You are on page 1of 353

‫قضـايـا فقهيـة معـاصـرة‬

‫د‪ .‬عبد الحق حميش‬


‫كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‬
‫جامعة الشارقة‬

‫‪2003 / 2002‬‬
2
‫بسـم هللا الـرحمـــن الرحيـــم‬

‫‪3‬‬
‫المقدمة‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات‬
‫أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬ونشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال شريك لـه‪ ،‬ونشهد أن محمداً عبده ورسوله‪ ،‬أرسله اهلل للناس كافة بشيراً‬
‫وداعيا إليه بإذنه وسراجاً منيراً‪ ،‬بلّغ الرسالة‪ ،‬وأدى األمانة‪ ،‬ونصح األمة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ونذيراً‪،‬‬
‫وبين لها الحالل والحرام‪ ،‬القائل – عليه الصالة والسالم – " من يرد اهلل به خيراً‬
‫يفقهه في الدين "(‪ ،)1‬أما بعد‪:‬‬

‫‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري في كتاب العلم باب قول النبي ‪ :‬رب مبلغ أوعى من سامع (‪ ،1/39 )71‬ومسلم في‬ ‫(‬

‫كتاب الزكاة باب النهي عن المسألة (‪ )2/718( )1037‬من حديث معاوية ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫فهذا مقرر " قضايا فقهية معاصرة " يضم مجموعة أبحاث في مسائل‬
‫معاصرة‪ ،‬أعددتها لطالب وطالبات كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية بجامعة‬
‫الشارقة‪ :‬بعد أن بحثنا عن مرجع جامع لهذا المساق ولم نجد في المكتبة اإلسالمية‬
‫على اتساعها وثرائها مؤلف يجمع المواضيع المقررة في المنهج‪.‬‬
‫وصحيح أن هناك كتبا ومؤلفات كثيرة بهذا العنوان " قضايا فقهية معاصرة "‬
‫لكن كل كتاب منها يحوي عدداً محدوداً جداً من القضايا والوقائع المستجدة‪ ،‬إضافة‬
‫إلى أن أهم ما يجب أن يحتوي عليه الكتاب‪ :‬وهي المقدمة المنهجية في تعريف‬
‫القضايا المعاصرة وأنواعها وخصائصها‪ ،‬واالجتهاد شروطه‪ ،‬ضوابطه‪ ،‬أهميته‪...‬‬
‫كل هذه المواضيع وغيرها ال تذكر في مثل هذه الكتب والمؤلفات المطبوعة‬
‫والمتداولة اليوم‪...‬‬
‫‪ -‬أهمية الموضوع ‪:‬‬
‫لقد من اهلل على هذه األمة بأن جعل الشريعة اإلسالمية خالدة‪ :‬وأنها صالحة‬
‫لكل زمان ومكان‪ :‬فال ينضب معينها وال ينفذ عطاؤها فهي أبداً تفي بحاجات كل‬
‫عصر‪ ،‬وبمتطلبات كل دهر‪ ،‬فال تجد حادثة إال وللشريعة فيها حكم‪ ،‬وال تنزل نازلة‬
‫إال وألهل العلم والفقه رأي‪ ،‬استناداً إلى النصوص تارة‪ ،‬أو قياساً واجتهاداً تارة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وهذا الكتاب يحوي قضايا ونوازل حيوية تمس حياة األمة اإلسالمية في شتى‬
‫مجاالتها تم بحثها من خالل مصادر الشريعة اإلسالمية األصلية واجتهادات العلماء‬
‫والمجامع الفقهية‪.‬‬
‫وال ينكر أحد أهمية هذه القضايا والنوازل بالنسبة لجمهور الناس ولطلبة‬
‫الشريعة خاصة‪.‬‬
‫‪ -‬األهداف العلمية والعملية في تدريس هذا المقرر ‪:‬‬
‫يسعى هذا المقرر لتحقيق األهداف التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬التعرف الدقيق على األحكام الشرعية في جملة مهمة من القضايا والمسائل‬
‫المستجدة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ -‬مزيد من اإلدراك لعظمة هذا الدين الذي جاء لتحقيق مصالح الناس ودرء‬
‫المفاسد عنهم‪.‬‬
‫‪ -‬والتأكيد على صالحية الشريعة للتطبيق في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ -‬معرفة الخطوات التي يتبعها المجتهد للنظر في القضايا المعاصرة‪.‬‬
‫‪ -‬تعليم الطالب فقه الموازنة والترجيح‪ ،‬وإ كسابه الملكة الفقهية كيما يكون‬
‫رائداً من رواد الشريعة وداعية من دعاتها‪ :‬يستعمله اهلل في تحقيق خلودها‬
‫وإ ثبات أهليتها وعموم صالحيتها‪.‬‬
‫‪ -‬وتزكية لهذا العلم بنشره وتعليمه لدى من يجهله‪.‬‬
‫منهج الكتاب ‪:‬‬
‫لقد كان منهجنا في كتابة هذا المقرر على النحو التالي ‪:‬‬
‫‪ -1‬االقتصار على أهم المسائل والقضايا المعاصرة وخاصة التي تشغل بال‬
‫الناس ويكثر السؤال حولها‪ ،‬وأن تكون في أبواب الفقه المختلفة (قضايا في‬
‫العبادات‪ ،‬وأخرى في المعامالت‪ ،‬وبعض القضايا الطبية‪ ،‬وغيرها‪.)...‬‬
‫‪ -2‬االختصار قليالً في األبحاث ما أمكن مع مالحظة عدم اإلخالل‬
‫بالموضوع‪ ،‬وذلك ألن كل قضية تحتاج في الواقع إلى كتاب مستقل‪...‬‬
‫‪ -3‬االهتمام بالتعريفات وبيان ماهية كل قضية وذلك ألن الحكم على الشيء‬
‫فرع عن تصوره‪.‬‬
‫‪ -4‬عرض كل قضية بآرائها المختلفة مع ذكر األدلة من القرآن والسنة أو‬
‫أنواع التعليالت األخرى‪ ،‬وتوثيق ذلك دائماً‪.‬‬
‫‪ -5‬الرجوع واالستعانة بفتاوى هيئات كبار العلماء‪ ،‬والمجامع ومراكز‬
‫البحوث الفقهية‪.‬‬
‫‪ -6‬تقييد جميع المراجع التي استعنا بها في البحث لتكون ثبتاً مرجعياً للطلبة‬
‫لعلهم يرجعون إليها لمن أراد التعمق أو االستزادة والتفصيل‪...‬‬
‫هذا وقد كانت خطة البحث على النحو التالي‪:‬‬
‫خطة البحث ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫جعلت البحث في مقدمة وفصلين على النحو التالي‪:‬‬

‫الفصل األول ‪ :‬مدخل إلى " القضايا الفقهية المعاصرة "‬

‫المبحث األول ‪ :‬صالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان‬


‫‪ -‬المطلب األول ‪ :‬صالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬عموم الشريعة وبقاؤها وما يستلزم ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الثالث ‪ :‬دالئل صالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬حقيقة " القضايا الفقهية= المعاصرة "‬


‫‪ -‬المطلب األول ‪ :‬تعريف القضايا الفقهية المعاصرة‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬األلفاظ ذات الصلة ‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬أهمية موضوع " القضايا الفقهية المعاصرة "‬


‫‪ -‬المطلب األول ‪ :‬أنواع القضايا المعاصرة وأمثلتها‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬خصائص " القضايا الفقهية المعاصرة "‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الثالث ‪ :‬في فوائد وأهمية " القضايا الفقهية المعاصرة "‪.‬‬

‫المبحث الرابع ‪ :‬االجتهاد في القضايا المعاصرة‬


‫‪ -‬المطلب األول ‪ :‬شروط المتصدر للفتوى في القضايا المعاصرة‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬اجتهاد الصحابة في النوازل‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الثالث ‪ :‬طريقة االجتهاد في اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الرابع ‪ :‬ضوابط االجتهاد في القضايا المستجدة‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الخامس‪ :‬منهج دراسة القضايا المعاصرة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬االجتهاد الجماعي في القضايا المعاصرة‬
‫‪ -‬المطلب األول ‪ :‬تعريف االجتهاد الجماعي‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬أهمية االجتهاد الجماعي في هذا العصر‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الثالث ‪ :‬ظهور المجامع الفقهية‪.‬‬

‫المبحث السادس ‪ :‬مصادر " القضايا الفقهية= المعاصرة "‬


‫‪ -‬المطلب األول ‪ :‬أهم الكتب التي تعرضت للقضايا الفقهية المعاصرة‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الث اني ‪ :‬المجالت المتخصصة في الدراس ات اإلس المية وبأبح اث‬
‫الفقه واالجتهاد‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الثالث ‪ :‬المواقع اإللكترونية المهتمة بالقضايا الفقهية المعاصرة‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬دراسة بعض القضايا المعاصرة‬

‫المبحث األول ‪ :‬اعتماد الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور القمرية‬ ‫‪-‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬مصرف " في سبيل اهلل "‬ ‫‪-‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬إجراء العقود بآالت االتصال الحديثة‬ ‫‪-‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬البطاقة االئتمانية‬ ‫‪-‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬التأمين التعاوني‬ ‫‪-‬‬
‫المبحث السادس ‪ :‬زواج المسيار‬ ‫‪-‬‬
‫المبحث السابع ‪ :‬حكم التبرع باألعضاء‬ ‫‪-‬‬
‫المبحث الثامن ‪ :‬إجهاض الجنين المشوه‬ ‫‪-‬‬
‫المبحث التاسع ‪ :‬االستنساخ‬ ‫‪-‬‬

‫‪8‬‬
‫المبحث العاشر ‪ :‬قتل الرحمة‬ ‫‪-‬‬
‫المبحث الحادي عشر ‪ :‬مسائل من فقه األقليات المسلمة‬ ‫‪-‬‬
‫المبحث الثاني عشر ‪ :‬حكم التجنس بالجنسية األجنبية‬ ‫‪-‬‬
‫المبحث الثالث عشر ‪ :‬اشتراك المرأة في االنتخاب ومؤسسات الشورى‬ ‫‪-‬‬
‫المبحث الرابع عشر ‪ :‬موقف اإلسالم من السينما والتمثيل‬ ‫‪-‬‬

‫أسأل اهلل تعالى أن أكون قد وفقت في تقديم هذا العمل لطالب الشريعة اإلسالمية‬
‫وخدمة للشريعة اإلسالمية راجيا عفوه وغفرانه عن كل تقصير أو سهو بدر مني ‪،‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬
‫د ‪ .‬عبد الحق حميش‬ ‫الشارقة في ‪ 13‬جمادى الثانية ‪1424‬هـ‬
‫كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‬ ‫‪ 11‬أغسطس ‪2003‬م‬

‫‪9‬‬
10
‫الفصــل األول‬

‫مدخـل إلى " القضايا الفقهية المعاصرة "‬

‫‪11‬‬
12
‫المبحث األول‬

‫بعد أن ذكرنا بصالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان نتطرق في هذا‬
‫المدخل لبعض المواضيع المهمة التي لها عالقة بالقضايا الفقهية المعاصرة ‪:‬‬
‫حقيقتها ‪ ،‬أهمية الموضوع ‪ ،‬االجتهاد في القضايا المعاصرة ‪ ،‬االجتهاد الجماعي ‪،‬‬
‫ومصادر القضايا الفقهية المعاصرة ‪.‬‬

‫المطلب األول‬
‫صالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان‬

‫تتميز الشريعة اإلسالمية بمرونتها وقابليتها لمواجهة التطور البشري‪،‬‬


‫والتغير الزماني والمكاني‪ ،‬مما يجعلها صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان‪ ،‬وأنها‬ ‫ّ‬
‫– بمصادرها ونصوصها وقواعدها – لم تقف يوماً من األيام مكتوفة اليدين‪ ،‬أو‬
‫مغلولة الرجلين‪ ،‬أمام وقائع الحياة المتغيرة‪ ،‬منذ عهد الصحابة فمن بعدهم‪ ،‬وأنها‬
‫ظلت القانون المقدس المعمول به في اإلسالم حوالي ثالثة عشر قرناً من الزمان إلى‬
‫أن جاء عهد االستعمار الغربي الذي استبدل بها تشريعاته الوضعية‪ ،‬فأحل بها ما‬
‫حرم اهلل‪ ،‬وأبطل بها ما فرض اهلل‪.‬‬
‫وإ نما استطاعت الشريعة اإلسالمية أن تفي بحاجات كل المجتمعات التي‬
‫حكمتها‪ ،‬وأن تعالج كافة المشكالت في كافة البيئات التي حلت بها‪ ،‬بأعدل الحلول‬
‫وأصلحها‪ ،‬ألنها ‪ -‬بجوار ما اشتملت عليه‪ ،‬من متانة األصول التي قامت على‬
‫مخاطبة العقل‪ ،‬والسمو بالفطرة‪ ،‬ومراعاة الواقع‪ ،‬والموازنة بين الحقوق‬
‫والواجبات‪ ،‬وبين الروح والمادة‪ ،‬وبين الدنيا واآلخرة‪ ،‬وإ قامة القسط بين الناس‬
‫جميعاً‪ ،‬وجلب المصالح والخيرات ودرء المفاسد والشرور بقدر اإلمكان – قد‬

‫‪13‬‬
‫أودعها اهلل مرونة عجيبة جعلتها تتسع لمواجهة كل طريف‪ ،‬ومعالجة كل جديد بغير‬
‫عنت وال إرهاق‪.‬‬
‫ولقد خيل لبعض الناس أن الشريعة اإلسالمية شريعة جامدة صارمة ال يتسع‬
‫(‪)1‬‬
‫صدرها لمسايرة التطور ومواجهة ما يجد من أحداث الزمان!!‬
‫ومن الناس من يقول بأن الفقه اإلسالمي مجرد أوامر محددة ونواه معددة‬
‫جامدة غير صالحة لمسايرة تطور األمم والشعوب‪ ،‬ويبنون ظنونهم هذه على أن‬
‫التشريع اإلسالمي تشريع جاء ألمة بدائية بدوية بعيدة عن الرقي‪ ،‬جاء في أرض‬
‫صحراوية الحظ لها من المدنية أو التقدم‪ ،‬كما جاء في فترة معينة من الزمن مضى‬
‫عليها القرون الطويلة وأني لمثل هذا الفقه أن يساير الزمن أو يالئم تطور‬
‫المدنيات(‪.)2‬‬
‫إن الشريعة اإلسالمية من وضع اهلل العليم الخبير بأحوال عباده الذين‬
‫استخلفهم في أرضه ليعمروها إلى أن يرثها سبحانه‪ ،‬ومنها خرج الفقه اإلسالمي‬
‫ودرب أصحابه ليكونوا مصابيح تنير الطريق‬ ‫باالجتهاد الذي أذن به رسول اهلل ‪ّ ‬‬
‫لمن جاء بعدهم من الفقهاء الذين يبحثون عن حكم اهلل لكل واقعة بما أقامه الشارع‬
‫من أدلة وأمارات‪.‬‬
‫ولم يقف الفقه اإلسالمي يوماً من األيام أمام الحوادث ولم يضق عن حكم‬
‫لمعضلة أياً كان نوعها مدنية كانت أو جنائية أو عائلية بل كان وما يزال وإ لى قيام‬
‫الساعة قابالً للقيام بأعباء الحياة وباإلجابة عن كل حادثة أو نازلة تعترض الناس في‬
‫حياتهم المتطورة ‪ :‬إنه فقه متطور ال جمود فيه وال رجعية متى حسن تطبيقه‪ ،‬ولقد‬
‫تطور بسرعة مذهلة أيام االجتهاد األولى ثم ضعفت فيه هذه الحركة بعد انتشار‬
‫التقليد ولكنها لم تمت(‪.)3‬‬

‫‪ )?(1‬مدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص‪.139‬‬


‫‪ )?(2‬المدخل في الفقه اإلسالمي‪ :‬محمد مصطفى شلبي‪ ،‬ص‪.399‬‬
‫‪ )?(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.500‬‬

‫‪14‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫عموم الشريعة وبقاؤها وما يستلزم ذلك‬

‫الشريعة اإلسالمية عامة لجميع البشر في كل زمان ومكان‪ ،‬قال تعالى‪ :‬‬
‫قل يا أيها الناس إني رسول اهلل إليكم جميعاً ‪[ ‬األعراف‪ ،]158 :‬وقال تعالى‪  :‬وما‬
‫أرسلناك إال كافة للناس بشيراً ونذيراً ‪[ ‬سبأ‪.]28 :‬‬
‫وهي باقية ال يلحقها نسخ وال تغيير ألن الناسخ يجب أن يكون بقوة المنسوخ‬
‫أو أقوى منه‪ ،‬فال ينسخ الشريعة اإلسالمية من اهلل إال تشريع آخر من اهلل‪ ،‬وحيث أن‬
‫الشريعة اإلسالمية خاتمة الشرائع ومحمد ‪ ‬خاتم النبيين كما قال تعالى‪  :‬ما كان‬
‫محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول اهلل‪ ،‬وخاتم النبيين ‪[ ‬األحزاب‪.]40 :‬‬
‫وعموم الشريعة وبقاؤها وعدم قابليتها للنسخ والتبديل كل ذلك يستلزم عقالً‬
‫أن تكون قواعدها وأحكامها على نحو يحقق مصالح الناس في كل عصر ومكان‬
‫ويفي بحاجاتهم‪ ،‬وال يضيق بها وال يتخلف عن أي مستوى عال سيبلغه المجتمع‪،‬‬
‫وهذا كله متوفر في الشريعة اإلسالمية ألن اهلل تعالى إذ جعلها عامة في الزمان‬
‫والمكان وخاتمة لجميع الشرائع‪ ،‬وجعل قواعدها وأحكامها على النحو الذي يجعلها‬
‫صالحة لكل زمان ومكان وهذا ما يدل عليه واقع الشريعة ومصادرها وطبيعية‬
‫مبادئها وأحكامها وما ابتنيت عليه هذه األحكام(‪.)1‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫دالئل صالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان‬
‫‪1‬‬
‫(?) التشريع اإلسالمي‪ :‬شعبان محمد إسماعيل ص‪ ،35 – 34‬المدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية‪ :‬د‪ .‬عبد‬
‫الكريم زيدان ص‪.40 – 39‬‬

‫‪15‬‬
‫إن من األس باب ال تي ت دل على أن الش ريعة اإلس المية ص الحة لكل زم ان‬
‫ومكان‪ ،‬وأنها ال يمكن أن تعجز عن اإلجابة عن أي نازلة تقع بالناس ما يلي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن نصوص الشريعة قد اقتصرت على األحكام التي ال تتغير بتغير‬
‫األزمنة واألمكنة‪ ،‬وتركت ما وراء ذلك للمجتهدين والعلماء وأولي األمر في األمة‬
‫أهل الحل والعقد يجتهدون في تلك الوقائع والنوازل ويطبقون عليها ما يناسبها من‬
‫قواعد أصول الفقه المقتبسة من النصوص الشرعية األساسية‪.‬‬
‫إن الشريعة اإلسالمية وضعت سبالً لعالج ما يجد من أحكام‪ :‬فقد شرعت‬
‫االجتهاد لتبين أحكام األمور والمشكالت التي ليس لها حكم منصوص في الشريعة‪،‬‬
‫مثل ما شرعت التعزير لمعالجة الجرائم التي لم ينص الشارع على عقوبة مقدرة‬
‫فيها‪ ،‬ومقدار التعزيرات وأجناسها وصفاتها تتغير بحسب اقتضاء المصلحة لها‬
‫زماناً ومكاناً(‪.)1‬‬
‫ثانياً‪ :‬عوامل السعة والمرونة في الشريعة(‪ :)2‬ومن األسباب أيضاً سعة‬
‫الشريعة اإلسالمية ومرونتها وقابليتها لمالءمة كل وضع جديد‪ - ،‬وكما سبق وأن‬
‫أكدنا – فإن من الحقائق المسلمة أن الشريعة اإلسالمية قد وسعت العالم اإلسالمي‬
‫كله على تنائي أطرافه وتعدد أجناسه وتنوع بيئاته الحضارية‪ ،‬وتجدد مشكالته‬
‫الزمنية‪.‬‬
‫إن اإلسالم‪ ،‬الذي ختم اهلل به الشرائع والرساالت السماوية‪ ،‬أودع اهلل فيه‬
‫عنصر الثبات والخلود‪ ،‬وعنصر المرونة والتطور‪ ،‬معاً‪ ،‬وهذا من روائع اإلعجاز‬
‫في هذا الدين‪ ،‬وآية من آيات عمومه وخلوده‪ ،‬وصالحيته لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫ونستطيع أن نحدد مجال الثبات‪ ،‬ومجال المرونة‪ ،‬في شريعة اإلسالم‪،‬‬
‫ورسالته الشاملة الخالدة‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫إن الثبات على األهداف والغايات‪ ،‬والمرونة في الوسائل واألساليب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) خصائص الشريعة اإلسالمية‪ :‬د‪ .‬عمر سليمان األشقر‪ ،‬ص‪.63 – 62‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) مدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص‪.151 – 149‬‬

‫‪16‬‬
‫الثبات على األصول والكليات‪ ،‬والمرونة في الفروع والجزئيات‪.‬‬
‫الثبات على القيم الدينية واألخالقية‪ ،‬والمرونة في الشؤون الدنيوية والعلمية‪.‬‬
‫وربما سأل سائل‪ :‬لماذا كان هذا هو شأن اإلسالم؟! لماذا لم يودعه اهلل‬
‫المرونة المطلقة أو الثبات المطلق؟!‬
‫والجواب‪ :‬إن اإلسالم بهذا‪ ،‬يتسق مع طبيعة الحياة اإلنسانية خاصة‪ ،‬ومع‬
‫طبيعة الكون الكبير عامة‪ ،‬فقد جاء هذا الدين مسايراً لفطرة اإلنسان وفطرة الوجود‪.‬‬
‫أما طبيعة الحياة اإلنسانية نفسها‪ ،‬ففيها عناصر ثابتة ما بقي اإلنسان‪،‬‬
‫وعناصر مرنة قابلة للتغيير والتطور‪ ،‬كما أشرنا إلى ذلك من قبل‪.‬‬
‫وإ ذا نظرنا إلى الكون من حولنا وجدناه يحوي أشياء ثابتة‪ ،‬ما بقي اإلنسان‪،‬‬
‫وعناصر مرنة قابلة للتغيير والتطور‪ ،‬كما أشرنا إلى ذلك من قبل‪.‬‬
‫وإ ذا نظرنا إلى الكون من حولنا وجدناه يحوي أشياء ثابتة‪ ،‬تمضي ألوف‬
‫السنين وألوف األلوف‪ ،‬وهي‪ :‬أرض وسماء وجبال وبحار‪ ،‬وليل ونهار‪ ،‬وشمس‬
‫وقمر ونجوم ومسخرات بأمر اهلل‪ ،‬كل في فلك يسبحون‪.‬‬
‫وفيه أيضاً‪ :‬عناصر جزئية متغيرة‪ ،‬جزر تنشأ‪ ،‬وبحيرات تجف‪ ،‬وأنهار‬
‫تحفر‪ ،‬وماء يطغي على اليابسة‪ ،‬ويبس يزحف على الماء‪ ،‬وأرض ميتة تحيا‪،‬‬
‫وصحار قفر تخضر‪ ،‬وبالد تعمر‪ ،‬وأمصار تخرب‪ ،‬وزرع ينبت وينمو‪ ،‬وآخر‬
‫يذوي‪ ،‬ويصبح هشيماً تذروه الرياح‪ ،‬هذا هو شأن اإلنسان‪ ،‬وشأن الكون‪ ،‬ثبات‬
‫وتغير في آن واحد‪ ،‬ولكنه ثبات في الكليات والجوهر‪ ،‬وتغير في الجزئيات‬
‫والمظهر‪.‬‬
‫–‬ ‫فإذا كان التطور قانوناً في الكون والحياة‪ ،‬فالثبات قانون قائم فيهما‬
‫كذلك – بال مراء‪ ،‬وإ ذا كان من الفالسفة في القديم‪ ،‬من قال بمبدأ الصيرورة‬
‫والتغير‪ ،‬باعتباره القانون األزلي‪ ،‬الذي يسود الكون كله‪ ،‬فإن فيهم من نادى بعكس‬
‫ذلك‪ ،‬واعتبر الثبات هو األساس‪ ،‬واألصل الكلي للكون كله‪.‬‬
‫والحق أن المبدأين كليهما من الثبات والتغير يعمالن معاً في الكون والحياة‪،‬‬
‫كما هو مشاهد وملموس‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫فال عجب أن تأتي شريعة اإلسالم‪ ،‬مالئمة لفطرة اإلنسان وفطرة الوجود‪،‬‬
‫جامعة بين عنصر الثبات وعنصر المرونة‪.‬‬
‫وبهذه المزية يستطيع المجتمع المسلم‪ ،‬أن يعيش ويستمر ويرتقي‪ ،‬ثابتاً على‬
‫أصوله وقيمه وغاياته‪ ،‬متطوراً في معارفه وأساليبه وأدواته‪.‬‬
‫فبالثبات‪ ،‬يستعصي هذا على المجتمع عوامل االنهيار والفناء أو الذوبان في‬
‫المجتمعات األخرى‪ ،‬أو التفكك على عدة مجتمعات‪ ،‬تتناقض في الحقيقة‪ ،‬وإ ن ظلت‬
‫داخل مجتمع واحد في الصورة‪.‬‬
‫بالثبات يستقر التشريع وتتبادل الثقة‪ ،‬وتبنى المعامالت والعالقات على دعائم‬
‫مكينة‪ ،‬وأسس راسخة‪ ،‬ال تعصف بها األهواء والتقلبات السياسية واالجتماعية ما‬
‫بين يوم وآخر‪ ،‬وبالمرونة‪ ،‬يستطيع هذا المجتمع أن يكيف نفسه وعالقاته‪ ،‬حسب‬
‫تغير الزمن وتغير أوضاع الحياة‪ ،‬دون أن يفقد خصائصه ومقوماته الذاتية‪.‬‬
‫وإ ن للثبات والمرونة مظاهر ودالئل شتى‪ ،‬نجدها في مصادر اإلسالم‬
‫وشريعته وتاريخه‪ ،‬يتجلى هذا الثبات في‪:‬‬
‫النصية القطعية للتشريع‪ :‬من كتاب‪ ،‬وسنة رسوله‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المصادر األصلية‬
‫فالقرآن هو األصل والدستور‪ ،‬والسنة هي الشرح النظري‪ ،‬والبيان العملي للقرآن‪،‬‬
‫وكالهما مصدر إلهي معصوم وال يسع مسلماً أن يعرض عنه‪:‬‬
‫‪ ‬أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول ‪[ ‬النور‪  ,]54 :‬إنما كان قول المؤمنين إذا‬
‫دعوا إلى اهلل ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ‪[ ‬النور‪.]51 :‬‬
‫وتتجلى في " المصادر االجتهادية " التي اختلف فقهاء األمة في مدى‬
‫االحتجاج بها‪ ،‬ما بين موسع ومضيق‪ ،‬ومقل ومكثر‪ ،‬مثل اإلجماع والقياس‪،‬‬
‫واالستحسان‪ ،‬والمصالح المرسلة‪ ،‬وأقوال الصحابة‪ ،‬وشرع من قبلنا‪ ...‬وغير ذلك‬
‫من مآخذ االجتهاد‪ ،‬وطرائق االستنباط‪.‬‬
‫ومن أحكام الشريعة التي نجدها تنقسم إلى قسمين بارزين‪:‬‬
‫‪ -‬قسم يمثل الثبات والخلود‪.‬‬
‫‪ -‬وقسم يمثل المرونة والتطور‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫نجد الثبات في العقائد األساسية‪ :‬من اإليمان باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪،‬‬
‫واليوم اآلخر‪ ،‬وهي التي ذكرها القرآن في غير موضع كقوله‪  :‬ليس البر أن تولوا‬
‫وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن باهلل واليوم اآلخر والمالئكة‬
‫والكتاب والنبيين ‪[ ‬البقرة‪  ,]177 :‬ومن يكفر باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم‬
‫اآلخر فقد ضل ضالالً بعيداً ‪[ ‬النساء‪.]136 :‬‬
‫وفي األركان العملية الخمسة‪ :‬من الشهادتين‪ ،‬وإ قام الصالة‪ ،‬وإ يتاء الزكاة‪،‬‬
‫وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت الحرام‪ ،‬وهي التي صح عن الرسول ‪ ‬أن اإلسالم‬
‫بني عليها‪.‬‬
‫وفي المحرمات اليقينية‪ :‬من السحر‪ ،‬وقتل النفس‪ ،‬والزنا‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل‬
‫مال اليتيم‪ ،‬وقذف المحصنات الغافالت المؤمنات‪ ،‬والتولي يوم الزحف‪ ،‬والغصب‪،‬‬
‫والسرقة‪ ،‬والغيبة‪ ،‬والنميمة‪ ،‬وغيرها مما ثبت بقطعي القرآن والسنة‪.‬‬
‫وفي أمهات الفضائل‪ :‬من الصدق‪ ،‬واألمانة‪ ،‬والعفة‪ ،‬والصبر‪ ،‬والوفاء‬
‫بالعهد‪ ،‬والحياء‪ ،‬وغيرها من مكارم األخالق‪ ،‬التي اعتبرها القرآن والسنة من شعب‬
‫اإليمان‪.‬‬
‫وفي شرائع اإلسالم القطعية=‪ :‬في شؤون الزواج‪ ،‬والطالق‪ ،‬والميراث‪،‬‬
‫والحدود والقصاص‪ ،‬ونحوها من نظم اإلسالم‪ ،‬التي ثبتت بنصوص قطعية الثبوت‪،‬‬
‫قطعية الداللة‪ ،‬فهذه األمور ثابتة‪ ،‬تزول الجبال وال تزول‪ ،‬نزل بها القرآن‪،‬‬
‫وتوافرت بها األحاديث‪ ،‬وأجمعت عليها األمة‪ ،‬فليس من حق مجمع من المجامع‪،‬‬
‫وال من حق مؤتمر من المؤتمرات‪ ،‬وال من حق خليفة من الخلفاء‪ ،‬أو رئيس من‬
‫الرؤساء‪ ،‬أن يلغي أو يعطل شيئاً منها‪ ،‬ألنها كليات الدين وقواعده وأسسه‪ ،‬أو كما‬
‫قال الشاطبي‪ " :‬كلية أبدية‪ ،‬وضعت عليها الدنيا‪ ،‬وبها قامت مصالحها في الخلق‪،‬‬
‫حسبما بين ذلك االستقراء‪ ،‬على وفاق ذلك جاءت الشريعة أيضاً‪ ،‬فذلك الحكم الكلي‬
‫باق إلى أن يرث اهلل األرض وما عليها "(‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) الموافقات‪ :‬للشاطبي ‪.2/298‬‬

‫‪19‬‬
‫ونجد – في مقابل ذلك – القسم اآلخر‪ ،‬الذي يتمثل فيه المرونة‪ ،‬وهو ما‬
‫يتعلق بجزئيات األحكام وفروعها العملية‪ ،‬وخصوصاً في مجال السياسة الشرعية‪.‬‬
‫يق ول اإلم ام ابن القيم في كتاب ه‪ " :‬إغاثة اللهف ان " األحك ام نوع ان‪ :‬ن وع ال‬
‫يتغ ير عن حالة واح دة مر عليه ا‪ ،‬وال بحسب األزمنة وال األمكن ة‪ ،‬وال اجته اد‬
‫األئم ة‪ :‬كوج وب الواجب ات‪ ،‬وتح ريم المحرم ات‪ ،‬والح دود المق درة بالش رع على‬
‫الجرائم‪ ،‬ونحو ذلك فهذا ال يتطرق إليه تغير‪ ،‬وال اجتهاد يخالف ما وضع عليه‪.‬‬
‫والنوع الثاني‪ :‬ما يتميز بحسب اقتضاء المصلحة لـه زماناً ومكاناً وحاالً‪:‬‬
‫كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها‪ ،‬فإن الشارع ينوع فيها حسب المصلحة‪،‬‬
‫وقد ضرب ابن القيم لذلك عدة أمثلة من سنة النبي ‪ ‬وسنة خلفائه الراشدين‬
‫المهديين من بعده‪ ،‬ثم قال‪ " :‬وهذا باب واسع‪ ،‬اشتبه فيه على كثير من الناس‬
‫األحكام الثابتة الالزمة‪ ،‬التي ال تتغير‪ ،‬بالتغيرات التابعة للمصالح وجوداً وعدماً‬
‫"(‪. )1‬‬
‫ثالثاً‪ :‬كذلك من األسباب التي جعلت الشريعة اإلسالمية صالحة لكل زمان‬
‫ومكان أنها شريعة جاءت تهدف إلى تحقيق مصالح الخلق بأنواعها المختلفة‪ :‬وال‬
‫يمكن بأي حال من األحوال أن تقف في وجه أي مصلحة بشرية‪ :‬ولقد اقتصرت‬
‫نصوصها التفصيلية على األحكام التي ال تتغير بتغير الزمان والمكان‪ ،‬وتفتح باب‬
‫االجتهاد بل توجبه فيما ال نص فيه على أن يجري في ظل قواعد عامة تقر مصالح‬
‫العباد‪ ،‬وتسعى إلى إقرار الحق والعدل بين جميع الناس وتعترف باختالف األحكام‬
‫الجزئية باختالف البيئات مراعاة الختالف أعراف الناس وأساليب حياتهم‪:‬‬
‫فالشريعة التي جمعت كل هذه الميزات البد وأن تكون صالحة لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬سعة المجال أمام السياسية الشرعية‪ :‬ومن األدلة على صالحية‬
‫الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان أن اإلمام أو الحاكم ومن معه من أولي األمر‬
‫وأهل االجتهاد في األمة يجدون أمامهم مجاالً فسيحاً في باب السياسة الشرعية –‬
‫أي سياسة األمة بأحكام الشرع – بحيث تستطيع الدولة تحقيق كل مصلحة خالصة‬
‫‪1‬‬
‫(?) إغاثة اللهفان‪ :‬البن القيم الجوزية ‪.349 – 1/346‬‬

‫‪20‬‬
‫أو راجحة ودرء كل مفسدة خالصة أو غالبة وهي في ظل الشريعة السمحة ال‬
‫تخرج عنها وال تحتاج إلى غيرها‪.‬‬
‫إن الذي يحظر على الدولة المسلمة شيء واحد‪ ،‬هو أن تتبع هواها‪ ،‬أو هوى‬
‫البشر أياً كانوا‪ ،‬معرضة عما أنزل اهلل على رسوله من الهدى ودين الحق‪ ،‬بحيث‬
‫تخرج عن القواعد الشرعية‪ ،‬أو تخالف النصوص الدينية المعصومة الصحيحة في‬
‫ثبوتها‪ ،‬الصريحة في داللتها‪ ،‬أما ما كان موضع االجتهاد‪ ،‬واختالف وجهات النظر‬
‫في داللته‪ ،‬فهي في سعة من أن تأخذ من اآلراء المنقولة في فهم النص الثابت بما‬
‫تراه أرجح ديناً‪ ،‬أو في تحقيق مقاصد الشرع الذي أنزل لرعاية مصالح الخلق في‬
‫الدارين‪ ،‬كما يستطيع أهل االجتهاد أن يفهموا النص فهماً جديداً لم ينقل عن‬
‫السابقين‪ ،‬وأن يستنبطوا في ضوئه ما لم يستنبطه سلفهم‪ ،‬مادام ذلك في دائرة الحدود‬
‫واألصول المجمع عليها في فهم النصوص وتفسيرها‪.‬‬
‫إن المهم في السياسة الشرعية إذاً أال تعارض القواعد والنصوص‪ ،‬وإ ن لم‬
‫تجئ بتفصيالتها النصوص الجزئية‪ ،‬فليس المفروض في السياسة العادلة أن تأتي‬
‫بما نطق به الشرع‪ ،‬بل المفروض أال تأتي بما يخالف الشرع(‪.)1‬‬
‫لقد تركت الشريعة مجاالً واسعاً للعلماء والحكام كي يعالجوا بآرائهم‬
‫وحكمتهم في ضوء التوجيهات القرآنية والنبوية العامة أال وهو المباح‪ :‬فالقانون‬
‫اإلداري والقانون التجاري والبحري… أغلبها تدخل دائرة ما ترك ألهل الرأي من‬
‫علماء األمة وحكامها لتسييره وفق ما يرون أنه األفضل واألصلح‪ ،‬ولكن ال يجعل‬
‫هذا ديناً يتعبد اهلل به فإذا ترقت الحياة عرف الناس طرق أفضل لإلدارة والتجارة‬
‫كان لهم أن يرقوا أنظمتهم وإ دارتهم ألن ذلك اجتهادات بشرية متروكة للناس(‪.)2‬‬

‫‪ )?(1‬انظر‪ :‬التشريع اإلسالمي‪ :‬د‪ .‬شعبان محمد إسماعيل‪ ،‬ص‪.38 – 37‬‬


‫‪ )?(2‬خصائص الشريعة اإلسالمية‪ :‬د‪ .‬عمر سليمان األشقر‪ ،‬ص‪.63‬‬

‫‪21‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫حقيقة " القضايا الفقهية المعاصرة "‬

‫المطلب األول‬

‫تعريف القضايا الفقهية المعاصرة ‪:‬‬


‫يشتمل التعريف عدة عناصر هي‪ -1 :‬قضايا‪ -2 ،‬فقهية‪ – 3 ،‬معاصرة‪.‬‬
‫أوال ‪ -‬تعريف مصطلح " القضايا " ‪:‬‬
‫ً‬

‫‪22‬‬
‫القضايا‪ :‬جمع قضية‪ :‬وهي مأخوذة من قضى‪ :‬وهي األمر المتنازع عليه‬
‫التي تعرض على القاضي أو المجتهد ليحكم أو يفتي فيها(‪.)1‬‬
‫جاء في المعجم الوسيط القضية‪ :‬الحكم‪ ،‬والقضية مسألة يتنازع فيها وتعرض‬
‫على القاضي أو القضاء للبحث والفصل(‪.)2‬‬
‫ثانيا ‪ -‬الفقهية ‪:‬‬
‫ً‬
‫من الفقه وهو لغة‪ :‬الفهم الدقيق(‪ ،)3‬أما اصطالحاً‪ :‬فهو العلم باألحكام‬
‫الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية(‪.)4‬‬
‫ومعلوم أن الفقيه يبحث في فعل المكلف من حيث ما يثبت لـه من األحكام‬
‫الشرعية والفقه هو المرجع في معرفة الحكم الشرعي فيما يصدر عن اإلنسان أو ما‬
‫يعترضه من مسائل في حياته(‪.)5‬‬
‫ثالثا – المعاصرة ‪:‬‬
‫ً‬
‫المعاصرة مأخوذة من العصر وهو لغة‪ :‬الدهر‪ ،‬وهو الزمن الذي نزلت فيه‬
‫هذه القضية‪ ،‬والمقصود به العصر الحالي أو الوقت الحاضر الذي ظهرت فيه كثير‬
‫من القضايا والمسائل المستجدة التي تحتاج إلى حكم شرعي واجتهاد العلماء‬
‫المتخصصين فيها‪.‬‬
‫فمصطلح قضايا فقهية معاصرة‪ :‬يعني أن هناك قضايا مستجدة تستحق أن‬
‫توجه إليها العناية في البحث والتأصيل والتقويم‪ ،‬واإلسالم هو الدين الذي أنزله اهلل‬
‫عز وجل لتقويم الحياة اإلنسانية بما فيها من حركة ونشاط‪ :‬ومما يقطع به أن له‬
‫أحكاماً وضوابط في كل ما يكتشفه اإلنسان من حيث كيفية االستفادة منه والتعامل‬
‫معه‪ ،‬وال شك أن علماء الشرع مدعوون دائماً إلى استنباط تلك األحكام والبحث عن‬
‫تلك الضوابط‪ ،‬مستنيرين بمقاصد شريعة اهلل وقواعدها العامة ومناهج السلف‬

‫المصباح المنير‪ :‬للفيومي ‪.2/696‬‬ ‫‪)?(1‬‬


‫المعجم الوسيط‪ :‬إبراهيم أنيس وآخرون‪ ،‬مادة قضى‪ ،‬ص‪.742‬‬ ‫‪)?(2‬‬
‫القاموس المحيط‪ :‬الفيروز آبادي‪ ،‬مادة فقه ‪.1/1714‬‬ ‫‪)?(3‬‬
‫اإلبهاج‪ :‬السبكي ‪.1/28‬‬ ‫‪)?(4‬‬
‫أصول الفقه‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي ‪.28 /1‬‬ ‫‪)?(5‬‬

‫‪23‬‬
‫الصالح التي اتخذوها في مواجهة المستجدات للحكم عليها وضبط التعامل معها(‪،)1‬‬
‫وإ ن حاجة العصر إلى االجتهاد حاجة أكيدة لما يعرض من قضايا لم تعرض لمن‬
‫تقدم عصرنا‪ ،‬وكذلك ما سيحدث من قضايا جديدة في المستقبل(‪.)2‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫األلفاظ ذات الصلة‬

‫لقد أطلق الفقهاء على تلك المسائل التي استجدت بالناس في عصورهم‬
‫المتتالية عدة ألفاظ ومصطلحات‪ ،‬كما تعددت تعبيراتهم وتسمياتهم لهذا اللون من‬
‫التأليف في الفقه‪ :‬ومن التسميات التي ذكرت ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الفتاوى ‪:‬‬

‫‪ )?(1‬أبحاث فقهية في قضايا طيبة معاصرة‪ :‬محمد نعيم ياسين‪ ،‬ص‪.6‬‬


‫‪ )?(2‬قرار المجمع الفقهي في دورته الثامنة المنعقد عام ‪ 1405‬هـ بشأن موضوع االجتهاد‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫هي جمع فتوى‪ -‬بالواو – بفتح الفاء‪ ،‬وبالياء‪ ،‬فتضم وهي اسم من أفتى‬
‫العالم إذا بين الحكم(‪.)3‬‬
‫وفي االصطالح‪ " :‬هو إظهار األحكام الشرعية باالنتزاع من الكتاب والسنة‬
‫واإلجماع والقياس" (‪ ،)2‬وقيل‪ :‬هي اإلخبار بحكم اهلل تعالى عن دليل شرعي(‪.)3‬‬
‫ولعل إطالق اسم الفتاوى على " القضايا الفقهية المعاصرة " هو األشهر‬
‫واألكثر تداوالً بين الناس‪ ،‬من أمثلتها‪ :‬الفتاوى الهندية‪ ،‬وفتاوى ابن حجر‬
‫الهيثمي‪ ,‬وفتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية …‬
‫‪ -2‬الفتاوى المعاصرة ‪:‬‬
‫بعضهم يسميها الفتاوى المعاصرة ألنها تتعرض لمسائل الوقت الحاضر‬
‫وقضاياه أو العصر الحالي‪ ،‬فقد برزت في هذا العصر نوازل كثيرة تحتاج إلى‬
‫اجتهاد فقهي وحكم شرعي‪ ،‬لعل أشهر من ألف تحت هذا العنوان الشيخ يوسف‬
‫القرضاوي في كتابه المشهور في جزأين إلى اآلن‪ ،‬وهو من أنفس الكتب‪.‬‬
‫‪ -3‬القضايا المستجدة ‪:‬‬
‫القضايا جمع قضية وهي األمر المتنازع عليه‪ ،‬وأضيف إليها المستجدة ألنها‬
‫مسائل مستحدثة جديدة الوقوع‪.‬‬
‫‪ -4‬المسائل ‪ -‬أو األسئلة ‪:‬‬
‫سماها بعض العلماء القدماء بالمسائل ألنها تتناول قضايا مطلوبة تطلب حالً‬
‫أو تطلب فتوى‪ ،‬وبعضهم يسميها باألسئلة ألنها أسئلة يطرحها الناس ويتكفل العلماء‬
‫بالرد عليها‪ ،‬ومن أشهر من ألف بهذا االسم‪ :‬مسائل‪ :‬القاضي أبو الوليد بن رشد‪.‬‬
‫‪ -5‬األجوبة ‪ -‬أو الجوابات ‪:‬‬
‫كذلك سماها بعض علماء األندلس بالجوابات ألنها مسائل أجاب عنها العلماء‬
‫بطلب من الن اس‪ ،‬وفي اللغة يقول ون‪ :‬ال يس مى ج واب إال بعد طلب(‪ ،)4‬ومن أش هر‬

‫المصباح المنير باب الفتوى ‪.2/462‬‬ ‫‪)?(3‬‬


‫فتاوى ابن رشد ‪.3/1496‬‬ ‫‪)?(2‬‬
‫مباحث في أحكام الفتوى‪ :‬د‪ .‬عامر سعيد الزيباري‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫‪)?(3‬‬
‫رسالتان في اللغة‪ :‬أبو الحسن الرماني ‪.1/81‬‬ ‫‪)?(4‬‬

‫‪25‬‬
‫من ألف تحت ه ذا االس م‪ :‬أحمد بن محمد العباسي الس=====ماللي في كتابه "األجوبة‬
‫العباسية"‪.‬‬
‫‪ -6‬المشكالت‪:‬‬
‫كما عبر عنها اإلمام شلتوت في كتابه الفتاوى حيث قال‪ " :‬مشكالت المسلم‬
‫المعاصر التي تعترضه في حياته اليومية "‪ ،‬وكذلك سماها محمد فاروق النبهان في‬
‫كتابه المدخل للتشريع اإلسالمي(‪ ،)1‬والمشكالت جمع مشكلة وهي في اللغة من‬
‫أشكل‪ ،‬يقال أشكل األمر‪ :‬إذا التبس(‪.)2‬‬
‫‪ -7‬الواقعات ‪:‬‬
‫وقال ابن عابدين‪ :‬الفتاوى أو الواقعات‪ :‬وهي مسائل استنبطها المجتهدون‬
‫المتأخرون لما سئلوا عن ذلك(‪ ،)3‬والواقعات جمع واقعة وهي لغة بمعنى نزل‪ ،‬أما‬
‫في االصطالح فهي الحادثة التي تحتاج إلى استنباط حكم شرعي لها‪ ،‬وقيل هي‬
‫الفتاوى المستنبطة للحوادث المستجدة(‪.)4‬‬

‫‪ -8‬المستجدات ‪:‬‬
‫وهي المسائل الحادثة التي لم يكن لها وجود من قبل وهذه المسائل يكثر‬
‫السؤال عن حكمها الشرعي(‪.)5‬‬
‫‪ -9‬الحوادث ‪:‬‬
‫قال الشيخ محمد البركتي‪ " :‬الحوادث هي النوازل التي يستفتى فيها "(‪.)6‬‬
‫‪ -10‬فقه النوازل ‪:‬‬

‫المدخل للتشريع اإلسالمي‪ :‬محمد فاروق النبهان‪ ،‬ص‪.392‬‬ ‫‪)?(1‬‬


‫لسان العرب‪ :‬ابن منظور‪ ،‬مادة شكل ‪.11/357‬‬ ‫‪)?(2‬‬
‫مجموعة رسائل بن عابدين‪ ،‬ص‪.17‬‬ ‫‪)?(3‬‬
‫انظر‪ :‬المعامالت المالية المعاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد عثمان شبير‪ ،‬ص‪.13 -12‬‬ ‫‪)?(4‬‬
‫مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ :‬أسامة عمر سليمان األشقر‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫‪)?(5‬‬
‫‪ )?(6‬قواعد الفقه‪ :‬محمد البركتي ‪.269 /1‬‬

‫‪26‬‬
‫ويسمي كثير من العلماء " القضايا الفقهية المعاصرة " فقه النوازل وذلك ألن‬
‫النازلة هي األمر الشديد الذي يقع بالناس(‪ ،)7‬وبيان حكمها الشرعي يعني فقه‬
‫النوازل فأطلق عليه هذا المصطلح‪ ،‬واشتهر استعماله عند فقهاء المغرب خاصة‪.‬‬

‫‪ )?(7‬لسان العرب‪ :‬مادة نزل ‪.5/1829‬‬

‫‪27‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫أهمية= " القضايا الفقهية المعاصرة "‬

‫المطلب األول‬
‫أنواع القضايا المعاصرة وأمثلتها‬

‫سأذكر فيما يلي مجموعة كبيرة من القضايا والنوازل المعاصرة وأحيل في‬
‫(* )‬
‫الهامش على المجامع أو فتاوى العلماء الذين بحثوا هذه القضايا لالستفادة منها‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ -1‬قضايا في العبادات ‪:‬‬
‫الصالة في الطائرة(‪.)1‬‬
‫استئجار الكنائس للصالة فيها (في بالد الغرب)(‪.)2‬‬
‫أوقات الصالة والصيام في البالد ذات خطوط العرض العالية الدرجات(‪.)3‬‬
‫تحديد أوائل الشهور القمرية بالحساب(‪.)4‬‬
‫(‪)5‬‬
‫راكب الطائرة متى يفطر؟‬
‫(‪)6‬‬
‫الحقنة هل تفطر؟‬
‫زكاة األسهم والسندات(‪.)7‬‬
‫استثمار أموال الزكاة(‪.)8‬‬
‫صرف الزكاة على الدعوة وعلى المراكز اإلسالمية(‪.)9‬‬
‫صرف الزكاة على بناء المساجد(‪.)10‬‬
‫مشكلة لحوم األضاحي في الحج(‪.)11‬‬
‫‪ -2‬قضايا في مجال األسرة والمرأة ‪:‬‬

‫‪ )*( 1‬تتنوع النوازل باعتبارات شتى‪ :‬بالنظر إلى أبواب الفقه‪ ،‬وبالنظر إلى الرجل والمرأة‪ ،‬وبالنظر إلى اإلفراد‬
‫والتركيب‪ ...‬واخترت الترتيب المثبت أعاله اجتهاداً مني ليس إال‪.‬‬
‫(?) فتاوى إسالمية‪ :‬الشيخ ابن باز ‪ ،1/271‬فتاوى شرعية وبحوث‪ :‬الشيخ حسنين هيكل ‪.1/22‬‬
‫‪ )?( 2‬قرار رقم ‪ )11/3( 23‬مجمع الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ )?( 3‬قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء)‪.‬‬
‫‪ )?( 4‬فتاوى معاصرة‪ :‬الشيخ يوسف القرضاوي ‪ ،1/221‬الموسوعة الفقهية الكويتية مادة رؤية ‪ ،22/22‬فقه‬
‫النوازل‪ :‬بكر أبو زيد‪ ،‬الجزء األول‪.‬‬
‫‪ )?( 5‬اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء (رمضان ‪1420‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )?( 6‬فتوى للشيخ يوسف القرضاوي (‪(.www.islamonline.net‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) انظر قرار مجلس المجمع الفقهي اإلسالمي المنعقد في دورته الخامسة مكة المكرمة ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ )?( 8‬مجلس المجمع الفقهي اإلسالمي المنعقد في دورته الخامسة مكة المكرمة ‪1419‬هـ القرار السادس‪.‬‬
‫‪ )?( 9‬مجلة البحوث اإلسالمية بالرياض (المجلد األول‪ ،‬العدد الثاني)‪ ،‬أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة‪:‬‬
‫لمجموعة من العلماء‪.‬‬
‫‪ )?( 10‬انظر المراجع السابقة‪.‬‬
‫‪ )?( 11‬قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد برهان الدين السنبهلي‪ ،‬ص‪( 101‬دار القلم)‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫الزواج المدني(‪.)12‬‬
‫النكاح بإضمار نية الفرقة(‪.)2‬‬
‫زواج المسيار(‪.)3‬‬
‫التحريم بنقل الدم(‪.)4‬‬
‫تنظيم النسل(‪.)5‬‬
‫إجهاض الجنين الناتج عن اغتصاب(‪.)6‬‬
‫المشاركة السياسية للمرأة(‪.)7‬‬
‫وسائل تنظيم النسل(‪.)8‬‬

‫‪ -3‬قضايا اقتصادية ومالية (قضايا البيوع) ‪:‬‬


‫الورق النقدي(‪.)9‬‬
‫البيع بالتقسيط(‪.)10‬‬

‫‪12‬‬
‫(?) فتوى للدكتور وهبة الزحيلي (‪.)www.zuhayli.com‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) فتوى اللجنة الدائمة للبحوث واإلفتاء بالرياض‪ ،‬وفتوى للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه اهلل‪ ،‬وآخر‬
‫فتوى نشرت للشيخ ابن باز رحمه اهلل بتاريخ ‪ 5‬صفر ‪ 1420‬هـ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) فتوى للشيخ يوسف القرضاوي (‪ ،)www.qaradawi.net‬مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪:‬‬
‫أسامة األشقر (دار النفائس)‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) المجمع الفقهي اإلسالمي لرابطة العالم اإلسالمي مكة المكرمة (رجب ‪ 1409‬هـ)‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) فتوى الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية ‪ 12‬ذو القعدة ‪1355‬هـ‪ ،‬قرار هيئة كبار العلماء‬
‫بالمملكة العربية السعودية برقم ‪ 42‬وتاريخ ‪13/4/1396‬هـ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) فتوى للشيخ يوسف القرضاوي (فتاوى معاصرة‪.)2/674‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) قضايا فقهية معاصرة‪ :‬د‪.‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪ ،1/165‬فتاوى معاصرة‪ :‬الشيخ يوسف القرضاوي‬
‫‪.2/409‬‬
‫‪8‬‬
‫(?) قرار مجمع الفقه اإلسالمي بجدة في دورته الخامسة المنعقدة بالكويت (‪ 6-1‬جمادى األولى ‪ 1409‬هـ)‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫(?) انظر قرار المجمع الفقهي في دورته الخامسة المنعقدة عام ‪ 1402‬هـ‪ ،‬ومجلس مجمع الفقه اإلسالمي في‬
‫دورته مؤتمره الخامس بالكويت (‪ 6-1‬جمادى األولى ‪ 1409‬هـ الموافق ‪15/12/1988‬م)‪ ،‬أبحاث هيئة كبار‬
‫العلماء بالمملكة العربية السعودية ‪.1/27‬‬
‫‪10‬‬
‫(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة (‪12-7‬ذي القعدة ‪1412‬هـ الموافق‬
‫‪14/5/1992-9‬م)‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫بيع الحقوق المجردة(‪.)1‬‬
‫بيع الخلو(‪.)2‬‬
‫الترخيص التجاري(‪.)3‬‬
‫التأمين(‪.)4‬‬
‫تغير قيمة العملة(‪.)5‬‬
‫اإليجار المنتهي بالتمليك(‪.)6‬‬
‫إجراء العقود بآالت االتصال الحديثة (الفاكس واإلنترنت)(‪.)7‬‬
‫األسواق المالية – البورصة(‪.)8‬‬
‫بطاقات االئتمان(‪.)9‬‬
‫عقد المزايدة(‪.)10‬‬
‫بيع الدم(‪.)11‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) قرارات وتوصيات مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي بجدة‪ ،‬بحوث فقهية في قضايا‬
‫فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) مجلة مجمع الفقه اإلسالمي العدد الرابع‪ ،‬قرارات مجمع الفقه اإلسالمي بجدة في دورة مؤتمره الرابع‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) المعامالت المالية المعاصرة في الفقه اإلسالمي‪ :‬د‪.‬محمد عثمان شبير‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي الدورة الثانية بجدة (‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪1406‬هـ الموافق ‪-22‬‬
‫‪28/12/1985‬م)‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان األردن (‪ 13-8‬صفر ‪1407‬هـ‬
‫الموافق ‪16/10/1986-11‬م)‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت ( ‪ 6-1‬جمادى األولى ‪1409‬هـ‬
‫الموافق ‪15/12/1988 -10‬م)‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي في دورة مؤتمره السادس بجدة (‪ 23-17‬شعبان ‪1410‬هـ الموافق ‪-14‬‬
‫‪20/3/1990‬م)‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي في دورة مؤتمره السادس السابق‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫(?) البطاقات البنكية‪ :‬د‪.‬عبد الوهاب أبو سليمان (دار القلم‪ ،‬ومجمع الفقه اإلسالمي بجدة)‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي في دورة مؤتمره الثامن ببروناي (‪ 7-1‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪-21‬‬
‫‪27/6/1993‬م)‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫(?) مجلة المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم اإلسالمي العدد األول ‪ 1408‬هـ‪ ،‬وقرار المجمع المنعقد برجب‬
‫‪ 1409‬هـ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫البنوك الربوية والتعامل معها والعمل فيها(‪.)12‬‬
‫الفوائد المصرفية(‪.)2‬‬
‫الشرط الجزائي(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬قضايا طبية ‪:‬‬
‫قتل الرحمة (تيسير الموت للمريض الميؤوس منه)(‪.)4‬‬
‫إجهاض الجنين المشوه(‪.)5‬‬
‫أطفال األنابيب(‪.)6‬‬
‫بنوك الحليب(‪.)7‬‬
‫أجهزة اإلنعاش(‪.)8‬‬
‫زراعة األعضاء التناسلية(‪.)9‬‬
‫استخدام األجنة مصدراً لزراعة األعضاء(‪.)10‬‬
‫مداواة الرجل المرأة(‪.)11‬‬
‫مسؤوليات الطبيب وأخالقه وأدبه(‪.)12‬‬

‫‪12‬‬
‫(?) مجلة المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم اإلسالمي العدد األول ‪ 1408‬هـ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد برهان السنبهنلي (دار القلم)‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أبحاث هيئة كبار العلماء ‪.1/99‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) فتاوى معاصرة‪ :‬الشيخ يوسف القرضاوي ‪ ،2/577‬الندوة السنوية بكلية طب جامعة عين شمس ندوة قتل‬
‫الرحمة (عام ‪ 2000‬م)‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) مجلس مجمع الفقهي اإلسالمي رابطة العالم اإلسالمي في دورته ‪( 12‬مكة المكرمة ‪ 15‬رجب ‪1410‬هـ)‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) قرار المجمع الفقهي رقم ‪ ،17/4/3‬الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية‪ :‬د‪.‬عبد اهلل الجبرين ص‪ ،7‬فقه‬
‫النوازل‪ :‬بكر أبو زيد‪ ،‬الجزء األول‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي الدورة الثانية جدة (‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪ 1406‬هـ الموافق ‪/12/ 28-22‬‬
‫‪ 1985‬م)‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫(?) انظر بحث موت الدماغ بين الطب واإلسالم‪ :‬ندى محمد نعيم (دار الفكر المعاصر)‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫(?) قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ‪1401‬هـ‪ ،‬أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪:‬‬
‫د‪.‬محمد نعيم ياسين‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫(?) المؤتمر السادس للمجمع الفقهي اإلسالمي رابطة العالم اإلسالمي ‪1410‬هـ‪ 1990 /‬م‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫(?) مجمع الفقه اإلسالمي في دورة مؤتمره الثامن (القرار ‪/85/12‬د‪.)8‬‬
‫‪12‬‬
‫(?) المؤتمر العالمي األول للطب اإلسالمي المنعقد بالكويت (‪ 10-6‬ربيع األول ‪1401‬هـ الموافق ‪-12‬‬
‫‪16/1/1981‬م)‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫مرض نقص المناعة المكتسبة (اإليدز)(‪.)1‬‬
‫االستنساخ(‪.)2‬‬
‫الرتق العذري(‪.)3‬‬
‫زراعة خاليا المخ والجهاز العصبي(‪.)4‬‬
‫حكم تشريح جسم اإلنسان(‪ ،)5‬نقل الدم(‪.)6‬‬
‫إزالة الشحوم الزائدة (سحب الدهون)(‪.)7‬‬
‫العقاقير واألدوية المحتوية على محرم(‪.)8‬‬
‫اختيار جنس الجنين(‪.)9‬‬
‫األحكام المتعلقة بالعالج الطبي(‪.)10‬‬
‫استئجار الرحم(‪ ،)11‬موت الدماغ(‪.)12‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) مجمع الفقه اإلسالمي في دورة مؤتمره الثامن في بروناي (‪ 7-1‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪-21‬‬
‫‪27/6/1993‬م)‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) القرار رقم‪ )2/10( 94 :‬لمجلس مجمع الفقه اإلسالمي في دورة مؤتمره العاشر بجدة (‪ 28 -23‬صفر‬
‫‪1418‬هـ الموافق ‪28/6/1997‬م)‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ :‬د‪.‬محمد نعيم ياسين (دار النفائس)‪ ،‬ص‪.227‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) مجمع الفقه اإلسالمي بجدة (‪ 2 -17 )56/5/6‬شعبان ‪1410‬هـ الموافق ‪3/1990/ 14 -10‬م‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) أبحاث هيئة كبار العلماء ‪ ،2/5‬مجلس مجمع الفقهي اإلسالمي رابطة العالم اإلسالمي الدورة العاشرة مكة‬
‫المكرمة (‪ 24‬صفر ‪1408‬هـ الموافق ‪17/10/1987‬م)‪ ،‬حكم تشريح اإلنسان‪ :‬د‪.‬عبد العزيز خليفة القصار‬
‫(دار ابن حزم)‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) مجمع الفقهي اإلسالمي رابطة العالم اإلسالمي مكة المكرمة رجب ‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) فقه النوازل‪ :‬الجامعة األمريكية المفتوحة‪ ،‬ص‪.176 – 160‬‬
‫‪8‬‬
‫(?) حكم التداوي بالمحرمات‪ :‬د‪.‬عبد الفتاح إدريس‪ ،‬بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني‪،‬‬
‫ص‪.340‬‬
‫‪9‬‬
‫(?) فتوى للشيخ يوسف القرضاوي (‪.)www.islamonline.net /fatwa‬‬
‫‪10‬‬
‫(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة (‪ 12 -7‬ذي القعدة ‪1412‬هـ الموافق‬
‫‪1992 /14/5 -9‬م)‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫(?) راجع فتوى صادرة عن مجمع البحوث بمصر (ال تحضرني معلومات صدورها)‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫(?) موت الدماغ بين الطب واإلسالم‪ :‬ندى محمد نعيم الدقر (دار الفكر المعاصر)‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫عمليات التجميل(‪.)13‬‬
‫‪ -5‬قضايا أخرى ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫التجنس بالجنسية األجنبية ‪.‬‬
‫الرياضات العنيفة (المالكمة‪ ،‬المصارعة)(‪.)3‬‬
‫المسرح والسينما(‪.)4‬‬
‫خطف الطائرات(‪.)5‬‬
‫حوادث السير(‪.)6‬‬
‫العمل في المحالت التي تبيع الخمر والخنزير(‪.)7‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫خصائص القضايا الفقهية المعاصرة‬

‫يمتاز هذا النوع من الفقه بخصائص ومميزات أوجزها في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫(?) فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه اهلل (فتاوى إسالمية ‪ ،)4/412‬العمليات التجميلية وحكمها في الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ :‬د‪ .‬أسامة الدباغ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬العدد الرابع ص‪ ،169‬قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد سعيد رمضان البوطي‬
‫‪.1/181‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) قرار مجلس المجمع الفقهي اإلسالمي رابطة العالم اإلسالمي في دورته العاشرة مكة المكرمة ‪1408‬هـ ‪/‬‬
‫‪1987‬م‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) حكم اإلسالم في وسائل اإلعالم‪ :‬عبد اهلل ناصح علوان‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) فتوى للشيخ يوسف القرضاوي (‪.)www.islamonline.net‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن بروناي ‪7-1‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪-21‬‬
‫‪ 27‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) فتوى للشيخ عبد الباري الزمزمي عضو رابطة علماء المغرب (‪.)www.islamonline.net‬‬

‫‪34‬‬
‫النوازل في معظم األحيان لون جديد من المسائل لم يسبق حدوثها‪ ،‬لهذا قد‬
‫تكون على الناس غريبة يصعب فهمها من أول وهلة فهي تحتاج إلى إمعان نظر‬
‫وإ لى بصيرة ثاقبة‪.‬‬
‫وقليل منها نظري محض أو تعليمي خالص كما هو حال كتب الفقه بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬فهو في الغالب إجابات عن أسئلة يطرحها الناس‪ ،‬وحل لمشكالت تتعلق‬
‫بحياتهم اليومية لهذا يقبل عليه الناس ويتلهفون معرفة الجواب الصحيح المتعلق به‪:‬‬
‫فكانت مدعاة إلى إثارة علم المتصدر لها واستجالب رأيه والتعرف على‬
‫اجتهاداته واختياراته‪.‬‬
‫كما أن المسائل التي بحثت في القضايا الفقهية المعاصرة عدت ثروة جيدة‪،‬‬
‫ومادة قانونية إسالمية صحيحة استطاعت أن تدخل في الكتب والمصنفات وأن‬
‫تستمر ويقبل عليها الناس بلهفة‪ ،‬دون أن تفقد صالحيتها وقابليتها للحياة‪.‬‬
‫لذا نرى كيف أن المفتين استندوا إليها في فتاواهم واستشهدوا بها في كتبهم‪،‬‬
‫وأيدوا أجوبتهم بمضمونها‪ ،‬أو باقتباس منها في عبارتها أو أجابوا بها نفسها ناسبين‬
‫أجوبتهم إلى صاحبها(‪.)1‬‬
‫إن فقه القضايا المعاصرة يختلف عن تلك االفتراضات النظرية فهي مسائل‬
‫واقعية تحدث للناس وكل متلهف لمعرفة حكمها الشرعي‪.‬‬
‫كما تتميز المسائل المتعرض لها في القضايا الفقهية المعاصرة بالتعقيد وكثرة‬
‫تشابكها ودقة فهمها وصعوبة حل معضالتها لذا فهي تحتاج إلى مزيد جهد وإ لى‬
‫إمعان نظر وعدم التسرع في الحكم واالجتهاد فيها‪.‬‬
‫كما أن أكثر هذه المشكالت والقضايا المطروحة قد سببت الحرج والضيق‬
‫بمن نزلت بهم وهم في حاجة ماسة إلى من يجيبهم عن تلك المسائل وإ لى من يرفع‬
‫الحرج عنهم باالجتهاد والفتوى‪.‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫في فوائد وأهمية " القضايا الفقهية المعاصرة "‬

‫‪ )?(1‬انظر مقدمة كتاب فتاوى ابن رشد ‪ 8 /1‬و‪.34‬‬

‫‪35‬‬
‫للقضايا الفقهية المعاصرة فوائد تتعلق بصفة المسائل الواقعية التي تعرض‬
‫صوراً من المجتمع الذي نزلت فيه النازلة‪ ،‬وله فوائد تتعلق بالفتوى أو الحكم‬
‫الشرعي‪ ،‬وله فوائد تعود على الفقيه المجتهد الناظر في الواقعة وفيما يلي ذكر لهذه‬
‫الفوائد‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه من العلوم المهمة والفنون الضرورية في حياة الناس اليوم‪ ،‬ألنه يرد‬
‫ويجيب عن مشكالت وقضايا مستجدة وعويصة نزلت بالناس وهم في أمس الحاجة‬
‫لمعرفة الحكم الشرعي فيها‪:‬‬
‫ومن المعلوم أن الناس لم يكونوا علماء كلهم ال في عهد الرسول ‪ ‬وال في‬
‫عهد الصحابة والتابعين واألئمة المرضيين‪ ،‬ولقد أمر اهلل الجاهل أن يسأل العالم عن‬
‫الحكم فيما ينزل به من قضايا وواقعات‪ ،‬قال تعالى‪  :‬فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال‬
‫تعلمون ‪[ ‬النحل‪.]43 :‬‬
‫إذاً يهدف فقه القضايا المعاصرة إلى توليد البدائل الشرعية للمشكالت‬
‫اجتماعيا وسياسياً واقتصادياً وقانونياً…‬
‫ً‬ ‫المطروحة على الساحة المعاصرة‬
‫‪ -2‬كما أن للقضايا الفقهية المعاصرة أهمية أخرى تتصل بصفة النوازل‬
‫الواقعية التي تعرض لنا صوراً من المجتمع الذي وقعت فيه تلك النوازل من الناحية‬
‫الفكرية واالجتماعية والسياسية واالقتصادية والتاريخية واألدبية‪:‬‬
‫أ – فمن الناحية الفكرية‪ :‬يعرفنا فقه القضايا المعاصرة بالعالقة بين المذاهب‬
‫الفقهية والفرق الكالمية ويظهر ذلك من خالل المناظرات والمناقشات العلمية التي‬
‫كانت تدور بين علماء الفرق والمذاهب في أثناء التعرض لنازلة من النوازل‪ ،‬كما‬
‫يظهر ذلك من خالل مواجهة األفكار المنحرفة مثل ظاهرة الردة والزندقة وكيف‬
‫واجه العلماء هذه الظواهر بالقواعد الشرعية الالزمة في هذا الميدان مع االجتهاد‬
‫العادل(‪.)1‬‬
‫ب – ومن الناحية االجتماعية‪ :‬تقدم " النوازل " الكثير من اإلشارات إلى‬
‫أحوال المجتمع اإلسالمي في منطقة النازلة من عادات في األفراح واألتراح‪ ،‬كما‬

‫‪ )?(1‬مقدمة تحقيق كتاب المسائل‪ :‬ص‪.103‬‬

‫‪36‬‬
‫تقدم لنا صورة حية عن حياة الناس وعاداتهم في السلم والحرب والعمران وأنواع‬
‫الملبوسات والمطعومات وما إلى ذلك‪ ،‬األمر الذي يجعل منها مصدراً وثيقاً لعالم‬
‫االجتماع مثلما هو للفقيه والعالم‪.‬‬
‫وكل ذلك سوف يسجله التاريخ‪ ،‬وتتناقله األجيال‪ ،‬وتصبح كتب فقه النوازل‬
‫من المصادر والمراجع التي يرجع إليها‪ ،‬لذا نجد كثيرًا من المؤرخين قد انصرف‬
‫إلى مصنفات النوازل والفتاوى لدراستها واستنباط ظواهر اجتماعية منها واستنتاج‬
‫إفادات تاريخية‪ ،‬ومن هؤالء المستشرق الفرنسي "جاك بارك" الذي اعتنى بنوازل‬
‫المازوني – الذي استفاد كثيراً من كتب فقه النوازل إلبراز جوانب اجتماعية‬
‫للمغرب في عصر هذه النوازل‪.‬‬
‫ج – ومن الناحية األدبية‪ :‬فإن لفقه القضايا المعاصرة فوائد عظيمة‪ :‬فقد‬
‫تحتوي األسئلة واألجوبة عن تلك النوازل على قطع أدبية بليغة أو شعر نادر‬
‫استشهد به‪ ،‬كما أنها تحافظ لنا على لغة الفقه والفقهاء األدبية الرائعة‪.‬‬
‫د – ومن الناحية السياسية‪ :‬تنقل هذه النوازل صورة واقعية لحوادث‬
‫تاريخية تمس ذلك المجتمع الذي وقعت فيه النازلة في السلم والحرب مما قد يفيد‬
‫السياسي في دراسته ومما يعينه في فهم كثير من أحداث الزمان‪.‬‬
‫هـ – ومن الناحية االقتصادية‪ :‬تقدم النوازل جملة من الصور عن الحالة‬
‫االقتصادية التي تمر بها البالد اإلسالمية‪ ،‬وعن الملكية والتجارة والبنوك وهذا كله‬
‫يمكن معرفته من خالل تلك النوازل والمسائل المتعلقة بالمواضيع االقتصادية‪:‬‬
‫كطغيان البنوك الربوية على واقع المسلمين اليوم وكثرة األسئلة التي يطرحها‬
‫المسلمون ويطرحها الواقع المر الذي يتخبط فيه الجانب االقتصادي في المجتمعات‬
‫المسلمة‪ ،‬ومشكلة الديون التي تتعب كاهل الدول اإلسالمية وغيرها من المواضيع‬
‫االقتصادية التي تحتاج إلى فقه واجتهاد في نوازلها وواقعاتها المريرة‪.‬‬
‫و – ومن الناحية التاريخية‪ :‬تقدم " النوازل " أحداثاً تاريخية وقعت لألمة‬
‫اإلسالمية ونزلت بها وتم الجواب عنها‪ ،‬وتقدم أحياناً أحداثاً أغفلها المؤرخون الذين‬
‫غالبا بالشؤون السياسية وما يتصل بالحكام واألمراء ومثال عن‬ ‫ينصب اهتمامهم ً‬

‫‪37‬‬
‫ذلك ما يحدث اليوم في أفغانستان من تقاتل بين الفصائل األفغانية‪ ،‬أو مثل الحرب‬
‫العراقية اإليرانية التي وقعت في الثمانينات أو اجتياح العراق للكويت وما ترتب‬
‫عليه من استعانة بالكفار‪ ،‬وما حدث ويحدث إلخواننا المسلمين في يوغسالفيا من‬
‫اضطهاد واغتصاب وما يستلزم ذلك من فقه واجتهاد يجيب عن تلك الشدائد‬
‫والنوازل التي تنزل باألمة اإلسالمية في عصورها المتتالية‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن فوائد فقه القضايا المعاصرة ذلك األثر العلمي الذي تخلفه هذه‬
‫اإلجابات ألنها تحفظ لنا مسائل واجتهادات العلماء بنصها لتكون سجالً للفتوى‬
‫مهما للمهتمين بها من أهل االختصاص ال يمكن االستغناء عنها‬
‫والقضاء ومرجعاً ً‬
‫بحال‪.‬‬
‫‪ -4‬كما أن فقه القضايا المعاصرة يعرفنا بأسماء المعة من العلماء المجتهدين‬
‫المفتيين‪ ،‬الذين تصدوا لهذه النوازل وأغاثوا األمة‪ ،‬وكيف أنهم بذلوا الجهد والوسع‬
‫للوصول إلى الحكم الشرعي وذلك باتباع أصول االجتهاد دون تعصب أو هوى‪.‬‬
‫‪ -5‬وإ ضافة للفائدة السابقة فإن فقه القضايا المعاصرة يلقي األضواء على‬
‫شخصية صاحب ذلك الفقه‪ ،‬وتدلنا على اتجاهه وموقفه وعلى أصوله التي اعتمد‬
‫عليها في اجتهاده وما إلى ذلك‪..‬‬
‫‪ -6‬كما أن لهذا الفقه فائدة أخرى‪ :‬وهي فيما إذا نوقشت هذه المسائل في‬
‫المجامع الفقهية التي يتم تشكيلها من علماء يمثلون جميع الدول اإلسالمية‪ ،‬فإن ذلك‬
‫من شأنه تلقيح أفكار العلماء واستفادة بعضهم من علم البعض‪ ،‬وكذلك من أجل‬
‫التعاون والتكاتف للوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح‪ ،‬وهذا يعصمهم من الخطأ‬
‫أو االختالف‪ ،‬كما يساعد على وضع األصول والضوابط االجتهادية مما يسهل على‬
‫الفقيه والمجتهد النوازلي عمله في استنباط األحكام الشرعية‪.‬‬
‫لهذا كله دونت أجوبة العلماء وفتاوى الفقهاء في تلك العصور الزاهرة وكانت‬
‫عظيما لمعرفة األحكام‪ ،‬وثروة فقهية واسعة‪ ،‬وكانت في الوقت نفسه‬
‫ً‬ ‫مرجعاً‬
‫مصادر يرجع إليها مختصون في علم التاريخ واالجتماع واالقتصاد والسياسة‬
‫وينهلون منها ما يفيدهم ويعينهم على الفهم الصحيح والعلم الناجح‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫وتدوين هذه النوازل ونشرها فيه الفائدة العظيمة ويكون وصالً لما انقطع من‬
‫سلسلة البحوث الفقهية التي بدأها سلفنا العلماء األعالم‪.‬‬
‫‪ -7‬كسب األجر والمثوبة من اهلل عز وجل‪ ،‬فإن الدارس " للنازلة " المتجرد‬
‫الذي يريد أن يصل إلى حكمها الشرعي إذا بذل جهده ووصل إلى حكم فيها فهو‬
‫مأجور‪ ،‬إن أصاب فله أجران‪ ،‬وإ ن أخطأ فله أجر واحد‪.‬‬
‫الميثاق‬
‫َ‬ ‫العلماء‪ :‬فقد أخذ اهللُ‬
‫َ‬ ‫حملها اهللُ‬
‫‪ -8‬الحرص على تأدية األمانة التي ّ‬
‫على العلماء ببيان األحكام الشرعية وعدم كتمانها‪ ،‬وقد حصر التكليف بهم‪ ،‬فكان‬
‫لزاماً عليهم التصدي للفتوى في النوازل ما استطاعوا إلى ذلك سبيالً‪ ،‬وذلك إبراء‬
‫للذمة بالقيام بتكاليف إبالغ العلم وعدم كتمانه‪.‬‬
‫‪ -9‬كما أن هذه النوازل تثري الفقيه بعلم من سبقه من العلماء‪ ،‬ومن ثم‬
‫يستطيع االستفادة واإلفتاء بفتاوى من سبقه إذا كانت مطابقة ومتناسبة مع النازلة‪،‬‬
‫أو على األقل أن يسلك مسالكهم ومناهجهم في دراسة نوازل عصرهم على نازلة‬
‫عصره حتى يصل إلى استنباط الحكم الشرعي المناسب لها‪ ،‬والناظر بعين فاحصة‬
‫ونظرة شمولية في هذا الجانب من الكتابة في النوازل والفتاوى الفقهية وما كان فيها‬
‫للعلماء والفقهاء من مؤلفات جليلة متكاملة مع بعضها واستفادة الالحق من السابق‬
‫فيها يجد تلك الحقيقة جلية بارزة للفكر والعيان(‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) مقدمة كتاب " النوازل الجديدة الكبرى‪ :‬للوزاني "‪ :‬تحقيق األستاذ عمر بن عباد (وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية المغرب) ‪.1/3‬‬

‫‪39‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫االجتهاد في القضايا المعاصرة‬

‫المطلب األول‬
‫شروط المتصدر للفتوى في القضايا المعاصرة‬

‫‪40‬‬
‫من الض رورة أن يك ون في األمة ع دد من العلم اء المجته دين ال ذين نس ميهم‪:‬‬
‫بالع الم الن وازلي أو الفقيه الن وازلي أو المجتهد الن وازلي‪ :‬ال ذي إلى ج انب ت وافر‬
‫ملما بأمور‬
‫شروط االجتهاد فيه ‪ -‬و التي سوف أذكرها بعد قليل ‪ -‬يجب أن يكون ً‬
‫أخرى مهمة أصبحت ضرورية خاصة في هذا العصر بحوادثه المعقدة والمتشابكة‪:‬‬
‫منها فهمه واقع عصره واستيعابه للتكنولوجيا التي ما فتأت تتطور وترتقي‪.‬‬
‫وليس كل أحد يصلح للفتوى واالجتهاد بل ال بد من توافر شروط معينة فيمن‬
‫يتصدى لالجتهاد‪ " :‬قال مالك‪ :‬وجاء رجل ابن هرمز فأرسل بعض السالطين‬
‫أهال لذلك؟‪ ،‬قال‪ :‬إن كنت عند الناس كذلك‬
‫يستشيره في الفتوى فسأله أتراني ً‬
‫أهال لذلك فباشر‪.‬‬
‫ورأوك ً‬
‫قال محمد بن رشد‪ :‬زاد في هذه الحكاية في كتاب األقضية أنه قال لـه‪ :‬إن‬
‫أهال لذلك فافعل‪ ،‬وهي زيادة صحيحة ألنه هو‬ ‫أهال لذلك ورآك الناس ً‬ ‫رأيت نفسك ً‬
‫أهال لذلك فال ينبغي له أن يفعل وإ ن رآه الناس ً‬
‫أهال‬ ‫أعرف بنفسه‪ ،‬فإن لم ير نفسه ً‬
‫أهال لذلك فال ينبغي أن يفتي وإ ن رأى هو نفسه ً‬
‫أهال‬ ‫لذلك‪ ،‬وأما إذا لم يره الناس ً‬
‫لذلك‪ ،‬ألنه قد يغلط فيما يعتقده في نفسه من أنه أهل لذلك‪ ،‬وال حرج عليه إن فعل إذا‬
‫عالما بالقرآن وبالسنة‪،‬‬
‫ً‬ ‫علم من نفسه أنه قد كملت لـه آالت االجتهاد بأن يكون‬
‫عالما بأقوال العلماء من الصحابة والتابعين ومن‬‫ً‬ ‫مميزا بين صحيحها وسقيمها‪،‬‬
‫ً‬
‫بعدهم من فقهاء األمصار وما اتفقوا عليه وما اختلفوا فيه من أهل النظر‬
‫عارفا بوضع األدلة في مواضعها‪ ،‬ويكون عنده‬ ‫ً‬ ‫بصيرا بوجه القياس‬
‫ً‬ ‫واالجتهاد‬
‫من علم اللسان ما يفهم به معاني الكالم‪ ،‬فإذا اجتمعت فيه هذه الخصال مع العدالة‬
‫والخير والدين صح استفتاؤه فيما ينزل من األحكام وجاز للعاصي تقليده فيها "(‪.)1‬‬
‫إذاً البد وأن تتوافر في المجتهد الذي يبحث في حكم النوازل شروط االجتهاد‬
‫المطلوبة في العلماء المجتهدين ألنه ال يتأتى اجتهاد بدون آلته‪ ،‬وحتى ال تتعثر‬
‫االجتهادات وتحيد عن أمر اهلل تعالى إذ ال يمكن فهم مقاصد الشرع في الكتاب‬
‫الكريم وسنة الرسول ‪ ‬إال بها‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?)البيان والتحصيل‪ :‬البن رشد ‪.17/339‬‬

‫‪41‬‬
‫وشروط المجتهد كما نص عليها علماء األصول(‪ )1‬في كتبهم هي‪:‬‬
‫بالغا‪ :‬ألن غير البالغ لم يكمل عقله حتى يؤخذ بقوله‪.‬‬
‫‪ -1‬أن يكون ً‬
‫عاقال‪ :‬ألن غيره ال تمييز لـه يهتدي به إلى ما يريد فال يعتبر‬
‫ً‬ ‫‪ -2‬أن يكون‬
‫قوله‪ ،‬والمراد من الشرط األول هو الوصول إلى مجرد العقل بالبلوغ‪ ،‬أما‬
‫الشرط الثاني فالمراد منه كماله‪.‬‬
‫عالما بنصوص الكتاب والسنة يقول ابن النجار‪ " :‬وليس المراد‬ ‫ً‬ ‫‪ -3‬أن يكون‬
‫أن يعرف سائر آيات القرآن وجميع أحاديث السنة وإ نما المراد ما يحتاج‬
‫إلى معرفته … "‪ ،‬وليس المراد بعلمه بذلك حفظه‪ ،‬بل المراد أن يكون‬
‫بحيث يمكن استحضاره لالحتجاج به ال حفظه(‪.)2‬‬
‫عالما بالناسخ والمنسوخ منها‪ -‬أي‬
‫ً‬ ‫‪ -4‬يشترط في المجتهد أيضاً أن يكون‬
‫من الكتاب والسنة ‪ -‬حتى ال يستدل بدليل منسوخ‪.‬‬
‫‪ -5‬العلم باللغة العربية‪ :‬من نحو وصرف وغيرهما من علوم اللغة العربية‪،‬‬
‫وأن يكون عارفاً بعلوم البالغة من معان وبيان وبديع وبذا يستطيع النظر‬
‫في الدليل نظراً صحيحاً ويستخرج منه األحكام استخراجاً قوياً‪ ،‬ويكفيه‬
‫في ذلك الدرجة الوسطى ال أن يبلغ مبلغ األئمة في اللغة العربية كالخليل‬
‫وسيبويه واألخفش(‪.)3‬‬
‫عالما خبيراً بمواقع اإلجماع حتى ال يفتي ويجتهد بخالف ما‬
‫ً‬ ‫‪ -6‬أن يكون‬
‫أجمع عليه فيكون قد خرق اإلجماع‪ ،‬وخرق اإلجماع حرام(‪.)4‬‬
‫عالما بأسباب النزول في اآليات واألحاديث ليعرف المراد من‬ ‫ً‬ ‫‪ -7‬أن يكون‬
‫ذلك‪ ،‬وما يتعلق بهما من تخصيص أو تعميم‪ :‬وألن بعض النصوص نزل‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظر المراجع التالية في شروط المجتهد‪ :‬الرسالة ص‪ ،509‬جمع الجوامع ‪ ،2/382‬األحكام لآلمدى‬
‫‪ ،4/162‬المستصفى ‪ ،2/250‬شرح تنقيح الفصول ص‪ ،437‬المحصول ‪ ،2/3/30‬تيسير التحرير ‪،4/180‬‬
‫الموافقات ‪ ،4/67‬فواتح الرحموت ‪ ،2/362‬إرشاد الفحول ص ‪.250‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) شرح الكوكب المنير ‪.4/461‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) انظر ضوابط االجتهاد والفتوى ألستاذنا د‪ .‬أحمد طه ريان‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) نهاية السول ‪ ،3/244‬إرشاد الفحول ص‪.251‬‬

‫‪42‬‬
‫عاما وقد أريد به الخصوص وال يفهم ذلك إال من خالل العلم بسبب نزول‬ ‫ً‬
‫النص‪.‬‬
‫عالما بأصول الفقه‪ :‬أي بأن تكون لـه قدرة على‬
‫ً‬ ‫‪ -8‬يشترط فيه أن يكون‬
‫استخراج أحكام الفقه من أدلتها وذلك بمعرفة القواعد األصولية‪ ،‬وعليه أن‬
‫يطول الباع في هذا الشرط ويضطلع على مختصراته ومطوالته بما تبلغ‬
‫به طاقته فإن هذا العلم هو عماد فسطاط االجتهاد وأساسه الذي تقوم عليه‬
‫أركان بنائه(‪.)1‬‬
‫عالما بمقاصد الشريعة وعارفاً بمصالح الناس وعرفهم حتى‬ ‫ً‬ ‫‪ -9‬أن يكون‬
‫يستنبط األحكام التي توافق مقصد الشارع وحتى ال يوقع الناس في الحرج‬
‫نقال عن الشافعي‪ " :‬مقاصد الشرع قبلة‬ ‫والعسر‪ :‬يقول اإلمام السيوطي ً‬
‫المجتهدين من توجه إلى جهة منها أصاب الحق "(‪.)2‬‬
‫شروط أخرى ‪:‬‬
‫ويمكننا أن نضيف إلى تلك الشروط التي ذكرها العلماء في المجتهد شروطاً‬
‫أخرى والتي ال بد وأن تتوافر في المجتهد النوازلي بصفة خاصة وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬الملكة الفقهية= ‪:‬‬
‫وذلك بأن يكون ذا ملكة فقهية‪ :‬وقد تكونت لديه من خالل ممارسته ألساليب‬
‫الفقهاء واصطالحاتهم‪ ،‬وأن يكون شديد الفهم بالطبع لمقاصد الكالم ألن من دون‬
‫هذه المرتبة لن تتأتى لديه القدرة على االستنباط المقصود باالجتهاد(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬سعة األفق ‪:‬‬
‫ويجب أن تتوفر في المجتهد النوازلي سعة األفق‪ ،‬وتتحقق سعة األفق بعدم‬
‫الجمود على ظواهر ألفاظ النص‪ ،‬وبالقدرة على تقليب وجوه النظر في المشكلة‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) إرشاد الفحول ص‪ ،252‬شرح الكوكب المنير ‪.4/459‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) االجتهاد (الرد على من أخلد إلى األرض وجهل أن االجتهاد في كل عصر فرض)‪ :‬جالل الدين السيوطي‪،‬‬
‫ص‪.182‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) انظر ضوابط االجتهاد والفتوى ص ‪ ،44‬وانظر الكتاب الذي أصدرته وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‬
‫بقطر بعنوان " الملكة الفقهية " فهو كتاب نفيس‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫تحقيقا للمصلحة وإن خفي‬
‫ً‬ ‫أثرا واألكثر‬
‫وإ دراك تعدد وجوه القياس‪ ،‬وانتقاء األقوى ً‬
‫مأخذه ودق تخريجه(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬الدربة على الفتوى واالستنباط والتخريج ‪:‬‬
‫ال بد من التدريب على تخريج األحكام ألن التدريب يكسب الفقيه المرونة‬
‫الفقهية الالزمة في معالجة المشكالت الحديثة‪ ،‬وضرورة التدريب على تخريج‬
‫األحكام كضرورة التدريب على حل مسائل الرياضيات‪ :‬فكما ال يكفي العلم‬
‫بالقوانين الرياضية دون التدرب عليها فكذلك ال يكفي العلم بالقواعد األصولية دون‬
‫التدرب على تطبيقها واستنباط وتخريج األحكام منها‪.‬‬
‫وقد تنبه اإلمام أبو حنيفة – رحمه اهلل ‪ -‬قديماً إلى أهمية التدريب على‬
‫تخريج األحكام فكان يدرب خواص تالميذه على ذلك‪ :‬بطرح المشكلة عليهم ثم‬
‫يتلقى األحكام واإلجابات منهم ثم يناقش هذه األجوبة معهم فيصحح منها ما يصحح‬
‫أحدا على قول(‪ ،)2‬والهدف من ذلك هو الدربة على الفتوى‬ ‫ويرد ما يرد وال يكره ً‬
‫واالستنباط…‬

‫‪ -4‬الفطنة والذكاء ‪:‬‬


‫البد وأن يكون المجتهد النوازلي ذا فطنة وذكاء حادين يستطيع بهما فهم‬
‫المسائل من جميع جوانبها ليتوصل بذلك إلى الحكم الصحيح‪ ،‬ومن ُعدم الفطنة‬
‫والذكاء فقد يغيب عليه فهم النازلة وقد يغيب عليه فهم الدليل فهماً صحيحاً فيكون‬
‫حكمه مجانباً للصواب‪.‬‬
‫‪ -5‬معرفة الناس ‪:‬‬
‫وهذا أصل عظيم يحتاج إليه الفقيه النوازلي‪ ،‬فإن لم يكن فقيهاً فيه‪ ،‬فقيهاً في‬
‫األمر والنهي يطبق أحدهما على اآلخر‪ ،‬كان ما يفسد أكثر مما يصلح‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظر بحث " منهج معالجة القضايا المعاصرة "‪ :‬د‪ .‬محمد راوس قلعجي‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المرجع السابق‪ ،‬ص‪.62‬‬

‫‪44‬‬
‫فإنه إذا لم يكن فقيهاً بمعرفة الناس فقد يتصور لـه الظالم بصورة المظلوم‬
‫وعكسه‪ ،‬والمحق بصورة المبطل وعكسه‪ ،‬وراج عليه المكر والخداع واالحتيال‪،‬‬
‫وتصور لـه الزنديق في صورة الصديق‪ ،‬والكاذب في صورة الصادق‪ ،‬ولبس كل‬
‫مبطل ثوب زور تحتها اإلثم والكذب والفجور‪ ،‬وهو لجهله بالناس وأحوالهم‬
‫وعوائدهم وعرفياتهم‪ ،‬فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد واألحوال‬
‫وذلك كله من دين اهلل كما تقدم بيانه(‪.)1‬‬
‫فرع‪ :‬وجوب ضبط المتصدين للفتوى واالجتهاد في القضايا المعاصرة ‪:‬‬
‫يق ول ال راغب األص فهاني‪ " :‬الش يء أوجب على الس لطان من مراع اة‬
‫المتص دين للرياسة ب العلم فمن اإلخالل بها ينتشر الشر ويك ثر األش رار‪ ،‬ويقع بين‬
‫الن اس التب اغض والتن افر وذلك أن الس واس أربعة‪ :‬األنبي اء وحكمهم على الخاصة‬
‫والعامة ظ اهرهم وب اطنهم‪ ،‬وال والة وحكمهم على ظ اهر الخاصة والعامة دون‬
‫ب اطنهم‪ ،‬والحكم اء وحكمهم على ب واطن الخاص ة‪ ،‬والوع اظ وحكمهم على ب واطن‬
‫العامة‪.‬‬
‫وصالح العامة بمراعاة أمر هذه السياسات لتخدم العامة الخاصة‪ ،‬وتسوس‬
‫الخاصة العامة‪ ،‬وفساده في عكس ذلك ولما تركت مراعاة المتصدي للحكمة‬
‫والوعظ‪ ،‬وترشح قوم للزعامة في العلم من غير استحقاق منهم لها فأحدثوا بجهلهم‬
‫بدعا استغروا بها العامة واستجلبوا بها منفعة ورياسة‪ ،‬ووجدوا من العامة مساعدة‬ ‫ً‬
‫لمشاكلتهم لهم وقرب جوهرهم منهم‪ ،‬فكل قرين إلى شكله كأنس الخنافس بالعقرب‬
‫وفتحوا بذلك طرقاً منسدة ورفعوا بها ستوراً مسبلة وطلبوا منزلة الخاصة فوصلوا‬
‫وكفروهم اغتصاباً لسلطانهم‬
‫فبدعوا العلماء ّ‬
‫إليها بالوقاحة وبما فيهم من الشرة‪ّ ،‬‬
‫ومنازعة في مكانهم‪ ،‬فاغروا بهم أتباعهم حتى وطؤهم بأخفافهم وأظالفهم فتولد من‬
‫ذلك البوار والجور العام…"(‪.)2‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) إعالم الموقعين ‪.3/472‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الذريعة إلى مكارم الشريعة‪ :‬أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب األصفهاني‪ ،‬ص‪.51‬‬

‫‪45‬‬
‫حرم اهلل القول فيه بغير علم‪ ،‬قال‬‫إن أمر الدين عظيم وخطير‪ ،‬ومن أجل هذا ّ‬
‫تعالى‪  :‬قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن واإلثم والبغي بغير‬
‫الحق‪ ،‬وأن تشركوا باهلل ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على اهلل ما ال تعلمون ‪‬‬
‫[األعراف‪.]33 :‬‬
‫تحصل على آلة االجتهاد‬
‫ّ‬ ‫لذا يجب أن يتولى النظر في فقه النوازل من‬
‫وتوفرت فيه شروط االجتهاد المعروفة والمذكورة في كتب أصول الفقه والتي‬
‫أشرنا إليها قريباً‪ " ،‬أما أدعياء االجتهاد الذين ال يملكون إال الجراءة على النصوص‬
‫حفاظا على‬
‫ً‬ ‫باألصول وإ تيان البيوت من غير أبوابها فهؤالء ينبغي أن ُيرفضوا‬
‫قداسة الدين وحرمة الشريعة " (‪.)1‬‬
‫وينبغي ألولياء األمور القيام بواجبهم في هذا فال يسمحوا بالفتوى واالجتهاد‬
‫أهال لذلك‪ ،‬وأما من كان بعيداً عن االجتهاد وال يحمل آلته فينبغي منعه‬‫إال لمن كان ً‬
‫بقوة السلطان‪ :‬حفاظاً على الدين وعلى أنفس وأرواح الناس…‬
‫فرع ‪ :‬ضرورة اإللمام بعلم مقاصد الشريعة للمجتهدين في القضايا المعاصرة ‪:‬‬
‫أمر المقاصد الشرعية أمر في غاية األهمية بالنسبة لحملة العلم الشرعي‬
‫والمتفقهين والمجتهدين في النوازل والوقائع المستجدة ‪:‬‬
‫إذ إنها كالبوصلة التي تحدد للمسافر صحة اتجاهه من عدمه فهي باإلضافة –‬
‫إلى شروط االجتهاد التي يجب توافرها في المجتهد – تساعد الباحث عن أحكام‬
‫الشريعة في تحديد صحة سيره‪ ،‬وسالمة طريقه في التعامل مع نصوص الكتاب‬
‫والسنة وعباراتها واستخراج واستنباط مدلوالتها ومعانيها ومراميها‪.‬‬
‫إن االلتفات إلى فقه المقاصد يساعد على تجاوز كثير من المزالق التي قد يقع‬
‫فيها بعض الفقهاء والمجتهدين أو طلبة العلم حين يقصرون نظرهم على دليل جزئي‬
‫شرعي‪ ،‬غير ملتفتين إلى موقعه في سياقه العام من كليات الشريعة ومقاصدها‬
‫العامة‪ ،‬وما قد يترتب على تنزيله في الواقع بالكيفية التي ارتأوها غير عابئين‬
‫بالموازنة بين المصالح والمفاسد الذي هو ثمرة لفقه المقاصد والذي هو في الحقيقة‬
‫‪1‬‬
‫(?) مدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص‪.281‬‬

‫‪46‬‬
‫لب السياسة الشرعية وروحها وحقيقتها في التعامل مع األحداث والوقائع‬
‫والمستجدات في الحياة ببصيرة وهدى وفقه وعقل وما أقل من جمع ذلك في‬
‫زماننا…‬
‫وإ ن مثل من يتصدى للفتوى واالجتهاد في النوازل من غير إلمام بمقاصد‬
‫الشرع وال معرفة حقيقية بالواقع مثل من يبحث عن الثمرة في غير شجرتها‪ ،‬أو‬
‫كمن يحاول استنبات البذرة في غير بيئتها ومكانها المناسب الذي ال تنمو وتنتج إال‬
‫(‪)1‬‬
‫فيه‪ ،‬وأنى لهذا أو لذاك أن يبلغ المراد أو يصل للغاية والهدف‪...‬‬
‫وإ ذا عرضت على الفقيه واقعة ليس فيها نص حكم للشارع فإنه يعطي هذه‬
‫محققا لمصلحة من‬
‫ً‬ ‫الواقعة حكماً يتفق مع مقاصد الشارع‪ ،‬وذلك بأن يكون الحكم‬
‫جنس المصالح التي دلت النصوص على اعتبارها‪ ،‬ومن ذلك أن الصحابة حكموا‬
‫بتضمين الصناع السلع التي تتلف بأيديهم‪ ،‬محافظة على األموال‪ ،‬وحكموا بقتل‬
‫الجماعة إذا اشتركوا في قتل الواحد‪ ،‬حفظاً لألرواح‪ ،‬وحفظ المال والنفس من‬
‫المصالح التي الحظها الشارع في تشريعه‪ ،‬وسار على وفقها في تشريع األحكام‪.‬‬
‫وأخيراً فإن الفقيه يزن األدلة الجزئية الظنية بمقاصد الشارع التي قامت أدلته‬
‫مخالفا لهذه المقاصد رده ولم يعتمد عليه في االستنباط‪،‬‬
‫ً‬ ‫على اعتبارها‪ ،‬فما كان منها‬
‫(‪)2‬‬
‫فقد ردت عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬حديث " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه "‬
‫مقصدا شرعياً دل عليه قوله تعالى‪  :‬أال تزر وازرة وزر أخرى وأن‬ ‫ً‬ ‫ألنه يخالف‬
‫ليس لإلنسان إال ما سعى ‪[ ‬النجم‪ ،]39-38 :‬وأهمل "مالك" اعتبار حديث " من مات‬
‫وعليه صوم صام وليه عنه " (‪ )3‬لمخالفته لهذا المقصد أيضا(‪.)4‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) المختصر الوجيز في مقاصد التشريع‪ :‬د‪ .‬عوض بن محمد القرني‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫(?) البخاري في الجنائز باب قول النبي ‪ ‬يعذب الميت (‪ ،1/432 )1226‬ومسلم في الجنائز باب الميت يعذب‬ ‫‪2‬‬

‫ببكاء أهله عليه (‪ 2/639 )926‬من حديث عبداهلل بن عمر وقول عائشة أخرجه البخاري (‪ )3759‬ومسلم (‬
‫‪.)932‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الصوم باب من مات وعليه صوم (‪ ،2/690 )1851‬ومسلم في الصيام باب قضاء‬
‫الصيام عن الميت (‪ 2/803 )1147‬من حديث عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪.-‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) انظر أصول الفقه‪ :‬د‪ .‬حسين حامد ص‪ 14‬و‪ ،15‬ومقدمة لدراسة الفقه اإلسالمي‪ :‬د‪ .‬محمد كمال الدين‬
‫إمام ص‪ 20‬و‪.21‬‬

‫‪47‬‬
‫إن المجتهد في حاجة إلى معرفة مقاصد الشارع وإ لى الطرق التي بها تعرف‬
‫المقاصد حتى تكون مقاصده تابعة لمقاصد الشارع ومحكومة بها‪ ،‬وذلك ألن‬
‫اجتهاده في األمور التي ليست داللتها واضحة إنما يقع موقعه على فرض أن يكون‬
‫ما ظهر لـه هو األقرب إلى قصد الشارع‪ ،‬واألولى بأدلة الشريعة دون ما ظهر‬
‫لغيره من المجتهدين فيجب عليه اتباع ما هو األقرب‪ ،‬وأما غير المجتهد فهو بحاجة‬
‫لعلم المقاصد للتعرف على أسرار التشريع وحكمه‪.‬‬
‫وكذلك لتنشيط العقل المسلم وتخليصه من األمراض والعلل الناجمة عن‬
‫النظر الجزئي‪ ،‬وتناسي الغايات وتجاهل المقاصد والتشبث باألمور الشكلية‬
‫واللفظية واإلحالة على التعبد ألدنى مالبسة وتجاهل الحكم أو الكسل عن طلبها‬
‫والتفتيش عنها‪.‬‬
‫وإ ن العلم بمقاصد الشريعة وأهدافها وغاياتها يساعد كثيراً على إخراج العقل‬
‫المسلم من تلك الوهدة ويعالجه من تلك األمراض ويعيد إليه نقاءه وصفاءه وتألقه‬
‫وقدرته على العطاء واالجتهاد وتوخي المقاصد والغايات(‪.)1‬‬
‫قال عبد الوهاب خالف‪ " :‬ومعرفة المقصد العام من التشريع من أهم ما‬
‫يستعان به على فهم نصوصه حق فهمها‪ ،‬وتطبيقها على الوقائع‪ ،‬واستنباط الحكم‬
‫فيما ال نص فيه " (‪ )2‬ألن داللة األلفاظ والعبارات على المعاني قد تحتمل عدة‬
‫وجوه‪ ،‬والذي يرجح واحداً من هذه الوجوه هو الوقوف على مقصد الشارع‪ ،‬وألن‬
‫بعض النصوص قد تتعارض ظواهرها‪ ،‬والذي يرفع هذا التعارض ويوفق بينها أو‬
‫يرجح أحدها هو الوقوف على مقصد الشارع‪ ،‬وألن كثيراً من الوقائع التي تحدث‬
‫ربما ال تتناولها عبارات النصوص‪ ،‬وتمس الحاجة إلى معرفة أحكامها بأي دليل من‬
‫األدلة الشرعية‪ ،‬والهادي في هذا االستدالل هو معرفة مقصد الشارع‪.‬‬
‫ولهذا يعنى رجال السلطة التشريعية في الحكومات الحاضرة بوضع‬
‫المذكرات التفسيرية‪ ،‬التي تبين المقصد من تشريع القانون بوجه عام‪ ،‬وتبين المقصد‬

‫‪1‬‬
‫(?) راجع مذكرتنا " مقاصد الشريعة " نشر الجامعة األمريكية المفتوحة بواشنطن‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) علم أصول الفقه‪ :‬عبد الوهاب خالف‪ ،‬ص‪.197‬‬

‫‪48‬‬
‫الخاص من كل مادة من مواده‪ ،‬وهذه المذكرات التفسيرية وجميع البحوث‬
‫والمناقشات التي تبودلت أثناء تحضير القانون وتشريعه هي عون رجال القضاء‬
‫على فهم القانون وتطبيقه بنصوصه وروحه ومعقوله‪.‬‬
‫وكذلك نصوص األحكام الشرعية ال تفهم على وجهها الصحيح إال إذا عرف‬
‫المقصد العام للشارع من تشريع األحكام وعرفت الوقائع الجزئية التي من أجلها‬
‫نزلت األحكام القرآنية أو وردت السنة القولية أو العملية (‪.)1‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫اجتهاد الصحابة في النوازل‬

‫قال ابن القيم الجوزية في كتابه إعالم الموقعين‪ …" :‬وقد كان أصحاب‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يجتهدون في النوازل‪ ،‬ويقيسون بعض األحكام على بعض‪ ،‬ويعتبرون‬
‫النظير بنظيره "‪.‬‬
‫وقد اجتهد الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم جميعاً ‪ -‬في زمن النبي ‪ ‬في كثير‬
‫يعنفهم‪ ،‬كما أمرهم يوم األحزاب أن يصلّوا العصر في بني‬
‫من األحكام ولم ّ‬
‫قريظة(‪ ،)2‬فاجتهد بعضهم وصالّها في الطريق‪ ،‬وقال‪ :‬لم يرد منا التأخير‪ ،‬وإ نما‬
‫وأخروها إلى بني‬‫أراد سرعة النهوض‪ ،‬فنظروا إلى المعنى‪ ،‬واجتهد آخرون ّ‬
‫‪1‬‬
‫(?) المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .198‬وهذا ال يعني إطالقاً أننا نوافق على القوانين المخالفة للشريعة اإلسالمية التي‬
‫تصدرها بعض الحكومات‪ ،‬بل ندعو القانونيين دائماً للرجوع إلى الشريعة اإلسالمية وجعلها األساس في بناء‬
‫القوانين فهي ديننا وعقيدتنا ومنهج حياتنا الذي نسأل عنه يوم القيامة ‪...‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الجمعة باب صالة الطالب والمطلوب (‪ ،1/321 )904‬ومسلم في الجهاد والسير باب‬
‫المبادرة بالغزو (‪ 1/1391 )1770‬من حديث ابن عمر – رضي اهلل عنهما ‪.-‬‬

‫‪49‬‬
‫قريظة فصلوها ليالً‪ ،‬نظروا إلى اللفظ‪ ،‬وهؤالء سلف أهل الظاهر‪ ،‬وهؤالء سلف‬
‫أصحاب المعاني والقياس‪.‬‬
‫ولما كان علي ‪ ‬باليمن أتاه ثالثة من نفر يختصمون في غالم‪ ،‬فقال كل‬
‫منهم‪ :‬هو ابني‪ ،‬فأقرع علي بينهم‪ ،‬فجعل الولد للقارع‪ ،‬وجعل عليه للرجلين ثلثي‬
‫الدية‪ ،‬فبلغ النبي ‪ ‬فضحك حتى بدت نواذجه من قضاء علي ‪ ،)1( ‬واجتهد سعد بن‬
‫معاذ ‪ ‬في بني قريظة وحكم فيهم باجتهاده‪ ،‬فصوبه النبي ‪ ‬وقال‪ " :‬لقد َح َك ْم َ‬
‫ت‬
‫فيهم بحكم اهلل من فوق سبع سماوات " (‪.)2‬‬
‫واجتهد الصحابيان اللذان خرجا في سفر‪ ،‬فحضرت الصالة وليس معهما ماء‬
‫فصليا‪ ،‬ثم وجدا الماء في الوقت‪ ،‬فأعاد أحدهما ولم يعد اآلخر‪ ،‬فصوبهما النبي ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وقال للذي لم يعد‪ " :‬أصبت السنة‪ ،‬وأجزأتك صالتك " وقال لآلخر‪ " :‬لك األجر‬
‫مرتين" (‪.)3‬‬
‫ولما قاس مجزز المدلجي ‪ ‬وقاف وحكم بقياسه وقيافته على أن أقدام زيد‬
‫سر بذلك رسول اهلل ‪ ‬حتى‬ ‫وأسامة – رضي اهلل عنهما ‪ -‬ابنه بعضها من بعض َّ‬
‫برقت أسارير وجهه من صحة هذا القياس وموافقته للحق‪ ،‬وكان زيد أبيض وابنه‬
‫أسامة أسود‪ ،‬فألحق هذا القائف الفرع بنظيره وأصله وألغى وصف السواد والبياض‬
‫الذي ال تأثير له في الحكم(‪.)4‬‬
‫وقال أبو بكر الصديق ‪ ‬في الكاللة‪ :‬أقول فيها برأيي‪ ،‬فإن يكن صواباً فمن‬
‫اهلل‪ ،‬وإ ن يكن خطأ فمني ومن الشيطان‪ ،‬أراه ما خال الوالد والولد(‪.)5‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه البيهقي في السنن (‪ )10/276‬وقال‪ :‬فيه داود بن يزيد األودي غير محتج به‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الجهاد باب إذا نزل العدو على حكم رجل (‪ ،)2878‬ومسلم في الجهاد والسير باب‬
‫جواز قتال من نقض العهد (‪ )1768‬من حديث أبي سعيد ‪. ‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه الدارمي (‪ ،)771‬وأبو داود (‪ ،)338‬والنسائي (‪ ،)1/213‬والدارقطني (‪ ،)1/189‬قال أبو داود‪:‬‬
‫وذكر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ‪ ،‬وهو مرسل‪.‬‬
‫(‬ ‫(?) أخرجه البخاري في صفة النبي ‪ ، (3362) 3/1303‬ومسلم في الرضاع باب العمل بالحقاق القائف‬ ‫‪4‬‬

‫‪.2/1081 )1459‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)19191‬وابن شيبة (‪ )11/415‬في مصنفيهما‪ ،‬والدارمي (‪ ،)3015‬وسعيد بن‬
‫منصور (‪ ،)591‬والبيهقي (‪ )6/224‬في سننهما ورجاله ثقات إال أنه منقطع‪ :‬الشعبي لم يدرك أبا بكر‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫خلف عمر ‪ ‬قال‪ :‬إني ألستحيي من اهلل أن ّ‬
‫أرد شيئاً قاله أبو بكر‪،‬‬ ‫و لما استُ ِ‬
‫ْ‬
‫وقال الشعبي عن شريح قال‪ :‬قال لي عمر‪ :‬اقض بما استبان لك من كتاب اهلل‪ ،‬فإن‬
‫لم تعلم كل كتاب اهلل فاقض بما استبان لك من قضاء رسول اهلل ‪ ‬فإن لم تعلم كل‬
‫أقضية رسول اهلل ‪ ‬فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين‪ ،‬فإن لم تعلم كل ما‬
‫قضت به أئمة المهتدين فاجتهد رأيك‪ ،‬واستشر أهل العلم والصالح(‪.)1‬‬
‫وقد اجتهد ابن مسعود ‪ ‬في المفوضة وقال‪ :‬أقول فيها برأيي‪ ،‬ووفّقه اهلل‬
‫للصواب‪ ،‬وقال سفيان عن عبد الرحمن األصبهاني عن عكرمة قال‪ :‬أرسلني ابن‬
‫عباس – رضي اهلل عنهما ‪ -‬إلى زيد بن ثابت ‪ ‬أسأله عن زوج وأبوين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫للزوج النصف‪ ،‬ولألم ثلث ما بقي‪ ،‬ولألب بقية المال‪ ،‬فقال‪ :‬تجده في كتاب اهلل أو‬
‫أما على أب(‪.)2‬‬
‫أفضل ً‬
‫تقول برأيك؟ قال‪ :‬أقوله برأيي‪ ،‬وال ّ‬

‫المطلب الثالث‬
‫طريقة االجتهاد في اإلسالم‬

‫يقول تعالى‪  :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول وأولي األمر‬
‫منكم‪ ،‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اهلل ورسوله ‪[ ‬النساء‪.]59 :‬‬
‫وبين رسول اهلل ‪ ‬لمعاذ كيفية االجتهاد في النوازل في الحديث المشهور‪:‬‬‫ّ‬
‫فعن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل أن رسول اهلل ‪ ‬لما أراد أن‬
‫يبعث معاذاً إلى اليمن قال‪ " :‬كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ " قال‪ :‬أقضي‬
‫بكتاب اهلل‪ ،‬وقال‪ " :‬فإن لم تجد في كتاب اهلل ؟ " قال‪ :‬فبسنة رسول اهلل ‪ ،‬قال‪" :‬‬
‫فإن لم تجد في سنة رسول اهلل ‪ ،‬وال في كتاب اهلل ؟ " قال‪ :‬اجتهد رأيي وال آلو‪،‬‬
‫‪ )?( 1‬أخرجه ابن عساكر في التاريخ (‪ )23/19‬ورجاله ثقات‪.‬‬
‫‪ )?(2‬عون المعبود ‪ ،9/371‬إعالم الموقعين ‪.162 – 160 /1‬‬

‫‪51‬‬
‫فضرب رسول اهلل ‪ ‬صدره وقال‪ " :‬الحمد هلل الذي وفق رسول رسول اهلل لما‬
‫يرضي رسول اهلل " (‪.)1‬‬
‫وكذلك كان دأب الخلفاء إذا عرضت لهم نازلة‪ :‬فإنهم أول ما ينظرون فيه‬
‫كتاب اهلل‪ ،‬فإن لم يجدوا فيه حكماً قضوا بالسنة فإن لم يكن في القرآن والسنة حكم‬
‫في ذلك األمر‪ ،‬اجتمعوا ونظروا في المسألة باالجتهاد الجماعي‪.‬‬
‫وعن شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه‪ " :‬إذا أتاك أمر فاقض فيه بما في‬
‫كتاب اهلل‪ ،‬فإن أتاك ما ليس في كتاب اهلل فاقض بما سن فيه رسول اهلل ‪ ،‬فإن أتاك‬
‫ما ليس في كتاب اهلل‪ ،‬ولم يسن فيه رسول اهلل ‪ ‬فاقض بما اجتمع عليه الناس إن‬
‫أتاك ما ليس في كتاب اهلل ولم يسنه رسول اهلل ولم يتكلم فيه أحد فأي األمرين شئت‬
‫فخذ به " (‪.)2‬‬
‫وعن عبيد اهلل بن أبي يزيد قال‪ " :‬سمعت ابن عباس إذا سئل عن شيء‪ ،‬فإن‬
‫كان في كتاب اهلل قال به‪ ،‬فإن لم يكن في كتاب اهلل وكان عن رسول اهلل ‪ ‬قال به‪،‬‬
‫فإن لم يكن في كتاب اهلل وال عن رسول اهلل ‪ ،‬وكان عن أبي بكر وعمر‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنهما ‪ -‬قال به‪ ،‬فإن لم يكن في كتاب اهلل وال عن رسول اهلل‪ ‬وال عن أبي بكر‬
‫وال عن عمر اجتهد رأيه " (‪.)3‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه أحمد (‪ ،5/230 )22060‬وأبو داود في باب اجتهاد الرأي في القضاء (‪،3/303 )3592‬‬
‫والترمذي باب ما جاء في القاضي كيف يقضي (‪ 3/616 )1327‬وقال‪ :‬وليس إسناده عندي بمتصل وصححه‬
‫ابن القيم وبسط القول فيه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه النسائي في سننه (‪ ،)5944‬والدارمي (‪ ،)167‬وابن أبي شيبة (‪ ،)7/241‬والبيهقي (‪،)10/110‬‬
‫وصححه الضياء في المختارة (‪ ،)133‬والحافظ في موافقة الخبر الخبر (‪.)1/120‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه الدارمي (‪ )166‬وابن شيبة (‪ ،)7/242‬وابن سعد في الطبقات (‪ ،)2/366‬والحاكم (‪،)1/127‬‬
‫والخطيب في الفقيه والمتفقه (‪ ،)2/202‬وجامع بيان العلم وفضله (‪ ،)2/849‬والبيهقي في السنن (‪)10/115‬‬
‫وصححه‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫ضوابط االجتهاد في النوازل‬

‫إن االجتهاد ضروري في هذا العصر‪ ،‬وأهميته واضحة لحياتنا اإلسالمية‬


‫المعاصرة‪ ،‬وحتى يستطيع الفقه اإلسالمي مواكبة العصر و يكون قادراً على عالج‬
‫المشكالت والنوازل المتجددة وفقاً ألصول الشريعة اإلسالمية ومقاصدها " ال بد‬
‫ونضع لـه المنهج القويم الذي يحكمه‪ ،‬ونوضح المعالم والضوابط التي تنظم سيره‬
‫وتحدد غايته وتضبط طريقه‪.)1( "...‬‬

‫‪ )?(1‬االجتهاد المعاصر بين االنضباط واالنفراط‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص‪.87‬‬

‫‪53‬‬
‫إن الذي ينظر في النوازل البد وأن يكون مسلحاً بشروط االجتهاد التي‬
‫ذكرناها سابقاً‪ ،‬كما أنه البد وأن يكون مستحضراً لعدة أمور أخرى مثل‪ :‬فهم واقع‬
‫المسألة‪ ،‬و إعطاؤها حقها من االستيعاب واالستيضاح‪ ،‬واالستعانة بأهل الخبرة‬
‫واالختصاص‪ ،‬و فهم مقاصد الشريعة في النازلة‪ ،‬وتحقيق المصالح التي ال تصدم‬
‫بالشرع‪ ،‬ومبدأ رعاية الضرورات واألعذار وغير ذلك من القواعد والمبادئ‪...‬‬
‫إن هذه القواعد التي سنذكر بعضاً منها ستساعد المجتهد في الوصول للحكم‬
‫الصحيح للنازلة – بإذن اهلل وتوفيقه ‪ ،-‬وبالتالي نضمن فيما إذا التزم المجتهد بها أن‬
‫االجتهاد المعاصر يسير في الطريق الصحيح الذي رسمه اإلسالم لالجتهاد والفقه‬
‫والفتوى بعيداً عن الخطأ والزلل‪...‬‬
‫وفيما يلي أهم المعالم والضوابط لالجتهاد والنظر في النوازل المعاصرة ‪:‬‬
‫‪ -1‬جمع كل ما يتصل بالنازلة من أدلة وقرائن ‪:‬‬
‫إذا وقعت حادثة أو نازلة جديدة‪ :‬فعلى المجتهد إذا أراد النظر فيها أن‬
‫يستجمع كل ما يتعلق بها من‪ :‬آيات قرآنية وأحاديث نبوية وآثار السلف‪ ،‬وأوجه‬
‫القياس الممكنة‪ ،‬ونواح لغوية‪ ،‬ويبحث عن حكم القضية المستجدة في اجتهادات‬
‫األئمة وكتب الفقه القديمة‪.‬‬
‫يقول اإلمام الشافعي‪ ..." :‬وال يكون ألحد أن يقيس حتى يكون عالماً بما‬
‫مضى قبله من السنن وأقاويل السلف وإ جماع الناس واختالف العلماء ولسان العرب‬
‫ويكون صحيح العقل ليفرق بين المشتبهات‪ ،‬وال يعجل‪ ،‬وال يمتنع من االستماع ممن‬
‫خالفه ليتنبه بذلك على غفلة إن كانت‪ ،‬وأن يبلغ غاية جهده‪ ،‬وينصف من نفسه حتى‬
‫يعرف من أين قال ما قال‪.)1( "...‬‬
‫وقال علي بن الحسن بن شقيق سمعت عبداهلل بن المبارك ُيسأل‪ :‬متى يسع‬
‫الرجل أن يفتي؟‪ ،‬قال‪ :‬إذا كان عالماً باألثر بصيراً بالرأي " (‪.)2‬‬

‫‪ )?(1‬الرسالة‪ :‬الشافعي‪ ،‬ص‪.510‬‬


‫‪ )?(2‬جامع بيان العلم وفضله ‪.2/47‬‬

‫‪54‬‬
‫بالماضي "‬ ‫قال ابن عبد البر‪ " :‬ال يكون فقيهاً في الحادث ما لم يكن عالماً‬
‫(‪.)1‬‬
‫وكم من المس ائل والقض ايا يظنها الب احث جدي دة حادثة فت بين بعد البحث‬
‫والتنقيب أنها ليست كذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬استفراغ الوسع ‪:‬‬
‫فال اجتهاد في أي قضية من القضايا إال بعد استفراغ الوسع‪ :‬وذلك بأن يبذل‬
‫مظانها وبيان منزلتها‪،‬‬
‫المجتهد أقصى ما في وسعه في تتبع األدلة والبحث عنها في ّ‬
‫والموازنة بينها إذا تعارضت باالس تفادة مما وض عه علم اء األص ول من قواعد‬
‫التعادل والترجيح(‪.)2‬‬
‫والتس رع في إب داء الحكم وع دم التثبت وال تروي في النازلة مما يوقع المجتهد‬
‫في الخطأ‪.‬‬
‫وإ ذا كانت النازلة غامضة أو غير مفهومة أو لم يعلم الفقيه حكمها فإنه ال‬
‫يحل لـه التسرع في إبداء الرأي فيها‪ ،‬بل البد من سؤال أقرانه وطلب مساعدتهم‬
‫للوصول إلى الحق‪ ،‬ومتى أقدم على الفتوى وهو غير عالم فقد تعرض لعقوبة اهلل‬
‫حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن واإلثم‬ ‫ودخل تحت قوله تعالى‪  :‬إنما ّ‬
‫والبغي بغير الحق‪ ،‬وأن تشركوا باهلل ما لم ينزل به سلطاناً‪ ،‬وأن تقولوا على اهلل ما‬
‫ال تعلمون ‪[ ‬األعراف‪.]33:‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪‬قال النبي ‪ " :‬من أفتى بغير علم فإن إثمه على من أفتاه‬
‫" (‪ ،)3‬وعن ابن عباس ‪ ‬قال‪ " :‬من أفتى بفتيا وهو يعمى عنها كان إثمها عليه " (‪.)4‬‬
‫إن الفتاوى تختلف في وزنها فمنها ما ال يحتاج إال قليل من التدبر‪ ،‬وهي‬
‫الفتاوى المطروقة الممهدة السبيل‪ ،‬التي أدلتها واضحة جلية يقع عليها النظر بمجرد‬

‫‪ )?(1‬إيقاظ الهمم‪ :‬صالح العمري‪ ،‬ص‪.33‬‬


‫‪ )?(2‬االجتهاد المعاصر بين االنضباط واالنفراط‪ ،‬ص‪.92‬‬
‫‪ )?( 3‬أخرجه أبو داود في كتاب العلم باب التوفي في الفتيا (‪ ،3/321 )3657‬وابن ماجة في أول كتاب منه باب‬
‫اجتناب الرأي والقياس (‪ ،1/20 )53‬والحاكم ‪.1/102‬‬
‫‪ )?(4‬جامع بيان العلم وفضله ‪ ،2/8‬سنن الدارمي ‪ ،1/58‬إعالم الموقعين ‪.2/199‬‬

‫‪55‬‬
‫البحث عنها‪ ،‬ومنها ما يحتاج إلى تدقيق نظر وعمق بحث‪ :‬ألنها تتطلب وقتاً‪ ،‬كما‬
‫عرض لإلمام مالك – رحمه اهلل – فإنه روي أنه قال‪ :‬إني ألفكر في مسألة بضع‬
‫عشرة سنة فما اتفق لي رأي إلى اآلن(‪.)1‬‬
‫والمالَ َحظ إذا توقف اإلمام مالك وهو من هو في علمه وبعد نظره وسعة‬ ‫ُ‬
‫مداركه‪:‬‬
‫قال عبد الرحمن بن مهدي‪ :‬جاء رجل إلى مالك‪ :‬فسأله عن شيء فمكث أياماً‬
‫ما يجيبه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا عبداهلل إني أريد الخروج‪ ،‬فأطرق طويالً ورفع رأسه فقال‪ :‬ما‬
‫شاء اهلل !‪ ،‬يا هذا إني أتكلم فيما احتسب فيه الخير ولست أحسن مسألتك هذه(‪،)2‬‬
‫وقال ابن وهب‪ :‬سمعت مالكاً يقول‪ :‬العجلة في الفتوى نوع من الجهل والخرق(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬التزام النصوص وعدم االجتهاد في المسائل القطعية= ‪:‬‬
‫فعلى المجتهد في القضايا المستجدة االلتزام بما تدل عليه النصوص الشرعية‬
‫بحسب داللتها مباشرة أو بحسب ظواهرها العامة – أي بنصها أو ظاهرها ‪: -‬‬
‫فإن أول ما يجب البحث فيه عن حكم المسألة هو في النصوص من كتاب أو‬
‫سنة‪ ،‬كما كان يفعل الصحابة الكرام في اجتهادهم بعد النبي صلى اهلل عليه وآله‬
‫(‪)4‬‬
‫وسلم‪.‬‬
‫فال يجوز فتح باب االجتهاد في حكم ثبت بداللة القرآن القاطعة‪ ،‬مثل فرضية‬
‫الصيام على األمة‪ ،‬أو تحريم الخمر‪ ،‬أو لحم الخنزير‪ ،‬أو أكل الربا‪ ،‬أو إيجاب قطع‬
‫يد السارق إذا انتفت الشبهات واستوفيت الشروط‪ ،‬ومثل توزيع تركة األب الميت‬
‫بين أوالده للذكر مثل حظ األنثيين‪ ،‬ونحو ذلك من أحكام القرآن والسنة اليقينية‪ ،‬التي‬
‫أجمعت عليها األمة‪ ،‬وأصبحت معلومة من الدين بالضرورة‪ ،‬وصارت هي عماد‬
‫الوحدة الفكرية والسلوكية لألمة‪.‬‬

‫الموافقات ‪.4/286‬‬ ‫‪)?(1‬‬


‫إعالم الموقعين ‪.2/186‬‬ ‫‪)?(2‬‬
‫المدخل إلى السنن الكبرى‪ :‬البيهقي ‪.1/437‬‬ ‫‪)?(3‬‬
‫سبل االستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬ص‪.63‬‬ ‫‪)?(4‬‬

‫‪56‬‬
‫ومقتضى هذا أال ننساق وراء المتالعبين الذين يريدون تحويل محكمات‬
‫النصوص إلى متشابهات‪ ،‬وقطعيات األحكام إلى ظنيات‪ ،‬قابلة لألخذ والرد‪،‬‬
‫واإلرخاء والشد‪...‬‬
‫يجب أن نذكر أن مجال االجتهاد هو األحكام الظنية الدليل‪ ،‬أما ما كان دليله‬
‫قطعياً فال سبيل إلى االجتهاد فيه(‪ ،)1‬ويجب تطبيق الحكم الوارد فيه دون تردد‪...‬‬
‫‪ -4‬مراعاة األعراف والعادات ‪:‬‬
‫الع==رف‪ :‬هو ما اعت اده الن اس‪ ،‬وس اروا علي ه‪ ،‬من كل فعل ش اع بينهم‪ ،‬أو لفظ‬
‫تعارفوا إطالقه على معنى خاص ال تألفه اللغة‪ ،‬وال يتبادر غيره عند سماعه‪ ،‬وهذا‬
‫يشمل العرف العملي والعرف القولي‪.‬‬
‫والشارع الحكيم راعى الصحيح من عرف العرب في التشريع ففرض الدية‬
‫على العاقلة‪ ،‬وشرط الكفاءة في الزواج‪ ،‬واعتبر العصبية في الوالية واإلرث‪،‬‬
‫والعرف حجة في الشريعة‪ ،‬فتفهم النصوص الشرعية من القرآن والسنة بداللة‬
‫العرف القائم حين ورود النص‪ ،‬وال يلتفت لتبدل األعراف‪ ،‬ويخصص النص عند‬
‫الحنفية والمالكية بالعرف العام العملي‪ ،‬فال تلزم المرأة الشريفة القدر بإرضاع‬
‫البر‪ ،‬كما يخصص القياس‪ ،‬ويترك‬ ‫ولدها‪ ،‬ويقصد بالطعام الذي يحرم في الربا ُ‬
‫النص المذهبي بالعرف الخاص المعارض له‪ ،‬فيحكم بطهارة خرء الحمام في‬
‫(‪)2‬‬
‫المسجد‪ ،‬وتصح اإلجارة المشروطة بشرط متعارف عليه‪...‬‬
‫ولهذا قال العلماء‪ :‬العادة محكمة‪ ،‬والثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي‪ ،‬وقالوا‬
‫أيضاً‪ :‬كل ما ورد به الشرع مطلقاً وال ضابط له فيه وال في اللغة يرجع فيه إلى‬
‫العرف(‪ ،)3‬واإلمام مالك بنى كثيراً من أحكامه على عمل أهل المدينة‪ ،‬والشافعي لما‬
‫نزل بمصر غير بعض األحكام التي كان قد ذهب إليها وهو في العراق لتغير‬
‫العرف وأصبح معروفاً في المذهب الشافعي‪ :‬قال الشافعي في القديم وقال الشافعي‬

‫‪ )?(1‬االجتهاد المعاصر بين االنضباط واالنفراط‪ ،‬ص‪.92‬‬


‫‪ )?(2‬سبل االستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪ )?( 3‬األشباه والنظائر‪ :‬للسيوطي ‪ ،1/98‬حواشي الشرواني ‪ ،2/397‬اإلقناع ‪ ،24/284‬المغني ‪ ،4/18‬التمهيد‬
‫لإلسنوي ‪.1/230‬‬

‫‪57‬‬
‫في الجديد‪ ،...‬وفي فقه الحنفية أحكام كثيرة مبنية على العرف منها‪ :‬إذا اختلف‬
‫المتداعيان وال بينة ألحدهما فالقول لمن يشهد له العرف(‪.)1‬‬
‫فعلينا ونحن نجتهد أن نعترف بما طرأ على حياتنا من تغيرات في األفكار‬
‫واألعراف والعالقات والسلوك‪ ،‬وأن نقدر ظروف العصر وضروراته‪ ،‬وما عمت‬
‫به البلوى‪ ،‬وأن نطبِّق على الواقع ما قرره علماؤنا من تغير الفتوى بتغير الزمان‬
‫والمكان والعرف والحال(‪.)2‬‬
‫ورحم اهلل ابن أبي زيد القيرواني صاحب " الرسالة " المشهورة في الفقه‬
‫المالكي‪ ,‬حيث كان يسكن في أطراف المدينة‪ ،‬فاتخذ كلباًَ للحراسة فقيل لـه‪ :‬كيف‬
‫تفعل ذلك ومالك يكرهه؟ فقال‪ :‬لو كان مالك في زماننا التخذ أسداً ضارياً !(‪.)3‬‬
‫يقول ابن القيم الجوزية‪ " :‬تتغير الفتوى لتغير العرف والعادة " (‪.)4‬‬
‫ثم نقل رحمه اهلل قول المالكية في العرف حيث قال‪ " :‬قالوا‪ :‬وعلى هذا أبداً‬
‫تجيء الفتاوى في طول األيام‪ ،‬فمهما تجدد في العرف فاعتبره ومهما سقط فألغه‬
‫وال تجمد على المنقول في الكتب طول عمرك‪ ،‬بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك‬
‫يستفتيك فال تجره على عرف بلدك‪ ،‬وسله عن عرف بلده فأجره عليه وأفته به‪ ،‬دون‬
‫عرف بلدك المذكور في كتبك‪ ،‬قالوا‪ :‬فهذا هو الحق الواضح والجمود على‬
‫المنقوالت أبداً ضالل في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وعلى هذه القاعدة تخرج أيمان الطالق والعتاق وصيغ الصرائح والكنايات‪،‬‬
‫فقد يصير الصحيح كناية يفتقر إلى النية‪ ،‬وقد تصير الكناية صريحاً تستغني عن‬
‫النية‪...‬‬
‫ثم عقب ابن القيم على هذا بما يلي‪ " :‬وهذا محض الفقه‪ ،‬ومن أفتى الناس‬
‫بمجرد المنقول في الكتب على اختالف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم‬
‫وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل وكانت جنايته على الدين أعظم من طبب‬

‫التلقين ‪ ،2/433‬اإلنصاف ‪.9/383‬‬ ‫‪)?(1‬‬


‫االجتهاد المعاصر بين االنضباط واالنفراط‪ ،‬ص‪.96‬‬ ‫‪)?(2‬‬
‫كفاية الطالب الرباني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني‪ :‬ألبي الحسن المالكي ‪.2/648‬‬ ‫‪)?(3‬‬
‫إعالم الموقعين ‪.3/41‬‬ ‫‪)?(4‬‬

‫‪58‬‬
‫الناس كلهم على اختالف بالدهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من‬
‫كتب الطب على أبدانهم‪ ،‬بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضر ما على‬
‫أديان الناس وأبدانهم واهلل المستعان(‪.)1‬‬
‫‪ -5‬مراعاة الضرورة أو الحاجة ‪:‬‬
‫ولقد عرف العلماء الضرورة‪ " :‬ما يترتب على عدم مراعاتها خطر أو‬
‫ضرر شديد محقق كالموت جوعاً "‪.‬‬
‫أما الحاجة‪ " :‬فهي ما يترتب على تركها مشقة وحرج أو عسر وصعوبة "‪.‬‬
‫من أهم المبادئ التي تقوم عليها الشريعة اإلسالمية والتي ينبغي للمجتهد في‬
‫النوازل مراعاتها واالهتمام بها‪ :‬موضوع الضرورات والحاجة والظروف‬
‫االستثنائية التي قد تعترض الناس في حياتهم اليومية‪ ،‬وقد شرعت الشريعة‬
‫اإلسالمية أحكاماً استثنائية مناسبة لتلك الحاالت وفقاً التجاه الشريعة العام في‬
‫التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم‪ ،‬ولكونها شريعة تهتم بالواقع البشري‪.‬‬
‫ولقد استثنت حاالت الضرورة في كثير من تشريعاتها‪ ،‬حتى يبقى المكلف‬
‫دائماً داخل إطار الشريعة في كل أعماله(‪.)2‬‬
‫ومن األدلة على مراعاة الشريعة للضرورة قوله تعالى‪ :‬فمن اضطر غير‬
‫باغ وال عاد فال إثم عليه إن اهلل غفور رحيم ‪[ ‬البقرة‪.]173 :‬‬
‫وقولـه سبحانه‪  :‬وقد فصل لكم ما حرم عليكم إال ما اضطررتم إليه ‪‬‬
‫[األنعام‪.]119 :‬‬
‫وعن سمرة بن جندب قال ‪ " :‬يجزئ من الضرورة صبوح أو غبوق "‬
‫(‪.)3‬‬

‫‪ )?(1‬المرجع السابق ‪.3/78‬‬


‫‪ )?(2‬نظرية الضرورة الشرعية‪ :‬جميل محمد بن مبارك‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ )?( 3‬أخرجه الحاكم في مستدركه كتاب األطعمة ‪ ،4/125‬والبيهقي في سننه (‪ ،9/356 )19422‬ومعنى‬
‫الحديث‪ :‬أي إنما يحل للمضطر من الميتة أن يأكل منها ما يسد الرمق غداء أو عشاء وليس لـه أن يجمع بينهما‬
‫(النهاية في غريب األثر ‪.)3/83‬‬

‫‪59‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تميمة‪ " :‬ومن استقرأ الشريعة في مواردها‬
‫ومصادرها وجدها مبنية على قوله تعالى‪  :‬فمن اضطر غير باغ وال عاد فال إثم‬
‫عليه ‪[ ‬البقرة‪ ،]173 :‬و قوله‪  :‬فمن اضطر في مخمصة غير متجانف إلثم فإن اهلل‬
‫غفور رحيم ‪[ ‬المائدة‪ ،]3 :‬فكل ما احتاج الناس إليه في معاشهم ولم يكن سببه‬
‫معصية وهي ترك واجب أو فعل محرم – لم يحرم عليهم ألنهم في معنى المضطر‬
‫الذي ليس بباغ و ال عاد " (‪.)1‬‬
‫القاعدة الفقهية المقررة تقول‪ " :‬الضرورات تبيح المحظورات" (‪.)2‬‬
‫وتطبيق ات الض رورة أو الحاجة من الن وازل والفت اوي كث يرة فيما يلي بعض‬
‫األمثلة عنها‪:‬‬
‫‪ -‬تناول بعض المآكل أو المشارب المحظورة إلنقاذ النفس من الهالك أو‬
‫الموت جوعاً‪ ،‬فيباح تناول شيء من الميتة أو الخنزير أو الخمر‪ ،‬أو أخذ‬
‫مال شخص آخر غير مضطر مثله‪ ،‬لدفع خطر الهالك‪ ،‬إما محققاً‪ ،‬أو بظن‬
‫غالب‪ ،‬أو الوقوع في وهن ال يحتمل‪.‬‬
‫‪ -‬كشف العورات أمام الطبيب للعالج والمداواة‪.‬‬
‫‪ -‬كما يباح النظر لوجه المرأة للمعاملة واإلشهاد والخطبة والتعليم ونحوها‪،‬‬
‫للحاجة لذلك‪ ،‬ولكن بقدر الحاجة في كل ما ذكر‪ ،‬ألن (الضرورة أو الحاجة‬
‫تقدر بقدرها)(‪.)3‬‬
‫‪ -6‬مراعاة تحقيق مصالح الناس ‪:‬‬
‫الشريعة اإلسالمية التي خصها اهلل بالعموم لجميع الناس في كل زمان ومكان‬
‫وجعلها خاتمة الشرائع السماوية يرى الباحث في أحكامها أنها تساير وتراعي‬
‫مصالح الناس وتهدف إلى تحقيق هذه المصالح‪ :‬ومن مظاهر هذا األمر تدرجها في‬
‫تشريع األحكام‪ ،‬ووجود النسخ في عصر الرسالة‪ ،‬فقد يشرع الشارع حكماً لمالءمته‬

‫‪ )?(1‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪.29/64‬‬


‫‪ )?( 2‬الدر المختار ‪ ،3/532‬حاشية الدسوقي ‪ ،1/150‬كشاف القناع ‪ ،1/398‬مجلة األحكام العدلية المادة ‪،21‬‬
‫ص‪.18‬‬
‫‪ )?(3‬حواشي الشرواني ‪.1/118‬‬

‫‪60‬‬
‫للناس وقت التشريع أو لمقصد خاص ثم تزول مالءمته أو ينتهي الغرض المقصود‬
‫منه(‪ ،)1‬فينسخ ذلك الحكم بحكم آخر‪.‬‬
‫يقول تعالى‪  :‬ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ‪[ ‬البقرة‪:‬‬
‫‪.]106‬‬
‫ومعنى هذا أن اهلل سبحانه وتعالى قد شرع بعض األحكام ثم أبطلها ونسخها‬
‫لما اقتضت المصلحة ذلك‪.‬‬
‫أما بعد عصر النبوة فإن التشريع جاء ليراعي مصالح الناس ألن أحكامه‬
‫شرعت لعلل وحكم صرحت النصوص ببعضها وهذا التعليل يفيد أن الحكم يدور مع‬
‫علته وجوداً وعدماً‪ ،‬فإذا كانت المصلحة التي شرع لها الحكم دائمة ال تتغير فال‬
‫يتغير الحكم أبداً لعدم وجود ما يقضي التغيير‪ ،‬وإ ذا ثبت أنها تتغير تبعاً لتغير‬
‫الظروف واألحوال تغير الحكم معها وإ ال لم تكن فائدة من شرعيته‪.‬‬
‫ومن هنا منع عمر بن الخطاب ‪ ‬سهم المؤلفة قلوبهم بعد أن كان رسول اهلل‬
‫‪ ‬يعطيهم لما زال السبب(‪.)2‬‬
‫ولتحقيق مصالح الناس اختلف أسلوب التشريع ففي األشياء التي ال تتغير‬
‫مصالحها فصلها وبينها أجلى بيان كالعبادات وبعض األنظمة المتعلقة باألسرة من‬
‫زواج وطالق وميراث كما حدد عقوبات لبعض الجنايات التي ال تتغير مفسدتها‬
‫على مر األيام‪ :‬كالقتل والزنا والسرقة وقطع الطريق والقذف‪.‬‬
‫أما األشياء التي تتغير مصالحها أو تختلف باختالف األزمان كالمعامالت‪،‬‬
‫وما يتعلق بالنظام االجتماعي أتى التشريع على صفة قواعد عامة صالحة للتطبيق‬
‫ليطبقها المجتهدون وأولو األمر حسبما تقتضيه مصالح الناس(‪.)3‬‬
‫لذا البد على الفقيه النوازلي أن يراعي مصلحة الناس في اجتهاده في النوازل‬
‫لكن شرط أن ال تتعارض مصلحتهم مع أصل شرعي أو قاعدة محكمة‪.‬‬

‫‪ )?(1‬راجع‪ :‬المدخل في الفقه اإلسالمي‪ :‬د‪ .‬محمد مصطفى شلبي‪ ،‬ص‪ 89‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ )?(2‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪.33/94‬‬
‫‪ )?( 3‬أنظر المدخل إلى الفقه اإلسالمي‪ :‬محمود محمد الطنطاوي ص‪ ،51‬والمدخل في الفقه اإلسالمي‪ :‬د‪ .‬محمد‬
‫مصطفى شلبي ص‪.94 – 91‬‬

‫‪61‬‬
‫وقد ألف العلماء قديماً وحديثاً كتباً كثيرة تبين ضوابط العمل بالمصلحة البد‬
‫من مراجعتها واالستفادة منها(‪.)1‬‬
‫يقول ابن القيم‪ " :‬إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في‬
‫المعاش والمعاد وهي عدل كلها‪ ،‬ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة‬
‫خرجت عن العدل إلى الجور‪ ،‬وعن الرحمة إلى ضررها وعن المصلحة إلى‬
‫المفسدة‪ ،‬وعن الحكمة إلى العبث فهي ليست من الشريعة‪.)2( "...‬‬

‫‪ -7‬مراعاة أحوال= التطور في روح العصر ‪:‬‬


‫يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي‪ " :‬يجب أال ننسى أننا في القرن‬
‫الخامس عشر الهجري‪ ،‬ال في القرن العاشر‪ ،‬وال ما قبله‪ ،‬وأن لنا حاجتنا ومشكالتنا‬
‫التي لم تعرض لمن قبلنا من سلف األمة وخلفها‪ ،‬وأننا مطالبون بأن نجتهد ألنفسنا‪،‬‬
‫ال أن يجتهد لنا قوم ماتوا قبلنا بعدة قرون‪ ،‬ولو أنهم عاشوا عصرنا اليوم‪ ،‬وعانوا ما‬
‫عانينا‪ ،‬لرجعوا عن كثير من أقوالهم‪ ،‬وغيروا كثيراً من اجتهاداتهم‪ ،‬ألنها قيلت‬
‫لزمانهم‪ ،‬وليس لزماننا " (‪.)3‬‬
‫فال يجوز للمجتهد أن يتغافل عن روح العصر وحاجاته الذي تغير فيه كل‬
‫شيء‪ ،‬بعد عصر االنقالب الصناعي‪ ،‬ثم عصر التقدم التكنولوجي‪ ،‬عصر غزو‬
‫الكواكب و"الكمبيوتر" وثورة البيولوجيا التي تكاد تغير مستقبل اإلنسان؟!!‪.‬‬
‫ولمسايرة هذا التطور فال مانع من أن نقتبس من أنظمة الشرق أو الغرب‪ ،‬ما‬
‫ال يخالف عقيدتنا وشريعتنا‪ ،‬مما يحقق المصلحة لمجتمعنا‪ ،‬على أن نصبغه‬
‫بصبغتنا‪ ،‬ونضفي عليه من روحنا‪ ،‬حتى يغدو جزءاً من نظامنا‪ ،‬ويفقد جنسيته‬
‫‪ )?( 1‬يراجع‪ :‬رعاية المصلحة في الشريعة اإلسالمية‪ :‬علي الخفيف‪ ،‬المصلحة أساس التشريع اإلسالمي‪ :‬زكريا‬
‫البري (المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية)‪ ،‬نظرية المصلحة في الفقه اإلسالمي‪ :‬حسين حامد حسان (مكتبة‬
‫المتنبي‪ :‬القاهرة)‪ ،‬ضوابط المصلحة في الشريعة اإلسالمية‪ :‬محمد سعيد رمضان البوطي (مؤسسة الرسالة)‪،‬‬
‫المصلحة في التشريع اإلسالمي ونجم الدين الطوفي (األزهر‪ ،‬العدد ‪ 10‬جمادى األولى ‪.)1374‬‬
‫‪ )?( 2‬إعالم الموقعين ‪.3/3‬‬
‫‪ )?(3‬االجتهاد المعاصر بين االنضباط واالنفراط‪ ،‬ص‪.96‬‬

‫‪62‬‬
‫األولى‪ ،‬كما رأينا ذلك فيما اقتبسه المسلمون في العصور الذهبية من األمم‬
‫األخرى(‪.)1‬‬
‫‪ -8‬الحذر من الوقوع تحت ضغط الواقع ‪:‬‬
‫ففي الوقت الذي ندعو فيه إلى مراعاة أحوال التطور وروح العصر‬
‫والترحيب بالجديد النافع فإنه ينبغي أن نحذر من الوقوع تحت ضغط الواقع القائم‬
‫في مجتمعاتنا المعاصرة وهو واقع لم يصنعه اإلسالم بعقيدته وشريعته وأخالقه‪،‬‬
‫ولم يصنعه المسلمون بإرادتهم وعقولهم وأيديهم‪ ،‬إنما هو واقع صنع لهم‪ ،‬وفرض‬
‫عليهم‪ ،‬في زمن غفلة وضعف وتفكك منهم‪ ،‬وزمن قوة ويقظة وتمكن من عدوهم‬
‫المستعمر‪ ،‬فلم يملكوا أيامها أن يغيروه أو يتخلصوا منه‪ ،‬ثم ورثه األبناء من اآلباء‪،‬‬
‫واألحفاد من األجداد‪ ،‬وبقى األمر كما كان‪.‬‬
‫فليس معنى االجتهاد أن نحاول تبرير هذا الواقع على ما به‪ ،‬وجر النصوص‬
‫من تالبيبها لتأييده‪ ،‬وافتعال الفتاوى إلضفاء الشرعية على وجوده‪ ،‬واالعتراف‬
‫بنسبه مع أنه دعي زنيم‪.‬‬
‫إن اهلل جعلنا أمة وسطاً لنكون شهداء على الناس‪ ،‬ولم يرض لنا أن نكون ذيالً‬
‫لغيرنا من األمم‪ ،‬فال يسوغ لنا أن نلغي تميزنا ونتبع سنن من قبلنا شبراً بشبر‬
‫وذراعاً بذراع‪.‬‬
‫وأدهى من ذلك أن نحاول تبرير هذا وتجويزه بأسانيد شرعية‪ ،‬أي أننا نحاول‬
‫الخروج على الشرع بمستندات من الشرع! وهذا غير مقبول(‪.)2‬‬

‫‪ )?(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.95‬‬


‫‪ )?(2‬انظر االجتهاد المعاصر بين االنضباط واالنفراط‪ ،‬ص‪.93 – 92‬‬

‫‪63‬‬
‫المطلب الخامس‬
‫منهج دراسة القضايا الفقهية‬

‫بعد أن عرفنا الشروط التي يجب أن تتوفر فيمن يتصدى للحكم في القضايا‬
‫المستجدة‪ :‬فيما يلي بيان للخطوات التي ينبغي أن يتبعها ذلك المتصدي ليكون حكمه‬
‫موفقاً للصواب بإذن اهلل تعالى(‪.)1‬‬
‫‪ -1‬التجرد في دراسة النازلة‪ ،‬واإلخالص هلل في ذلك‪ :‬وأن يكون الهدف من وراء‬
‫انشغاله بتلك النازلة هو إرضاء اهلل تعالى أوالً وآخراً‪ ،‬ليس من أجل فالن‪ ،‬أو‬
‫لنصرة مذهب معين أو للوصول إلى مكانة أو رئاسة قال تعالى‪  :‬وما أمروا إال‬
‫ليعبدوا اهلل مخلصين لـه الدين ‪[ ‬البينة‪ ،]5 :‬يقول ابن القيم‪ " :‬فأما النية فهي رأس‬
‫األمر وعموده وأساسه وأصله الذي عليه يبنى فإنها روح العمل وقائده وسائقه‬

‫‪1‬‬
‫(?) سيكون بحثي لهذا المنهج بشكل مختصر خشية التطويل‪ ،‬ومن أراد التفصيل فعليه مراجعة المصادر التالية‬
‫( إعالم الموقعين البن القيم الجوزية ‪ ،265 – 4/157‬منهج معالجة القضايا المعاصرة في ضوء الفقه‬
‫اإلسالمي‪ :‬د‪ .‬محمد رواس قلعة جي ( مجلة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية العدد الخامس الصفحة ‪،)59‬‬
‫المعامالت المالية المعاصرة في الفقه اإلسالمي‪ :‬د‪ .‬محمد عثمان شبير‪ ،‬ص‪.)40‬‬

‫‪64‬‬
‫والعمل تابع لها يبنى عليها يصح بصحتها ويفسد بفسادها وبها يستجلب التوفيق‬
‫وبعدمها يحصل الخذالن " (‪.)1‬‬
‫"‬ ‫‪ -2‬على المجتهد إظهار االفتقار هلل تعالى ملهم الصواب‪ :‬يقول ابن القيم‪:‬‬
‫ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه االفتقار الحقيقي ال‬
‫العلمي المجرد إلى ملهم الصواب‪ ،‬ومعلم الخير وهادي القلوب‪ :‬أن يلهمه الصواب‬
‫ويفتح لـه طريق السداد‪ ،‬ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة‪ ،‬فمتى‬
‫قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق‪ ،)2( "...‬وكان سعيد بن المسيب ال يفتي فتيا إال‬
‫قال‪ " :‬اللهم سلمني " (‪.)3‬‬
‫‪ -3‬فقه حقيقة النازلة‪ :‬وذلك بتصورها تصوراً واضحاً‪ ،‬ألن الحكم على الشيء‬
‫فرع عن تصوره‪ :‬وتحقق ذلك بثالثة أمور‪:‬‬
‫أ ‪ -‬جمع كل ما يتصل بالنازلة من أدلة وقرائن‪ ،‬لتعرف حقيقتها وأقسامها‬
‫ونشأتها والظروف المحيطة بها‪..‬‬
‫ب ‪ -‬سؤال أهل االختصاص واالستعانة بهم في موضوع النازلة فإذا كانت‬
‫المسألة طبية فينبغي الرجوع لألطباء والمختصين وهكذا‪...‬‬
‫ج ‪ -‬تحليل القضية المركبة إلى عناصرها األساسية التي تتكون منها‪:‬‬
‫فعلى المجتهد أن يتأمل النازلة تأمالً شافياً حتى ولو بدت من أول وهلة أنها‬
‫سهلة ميسر الحكم فيها‪ ،‬وذلك ألن التسرع في إبداء الحكم وعدم التثبت من النازلة‬
‫طويالً‪ ،‬كثيراً ما يوقع المجتهد في الخطأ‪ :‬فعن ابن عباس ‪ ‬قال‪ " :‬من أفتى بفتيا‬
‫وهو يعمى عنها كان إثمها عليه" (‪.)4‬‬

‫‪ )?( 1‬إعالم الموقعين‪ :‬ابن القيم ‪.4/199‬‬


‫‪ )?(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )?( 3‬أخرجه البخاري في التاريخ الكبير ‪ ،3/511‬والفسوي في المعرفة والتاريخ ‪ ،1/256‬والبيهقي في المدخل‬
‫(‪.)824‬‬
‫‪ )?( 4‬أخرجه إسحاق في مسنده (‪ ،)335‬والدارمي في السنن (‪ ،)160‬والخطيب في الفقيه والمتفقه (‪،)2/155‬‬
‫وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ‪ ،2/8‬والبيهقي في المدخل (‪ )186‬وإ سناده صحيح‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫‪-4‬تكييف النازلة تكييفاً فقهياً‪ :‬والمراد بالتكييف الفقهي للمسألة‪ :‬تحريرها‪،‬‬
‫وتصورها التصور الكامل‪ ،‬وتحرير األصل الذي تنتمي إليه(‪ ،)1‬وهذا التكييف يفيد‬
‫في تحرير مسار البحث بتعيين مصادره المعينة في معرفة الحكم‪ ،‬كما أنه يضيق‬
‫دائرة البحث في المصادر والمراجع الواسعة(‪.)2‬‬
‫‪ -5‬عرض النازلة على المصادر الشرعية من الكتاب والسنة واإلجماع‪ ،‬كما فعل‬
‫الصحابة والتابعين ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ ،-‬وقد ال يجد الباحث نصاً صريحاً في‬
‫(‪)3‬‬
‫المسألة ألنها نازلة‪ ،‬ولكنه قد يجد داللة النصوص عليها بااللتزام أو التضمن‪...‬‬
‫‪ -6‬عرض النازلة على أقوال الصحابة واجتهاداتهم=‪ :‬فقد كان عمر ‪ ‬ينظر في‬
‫كتاب اهلل وسنة رسول اهلل ‪ ‬فإن لم يجد‪ ،‬نظر في قضاء أبي بكر ‪ ،‬وكان التابعون‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظرون في اجتهادات الصحابة‪...‬‬
‫‪ -7‬البحث في حكم النازلة في اجتهادات األئمة‪ :‬قال ابن البر‪ " :‬ال يكون فقيهاً في‬
‫الحادث ما لم يكن عالماً بالماضي " (‪ ،)5‬وللباحث حين إذن حاالن‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يجد نصها في النازلة ذاتها وذلك مثل بنوك الحليب‪ ،‬فقد تكلم ابن‬
‫قدامه في المغني في كتاب الرضاع عن مسألة مشابهة جداً لهذه النازلة‪ ،‬وكذلك‬
‫نازلة عقد التأمين فقد تكلم عليه ابن عابدين في معرض كالمه عن السوكرة ‪.‬‬
‫الثانية أن ال يجد الباحث نصاً في النازلة بذاتها ولكنه يجد نصاً قريباً منها‬
‫فحينئذ يتمكن بواسطته من فهم النازلة‪ ،‬أو يخرجها على مسألة من المسائل التي قد‬
‫تتفرع عنها فيسهل الحكم عليها(‪.)6‬‬
‫‪ -8‬البحث في قرارات المجامع الفقهية= والندوات الفقهية المتخصصة‪ :‬والتي‬
‫يصدر عنها قرارات وفتاوى فقهية تغني الباحث وترضيه‪.‬‬

‫معجم لغة الفقهاء‪ :‬محمد رواس قلعه جي ود‪ .‬حامد قنيبي‪ ،‬ص‪.143‬‬ ‫‪)?(1‬‬
‫مقدمة في فقه النوازل‪ :‬د‪.‬ناصر العمر (‪.)www.almoslim.net‬‬ ‫‪)?(2‬‬
‫انظر المعامالت المالية المعاصرة‪ ،‬ص‪.40‬‬ ‫‪)?(3‬‬
‫إعالم الموقعين ‪.4/119‬‬ ‫‪)?(4‬‬
‫جامع بيان العلم وفضله (‪.)2/47‬‬ ‫‪)?(5‬‬
‫مقدمة في فقه النوازل‪ :‬د‪ .‬ناصر العمر (‪.)www.almoslim.net‬‬ ‫‪)?(6‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ -9‬البحث في الرسائل العلمية المتخصصة كرسائل الدكتوراه والماجستير في‬
‫علوم الشريعة وخاصة فيما يتعلق بالنوازل المعاصرة‪.‬‬
‫‪ -10‬إذا لم يجد الباحث حكماً للنازلة فيما سبق من خطوات فإنه يعيد النظر في‬
‫النازلة‪ ،‬ثم يفترض فيها أقسام الحكم التكليفي من وجوب أو ندب أو إباحة أو تحريم‪.‬‬
‫ويبحث في كل افتراض ما يترتب عليه مصالح ومفاسد ويوازن بينهما‬
‫مراعياً عند إجراء تلك الموازنة القواعد التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم مصادمة النصوص الشرعية‪.‬‬
‫‪ -2‬اعتبار مقاصد الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -3‬درء المفاسد مقدم على جلب المصالح عند التعارض‪.‬‬
‫‪ -4‬الضرورات تبيح المحظورات‪.‬‬
‫‪ -5‬الضرورة تقدر بقدرها‪.‬‬
‫‪ -6‬رفع الحرج‪.‬‬
‫‪ -11‬وإ ذا لم يتوصل الباحث إلى حكم شرعي في النازلة توقف فيها لعل اهلل يهيئ‬
‫من العلماء من يتصدى لإلفتاء فيها(‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظر‪ :‬المعامالت المعاصرة في الفقه اإلسالمي ص‪ ،46 – 44‬مقدمة في فقه النوازل‪ :‬د‪ .‬ناصر العمر‬
‫(‪.)www.almoslim.net‬‬

‫‪67‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫االجتهاد الجماعي في القضايا المعاصرة‬

‫المطلب األول‬
‫تعريف االجتهاد الجماعي‬

‫االجتهاد الفردي‪ :‬أن يبذل أحد المجتهدين غاية وسعه في استنباط حكم‬
‫شرعي من أدلته في مسألة من المسائل‪ ،‬أما االجتهاد الجماعي فهو‪ " :‬اتفاق أكثر‬
‫من مجتهد بعد تشاور بينهم على حكم شرعي مع بذلهم غاية وسعهم في استنباطه‬
‫من أدلته" (‪.)1‬‬
‫وقال الدكتور شعبان محمد إسماعيل في تعريف االجتهاد الجماعي‪ " :‬وهو‬
‫الذي يتشاور فيه أهل العلم في القضايا المطروحة‪ ،‬وخصوصاً فيما يكون لـه طابع‬
‫العموم يهم جمهور الناس " (‪.)2‬‬
‫ولقد كان االجتهاد الجماعي معروفاً عند الصحابة فقد كانوا إذا نزلت بهم‬
‫نازلة اجتمع أهل العلم والرأي منهم وتشاوروا في حكم تلك المسألة وغالباً ما كانوا‬
‫يتفقون على رأي واحد فيها واألمثلة على ذلك كثيرة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) من كتاب خاص أصدرته جامعة اإلمارات العربية المتحدة بعنوان‪ :‬االجتهاد الجماعي في العالم اإلسالمي‬
‫‪.1/31‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) االجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية في تطبيقه‪ :‬د‪ .‬شعبان محمد إسماعيل‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫‪68‬‬
‫ثم اتسم االجتهاد بالطابع الفردي بعد أن كان شورى بين الصحابة‪ :‬عن‬
‫ميمون بن مهران أنه قال‪ :‬كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه الخصم‪ :‬نظر في‬
‫كتاب اهلل فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به‪ ،‬وإ ن لم يكن في الكتاب‪ ،‬وعلم من‬
‫رسول اهلل ‪ ‬في ذلك األمر سنة قضى بها‪ ،‬فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال‪:‬‬
‫أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول اهلل ‪ ‬قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه‬
‫النفر كلهم يذكر من رسول اهلل ‪ ‬فيه قضاء‪ ،‬فيقول أبو بكر‪ :‬الحمد هلل الذي جعل‬
‫فينا من يحفظ عن نبينا‪ ،‬فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول اهلل ‪ :‬جمع رؤوس‬
‫الناس وخيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به(‪.)1‬‬
‫ومما يؤيد ويدلل على االجتهاد الجماعي ما روي عن علي بن أبي طالب ‪‬‬
‫قال‪ :‬قلت يا رسول اهلل‪ :‬إن عرض لي أمر لم ينزل فيه قضاء في أمره وال سنة‬
‫كيف تأمرني؟ قال‪ :‬تجعلونه شورى بين أهل الفقه والعابدين من المؤمنين‪ ،‬وال‬
‫تقضي فيه برأيك خاصة " (‪.)2‬‬
‫وكان عمر بن الخطاب ‪ ‬إذا لم يجد في المسألة كتاباً وال سنة وال قضاء من‬
‫أبي بكر دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر‬
‫قضى به(‪.)3‬‬
‫وقد حرص عمر ‪ ‬على أن يكون هذا المنهج الجماعي في االجتهاد هو‬
‫األسلوب الذي ينبغي أن يسير عليه والة األمور في األقاليم‪ :‬فقد كان يوصي والته‬
‫باتباع هذا األسلوب ومن ذلك ما قاله لشريح‪ ،..‬وروى الدارمي عن المسيب بن‬
‫رافع قال‪ :‬كانوا إذا نزلت بهم قضية ليس فيها من رسول اهلل ‪ ‬أثر اجتمعوا لها‬
‫وأجمعوا فالحق فيما رأوا فالحق فيما رأوا " (‪.)4‬‬

‫‪ )?( 1‬أخرجه الدارمي (‪ ،)161‬والبيهقي في السنن (‪ ،)10/114‬وابن عساكر ‪ 30/327‬ورجاله ثقات إال أنه‬
‫منقطع‪ ،‬وميمون بن مهران لم يدرك أبا بكر‪.‬‬
‫‪ )?( 2‬أخرجه الدارقطني في غرائب مالك والخطيب في كتاب الرواة عن مالك (لسان الميزان ‪ ،)3/78‬وفي الفقيه‬
‫والمتفقه (‪ ،)1/190‬وابن عيد البر في جامع بيان العلم وفضله (‪ ،)2/852‬وقال الدارقطني‪ :‬ال يصح تفرد به‬
‫إبراهيم بن أبي الفياض عن سليمان ومن دون مالك ضعيف‪ ،‬وقال الخطيب‪ :‬ال يثبت عن مالك‪ ،‬وقال ابن عبد‬
‫البر وابن القيم‪ :‬فيه البرقي وسليمان بن الربيع ليسا بالقويين وال ممن يحتج بهما وال يعول عليهما‪.‬‬
‫‪ )?( 3‬أخرجه البيهقي في المدخل (‪.)803‬‬
‫‪ )?(4‬أخرجه الدارمي (‪ )115‬وفي إسناده هشيم وهو مدلس وقد عنعنه وبقية رجاله ثقات‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫يقول اإلمام مالك رحمه اهلل‪ :‬إن عمر بن الخطاب وعامة خيار الصحابة –‬
‫رضي اهلل عنهم ‪ -‬كانت ترد عليهم المسائل وهم خير القرن الذي بعث فيهم النبي‬
‫‪ ‬وكانوا يجمعون أصحاب النبي ‪ ‬ويألون ثم حينئذ يفتون فيها بمعنى(‪ )1‬أنه إذا‬
‫نزلت نازلة أو واقعة ليس عندهم فيها نص عن اهلل تعالى وال عن سنة رسول اهلل ‪‬‬
‫عمال بقوله تعالى ‪  :‬وأمرهم شورى‬ ‫ً‬ ‫جمعوا لها الصحابة ثم جعلوها شورى بينهم‬
‫بينهم ‪[ ‬الشورى‪ ،]38 :‬وقولـه سبحانه‪  :‬وشاورهم في األمر ‪[ ‬آل عمران‪.]159 :‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫أهمية االجتهاد الجماعي في هذا العصر‬

‫إذا كان االجتهاد ‪ -‬بصفة عامة – في هذا العصر ضرورة ملحة‪ ،‬فإن‬
‫االجتهاد الجماعي أشد حاجة وأكثر إلحاحاً لألسباب التالية ‪:‬‬
‫أوالً‪ -‬االجتهاد الجماعي العالج المناسب للقضايا المعاصرة ‪:‬‬
‫ظهرت في هذا العصر العديد من القضايا التي صاحبت النمو وتطوير‬
‫الحياة‪ ،‬مثل التعامل مع المصارف‪ ،‬والعقود االقتصادية الحديثة‪ ،‬ومسائل التأمين‬
‫بأنواعه المختلفة‪ ،‬وإ جراء العقود بوسائل االتصال الحديثة (اإلنترنت‪ ،‬التلفون‪،‬‬
‫الفاكس ‪.)...‬‬
‫ومثل مسائل التبرع باألعضاء‪ ،‬وقتل الرحمة‪ ،‬واالستنساخ ‪ ،‬والتجنس‬
‫بالجنسية األجنبية‪ ،‬ومشاركة المرأة السياسية‪...‬‬
‫وغير ذلك من المسائل المستحدثة التي ال يكفي فيها االجتهاد الفردي‪ ،‬بل البد‬
‫فيها من التشاور(‪ )2‬والبحث العميق للوصول للحكم الصحيح فيها وذلك‪:‬‬
‫ألن هذه المستجدات تكون في الغالب قضايا عامة يهم تنظيمها كل المجتمع و‬
‫يمس أثرها كل فرد في عالقته باآلخرين‪ ،‬والخطأ فيها يصيب أثره عموم الناس‪،‬‬
‫لذلك كان من األجدى أن يكون االجتهاد في مثل هذه القضايا جماعياً لما فيه من دقة‬
‫في البحث‪ ،‬وشمول في النظر وتمحيص للرأي‪ ،‬يتبلور ذلك من خالل اشتراك جمع‬

‫‪ )?(1‬إعالم الموقعين ‪.1/84‬‬


‫‪ )?(2‬االجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقيه في تطبيقه‪ :‬د ‪ .‬شعبان محمد إسماعيل‪ ،‬ص‪.120 – 119‬‬

‫‪70‬‬
‫من العلماء في النقاش وتبادل اآلراء فيأتي حكمهم أكثر دقة في االستنباط وأكثر‬
‫قرباً للصواب من االجتهاد الفردي‪.‬‬
‫وألن الكث ير من ه ذه القض ايا المس تجدة قد يحيط بها الكث ير من المالبس ات‬
‫والتش عبات مما يجعل الق درة على فهم كل جوانبها ومتعلقاتها ال يكتمل إال أن يك ون‬
‫جماعي اً‪ ،‬حيث يص عب على ف رد اس تيعاب كل ما تتطلبه تلك القض ايا من عل وم‬
‫ومعارف‪.‬‬
‫فاالجتهاد الجماعي هو األقدر على عالج قضايا األمة في زمن تعددت فيه‬
‫الخبرات وتشعبت فيه العلوم وتعقدت المعامالت أشد التعقيد‪ ،‬وتغيرت التصورات‬
‫االجتماعية لألنظمة القانونية‪ ،‬وأصبح الفقير مهما كان علمه وجودة قريحته ال مفر‬
‫لـه من االستعانة بذوي الخبرة واالختصاص في كل فن وفي كل علم(‪ ،)1‬واالستعانة‬
‫بإخوانه من العلماء حتى في مجاله الشرعي فقد يتبدى لغيره ما يغيب عنه فيسترشد‬
‫بتلك اآلراء وتتالقح األفكار وتتجمع على رأي واحد صواب بإذن اهلل تعالى‪.‬‬

‫ثانياً – تحقيق مبدأ الشورى ‪:‬‬


‫فمن خالل االجتهاد الجماعي نطبق المبدأ اإلسالمي العظيم الذي أمرنا به اهلل‬
‫سبحانه وتعالى في قولـه‪  :‬وأمرهم شورى بينهم ‪[ ‬الشورى‪ ،]38 :‬وقوله‪:‬‬
‫‪ ‬وشاورهم في األمر ‪[ ‬آل عمران‪.]159 :‬‬
‫وبالتالي نحقق ما أرشد إليه المصطفى الكريم ‪‬فيما رواه سعيد بن المسيب‬
‫عن علي بن أبي طالب ‪ ‬قال‪ :‬قلت يا رسول اهلل األمر ينزل بنا‪ ،‬لم ينزل فيه قرآن‬
‫ولم تمض فيه منك سنة ؟ قال‪ " :‬أجمعوا لـه العالمين – أو قال العابدين ‪ -‬من‬
‫المؤمنين فاجعلوه شورى بينكم‪ ،‬و ال تقضوا فيه برأي واحد " (‪.)2‬‬

‫‪ )?(1‬االجتهاد الجماعي في التشريع اإلسالمي‪ :‬الزميل د‪ .‬عبد المجيد السوسوة‪ ،‬ص‪.88 – 87‬‬
‫‪ )?(2‬سبق تخريج الحديث‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫وهذا ما سار عليه الخلفاء والتابعون‪ ...‬ومما ال شك فيه أن الشورى بين‬
‫العلماء في المسائل المستجدة يحقق فوائد كثيرة أهمها‪ :‬تقريب وجهات النظر‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وتقليل مساحة الخالف وتمحيص اآلراء و تالقح األفكار‪...‬‬
‫فالشورى فضيلة إنسانية‪ ،‬والطريق الصحيح لمعرفة أصوب اآلراء‪،‬‬
‫والوصول إلى الحقيقة وجالء األمر‪ ،‬ألن العقول كالمصابيح إذا اجتمعت ازداد‬
‫النور ووضح السبيل‪ ،‬ومبدأ الشورى أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن يكون‬
‫نظاماً أساسياً للدولة إذ هو طابع أساسي للجماعة كلها(‪.)2‬‬

‫ثالثاً ‪ -‬الدقة والصواب ‪:‬‬


‫يتميز االجتهاد الجماعي عن االجتهاد الفردي بأنه أكثر استيعاباً وإ لماماً‬
‫بالقضية المطروحة للنظر واالجتهاد‪ ،‬وأكثر شمولية في فهم كل جوانبها‬
‫ومالبساتها‪...‬‬
‫كما أن عمق النقاش فيه ودقة التمحيص لآلراء والحجج يجعل استنباط الحكم‬
‫أكثر دقة وأقرب للصواب(‪.)3‬‬
‫يقول الشيخ القرضاوي‪ ..." :‬فرأي الجماعة أقرب إلى الصواب من رأي‬
‫الفرد‪ :‬مهما عال كعبه في العلم‪ ،‬فقد يلمح شخصاً جانباً في الموضوع ال ينتبه له‬
‫آخر‪ ،‬وقد يحفظ شخص ما يغيب عن غيره‪ ،‬وقد تبرز المناقشة نقاطاً كانت خافية‪،‬‬
‫أو تجلى أموراً كانت غامضة‪ ،‬أو تذكر بأشياء كانت منسية وهذه من بركات‬
‫الشورى ومن ثمار العمل الجماعي " (‪.)4‬‬

‫رابعاً – تعويض عن توقف اإلجماع ‪:‬‬

‫‪ )?(1‬االجتهاد الجماعي في التشريع اإلسالمي‪ ،‬ص‪.79 – 78‬‬


‫‪ )?(2‬االجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية في تطبيقه‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ )?(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫‪ )?(4‬لقاءات ومحاورات‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص‪.182‬‬

‫‪72‬‬
‫لتحقق اإلجماع شروط يقول بعض العلماء بعدم تحققها في هذا العصر‪ :‬لذا‬
‫نرى أن االجتهاد الجماعي يعوض في التشريع ما قد يتعذر تحققه لغياب اإلجماع‬
‫واالجتهاد معاً‪ ،‬وهو بذلك يعيد للفقه حيويته وقدرته على مواجهة المشكالت بحلول‬
‫شرعية صحيحة‪.‬‬
‫ويرى بعض المفكرين أن االجتهاد الجماعي يمكن أن يكون هو الجسر الذي‬
‫يوصل إلى اإلجماع التام‪ ،‬وذلك أن الحكم الذي يتوصل إليه باالجتهاد الجماعي‬
‫يمكن عرضه على بقية العلماء المجتهدين فإن وافقوا عليه صراحة كان ذلك إجماعاً‬
‫صريحاً‪ ،‬وإ ن سكتوا بعد علمهم كان إجماعاً سكوتياً(‪.)1‬‬
‫يقول الشيخ يوسف القرضاوي‪ ..." :‬وإ ذا اتفق علماء مجمع على رأي في‬
‫مسألة من المسائل االجتهادية اعتبر هذا إجماعاً من مجتهدي العصر لـه حجيته‬
‫وإ لزامه " (‪.)2‬‬

‫خامساً – االجتهاد الجماعي يوجد التكامل ‪:‬‬


‫يحقق لنا االجتهاد الجماعي التكامل في االجتهاد على مستويين‪ :‬مستوى‬
‫المجتهد‪ ،‬ومستوى النظر في القضية محل االجتهاد‪.‬‬
‫أما التكامل على مستوى المجتهد‪ :‬فإن مما ال شك فيه أن تحقق الشروط‬
‫الموضوعة لبلوغ درجة المجتهد المطلق صعبة المنال في عصرنا هذا‪ ،‬لذلك ففي‬
‫االجتهاد الجماعي يكمل العلماء بعضهم بعضاً ويحققوا لنا بمجموعهم مستوى‬
‫المجتهد المطلق‪ ،‬وما أحوجنا إلى هذا النوع من االجتهاد التكاملي وخاصة صار من‬
‫المتعذر اليوم توافر المجتهد المطلق وكاد أن يتعذر المجتهد الجزئي‪ :‬فصار‬
‫االجتهاد الجماعي هو الذي يسد لنا هذا النقص‪...‬‬
‫أما التكامل على مستوى الموضوع فيتجلى في أن قضايانا اليوم قد شملها‬
‫الكثير من التداخل بين علوم متعددة وتتجاذبها علوم شتى من االجتماع واالقتصاد‬

‫‪ )?(1‬االجتهاد الجماعي في التشريع اإلسالمي ص‪ ،83‬فقه الشورى واالستشارة‪ :‬توفيق الشاوي ص‪.186‬‬
‫‪ )?(2‬االجتهاد في الشريعة اإلسالمية‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص‪.182‬‬

‫‪73‬‬
‫والسياسة والقانون والطب والتربية‪ :‬وال يمكن لعالم الشرع المتخصص النظر فيها‬
‫لوحده‪ :‬بل ال بد من النظر فيها من خالل كل العلوم المتصلة بتلك القضية وهذا‬
‫متعذر أن يقوم به فرد ألنه ليس باإلمكان أن يجمع شخص واحد بين معارف كثيرة‬
‫في آن واحد‪ ،‬فكان البد من أن يكون االجتهاد في هذه القضايا من خالل مجموعة‬
‫من العلماء المتخصصين تتكامل فيهم المعارف والثقافة‪ :‬فيكمل أعضاء المجلس‬
‫بعضهم بعضاً وبالتالي تحدث اإلحاطة التامة بالمسألة من جميع جوانبها ومالبساتها‬
‫ومتعلقاتها(‪.)1‬‬

‫سادساً – سبيل من سبل توحيد األمة ‪:‬‬


‫االجتهاد الجماعي طريق إلى وحدة األمة اإلسالمية‪ ،‬ووحدة المشاعر‬
‫الجماعية من خالل عرض المشكالت العامة‪ ،‬وتبادل الرأي والحوار‪.‬‬
‫واألمة اإلسالمية أحوج ما تكون إلى اجتماع كلمتها واتحاد رؤيتها في ما‬
‫يحل مشاكلها‪ ،‬لتبني على ذاك توحدها في المواقف والتعامالت ولن يتأتى ذلك إال‬
‫إذا كانت حلولها لمشاكلها وقضاياها العامة نابعة من رؤية جماعية تسعى إلى جمع‬
‫(‪)2‬‬
‫الكلمة وتوحيد الصف بعيداً عن الرؤى الفردية المتنافرة‪...‬‬
‫ولقد أثبت التاريخ أن الفوضى التشريعية في الفقه اإلسالمي كان من أكبر‬
‫أسبابها االجتهاد الفردي – المتضارب والمتناقض ‪ -‬حيث تشعبت اآلراء وكثرت‬
‫االختالفات التي فرقت األمة إلى مذاهب وشيع‪.‬‬
‫وباجتهاد الجماعة التشريعية المتوافرة في أفرادها شرائط االجتهاد تُنفى‬
‫الفوضى التشريعية وتشعب الخالفات‪ ،‬وباستخدام الطرق والوسائل التي مهدها‬
‫الشرع اإلسالمي لالجتهاد الجماعي يؤمن الشطط ويسار على سنن الشرع في‬
‫(‪)3‬‬
‫تشريعه وتقنينه‪...‬‬

‫‪ )?(1‬االجتهاد الجماعي في التشريع اإلسالمي‪ ،‬ص‪.90‬‬


‫‪ )?(2‬االجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية في تطبيقه‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ )?(3‬مصادر التشريع فيما ال نص فيه‪ :‬عبد الوهاب خالف‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪74‬‬
‫المطلب الثالث‬

‫ظهور المجامع الفقهية‬

‫وتلبية لهذه الحاجة الماسة لالجتهاد الجماعي ظهر في عصرنا الحالي ما‬
‫عددا ال بأس به من العلماء يدرسون‬
‫يسمى بالمجامع الفقهية‪ :‬وهي هيئات تجمع ً‬
‫القضايا والنوازل المطروحة وبعد البحث والتمحيص والتنقيب والمناقشة الجماعية‬
‫يتم إصدار الحكم الشرعي في تلك القضايا‪ ،‬وفيما يلي نبذة مختصرة عن أهم هذه‬
‫المجامع‪:‬‬
‫‪ -1‬مجمع البحوث اإلسالمية بمصر ‪:‬‬
‫أنشئ مجمع البحوث اإلسالمية سنة ‪ 1961‬ليحل محل جماعة كبار العلماء‬
‫عضوا من كبار علماء اإلسالم‬
‫ً‬ ‫في مصر ويتألف من عدد ال يزيد على خمسين‬
‫يمثلون جميع المذاهب اإلسالمية‪ ،‬ولهذا المجمع بحوثه الفقهية القيمة‪ ،‬وهي تعد من‬
‫المراجع المهمة في القضايا الفقهية المعاصرة‪.‬‬
‫‪ -2‬مجمع الفقه اإلسالمي الدولي بجدة ‪:‬‬
‫لما انعقد مؤتمر القمة اإلسالمي الثالث بمكة المكرمة سنة ‪ 1401‬هـو أصدر‬
‫قراره التاريخي بإنشاء مجمع رسمي يطلق عليه‪" :‬مجمع الفقه اإلسالمي" يكون‬
‫أعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين البارزين في شتى مجاالت المعرفة الفقهية‬
‫والثقافية والعلمية من مختلف أنحاء العالم اإلسالمي لدراسة مشكالت الحياة‬

‫‪75‬‬
‫المعاصرة‪ ،‬واالجتهاد فيها اجتهاداً أصيالً فعاالً يهدف إلى تقديم الحلول النابعة من‬
‫التراث اإلسالمي والمتفتحة على تطور الفكر اإلنساني‪.‬‬
‫ولقد انعقد المؤتمر التأسيسي للمجمع في مكة المكرمة في شعبان ‪ 1403‬هـو ولقد‬
‫نص على أن من األهداف التي أنشئ المجمع من أجلها‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان الحكم الشرعي في القضايا الطارئة التي ال نص فيها وال إجماع والتي‬
‫اختلفت فيها اآلراء ولم يتبين الوجه السديد الذي تطمئن إليه النفوس ويمكن‬
‫اعتماده بشأنها‪.‬‬
‫‪ -2‬شد األمة اإلسالمية إلى شريعتها السمحة وتمكينها من حل مشاكلها عن‬
‫طريق المنهج الجيد للفقه اإلسالمي واالستخدام الصحيح لقواعده‬
‫والخضوع في ذلك كله ألسرار التشريع اإلسالمي ومقاصده‪.‬‬
‫‪ -3‬جمع كلمة األمة اإلسالمية باالهتمام بمشاكلها وتدبر أحوالها ودراسة‬
‫أوضاعها وفحص قضاياها‪ ،‬قصد إيجاد الحلول المناسبة لها عن طريق‬
‫االجتهاد الجماعي‪ :‬في مجمع فقهي يضم علماء ومجتهدين من مختلف‬
‫األقطار اإلسالمية كما يضم أصحاب االختصاص والخبرة الذين يدعون‬
‫للمشاركة في كل دورة أو ندوة‪.‬‬
‫‪ -3‬المجمع الفقهي اإلسالمي التابع لرابطة العالم اإلسالمي بمكة المكرمة ‪:‬‬
‫أوصت األمانة العامة لرابطة العالم اإلسالمي في عام ‪ 1383‬هـو بإنشاء‬
‫هيئة فقهية تضم جماعة من العلماء والفقهاء المحققين الجديرين باإلفتاء‪ ،‬من مختلف‬
‫أنحاء العالم اإلسالمي‪ ،‬يتولون دراسة أمور واقع األمة اإلسالمية والمشكالت‬
‫الطارئة التي تواجهها في أمور حياتها وإ يجاد الحلول الصحيحة على أساس كتاب‬
‫اهلل العزيز والسنة النبوية المطهرة واإلجماع وبقية المصادر المعتمدة في الفقه‬
‫والتشريع اإلسالمي العظيم‪.‬‬
‫ومن األهداف التي أنشئ من أجلها المجمع الفقهي برابطة العالم اإلسالمي ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬إحياء التراث الفقهي ونشره‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪ -2‬إبراز تفوق الفقه اإلسالمي على جميع القوانين الوضعية المنتشرة في‬
‫العالم‪.‬‬
‫‪ -3‬دراسة جميع ما يواجه الع الم اإلس المي من مس ائل مس تجدة وبي ان حكم‬
‫الشريعة فيها على هدي الكتاب والسنة واإلجماع والقياس‪.‬‬
‫عددا ال بأس به من الدورات التي درس فيها‬
‫ولقد عقد مجلس المجمع ً‬
‫(‪)1‬‬
‫موضوعات كثيرة أصدر بعد إتمام دراستها القرارات والفتاوى المناسبة لها ‪.‬‬
‫‪ -4‬هيئة كبار العلماء بالرياض ‪:‬‬
‫أنشأت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بأمر ملكي عام ‪1391‬‬
‫هـ‪ :‬وتفرعت عن هذه الهيئة لجنة دائمة للبحوث والفتوى في الشؤون الفردية‪ ،‬ومن‬
‫مهمتها أيضاً اإلجابة عن أسئلة المستفتين في شؤون العقائد والعبادات والمعامالت‬
‫الشخصية‪ ،‬وتصدر األمانة العامة لهيئة كبار العلماء " مجلة البحوث اإلسالمية "‬
‫التي تحوي بحوثاً فقهية ّقيمة‪.‬‬
‫‪ -5‬مجلس الفكر اإلسالمي بباكستان ‪:‬‬
‫وهذا المجلس ذو مكانة عالية في باكستان وسلطاته واسعة في إصدار‬
‫القوانين ومراجعتها وتعديلها بما يتواءم مع أحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ولقد أنجز‬
‫المجلس منذ تأسيسه عام ‪1973‬م أبحاثاً جليلة في مسائل ونوازل شتى‪.‬‬
‫‪ -6‬مجمع الفقه اإلسالمي بالهند ‪:‬‬
‫مؤسسة علمية إسالمية أسسها القاضي مجاهد اإلسالم القاسمي‪ ،‬تقوم بخدمات‬
‫جليلة في مجال معالجة القضايا المعاصرة وتقديم حلولها الشرعية في ضوء الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬من أهم أنشطتها‪ :‬الندوات الفقهية‪ ،‬ترجمة أوردوية للموسوعة الفقهية‬
‫الكويتية‪ ،‬ولقد استكمل المجمع عقد ثالثة عشر ندوة تم مناقشة أربعين موضوعاً‬
‫متعلقاً بالقضايا المستجدة(‪.)2‬‬

‫‪ )?(1‬انظر قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم اإلسالمي فأبحاثهم نفيسة ومفيدة‪.‬‬
‫‪ )?(2‬راجع موقع المجلس على اإلنترنت‪. /http://ifa-india.org :‬‬

‫‪77‬‬
‫المبحث السادس‬
‫مصادر القضايا الفقهية المعاصرة‬

‫المطلب األول‬
‫أهم الكتب التي تعرضت " للقضايا الفقهية المعاصرة "‬

‫فيما يلي ثبت ش امل ألهم الكتب والمص نفات القديمة والحديثة في موض وع‬
‫القض ايا الفقهية المعاص رة‪ ،‬وال ن دعي أنها احت وت فقط ن وازل ومش كالت حديثة بل‬
‫لقد شملت إجابات عن أسئلة متكررة الحدوث وأخرى تقع ألول مرة فاجتهد العلماء‬
‫أصحاب هذه الكتب في الرد عليها‪.‬‬
‫ونبدأ بعرض مجموعة كبيرة من الكتب التي عنونت لهذا العلم بفقه النوازل‬
‫وهي كلها لمؤلفين ينتسبون للمذهب المالكي ولمنطقة المغرب العربي واألندلس‬
‫بصفة خاصة‪ ،‬ومن ثم نذكر بقية الكتب المؤلفة عند المذاهب الفقهية األخرى‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬كتب المالكية القديمة ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -1‬اإلعالم بنوازل األحكام‪ :‬عيسى بن سهل أبي األصبغ الجياني قاضي طنجة‬
‫ومكناس وغرناطة (ت ‪ 486‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -2‬نوازل األحكام‪( :‬فتاوى أبي مطرف)‪ :‬عبد الرحمن بن قاسم (‪ 497‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -3‬معين الحكام في نوازل القضايا واألحكام‪ :‬إلبراهيم بن حسن المكنى بابن عبد‬
‫الرفيع (‪ 513‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -4‬فتاوى ابن رشد (‪ 520‬هـ) – مطبوع ‪.-‬‬
‫‪ -5‬نوازل ابن الحاج‪ :‬محمد بن أحمد بن خلف (‪ 529‬هـ)‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫‪ -6‬مذاهب الحكام في نوازل األحكام‪ :‬القاضي عياض اليحصبي (‪ 544‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ -7‬مفيد الحكام فيما يعرض لهم من نوازل األحكام‪ :‬ألبي الوليد بن هشام األزدي (‬
‫‪606‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -8‬نوازل أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن القباب قاضي جبل طارق (‪ 799‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -9‬فتاوي ابن لب‪ :‬فرج بن قاسم الغرناطي (‪ 782‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -10‬الفتاوى‪ :‬اإلمام أبو اسحق إبراهيم الشاطبي (ت ‪ 790‬هـ) – مطبوع ‪.-‬‬
‫‪ – 11‬الدرة المكنونة في نوازل مازونة‪ :‬ليحيى بن أحمد المغيلي المازوني (‬
‫‪883‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ -12‬جامع مسائل األحكام مما نزل من القضايا بالمفتين والحكام ‪ :‬أحمد بن محمد‬
‫الشهير بالبرزلي (‪ 844‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ -13‬نوازل إبراهيم بن هالل الزلماطي مفتي سلجماسة (‪ 903‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -14‬المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل أفريقية واألندلس البن‬
‫العباس أحمد ابن يحيى الونشريسي (‪ 914‬هـ) (طبع وزارة األوقاف‬
‫المغربية)‪.‬‬
‫‪ -15‬نوازل عيسى بن عبد الرحمن السجستاني (‪ 1062‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ -16‬النوازل الكبرى‪ :‬لعبد القادر بن علي الفاسي الفهري (ت ‪1091‬هـ) طبعت‬
‫بفاس طبعة حجرية وسميت باألجوبة‪.‬‬
‫‪-17‬نوازل لمحمد التاودي بن الطالب بن سودة‪ :‬جمعها ولده القاضي أبو العباس‪:‬‬
‫طبعت طبعة حجرية بفاس عام ‪1301‬هـ ومعها النوازل الصغرى للشيخ عبد‬
‫القادر بن علي الفاسي‪.‬‬
‫‪ -18‬نوازل محمد بن أحمد المنساوي الدالئي (ت ‪1136‬هـ) جمعها تلميذه محمد‬
‫بن الخياط الدكالي‪.‬‬
‫‪ -19‬نوازل أحمد الشدادي القاضي النوازلي (ت ‪1146‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -20‬نوازل محمد بن محمد الورزازي (‪ 1176‬هـ) ‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪ -21‬مواهب ذي اإلجالل في نوازل البالد السائبة والجبال‪ :‬لمحمد بن عبد اهلل بن‬
‫عبد الرحمن الكيكي (‪1185‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -22‬نوازل العربي بن محمد الهاشمي العزوزي الزرهوني (ت ‪1260‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -23‬نوازل‪ :‬لمحمد بن محمد التامرادي (‪1285‬هـ)‪.‬‬
‫نوازل عمر عبد القادر الرندي (ت ‪1290‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-24‬‬
‫الفتح العلي المالك‪ :‬الشيخ عليش (‪ 1299‬هـ) – مطبوع ‪.-‬‬ ‫‪-25‬‬
‫نوازل أبي الحسن علي بن عيسى بن علي بن أحمد الشريف العلمي مطبوع‬ ‫‪-26‬‬
‫طبعة حجرية‪.‬‬
‫النوازل الجديدة الكبرى في أجوبة أهل فاس وغيرهم من أهل المدن الكبرى‪:‬‬ ‫‪-27‬‬
‫المهدي ابن محمد الوزاني (ت ‪1342‬هـ)‪.‬‬
‫النوازل‪ :‬للمهدي بن محمد الوزاني (ت ‪1342‬هـ) جمع فيه فتاوى المتأخرين‬ ‫‪-28‬‬
‫من علماء المغرب كالشيخ التاودي والرهوني وآخرين‪ ،‬حققه عمر بن عباد‬
‫في أحد عشر جزءاً‪.‬‬
‫نوازل عبد الصمد بن التهامي بن المدني نزيل طنجة (‪1352‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-29‬‬
‫نوازل لمحمد بن أحمد العبادي قاضي الجماعة بمراكش‪.‬‬ ‫‪-30‬‬
‫نوازل محمد المختار بن األعمش الشنقيطي‪.‬‬ ‫‪-31‬‬
‫النوازل‪ :‬للمكي بن عبداهلل البناني مفتي الرباط‪.‬‬ ‫‪-32‬‬

‫ثانيا ‪ :‬كتب المذاهب األخرى ‪:‬‬


‫ً‬
‫‪ -1‬النوازل‪ :‬ألبي الليث السمرقندي (‪ 376‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -2‬مختارا ت النوازل‪ :‬لصاحب الهداية العالمة المرغيناني الحنفي (‪ 593‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -3‬الواقعات‪ :‬اإلمام الصدر الشهيد الحنفي‪.‬‬
‫‪ -4‬الفتاوى الهندية وتسمى أيضاً بالفتاوى العالمكيرية‪ :‬للعالمة نظام وجماعة من‬
‫علماء الهند (دار إحياء التراث العربي ‪ :‬بيروت)‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ -5‬فتاوى قاضيخان‪ :‬لإلمام فخر الدين حسن بن منصور األوزجندي الفرغاني (‬
‫‪ 295‬هـ) جاء في مقدمة الكتاب‪ " :‬ذكر في هذا الكتاب جملة من المسائل التي‬
‫يغلب وقوعها وتمس الحاجة إليها وتدور عليها واقعات األمة "‪.‬‬
‫‪ -6‬العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية‪ :‬للشيخ العالمة محمد أمين أفندي‬
‫(دار المعرفة – بيروت)‪.‬‬
‫‪ -7‬الفتاوى الخيرية لنفع البرية على مذهب اإلمام أبي حنيفة إبراهيم بن سليمان‬
‫بن محمد بن عبد العزيز‪.‬‬
‫‪ -8‬فتاوى النووي (المسمى بالمسائل المنثورة)‪ :‬اإلمام أبو زكريا محيي الدين بن‬
‫شرف النووي‪.‬‬
‫‪ -9‬الفتاوى الكبرى‪ :‬ابن حجر الهيثمي‪ ،‬بهامشه فتاوى العالمة شمس الدين‬
‫الرملي‪..‬‬
‫‪ -10‬النتف في الفتاوى‪ :‬لأبي الحسن علي بن محمد المسعودي (‪ 461‬هـ) تحقيق‬
‫صالح الدين الناهي (مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت)‪.‬‬
‫‪ -11‬فتاوى ومسائل ابن الصالح‪ :‬تحقيق عبد المعطي أمين قلعه جي (دار المعرفة‪:‬‬
‫بيروت)‪.‬‬
‫‪ -12‬فتاوى السبكي‪ :‬أبو الحسين تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي‪( :‬دار‬
‫المعرفة‪ :‬بيروت)‪.‬‬
‫‪ -13‬الحاوي للفتاوى‪ :‬الحافظ جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي‬
‫(طبعت طبعات كثيرة متنوعة)‪.‬‬
‫‪ -14‬مطلع األنوار البهية ومنبع األسرار الفقهية‪ :‬الشيخ محمد صالح بن محمد‬
‫الخزرجي الشافعي (‪1363‬هـ) ‪ -‬لجنة التراث و التاريخ بدولة اإلمارات‪.‬‬
‫‪ -15‬الفتاوى الكبرى‪ :‬اإلمام العالمة تقي الدين بن تيمية (طبعت طبعات كثيرة)‪.‬‬
‫‪ -16‬القواعد النورانية الفقهية‪ :‬شيخ اإلسالم أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم ابن‬
‫تيمية (طبعت كثيراً)‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫‪ -17‬االختيارات الفقهية من فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيميه‪ :‬الشيخ عالء الدين أبو‬
‫الحسن علي بن محمد ابن عباس البعلي (مكتبة الرياض الحديثة)‪.‬‬
‫‪ -18‬الفتاوى السعدية‪ :‬عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬كتب النوازل الحديثة – المعاصرة‪:‬‬


‫ً‬
‫‪ - 1‬فتاوى هيئة كبار العلماء‪ :‬بالمملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪- 2‬فتاوى اللجنة الدائمة لإلفتاء بالرياض‪ :‬جمعها الشيخ أحمد بن عبد الرزاق‬
‫الدويش (مكتبة المعارف الرياض)‪.‬‬
‫‪ – 3‬فتاوى وقرارات مجمع البحوث اإلسالمية بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ – 4‬أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية‪ :‬الرئاسة العامة إلدارة‬
‫البحوث العلمية واإلفتاء‪.‬‬
‫‪ – 5‬األسئلة واألجوبة الفقهية المقرونة باألدلة الشرعية‪ :‬عبد العزيز محمد السلمان‬
‫(مطابع النصر الحديثة‪ :‬الرياض)‪.‬‬
‫‪ – 6‬مجموعة الرسائل والمسائل النجدية‪:‬لبعض علماء نجد األعالم‪( :‬دار العصمة‬
‫‪1412‬هـ)‪.‬‬
‫‪ – 7‬مجموعة فتاوى ومقاالت متنوعة‪ :‬عبد العزيز بن عبد اهلل بن عبد الرحمن بن‬
‫باز (مكتبة المعارف للنشر والتوزيع)‪.‬‬
‫‪ – 8‬فتاوى شرعية وبحوث إسالمية – حسنين محمد مخلوف (‪( – )602‬دار‬
‫االعتصام ط الخامسة ‪.)1405‬‬
‫‪ – 9‬فتاوى إسالمية لمجموعة من العلماء ‪ -‬الشيخ ابن باز وابن عثيمين وابن‬
‫جرين (دار القلم ط األولى ‪.)1408‬‬
‫‪-10‬حل المشكالت ‪ -‬العالمة عبد اهلل بن محمد بن زريق ‪ -‬وزارة التراث القومي‬
‫والثقافة‪ :‬عمان‪.‬‬
‫‪ -11‬يسألونك في الدين والحياة ‪ -‬د‪.‬أحمد الشرباصي ‪ -‬دار الجيل بيروت ط‬
‫الثالثة ‪.1977‬‬

‫‪82‬‬
‫‪-12‬فتاوى شرعية ‪ -‬دائرة األوقاف والشؤون اإلسالمية بدبي – إعداد قسم اإلفتاء‬
‫ط األولى ‪.1418/97‬‬
‫‪-13‬من هدى اإلسالم‪ :‬فتاوى معاصرة ‪ -‬د‪.‬يوسف القرضاوي – دار القلم‪:‬‬
‫الكويت ط الثالثة‪.‬‬
‫‪ -14‬أنت تسأل واإلسالم يجيب ‪ -‬د‪.‬محمد سالم محيسن‪ ،‬دار الجيل بيروت ط‬
‫األولى ‪.1414‬‬
‫‪ -15‬الفتاوى‪ :‬كل ما هم المسلم في حياته ويومه وغده ‪ -‬الشيخ محمد متولي‬
‫الشعراوي ‪( -‬دار القلم)‪.‬‬
‫‪-16‬فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين ‪ -‬إعداد و ترتيب‪ :‬أشرف عبد المقصود‬
‫‪( -‬دار عالم الكتب بالرياض ط األولى ‪.)1411‬‬
‫‪ -17‬مجموعة رسائل‪ :‬الشيخ عبد اهلل بن زيد آل حمود ‪ -‬رئيس المحاكم الشرعية‬
‫بقطر ‪ -‬نشرها زهير الشاويش ‪ -‬المكتب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -18‬من غريب ما سألوني ‪ -‬الشيخ عبد اهلل النوري ‪( -‬ذات السالسل‪ :‬الكويت‬
‫‪.)1984‬‬
‫‪ -19‬الفتاوى ‪ -‬اإلمام األكبر محمود شلتوت ‪ -‬الشروق ط السادسة عشرة‬
‫‪.1411/1991‬‬
‫‪ -20‬المجموع المفيد من رسائل وفتاوى الشيخ سعد بن حمد بن عتيق ‪ -‬جمع‬
‫وترتيب‪ :‬إسماعيل بن سعد بن عتيق ‪ -‬دار الهداية الرياض ‪.1403‬‬
‫‪ -21‬أنت تسأل واإلسالم يجيب – عبد اللطيف مشتهري – دار االعتصام ط الثانية‬
‫‪.1402/1982‬‬
‫‪ -22‬أسئلة طال حولها الجدل ‪ -‬عبد الرحمن عبد الصمد – دار الفتح‪ :‬الشارقة ط‬
‫األولى ‪.1414‬‬
‫‪ -23‬هداية الطريق من رسائل وفتاوى الشيخ حمد بن عتيق – تقديم إسماعيل بن‬
‫سعد بن عتيق – دار الهداية الرياض‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ -24‬الفتاوى – اإلمام األكبر حسن مأمون – المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‬
‫القاهرة ‪.1389‬‬
‫‪ -25‬بحوث فقهية في قضايا عصرية‪ :‬صالح بن فوزان بن عبد اهلل الفوزان – دار‬
‫العصمة – النشرة األولى‪ – 1415‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -26‬فقه النوازل ‪ -‬بكر أبو زيد‪( :‬مكتبة الرسالة‪ :‬بيروت)‪.‬‬
‫‪ -27‬فتاوى إسالمية‪ :‬الشيخ محمد بن عبد العزيز المسند‪( :‬دار الوطن الرياض)‪.‬‬
‫‪ -28‬مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (دار الثريا‬
‫الرياض)‪.‬‬
‫‪ -29‬رأي الدين بين السائل والمجيب‪ :‬د‪.‬محمد البهي (دار الفكر)‪.‬‬
‫‪ -30‬فتاوى نور على الدرب‪ :‬الشيخ صالح بن فوزان الفوزان (مكتبة ابن تيميه ‪-‬‬
‫الكويت)‪.‬‬
‫‪ -31‬فتاوى وأحكام‪ :‬د‪.‬محمد إبراهيم الحفناوي (دار الحديث‪:‬مصر)‪.‬‬
‫‪ -32‬اإلسالم والمشكالت السياسية المعاصرة‪ :‬جمال الدين محمد محمود (دار‬
‫الكتاب المصري‪ :‬القاهرة)‪.‬‬
‫‪ -33‬االقتصاد اإلسالمي والقضايا الفقهية المعاصرة‪ :‬أ‪.‬د‪.‬علي أحمد السالوس (دار‬
‫الثقافة‪:‬الدوحة)‪.‬‬
‫‪ -34‬مجموعة بحوث فقهية معاصرة‪ :‬د‪ .‬عبد الكريم زيدان (مؤسسة الرسالة)‪.‬‬
‫‪ -35‬قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم اإلسالمي بمكة المكرمة‪.‬‬
‫‪ -36‬أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد سليمان األشقر‪ :‬دار‬
‫النفائس ط األولى‪.‬‬
‫‪ -37‬بحوث في الفقه الطبي‪ :‬د‪ .‬عبد الستار أبو غدة‪ :‬نشر دار األقصى ط األولى‬
‫‪.1411‬‬
‫‪ -38‬فتاوى شرعية‪ :‬إدارة األوقاف والبحوث‪ :‬دبي‪ ،‬مطبعة البيان ط األولى‬
‫‪.1418‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ -39‬قرارات وتوصيات مجمع الفقه اإلسالمي‪( :‬منظمة المؤتمر اإلسالمي) دار‬
‫القلم ط الثانية ‪.1418‬‬
‫‪ -40‬الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية‪ :‬الشيخ الدكتور عبد اهلل بن عبد الرحمن‬
‫الجبرين‪ :‬دار الصميعي ط األولى ‪ 1418‬جزءان‪.‬‬
‫‪ -41‬الطبيب أدبه وفقهه‪ :‬د‪ .‬زهير السباعي ود‪ .‬محمد علي البار دار القلم ط‬
‫الثانية ‪.1418‬‬
‫‪ -42‬قضايا فقهية معاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬ط الخامسة ‪1414‬‬
‫– مكتبة الفارابي‪.‬‬
‫‪ -43‬مسائل فكرية وفقهية‪ :‬هشام البدراني‪ ،‬دار البيارق ط األولى ‪ 1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -44‬أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد نعيم ياسين‪ ،‬دار النفائس ط‬
‫الثانية ‪1410‬هـ‪ .‬ز‬
‫‪ -45‬بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة‪ :‬د‪.‬محمد سليمان األشقر وآخرون‪:‬‬
‫دار النفائس ط األولى ‪ 1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -46‬المعامالت المالية المعاصرة‪:‬د‪ .‬محمد عثمان شبير‪ :‬دار النفائس ط األولى‬
‫‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪ -47‬بحوث فقهية هامة‪ :‬د‪.‬عبد العزيز الخياط دار السالم ط األولى ‪ 1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -48‬األحكام السياسية لألقليات المسلمة في الفقه اإلسالمي‪ :‬سليمان توبولياك ‪-‬‬
‫دار النفائس ط األولى ‪ 1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -49‬مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ :‬أسامة عمر سليمان األشقر ‪-‬‬
‫دار النفائس – األردن ‪ 1420‬هـ – ‪ 2000‬م‪.‬‬
‫‪ -50‬قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد برهان الدين السنبهنلي دار القلم‪.‬‬
‫‪ -51‬إتحاف السائل بما ورد من المسائل‪ :‬محمد أديب كلكل ط األولى‪.‬‬
‫‪ -52‬بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني‪ :‬دار القلم‪.‬‬
‫‪ -53‬بحوث فقهية معاصرة‪ :‬د‪.‬إبراهيم فاضل الدبو دار عمار‪.‬‬
‫‪ -54‬مع الناس‪ :‬مشورات وفتاوى‪ :‬د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي – دار الفكر –‬
‫دمشق ‪ -‬سورية‪ ،‬الطبعة األولى ‪1999‬م‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫‪ -55‬حكم إجراء العقود بوسائط االتصال الحديثة‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار‬
‫المكتبي‪ -‬دمشق – الطبعة األولى ‪1420‬هـ ‪2000 /‬م‪.‬‬
‫‪ -56‬العمليات االستشهادية في الميزان الفقهي‪ :‬نواف هايل تكروري‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1418‬هـ ‪1997 /‬م‪.‬‬
‫‪ -57‬البطاقات البنكية‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان‪ ،‬دار القلم – دمشق ‪-‬‬
‫الطبعة األولى ‪1419‬هـ ‪ 1998 /‬م‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫المجالت المتخصصة= في الدراسات اإلسالمية وبأبحاث الفقه واالجتهاد‬

‫ح اولت أن أرصد جميع المجالت اإلس المية وال تي تهتم بالدراس ات الفقهية‬
‫وتجمع عن دي ه ذا الع دد‪ ،‬وذك رت مع كل مجلة عنوانها‬ ‫ّ‬ ‫واألص ولية والش رعية‬
‫بالتفصيل لمن أراد المراسلة واالشتراك أو حتى الكتابة‪:‬‬
‫‪ -1‬األحمدية‪ :‬مجلة علمية دورية محكمة تعنى بالدراسات اإلسالمية وإ حياء‬
‫التراث‪.‬‬
‫دار البحوث للدراسات اإلسالمية وإ حياء التراث‬
‫ص‪.‬ب ‪ - 25171 :‬دبي – دولة اإلمارات العربية المتحدة‬
‫‪ -2‬األزهر‪ :‬مجلة شهرية جامعة‪ :‬يصدرها مجمع البحوث اإلسالمية‪.‬‬
‫ت‪2638599 :‬‬ ‫إدارة األزهر – القاهرة‬
‫‪ -3‬االقتصاد اإلسالمي‪ :‬مجلة شهرية اقتصادية متخصصة يصدرها بنك دبي‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫ص‪.‬ب‪ - 12988 :‬دبي – دولة اإلمارات العربية المتحدة‬
‫‪ -4‬آفاق اإلسالم‪ :‬مجلة ثقافية علمية تبحث في جوهر الدين ومكونات نهضة‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫تصدر عن الدار المتحدة للنشر والتوزيع‬
‫عمان‪ :‬الصويفية ‪ -‬شارع التباشير ‪ -‬رقم ‪4‬‬
‫ص‪.‬ب‪5229 – 11118 :‬‬

‫‪86‬‬
‫‪ -5‬التجديد‪ :‬مجلة علمية نصف سنوية محكمة‪ :‬تصدرها الجامعة اإلسالمية‬
‫العالمية بماليزيا‪.‬‬
‫‪Gombak , Selangor , Malaysia 53100‬‬
‫‪ -6‬الحق‪ :‬شريعة وقانون مجلة دورية محكمة تعنى بنشر الدراسات الشرعية‬
‫والقانونية‪ ،‬تصدر عن جمعية الحقوقيين بدولة اإلمارات العربية المتحدة‪:‬‬
‫ص‪.‬ب‪ – 2233 :‬الشارقة‪ ،‬دولة اإلمارات العربية المتحدة‬
‫هاتف‪009716 – 5354888 :‬‬
‫‪ -7‬منبر اإلسالم‪ :‬يصدرها المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية بوزارة األوقاف‬
‫بمصر‬
‫‪ 9‬ش النباتات بجاردن سيتي – القاهرة‬
‫هاتف‪7958664 - 7958659 :‬‬
‫‪ -8‬المجلة اإلسالمية‪ :‬مجلة تعنى بالدراسات والبحوث اإلسالمية‪ ،‬تصدرها رابطة‬
‫الجامعات اإلسالمية‪.‬‬
‫ص‪.‬ب‪ – 242 :‬الرباط ‪ ،‬المملكة المغربية‬
‫‪ -9‬مجلة البحوث اإلسالمية‪ :‬مجلة دورية تصدر عن رئاسة إدارة البحوث العلمية‬
‫واإلفتاء‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫ص‪.‬ب‪ – 22571 :‬الرياض – الرمز البريدي ‪11416‬‬
‫‪ -10‬مجلة البحوث الفقهية= المعاصرة‪ :‬مجلة علمية محكمة متخصصة في الفقه‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫المملكة العربية السعودية‬
‫الرياض‪ 11441 :‬هاتف‪4351872 :‬‬
‫‪ -11‬مجلة جامعة أم القرى للبحوث العلمية المحكمة ‪:‬‬
‫ص‪.‬ب ‪ 715 :‬مكة المكرمة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‬
‫‪ -12‬مجلة جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ‪ :‬مجلة علمية محكمة‪.‬‬
‫الرياض‪ ،‬ص‪.‬ب‪18011 / 11415 :‬‬

‫‪87‬‬
‫الهاتف‪4358284 :‬‬
‫‪ -13‬مجلة الشريعة والقانون‪ :‬حولية محكمة تصدرها كلية الشريعة والقانون‬
‫بجامعة اإلمارات العربية المتحدة‪.‬‬
‫العين ص‪.‬ب ‪15551 :‬‬
‫هاتف‪643998 :‬‬

‫‪ -14‬مجلة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية‪ :‬إسالمية فكرية ثقافية محكمة‪:‬‬


‫تصدر عن‪:‬‬
‫كلية الدراسات اإلسالمية والعربية بدبي‬
‫ص‪.‬ب ‪ - 50106 :‬دبي‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‬
‫‪ -15‬مجلة كلية الدعوة اإلسالمية‪ :‬مجلة إسالمية ثقافية جامعة محكمة‪ ،‬تصدر عن‬
‫كلية الدعوة اإلسالمية بالجماهيرية الليبية‪.‬‬
‫ص‪.‬ب‪ ،71771 :‬طرابلس‬
‫‪ -16‬مجلة الشريعة والدراسات اإلسالمية ‪:‬‬
‫مجلة علمية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات اإلسالمية‬
‫تصدر عن مجلس النشر العلمي في جامعة الكويت كل أربعة أشهر‪.‬‬
‫ص‪.‬ب ‪ 17433 :‬الرمز البريدي ‪ 72455‬الخالدية الكويت‬
‫هاتف ‪ 481250 :‬فاكس ‪4812504 :‬‬
‫العنوان اإللكتروني‪Josais@kuco1.kuniv.edu.kw :‬‬
‫‪ -17‬مجلة المجمع الفقهي‪ :‬مجلة دورية تصدرها أمانة مجمع الفقه اإلسالمي‬
‫برابطة العالم اإلسالمي – مكة المكرمة‪.‬‬
‫ص‪.‬ب‪ ،538 – 537 :‬مكة المكرمة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‬
‫ت‪ 5445335 :‬فاكس‪5431176 :‬‬
‫‪ -18‬المسلم المعاصر‪ :‬مجلة فصلية فكرية ثقافية محكمة‪ ،‬تعالج قضايا االجتهاد‬
‫المعاصر في ضوء األصالة اإلسالمية – تصدر عن مؤسسة المسلم المعاصر‬

‫‪88‬‬
‫المراسالت على عنوان‪ 3 :‬ش وزارة الزراعة – الدقي – القاهرة‬

‫المطلب الثالث‬
‫المواقع اإللكترونية المهتمة بفقه القضايا المعاصرة‬

‫لقد أص بح اإلن ترنت الوس يلة األك ثر اس تخداماً الي وم في جميع ج وانب الحي اة‪،‬‬
‫وذلك للسرعة في الحصول أو الوصول إلى أي معلومة وفي جميع التخصصات‪:‬‬
‫لذا اجتهدت في جمع عدد ال بأس به من المواقع اإلسالمية المهتمة بموضوع‬
‫النوازل والفتاوى والقضايا المعاصرة‪ ،‬ولقد اخترت وانتقيت هذه المواقع من مئات‬
‫المواقع المتوفرة على شبكة اإلنترنت‪:‬‬
‫كما يجب أن نحذر المستفتي من أخذ الفتوى من موقع دون معرفة‬
‫المشرفين عليه والكاتبين فيه وعلى من يعتمد في الفتوى عندهم ‪. .‬‬
‫‪ -‬موقع الشيخ ابن باز – رحمه اهلل – ‪http://www.binbaz.org.sa :‬‬
‫يحتوي الموقع على‪ :‬جامع لفتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬وعلى كتبه ورسائله‪ ،‬ومشاركاته في برنامج الفتاوى الشهير‪ " :‬نور على‬
‫الدرب "‪.‬‬
‫‪ -‬موقع الشيخ ابن عثيمين – رحمه اهلل – ‪:‬‬
‫‪http://www.binothaimeen.com‬‬
‫يحتوي الموقع على مجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه‬
‫اهلل ال تي وص لت إلى عش رين مجل داً يمكن تحميلها وتنزيلها من الموق ع‪ ،‬إض افة إلى‬
‫حلقات برنامج " نور على الدرب " ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ -‬موسوعة فتاوى األزهر ‪http://www.elazhar.com/ftawa.htm :‬‬
‫تشمل أوالً‪ :‬الفتاوى اإلسالمية من دار اإلفتاء المصرية منذ السابع من‬
‫جمادى اآلخرة ‪ 1313‬هجرية الموافق ‪ 21‬نوفمبر عام ‪ 1885‬ميالدية ‪ ،‬ثانياً‪:‬‬
‫الفتاوى األحكام لفضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى باألزهر الشريف‪،‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الجامع للفتاوى لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي‪ :‬يمكن البحث في‬
‫نصوص الفتاوى كما يمكن تصفح محتوى موسوعة الفتاوى بترتيب األحكام‬
‫والموضوعات‪.‬‬
‫‪ -‬موقع إسالم أون الين ‪http://islamonline.net :‬‬
‫تشرف عليه هيئة علمية من كبار العلماء من مختلف أنحاء العالم اإلسالمي‬
‫برئاسة األستاذ الدكتور يوسف القرضاوي مهمتها ضمان عدم مخالفة ما ينشر في‬
‫هذا الموقع لثوابت الشريعة اإلسالمية‪ ،‬باإلضافة إلى نخبة من الخبراء والمختصين‬
‫في السياسة واالقتصاد واإلعالم واالجتماع والتكنولوجيا والفنون وغيرها من‬
‫المجاالت‪.‬‬
‫يحتوي الموقع على‪ :‬فتاوى مباشرة‪ ،‬اسألوا أهل الذكر‪ ،‬وبنك الفتوى‪.‬‬
‫‪ -‬موقع الشؤون اإلسالمية بدبي ‪:‬‬
‫‪http://www.godubai.com/awqaaf/fatawa.asp‬‬
‫ومما جاء في مقدمة موقعهم هذا‪ :‬وإ نه بحمد اهلل تعالى قد من اهلل علينا في‬
‫دائرة األوقاف والشؤون اإلسالمية بثلة من هؤالء الفقهاء الحكماء العلماء تفخر بهم‬
‫األوقاف‪ ،‬وتزهو بهم دولتنا الحبيبة‪ ،‬لما هم عليه من مكانة في العلم والصالح‬
‫والسير على نهج السلف الصالح‪ ،‬وإ ن من عطائهم اليوم ما يتمثل بين يديك أيها‬
‫تباعا إن شاء اهلل تعالى‬
‫ً‬ ‫القارئ الكريم من هذه الفتاوى النافعة التي سيتوالى نشرها‬
‫في هذه الصفحة ‪.‬‬
‫‪ -‬موقع فتوى أون الين ‪http://www.fatwa-online.com :‬‬
‫وهو باللغة اإلنجليزية يعتمد فيه على فتاوى الشيخين‪ :‬عبد العزيز بن باز‬
‫ومحمد بن صالح العثيمين رحمهما اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -‬موقع اإلسالم‪www.al-islam.com :‬‬

‫‪90‬‬
‫يحوي الموقع القاموس اإلسالمي والفقه وأصول الفقه والفتاوى االقتصادية‪،‬‬
‫والزكاة لألفراد وخدمات أخرى نافعة‪.‬‬
‫‪ -‬موقع وزارة الشؤون اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد بالمملكة العربية‬
‫السعودية‪www.islam.org.sa :‬‬
‫موقع جيد في كل ما يخص الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -‬موقع القرضاوي‪www.qaradawi.net :‬‬
‫فيه صفحة للفتاوى واألحكام في النوازل‪ ،‬إضافة إلى أبحاث وكتب وخطب‬
‫الشيخ يوسف القرضاوي‪.‬‬
‫‪ -‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بقطر‪www.islam.gov.qa :‬‬
‫موقع جيد ومرجع في الفتاوى والقضايا الفقهية المعاصرة‪.‬‬
‫‪ -‬موقع وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية – دولة الكويت‪:‬‬
‫‪www.awkaf.net‬‬
‫يقدم خدمة الفتوى الهاتفية وخدمات أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬موقع الموسوعة اإلسالمية المعاصرة ‪http://www.islampedia.com :‬‬
‫يحتوى هذا الموقع على مكان للقضايا الفقهية المعاصرة‪ :‬تجمع قرارات‬
‫المجامع الفقهية في المملكة العربية والسعودية وغيرها‪.‬‬
‫‪ -‬موقع المنبر ‪http://www.fatwanet.net :‬‬
‫المتميز‪ ،‬لجمع واستيعاب الفتاوى الشرعية‬ ‫ّ‬ ‫ُأسِّس هذا الموقع العلمي‬
‫المطبوعة ألهل العلم المعتبرين من المتقدمين والمتأخرين‪ ،‬وتلخيصها وفهرستها‪،‬‬
‫ويسد ثُلمةَ ف ْق ِد العلماء الربانيين‪ ،‬وهو في‬
‫ُّ‬ ‫وتسهيل اإلفادة منها‪ ،‬مما يعين المفتين‬
‫المعتمدة على األصول العلمية الصحيحة‪ ،‬ويح ّذر من التقليد‬ ‫ِ‬ ‫ذلك ينتقي الفتاوى‬
‫األعمى‪ ،‬ويحارب التعصب المذهبي‪ ،‬ويدعو إلى األخذ بما ترجح دليله وبانت‬
‫حجته‪.‬‬
‫‪ -‬شبكة الفتوى الشرعية ‪http://www.islamic-fatwa.net :‬‬

‫‪91‬‬
‫يجيب على األسئلة فضيلة الشيخ‪ :‬أ‪.‬د أحمد الحجي الكردي‪ ،‬خبير في‬
‫الموسوعة الفقهية‪ ،‬وعضو هيئة اإلفتاء في دولة الكويت‪.‬‬

‫الفصـل الثانـي‬

‫دراسة بعض القضايا المعاصرة‬

‫‪92‬‬
93
‫المبحث األول‬

‫اعتماد الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور القمرية=‬

‫في كل ع ام وكلما ق رب دخ ول ش هر رمض ان‪ ،‬يك ثر الج دل والخالف بين‬


‫المسلمين في قضية كان الواجب االتفاق حولها‪ ،‬لكن لألسف غدت تلك المسألة سبب‬
‫من أسباب الفرقة والخالف بينهم‪:‬‬
‫والقضية هي‪ :‬هل يجوز اعتماد الحسابات الفلكية في إثبات دخول شهر‬
‫رمضان وغيره من الشهور القمرية أم ال ؟ أم يجب االكتفاء برؤية الهالل كما أمر‬
‫اهلل تعالى ورسوله الكريم ‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن قضية رؤية الهالل ليست مجرد قضية علمية فلكية‬
‫للمسلمين‪ ،‬بل الحقيقة أن تعلق أحكام شرعية متعددة بها جعلها مناسبة دينية شرعية‪:‬‬
‫ومن المفروض الرجوع إلى الشريعة اإلسالمية فيما يتعلق بمسألة رؤية الهالل‬
‫شأنها في ذلك كشأن سائر أحكام العبادات‪ :‬كالصالة والزكاة والصيام والحج‪،...‬‬
‫كما ال يجوز إهمال علم الفلك الذي له عالقة وثيقة بالموضوع‪.‬‬
‫لذلك كان لدراسة حركة القمر أهمية كبيرة لتحديد ميالد األهلة التي تساعد‬
‫كثيراً في تحديد بدايات األشهر القمرية‪ ،‬وذلك ألن أمر الهالل يثير اهتمام الكثير من‬
‫الناس وخاصة المسلمين الذين دأبوا في أقطارهم المختلفة للتطلع إلى األفق لرؤيته‬

‫‪94‬‬
‫بعد غروب الشمس للتثبت من بعض مناسباتهم الدينية‪ :‬فبعضهم قد يوفق في رؤية‬
‫الهالل‪ ،‬بينما يشتبه اآلخرون فيتوهمون رؤيته‪ ،‬ومنهم من ال يتمكن من رؤيته البتة‪،‬‬
‫وبذلك قد يحصل االختالف بين األقطار العربية واإلسالمية في تعيين موعد إقامة‬
‫الشعائر الدينية‪.‬‬
‫والبد من اإلشارة هنا إلى أن اعتماد بداية الشهور القمرية على رؤية الهالل‬
‫هو أمر استقر عليه العرب قبل اإلسالم‪ ،‬وكانت القبائل العربية تعنى بالرؤية من‬
‫أجل تحديد األشهر الحرم في أوقات الخصومات والحروب المستعمرة بينهم‪ ،‬ومن‬
‫أجل مواسم الحج‪ ،‬ولم نقرأ وكذلك لم نسمع بوسيلة أخرى أو معيار آخر لتحديد‬
‫بداية الشهر العربي‪ ،‬وال يعقل أن تكون لهم غير هذه الوسيلة الواضحة‪.‬‬
‫ولقد برز من الفلكيين المسلمين الذين تطرقوا إلى موضوع استخدام الحساب‬
‫الفلكي لتحديد أوائل الشهور الهجرية العديد من العلماء‪ ،‬أشهرهم "البتاني" ‪– 850‬‬
‫‪929‬م‪ ،‬و"البيروني" ‪1048 – 973‬م‪ ،‬و"نصير الدين الطوسي" ‪– 1258‬‬
‫‪1274‬م‪ ،‬وفي القرن الماضي قام اللواء المصري "محمد مختار باشا" ‪– 1846‬‬
‫‪1897‬م بتأليف كتابه القيِّم " التوفيقات اإللهامية في مقارنة التواريخ الهجرية‬
‫بالسنين اإلفرنجية والقبطية من سنة ‪ 1‬إلى سنة ‪ 1500‬هجرية "‪.‬‬
‫وقد قام الدكتور" محمد عمارة " بدراسة وتحقيق وتكملة هذا الكتاب‪ ،‬وتم نشر‬
‫الطبعة األولى منه عام ‪1400‬هـ ‪1980 -‬م‪ ،‬عن طريق المؤسسة العربية‬
‫للدراسات والنشر في مجلدين‪.‬‬
‫أما في السنوات األخيرة‪ ،‬فقد برز اهتمام المسلمين بالموضوع‪ ،‬ولعل السبب‬
‫هو تطور طرق المواصالت واالتصاالت بين أرجاء العالم اإلسالمي المختلفة‪ ،‬في‬
‫حين ال زال المسلمون يختلفون في أوقات أعيادهم وحتى في الدول المتجاورة مما‬
‫ال يمكن تفسيره !‬
‫لكن اليوم مع التقدم العلمي الكبير الحاصل‪ ،‬وبخاصة في مجال علوم الحساب‬
‫والفلك ولشدة دقتها‪ :‬فهل يجوز االعتماد واألخذ بالحساب الفلكي لتحديد أوائل‬
‫الشهور القمرية‪...‬؟ أم ال!‬

‫‪95‬‬
‫قديماً نكاد نقول إن فقهاء اإلسالم األوائل في المذاهب المختلفة متفقون على‬
‫عدم اعتبار الطرق الحسابية الفلكية في إثبات بداية األشهر الهجرية خاصة وأن‬
‫الحساب الفلكي في أزمنتهم كان مقروناً بالتنجيم وفيما يلي بعض األمثلة ألقوالهم‪:‬‬
‫قال السرخسي‪ ..." :‬ومنهم من قال يرجع إلى أهل الحساب عند االشتباه‬
‫وهذا بعيد فإن النبي ‪ ‬قال‪ " :‬من أتى كاهناً أو عرافاً وصدقه بما يقول فقد كفر بما‬
‫أنزل على محمد ‪.)1( " ‬‬
‫قال ابن عابدين‪ " :‬مطلب‪ :‬ال عبرة بقول المؤقتين في الصوم‪ ،‬بل في‬
‫المعراج‪ :‬ال يعتبر قولهم باإلجماع " (‪.)2‬‬
‫قال القرافي المالكي‪ ..." :‬وقاعدة رؤية األهلة في الرمضانات ال يجوز‬
‫إثباتها بالحساب " (‪.)3‬‬
‫قال اإلمام سند المالكي‪ " :‬إن كان اإلمام يرى الحساب فأثبت الهالل لم يتبع‬
‫إلجماع السلف على خالفه " (‪.)4‬‬
‫قال النووي‪ ..." :‬ألن النجوم والحساب ال مدخل لهما في العبادات " (‪.)5‬‬
‫وفي حواشي الشرواني‪ ..." :‬أن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه‬
‫بالكلية‪.)6( "...‬‬
‫وقال الخطيب الشربيني‪ " :‬والمعتمد قبولها إذ ال عبرة بقول الحساب كما مر‬
‫" (‪.)7‬‬
‫قال ابن مفلح الحنبلي‪ ..." :‬ومن صام بنجوم أو حساب لم يجزئه وإ ن أصاب‬
‫وال يحكم بطلوع الهالل بهما ولو كثرت إصاباتهما " (‪.)8‬‬

‫‪1‬‬
‫المبسوط ‪ 3/78‬وسيأتي تخريج الحديث‪.‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫حاشية ابن عابدين ‪.2/387‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫مواهب الجليل ‪.2/388‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫مواهب الجليل ‪ ،2/388‬التاج واإلكليل ‪.2/391‬‬ ‫(?)‬
‫‪5‬‬
‫المجموع‪ :‬للنووي ‪.6/282‬‬ ‫(?)‬
‫‪6‬‬
‫حواشي الشرواني ‪.3/373‬‬ ‫(?)‬
‫‪7‬‬
‫مغني المحتاج ‪.1/421‬‬ ‫(?)‬
‫‪8‬‬
‫الفروع‪ :‬البن مفلح ‪.3/8‬‬ ‫(?)‬

‫‪96‬‬
‫اختالف العلماء المعاصرين في هذه القضية ‪:‬‬
‫أما في هذا العصر فلقد اختلف العلماء في هذه المسألة اختالفاً كبيراً ولقد‬
‫انقسم الفقهاء في جواز إثبات الشهور القمرية بالحساب الفلكي إلى فريقين‪:‬‬
‫الفريق األول‪ :‬وهو لجمهور العلماء ويقول بعدم جواز اعتماد الحساب الفلكي‬
‫في إثبات دخول الشهور القمرية‪.‬‬
‫الفريق الثاني‪ :‬وهو للعالمة المحدث أحمد محمد شاكر – رحمه اهلل –‬
‫والفقيه الشيخ مصطفى الزرقا – رحمه اهلل – ومفتي تونس األسبق المختار‬
‫السالمي‪ :‬ويقولون بجواز اعتماد الحساب الفلكي في إثبات الشهور القمرية‪.‬‬

‫أدلة الفريقين في المسألة ‪:‬‬


‫‪ -1‬أدلة الفريق األول ‪:‬‬
‫استدل المانعون اعتماد الحساب ووجوب االكتفاء بالرؤية بنوعين من األدلة‪:‬‬
‫أمر ونهي‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬أدلة تعلق ثبوت األشهر بالرؤية فقط تعليق المشروط بشرطه‪ ،‬فيها أمر‬
‫بتعليق أحكام المواقيت برؤية الهالل‪.‬‬
‫واألخرى تحريم األخذ بالحساب في هذه القضية تمييزاً لهذه األمة‬
‫والستغنائها بما هو خير وأكمل‪ :‬وفيها نهي عن تعليقها بالكتابة والحساب‪.‬‬
‫الطائفة األولى ‪:‬‬
‫فمنها قول اهلل تعالى‪  :‬يسألونك عن األهلة قل هي مواقيت للناس والحج ‪‬‬
‫[البقرة‪.]189 :‬‬
‫وقدره‬
‫ومنها قوله اهلل تعالى‪  :‬هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً ّ‬
‫يفصل اآليات لقوم‬
‫منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق اهلل ذلك إال بالحق ّ‬
‫يعلمون ‪[ ‬يونس‪.]5 :‬‬

‫‪97‬‬
‫دلت هاتين اآليتين على أن األهلة هي المرجع في الصوم واإلفطار والحج‬
‫وغيرها من األحكام المتعلقة بها‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما ثبت عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب " أنه خطب في اليوم‬
‫الذي شك فيه‪ ،‬فقال‪ :‬إني جالست أصحاب رسول اهلل ‪ ‬وساءلتهم وأنهم حدثوني أن‬
‫رسول اهلل ‪ ‬قال‪ " :‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته‪ ,‬وانسكوا لها‪ ,‬فإن غم عليكم‬
‫فأتموا ثالثين يوماً‪ ,‬فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا " (‪.)1‬‬
‫ومنها‪ :‬ما ثبت عن أمير مكة الحرث بن حاطب قال‪ " :‬عهد إلينا رسول اهلل‬
‫‪ ‬أن ننسك للرؤية‪ ،‬فإن لم نره وشهد شاهدا عدل‪ ،‬نسكنا بشهادتهما " (‪.)2‬‬
‫والحديث يدل على أن المرجع في إثبات دخول الشهر هو الرؤية‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما ورد في الصحيح عن ابن عمر عن رسول اهلل ‪ ‬قال‪ " :‬إذا‬
‫رأيتموه فصوموا‪ ،‬وإ ذا رأيتموه فأفطروا‪ ،‬فإن غم عليكم فأقدروا " (‪.)3‬‬
‫وفي لفظ‪ " :‬الشهر تسع وعشرون ليلة‪ ،‬فال تصوموا حتى تروه‪ ،‬فإن ُغم‬
‫عليكم فأكملوا العدة ثالثين " (‪.)4‬‬
‫وفي لفظ‪ " :‬أنه ذكر رمضان‪ ،‬فضرب بيديه فقال‪ :‬الشهر هكذا وهكذا وهكذا‪،‬‬
‫ثم عقد إبهامه في الثالثة‪ ،‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم فأقدروا‬
‫ثالثين " (‪.)5‬‬
‫ووجه االستدالل من هذه األحاديث‪ :‬أنه ليس من المطلوب االستعانة‬
‫باألجهزة الفلكية والقواعد الرياضية‪ ،‬كما أنه ليس من المطلوب تحمل المشقة‬
‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه اإلمام أحمد (‪ ،4/321 )18915‬والنسائي في الصيام باب قبول شهادة الرجل الواحد (‪)2116‬‬
‫‪ ،4/132‬وذكره الحافظ في التلخيص ولم يذكر فيه قدحاً وإ سناده ال بأس به على اختالف فيه‪ ،‬كما أفاده‬
‫الشوكاني (نيل األوطار ‪.)4/261‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في الصوم باب شهادة رجلين على رؤية هالل شوال (‪ 2/301 )2338‬وسكت عنه‪،‬‬
‫والدار قطني في الصيام باب الشهادة على رؤية الهالل ‪ ،2/167‬وقال إسناد متصل صحيح وسكت عنه‬
‫المنذري ورجاله رجال الصحيح ( نيل األوطار ‪.)4/261‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الصوم باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان (‪ ،2/672 )1801‬ومسلم في الصيام‬
‫باب وجوب صوم رمضان لرؤية (‪.2/760 )1080‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الصوم باب قول النبي ‪. (1808) 2/674‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫(?) أخرجه مسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان ( ‪.2/759 )1079‬‬

‫‪98‬‬
‫وتكلف رؤية الهالل بل المطلوب أن يصوم المسلمون إذا رئي الهالل بالعين‬
‫المجردة في اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان‪ ،‬ويفطروا إذا رئي الهالل في‬
‫اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان‪ ،‬وأما إذا لم ير الهالل بالعين المجردة‬
‫فليكملوا العدة ثالثين (‪.)1‬‬
‫وأما الطائفة األخرى ‪:‬‬
‫فقول رسول اهلل ‪ " :‬إنا أمة أمية ال نحسب وال نكتب‪ ،‬الشهر هكذا وهكذا‪،‬‬
‫تارة تسعاً وعشرين‪ ،‬وتارة ثالثين‪ ،‬فال تصوموا حتى تروا الهالل‪ ،‬وال تفطروا‬
‫حتى تروه‪ ،‬فإن غم عليكم فأقدروا لـه " (‪ ،)2‬ولمسلم‪ " :‬فأقدروا لـه ثالثين " (‪.)3‬‬
‫وقال اإلمام النووي‪ ..." :‬ومن قال بحساب المنازل فقوله مردود بقوله ‪ ‬في‬
‫الصحيحين‪ :‬إنا أمة أمية ال نحسب وال نكتب‪.)4( "...‬‬
‫وقول رسول اهلل ‪ " :‬إنه من يعش منكم فسيجد اختالفاً كثيراً‪ ،‬فعليكم بسنتي‬
‫وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ‪،‬‬
‫وإ ياكم ومحدثات األمور‪ ،‬فإن كل بدعة ضاللة " (‪.)5‬‬
‫فهذه النصوص هي رؤوس أصول المسألة‪ ،‬وعليها العمل عند سلفنا الصالح‪،‬‬
‫واستقر ذلك حتى المائة الثالثة‪ ،‬بل واستمر العمل به عند المذاهب األربعة المعروفة‬
‫عند األمة‪ ،‬ال يعرف لهم مخالف يعتد بخالفه‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ " :‬فإنا نعلم باالضطرار من دين اإلسالم أن العمل‬
‫في رؤية هالل الصوم أو الحج أو العدة أو اإليالء أو غير ذلك من األحكام المتعلقة‬
‫بالهالل بخبر الحاسب أنه يرى أو ال يرى‪ :‬ال يجوز‪ ،‬والنصوص المستفيضة عن‬

‫‪1‬‬
‫(?) قضايا فقهية معاصرة‪ :‬السنبهنلي‪ ,‬ص‪.83‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الصوم باب قول النبي ‪ ‬ال نكتب وال نحسب (‪ ،2/675 )1814‬مسلم في الصيام باب‬ ‫‪2‬‬

‫وجوب صوم رمضان (‪.2/761 )1080‬‬


‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه مسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان (‪.2/762 )1081‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) المجموع ‪.6/271‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في السنة باب في لزوم السنة (‪ ،4/200 )4607‬والترمذي في العلم عن رسول اهلل ‪ ‬باب‬ ‫‪5‬‬

‫ما جاء في األخذ بالسنة (‪ ،5/44 )2676‬وابن ماجة في اتباع سنة الخلفاء الراشدين (‪ ،1/16 )43‬وأحمد (‬
‫‪ ،4/126 )17184‬وابن حبان في صحيحه (‪.)1/179‬‬

‫‪99‬‬
‫خالف قديم أصالً‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫النبي ‪ ‬بذلك كثيرة‪ ،‬وقد أجمع المسلون عليه‪ ،‬وال ُيعرف فيه‬
‫وال خالف حديث‪ ،‬إال أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة‪،‬‬
‫زعم أنه إذا ُغم الهالل‪ ،‬جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب‪ ،‬فإن كان‬
‫الحساب دل على الرؤية صام وإ ال فال‪ ،‬وهذا القول وإ ن كان مقيداً باإلغمام‪،‬‬
‫ومختصاً بالحاسب‪ :‬فهو قول شاذ‪ ،‬مسبوق باإلجماع على خالفه‪ ،‬فأما اتباع ذلك في‬
‫الصحو‪ ،‬أو تعليق عموم الحكم العام به‪ :‬فما قال به مسلم‪.)1( "...‬‬
‫واستدلوا بدليل عقلي ‪:‬‬
‫قال اإلمام النووي‪ ..." :‬وألن الناس لو كلفوا بذلك – يعني بالحساب – ضاق‬
‫عليهم ألنه ال يعرف الحساب إال أفراد من الناس في البلدان الكبار " (‪.)2‬‬

‫‪ -2‬أدلة الفريق الثاني ‪:‬‬


‫قال العالمة الدكتور " مصطفى أحمد الزرقا "‪ " :‬ال أجد في اختالف علماء‬
‫الشريعة المعاصرين اختالفاً يدعو إلى االستغراب بل إلى الدهشة أكثر من اختالفهم‬
‫من جواز االعتماد شرعاً على الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور القمرية في‬
‫عصر ارتاد علماؤه أجزاء من الفضاء الكوني وأصبح من أصغر إنجازاتهم النزول‬
‫على القمر‪ ،‬وإ ذا كان الرصد الفلكي وحساباته من الزمن الماضي لم يكن له من‬
‫الدقة والصدق ما يكفي للثقة به والتعويل عليه‪ ،‬فهل يصح أن ينسحب ذلك الحكم إلى‬
‫يومنا هذا؟ "‪.‬‬
‫وقال أيضاً‪ " :‬إن النظر إلى جميع األحاديث النبوية الصحيحة الواردة في هذا‬
‫الموضوع يبرز العلة السببية في أمر الرسول ‪ ‬بأن يعتمد المسلمون في بداية‬
‫الشهر ونهايته رؤية الهالل بالبصر لبداية شهر الصوم ونهايته‪ ،‬ويبين أن العلة هي‬
‫كونهم أمة أمية ال تكتب وال تحسب‪ ،‬وهذا يدل بمفهومه أنه لو توافر العلم بالنظام‬
‫الفلكي المحكم الذي أقامه اهلل تعالى بصورة ال تختلف وال تتخلف‪ ،‬وأصبح هذا العلم‬

‫‪1‬‬
‫(?) مجموع فتاوي شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪.25/132‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المجموع ‪.6/271‬‬

‫‪100‬‬
‫يوصلنا إلى معرفة يقينية بمواعيد ميالد الهالل في كل شهر‪ ،‬وفي أي وقت تمكن‬
‫رؤيته بالعين الباصرة إذا انتفت العوارض الجوية التي قد تحجب الرؤية‪ ،‬فحينئذ ال‬
‫يوجد مانع شرعي من اعتماد هذا الحساب والخروج بالمسلمين من مشكلة إثبات‬
‫الهالل‪ ،‬ومن الحاالت التي أصبحت مخجلة بل مذهلة حيث يبلغ فرق اإلثبات‬
‫للصوم واإلفطار بين مختلف األقطار اإلسالمية ثالثة أيام "‪.‬‬
‫ويضيف‪ " :‬أن الفقهاء األوائل لم يعتمدوا الحساب المبني على الحدس‬
‫محكمة "‬ ‫والتخمين‪ ،‬ولم يكن في وقتهم علم للفلك قائماً على رصد دقيق بوسائل‬
‫(‪. )1‬‬
‫وقد لخص العالمة الشيخ األستاذ " المختار السالمي " رأيه في أن يعتبر‬
‫الحساب وسيلة يقينية لثبوت دخول الشهور القمرية ونهايتها‪ ،‬وأن العبرة بوضع‬
‫القمر وضعاً تمكن رؤيته‪ ،‬وأن كل دعوى رؤية تخالف الحساب هي دعوى‬
‫مرفوضة يكذب صاحبها شأن الشهادة بما يخالف الواقع‪ ،‬وأن القصد هو العمل على‬
‫توحيد المسلمين في أعيادهم وفي صومهم ونسكهم‪.‬‬
‫هذا ولقد استدلوا على مذهبهم بما نقله ابن رشد من قول مطرف بن عبداهلل‬
‫بن الشخير وهو من كبار التابعين‪ ،‬وابن قتيبة من اللغويين‪:‬‬
‫" يعتبر الهالل إذا غم بالنجوم ومنازل القمر وطريق الحساب "‪ :‬يريد استدلوا‬
‫عليه بمنازله‪ ,‬وقدروا إتمام الشهر بحسابه(‪ )2‬أخذاً من الحديث "‪ ...‬فإن غم عليكم‬
‫فأقدروا له " يعني بالحساب‪.‬‬
‫دل الحساب على أن الهالل قد طلع من األفق على وجه‬ ‫وبقول من قال‪ :‬إذا َّ‬
‫يرى لوال وجود المانع كالغيم مثالً‪ :‬فهذا يقتضي الوجوب لوجود السبب الشرعي "‬
‫(‪ ,)3‬ولإلمام السبكي الشافعي تأليف مال فيه إلى االعتماد على الحساب (‪.)4‬‬

‫‪ )?(1‬نقالً عن الدكتور مسلم شلتوت‪ :‬الحساب الفلكي لتحديد أوائل الشهور العربية‪ :‬إسالم أون الين‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) تفسير القرطبي ‪ ،2/293‬بداية المجتهد ‪.1/207‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) إحكام األحكام‪ :‬ابن دقيق العين ‪ ،2/206‬تلخيص الحبير ‪.2/188‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) إعانة الطالبين‪ :‬الدمياطي ‪ ،2/216‬مغني المحتاج ‪ ،1/421‬حاشية ابن عابدين ‪.2/387‬‬

‫‪101‬‬
‫واستدلوا أيضاً بقولهم‪ " :‬أن اآلليات واألدوات التي يعرف بها الحساب قد‬
‫تطورت حتى كادت نتيجته تكون قطعية‪ ،‬وهذا بخالف ما كان عليه األمر في عصر‬
‫السلف‪ ,‬وهم إنما ردوا األخذ بالحساب في زمنهم لظنيته‪ ،‬قالوا‪ :‬وما دامت‬
‫الحسابات قد صارت قطعية‪ ،‬فإن األخذ بها مقدم على الشهادة برؤية الهالل‪ ،‬وهي‬
‫ظنية‪.‬‬
‫وقالوا أيضاً‪ :‬إن األجهزة والقواعد الحسابية يؤخذ بها لتحديد دخول أوقات‬
‫الصالة والصوم وخروجها فلم ال تؤخذ بها في رؤية الهالل (‪.)1‬‬

‫المناقشة والترجيح ‪:‬‬


‫رد أصحاب المذهب األول على أدلة المجيزون للعمل بالحساب بأن الحديث "‬
‫فأقدروا " يفسر بتفسيرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬حمل التقدير على إتمام الشهر ثالثين‪ ،‬ولقد اتبع اإلمام البخاري حديث‬
‫ابن عمر هنا برواية أخرى عنه جاء فيها أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪ " :‬الشهر تسع‬
‫وعشرون ليلة فال تصوموا حتى تروه ‪،‬فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثالثين " (‪.)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬قصد البخاري بذلك بيان المراد من قوله " فأقدروا له "‬
‫وأيد ابن رشد تفسير البخاري وعلله بأن التقدير يكون بمعنى التمام ودعم رأيه بقوله‬
‫تعالى‪  :‬قد جعل اهلل لكل شيء قدراً ‪ ‬أي تماماً (‪.)4‬‬
‫الثاني‪ :‬حمل التقدير على تضييق عدد أيام الشهر بمعنى أن يجعل شعبان‬
‫تسعة وعشرين يوماً‪ ،‬وأخذوا هذا التفسير من قوله تعالى‪  :‬ومن قدر عليه رزقه ‪‬‬
‫أي ضيق عليه‪ ...‬وممن قال بهذا الرأي أحمد بن حنبل وغيره ممن يجوز صوم يوم‬
‫الشك إن كانت السماء مغيمة (‪.)5‬‬

‫‪1‬‬
‫قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد برهان الدين السنبهنلي‪ ،‬ص ‪.86‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫سبق تخريج الحديث‪.‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫فتح الباري ‪.4/121‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫بداية المجتهد ‪.208 – 1/207‬‬ ‫(?)‬
‫‪5‬‬
‫(?) اإلنصاف ‪ ،3/349‬الفروع ‪ ،94 – 3/93‬فتح الباري ‪.4/122‬‬

‫‪102‬‬
‫وقالوا بعدم جواز االعتماد على الحساب كحساب الجداول وغيرها لكون‬
‫الحساب مبنياً على الظن والتخمين ال على العلم واليقين فهم في إجراء عملية‬
‫الحساب يجعلون شهراً كامالً وشهراً ناقصاً إلى نهاية السنة ومن المعلوم أن تمام‬
‫الشهر ثالثين قد يتوالى في شهرين أو ثالثة والنقص في الشهر وكونه تسعاً‬
‫وعشرين قد يتوالى في شهرين أو ثالثة‪.‬‬
‫وأنكروا العمل بالحساب لما رأوه من أناس يستنطقون النجوم بالحوادث‬
‫الغيبية ويوهمون العامة بأنهم يعرفون عن طريقها كل شيء لذلك كانت أقوالهم‬
‫مردودة ألنها مبنية على ظنون وأوهام‪ ،‬ويؤيد هذا التفسير ما ذكره السرخسي‪" :‬‬
‫ومنهم من قال يرجع إلى قول أهل الحساب عند االشتباه‪ ،‬وهذا بعيد فإن النبي ‪‬‬
‫قال‪ " :‬من أتى كاهناً أو عرافاً وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ‪" ‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫وقال ابن دقيق العيد‪ :‬إن الحساب ال يجوز أن يعتمد عليه في الصوم لمقارنة‬
‫القمر للشمس على ما يراه المنجمون فإنهم قد يقدمون الشهر بالحساب على الرؤية‬
‫بيوم أو يومين وفي اعتبار ذلك إحداث شرع لم يأذن به اهلل(‪.)2‬‬
‫أما االستدالل ببعض ما روي عن بعض التابعين فقد عد ابن العربي ذلك من‬
‫الزلل قال‪ ..." :‬وقد زل بعض المتقدمين فقال يعول على الحساب بتقدير المنازل‬
‫حتى يدل ما يجتمع حسابه على أنه لو كان صحو لرئي‪ ..‬وقد زل أيضاً بعض‬
‫أصحابنا فحكي عن الشافعي أنه قال‪ :‬يعول على الحساب وهي عثرة ال لعا لها(‪.)3‬‬
‫وجواباً على قياس االعتماد على األجهزة والقواعد الحسابية في تحديد دخول‬
‫أوقات الصالة والصوم وخروجها‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه أحمد في سنده (‪ ،2/429 )9532‬وأبو داود في الطب باب في الكاهن (‪ ،4/15 )3904‬والطبراني‬
‫في األوسط (‪ ،6/378 )6670‬قال الهيثمي‪ :‬عن شيخه مصعب بن إبراهيم بن حمزة الدهري‪ ،‬ولم أعرفه وبقية‬
‫رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ‪.)5/117‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) إحكام األحكام ‪.2/206‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أحكام القرآن‪ :‬البن العربي ‪.1/118‬‬

‫‪103‬‬
‫الجواب‪ :‬أن هناك فرق بين أوقات الصالة وشهر رمضان فأوقات الصالة‬
‫إنما هي ظرف لها‪ ،‬أما شهر رمضان فهو معيار للصوم‪ ،‬ومعنى ذلك أن أوقات‬
‫الصالة تسعها وتزيد فيتبقى وقت زائد إذا صلى اإلنسان على الطريقة المسنونة في‬
‫وقتها‪ ،‬فمن الممكن دائماً االحتراز عن الخطأ الذي يحدث بسبب تعيين وقت الصالة‬
‫بالطريقة الحسابية بأن يؤخر أداء الصالة قليالً عن أول وقتها المعين بالحساب‪ ،‬أما‬
‫شهر رمضان فال يمكن أن يقدم عليه الصوم أو يؤخر عنه يوماً ألنه يستلزم ترك‬
‫فريضة أو إتيان حرام‪ ،‬ومن ثم فال يصح قياس أوقات الصالة على دخول رمضان‬
‫وخروجه‪.‬‬
‫وعالوة على ذلك فإن مراد دخول شهر رمضان شرعاً على رؤية الهالل‬
‫وهي أمر عملي خالص وليس فكرياً‪ ،‬وذلك ألن القواعد الرياضية أو األدوات‬
‫الفلكية ال يتجاوز داللتها إمكان الرؤية أما وقوع الرؤية عمالً وعدم وقوعها فهذا‬
‫مما ال يتأتى في نطاق ما تدل عليه اآلالت والقواعد‪ ،‬هذا األمر قد ثبت بتصريحات‬
‫خبراء هذا العلم‪ ،‬أما أوقات الصالة فإنها تقوم على حاالت الشمس وتأثيراتها وهي‬
‫تظهر في كل سنة على مواعيدها المحددة بشكل ثابت يقيني وال يحدث فيها أي‬
‫تغيير ولذلك يكفي فيها تجارب سنة واحدة لضبط مواعيد الصالة للعام كله(‪.)1‬‬

‫كما نوقشت أدلة الفريق األول بما يلي ‪:‬‬


‫األصل اعتماد الرؤية في دخول األشهر القمرية‪ ،‬لكن هل معنى ذلك أننا‬
‫نترك الحساب‪ ،‬وما يقوله علم الفلك؟!‪ ،‬مع العلم أن علم الفلك قد أضحى من‬
‫اليقينيات التي ال مجال للشك أو االرتياب فيه‪ ..‬إن الذي رفضه الفقهاء من علم‬
‫الهيئة أو الفلك هو ما كان يسمى " التنجيم " أو " علم النجوم " وهو ما يدعى فيه‬
‫معرفة بعض الغيوب المستقبلية عن طريق النجوم‪ ،‬وهذا هو الذي جاء فيه الحديث‬

‫‪1‬‬
‫(?) قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد السنبهنلي‪ ،‬ص ‪.87 – 86‬‬

‫‪104‬‬
‫الذي أخرجه أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعاً‪ " :‬من اقتبس علماً من النجوم‬
‫اقتبس شعبة من السحر " (‪.)1‬‬
‫واالستدالل بالحديث " نحن أمة أمية ال نكتب وال نحسب " لو صح على نفي‬
‫العمل بالحساب لكان الحديث يدل على نفي الكتابة وإ سقاط اعتبارها فقد تضمن‬
‫الحديث أمرين دلل بهما على أمية األمة وهما الكتابة والحساب‪ :‬ولم يقل أحد بذم‬
‫الكتابة قديماً وال حديثاً بل دل القرآن والسنة واإلجماع على أهمية الكتابة‬
‫وضرورتها‪.‬‬
‫ومهما قيل في هذا الصدد أن الرسول لم يشرع لنا العمل بالحساب ولم يأمرنا‬
‫باعتباره وإ نما أمرنا باعتبار " الرؤية " واألخذ بها في إثبات الشهر وهذا الكالم فيه‬
‫شيء من الغلط ألمرين‪ " :‬األول – أنه ال يعقل أن يأمر الرسول باالعتداد بالحساب‬
‫في وقت كانت األمة ال تكتب وال تحسب فشرع لها الوسيلة زماناً ومكاناً وهي‬
‫الرؤية المقدورة لجمهور الناس في عصره‪ ،‬ولكن إذا وجدت وسيلة أدق وأضبط‬
‫وأبعد عن الغلط والوهم فليس في السنة ما يمنع اعتبارها‪.‬‬
‫–‬ ‫والثاني – أن السنة أشارت بالفعل إلى اعتبار الحساب في حالة الغيم‬
‫كما عرفنا ذلك سابقاً‪.-‬‬
‫ومن ينكر الحساب ويجعله من التخمين والظن فهو مخطئ ومردود عليه‬
‫بنصوص القرآن التي أتت متظافرة تخبرنا بأهمية علم الحساب وبأنه ليس من‬
‫ضروب الظن والتخمين‪.‬‬
‫قال تعالى‪  :‬الشمس والقمر بحسبان ‪[ ‬الرحمن‪ ]5 :‬أي بحساب له قواعده‬
‫وأصوله يقف عليها من درسها وتمكن منها‪ ،‬قال الشوكاني‪ " :‬أي يجريان بحساب‬
‫ومنازل ال يعدوانها وال يحيدان عنها " (‪.)2‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في الطب باب في النجوم (‪ ،4/15 )3905‬وابن ماجة في باب تعلم النجوم (‪)3726‬‬
‫‪ ،2/1228‬أحمد في سنده (‪ ،1/311 )2848‬قال الشوكاني‪ :‬حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري‬
‫رجال إسناده ثقات ( نيل األوطار ‪.) 7/369‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) فتح القدير‪ :‬الشوكاني ‪.5/131‬‬

‫‪105‬‬
‫قوله‪  :‬والقمر قدرناه منازل ‪[ ...‬إبراهيم‪ ]33 :‬قال الشوكاني‪ " :‬أي قدر‬
‫مسيره في منازل‪ ،‬منازل القمر هي المسافة التي يقطعها في يوم وليلة بحركته‬
‫الخاصة " (‪.)1‬‬
‫وقال سبحانه‪  :‬هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل‬
‫لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق اهلل ذلك إال بالحق يفصل اآليات لقوم يعلمون‬
‫‪[ ‬يونس‪.]5 :‬‬
‫‪ ‬وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة‪،‬‬
‫لتبتغوا فضالً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيال ‪‬‬
‫[اإلسراء‪.]12 :‬‬
‫‪ ‬فالق اإلصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز‬
‫العليم ‪[ ‬األنعام‪.]96 :‬‬
‫‪ ‬وسخر الشمس والقمر كل يجري ألجل مسمى ‪[ ‬لقمان‪ ،]29 :‬فهذه اآليات‬
‫الشريفة دليل على وجوب تعلم الحساب وأصوله وقواعده‪ ،‬ثم اعتماده بعد إفادة‬
‫اليقين في قضايا الكون الشاسعة وأبعاده الواسعة‪...‬‬
‫حتى أصبحت حركات األجرام السماوية معلومة بدقة ال يتسرب إليها الشك‪.‬‬

‫الترجيح ‪:‬‬
‫جمعاً بين األقوال وخاصة إذا كان الجمع بين النصوص الشرعية والعلم‬
‫الفلكي والحسابي‪ :‬فإننا نقول‪ :‬ال يجوز إثبات رؤية الهالل في اليوم الذي علم وثبت‬
‫بصراحة ويقين أنه ال يمكن فيه رؤية الهالل إطالقاً‪.‬‬
‫إنه من المعروف أن المستحيل عقالً وع ادة ال تقبل فيه رواية ثقة وال شهادته‬
‫وخبره‪ ،‬بل يرد ذلك الخبر والشهادة إذا ثبت أنهما مستحيالن ومتصادمان مع العقل‬
‫والبداهة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) فتح القدير‪.2/425 :‬‬

‫‪106‬‬
‫فمن ادعى رؤية الهالل في الوقت الذي تحيل القواعد الحسابية المبنية على‬
‫الدقة العلمية حملت دعواه على الوهم إن لم تحمل على الكذب(‪.)1‬‬
‫وكما قال الشيخ يوسف القرضاوي(‪ " :)2‬ويمكننا على األقل أن نأخذ بالحساب‬
‫الفلكي القطعي في النفي ال في اإلثبات تقليالً لالختالف الشاسع الذي يحدث كل سنة‬
‫في بدء الصيام وفي عيد الفطر‪ ،‬إلى حد يصل إلى ثالثة أيام بين بعض البالد‬
‫اإلسالمية وبعض‪ ،‬ومعنى األخذ بالحساب في النفي أن نظل على إثبات الهالل‬
‫بالرؤية وفقاًُ لرأي األكثرين من أهل الفقه في عصرنا‪ ،‬ولكن إذا نفى الحساب إمكان‬
‫الرؤية وقال‪ :‬إنها غير ممكنة‪ :‬ألن الهالل لم يولد أصالً في أي مكان من العالم‬
‫اإلسالمي كان الواجب أال تقبل شهادة الشهود بحال ألن الواقع الذي أثبته العلم‬
‫الحسابي القطعي يكذبهم ويؤيد هذا ما ذكره السبكي في فتاويه أن الحساب إذا نفى‬
‫إمكان الرؤية البصرية فالواجب على القاضي أن يرد شهادة الشهود حيث قال‪" :‬‬
‫ألن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان‪ ,‬والظني ال يعارض القطعي‪ ,‬فضالً‬
‫عن أن يقوم عليه " (‪.)3‬‬

‫قرار مجلس المجمع الفقهي اإلسالمي بجدة ‪:‬‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى‬
‫آله وصحبه‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫قرار رقم‪)6/3( 18 :‬‬
‫بشأن‬
‫‪1‬‬
‫(?) قضايا فقهية معاصرة‪ :‬للسنبهنلي ص ‪.90 – 88‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) فتاوي معاصرة ‪.2/221‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) إعانة الطالبين‪ :‬للدمياطي ‪ ,2/216‬مغني المحتاج‪ :‬للشربيني ‪.1/421‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) مجلة المجمع ( العدد الثالث‪ ,‬ج ‪ 2‬ص ‪.) 811‬‬

‫‪107‬‬
‫توحيد بدايات الشهور القمرية=‬
‫بعمان‬
‫إن مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث ّ‬
‫عاصمة المملكة األردنية الهاشمية من ‪ 13 – 8‬صفر ‪1407‬هـ ‪ 16 – 11/‬تشرين‬
‫األول (أكتوبر) ‪1986‬م ‪:‬‬
‫بعد استعراضه في قضية توحيد بدايات الشهور القمرية مسألتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬مدى تأثير اختالف المطالع على توحيد بداية الشهور‪.‬‬
‫الثاني ة‪ :‬حكم إثب ات أوائل الش هور القمرية بالحس اب الفلكي‪ ،‬وبعد اس تماعه إلى‬
‫الدراسات المقدمة من األعضاء والخبراء حول هذه المسألة قرر ما يلي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين االلتزام بها وال عبرة الختالف‬
‫المطالع لعموم الخطاب باألمر بالصوم واإلفطار‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬يجب االعتماد على الرؤية‪ ،‬ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد‪ ،‬ومراعاة‬
‫لألحاديث النبوية‪ ،‬والحقائق العلمية‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫مصرف ‪ ‬في سبيل اهلل ‪‬‬


‫وهل يجوز صرف الزكاة على المساجد‪ ،‬والمراكز اإلسالمية الدعوية؟‬

‫‪109‬‬
‫من القضايا المطروحة على الساحة بقوة هذه األيام‪ :‬قضية صرف الزكاة في‬
‫بناء المساجد أو على المراكز اإلسالمية والمدارس التعليمية وبصفة خاصة بالنسبة‬
‫للمسلمين الذين يعيشون بالخارج‪:‬‬
‫فهذه القضية يسأل عنها الناس كثيراً ألنها تتعلق بأمر عبادتهم لذا كان من‬
‫الواجب بحث هذه المسألة ضمن القضايا الفقهية المعاصرة وبيان الجواب الشافي‬
‫فيها‪.‬‬
‫قال تعالى‪  :‬إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة‬
‫قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل اهلل وابن السبيل فريضة من اهلل واهلل عليم‬
‫حكيم ‪[ ‬التوبة‪ :‬آية‪.]60‬‬
‫فقد خصها اهلل تعالى بأصناف ثمانية بأداة حصر وقصر وهي " إنما " التي‬
‫تثبت المذكور وتنفي ما عداه‪.‬‬
‫وإ ذا صرفت لغير هؤالء كان صرفاً غير شرعي ال يسقط الوجوب كما قال‬
‫القاضي عبد الوهاب(‪ ،)1‬فال يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر لقوله ‪ ‬للذي‬
‫جاء يسأله الصدقة‪ " :‬إن اهلل لم يرض بحكم نبي وال غيره في الصدقات حتى حكم‬
‫فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك األجزاء أعطيتك حقك " (‪.)2‬‬
‫فهل بناء المساجد والمراكز اإلسالمية والمدارس التعليمية والمستشفيات‬
‫وغيرها من أعمال البر مثل تكفين الموتى‪ ،‬أو تعليم األيتام ورعايتهم وتدريبهم على‬
‫مهنة من المهن ونحو ذلك يدخل في عموم قوله تعالى ‪ ‬في سبيل اهلل ‪ ‬في اآلية‬
‫الكريمة التي حددت مصارف الزكاة فتكون األعمال الخيرية ضمن مصارف‬
‫الزكاة‪ ،‬أم أن ‪ ‬في سبيل اهلل ‪ ‬المراد بها الجهاد والغزو ليس إال ‪...‬‬

‫‪ -1‬معنى ‪ ‬وفي سبيل اهلل ‪: ‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) المعونة‪ :‬القاضي عبد الوهاب البغدادي ‪.1/84‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في الزكاة باب من يعطى من الصدقة (‪ ،2/117 )1630‬قال المنذري في إسناده عبد‬
‫الرحمن بن زياد بن أنعم األفريقي وقد تكلم فيه غير واحد (عون المعبود ‪.)5/27‬‬

‫‪110‬‬
‫السبيل‪ :‬لغة الطريق(‪.)3‬‬ ‫‪-‬‬
‫وسبيل اهلل‪ :‬هو الطريق الموصل إلى مرضاته‪ ،‬قال ابن األثير‪ " :‬السبيل‬ ‫‪-‬‬
‫في األصل الطريق‪ ،‬و"سبيل اهلل" عام يقع على كل عمل خالص سلك به‬
‫طريق التقرب إلى اهلل عزوجل بأداء الفرائض والنوافل وأنواع الطاعات‪،‬‬
‫وإ ذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة االستعمال‬
‫كأنه مقصور عليه " (‪.)2‬‬

‫‪ -2‬أقوال العلماء في قوله تعالى ‪ ‬وفي سبيل اهلل ‪: ‬‬


‫‪ -‬المذهب الحنفي ‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن الهمام‪  " :‬وفي سبيل اهلل ‪ ‬منقطع الغزاة عند أبي يوسف رحمه‬
‫اهلل ألنه هو المتفاهم عند اإلطالق " (‪.)3‬‬
‫‪ -‬وقال الجصاص‪ " :‬وروي عن أبي يوسف فيمن أوصى بثلث ماله في سبيل‬
‫اهلل أنه للفقراء الغزاة " (‪.)4‬‬
‫‪ -‬وقال ابن قطلوبغا‪ " :‬فيمن أوصى بثلث ماله في سبيل اهلل‪ :‬قال أبو يوسف‪:‬‬
‫سبيل اهلل الغزو‪ ،‬فقيل لـه والحج‪ :‬قال سبيل اهلل الغزو‪ "...‬وهو كالخالف في‬
‫قولـه تعالى ‪ ‬وفي سبيل اهلل ‪ ‬والفتوى على قول أبي يوسف(‪.)5‬‬
‫‪ -‬وفسره الكاساني‪ " :‬بجميع القرب والطاعات فيدخل فيه كل من سعى في‬
‫طاعة اهلل تعالى وسبيل الخيرات إذا كان محتاجاً " (‪.)6‬‬
‫‪ -‬وقال محمد بن الحسن الشيباني‪ " :‬أن المراد بسبيل اهلل في آية المصارف‬
‫هم الغزاة والحجاج والعمار " (‪.)7‬‬
‫‪ -‬المذهب المالكي ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫لسان العرب‪ :‬ابن منظور مادة سبل ‪.11/319‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫النهاية في غريب الحديث‪ :‬ابن األثير ‪.2/338‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫فتح القدير ‪.2/264‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫أحكام القرآن ‪.3/126‬‬ ‫(?)‬
‫‪5‬‬
‫موجبات األحكام وواقعات األيام‪ ،‬ص‪.391‬‬ ‫(?)‬
‫‪6‬‬
‫بدائع الصنائع ‪.2/45‬‬ ‫(?)‬
‫‪7‬‬
‫المبسوط ‪ ،2/46‬تبيين الحقائق ‪.1/298‬‬ ‫(?)‬

‫‪111‬‬
‫‪ -‬قال اإلمام مالك‪ " :‬سبل اهلل كثيرة‪ ,‬ولكني ال أعلم خالفاً في أن المراد بسبيل‬
‫اهلل ها هنا الغزو من جملة سبيل اهلل " (‪.)1‬‬
‫الرباط‬ ‫‪ -‬و قال ابن عبد البر‪  " :‬وفـي سبيـل اهلل ‪ : ‬فهم الغزاة و موضع‬
‫" (‪.)2‬‬
‫‪ -‬قال القرافي‪ " :‬الصنف السابع سبيل اهلل تعالى وفي الجواهر هو الجهاد‬
‫دون الحج " (‪.)3‬‬
‫‪ -‬وقال العبدري المالكي‪ ..." :‬من الثمانية األصناف التي تصرف الزكاة‬
‫فيها‪ :‬سبيل اهلل ‪ -:‬أبو عمر– وذلك الجهاد والرباط " (‪.)4‬‬
‫‪ -‬قال الدسوقي في حاشيته‪ ..." :‬ومجاهد أي المتلبس به إن كان ممن يجب‬
‫عليه لكونه حراً مسلماً ذكراً بالغاً قادراً وال بد أن يكون غير هاشمي ويدخل‬
‫فيه المرابط وآلته كسيف ورمح تشترى منها " (‪.)5‬‬
‫‪ -‬المذهب الشافعي ‪:‬‬
‫‪ -‬قال النووي‪ " :‬ومذهبنا أن سهم سبيل اهلل المذكور في اآلية الكريمة يصرف‬
‫إلى الغزاة الذين ال حق لهم في الديوان بل يغزون متطوعين‪.)6( "...‬‬
‫‪ -‬وقال في روضة الطالبين‪ " :‬وفي سبيل اهلل‪ :‬وهم الغزاة الذين ال رزق لهم‬
‫في الفيء " (‪.)7‬‬
‫‪ -‬وقال الغزالي‪ " :‬الصنف السابع المجاهدون في سبيل اهلل وهم المطوعة من‬
‫الغزاة الذين ال يأخذون من الفيء وال اسم لهم في الديوان " (‪.)8‬‬

‫‪1‬‬
‫المدونة الكبرى ‪ ،3/97‬أحكام القرآن‪ :‬البن العربي ‪.2/968‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫الكافي‪ :‬البن عبد البر ‪.1/326‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫الذخيرة ‪.3/148‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫التاج واإلكليل ‪.2/351‬‬ ‫(?)‬
‫‪5‬‬
‫حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪.1/497‬‬ ‫(?)‬
‫‪6‬‬
‫المجموع‪ :‬النووي ‪.6/200‬‬ ‫(?)‬
‫‪7‬‬
‫روضة الطالبين ‪.2/321‬‬ ‫(?)‬
‫‪8‬‬
‫الوسيط ‪.4/563‬‬ ‫(?)‬

‫‪112‬‬
‫‪ -‬قال الخطيب الشربيني‪ " :‬وسبيل اهلل تعالى غزاة ال فيء لهم أي ال اسم لهم‬
‫في ديوان المرتزقة بل يتطوعون بالغزو " (‪.)1‬‬
‫‪ -‬المذهب الحنبلي ‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن قدامة‪ " :‬الصنف السابع من أهل الزكاة‪ :‬وال خالف في استحقاقهم‬
‫وبقاء حكمهم وال خالف في أنهم الغزاة في سبيل اهلل " (‪.)2‬‬
‫‪ -‬قال ابن مفلح‪ " :‬في سبيل اهلل وهم الغزاة الذين ال حق لهم في الديوان "‬
‫(‪.)3‬‬
‫‪ -‬وقال الخرقي أيضاً‪ " :‬ويعطى أيضاً في الحج وهو من سبيل اهلل "‪.‬‬
‫‪ -‬قال ابن قدامة‪ " :‬ويروى هذا عن ابن عباس وابن عمر وهو قول اسحق "‬
‫(‪.)4‬‬
‫‪ -‬وقال الشيخ منصور البهوتي‪ " :‬السابع في سبيل اهلل للنص وهم الغزاة ألن‬
‫السبيل عند اإلطالق هو الغزو(‪ ,)5‬والحج من السبيل نصاً " (‪.)6‬‬

‫‪ -3‬حصر أقوال العلماء في المسألة ‪:‬‬


‫من العرض السابق لآلراء في مختلف المذاهب الفقهية نتبين أن في المسألة‬
‫األقوال التالية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫مغني المحتاج ‪.3/111‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫المغني ‪.6/333‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫الفروع‪ :‬البن مفلح ‪.2/470‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫المغني ‪.6/334‬‬ ‫(?)‬
‫‪5‬‬
‫كشاف القناع ‪.2/283‬‬ ‫(?)‬
‫‪6‬‬
‫المرجع السابق ‪.2/284‬‬ ‫(?)‬

‫‪113‬‬
‫‪ -‬القول األول‪ :‬وهو لجمهور العلماء في المذاهب األربعة‪ ،‬والعلماء السابقين‬
‫والالحقين من عهد الصحابة إلى اليوم‪ :‬أن المراد من سبيل اهلل هو الغزو‬
‫والجهاد(‪.)7‬‬
‫‪ -‬القول الثاني‪ :‬وهو لمحمد بن الحسن الشيباني من الحنفية وأحمد بن حنبل‬
‫في إحدى الروايتين عنه وإ سحاق وجمع من الصحابة منهم عبداهلل بن عمر‬
‫وابن عباس – رضي اهلل عنهما ‪ :-‬أن المراد بـ ‪ ‬سبيل اهلل ‪‬هم الغزاة‬
‫والحجاج والعمار(‪.)2‬‬
‫‪ -‬القول الثالث‪ :‬للكاساني من الحنفية وهو قول بعض المفسرين والمحدثين‬
‫والفقهاء وبعض العلماء المعاصرين منهم صديق خان‪ ،‬المراغي‪ ،‬رشيد‬
‫رضا‪ ,‬جمال الدين القاسمي‪ ،‬الشيخ شلتوت‪ ،‬والشيخ مخلوف‪ :‬فسروا ‪‬‬
‫في سبيل اهلل ‪ ‬بالمعنى الواسع‪ :‬وقالوا بأن المراد به جميع وجوه البر(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬سبب اختالف العلماء في هذه المسألة ‪:‬‬
‫وسبب اختالف العلماء في هذا‪ :‬هو اختالفهم في تفسير قوله تعالى في‬
‫مصارف الصدقات ‪ ‬وفي سبيل اهلل ‪ ،‬وكذلك اختالفهم في ثبوت األحاديث من عدم‬
‫ثبوتها‪ ،‬واختالفهم في الوضع اللغوي لآلية(‪.)4‬‬

‫‪ -‬أدلتهم ‪:‬‬
‫استدل أصحاب القول األول‪ :‬على أن المراد بسبيل اهلل الغزو بما يلي‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫(?) المبسوط ‪ ،2/46‬تبيين الحقائق ‪ ،1/298‬شرح فتح القدير ‪ ،2/264‬المدونة الكبرى ‪ ،3/97‬الكافي‬
‫‪ ،1/326‬التاج واإلكليل ‪ ،2/351‬الذخيرة ‪ ،3/148‬حاشية الدسوقي ‪ ،1/497‬المجموع ‪ ،6/200‬روضة‬
‫الطالبين ‪ ،2/321‬الوسيط ‪ ،4/563‬مغني المحتاج ‪ ،3/111‬المغني ‪ ،6/334‬الفروع ‪ ،2/470‬كشاف القناع‬
‫‪.2/283‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المبسوط‪ :‬للسرخسي ‪ ،3/10‬تبيين الحقائق ‪ ،1/298‬شرح فتح القدير‪ :‬البن الهمام ‪ ،2/17‬المغني‬
‫‪ ،6/334‬كشاف القناع ‪ ،2/283‬المجموع ‪ ،6/200‬بداية المجتهد ‪.1/202‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) بدائع الصنائع ‪ :‬الكاساني ‪ ،2/45‬روح المعاني‪ :‬لآللوسي ‪ ،9/123‬تفسير الرازي ‪ ،16/113‬سبل‬
‫السالم ‪ ،2/198‬تفسير المراغبي ‪ ،4/142‬تفسير المنار ‪ ،10/585‬اإلسالم عقيدة وشريعة لشلتوت ص ‪97‬‬
‫– ‪ ،98‬فتاوي شرعية‪ :‬الشيخ مخلوف ‪.1/255‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) مصارف الزكاة وتمليكها في ضوء الكتاب والسنة‪ :‬د‪ .‬خالد عبد الرزاق العاني ص ‪.357‬‬

‫‪114‬‬
‫‪ -1‬أن المفهوم المتبادر في معنى ‪ ‬وفي سبيل اهلل ‪ ‬إذا أطلق في الكتاب والسنة‬
‫ولسان الصحابة‪ :‬الغزو والجهاد‪.‬‬
‫يقول ابن جرير الطبري‪ " :‬وأما قوله ‪ ‬في سبيل اهلل ‪ ‬فإنه يعني‪ :‬النفقة في‬
‫نصرة دين اهلل‪ ،‬وطريقه وشريعته التي شرعها لعباده بقتال أعدائه وذلك هو الغزو "‬
‫(‪.)1‬‬
‫ويقول ابن األثير‪ " :‬السبيل في األصل الطريق‪ ،‬ويذكر ويؤنث والتأنيث فيها‬
‫أغلب‪ ،‬وسبيل اهلل عام يقع على كل عمل خالص‪ ،‬سلك به طريق التقرب إلى اهلل‬
‫تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات‪.‬‬
‫وإ ذا أطلق سبيل اهلل فهو في الغالب واقع على الجهاد‪ ،‬حتى صار لكثرة‬
‫االستعمال كأنه مقصور عليه " (‪.)2‬‬
‫قال الخطيب الشربيني(‪ ..." :)3‬وإ نما فسر سبيل اهلل بالغزاة ألن استعماله في‬
‫الجهاد أغلب عرفاً بدليل قوله تعالى في غير موضع ‪ ‬يقاتلون في سبيل اهلل ‪‬‬
‫[النساء‪ ،]76 :‬ولقوله تعالى‪  :‬إن اهلل يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً ‪[ ‬الصف‪:‬‬
‫‪ ،]4‬وقوله تعالى‪  :‬وقاتلوا في سبيل اهلل ‪[ ‬البقرة‪ ،]190 :‬وغير ذلك من اآليات‪...‬‬
‫ويقول ابن الجوزي‪ " :‬إذا أطلق ذكر ‪ ‬سبيل اهلل ‪ ‬فالمراد به الجهاد " (‪.)4‬‬

‫‪ -2‬واستدلوا بالحديث الذي رواه أبي سعيد الخدري ‪ ‬أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫" ال تحل الصدقة لغني إال لخمسة لغاز في سبيل اهلل‪ ،‬أو لعامل عليها أو لغارم أو‬
‫لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فأهدى المسكين إليه " (‪.)5‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) تفسير الطبري ‪.10/165‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) النهاية في غريب الحديث ‪.2/338‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) مغني المحتاج ‪.3/111‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) فتح الباري ‪ ،6/48‬تحفة األحوذي ‪.5/207‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في الزكاة باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني (‪ ،2/119 )1636‬وابن ماجة في‬
‫الزكاة باب من تحل له الصدقة (‪ ،1/590 )1841‬ومالك في موطئه (‪ ،1/268 )604‬وأحمد (‪)11286‬‬

‫‪115‬‬
‫ووجه االستدالل من الحديث‪:‬‬
‫فقد ُذكر في الحديث ممن تحل الصدقة‪ :‬الغازي‪ ،‬وليس في األصناف الثمانية‬
‫من يعطى باسم الغزاة إال الذين نعطيهم من سبيل اهلل‪.‬‬
‫قال العيني‪ :‬هو حديث صريح مفسر لقوله تعالى ‪ ‬وفي سبيل اهلل ‪ ‬فيجب‬
‫حمله عليه(‪.)1‬‬
‫قال ابن حزم‪ " :‬وقد روى هذا الحديث عن غير معمر فأوقفه بعضهم ونقص‬
‫بعضهم مما ذكر فيه معمر‪ ،‬وزيادة العدل ال يحل تركها‪ "..‬ثم قال‪ ..." :‬فلم يجز أن‬
‫توضع إال حيث بين النص وهو الذي ذكرنا وباهلل تعالى التوفيق " (‪.)2‬‬
‫مر رجل على النبي ‪ ‬فرأى‬ ‫‪ -3‬ومما يؤيد رأيهم ما روى كعب بن عجرة ‪ ‬قال‪َّ :‬‬
‫أصحاب رسول اهلل ‪ ‬من جلده ونشاطه فقالوا‪ " :‬لو كان هذا في سبيل اهلل ‪" ...‬‬
‫(‪.)3‬‬
‫يريدون في الجهاد ونصرة اإلسالم(‪.)4‬‬
‫‪ -4‬كما استدلوا ببعض اآلثار الدالة على أن المقصود من " سبيل اهلل " في اآلية هو‬
‫الغزو والجهاد منها‪:‬‬
‫‪ .1‬ما ساقه الطبري بسنده في تفسيره قال‪ :‬حدثني يونس قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‬
‫قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله ‪ ‬وفي سبيل اهلل ‪ ‬قال‪ :‬الغازي في سبيل اهلل (‪.)5‬‬
‫‪ .2‬ما ذكره السيوطي في تفسيره‪ :‬قال‪ :‬أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في‬
‫قوله‪  :‬وفي سبيل اهلل ‪ ‬قال‪ :‬هم المجاهدون(‪.)6‬‬

‫‪ ،3/31‬والحاكم (‪ 1/566 )1480‬وقال صحيح على شرط الشيخين‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫(?) عمدة القاري ‪.9/45‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المحلى ‪.6/151‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه الطبراني في الكبير (‪ ،19/129 )282‬وقال المنذري رجاله رجال الصحيح ( الترغيب‬
‫والترهيب ‪.) 2/335‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) فتاوي معاصرة‪ :‬الشيخ يوسف القرضاوي‪ ،‬ص ‪.285‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) تفسير الطبري ‪.14/320‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) الدر المنثور ‪.3/252‬‬

‫‪116‬‬
‫اهلل ‪‬‬ ‫ج‪ .‬وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ‪ ‬وفي سبيل‬
‫قال‪ :‬الغازي في سبيل اهلل(‪.)1‬‬
‫‪ -‬وأدلة أصحاب القول الثاني‪:‬‬
‫فباإلض افة إلى األدلة ال تي اس تدل بها الجمه ور على أن الم راد بس بيل اهلل‬
‫الجهاد والغزو فلقد استدلوا على أن المراد به الحج والعمرة أيضاً بما يلي‪:‬‬
‫‪ -2‬أما تفسيرهم بالحجاج والعمار فقد استدلوا على ذلك بما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬حديث أم معقل‪ :‬قالت لما حج رسول اهلل ‪ ‬حجة الوداع وكان لنا جمل‬
‫فجعله أبو معقل في سبيل اهلل وأصابنا مرض وهلك أبو معقل وخرج النبي‬
‫‪ ‬فلما فرغ من حجته جئته فقال‪ " :‬يا أم معقل ما منعك أن تخرجي " قالت‪:‬‬
‫لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه فأوصى به أبو‬
‫معقل في سبيل اهلل‪ ،‬قال‪ " :‬فهال خرجت عليه فإن الحج من سبيل اهلل " (‪.)2‬‬
‫‪ .2‬وعن ابن عباس – رضي اهلل عنهما – أن امرأة قالت لزوجها‪ :‬احججني مع‬
‫رسول اهلل ‪ ‬على جملك الفالني‪ ،‬قال ذلك حبيس في سبيل اهلل‪ ،‬الحديث‪،‬‬
‫وفيه أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪ " :‬أما أنك لو أحججتها عليه كان في سبيل اهلل "‬
‫(‪.)3‬‬
‫ج‪ .‬واحتجوا كذلك بما روى عن أبي الس ‪ ‬قال‪ " :‬حملنا النبي ‪ ‬على إبل‬
‫الصدقة للحج "(‪ .)4‬قال الشوكاني‪ " :‬حديث أم معقل وحديث أبي الس يدالن‬
‫على أن الحج من سبيل اهلل وأن من جعل شيئاً من ماله في سبيل اهلل جاز لـه‬
‫صرفه في تجهيز الحجاج وإ ذا كان شيئاً مركوباً جاز حمل الحاج عليه‬

‫‪1‬‬
‫(?) المرجع السابق ‪.3/252‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في الحج باب العمرة (‪ ،2/204 )1988‬والترمذي في الحج باب ما جاء في عمرة‬
‫رمضان (‪ ،3/276 )939‬وأحمد في مسنده (‪ ،4/210 )17875‬وفي إسناده رجل مجهول‪ ،‬وفي إسناده أيضاً‬
‫إبراهيم من مهاجر البجلي متكلم فيه (نيل األوطار ‪.)4/238‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في الحج باب العمرة (‪ ،2/205 )1990‬وقال النووي‪ :‬إسناده صحيح (المجموع‬
‫‪ ،)6/213‬وكذلك قال ابن حجر (الدراية ‪.)1/266‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) أخرجه أحمد (‪ ،4/221 )17968‬وابن خزيمة (‪ ،4/73 )2377‬والحاكم (‪ ،1/612 )1625‬وقال‪:‬هذا‬
‫حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وله شاهد صحيح‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫ويدالن أيضاً على أنه يجوز صرف شيء من سهم سبيل اهلل من الزكاة‬
‫على قاصدين الحج(‪.)1‬‬
‫‪ .8‬وبما روى أبو عبيد في األموال عن أبي معاوية‪ ،‬عن أبي جعفر عن‬
‫األعمش عن حسان أبي األشرس عن مجاهد عن ابن عباس‪ :‬أنه كان ال‬
‫يرى بأساً أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج(‪.)2‬‬
‫هـ‪.‬وبما روي عن ابن عمر – رضي اهلل عنهما – أنه سئل عن امرأة أوصت‬
‫بثالثين درهماً في سبيل اهلل فقيل لـه‪ :‬أتجعل في الحج فقال‪ :‬أما أنه في‬
‫سبيل اهلل (‪.)3‬‬
‫خرج أبو محمد عبد الغني الحافظ‪:‬‬ ‫و‪ .‬وبما روى القرطبي في تفسيره قال‪َّ :‬‬
‫حدثنا محمد بن محمد الخياش حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى حدثنا يزيد بن‬
‫هارون أخبرنا مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن عبد الرحمن‬
‫بن أبي نعم ويكنى أبا الحكم قال‪ :‬كنت جالساً مع عبداهلل بن عمر فأتته امرأة‬
‫فقالت لـه‪ :‬يا أبا عبد الرحمن أن زوجي أوصى بماله في سبيل اهلل‪ ,‬قال ابن‬
‫عمر‪ :‬فهو كما قال في سبيل اهلل‪ ،‬فقلت أما زدتها فيما سألت عنه إال غماً‪,‬‬
‫قال‪ :‬فما تأمرني يا ابن أبي نعم آمرها أن تدفعه إلى هؤالء الجيوش الذين‬
‫يخرجون فيعتدون في األرض ويقطعون السبيل؟ قال‪ :‬قلت فما تأمرها قال‪:‬‬
‫آمرها أن تدفعه إلى قوم صالحين إلى حجاج بيت اهلل الحرام أولئك وفد‬
‫الرحمن أولئك وفد الرحمن أولئك وفد الرحمن ليسوا كوفد الشيطان ثالثاً‬
‫يقولها قلت‪ :‬يا أبا عبد الرحمن وما وفد الشيطان؟ قال‪ :‬قوم يدخلون على‬
‫هؤالء األمراء فيمنون إليهم الحديث ويسعون في المسلمين بالكذب‬
‫فيجازون الجوائز ويعطون عليها العطايا(‪.)4‬‬

‫‪1‬‬
‫نيل األوطار ‪.4/238‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫األموال ألبي عبيد ‪.1/722‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫أبو عبيدة في األموال ‪.1/723‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫تفسير القرطبي ‪ ،8/185‬التمهيد‪ :‬البن عبد البر ‪.5/102‬‬ ‫(?)‬

‫‪118‬‬
‫ز‪ .‬وبما روى البخاري عن الحسن قال‪ :‬إن اشترى أباه من الزكاة جاز ويعطى‬
‫في المجاهدين والذي لم يحج ثم تال ‪ ‬إنما الصدقات للفقراء ‪ ‬اآلية في أيهما‬
‫أعطيت أجزأت(‪.)1‬‬
‫‪ -‬أما أصحاب القول الثالث فلقد استدلوا على ما ذهبوا إليه من التوسع في مص رف‬
‫" في سبيل اهلل " على جميع أنواع القرب والبر‪:‬‬
‫‪ -1‬أن لفظ ‪ ‬في سبيل اهلل ‪ ‬عام فال يجوز قصره على بعض أفراده دون‬
‫سائرها إال بدليل‪ ،‬وال دليل على ذلك‪.‬‬
‫وعن دما قيل لهم‪ :‬إن لفظ ‪ ‬في س بيل اهلل ‪ ‬إذا ذكر في الكت اب والس نة‬
‫انصرف إلى الجهاد دون غيره أبوا ذلك‪ ،‬ورفضوا قصره على الجهاد دون‬
‫س واه يق ول ص ديق حسن خ ان‪ " :‬وأما ‪ ‬س بيل اهلل ‪ ‬ف المراد به هنا الطريق‬
‫إليه عزوجل‪ ،‬والجهاد وإ ن كان أعظم الطرق إلى اهلل عزوجل‪ ،‬لكن ال دليل‬
‫على اختص اص ه ذا الس هم ب ه‪ ،‬بل يصح ص رف ذلك في كل ما ك ان طريق اً‬
‫إلى اهلل عزوج ل‪ ،‬ه ذا مع نى اآلية لغ ة‪ ،‬وال واجب الوق وف على المع اني‬
‫اللغوية حيث لم يصح النقل هنا شرعاً " (‪.)2‬‬
‫‪ -2‬ويدل على أن المراد بـ ‪ ‬سبيل اهلل ‪ ‬في آية الصدقات العموم نصوص وآثار‬
‫جاءت دالة على جواز صرف الزكاة في بعض القربات‪.‬‬
‫‪ -3‬كما استدلوا بما ثبت في صحيح البخاري في باب القسامة أن الرسول ‪ ‬ودى‬
‫الصحابي الذي قتله اليهود في خيبر عندما لم ُيعرف قاتله من إبل الصدقة‪،‬‬
‫وذلك ألن الرسول ‪ ‬كره أن يبطل دمه(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬واس تدل ص ديق حسن خ ان على ص حة دفع الزك اة في جميع الق رب " ب أن‬
‫الصحابة كانوا يأخذون من أموال اهلل التي كان من جملتها الزكاة في كل عام‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه البخاري معلقاً في الزكاة باب قول اهلل تعالى وفي الرقاب وفي سبيل اهلل ويذكر عن ابن عباس‬
‫– رضي اهلل عنهما – يعتق من زكاة ويعطي في الحج وقال الحسن إن اشترى أباه‪.2/534 ...‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الروضة الندية‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) راجع الحديث في صحيح البخاري في الديات باب القسامة (‪ ،6/2528 )6502‬ومسلم في القسامة باب‬
‫القسامة (‪ ،3/1294 )1669‬وانظر فتح الباري ‪ ،12/229‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪.11/151‬‬

‫‪119‬‬
‫ويس مون ذلك عط اء‪ ،‬وفيهم األغني اء والفق راء‪ ،‬وك ان عط اء الواحد منهم يبلغ‬
‫إلى ألوف متعددة " (‪.)1‬‬
‫وقال في موضع آخر‪ " :‬وقد كان علماء الصحابة يأخذون من العطاء ما‬
‫يقوم بما يحتاجون إليه مع زيادات كثيرة يتفوضون بها في قضاء حوائج من‬
‫يرد عليهم من الفقراء وغيرهم‪ ،‬واألمر في ذلك مشهور‪ ،‬ومنهم من كان يأخذ‬
‫زيادة على مائة ألف درهم‪ ،‬ومن جملة هذه األموال التي كانت تفرق بين‬
‫المسلمين على هذه الصفة الزكاة‪ ،‬وقد قال ‪ ‬لعمر لما قال لـه‪ :‬يعطي من هو‬
‫أحوج منه‪ :‬ما أتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف وال سائل فخذه‪ ،‬وما ال‬
‫فال تتبعه نفسك‪ ،‬كما في الصحيح‪ ،‬واألمر ظاهر(‪.)2‬‬

‫المناقشة والترجيح ‪:‬‬


‫ُر َّد على ما استدل به أصحاب القول الثاني والثالث‪:‬‬
‫بأن المتبادر إلى األفهام من كلمة سبيل اهلل في آية المصارف هو الغزو فال‬
‫يصار إلى ما سواه لقوة األدلة في ذلك‪ :‬قال ابن قدامة في المقنع‪ " :‬ألن سبيل اهلل‬
‫حيث أطلق ينصرف إلى الجهاد غالباً والزكاة ال تصرف إال لمحتاج إليها كالفقير أو‬
‫من يحتاجه المسلمون كالعامل‪ :‬والحج ال نفع منه للمسلمين وال حاجة بهم إليه‬
‫والفقير ال فرض في ذمته فيسقطه‪ ،‬وإ ن أراد به التطوع فتوفير هذا القدر على ذوي‬
‫الحاجة أو صرفها في مصالح المسلمين أولى " (‪.)3‬‬
‫وقال ابن حزم‪ " :‬فإن قيل قد روي عن رسول اهلل ‪ ‬أن الحج من سبيل اهلل‬
‫وصح عن ابن عباس أن يعطى منها في الحج‪ ،‬قلنا‪ :‬نعم‪ ,‬وكل فعل خير من سبيل‬
‫اهلل إال أنه ال خالف في أنه تعالى لم يرد كل وجه من وجوه البر في قسمة الصدقات‬
‫فلم يجز أن توضع إال حيث بيَّن النص وهو الذي ذكرنا " (‪.)4‬‬

‫‪1‬‬
‫الروضة الندية ‪.1/206‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫المرجع السابق ‪.1/207‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫المقنع ‪ ،1/249‬المغني ‪.6/437‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫المحلى ‪.6/151‬‬ ‫(?)‬

‫‪120‬‬
‫واألحاديث التي استدلوا بها على أن المراد هو الحج والعمرة فمعظمها متكلم‬
‫فيه(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫كما أجاب العالمة المباركفوري عن القول بعموم اللفظ بأجوبة كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ -‬أن هذا القول هو أبعد األقوال ألنه ال دليل عليه من كتاب أو سنة‪.‬‬
‫‪ -‬وأنه لم يذهب إلى هذا التعميم أحد من السلف إال ما حكى القفال في تفسيره‬
‫عن بعض الفقهاء المجاهيل‪...‬‬
‫‪ -‬وما يذكر لالحتجاج بذلك من رواية البخاري في دية األنصاري الذي قتل‬
‫بخيبر مائة من إبل الصدقة فهو مخالف لما روى البخاري أيضاً في قصته‬
‫أنه وداه من عنده‪ ،‬وجمع بين الروايتين بأنه اشتراه من أهل الصدقة بعد أن‬
‫ملكوها ثم دفعها تبرعاً إلى أهل القتيل حكاه النووي عن الجمهور وعلى هذا‬
‫" وحديث أي سعيد‬ ‫فال حجة فيه لمن ذهب إلى التعميم إلى أن قال‪:‬‬
‫ينافي التعميم لكونه كالنص في أن المراد بسبيل اهلل المطلق في اآلية هم‬
‫الغزاة والمجاهدون خاصة فيجب الوقوف عنده " (‪.)3‬‬
‫فهذه القرائن كلها كافية في ترجيح أن المراد من " سبيل اهلل " في آية‬
‫المصارف هو الجهاد كما ذهب إلى ذلك جمهور علماء األمة من السلف والخلف‪.‬‬

‫‪ -5‬فتوى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي في الموضوع ‪:‬‬


‫لكن هناك رأي أو فتوى لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي يقول فيها‪..." :‬‬
‫ولهذا أوثر عدم التوسع في مدلول " سبيل اهلل " بحيث يشمل كل المصالح والقربات‪،‬‬
‫ولكني أرجح عدم التضييق فيه بحيث ال يقصر على الجهاد بمعناه العسكري‬
‫المحض‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظر المجموع ‪ ،6/213‬شرح فتح القدير‪ :‬البن الهمام ‪ ،2/264‬فتح الباري ‪ ،6/269‬نيل األوطار‬
‫‪.4/192‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) مراعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ‪.119 – 3/117‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) المرجع السابق ‪.119 –3/118‬‬

‫‪121‬‬
‫ألن الجهاد قد يكون بالقلم واللسان‪ ،‬كما يكون بالسيف والسنان‪ ،‬قد يكون‬
‫الجهاد فكرياً أو تربوياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً كما يكون عسكرياً‪.‬‬
‫وكل هذه األنواع من الجهاد تحتاج إلى اإلمداد والتمويل‪ ،‬المهم أن يتحقق‬
‫الشرط األساسي لذلك كله‪ ،‬وهو أن يكون " في سبيل اهلل " أي في نصرة اإلسالم‬
‫وإ عالء كلمته في األرض‪ ،‬فكل جهاد أريد به أن تكون كلمة اهلل هي العليا فهو في‬
‫سبيل اهلل أياً كان نوع هذا الجهاد وسالحه " (‪.)1‬‬
‫وقال أيضاً‪ " :‬والذي أراه أن مصرف " في سبيل اهلل " يتسع على الرأيين‬
‫جميعاً لينفق منه على إنشاء مراكز إسالمية للدعوة والتوجيه والتعليم في البالد التي‬
‫يهدد فيها وجود المسلمين بالغزو التنصيري أو الشيوعي أو العلماني‪ ،‬أو غير ذلك‬
‫من الملل والنحل‪ ،‬التي تعمل على سلخ المسلمين من عقيدتهم أو تضليلهم عن حقيقة‬
‫دينهم‪ ،‬وذلك مثل وضع المسلمين خارج العالم اإلسالمي‪ ،‬حيث يكونون أقلية‬
‫محدودة اإلمكانات في مواجهة الكثرة صاحبة النفوذ والسلطان والمال‪.‬‬
‫وأما على الرأي اآلخر‪ ،‬فال شك أن إنشاء هذه المراكز هو ضرب من الجهاد‬
‫اإلسالمي في عصرنا‪ ،‬وهو الجهاد باللسان والقلم والدعوة والتربية‪ ...‬وهو جهاد ال‬
‫يستغني عنه اليوم لمقاومة الغزو المكثف من قبل القوى المعادية لإلسالم‪.‬‬
‫وكما أن من قاتل لتكون كلمة اهلل هي العليا فهو في سبيل اهلل‪ ،‬فكذلك من دعا‬
‫وعلَّم ووجَّه لتكون كلمة اهلل هي العليا فهو في سبيل اهلل‪.‬‬
‫إن المركز اإلسالمي اليوم بمثابة قلعة للدفاع عن اإلسالم‪ ،‬وإ نما لكل امرئ‬
‫ما نوى " (‪.)2‬‬
‫" إن إنشاء مراكز إسالمية واعية للدعوة إلى اإلسالم الصحيح وتبليغ رسالته‬
‫إلى غير المسلمين في كافة القارات في هذا العالم الذي تتصارع فيه األديان‬
‫والمذاهب جهاد في سبيل اهلل وإ ن الصرف في هذه المجاالت لهو أولى ما ينبغي أن‬

‫‪1‬‬
‫(?) فتاوي معاصرة ‪.291 – 1/286‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) فتاوي معاصرة ‪.234 – 2/233‬‬

‫‪122‬‬
‫يدفع فيه المسلم زكاته‪ ،‬وفوق زكاته فليس لإلسالم – بعد اهلل – إال أبناء اإلسالم‬
‫وخاصة في عصر غربة اإلسالم " (‪.)1‬‬

‫‪ -6‬فتوى وتوصية للندوة األولى لقضايا الزكاة المعاصرة المنعقدة بالقاهرة‬


‫ومن الفتاوى والتوصيات التي أصدرتها الندوة األولى لقضايا الزكاة‬
‫المعاصرة المنعقدة بالقاهرة في ‪ 16 – 14‬ربيع األول ‪1409‬هـ الموافق ‪27 – 25‬‬
‫أكتوبر ‪1988‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مصرف ‪ ‬في سبيل اهلل ‪: ‬‬
‫إن مصرف ‪ ‬في سبيل اهلل ‪ ‬يراد به الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء‬
‫بما مفاده حفظ الدين وإ عالء كلمة اهلل ويشمل مع القتال الدعوة إلى اإلسالم والعمل‬
‫على تحكيم شريعته ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه وصد التيارات‬
‫المعادية له‪.‬‬
‫وبهذا ال يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده‪.‬‬
‫ويدخل تحت الجهاد بهذا المعنى الشامل ما يلي‪- :‬‬
‫‪ -1‬تمويل الحركات العسكرية الجهادية التي ترفع راية اإلسالم وتصد العدوان على‬
‫المسلمين في شتى ديارهم مثل حركات الجهاد في فلسطين وأفغانستان‬
‫والفلبين‪.‬‬
‫‪ -2‬دعم الجهود الفردية والجماعية الهادفة إلعادة حكم اإلسالم وإ قامة شريعة اهلل‬
‫في ديار المسلمين ومقاومة خطط خصوم اإلسالم إلزاحة عقيدته وتنحية‬
‫شريعته عن الحكم‪.‬‬
‫ج‪ -‬تمويل مراكز ال دعوة إلى اإلس الم ال تي يق وم عليها رج ال ص ادقون في البالد‬
‫غ ير اإلس المية به دف نشر اإلس الم بمختلف الط رق الص حيحة ال تي تالئم‬
‫العصر وينطبق هذا على كل مسجد يقام في بلد غير إسالمي يكون مقراً لل دعوة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) فقه الزكاة‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي ‪.669 – 2/668‬‬

‫‪123‬‬
‫‪ -8‬تمويل الجهود الجادة التي تثبت اإلسالم بين األقليات اإلسالمية في الديار التي‬
‫تسلط فيها غير المسلمين على رقاب المسلمين‪ ،‬والتي تتعرض لخطط تذويب‬
‫البقية الباقية من المسلمين في تلك الديار(‪.)1‬‬

‫‪ -7‬فتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ‪:‬‬


‫الحمد هلل وحده‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نبي بعده‪ ،‬محمد وأله وصحبه‪،‬‬
‫وبعد‪ :‬فقد جرى اطالع هيئة كبار العلماء في دورتها الخامسة‪ ،‬المعقودة بمدينة‬
‫الطائف من يوم ‪ 5/8/94‬ويوم ‪22/8/94‬هـ على ما أعدته اللجنة للبحوث العلمية‬
‫واإلفتاء من بحث في المراد بقول اهلل تعالى في آية مصارف الزكاة ‪ ‬وفي سبيل اهلل‬
‫‪ ،‬هل المراد بذلك الغزاة في سبيل اهلل وما يلزم لهم؟ أم عام في كل وجه من وجوه‬
‫الخير؟‬
‫وبعد دراسة البحث المعد واالطالع على ما تضمنه من أقوال أهل العلم في‬
‫هذا الصدد‪ ،‬وأدلة من فسر المراد بسبيل اهلل في اآلية بأنهم الغزاة‪ ،‬وما يلزم لهم‬
‫وأدلة من توسع في المراد باآلية‪ ،‬ولم يحصرها في الغزاة فأدخل فيها بناء المساجد‪،‬‬
‫والقناطر‪ ،‬وتعليم العلم وتعلمه‪ ،‬وبث الدعاة والمرشدين وغير ذلك من أعمال البر‪،‬‬
‫رأى أكثرية أعضاء المجلس األخذ بقول جمهور العلماء‪ ،‬من مفسرين ومحدثين‪،‬‬
‫وفقهاء‪ ،‬من أن المراد بقوله في سبيل اهلل الغزاة والمتطوعون بغزوهم وما يلزم لهم‬
‫من استعداد‪.‬‬
‫وإ ذا لم يوجدوا صرفت الزكاة كلها لألصناف األخرى‪ ،‬وال يجوز صرفها في‬
‫شيء من المرافق العامة‪ ،‬إال إذا لم يوجد لها مستحق من الفقراء‪ ،‬والمساكين‪ ،‬وبقية‬
‫األصناف المنصوص عليهم في اآلية الكريمة(‪.)2‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة ‪.878 – 2/877‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) مجلة البحوث اإلسالمية‪ :‬المجلد األول العدد الثاني ‪.56‬‬

‫‪124‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫إجراء العقود بآالت االتصال الحديثة‬

‫من المسائل التي أصبحت واقعاً ملموساً يتعامل به الناس آناء الليل وأطراف‬
‫النهار‪ ،‬تلك الوسائل التي تمخض عنها فكر اإلنسان في عصرنا‪ ،‬لتيسير االتصال‬
‫بين أرجاء المعمورة‪ ،‬فاختصرت المسافات‪ ،‬وتخطت حواجز الزمان والمكان‪،‬‬
‫وجعلت من البعيد قريباً ومن هذه الوسائل الهاتف سلكياً كان أم السلكياً والتلكس‬
‫والبرق والفاكس واإلنترنت‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫لقد أضحى التعامل بهذه المخترعات في إبرام العقود المالية والتجارية وحتى‬
‫الشخصية كالزواج أمراً متاحاً من خالل هذه الوسائل وفي ذلك من التيسير على‬
‫اإلنسان وتوفير الجهد والوقت الشيء الكثير‪ ،‬وهو ما يتجاوب مع ُروح شريعتنا‬
‫الغراء المتسمة بالسماحة ورفع الحرج والمرونة(‪.)1‬‬
‫إن بيان الحكم الشرعي في عملية إجراء العقود عبر أجهزة االتصال الحديثة‬
‫من القضايا الطارئة المعاصرة والتي يحتاج الناس إلى معرفة حكم اهلل فيها‪.‬‬
‫وسنعتمد في بحث هذا الموضوع على ما ورد في كتب الفقه من آراء أئمة‬
‫المذاهب‪ ،‬وما قرروه عند الكالم على صيغة العقد‪ ،‬وشروط اإليجاب والقبول‪،‬‬
‫وشروط تحقيق معنى اتصال القبول باإليجاب ليكون شطرا العقد في مجلس‬
‫واحد(‪.)2‬‬

‫التعريف بأجهزة االتصال الحديثة ‪:‬‬


‫‪ -1‬الهاتف‪ :‬وهو من األجهزة الناقلة لألصوات‪ ،‬والذي يتم االتصال من خالله عن‬
‫طريق الخطوط (الكابالت) الكهربائية عبر األرض أو البحر أو عن طريق األقمار‬
‫الصناعية(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬التلكس‪ :‬فهو عملية اتص ال تتم من خالل جهازين مرتبطين بوحدة تحكم دولي‬
‫ينقل كل واحد منهما إلى اآلخر المعلومات المكتوبة دون وجود وسيط بينهما‪.‬‬
‫ولكل مشترك في هذا رقم خاص يميزه عن بقية المشتركين‪ ،‬ولهذا الجهاز‬
‫مفاتيح شبيهة باآللة الكاتبة‪ ،‬ولكل مفتاح من مفاتيحه رقم يرمز إلى حرف متعارف‬
‫عليه دولياً وحينما تجمع فيه األرقام – أي الحروف المقصودة ‪ -‬يقوم الجهاز‬
‫بتحويلها إلى إشارات كهربائية ليتلقاها جهاز التلكس المرسل إليه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) حكم إجراء العقود بوسائل االتصال الحديثة‪ :‬د‪ .‬محمد عقلة اإلبراهيم‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) حكم إجراء العقود بوسائط االتصال الحديثة‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) حكم التعاقد عبر أجهزة االتصال الحديثة‪ :‬د‪ .‬عبد الرزاق رحيم الهيتي‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪126‬‬
‫والمشترك في التلكس بعد إكمال اإلجراءات الفنية الخاصة بالجهاز‪ ،‬فإنه يبدأ‬
‫بإرسال المطلوب على شريط تثقيب خاص عن طريق جهاز اإلرسال اآللي حيث‬
‫يقوم الجهاز بدوره بنقل كل ما كتب إلى الجهاز المرسل إليه ليظهر المكتوب كما‬
‫هو(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬الفاكس‪ :‬واإلرسال عن طريق البريد المصور (الفاكس) فإنه يتم من خالل‬
‫جهازين مرتبطين بالخطوط الهاتفية‪ ،‬حيث يضع المرسل الورقة المكتوبة في‬
‫الجهاز ويضرب األرقام الخاصة بالجهاز الثاني‪ ،‬حيث يقوم بفتح الخط ليطبع‬
‫صورة الورقة المرسلة على ورقة خاصة موجودة فيه لتظهر الورقة للمرسل إليه‬
‫كما هو دون تغيير أو تبديل(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬اإلنترنت‪ :‬هو عبارة عن عدد كبير من شبكات الحاسوب المترابطة والموزعة‬
‫في أنحاء كثيرة من العالم وتتصل هذه الشبكات ويحكمها نظام موحد‪ ،‬وعن طريق‬
‫هذه الشبكة يمكن للمشترك من خالل جهاز حاسوبه الخاص الحصول على مزايا ال‬
‫حصر لها من المعلومات والخدمات في جميع أنواع المعرفة‪ ،‬كما يمكن للمشترك‬
‫من خالل اإلنترنت الشراء والبيع وإ جراء العقود المختلفة(‪.)3‬‬
‫المطلب األول‪ :‬في العقد‬

‫‪ -1‬تعريف العقد ‪:‬‬


‫لغة‪ :‬العقد هو الشد والربط والجمع بين أطراف الشيء‪ ،‬وضده الحل‪ ،‬كما‬
‫يطلق على إحكام الشيء وتقويته(‪.)4‬‬
‫أما في االصطالح‪ :‬فيطلق الفقهاء كلمة العقد في اصطالحهم على معنيين‪:‬‬
‫أحدهما – وهو المشهور – " الربط بين كالمين أو ما يقوم مقامهما ينشأ عن‬
‫أثره الشرعي " (‪.)5‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع الساق‪ ،‬ص‪.11-10‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.10‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫اإلنترنت تقنيات وخدمات‪ :‬د‪ .‬عبد القادر بن عبداهلل الفتوح‪ ،‬ص‪.8‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫الصحاح‪ :‬مادة عقد ‪ ,2/510‬المصباح المنير‪ :‬مادة عقد ‪.2/71‬‬ ‫(?)‬
‫‪5‬‬
‫الملكية ونظرية العقد‪ :‬الشيخ محمد أبو زهرة‪ ،‬ص‪.171‬‬ ‫(?)‬

‫‪127‬‬
‫وهذا معنى خاص للعقد يخصه بالتصرف الذي يتوقف على رضا الطرفين‬
‫وال يصح إال بإيجاب وقبول كالبيع والزواج‪ ،‬وهذا هو المعنى الشائع في كتب الفقه‪.‬‬
‫الثاني‪ " :‬وهو كل ما عزم المرء على فعله سواء صدر بإرادة منفردة أو‬
‫احتاج إلى إرادتين في إنشائه " (‪.)1‬‬
‫وهذا هو المعنى العام للعقد والذي يتناول كل تصرف شرعي يفيد التزاماً‬
‫سواء تم هذا التصرف برضا طرف واحد – مثل الوقف والطالق واإلبراء‪ ،‬أو كان‬
‫ال ينعقد إال بتوافق إرادتين – كالبيع والزواج واإلجارة‪.‬‬

‫‪ -2‬تكوين العقد ‪:‬‬


‫إنما يقوم العقد على أركانه وعناصره األساسية التي يتكون منها والتي ال‬
‫(‪)2‬‬
‫يتحقق إال بها‪ :‬ولقد اختلف الجمهور مع الحنفية في أركان العقد‪:‬‬
‫فالحنفية يقولون بأن ركن العقد الوحيد هو اإليجاب والقبول‪ ،‬أما بقية‬
‫العناصر التي يقوم عليها العقد من محل العقد والعاقدين فهي لوازم ال بد منها‬
‫لتكوين العقد ألنه يلزم من وجود اإليجاب والقبول وجود عاقدين وال يتحقق ارتباط‬
‫العاقدين إال بوجود محل يظهر فيه أثر االرتباط (‪.)3‬‬
‫والجمهور يرون بأن للعقد ثالثة أركان ال يقوم العقود إال بها وهي عاقدان‪،‬‬
‫ومعقود عليه‪ ،‬وصيغة(‪.)4‬‬

‫‪ -3‬صيغة العقد ‪:‬‬


‫ي راد باإليج اب والقب ول الص يغة الص ادرة من المتعاق دين والدالة على توجه‬
‫إرادتهما الباطنة إلنشاء العقد وإ برامه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) نظرية العقد‪ :‬البن تيمية‪ ،‬ص‪ 18‬و ‪.78‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) راجع كتابنا‪ :‬فقه العقود المالية‪ ،‬ص‪.28 – 27‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) بدائع الصنائع ‪ ،5/133‬البحر الرائق ‪ ،5/258‬األشباه والنظائر‪ :‬البن نجيم‪ ،‬ص‪ ،337‬حاشية ابن‬
‫عابدين ‪.3/9‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) المجموع ‪ ،9/149‬مغني المحتاج ‪ ،2/3‬بداية المجتهد ‪ ،2/129‬القوانين الفقهية ص‪ ،212‬المبدع ‪،4/4‬‬
‫كشاف القناع ‪.3/146‬‬

‫‪128‬‬
‫ألنه لما كان الرضا أمراً نفسياً وأثراً خفياً داخلياً ال يستطيع أحد االطالع‬
‫عليه أقيم مقامه ما يدل عليه ويترجم عنه من مظهر مادي محسوس سواء كان ذلك‬
‫بالقول أو الكتابة المستبينة أو اإلشارة المفهمة أو الفعل كما في التعاطي‪.‬‬
‫وهذه الصيغة هي التي تدل على التراضي من كال الجانبين على إنشاء‬
‫العقد(‪.)1‬‬
‫قال الشربيني‪ " :‬وإ نما احتيج إلى الصيغة ألن العقد منوط بالرضا لقوله‬
‫سبحانه‪  :‬يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن‬
‫تراض منكم ‪[ ‬النساء‪ ,]29 :‬ولقوله ‪ ":‬إنما البيع عن تراض ٍ" (‪ )2‬والرضا أمر‬ ‫ٍ‬
‫خفي ال ُيطلع عليه‪ ،‬فأنيط الحكم بسبب ظاهر من الصيغة " (‪.)3‬‬
‫وقال الدسوقي في حاشيته‪ " :‬وينعقد العقد بما يدل على الرضا من قول أو‬
‫كتابة أو إشارة منها أو من أحدهما " (‪.)4‬‬
‫‪ -4‬معنى اإليجاب والقبول ‪:‬‬
‫وعند الحنفية‪ :‬اإليجاب‪ :‬هو ما صدر أوالً من أحد العاقدين‪ ،‬والقبول‪ :‬ما‬
‫صدر عن العاقد اآلخر داالً على موافقته ورضاه بما أوجبه األول(‪.)5‬‬
‫وعند الجمهور‪ :‬اإليجاب‪ :‬هو ما صدر ممن يكون منه التمليك وإ ن جاء‬
‫متأخراً‪ ،‬والقبول‪ :‬هو ما صدر ممن يصير له الملك وإ ن صدر أوالً (‪.)6‬‬
‫ففي عقد البيع مثالً‪ :‬إذا قال المشتري اشتريت منك هذه البضاعة بكذا‪ ،‬وقال‬
‫البائع بعته لك بهذا الثمن‪ :‬انعقد البيع‪ ،‬وكان اإليجاب ما صدر عن البائع ألنه‬
‫المملك‪ ،‬والقبول ما صدر من المشتري وإ ن صدر أوالً (‪.)7‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) فقه العقود المالية ص‪ ،28‬حكم إجراء العقود بوسائل االتصال الحديثة ص‪.91 – 90‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه ابن ماجة في كتاب التجارات باب بيع الخيار (‪ ،2/727 )2185‬وابن حبان في كتاب البيوع‬
‫(‪ ،11/340 )4967‬قال الكناني‪ :‬هذا إسناد صحيح رجاله ثقات (مصباح الزجاجة ‪.)3/17‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) مغني المحتاج ‪.2/3‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪.3/3‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) البحر الرائق ‪ ،5/278‬بدائع الصنائع ‪ ،5/134‬شرح فتح القدير ‪.3/190‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) حاشية الدسوقي ‪ ،3/3‬حاشية العدوي ‪ ،2/180‬المجموع ‪ ،9/162‬مغني المحتاج ‪ ،2/3‬المغني ‪،4/4‬‬
‫كشاف القناع ‪.3/146‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) فقه العقود المالية‪ ،‬ص‪.28‬‬

‫‪129‬‬
‫‪ -5‬شروط اإليجاب والقبول ‪:‬‬
‫يشترط الرتباط اإليجاب بالقبول على نحو معتبر يترتب عليه انعقاد العقد‬
‫(‪)1‬‬
‫ولكي ينتج آثاره الشروط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬وضوح داللة اإليجاب والقبول والعلم بمضمون العقد‪ :‬وذلك بأن يكون كل‬
‫منهما واضح الداللة على مراد المتعاقدين‪ ،‬وإ ن كان في الداللة شك أو عدم‬
‫وضوح أو أن ال يفهم كل منهما مقصود اآلخر لم ينعقد العقد‪.‬‬
‫‪ -2‬موافقة القبول لإليجاب‪ :‬وذلك بأن يتحد موضوعهما‪ ،‬فإذا لم يوافق القبول‬
‫اإليجاب‪ :‬كأن يرد اإليجاب على شيء والقبول على شيء آخر لم يتم العقد‬
‫لعدم توافق اإليجاب والقبول‪.‬‬
‫‪ -3‬اتصال القبول باإليجاب‪ :‬وذلك بأن يكون اإليجاب والقبول في مجلس واحد‬
‫إن كان الطرفان حاضرين معاً‪ ،‬أو في مجلس علم الطرف الغائب‬
‫باإليجاب‪.‬‬
‫جاء في الفتاوي الهندية‪ " :‬ومنها أن يكون اإليجاب والقبول في مجلس واحد‬
‫حتى لو اختلف المجلس " (‪.)2‬‬

‫مجلس العقد بين الغائبين ‪:‬‬


‫التعاقد بين الغائبين كالتعاقد بين الحاضرين يجب أن يتم في مجلس واحد‬
‫ولكن نظراً للفرق الناتج عن اختالف طبيعة العقدين فإن مجلس العقد في التعاقد بين‬
‫الغائبين غير مجلسه في التعاقد بين الحاضرين‪ ،‬فاألول هو مجلس بلوغ الكتاب أو‬
‫أداء الرسالة‪ ،‬أي المجلس الذي يكون فيه القبول‪ ،‬وأما الثاني فهو مجلس صدور‬
‫اإليجاب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظر الفتاوي الهندية ‪ ،1/269‬القوانين الفقهية ص‪ ،212‬نهاية المحتاج ‪ ،3/381‬الروض المربع‬
‫‪ ،2/184‬كشاف القناع ‪ ،3/148‬الملكية ونظرية العقد ص‪ ،203‬فقه العقود المالية ص‪.29‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الفتاوي الهندية ‪.1/269‬‬

‫‪130‬‬
‫واألول يبدأ منذ وصول اإليجاب إلى علم الموجه إليه – من خالل الرسول أو‬
‫الكتاب أو البرقية ويمتد المدة المعتادة لإلجابة بحسب طبيعة العقد وعرف التعامل‬
‫حتى إذا صدر القبول اتصل باإليجاب حكماً‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬يبدأ من سماع اإليجاب في المجلس وينتهي بانتهاء المجلس أو‬
‫بالقبول أو باألعراض الصريح أو الضمني(‪.)1‬‬

‫التعاقد بالكتابة ‪:‬‬


‫ويصح التعاقد بالكتابة بين طرفين في رأي الحنفية والمالكية سواء أكانا‬
‫ناطقين أو عاجزين عن النطق‪ ،‬حاضرين في مجلس واحد أم غائبين‪ ،‬وبأي لغة‬
‫يفهمها المتعاقدان‪ ،‬بشرط أن تكون الكتابة مستبينة (بأن تبقى صورتها بعد االنتهاء‬
‫منها) ومرسومة (مسطرة بالطريقة المعتادة بين الناس بذكر المرسل إليه وتوقيع‬
‫المرسل) فإذا كانت غير مستبينة كالكتابة على الماء أو في الهواء‪ ،‬أو غير مرسومة‬
‫كالرسالة الخالية من التوقيع مثالً‪ ،‬لم ينعقد بها العقد(‪ ،)2‬وعليه نصت القاعدة الفقهية‪:‬‬
‫" الكتاب كالخطاب " (‪.)3‬‬
‫مثل أن يرسل شخص خطاباً آلخر يقول فيه‪ " :‬بعتك سيارتي بكذا " فإذا‬
‫وصله الكتاب‪ ،‬وقال في مجلس قراءة الكتاب‪ :‬قبلت‪ ،‬انعقد البيع‪ ،‬أما إن ترك‬
‫المجلس أو صدر منه ما يدل على اإلعراض عن اإليجاب‪ ،‬كان قبوله غير‬
‫معتبر(‪.)4‬‬
‫(‪)5‬‬
‫وقد استدل هؤالء إلى ما ذهبوا إليه باألمور اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬قالوا‪ :‬إن الكتابة هي وسيلة من وسائل التعبير عن اإلرادة كالخطاب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) حكم إجراء العقود بوسائل االتصال الحديثة‪ ،‬ص ‪.101 – 100‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الدر المختار ورد المحتار‪ :‬البن عابدين ‪ 4/10‬وما بعدها‪ ،‬شرح فتح القدير ‪ ،5/79‬البدائع ‪،5/137‬‬
‫الشرح الكبير للدردير مع الدسوقي‪ ،3/3 :‬الخرشي على خليل ‪.5/5‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) مجلة األحكام العدلية المادة ‪.69‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) حكم إجراء العقود بوسائط االتصال الحديثة‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) حكم التعاقد عبر أجهزة االتصال الحديثة في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.54‬‬

‫‪131‬‬
‫‪ -2‬ما ثبت في األدلة الصحيحة القاطعة من أن رسول اهلل ‪ ‬قد استعمل الكتابة‬
‫كوسيلة من وسائل نشر الدعوة‪ ،‬فلقد خاطب ‪ ‬الرؤساء والملوك ودعاهم‬
‫إال الدخول في اإلسالم عن طريق الكتابة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وإ ذا كانت الكتابة صالحة لنشر الدعوة‪ ،‬فكيف ال تكون صالحة إلنشاء‬
‫العقود‪.‬‬

‫التعاقد بالمراسلة ‪:‬‬


‫وإ رسال رسول إلى آخر حامل مضمون اإليجاب مثل إرسال الكتاب‪ ،‬يعتبر‬
‫مجلس وصول الرسول هو مجلس العقد‪ ،‬فيلتزم أن يقبل فيه‪ ،‬فإن قام من المجلس‬
‫قبل أن يقبل‪ ،‬انتهى مفعول اإليجاب‪ ،‬ويكون المعول عليه هو مجلس بلوغ الرسالة‬
‫أو الكتابة‪ ،‬كأن يقول شخص‪ :‬بعت لفالن كذا‪ ،‬فاذهب يا فالن وقل لـه‪ ،‬فذهب‬
‫فأخبره‪ ،‬فقبل المشتري في مجلسه ذلك‪ ،‬صح العقد‪.‬‬
‫وال ينعقد عقد الزواج بالكتابة إذا كان العاقدان حاضرين في مجلس واحد‪ ،‬إال‬
‫في حال العجز عن النطق كالخرس‪ ،‬ألن الزواج يشترط لصحة حضور الشهود‬
‫العدول وسماعهم كالم العاقدين‪ ،‬وهذا ال يتيسر في حال الكتابة‪.‬‬
‫وقيد الشافعية والحنابلة صحة التعاقد مطلقاً بالكتابة أو الرسالة فيما كان‬
‫العاقدان غائبين‪ ،‬أما في حال الحضور فال حاجة إلى الكتابة‪ ،‬العاقد قادر على‬
‫النطق‪ ،‬فال ينعقد العقد بغيره(‪.)1‬‬

‫فورية القبول ‪:‬‬


‫ال يشترط عند الجمهور غير الشافعية(‪ )2‬الفور في القبول‪ ،‬ألن القابل يحتاج‬
‫إلى فترة للتأمل‪ ،‬فلو اشترطت الفورية ال يمكنه التأمل‪ ،‬وإ نما يكفي القبول في مجلس‬

‫‪1‬‬
‫(?) المهذب ‪ ،1/257‬غاية المنتهى ‪.2/4‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) بدائع الصنائع ‪ ،5/137‬شرح فتح القدير ‪ ،5/78‬مواهب الجليل‪ :‬للحطاب ‪ ،4/240‬الشرح الكبير مع‬
‫الدسوقي ‪ ،3/5‬الشرح الصغير وحاشية الصاوي ‪ ،3/17‬الشرح الكبير مع المغني ‪ ،4/4‬غاية المنتهى ‪.2/4‬‬

‫‪132‬‬
‫واحد‪ ،‬ولو طال الوقت إلى آخر المجلس‪ ،‬ألن المجلس الواحد يجمع المتفرقات‬
‫للضرورة‪ ،‬وفي اشتراط الفورية تضييق على القابل‪ ،‬أو تفويت للصفقة من غير‬
‫مصلحة راجحة‪ ،‬فإن رفض فوراً‪ ،‬فتضيع عليه الصفقة‪ ،‬وإ ن قبل فوراً‪ ,‬فربما كان‬
‫في العقد ضرر له‪ ،‬فيحتاج لفترة تأمل‪ ,‬للموازنة بين ما يأخذ أو يغنم‪ ,‬وبين ما‬
‫يعطي أو يغرم في سبيل العقد‪ ،‬ألن المجلس جامع للمتفرقات‪ ،‬فتعتبر ساعاته وحدة‬
‫زمنية تيسيراً على الناس‪ ،‬ومنعاً للمضايقة والحرج‪ ،‬ودفعاً للضرر عن العاقدين قدر‬
‫اإلمكان‪.‬‬
‫وقال الرملي من الشافعية‪ :‬يشترط أن يكون القبول فور اإليجاب‪ ،‬فلو تخلل‬
‫لفظ أجنبي ال تعلق لـه بالعقد‪ ،‬ولو يسيراً‪ ،‬بأن لم يكن من مقتضاه وال من مصالحه‬
‫وال من مستحباته‪ ،‬ال يتحقق االتصال بين القبول واإليجاب‪ ،‬فال ينعقد العقد(‪.)1‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫حكم التعاقد بواسطة وسائل االتصال الحديثة‬
‫(الهاتف‪ ،‬التلكس‪ ،‬الفاكس‪ ،‬اإلنترنت)‬

‫لما كان اإلسالم منهج حياة ودستور أمة‪ ،‬ونظام اً صالحاً لكل زمان ومكان‪،‬‬
‫ومص ادر التش ريع فيه تتناسب والتط ور الحض اري واألزمن ة‪ ،‬وبما فيه من التيس ير‬
‫على الناس ورعاية مصالحهم‪.‬‬
‫ك ان من الط بيعي أن تس توعب تعاليمه وقواع ده الكلية توظيف اله اتف‬
‫والبرقية والتلكس واإلن ترنت وس ائر ما أحدثه العلم من وس ائل االتص ال الحديثة‬
‫بحيث تكون وسيلة إلجراء العقود ألن هذه الوسائل هي عبارة عن صورة لما حرره‬
‫المرسل بنفسه ووقع عليه فيعلم منها رغبته في إنشاء العقد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) نهاية المحتاج ‪ ،3/8‬مغني المحتاج ‪.2/6‬‬

‫‪133‬‬
‫والتعاقد بالبرقية ال يختلف في ش يء عن التعاقد بالرس الة – اللهم إال في‬
‫وس يلة نقل اإليج اب والقب ول – فاإليج اب يتم في زم ان ومك ان يختلف ان عن زم ان‬
‫ومك ان القب ول‪ ،‬وهنالك فاصل زم ني بين ص دور القب ول وبين علم الم وجب ب ه‪،‬‬
‫وبالت الي ينطبق عليه أحك ام التعاقد بين الغ ائبين في جميع تفص يالتها ال تي س بق‬
‫ذكره ا‪ ،‬س واء من حيث زم ان تم ام العقد أو مكانه وما يب نى على االختالف بينهما‬
‫من آثار‪.‬‬
‫أما بالنس بة للتعاقد بواس طة اله اتف والتلكس والرادي و‪ ...‬فهي كما أس لفنا من‬
‫وسائل اإليجاب الصريحة‪ ،‬وإ ن كانت وسيلة الهاتف هي اللفظ المباشر‪ ،‬أما التلكس‬
‫ف الرموز المكتوب ة‪ ،‬ل ذا ف إن ه ذه الوس ائل ينطبق عليها ما ينطبق على التلف ون من‬
‫حيث أحكام التعاقد به(‪.)1‬‬
‫ليس المراد من اتحاد المجلس المطلوب في كل عقد كما بيَّنا كون المتعاقدين‬
‫في مكان واحد‪ ،‬ألنه قد يكون مكان أحدهما غير مكان اآلخر‪ ،‬إذا وجد بينهما‬
‫واسطة اتصال‪ ،‬كالتعاقد بالهاتف أو الالسلكي أو بالمراسلة (الكتابة) وإ نما المراد‬
‫باتحاد المجلس‪ :‬اتحاد الزمن أو الوقت الذي يكون المتعاقدان مشتغلين فيه بالتعاقد‪،‬‬
‫فمجلس العقد‪ :‬هو الحال التي يكون فيها المتعاقدان مقبلين على التفاوض في‬
‫العقد(‪ ،)2‬وعن هذا قال الفقهاء‪ " :‬إن المجلس يجمع المتفرقات " (‪.)3‬‬
‫وعلى ه ذا‪ ،‬يك ون مجلس العقد في المكالمة الهاتفية أو الالس لكية‪ :‬هو زمن‬
‫االتص ال م ادام الكالم في ش أن العق د‪ ،‬ف إن انتقل المتح دثان إلى ح ديث آخ ر‪ ،‬انتهى‬
‫المجلس‪.‬‬
‫ومجلس التعاقد بإرسال رسول أو بتوجيه خطاب أو بالبرقية أو التلكس أو‬
‫الفاكس ونحوهما‪ :‬هو مجلس تبليغ الرسالة‪ ،‬أو وصول الخطاب أو البرقية أو إشعار‬
‫التلكس والفاكس‪ ،‬ألن الرسول سفير ومعبر عن كالم المرسل‪ ،‬فكأنه حضر بنفسه‬

‫‪1‬‬
‫(?) حكم إجراء العقود بوسائل االتصال الحديثة‪ ،‬ص‪.129‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المدخل الفقهي العام‪ :‬لألستاذ مصطفى الزرقاء‪ :‬ف‪.349 – 1/348 ،171‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) بدائع الصنائع‪.5/137 :‬‬

‫‪134‬‬
‫وخوطب باإليجاب فقبل‪ ،‬فينعقد العقد‪ ،‬وفي مكاتبة الغائب بخطاب أو برقية‬
‫ونحوهما يجعله كأنه حضر بنفسه‪ ،‬وخوطب باإليجاب‪ ،‬فقبل في المجلس‪.‬‬
‫فإن تأخر القبول إلى مجلس ٍ‬
‫ثان‪ ،‬لم ينعقد العقد‪ ،‬وبه تبين أن مجلس التعاقد‬
‫بين حاضرين‪ :‬هو محل صدور اإليجاب‪ ،‬ومجلس التعاقد بين غائبين‪ :‬هو محل‬
‫وصول الكتاب أو تبليغ الرسالة‪ ،‬أو المحادثة الهاتفية‪.‬‬
‫لكن للمرسل أو للكاتب أن يرجع عن إيجابه أمام شهود‪ ،‬بشرط أن يكون قبل‬
‫قبول اآلخر ووصول الرسالة أو الخطاب ونحوه من اإلبراق والتلكس والفاكس‪،‬‬
‫ويرى جمهور المالكية‪ :‬أنه ليس للموجب الرجوع قبل أن يترك فرصة للقابل يقرر‬
‫العرف مداها‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫هذا وإ ن بقية شروط اإليجاب والقبول عدا اتحاد المجلس‪ ،‬البد من توافرها‬
‫في وسائط االتصال الحديثة(‪.)1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫واألدلة على جواز هذا النوع من التعاقد ‪:‬‬
‫لقد بحث فقهاؤنا ‪ -‬رحمهم اهلل – مسائل شبيهة بمسألتنا هذه‪ ،‬يمكننا االعتماد‬
‫عليها في تقرير الحكم‪ ،‬وهي حكم التعاقد بين المتعاقدين المتباعدين اللذين ال يرى‬
‫أحدهما اآلخر‪ ،‬لكنه يسمعه‪ ،‬وحكم التعاقد بين الغائبين‪ ،‬وحكم التعاقد بين متعاقدين‬
‫يفصل بينهما ساتر‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمسألة األولى‪ :‬فيذكرها فقهاء الشافعية – رحمهم اهلل – جاء في‬
‫المجموع‪ " :‬لو تناديا وهما متباعدان‪ ،‬وتبايعا؟؟ صح البيع بال خالف " (‪ ,)3‬وجاء في‬
‫مغني المحتاج أيضاً‪ " :‬لو تناديا من بعيد‪ ،‬ثبت لهما الخيار وامتد ما لم يفارق‬
‫أحدهما مكانه " (‪.)4‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) حكم إجراء العقود بوسائط االتصال الحديثة‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) انظر‪ :‬حكم التعاقد عبر أجهزة االتصال الحديثة في الشريعة اإلسالمية‪ :‬د‪ .‬عبد الرزاق الهيتي‪ ،‬ص‪– 16‬‬
‫‪.19‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) المجموع ‪ ،9/171‬روضة الطالبين ‪.3/438‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) مغني المحتاج ‪ ،2/45‬حاشية البجيرمي ‪.2/235‬‬

‫‪135‬‬
‫فهذان النصان صريحان في صحة إبرام العقد بين المتباعدين‪ ،‬ويمكننا‬
‫االعتماد عليهما في القول بصحة العقد المبرم من خالل جهاز الهاتف‪.‬‬
‫وهناك مسألة أخرى شبيهة بمسألتنا هذه يذكرها فقهاء الشافعية أيضاً وهي‪:‬‬
‫حكم التعاقد بين الغائبين‪ ،‬يقول اإلمام النووي‪ " :‬لو قال‪ :‬بعت داري فالن‬
‫وهو غائب‪ ،‬فلما بلغه الخبر قال‪ :‬قبلت‪ ،‬انعقد البيع‪ ،‬ألن النطق أقوى من الكتب "‬
‫(‪.)1‬‬
‫وهذا يعني أن هناك فاصالً زمانياً بين صدور اإليجاب وقبوله‪ ،‬إض افة إلى‬
‫الفاصل المك اني بين المتعاق دين‪ ،‬ومع ذلك فقد ذهب اإلم ام الن ووي إلى الق ول‬
‫بصحة هذا العقد‪.‬‬
‫وهناك أيضاً مسألة أخرى ‪ -‬قريبة من مسألتنا هذه يذكرها بعض الفقهاء ‪-‬‬
‫رحمهم اهلل ‪ ،-‬فقد ذكروا أن وجود ساتر بين المتعاقدين‪ ،‬بل وحتى إقامة وإ نشاء هذا‬
‫الساتر أثناء التعاقد‪ ،‬ال يؤثر على خيار المجلس‪ ،‬فعدم تأثيره على صحة العقد من‬
‫باب أولى‪.‬‬
‫يقول ابن قدامة‪ " :‬ولو أقاما المجلس وسدال بينهما ساتراً‪ ،‬أو بنيا بينهما‬
‫حاجزاً‪ ...‬فالخيار بحاله وإ ن طالت المدة " (‪.)2‬‬
‫وجاء في المجموع ‪ " :‬قال أصحابنا‪ :‬فلو لم يتفرقا‪ ،‬ولكن جعل بينهما حائل‬
‫من ستر أو نحوه‪ ،‬أو شق بينهما نهر لم يحصل التفرق بال خالف‪ ،‬وإن ُبني بينهما‬
‫جدار‪ ،‬فوجهان‪ ...‬إلى أن يقول‪( :‬أصحهما) ال يحصل التفرق كما لو جعل بينهما‬
‫ستر " (‪.)3‬‬
‫فجميع هذه النصوص التي ذكرها هؤالء الفقهاء لمعالجة مسائل تتعلق‬
‫بالتعاقد بين متعاقدين لا يرى أحدهما اآلخر‪،‬تنص على أن عدم رؤية أحد المتعاقدين‬

‫‪1‬‬
‫(?) لمجموع ‪ ،9/159‬فتح العزيز‪ :‬للرافعي ‪ ،8/103‬روضة الطالبين ‪.3/339‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المغني‪ :‬ابن قدامة ‪.4/6‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)المجموع ‪.4/171‬‬

‫‪136‬‬
‫لآلخر ال تؤثر على إبرام العقد وصحته‪ ،‬وإ ن كان للفقهاء الحنفية رأي يختلف في‬
‫الحكم في هذه المسألة عما ذهب إليه هؤالء الفقهاء(‪.)1‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ :‬فإن الفقهاء مجمعون على أن األساس في صحة العقود‬
‫هو تحقيق الرضا‪ ،‬كما تدل على ذلك نصوصهم(‪.)2‬‬
‫وإ ن مما ال شك فيه هو‪ :‬أن ذلك الشرط متحقق في المكالمة الهاتفية ذلك ألن‬
‫التعبير إنما يتم من خالل اللفظ الصادر من كال المتعاقدين ‪ -‬وهذا محل اتفاق بين‬
‫الفقهاء ‪ -‬وما الهاتف وبقية وسائل االتصال إال وسيلة إيصال وتبليغ لصوت اللفظ‬
‫الصادر‪ ،‬وليس هو وسيلة جديدة للتعبير عن اإلرادة‪.‬‬
‫وبقياس التلكس والفاكس واإلنترنت لصورة خاصة على ما ذكرناه من جواز‬
‫التعاقد بالكتابة عند جميع العلماء بين الغائبين‪.‬‬
‫إضافة إلى ما سبق كله‪ ،‬فإن الفقهاء مجمعون على أن العرف هو األساس في‬
‫تحديد كيفية البيع وصحة انعقاده‪ ،‬ما دام أنه لم يرد في ذلك نص‪.‬‬
‫يقول ابن نجيم‪ " :‬واعلم أن اعتبار العادة والعرف‪ ،‬يرجع إليه في الفقه في‬
‫مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصالً‪ ،‬فقالوا في باب ما تترك به الحقيقة‪ :‬تترك‬
‫الحقيقة بداللة االستعمال والعادة " (‪.)3‬‬
‫ويقول الدسوقي‪ " :‬والحاصل أن المطلوب في انعقاد البيع ما يدل على الرضا‬
‫عرفاً " (‪.)4‬‬
‫وجاء في المجموع‪ " :‬ولم يثبت في الشرع لفظ لـه ‪ -‬أي العقد – فوجب‬
‫الرجوع إلى العرف‪ ،‬فكل ما عده الناس بيعاً كان بيعاً " (‪.)5‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) فقد جاء في الفتاوى الهندية ما نصه‪ " :‬ال يجوز أن ينادي من بعيد‪ ،‬أو من وراء جدار " الفتاوي ‪.3/5‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) فتح القدير ‪ ،3/4‬الفروق‪ :‬للقرافي ‪ ،1/44‬المجموع ‪ ،9/154‬كشاف القناع ‪ ،3/151‬المغني ‪.4/4‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) األشباه والنظائر‪ :‬البن نجيم‪ ،‬ص‪.93‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ :‬للدسوقي ‪.3/4‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) المجموع ‪.9/154‬‬

‫‪137‬‬
‫ويقول ابن قدامة‪ " :‬إن اهلل أحل البيع‪ ،‬ولم يبين كيفيته‪ ،‬فوجب الرجوع فيه‬
‫إلى العرف " (‪.)6‬‬
‫بعد كل ما س بق يمكننا الق ول‪ :‬إن ع دم رؤية أحد المتعاق دين لآلخر أثن اء‬
‫التعاقد ال ي ؤثر على ص حة العق د‪ ،‬قياس اً على التعاقد بين المتباع دين أو الغ ائبين أو‬
‫اللذين يفصل بينهما ساتر‪.‬‬
‫وإ ذا ك ان ع دم رؤية كال المتعاق دين لآلخر ال ت ؤثر على ص حة العقد فإنه‬
‫يمكننا القطع بصحة التعاقد من خالل أجهزة االتصال الحديثة‪.‬‬

‫زمن إتمام العقد في التعاقد بين غائبين ‪:‬‬


‫أجمع الفقهاء على أن العقد ينعقد بين الغائبين كما في آالت االتصال الحديثة‬
‫بمجرد إعالن القبول‪ ،‬وال يشترط العلم بالقبول بالنسبة للطرف الموجب الذي وجَّه‬
‫اإليجاب(‪.)2‬‬
‫فلو كان المتعاقدان يتحدثان بالهاتف أو بالالسلكي‪ ،‬وقال أحدهما لآلخر‪:‬‬
‫بعتك الدار أو السيارة الفالنية‪ ،‬وقال اآلخر‪ :‬قبلت‪ ،‬انعقد العقد‪ ،‬بمجرد إعالن‬
‫القبول‪ ،‬ولو لم يعلم الموجب بالقبول‪ ،‬بأن انقطع االتصال بينهما‪.‬‬
‫ولو وجَّه أحد العاق دين خطاب اً أو برقية إلى آخر أو تلكس اً أو فاكس اً أو عن‬
‫طريق اإلن ترنت‪ ,‬وفيها إيج اب ب بيع ش يء‪ ،‬أو ب إبرام عقد زواج‪ ،‬انعقد العقد بعد‬
‫وص ول البرقية أو الخط اب ونحوهم ا‪ ،‬وإ عالن اآلخر قبول ه‪ ،‬دون حاجة إلى علم‬
‫الموجب أو سماعه بالقبول‪.‬‬
‫لكن إبعاداً لكل لبس أو غموض‪ ،‬وتمكيناً من إثبات العقد‪ ،‬وتأكيداً إلبرامه‪،‬‬
‫جرى العرف الحاضر في التلكس مثالً ونحوه على إرسال تلكس العرض‪ ،‬ثم تلكس‬
‫القبول‪ ،‬ثم تلكس البيع‪ ،‬وساعد على ترسيخ هذا العرف ما تنص عليه بعض القوانين‬
‫الوضعية كالقانون المدني المصري‪ ،‬فإنه نص على ما يلي‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫(?) المغني ‪.4/4‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) حكم إجراء العقود بوسائط االتصال الحديثة‪ ،‬ص‪.30 – 29‬‬

‫‪138‬‬
‫في التعاقد بين حاضرين‪ :‬تنص المادة (‪ )91‬على أن " التعبير عن اإلرادة‬
‫ينتج أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه‪ ،‬ويعتبر وصول التعبير قرينة‬
‫على العلم به‪ ،‬ما لم يقم الدليل على عكس ذلك " واشتراط السماع أو العلم بالقبول‬
‫حتى بين الحاضرين أخذ به بعض فقهاء الحنفية مثل النسفي وابن كمال باشا‪.‬‬
‫في التعاقد بين غائبين‪ :‬تنص المادة (‪ )97‬على ما يلي‪ " :‬يعتبر التعاقد ما‬
‫بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول‪ ،‬ما لم‬
‫يوجد اتفاق أو نص قانوني بغير ذلك‪ ،‬ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في‬
‫المكان والزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول "‪.‬‬
‫وأرى األخذ بضرورة العلم بالقبول بالنسبة للموجب في التعاقد بين غائبين‬
‫بسبب تقدم وسائل االتصال الحديثة وتعقُّد المعامالت‪ ،‬وتحقيقاً الستقرار التعامل‬
‫جهل‬
‫ومنع إيقاع الموجب في القلق‪ ،‬وتمكيناً من إثبات العقد وإ لزام القابل‪ ،‬فإن ْ‬
‫الموجب بالقبول يوقعه في حرج شديد‪ ،‬وهذا رأي األستاذ الدكتور عبد الرزاق‬
‫السنهوري(‪.)1‬‬

‫إجراء عقد الزواج بوسائل االتصال الحديثة ‪:‬‬


‫عقد الزواج كسائر العقود قد يتم بين حاضرين في المجلس أو غائبين عنه‪،‬‬
‫وفي حالة انعقاده بين غائبين ينطبق عليه ما سبق ذكرناه عن إجراء عقد البيع بين‬
‫غائبين‪ ،‬فإجراؤه جائز – من حيث المبدأ – بالهاتف وما إليه…‬
‫يقول د‪ .‬بدران أبو العينين‪ " :‬والزواج بالهاتف جائز وتعتبر المحادثة مجلس‬
‫العقد مادام الكالم من المتعاقدين في شأن الزواج‪ ،‬فإذا انتقال من حديث الزواج إلى‬
‫حديث في موضوع آخر انتهى مجلس العقد ويبطل اإليجاب(‪.)2‬‬
‫ولكن عقد الزواج يتميز بشرط خاص يخالف به سائر العقود وهو اشتراط‬
‫الشهود‪ ،‬وبالتالي حتى نجيز انعقاد الزواج بواسطة التلفون فال بد من مراعاة هذا‬

‫‪1‬‬
‫(?) مصادر الحق‪.2/57 :‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الزواج والطالق في اإلسالم‪ :‬بدران أبو العينين بدران‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪139‬‬
‫الشرط‪ ،‬فإذا كان هناك شهود يسمعون كال من اإليجاب والقبول مباشرة ومن‬
‫الممكن فعالً أن يتحقق هذا الشرط إذا كان هنالك أكثر من هاتف فاستمع الشهود‬
‫وشهدوا على العقد فبذلك ينعقد عقد الزواج مباشرة وال يكون هناك أي غضاضة‬
‫وذلك لتوفر شروط العقد وأركانه الالزمة النعقاده(‪.)1‬‬
‫وقال د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ " :‬ولكن عقد الزواج باإلجماع ال ينعقد وال يصح‬
‫بالفعل أو بالمعاطاة كإعطاء المهر مثالً‪ ،‬وال يصح أيضاً بوسائل االتصال الحديثة‬
‫أمام الشاهدين بل البد فيه من النطق باإليجاب والقبول لخطورته وأهميته وتأثيره‬
‫الدائم على المرأة وحفاظاً على حرمات األعراض المصونة شرعاً(‪.)2‬‬
‫وأرجح هذا الرأي األخير‪.‬‬
‫فتوى مجمع الفقه اإلسالمي ‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى‬
‫آله وصحبه‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫إجراء العقود بآالت االتصال الحديثة ‪.‬‬
‫إن مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في‬
‫المملكة العربية السعودية من ‪ 23 – 17‬شعبان ‪1410‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 20 – 14‬آزار‬
‫(مارس) ‪1990‬م‪.‬‬
‫بعد اطالعه على البح وث ال واردة إلى المجمع بخص وص موض وع‪( :‬إج راء‬
‫العقود بآالت االتصال الحديثة)‪.‬‬
‫ونظ راً إلى التط ور الكب ير ال ذي حصل في وس ائل االتص ال وجراي ان العمل‬
‫بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعامالت المالية والتصرفات‪.‬‬
‫وباستحضار ما تعرض لـه الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة‬
‫وباإلشارة وبالرسول‪ ،‬وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط لـه اتحاد‬
‫‪1‬‬
‫(?) حكم إجراء العقود بوسائل االتصال الحديثة‪ :‬د‪ .‬محمد عقله‪ ،‬ص‪.137‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) حكم إجراء العقود بوسائط االتصال الحديثة‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬ص‪.8 – 7‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) القرار رقم ‪ 54/3/6‬في دورة المؤتمر السادس لمجلس مجمع الفقه اإلسالمي في منظمة المؤتمر اإلسالمي‬
‫المنعقد في جدة في المملكة العربية السعودية ‪ 23 – 17‬شعبان ‪1410‬هـ الموافق ‪ 20 – 14‬مارس ‪1990‬م‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫المجلس (عدا الوصية واإليصاء والوكالة) وتطابق اإليجاب والقبول‪ ،‬وعدم صدور‬
‫ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد‪ ،‬والمواالة بين اإليجاب والقبول‬
‫بحسب العرف‪:‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا تم التعاقد بين غائبين ال يجمعهما مكان واحد‪ ،‬وال يرى أحدهما اآلخر‬
‫معاينة‪ ،‬وال يسمع كالمه‪ ،‬وكانت وسيلة االتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو‬
‫السفارة (الرسول)‪ ،‬وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات‬
‫الحاسب اآللي (الكمبيوتر) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول اإليجاب‬
‫إلى الموجه إليه وقبوله‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين‪ ،‬وينطبق‬
‫هذا على الهاتف والالسلكي‪ ،‬فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين‬
‫وتطبق على هذه الحالة األحكام األصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في‬
‫الديباجة‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجاباً محدد المدة يكون ملزماً بالبقاء على‬
‫إيجابه خالل تلك المدة‪ ،‬وليس له‪ :‬الرجوع عنه‪.‬‬
‫‪ -4‬إن القواعد السابقة ال تشمل النكاح الشتراط اإلشهاد فيه‪ ،‬وال الصرف‬
‫الشتراط التقابض‪ ،‬وال السلم الشتراط تعجيل رأس المال‪.‬‬
‫‪ -5‬ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة‬
‫لإلثبات‪.‬‬

‫‪141‬‬
142
‫المبحث الرابع‬

‫البطاقات االئتمانية‬

‫انتشرت البطاقات االئتمانية في وقتنا الحاضر انتشاراً واسعاً في مجاالت‬


‫الحياة كافة‪ ،‬وبلغ عدد المتعاملين بها حداً ال يوصف‪ ،‬وعدد األموال المستفادة من‬
‫هذه البطاقات أرقاماً ال يمكن تخيلها‪ ،‬مما جعل لهذه البطاقات األهمية القصوى في‬
‫تعامالت البنوك التي بدأت تجني أرباحاً هائلة من وراء التعامل بها‪.‬‬
‫وقد كثرت أنواعها‪ ،‬وأوصافها‪ ،‬تبعاً لمالءمة المستخدم‪ ،‬ومدى حجم نشاطه‬
‫ومكانته المالية‪.‬‬
‫فكان من الضروري التوقف عند هذه البطاقة لمعرفتها‪ ،‬ولمعرفة أطرافها‪،‬‬
‫وبيان أنواعها والفوائد المترتبة على استخدامها‪ ،‬ومدى موافقتها للقواعد الشرعية‬
‫في المعامالت المالية اإلسالمية‪ ،‬ال سيما ونحن نرى تزايد استخدام وانتشار هذه‬
‫البطاقات في بالد المسلمين بشتى أنواعها وصورها‪.‬‬

‫‪ -1‬تعريف بطاقة االئتمان ‪:‬‬

‫‪143‬‬
‫قبل أن نبدأ في تعريف " بطاقات االئتمان " نشير هنا إلى مالحظة هامة‬
‫القيم عن بطاقات االئتمان‪:‬‬
‫ذكرها أستاذنا الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان في كتابه ّ‬
‫عنوانها بـ " تصحيح العنوان " حيث قال‪ " :‬بطاقات االئتمان‪ :‬عنوان غير صحيح‪:‬‬
‫ألنه جرت عادة االقتصاديين والمصرفين تقديم هذا النوع من البطاقات بعنوان‬
‫(البطاقات االئتمانية) سواء في هذا البحوث العلمية‪ ،‬أو اإلعالنات المصرفية وهي‬
‫في نظر هؤالء ترجمة لكلمة (‪ )Credit cards‬في اللغة اإلنجليزية‪.‬‬
‫لكن بالرجوع إلى معنى هذه الكلمة (‪ )Credit‬في المعجم اإلنجليزي نجد أن‬
‫لها عدة معان‪ :‬تطلق غالباً على شرف الشخص واعتزازه وانتماءه‪ ،‬واالعتراف‬
‫بكفاءته وسمعته الطيبة‪ ،‬المبدأ والثقة‪ ،‬مالءته ورصيده في البنك‪ ،‬قدرته على‬
‫الحصول على حاجياته قبل دفع الثمن بناء على الثقة بوفائه بالدفع‪.‬‬
‫أما كلمة (‪ )Card‬فمعناها المعروف هو تلك الرقعة الصغيرة من الورق أو‬
‫البالستيك يصدرها البنك أو غيره لحاملها وعليها بعض البيانات الخاصة بالبنك‬
‫وبحاملها ‪.)1( "...‬‬
‫وفي العرف االقتصادي تطلق كلمة ‪ CREDIT‬على معنى اإلقراض‪ ،‬وهو‬
‫من قبيل افتراض ثقة المقرض في أمانة المقترض وصدقه ولذلك منحه أجالً للوفاء‬
‫بدينه‪.‬‬
‫ولهذا يقول الدكتور عبد الوهاب‪ " :‬فالعنوان السليم المناسب لهذا النوع من‬
‫البطاقات هو‪ :‬بطاقات اإلقراض" (‪.)2‬‬
‫ومادام هذا االسم (بطاقات االئتمان) قد انتشر وشاع استخدامه نبقي عليه مع‬
‫تسليمنا صحة ما ذهب إليه فضيلة األستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان‪.‬‬

‫‪ -2‬التعريف االصطالحي ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) البطاقات البنكية‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬عبد الوهاب أبو سليمان‪ ،‬ص‪.24 – 23‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المرجع السابق‪ ،‬ص‪.25‬‬

‫‪144‬‬
‫بطاقة االئتم ان هي‪ :‬البطاقة الص = = ==ادرة من بنك أو غ = = ==يره تخ = = ==ول حاملها‬
‫الحصول على حاجياته من السلع أو الخدمات ديناً (‪.)3‬‬
‫وعرفها المعجم االقتصادي العربي بأنها‪ " :‬بطاقة خاصة يصدرها المصرف‬
‫لعميله تمكنه من الحصول على السلع والخدمات من أماكن ومحالت معينة عند‬
‫تقديمه لهذه البطاقة‪ ،‬ويقوم بائع السلع أو الخدمات بتقديم الفاتورة الموقعة من العميل‬
‫إلى المصرف – مصدر االئتمان – فيسدد قيمتها لـه‪ ،‬ويقدم المصرف للعميل كشفاً‬
‫شهرياً بإجمالي القيمة لتسديدها‪ ،‬أو لخصمها من حسابه الجاري لطرفه " (‪.)2‬‬
‫كما عرفها مجمع الفقه اإلسالمي بأنها‪ " :‬مستند يعطيه مصدره‪ ،‬لشخص‬
‫طبيعي أو اعتباري – بناء على عقد بينهما – يمكنه من شراء السلع‪ ,‬أو الخدمات‬
‫ممن يعتمد المستند‪ ،‬دون دفع الثمن حاالً‪ ،‬لتضمنه التزام المصدر بالدفع‪ ،‬ويكون‬
‫الدفع من حساب المصدر‪ ،‬ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية ‪.)3( "...‬‬
‫وعرف الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان البطاقات البنكية اإلقراضية‬
‫والسحب المباشر من الرصيد تعريفاً يبين حقيقتها وأقسامها بأنها‪ " :‬أداة يصدرها‬
‫بنك أو تاجر‪ ،‬أو مؤسسة تخول حاملها الحصول على السلع والخدمات‪ ،‬سحباً‬
‫ألثمانها من رصيده‪ ،‬أو قرضاً مدفوعاً من قبل مصدرها ضامناً ألصحاب الحقوق‬
‫ما يتعلق بذمة حاملها‪ ،‬الذي يتعهد بالوفاء والتسديد للقرض خالل مدة معينة من‬
‫دون زيادة على القرض إال في حالة عدم الوفاء‪ ،‬أو بزيادة ربوية لدى اختياره‬
‫الدفع على أقساط‪ ،‬مع حسم عمولة على التاجر من قيمة مبيعاته في جميع‬
‫الحاالت " (‪.)4‬‬

‫‪ -3‬تاريخها ونشأتها ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫(?) هذا هو تعريف معجم أكسفورد مع إضافة يسيرة‪The concise oxford Dictionary (Credit .‬‬
‫‪Card) P.277‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) معجم المصطلحات التجارية والتعاونية‪ :‬د‪ .‬أحمد زكي بدوي‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) مجلة المجمع الفقه اإلسالمي العدد الثاني عشر (‪.)676 – 3/675‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) البطاقات البنكية‪ :‬د‪ .‬عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان‪ ،‬ص‪.227‬‬

‫‪145‬‬
‫في ظل التنامي التجاري والتطور االقتصادي وتنافس البنوك لكسب أكبر قدر‬
‫ممكن من األموال مع التيسير على العمالء في الدفع ظهر ما يسمى بـ " بطاقات‬
‫االئتمان " " ‪." CREDIT CARD‬‬
‫وكان أول ظهور لها عام (‪1914‬م) حيث قامت شركة وسترن يونين‬
‫‪ Western Union‬في أمريكا بإصدار بطاقة عادية لتسديد المدفوعات لزبائنها‬
‫المتميزين وذلك للتيسير عليهم وإلعطائهم الشعور باألمان أثناء التنقل‪.‬‬
‫ثم بدأ التعامل بالبطاقة يزداد شيوعاً مروراً بمحطات الوقود وبعض‬
‫المؤسسات التجارية إلى أن وصل إلى البنوك‪.‬‬

‫‪ -4‬أنواع بطاقات االئتمان ‪:‬‬


‫تتعدد أنواع البطاقات لعدة اعتبارات‪:‬‬
‫‪ -‬فمن حيث المزايا‪ :‬توجد البطاقات العادية أو الفضية أو الذهبية وتختلف فيما‬
‫بينها في حدود االئتمان والمزايا اإلضافية التي يتمتع بها حاملها‪.‬‬
‫‪ -‬وبحسب الجهة المصدرة‪ :‬توجد البطاقات التي ترعاها منظمة عالمية‬
‫ويشارك في إصدارها جميع البنوك على مستوى العالم مثل الفيزا وماستر‬
‫كارد‪ ،‬وبطاقات ترعاها وتصدرها مؤسسة مالية واحدة مثل بطاقة أمريكان‬
‫اكسبرس‪ ،‬وبطاقات تصدرها مؤسسات تجارية لعمالئها ليشتروا منها فقط‬
‫دون وجود بنك وسيط‪.‬‬
‫‪ -‬ومن حيث نطاق التعامل بها‪ :‬توجد البطاقات المحلية واإلقليمية والعالمية‪.‬‬
‫‪ -‬وأخيراً بحسب طبيعة العالقة وكيفية التعامل بالبطاقة توجد ثالثة أنواع منها‪،‬‬
‫وهذا التقسيم األخير هو المهم ألن التقسيمات األخرى تندرج تحته وال تؤثر‬
‫على ماهيتها‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬بطاقة الخصم أو القيد المباشر والفوري ‪Debit Card‬‬
‫ويشترط إلصدار هذه البطاقة أن يكون للعميل حساب في البنك‪ :‬فيه رصيد يستطيع‬
‫البنك مصدر البطاقة أن يخصم منه ما يحصل عليه حامل البطاقة عند استعمالها‪،‬‬

‫‪146‬‬
‫والبنك ال يقدم قرضاً لحامل هذه البطاقة وال يسمح لـه باستعمال البطاقة إال في حدود‬
‫رصيده بالبنك‪ ،‬ولهذه البطاقة نفس استخدامات بطاقة الخصم الشهري ‪Charge‬‬
‫‪ Card‬وبطاقة االئتمان القرضية ‪ Credit Card‬في الحصول على السلع‬
‫والخدمات والنقد(‪.)1‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬بطاقة الخصم الشهري أو الدفع المؤجل (‪)Charge Card‬‬
‫وهي بطاقة تتيح لحاملها أن يستخدمها في عمليات الشراء المختلفة والحصول على‬
‫الخدمات في شتى أنحاء العالم باإلضافة إلى صالحيتها في عمليات السحب النقدي‬
‫ومن خالل األجهزة التابعة للبنوك التي أصدرتها في كافة أنحاء العالم‪.‬‬
‫وإ صدارها ال يتطلب من حاملها الدفع المسبق للبنك المصدر في صورة‬
‫حساب جاري وإ نما يطالب البنك المصدر حامل البطاقة بقيمة مشترياته ومسحوباته‬
‫في نهاية كل شهر على أن يسددها في مدة تالية تتراوح بين ‪ 40 – 25‬يوماً وإ ذا‬
‫تأخر عن السداد يحمل بفائدة معدولها بين ‪ %1.75 – 1.5‬شهرياً(‪ :)2‬أي من‬
‫‪ - %18‬إلى ‪ %21‬سنوياً‪.‬‬
‫(‬ ‫النوع الثالث‪ :‬بطاقة االئتمان القرضية أو السداد على فترات الحقة‬
‫‪ )Credit Card‬وهي األكثر انتشاراً في الدول المتقدمة وهذه يخير صاحبها بين‬
‫سداد مسحوباته عليها بالكامل خالل فترة السماح أو سداد جزء منها وتأجيل الباقي‬
‫إلى أقساط على شهور تالية مع حساب فائدة بنفس المعدالت التي ذكرناها في النوع‬
‫الثاني‪.‬‬
‫وليس للمسحوبات عليها حد أعلى مادام صاحبها مستمراً في السداد الجزئي‬
‫للديون والفوائد(‪.)3‬‬

‫‪ -5‬خطوات إصدار البطاقة والعالقة بين األطراف التي لها صلة بالبطاقة ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) بطاقة االئتمان‪ :‬الصديق محمد األمين الضرير ‪( 2/640‬ضمن بحوث مؤتمر األعمال المصرفية‬
‫اإللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة اإلمارات)‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) بحث بطاقات االئتمان‪ :‬دكتور محمد عبد الحليم عمر ‪( 2/666‬ضمن بحوث مؤتمر األعمال المصرفية‬
‫اإللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة اإلمارات)‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) فقه النوازل‪ :‬الجامعة األمريكية المفتوحة‪ ،‬ص‪.12 – 11‬‬

‫‪147‬‬
‫أوالً‪ :‬يق وم البنك بإص دار البطاقة لطالبه ا‪ ،‬وقد ف رض البنك رس ماً لإلص دار‪،‬‬
‫ورسماً لالشتراك‪ ،‬أي مقابالً مالياً نظير هذين األمرين فيستوفي البنك ممن صدرت‬
‫له البطاقة رسم اإلصدار‪ ،‬ورسم االشتراك‪ ،‬وقد يعفيه من أحدهما أو من كليهما‪.‬‬
‫والعالقة المتمثلة في هذا العمل هي تقديم خدمة يقوم بها البنك تعريفاً وتمهيداً‬
‫الستخدام البطاقة‪ ،‬وهي خدمة يجوز للبنك أن يحصل على مقابل مالي نظير تقديمها‬
‫لعميله‪.‬‬
‫وهذا االلتزام المالي من العميل قابل البطاقة للبنك مصدر البطاقة يحدث قبل‬
‫االستخدام الفعلي للبطاقة فيما أصدرت من أجله‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬يتفق البنك مصدر البطاقة مع التاجر على أن يقبل البيع لحامل بطاقته‬
‫مداينة‪ ،‬ويضع تحت تصرفه الوسائل التي يستلزمها ذلك‪ ،‬فتنشأ عالقة تقديم خدمة‬
‫أيضاً‪ ،‬وهي مما يجوز أخذ األجرة عليه‪.‬‬
‫وهذا االلتزام المالي من التاجر قابل البطاقة للبنك هو أيضاً قبل االستخدام‬
‫الفعلي للبطاقة فيما خصصت له‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬يشتري حامل البطاقة سلعة من التاجر أو يحصل على خدمة ذات قيمة‬
‫مالية‪ ،‬وال يدفع ثمناً لذلك لمن باع له السلعة أو أدى له هذه الخدمة‪ ،‬وإ نما يوقع على‬
‫مستند خاص يمكن التاجر قابل البطاقة من أن يحصل على الثمن من البنك مصدر‬
‫البطاقة‪ ،‬وتنشأ هنا عالقة بين حامل البطاقة والبنك المصدر لها‪ ،‬ويترتب على هذه‬
‫العالقة التزام مالي من جهة حامل البطاقة للبنك الذي أصدرها‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬يقدم التاجر أو مقدم الخدمة الذي قبل التعامل ببطاقة االئتمان‪ ،‬إلى‬
‫البنك مصدر البطاقة‪ ،‬نسخة من مستند الدفع الذي وقع عليه حامل البطاقة‪ ،‬وهنا‬
‫تنشأ عالقة تعاقدية بين البنك والتاجر الذي قبل التعامل بالبطاقة‪ ،‬إسناداً إلى ما اتفق‬
‫عليه بين الجانبين‪ ،‬تجاه أي حالة قبول للبطاقة‪.‬‬
‫كما ينشأ مع هذه العالقة التزام مالي على البنك للتاجر الذي قبل التعامل‬
‫ببطاقة االئتمان‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫وينشأ أيضاً التزام مالي مقابل للبنك على حامل البطاقة‪ ،‬وهو قيمة ما حصل‬
‫عليه حامل البطاقة من سلع أو ما أدى إليه من خدمات‪ ،‬ألنه لم يدفع أثمانها‪ ،‬وإ نما‬
‫اكتفى بالتوقيع على مستند الدفع(‪.)1‬‬

‫‪ -6‬الهيكل التنظيمي إلصدار البطاقة البنكية ‪:‬‬

‫الراعي إلصدار البطاقة‬

‫أمريكان اكسبرس‬ ‫فيـزا‬

‫البنوك المحلية‬
‫المخولة بإصدار البطاقة من قبل (فيزا)‬

‫التاجر‬ ‫حامل البطاقة‬

‫‪ -7‬أطراف اتفاقيات البطاقات البنكية ‪:‬‬


‫يتكون عقد بطاقات المعامالت غالباً من ثالثة أطراف رئيسين‪:‬‬
‫‪ -1‬مصدر البطاقة‪ :‬هو بالنسبة لبطاقات اإلقراض يسمى (مقرضاً)‪.‬‬
‫‪ -2‬حامل البطاقة‪ :‬هو في بطاقات اإلقراض يسمى (مقترضاً)‪.‬‬
‫‪ -3‬التاجر‪ :‬الممول للسلع والخدمات‪.‬‬
‫‪ -4‬البنك الوسيط‪ :‬قد يزداد عدد أطراف العقد إلى أربعة‪ ،‬مثل البنك الوسيط‬
‫بين المصدر الرئيس للبطاقة وحاملها‪ ،‬فيصدر هذا البطاقة بحكم الوكالة‬
‫‪1‬‬
‫(?) بحث ماهية بطاقة االئتمان‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬محمد رأفت عثمان ‪( 627 – 2/626‬ضمن بحوث مؤتمر األعمال‬
‫المصرفية اإللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة اإلمارات)‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫عنه‪ ،‬وقد ينحسر عدد أطراف العقد إلى اثنين‪ ،‬كما هو األمر في البطاقات‬
‫الخاصة بالمحالت التجارية الكبيرة‪.‬‬
‫وفيما يلي تعريف باألطراف الرئيسين لهذه البطاقات‪:‬‬
‫الطرف األول‪ :‬مصدر البطاقة (‪ )Issuing Bank‬هو المخول قانوناً بإصدار‬
‫البطاقة لحاملها‪ ،‬ويقوم وكالة عنه بتسديد قيمة المشتريات للتاجر‪.‬‬
‫الطرف الثاني‪ :‬حامل البطاقة (‪ )Card Holder‬هو الشخص الذي صدرت‬
‫خول باستخدامها‪ ،‬وأخذ على نفسه االلتزام أمام مصدر البطاقة‬ ‫البطاقة باسمه‪ ،‬أو ِّ‬
‫الوفاء بكل الواجبات التي تنشأ عن استعمال البطاقة‪.‬‬
‫الطرف الثالث‪ :‬التاجر (‪ )Merchant or Supplier‬هو الذي يبرم عقداً مع‬
‫مصدر البطاقة بتقديم السلع والخدمات المتوافرة لديه‪ ،‬المطلوبة من قبل العمالء‬
‫تم االتفاق معه(‪.)1‬‬
‫حاملي بطاقة البنك الذي ّ‬

‫‪ -8‬التكييف الفقهي لبطاقات االئتمان ‪:‬‬


‫عقد البطاق ات البنكي ة‪ ،‬بأقس امه وأنواعه وإ جراءاته وأهدافه عقد جديد على‬
‫الفقه اإلس المي‪ ،‬ال ين درج في ص ورته الكلية تحت عقد واحد من عق ود المع امالت‬
‫الش رعية المعروفة في الم دونات الفقهي ة‪ ،‬حيث تتع دد األط راف‪ ،‬وتتن وع العالق ات‬
‫وااللتزامات‪ ،‬وتتباين األقسام واألنواع‪.‬‬
‫من الصعب تكييفه في صورته الكلية بعقد واحد‪ :‬حوالة‪ ،‬أو جعالة‪ ،‬أو‬
‫ضمان‪ ،‬أو وكالة‪ ،‬أو عقدين معاً‪ :‬كالوكالة والكفالة‪ ،‬الوكالة والجعالة‪ ..‬إلى آخر ما‬
‫ذهب إليه خبراء مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي بجدة(‪.)2‬‬
‫إذا صح تصوير عقد بطاقة اإلقراض وتكييفها بواحد من تلك العقود من‬
‫جانب‪ ،‬فإنه يختل من طرف وجانب آخر ال يسلم لصاحبه‪ ،‬إذ من غير الممكن‬
‫تنزيل صورة كلِّية مركبة متشعبة متعددة األطراف واالتفاقات واألغراض على عقد‬
‫‪1‬‬
‫(?) انظر البطاقات البنكية‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬عبد الوهاب أبو سليمان‪ ،‬ص‪.45 – 44‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) انظر البحوث والمناقشات حول هذا الموضوع في‪ :‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة المؤتمر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬الدورة السابعة‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬عام ‪1412‬هـ‪1992/‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.382 – 359‬‬

‫‪150‬‬
‫واحد له تكوين معين‪ ،‬وشكل ال يختلف‪ ،‬وما يقال عن عقد بطاقة اإلقراض (‬
‫‪ )Credit Card‬يقال بالمثل عن غيره من عقود البطاقات األخرى‪.‬‬
‫أصبح من الضروري تصنيف أقسامه حسب تنوع مضامين كل قسم ونوع‬
‫فيه‪ ،‬ثم تحليل كل واحد منها وتركيبه‪ ،‬واتفاقاته المتعددة في داخله‪ ،‬فمن ثم تتكشف‬
‫جوانب كل عقد‪ ،‬وتتضح رؤيته‪ ،‬فيسلم تكييف(‪.)1‬‬

‫‪ -9‬التخريجات الفقهية لبطاقات االئتمان ‪:‬‬


‫ال يخفى أن الحكم على الش يء ف رع عن تص وره‪ ،‬وعلى ق در دقة فهمنا‬
‫للعالق ات ال تي تنش ئها بطاق ات االئتم ان تك ون دقتنا في تخريجها على العق ود‬
‫المعروفة في الفقه اإلس المي‪ ،‬وبي ان أحكامها الشرعية حالً وحرم ة‪ ،‬وتحديد البدائل‬
‫الشرعية فيما ينتهي النظر إلى تحريمه منها‪.‬‬
‫وبطاقات االئتمان تنشئ ثالث عالقات نتحدث عنها على التوالي فيما يأتي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬العالقات بين مصدر البطاقة وحاملها " عقد إصدار البطاقة " ‪:‬‬
‫وقد ك ثرت التخريج ات الفقهية له ذه العالقة وتش عب النظر فيها داخل أروقة‬
‫رض كفالة من المص در لحاملها أو وكالة عنه في أداء‬ ‫المج امع الفقهية من كونها ق َ‬
‫التزاماته ِقبل الغير أو كفالة له قبل اآلخرين‪.‬‬
‫أ‪ -‬العالقة بينهما ضمان (كفالة) ‪:‬‬
‫من المقرر أن العميل عندما يتقدم بطلب إصدار بطاقة ائتمان فهو يهدف إلى‬
‫االلتجاء إلى المصدر ليعينه على تحمل أعباء المشتريات والخدمات التي يرغب في‬
‫الحص ول عليها وه ذا ما نصت عليه س واء االتفاقية المبرمة بين ط رفي عقد (بطاقة‬
‫االئتمان‪ :‬المصدر وحامل البطاقة)‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) البطاقات البنكية‪ :‬ص‪.140 – 139‬‬

‫‪151‬‬
‫وهذا المعنى هو ما يسمى في الفقه اإلسالمي بعقد الضمان (الكفالة) كما‬
‫الحق "‬ ‫عرفه الفقهاء‪ " :‬هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام‬
‫(‪.)2‬‬

‫ب‪ -‬العالقة بينهما وكالة ‪:‬‬


‫فإن حامل البطاقة وكل المصدر بتسديد ديونه لدى التجار الذي سيشتري منهم‬
‫ألن الوكالة يعرفها الفقه اء‪ " :‬اس تنابة ج ائز التص رف مثله في الحي اة فيما تدخله‬
‫النيابة " (‪.)2‬‬
‫والوكالة من العق ود الج ائزة‪ ،‬واتفق الفقه اء على ج واز الوكالة بس داد ال دين‬
‫وقبضه‪ ،‬كما أجازوا أخذ األجرة على الوكالة(‪.)3‬‬
‫ج‪ -‬وقيل بأن العالقة بينهما هي إقراض ‪:‬‬
‫وعقد القرض هو ما تعطيه غيرك من مال على أن يرده إليك(‪.)4‬‬
‫وتخريج بطاقة االئتمان على القرض يتضح من خالل تمكين المصدر الحامل‬
‫من الحصول على السلع والخدمات بواسطة الخط االئتماني المحدد بسقف معين‪،‬‬
‫ويكون ذلك عن طريق البطاقة‪ ،‬وقبض هذا القرض هو قبضاً حكمياً يتمثل في‬
‫تمكين الحامل من االستفادة ثم تسديد المال عنه(‪.)5‬‬
‫ولعل الجمع بين الكفالة واإلقراض والوكالة هو األقرب إلى النظر في تخريج‬
‫هذا العقد‪ ،‬ألن هذا هو المقصود األصلي لهذه البطاقة فهي قبل االستخدام كفالة‬

‫‪2‬‬
‫(?) المبدع ‪ ،4/248‬والمغني ‪ ،4/344‬مغني المحتاج ‪ ،2/198‬البحر الرائق ‪ ،6/221‬الشرح الكبير‪:‬‬
‫للدردير ‪.3/329‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) كشاف القناع ‪ ،3/461‬التعاريف‪ :‬للمناوي ‪.1/733‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) انظر تبيين الحقائق ‪ ،4/288‬مواهب الجليل ‪ ،5/188‬روضة الطالبين ‪ ،4/330‬المغني ‪ ،4/391‬كشاف‬
‫القناع ‪.3/489‬‬
‫‪ )?(4‬الدر المختار ‪ ،5/161‬التعاريف ‪.1/580‬‬
‫‪ )?( 5‬بحث " بطاقة االئتمان "‪ :‬د‪.‬مبارك جزاء الحربي ‪( 5/2174‬ضمن أوراق مؤتمر األعمال المصرفية‬
‫اإللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة اإلمارات‪ ،‬ربيع األولى ‪1424‬هـ‪/‬مايو ‪2003‬م)‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫ووعد بالقرض والوكالة فإذا ما استخدمت فعالً وقام المصرف بالسداد نيابة عن‬
‫العميل فقد تحقق هذا الوعد وأصبح القرض والوكالة حقيقة واقعة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬العالقة بين مصدر البطاقة والتاجر ‪:‬‬
‫لقد كثرت التخريجات الفقهية لهذه العالقة بين كونها شبيهة بخصم األوراق‬
‫التجارية‪ ،‬إلى كونها عالقة كفالة‪ :‬أي أن الجهة المصدرة قد كفلت للتاجر أن تدفع لـه‬
‫قيمة المبيعات بهذه البطاقة‪ ،‬إلى كونها وكالة بأجر‪ ،‬إلى كونها عالقة سمسرة‪ ،‬بل إن‬
‫من الناس من خرجها على أنها عالقة بيع فجعل مصدر البطاقة هو المشتري‬
‫الحقيقي لهذه البضائع ثم يعيد بيعها للعميل فتكون قريبة الشبه ببيع المرابحة لآلمر‬
‫بالشراء‪.‬‬
‫ولعل أظهر هذه التخريجات هو تخريجها على أساس الكفالة والوكالة وهو‬
‫تخريج يفتح الباب لمشروعية العمولة أو نسبة الخصم التي يتقاضاها البنك في هذه‬
‫الحالة ألن األجرة الممنوعة في الكفالة هي التي تكون من المكفول عنه إلى الكفيل‪،‬‬
‫وهي هنا من المكفول لـه وهو التاجر إلى الكفيل‪ ،‬أما األجرة في الوكالة فهي جائزة‬
‫في جميع األحوال‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬العالقة بين حامل البطاقة والتاجر ‪:‬‬
‫ترددت التخريجات الفقهية لهذه العالقة بين كونها عالقة‪:‬‬
‫‪ -1‬حوالة حيث أحال حاملها التاجر على مليء وهو الجهة المصدرة‪ ،‬وتتحقق‬
‫هذه الحوالة بتوقيعه على فاتورة الشراء‪.‬‬
‫‪ -2‬أو كونها عالقة بيع أو إجارة عادية بحيث تصنف العقود بحسبها بيعاً أو‬
‫إجارة بحسب المعقود عليه ثم تنتقل مسؤولية المطالبة بالقيمة إلى مصدر‬
‫البطاقة الذي ضمن تسديد ما يسحب عليها من أثمان أو أجور‪.‬‬
‫‪ -3‬أو العالقة بينهما وكالة بأجر‪ :‬وهذا المعنى يتضح من خالل توكيل التاجر‬
‫للمصدر بأن يحصل المبلغ المستحق له في ذمة العميل لقاء مبلغ يحصل‬
‫عليه المصدر محدد بنسبة معينة من فاتورة الشراء‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫‪ -10‬التكييف اإلجمالي لبطاقات االئتمان ‪:‬‬
‫لعل أقرب تخريج إجمالي لبطاقات االئتمان أنها عقد مركب من جملة عقود‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫العالقة األولى ‪:‬‬


‫فهي في العالقة بين مص درها وحاملها تتك ون من ثالثة عق ود‪ :‬الكفال ة‪،‬‬
‫واإلق راض‪ ،‬والوكال ة‪ :‬فالجهة المص درة قد كفلت حامل البطاقة أم ام التج ار‬
‫وأقرضته قيمة مسحوباته على البطاقة‪ ،‬وحامل البطاقة وكلها في الوفاء بهذه القيمة‬
‫إلى التاجر‪.‬‬
‫العالقة الثانية ‪:‬‬
‫وفي العالقة بين مص درها والت اجر تتك ون من عق دين أيض اً‪ :‬الض مان‬
‫والوكال ة‪ ،‬فالجهة المص درة قد ض منت للت اجر الوف اء بمس تحقاته قبل حامل البطاق ة‪،‬‬
‫كما أنها ق امت بتحص يل ه ذه المس تحقات للت اجر من قبل ح املي ه ذه البطاق ات‬
‫ووضعها في حسابه بعد خصم نسبة العمولة المتفق عليها‪.‬‬
‫العالقة الثالثة ‪:‬‬
‫وفي العالقة بين حامل البطاقة والت اجر يحكمها ال بيع أو اإلج ارة بحسب‬
‫طبيعة المعق ود عليه بينهما باإلض افة إلى الحوالة حيث أح ال حاملها الت اجر على‬
‫جهة إصدار البطاقة‪.‬‬

‫‪ -11‬األحكام= الشرعية المتعلقة بالبطاقات االئتمانية ‪:‬‬


‫‪ -1‬الحكم الشرعي على بطاقات االئتمان ‪:‬‬
‫بن اء على تكييفنا الفقهي لبطاقة االئتم ان فم دى ت وافر أرك ان وش روط عقد‬
‫الض مان أو الكفالة (باعتب ار أن العالقة ال تي تجمع أط راف البطاقة االئتمانية ك ذلك)‬
‫في بطاقة االئتمان؟‬

‫‪1‬‬
‫(?) فقه النوازل‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪154‬‬
‫ش أن أي عقد ف إن أرك ان العقد الثالثة إجم االً هي‪ :‬العاقد والمعق ود عليه‬
‫والصيغة ومدى توفرها في بطاقة االئتمان بصفتها عقد ضمان يتضح اآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬العاقد‪ :‬عقد الضمان ثالثي األطراف هم الضامن والمضمون عنه والمضمون‬
‫له‪ ،‬وهو ما يتوفر في البطاقة‪:‬‬
‫‪ -‬فالمص در هو الض امن وش رطه الرشد أو األهلية وهو مت وفر لـه بص فته‬
‫الشخصية المعنوية‪.‬‬
‫‪ -‬والمض مون عنه وهو حامل البطاقة ومن أهم ش روطه معرفته ليعلم هو‬
‫موسراً أم ال ؟ وهو ما يتم في بطاقة االئتمان حيث يص در البنك لـه البطاقة‬
‫بعد دراسة حالة العميل االئتمانية‪.‬‬
‫‪ -‬والمضمون له وهو التاجر ويستفيد بضمان حقه‪.‬‬
‫‪ -2‬المض===مون‪ :‬وهو مبلغ ال دين الناشئ في ذمة حامل البطاقة للت اجر أو البن وك‬
‫األخ رى عن مش ترياته أو مس حوباته وأهم ش رط فيه كونه ثابت اً الزم اً ومع أن‬
‫دين البطاقة ال يكون موجوداً عند إصدارها الذي يمثل عقد الضمان فإن جميع‬
‫المذاهب الفقهية تجيز ضمان ما يسحب‪.‬‬
‫‪ -3‬الص==يغة‪ :‬وتتمثل في اإليج اب والقب ول ال ذي ي دل على رضا أط راف البطاقة‬
‫وإ ص دار البنك للبطاقة بن اء على طلب حامله ا‪ ،‬وك ذا اتفاقية البنك مع التج ار‬
‫يحقق ركن الصيغة(‪.)1‬‬

‫‪ -2‬عرفنا فيما سبق أن بطاق=ات االئتم==ان أن=واع فما هو الن==وع المنس=جم مع أحك==ام‬
‫الشريعة اإلسالمية والخالي من الربا يا ترى؟‬
‫يجيب فضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عن هذا التساؤل ويقول‪" :‬‬
‫بطاقة السحب المباشر من الرصيد (‪ )Debit Card‬هي األصح واألسلم شرعاً بين‬
‫جميع أن واع البطاق ات‪ ،‬وهي ال تي تنس جم مع القواعد الش رعية‪ ،‬وفي نفس ال وقت‬

‫‪1‬‬
‫(?)بطاقة االئتمان‪ :‬ماهيتها والعالقات الناشئة عن استخدامها بين الشريعة والقانون‪ :‬د‪ .‬محمد عبد الحليم عمر‬
‫‪( 688 – 2/687‬بحوث مؤتمر األعمال المصرفية اإللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة اإلمارات)‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫تحقق ربح اً إس المياً حالالً للبن وك‪ ،‬خصوص اً إذا ط ورت واتخذ رص يد حاملها في‬
‫البنك أداة استثمارية بالمضاربة والمشاركة مع البنك‪ ،‬يتحقق به العدل للطرفين‪ ،‬إذ‬
‫يس تفيد حامل البطاقة من تنمية رص يده‪ ،‬فال يجمد بالنس بة لـه‪ ،‬وال يك ون المس تفيد‬
‫الوحيد من الرص يد البنك فحس ب‪ ،‬بل يص بح ال ربح مش اركة بين الط رفين حسب‬
‫االتفاق دون غبن‪ ،‬أو شطط " (‪.)1‬‬

‫‪ -3‬الشرط الربوي ‪:‬‬


‫فعق ود إص دار ه ذه البطاق ات تتض من في الغ الب نصوص اً ربوية تقضي‬
‫بوج وب دفع فوائد ربوية أو غرام ات مالية عند الت أخر عن الس داد‪ ،‬فما أثر ه ذه‬
‫العقود على صحة ومشروعية بطاقات االئتمان ؟‬
‫(‪)2‬‬
‫انقسم= الفقه المعاصر عند نظره في هذه البطاقات إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪:‬‬
‫قسم يرى الجواز (صحة العقد وبطالن الشرط) متى غلب على ظن المتعامل‬
‫قدرته على التح وط من الوق وع تحت طائلة ه ذا الش رط‪ ،‬ألن ه ذا الش رط الفاسد في‬
‫معرض اإللغاء شرعاً‪ ،‬وهو مستنكر ومعمول على استبعاد مفعوله‪ ،‬ومستند هؤالء‬
‫ما يأتي‪:‬‬
‫قول النبي ‪ ‬لعائشة عندما أرادت أن تشتري بريرة فأبى أصحابها بيعها إال‬
‫بشرط أن يكون الوالء لهم – وهو شرط على خالف الشرع ألن الوالء شرعاً لمن‬
‫أعتق – فقال النبي ‪ ‬لعائشة‪ " :‬خذيها واشترطي لهم الوالء فإن الوالء لمن أعتق "‪،‬‬
‫وفي رواية " اشتريها واعتقيها واش ترطي لهم ال والء " (‪ ،)3‬ومع نى الح ديث ال تب الي‬
‫ألن اش تراطهم مخ الف للح ق‪ ،‬فال يك ون ذلك لإلباح ة‪ ،‬بل المقص ود اإلهانة وع دم‬
‫المباالة باالشتراط ألن وجوده كعدمه‪.‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) البطاقات البنكية‪ ،‬ص‪.232‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) فقه النوازل‪ ،‬ص‪.17 – 14‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في البيوع باب منتهى التلقي (‪.2/759 )2060‬‬

‫‪156‬‬
‫ويفهم من هذا أنه إذا تعنت أحد بفرض شرط مخالف للشرع فيما تعم الحاجة‬
‫إليه من العق ود وأبى إب رام العقد إلى على ه ذا الش رط الفاسد فال تتعطل ه ذه العق ود‬
‫بس بب التعنت‪ ،‬وال يف تى بع دم مش روعيتها بل تج ري رغم ذلك ويجتهد على إبط ال‬
‫ه ذا الش رط الفاسد من خالل الس لطان‪ ،‬أو التح وط في ع دم الوق وع تحت طائلته عند‬
‫خلو الزمان من السلطان القائم على أمر اهلل‪.‬‬

‫تنزيل الحاجيات منزلة الضروريات ‪:‬‬


‫ما عمت به البل وى في كث ير من البالد من تض من عق ود الكهرب اء واله اتف‬
‫وغيرها نصوصاً مماثلة‪ ،‬بحيث إذا تخلف المشترك عن السداد تعرض لتطبيق هذه‬
‫الغرام ات علي ه‪ ،‬ولم يقل أحد بحرمة االش تراك في ه ذه المرافق نظ راً لوج ود ه ذه‬
‫الشروط‪.‬‬
‫إن الق رض ال يفسد بفس اد الش روط‪ ،‬بل تبطل الش روط ويصح عقد الق رض‬
‫أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب اهلل ؟! من اشترط‬ ‫لقول النبي ‪ " :‬ما بال ٍ‬
‫شرطاً ليس في كتاب اهلل فليس له وإ ن اشترط مائة شرط " (‪.)1‬‬
‫القسم الثاني‪:‬‬
‫يرى المنع (بطالن العقد) وهو صريح مذهب المالكية والشافعية(‪.)2‬‬

‫مناقشة أدلة القسم األول ‪:‬‬


‫‪ -1‬مناقشة االحتجاج بحديث بريرة ‪:‬‬
‫ويناقش ون اس تدالل الفريق األول بحادثة بري رة ب أن القي اس فيه مع الف ارق‬
‫لوجود القدرة على إبطال هذا الشرط في واقعة بريرة لمخالفته للشريعة في واقع قام‬
‫على سيادة الشريعة وتتولى دولته حراسة الدين وسياسة الدنيا به‪ ،‬فأين هذا من واقع‬
‫الشرط الربوي في بطاقات االئتمان وهو اشتراط يعتمد على مرجعية علمانية قامت‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الصالة باب ذكر البيع والشراء على المنبر (‪.1/174 )444‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المجموع ‪ ،9/350‬روضة الطالبين ‪ ،3/403‬المدونة ‪ ،10/345‬نيل األوطار ‪.5/282‬‬

‫‪157‬‬
‫داء على فصل ال دين عن الدولة والكفر بمرجعية الش ريعة المطه رة في عالقة‬ ‫ابت ً‬
‫الدين بالحياة!‬
‫‪ -2‬مناقشة القي= = ==اس على ما عمت به البل======وى من عق======ود الكهرب======اء واله======اتف‬
‫ونحوها‪:‬‬
‫كما ناقشوا القياس على عقود الكهرباء والهاتف التي تتضمن شروطاً مماثلة‬
‫الحاجة إلى هذه المرافق وتعلق مصالح األمة الحيوية بها‪.‬‬
‫واألمر في بطاقات االئتمان أدنى من ذلك‪ ،‬فقد يستطيع اإلنس ان أن يحيا حياته‬
‫بص ورة طبيعية أو ش به طبيعية ب دون بطاق ات االئتم ان‪ ،‬ولكنه ال يس تطيع أن يفعل‬
‫ذلك بدون هاتف وكهرباء‪.‬‬
‫القول المختار ‪:‬‬
‫وال ذي ي ترجح ل دينا انتف اء الح رج عمن غلب على ظنه قدرته على الوف اء في‬
‫مدة السماح وبالتالي عدم الوقوع تحت طائلة هذا الشرط وبذل من األسباب ما يمكنه‬
‫من ذلك‪.‬‬

‫‪ -4‬النسبة التي يقتطعها مصدر البطاقة من التاجر وتخريجها ‪:‬‬


‫فمن المعل وم من ه ذه البطاق ات أن الجهة المص درة لها ال ت دفع للت اجر نفس‬
‫القيمة المثبتة في فواتيرهم‪ ،‬وإ نما تقتطع منها نسبة يكون متفق اً عليها في العقد المبرم‬
‫بينها وبين التاجر‪ ،‬فما التخريج الشرعي المناسب لهذه النسبة المقتطعة ؟‬
‫لقد اختلف الفقه المعاصر في تخريجه لهذه النسبة ‪:‬‬
‫‪ -1‬تخريجها على أنها عمولة ‪:‬‬
‫فمنهم من خرجها على أنها عمولة مقابل تحص يل الثمن من العمي ل‪ ،‬وال ب أس‬
‫بأخذ أجر على تحصيل الدين أو توصيله‪.‬‬
‫‪ -2‬تخريجها على أنها مقابل الخدمات ‪:‬‬

‫‪158‬‬
‫ومنهم من خرجها على أنها أج رة مقابل الخ دمات ال تي يق وم بها البنك للت اجر‬
‫كالدعاية واإلعالن والتحص يل ونح وه‪ ،‬أو باعتبارها أم ور سمس رة فالبنك قد جلب‬
‫الزبائن للتاجر وأخذ أجرة مقابل ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬تخريجها على أنها مصالحة مع الدائن ‪:‬‬
‫ومنهم من اعتبرها من قبيل المص الحة مع ال دائن بأقل من المبلغ ال ذي ال تزم‬
‫به المكف ول باعتب ار أن العالقة بين مص در البطاقة وحاملها عالقة كفال ة‪ ،‬ومثل ذلك‬
‫منصوص على جوازه عند األحناف‪.‬‬

‫‪ -4‬تخريجها على أنها ال تلحق بالربا ‪:‬‬


‫ابتداء ألننا أمام خصم‬
‫ً‬ ‫ومنهم من رأى أنه ال ترد على هذه النسبة شبهة الربا‬
‫ولسنا أمام زيادة فليس فيها ما يلحقها بالربا‪.‬‬
‫الخالصة ‪:‬‬
‫وأي اً ك ان التخ ريج المخت ار ف إن الفقه المعاصر مس تقر على رفع الح رج عن‬
‫هذه النسبة على أن تحدد هذه النسبة لتكون مقابل الخدمات المقدمة للتاجر‪ ،‬والمتمثلة‬
‫في تحص يل فوات ير الش راء‪ ،‬وج ذب العمالء إلي ه‪ ،‬وتس هيل تعامله معهم‪ ،‬ويمكن‬
‫لمصدر البطاقة وبنك التاجر أن يتقاسما هذه العمول ة‪ ،‬الشتراكهما في تقديم الخدمة‬
‫للتاجر(‪.)1‬‬
‫المجيزون لهذه النسبة ‪:‬‬
‫‪ -1‬الهيئة الشرعية لشركة الراجحي ‪:‬‬
‫وقد أجازت هذه العمولة الهيئة الشرعية لشركة الراجحي في فتواها رقم (‬
‫‪ )47‬فقد ق ررت أنها " ال ت رى مانع اً من الحص ول على نس بة من قيمة ما يش تريه‬
‫حامل البطاقة‪ ،‬مادامت هذه النسبة تستقطع من ثمن خدمة أو سلعة‪ ،‬وقد تم التعارف‬
‫على اس تقطاعها من البائع لص الح البنك ال ذي أص در البطاقة وشركة الف يزا العالمية‬
‫"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) البطاقات البنكية‪ ,‬ص‪.228‬‬

‫‪159‬‬
‫‪ -2‬الهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي وللبنك اإلسالمي األردني ‪:‬‬
‫كما ذهب إلى الجواز أيضاً الفتوى الصادرة عن الهيئة الشرعية لكل من بيت‬
‫التمويل الكويتي والبنك اإلسالمي األردني‪ ،‬حيث عدت " العمولة التي يأخذها البنك‬
‫من الت اجر المتعامل بالبطاقة أجر وكالة على الوس اطة بين الت اجر وحامل البطاقة‬
‫وما ينتج بسببها من‪ :‬ترويج التعامل معه‪ ،‬وتأمين الزبائن وتحصيل الديون‪ ،‬كما أنه‬
‫ال يوجد أثر للض مان ال ذي يوجد في بعض الح االت‪ ،‬ألن العمولة ال ت زداد مقابل ه‪،‬‬
‫وال ينظر للمبلغ المضمون "‪.‬‬

‫‪ -5‬الغرامات التأخيرية والفوائد= الربوية ‪:‬‬


‫يف رض مص درو بطاق ات االئتم ان غرام ات مالية على الت أخير في الس داد أو‬
‫تأجيل أو تقس يط المس حوبات المس تحقة على البطاق ة‪ ،‬وه ذه الغرام ات من الربا‬
‫الص ريح ال ذي ال يختلف فيه وال يختلف علي ه‪ ،‬فهو ربا النس يئة ال ذي ن زل الق رآن‬
‫لتحريمه وآذن أصحابه بحرب من اهلل ورسوله‪.‬‬
‫كيف نعالج مشكلة التأخر عن السداد ؟‬
‫لقد س بق الق ول ب أن الفوائد والغرام ات التأخيرية على الق روض هي ص ريح‬
‫الربا الجاهلي المحرم‪ ،‬وأنه ال سبيل للمصارف اإلسالمية إليها بحال من األحوال‪،‬‬
‫فكيف يمكن أن تعالج مشكلة التأخر عن السداد في اإلطار اإلسالمي؟‬
‫الحلول المقترحة ‪:‬‬
‫توجد بعض الحل ول البديلة من الفوائد الربوية والغرام ات التأخيرية ن ذكر‬
‫منها‪:‬‬
‫إنظ ار الم دين إذا ك ان معس راً‪ ،‬أو إلغ اء العض وية وس حب البطاقة ثم اللج وء‬
‫إلى القض اء وتحميله مص روفات الخص ومة‪ ،‬أو نشر اسم العميل في قائمة س وداء‬
‫تعمم على المصارف ردعاً له وزجراً ألمثاله‪...‬الخ(‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) فقه النوازل‪ ،‬ص‪.18‬‬

‫‪160‬‬
‫‪ -6‬هل يجوز شراء الذهب والفضة ببطاقات االئتمان ؟‬
‫ال ذهب والفضة ال يباع ان إال من اجزة " ي داً بيد " فالتق ابض الف وري ش رط في‬
‫ص حة ه ذه المعاملة لقوله ‪ " :‬ال ذهب بال ذهب والفضة بالفضة س ً‬
‫واء بس واء ي داً‬
‫بيد‪ ...‬فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد " (‪ )1‬فهل يجوز‬
‫شراء الذهب والفضة ببطاقات االئتمان ؟‬
‫أجمع مجمع الفقه اإلسالمي بجواز شراء الذهب والفضة بالشيكات المصدقة‬
‫على أن يتم التق ابض في المجلس‪ ،‬واعت بر تس ليم الش يك المص دق بمثابة التس ليم‬
‫الفوري للمبلغ‪ ،‬ولما كانت قسيمة الدفع تخول للتاجر الحصول الفوري على المبلغ‬
‫عند تقديمها للبنك الذي يتعامل به التاجر فإن قبض القسيمة يحقق التقابض المنشود‬
‫في بيع الذهب والفضة‪.‬‬
‫وعلى هذا فالبطاقة التي يتحقق فيها القبض الفوري يمكن استخدامها في شراء‬
‫الذهب والفضة‪ ،‬والتي ال يتحقق فيها ذلك ال يشرع استخدامها(‪.)2‬‬

‫‪ -7‬الصرف في بطاقات االئتمان ‪:‬‬


‫األصل في بطاق ات االئتم ان أنها بطاق ات عالمية وأن حاملها يس تطيع‬
‫اس تخدامها في أي دولة من ال دول‪ ,‬ف إذا ق ام بالس حب بعملة أجنبية تختلف عن العملة‬
‫التي نص العقد على التحاسب بها فإن مصدر البطاقة يسدد بالعملة األجنبية ثم يرجع‬
‫على عميله بالعملة المحلية باس تخدام س عر ص رف ينص عليه في االتفاقي ة‪ ،‬فهل‬
‫يجوز استيفاء الدين بعملة خالف العملة التي حدث بها ؟‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في البيوع باب بيع الذهب بالذهب (‪ ،2/761 )2066‬ومسلم في المساقاة باب الصرف‬
‫وبيع الذهب بالورق نقدًا (‪.3/1211 )1583‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) لبائع الذهب طريقان لتحصيل قيمة الذهب من العميل صاحب البطاقة‪:‬‬
‫‪ -1‬استخدام الجهاز اآللي " الدفع السريع " وذلك بتمرير البطاقة في هذا الجهاز الذي يقوم على الفور بسلسلة‬
‫من العمليات الفورية اآللية التي تنتهي بتحويل قيمة هذه المبيعات إلى حساب التاجر‪.‬‬
‫‪ -2‬استعمال الجهاز اليدوي ويستغرق قيامه بهذه العمليات وقتاً ال يقل عن ثالثة أيام‪ ،‬كما أن تحويل المبلغ إلى‬
‫حساب التاجر مرهون بتقديمه لفواتير البيع إلى الجهة المصدرة للبطاقة‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫ال يخفى أن التق ابض الف وري ش رط في ص حة الص رف لقوله ‪ " :‬ف إذا‬
‫اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد " (‪ ،)1‬وتجوز المصارف على‬
‫ما في الذمة إذا ك ان بالس عر الحاضر إذا تف رق الطرف ان وليس بينهما ش يء‪ ،‬أي‬
‫بشرط أال يبقى شيء في الذمة ألحدهما‪.‬‬
‫والمصارفة على ما في الذمة قد تكون بين بدل في الذمة وبين حاضر‪ ,‬أو بين‬
‫بدلين في الذمة وتسمى في هذه الحالة " مقاصة أو تطارح الدينين " فتكون المقاصة‬
‫في ح دود الب دل األص غر ويس دد الب اقي بالعملة األخ رى على أن يتفرقا وليس بينهما‬
‫شيء‪.‬‬
‫واألصل في ذلك ح ديث ابن عمر ‪ " :‬كنت أبيع اإلبل ب البقيع‪ ،‬ف أبيع بال ذهب‬
‫وأقضي ب الورق‪ ،‬أو أبيع ب الورق وأقضي بال ذهب‪ ،‬فس ألت في ذلك رس ول اهلل ‪‬‬
‫فقال‪ " :‬ال بأس إذا كان بسعر يومكما إذا تفرقتما وليس بينكما شيء " (‪.)2‬‬
‫وعلى ه ذا فال ب أس به ذه العملية على أن تتم المحاس بة على أس اس س عر‬
‫الص رف ي وم التس وية أو المقاص ة‪ ،‬أي‪ :‬ي وم الخصم من الحس اب الج اري لحامل‬
‫البطاقة‪.‬‬

‫‪ -8‬عموالت السحب النقدي ‪:‬‬


‫من البطاق ات ما يمكن العميل من الس حب النق دي من حس ابه ل دى البن ك‪ ،‬وقد‬
‫جرت عادة البنوك على احتساب عمولة لها من هذه العمليات‪ ،‬فما مدى شرعية هذه‬
‫العموالت ؟‬
‫لقد اختلف الفقه المعاصر في حكمه على هذه العموالت بناء على اختالفه في‬
‫كونها مجرد سحب من حساب العميل أم إقراضاً‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) سبق تخريج الحديث قريباً‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في البيوع باب في اقتضاء الذهب من الورق (‪ ،3/250 )3354‬والترمذي في البيوع باب‬
‫في الصرف (‪ ،3/544 )1242‬والنسائي (المجتبى) في البيوع باب بيع الفضة بالذهب (‪،7/281 )4582‬‬
‫وأحمد في مسنده (‪.2/139 )6239‬‬

‫‪162‬‬
‫المجيزون ‪:‬‬
‫فمنهم من ي رى ج واز ه ذه العم والت ألنها ال تع دو أن تك ون أج راً مقابل‬
‫توص يل العميل من حس ابه إلى المن اطق ال تي يس تخدم فيها البطاقة وما يقتض يه ذلك‬
‫من نفق ات ومص روفات‪ ،‬فهي أجر تحويل العم والت من بلد إلى بلد إال أنه تحويل‬
‫معك وس حيث تق وم البن وك الوكيلة لش ركة البطاقة ب دفع النق ود أوالً ثم تس ترد من‬
‫العميل ثاني اً تحقيق اً للفورية المطلوبة في ه ذه العملي ة‪ ،‬واألجل المتخلل بين القبض‬
‫والتسديد ليس مقصوداً في هذه العملية وال هو من صميمها‪ ،‬وهذا الذي أخذ به بنك‬
‫التمويل الكويتي والبنك اإلسالمي األردني‪.‬‬
‫المانعون ‪:‬‬
‫ومنهم من يرى حرمة هذه العموالت ألن عملية السحب تعد إقراض اً من قبل‬
‫ون من الربا‬ ‫جهة البطاقة أو البنك الوكيل لحامل البطاقة فما يؤخذ مقابلها يك‬
‫المحرم‪ ،‬وهذا الذي أخذت به الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية‪.‬‬
‫الرأي الراجح ‪:‬‬
‫والذي يترجح هو التفرقة بين وضعين ‪:‬‬
‫‪-‬عندما تكون العملية سحباً من حس اب العميل فما يؤخذ مقابلها يكون عمولة‬
‫مشروعة‪.‬‬
‫‪ -‬وعندما تكون إقراضاً له فما يؤخذ مقابلها يكون ربا محرماً‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وال يخفى أن الحرمة في ه ذه الحالة إنما تتعلق بالجهة المص درة للبطاقة وبين‬
‫البنك الوكي ل‪ ،‬أما العميل فهو في كل حاالته يس حب من أمواله المودعة ل دى جهة‬
‫البطاقة‪ ،‬والعمولة التي يتحملها إنما تكون مقابل ما تتجشمه هذه الجهة من جهد وما‬
‫تتكلفه من نفقة بمناس بة قيامها به ذا العم ل‪ ،‬وال عالقة لـه بما ي دور بين الجهة‬
‫المصدرة وبين البنك الوكيل(‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) فقه النوازل‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫‪163‬‬
164
‫المبحث الخامس‬

‫التأمين التعاوني‬

‫أصبح التأمين في عصرنا من المعامالت المنتشرة في جميع مجاالت الحياة‬


‫اإلنسانية‪ :‬دخل عالم التجارة والصناعة والزراعة والنقل البري والبحري والجوي‪،‬‬
‫كما دخل حياة اإلنسان الخاصة‪ :‬فصار اإلنسان يؤمن على سيارته وعلى بيته وعلى‬
‫صحته وحياته وحتى ما بعد موته‪.‬‬

‫تعريف نظام التأمين ‪:‬‬


‫أمن بمعنى اطمأن‪ُ ،‬يقال أمنت الرجل أمناً وأماناً وأمانة‪:‬‬‫التأمين لغة‪ :‬من َّ‬
‫اطمأن ولم يخف‪ ،‬وأمنه على الشيء جعله في ضمانه(‪.)1‬‬
‫أما اصطالحاً فقد عرف األستاذ مصطفى الزرقاء نظام التأمين في نظر علماء‬
‫القانون بأنه‪ " :‬نظام تعاقدي يقوم على أساس المعاوضة‪ ،‬غايته التعاون على ترميم‬
‫أضرار المخاطر الطارئة بواسطة هيئات منظمة تزاول عقوده بصورة فنية على‬
‫أسس وقواعد إحصائية " (‪.)2‬‬

‫‪ -1‬أهداف التأمين ووظائفه ‪:‬‬

‫‪ )?(1‬لسان العرب‪ :‬مادة أمن ‪ ،1/107‬المعجم الوسيط‪ :‬مادة أمن‪.1/28‬‬


‫‪ )?(2‬نظام التأمين حقيقته والرأي الشرعي فيه‪ :‬مصطفى أحمد الزرقاء‪ ،‬ص‪.19‬‬

‫‪165‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يهدف التأمين إلى تحقيق عدة أمور منها‪:‬‬
‫‪ -1‬تحصين المجتمع من آثار المصائب والنكبات‪ :‬فبدالً أن يتحملها فرد بعينه‬
‫أو مجموعة بعينها‪ ،‬فإن أفراد األمة جميعهم يهبُّون لنصرة المصاب‬
‫وتخفيف أثر المصيبة عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬وهذا من شأنه تحقيق التحابب والتواد واألخوة وتماسك المجتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬تحقيق طمأنينة النفس والسعادة في الدنيا‪ :‬فحينما يشعر الفرد أن كل حاجاته‬
‫مؤمنة في حاالت الطوارئ ترتاح نفسه ويطمئن على حياته‪.‬‬
‫‪ -4‬توفير األموال وادخارها‪ ،‬فالمشترك في نظام من نظم التأمين يدفع قسطاً‬
‫شهرياً قليالً جداً يكون ذا أثر كبير عند وقوع الخطر‪.‬‬
‫‪ -5‬واإلنسان في حاجة إلى التأمين ألنه محاط باألخطار وهو يعاني منها‬
‫ويتحمل أعباء جسيمة وإ ن الخوف من هذه المخاطر – كغرق البواخر في‬
‫البحر – يوقف كثيراً من رجال األعمال عن بعض الفعاليات االقتصادية‬
‫التي كان بإمكانها أن تنفع البالد والعباد‪ ،‬وإ ن وقوع هذه المخاطر يسبب‬
‫كوارث اقتصادية واجتماعية كحريق مصنع وموت عامل وهو يعيل‬
‫(‪)2‬‬
‫أسرة‪...‬‬

‫‪ -2‬نشأة التأمين ‪:‬‬


‫عقد التأمين بتنظيمه الحديث غربي المنشأ‪ ،‬حديث النشأة لم يكن معروفاً منذ‬
‫القدم‪ ،‬ويذكر علماء القانون أن أول ظهوره كان في القرن الرابع عشر الميالدي في‬
‫إيطاليا حيث وجد بعض األشخاص الذين يتعهدون بتحمل األخطار البحرية التي‬
‫تتعرض لها السفن أو حمولتها نظير مبلغ معين‪ ،‬ثم ظهر بعده التأمين على الحياة‬
‫في بريطانيا عام ‪1583‬م‪ ،‬أما التأمين على النقل البري فقد تأخر تنظيمه القانوني‬

‫‪ )?(1‬المعامالت المالية المعاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد عثمان شبير‪ ،‬ص‪.93‬‬


‫‪ )?( 2‬المعامالت المالية المعاصرة في ضوء الفقه والشريعة‪ :‬أ‪.‬د محمد رواس قلعه جي‪ ،‬ص‪.150‬‬

‫‪166‬‬
‫حتى القرن العشرين‪ ،‬حيث جاء القانون الفرنسي المؤرخ في ‪13/7/1930‬م منظماً‬
‫ألحكامه تنظيماً شامالً مما جعله قانوناً رائداً في هذا الموضوع(‪.)1‬‬
‫ويعد العالمة محمد أمين الشهير بابن عابدين (‪1252‬هـ) أول من تكلم عن‬
‫التأمين وسماه " السوكرة " وأفتى بحرمة التأمين البحري(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬أنواع التأمين ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ينقسم التأمين من حيث شكله إلى قسمين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬التأمين التعاوني‪ :‬بحيث يجتمع مجموعة من األشخاص المعرضين‬
‫للخطر المشابه ويدفع كل منهم اشتراكاً معيناً وتصرف هذه االشتراكات ألداء‬
‫التعويض لمن ُيصيبه الضرر‪ ،‬وإ ذا زادت االشتراكات على ما صرف من تعويض‬
‫كان لألعضاء حق استردادها‪ ،‬وإ ن نقصت طولب األعضاء باشتراك إضافي‬
‫لتغطية العجز وأعضاء شركة التأمين التعاوني ال يسعون إلى تحقيق األرباح ولكن‬
‫يسعون إلى تخفيف الخسائر وتحمل المصائب وتدار الشركة بواسطة أعضائها فكل‬
‫واحد يكون مؤمناً ومؤمناً لـه (وهذا النوع قليل التطبيق اليوم)‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬التأمين بقسط ثابت‪ :‬وهو أن يلتزم المؤمن لـه بدفع قسط محدد إلى‬
‫المؤمن وهو شركة التأمين المكونة من أفراد مساهمين غير المؤمن لهم وهؤالء هم‬
‫الذين يستفيدون من أرباح الشركة (وهذا النوع هو السائد اآلن)‪.‬‬
‫الفرق بين النوعين‪ :‬أن الذي يتولى التأمين التعاوني ليس هيئة مستقلة عن‬
‫المؤمن لهم وال يسعى أعضاؤه إلى تحقيق الربح وإ نما يسعون إلى تخفيف الخسائر‬
‫التي تلحق ببعض األعضاء‪ ،‬فالغرض اجتماعي إنساني‪.‬‬
‫أما التأمين بقسط ثابت فيتواله المؤمن (الشركة المساهمة) الذي يهدف إلى‬
‫تحقيق الربح على حساب المشتركين المؤمن لهم‪.‬‬
‫وينقسم التأمين من حيث موضوعه إلى قسمين‪:‬‬

‫‪ )?( 1‬فقه العقود المالية‪ :‬د‪ .‬عبد الحق حميش ود‪ .‬الحسين شواط ص‪ ،126‬المعامالت المالية المعاصرة في‬
‫ضوء الفقه والشريعة ص‪.150‬‬
‫‪ )?(2‬رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين) ‪.4/170‬‬
‫‪ )?(3‬انظر كتابنا‪ :‬فقه العقود المالية‪ ،‬ص‪.128 – 126‬‬

‫‪167‬‬
‫أحدهما‪ :‬تأمين األضرار‪ :‬وهو يتناول المخاطر التي تؤثر في مال أو ذمة‬
‫المؤمن لـه والغرض منه تعويض الخسارة التي تلحق المؤمن له بسبب الحادث وهو‬
‫ينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ -1‬تأمين على األشياء‪ :‬تعويض المؤمن له عن الخسارة التي تلحقه في ماله‬
‫مثل‪ :‬التأمين على الحريق‪ ،‬والسرقة والغرق‪ ،‬وموت الحيوانات‪ ،‬وسقوط‬
‫الطائرات‪.‬‬
‫‪ -2‬التأمين من المسؤولية‪ :‬ضمان المؤمن له ضد الرجوع الذي قد يتعرض له‬
‫من جانب الغير بسبب ما أصابهم بسببه‪ :‬حوادث السيارات‪ ،‬حوادث‬
‫العمل‪...‬‬
‫الث==اني‪ :‬ت==أمين األش==خاص‪ :‬وهو يتن اول كل أن واع الت أمين المتعلقة بش خص‬
‫الم ؤمن لـه ويقصد به دفع مبلغ معين إذا وقع خطر معين لإلنس ان في وج وده أو‬
‫سالمته ويشمل تأمين األشخاص نوعين أساسين‪:‬‬
‫أ‪ -‬الت أمين لح ال الوف اة‪ :‬وهو أن يتعهد الم ؤمن في مقابل أقس اط أن ي دفع مبلغ اً‬
‫معيناً عند وفاة المؤمن عليه لورثته أو ألي شخص آخر‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫ب‪ -‬التأمين لحال البقاء ويسمى التأمين المضاد‪ :‬وهو التزام من المؤمن بدفع‬
‫مبلغ من المال إلى المؤمن له إذا ظل حياً في تاريخ معين إو ذا مات قبل‬
‫التاريخ المحدد لها يدفع المؤمن شيئاً مع احتفاظه باألقساط‪.‬‬
‫ج‪ -‬التأمين المختلط والذي يجمع بين النوعين السابقين‪ :‬حيث يلتزم فيه المؤمن‬
‫بأداء المبلغ المؤمن به إما في تاريخ معين للمؤمن لـه نفسه إذا ظل حياً في‬
‫هذا التاريخ‪ ،‬إو ما إلى المستفيد المعين أو إلى ورثة المؤمن له إذا مات قبل‬
‫ذلك التاريخ ويكون القسط في هذا النوع أكبر منه في النوعين السابقين‪.‬‬
‫د‪ -‬التأمين من الحوادث الجسمانية‪ :‬ويلتزم فيه المؤمن بدفع مبلغ معين إلى‬
‫المؤمن لـه إذا أصابه في أثناء المدة المؤمن فيها حادث جسماني أو إلى‬
‫المستفيد المعين إذا مات المؤمن له من الحادث‪.‬‬
‫وينقسم التأمين إلى‪:‬‬
‫‪ -1‬تأمين خاص‪ :‬وهو ما عقد المؤمن لـه ليؤمن عن نفسه من خطر معين‬
‫ويكون الدافع إلى هذا التأمين الصالح الشخصي‪.‬‬
‫‪ -2‬تأمين اجتماعي‪ :‬وهو ما كان الغرض منه تأمين األشخاص – الذين‬
‫يعتمدون في معايشهم على كسب عملهم – من بعض األخطار التي‬
‫يتعرضون لها فتعجزهم أو تعطلهم عن العمل كالمرض والشيخوخة‬
‫والعجز‪...‬‬

‫‪ -4‬حكم التأمين التجاري (التأمين بقسط ثابت) ‪:‬‬


‫فإن مجمع الفقه اإلسالمي قد نظر في موضوع التأمين بأنواعه المختلفة بعد‬
‫ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك وبعد ما اطلع أيضاً على ما قرره‬
‫مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة المنعقدة‬
‫بمدينة الرياض بتاريخ ‪4/4/1397‬هـ من التحريم للتأمين بأنواعه‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫وبعد الدراسة الوافية وت داول ال رأي في ذلك ق َّرر المجلس باألكثرية تح ريم‬
‫الت أمين بجميع أنواعه س واء ك ان على النفس أو البض ائع التجارية أو غ ير ذلك من‬
‫األموال‪.‬‬
‫كما قرر مجلس المجمع باإلجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء‬
‫من جواز التأمين التعاوني بدالً من التأمين التجاري المحرم والمنوه عنه آنفاً وعهد‬
‫بصياغة القرار إلى لجنة خاصة‪.‬‬
‫تقرير اللجنة المكلفة بإعداد قرار مجلس المجمع حول التأمين ‪:‬‬
‫بناء على قرار مجلس المجمع المتخذ بجلسة األربعاء ‪ 14‬شعبان ‪1398‬هـ‬
‫المتضمن تكليف كل من أصحاب الفضيلة العلماء الشيخ عبد العزيز بن عبداهلل بن‬
‫باز‪ ،‬والشيخ محمد محمود الصواف‪ ،‬والشيخ محمد بن عبداهلل السبيل بصياغة قرار‬
‫مجلس المجمع حول التأمين بشتى أنواعه وأشكاله‪.‬‬
‫وعليه فقد حضرت اللجنة المشار إليها وبعد المداولة أقرت ما يلي‪:‬‬
‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى‬
‫بهداه‪ ..‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن المجمع الفقهي اإلسالمي في دورته األولى المنعقدة في ‪ 10‬شعبان‬
‫‪1398‬هـ بمكة المكرمة بمقر رابطة العالم اإلسالمي نظر في موضوع التأمين‬
‫بأنواعه بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك وبعد ما اطلع أيضاً على ما‬
‫قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة‬
‫بمدينة الرياض بتاريخ ‪4/4/1397‬هـ بقراره رقم (‪ )55‬من التحريم للتأمين‬
‫التجاري بأنواعه‪.‬‬
‫وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي‬
‫باإلجماع عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه‬
‫سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك لألدلة اآلتية‪:‬‬
‫األول‪ :‬عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية االحتمالية‬
‫المشتملة على الغرر الفاحش‪ ،‬ألن المستأمن ال يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار‬

‫‪170‬‬
‫ما يعطي أو يأخذ‪ ،‬فقد يدفع قسطاً أو قسطين ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به‬
‫المؤمن‪ ،‬وقد ال تقع الكارثة أصالً فيدفع جميع األقساط وال يأخذ شيئاً‪ ،‬وكذلك‬
‫المؤمن ال يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده‪ ،‬وقد ورد في‬
‫الحديث الصحيح عن النبي ‪ ‬النهي عن بيع الغرر(‪.)1‬‬
‫الثاني‪ :‬عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة (الميسر)‪ ،‬لما فيه‬
‫من المخاطرة في معاوضات مالية ومن الغرم بال جناية أو تسبب فيها ومن الغنم بال‬
‫مقابل أو مقابل غير مكافئ‪ ،‬فإن المستأمن قد يدفع قسطاً من التأمين ثم يقع الحادث‬
‫فيغرم المؤمن كل مبلغ التأمين‪ ،‬وقد ال يقع الخطر ومع ذلك يغنم المؤمن أقساط‬
‫التأمين بال مقابل‪ ،‬وإ ذا استحكمت فيه الجهالة كان قماراً ودخل في عموم النهي عن‬
‫الميسر في قوله تعالى‪  :‬يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر واألنصاب‬
‫واألزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ‪[ ‬المائدة‪.]91 :‬‬
‫الثالث‪ :‬عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسيئة‪ ,‬فإن الشركة‬
‫إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا‬
‫فضل‪ ،‬والمؤمن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة يكون ربا النسيئة‪ ،‬وإ ذا دفعت الشركة‬
‫للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا النسيئة فقط‪ ،‬وكالهما محرم بالنص‬
‫واإلجماع(‪.)2‬‬
‫الرابع‪ :‬عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم‪ ،‬ألن كال منهما فيه جهالة‬
‫وغرر ومقامرة ولم يبح الشرع من الرهان إال ما فيه نصرة لإلسالم وظهور‬
‫ألعالمه بالحجة والسنان‪ ،‬وقد حصر النبي ‪ ‬رخصة الرهان بعوض في ثالثة‬

‫‪ )?( 1‬أخرجه مسلم في البيوع باب بطالن بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر (‪ ،3/1153 )1513‬وأبو داود في‬
‫البيوع باب في بيع الغرر (‪ ،3/254 )3376‬ومالك في موطئه في كتاب البيوع باب بيع الغرر (‪)1345‬‬
‫‪ ،2/664‬وأحمد (‪.2/376 )8871‬‬
‫‪ )?(2‬المغني ‪ ،4/127‬مغني المحتاج ‪ ،2/21‬تبيين الحقائق ‪ ،4/3‬الثمر الداني ‪.1/495‬‬

‫‪171‬‬
‫بقوله ‪ " :‬ال سبق إال في خف أو حافر أو نصل " (‪ ,)3‬وليس التأمين من ذلك وال‬
‫شبيهاً به فكان محرماً‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬عقد التأمين التجاري فيه أخذ مال الغير بال مقابل‪ ،‬وأخذ بال مقابل‬
‫في عقود المعاوضات التجارية محرم لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى‪  :‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن تراض منكم‬
‫‪[ ‬النساء‪.]29 :‬‬
‫السادس‪ :‬في عقد التأمين التجاري اإللزام بما ال يلزم شرعاً‪ ،‬فإن المؤمن لم‬
‫يحدث الخطر منه ولم يتسبب في حدوثه‪ ،‬وإ نما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن‬
‫على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن لـه‪ ،‬والمؤمن لم‬
‫يبذل عمالً للمستأمن فكان حراماً‪.‬‬
‫وأما ما استدل به المبيحون للتأمين التجاري مطلقاً أو في بعض أنواعه‬
‫فالجواب عنه ما يلي‪:‬‬
‫(أ) االستدالل باالستصالح غير صحيح‪ ،‬فإن المصالح في الشريعة اإلسالمية‬
‫ثالثة أقسام‪ :‬قسم شهد الشرع باعتباره فهو حجة‪ ،‬وقسم سكت عنه الشرع فلم يشهد‬
‫لـه بإلغاء وال اعتبار فهو مصلحة مرسلة وهذا محل اجتهاد المجتهدين‪ ،‬والقسم‬
‫الثالث‪ :‬ما شهد الشرع بإلغائه‪ ،‬وعقود التأمين التجاري فيها جهالة وغرر وقمار‬
‫وربا فكانت مما شهدت الشريعة بإلغائه لغلبة جانب المفسدة فيه على جانب‬
‫المصلحة‪.‬‬
‫(ب) اإلباحة األص لية ال تص لح دليالً هن ا‪ ،‬ألن عق ود الت أمين التج اري ق امت‬
‫األدلة على مناقض تها ألدلة الكت اب والس نة‪ ،‬والعمل باإلباحة األص لية مش روط بع دم‬
‫الناقل عنها وقد وجد فبطل االستدالل بها‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في الجهاد باب المسابقة (‪ ،1/395 )1638‬وابن ماجه في الجهاد باب السبق والرهان‬
‫(‪ ،2/960 )2878‬والنسائي في الخيل باب السبق (‪ ،6/227 )3589‬وصححه ابن القطان وابن دقيق العين‬
‫(تلخيص الحبير ‪)4/161‬‬

‫‪172‬‬
‫(ج) الض رورات ت بيح المحظ ورات ال يصح االس تدالل به هن ا‪ ،‬ف إن ما أباحه‬
‫اهلل من ط رق كسب الطيب ات أك ثر أض عافاً مض اعفة مما حرمه عليهم‪ ،‬فليس هن اك‬
‫ضرورة معتبرة شرعاً تلجئ إلى ما حرمته الشريعة من التأمين‪.‬‬
‫(د) ال يصح االستدالل بالعرف‪ ،‬فإن العرف ليس من أدلة تشريع األحكام‬
‫وإ نما يبنى عليه في تطبيق األحكام وفهم المراد من ألفاظ النصوص ومن عبارات‬
‫الناس في أيمانهم وتداعيهم وأخبارهم وسائر ما يحتاج إلى تحديد المقصود منه من‬
‫األفعال واألقوال فال تأثير لـه فيما تبين أمره وتعين المقصود منه‪ ،‬وقد دلت األدلة‬
‫داللة واضحة على منع التأمين فال اعتبار به معها‪.‬‬
‫(هـ) االستدالل بأن عقود التأمين التجاري من عقود المضاربة أو في معناه‬
‫غير صحيح‪ :‬فإن رأس المال في المضاربة لم يخرج عن ملك صاحبه وما يدفعه‬
‫المستأمن يخرج بعقد التأمين من ملكه إلى ملك الشركة حسبما يقضي به نظام‬
‫التأمين‪ ،‬وأن رأس مال المضاربة يستحقه ورثة مالكه عند موته‪ ،‬وفي التأمين قد‬
‫يستحق الورثة نظاماً مبلغ التأمين ولو لم يدفع مورثهم إال قسطاً واحداً‪ ،‬وقد ال‬
‫يستحقون شيئاً إذا جعل المستفيد سوى المستأمن وورثته‪ ،‬وأن الربح في المضاربة‬
‫يكون بين الشريكين نسباً مئوية مثالً بخالف التأمين فربح رأس المال وخسارته‬
‫للشركة وليس للمستأمن إال مبلغ التأمين أو مبلغ غير محدد‪.‬‬
‫(و) قياس عقود التأمين على والء المواالة عند من يقول به غير صحيح‪ ،‬فإنه‬
‫قياس مع الفارق‪ ،‬ومن الفروق بينهما‪ :‬أن عقود التأمين هدفها الربح المادي‬
‫المشوب بالغرر والقمار وفاحش الجهالة بخالف عقد والء المواالة فالقصد األول‬
‫فيه التآخي في اإلسالم والتناصر والتعاون في الشدة والرخاء وسائر األحوال وما‬
‫يكون من كسب مادي فالقصد إليه بالتبع‪.‬‬
‫(ز) قياس عقد التأمين التجاري على الوعد الملزم عند من يقول به ال يصح‪،‬‬
‫ألنه قياس مع الفارق‪ ،‬ومن الفروق أن الوعد بقرض أو إعارة أو تحمل خسارة مثالً‬
‫من باب المعروف المحض‪ ،‬فكان الوفاء به واجباً أو من مكارم األخالق‪ ،‬بخالف‬

‫‪173‬‬
‫عقود التأمين فإنها معاوضة تجارية باعثها الربح المادي فال يغتفر فيها ما يغتفر في‬
‫التبرعات من الجهالة والغرر‪.‬‬
‫(ح) قياس عقود التأمين التجاري على ضمان المجهول وضمان ما لم يجب‬
‫قياس غير صحيح‪ ،‬ألنه قياس مع الفارق أيضاً‪ ،‬ومن الفروق أن الضمان نوع من‬
‫التبرع يقصد به اإلحسان المحض بخالف التأمين فإنه عقد معاوضة تجارية يقصد‬
‫منها أوالً الكسب المادي فإن ترتب عليه معروف فهو تابع غير مقصود إليه‬
‫واألحكام يراعى فيها األصل ال التابع ما دام تابعاً غير مقصود إليه‪.‬‬
‫(ط) قياس عقود التأمين التجاري على ضمان خطر الطريق ال يصح‪ ،‬فإنه‬
‫قياس مع الفارق كما سبق في الدليل قبله‪.‬‬
‫(ي) قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد غير صحيح‪ ،‬فإنه قياس‬
‫مع الفارق أيضاً ألن ما يعطى من التقاعد حق التزم به ولي األمر باعتباره مسؤوالً‬
‫عن رعيته وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة األمة ووضع له نظاماً‬
‫راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف‪ ،‬ونظر إلى مظنة الحاجة فيهم‪ ،‬فليس‬
‫نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها‪ ،‬وعلى هذا ال شبه‬
‫بينه وبين التأمين الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية التي يقصدها بها‬
‫استغالل الشركات للمستأمنين والكسب من ورائهم بطرق غير مشروعة‪ ،‬ألن ما‬
‫يعطى في حالة التقاعد يعتبر حقاً التزم به من حكومات مسؤولة عن رعيتها‬
‫وتصرفها لمن قام بخدمة األمة كفاء لمعروفه وتعاوناً معه جزاء تعاونه معها ببدنه‬
‫وفكره وقطع الكثير من فراغه في سبيل النهوض معها باألمة‪.‬‬
‫(ك) قياس نظام التأمين التجاري وعقوده على نظام العاقلة ال يصح‪ :‬فإنه‬
‫قياس مع الفارق‪ ،‬ومن الفروق أن األصل في تحمل العاقلة لديه الخطأ وشبه العمد‬
‫ما بينها وبين القاتل خطأ أو شبه العمد من الرحم والقرابة التي تدعو إلى النصرة‬
‫والتواصل والتعاون وإ سداء المعروف ولو دون مقابل‪ ،‬وعقود التأمين التجارية‬
‫استغاللية تقوم على معاوضات مالية محضة ال تمت إلى عاطفة اإلحسان وبواعث‬
‫المعروف بصلة‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫(ل) قياس عقود التأمين التجاري على عقود الحراسة غير صحيح‪ :‬ألنه‬
‫قياس مع الفارق أيضاً‪ ،‬ومن الفروق أن األمان ليس محالً للعقد في المسألتين‪ ،‬وإ نما‬
‫محله في التأمين األقساط ومبلغ التأمين‪ ،‬وفي الحراسة األجرة وعمل الحارس‪ ،‬أما‬
‫األمان فغاية ونتيجة وإ ال لما استحق الحارس األجرة عند ضياع المحروس‪.‬‬
‫(م) قياس التأمين على اإليداع ال يصح‪ :‬ألنه قياس مع الفارق أيضاً‪ ،‬فإن‬
‫األجرة في اإليداع عوض عن قيام األمين بحفظ شيء في حوزته يحوطه بخالف‬
‫التأمين‪ ،‬فإن ما يدفعه المستأمن ال يقابله عمل من المؤمن يعود إلى المستأمن بمنفعة‬
‫وإ نما هو ضمان األمن والطمأنينة‪ ،‬وشرط العوض عن الضمان ال يصح بل هو‬
‫مفسد للعقد‪ ،‬وإ ن جعل مبلغ التأمين في مقابلة األقساط كان معاوضة تجارية جعل‬
‫فيها مبلغ التأمين أو زمنه فاختلف في عقد اإليداع بأجر‪.‬‬
‫(ن) قياس التأمين على ما عرف بقضية تجار البز مع الحاكة ال يصح‪،‬‬
‫والفرق بينهما أن المقيس عليه من التأمين التعاوني وهو تعاون محض والمقيس‬
‫تأمين تجاري وهو معاوضات تجارية فال يصح القياس‪.‬‬

‫‪ -5‬حكم التأمين التعاوني ‪:‬‬


‫كما قرر مجلس المجمع باإلجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار‬
‫العلماء في المملكة العربية السعودية رقم (‪ )51‬وتاريخ ‪4/4/1397‬هـ من جواز‬
‫التأمين التعاوني بدالً عن التأمين التجاري المحرم والمنوه عنه آنفاً لألدلة اآلتية‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون‬
‫على تفتيت األخطار واالشتراك في تحمل المسؤولية عند نزول الكوارث‪ ،‬وذلك‬
‫عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية تخصص لتعويض من يصيبه الضرر‪،‬‬
‫فجماعة التأمين التعاوني ال يستهدفون تجارة وال ربحاً من أموال غيرهم‪ ،‬وإ نما‬
‫يقصدون توزيع األخطار بينهم والتعاون على تحمل الضرر‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫الثاني‪ :‬خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه‪ :‬ربا الفضل وربا النسيئة‪,‬‬
‫فليس عقود المساهمين ربوية وال يستغلون ما جمع من األقساط في معامالت‬
‫ربوية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إنه ال يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود‬
‫عليهم من النفع‪ ،‬ألنهم متبرعون فال مخاطرة وال غرر وال مقامرة بخالف التأمين‬
‫التجاري فإنه عقد معاوضة مالية تجارية‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬قيام جماعة من المساهمين أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من‬
‫األقساط لتحقيق الغرض الذي من أجله أنشئ هذا التعاون سواء كان القيام بذلك‬
‫تبرعاً أو مقابل أجر معين‪.‬‬
‫ورأى المجلس أن يكون التأمين التعاوني على شكل شركة تأمين تعاونية‬
‫مختلطة لألمور اآلتية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬االلتزام بالفكر االقتصادي اإلسالمي الذي يترك لألفراد مسؤولية القيام‬
‫بمختلف المشروعات االقتصادية وال يأتي دور الدولة إال كعنصر مكمل لما عجز‬
‫األفراد عن القيام به وكدور موجه ورقيب لضمان نجاح هذه المشروعات وسالمة‬
‫عملياتها‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬االلتزام بالفكر التعاوني التأميني الذي بمقتضاه يستقل المتعاونون‬
‫بالمشروع كله من حيث تشغيله ومن حيث الجهاز التنفيذي ومسؤولية إدارة‬
‫المشروع‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬تدريب األهالي على مباشرة التأمين التعاوني وإ يجاد المبادرات الفردية‬
‫واالستفادة من البواعث الشخصية‪ ،‬فال شك أن مشاركة األهالي في اإلدارة تجعلهم‬
‫أكثر حرصاً ويقظة على تجنب وقوع المخاطر التي يدفعون مجتمعين تكلفة‬
‫تعويضها مما يحقق بالتالي مصلحة لهم في إنجاح التأمين التعاوني‪ ،‬إذا أن تجنب‬
‫المخاطر يعود عليهم بأقساط أقل في المستقبل‪ ،‬كما أن وقوعها قد يحملهم أقساطاً‬
‫أكبر في المستقبل‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫رابعاً‪ :‬إن صورة الشركة المختلطة ال تجعل التأمين كما لو كان هبة أو منحة‬
‫من الدولة للمستفيدين منه بل بمشاركة منها معهم فقط لحمايتهم ومساندتهم‬
‫باعتبارهم هم أصحاب المصلحة الفعلية‪ ،‬وهذا موقف أكثر إيجابية ليشعر معه‬
‫المتعاونون بدور الدولة وال يعفيهم في نفس الوقت من المسؤولية‪.‬‬
‫ويرى المجلس أن يراعى في وضع المواد التفصيلية للعمل بالتأمين التعاوني‬
‫على األسس اآلتية‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون لمنظمة التأمين التعاوني مركز لـه فروع في كافة المدن‪،‬‬
‫وأن يكون بالمنظمة أقسام تتوزع بحسب األخطار المراد تغطيتها وبحسب مختلف‬
‫فئات ومهن المتعاونين كأن يكون هناك قسم للتأمين الصحي‪ٍ ،‬‬
‫وثان للتأمين ضد‬
‫العجز والشيخوخة ‪ ...‬الخ‪ ،‬أو يكون هناك قسم لتأمين الباعة المتجولين‪ ،‬وآخر‬
‫للتجار‪ ،‬وثالث للطلبة‪ ،‬ورابع ألصحاب المهن الحرة كالمهندسين واألطباء‬
‫والمحامين‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن تكون منظمة التأمين التعاوني على درجة كبيرة من المرونة‬
‫والبعد عن األساليب المعقدة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون للمنظمة مجلس أعلى يقرر خطط العمل ويقترح ما يلزمها‬
‫من لوائح وقرارات تكون نافذة إذا اتفقت مع قواعد الشريعة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬يمثل الحكومة في هذا المجلس تختاره من األعضاء ويمثل‬
‫المساهمين من يختارونه ليكونوا أعضاء في المجلس ليساعد ذلك على إشراف‬
‫الحكومة عليها واطمئنانها على سالمة سيرها وحفظها من التالعب والفشل‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬إذا تجاوزت المخاطر موارد الصندوق بما قد يستلزم زيادة‬
‫األقساط فتقوم الدولة والمشتركون بتحمل هذه الزيادة‪.‬‬
‫ويؤيد مجلس المجمع الفقهي ما اقترحه مجلس هيئة كبار العلماء في قراره‬
‫المذكور بأن يتولى وضع المواد التفصيلية لهذه الشركة التعاونية جماعة من‬
‫الخبراء المختصين في هذا الشأن‪.‬‬
‫واهلل ولي التوفيق‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‪.‬‬
‫توقيع نائب الرئيس‬ ‫توقيع الرئيس‬
‫محمد علي الحركان‬ ‫عبـداهلل بن حميـد‬

‫‪177‬‬
‫األمين العام لرابطة العالم اإلسالمي‬ ‫رئيس مجلس القضاء األعلى في السعودية‬

‫األعضاء‪ :‬عبد العزيز بن باز ‪ /‬محمد محمود صواف ‪ /‬محمد بن صالح بن‬
‫عثيمين ‪ /‬مصطفى الزرقاء ‪ /‬محمد بن عبداهلل السبيل ‪ /‬محمد رشيد قباني ‪ /‬أبوبكر‬
‫جومي ‪ /‬محمد رشيدي ‪ /‬عبد القدوس الهاشمي الندوي‪.‬‬

‫‪ -6‬حكم اإللزام بالتأمين التعاوني‪:‬‬


‫أما إلزام الناس به فحرام‪ ،‬ومن االستيالء على مال الغير بغير حق‪ ،‬وهو ظلم‬
‫وعدوان ويدل عليه‪ :‬أ‪ -‬ما روى ابن عباس – رضي اهلل عنهما – أن رسول اهلل ‪‬‬
‫خطب الناس يوم النحر فقال‪ " :‬يا أيها الناس فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم‬
‫عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " (‪ .)1‬ب‪ -‬ولحديث‬
‫عمرو بن يثربي قال شهدت رسول اهلل ‪ ‬في حجة الوداع بمنى‪ ،‬فسمعته يقول " ال‬
‫يحل المرئ من مال أخيه شيء إال ما طابت به نفسه " (‪ .)2‬وعن أبي حميد‬
‫الساعدي أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪ " :‬ال يحل المرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب‬
‫نفسه‪ ،‬وذلك لشدة ما حرم اهلل عزوجل مال المسلم على المسلم "(‪ .)3‬قال ابن حزم‬
‫في مراتب اإلجماع في باب الغصب‪ :‬واتفقوا أن أخذ أموال الناس كلها ظلماً ال‬
‫يحل(‪.)4‬‬

‫‪ )?(1‬أخرجه البخاري في الحج باب الخطبة أيام منى (‪.2/619 )1652‬‬


‫‪ )?( 2‬أخرجه اإلمام أحمد (‪ ,5/113 )21119‬والدار قطني في البيوع (‪ ,3/25 )89‬والبيهقي (‪6/97 )11306‬‬
‫وإ سناده جيد (نصب الراية ‪.)4/169‬‬
‫‪ )?( 3‬أخرجه البيهقي (‪ ،6/100 )11322‬وابن حبان في صحيحه (‪ ،13/316 )5978‬وأحمد (‪)23654‬‬
‫‪ ،5/425‬والبزار (‪ 9/167 )3717‬ورجال الجميع رجال الصحيح ( مجمع الزوائد ‪.)4/171‬‬
‫‪ )?(4‬مراتب اإلجماع ‪.1/59‬‬

‫‪178‬‬
‫المبحث السادس‬

‫زواج المسيار‬

‫من المس ائل المس تجدة في ه ذا العصر " زواج المس يار " ال ذي انتشر في‬
‫بعض بالد المسلمين‪ ،‬وسأتناول هذه القضية في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪179‬‬
‫تعريف زواج المسيار لغة واصطالحاً‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫نشأة زواج المسيار‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الفرق بينه وبين األنكحة األخرى‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أسباب ظهور زواج المسيار‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫موقف الفقه من زواج المسيار (أقوال العلماء في زواج المسيار)‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫‪ –1‬تعريف زواج المسيار ‪:‬‬


‫(‪)1‬‬
‫لغة‪ :‬السير في لغة العرب‪ :‬المضي في األرض ‪ ،‬تقول العرب‪ :‬سار الرجل‬
‫يسير سيراً ومسيراً إذا ذهب‪ ،‬وسار القوم يسيرون سيراً ومسيراً إذا امتد بهم السير‬
‫في جهة توجهوا إليها(‪.)2‬‬
‫والمسيار‪ :‬صيغة مبالغة يوصف بها الرجل الكثير السير(‪.)3‬‬
‫اصطالحاً‪ :‬ليس لهذا الزواج أصل في الفقه‪ ،‬فهو مأخوذ من الواقع‪ ،‬والفقهاء‬
‫القدامى لم يتطرقوا إليه‪.‬‬
‫ومن أشهر من عرف هذا الزواج اصطالحاً الشيخ يوسف القرضاوي حيث‬
‫قال في تعريفه اصطالحاً‪ " :‬أنه زواج شرعي يتميز عن الزواج العادي بتنازل‬
‫الزوجة فيه عن بعض حقوقها على الزوج‪ :‬مثل أال تطالبه بالنفقة‪ ،‬والمبيت الليلي‬
‫إن كان متزوجاً‪.)4( "...‬‬
‫فيالحظ على هذا الزواج أنه نوع من أنواع تعدد الزوجات‪ ،‬وأنه زواج‬
‫مستكمل لجميع األركان والشروط‪ ،‬وفيه اتفاق بين الزوجين على أال يكون للزوجة‬
‫حق المبيت أو القسم وإ نما األمر راجع للزوج متى رغب زيارة زوجته في أي وقت‬
‫فله ذلك‪ ،‬كما أن الزوجة ال تطالبه بالنفقة لغناها واكتفائها‪.‬‬
‫العالقة بين التعريف اللغوي والتعريف االصطالحي ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫المفردات في غريب القرآن‪ :‬األصفهاني‪ ،‬ص‪.247‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫لسان العرب‪ :‬ابن منظور مادة سير ‪.2/252‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ :‬أسامة عمر سليمان األشقر‪ ،‬ص‪.161‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫حلقة " الشريعة والحياة "‪3/5/1998 :‬م ( ‪) http://www.aljazeera.net‬‬ ‫(?)‬

‫‪180‬‬
‫سمي هذا النوع من الزواج بزواج المسيار ألن المتزوج ال يلتزم بالحقوق‬
‫الزوجية التي يلزمه بها الشرع‪ :‬فكأنه زواج السائر الماشي الذي يتخفف في سيره‬
‫من األثقال والمتاع‪ ،‬ولعدم التزامه بالحقوق التي يقتضيها الزواج من النفقة والمبيت‬
‫ال زواج المقيم الذي يشبه الملتزم بكل مقتضيات الزواج(‪.)1‬‬

‫‪ -2‬نشأة زواج المسيار‪:‬‬


‫لم يمض وقت طويل على نشأة وظهور هذا النوع من الزواج بهذه الصورة‬
‫فقد عرف هذا الزواج بهذا االسم منذ عدة سنوات‪ ،‬وقد ظهر ألول مرة في منطقة‬
‫القصيم بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬ثم انتشر هناك بالمنطقة الوسطى ويبدو أن الذي‬
‫ابتدع الفكرة وسيط زواج يدعى " فهد الغنيم " وقد لجأ إليه لتزويج النسوة الالتي‬
‫فاتهن قطار الزواج الطبيعي‪ ،‬أو المطلقات الالتي أخفقن في زواج سابق‪ ،‬ولكن يبدو‬
‫أن هذا الزواج كان له صورة مشابهة منذ عشرات السنين‪.‬‬
‫وقيل بأن زواج المسيار كلمة اخترعتها جريدة " المسلمون " بخصوص‬
‫زواج األطباء‪ :‬أنهم يتزوجون بشرط أن تتنازل المرأة عن حقوقها فال يأتيها الزوج‬
‫إال ليالً هذا وقد أنكر األطباء ذلك!!‬
‫في العصر الحاضر صاحب هذا الزواج إشاعة الناس لـه وخلطوه ببعض‬
‫األنكحة األخرى كالنكاح السري والعرفي والمتعة والزواج بنية الطالق وما شابه‬
‫ذلك‪ ،‬بل وضعوا لـه عدة تعريفات من عندهم وعلى حسب أهوائهم‪ ،‬وذلك إما‬
‫لجهلهم به وإ ما ألخذ السمسرة عليه‪.‬‬
‫وعلى هذا يتضح أن هذا الزواج كان حديثاً في االسم إال أنه قديم بالفعل‪ ،‬فإن‬
‫له صوراً قد تكون مشابهة في الزمن الماضي‪.‬‬

‫‪ -3‬الفرق بين زواج المسيار وبعض األنكحة األخرى ‪:‬‬


‫الفرق بين زواج المسيار وبين النكاح الشرعي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.162 – 161‬‬

‫‪181‬‬
‫بناء على تعريفنا السابق لنكاح المسيار نتبين أن الفرق بينه وبين الزواج‬
‫الشرعي هو وجود شرط يقتضي بإسقاط حق النفقة والسكن للزوجة‪ ،‬كما أن طبيعته‬
‫تقتضي بعدم وجود قوامة من الزوج على المرأة‪ :‬فهي تتصرف في حياتها إقامة في‬
‫منزلها وخروجاً منه وفق رأيها(‪.)1‬‬
‫الفرق بين زواج المسيار ونكاح السر‪:‬‬
‫نكاح السر نوعان‪ :‬نوع باطل بإجماع األمة‪ ،‬وهو النكاح الذي ال شهود فيه‬
‫وال إعالن‪ ،‬والنوع الثاني هو الذي فيه إيجاب وقبول ويشهد عليه شاهدان‪ ،‬وقد‬
‫يكون فيه ولي‪ ،‬ولكن يتواصى الزوجان والولي والشهود على كتمانه وعدم إعالنه‬
‫ويثبت في هذا النوع من الزواج حقي النفقة والمبيت‪ ،‬وال يسقطا كما هو الحال في‬
‫زواج المسيار‪ ،‬وهذا الزواج مختلف فيه‪ ،‬كما سبق بيانه‪.‬‬
‫فإن كان زواج المسيار من النوع األول فهو باطل جزماً‪ ،‬وإ ن كان من النوع‬
‫الثاني فإنه يضاف إلى العيوب التي يتصف بها‪ ،‬عيب آخر وهو السرية والكتمان‪،‬‬
‫وهذا مما يزيد في سلبياته(‪.)2‬‬
‫وسنبين حكم زواج المسيار الحقاً‪ ،‬خاصة إذا ما انضاف له عيب آخر وهو‬ ‫ّ‬
‫السرية والكتمان‪.‬‬

‫الفرق بين زواج المسيار ونكاح المتعة‪:‬‬


‫نكاح المتعة هو‪ :‬أن يتزوج الرجل المرأة إلى مدة(‪ ،)3‬سمي بذلك ألنه‬
‫يتزوجها ليتمتع بها إلى أمد(‪.)4‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) المرجع السابق‪ ،‬ص‪.165‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المرجع السابق‪ ،‬ص‪.166‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)الفروع ‪.5/164‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)كشاف القناع ‪.5/96‬‬

‫‪182‬‬
‫وهو منهي عنه‪ :‬لما روى الربيع بن سبرة أنه قال أشهد على أبي أنه حدث‬
‫أن رسول اهلل ‪ ‬نهى عنه في حجة الوداع(‪.)5‬‬
‫أما زواج المسيار فليس كذلك‪ :‬فهو غير مؤقت إلى أمد‪ ,‬ولم يرد فيه نص‬
‫بالتحليل أو التحليل‪.‬‬

‫‪ -4‬أسباب ظهور زواج المسيار ‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬أسباب تتعلق بالنساء ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬عنوسة المرأة أو طالقها أو ترملها‪ :‬بحيث وجد عدد كبير من النساء في‬
‫المجتمعات اإلسالمية ‪ -‬وخاصة الخليجية – بلغن سن الزواج ولم يتزوجن‬
‫بعد‪ ،‬أو تزوجن وفارقن األزواج لموت أو طالق ونحو ذلك‪ ،‬ولقد أصبحت‬
‫العنوسة ظاهرة اجتماعية مؤرقة أفرزتها الحياة المعاصرة‪ ،‬والنفس البشرية‪:‬‬
‫يساورها القلق عندما تمكث المرأة من دون زواج‪ ،‬مما يدفع المرأة أو وليها‬
‫إلى تقديم تنازالت من أجل الحصول على زوج يعف المرأة ويكون لها منه‬
‫الولد تستأنس به بإذن اهلل‪.‬‬
‫‪ -2‬رفض كثير من النساء لفكرة التعدد‪ :‬حيث إن كثيراً من النساء ال يقبلن‬
‫بالتعدد‪ ،‬مع تسليمهن بأن هذا هو شرع اهلل – عزوجل – إال أمر الغيرة‬
‫الطبيعية لدى المرأة تجعلها ال تقبل به كواقع عملي‪ ،‬وهذا الرفض أدى إلى‬
‫زيادة نسبة العنوسة‪ ،‬وكذلك أدى هذا الرفض إلى لجوء الرجال إلى الزواج‬
‫عن طريق المسيار بدافع الحرص على عدم علم الزوجة األولى‪ ،‬وكذلك‬
‫الخوف على كيان أسرته من االهتزاز‪.‬‬
‫‪ -3‬حاجة بعض النساء إلى المكث في بيت أهلها لرعاية أبويها‪ ،‬فربما ال يوجد‬
‫عائل لهما إال هي أو يكون عندها بعض اإلعاقة التي تمنعها من تحمل‬

‫‪5‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في النكاح باب في نكاح المتعة (‪ ،2/226 )2072‬وابن ماجة في النكاح باب النهي عن‬
‫نكاح المتعة (‪ ،1/631 )1962‬واإلمام أحمد في مسنده ( ‪.3/404 )15374‬‬

‫‪183‬‬
‫مسؤولية البيت‪ ،‬ويرغب أولياؤها في إعفافها والحصول على الذرية وال‬
‫يكلفون الزوج شيئاً‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬أسباب تتعلق بالرجال‪:‬‬


‫‪ -1‬رغبة بعض الرجال في المتعة‪ :‬يرغب بعض الرجال في التعدد من أجل‬
‫المتعة التي ربما ال يجدها مع زوجته األولى وهذا حق مشروع ولكن خوفهم‬
‫من علمها‪ ،‬وحرصاً على شعورها وعلى كيان األسرة‪ ،‬أدى إلى ظهور هذا‬
‫النوع من الزواج‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم رغبة الرجال في تحمل المزيد من األعباء‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم استقرار الرجل بسبب العمل‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬أسباب تتعلق بالمجتمع‪:‬‬
‫‪ -1‬غالء المهور وارتفاع تكاليف الزواج‪.‬‬
‫‪ -2‬نظرة المجتمع بشيء من االزدراء للرجل الذي يرغب في التعدد‪.‬‬

‫‪ -5‬موقف الفقه اإلسالمي من زواج المسيار‪:‬‬


‫اختلف العلماء في حكم هذا النوع من الزواج‪ ،‬ويمكن حصر أقوالهم في ثالثة‬
‫أراء‪:‬‬
‫الرأي األول‪ :‬القول باإلباحة – أو اإلباحة مع الكراهة‪.‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬القول بالمنع وعدم اإلباحة‪.‬‬
‫الرأي الثالث‪ :‬التوقف‪.‬‬
‫وفيما يلي أدلة هذه األقوال مع اإلشارة إلى قائليها‪:‬‬
‫الرأي األول‪ :‬القائلون باإلباحة – أو اإلباحة مع الكراهة ‪ -‬وهم‪ :‬الشيخ ابن‬
‫باز ‪ -‬رحمه اهلل ‪ ،-‬الدكتور يوسف القرضاوي‪ ،‬الشيخ عبداهلل بن منيع – عضو‬
‫هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ‪ ،-‬الشيخ عبداهلل بن عبد الرحمن‪،‬‬

‫‪184‬‬
‫الشيخ يوسف المطلق‪ ،‬الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري‪ ،‬شيخ األزهر محمد سيد‬
‫طنطاوي(‪.)1‬‬
‫وفيما يلي السؤال الذي طرح للشيخ عبد العزيز بن باز وجوابه عليه‪:‬‬
‫السؤال‪ :‬قرأت في إحدى الجرائد تحقيقاً عما يسمى زواج المسيار وهذا‬
‫الزواج هو أن يتزوج اإلنسان ثانية أو ثالثة أو رابعة‪ ،‬وهذه الزوجة يكون عندها‬
‫ظروف تجبرها على البقاء عند والديها أو أحدهما في بيتهما فيذهب إليها زوجها في‬
‫أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما‪ :‬فما حكم الشريعة الغراء في مثل هذا‬
‫الزواج أفتونا مأجورين؟‬
‫الجواب‪ :‬ال حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعاً وهي‬
‫وجود الولي‪ ،‬ورضا الزوجين‪ ،‬وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد وسالمة‬
‫الزوجية من الموانع لعموم قول النبي ‪ " :‬إن أحق الشروط أن يوفى به ما‬
‫استحللتم به الفروج " (‪ ،)2‬وقوله ‪ " :‬المسلمون على شروطهم " (‪ :)3‬فإذا اتفق‬
‫الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها أو على أن القسم يكون لها نهاراً أو ليالً أو‬
‫في أيام معينة أو ليالي معينة‪ ،‬فال بأس بذلك بشرط إعالن النكاح وعدم إخفائه‪ ،‬واهلل‬
‫ولي التوفيق(‪.)4‬‬

‫ولقد استدل هذا الفريق على ما ذهبوا إليه من اإلباحة باألدلة التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه زواج مستكمل لجميع األركان والشروط وما كان كذلك كان صحيحاً‬
‫ومباحاً‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.176 – 174‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في كتاب الشروط باب الشروط في المهر (‪ ،2/970 )2572‬ومسلم في النكاح باب الوفاء‬
‫بالشروط في النكاح (‪.2/1035 )1418‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه الحاكم في مستدركه (‪ ،2/57 )2309‬والطبراني في الكبير (‪ ،4/275 )4404‬قال الهيثمي‪ :‬فيه‬
‫حكيم بن جبير وهو متروك‪ ،‬وقال أبو زرعه محله الصدق (مجمع الزوائد ‪.)4/205‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) فتاوي علماء البلد الحرام‪ ،‬ص‪.671 – 670‬‬

‫‪185‬‬
‫‪ -2‬ثبت في السنة أن أم المؤمنين سودة – رضي اهلل عنها ‪ -‬وهبت يومها من‬
‫رسول اهلل ‪ ‬إلى ضرتها أم المؤمنين عائشة – رضي اهلل عنها ‪ ،-‬وحديث هبة‬
‫سودة يومها لعائشة رواه البخاري ومسلم عن عائشة‪ " :‬قالت‪ :‬ما رأيت امرأة أحب‬
‫إلي أن أكون في مسالخها(‪ )1‬من سودة بنت زمعة‪ ،‬من امرأة فيها حدة‪ ،‬قالت‪ :‬فلما‬
‫كبرت جعلت يومها من رسول اهلل ‪ ‬لعائشة‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول اهلل! قد جعلت يومي‬
‫منك لعائشة‪ ،‬فكان رسول اهلل ‪ ‬يقسم لعائشة يومين‪ :‬يومها‪ ،‬ويوم سودة " (‪.)2‬‬
‫ووجه االستدالل بالحديث أن سودة بهبتها يومها لعائشة وقبول الرسول ‪ ‬بذلك ما‬
‫يدل على أن من حق الزوجة أن تسقط حقها الذي جعله الشارع لها‪ ،‬كالمبيت‬
‫والنفقة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن في هذا النوع من النكاح مصالح كثيرة‪ ،‬فهو يشبع غريزة الفطرة عند‬
‫المرأة‪ ،‬وقد كف من تزوجن عن الفاحشة‪ ،‬وقد ترزق المرأة منه بالولد‪ ،‬وهو بدون‬
‫شك يقلل من العوانس الالتي فاتهن قطار الزواج‪.‬‬
‫يقول األستاذ وهبة الزحيلي‪ " :‬إن إعفاف المرأة مطلب فطري واجتماعي‬
‫وإ نساني‪ ،‬فإذا أمكن لرجل أن يسهم في ذلك كان مقصده مشروعاً وعمله مأجوراً‬
‫مبروراً " (‪.)3‬‬
‫‪ -4‬وجود أنواع من الزواج مشابهة لهذا النوع من الزواج‪ ،‬كزواج النهاريات‬
‫وزواج الليليات‪ ،‬احتج بهذا الشيخ القرضاوي‪.‬‬
‫يذكر الفقهاء قديماً نوعاً من الزيجات سموه بزواج النهاريات والليليات‪،‬‬
‫وصورة هذا النوع من الزواج أن يتزوج رجل من امرأة تعمل خارج منزلها في‬
‫الليل‪ ،‬وترجع إلى زوجها في النهار‪ ،‬أو تعمل في النهار وترجع إلى المنزل الذي‬

‫‪1‬‬
‫(?) مسالخ الحية جلدها‪ ،‬وكأنها تمنت أن تكون في مثل هديها وطريقتها (النهاية في غريب الحديث‪ :‬البن‬
‫األثير ‪.)5/283‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في النكاح باب المرأة تهب يومها (‪ ،5/1999 )4914‬ومسلم في الرضاع باب جواز هبة‬
‫نوبتها لضرتها (‪.2/1085 )1463‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.179 – 178‬‬

‫‪186‬‬
‫فيه زوجها ليالً‪ ،‬وقد بحث الفقهاء في حكم هذا النوع من الزواج‪ ،‬كما بحثوا في‬
‫مدى استحقاق الزوجات النفقة في هذا النوع من الزواج على القول بصحته(‪.)1‬‬
‫ويرى المالكية وجوب فسخ نكاح الليليات والنهاريات قبل الدخول ال بعده‪،‬‬
‫وفي ذلك يقول الفقيه الدردير المالكي‪ " :‬يفسخ النكاح قبل الدخول ال بعده إن‬
‫تزوجها على شرط أن ال تأتيه الزوجة أو ال يأتيها إال نهاراً أو ليالً‪ ،‬ألنه مما يناقض‬
‫مقتضى النكاح‪ ،‬لما فيه من الخلل في الصداق‪ ،‬ولذا كان يثبت بعد الدخول بصداق‬
‫المثل‪ ،‬ألن الصداق يزيد وينقص بالنسبة لهذا الشرط " (‪.)2‬‬
‫ويرى بعض أهل العلم القول بإباحته وإ ن اختلفوا في لزوم النفقة فيه‪ ،‬يقول‬
‫عالء الدين الحصكفي الحنفي‪ " :‬قال في المجتبى‪ :‬وبه عرف جواب واقعة في‬
‫زماننا َّأنه لو تزوج من المحترفات التي تكون في النهار في مصالحها وبالليل عنده‬
‫فال نفقة لها قال في النهر‪ :‬وفيه نظر " (‪.)3‬‬
‫وفي سنن سعيد بن منصور قال‪ :‬حدثنا سعيد قال نا هشيم قال‪ :‬أن يونس عن‬
‫الحسن أنه كان ال يرى بتزويج النهاريات بأساً‪ ،‬وكان ابن سيرين يكره ذلك(‪.)4‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬القائلون بالمنع وعدم اإلباحة‪ :‬ومنهم الشيخ محمد بن ناصر‬
‫الدين األلباني‪ -‬رحمه اهلل ‪ ،-‬واألستاذ الدكتور علي القرة داغي‪ ،‬واألستاذ الدكتور‬
‫إبراهيم فاضل الدبو‪ ،‬والدكتور جبر الفضيالت‪ ،‬واألستاذ الدكتور عمر سليمان‬
‫األشقر‪ ،‬واألستاذ الدكتور محمد الزحيلي واألستاذ الدكتور عبداهلل الجبوري‪،‬‬
‫والشيخ عبد العزيز المسند(‪.)5‬‬
‫(‪)6‬‬
‫استدل القائلون بالتحريم باألدلة التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬إن هذا الزواج يتنافى ومقاصد الزواج فليس المقصود من الزواج في اإلسالم‬
‫قضاء الوطر الجنسي‪ ،‬بل الغرض أسمى من ذلك‪ ،‬فقد اعتبر الرسول ‪ ‬سنة‬

‫‪1‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.171‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫الشرح الصغير‪ :‬للدردير ‪.2/384‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫حاشية ابن عابدين ‪.3/577‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫سنن سعيد بن منصور ‪ ،1/216‬مصنف ابن أبي شيبه ‪.3/508‬‬ ‫(?)‬
‫‪5‬‬
‫مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.179‬‬ ‫(?)‬
‫‪6‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.181‬‬ ‫(?)‬

‫‪187‬‬
‫اإلسالم فقال‪ " :‬وإ ن من سنتنا النكاح " (‪ ،)1‬وقد شرع لمعان ومقاصد اجتماعية‬
‫ونفسية ودينية‪ ،‬وزواج المسيار ال يحقق شيئاً من مقاصد الزواج الشرعية‪ ،‬من‬
‫المودة والرحمة‪ ،‬والسكن‪ ،‬وحفظ النوع اإلنساني‪ ،‬وتعهده على أكمل وجه‪،‬‬
‫ورعاية الحقوق والواجبات التي يولدها عقد الزواج الصحيح‪ " ،‬والعبرة في‬
‫العقود للمقاصد والمعاني‪ ،‬ال لأللفاظ والمباني " (‪.)2‬‬
‫‪ -2‬مخالفة طريقة هذا الزواج لنظام الزواج الذي جاءت به الشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫فعندما ندقق النظر فيه ال نجده موافقاً للنظام الشرعي في الزواج‪ ،‬ولم يكن‬
‫المسلمون يعرفون مثل هذا النوع في زواجهم‪.‬‬
‫‪ -3‬يقترن به بعض الشروط التي تخالف مقتضى العقد‪ ،‬وتنافي مقاصد الشريعة في‬
‫الزواج من السكن والمودة‪ ،‬ورعاية الزوجة أوالً‪ ،‬واألسرة ثانياً‪ ،‬واإلنجاب‪،‬‬
‫وتربية األوالد‪ ،‬ووجوب العدل بين الزوجات‪ ،‬كما يتضمن عقد الزواج تنازل‬
‫المرأة عن حق الوطء واإلنفاق‪ ...‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وإ ن الزوجة التي تنازلت عن حقها اليوم‪ ،‬في المبيت والمعاشرة‪ ،‬كثيراً ما‬
‫تغير رأيها‪ ،‬وخاصة بعد أن تدرك أسرار الحياة الزوجية‪ ،‬وتتعرف من الشرع‬
‫والواقع والناس على الحقوق التي تتمتع بها الزوجة عادة‪.‬‬
‫‪ -4‬هذا النوع من الزواج سيكون مدخالً للفساد واإلفساد‪ ،‬فإنه يتساهل فيه تقدير‬
‫المهر‪ ،‬وال يتحمل الزوج مسؤولية األسرة‪ ،‬وإ ذا سهل عليه أن يتزوج سهل عليه‬
‫أن يطلق‪ ،‬وقد يعقد سراً‪ ،‬وقد يكون بغير ولي‪ ،‬وكل هذا يجعل الزواج لعبة في‬
‫أيدي أصحاب األهواء‪.‬‬
‫‪ -5‬في هذا الزواج استغالل من الرجل للمرأة‪ ،‬فهو يلبي رغباته الجنسية ال هدف له‬
‫إال ذلك‪ ،‬من غير أن يتكلف شيئاً في هذا الزواج‪.‬‬
‫‪ -6‬قد يقدر للزوج أوالد من هذه المرأة‪ ،‬وبسبب البعد عنها وقلة مجيئه إليها‬
‫سينعكس ذلك سلباً على أوالده في تربيتهم وخلقهم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه عبد الرزاق (‪ ،6/171 )10387‬والطبراني في الكبير (‪ ،18/85 )158‬وأبو يعلى ‪ ،‬قال الهيثمي‬
‫فيه أبو معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف (مجمع الزوائد ‪.)4/251‬‬
‫‪2‬‬
‫(‪ )3‬قواعد الفقه‪ :‬للبركتي ‪ ،1/91‬مجلة األحكام العدلية ‪ ،1/16‬المبسوط ‪ ،22/23‬البحر الرائق ‪ ،3/94‬بدائع‬
‫الصنائع ‪ ،4/134‬مغني المحتاج ‪ ،2/68‬أعالم الموقعين ‪.3/119‬‬

‫‪188‬‬
‫‪ -7‬اشتراط إسقاط النفقة والمبيت على الزوجة يبطل العقد‪ ،‬ذهب هذا المذهب‬
‫الدكتور علي القرة داغي‪ ،‬والقول ببطالن النكاح باشتراط إسقاط المبيت أحد‬
‫وجهين عند الشافعية‪ ،‬كما يقول الدكتور القرة داغي نقالً عن الماوردي في كتابه‬
‫الحاوي(‪.)1‬‬
‫القول الثالث‪ :‬المتوقفون في المسألة ‪:‬‬
‫توقف بعض أهل العلم في الحكم على هذا النوع من الزواج‪ ،‬وتوقفهم هذا‬
‫يدل على أن حكمه لم يظهر لهم‪ ،‬فهم يحتاجون إلى مزيد من النظر والتأمل‪.‬‬
‫من هؤالء فضيلة الشيخ محمد صالح بن عثيمين(‪ – )2‬رحمه اهلل ‪ ,-‬والدكتور‬
‫عمر بن سعود العيد األستاذ بكلية أصول الدين في جامعة اإلمام محمد بن سعود‪،‬‬
‫فإنه ذكر شيئاً من مساوئه‪ ،‬وأورد بعض أدلة المجيزين باختصار‪ ،‬كما ذكر أن عدداً‬
‫من كبار العلماء توقف في جوازه‪ ،‬ودعا في الختام إلى دراسة هذا الزواج دراسة‬
‫تفصيلية دقيقة‪ ،‬ألن محاذيره كثيرة‪ ،‬وقد يكون ظاهرة مرضية‪ ،‬ولم ِ‬
‫يعط حكماً بيِّناً‬
‫فيه مما يدل على توقفه في الحكم عليه(‪.)3‬‬
‫ويذكر إحسان عايش أن سبب توقف بعض أهل العلم بالجواز " أن بعض‬
‫الناس تجاوزا فيه الحد‪ ،‬واستغل من قبل بعض ضعاف النفوس‪ ،‬وتبنته مكاتب‬
‫حددت أسعاراً لهذا الزواج (يعني عمولة)‪.‬‬
‫هذا ولقد وقفت على مواقع في اإلنترنت عبارة عن مكاتب تزوج بطريق "‬
‫زواج المسيار " (‪.)4‬‬
‫المناقشة والترجيح ‪:‬‬
‫‪ -1‬أقوى ما احتج به الفريق المجيز لزواج المسيار أنه عقد شرعي استكمل‬
‫شروطه وأركانه‪ ،‬وإ ن الذي يجري في هذا الزواج ليس اشتراط الزوج على زوجته‬
‫إسقاط النفقة والمبيت وإ نما من باب إسقاط المرأة حقوقها التي تجب لها بالعقد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.183 – 182‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) نقله عنه إحسان بن محمد بن عايش في كتابه‪ :‬أحكام التعدد في ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) مجلة األسرة‪ ،‬العدد (‪ ،)46‬ص‪.15‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) ‪http://www.misiar.com‬‬

‫‪189‬‬
‫الجواب أن بعض نكاح المسيار تتنازل المرأة عن حقها من غير شرط‬
‫وبعضاً منه يشترط الزوج هذا الشرط وقد يصر على تدوين هذا الشرط إن سمح له‬
‫القاضي‪.‬‬
‫يقول ابن قدامة‪ :‬القسم الثاني‪ :‬ما يبطل الشرط ويصح العقد مثل أن يشترط‬
‫أن ال مهر لها أو أن ال ينفق عليها‪ ...‬أو ال يكون عندها في الجمعة إال ليلة أو شرط‬
‫لها النهار دون الليل أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئاً فهذه الشروط‬
‫كلها باطلة في نفسها ألنها تنافي مقتضى العقد وألنها تتضمن إسقاط حقوق تجب‬
‫بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع(‪.)1‬‬
‫فحتى على افتراض أن المرأة هي التي تنازلت فيه عن حقها فهذا ال يجعل‬
‫تنازلها مشروعاً كما قال ابن قدامة‪.‬‬
‫‪ -2‬استداللهم بحديث هبة سودة يومها لعائشة‪ ،‬وال ُحجَّة لهم فيه‪ ،‬ألن حق‬
‫المبيت ملكته سودة‪ ،‬وكان الرسول ‪ ‬يقسم لها حقها‪ ،‬ولم يشترط عليها إسقاطه قبل‬
‫الزواج وال مع العقد‪ ،‬فلما كانت مالكة له جاز لها هبته‪ ،‬مثله مثل المهر‪ ،‬فإذا ملكته‬
‫المرأة جاز لها أن تهبه للزوج أو جزء منه‪ ،‬قال تعالى‪  :‬فإن طبن لكم عن شيء‬
‫منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً ‪[ ‬النساء‪.]4 :‬‬
‫‪ -3‬دعواهم أن هذا النوع من الزواج يحقق مصالح كثيرة‪ ،‬وأكثر ما‬
‫يتحدثون عنه من المصالح هو تقليل نسبة النساء العوانس‪ ،‬وإ شباع الرغبة الجنسية‬
‫عند المتزوجات منهن‪ ،‬وهذا االستدالل فيه نظر‪ ،‬فكم نسبة العوانس الغنيات اللواتي‬
‫يستطعن أن ينفقن على أنفسهن من غير حاجة نفقة الزوج‪ ،‬إن هذه النسبة قليلة‪ ،‬وإ ذا‬
‫عالجنا مشكلة العدد القليل من العوانس عالجاً جزئياً مبتوراً‪ ،‬فمن للعدد األكبر من‬
‫العوانس الالتي ال يجدن المال!!‬
‫وإ ذا كان في هذا النوع من الزواج هذه المصالح‪ ،‬فما بال المفاسد الكثيرة التي‬
‫شر لفريق من أصحاب النفوس‬ ‫تترتب على هذا النوع من الزواج‪ ،‬ومنها فتح باب ّ‬

‫‪1‬‬
‫(?) المغني ‪.7/72‬‬

‫‪190‬‬
‫الضعيفة من الرجال والنساء الذين يريدون اللعب بالزواج كيف تشاء أهواؤهم بعيداً‬
‫عن الرقابة الشرعية‪.‬‬
‫‪ -4‬االستدالل بزواج النهاريات والليليات‪ ،‬وقد استدل بهذا القائلون بالجواز‬
‫والقائلون بالمنع‪ ،‬وكال االستداللين غير صحيح‪ ،‬ألن العلماء اختلفوا في صحته‬
‫اختالف الفقهاء المعاصرين في زواج المسيار(‪.)1‬‬
‫‪ -‬أما األدلة التي استدل بها المانعون لزواج المسيار فهي أدلة صحيحة‬
‫واقعية‪ :‬وقفت على المشاكل والمفاسد التي تنتج عن هذا الزواج‪ ،‬فحتى وإ ن تراءى‬
‫لنا بأن الزواج مكتمل األركان والشروط إال أنه في مجمله ال يجري على النحو‬
‫الذي قام عليه الزواج في اإلسالم من السكن والمودة والتعاون على القيام بأعبائه‬
‫ومسؤولياته‪.‬‬
‫‪ -‬وأرى أن ما أبداه المانعون من أسباب ومخاوف في تحريم ومنع هذا‬
‫الزواج وجيهة وتدعو للتوقف والتأمل‪ :‬لذا أدعو إلى مزيد بحث واستقراء ودراسة‬
‫لهذه القضية المستجدة من جميع جوانبها ولعل هذا السبب الذي أخر المجامع الفقهية‬
‫في عدم إصدارها لفتوى في هذا الشأن‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫المبحث السابع‬

‫حكم التبرع باألعضاء‬

‫‪1‬‬
‫(?) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق‪ ،‬ص‪.195 – 192‬‬

‫‪191‬‬
‫التبرع باألعضاء من المسائل الحادثة‪ ،‬التي لم يتعرض لها فقهاء المسلمين‬
‫القدامى‪ :‬ذلك ألن هذه المسألة وليدة التقدم العلمي الذي توصل إليه األطباء في‬
‫مجال غرس األعضاء‪ :‬فلقد حققوا نتائج باهرة في نقل وزراعة األعضاء من‬
‫األحياء واألموات وغرسها فيمن فقدوا أعضاءهم أو تلفت بسبب مرض أو غيره‪..‬‬
‫وألن هذه القضية من المسائل المستجدة‪ ،‬والتي لم يتكلم فيها الفقهاء السابقون‬
‫فلقد اختلفت أراء العلماء المعاصرين فيها‪ :‬وقبل البدء في سرد األقوال وأدلتها‪،‬‬
‫يفضل بيان القواعد الفقهية الكلية التي تندرج تحتها هذه القضية‪ ،‬وجذورها في‬
‫التراث الفقهي القديم ثم نأتي لحكم التبرع باألعضاء‪.‬‬

‫‪ -1‬القواعد الفقهية الكلية والتي تندرج تحتها هذه القضية ‪:‬‬


‫ومما ال ريب فيه أن ه ذا البحث يتصل اتص االً مباش راً ووثيق اً بجملة من‬
‫القواعد الفقهية الكلية من ش أنها أن تن ير الس بيل بوض وح أم ام تلمس حكم الش ريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬أو أحكامها‪ ،‬في هذا الموضوع الهام‪.‬‬
‫ولعل من المناسب أن نبدأ فنتعرف على هذه القواعد أوالً‪ ،‬ثم نتخذ منها الدليل‬
‫الهادي على طريق دراسة هذا البحث الذي سنجد أنه يتصل ببعض المسائل الجزئية‬
‫مما قد تناوله الفقه اء وفرغ وا من دراس ته وبي ان حكم ه‪ ،‬بل أب رمت الس نة المطه رة‬
‫بشأن بعض منها‪.‬‬
‫‪ -‬أوسع ه ذه القواعد ش موالً‪ ،‬وأرس خها في البي ان الفقهي‪ ،‬قاع دة المقاصد‬
‫الخمس ة‪ ،‬وال ترتيب ال ذي ص نفت – من حيث األهمية – على وفق ه‪ ،‬وهي كما‬
‫نعلم‪ :‬مقاصد الدين‪ ،‬فالحياة‪ ،‬فالعقل‪ ،‬فالنسل‪ ،‬فالمال‪.‬‬
‫‪ -‬القاع دة الثاني ة‪ :‬انقس ام جملة الحق وق الش رعية إلى قس مين‪ :‬حق اهلل‪ ،‬وحق‬
‫للعب اد‪ ،‬وإ نما يج وز التص رف بما هو حق للعب اد أو غلب عليه حق العب اد‪ ،‬ثم‬
‫إنه يك ون حق اً أص يالً ومباش راً بالنس بة لمن أعطي له ه ذا الحق أص الة‪ ،‬س واء‬
‫أكان على وجه التمليك أو التمتيع‪ ،‬أو يكون حقاً فرعياً ومقيداً بالنسبة للولي أو‬
‫الوكيل‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫‪ -‬القاع دة الثالث ة‪ :‬تنهض مش روعية اإليث ار على س ائر الحق وق البدنية والدنيوية‬
‫الداخلية في حقوق العباد‪ ،‬دون ما سواها من حقوق اهلل عزوجل‪ ،‬ومن الثابت‬
‫أن المحافظة على أصل الحياة ومقوماتها من حقوق اهلل عزوجل‪.‬‬
‫‪ -‬القاعدة الرابعة‪ :‬الحقوق المعنوية الداخلة في حقوق العباد تورث بالموت كما‬
‫تورث الحقوق العينية‪ ،‬دون خالف في ذلك‪ ،‬وإ نما ينعكس الخالف إلى مسائل‬
‫بعض هذه الحقوق‪ ،‬من الخالف بين الفقهاء في‪ :‬هل هي داخلة في حقوق اهلل‪،‬‬
‫أم في حقوق العباد‪ :‬كالقذف وحق المعاقبة عليه(‪.)1‬‬
‫فه ذه القواعد األربع تش كل جس راً ممت داً بين ينب وع الش ريعة اإلس المية‪ ،‬إلى‬
‫هذا العصر والعصور التالية‪ ،‬من شأنه أن يكشف لنا عن موقف الشريعة اإلسالمية‬
‫في حكم التبرع باألعضاء‪.‬‬

‫‪ -2‬جذور غرس األعضاء في التراث الفقهي القديم ‪:‬‬


‫لج ذور ه ذه المس ألة مس تند أص يل من الس نة النبوية الش ريفة باإلض افة إلى‬
‫القواعد الفقهية التي تشكل األساس االجتهادي فيها‪ :‬وهو حديث عرفجة قطعت أنفه‬
‫فاتخذ أنفاً من فضة فأنتن عليه فأمره الرسول ‪ ‬أن يتخذه من ذهب وقد قرر الفقهاء‬
‫باالتف اق ج واز اتخ اذ سن أو أنملة أو أنف من ذهب إن اقتضت الض رورة أن يك ون‬
‫ذهباً(‪ ،)2‬أما األطراف كاليد والرجل واإلصبع الكاملة فقد ذهب الحنفية والشافعية إلى‬
‫عدم جواز اتخاذها من ذهب أو فضة وذلك ألنها لن تكون أعضاء عاملة بل لمجرد‬
‫الزينة فال ضرورة في تركيبها أي ال ضرورة في ارتكاب المحظور وهذا يعني أن‬
‫اتخ اذ ط رف ص ناعي من غ ير ال ذهب والفضة ج ائز باالتف اق(‪ ،)3‬وقد ع رف ه ذا‬
‫األمر من العصر البرونزي مروراً بقدماء المصريين ثم اليونان وبعد ذلك الرومان‬

‫‪1‬‬
‫(?) قضايا فقهية معاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪.111 – 1/110‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في كتاب الخاتم باب ما جاء في ربط األسنان بالذهب (‪ ،4/92 )4232‬والنسائي‬
‫(المجتبى) في الزينة باب من أصيب أنفه هل يتخذ أنفاً من ذهب (‪ ،8/163 )5161‬والترمذي في اللباس باب‬
‫ما جاء في شد األسنان بالذهب (‪ 4/240 )1770‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) قضايا فقهية معاصرة‪ :‬البوطي ‪.1/113‬‬

‫‪193‬‬
‫انتهاء بالعصر الحديث والتطور الهائل الذي حصل في هذا‬ ‫ً‬ ‫ثم عصر النبوة وما بعده‬
‫الميدان‪.‬‬
‫أما كتب الفقه القديم ة‪ :‬فال يك اد يجد الب احث نص اً مباش راً تن اول مس ألة حكم‬
‫الت برع باألعض اء اآلدمية لنقلها إلى جسم إنس ان آخ ر‪ ،‬وإ نما توجد بعض النص وص‬
‫ور من التص رف بالجسد اإلنس اني ذك رت في ب اب ال بيع عند تحديد‬ ‫في أحك ام ص ٍ‬
‫ش روط الم بيع‪ ،‬وفي ب اب الت داوي وعن الكالم عن حالة االض طرار وما يج وز‬
‫للمض طر وما ال يج وز‪ ،‬وعند الكالم عن بعض القواعد الفقهية وبخاصة قاع دة "‬
‫ارتكاب أخف الضررين " وغير ذلك(‪.)1‬‬
‫وفيما يلي بعض األمثلة عن أقوال العلماء تلك‪:‬‬
‫‪ -‬ق ال المرغين اني‪ " :‬ال يج وز بيع ش عور اإلنس ان وال االنتف اع بها ألن اآلدمي‬
‫مكرم ال مبتذل‪ ،‬فال يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهاناً ومبتذالً " (‪.)2‬‬
‫‪ -‬وفي الفت اوي الهندي ة‪ " :‬االنتف اع ب أجزاء اآلدمي ال يج وز‪ :‬قيل للنجاسة وقيل‬
‫للكرامة هو الصحيح " (‪.)3‬‬
‫‪ -‬وقال الدردير‪ ..." :‬وكذا جلد اآلدمي – ال يرخص فيه مطلق اً – لشرفه كما يعلم‬
‫من وجوب دفنه " (‪.)4‬‬
‫‪ -‬وفي حاشية الدسوقي‪ ..." :‬أن ما أبين منه حياً ال يختلف في نجاسته وليس ك ذلك‬
‫بل فيه الخالف تنبيه على المعتمد من طهارة ما أبين من اآلدمي مطلق اً يجوز رد‬
‫سن قلعت لمحلها ال على مقابلة ‪.)5( "...‬‬
‫‪ -‬قال الشربيني الشافعي‪ ..." :‬واآلدمي يحرم االنتفاع به وبسائر أجزائه لكرامته‬
‫" ( ‪. )6‬‬

‫‪1‬‬
‫أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد نعيم ياسين‪ ،‬ص‪.138‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫الهداية شرح البداية‪ :‬المرغيناني ‪.3/46‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫الفتاوي الهندية ‪.5/345‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫الشرح الكبير ‪.1/55‬‬ ‫(?)‬
‫‪5‬‬
‫حاشية الدسوقي ‪.1/54‬‬ ‫(?)‬
‫‪6‬‬
‫مغني المحتاج ‪.1/191‬‬ ‫(?)‬

‫‪194‬‬
‫‪ -‬قال ابن مفلح‪ ..." :‬وحرم بيع العضو المقطوع ألنه ال نفع فيه " (‪.)1‬‬
‫وه ذه النص وص وأش بابها ت دل على أن األصل تح ريم االنتف اع ب أجزاء‬
‫اإلنسان‪ :‬إما لكرامته‪ ،‬وإ ما لعدم إمكان االنتفاع بها على وجه مشروع " (‪.)2‬‬
‫وإ ن ك ان بعض الفقه اء قد أورد اس تثناءات على ه ذا األصل أب احوا فيها‬
‫االنتفاع بأجزاء اآلدمي ببعض وجوه االنتفاع ومعظمها مقيد بحالة الضرورة مثل‪:‬‬
‫بيع لبن اآلدمية(‪ ،)3‬وأكل المض طر من ب دن إنس ان حي مس تحق القتل(‪ ،)4‬وإ ج ازة‬
‫فقه اء الش افعية للمض طر أن يقطع قطعة من نفسه ليأكلها(‪ ،)5‬كما أج از بعض فقه اء‬
‫الشافعية وصل عظم اإلنسان الحي بعظم الميت إذا كان ينجبر به " (‪.)6‬‬

‫‪ -3‬حكم التبرع باألعضاء ‪:‬‬


‫حديثاً اختلفت آراء الفقهاء في هذه القضية على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬ويرى منع التبرع الستقطاع ونقل وزرع األعضاء ويذهب إلى‬
‫هذا القول عدد من العلماء المعاصرين منهم‪:‬‬
‫الش يخ أبو األعلى الم ودودي‪ ،‬والش يخ محم ود عبد ال دايم(‪ ،)7‬الش يخ مت ولي‬
‫الش عراوي‪ ،‬الش يخ محمد الع ثيمين‪ ،‬الش يخ محمد بره ان ال دين الس نبهنلي الش يخ‬
‫(‪)8‬‬
‫الغماري عبداهلل الصديق‪...‬‬
‫جوز عملية التبرع باستقطاع ونقل وزرع األعضاء اإلنسانية‬ ‫القول الثاني‪ُ :‬ي ِّ‬
‫وذهب إلى هذا الرأي جمهور العلماء المعاصرين وجل المجامع الفقهية ومؤسسات‬
‫البحوث والهيئات الفقهية وكبار العلماء‪ :‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬هيئة كبار العلماء بالسعودية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) المبدع‪.4/12 :‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ K‬ص‪.139‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) بداية المجتهد ‪ ،2/138‬مواهب الجليل ‪ ،4/265‬روضة الطالبين ‪ ،3/353‬المغني ‪.4/304‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) المجموع ‪ ،9/36‬حاشية قليوبي وعميرة ‪ ،264 – 4/263‬المغني ‪.11/79‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)المجموع ‪ ،9/37‬حاشية قليوبي وعميرة ‪.4/264‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)حاشية الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج ‪.126 – 2/125‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) أستاذنا الفقيه الشافعي األزهري فلقد كان عالماً بحراً وبخاصة في المذهب الشافعي‪..‬‬
‫‪8‬‬
‫(?) قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد برهان الدين السنبهنلي‪ ،‬ص‪.68 – 61‬‬

‫‪195‬‬
‫‪ -‬المجلس األردني األعلى للفتوى‪.‬‬
‫‪ -‬المجلس األعلى للفتوى بالجزائر‪.‬‬
‫‪ -‬وزارة األوقاف الكويتية‪.‬‬
‫‪ -‬المجمع الفقهي اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -‬الشيخ مخلوف المفتي األسبق لجمهورية مصر العربية‪ ،‬والشيخ جاد الحق‬
‫المفتى األكبر لمصر‪.‬‬
‫‪ -‬الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي‪.‬‬
‫‪ -‬الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي‪.‬‬
‫أدلة المانعين‪:‬‬
‫استدل المانعون للتبرع بأعضاء اآلدمي باألدلة التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الجسد ال ذي بين جنبينا ليس ملك اً لنا وإ نما هو ملك هلل تع الى‪  :‬أمن يملك‬
‫السمع واألبصار ‪[ ‬يونس‪ ،]10 :‬فال يصح من اإلنسان التصرف بجسمه(‪.)1‬‬
‫ومما يج در بال ذكر هنا أن اإلنس ان مع أنه أش رف من الجميع لكنه ليس‬
‫بمالك لجسمه وروحه‪ ،‬بل اإلنسان إنما هو أمين (كمستعير) في ماله وجسمه‪,‬‬
‫فال يج وز له أن يس تعمله في محل نهى اهلل عن ه‪ ،‬فالتص رف فيه من غ ير إذن‬
‫المالك الحقيقي يعتبر خيانة‪ ،‬والمالك الحقيقي هو اهلل سبحانه وتعالى(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬على أن قطع أعض اء اإلنس ان – حي اً ك ان أو ميت اً – وفص لها عن موض عها "‬
‫مثلة " (‪ )3‬وهو ح رام – أو مك روه تحريم اً – عند عامة العلم اء والفقه اء‪ ،‬كما‬
‫بينه غ ير واحد من العلم اء الكب ار‪ ،‬منهم ش يخ اإلس الم العالمة ابن تيمية‬
‫الح راني في " فت اواه " (‪ ،)4‬واإلم ام الن ووي في " ش رح الص حيح لمس لم " (‪،)5‬‬
‫وابن قدامة في " المغ ني " (‪ ،)6‬لما روى البخ اري في ص حيحه عن قت ادة‪" :‬‬
‫‪1‬‬
‫الطبيب أدبه وفقهه‪ ،‬ص‪.205‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد برهان الدين السنبهنلي‪ ،‬ص‪.62‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫عمدة القاري‪ :‬بدر الدين ‪.8/296‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ‪.28/314‬‬ ‫(?)‬
‫‪5‬‬
‫شرح صحيح مسلم‪ :‬النووي ‪.2/82‬‬ ‫(?)‬
‫‪6‬‬
‫المغني ‪.10/565‬‬ ‫(?)‬

‫‪196‬‬
‫بلغنا أن الن بي ‪ ‬بعد ذلك – بعد وقعة عكل وعرينة – ك ان يحث على الص دقة‬
‫وينهى عن المثلة " (‪ ،)1‬ولما روى مس لم في ص حيحه‪ " :‬ك ان رس ول اهلل ‪ ‬إذا‬
‫أمر أم يراً‪ ...‬أوص اه في خاص ته بتق وى اهلل‪...‬ثم ق ال‪ ..." :‬ال تغ دروا وال‬
‫تمثل وا وال تقتل وا ولي داً " (‪ )2‬فثبت من ذلك كله أن اس تعمال أعض اء اإلنس ان –‬
‫حياً كان أو ميتاً – ال يجوز عند عامة الفقهاء(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬ثم إن العلماء الذين أباحوا استعمال المحرمات في حالة االضطرار هم أنفسهم‬
‫حرم وا أكل وقطع جسم اإلنس ان وأعض ائه واس تعمالها لغ يره‪ ،‬ولم يس مح أحد‬
‫باس تعمال عضو من أعض ائه‪ ،‬ق ال الفقيه الحنفي الش هير ابن عاب دين‪ " :‬وإ ن‬
‫قال لـه آخر اقطع يدي وكلها ال يحل ألن لحم اإلنسان ال يباح في االضطرار "‬
‫(‪ ،)4‬وقال ابن نجيم في " األشباه والنظائر"‪ " :‬ال يأكل المضطر طعام آخر وال‬
‫شيئاً من بدنه " (‪ ،)5‬وعلى هذا ال يباح للمكره – حتى المكره باإلكراه التام‬
‫– أن يقطع عضو رجل إلنق اذ حياته وإ ن س مح ذلك الرجل ب ذلك‪ ،‬كما ق ال‬
‫الكاساني في " بدائع الصنائع "‪ " :‬أما النوع الذي ال يباح وال يرخص باإلكراه‬
‫أص الً فهو قتل المسلم بغير حق سواء كان اإلكراه ناقص اً أو تام اً‪ ..‬وكذا قطع‬
‫عضو من أعضائه‪ ...‬ولو أذن له المكره عليه‪ ...‬فقال للمكره‪ :‬افعل‪ ،‬ال يباح‬
‫له‪ ،‬ألن هذا مما ال يباح باإلباحة " (‪ ,)6‬وهذا الحكم يستفاد أيض اً مما قاله الفقيه‬
‫المح دث اإلم ام موفق ال دين ابن قدامة الحنبلي في كتابه القيم " المغ ني " حيث‬
‫ق ال‪ ..." :‬لنا على وجوبه – القص اص – على المك ره – ب الفتح – أنه قتله‬
‫عم داً ظلم اً الس تبقاء نفسه فأش به ما لو قتله في المخمصة ليأكل ه‪ ...‬ول ذلك أثم‬
‫بقتله وح رم علي ه‪ ،‬وإ نما قتله عند اإلك راه ظن اً منه أن في قتله نج اة نفسه‬

‫‪1‬‬
‫أخرجه البخاري في المغازي باب قصة عكل وعرينة (‪.4/1535 )3956‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير باب تأمير األمير األسراء (‪.3/1357 )1731‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد برهان الدين السنبهنلي‪ ،‬ص‪.62 – 61‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫حاشية ابن عابدين ‪.5/215‬‬ ‫(?)‬
‫‪5‬‬
‫األشباه والنظائر‪ :‬ابن نجيم‪ ،‬ص‪.124‬‬ ‫(?)‬
‫‪6‬‬
‫بدائع الصنائع ‪.7/177‬‬ ‫(?)‬

‫‪197‬‬
‫وخالصه من شر المكره – بالكسر‪ -‬فأش به القاتل في المخمصة ليأكله " (‪،)1‬‬
‫وأص رح من ذلك ما قاله في موضع آخر في نفس المص در – في بحث‬
‫المضطر‪ ،‬من كتاب الذبائح – هذا نصه‪ " :‬فإن لم يجد المضطر شيئاً لم يبح‬
‫لـه أكل بعض أعض ائه‪ ...‬وإ ن لم يجد إال آدمي اً محق ون ال دم لم يبح أن يبقي‬
‫نفسه بإتالفه وهذا ال خالف فيه‪ ...‬وإ ن وجد معصوماً ميتاً لم يبح أكله " (‪.)2‬‬
‫‪ -4‬األصل التحريم فال يجوز إتالف النفس المعصومة إال بحق وهنا ال يوجد‬
‫الحق ال ذي ي بيح إتالفها أو إتالف ج زء منها وقد ق ال تع الى‪  :‬وال تقتل وا‬
‫أنفس كم ‪[ ‬النس==اء‪ ،]29 :‬وق ال‪  :‬وال تقتل وا النفس ال تي ح رم اهلل إال ب الحق ‪‬‬
‫[األنع==ام‪ ،]151 :‬وق ال تع الى‪  :‬وال تلق وا بأي ديكم إلى التهلكة ‪[ ‬البق==رة‪]195 :‬‬
‫وغير ذلك من اآليات‪.‬‬
‫‪ -5‬وأما األحاديث فقد روى مسلم وأصحاب السنن عن جابر بن سمرة أن رجالً‬
‫قتل نفسه بمش اقص فلم يصل عليه الن بي ‪ ،)3( ‬وق ال اإلم ام أحم د‪ :‬ما نعلم أن‬
‫النبي ‪ ‬ترك الصالة على أحد إال على الغال وقاتل نفسه(‪.)4‬‬
‫بل قد ج اء النهي عن تم ني الم وت فقد ج اء في الص حيحين عن أنس ‪ ‬أن‬
‫رس ول اهلل ‪ ‬ق ال‪ " :‬ال يتم نين أح دكم الم وت لضر ن زل به ف إن ك ان البد متمني اً‬
‫لي "‬ ‫فليقل‪ :‬اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً‬
‫(‪ ،)5‬فإتالف النفس بغير حق يتعلق به ثالثة حقوق‪ :‬حق هلل تعالى وحق للمقتول وحق‬
‫لورثة المقتول‪ ،‬أما أقوال العلماء في هذا الباب فكثيرة منها ما قاله في شرح اإلقناع‪:‬‬
‫" وكما يحرم قتل نفسه فإنه يحرم عليه إباحة قتلها " (‪.)6‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) المغني ‪.9/331‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المرجع السابق ‪.11/79‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه مسلم في الجنائز باب ترك الصالة على القاتل نفسه (‪.2/672 )978‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) المبدع ‪ ،2/262‬كشاف القناع ‪ ،2/123‬السيل الجرار ‪.1/354‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في المرضى باب نهي تمني المريض الموت (‪ ،5/2146 )5347‬ومسلم في الذكر‬
‫والدعاء باب تمني كراهة الموت (‪.4/2064 )2680‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) شرح منتهى اإلرادات‪ :‬البهوتي ‪ ،3/385‬وكشاف القناع ‪.6/155‬‬

‫‪198‬‬
‫وبن اء على ما تق دم من النص وص ف إن نفس اإلنس ان ليست ملك اً خالص اً له‬
‫وإ نما هي أمانة عنده هلل تعالى الذي خلقها وأوجدها وأمدها بما تتمكن به من إعمار‬
‫الك ون وخالفة األرض فال يب اح لإلنس ان أن يتص رف بنفسه وال يتلفها أو يلقيها فيما‬
‫يهلكها بل يجب عليه الحف اظ عليها واجتن اب كل ما يض رها أو يعرض ها للخطر‬
‫والهالك‪.‬‬
‫هذا هو األصل في األنفس التي حرم اهلل تعالى‪:‬‬
‫وإ ن ب ذل ج زء من ه ذا الب دن وإ يث ار إنس ان آخر به لهو تص رف من اإلنس ان‬
‫فيما ال يملك وافتي ات على أمانة لديه بغ ير م برر‪ ،‬واهلل أمر بحفظ األمان ات وأعظم‬
‫األمان ات هي أمانة األنفس وال دماء فقد ج اء في الح ديث‪ " :‬إن أول ما يقضي ي وم‬
‫القيامة هي ال دماء " (‪ )1‬لعظم حرمتها وجس امة خطره ا‪ ،‬ه ذا هو ما يمكن عرضه –‬
‫اآلن – من عدم جواز اإليثار بالنفس أو بطرف منها آلخر‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)2‬‬
‫أدلة المجوزين ‪:‬‬
‫واستدل المجوزون للتبرع باألعضاء باألدلة التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬زرع األعض اء يعت بر نوع اً من الت داوي‪ ،‬وحفظ النفس ال ذي حث عليه‬
‫الشارع الحكيم‪ ،‬وفيه إنقاذ للنفوس من الهلكة‪ :‬لقوله تعالى‪  :‬وال تلقوا بأيديكم‬
‫إلى التهلكة ‪[ ‬البقرة‪ ,]195 :‬وقوله عزوجل‪  :‬ومن أحياها فكأنما أحيا الناس‬
‫جميعاً ‪[ ‬المائدة‪.]32 :‬‬
‫‪ -2‬وفي نقل األعض اء تف ريج للكرب ات‪ ،‬وتأكيد على مب دأ ال تراحم والتكافل‬
‫والتع اطف بين أف راد المجتم ع‪ ،‬واإلحس ان إلى المحت اجين والمض طرين‪ :‬فمن‬
‫األحاديث الواردة في ذلك‪:‬‬
‫" من فرج عن مسلم كربة فرج اهلل عنه كربة من كرب يوم القيامة " (‪.)3‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه ابن حبان في صحيحه (‪.16/338 )7344‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) بحث‪ :‬زراعة األعضاء اإلنسانية في جسم اإلنسان‪ :‬فضيلة الشيخ عبداهلل العبد الرحمن البسام (مجلة‬
‫المجمع الفقهي السنة األولى العدد األول‪ ،‬ص‪.)16‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في المظالم باب ال يظلم المسلم المسلم وال يسلمه (‪.2/863 )2310‬‬

‫‪199‬‬
‫" من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل " (‪.)1‬‬
‫" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " (‪.)2‬‬
‫" مثل المؤم نين في ت وادهم وت راحمهم وتع اطفهم كمثل الجسد إذا اش تكى منه‬
‫عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " (‪.)3‬‬
‫" ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه " (‪.)4‬‬
‫‪ -3‬واهلل سبحانه وتعالى قد مدح األنصار رضوان اهلل عليهم ألنهم كانوا يؤثرون‬
‫إخوانهم المهاجرين على أنفسهم‪ ،‬قال تعالى‪  :‬ويؤثرون على أنفسهم ولو كان‬
‫بهم خصاصة ‪[ ‬الحش===ر‪ ،]9 :‬وما الخصاصة إال بش دة الحاجة وهي تتمثل في‬
‫أج زاء الب دن أك ثر منه في غ يره من المن افع الدنيوي ة‪ ،‬واإليث ار يك ون بالم ال‬
‫وغيره‪ ،‬بشرط أن ال يؤدي إلى هالك المؤثر‪ ،‬أو حصول ضرر بالغ به‪ ،‬ألن‬
‫قتل النفس محرم أشد التحريم في اإلسالم‪.‬‬
‫ولقد ج رى بين الص حابة من ض روب اإليث ار ب النفس بعض هم لبعض في‬
‫حاالت تفقد فيها الحياة ويتوقع فيها الموت فقد أصيب معركة اليرموك كل من‬
‫عكرمة بن أبي جهل والح ارث بن هش ام وعي اش بن أبي ربيعة فجيء بش ربة‬
‫م اء وحي اة كل منهم مرهونة فيها فما زالوا يتدافعونها كل واحد منهم يؤثر بها‬
‫ص احبه ح تى م اتوا جميع اً رضي اهلل عنهم(‪ ،)5‬وأوجب العلم اء رحمهم اهلل‬
‫المدافعة عن محارم اإلنسان إذا صيل عليها ولو أدت المدافعة إلى قتله قال في‬
‫اإلقناع وشرحه‪ " :‬وإ ن كان الدفع للصائل عن نسائه فهو الزم لما فيه من حق‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه اإلمام أحمد في مسنده (‪ ،3/302 )14269‬والحاكم في مستدركه (‪ 4/460 )7277‬وقال حديث‬
‫صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه‪ ،‬والبيهقي (‪.4/366 )7540‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الصالة باب تشبيك األصابع في المسجد (‪ ،1/182 )467‬ومسلم في البر والصلة‬
‫باب تراحم المؤمنين (‪.4/1999 )2585‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه مسلم في البر والصلة باب تراحم المؤمنين (‪.4/1999 )2586‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في كتاب اإليمان باب من اإليمان أن يحب ألخيه (‪ ،1/14 )13‬ومسلم في اإليمان باب‬
‫الدليل على أن من خصال اإليمان (‪.1/67 )45‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) أخرجه البيهقي في شعب اإليمان (‪ ،3/260 )3484‬والطبراني في الكبير (‪ ،3/259 )3342‬والحاكم في‬
‫مستدركه (‪ ،3/270 )5058‬تاريخ دمشق ‪.11/504‬‬

‫‪200‬‬
‫اهلل وهو منعه من الفاحشة " (‪ ،)1‬وق ال في حق الم دافع عن نفس ه‪ " :‬وإ ن قتل‬
‫المصول عليه فهو شهيد لحديث أبي هريرة قال‪ :‬جاء رجل فقال يا رسول اهلل‪:‬‬
‫أرأيت أن ج اء رجل يريد أخذ م الي؟ ق ال‪ :‬ال تعطي ه‪ ،‬ق ال‪ :‬أرأيت إن ق اتلني؟‬
‫ق ال‪ :‬قاتل ه‪ ،‬ق ال‪ :‬أرأيت إن قتل ني؟ ق ال‪ :‬ف أنت ش هيد " (‪ ،)2‬وغ ير ذلك من‬
‫األحاديث الشاهدة بجواز إيثار النفس وبذلها إذا تحققت مصالح ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬ه ذه هي األدلة النقلية في ج واز اإليث ار ب أجزاء من الب دن عند الض رورة‪ ،‬وقد‬
‫أب اح الشرع ارتك اب بعض المحرمات لحفظ النفس وصيانتها عن التلف‪ ،‬ق ال‬
‫تعالى‪  :‬إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اهلل به فمن‬
‫اضطر غير باغ وال عاد فال إثم عليه ‪[ ‬البقرة‪ ،]173 :‬فهذه المحرمات أبيحت‬
‫لضرورة حفظ النفس عن الهالك‪.‬‬
‫وقد أبيح مال الغير بغير إذنه‪ ،‬كما أبيح جرعة من الخمر إذا كان فيه حياة‬
‫إنسان في وقت ال يوجد فيه غير الخمر‪.‬‬
‫كل ه ذه األم ور أبيحت وس ومح فيها حفاظ اً على النفس وص يانة لها عن‬
‫التلف والهالك‪ :‬فه ذه النص وص وتحليلها وتطبيقها على الواقع س يقت من أجل‬
‫إص دار حكم في إباحة حق اهلل تع الى من النفس البش رية ال تي هي ملكه وخلقها‬
‫لعبادته وطاعته وأوج دها لخالفته في أرضه وإ عم ار ه ذا الك ون واس تمرار‬
‫نوعيته فيها‪ ،‬وهي نصوص في إباحة اإليثار تقابل النصوص التي تحرم ذلك‬
‫فتعتبر هذه النصوص المبيحة مخصصة لتلك المحرمة‪.‬‬
‫‪ -5‬فإن القاعدة الشرعية أنه إذا أشكل علينا حكم أمر من األمور نظرنا إلى آثاره‬
‫ونتائجه وإ لى مفاسده ومضاره أو مصالحه ومنافعه فإذا تجلت نتائجه وعرفت‬
‫عواقبه أمكننا تص وره والحكم على الش يء ف رع عن تص وره وحينئذ أمكننا‬
‫الحكم الش رعي فيه من الحالل أو الحرمة ومن الوج وب أو االمتن اع بحسب‬
‫أحواله ف إن الدين اإلسالمي ج اء لتحقيق المص الح ودفع المضار فمتى تحققت‬
‫المصلحة خالصة أو رجحت على المفسدة فهناك اإلباحة والجواز‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) كشاف القناع ‪.6/155‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه مسلم في اإليمان باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق (‪.1/124 )140‬‬

‫‪201‬‬
‫وإ ن تحققت المفس دة خالصة أو رجحت على المص لحة فهن اك المنع والتح ريم‬
‫وهذه قاعدة شرعية عامة تسندها النصوص الكريمة ويدعمها المعنى العام الذي جاء‬
‫من أجله هذا الدين القيم‪.‬‬
‫قال تعالى في المصالح الخالصة‪  :‬قل من حرم زينة اهلل التي أخرج لعباده‬
‫والطيبات من الرزق ‪[ ‬األعراف‪ ,]32 :‬وقال تعالى في المفاسد الخالصة‪  :‬قل إنما‬
‫حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ‪[ ‬األعراف‪.]33 :‬‬
‫وق ال فيما ت رجحت مص لحته‪  :‬وال تجعل وا اهلل عرضة أليم انكم أن ت بروا‬
‫‪‬‬ ‫وتتقوا وتصلحوا بين الناس ‪[ ‬البقرة‪ ،]224 :‬وق ال فيما ترجحت مفس دته‪:‬‬
‫ويس ألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كب ير ومن افع للن اس وإ ثمهما أك بر من‬
‫نفعهما ‪[ ‬البقرة‪.]219 :‬‬
‫وبمثل هذه النصوص الكريمة والقواعد العامة نس تطيع بكل طمأنينة وبكل ثقة‬
‫أن نحكم على األش ياء بالحل والحرمة والوج وب والمن ع‪ :‬ف إذا علمنا رضا ص احب‬
‫العضو الم نزوع وموافقته في ح ال هو متص رف بنفسه وعلمنا ض رورة الم ريض‬
‫إلى ذلك العضو وق ال األطب اء الثق ات أنه باإلمك ان ن زع عضو من ه ذا اإلنس ان‬
‫وتركيبه في ه ذا اإلنس ان اآلخر بال ض رر كب ير يلحق الم نزوع وبنج اح محقق أو‬
‫م ترجح في حق ال ذي س يركب فيه وإ ن المع دات واألجه زة موج ودة علمنا من‬
‫النصوص الكريمة ومن القواعد الشرعية العامة أن الشرع الشريف يبيح نقل عضو‬
‫إنس ان غ ير متضرر من نقله منه كث يراً إلى آخر في ض رورة ماسة إلى ذلك العضو‬
‫وأنه عمل مباح ال إثم فيه وال حرج‪.‬‬
‫وأنه صار فيه إيثار كبير من المعطي سينال من أجله إذا دخلته النية الصالحة‬
‫إلنقاذ هذا اإلنسان أجراً كبيراً وثواب اً عظيم اً وإ ن كان قريبه فهذا هو أرقى مراتب‬
‫ال بر واإلحس ان‪ ،‬أما اآلخر المعطي ففي تق دير اهلل تع الى وت دبيره قد أنق ذت حياته‬
‫المهددة واطمأنت نفسه وقد تكون هذه الحياة الباقية أفضل أيام حياته صالحاً وتقى‪،‬‬

‫‪202‬‬
‫وحصل للق ائمين على ذلك والمنف ذين لـه محم دة كب يرة ومفخ رة عالية وإ حس اناً إلى‬
‫هذا اإلنسان الواقف بين الحياة والموت واهلل ال يضيع أجر المحسنين(‪.)1‬‬

‫أمثلة في اعتبار الشرع مصلحة حفظ الروح واألعضاء مقدمة على ما سواهما‪:‬‬
‫قال اإلمام المحدث الفقيه سلطان العلماء عز الدين بن عبد السالم السلمي‪:‬‬
‫‪ " -‬وأما ما ال يمكن تحصيل مصلحته إال بإفساد بعضه فكقطع اليد المتآكلة حفظاً‬
‫للروح إذا كان الغالب السالمة‪ ،‬فأنه يجوز قطعها وإ ن كان إفساد لها‪ ،‬لما فيه‬
‫من تحصيل المصلحة الراجحة وهو حفظ الروح " (‪.)2‬‬
‫‪ " -‬ولو اض طر إلى أكل النجاس ات وجب عليه أكله ا‪ ،‬ألن مفس دة ف وات النفس‬
‫واألعضاء أعظم من مفسدة أكل النجاسات "‪.‬‬
‫‪ " -‬وإ ذا وجد المض طر إنس اناً ميت اً أكل لحم ه‪ ،‬ألن المفس دة في أكل لحم ميت‬
‫اإلنسان أقل من المفسدة في فوت حياة اإلنسان " (‪.)3‬‬
‫‪ " -‬وجاز التداوي بالنجاسات إذا لم يجد طاهراً يقوم مقامها‪ ،‬ألن مصلحة العافية‬
‫والسالمة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة " (‪.)4‬‬
‫‪ " -‬ولو ك ان في الس فينة م ال أو حي وان مح ترم‪ ،‬ل وجب إلق اء الم ال‪ ،‬ثم الحي وان‬
‫المح ترم‪ ،‬ألن المفس دة في ف وات األم وال والحيوان ات المحترمة أخف من‬
‫المفسدة في فوات أرواح الناس " (‪.)5‬‬
‫‪ " -‬نبش األم وات مفس دة محرمة لما فيه من انته اك ح رمتهم‪ ،‬لكنه واجب إذا‬
‫دفنوا بغير غسل أو وجهوا إلى غير القبلة‪ ،‬ألن مصلحة غسلهم وتوجههم إلى‬
‫القبلة أعظم من توقيرهم بترك نبشهم " (‪.)6‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) بحث‪ :‬زراعة األعضاء اإلنسانية في جسم اإلنسان‪ :‬فضيلة الشيخ عبداهلل العبد الرحمن البسام (مجلة‬
‫المجمع الفقهي السنة األولى العدد األول‪ ،‬ص‪.)19 – 16‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) قواعد األحكام‪ :‬للعز بن عبد السالم ‪.1/87‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) المرجع السابق ‪.1/89‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) المرجع السابق ‪.1/90‬‬
‫‪5‬‬
‫) ) المرجع السابق ‪.1/91‬‬
‫‪6‬‬
‫) ) المرجع السابق ‪.1/96‬‬

‫‪203‬‬
‫‪ " -‬وإ ن دفن وا في أرض مغص وبة ج از نقلهم‪ ،‬ألن حرمة م ال الحي أكد من‬
‫حرمة الميت " (‪.)1‬‬
‫‪ " -‬وك ذلك شق ج وف الم رأة على الج نين المرجو حيات ه‪ ،‬ألن حفظ حياته أعظم‬
‫مصلحة من مفسدة انتهاك حرمة أمه " (‪.)2‬‬
‫‪ " -‬ذبح الحي وان الم أكول للتغذية مفس دة في حق الحي وان‪ ،‬لكنه ج از تق ديماً‬
‫لمصلحة بقاء اإلنسان على مصلحة بقاء الحيوان " (‪.)3‬‬
‫وهك ذا نجد أن قواعد الش ريعة تنظر إلى مص لحة حفظ ال روح والنفس‬
‫واألعض اء والعافية والس المة‪ ،‬ومص لحة بق اء اإلنس ان‪ ،‬كمص لحة راجح ة‪ ،‬كما هو‬
‫مقرر في األمثلة السابقة وأشباهها‪.‬‬

‫اعتراضات والرد عليها ‪:‬‬


‫‪ -‬ما الحكم= مع وجود التمثيل ‪:‬‬
‫قد يع ارض بعض الن اس فيق ول‪ :‬إن نقل عضو من إنس ان آلخر ما هو إال‬
‫تمثيل ويستدل على منعه بما يلي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬التمثيل منهي عنه فالنص وص الكريمة تحرمه ق ال ‪ ‬في وص اياه لق واده في‬
‫ولما مثَّل المش ركون‬ ‫( )‬
‫الح رب‪ " :‬وال تمثل وا " ‪ 4‬يع ني في قتلى المش ركين‪َّ ،‬‬
‫يوم أحد بعمه حمزة وقتلى المسلمين قال‪ " :‬واهلل ألمثلن بسبعين سيداً منهم "‬
‫(‪ )5‬فأنزل اهلل تعالى‪  :‬ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ‪[ ‬النحل‪.]126 :‬‬
‫‪‬‬ ‫ثانياً‪ :‬إن فيه تغيير لخلق اهلل تعالى واهلل يقول في حق وسوسة الشيطان‪:‬‬
‫وآلم رنهم فليغ يرن خلق اهلل ‪[ ‬النس = = ==اء‪ ]119 :‬واهلل تع الى ذكر أنه خلق‬

‫‪1‬‬
‫) ) المرجع السابق ‪/1‬نفس الموضع‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المرجع السابق ‪.1/97‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) المرجع السابق ‪.1/98‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) سبق تخريج الحديث قريباً‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) أخرجه البزار والبيهقي في شعب اإليمان (‪ ،7/120 )9703‬والطبراني (‪ ،3/143 )2937‬رفعه صالح‬
‫بن بشير المزني وهو ضعيف (مجمع الزوائد ‪.)6/119‬‬

‫‪204‬‬
‫اإلنسان في أحسن تقويم‪ ،‬وأنه فضله على كثير من خلق تفضيالً‪ ،‬وأنه سواه‬
‫فعدله‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬إن هذا العمل ما هو إال تغيير لهذا الخلق السوي والتركيب الحكيم وإ ن كل‬
‫ج زء من أج زاء الب دن وعض واً من أعض ائه له وظائفه وله دوره اله ام في‬
‫حي اة اإلنس ان وانتظ ام ص حته وبق اء عافيته وأنه إذا فقد ش يئاً من ذلك اختلت‬
‫ص حته وس اءت عافيته ف الحكيم الخب ير خلق اإلنس ان وص وره وشد أس ره‬
‫وخلقه ‪ ‬وفي أنفس كم أفال تبص رون ‪[ ‬ال= ==ذاريات‪ ]21 :‬فاالعت داء على ه ذا‬
‫الخلق المحكم ما هو إال ه دم له ذا البن اء المتقن وتخ ريب ل ذلك التص ميم‬
‫الوثيق‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬إن في هذا إيالماً وتعذيباً للمأخوذ منه والمعطى وكل تصرف في األبدان‬
‫يؤذي ويؤلم فإنه من األمور المحرمة المنهي عنها فاهلل تعالى حرم الدماء إال‬
‫بحقها‪.‬‬
‫ويجاب عن تلك األدلة المعارضة بما يلي‪:‬‬
‫إننا نس لم أن ه ذا ن وع من التمثيل منهي عنه ش رعاً ونس لم – أيض اً – ب أن فيه‬
‫ش يئاً من تغي ير خلق اهلل تع الى واهلل تع الى ذكر أن ه ذا من عمل الش يطان وإ يحاءاته‬
‫الخبيثة وال شك أيض اً أن في ذلك إيالم اً ش ديداً لمن أخذ منه العضو ولمن ركب فيه‬
‫العض و‪ ،‬كل ه ذا ص حيح مس لم فيه إال أننا نس تطيع اإلجابة على ه ذه االعتراض ات‬
‫باألمور اآلتية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إن ه ذا التمثيل ال يمكن أن يق ارن بما يعمل في الح روب والمع ارك ف إن ذلك‬
‫يختلف عن ه ذا تم ام المخالفة ذلك أن تمثيل الح روب يك ون بج دع األن وف‬
‫واآلذان وشق البط ون وقطع األجه زة التناس لية وتش ويه الجثة وإ بق اء ذلك‬
‫التش ويه الش نيع والتمثيل الفظيع أما نقل عضو من الب دن فهو يتبع بعملي ات‬
‫التجميل وإ خفاء اآلثار بحيث ال يحس وال يرى‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫ثانياً‪ :‬إن دوافع التمثيل في الحروب هو االنتقام والتشفي والبغضاء والعداء‪ ،‬أما‬
‫هذا فدافعه الرحمة والعطف والحنان من شخص محب مؤثر إلنقاذ ق ريب أو‬
‫صديق أو حبيب مهددة حياته بالتلف‪ :‬ففرق بين الدافعين‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬أن هذا المسمى تمثيالً جار – اآلن – بين األطباء في عموم المستشفيات‬
‫ال تي تحت إش راف المس لمين أو تحت إش راف غ يرهم‪ ،‬إال أنه يك ون بنقل‬
‫ج زء من الب دن إلى موضع آخر منه فكث يراً ما تؤخذ الش رايين من الس اق أو‬
‫من غ يره إلس عاف القلب أو غ يره به ولم يعت بر ه ذا عند عم وم المس لمين‬
‫تمثيالً وتشويهاً يتحاشاه الناس‪ ،‬وإ نما اعتبر ذلك نجاح اً كبيراً في عالم الطب‬
‫وغوثاً مفيداً لحياة المرضى المقعدين‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬أن علماء المسلمين قد أجازوا شق بطن المرأة الميتة في حالة وجود مصلحة‬
‫محققة أو راجحة ومن ذلك ما قاله العلم اء في الحامل إذا م اتت وفي بطنها‬
‫ج نين حي فإنه يشق بطن أمه إلخراجه حي اً والتمثيل ب الميت كالتمثيل ب الحي‬
‫من حيث الحرمة والمنع‪.‬‬
‫قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه اهلل تعالى‪:‬‬
‫" ويغلب على الظن أن الفقه اء لو ش اهدوا ت رقى الطب وفن الجراحة‬
‫لحكموا بجواز شق بطن الحامل بمولود حي وإ خراجه " ويريد رحمه اهلل –‬
‫بطن الحامل الحية – أما الميتة ق الوه وص رحوا ب ه‪ ،‬وقد أص بح اآلن شق‬
‫بطن الحامل الحية – ع ادة – يج ري لمج رد التخلص من ألم ال والدة أو‬
‫االبقاء على المتعة الجنسية لسهولة أمر الشق وتحقق نجاحه ومع هذا فإننا ال‬
‫نحبذه وال نجيزه بدون عرض صحيح ومصلحة ظاهرة‪.‬‬
‫خامس اً‪ :‬نعود في مثل هذا األمر إلى القواعد الشرعية التي قدمت اإلشارة إليها من‬
‫وزن األمور‪ ،‬واألحوال بميزان المصالح والمفاسد خالصة أو راجحة‪.‬‬
‫ف إذا نص بنا ه ذا الم يزان الش رعي واستعرض نا المفاسد المترتبة على نقل‬
‫العضو وجدنا أن دعوى التمثيل وتغيير خلق اهلل الذي أتقنه ونزع أعضاء لم توضع‬
‫إال لمنافعها الخاصة ووظائفها الالزمة‪ ،‬وأن في هذا إيالماً وتعذيباً‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫فه ذه هي المفاسد والمض ار ال تي يمكن أن يع ارض النقل ولكننا نس تطيع أن‬
‫نجيب على ه ذه المفاسد المتوهمة ب أن ه ذا التمثيل الخفيف داعية الرحمة ولم يكن‬
‫داعية الحقد المنهي عنه وإ ن ه ذا التمثيل يج ري بع ده عملية التجميل والتحس ين بما‬
‫ال تدع له أثراً وال عاقبة‪.‬‬
‫وأما أنه تغي ير لخلق ف التغيير المنهي هو ما ك ان يعتق ده أهل الجاهلة من أنهم‬
‫إذا علم وه في أنع امهم بتخريق آذانها وج دع أنوفها وتح ريم ركوبها تمويه اً من‬
‫الش يطان لتك ون س ائبة لتس لم بقية أنع امهم من العين ويكتف ون به ذا عن حسد الحاسد‬
‫ونحو ذلك من االعتق ادات الفاس دة‪ ،‬وهي بعي دة عن ه ذا المع نى ال ذي لم يقصد به‬
‫تغيير خلق ولم يكن من إيحاء الشيطان ووسوسته‪ ،‬وإ نما يقصد منه اإلصالح وإ نقاذ‬
‫األنفس البش رية ال واجب إنقاذها ثم ليس هو من تمويه كه ان أو دجاجلة وإ نما ج اء‬
‫ذلك من ثمار العلوم وإ عمال العقول ونتائج التجارب وتحقق المصالح‪.‬‬
‫ثم إن إجراءها بواسطة األطباء المهرة واألجهزة الفنية الدقيقة مما يدعو بقين اً‬
‫إلى سالمة العاقبة وحصول المطلوب‪.‬‬
‫وبما تق دم علمنا انتف اء المفاسد أو ض آلتها وتحقق المص الح الكب يرة الراجحة‬
‫وتيسير التنفيذ وسهولته‪.‬‬
‫وبهذا يعتقد بكل ثقة واطمئنان على أن المشرع الحكيم ال يقف في سبيل تحقق‬
‫مص الح عظيمة ب دون مض ار ت ذكر وإ نما الش رع المطهر الخالد س يحث على إنق اذ‬
‫حياة المتضررين وإ سعاف المحتاجين‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ -‬قد يعارض أحد في نجاسة العضو المنزوع بما يلي‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬بعض العلم اء ي رى نجاسة ميتة اآلدمي وه ذا الج زء م نزوع منه وما أبين من‬
‫ارة ونجاسة فكيف يوضع عضو نجس العين ال يمكن‬ ‫حي فهو كميته طه‬
‫تطهيره وكيف تؤدى العبادات التي من شرط أدائها الطهارة‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫ثاني اً‪ :‬قد يك ون العضو الم نزوع من ك افر وبعض العلم اء ومنهم الظاهرية ي رون‬
‫نجاسة اآلدمي الك افر نجاسة عينية في ح ال الحي اة وفي ح ال المم ات مس تدلين‬
‫بقوله تعالى‪  :‬إنما المشركون نجس ‪[ ‬التوبة‪.]28 :‬‬
‫ثالث اً‪ :‬ج اء في مع الم التنزيل أن المس لمين لما قتل وا ي وم الخن دق نوفل بن عبداهلل بن‬
‫"‬ ‫المغيرة المخزومي فطلب المشركون جيفته بالثمن فقال رسول اهلل ‪:‬‬
‫خذوه فإنه حيث الجيفة خبيث الدية " (‪ ،)1‬مما يدل على أن جسد الكافر نجس ال‬
‫يباح نزعه ووضعه في غيره إن كان مسلماً فظاهر وإ ن كان كافراً فالنجاسات‬
‫منهي عن مالبسها واقترابها‪.‬‬

‫ولإلجابة على هذه االعتراضات واإلشكاالت نقول ‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬أن المسلم ليس بنجس ال حي اً وال ميت اً فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة‬
‫‪ ‬أن الن بي ‪ ‬لقيه في بعض ط رق المدينة وهو جنب ق ال فانخنست منه‬
‫ف ذهبت فاغتس لت ثم جئت فق ال‪ " :‬أين كنت يا أبا هري رة ق ال جنب اً فك رهت أن‬
‫أجالسك وأنا على غ ير طه ارة فق ال‪ :‬س بحان اهلل أن الم ؤمن ال ينجس " (‪،)2‬‬
‫وق ال البخ اري‪ :‬ق ال‪ :‬ق ال ابن عب اس‪ :‬المس لم ال ينجس حي اً وال ميت اً(‪ ،)3‬وأما‬
‫تغسيله بعد وفاته فليس عن نجاسة ببدنه وال عن حدث قام به إذ لو كان تغسيله‬
‫عن واحد منهما لم يفد غس له ذلك ألن الم وت الزم لـه مقيم معه فكيف يطهر‬
‫عن الح دث أو النجس وإ نما تغس يله أمر تعب دي ولعل من الحكمة الش رعية أن‬
‫يك ون الميت في حالة نظاف ة‪ ،‬فظهر أن المس لم ال ينجس حي اً وال ميت اً‪ ،‬وإ ذا‬
‫علمنا أن بدن المسلم طاهر في حال الحياة وفي حال الممات فإن جزءه البائن‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه اإلمام أحمد (‪.1/248 )2230‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الغسل باب عرق الجنب (‪ ،1/109 )281‬ومسلم في الحيض باب الدليل على أن‬
‫المسلم ال ينجس (‪.1/282 )371‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) صحيح البخاري ‪.1/422‬‬

‫‪208‬‬
‫منه ط اهر فقد ق ال العلم اء رحمهم اهلل‪ " :‬وما أبين من حي فهو كميتته طه ارة‬
‫ونجاسة " (‪.)1‬‬
‫ثانياً‪ :‬ما تقدم عن حكم طهارة المسلم حي اً أو ميت اً‪ ،‬أما الكافر فهو أيض اً طاهر البدن‬
‫حي اً وميت اً ول ذا أبيح للمس لم ال زواج بالكتابية وهو يخالطها ويجامعها وتباشر‬
‫أشياءه وأمور طهارته ولم يؤمر بالتحرز منها مما يدل على طهارتها‪.‬‬
‫أما وص فهم ب أنهم نجس باآلية الكريمة والح ديث فإنها نجاسة معنوية ب الكفر‬
‫والش رك واالعتق اد وليست نجاسة م ادة عيني ة‪ ،.‬ق ال ابن عب اس وغ يره‪ :‬الش رك هو‬
‫الذي نجسه‪.‬‬
‫وأما اغتس ال الك افر إذا أس لم ف أمر ث ابت في إس الم قيس بن عاصم وإ س الم‬
‫ثمامة بن آثال فقد أمرهما النبي ‪ ‬باالغتسال لما أسلما(‪ ،)2‬ولكن العلماء لم يروا أن‬
‫ه ذا عن نجاسة أو عن ح دث وإ نما ق ال في ش رح اإلقن اع وغ يره‪ " :‬ألن الك افر ال‬
‫يسلم غالباً من جنابة فأقيمت المظنة مقام الحقيقة " (‪.)3‬‬
‫وبهذا ظهر اإلنسان مسلماً كان أو كافراً ليس بنجس ال في حال الحياة وال في‬
‫حال الممات وإ ن ما أبين منه وقطع من أعضائه فهو طاهر بطهارة أصله‪ ،‬على ما‬
‫ص رح به العلم اء رحمهم اهلل تع الى وبه ذا خرجنا من جميع االعتراض ات ال تي قد‬
‫توجه إلى عدم إمكان نقل عضو إنسان إلى إنسان آخر حين ضرورته إليه وأنه عمل‬
‫س ليم من حيث اإليث ار به أو عدم ه‪ ،‬ومن حيث حق اهلل فيه ومن حيث كونه تم ثيالً‬
‫وتش ويهاً ومن حيث األلم والتع ذيب‪ ،‬ومن حيث طه ارة العضو من المس لم أو من‬
‫الك افر‪ ،‬وأص بح الحكم بحمد اهلل واض حاً يطمئن القلب إلى ج وازه ويرت اح من ع دم‬
‫اإلثم والحرج فيه إن شاء اهلل(‪.)4‬‬
‫‪ -‬اعتراض آخر‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) الروض المربع ‪ ،1/152‬كشاف القناع ‪.1/293‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) انظر‪ :‬سنن النسائي (المجتبى) ‪ ،1/109‬عمدة القاري ‪.12/261‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) المغني‪ :‬ابن قدامة ‪.1/133‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) بحث‪ :‬زراعة األعضاء اإلنسانية في جسم اإلنسان‪ :‬فضيلة الشيخ عبداهلل العبد الرحمن البسام (مجلة‬
‫المجمع الفقهي السنة األولى العدد األول‪ ،‬ص‪.)22‬‬

‫‪209‬‬
‫وهو أن فتح ه ذا الب اب وهو الت برع باألعض اء ي ؤدي إلى مفاسد كث يرة‬
‫ويع رض حي اة الن اس لالس تغالل والمت اجرة بها وقد ي ذكر في ه ذا الص دد ح وادث‬
‫وقعت في بعض البالد ونش رتها الص حف اق ترنت بالنصب واالحتي ال واالس تغالل‬
‫إما من المت برعين باس تغالل حاجة المرض ى‪ ،‬وإ ما من المحت اجين الط البين للت برع‬
‫باستغالل فقر المتبرعين وحاجتهم المادية فيقتضي القول بتحريم التبرع أخذاً بمبدأ‬
‫سد الذرائع‪.‬‬

‫والجواب‪:‬‬
‫ب أن أغلب الظن أن ك ثرة الفس اد في ب اب الت برع باألعض اء إنما يع ود إلى‬
‫الفوضى وعدم التحديد والوضوح ونقص الرقابة والذي يقطع الشر في هذا الباب أو‬
‫يخففه إلى الدرجة التي تكون فيها مصالحه أكثر من مفاسده إنما هو تسييجه بسياج‬
‫من القي ود(‪ )1‬والش روط ف الجواز ليس مطلق اً بل هو مقيد بش روط كث يرة ن ذكرها فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫شروط جواز التبرع باألعضاء‪:‬‬
‫أن يكون هذا العضو قد استقطع لعلة أصابت صاحبه‪ ،‬مثل عين تقرر طبي اً‬ ‫‪-1‬‬
‫إزالتها لمرضها‪ ،‬ومع ذلك يمكن االستفادة من القرنية لشخص آخر‪ ،‬فال شك‬
‫في إباحة ذل ك‪ ،‬ألن فيه منفعة إلنس ان ب دل ذه اب العين دون فائ دة لت دفن في‬
‫التراب‪.‬‬
‫أن يك ون المت برع (المعطي) كامل األهلي ة‪ ،‬أي بالغ اً ع اقالً‪ ،‬وك انت فت وى‬ ‫‪-2‬‬
‫مجمع الفقه اإلس المي رقم (‪ )1‬د ‪ 4/08/88‬بت اريخ ‪23/5/1408‬هـ هي‬
‫التي نصت صراحة على كون الباذل كامل األهلية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ ،‬ص‪.184 – 181‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) انظر‪ :‬الطبيب أدبه وفقهه ص‪ ،218 – 216‬أبحاث فقهية طبية معاصرة‪ :‬محمد نعيم ياسين ص‪– 160‬‬
‫‪ ،163‬موت الدماغ بين الطب والشريعة ص‪.205‬‬

‫‪210‬‬
‫نصت جميع الفت اوى على وج وب أن يك ون الب ذل ب دون مقاب ل‪ ،‬احتس اباً‬ ‫‪-3‬‬
‫لوجه اهلل تع الى‪ ،‬ومع ه ذا لم تم انع في إعط اء مبلغ من الم ال من قبيل الهبة‬
‫ال المعاوض ة‪ ،‬وقد نصت الق وانين الوض عية أيض اً إلى وج وب الت برع‪ ،‬ومع‬
‫ه ذا فقد س محت بإعط اء هبة تش جيعاً‪ ،‬كما أن تك اليف الفحوص ات وإ ج راء‬
‫العملية لـه ينبغي أن تتكفل بها الجهة المس تفيدة أو الدول ة‪ ،‬باإلض افة إلى ذلك‬
‫فإن إضاعة وقت المتبرع ودخوله المستشفى‪ ،‬وبقاءه في المنزل دون عمل‪،‬‬
‫ينبغي أن يحس ب‪ ،‬وأن يع وض عنه تعويض اً ع ادالً‪ ،‬ويج وز للمض طر‬
‫(الم ريض) أن يب ذل الم ال للحص ول على دم أو عضو إذا لم يجد من يت برع‬
‫له‪.‬‬
‫أن ال يضر أخذ العضو من المت برع به ض رراً يخل بحياته العادي ة‪ ،‬ألن‬ ‫‪-4‬‬
‫القاعدة الشرعية أن الضرر ال يزال بضرر مثله وال بأشد منه‪.‬‬
‫يح رم نقل عضو من إنس ان حي ي ؤدي إلى هالك ه‪ ،‬مثل نقل القلب أو‬ ‫‪-5‬‬
‫الكب د‪ ...‬الخ‪ ،‬ألن ذلك انتح ار وقتل نفس‪ ،‬وكالهما من أبشع الج رائم في‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫أب اح بعض الفقه اء نقل قرينة واح دة من إنس ان حي إلى ش خص أعمى‪،‬‬ ‫‪-6‬‬
‫بحيث يس تطيع أن يبص ر‪ ،‬وتوقف بعض الفقه اء في ذل ك‪ ،‬ومنعه بعض هم‪،‬‬
‫ألن فيه ضرراً بالغاً بالمتبرع‪.‬‬
‫أن يك ون زرع العضو هو الوس يلة الطبية الوحي دة الممكنة لمعالجة‬ ‫‪-7‬‬
‫المض طر‪ ،‬وه ذا الش رط قد ال يتحقق في زرع الكلى‪ ،‬فالفشل الكل وي يع الج‬
‫بطريقتين‪:‬‬
‫‪ -1‬الديلزة (الغسيل الكلوي)‪.‬‬
‫‪ -2‬زرع الكلى‪.‬‬
‫وزرع الكلى أفضل في نتائجه في الغ الب من ال ديلزة‪ ،‬وإ ن ك انت‬
‫الديلزة ضرورية جداً قبل إجراء العملية‪ ،‬ويحتاج إليها بعد إجرائها لفترات‬

‫‪211‬‬
‫متقطعة في كث ير من الح االت‪ ،‬كما يحت اج إليها عند فشل عميلة زرع الكلى‬
‫بسبب الرفض أو لغير ذلك من األسباب‪.‬‬
‫أن يك ون المس تقبل (‪( )Recepient‬أي اآلخذ للعضو أو ال دم) مض طراً‪،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫ألخذ العض و‪ ،‬والمض طر من تك ون حياته مه ددة ب الموت‪ ،‬إن لم يقم ب ذلك‬
‫الفعل‪.‬‬
‫أن يك ون نج اح كل من عملي تي ال نزع وال زرع محقق اً في الع ادة أو غالب اً‪،‬‬ ‫‪-9‬‬
‫ولذا ال يجوز إجراء زرع األعضاء في األمور التجريبية على اإلنسان‪ ،‬وال‬
‫بد أن تتم ه ذه العملي ات على حيوان ات التج ارب ح تى تحقق نس بة نج اح‬
‫عالية‪.‬‬
‫أن يكون إعطاء العضو طوعاً من المتبرع دون إكراه مادي أو معنوي‪.‬‬ ‫‪-10‬‬
‫أال يؤدي االستقطاع إلى فتنة‪.‬‬ ‫‪-11‬‬
‫أن يك ون تنفيذ عملي ات غ رس األعض اء تحت إش راف مؤسس ات رس مية‬ ‫‪-12‬‬
‫مؤهلة علمياً وخلقياً للتحقق من الشروط والمسوغات‪.‬‬
‫أن ال يك ون الت برع س بب أكيد لإلس اءة إلى الكرامة مث ل‪ :‬إذا ك ان الت برع‬ ‫‪-13‬‬
‫بالعضو لجهة يغلب على ظن المت برع أنها تتجر ب أجزاء الجسد اإلنس اني‬
‫وتستغل حاجة المرضى وتتخذ ذلك أسلوباً للربح‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪ -4‬مسائل متعلقة بموضوع التبرع باألعضاء ‪:‬‬
‫حكم بيع األعضاء ‪:‬‬
‫ونحب أن ننبه هنا على أن الق ول بج واز الت برع باألعض اء ال يقتضي الق ول‬
‫بجواز بيعها‪ ،‬ألن البيع كما عرفه الفقهاء مبادلة مال بمال بالتراضي‪ ،‬وبدن اإلنسان‬
‫ليس بم ال‪ ،‬ح تى ي دخل دائ رة المعاوضة والمس اومة‪ ،‬وتص بح أعض اء الجسد‬
‫اإلنس اني محالً للتج ارة وال بيع والش راء‪ ،‬وهو ما ح دث لألسف في بعض األقط ار‬

‫‪1‬‬
‫(?) أجاب وأفتى في هذه المسائل فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه القيم‪ :‬فتاوي معاصرة ‪– 2/534‬‬
‫‪.540‬‬

‫‪212‬‬
‫الفق يرة‪ ،‬حيث ق امت س وق أش به بس وق النخاس ين‪ ،‬لش راء أعض اء الفق راء‬
‫والمستض عفين من الن اس‪ ،‬لحس اب األغني اء‪ ،‬ونفقت ه ذه التج ارة الخسيسة ال تي‬
‫دخلتها " مافيا " جديدة تنافس " مافيا " المخدرات‪.‬‬
‫ولكن لو بذل المنتفع بالتبرع للشخص المتبرع مبلغ اً من المال غير مشروط‬
‫وال مسمى من قبل‪ ،‬على سبيل الهبة والهدية والمساعدة‪ ،‬فهو جائز‪ ،‬بل هو محمود‬
‫ومن مكارم األخالق‪ ،‬وهذا نظير إعطاء المقرض عند رد القرض أزيد من قرضه‬
‫دون اش تراط س ابق‪ ،‬فهو مش روع ومحم ود‪ ،‬وقد فعله الن بي ‪ ،‬حيث رد أفضل مما‬
‫أخذ‪ ،‬وقال‪ " :‬إن خياركم أحسنكم قضاء " (‪.)1‬‬

‫هل تجوز الوصية بجزء من البدن بعد الموت؟‬


‫وإ ذا جاز للمسلم التبرع بجزء من بدنه مما ينفع غيره وال يضره‪ ،‬فهل يجوز‬
‫له أن يوصي بالتبرع بمثل ذلك بعد موته؟‬
‫وال ذي يتضح لي أنه إذا ج از لـه الت برع ب ذلك في حيات ه‪ ،‬مع احتم ال أن‬
‫يتضرر بذلك وإ ن كان احتماالً مرجوحاً فال مانع أن يوصي بذلك بعد موته‪ ،‬ألن في‬
‫ذلك منفعة خالصة للغير‪ ،‬دون احتمال أي ضرر عليه‪ ،‬فإن هذه األعضاء تتحلل بعد‬
‫أيام ويأكلها التراب‪ ،‬فإذا أوصى ببذلها للغير قربة إلى اهلل تعالى‪ ،‬فهو مثاب ومأجور‬
‫على نيته وعمله‪ ،‬وال دليل من الشرع على تحريم ذلك‪ ،‬واألصل اإلباحة‪ ،‬إال ما منع‬
‫منه دليل صحيح صريح‪ ،‬ولم يوجد‪.‬‬
‫وقد قال عمر ‪ ‬في بعض القضايا لبعض الصحابة‪ " :‬لم تمنع أخاك ما ينفعه‬
‫وهو لك نافع ؟ " (‪ )2‬وهذا ما يمكن أن يقال مثله هنا لمن منع ذلك‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬إن هذا يتنافى مع حرمة الميت التي يرعاها الشرع اإلسالمي‪ ،‬وقد‬
‫جاء في الحديث‪ " :‬كسر عظم الميت ككسر عظم الحي " (‪.)3‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الوكالة باب وكالة الشاهد والغائب (‪.2/809 )2182‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه مالك في الموطأ (‪.2/746 )1431‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في الجنائز باب في الصالة على المسلم (‪ ,3/212 )3207‬وابن ماجة في الجنائز باب‬
‫في النهي عن كسر عظام الميت (‪ ,1/516 )1616‬واإلمام أحمد (‪ ,6/100 )24730‬وابن حبان في صحيحه‬

‫‪213‬‬
‫ونق ول‪ :‬إن أخذ عضو من جسم الميت ال يتن افى مع ما هو مق رر لحرمته‬
‫شرعاً‪ ،‬فإن حرمة الجسم مصونة غير منتهكة‪ ،‬والعملية تجري لـه كما تجري للحي‬
‫بكل عناية واحترام دون مساس بحرمة جسده‪.‬‬
‫على أن الحديث إنما جاء في كسر العظم‪ ،‬وهنا ال مساس بالعظم‪ ،‬والمقصود‬
‫منه هو النهي عن التمثيل بالجث ة‪ ،‬والتش ويه له ا‪ ،‬والعبث به ا‪ ،‬كما ك ان يفعل أهل‬
‫الجاهلية في الحروب‪ ،‬وال زال بعضهم يفعلها إلى اليوم‪ ،‬وهو ما ينكره اإلسالم وال‬
‫يرضاه‪.‬‬
‫وال يعترض معترض بأن السلف لم يؤثر عنهم فعل شيء من ذلك‪ ،‬وكل خير‬
‫في اتباعهم‪ ...‬فهذا صحيح لو ظهرت لهم حاجة إلى هذا األمر‪ ،‬وقدروا عليه‪ ،‬ولم‬
‫يفعل وه‪ ،‬وكث ير من األعم ال ال تي نمارس ها الي وم لم يفعلها الس لف‪ ،‬ألنها لم تكن في‬
‫زمنهم‪.‬‬
‫والفت وى تتغ ير بتغ ير الزم ان والمك ان والع رف والح ال‪ ،‬كما ق رر ذلك‬
‫المحقق ون‪ ،‬وكل ما يمكن وض عه هنا من قيد هو أال يك ون الت برع بالجسم كل ه‪ ،‬أو‬
‫ب أكثر أو بما دون ذل ك‪ ،‬مما يتن افى مع ما هو مق رر للميت من أحك ام‪ ،‬من وج وب‬
‫تغس يله وتكفينه والص الة علي ه‪ ،‬ودفنه في مق ابر المس لمين‪ ...‬الخ‪ ،‬والت برع ببعض‬
‫األعضاء ال يتنافى مع شيء من ذلك بيقين (‪.)1‬‬
‫هل يجوز لألولياء والورثة التبرع بجزء من ميتهم ؟‬
‫وإ ذا جاز تبرع الميت ببعض أعضائه عن طريق الوصية‪ ،‬فهل يجوز لورثته‬
‫وأوليائه أن يتبرعوا عنه بمثل ذلك؟‬
‫قد يق ال‪ :‬إن الجسم الميت ملك ص احبه‪ ،‬وليس ملك أوليائه وورثت ه‪ ،‬ح تى‬
‫يك ون لهم حق التص رف فيه أو الت برع ببعض ه‪ ،‬ولكن الميت بعد موته لم يعد أهالً‬
‫للمل ك‪ ،‬فكما أن ماله انتقل ملكه إلى ورثته ك ذلك يمكن الق ول ب أم جسم الميت قد‬

‫(‪.7/437 )3167‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) فتاوي معاصرة ‪.2/535‬‬

‫‪214‬‬
‫أصبح من حق األولياء أو الورثة‪ ،‬ولعل منع الشرع من كسر عظم الميت أو انتهاك‬
‫حرمة جثته‪ ،‬إنما هو رعاية لحق الحي أكثر مما هو رعاية لحق الميت‪.‬‬
‫وقد جعل الش ارع لألولي اء الحق في القص اص أو العفو في حالة القتل العم د‪،‬‬
‫كما ق ال تع الى‪  :‬ومن قتل مظلوم اً فقد جعلنا لوليه س لطاناً فال يس رف في القتل إنه‬
‫كان منصوراً ‪[ ‬اإلسراء‪.]33 :‬‬
‫وكما أن لهم حق القص اص عنه إن ش اءوا‪ ،‬أو المص الحة على الدية أو ما هو‬
‫أقل أو أك ثر منه ا‪ ،‬أو العفو المطلق لوجه اهلل تع الى‪ ،‬عف واً كلي اً أو جزئي اً‪ ،‬كما ق ال‬
‫تعالى‪  :‬فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ‪[ ‬البقرة‪:‬‬
‫‪.]178‬‬
‫ال يبعد أن يك ون لهم حق التص رف في ش يء من بدن ه‪ ،‬بما ينفع الغ ير وال‬
‫يضر الميت‪ ،‬بل قد يس تفيد منه ثواب اً‪ ،‬بق در ما أف اد اآلخ رين من المرضى‬
‫والمتض ررين وإ ن لم يك ون لـه فيه ني ة‪ ،‬كما يث اب في حياته على ما أكل من زرعه‬
‫من إنس ان أو طير أو بهيم ة‪ ،‬وما أص ابه من نصب أو وصب أو حزن أو أذى حتى‬
‫الش وكة يش اكها‪ ...‬وكما ينتفع بعد موته ب دعاء ول ده خاصة ودع اء المس لمين عامة‬
‫وبص دقتهم عن ه‪ ..‬وقد ذكرنا أن الص دقة ببعض الب دن أعظم أج راً من الص دقة‬
‫بالمال‪.‬‬
‫ومن هنا أرى أنه ال م انع من ت برع الورثة ببعض أعض اء الميت‪ ،‬مما يحت اج‬
‫إليه بعض المرضى لعالجهم كالكلية والقلب ونحوهم ا‪ ،‬بنية الص دقة ب ذلك عن‬
‫الميت‪ ،‬وهي صدقة يستمر ثوابها ما دام المريض المتبرع له منتفعاً بها(‪.)1‬‬
‫زرع عضو من كافر لمسلم ‪:‬‬
‫أما زرع عضو من غ ير مس لم في جسم إنس ان مس لم فال م انع من ه‪ ،‬وأعض اء‬
‫اإلنسان ال توصف بإسالم وال كفر‪ ،‬وإ نما هي آالت لإلنسان‪ ،‬يستخدمها وفق اً لعقيدته‬
‫ومنهاجه في الحي اة‪ ،‬ف إذا انتقل العضو من ك افر إلى مس لم‪ ،‬فقد اص بح ج زءاً من‬

‫‪1‬‬
‫(?) فتاوي معاصرة ‪.2/536‬‬

‫‪215‬‬
‫كيانه‪ ،‬وأداة له في القيام برسالته‪ ،‬كما أمر اهلل تعالى‪ ،‬فهذا كما لو أخذ المسلم سالح‬
‫الكافر وقاتل به في سبيل اهلل‪.‬‬
‫بل قد نقول‪ :‬إن األعضاء في بدن الكافر مسلمة مسبحة ساجدة هلل تعالى‪ ،‬وفق‬
‫المفه وم القرآني‪ ،‬أن كل ما في الس ماوات واألرض ساجد مس بح هلل تع الى‪ ،‬ولكن ال‬
‫تفقه ون تس بيحهم‪ ،‬فالص واب إذن أن كفر الش خص أو إس المه ال ي ؤثر في أعض اء‬
‫بدن ه‪ ،‬حتى القلب نفس ه‪ ،‬الذي ورد وص فه في القرآن بالس المة والم رض‪ ،‬واإليم ان‬
‫وال ريب‪ ،‬والم وت والحي اة‪ ،‬فالمقص ود به ذا ليس هو العضو المحس ال ذي ي دخل في‬
‫اختصاص األطباء والمحللين‪ ،‬فإن هذا ال يختلف باختالف اإليمان والكفر والطاعة‬
‫والمعص ية‪ ،‬إنما المقص ود به (المع نى) ال روحي‪ ،‬ال ذي به يش عر اإلنس ان ويعقل‬
‫ويفقه‪ ،‬كما قال تعالى‪  :‬فتكون لهم قلوب يعقلون بها ‪[ ‬الحج‪  ،]46 :‬لهم قلوب ال‬
‫يفقهون بها ‪[ ‬األعراف‪ ،]179 :‬وقوله تعالى‪  :‬إنما المشركون نجس ‪[ ‬التوبة‪،]28 :‬‬
‫ال ي راد به النجاسة الحس ية ال تي تتصل باألب دان بل النجاسة المعنوية ال تي تتصل‬
‫بالقلوب والعقول ولهذا ال يوجد حرج شرعي من انتفاع المسلم بعضو من جسد غ ير‬
‫المسلم(‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) فتاوي معاصرة ‪.2/538‬‬

‫‪216‬‬
‫المبحث الثامن‬

‫إجهاض الجنين المشوه‪ ،‬أو الناتج عن اغتصاب‬

‫تعريف الجنين ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫(‪)1‬‬
‫في اللغة‪ :‬الجنين مشتق من جن أي استتر ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قال ابن منظور‪ :‬كل مستور جنين(‪.)2‬‬ ‫‪-‬‬
‫والجنين‪ :‬الولد في البطن‪ ،‬من األجنان وهو الستر ألنه أجنه بطن أمه أي‬ ‫‪-‬‬
‫ستره‪ ،‬والجمع أجنة وأجنن(‪ ،)3‬قال تعالى‪  :‬وإ ذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم‬
‫‪[ ‬النجم‪.]32 :‬‬
‫ويعرف الفقهاء الجنين بنفس تعريف علماء اللغة‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫(‪)4‬‬
‫قال الشيخ منصور البهوتي‪ " :‬الجنين‪ :‬الولد في البطن " ‪.‬‬
‫وقال ابن عابدين‪ " :‬الجنين‪ :‬فعيل لمعنى مفعول من جنة إذا ستره وهو الولد‬
‫ما دام في الرحم " (‪.)5‬‬

‫‪ )?(1‬لسان العرب‪ :‬مادة جنن ‪ ،13/94‬القاموس المحيط‪ :‬مادة جن ‪.1/1532‬‬


‫‪ )?(2‬لسان العرب‪ :‬مادة جنين ‪.13/94‬‬
‫‪ )?(3‬القاموس المحيط‪ :‬مادة جن ‪.1/1532‬‬
‫‪ )?(4‬شرح منتهى اإلرادة ‪ ،3/304‬كشاف القناع ‪.6/23‬‬
‫‪ )?(5‬حاشية ابن عابدين ‪.6/587‬‬

‫‪217‬‬
‫‪ -‬وجنين اآلدمي‪ :‬هو المخلوق الذي يتكون في رحم المرأة نتيجة تالقح بويضتها‬
‫مع الحيوان المنوي الذي يحتوي عليه ماء الرجل‪ ،‬ويطلق اسم الجنين على‬
‫هذا المخلوق ما دام في رحم أمه لتحقق استتاره فيه‪ ،‬فيشمل جميع مراحله من‬
‫حين تكونه إلى وقت والدته(‪.)1‬‬

‫‪ -2‬تعريف اإلجهاض ‪:‬‬


‫لغة‪ :‬قال ابن منظور‪ :‬جهض أجهض الناقة إجهاضاً وهي مجهض‪ :‬ألقت‬
‫ولدها(‪.)2‬‬
‫واإلجهاض‪ :‬اإلزالق‪ ،‬ومنه الحديث " فأجهضت جنينها " أي أسقطت حملها‪،‬‬
‫والسقط جهيض(‪.)3‬‬
‫أما اصطالحاً فقد عرف ابن عابدين اإلجهاض بقوله‪ :‬هو إنزال الجنين قبل‬
‫أن يستكمل مدة الحمل‪ ،‬وقال ابن حزم‪ :‬اإلسقاط‪ :‬المرأة تتعمد قتل جنينها(‪.)4‬‬
‫هذا وقد عبر الفقهاء عن اإلجهاض بألفاظ متعددة منها‪ :‬اإلنزال‪ ،‬االمالص‪،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫اإلخراج‪ ،‬اإلسقاط‪ ،‬اإللقاء‪ ،‬الطرح‪...‬‬

‫‪ -3‬أسباب اإلجهاض ‪:‬‬


‫أس باب اإلجه اض كث يرة‪ :‬منها ما يتعلق بالحامل (تش وهات ال رحم‪،‬‬
‫االضطرابات الهرمونية‪ ،‬قصور القلب‪ ،‬اآلفات العصبية وغيرها)‪.‬‬
‫ومنها أسباب تتعلق بالجنين نفسه كأن يكون مصاباً بتشوهات خلقية‪.‬‬

‫‪ )?(1‬أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد نعيم ياسين‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫‪ )?(2‬لسان العرب‪ :‬مادة جهض ‪.7/131‬‬
‫‪ )?(3‬النهاية في غريب األثر‪ :‬مادة جهض ‪.1/322‬‬
‫‪ )?(4‬المحلى ‪ ،11/29‬حاشية ابن عابدين ‪.6/587‬‬
‫‪ )?(5‬الموسوعة الطبية الفقهية‪ :‬أحمد محمد كنعان ص ‪ ،42‬والموسوعة الفقهية الكويتية ‪.2/52‬‬

‫‪218‬‬
‫ومعظم حاالت اإلجهاض تحصل بصورة عفوية دون تحريض خارجي‬
‫وسببها في الغالب وجود تشوهات َخلقيَّة في الجنين‪ ،‬وبهذا يكون اإلجهاض العفوي‬
‫رحمة كبيرة من الخالق عزوجل‪ ،‬ألن الجنين المشوه إذا ولد حياً كان عالة على أهله‬
‫وعلى المجتمع‪.‬‬
‫وقد يحصل اإلجهاض عمداً بطريقة مصطنعة باستعمال أدوية أو بعض‬
‫المواد المجهضة أو بالضرب على البطن‪.‬‬
‫ودوافع اإلجهاض المتعمد قد تكون مشروعة تستهدف سالمة األم ودفع‬
‫الخطر الذي يسببه بقاء الحمل في بطنها‪ ،‬وقد يكون الدافع لإلجهاض غير شرعي‪،‬‬
‫أو جنائي كأن ينتج عن االعتداء على الحامل‪ ،‬أو يكون لستر جريمة الزنا أو غير‬
‫ذلك من األغراض غير المشروعة‪.‬‬
‫واإلجهاض المتعمد منتشر جداً في البلدان الصناعية التي تبيح اإلجهاض أو‬
‫تتساهل به‪ ،‬بينما تتدنى نسبته في البيئات التي تحرم اإلجهاض ألسباب دينية مثل‬
‫معظم البلدان اإلسالمية(‪.)1‬‬

‫‪ -4‬نفخ الروح في الجنين ‪:‬‬


‫تتع اقب على الج نين مراحل في تط وره‪ ،‬وكل مرحلة تتم يز بخص ائص‬
‫ومؤهالت جديدة‪:‬‬
‫ولقد قسم العلماء المراحل التي يمر الجنين إلى نوعين من التطور أحدهما‪:‬‬
‫تطور مادي محسوس‪ :‬وموضوعه العناصر المادية التي يتكون منها الجنين وما‬
‫يتعاقب عليها من نمو وتخليق وتسوية وتعديل وغير ذلك‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬تطور غير محسوس موضوعه مخلوق روحاني جمع اهلل تعالى بينه‬
‫وبين تلك العناصر المادية من اإلنسان في لحظة من اللحظات وجعله مصدراً‬
‫لألنشطة اإلنسانية المتميزة التي ميز بها اإلنسان عن سائر األحياء كالتصور‬

‫‪ )?(1‬الموسوعة الطبية الفقهية‪ ،‬ص‪.43 – 42‬‬

‫‪219‬‬
‫والتعقل والتخيل واإلرادة والتفكير وقد سمى اهلل تعالى ورسوله ‪ ‬هذا المخلوق‬
‫بالروح(‪.)1‬‬
‫ولقد وردت اإلشارة إلى كال النوعين من التطور في كتاب اهلل عزوجل وفي‬
‫سنة رسوله ‪.‬‬
‫يقول تعالى‪  :‬يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من‬
‫تراب‪ ،‬ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في‬
‫األرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفالً ثم لتبلغوا أشدكم‪ ،‬ومنكم من‬
‫[الحج‪:‬‬ ‫يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيال يعلم من بعد علم شيئاً ‪‬‬
‫‪.]5‬‬
‫وقال سبحانه‪  :‬ولقد خلقنا اإلنسان من ساللة من طين‪ ،‬ثم جعلناه نطفة في‬
‫قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا‬
‫العظام لحماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك اهلل أحسن الخالقين ‪‬‬
‫[المؤمنين‪ ،]14 -12 :‬قال ابن كثير‪ :‬ثم أنشأناه خلقاً آخر ‪ ‬أي نفخنا فيه الروح‬
‫فتحرك وصار خلقاً آخر ذا سمع وبصر وإ دراك وحركة واضطراب فتبارك اهلل‬
‫أحسن الخالقين‪ ،‬وروى ذلك عن علي بن أبي طالب وعبداهلل بن عباس وأبي سعيد‬
‫الخدري – رضي اهلل عنهم – ورواه عن التابعين ومن بعدهم مجاهد وعكرمة‬
‫والشعبي والحسن البصري والضحاك والربيع بن أنس والسدي(‪ ..)2‬وقال ابن جرير‬
‫الطبري‪ :‬وأجمع أهل التفسير على ذلك ال نعلم أحداً شذ منهم عن ذلك(‪.)3‬‬
‫وقال عزوجل‪  :‬الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق اإلنسان من طين ثم‬
‫جعل نسله من ساللة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع‬
‫واألبصار واألفئدة قليالً ما تشكرون ‪] ‬السجدة‪.[9 – 6 :‬‬
‫وعن عبداهلل بن مسعود ‪‬قال‪ :‬حدثنا رسول اهلل ‪ ‬وهو الصادق المصدوق‪:‬‬
‫" إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً‪ ،‬ثم يكون علقة مثل ذلك‪ ،‬ثم يكون‬
‫‪ )?(1‬أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫‪ )?(2‬تفسير ابن كثير‪ :‬البن كثير ‪.3/242‬‬
‫‪ )?(3‬جامع البيان‪ :‬للطبري ‪.10 – 18/9‬‬

‫‪220‬‬
‫مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح‪ ،‬ويؤمر بأربع كلمات‪ :‬بكتب‬
‫رزقه‪ ،‬وأجله‪ ،‬وعمله وشقي أو سعيد " (‪.)1‬‬

‫‪ -5‬متى تنفخ الروح ؟‬


‫اتفقت كلمة الفقهاء على وقت حدوث نفخ الروح لحديث عبداهلل بن مسعود‬
‫الذي ذكرناه قريباً حيث حدد فيه رسول اهلل ‪ ‬ذلك اليوم وأنه يكون بعد مائة‬
‫وعشرين يوم من تكون الجنين‪.‬‬
‫ق ال ابن عاب دين‪ " :‬نقل بعض هم أن اتفق العلم اء على أن نفخ ال روح ال يك ون‬
‫إال بعد أربعة أشهر أي عقبها‪ ..‬وال ينافي ذلك ظهور الخلق قبل ذلك ألن نفخ الروح‬
‫إنما يكون بعد الخلق " (‪.)2‬‬
‫وقال القرافي المالكي‪ " :‬ال خالف أن الجنين في بطن أمه هي بعد األربعة‬
‫أشهر ويدل على ذلك الحديث الصحيح الوارد في نفخ الروح فيه " (‪.)3‬‬
‫وقال النووي‪ " :‬واتفق العلماء على أن نفخ الروح ال يكون إال بعد أربعة‬
‫أشهر " (‪.)4‬‬
‫وقال ابن رجب الحنبلي‪ " :‬فأما نفخ الروح فقد روي صريحاً عن الصحابة –‬
‫دل عليه ظاهر‬ ‫رضي اهلل عنهم ‪ :-‬أنه إنما ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر كما َّ‬
‫حديث ابن مسعود " (‪.)5‬‬
‫قال القرطبي‪ " :‬لم يختلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة وعشرين‬
‫يوماً وذلك تمام أربعة أشهر ودخوله في الناس " (‪.)6‬‬
‫‪ -6‬حكم إجهاض الجنين في الفقه اإلسالمي ‪:‬‬

‫‪ )?( 1‬أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب ذكر المالئكة (‪ 3/1174K )3036‬ومسلم في كتاب القدر باب‬
‫كيفية خلق اآلدمي (‪.4/2036 )2643‬‬
‫‪ )?(2‬حاشية ابن عابدين ‪.1/302‬‬
‫‪ )?(3‬الذخيرة ‪.2/470‬‬
‫‪ )?(4‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪.16/191‬‬
‫‪ )?(5‬جامع العلوم والحكم‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪ )?(6‬تفسير القرطبي ‪.12/8‬‬

‫‪221‬‬
‫عندما جاء اإلسالم لم يكن اإلجهاض المتعمد شائعاً في المجتمع كما هو شائع‬
‫اليوم‪ :‬بل كانت عندهم في أيام الجاهلية عادة قتل األوالد الصغار بعد والدتهم وهو‬
‫يعرف باسم الوأد فكانوا يئدون أوالدهم للتخفف من نفقاتهم وخشية الفقر‪ ،‬أما البنات‬
‫فكانوا يئدونهن خوفاً من السبي والفضيحة‪.‬‬
‫قال تعالى‪  :‬وإ ذا الموءودة سئلت‪ ،‬بأي ذنب قتلت ‪] ‬التكوير‪.[9 – 8 :‬‬
‫وقال عز من قال‪  :‬وال تقتلوا أوالدكم خشية إمالق نحن نرزقهم وإ ياكم إن‬
‫قتلهم كان خطئاً كبيراً ‪[ ‬اإلسراء‪.]31 :‬‬
‫أما في العصور المتأخرة عادت عادة الوأد بصورة جديدة أال وهي اإلجهاض‬
‫بعد أن ضعف وازع الدين في القلوب وأصبحت وسائل اإلجهاض المختلفة ميسورة‬
‫بين أيدي الناس‪.‬‬
‫ونظراً لما ينطوى عليه اإلجهاض المتعمد من أضرار بالغة على األم‬
‫والجنين‪ ،‬وألن الجنين يعد حياً من بداية الحمل وحياته محترمة في كافة أدوارها‬
‫وبخاصة بعد نفخ الروح عند نهاية الشهر الرابع‪ :‬فقد ذهب معظم الفقهاء إلى حرمة‬
‫اإلجهاض المتعمد إال لعذر شرعي سواء قبل نفخ الروح في الجنين أو بعد نفخ‬
‫الروح‪ ،‬ورأى قلة منهم جواز اإلجهاض قبل نفخ الروح‪ ،‬وأجازه آخرون فقط قبل‬
‫األربعين يوماً من عمر الجنين اعتماداً على بعض األحاديث التي ورد فيها أن نفخ‬
‫الروح في الجنين يكون بعد األربعين يوماً(‪.)1‬‬
‫وفيما يلي تفصيل لهذه األقوال حسب المراحل الجنينية‪:‬‬
‫‪ -1‬مرحلة األربعين األولى (النطفة)‪ :‬يرى إباحة إسقاط الجنين فيها معظم فقهاء‬
‫الحنفية‪ ،‬ومعظم فقهاء الشافعية‪ ،‬ومعظم فقهاء الحنابلة‪ ،‬واللخمي من فقهاء‬
‫المالكية‪ ،‬ويرى تحريمه معظم فقهاء المالكية‪ ،‬ويعض فقهاء الحنفية‪ ،‬والغزالي‬
‫من فقهاء الشافعية‪ ،‬وابن الجوزي من فقهاء الحنابلة(‪.)2‬‬

‫‪ )?(1‬فتح الباري ‪.11/484‬‬


‫‪2‬‬
‫(?) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ‪ ،2/267‬فتح العلي المالك ‪ ،1/399‬حاشية ابن عابدين ‪– 6/590‬‬
‫‪ ،591‬إحياء علوم الدين ‪ ،2/53‬اإلنصاف ‪.1/386‬‬

‫‪222‬‬
‫‪ -2‬مرحلة األربعين الثانية (العلقة)‪ :‬يرى إباحة اإلجهاض فيها معظم فقهاء‬
‫الحنفية‪ ،‬ومعظم فقهاء الشافعية‪ ،‬وابن عقيل من فقهاء الحنابلة‪ ،‬ويرى تحريم‬
‫ذلك جميع فقهاء المالكية‪ ،‬وبعض فقهاء الحنفية‪ ،‬ومعظم فقهاء الحنابلة‪،‬‬
‫والغزالي من فقهاء الشافعية(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬مرحلة األربعين الثالثة (المضغة)‪ :‬يرى إباحة اإلجهاض فيها معظم فقهاء‬
‫الحنفية‪ ،‬وجمهور فقهاء الشافعية‪ ،‬وابن عقيل من الحنابلة‪ ،‬ويرى تحريمه‬
‫جميع فقهاء المالكية‪ ،‬ومعظم فقهاء الحنابلة‪ ،‬وبعض الحنفية‪ ،‬والغزالي من‬
‫فقهاء الشافعية‪ ،‬وتابعه في ذلك اثنان آخران منهم‪ ،‬على اعتبار أن هذه‬
‫المرحلة تعتبر حريماً لنفخ الروح(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬يتفق جميع الفقهاء على أن اإلجهاض قبل تمام األشهر األربعة األولى من‬
‫عمر الجنين يختلف في حقيقته وحكمه الشرعي الدقيق‪ ،‬عن اإلجهاض بعدها‪،‬‬
‫وال يساويه‪ ،‬فهم ال يعدونه قتالً آلدمي‪ ،‬وال يرتبون عليه إثم القتل‪ ،‬قال ابن‬
‫قدامة‪ " :‬وأما قبل نفخ الروح فال يكون الجنين نسمة فال يصلى عليه‪،‬‬
‫كالجمادات والدم " (‪ ،)3‬وأكد ابن حزم على هذه الحقيقة‪ :‬وأن إسقاط الجنين‬
‫قبل األربعة األشهر ال يعد إزهاقاً لروح آدمي‪ ،‬وال نقالً من الحياة إال‬
‫الموت(‪ ،)4‬ومثل ذلك نقل الشوكاني عن اإلمام الشافعي قوله‪ " :‬إنما يغسل‬
‫ألربعة أشهر إذ يكتب في األربعين الرابعة رزقه وأجله‪ ،‬و إنما ذلك للحي "‬
‫(‪.)5‬‬

‫‪ )?( 1‬البحر الرائق ‪ ،8/387‬شرح فتح القدير ‪ ،2/495‬حاشية ابن عابدين ‪ ،6/591‬نهاية المحتاج ‪،8/416‬‬
‫حاشية قليوبي وعميرة ‪ ،160 – 3/159‬اإلنصاف ‪ ،1/386‬الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ‪.2/267‬‬
‫‪ )?( 2‬شرح فتح القدير ‪ ،2/495‬حاشية ابن عابدين ‪ ،1/302‬شرح الكبير مع حاشية الدسوقي ‪ ،2/267‬فتح العلي‬
‫المالك ‪ ،400 – 1/399‬بداية المجتهد ‪ ،2/416‬نهاية المحتاج ‪ ،8/416‬حاشية قليوبي ‪ 3/160‬و‪،5/490‬‬
‫المغني ‪ ،9/539 ،2/398‬الفروع ‪ ،6/191‬اإلنصاف ‪.1/386‬‬
‫‪ )?(3‬المغني ‪.2/398‬‬
‫‪ )?(4‬المحلى ‪.8/33‬‬
‫‪ )?(5‬نيل األوطار ‪.4/83‬‬

‫‪223‬‬
‫ونقل عن غ يره قول ه‪ " :‬إنما يص لى عليه إذا نفخت فيه ال روح‪ ،‬وهو أن‬
‫يس تكمل أربعة أش هر‪ ،‬فأما إن س قط ل دونها فال‪ ،‬ألنه ليس بميت‪ ،‬إذ لم ينفخ فيه‬
‫روح " (‪.)1‬‬
‫‪ -5‬إو ذا كان األمر كذلك‪ ،‬وأن إسقاط الجنين قبل نفخ الروح ال يعتبر قتالً آلدمي‬
‫باتفاق الفقهاء‪ ،‬فإنا نرى‪ :‬أن جواز اإلسقاط في هذه المرحلة لعذر معقول ال‬
‫تأباه مختلف المذاهب الفقهية‪.‬‬
‫أما على مذهب القائلين باإلباحة فاألمر واضح‪ ،‬وأما على مذهب القائلين‬
‫بالتحريم فأغلب الظن أنهم ال يقصدون شمول التحريم لحالة العذر‪ ،‬حتى عند‬
‫المالكية الذي تشددوا في هذه المسألة وجد من علمائهم من رأى ضرورة تقييد التحريم‬
‫الذي اعتمده المذهب بأن ال يكون الحمل نتيجة الزنى‪ ،‬فإن كان كذلك فال تحريم‪،‬‬
‫وبخاصة إذا خافت المرأة على نفسها عند ظهور الحمل(‪.)2‬‬
‫إو ذا كان الفقهاء لم يذكروا إال قليالً من األعذار‪ ،‬كالخوف على الرضيع من‬
‫الهالك بانقطاع لبن أمه بالحمل مع تعذر البديل‪ ،‬فإنما كان ذلك منهم متناسباً مع‬
‫معارفهم الطبية‪ ،‬ولم يكن عندهم من العلم في هذا المجال ما يمكنهم من معرفة كثير‬
‫من اآلفات التي قد تصيب الجنين‪ ،‬أو تصيب أمه إذا بقي في بطنها حتى الوالدة‪.‬‬
‫واليوم حيث تقدمت العلوم الطبية‪ ،‬صار في مقدور الطبيب أن يدرك أنواعاً‬
‫من المخاطر على الحمل إذا بقي‪ ،‬وأنواعاً من المخاطر على الحامل إذا ترك الجنين‬
‫إلى آخر أشهر الحمل‪ ،‬وهي أعذار ال تقل في أهميتها عما ذكر الفقهاء‪ ،‬فينبغي أن‬
‫تحمل مذاهبهم على اعتبارها(‪.)3‬‬
‫على أن األعذار الشرعية التي يباح لها اإلجهاض قبل نفخ الروح ال ينبغي‬
‫فتح الباب فيها على مصراعيه حتى ال يحشر فيها ما ليس منها‪.‬‬
‫واالحتياط في ذلك ينصح بأن ال تجري عمليات اإلجهاض إال في مستشفيات‬
‫محددة‪ ،‬وال يجريها أي طبيب بل تعرض الحاالت على لجنة من األطباء المسلمين‬

‫‪ )?(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )?(2‬فتح العلي المالك ‪.1/399‬‬
‫‪ )?(3‬أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ ،‬ص‪.210‬‬

‫‪224‬‬
‫العدول وبعض أهل االختصاص الشرعي لتقدير األعذار وكفايتها من الناحية‬
‫الصحية والشريعة(‪.)1‬‬
‫وهل تشوه الجنين‪ ،‬أو حالة االغتصاب عذر شرعي فهذا ما سنبينه فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -7‬حكم إجهاض الجنين المشوه ‪:‬‬
‫بناء على ما أوردناه من كالم الفقهاء في موضوع إجهاض الجنين عموماً‬
‫والتفريق عندهم بين أن يكون اإلجهاض بعذر أو بغير عذر‪ ،‬ومتى يكون ذلك قبل‬
‫نفخ الروح أو بعده فالذي ذهب إليه كثير من العلماء‪ :‬أن إجهاض الجنين في مرحلة‬
‫قبل نفخ الروح – أي قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل – إذا ثبت وتأكد‬
‫بتقرير لجنة طبية موثوقة مختصة أن الجنين مشوه تشويهاً خطيراً غير قابل للعالج‬
‫وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآالماً عليه وعلى أهله فعندئذ‬
‫يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين(‪.)2‬‬
‫ق على عموم‬ ‫أما بعد نفخ الروح فيه فإن إجهاض الجنين المشوه ال يزال با ٍ‬
‫(‪)3‬‬
‫تحريم اإلجهاض فال يجوز وال يحل لما يأتي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬عموم النهي من كتاب اهلل وسنة رسول اهلل عن قتل النفس التي حرم اهلل‬
‫إال بالحق‪ ،‬وهذه نفس قد اكتسبت الحياة وأصبح لها حكم نفس اآلدميين المعصومين‬
‫ولذا لو جني عليه في بطن أمه ثم سقط حياً ومات ففيه دية كاملة فإن سقط ميتاً ففيه‬
‫غرة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬يوجد نصوص تشمل مثل هذه الحالة بالتحريم وتتناولها بالحكم فمن‬
‫ذلك ما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ " :‬ال يتمنين‬
‫لضر نزل به فإن كان البد متمنياً فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة‬ ‫أحدكم الموت ٍ‬
‫(‪)4‬‬
‫خيراً لي وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي " ‪.‬‬

‫‪ )?(1‬المرجع السابق‪.223 ،‬‬


‫‪ )?(2‬انظر فتوى المجمع الفقهي اإلسالمي لرابطة العالم اإلسالمي في دورته الثانية عشرة‪.‬‬
‫‪ )?( 3‬بحث لفضيلة الشيخ عبداهلل آل عبدالرحمن البسام عضوًا لمجلس المجمع الفقهي وعضو التمييز بالمنطقة‬
‫الغربية بالمملكة العربية السعودية (الجنين المشوه واألمراض الوراثية‪ :‬د‪ .‬محمد علي البار‪ ،‬ص‪.)471‬‬
‫‪ )?( 4‬أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب نهي تمني المريض الموت (‪ ،5/2146 )5347‬ومسلم في كتاب‬
‫الذكر والدعاء باب تمني كراهة الموت (‪.4/2064 )2680‬‬

‫‪225‬‬
‫وقصة الذي جرح نفسه فعجل بنفسه إلى النار وامتنع ‪ ‬من الصالة على‬
‫الذي قتل نفسه بمشاقص(‪.)1‬‬
‫مما يدل على أن قتل النفس جريمة كبيرة‪ ،‬هذا في حق من قتل نفسه وهو‬
‫صاحب الحق فيها فكيف بمن يعتدي عليه ويقتله غيره استضعافاً له‪.‬‬
‫أما كالم العلماء في ذلك فقد قال فقهاؤنا واللفظ لشرح اإلقناع (وال يجوز قتل‬
‫البهيمة لإلراحة كاآلدمي المتألم باألمراض الصعبة أو المصلوب بنحو حديد ألنه‬
‫معصوم ما دام حياً)(‪.)2‬‬
‫ثالثاً‪ :‬بعد أن اكتسب الجنين الحياة وصار إنساناً فإن له الحق في بقائه حياً‬
‫على أي حال يكون وال يحل ألحد أن ينزع منه هذه الحياة التي وهبه اهلل إياها‪،‬‬
‫وتقدم أنه يتعلق بالقتل العمد ثالثة حقوق‪ :‬حق هلل وحق للورثة وحق للمقتول‪ ،‬وإ ذا‬
‫حرم علينا قرب أموال الضعفاء إال بالتي هي أحسن فكيف يحل لنا‬ ‫كان اهلل تعالى ّ‬
‫القضاء على حياتهم؟! وكم رأينا من مشوهين ال يستطيع اإلنسان أن يثبت نظره إلى‬
‫خلقتهم وهم راضون بخلقتهم بل لقد سمعنا أن كثيراً منهم عرض عليهم إزالة هذا‬
‫التشويه فلم يرضوا بذلك ألنهم وجدوا في هذه العاهات مصدر ثروة لهم لما يالقونه‬
‫من العطف والشفقة واإلحسان من الناس‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬في والدتهم على هذه الحالة عظة للمعافين ففي الحديث‪ " :‬اللهم كما‬
‫حسنت خلقي فحسن خلقي وحرم وجهي على النار " (‪ ،)3‬وعن عمر ‪ ‬أن رسول اهلل‬
‫‪ ‬قال‪ " :‬من رأى صاحب بالء فقال‪ :‬الحمد هلل الذي عافاني مما ابتالك به وفضلني‬
‫على كثير ممن خلق تفضيالً لم يصبه ذلك البالء أبداً كائناً ما كان ما عاش " (‪.)4‬‬
‫خامساً‪ :‬فيه معرفة لقدرة اهلل تعالى وتحقيقاً لقوله تعالى‪  :‬هو الذي يصوركم‬
‫في األرحام كيف يشاء ‪[ ‬آل عمران‪ ]6 :‬فاهلل تعالى يري خلقه مظاهر قدرته‬
‫‪ )?(1‬أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ترك الصالة على القاتل نفسه (‪.2/672 )978‬‬
‫‪ )?(2‬كشاف القناع ‪.5/495‬‬
‫‪ )?( 3‬أخرجه أحمد (‪ ،6/68 )24441‬والبيهقي في شعب اإليمان (‪ ،6/364 )8543‬وصححه ابن حبان (‪)959‬‬
‫‪( ،3/239‬فتح الباري ‪.)10/456‬‬
‫‪ )?( 4‬أخرجه ابن ماجة في كتاب الدعاء باب ما يدعو به الرجل إذا نظر إلى أهل البالء (‪،2/1281 )3892‬‬
‫والترمذي في كتاب الدعوات باب ما يقول إذا رأى مبتلى (‪ ،5/493 )3431‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث غريب‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫وعجائب صنعه وحين ولد عيسى بال أب قال تعالى‪  :‬ولنجعله آية للناس ‪‬‬
‫[مريم‪ ،]21 :‬أي برهاناً على كمال القدرة اإللهية‪ ،‬فإجهاضه محادة لهذه اإلرادة‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬إن قتلهم ثم إجهاضهم نظرة مادية صرفة لم تعر األمور المعنوية أي‬
‫نظرة‪.‬‬
‫ومن األغالط واألخطاء أن الباحث والمحقق ال ينظر إلى الشيء إال من‬
‫زاوية واحدة وال يدرسه من جميع جوانبه ويتحقق عن المقاصد واألمور واألهداف‬
‫المرادة من هذه األشياء‪ ،‬فكثير من األمور منوطة بنتائجها ومرهونة بثمراتها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لمعان سامية ومقامات‬ ‫ونحن إذا تدبرنا المراد من خلق اإلنسان فنجده خلق‬
‫عالية هي أعز وأغلى من هذه الحياة الدنيا وما فيها من ملذات ومتع فقد خلقه اهلل‬
‫لعبادته قال تعالى‪  :‬وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون ‪[ ‬الذاريات‪.]56 :‬‬
‫وينتج عن تحقيق عبادته وإ نفاذ إرادته الشرعية السعادة األبدية في الدار‬
‫اآلخرة وإ جهاض هذا اآلدمي البريء حرمان له من كمال سعادته األخروية‪.‬‬
‫فإننا إذا أخذنا هذا المعنى السامي في حق الخلق وجدنا أن هذا التشويه مما‬
‫يزيده تحقيقاً لهذه الغاية المرادة منه واإلرادة المتعلقة بإيجاده فوجودها فيه أدعى إلى‬
‫ذله ومسكنته لربه وصبره عليها احتساباً منه األجر الكبير‪.‬‬
‫س= ==ابعاً‪ :‬مس ألة تش وه الج نين ليست متقنة فقد يظن أن الج نين مش ّوه ويولد‬
‫سليماً‪ ،‬كما حدث ذلك مرات عديدة‪.‬‬

‫المشوه ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -8‬قرار المجمع الفقهي بشأن موضوع إسقاط الجنين‬
‫الحمد هلل وحده والصالة والسالم على من ال نبي بعده سيدنا ونبينا محمد ‪‬‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫‪227‬‬
‫فإن مجلس المجمع الفقهي اإلسالمي لرابطة العالم اإلسالمي في دورته الثانية‬
‫عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت ‪ 15‬رجب ‪1410‬هـ الموافق‬
‫‪ 10‬فبراير ‪1990‬م إلى يوم السبت ‪ 22‬رجب ‪1410‬هـ الموافق ‪ 17‬فبراير‬
‫‪1990‬م قد نظر في هذا الموضوع وبعد مناقشته من قبل هيئة المجلس الموقرة ومن‬
‫قبل أصحاب السعادة األطباء المختصين الذي حضروا لهذا الغرض‪ ،‬قرر باألكثر‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬بلوغ الحمل مائة وعشرين يوماً ‪:‬‬
‫إذا ك ان الحمل قد بلغ مائة وعش رين يوم اً ال يج وز إس قاطه ولو ك ان‬
‫التش خيص الط بي يفيد أنه مش وه الخلقة إال إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من األطب اء‬
‫الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة األم يجوز إسقاطه سواء‬
‫كان مشوهاً أو ال دفعاً ألعظم الضررين‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم بلوغ الحمل مائة وعشرين يوماً ‪:‬‬
‫قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية‬
‫من األطباء المختصين الثقات‪ ،‬وبناء على الفحوص الفنية باألجهزة والوسائل‬
‫مشوه تشويهاً خطيراً غير قابل للعالج وأنه إذا بقي وولد في‬
‫المختبرة أن الجنين ّ‬
‫بناء على‬ ‫ٍ‬
‫موعده ستكون حياته سيئة وآالماً عليه وعلى أهله فعندئذ يجوز إسقاطه ً‬
‫طلب الوالدين‪.‬‬
‫والمجلس إذا يقرر ذلك يوصي األطباء والوالدين بتقوى اهلل والتثبت في هذا‬
‫األمر‪ ،‬واهلل ولي التوفيق‪.‬‬

‫‪ -9‬حكم إجهاض الجنين الناتج عن اغتصاب ‪:‬‬

‫‪228‬‬
‫يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي مجيب اً عن هذا السؤال‪" )1(:‬‬
‫ئلت مثل هذا السؤال من قبل من أخوة في أرتيريا فعل ببناتهم وأخواتهم الجن ود‬‫لقد ُس ُ‬
‫النص ارى في جيش ما يس مى الجبهة الش عبية لتحرير أرتيري ا‪ ،‬ما يفعل جن ود‬
‫الصرب اليوم بشعب البوسنا الحرائر‪.‬‬
‫وقبل ذلك بسنوات أرسلت جماعة من النساء المؤمنات المعتقالت ظلماً‪ ،‬من‬
‫داخل سجون الظلمة الطغاة في بعض البالد بنفس السؤال إلى عدد من العلماء في‬
‫البالد العربية‪ :‬ماذا يصنعن فيما تحمله أرحامهن من حمل حرام ال ذنب لهن فيه‪،‬‬
‫وال اختيار لهن فيه؟‬
‫وأحب أن أؤكد أوالً‪ :‬أن هؤالء النسوة من أخواتنا وبناتنا‪ ،‬ليس عليهن أي‬
‫ذنب فيما حدث لهن‪ ،‬ما دمن قد رفضن وقاومن في أولى األمر‪ ،‬ثم أكرهن عليه‬
‫تحت أسنة الرماح‪ ،‬وضغط القوة الباطشة‪ ،‬وماذا تصنع أسيرة أو سجينة مهيضة‬
‫الجناح‪ ،‬أمام آسر أو سجان مدجج بالسالح؟ ال يخشى خالقاً‪ ،‬وال يرحم مخلوقاً؟!‬
‫واهلل تعالى قد رفع اإلثم عن المكره فيما هو أشد من الزنى‪ ،‬وهو الكفر‪،‬‬
‫والنطق به‪ ،‬قال تعالى‪  :‬إال من أكره وقلبه مطمئن باإليمان ‪[ ‬النحل‪.]106 :‬‬
‫بل رفع القرآن اإلثم عن اإلنسان في حالة الضرورة القاهرة‪ ،‬وإ ن بقي لـه‬
‫شيء من االختيار الظاهري‪ ،‬وما ذاك إال ألن ضغط الضرورة أقوى منه‪ ،‬قال‬
‫تعالى بعد أن ذكر األطعمة المحرمة‪  :‬فمن اضطر غير باغ وال عاد فال إثم عليه‬
‫إن اهلل غفور رحيم ‪[ ‬البقرة‪.]173 :‬‬
‫والنبي ‪ ‬قال‪ " :‬إن اهلل وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‬
‫" (‪ ،)2‬بل إن هؤالء البنات واألخوات يؤجرن على ما أصابهن من بالء‪ ،‬إذا تمسكن‬
‫بإسالمهن الذي ابتلين وامتحن من أجله‪ ،‬واحتسبن ما نالهن من األذى عند اهلل‬
‫عزوجل‪ ،‬وقد قال رسول اهلل ‪ " :‬ما يصيب المسلم من نصب وال وصب‪ ،‬وال هم‬

‫‪ )?(1‬فتاوي معاصرة‪ :‬الدكتور يوسف القرضاوي ‪.612 – 2/610‬‬


‫‪ )?( 2‬ابن ماجة في الطالق باب طالق المكره (‪ ،1/659 )2045‬وصححه الحاكم ‪ ،2/198‬ووافقه الذهبي‬
‫والبيهقي في سننه ‪.7/356‬‬

‫‪229‬‬
‫وال حزن‪ ،‬وال أذى وال غم – حتى الشوكة يشاكها – إلى كفّر اهلل بها من خطاياه "‬
‫(‪.)3‬‬
‫ف إذا ك ان المس لم يث اب في الش وكة يش اكها‪ ،‬فكيف إذا انتهك عرضه أو ل وث‬
‫شرفه؟!‬
‫ومن أجل هذا أنصح للشباب المسلم أن يتقرب إلى اهلل تعالى بالزواج من‬
‫إحدى هؤالء الفتيات‪ ،‬رفقاً بحالهن‪ ،‬ومداواة لجرحهن‪ ،‬وهو جرح نفسي قبل كل‬
‫شيء‪ ،‬ناشئ عن إحساسهن بأنهن فقدن أعز ما تملكه فتاة شريفة طاهرة‪ ،‬وهو‬
‫عذريتها‪.‬‬
‫أما إجهاض الحمل‪ ،‬فقد بينا في فتوى سابقة أن األصل في اإلجهاض هو‬
‫المنع‪ ،‬منذ يتم العلوق‪ ،‬أي منذ يلتقي الحيوان المنوي الذكر بالبويضة األنثوية‪،‬‬
‫وينشأ منهما ذلك الكائن الجديد‪ ،‬ويستقر في قراره المكين في الرحم‪.‬‬
‫فهذا الكائن لـه احترامه وإ ن جاء نتيجة اتصال محرم كالزنى‪ ،‬وقد أمر‬
‫الرسول المرأة الغامدية التي أقرت بالزنى واستوجبت الرجم‪ ،‬أن تذهب بجنينها‬
‫حتى تلد‪ ،‬ثم بعد الوالدة تذهب به حتى يفطم‪.‬‬
‫وهذا ما أختاره للفتوى في الحاالت العادية‪ ،‬وإ ن كان هناك من الفقهاء من‬
‫يجيز اإلجهاض إذا كان قبل مضي أربعين يوماً على الحمل‪ ،‬عمالً ببعض الروايات‬
‫التي صحت بأن نفخ الروح في الجنين يتم بعد أربعين أو اثنين وأربعين يوماً‪.‬‬
‫بل من الفقهاء من يرى الجواز إذا كان قبل مضي ثالث أربعينات أي قبل‬
‫مائة وعشرين يوماً‪ ،‬عمالً بالرواية األشهر بأن نفخ الروح يتم بعد ذلك‪.‬‬
‫والذي نرجحه هو ما ذكرناه أوالً‪ ،‬ولكن في حاالت األعذار ال بأس باألخذ‬
‫بأحد القولين اآلخرين‪ ،‬وكلما كان العذر أقوى كانت الرخصة أظهر‪ ،‬وكلما كان ذلك‬
‫قبل األربعين األولى كان أقرب إلى الرخصة‪.‬‬
‫وال ريب أن االغتصاب من عدو كافر فاجر‪ ،‬معتد أثيم‪ ،‬لمسلمة عذراء‬
‫طاهرة‪ ،‬عذر قوي‪ ،‬لدى المسلمة ولدى أهلها‪ ،‬وهي تكره هذا الجنين – ثمرة‬

‫‪ )?(3‬أخرجه البخاري في المرضى باب ما جاء في كفارة المرض (‪.5/2137 )5318‬‬

‫‪230‬‬
‫االعتداء الغشوم – وتريد التخلص منه‪ ،‬فهذه رخصة يفتى بها للضرورة‪ ،‬التي تقدر‬
‫بقدرها‪.‬‬
‫ونحن نعلم أن هناك من الفقهاء من شددوا في األمر‪ ،‬ومنعوا اإلسقاط ولو بعد‬
‫يوم واحد من الحمل‪ ،‬بل هناك من حرموا مجرد االمتناع االختياري عن اإلنجاب‪،‬‬
‫بمنع الحمل من قبل الرجل أو المرأة أو كليهما‪ ،‬مستدلين بما جاء في بعض‬
‫األحاديث من تسمية (العزل) بـ (الوأد الخفي)‪ ،‬فال غرو أن يحرم اإلجهاض بعد‬
‫الحمل‪.‬‬
‫واألرجح هو التوسط بين المتوسعين في اإلجازة‪ ،‬والمتشددين في المنع‪،‬‬
‫والقول بأن (البيضة) منذ يلقحها المنوي أصبحت (إنساناً) إنما هو لون من (المجاز)‬
‫في التعبير‪ ،‬فالواقع أنها (مشروع إنسان)‪.‬‬
‫صحيح أن هذا الكائن يحمل الحياة‪ ،‬ولكن الحياة درجات ومراتب‪ ،‬والحيوان‬
‫المنوي نفسه يحمل الحياة‪ ،‬والبيضة قبل تلقيحها أيضاً تحمل الحياة‪ ،‬ولكن هذه وتلك‬
‫ليست هي الحياة اإلنسانية التي تترتب عليها األحكام‪.‬‬
‫ومن ثم تكون الرخصة مقيدة بحالة العذر المعتبر‪ ،‬الذي يقدره أهل الرأي من‬
‫الشرعيين واألطباء والعقالء من الناس‪ ،‬وما عدا ذلك يبقى على أصل المنع‪.‬‬
‫وخاصة إذا علمنا أن النبي ‪ ‬لم يأمر الغامدية التي زنت بإسقاط حملها بل‬
‫قال لها ‪ " :‬ارجعي حتى تضعي ما في بطنك " (‪.)1‬‬
‫على أن من حق المسلمة التي ابتليت بهذه المصيبة في نفسها‪ ،‬أن تحتفظ بهذا‬
‫الجنين‪ ،‬وال حرج عليها شرعاً‪ ،‬كما ذكرت‪ ،‬وال تجبر على إسقاطه‪ ،‬وإ ذا قدر لـه أن‬
‫يبقى في بطنها المدة المعتادة للحمل ووضعته‪ ،‬فهو طفل مسلم‪ ،‬كما قال النبي ‪" :‬‬
‫كل مولود يولد على الفطرة " (‪ )2‬والفطرة هي التوحيد وهي اإلسالم‪.‬‬
‫ومن المقرر فقهاً‪ :‬أن الولد إذا اختلف دين أبويه‪ ،‬يتبع خير األبوين ديناً‪ ،‬وهذا‬
‫فيمن له أب يعرف‪ ،‬فكيف بمن ال أب له؟ إنه طفل مسلم بال ريب‪.‬‬

‫‪ )?(1‬أخرجه البزار ورجاله ثقات إال أن األعمش لم يسمع من أنس (مجمع الزوائد ‪.)6/252‬‬
‫‪ )?(2‬أخرجه البخاري في الجنائز باب ما قيل في أوالد المشركين (‪.1/465 )1317‬‬

‫‪231‬‬
‫وعلى المجتمع المسلم أن يتولى رعايته واإلنفاق عليه‪ ،‬وحسن تربيته‪ ،‬وال‬
‫يدع العبء على األم المسكينة المبتالة‪ ،‬والدولة في اإلسالم مسئولة عن هذه الرعاية‬
‫" كلكم‬ ‫بواسطة الوزارة أو المؤسسة المختصة‪ ،‬وفي الحديث المتفق عليه‪:‬‬
‫راع‪ ،‬وكلكم مسئول عن رعيته " (‪.)1‬‬

‫المبحث التاسع‬

‫االستنساخ=‬

‫‪ -1‬تعريف االستنساخ ‪:‬‬

‫‪ )?(1‬أخرجه البخاري في االستقراض باب العبد راع في مال سيده (‪.2/848 )2278‬‬

‫‪232‬‬
‫االستنساخ لغةً‪ :‬نسخ الشيء ينسخه نسخاً وانتسخه واستنسخه اكتتبه عن‬
‫حرف بحرف‪ ،‬واألصل نسخة والمكتوب‬ ‫ٍ‬ ‫معارضة‪ ،‬والنسخ اكتتابك كتاباً عن كتاب‬
‫عنه نسخة ألنه قام مقامه واهلل سبحانه وتعالى يقول‪  :‬إنا كنا نستنسخ ما كنتم‬
‫تعملون ‪[ ‬الجاثية‪ ]29 :‬أي نستنسخ ما تكتب الحفظة فيثبت عند اهلل(‪.)1‬‬
‫واالستنساخ اصطالحاً وفق قرار مجمع الفقه اإلسالمي الدولي‪ :‬من المعلوم‬
‫أن سنة اهلل في الخلق أن ينشأ المخلوق البشري من اجتماع نطفتين اثنتين تشتمل‬
‫نواة كل منهما على عدد من الصبغيات (الكروموسومات) يبلغ نصف عدد‬
‫الصبغيات التي في الخاليا الجسدية لإلنسان‪ ،‬فإذا اتحدت نطفة األب (الزوج) التي‬
‫تسمى الحيوان المنوي بنطفة األم (الزوجة) التي تسمى البييضة‪ ،‬تحولتا معاً إلى‬
‫نطفة أمشاج أو لقيحة‪ ،‬تشتمل على حقيبة وراثية كاملة وتمتلك طاقة التكاثر‪ ،‬فإذا‬
‫انغرست في رحم األم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقاً مكتمالً بإذن اهلل‪ ،‬وهي في‬
‫مسيرتها تلك تتضاعف فتصير خليتين متماثلتين فأربعاً فثمانية‪ ...‬ثم تواصل‬
‫تضاعفها حتى تبلغ مرحلة تبدأ عندها بالتمايز والتخصص‪ ،‬فإذا انشطرت إحدى‬
‫خاليا اللقيحة في مرحلة ما قبل التمايز إلى شطرين متماثلين تولد منهما توأمان‬
‫متماثالن‪ ،‬وقد أمكن في الحيوان إجراء فصل اصطناعي ألمثال هذه اللقائح فتولدت‬
‫منها توائم متماثلة‪ ،‬ولم يبلغ بعد عن حدوث مثل ذلك في اإلنسان‪ ،‬وقد ُع ّد ذلك نوعاً‬
‫من االستنساخ أو التنسيل‪ ،‬ألنه يولد نسخاً أو نسائل متماثلة‪ ،‬وأطلق عليه اسم‬
‫االستنساخ بالتشطير‪.‬‬
‫وثمة طريقة أخرى الستنساخ مخلوق كامل‪ ،‬تقوم على أخذ الحقيبة الوراثية‬
‫الكاملة على شكل نواة من خلية من الخاليا الجسدية‪ ،‬وإ يداعها في خلية بييضة‬
‫منزوعة النواة فتتألف بذلك لقيحة تشمل على حقيبة وراثية كاملة‪ ،‬وهي في الوقت‬
‫نفسه تمتلك طاقة التكاثر‪ ،‬فإذا غرست في رحم األم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقاً‬
‫مكتمالً بإذن اهلل‪ ،‬وهذا النمط من االستنساخ الذي يعرف باسم (النقل النووي) أو‬
‫(اإلحالل النووي للخلية البييضية) وهو الذي يفهم من كلمة استنساخ إذا أطلقت‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) لسان العرب‪ :‬مادة نسخ ‪.3/68‬‬

‫‪233‬‬
‫وهو الذي حدث في النعجة "دولي"‪ ،‬على أن هذا المخلوق الجديد ليس نسخة طبق‬
‫األصل‪ ،‬ألن بييضة األم المنزوعة النواة تظل مشتملة على بقايا نووية في الجزء‬
‫الذي يحيط بالنواة المنزوعة‪ ،‬ولهذه البقايا أثر ملحوظ في تحوير الصفات التي‬
‫ورثت من الخلية الجسدية‪ ،‬ولم يبلغ أيضاً عن حصول ذلك في اإلنسان‪.‬‬
‫فاالستنساخ إذا هو‪ :‬توليد كائن حي أو أكثر إما بنقل النواة من خلية جسدية‬
‫إلى بييضة منزوعة‪ ،‬وإ ما بتشطير بييضة مخصبة في مرحلة تسبق تمايز األنسجة‬
‫(‪)1‬‬
‫واألعضاء‪.‬‬
‫فهو إيجاد نسخة طبق األصل عن شيء ما من الكائنات الحية نباتاً أو حيواناً‬
‫أو إنساناً‪.‬‬

‫‪ -2‬أنواع االستنساخ ‪:‬‬


‫مما سبق يتضح لنا أن االستنساخ يكون في ثالثة من الكائنات الحية‪ :‬النبات‪،‬‬
‫الحيوان‪ ،‬اإلنسان‪.‬‬
‫فأنواع االستنساخ ثالثة‪:‬‬
‫‪ -1‬االستنساخ النباتي‪.‬‬
‫‪ -2‬االستنساخ الحيواني‪.‬‬
‫‪ -3‬االستنساخ البشري‪.‬‬
‫‪ -3‬الهندسة الوراثية واالستنساخ ‪:‬‬
‫تعريف الهندسة الوراثية ‪:‬‬
‫تعتمد ترجمة المادة الوراثية على نسخ جزيئات الحمض النووي (‪)DNA‬‬
‫وقد ثبت أن األحماض النووية هي المادة األساسية للوراثة التي يتم عبرها انتقال‬
‫المادة الوراثية‪ ،‬وإ ن تتابع القواعد في األحماض النووية هو الشفرة األساسية‬
‫لألحماض األمينية المختلفة التي تكون البروتين‪ ،‬وقد دعم كل هذا باكتشاف‬

‫‪1‬‬
‫(?) من نص قرار مجلس المجمع الفقهي اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدة في هر صفر‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫اإلنزيمات التي تشطر الحمض النووي (‪ )DNA‬عند متواليات معينة مما ساعد في‬
‫ظهور علم الهندسة الوراثية‪.‬‬
‫ويمكن اعتبار تجارب الهندسة الوراثية‪ :‬عمليات جراحية تتم بواسطة‬
‫إنزيمات محددة تقطع الحمض النووي من أجزاء معينة تحمل صفة وراثية محددة‬
‫وإ دخالها في خلية أخرى بكتيرية أو خلية خميرة أو خلية إنسانية أو حيوانية أو‬
‫نباتية بطرق مختلفة منها الحقن المباشر تحت الميكروسكوب‪ ،‬ومنها استخدام‬
‫محاليل خاصة توضع فيها الخاليا ويسلط عليها تيار كهربائي‪ ،‬وبعد ذلك توضع‬
‫الخاليا الجديدة الحاملة للمورث المطلوب في تفاعالت خاصة لتساعد على نموها‬
‫وتكاثرها وبذلك يمكن الحصول على أكبر قدر ممكن من البروتين المطلوب المشفر‬
‫في المورث أو صفة أخرى من الصفات الستخدامها على نطاق كبير في شتى‬
‫المجاالت الطبية والعالجية والصناعية واالقتصادية(‪.)1‬‬
‫لكن فرق هام جداً بين " الهندسة الوراثية " و " االستنساخ "‪ :‬فالهندسة‬
‫الوراثية في النبات والحيوان تهدف إلى التعرف على المورثات وعالقتها‬
‫باألمراض الوراثية ومن ثم معالجتها‪ ،‬وهذا عمل جيد ومحمود‪ ،‬كما أنه يمكن‬
‫بواسطة الهندسة الوراثية الحصول على عقاقير جديدة ومفيدة لإلنسان‪ ،‬كاألنسولين‬
‫البشري الذي تم الحصول عليه وغيره من األدوية كالسوماتاستاتين‪ ،‬واألنترفيرون‬
‫المستخدم في عالج السرطان واألمراض الفيروسية وغيرها(‪.)2‬‬
‫أما االستنساخ فهو يهدف إلى االستفادة من الهندسة الوراثية – كما سبق وأن‬
‫شرحناها – إليجاد كائن حي بشري بناء على هذا العلم الخطير‪.‬‬

‫‪ -4‬حكم االستنساخ في الفقه اإلسالمي ‪:‬‬


‫سنبين فيما يلي حكم االستنساخ في أنواع االستنساخ الثالثة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬االستنساخ النباتي‬
‫‪1‬‬
‫(?) الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع‪ :‬د‪ .‬إياد أحمد إبراهيم‪ ،‬ص‪.30 – 29‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) االستنساخ البشري هل هو قادم؟‪ :‬د‪ .‬حسان شمسي باشا‬
‫‪( ) http://www.khayma.com/chamsipasha/lstinsakh.htm‬‬

‫‪235‬‬
‫تمتاز النباتات بتكاثرها الخضري‪ ،‬ويعتبر التكاثر الخضري استنساخاً في حد‬
‫ذاته لكن العلماء طوروا طريقة لتكاثر النباتات عن طريق زرع خاليا من نسيج‬
‫نباتي في ظروف معقمة على وسط ٍ‬
‫مغذ‪ ،‬مما يؤدي إلى نمو هذه الخاليا (ال جنسياً)‬
‫منتجة نباتات يمكن تقسيمها واستنساخها مرات عديدة‪ ،‬وعندما تعالج هذه النباتات‬
‫المهجنة المتماثلة بهرمونات نباتية معينة‪ ،‬تتمايز إلى نباتات كاملة تحمل خصائص‬
‫النبات األصلي كلها‪ ،‬وبهذه الطريقة استطاع العلماء الحصول في فترة مدتها ثمانية‬
‫أشهر على ملياري درنة بطاطا مشتقة من درنة واحدة‪ ،‬ويمثل ذلك معدل تكاثر‬
‫يفوق معدل التكاثر الجنسي مئة ألف مرة‪.‬‬
‫إن هذا االستنساخ يحقق للبشرية مصالح عظيمة في توفير الغذاء وزيادته‬
‫وتحسين نوعيته بما يتناسب مع النمو السكاني وما يحتاجونه من طعام وغذاء بما‬
‫يحفظ نفوس الكثيرين من الناس من الهالك والجوع المميت‪ ،‬وهذا ال شك في جوازه‬
‫لتحقيق مقاصد الشريعة من حفظ أنفس الناس والتوسعة عليهم في معايشهم وتيسير‬
‫سبل حياتهم(‪.)1‬‬

‫ثانياً‪ :‬االستنساخ الحيواني‬


‫يقسم االستنساخ الحيواني إلى نوعين‪:‬‬
‫‪ -1‬االستنساخ الجنيني‪.‬‬
‫‪ -2‬االستنساخ الجسدي‪.‬‬
‫االستنساخ الجنيني ‪:‬‬
‫يتكون الفرد من التقاء الحيوان المنوي الذكري مع البييضة المؤنثة‪ ،‬ثم‬
‫تشرع البييضة في االنقسام إلى خليتين ثم إلى أربع وهكذا‪ ،‬فإذا انفصلت الخليتان‬
‫عن بعضهما تكون منهما جنينان متطابقان وراثياً وشكلياً‪ ،‬وهو ما يعرف بالتوائم‬
‫المتطابقة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع ص‪ ،136‬قضايا طبية معاصرة‪ :‬جمعية العلوم الطبية‬
‫المعاصرة ‪.103 – 2/102‬‬

‫‪236‬‬
‫وقد نجح العلماء بإجراء عملية فصل الخليتين أو الخاليا األربع عن مماثلة‬
‫بعضهما البعض ليتكون عندهم أجنة متطابقة وراثياً‪ ،‬وهذا النجاح لم يقتصر على‬
‫إنتاج األغنام واألبقار فحسب‪ ،‬بل نجح على اإلنسان‪.‬‬
‫االستنساخ الجسدي ‪:‬‬
‫تنقسم الخاليا من حيث التمايز وعدمه إلى خاليا متمايزة وخاليا غير‬
‫متمايزة‪ ،‬ومن الخاليا المتمايزة خاليا األمعاء والكبد والقلب وغيرها‪ ،‬والخاليا غير‬
‫المتمايزة كالخاليا الجنينية عند بدء تكوينها‪ ،‬والتمايز هو تخصص الخلية بعمل‬
‫معين‪ ،‬ويستلزم تمايز الخاليا تغيرات معينة في بنية الخلية‪ ،‬وتختلف هذه التغيرات‬
‫بين خلية عصبية أو خلية عضلية أو قلبية أو غيرها‪ ،‬والخاليا المتمايزة ال يمكنها‬
‫العودة إلى الحالة الجنينية (الخاليا الجنينية)‪ ،‬وهذا كان أمراً مسلماً علمياً إلى أن‬
‫استطاع د‪ .‬ويلموت‪ ،‬صاحب النعجة دوللي‪ ،‬إعادة خلية ناضجة ومتخصصة لتقوم‬
‫بوظيفة الخاليا الجنينية‪ ،‬وهي العودة إلى مرحلة البداية لتكوين كائن جديد متكامل‪،‬‬
‫حيث إن الخاليا الجنينية ال يتخصص طاقمها الوراثي‪ ،‬فهي تستطيع أن توجه جميع‬
‫العمليات الحيوية داخل الخلية بما في ذلك عمليات التكوين الجنيني‪ ،‬خالفاً للخاليا‬
‫الجسدية التي يتخصص طاقمها الوراثي لتأدية مهام محددة‪.‬‬
‫لقد ولدت دوللي بطريقة االستنساخ الجسدي نتيجة إجراء ‪ 277‬تجربة‬
‫اندماج‪ ،‬من تجربة مجراة على ألف بييضة تم الحصول عليها من عدد كبير من‬
‫اإلناث‪ ،‬وأنتجت حاالت االندماج ثالثة عشر حمالً فقط‪ ،‬نجح منها واحد فقط بقي‬
‫عند الوالدة وبعدها‪ ،‬أي بنسبة تصل إلى واحد باأللف‪ ،‬ووصلت كلفة إنتاج دوللي‬
‫إلى ‪ 750‬ألف دوالر(‪.)1‬‬
‫الحكم= الشرعي لالستنساخ الحيواني ‪:‬‬
‫يذهب معظم الفقهاء إلى جواز االستنساخ الحيواني بنوعيه الجنيني والجسدي‬
‫لما يحقق من مصالح عظيمة للبشرية كالحصول على نخبة من حيوان المزرعة‬

‫‪1‬‬
‫(?) االستنساخ قنبلة العصر‪ :‬صبري الدمرداش ص‪ ،27 – 24‬الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط‬
‫الشرع ص‪.143 – 141‬‬

‫‪237‬‬
‫(أغنام‪ ،‬أبقار‪ ،‬خيول) تمتلك خصائص وراثية متميزة‪ ،‬وصناعة أدوية لعالج الكثير‬
‫من األمراض الوراثية مثل صناعة بروتينات آدمية ضرورية لعالج األطفال ناقص‬
‫النمو كي يكملوا حياتهم دون عنان‪.‬‬
‫يقول الشيخ يوسف القرضاوي‪ " :‬االستنساخ في النبات ال مانع منه‪ ،‬وأيضاً‬
‫في الحيوان وهو نوع من تحسين الساللة أو نحو ذلك! " (‪.)1‬‬
‫ثالثاً‪ :‬االستنساخ البشري‬
‫قبل أن نبين الحكم الشرعي لالستنساخ البشري أود فيما يلي تذكير‬
‫باالستخدامات التي يقترحها أنصار االستنساخ البشري ثم نعرض بعض مخاطر‬
‫االستنساخ‪:‬‬
‫ما هي االستخدامات التي يقترحها أنصار االستنساخ البشري ؟‬
‫يق ول أنص ار االستنس اخ البش ري ب أن هن اك اس تخدامات متوقفة لالستنس اخ‬
‫البشري ومنها‪:‬‬
‫‪ .1‬زوجان مصابان بالعقم وال يصلحان لطفل األنابيب‪.‬‬
‫‪ .2‬أبوان لهما طفل واحد أصيب بمرض خطير وتوفي‪ ،‬أو سنهما ال يسمح‬
‫باإلنجاب بعد ذلك‪.‬‬
‫‪ .3‬زوجان مصابان بمرض وراثي واحتمال حدوثه عال جداً عند األبناء‪.‬‬
‫‪ .4‬طفل أصيب بمرض خطير ويلزمه نقل نخاع عظمي (مثالً) دون أي فرصة‬
‫أن يرفض جسمه النخاع الجديد‪.‬‬
‫وه ذه بعض األمثلة لالس تخدامات المحتملة لالستنس اخ البش ري‪ ،‬وبما ك ان‬
‫هناك الكثير من االستخدامات األخرى والخطيرة(‪.)2‬‬
‫ما هي مخاطر االستنساخ البشري ؟‬

‫‪1‬‬
‫(?) فتوى للشيخ يوسف القرضاوي حول االستنساخ على اإلنترنت‪) http://www.islam-online.net ( :‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) االستنساخ البشري هل هو قادم؟ د‪ .‬حسان شمسي باشا‬
‫‪( ) http://www.khayma.com/chamsipasha/lstinsakh.htm‬‬

‫‪238‬‬
‫إذا ق در لالستنس اخ البش ري أن يظهر للوج ود‪ ،‬وهو أمر محتمل ج داً‪ ،‬وربما‬
‫في وقت قريب‪ ،‬فإن ذلك سيترافق بمشاكل عديدة اجتماعية وإ نسانية ونفسية‪.‬‬
‫فسيكون هناك اضطراب في األنساب‪ ،‬وما يتبعه من اضطراب في المجتمع‪،‬‬
‫وقد يضطرب أعداد الذكور أو اإلناث‪ ،‬فتخيلوا مثالً أن المستنسخين كلهم كانوا‬
‫جميعاً من الذكور‪ ،‬فماذا سيحدث؟ ولن يكون هناك مفهوم الفرد بذاته‪ ،‬بل ستميع‬
‫ذاتية الفرد‪ ،‬وتختل المواريث‪ ،‬ويتزلزل كيان األسرة‪ ،‬وقد يلجأ في االستنساخ إلى‬
‫طرق إجرامية كاستنساخ شخص بدون إذنه‪ ،‬أو بيع أجنة مستنسخة‪ ،‬أو الحصول‬
‫على نسخ متماثلة من أشد المجرمين عنوة ووحشية‪ ،‬أو اختيار ساللة متميزة تعتبر‬
‫(‪)1‬‬
‫هي الجنس األرقى‪ ،‬وساللة أخرى من العبيد‪ ،‬وهكذا‪..‬‬
‫هذا ولقد أصدر المجمع الفقهي اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر‬
‫بجدة في المملكة العربية السعودية في شهر صفر ‪1418‬هـ الموافق ‪ 28‬يونيو‬
‫‪1997‬م بناء على ما استمعه من البحوث والمناقشات والمبادئ الشرعية التي‬
‫طرحت على المجلس قرر ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تحريم االستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأي طريقة أخرى تؤدي‬
‫إلى التكاثر البشري‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا حصل تجاوز للحكم الشرعي المبين في الفقرة (‪ )1‬فإن آثار تلك الحاالت‬
‫تعرض لبيان أحكامها الشرعية‪.‬‬
‫طرف ثالث على العالقة الزوجية سواء‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -3‬تحريم كل الحاالت التي يقحم فيها‬
‫أكان رحماً أو بييضة أو حيواناً منوياً أو خلية جسدية لالستنساخ‪.‬‬
‫ويقول الشيخ يوسف القرضاوي‪ ..." :‬أما دخول االستنساخ في عالم اإلنسان‬
‫فهو ممنوع ‪.)2( "...‬‬
‫ولقد جاء تحريم العلماء لالستنساخ لألدلة التالية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) المرجع السابق‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) فتوى للشيخ يوسف القرضاوي حول االستنساخ‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫يقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي‪ " :‬إن منطق الشرع اإلسالم بنصوصه‬
‫المطلقة وقواعد الكلية ومقاصده العامة يمنع دخول هذا االستنساخ في عالم البشر‬
‫لما يترتب عليه من مفاسد كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬مناقضة سنة اهلل في خلقه القائمة على مبدأ الزوجية وأن الولد يأتي من‬
‫الزوجين فال يجوز مناقضة السنة اإللهية قال تعالى‪  :‬وخلقناكم أزواجاً ‪‬‬
‫[النبأ‪ ،]8 :‬وقال‪  :‬وأنه خلق الزوجين الذكر واألنثى من نطفة إذا تُمنى ‪‬‬
‫أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً‬
‫ٍ‬ ‫[النجم‪ ،]45 :‬وقال‪  :‬إنا خلقنا اإلنسان من ٍ‬
‫نطفة‬
‫بصيراً ‪[ ‬اإلنسان‪ ،]2 :‬وجعل الزوجية من دالئل قدرته سبحانه وعالمة على‬
‫وجوده فقال تعالى‪  :‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها‬
‫لقوم يتفكرون ‪[ ‬الروم‪ ،]21 :‬بل‬ ‫ٍ‬
‫آليات ٍ‬ ‫وجعل بينكم مودةً ورحمةً إن في ذلك‬
‫ويقسم اهلل بخلقه الذكر واألنثى ليدلل على عظمة هذا الخلق فيقول‪  :‬وما خلق‬
‫الذكر واألنثى ‪[ ‬الليل‪.]3 :‬‬
‫‪ -2‬تغيير خلق اهلل‪ ،‬حيث إن نزع محتويات البييضة منها والتدخل في الخلية‬
‫اإلنسانية يعد تغييراً لخلق اهلل‪ ،‬فإذا كان اإلسالم حرم النمص والوصل والوشم‬
‫لما فيها من تغيير خلق اهلل ظاهرياً‪ ،‬فمن باب أولى تحريم التدخل في محتويات‬
‫البييضة ونزع ما فيها من المادة الوراثية التي تعبر عن الصفات الشكلية‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫‪ -3‬امتهان كرامة اإلنسان الذي كرمه اهلل ورفع درجته وأعلى منزلته بسجود‬
‫علمه‪ ،‬وسخر لـه ما في السماوات واألرض‪،‬‬ ‫المالئكة المقربين لـه‪ ،‬وعلَّمه من ِ‬
‫فهو سيد الكون وكل ما فيه مسخر لـه‪ ،‬فال يصح أن يتساوى مع الحيوان‬
‫مورثاته‬
‫والنبات في وسائل التكاثر أو إخضاعه للتجارب العلمية واللعب في ِّ‬
‫بما ال تؤمن عواقبه‪.‬‬
‫‪ -4‬تشويه األجنة وقتلها‪ ،‬حيث يقرر علماء األجنة والوراثة أن االستنساخ يؤدي‬
‫إلى حدوث تشوهات في صبغيات الخلية الجسدية التي خضعت لعملية إعادة‬
‫الخاليا الجسدية إلى خاليا جنينية‪ ،‬حيث سجل العلماء نقصاً في قدرة‬

‫‪240‬‬
‫الصبغيات على تكوين األحماض األمينية الالزمة لنمو الكائن الجديد‪ ،‬مما‬
‫يؤدي إلى ظهور التشوهات في أعضاء الجنين الداخلية والخارجية‪،‬‬
‫ورثات على درجة عالية من التأثر بالعوامل الخارجية‪ ،‬وليس أدل على‬ ‫فالم َّ‬
‫ُ‬
‫صحة هذا الكالم ما حدث في تجربة النعجة دوللي حيث كانت نسبة النجاح‬
‫واحداً باأللف‪.‬‬
‫‪ -5‬أن اهلل خلق هذا الكون على قاعدة التنويع واالستنساخ يناقض التنوع ألنه يقوم‬
‫على تخليق نسخة مكررة من الشخص الواحد وهذا يترتب عليه مفاسد كثيرة‬
‫في الحياة البشرية واالجتماعية بعضها ندركه وبعضها ال ندركه إلى حين‪،‬‬
‫كيف يعرف الرجل زوجته من غيرها واألخرى نسخة مطابقة لها؟ إن الحياة‬
‫ستضطرب وتفسد إذا انتفت ظاهرة التنوع واختالف األلوان التي خلق اهلل‬
‫عليها الناس‪.‬‬
‫‪ -6‬ما عالقة المستنسخ بالشخص المستنسخ منه هل هو نفس الشخص باعتباره‬
‫نسخة مطابقة منه أو هو أب أو أخ توأم لـه‪ ،‬وعدم وجود آباء لألوالد‬
‫المستنسخين من إناث دون أن يكون معهن ذكر وعدم وجود أمهات لهم عندما‬
‫توضع البويضة المندمجة في نواة الخلية في رحم أنثى غير األنثى التي‬
‫وضعت البويضة في رحمها وهو إضاعة لألنساب فال أب أو أم وهو مناقض‬
‫لقول اهلل تعالى‪  :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ‪[ ‬الحجرات‪،]13 :‬‬
‫واإلسالم أوجب حفظ األنساب وصيانتها‪.‬‬
‫‪ -7‬إن االستنساخ يشكل تالعباً جذرياً في صالت القرابة المتعارف عليها والتي‬
‫هي أساس التناسل البشري‪ ،‬إذ أن االستنساخ ال يستدعي وجود ذكر من أجل‬
‫تحقيق عملية اإلخصاب بحيث تصبح األنثى هي المصدر وسبب الوجود‬
‫للمواليد‪ ،‬وإ ن االستنساخ سيؤدي إلى إيجاد مشاكل اجتماعية كبيرة ويتم بسببه‬
‫إفساد الصالت األساسية للشخصية اإلنسانية وعالقات األبوة والنسب وقرابة‬
‫الدم‪ :‬مثل حق التوارث وحق الرضاعة والحضانة والنفقات وتحديد‬
‫المحرمات من النساء‪ ،‬ولقد اهتم اإلسالم بوضوح األنساب وحذر من جهالتها‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫‪ -8‬القضاء على تمايز الناس‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعالى خلق الناس متمايزين متفاوتين‬
‫لتستمر الحياة على وجه األرض في عالقة تكاملية يخدم الناس بعضهم بعضاً‪،‬‬
‫قال تعالى‪  :‬نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق‬
‫درجات ليتَّخذ بعضهم بعضاً ُسخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون ‪‬‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بعض‬
‫[الزخرف‪.]32 :‬‬
‫‪ -9‬إن األفراد المستنسخين سيشعرون بفقدان ذاتيتهم وشخصيتهم ألن اآلخرين‬
‫سيعتبرونهم نسخاً مطابقة لغيرهم‪ ،‬وينظرون إليهم نظرة نقص‪ ،‬وهذا مما‬
‫يؤثر في نفسيتهم وبالتالي سلوكهم‪.‬‬
‫‪ -10‬انتشار الجريمة وصعوبة التعرف على المجرم من بين المئات من األفراد‬
‫المستنسخين فال يستطاع كشف المجرم التحاد المستنسخين في بصماتهم‬
‫الوراثية‪ ،‬وفي ذلك أخطار جسيمة على اإلنسانية‪ ،‬حيث ينعدم األمن ويعظم‬
‫اإلجرام‪ ،‬مما ال يجوز غض النظر عنه‪ ،‬واهلل سبحانه وتعالى يقول‪  :‬وال‬
‫تفسدوا في األرض بعد إصالحها ‪[ ‬األعراف‪.]56 :‬‬

‫وفيما يلي قرار مجمع الفقه اإلسالمي المنبثق من منظمة الم=ؤتمر اإلس=المي‬
‫بجدة حول موضوع االستنساخ البشري‪:‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى‬
‫آله وصحبه‪.‬‬
‫قرار رقم‪)2/10( 94 :‬‬
‫بشأن‬
‫االستنساخ البشري‬
‫إن مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمر العاشر بجدة‬
‫بالمملكة العربية السعودية خالل الفترة من ‪ 28 – 23‬صفر ‪1418‬هـ الموافق ‪28‬‬
‫حزيران (يونيو) – ‪ 3‬تموز (يوليو) ‪1997‬م‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫بعد اطالعه على البحوث المقدمة في موضوع االستنساخ البشري‪،‬‬
‫والدراسات والبحوث والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي‬
‫عقدتها المنظمة اإلسالمية للعلوم الطبية‪ ،‬بالتعاون مع المجمع وجهات أخرى‪ ،‬في‬
‫الدار البيضاء بالمملكة المغربية في الفترة من ‪ 12 – 9‬صفر ‪1418‬هـ الموافق ‪14‬‬
‫– ‪ 17‬حزيران (يونيو) ‪1997‬م‪ ،‬واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع‬
‫بمشاركة الفقهاء واألطباء‪ ،‬انتهى إلى ما يلي‪:‬‬
‫وبناء على ما سبق من البحوث والمناقشات والمبادئ الشرعية التي طرحت‬
‫على مجلس المجمع‪ ،‬قرر ما يلي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تحريم االستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأي طريقة أخرى تؤدي‬
‫إلى التكاثر البشري‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬إذا حصل تجاوز للحكم الشرعي المبين في الفقرة (أوالً) فإن آثار تلك‬
‫الحاالت تعرض لبيان أحكامها الشرعية‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬تحريم كل الحاالت التي يقحم فيها طرف ثالث على العالقة الزوجية سواء‬
‫أكان رحماً أم بييضة أو حيواناً منوياً أو خلية جسدية لالستنساخ‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬يجوز شرعاً األخذ بتقنيات االستنساخ والهندسة الوراثية في مجاالت‬
‫الجراثيم وسائر األحياء الدقيقة والنبات والحيوان في حدود الضوابط‬
‫الشرعية بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬مناشدة الدول اإلسالمية إصدار القوانين واألنظمة الالزمة لغلق األبواب‬
‫المباشرة وغير المباشرة أمام الجهات المحلية أو األجنبية والمؤسسات‬
‫البحثية والخبراء األجانب للحيلولة دون اتخاذ البالد اإلسالمية ميداناً‬
‫لتجارب االستنساخ البشري والترويج لها‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬المتابعة المشتركة من قبل كل مجمع الفقه اإلسالمي والمنظمة اإلسالمية‬
‫للعلوم الطبية لموضوع االستنساخ ومستجداته العلمية‪ ،‬وضبط مصطلحاته‪،‬‬
‫وعقد الندوات واللقاءات الالزمة لبيان األحكام الشرعية المتعلقة به‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫سابعاً‪ :‬الدعوة إلى تشكيل لجان متخصصة تضم الخبراء وعلماء الشريعة لوضع‬
‫الضوابط الخلقية في مجال بحوث علوم األحياء (البيولوجيا) العتمادها في‬
‫الدول اإلسالمية‪.‬‬
‫ثامناً‪ :‬الدعوة إلى إنشاء ودعم المعاهد والمؤسسات العلمية التي تقوم بإجراء‬
‫البحوث في مجال علوم األحياء (البيولوجيا) والهندسة الوراثية في غير‬
‫مجال االستنساخ البشري‪ ،‬وفق الضوابط الشرعية‪ ،‬حتى ال يظل العالم‬
‫اإلسالمي عالة على غيره‪ ،‬وتبعاً في هذا المجال‪.‬‬
‫تاسعاً‪ :‬تأصيل التعامل مع المستجدات العلمية بنظرة إسالمية‪ ،‬ودعوة أجهزة‬
‫اإلعالم العتماد النظرة اإليمانية في التعامل مع هذه القضايا‪ ،‬وتجنب‬
‫توظيفها بما يناقض اإلسالم‪ ،‬وتوعية الرأي العام للتثبت قبل اتخاذ أي‬
‫موقف‪ ،‬استجابة لقول اهلل تعالى‪  :‬وإ ذا جاءهم أمر من األمن أو الخوف‬
‫أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإ لى أولي األمر منهم لعلمه الذين‬
‫يستنبطونه منهم ‪[ ‬النساء‪.]83 :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫نص فتوى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي في االستنساخ‬
‫عنوان الفتوى‪ :‬االستنساخ‪.‬‬
‫تاريخ الفتوى‪/14 :‬أكتوبر‪.99/‬‬
‫نص السؤال‪ :‬ما حكم االستنساخ؟‬
‫اسم المفتي‪ :‬يوسف عبداهلل القرضاوي‪.‬‬
‫نص اإلجابة‪ :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم بالنسبة لالستنساخ‪ ،‬االستنساخ في النبات ال‬
‫مانع منه‪ ،‬وأيضاً حتى في الحيوان‪ ،‬وهو نوع من تحسين الساللة أو نحو ذلك‪ ..‬إنما‬
‫دخول االستنساخ في عالم اإلنسان هو الممنوع‪ ،‬ألن معنى االستنساخ أخذ خلية‬
‫وتحويلها بطريقة ما إلى البشر المأخوذة منه هذه الخلية ويمكن استحداث صور‬
‫عديدة لهذا الشخص‪ ،‬فهذا مرفوض ديناً ألن اهلل سبحانه وتعالى خلق الكون على‬

‫‪1‬‬
‫(?) ‪http://www.islam-online.net‬‬

‫‪244‬‬
‫أساس التنوع‪ ،‬مختلفاً ألوانه‪ ،‬أما أن نعمل من اإلنسان نسخ فهذا مفسدة للحياة‪ ،‬كيف‬
‫يفرق بين زيد وعبيد‪ ،‬وفي االمتحان‬ ‫يستطيع اإلنسان لو كان مدرس في فصل أن ِّ‬
‫تفرق المرأة زوجها من غيره‪،‬‬ ‫يفرق بين أوالده‪ ،‬كيف ِّ‬‫يفرق هذا من ذاك كيف ّ‬ ‫كيف ّ‬
‫وكيف يفرق الزوج بين امرأته من غيرها‪ ،‬كيف يفرق القاضي بين المتهمين‪ ،‬هذه‬
‫مفسدة وهذا يدخل أيضاً فيه نوع من التغيير في خلق اهلل‪ ،‬الشيطان جعل من وسائله‬
‫تغيير الفطرة قال‪  :‬وآلمرنهم فليغيرن خلق اهلل ‪ ‬والناس إذا غيروا فطرة اهلل‬
‫تدخل اإلنسان في الفطرة‬ ‫فسدت الحياة‪ ،‬األولى أن تبقى الحياة كما فطرها اهلل عليه‪ُّ ،‬‬
‫يفسدها‪ ،‬خصوصاً التدخل في الحياة اإلنسانية‪ ،‬ومن ناحية أخرى إنهم يقولون أن‬
‫اإلنسان ممكن أن يستغني بجنس واحد عن الجنس اآلخر‪ ،‬ربنا جعل الزواج وهو‬
‫اللقاء بين الرجل والمرأة هو أساس التناسل‪ ،‬وهم يقولون إننا ال نحتاج الزواج وال‬
‫التناسل لبقاء النوع وهذه مفسدة كبرى ألن اهلل خلق الكون على أساس ظاهرة‬
‫الزوجية‪ ،‬سنة الزوجية ‪ ‬ومن كل شيء خلقننا زوجين لعلكم تذكرون ‪ ، ‬سبحان‬
‫الذي خلق األزواج كلها مما تنبت األرض‪ ،‬ومن أنفسهم ومما ال يعلمون ‪ ،‬حتى في‬
‫الكهرباء يوجد موجب وسالب‪ ،‬حتى في الذرة التي هي أساس البناء الكوني يوجد‬
‫بروتون وإ لكترون أي شحنة كهربائية موجبة وشحنة كهربائية سالبة‪ ،‬فهذا‬
‫االزدواج هو األساس وهؤالء يريدون أن يمنعوا هذا االزدواج‪ ،‬كيف يعيش الناس‬
‫نساء بال رجال‪ ،‬ومن الممكن أن يستغلها بعض الناس فيما يضر‬ ‫رجاالً بال نساء أو ً‬
‫الحياة البشرية‪ ،‬ممكن بعض الدول الكبرى مثل أمريكا كما حظروا على الدول‬
‫الصغيرة أن تملك األسلحة النووية‪ ،‬تأتي دولة وتحظر على الناس أن تستعمل‬
‫االستنساخ وهي تستنسخ جيش قوي من العمالقة‪ ،‬تحضر أناس أقوياء وتستنسخ‬
‫منهم واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫المبحث العاشر‬

‫قتل الرحمة‬
‫تيسير الموت للمرضى الميؤوس من شفائهم‬

‫‪ -1‬المحافظة على النفس اإلنسانية في اإلسالم ‪:‬‬


‫حق الحي اة مق دس في نظر الش ريعة‪ :‬فلقد خلق اهلل اإلنس ان وألبسه ث وب‬
‫الكرامة وفضله على كثير ممن خلق بالعقل والعلم والبيان والنطق والصورة الحسنة‬
‫والهيئة الشريفة والقامة المعتدلة وشمله بالرعاية والعناية وهو نطفة في داخل الرحم‬
‫وفي جميع أطواره إلى أن صار خلقاً آخر فتبارك اهلل أحسن الخالقين‪.‬‬

‫‪ -2‬تحريم االعتداء على األنفس ‪:‬‬

‫‪246‬‬
‫ح رمت الش ريعة اإلس المية االعت داء على األنفس بغ ير حق واعت برت ه ذا‬
‫الفعل من أعظم المفاسد على ظهر األرض ومن أك بر الكب ائر وأنكر المنك رات بعد‬
‫الكفر باهلل‪.‬‬
‫وجاء ذلك التحريم في آيات كثيرة وأحاديث متنوعة نذكر منها‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫‪ ‬وال تقتلوا النفس التي حرم اهلل إال بالحق ‪[ ‬اإلسراء‪ ،]33 :‬وقول عزوجل‪  :‬وال‬
‫تقتلوا أوالدكم ‪[ ‬األنعام‪ ،]151 :‬كما قال تعالى‪  :‬ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه‬
‫جهنم خالداً فيها وغضب اهلل عليه وأعد له عذاباً عظيماً ‪[ ‬النساء‪ ،]93 :‬وقال‬
‫سبحانه‪  :‬إن اهلل ال يحب المعتدين ‪[ ‬البقرة‪.]190 :‬‬
‫وقال عليه الصالة والسالم‪ " :‬ال يحل دم امرئ مسلم إلى بإحدى ثالث‪ :‬الثيب‬
‫الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة " (‪.)1‬‬

‫‪ -3‬تشريع القصاص ‪:‬‬


‫وبعد أن أوضحت الشريعة اإلسالمية جريمة االعتداء على النفس وحرمتها‬
‫تحريماً قاطعاً – حتى صار ذلك معلوماً بالضرورة للجميع – وثبتت بعد ذلك‬
‫العقوبات المناسبة لكل فعل مع مالحظة الدوافع واآلثار‪:‬‬
‫قال تعالى‪  :‬ولكم في القصاص حياة يا أولي األلباب ‪[ ‬البقرة‪ ،]179 :‬وقال‬
‫سبحانه‪  :‬يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ‪[ ‬البقرة‪ ،]178 :‬وقال‬
‫عزوجل‪  :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين واألنف باألنف‬
‫واألذن باألذن والسن بالسن والجروح قصاص ‪[ ‬المائدة‪.]45 :‬‬
‫فهذه اآليات بينت حكم القصاص في النفس واألطراف والجروح فكان‬
‫القصاص دفعاً لمفسدة التعدي على الدماء بالجناية‪.‬‬

‫‪ -4‬تحريم االنتحار ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في كتاب الديات باب إذا قتل بحجر أو بعصا (‪ ،6/2521 )6484‬ومسلم في القسامة باب‬
‫ما يباح به دم المسلم (‪.3/1302 )1676‬‬

‫‪247‬‬
‫ال يخفى أن حق الحياة حق خالص هلل تعالى‪ ،‬ومن هنا حرم اإلسالم على‬
‫الفرد أن يعرض نفسه للتهلكة‪ ،‬كما حرم االنتحار ألن حياة اإلنسان ليست ملكاً‬
‫خالصاً له وإ نما هي حق لباريها وخالقها‪.‬‬
‫ولقد جاءت اآليات واألحاديث بتحريم جميع وسائل االنتحار مع التهديد‬
‫والوعيد الشديد لمن يلجأ إليه‪.‬‬
‫قال تعالى‪  :‬وال تقتلوا أنفسكم ‪[ ‬النساء‪ ،]29 :‬وقال تعالى‪  :‬وال تلقوا‬
‫بأيديكم إلى التهلكة ‪[ ‬البقرة‪.]195 :‬‬
‫وقوله ‪ " :‬من ترد من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً‬
‫مخلد فيها أبداً‪ ،‬ومن وجأ بطنه بحديدة فحديدته في يده يجأ به بطنه في نار جهنم‬ ‫ً‬
‫خالداً مخلداً فيها أبداً‪ ،‬ومن تحس سماً فسمه بيده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً‬
‫فيها أبداً " (‪.)1‬‬
‫فهذا الحديث يدل على حرمة قتل اإلنسان نفسه‪ ،‬ويدل على الوعيد الشديد‬
‫المترتب على قتل النفس‪ ،‬قال اإلمام الشاطبي‪ " :‬ونفس المكلف داخلة في هذا الحق‬
‫أي حق اهلل الخالص إذ ليس لـه التسليط على نفسه وال على عضو من أعضائه‬
‫باإلتالف " (‪.)2‬‬

‫‪ -5‬أدب اإلسالم في المرض والطب ‪:‬‬


‫إن تعاليم اإلسالم في المرض والطب‪ ،‬تشكل جانباً من التربية الروحية‬
‫والسلوكية‪ ،‬والتي من شأنها أن تقوي معنوية المريض وتحسن رعايته داخل األسرة‬
‫والمجتمع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الطب باب شرب السم والدواء به (‪ ،5/2179 )5442‬ومسلم في اإليمان باب غلظ‬
‫تحريم قتل اإلنسان (‪.1/103 )109‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الموافقات‪ :‬للشاطبي ‪.2/322‬‬

‫‪248‬‬
‫فاإلسالم يرشد من يدخل على المريض ولو كان مرضه ال أمل من شفائه أن‬
‫ينفس لـه في األجل‪ ،‬أي أن يبعث في نفسه األمل بالشفاء‪ :‬يقول ‪ " :‬إذا دخلتم على‬
‫المريض فنفسوا لـه في األجل فإن ذلك ال يرد شيئاً وهو يطيب نفس المريض " (‪.)1‬‬
‫وأن يدعوا العائد للمريض بالشفاء والعافية وأن يوصيه بالصبر واالحتمال‪,‬‬
‫(‪)2‬‬
‫كما يستحب تسلية المرض بما يحب من حالل في القول أو الفعل‪.‬‬
‫أما كتب السنة فتزخر باألحاديث حول المرض ومفهومه وبعده الروحي‬
‫والفلسفي‪ ،‬وكيف يمكن التعامل معه‪ ،‬فقد جاءت األحاديث مصرحة بأن المرض‬
‫يكفر السيئات و يمحو الذنوب‪ :‬فقد روي عن النبي ‪ ‬أنه قال‪ " :‬ما يصيب المسلم‬
‫من نصب وال وصب وال هم وال حزن وال أذى‪ ،‬حتى الشوكة يشاكها إال كفر اهلل‬
‫بها من خطاياه " (‪.)3‬‬
‫ينبغي للمريض أن يصبر على ما ينزل به من ضر‪ ،‬فما أعطي العبد عطاء‬
‫خيراً وأوسع لـه من الصبر‪ :‬روى مسلم عن صهيب بن سنان ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪" :‬‬
‫عجباً ألمر المؤمن إن أمره كله خير – وليس ذلك ألحد إال للمؤمن – إن أصابته‬
‫سراء شكر فكان خيراً لـه وإ ن أصابته ضراء صبر فكان خيراً لـه " (‪ ،)4‬وروى‬
‫البخاري عن أنس ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪ " :‬إن اهلل تعالى قال " إذا‬
‫ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة " (‪ )5‬يريد عينيه‪.‬‬

‫‪ -6‬كراهة تمني الموت ‪:‬‬


‫يكره للمرء أن يتمنى الموت أو يدعو به‪ ،‬لفقر أو مرض أو محنة أو نحو‬
‫ذلك‪ ،‬لما رواه الجماعة عن أنس ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪ " :‬ال يتمنين أحدكم الموت لضر‬
‫نزل به‪ ،‬فإن كان البد متمنياً للموت فليقل‪ :‬اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه الترمذي في كتاب الطب (‪ ،4/413 )2087‬وابن ماجة في الجنائز باب ما جاء في عيادة المريض‬
‫(‪ ،1/462 )1438‬وفي سنده لين (فتح الباري‪)10/121‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المرشد اإلسالمي في الفقه الطبي‪ :‬توفيق الواعد وآخرون‪ ،‬ص‪.198‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب ما جاء في كفارة المرض (‪.5/2127 )5318‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق باب المؤمن أمره كله خير (‪.4/2295 )2999‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب فضل من ذهب بصره (‪.5/2140 )5329‬‬

‫‪249‬‬
‫وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي " (‪ ،)1‬وحكمة النهي عن تمني الموت ما جاء من‬
‫حديث أم الفضل أن النبي ‪ ‬دخل على العباس ‪ ‬وهو يشتكي فتمنى الموت فقال‪" :‬‬
‫يا عباس يا عم رسول اهلل ال تتمن الموت إن كنت محسناً تزداد إحساناً إلى إحسانك‬
‫خير لك‪ ،‬وإ ن كنت مسيئاً فإن تؤخر تستعتب خيراً لك ال تتمن الموت " (‪،)2‬‬
‫(تستعتب‪ :‬تسترضي اهلل باإلقالع عن اإلساءة واالستغفار منها‪ ،‬واالستعتاب‪ :‬طلب‬
‫إزالة العتاب)‪.‬‬

‫‪ -7‬تعريف قتل الرحمة ‪:‬‬


‫ويسمى القتل شفقة‪ ،‬ويسمى تيسير الموت ومصطلحه العلمي باللغة األجنبية‬
‫(‪Good‬‬ ‫(‪ )Euthanasia‬وهي كلمة يونانية تعني في األصل الموت الجيد‬
‫‪ )Death‬أو الموت اليسير (‪ )Easy Death‬أو الموت الكريم (‪With Dignity‬‬
‫‪ )Death‬ثم استعملت في هذا الزمان على ما يعرف بقتل الرحمة أو القتل‬
‫الرحيم(‪.)3‬‬
‫ويراد به تسهيل موت الشخص بدون ألم بسبب الرحمة لتخفيف معاناة‬
‫المريض سواء بطرق فعالة أو منفعلة‪.‬‬

‫‪ -8‬صور قتل الرحمة ‪:‬‬


‫لقتل الرحمة ثالث صور‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب نهي تمني المريض الموت (‪ ،5/2146 )5347‬ومسلم في الذكر‬
‫والدعاء باب تمني كراهة الموت لضر نزل به (‪.4/2064 )2679‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه اإلمام أحمد (‪ ،6/339 )26916‬والحاكم في مستدركه (‪ 1/489 )1254‬وقال حديث صحيح على‬
‫شرط الشيخين ولم يخرجاه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) قالوا‪ :‬القتل رحمه‪ :‬د‪ .‬عبد الجبار دية‬
‫( ‪) http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp‬‬

‫‪250‬‬
‫قوي مضاد لأللم لتضع هذه الجرعة‬ ‫‪ -‬إعطاء المريض جرعة كبيرة من ٍ‬
‫دواء ٍّ‬
‫المفرطة حداً لحياته‪.‬‬
‫(‬ ‫‪ -‬أن يكون المريض غير قادر على التنفس إال بواسطة المنفاس‬
‫‪ )Respirator‬فإذا فصل عنه الجهاز توقف تنفسه ومات‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون عالج المريض سبباً في استمرار حياته دون شفائه‪ ،‬فإذا أوقف‬
‫عنه العالج مات‪.‬‬
‫ومن الواضح أن الح التين األول يين تقتض يان ت ُّ‬
‫دخالً إيجابي اً من الط بيب‪ ،‬أما‬
‫الحالة الثالثة فال تقتضي إال موقف اً س لبياً يتمثل بامتن اع الط بيب عن عالج الم ريض‪،‬‬
‫غير أن موت المريض هو النتيجة العملية في الحاالت الثالث(‪.)1‬‬

‫‪ -9‬تاريخ قتل الرحمة ‪:‬‬


‫تعود فكرة (القتل شفقة) أو القتل رحمة إلى فالسفة اليونان القدماء‪ ،‬فقد ذكر‬
‫أفالطون في كتابه الشهير (الجمهورية) أن الذين تنقصهم سالمة األجسام يجب أن‬
‫يتركوا للموت! وسقراط الذي أطلق على هذا الشكل من الموت اسم (التدبير الذاتي‬
‫للموت بشرف) وكان سقراط قد تناول السم عن طواعية عندما حكموا عليه‬
‫بالموت‪ ،‬ورفض الهروب من السجن الذي دبره تالميذه! وينسب اصطالح القتل‬
‫بدافع الشفقة للفيلسوف اإلنجليزي (روجيه بيكون ‪ )1294 – 1214‬الذي كان يرى‬
‫(أن على األطباء أن يعملوا على إعادة الصحة للمرضى ويخففوا آالمهم‪ ،‬ولكن إذا‬
‫وجدوا أن شفاءهم ال أمل فيه فيجب عليهم أن يهيئوا لهم موتاً هادئاً وسهالً) وفي‬
‫عام ‪ 1823‬عرضت على القضاء األمريكي أول قضية في قتل الرحمة‪ ،‬حيث أقدم‬
‫أب على إغراق أطفاله الثالثة ليذهبوا – حسب اعتقاده – إلى الجنة مباشرة!‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظر الموسوعة الطبية الفقهية‪ :‬د‪ .‬أحمد محمد كنعان‪ ،‬ص‪.780‬‬

‫‪251‬‬
‫وفي أوائل القرن العشرين الميالدي قامت في ألمانيا حركة تنادي بإباحة قتل‬
‫الرحمة‪ ،‬وفي عام ‪ 1930‬أنشئت الجمعية األمريكية لقتل الرحمة‪ ،‬وقد عدلت اسمها‬
‫في عام ‪ 1970‬إلى جمعية حق اإلنسان في الموت‪ ،‬وفي عام ‪ 1936‬أباح بعض‬
‫أساقفة الكنيسة في الواليات المتحدة قتل الرحمة في حدود معقولة ومقبولة! وفي‬
‫العام نفسه عقدت الجمعية البريطانية لقتل الرحمة أول اجتماع لها‪ ،‬وقدمت مشروعاً‬
‫إلى مجلس اللوردات يجعل قتل الرحمة أمراً يبيحه القانون‪ ،‬ولكن المجلس رفضه‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1939‬أصدر الزعيم األلماني النازي (هتلر) أمراً أباح فيه قتل‬
‫المرضى العقليين والمعتوهين والشيوخ الذين أصيبوا بالخرف! وفي عام ‪1966‬‬
‫يجرم الطبيب الذي يمارس قتل الرحمة‬ ‫وضعت إحدى المحاكم األمريكية قانوناً ِّ‬
‫(ألن التعجيل بموت المريض تخليصاً لـه من آالمه يعد فعالً معاقباً عليه قانوناً)‬
‫وفي عام ‪ 1970‬ظهرت في بريطانيا حركة نشطة تنادي بالسماح بقتل الرحمة‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1977‬أعطى القانون في والية كاليفورنيا الحق لكل شخص أن‬
‫يحدد موعد موته بأن يكون سهالً وبال معاناة‪ ،‬وفي عام ‪ 1982‬تأسست في بريطانيا‬
‫جمعية لتيسير الموت وتسهيله(‪.)1‬‬

‫‪ -10‬الموقف الشرعي من قتل الرحمة ‪:‬‬


‫لقد ثارت مناقشات طويلة بين أهل الشريعة وأهل القانون حول مسألة القتل‬
‫شفقة الذي يبدو أن الدافع الظاهر فيه هو دافع إنساني يستهدف تخليص المريض من‬
‫آالمه التي ال أمل بالخالص منها إال بالموت! وما زالت جل القوانين الوضعية حتى‬
‫اآلن ال تبيح قتل الشفقة خشية اتخاذه ذريعة لجريمة القتل العمد‪ ،‬مع العلم بأن كثيراً‬
‫تفرق في قوانينها الجنائية بين القتل الجنائي وقتل الرحمة‬‫من البالد األوروبية باتت ِّ‬
‫وتجعل من هذا األخير مجرد ج ْن ٍ‬
‫حة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وفيما يلي أهم الحجج التي يستدل بها المؤيدون لقتل الرحمة (اليوثنيزيا)‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) انظر مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد ‪ 42‬عام ‪1420‬هـ‪ ،1999/‬مقالة د‪ .‬بلحاج العربي بن احمد‪:‬‬
‫األحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه اإلسالمي ص‪ ،67 – 62‬وانظر أيضاً المنظمة اإلسالمية للعلوم‬
‫الطبية‪ :‬السياسة الصحية األخالقيات والقيم اإلنسانية من منظور إسالمي‪ ،‬مقالة د‪ .‬عصام الشربيني‪ :‬قتل‬
‫الرحمة ص‪ 171‬وما بعدها‪ ,‬الكويت ‪.1997‬‬

‫‪252‬‬
‫أ‪ -‬في مصلحة المريض ‪:‬‬
‫ويقدم المؤيدون المنطلقون من هذه النقطة تلك األسباب لتدعيهم موقفهم‪.‬‬
‫‪ -1‬الحرية االستقاللية ‪:Autonomy‬‬
‫يقولون‪ :‬اإلنسان في رأيه حر في تقرير مصيره‪ ،‬ويقولون‪ :‬لإلنسان حق‬
‫التصرف في جسده كما يشاء‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬إن اليوثنيزيا بمثابة مساعدة على االنتحار المشروع ‪Assisted‬‬
‫‪.Suicide‬‬
‫ويقولون‪ :‬ال بأس من أن يكتب المريض وصية الحياة قبل دخوله المستشفى‪،‬‬
‫وقبل تعرضه ألي داء عضال‪ ،‬فيقر أنه إذا كان في وضع يعاني منه معاناة شديدة‪،‬‬
‫على الطبيب المعالج أن يرفع يديه عنه‪ ،‬وأن ال يحاول اإلبقاء على الحياة بأي ثمن‪.‬‬
‫‪ -2‬الحقوق ‪:Rights‬‬
‫ويقولون‪ :‬لإلنسان حق الموت!‬
‫ويقولون‪ :‬للمريض حق أن ُيقتل إن هو طلب ذلك‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬لإلنسان حق الحياة وحق الموت‪.‬‬
‫‪ -3‬الرحمة ‪:Compassion‬‬
‫يقولون‪ :‬اليوثنيزيا من شأنها أن تريح المريض من معاناته وآالمه‪!..‬‬
‫‪ -4‬نوعية الحياة ‪:Quality Of Life‬‬
‫يقولون‪ :‬إن حياة بعض المرضى ال تساوي عدمها‪ ،‬وخير لهم أن يموتوا‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬إن قيمة الحياة تقاس بمقدار مساهمة اإلنسان إبداعاً وإ نتاجاً‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬ما قيمة الحياة عندما يصبح اإلنسان يعتمد على غيره في قضاء‬
‫حوائجه‪.‬‬
‫ب‪ -‬لمصلحة اآلخرين (األقارب‪/‬األصدقاء‪/‬المجتمع العام) ‪:‬‬
‫‪ -1‬الرحمة ‪:Compassion‬‬
‫يقول ون‪ :‬إن أق ارب الم ريض وأص دقائه يع انون نتيجة معان اة الم ريض‪ ،‬وفي‬
‫اليوثنيزيا وضع حد لهذه المعاناة رحمة بهم‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫‪ -2‬العامل االقتصادي (المادي) ‪:Economics‬‬
‫يقولون‪ :‬إن التخلص من بعض المرضى فيه توفير مادي على المجتمع‬
‫والدولة‪.‬‬
‫‪ -3‬منطق العقوبة ‪:Punishment‬‬
‫يقولون‪ :‬من الواجب تخليص المجتمع من الحشائش الضارة‪ ،‬ويستدلون على‬
‫ذلك بمرض اإليدز(‪.)1‬‬
‫أما من الوجهة الشرعية فقد أجمع أهل العلم ممن تعرضوا لهذه المسألة على‬
‫اعتداء على ِّ‬
‫حق اهلل تعالى في الحياة التي وهبها لإلنسان‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫حرمة القتل شفقةً ألنه‬
‫تعبير عن رضى العبد بقضاء اهلل‬
‫مطلوب شرعاً‪ ،‬وهو ٌ‬‫ٌ‬ ‫وألن الصبر على األلم‬
‫وقدره‪ ،‬وقد ضرب القرآن الكريم مثالً على هذا من صبر نبي اهلل أيوب عليه السالم‬
‫الذي ابتاله اهلل عزوجل بالمرض واآلالم المبرحة لفترة طويلة من الزمن فصبر‬
‫على مرضه وآالمه حتى جاءه الفرج من عند اهلل عزوجل وقد بحث الفقهاء القدامى‬
‫ما يسمى في القوانين الحديثة بالجريمة السَّلبية‪ ،‬وذلك عند بحثهم الحالة التي يمتنع‬
‫بعضهم‬
‫شخص عن إرشاد شخص أعمى‪ ،‬ويتركه ليقع في بئر فيموت‪ ،‬واعتبر ُ‬ ‫ٌ‬ ‫فيها‬
‫هذا الشخص قاتالً بالرغم من عدم قيامه بأي دور إيجابي‪ ،‬وكذلك فعلوا تجاه‬
‫ط فيموت‪.‬‬‫الشخص الذي يترك اللقي َ‬
‫وفي العصر الحاضر فإن المجمع الفقهي اإلسالمي في دورته السابعة‬
‫المنعقدة في جدة من ‪ 14 – 9‬أيار‪/‬مايو ‪1992‬م في قراره (رقم‪ )67/5/17‬قد‬
‫قرر رفضه بشدة لما يسمى قتل الرحمة‪ ،‬بأي حال من األحوال‪ ،‬وأن العالج في‬
‫الحاالت الميئوس منها يخضع للتداوي والعالج واألخذ باألسباب التي أودعها اهلل‬
‫عزوجل في الكون‪ ،‬وال يجوز شرعاً اليأس من روح اهلل أو القنوط من رحمته‪ ،‬بل‬
‫ينبغي بقاء األمل بالشفاء بإذن اهلل تعالى‪ ،‬وعلى األطباء وذوي المرضى تقوية‬
‫معنويات المريض ورعايته وتخفيف آالمه النفسية والبدنية‪ ،‬بصرف النظر عن‬
‫توقع الشفاء أو عدمه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) ‪http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp‬‬

‫‪254‬‬
‫وعلى هذا فال يجوز للمريض إنهاء حياته بنفسه ألنه ُي َع ُّد منتحراً‪ ،‬وال يجوز‬
‫لـه أن يطلب ذلك من الطبيب كما أن الطبيب الذي يساعد المريض على إنهاء حياته‬
‫يكون آثماً‪ ،‬وتطبَّق بحقِّه أحكام القتل العمد كما ذكرنا آنفاً‪ ..‬هذا مع تذكير األطباء‬
‫بضرورة االجتهاد في خدمة المريض وفق القواعد الطبية المتعارف عليها‪ ،‬مع‬
‫تقوى اهلل في ذلك كله‪ ،‬واستحضار النية الخالصة بمنفعة المريض وتخفيف آالمه‬
‫حتى آخر رمق من حياته‪ ،‬وإ ذا غلب على ظن الطبيب أن حجب الدواء أو العالج‬
‫عن المريض ال يقدم له نفعاً وال يدفع عنه ضراً جاز له ذلك‪ ،‬وأمره إلى اهلل‪ ،‬وأما‬
‫من الوجهة القانونية فعليه أن يدون في ملف المريض حيثيات اجتهاده‪..‬‬

‫الرد على من يقول بجواز قتل الرحمة ‪:‬‬ ‫َّ‬


‫ولل رد على األدلة ال تي اس تدل بها المج يزون لقتل الرحم ة‪ ،‬نق ول ب أن هن اك‬
‫آثار سيئة في تقنين القتل الرحيم على مهنتي الطب والتمريض منها‪:‬‬
‫‪ -1‬فقدان المصداقية (الثقة) بين المريض من جهة وأسرة الطب والتمريض من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬فمثالً‪ :‬قد يمانع المريض في دخول المستشفى‪ ،‬وقد يشك في ما‬
‫يقدم إليه من عالج‪.‬‬
‫‪ -2‬تحول دور الطبيب من اإلبقاء (الحفاظ) على الحياة إلى التحكم في الوفاة‪.‬‬
‫‪ -3‬تقويض فلسفة التعليم الطبي من األساس‪ ،‬فتفقد مهنة الطب قيمتها إذا أصبح‬
‫قتل المريض هو الحل األمثل‪.‬‬
‫‪ -4‬التقليل واإلضعاف من قيمة الحياة‪.‬‬
‫ويكون البديل لقتل الرحمة بـ ‪:‬‬
‫‪ -1‬التوسع في إنشاء أمكنة االستضياف ‪ Hospics‬وإ حياء دورها وتحويلها مبان‬
‫من الطوب إلى أماكن تحوي كفاءات ومهارات تخصصية تقصد إلى رفع‬
‫األذى عن أصحاب العلل المستعصية والتخفيف عنهم ما أمكن‪.‬‬
‫وك ذلك دورها من أم اكن يقص دها الن اس قبيل م وتهم‪ ،‬إلى أم اكن يكتشف‬
‫فيها اإلنسان كوامن نفسه وطاقاته وعالقاته مع الخلق والخالق‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫إعداد فريق من المتخصصين في شتى المجاالت‪Multidisciplinary‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ Approach‬لإلشراف والقيام بأعباء العناية في أماكن االستضافة هذه‪.‬‬
‫تطوير العالج التسكيني ‪ :Palliative Care‬كاألدوية والعالج الطبيعي‬ ‫‪-3‬‬
‫واإلبر الصينية‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫التعامل مع األلم بشمولية ‪ Holistic Approach‬ولأللم أبعاد جسدية ونفسية‬ ‫‪-4‬‬
‫واجتماعية وروحية‪.‬‬
‫مراعاة أن يكون العالج المقدم مما ال يشكل عبئاً فيزيقيًّا طبيعيًّا أو ماليًّا على‬ ‫‪-5‬‬
‫المريض‪.Burdensome ..‬‬
‫التواصل والمشورة ‪ :Communication / Counseling‬ضرورة التحدث‬ ‫‪-6‬‬
‫إلى المرضى وذويهم وشرح عللهم ودور الدواء في التعامل مع األعراض‬
‫واآلالم التي تؤرقهم‪ ،‬وهذا من شأنه تنمية شخصياتهم وإ عادة الثقة بالنفس‬
‫‪ Self Esteem‬وتقوية عامل الثقة بين المريض وطبيبه وطرد الكثير من‬
‫األوهام والخرافات‪.‬‬
‫عدم إكراههم على الطعام والشراب‪ ،‬فيكفيهم في العادة القليل من هذا وذاك‪،‬‬ ‫‪-7‬‬
‫عن عقبة بن عامر ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ " :‬ال تكرهوا مرضاكم على‬
‫الطعام والشراب فإن اهلل يطعمهم ويسقيهم " (‪.)1‬‬
‫الدعم المعنوي والروحي ‪ :Moral/Spiritual Support‬وذلك بإعطاء‬ ‫‪-8‬‬
‫المريض فسحة من األمل‪ ،‬فحتى مرضى السرطان المنتشر في مراحله‬
‫األخيرة أحياناً يفاجئون الطبيب المعالج بما لم يكون في حسبانه من تحسن‪،‬‬
‫وربما عاشوا شهوراً أو أعواماً على غير المتوقع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه ابن ماجة في الطب باب ال تكرهوا المريض على الطعام (‪ ،2/1140 )3444‬والترمذي في الطب‬
‫باب ما جاء ال تكرهوا مرضاكم‪ ،4/384 )2040( ...‬والحاكم في مستدركه (‪ 1/501 )1296‬وقال هذا‬
‫حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫قال رسول اهلل ‪ " :‬إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في األجل‪ ،‬فإن‬
‫ذلك ال يرد شيئاً‪ ،‬وهو يطيب نفس المريض " (‪.)2‬‬
‫‪ -9‬االهتمام بأقارب المريض وأصدقائه‪ ،‬وذلك بالتحدث إليهم وشرح الغامض ما‬
‫أمكن وإ ظهار التعاطف الوجداني‪ ،‬وكذلك المساعدة المادية ما أمكن‪ ،‬وكل ما‬
‫من شأنه أن يخفف عنهم ويجبر خاطرهم ويعزيهم في مصابهم(‪.)2‬‬

‫(‪)3‬‬
‫فتوى للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في الموضوع ‪:‬‬
‫ولفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي فتوى في موضوع قتل الرحمة‬
‫نوردها كما جاءت ففيها تفصيل ال يجوز لنا اختصاره أو حذف بعض عباراته‬
‫فيقول حفظه اهلل ‪:‬‬
‫تيسير الموت الفعال‪:‬‬
‫يتخذ الطبيب إجراءات فعالة إلنهاء حياة المريض‪.‬‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫‪ -1‬مريض مصاب بالسرطان يعاني من األلم واإلغماء ويعتقد الطبيب بأنه‬
‫سيموت بأي حال من األحوال ويعطيه جرعة عالية من عالج قاتل لأللم الذي‬
‫يوقف تنفسه‪.‬‬
‫‪ -2‬مريض في حالة إغماء لفترة طويلة مثالً بعد إصابته بالتهاب السحايا أو‬
‫بإصابة شديدة في رأسه‪ ،‬ومن الممكن أن يبقى حياً باستعمال منفسة (جهاز‬
‫إنعاش) ويعتقد الطبيب بعدم وجود أي أمل بشفائه‪ ،‬والمنفسة تضخ الهواء‬
‫للرئتين‪ ،‬وتديم تنفسه " أتوماتيكيا "‪ ،‬فإذا ما أوقف المنفسة لن يتمكن المريض‬

‫‪2‬‬
‫(?) سبق تخريج الحديث‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) قالوا القتل رحمة‪ :‬د‪ .‬عبد الجبار دية‬
‫( ‪) http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) فتاوي معاصرة‪ :‬الدكتور يوسف القرضاوي ‪.529 – 2/525‬‬

‫‪257‬‬
‫من إدامة تنفسه‪ ،‬فمن الممكن إبقاء هذا المريض حياً بواسطة هذه المنفسة‬
‫الصناعية التي تديم فعالياته الحيوية‪ ،‬ولكن لكل االعتبارات األخرى يعتبر مثل‬
‫هذا المريض " ميتاً " وغير قادر على السيطرة على وظائفه وإ يقاف هذه‬
‫المنفسة يعتبر تيسيراً فعاالً للموت‪.‬‬
‫تيسير الموت المنفعل‪:‬‬
‫هنا ال تتخذ خط وات فعالة إلنه اء حي اة الم ريض بل ي ترك للم رض أن يأخذ‬
‫أدواره بدون إعطاء المريض أي عالج إلطالة حياته‪.‬‬

‫أمثلة ‪:‬‬
‫‪ -1‬مريض نهائي بالسرطان أو اإلغماء من إصابة بالرأس أو التهاب سحائي وال‬
‫يرجى شفاؤه منه‪ ،‬ومصاب بالتهاب الرئة التي إن لم تعالج – وهي ممكنة‬
‫العالج – يمكن أن تقتل المريض وإ يقاف العالج من الممكن أن يعجل بموت‬
‫المريض‪.‬‬
‫‪ -2‬طفل مشوه تشويهاً شديداً بتصلب أشرم – شوكة مشقوقة – أو بشلل مخي‬
‫يمكن أن يترك من دون عالج إذا أصيب بالتهاب الرئتين أو بالتهاب السحايا‪،‬‬
‫ويمكن يموت الطفل من هذه االلتهابات‪.‬‬
‫والتصلب األشرم – الشوكة المشقوقة – هي حالة غير طبيعية للعمود الفقري‬
‫تؤدي إلى شلل الساقيين وفقدان السيطرة على المثانة واألمعاء الغليظة والطفل‬
‫المريض بهذا الداء يكون مشلوالً يحتاج إلى عناية خاصة طيلة حياته‪.‬‬
‫أما الشلل المخي فهي حالة تلف في المخ خالل الوالدة تسبب تخلفاً عقلياً‬
‫وشلالً في األطراف بدرجات متفاوتة‪ ،‬ومثل هذا الطفل يكون مشلوالً جسمياً وعقلياً‬
‫ويحتاج لعناية خاصة طيلة حياته‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫في األمثلة السابقة " إيقاف العالج " هو نوع من أنواع تيسير الموت المنفعل‬
‫وبصورة عامة ال يعيش هؤالء األطفال عمراً طويالً‪ ،‬وإ يقاف العالج وتيسير الموت‬
‫المنفعل يمنع إطالة معاناة الطفل المريض أو والديه‪.‬‬
‫األسئلة ‪:‬‬
‫‪ -1‬هل تيسير الموت الفعال مسموح به في اإلسالم ؟‬
‫‪ -2‬هل تيسير الموت المنفعل مسموح به في اإلسالم ؟‬
‫تيسير الموت الفعال‪:‬‬
‫‪ -1‬تيسير الموت الفعال في المثال رقم (‪ )1‬ال يجوز شرعاً‪ ،‬ألن فيه عمالً‬
‫إيجابياً من الطبيب بقصد قتل المريض‪ ،‬والتعجيل بموته‪ ،‬بإعطائه تلك الجرعة‬
‫العالية من الدواء المتسبب في الموت‪ ،‬فهو قتل على أي حال‪ ،‬سواء كان بهذه‬
‫الوسيلة أم بإعطاء مادة سمية سريعة التأثير‪ ،‬أم بصعقة كهربائية أم بآلة حادة‪ ،‬كله‬
‫قتل‪ ،‬وهو محرم‪ ،‬بل هو من الكبائر الموبقة‪ ،‬وال يزيل عنه صفة القتل أن دافعه هو‬
‫الرحمة بالمريض‪ ،‬وتخفيف المعانة عنه‪ ،‬فليس الطبيب أرحم به ممن خلقه‪ ،‬وليترك‬
‫أمره إلى اهلل تعالى‪ ،‬فهو الذي وهب الحياة لإلنسان وهو الذي يسلبها في أجلها‬
‫المسمى عنده‪.‬‬
‫أما المثال رقم (‪ )2‬من أمثلة تيسير الموت الفعال‪ ،‬فنؤخر الحديث عنه بعد‬
‫الحديث عن تيسير الموت المنفعل‪.‬‬
‫تيسير الموت المنفعل (بإيقاف العالج)‪:‬‬
‫وأما تيسير الموت " بالطرق المنفعلة " كما في السؤال‪ ،‬فإنها تدور كلها س واء‬
‫في المث ال (‪ )1‬أم (‪ )2‬على " إيق اف العالج " عن الم ريض‪ ،‬واالمتن اع عن إعطائه‬
‫الدواء‪ ،‬الذي يوقن الطبيب أنه ال جدوى منه‪ ،‬وال رجاء فيه للمريض‪ ،‬وفق سنن اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬وقانون األسباب والمسببات‪.‬‬
‫ومن المعروف لدى علماء الشرع‪ :‬أن العالج أو التداوي من األمراض ليس‬
‫بواجب عند جماهير الفقهاء‪ ،‬وأئمة المذاهب‪ ،‬بل هو في دائرة المباح عندهم‪ ،‬وإ نما‬

‫‪259‬‬
‫أوجبه طائفة قليلة‪ ،‬كما قاله بعض أصحاب الشافعي وأحمد‪ ،‬كما ذكر شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية(‪ ,)1‬وبعضهم استحبه(‪.)2‬‬
‫بل قد تنازع العلماء‪ :‬أيهما أفضل‪ :‬التداوي أم الصبر؟ فمنهم من قال‪ :‬الصبر‬
‫أفضل‪ ،‬لحديث ابن عباس في الصحيح عن الجارية التي كانت تصرع – يصيبها‬
‫الصرع – وسألت النبي ‪ ‬أن يدعو لها‪ ،‬فقال‪ " :‬إن أحببت أن تصبري ولك الجنة‪،‬‬
‫وإ ن أحببت دعوت اهلل أن يشفيك " فقالت‪ :‬بل أصبر‪ ،‬ولكني أتكشف‪ ،‬فادع اهلل لي‬
‫أال أتكشف‪ ،‬فدعا لها أال تتكشف(‪.)3‬‬
‫وألن خلقاً من الصحابة والتابعين لم يكونوا يتداوون‪ ،‬بل فيهم من اختار‬
‫المرض‪ ،‬كأبي بن كعب‪ ،‬وأبي ذر – رضي اهلل عنهما – ومع هذا فلم ينكر عليهم‬
‫ترك التداوي(‪.)4‬‬
‫وقد عقد اإلمام أبو حامد الغزالي في " كتاب التوكل " من " اإلحياء " باباً في‬
‫الرد على من قال‪ :‬ترك التداوي أفضل بكل حال(‪.)5‬‬
‫هذا هو رأي فقهاء األمة في العالج أو التداوي للمريض‪ ،‬فأكثرهم يجعلونه من‬
‫قسم المباح‪ ،‬وأقلهم يجعلونه من المستحب‪ ،‬واألقل منهم يجعلونه واجباً‪.‬‬
‫وأنا مع الذين يوجبونه في حالة ما إذا كان األلم شديداً‪ ،‬والدواء ناجعاً‪،‬‬
‫والشفاء مرجوا منه وفق سنة اهلل تعالى‪.‬‬
‫وهو الموافق لهدي النبي ‪ ‬الذي تداوى وأمر أصحابه بالتداوي‪ ،‬كما ذكر‬
‫ذلك ابن القيم في هديه ‪ " ‬في زاد المعاد " (‪ )6‬وأدنى ما يدل عليه ذلك هو السنية‬
‫واالستحباب‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) الفتاوي الكبرى البن تيمية ‪4/260‬ط‪ ،‬مطبعة كردستان العلمية بالقاهرة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) انظر المراجع التالية‪ :‬البحر الرائق ‪ ،8/237‬تبيين الحقائق ‪ ،6/32‬حاشية ابن عابدين ‪ ،4/399‬الفواكه‬
‫الدواني ‪ ،2/294‬مواهب الجليل ‪ ،2/425‬اإلقناع ‪ ،1/209‬حاشية البجيرمي ‪ ،1/448‬مغني المحتاج ‪،1/357‬‬
‫المغني ‪ ،9/106‬شرح منتهى اإلرادات ‪.1/341‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) رواه البخاري في كتاب المرضى باب ما فضل من يصرع من الريح (‪.5/2140 )5328‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) الفتاوي الكبرى البن تيمية ‪4/260‬ط‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) انظر‪ :‬إحياء علوم الدين ‪ 4/290‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) زاد المعاد في هدي خير العباد‪ :‬ابن القيم الجوزية ‪.4/10‬‬

‫‪260‬‬
‫ومن هنا يكون العالج أو التداوي حيث يرجى للمريض الشفاء مستحباً أو‬
‫واجباً‪ ،‬أما إذا لم يكن يرجى له الشفاء‪ ،‬وفق سنن اهلل في األسباب والمسببات التي‬
‫يعرفها أهلها وخبراؤها من أرباب الطب واالختصاص‪ ،‬فال يقول أحد باستحباب‬
‫ذلك فضالً عن وجوبه‪.‬‬
‫وإ ذا كان تعريض المريض للعالج بأي صورة كانت – شرباً أو حقناً أو‬
‫تغذية بالجلوكوز ونحوه‪ ،‬أو توصيالً بأجهزة التنفس واإلنعاش الصناعي‪ ،‬أو غير‬
‫ذلك مما وصل إليه الطب الحديث‪ ،‬ومما قد يصل إليه بعد – يطيل عليه مدة‬
‫المرض‪ ،‬ويبقى عليه اآلالم زمناً أطول‪ ،‬فمن باب أولى أال يكون ذلك واجباً وال‬
‫مستحباً‪ ،‬بل لعل عكسه هو الواجب أو المستحب‪.‬‬
‫فهذا النوع من تيسير الموت – إن صحت التسمية – ال ينبغي أن يدخل في‬
‫مسمى " قتل الرحمة "‪ ,‬لعدم وجود فعل إيجابي من قبل الطبيب‪ ،‬إنما هو ترك ألمر‬
‫ليس بواجب وال مندوب‪ ،‬حتى يكون مؤاخذاً على تركه‪.‬‬
‫وهو إذن أمر جائز ومشروع‪ ،‬إن لم يكن مطلوباً‪ ،‬وللطبيب أن يمارسه‪ ،‬طلباً‬
‫لراحة المريض وراحة أهله‪ ،‬ال حرج عليه إن شاء اهلل‪.‬‬
‫تيسير الموت بإيقاف أجهزة اإلنعاش‪:‬‬
‫بقى الجواب عن المثال الثاني في النوع األول‪ ،‬الذي اعتبره السؤال من‬
‫تيسير الموت بالطرق الفعالة ال المنفعلة‪ ،‬وهو يقوم على إيقاف المنفسة الصناعية أو‬
‫ما يسمونه " أجهزة اإلنعاش الصناعي " عن المريض‪ ،‬الذي يعتبر في نظر الطب "‬
‫ميتا ً" أو في " حكم الميت " وذلك لتلف جذع الدماغ‪ ،‬أو المخ‪ ،‬الذي به يحيا اإلنسان‬
‫ويحس ويشعر‪.‬‬
‫وإ ذا كان عمل الطبيب مجرد إيقاف أجهزة العالج‪ ،‬فال يخرج عن كونه تركاً‬
‫للتداوي‪ ،‬شأنه شأن الحاالت األخرى‪ ،‬الذي سماها " الطرق المنفعلة "‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك أرى إخراج هذه الحالة وأمثالها عن دائرة النوع األول "‬
‫تيسير الموت بالطرق الفعالة " وإ دخالها في النوع اآلخر‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫وبناء على ذلك يكون هذا أمراً مشروعاً وال حرج فيه أيضاً‪ ،‬وبخاصة أن‬
‫هذه األجهزة تبقى عليه هذه الحياة الظاهرية – المتمثلة في التنفس والدورة الدموية‬
‫– وإ ن كان المريض ميتاً بالفعل‪ ،‬فهو ال يعي وال يحس وال يشعر‪ ،‬نظراً لتلف‬
‫مصدر ذلك كله وهو المخ‪.‬‬
‫وبقاء المريض على هذه الحالة يتكلف نفقات كثيرة دون طائل‪ ،‬ويحجز‬
‫أجهزة يحتاج إليها غيره‪ ،‬ممن يجدي معه العالج‪ ،‬وهو – وإ ن كان ال يحس – فإن‬
‫أهله وذويه يظلون في قلق وألم ما دام على هذه الحالة‪ ،‬التي قد تطول إلى عشر‬
‫سنوات أو أكثر!‪.‬‬
‫وقد ذكرت هذا الرأي منذ سنوات أمام جمع من الفقهاء واألطباء في أحد‬
‫اجتماعات الندوة التي تقيمها بين الحين والحين " المنظمة اإلسالمية للعلوم الطبية "‬
‫بالكويت‪ ،‬فلقي قبول الحاضرين من أهل الفقه وأهل الطب‪.‬‬
‫والحمد هلل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا اهلل‪.‬‬
‫فتوى بشأن أجهزة اإلنعاش رقم القرار (‪ )5‬د ‪3/07/86‬‬
‫إن مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان‬
‫عاصمة المملكة األردنية الهاشمية من ‪ 8‬إلى ‪ 13‬صفر ‪1407‬هـ ‪ 11‬إلى‬
‫‪16‬أكتوبر ‪1986‬م‪ ،‬بعد تداوله في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع أجهزة‬
‫اإلنعاش واستماعه إلى شرح مستفيض من األطباء المختصين قرر ما يلي‪-:‬‬
‫يعتبر شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب عليه جميع األحكام المقررة شرعاً‬
‫للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العالمتين التاليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً وحكم األطباء بأن هذا التوقف ال رجعة فيه‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطالً نهائياً وحكم األطباء االختصاصيون‬
‫الخبراء بأن هذا التعطل ال رجعة فيه‪ ،‬وأخذ دماغه في التحلل‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة اإلنعاش المركبة على الشخص وإ ن كان‬
‫بعض األعضاء كالقلب مثالً ال يزال يعمل آلياً بفعل األجهزة المركبة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪262‬‬
263
‫المبحث الحادي عشر‬

‫مسائل من فقه األقليات المسلمة‬

‫تعترض األقليات المسلمة في البالد غير اإلسالمية قضايا ومسائل في‬


‫مجاالت متعددة‪ :‬العبادات‪ ،‬المعامالت‪ ،‬العالقات االجتماعية‪ ،‬قضية الوالء والبراء‪.‬‬
‫مما يستوجب النظر واالجتهاد في هذه القضايا لمد إخواننا المسلمين في هذه‬
‫البالد التي يعيشون فيها كأقلية‪ ،‬باألحكام الشرعية المناسبة‪ :‬مما يحفظهم ويحفظ‬
‫دينهم‪.‬‬
‫فما يصلح ألقلية في مجتمع ما من األحكام والتشريعات قد ال يصلح ألقلية في‬
‫مجتمع ذي طبيعة أخرى‪ ،‬وما يصلح للمسلم في بالد العالم اإلسالمي قد ال يصلح‬
‫للمسلم في مجتمعات غير إسالمية‪.‬‬
‫لذا نقول بأن أحكام األقليات اإلسالمية في البالد غير اإلسالمية تحتاج إلى‬
‫مزيد عناية ودراسة وبحث واجتهاد على جميع المستويات الفكرية واالجتماعية‬
‫والسياسية والثقافية ومن ثم الفقهية‪.‬‬
‫وإ ن كثيراً من األحكام التي أعطيت لتلك األقلية تحتاج إلى إعادة نظر‬
‫واجتهاد وذلك ألنها كانت أحكام متسرعة لم تدرس واقع تلك األقليات على أكمل‬
‫وجه مما أعطى أحكاماً مجانبة للصواب أحياناً‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫هذا ولقد اخترت أهم المسائل والقضايا التي تشغل بال األقليات اإلسالمية في‬
‫البالد غير اإلسالمية‪ ،‬واستعنت بقرارات المجامع الفقهية وفتاوى العلماء لبيان‬
‫األحكام الشرعية لتلك المسائل‪.‬‬

‫تعريف األقليات المسلمة ‪:‬‬


‫أما كلمة " األقليات " فهي مصطلح سياسي جرى في العرف الدولي‪ُ ،‬يقصد‬
‫به مجموعة أو فئات من رعايا دولة من الدول تنتمي من حيث ِ‬
‫العرق أو اللغة أو‬
‫الدين إلى غير ما تنتمي إليه األغلبية‪.‬‬
‫وتشمل مطالب األقليات عادة المساواة مع األغلبية في الحقوق المدنية‬
‫والسياسية‪ ،‬مع االعتراف لها بحق االختالف والتميز في مجال االعتقاد والقيم(‪.)1‬‬
‫بن اء عليه يمكننا الق ول ب أن الم راد باألقلي ات المس لمة‪ :‬هي تلك المجموع==ات‬
‫الصغيرة من المسلمين التي تعيش ض==من رعايا دولة من ال==دول األغلبية فيها لغ==ير‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫فقه األقليات المسلمة ‪:‬‬


‫هناك من العلماء من يدعو إلى إيجاد فقه خاص باألقليات المسلمة نتيجة‬
‫للخصوصية االجتماعية والسياسية والثقافية التي تنتمي إليها تلك األقليات(‪.)2‬‬
‫لكن في نفس الوقت هناك من يتوجس خيفة من هذه الدعوة ويحذر منها‪:‬‬
‫ومن هؤالء فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي‪.‬‬
‫"‬ ‫وفيما يلي عرض موجز لرأيه في هذا الموضوع والذي كان عنوانه‪:‬‬
‫ليس صدفة‪ :‬تالقي الدعوة إلى فقه األقليات مع الخطة الرامية إلى تجزئة اإلسالم "‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) نظرات تأسيسية في فقه األقليات‪ :‬د‪ .‬طه جابر العلواني (موقع اإلسالم أون الين‪.‬نت‪:‬‬
‫‪( http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/politic/2001/article1-1.shtml‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) مثل‪ :‬د‪ .‬طه جابر العلواني وفضيلة الشيخ د‪ .‬يوسف القرضاوي وغيرهما‪..‬‬

‫‪265‬‬
‫" في الوقت الذي يخطط أئمة الغزو الفكري في العالم‪ ،‬لتجزيء اإلسالم‬
‫العالمي الواحد إلى " إسالميات " إقليمية متعددة‪ ،‬ومن ثم مختلفة فمتصارعة‪،‬‬
‫تتعاظم وتتالحق األصوات الداعية إلى إيجاد ما يسمونه بـ " فقه األقليات " وتفصيله‬
‫كسوةً إسالمية مناسبة لإلسالم الذي يتنامى اليوم في الغرب بشطريه األوروبي‬
‫واألمريكي‪ ،‬دون اإلسالم اآلخر المنتشر في األوطان اإلسالمية عامة‪.‬‬
‫ولقد قلت سائالً‪ :‬ما هي المستندات أو األسس التي ينبغي أن يستولد منها "‬
‫فقه األقليات " هذا؟‬
‫فقيل لي‪ :‬إنها كثيرة‪ :‬قاعدة المصالح‪ ..‬الضرورات تبيح المحظورات‪..‬‬
‫المشقة تجلب التيسير‪ ..‬ما جعل عليكم من الدين من حرج‪.‬‬
‫ولكن هذه المستندات ليست خاصة للمسلمين المقيمين في أوروبا‬ ‫ّ‬ ‫قلت‪:‬‬
‫وأمريكا‪ ..‬إنها مستندات لفقه إسالمي عالمي ال وطن لـه‪ ،‬ولم تكن يوماً ما مستندات‬
‫لما تسمونه " فقه األقليات " دون غيره‪ ،‬فحيثما وجدت الضرورة بمعناها الشرعي‬
‫المعروف ارتفع الحظر المسبب لها‪ ،‬وأينما وجدت المشقة التي تتجاوز الحد‬
‫المعتاد‪ ،‬تثبت الرخصة الشرعية المتكلفة برفعها‪ ،‬وحيثما تعارضت المصلحتان في‬
‫اَألولَى منهما‪ ..‬ولم نجد في قرآن أو سنة‪ ،‬وال في‬
‫قدمت ْ‬ ‫سلّم المقاصد الشرعية‪ّ ،‬‬
‫كالم أحد من أئمة الشريعة اإلسالمية‪ ،‬أن هذه المستندات خاصة بحال األقليات التي‬
‫تقيم في ديار الكفر‪ ،‬فال يجوز لغيرهم من المسلمين في العالم اإلسالمي األخذ بها‬
‫واالستناد إليها‪.‬‬
‫قيل لي‪ :‬إن الضرورات التي تنبثق منها الحاجة الماسة إلى فقه خاص بتلك‬
‫األقليات‪ ،‬نابعة من وجودهم في مجتمعات غير إسالمية‪ ،‬لها خصوصيتها المتميزة‬
‫عن المجتمعات اإلسالمية!‬
‫يعد‬
‫قلت‪ :‬أي إسالم هذا الذي يقرر أن مجرد وجود المسلم في دار الكفر ّ‬
‫خاص به ينسجم مع ما يحيط به من تيارات الكفر‬ ‫ٍ‬ ‫ضرورة تبرر تشريع فقه إسالمي‬
‫والفسوق والعصيان؟!‪ ..‬إذاً فلماذا شرع اهلل الهجرة وأمر بها‪ ،‬من دار الكفر (إن لم‬
‫يتح للمسلم تطبيق أحكام اإلسالم فيها) إلى دار اإلسالم‪ ،‬وهالّ أقام رسول اهلل‬

‫‪266‬‬
‫وصحبه بين ظهراني المشركين في مكة‪ ،‬مستندين في ذلك إلى هذا الذي لم يكن‬
‫يعرفه مما تسمونه " فقه األقليات " ؟‬
‫تبر ُر ابتداع‬
‫وإ ذا كان مجرد وجود المسلمين في دار الكفر مصدراً لضرورة ِّ‬
‫فقه جديد يناسب حال تلك الدار ومن فيها‪ ،‬فمن هم الذي عناهم اهلل تعالى بقوله‪ :‬‬
‫إن الذين توفاهم المالئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في‬
‫األرض قالوا ألم تكن أرض اهلل واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت‬
‫مصيراً ‪[ ‬النساء‪.]4 :‬‬
‫لقد كنا نستبشر بأن تزايد المسلمين في الغرب مع التزامهم باإلسالم‬
‫وانضباطهم بأحكامه‪ ،‬يبعث على ذوبان الحضارة الغربية الجانحة في تيار‬
‫الحضارة اإلسالمية‪.‬‬
‫ولكنا اليوم‪ ،‬وفي ظل الدعوة الملحة إلى ما يسمى بـ " فقه األقليات " نعلم أننا‬
‫مهددون بنقيض ما كنا نستبشر به‪ ،‬إننا مهددون بذوبان الوجود اإلسالمي في تيار‬
‫الحضارة الغربية الجانحة‪ ،‬بضمانة من هذا الفقه‪.‬‬
‫أال فليتق اهلل أئمة هذه الدعوة التي ال عهد لنا بها قبل اليوم‪ ،‬وليعلموا أن‬
‫ثمرتها تحقيق ما يراد باإلسالم اليوم‪ ،‬من تحويله إلى إسالمات إقليمية متنوعة‪ ،‬وإ ن‬
‫لنا في المجامع الفقهية الكثيرة في عالمنا العربي واإلسالمي ما يغني عن ابتداع‬
‫مرجعيات خاصة‪ ،‬متخصصة بهذا الفقه اإلسالمي الجديد الذي ال عهد للشريعة‬
‫اإلسالمية به(‪.)1‬‬
‫والحقيقة أن تخوف فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي مبالغ فيه‪،‬‬
‫وإ ال فإن األقليات المسلمة في حاجة إلى بيان كثير من األحكام الشرعية المتعلقة‬
‫بمعامالتها وعباداتها‪ ،‬وال يعني ذلك مطلقاً الدعوة إلى تجزئة اإلسالم أو التفريق‬
‫بين فقهه واجتهاده الموحد أصالً بوحدة أصوله وتشريعاته واهلل أعلم‪.‬‬
‫وفيما يلي مجموعات مختارة من تلك القضايا والمسائل التي تهم األقليات‬
‫المسلمة‪:‬‬

‫‪ )?(1‬موقع الدكتور البوطي على اإلنترنت‪) http://www.bouti.net/bouti_monthly15.htm ( :‬‬

‫‪267‬‬
‫‪ -1‬حكم وضع اليد على الت===========وراة أو اإلنجيل أو كليهما حين أداء اليمين أم===========ام‬
‫القضاء‪:‬‬
‫الحمد هلل والصالة والسالم على من ال نبي بعده‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فإن مجلس المجمع الفقهي اإلسالمي(‪ )1‬قد اطلع على السؤال الوارد حول‬
‫حكم وضع المسلم يده على التوراة واإلنجيل أو كليهما عند أداء اليمين القضائية أمام‬
‫المحاكم في البالد غير اإلسالمية إذا كان النظام القضائي فيها يوجب ذلك على‬
‫الحالف‪.‬‬
‫واستعرض المجلس آراء فقهاء المذاهب حول ما يجوز الحلف به وما ال‬
‫يجوز في القسم بوجه عام وفي اليمين القضائية أمام القاضي(‪ ،)2‬وانتهى المجلس إلى‬
‫القرار التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬ال يجوز الحلف إال باهلل تعالى دون شيء آخر‪ ،‬لقول الرسول ‪ " :‬من كان‬
‫حالفاً فليحلف باهلل أو ليصمت " (‪.)3‬‬
‫‪ -2‬وضع الحالف يده عند القسم على المصحف أو التوراة أو اإلنجيل أو غيرها‬
‫ليس بالزم لصحة القسم‪ ،‬لكن يجوز إذا رآه الحاكم لتغليظ اليمين ليتهيَّب‬
‫الحالف من الكذب‪.‬‬
‫‪ )?(1‬القرار رقم ‪ 1‬في دورته الخامسة‪.‬‬
‫‪ )?( 2‬انظر المراجع التالية‪ :‬البحر الرائق ‪ ،4/301‬حاشية ابن عابدين ‪ ،3/705‬شرح فتح القدير ‪ ،5/59‬الثمر‬
‫الداني ‪ ،1/421‬الفواكه الدواني ‪ ،1/408‬مواهب الجليل ‪ ،3/264‬المهذب ‪ ،2/129‬مغني المحتاج ‪،4/320‬‬
‫المبدع ‪ ،9/263‬شرح منتهى اإلرادات ‪ ،3/441‬كشاف القناع ‪ ،64/234‬المغني ‪.9/405‬‬
‫‪ )?( 3‬أخرجه البخاري في الشهادات باب كيف يستحلف (‪ ،2/951 )2533‬ومسلم في األيمان باب النهي عن‬
‫الحلف بغير اهلل (‪.3/1267 )1646‬‬

‫‪268‬‬
‫‪ -3‬ال يجوز لمسلم أن يضع يده عند الحلف على التوراة أو اإلنجيل‪ ،‬ألن النسخ‬
‫محرفة وليست األصل المنزل على موسى وعيسى‬ ‫المتداولة منهما اآلن َّ‬
‫عليهما السالم‪ ،‬وألن الشريعة التي بعث اهلل تعالى بها نبيه محمداً ‪ ‬قد نسخت‬
‫ما قبلها من الشرائع‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا كان القضاء في بلد ما حكمه غير إسالمي يوجب على من توجهت عليه‬
‫اليمين وضع يده على التوراة أو اإلنجيل أو كليهما على المسلم أن يطلب من‬
‫المحكمة وضع يده على القرآن‪ ،‬فإن لم يستجب لطلبه يعتبر مكرهاً‪ ،‬وال بأس‬
‫عليه في أن يضع يده عليهما أو على أحدهما دون أن ينوي بذلك تعظيماً‪ ،‬واهلل‬
‫ولي التوفيق‪.‬‬
‫وصلى اهلل على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫نائب الرئيس‬ ‫رئيس مجلس المجمع الفقهي‬
‫محمد علي الحركان‬ ‫عبداهلل بن حميد‬

‫‪ -2‬حكم الصالة في معابد الكفار ‪:‬‬


‫اختلفت آراء الفقهاء قديماً في المسألة إلى عدة أقوال ‪:‬‬
‫‪ .1‬ذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة الصالة في الكنائس وغيرها من معابد أهل‬
‫الشرك‪ ،‬وعللوا الكراهة بوجود الصور فيها‪ ،‬وألنها ملعونة‪ ،‬وألنه ال يتعبد اهلل‬
‫كالحمام(‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫في بيوت أعدائه‪ ،‬وألنها مأوى الشياطين‬
‫وقد روى البخاري عن عمر ‪ ‬أنه قال‪ " :‬إنا ال ندخل كنائسكم من أجل‬
‫التماثيل التي فيها الصور " (‪ ،)2‬وال فرق بين أن تكون المعابد عامرة أو‬
‫دارسة (أي تقادم عهدها)‪.‬‬
‫‪ .2‬وذهب اإلمام مالك إلى القول بالمنع مطلقاً‪ ،‬وهو رواية عن أحمد(‪.)3‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظر‪ :‬حاشية ابن عابدين ‪ ،3/161‬المجموع ‪ ،3/161‬نيل األوطار ‪.2/143‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه البخاري معلقاً في الصالة باب الصالة في البيعة ‪ ،1/167‬والطبراني في األوسط ‪،2/193‬‬
‫والبيهقي في سننه (‪ ،7/268 )14341‬وعبد الرزاق (‪.1/411 )1610‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) المدونة الكبرى ‪ ،1/90‬كفاية الطالب الرباني ‪.1/211‬‬

‫‪269‬‬
‫‪ .3‬وذهب بعض أصحاب أحمد إلى الجواز مطلقاً‪ ،‬قال ابن تيمية‪ " :‬قال أكثر‬
‫أصحابنا‪ :‬ال تكره الصالة في الكنيسة والبيعة النظيفة " (‪.)1‬‬
‫قال ابن تيمية‪ " :‬والصحيح أنه إن كان فيها صور لم يصل فيها‪ ،‬ألن المالئكة‬
‫(مالئكة الرحمة ال الحفظة)‪ ،‬ال تدخل بيتاً فيه صورة(‪ ،)2‬وأما إذا لم يكن فيها صور‬
‫فقد صلى الصحابة في الكنيسة " (‪.)3‬‬
‫وإ ذا جازت الصالة في كنيسة مع خلوها عن الصور‪ ،‬جازت في أي معبد‬
‫آخر ال يوجد فيه صور‪ :‬فلقد ذكر البخاري أن ابن عباس كان يصلي في البيعة إذا‬
‫لم يكن فيها تماثيل(‪.)4‬‬
‫ويظهر من كالم الجمهور أن من صلى فيها مع وجود التماثيل فصالته‬
‫صحيحة مع الكراهة(‪ ،)5‬وإ ن كان األولى أن ينأى المسلم في صالته عن مثل هذه‬
‫األماكن إذا توفرت لـه أماكن أخرى ولم يحتج إليها‪ ..‬أما إذا اضطر إلى الصالة فيها‬
‫كخوف برد‪ ،‬أو عدم توفر محل آخر‪ ،‬جازت بال كراهة‪ ،‬وال إعادة عليه‪ ،‬فكل‬
‫أرض مصلى للمسلمين " إال ما تيقنا نجاسته " ‪ ،‬لقول النبي ‪ُ " :‬‬
‫(‪)6‬‬
‫وجعلت لي‬
‫األرض مسجداً وطهوراً‪ ،‬فأيما رجل أدركته الصالة فليصل " (‪.)7‬‬
‫ولقد أجاز المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي‪ ،‬استئجار الكنائس‬
‫بتجنب استقبال التماثيل‪ ،‬فإن لم يمكن فإنها تستر بحائل إذا‬ ‫للصالة‪ ،‬ولكن أوصى ّ‬
‫كانت باتجاه القبلة(‪.)8‬‬
‫وهنا أهيب بالمسلمين أن يوفروا ما يحتاجون إليه من مساجد ليستغنوا عن‬
‫معابد أهل الشرك‪ ،‬وأن يبذلوا في سبيل ذلك ما يقدرون عليه‪.‬‬
‫‪ )?( 1‬شرح العمدة ‪.4/502‬‬
‫‪ )?( 2‬للحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب إذا قال أحدكم آمين (‪ ،3/1179 )3054‬ومسلم في‬
‫اللباس والزينة باب تحريم تصوير الحيوان (‪.3/1666 )2105‬‬
‫‪ )?( 3‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ 22/162‬و ‪.27/14‬‬
‫‪ )?(4‬صحيح البخاري في كتاب الصالة باب الصالة في البيعة‪ :‬معلقاً ‪.1/167‬‬
‫‪ )?(5‬بدائع الصنائع ‪ ،1/115‬المدونة ‪ ،1/91‬فتح الباري ‪ ،1/532‬نيل األوطار ‪.2/151‬‬
‫‪ )?(6‬من فقه األقليات المسلمة‪ ،‬ص‪.101 – 100‬‬
‫‪ )?(7‬أخرجه البخاري في التيمم (‪.1/128 )328‬‬
‫‪ )?(8‬القرار رقم ‪ )11/3( 23‬في دورة مؤتمره الثالث‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫‪ -3‬الدفن في التابوت ‪:‬‬
‫أجمع الفقهاء على أن الدفن في التابوت مكروه(‪ ،)1‬وال يستعمل إال في حالة‬
‫العذر فقط(‪ ،)2‬واعتمدوا في ذلك على أنه لم يصح أن أحداً في زمن النبي ‪ ‬أو أن‬
‫النبي نفسه قد دفن في تابوت‪ ،‬بل كانوا يوضعون على التراب‪ ،‬ولم يصح أن النبي‬
‫‪ ‬رخص فيه أيضاً أو منع منه‪.‬‬
‫وقد أجاز الفقهاء اتخاذ التابوت إذا كانت التربة رخوة وغير متماسكة‪ ،‬أو‬
‫كان جسد الميت مهترئاً باالحتراق‪ ،‬أو مقطعاً‪ ،‬أو أشالء بحيث ال يضبطه إلى‬
‫الصندوق‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬والسنة أن يفترش في التابوت التراب(‪.)3‬‬
‫وعليه فمن أجبرته سلطات بالده‪ ،‬على أن يضع متوفاه في صندوق خشبي أو‬
‫حديدي‪ ،‬فال شيء في ذلك – إن شاء اهلل – للعذر‪ ،‬وإ ال فال يفعله‪.‬‬

‫‪ -4‬هل يصح دفن مسلم في مقابر الكفار ؟‬


‫اتفق الفقهاء على أنه ال يدفن مسلم بمقابر الكفار‪ ،‬وال كافر في مقابر‬
‫المسلمين‪ ،‬وإ ذا دفن أحدهما في مقبرة اآلخر نبش وجوباً ما لم يتغير(‪ ،)4‬ألن الكفار‬
‫ُيعذبون في قبورهم‪ ،‬والمسلم يتأذى بمجاورتهم‪.‬‬
‫فإذا لم تكن في بعض البالد التي يسكنها مسلمون مقابر خاصة بهم‪ ،‬فإنه ينقل‬
‫وجوباً إلى بالد المسلمين‪ ،‬إن أمكن ذلك مادياً وسمحت سلطات بالد المسلمين‪ ،‬ولم‬
‫يخف تغير جثة الميت‪ ،‬وإ ال جاز دفنه في مقابر الكفار على أن يخصص للمسلمين‬
‫‪ )?( 1‬البحر الرائق ‪ ،2/208‬التاج واإلكليل ‪ ،2/234‬المجموع ‪ ،5/253,246‬الكافي في فقه ابن حنبل‪ :‬ابن‬
‫قدامة ‪.1/269‬‬
‫‪ )?(2‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي ‪.2/538‬‬
‫‪ )?(3‬البحر الرائق ‪.2/208‬‬
‫‪ )?( 4‬بدائع الصنائع ‪ ،1/303‬المجموع ‪ ،5/285‬إعانة الطالبين ‪ ،2/117‬كشاف القناع ‪2/146‬و مطالب أولى‬
‫النهى ‪.1/922‬‬

‫‪271‬‬
‫جانباً منها لهم‪ ،‬ال يشاركهم فيه غيرهم‪ ،‬فإن لم يكن جاز دفنه للضرورة‪ ،‬وبه أفتى‬
‫مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي حيث جاء في القرار رقم ‪23‬‬
‫(‪ " :)11/3‬إن دفن المسلم في مقابر غير المسلمين في بالد غير إسالمية جائز‬
‫للضرورة " (‪.)1‬‬

‫‪ -5‬شراء المنازل بواسطة البنوك ‪:‬‬


‫يسأل المسلمون الذي يقيمون في بالد الغرب عن حكم شراء منزل السكنى‬
‫وسيارة االستعمال الشخصي وأثاث المنزل بواسطة البنوك والمؤسسات التي‬
‫تفرض ربحاً محدداً على تلك القروض لقاء رهن تلك األصول علماً بأنه في حالة‬
‫البيوت والسيارات واألثاث عموماً يعتبر البديل هو اإليجار بقسط شهري يزيد في‬
‫الغالب عن قسط الشراء الذي تستوفيه البنوك ؟‬
‫إن المعاملة المذكورة غير جائزة الشتمالها على الربا الحرام شرعاً‪ ،‬وينبغي‬
‫للمسلمين – وعددهم غير قليل أن يجتهدوا إليجاد بدائل هذه المعاملة الموافقة‬
‫للشريعة اإلسالمية‪ ،‬كأن يكون البنك نفسه هو البائع بتقسيط ويزيد في ثمن البيوت‬
‫وغيرها عن الثمن المعروف‪ ،‬فيشتريها من الباعة‪ ،‬ويبيعها إلى زبائنها بربح‬
‫مناسب‪.‬‬
‫كما ينبغي أن تطرح هذه المسألة على لجنة مستقلة تُ َك َّون لتخطيط نظام‬
‫البنوك الالربوية لتنظر في تفاصيلها(‪ ،)2‬وتريح المسلمين من الوقوع في الربا‬
‫المجمع على تحريمه‪.‬‬

‫‪ -6‬هل للمسلم أن يؤجر نفسه من كافر فيما هو معصية عندنا؟‬


‫صورة هذا التساؤل‪ :‬أن يؤجر المسلم نفسه لكافر‪ ،‬لبناء معبد للشرك‪ ،‬أو‬
‫حمل محرم كخمر‪ ،‬أو ميتة‪ ،‬أو خنزير‪ ،‬أو بيعه‪ ،‬أو أن يعمل عنده في معامالت‬
‫ربوية‪ ،‬أو في مصانع تنتج محرمات‪ ،‬أو ما شاكل ذلك‪.‬‬
‫‪ )?(1‬مجلة المجمع (العدد الثالث ‪ ،2/1087‬العدد الثاني ‪.)1/199‬‬
‫‪ )?(2‬بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني‪ ،‬ص‪ 328‬و ‪.346‬‬

‫‪272‬‬
‫فقد ذهب الجمهور إلى ُحرمة أن يؤجر المسلم نفسه لكافر في عمل كهذا(‪:)1‬‬
‫فقد سئل اإلمام مالك‪ :‬المسلم يؤجر نفسه للكافر يحمل له خمراً‪ ،‬فقال‪ " :‬ال تصلح‬
‫هذه اإلجارة "‪ ،‬وقال‪ " :‬بل ال يعطى عليها إجارة " (‪.)2‬‬
‫وسئل اإلمام أحمد‪ :‬أيبني مسلماً للمجوس ناووساً – والناووس‪ :‬حجر ينقر‬
‫ويوضع فيه الميت ‪-‬؟ فقال‪ " :‬ال يبني لهم "‪ ،‬وقاله اآلمدي‪ ،‬وكرهه الشافعي(‪،)3‬‬
‫ومثله الكنيسة‪ ،‬وما يماثلها عند أهل الكفر(‪.)4‬‬
‫وأما العمل في معامالت ربوية فمحرم‪ ،‬لحديث جابر‪ " :‬لعن رسول اهلل ‪‬‬
‫آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه "‪ ،‬وقال‪ " :‬وهم فيه سواء " (‪.)5‬‬
‫قال النووي‪ " :‬هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المرابين والشهادة‬
‫عليهما " (‪ ،)6‬وفي الحديث أيضاً تحريم اإلعانة على الباطل أيًّا كان نوعه‪.‬‬
‫والنص هنا عام مطلق‪ ،‬بال فرق بين من عمل بذلك في دار اإلسالم أم في‬
‫دار الكفر‪.‬‬
‫نخلص من هذا إلى أنه يحرم على المسلم أن يبني للمشركين داراً للكفر‪ ،‬أو‬
‫أن يعمل لديهم ببيع خمر‪ ،‬أو بيع خنزير أو أي محرم آخر‪ ،‬ألنها أفعال محرمة‪.‬‬
‫أما إذا اضطر إلى ذلك جاز‪ ،‬ولكن فليعمل بقاعدة‪ " :‬الضرورة تقدر بقدرها "‬
‫فال يتجاوز قدر الحاجة‪ ،‬وال يتوسع في ذلك‪ ،‬وليكتف بالكفاف‪ ،‬وليعمل جاهداً‬
‫للخروج من هذا الواقع متى وجد مكاناً حالالً خالصاً‪.‬‬
‫وقد أفتى المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي‪ ،‬بحرمة العمل في‬
‫المطاعم من غير ضرورة (أي المطاعم التي تقدم الخمر والخنزير)‪ ،‬وبحرمة‬
‫تصميم معابد شركية‪ ،‬أو اإلسهام فيها‪.‬‬

‫نيل األوطار ‪ ،6/19‬الكافي في فقه أحمد بن حنبل ‪.2/304‬‬ ‫‪)?(1‬‬


‫المدونة ‪.1/425‬‬ ‫‪)?(2‬‬
‫أحكام أهل الذمة‪ :‬للزرعي ‪.1/562‬‬ ‫‪)?(3‬‬
‫األم ‪.4/212‬‬ ‫‪)?(4‬‬
‫أخرجه مسلم في المساقاة باب لعن آكل الربا ومؤكله (‪.3/1219 )1598‬‬ ‫‪)?(5‬‬
‫شرح النووي على صحيح مسلم ‪.11/26‬‬ ‫‪)?(6‬‬

‫‪273‬‬
‫وأما إذا اضطر للعمل في تلك المطاعم فيجوز‪ ،‬بشرط أال يباشر نفسه سقي‬
‫الخمر أو حملها‪ ،‬أو صناعتها‪ ،‬أو االتجار بها‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة لتقديم لحوم‬
‫الخنزير‪ ،‬ونحوها من المحرمات(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وعلى ذلك يجوز للمسلم أن يؤجر نفسه للكافر بشروط منها‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون عمله مباحاً‪.‬‬
‫‪ .2‬أن ال يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين‪.‬‬
‫‪ .3‬أال يشتمل على مذلة وإ هانة‪.‬‬

‫‪ -7‬حكم مصافحة الكفار ومعانقتهم= ‪:‬‬


‫ذهب جماعة من األئمة إلى كراهية مص افحة الكف ار(‪ ،)3‬منهم النخعي وأحمد‬
‫وأبو يوسف‪.‬‬
‫قال النخعي‪ " :‬كانوا يكرهون أن يصافحوا اليهود " (‪ ،)4‬يقصد بذلك السلف‬
‫الصالح‪.‬‬
‫وذهب آخرون وعلى رأسهم الثوري وعبد الرزاق الصنعاني‪ ،‬إلى أنه ال‬
‫بأس بأن يصافح المسلم اليهودي والنصراني(‪.)5‬‬
‫وهو الراجح‪ ،‬الذي يقتضيه قوله تعالى‪  :‬ال ينهاكم اهلل عن الذين لم يقاتلوكم‬
‫تبروهم وتقسطوا إليهم إن اهلل يحب‬ ‫في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن ّ‬
‫المقسطين ‪[ ‬الممتحنة‪.]8 :‬‬
‫صرح بجوازها وال بمنعها‪ ،‬مع أنني أميل إلى القول‬ ‫أما معانقتهم فلم َأر من ّ‬
‫بكراهيتها‪ ،‬ألنها تعبير عن الرضا التام‪ ،‬والمحبة الفياضة‪ ،‬وهذا الشعور ال ينبغي‬
‫جدا‪ ،‬أو ما شابه ذلك‪ ،‬فال بأس‬‫أن ُيعامل به الكافر‪ ،‬إال أن يكون الكافر أباً أو ابناً أو ًّ‬
‫به‪ ،‬وليكن في المناسبات فقط‪.‬‬

‫قرار رقم ‪ )11/3( 23‬في دورة مؤتمره الثالث‪.‬‬ ‫‪)?(1‬‬


‫من فقه األقليات المسلمة‪ ،‬ص‪.136 – 134‬‬ ‫‪)?(2‬‬
‫المغني ‪ ،9/290‬الدر المختار ‪ ،6/412‬حاشية ابن عابدين ‪ ،6/412‬حاشية العدوي ‪.2/619‬‬ ‫‪)?(3‬‬
‫انظر مصنف عبد الرزاق ‪.6/117‬‬ ‫‪)?(4‬‬
‫المرجع السابق ‪.6/117‬‬ ‫‪)?(5‬‬

‫‪274‬‬
‫أما تقبيلهم فقد كرهه بعض العلماء‪ ،‬وبه أقول للسبب الذي ُذكر في كراهية‬
‫معانقتهم‪ ،‬وإ ن حدث ذلك فال إثم إن شاء اهلل لعدم النص‪ ،‬إن لم يترتب عليه المحبة‬
‫والرضا‪ ،‬التي قد تجر إلى المواالة المحظورة(‪.)1‬‬

‫‪ -8‬حكم تهنئتهم ‪:‬‬


‫إذا كانت التهنئة في األمور المشتركة كزواج‪ ،‬أو قدوم مولود‪ ،‬أو غائب‪ ،‬أو‬
‫صرح بالمنع إال رواية عن أحمد(‪ ،)2‬ولكن لما جازت‬ ‫عافية ونحوها‪ ،‬لم َأر أحداً قد ّ‬
‫عيادتهم (على ما سيأتي)‪ ،‬جازت تهنئتهم‪ ،‬قال ابن القيم‪ " :‬ولكن فليحذر الوقوع في‬
‫األلفاظ التي تدل على رضاه بدينه‪ ،‬مثل " أعزك اهلل "‪ ،‬وما قاربها‪ ..‬أما إذا كانت‬
‫التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام باالتفاق‪ ،‬مثل أن يهنئهم بأعيادهم‬
‫وصومهم‪ ،‬فيقول‪ " :‬عيد مبارك " (‪.)3‬‬

‫‪ -9‬حكم شهود أعيادهم ومشاركتهم فيها ‪:‬‬


‫ال يجوز للمسلم مماألة الكفار على أعيادهم‪ ،‬وال مساعدتهم‪ ،‬وال الحضور‬
‫معهم‪ ،‬باتفاق أهل العلم(‪ ،)4‬ألنهم على منكر وزور‪ ،‬وإ ذا خالط أهل المعروف أهل‬
‫المنكر بغير اإلنكار عليهم‪ ،‬كانوا كالراضين المؤثرين لـه‪ ،‬فيخشى من نزول سخط‬
‫اهلل على جماعتهم فيعم الجميع‪.‬‬
‫وقد صح عن عمر ‪ ‬أنه قال‪ " :‬ال تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم‬
‫عيدهم‪ ،‬فإن السخطة (اللعنة) تنزل عليهم " (‪.)5‬‬
‫وروى البخاري عنه قوله‪ " :‬اجتنبوا أعداء اهلل في عيدهم " (‪.)6‬‬

‫‪ )?(1‬من فقه األقليات المسلمة‪ ،‬ص‪.153 – 152‬‬


‫‪ )?(2‬أحكام أهل الذمة‪ :‬محمد بن أيوب الزرعي ‪ ،1/441‬الروض المربع ‪.2/18‬‬
‫‪ )?(3‬المرجع السابق ‪.1/441‬‬
‫‪ )?( 4‬مواهب الجليل ‪ ،6/289‬أحكام أهل الذمة ‪ ،3/1245‬إعانة الطالبين ‪ ،4/166‬مغني المحتاج ‪،4/194‬‬
‫الروض المربع ‪ ،2/18‬شرح منتهى اإلرادات ‪.1/664‬‬
‫‪ )?(5‬أخرجه البيهقي (‪ ،9/2234 )18640‬وعبد الرزاق (‪.1/411 )1609‬‬
‫‪ )?(6‬التاريخ الكبير‪ :‬للبخاري (‪ ،4/14 )1804‬والبيهقي (‪.9/234 )18641‬‬

‫‪275‬‬
‫وعن عبداهلل بن عمرو قوله‪" :‬من بنى ببالد األعاجم‪ ،‬وصنع نيروزهم‬
‫وتشبه بهم حتى يموت وهو على ذلك‪ ،‬حشر معهم " (‪.)1‬‬ ‫ومهرجانهم‪ّ ،‬‬
‫ومن هنا أجمع العلماء على حرمة أن ُيباع لهم شيء من مصلحة دينهم في‬
‫يوم عيدهم‪ ،‬أو اإلهداء إليهم " (‪.)2‬‬
‫قلت‪ :‬لكن إذا خاف المسلم أن يترتب على عدم تهنئتهم ضرر عليه ال يمكن‬
‫تحمله عادة‪ ،‬رخص له في مجاملتهم في الظاهر مع اإلنكار القلبي(‪.)3‬‬

‫‪ -10‬حكم عيادة مرضاهم ‪:‬‬


‫األصل في ذلك ما رواه البخاري وغيره‪ ،‬أنه كان للنبي ‪ ‬غالم يهودي‬
‫يخدمه فمرض فأتاه فعاده‪ ...‬الحديث(‪.)4‬‬
‫قال ابن حجر‪ " :‬وفي الحديث جواز عيادة المشرك إذا مرض " (‪.)5‬‬
‫وقال الماوردي‪ " :‬عيادة الذمي جائزة‪ ،‬والقربة موقوفة على نوع حرمة‬
‫تقترن بها من جوار أو قرابة " (‪ ،)6‬قلت‪ :‬أو صحبة‪.‬‬
‫وقد عاد النبي ‪ ‬أيضاً عمه أبا طالب في مرض وفاته‪ ،‬وعرض عليه‬
‫اإلسالم(‪.)7‬‬
‫كل ذلك دل على جواز عيادة مرضى المشركين‪ ،‬ألنها نوع من البر‪ ،‬وهي‬
‫من محاسن اإلسالم وال بأس بها(‪ ،)8‬وألنها من مكارم األخالق‪.‬‬
‫وذهب قوم على أن عيادة مرضى المشركين جائزة بشرط دعوتهم إلى‬
‫اإلسالم وإ ال فال‪.‬‬

‫أخرجه البيهقي بإسناد صحيح (‪.9/234 )18642‬‬ ‫‪)?(1‬‬


‫أحكام أهل الذمة ‪.3/1245‬‬ ‫‪)?(2‬‬
‫من فقه األقليات المسلمة‪ ،‬ص‪.154‬‬ ‫‪)?(3‬‬
‫أخرجه البخاري في الجنائز باب إذا أسلم الصبي فمات (‪.1/455 )1290‬‬ ‫‪)?(4‬‬
‫فتح الباري ‪.3/263‬‬ ‫‪)?(5‬‬
‫نيل األوطار ‪.8/228‬‬ ‫‪)?(6‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب عيادة المشرك (‪.5/2142 )5333‬‬ ‫‪)?(7‬‬
‫البحر الرائق ‪ ،8/232‬تبيين الحقائق ‪.6/30‬‬ ‫‪)?(8‬‬

‫‪276‬‬
‫قال ابن بطال‪ " :‬إنما تشرع عيادته إذا رجي أن يجيب إلى الدخول في‬
‫اإلسالم‪ ،‬فإذا لم يطمع في ذلك فال " (‪.)1‬‬

‫‪ -11‬زواج المسلمة بغير المسلم ‪:‬‬


‫ال يجوز لمسلمة أن تنكح غير مسلم في حال من األحوال‪ ،‬وهذا أمر مجمع‬
‫عليه(‪ ،)2‬لقوله تعالى‪  :‬وال تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا‪ ،‬ولعبد مؤمن خير من‬
‫هن حل لهم وال هم يحلون‬ ‫مشرك ولو أعجبكم ‪[ ‬البقرة‪ ،]221 :‬وقال تعالى‪  :‬ال َّ‬
‫لهن ‪[ ‬الممتحنة‪.]10 :‬‬
‫وإ ن الطمع في إسالم أحد ال يبرر لمسلمة أن تعقد معه الزواج فإن مثل هذا‬
‫الطمع الموهوم ال يحل حراماً‪.‬‬
‫وكذلك لو أسلمت المرأة وزوجها كافر‪ ،‬فإن النكاح ينقطع بينهما بمجرد‬
‫إسالمها عند الجمهور(‪ ،)3‬وبإنكار الزوج عن اإلسالم بعد العرض عليه عند‬
‫الحنفية(‪ :)4‬أما لو أسلم الزوج وهي في عدته رجع النكاح األول ولو لم يسلم إلى بعد‬
‫العدة ال ترجع إليه الزوجة المسلمة إال بنكاح جديد بينهما‪.‬‬
‫وهذا أمر قد اتفق عليه الفقهاء قديماً وحديثاً‪ ،‬وإ ن الطمع الموهوم في إسالم‬
‫الزوج ال يغير حكم الشرع(‪.)5‬‬
‫وج اء في ق رار مجمع الفقه اإلس المي رقم ‪ )11/4( 23‬جواب اً على نفس‬
‫السؤال ما يلي‪:‬‬
‫" زواج المسلمة بغير المسلم ممنوعاً شرعاً بالكتاب والسنة واإلجماع وإ ذا‬
‫وقع فهو باطل‪ ،‬وال يترتب عليه اآلثار الشرعية المترتبة على النكاح واألوالد‬
‫المولودون عن هذا الزواج أوالد غير شرعيين‪ ،‬ورجاء زواج إسالم األزواج ال‬
‫يغير هذا الحكم شيئاً " (‪.)6‬‬
‫فتح الباري ‪.10/119‬‬ ‫‪)?(1‬‬
‫قال القرطبي‪ " :‬وأجمعت األمة على أن المشرك ال يطأ المؤمنة بوجه " (تفسير القرطبي ‪.)3/72‬‬ ‫‪)?(2‬‬
‫الفروع ‪ ،5/187‬المغني ‪ ،4/224‬حاشية البجيرمي ‪ ،3/301‬الفواكه الدواني ‪.2/26‬‬ ‫‪)?(3‬‬
‫أحكام القرآن للجصاص ‪ ،5/329‬تبيين الحقائق ‪.2/62‬‬ ‫‪)?(4‬‬
‫بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني‪ ،‬ص‪.332‬‬ ‫‪)?(5‬‬
‫مجلة المجمع (العدد الثالث ‪ ،2/1087‬والعدد الثاني ‪.)1/199‬‬ ‫‪)?(6‬‬

‫‪277‬‬
‫المبحث الثاني عشر‬

‫حكم التجنس بالجنسية األجنبية‬

‫إن تواجد المسلمين في البلدان الغربية يطرح عدة مشاكل شرعية أمام‬
‫األقليات اإلسالمية المقيمة‪ ،‬و بعض هذه المشاكل تتعلق مباشرة بوضعيتهم‬
‫واندماجهم في المجتمعات الغربية‪ ،‬كالتجنس والمشاركة في الحياة السياسية‪ ،‬ويرى‬
‫بعض المسلمين أن الحصول على جنسية تلك البلدان يسهل الحياة في تلك‬
‫المجتمعات‪ ،‬إذ أنه يفتح أمامه األبواب في المشاركة في القضايا العامة والتدرج في‬
‫الوظائف الحكومية‪ ،‬بل وتمثيل الشعب الغربي ودخول برلمانات هذه الدول‪ ،‬كما هو‬
‫حاصل في بعض األحيان‪ ،‬كما أن بعض فئات المسلمين قدمت إلى البلدان الغربية‬
‫طلباً للجوء السياسي‪ ،‬وبسبب أوضاع بلدانها‪ ،‬فقدت كل وثائقها القانونية وأوراقها‬
‫الثبوتية‪ ،‬إضافة إلى أن حكومات تلك الدول ال تمنحها وثائق جديدة أو تزود أوالد‬
‫المهاجرين بوثائق قانونية كجوازات السفر أو شهادات الجنسية‪ ،‬كل ذلك يجعل‬
‫الحصول على جنسية البلد الغربي أمراً مطلوباً في ذاته‪ ،‬وكذلك لحل العديد من‬
‫المشاكل القانونية‪.‬‬
‫وللعلماء المسلمين وجهات نظر مختلفة حول التجنس بجنسية غربية‪ :‬بعض‬
‫العلماء يرى أن الجنسية ال تحمل بعداً عقائدياً بل هي مجرد إثبات لالنتماء القانوني‬
‫إلى بلد ما‪ ،‬إال أن البعض اآلخر يعتبرها معياراً للعقيدة والدين‪ ،‬فيعد حصول المسلم‬
‫على جنسية دولة غير مسلمة بمثابة ترك المسلم لدينه‪ ،‬وفك ارتباطه بالعالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وهذا معيار يتضمن العديد من اإلشكاالت‪ :‬منها أن هناك أقليات غير‬
‫إسالمية تعيش في البلدان اإلسالمية وتحمل جنسيتها‪ ،‬فهل يدل ذلك على أنها تركت‬
‫دينها وأصبحت مسلمة ؟ وهناك أقليات إسالمية تعيش في بلدان كافرة‪ ،‬كتابية أو‬
‫وثنية‪ ،‬وتحمل جنسيتها‪ ،‬فهل يعني أنها غير مسلمة ؟ وهناك من يعتنق اإلسالم من‬
‫الغربيين‪ ،‬وبالطبع فهم يحملون جنسية بلدانهم‪ ،‬فهل ُيطعن في إسالمهم إذا بقوا‬
‫حاملين لها ؟‬

‫‪278‬‬
‫‪ -1‬تعريف الجنسية ‪:‬‬
‫الجنسية مصطلح سياسي جديد يرجع تاريخه إلى قيام الدولة بمفهومها‬
‫الحديث‪ ،‬لذا فإن هذا المصطلح غير موجود في استعمال فقهائنا القدامى‪.‬‬
‫والجنسية لغة‪ :‬من الجنس وهو ضرب من كل شيء‪ ،‬وهي الصفة التي تلحق‬
‫بالشخص من جهة انتسابه إلى دولة معينة(‪.)1‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬الجنسية هي رابطة سياسية وقانونية بين الشخص ودولة معينة‬
‫تجعله عضواً فيها وتقيد انتماءه إليها وتجعله في حالة تبعية سياسية لها(‪.)2‬‬
‫فهي عالقة سياسية تنشئها الدولة بمحض إرادتها‪ ،‬عالقة سياسية ضرورية‬
‫تربطها برعاياها فتمنحها لمن تشاء وتحرمها ممن تشاء وفق ظروفها السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬فهذه الظروف مجتمعة أو منفردة تملي عليها سياسة‬
‫معينة في مسائل الجنسية‪ :‬فقد تكون راغبة في كثرة شعبها فتأخذ حينئذ بحق اإلقليم‬
‫باإلضافة إلى حق الدم‪ ،‬فتعتبر كل من ولد في إقليمها متمتعاً بجنسيتها وال تكتفي‬
‫فقط بحق الدم‪ ،‬وبجانب هذين األساسين تذهب أكثر من ذلك فتشجع الدخول في‬
‫شعبها من األجانب وذلك بفتح باب التجنس وتخفيف شروطه وإ جراءاته‪ ،‬وعلى‬
‫العكس من ذلك تضيق في سبيل الحصول على جنسيتها متى كانت غير راغبة في‬
‫تزايد شعبها فتقتصر في منح جنسيتها لمن ولد ألصل يحمل هذه الجنسية أي تقتصر‬
‫على األخذ بالدم‪ ،‬والجنسية في القانون هوية خاصة لكل دولة‪ ،‬وهي ترجمة للفظ‬
‫‪.Nationality‬‬
‫وهي عالقة قانونية حيث يرتبط طرفاها بروابط قانونية‪ ،‬إذ تفرض على كل‬
‫منهما التزامات لآلخر وتقرر لـه حقوقاً قبله‪ ،‬فهي عالقة قانونية متبادلة أي مزدوجة‬
‫األثر‪ ،‬فللشخص حق الحماية لشخصه ولماله ولعرضه وتهيئ لـه سبل الحياة لتقيه‬

‫‪1‬‬
‫(?) القاموس المحيط‪ :‬مادة جنس ‪.1/691‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الوسيط في القانون الدولي الخاص‪ :‬د‪ .‬سامي بديع منصور ص‪ ،230‬أصول القانون الدولي الخاص‪:‬‬
‫د‪ .‬محمد كمال فهمي ص‪.71‬‬

‫‪279‬‬
‫بالوسائل المتاحة لها شر الفقر والمرض والجهل‪ ،‬ولها عليه مقابل ذلك واجب‬
‫الوالء والطاعة وتنفيذ أوامرها المشروعة‪.‬‬
‫وتعتبر الجنسية المعيار لتحديد صفة األجنبي داخل كل دولة وما يترتب على‬
‫هذه الصفة من آثار من حيث التمتع بالحقوق داخل الدولة‪ ،‬حيث ال يتمتع األجنبي‬
‫بالكثير من الحقوق العامة وخاصة الحقوق السياسية(‪.)1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫‪ -2‬أركان الجنسية ‪:‬‬
‫‪ .1‬الشخص – الفرد – ‪ :‬والمراد به اإلنسان الذي يعيش على هذه البالد‬
‫ويحمل جنسيتها‪.‬‬
‫‪ .2‬الدَّولة‪ :‬وهي الركن األكثر أهمية في رابطة الجنسية‪ ،‬ولها وحدها حق منح‬
‫الجنسية‪ ،‬وال يثبت هذا الحق لبقية أشخاص القانون الدولي العام كالمنظمات‬
‫الدولية مهما علت منزلتها في المجتمع الدولي‪.‬‬
‫‪ .3‬اآلثار (الحقوق والواجبات)‪ :‬وذلك ألن الجنسية تقوم على اعتبارات‬
‫سياسية وقانونية مما ينتج عنه حقوق والتزامات متبادلة على كل طرف‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ -3‬كيفية الحصول على الجنسية‪:‬‬
‫‪ .1‬التجنس‪.‬‬
‫‪ .2‬الوالدة‪.‬‬

‫(‪)4‬‬
‫‪ -4‬حقوق الجنسية ‪:‬‬
‫‪ )1‬المواطنة العادية بحيث يصبح مواطناً في تلك الدولة‪.‬‬
‫‪ )2‬اإلقامة الدائمة في تلك الدولة‪.‬‬
‫‪ )3‬االستفادة من المرافق العامة في الدولة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) العالم اإلسالمي والغرب‪ :‬صالح عبد الرزاق (موقع دار اإلسالم‪.) http://www.darislam.com :‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الموجز في القانون الدولي الخاص‪ :‬بدر الدين الشوقي ‪ ،5/26‬اكتساب الجنسية األصلية بالميالد ألب‬
‫وطني‪ :‬د‪ .‬هشام خالد ص‪.23‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) الوسيط في القانون الدولي الخاص‪ ،‬ص‪.232‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) اكتساب الجنسية األصلية بالميالد ألب وطني‪ :‬د‪ .‬هشام خالد‪ ،‬ص‪.21 – 20‬‬

‫‪280‬‬
‫‪ )4‬تولي الوظائف العامة‪ :‬كالقضاء والمناصب العسكرية‪.‬‬
‫‪ )5‬حق ممارسة الحريات األساسية‪.‬‬
‫‪ )6‬الحماية الدبلوماسية لشخصه وأمواله في حالة وجوده في دولة أجنبية‬
‫(بالخارج)‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪ -5‬الواجبات التي تجب على الشخص المتجنس ‪:‬‬
‫‪ )1‬االلتزام بقانون البلد في كل مجاالت حياته (السياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية)‪.‬‬
‫‪ )2‬المشاركة في بناء الدولة بما يسعه من تقديم ضمان ومواهب وقدرات‪.‬‬
‫‪ )3‬الدفاع عن البلد والذود عنه وحماية مصالحه وينفذ أغراضه وهذا يتطلب‬
‫الخدمة بالجيش‪ ،‬وبالتالي إذا وقعت حرب بين الدولة التي ينتسب إليها ودولة‬
‫أخرى‪ :‬فإنه يجب عليه أن يدافع على بلده المتجنس بجنسيتها‪.‬‬

‫‪ -6‬نظرة تاريخية لموضوع التجنس بالجنسية األجنبية بالنسبة للمسلم ‪:‬‬


‫وهناك بعض الحاالت التاريخية اعتبر فيها الحصول على الجنسية بمثابة‬
‫مغادرة اإلسالم واالرتباط باألجنبي المحتل‪ ،‬كما حدث في تونس والجزائر حيث‬
‫كانت الحكومة الفرنسية المستعمرة تشجع المسلمين هناك على الحصول على‬
‫الجنسية الفرنسية ألسباب سياسية وقانونية من خالل ضم تلك البلدان إلى الدولة‬
‫الفرنسية باعتبارهم مواطنين فرنسيين‪ ،‬وكانت السلطات الفرنسية تجند اليهود‬
‫الجزائريين لتكثير عدد الفرنسيين ولالعتماد عليهم في إدارة البالد والهيمنة على‬
‫تجارتها‪ ،‬ولما كانت حركة الجهاد اإلسالمي موجهة ضد االحتالل األجنبي ومن‬
‫يتعاون معه‪ ،‬فجرى اعتبار من يتجنس بالجنسية الفرنسية ملتحقاً بخدمة الكفار‪،‬‬
‫ومرتداً عن الدين اإلسالمي‪ ،‬ورفض دفنه في مقابر المسلمين‪ ،‬من جانب آخر فإن‬
‫المتجنس يطبق عليه القانون الفرنسي حتى في األحوال الشخصية كالنكاح والطالق‬
‫والمواريث‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) دروس في القانون الدولي الخاص‪ :‬د‪ .‬هشام صادق ود‪ .‬حفيظة الحداد‪ ،‬ص‪.131 – 130‬‬

‫‪281‬‬
‫وبقيت نظرة الفقهاء التونسيين والجزائريين والمغاربة سلبية نحو التجنس‬
‫بسبب الخلفية التاريخية والتجربة السياسية‪ ،‬وبسبب فهمهم الخاص للمسألة لألسباب‬
‫التي ذكرناها‪.‬‬
‫لقد طرحت مسألة التجنس بجنسية غير إسالمية في وقت مبكر من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬فقد سأل بعض التونسيين علماء األزهر حول " تجنس رجل مسلم بجنسية‬
‫أمة غير مسلمة اختياراً منه‪ ،‬والتزم أن تجري عليه قوانينها بدل أحكام الشريعة‬
‫الغراء " فأجابه الشيخ يوسف الدجوي من هيئة كبار العلماء باألزهر الشريف بما‬
‫يلي‪ " :‬إن التجنس بالجنسية الفرنسية والتزام ما عليه الفرنسيون في كل شيء حتى‬
‫األنكحة والمواريث والطالق ومحاربة المسلمين واالنضمام إلى صفوفهم معناه‬
‫االنسالخ من جميع شرائع اإلسالم ومبايعة أعدائه‪ ...‬وأما حليف الفرنسيين الخارج‬
‫من صفوف المسلمين طوعاً واختياراً مستبدالً لشريعة بشريعة‪ ،‬وأمة بُأمة مقدماً‬
‫ذلك على اتباع الرسول بال قاسر وال ضرورة فالبد أن يكون في اعتقاده خلل‪ ،‬وفي‬
‫إيمانه دخل‪ ...‬فلسنا نشك في أن هؤالء المتجنسين بالجنسية الفرنسية على أبواب‬
‫الكفر وقد سلكوا أقرب طريق إليه "‪.‬‬
‫وأوضح أن ظروف التجنس ونتائجه تستدعي ذلك الرأي خاصة إذا ذكر أن‬
‫المتجنس بجنسية غير إسالمية ينسلخ عن الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فمما ال شك فيه أن‬
‫أي فقيه مسلم سيكون ذلك رأيه‪ ،‬كما أن الظروف السياسية واضحة في مضمون‬
‫الفتوى وغايتها التي تهدف مساعدة حركة الجهاد وقطع الطريق أمام السلطات‬
‫المحتلة باستخدامها هذه الوسيلة إلغراء المسلمين لالنضمام إليها وخدمة مخططاتها‬
‫وأغراضها في تغيير هوية البلد اإلسالمي‪ ،‬واعتبار الجنسية جسراً لعبور أبناء البلد‬
‫إلى الخندق اآلخر(‪.)1‬‬

‫‪ -7‬حكم التجنس بالجنسية األجنبية ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) العالم اإلسالمي والغرب‪ :‬صالح عبد الرزاق (موقع دار اإلسالم‪( www.darislam.com :‬‬

‫‪282‬‬
‫تعرض بعض الفقهاء المعاصرين إلى موضوع التجنس‪ ،‬بعد تغير الظروف‬
‫وتطور األوضاع السياسية للبلدان اإلسالمية والغربية معاً‪ ،‬وبعد ما أخذت أعداد‬
‫هائلة من المسلمين تذهب إلى الغرب طلباً للرزق والعمل واإلقامة‪ ،‬فأصبحت قضية‬
‫التجنس واحدة من القضايا المهمة التي البد وأن يتصدى لها العلماء ببيان الحكم‬
‫الشرعي فيها‪.‬‬
‫وإ نني أرى عدم الميل إلى من يعطي حكماً واحداً قطعياً في مسألة التجنس‬
‫بالجنسية األجنبية‪.‬‬
‫وذلك ألن حاالت التجنس مختلفة ومتنوعة‪ ،‬والحكم يختلف مع كل حالة على‬
‫حدى‪ ،‬فال يجوز التعميم في الحكم بالجواز مطلقاً أو المنع مطلقاً‪.‬‬
‫لذا أرى التفصيل في القضية‪ :‬حتى ُنعطي كل حالة حكمها المناسب على‬
‫حسب ظروف المتجنسين‪.‬‬
‫أقسام التجنس وحكم= كل قسم ‪:‬‬
‫يمكننا تقسيم التجنس إلى قسمين رئيسين‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬التجنس االضطراري ‪:‬‬
‫‪ -1‬مثل األقليات المسلمة التي تقيم في دول غير إسالمية‪ ،‬وهي باألصل من‬
‫سكان تلك المناطق‪ ،‬كالمسلمين في الجمهوريات المسلمة التابعة لالتحاد السوفياتي‬
‫السابق‪ " :‬وهي أمم تعد من العالم اإلسالمي وال يمكن أن تنفصل عن العالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬كما أنها جادة في المحافظة على إسالميتها رغم عوامل اإللحاد الكثيرة "‬
‫(‪.)1‬‬
‫فهؤالء ممن ابتلي من المسلمين بالكفار في بالده وهم األغلبية الكاره لهم‬
‫والمبغض لدينهم‪.‬‬
‫وحكموه بغير رضاه وأرغموه على التجنس أو مغادرة بالده وأهله وأوالده‪،‬‬
‫فقبلها للبقاء في بالده‪ ،‬على ماله وأهله وولده‪ ،‬ومع ذلك هو مقيم لشرائع الدين‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) التجنس بجنسية غير إسالمية‪ :‬محمد الشاذلي النيفر (بحث منشور في مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬العدد‬
‫الرابع‪ ،‬ص‪.)226‬‬

‫‪283‬‬
‫مظهر لدينه‪ ،‬معلن العداء لهم‪ ،‬مصارح لهم بكفرهم‪ ،‬وأنهم على باطل‪ ،‬وأن دينه هو‬
‫الحق‪ ،‬فمثل هذا ال شك أنه على خطر في بقائه‪ ...‬لكن ال نحكم عليه بالكفر ما دام‬
‫أنه عمل ما في وسعه من عدم اتباعهم وموافقتهم على باطلهم ومن إظهار دينه‪،‬‬
‫ولكن بقاءه بين أظهر الكفار فيه خطر عليه وعلى أوالده ومن تحت يده " (‪.)1‬‬
‫وفي نفس الوقت ال نستطيع أن نحرم عليهم الجنسية التي ولدوا بها‪ ،‬ألنهم لم‬
‫يأتوا باختيارهم لهذه البالد‪ ،‬وإ نما رغماً عنهم‪ ،‬وبناء عليه فال إثم عليهم إذا حملوا‬
‫هذه الجنسية‪ ،‬بل ال يجوز لهم ترك هذه الجنسية حتى ال يضيعوا‪ ،‬ولكن بشرط أن‬
‫يكون في نياتهم وأذهانهم أنهم مكروهون‪ ،‬وأن التجنس بهذه الجنسية هو الطريق‬
‫الوحيد للحصول على الحياة الكريمة‪ ،‬وأن يحاولوا بكل الوسائل المتاحة نشر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأن يكون عندهم االستعداد التام في حال ما إذا وجدت الفرصة السانحة‬
‫لهم لالنتقال إلى دولة إسالمية الهجرة إليها(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬كما أن هناك حالة اضطرار أخرى‪ :‬وهي عندما يترك المسلم وطنه‬
‫بسبب االضطهاد واالضطراب كالمجموعات اإلسالمية التي تضطر على الهجرة‬
‫الجماعية إلى الدول األجنبية الكافرة‪ ،‬وهناك من يضطر للخروج عن بلده من أجل‬
‫قوته فيحتاج إلى الجنسية لتأمين قوته وقوت أوالده بصورة أفضل‪.‬‬
‫قال بجواز ذلك بعض العلماء ألن إقامة الدين واجب على كل مسلم‪ ،‬فإذا لم‬
‫يستطع ذلك إال بالتجنس بالجنسية األجنبية فيكون ذلك جائزاً(‪.)3‬‬
‫وإ نما يجوز للمسلم ترك وطنه بسبب االضطهاد واالضطراب بشروط وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يختار البلد الذي يكون آمناً فيه على دينه وأهله‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يكون الرجوع إلى بلده األصلي متى سنحت لـه الفرصة وعند زوال‬
‫االضطرار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) بحث التجنس بجنسية دول غير إسالمية‪ :‬الشيخ محمد بن عبداهلل بن سبيل (مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي‪،‬‬
‫العدد الرابع‪ ،‬ص‪)165 – 164‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) األحكام السياسية لألقليات المسلمة‪ :‬سليمان محمد‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني ص‪ ،329‬األحكام السياسية لألقليات المسلمة‪:‬‬
‫سليمان محمد ص‪.85 - 84‬‬

‫‪284‬‬
‫‪ .3‬أن ينكر المنكر ولو بقلبه‪.‬‬
‫والدليل على ذلك‪ :‬أن الصحابة – رضي اهلل عنهم – هاجروا إلى الحبشة بعد‬
‫ما اضطهدوا من قبل أهل مكة‪ ،‬والحبشة يومئذ يسودها الكفار‪ ،‬وأقاموا بها حتى أن‬
‫بعض الصحابة لم يزالوا مقيمين بها بعد ما هاجر رسول اهلل ‪ ‬إلى المدينة‪ ،‬فإنما‬
‫رجع أبو موسى األشعري ‪ ‬عند غزوة خيبر يعني في السنة السابعة من الهجرة‪.‬‬
‫ثم من حقوق النفس أن يصونها المرء من كل نوع من أنواع الظلم فإذا لم يجد‬
‫اإلنسان مأمناً لنفسه إال في بالد الكفار‪ ،‬فال مانع من هجرته إليها‪ ،‬مادام يحتفظ‬
‫بفرائضه الدينية‪ ،‬واالبتعاد عن المنكرات المحرمة(‪.)1‬‬
‫وكذلك إن اضطر إليه المسلم بسبب أنه لم تتيسر له في بلده وسائل المعاش‬
‫الضرورية التي البد لـه منها ولم يجدها إال في مثل هذه البالد‪ ،‬فإنه يجوز لـه‬
‫الخروج عن بلده من أجل قوته‪ :‬ألن كسب الرزق فريضة والشرع لم يقيد ذلك‬
‫بمكان‪ ،‬يقول تعالى‪  :‬هو الذي جعل لكم األرض ذلوالً فامشوا في مناكبها وكلوا‬
‫من رزقه ‪[ ‬الملك‪ ،]15 :‬والعمل في بلد الكفر والحصول على جنسية يكون‬
‫بشروط‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون المسلم مضطراً‪.‬‬
‫‪ .2‬أن ال تكون الدولة اإلسالمية بحاجة إليهم‪.‬‬
‫‪ .3‬أن ال يعمل في ما حرم اهلل‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ .4‬أال يضر بعمله اإلسالم أو المسلمين ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬التجنس االختياري ‪:‬‬
‫‪ -1‬ويقصد به أولئك المتجنس ين المقيمين في البالد األجنبية دعتهم أعم الهم‬
‫ووجودهم في بلد استوطنوه فاختاروا جنسيته لكنهم لم ينسوا إسالمهم وعملوا لبقائه‬
‫في أنفسهم وتقدموا في ذلك فأنشأوا مؤسسات إسالمية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني‪ ،‬ص‪.329‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني‪ ،‬ص‪.330 – 329‬‬

‫‪285‬‬
‫ومثل هؤالء اختلفت أراء العلماء في حكم تجنسهم‪ :‬فمنهم من يكره ذلك‬
‫ويتخوف على من يقدم على ذلك الردة والكفرة‪ ،‬يقول فضيلة الشيخ عبداهلل بن سبيل‬
‫(‪)1‬‬
‫إمام الحرم المكي وعضو المجمع الفقهي اإلسالمي‪:‬‬
‫" القسم الثاني‪ :‬راض باالنتماء إليهم لمصالحه الدنيوية ومعامالتهم التجارية‪،‬‬
‫فأخذ الجنسية منهم ليتم مقصوده من حصول الدنيا والتسهيالت التي تحصل‬
‫مؤد لشرائع اإلسالم‪ ،‬مظهر لدينه‪ ،‬وال يترافع إليهم باختياره‪،‬‬ ‫للمنتمين إليهم‪ ،‬وهو ٍّ‬
‫فإذا صدر بما ال يخالف الشريعة قبله‪ ،‬وإ ن صدر بما يخالف الشريعة رفضه‪ ،‬فأرى‬
‫أن مثل هذا على خطر عظيم من تناول بعض اآليات حيث آثر دنياه على آخرته‪،‬‬
‫وقد ارتكب منكراً عظيماً‪ ،‬فهو على خطر من الردة عن دين اإلسالم لركونه إليهم‬
‫وبقائه بين أظهرهم‪ ،‬لكن ال أجزم بالحكم عليه بالردة‪ ،‬فأتوقف في ذلك‪ ،‬ولكنه بأخذ‬
‫الجنسية أظهر الميل والمحبة لهم وعرض نفسه للدخول تحت قوله ‪ ‬ال تجد قوماً‬
‫يؤمنون باهلل واليوم اآلخر يوادون من حاد اهلل ورسوله ‪[ ‬المجادلة‪.]22 :‬‬
‫ولما فيه من عرض النفس على المنكرات الشائعة هناك وتحمل خطر‬
‫االنهيار الخلقي والديني من غير ضرورة داعية لذلك‪ ،‬والتجربة شاهدة على أن‬
‫الذين يتجنسون بهذه الجنسيات األجنبية لمجرد الترفه ينتقص فيهم الوازع الديني‪،‬‬
‫فيذوبون أمام اإلغراءات الكافرة ذوباناً ذريعاً‪.)2( "...‬‬
‫وهناك من العلماء من أباح لهؤالء الذين تجنسوا بناء على مصالحهم الدنيوية‬
‫– غير الضرورية – لكنهم محافظون على دينهم ويدعون له ويبذلون في سبيل‬
‫نشره بين تلك البالد الجهد الكبير‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) وأيضاً الشيخ محمد تقي العثماني (بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ ،‬ص‪.)330‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) بحوث في قضايا فقهية معاصرة ص‪ ،330‬وبحث الشيخ عبداهلل بن سبيل التجنس بجنسية دولة غير‬
‫إسالمية (بمجلة المجمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬ص‪.)165‬‬

‫‪286‬‬
‫فيقول الشيخ الشاذلي النيفر مفتي الديار التونسية سابقاً(‪ " :)1‬بأن هؤالء ال‬
‫يحكم بكفر من دخل تحت أحكام غير إسالمية ألنه غير مشمول بما ورد في قوله‬
‫تعالى‪  :‬ومن لم يحكم بما أنزل اهلل فأولئك هم الكافرون ‪[ ‬المائدة‪.]44 :‬‬
‫ويضع الشيخ النيفر شروطاً يجب استيفاؤها من قبل أولئك المقيمين في الدول‬
‫الغربية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن ال تكون إقامة المسلم في األرض المحكومة لغير المسلمين إقامة هوان‬
‫وذلة‪.‬‬
‫‪ .2‬حرية إقامة الشعائر اإلسالمية (الصالة والزكاة والصيام والحج)‪.‬‬
‫‪ .3‬األمن على النفس والولد والمال‪.‬‬
‫‪ .4‬االحتراز من الفتنة في الدين‪.‬‬
‫ويعلق بم رارة‪ " :‬على أن ال ذي يخشى منه هو اآلن موج ود في البل دان‬
‫اإلسالمية مما يؤسف لـه‪ ,‬فال فرق بين البلدان اإلسالمية وبين هؤالء المتساكنين مع‬
‫غير المسلمين " (‪.)2‬‬
‫‪ -2‬وهن اك ن وع آخر ي دخل تحت ه ذا القسم وهو التجنس االختي اري لكن‬
‫حكمه مختلف‪:‬‬
‫وهو من يتجنس لالع تزاز واالفتخ ار ولتفض يل تلك الجنس ية األجنبية على‬
‫جنس ية ال دول اإلس المية وهو ي رغب في بالد الكف ار ويحبهم ويحب البق اء بينهم‪،‬‬
‫ويرى أن معاملتهم واالنتماء إليهم أفضل من المسلمين‪ ،‬وأنه راض بإجراء أحك امهم‬
‫عليه من الحكم بغ ير ما أن زل اهلل في األحك ام والنك اح والطالق والم يراث‪ ،‬فه ذا ال‬
‫شك في كفره‪ ،‬وهو مرتد عن دين اإلسالم ردة صريحة‪ ،‬حتى لو قال أنه مسلم‪ ،‬ولو‬
‫شهد الشهادتين وصلى وعمل ببعض شرائع اإلسالم(‪.)3‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) بحث‪ :‬التجنس بجنسية غير إسالمية‪ :‬محمد الشاذلي النيفر (مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬العدد الرابع‪،‬‬
‫ص‪.)246‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) بحث‪ :‬التجنس بالجنسية غير إسالمية (مجلو المجمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬ص‪.)247‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) انظر‪ :‬قضايا فقهية معاصرة‪ :‬للبوطي ‪ ،1/198‬بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬العثماني ص‪،331‬‬
‫التجنس بجنسية دولة غير إسالمية‪ :‬الشيخ محمد بن سبيل (مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬ص‬
‫‪.)165 – 164‬‬

‫‪287‬‬
‫وذلك ألن من يطلب الجنس ية من دولة ك افرة ميالً إليهم‪ ،‬ومحبة في الق رب‬
‫منهم‪ ،‬واالنضمام إليهم‪ ،‬والدخول في س لكهم‪ ،‬والرضا بس يطرتهم عليه وعلى ذريته‬
‫فإنه داخل تحت قوله تع الى‪  :‬ال تجد قوم اً يؤمن ون باهلل والي وم اآلخر ي وادون من‬
‫ح اد اهلل ورس وله ‪[ ‬المجادل==ة‪ ]22 :‬وقول ه‪  :‬ومن يت ولهم منكم فإنه منهم ‪[ ‬المائ==دة‪:‬‬
‫‪.]51‬‬

‫ويحرم التجنس بالجنسية األجنبية في مثل هذه الحاالت لألدلة التالية‪:‬‬


‫‪ .1‬الجنس ية تعب ير عن ال والء‪ ،‬ووالء المس لم يجب أن يك ون لإلس الم والمس لمين‪،‬‬
‫ق ال تع الى‪  :‬يا أيها ال ذين آمن وا ال تتخ ذوا اليه ود والنص ارى أولي اء بعض هم‬
‫أولي اء بعض‪ ،‬ومن يت ولهم منكم فإن هُ منهم ‪[ ‬المائ==دة‪ ،]51 :‬وق ال عزوج ل‪ :‬‬
‫الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤم نين‪ ،‬أيبتغون عندهم العزة‪ ،‬ف إن‬
‫العزة هلل جميعاً ‪[ ‬النساء‪.]139 :‬‬
‫ومن الواضح أن تجنس المس لم بجنس ية دولة من دول الكف ر‪ ،‬مع مكثه في‬
‫تلك الدولة‪ ،‬من أبرز مظاهر هذه الموالة التي شدد اهلل في التحذير منها كما قد‬
‫رأيت‪ ،‬بل إن التجنس ال يزيد على اإلقامة إال اإلعالن عن ه ذا ال والء‪ ،‬فهو إذاً‬
‫من المحرمات المقطوع بحرمتها بداللة هذه النصوص وأمثالها(‪.)1‬‬
‫‪ .2‬قوله ‪ " :‬من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله " (‪.)2‬‬
‫‪ .3‬وقوله ‪ " :‬أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " (‪.)3‬‬
‫وجه االس تدالل من ه ذين الح ديثين أن الرس ول ‪ ‬أعلن براءته من ال ذين‬
‫يقيم ون بين أظهر المش ركين‪ ،‬وفي ذلك دليل على تح ريم مس اكنة الكف ار‬
‫ووجوب مفارقتهم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) قضايا فقهية معاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪.1/199‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في الجهاد باب في اإلقامة بأرض الشرك (‪.3/93 )2787‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود ي الجهاد باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود (‪ ،3/45 )2645‬والترمذي في السير‬
‫باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين (‪.4/155 )1604‬‬

‫‪288‬‬
‫ال ونفيس من أجل‬ ‫فكيف الح ال بمن ت رك دار اإلس الم وض حى بكل غ ٍ‬
‫الحص ول على جنس ية دولة غ ير إس المية‪ ،‬وال شك في أن ذلك خطر وخ وف‬
‫على إيمانه وعقيدته‪.‬‬
‫‪ .4‬قوله ‪ " :‬ال تتركوا الذرية إزاء العدو " (‪ ،)1‬والخوف الكبير من تنش ئة األوالد‬
‫في مجتمع ك افر يحمي انح رافهم ووق وعهم في المحرم ات وع دم ال تزامهم‬
‫ب أمور دينهم ول ذا نجد كيف أن رس ول اهلل ‪ ‬يمنع المس لمين من ت رك األوالد‬
‫بين الكفار لخطورة تنشئتهم في مثل هذه المجتمعات الكافرة‪.‬‬

‫رأي فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي‪:‬‬


‫للبوطي حفظه اهلل رأي متشدد في مسألة اإلقامة والتجنس بالجنسية األجنبية‪،‬‬
‫وفي رأيه وجاهة البد وأن تؤخذ بعين االعتبار‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫يقول ملخصاً لنا رأيه في هذه القضية‪:‬‬
‫" والخالص ة‪ :‬أن انتم اء المس لم إلى جنس ية بلد أو دولة غ ير مس لمة‪ ،‬مع‬
‫اإلقامة فيه ا‪ ،‬مح ّرم حرمة ذاتي ة‪ ،‬والحرمة الذاتية ال يعارض ها وال يغالبها أي من‬
‫الم بررات العارضة ال تي قد يس ميها بعض الن اس ض رورة‪ ،‬وكما أن الم اء ال يطهر‬
‫النجس العيني كالدم ولحم الخنزير والميتة‪ ،‬مهما ُغ ِس َل به‪ ،‬ومهما سرى في أجزائه‪،‬‬
‫المتصورة ال تقوى على إزالة الحرمة الذاتية السارية في‬
‫َّ‬ ‫فكذلك عوارض المبررات‬
‫جوهر هذا االنتماء وذاته‪.‬‬
‫ومع أن ه ذا الحكم واضح ال مج ال ألي لبس في ه‪ ،‬ف إن الخط ورة الك برى ال‬
‫تكمن في تورط بعض الناس في هذا األمر‪ ،‬عندما يدركون أنهم قد انزلقوا إلى عمل‬
‫محرم ال يرضى عنه اهلل عزوجل‪ ،‬وإ نما تكمن الخطورة الكبرى فيمن يقدم على هذا‬
‫العمل وهو يعطي لنفسه الم بررات‪ ،‬ويحمل في جيبه بطاقة التجنس بالجنس ية‬

‫‪1‬‬
‫(?) في مراسيل أبي داود عن مكحول (حاشية ابن القيم ‪.)7/219‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) قضايا فقهية معاصرة‪.1/204 :‬‬

‫‪289‬‬
‫األمريكية أو البريطانية أو الفرنس ية مثالً‪ ،‬وهو قرير العين ب ذلك ال ي رى أنه ارتكب‬
‫في جنب اهلل أي محظور!‪..‬‬
‫وقد آل األمر اليوم بكثير من الناس إلى هذه النهاية المؤلمة المردية‪ ،‬دون أن‬
‫يس توقفهم أي تخ ّوف أو ريب‪ ،‬بل ربما ك انوا يع ّدون أنفس هم من رعيل ال دعاة‬
‫والمجاه دين!‪ ..‬أس أل اهلل عزوجل أن يكرمنا بمراقبة النفس واتهامه ا‪ ..‬وأن ال‬
‫يجعلنا ممن قال عنهم‪  :‬أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً‪[  ..‬فاطر‪.]8 :‬‬

‫فتوى للشيخ يوسف القرضاوي في موضوع التجنس بالجنسية األجنبية ‪:‬‬


‫فلقد س أله مق دم برن امج " الش ريعة والحي اة " في الحلقة المخصصة لألقلي ات‬
‫المسلمة السؤال التالي‪:‬‬
‫المق==دم‪ :‬في ظل هج رة ه ؤالء‪ ،‬يأخذ الكث ير منهم جنس ية البالد ال تي يعيش ون فيه ا‪،‬‬
‫والبعض يح رم ه ذا‪ ،‬فما رأي فض يلتكم في حص ول المس لم على جنس ية بلد‬
‫غير مسلمة ؟‬
‫وكان جواب الشيخ القرضاوي‪:‬‬
‫في بعض األوق ات أص در علم اء المس لمون في ت ونس والجزائر وتلك البالد‬
‫فت وى تح ريم الحص ول على جنس ية فرنسا (المحتلة لهم في ذلك ال وقت)‪ ،‬وأن من‬
‫يتجنس بجنسيتهم يكون كافراً باعتبار أن هذه خيانة هلل والوطن ‪ ‬ومن يتولهم منكم‬
‫فهو منهم ‪[ ‬المائ==دة‪ ،]51 :‬ه ذه الفت وى في ذلك ال وقت وبه ذه المالبس ات ص حيحة‪،‬‬
‫ولكن عندما يتغير الوضع والزمان والحال‪ ،‬فال مانع من تجنس المسلم بجنسية البلد‬
‫التي يعيش فيها‪ ،‬فالجنسية هذه أعطته القوة والصالبة والقدرة على المطالبة بحقوقه‪،‬‬
‫وإ بداء رأيه والتصويت في االنتخابات‪ ،‬دون أن يتنازل عن دينه‪ ،‬ويعايش من حوله‬
‫ب المعروف ويحسن مع املتهم ‪ ‬أن ت بروهم وتقس طوا إليهم إن اهلل يحب المقس طين ‪‬‬
‫[الممتحنة‪ ،]8 :‬فيستفيد بها لدينه ودنياه وجاليته(‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) برنامج الشريعة والحياة‪ ,‬الحلقة بعنوان‪ :‬فقه األقليات‪/14 ،‬سبتمبر‪.2001 /‬‬

‫‪290‬‬
‫المبحث الثالث عشر‬

‫‪291‬‬
‫اشتراك المرأة في االنتخاب ومؤسسات الشورى‬

‫من القض ايا المعاص رة ال تي ن الت قس طاً كب يراً من اهتم ام الب احثين والن اس‪:‬‬
‫قضية الحقوق السياسية للمرأة في اإلسالم‪.‬‬
‫ولقد اختلفت أراء الناس في هذه المسألة اختالفاً كبيراً‪ ،‬مما استوجب الوقوف‬
‫عندها وبحثها مع استعراض األدلة لجميع األطراف عسانا نصل إلى رأي سديد في‬
‫هذا الموضوع‪:‬‬

‫تعريف الحقوق السياسية ‪:‬‬


‫من أهم التعريفات للحقوق السياسية – أو الحق السياسي – ما عرفه األستاذ‬
‫سالم البهنساوي حيث قال‪ " :‬الحق السياسي يمكن تعريفه بأنه‪ :‬حق المواطن في أن‬
‫يشترك في إدارة شؤون الدولة‪ ،‬ويكون ذلك بطريق مباشر كما هو الحال بالنسبة‬
‫لمنصب رئيس الدولة ومنصب الوزير‪ ،‬وقد يكون بطريق غير مباشر‪ ،‬أي يشترك‬
‫المواطن في إدارة شؤون البلد عن طريق ممثلين عنه هم أعضاء المجالس المختلفة‪،‬‬
‫كمجلس األمة‪ ،‬والمجلس البلدي‪ ،‬وسائر المجالس المحلية‪.‬‬
‫فالحق السياسي بالمفهوم العام هو االنتخاب والترشيح‪ ،‬وحق تولي الوظائف‬
‫العامة " (‪.)1‬‬
‫ويطلق عليها علماء الشريعة الوالية العامة(‪ ،)2‬وسنقصر بحثنا في مسألتين‬
‫فقط ألنهما مدار الخالف‪:‬‬
‫‪ -1‬حكم ممارسة المرأة لالنتخاب‪.‬‬
‫‪ -2‬حكم ترشيح المرأة للبرلمان كونها عضواً في مجلس الشورى أو المجلس‬
‫البلدي وسائر المجالس المحلية‪.‬‬
‫أما الواليات األخرى مثل رئاسة الدولة والقضاء فمعروف الحكم فيها وهو‬
‫أن المرأة ممنوعة بإطالق عن تولي الواليات العامة‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬حكم اشتراك المرأة في االنتخاب‬

‫‪1‬‬
‫(?) مكانة المرأة بين اإلسالم والقوانين العالمية‪ :‬سالم البهنساوي‪ ،‬ص‪.133‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الحقوق السياسية للمرأة‪ :‬د‪ .‬عبد الحميد الشواربي‪ ،‬ص‪.52‬‬

‫‪292‬‬
‫تعريف االنتخاب ‪:‬‬
‫االنتخاب‪ :‬لغة‪ :‬هو االختيار واالنتقاء(‪.)1‬‬
‫أما في االصطالح‪ :‬فاالنتخاب مصطلح سياسي حديث يعني‪ :‬اختيار الناخبين‬
‫لشخص أو أكثر من بين عدد من المرشحين لتمثيلهم في حكم البالد(‪.)2‬‬

‫أقوال العلماء في مشاركة المرأة في االنتخاب ‪:‬‬


‫اختلف العلماء في اشتراك المرأة في االنتخابات من حيث كونها ناخبة‬
‫لغيرها‪ ،‬وهل لها حق التصويت ألحد المرشحين أم ال؟ على رأيين‪:‬‬
‫الرأي األول‪ :‬ذهب إلى عدم جواز أن تكون المرأة ناخبة(‪.)3‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬ذهب إلى جواز كون المرأة ناخبة فلها أن تشترك في االنتخاب‬
‫واالختيار(‪.)4‬‬
‫أدلة الفريق األول ‪:‬‬
‫استدل المانعون لكون المرأة ناخبة باألدلة التالية ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬القرآن الكريم‬
‫‪ -1‬قال تعالى‪  :‬ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة‬
‫واهلل عزيز حكيم ‪[ ‬البقرة‪.]228 :‬‬
‫قوامون على النساء بما فضل اهلل بعضهم على بعض‬ ‫‪ -2‬قال تعالى‪  :‬الرجال ّ‬
‫وبما أنفقوا من أموالهم ‪[ ‬النساء‪.]34 :‬‬
‫تبرج الجاهلية األولى ‪‬‬
‫تبرجن ّ‬ ‫‪ -3‬قال تعالى‪  :‬وقرن في بيوتكن وال ّ‬
‫[األحزاب‪.]33 :‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) لسان العرب‪ :‬مادة نخب ‪.752 – 1/751‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) االستفتاء الشعبي بين األنظمة الوضعية والشريعة اإلسالمية‪ :‬د‪.‬ماجد راغب الحلو‪ ،‬ص‪.103‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) فتوى لجنة األزهر الصادرة في عام ‪1952‬م‪ ،‬المرأة في اإلسالم‪ :‬الشيخ حسنين مخلوف ص‪ ،140‬أصول‬
‫الدعوة‪ :‬د‪ .‬عبد الكريم زيدان ص‪ ،126‬حقوق المرأة في اإلسالم‪ :‬د‪ .‬محمد عرفة ص‪.202‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) المرأة بين الفقه والقانون‪ :‬د‪ .‬مصطفى السباعي ص‪ ،155‬المرأة بين الشرع والقانون‪ :‬محمد الحجوي‬
‫ص‪ ،76 – 70‬من هدى القرآن‪ :‬الشيخ محمود شلتوت ص‪ ،292‬الشورى في اإلسالم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي‬
‫‪.1091 – 3/1087‬‬

‫‪293‬‬
‫قال القرطبي‪ " :‬معنى هذه اآلية األمر بلزوم البيت‪ ،‬وإ ن كان الخطاب لنساء‬
‫النبي ‪ ‬فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى‪ ،‬هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء‪ ،‬كيف‬
‫والشريعة طافحة بلزوم النساء في بيوتهن واالنكفاف عن الخروج منها إال لضرورة‬
‫" (‪.)1‬‬
‫فتدل هذه اآليات على أن القوامة والقيادة للرجل‪ ،‬وعلى أن القاعدة في أمر‬
‫المرأة هو قرارها في دارها وتفرغها لبيتها وأوالدها‪ ،‬وأما خروجها إلى المجتمع‬
‫فهو من باب االستثناء أو الضرورة وهي تقدر بقدرها‪ ،‬فخروج المرأة لالنتخاب‬
‫واشتراكها في النشاطات السياسية ال تدعو إليه ضرورة‪ ،‬وال تتوقف عليه مصلحة‬
‫حقيقية كلية‪ ،‬ويتناقض مع قوامة الرجل وعلو درجته في القيادة عليها(‪.)2‬‬

‫ثانياً‪ :‬من السنة‬


‫‪ -1‬لما بلغ النبي ‪ ‬أن فارساً ملّكوا ابنة كسرى قال‪ " :‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم‬
‫امرأة " (‪.)3‬‬
‫فهذا الحديث يدل على أن مناط عدم الفالح هو األنوثة‪ ،‬وهو نص في منع‬
‫المرأة من تولي أي من الواليات العامة‪ ،‬وكونها ناخبة إنما هو من الواليات‬
‫العامة(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬يقول النبي ‪ - ‬من حديث طويل ‪ " :-‬والمرأة راعية على بيت بعلها وولده‪،‬‬
‫وهي مسؤولة عنهم " (‪.)5‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) الجامع ألحكام القرآن‪ :‬القرطبي ‪.14/179‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الشورى في اإلسالم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي ‪.3/1085‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الجهاد والسير باب كتاب النبي ‪ ‬إلى كسرى (‪.4/1610 )4163‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫(?) الشورى في اإلسالم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي ‪.3/1086‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في كتاب األحكام (‪ ،6/2611 )6719‬ومسلم في الجهاد والسير باب فضيلة اإلمام‬
‫العادل (‪.3/1459 )1828‬‬

‫‪294‬‬
‫هذا الحديث جعل رعاية األسرة من أهم واجبات المرأة وهو واجب ال‬
‫يمكن للمرأة الوفاء به إذا انشغلت بأمور االنتخابات أو انغمست بميادين العمل‬
‫في السياسة(‪.)6‬‬
‫‪ -3‬الحديث الذي رواه الترمذي‪ " :‬المرأة عورة‪ ،‬فإذا خرجت استشرفها الشيطان "‬
‫(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬الحديث الذي رواه الترمذي من حديث طويل‪ " :‬وإ ذا كانت أمراؤكم شراركم‪،‬‬
‫وأغنياؤكم بخالءكم‪ ،‬وأموركم إلى نسائكم فبطن األرض خير لكم من ظهرها "‬
‫(‪ ،)3‬فهذه األحاديث تمنع المرأة من تولي االنتخاب‪..‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الواقع الشرعي والتاريخ‬
‫قالت لجنة كبار علماء فتوى األزهر‪ " :‬هذه قصة سقيفة بني ساعدة في‬
‫اختيار الخليفة األول بعد الرسول ‪ ‬قد بلغ فيها الخالف أشده ثم استقر األمر ألبي‬
‫بكر وبويع بعد ذلك البيعة العامة في المسجد‪ ،‬ولم تشترك امرأة مع الرجال في‬
‫مداولة الرأي في السقيفة ولم تدع لذلك‪ ،‬كما أنها لم تدع ولم تشترك في تلك البيعة‬
‫العامة " (‪.)4‬‬
‫إن االختيار واالنتخاب للمرشح لعضوية المجالس النيابية كاالختيار للحاكم‬
‫والنساء لم يشاركن في اختيار اإلمام ال في مبايعة الخلفاء في العصور األولى من‬
‫اإلسالم وال سيما عصر الخلفاء الراشدين(‪.)5‬‬
‫رابعاً‪ :‬المعقول‬
‫قالوا إن عملية االنتخاب والترشيح تستلزم اختالط المرأة بالرجال مما قد‬
‫يعرض المرأة فيه ألنواع من الشر واألذى‪ :‬وإ ن هذا يقتضي عم جواز إسناد الوالية‬
‫العامة لها كاالقتراع في االنتخابات ألنه ال ضرورة لخروج المرأة للقيام بذلك(‪.)6‬‬
‫أدلة الفريق الثاني‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫الشورى في اإلسالم ‪.3/1086‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫أخرجه الترمذي في الرضاع باب منه (‪ ،3/476 )1173‬وقال هذا حديث حسن غريب‪.‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫أخرجه الترمذي في الفتن باب منه (‪ ،4/929 )2266‬قال أبو عيسى هذا غريب‪.‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫الحركات النسائية‪ :‬محمد عطية خميس‪ ،‬ص‪.109‬‬ ‫(?)‬
‫‪5‬‬
‫حقوق المرأة في اإلسالم‪ :‬محمد عرفة‪ ،‬ص‪.205‬‬ ‫(?)‬
‫‪6‬‬
‫المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم‪ :‬مجيد محمود أبو حجير‪ ،‬ص‪.451 – 450‬‬ ‫(?)‬

‫‪295‬‬
‫استدل القائلون بجواز كون المرأة ناخبة باألدلة التالية‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬من القرآن الكريم‬
‫‪ -1‬قال تعالى‪  :‬يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن ال يشركن باهلل‬
‫شيئاً وال يسرقن وال يزنين وال يقتلن أوالدهن وال يأتين ببهتان يفترينه بين‬
‫لهن اهلل إن اهلل‬
‫فبايعهن واستغفر ّ‬
‫ّ‬ ‫وأرجلهن وال يعصينك في معروف‬ ‫ّ‬ ‫أيديهن‬
‫ّ‬
‫رحيم ‪[ ‬الممتحنة‪.]12 :‬‬
‫ٌ‬ ‫غفور‬
‫ٌ‬
‫فدلت هذه اآلية‪ :‬على مشروعية مبايعة النساء كالرجال‪ ،‬وفي تفسير هذه‬
‫اآلية يقول الشيخ محمود شلتوت‪ " :‬وقد كانت هذه المبايعة من فروع استقالل‬
‫النساء في المسؤولية‪ ،‬بايعهن على خصوص وعموم " (‪.)1‬‬
‫‪ -2‬قال تعالى‪  :‬فرج ٌل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ‪[ ‬البقرة‪.]282 :‬‬
‫إن االنتخاب (شهادة) من الناخب بصالحية من‬ ‫وجه الداللة من اآلية‪ّ :‬‬
‫انتخبه للقيام بما سيعهد إليه من وظيفة الدولة‪ ،‬والمرأة قبل القرآن الكريم‬
‫شهادتها بالجملة في اآلية(‪.)2‬‬
‫ثانياً ‪ :‬من السنة النبوية‬
‫‪ -1‬ما ورد من السنة الفعلية من مبايعة النبي ‪ ‬للنساء‪ ،‬وكان رسول اهلل إذا‬
‫أقررن بما بايعهن عليه(‪ ،)3‬قال‪ " :‬انطلقن فقد بايعتكن " (‪.)4‬‬
‫‪ -2‬ما ورد من اشتراك المرأة في بيعتي العقبة(‪.)5‬‬

‫ثالثاً ‪ :‬بالقياس‬

‫‪1‬‬
‫(?) من توجيهات اإلسالم‪ :‬د‪ .‬محمود شلتوت‪ ،‬ص‪.196‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المرأة والحقوق السياسية‪ :‬مجيد أبو حجير‪ ،‬ص‪.440‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) الشورى في اإلسالم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي ‪.3/1089‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الطالق باب إذا أسلمت المشركة (‪ ،5/2025 )4983‬ومسلم في اإلمارة باب كيفية‬
‫بيعة النساء (‪.3/1489 )1865‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) كما هو ثابت في كتب السيرة‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫‪ -1‬قياس كون المرأة ناخبة على شهادتها‪ :‬قال الدكتور حمد الكبيسي‪ " :‬إن كون‬
‫المهمة‪ ،‬وهي‬
‫ّ‬ ‫بأنها تشهد بصالح هذا النائب لهذه‬‫المرأة ناخبة أشبه ما يكون ّ‬
‫أهل للشهادة " (‪.)1‬‬
‫‪ -2‬قياس كون المرأة ناخبة على مبايعة النساء للنبي ‪ :‬قال األستاذ محمد‬
‫بيعتهن لغيره قياساً أحروياً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الحجوي(‪ " :)2‬نقيس على بيعة النساء للنبي ‪‬‬
‫يبايعن الرسول األعظم فمن باب أولى وأحرى أن‬ ‫ّ‬ ‫لهن أن‬
‫إنهن إذا شرع ّ‬ ‫حيث ّ‬
‫يبايعن من هو دونه‪ ،‬واهلل يقول‪  :‬أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول وأولي األمر‬
‫منكم ‪[ ‬النساء‪ ,]59 :‬والنبي ‪ ‬يقول‪ " :‬من يطع أميري فقد أطاعني ومن‬
‫أطاعني فقد أطاع اهلل " (‪.)3‬‬
‫رابعاً ‪ :‬قالوا بأن عملية االنتخاب عملية توكيل وللمرأة حق التوكيل‬
‫االنتخاب هو اختيار األمة لوكالء ينوبون عنها في التشريع ومراقبة‬
‫الحكومة‪ ،‬فعملية االنتخاب عملية توكيل‪ ...‬والمرأة في اإلسالم ليست ممنوعة من‬
‫المجتمع "‬ ‫أن توكل إنساناً بالدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها كمواطنة في‬
‫(‪.)4‬‬
‫خامساً ‪ :‬استدلوا ببعض اآلثار مثل‬
‫‪ -1‬ما ُأثر من استشارة عبد الرحمن بن عوف النساء في أمر انتخاب الخليفة‬
‫(‪)5‬‬
‫والبيعة له بعد وفاة عمر ‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن تيمية رحمه اهلل تعالى‪ " :‬بقي عبد الرحمن يشاور ثالثة أيام وأخبر‬
‫أن الناس ال يعدلون بعثمان‪ ،‬وأنه شاور حتى العذارى في خدورهن " (‪.)6‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) الشورى في اإلسالم ‪.3/1090‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المرأة بين الشرع والقانون‪ :‬محمد الحجوي‪ ،‬ص‪.76 – 75‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الوصايا باب السمع والطاعة (‪ ،3/1080 )2797‬ومسلم في اإلمارة باب وجود‬
‫طاعة األمراء (‪.3/1466 )1835‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) المرأة بين الفقه والقانون‪ :‬د‪ .‬مصطفى السباعي‪ ،‬ص‪.155‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) الشورى بين النظرية والتطبيق‪ :‬د‪ .‬قحطان الدوري‪ ،‬ص‪.107‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) منهاج السنة‪ :‬ابن تيمية ‪.3/233‬‬

‫‪297‬‬
‫وعبارة ابن كثير‪ " :‬حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن " (‪.)7‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -2‬دخول عائشة أم المؤمنين – رضي اهلل عنها – معركة الجمل يدل على أن‬
‫للمرأة رأياً في بيعة الخليفة(‪.)2‬‬

‫الترجيح ‪:‬‬
‫لقد نوقشت أدلة الفريقين بإجابات كثيرة يرجع إليها في مظانها – أهملناها‬
‫خشية التطويل – لكن يمكننا القول بعد عرض أدلة كل فريق‪ ،‬وبالنظر فيها‪ :‬يظهر‬
‫أنه ال يوجد نص صريح في حكم اشتراك المرأة في االنتخابات إال ما ثبت من‬
‫مشاركتها بيعة الرسول ‪ ،‬ومن ناحية أخرى عدم مشاركتها في اختيار الخلفاء‬
‫ومبايعتهم في عهد الصحابة والتابعين – رضي اهلل عنهم – جميعاً‪.‬‬
‫والرأي الذي نرجحه هو جواز كون المرأة ناخبة لكن بشرط التزامها‬
‫باألحكام الشرعية األخرى من عدم الخلوة أو االختالط أو أن يؤدي ذلك إلى‬
‫تفريطها في واجبات مقدمة عليها‪ ...‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫(?) البداية والنهاية ‪.7/146‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الشورى بين النظرية والتطبيق‪ :‬د‪ .‬قحطان الدوري‪ ،‬ص‪.130‬‬

‫‪298‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حكم ترشح المرأة لعضوية الهيئات النيابية= والمجالس‬
‫البلدية والمحلية‬

‫كذلك اختلف العلماء في هذه القضية على قولين ‪:‬‬


‫القول األول‪ :‬فلقد ذهب أكثر العلماء إلى عدم جواز اشتراك المرأة في‬
‫الحقوق السياسية فليست من أهل الحل والعقد وال تعتبر عضواً من أعضاء مجلس‬
‫الشورى أو المجالس البلدية والمحلية‪ ،‬وإ نما هذه العضوية مقصورة على الرجال‬
‫فقط‪ ،‬والذكورة شرط لكل عضو من أعضاء هذه المجالس(‪.)1‬‬
‫القول الثاني‪ :‬ويرى بعض الباحثين إلى أنه ال يشترط الذكورة في عضوية‬
‫مجلس الشورى‪ ،‬أو الحل والعقد‪ :‬فالمرأة أهل لممارسة األعمال السياسية فيجوز لها‬
‫أن تكون عضواً من أعضاء البرلمان والمجالس النيابية والبلدية والمحلية(‪.)2‬‬
‫أدلة الفريق األول ‪:‬‬
‫استدلوا بجملة من األدلة من الكتاب والسنة واإلجماع والقياس والمعقول‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬من القرآن الكريم‬
‫فضل اهلل بعضهم على بعض‬ ‫قوامون على النساء بما ّ‬ ‫‪ -1‬قال تعالى‪  :‬الرجال ّ‬
‫وبما أنفقوا من أموالهم ‪[ ‬النساء‪.]34 :‬‬
‫وجه الداللة من اآلية‪ :‬ال تكون المرأة من أهل الشورى‪ ،‬ألن الرجل أكفأ‬
‫تؤمر‪.‬‬
‫من النساء‪ ،‬فكانت القوامة له‪ ،‬فال تقدم المرأة على الرجال وال ّ‬
‫‪1‬‬
‫(?) لجنة الفتوى باألزهر في فتوى نشرتها عام ‪1952‬م‪ ،‬أبو األعلى المودودي في كتابه‪ :‬تدوين الدستور‬
‫اإلسالمي ص‪ ،54‬النظام السياسي في اإلسالم‪ :‬د‪ .‬محمد أبو فارس ص‪ ،120‬فتاوي شرعية‪ :‬د‪ .‬حسنين‬
‫مخلوف ‪ ،1/117‬الشورى‪ :‬د‪ .‬قحطان الدوري ص‪ ،205‬اإلمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة‪ :‬عبداهلل‬
‫الدميجي ص‪.164‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) مبادئ نظام الحكم في اإلسالم‪ :‬د‪ .‬عبد الحميد المتولي ص‪ ،452‬الشورى بين األصالة والمعاصرة‪ :‬عز‬
‫الدين التميمي ص‪ ،54‬المرأة في القرآن والسنة‪ :‬محمد عزه دروزة ص‪ ،45‬النظرية اإلسالمية في الدولة‪:‬‬
‫حازم عبد المتعال الصعيدي ص‪ ،232‬المشاركة السياسية للمرأة‪ :‬د‪ .‬سامية صالح ص‪ ،52‬المرأة بين الشرع‬
‫والقانون‪ :‬محمد الحجوي ص‪ ،33‬الحريات العامة‪ :‬د‪ .‬عبد الحكيم عبداهلل ص‪ ،301‬الشورى في اإلسالم‪ :‬د‪.‬‬
‫حمد الكبيسي ‪ ،3/1091‬مبدأ المساواة‪ :‬د‪ .‬فؤاد أحمد ص‪ ،242‬فتاوي معاصرة‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‬
‫‪.389 – 2/372‬‬

‫‪299‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬إن اآلية متعلقة بالمسؤولية في األسرة وليست عامة‪،‬‬
‫فالحجة تبقى قائمة كذلك‪ ،‬فإن كانت المرأة عاجزة عن إدارة أسرة تتكون من‬
‫مجموعة أفراد ال تعدو أصابع اليدين‪ ،‬فمن باب أولى أن تكون أكثر عجزاً في‬
‫إدارة شؤون الناس(‪.)1‬‬
‫قال أبو األعلى المودودي‪ " :‬هذا النص يقطع بأن المناصب الرئيسية في‬
‫ض‬ ‫الدولة – رئاسة كانت أو وزارة أو عضوية مجلس الشورى‪ -...‬ال تُفَ َّو ُ‬
‫إلى النساء " (‪.)2‬‬
‫تبرج الجاهلية األولى ‪[ ‬األحزاب‪:‬‬ ‫تبرجن ّ‬‫بيوتكن وال ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -2‬قال تعالى‪  :‬وقرن في‬
‫‪.]33‬‬
‫‪ -3‬قال تعالى‪  :‬وإ ذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ‪[ ‬األحزاب‪:‬‬
‫‪.]53‬‬
‫وجه االستدالل من اآليتين‪ :‬إن القرآن كلَّف المرأة بالبقاء في بيتها‪ ،‬وال‬
‫تخرج منه إال لضرورة‪ ،‬وهي مأمورة باالحتجاب عن الرجال وعدم االختالط‬
‫بهم‪ ،‬فيجب أن تبعد عن زحمة الحياة السياسية وهذه اآليات ليست مقصورة‬
‫على نساء النبي ‪ ‬وإ ال لكان لسائر المسلمات أن يتبرجن‪ ،‬كما ال يمكن االدعاء‬
‫عجز دون سائر النساء حتى ال يقمن باألمور خارج‬ ‫بأن نساء النبي ‪ ‬بهن ٌ‬
‫البيت(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬قوله تعالى‪  :‬وللرجال عليهن درجة ‪[ ‬البقرة‪.]228 :‬‬
‫وهذه اآلية تدل على أن للرجال مزية على النساء وقيل إن هذه الدرجة هي‬
‫اإلمرة والطاعة(‪.)4‬‬

‫ثانياً ‪ :‬من السنة النبوية‬


‫‪1‬‬
‫(?) النظام السياسي في اإلسالم‪ :‬د‪ .‬محمد أبو فارس‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) نظرية اإلسالم وهديه‪ :‬أبو األعلى المودودي‪ ،‬ص‪.318‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) نظرية اإلسالم وهديه‪ :‬المودودي‪ ،‬ص‪.320‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) جامع البيان‪ :‬الطبري ‪.2/454‬‬

‫‪300‬‬
‫‪ -1‬ما روي عن النبي ‪ ‬قوله‪ " :‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " (‪.)1‬‬
‫وجه الداللة من الحديث‪ :‬الحديث فيه إخبار من النبي ‪ ‬بعدم الفالح لقوم‬
‫يسندون إلى امرأة منهم أمراً من أمورهم كعضوية مجلس الشورى‪ ،‬والمسلمون‬
‫مأمورون باكتساب ما يكون سبباً للفالح‪ ،‬ومنهيون عن كل عمل يجلب‬
‫الخسران المبين(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬ما روي عن الرسول ‪ ..." :‬وإ ذا كانت أمراؤكم شراركم‪ ،‬وأغنياؤكم‬
‫بخالءكم‪ ،‬وأموركم إلى نسائكم‪ ،‬فبطن األرض خير لكم من ظهرها " (‪.)3‬‬
‫وهذا الحديث يدل داللة واضحة على عدم جواز إسناد األمور إلى النساء‪،‬‬
‫ألن النبي ‪ ‬أشار إلى ما يحدث من شرار األمراء وبخل األغنياء وإ سناد‬
‫األمور إلى النساء وذلك من الفتن وعلى المسلم اجتنابها(‪.)4‬‬
‫‪ -3‬ما روي أن النبي ‪ ‬قال‪ " :‬هلكت الرجال حين أطاعت النساء " (‪.)5‬‬
‫وإ ذا كانت المرأة في مجلس من المجالس فهي تشارك في أخذ القرار واألمة‬
‫ونساء يجب عليها طاعة أعضاء هذه المجالس وفيهم امرأة في تطبيق‬ ‫ً‬ ‫رجاالً‬
‫هذا القرار فأطاع الرجال النساء والحديث يخبر عن هالك وخسران الرجال‬
‫الذين أطاعوا النساء(‪.)6‬‬
‫‪ -4‬قال ‪ " :‬المرأة راعية أهل بيت زوجها وولده‪ ،‬وهي مسؤولة عنهم " (‪.)7‬‬
‫إن المرأة مأمورة بلزوم البيت ورعاية الولد(‪ ،)8‬فلو زاحمت المرأة الرجل‬
‫في عمله وشاركته‪ ،‬وهي المرهقة بالحيض‪ ،‬والنفاس‪ ،‬والحمل‪ ،‬والوضع‪،‬‬
‫والتربية مع نقصان خلقتها – فخرجت على فطرتها‪ ،‬وانحرفت عن طبيعتها‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) سبق تخريج الحديث‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) النظام السياسي في اإلسالم‪ :‬د‪ .‬محمد أبو فارس‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) سبق تخريج الحديث‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) والية المرأة في الفقه اإلسالمي‪ :‬حافظ محمد أنور‪ ،‬ص‪.382‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) أخرجه أحمد (‪ ،5/45 )20473‬والحاكم (‪ 4/291 )7789‬وقال صحيح اإلسناد ولم يخرجاه ووافقه‬
‫الذهبي‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) والية المرأة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص‪.383‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) سبق تخريج الحديث‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫(?) مبدأ المساواة‪ :‬د‪ .‬فؤاد أحمد‪ ،‬ص‪.191‬‬

‫‪301‬‬
‫وخالطت الرجال‪ ،‬الختل نظام األسرة‪ ،‬وانحلت رابطتها‪ ،‬وانعدمت األلفة‬
‫والمودة والرحمة بينهما – وهي من لوازم الزوجية لقوله تعالى‪  :‬ومن آياته أن‬
‫مودةً ورحمةً ‪[ ‬الروم‪:‬‬‫خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم ّ‬
‫‪.]21‬‬
‫ب‬‫‪ -5‬قال ‪ ‬في حديث طويل‪ " :‬ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لُ ّ‬
‫منكن " (‪.)1‬‬
‫وجه الداللة من الحديث‪ :‬وصف رسول اهلل – في هذا الحديث – النساء‬
‫بنقصان عقولهن ودينهن‪ ،‬والنيابة العامة عن األمة في البرلمان تقتضي أن يكون‬
‫النائب عنها كامالً في عقله ودينه‪ ،‬فال تولى المرأة النيابة العامة مع وجود من‬
‫هو أكمل منها عقالً وديناً من الرجال(‪.)2‬‬
‫أضر على الرجال‬ ‫‪ -6‬ما روي عن النبي ‪ ‬قال‪ " :‬ما تركت بعدي في الناس فتنةً ُّ‬
‫من النساء " (‪.)3‬‬
‫‪ -7‬وما رواه الترمذي عن عبداهلل عن النبي ‪ " :‬المرأة عورة‪ ،‬فإذا خرجت‬
‫استشرفها الشيطان " (‪.)4‬‬
‫وجه الداللة من الحديثين‪ :‬أن خروج المرأة إلى الحياة العامة فتنة للرجال‪،‬‬
‫والمرأة ممنوعة من االختالط بالرجال والبروز إلى مجالسهم‪ ،‬ومن تلك‬
‫المجالس‪ :‬المجالس التشريعية(‪.)5‬‬
‫‪ -8‬عن عمر ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪" :‬ال َيخلَُو َّن رجل بامرأة إال كان ثالثهما الشيطان‬
‫" (‪.)6‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الحيض باب ترك الحائض الصوم (‪ ،1/116 )298‬ومسلم في اإليمان باب بيان‬
‫نقصان اإليمان بنقص الطاعات (‪.1/86 )79‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم‪ :‬مجيد أبو حجير‪ ،‬ص‪.486‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه مسلم في الذكر والدعاء باب أكثر أهل الجنة الفقراء (‪.4/2098 )2741‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) سبق تخريج الحديث‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم‪ ،‬ص‪.487‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) أخرجه أحمد (‪ ،1/26 )177‬الترمذي في الرضاع باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات (‬
‫‪ ،3/474 )1171‬والحاكم في مستدركه (‪ 1/197 )387‬وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫وجه الداللة من الحديث‪ :‬إن الرجل ممنوع من الخلوة بالمرأة‪ ،‬والبرلمان‬
‫من األماكن التي تحدث فيها الخلوة حتماً بينهما‪ ،‬فال تتولّى المرأة النيابة العامة‬
‫فيها منعاً من إلحاق الحرج واإلثم بالرجال النواب المأمورين بنص الحديث بعدم‬
‫االختالء بالنساء(‪.)1‬‬
‫ثالثاُ ‪ :‬اإلجماع‬
‫قال الدكتور محمد أبو فارس‪ " :‬إن الرسول ‪ ‬والخلفاء لم يجعلوا المرأة من‬
‫أهل الشورى " (‪.)2‬‬
‫فكان ذلك إجماعاً منهم على عدم جواز تولي المرأة عضوية المجالس النيابية‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬بالقياس‬
‫تقول لجنة فتوى كبار علماء األزهر(‪ " :)3‬إذا حكمنا القياس وهو إلحاق‬
‫النظير بالنظير الشتراكهما في علة الحكم‪ ،‬لكان األوجب هو حرمان المرأة من‬
‫الوالية والوظائف العامة‪ ،‬ألن كثيراً من األحكام في الشريعة اإلسالمية تميز بين‬
‫الرجل والمرأة‪ ،‬وعلتها هي ضعة األنوثة‪ ،‬ألن مهمة األمومة حضانة النشء‬
‫وتربيته‪ ،‬وهذه قد جعلتها ذات تأثير خاص بدواعي العاطفة‪ ،‬وهي مع ذلك تعرض‬
‫لها عوارض طبيعية‪ ،‬تتكرر عليها في األشهر واألعوام من شأنها أن تضعف قوتها‬
‫المعنوية‪ ،‬وتوهن عزيمتها في تكوين الرأي والتمسك به والقدرة على الكفاح‪ ،‬لذلك‬
‫جعلت القوامة على النساء للرجال‪ ،‬وجعل حق الطالق للرجل دونها‪ ،‬ومنعتها‬
‫الشريعة من السفر من غير محرم‪ ،‬أو زوج‪ ،‬أو رفقة مأمونة‪ ،‬ولو كان سفرها ألداء‬
‫فريضة الحج‪.‬‬
‫فإذا كان الفارق الطبيعي بينهما قد أدى في نظر اإلسالم إلى التفرقة بينهما في‬
‫هذه األحكام التي ال تتعلق بالشؤون العامة لألمة‪ ،‬فإن التفرقة بمقتضاه في الواليات‬
‫العامة تكون من باب أولى أحق وأوجب‪ ،‬ألن كثيراً من األحكام تعفي المرأة من‬
‫‪1‬‬
‫(?) المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم‪ ،‬ص‪.487‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) النظام السياسي في اإلسالم‪ :‬د‪ .‬محمد أبو فارس‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) نقالً من كتاب مبدأ المساواة ص‪ ،192‬الحركات النسائية‪ :‬محمد عطية خميس ص‪.115 – 112‬‬

‫‪303‬‬
‫معالجة ما هو دون السياسة والحكم من أمور وواجبات خارج البيت‪ ،‬منها‪ :‬قول‬
‫الرسول ‪ " :‬الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إال أربعة‪ :‬عبد مملوك‪،‬‬
‫أو امرأة‪ ،‬أو صبي‪ ،‬أو مريض " (‪.)1‬‬
‫خامساً ‪ :‬المعقول‬
‫إن األساس في الواليات والوظائف العامة هو الكفاءة الدائمة‪ ،‬فالمرأة –‬
‫كما أثبت علماء األحياء – تتميز بخصائص جسمانية ونفسية معينة تجعلها أقل كفاءة‬
‫من الرجل‪ ،‬فضالً عن أنها تمر بعوارض تتكرر من شأنها – على فرض أنها لو‬
‫تساوت مع الرجل – أن تعدمها أو تقلل من كفاءتها(‪.)2‬‬
‫كما أن المرأة شديدة التأثر بالعاطفة وشدة االنفعال‪ ،‬وعدم قدرتها على تحمل‬
‫المشاق الكبيرة فكيف تستطيع أن تزاول العمل السياسي بما فيه من أعباء ومصائب‬
‫ومشكالت‪ ،‬فعضوية الشورى ليست من وظائف المرأة وإ نما خلقها اهلل ألداء وظيفة‬
‫أسمى تناسب فطرتها وخلقتها وهي أهم من اشتغالها بالسياسة‪ :‬وهو اشتغالها‬
‫بأسرتها وزوجها وأوالدها‪.‬‬

‫أدلة الفريق الثاني ‪:‬‬


‫استدل أصحاب الرأي الثاني القائلون بجواز كون المرأة نائبة في البرلمان أو‬
‫المجالس األخرى بأدلة مختلفة من الكتاب والسنة واإلجماع والقياس والمعقول‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬من القرآن الكريم‬
‫‪ -1‬قال تعالى‪  :‬يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن ال يشركن باهلل‬
‫شيئاً وال يسرقن وال يزنين وال يقتلن أوالدهن وال يأتين ببهتان يفترينه بين‬
‫أيديهن وأرجلهن وال يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن اهلل إن اهلل‬
‫رحيم ‪[ ‬الممتحنة‪.]12 :‬‬
‫ٌ‬ ‫غفور‬
‫ٌ‬
‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في الصالة باب الجمعة للمملوك والمرأة (‪ ،1/280 )1067‬والبيهقي (‪،3/172 )5368‬‬
‫والحاكم في مستدركه (‪ 1/425 )1062‬وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وقال ابن حجر‪ :‬صححه‬
‫غير واحد (تلخيص الجبير ‪.)2/65‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم‪ ،‬ص‪.496‬‬

‫‪304‬‬
‫وجه الداللة من اآلية‪ :‬أكد القرآن مشاركة المؤمنات في الحياة العامة‬
‫بمبايعة النبي ‪.)1( ‬‬
‫حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا‬ ‫‪ -2‬قال تعالى‪  :‬فمن ّ‬
‫وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اهلل على‬
‫الكاذبين ‪[ ‬آل عمران‪.]61 :‬‬
‫ففي هذه اآلية داللة على مشاركة النساء للرجال في االجتماع لألمور‬
‫المهمة العامة(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬قال تعالى‪  :‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف‬
‫وينهون عن المنكر ويقيمون الصالة ويؤتون الزكاة ويطيعون اهلل ورسوله‬
‫أولئك سيرحمهم اهلل إن اهلل عزيز حكيم ‪[ ‬التوبة‪.]71 :‬‬
‫وفي هذا يقول الشيخ محمود شلتوت‪ " :‬إن مسؤولية األمر بالمعروف‬
‫سوى اإلسالم فيها‬ ‫والنهي عن المنكر هي أكبر مسؤولية في نظر اإلسالم‪ ،‬وقد ّ‬
‫بصريح هذه اآليات بين الرجل والمرأة " (‪.)3‬‬
‫ٍ‬
‫واحدة وخلق منها‬ ‫‪ -4‬قال تعالى‪  :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من ٍ‬
‫نفس‬
‫ونساء واتقوا اهلل ‪[ ‬النساء‪.]1 :‬‬
‫ً‬ ‫وبث منهما رجاالً كثيراً‬‫زوجها ّ‬
‫ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل‬ ‫‪ -5‬وقال تعالى‪  :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ٍ‬
‫لتعارفوا إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم ‪[ ‬الحجرات‪.]13 :‬‬
‫حيث تقرر هاتان اآليتان‪ :‬أن المرأة شقيقة الرجل‪ ،‬وأنهما من أصل واحد‪،‬‬
‫وبمقتضى هذه النصوص يثبت كمال إنسانية المرأة‪ ،‬ويتقرر لها ما يتعلق بهذه‬
‫اإلنسانية من حقوق وما تتحمل من تكاليف وتبعات‪ ،‬وأن مناط هذا التكليف‬
‫فيهما واحد هو العقل(‪.)4‬‬

‫‪1‬‬
‫المسؤولية الوزارية‪ :‬د‪ .‬سيد رجب‪ ،‬ص‪.767‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫الشورى في اإلسالم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي ‪.3/1088‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫اإلسالم عقيدة وشريعة‪ ،‬ص‪.227‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم‪ ،‬ص‪.466‬‬ ‫(?)‬

‫‪305‬‬
‫ثانياً ‪ :‬من السنة النبوية‬
‫‪ -1‬استدلوا بما روى المسور بن مخرمة ومروان في ذكر خروج النبي ‪ ‬زمن‬
‫الحديبية وما جرى من صلح الحديبية وفيه‪ :‬قال‪ :‬فلما فرغ من قضية الكتاب‪،‬‬
‫قال رسول اهلل ‪ ‬ألصحابه‪ " :‬قوموا فانحروا ثم احلقوا "‪ ،‬قال‪ :‬فواهلل ما قام‬
‫منهم رجل‪ ،‬حتى قال ذلك ثالث مرات‪ ،‬فلم يقم منهم أحد‪ ،‬دخل على أم سلمة‬
‫فذكر لها ما لقي من الناس‪ ،‬فقالت أم سلمة‪ :‬يا نبي اهلل أتحب ذلك؟ اخرج ثم ال‬
‫تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك‪ ،‬فخرج فلم يكلم‬
‫أحداً منهم حتى فعل ذلك‪ ،‬نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه‪ ،‬فلما رأوا ذلك قاموا‬
‫فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً " (‪.)1‬‬
‫وهذا دليل على جواز مشاورة المرأة الفاضلة(‪ ،)2‬وأن رسول اهلل ‪ ‬كان‬
‫يشاور النساء ويأخذ برأيهن فيجوز للمرأة أن تكون عضواً في مجلس‬
‫الشورى(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬قول النبي ‪ " :‬إنما النساء شقائق الرجال " (‪.)4‬‬
‫‪ -3‬وقوله ‪ " :‬كلكم آلدم‪ ،‬وآدم من تراب " (‪.)5‬‬
‫ففي هذين الحديثين دليل على المساواة بين الرجال والنساء‪ ،‬فالرجل‬
‫والمرأة من آدم وهو مخلوق من تراب‪ ،‬فللمرأة حق االشتراك في المجالس‬
‫النيابية بحكم المساواة " (‪.)6‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد (‪.2/974 )258‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) فتح الباري‪ :‬ابن حجر ‪.5/409‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) والية المرأة في الفقه اإلسالمي‪ :‬حافظ أنور‪ ،‬ص‪.428‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في الطهارة باب في الرجل يجد البلة في منامه (‪ ،1/61 )236‬والترمذي في أبواب‬
‫الطهارة باب ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بلالً (‪ ،1/190 )113‬وأخرجه أحمد (‪ ،6/256 )26238‬والبيهقي‬
‫في سننه (‪ 1/168 )767‬والحديث‪ :‬رجاله رجال الصحيح إال عبداهلل بن عمر العمري اختلف فيه (نيل‬
‫األوطار ‪.)1/281‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) مسند الربيع (‪.1/170 )419‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم‪ ،‬ص‪.469‬‬

‫‪306‬‬
‫‪ -4‬واستدلوا بما ثبت من السنة في ذهاب النساء إلى المسجد وحضورهن الجماعة‬
‫مع النبي فعن ابن عمر – رضي اهلل عنهما – قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ " :‬ال‬
‫تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن " (‪.)1‬‬
‫فقد ثبت أن من حق المرأة أن تؤم المسجد‪ ،‬والمسجد كان بمثابة قاعة‬
‫مجلس الشورى أو بعبارة أخرى برلمان الدولة اإلسالمية في عهد النبي ‪،‬‬
‫وإ ن انفصلت قاعة مجلس الشورى عن المسجد اليوم وأصبحت مستقلة فللمرأة‬
‫أن تحضرها وتشارك في أعمال المجلس(‪.)2‬‬

‫ثالثاً ‪ :‬اإلجماع‬
‫قال األستاذ محمد الحجوي‪ " :‬وقع اإلجماع بعد النبي ‪ ‬على أن المرأة ال‬
‫تتولى شأن الخالفة العظمى‪ ،‬فكان إجماعاً ضمنياً – أي سكوتياً – على أن تكون‬
‫وبناء على هذا فإنه يجوز أن تكون المرأة منتخبة(‪.)4‬‬
‫ً‬ ‫المرأة تتولى ما عدا ذلك " (‪،)3‬‬

‫رابعاً ‪ :‬فعل الصحابة‬


‫فلقد اعترضت امرأة من قريش على عمر ‪ ‬لما قال‪ :‬يا أيها الناس ما‬
‫ق النساء ‪ ،‬وقد كان رسول اهلل ‪ ‬وأصحابه وإ نما َ‬
‫(‪)5‬‬
‫الص ُدقات فيما‬ ‫ص ُد ِ‬
‫أكاثركم في َ‬
‫بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك فلو كان اإلكثار في ذلك تقوى عند اهلل أو مكرمة‬
‫لم تسبقوهم إليها‪ ،‬فال أعرفن ما زاد رجل على أربعمائة درهم‪ ،‬ثم نزل من على‬
‫المنبر فاعترضته امرأة من قريش فقالت‪ :‬يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا‬
‫النساء في صدقاتهم على أربعمائة درهم قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬أما سمعت اهلل عزوجل‬
‫يقول‪  :‬وآتيتم إحداهن قنطاراً فال تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإ ثماً مبيناً ‪‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في سننه في أبواب الصالة باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (‪،1/155 )567‬‬
‫وقريب منه في مسلم في الصالة باب خروج النساء إلى المساجد (‪.1/327 )442‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) والية المرأة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص‪.433‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) المرأة بين الشرع والقانون‪ :‬محمد الحجوي‪ ،‬ص‪.230‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) الشورى في اإلسالم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي ‪.3/1087‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) ما أكاثركم‪ :‬أي كيف تنافسكم في اإلكثار في مهور النساء‪ :‬أي ال تكثروا فيها‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫[النساء‪ ،]20 :‬فقال‪ :‬اللهم غفراً كل الناس أفقه من عمر‪ ،‬قال‪ :‬ثم رجع فركب المنبر‬
‫فقال‪ :‬أيها الناس إن كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم‬
‫فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب(‪.)1‬‬
‫فهذه المرأة من قريش راجعت عمر فتراجع وقبل قولها وسكت الناس عليها‬
‫(‪)2‬‬
‫وهذا دليل على حق المرأة في عضوية المجالس وفي الحياة السياسية‪.‬‬

‫خامساً ‪ :‬القياس‬
‫ق ال المج يزون لنيابة الم رأة في البرلم ان‪ :‬ك ون الم رأة منتخبة ال يع دو أن‬
‫تك ون وكيلة عن األش خاص ال ذين تمثلهم‪ ،‬ووكالة الم رأة ج ائزة كما ج از نص بها‬
‫وصية وناظرة وقف‪.‬‬
‫ومن يستعرض أقوال الفقهاء في شروط أهل الشورى أو أهل الحل والعقد‬
‫يجد أنها تدور على العدالة والعلم والرأي‪ ،‬ولم نجد أحداً منهم يجعل الذكورة شرطاً‬
‫في هذا الباب‪ ،‬بل شرطهم صفة الشهود(‪.)3‬‬
‫يقول الماوردي‪ " :‬كل من صح أن يفتي في الشرع جاز أن يشاوره القاضي‬
‫في األحكام‪ ،‬فتعتبر فيه شروط المفتي‪ ،‬فيجوز أن يشاور األعمى والعبد والمرأة "‬
‫(‪.)4‬‬
‫سادساً ‪ :‬المعقول=‬
‫اشتراك المرأة في المجالس النيابية مما يتفق مع أهليتها وحقوقها السياسية‬
‫واالجتماعية واستقالل شخصيتها‪ ،‬وكل ذلك مما قرره لها القرآن نصاً صريحاً‬
‫وضمناً‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه أبو يعلى في األوسط (‪ ،1/179 )570‬والبيهقي (‪ ،7/233 )14114‬وعبد الرزاق في مصنفه‬
‫(‪ ،6/180 )10420‬وسعيد بن منصور (‪ ،1/193 )595‬قال الهيثمي‪ :‬وفيه مجالد بن سعيد وفيه ضعف وقد‬
‫ُوثق (مجمع الزوائد ‪.)4/238‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) والية المرأة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص‪.435 – 434‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) الشورى في اإلسالم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي ‪.3/1090‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) أدب القاضي‪ :‬الماوردي ‪.1/264‬‬

‫‪308‬‬
‫وإ لى هذا فإنها نصف المجتمع وكل ما يتقرر في هذه المجالس يتناولها كما‬
‫يتناول الرجل على السواء‪ ،‬فمن حقها أن يكون لها رأي فيه مثله(‪.)1‬‬

‫الترجيح ‪:‬‬
‫وبعد أن نوقشت أدلة الف ريقين بأجوبة ومناقش ات كث يرة يمكننا اس تخالص‬
‫النتائج التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬أن اإلسالم يقرر المساواة بين الرجل والمرأة‪.‬‬
‫‪ -‬أن اإلسالم أعلى من شأن المرأة وأكرمها وأخرجها من ظلم الجاهلية إلى نور‬
‫الهداية‪.‬‬
‫‪ -‬البيت هو مملكة المرأة المسلمة وهي ملكته‪.‬‬
‫‪ -‬اإلسالم صان المرأة من كل شر وفساد‪.‬‬
‫‪ -‬أن المرأة على مر التاريخ اإلسالمي لم تشارك مشاركة مباشرة وحيوية في‬
‫الحياة السياسية‪.‬‬
‫‪ -‬إن مهمة المجالس الشورية ليست مجرد سن القوانين ومراقبة السلطة‬
‫التنفيذية‪ ،‬وإ نما هي التي تسير دفة سياسة البالد‪ ،‬فهي بمثابة القوامة والوالية‬
‫وهي ممنوعة عن المرأة‪.‬‬
‫فالراجح إذاً واهلل أعلم القول بعدم جواز عضوية المرأة لمجلس الشورى أو‬
‫البرلمان أو كونها من أهل الحل والعقد وهو قول أكثر العلماء‪ ،‬وذلك لقوة أدلته ولو‬
‫كان في بعضها ضعف فيعضد بعضها بعضاً‪ ،‬وألن فيه درء المفاسد العظيمة التي‬
‫قد تنجم عن تقدير عضوية المرأة لهذه المجالس‪ ،‬وألن أدلة القائلين بالجواز لم تسلم‬
‫من المناقشات التي أوردها المعترضون عليهم(‪.)2‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) المرأة في القرآن والسنة‪ :‬محمد دروزة ص‪ ،51‬المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم ص‪.473‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) والية المرأة في الفقه اإلسالم‪ ،‬ص‪.443 – 442‬‬

‫‪309‬‬
‫وقبل أن أختم هذا البحث أريد أن أذكر برأي وسط للشيخ عبد المجيد الزنداني‬
‫يقول فيه‪:‬‬
‫كيف نحل المشكلة ‪:‬‬
‫إذا أردنا إنصاف المرأة‪ ،‬ومنحها حقها كامالً غير منقوص‪ ،‬وإ ذا أردنا‬
‫االستقامة على هدى اهلل تعالى‪ ،‬وإ ذا أردنا االستقامة على الفطرة اإللهية التي خلق‬
‫اهلل الناس عليها‪ ،‬فإن الطريق لذلك هو أن ننشئ هيئة سياسية خاصة بالمرأة تكون‬
‫موازية لمجلس النواب‪ ،‬وتمنح المرأة من الحقوق السياسية ما يتناسب مع فطرتها‬
‫ومسؤوليتها نحو بيتها وزوجها وأوالدها‪ ،‬وتستقيم مع أحكام ديننا الذي ال يأتيه‬
‫ٍ‬
‫مؤمنة‬ ‫ٍ‬
‫لمؤمن وال‬ ‫الباطل من بين يديه وال من خلفه‪ ،‬واهلل تعالى يقول‪  :‬وما كان‬
‫إذا قضى اهلل ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ‪[ ‬األحزاب‪.]36 :‬‬
‫" دعوة ‪:‬‬
‫ه ذه دع وة لكل من يريد للم رأة أن تن ال حقوقها في ظل دينه ا‪ ،‬وأن تصل إلى‬
‫حقوقها المناس بة لفطرتها كاملة غ ير منقوص ة‪ ،‬وأن تس هم في ت دبير ش ؤون المجتمع‬
‫بما يحفظ لها دينها وأسرتها وبيتها وخصائصها التي فطرها اهلل عليها‪.‬‬
‫وإ ذا كنا نطالب بهذا المجلس على مستوى الدولة فنحن نطالب به على‬
‫مستوى التنظيمات السياسية بأن يجعلوا للمرأة مجلساً للشورى خاصاً بها‪ ،‬يمثلها‬
‫تمثيالً كامالً‪ ،‬ويمكنها من ممارسة أنشطتها الفكرية والسياسية واالجتماعية‪،‬‬
‫ويجنبها ويالت الصراع على السلطة التي قد تكون فادحة بالنسبة للمرأة سواء كانت‬
‫بنتاً أو زوجة أم أماً‪.‬‬
‫نحسب أن هذا المقترح يؤدي الحقوق إلى أهلها‪ ،‬وينزل كالً من الرجال‬
‫والنساء منازلهم الدينية والفطرية‪ ،‬ويجعلنا أكثر األمم إنصافاً للمرأة ورعاية لحقها‬
‫وحفاظاً عليها‪ ،‬ويخرجنا من التخبط والضالل والضياع الذي يجرنا إليه التقليد‬
‫األعمى لغير المسلمين " (‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) المرأة وحقوقها السياسية في اإلسالم‪ :‬عبد المجيد الزنداني‪ ،‬ص‪.158 – 157‬‬

‫‪310‬‬
‫فتوى للجنة اإلفتاء بكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية جامعة الكويت‬
‫عن موضوع مشاركة المرأة سياسياً أصدرت لجنة اإلفتاء بكلية الشريعة‬
‫والدراسات اإلسالمية بجامعة الكويت الفتوى التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬بالنسبة لموافقة الشرع على مبدأ مشاركة المرأة سياسياً ‪:‬‬
‫رأت اللجنة‪ :‬أنه ال توجد في الشريعة اإلسالمية نصوص تحرم مبدأ‬
‫اشتراك المرأة في الحقوق السياسية‪ ،‬فيبقى األمر على اإلباحة‪ ،‬كما هو للرجل‪،‬‬
‫لقوله تعالى‪  :‬ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ‪[ ‬البقرة‪ ،]228 :‬وقد بايع‬
‫النبي ‪ ‬النساء في بيعة العقبة الثانية‪ ،‬وكذا بايعهن في بيعة الرضوان‪.‬‬
‫‪ -2‬وفي مدى حق المرأة في المشاركة السياسية‪:‬‬
‫ترى اللجنة‪ :‬أن مشاركة المرأة في الحقوق السياسية‪ ،‬مطلقة – بوجه عام‬
‫تقيد إال بالتزام النصوص واآلداب الشرعية‪ ،‬ومقتضيات العرف العام‬ ‫– وال ّ‬
‫السليم‪.‬‬
‫‪ -3‬أما ورود نص قطعي في المشاركة السياسية‪ ،‬فال تعرف اللجنة نصاً قطعياً‬
‫في هذا الخصوص‪.‬‬
‫وال يشترط في الشريعة ورود نص قطعي في كل مسألة‪ ،‬ألنه في حيز‬
‫االستحالة‪ ،‬وإ نما يكتفى بالنصوص العامة‪ ،‬مما يفيد غلبة الظن‪ ،‬التي هي مناط‬
‫األحكام‪.‬‬

‫‪ -4‬أما عن التفريق بين المشاركة في االنتخاب‪ ،‬والمشاركة في الترشيح ‪:‬‬


‫فترى اللجنة‪ - :‬بناء على ما تقدم – أن المشاركة في االنتخاب ال مانع‬
‫منها‪ ،‬وقد حدث أن طلحة كان يستشير الصحابة والصحابيات في الرأي‪ ،‬في‬
‫اختيار الخليفة من الستة الذين رشحهم للخالفة سيدنا عمر – رضي اهلل عنهم‬
‫أجمعين ‪.-‬‬

‫‪311‬‬
‫وأما المشاركة في الترشيح‪ ،‬فقد رأت اللجنة وبعد دراسة هذا الموضوع‬
‫خالل األسبوع الماضي من جوانبه كلها‪ ،‬رأت اللجنة أن ترشيحها لعضوية هذا‬
‫المجلس‪ ،‬ال يخلو من أحد األوجه الثالثة التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون بمثابة وكالة عمن ينتخبها‪ ،‬للقيام بأعمال محددة ونيابة عنه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون بمثابة تزكية منها لمن سواها من الجمهور‪ ،‬ممن يرشحون‬
‫لمناصب مهمة‪ ،‬كمنح الثقة للوزراء‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون الترشيح بمثابة والية لها على غيرها‪ ،‬في ممارسة إصدار‬
‫القوانين واألنظمة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫ورأت اللجنة ترجيح الوجه األول‪ ،‬وهو المقرر في العرف العام‪ ،‬وفي نظر‬
‫القانون‪ ،‬فتسمى نائباً‪ ،‬فتمارس أعمالها من خالل وكالتها‪ ،‬نيابة عن اآلخرين‪ ،‬ومن‬
‫المقرر في الفقه جواز وكالة المرأة في الشرعيات – بوجه عام – وال سيما ما‬
‫يتصل منها بشئون النساء على التخصيص‪.‬‬
‫لكن اللجنة تؤكد على ضرورة االلتزام باآلداب الشرعية في أداء عملها‪ ،‬من‬
‫مثل‪:‬‬
‫‪ -1‬االلتزام بالحجاب الشرعي‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم االختالط باألجانب‪ ،‬وعدم االختالء بأحد منهم‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم السفر منفردة في سبيل أداء بعض أعمالها‪ ،‬إال مع زوج أو ذي رحم‬
‫محرم‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم إبداء زينتها ألحد‪ ،‬أو ارتداء المالبس المنافية للحشمة‪.‬‬
‫‪ -5‬أن تتقيد في وكالتها بالحدود الشرعية الممنوحة للوكيل‪ ،‬فال تتجاوزها إلى‬
‫ما ال يحل لوكيل أن يفعله‪ ،‬من التجاوزات والمخالفات والمحظورات التي‬
‫ترفضها الشريعة‪.‬‬
‫‪ -6‬أن تكون مهمتها في هذا المجلس‪ ،‬الحرص على أن تكون إنجازاتها كلها‬
‫وفق الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وخدمة الدعوة إلى الدين الحنيف‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫وبهذا االتجاه الذي رأته اللجنة يتضح أن ما ذهب إليه بعض أهل العلم‪ ،‬من‬
‫اعتبار ترشيح المرأة لهذا المنصب هو من باب الوالية‪ ،‬غير سليم من الناحية‬
‫الشرعية والقانونية‪ ،‬واألعراف المعلومة في جميع األقاليم‪ ،‬وال يدخل في عموم‬
‫حديث‪ " :‬ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة "‪.‬‬
‫هذا من الناحية الفقهية النظرية‪ ،‬أما من حيث الواقع‪ ،‬والناحية العملية‪ ،‬فإن‬
‫االنتخابات تخالطها مفاسد وشرور كثيرة‪ ،‬ويتعرض فيه المرشحون لكثير من‬
‫التجريح والطعن في األعراض‪ ،‬وكشف األستار‪ ،‬وفضح العيوب‪ ،‬والتشهير بها‪،‬‬
‫ومواجهة االصطدامات العنيفة التي ال تليق بالرجال فضالً عن النساء‪.‬‬
‫ويضاف إلى ذلك أنه ال ضرورة ماسة‪ ،‬وال حاجة تدعو إلى قذف المرأة‬
‫نفسها في هذا المعترك‪ ،‬وخوض هذه المعارك الجانبية‪.‬‬
‫لهذا ترى اللجنة أنه يجب أن تنأى المرأة المسلمة عن ترشيح نفسها لهذا‬
‫المنصب الخطير حفاظاً على مركزها ومكانتها الدقيقة في المجتمع المسلم‪ ،‬وفي‬
‫عملها في األسرة والمجتمع‪ ،‬مندوحة لها عن االشتغال بهذه المجالس ومالبساتها‬
‫السياسية‪ ،‬وذلك سداً للذرائع والتزاماً بخط السلف العريض في التاريخ اإلسالمي‪،‬‬
‫وهو تجنب المرأة االشتغال باألمور السياسية‪ ،‬إال في الضرورة الملحة‪ ،‬وليس هذا‬
‫منها‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه(‪.)1‬‬

‫المبحث الرابع عشر‬

‫موقف اإلسالم من السينما والتمثيل‬

‫‪ -1‬المفهوم اإلسالمي للفن ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) فتاوي لجنة اإلفتاء بكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية جامعة الكويت‪ ،‬ص‪.82 – 79‬‬

‫‪313‬‬
‫إن ملخص القول عن المفهوم اإلسالمي للفن هو ذلك المفهوم الذي يغاير‬
‫مفهوم الغرب للفن‪ ،‬من حيث الشكل والمضمون واألهداف والغايات‪ ،‬ولذلك‬
‫فالتصور اإلسالمي للفن‪ ،‬إنما يبدأ من اهلل تعالى إلى الوجود في كل صوره‪،‬‬
‫ويعنى عناية خاصة باإلنسان خليفة اهلل في أرضه‪،‬‬ ‫وأشكاله‪ ،‬وكائناته‪ ،‬وموجوداته‪ُ ،‬‬
‫فيكون تصوراً سليماً كامالً شامالً في‬
‫ثم يعود إلى الحقيقة اإللهية التي صدر عنها‪ّ ،‬‬
‫خشوع هلل تعالى‪ ،‬وتقوى ومراقبة للمولى عزوجل‪ ،‬وفيه حبه والتطلع إليه‪،‬‬
‫واالطمئنان إلى قدره‪ ،‬على حين صحت أوروبا على الموروث اإلغريقي الذي‬
‫يصور اآللهة في صراع دائم مع البشر‪ ،‬أو صراع فيما بينهما‪ ،‬وصراع اإلنسان مع‬
‫الكون‪ ،‬جماده ونباته وحيوانه‪.‬‬
‫فإنتاج الفنان في مثل هذا الجو القاتم يا ترى ماذا يعكس لنا على شخصية‬
‫الفنان ذاته‪ ،‬وعلى شخصية اآلخرين‪ ،‬تاريخياً وسيكولوجياً ؟‬
‫لذلك لما انفصل الفنان عن شخصيته اإلنسانية‪ ،‬أصبح الفن في ٍ‬
‫واد‪ ،‬واإلنسان‬
‫واد آخر‪ ،‬هذا االنفصال دفع الكثير من الفنانين إلى أن يجعلوا أعمالهم أعماالً‬‫في ٍ‬
‫مبتذلة يراد منها ومن خلفياتها‪ ،‬إشباع فضول كثير من الناس‪ ،‬وإ رضاء حبهم‬
‫لالستطالع ليس غير!‬
‫بينما الفنان المسلم وصلته بالكائنات وبالحياة‪ ،‬صلة القربى والمودة والعطف‬
‫والتعاون في ناموس اهلل أكبر فاإلنسان في اإلسالم قبضة من طين ونفخة من روح‬
‫اهلل غير منفصل بأحد عنصريه عن عنصره اآلخر في أية لحظة من اللحظات فال‬
‫هو حيوان الداروينية‪ ،‬وال هو مالك الهندوكية والبوذية‪.‬‬
‫إنه إنسان خليفة اهلل في أرضه‪ :‬حامالً رسالة الحياة غير هارب منها وال‬
‫متنصل فهذه الشخصية المنهجية تعكس لنا بصورة واضحة منهجية الفن الذي‬
‫يسلكه وإ ذا أردنا الوقوف على حقيقة هذا الفن‪ ،‬البد لنا من العودة إلى األصول‬
‫المنهجية التي ارتكزت عليها شخصية الفنان(‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) اإلسالم وقضايا الفن المعاصر‪ :‬د‪ .‬ياسين محمد حسن‪ ،‬ص‪.34 – 33‬‬

‫‪314‬‬
‫‪ -2‬واقع السينما اليوم ‪:‬‬
‫السينما هي واحدة من أدوات التسلية والترفيه العصرية‪ ،‬التي أصبح لها بعد‬
‫المسرح مكان واسع في المجتمعات العالمية‪ ،‬وقد استطاعت القوى المسيطرة أن‬
‫توجهها توجيهاً خطيراً يستهدف بها دفع الشباب والفتيات إلى مفاهيم خطيرة في‬
‫العالقات االجتماعية‪ ،‬وخاصة في شؤون الزواج والحب والتعامل يتعارض تماماً‬
‫مع كل القيم والمقررات والضوابط التي حملت لواءها رساالت السماء وما يتصل‬
‫بها من أخالقيات وفضائل‪ ،‬فكان لها أبعد األثر في إيجاد طابع من الشرعية على‬
‫الفساد واالنحراف وأساليب االغتصاب‪ ،‬وخاصة فيما يتصل بمجال الجريمة‬
‫والجنس‪.‬‬
‫لقد استطاع اليهود في النصف األول من هذا القرن أن يسيطروا على صناعة‬
‫السينما في العالم الغربي‪ ،‬والمدينة السينمائية في أمريكا (هوليوود) غارقة في بحر‬
‫اليهود‪ ،‬ال تحرك ساكناً‪ ،‬وال تجري لقطة سينمائية واحدة دون رقابة اليهود‬
‫الصارمة‪ ،‬التي ال تسمح بإخراج أي فيلم ال يخدم أهداف اليهود من زاوية معينة‪،‬‬
‫فهم في هوليوود من وراء أفالم اإلجرام التي تساعد على خلق جيل من الشباب‬
‫متشبع بالروح اإلجرامية‪ ،‬وهم من وراء أفالم الدعارة السافرة‪ ،‬وأفالم الجنس‪ ،‬وهم‬
‫من وراء أفالم الدعاية اليهودية التي تخدع الشعوب وتبعدهم عن إدراك حقيقة‬
‫المشكلة اليهودية التي تسبب الصداع المزمن للعالم كله‪ ،‬ولم يكتف اليهود بإدارة‬
‫صناعة السينما في أوروبا وأمريكا‪ ،‬وإ نما شرعوا في غزو تلك الصناعة في‬
‫هوليوود خاصة‪ ،‬وأخذوا يزودون أمريكا بالممثلين والممثالت اليهود الذين يسهمون‬
‫في صنع األفالم المدمرة‪ ،‬ويشرفون في الوقت نفسه على جمع الماليين وتحويلها‬
‫لدولتهم المجرمة‪ ،‬وسيطرة اليهود على صناع السينما في العالم‪ ،‬وإ شرافهم الكامل‬
‫على المسارح والمالهي‪ ،‬تتم كلها تنفيذاً لوصايا حكمائهم في محاضرات الجلسات‬
‫السرية المسماة ببروتوكوالت حكماء صهيون‪ ،‬فهدفهم األساسي هدم المجتمع القائم‪،‬‬
‫والتقليل من هيبة الحكومات‪ ،‬وإ شاعة التدهور الخلقي‪ ،‬وحل الروابط العائلية بقصد‬
‫انتشار االنحالل االجتماعي‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫واليهود يعلمون أن أغلب رواد السينما والمالهي من صغار السن أو من‬
‫طبقة العمال والفقراء‪ ،‬لذا فإنهم يعمدون إلى إثارة غرائزهم الجنسية بما يقدمون‬
‫إليهم من مواقف عاطفية مثيرة ورقصات خليعة‪ ،‬وحيل تنير األذهان إلى الخيانة‬
‫الزوجية واغتصاب الفتيات واالحتيال وكسر الخزائن والنصب واالغتيال‪ ،‬وكلها‬
‫تظهر بأفالم اليهود‪ ،‬أعماالً بطولية بارعة(‪.)1‬‬

‫‪ -3‬موقف اإلسالم من السينما ‪:‬‬


‫لقد تطور أدب العصر عن بعض أهله إلى ما يوصف‪ :‬البورنوجرافيا‬
‫(الكتابة الداعرة) وال ريب أن أسوأ ما انتهى إليه كتّاب السينما اليوم هو قولهم‪ :‬إن‬
‫أهم عنصر في السينما هو الجنس والجريمة‪.‬‬
‫وإ ن التصوير السينمائي تحول من التصوير الجانبي إلى التصوير المكشوف‬
‫للعالقات الجنسية‪ ،‬وأصبحت المناظر الداعرة شيئاً عادياً‪ ،‬حتى أصبح ال يمكن‬
‫التمييز بين دور السينما وبيوت الدعارة‪ ،‬وتؤكد األبحاث أن وراء هذه الظاهرة‬
‫الخطيرة‪ ،‬تحقيق األرباح الخيالية‪ ،‬وتنفيذ االستراتيجية التي ترمي إلى تدمير القيم‬
‫اإلنسانية واألخالقية في الشعوب واألمم‪ ،‬وخاصة الشعوب اإلسالمية‪.‬‬
‫وال ريب أن هناك أفالماً تخصص للعالم اإلسالمي‪ ،‬تستهدف أمراً خطيراً هو‬
‫إلهاء هذه األمة عن حقيقة واقعها وظروفها‪ ،‬والتحديات التي تواجهها‪.‬‬
‫وال ريب أن أخطر ما في هذا العمل هو عمل المخرج‪ ،‬الذي تثقف ثقافة‬
‫الغرب‪ ،‬واحتوته المفاهيم التلمودية والباطنية‪ ،‬والمفاهيم التي تقدمها الدراما الغربية‬
‫واليونانية‪ ،‬والمفاهيم المسمومة التي تطرحها عن العالقة بين الخالق تبارك وتعالى‬
‫وبين الناس(‪.)2‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) المرجع السابق‪ ،‬ص‪.281 – 280‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المجتمع اإلسالمي المعاصر‪ :‬أنور الجندي‪ ،‬ص‪ 182‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫ولما كانت السينما أداة نفسية بالدرجة األولى علمنا إلى أي حد يكون أثر ما‬
‫يعرض فيها على اإلنسان‪ ،‬فهي قادرة على أن تجتاح كل قيمه التي تعلمها وقرأها‬
‫وآمن بها‪ ،‬بذلك الطراز البديل من الفكر والنظرة ووجهة النظر المغايرة‪.‬‬
‫ولما كانت السينما في أساسها منشأة اقتصادية لها قوانينها وأحكامها‪ ،‬ولما‬
‫كانت هناك قوى خطيرة تسيطر عليها وتوجهها‪ ،‬عرفنا إلى أي مدى يكون أثرها‬
‫على اإلنسان المعاصر وعلى المجتمعات وعلى األطفال والشباب والفتيات‪.‬‬
‫من هنا يتشكل ذلك األثر الخطير الذي يغمر النفس البشرية بتقبل فكر وطابع‬
‫حياة جماعية من اإلباحيين الذي يتصورون الحياة كلها سوقاً للرقيق وأماكن‬
‫للدعارة‪ ،‬وقد توصف هذه األفالم بأنها ترفيهية‪ ،‬وقد تعالج قضايا اجتماعية خطيرة‬
‫فيما يتصل بالعالقة بين الرجل والمرأة‪ ،‬والرجل والخليلة‪ ،‬والزوجة وصديق العائلة‬
‫على نحو مغاير للحياة نفسها‪ ،‬وتقديم مبادئ جديدة ومصطلحات وشعارات ال تلبث‬
‫أن تستشري في المجتمع الواقعي فتؤثر فيه أخطر اآلثار‪.‬‬
‫وال ريب أن السينما كذلك تُ ْستغل لحساب الدعوات والمذاهب االجتماعية‬
‫والسياسية‪ ،‬ولكنها تُ ْستغل أيضاً لهدف أبعد من ذلك بكثير أال وهو تطوير‬
‫المجتمعات لتكون مهيئة لتحقيق المخططات التلمودية الصهيونية التي حوتها‬
‫بروتوكوالت حكماء صهيون‪.‬‬
‫والفكر اإلسالمي لـه منهجه وأسلوبه في معالجة القضايا االجتماعية والنفسية‪،‬‬
‫وهو ال يقر هذا األسلوب الغربي‪ ،‬في أن ذكر المسائل وتسويغها هو وجه من وجوه‬
‫حلها‪ ،‬ولكنه يعمد أساساً إلى اإلنسانية فيدفعها إلى أصالتها ومقوماتها األساسية‪،‬‬
‫ويرفع أمامها الضوابط والحدود والمسؤولية الفردية والجزاء‪ ،‬ولما كان المجتمع‬
‫اإلسالمي بطبيعته‪ ،‬مجتمع حياء وخلق‪ ،‬فإن هذه الموجة التي تحاول أن تسيطر‬
‫عليه من عري وكشف وإ باحة‪ ،‬والكشف عما يدور في غرف النوم‪ ،‬كل ذلك إنما‬
‫وجد دائماً في غفلة من إرادة الممارسة الحقيقية لألسلوب اإلسالمي الحقيقي‪ ،‬وال‬
‫ريب أن الفكر اإلسالمي يحمي المجتمع اإلسالمي من عرض الشهوات واآلثام‪،‬‬
‫ويقاوم كل الوسائل المؤدية إلى كشفها أو إعالنها أو تسويغها‪ ،‬إيماناً منه بأن هذا‬

‫‪317‬‬
‫العرض الذي تقدمه السينما إنما يثير الرغبات إلى إجراء التجربة والتطبيق‪ ،‬مما‬
‫يكون بعيد األثر في نفوس الشباب في إيجاد جو الصراع أو الشعور الغامض‬
‫باالنفعال‪.‬‬
‫ولهذا فإن اإلسالم يقف من السينما اليوم كواقع موقف المحارب‪ ،‬ألن اإلسالم‬
‫له من قيمه ومفاهيمه ومذاهبه ما يدفع عنه هذه الموجة الخطيرة‪ ،‬ويمكنه من‬
‫التحرر منها بعد أن ثبت إخفاق فلسفات اإلباحية والعري في بالدنا وبالدها‪ ،‬وبعد‬
‫أن وصلت إليه أنباء النتائج الخطيرة لمجتمعات الرعب والتحلل في أمريكا وأوروبا‬
‫وفي هذا بيان لمن اهتدى وتبصر طريق الحق(‪.)1‬‬

‫‪ -4‬حكم التمثيل في اإلسالم ‪:‬‬


‫التمثيل هو تقليد أو حكاية لشخصيات ذات أحداث وقعت‪ ،‬أو أحداث متخيَّلة‬
‫في الماضي أو الحاضر أو المستقبل‪ ،‬وهو أسلوب للتثقيف والترفيه‪ ،‬وليس هو‬
‫الوسيلة الوحيدة لذلك‪ ،‬والتمثيل فن‪ ،‬أصله مشروع وذلك ألنه وسيلة إيضاح وآلية‬
‫تعليم وتبيان‪ :‬إن التمثيل معناه تجسيد الحادثة التاريخية أو الواقعة االجتماعية‪ ،‬أو‬
‫الموقف السياسي‪ ،‬أو الفكرة التوجيهية‪ ،‬بشرية‪ ،‬أو صور مادية حسية‪ ،‬لتوضح‬
‫للناس حقيقة هذه الحادثة‪ ،‬وتبلور لديهم ماهية هذه الواقعة‪ ،‬أو معالم هذا الموقف‪ ،‬أو‬
‫تجسيد هذه الفكرة‪ ،‬وهذه الناحية تناولها القرآن الكريم بكل وضوح‪ ،‬وفيما يلي‬
‫بعض األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫من القرآن الكريم‬
‫حبة أنبتت سبع‬‫‪ -1‬قال اهلل تعالى‪  :‬مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اهلل كمثل ٍ‬
‫عليم ‪‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫سنابل في كل سنبلة مائة حبة واهلل يضاعف لمن يشاء واهلل واسعٌ‬
‫[البقرة‪.]261 :‬‬
‫إذاً قضية التجسيد واضحة في هذه اآلية الكريمة من أجل استثارة مشاعر‬
‫اإلنسان لكي ينفق من ماله في سبيل اهلل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) اإلسالم وقضايا الفن‪ ،‬ص‪.285‬‬

‫‪318‬‬
‫كماء أنزلناه من السماء فاختلط‬ ‫‪ -2‬قال اهلل تعالى‪  :‬واضرب لهم مثل الحياة الدنيا ٍ‬
‫به نبات األرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان اهلل على كل شيء مقتدراً‬
‫‪[‬الكهف‪.]45 :‬‬
‫إذاً تشبيه الدنيا بزوالها وفنائها بحقيقة النبات الحي واضح تماماً من هذه‬
‫اآلية‪ ،‬والمغزى منه استثارة المؤمن حتى يعمل جاهداً لذلك اليوم الباقي‬
‫والنعيم الخالد‪.‬‬
‫‪ -3‬قال اهلل تعالى‪  :‬مثل الذين ُح ّملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل‬
‫أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات اهلل واهلل ال يهدي القوم الظالمين ‪‬‬
‫[الجمعة‪.]5 :‬‬
‫نالحظ في هذه اآلية‪ ،‬تمثيل اليهود وحالهم الذين أوتوا التوراة و ُكلِّفوا‬
‫العمل بها‪ ،‬ولكنهم أعرضوا عن التوراة‪ ،‬فكانوا كمثل الحمار يحمل على‬
‫ظهره أحماالً من الكتب ال ينتفع بها وال يعقل‪.‬‬
‫هذا غيض من فيض مما ورد في القرآن الكريم من األمثلة(‪.)1‬‬

‫وكذلك السنة النبوية تناولت هذا الجانب ‪:‬‬


‫فلقد كان النبي ‪ ‬يستخدم التمثيل في بعض األحيان‪ ،‬لتقرير األحكام‪ ،‬وتقريب‬
‫المعاني‪ ،‬كقوله ‪ " :‬أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين " (‪ ،)2‬وأشار بإصبعيه‪ ،‬وقوله‬
‫‪" :‬مثل المؤم نين في ت وادهم وت راحمهم وتع اطفهم كمثل الجسد الواح د‪ ،‬إذا اش تكى‬
‫منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " (‪ )3‬وشبك بين يديه‪.‬‬
‫وعن النعم ان بن بش ير – رضي اهلل عنهما – عن رس ول اهلل ‪ ‬أنه ق ال‪" :‬‬
‫مثل الق ائم على ح دود اهلل‪ ،‬والواقع فيه ا‪ ،‬كمثل ق وم اس تهموا – اق ترعوا – على‬
‫س فينة‪ ،‬فأص اب بعضهم أعاله ا‪ ،‬وبعضهم أس فلها‪ ،‬فك ان الذي في أس فلها إذا استقوا‬
‫من الم اء م ّروا على من ف وقهم‪ ،‬وق الوا‪ :‬لو أنا خرقنا في نص يبنا خرق اً ولم ن ؤذ من‬
‫‪1‬‬
‫(?) اإلسالم وقضايا الفن المعاصر‪ ،‬ص‪.266‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في كتاب الطالق باب اللعان (‪.5/2032 )4998‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه مسلم في البر والصلة واآلداب باب تراحم المؤمنين (‪.4/1999 )2586‬‬

‫‪319‬‬
‫ونج وا‬
‫نج ْوا ُ‬‫فوقن ا‪ ،‬ف إن ترك وهم وما أرادوا هلك وا جميع اً‪ ،‬وإ ن أخ ذوا على أي ديهم َ‬
‫جميعاً " (‪.)1‬‬
‫وعن ج ابر بن عبداهلل‪ ،‬ق ال‪ :‬ق ال الن بي ‪ " :‬إنما مثلي ومثل األنبي اء قبلي‪،‬‬
‫كرجل ب نى داراً فأكملها وأحس نها إال موضع لبنة فجعل الن اس ي دخلونها ويتعجب ون‬
‫منها يقولون‪ :‬لوال موضع اللبنة "‪ ،‬وفي رواية‪ " :‬فأنا اللبنة وأنا خاتم المرسلين "‬
‫(‪. )2‬‬
‫وعن أبي موسى األش عري ‪ ‬ق ال‪ :‬ق ال رس ول اهلل ‪ " :‬مثل الم ؤمن ال ذي‬
‫يق رأ الق رآن كمثل األترجة ريحها طيب وطعمها طيب‪ ،‬ومثل الم ؤمن ال ذي ال يق رأ‬
‫القرآن كمثل التمرة ال ريح لها وطعمها حلو‪ ،‬ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل‬
‫الريحانة ريحها طيب وطعمها مر‪ ،‬ومثل المنافق الذي ال يقرأ القرآن كمثل الحنظلة‬
‫مر " (‪.)3‬‬
‫مر وطعمها ّ‬ ‫ريحها ّ‬
‫من هذه النصوص التي أوردناها يتبين لنا أن توضيح الفكرة بشيء محسوس‬
‫وتجس يد الموقف بص ورة مادية هو من أس لوب الق رآن الك ريم والح ديث النب وي‬
‫والمحاجَّة‪ ،‬واستجاشة العاطف ة‪ ،‬وش حذ‬
‫الش ريف‪ ،‬في الموعظة والت أثير واإلقن اع‪ُ ،‬‬
‫الهمم‪ ،‬وترس يخ الفك رة وهداية الن اس إلى الخ ير‪ ،‬وتث بيت دع ائم اإلص الح في‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫وما التمثيل في المس رح إال من ه ذا القبي ل‪ ،‬حيث تجس يد حادثة تاريخي ة‪ ،‬أو‬
‫إب راز فك رة‪ ،‬أو غ ير ذلك مما يك ون اله دف منه اإلص الح والهداية ليس غ ير‪ ،‬وإ ن‬
‫التمثيل بالشخصيات ورد ذكره في كثير من األحاديث الشريفة وإ ليك بعضها‪:‬‬
‫‪ -1‬أخ رج ابن حب ان في ص حيحه‪ ،‬أنه مر – أي‪ :‬الرس ول في أثن اء معراجه إلى‬
‫الس ماء – برج ال تق رض ش فاههم بمق اريض من الن ار‪ ،‬فق ال‪ " :‬من ه ؤالء يا‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في الشركة باب هل يقرع في القسمة (‪.2/882 )2361‬‬
‫(?) أخرجه الترمذي في األمثال باب ما جاء في مثل النبي ‪ ‬واألنبياء قبله (‪ ،5/147 )2862‬قال أبو عيسى‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه‪ ،‬وابن حبان في صحيحه (‪.14/317 )6407‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في األطعمة باب ذكر الطعام (‪ ،5/2070 )5111‬ومسلم في صالة المسافرين باب فضيلة‬
‫حافظ القرآن (‪.1/549 )797‬‬

‫‪320‬‬
‫جبريل ؟ "‪ ،‬فق ال‪ :‬الخطب اء من أمت ك‪ ،‬ي أمرون الن اس ب البر وينس ون أنفس هم‪،‬‬
‫وهم يتلون الكتاب أفال يعقلون " (‪.)1‬‬
‫‪ -2‬وفي ح ديث آخ ر‪ :‬ثم أتى على ق وم ترضخ رؤوس هم بالص خر – تكسر – كلما‬
‫رض خت ع ادت كما ك انت‪ ،‬وال يفتّر عنهم من ذلك ش يء فق ال‪ " :‬ما ه ذا يا‬
‫جبريل؟ "‪ ،‬قال‪ :‬هؤالء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصالة المكتوبة(‪.)2‬‬
‫وخالصة الق ول‪ :‬إن التمثيل مب اح ش رعاً‪ ،‬وليس فيه أي ش يء من التح ريم أو‬
‫الكراهة واألمور بمقاصدها(‪.)3‬‬

‫‪ -5‬ضوابط التمثيل ‪:‬‬


‫ه ذا ولقد س ئلت لجنة اإلفت اء بكلية الش ريعة والدراس ات اإلس المية بجامعة‬
‫الكويت‪ :‬عن حكم التمثيل‪ ،‬وما هي الضوابط لجوازه والموانع عند عدم جوازه؟‬
‫(‪)4‬‬
‫فكان جوابهم‪:‬‬
‫الج واب‪ :‬رأت اللجنة أن التمثيل من أس اليب ال دعوة والتص وير‪ ،‬ومحاك اة‬
‫األح داث التاريخية والمعاص رة‪ ،‬بالتص وير الح ركي‪ ،‬وهو وس يلة من وس ائل البي ان‬
‫والدعوة العامة لجميع األفكار‪ ،‬وله تأثيره على المجتمع في سائر طبقاته‪.‬‬
‫وله ذا ت رى اللجنة أنه ال ب أس من اتخ اذه وس يلة لل دعوة اإلس المية‪،‬‬
‫واإلصالحية‪ ،‬والتوعية الدينية‪ ،‬ضمن الضوابط الشرعية التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون التمثيل‪ ،‬سواء كان للتاريخ أو للواقع‪ ،‬صحيحاً سليماً موافق اً للحقيقة‪،‬‬
‫من غير تزوير‪ ،‬ال بالزيادة وال بالتحريف أو التشويه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يك ون خالي اً من اإلث ارة ضد العقي دة‪ ،‬والعمل واألخالق والفكر الص حيح‪،‬‬
‫والنواحي الجنسية‪ ،‬والمخالفات الدينية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫صحيح ابن حبان (‪ ،1/249 )53‬واإلمام أحمد في مسنده (‪.3/231 )13445‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫تهذيب اآلثار‪ :‬الطبري (‪ ،1/433 )727‬تفسير ابن كثير ‪.3/18‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫اإلسالم وقضايا الفن‪ ،‬ص‪.268‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫فتاوي لجنة اإلفتاء‪ :‬كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (جامعة الكويت)‪ ،‬ص‪.90 – 86‬‬ ‫(?)‬

‫‪321‬‬
‫ج‪ -‬أن يك ون خالي اً من االختالط‪ ،‬ومالبس ات الجنس‪ ،‬وإ غ راء الش باب‪ ،‬وإ غ واء‬
‫الفتي ات‪ ،‬وكل ما يخ دش الحي اء‪ ،‬ويحطم القيم‪ ،‬ويش يع الرذائ ل‪ ،‬ويع ِّود على‬
‫استمراء المنكر وإ قراره‪ ،‬بحيث يصير المعروف منكراً‪ ،‬والمنكر معروفاً‪.‬‬
‫د‪ -‬أن ال يتخذ وس يلة لنشر األفك ار الفاس دة‪ ،‬والم ذاهب الهدام ة‪ ،‬وبث الس موم‬
‫والدسائس الرخيصة‪ ،‬مما يشيع الفرقة في المجتمع المسلم‪ ،‬ويحول اتجاهه من‬
‫الوجهة الس ليمة نحو االض طراب والخ راب والت دمير وأن ال يخ دم التمثيل‬
‫نظاماً أجنبياً أو مبدأ هداماً‪.‬‬
‫هـ‪-‬االعتدال في اتخاذ الحركات والضحك واالنفعاالت‪ ،‬بحيث ال تخرج عن حدود‬
‫آداب اللياق ة‪ ،‬ونس تأنس به ذا ب أن جل ض حك الن بي ‪ ‬التبسم(‪ ،)1‬ومزاحه ال‬
‫يك ون إال ق ول الح ق‪ ،‬ومداعبته لألطف ال‪ ،‬وتقبيله لهم‪ ،‬والمباس طة لهم‪ ،‬كقوله‬
‫‪ " :‬يا أبا عمير ما فعل النفير؟ " (‪ ،)2‬وما إلى ذلك‪ ،‬وتؤكد اللجنة على اعتبار‬
‫التمثيل وس يلة من وس ائل اإلص الح الج انبي‪ ،‬وتركز على الج انب العملي‬
‫والعلمي بالقدوة الحس نة‪ ،‬كما أشار إلى ذلك القرآن في قوله تع الى‪  :‬لقد كان‬
‫لكم في رسول اهلل أسوة حسنة ‪[ ‬األحزاب‪.]21 :‬‬
‫و‪ -‬أن يس تهدف التمثيل مص لحة ال دين والعلم والمجتمع واإلنس انية‪ ،‬مما يع ود‬
‫بالخير لصالح الفرد والمجتمع واألسرة‪.‬‬
‫ز‪ -‬أن يق وم على التمثيل واإلخ راج رج ال ص الحون واع ون لقض ايا األمة‬
‫ومتطلباته ا‪ ،‬يتخ ذون منهج اً إيجابي اً لإلص الح والتوجيه في بن اء المجتمع‬
‫الفاضل(‪.)3‬‬
‫أما إذا خ الف التمثيل ه ذه الض وابط غ دا انحطاط اً وفحش اً واهلل عزوجل نهانا‬
‫عن الفحش والس وء‪ ،‬نحن مع تمثيل فك رة نافعة تحمل قيمة رفيعة اجتماعي ة‪ ،‬ومع‬
‫تمثيل قصة واقعية أو متخيلة ذات مض مون إنس اني ّبن اء تحمل أيض اً قيمة إنس انية‬
‫نافعة ناجعة‪ ،‬أما إذا اتجه األمر إلى سوى ذلك أو إلى عكس هذا فاألمر خطر وجلل‬
‫‪1‬‬
‫(?) المعجم الكبير (‪ ،22/155 )414‬شعب اإليمان (‪ ،2/154 )1430‬الشمائل المحمدية (‪.1/184 )226‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه البخاري في األدب باب االنبساط إلى الناس (‪.5/2270 )5778‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) اإلسالم وقضايا الفن‪ ،‬ص‪.269‬‬

‫‪322‬‬
‫وفتن ش ريرة‪ ،‬اإلس الم لم يقف ضد الفن بل يش جع الفن‪ ،‬ولكن هيه ات أن نخلط بين‬
‫الفن وبين الترهات والفساد‪ ،‬وعندها يقف اإلسالم ضده‪ ،‬ألن اإلسالم خير كله(‪.)1‬‬

‫‪ -6‬االختالط في التمثيل ‪:‬‬


‫الس ؤال‪ :‬هل يج وز للم رأة أن تمثل – من حيث أن تختلط بالرج ال – مع‬
‫محرم أو بدون محرم ؟‬
‫الج واب‪ :‬رأت اللجنة أن االختالط بالرج ال عامة ج ائز ش رعاً‪ ،‬عند الحاجة‬
‫العلمية أو الدينية أو االجتماعية أو الحاجة الداعية ل ذلك‪ ،‬س واء ك انت تربوية أو‬
‫تعليمي ة‪ ،‬وفي التمثيل أغ راض نبيل ة‪ ،‬من أهمها توص يل المعلوم ات الس ليمة‬
‫والصحيحة إلى الجمهور‪.‬‬
‫ف ترى اللجنة أنه ال م انع من أن تق وم الم رأة بتمثيل أدوار هادف ة‪ ،‬وتوجيهية‬
‫ألغ راض نبيلة وش ريفة‪ ،‬لكنها تش ترط في ذلك المحافظة على اآلداب واألحك ام‬
‫الش رعية‪ ،‬وبخاصة ما يتصل بالحج اب‪ ،‬وامتن اع الخل وة بالرج ال‪ ،‬واالمتن اع عن‬
‫اس تعمال األص بغة‪ ،‬وأدوات الزين ة‪ ،‬والمث يرات المغري ة‪ ،‬وما يتصل ب ذلك‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه(‪.)2‬‬
‫وهناك من العلماء من يحرم اختالط المرأة مع األجانب وخاصة في موض وع‬
‫التمثيل‪ :‬ومن هؤالء الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه اهلل تعالى – لما في ذلك من‬
‫أخطار ومحاذير شرعية(‪.)3‬‬
‫وق ال‪ " :‬والكت اب والس نة دال على تح ريم االختالط وتح ريم جميع الوس ائل‬
‫المؤدية إليه ق ال جل وعال‪  :‬وق رن في بي وتكن وال ت برجن ت برج الجاهلية األولى‬
‫وأقمن الص الة وآتين الزك اة وأطعن اهلل ورس وله إنما يريد اهلل لي ذهب عنكم ال رجس‬
‫أهل ال بيت ويطه ركم تطه يراً واذك رن ما يتلى في بي وتكن من آي ات اهلل والحكمة إن‬
‫اهلل كان لطيفاً خبيراً ‪[ ‬األحزاب‪.]33 :‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) حوار مع الشيخ محمود عكام‪ :‬مجلة لها الصادرة في لندن العدد ‪ 113‬تاريخ ‪.13/11/2002‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) فتاوي لجنة اإلفتاء‪ :‬كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (جامعة الكويت)‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) موقع الشيخ ابن باز – رحمه اهلل – على اإلنترنت‪www.BinBaz.org.sa :‬‬

‫‪323‬‬
‫فأمر اهلل أمهات المؤمنين – وجميع المسلمات والمؤمنات داخالت في ذلك‬
‫– ب القرار في ال بيوت لما في ذلك من ص يانتهن وإ بع ادهن عن وس ائل الفس اد ألن‬
‫الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى التبرج كما قد يفضي إلى شرور أخرى ثم أمرهن‬
‫باألعم ال الص الحة ال تي تنه اهن عن الفحش اء والمنكر وذلك بإق امتهن الص الة‬
‫وإ يتائهن الزكاة وطاعتهن هلل ولرسوله ‪.‬‬
‫ثم وجههن إلى ما يع ود عليهن ب النفع في ال دنيا واآلخ رة وذلك ب أن يكن على‬
‫اتص ال دائم ب القرآن الك ريم وبالس نة النبوية المطه رة الل ذين فيهما ما يجلو ص دأ‬
‫القلوب ويطهرها من األرجاس واألنجاس ويرشد إلى الحق والصواب‪.‬‬
‫وق ال اهلل تع الى‪  :‬يا أيها الن بي قل ألزواجك وبناتك ونس اء المؤم نين ي دنين‬
‫عليهن من جالبيبهن ذلك أدنى أن يع رفن فال ي ؤذين وك ان اهلل غف وراً رحيم اً ‪‬‬
‫[األحزاب‪.]59 :‬‬
‫ف أمر اهلل نبيه عليه الص الة والس الم وهو المبلغ عن ربه – أن يق ول ألزواجه‬
‫وبناته وعامة نس اء المؤم نين ي دنين عليهن من جالبيبهن وذلك يتض من س تر ب اقي‬
‫أجس امهم ب الجالبيب وذلك إذا أردن الخ روج لحاجة لئال تحصل لهن األذية من‬
‫مرضى القلوب‪.‬‬
‫ف إذا ك ان األمر به ذه المثابة فما بالك بنزولها إلى مي دان الرج ال واختالطها‬
‫معهم وإ ب داء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة والتن ازل عن كث ير من أنوثتها لت نزل في‬
‫مس تواهم وذه اب كث ير من حيائها ليحصل ب ذلك االنس جام بين الجنس ين المختلفين‬
‫معنى وصورة‪.‬‬
‫ق ال اهلل جل وعال‪  :‬قل للمؤم نين يغض وا من أبص ارهم ويحفظ وا ف روجهم‬
‫ذلك أزكى لهم إن اهلل خب ٌير بما يص نعون وقل للمؤمن ات يغضضن من أبص ارهن‬
‫ويحفظن ف روجهن وال يب دين زينتهن إال ما ظهر منها وليض ربن بخم رهن على‬
‫جيوبهن ‪ ‬الخ اآلية [النور‪.]31 :‬‬
‫ي أمر اهلل نبيه عليه الص الة والس الم أن يبلغ المؤم نين والمؤمن ات أن يل تزموا‬
‫بغض البصر وحفظ الفرج عن الزنا ثم أوضح سبحانه أن هذا األمر أزكى لهم‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫ومعل وم أن حفظ الف رج من الفاحشة إنما يك ون باجتن اب وس ائلها وال شك أن‬
‫إطالق البصر واختالط النس اء بالرج ال والرج ال بالنس اء في مي ادين العمل وغيرها‬
‫من أعظم وسائل وقوع الفاحشة‪.‬‬
‫وه ذان األم ران المطلوب ان من الم ؤمن يس تحيل تحققهما منه وهو يعمل مع‬
‫المرأة األجنبية كزميلة أو مشاركة في العمل له‪.‬‬
‫فاقتحامها هذا الميدان معه أو اقتحامه الميدان معها ال شك أنه من األمور التي‬
‫يستحيل معها غض البصر وإ حصان الفرج والحصول على زكاة النفس وطهارتها‪.‬‬
‫وهكذا أمر اهلل المؤمن ات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إب داء الزينة إال ما‬
‫ظهر منه ا‪ ،‬وأم رهن اهلل بإس دال الخم ار على الجي وب المتض من س تر رأس ها‬
‫ووجهها‪ ،‬ألن الجيب محل الرأس والوجه‪.‬‬
‫فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة‬
‫مي دان الرج ال واختالطها معهم في األعم ال؟ واالختالط كفيل ب الوقوع في ه ذه‬
‫المحاذير‪.‬‬
‫وكيف يحصل للم رأة المس لمة أن تغض بص رها وهي تس ير مع الرجل‬
‫األجنبي جنب اً إلى جنب بحجة أنها تشاركه في األعمال أو تساويه في جميع ما يقوم‬
‫به ؟‬

‫‪ -7‬حركات المرأة في التمثيل ‪:‬‬


‫الس ؤال‪ :‬ما هي الحرك ات ال تي تس تطيع الم رأة القي ام به ا‪ ،‬مثل البك اء‬
‫والضحك والصراخ ؟‬
‫الج واب‪ :‬رأت اللجنة أن للم رأة في التمثيل أن تق وم ب دور البك اء والض حك‬
‫والص راخ ونحوها في الح دود المقبولة ش رعاً‪ ،‬وال تي ال يس تنكرها الع رف الس ليم‪،‬‬
‫وقد جاء في الحديث عندما بكى النبي ‪ ‬وقال‪ " :‬تدمع العين ويحزن القلب وال نقول‬
‫إال ما يرضي ربنا إنا بك يا إب راهيم لمحزون ون " (‪ ،)1‬وأنه ‪ ‬ض حك ح تى ب دت‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه أبو داود في الجنائز باب في البكاء على الميت (‪.3/193 )3126‬‬

‫‪325‬‬
‫نواج ذه(‪ ،)1‬وك ان يبتسم عن مثل حب الغم ام(‪ ،)2‬وك ان إذا خطب احمر وجه ه‪،‬‬
‫وانتفخت أوداج ه‪ ،‬ورفع ص وته(‪ ،)3‬ولنا في رس ول اهلل ‪ ‬أس وة حس نة‪ ،‬واهلل أعلم‪،‬‬
‫وصلى اهلل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه(‪.)4‬‬

‫‪ -8‬مشاهدة تمثيل المرأة ‪:‬‬


‫السؤال‪ :‬من هو الجمهور الذي يجوز له أن يشاهد المرأة ؟‬
‫الج واب‪ :‬رأت اللجنة أن طالما ال تزمت الم رأة الممثلة باإلط ار الش رعي‬
‫واألحك ام واآلداب‪ ،‬فال م انع من أن يش اركها الجمه ور عام ة‪ ،‬ألخذ الع برة‪ ،‬أو‬
‫التوجيه من الموقف ال ذي تق وم بتمثيله وأدائ ه‪ ،‬وأن يك ون نظر الجمه ور لها نظ رة‬
‫بريئ ة‪ ،‬تقصد التق اط المعلوم ة‪ ،‬ال إلى حظ وظ النفس‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬وص لى اهلل وس لم‬
‫على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه(‪.)5‬‬

‫‪ -9‬تمثيل دور نبي أو صحابي ‪:‬‬


‫الس ؤال‪ :‬هل يج وز تمثيل دور ص حابي أو ن بي؟ ف إن ك ان غ ير ج ائز فما هي‬
‫الموانع؟ وإ ن كان جائزاً فما هي الضوابط؟‬
‫الج واب‪ :‬ال يج وز قطع اً تمثيل أدوار األنبي اء والمرس لين‪ ،‬وك ذلك كب ار‬
‫الصحابة‪ ،‬كالخلفاء األربعة‪ ،‬والمبشرين بالجنة‪ ،‬وأمهات المؤمنين‪ ،‬والقراء‪ ،‬وفقهاء‬
‫الصحابة وعلمائهم‪ ،‬وذلك لألسباب التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬تق ديراً واحترام اً ألشخاص هم‪ ،‬ف إن األنبي اء نخبة البش ر‪ ،‬وهم معص ومون‪،‬‬
‫وكبار الصحابة من خير القرون المشهور لهم بالخيرية والفضل في األحاديث‬
‫الصحيحة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أخرجه البخاري في التفسير باب وما قدروا اهلل حق قدره (‪.4/1812 )4533‬‬ ‫(?)‬
‫‪2‬‬
‫أخرجه الطبراني في الكبير (‪.22/155 )414‬‬ ‫(?)‬
‫‪3‬‬
‫أخرجه البخاري في العلم باب الغضب في الموعظة (‪.1/46 )90‬‬ ‫(?)‬
‫‪4‬‬
‫فتاوى لجنة اإلفتاء بكلية الشريعة‪ ،‬ص‪.92‬‬ ‫(?)‬
‫‪5‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪93‬‬ ‫(?)‬

‫‪326‬‬
‫‪ -2‬إن أعم الهم المجي دة‪ ،‬وم آثرهم وم واقفهم‪ ،‬مس جلة في الت اريخ‪ ،‬ومتمثلة في‬
‫القلوب‪ ،‬وراسخة في األذهان‪ ،‬من غير تمثيل‪.‬‬
‫ج‪ -‬يخشى من تمثيل أدوارهم المساس بأشخاصهم‪ ،‬وإ لصاق ما ال يليق بهم‪ ،‬فيتخذ‬
‫أهل الحقد واألغراض من التمثيل سبيالً إلى النيل منهم‪ ،‬والدس عليهم‪ ،‬والحط‬
‫من أق دارهم‪ ،‬واالف تراء على س يرتهم وأعم الهم‪ ،‬وتش ويه س معتهم‪ ،‬والتش غيب‬
‫عليهم في التاريخ‪.‬‬
‫د‪ -‬إن الممثلين عادة يمثلون أدواراً شتى‪ ،‬منها الرفيع ومنها الوض يع‪ ،‬فيخشى من‬
‫تمثيلهم أدوار األنبياء والصحابة أن يبث السامع من األدوار الخبيثة ما ال يليق‬
‫باألنبياء وكبار الصحابة‪.‬‬
‫أما س ائر الص حابة فال ت رى اللجن ة‪ ،‬مانع اً من تم ثيلهم‪ ،‬ش ريطة أن يك ون‬
‫الغ رض من التمثيل ش ريفاً ون بيالً‪ ،‬وأن يك ون مطابق اً للواقع الت اريخي‪ ،‬وخالي اً من‬
‫الش وائب ال تي تمس مك انتهم ورفعتهم‪ ،‬وأن تس يطر على أدوارهم التمثيلية األمانة‬
‫الحقيقية والتاريخية والعلمي ة‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬وص لى اهلل وس لم على س يدنا ونبينا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه(‪.)1‬‬

‫‪ -10‬دخول السينما ‪:‬‬


‫ويتس اءل كث ير من المس لمين عن موقف اإلس الم من دور الس ينما والمس رح‬
‫وما ش ابهها‪ ،‬وهل يج وز للمس لم ارتيادها أم يح رم علي ه؟ وال شك أن الس ينما وما‬
‫ماثلها أداة هامة من أدوات التوجيه والترفي ه‪ ،‬وش أنها ش أن كل أداة فهي إما أن‬
‫تس تعمل في الخ ير أو تس تعمل في الش ر‪ ،‬فهي ب ذاتها ال ب أس بها وال ش يء فيه ا‪،‬‬
‫والحكم في شأنها يكون بحسب ما تؤديه وتقوم به‪.‬‬
‫وهكذا نرى في السينما‪ :‬هي حالل طيب‪ ،‬بل قد تستوجب وتطلب إذا توفرت‬
‫(‪)2‬‬
‫لها الشروط اآلتية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) فتاوي لجنة اإلفتاء‪ ،‬ص‪.91 – 90‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الحالل والحرام في اإلسالم‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص‪.287‬‬

‫‪327‬‬
‫أوالً‪ :‬أن تت تره موض وعاتها ال تي تع رض فيها عن المج ون والفسق وكل ما ين افي‬
‫عقائد اإلس الم وش رائعه وآداب ه‪ ،‬فأما الرواي ات ال تي تث ير الغرائز ال دنيا أو‬
‫تح رض على اإلثم أو تغ ري بالجريمة أو ت دعو ألفك ار منحرف ة‪ ،‬أو ت روج‬
‫لعقائد باطل ة‪ ،‬إلى آخر ما نع رف‪ ،‬فهي ح رام ال يحل للمس لم أن يش اهدها أو‬
‫يشجعها‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬أن ال تش غله عن واجب دي ني أو دني وي‪ .‬وفي طليعة الواجبات الص لوات‬
‫الخمس ال تي فرض ها اهلل كل ي وم على المس لم‪ ،‬فال يج وز للمس لم أن يض يع‬
‫صالة مكتوبة – كصالة المغرب – من أجل رواية يشاهدها‪ :‬قال تعالى‪ :‬‬
‫فويل للمص لين‪ .‬ال ذين هم عن ص التهم س اهون ‪[ ‬الم ==اعون‪ ،]5-4 :‬وفسر‬
‫الس هو عنها بتأخيرها ح تى يف وت وقته ا‪ ،‬وقد جعل الق رآن من جملة أس باب‬
‫تحريم الخمر والميسر أنها تصد عن ذكر اهلل وعن الصالة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬أن يتجنب مرتادها المالصقة واالختالط المثير بين الرجال والنساء‬
‫األجنبي ات منهم‪ ،‬منع اً للفتن ة‪ ،‬ودرءاً للش بهة‪ ،‬وال س يما المش اهدة ال تتم إال‬
‫تحت س تار الظالم وقد مر بنا الح ديث‪ " :‬ألن يطعن في رأس أح دكم بمخيط‬
‫من حديد خير له من أن يمس امرأة ال تحل له " (‪.)1‬‬
‫ويض يف األس تاذ عبداهلل عل وان – رحمه اهلل – على ه ذا الش رط‪ " :‬أن تك ون‬
‫ص الة العرض خالصة مما يشوبها من منكر‪ ،‬وبريئة مما يحيط بها من فس اد‪ ...‬أما‬
‫إذا شاب الصالة منكر‪ ،‬أو لحق بها إثم‪ ،‬كوجود اختالط بين نساء ورجال‪ ،‬أو سماع‬
‫ع زف على آالت النغم‪ ،‬أو إظه ار لقط ات جاهلية من رقص ف اجر وغن اء خلي ع‪ ،‬أو‬
‫ع رض أش ياء بين ف ترة وف ترة تهيج الغري زة‪ ،‬وتث ير الفتن ة‪ ،‬فال يج وز ش رعاً ارتي اد‬
‫ه ذه الص الة مهما ك ان ع رض التمثيلية س ليماً ومهما ك ان الفيلم ذا توجيه‬
‫وموضوعية(‪.)2‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه الطبراني في الكبير (‪ ،20/211 )486‬والمنذري في الترغيب والترهيب وقال‪ :‬أخرجه الطبراني‬
‫ورجاله ثقات رجال الصحيح (الترغيب والترهيب للمنذري (‪.)3/26 )2938‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) حكم اإلسالم في وسائل اإلعالم‪ :‬عبداهلل علوان‪ ،‬ص‪.39 – 38‬‬

‫‪328‬‬
‫وي رى بعض العلم اء المنع من ارتي اد دور الس ينما مطلق اً ويجيب عما س بق‬
‫ذكره من شروط‪ ،‬ومدار النقض عند هؤالء المانعين على وجهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬استحالة توفر هذه الشروط التي ذكرها كل من د‪ .‬القرضاوي ود‪.‬‬
‫عبداهلل علوان في السينما وخلوها من المحاذير المذكورة فيها‪.‬‬
‫الث= = ==اني‪ :‬اش تمالها على الص ور المتحركة ومش اهدتها‪ ،‬وفي نظ رهم أن‬
‫التصوير لذوات األرواح واستعمال الصور محرم مطلقاً‪ ،‬وكذا مشاهدتها(‪.)1‬‬
‫ون رجح الق ول بالتفص يل فالس ينما ال تح رم ل ذاتها وإ نما بما يع رض فيها واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬

‫قائمة المراجع‬

‫‪ -1‬أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة ‪ :‬محمد نعيم ياسين‪ ،‬دار النفائس ط‬
‫‪ ،2‬األردن ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪-2‬االجتهاد‪ :‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد‪ ،‬مؤسسة‬
‫شباب الجامعة ‪ 1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -3‬االجتهاد الجماعي في التشريع اإلسالمي ‪ :‬د‪ .‬عبد المجيد السوسوه‬
‫الشرفي‪ ،‬كتاب األمة‪ ،‬قطر ‪ 1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -4‬االجتهاد الجماعي في العالم اإلسالمي‪ :‬جامعة اإلمارات العربية المتحدة‪.‬‬
‫‪ -5‬االجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية= في تطبيقه ‪ :‬د‪.‬شعبان محمد‬
‫شعبان‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت لبنان ‪ 1418‬هـ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) قضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية‪ :‬مادون رشيد‪ ،‬ص‪.249‬‬

‫‪329‬‬
‫‪ -6‬االجتهاد في الشريعة اإلسالمية ‪ :‬محمد صالح موسى‪ ،‬دار طالس دمشق‬
‫‪ 1989‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬إحكام األحكام= ‪ :‬تقي الدين ابن دقيق العيد( ‪702‬هـ) دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت ‪.‬‬
‫‪ -8‬االجتهاد المعاصر بين االنضباط واالنفراط ‪ :‬د ‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬دار‬
‫التوزيع والنشر‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -9‬أحكام أهل الذمة ‪ :‬محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي ( ‪751‬هـ) رمادي‬
‫للنشرط‪ ،1‬الدمام ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -10‬أحكام= التعدد في ضوء الكتاب والسنة ‪ :‬إحسان بن محمد بن عايش‬
‫العتيبي‪.‬‬
‫‪ -11‬األحكام= السياسية لألقليات المسلمة في الفقه اإلسالمي ‪ :‬سليمان محمد‬
‫توبولياك دار البيارق‪ ،‬ط‪ 1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -12‬أحكام= القرآن ‪ :‬محمد بن عبد اهلل ابن العربي ( ‪453‬هـ) دار الفكر‬
‫للطباعة‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -13‬أحكام= القرآن ‪ :‬أحمد بن علي الرازي الجصاص ( ‪370‬هـ) دار إحياء‬
‫التراث‪ ،‬بيروت ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -14‬اإلحكام في أصول األحكام ‪ :‬علي بن محمد اآلمدي‪ ،‬المكتب اإلسالمي‬
‫‪ 1402‬هـ‪.‬‬
‫‪ -15‬إحياء علوم الدين ‪ :‬محمد بن محمد الغزالي ( ‪505‬هـ) دار القلم ط‪،3‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -16‬أدب القاضي ‪ :‬علي بن محمد بن حبيب الماوردي (‪450‬هـ) تحقيق ‪:‬‬
‫يحي هالل السرحان‪ ،‬مطبعة اإلرشاد‪ ،‬بغداد ‪1391‬هـ‪.‬‬
‫‪ -17‬إرشاد الفحول‪ :‬محمد بن علي الشوكاني ( ‪1250‬هـ) مؤسسة الكتب‬
‫الثقافية‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫‪ -18‬االستفتاء الشعبي بين األنظمة الوضعية والشريعة اإلسالمية ‪ :‬د‪ .‬ماجد‬
‫راغب الحلو‪ ،‬مكتبة المنار اإلسالمية ط‪ ،1‬الكويت ‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪ -19‬االستنساخ قنبلة العصر ‪ :‬صبري الدمرداش‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫الرياض ‪ 1997‬م‪.‬‬
‫‪ -20‬اإلسالم عقيدة وشريعة ‪ :‬الشيخ محمود شلتوت‪ ،‬ط‪ ،12‬دار الشروق‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -21‬اإلسالم وقضايا الفن المعاصر ‪ :‬د‪ .‬ياسين محمد حسن‪ ،‬دار األلباب‪ ،‬ط‬
‫‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -22‬األشباه والنظائر ‪ :‬زين الدين بن إبراهيم بن نجيم (‪970‬هـ) دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت ‪ 1400‬هـ‪.‬‬
‫‪ -23‬أصول الدعوة ‪ :‬د ‪ .‬عبد الكريم زيدان‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‬
‫‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬أصول الفقه اإلسالمي‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار الفكر ط األولى ‪1406‬‬
‫هـ ‪.‬‬
‫‪ -25‬أصول القانون الدولي الخاص ‪ :‬د‪ .‬محمد كمال فهمي‪ ،‬مؤسسة الثقافة‬
‫الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية ‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ -26‬إعالم الموقعين‪ :‬ابن القيم الجوزية‪ ،‬تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد‬
‫المكتبة العصرية‪.‬‬
‫‪ -27‬إعانة الطالبين‪ :‬أبو بكر بن السيد محمد شطا الدمياطي‪ ،‬دار الفكر‬
‫للطباعة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -28‬اإلقناع ‪ :‬أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (‪450‬هـ) مكتبة العروبة‪،‬‬
‫ط‪1402 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -29‬اكتساب الجنسية األصلية بالميالد ألب وطني ‪ :‬د ‪ .‬هشام خالد‪ ،‬دار‬
‫الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية ‪2000‬م‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫اإلنصاف ‪ :‬علي بن سليمان المرداوي (‪885‬هـ) دار إحياء التراث‪،‬‬ ‫‪-30‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫األم ‪ :‬اإلمام محمد بن إدريس الشافعي ( ‪ 204‬هـ) الهيئة المصرية العامة‬ ‫‪-31‬‬
‫للكتاب ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫األموال ‪ :‬أبو عبيد القاسم بن سالم (‪224‬هـ) دار الفكر‪ ،‬بيروت‬ ‫‪-32‬‬
‫‪1408‬هـ‪.‬‬
‫اإلنترنت تقنيات وخدمات ‪ :‬د‪.‬عبد القادر بن عبد اهلل الفتوح‪ ،‬كتيب من‬ ‫‪-33‬‬
‫إصدار " المجلة العربية " شوال ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫البحر الرائق ‪ :‬زين الدين بن نجيم (‪970‬هـ) دار المعرفة‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-34‬‬
‫بدائع الصنائع ‪ :‬عالء الدين الكاساني ( ‪587‬هـ) دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‬ ‫‪-35‬‬
‫‪ ،2‬بيروت ‪1982‬م‪.‬‬
‫بداية المجتهد ‪ :‬محمد بن أحمد بن رشد ( ‪595‬هـ) دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-36‬‬
‫البداية والنهاية ‪ :‬إسماعيل بن كثير( ‪774‬هـ) دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪-37‬‬
‫‪1405‬هـ‪.‬‬
‫البطاقات البنكية ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان‪ ،‬دار القلم ط‪،1‬‬ ‫‪-39‬‬
‫‪1419‬هـ‪.‬‬
‫بطاقة االئتمان ‪ :‬الصديق محمد الضرير ( بحوث مؤتمر األعمال‬ ‫‪-40‬‬
‫المصرفية اإللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة اإلمارات )‪.‬‬
‫بطاقات االئتمان ‪ :‬د‪ .‬محمد عبد الحليم عمر ( بحوث مؤتمر األعمال‬ ‫‪-41‬‬
‫المصرفية اإللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة اإلمارات )‪.‬‬
‫بطاقة االئتمان ‪ :‬د‪.‬مبارك جزاء الحربي ( بحوث مؤتمر األعمال‬ ‫‪-42‬‬
‫المصرفية اإللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة اإلمارات )‪.‬‬
‫البيان والتحصيل‪ :‬ابن رشد القرطبي‪ ،‬دار المغرب اإلسالمي ‪ 1406‬هـ‬ ‫‪-43‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫التاريخ الكبير‪ :‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-44‬‬

‫‪332‬‬
‫‪ -45‬التاج واإلكليل ‪:‬محمد بن يوسف العبدري المواق (‪897‬هـ) دار الفكر‪ ،‬ط‬
‫‪ ،2‬بيروت ‪1398‬هـ‪.‬‬
‫‪ -46‬تبيين الحقائق ‪ :‬فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي (‪743‬هـ) بوالق‪ ،‬ط‬
‫‪1315 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -47‬تحفة األحوذي ‪ :‬محمد عبد الرحيم المباركفوري (‪1353‬هـ) دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -48‬تدوين الدستور اإلسالمي ‪ :‬أبو األعلى المودودي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‬
‫‪1975‬م‪.‬‬
‫‪ -49‬الترغيب والترهيب ‪ :‬عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ( ‪656‬هـ) دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت ‪1417‬هـ‪.‬‬
‫‪ -50‬التشريع اإلسالمي‪ :‬شعبان محمد إسماعيل‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية ط‬
‫األولى‪.‬‬
‫‪ -51‬تفسير الرازي (التفسير الكبير) ‪ :‬فخر الدين محمد بن عمر الرازي (‬
‫‪606‬هـ) ط‪.3‬‬
‫‪ -52‬تفسير الطبري ( جامع البيان ) ‪ :‬محمد بن جرير الطبري (‪310‬هـ) دار‬
‫الفكر‪ ،‬بيروت ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -53‬تفسير القرطبي ‪ ( :‬الجامع في أحكام القرآن ) محمد بمن أحمد‬
‫األنصاري القرطبي ( ‪671‬هـ) دار الشعب‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -54‬تفسير ابن كثير ‪ :‬إسماعيل بن كثير الدمشقي (‪774‬هـ) دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت ‪1401‬هـ‪.‬‬
‫‪ -55‬تفسير المراغي ‪ :‬أحمد مصطفى المراغي‪ ،‬المكتبة التجارية‪.‬‬
‫‪ -56‬تفسير المنار ‪ :‬محمد رشيد رضا‪ ،‬دار الفكر للطباعة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -57‬التعاريف ‪ :‬محمد عبد الرؤوف المناوي ( ‪1031‬هـ) دار الفكر‬
‫المعاصر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت ‪1410‬هـ‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫‪ -58‬التعريفات‪ :‬علي بن محمد بن علي الجرجاني‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‬
‫‪1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -59‬تلخيص الحبير ‪ :‬أحمد بن حجر العسقالني (‪852‬هـ) المدينة المنورة‬
‫‪1384‬هـ‪.‬‬
‫‪ -60‬التمهيد ‪ :‬يوسف بن عبد اهلل بن عبد البر النمري (‪463‬هـ) وزارة‬
‫األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬ط‪ ،1‬المغرب‪.‬‬
‫‪ -61‬تهذيب اآلثار ‪ :‬محمد بن جرير الطبري ( ‪310‬هـ) مطبعة المدني‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -62‬تيسير التحرير‪ :‬محمد أمين بادشاه‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -63‬الثمر الداني ‪ :‬صالح عبد السميع اآلبي‪ ،‬المكتبة الثقافية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪-64‬جامع بيان العلم وفضله‪ :‬ابن عبد البر تحقيق أبي األشبال الزهيري‪ ،‬دار‬
‫ابن الجوزي‪ ،‬الدمام ‪ 1994‬م‪.‬‬
‫‪ -65‬جامع العلوم والحكم= ‪ :‬عبد الرحمن بن رجب الحنبلي (‪795‬هـ) الرسالة‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬بيروت‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -66‬جامع مسائل األحكام ‪ :‬للبرزلي – مجلة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬
‫بالرباط العدد ‪.5‬‬
‫‪ -67‬جمع الجوامع ‪ :‬عبد الوهاب ابن السبكي‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -68‬الجنين المشوه واألمراض الوراثية ‪ :‬د‪ .‬محمد علي البار‪ ،‬دار القلم‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬دمشق‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -69‬حاشية البجيرمي ‪ :‬سليمان بن عمر بن محمد البجيرمي‪ ،‬المكتبة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ديار بكر‪ ،‬تركيا‪.‬‬
‫‪ -70‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ :‬محمد بن أحمد عرفة الدسوقي (‬
‫‪1230‬هـ) عيسى البابي الحلبي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪334‬‬
‫‪ -71‬حاشية ابن عابدين ‪ ( :‬رد المحتار ) محمد أمين الشهير بابن عابدين (‬
‫‪1252‬هـ) دار الفكر للطباعة‪ ،‬بيروت ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -72‬حاشية العدوي ‪ :‬الشيخ علي العدوي (‪1189‬هـ) دار صادر‪.‬‬
‫‪ -73‬حاشية قليوبي وعميرة ‪ :‬أحمد قليوبي (‪1069‬هـ) وأحمد عميرة (‬
‫‪957‬هـ) مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة ‪ 1375‬هـ‪.‬‬
‫‪ -74‬الحركات النسائية وصلتها باالستعمار ‪ :‬محمد عطية خميس‪ ،‬دار‬
‫األنصار‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -75‬الحريات العامة ‪ :‬د ‪ .‬عبد الحكيم عبد اهلل‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة عين‬
‫شمس‪.‬‬
‫‪ -76‬الحساب الفلكي لتحديد أوائل الشهور العربية ‪ :‬د‪ .‬مسلم شلتوت‬
‫( إسالم أون الين )‪.‬‬
‫‪ -77‬الحقوق السياسية للمرأة ‪ :‬د‪ .‬عبد الحميد الشواربي‪ ،‬منشأة المعارف‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.‬‬
‫‪ -78‬حقوق المرأة في اإلسالم ‪ :‬د ‪ .‬محمد عرفة‪ ،‬مطابع الفرزدق التجارية‪.‬‬
‫‪ -79‬حكم إجراء العقود بوسائل االتصال الحديثة ‪ :‬محمد عقلة اإلبراهيم‬
‫( مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية جامعة الكويت‪ ،‬العدد‬
‫الخامس )‪.‬‬
‫‪ -80‬حكم إجراء العقود بوسائط االتصال الحديثة ‪ :‬د‪.‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار‬
‫المكتبي‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ -81‬حكم اإلسالم في وسائل اإلعالم ‪ :‬الشيخ عبد اهلل علوان‪ ،‬دار السالم‪.‬‬
‫‪ -82‬حكم التعاقد عبر أجهزة االتصال الحديثة ‪ :‬د‪.‬عبد الرزاق رحيم الهيتي‪،‬‬
‫دار البيارق‪ ،‬ط‪ ،1‬األردن ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -83‬الحالل والحرام ‪ :‬د ‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬مكتبة وهبة‪.‬‬
‫‪ -84‬حواشي الشرواني ‪ :‬عبد الحميد الشرواني‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫‪ -85‬الخرشي على خليل ‪ :‬محمد بن عبد اهلل بن علي الخرشي‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -86‬الدر المختار ‪ :‬محمد بن علي الحصكفي (‪911‬هـ) دار الفكر‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫بيروت ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -87‬الدر المنثور ‪ :‬جالل الدين السيوطي (‪911‬هـ) دار الفكر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‬
‫‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -88‬الدراية في تخريج أحاديث الهداية ‪ :‬أحمد بن علي بن حجر العسقالني (‬
‫‪852‬هـ) دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -89‬دروس في القانون الدولي الخاص ‪ :‬د‪ .‬هشام صادق و د‪ .‬حفيظة‬
‫الحداد‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية ‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ -90‬الذخيرة ‪ :‬شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (‪684‬هـ) دار الغرب‪،‬‬
‫بيروت ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ -91‬الذريعة إلى مكارم الشريعة ‪ :‬ألبي القاسم الحسين بن محمد بن المفضل‬
‫المعروف بالراغب األصفهاني‪ :‬تحقيق ‪ :‬د‪ .‬أبو اليزيد العجمي‪ ،‬دار‬
‫الوفاء‪ ،‬المنصورة‪.‬‬
‫‪ -92‬الرسالة ‪ :‬محمد بن إدريس الشافعي‪ :‬تحقيق أحمد شاكر دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -93‬روح المعاني ‪ :‬شهاب الدين األلوسي ( ‪1270‬هـ) دار الفكر للطباعة‪،‬‬
‫بيروت ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ -94‬روضة الطالبين ‪ :‬يحي بن شرف النووي (‪676‬هـ) المكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫بيروت ‪ 1386‬هـ‪.‬‬
‫‪ -95‬الروضة الندية ‪ :‬محمد صديق حسن خان (‪1307‬هـ) دار الجيل‪ ،‬بيروت‬
‫‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -96‬الروض المربع ‪ :‬الشيخ منصور بن يونس البهوتي (‪1051‬هـ) مكتبة‬
‫الرياض الحديثة‪ ،‬الرياض ‪ 1390‬هـ‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫‪ -97‬زاد المعاد في هدي خير العباد ‪ :‬شمس الدين ابن القيم الجوزية (‪751‬هـ)‬
‫دار الفرقان‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫‪ -98‬الزواج والطالق في اإلسالم ‪ :‬بدران أبو العينين بدران‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية‪.‬‬
‫‪ -99‬سبل االستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات‬
‫المعاصرة ‪ :‬د ‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار المكتبي‪ ،‬ط‪ 1421 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪-100‬سنن البيهقي ‪ ( :‬السنن الكبرى ) أحمد بن الحسين البيهقي ( ‪458‬هـ)‬
‫دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -101‬سنن الترمذي ‪ :‬أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة‪ :‬تحقيق أحمد‬
‫شاكر‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت‪.‬‬
‫‪ -102‬سنن الدارمي ‪ :‬عبد اهلل بن عبد الرحمن الدارمي ( ‪ 181‬هـ ) دار‬
‫الكتاب العربي بيروت‪.‬‬
‫‪ -103‬سنن أبي داود ‪ :‬اإلمام الحافظ أبو داود سليمان السجستاني‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ -104‬سنن سعيد بن منصور ‪ :‬بن شعبة الخراساني (‪227‬هـ) دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -105‬سنن ابن ماجة ‪ :‬محمد بن يزيد القزويني ( ‪227‬هـ) دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -106‬سنن النسائي ‪ :‬للحافظ عبد الرحمن بن شعيب النسائي (‪303‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫القلم بيروت‪.‬‬
‫‪ -107‬شرح تنقيح الفصول ‪ :‬شهاب الدين القرافي تحقيق طه عبد الرؤوف‪:‬‬
‫مكتبات الكليات األزهرية ط أولى ‪.1393‬‬
‫‪ -108‬شرح صحيح مسلم ‪ :‬يحي بن شرف النووي (‪676‬هـ) دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت ‪1402‬هـ‪.‬‬
‫‪ -109‬الشرح الصغير ‪ :‬أحمد بن محمد الدردير (‪1201‬هـ) دار المعارف‪،‬‬
‫القاهرة ‪1392‬هـ‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫‪ -110‬شرح العمدة ‪ :‬أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (‪727‬هـ) مكتبة العبيكان‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬الرياض ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ -111‬شرح فتح القدير ‪ :‬كمال الدين بن الهمام (‪681‬هـ) دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -112‬الشرح الكبير ‪ :‬أحمد بن محمد الدردير ( ‪1201‬هـ) دار الفكر‪.‬‬
‫‪ -113‬شرح الكوكب المنير‪ :‬الشيخ محمد بن أحمد … المعروف بابن النجار‪:‬‬
‫مكتبة العبيكان ‪ 1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ -114‬شرح منتهى اإلرادات ‪ :‬الشيخ منصور البهوتي ( ‪1051‬هـ) دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -115‬شعب اإليمان ‪ :‬أحمد بن الحسين البيهقي (‪458‬هـ) دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬بيروت ‪ 1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ -116‬الشمائل المحمدية ‪ :‬محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (‪279‬هـ)‬
‫مؤسسة الكتب‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪ -117‬الشورى بين األصالة والمعاصرة ‪ :‬عز الدين التميمي‪ ،‬دار البشير‪،‬‬
‫عمان ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -118‬الشورى بين النظرية والتطبيق ‪ :‬د‪ .‬قحطان الدوري‪ ،‬مطبعة األمة‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬بغداد‪.‬‬
‫‪ -119‬الشورى في اإلسالم ‪ :‬د ‪ .‬حمد الكبيسي‪ ،‬المجمع الملكي لبحوث‬
‫الحضارة اإلسالمية‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪ -120‬الصحاح ‪ :‬إسماعيل بن حماد الجوهري‪ :‬تحقيق أحمد عبد الغفار‬
‫عطار‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط ‪ 1990 ،4‬م‪.‬‬
‫‪ -121‬صحيح البخاري ‪ :‬محمد بن إسماعيل البخاري ( ‪256‬هـ) دار ابن‬
‫كثير‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت ‪ 1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ -122‬صحيح ابن حبان ‪ :‬محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي ( ‪354‬هـ)‬
‫الرسالة‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت ‪1414‬هـ‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫‪ -123‬صحيح مسلم ‪ :‬مسلم بن الحجاج القشيري (‪256‬هـ) دار إحياء التراث‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -124‬ضوابط االجتهاد والفتوى‪ :‬أستاذنا د‪ .‬أحمد طه ريان ‪ :‬دار الوفاء ط‪،1‬‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ -125‬ضوابط للدراسات الفقهية ‪ :‬الشيخ سلمان العودة‪ ،‬دار العاصمة‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ -126‬الطبيب أدبه وفقهه ‪ :‬د‪ .‬زهير السباعي و د‪ .‬محمد على البار‪ ،‬دار‬
‫القلم‪ ،‬ط‪ ،2‬دمشق ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -127‬علم أصول الفقه‪ :‬عبد الوهاب خالف‪ :‬دار القلم‪ ،‬الكويت ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -128‬عمدة القارئ ‪ :‬بدر الدين محمود بن أحمد العيني (‪855‬هـ) دار إحياء‬
‫التراث بيروت‪.‬‬
‫‪ -129‬عون المعبود ‪ :‬محمد شمس الحق العظيم آبادي‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -130‬غاية المنتهى ‪ :‬مرعي بن يوسف الحنبلي (‪1033‬هـ) المؤسسة‬
‫السعيدية‪ ،‬ط‪ 2‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -131‬الفتاوى ‪ :‬الشيخ محمد شلتوت ‪ :‬دار الشروق‪.‬‬
‫‪ -132‬الفتاوى ‪ :‬أبو اسحق إبراهيم الشاطبي‪ :‬جمعها وحققها محمد أبو‬
‫األجفان ط األولى ‪ 1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -133‬فتاوى ابن رشد (الجد) ‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -134‬فتاوى شرعية ‪ :‬الشيخ حسنين مخلوف‪ ،‬دار االعتصام‪ ،‬القاهرة‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -135‬فتاوى علماء البلد الحرام ‪ :‬سعد بن عبد اهلل البريك‪ ،‬مؤسسة‬
‫الجريسي‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -136‬الفتاوى الكبرى ‪ :‬شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪738‬هـ) دار الكتب الحديثة‪،‬‬
‫القاهرة ‪1906‬م‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫‪ -137‬فتاوى لجنة اإلفتاء ‪ :‬بكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية ‪ :‬جامعة‬
‫الكويت‪.‬‬
‫‪ -138‬الفتاوى الهندية ‪ :‬الشيخ نظام‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬ط‪،4‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -139‬الفتاوى والتاريخ ‪ :‬محمد المختار ولد السعد‪ :‬دار الغرب الطبعة‬
‫األولى ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪ -140‬فتاوى معاصرة ‪ :‬الدكتور يوسف القرضاوي‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ -141‬فتح الباري ‪ :‬أحمد بن علي بن حجر العسقالني (‪852‬هـ) دار المعرفة‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -142‬فتح العزيز ‪ :‬الرافعي‪ ،‬المكتبة السلفية‪ ،‬المدينة المنورة‪.‬‬
‫‪ -143‬فتح العلي المالك ‪ :‬الشيخ محمد عليش‪ ،‬مطبعة مصطفى البابي‪ ،‬مصر‬
‫‪1378‬هـ‪.‬‬
‫‪ -144‬فتح القدير ‪ :‬محمد علي الشوكاني (‪1250‬هـ) دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -145‬الفروع ‪ :‬شمس الدين محمد بن مفلح (‪763‬هـ) عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -146‬الفروق ‪ :‬أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي (‪684‬هـ) عالم الكتب‪.‬‬
‫‪ -147‬الفقه اإلسالمي وأدلته ‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪ ،3‬دمشق‬
‫‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪ -148‬فقه الزكاة ‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -149‬فقه العقود المالية ‪ :‬د‪.‬الحسين شواط و د‪.‬عبد الحق حميش‪ ،‬دار‬
‫البيارق‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫‪ -150‬فقه النوازل ‪ :‬إعداد ونشر ‪ :‬الجامعة األمريكية المفتوحة‪.‬‬
‫‪ -151‬فقه النوازل ‪ :‬بكر أبو زيد‪ ،‬دار العاصمة‪.‬‬

‫‪340‬‬
‫‪ -152‬الفقيه والمتفقه= ‪ :‬الخطيب البغدادي‪ :‬تحقيق عادل العزازي‪ :‬دار ابن‬
‫الجوزي‪.‬‬
‫‪ -153‬فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت ‪ :‬عبد العلي الكلنوي‪ :‬دار صادر‬
‫ط األولى‪.‬‬
‫‪ -154‬الفواكه= الدواني ‪ :‬أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي (‪1120‬هـ) دار‬
‫الفكر‪ ،‬بيروت ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ -155‬القاموس المحيط ‪ :‬مجد الدين بن يعقوب الفيروز آبادي ( ‪817‬هـ)‬
‫الرسالة‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت ‪ 1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -156‬قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم اإلسالمي ‪ :‬األمانة العامة‬
‫لرابطة العالم اإلسالمي‪ ،‬ط الرابعة ‪ 1411‬هـ‪.‬‬
‫‪ -157‬قضايا طبية معاصرة ‪ :‬جمعية العلوم الطبية المعاصرة‪ ،‬دار البشير‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬عمان ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ -158‬قضايا فقهية معاصرة ‪ :‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬مكتبة الفارابي‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -159‬قضايا فقهية معاصرة ‪ :‬محمد برهان الدين السنبهنلي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬دمشق ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ -160‬قضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية ‪:‬‬
‫مادون رشيد‪ ،‬قطر‪.‬‬
‫‪ -161‬قواعد األحكام= ‪ :‬العز بن عبد السالم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ -162‬قواعد الفقه ‪ :‬محمد عميم اإلحسان المجددي البركتي‪ ،‬كراتشي‬
‫‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ -163‬القوانين الفقهية= ‪ :‬محمد بن جزي الغرناطي (‪741‬هـ) دار العلم‬
‫للماليين ‪1979‬م‪.‬‬
‫‪ -164‬الكافي ‪ :‬يوسف ابن عبد البر النمري (‪463‬هـ) دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬بيروت ‪ 1407‬هـ‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫‪ -165‬الكافي في فقه الحنابلة ‪ :‬عبد اهلل بن قدامة المقدسي ( ‪620‬هـ) المكتب‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -166‬كشاف القناع ‪ :‬الشيخ منصور البهوتي (‪1051‬هـ) مكتبة النصر‬
‫الحديثة‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -167‬الكليات ‪ :‬أبو البقاء أيوب بن موسى الكفوي ‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪ -168‬لسان العرب ‪ :‬جمال الدين محمد بن كرم بن منظور‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -169‬لقاءات ومحاورات حول قضايا اإلسالم والعصر‪ :‬د‪ .‬يوسف‬
‫القرضاوي‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة ‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ -170‬ماهية بطاقة االئتمان ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬محمد رأفت عثمان ( بحوث مؤتمر‬
‫األعمال المصرفية اإللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة‬
‫اإلمارات )‪.‬‬
‫‪ -171‬مبادىء نظام الحكم في اإلسالم ‪ :‬د ‪ .‬عبد الحميد المتولي‪ ،‬منشأة‬
‫المعارف‪ ،‬ط‪ ،4‬اإلسكندرية ‪1978‬هـ‪.‬‬
‫‪ -172‬مبدأ المساواة في اإلسالم ‪ :‬د ‪ .‬فؤاد أحمد‪ ،‬المكتب العربي الحديث‪.‬‬
‫‪ -173‬المبدع ‪ :‬إبراهيم بن محمد بن مفلح (‪884‬هـ) المكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫بيروت ‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪ -174‬المبسوط ‪ :‬شمس الدين السرخسي (‪490‬هـ) دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -175‬المجتمع اإلسالمي المعاصر ‪ :‬أنور الجندي‪ ،‬دار األنصار‪ ،‬القاهرة‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -176‬مجلة األحكام العدلية ‪ :‬علماء الدولة العثمانية ( كازخانة تجارت كتب‬
‫)‪.‬‬
‫‪ -177‬مجمع الزوائد ‪ :‬نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (‪807‬هـ) دار‬
‫الريان للتراث‪ ،‬القاهرة ‪ 1407‬هـ‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫‪ -178‬المجموع ‪ :‬يحي بن شرف النووي ( ‪676‬هـ) دار الفكر‪ ،‬بيروت‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ -179‬مجموع الفتاوى ‪ :‬لشيخ اإلسالم ابن تيميه‪ :‬جمع عبد الرحمن بن قاسم‬
‫وابنه‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -180‬مجموعة رسائل ابن عابدين ‪ :‬محمد أمين أفندي الشهير بابن عابدين‪:‬‬
‫دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -181‬المحصول في علم أصول الفقه ‪ :‬فخر الدين الرازي‪ ،‬تحقيق طه جابر‬
‫العلواني‪ :‬جامعة اإلمام ط األولى ‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ -182‬المحلى ‪ :‬علي بن أحمد بن حزم (‪456‬هـ) دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -183‬المختصر الوجيز في مقاصد التشريع ‪ :‬د‪ .‬عوض بن محمد القرني‪،‬‬
‫دار األندلس الخضراء‪ -‬جدة‪ ،‬الطبعة األولى ‪.1416/1998‬‬
‫‪ -184‬المدخل إلى الفقه اإلسالمي ‪ :‬محمود محمد الطنطاوي‪ ،‬مطابع البيان‪،‬‬
‫دبي ‪.1988‬‬
‫‪ -185‬المدخل في الفقه اإلسالمي ‪ :‬محمد مصطفى شلبي‪ ،‬دار النهضة‪،‬‬
‫مصر‪.‬‬
‫‪ -186‬المدخل الفقهي العام ‪ :‬الشيخ مصطفي الزرقاء‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ -187‬مدخل لدراسة الفقه اإلسالمي ‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ :‬مكتبة وهبة‪،‬‬
‫مصر‪.‬‬
‫‪ -188‬مراتب اإلجماع ‪ :‬علي بن أحمد بن حزم (‪456‬هـ) دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -189‬مراعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ‪ :‬عبيد اهلل المباركفوري‪،‬‬
‫بنارس الهند ط‪.3‬‬
‫‪ -190‬المرأة بين الفقه والقانون ‪ :‬د‪ .‬مصطفى السباعي‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫ط‪ ،6‬بيروت ‪1984‬م‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫‪ -191‬المرأة بين الشرع والقانون ‪ :‬محمد الحجوي‪ ،‬دار الكتاب‪ ،‬المغرب‪.‬‬
‫‪ -192‬المرأة في اإلسالم ‪ :‬الشيخ حسنين مخلوف‪ ،‬دار األنصار‪ ،‬القاهرة‬
‫‪1978‬م‪.‬‬
‫‪ -193‬المرأة في القرآن والسنة ‪ :‬محمد عزة دروزة‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬ط‪ ،2‬دمشق‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -194‬المرأة والحقوق السياسية ‪ :‬مجيد محمود أبو حجير‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬الرياض ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -195‬المرأة وحقوقها السياسية ‪ :‬الشيخ عبد المجيد الزنداني‪ ،‬مؤسسة‬
‫الريان‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -196‬المرشد اإلسالمي في الفقه الطبي ‪ :‬توفيق الواعي وآخرون‪ :‬دار‬
‫الوفاء‪ ،‬ط‪1410 4‬هـ‪.‬‬
‫‪ -197‬المدونة الكبرى ‪ :‬مالك بن أنس (‪179‬هـ) دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫‪ -198‬مسائل أبي الوليد ابن رشد (الجد) تحقيق‪ :‬محمد الحبيب التجاني دار‬
‫الجيل – بيروت‪.‬‬
‫‪ -199‬المسؤولية الوزارية ‪ :‬د ‪ .‬سيد رجب السيد‪ ،‬القاهرة ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ -200‬مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطالق ‪ :‬أسامة عمر سليمان‬
‫األشقر‪ :‬دار النفائس‪ ،‬األردن ‪ 1420‬هـ ‪ 2000 /‬م‪.‬‬
‫‪ -201‬المستدرك ‪ :‬ألبي عبد اهلل محمد عبد اهلل الحاكم‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -202‬المستصفى من علم األصول ألبي حامد الغزالي ‪ :‬دار صادر‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 1322‬هـ‪.‬‬
‫‪ -203‬المسند ‪ :‬اإلمام أحمد بن حنبل ( ‪204‬هـ) مؤسسة قرطبة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -204‬المشاركة السياسية للمرأة ‪ :‬د ‪ .‬سامية خضر صالح‪ ،‬الصدر لخدمات‬
‫الطباعة‪ ،‬القاهرة ‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ -205‬مصارف الزكاة وتمليكها في ضوء الكتاب والسنة ‪ :‬د‪.‬خالد عبد‬
‫الرزاق العاني‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫‪ -206‬مصادر الحق ‪ :‬د‪ .‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬دار الهنا للطباعة‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪ 1960‬م‪.‬‬
‫‪ -207‬مصباح الزجاجة ‪ :‬أحمد بن أبي بكر إسماعيل الكناني (‪840‬هـ) دار‬
‫العربية‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت ‪ 1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -208‬المصباح المنير‪ :‬أحمد بن محمد بن علي الفيومي‪ :‬المكتبة العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -209‬مصنف ابن أبي شيبة ‪:‬عبد اهلل بن محمد بن أبي شيبة الكوفي (‪235‬هـ)‬
‫مكتبة الرشد‪ ،‬ط‪ ،1‬الرياض‪ 1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -210‬مصنف عبد الرزاق ‪ :‬عبد الرزاق بن همام الصنعاني (‪211‬هـ) المكتب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت ‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪ -211‬مطالب أولي النهى ‪ :‬مصطفى السيوطي الرحيباني (‪1243‬هـ) المكتب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬دمشق ‪1961‬م‪.‬‬
‫‪ -212‬المعامالت المالية المعاصرة ‪ :‬د‪.‬محمد عثمان شبير دار النفائس‪ ،‬ط‬
‫‪1416 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -213‬المعامالت المالية المعاصرة في ضوء الفقه والشريعة ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬محمد‬
‫رواس قلعه جي‪.‬‬
‫‪ -214‬المعجم= األوسط ‪ :‬أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (‪360‬هـ) دار‬
‫الحرمين‪ ،‬القاهرة ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ -215‬المعجم= الصغير ‪ :‬أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (‪360‬هـ)‬
‫المكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -216‬المعجم= الكبير ‪ :‬أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (‪360‬هـ) مكتبة‬
‫العلوم والحكم‪ ،‬ط‪ ،2‬الموصل ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪ -217‬معجم المصطلحات التجارية والتعاونية ‪ :‬د‪.‬أحمد زكي بدوي‪ ،‬دار‬
‫الكتاب المصري‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫‪ -218‬معجم لغة الفقهاء ‪ :‬محمد رواس قلعه جي و د‪ .‬حامد قنيبي‪ ،‬دار‬
‫النفائس‪ ،‬بيروت ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -219‬المعجم= الوسيط ‪ :‬إبراهيم أنيس وآخرون‪ :‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬القاهرة‬
‫‪1961‬م‪.‬‬
‫‪ -220‬معلمة الفقه المالكي ‪ :‬عبد العزيز بن عبد اهلل‪ :‬دار الغرب اإلسالمي ط‬
‫األولى ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -221‬المعونة ‪ :‬القاضي عبد الوهاب البغدادي ( ‪ 422‬هـ) تحقيق ‪ :‬عبد‬
‫الحق حميش‪ ،‬مكتبة الباز التجارية‪ ،‬مكة المكرمة ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ -222‬المغني ‪ :‬عبد اهلل بن أحمد بن قدامة (‪620‬هـ) دار الفكر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‬
‫‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -223‬مغني المحتاج ‪ :‬محمد الخطيب الشربيني ( ) دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -224‬المفردات في غريب القرآن ‪ :‬الحسين بن محمد األصفهاني (‪502‬هـ)‬
‫دار المعرفة بيروت ‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ -225‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ :‬الشيخ محمد بن الطاهر بن عاشور الشركة‬
‫التونسية للتوزيع‪.‬‬
‫‪ -226‬المقاصد العامة للشريعة اإلسالمية ‪ :‬د‪ .‬يوسف حامد العالم – دار‬
‫الحديث بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ -227‬مقدمة لدراسة الفقه اإلسالمي ‪ :‬د‪ .‬محمد كمال الدين إمام – المؤسسة‬
‫الجامعية للدراسات والنشر‪.‬‬
‫‪ -228‬المقنع ‪ :‬عبد اهلل بن أحمد بن قدامة (‪620‬هـ) مكتبة الرياض الحديثة‬
‫‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪ -229‬مكانة المرأة بين اإلسالم والقوانين العالمية ‪ :‬سالم البهنساوي‪ ،‬دار‬
‫القلم‪ ،‬الكويت ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -230‬مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة ‪ :‬د‪.‬محمد بلتاجي‪ ،‬دار السالم‪،‬‬
‫ط‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫‪ -231‬الملكية ونظرية العقد ‪ :‬الشيخ محمد أبو زهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪ -232‬من توجيهات اإلسالم ‪ :‬الشيخ محمود شلتوت‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط‪،7‬‬
‫مصر ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ -233‬من فقه األقليات المسلمة ‪ :‬خالد محمد عبد القادر‪ ،‬كتاب األمة‪ ،‬قطر‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -234‬من هدي القرآن ‪ :‬الشيخ محمود شلتوت دار الكتاب العربي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪-235‬منهاج السنة ‪ :‬شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪728‬هـ) تحقيق ‪ :‬محمد رشاد‬
‫سالم‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬الرياض ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -236‬المهذب ‪ :‬إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -237‬الموافقات في أصول الشريعة ‪ :‬ألبي اسحق الشاطبي‪ :‬دار المعرفة‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -238‬مواهب الجليل ‪ :‬محمد بن عبد الرحمن المغربي الحطاب ( ‪954‬هـ)‬
‫دار الفكر‪ ،‬بيروت ‪1398‬هـ‪.‬‬
‫‪ -239‬موت الدماغ بين الطب والشريعة ‪ :‬ندى محمد نعيم الدقر‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫دمشق ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ -240‬موجبات األحكام وواقعات األيام ‪ :‬قاسم بن عبد اهلل الجمالي ابن‬
‫قطلوبغا‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬بغداد ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -241‬الموجز في القانون الدولي الخاص‪ :‬بدر الدين عبد المنعم شوقي‪،‬‬
‫مكتبة الخدمات الحديثة‪ ،‬جدة‪.‬‬
‫‪ -242‬الموسوعة الفقهية ‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -243‬الموسوعة الطبية الفقهية= ‪ :‬أحمد محمد كنعان‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫بيروت ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ -244‬الموطأ ‪ :‬اإلمام مالك بن أنس ( ‪ 179‬هـ) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪،‬‬
‫دار الكتاب المصري‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫‪ -245‬نصب الراية ‪ :‬لجمال الدين عبد اهلل بن يوسف الزيلعي‪ :‬دار الحديث‪،‬‬
‫الهند‪.‬‬
‫‪ -246‬نظام التأمين حقيقته والرأي الشرعي فيه ‪ :‬الشيخ مصطفى أحمد‬
‫الزرقاء‪.‬‬
‫‪ -247‬النظام السياسي في اإلسالم ‪ :‬د‪.‬محمد أبو فارس‪ ،‬دار الفرقان ط‪،2‬‬
‫عمان ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -248‬النظرية اإلسالمية في الدولة ‪ :‬حازم عبد المتعال الصعيدي‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية ط‪1977 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -249‬نظرية اإلسالم وهديه ‪ :‬أبو األعلى المودودي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بيروت ‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪ -250‬نظرية الضرورة الشرعية ‪ :‬جميل محمد مبارك‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬القاهرة‬
‫‪.1988‬‬
‫‪ -251‬نهاية السول في شرح منهاج األصول ‪ :‬جمال الدين اإلسنوي‪ ،‬عالم‬
‫الكتب القاهرة‪.‬‬
‫‪ -252‬النهاية في غريب الحديث ‪ :‬مجد الدين المبارك بن األثير (‪606‬هـ)‬
‫تحقيق‪ :‬طاهر أحمد الزاوي ومحمود الطناحي‪ ،‬دار إحياء الكتب‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -253‬نهاية المحتاج ‪ :‬محمد بن أحمد الرملي (‪1004‬هـ) دار إحياء التراث‬
‫العربي بيروت‪.‬‬
‫‪ -254‬نيل األوطار ‪ :‬محمد بن علي الشوكاني (‪1250‬هـ) دار الجيل‪ ،‬بيروت‬
‫‪1973‬م‪.‬‬
‫‪ -255‬الهداية في شرح البداية ‪ :‬علي بن أبي بكر المرغيناني (‪593‬هـ)‬
‫المكتبة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -256‬الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع ‪ :‬د‪.‬إياد أحمد‬
‫إبراهيم‪ ،‬دار الفتح للدراسات والنشر ط‪ ،1‬األردن‪1423 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫‪ -257‬الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية ‪ :‬محمد صدقي البورنو‪ :‬مكتبة‬
‫المعارف‪ :‬ط الثانية الرياض ‪ 1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ -258‬الوسيط ‪:‬محمد بن محمد الغزالي (‪505‬هـ) دار السالم‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‬
‫‪1417‬هـ‪.‬‬
‫‪ -259‬الوسيط في القانون الدولي الخاص ‪ :‬د‪ .‬سامي بديع منصور‪ ،‬دار‬
‫العلوم‪ ،‬بيروت ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ -260‬والية المرأة في الفقه اإلسالمي ‪ :‬حافظ محمد أنور‪ ،‬دار بلنسية ط‬
‫‪ ،1‬الرياض ‪1999‬م‪.‬‬

‫المجالت ‪:‬‬
‫مجلة األسرة ‪ :‬العدد ‪.46‬‬ ‫‪-‬‬
‫مجلة البحوث اإلسالمية ‪ :‬الرئاسة العامة للبحوث واإلفتاء (المجلد األول‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫العدد الثاني)‪.‬‬
‫مجلة البحوث الفقهية= المعاصرة ( العدد ‪.) 42‬‬ ‫‪-‬‬
‫مجلة كلية الدراسات اإلسالمية والعربية (بدبي)‪ :‬العدد الخامس ‪1413‬هـ‪/‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪1992‬م‪.‬‬
‫مجلة الشريعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة الكويت (العدد الخامس‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫يوليو ‪1986‬م)‪.‬‬
‫مجلة المجمع الفقه اإلسالمي – التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي ( العدد‬ ‫‪-‬‬
‫األول والعدد الثالث والعدد السابع والعدد الثاني عشر )‪.‬‬
‫مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي – التابع لرابطة العالم اإلسالمي ( العدد‬ ‫‪-‬‬
‫األول )‪.‬‬
‫مجلة لها اللندنية ( العدد ‪13/11/2002 ) 113‬م‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫المواقع اإللكترونية ‪:‬‬


‫‪www.missiar.com‬‬
‫‪www.khayma.com‬‬

‫‪349‬‬
www.islam-online.net
www.bouti.net
www.darislam.com
www.binbaz.org.sa
www.almoslim.net

350
‫الصفحة فهرس الموضو‬ ‫الموضوع‬
‫‪5‬‬ ‫المقدمة‬ ‫‪)1‬‬
‫‪92 -11‬‬ ‫الفصل األول ‪ :‬مدخل إلى " القضايا الفقهية المعاصرة "‬
‫‪22 -13‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬صالحية الشريعة لكل زمان ومكان‬ ‫‪.Article II‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪ -‬المطلب األول ‪ :‬صالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان ‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬عموم الشريعة وبقاؤها وما يستلزم ذلك ‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث‪ :‬دالئل صالحية الشريعة اإلسالمية لكل زمان ومكان ‪.‬‬
‫‪27 -23‬‬
‫المبحث الثاني‬ ‫(‪)i‬‬
‫‪ :‬حقيقة " القضايا المعاصرة "‬
‫‪23‬‬ ‫‪ -‬المطلب األول ‪ :‬تعريف القضايا الفقهية المعاصرة ‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬األلفاظ ذات الصلة‬
‫‪39 -29‬‬ ‫المبحث= الثالث‪ :‬أهمية موضوع " القضايا= الفقهية المعاصرة "‬
‫‪29‬‬ ‫‪ -‬المطلب األول ‪ :‬أنواع القضايا المعاصرة وأمثلتها ‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬خصائص ‪ :‬القضايا الفقهية المعاصرة " ‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫‪36‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث‪ :‬في فوائد وأهمية " القضايا الفقهية المعاصرة " ‪.‬‬
‫‪68 -41‬‬
‫المبحث الرابع‬ ‫(‪)ii‬‬
‫‪ :‬االجتهاد في القضايا المعاصرة‬
‫‪41‬‬ ‫‪ -‬المطلب األول ‪ :‬شروط المتصدر للفتوى في القضايا المعاصرة ‪.‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬اجتهاد الصحابة في النوازل ‪.‬‬
‫‪52‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث ‪ :‬طريقة االجتهاد في اإلسالم ‪.‬‬
‫‪54‬‬ ‫‪ -‬المطلب الرابع ‪ :‬ضوابط االجتهاد في القضايا المستجدة ‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫‪ -‬المطلب الخامس‪ :‬منهج دراسة القضايا المعاصرة ‪.‬‬
‫‪78 -69‬‬ ‫المبحث= الخامس ‪ :‬االجتهاد الجماعي في القضايا المعاصرة‬
‫‪69‬‬ ‫‪ -‬المطلب األول ‪ :‬تعريف االجتهاد الجامعي ‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬أهمية االجتهاد الجامعي في هذا العصر ‪.‬‬
‫‪76‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث‪ :‬ظهور المجامع الفقهية ‪.‬‬
‫‪92 -79‬‬ ‫المبحث السادس ‪ :‬مصادر ‪ :‬القضايا لفقهية المعاصرة "‬ ‫‪)a‬‬
‫‪79‬‬ ‫‪ -‬المطلب األول ‪ :‬أهم الكتب التي تعرضت للقضايا الفقهية المعاصرة ‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬المجالت المتخصصة في الدراسات اإلسالمية بأبحاث‬
‫الفقه واالجتهاد ‪.‬‬
‫‪90‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬المواقع اإللكترونية المهتمة بالقضايا الفقهية المعاصرة ‪.‬‬
‫‪332 -93‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬دراسة بعض القضايا المعاصرة‬
‫‪95‬‬ ‫‪ -‬المبحث األول ‪ :‬اعتماد الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور القمرية‬
‫‪111‬‬ ‫‪ -‬المبحث الثاني ‪ :‬مصرف " في سبيل اهلل " ‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫‪ -‬المبحث الثالث‪ :‬إجراء العقود بآالت االتصال الحديثة ‪.‬‬
‫‪145‬‬ ‫‪ -‬المبحث الرابع ‪ :‬البطاقة االئتمانية ‪. .‬‬

‫‪352‬‬
‫‪167‬‬ ‫‪ -‬المبحث الخامس‪ :‬التأمين التعاوني ‪.‬‬
‫‪181‬‬ ‫‪ -‬المبحث السادس‪ :‬زواج المسيار ‪.‬‬
‫‪193‬‬ ‫‪ -‬المبحث السابع ‪ :‬حكم التبرع باألعضاء ‪.‬‬
‫‪219‬‬ ‫‪ -‬المبحث الثامن ‪ :‬إجهاض الجنين المشوه ‪.‬‬
‫‪235‬‬ ‫‪ -‬المبحث التاسع ‪ :‬االستنساخ ‪.‬‬
‫‪249‬‬ ‫‪ -‬المبحث العاشر‪ :‬قتل الرحمة ‪.‬‬
‫‪267‬‬ ‫‪ -‬المبحث الحادي عشر ‪ :‬مسائل من فقه األقليات المسلمة ‪.‬‬
‫‪281‬‬ ‫‪ -‬المبحث الثاني عشر ‪ :‬حكم التجنس بالجنسية األجنبية ‪.‬‬
‫‪295‬‬ ‫‪ -‬المبحث الثالث عشر‪ :‬اشتراك المرأة في االنتخابات ‪.‬‬
‫‪317‬‬ ‫‪ -‬المبحث الرابع عشر‪ :‬موقف اإلسالم من السينما والتمثيل ‪.‬‬
‫‪333‬‬ ‫‪ -‬قائمة المراجع ‪.‬‬
‫‪355‬‬ ‫‪ -‬فهرس الموضوعات= ‪.‬‬

‫‪353‬‬

You might also like