Professional Documents
Culture Documents
من بعد آذان الفجر والقرآن ال ٌتوقؾ فً مئذنة الجامع حتى تؤت تكبٌرات العٌد ..الصوت ٌمٌل
على نافذتهما الصؽٌرة ..هً نصؾ مستٌقظة ألنها لم تتعود طوال عمرها كله أن تذهب فً نوم
عمٌق لٌلة العٌد ..وهو نائم ..وعلى وجهه سبلم ..تعرؾ أنه حٌن ٌكون ودٌعا هكذا فً نومه
فإنه ٌحلم بها ..وإن كان ال ٌتذكر األحبلم لٌحكٌها لها … فهً متٌقنة من هذا ..تتؤمل مبلمحه
طوٌبل ..بهدوء تام وفً قلبها حمد كثٌر هلل ألنه منحها إٌاه ..ترٌد أن توقظه لٌبدأ عٌدها ..
لتهمس له “أحبك” ..لٌقبلها على وجنتٌها كما اعتاد ابٌها أن ٌفعل صباح كل عٌد ..تفكر أنها لو
مالت على أذنٌه وهمست “أحبك” فسٌسمعها فً أحبلمه ..وستكون أجمل بكثٌر ألنها ستتبلشى
سرٌعا ..وسٌستٌقظ على الفور لٌبحث عنها ..تفعل هذا ..وٌحدث ما توقعته تماما ٌ ..فتح
عٌنٌه ببطء ٌ ..راها تنظر إلٌه بابتسامه ٌ ..بتسم بدوره وهو ٌنطق ”:كل سنة وانتً طٌبة ٌا
حبٌبتً” ٌ..ؽمض عٌنٌه مرة أخرى وهو ٌدنٌها من صدره ٌ ..ضمها إلٌه ٌ ..شعر بالسبلم وهً
فً حضنه ٌ ..نسى العالم والناس وٌصبح فارؼا من كل ما سواها ..ممتلئا بها تماما ..هً
تعرؾ أنه ٌحلم بها من احساسه هذا ..من مبلمحة اآلمنه فً العناق والنوم ..تبتعد عن صدره
برفق ..وتقول وهً تقطب حاجبٌها بإصطناع ”:إٌه؟ ..مش هنقوم بقا ..العٌد هٌخلص ” ..
ٌدنٌها منه مرة أخرى وهو ٌقول بكسل”:ممممم بقا ..خلٌنا شوٌة” ..تهز رأسها بالنفً وهً
تقول “أل ٌ ..بل ..هتقوم ..هتقوم” تنهض واقفة وتجذبه من ٌده ..وهو ٌتسمر فً مكانه كما
ٌفعل دائما لٌثبت لها ضعفها ووهنها أمامه … ٌؽمض عٌنٌه على نظرة نصر وهو ٌقول”:لو
قدرتً ..قومٌنً” ..تشده بكل قوتها ..وهو ال ٌتزحزح مللٌمتر واحد عن مكانه ٌ ..فتح عٌن
واحدة بحاجب مرفوع وٌنظر إلٌها ٌ ..شفق علٌها وٌقوم معها لٌمنحها احساس نصر صؽٌر ..
كؤنها طفلته التً ٌنهزم أمامها دائما فً اللعب لٌسعدها ..تدفعه من ظهره حتى باب الحمام ..
وقبل أن ٌدخل ٌلتفت إلٌها وٌقبلها على وجنتٌها ٌ ..عرؾ أنها تنتظر هذه القبلة بالذات ..كادت
تظن أنه نسً ..تحدق فً وجهه للحظات ثم تعانقه بقوة قبل أن تندفع إلى المطبخ دون أن تقول
شٌئا ..تضع الشاي على النار ..وتعبىء طبق متوسط بكعك وبسكوٌت العٌد ..تجهز الفطور
وتضعه على الطاولة ٌنتظرهما معا ٌ ..صلً بها الصبح ٌ ..دعو هللا أن ٌتقبل منهما ..أما هً
فتدعوه أن ٌحفظه لها ٌ ..شكرا هللا معا وٌعودا إلى الطاولة ٌتناوال فطورهما ٌ ..طعمها ..
وتطعمه ..تحلم بـ”ٌحٌى ومرٌم” حولهما فً أعوام قادمة ..وهو ٌشاكسها”:بس مش هعرؾ
أأكلك كده ٌا أم ٌحٌى قدام ٌحًٌ” ..تحبه كثٌرا حٌن ٌقول لها”أم ٌحٌى” ..تتذكر فطٌرة
الشٌكوالتة التً أعدتها له ٌوما ..كان اسمها فً كتاب الطبخ “الفطٌرة االسفنجٌة” ..ورؼم أنها
التزمت جدا بالمقادٌر والطرٌقة ..إال أن الفطٌرة خرجت مختلفة تماما ..ولم تعد تستطع على
اإلطبلق أن تطلق علٌها فطٌرة اسفنجٌة ..وحٌن تذوقها وأعجبته احتارت أي اسم تخبره عن
هذا الذي ٌؤكله وٌعجبه ..فاقترح هو أن ٌسمٌها “أم ٌحٌى” كـ “أم علً” هكذا ..وتكون الفطٌرة
الخاصة بهما ٌ ..تفقا أن ٌصنعاها معا ؼدا … تشهق فجؤة ”:صبلة العٌد” ٌ ..نظر لساعة الحائط
ٌ..هتؾٌ”:انهار أبٌض” ..تهب واقفة ..تخرج ثٌابه المكوٌة من الدوالب ..تساعده فً ؼلق
األزرار ..تلمع له حذائه سرٌعا ..تناوله هاتفه من الشاحن ..ومحفظته من فوق التسرٌحة ..
تنثر العطر على قمٌصه وتخبره أنها ستبدل مبلبسها وتجهز حتى ٌعود ..
وكما فعل العٌد الفائت ٌبعث لها بمسج وهو جالس ٌستمع إلى الخطبة ٌخبرها أنه اشتاقها ..
تضحك من رسالته الؽٌر متوقعة فً هذا الوقت للمرة الثانٌة !
ٌرجع بعد ساعة ونصؾ وٌجدها بانتظاره ٌ ..ؽادرا معا وٌذهبا أوال إلى بٌته عند والده ووالدته
ٌ ..مكثا هناك حتى نصؾ النهار ..وٌقضٌا النصؾ اآلخر عند والدها ووالدتها … ٌلتقٌا بؤقاربه
وأقاربها فً منزل عائلته ومنزل عائلتها ٌ ..تذوقا طعم مختلؾ للعٌد وهما معا ٌ ..متلئا بؤحادٌث
األهل وضحكاتهم وحكاٌاهم ٌ ..لعبا مع الصؽار كؤنهما لم ٌكبرا بعد ..وٌستؽلهما األطفال
وٌؤخذا منهما ثمن البمب والصوارٌخ حتى ٌوفرا عٌدٌتهم أللعاب أخرى ٌ ..تستران على الطفل
الذي وضع الصاروخ أسفل كرسً الرجل الذي ٌستفزهما دائما ٌ ..عرفا كٌؾ ٌمكن أن ٌشبه
العٌد طعم الحلوى والشٌكوالتة بالبندق وجوز الهند والفول السودانً اللً مش هٌتبهدل تانً ..
ٌمتلىء الجو بفقاعات صابونٌة مدهشة ٌنفثها األطفال وٌقفزون ورائها ..وٌؤتً إلٌها طفل
صؽٌر ٌبكً ألن زجاجته التً اشتراها للتو انسكبت منه قبل أن ٌستمتع بها ..فتؤخذه وتمؤلها له
بالماء ..وبعض قطرات الشامبو ثم ترجها ..تمٌل على أذن الطفل وتوشوشه ”:ما سؤفعله اآلن
سر صؽٌر أخبرنً به صانع زجاجات الصابون هذه ..وهو الذي ٌعطً األلوان الزاهٌة
للفقاعات ” ..وتضع قطرتٌن صؽٌرتٌن من الكحول ثم ترج الزجاجة مرة أخرى ٌ ..كتم الطفل
السر وٌخرج سعٌدا للؽاٌة وهو ٌشعر أنه ملك العٌد ألنه عرؾ أسرار الفقاعات الصابونٌة أخٌرا
! ..
ٌتابعها من بعٌد وهً تفعل كل هذا ٌ ..شعر أنه ٌحبها جدا هذه اللحظة وٌرٌد أن ٌخطفها بعٌدا
عن كل هذا الزحام ..هو ٌجلس مع رجال العائلة ..وهً تقؾ وسط أخوتها وأمها وقرٌباتها ..
نظرته معلقة علٌها ..ونظرتها معلقة علٌه ..حٌن ٌمر عابر بٌنهما ٌمٌل لٌراها ..وهً تمٌل
لتراه ٌ ..ؽمز إلٌها فتضحك لهذه الؽمزة التً تعرفها وتفهمه على الفور كما تفعل دوما ..تقول
ألمها أن الوقت تؤخر وٌجب أن ٌذهبها ..وٌستؤذن هو من أبٌها وٌسلم على بقٌة الرجال ..
ٌؽادرا معا وٌدها فً ذراعه وهو ٌقول ”:قولٌلً ٌا مراتً ٌا حبٌبتً نفسك أفسحك فٌن؟” ..
تخبره أن عٌدها هو وجوده بجوارها ..وهذا أقصى سعادتها ٌ ..ؤخذها وٌتعشٌا معا ٌ ..ذهبا إلى
السٌنٌما ٌ ..ختارا الفٌلم الكومٌدي كالعادة ٌ ..متلىء قلبٌهما بالضحك ..تفٌض سعادتهما على
كل شًء ٌ ..خبرها أنه ٌحبها ..تخبره أنها تعشقه ٌ ..رجعا بٌتهما الصؽٌر ٌ ..مران على
الطاولة الصؽٌرة ٌ ..حلمان بـ ٌحٌى ومرٌم حولهما فً أعٌاد قادمة !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــ
بإسمك ٌا هللا أبدأ رسالتً إلٌك ..وأقول “بسم هللا الكبٌر الواسع” ..ألننً أشعر بصؽري
وضآلتً الشدٌدة اآلن ..وصدري ضٌق جدا وال ٌسع نسمة هواء أتنفسها وأرتاح ..أجدنً أزفر
كثٌرا ..كوسٌلة لتوسٌع المكان وإفراؼه من كل شًء ال أكثر ..أمضً بذراع مفرودة قلٌبل
تبلمس الجدار وتبحث عن شق صؽٌر ٌستطٌع أن ٌمر الهواء من خبلله..لماذا كل الجدران
مصمتة إلى هذا الحد ومصابة بضٌق حاد فً التنفس ..أفتح النوافذ واألبواب وأنا أتذكر صدٌق
أضاؾ مإخرا صورة على الفٌس بوك لشباك نسً إحدى جانبٌه موارب لفترة وحٌن انتبه وجد
عش صؽٌر فً هذه الفتحة وداخل العش بٌضتٌن ..التقط صورة وأضافها أللبومه وكتب تحتها
أنه أول ما رآها نطق “اللـــه”..وفً التعلٌقات قال أن هاتٌن البٌضتٌن قد تحوال لٌمامتٌن
صؽٌرتٌن وجمٌلتٌن حلقا بعٌدا ..تسمرت طوٌبل أمام هذه الصورة ..وفكرت أنك ٌا هللا تبعث
رسالة لهذا الرجل مضمونها خٌر كثٌر..تمنٌت وتمنٌت لو تهدٌنً عش ببٌضتٌن مثله ..رجعت
للنوافذ التً فتحتها على آخرها و واربتها..راقبت الطٌور المحلقة وأنا أرجوها أن تؤت إلً..على
حافة النوافذ كلها وضعت فتافٌت خبز و عناقٌد عنب صؽٌرة ..وانتظرت طوٌبل ..كل هذا ولم
تفكر ٌمامة واحدة أو حتى بومة أو ؼراب بااللتفات إلً والعطؾ على قلبً الهش الفقٌر
..تذكرت صدٌقتً “جً جً” التً تعشق القطط ..وأول ما تفعله حال أن تستٌقظ هو ملىء
زجاجة مٌاه وتفرٌؽها فً علب زبادي وآٌس كرٌم كثٌرة وزعتها على رصٌؾ شارعها و
حواؾ البٌوت ..وحٌن استؽربت وسؤلتها عن هذه المٌاه قالت أنها من أجل القطط المشردة..
كانت جً جً فتاة عادٌة بالنسبة إلً ..بما ٌعنً أننً ال أحبها ..وال أكرهها..ولكن ٌبدو أننً
أحببتها فً هذه اللحظة بالذات ..حٌن نطقت هذه الجملة ووجدت القطط تجري ناحٌة المٌاه كؤنها
تنتظرها بشوق ..وصدٌقتً تراقب هذا بسعادة ؼامرة ..وجدت هذا جمٌبل للؽاٌة ..وبه شٌئا ال
أستطٌع تحدٌده لكنه ٌؤتً من روحك ٌا هللا ..لم أعد بعدها ألفكر فً السٌئات والحسنات كما
كنت ..ولكننً انشؽلت بهذه األشٌاء الصؽٌرة المحرومة أنا منها تماما..وأتمناها بشدة..
أنا ال أكتب إلٌك ٌا هللا ألخبرك شٌئا ال تعلمه عنً ..فكما أخبرت وفاء صدٌقتً أمس أنك تعلم
بؤمر كل الدماء النابضة فً قلوبنا وأنت أقرب إلٌنا من حبل الورٌد ..وإنما أكتب إلٌك ألجرب
متعة البوح إلٌك ..ألننً أحتاجك جدا ..جدا ..وأشعر بالخجل الشدٌد ألننً ألجؤ إلٌك اآلن فقط
..أشعر أننً فتاة انتهازٌة وأنانٌة وناكرة للجمٌل ..حدث ٌاربً أن احتجتك كثٌرا فً فترات
سابقة لم أدق بابك بها ..كنت أرفض أن أكون هذه الفتاة اإلستؽبللٌة ..وكنت تساعدنً دون أن
أطلب ٌ ..قولون أن سبحانك أحن علٌنا من آبائنا وأمهاتنا ..أعرؾ هذا ومتؤكده منه تماما ..
لكننً أفكر أحٌانا أنك ترحمنً من أجل أمً ..من أجل خوفها وقلقها ورجفتها علً ..من أجل
دعائها فً كل سجدة لً ..من أجل طٌبتها و قلبها الذي ال ٌستحق الحزن ..فكرت من عدة أٌام
أنه لو حدث ألمً شٌئا ما “ال قدرت ٌا رب” ..فكرت أنه لن تطالنً رحمة بعدها ..فً رأسً
ذكرى واهٌة لحدٌث سمعته ٌوما ٌقول “إذا ماتت أم العبد نادى مناد أن سدد وقارب فلقد ماتت
التً كنا نرحمك من أجلها” ..ال أعرؾ ٌارب إن كنت أنا أستحق الرحمة ٌوما ألجلً ..وال
أعلم كٌؾ علً أن أفكر ..هناك من ٌقول أنه ٌنبؽً أن ٌفكر اإلنسان بؤنه ٌستحق كل الخٌر ..
وٌعٌش بهذه اإلٌمان ..و أنا أشعر أننً ال أستحق أي شًء ..أدعوك دائما ”:اللهم عاملنً بما
أنت أهل له ..وال تعاملنً بما أنا أهل له ” ..حٌن حدث من فترة أن صببت الماء المؽلً على
ٌدي وشعرت باأللم ٌتصاعد وبالحرق ٌزداد لهٌبه مع الوقت ..فكرت لحظتها فً ذنوبً كلها
وماذا سؤفعل بشؤنها ..لن أحتمل الماء المؽلً والنار ..وهذا العذاب الذي لن ٌفنٌنً لكنه
سٌجعلنً أحلم بالفناء ..كنت فً الصؾ األول االبتدائً حٌن حفظت سورة “النبؤ” ..ورؼم أننً
كنت أحفظ دون فهم أو تفكٌر مزقتنً اآلٌة األخٌرة بها ”:وٌقول الكافر ٌا لٌتنً كنت ترابا”
..لست كافرة ولك الحمد ٌارب ..لكننً لحظتها رددت طوٌبل ٌ”:الٌتنً كنت ترابا” ..كنت
أرددها وأتمناها فً سري طوٌبل وأنا أخاؾ أن ٌسمعنً الشٌخ عزت الذي كان ٌحفظنً القرآن
..أو تسمعنً أنت ٌا هللا فتظننً كافرة ..كان هذا تفكٌري الصؽٌر األحمق وقتها ..و أحتار اآلن
فً أمنٌتً القدٌمة هذه ..وأتساءل لماذا تتمنى طفلة فً السادسة من عمرها لم تتلوث بالذنوب
بعد أن تكون ترابا ..أعرؾ أننً اآلن لست فتاة صالحة ..ولكننً أرؼب بالجنة كً ال أدخل
النار ..وربما أرؼب فقط بؤال أدخل النار ..أنا أحبك ٌا هللا ..وكل األوقات التً حدث وتقربت
فٌها إلٌك وصلٌت لك لم أفعل هذا ألننً أرؼب بالجنة ..فعلت هذا ألننً أحبك ..وأحبك جدا ..
لم أدعوك بالجنة ٌوما ألننً خفت أن أكون بهذا الدعاء أطلب مكافاءة لعبادتك ..واآلن أنا ال
أتقرب كما كنت وال أصلً كما كنت ..وال أخبرك كل ٌوم أننً أحبك كما كنت ..وال أدعو
بالجنة وال بالنجاة من النار ..أنا صؽٌرة وضئٌلة وتعٌسة..وال أشعر بالراحة مهما حاولت
..أحتاج هذه اللحظة فقط بؤن أخبرك أننً أحبك وتؤتٌنً ٌمامة جمٌلة تلتقط الخبز والعنب من
على حافة نافذتً ثم تطٌر بعٌدا !..
حلمت األمس بحلم ٌتكرر كثٌرا منذ أن كنت بالصؾ الثالث االبتدائً وأخبرت معلمتً “سناء”
عنه كشًء عابر ..لكنها صمتت ثم ذهبت وتحدثت مع بقٌة المعلمات وجاءت لتقول ”:أٌتها
الملعونة الصؽٌرة ..أنت تكذبٌن وتإلفٌن هذه األحبلم” ..ورؼم أننً لم أكن أكذب أو أإلؾ إال
أننً صدقتها وصمت أٌضا ولم أعد ألتحدث عن هذا الحلم منذ ذاك الحٌن ..وأكتب لك الٌوم
عنه ألننً منهكة من أحبلمً ..وإن كنت أتحدث كثٌرا عن نهاراتً الفارؼة فإن لٌالً لٌست
كذلك ..لم أعد أهب مفزوعة كل لٌلة كما كنت بالماضً ..وإنما صرت أستٌقظ بصداع ورأس
مائلة على الجدار وأشٌاء كثٌرة كثٌرة أعٌشها فً أحبلمً كما أعٌش واقعً تماما ولٌس ثمة
جدوى من محاولة اثباتها ..ولٌس ثمة طرٌقة أٌضا من أن ٌشاركنً أحد إٌاها !
حلمت أمس بٌوم القٌامة ..بالحساب ..بصحٌفة لٌست بٌضاء بما ٌكفً ..بك ٌاهلل تنظر فً
أمري ..بالهول الذي ٌجتاحنً أمامك ..كل من أعرفهم دخلوا الجنة ..و كنت أنا وحدي من أهل
األعراؾ ..لم أقذؾ فً النار بعد ..والجنة ال تقول “هل من مزٌد” !… استٌقظت وأنا أحمدك
ٌارب على فرصة جدٌدة للحٌاة ..وربما للنجاة …تؤملت قولك ”:وآخرون مرجون ألمر هللا إما
ٌعذبهم وإما ٌتوب علٌهم” ..وأنا أرجو توبتك و عفوك وأعقد كل رجائً علٌك ٌاهلل ..أعقده
بقوة وأزٌد فً العقد ..أطرق رأسً بٌن ٌدٌك وأحلم برضاك هذه المرة وإن كان حتى ثمن هذا
الرضا هبلكً ٌا هللا !
من الزجاجة صببت كؤس ماء بارد جدا ..شربت منه ثم وضعته بجواري ..أرتشؾ منه كل
ثبلث دقائق دون شعور بالعطش ..ألن الماء ثلج ٌبكً داخلى أشعر ببرودته فً جسدي كله
وأحب رعشتً له ..وأفكر فً “عٌن ” ..ألنه حتى اآلن لم ٌقل لً كل شًء ..رؼم أننً أسمعه
بخشوع ..بمرفقٌن متكؤٌن على طاولة وكفٌن ٌحتضنا وجهً ..ونجوم تؽادر عٌنً وتلمع حٌن
أتؤمله ..ألتحول إلى وجه صؽٌر فً تعبٌرات “الٌاهو” .أو .إلى صورة الطفلة التً تضعها منار
لنفسها ..وكل هذا الوقت الذي قضٌناه معا ولم ٌخبرنً بعد بخساراته أو اخطائه وانكساراته
وارتباكه وعناءاته واشتعاالته وحدٌثه لزهرة الٌاسمٌن ومحاوالته للنسٌان وحنٌنه وعبوره
للمنفى وشخوصه األخرى وكل شًء كل شًء كل شًء!
كل ما قلته ٌكفً تماما ألن ٌفتت أجزاء من كرات دمً لتتحول لحروؾ (عـ )ـٌن تجري فً
عروقً وٌحمر لونها أكثر لكنه ال ٌكفً أبدا ألن أعرفك أٌها الرجل الذي ال ٌحصى ..رؼم أننً
حٌن تعرفت علٌك من خمس شهور وبعد أول لقاء ..صعدت لؽرفتً فً الطابق الثانً
..وتوجهت لباب الؽرفة الذي أدون علٌه كل شًء كمدونة خاصة جدا جدا ال ٌقرأها ؼٌري
..حتى أن لونه األبٌض تراجع بانهزام أمام الحبر األزرق ..وخربشات الرصاص ..ألكون أول
فتاة تدهن باب ؼرفتها بقلم جاؾ ….توجهت للباب ..وكتبت فً أعبله “عـ ……my love_..
” واستؽربت كثٌرا من نفسً حٌنها ..ألننً لم أكن عرفتك بعد ..ولم ٌحدث ما ٌستحق أن أكتب
هذا ..واستؽربت أكثر ألنه عمل مراهق جدا ٌ..شبه كتابات المراهقٌن على أسوار المدراس
وداخل عربات القطارات والمترو ..وأؼلفة الدفاتر ..أنا التً دائما ما نظرت لهذه األشٌاء
بامتعاض ولوي شفة أجدنً أفعلها اآلن وأنا أعتقد أن مراهقتً انتهت حٌن وصلت لسلمة
العشرٌن ..وربما كان هذا التفكٌر مراهقة أخرى ..ألننً أتوق ألن أصبح “كبٌرة” كـ طفل فً
الصؾ الثانً االبتدائً ٌنظر ألطفال الصؾ األول باحتقار ألنه اآلن أصبح “كبٌر” ..ال أرٌد أن
تستهٌن بً عٌن ..وتهزأ من هذه الفتاة التً ترٌد أن تصبح كبٌرة فقط لتكون جدٌرة بحب رجل
خمسٌنً الزال تائها بٌن نساء العالم ٌبحث عن واحده تهذب العالم معه بالكلمات ..أال أصلح
ٌاعٌن ؟ ..أنا التً أتعلم الحروؾ ألجلك ..والرسم ألجلك ..والتشرد ألجلك ..والفلسفة ألجلك
..والحب ألجلك ..ألكون كبٌرة كفاٌة ألجلك ..وكل ما أرٌده منك أن تعرؾ شكل كفً ..وحجم
أصابعً ..وأن تمسك ٌدي جٌدا ..وال تضٌعنً عٌن ..ألن الحٌاة قاسٌة جدا كسن سكٌن وأنت
قادر أن تكون دلٌلً …قلها ..قلها اآلن وسؤصدقك..قل :أنا دلٌلك دعاء ..أنا ضوء السماء فً
جبٌنك ! ..وتعال نفتت هذا العالم لقطع صؽٌره بحجم أحبلمنا ثم نعٌد ترتٌبه كما تشتهٌه قلوبنا
!..
أنت توجعنً حٌن تكتمل فً قلبً تماما كقمر منتصؾ الشهر ..وتظل فً رأسً هبلال ٌتوق ألن
ٌصبح ” كبٌرا” …تعبت منك ..وأرٌد أن أفصح عنك وال أقدر ..فكٌؾ أستطٌع أن أهدىء من
اشتعالً بك وحنٌنً لك دون أن أفعل !
حسنا عٌن ..ال تقل شٌئا اآلن ……..سؤشرب بقٌة كؤس الماء دفعة واحدة …وأنام !
سالمة ٌا سبلمة !
عدت من األسكندرٌة اآلن إلى قرٌتً الصؽٌرة ..و كـ سارة* ..دخلت ؼرفتً التً اشتقت لها
وأنا أردد ” وحشتنً ٌا سرٌري ..وحشتنً ٌادوالبً ..وحشتنً ٌا مكتبً …وحشتٌنً ٌا مراٌتً
… وحشتنً ٌا ماركو …وحشتٌنً ٌا اٌزابٌبل …وحشتنً ٌا نشؤت “…سؤعرفكم على
أصدقائً ..ماركو هو فتى ٌرتدي بنطلون قصٌر ..قمٌص بؤكمام واسعة ..حذاء برقبة ..وقبعة
كبٌرة تمٌل على رأسه ٌ..مسك فً ٌدٌه جٌتارا وٌعزؾ ..وأمامه إٌزابٌبل ترتدي فستان إحدى
األمٌرات األسبانٌات ..وترقص ..فٌنبت العشب تحت قدمٌها … كنت قد رسمتهما فوق ورقتٌن
منفصلتٌن وعلقتهما على الجدار ٌقاببلن بعضهما من عدة أشهر …ومازال هو ٌعزؾ
..ومازالت هً ترقص ..دون أن ٌخذل أحدهما اآلخر ..حتى اجل تؤتً فٌه الرٌح قوٌة من
الشباك المقابل ..وتفنٌهما معا ….أما نشؤت ..فهو “هٌكل عظمً”..علقته لٌكون اإلثبات الوحٌد
فً ؼرفتً بؤننً أنتمً لكلٌة الطب …لكننً استطعت أن أصادقه فٌما بعد وربما تكون عبلقتنا
توطدت كثٌرا فً األٌام األخٌرة ..حتى صرت أشبهه !!
أووه ..كم أنا ثرثارة ..أردت أن أقول فقط ”..أنا رجعت !”….حسنا ..أنا رجعت من أجازة
بدأت صباح األربعاء وانتهت الٌوم ألن عٌد مٌبلد أمً لن ٌستطٌع أن ٌنتظر ٌوما آخر ..وألن
الحمام الزاجل فشل فً أن ٌوصل القبلة لخدها مع عبارة “كل سنة وانت طٌبة “..وألننً قررت
توزٌع الفسح على مدار الصٌؾ كالقمح فً السنوات العجاؾ كً ال آكل مللً فً الشهور
القادمة _..كؤن األجازة شهور _!!..
ما ٌهم أننً سعدت جدا بهذه األجازة القصٌرة ..كانت اإلسكندرٌة مختلفة هذه المرة ..وربما أنا
من كنت مختلفة ..كنت سعٌدة جدا ..وحزٌنة جدا ..وألننً لم أعرؾ كٌؾ ٌجتمعا الحزن والفرح
بهذه القوة معا ..كان على أن أنتظر حتى ٌذوب أحدهما فً اآلخر ..أو أن أحاول أن أفهم
…أحاول أن أعرؾ كٌؾ تجتمع التناقضات كلها فً قلب واحد ..وكٌؾ تستطٌع قبٌلة النساء
بداخلً أن تتعاٌش معا ..فقررت أن أبدأ من تناقضات العالم حتى أصل لقلبً ..فً الصباح
األول ..ارتدٌت طاقما جمٌبل ..و تهندمت أمام المرآة طوٌبل ..لبست حذائً الجدٌد ..وخرجت
ألتناول فطوري فً إحدى كافٌهات سان ستٌفانو كفتاة أرستقراطٌة تتناول الكٌك والشاي
وٌشؽلها لون طبلء األظافر الجدٌد ..كان األمر ممتعا حقا ولكن تناول الؽداء كان أكثر متعة
..ألنً عدت للمنزل ..وبدلت مبلبسً بشًء أستطٌع أن أرتدٌه دون أن أهتم باآلٌس كرٌم الذي
سٌتساقط سائحا فوقه ..أو بالرمل الذي سٌختفً فً الثناٌا أو بالجلوس فوق الكورنٌش فً منطقة
فقٌرة تطفو علب الكوال وأكٌاس الفول والطعمٌة والسودانً فوق بحرها وتؽطً معظم
الصخور…اشترٌت ساندوٌتشات ومخلل وجلست ..ظهري للشارع ..ووجهً للبحر ..أطوح
قدماي وأقضم المتعة …كان األمر مرٌح جدا كحذاء قدٌم …وكنت سعٌدة ..وربما أكون نسٌت
_أو تناسٌت _أننً أفعل هذا ألفهم …وصرت أفعل المزٌد والمزٌد من التناقضات لجلب المتعة
ال أكثر …حد أننً كنت أتناول الؽداء فً هاردٌز ..وأخرج ألركب أتوبٌس حكومً !…اشتري
كتابا من مكتبة الشروق وآخر من فوق رصٌؾ ..أذهب لحفل فرٌق “بوبنت اؾ ٌو” لموسٌقى
الجاز فً مسرح مكتبة األسكندرٌة …وأؼنً مع مجموعة من المنتشٌٌن على الشاطىء “ :زي
العادة مروح بٌتنا ..شفت البت الحلوة جارتنا ..قلت انا بس ..قالت هس …بابا ٌحس وٌخرب
بٌتنا “ ..اشترٌت الدمٌة باربً من محل األلعاب ..وأراجوز خشب ٌصفق بصفٌحتٌن مدورتٌن
كلما ضؽت على بطنه من بائع متجول … األراجوز لذٌذ جدا وٌسلٌنً ..وباربً ال تفعل شٌئا
ؼٌر أن تحدق بً بببلهة دون أن تصفق لمجٌئً أو تسعدنً بؤي شكل من األشكال ..أنا أٌضا
تجاهلتها ..وانطلقت أفكر فً رجل ٌحبنً كثٌرا ..نتفق على أن نسٌر ٌوما على هواه وٌوما على
هواٌا ..قلت لنفسً سؤتخٌله أول رجل ٌخاطبه لسانً الٌوم ..ومضٌت ..لم أنطق بحرؾ
لـ”كمسري” الترام ..وال لبائع الصحؾ ..حتى أننً لم أعتذر للرجل الذي دهست قدمه فً
الزحام ..حتى دخلت “رادٌو شاك ” حٌث اشترٌت موباٌلً الجدٌد ..كان الموظؾ لطٌؾ جدا
وٌقول “وعلٌكم الثبلم”!..نطقت أوووووه طوٌلة فً داخلً …كم أحب اللدؼة فً حرؾ السٌن
..تشعرنً أن من ٌنطقها ٌخبىء داخله طفل لذٌذ شقً ٌلعق “دولسً ستٌك”…وٌنطلق كعفرٌت
!…تعمدت أال أقاطعه ..كً ٌسمعنً الثٌن كثٌرا ..أردت أن أقول ” تعرؾ تقول :ثتً عملتلً
بثبوثة بالذٌت بالثمنة بالثكر بث ٌاخثارة طلعت معثلة ؟…قلها ألجلً …ألجلً فقط وأعدك بؤن
نسٌر ثبلثة أٌام على هواك فً مقابل ٌوم على هواٌا…لماذا ال تقول …قلها ..قلها “…ابتسم
فجؤة فً وجهً دون سبب حتى شعرت أنه سمع رأسً وها هو ٌضحك ..قطبت حاجبً أمامه
”..إذن ..كل األٌام على هواٌا …كل األٌام على هواٌا “….لماذا ال ٌصؽً أحد إلً؟ ..حتى
ماركو واٌزابٌبل ملهٌان بحبهما ورقصهما عنً … ونشؤت ٌضحك دون أن ٌضحك ..ألنه ال
ٌمتلك شفتٌن ..وتظهر أسنانه كلها ..كؤنه ٌؽٌظنً ..وٌسخر من بشرتً السمراء …حسنا ٌانشؤت
..حسنا أٌها العاشقان ..حسنا ٌا باربً ..أنا تعبت ..سؤنام اآلن … وؼدا ربما أكمل !
ترقص؟ ...أرقص !
فً الشرفة الواسعة اؼنً وأدور حول نفسً مرات ومرات فاردة ذراعً عن آخرهما وأكاد أن
اصدق أن لً أجنحة امتؤلت بالهواء …وبؤنً سؤرتفع قبل اكتمال األؼنٌة ألواصل الرقص فوق
نجمة..تشبه مسرح بللوري ..وضوء سٌسقط من السماء مباشرة علً فً شكل دائرة تعرؾ
مسبقا حركتً القادمة وتسبقنً الٌها ..كفراشة بالٌه تقدم رقصتها الساحرة فً حفل األوبرا…أنا
المفتونة برقص الفراشات اقتصرت أحبلم حٌاتً ذات ٌوم ..على الرقص حافٌة أمام األوبرا
تحت المطر…مع صعلوك أسمٌه حبٌبً ..لتبتل مبلبسنا وٌلفنا الرقص وندور وندوخ كدوامة
فً إعصار….أفكر فً حلمً القدٌم دون ان اتوقؾ عن الؽناء أو الدوران…عٌناي مؽلقتان و
الموسٌقى ترتفع ..قدماي تبلمسان األرض…أمٌل ٌمٌنا وٌسارا كسمكة تسبح على مهل ..
وذراعً طوحها الهواء بعٌدا لتلتقطها ٌدك فؤفتح عٌنً دون أن اندهش كثٌرا وأراك تقرب ٌدي
من شفتٌك وتقبلها فؤشعر أنً أمٌرة حكاٌا الجن ..وأن هناك ؼصن بشكل شرٌان مال فً
قلبً..تلؾ خصري بذراعك ونكمل رقصة بدأناها ذات خٌال..نتشابك مع الموسٌقى ..ونرتفع ..
نرقص ..نتماٌل ..وندور وٌنبت الورد تحت أقدامنا ..وننشؽل بنظراتنا كثٌرا ..حتى أننا ال ننتبه
للضوء الذي ٌؽمرنا فً شكل دائرة والذي ٌؤتً من السماء مباشرة !
عن ماذا أرٌد أن أخبرك؟ عنً ..ربما ..عن الٌوم الذي قضٌته دونك تماما ..ربما ..عن
األشٌاء التً أرٌد أن أفعلها وأإجلها دائما ببل سبب فؤكتفً بإحصائها فً ورقة كً ال أنساها
ولكن ٌبدو أن هذا ؼٌر مهم ألننً ال أعود لهذه الورقة أبدا ..عن المذاكرة التً لن ٌكفٌها كل
الوقت المتبقً على االمتحانات وال حتى ضعفه مرتٌن ..وأنا عاجزة عن البدء حتى اآلن
وأصنع كل ٌوم جدوال جدٌدا للمذاكرة وأمزقه فً الٌوم التالً ..عن الشوق الذي كاد ٌسحقنً
طوال النهار وٌحولنً لذرات ؼبار بإمكان الرٌح أن تطٌرها إلٌك فتنفضها عنك دون اكتراث
وأنت ال تتخٌل أن الشوق بعثرنً إلى الحد الذي أتى بً إلٌك ..عن أؼنٌة “قهوة لـ فٌروز
كراوٌة” التً أدرتها منذ أن ظهر كوكب الزهرة حتى اختفى تماما فً العاشرة وسبع وعشرون
دقٌقة بالضبط و أنا أقؾ فً الشرفة قبالته أنظر إلٌه وأؼنً مع كراوٌة ”:طب ممكن نسرق
ساعة وتشرب قهوة معاٌا بقا “..تقول “بقا” ألنها فاض بها كثٌرا ولم تعد تحتمل هذا البعد ..
وٌخرج الصوت من السماعات حالما ومشتاقا ..جمٌبل إلى الدرجة التً ٌنبؽً معها أن ٌهدأ
الكون كله تماما ..وٌنصت فً صمت وإؼماضة عٌن ..ورؼم هذا..الحٌاة حولً ال تهتم به على
اإلطبلق ..صوت القطار الطوٌل جدا ..السٌارات الذاهبة واآلتٌة ..فبلح ٌشؽل موتور المٌاه
لٌروي حقل األرز ..أطفال ٌتشاجرون أسفل المنزل ..جار ٌستعد للزواج قرٌبا وٌفرش شقته
التً تشع فوضى وضوضاء وفرح ..ضجٌج ال ٌنتهً ..وأنا وحدي فً هذا العالم هادئة تماما و
مؽرمة بؤؼنٌة تشتاق لفنجان قهوة معك ..عن ماذا أرٌد أن أخبرك أٌضا ..عن تذكري بؤننً لم
أنظر لصورتك منذ لٌلة األمس و هذا ال ٌحدث إال نادرا لكننً تجاهلت هذا وقررت أن أؼمض
عٌنً وأتذكر مبلمحك وحدي ..وكالعادة أرى الحسنة الصؽٌرة فً خدك األٌسر بوضوح تام ..
وأعجز عن تحدٌد بقٌة مبلمحك ألنها ال تترك مساحة فً عقلً لشًء آخر ..أخبرتك كثٌرا
أننً أحبها ..وأنها أول شًء أتذكره بوجهك ..لكنها تزعجنً فً هذه اللحظة ..وتجعلنً
أشتاقك أكثر ..أود لو تكون نقطة شٌكوالتة نسٌتها وأنت طفل وبإمكانً حٌن أراك أن أمرر
إصبعً علٌها و آكلها وأنا أرى المكان حولنا ٌمتلىء بؤلواح شٌكوالتا بالبندق والكرٌما وبالونات
العلك المصابة بارتفاع فً السكر و ؼزل بنات و كل ما ٌشتهٌه الصؽار وٌحول الصٌؾ إلى
كٌان طري وشهً قابل للحب والحٌاة وصنع بالونات الدهشة الصابونٌة … تعرؾ؟ أنا أٌضا
لدي فً ذراعً األٌسر شامة صؽٌرة بشكل وبحجم حبة توت تحلم بؤن تلتقطها أطراؾ أصابعك
مرة وتزرعها فً حدٌقة منزل ٌخصنا وحدنا بجوار شجر ٌاسمٌن وبرتقال وعلى األرض نعناع
كثٌر ٌؽطٌها تماما وٌلون حٌاتنا باألخضر ..
عن ماذا أرٌد أن أخبرك أٌضا ..عن الصباح الذي ٌحوٌنً دونك هذه اللحظة وأنا أحلم بؤن
أخطفك من نومك ونجلس معا نشرب قهوة صباحٌة ونحن نستمع لموسٌقى نحبها و رأسً مائلة
علً كتفك قلٌبل !..
تعرؾ أٌضا ..أنا مرعوبة من أن أرفع رأسً من على هذه الشاشة اآلن وال أراك جالسا
بجواري ..مرعوبة جدا!
قبل المؽرب كل ٌوم بساعتٌن تقرٌبا أخرج أنا وأبً لٌعملنً القٌادة ..ألن أختً ستتزوج
..وسآخذ سٌارتها _أو ما سٌتبقى منها بعد أن أنهً تعلٌمً علٌها_ …امممم ..الوضع لٌس بهذا
السوء حقا ..ربما فقط ستكون كما ٌقول “سلطان” فً ” العٌال كبرت” “ :هً كل حتة فٌها سلٌمة
… بس لوحدها!”..الحقٌقة أن أبً ٌربكنً كثٌرا ..ألنه ٌتوتر ..والكرسً المجاور لً هو فً
الحقٌقة أعصابه التى ٌجلس علٌها ..أتعلم على طرق زراعٌة تربط المراكز الصؽٌرة والقرى
ببعضها ..ونادرا ما أخطو فوق “طرٌق سرٌع” ..وإن فعلت ٌكون لمسافة قصٌرة جدا ..األسفلت
ٌحوى “نقر” كثٌرة ..وأحٌانا “طوب صؽٌر” أو ” كسر” .أحاول أن أتفادٌه أؼلب األحٌان
..وأنحرؾ لهذا ..وأبً ٌثور النحرافً ..وٌصرخ فً ”:أنا عاوزك تكسرٌها ..كسرٌها ” ..وإذا
لم أحاول تفادٌها واالنحراؾ قلٌبل أجده ٌصٌح مع رجة السٌارة ”:إنتى هتكسرٌها ؟؟!!” ..أرٌد
أن أضحك ..والضحك لٌس مناسبا أبدا فً هذه الحالة ..ألنه متوتر ..وبرودي سٌثٌر ؼضبه
أكثر …أزم شفتً وأكتم ضحكتً ثم أنطق ” حاضر ٌا بابا ..هاخد بالً المرة الجاٌة ” ..هذه
الجملة ترٌحه كثٌرا ..وأنا أنطقها دون أن أعرؾ ما ٌتوجب علً عمله حقا فً المرة القادمة ..
لكن بعٌدا عن القٌادة أنا سعٌدة لسبب آخر ..ألننً صرت أمضً الكثٌر من الوقت بصحبة أبً
..وهذا الوقت لٌس بالطبع كله أخطاء وتوتر وصٌاح وحوادث وشٌكة ..لكننا نتحدث كثٌرا
ونمزح ونضحك ..ومع أول ضحكة تنطلق كل ضحكاتً التً سبق وكتمتها من أعشاشها
..وتطٌر عالٌا كفراشات الحقول التً تشً لكل الفبلحٌن بسعادتً ..وكنت بهذه السعادة أمس
ألننً استطعت أن أطلق أول “شتٌمة” تجاه سائق عابر كاد أن ٌصدمنً من الخلؾ ..وألنها أول
مرة ال ٌكون الخطؤ فٌها خطئً ..كنت “أشتمه” بسعادة بالؽة ..وأبً بجواري ٌضحك على
ؼضبً المصطنع ..و ٌدعً أمام السائق أنه ٌحاول تهدأتً ..لكننا انفجرنا معا فً الضحك فور
أن تجاوزنا السائق …وانشؽلت بالموقؾ حتى كدت أن أصدم سٌارة أمامً ..لٌشٌط أبً تماما
وهو ٌصرخ ” حاسبً” …حٌنها اصطنعت دمعة ..وكتمت ضحكة كانت تصر أن تؽادر العش
… وحاسبت !
_ أنا أحب أن أكتب عن الصعالٌك والمشردٌن والمجانٌن والسكارى على األرض كلها ..سؤكتب
عنهم الٌوم وؼدا وبعد ؼد …والحقا قد ترانً مع صعلوك مشرد نجلس فوق سبللم مٌدان عام
نشرب دموعنا خمرا نخب األلم الذي ال ٌعرؾ حدودا والذي سنضحك منه كثٌرا حٌن تلعب
الخمر برإوسنا تماما وبعدها قد نكسر الزجاجات الخضراء لٌتناثر الزجاج على األرض
ونرقص فوقه بهسترٌا شخصٌن كتبا و بكٌا وتحدثا وتؤلما وضحكا ثم رقصا بعد ذلك كله حافٌٌن
فوق أشبلء الزجاج الحادة جدا والدم الذي ٌنزؾ بؽزارة من أقدامهما والجنون الذي ٌتسرب من
قلبهما وٌؽزو المدٌنة كلها لتعرؾ حٌنها كٌؾ مؤل الصعالٌك البلد !
_ٌا دعاء حرام علٌكً إٌه شؽل العربدة ده؟ تشربو وتسكرو سوا وتعورو رجلٌكو لٌه؟؟؟ عشان
اٌه الدنٌا مش مستهلة ..وبعدٌن تكتبً عن المشردٌن آه ..البلجئٌن آه…إنما السكارى والماجنٌن
والصعالٌك أل…دول التارٌخ بٌحذفهم من سجبلته وتٌجً انتى تصاحبٌهم وتشربً نخب الحرٌة
…الحرٌة عمرها ما كانت لدول ..ألنهم ببساطة مش ٌعرفوا معناها أكٌد بجد مش جربتً
تسكري وال عقلك ٌؽٌب عنك ..ولكن بما ان الكاتب الجٌد الزم ٌعٌش التجربة ..هبعتلك تربة
حشٌش لٌكً انتى والصعلوك عشان تخمسوا فٌها على السلم وتبقو ترمو الفحم بدل اإلزاز
وترقصو على النار تشا تشا ..أحلى رقصة ألحلى صعالٌك !
_ لٌس هدفً أن أكون كاتبة جٌدة ..أنت لم تعرؾ بعد ان الكتابة نفسها ال تعنٌنً فً شًء ..
فقط أنا من خبللها أفعل أشٌاء ال تخطر على عقل وال قلب بشر ..الكتابة تمنحنً عالم أرحب
حر أمتطً فٌه جوادا أسود دون لجام وأسافر إلى حٌث ال ٌستطٌع أن ٌؤخذنً الفٌس بوك
والشاشة التً أحملق فٌها طوال النهار والشارع الضٌق الذي ال ٌسع قلبً..هناك حٌث لن
ٌنسانً التارٌخ قط كؤي صعلوك عادي…ألننً صعلوكة عظٌمة !
-أنتً ال تصعدي السبللم لمجرد النظر إلٌها ..أنت ال تحلمً لمجرد الحلم..على اإلنسان أن
ٌحلم ثم ٌجعل حلمه حقٌقة والحقٌقة أنك ستستٌقظً لتجدي نفسك دون جواد جامح ألن الجواد
هو الذي قادك لٌس انت من قادته وتكتشفً أنك الشخص الذي مات فً تارٌخ أحبلمه لمجرد
أنك فارس كتب عن جواد أسود فً المروج ٌجري وٌمتطٌه صعلوك عظٌم ٌتشبه بالفرسان
..ونسً أن الجواد ببل لجام كالقطار ببل قضبان ..وعند الهاوٌة تتهاوي الصعالٌك العادٌة مع
الصعالٌك العظٌمة ..كبل بسٌؾ واحد !
-سؤكون األكثر سعادة على اإلطبلق إن حدث ومت فً تارٌخ أحبلمً..أنا ٌا سٌدي أقدس
األحبلم جمٌعا وأحلم وأحلم ألن الواقع ال ٌكفٌنً ..أنا فارسة وال أتشبه بالفرسان ..فارسة حد
أننً أستطٌع أن أقود جوادا دون لجام حٌن أحكم قدمً على بطنه جٌدا وأرفع ذراعً فً الهواء
عالٌا وأؼمض عٌناي وأتماٌل مع الهواء ٌمٌنا وٌسارا …وأنا صعلوكة وال أتشبه
بالصعالٌك…ألننً حٌن أتسكع مع “عٌن” ونجلس على طاولة مهترئة فً قهوة فقٌرة نستمع
للموسٌقى ونراقب الذباب الذي ٌحط على اللحن ثم على الشاي ونرقص ..عندها أكون حصلت
على لقب صعلوكة بجدارة …أنا ال أحلم لمجرد الحلم ..أنا أحلم ألن الحلم حٌاتً األخرى التً
ال ٌعلم أي إنسان آخر من أمرها شٌئا ..وال ٌمتلكها سواي …أنا ال أصعد السبللم لمجرد النظر
إلٌها …أنا أتسلى بالصعود والهبوط والرقص فوقها ولعب الورق علٌها أٌضا …أنا ال أفعل أي
شًء ألجل الشًء ذاته …أنا أفعل كل شًء ألتسلى…وٌوما ما سؤستٌقظ وبجواري ملك الموت
ٌنظر فً ساعته كً ٌفنٌنً عند األجل تماما ..حٌنها سؤبتسم له وأقول بنصر …” لست نادمة
…فؤنا عشت الحٌاة كما أرٌد أن أعٌش …ال كما ٌنبؽً أن أعٌش ” ..وسؤوصً من حولً
وأقول” احفظوا هذا التارٌخ جٌدا…فالٌوم رحلت دعاء إلى فصل آخر من أحبلمها !”
فً صؽري كان حلمً أن أكون ممثلة كـ سعاد حسنً ونٌللً و فٌروز ..كنت أعشق فٌلم
“دهب” بصورة ؼٌر معقولة ..وربما كان هذا الفٌلم هو السبب األساسً فً الحلم الذي الزمنً
سنوات طفولتً بؤكملها ولم ٌفارقنً إال حٌن دخلت المرحلة الثانوٌة وانشؽلت بؤشٌاء كثٌرة
جعلتنً أنسى التلفزٌون واألفبلم وحلمً بؤن أكون نجمة سٌنٌمائٌة تخطو على سجادة حمراء
طوٌلة ورفٌعة تبدأ من الباب الخلفً لسٌارة لٌموزٌن سوداء بمجرد أن أنزل منها أؼمض عٌنً
من أضواء الفبلش الكثٌرة التً ستؽمرنً وأنا أجهل كٌؾ أبتسم لها وأحافظ على عٌنً مفتوحة
فً نفس الوقت كً ال تظهر صورتً على ؼبلؾ مجلة فً الٌوم التالً وأنا مؽمضة العٌنٌن !..
كنت أعشق فٌروز وأرى فٌها الطفلة التً ٌجب أن أكونها ..قلدت رقصها وؼنائها وكبلمها
وحركاتها البهلوانٌة التً كانت تؤتً بعفوٌة من شٌطانة صؽٌرة تتدرب على التمثٌل ..وكان أبً
وأمً ٌضحكان علً دون أن ٌخطر ببالهما حتى التفكٌر فً حلمً الصؽٌر بقلٌل من الجدٌة ..
فتمنٌت لو أضٌع منهما وٌجدنً أنور وجدي آخر ٌعطٌنً مزمار أدور به معه فً الشوارع
ونحن نمسك بطننا من الجوع ثم نتقاسم بفرح التفاحة المسروقة … فتنت بـ نٌللً وفوازٌرها ..
وتخٌلتها تسكن عروسة قطن لعبة لم أمتلكها ٌوما وبالتالً لم أكن مٌمً التً تتشاجر مع أخٌها
مٌمو علٌها وٌقوال”:اوعً ..سٌبً اللعبة بتاعتً … أل دي بتاعتً ٌ ..ا سبلم ٌاختً ..ماتشدش
..طب ٌبل سٌبٌها ..ماتشدش ..ماتشدٌش انتً..ماتشدش ..ماتشدٌش انتً” فتتمزق وتخرج نٌللً
منها لتقول “العبو مع بعض ما تتخانقوش” أو تقول “أنا أصل اللعبة” … وبالمناسبة أنا لم أمتلك
عروسة قطن فً طفولتً ألن أبً كان ٌعاملنً كصبً ..كان ٌؤخذنا لمحل اللعب فٌشتري
لشٌماء أختً عروسة وٌشتري لً سٌارة برٌموت ..اشترى لً عروسة واحدة فً حٌاتً كلها
..كانت ببلستٌك وكانت تحبو صامتة على كفٌها وركبتٌها وفً فمها ملهاة بمجرد أن أنزعها منه
تتوقؾ عن الحبو وتنفتح فً ” واء…واااء..واااء” بإزعاج النهائً ..كنت آخذها معً الحضانة
حٌث أضعت هناك هذه الملهاة ولم تتوقؾ العروسة عن الصراخ والوأوأة حتى وضعت فً فمها
عٌدان كبرٌت فسكتت وأخذت أبكً أنا على ملهاتها الضائعة وقلبت الحضانة رأسا على عقب
ولم أجدها ..كنت متؤكدة فً داخلً أن الدادة سناء هً التً أخفتها ألننً أعاندها دائما وال أطٌع
أوامرها مطلقا فؤرادت االنتقام منً وأخفت الملهاة فوق الدوالب العالً الذي لن أستطٌع
الوصول إلٌه مهما حاولت ..لم أستطع نهائٌا إثبات التهمة علٌها وإن كنت كرهتها للؽاٌة
وأزعجتها فٌما بعد بصورة مضاعفة وؼبٌة ..ماٌهم ..كنت أتحدث عن حلمً القدٌم الذي فر
من بٌن أصابعً كالماء وهرب ..كنت أرٌد أن أصبح كـ سعاد حسنً بطفولتها وداللها وخفة
روحها وضحكتها ورموشها الطوٌلة التً كنت أحبها جدا وحزنت حٌن عرفت فٌما بعد انها
رموش صناعٌة من أجل الكامٌرا فقلت بؽرور “أنا فوتوجٌنٌك أصبل ولن أحتاج أي من هذه
األشٌاء” ..اشترٌت أظرؾ كثٌرة وكتبت أكثر من خمسٌن رسالة على مدار حلمً مفداها ”:أنا
عاٌزة أشتؽل ممثلة زي سعاد حسنً أو نٌللً أو فٌروز” لم أعرؾ لمن أوجههم فكتبت على
الظرؾ بخط كبٌر ”:إلى رئٌس التلفزٌون”..كنت أعطٌهم ألبً لٌرسلهم وكان ٌعود وٌخبرنً
أنهم سٌردوا علً فً أقرب وقت ..وحٌن وجدت أقرب وقت هذا بعٌد للؽاٌة ولم أكن أطٌق
الصبر بكٌت ألبً طوٌبل كً ٌؤخذنً إلٌهم ..وكانت هذه االسطوانة تتكرر ٌومٌا دون توقؾ ..
ال أستطٌع أن أحدد بالضبط متً توقفت عن كتابة الرسائل وبالبكاء ..ولكن ٌبدو أن هذا حدث
حٌن لم أعد طفلة ألن األطفال هم فقط من ٌتمسكون بقوة باألشٌاء التً ٌرٌدونها وال ٌتخلون
عنها مهما حدث !..
تذكرت هذا كله اآلن حٌن قرأت منذ قلٌل عنوان صؽٌر ٌقول”:االحتفال بالذكري الخمسٌن على
إطبلق التلٌفزٌون المصري” ..ففكرت لحظتها أن أبعث رسالة تهنئة صؽٌرة لـ رئٌس التلفزٌون
الذي لم ٌكلؾ خاطره ٌوما بالرد على رسائلً الكثٌرة المتوسلة ..أشعر أننً حٌن أهم بوضعها
فً صندوق البرٌد فسؤجده مزدحما للؽاٌة وسٌنكسر وأتفاجىء بسقوط رسائلً القدٌمة كلها على
األرض كما حدث لـ أحمد حلمً فً فٌلم آسؾ على اإلزعاج فؤجلس على الرصٌؾ أضحك
بطرٌقة بائسة وعلى ظهري تربت أطٌاؾ سعاد حسنً ونٌللً وفٌروز !
هل ٌحبنً الشاي بالنعناع؟
أعشق الشاي بالنعناع …وأتناوله كل صباح كـ “كتابا موقوتا” ..أحتضن الفنجان بكلتا
ٌداي..وأستمتع بالدؾء الذي ٌسري فً عروقً مع أول رشفة …ألؼمض عٌنً بخدر..وأحتفً
برائحة النعناع التً تختفً فً الزواٌا كالسحر ..أعشقه حد أننً أعامله بقداسة ..البعض ٌشرب
الشاي بٌنما هو ٌذاكر ..وهناك من ٌشرب الشاي بٌنما هو ٌكتب ..ومن ٌشرب الشاي بٌنما هو
ٌقرأ الجرٌدة ..ومن ٌشرب الشاي بٌنما هو ٌجالس أصدقائه ..ومن ٌشرب الشاي بٌنما هو ٌفكر
…أما أنا …فؤجلس فً ركن قصً …أشرب الشاي بالنعناع …بٌنما أنا أشرب الشاي بالنعناع
!
كالعادة أعددت أمس الفنجان المقدس ..مسكته فً ٌدي وانا أهم بالجلوس وأضعه على حافة
المكتب …اهتزت ٌدي فجؤة …وسقط الفنجان على ظهرها فحرقها تماما …النار تتصاعد منها
…وعلبة كاملة من الكرٌم ال تطفؤها وال تثٌر بها أي نوع من البرودة …نظرت لـ ٌدي ..وأنا
أفكر :كٌؾ بإمكان األشٌاء التً نحبها بشدة أن تبالػ فً أذٌتنا إلى هذا الحد..ولو تساءلت :هل
الشاي بالنعناع ٌحبنً بقدر ما أحبه ..هل سٌبدو سإاال مجنونا؟ ..ألٌس من حقً أن ٌحبنً قلٌبل
كما بجلته أنا كثٌرا وعاملته كجزء منً ..فكرت :منار أٌضا لدٌها “كاركادٌهـ” ـها الذي تعشقه
…هل بامكان كاركادٌه منار أن ٌفعل هذا معها ؟..أم ان حظً دائما ما ٌوقعنً فً أشٌاء تنتظر
أول فرصة كـ “ارتعاشة ٌد” فقط كً تبرر قسوتها معً ..وخٌانتها لكل لحظة سعٌدة قضٌناها
معا …هل نحن من سمحنا لها بؤذٌتنا حٌن تنازلنا مرة وسكتنا على لسعة صؽٌرة من فوران
الماء وهو ٌؽلً …أم أن هللا فقط أراد هذا ..وما ٌحدث إال ماهو مقدر له أن ٌحدث ،وبقوة كبٌرة
بحٌث ال ٌمكن منع حدوثه !*..تذكرت وخزة إصبع “أحمد حلمً” فً فٌلمه “ألؾ
مبروك”…الذي حاول أن ٌتفادها فً كل مرة ٌعطٌه الٌوم فرصة أخرى بالتكرار ..ولم ٌفلح
فٌنشك اصبعه كل ٌوم بطرٌقة مختلفة ..مرة بدبوس ..ومرة بشوكة سمكة ..وهكذا ..فكرة الفٌلم
أن هناك أشٌاء قدرٌة ال ٌمكننا تؽٌٌرها أو منع حدوثها مهما حاولنا..كالموت والعمر و وخزة
اإلصبع !…وكل ما بامكاننا تؽٌٌره هو التفاصٌل الصؽٌرة للواقع ..كالفرح والحزن والرضا
والحب والكره وكل ما ٌجٌش به صدورنا …نحن نستطٌع تؽٌٌر الواقع …لكن لٌس بامكاننا أبدا
تؽٌٌر القدر !..هل كان مقدرا لٌدي أن تحترق وإن لم ٌحدث بالشاي ..كان سٌحدث بؽٌره ..ربما
كان هذا صحٌحا …ولهذا تمنٌت كثٌرا لو لم ٌكن الشاي السبب ..ألننً فً كل األحوال لن
أستطٌع التوقؾ عن حبه هكذا بكل بساطة ألن ثمة حرق ٌزداد لهٌبه …وال فائدة من تعلٌقه
على مشجب الباب فً الخارج كً ٌبرد قلٌبل !..
أنظر للحرق اآلن ..لونه أصبح بنً ..وأنا أكره اللون البنً ..لماذا لم ٌكن لونه أزرق فاتح مثبل
..أو فوشٌا ..؟ ..لماذا ال تفوح منه رائحة النعناع؟ ..ولماذا ال ٌعتذر لً الشاي هذا الصباح عما
فعله باألمس ؟؟ …حتى الشاي ال ٌعتذر ! ٌاأهلل ! ال أستطٌع أن أعٌش بعالم ال ٌوجد به“ :آسؾ”
و “شكرا” !
ما ٌحدث إال ماهو مقدر له أن ٌحدث ،وبقوة كبٌرة بحٌث ال ٌمكن منع حدوثه
!*…….ساراماجو
ماذا لو كان ؼدا هو الٌوم األخٌر فً حٌاتً؟ ٌ ..لح على رأسً هذا السإال منذ عدة أٌام وأفكر
فٌما ٌمكننً أن أفعله إن تؤكدت من هذا حقا ..ورؼم أننً أحاول دائما أن أكون فتاة سعٌدة بكل
ما أملك من رؼبة فً الحٌاة والفرح والبهجة وأتجاهل الموت بصورة مرٌبة كؤنه ال ٌخطر ببالً
مطلقا..بذرٌعة أننً مشؽولة بحٌاتً الكبٌرة عن نهاٌتً المحتومة ذات ٌوم ..إال أن فكرة الموت
هذه ال تفارقنً على اإلطبلق ..و ٌبدو أن أكثر ما نبالػ فً تجاهله وإظهار أننا ال نكترث به
ٌكون أكثر ما ٌستحوذ علٌنا وٌشؽلنا بالنهاٌة ..دائما ما أتخٌل حالً إن ألقٌت بنفسً من الشرفة
وكٌؾ سٌكون شعوري فً الثانٌة التً سؤحلق فٌها حتى أصل إلى األرض وأسقط على جذور
رقبتً وأتكسر ..أفكر فً كل مرة أركب فٌها السٌارة فً ماذا لو فتحت الباب وملت بجسدي
قلٌبل للخارج أمدنً إلى الهواء لٌلتقطنً برفق ..لكنه متعجل جدا وٌمضً دائما بسرعة هائلة
فً االتجاه المعاكس ..لذا فهو سٌشدنً بقوة وٌدحرجنً تحت عجبلت السٌارة وربما فً جانب
الطرٌق حٌث ٌصطدم رأسً بحجر صلد ٌشج رأسً ..حٌن أناول السكٌنة ألمً لتقطع البصل
والسلطة ..أتخٌلنً وأنا أؼرسها فً بطنً وأباؼت أحشائً التً تنقبض كثٌرا عندما أخجل
وعندما أحب وعندما ٌنتابنً الهلع الشدٌد وعندما أتفاجىء بشًء لم أكن قد أعددت نفسً له
مسبقا ..حٌن ٌمر قطار البضائع السرٌع فً الساعة الثانٌة والنصؾ تماما وٌهز األرض
والجدران فؤنا أتذكر الحادثة التً كنت قرأتها عن فندق كاد أن ٌنهار فوق نازلٌه ..ورؼم نجاة
الكل تقرٌبا إلى أن فتاة واحدة لم تستطع أن تفلت من موتها المحتوم والخرسانة التً سقطت
فوقها ودكتها باألرض دكا ..أخاؾ من اهتزاز الجدران لحظة مرور القطار ألننً أتوقع فً كل
مرة قالب طوب ٌسقط علً وٌفنٌنً تماما ..أفكر فً الموت بكل األسباب الممكنة والمستحٌلة
بداٌة من قطرة ماء تخطو خطؤ فً قصبتً الهوائٌة حتى سماء تنطبق على األرض وشٌئا ٌشبه
ٌوم القٌامة أو فٌلم .. 2112وأعرؾ أننً أتنفس فً هذه اللحظة وأعٌش ألن السٌارة فرملت
بحدة وبصوت عالً من احتكاك العجبلت باألسفلت وسباب السائق قبل أن ٌصدمنً بسنتٌمتر
واحد ..أعٌش ألننً نجوت من السلك المكهرب الذي التؾ حول جسدي مرة وكلما حاولت أن
اتخلص منه بانتفاضات عنٌفة التؾ أكثر وأكثر حتى جاءت أمً ونزعت الفٌشة ودثرتنً جٌدا
وأنقذت حٌاتً ..أعٌش ألن معدتً استفرؼت كل السموم التً كادت أن تقضً علً حٌن كنت
أجلس فً درس اللؽة العربٌة بالصؾ الثالث الثانوي ..أعٌش ألننً جرٌت بؤقصى سرعة حٌن
كنت صؽٌرة وطاردنً كلب مسعور مزق طرؾ فستانً البرتقالً وأوشك أن ٌلتهمنً لحما
وعظما ..أعٌش ألننً تذكرت عٌن البوتجاز التً نسٌتها مفتوحة دون أن أشعلها فهرولت إلٌها
وأؼلقتها ثم هوٌت المنزل وتجنبت مفاتٌح الكهرباء حتى اختفت رائحة الؽاز تماما من المكان
كله ..أعٌش ألن أجلً المسمى لم ٌؤت بعد ..ولكنه قد ٌكون ؼدا أو الٌوم أو بعد قلٌل..
لو كان هذا ٌومً األخٌر لكنت ضممت أمً وقبلت جبٌن أبً وأؼمضت عٌنً وتشهدت ..لو
كان هذا ٌومً األخٌر لكنت تركت وصٌة من سطر واحد ”:إلى كل من أحببتهم وأحبونً …
عذرا على رحٌلً ..وشكرا على ذكرٌات خجولة تهب فً صدري كالنسٌم “ ..لو كان هذا
ٌومً األخٌر لكنت كتبت رسائل أخٌرة لكل من ارتجؾ قلبً ألجلهم ٌوما ..لـ أمً ..لـ أبً ..لـ
أحمد ..لـ إخوتً ..لـ ؼادة ..لـ أسماء ..لـ وفاء ..لـ منار ..لـ رقٌة ..آلخرٌن ؼٌرهم ..
أخبرهم عن كل ما أظهرته وكتمته واقترفته وأحببته وكرهته وشعرت به و سكنته وسكننً ..
أخبرهم عن وجودي الذي التصق بوجودهم ..وحٌاتً التً التصقت بحٌاتهم ولكنها آن لها أن
تفارق اآلن وهً تعرؾ أن صوتها الذي ال ٌتكىء وهنه على شًء اآلن ..لن ٌسقط فً الفراغ
..وسٌصل !
الســــــر !
حٌن قرأت كتاب السر من أكثر من عام ..كنت مبهورة جدا به ..وعرفت حٌنها كٌؾ استطاع
هذا الكتاب أن ٌؽٌر تفكٌر العالم أجمع ..وٌعٌد رسم األحبلم وتعبٌد الطرق لكل من قرأه ..
آمنت به ومضٌت أفكر فً أحبلمً واقعا سٌتحقق عما قرٌب ..طبعا الكتاب ٌتحدث عن قانون
الجذب ..وكٌؾ بإمكان األفكار السعٌدة أن تجذب مثٌبلتها ..واألفكار السٌئة أن تجذب ما
ٌماثلها أٌضا وأن كل فكرة حقٌقة وقوة ..صدقت أن مستقبلً هو األفكار التً تدور فً رأسً
اآلن ..وحاضري هو كل ما فكرت به باألمس ..وألننً فتاة مسلمة كانت ؼصة صؽٌرة تقؾ
فً حلقً ..ألن الكتاب ٌجزم بؤن ما سٌحدث هو ما تفكر به اآلن بالضبط ..وبقد إٌمانك
بؤفكارك هذه ستتحقق ..جٌدة كانت أم سٌئة ..وألننً أإمن أن المستقبل ؼٌب ..والؽٌب فً
علم هللا وحده ..قررت أن أسبق وأتبع كل أحبلمً وأفكاري بجملة “إن شاء هللا” وأن أجعل
إٌمانً التام بؤحبلمً هو ثقة وٌقٌن باهلل ..ومضٌت هذا العام واألٌام تبرهن لً ٌوما بعد ٌوم
على صدق هذا الكتاب وواقعٌته ..وأن كل ما جاء به سلٌم تماما … ازدادت ثقتً بالسر الذي
عرفته وكنت سعٌدة بقدرتً على الجمع بٌن ماٌقره الكتاب وما ٌقره دٌنً ..وتعجبت كٌؾ
ٌكتشفه شخص ؼٌر مسلم لنسلم به نحن ..حتى قرأت هذه اللٌلة مقالة عن الخطة التً أعدها
الرئٌس أوباما لوكالة الفضاء األمرٌكٌة لتنفذ فً عام 2122بخصوص نجٌم صؽٌر سٌقترب
من األرض فً هذا العام ..وعن ارسال أجهزة إلى هذا الجسم واختٌاره نقطة وثب إلى ما وراء
منظومتنا الشمسٌة ..وقد التقط مرصد ببلنك الجدٌد صورا ستؽٌر كل القوانٌن التً نعرفها كما
أدت نظرٌة أٌنشتاٌن :النسبٌة العامة والخاصة ،إلى تؽٌٌر كل قوانٌن الفٌزٌاء والكٌمٌاء ..
وتفسٌرات العلماء لهذه الصور ستإدي إلى تؽٌٌر مبادىء الفٌزٌاء الفلكٌة وقوانٌن الحركة
والجاذبٌة وربما نظرٌة النسبٌة أٌضا ..
وكما قال الرئٌس كٌندي لعلماء الفضاء:ستذهبون إلى القمر وتعودون سالمٌن … وقد تحقق هذا
األمل ..فإن أوباما سٌحقق حلمه أٌضا ألنه قال ”:أنت تستطٌع ..نعم ..أنت تستطٌع” وهو على
ٌقٌن من أنه ووكالته ٌستطٌعون !
كل هذا زاد من إٌمانً أكثر بهذا السر حتى أننً كنت أقرأ هذه األحبلم وأنا أتذكر أمثلة الكتاب
واحدا بعد آخر وأضٌؾ إلٌها هذا المثال أٌضا قبل أن ٌضٌؾ نفسه بعد خمسة عشر عاما من
اآلن… .حتى حدث أخٌرا وصادفت حدٌث للرسول “علٌه الصبلة والسبلم” ”:لو تعلق قلب ابن
آدم بالثرٌا ..لنالها” !..
ٌا هللا ..قرأت الحدٌث أكثر من عشرٌن مرة ..وسلمت وأسلمت برسول هللا ألؾ مرة ..وعرفت
أن السر قد أخبرنا به رسولنا قبل أربعة عشر قرنا من اآلن ..ولم ٌعد الكتاب ٌهمنً ولم تعد
هناك ؼصة فً حلقً ..وكل هذا اإلسهاب واإلطالة فً الكتاب التً أشعرتنً بالملل فً بعض
فصوله ..قالها نبٌنا “صلى هللا علٌه وسلم” فً نصؾ سطر بصورة وتشبٌه رائع ..لن ٌقدر
على وصفه شًء!
من حوالً ساعة ..انقطعت الكهرباء ..كنت فً الشرفة العلوٌة أضع السماعات فً أذنً..
الدنٌا ساكنة جدا و تشبه صمت راهب ٌتعبد فً الصحراء ..بٌنما الموسٌقى فً رأسً تهٌج
وتثور كبحر ..الصورة تتفتح مع الوقت كلما تؤقلمت عٌنً أكثر مع الظبلم ..فؤشعر أن القمر
أضاء فقط عندما انطفؤت المصابٌح .وكؤنه ٌتمرد فً وجودها ..وأنتبه أنه بدر ..ولونه أبٌض
جدا ..وها هو اللٌل ٌنهزم أمامه وٌخضع ..
أنا وحدي تماما ..ال ٌرافقنً سوى اللحن ..أسرتً بالطابق األسفل ..الشوارع خالٌة ..والطرٌق
الزراعً ذابل ..تسلقت سور الشرفة ..دون أن آبه لسمكه الذي ال ٌتجاوز 11سم..وقفت على
حافته ..وفردت ذراعً ألحفظ توازنً ..الهواء ٌراقص شعري وٌمؤل المسافة بٌن ذراعً
وجسدي ..ال شًء أمامً سوى البرااااح ..لست خائفة..وأكاد أن أطٌر …ؼنٌت I try to fly
… “ "!… away….so highأؼمضت عٌنً ..فكرت :أنا ربان سفٌنة والرٌاح مواتٌة تماما
لئلقبلع…قلت :لو رأتنً أمً اآلن فستصرخ برعب وربما فقدت الوعً ..أمً امرأة قوٌة جدا
..ولكن قلبها ٌضعؾ كثٌرا كلما تعلق األمر بً !..
توترت مبلمح وجهً فجؤة ..تجهمت ..وبدا على وجهً أننً أفكر فً األسوأ …مددت احدى
قدماي فً الهواء ..كؤننً أهم بالقفز ..والتردد ٌحتل كل مللٌمتر فً ..وتراجعت فً اللحظة
األخٌرة وأخذت أضحك وأنا أخرج لسانً فً وجه كل شٌاطٌن الدنٌا ..دائما ما كان ٌؤخذنً
التفكٌر بشٌطان ٌقؾ على جانبً وٌوسوس لً فً أذنً الٌسرى ..ودائما ما علقت كل أخطائً
فوق قرنٌه ..كنت أفكر ”..الشٌاطٌن بإمكانها أن تدخل أفكار إلٌنا ..لكن لٌس بإمكانها أن تعرؾ
فٌما نحن نفكر” ..أنا مإمنة أن هللا وحده ٌعلم ما تخفً الصدور ولم أكن أحاول أن أثبت هذا
..بقدر ما كنت أحاول أن أخدع شٌطانً أنا هذه المرة …بعد عشرٌن عاما من الخدٌعة ٌمارسها
هو علً بتسلط ….قلت لو رآنً حزٌنة وأهم بالقفز سٌفكر أنها فرصته المثالٌه لٌشجعنً بل
وربما قذفنً بوسوساته ..رفعته حتى عتبة السماء األولى وهو ٌظن أنه أخٌرا سٌنتصر ..ثم
كسرت قرنٌه وألقٌته فً سابع أرض حٌن تراجعت أضحك ..كؤنً لم أرفعه إال كً ٌكون
للسقوط دوي أكبر …أو ال شًء من كل هذا ..ببساطة شدٌدة ..أنا كنت فقط… .أخدعه !
نزلت من فوق السور …و انتبهت للموسٌقى فً أذنً ..تماٌلت ٌمٌنا وٌسارا ..نثرت شعري
وألقٌت بالمشبك على األرض ..وقذفت ” الشبشب” من رجلً..وبدأت أرقص حافٌة ..تذكرت
شعري قبل أن أذبحه من شهرٌن ..وترحمت على الؽجرٌة التً كانت تبعثره وترقص فً
مهرجان الؽجر فً موكاندو. .لم ٌعد قصٌرا جدا ..ولكنه لٌس بالطبع ربع ما كان ..نسٌت
شعري سرٌعا ولم أعرؾ كم من الوقت مضى وأنا أرقص ..وأدور ..كفراشة فً صندوق
الموسٌقى ..تبدأ فً الرقص والدوران فور فتح الصندوق …شعرت بشعري ٌطول ..وبجسدي
ٌخؾ كورقة ..ولم أنتبه للمكان إال عندما رجعت الكهرباء فجؤة وأضاء عمود الشارع فً
وجهً..كنت كسندرٌلبل باؼتها الوقت وتحولت من أمٌرة فً قصر ملكً إلى صعلوكة حافٌة
تؽسل الصحون لزوجة أبٌها ..لم أتوقؾ ..وأكملت دورتً ..حتى دخت تماما وسقطت على
األرض ..شعري ٌلتصق بالماء على جبٌنً ..وقلبً ٌدق كمجنون ألن الدم ال ٌطاوعه وٌجري
فً رأسً …حٌث انخفض الموج فجؤة وهدأت ثورة البحر وحلق نورس فً جبٌن السماء حٌن
سقطت السماعات من أذنً وانفرطت على األرض حبات الموسٌقى !
-إن سؤلوك عن الحب ٌا صدٌقتً فتحدثً عن كل األشٌاء الجمٌلة فً الكون ..تحدثً عن الفرح
والضحك واأللوان والمطر و القبل والشٌكوالته والزهور واألعٌاد واألحبلم والنجوم وارفعً
أصابعك لترسمً بها قوس قزح ٌمٌل من السماء على قلبك ..ثم ابتسمً ..واسرحً كثٌرا !
وإن سؤلوك عن الحب فتحدثً عن كل األشٌاء السٌئة فً الكون ..تحدثً عن كل األلم على
األرض حٌن ٌنسكب فً قبضة ٌد بحجم القلب تماما ..عن طعم الملح فً الدموع ..عن الوجوه
الشاحبة والجثث المذبوحة فً الحكاٌا..عن الضٌاع والؽربة والموت ..ثم تؤوهً ..وابكً كثٌرا
كثٌرا !
أنا أتوه فً النصوص الدٌنٌة ..أشعر بالعجز وبضآلتً الشدٌدة أمامها ..أذكر مرة طلب منً
شخص أن ندخل معا “موضوع دٌنً” فً أحد المنتدٌات لنتناقش ..كان ٌعرؾ أننً أحب جدا
هذا الشًء ..فرحت بطلبه ..وبدأ هو ..وجاء دوري ..اختفٌت ألكثر من ساعة ..توترت
وارتبكت ..ولم أعرؾ ماذا اكتب ..وجاء ردي ردٌئا وكرهته جدا ..أنا التً أحب كل حرؾ
أكتبه وأرضى عن كتاباتً بشكل كبٌر ..لٌس ألننً أراها جٌدة وتستحق الرضى ..وإنما ألنها
آتٌه من ذاتً ..وألنها تنتمً إلً بصورة ال مثٌل لها ..وأنا لم أشعر من قبل بشًء كامل ٌنتمً
إلً..وإن كنت أنا انتمٌت للكثٌر من األشٌاء التً أرهقتنً جدا ..واستنزفتنً كـ عدو!.
أنا خائفة ! …خائفة كثٌرا !..خائفة من رمضان هذا العام أكثر من أي وقت مضى …رؼم أننً
كنت سعٌدة جدا جدا رمضان الفائت …حتى أننً كتبت آخر لٌلة :
“الٌوم آخر أٌام شهر رمضان..وال أكاد أصدق…اللٌلة الماضٌة رجوت رمضان أن ٌترٌث
قلٌبل وال ٌمضً سرٌعا كما جاء سرٌعا ..سرقت حقٌبته وأعدت ؼسل النهارات وكً اللٌالً كً
أعطله قلٌبل..أردت أن أرتبها من جدٌد وأخبىء نفسً فً طٌات لٌلة ..كً ٌرحل بً على ؼفلة
منه بعدما رفض صحبتً..وها قد نجحت فً تعطٌله ..والجمٌع ٌتعجب”كٌؾ للهبلل أن ٌظهر
فً سماء الشرق والؽرب وال ٌظهر بٌنهما؟!” ..ووحدي أعرؾ السبب وال أنطق ..وألنً لم
أراقب سفره قبل هذا العام …ال اعرؾ طقوس رحٌله..هل سٌقؾ أمام المرآة ٌعدل من
هندامه..ثم ٌراجع حقائبه وٌفتحها كً ٌتؤكد أنه لم ٌنس شٌئا..وهل سٌكشفنً فٌباؼتنً بابتسامه
خبٌثه ..وأنظر إلٌه نظرات خجلى فٌلتقطنً وٌدفعنً برفق خارج أشٌاإه وٌعدنً كما نعد
الصؽار أنه سٌؤخذنً معه فً المرة القادمة..ال أعرؾ ولكن لساعات قلٌلة سؤكتم أنفاسً فلربما
تاه عنً.
صدقا سؤفتقده كثٌرا…سؤفتقد صلواتً قبل الفجر كل لٌلة مع أمً…سؤفتقد بحثنا بعد الفجر فً
أرجاء المنزل عن كل الوسادات …فنؤخذها ونؽطً بها أرضٌة الشرفة كلها …ونرقد فوقها..
أضع رأسً فوق ذراع أمً ونحدق معا فً السماء ..نكتشؾ النجوم ونراقب اللٌل وهو ٌٌزحؾ
نحو الؽرب كؽول ثقٌل ٌرهبه النور اآلتً من الشرق…
أنا وأمً لنا نجوم تخصنا وحدنا …ال أحد ؼٌرنا ٌمٌزها … وعندما أسافر تحت سماوات
أخرى وال أجدها …ٌحفر الحنٌن قلبً بملعقة…بقافلة النجوم الباهته التً تصر أمً أنها تؤخذ
شكل ملعقة وأصر أنا أنها مضرب تنس …أخبرها أنها الترى باقً استدارة المضرب وأن
رمضان واألكل وأدوات المطبخ والمبلعق أثرت فً نظرتها لؤلشٌاء…وتخبرنً أنً لم أفٌق
بعد من هزٌمتً النكراء فً شوط التنس الوحٌد الذي لعبته فً حٌاتً…فبت أراه فً كل
األشٌاء….نصمت ونسرح للبعٌد وأعود على صوت أمً وهً تقول بفرح :انظري…القمر
الروسً ..القمر الروسً ”!..أنظر حٌث تشٌر وأرى نجما باهتا ٌمشً فً سرعه وثقة بٌن
النجوم…ٌعرؾ طرٌقه جٌدا ..كرجل أعمال ٌحسب وقته بالثانٌه….ماضٌا إلى احدى اجتماعاته
المهمة…أقول لها “لٌس بالضرورة أن ٌكون القمر الروسً….كل دولة اآلن لدٌها قمر
واثنان”..تقطب جبٌنها وتصر” هذا هو القمر الروسً…كنت أجلس أنا وجدتك نفس جلستً
معك وكانت تخبرنً بذلك” ..أنا أنفً كونه “الروسً”..وأمً تصر…وأمام اصرارها أضحك
وأستسلم ..أقول “بعد 22عاما ساجلس مع ابنتً أٌضا …وسؤشٌر لها وأقول هذا هو القمر
الروسً..ستقول ٌاماما الشارع المجاور أطلق قمرا الشهر الماضً ”!..وسؤصر..!.تضحك أمً
وتعود لتسبٌحها وأعود أنا للبعٌد…أتراخى داخلً ..وٌعود ذلك االحساس الضبابً مجددا
..أندثر ..وأذوب….أرتفع إلى النجوم…فؤضًء فً سماء هللا…”!.
ٌا أهلل ….لماذا أنا خائفة هكذا؟ ..ولماذا لست نجمة كالعام الماضً ؟…انا كوكب؟ ..ال ..أنا
قمر؟..ال أٌضا …أنا قمر صناعً ؟؟!..ال ال .
أنا حصاة صؽٌرة فً أقصى األرض تحلم بؤن تؤمن وترتفع فقط!
أمنً ٌا أهلل!..
ثرثرة سرٌعة !
أرٌد أن أحصل على ساعه واحدة فقط أو ساعتٌن من النوم واعجز ،،الساعة االن الخامسة
والنصؾ فجرا ..ضبطت منبهً منذ قلٌل على السابعة والنصؾ ..وأؼمضت عٌنً أبحث عن
النوم فً الظبلم حٌث ٌجب أن ٌكون ..لكنً اكتشفت أن _الطفل النوم_ لٌس ضائع ..لكنه
مخطوؾ ..وهكذا لن ٌجدي بحثى عنه مهما حاولت ..فهل علً أنا أن أوجه النداء لمن سرق
طفلً النوم منً وأرجوه أن ٌعٌده إلى فً مقابل قرط ذهبً ..ألننً لم ألبس قرط فً حٌاتً
..رؼم أن لدي ثبلث ..لكننً أكره الذهب عموما ..واألقراط بصفة خاصة ..وأرٌد أن اتخلص
منهم بؤي وسٌلة ألن أمً تلح علً أن أرتدي واحدا فاألنوثة كما تقول تكتمل بهذه األشٌاء
…وأنا راضٌة عن أنوثتً بهذا الشكل ..وال أبتؽً كماال أكثر ،واآلن ٌا عصابة “اللهو الخفً
” ٌ..اخاطفً “نومً الطفل” …هل تقبلوا أقراطً مكانه؟؟
.الٌوم ٌجب أن ٌكون ٌوما ممٌزا جدا …أنا ال أفرض هذا ..فقط أتمنى من هللا لو كان !..ألنه
عٌد مٌبلد ؼادة ..توأم قلبً..وأنا أرٌد أن أسعدها بشكل ال مثٌل له كما تسعدنً هً دائما ..وال
توجد فً رأسً اآلن خطة معٌنة …ألننً وضعت أكثر من عشر خطط ..وقمت بؤكثر من
عشرٌن مكالمة وبعثت كم من المسجات فشلت فً عده ..ولكن ال شًء ٌتم كما أرٌد ..لذا سؤسلم
األمر هلل وأنا أثق فً تخطٌطه حٌن ٌرٌد الخٌر كله لنا ..ولٌس بإمكان أى كائن افساد خطته..كل
ما أرٌده فقط اآلن أن أنجح فً النوم كً أصبح والحٌاة تجري فً عروقً مجرى الدم ..رؼم أن
عدم النوم ٌؤتً دائما بنتائج أكثر اٌجابٌة فً أٌام الخروج و”الفسح”..حٌن ٌخلو الٌوم من شًء
ٌستدعً التركٌز والفهم وتشؽٌٌل المخ ..وٌكون فقط “التهٌٌس” هو سٌد النهار ..فنتكلم ببل تفكٌٌر
..كؤن الكبلم ال ٌؤتً من منطقة ما فً المخ ..ولكن من منطقة أخرى ال تعرؾ شٌئا عن
“المفروض ما نقولش كده !” ..فنفصح عن كل ما ال ٌجب االفصاح عنه ..ونضحك حٌن ٌجب
أن نضحك ..ونضحك أٌضا حٌن ٌجب أن نبكً ..ونضحك أٌضا وأٌضا حٌن ٌجب أن نسكت
!..
من ساعة ..ارتكبت حماقتٌن كبٌرتٌن علً بحجم قمٌص أبً القدٌم الذي أرتدٌه اآلن ..وأمً
التً تصرخ فً كلما رأتنً ترٌدنً أن أرتدي شٌئا من مبلبسً بدال من هذه المبلبس التً ال
تعطٌنً مبلمح..وأنا أبحث عن الحرٌة فً كل شًء ألننً مللت العوالم الضٌقة ..واألماكن
الضٌقة ..والشوارع الضٌقة ..والؽرؾ الضٌقة ..والمبلبس الضٌقة ..أو حتى التً تناسبنً تماما
..ألننً أرٌد البراح وال أجده إال فً األشٌاء الصؽٌرة حٌث صفحتً هنا ”..حكاوي
القهاوي”..حٌن أكتب فً موضوع وأنتقل إلى آخر دون ان أرتبط بشًء معٌن أو فكرة محددة
تجبرنً على االلتزام بها…..وحٌث قمٌص أبً !
حسنا ..حسنا ..أعرؾ أننً ابتعدت عن الحماقتٌن التً ذكرتهما _لٌس كثٌرا ولكن من ٌقرأ
سٌظننً نسٌت ما كنت سؤقوله_ ..ال .أنا لم أنسى ..ولكننً كنت أرٌد أن أراوغ قلٌبل ألننً
ندمت على اعترافً ..وأنا أكره زر المسح للخلؾ أكثر مما أكره كلمة أتت فً ؼٌر مكانها ..أو
اعتراؾ ٌنبؽً أال ٌؤتً ! …وٌبدو أن مرحلة التهٌٌس بدأت ألننً كدت أفصح عما ال ٌجب
االفصاح عنه !
أتساءل اآلن ..لماذا أكتب فً هذه اللحظة ؟…ومن ٌهمه كل هذه التفاصٌل التافهة؟ …ولماذا
أسرد كل شًء كمذٌعة النشرة حٌن ال تخفً شًء ؟ ..ال ..ال …أنا كاذبة فً الجملة السابقة
ألننً أخفً الكثٌر من األشٌاء تحت الببلطة السحرٌة المبلمسة لقدماي اآلن ..حٌث ال ٌستطٌع
أي إنسان بالعالم تكهن ما تحتها..أنا فقط من أعلم بسرها ألننً الفتاة التً انتخبها الجن أمٌرة
لحكاٌاهم !
“الببلطة السحرٌة” …لم انطق هذه الكلمة من زمن ٌتكون من سنوات ،،ونطقتها اآلن دون
وعً …فً صؽري كانت تسلٌنً كثٌرا ..ألننً كنت أصدق أن الببلطة األخٌرة فً زاوٌة
الطرقة فً المنزل ..هً الببلطة السحرٌة ..وأننً إذا وقفت علٌها ولم ٌرانً أحد ..ستؤخذنً
وتنزل إلى عالم ٌشبه الجنة ٌكمن أسفل المنزل ..عالم ملًء بالشٌكوالتة التً ٌمكننً أن آكل
منها قناطٌر دون أن أتعب ودون أن أشبع ودون أن تؤتً أمً لتقول ” سنانك هتسوس …كفاٌة
كده !”..عالم ٌخدمنً فٌه ولدان مخلدون لهم أجنحة قصٌرة تشبه أجنحة الكتكوت
“وندي”..سٌساعدوننً أن أركب “المرجٌحة” ألن أبً ال ٌوجد لٌرفعنً علٌها و قامتً مازالت
قصٌرة جدا وال ٌمكننً أن أركبها وحدي …وحٌن تطول قامتً وٌصبح بإمكانً أن أفعل هذا
وحدي …سٌكون من المخجل أن أفعل ! ..دائما ما بررت عدم نزولً بالببلطة بؤن شخص ما
ٌراقبنً والتعلٌمات تقتضى أال ٌرانً أحد ..أو بؤن هناك كلمات سحرٌة علً أن اتمتم بها كً
تؤخذنً الببلطة وتنزل فؤقؾ طوال النهار أهمهم بخزعببلت …وال شًء ٌحدث ..لم أٌؤس فً
ٌوم أبدا ..كنت أملك من عناد األطفال ما ٌجعلنً أقؾ عمرا فوقها !..وهذا ٌجعلنً أتساءل اآلن
…لماذا مشٌت إذا؟؟ …ربما فقط ألننً لم أعد طفلة !……ٌ..ااااااااااااااااااااااه …أتذكر اآلن
كل الساعات التً قضٌتها وأنا أتخٌل واتخٌل هذا العالم القرٌب جدا على مرمى ببلطة ..والبعٌد
جدا على مرمً سماء مقلوبة ألسفل ..حٌن تكون األرض التً أقؾ علٌها أعلى !
اللٌلة الفائتة حدثت لً صدفتٌن جمٌلتٌن جدا …األولى حٌن كنت أتمشى مع أختً فً شارع
محب ..وصادفت شابا وسٌما أحببته مرة..وتقاطعت نظراتنا فً نصؾ نظرة ال أعرؾ كم دامت
حقا ..كانت طوٌلة جدا ..رؼم أنه كان ٌمشً عكسً ..وكان زمن عبورنا أقل من ثانٌة ..بعدها
ابتسمت ومال فً قلبً ؼصن بشكل شرٌان ..ومشٌت أضحك من الصدفة دون أن أفكر فً
شًء معٌن ٌخصنً أو ٌخصه ..وبعدها ضحكت على ضحكً ..ثم ضحكت على ضحكً من
ضحكً ..وكل ما أردته أن اعود سرٌعا للبٌت كً أفتح شاشتً واكتب ”:أنا ملٌئة بالضحك”
…لكننً عدت وانشؽلت بالخطط الكثٌرة التً وضعتها والتً فشلت جمٌعا ..ونسٌت…! وحٌن
تذكرت لم أضحك !
أما الصدفة الثانٌة ..فلم أتوقؾ عندها كثٌرا ألن السٌارة أسرعت ..وكنت مشؽولة جدا بالؽناء
”:أنا مش مبٌناله أنا ناوٌاله على اٌه …ساكتة ومستحلفاله ومش قاٌبلله ساكته لٌه !”
مرت ساعة منذ بدأت الكتابة ..ومن ٌقرأ سٌظن أننً أكتب بتواصل لكننً ال أفعل هذا ألننً
أكتب كل فقرة ثم أقوم من مكانً ..أتفرج على الهدٌة قلٌبل ..وأعود ألواصل ……سعٌدة جدا
بها ..وأتمنى وأتمنى لو تعجب ؼادة …الهدٌة مجموعة من الصور لها ولنا معا ولبقٌة
األصدقاء وأشخاص تحبهم ..كنت قد التقطها بكامٌرا الموباٌل ..بعض الصور حدٌثة من حوالً
اسبوعٌن ..وبعضها من أكثر من عامٌن ..طبعتهم فً استودٌو تصوٌر واشترٌت أمس ألبوم
شكله جمبل جدا مرسوم علٌه فتٌات فاتنات ٌشبهن أمٌرات القصور ..فً الحقٌقة ٌشبهن أنا
وؼادة وبقٌة األصدقاء ..ال ..فً الحقٌقة هن نحن فعبل ! …كنت أفكر بؤن أكتب فً ظهر
الصور رسائل قصٌرة لها ..وتراجعت عن الفكرة خشٌة على الصور ..وجدت فكرة أخرى ٌدي
تقارب ذٌلها ولم أمسكها تماما بعد !
الساعة تجاوزت السادسة والنصؾ ..وألننً تخلٌت عن فكرة النوم تماما ..سؤلؽً منبهً
المضبوط على السابعة والنصؾ ..وسؤذهب ألتفرج على الهدٌة !
أجلس طوال النهار أمام الشاشة ألؾ خصبلت شعري حول اصبعً حٌنا ..وأفرك جبهتً حٌنا
وأنا أحاول بكل الطرق أن أكتب نصا ملتزما بقواعد الكتابة !..حتى أحبطت فً النهاٌة ..وأنا
أردد ”..لٌس بإمكانً أن أفعل” ..تضاٌقت جدا وشعرت أننً أعجز عن كتابة شًء حقٌقً
ٌندرج تحت بند “كتابة بؤصول” ..كنت أنوى أن أشترك بمسابقة أدبٌة واخترت مسابقة القصة
القصٌرة..ورؼم أننً أحلم بكتابة رواٌة إال أننً تجنبتها ألننً لم أحبل بؤبطالها بعد .رؼم أن
الرواٌة مشروع مرٌح أكثر ألنه سٌكون بإمكانى حٌنها أن أتحدث وأسرد وأنا أشعر أنى أقؾ
على حافة الفضاء ومجال تضمٌن األفكار متسع ببل نهاٌة لكننى خفت أن أتوه ..وأال أصل
..وهكذا لجؤت للقصة القصٌرة ..والمطلوب مجموعة قصصٌة ال تقل عن 12قصة ..تصفحت
النت أبحث عن شروط كتابة القصة القصٌرة وقواعدها ..ووجدت األمر سهل جدا ..مكان
وزمان ووصؾ للشخصٌة ..وعقدة وحل أو كما ٌطلق علٌه لحظة التنوٌر فً القصة..أعجبنً
الكاتب االنجلٌزي “وٌلز” وهو ٌقول فً وصفها ”:ال ٌهم أن تكون خفٌفة أو دسمة ..انسانٌة أو
ؼٌر انسانٌة..زاخرة باألفكار التً تجعلك تفكر تفكٌرا عمٌقا بعد قراءتها..أو سطحٌة تنسى بعد
لحظات من قراءتها المهم أن تربط القارىء لمدة تتراوح بٌن دقٌقة وخمسٌن دقٌقة ..ربطا ٌثٌر
فٌه الشعور بالمتعة والرضى” ..تهٌؤت ..وفتحت صفحة بٌضاء ..كتبت:
“ؼرفة مطلٌة بالبحر ..والسماء معلقة سقفا ٌ،،تدلى منها قطن أبٌض بشكل سحاب..تعٌش بها
منذ نعومة أحبلمها ..منذ أن صدقت ذات نهار صٌفً أنها سمكة !”
وتوقفت ألننً اكتشفت أننً ال أستطٌع أن أكتب قصة قصٌرة ال عبلقة لها بً ..وإن كنت أرٌد
أن أكتب قصة بعنوان ”:صرصور الحقل والصفارة فً حلقه!”..أو أن أكتب عن عجوز ..تعبر
حٌاته أمامه لحظة عبوره للشارع ..أوعن اثنٌن مراهقٌن ٌمارسان جنونهما أعلى التلة ..أو عن
شجرة تعبت من وقوفها وتحلم بؤن ٌؤتى ٌوم وتسترٌح ..كنت أرٌد أن أختفً ..وأن أكتب ما ال
ٌمت لً بصلة ..أن أتحرر من دورانً فً فلك دعاء ..ألن تحرري من قواعد الكتابة ال ٌعنى
أننً حرة تماما ..أنا مسجونة فً فضاء ذاتً ..وأحلم فقط لو أننً عاكست الجاذبٌة وانفلت من
مداري إلى سماء هللا ..فؤكون أنا أنا …وال أنتمً لـ أنا ..أراقب العالم وأراقبنً وأرى األشٌاء
بعٌن ال تخصنً ..والرإٌة تتضح أكثر ..وعجزت أن أفعل ..ألننً ال ٌمكننً أن أحكً شًء ال
أشعر به ..أنا أستطٌع أن أكتب أشٌاء كثٌرة عنً قد تكون حقٌقٌة ..وقد أتخٌلها ..المهم أننً
أصدقها ..أستطٌع أن أكتب 12قصة قصٌرة عن دعاء ..وال ٌمكننً أن أكتب قصة واحدة عن
عجوز أو شجرة أو صرصور ..قبل أن تسحرنً الجنٌة ألحدهم ….أوووه ..أنا فً ورطة
!..كل هذا ٌاربً من أجل قصة قصٌرة ! ..
من لحظات أنهٌت حٌرتً بؤننً لؽٌت فكرة المسابقة ..وتكفٌنً ٌومٌاتً ..وهممت بؤن أؼلق
صفحة الـ wordهذه ..ولكن شًء ما داخلى رفض أن أضؽط على “ ”xرفض أن أن أخرج
من ورطتً بالهروب منها ..رفض أن أنحنً أمام قصة قصٌرة رفضت أن تؤتً وأنهزم ..لن
أضؽط على “ ”xوسؤكتب أي شًء لٌس مهما خفٌؾ أو دسم ..انسانً أو ؼٌر انسانً ..عمٌق أو
سطحً …سؤكتب قصة قصٌرة ..وألن الصعوبة تكمن دائما فً “قصٌرة”..سؤبالػ فً التحدي
وأكتب “قصة قصٌرة جدا”:
“رؼم أن الشجرة العالٌة فً الؽابة..حلمت طوال الصٌؾ بؤن تجلس وتسترٌح قلٌبل ..إال أنه
حٌن جاء الشتاء وانحنت كل األعشاب والعٌدان الضعٌفة أمام الرٌح بانهزام ..شعرت الشجرة
بكبرٌائها حٌن انتصرت على الرٌح..وصدتها”
“كل قصة انسانٌة هً مؤساة إذا امتدت بما ٌكفً لذلك” ……“ .هٌمنؽواي”
لو كانت هذه الرواٌة من نسج خٌال مإلؾ لكرهتها كثٌرا … ولكنها جاءت _لؤلسؾ_ سٌرة
ذاتٌه أعجز عن تصدٌقها لرجل عاشته الحٌاة ال هو من عاشها …أنهٌتها من ست ساعات تقرٌبا
..وجلست مسمرة فً مكانً أنظر لصورة شكري على الؽبلؾ وأسؤله :كٌؾ بإمكانك أن تدقنً
هكذا فً مكانً ..وبؤي مطرقة فعلت ٌا صعلوك القرن العشرٌن ؟”…ال أعرؾ من أٌن أبدأ
الحدٌث عن هذه الرواٌة …الكلمات فً رأسً كثٌرة ..والبداٌة تحٌرنً ..هل أبدأ بداٌة تقلٌدٌة
وأقول :الخبز الحافً …رواٌة عالمٌة للمبدع المؽربً “محمد شكري ” …رواٌة ترجمت
ونشرت بـ 33لؽة ..قبل أن تنشر بالعربٌة ..وعرضت كـ فٌلم رائع فً مهرجان كان عام
..2112وأستؽرب لرواٌة ترجمت لـ 33لؽة دون أن تثٌر الضجة فً المكتبات التً أتردد
علٌها كهذه الرواٌة التً ترجمت إلى االنجلٌزٌة فقط وصارت هذه الجمله تكتب وتعلق فً كل
مكان كانجاز ؼٌر مسبوق ! ..فهل ال ٌشفع للخبز الحافً أنها أثارت الضجة فً العالم أجمع؟
… ال لن أبدأ هكذا ..هذه بداٌة حمقاء وال تعجبنً …هل أقول :الخبز الحافً سٌرة لطفل
متصعلك بوهٌمً تنبثق كلماته وتفاصٌل سٌرته كانبثاق الدم والقٌح من جسد ملتهب ….ال …ال
تعجبنً هذه أٌضا ..الرواٌة جرٌئة جرٌئة جرٌئة والكلمة األصح “شجاعة” وتبرز الوجه اآلخر
لبلنسانٌة ..وتقول كل ماال ٌمكن أن ٌقال أبدا …ومن هنا ٌؤتً عجزي …حسنا ..سؤضع حدا
لحٌرتً وسؤبدأ بلسان شكري :
“سؤلتنً سعاد :لماذا ال تكتب ما تحكً ؟ ..قلت لها :ما ال ٌحكً هو ما ٌكتب “ …وهكذا كتب
شكري أسراره جمٌعا متجاهبل أن الكتابة جرٌمة تشهر به حد النخاع ..كتب بجرأة وشجاعة
سؤظل أحسده علٌها ما تبقى من عمري ..كتب عن أب عاطل ..قاسً ..شرٌر كشٌطان ..قتل
أخوه فً لحظة ؼضب ”..إن موت أبً فً ذهنً تم فً اللحظة التً مات فٌها أخً ..اننا ال نقتل
آباءنا بقدر ما ٌقتلون انفسهم فٌنا ..ان األب هو الذي ٌعجل أو ٌإجل ٌ..قصر أو ٌطٌل موته فً
أبنائه ..فالموت درجات متفاوتة”..كتب عن حٌاة السكر والجوووووع …الجوع والصعلكة
والعاهرات والبوردٌل ورفاق الشوارع والرٌؾ المؽربً البشع واألكل فً صنادٌق القمامة “:إذا
كنت ال أكتب إال على المرأة المدنسة الخاسئة ..فؤلننً أكلت خبزي بٌن العاهرات”..كتب وكتب
عن العربدة حتى تقٌؤت فً مشهد أقرفنً كثٌٌٌٌٌٌٌرا ..أنا التً لم آكل منذ ثبلثة أٌام أي شًء
..وأعٌش على الماء والسفن أب ..تقٌؤت فً مشهد فً رواٌة _..حتى اآلن ال أصدق ..وسؤعذر
كل من ٌقرأ هذا السطر وٌعجز عن التصدٌق_..آه ٌا شكري ..كٌؾ انطوٌت أٌها المجنون على
هذه الوحشٌة وهذا الحنان …كٌؾ كنت دموي شرٌر فضاح وقدٌس فً وقت واحد ..وحملت
أمٌتك فوق أكتافك حتى العشرٌن من العمر ..لتبدأ صلتك بالقراءة والكتابة فً هذا السن حٌث
أقؾ أنا تماما اآلن ..حٌث عرفتك وأحاول أن أمحو أمٌتً بؤمٌتك ..وأستبدل عشرٌن عاما من
عمري ..بعشرٌن عاما من عمرك كانت كافٌه تماما لتنطبق علٌك مقولة “هٌمنجواي” ”:كل
قصة انسانٌة هً مؤساة إذا امتدت بما ٌكفً لذلك!”………….متعادلٌن إذا !
لم ٌنتهً حدٌثً عنك … سؤذهب أللتقط أنفاسً وأعود …وفً الطرٌق منك وإلٌك سؤفكر فً
جملتك ”:ما الحٌاة إن لم تكن؟”
تتساءل فً ضجر ..دون رؼبة حقٌقٌة بان تسمع اجابة ..أنت التً قادتك الدنٌا إلى كل األسواق
وصحبتك فً كل الدروب _أو هكذا تظن_..ال تتوقع من الناس اجابة مفٌدة ترشدك لدرب
تجهله ..ألنك الضائع الذي مشً الكرة األرضٌة كلها سٌرا على األحبلم..طابعا مقاس حذائه فً
الشوارع والمقاهً والمطاعم والسٌنٌمات والؽرؾ المستؤجرة تاركا حقٌبة فً كل مطار ومٌناء
لتعود سرٌعا وتؽادر ..تبحث عن الوطن فً عٌنا امرأة عابرة تجلس على طاولة أمامك فً
كافٌتٌرٌا المطار تحتسً كوب من عصٌر البرتقال وتنتظر شًء ال تعرفه أنت ..لكنك تتمنى أال
ٌكون رجل ..تتمنى هذا وفً رأسك امرأة اخرى سؤلتك ذات لٌلة ”:متى تشعر باألمان؟”
فؤجبت”:فً حضن أي امرأة !” ..تبرر ببلمباالة :هكذا هم الرجال !..وتمٌل على شفتٌك ابتسامة
ساخرة حٌن تتذكر تحذٌر “أحبلم مستؽانمً ” الذي طبعته فوق اصدارها الجدٌد “نسٌان.كم”
حٌن كتبتٌ“:حظر بٌع هذا الكتاب إلى الرجال”...ورؼم افبلسك الوشٌك فً هذا الٌوم ..ضحٌت
بوجبة ؼداءك..وبجلوسك على المقهى وتسكعك فً الشوارع ألٌام تالٌة كً تشتري الكتاب
..كان بإمكانك أن تشترٌه وقت آخر ..ولكن الجملة ظهرت أمامك فً صورة نساء العالم كلهن
ٌمدن ألسنتهن فً وجهك ودائما ما كنت أنت األكثر عنادا فاشترٌته دون أن تؤبه بجٌبك الذي
أخرج هو لسانه األبٌض فً وجه كل مشاوٌرك القادمة…لكنك تعزٌت بعدم اضطرارك للخروج
فً الٌومٌن القادمٌن ألنك ستنشؽل بالقراءة..وحٌن انتهٌت من الكتاب تمتمت “لسنا بهذا السوء
!”…ونهضت من مكانك تستبدل مبلبسك وترتدي حذائك ..وتؽادر ..ومع أول خطوة فً
الشارع أردفت”:نحن أسوأ !”..كثٌرا ما ظلمت نفسك ٌا أنت …الناس جمٌعا ٌفرضون السوء فً
اآلخرٌن ..وٌعلقون أخطاءهم فوق مشجب الؽٌر ..وٌشعرون بالظلم عند كل حزن ..أما أنت
فتفرض السوء كله فٌك ..وتعلق أخطاء اآلخرٌن على مشجبك دون أن تنسى أن تكومها فً
حقائبك عند كل سفر..ولم تشعر بالظلم ٌوما ..حتى أنك ضحكت مرة من طبٌب نفسً كان
ٌتحدث فً التلفزٌون وٌقول”كل انسان ٌشعر فً داخله بالظلم ..حتى وإن كان ملك”..فهل أنت
من تظلم نفسك دون أن تدري..هل أنت جٌدا بما ٌكفً؟…ٌكفً أنك لم تخدع ٌوما أى امرأة باسم
الحب ..وان كنت عرفت من النساء ألؾ…ولكن هل خدعتهم بؤسماء أخرى ؟…تعرؾ أن
الحب هو الخدٌعة الكبرى …لكنه لٌس الوحٌدة ..هو فقط األعظم !
تجلس لتدخن سٌجارة على مهل ..بجوارك “عبد الوهاب” ٌؽنً“..جفنه…علم الؽزل” ..األؼنٌة
التً تحبها أكثر..تفكر فً الموسٌقى المكونة من خطوات ..كؤنها خطواتك ..وتتساءل هذه المرة
بدهشة حقٌقٌة :إلى أٌن ستؤخذك؟..الزلت شابا لكنك كما ٌقول جاهٌن”:شاب لكن عمري ألؾ
عام..وحٌد وبٌن ضلوعً زحام” ..فؤٌن ستؤخذك الخطوات هذه المرة ٌا صاحب األلؾ عام
تشرد ؟ حزٌن وال تعرؾ…وتقرر للمرة األولى فً حٌاتك بؤن تفعل شٌئا جدٌدا..هذه الفكرة
التً تشؽل كل الخلق ..كل الناس ترٌد أن تفعل شٌئا جدٌدا وؼالبا ما تظل هذه الرؼبة مجرد
رؼبة ٌ.كررون قولها وسماعها بٌن بعض كل صباح ومساء ..فهل أصابتك العدوى كاالنفلونزا
وؼدوت مثلهم ..أنت الذي لم تختلؾ عنهم قط ..ولم تشابههم ٌوما ..أصبحت مثلهم !…وحدك
تعرؾ أن األمر لٌس معقدا كما ٌبدو ..ولكن فلتدع كل هذه األفكار اآلن التً بمجرد أن تؤتً
واحدة حتى تؤتً صدٌقتها وصدٌقة صدٌقتها وصدٌقة صدٌقة صدٌقتها وٌؽدو األمر كحساب فتى
وسٌم ٌضع صورته فً الفٌس بوك..المهم أنك ترٌد اآلن أن تفعل شٌئا جدٌدا ٌقتلع الضجر من
جذوره وٌلقٌه فً الشمس لٌذبل وٌموت فترقص رقصة هندٌة على جثته دون دم أحمر على
وجهك أو نار تدور حولها وتؽنً ..ودون حاجة للرٌش حول خصرك أٌها الهندي األحمر ..هل
ٌبدو هذا الفعل شٌئا جدٌدا؟ وإن كان ٌعٌبه فقط أن الضجر شٌئا معنوٌا ال تستطٌع قتله ٌ..مكنك
أن تضع رمزا إلٌه ..وٌمكنك أن تنشؽل بتفصٌلة أخرى هً اختٌار شًء كرمز ..ولكن هل
ستبدو مجنونا إن عرؾ الناس حقٌقتك كهندي وكؤحمر؟…ال ٌهم ..تستطٌع أن تفعل هذا فً
ؼرفتك دون أن ٌعلم أحد ..تستطٌع أن تقٌم حفل تؤبٌن ضجرك كما ٌحلو لك حتى ال تكون
فضولٌا مرة أخرى وتطلق سإال كـ “ماذا ٌفعل الناس بؤوقاتهم؟”..تعرؾ انك ستفعل ألنك تنفذ
كل ما تفكر به دون أن تهتم بمدى العقل فٌه ..وتعرؾ أن الشهٌق العمٌق الذي تؤخذه فً هذه
اللحظة سببه أنك تنوي أن تزفر الكثٌر من األشٌاء داخلك ..وتعرؾ أنك ستؤتً بعد حٌن وتؽنً
“:ونشدنا ولم نزل ..حلم الحب والشباب …حلم الزهر والندى …حلم اللهو والشراب !”
______________________
أن تجلس وحٌدا ٌعنً أنك تفكر فً شًء ما ..أو أنك حزٌن بشكل ما ..أو أنك مللت الكبلم
لسبب ما ..أو أنك ال تجد من تجالسه لظروؾ ما …أو ال ٌعنً أي شًء إطبلقا ..فقط أنت
تحدق فً الفراغ برأس فارغ..وؼالبا ما تكون أنت كل األشٌاء وال شًء فً نفس اللحظة ..ألنك
ال تعرؾ حد فاصل بٌن كل المتناقضات فً هذا الكون..وألن هذا العالم ٌدوخك كؤرجوحة
مبلهً ..تدور وتدور ..دون أن تمٌز بداٌة اللفة من نهاٌتها ..ودون أن تصل أخٌرا لشًء..أن
تجلس وحٌدا وصامت ..ال ٌعنً أنك بالضرورة تفعل كهذا الشخص الذي ٌظن أن بجلوسه على
هذه الحالة سٌلفت أنظار الكثٌر من النساء ..ألنه رأى أن جاذبٌته فً صمته ..أما أنت فهذا األمر
من األمور القلٌلة التً استطعت أن تصل لقناعة فٌها ..ألنك منذ ألؾ عام تحاول فهم العالم
والمشاعر والعبلقات والقلوب وأنت ..وتعجز حتى عن فهم دورة حٌاة الصرصور..ألن هذه
الحٌاة معقدة جدا ..وأنت تصدق تماما مقولة األدٌب الروسً “جوجول” الذي أصابه الجنون
سنوات قبل وفاته قال”:حٌاتنا صعبة معقدة ..ومن المستحٌل أال نكون مثل هذه الحٌاة ..فنحن
نولد عقبلء ..وال نزال نقاوم ونقاوم حتى ننهار مجانٌن” ..وصاحب هذه العبارة لم ٌكن مجنونا
عندما قالها ..وإنما صار بعد ذلك! ..ما ٌهم اآلن أنك استطعت الوصول لشًء ..وأن الصمت
والوحدة واالبتسامة قد تفلح فً أن تجذب نظر امرأة ..ولكن لن ٌتعدى األمر ما هو أكثر من هذا
..أما أن تكون “أنت” أمام امرأة ..ال تفكر فً أي محاولة للفت نظرها ..فـ “أنت” دون أن تدرى
قد تطٌح بقلبها تماما ..دون حاجة ألن تتجمل ..أو تبتسم ..أو تصمت ..أو تجلس وحٌدا ..ألن
قلبها سقط مع ضحكة عالٌة سقطت منك سهوا..حٌن تحدثت وتكلمت عن كل األشٌاء دون أن
ترتب أفكارك جٌدا .أو أن تسهر لٌلة تفكر فٌما ستقوله ..كنت صادقا جدا ..وكان صدقك فاتنا
وساحرا وكان الوقت ٌمضً على طبٌعتك بٌن أحزانك وأفراحك وانتصارتك وانهزاماتك
وارتفاعك وسقوطك وضحكك و وجومك وسجائرك ومراقبتك لدوائر الدخان ترتفع ببطء كؽبار
جنً خرج من صدرك للتو واختفى … حٌن أفصحت عن أشٌاء كثٌرة ولم تفصح عن أي شًء
وأٌقنت هً أنها أمام الرجل البحر ..وأنها مهما روت شاطئها بمٌاهك فلن ترتوي ..ولن تنتهً
..وأن مدك سٌفاجؤها فً كل مرة دون أن تعتاد علٌه ٌوما …تعرؾ أن هذا كله لٌس ألنك رجل
ممٌز فً أي شًء ..ولكن ألنك حٌن تشق صدرك أمام امرأة فبل ٌكون أمامها سوى أن تجمع
الدم الكثٌر وتعود به إلٌك ..حٌن تحتوٌها أنت تماما فبل ٌخطر ببالها أن تؽادر قلبك ٌوما ..ولكن
معظم الرجال ٌجهلون كٌؾ ٌفعلون األولى والثانٌة ، !.واآلن ..أنت بصحبة وحدتك ..واحتمال
أخٌر ..أن فً رأسك تتردد قصٌدة قرأتها مرة وتعٌد نفسها كؤؼنٌة فً مشؽل األؼانً :
“إننً مرتبك
إننً ضجر
إننً وحٌد
اكتبً لً*
لم أخبرك ٌا صدٌقتً أن باب ؼرفتً العلوٌة الذي تحدثت عنه من قبل ..وقلت أننً أدون كل
أشٌائً علٌه كمدونة خاصة ال ٌقرأها ؼٌري ..كتبت اآلٌة فً أعبله بؤكبر خط استطعت أن
أخطه ..وبما ٌكفً عرض الباب ..وإن كنت لم أتمكن من كتابتها بحجمها الصحٌح كما هً فً
قلبً ..ألن قلبً بحجم قبضة العالم ..ووجدت أننً أحتاج لباب عرضه السماوات واألرض كً
ٌكفً !
باتجاه السماء !
من فترة طوٌلة وأنا مشؽولة بالفلك ..تقرٌبا منذ أن كنت بالصؾ الثانً اإلعدادي حٌن أخذت
ألح على أبً طوال األجازة أن ٌشتري لً تلٌسكوبا صؽٌرا أراقب به السماء والقمر والنجوم
والشهب المارقة ..رفض فً البداٌة لكنه تحت إصراري الشدٌد وافق أخٌرا واشترى لً واحدا
صؽٌرا وضعته فوق سطح المنزل ..ومكثت لٌال طوٌلة أنظر فقط من خبلله إلى كل هذه النجوم
التً كانت تحتل رأسً تماما وتضًء فً كل خبلٌا جسدي ..لم أكن أراقب مساراتها أو أحاول
التعرؾ على أسمائها ومجموعاتها ..كنت أنظر فقط … نظر لمجرد الدهشة واالستمتاع بهذا
العالم العالً جدا الذي لن أستطٌع أن أقاربه مهما حاولت ..وكل ما ٌمكننً فعله تجاهه هو
النظر والدهشة … وككل الصؽار _والكبار أٌضا_ الذٌن ٌلهثون كثٌرا وراء كل األشٌاء البعٌدة
عنهم وٌزهدون فٌها فور أن ٌحصلون علٌها ..فعلت هذا مع تلٌسكوبً الصؽٌر وتركته لشٌماء
أختً التً تكبرنً بعام واحد لتطبق علٌه بصورة عملٌة درسها فً مادة العلوم عن أنواع
العدسات المقعرة والمحدبة والمستوٌة وسقوط الضوء علٌها وانكساراته وانعكساته و تفتت
التلٌسكوب ألجزاء صؽٌرة جدااا كضحٌة لهذا الدرس ..نسٌت بعده ولعً بالسماء والنجوم لفترة
طوٌلة ..رؼم أن هذه النجوم بعٌدة جدا ..وأنا لم أحصل علٌها بعد ألزهد فٌها ..لكن هذا ما
حدث..
ورؼم أن هذا الولع عاد مرة أخرى وبصورة أقوى وأكثر عمقا إال أننً قررت التخلً عنه اآلن
بإرادتً حٌن اكتشفت أننً الزلت الطفلة األنانٌة التً تحلم بكل ما هو بعٌد عنها متجاهلة كل
قرٌب ..وجدتنً أتجاهل كونً وأقفز فوقه إلى أكوان بعٌدة أخرى بؤمل أن أعثر على دعاء التً
أرٌدها هناك ..أتجاهل واقعً وأحلم بؤشٌاء كثٌرة تحتاج عمر آخر لتتحقق وأختار أن أعٌش
بخٌالً فً هذا العمر ..أحاول لمس قلبً من خبلل لمس العالم بؤكمله دون أن أعً أن ٌدي
التً أضعها على صدري اآلن ٌخفق من ورائها قلبً ..أعٌش كنجم انفلت من مداره وانطلق
تائها فً سماوات الكون ٌبحث عن مجرة أفضل ومدار أكثر اتساعا وفخامة دون أن ٌدرك أنه
سٌفقد ذاته فً هذه الرحلة ..وسٌبتلعه أول ثقب أسود ٌصادفه ..
لهذا قررت أن أكون أوال ثم تكون الدنٌا حولً ..أن أالمس قلبً أوال قبل أن أفكر فً مبلمسة
العالم ..أن أعٌش واقعً قبل أحبلمً ..وعمري قبل عمر ربما لن ٌؤتً ..أن أحٌا فً ركنً
القصً من العالم ..فً كونً األول ..فً كونً الحقٌقً بكل معنً الكلمة قبل كل األكوان التً
ال تطولها ٌدي وال ٌسعنً أمامها سوى النظر..أن أكتشؾ حجرتً قبل الصالة قبل العلٌة قبل
القبو قبل الشرفة قبل الحدٌقة قبل القرٌة قبل المدٌنة قبل العالم قبل األرض قبل السماء والفلك !..
ٌتبع،،،
شبهت وفاء بـ نجمة وهً تسؤلنً ”:أٌن تذهب النجوم؟” ..فؤتجنب الحدٌث عن احتراقاتها
وانفجاراتها وتحولها لرماد نووي أو ثقوب سوداء وكل ما ٌفضً إلى مصائر تعٌسة للنجوم
وأرد ”:بما أن الشمس نجم والشمس تجري لمستقر لها ..فربما تكون بقٌة النجوم أٌضا تجري
لمستقر لها ..وحتى تجد هذا المستقر وتطمئن ..فهً سارحة فً فضاء الكون !” أتبعت ردي
بـ ٌ”:ا هللا ..حتى النجوم تبحث عن أمانها!” ..وأخذت أفكر بعدها أننً أٌضا نجمة صؽٌرة
سقطت على األرض وأبحث عن مستقري ومؤمنً ..فً الحقٌقة كلنا نجوم ..وكلنا نبحث عن
هذا األمان الذي لن نهدأ حتى نستقر إلٌه ..
وألن بٌتً هو كونً األول ..فبه مؤمنً األول أٌضا ..هذا األمان الذي ال أشعر بوجوده فً
البٌت إال حٌن أؼٌب عنه فؤفتقده ..تماما كما ٌقول ؼاستون باشبلر ”:بدون البٌت ٌصبح اإلنسان
كائنا مفتتا..ــ إنه البٌت ــ ٌحفظه عبر عواصؾ السماء وأهوال األرض!”“ ..والء” تسؤلنً أٌضا
عن أكثر مكان أحبه وأشتاق إلٌه ..أجٌب ”:حٌن أبتعد عن بٌتً ٌنتابنً هذا الشوق !”
أكتب اآلن وصدٌق ٌرسل لً تعلٌقا عن اشتٌاقه لبٌته الرٌفً ..وأنا أفكر هل أحب بٌتً بهذه
الصورة ألنه رٌفً؟ ..أنا بالفعل ال أحب بناٌات المدن ..أشعر أنها مجرد امتداد رأسً ..أتذكر
“ماكس بٌكار” اآلن وهو ٌقول عنها أنها “تشبه األنابٌب التً تشفط البشر فً داخلها بواسطة
تفرٌػ الهواء “! كٌؾ بإمكان ساكن المدٌنة إذن أن ٌشعر بكونٌة حجرته وسط هذا الصخب من
دوي السٌارات والشاحنات؟ ..أتخٌل الفٌلسوؾ الذي كان ٌنعً حظه العاثر ألنه من سكان
المدٌنة وكان ٌسترجع هدوءه فقط من خبلل استعارات البحر ..فالجمٌع ٌعلم أن المدٌنة الكبٌرة
بحر صاخب ..وهكذا كان ٌخلق صورة صادقة من هذه الصورة المبتذلة !..
أعود لما كنت سؤتحدث عنه …”ؼرفتً” ..أكثر مكان أحبه بالمنزل بؤكمله ..والتعبٌر
الصحٌح:أكثر مكان أشعر فٌه بالدؾء فً المنزل ..مختلفة عن أي ؼرفة أخرى ..أشعر
بروحً تمؤلها ..بؤشٌائً المبعثرة فً زواٌاها ..بقطع من قلبً ملقاة على األرض ..ال أشعر
أننً وصلت إلى المنزل إال حٌن أدخلها ..أحب نوافذها الكبٌرة ..تكاد تظن أن الؽرفة بؤكملها
عبارة عن نوافذ ..جدار واحد فقط خال من أي فتحات ..بٌنما الثبلث المتبقٌٌن ..واحد به
الباب ..وثانً به شباك واسع جدا ٌتوسط الجدار وٌحتل أكثر من ثلثه ..والجدار الثالث ٌماثله
..أحب الشباك المقابل للمساحات الخضراء ..لؤلرض الواسعة ..للبراح ..حٌن أقؾ أمامه
..أشعر أن العالم انتهى عند هذه النقطة ..حٌث حدودي هً حدود المكان ..أسفل حافة الشباك
كتبت بقلم رصاص وخط منمنم اسمً وكررته بطول الجدار حتى وصلت إلى األرض ..حٌن
تنظر من بعٌد ٌخٌل إلٌك أن قافلة نمل دخلت من الشباك لتؽزو الؽرفة ..وتبحث عن السكر ..
عنً ..هكذا أحب أن أفكر ..بطبلء أحمر مائل إلى النبٌتً رسمت قلوب كثٌرة على الجدران ..
ال ٌراها الكل جمٌلة جدا ..وربما تفتقد الجمال كله ..لكننً ال أرى هذا ..أنا أحبها وأرى
جمالها ٌفوق الوصؾ ..ال أحد ٌفهم أننً حٌن رسمتها كنت أحدث قلبً وأخبره أنه لٌس وحٌدا
..حٌن أجلس على السرٌر فً منتصؾ الؽرفة أشعر أننً محاطة بالكثٌر من القلوب التً
تحبنً جدا ألننً أنا السبب فً وجودها ..وأنا أحبها جدا ألنها وفٌة إلى أقصى حد ولن
تؽادرنً ٌوما ..أصدقائً المعلقٌن بدبابٌس على جدار ..ماركو وإٌزابٌبل ونشؤت ..عرفتكم
علٌهم مرة فً الماضً وسؤعٌد التعرٌؾ مرة أخرى ..ماركو هو فتى ٌرتدي بنطلون قصٌر
..قمٌص بؤكمام واسعة ..حذاء برقبة ..وقبعة كبٌرة تمٌل على رأسه ٌ..مسك فً ٌدٌه جٌتارا
وٌعزؾ ..وأمامه إٌزابٌبل ترتدي فستان احدى األمٌرات األسبانٌات ..وترقص ..فٌنبت العشب
تحت قدمٌها … كنت قد رسمتهما فوق ورقتٌن منفصلتٌن وعلقتهما على الجدار ٌقاببلن بعضهما
من سنتٌن تقرٌبا…ومازال هو ٌعزؾ ..ومازالت هً ترقص ..دون أن ٌخذل أحدهما اآلخر
..حتى اجل تؤتً فٌه الرٌح قوٌة من الشباك المقابل ..وتفنٌهما معا ….أما نشؤت ..فهو “هٌكل
عظمً”..علقته لٌكون االثبات الوحٌد فً ؼرفتً بؤننً أنتمً لكلٌة الطب ..بالطبع ال ٌمتلك لحم
وجلد وشفتٌن ..فٌظهر صفً أسنانه دائما وٌبدو أن االبتسام والضحك ال ٌفارقه ..وأنا أحبه لهذا
الشًء..
ؼرفتً ..أكثر ؼرفة فً المنزل وربما فً العالم كله تدخلها الشمس ..ربما بسبب نوافذها
الواسعة التً أجد معها الضوء فً كل مكان كؤن جدرانها من زجاج وكل ما بها شفاؾ ..فً
حضرة كل هذا النور أشعر أحٌانا أننً أضًء وأننً نجمة لن تحترق ولن تنفجر ولن تتحول
إلى رماد نووي أو ثقب أسود..نجمة سعٌدة وصلت أخٌرا لمستقرها ومستودعها !
ٌتبع ،،،
أفكر طوٌبل فً بٌت الشعر هذا وأحاول أن أجد معنى له ٌناسبنً أكثر مما ٌناسب القصٌدة ..
هكذا أنا دائما ..أبحث عن عبلقتً بمعانً األشٌاء وإن كان حتى لٌس لً بها عبلقة ..أخلق ما
ٌربطنً بها وأجعلها تدور فً فلكً ..ال أتخٌل أن فً هذا الكون شًء لٌس له صلة بً ..لٌس
ألننً مجنونة أو مصابة بالـ”شٌزوفرنٌا” كما كنت أذاكر فً فرع “األمراض النفسٌة” بمادة
الباطنة ..حٌن ٌصاب مرٌض الشٌزوفرنٌا بـداء “العظمة” وٌظن أن الكون ٌتآمر ضده وأنه
أفضل من كل الخلق ..وإنما ألننً أثق أن هللا حٌن خلقنا من ماء وتراب فإنه جمع ذرات هذا
التراب من كل مكان فً الوجود ..لٌكون كائن ال ٌحصى ..كائن عصً عن الفهم والشرح
واالستٌعاب واالحتواء ..كائن بإمكان قلبه الصؽٌر أن ٌحتمل كل شًء وٌصل ألي شًء ..
كائن جدٌر بؤن ٌكون ورٌثا هلل على أرضه ..أفكر فً بٌت الشعر مرة أخرى وأتساءل هل كتب
اٌلوار قبل أن ٌموت وقال أن القمم تبلقت أخٌرا وأن بٌته صار له سقؾ؟ ..ربما كان ٌعنً
بالقمم “األفكار” ..وفً أمتً لكل فرد سماإه الخاصة ..ألهذا لٌس من نصٌب بلدي أن ٌؽدو له
سقفا مرة؟ ..ربما ..لن أفكر فً بٌت الشعر بهذه الصورة ..وسؤتخٌله أبسط مما ٌمكن أن
ٌكون ..سؤتجاهل المعانً و أنظر للمفردات… للبٌت ..وللسماء ..للكلمة التً بدأت عندها ..
واألخرى التً أمضً بإتجاهها !..
قلت فً ردي على تعلٌق للنص السابق “ :للبٌوت روح وجسد ..ولؤلماكن مبلمح إنسانٌة تشبهنا
..وأن أبؤس مكان سٌبدو جمٌبل إن حاولنا اكتشاؾ مكامنه !” ..وأفكر اآلن كٌؾ بإمكان بٌتً أن
ٌشبهنً كما ٌشبه العش شكل الطائر؟ ..أو كما ٌشرح “جول مٌشٌلٌه” عن “هندسة الطٌور”
… .العصفور بالنسبة لمٌشٌلٌه عامل بناء دون أدوات ..لٌس له “ٌد السنجاب وال أسنان القندس”
… ٌكتب”:الواقع أن جسد الطائر هو أداته ..أعنً بذلك صدره الذي ٌضؽط به فٌقوى مواده
حتى تصبح مرنة ..متسقة ومتكٌفة للخطة العامة” ..وٌشٌر مٌشٌلٌه أن شكل العش ٌشبه قوقعة
صنعت بالجسد ومن أجل الجسد ..ومن خبلل الدوران المستمر والضؽط على الجدران من كل
جانب ٌنجح الطائر فً تكوٌن دائرة ٌ ..ضٌؾ”:البٌت هو شخص العصفور بذاته ..إنه شكله
وجهده المباشر ..وأستطٌع القول أنه معاناته..النتٌجة تتحقق من الضؽط المتكرر المتواصل ..ال
توجد ورقة عشب واحدة لم ٌتم ضؽطها مرات ال حصر لها بصدر الطائر وقلبه ..وربما أٌضا
بواسطة تنفسه الذي أصبح ثقٌبل ..وربما بنبضات قلبه وذلك لجعل ورقة العشب تنحنً وتثبت
على انحنائها”ٌ ..اهلل ! الصورة رائعة الوصؾ ..لٌس بإمكانً أن أنساها ماحٌٌت ..لٌس بإمكانً
أن أنسى هذا العش الذي ٌنبع من حلم الحماٌة ..الحماٌة المتكٌفة ألجسادنا ..الحماٌة عبر أحبلم
البٌت /الثوب ..ماذا لو أقمنا بٌوتنا على هذا الشكل الذي ٌحلم به مٌشٌلٌه..وأن ٌكون لكل منا
بٌته الشخصً ..عشا لجسده ..مفصبل حسب مقاسه ..كما فً رواٌة “كوالس بروؼنون” لـ
“رومان روالن” حٌن ٌرفض البطل بعد تجارب كثٌرة بٌتا أوسع وأنسب ٌ..رفضه باعتباره ثوبا
ال ٌناسبهٌ ..قول”:إما أن ٌتهدل علً أو ٌضٌق حتى تتمزق أجزاءه المخٌطة” !..
نحن نعٌش ؼرٌزة العصفور على نحو ساذج ..العش هو حزمة ؼنائٌة من أوراق الشجر
..حزمة منخرطة فً سبلم الدنٌا ..نقطة فً محٌط السعادة الذي ٌحٌط باألشجار الكبٌرة !
وهكذا نحن أٌضا ! ..حٌن نختار ألنفسنا بٌتا..فإننا نختاره فً المنبع الذي نشعر فٌه بثقتنا بالعالم
..هل كان ممكنا للعصفور أن ٌبنً عشه لو لم ٌملك ؼرٌزة الثقة بالعالم ؟ ..إن بٌتنا ٌصبح عشا
فً محٌط سعادتنا ..نعٌش به فً سبلم تام مع كل أحبلم األمان ..العش مثل بٌت الحلم ..وبٌت
الحلم كالعش ..ونحن طٌور صؽٌرة حٌن ٌشعر قلبها بالسعادة ٌصبح بإمكانها أن تحلق عالٌا ..
عالٌا ..بإتجاه السماء !
عدت من الجامعة إلى قرٌتً الصؽٌرة بعد االمتحان من طرٌق مختلؾ تماما أسٌر علٌه للمرة
األولى ..أطول كثٌرا لكنه مسلً جدا ..كنت ممتلئة بالضحك والدهشة والتؤمل ..الطرٌق
ٌمضً بمحاذاة ترعة طوٌلة جدا ورؼم أننً فتاة رٌفٌة من قمة شعري حتى كعب حذائً إال أن
كل ما وقع علٌه بصري الٌوم كان جدٌدا جدا على عٌنً ألن بلدتً تفتقده كثٌرا ..ربما ألنها
لٌس بها ترعة وأنا ال أفهم كٌؾ لقرٌة أن تكون ببل ترعة؟ ..كؤنها إبرة ببل خٌط ..أو مصباح ببل
ضوء ..أو شجرة ببل ورق ..كؤنها شًء ما عصً عن االكتمال ..فً الحقٌقة كان هناك ترعة
صؽٌرة تسٌر بطول القرٌة وتم ردمها من سنوات بعٌدة كطرٌقة وقائٌة ضد الناموس والحشرات
..كنت حٌنها صؽٌرة جدا وكنت أذاكر درس أعمال محمد علً باشا الكبٌر التً مازلنا نفخر
بها حتى اآلن فً مادة الدراسات االجتماعٌة ..كان من أهمها شق الترع والقنوات ..وكنت
أرددها كثٌرا ألحفظها وسط صخب آالت الردم تقارب منزلً ..أرددها وأنا أتساءل كٌؾ ٌكون
شق الترع إنجازا ..وردمها إنجازا أٌضا؟ … لم أفهم هذا أبدا ..لكننً تجاوزته وكفى !..
من الشباك أراقب فتٌان ٌسبحون فً الترعة كقرامٌط صؽٌرة ٌ ..رشقون بعضهم بالمٌاه
وٌكركرون ..أضحك علٌهم وأنا أصنع من ورقة االمتحان مروحة صؽٌرة أهوي بها على
وجهً … أحسد انتعاشهم وأتمنى لو كنت فتى صدٌقهم ٌلهو معهم وٌسبح ؼٌر عابئا على
اإلطبلق بؤي عدوى فٌروسٌة أو بلهارٌسٌا تخترق جلده وتراوده عن صحته !.
على حافة الترعة ٌنتشر نبات البوص وأشجار الموز ..ونساء وفتٌات ٌؽسلن الصحون
والمبلبس ..أشفق علٌهن وأراهم طٌبٌن جدا حد أنهم قادرٌن على ؼسل الترعة بطٌبتهن
وقلوبهن البٌضاء ..ال أعرفهم لكننً أتٌقن من أنهم بمنؤى تام عن كل الصراعات واألحقاد
والضؽائن والتلوث الذي ٌطول كل العالم وٌبعد كلٌومترات قلٌلة فقط عن ترعتهم وأرواحهم !.
بطول الترعة وعلى مسافات متباٌنة ٌجلس رجال عجائز بٌد كل واحد منهم سنارة طوٌلة
ٌطوحها فً الهواء قبل أن ٌلقٌها فً الماء وٌنتظر … أندهش منهم ألننً دائما ما فكرت أن
الصٌد ٌلٌق بالصؽار فقط ..فً صؽري كنت أنطلق دائما مع محمود ابن خالً لنصنع
السنارات ونذهب للصٌد ..ورؼم أن أمً كانت توبخنً دائما على هذا إال أننً كنت وقعت فً
ؼرام الصٌد فً تلك الفترة من حٌاتً ..أتذكر اآلن لحظات سعادتً حٌن كنت أهرب من أمً
وأرافق عمرو و ولٌد لؤلراضً الطٌنٌة ..نستخرج الدود من التربة ..نقطع الدودة الطوٌلة
نصفٌن ..ونضعها فً حلقة السنارة كطعم للسمك … كؤبو قردان سعٌد ٌجوب الحقول ..كانت
فرحتنا بالعثور على الدود ال توصؾ … أتذكر آخر مرة رافقتهم فً رحبلت صٌدنا الصؽٌرة
هذه ..وكانت “آخر مرة” ألننً تشاجرت ٌومها مع ولٌد وتوعدنً بالضرب إن رافقتهم فً
رحلة أخرى ..بعدها قررت الذهاب وحدي والقٌام بكل شًء وحدي ..حملت سنارتً على
كتفً كصٌاد همام وطبق ببلستٌك صؽٌر فً ٌدي ألضع فٌه السمك ..وجلست تحت شجرة
طوال النهار أدعو بخشوع شدٌد من أجل ؼمزة ..وحٌن عدت البٌت آخر الٌوم بقرموط صؽٌر
وبضعة سمكات وطلبت من أمً أن تقلٌهم لً فً الزٌت ..ضربتنً ..و توعدتنً هً األخرى
بالضرب مرة ثانٌة إن كررت فعلتً ..كانت تخشى علً من االنزالق فً الماء والؽرق ..لم
تعرؾ أبدا أنها فً هذه اللحظة تحدٌدا حولتنً من “صٌادة” لـ سمكة ..ومن أبو قردان لـ طعم
..ومن فتاة تمتلك رئتٌن ..ألخرى تتنفس بخٌاشٌم … أتذكر اآلن حٌن قلت أول أمس أننً “فً
قدم الدنٌا ..كرة “… وأشعر أن الجملة الصحٌحة هً أننً “فً بحر الدنٌا ..سمكة ساذجة
وحٌدة ..تبتلع الطعم دائما !”
أعود للترعة السعٌدة التً مررت بطولها الٌوم ..ماذا كان بها أٌضا؟ ..آه ..على الضفتٌن
أعمدة إنارة ..وأسبلك الكهرباء تمر من فوق الترعة لتصل بٌن األعمدة ..على األسبلك تحط
أسراب العصافٌر ٌ ..توزعون على الثبلثة أسبلك كحروؾ موسٌقٌة ..شعرت لحظتها أننً
أمام نوتة موسٌقٌة هائلة ..ولٌس ثمة موسٌقار ٌعزفها ..تمنٌت لو امتلكت عصا اوركسترا
وجناحٌن ألحلق فً الهواء بمحاذاة األسبلك وأطلق الموسٌقى من أعشاشها ..تؤوهت فً قلبً
وأنا أردد “الجمال من هنا ٌفٌض ..وٌؽرقنً وحدي !”
عدت وأنا أتنفس من خٌاشٌمً ..وأنوي الكتابة عن كل هذا فور أن أصل إلى المنزل ..عن
طاولة البلٌاردو المنصوبة على حافة الترعة أسفل سقؾ عشة وتدعو للضحك ..عن الحمار
الذي ٌهز ذٌله بسعادة وهو ٌتناول البرسٌم ..عن الصبٌٌن اللذٌن ٌقودان جرار زراعً وٌمصان
القصب ..عن القارب الصؽٌر الذي ٌجلس به رجل وامرأة ٌلقٌان بالشباك فً منتصؾ الترعة
دون أن ٌخطر ببالهما أن وضعها هذا رومانسً جدا وأن ثمة فتاة فقٌرة _..رٌفٌة أٌضا _ تمر
على الطرٌق مسرعة تحلم بقارب ٌشبه قاربهما و لحن ٌدور فً قلبها ونهر صؽٌر توافق على
استبداله بترعة سعٌدة !
كنت االبنة المدللة ألبً حتً سن العاشرة ..وهذا ال ٌعنً أنه ما عاد ٌدللنً ..لكن أمور كثٌرة
تؽٌرت من هذا الحٌن ..وسؤصحح وأضٌؾ ..أمور كثٌرة فً رأسً تؽٌرت منذ هذا الحٌن ..
طوال سنواتً األولى كنت أرفض النوم إال فً حضنه ..وكانت حٌل أمً كثٌرة حٌن ٌصادؾ
مٌعاد نومً مع عدم وجود أبً ..كالحكاٌات والؽناء ..ولؾ خصبلت شعري حول اصبعها
بنعومة وهدوء ٌجعبلنً أنام فً الحال ...واعترؾ أننً أدمنت هذه األشٌاء فٌما بعد ..وصارت
تشبه حبوب النوم ..ومن األسرار الصؽٌرة فً حٌاتً أننً حتى الٌوم إذا مس أحد شعري أو
حاول أحد من اخواتً اللعب فً خصبلته فؤنا أشعر بالنعاس فورا و أنام بطرٌقة تشبه السحر
..ولكن أبً لم ٌكن بحاجه لكل هذه الحٌل ..حضنه كان كافً ألن ٌشعرنً باألمان فً لحظة
فؤنام ..وهذا ٌدفعنً ألتساءل ":هل النوم شعور باألمان ؟ ..وهل األمان ٌعنً أبً؟" ٌ ..بدو
هذا صحٌحا ..وصحٌحا جدا ..ألننً منذ أن ؼادرت هذا الحضن إلى حضن أوسع بحجم الحٌاة
لم أشعر بالنعاس !
لم أر فً حٌاتً أبا أحن من أبً ..هذا الحنان الذي كان ٌؽرقنا به صؽارا ..كؤن ٌقبل رإوسنا
جمٌعا فور دخوله المنزل ..وحٌن كبرنا قلٌبل ..صرت أرى حنانه فً دمعة فرح ٌوارٌها بكل
الطرق حٌن ٌحدث شٌئا سعٌدا ألحدنا ..أكثر ما أفتقده هذه اللحظة عندما كنت صؽٌرة وكنت
أجري إلى سلم البٌت فور سماع خطواته آتٌة من البعٌد عقب كل صبلة ..لٌتلقفنً كـ كرة
صؽٌرة مسرعة موجهه إلٌه مباشرة ثم ٌرفعنً مرات كثٌرة ألعلى ..كانت هذه أسعد لحظات
حٌاتً ..وكنت أسمع كل خلٌة فً جسدي الصؽٌر وهً تضحك بفرح ..وال أدري ما الذي
دفعنً فً سنوات تالٌة لهذه الفترة أن أرسم طرٌقا معاكسا لكل الطرق التً ٌمضً بها أبً ..
عن عصٌان ..أم عن تمرد ..أم عن ماذا تحدٌدا كنت أفعل هذا ..رؼم أن أبً هو الشخص
الوحٌد الذي رفض ومازال ٌرفض افبلت ٌدي من ٌده ..لكننً كنت أن أجرب الحٌاة وحدي ..
وأن أفهم ..الزلت أذكر رد معلمً فً المدرسة حٌن أبدى أبً قلقه علً فقال":ال تقلق على
دعاء ..فهً تستطٌع السفر وحدها إلى النصؾ اآلخر من الكرة األرضٌة والعودة كؤنها لم تفعل
شٌئا مهما ..و دون أن تصاب بخدش !" و رؼم هذا قلق أبً !..
كنت أبتعد وأقول ":أنا بعٌدة"..لكننً اكتشفت أن هذه التً تفكر طوال الوقت كٌؾ تتمرد على
كل شًء ..وكٌؾ تصنع شخصٌتها البعٌدة عن كل من تعرفه ..وكل ما ٌحاول أحدهم تعلٌمه
لها ..أكتشؾ أننً أقترب من خطوات أبً ..فً كل خطوة أخطوها وحدي ..أكتشؾ أن كل
الطرق بٌن عالمً وعالمه دائرٌة ..وأننً ال أفعل شٌئا سوى أن أكونه !
مإخرا تنبهت لشًء خطٌر لم ألحظه من قبل ..أننً الوحٌدة فً البٌت التً لها نفس حركات
أبً ..نفس طرٌقته فً الجلوس ..فً شرب الشاي ..فً االصؽاء ألحد ٌتحدث ..فً الصمت
..فً وضعٌة النوم ..فً التفكٌر ..فً العصٌان ..فً قول "ال" ..فً كل شًء ..كل شًء
..فهل معنً هذا أن من نتحاشى تقلٌده فً أي شًء ..نكون فً النهاٌة نسخة منه فً كل شًء ؟
هذه األٌام أنا أمضً معه فً مشاوٌر كثٌرة ..وصارت ٌدي المشبوكة فً ذراعه هً حلقة
األمان التً تضمنً ..وصرت ال أرٌد أن أؼادرها !.
ما ٌهم أننً تراجعت عن الموضوع بؤكمله حٌن تذكرت آخر مسرحٌة شاركت بها فً أٌام
المدرسة ..حٌن جعلونً أرتدي شٌئا أبٌضا فضفاض جدا بتفصٌلة ؼرٌبة ال أعرؾ كٌؾ
تمكنت من ارتدائه لكننً كرهت شكلً جدا به ..ولم ٌكن هناك مساحة لبلعتراض أو التراجع ..
وما زاد الطٌن بلة ..الكحل الذي أخفوا به عٌنً حتى شعرت بدائرتان سوداوتان ٌكادا ٌبلعا
وجهً ..كؤنهما هاوٌتان ال عٌنان ..كنت أمتلك جسد مبلك و وجه شٌطان ..وكنت فً الدور
أفرد ذراعً أمامً وأتفوه بكبلم ال أتذكره اآلن ..ألنه لم ٌكن كبلم مضحك وال شٌق ..كان
حدٌثا ال أفهمه ..ساعدنً أحدهم فً حفظه ورددته بؽباء كببؽان ..مع بعض الحركات كبهلوان
...أووووه هذا سًء جدا ...لن أعٌد التجربة مرة أخرى ...آسفة ٌا سحر !
وحــــدة !
كنت أتحدث مع صدٌقً عن جدوي مقاطعة الفٌس بوك ألربعة وعشرٌن ساعة ..أخبرته عن
عدم فهمً لهذا الفعل وأنه أوال وأخٌرا لن ٌفٌد فً شًء ٌ ..خبرنً أنه كتهدٌد آلدمن الفٌس
البوك أننا كمسلمٌن قد نترك الموقع جمٌعا فً أي لحظة احتجاجا على المجموعات المسٌئة
لبلسبلم _رؼم أن هذا لن ٌحدث_ ٌ..ضٌؾ ..أنه فعل ٌشبه مظاهرة ..ال أكثر من هذا وال أقل ..
وبعدم اقتناع ..تضامنت وقاطعت ..رؼم أننً قاطعت المظاهرات منذ فترة طوٌلة ..تعود
ألٌام المدرسة ..حٌن كنت "مجنونة صؽٌرة" مبهورة بؤفبلم السٌنٌما من نوع " جمٌلة بو حرٌد"
و "ؼروب وشرق" و " فً بٌتنا رجل" ..رؼم أن للفٌلمان األخٌران قصة أخرى معً قد أحكٌها
الحقا ..كنت ثائرة ضد االرهاب االسرائٌلً على فلسطٌن ..ووجدتنً احدى المعلمات سمكة
ساذجة تبتلع خطاؾ سنارة دون طعم ...وجدتنً مستعدة لقٌادة مظاهرة طبلبٌة _عفوا ..أقصد
تبلمٌذٌة_ دون أن تبذل جهدا فً تحفٌزها واقناعها....شجعتنً وحرضتنً أكثر ..ج َم َعت
الطبلب حولً ..حددت ٌوما ومٌعادا ..وانطلقنا ..قمنا بكل ما كان منتشرا وقتها كـ " موضة"
من حرق العلم االسرائٌلً ...وأشٌاء أخرى ال أتذكرها _وربما ال أحب أن أذكرها_ ...هذا إلى
جانب اضافاتً الشخصٌة والتً كانت كلها صبٌانٌة جدا ..مجنونة جدا و مرحة جدا فؤؼرت
الكثٌرٌن من المتفرجٌن بالمشاركة لٌتضاعؾ العدد فً وقت قصٌر ..شعرت بالزهو لحظة
رأٌت أعداد كثٌرة حولً ..كؤنه نصر ...نصر على ماذا ..ومن هو المهزوم ..ال أعرؾ !..
وفً ؼمرة فرحً ..وانفعالً ..واحمرار وجهً ..أمسكنً مدٌر المدرسة _من شعري زي ما
بٌقولو """هذا تعبٌر مجاااااااااااازى"""_ وهو ٌدعونً باالرهابٌة الصؽٌرة ..وٌتوعدنً بكل ما
هو سًء ومخٌؾ ..وبالطبع لم ٌكن ٌقصد حجرة الفئران ..فقد عرفت لحظتها أنه ال وجود لهذه
الحجرة ..ألنه حٌن ؼرقت السفٌنة ..كانت الفئران أول الهاربٌن !.
وجدتنً وحدي ..ال أحد ٌتوسط لً أمام مدٌر المدرسة ..فتاة مطلوب ولً أمرها ..تقؾ فً
منتصؾ طابور الصباح ..عبرة لمن ٌعتبر ..مع خطبة مطولة لمدٌر المدرسة _الثرثار بطبعه_
عن العقاب الذي سٌحل بً ..وكٌفٌة تشرٌدي ..فً هذه اللحظة ..ألحت على رأسً كل
البطوالت التً توهمها أصحابها ..لم أدمع ..ولم أنطق بحرؾ طوال وقفتً هذه ..حتى وهو
ٌسؤلنً بؽضب عن أصدقائً المشاركٌن معً ..لم أنطق ..كنت أراهم واقفٌن فً الطابور ..
فً فصولهم ..فً أمكنتهم ..و وحدي واقفة دون أصدقاء ..دون فصل ..فً مكان عرفت بعدها
أنه كان مكانً ..لٌس ألننً أنتمً لعالم التمرد والمشاؼبة واالرهاب ..ولكن ألننً ال أنتمً
لعالم الفئران ...أما عن المعلمة التً كانت سببا رئٌسٌا فً وقفتً هذه ..كنت تقؾ بجوار
المدٌر ..بجواره تماما ...تستمع لخطبته وتهز رأسها موافقة ...ولٌس بإمكان أحد أن ٌتخٌل
شعور فتاة فً عمر طري جدا كؽصن حبة الفول النابتة داخل قطعة القطن التً وضعتها بمعمل
العلوم قبل أن تخرج مباشرة للمظاهرة ..ال أحد ٌتخٌل شعور فتاة تشعر بخذالنها األول من كل
من ظنتهم ظهرها ..الذي انقصم فً هذه اللحظة ..من أصدقائها ..من معلمتها المفضلة ..من
مدٌرها الذي كان ٌقدرها لكونها طالبة متفوقة ..هذه اللحظة _دون أن أعً_ كانت فاصلة فً
حٌاتً ..تؤكدت أننً إذا سقطت ..فلن ٌتلقفنً أحد ..ولن ٌكون هناك من ٌمسك ذراعً
وٌساعدنً على النهوض ..أدركت تماما ان االنسان ٌكون وحٌدا حٌنما ٌحس أنه بحاجة
لآلخرٌن ..وأنه ٌجد نفسه محاطا باآلخرٌن حٌنما ال ٌحس أنه بحاجة إلٌهم ..ومن ٌومها ..وأنا
أقع وأنهض وحدي ..أنفض الؽبار عن مبلبسً بسرعة ..وأواصل السٌر !
لن أقول أننً فتاة بقلب جرٌح مكسور فائض بالخٌبة ..ألننً ال أجٌد تمثٌل هذا الدور ..وكما
أخبر صدٌقً دائما ":أنا فتاة صامدة ..صامدة حتى النهاٌة ..وإن كنت أتؤلم أو أفتعل األلم
أحٌانا ..فؤنا أستطٌع تجاوز أي شًء ..مهما كان " ..كل الطعنات التً أصابت قلبً مباشرة
تدوات والتؤمت تماما من فترة لن أسمٌها قصٌرة وإن كانت كذلك ..ألننً ال أملك إال عمري ..
وٌوم واحد هو شًء كبٌر جدا أندم على تفوٌته ..ولكن كل الجروح واالصابات تحتاج بعد
مداواتها لعبلج طبٌعً ..لطبٌب ٌعٌد الحٌاة فً الجزء الذي أنهكه الجرح وأضعفه سوء
االستخدام ..وهذا ما ٌحتاجه قلبً تماما ..سبلمته من أي خدش فً هذه اللحظة ال ٌعنً أنه
سٌقوم بوظٌفته بؤحسن ما ٌمكنه أن ٌفعل ..فً الحقٌقة كنت أعتقد هذا ..كنت أعتقد أنه برأ
تماما حٌن ألقٌت بقمٌص الحب على وجهه فارتد نابضا ..حٌن اعتقدت أننً بإمكانً أن أتبع
العبلمات على الدرب وأخطو بثقة مرة أخرى وأنا أردد قصٌدة لمحمود دروٌش تشبه ":هنالك
حب صؽٌر ٌسٌر على قدمٌه الحرٌرتٌن ..حب فقٌر ٌبلله مطر عابر ..فٌفٌض على العابرٌن"*
..كؤننً أمتلك قلب صبٌة فً الرابعة عشر من عمرها ..فً الصؾ الثانً الثانوي على التحدٌد
..حٌن ٌكون العالم كله ال ٌزن مثقال ذرة من خردل فً قلبها ..و تمضً وهً تفكر فً لون
الدماء فً شراٌٌنها الزرقاء ..وتقبض ٌدها وتبسطها وتتخٌل ..هكذا ٌدق قلبها !..وتعٌد حركة
ٌدها ذاتها بشكل أسرع وأسرع حٌن تخجل ..وحٌن تضطرب ..حٌن تحب ..وحٌن تعشق..
حٌن تخاؾ ..وحٌن تفرح ..وحٌن تلهث وراء أشٌاء كثٌرة لن تطالها فً النهاٌة ..لكنها تتٌقن
من أن قلبها ٌدق أسرع وأسرع بتناؼم ال مثٌل له مع انقباض ٌدها وانبساطها !...كانت فتاة
ساذجة جدا ..تفكر فً قلبها ورئتٌها كثٌرا ..وتدعً أحٌانا أنها تحب من كل رئتٌها ..وحٌن
ٌصحح لها أحدهم ":أنت تحبٌن من كل قلبك !" تنفً بشدة ..وتجزم أن الهواء العالق على
رئتٌها تخلل ٌوما رئة من تحب حٌن وقفت فً مواجهته ذات صدفة وقت لم تقدر الدماء أن تفعل
شٌئا ٌربطهما معا كما الهواء ..تدعً أنها ستحتمل توقؾ قلبها عن الدق ..لكنها لن تحتمل أبدا
توقؾ رئتٌها عن التنفس ..ألنها حٌن كانت طفلة تسبح مع صبً فً الحادٌة عشر وٌلهوان معا
بفرٌقً الؽواصٌن الببلستٌكً الذي ٌحمل السٌوؾ ..وٌتبارى فً الوصول إلى الكنز المفقود فً
أعماق البحار ..فكرت بطمع أن تستولى على فرٌقه وتصل إلى الكنز وحدها لكنه ؼضب و
وأمسك برأسها وؼمره تحت الماء وهو ٌضحك على ؼرقها الوشٌك ..لم تستطع التنفس
..شعرت بالماء فً رئتٌها وكادت تموت ألن كل الهواء على األرض عجز عن الوصول إلٌها
بٌنما كان قلبها ٌستمر فً الدق دون مباالة _ ..ربما أسرع قلٌبل؟ ...ربما_ شعرت به ٌدق ..
ولم ٌمكنها هذه المرة أن تقبض ٌدها وتبسطها مع نؽمته ..كل ما تحتاجه كانت أن تتنفس فقط
! ..بعدها لم تستطع أن تقول أنها تحب من كل قلبها ..ألن رئتٌها صارتا األهم ..وصارت
عبارة ؼزل تشبه ":قلبً ٌدق بك" ..ال تساوي شٌئا بجوار ":أنا أتنفسك" ..
أوووووووه ..تعبت وسؤعترؾ ! ..ال أمتلك الصمود الذي أتحدث عنه فً كل دقٌقة ..أنا
أتهشم كآنٌة ..قابلة للكسر كؽصن طري ..وتتقاذفنً الرٌاح كالورق الجاؾ ..وأرٌد شخص
ٌعاملنً بالمس ...كؤننً ثلج مبشور فً راحتٌه ..عبثا ٌحاول دسه عن الشمس كً ال ٌذوب !
كانت ٌد رهٌبة تقبض على قلبً وتعصره حتى سال الدم كله..ال أتؤلم ..لكننً أشعر أن قلبً
مجعد كقمٌص خرج من الؽسالة للتو وٌفكر فً المشابك التً ستقرصه بعد قلٌل وفً صفعات
الهواء الباردة جدا بعد حمام ساخن ٌ..تهٌؤ لنزلة برد لن تؽادره سرٌعا … وٌعطس ..!.الٌد تزٌد
من قبضتها وقلبً ٌنعصر أكثر..وٌسقط الماء من عٌنً ..لم أكن مضطرة ألن أضحك ..لكننً
ضحكت بصوت عالى رؼم البلل فً عٌنً وصدٌقً ٌحكً عن شجاره الٌومً وٌقلدنً وأنا
“باٌخة جدا” ٌ..سؤلنً عن سبب ضٌقً ..وٌقول أن هناك نوعٌن من الضٌق ..نوع إٌجابً حٌن
ٌؤتً شخص ما أو شًء ما وٌضاٌقك ..ونوع سلبً حٌن ال شخص ٌؤتً وال شًء لٌسعدك أو
حتى ٌضاٌقك ..أخبره أن ضٌقً ٌنتمً للنوع الثانً ..كإجابة سرٌعة لم أفكر فً صدقها ..لكننً
أعرؾ أنها حتى لو كانت كاذبة ..فؤنا لم اتعمد الكذب ..وهذا ٌرٌحنً ..أسؤل أحمد عن أكثر
مكان ٌحبه فً مصر ٌ..قول األسكندرٌة ..وإجابة مضحكه أخرى ..وٌلحقها بـ “هع” ..وأخبره
أننً أحب الحسٌن ..وأرؼب بزٌارته حاال..تتحول لهجته إلى لهجه جدٌة ..ال أراها ..لكننً
أتخٌل أن ضحكته تبلشت ببطء ..وأضاءت النجوم فً عٌنٌه وهو ٌسؤلنً ” زرتً الكعبة قبل
كده ٌا دعاء؟” ..أنفً ..فٌقول أن الراحة األكبر فً النظر إلٌها ٌ..ضع فً سلة أمنٌاتً أمنٌة
جدٌدة ستبارك حٌاتً اآلتٌة ..وٌتحدث عن رؼبته الشدٌدة فً زٌارتها..لوال الوباء المنتشر ..كان
ٌتكلم بحب وشوق كبٌر إلٌها ..كنت متؤكده انه ٌرى الكعبة أمامه فً هذه اللحظة ..وكنت أشعر
بالخجل من تخٌلها ..ونطقت فً نهاٌة كبلمه ” آه” ..كتصدٌق علٌه ..أو كـ نقطة ..ألننً حٌن
أخبرته أننً أحب الحسٌن لم أكن أقصد “مسجد الحسٌن” كما فهم هو ..وإنما كنت اعنً مقاهً
الحسٌن ..ومحبلت الفضة والخزؾ والتماثٌل الصؽٌرة ..ورائحة البخور التً تمتصها خبلٌاي
فؤشعر أننً جمرة منفعلة أشعلتها عجوز طٌبة برداء أبٌض فضفاض ورشت البخور علٌها فً
صباح الجمعة ..أفكر فً “قهوة الفٌشاوي” ..وأتذكر زٌارتً األخٌرة إلٌها ..وجلوسً أنا
واألصدقاء إلى طاولة نثرثر ونضحك..ونستمتع برائحة الهٌل التً تفوح من فناجٌل القهوة ..فً
الزاوٌة رجل ٌعزؾ على عوده بحنٌن شدٌد ..لحنه ٌمزقنً وٌبعثرنً ثم ٌعٌد جمعً على مهل
..راقبته حتى انتهى ..وتفاجؤت به وهو ٌرفع رأسه المائلة إلً وٌبتسم للدمعة فً عٌنً ..حٌنها
اكتشفت أننً بإمكانً أن أعشق رجل ٌبتسم لدمعتً ..واستؽربت جدا لحكاٌة صدٌقتً التً
كرهت حبٌبها ..ألنه ابتسم وهً تسكب دموعها فً كفه ..وعرفت فٌما بعد أن الفتٌات ٌفضلن
رجل ٌلتزم الحزن حٌن ٌبكٌن أمامه ..وأنا أرٌد رجل ٌشرب حزنً وٌضحك !..
الٌد تخفؾ من قبضتها اآلن وقلبً الضٌق كـ نقطةٌ..تسع وٌكبر كـ بالونة عٌد ٌنفخها طفل وٌلهو
!
كل األشٌاء الجمٌلة تنتهً سرٌعا ..هكذا كان الٌوم ..هكذا كان أمس ..وأول أمس ..هكذا كان
العام بؤكمله ..
.. 2113 -11 -22هو أول ٌوم قال لً أحمد “بحبك” ..ومنذها وهو ٌهمسها لً كل صباح
ومساء ..حٌن أوقظه فً السابعة والربع صباحا لعمله ..وفً الثانٌة لٌبل قبل أن ٌنام ..وفٌما
بٌنهما … .عام كامل لم ٌحرمنً منها إال فً أٌام قلٌلة ال ٌتجاوز عددها ستة أٌام على أقصى
تقدٌر ..كنا قد تشاجرنا فٌهم شجارات تافهة للؽاٌة ..بعناد ..وطفولة ..و رأس ٌابس ..ولم
نتصالح إال ألننا كدنا نختنق بصمتنا وعنادنا وبزفٌر كتمناه بالقوة كً ال ننطق “بحبك” ..نعود
بعدها لنتنفس بؤقصى مانستطٌع ..نستنشق وجود كبلنا فً اآلخر بعمق ..ثم نزفر “بحبك” عالٌا
عالٌا عالٌا !
“قضٌنا الٌوم بؤكمله معا” ..ودون أن أحكً مزٌدا من التفاصٌل ..ماقلته فقط كافٌا ألن تكون
فرحتً كاملة ..وخفقان قلبً حتى منتهاه ..والٌوم أجمل ما ٌمكن أن ٌكون ..كؤن أحمد ٌؤتً
إلً وفً ٌده علبة ألوان ٌمٌل بها من السماء على األرض وٌرسم قوس قزح ٌ ..مسك ٌدي
وٌؤخذنً معه ..نمضً والورد ٌنبت حولنا فً كل مكان ٌ ..سبقنً ألعلى التل ..وهناك نركب
دراجات هوائٌة نتدحرج بها من فوق ..نصطدم معا ونسقط فً ضحك ومرح ..نرقد على
العشب بؤنفاس متسارعة وفرح ال ٌوصؾ ..ننظر إلى السماء ٌ ..تخٌل هو أشكاال مختلفة
للسحاب ..وأنا أخبره أن كل السحاب ؼزل بنات وأنا أود أن ألعقه ٌ..بتسم وهو ٌدٌر رأسه إلً
ٌ..نظر فً عٌنً وٌقول ”:بحبك” ..أشعر لحظتها أن الحٌاة بؤكملها قطعة من ؼزل بنات ملون
وضعها أحمد فً ٌدي دون أن ٌدري ..هكذا هً أٌامً معه !..كؤنه شمس وأنا زهرة عباد
مجنونة تتوارى بذبول وقت ٌؽٌب ..وهو ٌعرؾ كل هذا ..لذا ٌهددنً فً كل مرة أحاول أن أقدم
على خطا ما بؤنه سٌلؽً موعدنا القادم ومع هذا لم أهن علٌه ولو لمرة واحدة أن ٌفعلها ..ربما
ألنه الشمس الوحٌدة التً تؤبه جدا لحال زهرة عباد !
أعجبتنً فكرته بؤن نشتري لهذه المناسبة شمعدان نضعه فً بٌتنا فٌما بعد ونشعله حٌن نحتفل
بهذا الٌوم فً كل سنواتنا القادمة ..ذهبنا اشترٌناه معا ..مع شموع برائحة الفراولة أٌضا ..
خرجنا من المحل وأنا أتخٌلنً أشعل الشمع ..اطفىء النور ..أنثر ورودا على الطاولة بٌن
أطباق العشاء ..أدٌر موسٌقى نحبها ..وأجلس على كرسً الطاولة أنتظره حتى ٌؤتً ٌ ..فتح
الباب بهدوءٌ ..تفاجىء وٌتسمر عنده..وأنا أعرؾ أنه ٌصطنع التفاجىء كً ٌسعدنً ..بالطبع
هو ٌتوقع أننً سؤعد ما حلمنا به سابقا فً هذا الٌوم ٌ ..ضع مفاتٌحه على رؾ المرآة قرب
الباب ..وٌخطو إلً ٌ ..مسك ٌدي وٌجذبنً برفق ألقؾ فً مقابلته ٌ ..نظر فً عٌنً وٌهمس
”:بحبك” ٌ ..عانقنً طوٌبل وٌخبرنً أن أٌامه بً أحلى ..أكؾ عن التخٌل وأشعر أننً أحبه أحبه
أحبه إلى ماالنهاٌة ٌ ..سؤلنً كما سؤلنً العام الفائت فً نفس الٌوم ”:نفسك تكملً عمرك كله
معاٌا؟” عندها قلت بخفوت ”:آه” ..أما الٌوم فنطقت بلوعة ”:مش كفاٌة !” ..نطقتها وأنا أعلم
أن كل األشٌاء الجمٌلة تنتهً سرٌعا ..نطقتها وأنا أعلم أنً أذوب فً حبه كـ شمعة !
شاهدت لٌلة أمس فٌلم “ … ”remember meالفٌلم رائع جدا رؼم نهاٌته الحزٌنة الؽارقة فً
الدمع ..شعرت وأنا أشاهده أننً فتاة حقٌقٌة ..وأن كل األشٌاء الصؽٌرة التً أشعر بها
وتحاصرنً فً كل مكان لها وجود فعبل ..و وجود قوي للؽاٌة !
شعرت أننً أرٌد أن أعٌش لحظاتً بكل ما فً من حٌاة ..عرفت أن كل المرات التً تخٌلت
فٌها أن الموت ٌراوؼنً كنت أنا من أراوؼه ..حٌن أركب سٌارة مسرعة متهورة قد تنقلب فً
أي لحظة ..حٌن أفتح المٌاه الساخنة وأنظر للؽاز وأشعر أنه على وشك االنفجار ..حٌن تهب
رٌح عاتٌة كـ موت لتعصؾ باألشجار أمام البٌت وحوله وتضرب الشبابٌك واألبواب ..حٌن
أفكر بكل هذه األشٌاء وما ٌشابهها وٌماثلها أكون أنا من ٌراوغ الموت ..أعرؾ أنه سٌفاجئنً
حٌن أنسى كل هذا ..حٌن أشعر أن كل شًء فً مكانه الصحٌح تماما ..وحٌن أرٌد أن تستمر
كل لحظة إلى األبد ..حٌن أفكر فً سهل أخضر منبسط ال تقربه الزالزل و سرب حمام أبٌض
ٌحلق أعبله ..حٌن أتحول لسمكة سعٌدة تسبح فً بحر دافىء ٌؽمره الشمس وٌنساه الموج ..أو
حٌن أكون مدمنة أدرٌنالٌن ال تفكر فً الموت وإنما تشعر بنشوة هائلة حٌن تركب سٌارة
مسرعة مجنونة ببل ؼطاء و الهواء ٌخترقها وٌمر من خبللها ..حٌنها ..فً هذه اللحظة فقط
سٌباؼتنً الموت ..ألن الموت ٌباؼت لكنه ال ٌراوغ !
قد ٌتخٌل أحد أن ما ٌسٌرنً فً الكتابة هو رهبتً الشدٌدة من الموت ..ربما هذا صحٌح ..
ولكن إن كنت هكذا فؤلننً أحب الحٌاة أكثر من أي شًء آخر ..أرٌد أن أعٌش دائما ..ال أرٌد
للموت أن ٌقؾ فً طرٌقً ..حتى وإن جاء ..فؤنا أرؼب بالقفز فوقه ..أفكر كثٌرا بؤنه لو
سامحنً هللا وؼفر لً و وقانً عذاب النار فسؤطلب أن تكون جنتً تشبه حٌاتً التً أعٌشها
اآلن ..بكل ما فٌها من فرح وحزن وانتصارات وانهزامات وانسكارات وحب طاؼً لكل
األشٌاء الصؽٌرة جدا التً ال ٌنتبه إلٌها أحد ..بقوانٌن كثٌرة أتخطاها وأتجاوزها بخوؾ ولذة
..ال أرٌد قصور تجري من تحتها األنهار وال أكواب وأبارٌق وكؤس من معٌن وال سرر من
حرٌر وقطوؾ دانٌة وولدان مخلدون ..أرٌد حٌاة كاملة بكل متناقضاتها ..ألم ٌقل هللا ”:ولهم
فٌها ما ٌشتهون” ..أنا إذن أشتهً الدنٌا ..وأرٌدها حٌاتً اآلخرة !
لم ٌكن قصدي أول ما بدأت الكتابة أن أتحدث عن كل هذا ..كنت أرٌد فقط أن أحكً عن الفٌلم
وتؤثٌره القاتل فً ..لكننً انحرفت وانحدرت أكثر مما ٌنبؽً ..كؤن الشاشة أرض ملساء تمٌل
بً بانحدار شدٌد وال ٌوجد أي شًء ألتشبث به ..فقط انزالق ال نهائً !
ال أعرؾ وجهً فً المرآة ..ألنها ال ترانً وإنما ترى فتاة أخرى بكحل أسود كثٌر حول عٌنٌها
وجفنٌها ..حتى كؤنها عفرت اصبعها برماد الفحم ثم مررته على عٌنٌها ..فتاة بحالة مزرٌة
..وأقول “مزرٌة” ألننً حٌن كتبت ”:كان ٌوم مزري”..جاء الرد ”:ضحكة” ..وبعدها ال شًء
..رؼم أننً كنت أرٌد أن أحكً ..وكنت أنتظر فقط رإٌة عبلمة استفهام حتى أبعثر خلفها جمل
كثٌرة ..ال تنتهً بـ نقط..وإن كنت سؤسمع خلؾ كل جملة ضحكة أخرى فبل ٌهم ..ما ٌهم أنه
كان ٌوجد احتمال ضئٌل بان أفضفض ..وكما قلت سابقا ..أنا أجٌد الثرثرة ..لكنً ال أجٌد
الفضفضة ..وأعرؾ أننً لم أكن سؤقول شٌئا فً النهاٌة ..لكن هذه العادة السٌئة ال تفارقنً
..كؤن أقول :لو عاد الوقت لكنت فعلت وفعلت وفعلت ..وإن عاد …ال أفعل أي مما نوٌته ..فقط
أعٌد ما مضى بحذافٌره وبؽباء تام !..
أؼسل وجهً بالماء فقط ..وهذا ال ٌكفٌنً ..فؤؼمر رأسً كلها تحت الماء ..والسواد ٌطول باقً
وجهً وال ٌؽادر عٌنً ..أحضر رمانة منسٌة فً الثبلجة منذ فترة طوٌلة ..أقطعها دون سكٌنة
وآكل الحب مباشرة وأنا أستمتع بطعمه البلذع والحامض فً حلقً ..هل ضروري أن أؼسل
ٌدي؟ ..لم أفعل .رؼم أن أصابعً التصقت ببعضها لكننً بالؽت فً السوء وأحضرت ثمرة
“مانجا”وأكلتها أٌضا دون سكٌنة تقطعها من المنتصؾ ..وملعقة تخرج قلبها ..وأنا ال احب
المانجة وال الرمان ..وأنفر منهما إلى الفراولة والبرتقال اللذٌن أعشقهما كثٌرا ..و …هل
ضروري أن أؼسل ٌدي؟ ..هذه المرة كان ضرورى جدا ..لكنً لم أفعل أٌضا ..تجاهلت كل
شًء وتكورت على السرٌر كـ جنٌن ..ونمت ! ..وحٌن استٌقظت كل ما فكرت به أننً أرؼب
فً فعل شًء سًء كتدخٌن سٌجارة فً سكون تام..والتبلشً مع الدخان ..تذكرت المسج التً
أرسلتها لصدٌقتً الصٌؾ الماضً ..حٌن كتبت أربعة أشٌاء سٌئة للؽاٌة أود أن أفعل أحدها
..اخبرتها أننً سؤكون الشكل الصحٌح للخطٌئة ..لكنها بعثت إلً بـ رد قاسً جدا جعلنً أزم
شفتً ..وأدخن صمتً وؼضبً !..
أصل ألسوأ حاالتً عندما ٌرٌد أحد أن ٌجبرنً على فعل شًء ال أرٌده ..حتى لو كان صحٌحا
..حٌنها أفتش عن كل أخطاء الكون ألفعلها بعناد كبٌر …كطفلة عنٌدة ٌرؼمها أبواها على
الذهاب إلى المدرسة فتمرغ نفسها على األرض وتبكً بشدة فٌحمبلها رؼما عنها إلى حٌث
ٌرٌدان ..هذا ما ٌفعله أبواى معً تماما اآلن ٌ..رٌدان اجباري على سلك طرٌق اعرؾ أنه
صحٌح جدا والخٌر به كثٌر ..ألننً ساخطو على الورد ..ستدنو منً القطوؾ ..وسؤنال الرضا
..وأنا أصر على طرٌقً الملتوي والمتشابك والخاطىء ..وإن كنت حتى سؤبتعد وأتوه ..فؤنا
أرٌد أن أسٌر وحدي ..وأصل وحدي ..ألننً ال أملك فً العالم سوى حرٌتً ..وإن تخلٌت عنها
_لن أدعً أننً سؤموت _..لكننً سؤصمت وأنزوي وٌبهت وجهً كجدار ..قلت فً رسالة
قرٌبة “ :أفضل أحٌانا أن أفقد كل شًء ..كً ال ٌملكنً أي شًء ..عن حرٌتً أدافع ..عن
فقري أدافع ..عن دفاعً أدافع” !.
ها أنا أرقص على حافة السكٌن ..ومهما حدث لن أسمح بؤن أكون حصى رتٌبة ساكنة فً قاع
نهر راكد وسؤظل أردد ما حٌٌت بؤننً لست أمٌرة فً قصر ثلجً ..أنا صعلوكة فً براري
حرٌتً..
بقبلتٌن سرٌعتٌن على وجه أمً وضمة ابتدأ مشوار عمره ثبلثة أٌام إلى األسكندرٌة… انعقدت
سٌارتنا فً حبل السٌارات الطوٌل الممدود بٌن بداٌة الطرٌق وآخره ..كنت منتشٌة جدا وال
أتوقؾ عن الؽناء ..كؤننً شربت كؤس وحٌد أنتشً به وال ٌسكرنً من محل “ ”drinksالذي
افتتح مإخرا مجاورا لمنزلنا هناك ..وانتبهت إلٌه بدهشة كبٌرة جعلتنً أتسمر فً مكانً أمام
الواجهة الزجاجٌة التً تعطً ضً أخضر ..كل ما فً المحل أخضر ..بدءا من ٌافطته وزجاج
واجهته حتى لون الجدران والثبلجات والزجاجات داخلها ..وقفت وأنا أحاول أن أكتشؾ فقط إذا
كان البائع هو الرجل األخضر فً فٌلم ” ..“the incredible hulkلم أعرؾ ألن أبً جذبنً
من ذراعً وهو ٌضحك على حملقتً وٌقول “عادي!” ..لكنه لم ٌكن عادي ألننً الفتاة الرٌفٌة
التً ال تعتاد على رإٌة هذه األشٌاء فما بالها بمحل أخضر مجاور لها ..لماذا أخضر؟ ..كنت
أحب اللون األخضر ..مشٌت من مكانً وأنا أفكر أن كل من ٌخطو داخل هذا المحل سٌتحول
لضفدعة خضراء ..ولن ٌقارب ترعة أو زرع … ما أتعس ضفدعة تمضً وحٌدة على
األسفلت فً مدٌنة !
أما عنً فكنت أمضً وأنا أكاد أجن ..ألننً أنظر لكل الوجوه ..أعرفها ..أعرفها جمٌعا
..وأستطٌع أن أقول هذا فبلن ..وهذه فبلنة ..وأعود ألصحح هذا ٌشبه فبلن وهذه تشبه فبلنة
..هل سؤكون مبالؽة لو قلت أننً قابلت كل الوجوه التً أعرفها ..أشعر أن هذا ما حدث فعبل
..حتى صرت أتفادى النظر إلى أى وجه كً ال تنفجر رأسً بالحٌرة ..األؼرب ..أن وجوه
أخرى كانت تنظر فً وجهً أٌضا ..وجوه لم أتعرؾ علٌها ولم أنظر إلٌها..كانت تمضً
أمامً ثم تعود لتلتفت ..ربما أكون معتادة على نظرات البعض فً الشارع ..لكن لٌس بهذه
الطرٌقة ..وهذا الشكل ..األمر تعدى كل الحدود ..ثمة خطؤ ما ..ورؼم أننً حاولت أن أتجاوزه
كشًء عابر..كوجوه عابرة ..إال أننً لم أستطع اخراجه من رأسً حتى اآلن ..المهم أننً
تكٌفت مع الوضع ..وحاولت االستمتاع بكل لحظة ..ألنها أجازة قصٌرة ..أجازة من التفكٌر و
وجع الرأس والتحدٌق فً الشاشة والمكالمات الهاتفٌة والنوم والجلوس على ملل ..فؤلقٌت بهاتفً
النقال ألبعد مكان فً المنزل ..وجاهدت ألجعل رأسً خالٌة تماما كـ شقة هجرها أصحابها
وأخذوا معهم كل شًء ..توجهت مع أختً لـ جرٌن ببلزا ..قطعنا تذاكر السٌنٌما بعد أن
أخترت فٌلم ” ”final destination 4ودخلنا بزجاجة ماء وفشار ..لقطات اعبلنٌة عن فٌلم
كومٌدي سٌنزل قرٌبا ..األمور هادئة تماما ..حتى بدأ الفٌلم ..الفٌلم مرعب جدا ..و أنا أفضل
األفبلم الكومٌدٌة أو الدرامٌة فً السٌنما ..شعور أننً أتشارك الضحك أو األلم مع عدد كبٌر من
الناس ٌسعدنً و ٌرٌحنً جدا ..لكن أن أشاركهم الخوؾ فً عتمة قاعة وأصوات الرعب تخرج
من كل مكان بدءا من السماعات فً الجدران كلها ..حتى الصراخ من فمً فهذا ماال أحتمله
..أختً تتوعدنً بالقتل فور أن نخرج ..وأنا أدفن وجهً فً كفً وال أنظر ..واألصوات كفٌلة
بؤن ٌجؾ الدم كله فً عروقً ..وأنشؾ..بجواري شاب وفتاة ٌخافان معا..وأنا خائفة وحدي !
قلت لنفسً :ال ٌهم ..هذا أفضل !..وانتهى الفٌلم الذي بدأ بعبارة ” الحٌاة عذاب وبعدها الموت .
أٌة أسئلة ؟” انتهى بموت كل أبطال الفٌلم ..والمشاهدٌن الذٌن ماتوا رعبا … خرجت وأنا أفكر
:لم ٌبق أحد ! وتذكرت ما كتبته من عام وأطلقت علٌه ”:سؤكون وحشا ..وسٌخشانً ذوي
القلوب!” …كنت كتبت :
” لن أشاهد أفبلم رعب ثانٌة ..ولو توقفت حٌاتً على ذلك!”…من أسبوع قلت هذا لنفسً بحزم
بعد تلك الخٌاالت والصور واألفكار التً عبثت برأسً عندما صعدت مع صدٌقتٌن للدور
األخٌر فً صٌدلة..كان الهدوء ٌخٌم على المكان..ال أحد به سوانا…ومصدر الضوء الوحٌد
شباك زجاجه من النوع المعتمٌ ..حافظ على شحوب المكان أكثر من نفاذٌته للضوء..السلم
عرٌض بسٌرامٌك أسود المع …وٌنتهً عند باب ما وراءه مظلمٌ..صدر منه أصوات عالٌة
لماكٌنات ال ندري كنهها ..للحظات ابتلعنا رٌقنا بصعوبة خصوصا وأنً كنت قد شاهدت فً
اللٌلة السابقة فٌلم رعب أحداثه كانت ال تزال تطاردنً..كان منظر الوحش وهو ٌقتلع عٌنً
البطل لم ٌفارق رأسً بعد..شعرت فً هدوء هذا المكان بالهدوء الذي ٌسبق انقضاض الوحش
على فرٌسة ٌشم بها رائحة شًء ٌعجبه كـ قلب أو رئة أو حنجرة أو عٌن أو أي جزء
آخر..ظننت أن مقبض الباب سٌدور فً أي لحظة..وٌتحرك الباب بؤزٌز سٌجعلنً أحك أذنً
…وٌنقض علٌنا فجؤة كائن ؼرٌب ..سٌشبه طٌور الظبلم ..نصؾ خفاش ..ونصؾ انسان
..بجلد محروق..ربما نكتشؾ فٌما بعد أنه طالب مات فً حرٌق أصاب الجامعة فً فترة
الستٌنٌات بعدما نجا الجمٌع بؤنفسهم دون محاولة انقاذه..فنهشت الخفافٌش جثته..لكنه نهض
لٌنتقم من الجمٌع فً ذكرى هذا الحرٌق والذي وافق ذلك الٌوم الذي صعدنا فٌه لهذا
المكان..فكرت أن احدى صدٌقاتً ستقتلها الصدمة قبل حتى أن ٌفكر الوحش فً
لمسها..واألخرى ستنظر له بتحد ..قبل أن ٌؤكل نظراتها أوال ..ثم ٌلتهم ما ٌتبقى منها
بتروي…أما أنا فسٌقبلنً عنوة..ثم ٌلتهم قلبً .وبعد لحظات من تلك القبلة سؤتحول إلى أنثى
الوحش التً ستتؽذى على القلوب فقط فٌما بعد..باحثة عن قلبها فً صدر أحدهم..أو على األقل
قلب ٌشبهه…لكنها لن تجد!….لعنت رأسً فً هذه اللحظة..ونظرت لصدٌقتً اللتٌن كانا قد
انهمكا فً الحدٌث..أتذكر هذا كله اآلن لسبب بسٌط جدا…وهو أن ابن عمً من ساعة كان
ٌحدثنً عن فٌلم الرعب الجدٌد “ “mirrorالذي دخله من ٌومٌن فً السٌنٌما..وقررت أن
أشاهده بعدما حكى لً عن حجم الرعب الذي سٌطرعلى كل من شاهده…وعن مقاطعتهم نهائٌا
لكل أفبلم الرعب فٌما بعد…ولو توقفت حٌاتهم على ذلك!”
نفضت كل أفكار الرعب من رأسً كؤنها ؼبار ..وذهبت مع أختً لتناول الؽداء ..ثم جلسنا إلى
مقهى نتجاذب أطراؾ الحدٌث والضحك ..و أنا أشدهما إلى ناحٌتً بقوة ..لتقع ضحكاتها
وثرثرتها على األرض ..وأضحك أنا أكثر..التنزه بصحبة رفقة ممتعة ألنه ٌكون بإمكانك حٌنها
أن تكون مجنونا دون خجل ..أما حٌن تتمشى وحٌدا فكل ما ٌمكنك فعله أن تضع ٌدٌك فً
جٌوبك وفً قلبك أؼنٌة تشبه ” إٌدٌا فً جٌوبً وقلبً طرب … ماشً فً ؼربة بس مش
مؽترب ..وحدى لكن ونسان وماشً كدا ..ببتعد معرفش أو بقترب !” …هذا ما أحسسته حٌن
خرجت وحدي ..لم أستطع أن أتجنب التفكٌر والكتابة وفً الهواء ..أصابعً تتحرك رؼما عنً
كؤنها تنقر الكً بورد ..والعبارات تتناسل فً رأسً كالقطط وتضٌع ..حٌنها فكرت :ماذا لو
كنت أستطٌع أن أثبت كً بورد إلى وسطً وأمشً وأنا أكتب :..هل سؤبدو مضحكة جدا ؟ حٌن
وصلت لهذه النقطة شبكت أصابعً معا ألوقفها عن النقر فً الهواء ..وعدت سرٌعا إلى
المنزل!.
_لم أنتهً ..أشٌاء كثٌرة أود أن أحكٌها ..لكننً مرهقة ..ربما ٌتبع!_ ما ٌهم أننا عقدنا سٌارتنا
مرة أخرى فً حبال السٌارات الممدود بٌن أول الطرٌق وآخره ..ورجعنا ..وانتهى المشوار
بقبلتٌن على وجه أمً ..وضمة !
من فترة طوٌلة جدا تقارب العام لم أنم فً أول اللٌل وأستٌقظ مع الصباح ..ألننً لم أعد أعرؾ
مواعٌد نومً ..أنا مستٌقظة حتى تسقط رأسً على كتفً ..وأنهض بمجرد أن أفتح عٌنً
..دون مٌعاد محدد ..لكن أن أنام فترة اللٌل كما هو طبٌعً ..فهذا ماال ٌحدث وما نسٌت كٌفٌة
حدوثه ..لكنه حدث الٌوم ..فً صؽري كنت أنام فً التاسعة تماما ..فً النهار حٌن ٌسؤلنً أحد
”:بتنامً امتى ؟” ..كنت أجٌب ”:دودو بتنام الساعة تسعة “..وكانت التاسعة معاد مقدس جدا
..ألننً كنت أبكً لو صحبتنى أمً لمكان ما وجاءت التاسعة وأنا خارج سرٌري ..حتى صار
أقاربنا وأصدقائنا وكل من ٌعرفنً ٌ..عرؾ أننً أنام فً التاسعة ..وفً كل مرة تتؤمل أمً
الهاالت السوداء حول عٌنً ..تذكرنً بهذه األٌام السعٌدة ..وٌبدو أنها كانت فعبل سعٌدة ..ألننً
استٌقظت الٌوم بمزاج طفلة بربطة شعر وردٌة ..نزلت إلى شجر الجوافة للمرة األولى هذا
الصٌؾ ..وتنبهت ألننً كبرت وأصبحت فتاة طوٌلة حٌن رفعت ٌدي وأحنٌت ؼصن بسهولة
وقطفت ثمرة ..ألن فً الماضً كان شجر الجوافة هو السٌرك الخاص بً ..كنت أتسلق الشجر
..وأستمتع جدا بالجلوس على ؼصن عالى معٌن ..والمكوث علٌه لنصؾ النهار..أمً تخاؾ
علً ..تؤمرنً أن أنزل حاال ..وأنا أبالػ فً العناد ..وأصعد لفرع أعلى ..فتضحك على القرد
الذي أنجبته ..وهً تعرؾ أنه ال فائدة من كلمة “انزلى”…ذاكرة ؼضة تتربص بً هذا الصباح
… ورائحة حلوى كانت تحملها أمً دائما فً حقٌبتها .وتراب مزق ركبتً الصؽٌرتٌن
..وركض مع أوالد الجٌران ..ألعب مع الذكور فقط ..فاالناث بالنسبة لً كانوا مصدر
ضعؾ..أقع ..أنهض …ألهث…ال أعترؾ أننً أقل منهم جدارة ..أناور ألكون الجدٌرة بكل
شًء ..حتى بعتاب أمً !
كل لٌلة كانت أناملها تسافر فً شعري وهً تحكً لً حكاٌات ” ماما فضٌلة” ..تلك التى
واظبت سنوات على سماعها فقط ألجلى …أو حكاٌات عن دراكوال الطٌب ..دراكوال الذي ال
ٌستعمل معجون أسنان ..وٌثٌر الشفقة أكثر من طفل مصاب بالسكر ..أو لما ٌصبع اصبعها
عصا كمنجه ٌخترقنً وهً تقول ”:انت اللى هتؽنً ٌامنعم” ..فٌؽنً لها منعم ”:بوال بوال ..
بوال بوال ..بالومبٌبل …بٌتك ٌاعصفورة وٌن ..مابشوفك ؼٌر بتطٌري ..ما عندك ؼٌر جناحٌن
…حاكٌنا كلمة صؽٌرة ..ولو سؤلونا بنقلن ..ما حكٌنا العصفورة …طٌري طٌري …طٌري
طٌري …ٌاااااعصفورة !”…أو لما تؽنً لً ٌ ”:ا اخواتً بحبها …دي حبٌبة أمها …حبٌبتً
بكرة تكبر وتروح المدرسة ..وٌقولو علٌها شاطرة ونمرها كوٌسة “…كان صوتها حبوب النوم
… وكان كل ما احتاجه وقتها أن أسمعه وأنااام ..كانت النجوم تعترٌنً من رأسً حتى أخمص
قدمً ..واألحبلم أكثر وضوحا ..وأقل مدعاة للقلق ..وتؤتٌنً بعد التاسعة بثبلث دقائق !
هذه اللحظة فً خطوط كفً بقاٌا تراب … وفً قلبً “ :بوال بوال …بالومبٌبل” !..
الجو الذي أجلس به اآلن فاتن..أطفؤت النور ..أوقدت شمعة ..أشعلت بخور ..صنعت فنجان
شاي بالنعناع ..وأدرت موسٌقى رقٌقة كنسٌم لٌلة صٌفٌة جعلت كل األشٌاء تنسجم مع بعضها
فً سحر..وأنا بٌنها أتبلشى ..أعرؾ أن الضوء الصادر من الشاشة ال ٌناسب الوضع كثٌرا
..لكننً فتحتها اآلن فقط للكتابة ..الجو ٌؽري بالحب ..بالسهر ٌ..ؽرٌنً بكتابة رسائل ؼرامٌة
لشخص ال أعرفه التقٌته صدفة..وبادلنً نظرة أتذكرها جٌدا كان ٌبحث بها فً وجهً عن
مبلمح حبٌبة هجرته دون وداع ..وأنا أبحث عن حبٌب لم ٌؤت بعد ..ولم ٌقل أنه سٌتؤخر !..
سؤتجاهل الجمٌع وسؤكتب أي شًء وأترك خانة المرسل إلٌه فارؼة ألن البلحبٌب اعتذر أخٌرا
عن كل المواعٌد التً لم نحددها بعد…فهل أخدع قلبً ..وأصطنع الكتابة لرجل سؤدعً أننً
أعشقه كثٌرا ..وأذوب به حتى الثمالة ..كما حدث وكتبت من سنوات طوٌلة رسالة و ادعٌت أنها
وصلتنً من شخص ٌذوب بً ..وٌسهر اللٌل ألجلى وأن التجعٌد الخفٌؾ فً الورقه سببه
دموعه التً جفت علٌها ..وقتها لم أكن أرٌد أن أشعر أننً محبوبة ..بقدر ما كنت أرٌد فقط
..أن ٌكتب لً رجل ٌ..كتب أي شًء…كل ما أردته أن تصلنً ورقة ..مكتوب فً وسطها
اسمً فقط بخط كبٌر ..وٌنقؾ اسمه بخط صؽٌر كتوقٌع فً نهاٌتها ..ألنه إذا فعل وكتب
”:دعـــاء” بخشوع شدٌد ..سؤقرأها وأؼادر إلى السماوات كالتبلوات والصبلوات واالبتهاالت
..ألننً أصدق أن أسماإنا وحدها تشبهنا ..وأنا أذوب فً األسماء وحروفها ..ومعانٌها…!
لم أرؼب بحبٌب ٌهاتفنً وٌطلب لقائً ..أردت كلمات جمٌلة مكتوبة على منادٌل هشة جدا
تجعلنً أعاملها برقة متناهٌة ألحافظ علٌها وتعٌش إلى األبد ..لم ٌفهم أحد ..وحٌن فهم الشاعر
الذي أحببته ..بعث لً بقصٌدة ملفوفة فً “اٌمٌل” ..حاولت أن أتقبل الفكرة ..وأحبها ..وأستبدل
رومانسٌة العصور الوسطى ..برومانسٌة حدٌثة تواكب الشاشة التً أضٌئها وسط شموع وبخور
وموسٌقى ..ألكمل دائرة المتناقضات فً حٌاتً …وإن كنت حتى اآلن ..أحلم بمندٌل هش
للؽاٌة ..ومعاملة رقٌقة ..وحلمً الصؽٌر هذا كبٌر جدا على واقع ال ٌحتملنً وٌحتمل تفاهتً
التً ال تقارب أحد … !
أكور شفتً وأزفر بهدوء بإتجاه الشمعة ..خٌط دخان رفٌع ٌنبت من اللهب المنطفىءٌ ..نسجم
مع خٌوط البخور ..أحاول تتبعه فً الظبلم ..فؤدوخ وأتوه ..وأتبلشى أكثر !
أبً ٌوقظنً بإلحاح ..وأنا لم أنم سوى نصؾ ساعة فقط ..ال أملك سوى أن أقول ” حاضر”
..وانطق ٌووووووووه طوٌلة ال تقارب أذنٌه ..أفكر أن ال أحد من أصدقائً ٌوقظه أبٌه صباح
كل ٌوم دراسً ..والكل ٌذهب أو ال ٌذهب بارادته باعتبار أننا لم نعد تبلمٌذ فً الصؾ الثانً
االبتدائً ..فلً الحق أن أستٌقظ وحدى ..وأذهب وحدي ..لكن أبً ٌعاملنً كاننً الطالبة
الوحٌدة على وجه األرض ..التً ستؽلق الجامعة فً ؼٌابها ..نهضت برؼبة كبٌرة فً النوم
..بعٌنٌن نصؾ مفتوحة أتهاوى بٌن الجدارن ..أرؼب فً خمس دقائق فقط اضافٌة فً السرٌر
..لكننً ضحٌت بها حفاظا على ضؽط أبً طبٌعٌا فً أول الصباح..ارتدٌت مبلبسً على عجل
دون أن ٌكون لدي ما أتعجل له ألن الراوند ملؽً الٌوم ..و لن اقترب من المحاضرة ..فكرت
أن ارضاء أبً سبب كافً ..ولم ٌؽادرنً الضٌق إال حٌنما تهٌؤت للمؽادرة ووقفت أمام المرآة
مزهوة بنفسً ..ابتسمت لـ دعاء ..وخرجت وأنا أقول ” ٌجب أن تتوقفً عن عادة االبتسام فً
المراٌا!” ألننً لم ٌحدث أبدا أن نظرت فً مرآة ولم أبتسم ..حتى فً أٌامً السٌئة جدا ..حدث
هذا مرة واحدة فقط ..أستطٌع أن أحددها اآلن بالتارٌخ والساعة و الدقٌقة ..كنت أبكً وعٌون
الماء تتفجر ..نظرت فً المرآة وأنا أؼسل وجهى ..وقفت لحظة بجمود أراقبنً وأنا أتساءل :
هل سؤبتسم ؟ ..كان سإاال تافها جدا بالنسبة للموقؾ ..وكنت أكثر تفاهة حٌن حزنت ألننً
عجزت عن االبتسام واكتشفت أن هذا لم ٌحدث من قبل ..لم أستسلم لهذه الذكرٌات ..نسٌتها
سرٌعا وأنا أفكر أن صورتً فً المرآة ؼٌر مكتملة ..وٌلزمها صورة شاب وسٌم ٌبتسم بجواري
ألننً كنت أؼنً ”:جدع انت ٌا جمٌل الصورة ٌ..ا مزقطط زي العصفورة ..قرب جنبً
واسمع قلبً هٌقولك كلمة صؽٌورة “
” ٌبل اتؤخرتً !” ..أبً ٌستعجلنً فتتحول ابتسامتً وأؼنٌتً لضحكة فً وجهه وأنطق
“حاضر” ..أركب السٌارة بجواره وأختً الصؽرى بالمقعد الخلفً ماضٌة نحو الٌوم األول فً
حٌاتها الجامعٌة بحماس كبٌر ..أبً ٌعٌد علً ما ٌقوله منذ أسبوع ”:تاخدى اختك تشترٌلها بالطو
وتعرفٌها األقسام ..وما تسٌبهاش !” ..أنطق أٌضا ”:حاضر ٌا بابا” ..وأضحك اآلن جدا وانا
أتذكر أننً تركتها عند بوابة الجامعة حٌن صادفت هً صدٌقة لتسلم علٌها ومضٌا معا بتشجٌع
منً ألن ٌجربا متعة االكتشاؾ وحدهما ..هل أبدو أخت كبرى سٌئة؟ …هذا صحٌح ..ألننً
أفشل دوما فً تؤدٌة هذا الدور …لكننً أعرؾ أٌضا أن آخر ما ترٌده هً ..هو أخت كبرى
تمسك ٌدها فً الشارع والكلٌة ..
أنا أٌضا أقابل صدٌقتً ..نصعد للمحاضرة ..نلقً نظرة على المدرج ونكتشؾ أنه معمل تدجٌن
لبلنفلونزا ..نخرج سرٌعا بانتشاء كبٌر وثرثرة وضحكات كثٌرة ..نتجول أسفل الكوبري ونتؤمل
الجو العام ..الشباب الصؽٌر ٌراقب الفتٌات الصؽٌرات ..وٌراقبنا أٌضا ..ونحن نرٌد أن نخبرهم
اننا أصبحنا “كبار” ..نحن اآلن فً الفرقة الخامسة ..وبما أن الفرقة السادسة فً أجازة ..فبل
ٌوجد من هم أكبر منا ..وهذا لٌس جٌدا كما ٌبدو ..ألننً حٌن كنت فً الفرقة األولى كنت أقول
” :أرٌد أن ٌحبنً شاب فً الفرقة الثانٌة أو الثالثة أو الرابعة ..أو الخامسة ..أو السادسة !” أما
اآلن …!! وإن كنت لم أعد أبحث عن الحب لعلمً أنه سٌؤتً ٌلهث ورائً بمجرد أن أعطٌه
ظهري وأمضً بتجاهل شدٌد ،كطفل صؽٌر تظل تبلطفه وتبلعبه وتتحول أمامه لبهلوان كً
ٌنظر إلٌك فقط وٌضحك فبل ٌفعل ..وبمجرد ان تعرض عنه وتنشؽل بشًء آخر ٌؤتٌك وحده
ٌحاول لفت انتباهك وٌضحك وٌبكً..وٌفعل كل شًء كً تهتم به ثانٌة ..وأنا مرهقة جدا
وأحتاج للراحة بحجم سنوات عمري العشرٌن ولم ٌعد لدي طاقة لتؤدٌة دور البلهوان أمام طفل
شقً مكابر ال ٌكبر ..أكثر ما أضحكنً الٌوم حٌن اقترب منا فتى مع صدٌقه بعبلمة صبلة
تنمو فً جبهته وذقن صؽٌرة نابتة ٌ ..نظر وٌوجه كبلمه إلٌنا قائبل ”:هذه فتنة ٌا أخ محمود!”
..لم أتمالك نفسً أمام عبارة الفتى األمردا ..واآلن أضحك مرة أخرى على الشٌخ الصبً وأنا
أضع ٌدي على بشرتً التً تحرقنً كثٌرا بسبب الشمس ..وأفرؼت علبة كرٌم علٌها وال فائدة
..أال ٌكفٌها انها لوحتها بـ “السمرة” فً نهار واحد ..وإن كنت قمت بؤكثر من مشوار تحتها
فهذا لٌس مبرر لقسوتها معً _..زعبلنة منك ٌا شمس ٌا برتقانً _
كنت قد ذهبت لمحل حلوٌات ألحجز “تورتة” لعٌد المٌبلد ؼدا ..أختى عٌد مٌبلدها بعد ثبلثة أٌام
..وخطٌبها عٌد مٌبلده كان من ثبلثة أٌام ..لهذا توصبل معا لٌوم فً منتصؾ المسافة بٌنهما
ٌحتفبل فٌه بعٌد مٌبلدٌهما معا ..وٌتبادال الهداٌا واألحبلم ..وصٌت البائع أن ٌكتب على التورتة
“أحمد وشٌماء” فً قلب واحد ..ومضٌت وأنا افكر فً الجدع جمٌل الصورة حٌن ٌاتً فؤتخلى
عن أنانٌتً ألجله وٌتخلى عن أنانٌته ألجلً ونكون فً منتصؾ المسافة بٌننا “أنا” واحدة ..نقؾ
أمام المرآة نبتسم معا ونستكمل األؼنٌة “ :وقفنا فً ألؾ مراٌة بالبدلة والفستان ..وهتنتهً
الحكاٌة ..واحنا ملناش مكان … صبرت فً البداٌة ..وهصبر للنهاٌة ..الصبر عندى هواٌة
..وأنا وانت والزمان !”
الحاضرة الؽائبة !
منذ أكثر من أسبوع وأنا أشعر بالظمؤ الشدٌد ..ولٌس بإمكان أنهار الكون كلها أن تروٌنً ..
حلقً جاؾ ..وكؤس الماء ال ٌفارق ٌدي ..ومع كل رشفة العطش ٌزداد أكثر ..وشراهتً للمٌاه
تتفاقم ..كؤننً فتاة حولها دراكوال منذ أٌام قلٌلة إلى مصاصة دماء مسكٌنة تجلس مستندة على
جدار فً شارع مظلم ..تتلوي من العطش وتحاول بلع رٌقها بمعاناة صحراء تحرقها الشمس ..
أتذكر اآلن ٌوم األحد الفائت حٌن ذهبت ألجري تحلٌل دم للمرة األولى بحٌاتً ..الممرضة
تتحسس ورٌدي البارز ..تحاول إبرازه أكثر ..تؽرس األبرة برفق ..وأنا ال أؼمض عٌنً
بقوة كما اعتدت ان أفعل مع كل ألم … أنظر إلى دمائً وهً تؽادر ورٌدي مذعورة ..لونها
ٌشبه األسود القاتم جدا وأنا أفتش عن األحمر وال أجده ..أدركت بحزن أنها تؽادر الوطن فً
قلبً ولٌس ثمة طرٌق ٌشبه الورٌد للرجوع ..فكرت لحظتها أن كل وداع هو بصورة أو
بؤخرى ال ٌتعدى كونه نزؾ ٌ ..وجع وٌإلم ومع الوقت ٌنسى ..تخٌلت الممرضة هً دراكوال
التً شربت من دمً وحولتنً إلى هذه الفتاة الظمآنة التً ال تعرؾ كٌؾ ترتوي ..هذا الشعور
الذي الزمنً من أول الٌوم إلى آخره …بدأحٌن كنت خارجة من البٌت فً الصباح و توقفت
فجؤة عند آخر سبللم البٌت ”:نسٌت أشرب” ..صعدت سرٌعا وبالمطبخ وجدت كؤسا ممتلئا إلى
نصفه كنت قد وضعته للتو على الطاولة ..نظرت له برفع حاجب ثم شربته إلى نهاٌته ونزلت
..
لم أفكر طوال الطرٌق فً أي شًء ..كنت شاردة وؼٌر منتبهة ..وحٌن انتبهت فً النهاٌة
وددت لو ٌعود الطرٌق من أوله ألفكر فً حكاٌة “عن شٌطان فتاة” وأتخٌل األحداث القادمة ..
أتذكر اآلن “إٌمان” حٌن قالت لً فً المساء ”:الحكاٌة دي عنك ..أنا متؤكدة” ..نفٌت… وأخذت
هً تصر ..ولكننً اآلن ال أنفً ..فؤنا أكتب ما كان ٌمكن أن ٌحدث لً ..الحٌاة التً كان من
الممكن أن تكون ..تماما كما ٌقول ساراماجو”:من سٌكتب التارٌخ الذي كان ٌمكن أن ٌكون !”
..حٌن قرأت هذه الجملة أول مرة وضعت تحتها خطا وكتبت بجوارها “ ..أرٌد بشدة أن أفعل”
..وكل ما أفعله اآلن أننً أحاول وأنا أعرؾ أن كل الحكاٌات هً محاوالت لكتابة تارٌخ كان
من الممكن أن ٌكون … أو سٌكون …
وصلت الجامعة فً حوالً الحادٌة عشر والنصؾ ..ووجدت على الفور ؼادة وعبل وعزة ..
قضٌنا اكثر من ساعتٌن رائعتٌن معا حد أن أحمد حٌن هاتفنً أول ما استٌقظ سؤلنً”:مالك
مبسوطة كده !” ..التقطنا العدٌد من الصور ..جاءت أسماء ومنال قبل أن ٌؤتً أحمد بقلٌل
ونؽادر ..وانتابنً حزن صؽٌر ألننً سؤترك أسماء سرٌعا دون أن أمضً مزٌدا من الوقت
برفقتها ..أما عن منال فكان الفراق الذي نما بٌننا منذ عام كنبات شٌطانً ٌمتد وٌتشابك
وٌفصلنا تماما … وقفت على مسافة قلٌلة منها أنتظرها تنطق”:ازٌك ٌا دعاء” ..لم تفعل ..ولم
أفعل أنا أٌضا ..حتى نهاٌة الٌوم حٌن قابلتها ثانٌة فً حفل ” هشام الجخ” ..ذهبت إلٌها وقلت
أننً ال أتذكر لماذا حتى تشاجرنا ..ال أتذكر سوى أنك منال صدٌقتً فقط … وكنت أعنً كل
حرؾ مما قلته ..تصالحنا وتبلشت كل األفرع والؽصون المتشابكة وأطرافها الحادة بفرقعة
اصبعٌن فً الهواء ..تعانقنا بقوة وشوق عام كاااامل كان فٌه التجاهل هو سلوكنا ومنهجنا
الوحٌد … ورؼم أن الٌوم بؤكمله كان رائعا ..إال أننً اعتبرت هذا الحدث هو نصره الكبٌر ..
فً حوالً الواحدة والنصؾ ذهبت مع أحمد إلى كورس األلمانً … شعرت أن فراو أمل لٌست
فً مزاج جٌد جدا ..أحمد قال أننً أتخٌل ولو كان ما قلته صحٌحا فربما ألننا تؤخرنا على
موعدنا معها كثٌرا…………… ربما … ماٌهم أننً حٌن خرجت من الكورس كانت فً
رأسً فكرة واحدة وهً أننً بحاجة ماسة ألن أذاكر ألمانً طوٌبل بعدما راكمت دروس كثٌرة
..وأحببت أن أتخٌل أن هذا سبب ضٌق فراو أمل ..كً أتحفز أكثر للمذاكرة !
كانت الساعة فً حوالً الخامس إال الربع ..وكنا قد تؤخرنا على موعد الحفل كثٌرا … ألؽٌنا
الؽداء واشترٌنا بالطرٌق سناكس و زجاجة ماء ولكن بعدما تؤخر الحفل أكثر من ساعتٌن عن
موعده عرفنا أنه لم ٌكن هناك داع للعجلة ..
لم نشعر بالملل لطول الوقت وإنما مضى سرٌعا بٌن مواهب جمٌلة تؽنً وتمثل وتلقً الشعر
… أعجبت بؤكثرهم ..ولكن شاب واحد أحدث زلزاال صؽٌرا فً روحً وهو ٌؽنً بصوته
العذب جدا جدا جدا :
نحلم على كٌفنا ..نؽلب عذاب خوفنا ..نرسم على كفوفنا ..قلبٌن وسهم اترمى
ما ٌهمناش اللٌل ..وال ألؾ جرح و وٌل ..طول ما الحٌاة بتمٌل ..نعدلها واحنا سوا
األؼنٌة رائعة ..والصوت أكثر من رائع حد أننً فتنت باالثنٌن معا ..ورؼم أننً عرفت أن
األؼنٌة لمحمد فإاد باألساس _وانا ال أستلطفه كثٌرا_ إال أننً لم أكن سمعتها منه وهذا كافً
ألن أنسب األؼنٌة انتساب كامل لهذا الصوت …
جاء “هشام الجخ” فً السابعة والنصؾ تقرٌبا ..وكاد صوت التصفٌق الحاااااااد والصفٌر أن
ٌصم أذنً ..هذا الصوت الذي ما توقؾ طوال الحفل وجعلنً أتذكر عبارة هشام الجخ عن
حلمه ”:عاٌز لما أموت ..العالم كله ٌقول هشام الجخ مات” ..العبارة التً جعلتنً أفكر أنه لو
كان بإمكانً أن أحلم حلم ؼٌري ..لكان هذا الحلم ..ؼٌر أننً ال أستطٌع أن أفعل هذا ..
األحبلم بالنسبة لً أمر حمٌمً للؽاٌة ..ال ٌجوز تقلٌده أو التشبه به ..ولهذا أنا أحاول أن
أصنع أحبلمً الخاصة ..أحبلمً التً تناسبنً وحدي وال تناسب ؼٌري كحذاء سندرٌلبل ..
وأحاول أن أمتلك اإلٌمان بقدرتً على تحقٌقها ..اإلٌمان الذي تؤكدت من وجوده فً قلبً لحظة
ؼنى الشاب ”:قادر أكون وهكون !” فاهتزت األرض من تحتً !
عن الحفل مرة أخرى … كان رائعا إلى أقصى حد ..أنظر إلى أحمد بٌن دقٌقة وأخرى ..
بسعادة طاؼٌة لكونه حبٌبً ..لكونه الرجل الذي ٌمسك بٌدي وٌعبر بً منعطفات العالم أجمع
..فكرت بهذا عقب انتهاء الحفل ..بٌده التً ال تترك ٌدي ..بارهاقً وتعبً الذي نام على كتفه
..وهو ٌوقظنً برفق ألحادث أمً ! ..
أصل المنزل فً العاشرة والنصؾ تقرٌبا ..بحكاٌا وتفاصٌل كثٌرة ..ورؼبة هـــــــــــــائلة
بالنوم … .أبدل مبلبسً سرٌعا ..أتفقد الفٌس بوك سرٌعا ..أطمئن على وصول أحمد لمنزله
… أشرب زجاجة مٌاة كاملة … وبعطش كــبـٌــر أنام !
*أظل عشان وأحلم بٌك ٌا ماي :من أؼنٌة أنا بلٌاك ..للمطرب العراقً ":إلهام المدفعً"
منذ أكثر من خمس سنوات كنت قد بدأت فً قراءة رواٌة “عالم صوفً” لـ “جوستاٌن ؼاردر”
..ولؤلسؾ لم أنهٌها حتى اآلن … كنت فً السابعة عشر تقرٌبا أو أقل قلٌبل ..والرواٌة ضخمة
للؽاٌة ولٌست مشوقة على اإلطبلق ..أمضٌت عدة أٌام وأنا أفنً مقلتً بها بنفاد صبر وإصرار
على إكمالها فقط كً أتمكن ذات ؼرور من أن أقول ” :لقد أنهٌت هذه الرواٌة الصعبة !” ..
لكننً لم أنل هذا الشرؾ ..وألقٌتها من ٌدي بعٌدا قبل أن أصل حتى إلى منتصفها بعدما توصلت
لنتٌجة مفداها أننً “ال أفهم شٌئا” ..أو أننً أفهم كل سطر على حدة ..دون أن أصل لفهم
المعنى العام … وإن كنت أعٌد التفكٌر فً هذه النتٌجة اآلن ولدي رؼبة قوٌة بالمحاولة مرة
أخرى بهدؾ معرفة الفارق بٌن درجة استٌعاب عقلً قبل خمس سنٌن واآلن!.
وبعٌدا عن كل هذه الثرثة التً ال عبلقة لها بالموضوع فؤنا أود أن أقول أننً تذكرت هذه
الرواٌة الٌوم بالذات ألننً كنت أفكر فً معنى لـ ” الدهشة” ..لم ٌؤت األمر على هذا النحو
أٌضا ،،وإنما أتى حٌن كنت مستلقٌة على السرٌر هذا الصباح ولم أنهض بعد ..كنت أفكر فً
كل األشخاص حولً وأتخٌل وجوههم وردود أفعالهم حٌن تصٌبهم الدهشة ..أول من تخٌلتها
كانت “ؼادة” ..تذكرتها وهً ترفع حاجبٌها وتفتح عٌنٌها على آخرهما حتى تكاد تخرج من
محجرٌهما كؤفبلم “توم&جٌري” وتشهق ..تخٌلت وجهها مرات ومرات وأنا أضحك ..وهذا
دفعنً ألن أقول فً سري ”:طٌب ماما” … حٌن أقص علٌها شٌئا ٌدهشها ..تقوم بنفس رد فعل
ؼادة أحٌانا لكنها فً أؼلب الوقت تشهق ”:أل … اقعدي ساكتة !!” … أما عن أبً … فهو
ٌطلق ضحكة عالٌة مهما كان مصدر الدهشة جٌدا أو سٌئا ..فقط ٌطلق هذه الضحكة مبدئٌا
ومن بعدها ٌنفعل بالفرح أو الؽضب … أما أحمد … فرد فعله األول هو السخرٌة بكلمات
وجمل تثٌر ضحكً ..ثم ٌبدأ بعدها فً أخذ األمر بجدٌة … محمد أخً ..حٌن تصٌبه الدهشة
ٌتسمر فً مكانه ..فلو كان ٌشرب مثبل ٌده تظل مرفعوة لثوانً طوٌلة ..ولو كان ٌهم
بالجلوس ٌظل مهما به ..ولو كان ٌضحك أو ٌبكً أو ٌفعل أي شًء بالدنٌا فهو ٌتجمد على
وضعه األخٌر … مً صدٌقتً ترجع خطوتٌن إلى الوراء ..أسماء تصمت تماما لفترة وتتجمد
مبلمح وجهها مع اتساع ضئٌل فً عٌنٌها … وهكذا ..حاولت تخٌل كل من أعرفهم لحظة
دهشتهم …
أما عن دهشتً أنا ..فبل أعرؾ … ربما أنا بحاجة لمن ٌخبرنً عنها ..وربما لٌس لً رد فعل
معٌن ٌمٌز دهشتً ..أعرؾ فقط أننً فً أحاٌٌن كثٌر أفتعل دهشة تلٌق بالموقؾ ..و بؽض
النظر عن كونً ممثلة فاشلة وبإمكان من ٌعرفنً جٌدا أن ٌمٌز بسهولة افتعالً هذا إال اننً
بحاجة فعبل لمن ٌخبرنً عن دهشتً الحقٌقٌة !.
منذ عدة ساعات جاءنً تعلٌق على صورة كنت قد وضعتها على الفٌس بوك لشكل “جنٌنة
البٌت” بعدما ؼسلها المطر:
Although I live in the country and i see such scenes every day, this photo
is really amazing
فقلت :
بعدها فكرت أن هذا لم ٌحدث إال منذ سنوات قلٌلة فقط ..وأننً فً صؽري كنت أرى هذا
المشهد دائما دون أن تصٌبنً أي دهشة ..فً هذه اللحظة بالضبط تذكرت مشهدا من رواٌة
“عالم صوفً” .وربما هو الشًء الوحٌد الذي أتذكره منها ”:األب واألم مع طفلهما الصؽٌر
فً المنزل ..األم مشؽولة فً المطبخ ..واألب ٌلهو مع االبن … فجؤة األب ٌطٌر حتى ٌصل
إلى السقؾ ..فٌضحك الطفل وٌظن أن أبٌه ٌبلعبه وٌنادي على امه ”:انظري ٌا ماما ..بابا
ٌطٌر !” ..وفور أن تراه األم ٌسقط مؽشٌا علٌها من فرط الدهشة !!” *
أما عن دهشتً مرة ثانٌة ..فؤنا أذهل من أشٌاء صؽٌرة للؽاٌة ..بٌنما أشٌاء أخرى هائلة ال
تسترعً انتباهً حتى … ثمة خطؤ ما ال أدركه … خطؤ ربما تفسٌره فً “عالم صوفً” !
______________________________
* هذا المشهد روٌته كما أتذكره ولٌس كما أورده “جوستاٌن ؼاردر” فً رواٌته حٌن أراد أن
ٌبٌن كٌؾ هً عقول األطفال لٌس لها حدود وال تعرؾ ماٌسمى بالمستحٌل ..بٌنما عقول الكبار
صارت سجٌنة للواقع!
مطر ...مطر !
القلوب التً تتفتح للمرة األولى ٌ ..طعنها أال تجد المطر بانتظارها*
ثبلثة أعوام وأنا أردد هذه العبارة بإٌمان تام أنه فً الجفاؾ سٌتشقق قلبً ..وسٌذبل..وٌموت ..
أرددها بخشوع وأنا أصلً استسقاءا لقلب ٌشبه الصٌؾ ال ٌعرؾ شٌئا عن انبعاث المطر
..أرددها وأنا أقصد ”:متجرحنٌش” ..ألننً ال أعرؾ كٌؾ أطلب ..وكٌؾ آمر ..وال أعرؾ
طعما لؤلشٌاء التً تؤتً بعد طلب ..فؤجتهد طوٌبل فً صنع عبارات ملتوٌة ومتشابكة ومرهقة
..لكنها تفضً إلى النهر فً نهاٌة الؽابة ..حٌث أجلس أنا ..أنتظره ..وال أقارب الماء ..حتً
ٌؤتً ..فٌنحنً على النهر ٌ..مؤل كفٌه وٌرفعهما إلً ألشرب وأرتوي وأبلل قلبً ..ثم ٌشرب من
بعدي ..وأنا أمرر سبابتً على مسار الماء ..من شفتٌه ..لعنقه ..لصدره ..أنحرؾ قلٌبل للٌسار
..أصل لقلبه ..أصنع دوائر باصبعً وأهمس ”:أنا هنا ..أدوووخ” ٌ..مسك اصبعً قبل أن أسقط
من الدوار ”..أنا هنا أدفعك على أرجوحة من نور”..أدوخ أكثر ”..إذن توقؾ” ٌ ..فرد كفً على
قلبه ”:بسملً علٌه ..باركٌه ٌا دعاء”..باؼماضة عٌن و خدر أنطق”:قل أعوذ برب
الحب”..أشعر بقطرات ماء على رأسً ..على ٌدي التً تدثر قلبه ٌ..نهمر المطر ..على قلبٌنا
معا ٌ..سؤلنً ”:أتعلمٌن أي حب ٌبعث المطر؟”..أجٌب ”:أعلم فً أي قلب ٌسقط المطر!”
* هدٌل الحضٌؾ
ساكنة جدا ..كرٌح احتبست فً رئة مٌتة ..رأٌتها ..تصعد سبللم المستشى ببطء ..تبحث عن
قسم القلب بحٌرتها األولى ..تود لو تسرع ألن الثقوب السوداء فً قلبها تتسع كثٌرا ..لكنها
تمشً بالبطء ذاته ..لماذا تفعل هذه المرة ما توده ..وهً تتجاهل كل رؼباتها منذ فترة لٌست
قصٌرة ألنها ترؼب فقط فً تجاهلها ”..ؼباء !” ..تصل أخٌرا لرفاقها ذوي القلوب الضعٌفة ..
الطلبة تلتؾ حول الدكتور وهو ٌشرح على احدى الرفاق ٌ ..تكلم بسرعة ٌ..بتسم بٌن الجمل
..الطلبة ٌبادلونه االبتسام ..وهً تخجل من أن تبتسم فً حضرة كل هذا األلم ..التؤوهات تمؤل
العنبر ..تمؤل المستشفى ..تمؤلها ..تشطرها نصفٌن ..نصؾ ٌتعذب من أجلهم ..ونصؾ
ٌحسدهم ألنهم بإمكانهم رتق الثقوب باآله ..أما هً فتمضً ..ال تتؤوه ..ال تضع ٌدها على
قلبها ..ال تدثره من البرد الذي ٌؤكله كحبة فراولة ..تعرؾ أنه سلٌم تماما ..ولن ٌرتبك فً
الشاشات الكثٌرة ..لكنها تتٌقن من كونه ملًء بالثقوب الصؽٌرة التً تضٌق حتى تختفً فً
النهار وتتسع كثقب األوزون فً اللٌل حتى ٌصٌر بإمكانها أن تبتلع الكون دون ؼصة ٌ ..نتهً
الدكتور من الشرح ..تؽادر مع بقٌة الطلبة إلى قاعة الراوند ..تعٌش أكثر لحظات ٌومها ؼربة
بٌن فتٌان وفتٌات فشلت طوال أربع سنوات مضت فً معاٌشتهم ومجاراتهم كـ رفاق ! ..تجلس
بوحدتها األولى والثانٌة والثالثة والبلنهائٌة ..ساكنة جدا ..األؼنٌة فً أذنها تتشكل على وقع
النبض ..تبلئم قلبها تماما ..تعدد “.. ”forty one way to dieتقاطع ذراعٌها على الدٌسك
أمامها ..تلقً برأسها فوقهما ..تؽمض عٌنٌها ..ال ترى عالمهم ..تتمنى و تتمنى لو ال ٌراها
بدوره ..تصدق أن هذا حدث ..ورؼم الموت الذي ٌنساب داخلها بواحد وأربعٌن طرٌقة ..
تخترقها أحادٌث الفتٌات كؤسهم شاردة ..كـ “ولٌام تٌل” فاشل ٌقتل ابنه بكل الطرق ..ثم ٌجلس
بجواره ٌقضم التفاحة ..احداهن تشتكً أن رأسها سٌحترق لكثرة الكتب التً قراتها ..تجٌبها
األخرى أنها ال تمتلك صبرا تقرأ به ” مٌكً ماوس” ..تؽٌظها األولى ..ال تؤبه لؤلخٌرة .ترفع
رأسها لذات الرأس المحترق ..تمسك فً ٌدها كتابا ..ال تستطٌع أن ترى العنوان ..تكتشؾ
طرٌقة ثانٌة وأربعٌن للموت ..تشب بجسدها ..تفشل مرة أخرى ..تخرج من سكونها أخٌرا
وتسؤل ذات الرأس المحترق ا أن ترٌها إٌاه ..تناوله لها بود ”..لعنة الفراعنة … .أنٌس
منصور” ..ترتاح و تعٌده إلٌها..تعود لسكونها ..حسنا ..هً تحب أنٌس منصور ..ولكن
الفراعنة بلعناتهم ال ٌستهوها كثٌراٌ..نتهً الراوند ..تؽادر بالبطء ذاته ..وبعد ارهاق طوٌل
على مكاتب الموظفٌن من أجل امضاء وطابع ودمؽة ..تعود لبٌتها ..أمها تشاهد برنامج دٌنً
بعٌن دامعة ..تسؤلها عن سبب دموعها قبل أن تنتبه للبرنامج ..فتجٌب أنها تحلم لو كانت
أفضل ..تدخل ؼرفتها وهً ال تفكر بحال أفضل لنفسها ..تتكور على السرٌر كجنٌن ..ساكنة
جدا ..والرٌح فً صدرها تتحول العصار … فً حالتها هذه تستطٌع تشكٌل كلمات كرماح
وأسهم ..تصوبها كٌؾ تشاء ..اجتماع ما ٌتضاد ٌإلم كثٌرا ..علٌها االنتظار حتى ٌنصهر
أحدهما !
كؤننً عصاه !
الثالثة والنصؾ بعد منتصؾ لٌل ٌمضً بطٌئا جدا كؤنه كهل بساق مكسورة و عصا ضائعة ..
وهً وحدها ..تحاول مد ٌدها لتساعده على المشً أسرع قلٌبل ..تؽمض عٌنٌها وتدعً النوم
..ال تفكر بؤي شًء ..تمر ساعة والزالت تدعً ..تستسلم لصحٌانها وتحاول أن تتسلى لتنسى
النظر فً الساعة كل دقٌقة ..تتذكر “مصطفى محمود” فً كتابه “األحبلم” الذي أنهته من بضع
ساعات حٌن قال “ :أحسن تسلٌة تضٌع بها وقت فراؼك أن تجلس وحدك فً عزلة وتؽمض
عٌنٌك وتتذكر العواطؾ التً شعرت بها وكل الدوافع التً تؤرجحت بٌنها وكل األفعال التً
أتٌتها والكلمات التً قلتها والنٌات التً أخفٌتها ثم تحاول أن تصل لحقٌقتك وستجد أن حقٌقتك
ستدهشك وتفاجئك كؤنها حقٌقة رجل آخر ال تعرفه” ..تؽمض عٌنٌها وتبحث عن الفتاة األخرى
فً داخلها ..تكتشؾ أن اللٌل الكهل ٌمضً فً قلبها ..ولٌس ثمة مصباح ٌساعدها فً البحث..
هذا بجانب أن الفتاة األخرى ال تقؾ فً منتصؾ طرٌق وتصٌح “ها أنا ذا !” ..وإنما تختبىء
فً طرقات ضٌقة وأزقة وكلما سمعت وقع خطواتها تقترب منها ركضت ألماكن أضٌق وأبعد
ال تطالها األولى ..شعرت أنها تركض داخلها و رئتٌها تلهث ..توقفت بٌد تستند على جدار وٌد
أخرى على قلبها الذي ٌدق كثٌرا وجذعها ٌنثنً إلى األمام من التعب ..هذه اللعبة ال تسلٌها
وإنما ترهقها وتستنزفها ..والفتاة األخرى بعٌدا تضحك وتكركر ..لعنت مصطفى محمود ولعنت
الكتاب بؤكمله ..ذكرت نفسها أنها رؼم إعجابها الشدٌد بهذا الكتاب إال أنها كرهته بشدة أٌضا
..ألنه قال ”:المرأة كمٌة مهملة حتى نحبها ..فتوجد ..وفً الحقٌقة نحن ال نحبها لذاتها وإنما
نحب الوهم الذي صنعناه منها “!!! ..كرهته جدا حٌن قرأت هذه الجملة و أزاحته بعٌدا عنها
رؼم أنها كانت قبلها تتلهؾ إلكماله فكانت تقرأ فصبل من أوله وآخرا من آخره بحماقة أنها هكذا
ستنهٌه أسرع ..هذه الجملة جعلتها تراجع كل السطور التً قرأتها لتكتشؾ أنها موجهة إلى
الرجل فقط ..حتى فً هذه الفقرة التً جعلتها تتذكر الكتاب اآلن قال ”:حقٌقة رجل آخر ال
تعرفه” …وأنه حٌن تحدث أخٌرا عن النساء تحدث بطرٌقة أؼاظتها جدا وأحرقت دمها
”:الكراسً واألشجار والحٌوانات والنساء والفواكه تظل أشٌاء ال معنً لها حتى نطلبها
ونشتهٌها ونجري وراءها فتنبض بالحٌاة واألهمٌة ” !!!! حتى حٌنما تحدث عن الطفولة فإنه
تحدث عن الطفل الذكر ولم ٌتحدث عن الطفلة األنثى على اإلطبلق ..وروعة الكتاب وفلسفته
العمٌقة وأسلوبه البسٌط والساحر ال ٌشفع له نهائٌا هذا الموقؾ ضد المرأة وإنما ٌسًء إلٌه أكثر
ألنه كون رجل على هذا القدر من العقل والذكاء والحكمة والثقافة والوعً وٌعتبر المرأة مجرد
رؼبة وشًء ٌشتهٌه الرجل ال أكثر ..وٌإكد على هذه الفكرة طوال الصفحات كؤن العالم فرغ
من كل ما به إال هذه الرؼبة فهذا مخزي جدا وال ٌحتمل !
الرابعة واللٌل العجوز ال ٌمضً وإنما ٌجلس لٌسترٌح بٌن دقٌقة وأخرى ..نهضت من سرٌرها
..توضؤت ..و صلت ثم جلست فً مكانها قلٌبل..شعرت بالبرد ٌخترق عظامها ومبلبسها الخفٌفة
….وتعطس ..وضعت على كتفٌها شال صوؾ وأدارت التلفزٌون ..قلبت القنوات عن ضجر
..أفبلم..مسلسبلت ..أؼانً ..برامج تافهة جدا ..أخبار تعٌد نفسها ..ملل ..ملل..ملل ..أؼلقته
سرٌعا و عادت لسرٌرها ..أخرجت الرواٌة من أسفل الوسادة “ ..الٌزابٌث كوستلو” لـ ”
كوتسً” ..أول عشرٌن صفحة..تبدو ممتعة وتحمل طابع فلسفً مثٌر ..تتذكر أنها اشترتها لهذا
السبب ..ألنها ترٌد مإخرا أن تدرس الفلسفة ..وكل ما ٌخٌفها أن تصبح فتاة منبوذة ٌكرهها
أصدقائها ألنها صارت تفلسؾ كل األشٌاء وترى الحٌاة من خلؾ نطارتها السمٌكة ذات الحواؾ
السوداء ..وتنطق فً حدٌثها كلمات صعبة و دمها ثقٌل كـ ” الدنكوشوتٌة واألبٌقورٌة والرواقٌة
والٌوتوبٌا والبراجماتٌة واالٌؽوسنترٌة ”..وتتحدث عن فروٌد وسارتر ومانوٌل كانت و كولهر
..تطمئن نفسها أنها ستجعل كل هذا سرا ..وأنها ستدرسها فقط لتفهم العالم والحٌاة ونفسها ولن
تخبر أحد ..الزالت تقرأ الرواٌة واللٌل الشٌخ ٌكاد ٌصل إلى المسجد المجاور لٌإذن الفجر ..
ربما نسً عصاه هناك عقب صبلة العشاء ..ستدعو كثٌرا أن ٌجدها ..ألنها تعبت من إسناده
كً ٌمشً أسرع دون فائدة … ستسترٌح قلٌبل ..ربما تنام !
قلبً طائرة ورقٌة تحلق من شجرة البرتقال حتى كوكب الزهرة !
ٌبدو أن التفكٌر فً السعادة ٌ ..جذبها وٌجعلها تؤتً على عجل ..هذا ألننً فتحت صفحة فارؼة
ألكتب عن مساء أمس والسعادة التً كانت تؽمرنً تماما ..ولم أكد أهم بؤن أفعل حتى جاءتنً
مسج من أحمد ٌخبرنً أنه ٌحبنً ..سعدت جدا ..وقررت أن أكتب عن الٌوم بدال من أمس
وعن قلبً الذي دق سرٌعا وارتبك فً الدق ..ألنه فرح فجؤة ..بدال من تباطإه فً الدق أمس
ألنه كان مطمئن جدا وٌشعر بؤمان ٌكفٌه عمر …كنت أصنع فنجانا من الشاي بالنعناع لنفسً
فرأتنً أمً وطلبت أن أجعلهم اثنٌن ..وبعدما فعلت وضعتهم فوق الصٌنٌة وخرجت أبحث عن
أمً ..وجدتها بالجنٌنة أسفل المنزل ..فجلست على السلم الصؽٌر المإدي لها ووضعت
الصٌنٌة بجانبً وانتظرتها تؤتً ..أمً تنادي علً ألذهب عندها ..أخذت الشاي وجلسنا معا
أسفل شجرة برتقال بجوار النعناع النابت فً األرض نحتسً الشاي على مهل ونثرثر ..كانت
حرارة النهار القاسٌة قد انخفضت ..والهواء المصنوع على شمس الظهٌرة ..قد برد كثٌرا بعد
هذه الساعات ..كما الشاي الذي برد قلٌبل ألنه لم تمر علٌه كل هذه الساعات بعد ..الهواء
ٌتؽلؽل شعري ورئتً وروحً ..وٌمؤلنً أنا و أمً ..أسندت رأسً على كتفها ..ضحكنا على
أشٌاء كثٌرة لم أعد أذكرها ..راقبنا الصبٌٌن الواقفٌن أمامنا بمسافة طوٌلة عند نهاٌة البراح ..
ٌمسكان بطائرة ورقٌة ..والطائرة عالٌة جدا جدا ..وتحلق بمهارة ٌمامة ..أخبرت أمً أننً
أؼار منهما ..وأننً طوال طفولتً كنت أحلم بطائرة تطٌر على هذا العلو ..ورؼم اننً
اشترٌت طائرات ورقٌة كثٌرة من البائعٌن على شاطىء البحر فً أٌام المصٌؾ ..إال أننً
فشلت دائما فً جعلها تطٌر وتحلق ..حتى أبً كان ٌعجز عن تطٌٌرها ..وكان ٌرجع السبب
دائما فً أنها مثقوبة ..لهذا ٌمر من خبللها الهواء وتسقط ..أمً قالت أن أصبل هذٌن الولدٌن لو
رآهما أبً اآلن سٌؽضب وسٌطردهما ألنها ٌعبثان فوق األرض المحروثة ..قالت أنها تستطٌع
أن تذهب هً وتطردهما وتعاقبهما بؤن تؤت لً بالطائرة ..ضحكت وأنا أعرؾ أنها حتى ولو
فعلت فستكون هذه الطائرة الٌمامة فً أٌدٌهم ..نعامة فً ٌدي ..وستنثقب بمجرد أن ألمسها
وٌتخللها الهواء وال تطٌر ! ..أمً تقول فجؤة “ :فاكرة لما كنت بؽنٌلك وانتً صؽٌرةٌ :..بل ٌا
سمارا هنطٌر طٌارة ..ونروح الجنٌنة ونشبك إٌدٌنا !” أضحك مرة أخرى وأنا أتذكر هذه
األؼنٌة بعد أن نسٌتها سنوات طوٌلة جدا جدا ولم تؤت برأسً مرة واحدة ..تذكرتها ؼابرة فً
األول ..ثم اتضحت الذكرى حتى شعرت أن هذا كان أمس ..أو منذ دقائق قلٌلة ..أو ٌحدث
للتو ! ..آذان المؽرب ٌرتفع ..واللٌل ٌشرق والفناجٌن تفرغ ..ونواصل الجلوس قلٌبل ونحن
نقتلع األعشاب الضارة التً تحٌط بالنعناع ..ونضعها فً كٌس ..ونلقً بها فً الخارج ..اللٌل
ٌكتمل وجوده ..أصعد ألعلى ..وفً الشرفة أنظر ناحٌة الؽرب وأرى كوكب الزهرة ساطع جدا
… أتذكر أحمد فور أن أراه ..وأبعث له بمسج ..وال أدري السر فً هذا ..ال أعرؾ لماذا
ٌذكرنً كوكب الزهرة بؤحمد كل مساء ..هذا الكوكب ٌمسكنً من قلبً ..و ٌجعلنً أكمل
الصفحة ..ألنها بدأت بـ ” بحبك” من أحمد ..وستنتهً بـ ” وأنا كمان بحبك ” منً … .وهكذا
ٌكون الكمال!
أسباب وجٌهة للحب !
كانت األرض مصابة بالحمى هذا النهار ومثٌرة للشفقة ألنها فً أشد الحاجة لكمادات مٌاه باردة
وخافض للحرارة ورعاٌة مكثفة لم ٌفكر أحد من أبنائها أن ٌولٌها إٌاها ومضوا جمٌعا ٌلعنون
حرارتها وسقمها دون أن ٌخطر ببالهم مساعدتها ..بٌنما أنا كنت أمر فً طرٌقً علً صٌدلٌات
كثٌرة وأفكر :ماذا لو دخلتهم جمٌعا وطلبت إخراج األدوٌة الشراب الخافضة للحرارة وسكبها
على األرض و ؼرس األقراص فً التربة ..فهل سٌتكاتؾ أحد معً؟ ..مشٌت وأنا أشعرنً
أتعرض للشواء وال أطٌق هذا الحر وأتمتم فً سري ”:ال بؤس علٌك ِ أٌتها األرض المسكٌنة
..أنا أشعر بك” ..فً طرٌق عودتً كنت أضحك ضحكات مكتومة بٌنً وبٌن نفسً وأنا أتذكر
لقطات تناولً للؽداء مع صدٌقات أخرج معهن للمرة األولى ..كان وقتا ممتعا و سعٌدا ومجنونا
وتملإه الضحكات حتى الدموع … وسرٌعا نسٌت األرض ومرضها وتضامنً المفروض علً
بالقوة ..وأحسست أننً ممتلئة بالحب كسماء تمتلىء بالسحب ..فكرت فً الٌوم كحٌاة منفصلة
عن حٌاتً السابقة ..وأخذت أعد على أصابعً :أحب أمً ألنها أعدت لً فطوري سرٌعا
عندما استٌقظت وأصرت على أن أتناوله قبل أي شًء وكل شًء ..أحب أسماء أختً ألنها
جاءت بجانبً برفق فً السابعة والنصؾ صباحا تسؤلنً ”:الساعة سبعة ونص ..عاوزة
تصحً امتى؟” قلت فً نعاس ”:تسعة ونص” ..فخرجت بهدوء وأخذت هاتفً الفاصل شحن
ووضعته فً الكهرباء” ..أحب أحمد ألنه حٌن هاتفنً فً الواحدة قال “حبٌبتً” بسعادة ..
وسمعتها مختلفة جدا وأحببته ألجلها ..أحب ؼادة ألنها بؽض النظر عن كونها الفتاة األروع
على اإلطبلق إال أنها كانت على حق فٌما أخبرتنً به سابقا وكنت أنا أخالفها بحمق ..أحب
أسماء ألنها كانت جمٌلة جدا هذا النهار ..ولون الطرحة الزهري والفٌست المنقوش بالورود
..جعلها تشبه نسمة خفٌفة فً هذا الصٌؾ ..أحب عبل ألننً شعرت فور أن رأٌتها شعور ؼٌر
محدد لكنه سعٌد ..أحب وفاء ألنها أعطتنً لب خشب ..أعرفه للمرة األولى ..وشعرت وأنا
أتناوله أننً منقار الخشب وأننً فً اللٌل سٌتحول جذعً إلى جذع شجرة …كنت أقشره وأنا
أتذكر ابن عم صدٌقتً أمل فً المدرسة ..كنت أراه دوما دوما بكٌس لب فً ٌده وقشرة لب
ملتصقة بشفته السفلى ..ولم أكن أعرؾ كٌؾ بإمكانه أن ٌثبتها هكذا بعفوٌة دون أن تسقط
..وهذا األمر عذبنً لوقت طوٌل ..وجعلنً أذهب كل نهار بعد خروجً من المدرسة ألشتري
لب و أقشره بصورة طبٌعٌة ثم أتحسس شفتً فبل أجد القشرة ..فآخذ واحدة وأبللها ثم أضعها
بحرص شدٌد على شفتً السفلى ..وبعد محاوالت كثٌرة صعبة ومكلفة أنفقت علٌها مصروفً
الٌومً نجحت أخٌرا ..ولم أعد بعدها لشراء اللب وال للنظر لهذا الصبً على أنه خارق !…
أصل إلصبعً الثامن فً العد وأقول ..أحب هبة ألنها شربت البٌبسً دون مباالة بعد تعلٌقً
المقرؾ أنا و وفاء ..هذا إلى جانب أنها فتاة عفوٌة وقادرة على الدهشة كطفلة ..أحب مً ألن
لون أحمر الشفاه كان ممتزجا مع لون الطرحة بشكل جمٌل جدا ورائع ..أحب هاٌدي ألنها
قالت أنها تعرفنً منذ سنوات كنت فٌها “سامنتا” ..وأنها لم تتخٌلنً بهذا الشكل ..أحببت أنها
حاولت أن تشرح هذا ولم تستطع لكننً كنت أفهم ..تقول أننً أكتب بطرٌقة وأعٌش بطرٌقة ..
قالت بالضبط “ :بتركزي فً الكتابة ..وبتضٌعً فً الحٌاة ” ..تذكرت لحظتها النهار الذي
جلسته بؤكمله ألفكر كٌؾ ٌكون شكل الشاعر ..وكنت اتخٌل الشاعر كائن خرافً ..ال عبلقة له
بالحٌاة التً نحٌاها ..وربما عبلقته بها مختلفة تماما ..وٌراها بشكل مختلؾ ..وعنٌت هذا
حرفٌا ..بما ٌعنً أنه ٌرى النساء الجمٌبلت آه متكررة ..وٌرى الرٌاح بٌت شعر وٌرى المربع
و الدائرة سجن والمستقٌم قوس كمنجة و البحر سماء مقلوبة ..والسماء بحر عاند الجاذبٌة
وارتفع … وحٌن حدث ورأٌت شاعرا وجدته انسانا طبٌعٌا جدا ال ٌختلؾ عن بائع السوبر
ماركت ..وأحببت هاٌدي جدا ..ثم لوٌت شفتً ألننً لم أجد اصبع حادي عشر لكننً أكملت
… ..أحب دالٌا ألن لها نظرة طفل على وشك البكاء ..بها شٌئا ما ٌشبهنً ال أعرفه ..ربما
األخضر فً عٌنٌها الذي ٌجعلها ترى الوجود بلون العشب الصؽٌر النابت فً قلبها ..أحب أبً
ألنه قال حٌن وصلت المنزل ”:مكلمتنٌش لٌه آجً آخدك عشان الحر ده” ..أحب أمً مرة
أخرى دون سبب واضح ..أحب عامل الزجاج الذي رأٌته ٌحمل لوحا زجاجٌا وكاد أن ٌسقط
منه فارتجؾ وانتقلت رجفته إلً ..فشعرت لحظتها أننً كائن حً جدا ! ..أحب بائع الجرائد
على الرصٌؾ الذي رأٌته من شباك سٌارة األجرة حٌن كنت شادرة وأحدق فٌه دون أن أراه ..
فقرب ٌده من وجهً وأصدر صوتا لٌفزعنً ..وانفزعت فعبل و رأٌته … وتعجبت بعدها كٌؾ
عرؾ هذا الشخص أننً أؼرق فً أشٌاء سٌئة وتعٌسة لٌجًء وٌنقذنً منها … أحب هللا ألنه
منحنً خمس دقائق إضافٌة ألحق فٌها صبلة الظهر ففرحت جدا ..أحب هللا ألسباب واضحة
وخفٌة ال تعد وال تحصى ..أحب هللا ألنه قال لً “كونً” … فكنت … أحب األرض ألنها
ثابتة جدا تحت قدمً وتحملنً بكل هذه األسباب الوجٌهة للحب … لهذا سؤدعو لها بإخبلص
شدٌد أن تشفى سرٌعا !
لثمان ساعات متواصلة لم تترك ٌدي ذراع أبً ..عشت األمان بكامل صورته وأنا سعٌدة
بؤمنٌة تمنٌتها فً الصباح وتحققت فً المساء ..بعبلمات كثٌرة على الدرب تجعلنً أصدق أننً
لن أموت قبل أن أحقق المائة أمنٌة.
.نهار الخمٌس ..كتبت األحبلم وخرجت قابلت ؼادة ..تمشٌنا قلٌبل وأخبرتها بؤمنٌاتً فً
المدونة ..وتحدثنا كثٌرا حول امكانٌة تحقٌقها ونحن واقفٌن فً محل ظهرنا لطاولة ال ننتبه لها
..وحٌن انهٌنا حدٌثنا وانتبهنا وجدناها فارؼة إال من كان بٌبسً ماكس موضوع فً منتصفها
كؤنه ٌنصت إلٌنا وٌبتسم ..قالت ؼادة أن هذه عبلمة ..وأنا صدقتها إلى درجة ال تصدق ..
ومشٌت بعدها وأنا أتذكر رواٌة الخٌمٌائً و العبلمات إلى الكنز ..صدقت أننً سانتٌاؼو
راعً األؼنام الذي سٌصل إلى كنزه فً النهاٌة ألنه فقط تتبع قلبه والعبلمات ..كنت أفكر فً
كل هذا وأنا أقطع تذكرة إلى األسكندرٌة وأركب اتوبٌس الساعة الثالثة ..ذاهبة ألبً ..بنٌة
اإلقتراب منه أكثر ..لم أكن أفكر على اإلطبلق فً نزهة رائعة كما قال اخوتً وأحمد ..كنت
أرٌد فقط أن أمضً ٌوم بصحبة أبً ..أنا وهو فقط …فً األتوبٌس ٌجلس ورائً امرأة وطفلة
فً الخامسة تقرٌبا وطفل ٌصؽرها بعامٌن أو أكثر اسمه أحمد ..الطفلة تسؤله طوال الطرٌق
بإلحاح ”.بتحبنً ٌا أحمد ؟ بتحبنً ٌا أحمد؟” بكلمات ؼٌر مفهومة ٌقول ال ..فتواصل بنفس
اإللحاح ”:طب أعمل إٌه عشان تحبنً ؟ ..أسمع كبلمك ٌا أحمد ..أسمع كبلمك ٌا أحمد؟ ..وال
أفضل أقول أحمد من دلوقتً لحد ما نوصل ؟” واندفعت تقول أحمد دون أن تسترٌح وتلتقط
أنفاسها لحظة ”:أحمد ..أحمد ..أحمد ..أحمد ” كنت أضحك علٌها وأتمتم “مسكٌنة مثلً تحب
أحمد !” ..أحمد ٌتركها وٌنام ..بإزعاج تعلً من صوتها ”:متنامش ٌا أحمد وتسٌبنً ..اصحى
كلمنً ..اصحى اصحى اصحى ” …تعجبت وضحكت لهذا التشابهة الؽٌر محتمل بٌنً وبٌنها
..هذا ألننً أفعل هذا مع أحمد كل سفر ..حدث هذا من ٌوم واحد فقط ..فً نهار الثبلثاء ..
حٌن أراد أن ٌنام فً القطار وأزعجته وأٌقظته لٌقول لً ”:أنا فاكرك ..انتً بتاعة كل مرة” ..
التفت ورائً أنظر للفتاة وأنا أتٌقن من أن الزمن ٌشبه دائرة كما قال ماركٌز وأننً حٌن أموت
ستكون هناك فتاة أخرى تقوم بدوري الذي أخذته انا من فتاة تشبهنً رحلت من زمن!.
وصلت فً الخامسة تقرٌبا ..أبً ٌفتح لً الباب بسعادة و “حمدهللا ع السبلمة” ..أستلقً للراحة
قلٌبل ..بعدها نصلً العصر ثم أعلق ٌدي فً ذراع أبً ونخرج معا ..نثرثر ونضحك كثٌرا ..
أكتشؾ أننً التً وضعت الحدود المكهربة بٌنً وبٌن أبً فً السنوات الماضٌة ..و أن أبً
التقط ٌدي فور أن مددتها ..فكرت أن أمً قد تكون السبب فً هذا _..دون قصد منها
بالطبع..وبقصد منً أنا_ هذا ألن عبلقتً بها قوٌة ورائعة وكنت أتعامل مع أبً من خبللها ..
كل طلباتً كنت أقولها ألمً لتنقلها إلى أبً ..أكتفً بحنانها وال أرؼب بؤي شعور زائد ..
ظننت أننً هكذا سعٌدة حتى اكتشفت ألوانا أخرى للسعادة برفقة أبً ..هو ال ٌدري كٌؾ
ٌجعلنً أستمتع ..فٌقرر أن ٌفعل كل شًء ٌ ..حادثنً فً أموري التافهة وأموره الجادة ٌ ..مر
على كل المحبلت ٌرٌدنً أن أشتري من كل شًء شًء ..حتى حٌن دخلنا محل المفاتٌح لنسخ
مفتاح انكسر ..تفحص المكان من أجل أي شًء ٌستطٌع أن ٌجلبه لً ..رأى فً العرض
سبلسل كثٌرة ..فقال”:أجبلك سلسلة لمفاتٌحك” ..وحٌن أوشك أن ٌاتً بواحدة مسكت ٌده وأنا
أصٌح بضحكة “بابا ..استنى ..مكتوب “سبلسل كلب” !” ..ضحك وضحكت وسكت هو سرٌعا
بٌنما أنا واصلت ضحكً فً الداخل …ذهبنا لتناول الؽداء ..ساندوٌتشات برجر وسفن آب لً
وبٌبسً له ..أخذناهم وتوجهنا إلى الكورنٌش والبحر ..أنا كعادتً أسقط كاتشب وسفن على
مبلبسً ..أرتبك وابحث عن مندٌل فً الحقٌبة ..فؤتفاجىء بؤبً ٌخرج مندٌله بسرعة وٌمسح
ما أسقطه برفق ..لم أتوقع هذا ..وتذكرت حٌنما كنت طفلة صؽٌرة ال تفارق أبٌها ..وكان ٌفعل
هذا دائما ..عدت هذه الطفلة لهذا الٌوم ..وازداد هذا الشعور حٌن تملكنً االنهاك والتعب
والسهر فً نهاٌة الٌوم وكدت أنام على نفسً ..أحسست أن أبً ٌود أن ٌحملنً حتى سرٌري
… كنت متعبة إلى أقصى حد بعد أن تمشٌنا من االبراهٌمٌة حتى محطة الرمل ..كنت أنظر
للسماء بٌن الحٌن واآلخر أفتش عن كوكب الزهرة ..لم أجده فً البداٌة ..وتذكرت أحمد وهو
ٌقول فً كل مرة أرٌه له أنه ال ٌشاهده إال من شرفتنا ..كدت أصدق هذا حتى وجدته فً
النهاٌة باهتا وال ٌسطع كـ كوكب الزهرة عندنا ..فكرت أنه ٌبهت فً البعد ..مشٌت وأنا رافعة
رأسً أنظر إلٌه ..اندهشت جدا وسقطت شفتً السفلى حٌن جاءت طائرة ورقٌة ٌطٌرها صبً
على الشاطىء و وارته تماما ..للحظة آمنت أن هذه الطائرة هً قلبً الذي ٌشب لٌرتفع قلٌبل
فٌقارب الكوكب الباهت ..لٌسطع قلٌبل أكثر ..لم أكن أتخٌل و أدعً هذا ..كنت أصدقه بكل
قواي ..حدث هذا للحظة واحدة خفت على نفسً بعدها من الكتابة ..كررت فً سري ”:قلبً
فً صدري ..والطائرة لصبً على الشاطىء ..قلبً فً صدري ..والطائرة لصبً على
الشاطىء” ..هززت رأسً لتسقط كل األفكار الؽبٌة التً تشبه عنكبوت ٌلؾ عقلً بخٌوطه
وٌكاد ٌلتهمه ..فكرت بعقل :كوكب الزهرة باهت ألجل أنوار المدٌنة المشتعلة فً السماء ..
فرحت ألننً الرٌفٌة التً ٌلٌق بها وبحبها لٌل القرٌة ..حٌث هناك بإمكانه أن ٌكبر وٌسطع ..و
ٌسكن السماء بؤمان!..
أبً ٌقترح الذهاب لمكتبة األسكندرٌة ٌ ..عرؾ أننً أهوى الكتب ..نذهب هناك ونسؤل فنعرؾ
أنها تؽلق فً السابعة ..ندخل محل الكتب المجاور ..اتصفح العناوٌن سرٌعا ونؽادر ..نصل
لمحطة الرمل …أتجاهل بسعادة محبلت المبلبس ..وأذهب مع أبً ناحٌة محبلت األجهزة
واألدوات ..أحب هذه األشٌاء جدا من صؽري ..وحٌن كبرت ..صار مفروضا علً ان أذهب
مع أختى تجاه محبلت المبلبس التً ال أكره أكثر منها ..أكره البائعات حٌن ٌنطقن حال أن
أدخل “بتدوري على حاجة معٌنة” ..أكره البروفات والمشاجب والمبلبس المعلقة ..أكره
االنتظار أمام البروفا من أجل قٌاس بلوزة ال تعجبنً لكنها تعجب أمً وأختى ..أكره كل ما
ٌتعلق بهذه المحبلت ..لهذا كنت فً ؼاٌة السعادة حٌن دخلنا كل محبلت األجهزة نبحث عن
“ mp5″كـ هدٌة ألمً أبً ٌصمم على شرائها ..نبحث عن واحد ٌابانً ..والمحبلت زاخرة
بالصٌنً ..أبً ٌشتري رادٌو لنفسه ..وٌسخر قائبل“ :الناس بتتقدم وأنا برجع ورا” ..أخبره أن
الرادٌو هذا مزاج ..وطعم االستماع إلٌه أشهى ألؾ مرة من اآلي بود واالم بً فاٌؾ وكل هذه
األشٌاء ..وأنا أشترك مع أبً فً هذا المزاج ..من فترة كنت ال أستطٌع النوم إال إذا أدرت
رادٌو بجواري على اإلذاعات العرٌقة كالشرق األوسط والبرنامج العام وصوت العرب ..أنا
مفتونة بالقدٌم ..وٌستهوٌنً كل ما ٌدل على األصالة ..أحب األماكن القدٌمة والعمارات القدٌمة
وأحتفً بؤشٌائً القدٌمة ..وربما هذا سر ولعً بالتارٌخ وبرؼبتً فً دراسته ..نؤخذ الرادٌو
ونجلس على الكورنٌش نجربه ونجرب المحطات ..كل الترددات تؤتً بالشرق األوسط ..
نزوي حواجبنا ..نؽٌر الموجة ..والشرق األوسط ال تؽادر كـ جار ثرثار مستفز ..نعود للمحل
سرٌعا قبل أن ٌؽلق فٌقول البائع أن اإلرسال سًء فً األسكندرٌة بؤكملها ..ولو تجاوزنا
حدودها ناحٌة العجمً مثبل فسٌتضح اإلرسال ..نقتنع ونؽادر مرة أخرى إلى البحر ..أضع
رأسً على كتؾ أبً ونجلس حتى الثانٌة صباحا نستمع ألم كلثوم تؽنً ٌ”:اترى ٌا واحشنً
بتفكر فً إٌه ..عامل إٌه الشوق معاك عامل إٌه فٌك الحنٌن ” ..تكررها طوٌبل وتعٌد وتزٌد ..
وأنا ال أفكر سوى فً حجم األمان داخل قلب أبً وأننً ال أرٌد أن أؼادر هذا القلب !
كنت فً الحلم ساحرة بقوى خارقة ..أنظر لمن ٌضاٌقنً بؽضب فٌطٌر للوراء وألعلى باندفاع
ؼٌر مرئً صوب وسطه ..رجلٌه وذراعٌه مفرودتان إلى األمام ٌود التشبث بالهواء قبل أن
ٌذهب إلى السماء مباشرة و ٌسهل على مبلئكة الموت قطع كل هذه المسافة بٌن السماء
واألرض لقطؾ روحه ..لم اكن ساحرة شرٌرة لكننً كنت قادرة على اإلٌذاء لحظة الؽضب ..
استٌقظت من الحلم بإبتسامة مثل أن شخصا أعطانً قطعة حلوى وتذكرته اآلن حٌن احتجت
ألن أكون هذه الساحرة لهذه اللحظة ..كنت أفتح الهوم على الفٌس بوك ..ووجدت أشخاص نفد
صبري علٌهم ..عباراتهم مبتذلة وصورهم ؼٌر الئقة ..شعرت أن “ ”removeال تكفً وأننً
أود لم أضعهم أحٌاء فً اآللة الضخمة التً سحقت جثة “آمو” ..وحرقتها ثم حولتها إلى تراب
فً آنٌة حملها طفلٌها ومضوا بحزن هائل انتقل منهم إلً ودك قلبً .دكا ..شعرت أن هإالء
األشخاص هم الجدٌرٌن بالمحرقة ..رؼم أنهم لم ٌفعلوا على اإلطبلق ما ٌستحق هذا ..هم فقط
سٌئٌن ..لكننً فً ؼضبً متطرفة ..وإن كنت ال أقدم على فعل متطرؾ إال أننً أتخٌل أشٌاء
بشعة لمن ؼضبت علٌهم بإبتسامة مائلة دنٌئة وفرح بخٌاالتً كصاعقة عكسٌة من األرض إلى
السماء أنظر لبرقها وأفرح ..جعلنً هذا أعود للحلم مرة ثالثة حٌن تذكرتنً وأن أطٌر الناس
بسحري وأبتسم ..وعرفت أننً كنت مخطئة حٌن فكرت دائما أن لً حٌاتٌن ..واحدة فً الواقع
واألخرى بالحلم ..هذا ألننً أحلم كثٌرا كثٌرا كثٌرا بصورة ؼٌر محتملة ..بمجرد أن أؼمض
عٌنً أرى أشٌاء كثٌرة حتى وإن كنت مازالت نصؾ واعٌة ..كؤن باب عٌنً هو منفذ العبور
لحٌاتً األخرى ..فكرت اآلن أن ما ٌحدث هو فقط استكمال للواقع بمشاهد ؼٌر واقعٌة ..
الزلت أتمنى أن أكون هذه الساحرة بعصاة فً رأسها نجمة وشر بالػ !
من لٌلة اإلثنٌن وهً ال تتوقؾ عن سماع أؼنٌة “ .. ”Early on Tuesdayوبما أننا اآلن فً
صباح األربعاء ..فجدٌر بها أن تفعل !..
هذه األؼنٌة لكما ..أعنً لها وحدها ..ألنك لم تسمعها بعد ..لكنها منذ وقت طوٌل تسمعها كل
ثبلثاء ..كل سفر ..وهً ال تعرؾ هل ٌجب أن تحب الثبلثاء ..أم تكرهه ..ألنك تسافر فً
واحد وتؤتً فً اآلخر ..ونهار سفرك ال ٌتبق معها شًء سوى هذه األؼنٌة ..أنت تضٌع منها
فً هذا الٌوم ..وتضٌع األماكن معك ..وتبقى وحدها تنتظر الثبلثاء القادم وتعد األٌام إلٌه
بطرٌقة مثٌرة للشفقة ..عرفت أن هذا سٌحدث منذ أن كتبت فً الماضً حٌن سافرت “ٌوم
فارغ كصحرا” ..رؼم أنها لم تكن تعرفك جٌدا بعد..ولم ٌخطر ببالها ٌومها أنك ستكون كل
العمر ..وجودك كان ٌسعدها فقط ..بطرٌقة بسٌطة وسهلة و واضحة وال تدعو للشك بؤن كبلكما
ٌطمع فً أكثر من هذا الفرح الصؽٌر.
اآلن أنت بعٌد ..وكثٌرا ما تنساها فً البعد ..وهذا ٌثٌر ؼٌظها ..وٌدفعها بخٌبة إلى التفكٌر
كطفل داعبه أخٌه األكبر قائبل ”:نحن وجدناك على عتبة مسجد” ..فٌلتهم الشك رأسه ..وٌفسر
بؽباء كل تصرؾ تافه من والدٌه بؤنه ابن الشارع حتما ..وبؤن هذٌن الشخصٌن المللقبٌن بؤباه
وأمه ال ٌحبانه حقا ٌ ..شفق على نفسه وٌسخط من كل العالم حوله ..ورؼم ٌقٌنها من أنها قطعة
من قلبك إال أنها تكون هذا الطفل التعٌس األحمق حٌن ٌتوراى ظلك وتسقط من تفكٌرك سهوا
..تؽرورق عٌنٌها ..تتشرد فً البحر ٌ..حفها البلل وصدى الموجٌ ..عترٌها األلم لعودتها إلى
السقؾ القاحل منتوفة الرٌش..ترهبها حٌن تلقٌها للٌل ونحٌب النجوم المحترقة وتتذكر كل
األشٌاء إال هً بٌنما هً تفقد ذاكرتها إال إٌاك ..تفكر بحٌرة كٌؾ تكون معها وتحتوٌها فبل ٌراها
أحد وال تر سواك ..تنطق “حبٌبتً” وتنظر إلٌها بطرٌقة تجعلها ترجوك كل مرة ”:توقؾ”
..لكنك ال تفعل ..فتؽض هً بصرها فً خفقان قلبها المسموع _..نحن نفعل ذلك حٌن نعلم أن
الجمال أمامنا فاره وباهر ..وأمر متابعتنا التحدٌق قد ٌإدي لموت وشٌك ..فالسكتات القلبٌة هً
األقرب للصدر المؽرم_ كٌؾ ٌكون كل هذا وتستطٌع أن تنساها فور أن تدٌر ظهرك وتبتعد
قلٌبل ..تتركها للجلوس فً الشرفة بمسند خلؾ ظهرها وتحدٌق مقداره أكثر من ساعتٌن فً
كوكب الزهرة..تفكر ..حٌن تقترب منها ..أخبرتنً أن السر ٌكمن أحٌانا فً أصوات االقتراب
..األكمام ..احتكاك القماش بالجلد ..ذراعك حولها ..صوت ساعدك الثابت ..وبعدها لونك على
لونها ٌ..اه؟ ..أنى لئلختبلؾ بٌنكما أن ٌختلط معا فً إنسٌاب ٌ..رتد رأسها للخلؾ ٌ..نكشؾ
جبٌنها قلٌبل ..وتستطٌع لحظتها أن ترى ذقنها المرتفع ..إنها تنظر لقامتك فً خٌالها ..وأنت
مطوق إٌاها ..محٌطا بجسدها ..محكما من شد قلبها لصدرك ..فٌبهت نبضها ..وحٌن ٌصٌر
ذلك فؤلنها تحبك أكثر ..فوهن القلوب ال ٌحدث إال حٌن ٌقترب عشاقنا منا ..تفكر فً األٌام
التً تمضً دونك ..تربطها بفتلة فً األٌام التً تحوٌك ..أمس مثبل حٌن ذهبت إلى المرور
الستخراج بدل فاقد لرخصتها ..تذكرت رأسها الملقى على كتفك األٌسر فً قاعة السٌنما ..ألن
اللقطات كانت تحكً عن الروتٌن فً بلد ٌشبه العسل األسود ..وكانت هً تعٌش الروتٌن
بكامل صورته ..فً النهاٌة رأتك تضحك على صورتها البشعة فً الرخصة الجدٌدة ..شعرت
أنها تتبلشى من كل هذا وتفكر فقط فً رأسها وكتفك والضحك الكثٌر الذي مؤلكما وقتها
..تمضً على األماكن التً مررتما بها ..تراكما ..الزلتما تضحكان وتتحدثان ..وكلما عبرتما
بمكان مالت أؼصان األشجار تجاهكما ..تعٌش أسبوع على تفاصٌل أسبوع ..وتشتاقك …
تتوقؾ عن االستماع إلى األؼنٌة ..لكنها تمشً وهً تدندن بفقد :
أول أول ما أفعله عند اقترابً من باب المنزل هو نزع الدبابٌس من الطرحة ألخلعها فور
تجاوزى لعتبة البٌت ..ومن ثم أحل عقدة شعري وأطلق سراحه حتى صباح آخر .
لم أتعود أبدا على مشابك الشعر ..كانت فً طفولتً أكثر شًء ٌبكٌنً رؼم ألوانها وأشكالها
الكثٌرة التً تشبه قلوب الصؽار ولعبهم ..والتً حرصت أمً دائما على شرائها بشكل كل
األشٌاء التً أحبها لتؽوٌنً بارتدائها كـفراولة كنت أفشل فً التهامها وأحزن و نجوم كانت تلمع
وتضًء بطرٌقة جعلتنً أكرهها ألن أمً نسٌت أن شعري وقتها لم ٌكن اللٌل وأن الشمس
تشرق فً خصبلته وتسطع وأن هذه النجوم ال تناسبنً كثٌرا… باإلضافة لطٌور صؽٌرة فاردة
جناحٌها تؤمل أن تطٌر من رأسً سرٌعا وفً منقارها عدة شعرات توزعها على أعشاش
الطٌور الفقٌرة التً ال تملك سوى القش .
كل هذه الحٌل لم تفلح ٌوما فً جعلً أرؼب بهذه القٌود وأفرح بها ..وأفهم اآلن أن اختبلفً عن
اخوتً كان فً حلً لعقدة شعرى كرؼبة فً التعبٌر عن حرٌتً ..وإن شبهنً أبً دائما بالؽجر
..فبل ٌهم ..وإن اصطنعت الؽضب من هذا التشبٌه فؤنا سعٌدة به فً سري ألننً أتذكر
حكاٌات الؽجر التً أحببتها كثٌرا فً قرٌة موكاندو وأحلم بانضمامً لسٌركهم الذي ٌتنقل بٌن
الببلد ٌحتفل بالحٌاة وٌسعد الصؽار والكبار وٌمضً !..
أكتب هذا كله اآلن _فً السادسة والنصؾ صباحا على التحدٌد_ ألننً انتبهت منذ قلٌل
بالمصادفة أننً تجاوزت عتبة المنزل مما ٌزٌد عن 12ساعة والزال شعري معقودا ..لم
أندهش وأتساءل ”:كٌؾ نسٌت أن أحله؟!” ألن سإاال آخرا ٌطاردنً بإلحاح ”:هل لهذا عبلقة
بشعوري منذ األمس أن هناك حبل ملفوؾ حول قلبً ٌعتصره ببطء لٌخرج الدم منه قطرات
ضئٌلة ال تكفً للنبض فؤجلس بوهن فً ركن الؽرفة عاجزة عن االنضمام الحتفاالت الحٌاة مع
جماعات الؽجر؟!”
طوال النهار وأنا أحاول أن أحصً قطرات الفرح التً ؼمرتنً بها فً أٌام قلٌلة ..حتى شعرت
أن العطش/الحزن لن ٌقاربنً مرة أخرى وبؤننً ارتوٌت إلى األبد..كؤننً شربت شربة ال
أظمؤ/أحزن بعدها أبدا ..كنت أتساءل :هل بالجنة نهر اسمه الفرح؟ ..لو كان ..لكنت صدقت أن
هللا ٌسكبه فً قلبك ..كً تؤتً إلً و تقطره على قلبً ..قطرة ..قطرة ..وكل قطرة تؽمرنً
كشبلل ٌدفعنً إلى حٌث تٌارات الفرح ..ألكون جزءا من معجزة أبدٌة ..تبدأ فً السماء
..وتنتهً فً قلبً !
معجزة لم تحدث قبل اآلن ألن كبلنا كان ٌنطق السحر بطرٌقة خاطئة !
معجزة اكتمال البداٌات بنهاٌاتها حٌن تكون أنت السماء وأنا األرض ..أنت المطر وأنا العشب
..أنت النهر وأنا المصب ..أنت النجمة وأنا الضوء..أنت الرٌاح وأنا الشراع ..أنت البوصلة وأنا
الجهات ..أنت الجناحان وأنا الجسد !..
معجزة صؽٌرة جدا بحجم الفراؼات بٌن أصابعً حٌن تشؽلها أصابعك !
ستكون جملة ساذجة جدا لو قلت “ٌبدو أن هناك شٌئا ما فً الهواء أو الماء ٌجعلنا نرهق سرٌعا”
..ألن كل األصدقاء ٌحدثوننً عن تعبهم والصداع الذي ٌفتك برأسهم عقب أي جهد تافه ..رؼم
أنهم كانوا أكثر احتماال وقوة فً السابق ..ال أحد ٌعرؾ سبب محدد لهذا التعب ..أو سبب
ٌمكننا تعمٌمه علٌنا جمٌعا ..صدٌقة تفكر أن الصداع قد ٌرجع لعملٌة “اللٌزك” التً أجرتها
مإخرا ..وصدٌق رٌاضً ٌفكر بؤن أصدقاءه الؽٌر رٌاضٌٌن ال ٌتعبون سرٌعا مثله رؼم أن
العكس ٌجب أن ٌكون الصحٌح ..أخرى تقول بٌقٌن أن السبب هو تؽذٌتها ؼٌر السلٌمة والرٌجٌم
الذي تقسو به على نفسها ..وآخر ٌردد أن مناعته الضعٌفة تمكن أصؽر المٌكروبات من النٌل
منه لٌشعر بتعب ؼٌر مبرر طوال الوقت ..وأنا أعرؾ أن مناعته ال دخل لها باألمر ألنها
صامدة منذ عمر ..وآخرون ٌكتفون بؤن ٌقولوا أنهم ال ٌعرفون سبب محدد الجهادهم ..أما عنً
فؤول ما سؤقوله وأتحدث عنه ..هو خصامً الكبٌر مع النوم الطوٌل ..ولم ٌتمكن أي تعب حتى
اآلن مهما كان أن ٌصالحنً معه ..كلنا متعبون بكل ما فً الكلمة من انهاك وارهاق وتراخً ..
وأنا ال أبحث عن سبب ألننً أشعر أن التفكٌر صار شٌئا صعبا على رأسً ..وأردد بسذاجة كـ
بائع متجول ٌ”:بدو أن هناك شٌئا ما فً الهواء أو الماء ٌجعلنا نرهق سرٌعا “…أشعر بحجم
قلبً ٌتقلص كثٌرا ..ربما ٌضمر لقلة االستخدام ..أو ٌتآكل من سوء االستخدام ..والدم الذي
ٌضخه فً جسدي ال ٌكفٌنً أبدا فؤشرب كمٌات كبٌرة من عصٌر الرمان على سبٌل التعوٌض
وأسكره جدا لٌعادل دمً الذي صار مالحا نتٌجة لتضاإل حجمه فؤصبح مركزا ولزجا وٌمشً
فً عروقً كـ كهل بدٌن مصاب بروماتٌزم فً المفاصل ..وٌبدو أننا نهرم حٌن نصل لهذه
النقطة بالذات ..فنفكر فً المستقبل بتعب و َن َفس متقطع وحنٌن كبٌر لكل ما فات ..لهذا أنا أشرب
عصٌر الرمان وأحاول أن أعٌد الشباب لدمً وأ َحلٌه ألننً أرٌد أن أفكر فً الماضً وكؤنه
حدث للتو ..والحاضر كؤنه سٌستمر ببل بداٌة أو نهاٌة ..بٌقٌن أننً سؤفلح فً محاولتً هذه
..وإن كنت فشلت هذا الصباح فسؤعتبر فشلً هذا كان محاولة فً المحاولة ..ألننً كنت أجلس
فً الراوند وأنا أفكر فً أشٌاء مبهجة سعٌدة أود أن أفعلها فور خروجً من باب القاعة
…تهٌؤت لضحكات كثٌرة ٌنثنً معها جذعً إلى الخلؾ فتندلق الكوال من ٌدي أو حٌن أضع بها
قطعتٌن من “النعناع” ..فتفووووور وتفوووووور وتنسكب علً و على مبلبسً قبل أن أكون
انتبهت لفورانها _..ألننً فً كل مرة ال أفعل_ ..فؤمد ذراعً لؤلمام ألبعدها عنً حتى تهدأ
الصودا وتستكٌن ثم أشربها بلذة كبٌرة ..تهٌؤت ألحضان طوٌلة أؼمر بها صدٌقة لم أرها منذ أن
بدأت الدراسة وكلمات تشبه ”:وحشتٌنً ..مالك احلوٌتً بزٌادة …اٌاكً تؽٌبً تانً” ..ألننً
الزلت حزٌنة من المشادة التً نشبت أمس بٌنً وبٌن إٌمان فور أن رأٌنا بعضنا رؼم أننً كنت
أستعد للقائها بشوق كبٌر وحنٌن ألنً لم أقابلها مما ٌقارب الشهر ..من ٌ 26وما بالتحدٌد
..وعلى الرؼم أننا تصالحنا سرٌعا ..لم نقل ” كبلكٌت تانً مرة” ..ونحاول جمع الشوق الذي
تبعثر ..فً حضن ..فكرت بكل هذا وأكثر وأنا جالسة فً الراوند أستمع للدكتور الذي ٌشرح
بحٌوٌة مختلفة عن كل الدكاترة اآلخرٌن الذٌن أشعر أن ما ٌقولونه مجرد تعوٌذات وهمهمات
فً عملٌة تنوٌم مؽناطٌسً لكل الطلبة الجالسٌن أمامهم ..وربما أكون استمدٌت حٌوٌة تفكٌري
من شرحه الحٌوي ..لكننً بعد الراوند حٌن التقٌت أصدقائً عقب جولة سرٌعة فً الهواء
وزجاجة ماء صؽٌرة..جلست فً المقعد الخلفً فً سٌارة إحدانا فوجدتنً أتهاوى علٌه ..وال
أعرؾ كم مضى من الوقت حتى استجمعت قواي وؼادرت إلى منزلً بكلمات قلٌلة تقتصر
على ”:أنا مروحة ..أشوفكم بكرة ..باي باى”..ومضٌت وأنا أتخٌل التعب الذي سؤلقٌه على
سرٌري بإهمال ثم أجلس على الكرسً المجاور له أشرب عصٌر الرمان و أقول ٌ“ :بدو أن
هناك شٌئا ما فً الهواء أو الماء ٌجعلنا نرهق سرٌعا !”َ
دعـــــاء و "! "......
الراوند األول هذا العام كان ” نفسٌة وعصبٌة” ..الدكتور ٌتحدث عن أمراض نفسٌة كثٌرة ..وأنا
أتابعه بشؽؾ وصحٌان كبٌر ..و خرجت من الراوند وأنا أفكر بضٌق ” :لماذا نسً أن ٌتحدث
عن دكتور جٌكل ومستر هاٌد ؟” ..كلمة الطب النفسً لدي مرتبطة كلٌا بهذه الحالة الؽرٌبة
وأتخٌل أن أي حالة ؼٌرها شًء تافه عابر ؼٌر مهم ..فكرت أن مستر هاٌد سٌؤتٌه لٌبل ..
وبضربة واحدة سٌوقعه على األرض و ٌنهال علٌه بعصاه حتى ٌفقده الوعً تماما ثم ٌقطع
رأسه وٌضعها بجواره ..وأخٌرا ٌركله بقدمه لٌتؤكد أنه أنجز مهمته بنجاح ..وذنب الطبٌب
الوحٌد أنه نسً أن ٌذكر اسمه فً محاضرة ..وهذا سبب وجٌه وقوي جدا بالنسبة لمستر هاٌد
ألنه ٌقتل دون أسباب فً األصل ..أما دكتور جٌكل سٌكون فً نفس الوقت بجوار مدفؤته
ٌحرق هدوءه و طٌبته ..وال ٌشؽل رأسه شًء .الجمٌع ٌنفً وجود هذه الحالة فً الواقع ..
فهل ٌجب أن أصدق أنها خٌال اخترعه كاتب المؽامرة ”:ستٌفنسون” فً القرن قبل الماضً ..و
اجتهد األدباء ومخرجٌن السٌنٌما بعده فً اعادة تخٌلها كل بطرٌقته ..وفً خبلل ثمانون عاما
هناك خمسة أفبلم بعنوان ”the strange case of Dr.jekyll and Mr.Hyde ”:آخرها أنتج
فً “.. ″2112هذا باالضافة إلى رواٌات كثٌرة أخرى مثل ” بئر الحرمان” الحسان عبد
القدوس فً شخصٌة ناهد ونقٌضتها مٌرفت ..و”كلب الموت” ألجاثا كرٌستً ..وؼٌرها
وؼٌرها … الؽرٌب جدا فً األمر والذي ال أستطٌع ان أستوعبه حتى هذه اللحظة …أننً ٌوم
رجعت من الجامعة ورأسً مشؽولة بهذا األمر شاهدت لٌلتها فٌلم “ ”hide and seekعن
دٌفٌد ونقٌضه ” تشارلً” ..وحٌن أدرت التلٌفزٌون فً الٌوم التالى ..تفاجؤت بنفس الفٌلم مرة
أخرى !!!! ..ومصادفة مشاهدتً لهذا الفٌلم فً هذا الوقت بالذات ولمرتٌن متتالٌتٌن ٌصعب
علً تصدٌقها أو تجاهلها ..أو حتى التفكٌر فً مؽزى لها ..كل ما استطعت التوصل إلٌه ..أو
ربما لم أتوصل إلٌه ألنه كان ٌقٌنا عندى منذ البداٌة ..أن هذه الحالة لٌست ؼرٌبة أبدا … لٌست
ؼرٌبة على األطبلق ..ألن فً األساس كلنا ” دكتور جٌكل ومستر هاٌد ” …و لكن بدرجات
متفاوتة !
ثقوب سوداء !
أجلس بوجوم أمام الشاشة ..ال أفعل شًء محدد ..أراقب األصدقاء على “الفٌس بوك” ..هناك
من ٌلعب ..وهناك من ٌتسلى باختبارات هذا الموقع التً ال تنتهً أشعر أنه حقل تنجٌم أو بٌت
عرافة تجهل شكل الخطوط فً الكؾ …ومكان الودع على الرمل…وال تفرق بقاٌا القهوة من
بقاٌا الشاي ..دائما ما نظرت لهذه االختبارات بامتعاض ولوي شفة ..ربما تكون مسلٌة لكثٌرٌن
لكنها ال تسلٌنً أبدا ..أما عن بٌت العرافة الذي اهتدٌت لسبٌله مرة واحدة حرصت بعدها أن
أضل السبٌل..ألنها كانت صادقة جدا حٌن أعطٌتها قلبً لتقرأه ..فؤخبرتنً أنه سًء جدا
..وملًء بالثقوب السوداء التً تبتلع النجوم والضوء ..نطقت دون اهتمام “”..I know
..وخرجت من عندها وأنا أصفر ..أضع ٌدي فً جٌوبً وقلبً ٌضحك ساخرا ..و ٌنشر الخبر
القدٌم !..
أنا أكتب شًء ..وأفكر فً شًء آخر..أفكر فً افراغ قائمة األصدقاء فً الماسنجر..على األقل
تقلٌلها إلى ثبلثة أشخاص على األكثر ..سؤختارهم بعناٌة شدٌدة ..ألننً ضجرة جدا ..وأركل كل
االضافات بقدمً ..ال أتحدث مع أحد..وإن تحدثت ٌكون بفارغ صبر وكلماتً تقتصر على “آه”
”..اوكً” ”..باى”..وأتمنى أن أقول فً كل كلمة ” اسكت بقا..اسكت” ..وأتساءل لم ٌحتملوننً
ومعاملتى تنطق بكل ما أود أن أقوله..لو كنت مكانهم ..لطردتنً وصفقت الباب فً وجهً
..أحادٌثهم ببل معنى ..هذا ٌتملق ..وهذه كل ما ٌشؽل بالها لون طبلء أظافرها القادم ..وهذا
ٌؽضبنً ..ألنه ٌرٌد أن ٌؤخذ كل شًء من كل ما حوله ..وٌرفض اعطائهم أى شًء
بالمقابلٌ..ستكثر حتى “الكلمة الحلوة” علٌهم ..أزمة معرفة كل شخص لحقوقه جٌدا ..ونكرانه
لكل حقوق الؽٌر…حانقة علٌهم جمٌعا وال أعرؾ لماذا أبقً علٌهم ..ففً النهاٌة انا ال ٌربطنً
بهم أي شًء …سؤحذفهم جمٌعا بمجرد ان أنتهً من الكتابة ..كذاك الذي ضؽطت على
زر” ”deleteفً منتصؾ جملته ألننً لم أحتمله حتى نهاٌتها…وتلك التً سؤلتنى “أنا لٌه
بٌتهٌؤلى إنك بتتكلمً ؼصب عنك”..فؤعطٌتها مثاال عظٌما عن حرٌتً …أستطٌع أن أحذؾ كل
شًء فً حٌاتً اآلن..وأجلس بفراغ رهٌب ..ال أفعل شًء محدد….فقط أصفر !
مإشر المزاج منحدر عند الصفر أو أقل قلٌبل ..أزفر وأكتب فاصلة ( .. ) ،بما ٌعنً أن األمر
ال ٌنتهً عند هذا الحد ..ال ٌوجد سبب محدد لهذا اإلنحدار ..وربما أنا التً ال تستطٌع تحدٌد
السبب ..قٌل لً مرة :إذا شعرت بضٌق تجهلٌن سببه ..فهناك حتما شٌئا صؽٌرا ..صؽٌرا
جدا مر علٌك هو السبب فً تعكٌر مزاجك..قد ٌكون الٌوم أو أمس أو حتى األسبوع الفائت ..
وكل ما علٌك لتشعري باالتساع هو أن تمشً بذاكرتك للوراء كشرٌط الفٌدٌو حٌن تضؽطً
على زر الرجوع إلى الخلؾ لحظة بلحظة حتى تجدي السبب وتتوقفً عنده ..وهذا االكتشاؾ
فً حد ذاته سٌجلب الراحة ..لذا سؤفعل هذا وأبدأ من هذه اللحظة
اآلن أنا أجلس بالطابق الثانً من أجل الكتابة ألن المنزل فً األسفل ٌشبه السٌرك ..تلٌفزٌون
عالً وأؼانً عالٌة ..هناك من ٌذاكر وهناك من ٌتحدث فً الهاتؾ ومن ٌلعب ببلي استٌشن ..
ومن ٌحادث ؼرٌبا فً الشرفة ..وال ٌنتبه أحد ألحد ..وما ٌحدث حٌن أنوي الكتابة فً هذه
الحالة وأتهٌؤ بالجلوس أمام الشاشة ٌ ..لتفت الكل إلً بصٌحة ":..انتً هتعملً اٌه ..دا وقته؟"
..كؤننً وتر خاطىء فً سٌمفونٌة جامحة ..وٌتم نقلً إلى مكان معزول كسجن مثبل بتهمة
تفجٌر بطٌخة فً قلب السٌرك ..ال أفهم ..لكنً أستسلم وكفى ...وصعودي للطابق الثانً ال
ٌعنً أننً أجلس بهدوء اآلن ..ألن هناك صوت عال لموتور مٌاه ٌروي حقل أرز مجاور ..
وأصوات متداخلة لضفادع مرحة كثٌرة تقفز فً المٌاه الباردة داخل الحقل بسرور ؼبً ..لٌتنً
كنت ضفدعة ..هل هذا مستحٌل ؟ أحتاج فقط لقبلة من أمٌر مسحور ..قبلة واحدة سٌرحب بها
األمٌر بالطبع بنفس سرور الضفدع الؽبً ..لكنه سٌشعر بالقرؾ طوٌبل حٌن أتحول بٌن ٌدٌه
لكائن أخضر مقزز ...األصوات عالٌة بالفعل ..ال أنتبه لها إال حٌن أقرر أن أنتبه ..بمعنى
أننً أنسى وجودها حٌن أعتاد علٌها ..أتذكر عندما قال لً أحمد كٌؾ تستطٌعون النوم من
صوت القطارات المزعجة التً تمر طوال الوقت ٌ..تخٌل أننً أستٌقظ مفزوعة عند كل قطار
..ولكن هذا ال ٌحدث أبدا ..ألننً ال أشعر بمرورها على اإلطبلق ..أنتبه لها نادرا ..حٌن
أكون أتحدث فً الهاتؾ مثبل وٌمر واحدا فبل أستطٌع سماع محدثً بصورة جٌدة ..وهكذا
األمر مع الضفادع وموتور المٌاه ..أقصد الضفادع فقط ..ألن الموتور توقؾ أثناء حدٌثً عن
القطارات وانتبهت لهذا ..أشعر أننً ثرثارة ..ولكن هذا ال ٌهم نهائٌا ..ألن من ٌشعر بالملل
ٌستطٌع أن ٌؽلق الصفحة ٌ ..رمٌها من ٌده بكل بساطة ...عن ماذا كنت أتحدث ..آه عن
مزاجً وذاكرتً التً تمشً للوارء كشرٌط فٌدٌو ..ال أفكر فً شًء وال أنتظر أحد ..ال
أشعر باالمتبلء أو الفراغ أو الضجر ..أبكً دون اسراؾ ..وهذا ؼرٌب ..ألننً حٌن أبكً ..
أذوب كلً وأمطر دفعة واحدة ..باألمس فً أول الٌوم ٌقول أبً عنً بؽضب وصوت هادر
أننً مرٌضة نفسٌا وأحتاج للعبلج ..قال هذا فجؤة دون أن أفعل أي شًء ..كنت جالسة فً
ؼرفتً وسمعت الصوت الؽاضب حتى أننً لم أظنه لً ..لم أبك ..لكننً ذرفت عدة دمعات
قلٌلة وانزوٌت بعدها ال أخاطب أحدا ..حدث هذا مرة ثانٌة أثناء جلوسً بجوار أحمد الٌوم
..عٌنً الٌمنى تذرؾ ثبلث دمعات ..والٌسرى ناحٌته ال ٌلوح بها أثر الدمع ..هذا مضحك حقا
..ألننً وقتها كنت أرٌد بكل قواي أال أبكً أمامه ..وحدث هذا بقوى خارقة وساحرة منً
بالطبع ..لن أعتبرها مصادفة على أي حال ألننً أحب أن أصدق فً نفسً سحر خاص ..أمً
لم تر دموعً أٌضا ..لكنها بعد أن قاطعتنً لٌوم ونصؾ دون أي سبب واضح تؤتً وتبالػ فً
الحنان بصورة فجائٌة ..كؤنها أشفقت علً من ؼضبة أبً ..تدللنً وتلح علً فً أخذ الدواء
..تحدثنً عن الطقس وخطتها لؤلسبوع القادم وأٌام امتحاناتً ..تدخل علً ؼرفتً وأنا نائمة
وتضع ٌدها على جبهتً لتطمئن على درجة حرارتً ..أتركها تفعل كل هذا دون أن
أتقبله..ألومها فً داخلً على جفائها معً لٌوم ونصؾ كنت أحتاجها فٌهم أكثر من أي وقت
..كتبت مرة "أنا فً تعبً صبٌة فقٌرة" ..أكون فً التعب أقرب إلى البكاء ..هشة كآنٌة على
الحافة على وشك السقوط ..أحتاج أن ٌعاملنً أحد بالمس ..كؤننً ثلج مبشور فً راحتٌه عبثا
ٌحاول إبعاده عن الشمس كً ال ٌذوب ٌ ..وم ونصؾ أو ما ٌقارب الٌومان كانت ؼادة هً
الشخص الوحٌد الذي شعرت به ..كومضة أضاءت عتمة روحً لثوانً واختفت ..لم أرد
بعدها أن أهاتفها وأبحث عن ومضات إضافٌة ..ألننا كنا اتفقنا على المذاكرة لست ساعات
متواصلة ..خشٌت أن أثبطها ..فتوارٌت فً لحن شقً و كتبت فً الفٌس بوك ":محرومة من
الضوء ..وأؼرق فً عتمة ظلً" ..أتكوم على سور الشرفة وأنام ..أستٌقظ على وقوع ..حٌن
سقطت فً الحلم وشج حجر رأسً ..و تكسرت أطرافً ومت ..أفتح عٌنً بهلع فؤعرؾ أننً
لم أقع ..أتفقد ذراعً ورجلً ..سلٌمة وخالٌة من الخدوش ..أنزل من على السور دون أن أتؤكد
تماما من أننً حٌة..أنزل خشٌة تحقق الحلم ..أركل كرة أخً فً طرٌقً للداخل فؤراها ترتطم
بالجدار ..أدفع الباب الموارب بٌدي فٌنفتح على آخره ..أشرب كؤس ماء وأضعه فارؼا على
الطاولة ..أنفخ فً الورقة المجاورة للكؤس فتطٌر ..أتؤكد أننً حٌة من آثاري ال من حٌاتً ..
ٌكفٌنً هذا وأذهب للسرٌر ..أعجز عن النوم وتلح على رأسً الناجً من الحجر فكرة الموت
..ال أرٌد أن أموت بالطبع لكننً فكرت أنه بما أننا جئنا الحٌاة دون اختٌار أال ٌحق لنا على
األقل إذن أن نختار طرٌقة موتتنا ومكانها ..حسنا لن ٌحدث هذا لذا سٌد عزرائٌل تذكر فقط
أننً ال أرٌد الموت فً المستشفى وال فً الظبلم ..قلت هذا ونمت فً الظبلم ألن الكهرباء
كانت مقطوعة ..نمت بخوؾ صؽٌر وانا أردد كلمات دروٌش ":هل الموت نوم طوٌل أم النوم
موت قصٌر ؟" ..نمت بـ روح قلقة ورؼبة بالبكاء تشبه االنصهار واالنفجار والثورة ٌ ...اااه
..أنا كنت "بستعبط" جدا حٌن اخترعت حكاٌة شرٌط الفٌدٌو هذا ..ألننً أعرؾ أسباب مزاجً
السًء جٌدا وال أحتاج للمشً بظهري ألتعثر فً سبب صؽٌر ..صؽٌر جدا حدث دون أن أنتبه
له وضاٌقنً ..ال ٌهم ..سؤتجاهل هذا وأكمل ///
أتذكر اآلن المرة التً قلت فٌها لؽادة _ستقول ؼادة هنا "ٌوووه ..ماوراكٌش ؼٌر سٌرتً"
..وسؤرد ٌ":عنً هٌا سٌرة أبو زٌد الهبللً؟!"_ المهم أتذكر المرة التً قلت لها فٌها لو كنت
تمتلكٌن المقدرة على تؽٌٌر ماال ٌعجبك فً كل شخص حولك ماذا كنت ستؽٌرٌن فً وفً
ؼٌري"..سؤلتها هذا السإال فً وقت كنت مستسلمة كثٌرا لقدر لٌس قدري وال أحاول القبض
على حٌاتً التً كانت تفر من بٌن أصابعً كذرات الرمل وتضٌع ..قالت" :كنت هخلٌكً أجمد
من كده شوٌة" ..و واصلت تقول كٌؾ سٌمكنها أن تؽٌر العالم حولها كما ٌشتهٌه قلبها ..أحاول
أن أسؤل نفسً اآلن السإال ذاته لشعوري أننً راضٌة بالعالم حولً لدرجة بائسة ..وال ٌشتهً
قلبً أي شًء ..أنا التً أحب التؽٌٌر والتجدٌد والزٌادة والنقصان وال أستمتع باألشٌاء رتٌبة
جامدة ..أحب أن أرتفع وأنخفض وأتموج كبحر ..ال شًء ٌخطر ببالً ..أشعر فقط أننً
بحاجة قصوى لئلٌمان ...أسمع بكاء الحوت الذي سبحت أمامه ورفض أن ٌبتلعنً ألن هللا لم
ٌؤمره بهذا ٌ ..بكً ألنه جائع وأنا صٌد ال ٌراوغ وال ٌفر وٌصٌح فً وجهه ":أنا أمامك لماذا ال
تلتهمنً ؟!" هللا لم ٌؤمره أٌضا بإلتهامً ٌ ..رٌد أن ٌمهلنً وقتا أطول ..ربما للتوبة ..وربما
الرتكاب ذنوب أكثر ..ومن اقترؾ كل هذه الذنوب مثلً بحاجة قصوى لئلٌمان ...أتمنى بشدة
اآلن أن أكون ضفدعة تحٌا ببل ذنوب وبسرور ؼبً ..وبإمكان الحوت أن ٌبتلعها أو ٌلتهمها
دون تردد ..ولكن هل توجد ضفدعة فً محٌط ال ٌطل على حقل أرز أو حوت فً ترعة ال
تطل على محٌط؟
سر !
أشعر بصدق شدٌد وأنا أستمع اآلن إلى موسٌقاك المفضلة ..و ال أفهم كٌؾ بإمكان قطعة
موسٌقى أن تكون صادقة جدا ؟!
كؤننً أخطو إلى حدٌقة فً السماء سبقتنً إلٌها مرة و زرعت فٌها البرتقال واألمل و أوصٌت
النجوم أن تضًء فً جبٌنً حٌن تمٌل أنت علً توشوشنً باألسرار كلها علنً أبادلك سر
صؽٌر جدا بحجم كلمة واحدة أنطقها فٌحمر الورد والتفاح و وجنتً و قلبً و دمً وتتلون
الحدٌقة من أقصاها إلى أقصاها بلون الخجل فً وجه فتاة رٌفٌة قلبها ٌدق كثٌرا ..وٌرتبك !
وأتارٌنً ..ماسك الهوا بإٌدٌا ..ماسك الهوا !
تخترقنً األؼنٌة ببطء وهً تعٌد نفسها للمرة الثانٌة … أسمعها دون أن أذوب فً رومانسٌتها
وإنما أفكر فً األشٌاء التً تشبه الهواء حولً ..األشٌاء التً تحٌط بً وتبلصقنً تماما ولكن
بمجرد أن أحاول مسكها وإحكام قبضتً علٌها تفر و تنزلق من ٌدي … تهرول مبتعدة وهً
تمد لسانها فً وجهً ..وتطلق ضحكة ماكرة عابثة معناها“ :وعلٌكً واحد !!” ..
أتذكر اآلن صدٌقتً التً عرفتنً من فترة قصٌرة على صدٌقة لها ..تحدثت بعدها مع صدٌقتها
هذه مرات قلٌلة جدا ومقتضبة للؽاٌة ..والٌوم تخبرنً صدٌقتً ”:بتقول عنك طٌبة وعسولة وان
هً حبتك” ..لم أرد وأقل نفس الشًء عنها كما كان ٌنبؽً أن أفعل ..وإن كنت حتى شعرت
فً داخلً به ..إال اننً لم أعد كالسابق أحكً انطباعاتً األولى وأفصح عن أحكامً السرٌعة
..ثمة فارق شاسع بٌن الشعور بشًء ..والنطق به ..النطق واالعتراؾ ٌحوله إلى واقع
وحقٌقة حتى وإن لم ٌكن كذلك ٌ ..تحول األمر إلى قناعة ..وٌؽدو تؽٌٌره صعبا ومإلما بل
وصادما فً كثٌر من األحٌان … .كالمرة التً تسرعت وصدقت فٌها أننً أخٌرا حصلت على
جو العائلة الذي أرٌده ..على بنات عمومتً البلتً تحولن إلى صدٌقات مقربات بإمكاننا أن
نثرثر ونضحك ونبكً ونسافر ونمرح ونروح ونجًء معا … ولكن فً لحظه واحدة تبلشى كل
هذا …تبخر كؤنه لم ٌكن ..وتؤلمت فقط ألننً تسرعت فً التصدٌق والفرح ..فاض بً ..وإن
كنت لم أتعلم الدرس فً مرات كثٌرة سابقة فؤلن الجرح فً كل مرة ٌكون أكثر اتساعا و أشد
ألما و وجعا ..تماما كؤقراص الدواء التً كنت فً البداٌة أبتلعها بصورة طبٌعٌة مع صعوبة
ضئٌلة جدا ..صار ابتبلعها ٌزداد صعوبة فً كل مرة منذ أربعة أسابٌع … .وباألمس أخبرت
أحمد عن مؽامراتً أثناء ابتبلعها ..أضع القرص قرب حلقً ..وأشرب الماء سرٌعا علٌه …
وال ٌنزلق … تزداد مرارته وتكاد تجبرنً على التقٌإ ..أرؼم نفسً على المحاولة ثانٌة
بوضعه تحت لسانً ..أدفع برأسً إلى الوراء كؤننً ألقً بالقرص فً جوفً ..دون فائدة
أٌضا ..أخرجه وأرمٌه بعنؾ فً صندوق القمامة بضٌق بالػ ..أفتح قرصا آخرا وأضعه
داخل كؤس الماء لٌذوب ثم أنوي شربه دفعة واحدة ..أؼمض عٌنً بقوة وأنا أضع طرؾ
الكؤس على شفتً ..أجبر نفسً على رشؾ بضعة قطرات ..مر ..مر ..مر إلى أبعد حد …
أضع علٌه ملعقتٌن من السكر وأقلب ٌ ..صٌر طعمه أبشع ..بالنهاٌة أسكبه فً الحوض ..
وأقرر إعادة المحاولة بعد ساعة أو ساعتٌن رٌثما أرتاح قلٌبل من المحاولة األولى !..
ما أردت قوله أنه مع األلم ال ٌوجد ما ٌسمى بالتعود … األمر ٌزداد سوءا فً كل مرة ..
االنطباعات واألحكام واألراء السرٌعة ؼالبا ما تضٌع كلها وتتبلشى كما ٌتبلشى الهواء من
قبضة الٌد ..وال ٌتبقى من الؽنوة الحلوة ..إال الدمع ٌا حبٌبً!
“وأتارٌنً ..ماسك الهوا بإٌدٌا ..ماسك الهوا ..وآه من الهوا ٌا حبٌبً آه من الهوا ” !
ما الذي ٌحدث لً إذا خفت ؟ ..ما الذي ٌحدث لً إذا خفت ؟ … ما الذي ٌحدث لً إذا خفت؟
..ظل السإال ٌتردد فً رأسً باستفزاز أول ما قرأته ..حد أننً عجزت بعده عن متابعة
القراءة ..أنا ال أعرؾ ما الذي ٌحدث لً حٌن أخاؾ … وهذه إجابة تجعل السإال أكثر
استفزازا ..كؤن شٌطانا ٌقؾ خلؾ أذنً ..وال ٌنفك ٌكرره ..ضؽطت بؤطراؾ أصابعً على
جانبً رأسً كمحاولة للتركٌز مع كل هذا الصخب …ولم أفلح !
حٌن كنت بالصؾ الثانً اإلعدادي وبالتحدٌد فً أجازة الصٌؾ الذي تلته ..استمعت إلى
محاضرة نفسٌة تابعة لبرنامج ترفٌهً بالمدرسة أجبرتنً أمً على حضوره … أتذكرها اآلن
كظبلل باهتة فً قلب إضاءة خافتة ..كتب المحاضر على السبورة ”FEAR ” ..قال أن هذه
الكلمة هً حروؾ مختصرة لجملة “… ”False Evidence Appearing Realأي أنه شعور
خاطًء ٌبدو وكؤنه حقٌقً ..لم أفكر فً صحة هذه الجملة من عدمها ..كنت أإمن وقتها أن كل
ما ٌقوله الكبار صحٌحا … وكل ما علٌنا نحن الصؽار أن نصؽً ونتعلم ..وربما لهذا تظل
االعتقادات التً نتلقاها فً الصؽر ثابتة بداخلنا إلى النهاٌة ..حتى ولو عرفنا فٌما بعد أنها
مجرد هراء ..نظل نإمن بها مهما كلفنا األمر ..ما ٌهم أن هذه العبارة لم تشؽلنً كثٌرا وقت
عرفتها ..إال أنها ظلت تخطر على بالً فً كل مرة ٌنفضنً فٌها الخوؾ وٌهز كونً بؤكمله
..فؤستمر أردد ”:هذا لٌس حقٌقً ..هذا لٌس حقٌقً!” ..بالضبط كما كنت أفعل ذات حلم قرٌب
..أقصد كابوس قرٌب … ..كنت مفزوعة وأردد ”:أنا عارفة ان أنا بحلم ..أنا عارفة ان أنا
بحلم” ..ذهبت ألمً فً الحلم ورجوتها أن تصفعنً ألستٌقظ ..لكنها تجاهلتنً ولم تفعل ..
ذهبت لكل من أعرفهم وٌمثلون األمان لً أرجوهم أن ٌفعلوا شٌئا ألستٌقظ …ولكن ال أحد
ٌلتفت لً ..كؤننً لست مرئٌة ..كؤنهم ال ٌؤبهون… كؤنً وعًٌ بؤننً أحلم لٌس كافٌا … تماما
كإٌمانً بؤن الخوؾ لٌس حقٌقٌا ..ال ٌجدي وقت الهلع !..
من حوالً شهرٌن أو ثبلث ..شاهدت فٌلم “ … case 39″الفٌلم عن فتاة ال تخشى أي شًء
بالعالم ..أي شًء ..وتمتلك قدرات خارقة تمكنها من قتل من ترٌد عن طرٌق أكبر مخاوفه ..
تتودد إلى ضحٌتها كثٌرا أوال ..بلطؾ ودهاء حتى تعرؾ منها الشًء الذي تخافه أكثر ..ثم
تستخدمه كسبلح فً جرٌمتها … مثبل حٌن عرفت من المحقق النفسً أن أكبر مخاوفه هو
الدبابٌر ..فجعلته ٌتخٌل جٌوش دبابٌر تخرج من كل مكان ..من الفتحات فً الحمام ..من
الباب ..من البلشًء ..تدخل وتخرج من أذنٌه وفمه ..تسٌر تحت جلده ..أخذ ٌصرخ وٌنتفض
ٌ..تخبط فً كل مكان بعنؾ وجنون حتى شجت رأسه ومات !!… باختصار هً تكتشؾ
عفرٌت كل شخص وتظهره له … وما ٌقتله هو الخوؾ ولٌس العفرٌت المتخ ٌَل الؽٌر موجود
أصبل … وربما هذا ٌإكد أن الخوؾ لٌس سوى عفرٌت ؼٌر موجود ٌبدو وكؤنه حقٌقً !
هذا ٌدفعنً ألن أتساءل اآلن عن أكبر مخاوفً وعن شكل عفرٌتً؟ ..ال أعرؾ … ..هل ٌجب
على أن أقول أننً ال أخاؾ إال هللا..كإجابة سهلة ٌنطقها الجمٌع طوال الوقت ؟ …فلماذا إذن
أعصاه وأبالػ فً العصٌان إن كنت أخافه فعبل ..وإذا كنت ال أخاؾ من هللا ..فمن ماذا سؤخاؾ
؟؟… هذا ٌذكرنً بقول “الفضٌل بن العٌاض” :
فاسكت !
لذا سؤسكت أو سؤتحدث عن مخاوؾ بشرٌة عادٌة وتافهة كالثعابٌن والدبابٌر وؼٌرها ..وإن
حدث وظهرت لً فسؤردد سرٌعا ”:هذا لٌس حقٌقً … هذا لٌس حقٌقً !” قبل أن ٌكبر فً دمً
ألؾ أرنب مذعور … وأهرب !!
.
________________________________________
* “نحن عمٌان نستطٌع أن نرى” لـ “ساراماجو” :قد تختلؾ الجملة قلٌبل مع النص لكن ال ٌوجد
عنوان آخر فً الوجود ٌبلئمه أكثر منها ..كحذاء سٌندرٌلبل تماما حٌن ٌناسبها فقط وال ٌناسب
ؼٌرها _وإن كان كل النساء مقاسهم _32
ملل !
كل هذا الملل كثٌر جدا على نهار واحد … وهذا ؼرٌب ..ألن شعور الملل ال ٌنتابنً من
األساس إال نادرا ..حتى وإن كنت أجلس صامتة وهادئة ومنزوٌة وال أجد ما أفعله لساعات
طوٌلة فؤنا ال أشعر بالملل ..دائما ما تحتلنً فكرة تسلٌنً وتؤكل الوقت بنهم وجوع شدٌد ..أما
الٌوم ..فبل شًء على اإلطبلق ..كؤننً حمام سباحة فرغ من مٌاهه وبهجته ومرحه و على
أرضٌته تتكوم أوراق الخرٌؾ الجافة بطرٌقة تثٌر الوحشة والحزن ..ال أستسلم لكل هذا ..
أبحث عما ٌسلٌنً ولو قلٌبل ..أحاول تحمٌل فٌلم كومٌدي ٌشجع على الضحك ٌ ..بدأ التحمٌل ..
وأنا أجلس أمام الشاشة أتابع األرقام المتزاٌدة ..%12.. %3 … %2 … %2 … %1 ..
ٌ .. %22… %22 … %11توقؾ التحمٌل لخطؤ فً الملؾ ..أزفر بحنق ..أراقب
األصدقاء ..أون ..أوؾ ….أون …أوؾ ..تنقطع الكهرباء … وأتحول أنا إلى “أؾ” طوٌلة
جدا … أبحث عن شًء آخر أفعله ..أمسك دٌوان “أزهار الشر” ..لـ “بودلٌر” ..وأبدأ القراءة :
وتحت األبٌات ٌتحدث “سارتر” عن فكرة الضجر عند “بودلٌر” ..أندهش جدا ..ألننً لم أكن
أعرؾ مسبقا أن الكتاب سٌتحدث عن مزاجً الحالً ولهذا تناولته ..أندهش أكثر ألن الدٌوان
ممتلىء بعواطؾ ال أول لها من آخر ..وأتساءل كٌؾ ٌتصادؾ أن أفتحه اآلن بالذات ..على
هذه الصفحة بالذات ..أتذكر والء وهً تقول ” ال شًء ٌحدث بالصدفة حقا” ..و أنا المفتونة
بالصدؾ أصبل ..المفتونة بها حد أنه حٌن تحدث واحدة فؤنا أعٌد كل شًء فً رأسً من البداٌة
بحاجب مرفوع وتؤمل مذهول بؤسبابها !
من حوالً أسبوع عاهدت هللا بشًء ..وكان هذا سر صؽٌر بٌنً وبٌن ربً ..وفً األٌام
التالٌة لهذا العهد صار الشٌطان ٌوسوس لً كثٌرا كً أنقضه ..حتى اللحظة التً فتحت فٌها
المصحؾ ألقرأ وردي الٌومً ..وقع بصري أول ما فتحته على اآلٌة ”:وأوفوا بعهد هللا إذا
عاهدتم وال تنقضو األٌمان بعد توكٌدها وقد جعلتم هللا علٌكم كفٌبل إن هللا ٌعلم ما تفعلون” …هل
ثمة ما ٌسمى صدفة إذن ..ال أعتقد !
هذا الوحش ٌتلبسنً اآلن ٌ..تثائب وهو ٌشفط الهواء من حجرتً ٌ ..حلم أٌضا بشفط مٌاه كل
حمامات السباحة فً العالم أجمع … ٌحلم بؤن ٌنفث على فراغ أرضٌاتها أوراق الشجر
الٌابسة ..األوراق التً نسٌت من فصول طوٌلة كٌؾ ٌكون شكل العصفور ال َمرح !
2111-2-23
حٌن تجد روحك فارؼة من كل شًء وأنت صامت تماما ..ال شًء بإمكانك أن تقوله على
اإلطبلق ٌ ..كون هناك الكثٌر لٌقال ..وأنا على هذا الحال منذ بضعة أٌام ..تقرٌبا ال أتحدث إال
معك فً الهاتؾ ..وبقٌة الوقت أكاد أكون صامتة تماما ..وألنك الٌوم كنت ؼائب أكثر من
البلزم ..فؤنا كدت أنفجر بصمتً ..ال ..لم أقارب االنفجار نهائٌا ..على العكس ..أنا هادئة
جدا بما ٌدعو للرٌبة ..ال أفكر فً الموت كما كتبت من قبل ..لكننً أفكر فً االنتحار دائما ..
االنتحار فقط ..دون سبب واضح ..دون أٌة تعاسة أو عذابات ..الفكرة ال تفارق رأسً ..تلح
علٌه دون ٌد لً فً هذا ..ودون أي نٌة باإلقدام علٌها نهائٌا ..هً موجودة وكفى … .منذ قلٌل
وقفت على سور الشرفة ..العشرة سنتٌمترات الوحٌدة فً هذا العالم التً أرتاح جدا فً الوقوؾ
علٌهم ..وتنهانً أنت وأمً عن هذا ..أمً تصرخ فً وتوبخنً وتهددنً بحرمانً من المكوث
فً الطابق العلوي ثانٌة ..وأنت تهددنً بزعلك ..وأنا ال أعد كلٌكما باالبتعاد عن الشبر الوحٌد
فً الكون بؤكمله الذي ٌخصنً وحدي ولم ٌقؾ علٌه ؼٌري ..وقفت ظهري للخارج ..ووجهً
لجدار الشرفة حتى إذا زلت قدمً فؤموت وأنا أنظر إلى السماء وإلى العلو الشاهق الذي حلمت
دائما أن أتسلقه ..أمٌل بجسدي للوراء ..واجدى ٌداي متشبثة بفرع نحٌل جدا من شجرة العنب
التً تتكىء على واجهة منزلنا ..الفرع أنحل من قلم رصاص وضعبؾ للؽاٌة ..لكنه ٌشعرنً
باألمان الذي احتجته جدا فً هذه اللحظة وٌجعلنً أفكر أن األشٌاء لٌس علٌها أن تكون قوٌة
جدا لتؤمنا ..وأن األمان فً النهاٌة ٌنبع من داخلنا نحن !
الحقٌقة أنا ال ٌنقصنً أي شًء ألكون أسعد مخلوقة على وجه األرض ..وأنا كذلك فعبل
..ولكن كٌؾ أتؽلب على رأسً التً تود هبلكً ..أشعر أن جسدي تسكنه روح خاسرة ..
خاسرة جدا ..والشًء الوحٌد الذي نجحت فٌه هو السٌطرة علً تماما … ..حكٌت لك قصة
الرٌشة السوداء قبل قلٌل ..هل بعد هذا كله ؼرٌب أن أعثر على رٌشة سوداء ..وهل الزلت
تشك أن الرٌشة طارت من قلبً ..أنا متٌقنة من هذا !
األدهى أن رؼبتً برمً روحً تلك تقترن برؼبة سٌئة أخرى ..وهً االستماع إلى أؼنٌة
" the mystic’s "dreamحٌنها ..فً كل مرة أتخٌلنً أموت أسمعها تدور فً رأسً وال
تتوقؾ عن الدوران ..وبالمناسبة ..أنا ال أفكر فً الموت بمعناه الكامل ..ال أفكر فً انتهاء
حٌاتً وفنائً وقبري وحسابً وآخرتً ..أنا أفكر فً احساس الروح لحظة اجلها فقط ..أوقبل
هذا مباشرة ..ال أفكر فً أكثر من هذا إطبلقا ! ..
هل أنا مذنبة جدا؟ ..نعم أنا مذنبة وسٌئة جدا……… وأحبك ..ورؼم كل هذا أحبك جدا ..
أحبك بجنون ؼبً … حد أننً حٌن وقفت على السور ورؼبت بإلقاء روحً ..فكرت أننً
أرٌد أن أموت وأنا أفكر بك ..وأن المسافة بٌن الطابق الثانً واألرض لٌست كافٌة ألتذكرك
كلك ..نظرت إلى أعلى ورأٌت طائرة بعٌدة للؽاٌة تومض وتنطفىء بتتابع منتظم ..تمر من
فوق السحاب بقلٌل وربما من داخله ..وجدت أن السقوط من علٌها أجمل ..وٌكون الوقت بٌن
قفزي فً الهواء ووصولً إلى األرض ممتعا للؽاٌة ..وكافٌا بؤن تمر صورك الكثٌرة أمام
عٌنً ..وبؤن أتذكرك وأنت تخبرنً أنك تحبنً وتذوب بً ..الطائرة تمر بجوار نجمة ..
تشبهها تماما دون ومٌض ثابت ..وتظهر أنها تمر بمحاذاتها وجوارها ..أنسى الطائرة وأتخٌل
علو النجمة البلنهائً ..وبتؽٌٌر صؽٌر فً الخطة ٌكون القفز من على سطح النجمة ال ٌقاربه
وصؾ وٌكون ال داعً ألن أقؾ ظهري إلى الفضاء ..وٌكون الوقت كافٌا بالكاد ألن أتذكرك
كلك ..ألنك الرجل الذي ال ٌحصى كما تقول ؼادة السمان ..
أنا أحبك بطرٌقة لن تتخٌلها مطلقا ..وأعرؾ أنك أٌضا تحبنً جدا ..ألنك حٌن وقفت معً فً
الشرفة كدت أحدثك عن كل هواجسً تلك وقلت”:تفتكر هٌحصل إٌه لو رمٌت نفسً من هنا؟”
..أجبت”:هموت” ..ظننتك لحظتها لم تسمعنً جٌدا وأعدت السإال”:لو أنا أنا رمٌت نفسً” ..
وكررت أنت”:أنا هموت” ..وأنا التً أظن نفسً أفهمك دائما ..لٌس من المرة األولى فقط ..
وإنما دون أن تتحدث أٌضا ..فهمتك هذه المرة ..من المرة الثانٌة !!
2111-3-3
كنت ؼارقة فً سحابة من السكٌنة ..بهذه الدرجة من اإلٌمان التً تجعلك تعٌش وعلى شفتٌك
ابتسامة صؽٌرة صافٌة ..وفً عٌنٌك نظرة تفاإل … رأسً خال من األحبلم المزعجة التً
تعترٌنً دائما ..وفً داخلً ٌقٌن أننً حٌن أنام بعد قلٌل لن أحلم بكوابٌس كثٌرة ككل لٌلة
صلٌت الفجر ..وقرأت فً المصحؾ قلٌبل ..وجلست ٌعدها أسبح هللا وأردد كل األدعٌة التً
سمعتها وحفظتها ٌوما ..قرأت دعاء سٌدنا جبرٌل مرتٌن بعد أن عرفت أن من ٌقرإه قبل النوم
مباشرة ٌؤتٌه النبً المصطفى “علٌه الصبلة والسبلم” فً المنام ..قرأته ثم أؼمضت عٌنً وأنا
أصلً على الرسول علٌه الصبلة والسبلم حتى اختفٌت فً النوم تماما ..
ولم ٌتؽٌر شًء ..لم ٌتؽٌر أي شًء ..كان نوما ممتلئا باألحبلم المزعجة والكوابٌس الشرٌرة
إلى أقصى حد ..واستٌقظت من النوم على مشهد كل العروق فً ذراعً نافرة جدا ..وأحد
ٌناولنً شٌئا حادا وٌؤمرنً بقطع عروقً كلها !..
قررت أن أصنع باقة ورد ألمً بمناسبة عٌد مٌبلدها ..أخذت مقص الشجر من درج فً
المطبخ ..و وارٌته أسفل قمٌصً وأنا خارجة ألن أمً كانت تجلس فً الصالة وأنا أردت أن
أفاجئها ..بدأت أقص الورد و أقطؾ الٌاسمٌن وأكومه فوق بعضه بسعادة ..أعرؾ ان أمً
تعشق الورد والزهر مثلً ..هً التً أقنعت أبً بشراء هذا الشجر ..رأٌتها أول أمس
بـ”الجنٌنة” تنثر بذور رٌحان بجوار شجر “الفٌسكس” الذي زرعته مإخرا ..تبحث طوال
الوقت عن نباتات جدٌدة سهلة الزرع والرعاٌة ..وتستشٌر “سمسم” بائع ومختص نباتات الزٌنة
فً القرٌة ..تجمع الٌاسمٌن فً الصباح ..تروي النعناع وشجر التٌن بعد العصر ..وتجلس أول
اللٌل بجوار شجرة الورد البلدي المتدلً على الشرفة ..تعٌش أٌامها كفراشة ملونة تتنقل بٌن
األخضر و ألوان زاهٌة أخرى ..أمضً خلفها وأنا أحاول لمس جناحٌها و وتعفٌر أطراؾ
أصابعً بؤلوانها ..أبتسم وأنا أتذكر كل هذا أثناء تقلٌم الشوك من األفرع ..أفكر فً حلمً
القدٌم ..فً طموحً بؤن أصٌر بائعة ورد بإشارات المرور ..أضحك وأنا أتذكر أحمد حٌن
أخبرته بهذا الحلم فقال”:وإٌه اللً حصل ..مجموعك مجابش؟!” ..أتخٌلنً هذه اللحظة الفتاة
بائعة الورد التً طالما حلمت بؤن أكونها ..الفتاة التً تقطؾ الورد الطازج وتقلم شوكه ..ترش
المٌاه المسكرة فوقه كقطرات ندى وترتدي فستان مزركش قدٌم ومندٌل تربط به شعرها
..تتجول بٌن السٌارات أثناء اإلشارة الحمراء وتقترب من النوافذ نصؾ المفتوحة وهً تقول
”:خد وردة ٌا بٌه ..خدي فلة ٌا هانم”…تشاكس ”:وحٌاتك انت ماتكسفنً خدلك عودٌن دا أنا
اسمً نرجس … وهللا إن ما كنت تنفعنً ألزعق وأقول راجل مفلس” ..تذهب إلى الكورنٌش
آخر اللٌل وتؽنً للعشاق”:خدلك هدٌة لحبٌبتك ده الورد ده زٌنة الجناٌن ..تخلٌها تتوه فً
رٌحتك وتبقى من ضمن الزباٌن”..ترجع إلى ؼرفتها الصؽٌرة فً نهاٌة الٌوم بقدمٌن ٌإلماها من
كثرة المشً وجنٌهات قلٌلة مكرمشة تخرجها من جٌب الفستان وهً تحاول فردها وتضعها فً
حصالة صفٌحٌة صؽٌرة تشبه حصالة لبلبة حٌن كانت تؽنً ونحن صؽااااار ”:حصالتً لٌها
كرش ٌ..تحط فٌه القرش ..وٌقول ما تتكسرش ..هفضل طول عمري قرش ..وأحط تانً قرش
..وقرش على قرش وأنساه ومفتكرش ..دا كبر وال مكبرش ..دا كبر وال مكبرش”..تخبىء
الحصالة وهً تستلقً على ظهرها وتتخٌل محل زهور صؽٌر تملكه بالنهاٌة ..بؤلوان جدران
صاخبة وعدد من الزهور ال أول له من آخر ..حٌن تكون أخٌرا قد حققت ؼاٌة آمالها!!
أنتهً من التقلٌم وأنا أزٌح الذكرٌات واألحبلم جانبا وأبحث عن “تول” ..ألفه حول الورد ..
أنظر لكل باقات الورد التً أهداها أحمد لً ..الشٌطان ٌوسوس لً بقص جزء صؽٌر من
الشرائط الملونة والتول ..أستعٌذ باهلل منه وأنا أتذكر افتراسً ألخً الصؽٌر حٌن فكر مرة أن
ٌلمس هذه الشرائط ..أتراجع وأقلب البٌت رأسا على عقب حتى أجد أخٌرا أجزاء شٌفون أبٌض
كنت قد احتفظت بها من بقاٌا هداٌا سبوع أحد أقاربً ..أفرح بها جدا وألفها حول الورد ..
أذهب إلى الثبلجة وأسرق قطعة من الشرٌط الملون الملفوؾ على علبة التورتة ..أربطه حول
الباقة ..وأنتهً أخٌرا بسعادة ال توصؾ ..أخبئه خلؾ ظهري وأتسلل إلى أمً ٌ ..رانً اخوتً
فٌقفزون فوقً ..تخطفه شٌماء من ٌدي وهً تقول ”:دا حلو أوي ..هروح أنا أدٌه لماما” ..
أصرخ وأستعٌده منها بعنؾ ..أنسى التسلل وأجري إلى أمً به سرٌعا خوفا من قاطع طرٌق
آخر ٌحاول اقتناصه منً ..تفرح أمً به كثٌرا كثٌرا وتخبرنً أنه رائع ..تضمنً وتقبلنً
فؤنسى أحبلم حٌاتً كلها وال أحلم بؤكثر من أن تؤتً كل سنة وأمً طٌبة وسعٌدة وتشبه الفراشة
….أو الوردة !
” شال صوؾ ومشروب دافىء وكً بورد وإضاءة خافتة ..ومقال ٌشع حرارة !”
هكذا نصحنً !
حسنا !
فً منتصؾ فصل الشتاء تماما كانا معا ..السماء ممتلئة بالمٌاه وثمة مبلك ٌمسكها من طرفٌها
وٌعصرها كـ كنزة صوفٌة فوق منزلهما الصؽٌر تماما ..الرٌاح تضرب النوافذ بعنؾ ..
تعصؾ باألشجار فً جنون …وهً تجلس أمامه على السجادة ..بٌن رجلٌه المثنٌتان قلٌبل ..
تستند بظهرها على صدره وهو ٌحتضنها من الخلؾ ٌ ..حاول تدفئتها بكل الطرق ٌ ..ضمها
بٌن ذراعٌه طوٌبلٌ ..نفث فً ٌدٌها كثٌرا ٌ ..مرر كفٌه على كتفٌها صعودا وهبوطا عل
الحرارة تنبعث من تحت أصابعه ..وهً تكرر بصوت مرتجؾ وعابث ”:ال أمل ..ال أمل” ..
تنهض من مكانها فجؤة ..تلقً بالشال الصوؾ على طرؾ السرٌر ..تخلع كنزتها القطنٌة أٌضا
وتقذفها بجوار الشال ..تدور أمامه بـ بلوزة خفٌفة بدون أكمام دورة راقصةٌ ..صٌح فٌها
”:ستموتٌن بردا” ..تبتسم بخبث وهً تخطو ناحٌة الثبلجة ..تفتح باب الفرٌزر وتخرج علبتٌن
آٌس كرٌم مثلجتٌن وتركض ناحٌته بسعادة تاركة باب الثبلجة مفتوحا ومن داخلها تخرج ”
آآآح” طوٌلة ٌ ..تناول اآلٌس كرٌم من ٌدها وٌقرر فجؤة أن ٌشاركها الجنون هو اآلخرٌ ..نهض
بنفس ابتسامتها الخبٌثة ٌ ..دٌر التلفزٌون وٌضع فٌلم “ ”ice ageداخل الـ “… ”DVDتطلق
ضحكة عالٌة وهً تمد ٌدها له كً ٌؤتً وٌجلس بجوارها لٌشاهدا الفٌلم معا ٌ ..تجاهل ٌدها
الممدودة و ٌمشً على األرضٌة الباردة حافٌا باتجاه باب الفرٌزر المفتوح ..ظنت للحظة أنه
سٌؽلقه وٌعود إال أنه أخذ ٌفرغ كل مكعبات الثلج به فً طبق كبٌر قبل أن ٌندفع نحوها وٌضع
الطبق تحت قدمها وهو ٌنحنً لؤلمام وٌطوح ٌده بحركة مسرحٌة … ”ladies first”:تضع
قدمها الٌسرى بالطبق بضحكة مرتجفة وجسد مرتعش … ٌجلس بجوارها وٌضع قدمه الٌمنى
أٌضا ٌ..شهقان معا”:آآآح” … ٌضحك بعبث”:أنت بدأتً ..تحملً إذن!” ..تلتصق به و تقبله
قبلة خاطفة ”:أنا آسفة ..وأعتذر ..لننهً هذا” … ٌنطق بصرامة مصطنعة ”:قبلة واحدة ال
تكفً ٌا هانم ” ..تؽتاظ منه ..تنحنً على الطبق فجؤة وتمسك مكعب ثلج بدأ فً الذوبان وتلقٌه
على رقبته ٌ ..رمٌه بعٌدا فً سرعة و ٌنتفض كله مع قطرة ماء باردة جدا ذابت من الثلجة
وتنزل ببطء على جسده ..تهم باإلنحناء مرة ثانٌة ناحٌة الطبق لكنه ٌشدها بقوة إلٌه وهو
ٌصٌح”:حسنا ..حسنا ..قبلة واحدة تكفً” ٌ ..دفع الطبق بقدمه بعٌدا …ٌضؽط على زر
اإلؼبلق فً الرٌموت ٌ ..جذبها إلى صدره وكبلهما ٌرتجؾ بشدة وبضحك ..أطرافهما متمجدة
وأنفاسهما تتسارع وترتعش ٌ ..لؾ الشال الصوؾ حولهما معا وهو ٌحتضنها بقوة ٌ ..همس
بؤذنها“ :أحبك” وهً الزالت تشهق ”:آآآح”!
أنت …
أنت الضوء الذي أٌقظنً فً اللٌل وجعلنً أجلس إلى شاشتً اآلن وأكتب ..
أنت أٌضا عصٌر الجوافة باللٌمون الذي أتناوله اآلن ألننا حٌن جلسنا فً “أكسجٌن” آخر مرة
وطلبته أنت ..امتعضت أنا فً نفسً ..وتساءلت ٌ”:عنً اٌه جوافة بلمون ..حاجه حلوة ٌعنً؟”
..وبٌنما أنا أعده منذ قلٌل وسؤلنً أخً عما أفعله أجبت بسرعه”:بعمل جوافة بلمون … حلو
أوي ..وبحبه” ..قلت هذا قبل أن أتذوقه حتى ..قلت هذا وأنا أحبك أنت ..
أنت المشهد االذي ٌضحكنً فً فٌلم “ألؾ مبروك” .ألننا حٌن أنهٌنا مكالمتنا بعد الواحدة بقلٌل
أدرت الفٌلم حتى هذا المشهد وتخٌلتنا نضحك علٌه معا ..
أنت شرفة منزلنا التً لم أكتشؾ كم هً جمٌلة إال بعد أن قضٌنا فٌها ساعات طوٌلة معا نثرثر
ونضحك وندوخ وٌلفنا الرقص ونحلم بساعة إضافٌة أخرى ..
أنت الدخان الذي انتشر فً ؼرفتً بشكل زخرفة لحظة أخبرتنً أنك تختنق بهمومك ثم نمت
وتركتنً وحدي أختنق أنا بدخانً ..
الحب
أنت بحٌرة زرقاء ممتلئة بـ بط كثٌر مرح ٌعوم وٌقفز وٌركض على حوافها وهو ٌلتقط َ
والعشب وبمجرد أن ٌرانً ٌتجمع حولً ..بعضهم ٌشدنً من األمام وآخرٌن ٌدفعونً من
الخلؾ حتى أقع فً الماء وأتحول إلى بطة مرحة أخرى تتوجها أنت “ملكة البط” لحظة تهاتفنً
وتنطق بسعادة ”:إزٌك ٌا بطتً !”…
أنت أٌضا فنجان الشاي بالنعناع الذي لم أحتمل أن أشربه أمس وناولته ألمً ..ألنه جعلنً أشعر
كم أحتاجك وأفتقدك ..وألنه مر عام على مواعٌد كثٌرة بٌننا وبٌنه وألن طعمه فً تلك اللحظة
كان ٌشبه طعم وجودك ..وألنك لم تكن موجود ..فؤنا لم أطق كل هذا الفقد …
أنت المطر المسحور الذي لمسنً مرة فؽدوت ٌنابٌع ماء ال تنحسر وال تجؾ وال تنتهً وٌشرب
منها الخٌل والطٌر والعاشقٌن ..
أنت الشمس والقمر والصباح ورائحة البرتقال وزهر عباد الشمس وأحبلم الفراشات قبل أن
تنتحر بالضوء وصوت الناٌات والؽٌم المسافر والرٌح الخفٌفة والقوس قزح والٌاسمٌن أول
الصٌؾ وسبلم العصافٌر وأؼانً الحب والوجع الجمٌل وكؤس الماء وطعم العنب وشكل البرق
وانطبلق جناحٌن
أنت منزلً وسعادتً وحٌاتً وعمري و وجودي الذي ال ٌوجد إال بك