You are on page 1of 79

‫إهداء‪:‬‬

‫إلــى أبــً ‪.‬‬

‫وأحلم بالعٌد معك !‬

‫من بعد آذان الفجر والقرآن ال ٌتوقؾ فً مئذنة الجامع حتى تؤت تكبٌرات العٌد ‪..‬الصوت ٌمٌل‬
‫على نافذتهما الصؽٌرة ‪ ..‬هً نصؾ مستٌقظة ألنها لم تتعود طوال عمرها كله أن تذهب فً نوم‬
‫عمٌق لٌلة العٌد ‪ ..‬وهو نائم ‪ ..‬وعلى وجهه سبلم ‪ ..‬تعرؾ أنه حٌن ٌكون ودٌعا هكذا فً نومه‬
‫فإنه ٌحلم بها ‪ ..‬وإن كان ال ٌتذكر األحبلم لٌحكٌها لها … فهً متٌقنة من هذا ‪ ..‬تتؤمل مبلمحه‬
‫طوٌبل ‪ ..‬بهدوء تام وفً قلبها حمد كثٌر هلل ألنه منحها إٌاه ‪ ..‬ترٌد أن توقظه لٌبدأ عٌدها ‪..‬‬
‫لتهمس له “أحبك” ‪ ..‬لٌقبلها على وجنتٌها كما اعتاد ابٌها أن ٌفعل صباح كل عٌد ‪ ..‬تفكر أنها لو‬
‫مالت على أذنٌه وهمست “أحبك” فسٌسمعها فً أحبلمه ‪ ..‬وستكون أجمل بكثٌر ألنها ستتبلشى‬
‫سرٌعا ‪ ..‬وسٌستٌقظ على الفور لٌبحث عنها ‪ ..‬تفعل هذا ‪ ..‬وٌحدث ما توقعته تماما ‪ٌ ..‬فتح‬
‫عٌنٌه ببطء ‪ٌ ..‬راها تنظر إلٌه بابتسامه ‪ٌ ..‬بتسم بدوره وهو ٌنطق ‪”:‬كل سنة وانتً طٌبة ٌا‬
‫حبٌبتً” ‪ٌ..‬ؽمض عٌنٌه مرة أخرى وهو ٌدنٌها من صدره ‪ٌ ..‬ضمها إلٌه ‪ٌ ..‬شعر بالسبلم وهً‬
‫فً حضنه ‪ٌ ..‬نسى العالم والناس وٌصبح فارؼا من كل ما سواها ‪..‬ممتلئا بها تماما ‪ ..‬هً‬
‫تعرؾ أنه ٌحلم بها من احساسه هذا ‪ ..‬من مبلمحة اآلمنه فً العناق والنوم ‪ ..‬تبتعد عن صدره‬
‫برفق ‪..‬وتقول وهً تقطب حاجبٌها بإصطناع ‪”:‬إٌه؟ ‪ ..‬مش هنقوم بقا ‪ ..‬العٌد هٌخلص ” ‪..‬‬
‫ٌدنٌها منه مرة أخرى وهو ٌقول بكسل‪”:‬ممممم بقا ‪ ..‬خلٌنا شوٌة” ‪..‬تهز رأسها بالنفً وهً‬
‫تقول “أل ‪ٌ ..‬بل ‪ ..‬هتقوم ‪ ..‬هتقوم” تنهض واقفة وتجذبه من ٌده ‪ ..‬وهو ٌتسمر فً مكانه كما‬
‫ٌفعل دائما لٌثبت لها ضعفها ووهنها أمامه … ٌؽمض عٌنٌه على نظرة نصر وهو ٌقول‪”:‬لو‬
‫قدرتً ‪ ..‬قومٌنً” ‪ ..‬تشده بكل قوتها ‪ ..‬وهو ال ٌتزحزح مللٌمتر واحد عن مكانه ‪ٌ ..‬فتح عٌن‬
‫واحدة بحاجب مرفوع وٌنظر إلٌها ‪ٌ ..‬شفق علٌها وٌقوم معها لٌمنحها احساس نصر صؽٌر ‪..‬‬
‫كؤنها طفلته التً ٌنهزم أمامها دائما فً اللعب لٌسعدها ‪ ..‬تدفعه من ظهره حتى باب الحمام ‪..‬‬
‫وقبل أن ٌدخل ٌلتفت إلٌها وٌقبلها على وجنتٌها ‪ٌ ..‬عرؾ أنها تنتظر هذه القبلة بالذات ‪..‬كادت‬
‫تظن أنه نسً ‪ ..‬تحدق فً وجهه للحظات ثم تعانقه بقوة قبل أن تندفع إلى المطبخ دون أن تقول‬
‫شٌئا ‪ ..‬تضع الشاي على النار ‪ ..‬وتعبىء طبق متوسط بكعك وبسكوٌت العٌد ‪ ..‬تجهز الفطور‬
‫وتضعه على الطاولة ٌنتظرهما معا ‪ٌ ..‬صلً بها الصبح ‪ٌ ..‬دعو هللا أن ٌتقبل منهما ‪..‬أما هً‬
‫فتدعوه أن ٌحفظه لها ‪ٌ ..‬شكرا هللا معا وٌعودا إلى الطاولة ٌتناوال فطورهما ‪ٌ ..‬طعمها ‪..‬‬
‫وتطعمه ‪ ..‬تحلم بـ”ٌحٌى ومرٌم” حولهما فً أعوام قادمة ‪ ..‬وهو ٌشاكسها‪”:‬بس مش هعرؾ‬
‫أأكلك كده ٌا أم ٌحٌى قدام ٌحًٌ” ‪ ..‬تحبه كثٌرا حٌن ٌقول لها”أم ٌحٌى” ‪..‬تتذكر فطٌرة‬
‫الشٌكوالتة التً أعدتها له ٌوما ‪ ..‬كان اسمها فً كتاب الطبخ “الفطٌرة االسفنجٌة” ‪ ..‬ورؼم أنها‬
‫التزمت جدا بالمقادٌر والطرٌقة ‪ ..‬إال أن الفطٌرة خرجت مختلفة تماما ‪ ..‬ولم تعد تستطع على‬
‫اإلطبلق أن تطلق علٌها فطٌرة اسفنجٌة ‪ ..‬وحٌن تذوقها وأعجبته احتارت أي اسم تخبره عن‬
‫هذا الذي ٌؤكله وٌعجبه ‪ ..‬فاقترح هو أن ٌسمٌها “أم ٌحٌى” كـ “أم علً” هكذا ‪ ..‬وتكون الفطٌرة‬
‫الخاصة بهما ‪ٌ ..‬تفقا أن ٌصنعاها معا ؼدا … تشهق فجؤة ‪”:‬صبلة العٌد” ‪ٌ ..‬نظر لساعة الحائط‬
‫‪ٌ..‬هتؾ‪ٌ”:‬انهار أبٌض” ‪ ..‬تهب واقفة ‪ ..‬تخرج ثٌابه المكوٌة من الدوالب ‪ ..‬تساعده فً ؼلق‬
‫األزرار ‪ ..‬تلمع له حذائه سرٌعا ‪ ..‬تناوله هاتفه من الشاحن ‪ ..‬ومحفظته من فوق التسرٌحة ‪..‬‬
‫تنثر العطر على قمٌصه وتخبره أنها ستبدل مبلبسها وتجهز حتى ٌعود ‪..‬‬

‫وكما فعل العٌد الفائت ٌبعث لها بمسج وهو جالس ٌستمع إلى الخطبة ٌخبرها أنه اشتاقها ‪..‬‬
‫تضحك من رسالته الؽٌر متوقعة فً هذا الوقت للمرة الثانٌة !‬

‫ٌرجع بعد ساعة ونصؾ وٌجدها بانتظاره ‪ٌ ..‬ؽادرا معا وٌذهبا أوال إلى بٌته عند والده ووالدته‬
‫‪ٌ ..‬مكثا هناك حتى نصؾ النهار ‪ ..‬وٌقضٌا النصؾ اآلخر عند والدها ووالدتها … ٌلتقٌا بؤقاربه‬
‫وأقاربها فً منزل عائلته ومنزل عائلتها ‪ٌ ..‬تذوقا طعم مختلؾ للعٌد وهما معا ‪ٌ ..‬متلئا بؤحادٌث‬
‫األهل وضحكاتهم وحكاٌاهم ‪ٌ ..‬لعبا مع الصؽار كؤنهما لم ٌكبرا بعد ‪ ..‬وٌستؽلهما األطفال‬
‫وٌؤخذا منهما ثمن البمب والصوارٌخ حتى ٌوفرا عٌدٌتهم أللعاب أخرى ‪ٌ ..‬تستران على الطفل‬
‫الذي وضع الصاروخ أسفل كرسً الرجل الذي ٌستفزهما دائما ‪ٌ ..‬عرفا كٌؾ ٌمكن أن ٌشبه‬
‫العٌد طعم الحلوى والشٌكوالتة بالبندق وجوز الهند والفول السودانً اللً مش هٌتبهدل تانً ‪..‬‬
‫ٌمتلىء الجو بفقاعات صابونٌة مدهشة ٌنفثها األطفال وٌقفزون ورائها ‪ ..‬وٌؤتً إلٌها طفل‬
‫صؽٌر ٌبكً ألن زجاجته التً اشتراها للتو انسكبت منه قبل أن ٌستمتع بها ‪ ..‬فتؤخذه وتمؤلها له‬
‫بالماء ‪ ..‬وبعض قطرات الشامبو ثم ترجها ‪ ..‬تمٌل على أذن الطفل وتوشوشه ‪”:‬ما سؤفعله اآلن‬
‫سر صؽٌر أخبرنً به صانع زجاجات الصابون هذه‪ ..‬وهو الذي ٌعطً األلوان الزاهٌة‬
‫للفقاعات ‪ ” ..‬وتضع قطرتٌن صؽٌرتٌن من الكحول ثم ترج الزجاجة مرة أخرى ‪ٌ ..‬كتم الطفل‬
‫السر وٌخرج سعٌدا للؽاٌة وهو ٌشعر أنه ملك العٌد ألنه عرؾ أسرار الفقاعات الصابونٌة أخٌرا‬
‫‪! ..‬‬

‫ٌتابعها من بعٌد وهً تفعل كل هذا ‪ٌ ..‬شعر أنه ٌحبها جدا هذه اللحظة وٌرٌد أن ٌخطفها بعٌدا‬
‫عن كل هذا الزحام ‪ ..‬هو ٌجلس مع رجال العائلة ‪ ..‬وهً تقؾ وسط أخوتها وأمها وقرٌباتها ‪..‬‬
‫نظرته معلقة علٌها ‪ ..‬ونظرتها معلقة علٌه ‪..‬حٌن ٌمر عابر بٌنهما ٌمٌل لٌراها ‪ ..‬وهً تمٌل‬
‫لتراه ‪ٌ ..‬ؽمز إلٌها فتضحك لهذه الؽمزة التً تعرفها وتفهمه على الفور كما تفعل دوما ‪ ..‬تقول‬
‫ألمها أن الوقت تؤخر وٌجب أن ٌذهبها ‪ ..‬وٌستؤذن هو من أبٌها وٌسلم على بقٌة الرجال ‪..‬‬
‫ٌؽادرا معا وٌدها فً ذراعه وهو ٌقول ‪”:‬قولٌلً ٌا مراتً ٌا حبٌبتً نفسك أفسحك فٌن؟” ‪..‬‬
‫تخبره أن عٌدها هو وجوده بجوارها‪ ..‬وهذا أقصى سعادتها ‪ٌ ..‬ؤخذها وٌتعشٌا معا ‪ٌ ..‬ذهبا إلى‬
‫السٌنٌما ‪ٌ ..‬ختارا الفٌلم الكومٌدي كالعادة ‪ٌ ..‬متلىء قلبٌهما بالضحك ‪ ..‬تفٌض سعادتهما على‬
‫كل شًء ‪ٌ ..‬خبرها أنه ٌحبها ‪ ..‬تخبره أنها تعشقه ‪ٌ ..‬رجعا بٌتهما الصؽٌر ‪ٌ ..‬مران على‬
‫الطاولة الصؽٌرة ‪ٌ ..‬حلمان بـ ٌحٌى ومرٌم حولهما فً أعٌاد قادمة !‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــ‬

‫رسالة إلى هللا (‪! )1‬‬

‫بإسمك ٌا هللا أبدأ رسالتً إلٌك ‪ ..‬وأقول “بسم هللا الكبٌر الواسع” ‪ ..‬ألننً أشعر بصؽري‬
‫وضآلتً الشدٌدة اآلن ‪ ..‬وصدري ضٌق جدا وال ٌسع نسمة هواء أتنفسها وأرتاح ‪ ..‬أجدنً أزفر‬
‫كثٌرا ‪..‬كوسٌلة لتوسٌع المكان وإفراؼه من كل شًء ال أكثر ‪..‬أمضً بذراع مفرودة قلٌبل‬
‫تبلمس الجدار وتبحث عن شق صؽٌر ٌستطٌع أن ٌمر الهواء من خبلله‪..‬لماذا كل الجدران‬
‫مصمتة إلى هذا الحد ومصابة بضٌق حاد فً التنفس ‪..‬أفتح النوافذ واألبواب وأنا أتذكر صدٌق‬
‫أضاؾ مإخرا صورة على الفٌس بوك لشباك نسً إحدى جانبٌه موارب لفترة وحٌن انتبه وجد‬
‫عش صؽٌر فً هذه الفتحة وداخل العش بٌضتٌن ‪..‬التقط صورة وأضافها أللبومه وكتب تحتها‬
‫أنه أول ما رآها نطق “اللـــه”‪..‬وفً التعلٌقات قال أن هاتٌن البٌضتٌن قد تحوال لٌمامتٌن‬
‫صؽٌرتٌن وجمٌلتٌن حلقا بعٌدا‪ ..‬تسمرت طوٌبل أمام هذه الصورة ‪..‬وفكرت أنك ٌا هللا تبعث‬
‫رسالة لهذا الرجل مضمونها خٌر كثٌر‪..‬تمنٌت وتمنٌت لو تهدٌنً عش ببٌضتٌن مثله ‪..‬رجعت‬
‫للنوافذ التً فتحتها على آخرها و واربتها‪..‬راقبت الطٌور المحلقة وأنا أرجوها أن تؤت إلً‪..‬على‬
‫حافة النوافذ كلها وضعت فتافٌت خبز و عناقٌد عنب صؽٌرة ‪..‬وانتظرت طوٌبل ‪..‬كل هذا ولم‬
‫تفكر ٌمامة واحدة أو حتى بومة أو ؼراب بااللتفات إلً والعطؾ على قلبً الهش الفقٌر‬
‫‪..‬تذكرت صدٌقتً “جً جً” التً تعشق القطط ‪..‬وأول ما تفعله حال أن تستٌقظ هو ملىء‬
‫زجاجة مٌاه وتفرٌؽها فً علب زبادي وآٌس كرٌم كثٌرة وزعتها على رصٌؾ شارعها و‬
‫حواؾ البٌوت ‪ ..‬وحٌن استؽربت وسؤلتها عن هذه المٌاه قالت أنها من أجل القطط المشردة‪..‬‬
‫كانت جً جً فتاة عادٌة بالنسبة إلً ‪..‬بما ٌعنً أننً ال أحبها ‪..‬وال أكرهها‪..‬ولكن ٌبدو أننً‬
‫أحببتها فً هذه اللحظة بالذات ‪..‬حٌن نطقت هذه الجملة ووجدت القطط تجري ناحٌة المٌاه كؤنها‬
‫تنتظرها بشوق‪ ..‬وصدٌقتً تراقب هذا بسعادة ؼامرة ‪..‬وجدت هذا جمٌبل للؽاٌة ‪..‬وبه شٌئا ال‬
‫أستطٌع تحدٌده لكنه ٌؤتً من روحك ٌا هللا ‪ ..‬لم أعد بعدها ألفكر فً السٌئات والحسنات كما‬
‫كنت ‪..‬ولكننً انشؽلت بهذه األشٌاء الصؽٌرة المحرومة أنا منها تماما‪..‬وأتمناها بشدة‪..‬‬

‫أنا ال أكتب إلٌك ٌا هللا ألخبرك شٌئا ال تعلمه عنً ‪..‬فكما أخبرت وفاء صدٌقتً أمس أنك تعلم‬
‫بؤمر كل الدماء النابضة فً قلوبنا وأنت أقرب إلٌنا من حبل الورٌد ‪..‬وإنما أكتب إلٌك ألجرب‬
‫متعة البوح إلٌك ‪..‬ألننً أحتاجك جدا ‪ ..‬جدا ‪..‬وأشعر بالخجل الشدٌد ألننً ألجؤ إلٌك اآلن فقط‬
‫‪ ..‬أشعر أننً فتاة انتهازٌة وأنانٌة وناكرة للجمٌل ‪ ..‬حدث ٌاربً أن احتجتك كثٌرا فً فترات‬
‫سابقة لم أدق بابك بها ‪ ..‬كنت أرفض أن أكون هذه الفتاة اإلستؽبللٌة ‪..‬وكنت تساعدنً دون أن‬
‫أطلب ‪ٌ ..‬قولون أن سبحانك أحن علٌنا من آبائنا وأمهاتنا ‪..‬أعرؾ هذا ومتؤكده منه تماما ‪..‬‬
‫لكننً أفكر أحٌانا أنك ترحمنً من أجل أمً ‪..‬من أجل خوفها وقلقها ورجفتها علً ‪..‬من أجل‬
‫دعائها فً كل سجدة لً ‪ ..‬من أجل طٌبتها و قلبها الذي ال ٌستحق الحزن ‪ ..‬فكرت من عدة أٌام‬
‫أنه لو حدث ألمً شٌئا ما “ال قدرت ٌا رب” ‪..‬فكرت أنه لن تطالنً رحمة بعدها ‪..‬فً رأسً‬
‫ذكرى واهٌة لحدٌث سمعته ٌوما ٌقول “إذا ماتت أم العبد نادى مناد أن سدد وقارب فلقد ماتت‬
‫التً كنا نرحمك من أجلها”‪ ..‬ال أعرؾ ٌارب إن كنت أنا أستحق الرحمة ٌوما ألجلً ‪ ..‬وال‬
‫أعلم كٌؾ علً أن أفكر ‪..‬هناك من ٌقول أنه ٌنبؽً أن ٌفكر اإلنسان بؤنه ٌستحق كل الخٌر ‪..‬‬
‫وٌعٌش بهذه اإلٌمان ‪ ..‬و أنا أشعر أننً ال أستحق أي شًء ‪ ..‬أدعوك دائما ‪”:‬اللهم عاملنً بما‬
‫أنت أهل له ‪ ..‬وال تعاملنً بما أنا أهل له ” ‪ ..‬حٌن حدث من فترة أن صببت الماء المؽلً على‬
‫ٌدي وشعرت باأللم ٌتصاعد وبالحرق ٌزداد لهٌبه مع الوقت ‪..‬فكرت لحظتها فً ذنوبً كلها‬
‫وماذا سؤفعل بشؤنها ‪..‬لن أحتمل الماء المؽلً والنار ‪..‬وهذا العذاب الذي لن ٌفنٌنً لكنه‬
‫سٌجعلنً أحلم بالفناء ‪..‬كنت فً الصؾ األول االبتدائً حٌن حفظت سورة “النبؤ” ‪..‬ورؼم أننً‬
‫كنت أحفظ دون فهم أو تفكٌر مزقتنً اآلٌة األخٌرة بها ‪”:‬وٌقول الكافر ٌا لٌتنً كنت ترابا”‬
‫‪..‬لست كافرة ولك الحمد ٌارب ‪ ..‬لكننً لحظتها رددت طوٌبل ‪ٌ”:‬الٌتنً كنت ترابا” ‪..‬كنت‬
‫أرددها وأتمناها فً سري طوٌبل وأنا أخاؾ أن ٌسمعنً الشٌخ عزت الذي كان ٌحفظنً القرآن‬
‫‪..‬أو تسمعنً أنت ٌا هللا فتظننً كافرة ‪..‬كان هذا تفكٌري الصؽٌر األحمق وقتها ‪..‬و أحتار اآلن‬
‫فً أمنٌتً القدٌمة هذه ‪..‬وأتساءل لماذا تتمنى طفلة فً السادسة من عمرها لم تتلوث بالذنوب‬
‫بعد أن تكون ترابا ‪..‬أعرؾ أننً اآلن لست فتاة صالحة ‪..‬ولكننً أرؼب بالجنة كً ال أدخل‬
‫النار ‪..‬وربما أرؼب فقط بؤال أدخل النار ‪ ..‬أنا أحبك ٌا هللا ‪ ..‬وكل األوقات التً حدث وتقربت‬
‫فٌها إلٌك وصلٌت لك لم أفعل هذا ألننً أرؼب بالجنة ‪ ..‬فعلت هذا ألننً أحبك ‪ ..‬وأحبك جدا ‪..‬‬
‫لم أدعوك بالجنة ٌوما ألننً خفت أن أكون بهذا الدعاء أطلب مكافاءة لعبادتك ‪..‬واآلن أنا ال‬
‫أتقرب كما كنت وال أصلً كما كنت ‪..‬وال أخبرك كل ٌوم أننً أحبك كما كنت‪ ..‬وال أدعو‬
‫بالجنة وال بالنجاة من النار ‪..‬أنا صؽٌرة وضئٌلة وتعٌسة‪..‬وال أشعر بالراحة مهما حاولت‬
‫‪..‬أحتاج هذه اللحظة فقط بؤن أخبرك أننً أحبك وتؤتٌنً ٌمامة جمٌلة تلتقط الخبز والعنب من‬
‫على حافة نافذتً ثم تطٌر بعٌدا ‪!..‬‬

‫رسالة إلى هللا (‪! )2‬‬

‫إلهً عقـدت رجـائً عـلٌـك‬

‫وأطـرقـت رأسـً بٌن ٌدٌـك‬

‫فإن أنت لم تعؾ عنً هلكت‬

‫وهل مفــزع مـنـك إال إلـٌـك *‬


‫بإسمك ٌارب أبدأ رسالتً الثانٌة إلٌك ‪ ..‬وأقول كما قال الخٌام ‪”..‬إلهً عقدت رجائً علٌك”‪..‬‬
‫أقولها وأنا أعقد رجائً وآمالً وأحبلمً وأطماعً الكبٌرة بؤن تسامحنً ٌا هللا ‪ ..‬أعقدها جٌدا‬
‫ألن الشٌطان فً األسابٌع الماضٌة حل كل العقد التً سبق وأحكمت ربطها وأطال حبل المسافة‬
‫بٌنً وبٌنك كثٌرا ألبتعد وأتوه وأضٌع وأؼدو وحٌدة جدا من دونك ‪ ..‬كنت كسلحفاة شقٌة‬
‫أضاعت صدفتها فً لٌلة ممطرة وترتعش من البرد والخوؾ ‪ ..‬ؼٌر أن هذه السلحفاة كان كل‬
‫هذا الوجود القاس عدوها ‪ ..‬وكنت أنا فقط عدوة ذاتً ‪ ..‬لم أستحق الشفقة مثلها ‪ ..‬وإن كنت‬
‫توسلت إلٌك ذات فجر بؤن تؤمنً وتحمٌنً ‪ ..‬فؤلننً كنت سٌئة كثٌرا‪ ..‬وطلبت هذا حتى إذا‬
‫استحوذت نفسً علً وعصٌتك ‪..‬أكون برٌئة من هذا العصٌان أمامك ألننً رجوت حماٌتك‬
‫وأنت لم تفعل ‪ ..‬إال أنك فعلت ٌا هللا ‪ ..‬كانت أشٌاء صؽٌرة جدا ‪ ..‬وكنت أشعر بوجودك فٌها ‪..‬‬
‫كنقاط ضوء صؽٌرة تطٌر بشكل فراشات لٌلٌة عرفت أننً لو تتبعتها فستدلنً علٌك بالنهاٌة إال‬
‫أننً _ولؽبائً_ لم أفعل !‬

‫حلمت األمس بحلم ٌتكرر كثٌرا منذ أن كنت بالصؾ الثالث االبتدائً وأخبرت معلمتً “سناء”‬
‫عنه كشًء عابر ‪..‬لكنها صمتت ثم ذهبت وتحدثت مع بقٌة المعلمات وجاءت لتقول ‪”:‬أٌتها‬
‫الملعونة الصؽٌرة ‪..‬أنت تكذبٌن وتإلفٌن هذه األحبلم” ‪ ..‬ورؼم أننً لم أكن أكذب أو أإلؾ إال‬
‫أننً صدقتها وصمت أٌضا ولم أعد ألتحدث عن هذا الحلم منذ ذاك الحٌن ‪..‬وأكتب لك الٌوم‬
‫عنه ألننً منهكة من أحبلمً ‪ ..‬وإن كنت أتحدث كثٌرا عن نهاراتً الفارؼة فإن لٌالً لٌست‬
‫كذلك ‪ ..‬لم أعد أهب مفزوعة كل لٌلة كما كنت بالماضً ‪ ..‬وإنما صرت أستٌقظ بصداع ورأس‬
‫مائلة على الجدار وأشٌاء كثٌرة كثٌرة أعٌشها فً أحبلمً كما أعٌش واقعً تماما ولٌس ثمة‬
‫جدوى من محاولة اثباتها ‪ ..‬ولٌس ثمة طرٌقة أٌضا من أن ٌشاركنً أحد إٌاها !‬

‫حلمت أمس بٌوم القٌامة ‪ ..‬بالحساب ‪ ..‬بصحٌفة لٌست بٌضاء بما ٌكفً ‪ ..‬بك ٌاهلل تنظر فً‬
‫أمري ‪..‬بالهول الذي ٌجتاحنً أمامك‪ ..‬كل من أعرفهم دخلوا الجنة ‪..‬و كنت أنا وحدي من أهل‬
‫األعراؾ ‪ ..‬لم أقذؾ فً النار بعد ‪ ..‬والجنة ال تقول “هل من مزٌد” !… استٌقظت وأنا أحمدك‬
‫ٌارب على فرصة جدٌدة للحٌاة‪ ..‬وربما للنجاة …تؤملت قولك ‪ ”:‬وآخرون مرجون ألمر هللا إما‬
‫ٌعذبهم وإما ٌتوب علٌهم” ‪ ..‬وأنا أرجو توبتك و عفوك وأعقد كل رجائً علٌك ٌاهلل ‪ ..‬أعقده‬
‫بقوة وأزٌد فً العقد ‪ ..‬أطرق رأسً بٌن ٌدٌك وأحلم برضاك هذه المرة وإن كان حتى ثمن هذا‬
‫الرضا هبلكً ٌا هللا !‬

‫ألجلك ‪ ..‬سؤكون "كبٌرة" !‬

‫من الزجاجة صببت كؤس ماء بارد جدا ‪..‬شربت منه ثم وضعته بجواري ‪..‬أرتشؾ منه كل‬
‫ثبلث دقائق دون شعور بالعطش ‪..‬ألن الماء ثلج ٌبكً داخلى أشعر ببرودته فً جسدي كله‬
‫وأحب رعشتً له ‪..‬وأفكر فً “عٌن ” ‪..‬ألنه حتى اآلن لم ٌقل لً كل شًء ‪..‬رؼم أننً أسمعه‬
‫بخشوع ‪..‬بمرفقٌن متكؤٌن على طاولة وكفٌن ٌحتضنا وجهً ‪..‬ونجوم تؽادر عٌنً وتلمع حٌن‬
‫أتؤمله ‪..‬ألتحول إلى وجه صؽٌر فً تعبٌرات “الٌاهو”‪ .‬أو ‪.‬إلى صورة الطفلة التً تضعها منار‬
‫لنفسها ‪ ..‬وكل هذا الوقت الذي قضٌناه معا ولم ٌخبرنً بعد بخساراته أو اخطائه وانكساراته‬
‫وارتباكه وعناءاته واشتعاالته وحدٌثه لزهرة الٌاسمٌن ومحاوالته للنسٌان وحنٌنه وعبوره‬
‫للمنفى وشخوصه األخرى وكل شًء كل شًء كل شًء!‬

‫كل ما قلته ٌكفً تماما ألن ٌفتت أجزاء من كرات دمً لتتحول لحروؾ (عـ )ـٌن تجري فً‬
‫عروقً وٌحمر لونها أكثر لكنه ال ٌكفً أبدا ألن أعرفك أٌها الرجل الذي ال ٌحصى ‪..‬رؼم أننً‬
‫حٌن تعرفت علٌك من خمس شهور وبعد أول لقاء ‪..‬صعدت لؽرفتً فً الطابق الثانً‬
‫‪..‬وتوجهت لباب الؽرفة الذي أدون علٌه كل شًء كمدونة خاصة جدا جدا ال ٌقرأها ؼٌري‬
‫‪..‬حتى أن لونه األبٌض تراجع بانهزام أمام الحبر األزرق ‪..‬وخربشات الرصاص ‪..‬ألكون أول‬
‫فتاة تدهن باب ؼرفتها بقلم جاؾ …‪.‬توجهت للباب ‪..‬وكتبت فً أعبله “عـ ……‪my love_..‬‬
‫” واستؽربت كثٌرا من نفسً حٌنها ‪..‬ألننً لم أكن عرفتك بعد ‪..‬ولم ٌحدث ما ٌستحق أن أكتب‬
‫هذا ‪..‬واستؽربت أكثر ألنه عمل مراهق جدا ‪ٌ..‬شبه كتابات المراهقٌن على أسوار المدراس‬
‫وداخل عربات القطارات والمترو ‪..‬وأؼلفة الدفاتر ‪..‬أنا التً دائما ما نظرت لهذه األشٌاء‬
‫بامتعاض ولوي شفة أجدنً أفعلها اآلن وأنا أعتقد أن مراهقتً انتهت حٌن وصلت لسلمة‬
‫العشرٌن ‪..‬وربما كان هذا التفكٌر مراهقة أخرى ‪..‬ألننً أتوق ألن أصبح “كبٌرة” كـ طفل فً‬
‫الصؾ الثانً االبتدائً ٌنظر ألطفال الصؾ األول باحتقار ألنه اآلن أصبح “كبٌر” ‪..‬ال أرٌد أن‬
‫تستهٌن بً عٌن ‪..‬وتهزأ من هذه الفتاة التً ترٌد أن تصبح كبٌرة فقط لتكون جدٌرة بحب رجل‬
‫خمسٌنً الزال تائها بٌن نساء العالم ٌبحث عن واحده تهذب العالم معه بالكلمات ‪..‬أال أصلح‬
‫ٌاعٌن ؟ ‪..‬أنا التً أتعلم الحروؾ ألجلك ‪..‬والرسم ألجلك ‪..‬والتشرد ألجلك ‪..‬والفلسفة ألجلك‬
‫‪..‬والحب ألجلك ‪..‬ألكون كبٌرة كفاٌة ألجلك ‪..‬وكل ما أرٌده منك أن تعرؾ شكل كفً ‪..‬وحجم‬
‫أصابعً ‪..‬وأن تمسك ٌدي جٌدا ‪..‬وال تضٌعنً عٌن ‪..‬ألن الحٌاة قاسٌة جدا كسن سكٌن وأنت‬
‫قادر أن تكون دلٌلً …قلها ‪..‬قلها اآلن وسؤصدقك‪..‬قل ‪ :‬أنا دلٌلك دعاء ‪..‬أنا ضوء السماء فً‬
‫جبٌنك ! ‪..‬وتعال نفتت هذا العالم لقطع صؽٌره بحجم أحبلمنا ثم نعٌد ترتٌبه كما تشتهٌه قلوبنا‬
‫‪!..‬‬

‫أنت توجعنً حٌن تكتمل فً قلبً تماما كقمر منتصؾ الشهر ‪..‬وتظل فً رأسً هبلال ٌتوق ألن‬
‫ٌصبح ” كبٌرا” …تعبت منك ‪..‬وأرٌد أن أفصح عنك وال أقدر ‪..‬فكٌؾ أستطٌع أن أهدىء من‬
‫اشتعالً بك وحنٌنً لك دون أن أفعل !‬

‫حسنا عٌن ‪..‬ال تقل شٌئا اآلن ……‪..‬سؤشرب بقٌة كؤس الماء دفعة واحدة …وأنام !‬

‫سالمة ٌا سبلمة !‬
‫عدت من األسكندرٌة اآلن إلى قرٌتً الصؽٌرة ‪ ..‬و كـ سارة* ‪ ..‬دخلت ؼرفتً التً اشتقت لها‬
‫وأنا أردد ” وحشتنً ٌا سرٌري ‪..‬وحشتنً ٌادوالبً ‪..‬وحشتنً ٌا مكتبً …وحشتٌنً ٌا مراٌتً‬
‫… وحشتنً ٌا ماركو …وحشتٌنً ٌا اٌزابٌبل …وحشتنً ٌا نشؤت “…سؤعرفكم على‬
‫أصدقائً ‪..‬ماركو هو فتى ٌرتدي بنطلون قصٌر ‪..‬قمٌص بؤكمام واسعة ‪..‬حذاء برقبة ‪..‬وقبعة‬
‫كبٌرة تمٌل على رأسه ‪ٌ..‬مسك فً ٌدٌه جٌتارا وٌعزؾ ‪..‬وأمامه إٌزابٌبل ترتدي فستان إحدى‬
‫األمٌرات األسبانٌات ‪..‬وترقص ‪..‬فٌنبت العشب تحت قدمٌها … كنت قد رسمتهما فوق ورقتٌن‬
‫منفصلتٌن وعلقتهما على الجدار ٌقاببلن بعضهما من عدة أشهر …ومازال هو ٌعزؾ‬
‫‪..‬ومازالت هً ترقص ‪..‬دون أن ٌخذل أحدهما اآلخر ‪..‬حتى اجل تؤتً فٌه الرٌح قوٌة من‬
‫الشباك المقابل ‪..‬وتفنٌهما معا …‪.‬أما نشؤت ‪..‬فهو “هٌكل عظمً”‪..‬علقته لٌكون اإلثبات الوحٌد‬
‫فً ؼرفتً بؤننً أنتمً لكلٌة الطب …لكننً استطعت أن أصادقه فٌما بعد وربما تكون عبلقتنا‬
‫توطدت كثٌرا فً األٌام األخٌرة ‪..‬حتى صرت أشبهه !!‬

‫أووه ‪..‬كم أنا ثرثارة ‪..‬أردت أن أقول فقط ‪”..‬أنا رجعت !”…‪.‬حسنا ‪..‬أنا رجعت من أجازة‬
‫بدأت صباح األربعاء وانتهت الٌوم ألن عٌد مٌبلد أمً لن ٌستطٌع أن ٌنتظر ٌوما آخر ‪..‬وألن‬
‫الحمام الزاجل فشل فً أن ٌوصل القبلة لخدها مع عبارة “كل سنة وانت طٌبة “‪..‬وألننً قررت‬
‫توزٌع الفسح على مدار الصٌؾ كالقمح فً السنوات العجاؾ كً ال آكل مللً فً الشهور‬
‫القادمة ‪_..‬كؤن األجازة شهور ‪_!!..‬‬

‫ما ٌهم أننً سعدت جدا بهذه األجازة القصٌرة ‪ ..‬كانت اإلسكندرٌة مختلفة هذه المرة ‪..‬وربما أنا‬
‫من كنت مختلفة ‪..‬كنت سعٌدة جدا ‪..‬وحزٌنة جدا ‪..‬وألننً لم أعرؾ كٌؾ ٌجتمعا الحزن والفرح‬
‫بهذه القوة معا ‪..‬كان على أن أنتظر حتى ٌذوب أحدهما فً اآلخر ‪..‬أو أن أحاول أن أفهم‬
‫…أحاول أن أعرؾ كٌؾ تجتمع التناقضات كلها فً قلب واحد ‪..‬وكٌؾ تستطٌع قبٌلة النساء‬
‫بداخلً أن تتعاٌش معا ‪ ..‬فقررت أن أبدأ من تناقضات العالم حتى أصل لقلبً ‪..‬فً الصباح‬
‫األول ‪..‬ارتدٌت طاقما جمٌبل ‪..‬و تهندمت أمام المرآة طوٌبل ‪..‬لبست حذائً الجدٌد ‪..‬وخرجت‬
‫ألتناول فطوري فً إحدى كافٌهات سان ستٌفانو كفتاة أرستقراطٌة تتناول الكٌك والشاي‬
‫وٌشؽلها لون طبلء األظافر الجدٌد ‪..‬كان األمر ممتعا حقا ولكن تناول الؽداء كان أكثر متعة‬
‫‪..‬ألنً عدت للمنزل ‪..‬وبدلت مبلبسً بشًء أستطٌع أن أرتدٌه دون أن أهتم باآلٌس كرٌم الذي‬
‫سٌتساقط سائحا فوقه ‪..‬أو بالرمل الذي سٌختفً فً الثناٌا أو بالجلوس فوق الكورنٌش فً منطقة‬
‫فقٌرة تطفو علب الكوال وأكٌاس الفول والطعمٌة والسودانً فوق بحرها وتؽطً معظم‬
‫الصخور…اشترٌت ساندوٌتشات ومخلل وجلست ‪..‬ظهري للشارع ‪..‬ووجهً للبحر ‪..‬أطوح‬
‫قدماي وأقضم المتعة …كان األمر مرٌح جدا كحذاء قدٌم …وكنت سعٌدة ‪..‬وربما أكون نسٌت‬
‫_أو تناسٌت _أننً أفعل هذا ألفهم …وصرت أفعل المزٌد والمزٌد من التناقضات لجلب المتعة‬
‫ال أكثر …حد أننً كنت أتناول الؽداء فً هاردٌز ‪..‬وأخرج ألركب أتوبٌس حكومً !…اشتري‬
‫كتابا من مكتبة الشروق وآخر من فوق رصٌؾ ‪..‬أذهب لحفل فرٌق “بوبنت اؾ ٌو” لموسٌقى‬
‫الجاز فً مسرح مكتبة األسكندرٌة …وأؼنً مع مجموعة من المنتشٌٌن على الشاطىء ‪“ :‬زي‬
‫العادة مروح بٌتنا ‪ ..‬شفت البت الحلوة جارتنا ‪..‬قلت انا بس ‪..‬قالت هس …بابا ٌحس وٌخرب‬
‫بٌتنا “‪ ..‬اشترٌت الدمٌة باربً من محل األلعاب ‪ ..‬وأراجوز خشب ٌصفق بصفٌحتٌن مدورتٌن‬
‫كلما ضؽت على بطنه من بائع متجول … األراجوز لذٌذ جدا وٌسلٌنً ‪..‬وباربً ال تفعل شٌئا‬
‫ؼٌر أن تحدق بً بببلهة دون أن تصفق لمجٌئً أو تسعدنً بؤي شكل من األشكال ‪..‬أنا أٌضا‬
‫تجاهلتها ‪..‬وانطلقت أفكر فً رجل ٌحبنً كثٌرا ‪..‬نتفق على أن نسٌر ٌوما على هواه وٌوما على‬
‫هواٌا ‪ ..‬قلت لنفسً سؤتخٌله أول رجل ٌخاطبه لسانً الٌوم ‪ ..‬ومضٌت ‪..‬لم أنطق بحرؾ‬
‫لـ”كمسري” الترام ‪..‬وال لبائع الصحؾ ‪..‬حتى أننً لم أعتذر للرجل الذي دهست قدمه فً‬
‫الزحام ‪ ..‬حتى دخلت “رادٌو شاك ” حٌث اشترٌت موباٌلً الجدٌد‪ ..‬كان الموظؾ لطٌؾ جدا‬
‫وٌقول “وعلٌكم الثبلم”!‪..‬نطقت أوووووه طوٌلة فً داخلً …كم أحب اللدؼة فً حرؾ السٌن‬
‫‪..‬تشعرنً أن من ٌنطقها ٌخبىء داخله طفل لذٌذ شقً ٌلعق “دولسً ستٌك”…وٌنطلق كعفرٌت‬
‫!…تعمدت أال أقاطعه ‪..‬كً ٌسمعنً الثٌن كثٌرا ‪..‬أردت أن أقول ” تعرؾ تقول ‪ :‬ثتً عملتلً‬
‫بثبوثة بالذٌت بالثمنة بالثكر بث ٌاخثارة طلعت معثلة ؟…قلها ألجلً …ألجلً فقط وأعدك بؤن‬
‫نسٌر ثبلثة أٌام على هواك فً مقابل ٌوم على هواٌا…لماذا ال تقول …قلها ‪..‬قلها “…ابتسم‬
‫فجؤة فً وجهً دون سبب حتى شعرت أنه سمع رأسً وها هو ٌضحك ‪..‬قطبت حاجبً أمامه‬
‫‪”..‬إذن‪ ..‬كل األٌام على هواٌا …كل األٌام على هواٌا “…‪.‬لماذا ال ٌصؽً أحد إلً؟ ‪..‬حتى‬
‫ماركو واٌزابٌبل ملهٌان بحبهما ورقصهما عنً … ونشؤت ٌضحك دون أن ٌضحك ‪..‬ألنه ال‬
‫ٌمتلك شفتٌن ‪..‬وتظهر أسنانه كلها ‪..‬كؤنه ٌؽٌظنً ‪..‬وٌسخر من بشرتً السمراء …حسنا ٌانشؤت‬
‫‪..‬حسنا أٌها العاشقان ‪..‬حسنا ٌا باربً ‪ ..‬أنا تعبت ‪..‬سؤنام اآلن … وؼدا ربما أكمل !‬

‫ترقص؟ ‪ ...‬أرقص !‬

‫“أخدنً ع زورق والبحر مراٌة‬

‫لون البحر أزرق راٌح وجاي‬

‫دق قلبً وانسرق قلبً وكدنً العرق‬

‫لما برٌق عٌونه بعٌونً مرق”*‬

‫فً الشرفة الواسعة اؼنً وأدور حول نفسً مرات ومرات فاردة ذراعً عن آخرهما وأكاد أن‬
‫اصدق أن لً أجنحة امتؤلت بالهواء …وبؤنً سؤرتفع قبل اكتمال األؼنٌة ألواصل الرقص فوق‬
‫نجمة‪..‬تشبه مسرح بللوري ‪..‬وضوء سٌسقط من السماء مباشرة علً فً شكل دائرة تعرؾ‬
‫مسبقا حركتً القادمة وتسبقنً الٌها ‪..‬كفراشة بالٌه تقدم رقصتها الساحرة فً حفل األوبرا…أنا‬
‫المفتونة برقص الفراشات اقتصرت أحبلم حٌاتً ذات ٌوم ‪..‬على الرقص حافٌة أمام األوبرا‬
‫تحت المطر…مع صعلوك أسمٌه حبٌبً ‪..‬لتبتل مبلبسنا وٌلفنا الرقص وندور وندوخ كدوامة‬
‫فً إعصار…‪.‬أفكر فً حلمً القدٌم دون ان اتوقؾ عن الؽناء أو الدوران…عٌناي مؽلقتان و‬
‫الموسٌقى ترتفع ‪..‬قدماي تبلمسان األرض…أمٌل ٌمٌنا وٌسارا كسمكة تسبح على مهل ‪..‬‬
‫وذراعً طوحها الهواء بعٌدا لتلتقطها ٌدك فؤفتح عٌنً دون أن اندهش كثٌرا وأراك تقرب ٌدي‬
‫من شفتٌك وتقبلها فؤشعر أنً أمٌرة حكاٌا الجن ‪ ..‬وأن هناك ؼصن بشكل شرٌان مال فً‬
‫قلبً‪..‬تلؾ خصري بذراعك ونكمل رقصة بدأناها ذات خٌال‪..‬نتشابك مع الموسٌقى ‪..‬ونرتفع ‪..‬‬
‫نرقص ‪ ..‬نتماٌل‪ ..‬وندور وٌنبت الورد تحت أقدامنا‪ ..‬وننشؽل بنظراتنا كثٌرا ‪..‬حتى أننا ال ننتبه‬
‫للضوء الذي ٌؽمرنا فً شكل دائرة والذي ٌؤتً من السماء مباشرة !‬

‫*أؼنٌة "بدٌت الحكاٌة" لـ هبة القواس‪.‬‬

‫وأٌضا وأٌضا وأٌضا !‬

‫عن ماذا أرٌد أن أخبرك؟ عنً ‪..‬ربما ‪ ..‬عن الٌوم الذي قضٌته دونك تماما ‪..‬ربما ‪ ..‬عن‬
‫األشٌاء التً أرٌد أن أفعلها وأإجلها دائما ببل سبب فؤكتفً بإحصائها فً ورقة كً ال أنساها‬
‫ولكن ٌبدو أن هذا ؼٌر مهم ألننً ال أعود لهذه الورقة أبدا ‪ ..‬عن المذاكرة التً لن ٌكفٌها كل‬
‫الوقت المتبقً على االمتحانات وال حتى ضعفه مرتٌن ‪ ..‬وأنا عاجزة عن البدء حتى اآلن‬
‫وأصنع كل ٌوم جدوال جدٌدا للمذاكرة وأمزقه فً الٌوم التالً ‪ ..‬عن الشوق الذي كاد ٌسحقنً‬
‫طوال النهار وٌحولنً لذرات ؼبار بإمكان الرٌح أن تطٌرها إلٌك فتنفضها عنك دون اكتراث‬
‫وأنت ال تتخٌل أن الشوق بعثرنً إلى الحد الذي أتى بً إلٌك‪ ..‬عن أؼنٌة “قهوة لـ فٌروز‬
‫كراوٌة” التً أدرتها منذ أن ظهر كوكب الزهرة حتى اختفى تماما فً العاشرة وسبع وعشرون‬
‫دقٌقة بالضبط و أنا أقؾ فً الشرفة قبالته أنظر إلٌه وأؼنً مع كراوٌة ‪”:‬طب ممكن نسرق‬
‫ساعة وتشرب قهوة معاٌا بقا “‪..‬تقول “بقا” ألنها فاض بها كثٌرا ولم تعد تحتمل هذا البعد ‪..‬‬
‫وٌخرج الصوت من السماعات حالما ومشتاقا ‪..‬جمٌبل إلى الدرجة التً ٌنبؽً معها أن ٌهدأ‬
‫الكون كله تماما ‪..‬وٌنصت فً صمت وإؼماضة عٌن ‪..‬ورؼم هذا‪..‬الحٌاة حولً ال تهتم به على‬
‫اإلطبلق ‪ ..‬صوت القطار الطوٌل جدا ‪ ..‬السٌارات الذاهبة واآلتٌة ‪..‬فبلح ٌشؽل موتور المٌاه‬
‫لٌروي حقل األرز ‪ ..‬أطفال ٌتشاجرون أسفل المنزل ‪..‬جار ٌستعد للزواج قرٌبا وٌفرش شقته‬
‫التً تشع فوضى وضوضاء وفرح ‪..‬ضجٌج ال ٌنتهً‪ ..‬وأنا وحدي فً هذا العالم هادئة تماما و‬
‫مؽرمة بؤؼنٌة تشتاق لفنجان قهوة معك ‪ ..‬عن ماذا أرٌد أن أخبرك أٌضا ‪ ..‬عن تذكري بؤننً لم‬
‫أنظر لصورتك منذ لٌلة األمس و هذا ال ٌحدث إال نادرا لكننً تجاهلت هذا وقررت أن أؼمض‬
‫عٌنً وأتذكر مبلمحك وحدي ‪ ..‬وكالعادة أرى الحسنة الصؽٌرة فً خدك األٌسر بوضوح تام ‪..‬‬
‫وأعجز عن تحدٌد بقٌة مبلمحك ألنها ال تترك مساحة فً عقلً لشًء آخر ‪ ..‬أخبرتك كثٌرا‬
‫أننً أحبها ‪..‬وأنها أول شًء أتذكره بوجهك ‪ ..‬لكنها تزعجنً فً هذه اللحظة ‪ ..‬وتجعلنً‬
‫أشتاقك أكثر ‪ ..‬أود لو تكون نقطة شٌكوالتة نسٌتها وأنت طفل وبإمكانً حٌن أراك أن أمرر‬
‫إصبعً علٌها و آكلها وأنا أرى المكان حولنا ٌمتلىء بؤلواح شٌكوالتا بالبندق والكرٌما وبالونات‬
‫العلك المصابة بارتفاع فً السكر و ؼزل بنات و كل ما ٌشتهٌه الصؽار وٌحول الصٌؾ إلى‬
‫كٌان طري وشهً قابل للحب والحٌاة وصنع بالونات الدهشة الصابونٌة … تعرؾ؟ أنا أٌضا‬
‫لدي فً ذراعً األٌسر شامة صؽٌرة بشكل وبحجم حبة توت تحلم بؤن تلتقطها أطراؾ أصابعك‬
‫مرة وتزرعها فً حدٌقة منزل ٌخصنا وحدنا بجوار شجر ٌاسمٌن وبرتقال وعلى األرض نعناع‬
‫كثٌر ٌؽطٌها تماما وٌلون حٌاتنا باألخضر ‪..‬‬

‫عن ماذا أرٌد أن أخبرك أٌضا ‪ ..‬عن الصباح الذي ٌحوٌنً دونك هذه اللحظة وأنا أحلم بؤن‬
‫أخطفك من نومك ونجلس معا نشرب قهوة صباحٌة ونحن نستمع لموسٌقى نحبها و رأسً مائلة‬
‫علً كتفك قلٌبل ‪!..‬‬

‫تعرؾ أٌضا ‪ ..‬أنا مرعوبة من أن أرفع رأسً من على هذه الشاشة اآلن وال أراك جالسا‬
‫بجواري ‪..‬مرعوبة جدا!‬

‫سٌارة حمراء والكراسً أعصاب !‬

‫قبل المؽرب كل ٌوم بساعتٌن تقرٌبا أخرج أنا وأبً لٌعملنً القٌادة ‪ ..‬ألن أختً ستتزوج‬
‫‪..‬وسآخذ سٌارتها _أو ما سٌتبقى منها بعد أن أنهً تعلٌمً علٌها_ …امممم ‪..‬الوضع لٌس بهذا‬
‫السوء حقا ‪..‬ربما فقط ستكون كما ٌقول “سلطان” فً ” العٌال كبرت” ‪“ :‬هً كل حتة فٌها سلٌمة‬
‫… بس لوحدها!”‪..‬الحقٌقة أن أبً ٌربكنً كثٌرا ‪..‬ألنه ٌتوتر ‪ ..‬والكرسً المجاور لً هو فً‬
‫الحقٌقة أعصابه التى ٌجلس علٌها ‪..‬أتعلم على طرق زراعٌة تربط المراكز الصؽٌرة والقرى‬
‫ببعضها ‪..‬ونادرا ما أخطو فوق “طرٌق سرٌع” ‪..‬وإن فعلت ٌكون لمسافة قصٌرة جدا‪ ..‬األسفلت‬
‫ٌحوى “نقر” كثٌرة ‪..‬وأحٌانا “طوب صؽٌر” أو ” كسر” ‪.‬أحاول أن أتفادٌه أؼلب األحٌان‬
‫‪..‬وأنحرؾ لهذا ‪..‬وأبً ٌثور النحرافً ‪..‬وٌصرخ فً ‪ ”:‬أنا عاوزك تكسرٌها ‪..‬كسرٌها ” ‪..‬وإذا‬
‫لم أحاول تفادٌها واالنحراؾ قلٌبل أجده ٌصٌح مع رجة السٌارة ‪”:‬إنتى هتكسرٌها ؟؟!!” ‪..‬أرٌد‬
‫أن أضحك ‪..‬والضحك لٌس مناسبا أبدا فً هذه الحالة ‪..‬ألنه متوتر ‪..‬وبرودي سٌثٌر ؼضبه‬
‫أكثر …أزم شفتً وأكتم ضحكتً ثم أنطق ” حاضر ٌا بابا ‪..‬هاخد بالً المرة الجاٌة ” ‪..‬هذه‬
‫الجملة ترٌحه كثٌرا ‪..‬وأنا أنطقها دون أن أعرؾ ما ٌتوجب علً عمله حقا فً المرة القادمة ‪..‬‬
‫لكن بعٌدا عن القٌادة أنا سعٌدة لسبب آخر ‪..‬ألننً صرت أمضً الكثٌر من الوقت بصحبة أبً‬
‫‪..‬وهذا الوقت لٌس بالطبع كله أخطاء وتوتر وصٌاح وحوادث وشٌكة ‪..‬لكننا نتحدث كثٌرا‬
‫ونمزح ونضحك ‪..‬ومع أول ضحكة تنطلق كل ضحكاتً التً سبق وكتمتها من أعشاشها‬
‫‪..‬وتطٌر عالٌا كفراشات الحقول التً تشً لكل الفبلحٌن بسعادتً ‪..‬وكنت بهذه السعادة أمس‬
‫ألننً استطعت أن أطلق أول “شتٌمة” تجاه سائق عابر كاد أن ٌصدمنً من الخلؾ ‪..‬وألنها أول‬
‫مرة ال ٌكون الخطؤ فٌها خطئً ‪..‬كنت “أشتمه” بسعادة بالؽة ‪..‬وأبً بجواري ٌضحك على‬
‫ؼضبً المصطنع ‪..‬و ٌدعً أمام السائق أنه ٌحاول تهدأتً ‪..‬لكننا انفجرنا معا فً الضحك فور‬
‫أن تجاوزنا السائق …وانشؽلت بالموقؾ حتى كدت أن أصدم سٌارة أمامً ‪..‬لٌشٌط أبً تماما‬
‫وهو ٌصرخ ” حاسبً” …حٌنها اصطنعت دمعة ‪..‬وكتمت ضحكة كانت تصر أن تؽادر العش‬
‫… وحاسبت !‬

‫أنا صعلوكة عظٌمة !‬

‫_ ال تكتبً عن الصعالٌك ‪ٌ ..‬كفً أن البلد ملٌئة بالصعالٌك‬

‫_ أنا أحب أن أكتب عن الصعالٌك والمشردٌن والمجانٌن والسكارى على األرض كلها ‪..‬سؤكتب‬
‫عنهم الٌوم وؼدا وبعد ؼد …والحقا قد ترانً مع صعلوك مشرد نجلس فوق سبللم مٌدان عام‬
‫نشرب دموعنا خمرا نخب األلم الذي ال ٌعرؾ حدودا والذي سنضحك منه كثٌرا حٌن تلعب‬
‫الخمر برإوسنا تماما وبعدها قد نكسر الزجاجات الخضراء لٌتناثر الزجاج على األرض‬
‫ونرقص فوقه بهسترٌا شخصٌن كتبا و بكٌا وتحدثا وتؤلما وضحكا ثم رقصا بعد ذلك كله حافٌٌن‬
‫فوق أشبلء الزجاج الحادة جدا والدم الذي ٌنزؾ بؽزارة من أقدامهما والجنون الذي ٌتسرب من‬
‫قلبهما وٌؽزو المدٌنة كلها لتعرؾ حٌنها كٌؾ مؤل الصعالٌك البلد !‬

‫_ٌا دعاء حرام علٌكً إٌه شؽل العربدة ده؟ تشربو وتسكرو سوا وتعورو رجلٌكو لٌه؟؟؟ عشان‬
‫اٌه الدنٌا مش مستهلة ‪..‬وبعدٌن تكتبً عن المشردٌن آه ‪..‬البلجئٌن آه…إنما السكارى والماجنٌن‬
‫والصعالٌك أل…دول التارٌخ بٌحذفهم من سجبلته وتٌجً انتى تصاحبٌهم وتشربً نخب الحرٌة‬
‫…الحرٌة عمرها ما كانت لدول ‪..‬ألنهم ببساطة مش ٌعرفوا معناها أكٌد بجد مش جربتً‬
‫تسكري وال عقلك ٌؽٌب عنك ‪..‬ولكن بما ان الكاتب الجٌد الزم ٌعٌش التجربة ‪..‬هبعتلك تربة‬
‫حشٌش لٌكً انتى والصعلوك عشان تخمسوا فٌها على السلم وتبقو ترمو الفحم بدل اإلزاز‬
‫وترقصو على النار تشا تشا ‪..‬أحلى رقصة ألحلى صعالٌك !‬

‫_ لٌس هدفً أن أكون كاتبة جٌدة ‪..‬أنت لم تعرؾ بعد ان الكتابة نفسها ال تعنٌنً فً شًء ‪..‬‬
‫فقط أنا من خبللها أفعل أشٌاء ال تخطر على عقل وال قلب بشر ‪..‬الكتابة تمنحنً عالم أرحب‬
‫حر أمتطً فٌه جوادا أسود دون لجام وأسافر إلى حٌث ال ٌستطٌع أن ٌؤخذنً الفٌس بوك‬
‫والشاشة التً أحملق فٌها طوال النهار والشارع الضٌق الذي ال ٌسع قلبً‪..‬هناك حٌث لن‬
‫ٌنسانً التارٌخ قط كؤي صعلوك عادي…ألننً صعلوكة عظٌمة !‬

‫‪ -‬أنتً ال تصعدي السبللم لمجرد النظر إلٌها ‪..‬أنت ال تحلمً لمجرد الحلم‪..‬على اإلنسان أن‬
‫ٌحلم ثم ٌجعل حلمه حقٌقة والحقٌقة أنك ستستٌقظً لتجدي نفسك دون جواد جامح ألن الجواد‬
‫هو الذي قادك لٌس انت من قادته وتكتشفً أنك الشخص الذي مات فً تارٌخ أحبلمه لمجرد‬
‫أنك فارس كتب عن جواد أسود فً المروج ٌجري وٌمتطٌه صعلوك عظٌم ٌتشبه بالفرسان‬
‫‪..‬ونسً أن الجواد ببل لجام كالقطار ببل قضبان ‪..‬وعند الهاوٌة تتهاوي الصعالٌك العادٌة مع‬
‫الصعالٌك العظٌمة ‪..‬كبل بسٌؾ واحد !‬

‫‪ -‬سؤكون األكثر سعادة على اإلطبلق إن حدث ومت فً تارٌخ أحبلمً‪..‬أنا ٌا سٌدي أقدس‬
‫األحبلم جمٌعا وأحلم وأحلم ألن الواقع ال ٌكفٌنً ‪ ..‬أنا فارسة وال أتشبه بالفرسان ‪..‬فارسة حد‬
‫أننً أستطٌع أن أقود جوادا دون لجام حٌن أحكم قدمً على بطنه جٌدا وأرفع ذراعً فً الهواء‬
‫عالٌا وأؼمض عٌناي وأتماٌل مع الهواء ٌمٌنا وٌسارا …وأنا صعلوكة وال أتشبه‬
‫بالصعالٌك…ألننً حٌن أتسكع مع “عٌن” ونجلس على طاولة مهترئة فً قهوة فقٌرة نستمع‬
‫للموسٌقى ونراقب الذباب الذي ٌحط على اللحن ثم على الشاي ونرقص ‪..‬عندها أكون حصلت‬
‫على لقب صعلوكة بجدارة …أنا ال أحلم لمجرد الحلم ‪..‬أنا أحلم ألن الحلم حٌاتً األخرى التً‬
‫ال ٌعلم أي إنسان آخر من أمرها شٌئا ‪..‬وال ٌمتلكها سواي …أنا ال أصعد السبللم لمجرد النظر‬
‫إلٌها …أنا أتسلى بالصعود والهبوط والرقص فوقها ولعب الورق علٌها أٌضا …أنا ال أفعل أي‬
‫شًء ألجل الشًء ذاته …أنا أفعل كل شًء ألتسلى…وٌوما ما سؤستٌقظ وبجواري ملك الموت‬
‫ٌنظر فً ساعته كً ٌفنٌنً عند األجل تماما ‪..‬حٌنها سؤبتسم له وأقول بنصر …” لست نادمة‬
‫…فؤنا عشت الحٌاة كما أرٌد أن أعٌش …ال كما ٌنبؽً أن أعٌش ” ‪..‬وسؤوصً من حولً‬
‫وأقول” احفظوا هذا التارٌخ جٌدا…فالٌوم رحلت دعاء إلى فصل آخر من أحبلمها !”‬

‫كنت سؤصبح نجمة سٌنٌمائٌة مرحة !‬

‫فً صؽري كان حلمً أن أكون ممثلة كـ سعاد حسنً ونٌللً و فٌروز ‪ ..‬كنت أعشق فٌلم‬
‫“دهب” بصورة ؼٌر معقولة ‪ ..‬وربما كان هذا الفٌلم هو السبب األساسً فً الحلم الذي الزمنً‬
‫سنوات طفولتً بؤكملها ولم ٌفارقنً إال حٌن دخلت المرحلة الثانوٌة وانشؽلت بؤشٌاء كثٌرة‬
‫جعلتنً أنسى التلفزٌون واألفبلم وحلمً بؤن أكون نجمة سٌنٌمائٌة تخطو على سجادة حمراء‬
‫طوٌلة ورفٌعة تبدأ من الباب الخلفً لسٌارة لٌموزٌن سوداء بمجرد أن أنزل منها أؼمض عٌنً‬
‫من أضواء الفبلش الكثٌرة التً ستؽمرنً وأنا أجهل كٌؾ أبتسم لها وأحافظ على عٌنً مفتوحة‬
‫فً نفس الوقت كً ال تظهر صورتً على ؼبلؾ مجلة فً الٌوم التالً وأنا مؽمضة العٌنٌن ‪!..‬‬

‫كنت أعشق فٌروز وأرى فٌها الطفلة التً ٌجب أن أكونها ‪ ..‬قلدت رقصها وؼنائها وكبلمها‬
‫وحركاتها البهلوانٌة التً كانت تؤتً بعفوٌة من شٌطانة صؽٌرة تتدرب على التمثٌل ‪..‬وكان أبً‬
‫وأمً ٌضحكان علً دون أن ٌخطر ببالهما حتى التفكٌر فً حلمً الصؽٌر بقلٌل من الجدٌة ‪..‬‬
‫فتمنٌت لو أضٌع منهما وٌجدنً أنور وجدي آخر ٌعطٌنً مزمار أدور به معه فً الشوارع‬
‫ونحن نمسك بطننا من الجوع ثم نتقاسم بفرح التفاحة المسروقة … فتنت بـ نٌللً وفوازٌرها ‪..‬‬
‫وتخٌلتها تسكن عروسة قطن لعبة لم أمتلكها ٌوما وبالتالً لم أكن مٌمً التً تتشاجر مع أخٌها‬
‫مٌمو علٌها وٌقوال‪”:‬اوعً ‪ ..‬سٌبً اللعبة بتاعتً … أل دي بتاعتً ‪ٌ ..‬ا سبلم ٌاختً ‪..‬ماتشدش‬
‫‪..‬طب ٌبل سٌبٌها ‪..‬ماتشدش ‪..‬ماتشدٌش انتً‪..‬ماتشدش ‪ ..‬ماتشدٌش انتً” فتتمزق وتخرج نٌللً‬
‫منها لتقول “العبو مع بعض ما تتخانقوش” أو تقول “أنا أصل اللعبة” … وبالمناسبة أنا لم أمتلك‬
‫عروسة قطن فً طفولتً ألن أبً كان ٌعاملنً كصبً ‪ ..‬كان ٌؤخذنا لمحل اللعب فٌشتري‬
‫لشٌماء أختً عروسة وٌشتري لً سٌارة برٌموت ‪..‬اشترى لً عروسة واحدة فً حٌاتً كلها‬
‫‪..‬كانت ببلستٌك وكانت تحبو صامتة على كفٌها وركبتٌها وفً فمها ملهاة بمجرد أن أنزعها منه‬
‫تتوقؾ عن الحبو وتنفتح فً ” واء…واااء‪..‬واااء” بإزعاج النهائً ‪ ..‬كنت آخذها معً الحضانة‬
‫حٌث أضعت هناك هذه الملهاة ولم تتوقؾ العروسة عن الصراخ والوأوأة حتى وضعت فً فمها‬
‫عٌدان كبرٌت فسكتت وأخذت أبكً أنا على ملهاتها الضائعة وقلبت الحضانة رأسا على عقب‬
‫ولم أجدها ‪..‬كنت متؤكدة فً داخلً أن الدادة سناء هً التً أخفتها ألننً أعاندها دائما وال أطٌع‬
‫أوامرها مطلقا فؤرادت االنتقام منً وأخفت الملهاة فوق الدوالب العالً الذي لن أستطٌع‬
‫الوصول إلٌه مهما حاولت ‪ ..‬لم أستطع نهائٌا إثبات التهمة علٌها وإن كنت كرهتها للؽاٌة‬
‫وأزعجتها فٌما بعد بصورة مضاعفة وؼبٌة ‪ ..‬ماٌهم ‪ ..‬كنت أتحدث عن حلمً القدٌم الذي فر‬
‫من بٌن أصابعً كالماء وهرب ‪ ..‬كنت أرٌد أن أصبح كـ سعاد حسنً بطفولتها وداللها وخفة‬
‫روحها وضحكتها ورموشها الطوٌلة التً كنت أحبها جدا وحزنت حٌن عرفت فٌما بعد انها‬
‫رموش صناعٌة من أجل الكامٌرا فقلت بؽرور “أنا فوتوجٌنٌك أصبل ولن أحتاج أي من هذه‬
‫األشٌاء” ‪..‬اشترٌت أظرؾ كثٌرة وكتبت أكثر من خمسٌن رسالة على مدار حلمً مفداها ‪”:‬أنا‬
‫عاٌزة أشتؽل ممثلة زي سعاد حسنً أو نٌللً أو فٌروز” لم أعرؾ لمن أوجههم فكتبت على‬
‫الظرؾ بخط كبٌر ‪”:‬إلى رئٌس التلفزٌون”‪..‬كنت أعطٌهم ألبً لٌرسلهم وكان ٌعود وٌخبرنً‬
‫أنهم سٌردوا علً فً أقرب وقت ‪ ..‬وحٌن وجدت أقرب وقت هذا بعٌد للؽاٌة ولم أكن أطٌق‬
‫الصبر بكٌت ألبً طوٌبل كً ٌؤخذنً إلٌهم ‪..‬وكانت هذه االسطوانة تتكرر ٌومٌا دون توقؾ ‪..‬‬
‫ال أستطٌع أن أحدد بالضبط متً توقفت عن كتابة الرسائل وبالبكاء ‪..‬ولكن ٌبدو أن هذا حدث‬
‫حٌن لم أعد طفلة ألن األطفال هم فقط من ٌتمسكون بقوة باألشٌاء التً ٌرٌدونها وال ٌتخلون‬
‫عنها مهما حدث ‪!..‬‬

‫تذكرت هذا كله اآلن حٌن قرأت منذ قلٌل عنوان صؽٌر ٌقول‪”:‬االحتفال بالذكري الخمسٌن على‬
‫إطبلق التلٌفزٌون المصري” ‪ ..‬ففكرت لحظتها أن أبعث رسالة تهنئة صؽٌرة لـ رئٌس التلفزٌون‬
‫الذي لم ٌكلؾ خاطره ٌوما بالرد على رسائلً الكثٌرة المتوسلة ‪ ..‬أشعر أننً حٌن أهم بوضعها‬
‫فً صندوق البرٌد فسؤجده مزدحما للؽاٌة وسٌنكسر وأتفاجىء بسقوط رسائلً القدٌمة كلها على‬
‫األرض كما حدث لـ أحمد حلمً فً فٌلم آسؾ على اإلزعاج فؤجلس على الرصٌؾ أضحك‬
‫بطرٌقة بائسة وعلى ظهري تربت أطٌاؾ سعاد حسنً ونٌللً وفٌروز !‬
‫هل ٌحبنً الشاي بالنعناع؟‬

‫أعشق الشاي بالنعناع …وأتناوله كل صباح كـ “كتابا موقوتا” ‪ ..‬أحتضن الفنجان بكلتا‬
‫ٌداي‪..‬وأستمتع بالدؾء الذي ٌسري فً عروقً مع أول رشفة …ألؼمض عٌنً بخدر‪..‬وأحتفً‬
‫برائحة النعناع التً تختفً فً الزواٌا كالسحر ‪..‬أعشقه حد أننً أعامله بقداسة ‪..‬البعض ٌشرب‬
‫الشاي بٌنما هو ٌذاكر ‪..‬وهناك من ٌشرب الشاي بٌنما هو ٌكتب ‪..‬ومن ٌشرب الشاي بٌنما هو‬
‫ٌقرأ الجرٌدة ‪..‬ومن ٌشرب الشاي بٌنما هو ٌجالس أصدقائه ‪..‬ومن ٌشرب الشاي بٌنما هو ٌفكر‬
‫…أما أنا …فؤجلس فً ركن قصً …أشرب الشاي بالنعناع …بٌنما أنا أشرب الشاي بالنعناع‬
‫!‬

‫كالعادة أعددت أمس الفنجان المقدس ‪..‬مسكته فً ٌدي وانا أهم بالجلوس وأضعه على حافة‬
‫المكتب …اهتزت ٌدي فجؤة …وسقط الفنجان على ظهرها فحرقها تماما …النار تتصاعد منها‬
‫…وعلبة كاملة من الكرٌم ال تطفؤها وال تثٌر بها أي نوع من البرودة …نظرت لـ ٌدي ‪..‬وأنا‬
‫أفكر‪ :‬كٌؾ بإمكان األشٌاء التً نحبها بشدة أن تبالػ فً أذٌتنا إلى هذا الحد‪..‬ولو تساءلت ‪ :‬هل‬
‫الشاي بالنعناع ٌحبنً بقدر ما أحبه ‪..‬هل سٌبدو سإاال مجنونا؟ ‪..‬ألٌس من حقً أن ٌحبنً قلٌبل‬
‫كما بجلته أنا كثٌرا وعاملته كجزء منً ‪..‬فكرت ‪ :‬منار أٌضا لدٌها “كاركادٌهـ” ـها الذي تعشقه‬
‫…هل بامكان كاركادٌه منار أن ٌفعل هذا معها ؟‪..‬أم ان حظً دائما ما ٌوقعنً فً أشٌاء تنتظر‬
‫أول فرصة كـ “ارتعاشة ٌد” فقط كً تبرر قسوتها معً ‪..‬وخٌانتها لكل لحظة سعٌدة قضٌناها‬
‫معا …هل نحن من سمحنا لها بؤذٌتنا حٌن تنازلنا مرة وسكتنا على لسعة صؽٌرة من فوران‬
‫الماء وهو ٌؽلً …أم أن هللا فقط أراد هذا ‪..‬وما ٌحدث إال ماهو مقدر له أن ٌحدث ‪،‬وبقوة كبٌرة‬
‫بحٌث ال ٌمكن منع حدوثه !*‪..‬تذكرت وخزة إصبع “أحمد حلمً” فً فٌلمه “ألؾ‬
‫مبروك”…الذي حاول أن ٌتفادها فً كل مرة ٌعطٌه الٌوم فرصة أخرى بالتكرار ‪..‬ولم ٌفلح‬
‫فٌنشك اصبعه كل ٌوم بطرٌقة مختلفة ‪..‬مرة بدبوس ‪..‬ومرة بشوكة سمكة ‪..‬وهكذا ‪..‬فكرة الفٌلم‬
‫أن هناك أشٌاء قدرٌة ال ٌمكننا تؽٌٌرها أو منع حدوثها مهما حاولنا‪..‬كالموت والعمر و وخزة‬
‫اإلصبع !…وكل ما بامكاننا تؽٌٌره هو التفاصٌل الصؽٌرة للواقع ‪..‬كالفرح والحزن والرضا‬
‫والحب والكره وكل ما ٌجٌش به صدورنا …نحن نستطٌع تؽٌٌر الواقع …لكن لٌس بامكاننا أبدا‬
‫تؽٌٌر القدر !‪..‬هل كان مقدرا لٌدي أن تحترق وإن لم ٌحدث بالشاي ‪..‬كان سٌحدث بؽٌره ‪..‬ربما‬
‫كان هذا صحٌحا …ولهذا تمنٌت كثٌرا لو لم ٌكن الشاي السبب ‪..‬ألننً فً كل األحوال لن‬
‫أستطٌع التوقؾ عن حبه هكذا بكل بساطة ألن ثمة حرق ٌزداد لهٌبه …وال فائدة من تعلٌقه‬
‫على مشجب الباب فً الخارج كً ٌبرد قلٌبل ‪!..‬‬

‫أنظر للحرق اآلن ‪..‬لونه أصبح بنً ‪..‬وأنا أكره اللون البنً ‪..‬لماذا لم ٌكن لونه أزرق فاتح مثبل‬
‫‪..‬أو فوشٌا ‪..‬؟ ‪..‬لماذا ال تفوح منه رائحة النعناع؟ ‪..‬ولماذا ال ٌعتذر لً الشاي هذا الصباح عما‬
‫فعله باألمس ؟؟ …حتى الشاي ال ٌعتذر ! ٌاأهلل ! ال أستطٌع أن أعٌش بعالم ال ٌوجد به‪“ :‬آسؾ”‬
‫و “شكرا” !‬
‫ما ٌحدث إال ماهو مقدر له أن ٌحدث ‪،‬وبقوة كبٌرة بحٌث ال ٌمكن منع حدوثه‬
‫!*……‪.‬ساراماجو‬

‫دعاء لم ٌرتفع بعد !‬

‫ماذا لو كان ؼدا هو الٌوم األخٌر فً حٌاتً؟ ‪ٌ ..‬لح على رأسً هذا السإال منذ عدة أٌام وأفكر‬
‫فٌما ٌمكننً أن أفعله إن تؤكدت من هذا حقا‪ ..‬ورؼم أننً أحاول دائما أن أكون فتاة سعٌدة بكل‬
‫ما أملك من رؼبة فً الحٌاة والفرح والبهجة وأتجاهل الموت بصورة مرٌبة كؤنه ال ٌخطر ببالً‬
‫مطلقا‪..‬بذرٌعة أننً مشؽولة بحٌاتً الكبٌرة عن نهاٌتً المحتومة ذات ٌوم ‪ ..‬إال أن فكرة الموت‬
‫هذه ال تفارقنً على اإلطبلق ‪..‬و ٌبدو أن أكثر ما نبالػ فً تجاهله وإظهار أننا ال نكترث به‬
‫ٌكون أكثر ما ٌستحوذ علٌنا وٌشؽلنا بالنهاٌة ‪ ..‬دائما ما أتخٌل حالً إن ألقٌت بنفسً من الشرفة‬
‫وكٌؾ سٌكون شعوري فً الثانٌة التً سؤحلق فٌها حتى أصل إلى األرض وأسقط على جذور‬
‫رقبتً وأتكسر‪ ..‬أفكر فً كل مرة أركب فٌها السٌارة فً ماذا لو فتحت الباب وملت بجسدي‬
‫قلٌبل للخارج أمدنً إلى الهواء لٌلتقطنً برفق ‪ ..‬لكنه متعجل جدا وٌمضً دائما بسرعة هائلة‬
‫فً االتجاه المعاكس ‪..‬لذا فهو سٌشدنً بقوة وٌدحرجنً تحت عجبلت السٌارة وربما فً جانب‬
‫الطرٌق حٌث ٌصطدم رأسً بحجر صلد ٌشج رأسً ‪..‬حٌن أناول السكٌنة ألمً لتقطع البصل‬
‫والسلطة ‪..‬أتخٌلنً وأنا أؼرسها فً بطنً وأباؼت أحشائً التً تنقبض كثٌرا عندما أخجل‬
‫وعندما أحب وعندما ٌنتابنً الهلع الشدٌد وعندما أتفاجىء بشًء لم أكن قد أعددت نفسً له‬
‫مسبقا ‪ ..‬حٌن ٌمر قطار البضائع السرٌع فً الساعة الثانٌة والنصؾ تماما وٌهز األرض‬
‫والجدران فؤنا أتذكر الحادثة التً كنت قرأتها عن فندق كاد أن ٌنهار فوق نازلٌه ‪ ..‬ورؼم نجاة‬
‫الكل تقرٌبا إلى أن فتاة واحدة لم تستطع أن تفلت من موتها المحتوم والخرسانة التً سقطت‬
‫فوقها ودكتها باألرض دكا ‪ ..‬أخاؾ من اهتزاز الجدران لحظة مرور القطار ألننً أتوقع فً كل‬
‫مرة قالب طوب ٌسقط علً وٌفنٌنً تماما ‪ ..‬أفكر فً الموت بكل األسباب الممكنة والمستحٌلة‬
‫بداٌة من قطرة ماء تخطو خطؤ فً قصبتً الهوائٌة حتى سماء تنطبق على األرض وشٌئا ٌشبه‬
‫ٌوم القٌامة أو فٌلم ‪ .. 2112‬وأعرؾ أننً أتنفس فً هذه اللحظة وأعٌش ألن السٌارة فرملت‬
‫بحدة وبصوت عالً من احتكاك العجبلت باألسفلت وسباب السائق قبل أن ٌصدمنً بسنتٌمتر‬
‫واحد ‪ ..‬أعٌش ألننً نجوت من السلك المكهرب الذي التؾ حول جسدي مرة وكلما حاولت أن‬
‫اتخلص منه بانتفاضات عنٌفة التؾ أكثر وأكثر حتى جاءت أمً ونزعت الفٌشة ودثرتنً جٌدا‬
‫وأنقذت حٌاتً ‪ ..‬أعٌش ألن معدتً استفرؼت كل السموم التً كادت أن تقضً علً حٌن كنت‬
‫أجلس فً درس اللؽة العربٌة بالصؾ الثالث الثانوي ‪ ..‬أعٌش ألننً جرٌت بؤقصى سرعة حٌن‬
‫كنت صؽٌرة وطاردنً كلب مسعور مزق طرؾ فستانً البرتقالً وأوشك أن ٌلتهمنً لحما‬
‫وعظما ‪ ..‬أعٌش ألننً تذكرت عٌن البوتجاز التً نسٌتها مفتوحة دون أن أشعلها فهرولت إلٌها‬
‫وأؼلقتها ثم هوٌت المنزل وتجنبت مفاتٌح الكهرباء حتى اختفت رائحة الؽاز تماما من المكان‬
‫كله ‪ ..‬أعٌش ألن أجلً المسمى لم ٌؤت بعد ‪..‬ولكنه قد ٌكون ؼدا أو الٌوم أو بعد قلٌل‪..‬‬

‫لو كان هذا ٌومً األخٌر لكنت ضممت أمً وقبلت جبٌن أبً وأؼمضت عٌنً وتشهدت ‪ ..‬لو‬
‫كان هذا ٌومً األخٌر لكنت تركت وصٌة من سطر واحد ‪”:‬إلى كل من أحببتهم وأحبونً …‬
‫عذرا على رحٌلً ‪ ..‬وشكرا على ذكرٌات خجولة تهب فً صدري كالنسٌم “‪ ..‬لو كان هذا‬
‫ٌومً األخٌر لكنت كتبت رسائل أخٌرة لكل من ارتجؾ قلبً ألجلهم ٌوما ‪ ..‬لـ أمً ‪..‬لـ أبً ‪..‬لـ‬
‫أحمد ‪..‬لـ إخوتً ‪ ..‬لـ ؼادة ‪ ..‬لـ أسماء ‪ ..‬لـ وفاء ‪ ..‬لـ منار ‪..‬لـ رقٌة ‪..‬آلخرٌن ؼٌرهم ‪..‬‬
‫أخبرهم عن كل ما أظهرته وكتمته واقترفته وأحببته وكرهته وشعرت به و سكنته وسكننً ‪..‬‬
‫أخبرهم عن وجودي الذي التصق بوجودهم ‪ ..‬وحٌاتً التً التصقت بحٌاتهم ولكنها آن لها أن‬
‫تفارق اآلن وهً تعرؾ أن صوتها الذي ال ٌتكىء وهنه على شًء اآلن ‪ ..‬لن ٌسقط فً الفراغ‬
‫‪ ..‬وسٌصل !‬

‫الســــــر !‬

‫حٌن قرأت كتاب السر من أكثر من عام ‪ ..‬كنت مبهورة جدا به ‪ ..‬وعرفت حٌنها كٌؾ استطاع‬
‫هذا الكتاب أن ٌؽٌر تفكٌر العالم أجمع ‪ ..‬وٌعٌد رسم األحبلم وتعبٌد الطرق لكل من قرأه ‪..‬‬
‫آمنت به ومضٌت أفكر فً أحبلمً واقعا سٌتحقق عما قرٌب ‪ ..‬طبعا الكتاب ٌتحدث عن قانون‬
‫الجذب ‪ ..‬وكٌؾ بإمكان األفكار السعٌدة أن تجذب مثٌبلتها ‪ ..‬واألفكار السٌئة أن تجذب ما‬
‫ٌماثلها أٌضا وأن كل فكرة حقٌقة وقوة‪ ..‬صدقت أن مستقبلً هو األفكار التً تدور فً رأسً‬
‫اآلن ‪ ..‬وحاضري هو كل ما فكرت به باألمس ‪ ..‬وألننً فتاة مسلمة كانت ؼصة صؽٌرة تقؾ‬
‫فً حلقً ‪ ..‬ألن الكتاب ٌجزم بؤن ما سٌحدث هو ما تفكر به اآلن بالضبط ‪ ..‬وبقد إٌمانك‬
‫بؤفكارك هذه ستتحقق ‪ ..‬جٌدة كانت أم سٌئة ‪ ..‬وألننً أإمن أن المستقبل ؼٌب ‪ ..‬والؽٌب فً‬
‫علم هللا وحده ‪..‬قررت أن أسبق وأتبع كل أحبلمً وأفكاري بجملة “إن شاء هللا” وأن أجعل‬
‫إٌمانً التام بؤحبلمً هو ثقة وٌقٌن باهلل ‪ ..‬ومضٌت هذا العام واألٌام تبرهن لً ٌوما بعد ٌوم‬
‫على صدق هذا الكتاب وواقعٌته ‪..‬وأن كل ما جاء به سلٌم تماما … ازدادت ثقتً بالسر الذي‬
‫عرفته وكنت سعٌدة بقدرتً على الجمع بٌن ماٌقره الكتاب وما ٌقره دٌنً ‪..‬وتعجبت كٌؾ‬
‫ٌكتشفه شخص ؼٌر مسلم لنسلم به نحن ‪ ..‬حتى قرأت هذه اللٌلة مقالة عن الخطة التً أعدها‬
‫الرئٌس أوباما لوكالة الفضاء األمرٌكٌة لتنفذ فً عام ‪ 2122‬بخصوص نجٌم صؽٌر سٌقترب‬
‫من األرض فً هذا العام ‪ ..‬وعن ارسال أجهزة إلى هذا الجسم واختٌاره نقطة وثب إلى ما وراء‬
‫منظومتنا الشمسٌة ‪ ..‬وقد التقط مرصد ببلنك الجدٌد صورا ستؽٌر كل القوانٌن التً نعرفها كما‬
‫أدت نظرٌة أٌنشتاٌن ‪ :‬النسبٌة العامة والخاصة‪ ،‬إلى تؽٌٌر كل قوانٌن الفٌزٌاء والكٌمٌاء ‪..‬‬
‫وتفسٌرات العلماء لهذه الصور ستإدي إلى تؽٌٌر مبادىء الفٌزٌاء الفلكٌة وقوانٌن الحركة‬
‫والجاذبٌة وربما نظرٌة النسبٌة أٌضا ‪..‬‬
‫وكما قال الرئٌس كٌندي لعلماء الفضاء‪:‬ستذهبون إلى القمر وتعودون سالمٌن … وقد تحقق هذا‬
‫األمل ‪..‬فإن أوباما سٌحقق حلمه أٌضا ألنه قال ‪”:‬أنت تستطٌع ‪ ..‬نعم ‪ ..‬أنت تستطٌع” وهو على‬
‫ٌقٌن من أنه ووكالته ٌستطٌعون !‬

‫كل هذا زاد من إٌمانً أكثر بهذا السر حتى أننً كنت أقرأ هذه األحبلم وأنا أتذكر أمثلة الكتاب‬
‫واحدا بعد آخر وأضٌؾ إلٌها هذا المثال أٌضا قبل أن ٌضٌؾ نفسه بعد خمسة عشر عاما من‬
‫اآلن…‪ .‬حتى حدث أخٌرا وصادفت حدٌث للرسول “علٌه الصبلة والسبلم” ‪”:‬لو تعلق قلب ابن‬
‫آدم بالثرٌا ‪..‬لنالها” ‪!..‬‬

‫ٌا هللا ‪ ..‬قرأت الحدٌث أكثر من عشرٌن مرة ‪ ..‬وسلمت وأسلمت برسول هللا ألؾ مرة ‪..‬وعرفت‬
‫أن السر قد أخبرنا به رسولنا قبل أربعة عشر قرنا من اآلن ‪ ..‬ولم ٌعد الكتاب ٌهمنً ولم تعد‬
‫هناك ؼصة فً حلقً ‪..‬وكل هذا اإلسهاب واإلطالة فً الكتاب التً أشعرتنً بالملل فً بعض‬
‫فصوله ‪ ..‬قالها نبٌنا “صلى هللا علٌه وسلم” فً نصؾ سطر بصورة وتشبٌه رائع ‪ ..‬لن ٌقدر‬
‫على وصفه شًء!‬

‫حٌن ٌكتمل اللٌل والقمر !‬

‫من حوالً ساعة ‪..‬انقطعت الكهرباء ‪ ..‬كنت فً الشرفة العلوٌة أضع السماعات فً أذنً‪..‬‬
‫الدنٌا ساكنة جدا و تشبه صمت راهب ٌتعبد فً الصحراء ‪..‬بٌنما الموسٌقى فً رأسً تهٌج‬
‫وتثور كبحر ‪..‬الصورة تتفتح مع الوقت كلما تؤقلمت عٌنً أكثر مع الظبلم ‪..‬فؤشعر أن القمر‬
‫أضاء فقط عندما انطفؤت المصابٌح ‪.‬وكؤنه ٌتمرد فً وجودها ‪..‬وأنتبه أنه بدر ‪..‬ولونه أبٌض‬
‫جدا ‪..‬وها هو اللٌل ٌنهزم أمامه وٌخضع ‪..‬‬

‫أنا وحدي تماما ‪..‬ال ٌرافقنً سوى اللحن ‪..‬أسرتً بالطابق األسفل ‪..‬الشوارع خالٌة ‪..‬والطرٌق‬
‫الزراعً ذابل ‪..‬تسلقت سور الشرفة ‪..‬دون أن آبه لسمكه الذي ال ٌتجاوز ‪ 11‬سم‪..‬وقفت على‬
‫حافته ‪..‬وفردت ذراعً ألحفظ توازنً ‪..‬الهواء ٌراقص شعري وٌمؤل المسافة بٌن ذراعً‬
‫وجسدي ‪..‬ال شًء أمامً سوى البرااااح ‪..‬لست خائفة‪..‬وأكاد أن أطٌر …ؼنٌت ‪I try to fly‬‬
‫‪… “ "!… away….so high‬أؼمضت عٌنً ‪ ..‬فكرت ‪ :‬أنا ربان سفٌنة والرٌاح مواتٌة تماما‬
‫لئلقبلع…قلت ‪ :‬لو رأتنً أمً اآلن فستصرخ برعب وربما فقدت الوعً ‪..‬أمً امرأة قوٌة جدا‬
‫‪..‬ولكن قلبها ٌضعؾ كثٌرا كلما تعلق األمر بً ‪!..‬‬

‫توترت مبلمح وجهً فجؤة ‪..‬تجهمت ‪..‬وبدا على وجهً أننً أفكر فً األسوأ …مددت احدى‬
‫قدماي فً الهواء ‪..‬كؤننً أهم بالقفز ‪..‬والتردد ٌحتل كل مللٌمتر فً ‪..‬وتراجعت فً اللحظة‬
‫األخٌرة وأخذت أضحك وأنا أخرج لسانً فً وجه كل شٌاطٌن الدنٌا ‪..‬دائما ما كان ٌؤخذنً‬
‫التفكٌر بشٌطان ٌقؾ على جانبً وٌوسوس لً فً أذنً الٌسرى ‪..‬ودائما ما علقت كل أخطائً‬
‫فوق قرنٌه ‪..‬كنت أفكر ‪”..‬الشٌاطٌن بإمكانها أن تدخل أفكار إلٌنا ‪..‬لكن لٌس بإمكانها أن تعرؾ‬
‫فٌما نحن نفكر” ‪ ..‬أنا مإمنة أن هللا وحده ٌعلم ما تخفً الصدور ولم أكن أحاول أن أثبت هذا‬
‫‪..‬بقدر ما كنت أحاول أن أخدع شٌطانً أنا هذه المرة …بعد عشرٌن عاما من الخدٌعة ٌمارسها‬
‫هو علً بتسلط …‪.‬قلت لو رآنً حزٌنة وأهم بالقفز سٌفكر أنها فرصته المثالٌه لٌشجعنً بل‬
‫وربما قذفنً بوسوساته ‪..‬رفعته حتى عتبة السماء األولى وهو ٌظن أنه أخٌرا سٌنتصر ‪..‬ثم‬
‫كسرت قرنٌه وألقٌته فً سابع أرض حٌن تراجعت أضحك ‪..‬كؤنً لم أرفعه إال كً ٌكون‬
‫للسقوط دوي أكبر …أو ال شًء من كل هذا ‪..‬ببساطة شدٌدة ‪..‬أنا كنت فقط…‪ .‬أخدعه !‬

‫نزلت من فوق السور …و انتبهت للموسٌقى فً أذنً ‪..‬تماٌلت ٌمٌنا وٌسارا ‪..‬نثرت شعري‬
‫وألقٌت بالمشبك على األرض ‪..‬وقذفت ” الشبشب” من رجلً‪..‬وبدأت أرقص حافٌة ‪..‬تذكرت‬
‫شعري قبل أن أذبحه من شهرٌن ‪..‬وترحمت على الؽجرٌة التً كانت تبعثره وترقص فً‬
‫مهرجان الؽجر فً موكاندو‪. .‬لم ٌعد قصٌرا جدا ‪..‬ولكنه لٌس بالطبع ربع ما كان ‪..‬نسٌت‬
‫شعري سرٌعا ولم أعرؾ كم من الوقت مضى وأنا أرقص ‪..‬وأدور ‪..‬كفراشة فً صندوق‬
‫الموسٌقى ‪..‬تبدأ فً الرقص والدوران فور فتح الصندوق …شعرت بشعري ٌطول ‪..‬وبجسدي‬
‫ٌخؾ كورقة ‪..‬ولم أنتبه للمكان إال عندما رجعت الكهرباء فجؤة وأضاء عمود الشارع فً‬
‫وجهً‪..‬كنت كسندرٌلبل باؼتها الوقت وتحولت من أمٌرة فً قصر ملكً إلى صعلوكة حافٌة‬
‫تؽسل الصحون لزوجة أبٌها ‪..‬لم أتوقؾ ‪..‬وأكملت دورتً ‪..‬حتى دخت تماما وسقطت على‬
‫األرض ‪..‬شعري ٌلتصق بالماء على جبٌنً ‪..‬وقلبً ٌدق كمجنون ألن الدم ال ٌطاوعه وٌجري‬
‫فً رأسً …حٌث انخفض الموج فجؤة وهدأت ثورة البحر وحلق نورس فً جبٌن السماء حٌن‬
‫سقطت السماعات من أذنً وانفرطت على األرض حبات الموسٌقى !‬

‫الحب بداٌة ونهاٌة وفصول أخرى !‬

‫‪ -‬إن سؤلونً عن الحب ‪..‬فلن أجٌب !‬

‫‪ -‬إن سؤلوك عن الحب ٌا صدٌقتً فتحدثً عن كل األشٌاء الجمٌلة فً الكون ‪..‬تحدثً عن الفرح‬
‫والضحك واأللوان والمطر و القبل والشٌكوالته والزهور واألعٌاد واألحبلم والنجوم وارفعً‬
‫أصابعك لترسمً بها قوس قزح ٌمٌل من السماء على قلبك ‪..‬ثم ابتسمً ‪ ..‬واسرحً كثٌرا !‬

‫وإن سؤلوك عن الحب فتحدثً عن كل األشٌاء السٌئة فً الكون ‪..‬تحدثً عن كل األلم على‬
‫األرض حٌن ٌنسكب فً قبضة ٌد بحجم القلب تماما ‪ ..‬عن طعم الملح فً الدموع ‪..‬عن الوجوه‬
‫الشاحبة والجثث المذبوحة فً الحكاٌا‪..‬عن الضٌاع والؽربة والموت ‪..‬ثم تؤوهً ‪ ..‬وابكً كثٌرا‬
‫كثٌرا !‬

‫أنا حصاة صؽٌرة فً أقصى األرض !‬

‫أنا أتوه فً النصوص الدٌنٌة ‪..‬أشعر بالعجز وبضآلتً الشدٌدة أمامها ‪..‬أذكر مرة طلب منً‬
‫شخص أن ندخل معا “موضوع دٌنً” فً أحد المنتدٌات لنتناقش ‪ ..‬كان ٌعرؾ أننً أحب جدا‬
‫هذا الشًء ‪..‬فرحت بطلبه ‪..‬وبدأ هو ‪..‬وجاء دوري ‪..‬اختفٌت ألكثر من ساعة ‪..‬توترت‬
‫وارتبكت ‪..‬ولم أعرؾ ماذا اكتب ‪..‬وجاء ردي ردٌئا وكرهته جدا ‪..‬أنا التً أحب كل حرؾ‬
‫أكتبه وأرضى عن كتاباتً بشكل كبٌر ‪..‬لٌس ألننً أراها جٌدة وتستحق الرضى ‪..‬وإنما ألنها‬
‫آتٌه من ذاتً ‪..‬وألنها تنتمً إلً بصورة ال مثٌل لها ‪..‬وأنا لم أشعر من قبل بشًء كامل ٌنتمً‬
‫إلً‪..‬وإن كنت أنا انتمٌت للكثٌر من األشٌاء التً أرهقتنً جدا ‪..‬واستنزفتنً كـ عدو‪!.‬‬

‫أنا خائفة ! …خائفة كثٌرا !‪..‬خائفة من رمضان هذا العام أكثر من أي وقت مضى …رؼم أننً‬
‫كنت سعٌدة جدا جدا رمضان الفائت …حتى أننً كتبت آخر لٌلة ‪:‬‬

‫“الٌوم آخر أٌام شهر رمضان‪..‬وال أكاد أصدق…اللٌلة الماضٌة رجوت رمضان أن ٌترٌث‬
‫قلٌبل وال ٌمضً سرٌعا كما جاء سرٌعا ‪..‬سرقت حقٌبته وأعدت ؼسل النهارات وكً اللٌالً كً‬
‫أعطله قلٌبل‪..‬أردت أن أرتبها من جدٌد وأخبىء نفسً فً طٌات لٌلة ‪..‬كً ٌرحل بً على ؼفلة‬
‫منه بعدما رفض صحبتً‪..‬وها قد نجحت فً تعطٌله‪ ..‬والجمٌع ٌتعجب”كٌؾ للهبلل أن ٌظهر‬
‫فً سماء الشرق والؽرب وال ٌظهر بٌنهما؟!”‪ ..‬ووحدي أعرؾ السبب وال أنطق ‪..‬وألنً لم‬
‫أراقب سفره قبل هذا العام …ال اعرؾ طقوس رحٌله‪..‬هل سٌقؾ أمام المرآة ٌعدل من‬
‫هندامه‪..‬ثم ٌراجع حقائبه وٌفتحها كً ٌتؤكد أنه لم ٌنس شٌئا‪..‬وهل سٌكشفنً فٌباؼتنً بابتسامه‬
‫خبٌثه ‪..‬وأنظر إلٌه نظرات خجلى فٌلتقطنً وٌدفعنً برفق خارج أشٌاإه وٌعدنً كما نعد‬
‫الصؽار أنه سٌؤخذنً معه فً المرة القادمة‪..‬ال أعرؾ ولكن لساعات قلٌلة سؤكتم أنفاسً فلربما‬
‫تاه عنً‪.‬‬

‫صدقا سؤفتقده كثٌرا…سؤفتقد صلواتً قبل الفجر كل لٌلة مع أمً…سؤفتقد بحثنا بعد الفجر فً‬
‫أرجاء المنزل عن كل الوسادات …فنؤخذها ونؽطً بها أرضٌة الشرفة كلها …ونرقد فوقها‪..‬‬
‫أضع رأسً فوق ذراع أمً ونحدق معا فً السماء ‪..‬نكتشؾ النجوم ونراقب اللٌل وهو ٌٌزحؾ‬
‫نحو الؽرب كؽول ثقٌل ٌرهبه النور اآلتً من الشرق…‬

‫أنا وأمً لنا نجوم تخصنا وحدنا …ال أحد ؼٌرنا ٌمٌزها … وعندما أسافر تحت سماوات‬
‫أخرى وال أجدها …ٌحفر الحنٌن قلبً بملعقة…بقافلة النجوم الباهته التً تصر أمً أنها تؤخذ‬
‫شكل ملعقة وأصر أنا أنها مضرب تنس …أخبرها أنها الترى باقً استدارة المضرب وأن‬
‫رمضان واألكل وأدوات المطبخ والمبلعق أثرت فً نظرتها لؤلشٌاء…وتخبرنً أنً لم أفٌق‬
‫بعد من هزٌمتً النكراء فً شوط التنس الوحٌد الذي لعبته فً حٌاتً…فبت أراه فً كل‬
‫األشٌاء…‪.‬نصمت ونسرح للبعٌد وأعود على صوت أمً وهً تقول بفرح‪ :‬انظري…القمر‬
‫الروسً ‪..‬القمر الروسً‪ ”!..‬أنظر حٌث تشٌر وأرى نجما باهتا ٌمشً فً سرعه وثقة بٌن‬
‫النجوم…ٌعرؾ طرٌقه جٌدا ‪..‬كرجل أعمال ٌحسب وقته بالثانٌه…‪.‬ماضٌا إلى احدى اجتماعاته‬
‫المهمة…أقول لها “لٌس بالضرورة أن ٌكون القمر الروسً…‪.‬كل دولة اآلن لدٌها قمر‬
‫واثنان”‪..‬تقطب جبٌنها وتصر” هذا هو القمر الروسً…كنت أجلس أنا وجدتك نفس جلستً‬
‫معك وكانت تخبرنً بذلك” ‪..‬أنا أنفً كونه “الروسً”‪..‬وأمً تصر…وأمام اصرارها أضحك‬
‫وأستسلم ‪..‬أقول “بعد ‪ 22‬عاما ساجلس مع ابنتً أٌضا …وسؤشٌر لها وأقول هذا هو القمر‬
‫الروسً‪..‬ستقول ٌاماما الشارع المجاور أطلق قمرا الشهر الماضً‪ ”!..‬وسؤصر‪..!.‬تضحك أمً‬
‫وتعود لتسبٌحها وأعود أنا للبعٌد…أتراخى داخلً ‪..‬وٌعود ذلك االحساس الضبابً مجددا‬
‫‪..‬أندثر ‪..‬وأذوب…‪.‬أرتفع إلى النجوم…فؤضًء فً سماء هللا…‪”!.‬‬

‫ٌا أهلل …‪.‬لماذا أنا خائفة هكذا؟ ‪..‬ولماذا لست نجمة كالعام الماضً ؟…انا كوكب؟ ‪..‬ال ‪..‬أنا‬
‫قمر؟‪..‬ال أٌضا …أنا قمر صناعً ؟؟!‪..‬ال ال ‪.‬‬

‫أنا حصاة صؽٌرة فً أقصى األرض تحلم بؤن تؤمن وترتفع فقط!‬

‫أمنً ٌا أهلل‪!..‬‬

‫ثرثرة سرٌعة !‬

‫أرٌد أن أحصل على ساعه واحدة فقط أو ساعتٌن من النوم واعجز ‪ ،،‬الساعة االن الخامسة‬
‫والنصؾ فجرا ‪..‬ضبطت منبهً منذ قلٌل على السابعة والنصؾ ‪..‬وأؼمضت عٌنً أبحث عن‬
‫النوم فً الظبلم حٌث ٌجب أن ٌكون ‪..‬لكنً اكتشفت أن _الطفل النوم_ لٌس ضائع ‪..‬لكنه‬
‫مخطوؾ ‪..‬وهكذا لن ٌجدي بحثى عنه مهما حاولت ‪..‬فهل علً أنا أن أوجه النداء لمن سرق‬
‫طفلً النوم منً وأرجوه أن ٌعٌده إلى فً مقابل قرط ذهبً ‪..‬ألننً لم ألبس قرط فً حٌاتً‬
‫‪..‬رؼم أن لدي ثبلث ‪..‬لكننً أكره الذهب عموما ‪..‬واألقراط بصفة خاصة ‪..‬وأرٌد أن اتخلص‬
‫منهم بؤي وسٌلة ألن أمً تلح علً أن أرتدي واحدا فاألنوثة كما تقول تكتمل بهذه األشٌاء‬
‫…وأنا راضٌة عن أنوثتً بهذا الشكل ‪..‬وال أبتؽً كماال أكثر ‪ ،‬واآلن ٌا عصابة “اللهو الخفً‬
‫” ‪ٌ..‬اخاطفً “نومً الطفل” …هل تقبلوا أقراطً مكانه؟؟‬

‫‪.‬الٌوم ٌجب أن ٌكون ٌوما ممٌزا جدا …أنا ال أفرض هذا ‪..‬فقط أتمنى من هللا لو كان !‪..‬ألنه‬
‫عٌد مٌبلد ؼادة ‪..‬توأم قلبً‪..‬وأنا أرٌد أن أسعدها بشكل ال مثٌل له كما تسعدنً هً دائما ‪..‬وال‬
‫توجد فً رأسً اآلن خطة معٌنة …ألننً وضعت أكثر من عشر خطط ‪..‬وقمت بؤكثر من‬
‫عشرٌن مكالمة وبعثت كم من المسجات فشلت فً عده ‪..‬ولكن ال شًء ٌتم كما أرٌد ‪..‬لذا سؤسلم‬
‫األمر هلل وأنا أثق فً تخطٌطه حٌن ٌرٌد الخٌر كله لنا ‪..‬ولٌس بإمكان أى كائن افساد خطته‪..‬كل‬
‫ما أرٌده فقط اآلن أن أنجح فً النوم كً أصبح والحٌاة تجري فً عروقً مجرى الدم ‪..‬رؼم أن‬
‫عدم النوم ٌؤتً دائما بنتائج أكثر اٌجابٌة فً أٌام الخروج و”الفسح”‪..‬حٌن ٌخلو الٌوم من شًء‬
‫ٌستدعً التركٌز والفهم وتشؽٌٌل المخ ‪..‬وٌكون فقط “التهٌٌس” هو سٌد النهار ‪..‬فنتكلم ببل تفكٌٌر‬
‫‪..‬كؤن الكبلم ال ٌؤتً من منطقة ما فً المخ ‪..‬ولكن من منطقة أخرى ال تعرؾ شٌئا عن‬
‫“المفروض ما نقولش كده !” ‪..‬فنفصح عن كل ما ال ٌجب االفصاح عنه ‪..‬ونضحك حٌن ٌجب‬
‫أن نضحك ‪..‬ونضحك أٌضا حٌن ٌجب أن نبكً ‪..‬ونضحك أٌضا وأٌضا حٌن ٌجب أن نسكت‬
‫‪!..‬‬

‫لن أنام إذا ألننً أضحك وأنا ٌجب أن أنام !‬

‫من ساعة ‪..‬ارتكبت حماقتٌن كبٌرتٌن علً بحجم قمٌص أبً القدٌم الذي أرتدٌه اآلن ‪..‬وأمً‬
‫التً تصرخ فً كلما رأتنً ترٌدنً أن أرتدي شٌئا من مبلبسً بدال من هذه المبلبس التً ال‬
‫تعطٌنً مبلمح‪..‬وأنا أبحث عن الحرٌة فً كل شًء ألننً مللت العوالم الضٌقة ‪..‬واألماكن‬
‫الضٌقة ‪..‬والشوارع الضٌقة ‪..‬والؽرؾ الضٌقة ‪..‬والمبلبس الضٌقة ‪..‬أو حتى التً تناسبنً تماما‬
‫‪..‬ألننً أرٌد البراح وال أجده إال فً األشٌاء الصؽٌرة حٌث صفحتً هنا ‪”..‬حكاوي‬
‫القهاوي”‪..‬حٌن أكتب فً موضوع وأنتقل إلى آخر دون ان أرتبط بشًء معٌن أو فكرة محددة‬
‫تجبرنً على االلتزام بها…‪..‬وحٌث قمٌص أبً !‬

‫حسنا ‪..‬حسنا ‪..‬أعرؾ أننً ابتعدت عن الحماقتٌن التً ذكرتهما _لٌس كثٌرا ولكن من ٌقرأ‬
‫سٌظننً نسٌت ما كنت سؤقوله_ ‪..‬ال‪ .‬أنا لم أنسى ‪..‬ولكننً كنت أرٌد أن أراوغ قلٌبل ألننً‬
‫ندمت على اعترافً ‪..‬وأنا أكره زر المسح للخلؾ أكثر مما أكره كلمة أتت فً ؼٌر مكانها ‪..‬أو‬
‫اعتراؾ ٌنبؽً أال ٌؤتً ! …وٌبدو أن مرحلة التهٌٌس بدأت ألننً كدت أفصح عما ال ٌجب‬
‫االفصاح عنه !‬

‫أتساءل اآلن ‪..‬لماذا أكتب فً هذه اللحظة ؟…ومن ٌهمه كل هذه التفاصٌل التافهة؟ …ولماذا‬
‫أسرد كل شًء كمذٌعة النشرة حٌن ال تخفً شًء ؟ ‪..‬ال ‪..‬ال …أنا كاذبة فً الجملة السابقة‬
‫ألننً أخفً الكثٌر من األشٌاء تحت الببلطة السحرٌة المبلمسة لقدماي اآلن ‪..‬حٌث ال ٌستطٌع‬
‫أي إنسان بالعالم تكهن ما تحتها‪..‬أنا فقط من أعلم بسرها ألننً الفتاة التً انتخبها الجن أمٌرة‬
‫لحكاٌاهم !‬

‫“الببلطة السحرٌة” …لم انطق هذه الكلمة من زمن ٌتكون من سنوات ‪،،‬ونطقتها اآلن دون‬
‫وعً …فً صؽري كانت تسلٌنً كثٌرا ‪..‬ألننً كنت أصدق أن الببلطة األخٌرة فً زاوٌة‬
‫الطرقة فً المنزل ‪..‬هً الببلطة السحرٌة ‪..‬وأننً إذا وقفت علٌها ولم ٌرانً أحد ‪..‬ستؤخذنً‬
‫وتنزل إلى عالم ٌشبه الجنة ٌكمن أسفل المنزل ‪..‬عالم ملًء بالشٌكوالتة التً ٌمكننً أن آكل‬
‫منها قناطٌر دون أن أتعب ودون أن أشبع ودون أن تؤتً أمً لتقول ” سنانك هتسوس …كفاٌة‬
‫كده !”‪..‬عالم ٌخدمنً فٌه ولدان مخلدون لهم أجنحة قصٌرة تشبه أجنحة الكتكوت‬
‫“وندي”‪..‬سٌساعدوننً أن أركب “المرجٌحة” ألن أبً ال ٌوجد لٌرفعنً علٌها و قامتً مازالت‬
‫قصٌرة جدا وال ٌمكننً أن أركبها وحدي …وحٌن تطول قامتً وٌصبح بإمكانً أن أفعل هذا‬
‫وحدي …سٌكون من المخجل أن أفعل !‪ ..‬دائما ما بررت عدم نزولً بالببلطة بؤن شخص ما‬
‫ٌراقبنً والتعلٌمات تقتضى أال ٌرانً أحد ‪..‬أو بؤن هناك كلمات سحرٌة علً أن اتمتم بها كً‬
‫تؤخذنً الببلطة وتنزل فؤقؾ طوال النهار أهمهم بخزعببلت …وال شًء ٌحدث ‪..‬لم أٌؤس فً‬
‫ٌوم أبدا ‪..‬كنت أملك من عناد األطفال ما ٌجعلنً أقؾ عمرا فوقها !‪..‬وهذا ٌجعلنً أتساءل اآلن‬
‫…لماذا مشٌت إذا؟؟ …ربما فقط ألننً لم أعد طفلة !……‪ٌ..‬ااااااااااااااااااااااه …أتذكر اآلن‬
‫كل الساعات التً قضٌتها وأنا أتخٌل واتخٌل هذا العالم القرٌب جدا على مرمى ببلطة ‪..‬والبعٌد‬
‫جدا على مرمً سماء مقلوبة ألسفل ‪..‬حٌن تكون األرض التً أقؾ علٌها أعلى !‬

‫اللٌلة الفائتة حدثت لً صدفتٌن جمٌلتٌن جدا …األولى حٌن كنت أتمشى مع أختً فً شارع‬
‫محب ‪..‬وصادفت شابا وسٌما أحببته مرة‪..‬وتقاطعت نظراتنا فً نصؾ نظرة ال أعرؾ كم دامت‬
‫حقا ‪..‬كانت طوٌلة جدا ‪..‬رؼم أنه كان ٌمشً عكسً ‪..‬وكان زمن عبورنا أقل من ثانٌة ‪..‬بعدها‬
‫ابتسمت ومال فً قلبً ؼصن بشكل شرٌان ‪ ..‬ومشٌت أضحك من الصدفة دون أن أفكر فً‬
‫شًء معٌن ٌخصنً أو ٌخصه ‪..‬وبعدها ضحكت على ضحكً ‪..‬ثم ضحكت على ضحكً من‬
‫ضحكً ‪..‬وكل ما أردته أن اعود سرٌعا للبٌت كً أفتح شاشتً واكتب ‪”:‬أنا ملٌئة بالضحك”‬
‫…لكننً عدت وانشؽلت بالخطط الكثٌرة التً وضعتها والتً فشلت جمٌعا ‪..‬ونسٌت…! وحٌن‬
‫تذكرت لم أضحك !‬

‫أما الصدفة الثانٌة ‪..‬فلم أتوقؾ عندها كثٌرا ألن السٌارة أسرعت ‪..‬وكنت مشؽولة جدا بالؽناء‬
‫‪”:‬أنا مش مبٌناله أنا ناوٌاله على اٌه …ساكتة ومستحلفاله ومش قاٌبلله ساكته لٌه !”‬

‫مرت ساعة منذ بدأت الكتابة ‪..‬ومن ٌقرأ سٌظن أننً أكتب بتواصل لكننً ال أفعل هذا ألننً‬
‫أكتب كل فقرة ثم أقوم من مكانً ‪..‬أتفرج على الهدٌة قلٌبل ‪..‬وأعود ألواصل ……سعٌدة جدا‬
‫بها ‪..‬وأتمنى وأتمنى لو تعجب ؼادة …الهدٌة مجموعة من الصور لها ولنا معا ولبقٌة‬
‫األصدقاء وأشخاص تحبهم ‪..‬كنت قد التقطها بكامٌرا الموباٌل ‪..‬بعض الصور حدٌثة من حوالً‬
‫اسبوعٌن ‪..‬وبعضها من أكثر من عامٌن ‪..‬طبعتهم فً استودٌو تصوٌر واشترٌت أمس ألبوم‬
‫شكله جمبل جدا مرسوم علٌه فتٌات فاتنات ٌشبهن أمٌرات القصور ‪..‬فً الحقٌقة ٌشبهن أنا‬
‫وؼادة وبقٌة األصدقاء ‪..‬ال‪ ..‬فً الحقٌقة هن نحن فعبل ! …كنت أفكر بؤن أكتب فً ظهر‬
‫الصور رسائل قصٌرة لها ‪..‬وتراجعت عن الفكرة خشٌة على الصور ‪..‬وجدت فكرة أخرى ٌدي‬
‫تقارب ذٌلها ولم أمسكها تماما بعد !‬

‫الساعة تجاوزت السادسة والنصؾ ‪..‬وألننً تخلٌت عن فكرة النوم تماما‪ ..‬سؤلؽً منبهً‬
‫المضبوط على السابعة والنصؾ‪ ..‬وسؤذهب ألتفرج على الهدٌة !‬

‫قصة قصٌرة عن محاولتً لكتابة قصة قصٌرة !‬

‫أجلس طوال النهار أمام الشاشة ألؾ خصبلت شعري حول اصبعً حٌنا ‪..‬وأفرك جبهتً حٌنا‬
‫وأنا أحاول بكل الطرق أن أكتب نصا ملتزما بقواعد الكتابة !‪..‬حتى أحبطت فً النهاٌة ‪..‬وأنا‬
‫أردد ‪”..‬لٌس بإمكانً أن أفعل” ‪..‬تضاٌقت جدا وشعرت أننً أعجز عن كتابة شًء حقٌقً‬
‫ٌندرج تحت بند “كتابة بؤصول” ‪..‬كنت أنوى أن أشترك بمسابقة أدبٌة واخترت مسابقة القصة‬
‫القصٌرة‪..‬ورؼم أننً أحلم بكتابة رواٌة إال أننً تجنبتها ألننً لم أحبل بؤبطالها بعد ‪.‬رؼم أن‬
‫الرواٌة مشروع مرٌح أكثر ألنه سٌكون بإمكانى حٌنها أن أتحدث وأسرد وأنا أشعر أنى أقؾ‬
‫على حافة الفضاء ومجال تضمٌن األفكار متسع ببل نهاٌة لكننى خفت أن أتوه ‪..‬وأال أصل‬
‫‪..‬وهكذا لجؤت للقصة القصٌرة ‪..‬والمطلوب مجموعة قصصٌة ال تقل عن ‪ 12‬قصة ‪..‬تصفحت‬
‫النت أبحث عن شروط كتابة القصة القصٌرة وقواعدها ‪..‬ووجدت األمر سهل جدا ‪..‬مكان‬
‫وزمان ووصؾ للشخصٌة ‪ ..‬وعقدة وحل أو كما ٌطلق علٌه لحظة التنوٌر فً القصة‪..‬أعجبنً‬
‫الكاتب االنجلٌزي “وٌلز” وهو ٌقول فً وصفها ‪”:‬ال ٌهم أن تكون خفٌفة أو دسمة ‪..‬انسانٌة أو‬
‫ؼٌر انسانٌة‪..‬زاخرة باألفكار التً تجعلك تفكر تفكٌرا عمٌقا بعد قراءتها‪..‬أو سطحٌة تنسى بعد‬
‫لحظات من قراءتها المهم أن تربط القارىء لمدة تتراوح بٌن دقٌقة وخمسٌن دقٌقة ‪..‬ربطا ٌثٌر‬
‫فٌه الشعور بالمتعة والرضى” ‪..‬تهٌؤت ‪..‬وفتحت صفحة بٌضاء ‪..‬كتبت‪:‬‬

‫“ؼرفة مطلٌة بالبحر ‪..‬والسماء معلقة سقفا ‪ٌ،،‬تدلى منها قطن أبٌض بشكل سحاب‪..‬تعٌش بها‬
‫منذ نعومة أحبلمها ‪..‬منذ أن صدقت ذات نهار صٌفً أنها سمكة !”‬

‫وتوقفت ألننً اكتشفت أننً ال أستطٌع أن أكتب قصة قصٌرة ال عبلقة لها بً ‪..‬وإن كنت أرٌد‬
‫أن أكتب قصة بعنوان ‪”:‬صرصور الحقل والصفارة فً حلقه!”‪..‬أو أن أكتب عن عجوز ‪..‬تعبر‬
‫حٌاته أمامه لحظة عبوره للشارع ‪..‬أوعن اثنٌن مراهقٌن ٌمارسان جنونهما أعلى التلة‪ ..‬أو عن‬
‫شجرة تعبت من وقوفها وتحلم بؤن ٌؤتى ٌوم وتسترٌح ‪..‬كنت أرٌد أن أختفً ‪..‬وأن أكتب ما ال‬
‫ٌمت لً بصلة ‪..‬أن أتحرر من دورانً فً فلك دعاء ‪..‬ألن تحرري من قواعد الكتابة ال ٌعنى‬
‫أننً حرة تماما ‪..‬أنا مسجونة فً فضاء ذاتً ‪..‬وأحلم فقط لو أننً عاكست الجاذبٌة وانفلت من‬
‫مداري إلى سماء هللا ‪..‬فؤكون أنا أنا …وال أنتمً لـ أنا ‪..‬أراقب العالم وأراقبنً وأرى األشٌاء‬
‫بعٌن ال تخصنً ‪..‬والرإٌة تتضح أكثر ‪..‬وعجزت أن أفعل ‪..‬ألننً ال ٌمكننً أن أحكً شًء ال‬
‫أشعر به ‪..‬أنا أستطٌع أن أكتب أشٌاء كثٌرة عنً قد تكون حقٌقٌة ‪..‬وقد أتخٌلها ‪..‬المهم أننً‬
‫أصدقها ‪..‬أستطٌع أن أكتب ‪ 12‬قصة قصٌرة عن دعاء ‪..‬وال ٌمكننً أن أكتب قصة واحدة عن‬
‫عجوز أو شجرة أو صرصور ‪..‬قبل أن تسحرنً الجنٌة ألحدهم …‪.‬أوووه ‪..‬أنا فً ورطة‬
‫!‪..‬كل هذا ٌاربً من أجل قصة قصٌرة ‪! ..‬‬

‫من لحظات أنهٌت حٌرتً بؤننً لؽٌت فكرة المسابقة ‪..‬وتكفٌنً ٌومٌاتً ‪..‬وهممت بؤن أؼلق‬
‫صفحة الـ‪ word‬هذه ‪ ..‬ولكن شًء ما داخلى رفض أن أضؽط على “‪ ”x‬رفض أن أن أخرج‬
‫من ورطتً بالهروب منها ‪..‬رفض أن أنحنً أمام قصة قصٌرة رفضت أن تؤتً وأنهزم ‪..‬لن‬
‫أضؽط على “‪ ”x‬وسؤكتب أي شًء لٌس مهما خفٌؾ أو دسم ‪..‬انسانً أو ؼٌر انسانً ‪..‬عمٌق أو‬
‫سطحً …سؤكتب قصة قصٌرة ‪..‬وألن الصعوبة تكمن دائما فً “قصٌرة”‪..‬سؤبالػ فً التحدي‬
‫وأكتب “قصة قصٌرة جدا”‪:‬‬

‫“رؼم أن الشجرة العالٌة فً الؽابة‪..‬حلمت طوال الصٌؾ بؤن تجلس وتسترٌح قلٌبل ‪ ..‬إال أنه‬
‫حٌن جاء الشتاء وانحنت كل األعشاب والعٌدان الضعٌفة أمام الرٌح بانهزام ‪..‬شعرت الشجرة‬
‫بكبرٌائها حٌن انتصرت على الرٌح‪..‬وصدتها”‬

‫ٌا أهلل …‪ٌ.‬بدو أننً انتصرت !‬


‫الخبز الحافً لمحمد شكري !‬

‫“كل قصة انسانٌة هً مؤساة إذا امتدت بما ٌكفً لذلك” ……‪“ .‬هٌمنؽواي”‬

‫لو كانت هذه الرواٌة من نسج خٌال مإلؾ لكرهتها كثٌرا … ولكنها جاءت _لؤلسؾ_ سٌرة‬
‫ذاتٌه أعجز عن تصدٌقها لرجل عاشته الحٌاة ال هو من عاشها …أنهٌتها من ست ساعات تقرٌبا‬
‫‪..‬وجلست مسمرة فً مكانً أنظر لصورة شكري على الؽبلؾ وأسؤله ‪ :‬كٌؾ بإمكانك أن تدقنً‬
‫هكذا فً مكانً ‪..‬وبؤي مطرقة فعلت ٌا صعلوك القرن العشرٌن ؟”…ال أعرؾ من أٌن أبدأ‬
‫الحدٌث عن هذه الرواٌة …الكلمات فً رأسً كثٌرة ‪..‬والبداٌة تحٌرنً ‪..‬هل أبدأ بداٌة تقلٌدٌة‬
‫وأقول ‪ :‬الخبز الحافً …رواٌة عالمٌة للمبدع المؽربً “محمد شكري ” …رواٌة ترجمت‬
‫ونشرت بـ ‪ 33‬لؽة ‪..‬قبل أن تنشر بالعربٌة ‪..‬وعرضت كـ فٌلم رائع فً مهرجان كان عام‬
‫‪..2112‬وأستؽرب لرواٌة ترجمت لـ ‪ 33‬لؽة دون أن تثٌر الضجة فً المكتبات التً أتردد‬
‫علٌها كهذه الرواٌة التً ترجمت إلى االنجلٌزٌة فقط وصارت هذه الجمله تكتب وتعلق فً كل‬
‫مكان كانجاز ؼٌر مسبوق ! ‪..‬فهل ال ٌشفع للخبز الحافً أنها أثارت الضجة فً العالم أجمع؟‬
‫… ال لن أبدأ هكذا ‪..‬هذه بداٌة حمقاء وال تعجبنً …هل أقول ‪ :‬الخبز الحافً سٌرة لطفل‬
‫متصعلك بوهٌمً تنبثق كلماته وتفاصٌل سٌرته كانبثاق الدم والقٌح من جسد ملتهب …‪.‬ال …ال‬
‫تعجبنً هذه أٌضا ‪ ..‬الرواٌة جرٌئة جرٌئة جرٌئة والكلمة األصح “شجاعة” وتبرز الوجه اآلخر‬
‫لبلنسانٌة ‪..‬وتقول كل ماال ٌمكن أن ٌقال أبدا …ومن هنا ٌؤتً عجزي …حسنا ‪..‬سؤضع حدا‬
‫لحٌرتً وسؤبدأ بلسان شكري ‪:‬‬

‫“سؤلتنً سعاد‪ :‬لماذا ال تكتب ما تحكً ؟ ‪..‬قلت لها‪ :‬ما ال ٌحكً هو ما ٌكتب “ …وهكذا كتب‬
‫شكري أسراره جمٌعا متجاهبل أن الكتابة جرٌمة تشهر به حد النخاع ‪..‬كتب بجرأة وشجاعة‬
‫سؤظل أحسده علٌها ما تبقى من عمري ‪..‬كتب عن أب عاطل ‪..‬قاسً ‪..‬شرٌر كشٌطان ‪..‬قتل‬
‫أخوه فً لحظة ؼضب ‪”..‬إن موت أبً فً ذهنً تم فً اللحظة التً مات فٌها أخً ‪..‬اننا ال نقتل‬
‫آباءنا بقدر ما ٌقتلون انفسهم فٌنا ‪..‬ان األب هو الذي ٌعجل أو ٌإجل ‪ٌ..‬قصر أو ٌطٌل موته فً‬
‫أبنائه ‪..‬فالموت درجات متفاوتة”‪..‬كتب عن حٌاة السكر والجوووووع …الجوع والصعلكة‬
‫والعاهرات والبوردٌل ورفاق الشوارع والرٌؾ المؽربً البشع واألكل فً صنادٌق القمامة ‪“:‬إذا‬
‫كنت ال أكتب إال على المرأة المدنسة الخاسئة ‪..‬فؤلننً أكلت خبزي بٌن العاهرات”‪..‬كتب وكتب‬
‫عن العربدة حتى تقٌؤت فً مشهد أقرفنً كثٌٌٌٌٌٌٌرا ‪..‬أنا التً لم آكل منذ ثبلثة أٌام أي شًء‬
‫‪..‬وأعٌش على الماء والسفن أب ‪..‬تقٌؤت فً مشهد فً رواٌة ‪_..‬حتى اآلن ال أصدق ‪..‬وسؤعذر‬
‫كل من ٌقرأ هذا السطر وٌعجز عن التصدٌق_‪..‬آه ٌا شكري ‪..‬كٌؾ انطوٌت أٌها المجنون على‬
‫هذه الوحشٌة وهذا الحنان …كٌؾ كنت دموي شرٌر فضاح وقدٌس فً وقت واحد ‪..‬وحملت‬
‫أمٌتك فوق أكتافك حتى العشرٌن من العمر ‪..‬لتبدأ صلتك بالقراءة والكتابة فً هذا السن حٌث‬
‫أقؾ أنا تماما اآلن ‪..‬حٌث عرفتك وأحاول أن أمحو أمٌتً بؤمٌتك ‪..‬وأستبدل عشرٌن عاما من‬
‫عمري ‪..‬بعشرٌن عاما من عمرك كانت كافٌه تماما لتنطبق علٌك مقولة “هٌمنجواي” ‪”:‬كل‬
‫قصة انسانٌة هً مؤساة إذا امتدت بما ٌكفً لذلك!”…………‪.‬متعادلٌن إذا !‬

‫لم ٌنتهً حدٌثً عنك … سؤذهب أللتقط أنفاسً وأعود …وفً الطرٌق منك وإلٌك سؤفكر فً‬
‫جملتك ‪”:‬ما الحٌاة إن لم تكن؟”‬

‫فصل فً حٌاة رجل عادي !‬

‫ماذا ٌفعل الناس بؤوقاتهم ؟‪ ..‬وفً أي سوق ٌنفقون أٌامهم؟‬

‫تتساءل فً ضجر ‪..‬دون رؼبة حقٌقٌة بان تسمع اجابة ‪..‬أنت التً قادتك الدنٌا إلى كل األسواق‬
‫وصحبتك فً كل الدروب _أو هكذا تظن_‪..‬ال تتوقع من الناس اجابة مفٌدة ترشدك لدرب‬
‫تجهله ‪..‬ألنك الضائع الذي مشً الكرة األرضٌة كلها سٌرا على األحبلم‪..‬طابعا مقاس حذائه فً‬
‫الشوارع والمقاهً والمطاعم والسٌنٌمات والؽرؾ المستؤجرة تاركا حقٌبة فً كل مطار ومٌناء‬
‫لتعود سرٌعا وتؽادر ‪..‬تبحث عن الوطن فً عٌنا امرأة عابرة تجلس على طاولة أمامك فً‬
‫كافٌتٌرٌا المطار تحتسً كوب من عصٌر البرتقال وتنتظر شًء ال تعرفه أنت ‪..‬لكنك تتمنى أال‬
‫ٌكون رجل ‪..‬تتمنى هذا وفً رأسك امرأة اخرى سؤلتك ذات لٌلة ‪”:‬متى تشعر باألمان؟”‬
‫فؤجبت‪”:‬فً حضن أي امرأة !”‪ ..‬تبرر ببلمباالة ‪:‬هكذا هم الرجال !‪..‬وتمٌل على شفتٌك ابتسامة‬
‫ساخرة حٌن تتذكر تحذٌر “أحبلم مستؽانمً ” الذي طبعته فوق اصدارها الجدٌد “نسٌان‪.‬كم”‬
‫حٌن كتبت‪ٌ“:‬حظر بٌع هذا الكتاب إلى الرجال”‪...‬ورؼم افبلسك الوشٌك فً هذا الٌوم ‪..‬ضحٌت‬
‫بوجبة ؼداءك‪..‬وبجلوسك على المقهى وتسكعك فً الشوارع ألٌام تالٌة كً تشتري الكتاب‬
‫‪..‬كان بإمكانك أن تشترٌه وقت آخر ‪..‬ولكن الجملة ظهرت أمامك فً صورة نساء العالم كلهن‬
‫ٌمدن ألسنتهن فً وجهك ودائما ما كنت أنت األكثر عنادا فاشترٌته دون أن تؤبه بجٌبك الذي‬
‫أخرج هو لسانه األبٌض فً وجه كل مشاوٌرك القادمة…لكنك تعزٌت بعدم اضطرارك للخروج‬
‫فً الٌومٌن القادمٌن ألنك ستنشؽل بالقراءة‪..‬وحٌن انتهٌت من الكتاب تمتمت “لسنا بهذا السوء‬
‫!”…ونهضت من مكانك تستبدل مبلبسك وترتدي حذائك ‪..‬وتؽادر ‪..‬ومع أول خطوة فً‬
‫الشارع أردفت‪”:‬نحن أسوأ !”‪..‬كثٌرا ما ظلمت نفسك ٌا أنت …الناس جمٌعا ٌفرضون السوء فً‬
‫اآلخرٌن ‪..‬وٌعلقون أخطاءهم فوق مشجب الؽٌر ‪..‬وٌشعرون بالظلم عند كل حزن ‪..‬أما أنت‬
‫فتفرض السوء كله فٌك ‪..‬وتعلق أخطاء اآلخرٌن على مشجبك دون أن تنسى أن تكومها فً‬
‫حقائبك عند كل سفر‪..‬ولم تشعر بالظلم ٌوما ‪..‬حتى أنك ضحكت مرة من طبٌب نفسً كان‬
‫ٌتحدث فً التلفزٌون وٌقول”كل انسان ٌشعر فً داخله بالظلم ‪..‬حتى وإن كان ملك”‪..‬فهل أنت‬
‫من تظلم نفسك دون أن تدري‪..‬هل أنت جٌدا بما ٌكفً؟…ٌكفً أنك لم تخدع ٌوما أى امرأة باسم‬
‫الحب ‪..‬وان كنت عرفت من النساء ألؾ…ولكن هل خدعتهم بؤسماء أخرى ؟…تعرؾ أن‬
‫الحب هو الخدٌعة الكبرى …لكنه لٌس الوحٌدة ‪..‬هو فقط األعظم !‬
‫تجلس لتدخن سٌجارة على مهل ‪..‬بجوارك “عبد الوهاب” ٌؽنً‪“..‬جفنه…علم الؽزل” ‪..‬األؼنٌة‬
‫التً تحبها أكثر‪..‬تفكر فً الموسٌقى المكونة من خطوات ‪..‬كؤنها خطواتك ‪..‬وتتساءل هذه المرة‬
‫بدهشة حقٌقٌة ‪ :‬إلى أٌن ستؤخذك؟‪..‬الزلت شابا لكنك كما ٌقول جاهٌن‪”:‬شاب لكن عمري ألؾ‬
‫عام‪..‬وحٌد وبٌن ضلوعً زحام” ‪..‬فؤٌن ستؤخذك الخطوات هذه المرة ٌا صاحب األلؾ عام‬
‫تشرد ؟ حزٌن وال تعرؾ…وتقرر للمرة األولى فً حٌاتك بؤن تفعل شٌئا جدٌدا‪..‬هذه الفكرة‬
‫التً تشؽل كل الخلق ‪..‬كل الناس ترٌد أن تفعل شٌئا جدٌدا وؼالبا ما تظل هذه الرؼبة مجرد‬
‫رؼبة ‪ٌ.‬كررون قولها وسماعها بٌن بعض كل صباح ومساء ‪..‬فهل أصابتك العدوى كاالنفلونزا‬
‫وؼدوت مثلهم ‪..‬أنت الذي لم تختلؾ عنهم قط ‪..‬ولم تشابههم ٌوما ‪..‬أصبحت مثلهم !…وحدك‬
‫تعرؾ أن األمر لٌس معقدا كما ٌبدو ‪..‬ولكن فلتدع كل هذه األفكار اآلن التً بمجرد أن تؤتً‬
‫واحدة حتى تؤتً صدٌقتها وصدٌقة صدٌقتها وصدٌقة صدٌقة صدٌقتها وٌؽدو األمر كحساب فتى‬
‫وسٌم ٌضع صورته فً الفٌس بوك‪..‬المهم أنك ترٌد اآلن أن تفعل شٌئا جدٌدا ٌقتلع الضجر من‬
‫جذوره وٌلقٌه فً الشمس لٌذبل وٌموت فترقص رقصة هندٌة على جثته دون دم أحمر على‬
‫وجهك أو نار تدور حولها وتؽنً ‪..‬ودون حاجة للرٌش حول خصرك أٌها الهندي األحمر ‪..‬هل‬
‫ٌبدو هذا الفعل شٌئا جدٌدا؟ وإن كان ٌعٌبه فقط أن الضجر شٌئا معنوٌا ال تستطٌع قتله ‪ٌ..‬مكنك‬
‫أن تضع رمزا إلٌه ‪..‬وٌمكنك أن تنشؽل بتفصٌلة أخرى هً اختٌار شًء كرمز ‪..‬ولكن هل‬
‫ستبدو مجنونا إن عرؾ الناس حقٌقتك كهندي وكؤحمر؟…ال ٌهم ‪..‬تستطٌع أن تفعل هذا فً‬
‫ؼرفتك دون أن ٌعلم أحد ‪..‬تستطٌع أن تقٌم حفل تؤبٌن ضجرك كما ٌحلو لك حتى ال تكون‬
‫فضولٌا مرة أخرى وتطلق سإال كـ “ماذا ٌفعل الناس بؤوقاتهم؟”‪..‬تعرؾ انك ستفعل ألنك تنفذ‬
‫كل ما تفكر به دون أن تهتم بمدى العقل فٌه ‪..‬وتعرؾ أن الشهٌق العمٌق الذي تؤخذه فً هذه‬
‫اللحظة سببه أنك تنوي أن تزفر الكثٌر من األشٌاء داخلك ‪..‬وتعرؾ أنك ستؤتً بعد حٌن وتؽنً‬
‫‪“:‬ونشدنا ولم نزل ‪..‬حلم الحب والشباب …حلم الزهر والندى …حلم اللهو والشراب !”‬

‫______________________‬

‫أن تجلس وحٌدا ٌعنً أنك تفكر فً شًء ما ‪..‬أو أنك حزٌن بشكل ما ‪..‬أو أنك مللت الكبلم‬
‫لسبب ما ‪..‬أو أنك ال تجد من تجالسه لظروؾ ما …أو ال ٌعنً أي شًء إطبلقا ‪..‬فقط أنت‬
‫تحدق فً الفراغ برأس فارغ‪..‬وؼالبا ما تكون أنت كل األشٌاء وال شًء فً نفس اللحظة ‪..‬ألنك‬
‫ال تعرؾ حد فاصل بٌن كل المتناقضات فً هذا الكون‪..‬وألن هذا العالم ٌدوخك كؤرجوحة‬
‫مبلهً ‪..‬تدور وتدور ‪..‬دون أن تمٌز بداٌة اللفة من نهاٌتها ‪..‬ودون أن تصل أخٌرا لشًء‪..‬أن‬
‫تجلس وحٌدا وصامت ‪..‬ال ٌعنً أنك بالضرورة تفعل كهذا الشخص الذي ٌظن أن بجلوسه على‬
‫هذه الحالة سٌلفت أنظار الكثٌر من النساء ‪..‬ألنه رأى أن جاذبٌته فً صمته ‪..‬أما أنت فهذا األمر‬
‫من األمور القلٌلة التً استطعت أن تصل لقناعة فٌها ‪..‬ألنك منذ ألؾ عام تحاول فهم العالم‬
‫والمشاعر والعبلقات والقلوب وأنت ‪..‬وتعجز حتى عن فهم دورة حٌاة الصرصور‪..‬ألن هذه‬
‫الحٌاة معقدة جدا ‪..‬وأنت تصدق تماما مقولة األدٌب الروسً “جوجول” الذي أصابه الجنون‬
‫سنوات قبل وفاته قال‪”:‬حٌاتنا صعبة معقدة ‪..‬ومن المستحٌل أال نكون مثل هذه الحٌاة ‪..‬فنحن‬
‫نولد عقبلء ‪..‬وال نزال نقاوم ونقاوم حتى ننهار مجانٌن” ‪..‬وصاحب هذه العبارة لم ٌكن مجنونا‬
‫عندما قالها ‪..‬وإنما صار بعد ذلك! ‪..‬ما ٌهم اآلن أنك استطعت الوصول لشًء ‪..‬وأن الصمت‬
‫والوحدة واالبتسامة قد تفلح فً أن تجذب نظر امرأة ‪..‬ولكن لن ٌتعدى األمر ما هو أكثر من هذا‬
‫‪..‬أما أن تكون “أنت” أمام امرأة ‪..‬ال تفكر فً أي محاولة للفت نظرها ‪..‬فـ “أنت” دون أن تدرى‬
‫قد تطٌح بقلبها تماما ‪ ..‬دون حاجة ألن تتجمل ‪..‬أو تبتسم ‪..‬أو تصمت ‪..‬أو تجلس وحٌدا ‪..‬ألن‬
‫قلبها سقط مع ضحكة عالٌة سقطت منك سهوا‪..‬حٌن تحدثت وتكلمت عن كل األشٌاء دون أن‬
‫ترتب أفكارك جٌدا ‪.‬أو أن تسهر لٌلة تفكر فٌما ستقوله ‪..‬كنت صادقا جدا ‪..‬وكان صدقك فاتنا‬
‫وساحرا وكان الوقت ٌمضً على طبٌعتك بٌن أحزانك وأفراحك وانتصارتك وانهزاماتك‬
‫وارتفاعك وسقوطك وضحكك و وجومك وسجائرك ومراقبتك لدوائر الدخان ترتفع ببطء كؽبار‬
‫جنً خرج من صدرك للتو واختفى … حٌن أفصحت عن أشٌاء كثٌرة ولم تفصح عن أي شًء‬
‫وأٌقنت هً أنها أمام الرجل البحر ‪..‬وأنها مهما روت شاطئها بمٌاهك فلن ترتوي ‪..‬ولن تنتهً‬
‫‪..‬وأن مدك سٌفاجؤها فً كل مرة دون أن تعتاد علٌه ٌوما …تعرؾ أن هذا كله لٌس ألنك رجل‬
‫ممٌز فً أي شًء ‪..‬ولكن ألنك حٌن تشق صدرك أمام امرأة فبل ٌكون أمامها سوى أن تجمع‬
‫الدم الكثٌر وتعود به إلٌك ‪..‬حٌن تحتوٌها أنت تماما فبل ٌخطر ببالها أن تؽادر قلبك ٌوما ‪..‬ولكن‬
‫معظم الرجال ٌجهلون كٌؾ ٌفعلون األولى والثانٌة ‪ ، !.‬واآلن ‪..‬أنت بصحبة وحدتك ‪..‬واحتمال‬
‫أخٌر ‪..‬أن فً رأسك تتردد قصٌدة قرأتها مرة وتعٌد نفسها كؤؼنٌة فً مشؽل األؼانً ‪:‬‬

‫“إننً مرتبك‬

‫فساعدٌنً على النسٌان‬

‫إننً ضجر‬

‫فساعدٌنً على البوح‬

‫إننً وحٌد‬

‫فساعدٌنً على القصائد‬

‫ساعدٌنً ألخرج من صمتً‬

‫اكتبً لً ‪..‬اكتبً لً كل شًء‬

‫اكتبً لً*‬

‫* شعر عدنان الصائػ‬

‫ربنا وتقبل دعاء !‬

‫“ربنا وتقبل دعاء”‬


‫اآلٌة التً ٌنطقها لسانً ‪..‬وترددها نواة كل خلٌة بجسدي ‪ ..‬وأنا أتمنى وأتمنى لو ٌتقبلنى هللا‬
‫‪..‬بكل ما فً هذه الجمله من رجاء ‪..‬ربما أنا أتخٌل أشٌاء وأصدقها ألن منار حٌن جاءت الٌوم‬
‫لتخبرنً أنها تتذكرنً كلما قرأت هذه اآلٌة ‪..‬قلت لها ‪..‬أنا أصدق ٌامنار أن سٌدنا ابراهٌم حٌن‬
‫نطق هذا الدعاء كان ٌقصدنً ‪..‬وإن كان هذا ؼٌر صحٌحا بالمرة لكن هل ثمة خطؤ بؤن أإمن‬
‫أن هذا صحٌح؟…هل ثمة خطؤ فً أن أصدق أننً من ذرٌة سٌدنا ابراهٌم “علٌه السبلم” وأنه‬
‫رجا هللا ” ومن ذرٌتً ‪..‬ربنا وتقبل دعاء”‪..‬ال ٌمكننً أن أعرؾ ‪..‬ولكن ٌكفً أننً أحتاج أن‬
‫أتدثر كلما سمعتها أو قرأتها ‪..‬ألقاوم الرجفة ‪!..‬‬

‫لم أخبرك ٌا صدٌقتً أن باب ؼرفتً العلوٌة الذي تحدثت عنه من قبل ‪..‬وقلت أننً أدون كل‬
‫أشٌائً علٌه كمدونة خاصة ال ٌقرأها ؼٌري ‪..‬كتبت اآلٌة فً أعبله بؤكبر خط استطعت أن‬
‫أخطه ‪..‬وبما ٌكفً عرض الباب ‪..‬وإن كنت لم أتمكن من كتابتها بحجمها الصحٌح كما هً فً‬
‫قلبً ‪..‬ألن قلبً بحجم قبضة العالم ‪..‬ووجدت أننً أحتاج لباب عرضه السماوات واألرض كً‬
‫ٌكفً !‬

‫هذه اللحظة كم أحتاج ألن أسمع صوتا ٌردد ‪:‬‬

‫“فتقبلها ربها بقبول حسن”‬

‫باتجاه السماء !‬

‫من فترة طوٌلة وأنا مشؽولة بالفلك ‪ ..‬تقرٌبا منذ أن كنت بالصؾ الثانً اإلعدادي حٌن أخذت‬
‫ألح على أبً طوال األجازة أن ٌشتري لً تلٌسكوبا صؽٌرا أراقب به السماء والقمر والنجوم‬
‫والشهب المارقة ‪ ..‬رفض فً البداٌة لكنه تحت إصراري الشدٌد وافق أخٌرا واشترى لً واحدا‬
‫صؽٌرا وضعته فوق سطح المنزل ‪..‬ومكثت لٌال طوٌلة أنظر فقط من خبلله إلى كل هذه النجوم‬
‫التً كانت تحتل رأسً تماما وتضًء فً كل خبلٌا جسدي ‪ ..‬لم أكن أراقب مساراتها أو أحاول‬
‫التعرؾ على أسمائها ومجموعاتها ‪ ..‬كنت أنظر فقط … نظر لمجرد الدهشة واالستمتاع بهذا‬
‫العالم العالً جدا الذي لن أستطٌع أن أقاربه مهما حاولت ‪ ..‬وكل ما ٌمكننً فعله تجاهه هو‬
‫النظر والدهشة … وككل الصؽار _والكبار أٌضا_ الذٌن ٌلهثون كثٌرا وراء كل األشٌاء البعٌدة‬
‫عنهم وٌزهدون فٌها فور أن ٌحصلون علٌها ‪..‬فعلت هذا مع تلٌسكوبً الصؽٌر وتركته لشٌماء‬
‫أختً التً تكبرنً بعام واحد لتطبق علٌه بصورة عملٌة درسها فً مادة العلوم عن أنواع‬
‫العدسات المقعرة والمحدبة والمستوٌة وسقوط الضوء علٌها وانكساراته وانعكساته و تفتت‬
‫التلٌسكوب ألجزاء صؽٌرة جدااا كضحٌة لهذا الدرس ‪ ..‬نسٌت بعده ولعً بالسماء والنجوم لفترة‬
‫طوٌلة‪ ..‬رؼم أن هذه النجوم بعٌدة جدا ‪ ..‬وأنا لم أحصل علٌها بعد ألزهد فٌها ‪ ..‬لكن هذا ما‬
‫حدث‪..‬‬

‫ورؼم أن هذا الولع عاد مرة أخرى وبصورة أقوى وأكثر عمقا إال أننً قررت التخلً عنه اآلن‬
‫بإرادتً حٌن اكتشفت أننً الزلت الطفلة األنانٌة التً تحلم بكل ما هو بعٌد عنها متجاهلة كل‬
‫قرٌب ‪..‬وجدتنً أتجاهل كونً وأقفز فوقه إلى أكوان بعٌدة أخرى بؤمل أن أعثر على دعاء التً‬
‫أرٌدها هناك ‪ ..‬أتجاهل واقعً وأحلم بؤشٌاء كثٌرة تحتاج عمر آخر لتتحقق وأختار أن أعٌش‬
‫بخٌالً فً هذا العمر ‪ ..‬أحاول لمس قلبً من خبلل لمس العالم بؤكمله دون أن أعً أن ٌدي‬
‫التً أضعها على صدري اآلن ٌخفق من ورائها قلبً ‪ ..‬أعٌش كنجم انفلت من مداره وانطلق‬
‫تائها فً سماوات الكون ٌبحث عن مجرة أفضل ومدار أكثر اتساعا وفخامة دون أن ٌدرك أنه‬
‫سٌفقد ذاته فً هذه الرحلة ‪..‬وسٌبتلعه أول ثقب أسود ٌصادفه ‪..‬‬

‫لهذا قررت أن أكون أوال ثم تكون الدنٌا حولً ‪ ..‬أن أالمس قلبً أوال قبل أن أفكر فً مبلمسة‬
‫العالم ‪ ..‬أن أعٌش واقعً قبل أحبلمً ‪..‬وعمري قبل عمر ربما لن ٌؤتً ‪..‬أن أحٌا فً ركنً‬
‫القصً من العالم ‪..‬فً كونً األول ‪ ..‬فً كونً الحقٌقً بكل معنً الكلمة قبل كل األكوان التً‬
‫ال تطولها ٌدي وال ٌسعنً أمامها سوى النظر‪..‬أن أكتشؾ حجرتً قبل الصالة قبل العلٌة قبل‬
‫القبو قبل الشرفة قبل الحدٌقة قبل القرٌة قبل المدٌنة قبل العالم قبل األرض قبل السماء والفلك ‪!..‬‬

‫ٌتبع‪،،،‬‬

‫باتجاه السماء ( ‪! )2‬‬

‫شبهت وفاء بـ نجمة وهً تسؤلنً ‪”:‬أٌن تذهب النجوم؟”‪ ..‬فؤتجنب الحدٌث عن احتراقاتها‬
‫وانفجاراتها وتحولها لرماد نووي أو ثقوب سوداء وكل ما ٌفضً إلى مصائر تعٌسة للنجوم‬
‫وأرد ‪”:‬بما أن الشمس نجم والشمس تجري لمستقر لها ‪..‬فربما تكون بقٌة النجوم أٌضا تجري‬
‫لمستقر لها ‪ ..‬وحتى تجد هذا المستقر وتطمئن ‪ ..‬فهً سارحة فً فضاء الكون !” أتبعت ردي‬
‫بـ ‪ٌ”:‬ا هللا ‪ ..‬حتى النجوم تبحث عن أمانها!” ‪..‬وأخذت أفكر بعدها أننً أٌضا نجمة صؽٌرة‬
‫سقطت على األرض وأبحث عن مستقري ومؤمنً ‪ ..‬فً الحقٌقة كلنا نجوم ‪ ..‬وكلنا نبحث عن‬
‫هذا األمان الذي لن نهدأ حتى نستقر إلٌه ‪..‬‬

‫وألن بٌتً هو كونً األول ‪ ..‬فبه مؤمنً األول أٌضا ‪ ..‬هذا األمان الذي ال أشعر بوجوده فً‬
‫البٌت إال حٌن أؼٌب عنه فؤفتقده ‪ ..‬تماما كما ٌقول ؼاستون باشبلر ‪”:‬بدون البٌت ٌصبح اإلنسان‬
‫كائنا مفتتا‪..‬ــ إنه البٌت ــ ٌحفظه عبر عواصؾ السماء وأهوال األرض!”‪“ ..‬والء” تسؤلنً أٌضا‬
‫عن أكثر مكان أحبه وأشتاق إلٌه ‪ ..‬أجٌب ‪”:‬حٌن أبتعد عن بٌتً ٌنتابنً هذا الشوق !”‬

‫أكتب اآلن وصدٌق ٌرسل لً تعلٌقا عن اشتٌاقه لبٌته الرٌفً‪ ..‬وأنا أفكر هل أحب بٌتً بهذه‬
‫الصورة ألنه رٌفً؟ ‪..‬أنا بالفعل ال أحب بناٌات المدن ‪..‬أشعر أنها مجرد امتداد رأسً ‪..‬أتذكر‬
‫“ماكس بٌكار” اآلن وهو ٌقول عنها أنها “تشبه األنابٌب التً تشفط البشر فً داخلها بواسطة‬
‫تفرٌػ الهواء “! كٌؾ بإمكان ساكن المدٌنة إذن أن ٌشعر بكونٌة حجرته وسط هذا الصخب من‬
‫دوي السٌارات والشاحنات؟‪ ..‬أتخٌل الفٌلسوؾ الذي كان ٌنعً حظه العاثر ألنه من سكان‬
‫المدٌنة وكان ٌسترجع هدوءه فقط من خبلل استعارات البحر ‪ ..‬فالجمٌع ٌعلم أن المدٌنة الكبٌرة‬
‫بحر صاخب ‪ ..‬وهكذا كان ٌخلق صورة صادقة من هذه الصورة المبتذلة ‪!..‬‬
‫أعود لما كنت سؤتحدث عنه …”ؼرفتً” ‪..‬أكثر مكان أحبه بالمنزل بؤكمله ‪ ..‬والتعبٌر‬
‫الصحٌح‪:‬أكثر مكان أشعر فٌه بالدؾء فً المنزل ‪ ..‬مختلفة عن أي ؼرفة أخرى ‪ ..‬أشعر‬
‫بروحً تمؤلها ‪ ..‬بؤشٌائً المبعثرة فً زواٌاها‪ ..‬بقطع من قلبً ملقاة على األرض ‪..‬ال أشعر‬
‫أننً وصلت إلى المنزل إال حٌن أدخلها ‪..‬أحب نوافذها الكبٌرة ‪..‬تكاد تظن أن الؽرفة بؤكملها‬
‫عبارة عن نوافذ ‪ ..‬جدار واحد فقط خال من أي فتحات ‪ ..‬بٌنما الثبلث المتبقٌٌن ‪ ..‬واحد به‬
‫الباب ‪ ..‬وثانً به شباك واسع جدا ٌتوسط الجدار وٌحتل أكثر من ثلثه ‪..‬والجدار الثالث ٌماثله‬
‫‪..‬أحب الشباك المقابل للمساحات الخضراء ‪ ..‬لؤلرض الواسعة ‪ ..‬للبراح ‪ ..‬حٌن أقؾ أمامه‬
‫‪..‬أشعر أن العالم انتهى عند هذه النقطة ‪ ..‬حٌث حدودي هً حدود المكان ‪ ..‬أسفل حافة الشباك‬
‫كتبت بقلم رصاص وخط منمنم اسمً وكررته بطول الجدار حتى وصلت إلى األرض ‪ ..‬حٌن‬
‫تنظر من بعٌد ٌخٌل إلٌك أن قافلة نمل دخلت من الشباك لتؽزو الؽرفة ‪ ..‬وتبحث عن السكر ‪..‬‬
‫عنً ‪..‬هكذا أحب أن أفكر ‪ ..‬بطبلء أحمر مائل إلى النبٌتً رسمت قلوب كثٌرة على الجدران ‪..‬‬
‫ال ٌراها الكل جمٌلة جدا ‪ ..‬وربما تفتقد الجمال كله ‪ ..‬لكننً ال أرى هذا ‪ ..‬أنا أحبها وأرى‬
‫جمالها ٌفوق الوصؾ ‪ ..‬ال أحد ٌفهم أننً حٌن رسمتها كنت أحدث قلبً وأخبره أنه لٌس وحٌدا‬
‫‪ ..‬حٌن أجلس على السرٌر فً منتصؾ الؽرفة أشعر أننً محاطة بالكثٌر من القلوب التً‬
‫تحبنً جدا ألننً أنا السبب فً وجودها ‪ ..‬وأنا أحبها جدا ألنها وفٌة إلى أقصى حد ولن‬
‫تؽادرنً ٌوما ‪ ..‬أصدقائً المعلقٌن بدبابٌس على جدار ‪ ..‬ماركو وإٌزابٌبل ونشؤت ‪..‬عرفتكم‬
‫علٌهم مرة فً الماضً وسؤعٌد التعرٌؾ مرة أخرى ‪..‬ماركو هو فتى ٌرتدي بنطلون قصٌر‬
‫‪..‬قمٌص بؤكمام واسعة ‪..‬حذاء برقبة ‪..‬وقبعة كبٌرة تمٌل على رأسه ‪ٌ..‬مسك فً ٌدٌه جٌتارا‬
‫وٌعزؾ ‪..‬وأمامه إٌزابٌبل ترتدي فستان احدى األمٌرات األسبانٌات ‪..‬وترقص ‪..‬فٌنبت العشب‬
‫تحت قدمٌها … كنت قد رسمتهما فوق ورقتٌن منفصلتٌن وعلقتهما على الجدار ٌقاببلن بعضهما‬
‫من سنتٌن تقرٌبا…ومازال هو ٌعزؾ ‪..‬ومازالت هً ترقص ‪..‬دون أن ٌخذل أحدهما اآلخر‬
‫‪..‬حتى اجل تؤتً فٌه الرٌح قوٌة من الشباك المقابل ‪..‬وتفنٌهما معا …‪.‬أما نشؤت ‪..‬فهو “هٌكل‬
‫عظمً”‪..‬علقته لٌكون االثبات الوحٌد فً ؼرفتً بؤننً أنتمً لكلٌة الطب‪ ..‬بالطبع ال ٌمتلك لحم‬
‫وجلد وشفتٌن ‪..‬فٌظهر صفً أسنانه دائما وٌبدو أن االبتسام والضحك ال ٌفارقه ‪..‬وأنا أحبه لهذا‬
‫الشًء‪..‬‬

‫ؼرفتً ‪ ..‬أكثر ؼرفة فً المنزل وربما فً العالم كله تدخلها الشمس ‪ ..‬ربما بسبب نوافذها‬
‫الواسعة التً أجد معها الضوء فً كل مكان كؤن جدرانها من زجاج وكل ما بها شفاؾ ‪ ..‬فً‬
‫حضرة كل هذا النور أشعر أحٌانا أننً أضًء وأننً نجمة لن تحترق ولن تنفجر ولن تتحول‬
‫إلى رماد نووي أو ثقب أسود‪..‬نجمة سعٌدة وصلت أخٌرا لمستقرها ومستودعها !‬

‫ٌتبع ‪،،،‬‬

‫باتجاه السماء (‪)3‬‬

‫عندما تلتقً قمم سمائنا‬


‫“بول اٌلوار”‬ ‫سوؾ ٌكون لبٌتً سقؾ‬

‫أفكر طوٌبل فً بٌت الشعر هذا وأحاول أن أجد معنى له ٌناسبنً أكثر مما ٌناسب القصٌدة ‪..‬‬
‫هكذا أنا دائما ‪ ..‬أبحث عن عبلقتً بمعانً األشٌاء وإن كان حتى لٌس لً بها عبلقة ‪ ..‬أخلق ما‬
‫ٌربطنً بها وأجعلها تدور فً فلكً ‪ ..‬ال أتخٌل أن فً هذا الكون شًء لٌس له صلة بً ‪ ..‬لٌس‬
‫ألننً مجنونة أو مصابة بالـ”شٌزوفرنٌا” كما كنت أذاكر فً فرع “األمراض النفسٌة” بمادة‬
‫الباطنة ‪ ..‬حٌن ٌصاب مرٌض الشٌزوفرنٌا بـداء “العظمة” وٌظن أن الكون ٌتآمر ضده وأنه‬
‫أفضل من كل الخلق ‪ ..‬وإنما ألننً أثق أن هللا حٌن خلقنا من ماء وتراب فإنه جمع ذرات هذا‬
‫التراب من كل مكان فً الوجود ‪ ..‬لٌكون كائن ال ٌحصى ‪ ..‬كائن عصً عن الفهم والشرح‬
‫واالستٌعاب واالحتواء ‪ ..‬كائن بإمكان قلبه الصؽٌر أن ٌحتمل كل شًء وٌصل ألي شًء ‪..‬‬
‫كائن جدٌر بؤن ٌكون ورٌثا هلل على أرضه ‪ ..‬أفكر فً بٌت الشعر مرة أخرى وأتساءل هل كتب‬
‫اٌلوار قبل أن ٌموت وقال أن القمم تبلقت أخٌرا وأن بٌته صار له سقؾ؟ ‪..‬ربما كان ٌعنً‬
‫بالقمم “األفكار” ‪ ..‬وفً أمتً لكل فرد سماإه الخاصة ‪..‬ألهذا لٌس من نصٌب بلدي أن ٌؽدو له‬
‫سقفا مرة؟ ‪ ..‬ربما ‪ ..‬لن أفكر فً بٌت الشعر بهذه الصورة ‪ ..‬وسؤتخٌله أبسط مما ٌمكن أن‬
‫ٌكون ‪ ..‬سؤتجاهل المعانً و أنظر للمفردات… للبٌت ‪ ..‬وللسماء ‪ ..‬للكلمة التً بدأت عندها ‪..‬‬
‫واألخرى التً أمضً بإتجاهها ‪!..‬‬

‫قلت فً ردي على تعلٌق للنص السابق ‪“ :‬للبٌوت روح وجسد ‪ ..‬ولؤلماكن مبلمح إنسانٌة تشبهنا‬
‫‪..‬وأن أبؤس مكان سٌبدو جمٌبل إن حاولنا اكتشاؾ مكامنه !” ‪..‬وأفكر اآلن كٌؾ بإمكان بٌتً أن‬
‫ٌشبهنً كما ٌشبه العش شكل الطائر؟ ‪..‬أو كما ٌشرح “جول مٌشٌلٌه” عن “هندسة الطٌور”‬
‫…‪ .‬العصفور بالنسبة لمٌشٌلٌه عامل بناء دون أدوات ‪..‬لٌس له “ٌد السنجاب وال أسنان القندس”‬
‫… ٌكتب‪”:‬الواقع أن جسد الطائر هو أداته ‪..‬أعنً بذلك صدره الذي ٌضؽط به فٌقوى مواده‬
‫حتى تصبح مرنة ‪..‬متسقة ومتكٌفة للخطة العامة” ‪..‬وٌشٌر مٌشٌلٌه أن شكل العش ٌشبه قوقعة‬
‫صنعت بالجسد ومن أجل الجسد ‪..‬ومن خبلل الدوران المستمر والضؽط على الجدران من كل‬
‫جانب ٌنجح الطائر فً تكوٌن دائرة ‪ٌ ..‬ضٌؾ‪”:‬البٌت هو شخص العصفور بذاته ‪..‬إنه شكله‬
‫وجهده المباشر ‪..‬وأستطٌع القول أنه معاناته‪..‬النتٌجة تتحقق من الضؽط المتكرر المتواصل ‪..‬ال‬
‫توجد ورقة عشب واحدة لم ٌتم ضؽطها مرات ال حصر لها بصدر الطائر وقلبه ‪..‬وربما أٌضا‬
‫بواسطة تنفسه الذي أصبح ثقٌبل ‪..‬وربما بنبضات قلبه وذلك لجعل ورقة العشب تنحنً وتثبت‬
‫على انحنائها”‪ٌ ..‬اهلل ! الصورة رائعة الوصؾ ‪..‬لٌس بإمكانً أن أنساها ماحٌٌت ‪..‬لٌس بإمكانً‬
‫أن أنسى هذا العش الذي ٌنبع من حلم الحماٌة ‪ ..‬الحماٌة المتكٌفة ألجسادنا ‪ ..‬الحماٌة عبر أحبلم‬
‫البٌت‪ /‬الثوب ‪ ..‬ماذا لو أقمنا بٌوتنا على هذا الشكل الذي ٌحلم به مٌشٌلٌه‪..‬وأن ٌكون لكل منا‬
‫بٌته الشخصً ‪ ..‬عشا لجسده ‪ ..‬مفصبل حسب مقاسه ‪ ..‬كما فً رواٌة “كوالس بروؼنون” لـ‬
‫“رومان روالن” حٌن ٌرفض البطل بعد تجارب كثٌرة بٌتا أوسع وأنسب ‪ٌ..‬رفضه باعتباره ثوبا‬
‫ال ٌناسبه‪ٌ ..‬قول‪”:‬إما أن ٌتهدل علً أو ٌضٌق حتى تتمزق أجزاءه المخٌطة” ‪!..‬‬

‫نحن نعٌش ؼرٌزة العصفور على نحو ساذج ‪ ..‬العش هو حزمة ؼنائٌة من أوراق الشجر‬
‫‪..‬حزمة منخرطة فً سبلم الدنٌا ‪..‬نقطة فً محٌط السعادة الذي ٌحٌط باألشجار الكبٌرة !‬
‫وهكذا نحن أٌضا ! ‪ ..‬حٌن نختار ألنفسنا بٌتا‪..‬فإننا نختاره فً المنبع الذي نشعر فٌه بثقتنا بالعالم‬
‫‪..‬هل كان ممكنا للعصفور أن ٌبنً عشه لو لم ٌملك ؼرٌزة الثقة بالعالم ؟ ‪..‬إن بٌتنا ٌصبح عشا‬
‫فً محٌط سعادتنا ‪ ..‬نعٌش به فً سبلم تام مع كل أحبلم األمان ‪ ..‬العش مثل بٌت الحلم ‪ ..‬وبٌت‬
‫الحلم كالعش ‪ ..‬ونحن طٌور صؽٌرة حٌن ٌشعر قلبها بالسعادة ٌصبح بإمكانها أن تحلق عالٌا ‪..‬‬
‫عالٌا ‪ ..‬بإتجاه السماء !‬

‫لٌت النهر ترعة سعٌدة !‬

‫عدت من الجامعة إلى قرٌتً الصؽٌرة بعد االمتحان من طرٌق مختلؾ تماما أسٌر علٌه للمرة‬
‫األولى ‪ ..‬أطول كثٌرا لكنه مسلً جدا ‪ ..‬كنت ممتلئة بالضحك والدهشة والتؤمل ‪ ..‬الطرٌق‬
‫ٌمضً بمحاذاة ترعة طوٌلة جدا ورؼم أننً فتاة رٌفٌة من قمة شعري حتى كعب حذائً إال أن‬
‫كل ما وقع علٌه بصري الٌوم كان جدٌدا جدا على عٌنً ألن بلدتً تفتقده كثٌرا ‪ ..‬ربما ألنها‬
‫لٌس بها ترعة وأنا ال أفهم كٌؾ لقرٌة أن تكون ببل ترعة؟ ‪..‬كؤنها إبرة ببل خٌط ‪..‬أو مصباح ببل‬
‫ضوء ‪..‬أو شجرة ببل ورق ‪ ..‬كؤنها شًء ما عصً عن االكتمال ‪ ..‬فً الحقٌقة كان هناك ترعة‬
‫صؽٌرة تسٌر بطول القرٌة وتم ردمها من سنوات بعٌدة كطرٌقة وقائٌة ضد الناموس والحشرات‬
‫‪ ..‬كنت حٌنها صؽٌرة جدا وكنت أذاكر درس أعمال محمد علً باشا الكبٌر التً مازلنا نفخر‬
‫بها حتى اآلن فً مادة الدراسات االجتماعٌة ‪ ..‬كان من أهمها شق الترع والقنوات ‪..‬وكنت‬
‫أرددها كثٌرا ألحفظها وسط صخب آالت الردم تقارب منزلً ‪..‬أرددها وأنا أتساءل كٌؾ ٌكون‬
‫شق الترع إنجازا ‪ ..‬وردمها إنجازا أٌضا؟ … لم أفهم هذا أبدا ‪ ..‬لكننً تجاوزته وكفى ‪!..‬‬

‫من الشباك أراقب فتٌان ٌسبحون فً الترعة كقرامٌط صؽٌرة ‪ٌ ..‬رشقون بعضهم بالمٌاه‬
‫وٌكركرون ‪ ..‬أضحك علٌهم وأنا أصنع من ورقة االمتحان مروحة صؽٌرة أهوي بها على‬
‫وجهً … أحسد انتعاشهم وأتمنى لو كنت فتى صدٌقهم ٌلهو معهم وٌسبح ؼٌر عابئا على‬
‫اإلطبلق بؤي عدوى فٌروسٌة أو بلهارٌسٌا تخترق جلده وتراوده عن صحته ‪!.‬‬

‫على حافة الترعة ٌنتشر نبات البوص وأشجار الموز ‪ ..‬ونساء وفتٌات ٌؽسلن الصحون‬
‫والمبلبس ‪ ..‬أشفق علٌهن وأراهم طٌبٌن جدا حد أنهم قادرٌن على ؼسل الترعة بطٌبتهن‬
‫وقلوبهن البٌضاء ‪ ..‬ال أعرفهم لكننً أتٌقن من أنهم بمنؤى تام عن كل الصراعات واألحقاد‬
‫والضؽائن والتلوث الذي ٌطول كل العالم وٌبعد كلٌومترات قلٌلة فقط عن ترعتهم وأرواحهم ‪!.‬‬

‫بطول الترعة وعلى مسافات متباٌنة ٌجلس رجال عجائز بٌد كل واحد منهم سنارة طوٌلة‬
‫ٌطوحها فً الهواء قبل أن ٌلقٌها فً الماء وٌنتظر … أندهش منهم ألننً دائما ما فكرت أن‬
‫الصٌد ٌلٌق بالصؽار فقط ‪ ..‬فً صؽري كنت أنطلق دائما مع محمود ابن خالً لنصنع‬
‫السنارات ونذهب للصٌد‪ ..‬ورؼم أن أمً كانت توبخنً دائما على هذا إال أننً كنت وقعت فً‬
‫ؼرام الصٌد فً تلك الفترة من حٌاتً ‪ ..‬أتذكر اآلن لحظات سعادتً حٌن كنت أهرب من أمً‬
‫وأرافق عمرو و ولٌد لؤلراضً الطٌنٌة ‪ ..‬نستخرج الدود من التربة ‪ ..‬نقطع الدودة الطوٌلة‬
‫نصفٌن ‪ ..‬ونضعها فً حلقة السنارة كطعم للسمك … كؤبو قردان سعٌد ٌجوب الحقول ‪ ..‬كانت‬
‫فرحتنا بالعثور على الدود ال توصؾ … أتذكر آخر مرة رافقتهم فً رحبلت صٌدنا الصؽٌرة‬
‫هذه ‪ ..‬وكانت “آخر مرة” ألننً تشاجرت ٌومها مع ولٌد وتوعدنً بالضرب إن رافقتهم فً‬
‫رحلة أخرى ‪ ..‬بعدها قررت الذهاب وحدي والقٌام بكل شًء وحدي ‪ ..‬حملت سنارتً على‬
‫كتفً كصٌاد همام وطبق ببلستٌك صؽٌر فً ٌدي ألضع فٌه السمك ‪ ..‬وجلست تحت شجرة‬
‫طوال النهار أدعو بخشوع شدٌد من أجل ؼمزة ‪ ..‬وحٌن عدت البٌت آخر الٌوم بقرموط صؽٌر‬
‫وبضعة سمكات وطلبت من أمً أن تقلٌهم لً فً الزٌت ‪ ..‬ضربتنً ‪ ..‬و توعدتنً هً األخرى‬
‫بالضرب مرة ثانٌة إن كررت فعلتً ‪ ..‬كانت تخشى علً من االنزالق فً الماء والؽرق ‪ ..‬لم‬
‫تعرؾ أبدا أنها فً هذه اللحظة تحدٌدا حولتنً من “صٌادة” لـ سمكة ‪ ..‬ومن أبو قردان لـ طعم‬
‫‪ ..‬ومن فتاة تمتلك رئتٌن ‪..‬ألخرى تتنفس بخٌاشٌم … أتذكر اآلن حٌن قلت أول أمس أننً “فً‬
‫قدم الدنٌا ‪ ..‬كرة “… وأشعر أن الجملة الصحٌحة هً أننً “فً بحر الدنٌا ‪ ..‬سمكة ساذجة‬
‫وحٌدة ‪ ..‬تبتلع الطعم دائما !”‬

‫أعود للترعة السعٌدة التً مررت بطولها الٌوم ‪ ..‬ماذا كان بها أٌضا؟ ‪ ..‬آه ‪..‬على الضفتٌن‬
‫أعمدة إنارة ‪ ..‬وأسبلك الكهرباء تمر من فوق الترعة لتصل بٌن األعمدة ‪ ..‬على األسبلك تحط‬
‫أسراب العصافٌر ‪ٌ ..‬توزعون على الثبلثة أسبلك كحروؾ موسٌقٌة ‪ ..‬شعرت لحظتها أننً‬
‫أمام نوتة موسٌقٌة هائلة ‪ ..‬ولٌس ثمة موسٌقار ٌعزفها ‪ ..‬تمنٌت لو امتلكت عصا اوركسترا‬
‫وجناحٌن ألحلق فً الهواء بمحاذاة األسبلك وأطلق الموسٌقى من أعشاشها ‪ ..‬تؤوهت فً قلبً‬
‫وأنا أردد “الجمال من هنا ٌفٌض ‪ ..‬وٌؽرقنً وحدي !”‬

‫عدت وأنا أتنفس من خٌاشٌمً ‪..‬وأنوي الكتابة عن كل هذا فور أن أصل إلى المنزل ‪ ..‬عن‬
‫طاولة البلٌاردو المنصوبة على حافة الترعة أسفل سقؾ عشة وتدعو للضحك ‪ ..‬عن الحمار‬
‫الذي ٌهز ذٌله بسعادة وهو ٌتناول البرسٌم‪ ..‬عن الصبٌٌن اللذٌن ٌقودان جرار زراعً وٌمصان‬
‫القصب ‪ ..‬عن القارب الصؽٌر الذي ٌجلس به رجل وامرأة ٌلقٌان بالشباك فً منتصؾ الترعة‬
‫دون أن ٌخطر ببالهما أن وضعها هذا رومانسً جدا وأن ثمة فتاة فقٌرة ‪_..‬رٌفٌة أٌضا _ تمر‬
‫على الطرٌق مسرعة تحلم بقارب ٌشبه قاربهما و لحن ٌدور فً قلبها ونهر صؽٌر توافق على‬
‫استبداله بترعة سعٌدة !‬

‫أنا أعٌش فً جلباب أبً !‬

‫كنت االبنة المدللة ألبً حتً سن العاشرة ‪ ..‬وهذا ال ٌعنً أنه ما عاد ٌدللنً ‪ ..‬لكن أمور كثٌرة‬
‫تؽٌرت من هذا الحٌن ‪..‬وسؤصحح وأضٌؾ ‪..‬أمور كثٌرة فً رأسً تؽٌرت منذ هذا الحٌن ‪..‬‬
‫طوال سنواتً األولى كنت أرفض النوم إال فً حضنه ‪..‬وكانت حٌل أمً كثٌرة حٌن ٌصادؾ‬
‫مٌعاد نومً مع عدم وجود أبً ‪ ..‬كالحكاٌات والؽناء ‪..‬ولؾ خصبلت شعري حول اصبعها‬
‫بنعومة وهدوء ٌجعبلنً أنام فً الحال ‪ ...‬واعترؾ أننً أدمنت هذه األشٌاء فٌما بعد ‪..‬وصارت‬
‫تشبه حبوب النوم ‪ ..‬ومن األسرار الصؽٌرة فً حٌاتً أننً حتى الٌوم إذا مس أحد شعري أو‬
‫حاول أحد من اخواتً اللعب فً خصبلته فؤنا أشعر بالنعاس فورا و أنام بطرٌقة تشبه السحر‬
‫‪ ..‬ولكن أبً لم ٌكن بحاجه لكل هذه الحٌل ‪ ..‬حضنه كان كافً ألن ٌشعرنً باألمان فً لحظة‬
‫فؤنام ‪ ..‬وهذا ٌدفعنً ألتساءل ‪":‬هل النوم شعور باألمان ؟ ‪ ..‬وهل األمان ٌعنً أبً؟" ‪ٌ ..‬بدو‬
‫هذا صحٌحا ‪ ..‬وصحٌحا جدا ‪..‬ألننً منذ أن ؼادرت هذا الحضن إلى حضن أوسع بحجم الحٌاة‬
‫لم أشعر بالنعاس !‬

‫لم أر فً حٌاتً أبا أحن من أبً ‪ ..‬هذا الحنان الذي كان ٌؽرقنا به صؽارا ‪..‬كؤن ٌقبل رإوسنا‬
‫جمٌعا فور دخوله المنزل ‪ ..‬وحٌن كبرنا قلٌبل ‪ ..‬صرت أرى حنانه فً دمعة فرح ٌوارٌها بكل‬
‫الطرق حٌن ٌحدث شٌئا سعٌدا ألحدنا ‪..‬أكثر ما أفتقده هذه اللحظة عندما كنت صؽٌرة وكنت‬
‫أجري إلى سلم البٌت فور سماع خطواته آتٌة من البعٌد عقب كل صبلة ‪ ..‬لٌتلقفنً كـ كرة‬
‫صؽٌرة مسرعة موجهه إلٌه مباشرة ثم ٌرفعنً مرات كثٌرة ألعلى ‪ ..‬كانت هذه أسعد لحظات‬
‫حٌاتً ‪ ..‬وكنت أسمع كل خلٌة فً جسدي الصؽٌر وهً تضحك بفرح ‪ ..‬وال أدري ما الذي‬
‫دفعنً فً سنوات تالٌة لهذه الفترة أن أرسم طرٌقا معاكسا لكل الطرق التً ٌمضً بها أبً ‪..‬‬
‫عن عصٌان ‪ ..‬أم عن تمرد ‪..‬أم عن ماذا تحدٌدا كنت أفعل هذا ‪ ..‬رؼم أن أبً هو الشخص‬
‫الوحٌد الذي رفض ومازال ٌرفض افبلت ٌدي من ٌده ‪ ..‬لكننً كنت أن أجرب الحٌاة وحدي ‪..‬‬
‫وأن أفهم ‪ ..‬الزلت أذكر رد معلمً فً المدرسة حٌن أبدى أبً قلقه علً فقال‪":‬ال تقلق على‬
‫دعاء‪ ..‬فهً تستطٌع السفر وحدها إلى النصؾ اآلخر من الكرة األرضٌة والعودة كؤنها لم تفعل‬
‫شٌئا مهما ‪ ..‬و دون أن تصاب بخدش !" و رؼم هذا قلق أبً ‪!..‬‬

‫كنت أبتعد وأقول ‪":‬أنا بعٌدة"‪..‬لكننً اكتشفت أن هذه التً تفكر طوال الوقت كٌؾ تتمرد على‬
‫كل شًء ‪ ..‬وكٌؾ تصنع شخصٌتها البعٌدة عن كل من تعرفه ‪ ..‬وكل ما ٌحاول أحدهم تعلٌمه‬
‫لها ‪ ..‬أكتشؾ أننً أقترب من خطوات أبً ‪ ..‬فً كل خطوة أخطوها وحدي ‪..‬أكتشؾ أن كل‬
‫الطرق بٌن عالمً وعالمه دائرٌة ‪ ..‬وأننً ال أفعل شٌئا سوى أن أكونه !‬

‫مإخرا تنبهت لشًء خطٌر لم ألحظه من قبل ‪ ..‬أننً الوحٌدة فً البٌت التً لها نفس حركات‬
‫أبً ‪ ..‬نفس طرٌقته فً الجلوس ‪ ..‬فً شرب الشاي ‪ ..‬فً االصؽاء ألحد ٌتحدث ‪..‬فً الصمت‬
‫‪ ..‬فً وضعٌة النوم ‪ ..‬فً التفكٌر ‪..‬فً العصٌان ‪ ..‬فً قول "ال" ‪ ..‬فً كل شًء ‪ ..‬كل شًء‬
‫‪..‬فهل معنً هذا أن من نتحاشى تقلٌده فً أي شًء ‪..‬نكون فً النهاٌة نسخة منه فً كل شًء ؟‬

‫هذه األٌام أنا أمضً معه فً مشاوٌر كثٌرة ‪ ..‬وصارت ٌدي المشبوكة فً ذراعه هً حلقة‬
‫األمان التً تضمنً ‪ ..‬وصرت ال أرٌد أن أؼادرها ‪!.‬‬

‫فً مسرحٌة حٌاتً ‪ ..‬أنا بطلة بالصدفة !‬


‫سحر صدٌقتً تدعونً لبلنضمام لفرٌق المسرح ‪..‬ال أعرؾ لماذا جاءتنً أنا بالذات لتقدم لً‬
‫هذه الدعوة ‪ ..‬لم أسؤلها ‪..‬لكننً شعرت بلمعة فً عٌنً أضاءت الصورة أمامً للحظة‬
‫‪..‬بحاجبٌن مرفوعٌن لٌتٌحا لبقٌة مبلمحً مساحة أكبر للتهلٌل‪" ..‬وااااااو‪..‬فرٌق المسرح!!"‬
‫تعلقت بالفكرة كطفل ٌتشبث بكل المشاوٌر وٌنطق لكل شًء ‪":‬أنا عاوز من ده !" ‪..‬بنفس‬
‫حماسً الكبٌر من عدة أٌام حٌن علقنً صدٌق فً مشوار لمبارة مصر والجزائر ‪..‬وتركنً‬
‫معلقة حانقة ‪..‬ألن أمً رفضت ‪..‬دون أن تعطٌنً مساحة ضٌقة حتى للنقاش ‪..‬فجلست بجوارها‬
‫أزفر واتمتم‪ٌ ":‬ووووه بقا ‪ ..‬كل حاجه أل ‪..‬أل!" ‪ ..‬وهً تتصفح كتاب فً ٌدها وتتظاهر بعدم‬
‫سماعً ‪..‬أعلً من نبرة صوتً ‪ ..‬وال فائدة ‪..‬تبدو منهمكة بالقراءة جدا ‪ ..‬أعود لؽرفتً بدبدبة‬
‫فً األرض و حنق متزاٌد ‪..‬ؼاضبة من صدٌقً الذي علقنً بفكرة على ارتفاع سطح منزلنا‬
‫ومضى‪ٌ ..‬دي متشبثة بالسور ‪..‬جسدي متدلً ألسفل وأصابعً تتزحلق ‪ ..‬نفس الوضع الذي‬
‫تركنً علٌه ابن عمً أمس حٌن اقترح مشوار مجنون جدا إلى مولد السٌد البدوي _الذي ٌوافق‬
‫الٌوم_ "اللٌلة الكبٌرة" كما ٌقول ‪ٌ..‬خبرنً عن " الشوادر" ‪..‬فتعلو عبلمة االستفهام رأسً كما‬
‫فً أفبلم الكرتون ‪ٌ..‬شرح ‪ :‬شوادر جمع شاردة وهً خٌمة كبٌرة للذكر ‪..‬شعرت لثانٌة أننً‬
‫أتحدث مع المعجم المحٌط! ‪..‬أسؤله ‪ :‬هل ٌتطوحون هناك وهم ٌهتفون ‪":‬هللا حً ‪ ..‬سعده جً"‬
‫‪ٌ ..‬نفً وٌنقطع الخط دون تفاصٌل أكثر ‪ ..‬وبالطبع ال أحاول الذهاب ألمً واالستئذان منها‬
‫ألنها هذه المرة لن تنهمك فً القراءة وتدعى عدم سماعً كما فعلت من عدة أٌام ‪..‬وإنما‬
‫(‪ .. )..................‬تجنبت الشر وجلست وحدي أتخٌل "القراطٌس" الملونة ‪..‬والرجل الذي‬
‫ٌدور وهو ٌشبه الطاحونة دون أن ٌسقط أو ٌنتابه الدوار ‪ ..‬و"مراجٌح الموالد" التً لم أرها فً‬
‫حٌاتً سوى على شاشات التلفزٌون ‪ ..‬هذا إلى جانب المجانٌن اللذٌن سؤتؤملهم بدهشة ونظرة‬
‫ساخرة وهم ٌتمسحون بضرٌح سٌدي "مش عارؾ اٌه" وتتوسل احداهن ‪":‬ساٌق علٌك النبً‬
‫الواد ٌقبل فً المدرسة السنة دي !" ‪..‬لو ذهبت الٌوم سٌكون أجرأ ما أقدمت على فعله هذا العام‬
‫‪ ..‬لكن ما الجدوى من ذهابً ‪..‬وأنا أعرؾ أننً سؤعود ببل "حمص" _ألننً ال أحبه أصبل_‬
‫‪..‬وال ٌوجد مولد ببل حمص ‪ ..‬زفرة أخرى دون تمتمة ودبدبة هذا المرة ‪..‬وأعود لجسدي المعلق‬
‫فً الهواء للمرة الثالثة فً أسبوع واحد بسبب فكرة المسرح هذه ‪..‬سحر تتمنى قدومً ‪ ..‬و‬
‫تشجعنً للذهاب ‪ ..‬وأنا بعد كل التعابٌر الحماسٌة التً ظهرت على وجهً أخبرها أننً سؤفكر‬
‫فً األمر ‪ ..‬وؼالبا سآتً ؼدا! ‪ ..‬تقول أننً سؤقوم بتؤدٌة دور صؽٌر من رأسً أمام المخرج‬
‫أوال كً ٌقرر إن كنت أصلح أو ال ‪..‬فكرت لحظتها أننً سؤمثل مشهد من فٌلم " ‪gone with‬‬
‫‪ "the wind‬حٌن عادت سكارلٌت أوهارا إلى "تارا" بعد أن حرقها الشمالٌون‪ ..‬تكاد تموت من‬
‫الجوع تنحنً على األرض تفتش فً الحقل عن شًء تؤكله حتى تجد جزرة ٌابسة_ وهً أمٌرة‬
‫القصور_ فتقوم وتقؾ فً مكانها وهً تمسك الجزرة وتقول بمرارة وقوة ‪ ":‬أقسم أنً لن أجوع‬
‫ثانٌة ‪..‬حتى لو اضطررت أن أكذب أو أخدع أو أسرق أو حتى أقتل ‪..‬لكن أقسم أنً لن أجوع‬
‫ثانٌة" هذه الجملة التً لخصت شخصٌة سكارلٌت أوهارا فً الفٌلم بؤكمله ‪_ ..‬أعشقها !_‬

‫ما ٌهم أننً تراجعت عن الموضوع بؤكمله حٌن تذكرت آخر مسرحٌة شاركت بها فً أٌام‬
‫المدرسة ‪ ..‬حٌن جعلونً أرتدي شٌئا أبٌضا فضفاض جدا بتفصٌلة ؼرٌبة ال أعرؾ كٌؾ‬
‫تمكنت من ارتدائه لكننً كرهت شكلً جدا به ‪..‬ولم ٌكن هناك مساحة لبلعتراض أو التراجع ‪..‬‬
‫وما زاد الطٌن بلة ‪..‬الكحل الذي أخفوا به عٌنً حتى شعرت بدائرتان سوداوتان ٌكادا ٌبلعا‬
‫وجهً ‪..‬كؤنهما هاوٌتان ال عٌنان ‪ ..‬كنت أمتلك جسد مبلك و وجه شٌطان ‪ ..‬وكنت فً الدور‬
‫أفرد ذراعً أمامً وأتفوه بكبلم ال أتذكره اآلن ‪ ..‬ألنه لم ٌكن كبلم مضحك وال شٌق ‪..‬كان‬
‫حدٌثا ال أفهمه ‪..‬ساعدنً أحدهم فً حفظه ورددته بؽباء كببؽان ‪..‬مع بعض الحركات كبهلوان‬
‫‪ ...‬أووووه هذا سًء جدا ‪...‬لن أعٌد التجربة مرة أخرى ‪ ...‬آسفة ٌا سحر !‬

‫وحــــدة !‬

‫كنت أتحدث مع صدٌقً عن جدوي مقاطعة الفٌس بوك ألربعة وعشرٌن ساعة ‪ ..‬أخبرته عن‬
‫عدم فهمً لهذا الفعل وأنه أوال وأخٌرا لن ٌفٌد فً شًء ‪ٌ ..‬خبرنً أنه كتهدٌد آلدمن الفٌس‬
‫البوك أننا كمسلمٌن قد نترك الموقع جمٌعا فً أي لحظة احتجاجا على المجموعات المسٌئة‬
‫لبلسبلم _رؼم أن هذا لن ٌحدث_ ‪ٌ..‬ضٌؾ ‪..‬أنه فعل ٌشبه مظاهرة ‪..‬ال أكثر من هذا وال أقل ‪..‬‬
‫وبعدم اقتناع ‪ ..‬تضامنت وقاطعت ‪ ..‬رؼم أننً قاطعت المظاهرات منذ فترة طوٌلة ‪ ..‬تعود‬
‫ألٌام المدرسة ‪..‬حٌن كنت "مجنونة صؽٌرة" مبهورة بؤفبلم السٌنٌما من نوع " جمٌلة بو حرٌد"‬
‫و "ؼروب وشرق" و " فً بٌتنا رجل" ‪..‬رؼم أن للفٌلمان األخٌران قصة أخرى معً قد أحكٌها‬
‫الحقا ‪ ..‬كنت ثائرة ضد االرهاب االسرائٌلً على فلسطٌن ‪ ..‬ووجدتنً احدى المعلمات سمكة‬
‫ساذجة تبتلع خطاؾ سنارة دون طعم‪ ...‬وجدتنً مستعدة لقٌادة مظاهرة طبلبٌة _عفوا ‪ ..‬أقصد‬
‫تبلمٌذٌة_ دون أن تبذل جهدا فً تحفٌزها واقناعها‪....‬شجعتنً وحرضتنً أكثر ‪ ..‬ج َم َعت‬
‫الطبلب حولً ‪ ..‬حددت ٌوما ومٌعادا ‪ ..‬وانطلقنا ‪..‬قمنا بكل ما كان منتشرا وقتها كـ " موضة"‬
‫من حرق العلم االسرائٌلً ‪ ...‬وأشٌاء أخرى ال أتذكرها _وربما ال أحب أن أذكرها_ ‪...‬هذا إلى‬
‫جانب اضافاتً الشخصٌة والتً كانت كلها صبٌانٌة جدا ‪..‬مجنونة جدا و مرحة جدا فؤؼرت‬
‫الكثٌرٌن من المتفرجٌن بالمشاركة لٌتضاعؾ العدد فً وقت قصٌر ‪..‬شعرت بالزهو لحظة‬
‫رأٌت أعداد كثٌرة حولً ‪ ..‬كؤنه نصر ‪ ...‬نصر على ماذا ‪ ..‬ومن هو المهزوم ‪..‬ال أعرؾ ‪!..‬‬

‫وفً ؼمرة فرحً ‪ ..‬وانفعالً ‪ ..‬واحمرار وجهً ‪ ..‬أمسكنً مدٌر المدرسة _من شعري زي ما‬
‫بٌقولو """هذا تعبٌر مجاااااااااااازى"""_ وهو ٌدعونً باالرهابٌة الصؽٌرة ‪ ..‬وٌتوعدنً بكل ما‬
‫هو سًء ومخٌؾ ‪ ..‬وبالطبع لم ٌكن ٌقصد حجرة الفئران ‪..‬فقد عرفت لحظتها أنه ال وجود لهذه‬
‫الحجرة‪ ..‬ألنه حٌن ؼرقت السفٌنة ‪..‬كانت الفئران أول الهاربٌن ‪!.‬‬

‫وجدتنً وحدي ‪ ..‬ال أحد ٌتوسط لً أمام مدٌر المدرسة ‪ ..‬فتاة مطلوب ولً أمرها ‪ ..‬تقؾ فً‬
‫منتصؾ طابور الصباح ‪..‬عبرة لمن ٌعتبر‪ ..‬مع خطبة مطولة لمدٌر المدرسة _الثرثار بطبعه_‬
‫عن العقاب الذي سٌحل بً ‪ ..‬وكٌفٌة تشرٌدي ‪ ..‬فً هذه اللحظة ‪..‬ألحت على رأسً كل‬
‫البطوالت التً توهمها أصحابها ‪ ..‬لم أدمع ‪..‬ولم أنطق بحرؾ طوال وقفتً هذه ‪ ..‬حتى وهو‬
‫ٌسؤلنً بؽضب عن أصدقائً المشاركٌن معً ‪ ..‬لم أنطق ‪..‬كنت أراهم واقفٌن فً الطابور ‪..‬‬
‫فً فصولهم ‪..‬فً أمكنتهم ‪ ..‬و وحدي واقفة دون أصدقاء ‪ ..‬دون فصل ‪..‬فً مكان عرفت بعدها‬
‫أنه كان مكانً‪ ..‬لٌس ألننً أنتمً لعالم التمرد والمشاؼبة واالرهاب ‪ ..‬ولكن ألننً ال أنتمً‬
‫لعالم الفئران ‪ ...‬أما عن المعلمة التً كانت سببا رئٌسٌا فً وقفتً هذه ‪ ..‬كنت تقؾ بجوار‬
‫المدٌر ‪ ..‬بجواره تماما ‪...‬تستمع لخطبته وتهز رأسها موافقة ‪ ...‬ولٌس بإمكان أحد أن ٌتخٌل‬
‫شعور فتاة فً عمر طري جدا كؽصن حبة الفول النابتة داخل قطعة القطن التً وضعتها بمعمل‬
‫العلوم قبل أن تخرج مباشرة للمظاهرة ‪ ..‬ال أحد ٌتخٌل شعور فتاة تشعر بخذالنها األول من كل‬
‫من ظنتهم ظهرها ‪ ..‬الذي انقصم فً هذه اللحظة ‪ ..‬من أصدقائها ‪ ..‬من معلمتها المفضلة ‪ ..‬من‬
‫مدٌرها الذي كان ٌقدرها لكونها طالبة متفوقة ‪ ..‬هذه اللحظة _دون أن أعً_ كانت فاصلة فً‬
‫حٌاتً ‪..‬تؤكدت أننً إذا سقطت ‪..‬فلن ٌتلقفنً أحد ‪..‬ولن ٌكون هناك من ٌمسك ذراعً‬
‫وٌساعدنً على النهوض ‪..‬أدركت تماما ان االنسان ٌكون وحٌدا حٌنما ٌحس أنه بحاجة‬
‫لآلخرٌن ‪..‬وأنه ٌجد نفسه محاطا باآلخرٌن حٌنما ال ٌحس أنه بحاجة إلٌهم ‪ ..‬ومن ٌومها ‪ ..‬وأنا‬
‫أقع وأنهض وحدي ‪..‬أنفض الؽبار عن مبلبسً بسرعة ‪..‬وأواصل السٌر !‬

‫مسافرة إلى أؼنٌة فً صدري !‬

‫لن أقول أننً فتاة بقلب جرٌح مكسور فائض بالخٌبة ‪ ..‬ألننً ال أجٌد تمثٌل هذا الدور ‪ ..‬وكما‬
‫أخبر صدٌقً دائما ‪ ":‬أنا فتاة صامدة ‪ ..‬صامدة حتى النهاٌة ‪ ..‬وإن كنت أتؤلم أو أفتعل األلم‬
‫أحٌانا ‪ ..‬فؤنا أستطٌع تجاوز أي شًء ‪ ..‬مهما كان " ‪ ..‬كل الطعنات التً أصابت قلبً مباشرة‬
‫تدوات والتؤمت تماما من فترة لن أسمٌها قصٌرة وإن كانت كذلك ‪ ..‬ألننً ال أملك إال عمري ‪..‬‬
‫وٌوم واحد هو شًء كبٌر جدا أندم على تفوٌته ‪ ..‬ولكن كل الجروح واالصابات تحتاج بعد‬
‫مداواتها لعبلج طبٌعً ‪..‬لطبٌب ٌعٌد الحٌاة فً الجزء الذي أنهكه الجرح وأضعفه سوء‬
‫االستخدام ‪ ..‬وهذا ما ٌحتاجه قلبً تماما ‪ ..‬سبلمته من أي خدش فً هذه اللحظة ال ٌعنً أنه‬
‫سٌقوم بوظٌفته بؤحسن ما ٌمكنه أن ٌفعل ‪ ..‬فً الحقٌقة كنت أعتقد هذا ‪ ..‬كنت أعتقد أنه برأ‬
‫تماما حٌن ألقٌت بقمٌص الحب على وجهه فارتد نابضا ‪ ..‬حٌن اعتقدت أننً بإمكانً أن أتبع‬
‫العبلمات على الدرب وأخطو بثقة مرة أخرى وأنا أردد قصٌدة لمحمود دروٌش تشبه ‪ ":‬هنالك‬
‫حب صؽٌر ٌسٌر على قدمٌه الحرٌرتٌن ‪..‬حب فقٌر ٌبلله مطر عابر ‪..‬فٌفٌض على العابرٌن"*‬
‫‪ ..‬كؤننً أمتلك قلب صبٌة فً الرابعة عشر من عمرها ‪ ..‬فً الصؾ الثانً الثانوي على التحدٌد‬
‫‪ ..‬حٌن ٌكون العالم كله ال ٌزن مثقال ذرة من خردل فً قلبها ‪ ..‬و تمضً وهً تفكر فً لون‬
‫الدماء فً شراٌٌنها الزرقاء ‪ ..‬وتقبض ٌدها وتبسطها وتتخٌل ‪ ..‬هكذا ٌدق قلبها ‪ !..‬وتعٌد حركة‬
‫ٌدها ذاتها بشكل أسرع وأسرع حٌن تخجل ‪ ..‬وحٌن تضطرب ‪ ..‬حٌن تحب ‪ ..‬وحٌن تعشق‪..‬‬
‫حٌن تخاؾ ‪ ..‬وحٌن تفرح ‪ ..‬وحٌن تلهث وراء أشٌاء كثٌرة لن تطالها فً النهاٌة ‪ ..‬لكنها تتٌقن‬
‫من أن قلبها ٌدق أسرع وأسرع بتناؼم ال مثٌل له مع انقباض ٌدها وانبساطها ‪ !...‬كانت فتاة‬
‫ساذجة جدا ‪ ..‬تفكر فً قلبها ورئتٌها كثٌرا ‪ ..‬وتدعً أحٌانا أنها تحب من كل رئتٌها ‪ ..‬وحٌن‬
‫ٌصحح لها أحدهم ‪ ":‬أنت تحبٌن من كل قلبك !" تنفً بشدة ‪ ..‬وتجزم أن الهواء العالق على‬
‫رئتٌها تخلل ٌوما رئة من تحب حٌن وقفت فً مواجهته ذات صدفة وقت لم تقدر الدماء أن تفعل‬
‫شٌئا ٌربطهما معا كما الهواء ‪ ..‬تدعً أنها ستحتمل توقؾ قلبها عن الدق ‪ ..‬لكنها لن تحتمل أبدا‬
‫توقؾ رئتٌها عن التنفس ‪ ..‬ألنها حٌن كانت طفلة تسبح مع صبً فً الحادٌة عشر وٌلهوان معا‬
‫بفرٌقً الؽواصٌن الببلستٌكً الذي ٌحمل السٌوؾ ‪ ..‬وٌتبارى فً الوصول إلى الكنز المفقود فً‬
‫أعماق البحار ‪ ..‬فكرت بطمع أن تستولى على فرٌقه وتصل إلى الكنز وحدها لكنه ؼضب و‬
‫وأمسك برأسها وؼمره تحت الماء وهو ٌضحك على ؼرقها الوشٌك ‪ ..‬لم تستطع التنفس‬
‫‪..‬شعرت بالماء فً رئتٌها وكادت تموت ألن كل الهواء على األرض عجز عن الوصول إلٌها‬
‫بٌنما كان قلبها ٌستمر فً الدق دون مباالة ‪_ ..‬ربما أسرع قلٌبل؟ ‪ ...‬ربما_ شعرت به ٌدق ‪..‬‬
‫ولم ٌمكنها هذه المرة أن تقبض ٌدها وتبسطها مع نؽمته ‪ ..‬كل ما تحتاجه كانت أن تتنفس فقط‬
‫!‪ ..‬بعدها لم تستطع أن تقول أنها تحب من كل قلبها ‪ ..‬ألن رئتٌها صارتا األهم ‪ ..‬وصارت‬
‫عبارة ؼزل تشبه ‪":‬قلبً ٌدق بك" ‪ ..‬ال تساوي شٌئا بجوار ‪ ":‬أنا أتنفسك" ‪..‬‬

‫أوووووووه ‪ ..‬تعبت وسؤعترؾ ! ‪ ..‬ال أمتلك الصمود الذي أتحدث عنه فً كل دقٌقة ‪ ..‬أنا‬
‫أتهشم كآنٌة ‪ ..‬قابلة للكسر كؽصن طري ‪ ..‬وتتقاذفنً الرٌاح كالورق الجاؾ ‪ ..‬وأرٌد شخص‬
‫ٌعاملنً بالمس ‪ ...‬كؤننً ثلج مبشور فً راحتٌه ‪ ..‬عبثا ٌحاول دسه عن الشمس كً ال ٌذوب !‬

‫اسم المكان "حنٌن" !‬

‫كانت ٌد رهٌبة تقبض على قلبً وتعصره حتى سال الدم كله‪..‬ال أتؤلم ‪..‬لكننً أشعر أن قلبً‬
‫مجعد كقمٌص خرج من الؽسالة للتو وٌفكر فً المشابك التً ستقرصه بعد قلٌل وفً صفعات‬
‫الهواء الباردة جدا بعد حمام ساخن ‪ٌ..‬تهٌؤ لنزلة برد لن تؽادره سرٌعا … وٌعطس ‪..!.‬الٌد تزٌد‬
‫من قبضتها وقلبً ٌنعصر أكثر‪..‬وٌسقط الماء من عٌنً ‪..‬لم أكن مضطرة ألن أضحك ‪ ..‬لكننً‬
‫ضحكت بصوت عالى رؼم البلل فً عٌنً وصدٌقً ٌحكً عن شجاره الٌومً وٌقلدنً وأنا‬
‫“باٌخة جدا” ‪ٌ..‬سؤلنً عن سبب ضٌقً ‪..‬وٌقول أن هناك نوعٌن من الضٌق ‪..‬نوع إٌجابً حٌن‬
‫ٌؤتً شخص ما أو شًء ما وٌضاٌقك ‪..‬ونوع سلبً حٌن ال شخص ٌؤتً وال شًء لٌسعدك أو‬
‫حتى ٌضاٌقك ‪..‬أخبره أن ضٌقً ٌنتمً للنوع الثانً ‪..‬كإجابة سرٌعة لم أفكر فً صدقها ‪..‬لكننً‬
‫أعرؾ أنها حتى لو كانت كاذبة ‪..‬فؤنا لم اتعمد الكذب ‪..‬وهذا ٌرٌحنً ‪..‬أسؤل أحمد عن أكثر‬
‫مكان ٌحبه فً مصر ‪ٌ..‬قول األسكندرٌة ‪..‬وإجابة مضحكه أخرى ‪..‬وٌلحقها بـ “هع” ‪..‬وأخبره‬
‫أننً أحب الحسٌن ‪..‬وأرؼب بزٌارته حاال‪..‬تتحول لهجته إلى لهجه جدٌة ‪..‬ال أراها ‪..‬لكننً‬
‫أتخٌل أن ضحكته تبلشت ببطء ‪..‬وأضاءت النجوم فً عٌنٌه وهو ٌسؤلنً ” زرتً الكعبة قبل‬
‫كده ٌا دعاء؟” ‪..‬أنفً ‪..‬فٌقول أن الراحة األكبر فً النظر إلٌها ‪ٌ..‬ضع فً سلة أمنٌاتً أمنٌة‬
‫جدٌدة ستبارك حٌاتً اآلتٌة ‪..‬وٌتحدث عن رؼبته الشدٌدة فً زٌارتها‪..‬لوال الوباء المنتشر ‪..‬كان‬
‫ٌتكلم بحب وشوق كبٌر إلٌها ‪..‬كنت متؤكده انه ٌرى الكعبة أمامه فً هذه اللحظة ‪..‬وكنت أشعر‬
‫بالخجل من تخٌلها ‪..‬ونطقت فً نهاٌة كبلمه ” آه” ‪..‬كتصدٌق علٌه ‪..‬أو كـ نقطة ‪..‬ألننً حٌن‬
‫أخبرته أننً أحب الحسٌن لم أكن أقصد “مسجد الحسٌن” كما فهم هو ‪..‬وإنما كنت اعنً مقاهً‬
‫الحسٌن ‪..‬ومحبلت الفضة والخزؾ والتماثٌل الصؽٌرة ‪..‬ورائحة البخور التً تمتصها خبلٌاي‬
‫فؤشعر أننً جمرة منفعلة أشعلتها عجوز طٌبة برداء أبٌض فضفاض ورشت البخور علٌها فً‬
‫صباح الجمعة ‪..‬أفكر فً “قهوة الفٌشاوي” ‪..‬وأتذكر زٌارتً األخٌرة إلٌها ‪..‬وجلوسً أنا‬
‫واألصدقاء إلى طاولة نثرثر ونضحك‪..‬ونستمتع برائحة الهٌل التً تفوح من فناجٌل القهوة ‪..‬فً‬
‫الزاوٌة رجل ٌعزؾ على عوده بحنٌن شدٌد ‪..‬لحنه ٌمزقنً وٌبعثرنً ثم ٌعٌد جمعً على مهل‬
‫‪..‬راقبته حتى انتهى ‪..‬وتفاجؤت به وهو ٌرفع رأسه المائلة إلً وٌبتسم للدمعة فً عٌنً ‪ ..‬حٌنها‬
‫اكتشفت أننً بإمكانً أن أعشق رجل ٌبتسم لدمعتً ‪ ..‬واستؽربت جدا لحكاٌة صدٌقتً التً‬
‫كرهت حبٌبها ‪..‬ألنه ابتسم وهً تسكب دموعها فً كفه ‪..‬وعرفت فٌما بعد أن الفتٌات ٌفضلن‬
‫رجل ٌلتزم الحزن حٌن ٌبكٌن أمامه ‪..‬وأنا أرٌد رجل ٌشرب حزنً وٌضحك ‪!..‬‬

‫الٌد تخفؾ من قبضتها اآلن وقلبً الضٌق كـ نقطة‪ٌ..‬تسع وٌكبر كـ بالونة عٌد ٌنفخها طفل وٌلهو‬
‫!‬

‫أذوب فً حبك كـ شمعة !‬

‫‪2111 -11- 22‬‬

‫كل األشٌاء الجمٌلة تنتهً سرٌعا ‪ ..‬هكذا كان الٌوم ‪ ..‬هكذا كان أمس ‪ ..‬وأول أمس ‪ ..‬هكذا كان‬
‫العام بؤكمله ‪..‬‬

‫‪ .. 2113 -11 -22‬هو أول ٌوم قال لً أحمد “بحبك” ‪ ..‬ومنذها وهو ٌهمسها لً كل صباح‬
‫ومساء ‪..‬حٌن أوقظه فً السابعة والربع صباحا لعمله ‪ ..‬وفً الثانٌة لٌبل قبل أن ٌنام ‪ ..‬وفٌما‬
‫بٌنهما …‪ .‬عام كامل لم ٌحرمنً منها إال فً أٌام قلٌلة ال ٌتجاوز عددها ستة أٌام على أقصى‬
‫تقدٌر ‪..‬كنا قد تشاجرنا فٌهم شجارات تافهة للؽاٌة ‪..‬بعناد‪ ..‬وطفولة‪ ..‬و رأس ٌابس ‪ ..‬ولم‬
‫نتصالح إال ألننا كدنا نختنق بصمتنا وعنادنا وبزفٌر كتمناه بالقوة كً ال ننطق “بحبك” ‪..‬نعود‬
‫بعدها لنتنفس بؤقصى مانستطٌع ‪ ..‬نستنشق وجود كبلنا فً اآلخر بعمق ‪ ..‬ثم نزفر “بحبك” عالٌا‬
‫عالٌا عالٌا !‬

‫“قضٌنا الٌوم بؤكمله معا” ‪ ..‬ودون أن أحكً مزٌدا من التفاصٌل ‪..‬ماقلته فقط كافٌا ألن تكون‬
‫فرحتً كاملة ‪ ..‬وخفقان قلبً حتى منتهاه ‪..‬والٌوم أجمل ما ٌمكن أن ٌكون ‪ ..‬كؤن أحمد ٌؤتً‬
‫إلً وفً ٌده علبة ألوان ٌمٌل بها من السماء على األرض وٌرسم قوس قزح ‪ٌ ..‬مسك ٌدي‬
‫وٌؤخذنً معه ‪ ..‬نمضً والورد ٌنبت حولنا فً كل مكان ‪ٌ ..‬سبقنً ألعلى التل ‪ ..‬وهناك نركب‬
‫دراجات هوائٌة نتدحرج بها من فوق ‪..‬نصطدم معا ونسقط فً ضحك ومرح ‪ ..‬نرقد على‬
‫العشب بؤنفاس متسارعة وفرح ال ٌوصؾ ‪ ..‬ننظر إلى السماء ‪ٌ ..‬تخٌل هو أشكاال مختلفة‬
‫للسحاب‪ ..‬وأنا أخبره أن كل السحاب ؼزل بنات وأنا أود أن ألعقه ‪ٌ..‬بتسم وهو ٌدٌر رأسه إلً‬
‫‪ٌ..‬نظر فً عٌنً وٌقول ‪”:‬بحبك” ‪ ..‬أشعر لحظتها أن الحٌاة بؤكملها قطعة من ؼزل بنات ملون‬
‫وضعها أحمد فً ٌدي دون أن ٌدري ‪ ..‬هكذا هً أٌامً معه !‪..‬كؤنه شمس وأنا زهرة عباد‬
‫مجنونة تتوارى بذبول وقت ٌؽٌب ‪..‬وهو ٌعرؾ كل هذا‪ ..‬لذا ٌهددنً فً كل مرة أحاول أن أقدم‬
‫على خطا ما بؤنه سٌلؽً موعدنا القادم ومع هذا لم أهن علٌه ولو لمرة واحدة أن ٌفعلها ‪ ..‬ربما‬
‫ألنه الشمس الوحٌدة التً تؤبه جدا لحال زهرة عباد !‬

‫أعجبتنً فكرته بؤن نشتري لهذه المناسبة شمعدان نضعه فً بٌتنا فٌما بعد ونشعله حٌن نحتفل‬
‫بهذا الٌوم فً كل سنواتنا القادمة ‪ ..‬ذهبنا اشترٌناه معا ‪..‬مع شموع برائحة الفراولة أٌضا ‪..‬‬
‫خرجنا من المحل وأنا أتخٌلنً أشعل الشمع‪ ..‬اطفىء النور ‪..‬أنثر ورودا على الطاولة بٌن‬
‫أطباق العشاء ‪ ..‬أدٌر موسٌقى نحبها ‪..‬وأجلس على كرسً الطاولة أنتظره حتى ٌؤتً ‪ٌ ..‬فتح‬
‫الباب بهدوء‪ٌ ..‬تفاجىء وٌتسمر عنده‪..‬وأنا أعرؾ أنه ٌصطنع التفاجىء كً ٌسعدنً ‪ ..‬بالطبع‬
‫هو ٌتوقع أننً سؤعد ما حلمنا به سابقا فً هذا الٌوم ‪ٌ ..‬ضع مفاتٌحه على رؾ المرآة قرب‬
‫الباب ‪ ..‬وٌخطو إلً ‪ٌ ..‬مسك ٌدي وٌجذبنً برفق ألقؾ فً مقابلته ‪ٌ ..‬نظر فً عٌنً وٌهمس‬
‫‪”:‬بحبك” ‪ٌ ..‬عانقنً طوٌبل وٌخبرنً أن أٌامه بً أحلى ‪..‬أكؾ عن التخٌل وأشعر أننً أحبه أحبه‬
‫أحبه إلى ماالنهاٌة ‪ٌ ..‬سؤلنً كما سؤلنً العام الفائت فً نفس الٌوم ‪”:‬نفسك تكملً عمرك كله‬
‫معاٌا؟” عندها قلت بخفوت ‪”:‬آه” ‪ ..‬أما الٌوم فنطقت بلوعة ‪”:‬مش كفاٌة !” ‪ ..‬نطقتها وأنا أعلم‬
‫أن كل األشٌاء الجمٌلة تنتهً سرٌعا ‪ ..‬نطقتها وأنا أعلم أنً أذوب فً حبه كـ شمعة !‬

‫‪! My love for live is overflowed‬‬

‫شاهدت لٌلة أمس فٌلم “‪ … ”remember me‬الفٌلم رائع جدا رؼم نهاٌته الحزٌنة الؽارقة فً‬
‫الدمع ‪ ..‬شعرت وأنا أشاهده أننً فتاة حقٌقٌة ‪ ..‬وأن كل األشٌاء الصؽٌرة التً أشعر بها‬
‫وتحاصرنً فً كل مكان لها وجود فعبل ‪ ..‬و وجود قوي للؽاٌة !‬

‫شعرت أننً أرٌد أن أعٌش لحظاتً بكل ما فً من حٌاة ‪ ..‬عرفت أن كل المرات التً تخٌلت‬
‫فٌها أن الموت ٌراوؼنً كنت أنا من أراوؼه ‪..‬حٌن أركب سٌارة مسرعة متهورة قد تنقلب فً‬
‫أي لحظة ‪ ..‬حٌن أفتح المٌاه الساخنة وأنظر للؽاز وأشعر أنه على وشك االنفجار ‪ ..‬حٌن تهب‬
‫رٌح عاتٌة كـ موت لتعصؾ باألشجار أمام البٌت وحوله وتضرب الشبابٌك واألبواب ‪ ..‬حٌن‬
‫أفكر بكل هذه األشٌاء وما ٌشابهها وٌماثلها أكون أنا من ٌراوغ الموت ‪ ..‬أعرؾ أنه سٌفاجئنً‬
‫حٌن أنسى كل هذا ‪ ..‬حٌن أشعر أن كل شًء فً مكانه الصحٌح تماما ‪..‬وحٌن أرٌد أن تستمر‬
‫كل لحظة إلى األبد ‪ ..‬حٌن أفكر فً سهل أخضر منبسط ال تقربه الزالزل و سرب حمام أبٌض‬
‫ٌحلق أعبله ‪ ..‬حٌن أتحول لسمكة سعٌدة تسبح فً بحر دافىء ٌؽمره الشمس وٌنساه الموج ‪ ..‬أو‬
‫حٌن أكون مدمنة أدرٌنالٌن ال تفكر فً الموت وإنما تشعر بنشوة هائلة حٌن تركب سٌارة‬
‫مسرعة مجنونة ببل ؼطاء و الهواء ٌخترقها وٌمر من خبللها ‪ ..‬حٌنها ‪ ..‬فً هذه اللحظة فقط‬
‫سٌباؼتنً الموت ‪ ..‬ألن الموت ٌباؼت لكنه ال ٌراوغ !‬

‫قد ٌتخٌل أحد أن ما ٌسٌرنً فً الكتابة هو رهبتً الشدٌدة من الموت ‪ ..‬ربما هذا صحٌح ‪..‬‬
‫ولكن إن كنت هكذا فؤلننً أحب الحٌاة أكثر من أي شًء آخر ‪ ..‬أرٌد أن أعٌش دائما ‪ ..‬ال أرٌد‬
‫للموت أن ٌقؾ فً طرٌقً ‪ ..‬حتى وإن جاء ‪ ..‬فؤنا أرؼب بالقفز فوقه ‪ ..‬أفكر كثٌرا بؤنه لو‬
‫سامحنً هللا وؼفر لً و وقانً عذاب النار فسؤطلب أن تكون جنتً تشبه حٌاتً التً أعٌشها‬
‫اآلن ‪ ..‬بكل ما فٌها من فرح وحزن وانتصارات وانهزامات وانسكارات وحب طاؼً لكل‬
‫األشٌاء الصؽٌرة جدا التً ال ٌنتبه إلٌها أحد ‪..‬بقوانٌن كثٌرة أتخطاها وأتجاوزها بخوؾ ولذة‬
‫‪..‬ال أرٌد قصور تجري من تحتها األنهار وال أكواب وأبارٌق وكؤس من معٌن وال سرر من‬
‫حرٌر وقطوؾ دانٌة وولدان مخلدون ‪ ..‬أرٌد حٌاة كاملة بكل متناقضاتها ‪..‬ألم ٌقل هللا ‪”:‬ولهم‬
‫فٌها ما ٌشتهون” ‪ ..‬أنا إذن أشتهً الدنٌا ‪..‬وأرٌدها حٌاتً اآلخرة !‬

‫لم ٌكن قصدي أول ما بدأت الكتابة أن أتحدث عن كل هذا ‪ ..‬كنت أرٌد فقط أن أحكً عن الفٌلم‬
‫وتؤثٌره القاتل فً ‪ ..‬لكننً انحرفت وانحدرت أكثر مما ٌنبؽً ‪ ..‬كؤن الشاشة أرض ملساء تمٌل‬
‫بً بانحدار شدٌد وال ٌوجد أي شًء ألتشبث به ‪ ..‬فقط انزالق ال نهائً !‬

‫مرآة لـ فتاة حرة !‬

‫ال أعرؾ وجهً فً المرآة ‪..‬ألنها ال ترانً وإنما ترى فتاة أخرى بكحل أسود كثٌر حول عٌنٌها‬
‫وجفنٌها ‪..‬حتى كؤنها عفرت اصبعها برماد الفحم ثم مررته على عٌنٌها ‪..‬فتاة بحالة مزرٌة‬
‫‪..‬وأقول “مزرٌة” ألننً حٌن كتبت ‪”:‬كان ٌوم مزري”‪..‬جاء الرد ‪”:‬ضحكة” ‪..‬وبعدها ال شًء‬
‫‪..‬رؼم أننً كنت أرٌد أن أحكً ‪..‬وكنت أنتظر فقط رإٌة عبلمة استفهام حتى أبعثر خلفها جمل‬
‫كثٌرة ‪..‬ال تنتهً بـ نقط‪..‬وإن كنت سؤسمع خلؾ كل جملة ضحكة أخرى فبل ٌهم ‪..‬ما ٌهم أنه‬
‫كان ٌوجد احتمال ضئٌل بان أفضفض ‪..‬وكما قلت سابقا ‪..‬أنا أجٌد الثرثرة ‪..‬لكنً ال أجٌد‬
‫الفضفضة ‪..‬وأعرؾ أننً لم أكن سؤقول شٌئا فً النهاٌة ‪..‬لكن هذه العادة السٌئة ال تفارقنً‬
‫‪..‬كؤن أقول ‪:‬لو عاد الوقت لكنت فعلت وفعلت وفعلت ‪..‬وإن عاد …ال أفعل أي مما نوٌته ‪..‬فقط‬
‫أعٌد ما مضى بحذافٌره وبؽباء تام ‪!..‬‬

‫أؼسل وجهً بالماء فقط ‪..‬وهذا ال ٌكفٌنً ‪..‬فؤؼمر رأسً كلها تحت الماء ‪..‬والسواد ٌطول باقً‬
‫وجهً وال ٌؽادر عٌنً‪ ..‬أحضر رمانة منسٌة فً الثبلجة منذ فترة طوٌلة ‪..‬أقطعها دون سكٌنة‬
‫وآكل الحب مباشرة وأنا أستمتع بطعمه البلذع والحامض فً حلقً ‪..‬هل ضروري أن أؼسل‬
‫ٌدي؟ ‪..‬لم أفعل‪ .‬رؼم أن أصابعً التصقت ببعضها لكننً بالؽت فً السوء وأحضرت ثمرة‬
‫“مانجا”وأكلتها أٌضا دون سكٌنة تقطعها من المنتصؾ ‪..‬وملعقة تخرج قلبها ‪..‬وأنا ال احب‬
‫المانجة وال الرمان ‪..‬وأنفر منهما إلى الفراولة والبرتقال اللذٌن أعشقهما كثٌرا ‪..‬و …هل‬
‫ضروري أن أؼسل ٌدي؟ ‪..‬هذه المرة كان ضرورى جدا ‪..‬لكنً لم أفعل أٌضا ‪..‬تجاهلت كل‬
‫شًء وتكورت على السرٌر كـ جنٌن ‪..‬ونمت ! ‪..‬وحٌن استٌقظت كل ما فكرت به أننً أرؼب‬
‫فً فعل شًء سًء كتدخٌن سٌجارة فً سكون تام‪..‬والتبلشً مع الدخان ‪..‬تذكرت المسج التً‬
‫أرسلتها لصدٌقتً الصٌؾ الماضً ‪..‬حٌن كتبت أربعة أشٌاء سٌئة للؽاٌة أود أن أفعل أحدها‬
‫‪..‬اخبرتها أننً سؤكون الشكل الصحٌح للخطٌئة ‪..‬لكنها بعثت إلً بـ رد قاسً جدا جعلنً أزم‬
‫شفتً ‪..‬وأدخن صمتً وؼضبً ‪!..‬‬

‫أصل ألسوأ حاالتً عندما ٌرٌد أحد أن ٌجبرنً على فعل شًء ال أرٌده ‪..‬حتى لو كان صحٌحا‬
‫‪..‬حٌنها أفتش عن كل أخطاء الكون ألفعلها بعناد كبٌر …كطفلة عنٌدة ٌرؼمها أبواها على‬
‫الذهاب إلى المدرسة فتمرغ نفسها على األرض وتبكً بشدة فٌحمبلها رؼما عنها إلى حٌث‬
‫ٌرٌدان ‪..‬هذا ما ٌفعله أبواى معً تماما اآلن ‪ٌ..‬رٌدان اجباري على سلك طرٌق اعرؾ أنه‬
‫صحٌح جدا والخٌر به كثٌر ‪..‬ألننً ساخطو على الورد ‪..‬ستدنو منً القطوؾ ‪ ..‬وسؤنال الرضا‬
‫‪..‬وأنا أصر على طرٌقً الملتوي والمتشابك والخاطىء ‪..‬وإن كنت حتى سؤبتعد وأتوه ‪..‬فؤنا‬
‫أرٌد أن أسٌر وحدي ‪..‬وأصل وحدي ‪..‬ألننً ال أملك فً العالم سوى حرٌتً ‪..‬وإن تخلٌت عنها‬
‫_لن أدعً أننً سؤموت _‪..‬لكننً سؤصمت وأنزوي وٌبهت وجهً كجدار ‪..‬قلت فً رسالة‬
‫قرٌبة ‪“ :‬أفضل أحٌانا أن أفقد كل شًء ‪..‬كً ال ٌملكنً أي شًء ‪..‬عن حرٌتً أدافع ‪..‬عن‬
‫فقري أدافع ‪..‬عن دفاعً أدافع” ‪!.‬‬

‫ها أنا أرقص على حافة السكٌن ‪..‬ومهما حدث لن أسمح بؤن أكون حصى رتٌبة ساكنة فً قاع‬
‫نهر راكد وسؤظل أردد ما حٌٌت بؤننً لست أمٌرة فً قصر ثلجً ‪..‬أنا صعلوكة فً براري‬
‫حرٌتً‪..‬‬

‫كً أعود ٌوما ألنظر فً المرآة …فؤعرؾ وجهً !‬

‫قلب رٌفً أرهقته مدٌنة !‬

‫بقبلتٌن سرٌعتٌن على وجه أمً وضمة ابتدأ مشوار عمره ثبلثة أٌام إلى األسكندرٌة… انعقدت‬
‫سٌارتنا فً حبل السٌارات الطوٌل الممدود بٌن بداٌة الطرٌق وآخره‪ ..‬كنت منتشٌة جدا وال‬
‫أتوقؾ عن الؽناء ‪..‬كؤننً شربت كؤس وحٌد أنتشً به وال ٌسكرنً من محل “‪ ”drinks‬الذي‬
‫افتتح مإخرا مجاورا لمنزلنا هناك ‪..‬وانتبهت إلٌه بدهشة كبٌرة جعلتنً أتسمر فً مكانً أمام‬
‫الواجهة الزجاجٌة التً تعطً ضً أخضر ‪..‬كل ما فً المحل أخضر ‪..‬بدءا من ٌافطته وزجاج‬
‫واجهته حتى لون الجدران والثبلجات والزجاجات داخلها ‪..‬وقفت وأنا أحاول أن أكتشؾ فقط إذا‬
‫كان البائع هو الرجل األخضر فً فٌلم ” ‪..“the incredible hulk‬لم أعرؾ ألن أبً جذبنً‬
‫من ذراعً وهو ٌضحك على حملقتً وٌقول “عادي!” ‪..‬لكنه لم ٌكن عادي ألننً الفتاة الرٌفٌة‬
‫التً ال تعتاد على رإٌة هذه األشٌاء فما بالها بمحل أخضر مجاور لها ‪..‬لماذا أخضر؟ ‪..‬كنت‬
‫أحب اللون األخضر ‪..‬مشٌت من مكانً وأنا أفكر أن كل من ٌخطو داخل هذا المحل سٌتحول‬
‫لضفدعة خضراء ‪..‬ولن ٌقارب ترعة أو زرع … ما أتعس ضفدعة تمضً وحٌدة على‬
‫األسفلت فً مدٌنة !‬

‫أما عنً فكنت أمضً وأنا أكاد أجن ‪..‬ألننً أنظر لكل الوجوه ‪..‬أعرفها ‪..‬أعرفها جمٌعا‬
‫‪..‬وأستطٌع أن أقول هذا فبلن ‪..‬وهذه فبلنة ‪..‬وأعود ألصحح هذا ٌشبه فبلن وهذه تشبه فبلنة‬
‫‪..‬هل سؤكون مبالؽة لو قلت أننً قابلت كل الوجوه التً أعرفها ‪..‬أشعر أن هذا ما حدث فعبل‬
‫‪..‬حتى صرت أتفادى النظر إلى أى وجه كً ال تنفجر رأسً بالحٌرة ‪..‬األؼرب ‪..‬أن وجوه‬
‫أخرى كانت تنظر فً وجهً أٌضا ‪ ..‬وجوه لم أتعرؾ علٌها ولم أنظر إلٌها‪..‬كانت تمضً‬
‫أمامً ثم تعود لتلتفت ‪..‬ربما أكون معتادة على نظرات البعض فً الشارع ‪..‬لكن لٌس بهذه‬
‫الطرٌقة ‪ ..‬وهذا الشكل ‪..‬األمر تعدى كل الحدود ‪..‬ثمة خطؤ ما‪ ..‬ورؼم أننً حاولت أن أتجاوزه‬
‫كشًء عابر‪..‬كوجوه عابرة ‪..‬إال أننً لم أستطع اخراجه من رأسً حتى اآلن ‪..‬المهم أننً‬
‫تكٌفت مع الوضع ‪..‬وحاولت االستمتاع بكل لحظة ‪..‬ألنها أجازة قصٌرة ‪..‬أجازة من التفكٌر و‬
‫وجع الرأس والتحدٌق فً الشاشة والمكالمات الهاتفٌة والنوم والجلوس على ملل‪ ..‬فؤلقٌت بهاتفً‬
‫النقال ألبعد مكان فً المنزل ‪..‬وجاهدت ألجعل رأسً خالٌة تماما كـ شقة هجرها أصحابها‬
‫وأخذوا معهم كل شًء‪ ..‬توجهت مع أختً لـ جرٌن ببلزا ‪ ..‬قطعنا تذاكر السٌنٌما بعد أن‬
‫أخترت فٌلم ” ‪ ”final destination 4‬ودخلنا بزجاجة ماء وفشار ‪ ..‬لقطات اعبلنٌة عن فٌلم‬
‫كومٌدي سٌنزل قرٌبا ‪ ..‬األمور هادئة تماما ‪..‬حتى بدأ الفٌلم ‪ ..‬الفٌلم مرعب جدا ‪..‬و أنا أفضل‬
‫األفبلم الكومٌدٌة أو الدرامٌة فً السٌنما ‪..‬شعور أننً أتشارك الضحك أو األلم مع عدد كبٌر من‬
‫الناس ٌسعدنً و ٌرٌحنً جدا ‪..‬لكن أن أشاركهم الخوؾ فً عتمة قاعة وأصوات الرعب تخرج‬
‫من كل مكان بدءا من السماعات فً الجدران كلها ‪..‬حتى الصراخ من فمً فهذا ماال أحتمله‬
‫‪..‬أختً تتوعدنً بالقتل فور أن نخرج ‪ ..‬وأنا أدفن وجهً فً كفً وال أنظر ‪..‬واألصوات كفٌلة‬
‫بؤن ٌجؾ الدم كله فً عروقً ‪..‬وأنشؾ‪..‬بجواري شاب وفتاة ٌخافان معا‪..‬وأنا خائفة وحدي !‬
‫قلت لنفسً ‪ :‬ال ٌهم ‪..‬هذا أفضل !‪..‬وانتهى الفٌلم الذي بدأ بعبارة ” الحٌاة عذاب وبعدها الموت ‪.‬‬
‫أٌة أسئلة ؟” انتهى بموت كل أبطال الفٌلم ‪..‬والمشاهدٌن الذٌن ماتوا رعبا … خرجت وأنا أفكر‬
‫‪ :‬لم ٌبق أحد ! وتذكرت ما كتبته من عام وأطلقت علٌه ‪”:‬سؤكون وحشا ‪..‬وسٌخشانً ذوي‬
‫القلوب!” …كنت كتبت ‪:‬‬

‫” لن أشاهد أفبلم رعب ثانٌة ‪..‬ولو توقفت حٌاتً على ذلك!”…من أسبوع قلت هذا لنفسً بحزم‬
‫بعد تلك الخٌاالت والصور واألفكار التً عبثت برأسً عندما صعدت مع صدٌقتٌن للدور‬
‫األخٌر فً صٌدلة‪..‬كان الهدوء ٌخٌم على المكان‪..‬ال أحد به سوانا…ومصدر الضوء الوحٌد‬
‫شباك زجاجه من النوع المعتم‪ٌ ..‬حافظ على شحوب المكان أكثر من نفاذٌته للضوء‪..‬السلم‬
‫عرٌض بسٌرامٌك أسود المع …وٌنتهً عند باب ما وراءه مظلم‪ٌ..‬صدر منه أصوات عالٌة‬
‫لماكٌنات ال ندري كنهها ‪..‬للحظات ابتلعنا رٌقنا بصعوبة خصوصا وأنً كنت قد شاهدت فً‬
‫اللٌلة السابقة فٌلم رعب أحداثه كانت ال تزال تطاردنً‪..‬كان منظر الوحش وهو ٌقتلع عٌنً‬
‫البطل لم ٌفارق رأسً بعد‪..‬شعرت فً هدوء هذا المكان بالهدوء الذي ٌسبق انقضاض الوحش‬
‫على فرٌسة ٌشم بها رائحة شًء ٌعجبه كـ قلب أو رئة أو حنجرة أو عٌن أو أي جزء‬
‫آخر‪..‬ظننت أن مقبض الباب سٌدور فً أي لحظة‪..‬وٌتحرك الباب بؤزٌز سٌجعلنً أحك أذنً‬
‫…وٌنقض علٌنا فجؤة كائن ؼرٌب ‪ ..‬سٌشبه طٌور الظبلم ‪ ..‬نصؾ خفاش ‪..‬ونصؾ انسان‬
‫‪..‬بجلد محروق‪..‬ربما نكتشؾ فٌما بعد أنه طالب مات فً حرٌق أصاب الجامعة فً فترة‬
‫الستٌنٌات بعدما نجا الجمٌع بؤنفسهم دون محاولة انقاذه‪..‬فنهشت الخفافٌش جثته‪..‬لكنه نهض‬
‫لٌنتقم من الجمٌع فً ذكرى هذا الحرٌق والذي وافق ذلك الٌوم الذي صعدنا فٌه لهذا‬
‫المكان‪..‬فكرت أن احدى صدٌقاتً ستقتلها الصدمة قبل حتى أن ٌفكر الوحش فً‬
‫لمسها‪..‬واألخرى ستنظر له بتحد ‪ ..‬قبل أن ٌؤكل نظراتها أوال ‪..‬ثم ٌلتهم ما ٌتبقى منها‬
‫بتروي…أما أنا فسٌقبلنً عنوة‪..‬ثم ٌلتهم قلبً ‪.‬وبعد لحظات من تلك القبلة سؤتحول إلى أنثى‬
‫الوحش التً ستتؽذى على القلوب فقط فٌما بعد‪..‬باحثة عن قلبها فً صدر أحدهم‪..‬أو على األقل‬
‫قلب ٌشبهه…لكنها لن تجد!…‪.‬لعنت رأسً فً هذه اللحظة‪..‬ونظرت لصدٌقتً اللتٌن كانا قد‬
‫انهمكا فً الحدٌث‪..‬أتذكر هذا كله اآلن لسبب بسٌط جدا…وهو أن ابن عمً من ساعة كان‬
‫ٌحدثنً عن فٌلم الرعب الجدٌد “‪ “mirror‬الذي دخله من ٌومٌن فً السٌنٌما‪..‬وقررت أن‬
‫أشاهده بعدما حكى لً عن حجم الرعب الذي سٌطرعلى كل من شاهده…وعن مقاطعتهم نهائٌا‬
‫لكل أفبلم الرعب فٌما بعد…ولو توقفت حٌاتهم على ذلك!”‬

‫نفضت كل أفكار الرعب من رأسً كؤنها ؼبار ‪ ..‬وذهبت مع أختً لتناول الؽداء ‪..‬ثم جلسنا إلى‬
‫مقهى نتجاذب أطراؾ الحدٌث والضحك ‪..‬و أنا أشدهما إلى ناحٌتً بقوة ‪..‬لتقع ضحكاتها‬
‫وثرثرتها على األرض ‪..‬وأضحك أنا أكثر‪..‬التنزه بصحبة رفقة ممتعة ألنه ٌكون بإمكانك حٌنها‬
‫أن تكون مجنونا دون خجل ‪..‬أما حٌن تتمشى وحٌدا فكل ما ٌمكنك فعله أن تضع ٌدٌك فً‬
‫جٌوبك وفً قلبك أؼنٌة تشبه ” إٌدٌا فً جٌوبً وقلبً طرب … ماشً فً ؼربة بس مش‬
‫مؽترب ‪ ..‬وحدى لكن ونسان وماشً كدا ‪..‬ببتعد معرفش أو بقترب !” …هذا ما أحسسته حٌن‬
‫خرجت وحدي ‪ ..‬لم أستطع أن أتجنب التفكٌر والكتابة وفً الهواء ‪..‬أصابعً تتحرك رؼما عنً‬
‫كؤنها تنقر الكً بورد ‪ ..‬والعبارات تتناسل فً رأسً كالقطط وتضٌع ‪ ..‬حٌنها فكرت‪ :‬ماذا لو‬
‫كنت أستطٌع أن أثبت كً بورد إلى وسطً وأمشً وأنا أكتب ‪:..‬هل سؤبدو مضحكة جدا ؟ حٌن‬
‫وصلت لهذه النقطة شبكت أصابعً معا ألوقفها عن النقر فً الهواء ‪..‬وعدت سرٌعا إلى‬
‫المنزل‪!.‬‬

‫_لم أنتهً ‪..‬أشٌاء كثٌرة أود أن أحكٌها ‪..‬لكننً مرهقة ‪ ..‬ربما ٌتبع!_ ما ٌهم أننا عقدنا سٌارتنا‬
‫مرة أخرى فً حبال السٌارات الممدود بٌن أول الطرٌق وآخره ‪..‬ورجعنا ‪..‬وانتهى المشوار‬
‫بقبلتٌن على وجه أمً ‪ ..‬وضمة !‬

‫طٌري طٌري ٌا عصفورة !‬

‫من فترة طوٌلة جدا تقارب العام لم أنم فً أول اللٌل وأستٌقظ مع الصباح ‪..‬ألننً لم أعد أعرؾ‬
‫مواعٌد نومً ‪..‬أنا مستٌقظة حتى تسقط رأسً على كتفً ‪ ..‬وأنهض بمجرد أن أفتح عٌنً‬
‫‪..‬دون مٌعاد محدد ‪..‬لكن أن أنام فترة اللٌل كما هو طبٌعً ‪..‬فهذا ماال ٌحدث وما نسٌت كٌفٌة‬
‫حدوثه ‪..‬لكنه حدث الٌوم ‪ ..‬فً صؽري كنت أنام فً التاسعة تماما ‪..‬فً النهار حٌن ٌسؤلنً أحد‬
‫‪”:‬بتنامً امتى ؟” ‪..‬كنت أجٌب ‪”:‬دودو بتنام الساعة تسعة “‪..‬وكانت التاسعة معاد مقدس جدا‬
‫‪..‬ألننً كنت أبكً لو صحبتنى أمً لمكان ما وجاءت التاسعة وأنا خارج سرٌري ‪..‬حتى صار‬
‫أقاربنا وأصدقائنا وكل من ٌعرفنً ‪ٌ..‬عرؾ أننً أنام فً التاسعة ‪..‬وفً كل مرة تتؤمل أمً‬
‫الهاالت السوداء حول عٌنً ‪..‬تذكرنً بهذه األٌام السعٌدة ‪..‬وٌبدو أنها كانت فعبل سعٌدة ‪..‬ألننً‬
‫استٌقظت الٌوم بمزاج طفلة بربطة شعر وردٌة ‪..‬نزلت إلى شجر الجوافة للمرة األولى هذا‬
‫الصٌؾ ‪..‬وتنبهت ألننً كبرت وأصبحت فتاة طوٌلة حٌن رفعت ٌدي وأحنٌت ؼصن بسهولة‬
‫وقطفت ثمرة ‪..‬ألن فً الماضً كان شجر الجوافة هو السٌرك الخاص بً ‪..‬كنت أتسلق الشجر‬
‫‪..‬وأستمتع جدا بالجلوس على ؼصن عالى معٌن‪ ..‬والمكوث علٌه لنصؾ النهار‪..‬أمً تخاؾ‬
‫علً ‪..‬تؤمرنً أن أنزل حاال ‪..‬وأنا أبالػ فً العناد ‪..‬وأصعد لفرع أعلى ‪..‬فتضحك على القرد‬
‫الذي أنجبته ‪..‬وهً تعرؾ أنه ال فائدة من كلمة “انزلى”…ذاكرة ؼضة تتربص بً هذا الصباح‬
‫… ورائحة حلوى كانت تحملها أمً دائما فً حقٌبتها ‪.‬وتراب مزق ركبتً الصؽٌرتٌن‬
‫‪..‬وركض مع أوالد الجٌران ‪..‬ألعب مع الذكور فقط ‪..‬فاالناث بالنسبة لً كانوا مصدر‬
‫ضعؾ‪..‬أقع ‪..‬أنهض …ألهث…ال أعترؾ أننً أقل منهم جدارة ‪..‬أناور ألكون الجدٌرة بكل‬
‫شًء ‪..‬حتى بعتاب أمً !‬

‫كل لٌلة كانت أناملها تسافر فً شعري وهً تحكً لً حكاٌات ” ماما فضٌلة” ‪..‬تلك التى‬
‫واظبت سنوات على سماعها فقط ألجلى …أو حكاٌات عن دراكوال الطٌب ‪..‬دراكوال الذي ال‬
‫ٌستعمل معجون أسنان ‪..‬وٌثٌر الشفقة أكثر من طفل مصاب بالسكر ‪..‬أو لما ٌصبع اصبعها‬
‫عصا كمنجه ٌخترقنً وهً تقول ‪ ”:‬انت اللى هتؽنً ٌامنعم” ‪..‬فٌؽنً لها منعم ‪ ”:‬بوال بوال ‪..‬‬
‫بوال بوال ‪..‬بالومبٌبل …بٌتك ٌاعصفورة وٌن ‪..‬مابشوفك ؼٌر بتطٌري ‪..‬ما عندك ؼٌر جناحٌن‬
‫…حاكٌنا كلمة صؽٌرة ‪..‬ولو سؤلونا بنقلن ‪..‬ما حكٌنا العصفورة …طٌري طٌري …طٌري‬
‫طٌري …ٌاااااعصفورة !”…أو لما تؽنً لً ‪ٌ ”:‬ا اخواتً بحبها …دي حبٌبة أمها …حبٌبتً‬
‫بكرة تكبر وتروح المدرسة ‪..‬وٌقولو علٌها شاطرة ونمرها كوٌسة “…كان صوتها حبوب النوم‬
‫… وكان كل ما احتاجه وقتها أن أسمعه وأنااام ‪..‬كانت النجوم تعترٌنً من رأسً حتى أخمص‬
‫قدمً ‪..‬واألحبلم أكثر وضوحا ‪ ..‬وأقل مدعاة للقلق ‪ ..‬وتؤتٌنً بعد التاسعة بثبلث دقائق !‬

‫هذه اللحظة فً خطوط كفً بقاٌا تراب … وفً قلبً ‪“ :‬بوال بوال …بالومبٌبل” ‪!..‬‬

‫موسٌقى وشمع وبخور وؼرام !‬

‫الجو الذي أجلس به اآلن فاتن‪..‬أطفؤت النور ‪..‬أوقدت شمعة ‪..‬أشعلت بخور ‪..‬صنعت فنجان‬
‫شاي بالنعناع ‪..‬وأدرت موسٌقى رقٌقة كنسٌم لٌلة صٌفٌة جعلت كل األشٌاء تنسجم مع بعضها‬
‫فً سحر‪..‬وأنا بٌنها أتبلشى ‪..‬أعرؾ أن الضوء الصادر من الشاشة ال ٌناسب الوضع كثٌرا‬
‫‪..‬لكننً فتحتها اآلن فقط للكتابة ‪..‬الجو ٌؽري بالحب ‪ ..‬بالسهر ‪ٌ..‬ؽرٌنً بكتابة رسائل ؼرامٌة‬
‫لشخص ال أعرفه التقٌته صدفة‪..‬وبادلنً نظرة أتذكرها جٌدا كان ٌبحث بها فً وجهً عن‬
‫مبلمح حبٌبة هجرته دون وداع ‪..‬وأنا أبحث عن حبٌب لم ٌؤت بعد ‪..‬ولم ٌقل أنه سٌتؤخر ‪!..‬‬

‫سؤتجاهل الجمٌع وسؤكتب أي شًء وأترك خانة المرسل إلٌه فارؼة ألن البلحبٌب اعتذر أخٌرا‬
‫عن كل المواعٌد التً لم نحددها بعد…فهل أخدع قلبً ‪..‬وأصطنع الكتابة لرجل سؤدعً أننً‬
‫أعشقه كثٌرا ‪..‬وأذوب به حتى الثمالة ‪..‬كما حدث وكتبت من سنوات طوٌلة رسالة و ادعٌت أنها‬
‫وصلتنً من شخص ٌذوب بً ‪..‬وٌسهر اللٌل ألجلى وأن التجعٌد الخفٌؾ فً الورقه سببه‬
‫دموعه التً جفت علٌها ‪ ..‬وقتها لم أكن أرٌد أن أشعر أننً محبوبة ‪..‬بقدر ما كنت أرٌد فقط‬
‫‪..‬أن ٌكتب لً رجل ‪ٌ..‬كتب أي شًء…كل ما أردته أن تصلنً ورقة ‪..‬مكتوب فً وسطها‬
‫اسمً فقط بخط كبٌر ‪..‬وٌنقؾ اسمه بخط صؽٌر كتوقٌع فً نهاٌتها ‪..‬ألنه إذا فعل وكتب‬
‫‪”:‬دعـــاء” بخشوع شدٌد ‪..‬سؤقرأها وأؼادر إلى السماوات كالتبلوات والصبلوات واالبتهاالت‬
‫‪..‬ألننً أصدق أن أسماإنا وحدها تشبهنا ‪..‬وأنا أذوب فً األسماء وحروفها ‪ ..‬ومعانٌها…!‬

‫لم أرؼب بحبٌب ٌهاتفنً وٌطلب لقائً ‪..‬أردت كلمات جمٌلة مكتوبة على منادٌل هشة جدا‬
‫تجعلنً أعاملها برقة متناهٌة ألحافظ علٌها وتعٌش إلى األبد ‪..‬لم ٌفهم أحد ‪..‬وحٌن فهم الشاعر‬
‫الذي أحببته ‪..‬بعث لً بقصٌدة ملفوفة فً “اٌمٌل” ‪..‬حاولت أن أتقبل الفكرة ‪..‬وأحبها ‪..‬وأستبدل‬
‫رومانسٌة العصور الوسطى ‪..‬برومانسٌة حدٌثة تواكب الشاشة التً أضٌئها وسط شموع وبخور‬
‫وموسٌقى ‪ ..‬ألكمل دائرة المتناقضات فً حٌاتً …وإن كنت حتى اآلن ‪ ..‬أحلم بمندٌل هش‬
‫للؽاٌة ‪..‬ومعاملة رقٌقة ‪ ..‬وحلمً الصؽٌر هذا كبٌر جدا على واقع ال ٌحتملنً وٌحتمل تفاهتً‬
‫التً ال تقارب أحد … !‬

‫أكور شفتً وأزفر بهدوء بإتجاه الشمعة ‪ ..‬خٌط دخان رفٌع ٌنبت من اللهب المنطفىء‪ٌ ..‬نسجم‬
‫مع خٌوط البخور ‪..‬أحاول تتبعه فً الظبلم ‪..‬فؤدوخ وأتوه ‪..‬وأتبلشى أكثر !‬

‫عام دراسً سعٌد ‪ ..‬بدون حب ومواعٌد !‬

‫أبً ٌوقظنً بإلحاح ‪..‬وأنا لم أنم سوى نصؾ ساعة فقط ‪..‬ال أملك سوى أن أقول ” حاضر”‬
‫‪..‬وانطق ٌووووووووه طوٌلة ال تقارب أذنٌه ‪ ..‬أفكر أن ال أحد من أصدقائً ٌوقظه أبٌه صباح‬
‫كل ٌوم دراسً ‪..‬والكل ٌذهب أو ال ٌذهب بارادته باعتبار أننا لم نعد تبلمٌذ فً الصؾ الثانً‬
‫االبتدائً ‪..‬فلً الحق أن أستٌقظ وحدى ‪..‬وأذهب وحدي ‪ ..‬لكن أبً ٌعاملنً كاننً الطالبة‬
‫الوحٌدة على وجه األرض ‪..‬التً ستؽلق الجامعة فً ؼٌابها ‪..‬نهضت برؼبة كبٌرة فً النوم‬
‫‪..‬بعٌنٌن نصؾ مفتوحة أتهاوى بٌن الجدارن ‪..‬أرؼب فً خمس دقائق فقط اضافٌة فً السرٌر‬
‫‪..‬لكننً ضحٌت بها حفاظا على ضؽط أبً طبٌعٌا فً أول الصباح‪..‬ارتدٌت مبلبسً على عجل‬
‫دون أن ٌكون لدي ما أتعجل له ألن الراوند ملؽً الٌوم ‪..‬و لن اقترب من المحاضرة ‪..‬فكرت‬
‫أن ارضاء أبً سبب كافً ‪ ..‬ولم ٌؽادرنً الضٌق إال حٌنما تهٌؤت للمؽادرة ووقفت أمام المرآة‬
‫مزهوة بنفسً ‪..‬ابتسمت لـ دعاء ‪..‬وخرجت وأنا أقول ” ٌجب أن تتوقفً عن عادة االبتسام فً‬
‫المراٌا!” ألننً لم ٌحدث أبدا أن نظرت فً مرآة ولم أبتسم ‪..‬حتى فً أٌامً السٌئة جدا ‪ ..‬حدث‬
‫هذا مرة واحدة فقط ‪..‬أستطٌع أن أحددها اآلن بالتارٌخ والساعة و الدقٌقة ‪..‬كنت أبكً وعٌون‬
‫الماء تتفجر ‪ ..‬نظرت فً المرآة وأنا أؼسل وجهى ‪..‬وقفت لحظة بجمود أراقبنً وأنا أتساءل ‪:‬‬
‫هل سؤبتسم ؟ ‪..‬كان سإاال تافها جدا بالنسبة للموقؾ ‪ ..‬وكنت أكثر تفاهة حٌن حزنت ألننً‬
‫عجزت عن االبتسام واكتشفت أن هذا لم ٌحدث من قبل ‪..‬لم أستسلم لهذه الذكرٌات ‪..‬نسٌتها‬
‫سرٌعا وأنا أفكر أن صورتً فً المرآة ؼٌر مكتملة ‪..‬وٌلزمها صورة شاب وسٌم ٌبتسم بجواري‬
‫ألننً كنت أؼنً ‪ ”:‬جدع انت ٌا جمٌل الصورة ‪ٌ..‬ا مزقطط زي العصفورة ‪..‬قرب جنبً‬
‫واسمع قلبً هٌقولك كلمة صؽٌورة “‬

‫” ٌبل اتؤخرتً !” ‪..‬أبً ٌستعجلنً فتتحول ابتسامتً وأؼنٌتً لضحكة فً وجهه وأنطق‬
‫“حاضر”‪ ..‬أركب السٌارة بجواره وأختً الصؽرى بالمقعد الخلفً ماضٌة نحو الٌوم األول فً‬
‫حٌاتها الجامعٌة بحماس كبٌر ‪..‬أبً ٌعٌد علً ما ٌقوله منذ أسبوع ‪”:‬تاخدى اختك تشترٌلها بالطو‬
‫وتعرفٌها األقسام ‪..‬وما تسٌبهاش !” ‪..‬أنطق أٌضا ‪”:‬حاضر ٌا بابا” ‪..‬وأضحك اآلن جدا وانا‬
‫أتذكر أننً تركتها عند بوابة الجامعة حٌن صادفت هً صدٌقة لتسلم علٌها ومضٌا معا بتشجٌع‬
‫منً ألن ٌجربا متعة االكتشاؾ وحدهما ‪..‬هل أبدو أخت كبرى سٌئة؟ …هذا صحٌح ‪..‬ألننً‬
‫أفشل دوما فً تؤدٌة هذا الدور …لكننً أعرؾ أٌضا أن آخر ما ترٌده هً ‪..‬هو أخت كبرى‬
‫تمسك ٌدها فً الشارع والكلٌة ‪..‬‬

‫أنا أٌضا أقابل صدٌقتً ‪..‬نصعد للمحاضرة ‪..‬نلقً نظرة على المدرج ونكتشؾ أنه معمل تدجٌن‬
‫لبلنفلونزا ‪..‬نخرج سرٌعا بانتشاء كبٌر وثرثرة وضحكات كثٌرة ‪..‬نتجول أسفل الكوبري ونتؤمل‬
‫الجو العام ‪..‬الشباب الصؽٌر ٌراقب الفتٌات الصؽٌرات ‪..‬وٌراقبنا أٌضا ‪..‬ونحن نرٌد أن نخبرهم‬
‫اننا أصبحنا “كبار” ‪ ..‬نحن اآلن فً الفرقة الخامسة ‪ ..‬وبما أن الفرقة السادسة فً أجازة ‪ ..‬فبل‬
‫ٌوجد من هم أكبر منا ‪..‬وهذا لٌس جٌدا كما ٌبدو ‪..‬ألننً حٌن كنت فً الفرقة األولى كنت أقول‬
‫‪ ” :‬أرٌد أن ٌحبنً شاب فً الفرقة الثانٌة أو الثالثة أو الرابعة ‪ ..‬أو الخامسة ‪..‬أو السادسة !” أما‬
‫اآلن …!! وإن كنت لم أعد أبحث عن الحب لعلمً أنه سٌؤتً ٌلهث ورائً بمجرد أن أعطٌه‬
‫ظهري وأمضً بتجاهل شدٌد ‪ ،‬كطفل صؽٌر تظل تبلطفه وتبلعبه وتتحول أمامه لبهلوان كً‬
‫ٌنظر إلٌك فقط وٌضحك فبل ٌفعل ‪..‬وبمجرد ان تعرض عنه وتنشؽل بشًء آخر ٌؤتٌك وحده‬
‫ٌحاول لفت انتباهك وٌضحك وٌبكً‪..‬وٌفعل كل شًء كً تهتم به ثانٌة ‪ ..‬وأنا مرهقة جدا‬
‫وأحتاج للراحة بحجم سنوات عمري العشرٌن ولم ٌعد لدي طاقة لتؤدٌة دور البلهوان أمام طفل‬
‫شقً مكابر ال ٌكبر ‪ ..‬أكثر ما أضحكنً الٌوم حٌن اقترب منا فتى مع صدٌقه بعبلمة صبلة‬
‫تنمو فً جبهته وذقن صؽٌرة نابتة ‪ٌ ..‬نظر وٌوجه كبلمه إلٌنا قائبل ‪”:‬هذه فتنة ٌا أخ محمود!”‬
‫‪..‬لم أتمالك نفسً أمام عبارة الفتى األمردا ‪ ..‬واآلن أضحك مرة أخرى على الشٌخ الصبً وأنا‬
‫أضع ٌدي على بشرتً التً تحرقنً كثٌرا بسبب الشمس ‪ ..‬وأفرؼت علبة كرٌم علٌها وال فائدة‬
‫‪..‬أال ٌكفٌها انها لوحتها بـ “السمرة” فً نهار واحد ‪ ..‬وإن كنت قمت بؤكثر من مشوار تحتها‬
‫فهذا لٌس مبرر لقسوتها معً ‪_..‬زعبلنة منك ٌا شمس ٌا برتقانً _‬

‫كنت قد ذهبت لمحل حلوٌات ألحجز “تورتة” لعٌد المٌبلد ؼدا ‪..‬أختى عٌد مٌبلدها بعد ثبلثة أٌام‬
‫‪..‬وخطٌبها عٌد مٌبلده كان من ثبلثة أٌام ‪..‬لهذا توصبل معا لٌوم فً منتصؾ المسافة بٌنهما‬
‫ٌحتفبل فٌه بعٌد مٌبلدٌهما معا ‪..‬وٌتبادال الهداٌا واألحبلم ‪ ..‬وصٌت البائع أن ٌكتب على التورتة‬
‫“أحمد وشٌماء” فً قلب واحد ‪ ..‬ومضٌت وأنا افكر فً الجدع جمٌل الصورة حٌن ٌاتً فؤتخلى‬
‫عن أنانٌتً ألجله وٌتخلى عن أنانٌته ألجلً ونكون فً منتصؾ المسافة بٌننا “أنا” واحدة ‪..‬نقؾ‬
‫أمام المرآة نبتسم معا ونستكمل األؼنٌة ‪“ :‬وقفنا فً ألؾ مراٌة بالبدلة والفستان ‪..‬وهتنتهً‬
‫الحكاٌة ‪..‬واحنا ملناش مكان … صبرت فً البداٌة ‪..‬وهصبر للنهاٌة ‪..‬الصبر عندى هواٌة‬
‫‪..‬وأنا وانت والزمان !”‬

‫الحاضرة الؽائبة !‬

‫ٌر باب الؽرفة مؽلقا ‪ ..‬والشبابٌك‬


‫أبً لم ٌوقظنً هذا الصباح ‪ ..‬رؼم أن الوقت تؤخر ‪ ..‬كؤنه لم َ‬
‫اٌضا ‪..‬كل أشٌائً ساكنة كؤن اللٌل تكوم على النهار ‪.‬دوالبً مؽلق كـ سر ‪ ..‬الشاشة مطفٌة ‪..‬‬
‫وال تنبض باألصدقاء الداخلٌن والخارجٌن فً الماسنجر ‪ ..‬كشهٌق و زفٌر ‪..‬الفوضى مرتبة و‬
‫مطوٌة بعناٌة و ترجونً أن أستٌقظ سرٌعا ألبعثرها وأنشرها مع الموسٌقى كؤننً أقؾ كل‬
‫صباح على سطح بناٌة عالٌة تداعب السحاب وأنثرها كالمطر ‪ ..‬كل الهدوء و كل الصمت ٌشً‬
‫بؤننً لم أنهض بعد ‪..‬وأبً لم ٌنتبه لهذه الوشاٌات على ؼٌر العادة ‪..‬رؼم أننً شعرته ٌفتح باب‬
‫الؽرفة مرة ثم ٌؽلقه ‪ ..‬كؤنه لم ٌرانً !! ‪ ..‬صحوت باستؽراب وضٌق ألننً تعودت على‬
‫اسطوانات الصباح التً أسمعها منه والتً صارت تشبه فً أذنً ‪ٌ ” :‬ا حلو صبح ٌا حلو طل ‪..‬‬
‫ٌا حلو صبح نهارنا فل!”‪..‬بدلت مبلبسً فً عشر دقائق استطعت خبللها أن أقلب ؼرفتً رأسا‬
‫على عقب كؤن قنبلة انفجرت فً الحجرة وخرجت وأنا أقول ‪ ”:‬ماشاء هللا علً ‪..‬أنا أتطور” ‪..‬‬
‫الدوالب مفتوح على مصراعٌه والمبلبس متدلٌة منه كلسان ٌؽٌظ به كل من ٌفكر دخول الؽرفة‬
‫فً ؼٌابً ‪ ..‬أو ٌحاول التذمر من المنظر ‪..‬حقائبً مكومة على المكتب ‪ ..‬الرجل فً السماعات‬
‫ٌؽنً بحماس ‪ ..‬واألحذٌة مبعثرة مع مبلبس النوم على األرض ‪ ..‬الؽرفة تحتاج لبلستئصال‬
‫فورا من المنزل ‪..‬أنظر لها مرة أخٌرة ثم أذهب إلى الراوند ‪ ..‬وألننً دائما متؤخرة ‪ ..‬فتكون‬
‫المقاعد كلها مشؽولة وأقؾ دقٌقتٌن حتى أكتشؾ مقعد شاؼر أو حتى ٌدلنً أحدهم علٌه ‪ ..‬هذه‬
‫المرة رؼم أن القاعة كانت ممتلئة عن آخرها ‪..‬إال أننً وجدت كرسً بسهولة وجلست علٌه‬
‫دون أن ٌنتبه أحد لدخولً ‪..‬أوٌتلفت حوله لمساعدتً فً إٌجاد واحدا ‪..‬هذا دفعنً ألتساءل ‪:‬هل‬
‫شعر أحد بقدومً؟ ‪ ..‬هل رآنً أحد ؟ ‪ ..‬جلست ولم أشعر بنظرات خالد زمٌلً التً تراقبنً‬
‫طوال الوقت ‪..‬والذي أتجنب النظر فً اتجاهه دائما كً ال ٌظن أننً أبادله النظرات ‪..‬ألن كل‬
‫شاب ٌتخٌل أن أي فتاة تنظر فً االتجاه الذي ٌجلس به‪..‬فهً تنظر إلٌه ‪ ..‬أحدهم قال لً مما‬
‫ٌزٌد عن ‪ 6‬سنوات ‪..‬أنه فً كل مرة تمر فتاة من أمامه فتعدل من وضع طرحتها ‪ ..‬أو تنظر‬
‫لشًء ما خلفه ‪ ..‬فهو ٌتؤكد من أنها تحاول لفت نظره ‪ ..‬وفٌما بعد اكتشفت أن كل الرجال‬
‫ٌفكرن بهذه الطرٌقة ‪ ..‬ولن أبرأ الفتٌات ‪ ..‬فؤنا أدري أن معظم الفتٌات ٌحاولن جذب أنظار‬
‫معظم الشباب ‪ ..‬لكنهن ال ٌقصدن هذا الشاب تحدٌدا كما ٌتخٌل كل واحد منهم ‪ ..‬ما ٌهم أننً‬
‫عرفت بعد قلٌل أن خالد ؼٌر موجود ‪ ..‬رؼم أننً أردته الٌوم فقط أن ٌؤتً وٌنظر إلً ألشعر‬
‫أننً موجودة_ فقط _… جلست فً أحد الجوانب وحدي أستمع لشرح الدكتور ‪ ..‬دون زمٌلة‬
‫تخبرنً بؤي شًء بٌن وقت وآخر ‪ ..‬ودون زمٌل أتفادى النظر باتجاهه ‪..‬انتهى الراوند ‪..‬‬
‫وصعدت للدور األعلى ألثبت حضوري ‪ ..‬رفضت السكرتٌرة وكتبتنً ؼٌاب ‪ ..‬أقسم لها أننً‬
‫حضرت الراوند من بداٌته ‪ ..‬وهً تصر ‪ ..‬وتخبرنً أن تسجٌل الحضور فً بداٌة الرواند ‪..‬‬
‫ولٌس فً نهاٌته ‪ ..‬ألوي شفتً بامتعاض ‪..‬وأنزل السبللم وحدي ‪..‬و أنا الوحٌدة ‪ ..‬أتوحد أكثر‬
‫‪ ..‬أضع السماعات فً أذنً ‪..‬والموسٌقى تهٌج كبحر ‪..‬أجلس فً الكلٌة طوٌبل ‪..‬انتظر قدوم‬
‫األصدقاء ‪ ..‬ال أحد ٌؤتً ‪ ..‬اهاتفهم ‪ ..‬ال أحد ٌرد ‪..‬تمر صدٌقة مسرعة ‪ ..‬ألمحها من ظهرها ‪..‬‬
‫ال أفكر بمناداتها ألننً صرت أعرؾ أن صوتً الذي ال ٌتكىء وهنه على شًء سٌسقط فً‬
‫الفراغ ‪..‬ولن ٌصل… أؼادر ‪ ..‬أعود لؽرفتً ‪..‬وأنظر فً المرآة طوٌبل ‪ ..‬المرآة ترانً ‪ ..‬أؼلق‬
‫عٌنً ‪ ..‬أصور المرآة وعٌنً مؽلقة ‪ ..‬أٌضا ترانً ‪ ..‬أضع “طرحة” زرقاء على شعري ‪..‬‬
‫ترانً … أرتدي نظارة شمسٌة ‪ ..‬ترانً ‪..‬أروح وأجًء ‪ ..‬أصنع عصٌر برتقال ‪..‬وأعود‬
‫أشربه أمام المرآة ‪ ..‬ترانً … ترانً … ترانً …! ‪ ..‬لماذا شعرت إذن طوال الٌوم أننً ؼٌر‬
‫مرئٌة !‬

‫أظل عطشان وأحلم بٌك ٌا ماي !*‬

‫منذ أكثر من أسبوع وأنا أشعر بالظمؤ الشدٌد ‪ ..‬ولٌس بإمكان أنهار الكون كلها أن تروٌنً ‪..‬‬
‫حلقً جاؾ ‪..‬وكؤس الماء ال ٌفارق ٌدي ‪ ..‬ومع كل رشفة العطش ٌزداد أكثر ‪ ..‬وشراهتً للمٌاه‬
‫تتفاقم ‪ ..‬كؤننً فتاة حولها دراكوال منذ أٌام قلٌلة إلى مصاصة دماء مسكٌنة تجلس مستندة على‬
‫جدار فً شارع مظلم ‪..‬تتلوي من العطش وتحاول بلع رٌقها بمعاناة صحراء تحرقها الشمس ‪..‬‬
‫أتذكر اآلن ٌوم األحد الفائت حٌن ذهبت ألجري تحلٌل دم للمرة األولى بحٌاتً‪ ..‬الممرضة‬
‫تتحسس ورٌدي البارز ‪ ..‬تحاول إبرازه أكثر ‪ ..‬تؽرس األبرة برفق ‪ ..‬وأنا ال أؼمض عٌنً‬
‫بقوة كما اعتدت ان أفعل مع كل ألم … أنظر إلى دمائً وهً تؽادر ورٌدي مذعورة ‪ ..‬لونها‬
‫ٌشبه األسود القاتم جدا وأنا أفتش عن األحمر وال أجده ‪ ..‬أدركت بحزن أنها تؽادر الوطن فً‬
‫قلبً ولٌس ثمة طرٌق ٌشبه الورٌد للرجوع ‪ ..‬فكرت لحظتها أن كل وداع هو بصورة أو‬
‫بؤخرى ال ٌتعدى كونه نزؾ ‪ٌ ..‬وجع وٌإلم ومع الوقت ٌنسى ‪ ..‬تخٌلت الممرضة هً دراكوال‬
‫التً شربت من دمً وحولتنً إلى هذه الفتاة الظمآنة التً ال تعرؾ كٌؾ ترتوي ‪ ..‬هذا الشعور‬
‫الذي الزمنً من أول الٌوم إلى آخره …بدأحٌن كنت خارجة من البٌت فً الصباح و توقفت‬
‫فجؤة عند آخر سبللم البٌت ‪”:‬نسٌت أشرب” ‪ ..‬صعدت سرٌعا وبالمطبخ وجدت كؤسا ممتلئا إلى‬
‫نصفه كنت قد وضعته للتو على الطاولة ‪ ..‬نظرت له برفع حاجب ثم شربته إلى نهاٌته ونزلت‬
‫‪..‬‬

‫لم أفكر طوال الطرٌق فً أي شًء ‪ ..‬كنت شاردة وؼٌر منتبهة ‪ ..‬وحٌن انتبهت فً النهاٌة‬
‫وددت لو ٌعود الطرٌق من أوله ألفكر فً حكاٌة “عن شٌطان فتاة” وأتخٌل األحداث القادمة ‪..‬‬
‫أتذكر اآلن “إٌمان” حٌن قالت لً فً المساء ‪”:‬الحكاٌة دي عنك ‪..‬أنا متؤكدة” ‪..‬نفٌت… وأخذت‬
‫هً تصر ‪ ..‬ولكننً اآلن ال أنفً ‪ ..‬فؤنا أكتب ما كان ٌمكن أن ٌحدث لً ‪ ..‬الحٌاة التً كان من‬
‫الممكن أن تكون ‪ ..‬تماما كما ٌقول ساراماجو‪”:‬من سٌكتب التارٌخ الذي كان ٌمكن أن ٌكون !”‬
‫‪ ..‬حٌن قرأت هذه الجملة أول مرة وضعت تحتها خطا وكتبت بجوارها ‪“ ..‬أرٌد بشدة أن أفعل”‬
‫‪..‬وكل ما أفعله اآلن أننً أحاول وأنا أعرؾ أن كل الحكاٌات هً محاوالت لكتابة تارٌخ كان‬
‫من الممكن أن ٌكون … أو سٌكون …‬

‫وصلت الجامعة فً حوالً الحادٌة عشر والنصؾ ‪ ..‬ووجدت على الفور ؼادة وعبل وعزة ‪..‬‬
‫قضٌنا اكثر من ساعتٌن رائعتٌن معا حد أن أحمد حٌن هاتفنً أول ما استٌقظ سؤلنً‪”:‬مالك‬
‫مبسوطة كده !” ‪ ..‬التقطنا العدٌد من الصور ‪ ..‬جاءت أسماء ومنال قبل أن ٌؤتً أحمد بقلٌل‬
‫ونؽادر‪ ..‬وانتابنً حزن صؽٌر ألننً سؤترك أسماء سرٌعا دون أن أمضً مزٌدا من الوقت‬
‫برفقتها ‪ ..‬أما عن منال فكان الفراق الذي نما بٌننا منذ عام كنبات شٌطانً ٌمتد وٌتشابك‬
‫وٌفصلنا تماما … وقفت على مسافة قلٌلة منها أنتظرها تنطق‪”:‬ازٌك ٌا دعاء” ‪ ..‬لم تفعل ‪ ..‬ولم‬
‫أفعل أنا أٌضا ‪ ..‬حتى نهاٌة الٌوم حٌن قابلتها ثانٌة فً حفل ” هشام الجخ” ‪ ..‬ذهبت إلٌها وقلت‬
‫أننً ال أتذكر لماذا حتى تشاجرنا ‪ ..‬ال أتذكر سوى أنك منال صدٌقتً فقط … وكنت أعنً كل‬
‫حرؾ مما قلته ‪ ..‬تصالحنا وتبلشت كل األفرع والؽصون المتشابكة وأطرافها الحادة بفرقعة‬
‫اصبعٌن فً الهواء ‪..‬تعانقنا بقوة وشوق عام كاااامل كان فٌه التجاهل هو سلوكنا ومنهجنا‬
‫الوحٌد … ورؼم أن الٌوم بؤكمله كان رائعا ‪..‬إال أننً اعتبرت هذا الحدث هو نصره الكبٌر ‪..‬‬

‫فً حوالً الواحدة والنصؾ ذهبت مع أحمد إلى كورس األلمانً … شعرت أن فراو أمل لٌست‬
‫فً مزاج جٌد جدا ‪ ..‬أحمد قال أننً أتخٌل ولو كان ما قلته صحٌحا فربما ألننا تؤخرنا على‬
‫موعدنا معها كثٌرا…………… ربما … ماٌهم أننً حٌن خرجت من الكورس كانت فً‬
‫رأسً فكرة واحدة وهً أننً بحاجة ماسة ألن أذاكر ألمانً طوٌبل بعدما راكمت دروس كثٌرة‬
‫‪ ..‬وأحببت أن أتخٌل أن هذا سبب ضٌق فراو أمل ‪..‬كً أتحفز أكثر للمذاكرة !‬

‫كانت الساعة فً حوالً الخامس إال الربع ‪ ..‬وكنا قد تؤخرنا على موعد الحفل كثٌرا … ألؽٌنا‬
‫الؽداء واشترٌنا بالطرٌق سناكس و زجاجة ماء ولكن بعدما تؤخر الحفل أكثر من ساعتٌن عن‬
‫موعده عرفنا أنه لم ٌكن هناك داع للعجلة ‪..‬‬

‫لم نشعر بالملل لطول الوقت وإنما مضى سرٌعا بٌن مواهب جمٌلة تؽنً وتمثل وتلقً الشعر‬
‫… أعجبت بؤكثرهم ‪ ..‬ولكن شاب واحد أحدث زلزاال صؽٌرا فً روحً وهو ٌؽنً بصوته‬
‫العذب جدا جدا جدا ‪:‬‬

‫نحلم على كٌفنا ‪ ..‬نؽلب عذاب خوفنا ‪ ..‬نرسم على كفوفنا ‪ ..‬قلبٌن وسهم اترمى‬

‫ما ٌهمناش اللٌل ‪ ..‬وال ألؾ جرح و وٌل ‪..‬طول ما الحٌاة بتمٌل ‪ ..‬نعدلها واحنا سوا‬

‫قادر أكون وهكون ‪ ..‬عاشق بحب الكون‬

‫واألمنٌات واللون ‪ ..‬والفجر لما ٌعود‬

‫األؼنٌة رائعة ‪ ..‬والصوت أكثر من رائع حد أننً فتنت باالثنٌن معا ‪ ..‬ورؼم أننً عرفت أن‬
‫األؼنٌة لمحمد فإاد باألساس _وانا ال أستلطفه كثٌرا_ إال أننً لم أكن سمعتها منه وهذا كافً‬
‫ألن أنسب األؼنٌة انتساب كامل لهذا الصوت …‬
‫جاء “هشام الجخ” فً السابعة والنصؾ تقرٌبا ‪ ..‬وكاد صوت التصفٌق الحاااااااد والصفٌر أن‬
‫ٌصم أذنً ‪ ..‬هذا الصوت الذي ما توقؾ طوال الحفل وجعلنً أتذكر عبارة هشام الجخ عن‬
‫حلمه ‪ ”:‬عاٌز لما أموت ‪ ..‬العالم كله ٌقول هشام الجخ مات” ‪ ..‬العبارة التً جعلتنً أفكر أنه لو‬
‫كان بإمكانً أن أحلم حلم ؼٌري ‪..‬لكان هذا الحلم ‪ ..‬ؼٌر أننً ال أستطٌع أن أفعل هذا ‪..‬‬
‫األحبلم بالنسبة لً أمر حمٌمً للؽاٌة ‪ ..‬ال ٌجوز تقلٌده أو التشبه به ‪ ..‬ولهذا أنا أحاول أن‬
‫أصنع أحبلمً الخاصة ‪ ..‬أحبلمً التً تناسبنً وحدي وال تناسب ؼٌري كحذاء سندرٌلبل ‪..‬‬
‫وأحاول أن أمتلك اإلٌمان بقدرتً على تحقٌقها ‪ ..‬اإلٌمان الذي تؤكدت من وجوده فً قلبً لحظة‬
‫ؼنى الشاب ‪”:‬قادر أكون وهكون !” فاهتزت األرض من تحتً !‬

‫عن الحفل مرة أخرى … كان رائعا إلى أقصى حد ‪ ..‬أنظر إلى أحمد بٌن دقٌقة وأخرى ‪..‬‬
‫بسعادة طاؼٌة لكونه حبٌبً ‪ ..‬لكونه الرجل الذي ٌمسك بٌدي وٌعبر بً منعطفات العالم أجمع‬
‫‪..‬فكرت بهذا عقب انتهاء الحفل ‪ ..‬بٌده التً ال تترك ٌدي ‪ ..‬بارهاقً وتعبً الذي نام على كتفه‬
‫‪ ..‬وهو ٌوقظنً برفق ألحادث أمً ‪! ..‬‬

‫أصل المنزل فً العاشرة والنصؾ تقرٌبا ‪ ..‬بحكاٌا وتفاصٌل كثٌرة ‪ ..‬ورؼبة هـــــــــــــائلة‬
‫بالنوم …‪ .‬أبدل مبلبسً سرٌعا ‪ ..‬أتفقد الفٌس بوك سرٌعا ‪ ..‬أطمئن على وصول أحمد لمنزله‬
‫… أشرب زجاجة مٌاة كاملة … وبعطش كــبـٌــر أنام !‬

‫*أظل عشان وأحلم بٌك ٌا ماي ‪ :‬من أؼنٌة أنا بلٌاك ‪ ..‬للمطرب العراقً ‪":‬إلهام المدفعً"‬

‫انظري ٌا ماما ‪ ...‬بابا ٌطٌر !!‬

‫منذ أكثر من خمس سنوات كنت قد بدأت فً قراءة رواٌة “عالم صوفً” لـ “جوستاٌن ؼاردر”‬
‫‪ ..‬ولؤلسؾ لم أنهٌها حتى اآلن … كنت فً السابعة عشر تقرٌبا أو أقل قلٌبل ‪ ..‬والرواٌة ضخمة‬
‫للؽاٌة ولٌست مشوقة على اإلطبلق ‪ ..‬أمضٌت عدة أٌام وأنا أفنً مقلتً بها بنفاد صبر وإصرار‬
‫على إكمالها فقط كً أتمكن ذات ؼرور من أن أقول‪ ” :‬لقد أنهٌت هذه الرواٌة الصعبة !” ‪..‬‬
‫لكننً لم أنل هذا الشرؾ ‪..‬وألقٌتها من ٌدي بعٌدا قبل أن أصل حتى إلى منتصفها بعدما توصلت‬
‫لنتٌجة مفداها أننً “ال أفهم شٌئا” ‪..‬أو أننً أفهم كل سطر على حدة ‪ ..‬دون أن أصل لفهم‬
‫المعنى العام … وإن كنت أعٌد التفكٌر فً هذه النتٌجة اآلن ولدي رؼبة قوٌة بالمحاولة مرة‬
‫أخرى بهدؾ معرفة الفارق بٌن درجة استٌعاب عقلً قبل خمس سنٌن واآلن‪!.‬‬

‫وبعٌدا عن كل هذه الثرثة التً ال عبلقة لها بالموضوع فؤنا أود أن أقول أننً تذكرت هذه‬
‫الرواٌة الٌوم بالذات ألننً كنت أفكر فً معنى لـ ” الدهشة” ‪ ..‬لم ٌؤت األمر على هذا النحو‬
‫أٌضا ‪ ،،‬وإنما أتى حٌن كنت مستلقٌة على السرٌر هذا الصباح ولم أنهض بعد ‪ ..‬كنت أفكر فً‬
‫كل األشخاص حولً وأتخٌل وجوههم وردود أفعالهم حٌن تصٌبهم الدهشة ‪ ..‬أول من تخٌلتها‬
‫كانت “ؼادة” ‪ ..‬تذكرتها وهً ترفع حاجبٌها وتفتح عٌنٌها على آخرهما حتى تكاد تخرج من‬
‫محجرٌهما كؤفبلم “توم&جٌري” وتشهق ‪ ..‬تخٌلت وجهها مرات ومرات وأنا أضحك ‪ ..‬وهذا‬
‫دفعنً ألن أقول فً سري ‪”:‬طٌب ماما” … حٌن أقص علٌها شٌئا ٌدهشها ‪..‬تقوم بنفس رد فعل‬
‫ؼادة أحٌانا لكنها فً أؼلب الوقت تشهق ‪”:‬أل … اقعدي ساكتة !!” … أما عن أبً … فهو‬
‫ٌطلق ضحكة عالٌة مهما كان مصدر الدهشة جٌدا أو سٌئا ‪ ..‬فقط ٌطلق هذه الضحكة مبدئٌا‬
‫ومن بعدها ٌنفعل بالفرح أو الؽضب … أما أحمد … فرد فعله األول هو السخرٌة بكلمات‬
‫وجمل تثٌر ضحكً ‪ ..‬ثم ٌبدأ بعدها فً أخذ األمر بجدٌة … محمد أخً ‪ ..‬حٌن تصٌبه الدهشة‬
‫ٌتسمر فً مكانه ‪ ..‬فلو كان ٌشرب مثبل ٌده تظل مرفعوة لثوانً طوٌلة ‪ ..‬ولو كان ٌهم‬
‫بالجلوس ٌظل مهما به ‪ ..‬ولو كان ٌضحك أو ٌبكً أو ٌفعل أي شًء بالدنٌا فهو ٌتجمد على‬
‫وضعه األخٌر … مً صدٌقتً ترجع خطوتٌن إلى الوراء ‪ ..‬أسماء تصمت تماما لفترة وتتجمد‬
‫مبلمح وجهها مع اتساع ضئٌل فً عٌنٌها … وهكذا ‪ ..‬حاولت تخٌل كل من أعرفهم لحظة‬
‫دهشتهم …‬

‫أما عن دهشتً أنا ‪ ..‬فبل أعرؾ … ربما أنا بحاجة لمن ٌخبرنً عنها ‪ ..‬وربما لٌس لً رد فعل‬
‫معٌن ٌمٌز دهشتً ‪ ..‬أعرؾ فقط أننً فً أحاٌٌن كثٌر أفتعل دهشة تلٌق بالموقؾ ‪ ..‬و بؽض‬
‫النظر عن كونً ممثلة فاشلة وبإمكان من ٌعرفنً جٌدا أن ٌمٌز بسهولة افتعالً هذا إال اننً‬
‫بحاجة فعبل لمن ٌخبرنً عن دهشتً الحقٌقٌة ‪!.‬‬

‫منذ عدة ساعات جاءنً تعلٌق على صورة كنت قد وضعتها على الفٌس بوك لشكل “جنٌنة‬
‫البٌت” بعدما ؼسلها المطر‪:‬‬

‫‪Although I live in the country and i see such scenes every day, this photo‬‬
‫‪is really amazing‬‬

‫فقلت ‪:‬‬

‫“‪”Although i see this scene every hour … it always amazes me‬‬

‫بعدها فكرت أن هذا لم ٌحدث إال منذ سنوات قلٌلة فقط ‪ ..‬وأننً فً صؽري كنت أرى هذا‬
‫المشهد دائما دون أن تصٌبنً أي دهشة ‪ ..‬فً هذه اللحظة بالضبط تذكرت مشهدا من رواٌة‬
‫“عالم صوفً” ‪ .‬وربما هو الشًء الوحٌد الذي أتذكره منها ‪ ”:‬األب واألم مع طفلهما الصؽٌر‬
‫فً المنزل ‪ ..‬األم مشؽولة فً المطبخ ‪..‬واألب ٌلهو مع االبن … فجؤة األب ٌطٌر حتى ٌصل‬
‫إلى السقؾ ‪..‬فٌضحك الطفل وٌظن أن أبٌه ٌبلعبه وٌنادي على امه ‪”:‬انظري ٌا ماما ‪ ..‬بابا‬
‫ٌطٌر !” ‪..‬وفور أن تراه األم ٌسقط مؽشٌا علٌها من فرط الدهشة !!” *‬

‫أما عن دهشتً مرة ثانٌة ‪ ..‬فؤنا أذهل من أشٌاء صؽٌرة للؽاٌة ‪..‬بٌنما أشٌاء أخرى هائلة ال‬
‫تسترعً انتباهً حتى … ثمة خطؤ ما ال أدركه … خطؤ ربما تفسٌره فً “عالم صوفً” !‬

‫______________________________‬
‫* هذا المشهد روٌته كما أتذكره ولٌس كما أورده “جوستاٌن ؼاردر” فً رواٌته حٌن أراد أن‬
‫ٌبٌن كٌؾ هً عقول األطفال لٌس لها حدود وال تعرؾ ماٌسمى بالمستحٌل ‪ ..‬بٌنما عقول الكبار‬
‫صارت سجٌنة للواقع!‬

‫مطر ‪ ...‬مطر !‬

‫القلوب التً تتفتح للمرة األولى ‪ٌ ..‬طعنها أال تجد المطر بانتظارها*‬

‫ثبلثة أعوام وأنا أردد هذه العبارة بإٌمان تام أنه فً الجفاؾ سٌتشقق قلبً‪ ..‬وسٌذبل‪..‬وٌموت ‪..‬‬
‫أرددها بخشوع وأنا أصلً استسقاءا لقلب ٌشبه الصٌؾ ال ٌعرؾ شٌئا عن انبعاث المطر‬
‫‪..‬أرددها وأنا أقصد ‪”:‬متجرحنٌش” ‪..‬ألننً ال أعرؾ كٌؾ أطلب ‪..‬وكٌؾ آمر ‪..‬وال أعرؾ‬
‫طعما لؤلشٌاء التً تؤتً بعد طلب ‪..‬فؤجتهد طوٌبل فً صنع عبارات ملتوٌة ومتشابكة ومرهقة‬
‫‪..‬لكنها تفضً إلى النهر فً نهاٌة الؽابة ‪..‬حٌث أجلس أنا ‪..‬أنتظره ‪ ..‬وال أقارب الماء ‪ ..‬حتً‬
‫ٌؤتً‪ ..‬فٌنحنً على النهر ‪ٌ..‬مؤل كفٌه وٌرفعهما إلً ألشرب وأرتوي وأبلل قلبً ‪..‬ثم ٌشرب من‬
‫بعدي ‪..‬وأنا أمرر سبابتً على مسار الماء ‪..‬من شفتٌه ‪..‬لعنقه ‪..‬لصدره ‪..‬أنحرؾ قلٌبل للٌسار‬
‫‪..‬أصل لقلبه ‪..‬أصنع دوائر باصبعً وأهمس ‪”:‬أنا هنا ‪..‬أدوووخ” ‪ٌ..‬مسك اصبعً قبل أن أسقط‬
‫من الدوار ‪”..‬أنا هنا أدفعك على أرجوحة من نور”‪..‬أدوخ أكثر ‪”..‬إذن توقؾ” ‪ٌ ..‬فرد كفً على‬
‫قلبه ‪”:‬بسملً علٌه ‪..‬باركٌه ٌا دعاء”‪..‬باؼماضة عٌن و خدر أنطق‪”:‬قل أعوذ برب‬
‫الحب”‪..‬أشعر بقطرات ماء على رأسً ‪..‬على ٌدي التً تدثر قلبه ‪ٌ..‬نهمر المطر ‪ ..‬على قلبٌنا‬
‫معا ‪ٌ..‬سؤلنً ‪”:‬أتعلمٌن أي حب ٌبعث المطر؟”‪..‬أجٌب ‪”:‬أعلم فً أي قلب ٌسقط المطر!”‬

‫* هدٌل الحضٌؾ‬

‫ساكنة جدا ‪ ...‬كإعصار !‬

‫ساكنة جدا ‪ ..‬كرٌح احتبست فً رئة مٌتة ‪..‬رأٌتها ‪..‬تصعد سبللم المستشى ببطء ‪..‬تبحث عن‬
‫قسم القلب بحٌرتها األولى ‪ ..‬تود لو تسرع ألن الثقوب السوداء فً قلبها تتسع كثٌرا ‪..‬لكنها‬
‫تمشً بالبطء ذاته ‪..‬لماذا تفعل هذه المرة ما توده ‪..‬وهً تتجاهل كل رؼباتها منذ فترة لٌست‬
‫قصٌرة ألنها ترؼب فقط فً تجاهلها ‪”..‬ؼباء !” ‪..‬تصل أخٌرا لرفاقها ذوي القلوب الضعٌفة ‪..‬‬
‫الطلبة تلتؾ حول الدكتور وهو ٌشرح على احدى الرفاق ‪ٌ ..‬تكلم بسرعة ‪ٌ..‬بتسم بٌن الجمل‬
‫‪..‬الطلبة ٌبادلونه االبتسام ‪..‬وهً تخجل من أن تبتسم فً حضرة كل هذا األلم ‪ ..‬التؤوهات تمؤل‬
‫العنبر ‪ ..‬تمؤل المستشفى ‪ ..‬تمؤلها ‪..‬تشطرها نصفٌن ‪ ..‬نصؾ ٌتعذب من أجلهم ‪ ..‬ونصؾ‬
‫ٌحسدهم ألنهم بإمكانهم رتق الثقوب باآله ‪ ..‬أما هً فتمضً ‪ ..‬ال تتؤوه ‪ ..‬ال تضع ٌدها على‬
‫قلبها ‪ ..‬ال تدثره من البرد الذي ٌؤكله كحبة فراولة ‪ ..‬تعرؾ أنه سلٌم تماما ‪..‬ولن ٌرتبك فً‬
‫الشاشات الكثٌرة ‪..‬لكنها تتٌقن من كونه ملًء بالثقوب الصؽٌرة التً تضٌق حتى تختفً فً‬
‫النهار وتتسع كثقب األوزون فً اللٌل حتى ٌصٌر بإمكانها أن تبتلع الكون دون ؼصة ‪ٌ ..‬نتهً‬
‫الدكتور من الشرح ‪ ..‬تؽادر مع بقٌة الطلبة إلى قاعة الراوند ‪ ..‬تعٌش أكثر لحظات ٌومها ؼربة‬
‫بٌن فتٌان وفتٌات فشلت طوال أربع سنوات مضت فً معاٌشتهم ومجاراتهم كـ رفاق !‪ ..‬تجلس‬
‫بوحدتها األولى والثانٌة والثالثة والبلنهائٌة ‪..‬ساكنة جدا ‪ ..‬األؼنٌة فً أذنها تتشكل على وقع‬
‫النبض ‪ ..‬تبلئم قلبها تماما ‪..‬تعدد “‪.. ”forty one way to die‬تقاطع ذراعٌها على الدٌسك‬
‫أمامها ‪..‬تلقً برأسها فوقهما ‪ ..‬تؽمض عٌنٌها ‪ ..‬ال ترى عالمهم ‪ ..‬تتمنى و تتمنى لو ال ٌراها‬
‫بدوره ‪ ..‬تصدق أن هذا حدث ‪ ..‬ورؼم الموت الذي ٌنساب داخلها بواحد وأربعٌن طرٌقة ‪..‬‬
‫تخترقها أحادٌث الفتٌات كؤسهم شاردة ‪ ..‬كـ “ولٌام تٌل” فاشل ٌقتل ابنه بكل الطرق ‪..‬ثم ٌجلس‬
‫بجواره ٌقضم التفاحة ‪..‬احداهن تشتكً أن رأسها سٌحترق لكثرة الكتب التً قراتها ‪ ..‬تجٌبها‬
‫األخرى أنها ال تمتلك صبرا تقرأ به ” مٌكً ماوس” ‪..‬تؽٌظها األولى ‪..‬ال تؤبه لؤلخٌرة ‪.‬ترفع‬
‫رأسها لذات الرأس المحترق ‪..‬تمسك فً ٌدها كتابا ‪..‬ال تستطٌع أن ترى العنوان ‪ ..‬تكتشؾ‬
‫طرٌقة ثانٌة وأربعٌن للموت ‪..‬تشب بجسدها ‪..‬تفشل مرة أخرى ‪..‬تخرج من سكونها أخٌرا‬
‫وتسؤل ذات الرأس المحترق ا أن ترٌها إٌاه ‪..‬تناوله لها بود ‪”..‬لعنة الفراعنة …‪ .‬أنٌس‬
‫منصور” ‪..‬ترتاح و تعٌده إلٌها‪..‬تعود لسكونها ‪ ..‬حسنا ‪..‬هً تحب أنٌس منصور ‪..‬ولكن‬
‫الفراعنة بلعناتهم ال ٌستهوها كثٌرا‪ٌ..‬نتهً الراوند ‪ ..‬تؽادر بالبطء ذاته ‪ ..‬وبعد ارهاق طوٌل‬
‫على مكاتب الموظفٌن من أجل امضاء وطابع ودمؽة ‪..‬تعود لبٌتها ‪ ..‬أمها تشاهد برنامج دٌنً‬
‫بعٌن دامعة ‪ ..‬تسؤلها عن سبب دموعها قبل أن تنتبه للبرنامج ‪ ..‬فتجٌب أنها تحلم لو كانت‬
‫أفضل ‪ ..‬تدخل ؼرفتها وهً ال تفكر بحال أفضل لنفسها ‪ ..‬تتكور على السرٌر كجنٌن ‪..‬ساكنة‬
‫جدا ‪ ..‬والرٌح فً صدرها تتحول العصار … فً حالتها هذه تستطٌع تشكٌل كلمات كرماح‬
‫وأسهم ‪..‬تصوبها كٌؾ تشاء ‪ ..‬اجتماع ما ٌتضاد ٌإلم كثٌرا ‪ ..‬علٌها االنتظار حتى ٌنصهر‬
‫أحدهما !‬

‫كؤننً عصاه !‬

‫الثالثة والنصؾ بعد منتصؾ لٌل ٌمضً بطٌئا جدا كؤنه كهل بساق مكسورة و عصا ضائعة ‪..‬‬
‫وهً وحدها ‪ ..‬تحاول مد ٌدها لتساعده على المشً أسرع قلٌبل ‪ ..‬تؽمض عٌنٌها وتدعً النوم‬
‫‪..‬ال تفكر بؤي شًء ‪..‬تمر ساعة والزالت تدعً ‪ ..‬تستسلم لصحٌانها وتحاول أن تتسلى لتنسى‬
‫النظر فً الساعة كل دقٌقة ‪..‬تتذكر “مصطفى محمود” فً كتابه “األحبلم” الذي أنهته من بضع‬
‫ساعات حٌن قال ‪“ :‬أحسن تسلٌة تضٌع بها وقت فراؼك أن تجلس وحدك فً عزلة وتؽمض‬
‫عٌنٌك وتتذكر العواطؾ التً شعرت بها وكل الدوافع التً تؤرجحت بٌنها وكل األفعال التً‬
‫أتٌتها والكلمات التً قلتها والنٌات التً أخفٌتها ثم تحاول أن تصل لحقٌقتك وستجد أن حقٌقتك‬
‫ستدهشك وتفاجئك كؤنها حقٌقة رجل آخر ال تعرفه” ‪..‬تؽمض عٌنٌها وتبحث عن الفتاة األخرى‬
‫فً داخلها ‪ ..‬تكتشؾ أن اللٌل الكهل ٌمضً فً قلبها ‪ ..‬ولٌس ثمة مصباح ٌساعدها فً البحث‪..‬‬
‫هذا بجانب أن الفتاة األخرى ال تقؾ فً منتصؾ طرٌق وتصٌح “ها أنا ذا !” ‪..‬وإنما تختبىء‬
‫فً طرقات ضٌقة وأزقة وكلما سمعت وقع خطواتها تقترب منها ركضت ألماكن أضٌق وأبعد‬
‫ال تطالها األولى ‪ ..‬شعرت أنها تركض داخلها و رئتٌها تلهث ‪..‬توقفت بٌد تستند على جدار وٌد‬
‫أخرى على قلبها الذي ٌدق كثٌرا وجذعها ٌنثنً إلى األمام من التعب ‪ ..‬هذه اللعبة ال تسلٌها‬
‫وإنما ترهقها وتستنزفها ‪..‬والفتاة األخرى بعٌدا تضحك وتكركر‪ ..‬لعنت مصطفى محمود ولعنت‬
‫الكتاب بؤكمله‪ ..‬ذكرت نفسها أنها رؼم إعجابها الشدٌد بهذا الكتاب إال أنها كرهته بشدة أٌضا‬
‫‪..‬ألنه قال ‪”:‬المرأة كمٌة مهملة حتى نحبها ‪..‬فتوجد ‪..‬وفً الحقٌقة نحن ال نحبها لذاتها وإنما‬
‫نحب الوهم الذي صنعناه منها “!!! ‪..‬كرهته جدا حٌن قرأت هذه الجملة و أزاحته بعٌدا عنها‬
‫رؼم أنها كانت قبلها تتلهؾ إلكماله فكانت تقرأ فصبل من أوله وآخرا من آخره بحماقة أنها هكذا‬
‫ستنهٌه أسرع‪ ..‬هذه الجملة جعلتها تراجع كل السطور التً قرأتها لتكتشؾ أنها موجهة إلى‬
‫الرجل فقط ‪ ..‬حتى فً هذه الفقرة التً جعلتها تتذكر الكتاب اآلن قال ‪”:‬حقٌقة رجل آخر ال‬
‫تعرفه” …وأنه حٌن تحدث أخٌرا عن النساء تحدث بطرٌقة أؼاظتها جدا وأحرقت دمها‬
‫‪”:‬الكراسً واألشجار والحٌوانات والنساء والفواكه تظل أشٌاء ال معنً لها حتى نطلبها‬
‫ونشتهٌها ونجري وراءها فتنبض بالحٌاة واألهمٌة ” !!!! حتى حٌنما تحدث عن الطفولة فإنه‬
‫تحدث عن الطفل الذكر ولم ٌتحدث عن الطفلة األنثى على اإلطبلق ‪ ..‬وروعة الكتاب وفلسفته‬
‫العمٌقة وأسلوبه البسٌط والساحر ال ٌشفع له نهائٌا هذا الموقؾ ضد المرأة وإنما ٌسًء إلٌه أكثر‬
‫ألنه كون رجل على هذا القدر من العقل والذكاء والحكمة والثقافة والوعً وٌعتبر المرأة مجرد‬
‫رؼبة وشًء ٌشتهٌه الرجل ال أكثر‪ ..‬وٌإكد على هذه الفكرة طوال الصفحات كؤن العالم فرغ‬
‫من كل ما به إال هذه الرؼبة فهذا مخزي جدا وال ٌحتمل !‬

‫الرابعة واللٌل العجوز ال ٌمضً وإنما ٌجلس لٌسترٌح بٌن دقٌقة وأخرى ‪..‬نهضت من سرٌرها‬
‫‪..‬توضؤت ‪..‬و صلت ثم جلست فً مكانها قلٌبل‪..‬شعرت بالبرد ٌخترق عظامها ومبلبسها الخفٌفة‬
‫…‪.‬وتعطس ‪..‬وضعت على كتفٌها شال صوؾ وأدارت التلفزٌون ‪ ..‬قلبت القنوات عن ضجر‬
‫‪..‬أفبلم‪..‬مسلسبلت ‪..‬أؼانً ‪..‬برامج تافهة جدا ‪..‬أخبار تعٌد نفسها ‪..‬ملل ‪..‬ملل‪..‬ملل ‪..‬أؼلقته‬
‫سرٌعا و عادت لسرٌرها ‪..‬أخرجت الرواٌة من أسفل الوسادة ‪“ ..‬الٌزابٌث كوستلو” لـ ”‬
‫كوتسً” ‪ ..‬أول عشرٌن صفحة‪..‬تبدو ممتعة وتحمل طابع فلسفً مثٌر ‪..‬تتذكر أنها اشترتها لهذا‬
‫السبب ‪ ..‬ألنها ترٌد مإخرا أن تدرس الفلسفة ‪ ..‬وكل ما ٌخٌفها أن تصبح فتاة منبوذة ٌكرهها‬
‫أصدقائها ألنها صارت تفلسؾ كل األشٌاء وترى الحٌاة من خلؾ نطارتها السمٌكة ذات الحواؾ‬
‫السوداء ‪..‬وتنطق فً حدٌثها كلمات صعبة و دمها ثقٌل كـ ” الدنكوشوتٌة واألبٌقورٌة والرواقٌة‬
‫والٌوتوبٌا والبراجماتٌة واالٌؽوسنترٌة ‪ ”..‬وتتحدث عن فروٌد وسارتر ومانوٌل كانت و كولهر‬
‫‪..‬تطمئن نفسها أنها ستجعل كل هذا سرا ‪..‬وأنها ستدرسها فقط لتفهم العالم والحٌاة ونفسها ولن‬
‫تخبر أحد ‪..‬الزالت تقرأ الرواٌة واللٌل الشٌخ ٌكاد ٌصل إلى المسجد المجاور لٌإذن الفجر ‪..‬‬
‫ربما نسً عصاه هناك عقب صبلة العشاء ‪ ..‬ستدعو كثٌرا أن ٌجدها ‪ ..‬ألنها تعبت من إسناده‬
‫كً ٌمشً أسرع دون فائدة … ستسترٌح قلٌبل ‪ ..‬ربما تنام !‬
‫قلبً طائرة ورقٌة تحلق من شجرة البرتقال حتى كوكب الزهرة !‬

‫ٌبدو أن التفكٌر فً السعادة ‪ٌ ..‬جذبها وٌجعلها تؤتً على عجل ‪ ..‬هذا ألننً فتحت صفحة فارؼة‬
‫ألكتب عن مساء أمس والسعادة التً كانت تؽمرنً تماما ‪..‬ولم أكد أهم بؤن أفعل حتى جاءتنً‬
‫مسج من أحمد ٌخبرنً أنه ٌحبنً ‪ ..‬سعدت جدا ‪..‬وقررت أن أكتب عن الٌوم بدال من أمس‬
‫وعن قلبً الذي دق سرٌعا وارتبك فً الدق ‪..‬ألنه فرح فجؤة ‪..‬بدال من تباطإه فً الدق أمس‬
‫ألنه كان مطمئن جدا وٌشعر بؤمان ٌكفٌه عمر …كنت أصنع فنجانا من الشاي بالنعناع لنفسً‬
‫فرأتنً أمً وطلبت أن أجعلهم اثنٌن ‪ ..‬وبعدما فعلت وضعتهم فوق الصٌنٌة وخرجت أبحث عن‬
‫أمً ‪ ..‬وجدتها بالجنٌنة أسفل المنزل ‪ ..‬فجلست على السلم الصؽٌر المإدي لها ووضعت‬
‫الصٌنٌة بجانبً وانتظرتها تؤتً ‪ ..‬أمً تنادي علً ألذهب عندها ‪ ..‬أخذت الشاي وجلسنا معا‬
‫أسفل شجرة برتقال بجوار النعناع النابت فً األرض نحتسً الشاي على مهل ونثرثر ‪ ..‬كانت‬
‫حرارة النهار القاسٌة قد انخفضت ‪ ..‬والهواء المصنوع على شمس الظهٌرة ‪ ..‬قد برد كثٌرا بعد‬
‫هذه الساعات ‪..‬كما الشاي الذي برد قلٌبل ألنه لم تمر علٌه كل هذه الساعات بعد ‪ ..‬الهواء‬
‫ٌتؽلؽل شعري ورئتً وروحً ‪..‬وٌمؤلنً أنا و أمً ‪ ..‬أسندت رأسً على كتفها ‪ ..‬ضحكنا على‬
‫أشٌاء كثٌرة لم أعد أذكرها ‪ ..‬راقبنا الصبٌٌن الواقفٌن أمامنا بمسافة طوٌلة عند نهاٌة البراح ‪..‬‬
‫ٌمسكان بطائرة ورقٌة‪ ..‬والطائرة عالٌة جدا جدا ‪ ..‬وتحلق بمهارة ٌمامة ‪ ..‬أخبرت أمً أننً‬
‫أؼار منهما ‪..‬وأننً طوال طفولتً كنت أحلم بطائرة تطٌر على هذا العلو ‪ ..‬ورؼم اننً‬
‫اشترٌت طائرات ورقٌة كثٌرة من البائعٌن على شاطىء البحر فً أٌام المصٌؾ ‪..‬إال أننً‬
‫فشلت دائما فً جعلها تطٌر وتحلق ‪ ..‬حتى أبً كان ٌعجز عن تطٌٌرها ‪ ..‬وكان ٌرجع السبب‬
‫دائما فً أنها مثقوبة ‪..‬لهذا ٌمر من خبللها الهواء وتسقط ‪ ..‬أمً قالت أن أصبل هذٌن الولدٌن لو‬
‫رآهما أبً اآلن سٌؽضب وسٌطردهما ألنها ٌعبثان فوق األرض المحروثة ‪..‬قالت أنها تستطٌع‬
‫أن تذهب هً وتطردهما وتعاقبهما بؤن تؤت لً بالطائرة ‪ ..‬ضحكت وأنا أعرؾ أنها حتى ولو‬
‫فعلت فستكون هذه الطائرة الٌمامة فً أٌدٌهم ‪..‬نعامة فً ٌدي ‪ ..‬وستنثقب بمجرد أن ألمسها‬
‫وٌتخللها الهواء وال تطٌر ! ‪ ..‬أمً تقول فجؤة ‪“ :‬فاكرة لما كنت بؽنٌلك وانتً صؽٌرة‪ٌ :..‬بل ٌا‬
‫سمارا هنطٌر طٌارة ‪ ..‬ونروح الجنٌنة ونشبك إٌدٌنا !” أضحك مرة أخرى وأنا أتذكر هذه‬
‫األؼنٌة بعد أن نسٌتها سنوات طوٌلة جدا جدا ولم تؤت برأسً مرة واحدة ‪ ..‬تذكرتها ؼابرة فً‬
‫األول ‪ ..‬ثم اتضحت الذكرى حتى شعرت أن هذا كان أمس ‪ ..‬أو منذ دقائق قلٌلة ‪ ..‬أو ٌحدث‬
‫للتو ! ‪ ..‬آذان المؽرب ٌرتفع ‪ ..‬واللٌل ٌشرق والفناجٌن تفرغ ‪ ..‬ونواصل الجلوس قلٌبل ونحن‬
‫نقتلع األعشاب الضارة التً تحٌط بالنعناع ‪ ..‬ونضعها فً كٌس ‪..‬ونلقً بها فً الخارج ‪ ..‬اللٌل‬
‫ٌكتمل وجوده ‪..‬أصعد ألعلى ‪ ..‬وفً الشرفة أنظر ناحٌة الؽرب وأرى كوكب الزهرة ساطع جدا‬
‫… أتذكر أحمد فور أن أراه ‪ ..‬وأبعث له بمسج ‪ ..‬وال أدري السر فً هذا ‪ ..‬ال أعرؾ لماذا‬
‫ٌذكرنً كوكب الزهرة بؤحمد كل مساء ‪ ..‬هذا الكوكب ٌمسكنً من قلبً ‪ ..‬و ٌجعلنً أكمل‬
‫الصفحة ‪..‬ألنها بدأت بـ ” بحبك” من أحمد ‪ ..‬وستنتهً بـ ” وأنا كمان بحبك ” منً …‪ .‬وهكذا‬
‫ٌكون الكمال!‬
‫أسباب وجٌهة للحب !‬

‫كانت األرض مصابة بالحمى هذا النهار ومثٌرة للشفقة ألنها فً أشد الحاجة لكمادات مٌاه باردة‬
‫وخافض للحرارة ورعاٌة مكثفة لم ٌفكر أحد من أبنائها أن ٌولٌها إٌاها ومضوا جمٌعا ٌلعنون‬
‫حرارتها وسقمها دون أن ٌخطر ببالهم مساعدتها ‪ ..‬بٌنما أنا كنت أمر فً طرٌقً علً صٌدلٌات‬
‫كثٌرة وأفكر ‪ :‬ماذا لو دخلتهم جمٌعا وطلبت إخراج األدوٌة الشراب الخافضة للحرارة وسكبها‬
‫على األرض و ؼرس األقراص فً التربة ‪ ..‬فهل سٌتكاتؾ أحد معً؟ ‪ ..‬مشٌت وأنا أشعرنً‬
‫أتعرض للشواء وال أطٌق هذا الحر وأتمتم فً سري ‪”:‬ال بؤس علٌك ِ أٌتها األرض المسكٌنة‬
‫‪ ..‬أنا أشعر بك” ‪..‬فً طرٌق عودتً كنت أضحك ضحكات مكتومة بٌنً وبٌن نفسً وأنا أتذكر‬
‫لقطات تناولً للؽداء مع صدٌقات أخرج معهن للمرة األولى ‪ ..‬كان وقتا ممتعا و سعٌدا ومجنونا‬
‫وتملإه الضحكات حتى الدموع … وسرٌعا نسٌت األرض ومرضها وتضامنً المفروض علً‬
‫بالقوة ‪ ..‬وأحسست أننً ممتلئة بالحب كسماء تمتلىء بالسحب ‪..‬فكرت فً الٌوم كحٌاة منفصلة‬
‫عن حٌاتً السابقة ‪ ..‬وأخذت أعد على أصابعً ‪ :‬أحب أمً ألنها أعدت لً فطوري سرٌعا‬
‫عندما استٌقظت وأصرت على أن أتناوله قبل أي شًء وكل شًء ‪ ..‬أحب أسماء أختً ألنها‬
‫جاءت بجانبً برفق فً السابعة والنصؾ صباحا تسؤلنً ‪”:‬الساعة سبعة ونص ‪ ..‬عاوزة‬
‫تصحً امتى؟” قلت فً نعاس ‪”:‬تسعة ونص” ‪..‬فخرجت بهدوء وأخذت هاتفً الفاصل شحن‬
‫ووضعته فً الكهرباء” ‪..‬أحب أحمد ألنه حٌن هاتفنً فً الواحدة قال “حبٌبتً” بسعادة ‪..‬‬
‫وسمعتها مختلفة جدا وأحببته ألجلها ‪..‬أحب ؼادة ألنها بؽض النظر عن كونها الفتاة األروع‬
‫على اإلطبلق إال أنها كانت على حق فٌما أخبرتنً به سابقا وكنت أنا أخالفها بحمق ‪ ..‬أحب‬
‫أسماء ألنها كانت جمٌلة جدا هذا النهار ‪ ..‬ولون الطرحة الزهري والفٌست المنقوش بالورود‬
‫‪..‬جعلها تشبه نسمة خفٌفة فً هذا الصٌؾ ‪ ..‬أحب عبل ألننً شعرت فور أن رأٌتها شعور ؼٌر‬
‫محدد لكنه سعٌد ‪..‬أحب وفاء ألنها أعطتنً لب خشب ‪..‬أعرفه للمرة األولى ‪..‬وشعرت وأنا‬
‫أتناوله أننً منقار الخشب وأننً فً اللٌل سٌتحول جذعً إلى جذع شجرة …كنت أقشره وأنا‬
‫أتذكر ابن عم صدٌقتً أمل فً المدرسة ‪ ..‬كنت أراه دوما دوما بكٌس لب فً ٌده وقشرة لب‬
‫ملتصقة بشفته السفلى ‪ ..‬ولم أكن أعرؾ كٌؾ بإمكانه أن ٌثبتها هكذا بعفوٌة دون أن تسقط‬
‫‪..‬وهذا األمر عذبنً لوقت طوٌل ‪ ..‬وجعلنً أذهب كل نهار بعد خروجً من المدرسة ألشتري‬
‫لب و أقشره بصورة طبٌعٌة ثم أتحسس شفتً فبل أجد القشرة ‪ ..‬فآخذ واحدة وأبللها ثم أضعها‬
‫بحرص شدٌد على شفتً السفلى ‪ ..‬وبعد محاوالت كثٌرة صعبة ومكلفة أنفقت علٌها مصروفً‬
‫الٌومً نجحت أخٌرا ‪ ..‬ولم أعد بعدها لشراء اللب وال للنظر لهذا الصبً على أنه خارق !…‬
‫أصل إلصبعً الثامن فً العد وأقول ‪..‬أحب هبة ألنها شربت البٌبسً دون مباالة بعد تعلٌقً‬
‫المقرؾ أنا و وفاء ‪ ..‬هذا إلى جانب أنها فتاة عفوٌة وقادرة على الدهشة كطفلة ‪ ..‬أحب مً ألن‬
‫لون أحمر الشفاه كان ممتزجا مع لون الطرحة بشكل جمٌل جدا ورائع ‪ ..‬أحب هاٌدي ألنها‬
‫قالت أنها تعرفنً منذ سنوات كنت فٌها “سامنتا” ‪ ..‬وأنها لم تتخٌلنً بهذا الشكل ‪ ..‬أحببت أنها‬
‫حاولت أن تشرح هذا ولم تستطع لكننً كنت أفهم ‪ ..‬تقول أننً أكتب بطرٌقة وأعٌش بطرٌقة ‪..‬‬
‫قالت بالضبط ‪“ :‬بتركزي فً الكتابة ‪..‬وبتضٌعً فً الحٌاة ” ‪ ..‬تذكرت لحظتها النهار الذي‬
‫جلسته بؤكمله ألفكر كٌؾ ٌكون شكل الشاعر ‪ ..‬وكنت اتخٌل الشاعر كائن خرافً ‪..‬ال عبلقة له‬
‫بالحٌاة التً نحٌاها ‪ ..‬وربما عبلقته بها مختلفة تماما ‪ ..‬وٌراها بشكل مختلؾ ‪ ..‬وعنٌت هذا‬
‫حرفٌا ‪ ..‬بما ٌعنً أنه ٌرى النساء الجمٌبلت آه متكررة ‪ ..‬وٌرى الرٌاح بٌت شعر وٌرى المربع‬
‫و الدائرة سجن والمستقٌم قوس كمنجة و البحر سماء مقلوبة ‪ ..‬والسماء بحر عاند الجاذبٌة‬
‫وارتفع … وحٌن حدث ورأٌت شاعرا وجدته انسانا طبٌعٌا جدا ال ٌختلؾ عن بائع السوبر‬
‫ماركت ‪ ..‬وأحببت هاٌدي جدا ‪ ..‬ثم لوٌت شفتً ألننً لم أجد اصبع حادي عشر لكننً أكملت‬
‫…‪ ..‬أحب دالٌا ألن لها نظرة طفل على وشك البكاء ‪..‬بها شٌئا ما ٌشبهنً ال أعرفه ‪ ..‬ربما‬
‫األخضر فً عٌنٌها الذي ٌجعلها ترى الوجود بلون العشب الصؽٌر النابت فً قلبها ‪ ..‬أحب أبً‬
‫ألنه قال حٌن وصلت المنزل ‪”:‬مكلمتنٌش لٌه آجً آخدك عشان الحر ده” ‪ ..‬أحب أمً مرة‬
‫أخرى دون سبب واضح ‪ ..‬أحب عامل الزجاج الذي رأٌته ٌحمل لوحا زجاجٌا وكاد أن ٌسقط‬
‫منه فارتجؾ وانتقلت رجفته إلً ‪..‬فشعرت لحظتها أننً كائن حً جدا ! ‪..‬أحب بائع الجرائد‬
‫على الرصٌؾ الذي رأٌته من شباك سٌارة األجرة حٌن كنت شادرة وأحدق فٌه دون أن أراه ‪..‬‬
‫فقرب ٌده من وجهً وأصدر صوتا لٌفزعنً ‪ ..‬وانفزعت فعبل و رأٌته … وتعجبت بعدها كٌؾ‬
‫عرؾ هذا الشخص أننً أؼرق فً أشٌاء سٌئة وتعٌسة لٌجًء وٌنقذنً منها … أحب هللا ألنه‬
‫منحنً خمس دقائق إضافٌة ألحق فٌها صبلة الظهر ففرحت جدا ‪ ..‬أحب هللا ألسباب واضحة‬
‫وخفٌة ال تعد وال تحصى ‪ ..‬أحب هللا ألنه قال لً “كونً” … فكنت … أحب األرض ألنها‬
‫ثابتة جدا تحت قدمً وتحملنً بكل هذه األسباب الوجٌهة للحب … لهذا سؤدعو لها بإخبلص‬
‫شدٌد أن تشفى سرٌعا !‬

‫ثمان ساعات فً األسكندرٌة !‬

‫لثمان ساعات متواصلة لم تترك ٌدي ذراع أبً ‪ ..‬عشت األمان بكامل صورته وأنا سعٌدة‬
‫بؤمنٌة تمنٌتها فً الصباح وتحققت فً المساء ‪ ..‬بعبلمات كثٌرة على الدرب تجعلنً أصدق أننً‬
‫لن أموت قبل أن أحقق المائة أمنٌة‪.‬‬

‫‪.‬نهار الخمٌس ‪ ..‬كتبت األحبلم وخرجت قابلت ؼادة ‪ ..‬تمشٌنا قلٌبل وأخبرتها بؤمنٌاتً فً‬
‫المدونة ‪ ..‬وتحدثنا كثٌرا حول امكانٌة تحقٌقها ونحن واقفٌن فً محل ظهرنا لطاولة ال ننتبه لها‬
‫‪ ..‬وحٌن انهٌنا حدٌثنا وانتبهنا وجدناها فارؼة إال من كان بٌبسً ماكس موضوع فً منتصفها‬
‫كؤنه ٌنصت إلٌنا وٌبتسم ‪ ..‬قالت ؼادة أن هذه عبلمة ‪ ..‬وأنا صدقتها إلى درجة ال تصدق ‪..‬‬
‫ومشٌت بعدها وأنا أتذكر رواٌة الخٌمٌائً و العبلمات إلى الكنز ‪ ..‬صدقت أننً سانتٌاؼو‬
‫راعً األؼنام الذي سٌصل إلى كنزه فً النهاٌة ألنه فقط تتبع قلبه والعبلمات ‪ ..‬كنت أفكر فً‬
‫كل هذا وأنا أقطع تذكرة إلى األسكندرٌة وأركب اتوبٌس الساعة الثالثة ‪ ..‬ذاهبة ألبً ‪ ..‬بنٌة‬
‫اإلقتراب منه أكثر ‪..‬لم أكن أفكر على اإلطبلق فً نزهة رائعة كما قال اخوتً وأحمد ‪ ..‬كنت‬
‫أرٌد فقط أن أمضً ٌوم بصحبة أبً ‪ ..‬أنا وهو فقط …فً األتوبٌس ٌجلس ورائً امرأة وطفلة‬
‫فً الخامسة تقرٌبا وطفل ٌصؽرها بعامٌن أو أكثر اسمه أحمد ‪ ..‬الطفلة تسؤله طوال الطرٌق‬
‫بإلحاح ‪”.‬بتحبنً ٌا أحمد ؟ بتحبنً ٌا أحمد؟” بكلمات ؼٌر مفهومة ٌقول ال ‪..‬فتواصل بنفس‬
‫اإللحاح ‪”:‬طب أعمل إٌه عشان تحبنً ؟ ‪..‬أسمع كبلمك ٌا أحمد ‪..‬أسمع كبلمك ٌا أحمد؟ ‪..‬وال‬
‫أفضل أقول أحمد من دلوقتً لحد ما نوصل ؟” واندفعت تقول أحمد دون أن تسترٌح وتلتقط‬
‫أنفاسها لحظة ‪”:‬أحمد ‪..‬أحمد ‪ ..‬أحمد ‪..‬أحمد ” كنت أضحك علٌها وأتمتم “مسكٌنة مثلً تحب‬
‫أحمد !” ‪..‬أحمد ٌتركها وٌنام ‪..‬بإزعاج تعلً من صوتها ‪”:‬متنامش ٌا أحمد وتسٌبنً ‪ ..‬اصحى‬
‫كلمنً ‪..‬اصحى اصحى اصحى ” …تعجبت وضحكت لهذا التشابهة الؽٌر محتمل بٌنً وبٌنها‬
‫‪ ..‬هذا ألننً أفعل هذا مع أحمد كل سفر ‪..‬حدث هذا من ٌوم واحد فقط ‪..‬فً نهار الثبلثاء ‪..‬‬
‫حٌن أراد أن ٌنام فً القطار وأزعجته وأٌقظته لٌقول لً ‪”:‬أنا فاكرك ‪..‬انتً بتاعة كل مرة” ‪..‬‬
‫التفت ورائً أنظر للفتاة وأنا أتٌقن من أن الزمن ٌشبه دائرة كما قال ماركٌز وأننً حٌن أموت‬
‫ستكون هناك فتاة أخرى تقوم بدوري الذي أخذته انا من فتاة تشبهنً رحلت من زمن‪!.‬‬

‫وصلت فً الخامسة تقرٌبا ‪..‬أبً ٌفتح لً الباب بسعادة و “حمدهللا ع السبلمة” ‪ ..‬أستلقً للراحة‬
‫قلٌبل ‪ ..‬بعدها نصلً العصر ثم أعلق ٌدي فً ذراع أبً ونخرج معا ‪ ..‬نثرثر ونضحك كثٌرا ‪..‬‬
‫أكتشؾ أننً التً وضعت الحدود المكهربة بٌنً وبٌن أبً فً السنوات الماضٌة ‪ ..‬و أن أبً‬
‫التقط ٌدي فور أن مددتها ‪ ..‬فكرت أن أمً قد تكون السبب فً هذا ‪_..‬دون قصد منها‬
‫بالطبع‪..‬وبقصد منً أنا_ هذا ألن عبلقتً بها قوٌة ورائعة وكنت أتعامل مع أبً من خبللها ‪..‬‬
‫كل طلباتً كنت أقولها ألمً لتنقلها إلى أبً ‪ ..‬أكتفً بحنانها وال أرؼب بؤي شعور زائد ‪..‬‬
‫ظننت أننً هكذا سعٌدة حتى اكتشفت ألوانا أخرى للسعادة برفقة أبً ‪ ..‬هو ال ٌدري كٌؾ‬
‫ٌجعلنً أستمتع ‪ ..‬فٌقرر أن ٌفعل كل شًء ‪ٌ ..‬حادثنً فً أموري التافهة وأموره الجادة ‪ٌ ..‬مر‬
‫على كل المحبلت ٌرٌدنً أن أشتري من كل شًء شًء ‪ ..‬حتى حٌن دخلنا محل المفاتٌح لنسخ‬
‫مفتاح انكسر ‪ ..‬تفحص المكان من أجل أي شًء ٌستطٌع أن ٌجلبه لً ‪ ..‬رأى فً العرض‬
‫سبلسل كثٌرة ‪ ..‬فقال‪”:‬أجبلك سلسلة لمفاتٌحك” ‪..‬وحٌن أوشك أن ٌاتً بواحدة مسكت ٌده وأنا‬
‫أصٌح بضحكة “بابا ‪..‬استنى ‪ ..‬مكتوب “سبلسل كلب” !” ‪ ..‬ضحك وضحكت وسكت هو سرٌعا‬
‫بٌنما أنا واصلت ضحكً فً الداخل …ذهبنا لتناول الؽداء ‪ ..‬ساندوٌتشات برجر وسفن آب لً‬
‫وبٌبسً له ‪ ..‬أخذناهم وتوجهنا إلى الكورنٌش والبحر ‪ ..‬أنا كعادتً أسقط كاتشب وسفن على‬
‫مبلبسً ‪ ..‬أرتبك وابحث عن مندٌل فً الحقٌبة ‪ ..‬فؤتفاجىء بؤبً ٌخرج مندٌله بسرعة وٌمسح‬
‫ما أسقطه برفق ‪ ..‬لم أتوقع هذا ‪ ..‬وتذكرت حٌنما كنت طفلة صؽٌرة ال تفارق أبٌها ‪..‬وكان ٌفعل‬
‫هذا دائما ‪ ..‬عدت هذه الطفلة لهذا الٌوم ‪ ..‬وازداد هذا الشعور حٌن تملكنً االنهاك والتعب‬
‫والسهر فً نهاٌة الٌوم وكدت أنام على نفسً ‪..‬أحسست أن أبً ٌود أن ٌحملنً حتى سرٌري‬
‫… كنت متعبة إلى أقصى حد بعد أن تمشٌنا من االبراهٌمٌة حتى محطة الرمل ‪ ..‬كنت أنظر‬
‫للسماء بٌن الحٌن واآلخر أفتش عن كوكب الزهرة ‪ ..‬لم أجده فً البداٌة ‪ ..‬وتذكرت أحمد وهو‬
‫ٌقول فً كل مرة أرٌه له أنه ال ٌشاهده إال من شرفتنا ‪ ..‬كدت أصدق هذا حتى وجدته فً‬
‫النهاٌة باهتا وال ٌسطع كـ كوكب الزهرة عندنا ‪ ..‬فكرت أنه ٌبهت فً البعد ‪ ..‬مشٌت وأنا رافعة‬
‫رأسً أنظر إلٌه ‪..‬اندهشت جدا وسقطت شفتً السفلى حٌن جاءت طائرة ورقٌة ٌطٌرها صبً‬
‫على الشاطىء و وارته تماما ‪ ..‬للحظة آمنت أن هذه الطائرة هً قلبً الذي ٌشب لٌرتفع قلٌبل‬
‫فٌقارب الكوكب الباهت ‪ ..‬لٌسطع قلٌبل أكثر ‪ ..‬لم أكن أتخٌل و أدعً هذا ‪ ..‬كنت أصدقه بكل‬
‫قواي ‪ ..‬حدث هذا للحظة واحدة خفت على نفسً بعدها من الكتابة ‪ ..‬كررت فً سري ‪”:‬قلبً‬
‫فً صدري ‪ ..‬والطائرة لصبً على الشاطىء ‪ ..‬قلبً فً صدري ‪..‬والطائرة لصبً على‬
‫الشاطىء” ‪ ..‬هززت رأسً لتسقط كل األفكار الؽبٌة التً تشبه عنكبوت ٌلؾ عقلً بخٌوطه‬
‫وٌكاد ٌلتهمه ‪ ..‬فكرت بعقل ‪:‬كوكب الزهرة باهت ألجل أنوار المدٌنة المشتعلة فً السماء ‪..‬‬
‫فرحت ألننً الرٌفٌة التً ٌلٌق بها وبحبها لٌل القرٌة ‪..‬حٌث هناك بإمكانه أن ٌكبر وٌسطع ‪..‬و‬
‫ٌسكن السماء بؤمان‪!..‬‬

‫أبً ٌقترح الذهاب لمكتبة األسكندرٌة ‪ٌ ..‬عرؾ أننً أهوى الكتب ‪ ..‬نذهب هناك ونسؤل فنعرؾ‬
‫أنها تؽلق فً السابعة ‪ ..‬ندخل محل الكتب المجاور ‪ ..‬اتصفح العناوٌن سرٌعا ونؽادر ‪ ..‬نصل‬
‫لمحطة الرمل …أتجاهل بسعادة محبلت المبلبس ‪ ..‬وأذهب مع أبً ناحٌة محبلت األجهزة‬
‫واألدوات ‪..‬أحب هذه األشٌاء جدا من صؽري ‪ ..‬وحٌن كبرت ‪..‬صار مفروضا علً ان أذهب‬
‫مع أختى تجاه محبلت المبلبس التً ال أكره أكثر منها ‪..‬أكره البائعات حٌن ٌنطقن حال أن‬
‫أدخل “بتدوري على حاجة معٌنة” ‪..‬أكره البروفات والمشاجب والمبلبس المعلقة ‪..‬أكره‬
‫االنتظار أمام البروفا من أجل قٌاس بلوزة ال تعجبنً لكنها تعجب أمً وأختى ‪..‬أكره كل ما‬
‫ٌتعلق بهذه المحبلت ‪ ..‬لهذا كنت فً ؼاٌة السعادة حٌن دخلنا كل محبلت األجهزة نبحث عن‬
‫“‪ mp5″‬كـ هدٌة ألمً أبً ٌصمم على شرائها ‪ ..‬نبحث عن واحد ٌابانً ‪..‬والمحبلت زاخرة‬
‫بالصٌنً ‪..‬أبً ٌشتري رادٌو لنفسه ‪..‬وٌسخر قائبل‪“ :‬الناس بتتقدم وأنا برجع ورا” ‪..‬أخبره أن‬
‫الرادٌو هذا مزاج ‪ ..‬وطعم االستماع إلٌه أشهى ألؾ مرة من اآلي بود واالم بً فاٌؾ وكل هذه‬
‫األشٌاء ‪ ..‬وأنا أشترك مع أبً فً هذا المزاج ‪ ..‬من فترة كنت ال أستطٌع النوم إال إذا أدرت‬
‫رادٌو بجواري على اإلذاعات العرٌقة كالشرق األوسط والبرنامج العام وصوت العرب ‪ ..‬أنا‬
‫مفتونة بالقدٌم ‪ ..‬وٌستهوٌنً كل ما ٌدل على األصالة ‪ ..‬أحب األماكن القدٌمة والعمارات القدٌمة‬
‫وأحتفً بؤشٌائً القدٌمة ‪..‬وربما هذا سر ولعً بالتارٌخ وبرؼبتً فً دراسته ‪ ..‬نؤخذ الرادٌو‬
‫ونجلس على الكورنٌش نجربه ونجرب المحطات ‪ ..‬كل الترددات تؤتً بالشرق األوسط ‪..‬‬
‫نزوي حواجبنا ‪..‬نؽٌر الموجة ‪ ..‬والشرق األوسط ال تؽادر كـ جار ثرثار مستفز ‪..‬نعود للمحل‬
‫سرٌعا قبل أن ٌؽلق فٌقول البائع أن اإلرسال سًء فً األسكندرٌة بؤكملها ‪ ..‬ولو تجاوزنا‬
‫حدودها ناحٌة العجمً مثبل فسٌتضح اإلرسال ‪..‬نقتنع ونؽادر مرة أخرى إلى البحر ‪ ..‬أضع‬
‫رأسً على كتؾ أبً ونجلس حتى الثانٌة صباحا نستمع ألم كلثوم تؽنً ‪ٌ”:‬اترى ٌا واحشنً‬
‫بتفكر فً إٌه ‪..‬عامل إٌه الشوق معاك عامل إٌه فٌك الحنٌن ” ‪..‬تكررها طوٌبل وتعٌد وتزٌد ‪..‬‬
‫وأنا ال أفكر سوى فً حجم األمان داخل قلب أبً وأننً ال أرٌد أن أؼادر هذا القلب !‬

‫أنا ساحرة شرٌرة !‬

‫كنت فً الحلم ساحرة بقوى خارقة ‪ ..‬أنظر لمن ٌضاٌقنً بؽضب فٌطٌر للوراء وألعلى باندفاع‬
‫ؼٌر مرئً صوب وسطه ‪ ..‬رجلٌه وذراعٌه مفرودتان إلى األمام ٌود التشبث بالهواء قبل أن‬
‫ٌذهب إلى السماء مباشرة و ٌسهل على مبلئكة الموت قطع كل هذه المسافة بٌن السماء‬
‫واألرض لقطؾ روحه ‪ ..‬لم اكن ساحرة شرٌرة لكننً كنت قادرة على اإلٌذاء لحظة الؽضب ‪..‬‬
‫استٌقظت من الحلم بإبتسامة مثل أن شخصا أعطانً قطعة حلوى وتذكرته اآلن حٌن احتجت‬
‫ألن أكون هذه الساحرة لهذه اللحظة ‪ ..‬كنت أفتح الهوم على الفٌس بوك ‪ ..‬ووجدت أشخاص نفد‬
‫صبري علٌهم ‪..‬عباراتهم مبتذلة وصورهم ؼٌر الئقة ‪ ..‬شعرت أن “‪ ”remove‬ال تكفً وأننً‬
‫أود لم أضعهم أحٌاء فً اآللة الضخمة التً سحقت جثة “آمو” ‪ ..‬وحرقتها ثم حولتها إلى تراب‬
‫فً آنٌة حملها طفلٌها ومضوا بحزن هائل انتقل منهم إلً ودك قلبً ‪.‬دكا ‪ ..‬شعرت أن هإالء‬
‫األشخاص هم الجدٌرٌن بالمحرقة ‪..‬رؼم أنهم لم ٌفعلوا على اإلطبلق ما ٌستحق هذا ‪ ..‬هم فقط‬
‫سٌئٌن ‪ ..‬لكننً فً ؼضبً متطرفة ‪ ..‬وإن كنت ال أقدم على فعل متطرؾ إال أننً أتخٌل أشٌاء‬
‫بشعة لمن ؼضبت علٌهم بإبتسامة مائلة دنٌئة وفرح بخٌاالتً كصاعقة عكسٌة من األرض إلى‬
‫السماء أنظر لبرقها وأفرح‪ ..‬جعلنً هذا أعود للحلم مرة ثالثة حٌن تذكرتنً وأن أطٌر الناس‬
‫بسحري وأبتسم ‪..‬وعرفت أننً كنت مخطئة حٌن فكرت دائما أن لً حٌاتٌن ‪..‬واحدة فً الواقع‬
‫واألخرى بالحلم ‪ ..‬هذا ألننً أحلم كثٌرا كثٌرا كثٌرا بصورة ؼٌر محتملة ‪ ..‬بمجرد أن أؼمض‬
‫عٌنً أرى أشٌاء كثٌرة حتى وإن كنت مازالت نصؾ واعٌة ‪ ..‬كؤن باب عٌنً هو منفذ العبور‬
‫لحٌاتً األخرى ‪ ..‬فكرت اآلن أن ما ٌحدث هو فقط استكمال للواقع بمشاهد ؼٌر واقعٌة ‪..‬‬
‫الزلت أتمنى أن أكون هذه الساحرة بعصاة فً رأسها نجمة وشر بالػ !‬

‫‪The only place I wanna to be is lost with you‬‬

‫من لٌلة اإلثنٌن وهً ال تتوقؾ عن سماع أؼنٌة “‪ .. ”Early on Tuesday‬وبما أننا اآلن فً‬
‫صباح األربعاء ‪..‬فجدٌر بها أن تفعل ‪!..‬‬

‫هذه األؼنٌة لكما ‪ ..‬أعنً لها وحدها ‪..‬ألنك لم تسمعها بعد ‪ ..‬لكنها منذ وقت طوٌل تسمعها كل‬
‫ثبلثاء ‪ ..‬كل سفر ‪ ..‬وهً ال تعرؾ هل ٌجب أن تحب الثبلثاء ‪..‬أم تكرهه ‪..‬ألنك تسافر فً‬
‫واحد وتؤتً فً اآلخر ‪ ..‬ونهار سفرك ال ٌتبق معها شًء سوى هذه األؼنٌة ‪ ..‬أنت تضٌع منها‬
‫فً هذا الٌوم ‪ ..‬وتضٌع األماكن معك ‪..‬وتبقى وحدها تنتظر الثبلثاء القادم وتعد األٌام إلٌه‬
‫بطرٌقة مثٌرة للشفقة ‪ ..‬عرفت أن هذا سٌحدث منذ أن كتبت فً الماضً حٌن سافرت “ٌوم‬
‫فارغ كصحرا” ‪..‬رؼم أنها لم تكن تعرفك جٌدا بعد‪..‬ولم ٌخطر ببالها ٌومها أنك ستكون كل‬
‫العمر ‪..‬وجودك كان ٌسعدها فقط ‪..‬بطرٌقة بسٌطة وسهلة و واضحة وال تدعو للشك بؤن كبلكما‬
‫ٌطمع فً أكثر من هذا الفرح الصؽٌر‪.‬‬

‫اآلن أنت بعٌد ‪ ..‬وكثٌرا ما تنساها فً البعد ‪ ..‬وهذا ٌثٌر ؼٌظها ‪..‬وٌدفعها بخٌبة إلى التفكٌر‬
‫كطفل داعبه أخٌه األكبر قائبل ‪”:‬نحن وجدناك على عتبة مسجد” ‪ ..‬فٌلتهم الشك رأسه ‪..‬وٌفسر‬
‫بؽباء كل تصرؾ تافه من والدٌه بؤنه ابن الشارع حتما ‪ ..‬وبؤن هذٌن الشخصٌن المللقبٌن بؤباه‬
‫وأمه ال ٌحبانه حقا ‪ٌ ..‬شفق على نفسه وٌسخط من كل العالم حوله ‪ ..‬ورؼم ٌقٌنها من أنها قطعة‬
‫من قلبك إال أنها تكون هذا الطفل التعٌس األحمق حٌن ٌتوراى ظلك وتسقط من تفكٌرك سهوا‬
‫‪..‬تؽرورق عٌنٌها ‪..‬تتشرد فً البحر ‪ٌ..‬حفها البلل وصدى الموج‪ٌ ..‬عترٌها األلم لعودتها إلى‬
‫السقؾ القاحل منتوفة الرٌش‪..‬ترهبها حٌن تلقٌها للٌل ونحٌب النجوم المحترقة وتتذكر كل‬
‫األشٌاء إال هً بٌنما هً تفقد ذاكرتها إال إٌاك ‪..‬تفكر بحٌرة كٌؾ تكون معها وتحتوٌها فبل ٌراها‬
‫أحد وال تر سواك ‪ ..‬تنطق “حبٌبتً” وتنظر إلٌها بطرٌقة تجعلها ترجوك كل مرة ‪”:‬توقؾ”‬
‫‪..‬لكنك ال تفعل ‪..‬فتؽض هً بصرها فً خفقان قلبها المسموع ‪_..‬نحن نفعل ذلك حٌن نعلم أن‬
‫الجمال أمامنا فاره وباهر ‪..‬وأمر متابعتنا التحدٌق قد ٌإدي لموت وشٌك ‪..‬فالسكتات القلبٌة هً‬
‫األقرب للصدر المؽرم_ كٌؾ ٌكون كل هذا وتستطٌع أن تنساها فور أن تدٌر ظهرك وتبتعد‬
‫قلٌبل ‪..‬تتركها للجلوس فً الشرفة بمسند خلؾ ظهرها وتحدٌق مقداره أكثر من ساعتٌن فً‬
‫كوكب الزهرة‪..‬تفكر ‪ ..‬حٌن تقترب منها ‪..‬أخبرتنً أن السر ٌكمن أحٌانا فً أصوات االقتراب‬
‫‪ ..‬األكمام ‪ ..‬احتكاك القماش بالجلد ‪..‬ذراعك حولها ‪..‬صوت ساعدك الثابت ‪..‬وبعدها لونك على‬
‫لونها ‪ٌ..‬اه؟ ‪..‬أنى لئلختبلؾ بٌنكما أن ٌختلط معا فً إنسٌاب ‪ٌ..‬رتد رأسها للخلؾ ‪ٌ..‬نكشؾ‬
‫جبٌنها قلٌبل ‪..‬وتستطٌع لحظتها أن ترى ذقنها المرتفع ‪..‬إنها تنظر لقامتك فً خٌالها ‪..‬وأنت‬
‫مطوق إٌاها ‪ ..‬محٌطا بجسدها ‪..‬محكما من شد قلبها لصدرك ‪..‬فٌبهت نبضها ‪ ..‬وحٌن ٌصٌر‬
‫ذلك فؤلنها تحبك أكثر ‪..‬فوهن القلوب ال ٌحدث إال حٌن ٌقترب عشاقنا منا ‪ ..‬تفكر فً األٌام‬
‫التً تمضً دونك ‪ ..‬تربطها بفتلة فً األٌام التً تحوٌك ‪..‬أمس مثبل حٌن ذهبت إلى المرور‬
‫الستخراج بدل فاقد لرخصتها ‪ ..‬تذكرت رأسها الملقى على كتفك األٌسر فً قاعة السٌنما ‪..‬ألن‬
‫اللقطات كانت تحكً عن الروتٌن فً بلد ٌشبه العسل األسود ‪ ..‬وكانت هً تعٌش الروتٌن‬
‫بكامل صورته ‪ ..‬فً النهاٌة رأتك تضحك على صورتها البشعة فً الرخصة الجدٌدة ‪ ..‬شعرت‬
‫أنها تتبلشى من كل هذا وتفكر فقط فً رأسها وكتفك والضحك الكثٌر الذي مؤلكما وقتها‬
‫‪..‬تمضً على األماكن التً مررتما بها ‪ ..‬تراكما ‪..‬الزلتما تضحكان وتتحدثان ‪..‬وكلما عبرتما‬
‫بمكان مالت أؼصان األشجار تجاهكما ‪..‬تعٌش أسبوع على تفاصٌل أسبوع ‪..‬وتشتاقك …‬
‫تتوقؾ عن االستماع إلى األؼنٌة ‪ ..‬لكنها تمشً وهً تدندن بفقد ‪:‬‬

‫‪The only place I wanna to be is lost with you‬‬

‫‪Yes ,The only place I wanna to be is lost with you‬‬

‫قلبً ومشابك الشعر !‬

‫أول أول ما أفعله عند اقترابً من باب المنزل هو نزع الدبابٌس من الطرحة ألخلعها فور‬
‫تجاوزى لعتبة البٌت ‪ ..‬ومن ثم أحل عقدة شعري وأطلق سراحه حتى صباح آخر ‪.‬‬

‫لم أتعود أبدا على مشابك الشعر ‪..‬كانت فً طفولتً أكثر شًء ٌبكٌنً رؼم ألوانها وأشكالها‬
‫الكثٌرة التً تشبه قلوب الصؽار ولعبهم ‪ ..‬والتً حرصت أمً دائما على شرائها بشكل كل‬
‫األشٌاء التً أحبها لتؽوٌنً بارتدائها كـفراولة كنت أفشل فً التهامها وأحزن و نجوم كانت تلمع‬
‫وتضًء بطرٌقة جعلتنً أكرهها ألن أمً نسٌت أن شعري وقتها لم ٌكن اللٌل وأن الشمس‬
‫تشرق فً خصبلته وتسطع وأن هذه النجوم ال تناسبنً كثٌرا… باإلضافة لطٌور صؽٌرة فاردة‬
‫جناحٌها تؤمل أن تطٌر من رأسً سرٌعا وفً منقارها عدة شعرات توزعها على أعشاش‬
‫الطٌور الفقٌرة التً ال تملك سوى القش ‪.‬‬

‫كل هذه الحٌل لم تفلح ٌوما فً جعلً أرؼب بهذه القٌود وأفرح بها ‪..‬وأفهم اآلن أن اختبلفً عن‬
‫اخوتً كان فً حلً لعقدة شعرى كرؼبة فً التعبٌر عن حرٌتً ‪..‬وإن شبهنً أبً دائما بالؽجر‬
‫‪ ..‬فبل ٌهم ‪..‬وإن اصطنعت الؽضب من هذا التشبٌه فؤنا سعٌدة به فً سري ألننً أتذكر‬
‫حكاٌات الؽجر التً أحببتها كثٌرا فً قرٌة موكاندو وأحلم بانضمامً لسٌركهم الذي ٌتنقل بٌن‬
‫الببلد ٌحتفل بالحٌاة وٌسعد الصؽار والكبار وٌمضً ‪!..‬‬

‫أكتب هذا كله اآلن _فً السادسة والنصؾ صباحا على التحدٌد_ ألننً انتبهت منذ قلٌل‬
‫بالمصادفة أننً تجاوزت عتبة المنزل مما ٌزٌد عن ‪ 12‬ساعة والزال شعري معقودا ‪..‬لم‬
‫أندهش وأتساءل ‪”:‬كٌؾ نسٌت أن أحله؟!” ألن سإاال آخرا ٌطاردنً بإلحاح ‪ ”:‬هل لهذا عبلقة‬
‫بشعوري منذ األمس أن هناك حبل ملفوؾ حول قلبً ٌعتصره ببطء لٌخرج الدم منه قطرات‬
‫ضئٌلة ال تكفً للنبض فؤجلس بوهن فً ركن الؽرفة عاجزة عن االنضمام الحتفاالت الحٌاة مع‬
‫جماعات الؽجر؟!”‬

‫سؤسمٌك الفرح ‪ ..‬الفرح !*‬

‫طوال النهار وأنا أحاول أن أحصً قطرات الفرح التً ؼمرتنً بها فً أٌام قلٌلة‪ ..‬حتى شعرت‬
‫أن العطش‪/‬الحزن لن ٌقاربنً مرة أخرى وبؤننً ارتوٌت إلى األبد‪..‬كؤننً شربت شربة ال‬
‫أظمؤ‪/‬أحزن بعدها أبدا‪ ..‬كنت أتساءل‪ :‬هل بالجنة نهر اسمه الفرح؟ ‪..‬لو كان ‪..‬لكنت صدقت أن‬
‫هللا ٌسكبه فً قلبك ‪..‬كً تؤتً إلً و تقطره على قلبً ‪..‬قطرة ‪..‬قطرة ‪ ..‬وكل قطرة تؽمرنً‬
‫كشبلل ٌدفعنً إلى حٌث تٌارات الفرح ‪..‬ألكون جزءا من معجزة أبدٌة ‪..‬تبدأ فً السماء‬
‫‪..‬وتنتهً فً قلبً !‬

‫معجزة لم تحدث قبل اآلن ألن كبلنا كان ٌنطق السحر بطرٌقة خاطئة !‬

‫معجزة اكتمال البداٌات بنهاٌاتها حٌن تكون أنت السماء وأنا األرض ‪..‬أنت المطر وأنا العشب‬
‫‪..‬أنت النهر وأنا المصب ‪..‬أنت النجمة وأنا الضوء‪..‬أنت الرٌاح وأنا الشراع ‪..‬أنت البوصلة وأنا‬
‫الجهات ‪..‬أنت الجناحان وأنا الجسد ‪!..‬‬

‫معجزة صؽٌرة جدا بحجم الفراؼات بٌن أصابعً حٌن تشؽلها أصابعك !‬

‫لو مت اآلن فسؤكون راضٌة تماما عنً ‪ ..‬ألننً أخٌرا عشت !‬

‫* عنوان قصٌدة لؽادة السمان‬

‫بتعبً أتجول ‪ ...‬وال أبٌع شٌئا !‬

‫ستكون جملة ساذجة جدا لو قلت “ٌبدو أن هناك شٌئا ما فً الهواء أو الماء ٌجعلنا نرهق سرٌعا”‬
‫‪..‬ألن كل األصدقاء ٌحدثوننً عن تعبهم والصداع الذي ٌفتك برأسهم عقب أي جهد تافه ‪ ..‬رؼم‬
‫أنهم كانوا أكثر احتماال وقوة فً السابق ‪ ..‬ال أحد ٌعرؾ سبب محدد لهذا التعب ‪ ..‬أو سبب‬
‫ٌمكننا تعمٌمه علٌنا جمٌعا ‪ ..‬صدٌقة تفكر أن الصداع قد ٌرجع لعملٌة “اللٌزك” التً أجرتها‬
‫مإخرا ‪..‬وصدٌق رٌاضً ٌفكر بؤن أصدقاءه الؽٌر رٌاضٌٌن ال ٌتعبون سرٌعا مثله رؼم أن‬
‫العكس ٌجب أن ٌكون الصحٌح ‪..‬أخرى تقول بٌقٌن أن السبب هو تؽذٌتها ؼٌر السلٌمة والرٌجٌم‬
‫الذي تقسو به على نفسها ‪ ..‬وآخر ٌردد أن مناعته الضعٌفة تمكن أصؽر المٌكروبات من النٌل‬
‫منه لٌشعر بتعب ؼٌر مبرر طوال الوقت ‪..‬وأنا أعرؾ أن مناعته ال دخل لها باألمر ألنها‬
‫صامدة منذ عمر ‪..‬وآخرون ٌكتفون بؤن ٌقولوا أنهم ال ٌعرفون سبب محدد الجهادهم ‪ ..‬أما عنً‬
‫فؤول ما سؤقوله وأتحدث عنه ‪..‬هو خصامً الكبٌر مع النوم الطوٌل ‪..‬ولم ٌتمكن أي تعب حتى‬
‫اآلن مهما كان أن ٌصالحنً معه ‪ ..‬كلنا متعبون بكل ما فً الكلمة من انهاك وارهاق وتراخً ‪..‬‬
‫وأنا ال أبحث عن سبب ألننً أشعر أن التفكٌر صار شٌئا صعبا على رأسً ‪ ..‬وأردد بسذاجة كـ‬
‫بائع متجول ‪ٌ”:‬بدو أن هناك شٌئا ما فً الهواء أو الماء ٌجعلنا نرهق سرٌعا “…أشعر بحجم‬
‫قلبً ٌتقلص كثٌرا ‪ ..‬ربما ٌضمر لقلة االستخدام ‪..‬أو ٌتآكل من سوء االستخدام ‪..‬والدم الذي‬
‫ٌضخه فً جسدي ال ٌكفٌنً أبدا فؤشرب كمٌات كبٌرة من عصٌر الرمان على سبٌل التعوٌض‬
‫وأسكره جدا لٌعادل دمً الذي صار مالحا نتٌجة لتضاإل حجمه فؤصبح مركزا ولزجا وٌمشً‬
‫فً عروقً كـ كهل بدٌن مصاب بروماتٌزم فً المفاصل ‪ ..‬وٌبدو أننا نهرم حٌن نصل لهذه‬
‫النقطة بالذات ‪..‬فنفكر فً المستقبل بتعب و َن َفس متقطع وحنٌن كبٌر لكل ما فات ‪..‬لهذا أنا أشرب‬
‫عصٌر الرمان وأحاول أن أعٌد الشباب لدمً وأ َحلٌه ألننً أرٌد أن أفكر فً الماضً وكؤنه‬
‫حدث للتو ‪..‬والحاضر كؤنه سٌستمر ببل بداٌة أو نهاٌة ‪ ..‬بٌقٌن أننً سؤفلح فً محاولتً هذه‬
‫‪..‬وإن كنت فشلت هذا الصباح فسؤعتبر فشلً هذا كان محاولة فً المحاولة ‪ ..‬ألننً كنت أجلس‬
‫فً الراوند وأنا أفكر فً أشٌاء مبهجة سعٌدة أود أن أفعلها فور خروجً من باب القاعة‬
‫…تهٌؤت لضحكات كثٌرة ٌنثنً معها جذعً إلى الخلؾ فتندلق الكوال من ٌدي أو حٌن أضع بها‬
‫قطعتٌن من “النعناع” ‪..‬فتفووووور وتفوووووور وتنسكب علً و على مبلبسً قبل أن أكون‬
‫انتبهت لفورانها ‪_..‬ألننً فً كل مرة ال أفعل_ ‪..‬فؤمد ذراعً لؤلمام ألبعدها عنً حتى تهدأ‬
‫الصودا وتستكٌن ثم أشربها بلذة كبٌرة‪ ..‬تهٌؤت ألحضان طوٌلة أؼمر بها صدٌقة لم أرها منذ أن‬
‫بدأت الدراسة وكلمات تشبه ‪”:‬وحشتٌنً ‪ ..‬مالك احلوٌتً بزٌادة …اٌاكً تؽٌبً تانً” ‪..‬ألننً‬
‫الزلت حزٌنة من المشادة التً نشبت أمس بٌنً وبٌن إٌمان فور أن رأٌنا بعضنا رؼم أننً كنت‬
‫أستعد للقائها بشوق كبٌر وحنٌن ألنً لم أقابلها مما ٌقارب الشهر ‪..‬من ‪ٌ 26‬وما بالتحدٌد‬
‫‪..‬وعلى الرؼم أننا تصالحنا سرٌعا ‪ ..‬لم نقل ” كبلكٌت تانً مرة” ‪..‬ونحاول جمع الشوق الذي‬
‫تبعثر ‪..‬فً حضن ‪ ..‬فكرت بكل هذا وأكثر وأنا جالسة فً الراوند أستمع للدكتور الذي ٌشرح‬
‫بحٌوٌة مختلفة عن كل الدكاترة اآلخرٌن الذٌن أشعر أن ما ٌقولونه مجرد تعوٌذات وهمهمات‬
‫فً عملٌة تنوٌم مؽناطٌسً لكل الطلبة الجالسٌن أمامهم ‪ ..‬وربما أكون استمدٌت حٌوٌة تفكٌري‬
‫من شرحه الحٌوي ‪..‬لكننً بعد الراوند حٌن التقٌت أصدقائً عقب جولة سرٌعة فً الهواء‬
‫وزجاجة ماء صؽٌرة‪..‬جلست فً المقعد الخلفً فً سٌارة إحدانا فوجدتنً أتهاوى علٌه ‪..‬وال‬
‫أعرؾ كم مضى من الوقت حتى استجمعت قواي وؼادرت إلى منزلً بكلمات قلٌلة تقتصر‬
‫على ‪ ”:‬أنا مروحة ‪..‬أشوفكم بكرة ‪..‬باي باى”‪..‬ومضٌت وأنا أتخٌل التعب الذي سؤلقٌه على‬
‫سرٌري بإهمال ثم أجلس على الكرسً المجاور له أشرب عصٌر الرمان و أقول ‪ٌ“ :‬بدو أن‬
‫هناك شٌئا ما فً الهواء أو الماء ٌجعلنا نرهق سرٌعا !”َ‬
‫دعـــــاء و "‪! "......‬‬

‫الراوند األول هذا العام كان ” نفسٌة وعصبٌة” ‪..‬الدكتور ٌتحدث عن أمراض نفسٌة كثٌرة ‪..‬وأنا‬
‫أتابعه بشؽؾ وصحٌان كبٌر ‪..‬و خرجت من الراوند وأنا أفكر بضٌق‪ ” :‬لماذا نسً أن ٌتحدث‬
‫عن دكتور جٌكل ومستر هاٌد ؟” ‪ ..‬كلمة الطب النفسً لدي مرتبطة كلٌا بهذه الحالة الؽرٌبة‬
‫وأتخٌل أن أي حالة ؼٌرها شًء تافه عابر ؼٌر مهم ‪..‬فكرت أن مستر هاٌد سٌؤتٌه لٌبل ‪..‬‬
‫وبضربة واحدة سٌوقعه على األرض و ٌنهال علٌه بعصاه حتى ٌفقده الوعً تماما ثم ٌقطع‬
‫رأسه وٌضعها بجواره ‪ ..‬وأخٌرا ٌركله بقدمه لٌتؤكد أنه أنجز مهمته بنجاح ‪..‬وذنب الطبٌب‬
‫الوحٌد أنه نسً أن ٌذكر اسمه فً محاضرة ‪..‬وهذا سبب وجٌه وقوي جدا بالنسبة لمستر هاٌد‬
‫ألنه ٌقتل دون أسباب فً األصل ‪ ..‬أما دكتور جٌكل سٌكون فً نفس الوقت بجوار مدفؤته‬
‫ٌحرق هدوءه و طٌبته ‪ ..‬وال ٌشؽل رأسه شًء ‪ .‬الجمٌع ٌنفً وجود هذه الحالة فً الواقع ‪..‬‬
‫فهل ٌجب أن أصدق أنها خٌال اخترعه كاتب المؽامرة ‪”:‬ستٌفنسون” فً القرن قبل الماضً ‪..‬و‬
‫اجتهد األدباء ومخرجٌن السٌنٌما بعده فً اعادة تخٌلها كل بطرٌقته ‪ ..‬وفً خبلل ثمانون عاما‬
‫هناك خمسة أفبلم بعنوان ‪ ”the strange case of Dr.jekyll and Mr.Hyde ”:‬آخرها أنتج‬
‫فً “‪.. ″2112‬هذا باالضافة إلى رواٌات كثٌرة أخرى مثل ” بئر الحرمان” الحسان عبد‬
‫القدوس فً شخصٌة ناهد ونقٌضتها مٌرفت ‪ ..‬و”كلب الموت” ألجاثا كرٌستً ‪..‬وؼٌرها‬
‫وؼٌرها … الؽرٌب جدا فً األمر والذي ال أستطٌع ان أستوعبه حتى هذه اللحظة …أننً ٌوم‬
‫رجعت من الجامعة ورأسً مشؽولة بهذا األمر شاهدت لٌلتها فٌلم “‪ ”hide and seek‬عن‬
‫دٌفٌد ونقٌضه ” تشارلً” ‪..‬وحٌن أدرت التلٌفزٌون فً الٌوم التالى ‪..‬تفاجؤت بنفس الفٌلم مرة‬
‫أخرى !!!! ‪..‬ومصادفة مشاهدتً لهذا الفٌلم فً هذا الوقت بالذات ولمرتٌن متتالٌتٌن ٌصعب‬
‫علً تصدٌقها أو تجاهلها ‪..‬أو حتى التفكٌر فً مؽزى لها ‪ ..‬كل ما استطعت التوصل إلٌه ‪..‬أو‬
‫ربما لم أتوصل إلٌه ألنه كان ٌقٌنا عندى منذ البداٌة ‪..‬أن هذه الحالة لٌست ؼرٌبة أبدا … لٌست‬
‫ؼرٌبة على األطبلق ‪ ..‬ألن فً األساس كلنا ” دكتور جٌكل ومستر هاٌد ” …و لكن بدرجات‬
‫متفاوتة !‬

‫ثقوب سوداء !‬

‫أجلس بوجوم أمام الشاشة ‪..‬ال أفعل شًء محدد ‪ ..‬أراقب األصدقاء على “الفٌس بوك” ‪..‬هناك‬
‫من ٌلعب ‪..‬وهناك من ٌتسلى باختبارات هذا الموقع التً ال تنتهً أشعر أنه حقل تنجٌم أو بٌت‬
‫عرافة تجهل شكل الخطوط فً الكؾ …ومكان الودع على الرمل…وال تفرق بقاٌا القهوة من‬
‫بقاٌا الشاي ‪..‬دائما ما نظرت لهذه االختبارات بامتعاض ولوي شفة ‪..‬ربما تكون مسلٌة لكثٌرٌن‬
‫لكنها ال تسلٌنً أبدا ‪..‬أما عن بٌت العرافة الذي اهتدٌت لسبٌله مرة واحدة حرصت بعدها أن‬
‫أضل السبٌل‪..‬ألنها كانت صادقة جدا حٌن أعطٌتها قلبً لتقرأه ‪..‬فؤخبرتنً أنه سًء جدا‬
‫‪..‬وملًء بالثقوب السوداء التً تبتلع النجوم والضوء ‪..‬نطقت دون اهتمام “‪”..I know‬‬
‫‪..‬وخرجت من عندها وأنا أصفر ‪..‬أضع ٌدي فً جٌوبً وقلبً ٌضحك ساخرا ‪..‬و ٌنشر الخبر‬
‫القدٌم ‪!..‬‬

‫أنا أكتب شًء ‪..‬وأفكر فً شًء آخر‪..‬أفكر فً افراغ قائمة األصدقاء فً الماسنجر‪..‬على األقل‬
‫تقلٌلها إلى ثبلثة أشخاص على األكثر ‪..‬سؤختارهم بعناٌة شدٌدة ‪..‬ألننً ضجرة جدا ‪..‬وأركل كل‬
‫االضافات بقدمً ‪..‬ال أتحدث مع أحد‪..‬وإن تحدثت ٌكون بفارغ صبر وكلماتً تقتصر على “آه”‬
‫‪”..‬اوكً” ‪”..‬باى”‪..‬وأتمنى أن أقول فً كل كلمة ” اسكت بقا‪..‬اسكت” ‪..‬وأتساءل لم ٌحتملوننً‬
‫ومعاملتى تنطق بكل ما أود أن أقوله‪..‬لو كنت مكانهم ‪..‬لطردتنً وصفقت الباب فً وجهً‬
‫‪..‬أحادٌثهم ببل معنى ‪..‬هذا ٌتملق ‪..‬وهذه كل ما ٌشؽل بالها لون طبلء أظافرها القادم ‪..‬وهذا‬
‫ٌؽضبنً ‪..‬ألنه ٌرٌد أن ٌؤخذ كل شًء من كل ما حوله ‪..‬وٌرفض اعطائهم أى شًء‬
‫بالمقابل‪ٌ..‬ستكثر حتى “الكلمة الحلوة” علٌهم ‪..‬أزمة معرفة كل شخص لحقوقه جٌدا ‪..‬ونكرانه‬
‫لكل حقوق الؽٌر…حانقة علٌهم جمٌعا وال أعرؾ لماذا أبقً علٌهم ‪..‬ففً النهاٌة انا ال ٌربطنً‬
‫بهم أي شًء …سؤحذفهم جمٌعا بمجرد ان أنتهً من الكتابة ‪..‬كذاك الذي ضؽطت على‬
‫زر”‪ ”delete‬فً منتصؾ جملته ألننً لم أحتمله حتى نهاٌتها…وتلك التً سؤلتنى “أنا لٌه‬
‫بٌتهٌؤلى إنك بتتكلمً ؼصب عنك”‪..‬فؤعطٌتها مثاال عظٌما عن حرٌتً …أستطٌع أن أحذؾ كل‬
‫شًء فً حٌاتً اآلن‪..‬وأجلس بفراغ رهٌب ‪..‬ال أفعل شًء محدد…‪.‬فقط أصفر !‬

‫محرومة من الضوء ‪ ..‬وأؼرق فً عتمة ظلً !‬

‫مإشر المزاج منحدر عند الصفر أو أقل قلٌبل ‪ ..‬أزفر وأكتب فاصلة ( ‪.. ) ،‬بما ٌعنً أن األمر‬
‫ال ٌنتهً عند هذا الحد ‪ ..‬ال ٌوجد سبب محدد لهذا اإلنحدار ‪..‬وربما أنا التً ال تستطٌع تحدٌد‬
‫السبب ‪ ..‬قٌل لً مرة ‪ :‬إذا شعرت بضٌق تجهلٌن سببه ‪ ..‬فهناك حتما شٌئا صؽٌرا ‪..‬صؽٌرا‬
‫جدا مر علٌك هو السبب فً تعكٌر مزاجك‪..‬قد ٌكون الٌوم أو أمس أو حتى األسبوع الفائت ‪..‬‬
‫وكل ما علٌك لتشعري باالتساع هو أن تمشً بذاكرتك للوراء كشرٌط الفٌدٌو حٌن تضؽطً‬
‫على زر الرجوع إلى الخلؾ لحظة بلحظة حتى تجدي السبب وتتوقفً عنده ‪..‬وهذا االكتشاؾ‬
‫فً حد ذاته سٌجلب الراحة ‪ ..‬لذا سؤفعل هذا وأبدأ من هذه اللحظة‬

‫اآلن أنا أجلس بالطابق الثانً من أجل الكتابة ألن المنزل فً األسفل ٌشبه السٌرك ‪..‬تلٌفزٌون‬
‫عالً وأؼانً عالٌة ‪ ..‬هناك من ٌذاكر وهناك من ٌتحدث فً الهاتؾ ومن ٌلعب ببلي استٌشن ‪..‬‬
‫ومن ٌحادث ؼرٌبا فً الشرفة ‪ ..‬وال ٌنتبه أحد ألحد ‪..‬وما ٌحدث حٌن أنوي الكتابة فً هذه‬
‫الحالة وأتهٌؤ بالجلوس أمام الشاشة ‪ٌ ..‬لتفت الكل إلً بصٌحة ‪":..‬انتً هتعملً اٌه ‪..‬دا وقته؟"‬
‫‪..‬كؤننً وتر خاطىء فً سٌمفونٌة جامحة ‪ ..‬وٌتم نقلً إلى مكان معزول كسجن مثبل بتهمة‬
‫تفجٌر بطٌخة فً قلب السٌرك ‪ ..‬ال أفهم ‪..‬لكنً أستسلم وكفى ‪ ...‬وصعودي للطابق الثانً ال‬
‫ٌعنً أننً أجلس بهدوء اآلن ‪..‬ألن هناك صوت عال لموتور مٌاه ٌروي حقل أرز مجاور ‪..‬‬
‫وأصوات متداخلة لضفادع مرحة كثٌرة تقفز فً المٌاه الباردة داخل الحقل بسرور ؼبً ‪ ..‬لٌتنً‬
‫كنت ضفدعة ‪..‬هل هذا مستحٌل ؟ أحتاج فقط لقبلة من أمٌر مسحور ‪..‬قبلة واحدة سٌرحب بها‬
‫األمٌر بالطبع بنفس سرور الضفدع الؽبً ‪ ..‬لكنه سٌشعر بالقرؾ طوٌبل حٌن أتحول بٌن ٌدٌه‬
‫لكائن أخضر مقزز ‪...‬األصوات عالٌة بالفعل ‪ ..‬ال أنتبه لها إال حٌن أقرر أن أنتبه ‪ ..‬بمعنى‬
‫أننً أنسى وجودها حٌن أعتاد علٌها ‪ ..‬أتذكر عندما قال لً أحمد كٌؾ تستطٌعون النوم من‬
‫صوت القطارات المزعجة التً تمر طوال الوقت ‪ٌ..‬تخٌل أننً أستٌقظ مفزوعة عند كل قطار‬
‫‪ ..‬ولكن هذا ال ٌحدث أبدا ‪..‬ألننً ال أشعر بمرورها على اإلطبلق ‪ ..‬أنتبه لها نادرا ‪ ..‬حٌن‬
‫أكون أتحدث فً الهاتؾ مثبل وٌمر واحدا فبل أستطٌع سماع محدثً بصورة جٌدة ‪ ..‬وهكذا‬
‫األمر مع الضفادع وموتور المٌاه ‪ ..‬أقصد الضفادع فقط ‪..‬ألن الموتور توقؾ أثناء حدٌثً عن‬
‫القطارات وانتبهت لهذا ‪ ..‬أشعر أننً ثرثارة ‪ ..‬ولكن هذا ال ٌهم نهائٌا ‪..‬ألن من ٌشعر بالملل‬
‫ٌستطٌع أن ٌؽلق الصفحة ‪ٌ ..‬رمٌها من ٌده بكل بساطة ‪ ...‬عن ماذا كنت أتحدث ‪ ..‬آه عن‬
‫مزاجً وذاكرتً التً تمشً للوارء كشرٌط فٌدٌو ‪ ..‬ال أفكر فً شًء وال أنتظر أحد ‪ ..‬ال‬
‫أشعر باالمتبلء أو الفراغ أو الضجر ‪ ..‬أبكً دون اسراؾ ‪ ..‬وهذا ؼرٌب ‪..‬ألننً حٌن أبكً ‪..‬‬
‫أذوب كلً وأمطر دفعة واحدة ‪..‬باألمس فً أول الٌوم ٌقول أبً عنً بؽضب وصوت هادر‬
‫أننً مرٌضة نفسٌا وأحتاج للعبلج ‪ ..‬قال هذا فجؤة دون أن أفعل أي شًء ‪ ..‬كنت جالسة فً‬
‫ؼرفتً وسمعت الصوت الؽاضب حتى أننً لم أظنه لً ‪ ..‬لم أبك ‪..‬لكننً ذرفت عدة دمعات‬
‫قلٌلة وانزوٌت بعدها ال أخاطب أحدا ‪..‬حدث هذا مرة ثانٌة أثناء جلوسً بجوار أحمد الٌوم‬
‫‪..‬عٌنً الٌمنى تذرؾ ثبلث دمعات ‪..‬والٌسرى ناحٌته ال ٌلوح بها أثر الدمع ‪..‬هذا مضحك حقا‬
‫‪..‬ألننً وقتها كنت أرٌد بكل قواي أال أبكً أمامه ‪ ..‬وحدث هذا بقوى خارقة وساحرة منً‬
‫بالطبع ‪ ..‬لن أعتبرها مصادفة على أي حال ألننً أحب أن أصدق فً نفسً سحر خاص ‪..‬أمً‬
‫لم تر دموعً أٌضا ‪..‬لكنها بعد أن قاطعتنً لٌوم ونصؾ دون أي سبب واضح تؤتً وتبالػ فً‬
‫الحنان بصورة فجائٌة ‪..‬كؤنها أشفقت علً من ؼضبة أبً ‪..‬تدللنً وتلح علً فً أخذ الدواء‬
‫‪..‬تحدثنً عن الطقس وخطتها لؤلسبوع القادم وأٌام امتحاناتً ‪ ..‬تدخل علً ؼرفتً وأنا نائمة‬
‫وتضع ٌدها على جبهتً لتطمئن على درجة حرارتً ‪..‬أتركها تفعل كل هذا دون أن‬
‫أتقبله‪..‬ألومها فً داخلً على جفائها معً لٌوم ونصؾ كنت أحتاجها فٌهم أكثر من أي وقت‬
‫‪..‬كتبت مرة "أنا فً تعبً صبٌة فقٌرة" ‪..‬أكون فً التعب أقرب إلى البكاء ‪ ..‬هشة كآنٌة على‬
‫الحافة على وشك السقوط ‪ ..‬أحتاج أن ٌعاملنً أحد بالمس ‪..‬كؤننً ثلج مبشور فً راحتٌه عبثا‬
‫ٌحاول إبعاده عن الشمس كً ال ٌذوب ‪ٌ ..‬وم ونصؾ أو ما ٌقارب الٌومان كانت ؼادة هً‬
‫الشخص الوحٌد الذي شعرت به ‪..‬كومضة أضاءت عتمة روحً لثوانً واختفت ‪ ..‬لم أرد‬
‫بعدها أن أهاتفها وأبحث عن ومضات إضافٌة ‪..‬ألننا كنا اتفقنا على المذاكرة لست ساعات‬
‫متواصلة ‪ ..‬خشٌت أن أثبطها ‪..‬فتوارٌت فً لحن شقً و كتبت فً الفٌس بوك ‪":‬محرومة من‬
‫الضوء ‪..‬وأؼرق فً عتمة ظلً" ‪ ..‬أتكوم على سور الشرفة وأنام ‪ ..‬أستٌقظ على وقوع ‪..‬حٌن‬
‫سقطت فً الحلم وشج حجر رأسً ‪ ..‬و تكسرت أطرافً ومت ‪ ..‬أفتح عٌنً بهلع فؤعرؾ أننً‬
‫لم أقع ‪ ..‬أتفقد ذراعً ورجلً ‪..‬سلٌمة وخالٌة من الخدوش ‪..‬أنزل من على السور دون أن أتؤكد‬
‫تماما من أننً حٌة‪..‬أنزل خشٌة تحقق الحلم ‪ ..‬أركل كرة أخً فً طرٌقً للداخل فؤراها ترتطم‬
‫بالجدار ‪ ..‬أدفع الباب الموارب بٌدي فٌنفتح على آخره ‪..‬أشرب كؤس ماء وأضعه فارؼا على‬
‫الطاولة ‪..‬أنفخ فً الورقة المجاورة للكؤس فتطٌر ‪ ..‬أتؤكد أننً حٌة من آثاري ال من حٌاتً ‪..‬‬
‫ٌكفٌنً هذا وأذهب للسرٌر ‪ ..‬أعجز عن النوم وتلح على رأسً الناجً من الحجر فكرة الموت‬
‫‪ ..‬ال أرٌد أن أموت بالطبع لكننً فكرت أنه بما أننا جئنا الحٌاة دون اختٌار أال ٌحق لنا على‬
‫األقل إذن أن نختار طرٌقة موتتنا ومكانها ‪ ..‬حسنا لن ٌحدث هذا لذا سٌد عزرائٌل تذكر فقط‬
‫أننً ال أرٌد الموت فً المستشفى وال فً الظبلم ‪ ..‬قلت هذا ونمت فً الظبلم ألن الكهرباء‬
‫كانت مقطوعة ‪..‬نمت بخوؾ صؽٌر وانا أردد كلمات دروٌش ‪":‬هل الموت نوم طوٌل أم النوم‬
‫موت قصٌر ؟" ‪..‬نمت بـ روح قلقة ورؼبة بالبكاء تشبه االنصهار واالنفجار والثورة ‪ٌ ...‬اااه‬
‫‪..‬أنا كنت "بستعبط" جدا حٌن اخترعت حكاٌة شرٌط الفٌدٌو هذا ‪ ..‬ألننً أعرؾ أسباب مزاجً‬
‫السًء جٌدا وال أحتاج للمشً بظهري ألتعثر فً سبب صؽٌر ‪..‬صؽٌر جدا حدث دون أن أنتبه‬
‫له وضاٌقنً ‪ ..‬ال ٌهم ‪..‬سؤتجاهل هذا وأكمل ‪///‬‬

‫أتذكر اآلن المرة التً قلت فٌها لؽادة _ستقول ؼادة هنا "ٌوووه ‪..‬ماوراكٌش ؼٌر سٌرتً"‬
‫‪..‬وسؤرد ‪ٌ":‬عنً هٌا سٌرة أبو زٌد الهبللً؟!"_ المهم أتذكر المرة التً قلت لها فٌها لو كنت‬
‫تمتلكٌن المقدرة على تؽٌٌر ماال ٌعجبك فً كل شخص حولك ماذا كنت ستؽٌرٌن فً وفً‬
‫ؼٌري"‪..‬سؤلتها هذا السإال فً وقت كنت مستسلمة كثٌرا لقدر لٌس قدري وال أحاول القبض‬
‫على حٌاتً التً كانت تفر من بٌن أصابعً كذرات الرمل وتضٌع ‪..‬قالت‪" :‬كنت هخلٌكً أجمد‬
‫من كده شوٌة" ‪..‬و واصلت تقول كٌؾ سٌمكنها أن تؽٌر العالم حولها كما ٌشتهٌه قلبها ‪ ..‬أحاول‬
‫أن أسؤل نفسً اآلن السإال ذاته لشعوري أننً راضٌة بالعالم حولً لدرجة بائسة ‪..‬وال ٌشتهً‬
‫قلبً أي شًء ‪ ..‬أنا التً أحب التؽٌٌر والتجدٌد والزٌادة والنقصان وال أستمتع باألشٌاء رتٌبة‬
‫جامدة ‪ ..‬أحب أن أرتفع وأنخفض وأتموج كبحر ‪ ..‬ال شًء ٌخطر ببالً ‪ ..‬أشعر فقط أننً‬
‫بحاجة قصوى لئلٌمان ‪ ...‬أسمع بكاء الحوت الذي سبحت أمامه ورفض أن ٌبتلعنً ألن هللا لم‬
‫ٌؤمره بهذا ‪ٌ ..‬بكً ألنه جائع وأنا صٌد ال ٌراوغ وال ٌفر وٌصٌح فً وجهه ‪":‬أنا أمامك لماذا ال‬
‫تلتهمنً ؟!" هللا لم ٌؤمره أٌضا بإلتهامً ‪ٌ ..‬رٌد أن ٌمهلنً وقتا أطول ‪..‬ربما للتوبة ‪..‬وربما‬
‫الرتكاب ذنوب أكثر ‪ ..‬ومن اقترؾ كل هذه الذنوب مثلً بحاجة قصوى لئلٌمان ‪ ...‬أتمنى بشدة‬
‫اآلن أن أكون ضفدعة تحٌا ببل ذنوب وبسرور ؼبً ‪ ..‬وبإمكان الحوت أن ٌبتلعها أو ٌلتهمها‬
‫دون تردد ‪ ..‬ولكن هل توجد ضفدعة فً محٌط ال ٌطل على حقل أرز أو حوت فً ترعة ال‬
‫تطل على محٌط؟‬

‫سر !‬

‫أشعر بصدق شدٌد وأنا أستمع اآلن إلى موسٌقاك المفضلة‪ ..‬و ال أفهم كٌؾ بإمكان قطعة‬
‫موسٌقى أن تكون صادقة جدا ؟!‬

‫كؤننً أخطو إلى حدٌقة فً السماء سبقتنً إلٌها مرة و زرعت فٌها البرتقال واألمل و أوصٌت‬
‫النجوم أن تضًء فً جبٌنً حٌن تمٌل أنت علً توشوشنً باألسرار كلها علنً أبادلك سر‬
‫صؽٌر جدا بحجم كلمة واحدة أنطقها فٌحمر الورد والتفاح و وجنتً و قلبً و دمً وتتلون‬
‫الحدٌقة من أقصاها إلى أقصاها بلون الخجل فً وجه فتاة رٌفٌة قلبها ٌدق كثٌرا ‪..‬وٌرتبك !‬
‫وأتارٌنً ‪ ..‬ماسك الهوا بإٌدٌا ‪ ..‬ماسك الهوا !‬

‫“زي الهوا ٌا حبٌبً … زي الهوا … وآه من الهوى ٌا حبٌبً …آه من الهوى”‬

‫تخترقنً األؼنٌة ببطء وهً تعٌد نفسها للمرة الثانٌة … أسمعها دون أن أذوب فً رومانسٌتها‬
‫وإنما أفكر فً األشٌاء التً تشبه الهواء حولً ‪ ..‬األشٌاء التً تحٌط بً وتبلصقنً تماما ولكن‬
‫بمجرد أن أحاول مسكها وإحكام قبضتً علٌها تفر و تنزلق من ٌدي … تهرول مبتعدة وهً‬
‫تمد لسانها فً وجهً ‪..‬وتطلق ضحكة ماكرة عابثة معناها‪“ :‬وعلٌكً واحد !!” ‪..‬‬

‫أتذكر اآلن صدٌقتً التً عرفتنً من فترة قصٌرة على صدٌقة لها ‪ ..‬تحدثت بعدها مع صدٌقتها‬
‫هذه مرات قلٌلة جدا ومقتضبة للؽاٌة ‪ ..‬والٌوم تخبرنً صدٌقتً ‪”:‬بتقول عنك طٌبة وعسولة وان‬
‫هً حبتك” ‪ ..‬لم أرد وأقل نفس الشًء عنها كما كان ٌنبؽً أن أفعل ‪ ..‬وإن كنت حتى شعرت‬
‫فً داخلً به ‪ ..‬إال اننً لم أعد كالسابق أحكً انطباعاتً األولى وأفصح عن أحكامً السرٌعة‬
‫‪ ..‬ثمة فارق شاسع بٌن الشعور بشًء ‪ ..‬والنطق به ‪ ..‬النطق واالعتراؾ ٌحوله إلى واقع‬
‫وحقٌقة حتى وإن لم ٌكن كذلك ‪ٌ ..‬تحول األمر إلى قناعة ‪ ..‬وٌؽدو تؽٌٌره صعبا ومإلما بل‬
‫وصادما فً كثٌر من األحٌان …‪ .‬كالمرة التً تسرعت وصدقت فٌها أننً أخٌرا حصلت على‬
‫جو العائلة الذي أرٌده ‪ ..‬على بنات عمومتً البلتً تحولن إلى صدٌقات مقربات بإمكاننا أن‬
‫نثرثر ونضحك ونبكً ونسافر ونمرح ونروح ونجًء معا … ولكن فً لحظه واحدة تبلشى كل‬
‫هذا …تبخر كؤنه لم ٌكن ‪ ..‬وتؤلمت فقط ألننً تسرعت فً التصدٌق والفرح ‪ ..‬فاض بً ‪ ..‬وإن‬
‫كنت لم أتعلم الدرس فً مرات كثٌرة سابقة فؤلن الجرح فً كل مرة ٌكون أكثر اتساعا و أشد‬
‫ألما و وجعا ‪ ..‬تماما كؤقراص الدواء التً كنت فً البداٌة أبتلعها بصورة طبٌعٌة مع صعوبة‬
‫ضئٌلة جدا ‪ ..‬صار ابتبلعها ٌزداد صعوبة فً كل مرة منذ أربعة أسابٌع …‪ .‬وباألمس أخبرت‬
‫أحمد عن مؽامراتً أثناء ابتبلعها ‪ ..‬أضع القرص قرب حلقً ‪..‬وأشرب الماء سرٌعا علٌه …‬
‫وال ٌنزلق … تزداد مرارته وتكاد تجبرنً على التقٌإ ‪ ..‬أرؼم نفسً على المحاولة ثانٌة‬
‫بوضعه تحت لسانً ‪ ..‬أدفع برأسً إلى الوراء كؤننً ألقً بالقرص فً جوفً‪ ..‬دون فائدة‬
‫أٌضا ‪ ..‬أخرجه وأرمٌه بعنؾ فً صندوق القمامة بضٌق بالػ ‪ ..‬أفتح قرصا آخرا وأضعه‬
‫داخل كؤس الماء لٌذوب ثم أنوي شربه دفعة واحدة ‪ ..‬أؼمض عٌنً بقوة وأنا أضع طرؾ‬
‫الكؤس على شفتً ‪ ..‬أجبر نفسً على رشؾ بضعة قطرات ‪ ..‬مر ‪ ..‬مر ‪ ..‬مر إلى أبعد حد …‬
‫أضع علٌه ملعقتٌن من السكر وأقلب ‪ٌ ..‬صٌر طعمه أبشع ‪ ..‬بالنهاٌة أسكبه فً الحوض ‪..‬‬
‫وأقرر إعادة المحاولة بعد ساعة أو ساعتٌن رٌثما أرتاح قلٌبل من المحاولة األولى ‪!..‬‬

‫ما أردت قوله أنه مع األلم ال ٌوجد ما ٌسمى بالتعود … األمر ٌزداد سوءا فً كل مرة ‪..‬‬
‫االنطباعات واألحكام واألراء السرٌعة ؼالبا ما تضٌع كلها وتتبلشى كما ٌتبلشى الهواء من‬
‫قبضة الٌد ‪ ..‬وال ٌتبقى من الؽنوة الحلوة ‪..‬إال الدمع ٌا حبٌبً!‬
‫“وأتارٌنً ‪ ..‬ماسك الهوا بإٌدٌا ‪ ..‬ماسك الهوا ‪ ..‬وآه من الهوا ٌا حبٌبً آه من الهوا ” !‬

‫وٌكبر فً دمً ألؾ أرنب مذعور !‬

‫‪ -‬ما الذي ٌحدث لً إذا خفت ؟‬

‫‪ -‬ببساطة ‪ٌ ،‬كبر فً دمً ألؾ أرنب مذعور ‪ ،‬وأهرب ‪* .‬‬

‫ما الذي ٌحدث لً إذا خفت ؟ ‪ ..‬ما الذي ٌحدث لً إذا خفت ؟ … ما الذي ٌحدث لً إذا خفت؟‬
‫‪ ..‬ظل السإال ٌتردد فً رأسً باستفزاز أول ما قرأته ‪ ..‬حد أننً عجزت بعده عن متابعة‬
‫القراءة ‪ ..‬أنا ال أعرؾ ما الذي ٌحدث لً حٌن أخاؾ … وهذه إجابة تجعل السإال أكثر‬
‫استفزازا ‪ ..‬كؤن شٌطانا ٌقؾ خلؾ أذنً ‪ ..‬وال ٌنفك ٌكرره‪ ..‬ضؽطت بؤطراؾ أصابعً على‬
‫جانبً رأسً كمحاولة للتركٌز مع كل هذا الصخب …ولم أفلح !‬

‫لحظة آلخذ نفسا طوٌبل ……‪ .‬حسنا …‬

‫حٌن كنت بالصؾ الثانً اإلعدادي وبالتحدٌد فً أجازة الصٌؾ الذي تلته‪ ..‬استمعت إلى‬
‫محاضرة نفسٌة تابعة لبرنامج ترفٌهً بالمدرسة أجبرتنً أمً على حضوره … أتذكرها اآلن‬
‫كظبلل باهتة فً قلب إضاءة خافتة ‪ ..‬كتب المحاضر على السبورة ‪ ”FEAR ” ..‬قال أن هذه‬
‫الكلمة هً حروؾ مختصرة لجملة “‪… ”False Evidence Appearing Real‬أي أنه شعور‬
‫خاطًء ٌبدو وكؤنه حقٌقً ‪..‬لم أفكر فً صحة هذه الجملة من عدمها ‪ ..‬كنت أإمن وقتها أن كل‬
‫ما ٌقوله الكبار صحٌحا … وكل ما علٌنا نحن الصؽار أن نصؽً ونتعلم ‪ ..‬وربما لهذا تظل‬
‫االعتقادات التً نتلقاها فً الصؽر ثابتة بداخلنا إلى النهاٌة ‪ ..‬حتى ولو عرفنا فٌما بعد أنها‬
‫مجرد هراء ‪ ..‬نظل نإمن بها مهما كلفنا األمر ‪ ..‬ما ٌهم أن هذه العبارة لم تشؽلنً كثٌرا وقت‬
‫عرفتها ‪ ..‬إال أنها ظلت تخطر على بالً فً كل مرة ٌنفضنً فٌها الخوؾ وٌهز كونً بؤكمله‬
‫‪ ..‬فؤستمر أردد ‪”:‬هذا لٌس حقٌقً ‪ ..‬هذا لٌس حقٌقً!” ‪ ..‬بالضبط كما كنت أفعل ذات حلم قرٌب‬
‫‪ ..‬أقصد كابوس قرٌب …‪ ..‬كنت مفزوعة وأردد ‪”:‬أنا عارفة ان أنا بحلم ‪ ..‬أنا عارفة ان أنا‬
‫بحلم” ‪ ..‬ذهبت ألمً فً الحلم ورجوتها أن تصفعنً ألستٌقظ ‪ ..‬لكنها تجاهلتنً ولم تفعل ‪..‬‬
‫ذهبت لكل من أعرفهم وٌمثلون األمان لً أرجوهم أن ٌفعلوا شٌئا ألستٌقظ …ولكن ال أحد‬
‫ٌلتفت لً ‪ ..‬كؤننً لست مرئٌة ‪..‬كؤنهم ال ٌؤبهون… كؤنً وعًٌ بؤننً أحلم لٌس كافٌا … تماما‬
‫كإٌمانً بؤن الخوؾ لٌس حقٌقٌا ‪ ..‬ال ٌجدي وقت الهلع ‪!..‬‬
‫من حوالً شهرٌن أو ثبلث ‪ ..‬شاهدت فٌلم “‪ … case 39″‬الفٌلم عن فتاة ال تخشى أي شًء‬
‫بالعالم ‪..‬أي شًء ‪..‬وتمتلك قدرات خارقة تمكنها من قتل من ترٌد عن طرٌق أكبر مخاوفه ‪..‬‬
‫تتودد إلى ضحٌتها كثٌرا أوال ‪..‬بلطؾ ودهاء حتى تعرؾ منها الشًء الذي تخافه أكثر ‪..‬ثم‬
‫تستخدمه كسبلح فً جرٌمتها … مثبل حٌن عرفت من المحقق النفسً أن أكبر مخاوفه هو‬
‫الدبابٌر ‪ ..‬فجعلته ٌتخٌل جٌوش دبابٌر تخرج من كل مكان ‪..‬من الفتحات فً الحمام ‪ ..‬من‬
‫الباب ‪ ..‬من البلشًء ‪..‬تدخل وتخرج من أذنٌه وفمه ‪ ..‬تسٌر تحت جلده ‪ ..‬أخذ ٌصرخ وٌنتفض‬
‫‪ٌ..‬تخبط فً كل مكان بعنؾ وجنون حتى شجت رأسه ومات !!… باختصار هً تكتشؾ‬
‫عفرٌت كل شخص وتظهره له … وما ٌقتله هو الخوؾ ولٌس العفرٌت المتخ ٌَل الؽٌر موجود‬
‫أصبل … وربما هذا ٌإكد أن الخوؾ لٌس سوى عفرٌت ؼٌر موجود ٌبدو وكؤنه حقٌقً !‬

‫هذا ٌدفعنً ألن أتساءل اآلن عن أكبر مخاوفً وعن شكل عفرٌتً؟ ‪..‬ال أعرؾ …‪ ..‬هل ٌجب‬
‫على أن أقول أننً ال أخاؾ إال هللا‪..‬كإجابة سهلة ٌنطقها الجمٌع طوال الوقت ؟ …فلماذا إذن‬
‫أعصاه وأبالػ فً العصٌان إن كنت أخافه فعبل ‪ ..‬وإذا كنت ال أخاؾ من هللا ‪ ..‬فمن ماذا سؤخاؾ‬
‫؟؟… هذا ٌذكرنً بقول “الفضٌل بن العٌاض” ‪:‬‬

‫“إذا سؤلك احد ‪:‬هل تخاؾ هللا؟‬

‫فاسكت !‬

‫فإنك إن قلت نعم كذبت !‬

‫وإن أنت قلت ال كفرت !‬

‫لذا سؤسكت أو سؤتحدث عن مخاوؾ بشرٌة عادٌة وتافهة كالثعابٌن والدبابٌر وؼٌرها ‪ ..‬وإن‬
‫حدث وظهرت لً فسؤردد سرٌعا ‪”:‬هذا لٌس حقٌقً … هذا لٌس حقٌقً !” قبل أن ٌكبر فً دمً‬
‫ألؾ أرنب مذعور … وأهرب !!‬

‫‪.‬‬

‫________________________________________‬

‫* من رواٌة “اآلخرون” لـ صبا الحرز‬

‫نحن عمٌان نستطٌع أن نرى !*‬


‫ٌا أهلل …‪.‬أصدقائً كلهم ٌحدثونً عن تناقضاتهم بعد أن أخبرتهم عن أجازتً القصٌرة تلك‬
‫‪..‬أصواتهم فً رأسً اآلن … وال أستطٌع أن أشعر بشًء مطلقا فً هذه اللحظة ‪..‬أفتح عٌنً‬
‫فً قلوبهم ‪..‬أفتح عٌنً فً العالم ‪ ..‬انظر ‪..‬وأحاول أن أرى …وال أرى ‪..‬ال أستطٌع أن أفهم ما‬
‫أنظر إلٌه …حقٌقة العالم ال ٌستوعبها عقلً جٌدا ‪..‬وحقٌقة القلوب تدوخنً ‪..‬كٌؾ ٌا أهلل خلقت‬
‫كل هذا التناقض فً عالم واحد؟ …كٌؾ اجتمع اللٌل والنهار معا فً لحظة كسوؾ هائلة ؼطت‬
‫الكون واستمرت إلى ماالنهاٌة ‪..‬أبحث عن شًء واحد واضح ‪..‬شًء واحد أستطٌع أن أصٌح‬
‫فور أن أراه وأقول ‪”..‬هذا أبٌض “‪”..‬هذا أسود” ‪..‬ولكن كٌؾ أستطٌع أن أفعل وأنا الجمٌلة جدا‬
‫كلوحة فنٌة نادرة رسمها فنان قبل أن ٌموت مباشرة فً منزل رٌفً صؽٌر ‪..‬والبشعة جدا‬
‫كالعفرٌتة زرمباحة حٌن تطٌر لتحط فوق جبال قاؾ ‪..‬كٌؾ أستطٌع أن أفعل وانا الطفلة التً‬
‫تؤكل الكرٌمة وترتدي الفساتٌن القصٌرة واألساور ‪..‬والعجوز التً تكسو التجاعٌد قلبها ألن‬
‫الساعة فً معصم ملك الموت فرؼت بطارٌتها وتوقفت من زمن …كٌؾ أستطٌع أن أفعل وأنا‬
‫المرحة جدا كسطور الؽرام فً خطابات الحب تلك التً بعثتها بنٌلوب ألودٌسٌوس ‪..‬والكئٌبة‬
‫كخطوط التقطٌب فً جبهة الحزن ‪..‬كٌؾ أستطٌع أن أفعل وأنا البتول التً لم ٌمسسها بشر ولم‬
‫تكن بؽٌا ‪..‬والمرأة التً أنجبت العالم ذات حلم وسماء ؼائمة وصوت ٌقول ‪”:‬وااااااااااء” ‪..‬أنا‬
‫الفاضلة كزوجة نبً ‪..‬واللعوب كامرأة العزٌز‪..‬كٌؾ أستطٌع أن أفعل وأنا العاشقة كـ لٌلً‬
‫وعبلة جولٌٌت واٌزابٌبل ‪..‬والخالٌة كطفلة لم ٌدق قلبها لرجل بعد‪ ..‬وال تحب سوى حضن ابٌها‬
‫‪ ..‬وشكل دمٌتها ‪..‬كٌؾ أستطٌع ان أفعل وأنا بداٌات األشٌاء جمٌعا ونهاٌاتها ومفترق الطرق‬
‫واجتماعها وضٌاع المشردٌن على حواؾ الدروب ‪..‬أنا لحظة الكسوؾ والخسوؾ والشروق‬
‫والؽروب والدم الذي ٌضخه قلب العالم ‪..‬أنا كل هذا وأكثر وكؤننً ذرات ؼبار جاءت من كل‬
‫مكان فً الكون لتكون “دعاء” حتى ٌكون السإال ‪ :‬كٌؾ ٌاأهلل خلقت كل هذا التناقض فً دعاء‬
‫واحدة ؟ …وكٌؾ بعد هذا كله ال تستطٌع هً أن تقول “هذا أبٌض” و “هذا أسود” !‬

‫* “نحن عمٌان نستطٌع أن نرى” لـ “ساراماجو”‪ :‬قد تختلؾ الجملة قلٌبل مع النص لكن ال ٌوجد‬
‫عنوان آخر فً الوجود ٌبلئمه أكثر منها ‪..‬كحذاء سٌندرٌلبل تماما حٌن ٌناسبها فقط وال ٌناسب‬
‫ؼٌرها _وإن كان كل النساء مقاسهم ‪_32‬‬

‫ملل !‬

‫كل هذا الملل كثٌر جدا على نهار واحد … وهذا ؼرٌب ‪..‬ألن شعور الملل ال ٌنتابنً من‬
‫األساس إال نادرا ‪ ..‬حتى وإن كنت أجلس صامتة وهادئة ومنزوٌة وال أجد ما أفعله لساعات‬
‫طوٌلة فؤنا ال أشعر بالملل ‪ ..‬دائما ما تحتلنً فكرة تسلٌنً وتؤكل الوقت بنهم وجوع شدٌد ‪ ..‬أما‬
‫الٌوم ‪ ..‬فبل شًء على اإلطبلق ‪ ..‬كؤننً حمام سباحة فرغ من مٌاهه وبهجته ومرحه و على‬
‫أرضٌته تتكوم أوراق الخرٌؾ الجافة بطرٌقة تثٌر الوحشة والحزن ‪ ..‬ال أستسلم لكل هذا ‪..‬‬
‫أبحث عما ٌسلٌنً ولو قلٌبل ‪ ..‬أحاول تحمٌل فٌلم كومٌدي ٌشجع على الضحك ‪ٌ ..‬بدأ التحمٌل ‪..‬‬
‫وأنا أجلس أمام الشاشة أتابع األرقام المتزاٌدة ‪..%12.. %3 … %2 … %2 … %1 ..‬‬
‫‪ٌ .. %22… %22 … %11‬توقؾ التحمٌل لخطؤ فً الملؾ ‪ ..‬أزفر بحنق ‪ ..‬أراقب‬
‫األصدقاء ‪..‬أون ‪ ..‬أوؾ …‪.‬أون …أوؾ ‪ ..‬تنقطع الكهرباء … وأتحول أنا إلى “أؾ” طوٌلة‬
‫جدا … أبحث عن شًء آخر أفعله ‪..‬أمسك دٌوان “أزهار الشر” ‪..‬لـ “بودلٌر” ‪ ..‬وأبدأ القراءة ‪:‬‬

‫أنا ؼرفة انتظار عتٌقة‬

‫ملٌئة بالورود الذابلة‬

‫ٌملئها خلٌط عجٌب‬

‫من أزٌاء فات زمانها‬

‫وال ٌتنفس فٌها عبٌر عطر مسكوب‬

‫إال الرسوم النائحة‬

‫ولوحات بوشٌه الشاحبة *‬

‫وتحت األبٌات ٌتحدث “سارتر” عن فكرة الضجر عند “بودلٌر” ‪ ..‬أندهش جدا ‪..‬ألننً لم أكن‬
‫أعرؾ مسبقا أن الكتاب سٌتحدث عن مزاجً الحالً ولهذا تناولته ‪ ..‬أندهش أكثر ألن الدٌوان‬
‫ممتلىء بعواطؾ ال أول لها من آخر ‪ ..‬وأتساءل كٌؾ ٌتصادؾ أن أفتحه اآلن بالذات ‪..‬على‬
‫هذه الصفحة بالذات ‪ ..‬أتذكر والء وهً تقول ” ال شًء ٌحدث بالصدفة حقا” ‪..‬و أنا المفتونة‬
‫بالصدؾ أصبل‪ ..‬المفتونة بها حد أنه حٌن تحدث واحدة فؤنا أعٌد كل شًء فً رأسً من البداٌة‬
‫بحاجب مرفوع وتؤمل مذهول بؤسبابها !‬

‫من حوالً أسبوع عاهدت هللا بشًء ‪ ..‬وكان هذا سر صؽٌر بٌنً وبٌن ربً ‪ ..‬وفً األٌام‬
‫التالٌة لهذا العهد صار الشٌطان ٌوسوس لً كثٌرا كً أنقضه ‪..‬حتى اللحظة التً فتحت فٌها‬
‫المصحؾ ألقرأ وردي الٌومً ‪ ..‬وقع بصري أول ما فتحته على اآلٌة ‪”:‬وأوفوا بعهد هللا إذا‬
‫عاهدتم وال تنقضو األٌمان بعد توكٌدها وقد جعلتم هللا علٌكم كفٌبل إن هللا ٌعلم ما تفعلون” …هل‬
‫ثمة ما ٌسمى صدفة إذن ‪ ..‬ال أعتقد !‬

‫أفتح الدٌوان مرة أخرى ‪..‬أتابع القراءة ‪:‬‬

‫كل الوحوش التً تدمدم وتزمجر وتزحؾ‬

‫داخل نفوسنا اآلسنة الوضٌعة‬

‫هناك واحد هو أشدها دمامة وخبثا‬

‫وهو وإن كان قلٌل الحراك ‪..‬ضعٌؾ الصوت‬

‫مستعد بجولة واحدة أن ٌصنع من األرض أنقاضا‬

‫وبتثاإب واحد أن ٌبتلع العالم‬


‫إنه الضجر الذي ٌحلم بالمشنقة وهو ٌدخن نرجٌلته‬

‫وفً عٌنٌه تلتمع دمعة ال إرادٌة‬

‫أنت تعرفه أٌها القارىء ‪..‬هذا الؽول الناعم‬

‫أٌها القارىء المرائً _ٌاشبٌهً_ ‪ٌ..‬ا أخً !*‬

‫هذا الوحش ٌتلبسنً اآلن ‪ٌ..‬تثائب وهو ٌشفط الهواء من حجرتً ‪ٌ ..‬حلم أٌضا بشفط مٌاه كل‬
‫حمامات السباحة فً العالم أجمع … ٌحلم بؤن ٌنفث على فراغ أرضٌاتها أوراق الشجر‬
‫الٌابسة‪ ..‬األوراق التً نسٌت من فصول طوٌلة كٌؾ ٌكون شكل العصفور ال َمرح !‬

‫‪! A voiceless song in an ageless light‬‬

‫‪2111-2-23‬‬

‫حٌن تجد روحك فارؼة من كل شًء وأنت صامت تماما ‪ ..‬ال شًء بإمكانك أن تقوله على‬
‫اإلطبلق ‪ٌ ..‬كون هناك الكثٌر لٌقال ‪ ..‬وأنا على هذا الحال منذ بضعة أٌام ‪ ..‬تقرٌبا ال أتحدث إال‬
‫معك فً الهاتؾ ‪ ..‬وبقٌة الوقت أكاد أكون صامتة تماما ‪ ..‬وألنك الٌوم كنت ؼائب أكثر من‬
‫البلزم ‪ ..‬فؤنا كدت أنفجر بصمتً ‪ ..‬ال ‪ ..‬لم أقارب االنفجار نهائٌا ‪ ..‬على العكس ‪ ..‬أنا هادئة‬
‫جدا بما ٌدعو للرٌبة ‪ ..‬ال أفكر فً الموت كما كتبت من قبل ‪ ..‬لكننً أفكر فً االنتحار دائما ‪..‬‬
‫االنتحار فقط ‪ ..‬دون سبب واضح ‪ ..‬دون أٌة تعاسة أو عذابات ‪ ..‬الفكرة ال تفارق رأسً ‪ ..‬تلح‬
‫علٌه دون ٌد لً فً هذا ‪ ..‬ودون أي نٌة باإلقدام علٌها نهائٌا ‪ ..‬هً موجودة وكفى …‪ .‬منذ قلٌل‬
‫وقفت على سور الشرفة ‪ ..‬العشرة سنتٌمترات الوحٌدة فً هذا العالم التً أرتاح جدا فً الوقوؾ‬
‫علٌهم ‪ ..‬وتنهانً أنت وأمً عن هذا ‪ ..‬أمً تصرخ فً وتوبخنً وتهددنً بحرمانً من المكوث‬
‫فً الطابق العلوي ثانٌة ‪ ..‬وأنت تهددنً بزعلك ‪ ..‬وأنا ال أعد كلٌكما باالبتعاد عن الشبر الوحٌد‬
‫فً الكون بؤكمله الذي ٌخصنً وحدي ولم ٌقؾ علٌه ؼٌري ‪ ..‬وقفت ظهري للخارج ‪ ..‬ووجهً‬
‫لجدار الشرفة حتى إذا زلت قدمً فؤموت وأنا أنظر إلى السماء وإلى العلو الشاهق الذي حلمت‬
‫دائما أن أتسلقه ‪ ..‬أمٌل بجسدي للوراء ‪ ..‬واجدى ٌداي متشبثة بفرع نحٌل جدا من شجرة العنب‬
‫التً تتكىء على واجهة منزلنا ‪ ..‬الفرع أنحل من قلم رصاص وضعبؾ للؽاٌة ‪ ..‬لكنه ٌشعرنً‬
‫باألمان الذي احتجته جدا فً هذه اللحظة وٌجعلنً أفكر أن األشٌاء لٌس علٌها أن تكون قوٌة‬
‫جدا لتؤمنا ‪..‬وأن األمان فً النهاٌة ٌنبع من داخلنا نحن !‬

‫الحقٌقة أنا ال ٌنقصنً أي شًء ألكون أسعد مخلوقة على وجه األرض ‪ ..‬وأنا كذلك فعبل‬
‫‪..‬ولكن كٌؾ أتؽلب على رأسً التً تود هبلكً ‪ ..‬أشعر أن جسدي تسكنه روح خاسرة ‪..‬‬
‫خاسرة جدا ‪ ..‬والشًء الوحٌد الذي نجحت فٌه هو السٌطرة علً تماما …‪ ..‬حكٌت لك قصة‬
‫الرٌشة السوداء قبل قلٌل ‪ ..‬هل بعد هذا كله ؼرٌب أن أعثر على رٌشة سوداء ‪ ..‬وهل الزلت‬
‫تشك أن الرٌشة طارت من قلبً ‪ ..‬أنا متٌقنة من هذا !‬

‫األدهى أن رؼبتً برمً روحً تلك تقترن برؼبة سٌئة أخرى ‪ ..‬وهً االستماع إلى أؼنٌة‬
‫"‪ the mystic’s "dream‬حٌنها ‪ ..‬فً كل مرة أتخٌلنً أموت أسمعها تدور فً رأسً وال‬
‫تتوقؾ عن الدوران ‪ ..‬وبالمناسبة ‪..‬أنا ال أفكر فً الموت بمعناه الكامل ‪ ..‬ال أفكر فً انتهاء‬
‫حٌاتً وفنائً وقبري وحسابً وآخرتً ‪ ..‬أنا أفكر فً احساس الروح لحظة اجلها فقط ‪ ..‬أوقبل‬
‫هذا مباشرة ‪..‬ال أفكر فً أكثر من هذا إطبلقا ‪! ..‬‬

‫هل أنا مذنبة جدا؟ ‪ ..‬نعم أنا مذنبة وسٌئة جدا……… وأحبك ‪ ..‬ورؼم كل هذا أحبك جدا ‪..‬‬
‫أحبك بجنون ؼبً … حد أننً حٌن وقفت على السور ورؼبت بإلقاء روحً ‪ ..‬فكرت أننً‬
‫أرٌد أن أموت وأنا أفكر بك ‪ ..‬وأن المسافة بٌن الطابق الثانً واألرض لٌست كافٌة ألتذكرك‬
‫كلك ‪ ..‬نظرت إلى أعلى ورأٌت طائرة بعٌدة للؽاٌة تومض وتنطفىء بتتابع منتظم ‪ ..‬تمر من‬
‫فوق السحاب بقلٌل وربما من داخله ‪ ..‬وجدت أن السقوط من علٌها أجمل ‪ ..‬وٌكون الوقت بٌن‬
‫قفزي فً الهواء ووصولً إلى األرض ممتعا للؽاٌة ‪ ..‬وكافٌا بؤن تمر صورك الكثٌرة أمام‬
‫عٌنً ‪ ..‬وبؤن أتذكرك وأنت تخبرنً أنك تحبنً وتذوب بً ‪ ..‬الطائرة تمر بجوار نجمة ‪..‬‬
‫تشبهها تماما دون ومٌض ثابت ‪..‬وتظهر أنها تمر بمحاذاتها وجوارها ‪..‬أنسى الطائرة وأتخٌل‬
‫علو النجمة البلنهائً ‪ ..‬وبتؽٌٌر صؽٌر فً الخطة ٌكون القفز من على سطح النجمة ال ٌقاربه‬
‫وصؾ وٌكون ال داعً ألن أقؾ ظهري إلى الفضاء ‪ ..‬وٌكون الوقت كافٌا بالكاد ألن أتذكرك‬
‫كلك ‪..‬ألنك الرجل الذي ال ٌحصى كما تقول ؼادة السمان ‪..‬‬

‫أنا أحبك بطرٌقة لن تتخٌلها مطلقا ‪ ..‬وأعرؾ أنك أٌضا تحبنً جدا ‪..‬ألنك حٌن وقفت معً فً‬
‫الشرفة كدت أحدثك عن كل هواجسً تلك وقلت‪”:‬تفتكر هٌحصل إٌه لو رمٌت نفسً من هنا؟”‬
‫‪..‬أجبت‪”:‬هموت” ‪ ..‬ظننتك لحظتها لم تسمعنً جٌدا وأعدت السإال‪”:‬لو أنا أنا رمٌت نفسً” ‪..‬‬
‫وكررت أنت‪”:‬أنا هموت” ‪ ..‬وأنا التً أظن نفسً أفهمك دائما ‪ ..‬لٌس من المرة األولى فقط ‪..‬‬
‫وإنما دون أن تتحدث أٌضا ‪ ..‬فهمتك هذه المرة ‪ ..‬من المرة الثانٌة !!‬

‫‪2111-3-3‬‬

‫كنت ؼارقة فً سحابة من السكٌنة ‪ ..‬بهذه الدرجة من اإلٌمان التً تجعلك تعٌش وعلى شفتٌك‬
‫ابتسامة صؽٌرة صافٌة ‪ ..‬وفً عٌنٌك نظرة تفاإل … رأسً خال من األحبلم المزعجة التً‬
‫تعترٌنً دائما ‪ ..‬وفً داخلً ٌقٌن أننً حٌن أنام بعد قلٌل لن أحلم بكوابٌس كثٌرة ككل لٌلة‬

‫صلٌت الفجر ‪ ..‬وقرأت فً المصحؾ قلٌبل ‪ ..‬وجلست ٌعدها أسبح هللا وأردد كل األدعٌة التً‬
‫سمعتها وحفظتها ٌوما ‪ ..‬قرأت دعاء سٌدنا جبرٌل مرتٌن بعد أن عرفت أن من ٌقرإه قبل النوم‬
‫مباشرة ٌؤتٌه النبً المصطفى “علٌه الصبلة والسبلم” فً المنام ‪ ..‬قرأته ثم أؼمضت عٌنً وأنا‬
‫أصلً على الرسول علٌه الصبلة والسبلم حتى اختفٌت فً النوم تماما ‪..‬‬

‫ولم ٌتؽٌر شًء ‪ ..‬لم ٌتؽٌر أي شًء ‪ ..‬كان نوما ممتلئا باألحبلم المزعجة والكوابٌس الشرٌرة‬
‫إلى أقصى حد ‪ ..‬واستٌقظت من النوم على مشهد كل العروق فً ذراعً نافرة جدا ‪ ..‬وأحد‬
‫ٌناولنً شٌئا حادا وٌؤمرنً بقطع عروقً كلها ‪!..‬‬

‫حتى فً النوم ال ٌفارقتً هذا العذاب !‬

‫ٌا ورد على فل وٌاسمٌن !‬

‫قررت أن أصنع باقة ورد ألمً بمناسبة عٌد مٌبلدها ‪ ..‬أخذت مقص الشجر من درج فً‬
‫المطبخ ‪ ..‬و وارٌته أسفل قمٌصً وأنا خارجة ألن أمً كانت تجلس فً الصالة وأنا أردت أن‬
‫أفاجئها ‪..‬بدأت أقص الورد و أقطؾ الٌاسمٌن وأكومه فوق بعضه بسعادة ‪ ..‬أعرؾ ان أمً‬
‫تعشق الورد والزهر مثلً ‪ ..‬هً التً أقنعت أبً بشراء هذا الشجر ‪ ..‬رأٌتها أول أمس‬
‫بـ”الجنٌنة” تنثر بذور رٌحان بجوار شجر “الفٌسكس” الذي زرعته مإخرا ‪ ..‬تبحث طوال‬
‫الوقت عن نباتات جدٌدة سهلة الزرع والرعاٌة ‪ ..‬وتستشٌر “سمسم” بائع ومختص نباتات الزٌنة‬
‫فً القرٌة ‪ ..‬تجمع الٌاسمٌن فً الصباح ‪..‬تروي النعناع وشجر التٌن بعد العصر ‪ ..‬وتجلس أول‬
‫اللٌل بجوار شجرة الورد البلدي المتدلً على الشرفة ‪ ..‬تعٌش أٌامها كفراشة ملونة تتنقل بٌن‬
‫األخضر و ألوان زاهٌة أخرى ‪ ..‬أمضً خلفها وأنا أحاول لمس جناحٌها و وتعفٌر أطراؾ‬
‫أصابعً بؤلوانها ‪ ..‬أبتسم وأنا أتذكر كل هذا أثناء تقلٌم الشوك من األفرع ‪ ..‬أفكر فً حلمً‬
‫القدٌم ‪ ..‬فً طموحً بؤن أصٌر بائعة ورد بإشارات المرور ‪ ..‬أضحك وأنا أتذكر أحمد حٌن‬
‫أخبرته بهذا الحلم فقال‪”:‬وإٌه اللً حصل ‪..‬مجموعك مجابش؟!” ‪ ..‬أتخٌلنً هذه اللحظة الفتاة‬
‫بائعة الورد التً طالما حلمت بؤن أكونها ‪ ..‬الفتاة التً تقطؾ الورد الطازج وتقلم شوكه ‪..‬ترش‬
‫المٌاه المسكرة فوقه كقطرات ندى وترتدي فستان مزركش قدٌم ومندٌل تربط به شعرها‬
‫‪..‬تتجول بٌن السٌارات أثناء اإلشارة الحمراء وتقترب من النوافذ نصؾ المفتوحة وهً تقول‬
‫‪”:‬خد وردة ٌا بٌه ‪..‬خدي فلة ٌا هانم”…تشاكس‪ ”:‬وحٌاتك انت ماتكسفنً خدلك عودٌن دا أنا‬
‫اسمً نرجس … وهللا إن ما كنت تنفعنً ألزعق وأقول راجل مفلس” ‪..‬تذهب إلى الكورنٌش‬
‫آخر اللٌل وتؽنً للعشاق‪”:‬خدلك هدٌة لحبٌبتك ده الورد ده زٌنة الجناٌن ‪ ..‬تخلٌها تتوه فً‬
‫رٌحتك وتبقى من ضمن الزباٌن”‪..‬ترجع إلى ؼرفتها الصؽٌرة فً نهاٌة الٌوم بقدمٌن ٌإلماها من‬
‫كثرة المشً وجنٌهات قلٌلة مكرمشة تخرجها من جٌب الفستان وهً تحاول فردها وتضعها فً‬
‫حصالة صفٌحٌة صؽٌرة تشبه حصالة لبلبة حٌن كانت تؽنً ونحن صؽااااار ‪”:‬حصالتً لٌها‬
‫كرش ‪ٌ..‬تحط فٌه القرش ‪..‬وٌقول ما تتكسرش ‪..‬هفضل طول عمري قرش ‪..‬وأحط تانً قرش‬
‫‪ ..‬وقرش على قرش وأنساه ومفتكرش ‪..‬دا كبر وال مكبرش ‪..‬دا كبر وال مكبرش”‪..‬تخبىء‬
‫الحصالة وهً تستلقً على ظهرها وتتخٌل محل زهور صؽٌر تملكه بالنهاٌة ‪..‬بؤلوان جدران‬
‫صاخبة وعدد من الزهور ال أول له من آخر ‪..‬حٌن تكون أخٌرا قد حققت ؼاٌة آمالها!!‬
‫أنتهً من التقلٌم وأنا أزٌح الذكرٌات واألحبلم جانبا وأبحث عن “تول” ‪..‬ألفه حول الورد ‪..‬‬
‫أنظر لكل باقات الورد التً أهداها أحمد لً ‪ ..‬الشٌطان ٌوسوس لً بقص جزء صؽٌر من‬
‫الشرائط الملونة والتول ‪ ..‬أستعٌذ باهلل منه وأنا أتذكر افتراسً ألخً الصؽٌر حٌن فكر مرة أن‬
‫ٌلمس هذه الشرائط ‪ ..‬أتراجع وأقلب البٌت رأسا على عقب حتى أجد أخٌرا أجزاء شٌفون أبٌض‬
‫كنت قد احتفظت بها من بقاٌا هداٌا سبوع أحد أقاربً ‪..‬أفرح بها جدا وألفها حول الورد ‪..‬‬
‫أذهب إلى الثبلجة وأسرق قطعة من الشرٌط الملون الملفوؾ على علبة التورتة ‪..‬أربطه حول‬
‫الباقة ‪ ..‬وأنتهً أخٌرا بسعادة ال توصؾ ‪ ..‬أخبئه خلؾ ظهري وأتسلل إلى أمً ‪ٌ ..‬رانً اخوتً‬
‫فٌقفزون فوقً ‪ ..‬تخطفه شٌماء من ٌدي وهً تقول ‪”:‬دا حلو أوي ‪..‬هروح أنا أدٌه لماما” ‪..‬‬
‫أصرخ وأستعٌده منها بعنؾ ‪ ..‬أنسى التسلل وأجري إلى أمً به سرٌعا خوفا من قاطع طرٌق‬
‫آخر ٌحاول اقتناصه منً ‪ ..‬تفرح أمً به كثٌرا كثٌرا وتخبرنً أنه رائع ‪ ..‬تضمنً وتقبلنً‬
‫فؤنسى أحبلم حٌاتً كلها وال أحلم بؤكثر من أن تؤتً كل سنة وأمً طٌبة وسعٌدة وتشبه الفراشة‬
‫…‪.‬أو الوردة !‬

‫وكبلهما ٌشهق آآآح !‬

‫” شال صوؾ ومشروب دافىء وكً بورد وإضاءة خافتة ‪ ..‬ومقال ٌشع حرارة !”‬

‫هكذا نصحنً !‬

‫حسنا !‬

‫إلٌك منً ‪/‬‬

‫فً منتصؾ فصل الشتاء تماما كانا معا ‪ ..‬السماء ممتلئة بالمٌاه وثمة مبلك ٌمسكها من طرفٌها‬
‫وٌعصرها كـ كنزة صوفٌة فوق منزلهما الصؽٌر تماما ‪ ..‬الرٌاح تضرب النوافذ بعنؾ ‪..‬‬
‫تعصؾ باألشجار فً جنون …وهً تجلس أمامه على السجادة‪ ..‬بٌن رجلٌه المثنٌتان قلٌبل ‪..‬‬
‫تستند بظهرها على صدره وهو ٌحتضنها من الخلؾ ‪ٌ ..‬حاول تدفئتها بكل الطرق ‪ٌ ..‬ضمها‬
‫بٌن ذراعٌه طوٌبل‪ٌ ..‬نفث فً ٌدٌها كثٌرا ‪ٌ ..‬مرر كفٌه على كتفٌها صعودا وهبوطا عل‬
‫الحرارة تنبعث من تحت أصابعه ‪ ..‬وهً تكرر بصوت مرتجؾ وعابث ‪”:‬ال أمل ‪ ..‬ال أمل” ‪..‬‬
‫تنهض من مكانها فجؤة ‪ ..‬تلقً بالشال الصوؾ على طرؾ السرٌر ‪ ..‬تخلع كنزتها القطنٌة أٌضا‬
‫وتقذفها بجوار الشال ‪ ..‬تدور أمامه بـ بلوزة خفٌفة بدون أكمام دورة راقصة‪ٌ ..‬صٌح فٌها‬
‫‪”:‬ستموتٌن بردا” ‪ ..‬تبتسم بخبث وهً تخطو ناحٌة الثبلجة ‪ ..‬تفتح باب الفرٌزر وتخرج علبتٌن‬
‫آٌس كرٌم مثلجتٌن وتركض ناحٌته بسعادة تاركة باب الثبلجة مفتوحا ومن داخلها تخرج ”‬
‫آآآح” طوٌلة ‪ٌ ..‬تناول اآلٌس كرٌم من ٌدها وٌقرر فجؤة أن ٌشاركها الجنون هو اآلخر‪ٌ ..‬نهض‬
‫بنفس ابتسامتها الخبٌثة ‪ٌ ..‬دٌر التلفزٌون وٌضع فٌلم “‪ ”ice age‬داخل الـ “‪… ”DVD‬تطلق‬
‫ضحكة عالٌة وهً تمد ٌدها له كً ٌؤتً وٌجلس بجوارها لٌشاهدا الفٌلم معا ‪ٌ ..‬تجاهل ٌدها‬
‫الممدودة و ٌمشً على األرضٌة الباردة حافٌا باتجاه باب الفرٌزر المفتوح ‪ ..‬ظنت للحظة أنه‬
‫سٌؽلقه وٌعود إال أنه أخذ ٌفرغ كل مكعبات الثلج به فً طبق كبٌر قبل أن ٌندفع نحوها وٌضع‬
‫الطبق تحت قدمها وهو ٌنحنً لؤلمام وٌطوح ٌده بحركة مسرحٌة ‪ … ”ladies first”:‬تضع‬
‫قدمها الٌسرى بالطبق بضحكة مرتجفة وجسد مرتعش … ٌجلس بجوارها وٌضع قدمه الٌمنى‬
‫أٌضا ‪ٌ..‬شهقان معا‪”:‬آآآح” … ٌضحك بعبث‪”:‬أنت بدأتً ‪ ..‬تحملً إذن!” ‪ ..‬تلتصق به و تقبله‬
‫قبلة خاطفة‪ ”:‬أنا آسفة ‪..‬وأعتذر ‪ ..‬لننهً هذا” … ٌنطق بصرامة مصطنعة ‪”:‬قبلة واحدة ال‬
‫تكفً ٌا هانم ” ‪ ..‬تؽتاظ منه ‪ ..‬تنحنً على الطبق فجؤة وتمسك مكعب ثلج بدأ فً الذوبان وتلقٌه‬
‫على رقبته ‪ٌ ..‬رمٌه بعٌدا فً سرعة و ٌنتفض كله مع قطرة ماء باردة جدا ذابت من الثلجة‬
‫وتنزل ببطء على جسده ‪ ..‬تهم باإلنحناء مرة ثانٌة ناحٌة الطبق لكنه ٌشدها بقوة إلٌه وهو‬
‫ٌصٌح‪”:‬حسنا ‪ ..‬حسنا ‪ ..‬قبلة واحدة تكفً” ‪ٌ ..‬دفع الطبق بقدمه بعٌدا …ٌضؽط على زر‬
‫اإلؼبلق فً الرٌموت ‪ٌ ..‬جذبها إلى صدره وكبلهما ٌرتجؾ بشدة وبضحك ‪ ..‬أطرافهما متمجدة‬
‫وأنفاسهما تتسارع وترتعش ‪ٌ ..‬لؾ الشال الصوؾ حولهما معا وهو ٌحتضنها بقوة ‪ٌ ..‬همس‬
‫بؤذنها‪“ :‬أحبك” وهً الزالت تشهق ‪”:‬آآآح”!‬

‫أنت …‬

‫أنت الضوء الذي أٌقظنً فً اللٌل وجعلنً أجلس إلى شاشتً اآلن وأكتب ‪..‬‬

‫أنت أٌضا عصٌر الجوافة باللٌمون الذي أتناوله اآلن ألننا حٌن جلسنا فً “أكسجٌن” آخر مرة‬
‫وطلبته أنت ‪..‬امتعضت أنا فً نفسً ‪..‬وتساءلت ‪ٌ”:‬عنً اٌه جوافة بلمون ‪ ..‬حاجه حلوة ٌعنً؟”‬
‫‪ ..‬وبٌنما أنا أعده منذ قلٌل وسؤلنً أخً عما أفعله أجبت بسرعه‪”:‬بعمل جوافة بلمون … حلو‬
‫أوي ‪ ..‬وبحبه” ‪ ..‬قلت هذا قبل أن أتذوقه حتى ‪ ..‬قلت هذا وأنا أحبك أنت ‪..‬‬

‫أنت المشهد االذي ٌضحكنً فً فٌلم “ألؾ مبروك” ‪.‬ألننا حٌن أنهٌنا مكالمتنا بعد الواحدة بقلٌل‬
‫أدرت الفٌلم حتى هذا المشهد وتخٌلتنا نضحك علٌه معا ‪..‬‬

‫أنت شرفة منزلنا التً لم أكتشؾ كم هً جمٌلة إال بعد أن قضٌنا فٌها ساعات طوٌلة معا نثرثر‬
‫ونضحك وندوخ وٌلفنا الرقص ونحلم بساعة إضافٌة أخرى ‪..‬‬

‫أنت الدخان الذي انتشر فً ؼرفتً بشكل زخرفة لحظة أخبرتنً أنك تختنق بهمومك ثم نمت‬
‫وتركتنً وحدي أختنق أنا بدخانً ‪..‬‬

‫الحب‬
‫أنت بحٌرة زرقاء ممتلئة بـ بط كثٌر مرح ٌعوم وٌقفز وٌركض على حوافها وهو ٌلتقط َ‬
‫والعشب وبمجرد أن ٌرانً ٌتجمع حولً ‪..‬بعضهم ٌشدنً من األمام وآخرٌن ٌدفعونً من‬
‫الخلؾ حتى أقع فً الماء وأتحول إلى بطة مرحة أخرى تتوجها أنت “ملكة البط” لحظة تهاتفنً‬
‫وتنطق بسعادة ‪”:‬إزٌك ٌا بطتً !”…‬

‫أنت أٌضا فنجان الشاي بالنعناع الذي لم أحتمل أن أشربه أمس وناولته ألمً ‪..‬ألنه جعلنً أشعر‬
‫كم أحتاجك وأفتقدك ‪..‬وألنه مر عام على مواعٌد كثٌرة بٌننا وبٌنه وألن طعمه فً تلك اللحظة‬
‫كان ٌشبه طعم وجودك ‪..‬وألنك لم تكن موجود‪ ..‬فؤنا لم أطق كل هذا الفقد …‬

‫أنت المطر المسحور الذي لمسنً مرة فؽدوت ٌنابٌع ماء ال تنحسر وال تجؾ وال تنتهً وٌشرب‬
‫منها الخٌل والطٌر والعاشقٌن ‪..‬‬

‫أنت الشمس والقمر والصباح ورائحة البرتقال وزهر عباد الشمس وأحبلم الفراشات قبل أن‬
‫تنتحر بالضوء وصوت الناٌات والؽٌم المسافر والرٌح الخفٌفة والقوس قزح والٌاسمٌن أول‬
‫الصٌؾ وسبلم العصافٌر وأؼانً الحب والوجع الجمٌل وكؤس الماء وطعم العنب وشكل البرق‬
‫وانطبلق جناحٌن‬

‫أنت منزلً وسعادتً وحٌاتً وعمري و وجودي الذي ال ٌوجد إال بك‬

‫أنت أنت ‪ ..‬وٌكفً أنه أنت !‬

You might also like