم حتى يموت وهو على ذلك ،حشر معهم " (.)1 ومهرجانهمّ ،
ومن هنا أجمع العلماء على حرمة أن ُيباع لهم شيء من مصلحة دينهم في
يوم عيدهم ،أو اإلهداء إليهم " (.)2
قلت :لكن إذا خاف المسلم أن يترتب على عدم تهنئتهم ضرر عليه ال يمكن
تحمله عادة ،رخص له في مجاملتهم في الظاهر مع اإلنكار القلبي(.)3
276
قال ابن بطال " :إنما تشرع عيادته إذا رجي أن يجيب إلى الدخول في
اإلسالم ،فإذا لم يطمع في ذلك فال " (.)1
277
المبحث الثاني عشر
إن تواجد المسلمين في البلدان الغربية يطرح عدة مشاكل شرعية أمام
األقليات اإلسالمية المقيمة ،و بعض هذه المشاكل تتعلق مباشرة بوضعيتهم
واندماجهم في المجتمعات الغربية ،كالتجنس والمشاركة في الحياة السياسية ،ويرى
بعض المسلمين أن الحصول على جنسية تلك البلدان يسهل الحياة في تلك
المجتمعات ،إذ أنه يفتح أمامه األبواب في المشاركة في القضايا العامة والتدرج في
الوظائف الحكومية ،بل وتمثيل الشعب الغربي ودخول برلمانات هذه الدول ،كما هو
حاصل في بعض األحيان ،كما أن بعض فئات المسلمين قدمت إلى البلدان الغربية
طلباً للجوء السياسي ،وبسبب أوضاع بلدانها ،فقدت كل وثائقها القانونية وأوراقها
الثبوتية ،إضافة إلى أن حكومات تلك الدول ال تمنحها وثائق جديدة أو تزود أوالد
المهاجرين بوثائق قانونية كجوازات السفر أو شهادات الجنسية ،كل ذلك يجعل
الحصول على جنسية البلد الغربي أمراً مطلوباً في ذاته ،وكذلك لحل العديد من
المشاكل القانونية.
وللعلماء المسلمين وجهات نظر مختلفة حول التجنس بجنسية غربية :بعض
العلماء يرى أن الجنسية ال تحمل بعداً عقائدياً بل هي مجرد إثبات لالنتماء القانوني
إلى بلد ما ،إال أن البعض اآلخر يعتبرها معياراً للعقيدة والدين ،فيعد حصول المسلم
على جنسية دولة غير مسلمة بمثابة ترك المسلم لدينه ،وفك ارتباطه بالعالم
اإلسالمي ،وهذا معيار يتضمن العديد من اإلشكاالت :منها أن هناك أقليات غير
إسالمية تعيش في البلدان اإلسالمية وتحمل جنسيتها ،فهل يدل ذلك على أنها تركت
دينها وأصبحت مسلمة ؟ وهناك أقليات إسالمية تعيش في بلدان كافرة ،كتابية أو
وثنية ،وتحمل جنسيتها ،فهل يعني أنها غير مسلمة ؟ وهناك من يعتنق اإلسالم من
الغربيين ،وبالطبع فهم يحملون جنسية بلدانهم ،فهل ُيطعن في إسالمهم إذا بقوا
حاملين لها ؟
278
-1تعريف الجنسية :
الجنسية مصطلح سياسي جديد يرجع تاريخه إلى قيام الدولة بمفهومها
الحديث ،لذا فإن هذا المصطلح غير موجود في استعمال فقهائنا القدامى.
والجنسية لغة :من الجنس وهو ضرب من كل شيء ،وهي الصفة التي تلحق
بالشخص من جهة انتسابه إلى دولة معينة(.)1
واصطالحاً :الجنسية هي رابطة سياسية وقانونية بين الشخص ودولة معينة
تجعله عضواً فيها وتقيد انتماءه إليها وتجعله في حالة تبعية سياسية لها(.)2
فهي عالقة سياسية تنشئها الدولة بمحض إرادتها ،عالقة سياسية ضرورية
تربطها برعاياها فتمنحها لمن تشاء وتحرمها ممن تشاء وفق ظروفها السياسية
واالقتصادية واالجتماعية ،فهذه الظروف مجتمعة أو منفردة تملي عليها سياسة
معينة في مسائل الجنسية :فقد تكون راغبة في كثرة شعبها فتأخذ حينئذ بحق اإلقليم
باإلضافة إلى حق الدم ،فتعتبر كل من ولد في إقليمها متمتعاً بجنسيتها وال تكتفي
فقط بحق الدم ،وبجانب هذين األساسين تذهب أكثر من ذلك فتشجع الدخول في
شعبها من األجانب وذلك بفتح باب التجنس وتخفيف شروطه وإ جراءاته ،وعلى
العكس من ذلك تضيق في سبيل الحصول على جنسيتها متى كانت غير راغبة في
تزايد شعبها فتقتصر في منح جنسيتها لمن ولد ألصل يحمل هذه الجنسية أي تقتصر
على األخذ بالدم ،والجنسية في القانون هوية خاصة لكل دولة ،وهي ترجمة للفظ
.Nationality
وهي عالقة قانونية حيث يرتبط طرفاها بروابط قانونية ،إذ تفرض على كل
منهما التزامات لآلخر وتقرر لـه حقوقاً قبله ،فهي عالقة قانونية متبادلة أي مزدوجة
األثر ،فللشخص حق الحماية لشخصه ولماله ولعرضه وتهيئ لـه سبل الحياة لتقيه
1
(?) القاموس المحيط :مادة جنس .1/691
2
(?) الوسيط في القانون الدولي الخاص :د .سامي بديع منصور ص ،230أصول القانون الدولي الخاص:
د .محمد كمال فهمي ص.71
279
بالوسائل المتاحة لها شر الفقر والمرض والجهل ،ولها عليه مقابل ذلك واجب
الوالء والطاعة وتنفيذ أوامرها المشروعة.
وتعتبر الجنسية المعيار لتحديد صفة األجنبي داخل كل دولة وما يترتب على
هذه الصفة من آثار من حيث التمتع بالحقوق داخل الدولة ،حيث ال يتمتع األجنبي
بالكثير من الحقوق العامة وخاصة الحقوق السياسية(.)1
()2
-2أركان الجنسية :
.1الشخص – الفرد – :والمراد به اإلنسان الذي يعيش على هذه البالد
ويحمل جنسيتها.
.2الدَّولة :وهي الركن األكثر أهمية في رابطة الجنسية ،ولها وحدها حق منح
الجنسية ،وال يثبت هذا الحق لبقية أشخاص القانون الدولي العام كالمنظمات
الدولية مهما علت منزلتها في المجتمع الدولي.
.3اآلثار (الحقوق والواجبات) :وذلك ألن الجنسية تقوم على اعتبارات
سياسية وقانونية مما ينتج عنه حقوق والتزامات متبادلة على كل طرف.
()3
-3كيفية الحصول على الجنسية:
.1التجنس.
.2الوالدة.
()4
-4حقوق الجنسية :
)1المواطنة العادية بحيث يصبح مواطناً في تلك الدولة.
)2اإلقامة الدائمة في تلك الدولة.
)3االستفادة من المرافق العامة في الدولة.
1
(?) العالم اإلسالمي والغرب :صالح عبد الرزاق (موقع دار اإلسالم.) http://www.darislam.com :
2
(?) الموجز في القانون الدولي الخاص :بدر الدين الشوقي ،5/26اكتساب الجنسية األصلية بالميالد ألب
وطني :د .هشام خالد ص.23
3
(?) الوسيط في القانون الدولي الخاص ،ص.232
4
(?) اكتساب الجنسية األصلية بالميالد ألب وطني :د .هشام خالد ،ص.21 – 20
280
)4تولي الوظائف العامة :كالقضاء والمناصب العسكرية.
)5حق ممارسة الحريات األساسية.
)6الحماية الدبلوماسية لشخصه وأمواله في حالة وجوده في دولة أجنبية
(بالخارج).
()1
-5الواجبات التي تجب على الشخص المتجنس :
)1االلتزام بقانون البلد في كل مجاالت حياته (السياسية واالقتصادية
واالجتماعية).
)2المشاركة في بناء الدولة بما يسعه من تقديم ضمان ومواهب وقدرات.
)3الدفاع عن البلد والذود عنه وحماية مصالحه وينفذ أغراضه وهذا يتطلب
الخدمة بالجيش ،وبالتالي إذا وقعت حرب بين الدولة التي ينتسب إليها ودولة
أخرى :فإنه يجب عليه أن يدافع على بلده المتجنس بجنسيتها.
281
وبقيت نظرة الفقهاء التونسيين والجزائريين والمغاربة سلبية نحو التجنس
بسبب الخلفية التاريخية والتجربة السياسية ،وبسبب فهمهم الخاص للمسألة لألسباب
التي ذكرناها.
لقد طرحت مسألة التجنس بجنسية غير إسالمية في وقت مبكر من القرن
العشرين ،فقد سأل بعض التونسيين علماء األزهر حول " تجنس رجل مسلم بجنسية
أمة غير مسلمة اختياراً منه ،والتزم أن تجري عليه قوانينها بدل أحكام الشريعة
الغراء " فأجابه الشيخ يوسف الدجوي من هيئة كبار العلماء باألزهر الشريف بما
يلي " :إن التجنس بالجنسية الفرنسية والتزام ما عليه الفرنسيون في كل شيء حتى
األنكحة والمواريث والطالق ومحاربة المسلمين واالنضمام إلى صفوفهم معناه
االنسالخ من جميع شرائع اإلسالم ومبايعة أعدائه ...وأما حليف الفرنسيين الخارج
من صفوف المسلمين طوعاً واختياراً مستبدالً لشريعة بشريعة ،وأمة بُأمة مقدماً
ذلك على اتباع الرسول بال قاسر وال ضرورة فالبد أن يكون في اعتقاده خلل ،وفي
إيمانه دخل ...فلسنا نشك في أن هؤالء المتجنسين بالجنسية الفرنسية على أبواب
الكفر وقد سلكوا أقرب طريق إليه ".
وأوضح أن ظروف التجنس ونتائجه تستدعي ذلك الرأي خاصة إذا ذكر أن
المتجنس بجنسية غير إسالمية ينسلخ عن الشريعة اإلسالمية ،فمما ال شك فيه أن
أي فقيه مسلم سيكون ذلك رأيه ،كما أن الظروف السياسية واضحة في مضمون
الفتوى وغايتها التي تهدف مساعدة حركة الجهاد وقطع الطريق أمام السلطات
المحتلة باستخدامها هذه الوسيلة إلغراء المسلمين لالنضمام إليها وخدمة مخططاتها
وأغراضها في تغيير هوية البلد اإلسالمي ،واعتبار الجنسية جسراً لعبور أبناء البلد
إلى الخندق اآلخر(.)1
1
(?) العالم اإلسالمي والغرب :صالح عبد الرزاق (موقع دار اإلسالم( www.darislam.com :
282
تعرض بعض الفقهاء المعاصرين إلى موضوع التجنس ،بعد تغير الظروف
وتطور األوضاع السياسية للبلدان اإلسالمية والغربية معاً ،وبعد ما أخذت أعداد
هائلة من المسلمين تذهب إلى الغرب طلباً للرزق والعمل واإلقامة ،فأصبحت قضية
التجنس واحدة من القضايا المهمة التي البد وأن يتصدى لها العلماء ببيان الحكم
الشرعي فيها.
وإ نني أرى عدم الميل إلى من يعطي حكماً واحداً قطعياً في مسألة التجنس
بالجنسية األجنبية.
وذلك ألن حاالت التجنس مختلفة ومتنوعة ،والحكم يختلف مع كل حالة على
حدى ،فال يجوز التعميم في الحكم بالجواز مطلقاً أو المنع مطلقاً.
لذا أرى التفصيل في القضية :حتى ُنعطي كل حالة حكمها المناسب على
حسب ظروف المتجنسين.
أقسام التجنس وحكم= كل قسم :
يمكننا تقسيم التجنس إلى قسمين رئيسين:
أوالً :التجنس االضطراري :
-1مثل األقليات المسلمة التي تقيم في دول غير إسالمية ،وهي باألصل من
سكان تلك المناطق ،كالمسلمين في الجمهوريات المسلمة التابعة لالتحاد السوفياتي
السابق " :وهي أمم تعد من العالم اإلسالمي وال يمكن أن تنفصل عن العالم
اإلسالمي ،كما أنها جادة في المحافظة على إسالميتها رغم عوامل اإللحاد الكثيرة "
(.)1
فهؤالء ممن ابتلي من المسلمين بالكفار في بالده وهم األغلبية الكاره لهم
والمبغض لدينهم.
وحكموه بغير رضاه وأرغموه على التجنس أو مغادرة بالده وأهله وأوالده،
فقبلها للبقاء في بالده ،على ماله وأهله وولده ،ومع ذلك هو مقيم لشرائع الدين،
1
(?) التجنس بجنسية غير إسالمية :محمد الشاذلي النيفر (بحث منشور في مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي ،العدد
الرابع ،ص.)226
283
مظهر لدينه ،معلن العداء لهم ،مصارح لهم بكفرهم ،وأنهم على باطل ،وأن دينه هو
الحق ،فمثل هذا ال شك أنه على خطر في بقائه ...لكن ال نحكم عليه بالكفر ما دام
أنه عمل ما في وسعه من عدم اتباعهم وموافقتهم على باطلهم ومن إظهار دينه،
ولكن بقاءه بين أظهر الكفار فيه خطر عليه وعلى أوالده ومن تحت يده " (.)1
وفي نفس الوقت ال نستطيع أن نحرم عليهم الجنسية التي ولدوا بها ،ألنهم لم
يأتوا باختيارهم لهذه البالد ،وإ نما رغماً عنهم ،وبناء عليه فال إثم عليهم إذا حملوا
هذه الجنسية ،بل ال يجوز لهم ترك هذه الجنسية حتى ال يضيعوا ،ولكن بشرط أن
يكون في نياتهم وأذهانهم أنهم مكروهون ،وأن التجنس بهذه الجنسية هو الطريق
الوحيد للحصول على الحياة الكريمة ،وأن يحاولوا بكل الوسائل المتاحة نشر
اإلسالم ،وأن يكون عندهم االستعداد التام في حال ما إذا وجدت الفرصة السانحة
لهم لالنتقال إلى دولة إسالمية الهجرة إليها(.)2
-2كما أن هناك حالة اضطرار أخرى :وهي عندما يترك المسلم وطنه
بسبب االضطهاد واالضطراب كالمجموعات اإلسالمية التي تضطر على الهجرة
الجماعية إلى الدول األجنبية الكافرة ،وهناك من يضطر للخروج عن بلده من أجل
قوته فيحتاج إلى الجنسية لتأمين قوته وقوت أوالده بصورة أفضل.
قال بجواز ذلك بعض العلماء ألن إقامة الدين واجب على كل مسلم ،فإذا لم
يستطع ذلك إال بالتجنس بالجنسية األجنبية فيكون ذلك جائزاً(.)3
وإ نما يجوز للمسلم ترك وطنه بسبب االضطهاد واالضطراب بشروط وهي:
.1أن يختار البلد الذي يكون آمناً فيه على دينه وأهله.
.2أن يكون الرجوع إلى بلده األصلي متى سنحت لـه الفرصة وعند زوال
االضطرار.
1
(?) بحث التجنس بجنسية دول غير إسالمية :الشيخ محمد بن عبداهلل بن سبيل (مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي،
العدد الرابع ،ص)165 – 164
2
(?) األحكام السياسية لألقليات المسلمة :سليمان محمد ،ص.83
3
(?) بحوث في قضايا فقهية معاصرة :محمد تقي العثماني ص ،329األحكام السياسية لألقليات المسلمة:
سليمان محمد ص.85 - 84
284
.3أن ينكر المنكر ولو بقلبه.
والدليل على ذلك :أن الصحابة – رضي اهلل عنهم – هاجروا إلى الحبشة بعد
ما اضطهدوا من قبل أهل مكة ،والحبشة يومئذ يسودها الكفار ،وأقاموا بها حتى أن
بعض الصحابة لم يزالوا مقيمين بها بعد ما هاجر رسول اهلل إلى المدينة ،فإنما
رجع أبو موسى األشعري عند غزوة خيبر يعني في السنة السابعة من الهجرة.
ثم من حقوق النفس أن يصونها المرء من كل نوع من أنواع الظلم فإذا لم يجد
اإلنسان مأمناً لنفسه إال في بالد الكفار ،فال مانع من هجرته إليها ،مادام يحتفظ
بفرائضه الدينية ،واالبتعاد عن المنكرات المحرمة(.)1
وكذلك إن اضطر إليه المسلم بسبب أنه لم تتيسر له في بلده وسائل المعاش
الضرورية التي البد لـه منها ولم يجدها إال في مثل هذه البالد ،فإنه يجوز لـه
الخروج عن بلده من أجل قوته :ألن كسب الرزق فريضة والشرع لم يقيد ذلك
بمكان ،يقول تعالى :هو الذي جعل لكم األرض ذلوالً فامشوا في مناكبها وكلوا
من رزقه [ الملك ،]15 :والعمل في بلد الكفر والحصول على جنسية يكون
بشروط:
.1أن يكون المسلم مضطراً.
.2أن ال تكون الدولة اإلسالمية بحاجة إليهم.
.3أن ال يعمل في ما حرم اهلل.
()2
.4أال يضر بعمله اإلسالم أو المسلمين .
ثانياً :التجنس االختياري :
-1ويقصد به أولئك المتجنس ين المقيمين في البالد األجنبية دعتهم أعم الهم
ووجودهم في بلد استوطنوه فاختاروا جنسيته لكنهم لم ينسوا إسالمهم وعملوا لبقائه
في أنفسهم وتقدموا في ذلك فأنشأوا مؤسسات إسالمية.
1
(?) بحوث في قضايا فقهية معاصرة :محمد تقي العثماني ،ص.329
2
(?) بحوث في قضايا فقهية معاصرة :محمد تقي العثماني ،ص.330 – 329
285
ومثل هؤالء اختلفت أراء العلماء في حكم تجنسهم :فمنهم من يكره ذلك
ويتخوف على من يقدم على ذلك الردة والكفرة ،يقول فضيلة الشيخ عبداهلل بن سبيل
()1
إمام الحرم المكي وعضو المجمع الفقهي اإلسالمي:
" القسم الثاني :راض باالنتماء إليهم لمصالحه الدنيوية ومعامالتهم التجارية،
فأخذ الجنسية منهم ليتم مقصوده من حصول الدنيا والتسهيالت التي تحصل
مؤد لشرائع اإلسالم ،مظهر لدينه ،وال يترافع إليهم باختياره، للمنتمين إليهم ،وهو ٍّ
فإذا صدر بما ال يخالف الشريعة قبله ،وإ ن صدر بما يخالف الشريعة رفضه ،فأرى
أن مثل هذا على خطر عظيم من تناول بعض اآليات حيث آثر دنياه على آخرته،
وقد ارتكب منكراً عظيماً ،فهو على خطر من الردة عن دين اإلسالم لركونه إليهم
وبقائه بين أظهرهم ،لكن ال أجزم بالحكم عليه بالردة ،فأتوقف في ذلك ،ولكنه بأخذ
الجنسية أظهر الميل والمحبة لهم وعرض نفسه للدخول تحت قوله ال تجد قوماً
يؤمنون باهلل واليوم اآلخر يوادون من حاد اهلل ورسوله [ المجادلة.]22 :
ولما فيه من عرض النفس على المنكرات الشائعة هناك وتحمل خطر
االنهيار الخلقي والديني من غير ضرورة داعية لذلك ،والتجربة شاهدة على أن
الذين يتجنسون بهذه الجنسيات األجنبية لمجرد الترفه ينتقص فيهم الوازع الديني،
فيذوبون أمام اإلغراءات الكافرة ذوباناً ذريعاً.)2( "...
وهناك من العلماء من أباح لهؤالء الذين تجنسوا بناء على مصالحهم الدنيوية
– غير الضرورية – لكنهم محافظون على دينهم ويدعون له ويبذلون في سبيل
نشره بين تلك البالد الجهد الكبير.
1
(?) وأيضاً الشيخ محمد تقي العثماني (بحوث في قضايا فقهية معاصرة ،ص.)330
2
(?) بحوث في قضايا فقهية معاصرة ص ،330وبحث الشيخ عبداهلل بن سبيل التجنس بجنسية دولة غير
إسالمية (بمجلة المجمع الفقهي اإلسالمي ،العدد الرابع ،ص.)165
286
فيقول الشيخ الشاذلي النيفر مفتي الديار التونسية سابقاً( " :)1بأن هؤالء ال
يحكم بكفر من دخل تحت أحكام غير إسالمية ألنه غير مشمول بما ورد في قوله
تعالى :ومن لم يحكم بما أنزل اهلل فأولئك هم الكافرون [ المائدة.]44 :
ويضع الشيخ النيفر شروطاً يجب استيفاؤها من قبل أولئك المقيمين في الدول
الغربية ،وهي:
.1أن ال تكون إقامة المسلم في األرض المحكومة لغير المسلمين إقامة هوان
وذلة.
.2حرية إقامة الشعائر اإلسالمية (الصالة والزكاة والصيام والحج).
.3األمن على النفس والولد والمال.
.4االحتراز من الفتنة في الدين.
ويعلق بم رارة " :على أن ال ذي يخشى منه هو اآلن موج ود في البل دان
اإلسالمية مما يؤسف لـه ,فال فرق بين البلدان اإلسالمية وبين هؤالء المتساكنين مع
غير المسلمين " (.)2
-2وهن اك ن وع آخر ي دخل تحت ه ذا القسم وهو التجنس االختي اري لكن
حكمه مختلف:
وهو من يتجنس لالع تزاز واالفتخ ار ولتفض يل تلك الجنس ية األجنبية على
جنس ية ال دول اإلس المية وهو ي رغب في بالد الكف ار ويحبهم ويحب البق اء بينهم،
ويرى أن معاملتهم واالنتماء إليهم أفضل من المسلمين ،وأنه راض بإجراء أحك امهم
عليه من الحكم بغ ير ما أن زل اهلل في األحك ام والنك اح والطالق والم يراث ،فه ذا ال
شك في كفره ،وهو مرتد عن دين اإلسالم ردة صريحة ،حتى لو قال أنه مسلم ،ولو
شهد الشهادتين وصلى وعمل ببعض شرائع اإلسالم(.)3
1
(?) بحث :التجنس بجنسية غير إسالمية :محمد الشاذلي النيفر (مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي ،العدد الرابع،
ص.)246
2
(?) بحث :التجنس بالجنسية غير إسالمية (مجلو المجمع الفقهي اإلسالمي ،العدد الرابع ،ص.)247
3
(?) انظر :قضايا فقهية معاصرة :للبوطي ،1/198بحوث في قضايا فقهية معاصرة :العثماني ص،331
التجنس بجنسية دولة غير إسالمية :الشيخ محمد بن سبيل (مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي ،العدد الرابع ،ص
.)165 – 164
287
وذلك ألن من يطلب الجنس ية من دولة ك افرة ميالً إليهم ،ومحبة في الق رب
منهم ،واالنضمام إليهم ،والدخول في س لكهم ،والرضا بس يطرتهم عليه وعلى ذريته
فإنه داخل تحت قوله تع الى :ال تجد قوم اً يؤمن ون باهلل والي وم اآلخر ي وادون من
ح اد اهلل ورس وله [ المجادل==ة ]22 :وقول ه :ومن يت ولهم منكم فإنه منهم [ المائ==دة:
.]51
1
(?) قضايا فقهية معاصرة :د .محمد سعيد رمضان البوطي .1/199
2
(?) أخرجه أبو داود في الجهاد باب في اإلقامة بأرض الشرك (.3/93 )2787
3
(?) أخرجه أبو داود ي الجهاد باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود ( ،3/45 )2645والترمذي في السير
باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين (.4/155 )1604
288
ال ونفيس من أجل فكيف الح ال بمن ت رك دار اإلس الم وض حى بكل غ ٍ
الحص ول على جنس ية دولة غ ير إس المية ،وال شك في أن ذلك خطر وخ وف
على إيمانه وعقيدته.
.4قوله " :ال تتركوا الذرية إزاء العدو " ( ،)1والخوف الكبير من تنش ئة األوالد
في مجتمع ك افر يحمي انح رافهم ووق وعهم في المحرم ات وع دم ال تزامهم
ب أمور دينهم ول ذا نجد كيف أن رس ول اهلل يمنع المس لمين من ت رك األوالد
بين الكفار لخطورة تنشئتهم في مثل هذه المجتمعات الكافرة.
1
(?) في مراسيل أبي داود عن مكحول (حاشية ابن القيم .)7/219
2
(?) قضايا فقهية معاصرة.1/204 :
289
األمريكية أو البريطانية أو الفرنس ية مثالً ،وهو قرير العين ب ذلك ال ي رى أنه ارتكب
في جنب اهلل أي محظور!..
وقد آل األمر اليوم بكثير من الناس إلى هذه النهاية المؤلمة المردية ،دون أن
يس توقفهم أي تخ ّوف أو ريب ،بل ربما ك انوا يع ّدون أنفس هم من رعيل ال دعاة
والمجاه دين! ..أس أل اهلل عزوجل أن يكرمنا بمراقبة النفس واتهامه ا ..وأن ال
يجعلنا ممن قال عنهم :أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً[ ..فاطر.]8 :
1
(?) برنامج الشريعة والحياة ,الحلقة بعنوان :فقه األقليات/14 ،سبتمبر.2001 /
290
المبحث الثالث عشر
291
اشتراك المرأة في االنتخاب ومؤسسات الشورى
من القض ايا المعاص رة ال تي ن الت قس طاً كب يراً من اهتم ام الب احثين والن اس:
قضية الحقوق السياسية للمرأة في اإلسالم.
ولقد اختلفت أراء الناس في هذه المسألة اختالفاً كبيراً ،مما استوجب الوقوف
عندها وبحثها مع استعراض األدلة لجميع األطراف عسانا نصل إلى رأي سديد في
هذا الموضوع:
1
(?) مكانة المرأة بين اإلسالم والقوانين العالمية :سالم البهنساوي ،ص.133
2
(?) الحقوق السياسية للمرأة :د .عبد الحميد الشواربي ،ص.52
292
تعريف االنتخاب :
االنتخاب :لغة :هو االختيار واالنتقاء(.)1
أما في االصطالح :فاالنتخاب مصطلح سياسي حديث يعني :اختيار الناخبين
لشخص أو أكثر من بين عدد من المرشحين لتمثيلهم في حكم البالد(.)2
1
(?) لسان العرب :مادة نخب .752 – 1/751
2
(?) االستفتاء الشعبي بين األنظمة الوضعية والشريعة اإلسالمية :د.ماجد راغب الحلو ،ص.103
3
(?) فتوى لجنة األزهر الصادرة في عام 1952م ،المرأة في اإلسالم :الشيخ حسنين مخلوف ص ،140أصول
الدعوة :د .عبد الكريم زيدان ص ،126حقوق المرأة في اإلسالم :د .محمد عرفة ص.202
4
(?) المرأة بين الفقه والقانون :د .مصطفى السباعي ص ،155المرأة بين الشرع والقانون :محمد الحجوي
ص ،76 – 70من هدى القرآن :الشيخ محمود شلتوت ص ،292الشورى في اإلسالم :د .حمد الكبيسي
.1091 – 3/1087
293
قال القرطبي " :معنى هذه اآلية األمر بلزوم البيت ،وإ ن كان الخطاب لنساء
النبي فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى ،هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء ،كيف
والشريعة طافحة بلزوم النساء في بيوتهن واالنكفاف عن الخروج منها إال لضرورة
" (.)1
فتدل هذه اآليات على أن القوامة والقيادة للرجل ،وعلى أن القاعدة في أمر
المرأة هو قرارها في دارها وتفرغها لبيتها وأوالدها ،وأما خروجها إلى المجتمع
فهو من باب االستثناء أو الضرورة وهي تقدر بقدرها ،فخروج المرأة لالنتخاب
واشتراكها في النشاطات السياسية ال تدعو إليه ضرورة ،وال تتوقف عليه مصلحة
حقيقية كلية ،ويتناقض مع قوامة الرجل وعلو درجته في القيادة عليها(.)2
1
(?) الجامع ألحكام القرآن :القرطبي .14/179
2
(?) الشورى في اإلسالم :د .حمد الكبيسي .3/1085
(?) أخرجه البخاري في الجهاد والسير باب كتاب النبي إلى كسرى (.4/1610 )4163 3
4
(?) الشورى في اإلسالم :د .حمد الكبيسي .3/1086
5
(?) أخرجه البخاري في كتاب األحكام ( ،6/2611 )6719ومسلم في الجهاد والسير باب فضيلة اإلمام
العادل (.3/1459 )1828
294
هذا الحديث جعل رعاية األسرة من أهم واجبات المرأة وهو واجب ال
يمكن للمرأة الوفاء به إذا انشغلت بأمور االنتخابات أو انغمست بميادين العمل
في السياسة(.)6
-3الحديث الذي رواه الترمذي " :المرأة عورة ،فإذا خرجت استشرفها الشيطان "
(.)2
-4الحديث الذي رواه الترمذي من حديث طويل " :وإ ذا كانت أمراؤكم شراركم،
وأغنياؤكم بخالءكم ،وأموركم إلى نسائكم فبطن األرض خير لكم من ظهرها "
( ،)3فهذه األحاديث تمنع المرأة من تولي االنتخاب..
ثالثاً :الواقع الشرعي والتاريخ
قالت لجنة كبار علماء فتوى األزهر " :هذه قصة سقيفة بني ساعدة في
اختيار الخليفة األول بعد الرسول قد بلغ فيها الخالف أشده ثم استقر األمر ألبي
بكر وبويع بعد ذلك البيعة العامة في المسجد ،ولم تشترك امرأة مع الرجال في
مداولة الرأي في السقيفة ولم تدع لذلك ،كما أنها لم تدع ولم تشترك في تلك البيعة
العامة " (.)4
إن االختيار واالنتخاب للمرشح لعضوية المجالس النيابية كاالختيار للحاكم
والنساء لم يشاركن في اختيار اإلمام ال في مبايعة الخلفاء في العصور األولى من
اإلسالم وال سيما عصر الخلفاء الراشدين(.)5
رابعاً :المعقول
قالوا إن عملية االنتخاب والترشيح تستلزم اختالط المرأة بالرجال مما قد
يعرض المرأة فيه ألنواع من الشر واألذى :وإ ن هذا يقتضي عم جواز إسناد الوالية
العامة لها كاالقتراع في االنتخابات ألنه ال ضرورة لخروج المرأة للقيام بذلك(.)6
أدلة الفريق الثاني:
6
الشورى في اإلسالم .3/1086 (?)
2
أخرجه الترمذي في الرضاع باب منه ( ،3/476 )1173وقال هذا حديث حسن غريب. (?)
3
أخرجه الترمذي في الفتن باب منه ( ،4/929 )2266قال أبو عيسى هذا غريب. (?)
4
الحركات النسائية :محمد عطية خميس ،ص.109 (?)
5
حقوق المرأة في اإلسالم :محمد عرفة ،ص.205 (?)
6
المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم :مجيد محمود أبو حجير ،ص.451 – 450 (?)
295
استدل القائلون بجواز كون المرأة ناخبة باألدلة التالية:
أوالً :من القرآن الكريم
-1قال تعالى :يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن ال يشركن باهلل
شيئاً وال يسرقن وال يزنين وال يقتلن أوالدهن وال يأتين ببهتان يفترينه بين
لهن اهلل إن اهلل
فبايعهن واستغفر ّ
ّ وأرجلهن وال يعصينك في معروف ّ أيديهن
ّ
رحيم [ الممتحنة.]12 :
ٌ غفور
ٌ
فدلت هذه اآلية :على مشروعية مبايعة النساء كالرجال ،وفي تفسير هذه
اآلية يقول الشيخ محمود شلتوت " :وقد كانت هذه المبايعة من فروع استقالل
النساء في المسؤولية ،بايعهن على خصوص وعموم " (.)1
-2قال تعالى :فرج ٌل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء [ البقرة.]282 :
إن االنتخاب (شهادة) من الناخب بصالحية من وجه الداللة من اآليةّ :
انتخبه للقيام بما سيعهد إليه من وظيفة الدولة ،والمرأة قبل القرآن الكريم
شهادتها بالجملة في اآلية(.)2
ثانياً :من السنة النبوية
-1ما ورد من السنة الفعلية من مبايعة النبي للنساء ،وكان رسول اهلل إذا
أقررن بما بايعهن عليه( ،)3قال " :انطلقن فقد بايعتكن " (.)4
-2ما ورد من اشتراك المرأة في بيعتي العقبة(.)5
ثالثاً :بالقياس
1
(?) من توجيهات اإلسالم :د .محمود شلتوت ،ص.196
2
(?) المرأة والحقوق السياسية :مجيد أبو حجير ،ص.440
3
(?) الشورى في اإلسالم :د .حمد الكبيسي .3/1089
4
(?) أخرجه البخاري في الطالق باب إذا أسلمت المشركة ( ،5/2025 )4983ومسلم في اإلمارة باب كيفية
بيعة النساء (.3/1489 )1865
5
(?) كما هو ثابت في كتب السيرة.
296
-1قياس كون المرأة ناخبة على شهادتها :قال الدكتور حمد الكبيسي " :إن كون
المهمة ،وهي
ّ بأنها تشهد بصالح هذا النائب لهذهالمرأة ناخبة أشبه ما يكون ّ
أهل للشهادة " (.)1
-2قياس كون المرأة ناخبة على مبايعة النساء للنبي :قال األستاذ محمد
بيعتهن لغيره قياساً أحروياً،
ّ الحجوي( " :)2نقيس على بيعة النساء للنبي
يبايعن الرسول األعظم فمن باب أولى وأحرى أن ّ لهن أن
إنهن إذا شرع ّ حيث ّ
يبايعن من هو دونه ،واهلل يقول :أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول وأولي األمر
منكم [ النساء ,]59 :والنبي يقول " :من يطع أميري فقد أطاعني ومن
أطاعني فقد أطاع اهلل " (.)3
رابعاً :قالوا بأن عملية االنتخاب عملية توكيل وللمرأة حق التوكيل
االنتخاب هو اختيار األمة لوكالء ينوبون عنها في التشريع ومراقبة
الحكومة ،فعملية االنتخاب عملية توكيل ...والمرأة في اإلسالم ليست ممنوعة من
المجتمع " أن توكل إنساناً بالدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها كمواطنة في
(.)4
خامساً :استدلوا ببعض اآلثار مثل
-1ما ُأثر من استشارة عبد الرحمن بن عوف النساء في أمر انتخاب الخليفة
()5
والبيعة له بعد وفاة عمر :
-قال ابن تيمية رحمه اهلل تعالى " :بقي عبد الرحمن يشاور ثالثة أيام وأخبر
أن الناس ال يعدلون بعثمان ،وأنه شاور حتى العذارى في خدورهن " (.)6
1
(?) الشورى في اإلسالم .3/1090
2
(?) المرأة بين الشرع والقانون :محمد الحجوي ،ص.76 – 75
3
(?) أخرجه البخاري في الوصايا باب السمع والطاعة ( ،3/1080 )2797ومسلم في اإلمارة باب وجود
طاعة األمراء (.3/1466 )1835
4
(?) المرأة بين الفقه والقانون :د .مصطفى السباعي ،ص.155
5
(?) الشورى بين النظرية والتطبيق :د .قحطان الدوري ،ص.107
6
(?) منهاج السنة :ابن تيمية .3/233
297
وعبارة ابن كثير " :حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن " (.)7 -
-2دخول عائشة أم المؤمنين – رضي اهلل عنها – معركة الجمل يدل على أن
للمرأة رأياً في بيعة الخليفة(.)2
الترجيح :
لقد نوقشت أدلة الفريقين بإجابات كثيرة يرجع إليها في مظانها – أهملناها
خشية التطويل – لكن يمكننا القول بعد عرض أدلة كل فريق ،وبالنظر فيها :يظهر
أنه ال يوجد نص صريح في حكم اشتراك المرأة في االنتخابات إال ما ثبت من
مشاركتها بيعة الرسول ،ومن ناحية أخرى عدم مشاركتها في اختيار الخلفاء
ومبايعتهم في عهد الصحابة والتابعين – رضي اهلل عنهم – جميعاً.
والرأي الذي نرجحه هو جواز كون المرأة ناخبة لكن بشرط التزامها
باألحكام الشرعية األخرى من عدم الخلوة أو االختالط أو أن يؤدي ذلك إلى
تفريطها في واجبات مقدمة عليها ...واهلل أعلم.
7
(?) البداية والنهاية .7/146
2
(?) الشورى بين النظرية والتطبيق :د .قحطان الدوري ،ص.130
298
المطلب الثاني :حكم ترشح المرأة لعضوية الهيئات النيابية= والمجالس
البلدية والمحلية
299
وقد يقول قائل :إن اآلية متعلقة بالمسؤولية في األسرة وليست عامة،
فالحجة تبقى قائمة كذلك ،فإن كانت المرأة عاجزة عن إدارة أسرة تتكون من
مجموعة أفراد ال تعدو أصابع اليدين ،فمن باب أولى أن تكون أكثر عجزاً في
إدارة شؤون الناس(.)1
قال أبو األعلى المودودي " :هذا النص يقطع بأن المناصب الرئيسية في
ض الدولة – رئاسة كانت أو وزارة أو عضوية مجلس الشورى -...ال تُفَ َّو ُ
إلى النساء " (.)2
تبرج الجاهلية األولى [ األحزاب: تبرجن ّبيوتكن وال ّ
ّ -2قال تعالى :وقرن في
.]33
-3قال تعالى :وإ ذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب [ األحزاب:
.]53
وجه االستدالل من اآليتين :إن القرآن كلَّف المرأة بالبقاء في بيتها ،وال
تخرج منه إال لضرورة ،وهي مأمورة باالحتجاب عن الرجال وعدم االختالط
بهم ،فيجب أن تبعد عن زحمة الحياة السياسية وهذه اآليات ليست مقصورة
على نساء النبي وإ ال لكان لسائر المسلمات أن يتبرجن ،كما ال يمكن االدعاء
عجز دون سائر النساء حتى ال يقمن باألمور خارج بأن نساء النبي بهن ٌ
البيت(.)3
-4قوله تعالى :وللرجال عليهن درجة [ البقرة.]228 :
وهذه اآلية تدل على أن للرجال مزية على النساء وقيل إن هذه الدرجة هي
اإلمرة والطاعة(.)4
300
-1ما روي عن النبي قوله " :لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " (.)1
وجه الداللة من الحديث :الحديث فيه إخبار من النبي بعدم الفالح لقوم
يسندون إلى امرأة منهم أمراً من أمورهم كعضوية مجلس الشورى ،والمسلمون
مأمورون باكتساب ما يكون سبباً للفالح ،ومنهيون عن كل عمل يجلب
الخسران المبين(.)2
-2ما روي عن الرسول ..." :وإ ذا كانت أمراؤكم شراركم ،وأغنياؤكم
بخالءكم ،وأموركم إلى نسائكم ،فبطن األرض خير لكم من ظهرها " (.)3
وهذا الحديث يدل داللة واضحة على عدم جواز إسناد األمور إلى النساء،
ألن النبي أشار إلى ما يحدث من شرار األمراء وبخل األغنياء وإ سناد
األمور إلى النساء وذلك من الفتن وعلى المسلم اجتنابها(.)4
-3ما روي أن النبي قال " :هلكت الرجال حين أطاعت النساء " (.)5
وإ ذا كانت المرأة في مجلس من المجالس فهي تشارك في أخذ القرار واألمة
ونساء يجب عليها طاعة أعضاء هذه المجالس وفيهم امرأة في تطبيق ً رجاالً
هذا القرار فأطاع الرجال النساء والحديث يخبر عن هالك وخسران الرجال
الذين أطاعوا النساء(.)6
-4قال " :المرأة راعية أهل بيت زوجها وولده ،وهي مسؤولة عنهم " (.)7
إن المرأة مأمورة بلزوم البيت ورعاية الولد( ،)8فلو زاحمت المرأة الرجل
في عمله وشاركته ،وهي المرهقة بالحيض ،والنفاس ،والحمل ،والوضع،
والتربية مع نقصان خلقتها – فخرجت على فطرتها ،وانحرفت عن طبيعتها،
1
(?) سبق تخريج الحديث.
2
(?) النظام السياسي في اإلسالم :د .محمد أبو فارس ،ص.121
3
(?) سبق تخريج الحديث.
4
(?) والية المرأة في الفقه اإلسالمي :حافظ محمد أنور ،ص.382
5
(?) أخرجه أحمد ( ،5/45 )20473والحاكم ( 4/291 )7789وقال صحيح اإلسناد ولم يخرجاه ووافقه
الذهبي.
6
(?) والية المرأة في الفقه اإلسالمي ،ص.383
7
(?) سبق تخريج الحديث.
8
(?) مبدأ المساواة :د .فؤاد أحمد ،ص.191
301
وخالطت الرجال ،الختل نظام األسرة ،وانحلت رابطتها ،وانعدمت األلفة
والمودة والرحمة بينهما – وهي من لوازم الزوجية لقوله تعالى :ومن آياته أن
مودةً ورحمةً [ الروم:خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم ّ
.]21
ب -5قال في حديث طويل " :ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لُ ّ
منكن " (.)1
وجه الداللة من الحديث :وصف رسول اهلل – في هذا الحديث – النساء
بنقصان عقولهن ودينهن ،والنيابة العامة عن األمة في البرلمان تقتضي أن يكون
النائب عنها كامالً في عقله ودينه ،فال تولى المرأة النيابة العامة مع وجود من
هو أكمل منها عقالً وديناً من الرجال(.)2
أضر على الرجال -6ما روي عن النبي قال " :ما تركت بعدي في الناس فتنةً ُّ
من النساء " (.)3
-7وما رواه الترمذي عن عبداهلل عن النبي " :المرأة عورة ،فإذا خرجت
استشرفها الشيطان " (.)4
وجه الداللة من الحديثين :أن خروج المرأة إلى الحياة العامة فتنة للرجال،
والمرأة ممنوعة من االختالط بالرجال والبروز إلى مجالسهم ،ومن تلك
المجالس :المجالس التشريعية(.)5
-8عن عمر عن النبي قال" :ال َيخلَُو َّن رجل بامرأة إال كان ثالثهما الشيطان
" (.)6
1
(?) أخرجه البخاري في الحيض باب ترك الحائض الصوم ( ،1/116 )298ومسلم في اإليمان باب بيان
نقصان اإليمان بنقص الطاعات (.1/86 )79
2
(?) المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم :مجيد أبو حجير ،ص.486
3
(?) أخرجه مسلم في الذكر والدعاء باب أكثر أهل الجنة الفقراء (.4/2098 )2741
4
(?) سبق تخريج الحديث.
5
(?) المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم ،ص.487
6
(?) أخرجه أحمد ( ،1/26 )177الترمذي في الرضاع باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات (
،3/474 )1171والحاكم في مستدركه ( 1/197 )387وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
302
وجه الداللة من الحديث :إن الرجل ممنوع من الخلوة بالمرأة ،والبرلمان
من األماكن التي تحدث فيها الخلوة حتماً بينهما ،فال تتولّى المرأة النيابة العامة
فيها منعاً من إلحاق الحرج واإلثم بالرجال النواب المأمورين بنص الحديث بعدم
االختالء بالنساء(.)1
ثالثاُ :اإلجماع
قال الدكتور محمد أبو فارس " :إن الرسول والخلفاء لم يجعلوا المرأة من
أهل الشورى " (.)2
فكان ذلك إجماعاً منهم على عدم جواز تولي المرأة عضوية المجالس النيابية
وغيرها.
رابعاً :بالقياس
تقول لجنة فتوى كبار علماء األزهر( " :)3إذا حكمنا القياس وهو إلحاق
النظير بالنظير الشتراكهما في علة الحكم ،لكان األوجب هو حرمان المرأة من
الوالية والوظائف العامة ،ألن كثيراً من األحكام في الشريعة اإلسالمية تميز بين
الرجل والمرأة ،وعلتها هي ضعة األنوثة ،ألن مهمة األمومة حضانة النشء
وتربيته ،وهذه قد جعلتها ذات تأثير خاص بدواعي العاطفة ،وهي مع ذلك تعرض
لها عوارض طبيعية ،تتكرر عليها في األشهر واألعوام من شأنها أن تضعف قوتها
المعنوية ،وتوهن عزيمتها في تكوين الرأي والتمسك به والقدرة على الكفاح ،لذلك
جعلت القوامة على النساء للرجال ،وجعل حق الطالق للرجل دونها ،ومنعتها
الشريعة من السفر من غير محرم ،أو زوج ،أو رفقة مأمونة ،ولو كان سفرها ألداء
فريضة الحج.
فإذا كان الفارق الطبيعي بينهما قد أدى في نظر اإلسالم إلى التفرقة بينهما في
هذه األحكام التي ال تتعلق بالشؤون العامة لألمة ،فإن التفرقة بمقتضاه في الواليات
العامة تكون من باب أولى أحق وأوجب ،ألن كثيراً من األحكام تعفي المرأة من
1
(?) المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم ،ص.487
2
(?) النظام السياسي في اإلسالم :د .محمد أبو فارس ،ص.121
3
(?) نقالً من كتاب مبدأ المساواة ص ،192الحركات النسائية :محمد عطية خميس ص.115 – 112
303
معالجة ما هو دون السياسة والحكم من أمور وواجبات خارج البيت ،منها :قول
الرسول " :الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إال أربعة :عبد مملوك،
أو امرأة ،أو صبي ،أو مريض " (.)1
خامساً :المعقول
إن األساس في الواليات والوظائف العامة هو الكفاءة الدائمة ،فالمرأة –
كما أثبت علماء األحياء – تتميز بخصائص جسمانية ونفسية معينة تجعلها أقل كفاءة
من الرجل ،فضالً عن أنها تمر بعوارض تتكرر من شأنها – على فرض أنها لو
تساوت مع الرجل – أن تعدمها أو تقلل من كفاءتها(.)2
كما أن المرأة شديدة التأثر بالعاطفة وشدة االنفعال ،وعدم قدرتها على تحمل
المشاق الكبيرة فكيف تستطيع أن تزاول العمل السياسي بما فيه من أعباء ومصائب
ومشكالت ،فعضوية الشورى ليست من وظائف المرأة وإ نما خلقها اهلل ألداء وظيفة
أسمى تناسب فطرتها وخلقتها وهي أهم من اشتغالها بالسياسة :وهو اشتغالها
بأسرتها وزوجها وأوالدها.
304
وجه الداللة من اآلية :أكد القرآن مشاركة المؤمنات في الحياة العامة
بمبايعة النبي .)1(
حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا -2قال تعالى :فمن ّ
وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اهلل على
الكاذبين [ آل عمران.]61 :
ففي هذه اآلية داللة على مشاركة النساء للرجال في االجتماع لألمور
المهمة العامة(.)2
-3قال تعالى :والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر ويقيمون الصالة ويؤتون الزكاة ويطيعون اهلل ورسوله
أولئك سيرحمهم اهلل إن اهلل عزيز حكيم [ التوبة.]71 :
وفي هذا يقول الشيخ محمود شلتوت " :إن مسؤولية األمر بالمعروف
سوى اإلسالم فيها والنهي عن المنكر هي أكبر مسؤولية في نظر اإلسالم ،وقد ّ
بصريح هذه اآليات بين الرجل والمرأة " (.)3
ٍ
واحدة وخلق منها -4قال تعالى :يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من ٍ
نفس
ونساء واتقوا اهلل [ النساء.]1 :
ً وبث منهما رجاالً كثيراًزوجها ّ
ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل -5وقال تعالى :يا أيها الناس إنا خلقناكم من ٍ
لتعارفوا إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم [ الحجرات.]13 :
حيث تقرر هاتان اآليتان :أن المرأة شقيقة الرجل ،وأنهما من أصل واحد،
وبمقتضى هذه النصوص يثبت كمال إنسانية المرأة ،ويتقرر لها ما يتعلق بهذه
اإلنسانية من حقوق وما تتحمل من تكاليف وتبعات ،وأن مناط هذا التكليف
فيهما واحد هو العقل(.)4
1
المسؤولية الوزارية :د .سيد رجب ،ص.767 (?)
2
الشورى في اإلسالم :د .حمد الكبيسي .3/1088 (?)
3
اإلسالم عقيدة وشريعة ،ص.227 (?)
4
المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم ،ص.466 (?)
305
ثانياً :من السنة النبوية
-1استدلوا بما روى المسور بن مخرمة ومروان في ذكر خروج النبي زمن
الحديبية وما جرى من صلح الحديبية وفيه :قال :فلما فرغ من قضية الكتاب،
قال رسول اهلل ألصحابه " :قوموا فانحروا ثم احلقوا " ،قال :فواهلل ما قام
منهم رجل ،حتى قال ذلك ثالث مرات ،فلم يقم منهم أحد ،دخل على أم سلمة
فذكر لها ما لقي من الناس ،فقالت أم سلمة :يا نبي اهلل أتحب ذلك؟ اخرج ثم ال
تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك ،فخرج فلم يكلم
أحداً منهم حتى فعل ذلك ،نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ،فلما رأوا ذلك قاموا
فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً " (.)1
وهذا دليل على جواز مشاورة المرأة الفاضلة( ،)2وأن رسول اهلل كان
يشاور النساء ويأخذ برأيهن فيجوز للمرأة أن تكون عضواً في مجلس
الشورى(.)3
-2قول النبي " :إنما النساء شقائق الرجال " (.)4
-3وقوله " :كلكم آلدم ،وآدم من تراب " (.)5
ففي هذين الحديثين دليل على المساواة بين الرجال والنساء ،فالرجل
والمرأة من آدم وهو مخلوق من تراب ،فللمرأة حق االشتراك في المجالس
النيابية بحكم المساواة " (.)6
1
(?) أخرجه البخاري في كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد (.2/974 )258
2
(?) فتح الباري :ابن حجر .5/409
3
(?) والية المرأة في الفقه اإلسالمي :حافظ أنور ،ص.428
4
(?) أخرجه أبو داود في الطهارة باب في الرجل يجد البلة في منامه ( ،1/61 )236والترمذي في أبواب
الطهارة باب ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بلالً ( ،1/190 )113وأخرجه أحمد ( ،6/256 )26238والبيهقي
في سننه ( 1/168 )767والحديث :رجاله رجال الصحيح إال عبداهلل بن عمر العمري اختلف فيه (نيل
األوطار .)1/281
5
(?) مسند الربيع (.1/170 )419
6
(?) المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم ،ص.469
306
-4واستدلوا بما ثبت من السنة في ذهاب النساء إلى المسجد وحضورهن الجماعة
مع النبي فعن ابن عمر – رضي اهلل عنهما – قال :قال رسول اهلل " :ال
تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن " (.)1
فقد ثبت أن من حق المرأة أن تؤم المسجد ،والمسجد كان بمثابة قاعة
مجلس الشورى أو بعبارة أخرى برلمان الدولة اإلسالمية في عهد النبي ،
وإ ن انفصلت قاعة مجلس الشورى عن المسجد اليوم وأصبحت مستقلة فللمرأة
أن تحضرها وتشارك في أعمال المجلس(.)2
ثالثاً :اإلجماع
قال األستاذ محمد الحجوي " :وقع اإلجماع بعد النبي على أن المرأة ال
تتولى شأن الخالفة العظمى ،فكان إجماعاً ضمنياً – أي سكوتياً – على أن تكون
وبناء على هذا فإنه يجوز أن تكون المرأة منتخبة(.)4
ً المرأة تتولى ما عدا ذلك " (،)3
307
[النساء ،]20 :فقال :اللهم غفراً كل الناس أفقه من عمر ،قال :ثم رجع فركب المنبر
فقال :أيها الناس إن كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم
فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب(.)1
فهذه المرأة من قريش راجعت عمر فتراجع وقبل قولها وسكت الناس عليها
()2
وهذا دليل على حق المرأة في عضوية المجالس وفي الحياة السياسية.
خامساً :القياس
ق ال المج يزون لنيابة الم رأة في البرلم ان :ك ون الم رأة منتخبة ال يع دو أن
تك ون وكيلة عن األش خاص ال ذين تمثلهم ،ووكالة الم رأة ج ائزة كما ج از نص بها
وصية وناظرة وقف.
ومن يستعرض أقوال الفقهاء في شروط أهل الشورى أو أهل الحل والعقد
يجد أنها تدور على العدالة والعلم والرأي ،ولم نجد أحداً منهم يجعل الذكورة شرطاً
في هذا الباب ،بل شرطهم صفة الشهود(.)3
يقول الماوردي " :كل من صح أن يفتي في الشرع جاز أن يشاوره القاضي
في األحكام ،فتعتبر فيه شروط المفتي ،فيجوز أن يشاور األعمى والعبد والمرأة "
(.)4
سادساً :المعقول=
اشتراك المرأة في المجالس النيابية مما يتفق مع أهليتها وحقوقها السياسية
واالجتماعية واستقالل شخصيتها ،وكل ذلك مما قرره لها القرآن نصاً صريحاً
وضمناً.
1
(?) أخرجه أبو يعلى في األوسط ( ،1/179 )570والبيهقي ( ،7/233 )14114وعبد الرزاق في مصنفه
( ،6/180 )10420وسعيد بن منصور ( ،1/193 )595قال الهيثمي :وفيه مجالد بن سعيد وفيه ضعف وقد
ُوثق (مجمع الزوائد .)4/238
2
(?) والية المرأة في الفقه اإلسالمي ،ص.435 – 434
3
(?) الشورى في اإلسالم :د .حمد الكبيسي .3/1090
4
(?) أدب القاضي :الماوردي .1/264
308
وإ لى هذا فإنها نصف المجتمع وكل ما يتقرر في هذه المجالس يتناولها كما
يتناول الرجل على السواء ،فمن حقها أن يكون لها رأي فيه مثله(.)1
الترجيح :
وبعد أن نوقشت أدلة الف ريقين بأجوبة ومناقش ات كث يرة يمكننا اس تخالص
النتائج التالية :
-أن اإلسالم يقرر المساواة بين الرجل والمرأة.
-أن اإلسالم أعلى من شأن المرأة وأكرمها وأخرجها من ظلم الجاهلية إلى نور
الهداية.
-البيت هو مملكة المرأة المسلمة وهي ملكته.
-اإلسالم صان المرأة من كل شر وفساد.
-أن المرأة على مر التاريخ اإلسالمي لم تشارك مشاركة مباشرة وحيوية في
الحياة السياسية.
-إن مهمة المجالس الشورية ليست مجرد سن القوانين ومراقبة السلطة
التنفيذية ،وإ نما هي التي تسير دفة سياسة البالد ،فهي بمثابة القوامة والوالية
وهي ممنوعة عن المرأة.
فالراجح إذاً واهلل أعلم القول بعدم جواز عضوية المرأة لمجلس الشورى أو
البرلمان أو كونها من أهل الحل والعقد وهو قول أكثر العلماء ،وذلك لقوة أدلته ولو
كان في بعضها ضعف فيعضد بعضها بعضاً ،وألن فيه درء المفاسد العظيمة التي
قد تنجم عن تقدير عضوية المرأة لهذه المجالس ،وألن أدلة القائلين بالجواز لم تسلم
من المناقشات التي أوردها المعترضون عليهم(.)2
1
(?) المرأة في القرآن والسنة :محمد دروزة ص ،51المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم ص.473
2
(?) والية المرأة في الفقه اإلسالم ،ص.443 – 442
309
وقبل أن أختم هذا البحث أريد أن أذكر برأي وسط للشيخ عبد المجيد الزنداني
يقول فيه:
كيف نحل المشكلة :
إذا أردنا إنصاف المرأة ،ومنحها حقها كامالً غير منقوص ،وإ ذا أردنا
االستقامة على هدى اهلل تعالى ،وإ ذا أردنا االستقامة على الفطرة اإللهية التي خلق
اهلل الناس عليها ،فإن الطريق لذلك هو أن ننشئ هيئة سياسية خاصة بالمرأة تكون
موازية لمجلس النواب ،وتمنح المرأة من الحقوق السياسية ما يتناسب مع فطرتها
ومسؤوليتها نحو بيتها وزوجها وأوالدها ،وتستقيم مع أحكام ديننا الذي ال يأتيه
ٍ
مؤمنة ٍ
لمؤمن وال الباطل من بين يديه وال من خلفه ،واهلل تعالى يقول :وما كان
إذا قضى اهلل ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [ األحزاب.]36 :
" دعوة :
ه ذه دع وة لكل من يريد للم رأة أن تن ال حقوقها في ظل دينه ا ،وأن تصل إلى
حقوقها المناس بة لفطرتها كاملة غ ير منقوص ة ،وأن تس هم في ت دبير ش ؤون المجتمع
بما يحفظ لها دينها وأسرتها وبيتها وخصائصها التي فطرها اهلل عليها.
وإ ذا كنا نطالب بهذا المجلس على مستوى الدولة فنحن نطالب به على
مستوى التنظيمات السياسية بأن يجعلوا للمرأة مجلساً للشورى خاصاً بها ،يمثلها
تمثيالً كامالً ،ويمكنها من ممارسة أنشطتها الفكرية والسياسية واالجتماعية،
ويجنبها ويالت الصراع على السلطة التي قد تكون فادحة بالنسبة للمرأة سواء كانت
بنتاً أو زوجة أم أماً.
نحسب أن هذا المقترح يؤدي الحقوق إلى أهلها ،وينزل كالً من الرجال
والنساء منازلهم الدينية والفطرية ،ويجعلنا أكثر األمم إنصافاً للمرأة ورعاية لحقها
وحفاظاً عليها ،ويخرجنا من التخبط والضالل والضياع الذي يجرنا إليه التقليد
األعمى لغير المسلمين " (.)1
1
(?) المرأة وحقوقها السياسية في اإلسالم :عبد المجيد الزنداني ،ص.158 – 157
310
فتوى للجنة اإلفتاء بكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية جامعة الكويت
عن موضوع مشاركة المرأة سياسياً أصدرت لجنة اإلفتاء بكلية الشريعة
والدراسات اإلسالمية بجامعة الكويت الفتوى التالية :
-1بالنسبة لموافقة الشرع على مبدأ مشاركة المرأة سياسياً :
رأت اللجنة :أنه ال توجد في الشريعة اإلسالمية نصوص تحرم مبدأ
اشتراك المرأة في الحقوق السياسية ،فيبقى األمر على اإلباحة ،كما هو للرجل،
لقوله تعالى :ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف [ البقرة ،]228 :وقد بايع
النبي النساء في بيعة العقبة الثانية ،وكذا بايعهن في بيعة الرضوان.
-2وفي مدى حق المرأة في المشاركة السياسية:
ترى اللجنة :أن مشاركة المرأة في الحقوق السياسية ،مطلقة – بوجه عام
تقيد إال بالتزام النصوص واآلداب الشرعية ،ومقتضيات العرف العام – وال ّ
السليم.
-3أما ورود نص قطعي في المشاركة السياسية ،فال تعرف اللجنة نصاً قطعياً
في هذا الخصوص.
وال يشترط في الشريعة ورود نص قطعي في كل مسألة ،ألنه في حيز
االستحالة ،وإ نما يكتفى بالنصوص العامة ،مما يفيد غلبة الظن ،التي هي مناط
األحكام.
311
وأما المشاركة في الترشيح ،فقد رأت اللجنة وبعد دراسة هذا الموضوع
خالل األسبوع الماضي من جوانبه كلها ،رأت اللجنة أن ترشيحها لعضوية هذا
المجلس ،ال يخلو من أحد األوجه الثالثة التالية:
-1أن يكون بمثابة وكالة عمن ينتخبها ،للقيام بأعمال محددة ونيابة عنه.
-2أن يكون بمثابة تزكية منها لمن سواها من الجمهور ،ممن يرشحون
لمناصب مهمة ،كمنح الثقة للوزراء ،وغيرهم.
-3أن يكون الترشيح بمثابة والية لها على غيرها ،في ممارسة إصدار
القوانين واألنظمة ،وغيرها.
ورأت اللجنة ترجيح الوجه األول ،وهو المقرر في العرف العام ،وفي نظر
القانون ،فتسمى نائباً ،فتمارس أعمالها من خالل وكالتها ،نيابة عن اآلخرين ،ومن
المقرر في الفقه جواز وكالة المرأة في الشرعيات – بوجه عام – وال سيما ما
يتصل منها بشئون النساء على التخصيص.
لكن اللجنة تؤكد على ضرورة االلتزام باآلداب الشرعية في أداء عملها ،من
مثل:
-1االلتزام بالحجاب الشرعي.
-2عدم االختالط باألجانب ،وعدم االختالء بأحد منهم.
-3عدم السفر منفردة في سبيل أداء بعض أعمالها ،إال مع زوج أو ذي رحم
محرم.
-4عدم إبداء زينتها ألحد ،أو ارتداء المالبس المنافية للحشمة.
-5أن تتقيد في وكالتها بالحدود الشرعية الممنوحة للوكيل ،فال تتجاوزها إلى
ما ال يحل لوكيل أن يفعله ،من التجاوزات والمخالفات والمحظورات التي
ترفضها الشريعة.
-6أن تكون مهمتها في هذا المجلس ،الحرص على أن تكون إنجازاتها كلها
وفق الشريعة اإلسالمية ،وخدمة الدعوة إلى الدين الحنيف.
312
وبهذا االتجاه الذي رأته اللجنة يتضح أن ما ذهب إليه بعض أهل العلم ،من
اعتبار ترشيح المرأة لهذا المنصب هو من باب الوالية ،غير سليم من الناحية
الشرعية والقانونية ،واألعراف المعلومة في جميع األقاليم ،وال يدخل في عموم
حديث " :ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ".
هذا من الناحية الفقهية النظرية ،أما من حيث الواقع ،والناحية العملية ،فإن
االنتخابات تخالطها مفاسد وشرور كثيرة ،ويتعرض فيه المرشحون لكثير من
التجريح والطعن في األعراض ،وكشف األستار ،وفضح العيوب ،والتشهير بها،
ومواجهة االصطدامات العنيفة التي ال تليق بالرجال فضالً عن النساء.
ويضاف إلى ذلك أنه ال ضرورة ماسة ،وال حاجة تدعو إلى قذف المرأة
نفسها في هذا المعترك ،وخوض هذه المعارك الجانبية.
لهذا ترى اللجنة أنه يجب أن تنأى المرأة المسلمة عن ترشيح نفسها لهذا
المنصب الخطير حفاظاً على مركزها ومكانتها الدقيقة في المجتمع المسلم ،وفي
عملها في األسرة والمجتمع ،مندوحة لها عن االشتغال بهذه المجالس ومالبساتها
السياسية ،وذلك سداً للذرائع والتزاماً بخط السلف العريض في التاريخ اإلسالمي،
وهو تجنب المرأة االشتغال باألمور السياسية ،إال في الضرورة الملحة ،وليس هذا
منها ،واهلل أعلم ،وصلى اهلل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه(.)1
1
(?) فتاوي لجنة اإلفتاء بكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية جامعة الكويت ،ص.82 – 79
313
إن ملخص القول عن المفهوم اإلسالمي للفن هو ذلك المفهوم الذي يغاير
مفهوم الغرب للفن ،من حيث الشكل والمضمون واألهداف والغايات ،ولذلك
فالتصور اإلسالمي للفن ،إنما يبدأ من اهلل تعالى إلى الوجود في كل صوره،
ويعنى عناية خاصة باإلنسان خليفة اهلل في أرضه، وأشكاله ،وكائناته ،وموجوداتهُ ،
فيكون تصوراً سليماً كامالً شامالً في
ثم يعود إلى الحقيقة اإللهية التي صدر عنهاّ ،
خشوع هلل تعالى ،وتقوى ومراقبة للمولى عزوجل ،وفيه حبه والتطلع إليه،
واالطمئنان إلى قدره ،على حين صحت أوروبا على الموروث اإلغريقي الذي
يصور اآللهة في صراع دائم مع البشر ،أو صراع فيما بينهما ،وصراع اإلنسان مع
الكون ،جماده ونباته وحيوانه.
فإنتاج الفنان في مثل هذا الجو القاتم يا ترى ماذا يعكس لنا على شخصية
الفنان ذاته ،وعلى شخصية اآلخرين ،تاريخياً وسيكولوجياً ؟
لذلك لما انفصل الفنان عن شخصيته اإلنسانية ،أصبح الفن في ٍ
واد ،واإلنسان
واد آخر ،هذا االنفصال دفع الكثير من الفنانين إلى أن يجعلوا أعمالهم أعماالًفي ٍ
مبتذلة يراد منها ومن خلفياتها ،إشباع فضول كثير من الناس ،وإ رضاء حبهم
لالستطالع ليس غير!
بينما الفنان المسلم وصلته بالكائنات وبالحياة ،صلة القربى والمودة والعطف
والتعاون في ناموس اهلل أكبر فاإلنسان في اإلسالم قبضة من طين ونفخة من روح
اهلل غير منفصل بأحد عنصريه عن عنصره اآلخر في أية لحظة من اللحظات فال
هو حيوان الداروينية ،وال هو مالك الهندوكية والبوذية.
إنه إنسان خليفة اهلل في أرضه :حامالً رسالة الحياة غير هارب منها وال
متنصل فهذه الشخصية المنهجية تعكس لنا بصورة واضحة منهجية الفن الذي
يسلكه وإ ذا أردنا الوقوف على حقيقة هذا الفن ،البد لنا من العودة إلى األصول
المنهجية التي ارتكزت عليها شخصية الفنان(.)1
1
(?) اإلسالم وقضايا الفن المعاصر :د .ياسين محمد حسن ،ص.34 – 33
314
-2واقع السينما اليوم :
السينما هي واحدة من أدوات التسلية والترفيه العصرية ،التي أصبح لها بعد
المسرح مكان واسع في المجتمعات العالمية ،وقد استطاعت القوى المسيطرة أن
توجهها توجيهاً خطيراً يستهدف بها دفع الشباب والفتيات إلى مفاهيم خطيرة في
العالقات االجتماعية ،وخاصة في شؤون الزواج والحب والتعامل يتعارض تماماً
مع كل القيم والمقررات والضوابط التي حملت لواءها رساالت السماء وما يتصل
بها من أخالقيات وفضائل ،فكان لها أبعد األثر في إيجاد طابع من الشرعية على
الفساد واالنحراف وأساليب االغتصاب ،وخاصة فيما يتصل بمجال الجريمة
والجنس.
لقد استطاع اليهود في النصف األول من هذا القرن أن يسيطروا على صناعة
السينما في العالم الغربي ،والمدينة السينمائية في أمريكا (هوليوود) غارقة في بحر
اليهود ،ال تحرك ساكناً ،وال تجري لقطة سينمائية واحدة دون رقابة اليهود
الصارمة ،التي ال تسمح بإخراج أي فيلم ال يخدم أهداف اليهود من زاوية معينة،
فهم في هوليوود من وراء أفالم اإلجرام التي تساعد على خلق جيل من الشباب
متشبع بالروح اإلجرامية ،وهم من وراء أفالم الدعارة السافرة ،وأفالم الجنس ،وهم
من وراء أفالم الدعاية اليهودية التي تخدع الشعوب وتبعدهم عن إدراك حقيقة
المشكلة اليهودية التي تسبب الصداع المزمن للعالم كله ،ولم يكتف اليهود بإدارة
صناعة السينما في أوروبا وأمريكا ،وإ نما شرعوا في غزو تلك الصناعة في
هوليوود خاصة ،وأخذوا يزودون أمريكا بالممثلين والممثالت اليهود الذين يسهمون
في صنع األفالم المدمرة ،ويشرفون في الوقت نفسه على جمع الماليين وتحويلها
لدولتهم المجرمة ،وسيطرة اليهود على صناع السينما في العالم ،وإ شرافهم الكامل
على المسارح والمالهي ،تتم كلها تنفيذاً لوصايا حكمائهم في محاضرات الجلسات
السرية المسماة ببروتوكوالت حكماء صهيون ،فهدفهم األساسي هدم المجتمع القائم،
والتقليل من هيبة الحكومات ،وإ شاعة التدهور الخلقي ،وحل الروابط العائلية بقصد
انتشار االنحالل االجتماعي.
315
واليهود يعلمون أن أغلب رواد السينما والمالهي من صغار السن أو من
طبقة العمال والفقراء ،لذا فإنهم يعمدون إلى إثارة غرائزهم الجنسية بما يقدمون
إليهم من مواقف عاطفية مثيرة ورقصات خليعة ،وحيل تنير األذهان إلى الخيانة
الزوجية واغتصاب الفتيات واالحتيال وكسر الخزائن والنصب واالغتيال ،وكلها
تظهر بأفالم اليهود ،أعماالً بطولية بارعة(.)1
1
(?) المرجع السابق ،ص.281 – 280
2
(?) المجتمع اإلسالمي المعاصر :أنور الجندي ،ص 182وما بعدها.
316
ولما كانت السينما أداة نفسية بالدرجة األولى علمنا إلى أي حد يكون أثر ما
يعرض فيها على اإلنسان ،فهي قادرة على أن تجتاح كل قيمه التي تعلمها وقرأها
وآمن بها ،بذلك الطراز البديل من الفكر والنظرة ووجهة النظر المغايرة.
ولما كانت السينما في أساسها منشأة اقتصادية لها قوانينها وأحكامها ،ولما
كانت هناك قوى خطيرة تسيطر عليها وتوجهها ،عرفنا إلى أي مدى يكون أثرها
على اإلنسان المعاصر وعلى المجتمعات وعلى األطفال والشباب والفتيات.
من هنا يتشكل ذلك األثر الخطير الذي يغمر النفس البشرية بتقبل فكر وطابع
حياة جماعية من اإلباحيين الذي يتصورون الحياة كلها سوقاً للرقيق وأماكن
للدعارة ،وقد توصف هذه األفالم بأنها ترفيهية ،وقد تعالج قضايا اجتماعية خطيرة
فيما يتصل بالعالقة بين الرجل والمرأة ،والرجل والخليلة ،والزوجة وصديق العائلة
على نحو مغاير للحياة نفسها ،وتقديم مبادئ جديدة ومصطلحات وشعارات ال تلبث
أن تستشري في المجتمع الواقعي فتؤثر فيه أخطر اآلثار.
وال ريب أن السينما كذلك تُ ْستغل لحساب الدعوات والمذاهب االجتماعية
والسياسية ،ولكنها تُ ْستغل أيضاً لهدف أبعد من ذلك بكثير أال وهو تطوير
المجتمعات لتكون مهيئة لتحقيق المخططات التلمودية الصهيونية التي حوتها
بروتوكوالت حكماء صهيون.
والفكر اإلسالمي لـه منهجه وأسلوبه في معالجة القضايا االجتماعية والنفسية،
وهو ال يقر هذا األسلوب الغربي ،في أن ذكر المسائل وتسويغها هو وجه من وجوه
حلها ،ولكنه يعمد أساساً إلى اإلنسانية فيدفعها إلى أصالتها ومقوماتها األساسية،
ويرفع أمامها الضوابط والحدود والمسؤولية الفردية والجزاء ،ولما كان المجتمع
اإلسالمي بطبيعته ،مجتمع حياء وخلق ،فإن هذه الموجة التي تحاول أن تسيطر
عليه من عري وكشف وإ باحة ،والكشف عما يدور في غرف النوم ،كل ذلك إنما
وجد دائماً في غفلة من إرادة الممارسة الحقيقية لألسلوب اإلسالمي الحقيقي ،وال
ريب أن الفكر اإلسالمي يحمي المجتمع اإلسالمي من عرض الشهوات واآلثام،
ويقاوم كل الوسائل المؤدية إلى كشفها أو إعالنها أو تسويغها ،إيماناً منه بأن هذا
317
العرض الذي تقدمه السينما إنما يثير الرغبات إلى إجراء التجربة والتطبيق ،مما
يكون بعيد األثر في نفوس الشباب في إيجاد جو الصراع أو الشعور الغامض
باالنفعال.
ولهذا فإن اإلسالم يقف من السينما اليوم كواقع موقف المحارب ،ألن اإلسالم
له من قيمه ومفاهيمه ومذاهبه ما يدفع عنه هذه الموجة الخطيرة ،ويمكنه من
التحرر منها بعد أن ثبت إخفاق فلسفات اإلباحية والعري في بالدنا وبالدها ،وبعد
أن وصلت إليه أنباء النتائج الخطيرة لمجتمعات الرعب والتحلل في أمريكا وأوروبا
وفي هذا بيان لمن اهتدى وتبصر طريق الحق(.)1
1
(?) اإلسالم وقضايا الفن ،ص.285
318
كماء أنزلناه من السماء فاختلط -2قال اهلل تعالى :واضرب لهم مثل الحياة الدنيا ٍ
به نبات األرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان اهلل على كل شيء مقتدراً
[الكهف.]45 :
إذاً تشبيه الدنيا بزوالها وفنائها بحقيقة النبات الحي واضح تماماً من هذه
اآلية ،والمغزى منه استثارة المؤمن حتى يعمل جاهداً لذلك اليوم الباقي
والنعيم الخالد.
-3قال اهلل تعالى :مثل الذين ُح ّملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل
أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات اهلل واهلل ال يهدي القوم الظالمين
[الجمعة.]5 :
نالحظ في هذه اآلية ،تمثيل اليهود وحالهم الذين أوتوا التوراة و ُكلِّفوا
العمل بها ،ولكنهم أعرضوا عن التوراة ،فكانوا كمثل الحمار يحمل على
ظهره أحماالً من الكتب ال ينتفع بها وال يعقل.
هذا غيض من فيض مما ورد في القرآن الكريم من األمثلة(.)1
319
ونج وا
نج ْوا ُفوقن ا ،ف إن ترك وهم وما أرادوا هلك وا جميع اً ،وإ ن أخ ذوا على أي ديهم َ
جميعاً " (.)1
وعن ج ابر بن عبداهلل ،ق ال :ق ال الن بي " :إنما مثلي ومثل األنبي اء قبلي،
كرجل ب نى داراً فأكملها وأحس نها إال موضع لبنة فجعل الن اس ي دخلونها ويتعجب ون
منها يقولون :لوال موضع اللبنة " ،وفي رواية " :فأنا اللبنة وأنا خاتم المرسلين "
(. )2
وعن أبي موسى األش عري ق ال :ق ال رس ول اهلل " :مثل الم ؤمن ال ذي
يق رأ الق رآن كمثل األترجة ريحها طيب وطعمها طيب ،ومثل الم ؤمن ال ذي ال يق رأ
القرآن كمثل التمرة ال ريح لها وطعمها حلو ،ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل
الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ،ومثل المنافق الذي ال يقرأ القرآن كمثل الحنظلة
مر " (.)3
مر وطعمها ّ ريحها ّ
من هذه النصوص التي أوردناها يتبين لنا أن توضيح الفكرة بشيء محسوس
وتجس يد الموقف بص ورة مادية هو من أس لوب الق رآن الك ريم والح ديث النب وي
والمحاجَّة ،واستجاشة العاطف ة ،وش حذ
الش ريف ،في الموعظة والت أثير واإلقن اعُ ،
الهمم ،وترس يخ الفك رة وهداية الن اس إلى الخ ير ،وتث بيت دع ائم اإلص الح في
المجتمع.
وما التمثيل في المس رح إال من ه ذا القبي ل ،حيث تجس يد حادثة تاريخي ة ،أو
إب راز فك رة ،أو غ ير ذلك مما يك ون اله دف منه اإلص الح والهداية ليس غ ير ،وإ ن
التمثيل بالشخصيات ورد ذكره في كثير من األحاديث الشريفة وإ ليك بعضها:
-1أخ رج ابن حب ان في ص حيحه ،أنه مر – أي :الرس ول في أثن اء معراجه إلى
الس ماء – برج ال تق رض ش فاههم بمق اريض من الن ار ،فق ال " :من ه ؤالء يا
1
(?) أخرجه البخاري في الشركة باب هل يقرع في القسمة (.2/882 )2361
(?) أخرجه الترمذي في األمثال باب ما جاء في مثل النبي واألنبياء قبله ( ،5/147 )2862قال أبو عيسى: 2
هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه ،وابن حبان في صحيحه (.14/317 )6407
3
(?) أخرجه البخاري في األطعمة باب ذكر الطعام ( ،5/2070 )5111ومسلم في صالة المسافرين باب فضيلة
حافظ القرآن (.1/549 )797
320
جبريل ؟ " ،فق ال :الخطب اء من أمت ك ،ي أمرون الن اس ب البر وينس ون أنفس هم،
وهم يتلون الكتاب أفال يعقلون " (.)1
-2وفي ح ديث آخ ر :ثم أتى على ق وم ترضخ رؤوس هم بالص خر – تكسر – كلما
رض خت ع ادت كما ك انت ،وال يفتّر عنهم من ذلك ش يء فق ال " :ما ه ذا يا
جبريل؟ " ،قال :هؤالء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصالة المكتوبة(.)2
وخالصة الق ول :إن التمثيل مب اح ش رعاً ،وليس فيه أي ش يء من التح ريم أو
الكراهة واألمور بمقاصدها(.)3
1
صحيح ابن حبان ( ،1/249 )53واإلمام أحمد في مسنده (.3/231 )13445 (?)
2
تهذيب اآلثار :الطبري ( ،1/433 )727تفسير ابن كثير .3/18 (?)
3
اإلسالم وقضايا الفن ،ص.268 (?)
4
فتاوي لجنة اإلفتاء :كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (جامعة الكويت) ،ص.90 – 86 (?)
321
ج -أن يك ون خالي اً من االختالط ،ومالبس ات الجنس ،وإ غ راء الش باب ،وإ غ واء
الفتي ات ،وكل ما يخ دش الحي اء ،ويحطم القيم ،ويش يع الرذائ ل ،ويع ِّود على
استمراء المنكر وإ قراره ،بحيث يصير المعروف منكراً ،والمنكر معروفاً.
د -أن ال يتخذ وس يلة لنشر األفك ار الفاس دة ،والم ذاهب الهدام ة ،وبث الس موم
والدسائس الرخيصة ،مما يشيع الفرقة في المجتمع المسلم ،ويحول اتجاهه من
الوجهة الس ليمة نحو االض طراب والخ راب والت دمير وأن ال يخ دم التمثيل
نظاماً أجنبياً أو مبدأ هداماً.
هـ-االعتدال في اتخاذ الحركات والضحك واالنفعاالت ،بحيث ال تخرج عن حدود
آداب اللياق ة ،ونس تأنس به ذا ب أن جل ض حك الن بي التبسم( ،)1ومزاحه ال
يك ون إال ق ول الح ق ،ومداعبته لألطف ال ،وتقبيله لهم ،والمباس طة لهم ،كقوله
" :يا أبا عمير ما فعل النفير؟ " ( ،)2وما إلى ذلك ،وتؤكد اللجنة على اعتبار
التمثيل وس يلة من وس ائل اإلص الح الج انبي ،وتركز على الج انب العملي
والعلمي بالقدوة الحس نة ،كما أشار إلى ذلك القرآن في قوله تع الى :لقد كان
لكم في رسول اهلل أسوة حسنة [ األحزاب.]21 :
و -أن يس تهدف التمثيل مص لحة ال دين والعلم والمجتمع واإلنس انية ،مما يع ود
بالخير لصالح الفرد والمجتمع واألسرة.
ز -أن يق وم على التمثيل واإلخ راج رج ال ص الحون واع ون لقض ايا األمة
ومتطلباته ا ،يتخ ذون منهج اً إيجابي اً لإلص الح والتوجيه في بن اء المجتمع
الفاضل(.)3
أما إذا خ الف التمثيل ه ذه الض وابط غ دا انحطاط اً وفحش اً واهلل عزوجل نهانا
عن الفحش والس وء ،نحن مع تمثيل فك رة نافعة تحمل قيمة رفيعة اجتماعي ة ،ومع
تمثيل قصة واقعية أو متخيلة ذات مض مون إنس اني ّبن اء تحمل أيض اً قيمة إنس انية
نافعة ناجعة ،أما إذا اتجه األمر إلى سوى ذلك أو إلى عكس هذا فاألمر خطر وجلل
1
(?) المعجم الكبير ( ،22/155 )414شعب اإليمان ( ،2/154 )1430الشمائل المحمدية (.1/184 )226
2
(?) أخرجه البخاري في األدب باب االنبساط إلى الناس (.5/2270 )5778
3
(?) اإلسالم وقضايا الفن ،ص.269
322
وفتن ش ريرة ،اإلس الم لم يقف ضد الفن بل يش جع الفن ،ولكن هيه ات أن نخلط بين
الفن وبين الترهات والفساد ،وعندها يقف اإلسالم ضده ،ألن اإلسالم خير كله(.)1
323
فأمر اهلل أمهات المؤمنين – وجميع المسلمات والمؤمنات داخالت في ذلك
– ب القرار في ال بيوت لما في ذلك من ص يانتهن وإ بع ادهن عن وس ائل الفس اد ألن
الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى التبرج كما قد يفضي إلى شرور أخرى ثم أمرهن
باألعم ال الص الحة ال تي تنه اهن عن الفحش اء والمنكر وذلك بإق امتهن الص الة
وإ يتائهن الزكاة وطاعتهن هلل ولرسوله .
ثم وجههن إلى ما يع ود عليهن ب النفع في ال دنيا واآلخ رة وذلك ب أن يكن على
اتص ال دائم ب القرآن الك ريم وبالس نة النبوية المطه رة الل ذين فيهما ما يجلو ص دأ
القلوب ويطهرها من األرجاس واألنجاس ويرشد إلى الحق والصواب.
وق ال اهلل تع الى :يا أيها الن بي قل ألزواجك وبناتك ونس اء المؤم نين ي دنين
عليهن من جالبيبهن ذلك أدنى أن يع رفن فال ي ؤذين وك ان اهلل غف وراً رحيم اً
[األحزاب.]59 :
ف أمر اهلل نبيه عليه الص الة والس الم وهو المبلغ عن ربه – أن يق ول ألزواجه
وبناته وعامة نس اء المؤم نين ي دنين عليهن من جالبيبهن وذلك يتض من س تر ب اقي
أجس امهم ب الجالبيب وذلك إذا أردن الخ روج لحاجة لئال تحصل لهن األذية من
مرضى القلوب.
ف إذا ك ان األمر به ذه المثابة فما بالك بنزولها إلى مي دان الرج ال واختالطها
معهم وإ ب داء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة والتن ازل عن كث ير من أنوثتها لت نزل في
مس تواهم وذه اب كث ير من حيائها ليحصل ب ذلك االنس جام بين الجنس ين المختلفين
معنى وصورة.
ق ال اهلل جل وعال :قل للمؤم نين يغض وا من أبص ارهم ويحفظ وا ف روجهم
ذلك أزكى لهم إن اهلل خب ٌير بما يص نعون وقل للمؤمن ات يغضضن من أبص ارهن
ويحفظن ف روجهن وال يب دين زينتهن إال ما ظهر منها وليض ربن بخم رهن على
جيوبهن الخ اآلية [النور.]31 :
ي أمر اهلل نبيه عليه الص الة والس الم أن يبلغ المؤم نين والمؤمن ات أن يل تزموا
بغض البصر وحفظ الفرج عن الزنا ثم أوضح سبحانه أن هذا األمر أزكى لهم.
324
ومعل وم أن حفظ الف رج من الفاحشة إنما يك ون باجتن اب وس ائلها وال شك أن
إطالق البصر واختالط النس اء بالرج ال والرج ال بالنس اء في مي ادين العمل وغيرها
من أعظم وسائل وقوع الفاحشة.
وه ذان األم ران المطلوب ان من الم ؤمن يس تحيل تحققهما منه وهو يعمل مع
المرأة األجنبية كزميلة أو مشاركة في العمل له.
فاقتحامها هذا الميدان معه أو اقتحامه الميدان معها ال شك أنه من األمور التي
يستحيل معها غض البصر وإ حصان الفرج والحصول على زكاة النفس وطهارتها.
وهكذا أمر اهلل المؤمن ات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إب داء الزينة إال ما
ظهر منه ا ،وأم رهن اهلل بإس دال الخم ار على الجي وب المتض من س تر رأس ها
ووجهها ،ألن الجيب محل الرأس والوجه.
فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة
مي دان الرج ال واختالطها معهم في األعم ال؟ واالختالط كفيل ب الوقوع في ه ذه
المحاذير.
وكيف يحصل للم رأة المس لمة أن تغض بص رها وهي تس ير مع الرجل
األجنبي جنب اً إلى جنب بحجة أنها تشاركه في األعمال أو تساويه في جميع ما يقوم
به ؟
1
(?) أخرجه أبو داود في الجنائز باب في البكاء على الميت (.3/193 )3126
325
نواج ذه( ،)1وك ان يبتسم عن مثل حب الغم ام( ،)2وك ان إذا خطب احمر وجه ه،
وانتفخت أوداج ه ،ورفع ص وته( ،)3ولنا في رس ول اهلل أس وة حس نة ،واهلل أعلم،
وصلى اهلل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه(.)4
1
أخرجه البخاري في التفسير باب وما قدروا اهلل حق قدره (.4/1812 )4533 (?)
2
أخرجه الطبراني في الكبير (.22/155 )414 (?)
3
أخرجه البخاري في العلم باب الغضب في الموعظة (.1/46 )90 (?)
4
فتاوى لجنة اإلفتاء بكلية الشريعة ،ص.92 (?)
5
المرجع السابق ،ص 93 (?)
326
-2إن أعم الهم المجي دة ،وم آثرهم وم واقفهم ،مس جلة في الت اريخ ،ومتمثلة في
القلوب ،وراسخة في األذهان ،من غير تمثيل.
ج -يخشى من تمثيل أدوارهم المساس بأشخاصهم ،وإ لصاق ما ال يليق بهم ،فيتخذ
أهل الحقد واألغراض من التمثيل سبيالً إلى النيل منهم ،والدس عليهم ،والحط
من أق دارهم ،واالف تراء على س يرتهم وأعم الهم ،وتش ويه س معتهم ،والتش غيب
عليهم في التاريخ.
د -إن الممثلين عادة يمثلون أدواراً شتى ،منها الرفيع ومنها الوض يع ،فيخشى من
تمثيلهم أدوار األنبياء والصحابة أن يبث السامع من األدوار الخبيثة ما ال يليق
باألنبياء وكبار الصحابة.
أما س ائر الص حابة فال ت رى اللجن ة ،مانع اً من تم ثيلهم ،ش ريطة أن يك ون
الغ رض من التمثيل ش ريفاً ون بيالً ،وأن يك ون مطابق اً للواقع الت اريخي ،وخالي اً من
الش وائب ال تي تمس مك انتهم ورفعتهم ،وأن تس يطر على أدوارهم التمثيلية األمانة
الحقيقية والتاريخية والعلمي ة ،واهلل أعلم ،وص لى اهلل وس لم على س يدنا ونبينا محمد
وعلى آله وصحبه(.)1
1
(?) فتاوي لجنة اإلفتاء ،ص.91 – 90
2
(?) الحالل والحرام في اإلسالم :د .يوسف القرضاوي ،ص.287
327
أوالً :أن تت تره موض وعاتها ال تي تع رض فيها عن المج ون والفسق وكل ما ين افي
عقائد اإلس الم وش رائعه وآداب ه ،فأما الرواي ات ال تي تث ير الغرائز ال دنيا أو
تح رض على اإلثم أو تغ ري بالجريمة أو ت دعو ألفك ار منحرف ة ،أو ت روج
لعقائد باطل ة ،إلى آخر ما نع رف ،فهي ح رام ال يحل للمس لم أن يش اهدها أو
يشجعها.
ثانياً :أن ال تش غله عن واجب دي ني أو دني وي .وفي طليعة الواجبات الص لوات
الخمس ال تي فرض ها اهلل كل ي وم على المس لم ،فال يج وز للمس لم أن يض يع
صالة مكتوبة – كصالة المغرب – من أجل رواية يشاهدها :قال تعالى :
فويل للمص لين .ال ذين هم عن ص التهم س اهون [ الم ==اعون ،]5-4 :وفسر
الس هو عنها بتأخيرها ح تى يف وت وقته ا ،وقد جعل الق رآن من جملة أس باب
تحريم الخمر والميسر أنها تصد عن ذكر اهلل وعن الصالة.
ثالثاً :أن يتجنب مرتادها المالصقة واالختالط المثير بين الرجال والنساء
األجنبي ات منهم ،منع اً للفتن ة ،ودرءاً للش بهة ،وال س يما المش اهدة ال تتم إال
تحت س تار الظالم وقد مر بنا الح ديث " :ألن يطعن في رأس أح دكم بمخيط
من حديد خير له من أن يمس امرأة ال تحل له " (.)1
ويض يف األس تاذ عبداهلل عل وان – رحمه اهلل – على ه ذا الش رط " :أن تك ون
ص الة العرض خالصة مما يشوبها من منكر ،وبريئة مما يحيط بها من فس اد ...أما
إذا شاب الصالة منكر ،أو لحق بها إثم ،كوجود اختالط بين نساء ورجال ،أو سماع
ع زف على آالت النغم ،أو إظه ار لقط ات جاهلية من رقص ف اجر وغن اء خلي ع ،أو
ع رض أش ياء بين ف ترة وف ترة تهيج الغري زة ،وتث ير الفتن ة ،فال يج وز ش رعاً ارتي اد
ه ذه الص الة مهما ك ان ع رض التمثيلية س ليماً ومهما ك ان الفيلم ذا توجيه
وموضوعية(.)2
1
(?) أخرجه الطبراني في الكبير ( ،20/211 )486والمنذري في الترغيب والترهيب وقال :أخرجه الطبراني
ورجاله ثقات رجال الصحيح (الترغيب والترهيب للمنذري (.)3/26 )2938
2
(?) حكم اإلسالم في وسائل اإلعالم :عبداهلل علوان ،ص.39 – 38
328
وي رى بعض العلم اء المنع من ارتي اد دور الس ينما مطلق اً ويجيب عما س بق
ذكره من شروط ،ومدار النقض عند هؤالء المانعين على وجهين:
األول :استحالة توفر هذه الشروط التي ذكرها كل من د .القرضاوي ود.
عبداهلل علوان في السينما وخلوها من المحاذير المذكورة فيها.
الث= = ==اني :اش تمالها على الص ور المتحركة ومش اهدتها ،وفي نظ رهم أن
التصوير لذوات األرواح واستعمال الصور محرم مطلقاً ،وكذا مشاهدتها(.)1
ون رجح الق ول بالتفص يل فالس ينما ال تح رم ل ذاتها وإ نما بما يع رض فيها واهلل
أعلم.
قائمة المراجع
-1أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة :محمد نعيم ياسين ،دار النفائس ط
،2األردن 1419هـ.
-2االجتهاد :جالل الدين السيوطي ،تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد ،مؤسسة
شباب الجامعة 1405هـ.
-3االجتهاد الجماعي في التشريع اإلسالمي :د .عبد المجيد السوسوه
الشرفي ،كتاب األمة ،قطر 1418هـ.
-4االجتهاد الجماعي في العالم اإلسالمي :جامعة اإلمارات العربية المتحدة.
-5االجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية= في تطبيقه :د.شعبان محمد
شعبان ،دار البشائر اإلسالمية ،ط ،1بيروت لبنان 1418هـ.
1
(?) قضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية :مادون رشيد ،ص.249
329
-6االجتهاد في الشريعة اإلسالمية :محمد صالح موسى ،دار طالس دمشق
1989م.
-7إحكام األحكام= :تقي الدين ابن دقيق العيد( 702هـ) دار الكتب العلمية،
بيروت .
-8االجتهاد المعاصر بين االنضباط واالنفراط :د .يوسف القرضاوي ،دار
التوزيع والنشر1414 ،هـ.
-9أحكام أهل الذمة :محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي ( 751هـ) رمادي
للنشرط ،1الدمام 1418هـ.
-10أحكام= التعدد في ضوء الكتاب والسنة :إحسان بن محمد بن عايش
العتيبي.
-11األحكام= السياسية لألقليات المسلمة في الفقه اإلسالمي :سليمان محمد
توبولياك دار البيارق ،ط 1418 ،1هـ.
-12أحكام= القرآن :محمد بن عبد اهلل ابن العربي ( 453هـ) دار الفكر
للطباعة ،لبنان.
-13أحكام= القرآن :أحمد بن علي الرازي الجصاص ( 370هـ) دار إحياء
التراث ،بيروت 1418هـ.
-14اإلحكام في أصول األحكام :علي بن محمد اآلمدي ،المكتب اإلسالمي
1402هـ.
-15إحياء علوم الدين :محمد بن محمد الغزالي ( 505هـ) دار القلم ط،3
بيروت.
-16أدب القاضي :علي بن محمد بن حبيب الماوردي (450هـ) تحقيق :
يحي هالل السرحان ،مطبعة اإلرشاد ،بغداد 1391هـ.
-17إرشاد الفحول :محمد بن علي الشوكاني ( 1250هـ) مؤسسة الكتب
الثقافية.
330
-18االستفتاء الشعبي بين األنظمة الوضعية والشريعة اإلسالمية :د .ماجد
راغب الحلو ،مكتبة المنار اإلسالمية ط ،1الكويت 1400هـ.
-19االستنساخ قنبلة العصر :صبري الدمرداش ،مكتبة العبيكان ،ط،1
الرياض 1997م.
-20اإلسالم عقيدة وشريعة :الشيخ محمود شلتوت ،ط ،12دار الشروق،
بيروت.
-21اإلسالم وقضايا الفن المعاصر :د .ياسين محمد حسن ،دار األلباب ،ط
1410 ،1هـ.
-22األشباه والنظائر :زين الدين بن إبراهيم بن نجيم (970هـ) دار الكتب
العلمية ،بيروت 1400هـ.
-23أصول الدعوة :د .عبد الكريم زيدان ،مؤسسة الرسالة ،بيروت
1996م.
-24أصول الفقه اإلسالمي :د .وهبة الزحيلي ،دار الفكر ط األولى 1406
هـ .
-25أصول القانون الدولي الخاص :د .محمد كمال فهمي ،مؤسسة الثقافة
الجامعية ،اإلسكندرية 1992م.
-26إعالم الموقعين :ابن القيم الجوزية ،تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد
المكتبة العصرية.
-27إعانة الطالبين :أبو بكر بن السيد محمد شطا الدمياطي ،دار الفكر
للطباعة ،بيروت.
-28اإلقناع :أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (450هـ) مكتبة العروبة،
ط1402 ،1هـ.
-29اكتساب الجنسية األصلية بالميالد ألب وطني :د .هشام خالد ،دار
الفكر الجامعي ،اإلسكندرية 2000م.
331
اإلنصاف :علي بن سليمان المرداوي (885هـ) دار إحياء التراث، -30
بيروت.
األم :اإلمام محمد بن إدريس الشافعي ( 204هـ) الهيئة المصرية العامة -31
للكتاب 1407هـ.
األموال :أبو عبيد القاسم بن سالم (224هـ) دار الفكر ،بيروت -32
1408هـ.
اإلنترنت تقنيات وخدمات :د.عبد القادر بن عبد اهلل الفتوح ،كتيب من -33
إصدار " المجلة العربية " شوال 1418هـ.
البحر الرائق :زين الدين بن نجيم (970هـ) دار المعرفة ،ط ،2بيروت. -34
بدائع الصنائع :عالء الدين الكاساني ( 587هـ) دار الكتاب العربي ،ط -35
،2بيروت 1982م.
بداية المجتهد :محمد بن أحمد بن رشد ( 595هـ) دار الفكر ،بيروت. -36
البداية والنهاية :إسماعيل بن كثير( 774هـ) دار الكتب العلمية، -37
1405هـ.
البطاقات البنكية :أ.د .عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان ،دار القلم ط،1 -39
1419هـ.
بطاقة االئتمان :الصديق محمد الضرير ( بحوث مؤتمر األعمال -40
المصرفية اإللكترونية بين الشريعة والقانون /جامعة اإلمارات ).
بطاقات االئتمان :د .محمد عبد الحليم عمر ( بحوث مؤتمر األعمال -41
المصرفية اإللكترونية بين الشريعة والقانون /جامعة اإلمارات ).
بطاقة االئتمان :د.مبارك جزاء الحربي ( بحوث مؤتمر األعمال -42
المصرفية اإللكترونية بين الشريعة والقانون /جامعة اإلمارات ).
البيان والتحصيل :ابن رشد القرطبي ،دار المغرب اإلسالمي 1406هـ -43
بيروت.
التاريخ الكبير :محمد بن إسماعيل البخاري ،دار الفكر ،بيروت. -44
332
-45التاج واإلكليل :محمد بن يوسف العبدري المواق (897هـ) دار الفكر ،ط
،2بيروت 1398هـ.
-46تبيين الحقائق :فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي (743هـ) بوالق ،ط
1315 ،1هـ.
-47تحفة األحوذي :محمد عبد الرحيم المباركفوري (1353هـ) دار الكتب
العلمية ،بيروت.
-48تدوين الدستور اإلسالمي :أبو األعلى المودودي ،مؤسسة الرسالة
1975م.
-49الترغيب والترهيب :عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ( 656هـ) دار
الكتب العلمية ،ط ،1بيروت 1417هـ.
-50التشريع اإلسالمي :شعبان محمد إسماعيل ،مكتبة النهضة المصرية ط
األولى.
-51تفسير الرازي (التفسير الكبير) :فخر الدين محمد بن عمر الرازي (
606هـ) ط.3
-52تفسير الطبري ( جامع البيان ) :محمد بن جرير الطبري (310هـ) دار
الفكر ،بيروت 1405هـ.
-53تفسير القرطبي ( :الجامع في أحكام القرآن ) محمد بمن أحمد
األنصاري القرطبي ( 671هـ) دار الشعب ،القاهرة.
-54تفسير ابن كثير :إسماعيل بن كثير الدمشقي (774هـ) دار الفكر،
بيروت 1401هـ.
-55تفسير المراغي :أحمد مصطفى المراغي ،المكتبة التجارية.
-56تفسير المنار :محمد رشيد رضا ،دار الفكر للطباعة ،بيروت.
-57التعاريف :محمد عبد الرؤوف المناوي ( 1031هـ) دار الفكر
المعاصر ،ط ،1بيروت 1410هـ.
333
-58التعريفات :علي بن محمد بن علي الجرجاني ،دار الكتاب العربي ،ط
1405 ،1هـ.
-59تلخيص الحبير :أحمد بن حجر العسقالني (852هـ) المدينة المنورة
1384هـ.
-60التمهيد :يوسف بن عبد اهلل بن عبد البر النمري (463هـ) وزارة
األوقاف والشؤون اإلسالمية ،ط ،1المغرب.
-61تهذيب اآلثار :محمد بن جرير الطبري ( 310هـ) مطبعة المدني،
القاهرة.
-62تيسير التحرير :محمد أمين بادشاه ،دار الكتب العلمية ،بيروت.
-63الثمر الداني :صالح عبد السميع اآلبي ،المكتبة الثقافية ،بيروت.
-64جامع بيان العلم وفضله :ابن عبد البر تحقيق أبي األشبال الزهيري ،دار
ابن الجوزي ،الدمام 1994م.
-65جامع العلوم والحكم= :عبد الرحمن بن رجب الحنبلي (795هـ) الرسالة،
ط ،1بيروت1411 ،هـ.
-66جامع مسائل األحكام :للبرزلي – مجلة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية
بالرباط العدد .5
-67جمع الجوامع :عبد الوهاب ابن السبكي ،دار إحياء الكتب العربية،
القاهرة.
-68الجنين المشوه واألمراض الوراثية :د .محمد علي البار ،دار القلم ،ط
،1دمشق1411 ،هـ.
-69حاشية البجيرمي :سليمان بن عمر بن محمد البجيرمي ،المكتبة
اإلسالمية ،ديار بكر ،تركيا.
-70حاشية الدسوقي على الشرح الكبير :محمد بن أحمد عرفة الدسوقي (
1230هـ) عيسى البابي الحلبي ،القاهرة.
334
-71حاشية ابن عابدين ( :رد المحتار ) محمد أمين الشهير بابن عابدين (
1252هـ) دار الفكر للطباعة ،بيروت 1421هـ.
-72حاشية العدوي :الشيخ علي العدوي (1189هـ) دار صادر.
-73حاشية قليوبي وعميرة :أحمد قليوبي (1069هـ) وأحمد عميرة (
957هـ) مصطفى البابي الحلبي ،ط ،3القاهرة 1375هـ.
-74الحركات النسائية وصلتها باالستعمار :محمد عطية خميس ،دار
األنصار ،القاهرة.
-75الحريات العامة :د .عبد الحكيم عبد اهلل ،رسالة دكتوراه ،جامعة عين
شمس.
-76الحساب الفلكي لتحديد أوائل الشهور العربية :د .مسلم شلتوت
( إسالم أون الين ).
-77الحقوق السياسية للمرأة :د .عبد الحميد الشواربي ،منشأة المعارف،
اإلسكندرية.
-78حقوق المرأة في اإلسالم :د .محمد عرفة ،مطابع الفرزدق التجارية.
-79حكم إجراء العقود بوسائل االتصال الحديثة :محمد عقلة اإلبراهيم
( مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية جامعة الكويت ،العدد
الخامس ).
-80حكم إجراء العقود بوسائط االتصال الحديثة :د.وهبة الزحيلي ،دار
المكتبي ،ط ،1دمشق 1420هـ.
-81حكم اإلسالم في وسائل اإلعالم :الشيخ عبد اهلل علوان ،دار السالم.
-82حكم التعاقد عبر أجهزة االتصال الحديثة :د.عبد الرزاق رحيم الهيتي،
دار البيارق ،ط ،1األردن 1421هـ.
-83الحالل والحرام :د .يوسف القرضاوي ،مكتبة وهبة.
-84حواشي الشرواني :عبد الحميد الشرواني ،دار الفكر ،بيروت.
335
-85الخرشي على خليل :محمد بن عبد اهلل بن علي الخرشي ،دار صادر،
بيروت.
-86الدر المختار :محمد بن علي الحصكفي (911هـ) دار الفكر ،ط،2
بيروت 1403هـ.
-87الدر المنثور :جالل الدين السيوطي (911هـ) دار الفكر ،ط ،1بيروت
1403هـ.
-88الدراية في تخريج أحاديث الهداية :أحمد بن علي بن حجر العسقالني (
852هـ) دار المعرفة ،بيروت.
-89دروس في القانون الدولي الخاص :د .هشام صادق و د .حفيظة
الحداد ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية 1999م.
-90الذخيرة :شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (684هـ) دار الغرب،
بيروت 1994م.
-91الذريعة إلى مكارم الشريعة :ألبي القاسم الحسين بن محمد بن المفضل
المعروف بالراغب األصفهاني :تحقيق :د .أبو اليزيد العجمي ،دار
الوفاء ،المنصورة.
-92الرسالة :محمد بن إدريس الشافعي :تحقيق أحمد شاكر دار الكتب
العلمية ،بيروت.
-93روح المعاني :شهاب الدين األلوسي ( 1270هـ) دار الفكر للطباعة،
بيروت 1997م.
-94روضة الطالبين :يحي بن شرف النووي (676هـ) المكتب اإلسالمي،
بيروت 1386هـ.
-95الروضة الندية :محمد صديق حسن خان (1307هـ) دار الجيل ،بيروت
1986م.
-96الروض المربع :الشيخ منصور بن يونس البهوتي (1051هـ) مكتبة
الرياض الحديثة ،الرياض 1390هـ.
336
-97زاد المعاد في هدي خير العباد :شمس الدين ابن القيم الجوزية (751هـ)
دار الفرقان ،عمان.
-98الزواج والطالق في اإلسالم :بدران أبو العينين بدران ،دار النهضة
العربية.
-99سبل االستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات
المعاصرة :د .وهبة الزحيلي ،دار المكتبي ،ط 1421 ،1هـ.
-100سنن البيهقي ( :السنن الكبرى ) أحمد بن الحسين البيهقي ( 458هـ)
دار المعرفة ،بيروت.
-101سنن الترمذي :أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة :تحقيق أحمد
شاكر :دار الكتب العلمية – بيروت.
-102سنن الدارمي :عبد اهلل بن عبد الرحمن الدارمي ( 181هـ ) دار
الكتاب العربي بيروت.
-103سنن أبي داود :اإلمام الحافظ أبو داود سليمان السجستاني :دار الفكر.
-104سنن سعيد بن منصور :بن شعبة الخراساني (227هـ) دار الكتب
العلمية ،ط1405 ،1هـ.
-105سنن ابن ماجة :محمد بن يزيد القزويني ( 227هـ) دار الفكر،
بيروت.
-106سنن النسائي :للحافظ عبد الرحمن بن شعيب النسائي (303هـ) ،دار
القلم بيروت.
-107شرح تنقيح الفصول :شهاب الدين القرافي تحقيق طه عبد الرؤوف:
مكتبات الكليات األزهرية ط أولى .1393
-108شرح صحيح مسلم :يحي بن شرف النووي (676هـ) دار الفكر،
بيروت 1402هـ.
-109الشرح الصغير :أحمد بن محمد الدردير (1201هـ) دار المعارف،
القاهرة 1392هـ.
337
-110شرح العمدة :أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (727هـ) مكتبة العبيكان،
ط ،1الرياض 1413هـ.
-111شرح فتح القدير :كمال الدين بن الهمام (681هـ) دار الفكر ،بيروت.
-112الشرح الكبير :أحمد بن محمد الدردير ( 1201هـ) دار الفكر.
-113شرح الكوكب المنير :الشيخ محمد بن أحمد … المعروف بابن النجار:
مكتبة العبيكان 1413هـ.
-114شرح منتهى اإلرادات :الشيخ منصور البهوتي ( 1051هـ) دار الفكر،
بيروت.
-115شعب اإليمان :أحمد بن الحسين البيهقي (458هـ) دار الكتب العلمية،
ط ،1بيروت 1410هـ.
-116الشمائل المحمدية :محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (279هـ)
مؤسسة الكتب ،ط ،1بيروت 1412هـ.
-117الشورى بين األصالة والمعاصرة :عز الدين التميمي ،دار البشير،
عمان 1985م.
-118الشورى بين النظرية والتطبيق :د .قحطان الدوري ،مطبعة األمة ،ط
،1بغداد.
-119الشورى في اإلسالم :د .حمد الكبيسي ،المجمع الملكي لبحوث
الحضارة اإلسالمية ،األردن.
-120الصحاح :إسماعيل بن حماد الجوهري :تحقيق أحمد عبد الغفار
عطار ،دار العلم للماليين ،ط 1990 ،4م.
-121صحيح البخاري :محمد بن إسماعيل البخاري ( 256هـ) دار ابن
كثير ،ط ،3بيروت 1407هـ.
-122صحيح ابن حبان :محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي ( 354هـ)
الرسالة ،ط ،2بيروت 1414هـ.
338
-123صحيح مسلم :مسلم بن الحجاج القشيري (256هـ) دار إحياء التراث،
بيروت.
-124ضوابط االجتهاد والفتوى :أستاذنا د .أحمد طه ريان :دار الوفاء ط،1
1415هـ.
-125ضوابط للدراسات الفقهية :الشيخ سلمان العودة ،دار العاصمة
الرياض.
-126الطبيب أدبه وفقهه :د .زهير السباعي و د .محمد على البار ،دار
القلم ،ط ،2دمشق 1418هـ.
-127علم أصول الفقه :عبد الوهاب خالف :دار القلم ،الكويت 1986م.
-128عمدة القارئ :بدر الدين محمود بن أحمد العيني (855هـ) دار إحياء
التراث بيروت.
-129عون المعبود :محمد شمس الحق العظيم آبادي ،دار الكتب العلمية
بيروت.
-130غاية المنتهى :مرعي بن يوسف الحنبلي (1033هـ) المؤسسة
السعيدية ،ط 2الرياض.
-131الفتاوى :الشيخ محمد شلتوت :دار الشروق.
-132الفتاوى :أبو اسحق إبراهيم الشاطبي :جمعها وحققها محمد أبو
األجفان ط األولى 1405هـ.
-133فتاوى ابن رشد (الجد) :دار الغرب اإلسالمي ،بيروت.
-134فتاوى شرعية :الشيخ حسنين مخلوف ،دار االعتصام ،القاهرة
1985م.
-135فتاوى علماء البلد الحرام :سعد بن عبد اهلل البريك ،مؤسسة
الجريسي ،الرياض.
-136الفتاوى الكبرى :شيخ اإلسالم ابن تيمية (738هـ) دار الكتب الحديثة،
القاهرة 1906م.
339
-137فتاوى لجنة اإلفتاء :بكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية :جامعة
الكويت.
-138الفتاوى الهندية :الشيخ نظام ،دار إحياء التراث العربي ،ط،4
بيروت.
-139الفتاوى والتاريخ :محمد المختار ولد السعد :دار الغرب الطبعة
األولى 2000م.
-140فتاوى معاصرة :الدكتور يوسف القرضاوي ،دار الوفاء ،ط ،2القاهرة
1414هـ.
-141فتح الباري :أحمد بن علي بن حجر العسقالني (852هـ) دار المعرفة،
بيروت.
-142فتح العزيز :الرافعي ،المكتبة السلفية ،المدينة المنورة.
-143فتح العلي المالك :الشيخ محمد عليش ،مطبعة مصطفى البابي ،مصر
1378هـ.
-144فتح القدير :محمد علي الشوكاني (1250هـ) دار الفكر ،بيروت.
-145الفروع :شمس الدين محمد بن مفلح (763هـ) عالم الكتب ،بيروت.
-146الفروق :أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي (684هـ) عالم الكتب.
-147الفقه اإلسالمي وأدلته :د .وهبة الزحيلي ،دار الفكر ،ط ،3دمشق
1409هـ.
-148فقه الزكاة :د .يوسف القرضاوي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت
1985م.
-149فقه العقود المالية :د.الحسين شواط و د.عبد الحق حميش ،دار
البيارق ،عمان.
-150فقه النوازل :إعداد ونشر :الجامعة األمريكية المفتوحة.
-151فقه النوازل :بكر أبو زيد ،دار العاصمة.
340
-152الفقيه والمتفقه= :الخطيب البغدادي :تحقيق عادل العزازي :دار ابن
الجوزي.
-153فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت :عبد العلي الكلنوي :دار صادر
ط األولى.
-154الفواكه= الدواني :أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي (1120هـ) دار
الفكر ،بيروت 1415هـ.
-155القاموس المحيط :مجد الدين بن يعقوب الفيروز آبادي ( 817هـ)
الرسالة ،ط ،1بيروت 1406هـ.
-156قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم اإلسالمي :األمانة العامة
لرابطة العالم اإلسالمي ،ط الرابعة 1411هـ.
-157قضايا طبية معاصرة :جمعية العلوم الطبية المعاصرة ،دار البشير ،ط
،1عمان 1415هـ.
-158قضايا فقهية معاصرة :محمد سعيد رمضان البوطي ،مكتبة الفارابي،
ط ،1دمشق.
-159قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان الدين السنبهنلي ،دار القلم ،ط
،1دمشق 1408هـ.
-160قضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية :
مادون رشيد ،قطر.
-161قواعد األحكام= :العز بن عبد السالم ،دار الكتب العلمية.
-162قواعد الفقه :محمد عميم اإلحسان المجددي البركتي ،كراتشي
1407هـ.
-163القوانين الفقهية= :محمد بن جزي الغرناطي (741هـ) دار العلم
للماليين 1979م.
-164الكافي :يوسف ابن عبد البر النمري (463هـ) دار الكتب العلمية ،ط
،1بيروت 1407هـ.
341
-165الكافي في فقه الحنابلة :عبد اهلل بن قدامة المقدسي ( 620هـ) المكتب
اإلسالمي.
-166كشاف القناع :الشيخ منصور البهوتي (1051هـ) مكتبة النصر
الحديثة ،الرياض.
-167الكليات :أبو البقاء أيوب بن موسى الكفوي :مؤسسة الرسالة ،ط،1
1412هـ.
-168لسان العرب :جمال الدين محمد بن كرم بن منظور ،دار صادر،
بيروت.
-169لقاءات ومحاورات حول قضايا اإلسالم والعصر :د .يوسف
القرضاوي ،مكتبة وهبة ،القاهرة 1992م.
-170ماهية بطاقة االئتمان :أ.د .محمد رأفت عثمان ( بحوث مؤتمر
األعمال المصرفية اإللكترونية بين الشريعة والقانون /جامعة
اإلمارات ).
-171مبادىء نظام الحكم في اإلسالم :د .عبد الحميد المتولي ،منشأة
المعارف ،ط ،4اإلسكندرية 1978هـ.
-172مبدأ المساواة في اإلسالم :د .فؤاد أحمد ،المكتب العربي الحديث.
-173المبدع :إبراهيم بن محمد بن مفلح (884هـ) المكتب اإلسالمي،
بيروت 1400هـ.
-174المبسوط :شمس الدين السرخسي (490هـ) دار المعرفة ،بيروت.
-175المجتمع اإلسالمي المعاصر :أنور الجندي ،دار األنصار ،القاهرة
1985م.
-176مجلة األحكام العدلية :علماء الدولة العثمانية ( كازخانة تجارت كتب
).
-177مجمع الزوائد :نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (807هـ) دار
الريان للتراث ،القاهرة 1407هـ.
342
-178المجموع :يحي بن شرف النووي ( 676هـ) دار الفكر ،بيروت
1997م.
-179مجموع الفتاوى :لشيخ اإلسالم ابن تيميه :جمع عبد الرحمن بن قاسم
وابنه ،الرياض.
-180مجموعة رسائل ابن عابدين :محمد أمين أفندي الشهير بابن عابدين:
دار إحياء التراث العربي ،بيروت.
-181المحصول في علم أصول الفقه :فخر الدين الرازي ،تحقيق طه جابر
العلواني :جامعة اإلمام ط األولى 1999م.
-182المحلى :علي بن أحمد بن حزم (456هـ) دار اآلفاق الجديدة ،بيروت.
-183المختصر الوجيز في مقاصد التشريع :د .عوض بن محمد القرني،
دار األندلس الخضراء -جدة ،الطبعة األولى .1416/1998
-184المدخل إلى الفقه اإلسالمي :محمود محمد الطنطاوي ،مطابع البيان،
دبي .1988
-185المدخل في الفقه اإلسالمي :محمد مصطفى شلبي ،دار النهضة،
مصر.
-186المدخل الفقهي العام :الشيخ مصطفي الزرقاء ،دار القلم ،دمشق
1998م.
-187مدخل لدراسة الفقه اإلسالمي :د .يوسف القرضاوي :مكتبة وهبة،
مصر.
-188مراتب اإلجماع :علي بن أحمد بن حزم (456هـ) دار الكتب العلمية،
بيروت.
-189مراعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح :عبيد اهلل المباركفوري،
بنارس الهند ط.3
-190المرأة بين الفقه والقانون :د .مصطفى السباعي ،المكتب اإلسالمي،
ط ،6بيروت 1984م.
343
-191المرأة بين الشرع والقانون :محمد الحجوي ،دار الكتاب ،المغرب.
-192المرأة في اإلسالم :الشيخ حسنين مخلوف ،دار األنصار ،القاهرة
1978م.
-193المرأة في القرآن والسنة :محمد عزة دروزة ،دار الجيل ،ط ،2دمشق
1985م.
-194المرأة والحقوق السياسية :مجيد محمود أبو حجير ،مكتبة الرشد ،ط
،1الرياض 1421هـ.
-195المرأة وحقوقها السياسية :الشيخ عبد المجيد الزنداني ،مؤسسة
الريان ،ط ،1بيروت.
-196المرشد اإلسالمي في الفقه الطبي :توفيق الواعي وآخرون :دار
الوفاء ،ط1410 4هـ.
-197المدونة الكبرى :مالك بن أنس (179هـ) دار إحياء التراث العربي.
-198مسائل أبي الوليد ابن رشد (الجد) تحقيق :محمد الحبيب التجاني دار
الجيل – بيروت.
-199المسؤولية الوزارية :د .سيد رجب السيد ،القاهرة 1987م.
-200مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق :أسامة عمر سليمان
األشقر :دار النفائس ،األردن 1420هـ 2000 /م.
-201المستدرك :ألبي عبد اهلل محمد عبد اهلل الحاكم ،دار المعرفة ،بيروت.
-202المستصفى من علم األصول ألبي حامد الغزالي :دار صادر ،ط،1
1322هـ.
-203المسند :اإلمام أحمد بن حنبل ( 204هـ) مؤسسة قرطبة ،مصر.
-204المشاركة السياسية للمرأة :د .سامية خضر صالح ،الصدر لخدمات
الطباعة ،القاهرة 1989م.
-205مصارف الزكاة وتمليكها في ضوء الكتاب والسنة :د.خالد عبد
الرزاق العاني.
344
-206مصادر الحق :د .عبد الرزاق السنهوري ،دار الهنا للطباعة ،ط،2
1960م.
-207مصباح الزجاجة :أحمد بن أبي بكر إسماعيل الكناني (840هـ) دار
العربية ،ط ،2بيروت 1403هـ.
-208المصباح المنير :أحمد بن محمد بن علي الفيومي :المكتبة العلمية،
بيروت.
-209مصنف ابن أبي شيبة :عبد اهلل بن محمد بن أبي شيبة الكوفي (235هـ)
مكتبة الرشد ،ط ،1الرياض 1409 ،هـ.
-210مصنف عبد الرزاق :عبد الرزاق بن همام الصنعاني (211هـ) المكتب
اإلسالمي ،ط ،2بيروت 1409هـ.
-211مطالب أولي النهى :مصطفى السيوطي الرحيباني (1243هـ) المكتب
اإلسالمي ،دمشق 1961م.
-212المعامالت المالية المعاصرة :د.محمد عثمان شبير دار النفائس ،ط
1416 ،1هـ.
-213المعامالت المالية المعاصرة في ضوء الفقه والشريعة :أ.د .محمد
رواس قلعه جي.
-214المعجم= األوسط :أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360هـ) دار
الحرمين ،القاهرة 1415هـ.
-215المعجم= الصغير :أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360هـ)
المكتب اإلسالمي ،ط ،1بيروت 1405هـ.
-216المعجم= الكبير :أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360هـ) مكتبة
العلوم والحكم ،ط ،2الموصل 1404هـ.
-217معجم المصطلحات التجارية والتعاونية :د.أحمد زكي بدوي ،دار
الكتاب المصري ،القاهرة.
345
-218معجم لغة الفقهاء :محمد رواس قلعه جي و د .حامد قنيبي ،دار
النفائس ،بيروت 1996م.
-219المعجم= الوسيط :إبراهيم أنيس وآخرون :مجمع اللغة العربية ،القاهرة
1961م.
-220معلمة الفقه المالكي :عبد العزيز بن عبد اهلل :دار الغرب اإلسالمي ط
األولى 1403هـ.
-221المعونة :القاضي عبد الوهاب البغدادي ( 422هـ) تحقيق :عبد
الحق حميش ،مكتبة الباز التجارية ،مكة المكرمة 1995م.
-222المغني :عبد اهلل بن أحمد بن قدامة (620هـ) دار الفكر ،ط ،1بيروت
1405هـ.
-223مغني المحتاج :محمد الخطيب الشربيني ( ) دار الفكر ،بيروت.
-224المفردات في غريب القرآن :الحسين بن محمد األصفهاني (502هـ)
دار المعرفة بيروت 1998م.
-225مقاصد الشريعة اإلسالمية :الشيخ محمد بن الطاهر بن عاشور الشركة
التونسية للتوزيع.
-226المقاصد العامة للشريعة اإلسالمية :د .يوسف حامد العالم – دار
الحديث بالقاهرة.
-227مقدمة لدراسة الفقه اإلسالمي :د .محمد كمال الدين إمام – المؤسسة
الجامعية للدراسات والنشر.
-228المقنع :عبد اهلل بن أحمد بن قدامة (620هـ) مكتبة الرياض الحديثة
1400هـ.
-229مكانة المرأة بين اإلسالم والقوانين العالمية :سالم البهنساوي ،دار
القلم ،الكويت 1986م.
-230مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة :د.محمد بلتاجي ،دار السالم،
ط1420 ،1هـ.
346
-231الملكية ونظرية العقد :الشيخ محمد أبو زهرة ،دار الفكر العربي.
-232من توجيهات اإلسالم :الشيخ محمود شلتوت ،دار الشروق ،ط،7
مصر 1407هـ.
-233من فقه األقليات المسلمة :خالد محمد عبد القادر ،كتاب األمة ،قطر
1418هـ.
-234من هدي القرآن :الشيخ محمود شلتوت دار الكتاب العربي ،القاهرة.
-235منهاج السنة :شيخ اإلسالم ابن تيمية (728هـ) تحقيق :محمد رشاد
سالم ،جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ،الرياض 1406هـ.
-236المهذب :إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ،دار الفكر ،بيروت.
-237الموافقات في أصول الشريعة :ألبي اسحق الشاطبي :دار المعرفة،
بيروت.
-238مواهب الجليل :محمد بن عبد الرحمن المغربي الحطاب ( 954هـ)
دار الفكر ،بيروت 1398هـ.
-239موت الدماغ بين الطب والشريعة :ندى محمد نعيم الدقر ،دار الفكر،
دمشق 1997م.
-240موجبات األحكام وواقعات األيام :قاسم بن عبد اهلل الجمالي ابن
قطلوبغا ،وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،بغداد 1983م.
-241الموجز في القانون الدولي الخاص :بدر الدين عبد المنعم شوقي،
مكتبة الخدمات الحديثة ،جدة.
-242الموسوعة الفقهية :وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،الكويت.
-243الموسوعة الطبية الفقهية= :أحمد محمد كنعان ،دار النفائس ،ط،1
بيروت 1420هـ.
-244الموطأ :اإلمام مالك بن أنس ( 179هـ) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي،
دار الكتاب المصري ،بيروت.
347
-245نصب الراية :لجمال الدين عبد اهلل بن يوسف الزيلعي :دار الحديث،
الهند.
-246نظام التأمين حقيقته والرأي الشرعي فيه :الشيخ مصطفى أحمد
الزرقاء.
-247النظام السياسي في اإلسالم :د.محمد أبو فارس ،دار الفرقان ط،2
عمان 1986م.
-248النظرية اإلسالمية في الدولة :حازم عبد المتعال الصعيدي ،دار
النهضة العربية ط1977 ،1م.
-249نظرية اإلسالم وهديه :أبو األعلى المودودي ،مؤسسة الرسالة،
بيروت 1400هـ.
-250نظرية الضرورة الشرعية :جميل محمد مبارك ،دار الوفاء ،القاهرة
.1988
-251نهاية السول في شرح منهاج األصول :جمال الدين اإلسنوي ،عالم
الكتب القاهرة.
-252النهاية في غريب الحديث :مجد الدين المبارك بن األثير (606هـ)
تحقيق :طاهر أحمد الزاوي ومحمود الطناحي ،دار إحياء الكتب
العربية ،القاهرة.
-253نهاية المحتاج :محمد بن أحمد الرملي (1004هـ) دار إحياء التراث
العربي بيروت.
-254نيل األوطار :محمد بن علي الشوكاني (1250هـ) دار الجيل ،بيروت
1973م.
-255الهداية في شرح البداية :علي بن أبي بكر المرغيناني (593هـ)
المكتبة اإلسالمية.
-256الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع :د.إياد أحمد
إبراهيم ،دار الفتح للدراسات والنشر ط ،1األردن1423 ،هـ.
348
-257الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية :محمد صدقي البورنو :مكتبة
المعارف :ط الثانية الرياض 1410هـ.
-258الوسيط :محمد بن محمد الغزالي (505هـ) دار السالم ،ط ،1القاهرة
1417هـ.
-259الوسيط في القانون الدولي الخاص :د .سامي بديع منصور ،دار
العلوم ،بيروت 1994م.
-260والية المرأة في الفقه اإلسالمي :حافظ محمد أنور ،دار بلنسية ط
،1الرياض 1999م.
المجالت :
مجلة األسرة :العدد .46 -
مجلة البحوث اإلسالمية :الرئاسة العامة للبحوث واإلفتاء (المجلد األول، -
العدد الثاني).
مجلة البحوث الفقهية= المعاصرة ( العدد .) 42 -
مجلة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية (بدبي) :العدد الخامس 1413هـ/ -
1992م.
مجلة الشريعة والدراسات اإلسالمية ،جامعة الكويت (العدد الخامس، -
يوليو 1986م).
مجلة المجمع الفقه اإلسالمي – التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي ( العدد -
األول والعدد الثالث والعدد السابع والعدد الثاني عشر ).
مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي – التابع لرابطة العالم اإلسالمي ( العدد -
األول ).
مجلة لها اللندنية ( العدد 13/11/2002 ) 113م. -
349
www.islam-online.net
www.bouti.net
www.darislam.com
www.binbaz.org.sa
www.almoslim.net
350
الصفحة فهرس الموضو الموضوع
5 المقدمة )1
92 -11 الفصل األول :مدخل إلى " القضايا الفقهية المعاصرة "
22 -13
املبحث األول :صالحية الشريعة لكل زمان ومكان .Article II
13 -المطلب األول :صالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان .
15 -المطلب الثاني :عموم الشريعة وبقاؤها وما يستلزم ذلك .
16 -المطلب الثالث :دالئل صالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان .
27 -23
المبحث الثاني ()i
:حقيقة " القضايا المعاصرة "
23 -المطلب األول :تعريف القضايا الفقهية المعاصرة .
25 -المطلب الثاني :األلفاظ ذات الصلة
39 -29 المبحث= الثالث :أهمية موضوع " القضايا= الفقهية المعاصرة "
29 -المطلب األول :أنواع القضايا المعاصرة وأمثلتها .
35 المطلب الثاني :خصائص :القضايا الفقهية المعاصرة " .
351
36 -المطلب الثالث :في فوائد وأهمية " القضايا الفقهية المعاصرة " .
68 -41
المبحث الرابع ()ii
:االجتهاد في القضايا المعاصرة
41 -المطلب األول :شروط المتصدر للفتوى في القضايا المعاصرة .
50 -المطلب الثاني :اجتهاد الصحابة في النوازل .
52 -المطلب الثالث :طريقة االجتهاد في اإلسالم .
54 -المطلب الرابع :ضوابط االجتهاد في القضايا المستجدة .
65 -المطلب الخامس :منهج دراسة القضايا المعاصرة .
78 -69 المبحث= الخامس :االجتهاد الجماعي في القضايا المعاصرة
69 -المطلب األول :تعريف االجتهاد الجامعي .
71 -المطلب الثاني :أهمية االجتهاد الجامعي في هذا العصر .
76 -المطلب الثالث :ظهور المجامع الفقهية .
92 -79 المبحث السادس :مصادر :القضايا لفقهية المعاصرة " )a
79 -المطلب األول :أهم الكتب التي تعرضت للقضايا الفقهية المعاصرة .
87 -المطلب الثاني :المجالت المتخصصة في الدراسات اإلسالمية بأبحاث
الفقه واالجتهاد .
90 المطلب الثالث :المواقع اإللكترونية المهتمة بالقضايا الفقهية المعاصرة .
332 -93 الفصل الثاني :دراسة بعض القضايا المعاصرة
95 -المبحث األول :اعتماد الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور القمرية
111 -المبحث الثاني :مصرف " في سبيل اهلل " .
127 -المبحث الثالث :إجراء العقود بآالت االتصال الحديثة .
145 -المبحث الرابع :البطاقة االئتمانية . .
352
167 -المبحث الخامس :التأمين التعاوني .
181 -المبحث السادس :زواج المسيار .
193 -المبحث السابع :حكم التبرع باألعضاء .
219 -المبحث الثامن :إجهاض الجنين المشوه .
235 -المبحث التاسع :االستنساخ .
249 -المبحث العاشر :قتل الرحمة .
267 -المبحث الحادي عشر :مسائل من فقه األقليات المسلمة .
281 -المبحث الثاني عشر :حكم التجنس بالجنسية األجنبية .
295 -المبحث الثالث عشر :اشتراك المرأة في االنتخابات .
317 -المبحث الرابع عشر :موقف اإلسالم من السينما والتمثيل .
333 -قائمة المراجع .
355 -فهرس الموضوعات= .
353