You are on page 1of 48

https://coptic-treasures.

com/
‫كتاب نحو التوبة‬
‫إن التوبة ال ُتقدَّم بشغف فحسب‪،‬‬
‫أٌضا‬
‫بل وبسرعة ً‬
‫القدٌس امبروسٌوس‬
‫أرجوكـــم ٌا أح ّبـــائـــً‬
‫بـاســم ٌســوع المسٌـــح‬
‫أالّ ُت ْهمِلـــوا خالصـــكـم‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫القدٌس أنطونٌوس‬
‫مدخل‬
‫الحٌاة الٌوم أصبحت وادي من القلق‪ .‬وإنسان الٌوم أصبح َقلِ ًقا أكثر من أيّ وق ٍ‬
‫ت‬
‫ضى‪ ،‬فالتم ُّدن والتحوُّ ل الذي طرأ على الحٌاة مُحوِّ الً إٌّاها إلى مُجْ َت َمع‬ ‫م َ‬
‫بشكل مباشر على‬ ‫ٍ‬ ‫استهبلكًّ قد غٌَّر من خصابص السلوك البشري بل وأثــَّر‬
‫ُمز ًقا بٌن ما ٌراه وما‬‫تفكٌره وقراراته وقناعاته وأولوٌاته‪ ،‬ممّا جعل اإلنسان م َّ‬
‫ٌرٌده‪ .‬ح ّتى إرادة اإلنسان نفسها قد طالتها ثقافة المدنٌَّة واالستهبلك فؤصبحت‬
‫َّبة مُتلقٌ ًَّة‪ ،‬وك ّل هذا قد آل فً نهاٌة األمر إلى التغرُّ ب‬
‫شة مُغٌ ً‬‫ُشو ً‬ ‫إراد ًة ه َّش ًة م َّ‬
‫الكٌانً الذي استوطن خرابِب قلب اإلنسان‪ .‬ح ّتى النهضة التً كانت تهدف إلى‬
‫شوكة فً كٌانه ال ٌستطٌع أن ٌنتزعها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سعادة وراحة ورفاهٌَّة اإلنسان أصبحت‬
‫ً‬
‫مركزا‬ ‫وذلك ألن النهضة أعادت توزٌع األدوار الكونٌَّة‪ ،‬فجعلت من اإلنسان‬
‫للوجود‪ ،‬علٌه أن ٌُح ِّقق بنفسه االستقرار للكون وللطبٌعة ولِذاته‪ ،‬وهو ما ٌفوق‬
‫قدراته وٌتع َّدى اختصاصاته فً هذه الحٌاة‪ .‬فتنا َمى القلق الوجدانً وتسلَّل إلى‬
‫وتحول إلى قلق كٌانً ال ٌهدأ وال ٌتو َّقف‪ٌُ ،‬حاصِ ر اإلنسان لٌل نهار‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الكٌان‬
‫ٌُ ْبعِده عن هوٌته الذاتٌَّة‪ ،‬وٌُعمً بصٌرته عن معرفة دوره فً الحٌاة والوجود‪.‬‬
‫والقلق بحسب تعرٌف كٌركجارد (الفٌلسوف الدانماركً) هو [ التحدٌد الدقٌق‬
‫تجذر للخطٌبة فً كٌاننا اإلنسانً وما ٌَ ْت َبعه من‬ ‫للخطٌبة ]‪ .‬فالقلق هو نتٌجة ُّ‬
‫تغرُّ ب اإلنسان عن هللا‪ .‬فالخطٌبة هً تو ُّتر إنسانً ٌنشؤ حٌنما ننحرف عن‬
‫ضى بمدار الحٌاة الزمنً والتم ُّتع‬ ‫مسارنا‪ ،‬ونشوِّ ه خ ِْلقتنا بالتحالُف مع العالم والر َ‬
‫بلذات الحواس المادٌَّة‪ .‬وهذا التو ُّتر ٌستمر طالما اإلنسان قانع بمركزٌَّته‬ ‫الوقتً َّ‬
‫فً الحٌاة رافضًا تسلٌم دفة القٌادة هلل مرّة أخرى‪ .‬وهذا عٌنه ما وصفه القدٌس‬
‫مكارٌوس الكبٌر بؤنه السقوط فً [ فقر الخطٌبة المُرعب ] ‪.‬‬
‫إن مؤساتنا المعاصرة هً أننا ابتعدنا عن كوننا صورة هللا‪ ،‬محاولٌن أن نخلق‬
‫أسطورتنا الشخصٌَّة ونرسم لوحتنا الفردٌَّة بمنؤى عن هللا‪ .‬ولكن ما ٌغٌب عن‬
‫أذهان نا هو أنه ال مركزٌَّة مطلقة لئلنسان فً الحٌاة!! إنها مركزٌَّة الشٌطان‬
‫المُتخفً وراء تطلُّعات وطموح اإلنسان‪ .‬فحٌنما ُنقصً هللا عن مركزٌَّة حٌاتنا‬
‫فإننا ندعو الشٌطان لٌتسلَّم القٌادة بدالً منه‪ ،‬متوهمٌن أنه ٌمكننا ـ بمفردنا ـ‬
‫امتبلك حق االختٌار والقرار فً الحٌاة دون تدخـُّل إلهً!!‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫من هنا ندرك أن الحل الوحٌد لنزع فتٌل القلق من كٌاننا اإلنسانً هو أن ُنسلِّم‬
‫هللا حق القٌادة ونعٌد تتوٌجه ُد ْف َعة أخرى على الحٌاة برُمتها‪ .‬وهذا هو التعرٌف‬
‫الشامل لمفهوم التوبة‪ .‬وهذا سٌكون مِحور حدٌثنا فً الصفحات القادمة‪.‬‬
‫لماذا الخطٌئة؟‬
‫إنه سإال حابر ٌتر َّدد صداه فً قلوب متؤلمة تشتهً وتشتاق أن َّ‬
‫تتذوق حٌاة‬
‫البرّ‪ ،‬بٌنما ٌَ ْن َشب مار ُد اإلثم أظافره فً كٌانها اإلنسانً الرقٌق‪ .‬سإال تطرحه‬
‫ترى اإلرادة حاضرة والشوق جارف والرغبة عارمة‬ ‫النفس فً دهشةٍ‪ ،‬حٌنما َ‬
‫فً اقتفاء آثار الرب‪ ،‬بٌنما ُتبصِ ر الس قوط واالنهزام فً واقعها الٌومً‪ ،‬وترى‬
‫طٌور الحزن مُحلِّقة على فردوس القلب المفقود والنقاوة التابهة فً الصراع‬
‫الدابر بٌن الب ّر واإلثم‪.‬‬
‫وٌشتد إلحاح هذا التساإل‪ ،‬حٌنما تجد نفسك تسٌر خطوة على درب النور‪،‬‬
‫وتنفتح بصٌرتك فً لحظات الصبلة الصادقة على األبدٌَّة‪ .‬و ُتعاٌن فً نشوةٍ‪،‬‬
‫الفرح ومجد الحٌاة المُسْ َتتِرة فً المسٌح؛ ولكنك تصطدم فجؤة بحجر عثرة‬
‫آثمة على الطرٌق!! وترى ف ًّخا مخف ًٌّا تحت‬‫ٌ‬ ‫ٌعترض مسٌرتك؛ حجر ألقته ٌ ٌد‬
‫أعشاب النواٌا الحسنة والغاٌات الطٌِّبة‪ ،‬فتسقط فٌه‪ ،‬وتجد أنه ٌَه َْوى بك إلى‬
‫ومظلم‪ ،‬حٌث روح الظلمة ٌَ ِرفُّ على عتبته الرطبة الباردة؛ إنه‬
‫ٍ‬ ‫ضٌق‬
‫ٍ‬ ‫سردا ٍ‬
‫ب‬
‫سرداب الخطٌبة الذي ٌنتهً بهاوٌة الموت!!‬
‫وتجد أصوات المحٌطٌن تدعوك ألن تقرأ الكلمة اإللهٌَّة‪ ،‬حٌنما ٌستولً علٌك‬
‫جو ٌع ونه ٌم للحٌاة الجدٌدة‪ ،‬ف ُت ْبصِ ر برٌ ًقا أخـ َّ ًاذا ٌَشِ ع من بٌن السطور والحروف‬
‫والكلمات‪ ،‬وفٌما تبدأ حبّات الحٌاة فً تكوٌن أولى براعم اإلنسان الجدٌد‪ ،‬حسب‬
‫منطق ملكوت هللا غٌر المادي‪ ،‬داخل قلبك‪ ،‬تجد شو ًكا ٌخرج فً غفلة النفس عن‬
‫الوصٌَّة‪ٌ ،‬لتقط براعم الحٌاة الجدٌدة‪ٌ ،‬خنقها وهً بعد صغٌرة‪ ،‬قبل أن ت ُش ّق‬
‫طرٌقها نحو النور!!‬
‫فإذ بك ُتسْ ِرع ل ُتلقً بذاتك فً َم ْخدَ ع الصبلة‪ ،‬فهناك ٌدا المُخلِّص مبسوطة على‬
‫الدوام‪ .‬ف َتسْ ُكب دموعك بل طِ ٌ َبك‪ ،‬وإذ بالفرح والراحة ٌؤتٌان لٌستقرا بٌن جدران‬
‫قلبك‪ ،‬وكؤنك خلعت ثوب األرض‪ ،‬وتسلَّ َ‬
‫قت جبل تابور‪ ،‬حٌث ضٌاء المجد ٌَ ْغمُر‬
‫ٌ‬
‫كشفة أمام بصٌرة الروح‪.‬‬ ‫الحضور‪ ،‬وأسرار الملكوت ُم ْن‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫وحٌنما تخرج من َم ْخ َدع الصبلة‪ ،‬تجد لسان حالك ٌرجو المُخلِّص بكلمات‬
‫بطرس على جبل التجلً‪ ،‬قاببلً‪ٌ « :‬ارب جٌد أن نكون ههنا » (مت‪)4 :17‬؛‬
‫فههنا النور والبهجة وال ُنصرة والمجد والقوَّ ة‪ ،‬وههنا الرجاء ٌتجسَّد واق ًعا‬
‫بحضور هللا‪ .‬ولكن األرض والزمن والجسد ٌؤبون أن ُتحلِّق الروح بعٌ ًدا عن‬
‫ُرغمة من على جبل المجد المُستعْ لَن فً الصبلة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سلطان المادة‪ ،‬فتنزل م‬
‫واللذة والمال معجونون‬ ‫َّ‬ ‫لتصطدم بحٌا ٍة منسوج ٍة بخٌوطٍ عبث ٌَّةٍ؛ فالشهوة والسلطة‬
‫روح سابح ٍة فً بحار‬ ‫ٍ‬ ‫بتراب األرض‪ٌُ ،‬ش ِّكلون مار ًدا ٌطؤ بقسوة إبلٌسٌَّة ك ّل‬
‫افعة شِ راع وشرٌعة المحبّة فً وجه الحٌاة‪.‬‬ ‫الرجاء غٌر المنظور‪ .‬ك ّل روح ر ٌ‬
‫ٍ‬
‫تذهب إلى الكنٌسة‪ ،‬حٌث َج ْم ُع الرب ُم َّتحِد معًا‪ ،‬فترفع صلواتك لتمزجها مع‬
‫صلوات جسد المسٌح التً ٌُصعِدها الروح الحاضر فً الكنٌسة إلى اآلب‪،‬‬
‫ارك اآلب على الجماعة المُصلٌَِّّة‪ ،‬وٌهبها عربون الحٌاة الجدٌدة؛ جسد ٌسوع‬ ‫ف ٌُ َب ِ‬
‫احتوت الملكوت!! وأن الخطٌبة لن‬ ‫ْ‬ ‫ودمه‪ .‬فتتقوَّ ى النفس وتستشعر وكؤنها قد‬
‫تستطٌع أن تتربَّص بها من جدٌد‪ ،‬وأن الشٌطان سٌُعْ لِن هزٌمته أمام مجد‬
‫الخبلص الذي استق ّر فً قلوب َمنْ نالوا سِ ّر الحٌاة المُق َّدم فً اإلفخارستٌا‪.‬‬
‫ولكنك بعد قلٌل تجد شهوات الجسد تثور من جدٌد‪ ،‬ومُغرٌات الحٌاة ُتعاود‬
‫ب من تراب‪ ،‬لتجعل منه‬ ‫إلحاحها‪ ،‬ومطالب األرض تبدأ م ّرة أخرى فً نسج ثو ٍ‬
‫شرنقة تحجز فٌها روحك الوثــَّابة نحو هللا‪ ،‬لتحرمها من انطبلقها نحو الرب‪،‬‬
‫محبوب النفس وج َّل مشتهاها‪.‬‬
‫ثنائٌة الحٌاة‬
‫ووسط ك ّل هذا التناقض الذي ٌحٌط بالنفس‪ ،‬تتسابل‪ :‬أما من َح ٍّل للخطٌبة؟ أما‬
‫ُبرق‪ ،‬لٌصٌر هو سِ مة‬ ‫نور أبدي ٌ ِ‬
‫من انكسار نهابً إلبلٌس وأعوانه؟ أما من ٍ‬
‫الحٌاة التً ال َتقبل الظلمة؟؟‬
‫وفً وسط حٌرتك وتر ُّقبك إجابة لتساإالتك‪ ،‬تجد صو ًتا خاف ًتا هاد ًبا ٌتر َّدد صداه‬
‫فً أعماقك القصٌَّة‪ ،‬صو ًتا ٌقول لك‪ « :‬إن ُم َّدة ك ّل أٌام األرض‪ ،‬زرع وحصاد‪،‬‬
‫برد وحر‪ ،‬صٌف وشتاء‪ ،‬نهار ولٌل‪ ،‬ال تزال »‪ .‬فإذ بك تنتبه أن تلك الكلمات‬
‫لٌست سوى الكلمات التً وردت بفم الرب فً سفر التكوٌن (‪ .)22 :8‬إنها‬
‫الكلمات التً َخ َت َم بها الرب على قصة الطوفان بعد أن قرَّ ر أن ٌحتمل تغرُّ ب‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫اإلنسان عنه فً ال َشرِّ ‪ ،‬وأنه لن ٌعود ٌفنٌه‪ ،‬ألن نسٌ َج ال َشرِّ قد تو َّغل فً كٌان‬
‫اإلنسان ٌوم سقط‪ .‬وأصبح اإلنسان ٌحٌا بٌن قطبً النور والظلمة‪ .‬وصارت‬
‫الحٌاة كلها ثنابٌات تتجاذب البشرٌَّة؛ ثنابٌات ما بٌن‪:‬‬
‫السقوط والقٌام‪،‬‬
‫االبتعاد واالقتراب‪،‬‬
‫االنكسار واالنتصار‪،‬‬
‫الحزن والفرح‪،‬‬
‫الضٌق والسعة‪،‬‬
‫األنٌن والبهجة‪،‬‬
‫الموت والحٌاة‪،‬‬
‫الجسد والروح‪،‬‬
‫األنا واآلخر‪،‬‬
‫الفرد ٌَّة والشخصان ٌَّة‪،‬‬
‫الكٌنونة والتملُّك‪،‬‬
‫المحدود وال ُمطلَق‪،‬‬
‫العدم والوجود‪،‬‬
‫الزمن واألبد ٌَّة‪.‬‬
‫إنها الحٌاة النسبٌَّة التً نحٌاها‪ ،‬التً هً مزٌ ٌج من متناقضاتٍ‪ .‬فالتراب ٌجاور‬
‫الروح فً الكابن البشري‪ .‬إنها واقعٌَّة الحٌاة التً ٌُرٌدنا الروح القدس أن نعٌها‬
‫ونتعلَّمها‪ .‬فالحٌاة لٌست أُحادٌَّة الجانب؛ فهً لٌست مادٌَّة مُتكثــِّفة فقط‪ ،‬كما أنها‬
‫ضا‪ .‬إنها مجموعة من الثنابٌات‪ .‬وما ٌُش ِّكل توجُّ هنا‬
‫لٌست روحٌَّة بسٌطة فقط أٌ ً‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫اإلنسانً فً مسٌرتنا بٌن ثنابٌات الوجود هو مٌلنا صوب أحد طرفـً الحٌاة‪،‬‬
‫وصراعنا للتحرُّ ر من الطرف اآلخر‪.‬‬
‫لذا ٌجب أن ننتبه إلى أنه بعد السقوط الذي أفسد الطبٌعة كلها‪ ،‬دخلت الخطٌَّة إلى‬
‫البلُّورٌَّة التً ال تشوبها شاببة هو حل ٌم‬
‫صمٌم المادة المخلوقة‪ .‬لذا فإن وهم النقاوة ِ‬
‫بعٌد المنال طالما أننا أسرى الزمن والتراب‪ .‬كما أن هللا ال ٌطالبنا بالنتابج ولكنه‬
‫ٌطالبنا بالحركة والدفاع عن ثوب الخبلص‪.‬‬
‫فالنقاوة التً ٌجب أن نس َعى إلٌها هً ولٌدة صراع مستمر‪ ،‬آنً‪ ،‬متواصل‪.‬‬
‫وهذا الصراع هو الذي ٌستقطِ ب هبات الروح المجانٌَّة لنا‪ ،‬خا ِتمًا إٌاها بالنقاوة‬
‫والطهر‪ .‬لكن ٌب َقى هبوب نسٌم الروح على أعتاب قلوبنا مرهو ًنا بٌقظتنا‬ ‫ُ‬
‫وصراخنا ورجاإنا فً نوال المعونة والخبلص‪ ،‬وٌب َقى نداإنا الذي ٌنطلق‪ ،‬لٌل‬
‫نهار‪ ،‬من صمٌم قلوبنا المتر ِّقبة شعاعًا من نور‪ ،‬ومن وسط غٌمات شتاء‬
‫س ] (من ِق َطع‬‫الخطٌبة القارس‪ ،‬هو‪ [ :‬هل ّم تفضَّل‪ ،‬حِل فٌنا‪ ،‬وطهِّرنا من ك ّل دن ٍ‬
‫الساعة الثالثة ‪ /‬صلوات السواعً)‪ .‬الروح هو مُطهِّرنا من الدنس والخطٌبة‬
‫ولٌس جهادنا‪ .‬أالَّ ُنطفِا الروح داخلنا ٌب َقى هو غاٌة ك ّل جها ٍد ض ّد أعداء النور‪.‬‬
‫ًإذا مطلب هللا م َّنا لٌس هو التخلُّص من الخطٌبة ولكنه الصراع ض ّد الخطٌبة‪،‬‬
‫بٌنما التخلُّص من الخطٌبة هو الثمرة التً ٌقتطفها لنا الروح من شجرة الحٌاة‬
‫التً ال ٌموت آكلوها‪.‬‬
‫من هنا ٌمكننا أن نعرف أن سِ ّر انكسار الخطٌبة ٌكمن فً ٌقظتنا إِبَّان الصراع‬
‫على الدوام ودببنا على التخلُّص من ك ّل خطٌبة َعلِ َقت بثوبنا النقً الذي لبسناه‬
‫ٌوم معمودٌتنا‪ .‬فبل نقاوة بدون صراع مع الظلمة‪ ،‬وذلك ألن نقاوتنا مُه َّددة على‬
‫الدوام من أعدا ٍء ال ٌنامون وال ٌهدأون وال ٌضجرون من كثرة الهزابم‪.‬‬
‫ثنائٌة التوبة‬
‫آن‬
‫إن التوبة ذاتها هً إحدَى ثنابٌات الحٌاة‪ .‬فهً تعبٌر عن المٌل والصراع فً ٍ‬
‫واحد‪ .‬إنها مٌ ٌل لمشورة الروح بالعودة إلى هللا‪ ،‬كما أنها ـ فً ذات الوقت ـ‬
‫صرا ٌع ض ّد خٌوط الشٌطان التً ترٌد أن ُتعرْ قِل تلك الحركة نحو هللا‪ .‬إنها‬
‫ُتمثــِّل ثنابٌَّة داخلٌَّة فً قلب اإلنسان؛ فاالقتراب من مدار النور اإللهً هو فً‬
‫نفس الوقت إظهار مُإلم لحالة النفس المُتد ِّنسة بالخطاٌا والتع ّدٌات‪ ،‬تلك التً‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫لَ ِح َقت بها من جرّاء الخضوع للعالم وقانونه المادي‪ .‬فالنور وحده هو المُخبِّر‬
‫عن الظلمة‪ .‬وهذا ما ٌجعلنا فً حالة نِزاع دابم بٌن رجاء االقتراب ورهبة‬
‫االقتراب‪ ،‬شوق اللقاء َ‬
‫وخشٌْة اللقاء!!‬
‫وعن ذلك النزاع الذي تجوزه النفس حٌنما ٌَب ُرق نور هللا فً أُفـ ُ ِق الروح‪ٌُ ،‬ح ِّدثنا‬
‫صفرونً سخاروف (الراهب الروسً) فً كتابه (معاٌنة هللا كما هو)‪ ،‬قاببلً‪:‬‬
‫… ٌُصبـِـح اإلنسـان ُم َم َّزقــًا؛‬
‫من جهــةٍ‪ ،‬هو غـارق فً هلعـه‬
‫من رؤٌـة ذاتـه على ما هً علٌـه من قباحـات‪،‬‬
‫قـو ٍة لم ٌعرفهـا من قبـل‪،‬‬
‫ومن جهــ ٍة أخرى‪ ،‬فهو ٌشعـر بفٌـض َّ‬
‫الحـً …‬
‫ّ‬ ‫ناجمــة عن رؤٌــة اإللـه‬
‫كما ٌكتب كالٌستوس وٌر فً كتابه (الملكوت الداخلً)‪ ،‬قاببلً‪:‬‬
‫آن معــًا‬
‫التوبــة ال ُمفعمــة ألمــًا وفرحــًا فً ٍ‬
‫ُتعبــِّر عن التو ُّتـر الخـالَّق‬
‫الذي طالما طبـع الحٌـاة المسٌحٌــَّة على هذه األرض‪.‬‬
‫إنَّ تلك الثنابٌَّة الضرورٌَّة التً ُتش ِّكل توبتنا هً بالفعل تو ُّتر خبلَّق‪ ،‬ألنه من بٌن‬
‫ألم رإٌة النفس على حقٌقتها‪ْ ٌَ ،‬برُق النور اإللهً علٌها‪ ،‬فتذوب فً نشوة التبلقً‬
‫مع هللا‪ ،‬مُتناسٌ ًَّة ذاتها وحالتها وحقٌقتها‪ .‬تلك هً أولى خطوات مغادرة الذات‬
‫باتجاه هللا‪ ،‬وهو ما ٌضمن النجاة من فِخاخ الٌؤس المُتربِّصة بالخاطِ ا حٌنما ٌُعْ لِن‬
‫عودته ألحضان هللا األبوٌَّة من جدٌد‪.‬‬
‫إن مشاعر التوبة تتؤرجح دابمًا ما بٌن قطبٌْن‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫قُطب النور (الحاضر)‪ :‬وهو ٌُمثــِّل فرح النفس بعودتها إلى هللا‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫قُطب ظلمة الماضً‪ :‬وهو ٌُمثــِّل ألم النفس لما سببته لقلب هللا من جراح‬ ‫‪‬‬

‫حٌنما أخطؤ َت‪.‬‬


‫فتنسى‬
‫َ‬ ‫وإن كان قُطب النور فً التوبة هو الذي ٌسبً النفس فً نشوة اللقاء‬
‫حقٌقتها فً غمار دفء وحنو هللا‪ ،‬إال ّ إنَّ قُطب ظلمة النفس الماضٌَّة هو ضمانها‬
‫التفوق الروحً والتمٌُّز الحٌاتً عن‬
‫ُّ‬ ‫ح ّتى ال تستعلً حٌنما ٌراودها هاجس‬
‫صن النفس ض ّد الٌؤس‪ ،‬كما أن ظلمة‬ ‫اآلخرٌن‪ .‬فالنور اإللهً الحاضر ٌُح ِّ‬
‫الماضً الذاتٌَّة تحمً النفس من االستعبلء الروحً والكبرٌاء الذهنً‪.‬‬
‫إنه نفس مفهوم الحبّ ‪ /‬الخوف (الرهبة) الذي به نلتقً هللا‪ .‬إنْ تبل َشى الخوف‪،‬‬
‫ارتخت إرادتنا فً تطبٌق اإلنجٌل وفً الصمود أمام الخطٌبة‪ ،‬وإن تقلَّص الحبّ‬
‫تحوَّ لت مسٌحٌتنا إلى وثنٌَّة جدٌدة ولكن بمفهوم سلوكً أكثر ُرق ًٌّا‪ .‬وذلك ألن‬
‫جوهر هللا هو المحبّة‪ ،‬وإن اختفت المحبّة تحوَّ لنا إلى عبادة إله آخر أبعد ما ٌكون‬
‫عن الثالوث الحبّ ‪.‬‬
‫وٌرى القدٌس أغسطٌنوس أن ثنابٌَّة التوبة الداخلٌَّة ما هً إال ّ حبّ هللا وبُغض‬
‫صلٌـ ًّا (االعترافات‪ /‬الجزء الثانً)‪:‬‬‫بآن واحد‪ ،‬لذا ٌقول ُم َ‬
‫الذات ٍ‬
‫آه ! ما أحسـن االعـتراف بٌن ٌدٌـك‪،‬‬
‫ألنً عندما أُقـر لـك بخطاٌـاي‪،‬‬
‫ُترســِل َّ‬
‫إلً رأفاتـك‪ ،‬شعـاع نـورك‪،‬‬
‫فأرتـد خجـِـالً من نفسـً‪،‬‬
‫ستحقـّا ال ُبغـض‪،‬‬
‫ً‬ ‫وأرانـً ُم‬
‫الحب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وأراك ُمستحقــًّا‬
‫َّ‬
‫وملذاتً‪.‬‬ ‫وفٌك ٌجـب أن أضـع أفكـاري وعواطـفً‬
‫من هنا كانت الثنابٌَّة المُكوِّ نة لرداء التوبة هً ضرورة بما تحمله من بهج ٍة وما‬
‫ألم لذا فهً توبة مُف َعمة ألمًا وفرحً ا بحسب توصٌف كالٌستوس‪.‬‬ ‫تحمله من ٍ‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫ولكن هل هذا ٌعنً أنه ٌجب علٌنا قبول حقٌقة وجود الخطٌبة فً حٌاتنا؟!‬
‫بشكل لحظًٍّ ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بالطبع ال‪ .‬ولكن ٌجب أن ُن ْد ِرك مدار الصراع الذي نجتازه‬
‫وأٌضًا طبٌعة األعداء ال ُم َتربِّصٌن بنا‪ ،‬وكذلك طبٌعة الصراع نفسه‪ ،‬بل وطبٌعة‬
‫ضا‪ ،‬ح ّتى ٌمكننا القٌام بعد االنطراح والصمود بعد السقوط‬ ‫ذواتنا نحن أٌ ً‬
‫واالنتصار بعد االنكسار‪ٌ .‬جب أن ُن ْد ِرك أن الخطٌبة ُتحاصِ ر وجودنا الترابً‬
‫فتور‬
‫ٍ‬ ‫منفذا للدخول واإلنبات‪ ،‬تتلمَّس لحظات‬ ‫بجُملته‪ ،‬تتسلَّق جدران القلب لتجد ً‬
‫ف ل َت ْد ُخل و ُتقٌِّد النفس والروح معًا بقٌود بها‬
‫تراخ أو حٌر ٍة أو ضع ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ملل أو‬
‫أو ٍ‬
‫رابحة الجحٌم والموت‪ .‬واإلنسان مابل لل َشرِّ منذ حداثته كما أعلن الكتاب‪ ،‬لذا‬
‫فإن الخطٌبة لم ٌنج منها شخصًا على مرِّ العصور!!‬
‫ٌبقى أن ُنإ ِّكد م َُج َّد ًدا أن ما ٌطلبه هللا م َّنا هو العمل ولٌس النتٌجة‪ ،‬الجهاد ولٌس‬
‫الخبلص‪.‬‬
‫لقد تح َّدث القدٌس بولس أٌضًا عن نزاع ثنابً داخلً؛ إنه النزاع بٌن اإلرادة‬
‫والفعل‪ ،‬بٌن االشتٌاق القلبً والجمود الحٌاتً‪ .‬وهو ما نجده حٌنما ُنطالع رسالته‬
‫لحم‬
‫إلى أهل رومٌة‪ ،‬التً ٌُدوِّ ن فٌها أنٌنه بلسان ك ّل البشرٌَّة المرتدٌَّة لِباسًا من ٍ‬
‫ُ‬
‫فلست أجد »‬ ‫ودم‪ ،‬قاببلً‪ « :‬ألن اإلرادة حاضرة عندي‪ ،‬وأما أن أفعل الحُس َنى‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫(رو‪.)18 :7‬‬
‫إن هذا الصراع بٌن اإلرادة المُترجٌَّة أبدٌَّة النور ولِباس الفضٌلة‪ ،‬من جهةٍ‪،‬‬
‫وبٌن العمل المُلوَّ ث بالتعدي والخطٌبة‪ ،‬من جه ٍة أخرى‪ ،‬هو بالفعل ِمحْ َور الجهاد‬
‫اإلنسانً‪ .‬إن ال ُنصرة َت ْكمُنُ فً الجهاد‪ ،‬والنعمة دورها أن ُتتوِّ ج هذا الجهاد‬
‫بالنقاوة والتحرُّ ر من الخطٌبة‪ .‬لذا فإن االنفبلت من حبابل الهاوٌة هو نتٌجة‬
‫شراكة بٌن جهادك المُستمِر‪ ،‬وبٌن النعمة التً ُتعٌِن و ُتكافِا‪ .‬لذا ال تجعل من‬
‫ِّطا لعزٌمتك‪ٌ ،‬جب أال ّ تتو َّقف عن الصراخ إلى هللا من‬ ‫الضعف والسقوط مُثب ً‬
‫أجل الحصول على نعمة التحرُّ ر‪ ،‬وطالما قلبك ٌصرخ طالما أنت مُنتصِ ر‪ .‬فقط‬
‫الهزٌمة فً تو ُّقفك عن الصُراخ والجهاد‪ ،‬والرجاء فً ال ُنصرة‪.‬‬
‫ولع ّل هذا المفهوم نجده بوضوح فً الصبلة التً ٌتلوها الكاهن قبل التق ُّدم للخدمة‬
‫اللٌتورجٌَّة الخاصة باإلفخارستٌا‪ ،‬إذ ٌقول (صبلة االستعداد ‪ /‬قُ َّداس القدٌس‬
‫باسٌلٌوس)‪:‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫أٌهـا الرب العـارف قلـب كل ّ أحـدٍ‪،‬‬
‫القدوس ال ُمسترٌـح فً قدٌسٌـه‪،‬‬
‫الذي بال خطٌــَّة وحـده‪ ،‬القـادر على مغفـرة الخطاٌـا‪،‬‬
‫أنت ٌا سٌد َت ْعلَـ ُم أنً غٌر ُمستحـق وال ُمستعـد وال ُمستوجـب لهذه الخدمـة‬
‫ال ُمق َّدسـة التً لك‪،‬‬
‫ولٌس لً وجـه أن أقـترب وأفتـح فاي أمـام مجـدك المـُق َّدس‪،‬‬
‫بل ككثرة رأفاتـك اغفـر لً أنا الخاطِ ئ …‬
‫إن تلك الصبلة الممتلبة ب االنسحاق الشدٌد أمام المجد األقدس‪ ،‬هً بالفعل لسان‬
‫حال ك ّل التاببٌن الذٌن لم ٌَصِ لوا إلى التحرُّ ر الكامل من الخطٌبة‪ ،‬ولكن‬
‫صرختهم الدابمة والمُسْ َتمِرة هً‪ [ :‬ككثرة رأفاتك اغفر لً أنا الخاطِ ا ]‪ .‬وتلك‬
‫الصرخة وحدها تحمل على جناحٌها سِ ّر ُنصرة الخاطِ ا‪ ،‬على الذات‪ ،‬التً ترٌد‬
‫أن تتبرَّ ر‪ ،‬وعلى الشٌطان‪ ،‬الذي ٌرٌد أن ٌَ ْخدَع النفس ببرِّ ها تار ًة‪ ،‬وبعدم جدوى‬
‫الوقوف أمام هللا تار ًة أخرى‪ .‬إنها الصبلة التً ُتهٌِّا اإلنسان للوقوف أمام هللا‪ ،‬إذ‬
‫ب منسوج برقة وعذوبة االتضاع‪.‬‬ ‫أنها تكسوه بثو ٍ‬
‫ٌوم وك ّل ساع ٍة بل وك ّل‬ ‫وعلى الجانب اآلخر‪ ،‬نجد أن الثنابٌات التً ُتبلحقنا ك ّل ٍ‬
‫لحظ ٍة فً حٌاتنا‪ ،‬هً السبب الربٌسً والمُباشر لنمونا ونضوجنا‪ .‬فلوال األسود‬
‫للطهر والنقاء‪ ،‬ولوال الظلمة لما كان ابتهاج الطبٌعة‬ ‫رمزا ُ‬
‫ً‬ ‫لما كان األبٌض‬
‫بٌقظة النور‪ ،‬ولوال القتال والصراع لما احتفل البشر باالنتصار‪ .‬فالتتوٌج لن‬
‫الجهد المبذول‬ ‫ٌؤتً إال ّ عقب القتال‪ .‬كما أن ال َطعْ م الحقٌقً لل ُنصرة ٌَ ْكمُن فً َّلذة َ‬
‫أثناء الصراع‪ .‬إنه التعلٌم الذي كان ٌحرص القدٌس مو َسى األسود أن ٌُلَ ِّقنه لك ّل‬
‫َمنْ كان ٌؤتً إلٌه شاكًٌا ضراوة القتال‪ ،‬إذ اعتاد أن ٌقول‪:‬‬
‫لو لم تــكن حـروب وقتــال‪،‬‬
‫ما كــانت فضٌلــة‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫فالفضٌلة ًإذا هً نِتاج الصراع المُحْ َتدِم بٌن قطبً المادة والروح‪ ،‬حٌنما ٌمٌل‬
‫اإلنسان بالروح‪ ،‬لٌسمو عن جذب المادة المُستمر والدابم‪ .‬كما أن اإلكلٌل‬
‫تكتس بالعرق والجهد فً سعٌها الٌومً‪.‬‬
‫ِ‬ ‫رإوس لم‬
‫ٍ‬ ‫الختامً لن ٌستقر على‬
‫وكذلك الغلبة لن تكون إال ّ لمن استطاعوا أن ٌقولوا [ ال ] للعالم الحاضر‬
‫الموضوع فً الشرٌر‪.‬‬
‫إن هذا الصراع بٌن المادة والروح هو فً حقٌقته صراع تجري أحداثه فً‬
‫العالم اإلنسانً الصغٌر ‪ ،microcosmos‬داخل الكٌان البشري‪ ،‬بٌن خواطر‬
‫إبلٌسٌَّة تتسلَّل‪ ،‬فً ظلمة الضمٌر‪ ،‬لتجذِب اإلنسان تجاه الهاوٌة‪ ،‬ولتتجسَّد فً‬
‫شكل خطٌبة‪ ،‬وبٌن نفحات الروح القدس التً تبغً إشعال القلب الذي قاربت‬
‫فتٌلته على االنطفاء‪ ،‬ل ٌُ ْبصِ ر من جدٌد نور الحٌاة‪ .‬وهذا الصراع فً عقل وقلب‬
‫اإلنسان ٌجعله فً حالة نزاع دابم‪ ،‬بٌن قوَّ ة هابلة تجتذبه لمن هو غٌر منظور‪،‬‬
‫بحواس الجسد‪ ،‬ولكنه مربً ببصٌرة الروح النقٌَّة‪ ،‬وبٌن قوى أخرى تستخدم‬
‫الحواس لتستمٌله نحوها‪.‬‬
‫وهذا النزاع اإلنسانً ال ٌتو َّقف‪ ،‬ولكن اإلنسان‪ ،‬بمضً الزمن‪ٌ ،‬صبح أكثر‬
‫ُتسربلة بثوب‬
‫ِ‬ ‫تبصُّرً ا بالحقٌقة‪ ،‬وأكثر إدرا ًكا للخدعة التً تقبع خلف الغرٌزة الم‬
‫اللذة‪ ،‬وذلك حٌنما ٌنمو وعٌه اإلٌمانً من خبلل خبرات ٌومٌَّة متبلحقة‪ .‬وبقدر‬ ‫َّ‬
‫ما ٌمٌل اإلنسان صوب النور بقدر ما تضعف همسات الظلمة التً تجتذبه‪.‬‬
‫وبقدر ما ٌرتضً ـ فً المقابل ـ بوجود قشور الخدٌعة الشٌطانٌَّة على ناظرٌه‪،‬‬
‫ً‬
‫حالة من انعدام المع َنى‬ ‫تشت ّد حبابل الظلمة حول عنقه‪ ،‬فٌختنق‪ ،‬وٌصبح أسٌر‬
‫والقٌمة والغاٌة‪ ،‬وٌصبح أقرب للهاوٌة منه للملكوت‪.‬‬
‫ٌكتب لنا باولو كوٌلهو ‪( Paulo Coelho‬الروابً البرازٌلً) فً رواٌته‬
‫(محارب النور) عن تلك القوتٌْن اللتٌْن تجتذبان النفس‪ ،‬قاببلً‪:‬‬
‫ٌعـرف محـارب النـور أنَّ المـالك والشٌـطان‬
‫ٌتنافسـان على مـقبض سٌفـه‪،‬‬
‫ٌقـول الشٌـطان ‪ « :‬ستضعـف ‪ ..‬لن تعـرف متى؟ أنت خائف »‬
‫‪ « :‬ستضعـف ‪ ..‬لن تعـرف متى؟ أنت خائف »‬ ‫وٌقـول المـالك‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫بـكالم واحد!!‬
‫ٍ‬ ‫المحـارب مندهـش؛ فالمـالك والشٌطـان تفوهـا‬
‫عندهـا ٌتابع الشٌطـان‪ « :‬دعنً أساعـدك … »‬
‫وٌقول المـالك‪ « :‬سأساعـدك »‬
‫فً هذه اللحظـة‪ٌ ،‬فهـم المحـارب الفـرق‪.‬‬
‫فـقد تـكون الكلمـات واحـدة‪ ،‬ولكن الحلٌفـٌن مختلفـٌن‪.‬‬
‫فٌختـار حٌنئ ٍذ ٌـد المـالك‪.‬‬
‫إن نصرتنا َمرْ هونة ـ أوالً وقبل ك ّل شً ٍء ـ بوعٌنا بالصراع وبؤطرافه وبوسابل‬
‫ال ُنصرة وأسباب الهزٌمة‪ .‬فلقد استخدم الشٌطان كلمات الروح لخداع المسٌح‪،‬‬
‫ولكن وعً المسٌح بقصد الروح من تلك الكلمات صار هو سِ رّ انكسار الشٌطان‬
‫فً تلك الحرب التً ا َّتخذت من الجبل مكا ًنا شاه ًدا علٌها‪ .‬والوعً ٌعنً تدرٌب‬
‫الحواس وشحذ المهارات الروحٌَّة القتالٌَّة‪ ،‬بالصبلة وكلمة هللا واالفخارستٌا …‬
‫ولكن قبل ك ّل شًء؛ التسربُل بالتواضع كما بالجسد‪.‬‬
‫الوعً‬
‫إن وعٌنا بتلك الثنابٌات التً ُتحٌط بنا‪ٌ ،‬جعلنا أكثر إدرا ًكا للواقع الذي نحٌاه‪،‬‬
‫وأكثر تق ُّببلً الحتماالت التعثــُّر والسقوط‪ .‬وبقبولنا طبٌعتنا البشرٌَّة المُعرَّ ضة‬
‫فعة أخرى‪ .‬فالذي ٌجعل من‬ ‫قوة وقُدرة على النهوض ُد ً‬ ‫للخطؤ‪ ،‬س ُنصبح أكثر َّ‬
‫شخص ما‪ ،‬القٌام م ّرة أخرى بعد السقوط‪ ،‬هو شعو ٌر كاذب‬ ‫ٍ‬ ‫الصعب على‬
‫باالستقرار والثبات‪ ،‬والثقة فً طبٌعة بشرٌَّة عتٌقة قد تثور وتزأر فً أيِّ وقت‪،‬‬
‫ً‬
‫عنٌفة‪ ،‬حٌنما ٌجد أن ثباته كان ح ُْلمًا مرَّ سرٌعًا‪ ،‬وأن نقاوته قد‬ ‫ً‬
‫صدمة‬ ‫ممَّا ٌُش ِّكل‬
‫طالتها أٌدي الخطٌبة‪ .‬لذا ٌنصح القدٌس بولس قاببلً‪َ « :‬منْ ٌظن أنه قابم‪ ،‬فلٌنظر‬
‫أن ال ٌسقط » (‪1‬كو‪.)12 :10‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫وٌقول القدٌس ٌوحنا ذهبً الفم‪:‬‬
‫عندمـا ٌَ ْسقُـط ال ُمتك ِّبر ٌندهـش وٌنـدم وٌفقـد الرجـاء‪،‬‬
‫أما ال ُمتضـع فهـو ٌعـرف ضعفـه‪،‬‬
‫ف أو سلـوكٍ ‪،‬‬
‫وال ٌندهـش من تصـر ٍ‬
‫حً فً رحمـة هللا‪.‬‬
‫برجـاء ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫بل ٌنـدم‬
‫لذا فمن الضروري وضع هامش للخطؤ والتعثــُّر فً الحٌاة التً نحٌاها‪ ،‬ممَّا‬
‫فشل‬
‫ٍ‬ ‫ٌَ ِهبنا القُدرة أن نتجاوز لحظات السقوط سرٌعًا‪ ،‬ونتصرَّ ف بإٌجابٌَّة بعد ك ّل‬
‫قد ننحدر فٌه أثناء صراعنا الٌومً المُحْ َتدِم‪.‬‬
‫كبشر‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫إن قبولنا لذواتنا لٌس تصالُحً ا مع الخطٌبة ولكنه وعً بإمكانٌَّة السقوط‪،‬‬
‫نحٌا فً خٌمة إنس انٌَّة‪ .‬ولكن هذا الوعً ال ٌنبغً أن ٌنفصل عن سعً دإوب‬
‫لتغٌٌر تلك الحالة بلمسات النعمة‪ .‬فكثٌرً ا ما ٌُجاهد البعض ولكن بثقة فً الثبات‬
‫دون معرفة هشاشة النفس البشرٌَّة التً تحٌط بها حٌَّات وأفاعً الخطٌبة لٌل‬
‫نهار‪ ،‬وهً تتربَّص بها لتلدغها حٌنما تسهو وتغفو‪ .‬كما أننا نجد أن هناك قطا ًعا‬
‫آخر من البشر ٌدركون طبٌعتهم الخاطبة وال ٌنهارون أمام قسوة السقوط‪،‬‬
‫ً‬
‫استكانة‬ ‫ولكنهم فً المقابل‪ ،‬ال ٌعملون على تغٌٌر تلك الحالة!! فٌصبح وعٌهم‬
‫و َتصالُحً ا مع الظلمة‪.‬‬
‫لذا فمن الضروري أن ٌمتزج الوعً بالضعف اإلنسانً مع العمل والسعً للقٌام‬
‫والتوبة والتج ُّدد‪ ،‬ح ّتى تكون التوبة مدفوعة بقوَّ ة الرجاء الذي ٌُو ِّفر على الخاطِ ا‬
‫جها ًدا طوٌبلً فً سعٌه للنهوض ُد ً‬
‫فعة أخرى‪.‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫وفً ك ّل مرّة تؤتً غٌمة السقوط ل ُتحٌط بك‪ ،‬و ُتب ِّدد شوقك للنقاوة؛ ٌجب علٌك أن‬
‫تقف وتــُر ِّدد فً داخلك‪:‬‬
‫فـً للموت‪،‬‬
‫إنها الطبٌعة البشر ٌَّة الخاطئة التً تعمل َّ‬
‫إنه الجسد الشقً‬
‫الذي ٌُك ِّبل روحً الثائرة على العالم المادي‪،‬‬

‫إنها بقاٌا لحظات من ذكرى سقوطٍ ٍ‬


‫ألٌم‬
‫أبوي آدم وحواء فً الماضً السحٌق‪،‬‬
‫َّ‬ ‫قد طال‬
‫ولكننً …‬
‫سأنهض بنعمة الحٌاة الجدٌدة‬
‫التً أشرقت لً فً المسٌح ٌسوع‪،‬‬
‫سأعاٌن النور ال ُمتسلِّل من بٌن صخور الظلمة‪،‬‬
‫وإن سِ ْر ُ‬
‫ت فً وا ٍد ٌغطٌه ظل الموت‪،‬‬
‫فلن أخاف ولن أرتعب ولن أخور ولن أستسلم؛‬
‫فلتجرحنً سهام األعداء كما تشاء‬
‫وأختبئ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ولكننى لن أترك المعركة‬
‫فستكون جراحاتً هً الشاهد على جهادي‬
‫ٌوم استعالن مجد المسٌح‪.‬‬
‫الخلٌقة الجدٌدة‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫إننا نسٌر فً الحٌاة بآنٌتنا الفخارٌَّة اله َّشة؛ التً هً أجسادنا الترابٌَّة وطبٌعتنا‬
‫المحدودة‪ ،‬ولكن تب َقى اشتٌاقات قلوبنا هً سِ ّر صمودنا أمام قسوة الحٌاة‪ .‬ولكن‬
‫االشتٌاق ٌجب أن ٌصٌر عمبلً‪ ،‬والعمل ٌجب أن نتوجَّ ه به هلل‪.‬‬
‫ت لنا بطبٌعة خارجٌَّة جدٌدة ــ بدالً من الجسد المادي ـ ل ُتقحِمها‬
‫فالمسٌحٌَّة لم تؤ ِ‬
‫فً كٌاننا اإلنسانً‪ ،‬فمدار وجود المسٌحً هو نفس المدار الزمنً والمكانً‬
‫الذي تدور فٌه باقً الخلٌقة‪ .‬فنحن كسابر البشر‪ ،‬لنا ما لهم وعلٌنا ما علٌهم‪،‬‬
‫جرى على إخوتكم الذٌن‬ ‫بحسب الطبٌعة المادٌَّة؛ « عالمٌن أن نفس تلك اآلالم ُت َ‬
‫فً العالم » (‪1‬بط ‪ .)9 :5‬ولكن الخلٌقة الجدٌدة التً تح َّدث عنها القدٌس بولس‬
‫لٌست سوى صورة هللا المنقوشة فً جوهر الكٌان اإلنسانً والمُتطلِّعة إلى وجه‬
‫المسٌح‪ ،‬فقط حٌنما تتن َّقى تلك الصورة من شوابب الخطٌبة بدم العهد الجدٌد‪،‬‬
‫لتعود نقٌَّة بهٌَّة كسابق عهدها قبل السقوط‪ ،‬تعكِس األصل اإللهً المُضِ ًء الذي‬
‫ت على شاكلته‪.‬‬ ‫صُوِّ َر ْ‬
‫إن الخلٌقة الجدٌدة فً المسٌح هً سِ رّ انفتاح بصٌرة اإلنسان‪ ،‬فهً التً تجعله‬
‫ٌستطٌع أن ٌُ ْبصِ ر القٌامة خلف رداء الموت‪ .‬فحبَّة الحنطة فً نظر المسٌحً‬
‫لٌست بذرة صغٌرة ُم ْه َملة ولكنها شجرة كبٌرة مُثمِرة!! وهذا هو سِ ّر الحٌاة‬
‫الجدٌدة‪ .‬إنه تجدٌد البصٌرة للحٌاة لنرى ك ّل شً ٍء بؤعٌن هللا الساكن فٌنا‪ .‬وهكذا‬
‫نجد أن األلم فً حٌاة المسٌحً هو إكلٌل مج ٍد وشهادة حٌَّة‪ ،‬فقط حٌنما ٌ ُْخ َتم‬
‫بخاتم الصبر والرجاء فً الرب‪ .‬وأٌضًا نرى السقوط هو َد ْف َع ٌة للقٌامة بقوَّ ة‬
‫أعظم‪ ،‬أو بحسب التعبٌر الخالد للقدٌس ٌوحنا ذهبً الفم؛ هو سِ ّر [ العودة بقوَّ ة‬
‫أعظم ]‪ .‬وهكذا الخطٌبة فً القاموس المسٌحً‪ ،‬بالرغم من ك ّل قُب َْحها وسلبٌتها‬
‫التً ُتلقً بالضوء على االنهزام فً حٌاة اإلنسان‪ ،‬نجدها تإول بالتوبة إلى‬
‫اختبار!! اختبار نعاٌن فٌه وجه هللا الرحوم‪.‬‬
‫فالخطٌبة ًإذا‪ ،‬هً التعبٌر عن البشرٌَّة الملوَّ ثة بخبرة معرفة الخٌر والشر‪،‬‬
‫تتحول إلى فرصة ثمٌنة‬ ‫َّ‬ ‫بالممارسة والعمل والسقوط‪ .‬ولكنها من جه ٍة أخرى‪ ،‬قد‬
‫ل ُنعاٌن من خبللها عمل هللا و ُحبَّه المجانً‪ ،‬وخبلصه الذي ال ٌتو َّقف على حالتنا‬
‫الراهنة‪ ،‬ولكنه ٌنهال علٌنا بحسب سخاء الرحمة التً فً قلب هللا من جهتنا‪،‬‬
‫ولكن هذا البُعد نتلمسه فً حٌاتنا فقط حٌنما نبدأ بالتوبة‪.‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫فالخطٌبة بدون توبة هً قبول دٌنونة‪ ،‬ولكنها بالتوبة هً معاٌنة النعمة والمجانٌَّة‬
‫فً ك ّل تعامبلت هللا معنا «وأنتم الذٌن كنتم قببلً أجنبٌٌن وأعداء فً الفكر فً‬
‫األعمال الشرٌرة‪ ،‬قد صالحكم اآلن‪ ،‬فً جسم بشرٌته‪ ،‬بالموت‪ ،‬لٌُحْ ضِ َركم‬
‫قدٌسٌن وببل لوم وال شكوى أمامه» (كو‪ 21 :1‬ــ ‪.)22‬‬
‫وعن هذا المفهوم ٌكتب األب هنري بوالد فً كتابه (السبلم الداخلً) قاببلً‪:‬‬
‫النعمـة تحتـاج إلى نافـذ ٍة تمـر منهـا إلى قلـب اإلنسـان‪،‬‬
‫وقد ٌكـون جـرح الخطٌئـة هو تلك النافـذة‬
‫التً تسمـح للنعمـة بالنفـاذ إلى أعماقنـا‪،‬‬
‫ح ّتى تـروي أنفسنـا التً ُت ْ‬
‫شبـِه األرض الجافـة …‬
‫ولنا فً َمثـَل العشار نموذج لتلك الحالة الفرٌدة لعمل النعمة؛ ف ِجراح الخطٌبة قد‬
‫جار‪ ،‬وتناقل‬
‫ٍ‬ ‫كنهر‬
‫ٍ‬ ‫أحْ َنت نفس ذلك العشار بال ُحزن‪ ،‬فتد َّفق األنٌن من قلبه‬
‫الفضاء صدَى قرعات صدره التً زلزلت السماء‪ ،‬وخرجت تلك الكلمات‬
‫البسٌطة التً فتحت الباب أمام النعمة للعمل والتبرٌر والغفران‪.‬‬
‫« وأمـا الع َّ‬
‫شـار فوقـف من بعـٌد‬
‫ال ٌشـاء أن ٌرفـع عٌنٌـه نحو السمـاء‬
‫بل قـرع على صـدره قائـالً‪:‬‬
‫اللـهم ارحـمنً أنا الخـاطِ ئ »‬
‫(لو‪)13 :18‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫إننا فً مطالعتنا للعهد الجدٌد نجد أن هللا قد جاء فً الجسد من أجل الخطاة‬
‫واألثمة والساقطٌن‪ ،‬ولٌس من أجل األبرار والكاملٌن‪ ،‬كما أعلن هو قاببلً‪« :‬‬
‫ألنً لم آت ألدعو أبرارً ا بل خطاة إلى التوبة » (مت ‪ .)13 :9‬من هنا ندرك‬
‫وتذوق‬
‫ُّ‬ ‫أن األبرار فً أعٌن أنفسهم هم أبعد الخبلبق عن معاٌنة وجه هللا الرحوم‬
‫النعمة المجانٌَّة‪ .‬ولنا فً تبكٌت الرب للكتبة والفرٌسٌٌن وقادة الشعب أكبر دلٌل‬
‫على خطورة الب ّر الذاتً الذي كان موضع انتقاد الرب الدابم والمستمر‪.‬‬
‫ٌتذوق الرحمة حٌنما ٌستعطف صبلح هللا‬ ‫َّ‬ ‫فالخاطِ ا التابب وحده هو الذي‬
‫النتشاله من مستنقع الخطٌبة‪ .‬حٌنما ٌدرك إنه ال شًء فً مواجهة الخطٌبة‬
‫ومواجهة قوات الظلمة‪ ،‬ولسان حاله ٌقتبس من كلمات القدٌس أنطونٌوس‪ ،‬حٌنما‬
‫كان ٌواجه إبلٌس وجنوده‪ ،‬فٌقول‪ [ :‬أنا أضعف من أصغركم ]‪ .‬فالضعف الذي‬
‫ٌُعْ لِنه القدٌس أنطونٌوس هو ضعف الذات بقدراتها اإلنسانٌَّة فً مواجهة الظلمة‪،‬‬
‫تتدخل النعمة وتقود النفس‬ ‫َّ‬ ‫ولكن هذا الضعف ٌتحوَّ ل إلى قوَّ ة ُنصرة هابلة حٌنما‬
‫فً هذا الصِ راع‪ ،‬لتصبح المواجهة بٌن هللا والشٌطان‪ .‬حٌنبذ َت ِف ّل ك ّل قوات‬
‫الظلمة من أمام وجه الرب المدافع عن الصارخٌن إلٌه لٌبلً ونهارً ا‪.‬‬
‫وٌُدوِّ ن لنا القدٌس أثناسٌوس فً كتابه (حٌاة األنبا أنطونٌوس بقلم البابا‬
‫أثناسٌوس‪ /‬فصل‪ ) 10،11‬تفاصٌل الصراع بٌن أنطونٌوس والشٌاطٌن‪ ،‬والذي‬
‫ُّ‬
‫بتدخل مباشر للرب‪ ،‬فٌقول‪:‬‬ ‫انت َهى‬
‫وهـكذا إذ تطلـَّع (أنطونٌـوس) إلى السـقف إلى فـوق‬
‫رأى السـقف كأنـه قد انفتـح‪،‬‬
‫نـور نازل ٍة علٌـه‪،‬‬
‫وأشعـة من ٍ‬
‫وللحـال اختفـت الشٌـاطٌن‪،‬‬
‫وانقشـع ألم جسـده‪ ،‬وعـاد البنـاء سلٌمـًا …‬
‫وٌضٌف القدٌس أثناسٌوس‪ ،‬قائالً‪:‬‬
‫وفً الٌـوم التـالً خـرج أشـ َّد َم ٌْـالً لخدمـة هللا‪.‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫آه‪ٌ ،‬ا لٌتنا ُن ْد ِرك عِ َظم النعمة والمعونة التً ُتحٌط بنا‪ٌ ،‬ا لٌتنا ُن ْد ِرك مجد ال ُنصرة‬
‫التً تتر َّقب صرخات قلوبنا لتستحضِ ر هللا فً قلوبنا‪ ،‬حٌنها فقط لن ُتخٌفنا‬
‫الخطٌبة ولن ُتقٌِّدنا فً قضبان الٌؤس الحدٌدٌَّة‪ ،‬ألن أبصارنا ستظل ُم َعلَّقة‬
‫بالسماء‪ ،‬تترجَّ ى المعونة وتبتهج بها‪ .‬لن ٌستطٌع جنود الشر أمام األعٌن المُح ِّدقة‬
‫فً غٌر المنظور سوى أن ٌَفِروا مهرولٌن نحو هاوٌة مصٌرهم‪ ،‬وهم ٌَ ُجرون‬
‫أذٌال الخٌبة والهزٌمة‪.‬‬
‫التوبة‬
‫من األمور التً ٌجب علٌنا أن ننتبه لها‪ ،‬هً أن السقوط فً خطٌب ٍة ولٌدة‬
‫الضعف لٌس كالسقوط فً خطٌبة ناتجة عن قساوة واستهانة‪ .‬وأن العناد فً‬
‫الخطٌبة ٌُ ْفقِد الروح قدرته!! على التدخـُّل إلنقاذ ذلك اإلنسان‪ .‬ولنا فً َمثــَل‬
‫فرعون‪ ،‬الذي عاند دعوة هللا لشعبه إلى البرٌَّة‪ ،‬شهاد ًة على عنا ٍد إنسانًٍّ ٌمكنه‬
‫أن ٌصل بالنفس إلى الغرق والهبلك‪.‬‬
‫ولكن على الجانب اآلخر‪ ،‬حٌنما ٌجثو الخاطِ ا أمام هللا‪ ،‬ولٌس فً فمه كلمات‪،‬‬
‫ال ٌدري ماذا ٌفعل‪ ،‬فحٌنما تكلَّم قببلً كانت كلماته وعو ًدا وعهو ًدا‪ ،‬ولكن الخطٌبة‬
‫وألم‪ ،‬فً محضر‬‫ٍ‬ ‫قد أذابت ك ّل تلك الوعود وطرحت النفس عارٌة‪ ،‬فً خزيٍّ‬
‫هللا‪ .‬ولم ٌتبق لذلك اإلنسان إال ّ أنْ ٌرفع عٌنٌه إلى السماء؛ أعٌن تمتزج فٌها‬
‫الحٌرة والندم مع الشوق‪ .‬تصٌر نظراته التً ٌُرْ سِ لها إلى األعالً هً صبلته‬
‫« ونحن ال نعلم ماذا نعمل؟‬ ‫الصامتة التً تعكس حالته وحٌرته ورجاءه‬
‫ولكن نحوك أعٌننا » (‪ 2‬أخ‪ .)12 :20‬هنا ال ٌملك هللا أمام تلك النفس التً‬
‫ُعزي قلبها الكسٌر بل وٌمنحها الغفران‪.‬‬ ‫ترٌد وال تستطٌع‪ ،‬إال ّ أنْ ٌُش ِّدد ضعفها وٌ ِّ‬
‫ِطة فً رجاء الفجر‬ ‫رات مُتساق ً‬
‫فاهلل ال ٌحتمل قلبًا مُنس ِح ًقا وعٌ ًنا مُنكسر ًة و َع َب ً‬
‫اآلتً‪.‬‬
‫إنها التوبة التً تفتح ُكوى السماء لتؤتً لنا بالمطر الروحانً (النعمة) فتبتل‬
‫عطش وحدبٍ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أرض الروح اإلنسان ٌَّة المقفرة وترتوى بعد‬
‫والتوبة الكتابٌَّة لٌست حالة من الحزن‪ ،‬بقدر ما هً لحظة انفتاح على حقٌقة‬
‫الحٌاة‪ .‬ترى فٌها النفس‪ ،‬الحق والباطل‪ُ ،‬تبصِ ر من خبللها‪ ،‬النور والظلمة‪ ،‬تضع‬
‫َّ‬
‫وملذات األرضٌات‪.‬‬ ‫ٌدها على الهوَّ ة التً تفصل بٌن مجد السماوٌات‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫إنها نظرة إلى فوق برجاء حً مُتج ِّدد ال ُتعرْ قِله أثقال الخطٌبة وال ٌُوقِفه هول‬
‫التعدٌات‪ ،‬ألنه رجاء فً ثالوث الحبّ ‪ .‬إن مثل تلك النظرة إلى أورشلٌم العلٌا‬
‫تجتذب اإلنسان للجمال غٌر المادي؛ جمال الحق والنور والقٌامة‪.‬‬
‫كما أن التوبة لٌست موق ًفا سلبًٌا نذرف فٌه الدموع على اللبن المسكوب‪ ،‬دون‬
‫التحرُّ ك لؤلمام‪ .‬إنها لٌست لحظات ساكنة نقضٌها فً التحسُّر على الماضً‬
‫ال ُم ْنقضً‪ ،‬ولكنها حركة دإوبة ُتشعِل النفس لتغٌٌر موقفها من الحٌاة بؤبعادها‬
‫الثبلثة (الذات واآلخر وهللا)‪.‬‬
‫إنها لحظات فرح وسبلم وإن كان تعبٌر الجسد عنها دموع وأنٌن‪ .‬فؤنٌن وألم‬
‫وأحزان التوبة ُمب ِْهجة و ُم ْف َعمة بالسبلم القلبً‪ .‬لذا عبَّر الرسول بولس عن هذا‬
‫ال ُحزن ال ُمب ِْهج قاببلً عنه إنه‪ « :‬ال ُحزن الذي بحسب مشٌبة هللا » الذي « ٌُنشِ ا‬
‫لخبلص ببل ندامة » (‪2‬كو‪ .)10 :7‬فتوبة الخبلص ال ترتكز على الندامة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬
‫توبة‬
‫بل على ال ُحزن الفعال اإلٌجابً ال ُم ْنطلِق إلى األمام بعمل روح هللا‪.‬‬
‫وإن كان تعرٌف الخطٌبة كما كتب كٌركجارد هو القلق‪ ،‬نجد أن مٌرالوت‬
‫بورودٌن فً كتابها (سِ ّر عطٌَّة الدموع فً الشرق المسٌحً) تكتب أن [ ال ُحزن‬
‫المسٌحً ال ٌقلق ألنه ال ٌٌؤس ]‪.‬‬
‫إن االختبلف بٌن ال ُحزن الناتج عن الخطٌبة‪ ،‬والحُزن المسٌحً الذي بحسب‬
‫مشٌبة هللا‪ ،‬هو أن األوَّ ل ُحزنٌ َقلِق بٌنما األخٌر ُحزنٌ ال ٌعترٌه القلق ألنه مُمتلِا‬
‫بالسبلم‪ ،‬نتٌجة الثقة فً صبلح هللا وغفرانه‪ .‬لذا فإن الحُزن المسٌحً ال ٌقود‬
‫للٌؤس كما أشارت مٌرالوت‪ .‬فالٌؤس هو فقدان الثقة‪ ،‬بٌنما التوبة هً استعادة‬
‫الثقة ُد ً‬
‫فعة أخرى‪.‬‬
‫إن تلك النظرة الجدٌدة تضع اإلنسان أمام محك اختٌار؛ فؤمجاد األبدٌَّة قد‬
‫انكشفت للنفس كعربون فً لحظات صفاء الروح‪ .‬وفً المقابل تقف خبرة َّ‬
‫ملذات‬
‫الحٌاة الحاضرة‪ ،‬المُلوَّ ثة بنكهة الموت‪ُ ،‬م ْنتصِ بة بجموحها وصخبها‪ .‬فإن اختار‬
‫اإلنسان الحٌاة التً مركزها هللا‪ ،‬انطرحت خطاٌاه فً بحر النسٌان‪ ،‬ل ُت ْل َقى فً‬
‫اللذة وأسٌرة َّ‬
‫اللذة‪،‬‬ ‫العدم الدهري وتتبل َشى‪ .‬وإن اختار اللحظة الحاضرة ولٌدة َّ‬
‫ت إلى دركات العالم المادي الذي‬ ‫تث َّقلَت نفسه باألكثر بؤغبلل الخطٌبة و َه َو ْ‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫ٌتمركز حول ربٌس العالم الموُ َكل بظلمة هذا الدهر‪ .‬فالتوبة ًإذا هً خٌار ٌتوقف‬
‫علٌه وجهتنا‪.‬‬
‫وعن هذا المفهوم الخاص بالتوبة‪ٌُ ،‬ح ِّدثنا كالٌستوس وٌر‪ ،‬فً كتابه (الملكوت‬
‫الداخلً) قاببلً‪:‬‬
‫سـف على الماضـً‪،‬‬
‫إنهـا (التوبـة) لٌسـت مجـرد التأ ُّ‬
‫بل تغٌٌـر جـذري لنظرتنـا‪،‬‬
‫وطرٌقـة جـدٌدة ننـظر بهـا إلى أنفسـنا وإلى اآلخـرٌن وإلى هللا …‬
‫إنهـا لٌسـت بالضـرورة أزمـة انفعالٌـَّة‪،‬‬
‫لٌسـت نوبـة من الـندم والعطـف على الـذات‪،‬‬
‫تحـول‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫بل هً‬
‫هً إعـادة جعـل الثالـوث القـدوس مـركز حٌاتنـا ومحـورها‪.‬‬
‫باشتٌـاق …‬
‫ٍ‬ ‫هً لٌسـت قنوطـًا‪ ،‬بل هً توقـُّع وانتظـار‬
‫طـرٌق مسـدودٍ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫لٌسـت الشعـور بالوصـول إلى‬
‫بل أن تـجد الـطرٌق للـخروج‪،‬‬
‫أن أتـوب هو أن أنـظر ال إلى أسفـل …‬
‫إلى نقائـصً وعـٌوبً الخاصـَّة‪،‬‬
‫بل أنظـر إلى أعلـَى إلى مح ّبـة هللا …‬
‫ال أن أنـظر إلى الخلـف أللـوم نفسً‪،‬‬
‫بل أن أنـظر إلى األمـام بثقـ ٍة …‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫التوبـة لٌسـت هً أن أرى مـا هو الذي فشـلت فً أن أكونـه‪،‬‬
‫بل أرى ما الذي أستطٌـع أن أصـٌره‪ ،‬بنعمـة المسٌـح‪.‬‬
‫مرة واحـدة‪،‬‬
‫إنها لٌست مـجرد حـدث ٌـحدث ّ‬
‫مستمـرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫بل هً موقفـًا‬
‫وبالرجوع إلى النهج اإللهً فً تعامل هللا مع شعبه فً العهد القدٌم‪ ،‬نجد أن بنً‬
‫إسرابٌل لم ٌتو َّقفوا ـ ح ّتى مجًء المسٌح ـ عن تقدٌم الذبابح فً الخٌمة والهٌكل‪،‬‬
‫وذلك ألن الخطٌبة لم تتو َّقف فً حٌاتهم‪ .‬فكما وضع الرب لبنً إسرابٌل‪،‬‬
‫الذبابح‪ ،‬للتكفٌر عن الخطٌبة‪ ،‬حٌنما ٌتعثرون فً الطرٌق وٌمٌلون لسلوك‬
‫ب لنا الرب‪،‬‬ ‫وعبادات لؤلمم‪ ،‬هكذا نحن الذٌن صرنا مسك ًنا للروح‪ ،‬قد َو َه َ‬
‫التوبة‪ ،‬ذبٌحته ال ُم َفضَّلة‪ ،‬إل عادة النقاوة لثوب معمودٌتنا األبٌض‪ ،‬ولٌعلن لنا أنه‬
‫ر ًّبا « غن ًٌّا لجمٌع الذٌن ٌدعونه » (رو‪ ،)12 :10‬فاهلل دابمًا أغ َنى من أقصى‬
‫طموحاتنا فً طلب الرحمة‪.‬‬
‫وعن غنى النعمة التً تنساب ببل حساب‪ٌ ،‬كتب القدٌس ٌوحنا ذهبً الفم ( تفسٌر‬
‫متى ‪ ،)4 /118‬فٌقول‪:‬‬
‫النعمـة ال ُتستن َفـذ وال تضٌـع‪ ،‬فهً ٌنبـوع دائـم الجرٌـان‬
‫فإن كان طلبك هو الرحمة ٌعطٌك معها ـ بحسب غناه ـ النعمة‪ ،‬وإن طلبت‬
‫الخبلص زٌَّنه لك بالبهجة‪ ،‬وإن التمست ال ُم َّتكؤ األخٌر‪ ،‬رفعك إلى مابدة الملوك‪،‬‬
‫وإن سعٌت فً التوبة وهبك معها القداسة‪ .‬فاهلل دابمًا هو القادر « أن ٌفعل أكثر‬
‫ج ًّدا ممّا نطلب أو نفتكر » (أف‪ ،)20 :3‬وعطٌته دابمًا « بحسب كرم الملك »‬
‫(‪1‬مل‪ )13 :10‬ولٌس بحسب طلبة واستحقاق العبٌد‪.‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫التحول‬
‫ُّ‬
‫لقد كانت صرخة ٌوحنا المعمدان المُدوٌَّة وال ُم َشبَّعة برابحة الصحراء هً‪« :‬‬
‫توبوا ألنه قد اقترب ملكوت السموات » (مت‪ .)2 :3‬لقد كانت تلك الكلمات‬
‫بداٌة لعه ٍد جدٌ ٍد ُم ْن َفتِح على األسرار العلوٌَّة ولٌس أسٌر نصوص وأحرف‬ ‫ً‬
‫وتقالٌد‪ .‬فالتوبة هً األساس ل ُب ْن ٌَان الملكوت الجدٌد‪ ،‬الذي سٌُعْ لِنه المسٌح فً‬
‫قلوب الذٌن اجتذبهم الروح‪ ،‬وصاروا مُسْ تغرقٌن فً هللا وفً الملكوت‪.‬‬
‫لقد كان نداء ٌوحنا بالتوبة ٌحمل فً َطٌَّاته دعوة للتحوُّ ل تهٌُّبــًا لقبول مسٌَّا لم‬
‫تع ُل هامته هالة من ضٌاء ولم ٌرت ِد ثٌابًا من برفٌر ولم ٌحمل سبلحً ا ف َّتا ًكا‬
‫مدعومًا بقوى مبلبكٌَّة لدحر األعداء‪ .‬ولكنه جاء فً ثٌاب مُغبَّرة لنجار ناصري‬
‫بسٌط‪ٌ ،‬تؤلأل عرقه من عناء الطرٌق تحت لهٌب شمس الٌهودٌَّة!!‬
‫للتحول‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫تخطت توبة الخطاٌا؛ فهً ـ جوهر ًٌّا ـ ندا ٌء‬ ‫والتوبة التً نادى بها ٌوحنا‬
‫الذهنً لقبول مسٌحً ا غٌر اعتٌادي‪ ،‬لم ٌرتسمه الكهنة وعلماء الشرٌعة وقادة‬
‫الشعب بهذا المظهر المُخٌِّب لآلمال‪.‬‬
‫ولعلنا فً هذا العصر المُشوَّ ه والمُر َتبـِك نقتبس من المفهوم المعمدانً للتوبة‬
‫لنراها تحوُّ الً فكر ًٌّا لقبول مسٌحً ا غٌر الذي تصورناه وتوهمناه فً مراهقتنا‬
‫الروحٌَّة‪ً .‬إذا فتوبتنا ُتبلمس قناعتنا الماضٌَّة عن المسٌح‪ ،‬لتبعث فٌها حٌاة تنبثق‬
‫من حٌاة المسٌح نفسه‪ ،‬حٌنما ٌؤتً بعذوبةٍ‪ ،‬للنفس المُتلمِّسة الحق وسط ضبابٌَّة‬
‫الباطل المُستشرٌَّة فً أذهان العالم المعاصر‪.‬‬
‫فالتوبة من هذا ال ُم ْن َط َلق هً تغٌُّر فً قناعاتنا الماضٌَّة وتحوُّ ل فً مواقفنا‬
‫بحثا عن ٌسوع‪ .‬إنها لٌست مرحلة ولكنها نمط حٌاتً دابم متواصل‪ .‬إنها‬ ‫الراهنة ً‬
‫شرٌعة جدٌدة أكثر من كونها وصٌَّة عابرة‪ .‬هً حِراك بشري نحو هللا ولٌست‬
‫انغماسًا ساك ًنا فً الحزن والقنوط‪.‬‬
‫وال أنا أدٌنك‬
‫فً صباح أحد األٌام‪ ،‬بٌنما كان ٌسوع ٌُعلِّم فً الهٌكل‪ ،‬وكانت الجموع م ُْل َت َّفة‬
‫حوله كالمعتاد‪ ،‬إذ بجماع ٍة من الكتبة والفرٌسٌٌن ٌتجهون إلٌه فً صخ ٍ‬
‫ب‬
‫وضجٌج‪ٌ ،‬تبعهم جم ٌع من عامَّة الشعب‪ ،‬وحالما وصلوا إلٌه ألقوا بفتاة أمامه!!‬
‫ٍ‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫كانت تلك الفتاة فً ال َع ْقد الثالث من عمرها على ما ٌبدو‪ ،‬متوسِّطة الطول‪ ،‬ذات‬
‫مبلمح شرقٌَّة‪ ،‬إال ّ إنَّ وجهها لم ٌكن مرب ًٌّا خلف الدموع التً كانت تنهمر منها‬
‫فً صمتٍ‪ .‬خلف مبلمح الرعب والجزع التً َّلونت وجهها بصُفرة شاحبة‪،‬‬
‫وخلف شعرها الذي تناثرت خصبلته على وجهها ح ّتى أعادت تشكٌل َقس َماته‪.‬‬
‫بدأ الكتبة والفرٌسٌون ٌكٌلون االتهامات لتلك المرأة‪ ،‬فً صرام ٍة وقسوةٍ‪ ،‬ولم‬
‫ٌكن ٌخلو كبلمهم من ِذ ْكر مُفردات؛ مو َسى والناموس والز َنى والرجم‪ .‬بٌنما كان‬
‫ٌزداد وجه تلك الفرٌسة المُلقاة فً الوسط‪ ،‬شحوبًا‪.‬‬
‫بدأت الجموع تتوافد وتتهامس فٌما بٌنها‪ .‬منهم من ٌُشفقون علٌها‪ ،‬ولكن خوفهم‬
‫من بطش الكتبة والفرٌسٌون ٌُكبِّل ألسنتهم فٌإثرون الصمت‪ ،‬ومنهم من كان‬
‫ٌُطالِب بتطبٌق عقوبة الناموس كما هً‪ .‬ولكن السواد األعظم من الجمع كانت‬
‫نظراتهم ُتبلحق ٌسوع الذي وجدوه مُنحن ًٌّا ٌُدوِّ ن بعض الكلمات بؤصبعه على‬
‫األرض العارٌة‪ ،‬والناس فً حالة تر ُّقب لما سٌقوله المُعلِّم‪.‬‬
‫لم تكن حالة التر ُّقب تلك هً حالة الجمع المُحْ تشِ د فقط‪ ،‬ولكنها كانت حالة الكتبة‬
‫والفرٌسٌٌن‪ ،‬الذٌن ٌقفون فً اعتداد‪ ،‬وعٌونهم ال تخلو من النشوة والدهاء …‬
‫فلو وافقهم ٌسوع على َرجْ م تلك المرأة النض َّم لقافلة مُطبقً الناموس‪ ،‬خاسرً ا‬
‫تؤٌٌد الشعب له فً رإٌته الجدٌدة لمعنى الوصٌَّة‪ .‬وإن رفض عقوبة المرأة لكان‬
‫بذلك ٌُإ ِّكد أنه لٌس مُإم ًنا بالناموس وال اب ًنا للشرٌعة‪ ،‬وسٌحشدون الجموع ض ّده‬
‫لكونه ض ّد الناموس‪ ،‬وٌصبح هو الفرٌسة!!‬
‫كانت تلك هً األفكار التً جعلت الكتبة والفرٌسٌٌن ٌؤتون بتلك المرأة إلٌه‪.‬‬
‫ووسط كلمات الكتبة والفرٌسٌٌن الرنــَّانة المُقتبسة بدق ٍة من نصوص التوراة‬
‫والممزوجة بنصوص التقلٌد‪ ،‬وبعد خطبتهم الرابعة عن قٌمة العقوبة التً ٌَ ُنص‬
‫علٌها الناموس إلحداث توازن فً المجتمع الٌهودى‪ ،‬وارضاء هللا الثابر على‬
‫هذا النوع من التعدي!! ولِ َم ال؟ ألٌسوا أبناء ٌهوذا الذي دَ َخ َل على امرأة ابنه وقد‬
‫حرق!! » ( تك‬ ‫حسبها زانٌة؟ وحٌنما سمع أن ك َّنته قد زنت‪ ،‬قال‪ « :‬أخرجوها ف ُت َ‬
‫‪.) 38‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫واألسى‪:‬‬
‫َ‬ ‫وإذ بٌسوع ٌنتصب وٌقول بصو ٍ‬
‫ت لم ٌخ ُل من نبرة الحزن‬

‫(ٌو‪)7 :10‬‬ ‫« من كـان ِم ْنكـم ببل خطـٌَّة فلٌرمهـا أوالً بحجـر »‬


‫لقد كانت تلك الكلمات غٌر المتو َّقعة بمثابة حجرً ا أفقد الكتبة والفرٌسٌٌن اتزانهم‪،‬‬
‫وانعقدت ألسنتهم عن الكبلم‪ ،‬وسادت لحظات من الصمت‪ ،‬انح َنى فٌها ٌسوع‬
‫فعة أخرى‪ .‬ولكنه هذه المرّة كان ٌُح ِّدق فً أحدهم‬ ‫على األرض‪ ،‬وبدأ ٌكتب ُد ً‬
‫قبل أن ٌنحنً لٌكتب كلمة‪ ،‬وٌنظر آلخر وٌكتب كلمة أخرى‪ ،‬وهكذا … وقد‬
‫كانت الكلمات التً ٌكتبها ٌسوع هً عناوٌن لخطاٌا؛ (سرقة األرامل‪ ،‬زنـَى‪،‬‬
‫غش‪ ،‬رٌاء‪ ،‬تعوٌج الحكم …) كانت تلك أكثر الكلمات تكرارً ا‪.‬‬
‫بدأ الشٌوخ ٌنصرفون واح ًدا تلو اآلخر وكؤنهم ٌتسلَّلون من فضٌحة‪ ،‬وكان ٌكسو‬
‫متواجدا أح ٌد‬
‫ً‬ ‫وجوههم توتــُّر وقلق بدا ظاهرً ا للجمٌع‪ .‬وبعد دقابق قلٌلة‪ ،‬لم ٌكن‬
‫من الكتبة والفرٌسٌٌن‪ .‬لم ٌتواجد إال ّ بعضٌ من عامَّة الشعب الذٌن ارتسمت‬
‫ابتسامة رقٌقة على وجوههم الطٌِّبة‪ .‬ابتسامة ُنصرة طالما غابت عن وجوههم‬
‫التً لم تعرف سوى األ َسى!!‬
‫ثم انصرفوا أٌضًا وهم مطمبنون على تلك الفتاة أنها فً أٌ ٍد رحٌمة‪ .‬وبقى ٌسوع‬
‫وحده مع المرأة‪.‬‬
‫وبقدر ما بدأ ال ُرعب ٌتبل َشى من على وجه تلك المرأة‪ ،‬بقدر ما تسلَّل الحٌاء‬
‫لٌؤخذ مكانه على تقاسٌم وجهها الحزٌن‪ .‬وبٌنما كانت تحاول النظر إلى ٌسوع‬
‫الطهر ٌفتضح خطٌبتها كلما حاولت‬ ‫لتشكره على إنقاذها‪ ،‬كانت ْتل َمح برٌ ًقا من ُ‬
‫النظر إلٌه‪.‬‬
‫ً‬
‫حانٌة ب َّددَت حٌاءها‪ ،‬نظرة لم ترها من قبل ‪..‬‬ ‫انتصب ٌسوع ونظر إلٌها نظر ًة‬
‫نظرة تإجِّ ج الشوق للحٌاة الطاهرة و ُتعٌد المع َنى لحٌاة قد فقدت الطرٌق‬
‫اإلنسانً و َسلَ َكت على شاكلة دواب األرض‪.‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫كسر ٌسوع حاجز الصمت والحٌاء قاببلً لها‪:‬‬
‫« أٌن هـم أولبـك المشتكـون علٌـك‪ ،‬أمـا دانـك أحـد؟؟ »‬
‫ُطرقة الرأس إلى أسفل‪:‬‬
‫فجاوبته وهً م َ‬
‫« ال أحـد ٌا سـٌِّد »‬
‫فقال لها ‪:‬‬

‫(ٌو‪)11 :10‬‬ ‫« وال أنـا أدٌنـك‪ ،‬اذهـبً وال تخطـبً أٌضـًا »‬


‫تبخرت فجؤة‪،‬‬‫وفً تلك اللحظة شعرت بسعاد ٍة غامرةٍ‪ ،‬وكؤن أثقال ماضٌها قد َّ‬
‫شوق ُ‬
‫للطه ِْر‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫تبلشت‪ ،‬وح َّل مكانها‬ ‫وخطاٌاها التً كانت تإرق ضمٌرها لٌل نهار‬
‫والنقاوة‪.‬‬
‫ًإذا هذا هو ٌسوع الذي طالما َسم ُ‬
‫ِعت عنه‪ ،‬بالحقٌقة هذا هو المسٌَّا المُخلِّص‪.‬‬
‫ضى ٌسوع‪.‬‬ ‫كانت تلك هً األفكار التً راودتها بعدما م َ‬
‫ٌكتب الكاتب اللبنانً أدٌب مصلح عن تلك الحادثة فً كتابه (ٌسوع فً حٌاته)‬
‫قاببلً‪:‬‬
‫األٌـدي التً كـانت تمسـك الخاطئـة تراخـت‬
‫خزٌــّا‬
‫ً‬ ‫والعٌـون أطرقـت‬
‫وخلـت الساحــة الثنـٌن فقــط؛‬
‫الخاطئـة وال ُمخ ِّلـص‪،‬‬
‫[ البـؤس األقصـَى والرحمـة القصـوى ] على حد قول القدٌس أغسطٌنوس‬
‫إن هللا فً تعامله مع خطٌبتنا ال ٌتخذ موقف الكتبة والفرٌسٌٌن الصارم كما ٌعتقد‬
‫البعض‪ ،‬ال ٌمسك بٌده سٌف العقوبة لٌُسلِّطه على ِر َقاب المُخطبٌن!! ولكنه ٌتخذ‬
‫جانب الل طف‪ ،‬جانب ستر الخطٌبة وإطبلق كلمات الغفران‪ .‬فاهلل حنون للغاٌة‪،‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫ٌشتاق لرجوع النفس إلٌه‪ ،‬وهو ٌَعْ لَ ُم أن القانون الصارم ال ٌجتذب النفوس‪،‬‬
‫ولكنه اللطف اإللهً الذي ٌجعل الخاطِ ا ٌذوب خجبلً من خطٌبته‪ ،‬وٌتم َّنى لو‬
‫ٌنال القدرة أن ٌُ َق ِّدم نفسه ذبٌحة لذاك الذي ٌُحبّ النفس حُبــ ًّا قدر هذا‪.‬‬
‫حٌنما قال أحد اإلخوة للقدٌس مكارٌوس الكبٌر‪:‬‬
‫ُ‬
‫سقطـت فً خطٌئـ ٍة‬ ‫ٌا أبـً لقد‬
‫كان جوابه ‪:‬‬
‫ارجــع ٌا ابنـً‬
‫وحـٌنئذ سـترى شـخص ربنـا ٌسـوع المسٌـح المملـوء حـالوة‬
‫ووجهـه المملـوء فرحـًا‬
‫ِّ‬
‫الحث على التوبة؛ فشعور الخاطِ ا‬ ‫إن هذا هو النهج األرثوذكسً األصٌل فً‬
‫ب ُحبِّ هللا‪ ،‬وبإشراقة وجه المسٌح من جدٌد فً حٌاته‪ٌ ،‬جعله ٌثور على ضعفة‬
‫وانهزامه‪ ،‬فتنح ّل قٌود الظلمة أمام مجد الحبّ المتر ِّقب عودته‪ ،‬ذاك المجد الذي‬
‫ٌُداعب قلبه المجروح‪ ،‬لٌُعٌد له الحٌاة‪ .‬وهذا ما ٌُإ ِّكده صفرونً سخاروف‪ ،‬إذ‬
‫ٌقول‪:‬‬
‫إن نعمـة التوبـة هً انخطـاف الـروح إلى هللا‪،‬‬
‫إذ تكـون مشـدودة إلٌه بظهـور النـور‪.‬‬
‫وٌضٌف كالٌستوس قاببلً‪:‬‬
‫من المستحٌـل أن نرى خطاٌانـا قبل رؤٌة نـور المسٌـح‬
‫فالتوبة هً انجذاب اإلنسان كٌانًٌا نحو المصدر الوحٌد الذي ٌحمل له شعلة‬
‫الرجاء وسط لٌل الظلمة الحالك‪ .‬فٌظهر ال ُمخلِّص بنوره الفابق الوصف لٌحمل‬
‫الروح نحو مدارات النور األبدي لٌُر ِّسخ فٌها جمال وبهجة الحٌاة الجدٌدة بعٌ ًدا‬
‫عن الظلمة والخطٌبة‪ .‬وتلك هً الخبرة التً ٌسٌر بها التابب فً مسٌرته الٌومٌَّة‬
‫محاوالً االنفبلت من الفخاخ المنصوبة والسهام ال ُم ْنطلِقة إلسقاطه‪.‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫لقد رسم فنانان فرنسٌان لوحتٌن عن َمثـَل االبن الضال؛ كان أولهما دي شافان‬
‫وقد ر َّكز فٌها على حالة االبن التعِسة‪ ،‬والثانً رامبرندت ر َّكز فٌها على موقف‬
‫األب‪ .‬ولقد علَّق ‪ Cerfaux .L‬فً كتابه (المسٌح فً الهوت القدٌس بولس ‪Le‬‬
‫‪ )thèologie de st. Paul Christ dans la‬على لوحة رامبرندت قاببلً‪:‬‬
‫[ الشاب ٌب َقى فً الظ ِّل مُدٌرً ا ظهره للمُشاهِد‪ ،‬ورأسه على ركبتً والده‪ ،‬وعلى‬
‫ثٌابه الرثــَّة وحذابه المتهرِّ ئ ٌتدفق نو ٌر ٌبدو أنه ٌنبعث من وجنتً األب فً‬
‫وسط اللوحة‪ ،‬ومن وجهه الوقور ذي العٌنٌن المنطفؤتٌن بسبب البكاء والمفعمتٌن‬
‫حنا ًنا‪ٌ ،‬بس ط الشٌخ معطفه لٌستر شقاء االبن الضابع‪ ،‬وٌداه تستندان مرتجفتٌن‬
‫على كتفً االبن‪ ،‬كؤنه ٌخشى علٌه أن ٌعود فٌرحل ثانٌة‪ .‬أما االبن البكر فٌقف‬
‫قاس ومُقطب احتقارً ا لضعف األب!!‪ .‬لقد اكتشف رامبرندت ح ًقا‬ ‫ٍ‬ ‫جانبًا بوج ٍه‬
‫النقطة المركزٌَّة فً ال َمثــَل‪ ،‬أعنً األب الحنون ]‪.‬‬
‫إنَّ أبوة هللا ال ُم ِحبَّة هً التً ُتش ِّكل ك ّل حركة إلهٌَّة نحونا ح ّتى ونحن خطاة‪ .‬كما‬
‫أن ضٌاء النور المُنب ِعث من وجه حضوره فً لحظات أسفنا على الخطٌبة هً‬
‫الدافع األكبر لنهوضنا والجاذب األعظم لقلوبنا نحو الملكوت‪.‬‬
‫وقد ٌتسابل البعض فلماذا ًإذا الناموس والقانون والعقوبة؟!‬
‫إن العقوبة لٌست للتاببٌن ‪ ..‬لٌست للذٌن لهم نفوس مُر َه َفة تحتاج فقط أن‬
‫ٌستحثها وٌُشجِّ عها لُطف هللا لكٌما تستقٌم مرّة أخرى ‪ ..‬لٌست للذٌن لدٌهم الرغبة‬
‫بٌنما ٌجتذبهم الجسد‪ ،‬للعالم‪ ،‬دون قدرة على االنفبلت ‪ ..‬لٌست للباحثٌن عن هللا‬
‫لتذوق َطعْ َم ال ُنصرة‪.‬‬
‫الذٌن ٌفتشون الكتب ح ّتى ٌستنٌروا فً حروبهم الروحٌَّة ُّ‬
‫والعقوبة فً المقابل‪ ،‬هً للمعاندٌن والقساة القلوب الذٌن ال ٌستشعرون اللطف‬
‫اإللهً‪ .‬إنها للذٌن فقدوا الحس وأماتوا ضمابرهم وك َّفنوها!!‪ .‬هً للذٌن فً‬
‫قسوتهم الذاتٌَّة ٌحتاجون إلى ش ّدة هللا لكٌما ٌعودوا إلى صوابهم وٌرجعوا عن‬
‫طرقهم الردٌبة‪.‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫لطف هللا‬
‫ت أمام كلمات داود النبى‪ ،‬بعد أن نجَّ اه الرب من أعدابِه‪،‬‬‫هل سبق لك أن تو َّق ْف َ‬
‫عظم ٌسوع‬ ‫حٌنما قال مُخاطِ بًا هللا‪ « :‬لطفك ٌعظمنً » (مز‪ .)35 :18‬لقد َّ‬
‫انكسار قلب المرأة الخاطبة‪ ،‬لم ٌتو َّقف عند خطٌبتها لٌ ِّ‬
‫ُعظمها للدٌنونة‪ ،‬ولكنه‬
‫تو َّقف عند انكسارها وانسحاق نفسها لٌ ِّ‬
‫ُعظمه للغفران …‬
‫فاهلل دابمًا ٌبحث فً حٌاتك عن أٌَّة ثمرة ولو صغٌرة‪ ،‬لكً ما ٌُثنً علٌها‬
‫لحقل مُثمِر وممتلِا بثمار الروح المتنوِّ عة‪ٌُ .‬ف ِّتش‬
‫ٍ‬ ‫وٌُشجِّ عها وٌجعل منها باكور ًة‬
‫عن أٌَّة بادرة خضراء مُب ِّشرة لٌروٌها وٌجعلها شجرة كبٌرة تتآوى بٌن أغصانها‬
‫ُعظم هللا فلسٌنا الصغٌرٌْن‪ ،‬وتوبتنا الغٌر كاملة‪ ،‬وصلواتنا‬ ‫الطٌور‪ .‬ولكن‪ ،‬متى ٌ ِّ‬
‫التً لم ترتق بعد لتكون صرخات الروح فٌنا؟؟‬
‫تتلخص فً كلمتٌن وهما؛ التسلٌم والحبّ ‪ .‬إن التسلٌم والحبّ‬ ‫إن اإلجابة نجدها َّ‬
‫هما د َّفتا الشراع اللذان نرفعهما عالًٌا فً رحلتنا الدهرٌِّة‪ .‬فالتسلٌم الواثق فً‬
‫الرب لٌقود هو د ّفة الحٌاة لٌُوجِّ هها لتحقٌق مشٌبته بما ٌتوافق مع خبلص‬
‫اإلنسان‪ ،‬هو الطرٌق الوحٌد الذي ٌُحوِّ ل مٌزان األمور لٌُرجِّ ح ك َّفة الخبلص‬
‫لصالحنا مهما كانت المُعوِّ قات‪ .‬فالرٌاح العاتٌة التً ُتحاول أن تضرب سفٌنة‬
‫سرع من‬ ‫قوة دفع ُت ِ‬ ‫حٌاتك‪ ،‬ستتحول ـ حٌنما ُتسلِّم كٌانك بكلٌَّته للثالوث ـ إلى َّ‬
‫مسٌرتك وترسو بها على شاطِ ا الحٌاة‪ .‬ستحملك وكؤنها جناحا مبلك أرسله هللا‬
‫لٌُو ِّفر لك العون والحماٌة‪ .‬وسترى أن الرٌاح بجموحها وقسوتها لن تستطٌع أن‬
‫تخرج عن إطار الخبلص ال ُم َعد لك‪ .‬ال ولن تصٌر عابق على الطرٌق‪ ،‬ألن‬
‫مشٌبة الرب مُختفٌَّة هناك‪ .‬فرٌاح التجارب ستقودك إلى شواطِ ا لٌست فً‬
‫ُخطط ارتحالك‪ ،‬ولكنك ستعاٌن على تلك الشواطِ ا أن لك رسالة لتإدٌها‪ ،‬وأن‬ ‫م َّ‬
‫هذا التحوُّ ل فً المسٌرة هو المسٌرة ذاتها التً أع َّدها الرب ل ٌُث ِّقل بها المجد‬
‫المُع ّد لك فً األبدٌَّة‪.‬‬
‫إن الفخ الذي سٌنصبه لك إبلٌس‪ ،‬سٌتحوَّ ل إلى سور حصٌن‪ .‬فالمٌاه التً أغرقت‬
‫فرعون وجنوده‪ ،‬كانت هً هً المٌاه التً صارت سورً ا لبنً إسرابٌل فً‬
‫العبور األشهر على مرِّ التارٌخ‪ .‬ولكن ٌجب أوالً أن ُتسلِّم قٌادة النفس للرب‬
‫لٌُحارب عنها و ٌَعْ بُر بها بحار التجارب‪ ،‬فٌُرسل سٌفه (كلمته) لٌُبلشً وٌبٌد‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫األعداء‪ .‬لن ٌب َقى (وال واحد) ٌقف أمامك‪ ،‬طالما أنك ُتإمن أن هللا ٌستطٌع‪ ،‬وأنك‬
‫بالمسٌح‪ ،‬تستطٌع ك ّل شً ٍء … ك ّل شً ٍء (فً إطار التوبة) …‬
‫« فرجـع المـاء و غ َّطى مركبـات وفرسـان جمٌـع جـٌش فرعـون‬
‫الذي دخـل ورائهـم فً البحـر‬
‫لم ٌبـق منهـم وال واحـد‪.‬‬
‫وأ َّمـا بنـو إسرائٌـل‬
‫فمشـوا على الٌابسـة فً وسـط البحـر‬
‫والمـاء سـور لهـم عن ٌمٌنهـم وعن ٌسـارهم »‬
‫(خر‪ 28 :14‬ـ ‪)29‬‬
‫وتؤتً محبّة هللا لتإ ِّكد على المبدأ األول (التسلٌم)‪ .‬فالمحبّة تس ُتر الخطٌبة‪،‬‬
‫و ُتشعِل الروح‪ ،‬وتقود إلى هللا من أقصر الطرق‪.‬‬
‫شكرً ا‬ ‫لقد أعلن داود عن محبّته هلل القوي فً مُسْ َتهل المزمور الذي َن َظمْه ُ‬
‫وتسبٌحً ا للرب الذي نجَّ اه من ٌد شاول الذي كان ٌبلحقه‪ ،‬إذ قال‪« :‬أحبّك ٌارب‬
‫ٌا قوتً» (مز‪ ،) 1 :18‬إنه تعبٌر عن شوق قلب ٌرٌد أن ٌتجسد فً كلمات‪ .‬هو‬
‫بقوة‬‫إعبلن عن حبّ ٌُولَد‪ ،‬من جدٌد‪ ،‬من َرحِم ال ُنصرة‪ ،‬وتلك ال ُنصرة لٌست َّ‬
‫بقوة إلهٌَّة مُتداخلة فً حٌاتنا‪ ،‬تل َمس ضعف اإلنسان وحٌرته‬ ‫ذاتٌَّة بشرٌَّة بل َّ‬
‫ف ُتش ِّدده لٌنهض وٌُحارب وٌنتصر‪.‬‬
‫لذا فإن محبّة الرب المستحوذة على شِ غاف القلب ٌجب أن ٌبلزمها إعبلن عن‬
‫ثقة النفس فً قٌادته لحٌاتها‪ ،‬وحٌنها س ُتعاٌن النفس عٌنًْ هللا التً ُت ِّ‬
‫عظم القلٌل‪،‬‬
‫« ألنه لٌس للرب مانع عن أن ٌُخلِّص بالكثٌر أو بالقلٌل» (‪1‬صم‪.)6 :14‬‬
‫فالحُبّ النابت من أرض التسلٌم ال ِخصْ بة‪ ،‬وحده ٌستطٌع أن ٌُعوِّ ض نقص ال َك ْم!!‬
‫فصبلة قصٌرة مملإة بالشوق واالحتٌاج إلى هللا‪ ،‬والمُتولِّدة من خضم صراع‬
‫شرس مع الشٌطان‪ ،‬الذي ٌحاول بش َّتى الطرق تضلٌلها عن َم ْخدَع الصبلة‪ ،‬لهً‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫أفضل من صبل ٍة طوٌل ٍة جاف ٍة نابت ٍة من وهم السبلم الزابف‪ ،‬تإول إلى تنمٌة البرّ‬
‫ضره ُتصلًِّ!!‬
‫الذاتً فً النفس‪ ،‬و ُتبعدها عن هللا وهً مُتوهِّمة أنها فً َمحْ َ‬
‫فحٌنما ٌكون الحبّ هو شرٌعتنا فً تعاملنا مع هللا‪ ،‬والتسلٌم هو موقفنا من ك ّل ما‬
‫ٌُجابهنا فً الحٌاة‪ٌ ،‬كون اللطف هو منظار هللا الذي ٌُكبِّر أعمالنا الصغٌرة‪،‬‬
‫وٌُنمٌها وٌُصٌِّرها فضابل مثمرة‪ .‬وتلك هً ال ُنصرة الحقٌقٌَّة المرهونة بقدرتنا‬
‫على الحبّ والتسلٌم‪ .‬ال ُنصرة التً نتذوَّ قها أثناء مسٌرتنا خلف المسٌح‪ ،‬ربَّان‬
‫النفس وقابدها‪ .‬لذا ٌكتب القدٌس مكارٌوس قاببلً‪:‬‬
‫حٌـث ٌركـب الـرب وٌمسـك بزمـام النفـس بٌدٌـه‪،‬‬
‫فإنـه دائمـًا ٌغلـب‪ ،‬ألنه بمهـارة ٌدٌـر وٌقـود مركبـة النفـس‬
‫سـماوي ُملهـَم إلى األبـد‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫ذهـن‬
‫ٍ‬ ‫إلى‬
‫فإن كان لنا ذلك الذهنُ السماويُّ الذي ٌخلقه فٌنا الروح‪ ،‬حٌنما ٌستلم المسٌح د ّفة‬
‫النفس‪ ،‬نبدأ فً التحرُّ ر من الخطٌبة والتعرُّ ف على وجه ٌسوع‪ ،‬وهنا تبدأ التوبة‪.‬‬
‫حالة الخطٌئة‬
‫إنَّ اإلخفاق الذي ٌُصٌبنا فً مسٌرتنا الٌومٌَّة الحٌاتٌَّة والذي ُنعرِّ فه بؤنه «‬
‫الخطٌبة » لٌس ختام األمر‪ .‬فمن م َّنا لم ٌُخطِ ا؛ [ لٌس أحد ببل خطٌبة ولو كانت‬
‫واحدا على األرض ] هكذا ُنصلًِّ فً القُ َّداس‪ .‬ولكن الخطر الحقٌقً‬‫ً‬ ‫حٌاته ٌومًا‬
‫الذي ٌُحْ دِق بنا هو البقاء فً حالة الخطٌبة‪ ،‬أن ٌصٌر اإلخفاق موق ًفا ٌوم ًٌّا‬
‫مُتكرِّ رً ا وكؤنه عقٌدة نعتنقها‪ ،‬واألخطر من ذلك أن تصٌر الخطٌبة غٌر ُم َب ِّكتة‬
‫واع عن الحِراك‬ ‫لضمابرنا وال مإلمة لقلوبنا‪ .‬إن مثل تلك الحالة هً تو ُّقف ٍ‬
‫الٌومً ض ّد الشهوة والضعف واالنكسار‪ ،‬إنها تو ُّقف عن حركة التوبة وما‬
‫التلذذ بالشهوة والتحالف معها تجنبًا لخوض حر ٍ‬
‫ب‬ ‫ٌصاحب ذلك بالضرورة من ُّ‬
‫ض ّدها!! إذ قد ٌصاحب تلك الحرب بعض الخسابر ممَّا نحبّه ونرتبط به‪ ،‬وهذا‬
‫هو الهاجس الذي ٌجعل الكثٌرٌن ٌهربون من مٌدان المعركة‪ .‬إنه الخوف من‬
‫خسارة ما قد ارتبطوا به فً الحٌاة‪ ،‬بل وظ ُّنوه ضرورة من ضرورات الحٌاة‪.‬‬
‫وهذا ٌإ ِّدي إلى تو ُّقف الخاطِ ا عن الحٌاة‪ ،‬إذ ٌجتاز مرحلة الموت الروحً على‬
‫ضى‪ ،‬فٌصبحون أقرب للموت‬ ‫غِ رار الموت االكلٌنٌكً الذي ٌمرُّ به بعض المر َ‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫منهم للحٌاة‪ .‬والموت الروحً هو حالة من الجفاف الكٌانً الداخلً‪ ،‬تجف فٌها‬
‫ٌنابٌع الدماء النقٌَّة التً َت ِم ّد قلب اإلنسان الجدٌد‪ ،‬المولود من الماء والروح‪،‬‬
‫بالوجود الروحً‪ .‬نتٌجة فقدان الصلة مع نبع الحٌاة‪ٌ ،‬سوع المُخلِّص‪.‬‬
‫وٌإ ِّكد القدٌس ٌوحنا ذهبً الفم فً رسالته إلى ثٌإدوروس على أن خسارة‬
‫السقوط أقل ضررً ا من حالة السقوط‪ ،‬إذ ٌقول‪:‬‬
‫حــــزن‬
‫ِ‬ ‫سقــوط اإلنســان لـٌس باألمــر ال ُم‬
‫كمثـل بقائـه طوٌـالً فً هـذا السقـوط‬
‫وٌضٌف فً نفس الرسالة قاببلً‪:‬‬
‫أن تـُخطِ ئ فهـذا ضعـف بشـري‪،‬‬
‫أمـا أن تستمـر فً الخطٌئـة‪،‬‬
‫شٌطانٌــّا‬
‫ً‬ ‫بشرٌــّا بل‬
‫ً‬ ‫فلـم ٌعـد األمـر‬
‫وأٌ ً‬
‫ضا القدٌس مرقس الناسك‪ٌ ،‬كتب لنا فً مقالته عن سبب الدٌنونة الحقٌقً‪،‬‬
‫قاببلً‪:‬‬
‫نحـن ال ُنـدان بسـبب تعدٌاتنـا الكـثٌرة‪،‬‬
‫بل بسـبب رفضنـا التـوبـة‬
‫فبل رٌب أنَّ اإلنسان الذي استوطن الخطٌبة وتحوَّ لت الخطٌبة فً حٌاته من‬
‫عارض إلى حال ٍة مستدٌمةٍ‪ٌ ،‬تحوَّ ل إلى روحً ا تابهة ببل رجاء وال بصٌرة‬
‫ٍ‬ ‫موق ٍ‬
‫ف‬
‫َّ‬
‫الملذات التً ٌغوص فٌها َطواعِ ٌَة‪.‬‬ ‫وال هدف أعلى وأسمى ٌجتذبه خارج دابرة‬
‫هنا وٌؤتً الشٌطان لٌُقٌم عشاءه على جدران هذا القلب الشاحب‪ ،‬الرازح تحت‬
‫ِث َقل الخطٌبة‪ .‬فٌصٌر ذلك اإلنسان َمسْ ك ًنا للظلمة‪ ،‬التً تتكثــَّف وتتكثــَّف ح ّتى‬
‫تصل به إلى الع َمى الروحً الكامل‪ ،‬وهو ما وصفه القدٌس بولس قاببلً‪ « :‬الذٌن‬
‫فٌهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غٌر المإمنٌن لببل ُتضًء لهم إنارة إنجٌل‬
‫مجد المسٌح » (‪2‬كو‪.)4 :4‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫فحٌنما ٌخبو نور الرجاء فً القلب‪ٌ ،‬تحجَّ ر وٌصٌر مذبحً ا ُتق ِّدم علٌه الشٌاطٌن‬
‫مختلف أنواع الذبابح النجسة‪ .‬وٌجد الخاطِ ا نفسه فً قبر الشهوة مُقٌَّد‪ ،‬أسٌر‬
‫للخطٌبة والتعدي‪ ،‬محرومًا من الحق فً الرجاء إذ أن الظلمة قد سلبته أبسط‬
‫حقوقه أال وهً التفكٌر وتقرٌر المصٌر‪.‬‬
‫ومن خبلل إدراك الشٌطان لخطورة الرجاء على مملكته المترامٌة األطراف‪ ،‬لم‬
‫ٌهتم الشٌطان بالخطٌبة قدر اهتمامه بنفسٌَّة الخاطِ ا‪ .‬فالشٌطان بعد أن ٌُس ِقط‬
‫اإلنسان فً التعدي‪ٌ ،‬بدأ بممارسة دوره األخطر‪ ،‬وهو غلق باب الرجاء أمام‬
‫الخاطِ ا‪ٌ .‬بدأ فً إقناع النفس بدهابه األسود أن نور الحٌاة ال ٌمكن له أن ٌسكن‬
‫مرّة أخرى فً جسد سكنته الخطٌبة ٌومًا‪ ،‬وأن هللا القدوس لن ٌستمع من جدٌد‬
‫لصلوات خاطِ ا قد داس دم العهد وازدرى بالنعمة وأنكر ابن هللا بالشهوة‪.‬‬
‫وحٌنما ٌنجح فً إقناع النفس باستحالة العودة‪ ،‬أو على األقل بصعوبتها‪ٌ ،‬تهلَّل‪،‬‬
‫ألنه قد أسقط النفس فً أخطر خطٌبة قد سبق وحذرنا منها الرب؛ إنها التجدٌف‬
‫على الروح القدس‪ « .‬لذلك أقول لكم ك ّل خطٌَّة وتجدٌف ٌُغ َفر للناس وأما‬
‫التجدٌف على الروح فلن ٌُغ َفر للناس » (مت‪.)31 :12‬‬
‫والتجدٌف على الروح القدس هو باألساس عدم اإلٌمان بقدرته على تغٌٌر وضع‬
‫اإلنسان‪ ،‬من كابن قد ث َّقلته الظلمة لتقوده نحو الهاوٌة التً تجتذبه بقوَّ ة جذب‬
‫الخطٌبة‪ ،‬إلى كابن قادر أن ٌتحرَّ ر وٌنفض عن نفسه غبار الخطٌبة وٌُغٌِّر‬
‫مسٌرته صوب ملكوت التاببٌن‪ .‬وحٌنما ٌفقد اإلنسان ثقته فً الروح القدس‪ٌ ،‬فقد‬
‫تِبعًا لذلك‪ ،‬المُعٌن الوحٌد القادر أن ٌنتشله من تلك الحفرة التً سقط فٌها‪ ،‬فٌب َقى‬
‫وحٌ ًدا تتطاٌر حوله طٌور الٌؤس لتصل به إلى مٌناء الموت‪ ،‬وسط شماتة‬
‫الشٌطان‪ ،‬الذي استطاع أن ٌخدع الن فس وٌحجب عنها نور الرجاء بل وقوَّ ة‬
‫الرجاء‪.‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫وعن التجدٌف على الروح القدس ٌكتب القدٌس أغسطٌنوس (‪.vol ;NPNF‬‬
‫‪ ) 21 sermon ,v‬فٌقول‪:‬‬
‫القلب غٌر التائب ٌنطق بكلمة ض ّد الروح القدس‪،‬‬
‫ض ّد هذه العط ٌَّة المجان ٌَّة‪ ،‬وض ّد النعمة اإلله ٌَّة‪.‬‬
‫عدم التوبة هو التجدٌف على الروح القدس‬
‫الذي لن ٌُغ َفر ال فً هذا العالم وال فً اآلتً‪.‬‬
‫لذا فعمل الشٌطان األخطر‪ ،‬هو هدم ذلك الجسر الذهبً (عمل الروح القدس)‬
‫الذي ٌَصِ ل بٌن قلوبنا المُنهكة فً صِ راع األرض‪ ،‬وقلب هللا الفابض بالمعونة‪.‬‬
‫وهو ما نجح فٌه مع ٌهوذا حٌنما هوَّ ل من قدر خطٌبته مُستصْ ِغرً ا قدرة الروح‬
‫القدس على غسله من تلك الخطٌبة‪ ،‬فكانت حبال الٌؤس هً مشورة الشٌطان له‪،‬‬
‫إنسان لم ٌثق فً الروح ولم‬
‫ٍ‬ ‫و َق ِبلها‪ ،‬ومات فً خطٌبته‪ .‬بٌنما ٌتؤلم قلب هللا على‬
‫ٌستند على النعمة ولم ٌتمسَّك بالرجاء‪ ،‬فجرفه التٌار نحو مصٌر الخطاة‬
‫والمُج ِّدفٌن على روح هللا!!‬
‫لقد كتب أحدهم ‪:‬‬
‫الٌـأس هو كلمـة جوفـاء ال معنـَى لهـا‪،‬‬
‫فتـً ونفـس خالـدة وإلـه ٌح ّبـه‬
‫ّ‬ ‫لمـن لـه قلـب‬
‫فكٌف لك أن تٌؤس ولك إله جوهره الحبّ وكلماته روح وحٌاة وحركته دابمًا إلى‬
‫أسفل نحو اإلنسان‪ .‬كٌف تسمح لهذا الشعور أن ٌتسلَّل إلٌك فً لحظات الخطٌبة‬
‫والضعف‪ ،‬وأنت تحفظ عن ظهر قلب كلمات مٌخا النبً الذي تب َّنى صوت النفس‬
‫الساقطة ولكن المُتشبِّثة بالرجاء‪ ،‬قاببلً‪ « :‬ال تشمتً بً ٌا عدوتً‪ ،‬إذا سقطت‬
‫أقوم‪ ،‬إذا جلست فً الظلمة فالرب نور لً » (مً‪ .)8 :7‬كٌف تستسلم للظلمة‬
‫وأنت َتعلَم أن النور قرٌب منك‪ ،‬أقرب إلٌك من ال َن َفس الذي تتنفسه‪ .‬كٌف ُتلقً‬
‫سبلحك فً المعركة وأنت ُت ْد ِرك أن هناك حش ٌد من الخ َّدام الملتهبٌن نارً ا‬
‫سٌدافعون عنك إن رفعت عٌنٌك إلى السماء‪ ،‬وأطلقت أنـَّات قلبك القادرة أن‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫ُتزلزل قلب اآلب السماوي المُنتظِ ر دعوتك له‪ ،‬لٌقود الحرب بدالً منك‪ ،‬وٌكون‬
‫لك ُترس خبلص وصخرة ملجؤ وحصن حماٌة‪.‬‬
‫كٌف تٌؤس وأنت تقرأ عن المرأة الخاطبة التً عرفت موضع أقدام ٌسوع‬
‫وسكبت دموع أشواقها علٌها‪ ،‬فغفر لها تارٌخ هذا طوله فً الخطٌبة!!‬
‫وها هو القدٌس ٌوحنا ذهبً الفم ٌإ ِّكد لك عن فاعلٌَّة تلك الدموع الخارجة من‬
‫ُم ْقلَة الرجاء‪ ،‬قاببلً‪:‬‬
‫الدمـوع ال ُمق َّدسـة هً بـذار الفـرح الدائـم الذي ال ٌـزول‬
‫كرمـة أفضـل من العـذارى‪،‬‬
‫هـكذا صـارت الخاطئـة ُم َّ‬
‫ل َّما تمسكـت بهـذه النـار‬
‫…‬
‫لمـَّا امتـألت بحـرارة التوبـة‬
‫صـارت محمولـة خـارج نفسهـا بلهفـة مح ّبتهـا للمسٌـح‬
‫فحلَّـت شعرهـا وب َّللـت قدمٌـه الطاهـرتٌن بدمـوعها‬
‫ومسحتهمـا بضفائرهـا‪،‬‬
‫هذه ثمـار خارجٌـَّة‬
‫أمـا ما جـرى فً قلبهـا فكـان أكـثر حـرارة من هذا‪،‬‬
‫أمـور ال ٌقـدر أحـد على معاٌنتهـا سـوى هللا‪.‬‬
‫إن كنت تسمع عن حرارة الروح التً كانت تشتعل فً قلوب القدٌسٌن وٌجرفك‬
‫الشوق لتلك الخبرة مُبتغ ًٌّا تلك النار المُطهِّرة‪ ،‬ولكن واقعك ملفوف فً أكفان‬
‫باردة موسومة بالضعف واالنهزام‪ ،‬ال تٌؤس ‪ ..‬فدموع التوبة قادرة أن ُتعٌد‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫الحٌاة لقلبك الذي سكنته البرودة دهرً ا‪ ،‬فتتذوق جمال حرارة الروح التً تشعلها‬
‫النعمة‪ ،‬حٌنما تختبر (النعمة) مصداقٌَّة دموعك‪.‬‬
‫ٌقول األب ٌوحنا السٌنابً فً كتابه (ال ُسلَّم إلى هللا ‪ /‬الدرجة الخامسة)‪:‬‬
‫ال شـًء ٌسـاوي رأفـات إلهنـا أو ٌفوقهـا‪،‬‬
‫لذلك فإن الذي ٌٌـأس ٌقتـل نفسـه بنفسـه‪.‬‬
‫فصاعدا أن تحذف كلمة الٌؤس من قاموس حٌاتك‪ ،‬فطالما َتدبُّ‬ ‫ً‬ ‫علٌك من اآلن‬
‫الحٌاة فً جسدك‪ ،‬هناك رجاء ‪ ..‬هناك قٌامة ‪ ..‬هناك تج ُّدد ‪ ..‬هناك دابمًا إله‬
‫ٌترقب عودتك مهما كانت حالتك‪.‬‬
‫وها هو القدٌس غرٌغورٌوس النزٌنزي فً عظته (عن الظهور اإللهً) ٌترجاك‬
‫قاببلً‪:‬‬
‫لٌتـك تسقـط فً أحضـان التوبـة بـدالً من أحضـان الٌـأس‬
‫ما بٌن سقطتٌن‬
‫إن جهادنا فً البداٌات الروحٌَّة َّ‬
‫ٌتلخص فً عملٌْن أساسٌٌْن وهما‪:‬‬
‫محاولة تقلٌص المسافة الزمنٌَّة بٌن توبتٌن‪ ،‬وبالتالً إطالة المسافة‬ ‫‪‬‬

‫الزمنٌَّة بٌن سقطتٌن‪.‬‬


‫محاولة االهتمام بالخطاٌا الصغٌرة والتً ٌبدو أنها سقطات فرعٌَّة ٌمكن‬ ‫‪‬‬

‫التخلُّص منها فً أي وقت‪.‬‬


‫من األخطار التً ُتحْ دِق بمن ٌبدأون فً الحٌاة الروحٌَّة أنهم حالما ٌسقطون‬
‫بضع مرات فً الخطٌبة ٌظنون أن ذلك األمر هو نهاٌة المطاف‪ ،‬وأن الحٌاة‬
‫الروحٌَّة أبعد ما تكون عن متناول أٌدٌهم التً عانقت العالم من قبل!!‬
‫لذا فإن أول ما ٌجب أن ٌحرص علٌه من ٌخطو أولى خطوات الحٌاة مع هللا‪،‬‬
‫مرتد ًٌّا عباءة التوبة‪ ،‬هو أن ٌحاول أن ٌُسْ ِرع بالتوبة كلما سقط‪ ،‬وال ٌنصت‬
‫لشكاٌة الشٌطان الذي ٌرٌد أن ٌجعله ٌتمادَى فً الخطٌبة‪ ،‬زاعمًا أن الوقوف‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫أمام هللا هو من نصٌب الملتزمٌن سلوك ًٌّا وأخبلق ًٌّا‪ ،‬والذٌن لم ٌسقطوا من قبل!!‬
‫وذلك ألن خوف الشٌطان األكبر هو أن تكون فترات تواجد الخاطِ ا فً حالة‬
‫التوبة‪ ،‬أكبر من فترات تواجده فً حالة الخطٌبة‪ .‬ولكن إن َفطِ ن الخاطِ ا بؤن‬
‫أقوى وسٌلة للر ّد على الخطٌبة هً اإلسراع بالتوبة‪ ،‬سٌجد الشٌطان أن زمن‬
‫التوبة فً حٌاة الشخص ٌُمثــِّل الجانب األكبر من حٌاته بالرغم من تع ُّدد سقطاته‬
‫وهو ما ٌَحصُد لذلك التابب أكالٌل ال ُتح َ‬
‫صى!!‬
‫لذا ال تتوا َنى أن تنهض للصبلة واالقرار بالخطٌبة والضعف‪ ،‬وإن كانت رابحة‬
‫الخطٌبة لم تبرح من ثٌابك بعد!!‬
‫نقرأ فً بستان الرهبان عن تلك ال ِقصَّة الرابعة عن عِ ناد الرجاء رغم السقوط‪،‬‬
‫ما ٌلً‪:‬‬

‫أخ كان ساك ًنا فً ٍ‬


‫دٌر‬ ‫قٌل عن ٍ‬
‫إنه من شدة القتال كان ٌسقط مرارً ا كثٌر ًة‪.‬‬
‫ُكره نف َسه وٌصبر كٌبل ٌترك إسكٌم الرهبنة‪،‬‬
‫فمكث ٌ ِ‬
‫بحرص‪ ،‬وٌقول فً صبلتهِ‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫وكان ٌصنع قانو َنه وسواعٌه‬
‫«ٌا ربُّ أنت ترى شدة حالً وشدة حزنً‪،‬‬
‫ُ‬
‫شبت أنا أم لم أشؤ‪،‬‬ ‫فانتشلنً ٌا ربُّ إن‬
‫ُ‬
‫أشتاق وأحبُّ الخطٌَّة‪،‬‬ ‫ألنً مثل الطٌن‪،‬‬
‫ولكن أنت اإلله الجبار اكففنً عن هذا النجس‪،‬‬
‫ألنك إن َ‬
‫كنت إنما ترحم القدٌسٌن فقط‬
‫فلٌس هذا بعجٌبٍ‪،‬‬
‫كنت إنما تخلِّص األطهار فما الحاجة‪،‬‬
‫وإن َ‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫ألن أولبك مستحقون‪،‬‬
‫أر عجب رحمتك‬
‫ولكن فـًَّ أنا غٌر المستحق ٌا سٌدي ِ‬
‫ُ‬
‫أسلمت نفسً»‪.‬‬ ‫ألنً إلٌك‬
‫ٌوم‪ ،‬أخطؤ أو لم ٌخطِ ا‪،‬‬
‫وهذا ما كان ٌقوله ك َّل ٍ‬
‫فلمَّا كان ذات ٌوم‪ ،‬وهو داب ٌم فً هذه الصبلة‪،‬‬
‫ضجر الشٌطانُ من حُ سن رجاب ِه ووقاحت ِه المحمودة‪،‬‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫فظهر له وجهًا لوجه وهو ٌرتل مزامٌره‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫«أما َ‬
‫تخزى أن تقف بٌن ٌدي هللا بال ُجمل ِة‬
‫وتسمً اس َمه بفمِك النجس»؟‬
‫ً‬
‫مرزبة؟‬ ‫ً‬
‫مرزبة وأنا أضربُ‬ ‫َ‬
‫ألست أنت تضربُ‬ ‫فقال له األخ‪« :‬‬
‫أنت توقعنً فً الخطٌَّة‪،‬‬
‫وأنا أطلب من هللا الرحوم أن ٌتحنن علًَّ ‪،‬‬
‫ُ‬
‫الموت‪.‬‬ ‫فؤنا أضاربك على هذا الصراع ح ّتى ٌدركنً‬
‫وال أقطع رجابً من إلهً‪ ،‬وال أكف من االستعداد لك‪،‬‬
‫وستنظر من ٌغلب‪ :‬أنت أو رحمة هللا»‪.‬‬
‫فلما سمع الشٌطانُ كبل َمه قال‪:‬‬
‫«من اآلن ال أعود إلى قتالك‪،‬‬
‫لببل أُسبِّب لك أكالٌل فً رجابك بإلهك»‪.‬‬
‫وتنحَّ ى الشٌطان عنه من ذلك الٌوم‪.‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫عطل توبتنا أننا فً الكثٌر من‬ ‫على الجانب اآلخر‪ ،‬نجد أن أحد األخطار التً ُت ِّ‬
‫األحٌان َنحْ صُر اهتمامنا ونشحذ جهودنا للخطاٌا الكبٌرة فقط‪ ،‬والتً ٌبدو ظاهر ًٌّا‬
‫أنها سبب التعثــُّر الروحً الذي نعانً منه‪ ،‬غٌر م ُْدركٌن أن الخطاٌا الصغٌرة‬
‫والمتراكمة قد تكون أكثر ضررً ا على مسٌرتنا الروحٌَّة من أي شًء آخر‪ .‬لذا‬
‫ٌكتب الكاتب اإلنجلٌزي سً إس لوٌس ‪ C.S.Lewis‬فً كتابه (رسابل ُخربُر)‬
‫بلسان ُخربُر (الشٌطان الكبٌر الناضج فً الشر) الذي ٌنصح ابن أخٌه َعل َقم‬
‫(الشٌطان المبتدِئ فً حروب البشر) عن كٌفٌَّة إسقاط البشر‪ ،‬قاببلً‪:‬‬
‫ال ٌه ّم كم تكون الخطاٌا صغٌرة‬
‫ما دام مجموع تأثٌراتها ٌضمن إبعاد اإلنسان عن النور‬
‫وإخراجه إلى الالشًء‬
‫…‬
‫إنَّ أضمن طرٌق إلى جهنم هو الطرٌق التدرٌجً‪،‬‬
‫ذلك ال ُمنحدَر اللطٌف‪ ،‬الل ٌِّن تحت األقدام‪،‬‬
‫الخالً من المنعطفات المفاجئة‪،‬‬
‫الموجهة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ومن المعالم الهادٌة والالفتات‬
‫لذا فإن أحد ألقاب الشٌطان هو [ ف َّتال حبال ]‪ ،‬إذ أنه ٌَ ْخرُج باإلنسان عن غاٌته‬
‫روٌ ًدا روٌ ًدا دون أن ٌشعر بذلك‪ ،‬وهو ٌعتمد فً ذلك على عاملٌْن وهما‪:‬‬
‫(‪ )1‬طول الزمن‬
‫(‪ )2‬تحوٌل مسار التوبة ل ُتر ِّكز على الخطاٌا الكبٌرة‪ ،‬والتً غالبًا ما تكون‬
‫لمرض داخلًٍّ فً القلب‪ ،‬قد نشؤ نتٌجة تراكمات من الخطاٌا الصغٌرة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أعراضًا‬
‫لذا فقد َّ‬
‫حذر الكتاب ممّا أسماه « الثعالب الصِ غار المُفسْ ِِدة للكروم » (نش‪:2‬‬
‫‪ ،)15‬إذ أن خطورتها َت ْكمُن فً عدم انتباهنا لها وبالتالً عدم توخٌنا الحذر من‬
‫النتابج التً قد تنتج عنها‪ .‬لذا فإن التوبة هً وعً بالخطٌبة كجدار ٌفصل بٌن‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫اإلنسان وهللا سواء كان هذا الجدار مرتفعًا أم ال‪ .‬ولكنه ٌب َقى جدارً ا ٌحتاج إلى‬
‫هدم ب ِمعْ َول التوبة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫نور الرجاء‬
‫إن دور الروح القدس فً التوبة هو أنه ٌبدأ فً إرسال إشارات لذلك اإلنسان‬
‫الذي ٌحاول الشٌطان أن ٌُخفً عنه حقٌقة الرجاء‪ .‬وتلك اإلشارات قد تتخذ‬
‫ً‬
‫وأنماطا مُتع ِّددة‪ .‬ولكنك دابمًا ستجدها ُتر ِّدد فً داخل قلبك تلك الكلمات‪:‬‬ ‫أشكاالً‬

‫أنت مح ّبوب منذ األزل ‪..‬‬


‫سفِك من أجلك ‪..‬‬
‫أنت ثمٌن بقٌمة الدم الذي ُ‬
‫أنت ابنٌ للنور ‪..‬‬
‫أنت ولٌد القٌامة ‪..‬‬
‫أنت مخلوق لألبد ٌَّة ‪..‬‬
‫أنت الصورة البه ٌَّة هلل على األرض‪.‬‬
‫انهض متمس ًكا بالرجاء فً الرب‪،‬‬
‫ا ْن َح ِن أمام روح الحق‪،‬‬
‫اقبل مشورته من أجل التوبة‪،‬‬
‫تواضع تحت ٌد الرب‪،‬‬
‫بالقوة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ح ّتى تحملك ٌداه وتمسكك ٌمٌنه ال ُم َم َّجدة‬
‫وهكذا تجد النفس أنَّ أشعة الرجاء تعود مرّة أخرى بعد اال َّد َعابات الكاذبة التً‬
‫كان ٌخفً بها الشٌطان‪ ،‬عن النفس‪ ،‬حقٌقة الرجاء‪ ،‬تلك الحقٌقة القادرة أن تذٌب‬
‫قٌود الخطٌبة كما تذٌب الشمس ذرات الجلٌد المُتجمِّدة على أطراف أوراق‬
‫الشجر‪ ،‬وقت الشروق‪.‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫وٌبدأ الروح القدس ٌُ ْنعِش ذاكرة اإلنسان الروحٌَّة‪ ،‬من خبلل الخبرات التً‬
‫دوَّ نها التارٌخ المسٌحً عن خطاة تحرروا من قبور الشهوة وانطلقوا فً مراعً‬
‫الروح نحو شمس الحٌاة السرمدي‪.‬‬
‫فمن ذا الذي طرق أبواب مراحم إلهنا الحنون‪ ،‬وتركه خارجً ا ٌعانً من الخوف‬
‫والوحدة ‪..‬‬
‫من ذا الذي تضرَّ ع فلم ٌجد أجناد مبلبكة من نور ٌحشدها الرب لٌدافع بها عن‬
‫تلك النفس الواحدة التً ال ٌعبؤ بها أحد ‪..‬‬
‫من ذا الذي تحرَّ ك فً قلبه الشوق والحنٌن إلى هللا‪ ،‬ولم ٌبادله هللا الشوق أضعا ًفا‬
‫ضا َعفة ‪..‬‬
‫ُم َ‬
‫من ذا الذي رفع جرحه الدامً ـ الذي انجرح به فً معركة الحٌاة ـ إلى العبلء‬
‫ٌترجَّ ى الطبٌب األعظم‪ ،‬ولم ٌجد شمس الب ّر ٌحمل له الشفاء على جناحٌه‬
‫(مبل‪.. )2 :4‬‬
‫من ذا الذي أطلق صراخه إلى السماء « ٌارب إلى من نذهب‪ ،‬كبلم الحٌاة‬
‫األبدٌَّة عندك؟ » (ٌو‪ )68 :6‬ولم ٌجد مسكن الرب مُع ًّدا وولٌمة الرب مُهٌَّؤة‬
‫ً‬
‫سابحة إلٌه‪ ،‬لتستقر على قلبه ‪..‬‬ ‫وكلمات الحٌاة‬
‫من ذا الذي عاد من كورة الخنازٌر بعد أن ب َّدد مٌراثه‪ ،‬إالّ وٌجد وجه اآلب‬
‫ٌُبلقٌه بلهفة الشوق على قارعة الطرٌق‪ ،‬لٌؤخذ بٌده وٌُجلِسه على مابدة الغفران‬
‫البنوة ‪..‬‬
‫وٌُعٌد إلٌه خاتم َّ‬

‫من ذا الذي لمس ه ُْدب ثوب الرب‪ ،‬ولم ِ‬


‫تسر فٌه قوَّ ة لطرد النجاسات إلى خارج‬
‫‪..‬‬
‫من ذا الذي انطرح على أقدام الرب‪ ،‬وهو ُمدَان من العالم ومجروح من الجمٌع‪،‬‬
‫إال ّ وٌجد الرب ٌُدافع عنه وٌُب ِّكت دابنٌه‪ ،‬بل وٌُطلقه بغفران وسبلم وقوَّ ة ومعونة‬
‫‪..‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫من ذا الذي ٌتف َّكر فً هول الخطٌبة‪ ،‬وٌتنا َسى أن هناك بحر النسٌان اإللهً حٌث‬
‫ُت َ‬
‫طر ُح الخطاٌا واآلثام وال تعود مرّة أخرى‪ ،‬ألن الرب قد سُرَّ بطرحها ‪..‬‬
‫من ذا الذي ٌتخبط فً عماه الروحً‪ ،‬إال ّ وٌجد ٌديْ الرب تخلق له بصٌرة‬
‫جدٌدة‪ ،‬فٌبصر باإلٌمان ما لم ٌبصره ٌومًا بالعٌان ‪..‬‬
‫ح ًقا من ذا الذي ٌحبّ الرب أكثر ممَّا ٌحبّه الرب‪.‬‬
‫إن الكنٌسة قد رصدت لنا نماذج لخطاة كانوا قد احترفوا الخطٌبة‪ ،‬ولكنهم‬
‫بالرجاء والثقة فً الرب واالستسبلم الكامل لمشورة الروح القدس‪ ،‬قد صاروا‬
‫قدوة حٌَّة تشهد أن الخطٌبة لٌست عاب ًقا طالما ٌتبعها توبة‪ ،‬بل إن الروح قد‬
‫ً‬
‫رسوخا‪.‬‬ ‫ٌستخدمها إلشعال توبة أش ّد حرارة وقٌامة أش ّد‬
‫لذا ٌقول ٌوحنا السٌنابً‪:‬‬
‫طو ُ‬
‫بت الذٌن سقطوا وناحوا‬ ‫(لقد) َّ‬
‫أكثر من الذٌن ما سقطوا وال ناحوا‬
‫ولعلنا نجد فً سٌرة موسى اللصّ وأغسطٌنوس الفٌلسوف ومرٌم المصرٌَّة‬
‫وتاٌٌس الخاطبة‪ ،‬نماذج لقوَّ ة التوبة وقدرتها أن تجوز بالنفس جبال الخطٌبة‬
‫مهما تعالت‪ ،‬وتقتلع جذور الشر مهما تو َّغلت فً قلب اإلنسان‪ .‬وهنا شهادتنا‬
‫لٌست شهادة لقدرات بشرٌَّة خاصة أو َملَ َكات تمٌَّز بها هإالء ع َّنا‪ ،‬ولكنها شهادة‬
‫على قدرة الروح القدس غٌر المحدودة على انتزاع جدٌان الٌسار وتحوٌلهم إلى‬
‫حمبلن ٌجلسون عن ٌمٌن اآلب‪ .‬كما أن تلك الشهادة تمتد لتشهد لنا عن باب‬
‫ٌتناسى‬
‫َ‬ ‫إلهً ال ٌُغ َلق أب ًدا فً وجه طالبٌه‪ .‬تشهد على قلب متسع لكل البشرٌَّة‬
‫قُ ْب َح الماضً وقسوة األٌام السالفة‪ ،‬حٌنما تتوب النفس وترجع‪ .‬إنها تشهد على‬
‫صدق دعوة المسٌح القابل‪َ « :‬منْ ٌُقبل إلًَّ ال أُخرجه خارجً ا » (ٌو‪.)37 :6‬‬
‫ضا عن ساعة متؤخرة‪ ،‬قد تكون الحادٌة عشر‪ ،‬فٌها ٌُنت َشل الكثٌرون‬ ‫كما تشهد أٌ ً‬
‫من لهب الدٌنونة لٌسكنوا على أنهار الروح‪ٌ ،‬رتشفوا من الحبّ اإللهً وٌسكروا‬
‫به‪.‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫الحرب للرب‬
‫إن الشٌطان ال ٌستطٌع أن ٌستولً على أرض قد ُغمِرت بمٌاة المعمودٌَّة‬
‫ست بدهن المٌرون طالما هً محروسة بالتوبة‪ .‬قد ٌنتصر فً موقعة‪ ،‬قد‬ ‫وتكرَّ ْ‬
‫ضا من بذار الزوان‪ ،‬قد ٌُرسِ ل رٌاحه ل ُتسقِط الثمر‪ ،‬ولكنه ال ٌستطٌع أن‬ ‫ٌُلقً بع ً‬
‫ٌمتلك تلك األرض‪ ،‬طالما ٌُق َّدم علٌها ذبابح لٌل نهار؛ ذبابح تضرُّ ع وابتهال‬
‫لنوال معونة من األعالً‪ .‬وطالما أن قلوبنا لم تتو َّقف عن الصراخ ‪ ،‬ال ٌجب أن‬
‫ت الظلمة علٌنا أثناء‬ ‫نخشى شٌ ًبا‪ ،‬ألن النعمة والمعونة آتٌة ال محالة‪ .‬وإن حلَّ ْ‬
‫مسٌرتنا‪ ،‬فالرب هو النور الذي ٌُضِ ا لنا الطرٌق‪ .‬فمن ذا الذي ٌخ َشى من‬
‫غموض الظلمة‪ ،‬بٌنما ٌُضِ ا له ضٌاء الرب مسٌرته‪ ،‬وٌقود خطواته فبل تزلّ‪.‬‬
‫ك الربٌسً فً التوبة هو قدرتك على التمسُّك بسبلح الصبلة بالرغم‬‫لذا فالمح ّ‬
‫من الجراح التً تثخن جسدك الروحً؛ فطالما تترجى معونة األعالً سٌخشاك‬
‫جهادا‪ ،‬وسٌزٌِّن لك اكلٌبلً من مج ٍد‬
‫ً‬ ‫ُحسب لك‬
‫أعداإك‪ ،‬ألن سقوطك وصراخك سٌ َ‬
‫طالما أنك ال ترضخ لضغط الخطٌبة التً ترٌد أن تمنع صلواتك من الصعود‬
‫إلى السماء‪.‬‬
‫ولكن بسقوط النفس فً الخطٌبة ثم توبتها‪ٌ ،‬روادها تساإل؛ هل سؤستطٌع الثبات‬
‫فً التوبة بعد سقطات هذا عددها؟؟ هل أستطٌع أن أصمد فً أرض المعركة‬
‫بعد تب ُّدد العهود والوعود التً كانت ترافق التوبة فً ك ّل مرّة؟؟ هل سٌمكننى أن‬
‫أقاوم زحف جنود الشر المتربِّصة بتوبتً؟؟ هل سؤستطٌع تفادي سهام إبلٌس‬
‫ب وحدبٍ؟؟‬ ‫ال ُم َّتقِدة نارً ا والتً تنطلق من ك ّل صو ٍ‬
‫ولكن فً حقٌقة األمر‪ ،‬إن السإال ٌجب أن ٌكون‪ ،‬هل ٌستطٌع الرب االنتصار‬
‫فـًَّ على جحافل مملكة الظلمة؟! هل فً إمكانه تحوٌل أتون النار المُحمَّى حولً‬
‫لندى بارد؟!‬
‫إن أول ما ٌجب أن نتعلمه فً توبتنا‪ ،‬أن الحرب هً للرب‪ ،‬وأن الرب قادر‬
‫على إبادة أعدابنا بكلمة فمه‪ .‬لذا ٌجب أالّ ننشغل بحروب الغد ومصٌرنا فٌها‪،‬‬
‫هل سنسقط أم سنصمد؟ فدورنا فً اللحظة الحاضرة أن ُنسبِّح عمل الرب فً‬
‫معونته لنا‪ ،‬أمَّا الغد فهو للرب‪ .‬فها هو موسى وجماعة بنً إسرابٌل ٌُسبِّحون‬
‫الرب على الخبلص الذي عاٌنوه‪ .‬غٌر مكترثٌن للغد‪ ،‬غٌر عاببٌن بصعوبة‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫الرحلة أو أخطار المسٌرة أو مش َّقة الصحراء‪ ،‬فالٌوم ٌوم الهتاف للنجاة من‬
‫فرعون الشر‪ ،‬أما الغد فهو للرب‪.‬‬
‫إن الكنٌسة تلقفت تلك التسبحة مُب ِّكرً ا ج ًدا وجعلتها باكورة تسابٌحها (الهوس‬
‫األول‪ /‬تسبحة نصف اللٌل بحسب الطقس القبطً)‪ ،‬لتعلنها نهجً ا تسلك بمقتضاه‬
‫على الدوام‪ .‬فتسبٌح ال ُنصرة قادر أن ٌُزلزل مُعس َكر ال َشرِّ المُحٌط بنا‪ ،‬كما أن‬
‫هذه التسبحة تعمل على ض ِّخ روح الرجاء والثبات‪ ،‬فً حٌاة الجماعة المُسبِّحة‪،‬‬
‫تخش من أخطار الغد‪ .‬فتسبحة الٌوم هً نفسها ُترس الغد ض ّد األعداء وهً‬ ‫َ‬ ‫فبل‬
‫سٌف ال ُنصرة الذي تتقلَّده النفس ـ ك ّل لٌل ٍة ـ بقدر ما تستمر فً التسبٌح والهتاف‪.‬‬
‫إنه رداء التسبٌح الملوكً الذي تح َّدث عنه إشعٌاء‪ ،‬عِ وضًا عن الروح الٌابسة‪،‬‬
‫القادر أن ٌُعٌدك من جدٌد للصفوف األمامٌَّة فً القتال ل ُتحارب وتنتصر‪« .‬‬
‫فرح عِ وضًا عن النوح‪ ،‬ورداء تسبٌح‬ ‫ٍ‬ ‫ألعطٌهم جماالً عِ وضًا عن الرماد‪ ،‬و ُدهن‬
‫عوضًا عن الروح الٌابسة‪ ،‬فٌ ُْد َعون أشجار الب ّر‪ ،‬غرسُ الرب للتمجٌد »‬
‫(إش‪.)3 :61‬‬
‫افتحْ كتابك المق ِّدس على (خر‪ 1 :15‬ــ ‪ )18‬وص ِّل بتلك التسبحة‪ .‬دعوتً لك‬
‫اآلن أن ُت ْنصِ ت بقلبك لتلك الكلمات‪ .‬حاول أن تتحسَّس وتتذوَّ ق طعم ال ُنصرة‬
‫والبهجة التً كان ٌهتف بها الشعب الناجً من فرعون وجنوده‪ ،‬حاول أن تجعل‬
‫منها تسبحتك الخاصة‪ ،‬حٌنما تراودك مخاوف السقوط‪ .‬فقط َسبِّح بتلك الكلمات‬
‫وال تتركها تبرح فمَّك ح ّتى ترى ُنصرة الرب فً حٌاتك ‪..‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫وأخٌرً ا أتركك لكلمات حبقوق النبً المُف َعمة بالرجاء‪ ،‬رغم قسوة الحاضر الذي‬
‫نور!! ها هو ٌقول‪:‬‬ ‫ال ٌحمل ولو بصٌصًا من ٍ‬
‫فمع أ َّنه ال ٌُ ْزهِر التٌن‪،‬‬
‫وال ٌكون َح ْمل ٌ فً الكروم‪،‬‬
‫ٌَ ْكذ ُ‬
‫ِب عمل الزٌتونة‪،‬‬
‫والحقول ال تصنع طعا ًما‪.‬‬
‫ٌنقطع الغنم من الحظٌرة‪،‬‬
‫وال بقر فً المذاود‪.‬‬
‫بالرب وأفرح بإله خالصً‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫فإنً أبتهج‬
‫الرب الس ٌِّد قوتً‬
‫قدمً كاألٌائل‬
‫َّ‬ ‫وٌجعل‬
‫و ٌُ ْم ِّ‬
‫شٌنً على مرتفعاتً‬
‫(حبقوق‪ 17 :3‬ـ ‪)19‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫خاتمة‬
‫ٌقول أحدهم ‪:‬‬
‫الرجاء هو مبدأ ج َّبار للعمل‬
‫من أجل تحقٌق اإلنسان ٌَّة الكاملة‬
‫إننا بحاجة اآلن الستراتٌجٌَّة جدٌدة فً التوبة‪ُ ،‬نجابه بها أعداءنا الذٌن ٌُلقون‬
‫بشباك الٌؤس على أرض األحٌاء فتصطاد ٌوم ًٌّا المبات ممَّن مات المسٌح من‬
‫أجلهم‪ .‬نحتاج الستراتٌجٌَّة ثقة كاملة واطمبنان فً هللا‪ ،‬استراتٌجٌَّة صرخات‬
‫دابمة تخترق غٌوم الٌؤس وظبلم الخطٌبة‪ .‬صرخات صبلة فً ك ّل وق ٍ‬
‫ت وفً ك ّل‬
‫مكان‪ ،‬دون االلتفات إلى الحالة البابسة التً قد نكون علٌها‪ ،‬فالصراخ هو‬ ‫ٍ‬
‫وسٌلتنا لتغٌٌر تلك الحالة بقوَّ ة النعمة‪ .‬نحتاج بالفعل إلى استراتٌجٌَّة رجاء ال‬
‫ٌهت ّز ثاب ًتا كالصخر‪ ،‬فالرجاء هو مِرساة النفس حٌنما تخبطها األمواج و ُتوشك‬
‫على الغرق والهبلك … والرجاء المُتشوِّ ق للخبلص هو السبلح الذي نجتاز به‬
‫تلك المعركة‪ .‬إنه السبلح الذي ال تستطٌع َقوى الظلمة أن َتصْ مُد أمامه‪.‬‬
‫لقد أ َّكد القدٌس بولس بوعٌه الروحً المستنٌر‪ ،‬على أهمٌَّة هذا الرجاء فً ذلك‬
‫الصراع بٌن النور والظلمة‪ ،‬قاببلً‪ « :‬بالرجاء َخلُصْ نــَا » (رو‪ ، )24 :8‬فتوبة‬
‫ببل رجاء هً مسٌرة ببل ضٌاء تنتهً عند جرف الٌؤس ‪ ..‬هً مسٌرة ٌدفعها‬
‫وٌُغذٌها الشٌطان‪ ،‬ألنها بحسب خِطته لهبلك البشرٌَّة!!‬
‫وعن شعلة الرجاء‪ٌ ،‬كتب شارل بٌجً‪ ،Charles Peguy‬فٌقول‪:‬‬
‫شعلة الٌستطٌع شًء أن ٌُ ْطفِئها‪،‬‬
‫هناك ُ‬
‫وال ٌقدر مخلوق أن ٌُ ْخمِدها‪،‬‬
‫شعلة هً أب َقى من الزمن‪،‬‬
‫ألن تلك ال ُ‬
‫وأقوى من الموت‪.‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
‫فلٌكن لك ذلك الرجاء بؤن الرب سٌُنٌر ظلمتك (مز‪ )28 :18‬مهما اشت ّدت ومهما‬
‫طالت الظلمة‪ ،‬فسٌظل نور الرب أقوى من ظلمة الخطٌبة‪ .‬وحٌنما ٌؤتً سٌُعلن‬
‫للنفس قاببلً‪ « :‬أنا هو نور العالم‪ ،‬من ٌَ ْتبعنً ال ٌمشً فً الظلمة‪ ،‬بل ٌكون له‬
‫نور الحٌاة » (ٌو‪ ،)12 :8‬وبالفعل سٌهبك نور الحٌاة‪.‬‬
‫وحٌنما ٌؤتً‪ ،‬س ٌَحْ مِل لك ترٌاق الحٌاة‪ ،‬فٌُش ِّدد رجلٌك المُتحجِّ رة فتصٌر كرجلًَّ‬
‫األٌِّل (مز‪ .)33 :18‬ستقفز فوق مرتفعات الشهوة‪ ،‬وستنفتح عٌناك على آثار‬
‫المُخلِّص‪ ،‬أثناء رحلتك نحو نبع النور‪ ،‬لكً ال َت َز ّل قدماك (مز‪.)5 :17‬‬
‫بالقوة‬
‫َّ‬ ‫سٌُعرِّ فك سُبل الحٌاة وٌُشبعك بالسرور وٌغمرك بالنِعم من ٌمٌنه المُتمجِّ دة‬
‫(مز‪.)11 :16‬‬
‫حٌنها ستترنــَّم بخبلص الرب (مز‪ ،)5 :20‬بل وسترفع راٌتك باسم الرب‬
‫(مز‪ ،)5 :20‬راٌة شهادة للعالم أجمع؛ راٌة قد ُكتِب علٌها بدماء الحبّ المسكوبة‬
‫على مذبح الصلٌب ‪..‬‬
‫« كل ّ من عنده هذا الرجاء به‪ٌُ ،‬ط ِّهر نفسه »‬
‫(‪ٌ1‬و ‪)3 : 3‬‬
‫سارافٌم البرموسً‬
‫أغسطس ‪2009‬‬

‫‪https://coptic-treasures.com/‬‬
https://coptic-treasures.com/

You might also like