Professional Documents
Culture Documents
04 PDF
04 PDF
Volume (4), Issue (1): 30 Mar 2021 م2021 مارس30 :)1( العدد،)4( املجلد
P: 70 - 86 86 - 70 :ص
ISSN: 2664- 4347
الجائزة بمختلف أسبابها املشروعة الحاملة عليها .ومن خالل هذا البحث نريد أن نبين فوائدها وأغراضها وحكمها وفق املنهج التحليلي
االستنباطي من خالل تفسير آيات الذكر الحكيم التي ورد فيها ذكر مصطلح السياحة ومرادفاتها ،وما تهدي له هذه اآليات البينات
وتوضيح ما جاء بها من ارشادات وحكم ،وتحفيزها على السياحة في األرض والحث عليها بدرجة ترقى إلى ربطها بالعقيدة من حيث التفكر
في خلق هللا والدعوة هلل والتأمل واستخالص الدروس والعبر ،وتحقيق وصول مضمون الرسالة إلى كل العالم ،ومن أبرز نتائج هذه
الدراسة أنها خلصت إلى عدد من البنود وهي :أن اكتساب الرزق والعلم أمر مكفول من الخالق عز وجل ،لكن ال بد من االجتهاد والسعي
لتحصيله بكافة األشكال املباحة؛ كما أن التفكر والتدبر في مخلوقات هللا تعالى والوقوف على آثار األمم من األمور التي تقوي من أواصر
تعلق العبد بخالقه؛ وحيث إن الدين اإلسالمي لم يمنع الترفيه والترويح عن النفس بما يناسب املبادئ اإلسالمية ،بل يجعله من املهمات
ً
املحتمة حتى ال تكل األنفس وتلجأ للقنوط واليأس بسبب ما تالقيه في مسيرة حياتها من مشاق وهموم .وأخيرا ال يخفى علينا املردود
السياحي االقتصادي حيث تعود بالنفع الوفير للبلد وقاطنيه من رفع مستوى املعيشة باعتبار انها مصدر دخل له عائد كبير ينمي
االقتصاد.
الكلمات املفتاحية :السياحة ،مفهوم أغراض السياحة ،الفوائد.
املقدمة.
ينظر كثير من الناس إلى السياحة على أنها مخالفة للشريعة اإلسالمية وفيها الفسوق والعصيان وما يغضب
هللا ،وهذه النظرة خاطئة حيث إن في السياحة املحمود النافع؛ وفيها املنبوذ الضار ،فإذا انضبطت األعمال
واملعامالت السياحية بأحكام الشريعة اإلسالمية؛ تحولت إلى عبادة ،ويكون فيها الخير والنفع ولكن إذا انحرفت عن
ً ً
شرع هللا؛ أصبحت شرا وضررا وكل ما يأتي منها من كسب ومال ممحوق.
ً
ولقد تبين من دراسة الفكر والتراث اإلسالمي؛ أن لها أصوال وحث اإلسالم عليها ،كما استنبط الفقهاء
الضوابط الشرعية لها ،وهذا يوجب علينا نحن املسلمين إبرازه للناس حتى ينتفعوا بخيرها ويتجنبوا شرها.
ً
ليرى أن احتياجاته في املكان الذي يقيم فيه دائما ،ال تكفيها اإلمكانيات املتوافرة بهذا املكان ،فيبدأ يبحث عنها في
أماكن أخرى يستطيع أن يذهب اليها ويعود بما يعود عليه وعلى غيره بالنفع.
.2للسياحة أغراضها املختلفة ،سواء كانت من أجل التجارة ،أو لتلقى العلوم ،أو لقضاء العطالت املوسمية أو ألداء
املناسك الدينية :السياحة الدينية ،والسياحة العالجية ،والرياضية ،والترفيهية ،وحسب تنوع أشكالها فردية
كانت أو مجموعات وعائالت.
ً ً ً
.3ومن األهمية بمكان المتثال أمر هللا عز وجل للسير في األرض للنظر واالعتبار تفكرا وتدبرا .واتعاظا بأحوال األمم
السابقة.
ً
ومن مكة إلى املدينة مرات كثيرة ،وخرجت من البحر من قرب مدينة سال -وذلك في املغرب األقص ى -إلى مصر ماشيا،
ً
ومن مصر إلى الرملة ماشيا ،ومن الرملة إلى بيت املقدس ،ومن الرملة إلى عسقالن -ومن الرملة إلى طبرية ،ومن طبرية
إلى دمشق ،ومن دمشق إلى حمص ،ومن حمص إلى أنطاكية ،ومن أنطاكية إلى طرسوس ،ثم رجعت من طرسوس إلى
حمص ،وكان بقي على ش يء من حديث أبي اليمان فسمعته ،ثم خرجت من حمص إلى بيسان ،ومن بيسان إلى الرقة،
ً
ومن الرقة ركبت الفرات إلى بغداد ،وخرجت إلى الشام من واسط إلى النيل ،ومن النيل إلى الكوفة ،كل ذلك ماشيا،
هذا في سفري األول وأنا ابن عشرين سنة ،أجول سبع سنين" (.)11
مما سبق يتضح لنا أن السياحة -على اختالف تفسير العلماء لها – تعني الجهاد والصيام والحج والسفر في
طلب العلم ومشاهدة اآلثار.
ّ
الجاهلي – مرجع سابق (10 -9 /487بتصرف يسير) واملفهوم ّ
اإلسالمي املفهوم السياحة َ
ُبين (ّ )11( )11
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
آخرون :بل كان إمهال هللا عز وجل بسياحة أربعة أشهر ،ملن كان من املشركين بينه وبين رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم عهد ،فأما من لم يكن له من رسول هللا عهد ،فإنما كان أجله خمسين ليلة ،وذلك عشرون من ذي الحجة
واملحرم كله .وأما قوله (:فسيحوا في األرض أربعة أشهر( ،فإنه يعني :فسيروا فيها مقبلين ومدبرين ،آمنين غير خائفين
وس َي ً
حانا (.)12 وحاَ . وس ُي ًمن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأتباعه.قال منه" :ساح فالن في األرض يسيح ،سياحةُ .
ورد في تفسير القرطبي؛ في تفسير قوله تعالى( :فسيحوا)(:رجع من الخبر إلى الخطاب) أي قل لهم :سيحوا ،أي
ً
سيروا في األرض مقبلين ومدبرين ،آمنين غير خائفين أحدا من املسلمين؛ بحرب وال سلب وال قتل وال أسر .يقال ساح
ً ً
فالن في األرض يسيح سياحة وسيوحا وسيحانا ،ومنه السيح في املاء الجاري املنبسط (.)13
ألجل عينته ومن خالل سياق اآلية واالرشاد فيها إلى أمر السياحة نجد أنها املراد بها هنا السير في األرضٍ ،
ضرب بينهم وبين املسلمين. اآلية الكريمة ،وهي فترة إمهال املشركين بسبب العهد الذي ُ
َ َّ َ
الن ُاهون َع ِّن َ مَ م َّ ُ َ م َ ُ َ م َ ُ َ َّ ُ َ َّ ُ َ َّ ُ َ م
وف و الس ِّاجدون اآل ِّم ُرون ِّباملع ُر ِّ قال تعالى :التا ِّئبون الع ِّابدون الح ِّامدون السا ِّئحون الر ِّاكعون
ّ مُم َّ ُ َ مُ َ م
املنك ِّر َوال َحا ِّفظون ِّل ُح ُد ِّود الل ِّه ۗ َو َب ِّش ِّر املؤ ِّم ِّن َين سورة التوبة 112
ات اجا َخ مي ًرا م من ُك َّن ُم مسل َمات ُم مؤم َنات َقان َتات َتائ َب َ َ
ات ع ِّابد ٍ ِّ ٍ ِّ ٍ ِّ ٍ ِّ ٍ وقال تعالىَ :ع َس ى َرُّب ُه إ من َط َّل َق ُك َّن َأ من ُي مبد َل ُه َأ مز َو ً
ِّ ِّ ِّ
َ َ َ َّ
ات َوأ مبك ًاراسورة التحريم 5 َسا ِّئحا ٍت ث ِّي َب ٍ
السا ِّئ ُحون) هذا نعت املؤمنين الذين اشترى هللا منهم أنفسهم وأموالهم بهذه
َ (التا ِّئ ُبو َن مال َعاب ُدو َن مال َحام ُدو َن َّ َّ
ِّ ِّ
الصفات الجميلة والخالل الجليلة ):التائبون) من الذنوب كلها ،التاركون للفواحش) ،العابدون )أي :القائمون بعبادة
ربهم محافظين عليها ،وهي األقوال واألفعال فمن أخص األقوال الحمد؛ فلهذا قال ):الحامدون( ومن أفضل األعمال
الصيام ،وهو ترك املالذ ،وهو املراد بالسياحة هاهنا؛ ولهذا قال( :السائحون( كما وصف أزواج النبي صلى هللا عليه
َ َ َ
ات) أي :صائمات ،وكذا الركوع والسجود ،وهما عبارة عن الصالة ،ولهذا ات َسا ِّئح ٍ وسلم بذلك في قوله تعالى):ع ِّابد ٍ
قال):الراكعون الساجدون( وهم مع ذلك ينفعون خلق هللا ،ويرشدونهم إلى طاعة هللا بأمرهم باملعروف ونهيهم عن
ً ً
املنكر ،مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه ،وهو حفظ حدود هللا في تحليله وتحريمه ،علما وعمال فقاموا بعبادة
الحق ونصح الخلق؛ ولهذا قال( :وبشر املؤمنين)ألن اإليمان يشمل هذا كله ،والسعادة كل السعادة ملن اتصف به.
وقيل( :السائحون) الصائمون ،عن ابن عباس( :كل ما ذكر هللا في القرآن السياحة هم الصائمون) .وقيل إن
السياحة الجهاد.
وقيل :هم طلبة العلم .وقيل :هم املهاجرون .وليس املراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد
السياحة في األرض ،والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري ،فإن هذا ليس بمشروع إال في أيام الفتن (.)14
وجاء في تفسير الشوكاني في تعريف السائحون قيل(:هم الصائمون) ،وإليه ذهب جمهور املفسرين ،ومنه
قوله تعالى ):عابدات سائحات) وإنما قيل :للصائم سائح ،ألنه يترك امللذات كما يتركها السائح في األرض ،وقيل :إنهم
الذين يديمون الصيام.
وقيل :السائحون( :املجاهدون) .وقيل( :هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم) ،وقيل( :هم الجائلون
بأفكارهم في توحيد ربهم وملكوته وما خلق من العبر) (.)15
َ َ َ
ات) سائحات فيه وجهان: ات َسا ِّئح ٍ وقوله تعالى (ع ِّابد ٍ
ً
أحدهما :صائمات ،وقيل :سمي الصائم سائحا ألنه كالسائح في السفر بغير زاد .وقيل للصائم سائح ألن الذي
ً ً
كان يسيح في األرض متعبدا ال زاد معه كان ممسكا عن األكل ،والصائم يمسك عن األكل ،فلهذه املشابهة سمي
ً
الصائم سائحا ،وإن أصل السياحة االستمرار على الذهاب في األرض كاملاء الذي يسيح ،والصائم مستمر على فعل
الطاعة وترك املشتهى ،وهو األكل والشرب والوقاع .وفيه وجه آخر وهو أن اإلنسان إذا امتنع عن األكل والشرب
والوقاع وسد على نفسه أبواب الشهوات انفتحت عليه أبواب الحكم وتجلت له أنوار املتنقلين من مقام إلى مقام ومن
درجة إلى درجة فتحصل له سياحة في عالم الروحانيات.
الثاني :مهاجرات ألنهن بسفر الهجرة سائحات ،قاله زيد بن أسلم .)16(
ثم وصف األزواج الالتي كان يبدله هللا فقال( :مسلمات( أي خاضعات هلل بالطاعة )مؤمنات) مصدقات
بتوحيد هللا تعالى مخلصات (قانتات( طائعات ،وقيل( :قائمات بالليل للصالة ،وهذا أشبه؛ ألنه ذكر السائحات بعد
هذا والسائحات الصائمات ،فلزم أن يكون قيام الليل مع صيام النهار) ،وقرئ (سيحات) ،وهي أبلغ وقيل للصائم:
ً
سائح ألن السائح ال زاد معه ،فال يزال ممسكا إلى أن يجد من يطعمه فشبهه بالصائم الذي يمسك إلى أن يجيء وقت
()17
إفطاره ،وقيل( :سائحات :مهاجرات).
والتحقيق فيها :أنها سياحة القلب في ذكر هللا ومحبته واإلنابة إليه والشوق إلى لقائه ،ويترتب عليها كل ما
ذكر من األفعال ،وكذلك وصف نساء النبي صلى هللا عليه وسلم الالتي لو طلق أزواجه بدله بهن ،بأنهن (سيحات)
ً ً
وليست سياحتهن جهادا ،وال سفرا في طلب العلم ،وال إدامة صيام ،إنما هي سياحة قلوبهن في محبة هللا وخشيته
واإلنابة إليه وذكره.
وتأمل كيف جعل سبحانه التوبة والعبادة قرينين :هذه ترك ما يكره ،وهذه فعل ما يحب .والحمد والسياحة
قرينين :هذا الثناء عليه بأوصاف كماله ،وسياحة اللسان في أفضل ذكره ،وهذا سياحة القلب في حبه وذكره
وإجالله .كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينين في صفة األزواج :فهذه عبادة البدن ،وهذه عبادة القلب .وجعل
اإلسالم واإليمان قرينين :فهذا عالنية ،وهذا في القلب (.)18
ومما سبق ُيفهم من لفظ السياحة أتت في سياق اآليتين السابقتين باختالف لفظها ،وتعني الجهاد في سبيل
ً
هللا إلعالء كلمة الحق ،وتعني الصيام وقيام الليل ،والتودد إلى هللا عز وجل بترك املالذ ألجل العبادة طمعا فيما عنده
من النعيم املقيم.
يذكر تعالى ما كانوا فيه من الغبطة والنعمة ،والعيش النهي الرغيد ،والبالد الرخية ،واألماكن اآلمنة ،والقرى
املتواصلة املتقاربة ،بعضها من بعض ،مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها ،بحيث إن مسافرهم ال يحتاج إلى حمل زاد
ً
وال ماء ،بل حيث نزل وجد ماء وثمرا ،ويقيل في قرية ويبيت في أخرى ،بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم؛ ولهذا قال
تعالى( :وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها) ،قيل :هي قرى بصنعاء .وقيل(:قرى الشام)؛ يعنون أنهم كانوا
يسيرون من اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة ،عن ابن عباس :القرى التي باركنا فيها :بيت املقدس( .قرى
ظاهرة) أي :بينة واضحة ،يعرفها املسافرون ،يقيلون في واحدة ،ويبيتون في أخرى؛ ولهذا قال ):وقدرنا فيها السير أي:
ً
جعلناها بحسب ما يحتاج املسافرون إليه(( ،سيروا فيها ليالي وأياما آمنين( أي :األمن حاصل لهم في سيرهم ليال
ً ()22
ونهارا.
من خالل نظم اآلية الكريمة يتضح لنا نعمة من نعم هللا عز وجل التي تفضل بها على عباده ،وهي تمهيد
األرض لهم للسير دون مشقة وعناء حيث الطريق املمهد باألشجار املثمرة والوريفة ،وأحيط بهم بنعمة األمن واألمان
سائر يومهم.
َ م َّ َ ُ َ م َ م مَ َ ُ م َ َ ُ َ َ
ض يبتغون ِّمن فض ِّل الل ِّه :علم ربكم أيها املؤمنون أن وفي تفسير قوله تعالى :وآخرون يض ِّربون ِّفي األر ِّ
سيكون منكم أهل مرض قد أضعفه املرض عن قيام الليل )وآخرون يضربون في األرض( في سفر يبتغون من فضل
هللا في تجارة قد سافروا لطلب املعاش فأعجزهم ،فأضعفهم أيضا عن قيام الليل (.)23
و"الضرب في األرض" هو السفر للتجارة ،فذكر هللا تعالى أعذار بني آدم التي هي حائلة بينهم وبين قيام الليل،
وهي املرض والسفر في تجارة أو غزو ،فخفف عنهم القيام لهذا ،وفي هذه اآلية فضيلة الضرب في األرض للتجارة
وسوق لها مع سفر الجهاد ،وقال عبد هللا بن عمر رض ي هللا عنهما :أحب املوت إلى بعد القتل في سبيل هللا أن أموت
بين شعبتي رحلي أضرب في األرض أبتغي من فضل هللا (.)24
وضرب في األرض ابتغاء الرزق من فضل هللا ،وغزو في سبيل هللا فهؤالء إذا لم يناموا في الليل تتوالى عليهم
العدو والجهاد في التجارة ّ أسباب املشقة ويظهر عليهم آثار الجهد ،وفى هذا إيماء إلى أنه ال فرق بين الجهاد في قتال
لنفع املسلمين.
ً ً ّ
قال ابن مسعود ): أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن اإلسالم صابرا محتسبا ،فباعه بسعر يومه،
ُ
ون ُيقا ِّتلو َن
آخ ُر ََ َ ُ َ َ م ُ َن م َ م َ م َ ُ َن م َ م َّ َ َ
ض يبتغو ِّمن فض ِّل الل ِّه ،و كان عند هللا من الشهداء) ،ثم قرأ قوله تعالى :وآخرون يض ِّربو ِّفي األر ِّ
َّ
ِّفي َس ِّب ِّيل الل ِّه.
وأخرج البيهقي في شعب اإليمان عن عمر قال :ما من حال يأتينى عليه املوت بعد الجهاد في سبيل هللا
ُ َ
ض َي مب َتغون ِّم من م َم َ َُ َ َ م ُ َ
أحب إلى من أن يأتيني ،وأنا بين شعبتي جبل ألتمس من فضل هللا ،وتال « :وآخرون يض ِّربون ِّفي األر ِّ
َّ ()25 َف م
ض ِّل الل ِّه.
مما سبق من اآلية الكريم أن من مرادفات السياحة؛ الضرب في األرض ابتغاء الرزق ،وابتغاء العلم؛ ويكون
ُ
الضرب لتحصيل فائدة من الفوائد قد ال تتاح إال بالضرب؛ واالنتقال من مكان إلى آخر ابتغاء تحصيل ما فيه من
املنافع واملكاسب.
قال تعالى :إليالف قريش إيالفهم رحلة الشتاء والصيف سورة قريش آية 2 -1
كانت لقريش رحلتان :يرحلون في الشتاء إلى اليمن ،وفي الصيف إلى الشام ،فيمتارون ويتجرون ،وكانوا في
رحلتيهم آمنين ألنهم أهل حرم هللا ووالة بيته ،فال يتعرض لهم ،والناس غيرهم يتخطفون ويغار عليهم .واإليالف من
ً
قولك :آلفت املكان أولفه إيالفا :إذا ألفته ،فأنا مؤلف ،يألف قريش إلفهم رحلة الشتاء والصيف .وقريش :ولد النضر
بن كنانة سموا بتصغير القرش :وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن ،وال تطاق إال بالنار ،قيل سئل ابن عباس
رض ى هللا عنهما :بم سميت قريش؟ قال ):بدابة في البحر تأكل وال تؤكل ،وتعلو وال تعلى) .والتصغير للتعظيم .وقيل :من
القرش وهو الكسب :ألنهم كانوا كسابين بتجاراتهم وضربهم في البالد .أطلق اإليالف ثم أبدل عنه املقيد بالرحلتين،
ً ً
تفخيما ألمر اإليالف ،وتذكيرا بعظيم النعمة فيه (.)26
ً
وسموا قريشا من القرش ،والتقرش وهو التكسب والجمع ،يقال :فالن يقرش لعياله ويقترش أي يكتسب،
ً ً
وهم كانوا تجارا حراصا على جمع املال واإلفضال (.)27
مما سبق وبتناول بعض اآليات التي تحمل معنى السياحة من السفر واالرتحال والسير من موضع إلى موضع
آخر يتبين لنا أنها كلها تعني التنقل ألجل غاية ومطلب ويجني اإلنسان من وراء ذلك أغراض وفوائد عظيمةُ ،ويتاح له
ُ
بها مرامي وتفتح له آفاق واسعة ،فهدي هللا تعالى ال يأتيه الباطل بين يديه وال خلفه ،وأنزل القرآن الكريم رحمة بنا
ً ً
إذا وقفنا عند آياته تدبرا والتماسا ملننه من خالل فهمنا آلياته والعمل بما جاء في محكمها.
-3سياحة مكروهة :إذا لم تكن ملقصد شرعي وإنما ملجرد النزهة والفرجة ،وكان السفر لبالد يكثر فيها الفساد،
فتكره بسبب انتشار الفساد في تلك البالد وصعوبة السالمة منه.
-4وتكون السياحة محرمة إذا اعتراها مانع خارجي ولها صور:
إذا كانت بقصد املعصية وتقليب النظر فيما حرم هللا ،والوقوع في املعاي ي والفواحش الظاهرة والباطنة.
إذا كان السفر ملشاركة الكفار في أعيادهم واحتفاالتهم.
إذا كانت السياحة تزاحم حقوق هللا؛ كمن يسافر للسياحة في زمن الحج ،وقد وجب عليه الحج وهو قادر
عليه.
إذا كانت السياحة تزاحم حقوق العباد؛ كحق الوالدين والزوجة ،أو كانت تكاليف السياحة تؤخر سداد
دين قد لزمه وفاؤه .وإذا كان ذلك السفر بعصيان أوامر الوالدين بعدم الذهاب.
-5وتكون مستحبة في أحوال ،منها:
.1إذا كانت للدعوة إلى هللا تعالى.
()30
. .2إذا كانت لالتعاظ بالتفكر في آيات هللا الكونية
( )32عبد القادر علي ورسمه -التصنيف العام -املصدر :موقع املختار اإلسالمي ( – (islamway.net) .http://iswy.co/e14fdcبتصرف
يسير)
( )33اإلمام الشافعي -الديوان -موسوعة الشعر العربي)(aldiwan.net
( )34الهيثمي -مجمع الزوائد ومنبع الفوائد -كتاب الحج » باب في السفر5281 -
( )35سورة الحج اية 46
املسافرين أن يخبروا القاعدين بعجائب ما شاهدوه في أسفارهم كما يشير إليه قوله تعالى أو آذان يسمعون بها
ً
فاملقصود بالتعجب هو حال الذين ساروا في األرض ،ولكن جعل االستفهام داخال على نفي السير؛ ألن سير السائرين
منهم ملا لم يفدهم عبرة وذكرى جعل كالعدم .وهذا شأن األسفار أن تفيد املسافر ماال تفيده اإلقامة في األوطان من
اطالع على أحوال األقوام وخصائص البلدان واختالف العادات ،فهي تفيد كل ذي همة في ش يء فوائد تزيد همته
ً
نفاذا فيما تتوجه إليه وأعظم ذلك فوائد العبرة بأسباب النجاح والخسارة (.)36
فالسياحة هي السير املستوعب ،والسير في األرض منه سير اعتبار تأكيد إيمانه بربه ،ومنه سير استثمار بأن
يضرب في األرض " ليبتغي من فضل هللا إذن :فالسياحة إما سياحة اعتبار ،وإما سياحة استثمار ،أما سياحة
االستثمار فهي خاصة بالذين يضربون في األرض ،وهم الرجال أما سياحة االعتبار؛ فهي أمر مشترك بين الرجل واملرأة،
ّ ً
منكن ُمسلمات ُمؤمنات قانتات بدليل أن هللا قال ذلك في وصف النساء) وعس ى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا
تائبات عابدات سائحات) تكون في صحبة الزوج الذي يضرب في األرض .إذن (سائحات)مقصود بها سياحة االعتبار،
ً
أو السياحة التي عما ألفت من إقامة في وطن ومال وأهل ،والصيام يخرجك عما ألفت من وقيل أيضا :إن السياحة
أطلقت على الصيام«؛ ألن السياحة تخرجك عما ألفت من طعام وشراب وشهوة "إذن :القذر املشترك بين الرجال
والنساء هو في سياحة االعتبار هو سياحة الصوم (.)37
تبرز السياحة في الدول املتطورة كرافد أساس ي في التنمية االقتصادية ولذلك نجد ضخامة االستثمارات
املختلفة في القطاع السياحي كما حدث في إيطاليا وإسبانيا واليونان واملكسيك وتركيا ،وغيرها من البلدان التي
ً ً
حققت تقدما كبيرا في هذا املجال .ونوضح بإيجاز أهم املزايا التي تبين دور السياحة في التنمية االقتصادية :ـ
تعتمد العديد من الدول على السياحة ،كمصدر مهم من مصادر الدخل الوطني ،واستطاعت هذه الدول
الحصول على مدخوالت سنوية كبيرة من القطاع السياحي كما يحدث في الواليات املتحدة وإسبانيا وإيطاليا
واليونان والنمسا وسويسرا وفرنسا وإنكلترا وتركيا ،وغيرها من بلدان العالم .إن الدخل السياحي له شأن كبير
ً ً في اقتصاديات الدول السياحية .فهو ّ
يعزز ميزان املدفوعات ويعتبر مصدرا كبيرا لتوفير فرص العمل
للمواطنين مما يدعم مستواهم املعاش ي واالجتماعي .وألهمية السياحة فقد أصبحت ترتبط بالتنمية
ً ً ً ً
االقتصادية ارتباطا وثيقا بعد أن كانت ِّعلما مجردا يدرس في الجامعات واملعاهد .وتعتبر السياحة أحد
العناصر األساسية للنشاط االقتصادي في الدول السياحية ،اهتمت بها املنظمات العاملية كالبنك الدولي
ومنظمة اليونسكو التي أصبحت تنظر إلى السياحة كعامل أساس ي ومهم للتقريب بين الثقافات.
ً
وكمثال على أهمية السياحة في قطاع العمل ،ووفقا لتقارير (املجلس العالمي للسياحي والسفر )) (WTTCفإن
ً
صناعة السياحة والسفر ساهمت في إيجاد أكثر من مليون فرصة عمل شهريا بشكل مباشر أو غير مباشر في
جميع أنحاء العالم خالل القرن املاض ي .وقد تضاعفت فرص العمل في السنوات األخيرة والتي توفرها صناعة
السياحة والسفر في معظم بلدان العالم.
ً ً
تعتبر السياحة مصدرا مهما من مصادر اكتساب العمالت األجنبية وذلك بما ينفقه السائح على السلع
ً
والخدمات من هذه العمالت ،وال ينكر أن العمالت الصعبة ،خصوصا في الدول النامية كمصر وتونس
واملغرب ،تمكن البلد من استيراد السلع والخدمات وتسند العملة املحلية ما يؤدي إلى التقليل من التضخم
وغالء املعيشة ( .)38وفي ختام هذا البحث نستخلص بأنه عندما يأمر هللا تعالى بأي أمر من األوامر ال يكون إال
لصالح أحوال العباد ،فله الحمد أن سخر لنا من النعم ما يكون به صالح األمم ومن التوجيهات الربانية ما
ينقلنا من ظلمات الجهل إلى النور واليقين والهدى فله الحمد واملنة.
الخاتمة
نخلص مما سبق أن للسياحة أغراض فوائد ومنافع كثيرة تعود بالنفع على املستوى الفردي أو الجماعي،
وهي من األمور املباحة التي شرعها هللا تعالى وفيما يلي أهم النتائج التي نستخلصها من مكنون هذا البحث:
النتائج:
السياحة بمفهومها العلمي واللغوي تدل على أنها أمر من األمور الجائزة ولها فوائد تعود على السائح بالنفع إذا
ً ً
كان معنويا أو حسيا بمختلف أسبابها الحاملة عليها.
اكتساب الرزق أمر مكفول من الخالق عز وجل لكن ال بد من االجتهاد والسعي لتحصيله بكافة األشكال املباحة
ً
ويأخذ السفر والضرب في األرض البتغاء الرزق ،نمطا من هذه األنماط املباحة.
حتى ال تمل هذه النفس ال بد تكميلها والترفيه عما يجيش بها من فترة ألخرى ،وهذه يمكن أن يحدث بالسفر
والسياحة والضرب في األرض.
أمرنا هللا تعالى باإلدكار من حال األمم السابقة من خالل مشاهدة آثار األمم السابقة ألخذ العظة واالعتبار.
السير للنظر التفكر والتدبر في مخلوقات هللا تعالى من أجل العبادات ،حيث يقوى ايمان املرء بالتفكر في عظيم
خلق هللا عز وجل.
ً ً ً
مشاهدة اآلثار اإلسالمية تفيد املسلم بإنجازات عظماء هذه األمة ،وتكون دافعا معنويا للمض ي قدما بنحو
طريقتهم التي كانوا عليها.
السياحة لها مردودها االقتصادي حيث تعود بالنفع الوفير للبلد وقاطنيه من رفع مستوى املعيشة باعتبار انها
مصدر دخل له عائد كبير ينمي االقتصاد.
التوصيات:
كل ما أباحه هللا تعالى هو من أجل النفع للمخلوق فيجب الوقوف على آي القرآن الكريم الستخالص اإلرشاد
اإللهي من مختلف آيات القرآن الكريم
االهتمام باآلثار االسالمية والتي لها أثرها البالغ في قوة هذه األمة املحمدية ،ألن أمة تعتز بموروثاتها وتحافظ عليها
ال تهزم.
ً
يجب على اإلنسان من فترة ألخرى الترويح عن نفسه بما شرعه هللا تعالى من مباحات ،حتى يكون ذلك عونا لهم
في التجديد والرجوع بروح أزالت ما بها من كدر وهموم بالترويح والسياحة.
ً
أهمية الوقوف على آثار األمم السابقة ،حتى يكون دافعا ألخذ العظة واالعتبار.
(. )38األنصاري ،مجلة سطور ،السياحة ودورها التنمية االقتصادية واالجتماعية (swideg- geography.blogspot.com).2016
ّ
الجاهلي -جمع وإعداد الباحث في القرآن واملفهوم ّ
اإلسالمي املفهوم السياحة َ
ُبين الشحود ،على بن نايف بحث ّ -
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
َّ
والسنة
الشعراوي ،محمد متولي تفسير الشعراوي – الخواطر -املتوفى1418 :هـ ،مطابع اخبار اليوم ،رقم اإليداع :عام -
1997م(
الشوكاني ،محمد بن على بن محمد -فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية - -دار املعرفة -سنة النشر: -
1423هـ 2004 /م د .ط
الطبري ،ابي جعفر محمد بن جرير -تفسير الطبري -حققه وخرج احاديثه محمود محمد شاكر دار املعارف -
بمصر ،د .ط
الفارابي ،أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري -الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية :تحقيق :أحمد عبد الغفور -
عطار الناشر :دار العلم للماليين -بيروت الطبعة :الرابعة 1407هـ1987 -
القرش ي ،اإلمام فخر الدين الرازي أبو عبد هللا محمد بن عمر بن حسين -التفسير الكبير -دار الكتب العلمية -
ببيروت -سنة النشر2004 :م – 1425هـ -رقم الطبعة :د .ط
القرطبي ،ابي عبد هللا محمد بن احمد االنصاري -الجامع ألحكام القرآن– املجلد األول – دار الفكر للطباعة -
والنشر والتوزيع
املراغي ،احمد مصطفى -تفسير املراغي -تحقيق محمد باسل عيون السود –دار الكتب العلمية -2006الطبعة -
الثانية
مصطفى ،إبراهيم ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار ،املعجم الوسيط -تحقيق /مجمع اللغة -
العربية.
املناوي ،محمد عبد الرؤوف -فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير -ضبطه وصححه -
أحمد عبد السالم الجزء الثاني تتمة حرف الهمزة دار الكتب العلمية بيروت -لبنان
موقع الدليل الفقهي – حكم السياحة في االسالم )(fikhguide.com -
الهيثمي ،نور الدين على بن أبي بكر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - -مكتبة القدس ي -سنة النشر1414 :هـ / -
1994م
ورسمه ،عبد القادر على -التصنيف العام -املصدر :موقع املختار اإلسالمي .السياحة :اإلسالم وضع لها ضوابط -
وصحح مفاهيمها املشوهة رابط املادة (islamway.net) .http://iswy.co/e14fdc