You are on page 1of 193

‫رسالة من سجن برمنجهام[ ‪] 1‬‬

‫ابريل ‪1963 / 16‬م‬


‫الكاتب‪ /‬د‪ .‬مارتن لوثر كنج[ ‪] 2‬‬
‫ترجمة‪ /‬مطر النجيدي[ ‪] 3‬‬

‫أعزائي وزمالئي رجال الدين‪:‬‬

‫بينما أنا هنا مقيد في سجن مدينة برمنجهام اطلعت مصادفة على البيان األخير لكم والذي يدعي أن‬
‫نشاطي الحالي" غير حكيم وسيئ التوقيت"‪ .‬نادرا ماأتوقف للرد على انتقاد أعمالي وأفكاري‪ .‬لو أريد‬
‫أن أجاوب على جميع اإلنتقادات التي تعبر على طاولتي‪ ،‬فأن السكرتارية لن تملك اال الوقت القليل‬
‫ألي عمل آخر سوى مثل هذه المراسالت خالل اليوم وسوف لن يصبح لدي الوقت ألي عمل بناء‪.‬‬
‫لكن بما أنني أشعر أنكم رجال ذوو نية حسنة وانتقادكم عبرتم عنه بإخالص‪ ،‬أنني أريد المحاولة‬
‫لإلجابة على بيانكم فيما أتمنى أن يكون بصبر وعبارات معقولة‪.‬‬

‫أعتقد ينبغي أن أشير لماذا أنا هنا في برمنجهام‪ ،‬بما أنكم متأثرون بوجهة النظر التي تجادل ضد"‬
‫الخوارج حضروا" أنني أحظى بشرف خدمتي في منصب رئيس مؤتمر القيادة المسيحية في‬
‫الجنوب‪ ،‬المنظمة التي تعمل في كل الواليات الجنوبية ومكتبها الرئيسي في أتالنتا ‪ /‬جورجيا‪ .‬لدينا‬
‫‪ 85‬منظمة تابعة في الجنوب وواحدة منهم "الحركة المسيحية في االباما لحقوق اإلنسان"‪ .‬أحيانا‬
‫نتقاسم الموارد العمالية‪ ،‬التعليمية والمالية مع فروعنا‪ .‬منذ عدة شهور فرعنا هنا في برمنجهام طلب‬
‫منا أن نكون تحت الطلب لالشتراك في برنامج الفعل المباشر الالعنفي اذا أصبح ذلك ضروريا‪ .‬نحن‬
‫فورا وافقنا ولما حانت الساعة كنا نعيش وعدنا‪ .‬ولذلك أنا وعدد من الموظفين معي هنا ألننا تمت‬
‫دعوتنا الى هنا‪ .‬أنا هنا ألن عندي روابط تنظيمية‪.‬‬

‫لكن ببساطة أكبر أنا في برمنجهام ألن الظلم يوجد هنا‪ ،‬بالضبط كما األنبياء في القرن الثامن قبل‬
‫الميالد غادروا قراهم وحملوا معهم" هكذا قال الرب" أبعد من حدود محل مسقط رؤوسهم‪ ،‬وتماما‬
‫مثل الحواري ‪ -‬بول ‪ -‬هاجر من قريته تورس وحمل معه إنجيل المسيح عيسى الى الزوايا البعيدة في‬
‫العالم الروماني ‪ -‬األغريقي‪ ،‬ولهذا أنا مجبر أن أحمل انجيل الحرية بعيد جدا من بلدتي‪ .‬كما بول البد‬
‫أن أستجيب دائما الى دعوة المقدونيين لألنقاذ‪.‬‬

‫من ناحية أخرى أنا مدرك للعالقة المتداخلة بين جميع المجتمعات والواليات‪ .‬من غير الممكن أن‬
‫أجلس عاطال في أتالنتا غير مكترث بما يحدث في برمنجهام‪ .‬الظلم في أي مكان هو تهديد للعدالة في‬
‫كل مكان‪ .‬نحن عالقون في شبكة ال مفر فيها من التبادلية‪ ،‬مربوطين في لباس مصيري واحد‪ .‬ما يؤثر‬
‫على أحد مباشرة يؤثرعلى الجميع على نحو غير مباشر‪ .‬ال يمكن نتحمل أن نعيش بالفكرة الضيقة‬
‫والمحلية" المحرضون الخوارج"‪ .‬أي فرد يعيش داخل الواليات المتحدة اليمكن إعتباره خارجي في‬
‫اي مكان داخل هذه الحدود‪.‬‬

‫أنتم أستهجنتم المظاهرات التي جرت في برمنجهام‪ ،‬غير أن البيان‪ ،‬من المؤسف أن أقول فشل في‬
‫التعبير عن قلق مماثل للظروف التي أنتجت المظاهرات‪ .‬أنا على يقين بأن ال أحد منكم يريد أن‬
‫يرتاح مقتنعا ً بالتحليل اإلجتماعي السطحي والذي يتعامل فقط بالتأثيرات وال يُمسك باألسباب‬
‫الجوهرية‪ .‬من سوء الحظ أن تجري المظاهرات في برمنجهام‪ ،‬ولكن األسوء مؤسسة السلطة البيضاء‬
‫للمدينة تركت المجتمع الزنجي بدون خيارات‪.‬‬

‫في أي حملة العنفية هنالك أربع خطوات رئيسة‪ :‬جمع الحقائق للتأكد من وجود الظلم‪ ،‬التفاوض‪،‬‬
‫تطهير النفس‪ ،‬والعمل المباشر‪ .‬نحن قمنا بكل هذه الخطوات في برمنجهام‪ ،‬وال يمكن إنكار حقيقة‬
‫الظلم العنصري الذي يبتلع هذا المجتمع‪ .‬برمنجهام من المحتمل ان تكون أعظم مدينة معزولة تماما‬
‫في الواليات المتحدة‪ .‬وسجلها الوحشي الفظيع معروف على مستوى عريض‪ .‬الزنوج جربوا التعامل‬
‫الظالم التام في المحاكم‪ .‬التفجيرات التي ليس لها حل لبيوت وكنائس الزنوج في برمنجهام هي األكثر‬
‫من بين المدن في البالد‪ .‬وهي تلك الحقائق الصعبة والمؤلمة للقضية‪ .‬وانطالقا من هذه األوضاع‪،‬‬
‫القادة الزنوج أرادوا التفاوض مع اآلباء في هذه المدينة‪ ،‬لكنهم أصروا على الرفض في الولوج في‬
‫مفاوضات حسن نية‪.‬‬

‫ومن ثم في سبتمر الفائت أتت الفرصة إلجراء محادثات مع قادة المجتمع االقتصادي في برمنجهام‪.‬‬
‫وفي مسار النقاشات ثمة وعود محددة حدثت من التجار ومثال ذلك إزالة اللوحات العنصرية والمهينة‬
‫على المتاجر‪ .‬وبناء على تلك الوعود فإن القس فريد شتلزورث والقادة في الحركة المسيحية في‬
‫والية االباما لحقوق اإلنسان وافقت على تعليق كافة التظاهرات‪ .‬ومع مرور األسابيع والشهور‪،‬‬
‫أدركنا أننا كنا ضحية الوعد المنقوض‪ .‬لوحات قليلة أُزيلت لمدة قصيرة واُعيدت واألُخريات بقيت‬
‫مكانها‪.‬‬

‫كما في تجاربنا العديدة السابقة تبددت آمالنا واستوطنتنا ظالل من اإلحباط العميق‪ .‬لم تكن لنا خيارات‬
‫باستثناء التحضير للعمل المباشر‪ ،‬وتقديم أجسادنا كسبيل لطرح قضيتنا أمام ضمير المجتمع المحلي‬
‫والوطني‪ .‬مدركين للمصاعب قررنا الشروع في عملية تطهير النفس‪ .‬بدأنا سلسلة من ورش العمل‬
‫بخصوص الالعنف وكررنا السؤال على ذواتنا" هل بامكانكم قبول الهجوم من غير إنتقام؟ " و" هل‬
‫بامكانكم تحمل محنة السجن؟ " قررنا التخطيط لبرنامج العمل المباشر أثناء عيد الفصح‪ ،‬مدركين‬
‫ماعدا أعياد الميالد‪ ،‬فهذا وقت التسوق األساسي خالل العام‪ .‬ومطلعين على أن برنامج انسحاب‬
‫اقتصادي قوي سيكون مصاحبا ً للعمل المباشر‪ ،‬وشعرنا أن هذا أفضل وقت لمارسة الضغط على‬
‫التجار للتغيير المنشود‪.‬‬

‫وحدث أن انتخابات رئاسة بلدية برمنجهام قادمة في مارس‪ ،‬واتخذنا قرارا على وجه العجالة بتأجيل‬
‫العمل حتى مابعد يوم اإلنتخاب‪ .‬عندما أكتشفنا أن مفتش الشرطة للسالمة بول كونور جمع أصواتا‬
‫تكفي ليدخل الجولة الثانية‪ .‬قررنا مرة أخرى تأجيل العمل الى مابعد الجولة الثانية حتى التُستخدم‬
‫المظاهرات في تضليل القضايا‪ .‬مثل الكثيرين أنتظرنا لنرى هزيمة السيد كونور والى هنا تحملنا‬
‫تأجيل يتلوه تأجيل‪ .‬لمساعدة هذا المجتمع شعرنا بأن برنامج العمل المباشر لم يعد قابال للتأجيل‪.‬‬

‫لربما يُطرح السؤال‪ " :‬لماذا العمل المباشر؟ " لماذا اإلعتصامات‪ ،‬المسيرات وهلم جرا؟ أليس‬
‫التفاوض طريقا أفضل؟ هذا صحيح جدا للدعوة للتفاوض‪ .‬بالطبع هذه الغاية ذاتها للعمل المباشر‪.‬‬
‫العمل المباشر الالعنفي يبحث عن خلق أزمة وايجاد توتر إلجبار المجتمع الرافض باستمرار للحوار‬
‫بقبول ذلك‪ ،‬وتبحث عن تهويل القضية حتى اليمكن تجاهلها مستقبال‪ .‬استشهادي بخلق حالة توتر‬
‫كجزء من العمل المقاوم الالعنفي لربما يبدو صادما جدا‪ .‬ولكن يجب أن أعترف أنني لست خائفا من‬
‫كلمة"توتر"‪ .‬أنا عارضت جديا التوتر العنفي ولكن يوجد نوعا من التوتر البناء الالعنفي الضروري‬
‫لإلنتاج‪ .‬بالضبط كما شعر سقراط بضرورة خلق توتر في العقول حتى يتمكن األفراد من النهوض‬
‫من اإلستعباد للخرافة وأنصاف الحقيقة الى فضاء التحرر من التحليل الخالق والتقييم الموضوعي‪،‬‬
‫ولذلك يجب علينا ان نرى الحاجة الى ذبابة الخيل الال عنفية إلحداث نوعية التوتر في المجتمع‬
‫ليساعد الرجال على النهوض من األعماق المظلمة في التعصب والعنصرية الى القمم الملكوتية من‬
‫التفهم واألخوة‪.‬‬

‫الغاية من برنامج العمل المباشر هو خلق حالة لضغط األزمة وحتما ً ستفتح بابا ً للتفاوض‪ .‬ولذلك أنا‬
‫أتفق مع دعوتكم للحوار‪ .‬لفترة طويلة أحباؤنا في الجنوب عالقون قي جهد تراجيدي للعيش منفردين‬
‫عوضا من الحوار الثنائي‪.‬‬

‫أحد أهم النقاط في بيانكم أنني وزمالئي في برمنجهام كان التوقيت لعملنا غير مناسبا‪ " .‬لماذا ال‬
‫تعطون اإلدارة الجديدة للمدينة الوقت لتعمل؟ " الجواب الوحيد الذي بامكاني أقدمه لكم على هذا‬
‫التساؤل هو أن اإلدارة الجديدة لبرمنجهام يستوجب حثها كما االدارة السابقة قبل أن تعمل‪ .‬نحن من‬
‫المحزن مخطئون اذا شعرنا أن إنتخاب السيد البرت بوتويل رئيسا للبلدية سيجلب األلفية الى‬
‫برمنجهام‪ .‬بينما السيد بوتيل شخصا أكثر لطفا ً من السيد كونور‪ ،‬كالهما عنصريان‪ ،‬مخلصان‬
‫إلستمرار الوضع الراهن‪ .‬عندي أمل أن السيد بوتيل عقالنيا بأن يبصر العقم من المقاومة الهائلة‬
‫إللغاء التمييز العنصري‪ .‬ولن يعرف هذا دون الضغط من مناصري الحقوق المدنية‪.‬‬

‫أصدقائي يجب ان أقول أننا لم نحصل على مكسب واحد في الحقوق المدنية بدون ضغط سلمي‬
‫وقانوني بإصرار‪ .‬من المحزن أن الحقيقة التاريخية هي أن الفئات صاحبة اإلمتيازات نادرا ما تنازل‬
‫عن إمتيازاتها طواعية‪ .‬األفراد من المحتمل أن يروا النور األخالقي وطوعا يتخلوا عن موقفهم‬
‫الظالم‪ ،‬ولكن كما يذكرنا رينهولد نيبهور‪ ،‬المجموعات تميل الى انعدام األخالقية أكثر من األفراد‪.‬‬

‫نحن نعرف من خالل الخبرات المؤلمة أن الحرية ال توهب طواعية من قبل المستبد‪ ،‬يجب أن تُنتزع‬
‫بواسطة المقموعين‪ .‬حقا ً يجب أن أنخرط في حملة برنامج العمل المباشر " التوقيت الجيد" في نظر‬
‫هؤالء الذين لم يعانون بإفراط من مرض العزل العنصري‪ .‬لسنوات اآلن أستمعت الى كلمة" انتظر"‬
‫انها تقرع أُذن كل زنجي مع معرفة ثاقبة‪ .‬هذا " اإلنتظار" دائما تقريبا يعني " كال"‪ .‬يجب أن نرى‬
‫من أحد قضاتنا المتميزين أن " عدالة متأخرة طويال يعني إنكار العدالة‪".‬‬

‫إننا إنتظرنا أكثر من ثالثمائة وأربعون عاما لنيل حقوقنا الدستورية والموهوبة لنا من هللا‪ .‬دول آسيا‬
‫وأفريقيا يتحركون بسرعة الطائرة الى األمام يحققون االستقالل السياسي‪ ،‬لكن نحن نزحف بثبات‬
‫بخطى عربة الحصان لنحصل على فنجان قهوة على منضدة غداء‪ .‬من السهولة المحتملة ألولئك‬
‫الذين اطالقا لم يشعروا بالنبال الالذعة للعزل العنصري أن يقولوا" انتظروا"‪ .‬لكن عندما تشاهد‬
‫الغوغاء الخبثاء يقتلون عمدا األمهات واآلباء بالشهوة ويغرقون أخواتك وأخوانك بسبب النزوة‪،‬‬
‫عندما ترى الكراهية مألت شتائم رجال الشرطة‪ ،‬يركلون وحتى يقتلون اخوانك وأخواتك‪ ،‬لما تعاين‬
‫األغلبية الساحقة من ال ‪ 20‬مليون من إخوانك الزنوج يختنقون في قفص محكم من الفقر في وسط‬
‫مجتمع ثري‪ ،‬حينما فجأة تكتشف لسانك ملويا ً وخطابك متتلعثما ً عندما تبحث أن تشرح ألبنتك ذات‬
‫الست سنوات لماذا هي التستطيع الذهاب الى منتزه ترفيهي عام والذي لتوه يروج له على التلفزيون‬
‫وترى الدموع تتدفق في عيونها عندما تعلم أن القرية الترفيهية مغلقة على األطفال الملونين‪ ،‬وتشاهد‬
‫غيوم الشؤم من اإلزدراء تبدأ في تشكيل سماء عقلها‪ ،‬وتراها تبدأ في تشويش شخصيتها إثر القسوة‬
‫الغير واعية تجاه البيض‪ ،‬عندما يجب عليك تلفيق جوابا إلبنك صاحب الخمس سنوات الذي يسأل"‬
‫أبي لماذا المواطنين البيض يعاملون المواطنين السود باحتقار؟ "‪ ،‬عندما تجوب أمريكا بسيارتك‬
‫وتكتشف ان عليك النوم ليلة بعد ليلة مضطرا ً في زوايا غير مريحة من سيارتك ألن الفنادق ترفضك‪،‬‬
‫ولما تتعرض لإلهانة في كل يوم باليافطات "األبيض" و"الملون"‪ ،‬وعندما يُصبح إسمك األول "‬
‫زنجي" وإسمك األوسط "ولد" «حتى وأنت ُمسن» واسمك األخير"جون"‪ ،‬وزوجتك وأمك التعطى‬
‫إطالقا لقب محترم " سيدة"‪ ،‬ولما تغزى نهارا ً وتُصطاد ليالً بالحقيقة أنك زنجي تعيش باستمرار على‬
‫رؤوس أصابع قدمك‪ ،‬التعلم ماذا تتوقع بعد‪ ،‬ومصاب بالخوف من الداخل واإلستياء من الخارج‪،‬‬
‫ولما دوما ً تصارع شعور انحطاطي ب"النكرة"‪ ،‬سوف تفهم لماذا نحن نجد من الصعوبة اإلنتظار‪.‬‬
‫إنه يأتي وقت عنده يفيض فنجان الصبر‪ ،‬والرجال اليريدون أن ينغمسوا في هاوية اليأس‪ .‬أنني أتمنى‬
‫ياسادة أن يكون باستطاعتكم فهم تململنا الحتمي والشرعي‪.‬‬

‫أنكم عبرتم عن قدر كبير من القلق تجاه رغبتنا في خرق القوانين‪ .‬وهذا بالتأكيد قلق مشروع‪ .‬وبما‬
‫أننا نطالب الناس بجد أن ينصاعوا لقرار المحكمة العليا لعام ‪ 1954‬بتجريم العزل العنصري في‬
‫المدارس العامة‪ ،‬بنظرة أولية من الممكن يبدو لنا تناقض أننا نخالف القانون قصداً‪ .‬من المحتمل ان‬
‫يسأل الواحد " كيف لكم أن تساندوا مخالفة قوانين وإلمتثال لقوانين أخرى؟ " والجواب يكمن في‬
‫الحقيقة بوجود نوعان من القوانين‪ :‬عادلة وظالمة‪ .‬سأكون أول شخص بدعم اإلمتثال للقوانين العادلة‪.‬‬
‫الشخص ليس لديه فقط مسئولية قانونية ولكن مسئولية أخالقية ان يطيع القوانين العادلة‪ .‬وعلى‬
‫النقيض لدية مسئولية أخالقية أن يرفض القوانين الجائرة‪ .‬ينبغي أن أتفق مع القديس أوغسطين أن "‬
‫القانون الجائر ليس قانونا أبدا‪".‬‬

‫واآلن ماهو الفرق بين اإلثنين؟ كيف يستطيع المرء أن يقرر ماإذا كان القانون عادالً أم جائراً؟‬
‫القانون العادل نظام من صناعة اإلنسان يتوافق مع القانون األخالقي أو القانون اإللهي‪ .‬القانون‬
‫الجائر نظام ال ينسجم مع القانون األخالقي‪ .‬بتعبير القديس توماس األكويني‪ :‬القانون الجائر قانون‬
‫انساني غير متجذر في القانون األبدي والقانون الطبيعي‪ .‬أي قانون يرفع من قيمة شخصية اإلنسان‬
‫عادل‪ .‬أي قانون ي ُحط من شخصية اإلنسان جائر‪ .‬كل تشريعات الفصل العنصري هي ظالمة ألن‬
‫العزل العنصري يُشوش الروح ويُدمر الشخصية‪ .‬إنه يعطي الممارس للتميز شعور وهمي بالفوقية‬
‫وللضحية المعزول شعور كاذب بالدونية‪ .‬الفصل العنصري‪ ،‬باستخدام تعبير الفيلسوف اليهودي‬
‫مارتن بوبر‪ ،‬تبديل عالقة " أنا ‪/‬هذا «لغير العاقل» مكان أنا‪ /‬أنت «للعاقل» " وينتهي الى تنزيل‬
‫درجة األشخاص الى حالة األشياء‪ .‬ولذلك العزل العنصري ليس مضرا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا‬
‫فحسب وإنما خطأ ً أخالقيا مشيناً‪ .‬بول تلخ قال الحرام هو العزل‪ .‬اليس العزل العنصري تعبير‬
‫وجودي عن فصل انساني مأساوي‪ ،‬وجفاء فظيع وأثم رهيب؟ ولذلك أنا أحث الرجال ان يمتثلوا قرار‬
‫‪ 1954‬للمحكمة العليا‪ ،‬ألنه أخالقيا عادال‪ .‬ويمكنني أستحثهم لعصيان أوامر العزل العنصري ألنها‬
‫أخالقيا جائرة‪.‬‬

‫دعونا نأخذ مثاال صلبا للقوانين العادلة والجائرة‪ .‬القانون الجائر هو تشريع بواسطته األكثرية العددية‬
‫أو القوية تُجبر مجموعة األقلية لإلمتثال ولكن األكثرية ال تلتزم‪ .‬هذا التمايز يصبح قانونيا‪ .‬وبنفس‬
‫المنطق‪ ،‬القانون العادل هو تشريع بواسطة األكثرية تُجبراألقلية لإلمتثال واألكثرية تلتزم بالطاعة‪.‬‬
‫هذه الشبهية تجعله قانونيا‪.‬‬

‫دعوني أعطي شرحا آخر‪ .‬القانون جائر إذا طبق على أقلية وبالنتيجة تُحرم من حقها في التصويت‪،‬‬
‫وليس لها دور في تشريع القانون‪ .‬من يستطيع القول أن المجلس التشريعي لوالية االباما الذي وضع‬
‫قوانين العزل العنصري كان منتخبا بطريقة ديموقراطية؟ في كامل والية االباما كل أصناف‬
‫األساليب الخداعية أستعملت لمنع الزنوج من القيد االنتخابي وفي كثير من المقاطعات والتي يشكل‬
‫الزنوج فيها األكثرية من السكان لم يسجل زنجيا واحدا‪ .‬هل أي قانون يُشرع تحت مثل هذه الحاالت‬
‫يمكن إعتباره ديموقراطياً؟‬

‫أحيانا القانون عادالً في ظاهره وجائرا في تطبيقه‪ .‬مثال ذلك أنني أُعتقلت بتهمة المشاركة في‬
‫المظاهرة بدون ترخيص‪ .‬اآلن اليوجد خطأ في وجود أمر يستدعي التصريح للمظاهرة‪ .‬لكن مثل هذا‬
‫األمر يصبح غير عادال عند استعماله إلستمرار العزل العنصري وحرمان المواطنين من امتياز‬
‫التعديل األول للتجمع والتظاهر السلمي‪.‬‬

‫أنني آمل انكم قادرون على رؤية الفرق الذي أحاول اإلشارة له‪ .‬أحاول أن أوضح تحت أي حالة أنا‬
‫ال أؤيد التحايل أو تحدي القانون كما يفعل الممارس المسعور للعزل العنصري‪ .‬ألن ذلك يقود الى‬
‫الفوضوية‪ .‬الشخص الذي يخالف القانون الظالم يجب أن يفعل ذلك في العلن وبحب وبقبول العقاب‪.‬‬
‫أنا أقر أن الفرد المخالف للقانون والذي يملي عليه ضميره الظلم والذي بإرادته يقبل عقوبة السجن‬
‫لكي يرفع مستوى الوعي في المجتمع بخصوص الظلم هو في الواقع تعبير عن أسمى إحترام للقانون‪.‬‬

‫وبالتأكيد اليوجد أي جديد من هذا النوع من العصيان المدني‪ .‬كان واضحا جدا في رفض شارداش‪،‬‬
‫ميشيل‪ ،‬وابدنيغو لإلمتثال لقوانين نيبوشاندزار على أرضية أن القانون األخالقي الرفيع في خطر‪.‬‬
‫كان يمارس بامتياز من قبل المسيحين القدامى الذين كانوا على استعداد لمواجهة األسود الجائعة‬
‫واأللم الموجع من قطع الحجارة وال الخضوع لقوانين معينة مجحفة لإلمبراطورية الرومانية‪ .‬الى‬
‫درجة الحرية االكاديمية هي اليوم حقيقة ألن سقراط مارس العصيان المدني‪ .‬في رأينا حزب الشاي‬
‫في بوسطن مثل عمال كبيرا للعصيان المدني‪.‬‬

‫ينبغي أن الننسى إطالقا أن كل شئ فعله أدولف هتلر في المانيا كان "قانونيا" وكل شئ المحاربون‬
‫الهنجاريون للحرية فعلوه كان" غير قانونيا"‪ .‬لم يكن قانونيا أن تساعد وتحتضن اليهودي في المانيا‬
‫هتلر‪ .‬ورغم ذلك أنا واثقا لو كنت أعيش في المانيا في ذلك الوقت‪ ،‬لقمت بمساعدة وايواء أخواني‬
‫اليهود‪ .‬لو كنت اليوم أعيش في دولة شيوعية والتي تقمع بعض المبادئ العزيزة عند األيمان‬
‫المسيحي فسوف أدعم علنا عصيان قوانين الدولة التي ضد الدين‪.‬‬

‫يجب أن اقوم باعترافيين أمينيين لكم‪ ،‬أخواني المسيحيون واليهود‪ .‬أوال يجب أن أعترف أنه خالل‬
‫السنوات القليلة الماضية كنت محبطا بشكل خطير من البيض المعتدلين‪ .‬لقد بلغت تقريبا اإلستنتاج‬
‫المؤسف بان الحجرة العثرة الكبيرة للزنجي في تقدمه باتجاه الحرية ليس عضو المواطنين البيض أو‬
‫كوكو كالنير ولكن األبيض المعتدل‪ ،‬المخلص األكثر "للنظام" من العدالة‪ ،‬والذي يُفضل السالم‬
‫السلبي والذي يعني غياب التوتر عوضا عن السالم اإليجابي والذي يعني وجود العدالة‪ ،‬الذي يردد‬
‫باستمرار" أنا أتفق معكم في هدفكم المنشود ولكن ال أستطيع الموافقة على أساليبكم في العمل‬
‫المباشر"‪ ،‬والذي يؤمن بطريقة أبوية أنه يستطيع وضع جدوال زمنيا لحرية الرجل اآلخر‪ ،‬الذي‬
‫يعيش بمفهوم أسطوري للوقت والذي دائما ينصح الزنجي باإلنتظار " لموسم أكثر مالءمة"‪ .‬فهم‬
‫سطحي من أناس بنية طيبة يُحبط أكثر من فهم مطلق ألناس بنية مريضة‪ .‬قبول فاتر أكثر إرباكا من‬
‫رفض تام‪.‬‬

‫كنت آمل من البيض المعتدلين أن يفهموا أن القانون والنظام يوجدان لغرض إقامة العدالة وعندما‬
‫يفشال في هذا الغرض يصبحا سدودا منظمة خطيرة ويعيقا تقدم التطور اإلجتماعي‪ .‬لقد تمنيت على‬
‫البيض المعتدلين أن يعوا أن التوتر الجاري في الجنوب هو مرحلة ضرورية لإلنتقال من السالم‬
‫السلبي البغيض‪ ،‬والذي يقبل فيه الزنجي بشكل سلبي بورطته الظالمة‪ ،‬الى مرحلة سلم حقيقية‬
‫وإيجابية‪ ،‬يحترم فيه الجميع كرامة وقيمة الشحصية البشرية‪ .‬واقعا نحن الذين شاركنا في العمل‬
‫المباشر الالعنفي لسنا من أوجدنا التوتر‪ .‬نحن فقط أبرزنا الى السطح التوتر الحي مسبقا والمستور‪.‬‬
‫ابرزناه للعلن لرؤيته والتعاطي معه‪ .‬مثل الدملة التي اليمكن معاجتها إطالقا مادامت ال تُرى حتى‬
‫تبرز مع قبحها الى العالج الطبيعي تحت النور والهواء‪ ،‬الظالم يجب إبرازه مع كامل التوتر‬
‫المصاحب الى نور الضمير اإلنساني والى هواء الرأي الوطني قبل التمكن من عالجه‪.‬‬

‫في البيان أكدتم بأن أفعالنا رغم سلميتها‪ ،‬يستوجب شجبها ألنها تولد العنف‪ .‬لكن هل هذا توكيد‬
‫منطقي؟ اليس ذلك كما شجب الرجل المسروق ألنه يحمل نقودا أنتجت الفعل الشيطاني للسرقة‪ .‬أليس‬
‫ذلك كما إدانة سقراط اللتزامه الثابت بالحقيقة وتساؤالته الفلسفية التي عجلت الفعل للرعاع بأن‬
‫يشرب السم؟ اليس ذلك كما إدانة عيسى لوعيه الرباني المميز وعدم توقف أخالصه إلرادة هلل عجلت‬
‫العمل الشيطاني لصلبه؟ يجب ان نعلم كما أكدت دائما المحاكم الفدرالية‪ ،‬إن من الخطأ الطلب من‬
‫الشخص وقف جهوده لنيل حقوقه الدستورية ألن الطلب قد ينتج عنفا‪ .‬المجتمع يجب عليه أن يحمي‬
‫المسروق ويعاقب السارق‪.‬‬

‫أنا كذلك تمنيت أن البيض المعتدلين يرفضون الخرافة فيما يخص التوقيت بالعالقة الى النضال من‬
‫أجل الحرية‪ .‬للتو استلمت رسالة من أخ أبيض من تكساس‪ .‬لقد كتب‪ :‬كافة المسيحين يعرفون أن‬
‫الملونين سوف يحصلون أخيرا على حقوق متساوية‪ ،‬لكن من المحتمل أنك في استعجال ديني كبير‪.‬‬
‫المسيحية أخذت تقريبا الفين عام لتنجز ماأنجزت‪ .‬تعاليم المسيح أخذت وقتا لتصل الى األرض‪ .‬مثل‬
‫هذا الموقف ينشأ من سوء الفهم المأساوي للوقت‪ ،‬من الفكرة العقلية الغريبة بأن هناك شيئا ما فى‬
‫مجرى الوقت ذاته سوف حتما سيعالج كل األمراض‪ .‬في الواقع أن الوقت ذاته محايدا‪ ،‬ويمكن‬
‫استعماله للهدم أو البناء‪ .‬أكثر وأكثر أشعر ان الناس المرضى يستخدمون الوقت أكثر فاعلية كثيرا‬
‫من الناس ذوو النوايا الحسنة‪ .‬نحن يستوجب علينا ان نندم في هذا الجيل ليس فقط ألجل كلمات‬
‫الكراهية وأعمال الناس السيئين ولكن للصمت الرهيب من قبل الناس الجيدين‪ .‬التقدم البشري اليجري‬
‫على دواليب الحتمية‪ ،‬انه يأتي من خالل الجهود الحثيثة لرجال يرغبون أن يكونوا خداما هلل وبدون‬
‫هذا العمل الشاق يصبح الوقت ذاته حليف لقوى الجمود اإلجتماعي‪ .‬علينا أن نستغل الوقت بشكل‬
‫خالق‪ ،‬بالمعرفة أن الوقت دائما مؤات للعمل السليم‪ .‬حان الوقت لنصنع حقيقة الوعد الديموقراطي‬
‫ونحول المرثية الوطنية المعلقة الى نشيد خالق لألخوة‪ .‬اآلن الوقت المناسب لنرفع سياستنا الوطنية‬
‫من الرمال المتحركة من الظلم العنصري الى الصخور الصلبة للكرامة اإلنسانية‪.‬‬

‫أنتم تتحدثون عن نشاطنا في برمنجهام كتطرف‪ .‬في البداية كنت محبطا ً أن زمالئي رجال الدين‬
‫يعتبرون جهودي الالعنفية مشابهة ألعمال المتطرفين‪ .‬وبدأت أفكر عن الحقيقة أنني أقف بين قوتين‬
‫متعاكستين في الوسسط الزنجي‪ .‬واحدة من القوى هي الرضا‪ ،‬وتتشكل جزئيا من الزنوج الذين‬
‫وبسبب السنين الطويلة من القمع أصبحوا مجففين من أحترام الذات واإلحساس ب " الشخصية"‬
‫ألنهم تأقلموا مع الفصل العنصري‪ ،‬وقسما من الزنوج من الطبقة الوسطى لجهة األمن األكاديمي‬
‫واإلقتصادي الى درجة وبسبب أحيانا اإلستفادة من الفصل العنصري أصبحوا ال يشعرون بمشاكل‬
‫األغلبية‪ .‬والقوة األخرى هي قوة المرارة والكراهية وقاربت تشجيع العنف بشكل بالغ الخطورة‪ .‬ويتم‬
‫التعبير عنها في مختلف التجمعات الوطنية للسود وتنتشر عبر البالد‪ ،‬األكبر واألكثر شهرة الحركة‬
‫اإلسالمية لالليجا محمد‪ .‬مدعومة بإحباط الزنوج من وجود التمييز العنصري المستمر‪ .‬هذه الحركة‬
‫تتكون من أناس فقدوا ثقتهم بأمريكا التي تنكرت للمسيحية‪ ،‬والتي قررت أن الرجل األبيض‬
‫"شيطان" مريد‪.‬‬

‫لقد حاولت أن أقف بين هاتين القوتين قائال علينا ان النحاكي" افعل الشئ" للراضين وال الكراهية‬
‫للوطنيين السود اليائسين‪ .‬ألجل وجود طريقة أكثر جودة من الحب واإلحتجاج السلمي‪ .‬أشكر هللا ومن‬
‫خالل تأثير كنيسة الزنوج‪ ،‬منهجية الالعنف أمست جزءا ً تاما ً من نضالنا‪.‬‬

‫ولو لم تبرز هذه الفلسفة فإنني على قناعة بأن الشوارع في الجنوب سالت بالدماء‪ .‬وأنا على قناعة‬
‫أكبر لو أن أخواننا البيض تركوا امثال" مثيرون دهماء" و" محرضون خوارج" نحن من استخدمنا‬
‫العمل المباشر الالعنفي‪ ،‬ولو أنهم رفضوا دعم جهودنا السلمية‪ ،‬ماليين من الزنوج نتيجة اإلحباط‬
‫واليأس سوف يبحثون عن العزاء واألمن في ايدولوجيات الوطنيين السود‪ ،‬وهو تطور حتما سيقود‬
‫الى كابوس عنصري فظيع‪.‬‬

‫الشعب المضطهد ال يمكن أن يبقى مضطهدا الى األبد‪ .‬اللهفة للحرية تكشف في النهاية عن ذاتها‪،‬‬
‫وهذا ماحدث للزنوج االمريكيين‪ .‬شيئا ما بداخله ذكره بحريته المكتسبة منذ الوالدة‪ ،‬وشيئا اخر ذكره‬
‫بمقدوره نيل الحرية‪ .‬شعوريا أو ال شعوريا لقد تعلق بروح العصر‪ ،‬وبإخوانه السود من أفريقيا‪،‬‬
‫والسمر والصفر من آسيا‪ ،‬جنوب أمريكا والكاريبي‪ ،‬زنوج الواليات المتحدة يتقدمون بالشعور بعجلة‬
‫ملحة نحو األرض الموعودة بالعدالة العرقية‪ .‬اذا المرء تفهم االلحاح الحيوي الذي ابتلع المجتمع‬
‫الزنجي‪ ،‬يُفترض أن يفهم بسهولة لماذا حدوث المظاهرات العامة‪ .‬الزنجي لديه إستياء مكبوت‬
‫واحباط مستتر ويجب تفريغها‪ .‬ولذلك دعوه يتظاهر ويقوم بحج صلواتي الى مبنى البلدية‪ .‬إتركوه‬
‫يذهب لسياحة حرة وحاولوا أن تفهموا لماذا هو يجب عليه فعل ذلك‪ .‬اذا انفعاالته المكبوته لم تُفرغ‬
‫بوسائل سلمية سيتم التعبير عنها بوسائل العنف‪ ،‬وهذا ليس تهديدا ولكن حقيقة تاريخية‪ .‬ولذلك أنا لم‬
‫أخاطب جمهوري " تخلص من سخطك" بل بالعكس حاولت أن أقول ذلك االستياء الصحي والطبيعي‬
‫يستدعي توجيهه الى مصب خالق بفعل مباشر ال عنفي‪ .‬واآلن هذه المقاربة تسمى تطرفا ً‪.‬‬

‫وعلى الرغم أني مبدئيا كنت محبطا بتصنيفي كمتطرف‪ ،‬مع استمراري بالتفكير في القضية بالتدريج‬
‫حصلت على مقدار من الرضا من هذا التصنيف‪ .‬ألم يكن عيسى متطرفا للحب‪ :‬أحب أعدائك‪ ،‬وبارك‬
‫لهم شتيمتك‪ ،‬إعمل الخير لمن يكرهوك‪ ،‬وادعوا لهم الذين يزدروك ويضطهدوك‪ .‬الم يكن اموس‬
‫متطرفا ألجل العدالة" دع العدالة تتدحرج مثل الماء‪ ،‬واإلنصاف كنهر دائم التدفق"‪ .‬ألم يكن الحواري‬
‫بول متطرفا لالنجيل المسيحي" أنا أحمل في جسدي عالمات المسيح عيسى"‪ .‬ألم يكن مارتن لوثر‬
‫متطرفا‪ " :‬هنا أقف ال يمكن أفعل غير ذلك‪ ،‬ساعدني ياهللا" وجون بونيون‪ " :‬سوف أمكث في السجن‬
‫الى آخر أيامي قبل أن أذبح ضميري‪ " .‬والى ابراهيم لينكولن‪ " :‬هذا الوطن ال يمكن أن يستمر نصف‬
‫عبيد ونصف أحرار"‪ .‬والى توماس جيفرسون‪ " :‬نحن نمسك الحقائق لتكون دليال بديهيا على أن كل‬
‫الرجال ُخلقوا متساوون"‪ " ....‬إذن السؤال ليس هل نحن متطرفون‪ ،‬ولكن من أي نوع من المتطرفين‬
‫سنكون‪ .‬هل متطرفون للكراهية أو للحب؟ هل متطرفون للحفاظ على الظلم أو لتوسيع العدالة؟ في‬
‫صلبوا‪ .‬يجب أن ال تتسى بتاتا كل‬‫ذلك المنظر الدرماتيكي على هضبة كالفري ثالثة من الرجال ُ‬
‫صلبوا لذات الجريمة ‪ -‬جريمة التطرف‪ .‬إثنان متطرفان لسوء السلوك ولذلك سقطوا أدنى من‬ ‫الثالثة ُ‬
‫بيئتهم‪ .‬واآلخر المسيح عيسى كان متطرف ألجل الحب‪ ،‬الحقيقة والخير‪ ،‬ولذلك إرتفع فوق بيئته‪ .‬من‬
‫المحتمل الجنوب‪ ،‬الوطن والعالم في حاجة ماسة للتطرف الخالق‪.‬‬

‫كنت قد تمنيت على البيض المعتدلين أن يدركوا هذه الضرورة‪ .‬لربما كنت مفرطا في التفاؤل ولربما‬
‫بالغت في التوقعات‪ .‬أتصور كان ينبغي أن أًدرك أن األعضاء القليلين من العرق المستبد بإمكانه أن‬
‫يفهم اآلهات العميقة والحنين الملتهب للعرق المقموع‪ ،‬وال يزال األقل يمتلك الرؤية ليفهم أن الظلم‬
‫البد أن يُقتلع بالعمل القوي والصامد والمصمم‪ .‬أنني أشكر في كل األحوال بعض إخوتنا البيض في‬
‫الجنوب الذين أدركوا معنى الثورة اإلجتماعية وكرسوا أنفسهم من أجلها‪ .‬لم يزالوا قليلون في العدد‪،‬‬
‫ولكنهم كبار في القيمة‪ .‬البعض من أمثال ‪ -‬رالف مقيل‪ ،‬ليليان سميث‪ ،‬هاري جولدن‪ ،‬جيمس مكبرايد‬
‫دابس‪ ،‬آن برادن‪ ،‬وسارة باتون بويل هؤالء كتبوا عن كفاحنا بتعبيرات بليغة وتنبؤية‪ .‬وآخرون‬
‫تظاهروا معنا في شوارع الجنوب‪ .‬لقد خارت قواهم في سجون قذرة ومجتاحة بالصراصير‪ ،‬وعانوا‬
‫سوء المعاملة ووحشية رجال الشرطة الذين يرونهم " محبوا للزنوج القذرين"‪ .‬وعلى العكس من‬
‫كثير من إخوانهم وأخواتهم البيض المعتدلين لقد أدركوا إلحاحية اللحظة وشعروا ضرورة الدواء‬
‫القوي " للعمل" على مكافحة مرض الفصل العنصري‪.‬‬

‫دعوني أستعرض أهم اإلحباطات األخرى‪ .‬كنت محبط على درجة عالية من كنيسة البيض وقيادتها‪.‬‬
‫بالطبع يوجد استثناءات‪ ،‬أنا أعرف الحقيقة أن كل واحد منكم إتخذ موقفا مهما من القضية‪ .‬أنا شاكر‬
‫لذلك‪ ،‬القس ستالنج لموقفك المسيحي في األحد الفائت في الترحيب بالزنوج في مراسيم العبادة على‬
‫قاعدة عدم الفصل العنصري‪ .‬أشكر القيادة الكاثوليكية لهذه الوالية لجهة الدمج في كلية سبرينغ هيل‬
‫من عدة سنين‪.‬‬

‫ولكن على الرغم من هذه اإلستثناءات المهمة‪ ،‬يجب أن أكرر بصدق أنني قد خاب أملي بالكنيسة‪ .‬ال‬
‫أقول ذلك انطالقا من النقد السلبي الذي يستطيع دائما أن يعثر على خطأ في الكنيسة‪ .‬أقول ذلك وأنا‬
‫واعظ في اإلنجيل ومحب للكنيسة من الذين ترعرعوا في كنفها والذي أستمر بفضل بركاتها الروحية‬
‫والذي سيبقى مخلصا لها طالما استمر حبل الحياة‪.‬‬

‫لما فجأة ُرميت في القيادة في أحتجاج األتوبيس في مونتغمري‪/‬االباما منذ سنوات شعرت أننا سنكون‬
‫مدعومون من كنيسة البيض‪ .‬شعرت أن القساوسة البيض واألحبار في الجنوب سيكونون من أقوى‬
‫الحلفاء‪ .‬وعلى النقيض البعض أصبح خصما تاما يرفض تفهم الحركة من أجل الحرية ويشوه قيادتها‪،‬‬
‫وكثير آخرون كانوا أكثر حذرا من شجعان وظلوا صامتون وراء أمنا اصطناعيا من نوافذ زجاجية‬
‫ملطخة‪.‬‬

‫على الرغم من أحالمي المبعثرة‪ ،‬قدمت الى برمنجهام على أمل أن القيادة الدينية البيضاء لهذا‬
‫المجتمع سترى عدالة قضيتنا وباهتمام أخالقي عميق سوف تكون قناة من خاللها تصل ظالماتنا‬
‫المحقة الى مؤسسة السلطة‪ .‬كنت أتمنى من كل واحد منكم أن يتفهم‪ ،‬ولكن مرة أخرى أُصبت بخيبة‬
‫أمل‪.‬‬

‫لقد سمعت أن عددا من القادة الدينيين الجنوبيين ينصحوا المصلين لإللتزام بقرار الفصل العنصري‬
‫ألنه قانونياً‪ .‬غير أني سمعت طويال القساوسة البيض يعلنون" إتبعوا هذا األمر ألن اإلندماج أخالقيا‬
‫صحيحا وألن الزنجي هو أخوك"‪ .‬وفي خضم الجور السافر الذي يتعرض له الزنوج‪ ،‬شاهدت رجال‬
‫الكنيسة البيض يقفون على الخط الجانبي ويتفوهون بتفاهات دينية نفاقية في غير محلها‪ .‬وفي وسط‬
‫نضال عظيم لتخليص وطننا من الظلم العرقي واإلقتصادي‪ ،‬سمعت كثير من القساوسة يتحدثون"‬
‫تلكم قضايا اجتماعية‪ ،‬ليست من إهتمامات اإلنجيل الحقيقية"‪ .‬وشاهدت عدة كنائس يكرسون أنفسهم‬
‫الى دين أُخروي تماما وليصنع تمييز غريب وغير إنجيلي بين الجسد والروح‪ ،‬بين المقدس‬
‫والعلماني‪.‬‬

‫سافرت في طول وعرض االباما‪ ،‬ميسيسبي‪ ،‬وجميع الواليات الجنوبية‪ .‬في أيام صيف قائضة وفي‬
‫صباحات خريف قاسية وشاهدت كنائس الجنوب الجميلة بقممها السامقة تشير نحو السماء‪ .‬ولمحت‬
‫التخوم المثيرة لإلعجاب لمباني التعليم الديني الضخمة‪ .‬تارة وتارة إكتشفت نفسي متسائال" مانوع‬
‫عبادة الناس هنا؟ من ربهم؟ أين كانت أصواتهم لما كانت شفتا الحاكم بارنت تقطر بكلمات التطفل‬
‫واإللغاء؟ أين أصواتهم المساندة عندما رجال ونساء الزنوج المنهكين والمسحوقين قرروا النهوض‬
‫من زنزانات الرضا المظلمة الى المرتفعات المضيئة من اإلحتجاجات الخالقة؟‪".‬‬

‫نعم‪ ،‬كل هذه األسئلة لم تبرح عقلي‪ .‬في عمق خيبة األمل بكيت إهمال الكنيسة‪ .‬لكن تأكدوا أن دموعي‬
‫كانت دموع الحب ‪.‬اليوجد خيبة عميقة اذا لم يوجد حب عميق‪ .‬نعم أنا أحب الكنيسة‪ .‬كيف أعمل غير‬
‫ذلك؟ أنا في موقع متميز لكوني إبن والحفيد والحفيد األعظم للوعاظ‪ .‬نعم أنا أرى الكنيسة تجسيدا‬
‫للمسيح‪ .‬لكن أوه! كيف نحن شوهنا وجرحنا الجسد من خالل التجاهل اإلجتماعي ومن خالل الخوف‬
‫من ان نكون منشقين‪.‬‬

‫كان هناك زمان لما كانت الكنيسة قوية جدا ‪ -‬في ذلك الزمان لما كان المسيحيون السابقون يبتهجون‬
‫لما يعتبرونه جديرا بالمعناة لما يعتقدوا‪ .‬في تلك األيام الكنيسة لم تكن فقط ثرموميتر لتسجيل األفكار‬
‫ومبادئ الرأي الشعبي‪ ،‬كانت ثرموستات لتغيير أعراف المجتمع‪ .‬في كل مرة يدخل المسيحيون بلدا‪،‬‬
‫الماسكون بزمام السلطة ينزعجون وفورا يبحثون عن إتهام المسيحيين بأنهم" مشوشوا السالم" و"‬
‫محرضون خوارج"‪ .‬ولكن أصر المسيحيون على قناعتهم بأنهم " جالية من السماء" نادت بطاعة هللا‬
‫وليس اإلنسان‪ .‬قليلون في العدد‪ ،‬كانوا كبار في اإللتزام‪ .‬كانوا ثملين جدا باهلل ليكونوا " خائفون جدا"‬
‫بجهدهم ومثاليتهم أنهوا الشرور القديمة مثل قتل األطفال ومسابقات المصارعة‪.‬‬

‫األمور إختلفت اآلن‪ .‬في أغلب األحيان الكنيسة المعاصرة ضعيفة‪ ،‬وصوت غير فعال متشكك‪ .‬وغالبا‬
‫مدافعة عن الوضع الراهن‪ ،‬بعيدة جدا ان تكون منزعجة من وجود الكنيسة‪ ،‬مؤسسة السلطة للمجتمع‬
‫المتوسط تواسى بصمت الكنسيسة‪ ،‬وغالبا حتى بالحظر اللفظي لألشياء كما هي‪.‬‬

‫لكن قضاء هللا على الكنيسة ليس كما مامضى‪ .‬اذا الكنيسة اليوم لم تعيد اإلمساك بالروح التضحوية‬
‫كما الكنيسة قديما‪ ،‬سوف تخسر مصداقيتها وتفقد والء الماليين وستؤول كنادي اجتماعي تافه ال‬
‫معنى له في القرن العشرين‪ .‬فى كل يوم التقي شبابا خيبتهم بالكنيسة تحولت الى إشمئزاز تام‪.‬‬

‫من المحتمل مرة أخرى أنني مفرط في التفاؤل‪ .‬هل الدين المنظم المفرمتجه الى الوضع الراهن‬
‫لحماية وطننا والعالم؟ ربما يجب علي ان أحول إيماني نحو الكنيسة الروحية الجوانية‪ ،‬الكنيسة داخل‬
‫الكنيسة‪ ،‬مثل ايكليسيا الحقيقية وامل العالم‪ .‬لكن مرة أخرى أشكر الرب بأن بعض األرواح النبيلة من‬
‫الصفوف الدينية المنظمة إنفلتت من سالسل اإللتزام المكبلة والتحقت بنا كشركاء فاعلين في النضال‬
‫من اجل الحرية‪ .‬لقد تركوا تجمعهم اآلمن وتظاهروا معنا في شوارع الباني‪ /‬جورجيا‪ .‬ذهبوا الى‬
‫الطرق السريعة في الجنوب في طرق متعرجة ألجل الحرية‪ .‬نعم لقد ذهبوا الى السجن معنا‪ ،‬وتم‬
‫فصل بعضهم من الكنيسة وخسروا الدعم من زمالئهم المطران والقساوسة‪ .‬ولكنهم تصرفوا بموجب‬
‫اإليمان أن الحق مهزوم أقوى من الشر منتصرا‪ .‬كانت شهادتهم الملح الروحي التي حافظت على‬
‫المعنى الحقيقي لإلنجيل في تلك األوقات العصيبة‪ .‬هم نحتوا نفقا ً من األمل في وسط جبل مظلم من‬
‫اإلحباط‪.‬‬

‫أتمنى على الكنيسة ككل أن تواجه التحديات في هذه الساعة الحاسمة‪ .‬ولكن حتى لو أن الكنيسة لم‬
‫تلتحق بدعم العدالة‪ ،‬فأنني لست يائسا ً من المستقبل‪ .‬لست خائفا من نتائج نضالنا في برمنجهام حتى‬
‫وان كانت دوافعنا حاليا غير مفهومة‪ .‬إننا سنبلغ هدف الحرية في برمنجهام وفي كامل الوطن‪ ،‬لسبب‬
‫أن هدف أمريكا هي الحرية‪ .‬لربما نحن مظلومون ومحتقرون‪ ،‬لكن مصيرنا مرتبط بمصير أمريكا‪.‬‬
‫قبل هبوط المهاجرين في بلموث‪ ،‬كنا هنا‪ .‬قبل قلم جفرسون يحفر الكلمات الفخمة إلعالن اإلستقالل‬
‫في صفحات التاريخ‪ ،‬نحن هنا‪ .‬قبل أكثر من قرنين أسالفنا إشتغلوا في هذا البلد بدون أجور؛ صنعوا‬
‫القطن‪ ،‬بنوا البيوت ألسيادهم في ظل ظلم كامل واحتقار معيب ومع ذلك إنطالقا من نشاط عظيم‬
‫واصلوا اإلزدهار والتنمية‪ .‬اذا وحشية ال توصف من اإلستعباد لم تتمكن من إيقافنا‪ ،‬المقاومة التي‬
‫نواجه حاليا ستفشل يقينا‪ .‬سوف نظفر بحريتنا ألن الميراث المقدس لوطننا واإلرادة األبدية هلل مطوية‬
‫في مطالبنا المتكررة‪.‬‬

‫قبل الختام أشعر أنني مضطر لذكر نقطة أخرى في البيان طالما أرقتني عميقا‪ .‬أنتم شكرتم بحرارة‬
‫قوة الشرطة في برمنجهام لمحافظتها على "النظام" و" منعها العنف" أنني مرتاب من أنكم ستمدحون‬
‫قوات الشرطة لو شاهدتم كالبهم تغرز أسنانها في زنوج عزل وسلميين‪ .‬أنني أشك انكم بهذه العجالة‬
‫ستشكرون الشرطة لو رأيتم معاملتهم الفجة والالإنسانية للزنوج هنا في سجن المدينة‪ ،‬لو عاينتموهم‬
‫يدفعون ويشتمون نساء الزنوج الكبار وبنات الزنوج الشابات؛ لو رأيتموهم يصفعون ويركلون رجال‬
‫الزنوج كبار السن والصبية الصغار؛ لو شاهدتم مافعلوا في مناسبتين‪ ،‬رفضوا أن يعطونا طعاما ألننا‬
‫رغبنا أن نغني مجتمعين‪ .‬ال يمكنني موافقتكم في الثناء على دائرة الشرطة في برمنجهام‪.‬‬

‫في الحقيقة أن الشرطة مارست درجة من اإلنضباط في التعامل مع المظاهرات‪ .‬في هذا الجانب‬
‫مارسوا " عدم العنف" في العلن‪ .‬لكن ماهو الغرض؟ إلبقاء النظام الشرير للفصل العنصري‪ .‬خالل‬
‫السنوات المنصرمة كنت باستمرار أعظ بأن المطالب السلمية والوسائل التي نستعملها يجب أن تكون‬
‫نظيفة مثل النهايات التي نبحث عنها‪ .‬حاولت أن أوضح بأنه من الخطأ أستعمال وسائل ال أخالقية‬
‫للحصول على نهايات أخالقية‪ .‬ولكن حاليا أؤكد ان كذلك من الخطأ أو لربما أعظم استخدام وسائل‬
‫أخالقية لحماية نهايات الأخالقية‪ .‬من المحتمل السيد كونور ورجاله من الشرطة كانوا سلميون في‬
‫العلن كما هو الرئيس برايتشيت في الباني‪/‬جورجيا ولكنهم استخدموا طرق أخالقية العنفية للحصول‬
‫على نهاية ال أخالقية من الظلم العنصري‪ .‬مثل ماقال ت‪ .‬س‪ .‬اليوت " اإلغراء النهائي أعظم خيانة‪:‬‬
‫أن تفعل الصواب من أجل السبب الخطأ‪".‬‬

‫تمنيت لو أن مدحتم المعتصمين الزنوج والمتظاهرين في برمنجهام لشجاعتهم الرفيعة‪ ،‬وارادتهم على‬
‫المعاناة وانضباطهم المدهش في وسط استفزاز هائل‪ .‬يوما ما‪ ،‬الجنوب سيتعرف على أبطاله‬
‫الحقيقيين‪ .‬سيكون هناك جيمس ميريدث‪ ،‬بشعور نبيل للغرض لكي يمكنهم من مواجهة الغوغاء‬
‫الساخرين والعدوانيين‪ ،‬وبشعور الوحدة المؤذي الذي صاحب حياة الرواد‪ .‬سيكون هناك المرأة‬
‫الزنجية المسنة والمقموعة والمعذبة‪ ،‬مجسدة في المرأة ذات اإلثنين والسبعين عاما من العمر في‬
‫مونتجمري‪ /‬االباما‪ ،‬التي وقفت بشعور الكرامة وبالناس الذين قرروا ال يركبون الباصات التي‬
‫تمارس الفصل العنصري‪ ،‬الذين استجابوا بتفكير كبير للمرأة التي تساءلت عن تعبها " قدماي متعبة‪،‬‬
‫لكن روحي في راحة"‪ .‬سيتواجد طالب الثانوية الشباب وطلبة الجامعة‪ ،‬القساوسة الشبان من الكنيسة‬
‫ومضيف لكبار السن‪ ،‬بشجاعة وبدون عنف يجلسون على طاوالت الغداء وبإرادتهم يذهبون للسجن‬
‫من أجل الضمير‪ .‬في يوم ما سيعرف الجنوب عندما هؤالء األطفال جلسوا على منضدة الغداء‪ ،‬كانوا‬
‫في الحقيقة يدافعون عن ماهو أفضل في الحلم األمريكي وعن أقدس القيم في تراثنا اليهودي‬
‫المسيحي‪ ،‬وبهذا يعيدوا وطننا الى تلك الينابيع العظيمة للديموقراطية والتي ُحفرت عميقا بواسطة‬
‫اآلباء المؤسسين عبر تأسيس الدستور وإعالن اإلستقالل‪.‬‬
‫لم أكتب من قبل رسالة بهذا الطول إطالقاً‪ .‬أنني متوجس أنها طويلة جدا وتأخذ من وقتكم الثمين‪ .‬أنني‬
‫أُؤكد لكم كانت ستكون أقصر كثيرا لو أنني أكتبها من على طاولة مريحة‪ ،‬لكن ماذا يُمكن للمرء أن‬
‫يفعل عندما يكون وحيدا في خلية سجن ضيقة‪ ،‬غير كتابة رسائل مطولة‪ ،‬يفكر أفكارا طويلة ويصلي‬
‫صلوات طويلة؟‬

‫أن قلت أي شئ في هذه الرسالة يبالغ في الحقيقة ويؤشر على عدم صبر معقول‪ ،‬فإنني أرجوكم أن‬
‫تسامحوني‪ .‬اذا ذكرت أي شئ يبسط الحقيقة ويدل على صبري الذي يسمح لي لتوطيد اي شئ أقل‬
‫من األخوة‪ ،‬أدعوا هللا أن يغفر لي‪.‬‬

‫أتمنى هذه الرسالة تجدكم أقوياء في إيمانكم‪ .‬أيضا أتمنى تصبح الظروف مؤاتية قريبا لمقابلة كل‬
‫شخص‪ ،‬ليس كموحد أو قائد حقوق مدنية بل كرجل دين زميل وأخ مسيحي‪ .‬دعونا جميعا نتفاءل أن‬
‫السحابة السوداء للتفرقة العنصرية قريبا ستعبر بعيدا وان الضباب الكثيف لسوء الفهم سيرتفع من‬
‫مجتمعنا المملوء خوفا‪ ،‬وفي غد قريب تشع نجوم المحبة واألخوة المضيئة على وطننا العظيم بكامل‬
‫جمالها المتألق‪.‬‬

‫أخوكم ألجل السالم واألخوة‬

‫مارتن لوثر كنج‬


‫ﻧﻘﺪ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‬

‫ﻛﺎﺭﻝ ﻣﺎﺭﻛﺲ‬

‫ﺗﺮﲨﺔ‬
‫ﺩﻛﺘﻮﺭ ﺭﺍﺷﺪ ﺍﻟﱪﺍﻭﻱ‬

‫ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻷﻭﱃ ‪١٩٦٩‬‬


‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪ :‬ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬
‫ﻣﻘﺪﻣﺔ‬

‫ﺇﻨﻲ ﺃﺒﺤﺙ ﻨﻅﺎﻡ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺒﻭﺭﺠﻭﺍﺯﻱ ﻭﻓﻘﹰﺎ ﻟﻠﺘﺭﺘﻴﺏ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ‪ :‬ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎل‪ ،‬ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﺯﺭﺍﻋﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻷﺠـﻭﺭ؛ ﺍﻟﺩﻭﻟـﺔ ﺍﻟﺘﺠـﺎﺭﺓ‬
‫ﺍﻟﺨﺎﺭﺠﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺴﻭﻕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ‪ .‬ﻭﺘﺤﺕ ﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻴﻥ ﺍﻟﺜﻼﺜﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺃﺒﺤﺙ ﺍﻷﺤﻭﺍل ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻭﺠﺩ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻁﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻜﺒـﺭﻯ ﺍﻟـﺜﻼﺙ‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺸﻜل ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺒﻭﺭﺠﻭﺍﺯﻱ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ‪ .‬ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻭﺭ ﻴﺘﺭﺍﺀﻯ ﺍﺭﺘﺒﺎﻁ ﺍﻟﺒﻨﻭﺩ ﺍﻟﺜﻼﺜﺔ ﺍﻷﺨﺭﻯ‪ .‬ﻭﻴﺘﻀﻤﻥ ﺍﻟﻘﺴﻡ ﺍﻷﻭل ﻤﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ‬
‫ﺍﻷﻭل ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻌﺎﻟﺞ ﻤﻭﻀﻭﻉ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎل‪ ،‬ﺍﻟﻔﺼﻭل ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ‪ (١) :‬ﺍﻟﺴﻠﻌﺔ؛ )‪ (٢‬ﺍﻟﻨﻘﻭﺩ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺩﺍﻭل ﺍﻟﺒﺴﻴﻁ؛ )‪ (٣‬ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎل ﺒﻭﺠﻪ ﻋﺎﻡ‪.‬‬
‫ﻭﻤﻥ ﺍﻟﻔﺼﻠﻴﻥ ﺍﻷﻭﻟﻴﻥ ﺘﺘﻜﻭﻥ ﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺠﻠﺩ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ‪ .‬ﻭﻤﺠﻤﻭﻉ ﺍﻟﻤﻭﺍﺩ ﻤﻌﺩ ﺘﻤﺎﻤ‪‬ﺎ ﻋﻠﻰ ﺼﻭﺭﺓ ﻤﻘﺎﻻﺕ ﻜﺘﺒﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻟﺤﻅﺎﺕ ﺠﺩ ﻤﺘﺒﺎﻋﺩﺓ‬
‫ﻋﻥ ﺒﻌﻀﻬﺎ ﺍﻟﺒﻌﺽ‪ ،‬ﻟﻔﺎﺌﺩﺘﻲ ﺍﻟﺨﺎﺼﺔ ﻭﻟﻴﺱ ﺍﻟﻨﺸﺭ‪ .‬ﻭﺴﻭﻑ ﺘﻘﺭﺭ ﺍﻟﻅﺭﻭﻑ ﺇﺫﺍ ﻜﺎﻨﺕ ﺴﺄﻨﺸﺭﻫﺎ ﻴﻭﻤ‪‬ﺎ ﻭﻗﺩ ﺼﻨﻔﺕ ﺘﻤﺎﻤ‪‬ﺎ ﻭﻓﻕ ﺍﻟﺨﻁﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﺴﻠﻑ ﺒﻴﺎﻨﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻭﺃﺤﺫﻑ ﻤﻘﺩﻤﺔ ﻋﺎﻤﺔ ﻜﻨﺕ ﻗﺩ ﺴﻁﺭﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻭﺭﻕ‪ .‬ﻭﺇﺫ ﺭﺤﺕ ﺃﻓﻜﺭ ﻋﻥ ﻜﺜﺏ ﻓﺈﻥ ﻜل ﺍﺴﺘﺒﺎﻕ ﻟﻠﻨﺘﺎﺌﺞ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﺭﺍﺩ ﺇﺜﺒﺎﺘﻬﺎ ﻟﻡ‬
‫ﻴﻜﻥ ﻟﻴﻌﻤل ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﻭﻀﻊ ﺍﻟﻌﺭﺍﻗﻴل‪ .‬ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﺇﻥ ﺃﺭﺍﺩ ﻤﺘﺎﺒﻌﺘﻲ‪ .‬ﺃﻥ ﻴﻨﺘﻘل ﻤﻥ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻡ‪ .‬ﻭﻟﻜﻥ ﻓﻲ ﺇﻤﻜﺎﻨﻲ ﺃﻡ ﺃﻗـﺩﻡ‬
‫ﻫﻨﺎ ﺒﻀﻊ ﺩﻻﺌل ﻋﻥ ﺴﻴﺭ ﺩﺭﺍﺴﺎﺘﻲ ﻟﻼﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ‪.‬‬

‫ﻜﺎﻥ ﻓﻘﺔ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﻤﺎﺩﺓ ﺘﺨﺼﺼﻲ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻲ ﻟﻡ ﺃﻀﻌﻪ ﺇﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺭﺘﺒﺔ ﺍﻟﺜﺎﻨﻴﺔ ﺒﻌﺩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ‪ .‬ﻭﻓﻲ ‪ ٤٣ – ١٨٤٣‬ﻭﺒﻴﻨﻤﺎ‬
‫ﻜﻨﺕ ﺃﺤﺭﺭ ‪ ،Rheinische Zeitung‬ﺃﻟﻔﻴﺘﻨﻲ ﻷﻭل ﻤﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻭﻗﻑ ﺍﻟﻤﺤﻴﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺘﻁﻠﺏ ﻤﻨﻲ ﺇﺒﺩﺍﺀ ﺍﻟﺭﺃﻱ ﺒﺼﺩﺩ ﻤﺎ ﻴﻁﻠﻕ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﺃﺴﻡ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﻻﻨﺩﺘﺎﺝ ﺍﻟﺭﺍﻴﻥ ﺤﻭل ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺒﺎﻟﻐﺎﺒـﺎﺕ ﻭﺤـﻭل ﺘﺠﺯﺌـﺔ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴـﺔ‬
‫ﺍﻟﺯﺭﺍﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺠﺩل ﺍﻟﺭﺴﻤﻲ ﺍﻟﺫﻱ ﺃﺜﺎﺭﻩ ﺍﻟﺴﻴﺩ ﻓﻭﻥ ﺸﺎﺒﺭ ﻭﻜﺎﻥ ﺁﻨﺫﺍﻙ ﺍﻟﺭﺌﻴﺱ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻹﻗﻠﻴﻡ ﺍﻟﺭﺍﻴﻥ‪ ،‬ﻀﺩ ﺼـﺤﻴﻔﺔ ‪Rheinische‬‬
‫‪ – ١) Zeitung‬ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ( ﺤﻭل ﻤﻭﻗﻑ ﻓﻼﺤﻲ ﺍﻟﻤﻭﺯل‪ ،‬ﻭﺃﺨﻴﺭ‪‬ﺍ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺎﺕ ﺤﻭل ﺤﺭﻴﺔ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﺤﻤﺎﻴﺔ ﺍﻟﺠﻤﺭﻜﻴﺔ‪ ،‬ﻫﺫﻩ ﻜﻠﻬـﺎ‬
‫ﺃﺘﺎﺤﺕ ﻟﻲ ﺍﻟﻔﺭﺹ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﻺﻫﺘﻤﺎﻡ ﺒﺎﻟﻤﺴﺎﺌل ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ‪ .‬ﻭﻤﻥ ﺠﻬﺔ ﺃﺨﺭﻯ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺤﻘﺒﺔ ﺤﻴﺙ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻁﻴﺒﺔ "ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺭ ﺇﻟـﻰ‬
‫ﺍﻷﻤﺎﻡ‪ ،‬ﻜﺎﻨﺕ ﺘﻌﻭﺽ ﻜﺜﻴﺭ‪‬ﺍ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ‪ ،‬ﺃﺴﻤﻌﺕ ﺍﻻﺸﺘﺭﺍﻜﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﻴﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﻔﺭﻨﺴﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺼﻔﺤﺎﺕ ﺭﺍﻴﻨﻴﺵ ﺯﺍﻴﺘﻭﻨﺞ‪ ،‬ﺼﺩﻯ ﺘﻠﻭﻨﻪ‬
‫ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺘﺎﻭﻴﻨﹰﺎ ﺨﻔﻴﻔﹰﺎ‪ .‬ﻭﺍﻋﺘﺭﻀﺕ ﻋﻠﻰ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﺨﺭﻴﺏ ﻭﻟﻜﻨﻲ ﻓﻲ ﻨﻔﺱ ﺍﻟﻭﻗﺕ‪ ،‬ﻭﻓﻲ ﺠـﺩل ﻤـﻊ ‪Allegemeine Augsburger‬‬
‫‪ Zeitung‬ﺃﻋﻠﻨﺕ ﺼﺭﺍﺤﺔ ﺃﻥ ﺩﺭﺍﺴﺎﺘﻲ ﻗﺒل ﺫﻟﻙ ﻟﻡ ﺘﺴﻤﺢ ﻟﻲ ﺒﺄﻥ ﺃﺨﺎﻁﺭ ﺃﻨﺎ ﻨﻔﺴﻲ ﺒﺈﺒﺩﺍﺀ ﺭﺃﺱ ﺤﻭل ﺍﻷﺴﺎﺱ ﺍﻟﺫﻱ ﺘﻘـﻭﻡ ﻋﻠﻴـﻪ‬
‫ﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻻﺘﺠﺎﻫﺎﺕ ﺍﻟﻔﺭﻨﺴﻴﺔ‪ .‬ﻭﺇﺫ ﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﺌﻭﻟﻭﻥ ﻋﻥ ﺇﺩﺍﺭﺓ ‪ Reinische Zeitung‬ﻏﺎﺭﻗﻴﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﻫﻡ ﺍﻟﻠﻁﻴـﻑ‪ ،‬ﻭﻋـﻥ ﻁﺭﻴـﻕ‬
‫ﻤﻭﻗﻑ ﺃﻜﺜﺭ ﺍﻋﺘﺩﺍﻻﹰ‪ ،‬ﺒﺎﻟﻌﻤل ﻋﻠﻰ ﺇﺼﺩﺍﺭ ﺤﻜﻡ ﺍﻹﻋﺩﺍﻡ ﻋﻠﻴﻨﺎ‪ ،‬ﻭﺍﺘﺨﺫﺕ ﻓﻲ ﻨﻬﻡ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺫﺭﻴﻌﺔ ﻟﻨﺒﺫ ﺍﻟﻤﺸﻬﺩ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﺍﻻﻨـﺴﺤﺎﺏ ﺇﻟـﻰ‬
‫ﻤﻜﺘﺒﻲ‪.‬‬

‫ﻭﻜﺎﻥ ﺃﻭل ﻋﻤل ﻗﻤﺕ ﺒﻪ ﻤﻥ ﺃﺠل ﻓﺽ ﺍﻟﺸﻜﻭﻙ ﺍﻟﺘﻲ ﻜﺎﻨﺕ ﺘﻬﺎﺠﻤﻨﻲ‪ ،‬ﺇﺠﺭﺍﺀ ﻤﺭﺍﺠﻌﺔ ﻨﻘﺩﻴﺔ ﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﻋﻨﺩ ﻫﻴﺠـل‪،‬‬
‫ﻭﻫﻭ ﻋﻤل ﻅﻬﺭﺕ ﻤﻘﺩﻤﺘﻪ ﻋﺎﻡ ‪ ١٨٤٤‬ﻓﻲ ‪ Deutsch – franzosische Jarbucher‬ﺍﻟﻤﻨﺸﻭﺭ ﻓﻲ ﺒﺎﺭﻴﺱ‪ .‬ﻭﻭﺼﻠﺕ ﺃﺒﺤﺎﺜﻲ ﺇﻟﻰ‬
‫ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ‪ :‬ﻻ ﺘﺴﺘﻁﻴﻊ ﺍﻷﺤﻭﺍل ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻨﻴﺔ ﻭﺍﻷﺸﻜﺎل ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﺃﻥ ﺘﻔﺴﺭ ﻨﻔﺴﻬﺎ ﺒﻨﻔﺴﻬﺎ ﻭﻻ ﻋﻥ ﻁﺭﻴﻕ ﻤﺎ ﻴﺩﻋﻲ ﺍﻟﺘﻁـﻭﺭ ﺍﻟﻌـﺎﻡ‬
‫ﻟﻠﻌﻘل ﺍﻟﺒﺸﺭﻱ؛ ﺇﻥ ﺃﺴﺎﺴﻬﺎ ﺒﺎﻟﻌﻜﺱ ﻫﻭ ﻓﻲ ﻅﺭﻭﻑ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻁﻠﻕ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﻴﺠل ﻭﻫﻭ ﻴﺠﺫﺭ ﺤﺫﻭ ﺍﻹﻨﺠﻠﻴﺯ ﻭﺍﻟﻔﺭﻨـﺴﻴﻴﻥ‬
‫ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﺜﺎﻤﻥ ﻋﺸﺭ‪ ،‬ﺍﺴﻤ‪‬ﺎ ﻤﻥ ﻨﻭﻉ ﺨﺎﺹ ﻫﻭ "ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺩﻨﻲ"؛ ﻭﻴﺠﺏ ﺃﻥ ﻨﺒﺤﺙ ﻓﻲ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﻋﻥ ﺘﺸﺭﻴﺢ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‬
‫ﺍﻟﻤﺩﻨﻲ‪ .‬ﻭﺒﻌﺩ ﺃﻥ ﺒﺩﺃﺕ ﻓﻲ ﺒﺎﺭﻴﺱ ﺩﺭﺍﺴﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﻭﺍﺼﻠﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺒﺭﻭﻜﺴل ﺤﻴﺙ ﺍﻟﺘﺠﺄﺕ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻗﺭﺍﺭ ﺃﺘﺨﺫﻩ ﺍﻟﻤـﺴﻴﻭ‬
‫ﺠﻴﺯﻭ ﺒﻁﺭﺩﻱ‪ .‬ﻭﻴﻤﻜﻥ ﺃﻥ ﺃﻟﺨﺹ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺤﻭل ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﻌﺎﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺼﻠﺕ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺃﻓﺎﺩﺘﻨﻲ ﻜﺨﻴﻁ ﻤﻭﺼل ﻓﻲ ﺩﺭﺍﺴﺎﺘﻲ‪:‬‬
‫ﻓﻲ ﺇﻨﺘﺎﺝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﺤﻴﺎﺘﻬﻡ ﻴﺩﺨﻠﻭﻥ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﻤﺤﺩﺩﺓ‪ ،‬ﻀﺭﻭﺭﻴﺔ ﻭﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻥ ﺇﺭﺍﺩﺘﻬﻡ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺇﻨﺘـﺎﺝ ﺘﻁـﺎﺒﻕ‬

‫‪2‬‬
‫ﺩﺭﺠﺔ ﻤﻌﻴﻨﺔ ﻤﻥ ﺘﻁﻭﺭ ﻗﻭﺍﻫﻡ ﺍﻹﻨﺘﺎﺠﻴﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ‪ .‬ﻭﻴﺸﻜل ﻤﺠﻤﻭﻉ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺍﻹﻨﺘﺎﺝ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺒﻨﻴﺎﻥ ﺍﻻﻗﺘـﺼﺎﺩﻱ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤـﻊ‪ ،‬ﺃﻱ ﻴـﺸﻜل‬
‫ﺍﻷﺴﺎﺱ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻘﻭﻡ ﻓﻭﻗﻪ ﺼﺭﺡ ﻋﻠﻭﻱ ﻗﺎﻨﻭﻨﻲ ﻭﺴﻴﺎﺴﻲ ﻭﺘﺘﻤﺸﻰ ﻤﻌﻪ ﺃﺸﻜﺎل ﺍﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ .‬ﻓﺄﺴﻠﻭﺏ ﺇﻨﺘﺎﺝ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ ﻫـﻭ‬
‫ﺸﺭﻁ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺒﻭﺠﻪ ﻋﺎﻡ‪ .‬ﻟﻴﺱ ﻭﻋﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺒﺎﻟﺫﻱ ﻴﺤﺩﺩ ﻭﺠﻭﺩﻫﻡ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻥ ﻭﺠﻭﺩﻫﻡ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‬
‫ﻫﻭ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺤﺩﺩ ﻭﻋﻴﻬﻡ‪ .‬ﻓﻌﻨﺩﻤﺎ ﺘﺼل ﻗﻭﻯ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﻨﺘﺎﺠﻴﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺠﺔ ﻤﻌﻴﻨﺔ ﻤﻥ ﺘﻁﻭﺭﻫﺎ ﺘﺩﺨل ﻓﻲ ﺼﺭﺍﻉ ﻤـﻊ ﺃﺤـﻭﺍل‬
‫ﺍﻹﻨﺘﺎﺝ ﺍﻟﻘﺎﺌﻤﺔ ﺃﻭ ﺒﺎﻟﺘﻌﺒﻴﺭ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻨﻲ ﻤﻊ ﺃﺤﻭﺍل ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻜﺎﻨﺕ ﺘﻌﻤل ﻓﻲ ﻅﻠﻬﺎ ﺤﺘﻰ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻭﻗﺕ‪ .‬ﻭﺘﺘﻐﻴﺭ ﻫﺫﻩ ﺍﻷﺤﻭﺍل ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ‬
‫ﻗﻴﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺸﻜﺎل ﺍﻟﺘﻁﻭﺭﻴﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻘﻭﻯ ﺍﻹﻨﺘﺎﺠﻴﺔ‪ .‬ﻭﻓﻲ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻠﺤﻅﺔ ﺘﺤل ﺤﻘﺒﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺜﻭﺭﺓ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ .‬ﻓﺘﻌﺩﻴل ﺍﻟﻘﺎﻋﺩﺓ ﺍﻻﻗﺘـﺼﺎﺩﻴﺔ‬
‫ﻴﺠﺭ ﻓﻲ ﺃﺫﻴﺎﻟﻪ ﻗﻠﺒ‪‬ﺎ ﺴﺭﻴﻌ‪‬ﺎ ﺒﺩﺭﺠﺔ ﺃﻜﺜﺭ ﺃﻭ ﺃﻗل‪ ،‬ﻟﻜل ﺍﻟﺼﺭﺡ ﺍﻟﻌﻠﻭﻱ ﺍﻟﻬﺎﺌل‪ .‬ﻭﻋﻨﺩ ﺩﺭﺍﺴﺔ ﺍﻻﻨﻘﻼﺒﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻤﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻨـﻭﻉ ﻴﺠـﺏ‬
‫ﺩﺍﺌﻤ‪‬ﺎ ﺃﻥ ﻨﻔﺭﻕ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻘﻠﺏ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺤﺩﺙ ﻓﻲ ﺃﺤﻭﺍل ﺍﻹﻨﺘﺎﺝ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻴﻤﻜﻥ ﺘﻘﺭﻴﺭﻫﺎ ﺒﺩﻗﺔ ﻋﻠﻴـﺔ‪ ،‬ﻭﺒـﻴﻥ ﺍﻷﺸـﻜﺎل‬
‫ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻭﺍﻟﺩﻴﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺃﻭ ﺒﻜﻠﻤﺔ ﻭﺍﺤﺩﺓ ﺍﻷﺸﻜﺎل ﺍﻷﻴﺩﻴﻭﻟﻭﺠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﺩﺭﻙ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻅﻠﻬـﺎ ﻫـﺫﺍ ﺍﻟـﺼﺭﺍﻉ‬
‫ﻭﻴﺠﺎﻫﺩﻭﻥ ﻓﻲ ﺴﺒﻴل ﻓﻀﻪ‪ .‬ﺇﺫﺍ ﻟﻡ ﻴﻜﻥ ﻓﻲ ﺍﻹﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﺤﻜﻡ ﻋﻠﻰ ﻓﺭﺩ ﻁﺒﻘﹰﺎ ﻟﻤﺎ ﻴﺭﺍﻩ ﻫﻭ ﻋﻥ ﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻹﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﺤﻜﻡ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺤﻘﺒﺔ ﻤﺸﺎﺒﻬﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺜﻭﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﺴﺎﺱ ﻭﻋﻴﻬﺎ ﺒﻨﻔﺴﻬﺎ؛ ﻭﺇﻨﻤﺎ ﺒﺎﻟﻌﻜﺱ ﻴﺠﺏ ﺘﻔﺴﻴﺭ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻭﻋﻲ ﺒﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﺤـﺸﺎﺀ‬
‫ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻘﺩﻴﻡ‪ .‬ﻭﻫﺫﺍ ﻫﻭ ﺍﻟﺴﺒﺏ ﺍﻟﺫﻱ ﻤﻥ ﺃﺠﻠﻪ ﻻ ﺘﻜﻠﻑ ﺍﻟﺒﺸﺭﻴﺔ ﻨﻔﺴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺒﻤﻬﺎﻡ ﺘﺴﺘﻁﻴﻊ ﺘﺤﻘﻴﻘﻬﺎ‪ .‬ﻭﺍﻟﻭﺍﻗﻊ‪ ،‬ﻟﻭ ﻨﻅﺭﻨﺎ ﻋﻥ ﻜﺜـﺏ‬
‫ﻻﻜﺘﺸﻔﻨﺎ ﺩﺍﺌﻤ‪‬ﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻻ ﺘﻅﻬﺭ ﺇﻟﻰ ﺇﺫﺍ ﻜﺎﻨﺕ ﺍﻟﻅﺭﻭﻑ ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ ﺍﻟﻼﺯﻤﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻘﻬﺎ ﻗﺎﺌﻤﺔ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺴﺒﻴل ﺍﻟﺘﻜﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗـل‪ .‬ﻤـﻥ‬
‫ﻨﺎﺤﻴﺔ ﺍﻟﺨﻁﻭﻁ ﺍﻟﻌﺭﻴﻀﺔ ﻨﺴﺘﻁﻴﻊ ﺃﻥ ﻨﻌﺘﺒﺭ ﺃﺴﺎﻟﻴﺏ ﺍﻹﻨﺘﺎﺝ ﺍﻷﺴﻴﻭﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺩﻴﻤﺔ ﻭﺍﻹﻗﻁﺎﻋﻴﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺒﻭﺭﺠـﻭﺍﺯﻱ ﺍﻟﺤـﺩﻴﺙ‬
‫ﻜﺄﻨﻬﺎ ﺤﻘﺏ ﻤﺘﺩﺭﺠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻜﻭﻴﻥ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ‪ .‬ﻭﺘﺸﻜل ﺃﺤﻭﺍل ﺍﻹﻨﺘﺎﺝ ﺍﻟﺒﻭﺭﺠﻭﺍﺯﻴﺔ ﺍﻟﺸﻜل ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻗﺽ ﺍﻷﺨﻴﺭ ﻤـﻥ ﻋﻤﻠﻴـﺔ‬
‫ﺍﻹﻨﺘﺎﺝ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪ .‬ﻭﻟﻜﻥ ﺍﻟﺘﻨﺎﻗﺽ ﻟﻴﺱ ﻓﺭﺩﻴ‪‬ﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻴﻨﺒﻌﺙ ﻤﻥ ﺍﻷﺤﻭﺍل ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻌﻴﺵ ﻓﻴﻬـﺎ ﺍﻷﻓـﺭﺍﺩ‪ .‬ﺃﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﻘـﻭﻯ‬
‫ﺍﻹﻨﺘﺎﺠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻨﺸﺄ ﻓﻲ ﺃﺤﺸﺎﺀ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺒﻭﺭﺠﻭﺍﺯﻱ ﺘﺨﻠﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﻗﺕ ﻨﻔﺴﻪ ﺍﻷﺤﻭﺍل ﺍﻟﻤﺎﺩﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺴﻤﺢ ﺒﻔﺽ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﻨﺎﻗﺽ‪ ،‬ﻭﻤﻥ‬
‫ﺜﻡ ﻓﺒﻬﺫﺍ ﺍﻟﺘﻜﻭﻴﻥ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻴﻨﺘﻬﻲ ﻋﺼﺭ ﻤﺎ ﻗﺒل ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺒﺸﺭﻱ‪.‬‬

‫ﻭﻜﺎﻥ ﻓﺭﺩﺭﻴﻙ ﺇﻨﺠﻠﺯ ﺍﻟﺫﻱ ﻟﻡ ﺃﺘﻭﻗﻑ ﻋﻥ ﺘﺒﺎﺩل ﺍﻟﺭﺴﺎﺌل ﻤﻌﻪ ﻤﻨﺫ ﺃﻥ ﻨﺸﺭ ﻤﺸﺭﻭﻋﻪ ﺍﻟﻌﺒﻘﺭﻱ ﻋﻥ ﻨﻘﺩ ﺍﻟﻔﺌﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘـﺼﺎﺩﻴﺔ‬
‫ﻓﻲ ‪ ،Deutsch – franzosische jahrbucher‬ﻭﻗﺩ ﻭﺼل ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻨﻔﺴﻬﺎ ﻭﻟﻜﻥ ﺒﻁﺭﻴﻕ ﻤﺨﺘﻠﻑ )ﺃﻨﻅﺭ ﻤﺅﻟﻔﻪ ﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻁﺒﻘﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﻌﺎﻤﻠﺔ ﻓﻲ ﺇﻨﺠﻠﺘﺭﺍ(‪ .‬ﻭﻋﻨﺩﻤﺎ ﻭﻓﺩ ﻓﻲ ﺭﺒﻴﻊ ﻋﺎﻡ ‪ ١٨٤٥‬ﻟﻴﺴﺘﻘﺭ ﺒﺎﻟﻤﺜل ﻓﻲ ﺒﺭﻭﻜﺴل‪ ،‬ﻗﺭﺭﻨﺎ ﺃﻥ ﻨﺼﻨﻑ ﺒﺎﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﺒﻴﻨﻨﺎ ﺍﻻﺨﺘﻼﻓـﺎﺕ‬
‫ﺍﻟﺘﻲ ﻜﺎﻨﺕ ﺒﻴﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭﻨﺎ ﻭﺘﺼﻭﺭ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻷﻟﻤﺎﻨﻴﺔ ﺍﻷﻴﺩﻴﻭﻟﻭﺠﻲ‪ .‬ﺃﺭﺩﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ ﺘﺼﻔﻴﺔ ﻨﻅﺭﻴﺎﺘﻨﺎ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻘﺩﻴﻤﺔ‪ .‬ﻭﺤﻘﻘﻨﺎ ﻤﺸﺭﻭﻋﻨﺎ‬
‫ﺒﺄﻥ ﻜﺘﺒﻨﺎ ﺩﺭﺍﺴﺔ ﻨﻘﺩﻴﺔ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ﺒﻌﺩ ﻋﺼﺭ ﻫﻴﺠل‪ .‬ﻭﻭﺼل ﺍﻟﻤﺨﻁﻭﻁ ﻭﻜﺎﻥ ﻓﻲ ﻤﺠﻠﺩﻴﻥ‪ ،‬ﺇﻟﻰ ﻨﺎﺸﺭ ﻓﻲ ﻭﺴﺘﻔﺎﻟﻴﺎ ﻋﻨـﺩﻤﺎ ﺃﺒﻠﻐﻨـﺎ ﺃﻥ‬
‫ﺘﻐﻴﻴﺭ‪‬ﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻅﺭﻭﻑ ﻟﻡ ﺘﺴﻤﺢ ﺒﻨﺸﺭﻩ‪ .‬ﻭﺘﺨﻠﻴﻨﺎ ﺒﻘﺩﺭ ﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﺫﻟﻙ ﻤﺘﻔﻘﹰﺎ ﻤﻊ ﺇﺭﺍﺩﺘﻨﺎ‪ ،‬ﻋﻥ ﺍﻟﻤﺨﻁﻭﻁ ﻟﺘﻘﺭﻀﻪ ﺍﻟﺠﺭﺫﺍﻥ‪ ،‬ﺇﺫ ﻜﻨﺎ ﻗﺩ ﺒﻠﻐﻨﺎ‬
‫ﻫﺩﻓﻨﺎ ﺍﻟﺭﺌﻴﺴﻲ؛ ﺫﻟﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﺭﺅﻴﺔ ﻭﻀﺤﺕ ﺃﻤﺎﻤﻨﺎ‪ .‬ﻭﻤﻥ ﺒﻴﻥ ﻤﺨﺘﻠﻑ ﺍﻷﻋﻤﺎل ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺩﻤﻨﺎ ﺒﻬﺎ ﻓﻲ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺤﻘﺒﺔ ﺃﻓﻜﺎﺭﻨﺎ ﻟﻠﺠﻤﻬـﻭﺭ ﻟـﻥ‬
‫ﺃﺫﻜﺭ ﺴﻭﻯ "ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﺸﻴﻭﻋﻲ" ﺍﻟﺫﻱ ﺘﻌﺎﻭﻨﺎ ﻓﻲ ﻜﺘﺎﺒﺘﻪ‪ ،‬ﻭﻜﺫﻟﻙ "ﺤﺩﻴﺙ ﻋﻥ ﺤﺭﻴﺔ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ "ﻭﻜﺘﺒﺘﻪ ﺃﻨـﺎ ﻭﺤـﺩﻱ‪ .‬ﻭﻭﺠـﺩﺕ ﺍﻟﻨﻘـﺎﻁ‬
‫ﺍﻟﺤﺎﺴﻤﺔ ﻤﻥ ﻨﻅﺭﻴﺘﻨﺎ ﺃﻭ ﺘﻌﺒﻴﺭ ﻋﻠﻤﻲ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﺇﻥ ﺤﺩﺙ ﻫﺫﺍ ﻋﻠﻰ ﺼﻭﺭﺓ ﺠﺩل‪ ،‬ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺭﺍﺴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻨﺸﺭﺘﻬﺎ ﻓـﻲ ﻋـﺎﻡ ‪ ١٨٤٧‬ﻀـﺩ‬
‫ﺒﺭﻭﺩﻭﻥ ﺒﻌﻨﻭﺍﻥ "ﻓﻘﺭ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺦ" )‪ (1‬ﻭﻫﺫﻩ ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺔ ﺍﻟﻤﻜﺘﻭﺒﺔ ﺒﺎﻷﻟﻤﺎﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﻟﺠﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻷﺠﻭﺭ ﻭﺠﻤﻌﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻤﺤﺎﻀﺭﺍﺕ‬
‫ﻜﻨﺕ ﻗﺩ ﺃﻟﻘﻴﺘﻬﺎ ﺤﻭل ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺩﺍﺌﺭﺓ ﺍﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻷﻟﻤﺎﻨﻴﺔ ﺒﻴﺭﻭﻜﺴل‪ ،‬ﻜﺎﻨﺕ ﻓﻲ ﻁﺭﻴﻘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻁﺒﻌﺔ ﻋﻨـﺩﻤﺎ ﺃﻭﻗﻔﺘﻬـﺎ ﺜـﻭﺭﺓ‬
‫ﻓﺒﺭﺍﻴﺭ ﺤﻴﺙ ﺍﻀﻁﺭﺭﺕ ﺇﻟﻰ ﻤﻐﺎﺩﺭﺓ ﺒﺭﻭﻜﺴل‪.‬‬

‫ﻭﺒﺴﺒﺏ ﺼﺩﻭﺭ ‪ Neue Reinsche Zeitung‬ﻓﻲ ‪ ،١٨٤٩ ،١٨٤٨‬ﻭﺍﻷﺤﺩﺍﺙ ﺍﻟﺘـﻲ ﺘﻠـﺕ ﺫﻟـﻙ‪ ،‬ﺘﻭﻗﻔـﺕ ﺩﺭﺍﺴـﺎﺘﻲ‬
‫ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻡ ﺃﺘﻤﻜﻥ ﻤﻥ ﺍﺴﺘﺌﻨﺎﻓﻬﺎ ﻓﻲ ﻟﻨﺩﻥ ﻋﻠﻰ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ ‪ .١٨٥٠‬ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺤﺸﺩ ﺍﻟﻬﺎﺌل ﻤﻥ ﺍﻟﻭﺜﺎﺌﻕ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺒﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻻﻗﺘـﺼﺎﺩ‬
‫ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﻭﺍﻟﻤﻜﺩﺴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺘﺤﻑ ﺍﻟﺒﺭﻴﻁﺎﻨﻲ‪ ،‬ﻭﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺩﺓ ﺍﻟﻤﻤﺘﺎﺯ ﺍﻟﺫﻱ ﺘﻬﻴﺅﻩ ﻟﻨـﺩﻥ ﻟﻤـﻥ ﻴﺭﻏـﺏ ﻓـﻲ ﻤﺭﺍﻗﺒـﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤـﻊ‬

‫) ‪ (1‬ﺭﺍﺟﻊ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﻛﺘﺎﺑﻨﺎ "ﺍﳌﺬﺍﻫﺐ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻛﻴﺔ ﺍﳌﻌﺎﺻﺮﺓ" )ﺍﳌﺘﺮﺟﻊ(‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ﺍﻟﺒﺭﺠﻭﺍﺯﻱ‪ ،‬ﻭﺃﺨﻴﺭ‪‬ﺍ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻤﺭﺤﻠﺔ ﺍﻟﺠﺩﻴﺩﺓ ﻤﻥ ﺍﻟﺘﻁﻭﺭ ﺤﻴﺙ ﺒﺩﺃ ﺃﻥ ﺍﻜﺘﺸﺎﻑ ﻤﻨﺎﺠﻡ ﺍﻟﺫﻫﺏ ﻓﻲ ﻜﺎﻟﻴﻔﻭﺭﻨﻴﺎ ﻭﺃﺴـﺘﺭﺍﻟﻴﺎ ﺠﻌـل ﻫـﺫﺍ‬
‫ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻴﺩﺨﻠﻬﺎ‪ ،‬ﻜل ﻫﺫﺍ ﺠﻌﻠﻨﻲ ﺃﻗﺭﺭ ﺃﻥ ﺃﺒﺩﺃ ﻤﻥ ﺠﺩﻴﺩ ﻭﻤﻨﺫ ﺍﻟﺒﺩﺍﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﺃﻗﻭﻡ ﺒﺩﺭﺍﺴﺔ ﻨﻘﺩﻴﺔ ﻟﻜل ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤـﻭﺍﺩ ﺍﻟﺠﺩﻴـﺩﺓ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺫﻩ ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﺴﺎﻗﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﺤﺩ ﺫﺍﺘﻬﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺤﺩ ﻤﻌﻴﻥ‪ ،‬ﻨﺤﻭ ﻗﻭﺍﻨﻴﻥ ﻭﻨﻅﻡ ﺠﺩ ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻅﺎﻫﺭ ﺘﻁﻠﺒﺕ ﻤﻨﻲ ﺃﻥ ﺃﻋﻨﻲ ﺒﻬﺎ ﻟﻭﻗـﺕ‬
‫ﻁﻭﻴل ﺒﺩﺭﺠﺔ ﺃﻜﺒﺭ ﺃﻭ ﺃﻗل‪ .‬ﻭﻟﻜﻥ ﺍﻟﺫﻱ ﻗﻠل ﺒﺩﺭﺠﺔ ﺒﺎﻟﻐﺔ ﻤﻥ ﻭﻗﺕ ﺍﻟﻔﺭﺍﻍ ﺍﻟﻤﺘﺎﺡ ﻟﻲ‪ ،‬ﻜﺎﻥ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻱ ﺍﻟﻤﻠﺤﺔ ﻭﺍﻟﻘﺎﻀـﻴﺔ ﺒﻜـﺴﺏ‬
‫ﺍﻟﻌﻴﺵ‪ .‬ﺇﻥ ﻤﺴﺎﻫﻤﺘﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺒﺩﺃﺕ ﻤﻨﺫ ﺜﻤﺎﻨﻲ ﺴﻨﻭﺍﺕ ﺒﺎﻟﻜﺘﺎﺒﺔ ﻓﻲ "ﻨﻴﻭﻴﻭﺭﻙ ﺘﺭﺒﻴـﻭﻥ" ﻭﻫـﻲ ﺃﻭل ﺼـﺤﻴﻔﺔ ﺃﻨﺠﻠـﻭ – ﺃﻤﺭﻴﻜﻴـﺔ‪،‬‬
‫ﺍﻀﻁﺭﺘﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺘﻭﺯﻴﻊ ﺩﺭﺍﺴﺎﺘﻲ ﺒﺼﻭﺭﺓ ﻏﻴﺭ ﻋﺎﺩﻴﺔ‪ ،‬ﻷﻨﻲ ﻻ ﺃﺯﺍﻭل ﺍﻷﻨﺸﻁﺔ ﺍﻟﺼﺤﻔﻴﺔ ﺇﻻ ﺒﺼﻔﺔ ﺍﺴﺘﺜﻨﺎﺌﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻥ ﻤﻘﺎﻻﺕ ﻤﻌﻴﻨـﺔ‬
‫ﺠﻌﻠﺘﻨﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ﺃﻜﺘﺒﻬﺎ ﻋﻥ ﺤﻘﺎﺌﻕ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺒﻭﺠﻪ ﺨﺎﺹ ﻭﺤﺩﺜﺕ ﺴﻭﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻨﺠﻠﺘﺭﺍ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﺭﺓ‪ ،‬ﺸﻜﻠﺕ ﺠﺯﺀ‪‬ﺍ ﺒـﺎﻟﻎ‬
‫ﺍﻟﻘﺩﺭ ﻤﻥ ﻜﺘﺎﺒﺎﺘﻲ ﻭﺠﻌﻠﺘﻨﻲ ﻤﻀﻁﺭ‪‬ﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻁﻼﻉ ﻭﺍﻟﺘﻌﺭﻑ ﻋﻠﻰ ﺘﻔﺎﺼﻴل ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻻ ﺘﺩﺨل ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ‪.‬‬

‫ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻌﺭﺽ ﺍﻟﻤﻭﺠﺯ ﻟﻠﻁﺭﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺴﺎﺭﺕ ﺒﻬﺎ ﺩﺭﺍﺴﺎﺘﻲ ﻓﻲ ﻤﻴﺩﺍﻥ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ‪ ،‬ﻟﻡ ﺃﻗﺩﻤﻪ ﺇﻻ ﻟﻜـﻲ ﺃﺒـﺭﻫﻥ ﻋﻠـﻰ‬
‫ﺍﻵﺘﻲ‪ :‬ﺇﻥ ﺃﻓﻜﺎﺭﻱ ﻭﺇﻥ ﻜﺎﻨﺕ ﻻ ﺘﺘﻔﻕ ﻜﺜﻴﺭ‪‬ﺍ ﻤﻊ ﺃﻫﻭﺍﺀ ﺍﻟﻁﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﻜﻤﺔ‪ ،‬ﻫﻲ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﺴﻨﻭﺍﺕ ﻁﻭﻴﻠﺔ ﻤﻥ ﺍﻷﺒﺤﺎﺙ‪ .‬ﻭﻟﻜـﻥ ﺍﻟـﺸﺭﻁ‬
‫ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺘﻁﻠﺒﻪ ﺍﻟﺩﺨﻭل ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻡ‪ ،‬ﺸﺄﻨﻪ ﺸﺄﻥ ﺍﻟﺩﺨﻭل ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺤﻴﻡ‪ ،‬ﻫﻭ‪:‬‬

‫ﻴﺤﺴﻥ ﺃﻥ ﻨﺘﺭﻙ ﻫﻨﺎ ﻜل ﻓﻜﺭ ﻤﺴﺒﻕ‪ ،‬ﻭﻜل ﺠﺒﻥ‪ ،‬ﻭﻴﺤﺴﻥ ﻫﻨﺎ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻤﻴﺘﹰﺎ )ﺩﺍﻨﺘﻲ‪ :‬ﺍﻟﺠﺤﻴﻡ(‬

‫ﻟﻨﺪﻥ‪ ،‬ﻳﻨﺎﻳﺮ ‪١٨٥٩‬‬

‫ﻛﺎﺭﻝ ﻣﺎﺭﻛﺲ‬

‫‪4‬‬

You might also like