‫ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ‬ ‫ﺑﺴﻢ ﺍ‬

‫ﻣﺤﺎﺿﺮﺓ‪ 5‬ﺍﻻﺩﺏ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ‪2 ،‬‬

‫ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻋﺮﺑﻲ‬

‫ﺃ‪/‬ﻓﺎﺭﻭﻕ ﺍﻟﺸﺒﻴﺒﻲ‬

‫ﺳﺒﻖ ﻭﺃﻥ ﺗﺤﺪﺛﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻗﺴﻤﺖ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺇﻟﻰ‬

‫ﺃﺭﺑﻌﺔ ﻋﺼﻮﺭ ﻫﻲ‪-:‬‬

‫‪-1‬ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺍﻷﻭﻝ‪:‬ﺍﻣﺘﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻣﻦ‪132‬ﺇﻟﻰ ‪232‬ﻫﺠﺮﻳﺔ‪،‬‬

‫ﻭﻳﺘﻤﺜﻞ ﺑﺴﻴﺎﺩﺓ ﺧﻠﻔﺎﺀ ﺑﻨﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺍﻷﻗﻮﻳﺎﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﻮﺍ ﺣﺴﻢ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ‬
‫ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﺱ ﻭﺍﻟﻌﺮﺏ‪ ،‬ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻌﺮﺏ‪.‬‬

‫‪-2‬ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‪:‬ﺍﻣﺘﺪ ﻣﻦ ﻋﺎﻡ‪232‬ﺇﻟﻰ ‪334‬ﻫﺠﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻳﺘﻤﺜﻞ‬

‫ﺑﺴﻴﺎﺩﺓ ﺍﻷﺗﺮﺍﻙ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ‪.‬‬

‫‪-3‬ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﺍﻣﺘﺪ ﻣﻦ‪334‬ﺇﻟﻰ ‪447‬ﻫﺠﺮﻳﺔ ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ‬

‫ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻇﻬﺮ ﻧﻔﻮﺫ ﺍﻟﺒﻮﻳﻬﻴﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﻟﻪ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻮﺍﺣﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ‪.‬‬

‫‪-4‬ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ‪:‬ﺍﻣﺘﺪ ﻣﻦ‪447‬ﺇﻟﻰ ‪656‬ﻫﺠﺮﻳﺔ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ‬

‫ﺍﻟﺘﻰ ﺳﻘﻄﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻐﺪﺍﺩ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﻤﻐﻮﻝ ‪ ،‬ﻭﺳﻴﻄﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺴﻼ ﻘﺔ‬
‫ﺟُ‪.‬‬
 ‫*ﻣﻤﻴﺰﺍﺕ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‪:‬‬

‫ﻇﻬﺮﺕ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺷﻜﻮﻯ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﺫﻫﺎﺏ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮ ‪،‬‬

‫ﻭﺍﻧﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻓﻴﻪ ﻳﺜﻴﺮ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ‪ ، .‬ﻭﺫﻫﺎﺏ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ‬
‫ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﺸﻌﺮ ‪ ،‬ﻭﻳﻘﺪﻣﻮﻥ ﺍﻟﻌﻄﺎﺀ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ‪.‬‬

‫ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ )ﻳﺄﺧﺬﻭﻧﻪ( ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﺑﻼﺗﻤﺤﻴﺺ‪ ..‬ﻓﺼﺎﺭﻭﺍ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ‬

‫ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﻓﻴﻪ ﻭﻳﺜﻴﺮﻭﻥ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ﻭﺃﺳﺎﻟﻴﺒﻪ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﻨﻘﺪ‪ ،‬ﻭﻻﺳﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ‬
‫ﺍﻃﻼﻋﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻛﺘﺎﺏ ﺃﺭﺳﻄﻮ ﻓﻲ ﻧﻘﺪ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻘﻠﻪ ﺃﺑﻮ ﺑﺸﻴﺮ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﺴﺮﻳﺎﻧﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻧﻘﻠﻮﺍ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻷﺩﺑﺎﺀ‪ ،‬ﺃﻣﺎ‬
‫ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺮﺅﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ‪.‬‬

‫ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺗﻘﺪﻡ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﺧﻄﻮﺓ ﺁﺧﺮﻯ ﻓﻈﻬﺮﺕ ﺍﻟﺰﻫﺮﻳﺎﺕ‬

‫ﻭﺍﻟﻐﺰﻝ ﺑﻬﺎ ﻛﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰ ﻳﺼﻒ ﻗﻀﻴﺒﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻳﺤﺎﻥ‪:‬‬

‫ﻗﻀﻴﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻳﺤﺎﻥ ﺷﺎﺑﻪ ﻟﻮﻧﻪ‬

‫ﺇﺫﺍ ﻣﺎﺑﺪﺍ ﻟﻠﻌﻴﻦ ﻟﻮﻥ ﺍﻟﺰﻣﺮﺩ‬

‫ﻭﺷﺒﻬﺘﻪ ﻟﻤﺎ ﺗﺄﻣﻠﺖ ﺣﺴﻨﻪ‬

‫ﻋﺬﺭﺍﻯ ﺗﺪﻟﻲ ﻓﻲ ﻋﻮﺍﺭﺽ ﺃﻣﺮﺩ‪.‬‬

‫ﻭﻗﻮﻝ ﺍﻟﺒﺤﺘﺮﻱ‪:‬‬

‫ﻭﺭﻕ ﺗﻐﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﻀﺮ ﻣﻬﺪﻟﺔ‬

‫ﺗﺴﻤﻮﺍ ﺑﻬﺎ ﻭﺗﻤﺲ ﺍﻷﺭﺽ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ‬

 ‫ﺗﺨﺎﻝ ﻃﺎﺋﺮﻫﺎ ﻧﺸﻮﺍﻥ ﻣﻦ ﻃﺮﺏ‬

‫ﻭﺍﻟﻐﺼﻦ ﻣﻦ ﻫﺰﻩ ﻋﻄﻔﻴﻪ ﻧﺸﻮﺍﻧﺎ‪.‬‬

‫ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻟﻢ ﻳﺸﺠﻊ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻛﺎﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫ﺍﻧﺘﻘﻠﺖ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺪﺍﻭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﺍﻧﺸﻐﻞ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ‬
‫ﻭﺭﺟﺎﻟﻬﻢ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻓﺤﺮﻡ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺨﺎﺀ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻋﺒﺮ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ﻋﻦ‬
‫ﺫﻟﻚ ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻳﻘﻮﻝ‪:‬‬

‫ﺫﻫﺐ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﻬﺰﻫﻢ ﻣﺪﺍﺣﻬﻢ‬

‫ﻫﺰ ﺍﻟﻜﻤﺎﺓ ﻋﺪﺍﻟﻲ ﺍﻟﻤﺮﺍﻥ‬

‫ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺍﺫﺍ ﺍﻣﺘﺪﺣﻮﺍ ﺭﺃﻭﺍ ﻣﺎﻓﻴﻬﻢ‬

‫ﻓﺎ ﺍﻷﺭﻳﺤﻴﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻤﻜﺎﻥ‪.‬‬

‫ﻭﺫﻛﺮ ﺫﻟﻚ "ﺍﻟﺠﺎﺣﻆ" ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ"‬

‫ﻛﺜﺮ ﻓﻴﻪ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻭﺗﻌﺒﻴﺮﺍﺗﻬﺎ ؛ ﻟﺘﻔﺸﻲ ﻋﻠﻮﻡ ﺍﻷﻗﺪﻣﻴﻦ‬

‫ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺇﺛﺮ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ‬
‫ﻇﻬﺮﺕ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻋﺪﻭﺍ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ؛ ﻟﺘﻐﻠﺐ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻵﺭﺍﺀ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻇﻬﺮﺕ ﻧﺎﺿﺠﺔ ﻓﻲ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﻌﺼﺮ‬
‫ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺍﻵﺗﻲ ﺫﻛﺮﻩ‪-:‬‬

‫ﻇﻬﺮ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻴﻪ ﻗﺒﻼ ﺇﻻﻧﺰﺭ ﻳﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﻗﺪﻳﻢ‬
‫ً ﻋﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ ؛ ﻷﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺗﻤﺘﺎﺯ ﺑﻘﺒﻮﻟﻬﺎ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺜﺮ ﻓﻀﻼ‬
‫ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﺭﺍﺕ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻜﻨﺎﻳﺎﺕ‪ ...،‬ﺍﻟﺦ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭ ﺃﻥ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﻓﺘﻖ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ‬
‫ﺑﺸﺎﺭ ﺑﻦ ﺑﺮﺩ‪ ،‬ﻭ ﺍﺑﻦ ﻫﺮﻣﻪ‪ ،‬ﺛﻢ ﺍﺗﺒﻌﻬﻤﺎ ﻣﻘﺘﺪﻳﺎ ﺑﻬﻢ‪ .‬ﻛﻠﺜﻮﻡ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ‬
‫ﺍﻟﻌﺘﺎﺑﻲ‪ ،‬ﻭ ﻣﻨﺼﻮﺭ ﺍﻟﻨﻤﺮﻱ‪ ،‬ﻭﻣﺴﻠﻢ ﺑﻦ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ‪ ،‬ﻭﺍﺑﻮ ﻧﻮﺍﺱ‪ ،‬ﻭﺍﺗﺒﻊ ﻫﺆﻻﺀ ﺃﺑﻮ‬
‫ﺗﻤﺎﻡ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺒﺤﺘﺮﻱ‪ ،‬ﺛﻢ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰ ﻓﺎﻧﺘﻬﻰ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﺈﻧﻪ ﺃﻟﻄﻒ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ‬
‫ﺷﻌﺮﺍ ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﺑﺪﻳﻌﺎ ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ‪.‬‬

‫ﻧﺒﻐﺖ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻧﺘﻘﺪﻭﺍ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺭﻭﺍﻳﺘﻪ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮ‬

‫ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﺍﻻ ﻣﻦ ﻗﻮﻳﺖ ﺷﺎﻋﺮﻳﺘﻪ ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻛﻌﺪﺩ ﺍﻷﺻﺎﺑﻊ ؛ ﻟﻌﺪﻡ‬
‫ﺗﺸﺠﻴﻊ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ ﻟﻬﻢ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ ﺑﺎﻷﺩﺏ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮ‪.‬‬

‫ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ‬

‫ﻫﻮ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﻦ ﺟﺮﻳﺢ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ﻣﻮﻟﻰ ﺑﻨﻲ‬

‫ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻭﻟﺪ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ﺑﺒﻌﺪﺍﺩ ﺳﻨﺔ ‪221‬ﻫﺠﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺿﻊ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺑﺎﺯﺍﺀ‪ ،‬ﻗﺼﺮ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﺟﻔﻌﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﻤﻨﺼﻮﺭ‪ ،‬ﻭﻧﺸﺄ ‪-‬ﺃﻳﻀﺎ‪-‬‬
‫ً ﺃﻭ ﺟﺎﺏ ﺍﻷﻗﻄﺎﺭ‪،‬‬ ‫ﻓﻲ ﺑﻐﺪﺍﺩ ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺷﻌﺮﻩ ﻣﺎﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻃﻮﻳﻼ‬
‫ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺃﺑﻮ ﺗﻤﺎﻡ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻤﺘﻨﺒﻲ‪ ،‬ﻭﺳﻮﺍﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ‪ ،‬ﺫﻛﺮ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﺮﺟﻊ‬
‫ﺍﻟﺬﻫﺐ ﻭﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺑﻐﺪﺍﺩ ‪ ،‬ﻭﻳﺴﺘﺪﻝ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﺃﺧﺒﺎﺭﻩ ﺃﻧﻪ ﺳﺎﻓﺮ ﺇﻟﻰ "‬
‫ﺳﺎﻣﺮﺍﺀ" ﻭﻃﺎﻝ ﻣﻜﻮﺛﻪ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻥ ﻳﺘﺸﻮﻕ ﻟﺒﻐﺪﺍﺩ ﻭﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻴﻬﺎ‬
‫ﻭﺍﻷﺭﺟﺢ ﻗﺼﺪﻫﺎ ‪ -‬ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻫﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ‪ -‬ﻃﻠﺒﺎ ﻟﻠﺮﺯﻕ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ‪.‬‬
‫ﻳﻮﻓﻖ ﻓﻲ ﻃﻠﺒﻪ ﻓﻤﻠﻬﺎ ﻭﺣﻤﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ ﻭﻃﻠﺐ ﺍﻟﻤﺎﻝ‪.‬‬
‫ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻣﺎﻳﺤﺪﺙ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺷﺪﺍﺋﺪ ﻻﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻲ ﺷﻌﺮﻩ ﻓﻠﻘﺪ ﻣﺮ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺆﺭﺧﻮﻥ ﻭﺍﻟﻨﻘﺎﺩ‬
‫ﺑﺘﺠﺮﺑﺔ ﻋﺎﺋﻠﻴﺔ ﻣﺮﻳﺮﺓ ﺣﻴﺚ ﺗﻮﻓﻲ ﻭﺍﻟﺪ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻭﻫﻮ ﺻﻐﻴﺮ ﻭﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﻪ‬
‫ﺳﻮﻯ ﺃﺥ ﻛﺒﻴﺮ ﻳﺮﺟﻊ ﺍﻟﻴﻪ ﻭﻗﺖ ﺍﻟﺸﺪﺍﺋﺪ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺗﻮﻓﻲ ‪-‬ﺃﺧﻮﻩ ‪ -‬ﻭﻫﻮ ﻟﻢ‬
‫ًﺍ‬‫ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﺃﺑﻨﺎﺀﻩ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﻭﺯﻭﺟﺘﻪ ﻭﺣﺰﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﺜﻴﺮ‬
‫‪،‬ﻭﺃﺛﺮ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ؛ ﺃﻱ ﺗﺰﻭﺝ ﻭﻫﻮ ﺷﻴﺦ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ‬
‫ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﺳﺠﻞ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻌﻘﺎﺩ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻋﻦ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ‪ ،‬ﺗﻮﻓﻲ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ‬
‫ﺳﻨﺔ‪283‬ﻫﺠﺮﻳﺔ ﻭﻗﺒﺮ ﻓﻲ ﻣﻘﺒﺮﺓ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺒﺴﺘﺎﻥ‪.‬‬

‫ﺳﺆﺍﻝ‬
‫ﻣﺎﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻰ ﺗﻜﻠﻢ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﻌﻘﺎﺩ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻋﻦ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻞ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﻭﺿﺢ ﺫﻟﻚ‪.‬‬
‫؟‬

‫ﻣﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ‪.‬‬

‫ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ﺗﺘﻠﻤﺬ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻲ ﺗﻤﺎﻡ ﻭﺍﻟﺒﺤﺘﺮﻱ ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﺷﻖ‬
‫ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻃﺮﻳﻘﺎ ﺧﺎﺻﺎ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﻭﻃﺒﻴﻌﺘﻪ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻻﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻌﻤﻖ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻓﻬﻢ ﺷﻌﺮﻩ ﺍﻟﻮﻫﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺍﻟﺘﻤﻌﻦ ﻓﻴﻪ ﻟﻔﻚ ﻃﻼﺳﻤﻪ‬
‫ًﺎ‪ ،‬ﻳﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﺧﻠﻜﺎﻥ ﻭﺍﺻﻔﺎ ﺷﻌﺮﻩ ‪" :‬ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ‬ ‫ًﺎ ﻓﺸﻴﺌ‬
‫ﻭﺃﺳﺮﺍﺭﻫﺎ ﺷﻴﺌ‬
‫ﺍﻟﻤﺸﻬﻮﺭ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﻮﻟﻴﺪ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ‪ ،‬ﻳﻐﻮﺹ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻨﺎﺩﺭﺓ ﻓﻴﺴﺘﺨﺮﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﻭﻳﺒﺮﺯﻫﺎ ﻓﻲ ﺃﺣﺴﻦ ﺻﻮﺭﺓ‬
‫ﻭﻻ ﻳﺘﺮﻙ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻮﻓﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻩ ﻭﻻ ﻳﺒﻘﻲ ﻓﻴﻪ ﺑﻘﻴﺔ" ﺫﻛﺮﻩ‬
‫ﻓﻲ‪ ،‬ﻛﺘﺎﺑﻪ" ﻭﻓﻴﺎﺕ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ" ‪.‬ﺝ‪.3‬ﺹ‪42‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﺃﺣﺴﻦ ﺍﺑﻦ ﺭﺷﻴﻖ ﺣﻴﻦ ﺫﻛﺮ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ"ﺍﻟﻌﻤﺪﺓ"ﻋﻦ ﺍﺧﺘﺮﺍﻉ‬
‫ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ﻭﺍﺑﺘﺪﺍﻋﻪ ﺃﻭ ﺑﺎﻷﺻﺢ ﺇﺑﺪﺍﻋﻪ ﻭﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ‪:‬‬

‫ِﻘﺘُ‬
‫ﻞ‬ ‫ُﺮ ﻣ‬
‫ﻦ ﺗﻨﻈ‬
‫ﻚ ﺣﻴَ‬
‫ﻋﻴﻨﻲ ﻟﻌﻴﻨَ‬

‫ﺳُ‬
‫ﻞ‬ ‫ﻒُﻣﺮَ‬
‫ﻢ ﺣﺘٍ‬
‫ﻟﻜﻦ ﻟﺤﻈﻚ ﺳﻬُ‬

‫ًﺍ‬
‫ًﻨﺎ ﻭﺍﺣﺪ‬
‫ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ﺃﻥ ﻣﻌ‬

‫ﻢ ﻭﻫﻮ ﻣﻨﻲ ﻣﻘﺘُ‬

‫ﻞ‬ ‫ﻫﻮ ﻣﻨﻚ ﺳﻬٌ‬

‫ﻭﻗﻮﻟﻪ ﻳﺘﻐﺰﻝ‪:‬‬

‫ﻧﻈﺮﺕ ﻓﺄﻗﺼﺪﺕ ﺍﻟﻔﺆﺍﺩ ﺑﻠﺤﻈﻬﺎ‬

‫ﺛﻢ ﺍﻧﺜﻨﺖ ﻋﻨﻪ ﻓﻈﻞ ﻳﻬﻴﻢ‬

‫ﻓﺎﻟﻤﻮﺕ ﺇﻥ ﻧﻈﺮﺕ ﻭﺇﻥ ﻫﻲ ﺃﻋﺮﺿﺖ‬

‫ﻭﻗﻊ ﺍﻟﺴﻬﺎﻡ ﻭﻧﺰﻋﻬﻦ ﺃﻟﻴﻢ‪.‬‬

‫ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ‪:‬‬

‫ﻭﻣﺎ ﺗﻌﺘﺮﻳﻬﺎ ﺁﻓﺔ ﺑﺸﺮﻳﺔ‬

‫ُﺮ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﺇﻻ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺘﺨﺘ‬

‫ﻭﻏﻴﺮ ﻋﺠﻴﺐ ﻃﻴﺐ ﺃﻧﻔﺎﺱ ﺭﻭﺿﺔ‬

‫ُﺮ‬
‫ﻣﻨﻮﺭﺓ ﺑﺎﺗﺖ ﺗﺮﺍﺡ ﻭﺗﻤﻄ‬
 ‫ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻧﻔﺎﺱ ﺍﻟﺮﻳﺎﺽ ﺑﺴﺤﺮﻩ‬

‫ُﺮ‪.‬‬
‫ﺗﻄﻴﺐ ﻭﺃﻧﻔﺎﺱ ﺍﻟﻮﺭﻯ ﺗﺘﻐﻴ‬

‫ﻳﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﺭﺷﻴﻖ ﻣﻌﻠﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ‪":‬ﻛﺎﻥ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ﺿﻨﻴﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﻧﻲ‬
‫ًﺍ ﻟﺒﻄﻦ‬
‫ًﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻳﺄﺧﺬ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻭﻳﻮﻟﺪﻩ ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺰﺍﻝ ﻳﻘﻠﺒﻪ ﻇﻬﺮ‬
‫ﺣﺮﻳﺼﺎ‬
‫ﻭﻳﺼﺮﻓﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻴﻨﻪ ﻭﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻻﻣﻄﻤﻊ ﻓﻴﻪ‬
‫ﻷﺣﺪ"‪.‬‬

‫ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﻨﻘﺎﺩ ﺃﻧﻪ ﻻﻳﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺘﻰ ﺍﺑﺘﺪﻋﻬﺎ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺘﻌﺪﺍﻫﺎ‬
‫ﺣﺘﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﺘﻰ ﺳﺒﻘﻬﺎ ﺑﻪ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ‪.‬‬

‫ﻭﻗﺪ ﻇﻠﻢ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ﻓﻲ ﻧﻘﺪ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﺍﻟﺠﺮﺟﺎﻧﻲ ﻟﻪ ﻓﻲ‬

‫ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﺍﻟﻮﺳﺎﻃﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ﻭﺧﺼﻮﻣﻪ" ﻓﻲ ﺻﻔﺤﻪ‪54‬ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻭﺍﺯﻥ ﺑﻴﻦ‬
‫ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﻋﻨﺪ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻭﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ﺛﻢ ﻗﺮﺭ ﺃﻥ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺭﻏﻢ ﻣﻦ ﻃﻮﻟﻬﺎ ﻻﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﺠﺐ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻭ ﺍﻟﺒﻴﺘﻴﻦ‪ ،‬ﻭﻻ ﺗﺄﺧﺬ‬
‫ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻻ ﻋﺪﺩ ﺍﻟﻘﻮﺍﻓﻲ ﻭﺍﻧﺘﻈﺎﺭ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﺷﻌﺮ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﺍﻟﻤﺘﻨﺒﻲ‬
‫ﻛﺬﻟﻚ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﻗﺼﺎﺋﺪﻩ ﻻﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺃﺑﻴﺎﺕ ﺗﺤﺘﺎﺭ‪ ،‬ﻭﻣﻌﺎﻥ ﺗﺴﺘﻔﺎﺩ‪ ،‬ﻭﺃﻟﻔﺎﻅ‬
‫ﺗﺮﻭﻕ ﻭﺗﻌﺬﺏ ﻭﺇﺑﺪﺍﻉ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻄﻨﺔ ﻭﺍﻟﺬﻛﺎﺀ‪" .‬‬

‫ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺑﺮﻭﻛﻠﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ " ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ"ﺃﻇﻬﺮ ﺇﻋﺠﺎﺑﻪ ﺑﺎﺑﻦ‬

‫ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻝ‪" :‬ﺇﻥ ﺷﻌﺮ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ﺃﻗﻞ ﻃﻨﻄﻨﺔ ﻭﺩﻭﻳﺎ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ‬
‫ً ﻭﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ ﺣﻴﻦ ﻳﺄﺑﻰ ﻟﻨﻔﺴﻪ‬ ‫ﺍﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ‪،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺃﺑﻴﻦ ﻭﺃﺯﻟﻖ‬
‫ﺃﻥ ﻳﻔﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺒﺤﺘﺮﻱ ﻭﻫﻮ ﻗﻠﻴﻞ ﺍﻟﻨﺘﻮﻉ ﻓﻲ ﺷﻌﺮﻩ ‪ ،‬ﻭﻗﺎﺻﺮﺁ ﻋﻠﻰ ﻓﻦ‬
‫ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻓﻨﻮﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺪﺡ‪".‬‬

‫ﻭﻟﻴﺲ ﺻﺤﻴﺤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺤﺘﺮﻱ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺘﻄﺮﻕ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ‬

‫ﺑﻨﻴﺔ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻋﻨﺪﻩ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻤﻮﺍﺿﻴﻊ ﺃﺧﺮﻯ‪ ،‬ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻝ‬
 ‫ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﻬﺎ ‪.‬‬

‫ﻗﺎﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ﻓﻬﻮ ﺯﻋﻴﻢ ﺍﻟﻤﺠﺪﺩﻳﻦ ﻭﺍﻟﻤﻮﻟﺪﻳﻦ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺗﻌﺼﺐ ﻟﻪ‬
‫ﺍﻟﺠﺮﺟﺎﻧﻲ ﻭﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺒﺪﻋﺎ ﻣﺠﺪﺩﺍ ﺑﻞ ﺍﻟﻌﻜﺲ‬
‫ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻜﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﻭﺍﻟﺘﻮﻟﻴﺪ ﻃﺮﻳﻘﺘﻪ ﺍﻟﺘﻰ ﺭﺳﻤﻬﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺷﻌﺮﻩ ﻭﺻﻮﺭﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ‪.‬‬

‫ﺍﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻻﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ ﺍﺑﺪﻉ ﺍﻟﻌﻘﺎﺩ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺑﺮﺭ ﺍﺳﺘﺨﺪﻡ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﻭﻣﻲ ﻟﻠﻤﺸﺘﻘﺎﺕ‬
‫ﻣﻦ ﺻﻴﻎ ﺍﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ‪ ،‬ﻭﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﻭﺍﻟﻤﻔﻌﻮﻝ‪ ،‬ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻭﺍﻟﺴﺒﺐ ﺫﻟﻚ‬
‫ﺍﺣﺘﻴﺎﺟﻪ ﻓﻲ ﻟﻐﺘﻪ ﻟﻬﺬﺓ ﺍﻟﻤﺸﺘﻘﺎﺕ ﻟﻜﻲ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺟﻮﺍﻧﺒﻪ‪.‬‬
‫ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻌﻘﺎﺩ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ" ﻭﻧﺤﺴﺐ ﺃﻥ ﺍﻻﻓﺮﺍﻁ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻤﺸﺘﻘﺎﺕ‬
‫ﻭﺍﻷﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻰ ﻻﺑﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ‬
‫ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﻧﻮﺍﺣﻴﻪ ﻭﻳﺘﺪﺭﺝ ﻓﻴﻪ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺩﺭﺟﺎﺗﻪ ‪ ،‬ﻣﺜﻞ‬
‫ﻗﻮﻟﻪ‪:‬‬

‫ﺻﺎﻏﻪ ﺻﻮﺍﻋﻪ ﺻﻴﻐﺔ‬

‫ﺑﺪﻋﺎ ﻟﻢ ﺗﻠﻖ ﻓﻲ ﺧﻠﺪﻱ‪".‬‬

 ‫ﺍﻟﻤﺤﺎﺿﺮﺓ ‪6‬‬

‫ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰ‬

‫ﻫﻮ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻋﺒﺪﺍ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰ ﺏﺍ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ‪،‬‬

‫ﻭﻫﻮ ﺃﺷﻌﺮ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﻭﺃﺑﺮﻉ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑ ﻭﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻬﺎﺕ‪.‬‬

‫ﻭﻟﺪ ﺳﻨﺔ ‪249‬ﻫﺠﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﻭﺗﺮﺑﻲ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺨﻠﻔﺎﺀ‪ ،‬ﻭﺃﺧﺬ‬
‫ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺒﺮﺩ‪ ،‬ﻭﺛﻌﻠﺐ‪ ،‬ﻭﻣﻬﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﻠﻢ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﺃﺋﻤﻪ ﻋﺼﺮﻩ‪ ،‬ﻭﻓﻼﺳﻔﺔ ﺩﻫﺮﻩ‪،‬‬
‫ﺣﺘﻰ ﻫﺎﺑﻪ ﻭﺯﺭﺍﺀ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺷﻴﻮﺥ ﻛﺘﺎﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻋﻤﻠﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻻﻳﻘﻠﺪﻭﻩ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ‪،‬‬
‫ﺧﺸﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﻜﻒ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﺑﺎﻟﻤﻠﻚ ‪،‬ﻭﻭﻟﻮﺍ ﺍﻟﻤﻘﺘﺪﺭ ﺻﺒﻴﺎ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﺣﺪﺛﺖ ﻓﺘﻦ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻓﺘﺴﺮﻉ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺩﺍﻭﺩ ﺑﻦ ﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ﻭﺟﻤﻊ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ‬
‫‪،‬ﻭﺧﻠﻌﻮﺍ ﺍﻟﻤﻘﺘﺪﺭ ‪،‬ﻭﺑﺎﻳﻌﻮﺍ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﻏﻠﻤﺎﻥ ﺍﻟﻤﻘﺘﺪﺭ ﺃﻥ‬
‫ﺍﻷﻣﺮ ﺳﻴﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﺗﺂﻣﺮﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻠﻪ‪ ،‬ﻭﺧﻨﻖ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺘﻪ ﺳﻨﻪ‪296‬‬
‫ﻫﺠﺮﻳﺔ‪ .‬ﻭﺷﻌﺮﻩ ﺑﺴﻬﻞ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ﻣﻊ ﺭﺷﺎﻗﺔ ﻭﻗﻠﺔ ﺗﻜﻠﻒ ﻭﺗﺼﻨﻊ ﻭﻳﻌﺮﻑ ﻓﻴﻪ‬
‫ﻧﻈﺮﺓ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ‪.‬‬