Professional Documents
Culture Documents
جرائم المخدرات
جرائم المخدرات
جرائم المخدرات
تعرف المخدرات عموما بأنها كل مادة مسكرة أو مفترة طبيعية أو مستحضرة كيميائيا من شأنها أن تزيل العقل جزئيا أو
كليا ،و تناولها يؤدي إلى اإلدمان مما ينتج عنه تسمم الجهاز العصبي ،فتضر الفرد و المجتمع ،و يحظر تداولها أو
زرعها أو صنعها إال ألغراض يحددها القانون.
و قد بدأ تعرف اإلنسان على المخدرات عن طريق التجربة و االستعمال في الطهي كأعشاب منسمة في الطعام و
الشراب ،و بعد تعرف اإلنسان على تأثيرها انتقل إلى مرحلة زراعتها و صناعتها ،و قد عرفت بعض الحضارات
القديمة بعض األنواع من النباتات المخدرة مثل الحضارة الفرعونية التي كانت ضمن الحضارات التي عرفت استعمال
نبات الخشخاش و القنب و كان يستعمل في مجال الطب لعالج أمراض العيون أو للتخفيف من آالم المرض و كان
يستعمل عن طريق التناول أو كمراهم موضعية ،و كذلك الحضارة الصينية و اليونانية التي عرفت انتشار استعمال نبات
القنب ،و استعمل السومريون األفيون و كانو يطلقون عليه نبات السعادة ،و عند الرومان يرجع المؤرخون أن سومرس
تمثال اإلله عند الرومان كان يزين بثمار الخشخاش الذي يستخرج منه األفيون ،كما استعمله الهنود كمخدر و تم
استعماله في معابد الكهنة لطرد األرواح الشريرة ،و في الجاهلية كان العرب يستعملون الخمر وبعد اإلسالم الذي حرم
تعاطي الخمر و مع الفتوحات و القوافل التجارية تعرفت الحضارة العربية على القنب الهندي و األفيون و كانت تستعمل
كمخدر و كان لها استعماالت طبية عند العرب.
و قد نظم المشرع المغربي التعامل بالمخدرات و المؤثرات العقلية و زجر االدمان عليها ،و حدد لها اإلطار القانوني
الذي تعتبر خارج حدوده جريمة يعاقب عليها المشرع الجنائي ،و ذلك من خالل تصنيف المخدرات ضمن المواد السامة
في ظهير 2دجنبر ،1922الذي جاء يحمل نفس العنوان (تنظيم استعمال المواد السامة وإنتاجها واستجالبها وتصديرها
واإلتجار فيها ونقلها وحيازتها ،) ...وفي نفس السياق صدر قانون 24أبريل 1954الذي فك من خالله المشرع ذلك
االرتباط التقليدي بين التبغ والكيف بتقنين األول وإسناد احتكار إنتاجه وتسويقه للدولة ،وتحريم الثاني و إضافته إلى
الالئحة المعتبرة من السموم وفق ظهير 2دجنبر 1922وكذا القرار العام للديوان الملكي رقم 66/177/3بتاريخ 7
يوليوز 1967الذي نظم اإلتجار في المشروبات الكحولية والممزوجة بالكحول ،وآخر هذه التشريعات الظهير الشريف
بمثابة قانون رقم 1/73/282بتاريخ 28ربيع الثاني 1394الموافق ل 21ماي 1974المتعلق بزجر اإلدمان على
المخدرات ووقاية المدمنين عليها ،و بتاريخ ،1977/10/9أصدر الظهير المتعلق بمدونة الجمارك المعدل والمتمم
بظهير ،2000/6/5حيث عملت مدونة الجمارك على محاربة المخدرات إذ أصبحت جنحا جمركية من الدرجة األولى
بعدما كانت تعتبرها جنحا جمركية من الدرجة السادسة ،و اختتم المشرع المنظومة التشريعية بقانون 13.21المتعلق
باالستعماالت المشروعة للقنب الهندي حيث تم إخضاع األنشطة المتعلقة بزراعة و إنتاج و تصنيع و نقل و تسويق و
تصدير و استيراد القنب الهندي للترخيص و سن عقوبات للمخالفين.
-1-
________________ _ مقدمة
-2-
المطلب األول:
اإلطار القانوني لجرائم المخدرات
اإلطار القانوني لجرائم المخدرات __________________ المطلب األول:
المطلب األول
اإلطار القانوني لجرائم المخدرات
إن السياسة الجنائية المتبعة في المغرب لمكافحة المخدرات تقوم على أسس خاصة و متميزة ،تظهر جليا على
مستوى الوقاية والعالج والتجريم والعقاب وتنفيذ العقوبة ،وقد شكل ظهير 21ماي 1974المتعلق بزجر اإلدمان على
المخدرات السامة ووقاية المدمنين عليها اللبنة األساسية لهذه السياسة الجنائية ،أو باألحرى اإلطار القانوني لجرائم
المخدرات ،والذي من خالله سوف ندرس األركان القانونية المشكلة لهذه الجرائم وذلك في الفقرة األولى ،على أن نمر
بعد ذلك للشق المقابل للتجريم أال وهو العقاب ،وكذا االستثناء ات التي ترد عليه أي تلك التي تحول دون تنزيل العقاب
على المتعامل بالمخدرات ،وذلك حينما يتعلق االمر باالستعمال المشروع لها ،وكل ذلك في الفقرة الثانية من هذا
المطلب.
-3-
اإلطار القانوني لجرائم المخدرات __________________ المطلب األول:
االتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب كاتفاقية فيينا لمكافحة االتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات
العقلية ،الموقعة في 20ديسمبر . ]4[1988
والعتبار المادة مخدرا فإنه ال يبحث عن اسمها في الجدول وإنما العبرة بمكوناتها ،أي أنه في حالة وجود إحدى المواد
المدرجة في الجدول من ضمن العناصر التركيبية للمادة المحجوزة فإنها تعتبر مخدرا [.]5
وعلى مستوى العناصر التكوينية للفعل ،فإنه في حالة اعتبار المادة أو النبات مخدرا بطبيعته ،فإنه ال يمكن للمتهم الدفع
بكون المادة المحجوزة ليس لها مفعول تخديري وقت حجزها لسبب من األسباب كالتلف بسبب الرطوبة أو الحرارة [.]6
-2الركن المادي:
جرائم المخدرات من جرائم السلوك أو الجرائم الشكلية التي ال يتوقف فيها األمر على حدوث نتيجة إجرامية بل إن
ركنها المادي يتكون من مجرد سلوك معين بغض النظر عن حصول النتيجة اإلجرامية أو عدم حصولها.
وقد استعرض المشرع المغربي في قانون زجر اإلدمان على المخدرات السامة ظهير 1974/5/21في
فصوله8/3/2/1األفعال التي تكون الركن المادي للجريمة وهي:
أما جريمة تصدير المخدرات فهي إخراجها من المجال اإلقليمي للدولة المغربية ،وهي تتحقق بمجرد تحقق فعل إخراج
المخدر بصورة فعلية بغض النظر عما إذا كانت الغاية من إخراجها هو من أجل إدخالها إلى دولة أخرى أو مجرد
التخلص منها .وبصرف النظر عن مقدار كمية المخدرات وسواء وقعت بعلم الجاني وبمعرفته حتى ولو لم يضبط
المخدر بحوزته أو كانت قد تمت لمصلحته ولفائدته الشخصية.
وتجدر اإلشارة أن جريمتي االستيراد والتصدير تختلف عن جريمة المسك في كونهما يتمان في مكان معين وهو خط
الحدود الجمركية.
_____________________________________
[ ]7محمد أوغريس ،جرائم المخدرات في التشريع المغربي ،الطبعة الخامسة ،2011 ،الصفحة.38:
[ ]8المعطي الجبوجي ،م.س ،ص.27 :
[ ]9محمد أوغريس ،مرجع سابق ،ص.39 :
[ ]10محمد أوغريس ،مرجع سابق ص40 :
[ ]11محمد أوغريس ،مرجع سابق ص44 :
-5-
اإلطار القانوني لجرائم المخدرات __________________ المطلب األول:
والجريمة تتحقق كذلك ولو لم يضبط المخدر بحوزة الجاني شريطة إقامة الحجة على أنه كان معه وذلك بأي وسيلة من
وسائل اإلثبات ،كإقرار أو اعتراف المتهم بوضع يده على المخدر وحيازته له بنية التملك [.]12
خالفا ألغلب التشريعات العربية التي تفرق بين اإلمساك والحيازة وتجعل لكل منهما عقوبة خاصة ،فإن المشرع
المغربي لم ينص عليها وأشار للمخدرات الى "المسك" التي تعتبر عبارة عامة بدون أي تحديد.
الشيء الذي يجعلنا نتساءل هل حيازة المخدرات ال تعتبر جريمة لعدم ذكرها من قبل المشرع ،وبالتالي فهل هذا الفعل
غير معاقب عليه؟
ويقصد بالحيازة "االستئثار بالمخدر على سبيل الملك واالختصاص دون الحاجة الى االستيالء أو السيطرة المادية
عليه"[. ]13
وحسب الفصل 3من القانون الجنائي الذي ينص على مبدأ الشرعية الجنائية فإن فعل الحيازة غير مجرم طالما أن نص
[]14
التجريم ينص فقط على فعل اإلمساك دون الحيازة.
غير أن القضاء المغربي لم يفرق في أحكامه بين المسك والحيازة ،فهو يحملهما على أساس معنى واحد ،كما توسع في
معنى المسك الذي أصبح يشمل الحيازة ،وهذا ما ذهب إليه المجلس األعلى سابقا في أغلب قراراته ،فقد اعتبر جريمة
مسك المخدر متوافرة بدون ضبط المخدر وبمجرد اعتراف المتهم فقط [.]15
_____________________________________
[ ]12المجلس األعلى ،الغرفة الجنحية ،القرار عدد 4991بتاريخ 29ماي 1984في الملف الجنحي عدد 4909أورده محمد أوغريس
مرجع سابق ص.45 :
[ ]13محمد غزاف ،جرائم المخدرات وإجراءاتها العملية ،الطبعة األولى ،2010الصفحة.40 :
[ ]14محمد غزاف ،مرجع سابق :ص.42 :
[ ]15قرار عدد 4937بتاريخ 29ماي 1984ملف جنحي عدد 4353أورده محمد غزاف مرجع سابق ،ص43 :
[ ]16المعطي الجبوجي ،مرجع سابق ،ص.29 :
-6-
اإلطار القانوني لجرائم المخدرات __________________ المطلب األول:
• االتجار في المخدرات:
[]17
والمقصود به هو "اتخاد الشخص من شراء المخدرات أو بيعها حرفة معتادة له " اال أن الفعل ال يعتبر جريمة
معاقب عليها اال عند القيام به بشكل غير مشروع "بدون ترخيص من السلطات المعنية".
وعليه فجريمة اإلتجار في المخدرات تتحقق كلما كان قصد الفاعل من حيازتها هو تقديمها للغير بمقابل ،سواء حصل
عليه بصورة فعلية أو ال ،وكيفما كان هذا المقابل سواء كان نقدا أو القيام بعمل،
ويستوي في تحقق الفعل الجرمي أن يكون االتجار في المخدرات هو الحرفة الرئيسية أو الثانوية للجاني.
• نقل المخدرات:
هو من أحد األفعال المجرمة في المادة 2من قانون زجر اإلدمان على المخدرات السامة .فهو العمل المادي الذي يقوم به
الناقل لحساب غيره دون أن يكون بقصد اإلتجار[. ]18
وال يشترط لتحقق هذه الجريمة أن يتم نقل المخدرات بوسيلة معينة ،بل يكفي حملها من مكان آلخر شريطة أن يتم هذا
النقل لحساب شخص اخر.
• الوساطة في المخدرات:
هي قيام الوسيط بربط الصلة بين أطراف المعاملة والتقريب بين وجهات النظر سواء فيما يتعلق بالسعر أو بشروط
الصفقة بصفة عامة وذلك من أجل تسهيل تداول المخدرات [. ]20
وال يشترط في الوسيط أن يكون متصال بالمواد المخدرة أو النباتات المخدرة ،وهاته الجريمة تتحقق بغض النظر عن
مقدار الكمية التي وقع التوسط من أجلها.
ان مسألة قيام الوساطة من عدمها من المسائل الموضوعية التي يعود تقديرها لقاضي الموضوع.
_____________________________________
[ ]17محمد أوغريس ،مرجع سابق ،ص56 :
[ ]18محمد أوغريس ،مرجع سابق ،ص59 :
[ ]19محمد غزاف ،مرجع سابق ،ص46 :
[ ]20محمد أغريس ،مرجع سابق ،ص61 :
-7-
اإلطار القانوني لجرائم المخدرات __________________ المطلب األول:
• تصرفات األطباء:
ان الطبيب المرخص له في حيازة المواد المخدرة واستعمالها ضمن حدود معينة يكون عمله مشروعا وال يعاقب عليه،
إذا تصرف ضمن حدود الترخيص الممنوح له ،أما ان خرج عن هاته الحدود فإنه يسأل جنائيا ويعاقب.
ان المشرع فرق بين نوعين من التصرفات الغير مشروعة عن األطباء:
_____________________________________
[ ]21محمد أغريس ،مرجع سابق ،ص64 :
[ ]22محمد أوغريس ،مرجع سابق ،ص67 :
[ ]23محمد أغريس ،مرجع سابق ،ص 72 ،71
-8-
اإلطار القانوني لجرائم المخدرات __________________ المطلب األول:
• تصرفات الصيادلة:
يمنع على الصيدلي منعا باتا صرف األدوية المركبة من المواد المخدرة إال بمقتضى وصفة طبية موقعة ومؤرخة
وحاملة السم الطبيب وكذا لكمية المادة المخدرة.
فالصيدلي الذي تثبت لديه صورية الوصفة الطبية المقدمة إليه يمنع عليه تسليم األدوية ،أو يعرض نفسه للعقوبة
المنصوص عليها في المادة الثالثة من قانون زجر اإلدمان على المخدرات السامة.
ولم يغفل المشرع المغربي معاقبة كل شخص يعمد على تزوير وصفة طبية قصد الحصول على مواد مخدرة من
الصيدلية فيضبط .ومنعا لكل تحايل أو تدليس فقد ألزم المشرع على الصيادلة باالحتفاظ بالوصفات الطبية وعدم ردها
الى المرضى بعد تسليمهم األدوية وذلك حتى ال تستعمل مرة ثانية .ويجب المحافظة بها لمدة ثالثة سنوات على األقل
طبقا للمادة 32من ظهير . ]24[1922
وطبقا لنفس الظهير أعاله فيمنع على األطباء صرف مواد مخدرة لمدة تفوق سبعة أيام .أو داخل نفس المدة صرف مواد
من نفس النوع ما الم يتم التنصيص عليها في الوصفة الطبية الجديدة.
وحماية لهؤالء المدمنين الذين يعتبرون ضحايا هذه المواد الخطيرة وينبغي معالجتهم من أجل إعادة إدماجهم من جديد
في حظيرة المجتمع ،استحدث المشرع المغربي الفقرة الثانية من المادة 8التي ذهبت الى عدم فتح المتابعة الجنائية إذا
وافق مرتكب الفعل الجرمي الخضوع للفحص الطبي وللعالج خالل المدة الالزمة لشفائه في مؤسسة عالجية للقضاء
على حالة التسمم[.]25
وحسب الفصل المذكور أعاله فان عدم تحريك الدعوى العمومية رهين بأمر السيد وكيل الملك ،بإجراء الفحص الطبي
على الشخص المدمن بعد مرافقته وخضوعه خالل المدة الالزمة لشفائه للعالجات الضرورية قصد القضاء على حالة
التسمم .
وحالة اإلدمان يجب أن تحدد بواسطة فحص طبي يجري على الشخص المعني باألمر وذلك للتأكد بصورة فعلية فيما إذا
كان مدمنا أو غير مدمن على استعمال المخدرات.
ويشترط لعدم تحريك الدعوى العمومية في حق مستعملي المخدرات بصفة غير مشروعة:
✓ يجب أن تكون الجريمة التي ارتكبها الجاني هي جريمة استعمال المخدرات بصفة غير مشروعة
✓ يجب إثبات حالة اإلدمان على تعاطي المخدرات
✓ يجب أن يوافق الجاني تلقائيا وبإرادته واختياره على الخضوع للعالج الطبي
✓ يجب أن تكون الجهة التي يقدم لها الشخص المدمن للعالج إما مؤسسة عالجية طبقا ألحكام المادة 80من
القانون الجنائي وإما مصحة خاصة مقبولة من طرف وزارة الصحة العمومية
_____________________________________
[ ]24محمد أغريس ،مرجع سابق ،ص75 :
[ ]25محمد أوغريس ،مرجع سابق ،ص79 :
-9-
اإلطار القانوني لجرائم المخدرات __________________ المطلب األول:
✓ يجب فحص المعني باألمر كل خمسة عشر يوما من طرف خبير معين من طرف وكيل الملك ،ألنه وحده
المكلف للبث في شفائه
✓ يجب أال يكون الشخص قد سبق إخضاعه للعالج وايداعه في احدى المؤسسات المشار إليها أعاله وعاد خالل
الثالث السنوات الموالية لشفائه الى ارتكاب جنحة استعمال المخدرات أو ترويجها
وبالتالي فمتى توافرت هذه الشروط فإنه يمنع تحريك الدعوى العمومية سواء تم قبول الشخص المدمن بالمؤسسة
العالجية أم ال.
غير أن المشرع المغربي خول لوزير العدل وبعد استشارة وزير الصحة الحق في اصدار قرار يحدد الشروط الالزمة
التي تمكن في بعض الحاالت االستثنائية الخاصة بالقاصرين من معالجتهم في وسط عائلي بدل إحالتهم على مؤسسات
العالج.
وفي حالة أن الشخص المدمن لم يعبر على رغبته في العالج إال بعد تحريك الدعوى ،فعلى القاضي أن يأمر بعرض
المعني باألمر على طبيب خبير للتأكد من استمرار حالة التسمم ،حسب الفقرة األخيرة من المادة .8وعلى ضوء رأي
الطبيب يقرر القاضي إما إيداع المتهم في مؤسسة العالج حسب الفصل 80من القانون الجنائي أو الحكم عليه بالعقوبة
المقررة في الفقرة األولى من المادة .8
في حالة تملص المدمن من تنفيذ اجراء العالج ،فإنه يعاقب طبقا للمادة 320من القانون الجنائي وهي "الحبس من 3
أشهر الى سنة وغرامة من 120الى 500درهم" .أما في حالة رجوعه الى ارتكاب جنحة استعمال أو ترويج
المخدرات خالل 3سنوات الموالية فإن الدعوى العمومية تحرك في حقه سواء بالنسبة للجريمة السابقة أو الجريمة
الالحقة.
وبما أن جرائم المخدرات تعتبر من الجرائم العمدية فإنه لقيامها يجب توافر القصد الجنائي العام لدى الجاني.
هذا القصد الذي يقوم على اإلرادة والعلم ،أي أنه يتحقق بمجرد قيام الجاني بتوجيه إرادته إلى تحقيق الواقعة
اإلجرامية[ ، ]26والعلم بكون المادة المتعامل بها هي من المواد المحظورة قانونا ،هذا العلم ال يفترض بل يجب إثباته من
طرف النيابة العامة ،على اعتبار أن القصد الجنائي من أركان الجريمة الذي يجب إثباته بصورة فعلية وال يجوز
افتراضه [ .]27مثال ذلك الشخص الذي يتناول قطعة حلوى قدمها له صديقه ظانا أنها حلوى عادية فيتبين بعد ذلك أنه قدم
له حلوى ممزوجة بالمخدرات ،ففي هذه الحالة ال يمكن مساءلته عن جريمة استهالك المخدرات لعدم تحقق الركن
المعنوي لديه.
غير أنه ال يمكن للجاني التمسك بكونه يجهل أن المادة المخدرة التي ضبطت بحوزته هي من المواد المدرجة
بالجدول(ب) [ ،]28إذ أن انتفاء العلم نتيجة جهل في القانون ال ينتفي معه القصد الجنائي ،إذ ال يسوغ ألحد أن يعتذر
بجهله.
_____________________________________
[ ]26عبد الواحد العلمي" :شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام" ،مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة الثالثة ،سنة ،2009الدارالبيضاء،
ص.206
[ ]27محمد أوغريس ،مرجع سابق ،ص74:
[ ]28نهاد أفقير" :السياسة الجنائية وتوجهاتها نحو مكافحة جرائم المخدرات بالمغرب" ،مطبعة دار السالم ،الطبعة األولى ،سنة ،2021
الرباط ،ص.30
-10-
اإلطار القانوني لجرائم المخدرات __________________ المطلب األول:
ولقيام الجريمة يجب توافر عنصري القصد معا إذ ال يكفي العلم بأن المادة تعتبر مخدر بل يجب أن يكون الجاني قد
ارتكب أحد األفعال المجرمة في جرائم المخدرات بإرادته الحرة واختياره ،فالجريمة ال تتحقق إذا أكره الجاني على
ارتكابها [ ،]29كأن يختطف أحد أبنائه أو يتعرض الجاني للتهديد بالسالح من أجل نقل مواد مخدرة من مكان إلى آخر.
وال عبرة بالباعث الدافع إلى ارتكاب جريمة من جرائم لتحقق المسؤولية الجنائية ،إذ يكفي إثبات توافر عنصري العلم
واإلرادة لدى الجاني لتحقق مسؤوليته الجنائية []30ومعاقبته طبقا للقانون.
وعليه فإنه لتحقق إحدى الجنح المشار إليها في ظهير 21/05/1974يكفي توافر القصد العام وال عبرة بالباعث الدافع
الرتكابها [ .]31كما ال يشترط توافر القصد الخاص أي أنها تتحقق مهما كانت الوسيلة أو السبب الدافع الرتكابها [. ]32
فبالنسبة للعقوبات األصلية :لقد عاقب المشرع في المادة األولى من قانون زجر اإلدمان على المخدرات السامة بعقوبة
حبسية تتراوح ما بين سنتين وخمس سنوات وغرامة مالية يتراوح مبلغها ما بين 5.000و 50.000درهم كل من خلف
مقتضيات الظهير الشريف المؤرخ في 2ديسمبر 1922المتعلق باستيراد المواد السامة واالتجار فيها ومسكها
واستعمالها حسبما وقع تغييره وتتميمه أو خالف مقتضيات النصوص التنظيمية الصادرة بتطبيق الظهير المذكور
والمتعلقة بالمواد المعتبرة مخدرات والمدرجة في الجدول "ب".
كما عاقب المشرع المغربي في المادة الثانية من نفس القانون" :كل من استورد أو أنتج أو وضع أو نقل أو صدر أو
مسك بصفة غير مشروعة المواد أو النباتات المعتبرة مخدرات بالحبس من خمس سنوات الي عشر سنوات وبغرامة
يتراوح قدرها ما بين 5.000و 50.000درهم.
_____________________________________
[ ]29محمد أوغريس ،مرجع سابق ،ص77:
[ ]30المعطي الجبوبي :م.س .ص.47
[ ]31قرار صادر عن المجلس األعلى سنة 1984تحت عدد 4959في الملف الجنحي رقم " 84/4977إن ما أثاره العارض بعدم ثبوت
جريمة االستيراد في حقه لعدم توفرها بموجب الفصل 2من ظهير 1974من االستيراد من أجل اإلتجار فإنه ادعاء بعيد عن الصواب
وتحميل للنص ما ليس فيه ،إذ أن الفصل 2يعاقب على االستيراد لذاتية االستيراد دون اعتبار لدوافعه وبواعثه وكذلك لمقدار كمية
المحدر المستورد".
[ ]32قرار عدد 5 000الصادر عن الغرفة الجنائية بتاريخ 1984/05/29في الملف عدد " 84/9418أنه خالفا لما جاء في الوسيلة
فإن العارض تمت متابعته والحكم عليه فقط بمقتضيات ظهير 1974الدي ينص على جريمة المسك المدان بها العارض في فصله الثاني
وأنه ال يشترط توفر القصد الخاص في ثبوتها وإنما تتم بمجرد وضع اليد على المخدر بنية التملك والحيازة والحق في التصرف فيه
تصرفا مطلقا".
-11-
اإلطار القانوني لجرائم المخدرات __________________ المطلب األول:
وقد عاقب المشرع كذلك في المادة الثالثة من نفس القانون بعقوبة الحبس من سنتين الي عشر سنوات وبغرامة يتراوح
قدرها بين 5.000و 500.000درهم في الحاالت اآلتية:
– 1كل من سهل على الغير استعمال المواد أو النباتات المذكورة بعوض أو بغير عوض إما بتوفير محل لهذا الغرض
وإما باستعمال أية وسيلة من الوسائل.
– 2كل دكتور في الطب سلم وصفة صورية تساعد الغير على استعمال المواد أو النباتات المعتبرة مخدرات.
– 3كل من عمل على تسلم المواد أو النباتات المذكورة بواسطة وصفات طبية صورية أو حاول العمل على تسلمها.
– 4كل من كان على علم بالصبغة الصورية التي تكتسيها هذه الوصفات وسلم بناء على تقديمها إليه المواد أو النباتات
المذكورة.
ويرفع الحد األدنى للعقوبة إلى خمس سنوات إذا كان استعمال المواد أو النباتات المذكورة قد سهل على قاصر أو عدة
قاصرين يبلغون من العمر 21سنة أو أقل أو إذا كانت هذه المواد أو النباتات قد سلمت طبق الشروط المنصوص عليها
في المقطعين 1و 4أعاله.
وعاقب المشرع كذلك في المادة 8من نفس القانون بعقوبة الحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة يتراوح قدرها ما بين
500و 5.000درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استعمل بصفة غير مشروعة إحدى المواد أو النباتات المعتبرة
مخدرات.
والعقوبة المنصوص عليها في المادة 8المذكورة التطبق في حق الجاني أي مرتكب جريمة استعمال المخدرات إال في
حالة عدم موافقته الخضوع للعالج الطبيعي والمكوث بإحدى مؤسسات العالج طبقاألحكام المادة 80من القانون
الجنائي.
وصوال إلى حاالت العود المشار إليها في المادة 12من نفس القانون المذكور أعاله حيث نصت على ضرورة تطبيق
قواعد العود المنصوص عليها في القانون الجنائي على جميع جرائم المخدرات المعاقب عليها بمقتضاه .وقد نص
المشرع على أحكام العود وشروطه في المواد 154إلى 160من القانون الجنائي.
وبالرجوع إلى أحكام المادة 154من القانون الجنائي يتبين أن الشخص يعتبر في حالة عود إذا كان قد سبق الحكم عليه
بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به من أجل جريمة سابقة والعقوبة تتحدد في الحكم عليه بعقوبة حبسية لمدة ال تتجاوز
ضعف الحد األقصى لجريمة المخدرات الثانية بشرط أن يكون العود إلى الجريمة قد حصل قبل مرور خمس سنوات.
أما بالنسبة للعقوبة التبعية :فهي جزاء يضاف إلى العقوبة األصلية المحكوم بها على المتهم نتيجة الحكم عليه بهذه
األخيرة .
وهكذا فإننا نجد المادة السابعة من ظهير 21/5/1974تنص على ما يلي:
"يجوزللمحاكم المعروضة عليها القضية في جميع الحاالت المقررة في الفصول السابقة أن تحكم على مرتكبي الجرائم
بالتجريد من حق أو عدد من الحقوق المشار إليها في الفصل 40من القانون الجنائي اوالتدبيرالوقائي الرامي إلى المنع
من اإلقامة لمدة تتراوح بين 5سنوات و 20سنة"
-12-
اإلطار القانوني لجرائم المخدرات __________________ المطلب األول:
وصوال إلى العقوبات التكميلية :وهي تلك التي التطبق في حق المحكوم عليه إالإذا نص عليها الحكم بصورة صريحة.
والعقوبات التكميلية التي نص عليها الظهيرهي المصادرة واإلغالق.
-1المصادرة:
نصت المادة 11من الظهيرالشريف المذكورعلى أنه:
يتعين على المحاكم في جميع الحاالت المنصوص عليها في الفصول السابقة أن تصادر المواد أو النباتات المحجوزة
طبقا للفصل 89من القانون الجنائي وكدا جميع المبالغ المالية المحصل عليها من إرتكاب الجريمة وتأمر كذلك بحجز
أدوات ومنشأت تحويل المواد أو النباتات لصنعها أو األدوات المستعملة لنقلها.
-2اإلغالق:
نصت المادة 11من الظهيرالشريف المشار إليه في الفقرة 4على تدبير اإلغالق بقولها" :أما التدبير الوقائي الحقيقي
المنصوص عليه في الفصل 90من القانون الجنائي والمأذون بموجبه في إغالق المؤسسات المرتكبة فيها الجنح
فيجوزاألمربإتخاده إما بصفة مؤقتة من طرف قاضي التحقيق المرفوع إليه وإما من طرف هيئة الحكم طبقا لشروط
المنصوص عليها في الفصل المذكور".
إن تدبيراإلغالق الذي نص عليه المشرع في جرائم المخدرات تدبيرجوازي.
واإلغالق المنصوص عليه في جرائم المخدرات هواإلغالق المؤقت ال اإلغالق النهائي طبقا لما هو وارد في المادة 90
من القانون الجنائي.
-13-
اإلطار القانوني لجرائم المخدرات __________________ المطلب األول:
و منه اعتُبر أن القانون فشل فشال ذريعا في انتزاع نبتة الكيف من أعالي الريف و لم يتوفق في ذلك.
أما في يومنا الحالي فهناك مشروع قانون كانت قد أعلنت عنه الحكومة "ينظم استعمال القنب الهندي" أو الكيف وفق
معايير طبية و صناعية ،حتى أنه حصل على ،مصادقة البرلمان من أجل تقنين هذا الميدان ،و هو القانون رقم 13-21
المتعلق باالستعماالت المشروعة للقنب الهندي من حيث الزراعة(تعريف القنب الهندي و تحديد ماهيتهم شروط
زراعته و إنشاء مشاتله)؛ االستيراد و التصدير و التسويق(و ربطهما بأغراض طبية و صيدلية و صناعية فقط
لشركات التي هي األخرى يجب أن تحترم شروطا معينة مثل التوفر على مخازن مؤمنة و محروسة) ثم الرخصة التي
يجب الحصول عليها في هذا الصدد(شروط إعطاءها و ظروف سحبها).
-14-
المطلب الثاني:
العمل القضائي في جرائم المخدرات
العمل القضائي في جرائم المخدرات ________________ المطلب الثاني:
المطلب الثاني
العمل القضائي في جرائم المخدرات
لقد أثارت جرائم المخدرات مجموعة من االشكاالت العملية ،والتي سوف نحاول معالجتها بما توفر لدينا من
أحكام وقرارات ،ويتعلق األمر بكل من إشكاليتي الفصل 8و 11من ظهير 21ماي .1974
الفقرة األولى :ضوابط المتابعة الجنائية في جنحة االستعمال غير المشروع للمخدرات
تعتبر معضلة تعاطي المخدرات و اإلدمان عليها من أخطر الظواهر االجتماعية التي تهدد حياة المجتمعات اإلنسانية و
تلحق بها عدة أضرار اجتماعية و اقتصادية و صحية.
و لذلك سعى المغرب إلى مكافحة هذه الظاهرة بمختلف الوسائل للحيلولة دون انتشارها و العمل على القضاء عليها،
فلم يقتصر في تعاطيه معها على العقوبات الزجرية و إنما اعتمد بعض التدابير الوقائية التي لها أثرها الفعال في القضاء
على آفة تعاطي المخدرات و اإلدمان عليها و لعل أهمها الوضع في مصحات عالجية من أجل معالجة الشخص المدمن
و إعادة ادماجه في المجتمع.
و في هذا االطار صدر حكم متميز عن المحكمة االبتدائية عدد ( غير مذكور ) بالقنيطرة بتاريخ 2021-07-05في
الملف الجنحي عدد ،21-2103-673تناول موضوع المتابعة من أجل جنحة حيازة المخدرات و االتجار فيها و
استهالكها ،و تتلخص وقائع النازلة في ضبط الشرطة القضائية للمتهم األول و هو متحوز على قطعة من مخدر الشيرا
اقتناها من المتهم الثاني من أجل استهالكها ،و التمس دفاع المتهم األول اإلذن له بتقديم دفع شكلي يرمي إلى التصريح
بعدم قبول المتابعة في الشق المتعلق باستهالك المخدرات بالنظر إلى مخالفتها لمقتضيات الفصل 8من ظهير
1974/05/21حيث لم تعرض النيابة العامة في شخص وكيل الملك على المتهم إخضاعه للعالج ،و عقبت النيابة
العامة على الدفع المذكور و التمست رده و عدم قبوله ألن المتهم متابع بجنحة أخرى غير استهالك المخدرات و هي
جنحة حيازة المخدرات و ذلك ما يجعل النيابة العامة لها مكنة تسطير المتابعة دون أن تعرض على المتهم مكنة
إخضاعه للعالج.
-15-
العمل القضائي في جرائم المخدرات ________________ المطلب الثاني:
و بخصوص النقطة األولى يتابع فيها المتهم من أجل جريمتي الحيازة و التعاطي و هو ما يقلص -ظاهريا -من حظوظ
المتهم في االستفادة من التدبير المنصوص عليه في الفصل الثامن على اعتبار أن هذا األخير لم يتطرق لحالة تعدد
الجنح أو المخالفات باإلضافة إلى جنحة استهالك المخدرات ،ألن قصد المشرع هو حصر امتياز عدم العقاب على
المتعاطين بقصد االستعمال الشخصي و ذلك العتبارات منها :مراعاة بساطة الجريمة فيما يتعلق باالستهالك و
االستعمال الشخصي ،و اعتبار المتعاطي أقل خطورة من الذي يتاجر ،و كذلك جعل العقوبة بمثابة وسيلة للضغط على
المتعاطين و المدمنين من أجل دفعهم للعالج ،و باعتبار أن المتهم المدان بجنحتين االستهالك و االتجار في المخدرات
فإنه يخرج عن إطار الفصل 8أعاله ألن هذا الفصل يقتضي عدم توقيع العقوبة على الجاني و عدم تحريك الدعوى
العمومية في حقه ،بينما يقتضي االتجار أن تسطر في شأنه المتابعة و أن يعاقب ،لذلك ما دام أنه جاء مع االستعمال
بأنشطة أخرى ال يشملها الفصل 8فإن ذلك يقتضي متابعته و عدم استفادته من التدبير ،كذلك يمكن أن يستعمل هذا
المنطق كوسيلة للتهرب من العقوبة ،ألن أغلب المدانين من أجل االتجار يكونون مدمنين على هذه المخدرات و
يتعاطونها ،ولكن رغم ذلك نقول أن المتهم المتابع بمجموعة من الجرائم فان كل جريمة تكون منفصلة عن األخرى ،و
بالتالي ال يمكن قبول الشق المتعلق بالمتابعة من أجل استهالك المخدرات مادامت المسطرة لم تحترم ،كما أنه حتى و لو
توبع المتهم من أجل جريمتين فإن ذلك ال يكفي لحرمانه من حق خوله له القانون ،سيما أن هذه الجريمة تتوفر على
خصوصية مهمة هي التعامل مع المدمن على أنه جاني و مجني عليه في ذات الوقت من جهة و من جهة أخرى فإن أي
تفسير للنص الجنائي يجب أن يفسر لصالح المتهم ال ضده ،كما أن هذه المكنة التي أتاحها المشرع ال تعفي المتهم من
المتابعة في جرائم أخرى حيث سيتم وقف تنفيذ العقوبة حتى إنتهاء مدة العالج كما نص على ذلك الفصل 81ق.ج.
كما أن ذلك يتماشى مع رغبة المشرع في توسيع دائرة المستفيدين من التدبير ،حيث أنه عامل فئة المستهلكين معاملة
خاصة تختلف عن باقي الفئات األخرى إذ اعتبرهم مرضى يحتاجون إلى العالج أكثر منه إلى العقاب وهكذا فقد نص
هذا الفصل على عقوبة اختيارية بين الحبس والغرامة ولترغيبهم في اإلقالع عن المخدرات ذهب إلى حد عدم فتح
المتابعة الجنائية في حقهم إذا وافق المتعاطي على الخضوع للعالج خالل المدة الالزمة في إحدى المؤسسات العالجية
للقضاء على حالة التسمم.
و من شروط تطبيق هذه المقتضيات أن تكون الجريمة المرتكبة هي استعمال المخدرات بصفة غير مشروعة ،ومن ثم
فإنه اليستفيد من هذه المقتضيات من كان متهما في غيرها من جرائم المخدرات والجرائم األخرى وفي هذه الحالة يعفى
وكيل الملك من سلوك المسطرة الواردة في الفصل 8أعاله حيث تحال القضية وجوبا على المحكمة.
كما أن استعمال المشرع الصطالح (االستعمال الغير مشروع ) وهو تعاطى المواد المخدرة [ ،]36يشمل جميع درجات
التعاطي حتى الوصول إلى مرحلة اإلدمان و هو معاودة االستعمال حتى يصل الجسم إلى حالة من التعود و هو مرحلة
متقدمة من االستهالك ،و قد أحسن المشرع المغربي في إختياره لهذا التعبير حيث وسع دائرة من يشمله التدبير،و رغم
وضوح نص الفصل 8من ظهير 1974بخصوص االستعمال الغير مشروع فإن بعض االتجاهات القضائية فسرت هذا
الفصل تفسيرا ضيقا ففي قرار لمحكمة اإلستثتاف بالدار البيضاء قضت ببراءة المتهم من جريمة استهالك المخدرات
النعدام الفحص الطبي الذي يثبت حالة االدمان معللة قرارها بما يلي « :وحيث أن حالة اإلدمان غير ثابتة في حق
الضنينين ال من خالل الواقع ألنهما لم يضبطا في حالة تخدير وال سجلت عليهما حالة التعود أو اإلدمان على
المخدرات.
_____________________________________
[ ]36إذا كان الحكم قد دلل على ثبوت قصد التعاطى لدى المنهم فى قوله « وترى المحكمة أن مقدار المخدر المضبوط ليس بكبير لشخص
مدمن التعاطى وترجح أن المتهم كان يحرزه الستعماله الشخصى إذ إنه فضال عن أن سوابقه تدل على ذلك فإنه لو كان يتّجر ألعد لفافات
صغيرة لتوزيع المخدر ولضبطت معه بعض هذه اللفافات أو آلة التقطيع كمطواة وميزان األمر المنتفىفى الدعوى » فإن ما قاله الحكم من
ذلك يكفى للتدليل على احرازالمخدر بقصد التعاطى ومن شأنه أن يؤدى إلى ما رتبه عليه.
(نقض 23أبريل سنة 1957مجموعة أحكام محكمة النقض المصرية س 7رقم 178ص .) 633
إذا كان الحكم قد تعرض للقصد من االحراز فقال أن المتهم قد اعترف فى محضر ضبط الواقعة باحرازه لقطعة األفيون التى ضبطت معه
وأنه محرزها بقصد التعاطي وإنالكمية المضبوطة من المخدرات ضئيلة ولم يشاهد المتهم وهو يوزع أي مخدر على أحد من رواد محله
الذي كان به وحده فإن هذا االستدالل معقول وكاف لحمل النتيجة التى انتهى إليها الحكم من أن المتهم كان يحرز المخدر لتعاطيه.
(نقض 2أبريل سنة 1957مجموعة أحكام محكمة النقض المصرية س 7رقم 135ص ) 462
-16-
العمل القضائي في جرائم المخدرات ________________ المطلب الثاني:
كما أنه لم يجر كشف طبي عليهما إلثبات حالة اإلدمان .وحيث أنه استنادا إلى ما ذكر فإن مقتضيات الفصل المذكور
غير واردة وال ثابتة مما يتعين معه الحكم ببراءتهما من جريمة استهالك المخدرات طبقا للفصل المذكور.]37[ ».
فذهبت الى اعتبار أن ثبوت جريمة االستهالك يكون بثبوت االدمان و التعود على المخدرات و يجب إثبات ذلك بفحص
طبي و أن عدم إثبات اإلدمان يقتضي عدم قيام جنحة االستهالك في حق الضنينين ،و هو اتجاه معيب ينافي ظاهر ما
ينص عليه الفصل 8أعاله ،كما أن هذا الرأي يساوي بين اإلدمان و اإلستهالك ،في حين أن األول يقتضي االعتياد
على االستهالك بينما يكفي لقيام جنحة االستهالك االستعمال لمرة واحدة.
و عكس ما ذهب إليه المشرع المغربي فإن المشرع المصري نص في المادة 37من قانون المخدرات على أنه يجب
على المحكمة أن تتثبت من ( ادمان المتعاطي ) وتقدير توافر االدمان مسألة موضوعية متروكة لقاضى الموضوع
لتقرير استفادة المتهم من تدبير االيداع في مؤسسة للعالج.
ويالحظ على هذا النص أنه قد خلق مفارقة ال منطق لها وهى معاملة المتعاطين بدرجتين متفاوتتين من المعاملة ،فبينما
تعامل الطائفة االقل خطورة وهم المتعاملون دون حد االدمان بمعاملة قاسية حيث توقع عليهم العقوبة المنصوص عليها
فى المادة 37من قانون المخدرات دون االستفادة من توقيع التدبير فإن الطائفة األكثر خطورة وهم المدمنون يمتعون
بميزة توقيع التدبير بدال من العقوبة -إن رأت المحكمة ذلك -لمدة تتراوح بين ستة أشهر وثالث سنوات ،وال شك ان
هذه المفارقة تشكل إهدارا لمقتضيات العدالة.
و نرى أن حكم ابتدائية القنيطرة كان صائبا فيما ذهب إليه بخصوص تمتيع المتهم من أجل جنحة االستهالك و االتجار
من االستفادة من تدبير االيداع في مؤسسة للعالج من التسمم قبل المتابعة ،و هو ما يوافق روح الفصل 8من ظهير
1974و يكرس حق المتهم في العالج [.]38
وبخصوص النقطة الثانية فبقراءة الفصل 8من ظهير 1974ال نجد أية إشارة واضحة إلى إلزام النيابة العامة بسلوك
هذا اإلجراء ،و لذلك يمكن أن يحمل على محمل الجواز و ليس اإللزام ،و لعل هذا ما يجعله في طي النسيان و يؤدي
إلى عدم االنتباه إليه من طرف المتهم بجنحة تعاطي المخدرات ،لكن دفاع المتهم في هذه النازلة عمد إلى إثارة هذا
الدفع الشكلي المترتب عن اإلخالل بإجراء مسطري حاسم في تحريك المتابعة ،و نحن نعضد هذا الطرح استنادا على
العبارة الواردة في الفصل 8و المتمثلة في عبارة( ال تجري المتابعات ) فإن النيابة العامة ملزمة -و لو ضمنا -قبل
تحريك المتابعة إعطاء المتهم فرصة العالج ،و كذلك نظرا الرتباط الفصل 8بمصالح أساسية للمتهم تؤدي إلى عدم
المتابعة الجنائية في حقه،و تعلقه بحق أساسي خوله له القانون و هو الحق في العالج ،و كذلك فالنص الجنائي ال يمكن
أن يفسر إال لصالح المتهم .و باعتبار أن األصل في النصوص الجنائية أنها نصوص آمرة ال يجوز التنازل عنها أو
االتفاق على ما يخالفها ،و أن عدم تطبيق نص الفصل 8أعاله فيه تعطيل لحكم القانون و كسر لرغبة المشرع في
معالجة مشاكل اإلدمان و إهدار لحقوق المتهم.
_____________________________________
[ ]37حكم أورده محمد اقبلي و عابد العمراني الميلودي ،القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح ،طبعة ،2020ص.263
[ ( ]38إذا تهرب الشخص المأمور بعالجه من تنفيذ هذا التدبير طبقت عليه العقوبات المقررة في الفصل 320من ق.ج والذي يقضي على
أن « :من صدر ضده حكم أو أمر باإليداع القضائي في مؤسسة لعالج األمراض العقلية طبقا للفصلين 78و 79والفصل 136بناء على
قرار بثبوتمسؤوليته الناقصة؛ ثم تهرب من تنفيذ هذا التدبير ،يعاقب بالحبس من 3أشهر إلى سنة وغرامة من 200إلى 500درهم».
وتجدر اإلشارة أنه في حالة رجوع المتهم خالل 3سنوات الموالية لشفائه إلى إرتكاب جنحة استعمال المخدرات أو ترويجها فإن الدعوى
العمومية تحرك في حقه بالنسبةللجريمتين السابقة والجديدة.).
-محمد اقبلي و عابد العمراني الميلودي ،مرجع سابق ،ص .264
وال نجد فى هذا النص أي منطق يتفق مع السياسة الجنائية فإذا كان المشرع قد تبنى الجمع بين سياسة العقاب والتديير الوقائي ،فكيف
يجوز للمشرع أن يمنع معالجة المدمن مما اصابة بدعوى معاودة ارتكابه جريمة التعاطي برغم أن ذلك المسلك من المدمن متوقع طالما
أنّه لم يعالج من حالة االدمان التى سبق وأن اودع بسببها فىالمصحة .
-17-
العمل القضائي في جرائم المخدرات ________________ المطلب الثاني:
و بالتالي فانه إذا تعلق األمر بجريمة استعمال المخدرات بصفة غير مشروعة دون أن تكون مقترنة بجرائم أخرى
عمدية وغير عمدية .فإن وكيل الملك ملزم قبل تسطير المتابعة إلى تضمين في محضر االستنطاق نية المدمن في
الخضوع للعالج من عدمه.
فإذا أفصح المتهم عن نيته في العالج في إحدى المؤسسات العالجية أو المصحات الخاصة التي تحددها وزارة الصحة
العمومية تتوقف المتابعة في حقه ،وفي هذا اإلطار قضت المحكمة االبتدائية بتطوان بعدم قبول متابعة النيابة العامة
معللة حكمها بما يلي ( :وحيث أن المشرع في ظهير 1974أخرج مستعملي المخدرات من نطاق الفصلين األول
والثاني من الظهير وعامل هذه الفئة معاملة خاصة تختلف عن معاملة المحترفين من التجار والوسطاء والناقلين
والمصدرين والمستوردين بأن اعتبرهم مرضى وضحايا هذه المواد الخطيرة وبالتالي هدف إلى معالجتهم وإعادة
إدماجهم في المجتمع ونص على عقوبة اختيارية في حقهم بين الحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين .وعلق
تحريك المتابعة في حق المدمنين منهم على مبادرة من طرف النيابة العامة مضمنها إمكانية إخضاعهم للعالج مقابل
موافقتهم على ذلك ودون تحريك المتابعة في حقهم عند الموافقة.
وهذا اإلجراء كان المشرع يبغي من وراءه تمكين المستهلك من فرصة العالج وهي فرصة أضحت بمثابة حق للمتهم
على النيابة العامة قبل تحريك المتابعة في حقه.
وحيث أن المحكمة من خالل وقائع القضية انتهت إلى كون المتهم يوجد في حالة إدمان وبالتالي فإن إقدام النيابة العامة
على متابعته باستهالك المخدرات وإحالته في حالة اعتقال على هذه المحكمة دون احترام مقتضيات الفقرة 2من الفصل
الثامن و دون تضمين موقف المتهم بمحضر استنطاقه يجعل صيغة متابعتها غير مقبولة. ]39[ ) .
و بناء على ذلك نرى أن المحكمة قد أصابت لما قبلت الدفع المثار معلنة بذلك على طي صفحة الماضي بخصوص
استبعاد الفصل الثامن من التطبيق مع ما يترتب معه من اهدار لحق المتهم في العالج من التسمم.
و هو نفس االتجاه الذي ذهبت محكمة اليه التمييز في لبنان في قرارها في 2013/03/ 10حيث قررت قبول الدفع
الشكلي المثار من قبل المستأنفة و المتمثل في "وجوب فسخ القرار المستأنف لعدم استجابته لطلبها القاضي بوقف
المالحقة بشأنها و إحالتها إلى لجنة مكافحة اإلدمان ليصار إلى معالجتها " [.]40
و قد عللت قرارها هذا تعليال سليما موفقا مفاده أن" النص القانوني وجد إلعماله و ليس إلهماله ".
و في النهاية نرى أن حكم ابتدائية القنيطرة كان صائبا فيما نحى إليه من تطبيق للفصل 8من ظهير ،1974و حيث أقر
عدم إمكانية متابعة المتهم الذي ثبت أنه لم تعرض عليه مكنة العالج من طرف النيابة العامة ،و كرس حق المتهم الذي
ثبت استعماله للمخدرات في العالج من التسمم و تقرير عدم المتابعة الجنائية في حقه.
إال أنه مع صواب ما ذهب إليه حكم ابتدائية القنيطرة نرى أن المشرع صاغ الفصل 8من الظهير أعاله صياغة ناقصة
و معيبة و ذلك لالعتبارات التالية :
-المشرع المغربي في الفصل 8أعاله لم ينص صراحة على إلزام النيابة العامة بعرض إمكانية العالج على المتهم
باالستعمال الغير مشروع للمخدرات.
-أن الفصل 8أعاله جعل المستفيد من إمكانية توقيع تدبير االيداع في مؤسسة للعالج هو المستعمل للمخدر استعماال
غير مشروع و لم يورد حاالت أخرى إذا اجتمعت أو تعددت صور النشاط المادي لجرائم المخدرات يمكن أن تستفيد
من التطبيق مع ما لذلك من تأثير على العدالة الجنائية.
_____________________________________
[ ]39حكم أورده محمد اقبلي و عابد العمراني الميلودي ،القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح ،طبعة ،2020ص.263
[ ]40قرار أساس ، 76/2013صادر عن الغرفة االستئنافية العاشرة في بيروت ،منشور في مجلة المفكرة القانونية ( مجلة إلكترونية ).
-18-
العمل القضائي في جرائم المخدرات ________________ المطلب الثاني:
-أن الفصل 8أعاله جاء من حيث التطبيق ليطبق على األشخاص الذين ثبت في حقهم االستعمال الغير مشروع للمواد
المخدرة ،و لم يميز بين المستعملين و الذين وصلو إلى درجة اإلدمان في الحرمان من فرصة ثانية للعالج ،فساوى بين
المدمن و غير المدمن في الحرمان من التدبير عند معاودة الجريمة مع ما يترتب مع ذلك من إهدار للعدالة ،و إذ لم يميز
كذلك بين المتعاطي الذي حصل شفاءه و عاود ارتكاب الجريمة و بين الذي لم تكن مدة توقيع التدبير كافية لشفاءه.
-أن الفصل 8أعاله بعد اإلحالة على الفصل 81من ق.ج حصر مدة تدبير االيداع في مؤسسة للعالج في سنتين كحد
أقصى ،بينما الشفاء من التسمم و تحقق الغاية من التدبير ال يتعلق بالمدة الزمنية الالزمة لذلك و إنما بقابلية الشخص
لالستجابة للعالج ،فحصر تدبير االيداع بحد أقصى يفرغ التدبير من جدواه.
-أن الفصل 8أعاله جعل من بين الجهات التي تطلب تدبير االيداع في مؤسسة للعالج من التسمم النيابة العامة و
قاضي التحقيق و كذلك محكمة الموضوع بعد تحريك الدعوى العمومية ،و لم ينص على إمكانية الطلب بالنسبة للمتهم و
ال بالنسبة لذوية أو عائلته ،حيث ضيق من دائرة طلب االستفادة من التدبير و ذلك يمس بالغاية من التدبير و هي
محاربة ظاهرة االدمان و تعاطي المخدرات.
-19-
العمل القضائي في جرائم المخدرات ________________ المطلب الثاني:
الفقرة الثانية :إشكالية المصادرة في جرائم المخدرات (الفصل 11من ظهير )1974
لقد أثارت المصادرة في جرائم المخدرات جدال واسعا في أوساط الفقه والقضاء ،خاصة على مستوى األموال
المتعين مصادرتها ،وكما هو معلوم فالمصادرة عرفها الفصل 42من القانون الجنائي على أنها عقوبة تكميلية يقصد بها
تمليك الدولة جزءا من أمالك المحكوم عليه أو بعض أمالك له معينة ،وبما أن جرائم المخدرات لها وصف الجنحة،
وتبعا للفصل 44من ق.ج الذي ينص على أنه في حالة الحكم بالمؤاخذة عن أفعال تعد جنح أو مخالفات ال يجوز الحكم
بالمصادرة إال في األحوال التي يوجد فيها نص قانوني ،فإنه من أجل ذلك تم التنصيص على هذه العقوبة في الفصل 11
من ظهير ،1974الذي أوجب على المحكمة في جميع األحوال مصادرة المواد والنباتات المخدرة وكذا جميع المبالغ
المالية المحصل عليها من ارتكاب الجريمة… ،إال أن هذا الفصل جاء غامضا بخصوص عبارة "المبالغ المالية"
فهل تشمل المنقوالت والعقارات معا؟ أم أنها تسري فقط على المنقوالت وال تشمل العقارات؟
ولإلجابة عن هذا التساؤل يتعين اللجوء إلى التفسير الذي يجب أن يكون ضيقا ألنه يتعلق بنص جنائي ،ومهمة التفسير
هاته تتوزع بين المشرع والقضاء والفقه.
وفي هذا السياق جاء القرار عدد 2945الصادر عن محكمة النقض بمجموع غرفه بتاريخ 29دجنبر ،2010الذي
خلص إلى قاعدة مفادها أنه إذا ثبت للمحكمة أن المبالغ المالية متحصلة من ارتكاب إحدى جرائم المخدرات فإنها تحكم
بمصادرتها طبقا للفصل 11من ظهير ،1974وتقتفي أثر تلك المبالغ إلى ما قد تكون آلت إليه عندما يتم دمجها في
أموال اخرى أو تحويلها إليها أيا كان نوعها ولو كانت عقارات ،وتمدد إليها المصادرة كعائدات مالية وفي حدود مبالغها
[ ،]41لكن تجدر اإلشارة إلى أن محكمة النقض قبل ذلك كانت قضت بخالف هذه القاعدة ،حيث أنه سبق لها أن أصدرت
قرارا في نفس النازلة تحت عدد 3000/8بتاريخ 26دجنبر ،2002اعتبرت فيه أن عبارة المبالغ المالية الواردة في
الفصل 11إنما يقصد بها النقود أو القيم المالية المنقولة وليس العقارات [.]42
الشيء الذي يدعو إلى التساؤل عن أي اتجاه ينسجم مع المنطق القانوني السليم ؟
أوال بالنسبة للقرار عدد 8/3000الذي أقر بعدم مشروعية مصادرة العقارات ،فقد انطلق من ظاهر الفصل 11
من ظهير ،1974ولم يتوسع في تفسير عبارة "المبالغ المالية" بل أنه اقتصر فقط على الظاهر منها أي أن المقصود منها
هو المبالغ النقدية ،كما أن الفصل المذكور ال يتضمن اإلشارة للعقارات ،بالتالي وجب على القاضي إعمال النص في
حدود عبارته تلك ،من دون زيادة وال نقصان ،وهذا ما أكده قرارآخر[ ]43لمحكمة النقض عدد 9/201الصادر بتاريخ
22يناير 2003الذي أقر كذلك على أنه ال يجوز للقاضي تحميل النصوص ما ال تتضمنه أو إضافة ما ال تقصده ،وأن
قيامه بذلك يجعله يتقمص دور المشرع ،وهو ما يمنع عليه القيام به احتراما لمبدأ فصل السلط ،كما يتعين عليه أن ال
يتوسع في تفسيره إعماال لمبدأ التفسير الموضوعي ،فضال عن أنه ال يجوز توقيع عقوبة على مرتكب الجريمة تخالف
تلك المقررة قانونا لها عمال بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات كما هو منصوص عليه في الفصل الثالث من القانون
الجنائي ،ضمانا أيضا لعدم توقيع عقوبة عليه (أي مرتكب الجريمة) غير تلك المنصوص عليها صراحة ،وأن المشرع
لما استعمل كلمة "مبالغ" التي بطبيعة الحال ال تتناسب مع كلمة العقار ،فلو كان يقصد تطبيق المصادرة على العقار
أيضا ما استعمل تلك الكلمة ،وإنما كان سيستعمل كلمة" أموال" التي تطلق على المنقول و العقار والنقود ،أو لنص
صراحة على مصادرة العقارات ،كما فعل مثال في الفصل 165من قانون القضاء العسكري []44عندما نص على
مصادرة جميع األموال عقارات كانت أو منقولة بالنسبة للعسكري الذي يفر إلى صفوف العدو ،بالتالي فكل ذلك أدى
بمحكمة النقض للقول بعدم مشروعية مصادرة العقارات فقضت بنقض القرار وإحالة القضية على محكمة
االستئناف_____________________________________.
[ ]41محكمة النقض ،قرار عدد ،2945صادر بتاريخ 29دجنبر ،2010الملف الجنحي عدد ،5091/6/7/2006قرار منشور ،قضاء
محكمة النقض عدد.74 :
[ ]42محكمة النقض ،قرار عدد ،3000/8صادر بتاريخ 26دجنبر ،2002ملف جنحي.
[ ]43محكمة النقض ،قرار عدد ،201/9صادر بتاريخ 22يناير ،2003ملف جنحي عدد .23593/1996
[ ]44ظهير شريف رقم ،1.14.187صادر في 17من صفر 10( 1436ديسمبر ،)2014بتنفيد القانون رقم 108.13المتعلق بالقضاء
العسكري ،الجريدة الرسمية عدد ،6322الصادرة بتاريخ 9ربيع األول ( 1436فاتح يناير .)2015
-20-
العمل القضائي في جرائم المخدرات ________________ المطلب الثاني:
لكن ما يعيب عن هذا القرار هو إغفاله إلمكانية تحويل المبالغ النقدية المتحصل عليها إلى عقارات بغية التملص
من عقوبة المصادرة ،وهذا هو تعليل االتجاه القائل بمشروعية مصادرة العقارات ،وهو ما أكدته محكمة النقض في
قرارها عدد 2945الذي حسمت فيه هذا النقاش بمجموع غرفها ،فأقرت من أجل ذلك السبب بمشروعية مصادرة
العقارات ،لكن ليس كل العقارات بل فقط تلك المتحصل عليها من جرائم المخدرات ،وهذا ما أشار إليه المشرع في
الفصل 11من ظهير 1974ولو لم يذكر عبارة عقارات لكنه ذكر عبارة "متحصل عليها" ،فمنطقيا إذا ما قام شخص
بتحويل النقود المتحصل عليها من جريمة االتجار في المخدرات إلى عقارات فهذه األخيرة لوال تلك الجريمة لما
تحصل عليها ،كما ال يعقل أيضا أن يكون في منأى عن المصادرة من تسلم في مقابل ترويجه للمخدرات عقارا على
سبيل المقايضة ،فالراجح إذن أن المشرع لم يحصر المبالغ المالية في النقود فقط ،وهذا ما عبرت عليه محكمة النقض
في هذا القرار بأن "المحكمة تقتفي أثر تلك المبالغ إلى ما قد تكون آلت إليها أيا كان نوعها ولو كانت عقارات وتمدد
إليها المصادرة كعائدات مالية وفي حدود مبالغها" بالتالي نستشف من هذا القرار على أن موضوع المصادرة في
جرائم المخدرات ينصب على القيمة المالية المحصل عليها من الجريمة بصرف النظر عن الشكل الذي تجسدت فيه هذه
القيمة ،كما أن هذا القرار جاء منسجما مع مقتضيات المادة الخامسة من اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة االتجار غير
المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية [ ]45التي نصت على مصادرة المتحصالت المستمدة من جرائم المخدرات
أو األموال التي تعادل قيمتها قيمة هذه المتحصالت [ ،]46الشيء الذي يمكن معه القول بأن هذا االتجاه الذي كرسته
محكمة النقض بمقتضى قرارها الصادر بمجموع غرفها هو القرار المطابق للصواب وبالتالي الجدير بالتطبيق.
_____________________________________
[ ]45التي صادق عليها المغرب بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.92.283بتاريخ 15من ذي القعدة .)29/01/2002( 1422
[ ]46أوضحت المادة األولى من االتفاقية بأنه يقصد بتعير" المتحصالت " األموال المستمدة أو المحصل عليها بطريق غير مباشر أو غير
مباشر من ارتكاب جريمة من جرائم المخدرات المنصوص عليها في الفقرة األولى من المادة الثالثة من االتفاقية.
-21- .