You are on page 1of 73

‫َ ُ َ ُ‬

‫الكلب المخدوع‬

‫ُ‬
‫األعمال الكاملة‬
‫(‪)3‬‬
‫قصص لألطفال‪.‬‬

‫تأليف‪:‬‬

‫أحمد عودة‬
‫دار الجيل العرب ر‬
‫للنش والتوزي ع‪.‬‬ ‫ي‬
‫‪2222‬م‬

‫الرئيس‪:‬‬
‫ي‬ ‫الموضوع‬

‫‪ -1‬اآلداب‬

‫‪ -2‬القصص‪.‬‬

‫رقم اإليداع لدى مديرية المكتبة الوطنية‪:‬‬

‫(‪)1984/7/312‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة للجمهور‪.‬‬


‫دار الجيل العرب ر‬
‫للنش والتوزي ع‬ ‫ي‬
‫خلوي ‪Mobile 8789591 79 22962‬‬

‫‪e-mail: aljeelalarabi@yahoo.com‬‬

‫مراجعة وتحقيق‪ :‬مظهر عاصف‪.‬‬


‫ّ‬
‫الغالف والرسوم الداخلية‪ :‬عبد الفتاح ي‬
‫ناج‪.‬‬
‫ُ‬
‫الدرس األول‬
‫مُنذ نعومة مخالبه؛ ومذ كان جروا ابن ٌومٌن‬
‫وهذا الذئب األؼبر الشرس ٌحب لحم الخراؾ‬
‫الصؽٌرة‪ ،‬وٌكره بعض الكالب حد الممت‪ .‬لمد اشتهى‬
‫رائحة اللحم لبل أن ٌذوله؛ وسال لعابه لعطر الدم لبل‬
‫أن ٌفتح عٌنٌه المؽمضتٌن كما ولدته أمه الذئبة‪ .‬لال‬
‫لها حٌن عادت بعد ؼٌاب طال أكثر من المعتاد‪:‬‬

‫‪ -‬أشعر بأنن لد أحضرت لً شٌئا! ماذا جلبت لً‬


‫معن ٌا أمً العزٌزة؟‬

‫تجاهلت الذئبة لهاثها وخوفها من ذلن الكلب األحمر‬


‫الموي؛ الذي كاد ٌمتلها حٌن أؼارت على لطٌع‬
‫ٌحرسه؛ وسرت ألن جروها وهو ابن ٌومٌن شم‬
‫رائحة اللحم والدم‪ ،‬وأنه زهد فً لبنها اللذٌذ‪ .‬لالت‬
‫تداعبه‪:‬‬

‫‪ -‬الترب وارضع منً‪.‬‬


‫هز رأسه ممانعا وأمعن فً شم الرائحة‪ .‬ضحكت‬
‫الذئبة بانبساط ألن جروها سٌكبر وٌكون ذئبا ال ٌمل‬
‫عنها شراسة؛ حٌن ٌسطو على لطعان الماشٌة‪ .‬ولكنها‬
‫لم ترض عن الجرو حٌن صرخ لائال‪:‬‬

‫‪ -‬أرٌد أن آكل مما جلبت‪.‬‬

‫زمجرت الذئبة وزجرته على إلحاحه‪ ،‬وأخبرته بأنها‬


‫ستطعمه ولن تتركه جائعا ولكن بعد أن تعلمه درسا‬
‫مفٌدا‪ .‬شحذ مخالبه وأنٌابـه الصؽٌرة ارتٌاحا ففرحت‬
‫الذئبة ووضحت له بأن هذا سٌكون الدرس األول؛ من‬
‫سلسلة دروس كثٌرة علٌه أن ٌصؽً إلٌها إذا أراد أن‬
‫ٌكون ذئبا لوٌا شرسا‪.‬‬

‫طـوى الجرو معـدته الممبوضة ولد تشوق أكثر إلى‬


‫سماع الدرس‪ .‬عندها تفاءلت أمه الذئبة به كثٌرا‪،‬‬
‫وتأكدت أنه سٌكون مثلها ال محالة ولالت‪:‬‬

‫‪ -‬انظر‪.‬‬
‫ولما شرع ٌملب وجهه فً كل اتجاه وال ٌرى؛ أشفمت‬
‫الذئبة علٌه فأخذت بمخالبه ووضعتها على رأس‬
‫الحمل؛ ثم على صدره‪ ،‬ثم على ظهره‪ ،‬ثم على بطنه‪،‬‬
‫ثم على لوائمه‪ ،‬ثم على إلٌته وهً تمول فً كل مرة‪:‬‬

‫ـ هذا رأس‪ ،‬وهذا صدر‪ ،‬وهذه بطن وهً سهلة‬


‫المنال‪ ،‬وهذه لوائم كان ٌمفز بها هذا الصؽٌر‬
‫الضعٌؾ فرحا لبل أن أصطاده‪ ،‬وهذه إلٌة كان‬
‫ٌتبختر بها مزهوا فً المراعً بجانب أمه‪ .‬ضجر‬
‫الذئب الصؽٌر سرٌعا فعنفته أمه الذئبة‪:‬‬

‫‪ -‬صبرا ٌا عزٌزي‪ ...‬واعلم أنن لن تأكل إال بعد أن‬


‫تتعلم وتحفظ الدرس‪ .‬هذا درس مهم ٌتولؾ علٌه‬
‫مصٌرنا نحن معشر الذئاب‪.‬‬

‫وحٌن رأت الدموع تكاد تفٌض من عٌنٌه المؽمضتٌن‬


‫حـزنت للٌال‪ .‬حملته تالعبه وتطٌب خاطـره‪ .‬فهو‬
‫ابنها الوحٌد الذي توسمت فً النجابة والدهاء لحظة‬
‫أن ولدته‪.‬‬
‫كانت ككل األمهات من الذئاب تعتنً بطفلها وتحبه؛‬
‫وتخاؾ علٌه من نسمات الهواء‪ ،‬لكنها لم تسأل نفسها‬
‫ولو مرة؛ إن كانت النعاج تحب أوالدها أٌضا! حٌن‬
‫خطر لها هذا لم تكترث بل راحت تتلمظ شرها‪:‬‬

‫ـ هذه األشٌاء التً تعلمتها ٌا عزٌزي هً لمخلوق‬


‫جمٌل اسمه الحمل؛ مخلوق علٌه أن ٌرعى كً‬
‫نبمى‪ ...‬ثم صرخت بحمد دفٌن‪:‬‬

‫ـ وهذا هو الحمل‪.‬‬

‫ووضعت الجرو على الحمل الذي خطفته بخفة‬


‫وسرعة هائلة من جانب أمه وهً ترعى مع المطٌع‬
‫فً السهول الخضراء؛ ؼٌر مكترثة بصراخها‬
‫وبكائها‪ .‬سألت الذئبة جروها بصوت ممطوط‪.‬‬

‫‪ -‬ما اسمه؟‬

‫لال الصؽٌر بسرعة طربت لها كثٌرا‪:‬‬

‫‪ -‬اسمه حمل‪.‬‬
‫ثم أردؾ راجٌا‪.‬‬

‫واآلن ولد تعلمت الدرس أرٌد أن آكل من لحمـه‬


‫الشهً؛ وأشرب من دمه الزكً‪ ،‬لم أعد أطٌك صبرا‪.‬‬

‫همهمت الذئبة مؤنبة‪.‬‬

‫‪ -‬لٌس لبل أن تتعلم أن مثل هذا الحمل سٌكون‬


‫طعامن المفضل حٌن تكبر وتعتمد على نفسن فً‬
‫الؽزو واإلؼارة‪ ،‬لن ٌكون األمر سهال حٌث ستجده‬
‫بٌن لطٌع كبٌر‪ .‬علٌن حٌنها أن تكون لماحا ودلٌما؛‬
‫وأن تمؾ على تلة عالٌة وترالب المطٌع بصبر‬
‫وتركٌز إلى أن ترى الحمالن الهٌة تلعب؛ وأمهاتها‬
‫مشؽوالت بالرعً لتمتلئ ضروعها بالحلٌب‪.‬‬

‫عندها فمط ستهجم بسرعة خاطفة كسرعة البرق؛‬


‫أعنً كسرعة الطائرات التً تمر من فوق الؽابة‪ .‬فإن‬
‫هجمت وال بد أن تهجم فعلٌن بالحمالن‪ ،‬تؽرس‬
‫مخالبن وأنٌابن فً بطونها ثم تحملها وتعود بها إلى‬
‫جرائن‪.‬‬
‫ضحن الذئب الصؽٌر حتى كاد أن ٌنسى الجوع‪.‬‬

‫ـ وهل سأكبر مثلن وٌكون لً جراء‪ ،‬ألتل الحمالن‬


‫ألطعمها؟‬

‫همهمت الذئبة مؤكدة‪:‬‬

‫ـ بالطبع ٌا حبٌبً‪ .‬ولهذا أعلمن‪ ...‬وحٌن تمؾ على‬


‫أرجلن سأدربن كٌؾ تهاجم المطعان وتشتتها‬
‫وتصٌبها بالذعر‪ ...‬سٌبهجن منظرها كثٌرا وستنسى‬
‫الجوع ربما‪ .‬ولن علً أن آخذن لرٌبا معً للتفرج‬
‫كٌؾ ٌصٌبها الذعر الشدٌد ساعة أهاجمها بـأنٌابً‬
‫ومخالبً؛ فتثؽو النعاج والحمالن ثؽاء ٌمطع الملوب‬
‫الضعٌفة؛ وٌطرب للوب األلوٌاء أمثالنا‪.‬‬

‫ابتهج الصؽٌر‪ ،‬فصفك بٌده ضاحكا وكاد الجوع‬


‫ٌفارله تماما‪ .‬وضع رأسه على صدر أمـه‪ ،‬وراح‬
‫ٌتمنى أن ٌكبر وٌصٌر بحجم أمه الذئبة‪ٌ ،‬هاجم‬
‫المطعان‪ٌ ،‬شتتها وٌخطؾ الحمالن الصؽٌرة بعدما‬
‫ٌشلها الذعر‪.‬‬
‫تمنى أن ٌكون له صوت كأزٌز الطائرات كً ٌزٌد‬
‫من ذعر الحمالن‪ .‬سمعت أمه الذئبة أمنٌاته فضحكت‬
‫بفخر ألن ابنها استوعب الدرس جٌدا‪ .‬لالت تطمئنه‪:‬‬

‫‪ -‬الحمالن ٌا عزٌزي تخافنا نحن الذئاب‪ ...‬وإذا كان‬


‫للطائرات أزٌز مخٌؾ فلنا نحن عواء ترتجؾ منه‬
‫الملوب‪ ...‬ولنا مخالب وأنٌاب تمزق اللحم وتخترق‬
‫العظم‪.‬‬

‫اطمأن الجرو وسال لعابه فضمته إلٌها معجبة به‪.‬‬


‫ربتت له ظهره ولبلته ‪:‬‬

‫ـ واآلن سأطعمن اللحم حتى تشبع‪ ،‬وأسمٌن من الدم‬


‫حتى ترتوي‪ .‬ثم مزلت لطعة صؽٌرة من الحمل‬
‫الممتول‪ ،‬وشرعت تمضؽها كً تدسها فً فمه الفاؼر‪،‬‬
‫ولكن الذئب الصؽٌر سارع إلى خطؾ لطعة من بٌن‬
‫أنٌابها ودسها فً فمه وراح ٌلوكها بنهم أثار اندهاش‬
‫الذئبة أكثر فسألته‪:‬‬
‫‪ -‬هل أعجبن طعم الحمل؟‬

‫رد وهو ٌهمهم جشعا‪.‬‬

‫‪ -‬أعجبنً‪ ...‬أعجبنً كثٌرا‪ ...‬أشكرن ٌا أمً على‬


‫هذا الحمل اللذٌد‪ ،‬وأشكر لن أكثر إعطائً هذا الدرس‬
‫المفٌد‪.‬‬

‫وهجم على الحمل ٌنهشه ولد سحرته رائحة الدم؛‬


‫وأعجبه الطعم الشهً فألسم ألمه على أن ٌكون عند‬
‫حسن ظنها؛ فٌؽٌر حٌن ٌكبر على المطعان وٌخطؾ‬
‫الحمالن المرحة الالهٌة وٌفجع أمهاتها بها‪.‬‬

‫أصابه الؽرور ولكن لدهشته سمع أمه الذئبة تتنهد‬


‫بحرلة فسألها وهو ٌمرغ وجهه بالدم إن كانت تشفك‬
‫على النعاج‪ ...‬سارعت إلى النفً وأنبته على هذا‬
‫الظن‪ ،‬ولما سألها عما ٌملمها ما دامت المطعان كثٌرة‬
‫والحمالن الضعٌفة تحت متناول مخالبها وأنٌابها؛‬
‫زفرت الذئبة بكثافة وتنهدت بحسرة مرٌرة ولالت بعد‬
‫إلحاح منه‪:‬‬
‫‪ٌ -‬حزننً ٌا بنً أن أخبرن بأن كل لطٌع معه راع؛‬
‫ولكل راع كلب ٌحرس المطٌع‪ ،‬وهذه الكالب تكرهنا‬
‫نحن الذئاب‪ ،‬وتعمل جهدها على إفشال خططنا‪،‬‬
‫وتسعى إلى حرماننا من ممارسة لوتنا وجبروتنا‬
‫بدعوى أننا نلػ فً دم الضحاٌا رؼبة فً المتل‪ ،‬ال‬
‫رؼبة بالطعام الشهً فمط‪.‬‬

‫ازدرد الجرو بصعوبة آخر لطعة نهشها‪ ،‬فالمت‬


‫الذئبة نفسها على أنها أللمته وهزت مفاصله الطرٌة‬
‫لذا سارعت إلى تطمٌنه‪.‬‬

‫ـ ولكن اطمئن ٌا عزٌزي وال تخؾ‪ .‬فالكثٌر من‬


‫الرعـاة ال ٌحسنون تدرٌب هذه الكالب‪ .‬لهذا اطمئن‬
‫واشحذ أنٌابن ومخالبن‪ ،‬دربها إلى ساعة علٌن فٌها‬
‫إثبات أنن األلوى واألعظم من الكالب كلها؛ وأنن‬
‫لادر على افتراس الحمالن دون أن ٌعترضن أحد‪.‬‬
‫ومن ذلن الٌوم ظل هذا الذئب الصؽٌر ٌشحذ أنٌابه‬
‫ومخالبه وٌتلمى الدروس على ٌد أمه الذئبة إلى أن‬
‫كبر وصار ذئبا أؼبر ممتلئا بالؽرور‪ .‬لم ٌنس الدرس‬
‫األول وال الدروس الكثٌرة التً تعلمها من أمه لبل أن‬
‫تموت بجراح بلٌؽة أصابها بها ذان الكلب األحمـر‪.‬‬

‫حزن كثٌرا علٌها وتأثر بما أصابها حتى امتنع عن‬


‫الطعام ألسابٌع طوٌلة‪ ،‬لبل أن ٌمرر االنتمام من الكلب‬
‫األحمر وٌثأر لها‪.‬‬

‫كره الفراغ الذي تركته بعد مصرعها بالمدر الذي‬


‫أحب الحمالن وطرٌمة تمرٌػ سحنته بالدم عند‬
‫االفتراس‪ .‬ظل ٌحب المتل وٌحب الكالب التً تؽفو‬
‫طوال النهار واللٌل بعٌدا عن المطٌع؛ كما ظل ٌكره‬
‫الكلب األحمـر وتلن الكالب التً دربها الرعاة على‬
‫ممارعة الذئاب؛ وصدها عن المطعان ومن ثم‬
‫مالحمتها إلى موطنها فً الؽابة درءا للخطر‪.‬‬
‫لكن الكالب بدورها لم تتعلم أهم درس فً هذا‬
‫الصراع؛ وهو أن علٌها أن ال تتولؾ عند حدود‬
‫الؽابة بعد المطاردة‪ ،‬فعدوها ٌتبربص بها دوما وال بد‬
‫له أن ٌعود طالما لم ٌطرد من الؽابة التً ٌختبئ فٌها؛‬
‫ففً الولت الذي كانت الذئاب تعلم أبناءها الدروس‬
‫الجدٌدة كل ٌوم لتطوٌر مهاراتها فً الصٌد والبماء؛‬
‫كانت الكالب تكرر الدروس ذاتها دون أن تتأكد من‬
‫أن أحدا من صؽارها ٌطبك شٌئا من دروسها المدٌمة‬
‫البالٌة‪.‬‬

‫هنا أٌمن الذئب أن الكالب رؼم وفائها للمطٌع إال أن‬


‫عملها نالص دوما؛ فهً تمنع الخطر عند حدوثه‪،‬‬
‫والصواب أنه تمنعه لبل حدوثه‪.‬‬
‫نظر من أعلى التلة على المطٌع مبتسما ثم لال فً‬
‫نفسه‪:‬‬

‫‪ٌ -‬وما ما ٌجب أن تحكم الذئاب هذه المراعً‬


‫وتضمها إلى حدود مملكتها فً الؽابة‪ٌ .‬جب أن ٌكون‬
‫الراعً والمفترس ذئب تخافه جمٌع الدواب والسباع‪.‬‬

‫ثم راح ٌتخٌل شكل المراعً دون الرعاة والكالب‪،‬‬


‫وٌمنً النفس أن ٌرى النعاج ٌوما مضطرة لتمدٌم‬
‫أبنائها له حٌن تدرن أال أحد باستطاعته حماٌتها منه‪.‬‬
‫ُ‬
‫الكلب المخدوع‬
‫عادُ الذئب األؼبر إلى وجاره فً الؽابة مثخنا‬
‫بجراح أصابه بها ذلن الكلب األحمر حارس المطٌع‬
‫المربرب‪ .‬هرعت إلٌه الجراء الجائعة‪ ،‬ولم تنتظر‬
‫زوجته الذئبة حتى ٌلتمط أنفاسه وٌلعك جراحه‬
‫النازفة‪ .‬سألت ممتعضة كمن تعرؾ اإلجابة مسبما‪:‬‬

‫‪ -‬أٌن النعجة التً ذهبت الصطٌادها وإحضارها لً‬


‫وللصؽار؟‬

‫وصوصوت الجراء فصرخ الذئب مهموما‪:‬‬

‫‪ -‬اتركونً وشأنً اآلن‪.‬‬

‫عذرته الذئبة فً سرها وتنهدت عاجزة عن تمالن‬


‫نفسها‪:‬‬

‫‪ -‬إذن فالكلب األحمر مرة أخرى!‬


‫هز رأسه بأسى وزمجر‪.‬‬

‫‪ -‬مذ حرس هذا الكلب اللعٌن ذان المطٌع وهو ٌمؾ‬


‫لجمٌع الذئاب بالمرصاد‪ ...‬أخشى أن نموت جوعا ٌا‬
‫زوجتً العزٌزة‪ ،‬هذا إذا لم ٌمتلنا هو بمخالبه وأنٌابه‬
‫لبل ذلن‪.‬‬

‫ولما رأى الوجوم على وجهها ولرأ فً عٌنٌها اللوم‬


‫لال صارخا‪:‬‬

‫‪ -‬أنت أٌضا حٌن رأٌت ذلن الكلب خفت وولٌت‬


‫األدبار‪ ،‬وتنصلت من لسمن باالنتمام منه لممتل أبٌن‬
‫والثأر له‪.‬‬

‫لملمت صؽارها ولالت خجلة والحزن بدا واضحا‬


‫علٌها‪:‬‬

‫‪ -‬هذا حك ولكنً ذئبة فً النهاٌة‪ ...‬أما أنت فذئب‬


‫شرس تهابن الكالب والرعاة‪ ،‬ولد اختارتن الذئاب أن‬
‫تكون زعٌمها مذ كنت ٌافعا لشدة ذكائن وبطشن‬
‫ولوتن‪ .‬أٌن اختفى الذئب العظٌم فٌن؟ هٌا أخبرنً‪.‬‬

‫طأطأ رأسه خزٌا ولال‪:‬‬


‫ـ ما زلت كما أنا إال أمام هذا الكلب اللعٌن‪ ،‬فمذ جاء‬
‫وهو ٌكر وال ٌعرؾ الفر‪ٌ .‬سبمنً دوما بخطوة‬
‫وٌطاردنً حتى تنمطع أنفاسً‪.‬‬

‫وشرع ٌصٌح بفعل الجراح ولما سمع صٌاح الصؽار‬


‫من الجوع والخوؾ انتفض وحاول النهوض؛ ولكن‬
‫الجراح أضعفته وأجبرته على الجلوس ثانٌة‪ .‬أشفمت‬
‫علٌه الذئبة‪ .‬التربت منه وراحت تمسح جراحه بٌدٌها‬
‫وتنهض من عزٌمته وتطرد الخوؾ من نفسه‪ .‬ثم‬
‫تساءلت بأسى‪:‬‬

‫ـ والحل؟ أما من حل؟‬

‫انتفض الذئب مرة أخرى ولما خذلته لواه برن أرضا‬


‫وزمجر من بٌن أنٌابه الحادة‪.‬‬

‫ـ لٌس لنا ؼٌر الحٌلة‪ ،‬وأنا كما ترٌن ال أكاد ألوى‬


‫على النهوض وأنت ترتجفٌن خوفا لمجرد ذكر ذلن‬
‫الكلب اللعٌن‪.‬‬

‫اعترفت الذئبة بحزن‪.‬‬


‫ـ هذا حك‪ ،‬فأنا لم أخؾ من کلب كخوفً من هذا‬
‫الكلب األحمر‪.‬‬

‫وأردفت بؽٌظ وحمد‪.‬‬

‫ـ إنه كلب شرس وعنٌد‪ٌ ..‬مطر الكره من عٌنٌه؛‬


‫واللؤم من لعابه؛ كأنه ٌكرهنا وٌتمنى زوالنا بالفطرة‪.‬‬

‫شرح لها الذئب تفاصٌل الخطة التً نبتت فً رأسه‬


‫بعد ساعات طوٌلة من التفكٌر والتأمل‪ ،‬فشٌعته مع‬
‫الصؽار إلى باب الوجار‪ .‬سار ٌمدم رجال وٌؤخر‬
‫أخرى باتجاه المطٌع‪.‬‬

‫لم ٌكد ٌشرؾ علٌه حتى ألفى الكلب األحمر والفا‬


‫ٌتحفز كأنما كـان بانتظاره‪ .‬شـاهـد الؽضب جلٌا فً‬
‫عٌنً الكلب وخمن أنـه عـلى وشـن االنمضاض علٌه‪.‬‬
‫عندها رفع الذئب ٌدٌه وسارع إلى المول‪:‬‬

‫ـ أرجـون ٌا سٌـدي الكلب أن تسمعنً‪ ...‬لم آت هذه‬


‫المرة لإلؼارة على المطٌع‪ ،‬لمد تركت ٌا سٌدي هذه‬
‫العادة وأنا اآلن مسالم لنوع بحشائش الؽابة وأورالها‬
‫الطازجة‪.‬‬
‫ضحن الكلب مزهوا بموته وأنه استطاع أن ٌولؾ هذا‬
‫الذئب الشرس عند حده‪ ،‬ثم سأله بخٌالء واستهانة‪:‬‬

‫ـ ولم جئت إذن‪ٌ ،‬ا سٌد الذئاب؟‬

‫بدت السخرٌة واضحة فً نبرة الكلب فأحنى الذئب‬


‫رأسه ولال مظهرا الضعؾ والطاعة‪:‬‬

‫‪ -‬جئت أطلب منن الصفح والمؽفرة‪ ،‬فأنت كلب لوي‬


‫بل لم أر فً حٌاتً كلبا ألوى منن‪ ،‬أو أكثر منن‬
‫إخالصا للمطٌع‪ .‬ولد ال تصدق أن أحد الذئاب مدحن‬
‫البارحة بمصٌدة شعر ٌذكر فٌها لوتن وسطوتن‬
‫وهٌبتن فً النفوس‪ ،‬فأكدت أنا على الفور للجمٌع‬
‫صدق ما وصفن به‪.‬‬

‫‪ -‬حما‪ .‬وماذا لال عنً هذا الذئب الشاعر؟‬

‫‪ -‬لست أحفظ إال بٌتا واحدا من المصٌدة الطوٌلة التً‬


‫ال بد أن أعود حافظا لها وأنشدها على مسامعن‪ ،‬وبٌن‬
‫ٌدٌن‪.‬‬

‫‪ -‬ما هو البٌت؟‬
‫‪ -‬األحمر الضرؼام ٌجري واثما‪ ...‬أن المراعً كلها‬
‫فً مأمن‪.‬‬

‫ثم أردؾ بعدما رأى الؽرور ٌتوزع فً عٌنً الكلب؛‬


‫ولد انتشى بما سمعه وراح ٌردد البٌت الٌتٌم همسا‬
‫بزهو وخٌالء‪.‬‬

‫ـ وألنن لوي ومخلص ومتسامح مع الضعفاء من‬


‫أمثالً أطمح فً أن تلبً لً هذا المطلب الصؽٌر‪.‬‬

‫انتفخت أوداج الكلب زهوا وؼرورا لهذا اإلطراء؛‬


‫فـأرخی عضالته المشدودة واستراح فً جلسته لائال‬
‫بأرٌحٌة‪:‬‬

‫ـ ما دمت لد اعترفت بضعفن وألررت بموتً فاطلب‬


‫ما شئت‪.‬‬

‫سر الذئب إذ خدع الكلب بمثل هذه السرعة فأمعن فً‬


‫إظهار التذلل والضعؾ‪.‬‬

‫‪ -‬کما ترى ٌا سٌدي فأنا مثخن بالجراح من معركتً‬


‫األخٌرة الخاسرة معن‪ ،‬وإن بمٌت فً وجاري‬
‫فسأموت؛ وأنت بالطبع ال ٌرضٌن أن أموت لبل أن‬
‫أخبر الذئاب األخرى عن لوتن وجبروتن؛ فتتحاشى‬
‫االلتراب من لطٌع تحرسه أنت‪.‬‬

‫فكر الكلب ملٌا فلم ٌتوصل إلى معرفة مطلب الذئب‪،‬‬


‫ولكنه ابتهج كثٌرا لرؼبة الذئب فً اإلعالن عن لوته؛‬
‫فتخشاه الذئاب وٌدفعها صٌته بعٌدا عن المطٌع‪ ،‬وأن‬
‫ٌتسنى له أن ٌستلمً مرتاحا طول النهار مطمئن‬
‫البال؟ لٌسهر اللٌل بصحبة كلبـة أعجبه فٌهـا فروهـا‬
‫الرمادي النظٌؾ! سارع الكلب إلى سؤال الذئب عن‬
‫مطالبه‪ ،‬فمال هذا بحٌاء مفرط‪:‬‬

‫‪ -‬أرجون ولد ولفت على مبلػ ضعفً أن تسمح لً‬


‫بالركض فمط كل صباح حتى ٌشتد عودي وال أموت؛‬
‫فال مكان فً الؽابة ٌصلح لممارسة رٌاضة الركض‬
‫صباحا‪ ،‬ولد نصحنً الطبٌب بضرورة ذلن ٌومٌا‪.‬‬

‫ثم أردؾ بخبث‪.‬‬

‫‪ -‬إال إذا كنت ترؼب ٌا سٌد الكالب والمراعً حما فً‬


‫أن أموت‪.‬‬
‫سارع الكلب إلى المول‪:‬‬

‫‪ -‬ال أرٌدن أن تموت لبل أن تعلن على الذئاب كلها‬


‫أننً لوي وجبار كً ال تسول إلحد منهم نفسه من‬
‫االلتراب من مناطمً‪.‬‬

‫أخفى الذئب سروره البالػ‪ ،‬وتابع المول بمسكنة‬


‫وتذلل‪:‬‬

‫‪ -‬أفهم من هذا أنن تسمح لً بالركض فً الؽابة‬


‫باتجاه المطٌع وحولها؟‬

‫أومأ الكلب برأسه لبوال‪ ،‬وإمعانا منه فً طمأنة الذئب‬


‫مد ٌده وصافحه‪ .‬نظر الذئب إلى مخالب الكلب وأسر‬
‫فً نفسه لائال «سأللم هذه المخالب» ثم شكر الكلب‬
‫وودعه‪ ،‬وراح ٌجري باتجاه الؽابة لٌنمل الخبر‬
‫المفرح إلى الذئبة التً جلست تنتظره على أحر من‬
‫الجمر خوفا علٌه من فشل الخطة وخشٌة مصرعه‬
‫بٌن مخالب من ال ٌرحم‪.‬‬
‫الحمه الكلب بعٌنٌه حتى توارى‪ ،‬وعندها تمدد‬
‫مسترٌح البال وأخذ ٌفكر بعد أن ردد بٌت الشعر‬
‫مرارا بزهو؛ كٌؾ سٌنام النهار لرٌبا لٌسهر اللٌل‬
‫بصحبة الكلبة ذات الفرو الرمادي التً أحبها من‬
‫النظرة األولى ولد تمدم لخطبتها البارحة‪.‬‬

‫شرع الذئب كل صباح ٌركض من الؽابة باتجاه‬


‫المطٌع وٌمطع مسافة أخذت تطول كل ٌوم‪ ،‬وفً كل‬
‫مرة ٌتولؾ عند الكلب‪ٌ ،‬ولظه من نومه وٌأخذ األذن‬
‫منه بأن ٌتوؼل باتجاه المطٌع أكثر كً تعود له عافٌته‬
‫من الركض‪.‬‬

‫‪ -‬أرجون أن تتلطؾ أٌها الكلب العزٌز بأن تسمح لً‬


‫بالركض مسافة أطول‪.‬‬

‫ٌهز حٌنها الكلب رأسه فً كل مرة وٌتثاءب ولد هده‬


‫النعاس والكسل؛ فٌمرلر الذئب بضحكة ال ٌسمعها‬
‫الكلب الؽارق كلٌا فً النعاس‪ ،‬ثم ٌواصل الركض‬
‫حتى صار بإمكانه اإلشراؾ على المطٌع راصدا‬
‫حركاته وسكناته التً لم ٌكن بمادر على اإلحاطة بها‬
‫سابما‪.‬‬
‫فً آخر مرة تولؾ الذئب لٌطلب اإلذن من الكلب‬
‫زجره هذا وهو ٌتثاءب‪ ،‬ورجاه أن ٌتركه ٌستمتع‬
‫بالنوم فمن عادته أن ٌسهر طوٌال ومن حمه أن ٌنام‬
‫بعد كل ذان التعب‪.‬‬

‫نظر الذئب إلى عضالت الكلب المرتخٌة وإلى عٌنٌه‬


‫المؽمضتٌن ولعابه السائل‪ ،‬ولٌطمئن أكثر إلى أنه بات‬
‫كسوال وضعٌفا لكزه برفك‪ .‬رفع الكلب رأسه للٌال‬
‫وفتح عٌنٌه بمشمة لائال برجاء‪:‬‬

‫‪ -‬أرجون ٌا صدٌمً‪ ...‬دعنً أستمتع بنومً‪.‬‬

‫‪ -‬استمتع ٌا صدٌمً استمتع لكننً أحضرت لن‬


‫عصٌرا أعدته لن خصٌصا زوجتً العزٌزة التً‬
‫تتؽنى دوما ببطوالتن‪.‬‬

‫انتفخ صدر الكلب بكبرٌاء وتعال وتناول من ٌد الذئب‬


‫كأس العصٌر وشربها دفعة واحدة‪ ،‬ثم عاد لٌستؽرق‬
‫فً النوم مجددا وهو ٌتؽنى بموته التً أجبرت هذا‬
‫الذئب على خدمته‪...‬‬
‫ثم راح ٌفكر أن ٌأمره فً الؽد بإعداد عصٌر الفراولة‬
‫الطبٌعً له ألنه ٌفضله على المشروبات األخرى‪.‬‬

‫اطمأن الذئب بعد عدة أٌام إلى أن هذا الكلب لد بات‬


‫خامال وضعٌفا للؽاٌة‪ ،‬خاصة بعد أن شجعه على‬
‫السهر الٌومً مع زوجته الكلبة الحسناء بفروها‬
‫الرمادي بعٌدا عن ضجٌج المطٌع‪.‬‬

‫عندها لهمه بصوت عال‪ ،‬وانطلك إلى الؽابة‪ .‬نادى‬


‫زوجته الذئبة وصؽارها وطلب من الذئاب كلها أن‬
‫تتبعه؛ معلنا أن الكلب الذي كانت الذئاب تخشاه لد‬
‫انتهى أمره‪.‬‬

‫اندفع الذئب وإلى جانبه الذئبة ولما رأتهما النعاج‬


‫أخذت تثؽو ثؽاء حزٌنا‪ .‬انتمى الذئب خروفا مربرا‪،‬‬
‫بمر بطنه ؼٌر عابئ بنباح الكلب المرهك؛ وتعمد‬
‫الذئب أن ٌمر بالخروؾ من جانب الكلب الذي نهض‬
‫بصعوبة وألوى ما فٌه النباح‪ .‬حاول الكلب أن ٌهاجم‬
‫الذئب‪ ،‬فضحن هذا طوٌال ولهمه ساخرا منه‪:‬‬
‫ـ لمد كان هذا لبل أن ٌبطرن الكسل وٌخدعن‬
‫االطمئنان الكاذب‪ .‬أال ترى أننً لصصت مخالبن‪،‬‬
‫وبردت أنٌابن البارحة أثناء نومن؟‬

‫ضحن الذئب بٌنما راح الكلب ٌتفمد جسده وأسنانه‬


‫وٌمع بعد كل خطوة ٌحاول أن ٌخطوها نحوه‪.‬‬

‫ضحن الذئب منه ممتلئا بالسخرٌة واالنتمام لائال‪:‬‬

‫‪ -‬المخدر الذي تشربه كل ٌوم ٌبدو أنه أثر علٌن ٌا‬


‫صدٌمً المسكٌن‪ .‬هٌا عد اآلن إلى النوم ودعنا نكمل‬
‫نحن عملنا الذي خططنا له وجئنا من أجله‪.‬‬

‫ثم لكز الكلب فسمط أرضا‪...‬وراح ٌنبح والذئاب‬


‫األخرى التً بالؽت فً مهاجمة المطٌع دون أن ٌموى‬
‫الكلب على النهوض والولوؾ على لوائم أضعفها‬
‫طول االسترخاء والكسل؛ وعصٌر الخدٌعة الذي‬
‫تجرعه ألٌام عدٌدة؛ حٌن اؼتر بموته وانطلت علٌه‬
‫حٌلة عدوه الذئب‪.‬‬
‫ُ‬
‫حكم القوي‬‫ُ‬
‫نظرُ الجبل الكبٌر إلى نفسه فأعجبته ضخامته‬
‫وارتفاع رأسه وصالبة صخوره؛ فدق على صدره‬
‫العرٌض وصاح مفاخرا‪:‬‬

‫۔ أنا لوي‪ ...‬ولٌس هنان من هو ألوى منً‪ .‬إن‬


‫ألدامً راسخة فً األرض ورأسً ٌنطح السحاب‪.‬‬

‫ثم نظر من أعلى إلى الوادي األخضر العرٌض ولال‬


‫مزهوا‪:‬‬

‫ـ هذه مملكتً ولن ٌطأها أو ٌبمى فٌها أحد إال بإذنً‪.‬‬

‫سمع األرنب صوت الجبل الؽلٌظ فخاؾ وهرب إلى‬


‫جحره ٌرتجؾ‪ .‬رآه الجبل فضحن منه‪ ،‬وازداد‬
‫ؼرورا فصاح بصوت عال كهزٌم الرعد‪.‬‬

‫ـ أٌها األرنب! تعال وامثل أمامً‪ ...‬أنا الجبل الموي‪.‬‬


‫تماطر الخوؾ على األرنب‪ .‬خشً أن ٌبمى فً الجحر‬
‫فٌؽضب الجبل منه‪ ،‬وٌضربه بحجارته الكثٌرة‬
‫المدببة‪ .‬أطل برأسه فً حذر ثم زحؾ ببطء وولؾ‬
‫أمام الجبل ٌرتجؾ‪ .‬نظر الجبل إلٌه باحتمار وسأله‪:‬‬

‫ـ هل هنان من هو ألوى منً ٌا هذا؟‬

‫هز األرنب رأسه نفٌا‪ ،‬وحٌن صرخ به الجبل مؤنبا‬


‫إٌاه على صمته‪ ،‬رد بحلك جاؾ‪:‬‬

‫‪ -‬ال‪ ...‬ال أٌها الجبل العظٌم‪ .‬لٌس هنان من هو ألوى‬


‫منن بالتأكٌد‪.‬‬

‫اطمأن األرنب للٌال إذ ظن أنه أرضى ؼرور الجبل‪،‬‬


‫وأنه سٌخلً سبٌله وٌتركه ٌعود إلى جحره‪ ،‬أو ٌأكل‬
‫العشب الطري النابت فً الوادي المرٌب‪ .‬ولكنه‬
‫ارتجؾ حٌن عاد الجبل إلى الصٌاح‪.‬‬

‫ـ إذن لماذا تجرأت على تشوٌه حجارتً ورمالً أنت‬


‫وبمٌة األرانب بالجحور؟‬
‫اصطكت أسنان األرنب وارتعدت فرائصه‪ .‬سر‬
‫الجبـل من خوفه فأكمل متوعدا ‪.‬‬

‫ـ لو اعترفت بموتً حما لما تطاولت علً وبعثرت‬


‫الحجارة هنا وهنا بولاحتن‪.‬‬

‫ثم حمل صخرة كبٌرة وانتهره لائال‪:‬‬

‫ـ هٌا انصرؾ من هنا‪ .‬وبلػ األرانب والحٌوانات‬


‫األخرى والعصافٌر بأننً ال أرٌدها فً مملكتً‪ ،‬وال‬
‫فٌما ٌجاورها من أراض خضراء خصبة‪.‬‬

‫بكً األرنب وأمطرت عٌناه دموعا ؼزٌرة‪ .‬توسل‬


‫للجبـل أن ٌبمٌه والحٌوانات والعصافٌر فً جحورها‬
‫وأعشاشها‪ ،‬فهذه بٌوتها وما ٌحٌط بها أوطانها ومن‬
‫الصعب أن ٌترن الكائن الحً بٌته ووطنه‪ ...‬رفض‬
‫الجبل توسالت األرنب وأصر على طرده وطرد بالً‬
‫الحٌوانات والعصافٌر‪.‬‬

‫ـ إن لم تذهبوا حاال سأضربكم بهذه الصخرة الكبٌرة‪.‬‬


‫لوح الجبل بالصخرة فمفز األرنب هاربا‪ .‬ولما رأت‬
‫الحٌوانات األرنب ٌرحل خافت كثٌرا وتركت‬
‫جحورها على الفور‪.‬‬

‫تبعتها أسراب العصافٌر حزٌنة على فراق أعشاشها‪.‬‬


‫ثم شرعت الحٌوانات والعصافٌر تلوم األرنب على‬
‫خوفه ورحٌله المبكر‪ .‬طأطأ األرنب رأسه بحزن‬
‫ولال‪:‬‬

‫‪ -‬حما‪ .‬صعب علً وعلٌكم أن نؽادر بٌوتنا وأوطاننا‬


‫ولكنه حكم الموي على الضعٌؾ‪.‬‬

‫شرعت الحٌوانات والعصافٌر تبكً بحرلة فمال‬


‫األرنب‪:‬‬

‫ـ إن البكاء ال ٌجدي نفعا‪ ،‬علٌنا منذ اآلن أن نبحث‬


‫عن وسٌلة تعٌدنا إلى بٌوتنا وأوطاننا‪.‬‬

‫استراحت الحٌوانات والعصافٌر نوعا ما لصوته‬


‫الواثك‪ ،‬ولكنها للبت أٌدٌها عجزا‪.‬‬
‫ـ وكٌؾ سنعود ولٌس هنان من هو ألوى من الجبل‪،‬‬
‫ومن عادة الموي أال ٌرضخ إال لمن هو ألوى منه؟‬

‫ضحن األرنب ضحكة مبتسرة ولال‪:.‬‬

‫‪ -‬بل هنان األسد‪ ...‬ملكنا نحن الحٌوانات‪ .‬سٌضرب‬


‫بالتأكٌد الجبل وٌؤدبه وٌعٌدنا إلى بٌوتنا‪.‬‬

‫ولال السنجاب مؤكدا‪:‬‬

‫‪ -‬منذ ولدت وأنا أسمع أن األسد ملن الحٌوانات‬


‫وزعٌمها األلوى الذي ال ٌمهر‪.‬‬

‫ولال الفأر ببعض الزهو‪:‬‬

‫‪ -‬إنه مخٌؾ حما‪ .‬أال ترون حٌن نسافر إلى الؽابة‬


‫كٌؾ تفر منه الؽزالن والحمٌر والثٌران على لوتها؟‬
‫واألكثر من هذا ألم تروا كٌؾ تتوارى منه المطط‬
‫المتوحشة؟‬

‫استبشرت الحٌوانات خٌرا إذا التنعت بأن األسد لوي‪،‬‬


‫وأن باستطاعته إلناع الجبل بعودة الجمٌع إلى الوطن‪،‬‬
‫فإن لم ٌمتنع فحٌنها وال بد سٌضربه وٌعٌدهم بالموة‪.‬‬
‫تحرکت الحٌوانات تنوي الذهاب إلى عرٌن األسد‬
‫الؽابة لتـرفـع لـه شكاتها‪ .‬تلفت األرنب فرأى‬
‫العصافٌر حزٌنة ولم تتبعه‪ .‬سأل كبٌرها عما ٌحزنه‬
‫ولد بات الحل لرٌبا‪ .‬لال العصفور‪:‬‬

‫‪ -‬أجل نحن فً منتهى الحزن ألننا طٌور لن ٌهتم‬


‫األسد بها أو ٌساعدها‪.‬‬

‫طأطأ األرنب رأسه تعاطفا مع صدٌمه العصفور‪،‬‬


‫بٌنما صرخت الحٌوانات باألرنب أن ٌسرع لممابلة‬
‫األسد لبل حلول الظالم‪ .‬مشى نحوها بتثالل‪ .‬ثم تولؾ‬
‫حٌن ناداه عصفور صؽٌر‪.‬‬

‫ـ أٌها األرنب الطٌب! لمد جاءتنً فكرة‪.‬‬

‫هرع األرنب إلٌه مستبشرا‪ .‬فمال العصفور الصؽٌر‬


‫للعصفور الكبٌر‪:‬‬

‫ـ أو لم تمل دائما أن النسر ملن الطٌور؟‬


‫ثم التفت إلى األرنب ولال مفاخرا‪.‬‬

‫ـ أجل‪ .‬فنحن العصافٌر أٌضا لنـا ملن لوي ٌخافه‬


‫الجبـل وٌخشاه‪.‬‬

‫نظر العصفور الكبٌر إلى العصفور الصؽٌر بإعجاب‬


‫وصاح‪:‬‬

‫ـ هذا حك‪ .‬سنذهب نحن العصافٌر إلى النسر ونشكو‬


‫الجبل إلٌه فٌأتً معنا؛ وٌضربه بمنماره الحاد حتى‬
‫ٌعلن التوبة‪.‬‬

‫وطار العصفور الكبٌر من فوره لاصدا النسر فً‬


‫مملكته على الممم العالٌة‪ ،‬فً حٌن أسرع األرنب‬
‫والحٌوانات إلى األسد فً الؽابة‪.‬‬

‫وجدت الحٌوانات على باب العرٌن حراسا كثٌرٌن‬


‫مدججٌن باألنٌاب والمخالب الحادة‪ .‬خافت كثٌرا ولكن‬
‫األرنب تشجع للٌال وطلب ممابلة األسد ألمر هام‪.‬‬

‫ضحن كبٌر الحراس ساخرا‪ ،‬وحٌن رأى الحزن فً‬


‫عٌنً األرنب رق له للبه وكاد أن ٌأذن له بالدخول‬
‫على األسد؛ لوال أن تذكر أوامره الصارمة‪.‬‬
‫‪ -‬إٌان أن تزعجنً وتملك راحتً مهما كانت‬
‫الظروؾ‪ .‬حتى لو احترلت الؽابة بمن فٌها‪.‬‬

‫وٌعرؾ أن األسد فً مثل هذه الساعة من النهار‬


‫ٌكون نائما‪ ،‬ولن ٌتورع إذا ما أٌمظه عن ضربه‬
‫بمبضته الرهٌبة فٌحطم رأسه دون شفمة‪.‬‬

‫‪ -‬أو من أجل حفنة من األرانب والسناجب والفئران‬


‫تولظنً أٌها المعتوه؟‬

‫هكذا تخٌل ما لد ٌحدث لو عصى أوامره ولام‬


‫بإٌماظه‪ .‬تعرق وجهه لمجرد تخٌل هذا‪ ،‬وخفك للبه‬
‫بشدة من الخوؾ‪.‬‬

‫للب كبٌر الحراس ٌدٌه حٌرة وعجزا‪ ،‬فأدرن األرنب‬


‫أن رحلته الطوٌلة لم ٌصب منها ؼٌر التعب والنكران‬
‫والٌأس‪.‬‬
‫استدار بحـزن فتبعته الحٌوانات مثملة بالهم ولد فمدت‬
‫مثله ثمتهـا باألسد‪ ،‬وعند طرؾ الؽابة رأى األرنب‬
‫العصفور الكبٌر عائدا بانكسار واضح ففهم من‬
‫انمباض مالمحه وشحوبه الظاهر أن النسر أٌضا لد‬
‫خذله‪.‬‬

‫سمع العصفور الكبٌر ٌمول مؤكدا فً حزن ولهر‬


‫بالػ‪:‬‬

‫ـ لمد طردنً شر طردة‪ .‬لمد لال «إننً ألطع النهار‬


‫منمبا عن الؽذاء ولن أتخلى عن ساعات راحتً من‬
‫أجل عصافٌر بلهاء؛ ال وظٌفة لها فً الحٌاة ؼٌر‬
‫الزلزلة المزعجة ومالحمة الحشرات التافهة»‪.‬‬

‫وبكى العصفور بكاء مرا لبل أن ٌستطرد‪.‬‬

‫ـ األؼرب من هذا أنه طلب منً أن أبحث والعصافٌر‬


‫عن مكان آخر بعٌدا عن الجبل الماسً ما دامت هذه‬
‫رؼبته‪ .‬وأن علٌنا احترام رؼبة األلوٌاء ال معاداتهم‬
‫والتجرأ علٌهم‪.‬‬

‫أٌمنت الحٌوانات والعصافٌر أن لٌس هنان من ٌعٌدهـا‬


‫إلى أوطانها‪ ،‬فأخذت تبكً بكاء مرٌرا سمعته ؼٌمة‬
‫كبٌرة كانت تتجول فً السماء‪.‬‬

‫سألت الؽٌمة العصفور واألرنب عما ٌبكٌهما فأخبراها‬


‫بشأن الجبل‪ .‬ؼضبت الؽٌمة وطلبت من الحٌوانات‬
‫والعصافٌر أن تتبعها إلى هذا الجبل‪.‬‬

‫أمرته أن ٌعٌدها إلى أعشاشها وجحورها‪ ،‬وأنذرته‬


‫بمائها الؽزٌر إن لم ٌستجب ألمرها‪ .‬ضحن الجبل‬
‫ساخرا ومد لسانه لها ؼٌر عابئ بؽضبها‪.‬‬

‫‪ -‬أمطرٌنً أٌتها الؽٌمة‪ ،‬فمن لال إننً لست بحاجة‬


‫إلى الماء كً أؼتسل وأنظؾ نفسً من أوساخ‬
‫العصافٌر واألرانب والسناجب؟ هٌا افعلً ما أمرتن‬
‫به‪.‬‬

‫ؼضبت الؽٌمة أكثر وأنزلت فً الحال أمطارا كثٌفة‬


‫تجمعت سٌوال أخذت تشك لها طرلا عمٌمة وصلت‬
‫إلى الجحور واألعشاش‪ ،‬ولما رأت الحٌوانات‬
‫والعصافٌر أن السٌول جرفت وخربت بٌوتها صاحت‬
‫مطالبة الؽٌمة أن تكؾ عن ؼضبتها‪.‬‬

‫امتعضت الؽٌمة منها‪ ،‬وامتعضت أكثر حٌن لهمه‬


‫الجبل ساخرا ناعتا إٌاها بالؽبٌة‪ .‬أمسكت الؽٌمة ماءها‬
‫ورحلت وهً تزمجر ؼضبى‪.‬‬

‫‪ -‬فلتتشرد العصافٌر واألرانب ألنها ال تمدر من ٌمد‬


‫لها ٌد المساعدة‪.‬‬

‫حاول األرنب أن ٌطٌب خاطر الؽٌمة وٌشرح لها‬


‫سبب انزعاج الحٌوانات والعصافٌر‪ ،‬ؼٌر أنها طلبت‬
‫منه أن ٌسكت وواصلت رحلتها بعٌدا‪.‬‬

‫انتهر الجبل الحٌوانات والعصافٌر وأمـرهـا مجددا‬


‫بـالـرحٌـل بمسوة أكثر من سابمتها‪ ،‬فشرعت تبكً‬
‫وتنتحب بصوت ٌدمً الملب‪.‬‬
‫سمعتها الزلزلة‪ ،‬وسألتها عما ٌبكٌها فأخبرها األرنب‬
‫عما كان من أمر الجبل‪ .‬انتفضت الزلزلة ؼٌظا‪،‬‬
‫وأرسلت إلى الجبل إنذارا شدٌد اللهجة بأن ستدمره إن‬
‫لم ٌترن العصافٌر تعـود إلى أعشاشها والحٌوانات‬
‫إلى جحورها بالحال‪ .‬ضحن الجبل باستخفاؾ‪.‬‬

‫ـ أنا لوي بما فٌه الكفاٌة ولن ٌرهبنً شًء على‬


‫اإلطالق‪.‬‬

‫زمجرت الزلزلة لهذا التحدي الصارخ فاهتز الجبل‬


‫وترنح لبل أن تدكه الزلزلة وتشطره شطرٌن بٌنهما‬
‫أخدود عمٌك‪ .‬أخذ الجبل ٌصرخ فسألته الزلزلة‪.‬‬

‫ـ من األلوى أٌها الجبل التافه؟‬

‫رد الجبل وهو ٌرفع ذراعه المبتورة‪.‬‬

‫ـ أنت‪ ...‬أنت األلوى أٌتها الزلزلة العظٌمة‪.‬‬

‫ضحكت العصافٌر من ضعفه وبكائه وفرحت‬


‫الحٌوانات ألن هنان من هو ألوى من الجبل‪ ،‬وتعالت‬
‫أصواتها جمٌعا بالشكر لبل أن تعاود البكاء والتحسر‬
‫إذ وجدت أوطانها وبٌوتها مشطورة نصفٌن بٌنهما‬
‫أخدود كبٌر لن ٌلتأم ٌوما‪ .‬فمال األرنب والعصفور‬
‫الكبٌر معا بحزن‪.‬‬

‫‪ -‬حما‪ .‬هنان دائما من ٌجد من هو ألوى منه‪ ،‬ولكن‬


‫لٌتنا اعتمدنا على أنفسنا السترجاع أوطاننا موحدة‬
‫سالمة‪.‬‬

‫ؼضبت الزلزلة من كالمهم واعتبرته إهانة لها‪،‬‬


‫وتنكرا لصنٌعها معهم‪ ،‬فضربت األرض من تحتهم‬
‫لتمضً علٌهم‪ ،‬فتصدعت وتشممت بشموق كبٌرة‪.‬‬

‫اختبأ الجمٌع حتى هدأت وؼادرت لبل أن ٌجدوا‬


‫وطنهم صار خرابا‪ ،‬وحٌنما الترح الفأر أن ٌبحث‬
‫الجمٌع عن وطن جدٌد صاح به األرنب‪.‬‬

‫‪ -‬كال‪ ،‬لن نرحل‪ .‬سنبمى هنا ونعٌد إعمار الوطن من‬


‫جدٌد‪.‬‬

‫‪ -‬لمد انشطر الوطن وتهدم‪.‬‬


‫لال العصفور الكبٌر ذلن لبل أن ٌصٌح به األرنب‬
‫ؼاضبا‪.‬‬

‫‪ -‬سنبنً جسورا على األرض‪ ،‬وجسورا ألوى فً‬


‫النفوس كً ال نطرد من وطننا ثانٌة‪ ،‬وكً ال نلجأ‬
‫ألحد كً ٌنتصر لنا‪ ...‬وطننا هو ما نبنٌه ال ما نسكنه‬
‫كما هو‪.‬‬

‫‪ -‬والجبل؟!‬

‫‪ -‬لو لم نكن ضعفاء وجبناء لما تجرأ علٌنا‪ ...‬هٌا‬


‫لنباشر اإلعمار والبناء من جدٌد‪ ،‬فباتحادنا هذا‬
‫سنكون أسودا ونسورا وؼٌمات وزالزل فً وجه من‬
‫سٌفكر ٌوما بطردنا من الوطن‪.‬‬
‫والعصافي‬ ‫ع ربي‬‫َ‬
‫ر‬
‫(‪)1‬‬

‫بُكت عبٌر حٌن لال لها أبوها‪:‬‬

‫ـ اذهبً ٌا عبٌر ونامً‪.‬‬

‫بكت ألن ؼرفتها تخلو من التلفاز‪ .‬لمد شاهدت أفالم‬


‫الكرتون ورحلة سندباد‪ .‬وترٌد أن تشاهد المزٌد‪.‬‬

‫‪ -‬الساعة لم تتعد الثامنة‪.‬‬

‫لالت هذا ألمها‪ .‬كفكفت األم دموع عبٌر‪ .‬لبلت خدٌها‬


‫ولالت‪:‬‬

‫‪ -‬األطفال الصؽار مثلن ٌا عبٌر ٌنامون مبكرا‪.‬‬

‫لالت عبٌر‪:‬‬

‫ـ ولكن أخً لم ٌنم بعد؟‬


‫سمعها أبوها‪ .‬ضحن‪ .‬نهض من مكانه‪ .‬انحنى علٌهـا‪.‬‬
‫أخذها بٌن ذراعٌه‪ .‬لبلها ممازحا‪:‬‬

‫‪ -‬أخون لٌس طفال صؽٌرا‪.‬فهو فً الصؾ التاسع‬


‫وهو فً ؼرفته ٌحضر الدروس‪.‬‬

‫ابتسمت عبٌر بفرح ‪.‬‬

‫‪ -‬أنا أشطر منه‪.‬فمد حضرت دروسً وأحفظ جدول‬


‫الضرب أٌضا‪.‬‬

‫ربتت أمها لها ظهرها‪.‬‬

‫‪ -‬أنت شاطرة حما‪ ...‬تكونٌن أشطر حٌن تذهبٌن إلى‬


‫النوم اآلن حتى ال تتأخري عن المدرسة‪.‬‬

‫هزت عبٌر رأسها ممانعة‪ .‬لالت أمها‪.‬‬

‫ـ أال تحبٌن العصافٌر؟‬

‫ضمت عبٌر ٌدٌها إلى صدرها بشوق وفرح‪.‬‬


‫‪ -‬أحب العصافٌر‪ .‬أحبها كثٌرا‪ .‬لمد رسمت بعضها‬
‫على دفتري‪ ...‬لم أرسم الحدأة‪ ،‬إنها تفتن بالعصافٌر‬
‫الجمٌلة والصٌصان‪ .‬أنا أكره الحدأة والطٌور‬
‫الجارحة‪.‬‬

‫لالت أمها‪.‬‬

‫‪ -‬وأنا كذلن ٌا حبٌبتً لكن العصافٌر تنام مبكرا‪،‬‬


‫لتصحو مع الفجر نشٌطة ٌمظة وتمأل الدنٌا ؼناء‬
‫وزلزلة‪.‬‬

‫أحنت عبٌر رأسها باستٌاء‪ .‬لبلت والدٌها ومضت إلى‬


‫السرٌر‪ .‬لالت لنفسها وهً تندس فً الفراش‪.‬‬
‫«والداي ال ٌحبان أن أجلس معهما‪ .‬سأذهب مع‬
‫العصافٌر فً الصباح ولن أعود»‪.‬‬

‫لذا توجهت نحو النافذة مسرعة وفتحتها كً ٌتجدد‬


‫الهواء؛ ولكً تسافر مع أول عصفور فً الصباح‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫استٌمظت عبٌر على زلزلة العصافٌر‪ .‬فتحت عٌنٌها‬


‫فرأت عصفورا ٌمفز من الشجرة المرٌبة إلى النافذة‪.‬‬
‫مدت له ذراعٌها لائلة‪:‬‬

‫‪ -‬انتظرنً أٌها العصفور الجمٌل‪.‬‬

‫دار العصفور حول نفسه مؽردا‪ .‬لمع رٌشه الزاهً‬


‫تحت نور الشمس‪ .‬امتألت عبٌر بالسعادة والحبور‪.‬‬
‫تمنت لو أن لها ثوبا جمٌال كثوب العصفور‪ .‬نهضت‬
‫لتمسن به‪ .‬طار العصفور إلى الشجرة من جدٌد‪.‬‬
‫تمنت لو أنها تطٌر مثله وتؽادر البٌت كً ٌملك علٌها‬
‫والداها فٌتركانها حٌن تعود تسهر إلى ما بعد الثامنة‬
‫‪.‬‬
‫خلعت ثوبها ولالت للعصفور‪.‬‬

‫ـ خذ أٌها العصفور الطٌب ثوبً واعطنً ثوبن‪.‬‬

‫لم ٌسمعها أو ٌهتم بها العصفور‪ .‬كان ٌطارد فراشة‬


‫ملونة على الشجرة‪ .‬لبل أن تحاول حدأة رأته‬
‫االنمضاض علٌه واصطٌاده‪ .‬راوؼها العصفور‬
‫وانطلك هاربا بكل لوته واختبأ فً عشه الذي ال ٌمكن‬
‫للحدأة الوصول إلٌه بٌن األؼصان الصؽٌرة‪.‬‬

‫أطلمت عبٌر صرخة ابتهاج بعد نوبة ذعر انتابتها‬


‫خشٌة أن ٌمع العصفور فرٌسة بٌن مخالب الحدأة التً‬
‫ولفت بدورها على ؼصن شجرة تبحث عنه وتحاول‬
‫معرفة مكانه‪.‬‬

‫لكن الحدأة بعد للٌل ؼطت فً نوم عمٌك وولعت عن‬


‫الؽصن كصخرة هوت إلى األرض كسلى؛ لبل أن‬
‫تنتفض مستٌمظة وتصرخ من األلم ولد انكسر جناحها‬
‫فلم تعد تموى على الطٌران‪.‬‬
‫ارتدت عبٌر بسرعة ثوبها ضاحكة ثم فرحت ألنها‬
‫لٌست عصفورا وحٌدا ال ٌجد من ٌرعاه وٌحذره من‬
‫األخطار واألخطاء كوالدٌها‪ ،‬واكتشفت أٌضا أن‬
‫الحدأة تعرضت لما تعرضت له ألنها ال تنام مبكرا‬
‫فؽالبها النعاس صباحا؛ واستسلمت للنوم بسبب إرهاق‬
‫السهر وما ٌسببه من كسل وخمول فً الجسد والعمل‪،‬‬
‫بٌنما نشاط العصفور ساعده على المرواؼة‬
‫واالنتصار على الحدأة رؼم أنها تفوله لوة وسرعة‪.‬‬

‫لكنها ظلت تحب العصافٌر وترسمها‪ .‬ظلت تطٌع‬


‫والدٌها‪ .‬تنام مبكرة لتصحو مبكرة فال تتأخر عن‬
‫المدرسة؛ ألن السهر لمن فً عمرها عبارة عن عدو‬
‫ٌتربص بالنشاط لٌمضً على مواطن اإلبداع والنجاح‬
‫والٌمظة فً حٌاتنا؛ فالشمس ال تنتظر أحدا كً‬
‫تشرق‪ ،‬وال تمنع أحدا أن ٌنام حٌنما تؽرب‪.‬‬
‫َ‬
‫الصغار والمطر‬
‫ِ‬
‫شاهد «عصام» وهو فً ساحة المدرسة ؼٌوما‬
‫بٌضاء تركض مسرعة؛ كأنها كرات صؽٌرة من‬
‫الثلج تركلهـا الرٌح الباردة‪ .‬هتؾ عصام فً سره‬
‫«هل تراها ستمطر»؟ ثم رأى الؽٌـوم تكبر وتتجمع‬
‫وٌخؾ ركضها بعدما أدركها التعب‪.‬‬

‫لال «لٌتها تمطر» تذكر كٌؾ خرج فً األسبوع‬


‫الفائت مع الصؽار ٌبتهلون من خلؾ الحاجة «نزهة»‬
‫_تلن المرأة الضرٌرة_ أن ٌنزل المطر بعدما انحبس‬
‫طوٌال هذا العام‪.‬‬

‫المطر کما تعلم فً المدرسة ال ٌأتً دون ؼٌوم تتلبد‬


‫فً السماء حاجبة الشمس‪ ،‬وهو إذ ٌنزل ٌسمً الزرع‬
‫والناس والماشٌة‪ ،‬كما إنه ٌؽسل البٌوت والطرلات‬
‫وٌمضً على أمراض كثٌرة‪.‬‬

‫لهذا أحب عصام المطر‪ ،‬کما أحب الحاجة «نزهة»‬


‫كثٌرا إذ خرجت أمام الصؽار تدعو وتتضرع إلى هللا‬
‫بصوتها الحنون‪ .‬أخذها ٌومها إلى البٌت وأطعمها‬
‫حتى شبعت‪ ،‬ثم أعادها إلى كوخها المعزول فً‬
‫طرؾ البلدة‪ ،‬وتركها تبتهل مجددا كً ٌنزل المطر‪.‬‬

‫شاهد فً الساحة كٌؾ تتلبد الؽٌوم فً السماء؛ وكٌؾ‬


‫ٌتحول لونها إلى أسود كالفحم‪ ،‬بحث عن الشمس فلم‬
‫ٌرها‪ .‬إنه ٌحب الشمس كثٌرا وٌعرؾ أنها تبعث‬
‫الدؾء وتنبت الزرع وتنضج الثمر‪ٌ ،‬درن أن لكل‬
‫مظهر من مظاهر الحٌاة فائدة ما ومصلحة للكائنات‬
‫والطبٌعة‪.‬‬

‫ولكنه أحب أن تتوارى لبضعة أٌام خلؾ ؼٌوم مثملة‬


‫بالمطر‪ .‬وإذ أحس بنمطة ماء تسمط على وجهه صاح‬
‫فرحا «إنها تمطر‪ ،‬السماء تمطر» ركض فً الساحة‬
‫وركض الصؽار فرحٌن؛ وإذ أخذت خٌوط المطر‬
‫تنهمـر ؼزٌرة توارى مع الصؽار فً الصفوؾ خشٌة‬
‫البلل واإلصابة بالبرد والزكام ‪.‬‬

‫أز جرس الرواح والمطر ما زال ٌنهمر خٌوطا‬


‫رشٌمة تمرع األرض بانتظام‪ .‬عاد عصام إلى البٌت‬
‫ركضا‪ .‬دخل منادٌا‪.‬‬
‫‪ -‬أمً! أمً! لمد نزل المطر‪.‬‬

‫خلصته أمه من معطفه المبلل وطلبت إلٌه أن ٌجلس‬


‫بجانب المدفأة إلى أن تحضر له الؽداء‪ .‬لم ٌرتح‬
‫عصام فً جلسته فٌما المطر ٌمرع النافذة كأنما ٌطلب‬
‫األذن بالدخول‪ .‬وإذ ولؾ أمام النافذة وأحس بالبرد‪،‬‬
‫فطن إلى أنه لم ٌعرج على كوخ الحاجة نزهة؛‬
‫فٌخبـرها بنزول المطر وٌسألها إن كانت ترٌد شٌئا‬
‫من الطعام الذي اعتاد أن ٌرسله إلٌها كل ٌوم؛ عرفانا‬
‫منه لها حٌث إنها تأتً أحٌانا وتسرد علٌه وعلى‬
‫أخوته الصؽار حكاٌا مسلٌة إلى أن ٌسرله وٌسرلهم‬
‫سلطان النوم‪.‬‬

‫ندم كثٌرا وهم أن ٌخرج ولكن خوفه من البلل والبرد‬


‫سمره أمام النافذة ولم ٌعد ٌرى خٌوط المطر جمٌلة‬
‫كما كانت لبل للٌل‪.‬‬

‫عادت أمه بالؽداء‪ .‬رأته واجما حزٌنا فسألته‪:‬‬

‫ـ ما بن ٌا عصام؟‬
‫نكس رأسه ثم أخبر أمه بسبب حزنه‪ .‬ضحكت األم‬
‫وربتت له ظهره لائلة‪:‬‬

‫‪ -‬أنت شهم وطٌب ٌا عصام‪ .‬ولكن اطمئن‪ ،‬لمد‬


‫أرسلت إلى الحاجة نزهة الطعام لتأكل‪ ،‬والحطب‬
‫أٌضا لتتدفأ لبـل أن تأتً أنت من المدرسة‪.‬‬

‫ابتسم عصام وشكر أمه‪ ،‬وهم أن ٌمبل على الطعام‪،‬‬


‫ولكنه تذكر أنه ما ٌزال ٌشعر بالتمصٌر فً حك‬
‫الحاجة نزهة‪ ،‬وأن علٌه أن ٌفعل شٌئا‪.‬‬

‫حمل لصٌدة حفظها فً المدرسة فً عمله وذهب إلى‬


‫ؼرفتها النائٌة متحدٌا المطر والبرد والظالم الذي بدأ‬
‫ٌهبط مبكرا نتٌجة ؼٌاب الشمس خلؾ الؽٌـوم الكثٌفة؛‬
‫لٌنشدها إٌاها مرددا ما لاله له األستاذ فً المدرسة‪.‬‬

‫‪ -‬نعم فاألرض بحاجة ماسة للمطر والشمس؛ كحاجة‬


‫المعدة للطعام والشراب‪ ،‬والجسد للباس أو النوم بعد‬
‫التعب‪ ،‬ولكن العمل تحدٌدا ٌحتاج للمعرفة‬
‫والعلم‪...‬تذكر هذا جٌدا وطبمه فً حٌاتن‪.‬‬
‫اندفع إلٌها مسرعا وارتمى فً أحضانها وهً تبتسم‬
‫له‪ ،‬وبعد أن أنشدها المصٌدة مسحت على رأسه‬
‫بحنانها الفرٌد لائلة‪.‬‬

‫‪ -‬نعم هذا ما كنت أحتاجه ٌا بنً‪.‬‬

‫‪ -‬االستماع للمصٌدة؟‬

‫ازدادت ابتسامة الحاجة فمبلته على جبٌنه لبل أن تمول‬


‫وهً تالعب أنفه‪:‬‬

‫‪ -‬بالتأكٌد‪ ،‬واالستماع أٌضا لنبضات للبن المحب‪.‬‬


‫فاإلنسان الكبٌر ٌا بنً كالطفل‪ٌ ،‬حتاج بأن ٌشعر‬
‫بمحبة اآلخرٌن واهتمامهم به‪ ،‬فالعمل ٌحتاج إلى‬
‫المعرفة والعلم بالتأكٌد‪ ،‬لكن الروح تحتاج إلى المحبة‬
‫الصادلة النمٌة كً تشعر بالسعادة والدؾء‪.‬‬

You might also like