Professional Documents
Culture Documents
بخاري
بخاري
نهض بالحديث النبوي الشريف دراية و رواية رجال نابهون من العرب أو من أصول غير عربية ،لكن اإلسالم رفع أصلهم ،وأعلى العلم ذكرهم- ،
وبوأهم ما يستحقون من منزلة وتقدير؛ فهم شيوخ الحديث وأئمة الهدى ،ومراجع الناس فيما يستفتون.وكان اإلمام البخاري واح ًدا من هؤالء ،انتهت إليه
رئاسة الحديث في عصره ،وبلغ تصنيف الحديث القمة على يديه ،ور ُِز ق كتابه الجامع الصحيح إجماع األمة بأنه أصح كتاب بعد كتاب هللا تعالى ،واحتل
مكانته في القلوب؛ فكان العلماء يقرءونه في المساجد كما تتلى المصاحف ،وأوتي مؤلفه من نباهة الصيت مثلما أوتي أصحاب المذاهب األربعة ،وكبار
.القادة والفاتحين
اإلمام البخاري
المولد والنشأة
في مدينة “بخارى” وُ لد “محمد بن إسماعيل البخاري” بعد صالة الجمعة في ( 13من شوال 194هـ = 4من أغسطس 810م) ،وكانت بخارى آنذاك -
مركزا من مراكز العلم تمتلئ بحلقات المح ِّد ثين والفقهاء ،واستقبل حياته في وسط أسرة كريمة ذات دين ومال؛ فكان أبوه عالمًا مح ِّد ًثا ،ع ُِرف بين الناسً
بحسن الخلق وسعة العلم ،وكانت أمه امرأة صالحة ،ال تقل ور ًعا وصالحً ا عن أبيه.والبخاري ليس من أرومة عربية ،بل كان فارسيَّ األصل ،وأول من
أسلم من أجداده هو “المغيرة بن برد زبة” ،وكان إسالمه على يد “اليمان الجعفي” والي بخارى؛ ف ُن سب إلى قبيلته ،وانتمى إليها بالوالء ،وأصبح “الجعفي”
نسبًا له وألسرته من بعده.نشأ البخاري يتيمًا؛ فقد ُتو ِّف َي أبوه مبكرً ا ،فلم يهنأ بمولوده الصغير ،لكن زوجته تعهدت وليدها بالرعاية والتعليم ،تدفعه إلى العلم
وتحببه فيه ،وتزين له الطاعات؛ فشب مستقيم النفس ،عفَّ اللسان ،كريم الخلق ،مقبال على الطاعة ،وما كاد يتم حفظ القرآن حتى بدأ يتردد على حلقات
المحدثين.وفي هذه السنِّ المبكرة مالت نفسه إلى الحديث ،ووجد حالوته في قلبه؛ فأقبل عليه محبًا.كانت حافظته قوية ،وذاكرته القطة ال ُتضيّع شيًئ ا مما
.يُسمع أو يُقرأ ،وما كاد يبلغ السادسةـ عشرة من عمره حتى حفظ كتب ابن المبارك ،ووكيع ،وغيرها من كتب األئمة المحدثين
وبعد رحلة طويلة شاقة لقي فيها الشيوخ ووضع مؤلفاته العظيمة ،رجع إلى نيسابور لإلقامة بها ،لكن غِ ي َْرة بعض العلماء ضاقت بأن يكون البخاري -
محل تقدير وإجالل من الناس؛ فسعوا به إلى والي المدينة ،ولصقوا به ته ًم ا مختلفة؛ فاضطر البخاري إلى أن يغادر نيسابور إلى مسقط رأسه في بخارى،
وهناك استقبله أهلها استقبال الفاتحين؛ ف ُنصبت له القباب على مشارف المدينة ،و ُن ثرت عليه الدراهم والدنانير.ولم يكد يستقر ببخارى حتى طلب منه
أميرها “خالد بن أحمد الدهلي” أن يأتي إليه ليُسمعه الحديث؛ فقال البخاري لرسول األمير“ :قل له إنني ال أذل العلم وال أحمله إلى أبواب السالطين ،فإن
كانت له حاجة إلى شيء فليحضرني في مسجديـ أو في داري ،فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان ،فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند هللا يوم القيامة
أني ال أكتم العلم”.لكن الحاكم المغرور لم يعجبه رد البخاري ،وحملته عزته اآلثمة على التحريض على اإلمام الجليل ،وأغرى به بعض السفهاءـ ليتكلموا
في حقه ،ويثيروا عليه الناس ،ثم أمر بنفيه من المدينة؛ فخرج من بخارى إلى “خرتنك” ،وهي من قرى سمرقند ،وظل بها حتى ُتو ِّف َي فيها ،وهي اآلن
".قرية تعرف بقرية "خواجة صاحب
مؤلفاتاإلمام البخاري
* .الجامع الصحيح المسند من حديث رسول هللا (صلى هللا عليه وسلم) وسننه وأيامه ،المعروف بـ الجامع الصحيح
*.األدب المفردُ :
وطبع في الهند واألستانة والقاهرة طبعاتـ متعددة
.التاريخ الكبير :وهو كتاب كبير في التراجم ،رتب فيه أسماء رواة الحديث على حروف المعجم ،وقد طبع في الهند سنة (1362هـ = 1943م)*
التاريخ الصغير :وهو تاريخ مختصر للنبي (صلى هللا عليه وسلم) وأصحابه ومن جاء بعدهم من الرواة إلى سنة (256هـ = 870م) ،وطبع الكتاب *
.ألول مرة بالهند سنة (1325هـ = 1907م)
*.خلق أفعال العباد :وطبع بالهند سنة (1306هـ = 1888م)
*.رفع اليدين في الصالة :وطبع في الهند ألول مرة سنة (1256هـ = 1840م) مع ترجمة له باألوردية
*.ال ُكنى :وطبع بالهند سنة (1360هـ = 1941م)
*.وله كتب مخطوطة لم ُت طبع بعد ،مثل :التاريخ األوسط ،والتفسير الكبير
صحيح البخاري
الجامع المسند الصحيح المختصر من ُأمور رسول هللا صلى هللا عليه وسلّم وسننه وأيامه» ،الشهير ِبٱسم« صحيح البخاري» هو أبرز كتب الحديث
النبوي عند المسلمين من أهل السنة والجماعة .ص ّنفه اإلمام محمد بن إسماعيل البخاري واستغرق في تحريره ستة عشر عاماً ،وانتقى أحاديثه من ستمائة
ألف حديث جمعها ويحت ّل الكتاب مكانة متقدمة عند أهل الس ّنة حيث إنه أحد الكتب الس ّتة التي تعتبر من أمهات مصادر الحديث عندهم ،وهو أوّ ل كتاب
مص ّنف في الحديث الصحيح المجرّد كما يعتبر لديهم أص ّح كتاب بعد القرآن الكريم ويعتبر كتاب صحيح البخاري أحد كتب الجوامع وهي التي احتوت
على جميع أبواب الحديث من العقائد واألحكام والتفسير والتاريخ والزهد واآلداب وغيرها.
مرحلة تاسيسه
اسم الكتاب
لم يقع خالف بين العلماء أن االسم الكامل للكتاب هو «الجامع المسند الصحيح المختصر من ُأمور رسول هللا صلى هللا عليه وسلّم وسننه وأيامه» وأن هذا
االسم هو ما سمّاه به البخاريّ نفسه .ذكر ذلك عدد من العلماء ومنهم ابن خير اإلشبيلي[ ]24وابن الصالح[ ]25والقاضي عياض[ ]26والنووي[
]27وابن الملقن[ ]28وغيرهم .وكان البخاري يذكر الكتاب أحيانا ً باختصار فيسمّيه« :الصحيح»[ ]29أو «الجامع الصحيح»[ ]30وسمّاه بذلك عدد من
العلماء منهم ابن األثير[ ]31وابن نقطة[ ]32والحاكم النيسابوري[ ]33والصفدي[ ]34والذهبي[ ]35وابن ماكوال[ ]36وأبو الوليد الباجي[ ]37وغيرهم.
وقد عُرف الكتاب قديما ً وحديثا ً على ألسنة الناس والعلماء ِباْسم «صحيح البخاري» وأصبح هذا االختصار معهوداً معزواً إلى اإلمام البخاري للشهرة
الواسعة للكتاب ومص ّنفه.
مدّ ة تصنيفه
اشتغل البخاري في تصنيف الكتاب وجمعه وترتيبه وتنقيحه مد ًة طويلة ،ذكر البخاري أنها بلغت ستة عشر عاماً ،وذلك خالل ِرحْ الته العلمية الواسعة إلى
األقاليم اإلسالمية ،فكان يرحل لطلب الحديث ثم يعود إلكمال ما بدأ من التصنيف ممّا سمعهـ وصح لديه وتجمع عنده من الحديث الصحيح .وقد ابتدأ
تصنيفه في المسجد الحرام ،قال البخاري« :صنفت كتابي هذا في المسجد الحرام وما أدخلت فيه حديثا ً حتى استخرت هللا تعالى وصليت ركعتين وتيقنت
صحته» وجمع تراجمه في المسجد النبوي ،قال أبو أحمد بن عدي الجرجاني« :سمعت عبد القدوس بن همام يقول :سمعتـ عدّة من المشايخ يقولون :حوّ ل
محمد بن إسماعيل البخاري تراجم جامعه بين قبر النبي ﷺ ومنبره ،وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين ».وأكمله وبيّضه في بخارى .وقد َح َرص البخاري
على الد ّقة والتثبّت في إخراج الكتاب فأعاد النظر فيه ع ّد ة مرات وتعاهده بالتهذيب والتنقيح ،ولم يكد يتم تصنيفه حتى عرضه على شيوخه وأساتذته
ليعرف رأيهم فيه ،ومنهم علي بن المديني ،ويحيى بن معين ،وأحمد بن حنبل ،فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة .قال العقيلي« :لما ألّف البخاري كتابه
الصحيح عرضه على بن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم فامتحنوه ،وكلهم قال كتابك صحيح اال أربعة أحاديث ».قال العقيلي« :والقول
فيها قول البخاري وهي صحيحة».
قول ابن الصالح والنووي :أن عدد أحاديثه ( )7275حديثاً ،وبدون المكرر أربعة آالف.
قول ابن حجر :إنه بالمكرر سوى المعلقات والمتابعاتـ ( )7397حديثاً ،والخالص من ذلك بال تكرار ( )2602حديثاً ،وإذا أضيف إلى ذلك المتون
المعلقة المرفوعة وهي ( )159حديثا ً فمجموع ذلك ( ،) 2761وعدد أحاديثه بالمكرر والتعليقات والمتابعات واختالف الروايات ( )9082حديثاً ،وهذا
غير ما فيه من الموقوف على الصحابة والتابعين.
عدد األحاديث المعلقة ( ،) 1341وأكثرها مكرر مخرج في الكتاب أصول متونه ،وليس فيه من المتون التي لم تخرج في الكتاب ولو من طريق أخرى إال
( )159حديثا ً معلقاً.
بالرغم من كثرة كتب الحديث عند أهل السنة والجماعة ،إال أن العلماء اعتبروه أصح الكتب المصنفة في الحديث ،وثاني أص ّح الكتب على اإلطالق بعد
القرآن الكريم ،وقد ذكر ذلك العديد من العلماء ونقل بعضهم إجماع األمة على ذلك:
قال الذهبي«:وأما جامع البخاري الصحيح ،فأجل كتب اإلسالم ،وأفضلها بعد كتاب هللا تعالى»
يقول النووي«:أول مص ّنف في الصحيح المج ّر د ،صحيح البخاري ،ثم صحيح مسلم .وهما أصح الكتب بعد القرآن .والبخاري أص ّحهما ،وأكثرهما فوائد.
وقيل :مسلم أصح ،والصواب األول»
ويقول النووي أيضا ً«:اتفق العلماء ـ رحمهم هللا ـ على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان ،البخاري ومسلم ،وتلقتهما األمة بالقبول»
مجموعة من كتب الحديث :الصحيحان والسنن األربعة ،ويطلق عليهم الكتب الستة
وقال السخاوي«:صحيح البخاري وصحيح مسلم أصح الكتب بعد كتاب هللا تعالى»
قال ابن الصالح«:وكتاباهما (البخاري ومسلم) أصح الكتب بعد كتاب هللا العزيز»
وقال إمام الحرمين الجويني« :لو حلف إنسان بطالق امرأته :أن ما في الصحيحين مما حكما بصحته من قول النبي ﷺ لما ألزمته الطالق ،إلجماع
علماء المسلمين على صحته».
وقال ابن تيمية«:فإن الذي اتفق عليه أهل العلم أنه ليس بعد القرآن كتاب أصح من كتاب البخاري ومسلم»
وقال ابن حجر العسقالني«:وكتاباهما (البخاري ومسلم)أصح الكتب بعد كتاب هللا العزيز».
وقال صديق حسن خان«:إن السلف والخلف جميعا ً قد أطبقوا على أن أصح الكتب بعد كتاب هللا تعالى صحيح البخاري ثم صحيح مسلم»
وقال األلباني«:والصحيحان هما أصح الكتب بعد كتاب هللا تعالى باتفاق علماء المسلمين من المحدثين وغيرهم»
وقال الشيخ عبد المحسن العباد«:وي ّت فقان (صحيحا البخاري ومسلم) في أن العلماء تلقوهما بالقبول واعتبروهما أصح الكتب بعد كتاب هللا العزيز»
نقل عن أبي زيد المروزي أنه قال«:كنت نائما ً بين الركن والمقام ،فرأيت النبي ﷺ في المنام ،فقال لي :يا أبا زيد ،إلى متى تدرس كتاب الشافعي ،وال
تدرس كتابي؟ فقلت :يا رسول هللا .وما كتابك؟ قال :جامع محمد بن إسماعيل»
سبب تأليفه
قال البخاري : كنا عند إسحاق بن راهويه فقال : لو جمعتم كتابا ً مختصراً لصحيح سنة النبي .قال : فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح
ميزاته
اصح كتب الحديث النبوي الشريف ،بل هو ثاني الكتب صحة بعد القرآن الكريم.
موضوعاته
ا ّتبع اإلمام البخاري في ترتيب صحيحه أسلوبا ً فريداً؛ حيث ر ّتب صحيحه على كتب مختلفة ،ينضوي تحت ك ّل كتاب مجموعة من األبواب ،وبلغ عدد
الكتب التي وضعها البخاري في صحيحه سبعة وتسعين كتابا ً؛ فابتدأ صحيحه بكتاب بدء الوحي ،ثم اتبعه بكتاب اإليمان ،ث ّم كتاب العلم ،ث ّم أورد ُكتب
العبادات من وضوء ،وغسل إلى أن أت ّم جميع العبادات ،وجمع في تلك الكتب أحكام الشريعة ،سوا ًء العمليّة أو االعتقاديّة ،ومن ذلك أيضا ً كتاب تفسير
القرآن ،وفضائله ،وكتاب األدب ،وكتاب الدعوات ،وكتاب الرِّ قاق ،ث ّم وضع كتابا ً ذكر فيه أحاديث األنبياء -عليهم السالم ،-وكتاب المناقب،ـ ووضع كتابا ً
ص ه بذكر سيرة النبي محمد -صلى هللا عليه وسلم -وغزواته ،ووضع كتابا ً في الصحابة -رضوان هللا عليهم أجمعين ،-وجعل في أخر في المغازي خ ّ
صحيحه كتاب الفتن ،وكتاب األحكام ،وكتاب التم ّن ي ،وذكر كتاب أخبار اآلحاد ،وكذلك كتاب االعتصام بالكتاب وال ُس ّنة ،وختم صحيحه بكتاب التوحيد.