Professional Documents
Culture Documents
pr Lafrikhi - مدخل 2020
pr Lafrikhi - مدخل 2020
ذ.فمدم لفريخي
موسم2021/2020 :
2
األول :من موضوعه حيث إنه يعرض ألهم مباحث الشريعة اإلسالمية ،واألمر
الثاني :عالقته بتخصص الطالب الحقوقي ،وعليه ينبغي الحديث عن أهمية
الشريعة اإلسالمية في ذاتها ،وعن أهمية المدخل إلى الشريعة باعتباره مادة مقررة
للطالب الحقوقي( المطلب األول) قبل اإلشارة إلى السياق التاريخي للشريعة
اإلسالمية ( المطلب الثاني).
مصدرها اإللهي.
3
ولن نقف في الحديث عن هذه األهمية مع النصوص الشرعية وما أكثرها ،وإنما
نسوق خالصات وشهادات للمتخصصين في المجال الحقوقي بالخصوص من
خالل مجموعة من المؤتمرات الحقوقية ،من ذلك:
1
-مجلة المجمع العلمي العربي ،ج 3131 ،82هـ3591 -م.....
2
-كما سنرى الحقا.
4
العقود ،وهذا معنى قوله تعالى ( :يأيها الذين آمنوا ال تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل
3
إال أن تكون تجارة عن ت ارض منكم)
" اعترافا بما للتشريع اإلسالمي من مرونة وما له من شأن ،يجب على جمعية
المحامين الدولية أن تقوم بتبني الدراسة المقارنة لهذا التشريع وبالتشجيع عليها"4
ترج َمته " :إن المؤتمرين بناء على الفائدة المتحققة من
والذي ورد فيه ما َ
المباحث التي عرضت أثناء أسبوع الفقه اإلسالمي وما جرى حولها من المناقشات
التي تلخص منها بوضوح ما يلي:
ومن أهم المبادئ والنظريات التي يشير إليها القرار :نظريات الملكية ،ونظرية
العقد ،واألهلية ،ومبدأ التراضي واإلرادة..
3
-سورة النساء اآلية.85:
4
-
5
وفي سياق المناقشات قال نقيب المحامين ببارس " :أنا ال أعرف كيف أوفق
بين ما يحكى لنا عن جمود الفقه اإلسالمي وعدم صلوحه أساسا تشريعيا يفي
بحاجات المجتمع العصري المتطور ،وبين ما نسمعه اآلن في المحاضرات
ومناقشاتها مما يثبت خالف ذلك تماما ببراهين النصوص والمبادئ"5
إذن فما يحكيه غير المتخصص شيء ،والحقيقة العلمية والواقعية شيء آخر" فما
6
ر ٍاء كمن سمع".
إذا ثبتت هذه األهمية بالنسبة للشريعة اإلسالمية ،فما هي أهمية المدخل إلى
الشريعة اإلسالمية باعتبارها مادة علمية مقررة للطالب الحقوقي؟
المدخل ألي علم هو باب معنوي يطل من خالله الطالب على تعريف العلم
وأهميته ومباحثه وغاياته ومصادره وأهدافه وثمراته ،وهي ما يسمى بمبادئ العلوم.
وألهمية ذلك وجدت عدة مداخل يدرسها الطالب الحقوقي قبل الخوض في المواد
والتفاصيل والجزئيات ،فنجد المدخل إلى الشريعة اإلسالمية ،والمدخل إلى العلوم
القانونية والمدخل إلى االقتصاد...وتتجلى أهمية المدخل إلى الشريعة اإلسالمية
بالنسبة للطالب(ة) الحقوقي باعتباره مادة مقررة في اآلتي:
5
-
-6لمزيد مما يدل على األهمية تراجع خصائص ومبادئ الشريعة اإلسالمية التي ستأتي.
6
مادة المدخل إلى الشريعة اإلسالمية لها أهمية علمية كبيرة بالنسبة للدارس
والباحث والطالب ،من أجل التعرف على أهم األسس والقواعد والمبادئ الحقوقية،
والنظريات الفقهية ،ومعرفة مرجيعتها ،وتقييم أهميتها ومقارنة ذلك بغيره ،ومما يدل
على هذه األهمية أيضا مايلي:
إدراك مفهوم الشريعة والفقه المستنبط منها والعالقة بين ذلك وبين القانون. -1
معرفة أهم خصائص ومبادئ الشريعة اإلسالمية ،وإدراك أهميتها في -2
االجتهاد والتجديد والتطوير.
التعرف على مصادر األحكام الشرعية. -9
االستئناس ببعض قواعد أصول الفقه وأهميتها في الفهم والتأويل واالجتهاد. -9
معرفة المذاهب والمدارس الفقهية وأسباب االختالف بينها ،والمصطلحات -6
األصولية والفقهية.
الوقوف على التطور التاريخي لمصادر الشريعة اإلسالمية والفقه -1
اإلسالمي.
..... -1
مما يؤكد أهمية مادة المدخل إلى الشريعة اإلسالمية هو عالقته الوطيدة
بمجموعة من القوانين التي يدرسها الطالب(ة) الحقوقي ،حيث تعتبر الشريعة
7
اإلسالمية وما استنبط منها من فقه مصد ار أساسيا لمجموعة من القوانين ،ومن
ذلك:
قانون السرة؛ فهذا القانون يجد مصدريته في الشريعة اإلسالمية والفقه -1
اإلسالمي المالكي ،مع االنفتاح على المذاهب األخرى في كل ما يحقق المقاصد
الحقوقية لألسرة .فقواعد الزواج والطالق واألهلية والنفقة والحضانة وغيرها مستمدة
من الشريعة اإلسالمية.
قانون االلتزامات والعقود؛ وباألخص نظرية االلتزام ونظرية العقد والعقود -2
المسماة ،فالقواعد المؤطرة لكل هذا تجد مصدريتها في الشريعة اإلسالمية والفقه
اإلسالمي ،وقد اعتمد "سانتيانا" الفرنسي في وضع مشروع قانون االلتزامات
والعقود المغربي على الفقه اإلسالمي المالكي.
المواريث والوصايا؛ وتستمد أحكامها من الشريعة اإلسالمية ،على أساس -9
الموازنة بين الحقوق والواجبات تحقيقا لمبدأ العدل في توزيع الثروة وتداولها.
قانون الحقوق العينية؛ الذي يتحدث عن أسباب الملكية العقارية وكيفية -9
انتقالها وانتهائها ،وقد اعتمد على الفقه المالكي المستمد الشريعة اإلسالمية.
قانون الوقاف؛ فمدونة األوقاف تعتبر تدوينا للفقه المالكي في األحكام -9
الموضوعية للوقف.
..... -6
8
يقول ابن خلدون " :اإلنسان اجتماعي بطبعه" فاجتماعية اإلنسان فطرة
وغريزة جبل عليها ،واإلنسان في اجتماعيته هذه تسيطر عليه غريزتان:
النانية ،لكنها مهما بلغت فهو ال يمكنه أن يعيش في عزلة وال يستطيع -1
تحملها إال مع أضرار تلحقه إما نفسية وإما غيرها؛ ألنه من المجتمع يتعلم السلوك
وكيفية تلبية الحاجات ،وكيفية الوصول إليها ،وكيفية التواصل بشأنها...
الغيرية ،أي االرتباط بالغير ،فاإلنسان مرتبط بغيره كما أشرنا سابقا ،فهو في -2
نسبة كبيرة جدا من حاجاته يحتاج إلى غيره ،لكن مهما بلغت حاجته إلى اآلخر
فهو يسعى إلى تحقيق ذاته.
إذن اإلنسان تتجاذبه غريزتان األنانية والغيرية ،وهذه طبيعة كل فرد من أفراد
المجتمع ،ومن شأن هذا أن يحدث تنافسا من أجل تحقيق الذات ،و هذا التنافس
يولد صراعا؛ ألن اإلنسان يريد تلبية حاجاته من الطبيعة ومما في يد اآلخرين،
فتتعارض اإلرادات والحريات من أجل تحقيق الذات ،فكان ال بد من تشريع ينظم
9
حدود هذه اإلرادات ويعمل على تحقيق التوازن بينها ،ومن هنا وجدت التشريعات.
وعرفت اإلنسانية مراحل متنوعة في تنظيم العالقات والوصول إلى الحاجات.
وقد كان اإلنسان يصل إلى تحقيق ما يريد بنفسه ،فأدى ذلك إلى القتل
أحيانا(قصة ابني آدم عندما قتل قابل أخاه هابل وغيرها كثير ) ..فقد عانت
األنسانية من مرحلة الصراع والعدالة الخاصة ،إال أن اإلنسان لما أنهكته
الصراعات فكر في توافقات يحتكم إليها.
ثانيا :مرحلة اللجوء إلى التوافق على أعراف وعادات يحتكم إليها:
وهذا يعتبر تطو ار في تنظيم العالقات وتحقيق التوازن بين الرغبات ،إال أنه مع
ذلك بقيت الصراعات وتضاربت المصالح ،فغلب رأي جهة دون أخرى؛ ألن من
طبيعة اإلنسان أن ال يتسم بالحياد التام ،مما تطلب تشريعا وتنظيما محايدا ،ولهذا
الغرض جاءت الشرائع السماوية.
وهي مرحلة تضمنت ماقبل وما بعد وحين مجيء الشرائع ،بل ال تخلو من تأثير
للشرائع عليها شكال ومضمونا ،ومرحلة تدوين األعراف والعادات كان الغرض منها
تحقيق الثبات واالستقرار ،إال أنه نظ ار لكثرة األعراف والعادات فقد بقي الكثير غير
مدون إلى عصرنا هذا.
10
ولما بلغت اإلنسانية مبلغا من الوعي والتطور والتفكير الحقوقي جاءت شريعة
عامة لجميع اإلنسانية لما اشتملت عليه هذه الشريعة من خصائص ومبادئ
تمكنها من العالمية والعموم كما سنبينه.
كان مجيء الشريعة اإلسالمية تتويجا لما حققته الشرائع السماوية السابقة من وعي
عام ونضج لدى اإلنسان بسبب مدارك اإلنسان وتطوره وبسبب الشرائع السماوية
السابقة لها ،يقوله صلى هللا عليه وسلم" :مثلي ومثل النبياء من قبلي كمثل رجل
بنى بيتا فأجمله وأحسنه إال موضع لبنة فجعل الناس يطوفون حوله ويعجبون
ويقولون هال وضعت هذه اللبنة ،فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيئين" 7وهذا يعني أن
7
-
11
العالقة بين الشرائع السماوية عالقة تكامل زيادة عن العالقات األخرى .ويقوله
صلى هللا عليه وسلم " :إنما بعثت لتمم مكارم الخالق" 8وهذا يعني أن الرسل
عليهم السالم قبله بدأوا الدعوة إلى األخالق والرسول صلى هللا عليه وسلم أتم
ذلك.
كما أن الشريعة اإلسالمية جاءت تصحيحا لما عرفته بعض الشرائع من
تحريفات وافتراءات باسم هذه الشرائع ،مما انعكس سلبا على العالقات االجتماعية
وأعاد التطور اإلنساني إلى نقطة البداية من خالل التقاتل والتناحر في ظل تنافس
اإلرادات وتعارض الرغبات .فجاءت الشريعة اإلسالمية بمبادئ وقواعد تشريعية
تسمح لإلنسانية بتنظيم كل العالقات ،سواء في عالقة اإلنسان بربه أو بنفسه أو
بغيره من اإلنسان وكل ما يوجد في الكون.
8
-
12
الغاية الولى :تحرير العقل والفكر البشري من التقليد والخرافة ،وذلك من خالل
ربطه باإليمان باهلل وحده ،وتوجيه عقله نحو الدالئل والبراهين الكونية الدالة على
ذلك ،والمتأمل في اآليات المتعلقة بتحرير العقول وإرساء العقائد الصحيحة وإبطال
الخرافات والعقائد الفاسدة يجد هذ اآليات ترتكز على خطاب العقول بالبراهين
المنطقية ،والدالئل الكونية.
الغاية الثانية :إعداد اإلنسان نفسيا وخلقيا ،وتوجيهه نحو الخير واإلحسان حتى ال
تطغى شهواته ومطامعه على عقله وواجباته ،وهذا يتحقق بالتوجيهات المتعلقة
باألخالق وبالعبادات التي أوجبها هللا تعالى ،فمن أهم غاياتها تزكية األنفس
وتطهيرها من الرذائل والعادات السيئة.
الغاية الثالثة :وضع مبادئ وقواعد تنظم المعامالت بين اإلنسانية جمعاء يراعى
فيها العدل والمساواة ،والموازنة بين الحقوق والواجبات ،تحقيقا لمبدأ التعاون
والتكامل اإلنساني قال تعالى ( :وجعلنا بعضكم لبعض سخريا) .9أي بعضكم
مسخر لخدمة بعض حسب النوع واالختصاصات في إطار تكاملي يخدم اإلنسانية
جمعاء.
9
-
13
إدراك مفهوم الشيء يتوقف على معرفة الداللة اللغوية واالصطالحية له مع
وتمييزه عن غيره من المفاهيم المشابهة له.
قال أحمد ابن فارس في األصل الداللي لمادة (شرع) " :الشين والراء والعين أصل
واحد ،وهو شيء يفتح في امتداد يكون فيه .من ذلك الشريعة" .10ومن المعاني اللغوية
للشريعة:
10
-معجم مقاييس اللغة ،باب الشين وما يثلثه من الراء والعين.
14
االبتداء والشروع في الشيء" :شرع فالن يفعل كذا :أخذا يفعله". -
الشيء :أعاله وأظهره".
َ اإلعالء للشيء وإظهاره" :شرع -
التشريع والبيان :ومنه "شرع الدين :سنه وبينه ،ومنه قوله عز وجل ( :شرع لكم -
من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك) .11وشرع الشيء جعله مسنونا
ومشروعا".
مد الشيء وتمهيده :ومنه " شرع الطريق :مده ومهده" .12أي جعله سهال ممهدا -
مستقيما .ومنه قول عز وجل ( :ثم جعلناك على شريعة من المر فاتبعها وال تتبع
أهواء الذين ال يعلمون) 13وقوله سبحانه( :لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).14
15
الوضوح :قال الراغب األصفهاني " :الشرع نهج الطريق الواضح" -
فهذه مجموع المعاني اللغوية ،فكلها ترجع إلى معنى الظهور والعلو والبيان والقرب،
وهذه المعاني اللغوية للشريعة لها عالقة بالمعنى االصطالحي ،فالشريعة فيها معنى
مبينة ألنها نزلت بلسان عربي مبين،
البيان والقرب والوضوح والظهور والعلو؛ فهي َّ
ومبينة لمجموعة من األحكام.
ولبيان الرسول صلى هللا عليه وسلم لها ،ة
وفيها معنى الوضوح والظهور أيضا لما سبق في البيان ،ومعنى العلو ألن مصدرها
قرب معانيها لإلنسانية
هللا عز وجل ،وفيها معنى القرب ألن الرسول صلى هللا عليه َّ
وجسدها في الحياة.
11
12
انظر :إبراهيم مصطفى وحامد عبد القادر وأحمد حسن الزيات ودمحم علي النجار ،المعجم الوسيط ،مادة "شرع"
13
-
14
-
15
معجم مفردات ألفاظ القرآن ،ص.869 :
15
قال التهاوني " :الشرع ما شرع هللا لعباده من األحكام التي جاء بها نبي من
األنبياء ،سواء أكانت متعلقة بكيفية عمل ،وتسمى فرعية عملية(عبادات ،أخالق،
معامالت) ،ودون لها علم الفقه ،أو بكيفية اعتقاد ،وتسمى أصلية واعتقادية ،ودون لها
16 علم الكالم .ويسمى الشرع أيضا بالشريعة وبالدين والملة".
ويقول ابن األثير " :الشرع والشريعة :ما شرعه هللا لعباده من الدين ،أي سنه لهم،
17 وافترضه عليهم".
إذن فالشرع والشريعة هي :مجموع األحكام العقدية واألخالقية وأحكام العبادات
وأحكام المعامالت األسرية والمالية وأحكام ما قد يرتبط بذلك من جنايات.
الشريعة اإلسالمية نسبة إلى اإلسالم وهو الدين الذي جاء به سيدنا دمحم صلى
هللا عليه وسلم ،قال تعالى (:إن الدين عند هللا اإلسالم) 18وقال عز وجل( :ومن يبتغ
19
غير اإلسالم دينا فلن يقبل منه)
16
-كشاف اصطالحات الفنون.395/1 :
17
-النهاية.064/8 ،
18
-
19
-
16
والشرع والشريعة يطلقان بمعنى عام ،ويقصد بها :مجموع األحكام العقدية
واألخالقية وأحكام العبادات وأحكام المعامالت األسرية والمالية الذي جاء بها
سيدنا دمحم صلى هللا عليه وسلم عن طريق الوحي.
مجال العقائد ،ما يجب على اإلنسان اعتقاده واإليمان به في حق هللا تعالى وفي أ-
حق الرسل ،وما يجب اإليمان به من األمور الغيبية كالجنة والنار والحساب والصراط
والميزان..
ب -مجال العبادات ،وهي األحكام التي تنظم الصالة والزكاة والصوم والحج وغيرها
مما يدخل في العبادات.
ج -مجال الخالق ،وهي األحكام التي تنظم ما ينبغي أن يكون عليه سلوك اإلنسان
مع نفسه ومع غيره ،كالصدق والوفاء والتعاون والتضامن ،والعدل والمحبة وحسن الجوار
وبر الولدين..
مجال المعامالت السرية ،وهي األحكام التي تنظم كل ما يتعلق بالزواج والطالق د-
والحضانة والنسب والرضاعة والنفقة والميراث وغيرها..
هـ -مجال المعامالت المالية ،وهي األحكام التي تنظم المبادالت المالية العوضية
والتبرعية ،سواء تعلق األمر بالمعامالت العادية أو المعامالت التجارية.
بقية المعامالت ،مما يرتبط باإلدارة والقضاء والحكم والسلم والحربى وغيره و-
والجنايات.
17
وبذلك فهي تنظم عالقة اإلنسان بربه من خالل العقائد والعبادات ،وعالقة اإلنسان
بغيره من خالل األخالق والمعامالت ،والقيام بذلك كله ينعكس إيجابا على عالقة
اإلنسان بنفسه وبمجتمعه.
وقد تطلق الشريعة بإطالق خاص ويقصد به األحكام العملية فقط ،أي تطلق على
العبادات والمعامالت ،دون األحكام االعتقادية واألخالقية.
هذه األلفاظ معناها واحد ،لكنها قد تطلق باعتبارات أخرى ،فلقد سمى هللا سبحانه
اإلسالم دينا والدين إسالما في قوله عز وجل ( :إن الدين عند هللا اإلسالم) 20وقال عز
وجل( :ومن يبتغ غير اإلسالم دينا فلن يقبل منه) 21وقال أيضا ( :اليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم اإلسالم دينا).22
20
-
21
-
22
-
23
-انظر قريبا من هذا ،دمحم رشيد رضا ،تفسير المنار.893 /8:
18
وال مانع من إطالق هذه المصطلحات بعضها مكان البعض بقصد الداللة على
األحكام التي جاء بها سيدنا دمحم صلى هللا عليه وسلم.
لتمييز الشريعة عن الفقه ينبغي تعريف الفقه أوال ليتبين مفهومه الذي
نستطيع به تمييز عن غيره.
المرحلة الولى كان يطلق على األحكام التي جاءت بها الشريعة اإلسالمية،
سواء تعلقت بالعقائد أو العبادات أو األخالق أو المعامالت.
المرحلة الثانية :وهي التي استقر عليها اإلطالق إلى يومنا هذا ،أن الفقه هو:
العلم بالحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.
فالعلم :هو إدراك األشياء أو المعلومات واإلحاطة بها سواء كانت يقينية قطعية
أو ظنية.
24
-
25
-
19
والعملية :أي التي تتعلق بأعمال الناس وتصرفاتهم كالصالة والصيام والبيع
والشراء وغيرهما.
من أدلتها التفصيلية :أي من النصوص التي يعرض كل واحد منها لحكم.
فالفقه يسمى فقها ويسمى شريعة ،والشريعة تشمل الفقه وغيره كما تقدم.
20
لنميز الشريعة عن القانون الوضعي ينبغي إدراك مفهومها ،وقد سبق لنا مفهوم
الشريعة ،فما هو مفهوم القانون الوضعي؟
فالقانون بهذا المفهوم يقتصر على تنظيم سلوك المجتمع ،أي ما يتصل بسلوكه
في المعامالت األسرية والمالية والجنائية ،دون العقائد واألخالق والعبادات ،فالقانون
الينظم العبادات وال األخالق وال العقائد ،وإن كان قد يتضمن بعض األحكام المرتبطة
بذلك ،كالعقاب على المساس بحرية التدين وغيرها ،مما هو في بعض القوانين كالقانون
المغربي مثال.
للدول المسلمة .وذلك مثل القانون المدني وقانون األسرة ومدونة األوقاف ومدونة
الحقوق العينية وغيرها مما أشرنا إليه في الحديث عن عالقة المدخل للشريعة
بتخصص الدارس الحقوقي.
ب -من حيث الجزاء ،الجزاء في الشريعة اإلسالمية جزاء دنيوي وأخروي ،أما في
القانون فالجزاء دنيوي فقط.
ج -من حيث الموضوعات ،الموضوعات التي تنظمها الشريعة اإلسالمية أعم وأشمل
وأكثر من الموضوعات التي ينظمها القانون ،فالشريعة كما تقدم تشتمل على أحكام
عقدية وعبادات وأخالق ومعامالت ،في حين أن القانون يقتصر على مجال
المعامالت فقط.
هذا باإلضافة إلى ما سنشير إليه في خصائص الشريعة اإلسالمية.
د -من حيث الغاية ،غاية الشريعة اإلسالمية تنظيم عالقة اإلنسان بربه وبنفسه وبغيره
من اإلنسان والكون بأكمله ،في حين أن القانون يكتفي بتنظيم عالقة اإلنسان بغيره فقط.
تعتبر هذه الخاصية مصد ار لكل الخصائص فكل الخصائص التي تتميز بها الشريعة
اإلسالمية هي منبثقة ومتفرعة عن هذه الخاصية ،فما المقصود بهذه الخاصية؟ وماذا
يترتب عن كون الشريعة اإلسالمية ربانية المصدر؟
المقصود بربانية مصدر الشريعة اإلسالمية :أنها من عند هللا عز وجل ،فمصدرها
الوحي الرباني عن طريق القرآن أو السنة النبوية ألن الرسول صلى هللا عليه وسلم ال
يتكلم أو يفعل مما هو تشريع من تلقاء نفسه ،قال تعالى( :وما ينطق عن الهوى إن هو
إال وحي يوحى علمه شديد القوى).27
وبقية المصادر من إجماع وقياس وغيرها من مصادر التشريع االجتهادية كلها مقيدة
بما في الكتاب والسنة وما يحقق المقاصد الشرعية ،وبالتالي فهي نابعة ومتفرعة عن
الوحي.
التحيزات والميوالت البشرية ،حتى ولو تعلق األمر بالنفس أو الوالدين واألقربين ،قال عز
29
والمراد بالقسط: وجل( :كونوا قوامين بالقسط ولو على أنفسكم أو الوالدين واالقربين)
العدل .وقال أيضا ( :وال يجرمنكم شنئان قوم على أن ال تعدلوا اعدلو هو أقرب
أي ال يحملنكم خصامكم مع أي قوم على أن ال تعدلوا بل الواجب العدل حتى 30
للتقوى)
مع العدو والمخاصم.
وفي زمنه صلى هللا عليه وسلم سرقت امرأة شريفة وذات مكانة في قومها من بني
مخزوم ،فأراد القوم أن يشفعوا لها بأن ال تطبق عليها عقوبة السرقة فطلبوا ذلك من
الرسول صلى هللا عليه وسلم ،فقام الرسول فخطب الناس فقال " :أيها الناس إنما أهلك
من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وإذا سرق فيهم
31
الشريف تركوه ،وأيمن هللا لو أن فاطمة بنت فمدم سرقت لقطعت يدها"
ج -االتصاف بالمساواة؛ فالشريعة اإلسالمية تتسم بالمساواة لكونها تشريعا ربانيا ،قال
عز وجل ( :يايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن
أكرمكم عند هللا أتقاكم) 32أي أن أصلكم واحد وال فرق بينكم وال فضل ألحدكم على
اآلخر إال بالتقوى ،ويقول الرسول صلى هللا عليه وسلم " :أال ال فضل لعربي على عجمي
33
وال لعجمي على عربي وال لبيض على أسود وال لسود على أبيض إال بالتقوى"
د -الهبة واالحترام في النفوس؛ ألن لها صفة الدين ،وألنها مصدرها هللا عز وجل.
29
-
30
-
31
-
32
-
33
-
24
-1المراد بالعموم
المراد بذلك عموم وشمول أحكام الشريعة اإلسالمية لكل مجاالت الحياة ولكل
األزمنة واألمكنة ،ويسمى هذا العموم الزماني والمكاني بالعالمية.
فالشريعة اإلسالمية شملت كل المجاالت ،فهي تنظم عالقة اإلنسان بربه
وبنفسه وبغيره.
وإذا كان هذا بالنسبة لقوانين وتشريعات وضعية ،فإنه ال ينبغي لإلنسانية أن تنكر
هذه العالمية بالنسبة للتشريع اإلالهي؛ ألنه يحقق المصلحة اإلنسانية ال محالة.
وفي يأتي أدلة على ذلك.
جميع أحكام الشريعة اإلسالمية مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد ،وهذا
ثابت بالقطع في الشريعة اإلسالمية ،فالشريعة جاءت لتحقيق مقاصد كبرى وهي:
حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال ،بل جاءت رحمة للعالمين باإلنسان وغيره
من المخلوقات والكائنات ،قال تعالى ( :وما أرسلناك إال رحمة للعالمين) 34والرحمة
هذه تتحقق بالمعاملة الحسنة واحترام الحقوق والواجبات والقيم واألخالق ،ولهذا قال
35
وباألخالق تتحقق الرسول صلى هللا عليه وسلم " :إنما بعثت لتمم مكارم الخالق"
المعاملة الحسنة فيرتقي المجتمع ويتقدم.
34
-
35
-
36
-
37
-
26
-العقوبات شرعت لضمان الحياة الحقيقية التي يطبعها األمن واالستقرار واحترام الحقوق،
قال عز وجل( :ولكم في القصاص حياة يا أولي اللباب).38
-الزواج شرع لما يحققه من مصالح للفرد والمجتمع ،ففيه حفظ لألعراض وفيه حفظ
للمجتمع من األمراض النفسية والجسدية ،فأي عالقة غير الزواج لها تكون لها آثار
سلبية على الصحة النفسية وغيرها ،وقد أكد هذا الطب الحديث.
-وهكذا فكل األحكام لغاية ولمصلحة...
38
-
39
-
40
-
27
في بقية األعمال والمعامالت ،من غرس وبناء ومبادالت وغيرها ،ينبغي مراعاة مبدأ "ال -
ضرر وال ضرار".
يوصف بالمرونة من حيث مساطر تعديله .وهذا عكس الجامد فهو غير قابل
لالستيعاب من حيث داللته ،أو مساطره معقدة إذا أردنا تعديله.
والمراد بالمرونة في االصطالح :قدرة وقابلية الشريعة اإلسالمية ألن تسوعب بمبادئها
وقواعدها كل المستجدات والتطورات التي تعرفها المجتمعات.
-2مظاهر المرونة
من أهم مظاهر المرونة ما يأتي:
-األصل في األشياء اإلباحة؛ فما لم يحرمه الشرع وال يمس بقصد شرعي فهو مباح.
-التكاليف والواجبات أقل بكثير من المباحات؛ فإذا حرم أكل شيء أو شربه في حالة
فتجد الحالل من المأكوالت والمشروبات ال تعد وال تحصى ،فالشرع مثال حرم شرب
الخمر لكن أحل الكثير من المشروبات ،وحرم أكل لحم الميتة والدم ولحم الخنزير لكنه
أحل الكثير من اللحوم.
-ما دلت النصوص الشرعية على حكمه أقل بكثير من المسكوت عنه ،وفي ذلك رحمة
باإلنسان؛ لقوله صلى هللا عليه وسلم" :وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فال
تبحثوا عنها".41
41
-
29
-في القضاء نصت على أن المطلوب هو العدل؛ لكن كيف يتحقق وبأي وسائل ،تركت
المجال لالجتهاد وما يناسب كل مكان وزمان ،فلم تفصل في التقاضي ودراجاته وال
إجراءاته..
-في الحكم نصت على مبدأ الشورى؛ ولكن كيف يتم تطبيقه؟ هذا يختلف حسب األزمنة
واألمكنة واألحوال والظروف ،فقد يكون بطريقة االستفتاء أو االنتخاب أو غير ذلك،
وهل الحكم رئاسي أو برلماني؟ المهم أن تتحقق الغاية الشرعية من الحكم.
-في المعامالت المالية نصت الشريعة اإلسالمية على التراضي وعدم أكل أموال الناس
بالباطل والوفاء بالعقود ،ولكن لم تفصل في كيفية التعاقد ووسائله وإجراءاته ألن هذا
يختلف بحسب األزمنة واألمكنة.
-في بقية المعامالت نصت على عدم الضرر والضرار ،سواء في الفالحة أو التصنيع أو
البناء أو الغرس أو غير ذلك.
وبهذا فالشريعة اإلسالمية ال تضيق قواعدها ومبائها على أي نظام عصري مهما
تطورت المجتمعات والعصور ،وهذا يدل على عالميتها وعمومها ومرونتها.
وفي حال الضرورة أقر الشرع أن الضرورات تبيح المحظورات ،والحاجة قد تنزل منزلة -
الضرورة.
-مراعاة حالتى اإلكراه غير المشروع في إقرار األحكام .ومراعاة حالة النسيان؛ لقوله صلى
42
هللا عليه وسلم " :إن هللا رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"
42
-
31
وتسمى أيضا أصول الشريعة اإلسالمية ،وأدلة الفقه اإلسالمي ،كما تسمى أدلة
التشريع اإلسالمي.
المصادر الساسية:
المصادر التبعية:
المصادر األساسية هي األصول التي ترجع إليها وتستند إليها أو تتفرع عنها
باقي األصول ،وهي:
-القرآن
-السنة
-اإلجماع
-القياس.
" وهو في الشريعة اإلسالمية كالدستور في الشرائع الوضعية لدى األمم ،وهو
القدوة للنبي نفسه صلى هللا عليه وسلم ،فمن بعده ،ولذا كان هو المصدر
التشريعي األصلي.
غير أن الكتاب بصفته الدستورية(هذه) إنما يتناول األحكام بالنص اإلجمالي ،وال
يتصدى للجزئيات وتفصيل الكيفيات إال قليال؛ ألن هذا التفصيل يطول به ويخرجه
عن أغراضه القرآنية األخرى من البالغة وغيرها"43
43
د.عبد الكريم زيدان ،المدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية ،مكتبة القدس العراق 3038هـ3558-م.ص30-31:
34
فما هو القرآن الكريم؟ وماهي األحكام التي اشتمل عليها؟ وما منهجه في
بيانها وداللته عليها؟
القرآن الكريم لغة :هو في األصل مصدر ق أر يق أر إذا تابع وجمع ،فالقرآن
مصدر بمعنى الجمع والقراءة.
وسمي القرآن بذلك لما فيه من تتابع الحروف وجمعها عند القراءة والتالوة،
ولكونه جامعا لكل األحكام إما إجماال أو تفصيال.
أما في اإلصطالح فهو :كالم هللا المنزل بلفظه العربي ومعناه ،على سيدنا
دمحم صلى هللا عليه وسلم ،المتعبد بتالوته ،المنقول إلينا بالتواتر المتحدى بإعجازه
المكتوب بين دفتي المصحف المبدوء بسورة الفاتحة والمختتم بسورة الناس.
الكالم المنزل من هللا ،يخرج به ما لم ينزله هللا عز وجل فال يسمى قرآنا.
كونه منزال بلفظه ومعناه العربي ،فالقرآن منزل من هللا عن طريق جبريل ،منزل
بلفظه ومعناه على عكس السنة فإنها منزلة بمعناها ال بلفظها..
35
كونه منزال على سيدنا دمحم صلى هللا عليه وسلم ،فالمنزل على غيره من الرسل ال
يسمى قرآنا وإنما يسمى بتسميات أخرى..
كونه متعبدا بتالوته.
كونه منقوال كله بالتواتر.
كونه متحدى بإعجازه.
القرآن الكريم حجة على اإلنسانية جمعاء ،فأحكامه واجبة االتباع لكونه هدي
هللا تعالى لإلنسانية جمعاء ،واألدلة على كونه حجة كثيرة منها:
أنه معجز بلفظه ومعانيه :فمبانيه ال يمكن اإلتيان بمثلها ،ومعانيه وإشاراته
العلمية كذلك قال تعالى (:قل لئن اجتمعت االنس والجن على أن ياتوا بمثل هذا
ر)44
ظهي ا القرآن ال ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض
انطباق ما يخبر به على الكثير من النظريات العلمية ،من ذلك:
-قوله عز وجل ( :وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع هللا
شيء)45 الذي أتقن كل
-وقوله عز وجل ( :وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما
بخازينين)46 أنتم له
44
45
46
36
(تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ماكنت تعلمها أنت وال قومك من قبل هذا)52
....
والتجزيء أحيانا أخرى ،ولكل من ذلك مقاصده وغاياته تناسب كونه بمنزلة
الدستور واألصل لكل المصادر التشريعية وكل األحكام.
53
40
وهي كل ما يتعلق بتزكية النفوس وحملها على التحلي بالفضائل والتخلي عن
الرذائل.
-أحكام المعامالت:
وهي كل األحكام التي تنظم ما يصدر عن المكلفين من أقوال وأفعال وعقود
وتصرفات وجنايات وغيرها مما يتعلق بالعالقات بين األفراد.
والمعامالت أقسام كثيرة منها:
المعامالت األسرية كالزواج والحضانة والطالق،..
المعامالت المالية كالبيوع واألكرية وسائر عقود المعاوضات والتبرعات واإلرث.
األحكام الجنائية التي تضبط وتدفع السلوك اإلجرامي.
أحكام القضاء.
أحكام متعلقة بنظم الحكم واإلدارة.
وأحكام االقتصاد وسياساته واألموال وتنظيمها..
.......
41
الداللة القطعية
الداللة القطعية هي التي ال تحتمل إال معنى واحدا ،بحيث تكون األلفاظ الدالة
على المعاني مسوقة لبيان معنى واحد ال غير.
ومن أمثلة ذلك:
42
-قوله تعالى( :يوصيكم هللا في أوالدكم للذكر مثل حظ النثيين) 54فللذكر مثل
حظ األنثيين يدل داللة قطعية ال يمكن تأويلها وإخراجها عن هذا المعنى.
-قوله عز وجل( :فإن كن نساء فوق اثنتين فهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة
فلها النصف) فالداللة على أن الواحدة لها النصف داللة قطعية ال تحتمل غير
النصف.
وهكذا في كل أنصبة اإلرث المذكورة في القرآن وكذا في داللة األعداد الواردة فيه
أيضا.
الداللة الظنية
الداللة الظنية عكس الداللة القطعية ،فإذا كانت الداللة القطعية ال تحتمل إال
معنى واحدا فإن الداللة الظنية هي التي تحتمل معنيين فأكثر ،وقد تكون راجحة
في أحد المعاني.
ومن أمثلة ذلك لفظ القرء في قوله عز وجل( :والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثالثة
قروء) 55فالقرء يطلق على الطهر من الحيض ويطلق على الحيضة نفسها.
ومن هنا اختلف الفقهاء في عدة المطلقة التي تحيض هل هي بعدد الحَيض أو
بعدد الطهر من الحيض وبهذا األخير أخذ المالكية ومدونة األسرة المغربية.
54
55
43
العام لغة :الشامل ،واصطالحا :هو اللفظ المستغرق لجميع أفراده الصالحة له
بدون حصر لهذه األفراد .أو هو شمول األمر لمتعدد غير محصور.
فما ال يتناول إال فردا واحدا ال يسمى عاما كأسماء األعالم ،كما أن ما يتناول
أفردا متعدة لكنها محصورة ال يسمى عاما وذلك كأسماء األعداد( مثل :عشرة –
مائة -ألف)..
...
داللة المشترك
المشترك لغة :هو المتساوي ،واصطالحا :هو اللفظ الموضوع لحقيقتين أو
أكثر ،مثل :عين وضعت لتدل على الباصرة وعلى الذهب والفضة وعلى الماء
الجاري ..ومثل القرء وضع للداللة على الحيضة وعلى الطهر ،وعسعس ألقبل
وأدبر..،
61
46
المطلق لغة :هو المرسل وغير المقيد ،واصطالحا :هو كل لفظ دل على فرد
شائع( غير معين) في أفراد جنسه ،بحيث يصح شموله بدليا لجميع األفراد الذين
تجمعهم ماهية واحدة ،فهو بمعنى النكرة62.
ومن أمثلته :كأن يقول الموكل لوكيله مثال :اشتر لي كتابا أو دا ار أو بقرة ..فهذه
ألفاظ مطلقة يتحقق الوفاء فيها بحصول فرد منها أيا كان هذا الفرد.
*المقيد وأمثلته
المقيد لغة :هو ضد المطلق واصطالحا :هو كل لفظ ال يدل على شائع في
جنسه .أو هو ما يدل على فرد معين في أفراد جنسه.
ويدخل تحته قسمان:
-المعارف كمحمد وخالد وفاطمة.
-ما يدل على غير معين لكنه موصوف بصفة زائدة تقيده عن غيره ،مثل اشتر
لي دا ار كبيرة ،أو قبالة البحر ،أو بشارع كذا أو بمدينة كذا أو غير ذلك من
المقيدة.
األوصاف ة
القرآن الكريم قد يدل على المعاني والمراد داللة واضحة وقد يدل داللة غير
واضحة وذلك لمقاصد وغايات متعددة ،فقد يترك بيان المراد منها للسنة النبوية أو
62
ع الل،ص104:
47
للمقارنة بين نصوص القرآن أو لالجتهاد من لدن المجتهدين بما يناسب كل زمان
ومكان.
واضح الداللة:
واضح الداللة هو ما اتضح المراد منه عند السامع ،وهذا االتضاح ليس درجة
واحدة بل هو م ارتب وهي كاآلتي:
-1الظاهر
-2النص
4المفسر
-3المحكم
قوله عز وجل ( :وأحل هللا البيع وحرم الربا) 63فهو ظاهر في تحريم الربا
وإحالل البيع ،وهذا المعنى يسبق للذهن بمجرد سماع األلفاظ.
المفسر -9
المفسر لغة :هو المكشوف الظاهر ،واصطالحا :هو ما ازداد وضوحا على
النص والظاهر مع عدم قبول التخصيص والتأويل ،لكنه يقبل النسخ.
ومن أمثلته:
63
64
65
انظر مسالك الداللة ،د عبد الحميد العلمي ص60 :
49
قوله تعالى( :فسجد المالئكة كلهم أجمعون)" 66فسجد المالئكة" عام يحتمل
التخصيص" ،وكلهم" لفظ انقطع مع احتمال إرادة الخصوص .و"أجمعون" ارتفع
معه احتمال االفتراق في السجود.
66
50
الخفي لغة :هو المستتر ،واصطالحا :هو الذي اشتبه معناه وخفي المراد منه
بعارض غير الصيغة وال يعرف معناه إال بالطلب والبحث.
ومثاله السارق مع النباش ،فالسارق هو من أخذ مال غير خفية من حرزه ،فهل
النباش وهو من يسرق األكفان سارق؟
ولكونه من الخفي تردد العلماء في اعتباره سارقا ،فمنهم من اعتبره سارقا تطبق
عليه عقوبة السارق ومنهم من لم يعتبره كذلك.
ومثاله :قوله تعالى ( :أنى لك هذا) ( 67أنى يحيي هذه هللا بعد موتها) 68فأنى
تأتي بمعنى :كيف وبمعنى أين.
وهو في اللغة :الملتبس ،واصطالحا :هو الي انقطع رجاء معرفة المراد منه لمن
اشبه فيه عليه.
67
68
69
70
71
52
داللة المنطوق
المنطوق لغة :من نطق أي تكلم واصطالحا :المنطوق هو :ما يدل عليه اللفظ
عند النطق والتكلم به.
فمدلول اللفظ وما نفهمه من هذا اللفظ عندما نسمعه أو نتكلم به هو الذي يسمى
منطوقا ،مثال ذلك :قوله تعالى (:وأحل هللا البيع وحرم الربا)72
فمدلول هذه األلفاظ عندما نسمعها أو نتكلم بها هو :كون البيع حالال والربا حراما.
وهكذا في كل لفظ نتكلم به وننطق به.
داللة المفهوم:
المفهوم لغة :من فهم الشيء إذا عقله واصطالحا :هو ما فهم من اللفظ في
غير محل النطق.
فالمفهوم ال نأخذه من الحروف التي نتكلم بها وإنما ما نفهمه من غير ذلك.
وبالمثال سيتضح المقال ويرفع اإلشكال.
والمفهوم قسمان:
مفهوم موافقة :وهو ما كان حكم المسكوت عنه موافقا لحكم المذكور.
72
53
مثال ذلك :قوله تعالى ( :فال تقل لهما أف وال تنهرهما) 73فهذه اآلية تدل على
تحريم التأفيف بمنطوقها وألفاظها وتدل بمفهومها أيضا على تحريم كل أنواع
اإلذاية -كالضرب والشتم والسب وغير ذلك -للوالدين.
وهذا المفهوم هو مفهوم موافقة؛ألن المسكوت عنه وهو الضرب والشتم والسب
موافق للمذكور -وهو التأفيف -في التحريم.
مفهوم المخالفة:
مفهوم المخالفة هو :ما كان حكم المسكوت عنه مخالفا لحكم المذكور وله شروط
وأقسام يطول ذكرها.....
73
54
السنة النبوية هي األصل الثاني من أصول التشريع اإلسالمي فهي بيان للقرآن وتفسير
له ،وهي التي يجب على المجتهد أن يرجع إليها بعد القرآن الكريم فهي مثل القرآن من حيث
ما تدل عليه من أحكام ألن الجميع وحي من هللا عزوجل؛ لقوله صلى هللا عليه وسلم" :أال
إني أوتيت القرآن ومثله معه" 74أي السنة النبوية.
ومن هنا تظهر أهميتها في ذاتها وفي عالقتها بالقرآن ،فهي مصدر تشريعي بياني لما ورد
في القرآن الكريم ،كما أنها قد تنص استقالال عن أحكام جديدة غير واردة في القرآن الكريم.
فالسنة بهذا المعنى ضرورية لفهم القرآن الكريم وتطبيقه فال يمكن االستغناء عنها بغيرها في
ذلك.
السنة لغة :هي الطريقة سواء كانت محمودة أو مذمومة ،ومنه قوله صلى هللا عليه
وسلم" :من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص
من أجورهم شيء ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من
غير أن ينقص من أوزارهم شيء"75
والسنة اصطالحا عرفت بتعريفات كثيرة ومختلفة حسب اصطالحات الفقهاء والمحدثين
وعلماء األصول ،والذي يرتبط بالمدخل إلى الشريع اإلسالمية هو تعريف األصوليين.
74
75
55
وقد عرف علماء األصول السنة بأنها :أقوال النبي صلى هللا عليه وسلم وأفعاله وتقريراته.
فكل ما يصدر عن النبي صلى هللا عليه وسلم من أقوال وأفعال وما يقر عليه غيره من أقوال
أو أفعال يسمى سنة .هي بهذا المعنى مرادفة للحديث.
وقد تطلق على الواقع العملي في تطبيقات الشريعة اإلسالمية في عصر الرسول صلى هللا
عليه وسلم ،أي الحالة التي جرى عليها التعامل اإلسالمي في ذلك العصر األول76
والفرق بين المعنيين في النتيجة أنه قد ينقل عن الرسول عليه الصالة والسالم حديث لفظي،
ولكن يثبت للعلماء تاريخيا أن عمل الناس في عصر النبوة أو في امتداد زمن الخلفاء
الراشدين كان جاريا على خالف مدلول ذلك الحديث المنقول فيقال عندئذ :جاء في الحديث
(كذا)ولكن السنة على (كذا)77
تنقسم السنة إلى أقسام باعتبارات مختلفة ،فمن حيث مفهومها تتنوع إلى سنة قولية وفعلية
وتقريرية ،ومن حيث سندها تتنوع إلى سنة متواترة وسنة آحاد ومن حيث درجتها تنقسم إلى
سنة صحيحة وحسنة وضعيفة.
تنقسم السنة بهذا االعتبار إلى سنة قولية وسنة فعلية وسنة تقريرية.
-1السنة القولية
وهي ما نقل عن النبي صلى هللا عليه وسلم من أقوال مما يقتضي التشريع.
ومن أمثلتها:
76
مصطفى أحمد الزرقا المدخل الفقهي العام ص.39:
77
المرجع السابقص.36 :
56
-قوله صلى هللا عليه وسلم" :بني اإلسالم عى خمس شهادة أن ال إله إال هللا وأن دمحم رسول
هللا 78"...
-قوله صلى هللا عليه وسلم" :ال إيمان لمن ال أمانة له"79
-قوله صلى هللا عليه وسلم ":ال ضرر وال ضرار"80
-قوله صلى هللا عليه وسلم ":ال يرث القاتل"81
... -
-2السنة الفعلية
وما نقل عن النبي صلى هللا عليه وسلم من األفعال المبينة للتشريع كثيرة جدا ولها أهميتها
وهي أبلغ في البيان ،ولذلك قال صلى هللا عليه وسلم" :صلوا كما رأيتموني أصلي" 82أي
كما تروني أفعل في الصالة ،وكذا قوله صلى هللا عليه وسلم" :خذوا عني مناسككم"83
لكن هل كل ما ينقل عن النبي صلى هللا عليه وسلم من أفعال يقتضي التشريع؟
للجواب على هذا نعرض ألنواع أفعال النبي صلى هللا عليه وسلم.
أ-األفعال الجبلية
وهو ما يقوم به النبي صلى هللا عليه وسلم بصفته وطبيعته الجبلية،كالقيام والقعود واألكل
والشرب.
78
79
80
81
82
83
57
وذلك كالزواج بدون صداق والزيادة على أربع ووجوب التهجد وجواز الوصال في الصيام
ووجوب صالة الضحى..
وهذا النوع من األفعال ليس تشريعا لنا على الوجه الذي تعبد به الرسول صلى هللا عليه وسلم
وقد يكون بعضها تشريعا لنا على وجه آخر.
وهي ما كان من أفعاله بيانا ،كأفعاله في الصالة ومناسك الحج ومقدار المسح في التيمم،
فكل هذا بيانا لنصوص شرعية.
د -ما فعلة ابتداء وليس بيانا لشيء آخر وعلمت صفته الشرعية
إذا فعل النبي صلى هللا عليه وسلم فعال وعرفت صفته الشرعية من وجوب أو استحباب أو
غيره فهذا تشريع في حقنا أيضا.
وهو مالم تظهر جبليته المحضة وال شرعيته المحضة ،وهذا النوع اختلف فيه هل نحن
مطالبين به أم ال.
-4السنة التقريرية
وهي سكوت النبي صلى هللا عليه وسلم على فعل فعل بحضرته أو بغيبته وبلغه ذلك
وسكت عنه ولم ينكره.
58
-اق ارره لما ذكره معاذ بن جبل لما أرسله إلى اليمن فقال له :بم تقضي إذا عرض
لك84.......
-اق ارره للصحابي الذي خاف على نفسه في ليلة باردة فتيمم..فبلغ ذلك للنبي صلى هللا عليه
وسلم ولم ينكر عليه.85
تنقسم السنة باعتبار رواتها وسندها إلى قسمين أساسيين :سنة متواترة وسنة آحاد.
-1السنة المتواترة:
المتواترة لغة :من التواتر وهو التتابع واصطالحا :هي رواية جمع عن جمع يستحيل
تواطؤهم على الكذب عادة من بداية السند إلى نهايته متى كان مستند روايتهم الحس.
-2السنة اآلحاد:
السنة اآلحاد وتسمى خبر اآلحاد هي التي لم يبلغ عدد رواتها حد التواتر.
فكل ما لم يصل إلى درجة التواتر يكون في مرتبة اآلحاد ،والسنة اآلحاد أقسام وهي:
84
85
86
59
تنقسم السنة بهذا االعتبار إلى سنة صحيح وسنة حسنة وسنة ضعيفة.
-2السنة الحسنة :هي ماكان رواتها كلهم عدوال ضابطين ،في درجة دون مرتبة الصحيح.
-4السنة الضعيفة :هي التي لم يبلغ رواتها شروط الحسن والصحة وهي أقسام كثيرة.
سبق أ ذكرنا أن السنة النبوية هي األصل الثاني من أصول التشريع وهي بمنزلة القرآن من
حيث وجوب العمل بها ويدل على ذلك ما يلي:
-الدليل من القران الكريم :قال تعالى( :يأيها الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول)87
وطاعة الرسول تكون باتباع سنته.
وقال تعالى( :وما ينطق عن الهوى إن هو إال وحي يوحى) فما يصدر عن النبي صلى هللا
عليه وسلم هو وحي يوحى إليه من هللا وليس كالما من هواه.
-الدليل من السنة النبوية :مما يدل على حجية السنة قوله صلى هللا عليه وسلم ":تركتكم
فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب هللا وسنتي"
87
88
60
وقوله صلى هللا عليه وسلم ":يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديثي فيقوا بيننا وبينكم
كتاب هللا ما وجدنا فيه من حالل استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ،أال وإن ما
رسول هللا مثل ما حرم هللا"
و قوله صلى هللا عليه وسلم ":أال إني أوتيت القرآن ومثله معه" يريد السنة
-دليل اإلجماع :أجمع علماء األمة على وجوب العمل بالسنة النبوية ولم يخالف في ذلك
أحد.
-الدليل من المعقول:
السنة بيان للقرآن والبيان ال ينفك عن المبيَّن ،قال عز وجل ( :لتبين للناس ما نزل
إليهم) وهذا البيان كان بوحي من هللا تعالى لقوله( :وما ينطق عن الهوى إن هو إال وحي
يوحى)
وما دام القرآن جاء للعمل به وال يتحقق هذا إال بالبيان وال يكون البيان إال من الرسول
صلى هللا عليه وسلم ألنه بعث من أجل ذلك ،وال يجوز العمل بخالف ما يبيه صلى هللا
عليه وسلم 89.فإن ها البيان ملزم.
89
الزع بتصرف
61
المحاضرة التاسعة
سبقت اإلشارة إلى أن السنة هي األصل الثاني من أصول التشريع اإلسالمي فهي من
حيث االعتبار تأتي ثانية بعد القرآن.
السنة مصدر بياني للقرآن الكريم وهذا البيان له أوجه عدة وهي:
وهي التي يكون بيانها بيان تأكيد وتقرير لما جاء في الكريم فيكون الحكم منصوصا عليه في
القرآن وفي السنة.
ومن أمثلة ذلك :األحاديث التي تدل على وجوب الصالة والزكاة والحج والصوم وغيرذلك مما
هو ثابت بالكتاب والسنة.
وهي التي يكون البيان فيها عن طريق تفصيل ما ورد مجمال في القرآن الكريم.
ومن أمثلتها:
-الصالة وردة مجملة في القرآن الكريم لكن السنة بينت هذا اإلجمال حيث حددت أركانها
وسننها وشروطها وكيفياتها كما يشير إلى ذلك قوله صلى هللا عليه وسلم ":صلوا كما
رأيتموني أصلي"90
90
سبق تخريجه
62
-الزكاة وردة مجملة في القرآن الكريم لكن السنة بينت هذا اإلجمال حيث حددت شروطها
والنصاب فيها والقدر الواجب إخراجه وغير ذلك.
الحج وردة مجمال في القرآن الكريم لكن السنة بينت هذا اإلجمال حيث حددت أركانه
وشروطه وكيفيته .
وهي السنة التي تبين أن مطلق القرآن ليس على إطالقه بل هو مقيد .
ومن أمثلة ذلك :تقييد الوصية في حدود الثلث لقوله صلى هللا عليه وسلم لسعد " :الثلث
والثلث كثير" 91وقد وردت في القرآن مطلقة في قوله عز وجل (:من بعد وصية يوصي بها
أو دين)
وهي التي تبين القرآن عن طريق تخصيص عامه ،حيث يرد الحكم في القرآن عاما لكن
السنة تخصصه وتقصره على بعض األفراد.
-تخصيص عموم ميراث األوالد من اآلباء واألمهات الوارد في قوله تعالى(:يوصيكم هللا في
أوالدكم) 92بقوله صلى هللا عليه وسلم" :نحن معاشر األنبياء ال نورث ما تركناه فهو
صدقة"93
-تخصيص هذه اآلية باعتبار آخر حيث قصرت اإلرث على غير القاتل في قوله صلى هللا
عليه وسلم ":ال يرث القاتل".94
91
92
93
63
ومن أمثلتها:
-تحريم زواج المرأة على عمتها في قوله صلى هللا عليه وسلم " :ال تنكح الرأة على عمتها وال
على خالتها وال على ابنة أخيها وال على ابنة أختها".95
-منع القاتل من الميراث لقوله صلى هللا عليه وسلم" :ال يرث القاتل"96
-وجوب زكاة الفطربقوله صلى هللا عليه وسلم " :فرض رسول هللا زكاة الفطر97"..
- -ثبوت حق الشفعة98....
94
95
96
سبق تخريجه قريبا
97
98
64
المحاضرة العاشرة
فهذه المصادر الثالثة هي أصل للقياس ،لذلك فيه مقدمة عليه في الترتيب؛ ألنه فرع
عنها والفرع ال يقوى قوة األصل؛ بل لم يكن ليوجد القياس في المسائل الشرعية لو لم توجد
المصادر التي يرجع ويستند إليها القياس.
وللقياس أهمية بالغة يتميز بها عن أصوله ،وتتجلى هذه األهمية في كونه مصد ار
تعرف به أسرار الشريعة ومزاياها ودقائق حكمها ،فهو المرشد إلى علل األحكام ،والوسيلة
إلى اإلحاطة ،بمقاصد الشريعة في جلب المصالح ودفع المفاسد.
كما أنه مصدر يتميز بتفاصيل أحكام جميع الحوادث من غير حد وال حصر ،ذلك أن
الحوادث كثيرة ومتعددة ومتنوعة وغير متناهية ،وهي قطعا ال تخلو من حكم هللا تعالى،
والقيا س هو الذي يكشف الغطاء عن أحكامها ،ما حدث منها وما سيحدث ويتجدد في
المستقبل ،ألن نصوص الكتاب والسنة محصورة ومقصورة ،ومواقع اإلجماع محدودة.
وهذا بخالف القياس؛ النبنائه على المصالح والمفاسد وعلل األحكام وبه تتحقق شمولية
الشريعة اإلسالمية وصالحيتها لكل زمان ومكان ،وعليه فالحاجة للقياس في غاية األهمية
والحاجة إليه أشد في باب االجتهاد.99
وإذا كان كذلك فما هو القياس؟ وماذا عن حجيته؟ وما هي أركانه وشروطها؟
القياس لغة :من المقارنة والتقدير ،تقول قست الثوب بالمتر أي قدرته به ،وقست الشيء
بالشيء أي قارنته به.
واصطالحا :عرف بتعريفات مختلفة منها " :إلحاق أمر غير منصوص على حكمه بآخر
منصوص على حكمه الشتراكهما في العلة التي بني عليها الحكم"
إذن القياس يتطلب أم ار نص الشرع على حكمه في الكتاب أو السنة ،وهذا هو الي يسمى
األصل أو المقيس عليه .وأم ار آخر لم ينص الشرع على حكمه ،ويسمى الفرع أو المقيس،
وعلة مشتركة بين المقيس والمقيس عليه.
مثال ذلك :الخمر محرم لقوله عز وجل ( :يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر واألنصاب
وعلة تحريمه اإلسكار. تفلحون)100 واالزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم
والنبيذ وهو عصير التين المتخمر فيه العلة نفسها وهي اإلسكار فنقيس النبيذ في الحكم
على الخمر الشتراكهما في نفس العلة.
قال ابن السبكي رحمه هللا تعالى'' :وهو حجة في األمور الدنيوية ،قال اإلمام اتفاقا''
ومعنى كون القياس حجة في األمور الدنيوية أي أنه حجة في األغذية واألدوية
وغيرها.
فالقياس مركوز ومغروس في طبيعة اإلنسان ،فكل عمل يريد أن يقدم عليه اإلنسان أو
يم تنع عنه يعمد فيه إلى القياس ،كما في التجارة في عالقتها بالربح والخسارة ،فإذا ربح فالن
فهو سيربح ،وإذا خسر ،فإنه سيخسر ،وكذلك شفاء الدواء وضرره ،وكذلك الطعام.101
قال ابن السبكي'' :والصحيح حجة إال العادية والخلقية ،وإال في كل األحكام ،وإال
القياس على منسوخ ،خالفا للمعممين''.
وهذا هو مذهب الجمهور ومنهم األئمة األربعة وغيرهم ،ولهم في ذلك أدلة عدة ،من
كتاب وسنة وإجماع وعقل.
أدلتهم من الكتاب:
ـ عن ش. 101
ـ عن ش. 102
67
فبعدما ذكر سبحانه ما أصاب بني النضر قال ''فاعتبروا'' أي قارنوا ما وقع لهم،
واالعتبار هو إلحاق الشيء بمثله والتسوية بينهما ،وهذا أمر بالقياس ،ولهذا اختاره المحلي
دون غيره من األدلة.
ومن األدلة أيضا :قوله عز وجل :فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤالء
سيصيبهم سيئات ما كسبوا.104
فاهلل عز وجل تحدث عن األمم السابقة بأن سبب هالكهم هو العمل السيئ ،وهؤالء
يرتكبون العمل السيئ ،فسيصيبهم ،ما أصاب من سبقهم.
أدلتهم من السنة:
عن ابن عباس -رضي هللا عنهما -أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي -صلى
هللا عليه وسلم -فقالت ( :إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال :
نعم حجي عنها ،أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا هللا فاهلل أحق
. بالوفاء107
ـ قوله صلى هللا عليه وسلم :للرجل الذي جاء وأخبره بأن امرأته ولدت ولدا أسود ،فقال
له :هل لك من إبل؟ فقال نعم ،فقال :وما ألوانها؟ فقال :حمر ،فقال هل فيها من أورق؟ قال
ـ 103
104
ـ 105
ـ عن شي. 106
نعم ،فقال :وأنى كان ذلك ،فقال :لعله نزعه عرق ،فقال له'' :وابنك هذا لعله نزعه
عرق''.108
ومعنى هذا الحديث ،فكما جاء أوالد اإلبل على خالف ألوان أبائها ،فكذلك في األبناء
من غير اإلبل.109
اإلجمــاع:
فاإلجماع السكوتي من الصحابة على اختالف مواقفهم ،يدل على جواز القياس،
فالصحابة يتحاجون في القضايا فيما بينهم بالقياس ،وال ينكر بعضهم على بعض في
القياس ،وإن كان يطعن بعضهم لبعض في كيفية القياس ،لكن مبدأ القياس ال ينكره بعضهم
عن بعض ،فهو مبدأ مسلم عندهم ومتعارف عليه ومسكوت عنه.
األدلة العقلية:
فالنصوص محدودة ،والقضايا ال حصر لها ،فإذا لم نقل بالقياس فنسهمل الشريعة
اإلسالمية ومقاصدها ومبادئها وأحكامها الكلية ونحدث فراغا كبيرا ،حيث ستكون قضايا
ومستجدات بدون حكم ،وهذا ال يجوز وال يصح القول به.
108
ـ عن شي. 109
إلمكانية القياس البد من تحقق أركانه وتوفر شروطه ،فماهي أركان القياس وشروط كل
ركن؟
-الفرع أو المقيس
-2حكم األصل
وهو الذي ورد به الدليل الشرعي من كتاب أو سنة أو إجماع .ويشترط فيه ما يأتي:
أن ال يكون هذا الحكم منسوخا؛ ألن النسخ يبطل الحكم الشرعي ب-
فيصبح في حكم العدم وال قياس حينئذ.
ج -أن يكون الحكم معقول المعنى؛ بأن ندرك علته ،أما إذا لم نتعقل معناه وعلته فال يمكن
القياس ،فمثال عدد الركعات في الصالة ال ندرك العلة في ذلك وبالتالي ال يمكن القياس
على هذا.
د-أن ال يكون الحكم خاصا ،كاألحكام الخاصة بالرسول صلى هللا عليه وسلم فال قياس
عليها ،وقد يكون الحكم مختصا بأمر معين لعدم وجود العلة في غيره.
-الفرع المقيس
وهو الذي لم يرد دليل على على حكمه ونريد أن نلحقه بحكم األصل ،كالنبيذ في المثال
السابق .ومن شروطه:
-أن ال يكون منصوصا على حكمه ،ألنه إذا كان منصوصا على حكمه فال حاجة
للقياس؛ألنه ال قياس وال اجتهاد مع وجود النص.
-أن توجد فيه علة األصل بتمامها ،وذلك ألن العلة هي التي سمحت بإلحاق الفرع غير
المنصوص باألصل المنصوص.
وإذا لم توجد العلة فلن يكون هناك مشترك بين األصل والفرع ويكون القياس غير صحيح
لوجود الفارق ،وال قياس مع وجود الفارق.
وهي الوصف الذي بنى عليه الشرع الحكم ،فإذا وجدت في الفرع أعطي نفس حكم األصل،
ومن شروطها:
71
-أن تكون وصفا منضبطا ال يتغير بتغير الزمان والمكان واألحوال واألشخاص ،فعلة القتل
تحرم القاتل من الميراث ،وهي وصف منضبط يمكن أن نقيس عليه قتل الموصى له
للموصي فيحرم من الوصية لعلة القتل111
-أن تكون وصفا متعديا بأن التقتصر على األصل وإنما توجد في الفرع أيضا وإال فال
قياس.
-األمور الدنيوية.
-األمور الدينية.
قال ابن السبكي '' :إال في العادية والخلقية ،وإال في كل األحكام ،وإال القياس على
منسوخ''
فهذه ال يدخلها القياس ،ألنها تختلف من شخص آلخر ومن بلد آلخر ،ومن زمن
آلخر وال يدرك فيها المعنى.
ومن ذلك البلوغ ،فال يمكن أن نقول :فالن بلغ على عشر سنوات ،فكذلك يقاس عليه
الباقي .ولذلك تحدد التشريعات الحد األقصى للبلوغ.
111
الز
72
ـ عن شي. 112
73
-االستحسان
-المصلحة المرسلة
-سد الذرائع
-العرف
وهذه األصول متكاملة فيما بينها ويتداخل بعضها مع بعض على أساس أنها تقوم على
أساس تحقيق المقاصد الشرعية.
يقتضي الحديث عن هذا األصل تعريفه وذكر مستنده ثم شروط األخذ به.
قال الشاطبي – رحمه هللا" :-وهو في مذهب المالكية األخذ بمصلحة جزئية في مقابلة
دليل كلي.
ومقتضاه الرجوع إلى تقديم االستدالل المرسل على القياس ،فإن من استحسن لم يرجع
إلى مجرد ذوقه وتشهيه وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في الجملة في أمثال تلك
األشياء المفروضة" .113وله تعاريف أخرى يطول ذكرها.
1ـ استحسان سنده العرف :كمن حلف ال يأكل لحما فأكل سمكا ال يحنث مع أن
السمك لحم وسماه القرآن لحما في قوله تعالى :ومن كل تأكل لحما طريا 114ولكن
العرف ال يسمى السمك لحما فاعتبر العرف إيثا ار على الدليل الذي هو القياس.
2ـ استحسان سنده المصلحة :فاألجير المشترك إذا هلك المال في يده فالقياس أنه ال
يضمن ولكن حكم بضمانه لمصلحة المحافظة على أموال الناس.
4ـ استحسان سنده رفع الحرج وإيثار التوسعة على الناس :فقد أجازوا التفاضل اليسير
في المراطلة ..كما أجازوا الغبن اليسير في المعامالت 115..وتوريث األخ الشقيق في
المشتركة واألمثلة كثيرة جدا منها ما ذكره الشاطبي في الموافقات.116
ـ مقاصد الشريعة ومكارمها لعالل الفاسي ،الطبعة الرابعة 3033هـ 3553 -م ،ص .304 – 385 115
75
وقوله " :ما رآه المسلمون حسنا فهو عند هللا حسن".118
-أن في إعماله أخذا بمقاصد الشارع وذلك مثل رفع الحرج والمحافظة على أموال
الناس.
-وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال االستحسان تسعة أعشار العلم.119
وبهذا االشتراط تم تحقيق مقاصد الشرع وسد الذريعة المؤدية إلى الفساد.
ـ محاضرات في أصول الفقه لمحمد بن معجوز ،طبعة 3036هـ 3556 -م ،ص .312 120
76
المصالح أو المقاصد الشرعية إما أن يدل دليل على اعتبارها إما بعينها وإما بنوعها
وهذه كثيرة في نصوص الشرع ،وقد ال يدل الشرع على اعتبار بعض المصالح ال عينا وال
نوعا لكن عند التأمل والتتبع نجدها تحقق مصلحة من المصالح أو تدفع مضرة ،فهل يعتبر
هذا كاف في اعتبارها مشروعة أم ال؟ وما معيار المصلحة والمفسدة؟ وما دواعيها
وضوابطها؟
والمرسلة لغة :المطلقة،وسميت المصلحة مرسلة ألنها لم ينص عليها عينا وال نوعا لكنها
تحقق مصلحة شرعية.
والمصلحة المرسلة اصطالحا:هي كل مصلحة داخلة في مقاصد الشرع دون أن يكون لها
شاهد باالعتبار أو اإللغاء .قال القرافي" :وما لم يشهد له شاهد باالعتبار وال باإللغاء هو
المصلحة المرسلة ".122
"فإذا كانت المصلحة قد جاء بها نص بعينها ككتابة القرآن صيانة له من الضياع وكتعليم
الكتابة والقراءة ،أو كانت مما جاء نص عام في نوعها يشهد له باالعتبار كوجوب تعليم
العلم ونشره بوجه عام ،وكاألمر بكل أنواع المعروف والنهي عن جميع فنون المنكر ،فعندئذ
تكون من المصالح المنصوص عليها عينا أو نوعا ال من المصالح المرسلة ويعتبر حكمها
121المستصفى 315/8
ـ شرح تنقيح الفصول ،ص .006 122
77
123
مصطفى أحمد الزرقاء ص344 :
انظر :االستصالح والمصلحة المرسلة د .الزرقا ص ، 15السياسة الشرعية د .القرضاوي ص28
124
)
125
مصطفى أحمد الزرقاء ص 348-343 :بتصرف
78
وعلى عكس ذلك قد تجد بعض اآلالم أحسن نتيجة من عدمها كآالم العالج والمداواة،
وكذلك بعض المتاعب والمصاعب قد تتوقف عليه أطيب الثمرات..
ولهذا وجب أن يتخذ للمصالح والمفاسد التي يبنى عليها التشريع العام مقياس آخر غير
المعنى الذاتي يأخذ بالحسبان مصلحة الفرد والمجتمع ويوازن بين عاجل الحوائج وآجل
النتائج ،فال يعتبر مصلحة أو مفسدة إال ما اعتبره الشرع كذلك دفعا لفوضى المقاييس
الشخصية وتضاربها126
المعيار الموضوعي الشرعي للمصلحة والمفسدة
يعتمد هذا المعيار على المقاصد الكونية التي جاء من أجلها الشرع اإلسالمي ،فالمصالح
هي التي تتفق مع مقاصد الشرع والمفاسد هي التي تتنافى مع مقاصد الشرع.
وعليه فما كان من التصرفات يحقق الضروريات ويحافظ عليها ويدفع المفاسد
عنها فهو مصلحة شرعية وما كان يهدد وجودها واستمرارها فهو مفسدة.
ويعتبر من المصالح المشروعة أيضا األعمال والتصرفات التي ال تتوقف عليها الضروريات
لكن تتطلبها الحاجة لتحقيق التوسعة ورفع الحرج كإجارة المنافع والخدمات المدنية ألنها
تحقق التعاون والتكامل اإلنساني وهو ما يسمى بالحاجيات.
كما يعتبر من المصالح التكميليات أو التحسينيات وهي ما يعد من مكارم األخالق وحسن
اآلداب ومحاسن العادات كاالعتدال في المظاهر واالقتصاد في المصارف وهكذا127
126
المرجع السابق ص 348بتصرف
127
انظر المرجع السابق ص341:
79
هللا129 بمعنى أالة تقتصر على فئة وتضر أخرى ،وهذا الشرط ذكره الغزالي -رحمه
تعم األمة جمعاء ،بل المراد
ومما يجدر التنبيه له هنا أن المقصود بكلية المصلحة ليس بأن َّ
أن المصلحة المتوخاة لفئة معينة ال ينبغي أن ينظر فيها إلى قوم منهم دون اعتبار بعضهم
فالمصلحة الكلية هنا ال تنفي اعتبار المصلحة المصلحة130، ممن هم شهود على هذه
ٍ
حينئذ إلى المصلحة الجزئية في مقابل الجزئية؛ ولكن إذا حصل التعارض بينهما فال ينظر
الكلية.131
خامسا :عدم تفويت المصلحة الحاصلة لمصلحة أهم منها أو مساوية لها.
قدم هو األهم
قدم ،وال شك أن الذي ي ة
وهذا الضابط معتبر عند تعارض المصالح في أيهما ي ة
واألولى في االعتبار.
وميزان األهمية يرجع إلى ثالثة أمور؛ كما ذكرها الدكتور البوطي:
أوالا :النظر إلى قيمتها من حيث ذاتها ودرجتها في سلم المقاصد .فالضروريات ال تقدم عليها
الحاجيات أو التحسينيات ،كما ال تقدم التحسينيات على الحاجيات ،وهكذا فإن كانت
ٍ
حينئذ في : المصالح في درجة األهمية في سلم المقاصد واحدة؛ ينظر
الثاني وهو من حيث مقدار شمولها ،فالمصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة فإن
كانوا في الدرجة والشمول سواء اعتبر:
ثالثا مدى التأكد من وقوع نتائجها من عدمه .فتقدم األكيدة على الظنية كما بينا سابقا 132اً.
المرجع السابق ،856/3وانظر أيض ا :إرشاد الفحول ص ، 801رفع الحرج للباحسين ص .869
129
() ) 83البحر المحيط .. 24 /6انظر :ضوابط المصلحة للبوطي ص ، 103نظرية المصلحة لحسين حامد حسان ص ، 090
130
انظر :مختصر الفوائد في أحكام المقاصد البن عبد السالم ص303و ،308قواعد األحكام 66/3طبعة دار الكتب العلمية.
133
الخن.
قواعد األحكام ص 03تحقيق ة
134
غاية الحذر حتى يتحقق صحة المصلحة ،وعدم معارضتها لمصلحة أرجح منها أو مفسدة
حال"136 أرجح منها أو مساوية لها ،وعدم تأديتها إلى مفسدة في ثاني
وقد استدل علماء األصول على اعتبار المصالح المرسلة مصد ار من مصادر التشريع
بعدة أدلة منها:
أن الصحابة -رضي هللا عنهم -جروا في اجتهادهم على رعاية المصالح وبناء
وجمع المسلمين على
جمع صحف القرآن في مصحف واحدْ ، األحكام عليها ،فمن ذلكْ :
مصحف واحد ،وتضمين الصةناع ،وقتل الجماعة بالواحد ،وتعريف اإلبل الضالة...
أن األخذ بالمصالح المرسلة عندما تحقق ما قصد الشرع تحقيقه من المنافع يعتبر
موافقة لمقاصد الشرع ،في حين أن إهمالها يعتبر إهماال لمقاصده ،وال شك في أن إهمال
مقاصد الشرع باطل.
إذا لم يؤخذ بالمصلحة عندما تتحقق شروط اعتبارها يقع الناس في حرج وضيق وهللا
تعالى ال يريد إحراج المسلمين وإعناتهم ،137قال تعالى :وما جعل عليكم في الدين من
حرج. 138
وجمهور العلماء قد اعتبروا حجية المصلحة المرسلة ،وإن أنكرها بعضهم ،كما هو منسوب
للشافعية والحنفية إال أن كتبهم واجتهاداتهم قائمة في كثير منها على اعتبار المصلحة
المرسلة.139
وفي ذلك يقول اإلمام القرافي رحمه هللا ‘‘:وهي عند التحقيق في جميع المذاهب ألنهم
يقومون ويقعدون بالمناسبة وال يطلبون شاهدا باالعتبار ؛ وال نعني بالمصلحة المرسلة إال
فإنها وإن لم ينص دليل خاص على اعتبارها ،لكن االستقراء التام لنصوص الشرع "140 ذلك
يدل على قيام الشريعة كلها على جلب المصالح واعتبارها ،ودرء المفاسد وإلغائها أوتخفيفه.
ويقول اإلمام الشاطبي ـ رحمه هللا ـ" :والشريعة ما وضعت إال لتحقيق مصالح العباد في
عنهم"141 العاجل واآلجل ودرء المفاسد
ويقول ابن القيم ـ رحمه هللا ـ " :الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في
. كلها"142 المعاش والمعاد ،وهي عدل كلها ،ومصالح كلها ،وحكمة
يقول اآلمدي -رحمه هللا" : -فلو لم تكن المصلحة المرسلة حجة أفضى ذلك أيضا
فيها143 إلى خلو الوقائع عن األحكام الشرعية لعدم وجود النص أو اإلجماع أو القياس
وبذلك تبقى الشريعة مرنة صالحة للناس ال تقف بهم وسط الطريق بل تحكم أفعالهم وترفع
الحرج عنهم وهللا -عز وجل -قد جعلها رحمة للعالمين.
بناء عليها
حجية المصلحة المرسلة جعل جمهور الفقهاء يستخرجوا ا ة إن اعتبار
أحكاما شرعية لكثير من المسائل التي صدرت بشأنها القوانين واألنظمة ،كقوانين العمل
والعمال وأنظمة التجارة والصناعة والزراعة ،وفرض عقوبات رادعة لبعض الجرائم كتعاطي
المخدرات واالتجار فيها ،إلى غيرها من األنظمة والقوانين واللوائح التي تنظم المجتمع ولم
يرد بشأنها نص من كتاب هللا وسنة رسوله –صلى
جلب المصالح :وهي األمور التي يحتاج إليها المجتمع إلقامة حياة الناس على أقوم أساس،
كفرض الضرائب العادلة عند الحاجة ألجل تمويل الخدمات العامة ،والمشروعات الهامة.
دفع المفاسد :وهي األمور التي تضر بالناس أفراد وجماعات سواء كان ضر ار ماديا أو
خلقيا...
سد الذرائع :أي منع الطرق التي تؤدي إلى إهمال أوامر الشريعة أو االحتيال عليها..
تغير الزمان :أي اختالف أحوال الناس وأوضاع الحياة العامة عما كانت عليه144
144
انظر مصطفى أحمد الزرقاء ص343-346 :
85
اختلفت آراء العلماء في تحديد مفهوم عمل أهل المدينة وإجماع أهل المدينة واعتبرهما
إال أنه حسب تتبعي لآلراء التي سأعرض لها بعد ،ظهر متقاربان145 البعض مترادفان ،أو
لي أن هناك فرقا بين عمل أهل المدينة وإجماع أهل المدينة ،ذلك أن عمل أهل المدينة
يطلق ويراد به ما كان أساسه النقل أي :مما ال مجال فيه للرأي ،فهذا هو المراد بعمل أهل
المدينة ،أما إجماع أهل المدينة فالمراد به ما كان أساسه الرأي واالجتهاد ،وال يخفى ما
بينهما من الفرق ،وهذا الذي ينبغي أن تحمل عليه آراء المنكرين على مالك في األخذ بهذا
األصل.146
إذا ثبت هذا أمكن القول بأن عمل أهل المدينة وإجماعهم بينهما تخالف إن لم أقل
تباين فاألول عمل مجمع عليه عندهم لكن مصدره النقل والثاني مجمع عليه عندهم لكن
مصدره الرأي واالجتهاد.
وخالصة القول أن عمل أهل المدينة هو الذي يعتبر أصال عند المالكية ،أما إجماع
أهل المدينة فهو مرجح عندهم ،واختلف في كونه أصال ،وال يخفى أن المؤلفين غالبا يطلقون
أحدهما على اآلخر .ودليلي على هذا أيضا كيفية استداللهم على هذا األصل وهكذا يمكن
ـ ينظر" :إيصال السالك" ،ص" .09مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها" ،ص " .398 – 393اإلمام مالك 145
بن أنس إمام دار الهجرة" ،لعبد الغني الدقر ،دار القلم دمشق الطبعة الثانية 3034هـ 3554 -م ،ص
" .333خبر الواحد في التشريع اإلسالمي" ،ص 058وما بعدها وغيرها هؤالء كثير.
ـ ينظر نشر البنود.99/8 ، 146
86
تعريف عمل أهل المدينة بأنه "ما ثبت العمل به من طرف أهل المدينة مما مجاله النقل"،
وأما اجتهادهم فليس بحجة ،ولكن يقدم على اجتهاد غيرهم .147..عند المالكية.
هناك أدلة وأحاديث كثيرة استند إليها المالكية في األخذ بهذا األصل أذكر منها:
أ ـ قوله " :المدينة كالكير تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد" والخطأ خبث
فوجب نفيه عنهم.148..
ب ـ حديث أبي هريرة رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا " :المدينة قمة اإلسالم،
ودار اإليمان وأرض الهجرة ومبدأ الحالل والح ارم".
ج ـ قال القاضي عياض :روي أن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه قال على المنبر:
أحرج باهلل عز وجل على رجل روى حديثا العمل على خالفه.149
د ـ أن المدينة مهبط الوحي ،ودار الهجرة ،ومجمع الصحابة ،ومحل سكنى النبي ،
فأهلها أعلم باألحكام مما سواهم ،وهم شهداء آخر العمل من رسول هللا وعرفوا ما نسخ
وما لم ينسخ ،150وهذا أقوى حجة من سابقيه – وهللا أعلم -ألنه استدالل يرتبط بالتشريع
واألدلة السابقة فيها عموم.
ـ انظر :مقدمة ابن القصار ،ص .09و"نفائس األصول" .361/3 ،و"منتهى الوصول" البن الحاجب ،ص 147
ـ خبر الواحد في التشريع اإلسالمي نقال عن المستصفى ،ص .050انظر :المسائل التي بناها اإلمام مالك 150
ه ـ أن خلف أهل المدينة ينقل عن سلفهم فيخرج الخبر عن حيز الظن والتخمين إلى
حيز اليقين ، 151ولهذا اعتبر المالكية عمل أهل المدينة من قبيل المتواتر ،بل هو أقوى
أنواعه.
-2قول مالك لما عن بعض المصطلحات التي استعملها في الموطأ إن ذلك ليس من
باب الرأي.152
ولقد أكثر المالكية في األخذ بعمل أهل المدينة ،وقدموه على القياس ،153وعلى خبر
اآلحاد ،بل على المتواتر أحيانا ،وهذا ما جعل بعض العلماء ينكرون عليهم األخذ بعمل أهل
المدينة مع وجود نصوص كخبر الواحد.
يقول عبد الحي بن الصديق " :إن العمل الذي تحقق فيه التواتر بسبب نقله جيال عن
جيل من زمن مالك إلى زمن النبي يجب تقديمه على الحديث المتواتر أيضا ..وعمل
المدينة المنقول جيال عن جيل إلى رسول هللا متواتر قطعا ،والمتواتر ينسخ الحديث المتواتر
وحديث اآلحاد ،ثم قال :فقولهم :إن العمل ينسخ حديث اآلحاد دون المتواتر حكم تبطله
حقيقة العمل التي عرفوه بها".154
وخالصة القول ما قاله القرافي" :وال يوجد عالم إال وقد خالف من كتاب هللا وسنة نبيه
عليه الصالة والسالم أدلة كثيرة ،ولكن لمعارض راجح عند مخالفتها ،وكذلك مالك ترك هذا
الحديث – يعني حديث بيع الخيار -لمعارض راجح عليه عنده وهو عمل أهل المدينة فليس
هذا بابا اخترعه ،وال بدعا ابتدعه.155"..
ـ المسائل التي بناها مالك على عمل أهل المدينة.342 – 343/3 ، 152
ـ خبر الواحد في التشريع اإلسالمي ،ص ،949مع الرجوع لما سبق من تفصيل للقول في ذلك حين 153
الذرائع "حقيقتها التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة" .156وتجدر إلى أنه ينبغي أن
تعرف بأنها (أي الذرائع)" :ما كانت وسيلة وطريقا إلى حكم شرعي" وذلك لتشمل جميع أنواع
الذرائع سواء كانت تفضي إلى حرام أو غيره . 157ولذا قال القرافي" :واعلم أن الذريعة كما
يجب سدها يجب فتحها ويكره ويندب ويباح.158
ومن أمثلتها:
159
( 160البقرة 335:
161 ).انظر :الفكر السامي للحجوي . .826/3
89
كراهية مالك صيام ستة أيام من شوال بعد العيد بالرغم من أنها مندوبة حسب أدلة
السنة وذلك خوفا من أن يعدها الناس من رمضان وقد وقع ،حكاه الشاطبي في
االعتصام.162
قوله تعالى :وال تسبوا الذين يدعون من دون هللا فيسبوا هللا عدوا بغير علم.163
امتناعه من قتل من ظهر عليه النفاق وقال" :أخاف أن يتحدث الناس أن دمحما
يقتل أصحابه" 164وذلك لئال يكون ذريعة إلى تنفير الناس عنه ،وهناك أدلة كثيرة يطول
ذكرها.165
إن األخذ بهذا األصل والتوسع فيه كما مذهب الماليكية يحقق مقصدا شرعيا مهما في
التشريع ،وذلك اعتبا ار للغايات والمآل دون تصادم الشرع ومقاصده.166" .
قال ابن القيم الجوزية" :وباب الذرائع أحد أرباع التكليف ،فإنه أمر ونهي ،واألمر
نوعان :مقصود لنفسه والثاني وسيلة إلى المقصود والنهي نوعان :أحدهما :ما يكون المنهي
عنه مفسدة في نفسه ،والثاني :ما يكون وسيلة إلى المفسدة ،فصار سد الذرائع المفضية إلى
الحرام أحد أرباع الدين" .167فكيف إذا زاد المالكية على ذلك القسم المختلف فيه؟
ـ انظر :أحكام الفصول ألبي الوليد الباجي 656/8 ،وما بعدها .إعالم الموقعين عن رب العالمين ،البن 164
ـ انظر :شرح تنقيح الفصول ،ص .002إيصال المسالك ،ص .94 166
يقول اإلمام الشاطبي -رحمه هللا -عن المجتهد " :ال يحكم على فعل من األفعال الصادرة
من المكلفين باإلقدام أو اإلحجام إال بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل ،فقد يكون
مشروعا لمصلحة فيه تستجاب ،أو لمفسدة تدرأ ،ولكن له مآل على خالف ما قصد فيه…
فيكون هذا مانعا من إطالق القول بالمشروعية … وهو مجال للمجتهد صعب المورد إال أنه
الغب ٍ
الشرع"168
جار على مقاصد عذب المذاق محمود ة
إن قاعدة النظر في المآالت قاعدة معتبرة شرعا كما بينا ذلك يقول اإلمام الشاطبي -رحمه
"169 هللا" : -النظر في مآالت األفعال معتبر مقصود شرعا كانت األفعال موافقة أو مخالفة
واعتبار المآالت في النظر واالجتهاد أمر مهم للمجتهد يجعل نظره ممتدا إلى ما يؤول إليه
حكمه أو ما يتوقع أن يحدث من المكلف أو ما ينتج عنه في المستقبل ليراعي ذلك كله في
اجتهاده170
فإننا نجد كثي ار من دول العالم الغربي ومنذ زمن بعيد قد اهتمت بذلك األمر اهتمام ا بالغ ا
جعل من دولة السويد أن تضع حقيبة و ازرية في حكومتها لالهتمام بالمستقبل منذ عام
المستقبل171 1794م ،وفي الواليات المتحدة األمريكية أكثر من ستمائة مؤسسة لدراسة
إلى غيرها من مؤسسات االستشراف الكثيرة في الغرب والشرق األسيوي في حين يفتقد عالمنا
العربي واإلسالمي إلى مثلها وهو يحمل الكثير من الهموم والمشكالت المتجذرة التي تستلزم
حلوالا بعيدة وعالجات طويلة األمد.
لإلمام ابن القيم تقسيم لطيف في أنواع الذرائع ما يسد منها وما يفتح يقول فيه -رحمه
هللا » : -والذرائع تنقسم إلى أربعة أقسام:
الموافقات .333/9
169
انظر :الموافقات 333/9و ، 811األشباه والنظائرللسيوطي ص ، 189-188نظرية المصلحة في الفه اإلسالمي د .حسين حامد
170
)
حسان ص.355-351
ٍ
مفض إلى مفسدة السكر ، -1أن تكون وسيلة موضوعة لإلفضاء إلى المفسدة ،كشرب الخمر
ٍ
مفض إلى اختالط المياه وفساد الفراش ،وهذا النوع جاءت الشريعة بمنعه. والزنا
-2أن تكون وسيلة موضوعة للمباح قصد بها التوسل إلى المفسدة ،كعقد النكاح بقصد التحليل
أو عقد البيع بقصد الربا ،وهذا ممنوع.
-4أن تكون وسيلة موضوعة للمباح ولم يقصد بها التوسل إلى المفسدة لكنها مفضية إليها غالب ا
،ومفسدتها أرجح من مصلحتها ،مثل الصالة في أوقات النهي ،وسب آلهة المشركين ،
وتزيين المتوفى عنها زوجها في زمن العدة .وهذا ممنوع.
-3أن تكون وسيلة موضوعة للمباح وقد تفضي إلى المفسدة ومصلحتها أرجح من مفسدتها،
كالنظر إلى المخطوبة أو المشهود عليها ،والصالة ذات األسباب في أوقات النهي ،وكلمة
172. الحق عند سلطان جائر ،وهذا مشروع في الجملة
من األصول التي أخذ بها علماء األصول العرف ،فما هو العرف؟ وماذا عن حجيته
وشروط هذ الحجية؟
قال ابن فارس :في مادة عرف "العين والراء والفاء صحيحان ،يدل أحدهما على تتابع
الشيء متصال بعضه ببعض ،واآلخر يدل على السكون والطمأنينة".173
وقال في العادة" :والعادة الدربة والتمادي في الشيء حتى يصير سجية ،ويقال
للمواظب على الشيء :المعاود.174"...
ـ أما في االصطالح فقد عرفوه بتعاريف كثيرة منها" :ما استقر في النفوس من جهة
العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول".176
أما العادة فعرفها األصوليين بأنها" :األمر المتكرر من غير عالقة عقلية ". 177ـ
ويالحظ أن الفرق بين العادة والعرف من خالل التعريفين هو العالقة العقلية وعدمها كما أنه
يمكن القول أن هناك فرقا بين العادة والعرف من حيث المفهوم وإن كان عند جمهور
األصوليين ما صدقهما واحد.
ـ معجم المقياس في اللغة ألبي الحس ين أحمد بن فارس ،تحقيق شهاب الدين أبو عمر ،دار الفكر 3039هـ 3550 -م ،ص
173
.395
ـ معجم المقاييس في اللغة البن فارس ،ص .333
174
175
ـ لسان العرب البن منظور ،دار صادر بيروت 3122هـ 3562 -م .816/5 ،مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها ،ص .399
176
من المعلوم أن األصول كلها لها مستند شرعي وقد دأب بعض األصولين على
االستدالل لمشروعية العرف ،بقوله تعالى :خذ العفو وامر بالعرف.179
وقوله صلى هللا عليه وسلم" :ما رآه المسلمون حسنا فهو عند هللا حسن وما رأوه سيئا
فهو عند هللا سيء".180
وكاد المفسرون أن يجمعوا على عدم صحة االستدالل بهذه اآلية ،والحديث المتقدم فيه
نظر من حيث صحته وداللته أيضا.181
لذا يمكن االستدالل بآيات كثيرة راعى فيها القرآن العرف منها قوله تعالى :وعلى
المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ،182فاآلية أرجعت اإلنفاق والكسوة إلى المعتاد في
أمر الناس من حيث التقدير ،وغيرها من اآليات كثيرة.183
ومن السنة ما ثبت أنه نهى عن بيع ما ليس عند اإلنسان فقال" :يا حكيم بن حزام
ال تبع ما ليس عندك" وعندما قدم المدينة وجدهم يتعاملون بالسلف (السلم) وهو نوع من بيع
ما ليس عند اإلنسان فأقرهم بعد أن نظمه لهم مراعيا في ذلك عرف العرب.184
ـ مرتقي الوصول بشرح نيل السول لمحمد بن يحيى الوالتي ،دون ذكر للطبعة ،ص .352
178
ـ انظر العرف والعمل في المذهب المالكي ،منشورات اللجنة المشتركة لنشر إحياء التراث اإلسالمي المغرب واإلمارات بتاريخ
181
وهذا أخذ بالعرف ابتداء واعتبا ار وليس انتهاء فبعد إق ارره لهم صار مصدره السنة،
وقد أخذ بالعرف الصحابة والتابعون واألئمة في تشريع ألحكام.
للعرف حاكمية قديمة بين البشر فهو يعتبر بمنزلة القانون بالنسبة لتاريخ البشرية ،لكن
بما أن هذا العرف قد يكون حسنا وقد يكون قبيحا فقد جاءت الشرائع لتقر الحسن وتنهى عن
القبيح.
والعرف والعادات إلى اليوم تعد في نظر الحقوقيين مصد ار من أهم المصادر للقوانين
الوضعية حيث استمدت من العرف الكثير من القواعد والقوانين185.
وللعرف سلطان خاص في الفقه اإلسالمي حيث يتم اعتياره في الكثير من األحكام "وقد
أقام الفقهاء كبير وزن للعرف في ثبوت الحقوق وانتفائها بين الناس في نواحي شتى من
المعامالت وضوروب التصرفات ،واعتبروا العرف والعادة أصال هاما ومصد ار عظيما واسعا
تثبت األحكام الحقوقية بين الناس على مقتضاه في كل ماال يصادم نصا تشريعيا خاصا
يمنعه.
185
انظر مصطفى أحمد الزرقاء ص 318:ومابعدها
186
بالمرجع السابق ص 311:بتصرف كبير
95
فالعرف في نظرهم دليل شرعي كاف في ثبوت األحكام اإللزامية وااللتزامات التفصيلية
بين الناس حيثما ال دليل سواه ،بل إنه يترك به القياس إذا عارضه ،ألن القياس المخالف
في نتيجته للعرف يؤدي إلى حرج" 187فالعرف معتبر ما لم يخلف نصا تشريعيا آم ار
-3أن ال يناقض العرف مبدأ الوفاء بالشرط يقول العز بن عبد السالم ":كل ماثبت
بالعرف إذا صرح المتعاقدان بخالفه بما يوافق مقصود العقد ويمكن الوفاء به صح"188
-2أن يكون العرف موجودا وقت حدوث التصرف المراد تحكيمه فيه189
حكى القرافي "أن العرف ليس من خواص المذهب المالكي" ،190إال أن هذا ال يمنع
من القول بأن المالكية أكثروا من استعمال هذا األصل وتوسعوا فيه حتى خصصوا به القرآن
ورجحوا به ..إلى غير ذلك مما يلي:
1ـ تخصيص القرآن بالعرف :وفي هذا يقول القرافي" :وعندنا العوائد مخصصة
للعموم".191
187
المرجع السابق ص309-300 :
188
انظر انظر:األحكام للعز بن عبد السالم-332/8
189
انظر تنقيح الفصول ص 50:وانظر مبادء الوصول إلى علم األصول الدتورين عبد الحميد العلمي ووإدريس الزعري ص-383:
388
ـ تنقيح الفصول ،ص .002
190
96
3ـ استحبوا في القاضي أن يكون عارفا بأحوال البلد وأحوال المتقاضين وعاداتهم.
2ـ اشتراط المالكية في القاضي أن يالحظ العرف الجاري بين الناس ،قال الزقاق في
الميته:
وك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ذا ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن عارف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا بعوائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوأـدحـ ـ ـ ـ ــدث قضـ ـ ـ ـ ــاء للفجـ ـ ـ ـ ــور كمـ ـ ـ ـ ــا جـ ـ ـ ـ ــال194
6ـ نبهوا على أن األحكام تدور مع العوائد وجودا وعدما ،قال األغاللي:
ـ المجموع الكبير للمتون فيما يذكر من الفنون ،مطبعة دار الفكر بدون تاريخ ،ص .332
194
قوله " :إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم ال؟ فال
يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا".198
قال القرطبي" :القول باالستصحاب ،الزم لكل أحد ألنه أصل تبني عليه النبوة والشريعة
فإن لم نقل باستمرار حال تلك األدلة لم يحل العلم بشيء من تلك األدلة "فاستمرار حال
األدلة التي بينت الشريعة والنبوة استصحابه ال يقبل االختالف فيه . 199"...وقد تولى
الباجي إقامة األدلة على األخذ به وأطال في ذلك.200
1ـ استصحاب البراءة األصلية :وذلك كادعاء الدين على شخص ،وكالقول بعدم
وجوب الوتر عند المالكية ،ألن األصل براءة الذمة فمن ادعى وجوبه فعليه اإلثبات.
2ـ استصحاب النص حتى يرد التغيير :وذلك كاستصحاب النص حتى يرد النسخ،
واستصحاب العموم إلى أن يرد المخصص والمطلق إلى أن يرد ما يقيده...
4ـ استصحاب حال اإلجماع في محل الخالف :ومثاله :إذا تيمم شخص لفقدان الماء
ودخل الصالة وظهر الماء فصالته صحيحة إجماعا ،ولكن إذا رأى الماء وهو يصلي؛ فهل
تكون صالته صحيحة بناء على صحتها لو لم ير الماء؟ ..واألصل هو االستصحاب فنقول
لتغير صفة اإلجماع في
باستصحاب اإلجماع في صحة صالته ،أم نقول ببطالن صالته ة
ذلك قوالن للفقهاء.
وتستثني المذاهب السنية استصحاب الحكم التي ثبت بالعقل إذا ورد الشرع
بخالفه.202