You are on page 1of 5

‫المبحث الثاني‪ :‬مظاهر قصور عيوب االرادة التقليدية في ضوء القوانين المستحدثة‬

‫لقد تجلى مع مرور الزمن وأثر التطور الهائل الذي عرفته أنماط التعاقدات المدنية‬
‫والتجارية على حد سواء‪ ،‬قصور النظرية التقليدية القائمة على فكرة سلطان االرادة في كثير من‬
‫جوانبها‪ ،‬ومنها عدم صحة المبدأ على إطالقه في تفسير القوة الملزمة للعقد في ظل القيود‬
‫التشريعية العديدة التي تضعها الدولة حماية المستهلك‪ ،‬فكثير من القوانين والقواعد على اختالفها‬
‫عملت على حماية ارادة طائفة من المتعاقدين على نحو يؤكد ضرورة أن يكون رضى المتعاقد‬
‫أكثر حرية وأمام الدور الذي تلعبه عيوب االرادة فإنه يتجلى بوضوح قصور هذه النظرية في‬
‫تحقيق الحماية للطرف الضعيف في العالقة التعاقدية وفي توفير مناخ مالئم لتأكيد صفة ارادة‬
‫المستهلك كما أثرت التطورات االقتصادية والتكنولوجية بدورها على مبادئ النظرية العامة‬
‫لاللتزامات والعقود وذلك بظهور عقود إذعان أدت إلى اختالل في التوازنات العقدية ومن هنا‬
‫ففكرة الط رف الضعيف في هذه النظرية مؤسسة على التفاوت االقتصادي بين طرفي العقد وهذا‬
‫دفع المشرع المغربي إلى خلق أليات جديدة لحماية رضا المتعاقد في ظل هذه القوانين الحديثة‬
‫لذا فإننا سنعالج هذا المبحث في مطلبين نخصص المطلب االول لتأثير القوانين الجديدة على‬
‫المبادئ العامة لقانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬على أن نتطرق في المطلب الثاني لدور‬
‫القوانين المستحدثة في حماية رضا المتعاقد‪.‬‬

‫المطلب االول‪ :‬تأثير القوانين الجديدة على مبادئ العامة لقانون االلتزامات والعقود‬

‫االصل أنه إذا قام العقد صحيحا جامع لكل شروطه أصبحت له قوة ملزمة أي انه يصبح‬
‫بمثابة قانون بين أطرافه وهاته القوة ينحصر مجالها ونطاقها في اطراف العقد والتي تجسد مبدا‬
‫نسبيته أثار العقد لكن في وقتنا الحاضر تمضي التوجهات الحديثة لقانون العقود نحو تشجيع‬
‫المشرع على الحد من هاته المبادئ(كفقرة أولى) وإعطاء المشرع للطرف الضعيف الحق في‬
‫التراجع أو العدول كآلية حمائية(فقرة ثانية)‬

‫‪1‬‬
‫الفقرة االولى‪ :‬تأثير القوانين الجديدة على مبادئ العامة للنظرية العامة لاللتزام‬

‫إذا كان كل إلتزام عقدي يقوم مقام القانون بالنسبة لطرفيه شريطة ان يكون صحيحا حسب‬
‫المادة ‪ 230‬من قانون االلتزامات والعقود هذا يعني أن من إنشآته إرادتين ال يموت وال يعدل إال‬
‫بتلك االرادتين وهو ما يصطلح عليه بمبدأ سلطان االرادة‪ ،‬هذا االخير الذي ينطوي تحت لوائه‬
‫مجموعة من المبادئ االخرى المعبرة عن سيادة وسمو االرادة ولعل من أمثلة هذه المبادئ مبدأ‬
‫العقد شريعة المتعاقدين وكذا مبدأ القوة الملزمة للعقد فكل هذه المبادئ تأثرت نوعا ما بمجيء‬
‫بعض القوانين الخاصة وهكذا فالتطورات االقتصادية والتكنولوجية أبت االوان تقرر لنا اطراف‬
‫عالقة قانونية متفاوتة في المراكز القانونية‪ ،‬طرف المستهلك غالبا ما يكون تحت رحمة الطرف‬
‫القوي يملك السلطة والقدرة على تطويع مفاصيل العقود‪ ،‬الشيء الذي يجعل الطرف الضعيف‬
‫المقبل على التعاقد مغلوب على أمره‪ ،‬وهذا ما يجعل الحديث عن مبدأ سمو العقد شريعة‬
‫المتعاقدين مجرد كلمات منقوشة على أوراق ال تجد لها مكانة في الواقع العملي‪ ،‬هذا كله عجل‬
‫من تدخل المشرع ولو على حساب المستهلك حيث فرض مجموعة من البيانات التي يجب ان‬
‫يتضمنها العقد المنشئ الذي جعل المبدأ االخير يتأثر وقد يصبح مستقال يحمل تسمية العقد‬
‫شريعة المتعاقدين تحت مراقبة المشرع‪ ،‬وكذا مبدأ القوة الملزمة للعقد الذي بدوره تأثر بمجيء‬
‫القوانين الجديدة والذي يلزم من كان طرفا في العقد اي بين المتعاقدين‪ ،‬ألنه ال يجوز التحلل من‬
‫التزام يفرضه القانون فكذلك ال يمكن التحلل من التزام أنشأته إرادة حرة‪ ،1‬الن القوة الملزمة‬
‫للعقد يمنع اي تدخل خارجي من شخص أجنبي غير االطراف بمن فيهم تدخل المشرع لإلضافة‬
‫التزام أو انقاصه واستنادا إلى هذا فإن المستهلك متى أبرم عقدا للحصول على سلعة أو خدمة‬
‫استهالكية معينة إنما يلزم بذلك العقد وبتنفيذه أي كانت الظروف حتى وإن كانت هذه السلعة أو‬
‫الخدمة ال تفي بالغرض الذي يسعى إليه أوال تقيده أصال‪ ،‬وهو ما يجعلنا نتساءل والوضعية هذه‬
‫عن كيف للمستهلك كفرد عادي غالبا ما ال يتوفر على القدرة القانونية والفنية والوقت الكافي‬
‫للتفكير في ما يبرمه من عقود وصفقات استهالكية؟ أم يكن من األرحم به منحه حق العدول عن‬
‫تنفيذ العقد في حاالت معينة؟ هكذا ومن باب محاولة إعادة التوازن لألطراف العالقة التعاقدية‬

‫‪- 1‬الفصل ‪ 230‬من قانون اللتزامات والعقود‪ :‬االلتزامات المنشاة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها وال يجوز إلغاؤها إال‬
‫برضاهما معا أو في الحاالت المنصوص عليها في القانون‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫تدخل المشرع عبر قانون حماية المستهلك مؤثرا على مبدأ القوة الملزمة للعقد وأقر له الحق في‬
‫التراجع كلما قدر أن الخدمة أو السلعة التي تعاقد من أجلها ال تفي بالغرض المطلوب‪ ،2‬كما أثر‬
‫قانون حماية المستهلك على مبدأ تسيبه أثار العقد وبالرجوع إلى الفصل ‪ 228‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود نجده يقرر أن اثار العقد ال تنسحب إلى أطرافه بمعنى أن األطراف هم من‬
‫ينتفعون أو يضرون بأثار العقد وأن هذه األثار ال تضر وال تنفع الغير ستة(إلى في حاالت‬
‫مذكورة في القانون وهذا ما جعل العقد يكون نسبي في تطبيق أثاره وال يمكن مواجهة األغيار‬
‫بمقتضياته بيد أن طبيعة العملية االستهالكية عادة ما تحتمل وجود أكثر من طرف مما يحول‬
‫دون إمكانية تمديد أثار العقد إلى طرف أجنبي تطبيقا لمبدأ نسبية أثار العقد هذا القول أبان عن‬
‫خطورته وعجزه عن حماية بعض المتدخلين الذين لم يكونوا أطراف في العقد‪ ،‬فمثال لو اشترى‬
‫(زايد ) جهاز حاسوب من بائع (عمر) فقام أخ زيد باستعمال ذلك الحاسوب فتعرض هذا األخير‬
‫لالنفجار بسبب عيب فيه مما تسبب في أذى ألخ زيد وبالتالي ال يكون بمقدره الرجوع على‬
‫البائع (عمر) على اعتبار أنه أجنبي عن العقد تطبيقا للقواعد العامة ‪3‬كل هدا جعل المشرع‬
‫المغربي يتدخل بمقتضيات أكث ر حماية تجعلنا نقول أنها أترث بالفعل على القواعد العامة من‬
‫خالل إصداره لقانون رقم ‪ 31.08‬القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك سنة ‪ 2011‬والدي‬
‫يعرف في مادته الثانية آن المستهلك هو كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية‬
‫حاجياته غير المهنية منتوجا أو سلما أو خدمات معدة لإل استعماله الشخصي أو العائلي لهدا‬
‫الفصل وسع من نطاق حماية المستهلك سواء كان طرفا في العقد أو أجنبيا عنه تمردا على مبدأ‬
‫نسبة آثار العقد‪ ،‬وبناء عليه يعد هاجس توفير الحماية الضرورية للمستهلك هو الدي دفع‬
‫المشرع إلى سن هده المقتضيات لتحقيق المنتهي‪ ،‬إال أنها آثرت بالملموس على المبادئ المقررة‬
‫في النظرية العلمية لاللتزامات والعقود ‪.4‬‬

‫‪- 2‬أنظر المادة ‪ 36‬من قانون حماية المستهلك رقم ‪ 31.08‬القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك المنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5932‬بتاريخ ‪3‬‬
‫جمادى االولى ‪ 1432‬ه ج الموافق ل ‪ 7‬أبريل ‪ 2011‬ميالدي ص ‪.1072‬‬
‫‪ - 3‬محمد آشهيهب وأيوب العثماني‪ ،‬قانون حماية المستهلك والقواعد العامة أي تأثير؟ منشور في الموقع اإللكتروني في موقع العلوم القانونية‬
‫‪MAROC.DROIT.COM‬‬
‫‪ - 4‬أنظر القسم األول المادة ‪ 2‬من قانون رقم ‪ 08.31‬القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك المنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5932‬بتاريخ ‪3‬‬
‫جمادي األول (‪ 7‬أبريل ‪ )2011‬ص ‪.1072‬‬

‫‪3‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الحق في التراجع كآلية لحماية رضى المتعاقد اإللكتروني ‪.‬‬

‫‪-‬يعتبر حق التراجع والصدور عن العقد اإللكتروني المبرم عن بعد من األليات الحماية‬


‫التي كرسها القانون للمستهلك بعد إبرام العقد تحقيقا لمبدأ العدالة‪ ،‬فبمجرد ممارسة المتعاقد‬
‫اإللكتروني لهدا لحق فإن العقد المبرم مسبقا ينعدم ويصبح كأن لم يكن وهدا العدول هو حق‬
‫إرادي مخول للمستهلك من خالل إعطائه مهلة التفكير وإعادة النظر في آمر العقد الدى أبرمه‬
‫لحمايته م ن األخطار التي قد تواجهه خاصة في طل المعامالت اإللكترونية الحديثة‪ ،‬لدلك بعد‬
‫التوجيه األوربي رقم ‪ 7197‬الصادر في ‪ 20‬ماي ‪ 1997‬أقر هدا الحق حيت نص في المادة ‪6‬‬
‫منه على ان كل عقد عن بعد يجب ان ينص فيه على أحقية المستهلك في العدول خالل مدة ال‬
‫تقل عن ‪ 7‬ايام تبتدأ من تاريخ إبرام العقد او من تاريخ كتابة المورد اإلقرار الخطي وتصل هذه‬
‫المدة الى ثالثة اشهر إدا ‪ ....‬المورد من القيام بالتزامه بإرسال قرار مكتوب يتضمن العناصر‬
‫الرئيسية للعقد‪ 5‬إلي جانب هذا نجد المشرع المغربي الذي نص بدوره عن حق التراجع او‬
‫العدول من قانون حماية المستهلك رقم ‪ 31.08‬من مادته ‪ 36‬والتي جاء فيها ما يلي للمستهلك‬
‫اجل ‪:‬‬

‫‪ 7‬ايام كاملة لممارسة حقه في التراجع‬

‫‪ 30‬يوما لممارسة حقه في التراجع في لم يفي المورد بالتزامه بالتأكيد الكتاب للمعلومات‬
‫المنصوص عليها في المادتين ‪ 29‬و‪ 32‬من القانون السالف الدكر كالتعريف بالمميزات‬
‫االساسية للمنتوج او السلعة او الخدمة محل العرض وكدا اسم المورد وتسميته التجارية‬
‫والمعطيات الهاتفية التي تمكنه من التواصل الفعلي معه وبريده اإللكتروني وإدا كان شخصا‬
‫اعتباريا فيتعين ذكرو مقره االجتماعي وإدا تعلق األمر بغير المورد فعنوان المؤسسة المسؤولة‬
‫عن العرض ورقم تعريفه الضريبي إذا كان خاضعا للضريبة ورقم الرخصة كذلك اذا كان‬
‫نشاطه خاضعا لنظام الترخيص وتاريخها ‪ ،‬دون اإلخالل بمقتضيات القانون رقم ‪53.05‬‬
‫المتعلق بالتبادل‪.‬‬

‫‪ - 5‬المادة ‪ 6/1‬من توجيه المجلس األروبي رقم ‪ 7/97‬المنشور بالمجلة القانون األعمال الدولية‪ ،‬جامعة الحسن األول سطات و المأخود من البوابة‬
‫اإللكترونية ‪droit etentrepris.com‬‬

‫‪4‬‬
‫بالتبادل اإلليكتروني للمعطيات القانونية ويجب على المورد أن يذكر المستهلك قبل إبرام‬
‫العقد بمختلف اختياراته وأن يمكنه من تأكيد طلبيته أو تعديله حسب إرادته وكذا تمكين المستهلك‬
‫من الولوج بسهولة واالطالع على الشروط التعاقدية المطبقة على توريد المنتوجات والسلع أو‬
‫على تقديم خدمات عن بعد‪ ،‬على صفحة االستقبال في الموقع اإلليكتروني لمورد السلعة أو مقدم‬
‫الخدمة‪ ،‬مع ضرورة أن تكون هذه الشروط موضوع قبول صريح من طرف المستهلك وذلك‬
‫قبل تأكيده العرض‪6‬كما أكد المشرع المغربي في المادة ‪ 37‬من قانون رقم ‪ 31.08‬القاضي‬
‫بتحديد تدابير لحماية المستهلك على أنه عند ممارسة حق التراجع يجب على المورد أن يورد‬
‫إلى المستهلك المبلغ المدفوع كامال على الفور وعلى أبعد تقدير داخل أجل ‪ 15‬يوما الموالية‬
‫للتاريخ الذي تمت فيه ممارسة الحق المذكور‪ 7‬وبهذا فالحق في التراجع من النظام العام وهكذا‬
‫فالمورد ال يملك حق الرفض لطلب المستهلك المتمثل سوءا في استرداد الثمن أو استبدال‬
‫المنتوج سوى في حالة واحدة وهي انقضاء المدة المحددة للعدول‪ ،‬أو إذا تسبب المستهلك في‬
‫إتالف الشيء المبيع‪ ،‬لذا يستوجب ممارسة حق التراجع من طرف المستهلك وضرورة إعالمه‬
‫عنه من خالل الوسائل المختلفة المستعملة لإلخطار كاإلعالم بالبريد اإلليكتروني أو الفاكس‪،‬‬
‫فعلى المطالب بهذا الحق اختيار أضمن وسيلة الستعمالها كدليل إثبات عقد وقوع النزاع‪.8‬‬

‫وفي حالة رفض المورد رد المبلغ المدفوع للمتعاقد اإلليكتروني‪ ،‬فإنه في هذه الحالة‬
‫يعاقب بغرامة مالية من ‪ 12000‬إلى ‪ 50.000‬درهم تماشيا مع المادة ‪ 178‬من قانون رقم‬
‫‪ 31.08‬الذي ينص على أنه يعاقب بغرامة مالية من ‪ 12000‬درهم المورد الذي يرفض إرجاع‬
‫المبالغ إلى المستهلك وفق الشروط المنصوص عليها في المادتين ‪ 40/37‬من القانون السالف‬
‫‪9‬‬
‫الذكر‬

‫‪- 6‬فاطمة الزهراء قردوني‪ ،‬أثر قانوني‪ 31.08 ،‬المحدد لتدابير حماية المستهلك على قانون العقود واإللتزامات‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‪ ،‬كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية ‪ ،‬أكدال سنة ‪/2014/2015‬ص ‪.49‬‬
‫‪- 7‬أنظر المادة ‪ 37‬من قانون رقم ‪.31.08‬‬
‫‪- 8‬معزوز دليلة‪ ،‬حق المستهلك في العدول عن تنفيذ العقد " مجلة علمية محكمة معارف‪ ،‬العدد ‪ 22‬قسم العلوم القانونية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬جامعة ‪...‬‬
‫أولحاج ‪ 2017 ...‬ص‪16‬‬
‫‪- 9‬أنظر المادة ‪ 178‬من قانون ‪ 31.08‬القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك‪ ،‬المنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5932‬بتاريخ ‪ 3‬جمادى األولى‬
‫‪ 1432‬هج‪ ،‬الموافق ‪ 7‬أبريل ‪ ،2011‬ص‪.1072‬‬

‫‪5‬‬

You might also like