You are on page 1of 9

‫آَداُب ُبُيوِت اهلل‬

‫إَّن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده‬
‫اهلل فال مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ال إله اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أَّن حممدًا عبده‬
‫ورسوله؛ صلى اهلل وسَّلم عليه وعلى آله وأصحابه أمجعني‪ .‬أما بعد ‪:‬‬
‫أيها اإلخوة األفاضل حديثنا يف هذا اللقاء عن « آَداِب ُبُيوِت اهلل » املساجد ؛ اليت هي أحب البقاع إىل اهلل عز‬
‫وجل وخري البقاع وأفضلها ‪ ،‬وقد ثبت يف صحيح مسلم عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪َ(( :‬أ ُّب اْلِباَل ِد‬
‫َح‬
‫ِإىَل الَّلِه َم َس اِج ُد َه ا َو َأْبَغُض اْلِباَل ِد ِإىَل الَّلِه َأْس َو اُقَه ا)) ‪ ،‬ومتيزت املساجد بكثرة ذكر اهلل عَّز وجل فيها ‪ ،‬وإقام‬
‫الصالة ‪ ،‬وتالوة القرآن ‪ ،‬وعقد ِح َلق العلم والفقه يف دين اهلل تبارك وتعاىل ‪ ،‬إىل غري ذلكم من األمور العظيمة‬
‫الكبرية احلبيبة إىل اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬خبالف األسواق فإنه يوجد فيها من التعامالت احملرمة واألعمال السيئة‬
‫واألمور املنكرة إىل غري ذلكم مما يكون ويقع يف األسواق ‪.‬‬
‫واملساجد يكفيها شرفًا أهنا بيوت اهلل عز وجل ‪ ،‬أضافها الرب عز وجل إىل نفسه تشريفًا هلا وتعليًة لقدرها وبيانًا‬
‫لعظيم مكانتها ‪ ،‬قال اهلل تبارك وتعاىل ‪َ{ :‬و َأَّن اْلَم َس اِج َد ِهَّلِل َفاَل َتْدُع وا َم َع ِهَّللا َأَح ًدا} [اجلن‪ ، ]18:‬قال اهلل عز وجل ‪:‬‬
‫{ِفي ُبُيوٍت َأِذ َن ُهَّللا َأْن ُتْر َفَع َو ُيْذ َك َر ِفيَها اْس ُم ُه ُيَس ِّبُح َلُه ِفيَها ِباْلُغ ُد ِّو َو اآْل َص اِل (‪ِ )36‬ر َج اٌل اَل ُتْلِهيِهْم ِتَج اَر ٌة َو اَل‬
‫َبْيٌع َع ْن ِذ ْك ِر ِهَّللا َو ِإَقاِم الَّص اَل ِة } [النور‪ ، ]37-36:‬وقوله جل وعال {َأْن ُتْر َفَع َو ُيْذ َك َر ِفيَها اْس ُم ُه} هذا مجاع ما‬
‫يتعلق باملساجد من أحكام وآداب ِمُج ع يف قوله { َأْن ُتْر َفَع َو ُيْذ َك َر ِفيَها اْس ُم ُه } ‪ ،‬فرْفعها يتناول تشييدها وبناءها‬
‫‪ ،‬وتنظيفها والعناية هبا‪ ،‬وصيانتها من كل مؤٍذ ‪ ،‬وذكر اهلل فيها يتناول الصالة والقرآن والعلم وغري ذلك ‪،‬‬
‫فُج ِم عت أحكام املساجد كلها يف قوله عز وجل { َأْن ُتْر َفَع َو ُيْذ َك َر ِفيَها اْس ُم ُه } ‪.‬‬
‫وتأمل رعاك اهلل قول اهلل عز وجل يف هذا السياق ‪ِ{ :‬في ُبُيوٍت َأِذ َن ُهَّللا َأْن ُتْر َفَع َو ُيْذ َك َر ِفيَها اْس ُم ُه ُيَس ِّبُح َلُه ِفيَها‬
‫ِباْلُغ ُد ِّو َو اآْل َص اِل (‪ِ )36‬رَج اٌل } ‪ ،‬تأمل الرجولة بأهبى صورها وأجِّل ُح َللها وأكمل مواضعها ‪ ،‬ولقد غابت‬
‫معاين الرجولة وحتقيقها عن كثري من الناس فرتاهم رجال بأجساٍم وقوى وأبدان صحيحة قوية لكن ال تراهم يف‬
‫املساجد !! فأين حقيقة الرجولة اليت أثىن اهلل على أهلها هبذا الوصف وهبذا اللقب { ِر َج اٌل اَل ُتْلِهيِهْم ِتَج اَر ٌة َو اَل‬
‫َبْيٌع َع ْن ِذ ْك ِر ِهَّللا } ؟ نعم هم يتاجرون ويكتسبون ويعملون يف حتصيل مصاحلهم لكن شيئًا من ذلك ال يشغلهم‬
‫عن املساجد وال يبعدهم عن بيوت اهلل تبارك وتعاىل بل إن قلوهبم معلقة باملساجد ؛ إذا خرج من املسجد‬
‫حلاجاته ومصاحله خيرج وقلبه معلق باملسجد ‪ ،‬هؤالء هم الرجال حقًا ‪ ،‬عرفوا لبيوت اهلل حقها وعرفوا هلا‬
‫مكانتها ورعوا ما ينبغي أن يقوموا به جتاه بيوت اهلل سبحانه وتعاىل فعمروها حقًا وصدقا ‪ ،‬ويقول اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ِ{ :‬إَّنَم ا َيْع ُم ُر َم َس اِج َد ِهَّللا َم ْن آَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر َو َأَقاَم الَّص اَل َة َو آَتى الَّز َكاَة َو َلْم َيْخ َش ِإاَّل َهَّللا َفَعَس ى‬

‫‪1‬‬
‫ُأوَلِئَك َأْن َيُك وُنوا ِم َن اْلُم ْهَتِد يَن } [التوبة‪ ، ]18:‬وهذه اآلية الكرمية فيها بيان العمارة احلقيقية لبيوت اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل وأنه جيمعها حتقيق أمرين والقيام مبطلبني عظيمني جليلني ‪ :‬صالح العقيدة ‪ ،‬وحسن العمل ‪.‬‬
‫أما صالح العقيدة ؛ ففي قوله سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬م ْن آَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر } ‪ ،‬فالعقائد الفاسدة واملذاهب‬
‫الباطلة واآلراء املنحَّلة ليس أهلها من عَّم ار بيوت اهلل وإن حضروا وقاموا يف الصفوف وصَّلوا مع املصلني ‪ ،‬فإن‬
‫األساس الذي ُتبىن عليه العمارة احلقيقية لبيوت اهلل تبارك وتعاىل صحة املعتقد وسالمة اإلميان { َم ْن آَم َن ِباِهَّلل‬
‫َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر } ؛ آمن باهلل سبحانه وتعاىل ربًا خالقًا رازقًا منِعمًا متفضًال ‪ ،‬وآمن به تبارك وتعاىل بأمسائه احلسىن‬
‫وصفاته العليا وكماله وجالله وعظمته وكربيائه سبحانه وتعاىل وأنه عز وجل هو املعبود حبق وال معبود حبق‬
‫سواه ؛ فله خيضع وإليه يلتجئ وله سبحانه وتعاىل يركع ويسجد وإياه يدعو وإليه يتوسل ومنه يطلب مجيع‬
‫حاجاته وكل رغباته ‪ ،‬ال مفزع له وال ملجأ إال إليه سبحانه وتعاىل ‪ ،‬ال يدعو إال اهلل ‪ ،‬وال يسأل إال اهلل ‪ ،‬وال‬
‫يستغيث إال باهلل ‪ ،‬وال يذبح إال هلل وال يطلب املدد والعون إال من اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فصَّح ت عقيدته باهلل‬
‫وصَّح إميانه باهلل سبحانه وتعاىل ‪ .‬وعندما يقع اخللل هبذا األصل العظيم واألساس املتني تبطل األعمال ‪ -‬عياذًا‬
‫باهلل ‪ -‬وحتبط ولو كثرت ‪ ،‬ألن عمارة املساجد أساسها الذي عليه تبىن صحة العقيدة وصحة اإلميان باهلل تبارك‬
‫وتعاىل ‪.‬‬
‫ومن األمور املؤسفات بل الكبائر العظيمات بل أعظم الكبائر وأخطرها أن يوجد يف بعض املساجد من يلجأ إىل‬
‫غري اهلل ويدعو غري اهلل ‪ ،‬بل مُس ع بعضهم ‪ -‬عياذًا باهلل تبارك وتعاىل ‪ -‬وهو يقول يف سجوده وهو يف بيت اهلل‬
‫"مدد يا فالن " إما خماطبًا الرسول عليه الصالة والسالم أو خماطبًا أحد األولياء ‪ ،‬أين حقيقة اإلميان باهلل ؟ وأين‬
‫صحة املعتقد الذي يبىن عليه دين اهلل تبارك وتعاىل ؟ ولقد قال اهلل عز وجل ‪َ{ :‬و َلَقْد ُأوِح َي ِإَلْيَك َو ِإَلى اَّلِذ يَن ِم ْن‬
‫َقْبِلَك َلِئْن َأْش َر ْك َت َلَيْح َبَطَّن َع َم ُلَك َو َلَتُك وَنَّن ِم َن اْلَخاِس ِر يَن (‪َ )65‬بِل َهَّللا َفاْع ُبْد َو ُك ْن ِم َن الَّش اِكِر يَن }‬
‫[الزمر‪-65:‬‬

‫‪ ، ]66‬ويقول جل يف عاله ‪َ{ :‬و َأَّن اْلَم َس اِج َد ِهَّلِل } املساجد ‪ :‬أي أماكن العبادة ‪ ،‬أو املساجد ‪ :‬مواضع السجود‬
‫وأعضاء السجود { ِهَّلِل } ال لغريه { َفاَل َتْدُع وا َم َع ِهَّللا َأَح ًدا} ‪ ،‬فأين هذا الضائع التائه املنحرف الذي يعمد إىل‬
‫بيوت اهلل تبارك وتعاىل ويسجد يف بيت اهلل مث يدعو غري اهلل ويستغيث بغري اهلل تبارك وتعاىل !! {ِإَّنَم ا َيْع ُم ُر‬
‫َم َس اِج َد ِهَّللا َم ْن آَم َن ِباِهَّلل } هذا أساٌس لعمارة املساجد ‪.‬‬
‫وهلذا أمثال هؤالء لو قام يف الصف ويف املسجد قيام السارية اليت يف املسجد مل ينفعه ذلك ومل يستفد منه ‪ ،‬ألن‬
‫األساس الذي ُتبىن عليه األعمال ويقام عليه الدين اختَّل عنده { َم ْن آَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر } واليوم اآلخر ‪ :‬هو‬
‫دار اجلزاء واحلساب ‪ ،‬وأول ما ُيسأل عنه العبد يف اليوم اآلخر يوم يلقى اهلل عز وجل هذه الصالة ‪ ،‬فهما‬
‫موقفان يِق فهما العبد بني يدي اهلل إن صلح األول صلح الثاين ‪ ،‬املوقف األول هو هذه الصالة وأن يقيمها كما‬
‫أمر اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فإذا صلح هذا املوقف يف هذه احلياة الدنيا صلح وطاب موقفه يف الدار اآلخرة يوم يقف‬
‫بني يدي اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فإن أول ما ُيسأل عنه العبد يوم القيامة هذه الصالة ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وقوله يف اآلية { َو َأَقاَم الَّص اَل َة َو آَتى الَّز َكاَة } ؛ هذا عمارة املساجد باألعمال والطاعات والتقرب إىل اهلل عز‬
‫وجل ‪ ،‬فاملساجد ُتعمر باالعتقاد الصحيح وُتعمر بالعمل الصاحل املقرب إىل اهلل عز وجل وقيام العمل الصاحل‬
‫املقِّر ب إىل اهلل على اإلخالص للمعبود واملتابعة للرسول الكرمي عليه صلوات اهلل وسالمه ‪.‬‬
‫واملساجد ‪ -‬أيها املؤمنون ‪ -‬قرة عيون أهل اإلميان وسلوة نفوسهم وهبجة صدورهم ومهوى أفئدهتم وُأنس‬
‫خواطرهم وراحتهم وسعادهتم ‪ ،‬فراحة املؤمن وسعادته وهناءته ولذته يف هذه املساجد اليت هي أحب البقاع إىل‬
‫اهلل ‪ ،‬وهذا أمر يدركه كُّل مصٍّل وكل قاصٍد للمساجد بإخالص هلل تبارك وتعاىل وُح سن تقرٍب إليه ‪ ،‬حىت إن‬
‫املتحِّدث يتحدث يف هذا املقام عن نفسه بأن مهومه تنزاح وغمومه تزول وال يبقى منها شيء وجيد راحًة‬
‫وطمأنينة ‪.‬‬
‫املساجد ‪ -‬أيها املؤمنون ‪ -‬فيها املصلي وفيها الذاكر وفيها التايل للقرآن وفيها املنتظر للصالة بعد الصالة املرابط‬
‫احملتِس ب ؛ فهي مكاٌن مبارك وبقعٌة فاضلة حبيبة إىل اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وينبغي على كل من أكرمه اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل بأن كان من أهل املساجد ومن أهل الصالة يف بيوت اهلل تبارك وتعاىل وممن جييب نداء اهلل وداعي اهلل أن‬
‫يرعى لبيوت اهلل آداهبا ‪ ،‬وأن يعرف ما ينبغي أن يتحلى به جتاه هذه البقاع الفاضلة واألماكن احلبيبة إىل اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫واحلديث عن آداب املساجد يتناول ‪:‬‬
‫‪ -‬أوًال ‪ :‬استعداد من سيذهب إىل املسجد وهو يف بيته ؛ مب يستعد ؟ وكيف يستعد ؟ وكيف يتهيأ ؟ ‪.‬‬
‫‪ -‬ويتناول ما ينبغي أن يكون عليه من أدٍب يف طريقه إىل بيت اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫‪ -‬ويتناول ما يكون عليه من أدب عند دخول بيوت اهلل وما يكون عليه من أدب داخل بيوت اهلل وكذلك يف‬
‫خروجه من بيوت اهلل تبارك وتعاىل ‪.‬‬
‫فالشريعة جاءت بآداٍب عظيمة جليلة ؛ حتقيق العبد هلا وقيامه هبا عنوان فالحه ودليل صالحه وأمارة رفعته‬
‫وقيامه مبا ُأِم ر به حق القيام ‪ ،‬وهلذا حرٌّي باملؤمن الذي هو من أهل املساجد ومن أهل بيوت اهلل تبارك وتعاىل أن‬
‫ُيعىن بآداب املساجد ‪ .‬وليس املقام مقام تعليم فاإلخوة على علٍم بآداب املساجد ودراية هبا ‪ ،‬ولكنه جملس‬
‫مذاكرة وتذاكر وتعاون على الرب والتقوى ‪.‬‬
‫أيها اإلخوة الكرام ‪ :‬يشرع للمسلم وهو يتهيأ يف بيته ليخرج إىل الصالة مجلة من اآلداب جيدر به أن ُيعىن هبا ‪،‬‬
‫أساسها وأعظمها بل أساس كل أمٍر أن يصلح نيته وأن خيِلص مقصده وأن ينوي بعمله وجه اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫‪ ،‬وال يزال املرء إىل أن ميوت يزاحم على نيته وتأتيه األمور اليت ِخُت ُّل بنَّيته وتفسد عليه مقصده ‪ ،‬فالنية حتتاج إىل‬
‫معاجلة مستمرة ‪ ،‬قد قال بعض السلف ‪ " :‬ما عاجلُت شيئا أشد علَّي من نييت " ‪ ،‬فيحرص على أن يكون‬
‫خروجه من بيته قاصدًا بيوت اهلل تبارك وتعاىل أن حيرص على اإلخالص وقصد اهلل تبارك وتعاىل بالعمل ‪ ،‬قد مر‬
‫معنا قول اهلل سبحانه وتعاىل ‪َ{ :‬و َأَّن اْلَم َس اِج َد ِهَّلِل َفاَل َتْدُع وا َم َع ِهَّللا َأَح ًدا} ‪ ،‬فينوي خبروجه طاعة اهلل ‪ ،‬والتقرب‬
‫‪3‬‬
‫إليه ‪ ،‬وطلب رضاه ‪ ،‬والفوز برمحته ‪ ،‬فيكون خملصًا يف عمله هلل تبارك وتعاىل ‪ ،‬وليس كل من أتى املسجد يكون‬
‫خملصًا بإتيانه إليه‪ ،‬قد صح يف احلديث عن نبينا عليه الصالة والسالم وهو يف سنن أيب داود أنه قال ‪َ(( :‬مْن َأَتى‬
‫اْلَمْس ِج َد ِلَش ْي ٍء َفُه َو َح ُّظُه )) أي فهو نصيبه ‪" ،‬لشيٍء " قد يكون اإلنسان إتيانه للمسجد مراءاة ‪ -‬والعياذ باهلل‬
‫‪ -‬أو مسعة أو شهرة أو يبتغي حظًا من الدنيا أو غري ذلكم من املقاصد ‪ ،‬فمن أتى املسجد لشيء فهو حظه أي‬
‫نصيبه ‪ ،‬من أتى املسجد مرائيًا ال ينال أجور املخلصني وثواب الصادقني حىت وإن وقف إىل جنبهم يف الصف ‪،‬‬
‫وهلذا يتفاوت املصُّلون مع اشرتاكهم يف صورة العمل تفاوتًا عظيمًا يف صالهتم حبسب ما قام يف قلوهبم من‬
‫إخالص هلل تبارك وتعاىل ‪ ،‬واهلل عز وجل ال يقبل العمل إال إذا كان خالصًا لوجهه ‪ ،‬ويف احلديث القدسي ‪:‬‬
‫((َأَنا َأْغ ىَن الُّش َر َك اِء َعْن الِّش ْر ِك َمْن َعِم َل َعَم اًل َأْش َر َك ِفيِه َم ِعي َغِرْي ي َتَر ْك ُتُه َو ِش ْر َك ُه )) ‪.‬‬
‫مث يعىن بنظافة بدنه وأن ال يكون يف بدنه روائح مؤذية تؤذي املصلني وتؤذي أيضًا مالئكة اهلل يف بيوت اهلل ((َفِإَّن‬
‫اْلَم اَل ِئَك َة َتَتَأَّذى َّمِما َيَتَأَّذى ِم ْنُه َبُنو آَدَم)) ‪ ،‬فيحرص على نظافة بدنه ‪ ،‬قد قال عليه الصالة والسالم كما يف‬
‫ِم‬ ‫ِئ‬ ‫ِج‬
‫الصحيح ((َمْن َأَك َل اْلَبَص َل َو الُّثوَم َو اْلُك َّر اَث َفاَل َيْق َر َبَّن َمْس َدَنا ؛ َفِإَّن اْلَم اَل َك َة َتَتَأَّذى َّمِما َيَتَأَّذى ْنُه َبُنو آَدَم‬
‫)) ‪ ،‬فيحرص على أن يكون نظيفًا ال تنبعث منه رائحة كريهة مؤذية ‪.‬‬
‫ويدخل يف هذا املقام من ابُتلي بتعاطي الدخان وشربه ‪ ،‬وهذا من الباليا اليت قد يبتلى هبا بعض املسلمني ‪ ،‬والذي‬
‫ُينَص ح به املدخن هو التوبة إىل اهلل من التدخني وترك هذه اآلفة والبعد عنها طاعًة هلل وحياًء من اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ ،‬يبتعد عنه ألن هذه النار عدو كما جاء يف احلديث الصحيح فكيف يعمد إىل هذا العدو !! يضع مجرة‬
‫بني عينيه مث يسحب إىل جوفه تلك املواد القذرة والروائح الكريهة وينفخها يف اهلواء فيتقَّذ ر ويتلوث صدره وفمه‬
‫ويعِّر ض نفسه إىل آفات وأمراض وأسقام ‪ ،‬ناهيك عن إتالف األموال وإضاعتها وهو مسئول عنها يوم القيامة ‪،‬‬
‫واألموال اليت تصرف يف التدخني ليست قليلة ‪ ،‬أحد املدخنني أجرى عملية حسابية تقريبية يف حياته منذ بدأ أن‬
‫ِلِه ِم‬ ‫ِق ِة‬ ‫ٍد‬
‫يدخن فوجد رقمًا مهيال و((َلْن َتُز وَل َقَد َم ا َعْب َيْو َم اْل َياَم َح ىَّت َيْس َأَل َعْن َأْر َبٍع ‪ -‬منها‪َ -‬عْن َم ا ْن َأْيَن‬
‫اْك َتَس َبُه َو ِفيَم ا َأْنَفَق ُه )) ‪ ،‬فمن كان مبتلًى بالتدخني عليه أن يرعى لبيوت اهلل تبارك وتعاىل حرمتها وأن يعرف هلا‬
‫حقها ومكانتها فال يؤذي املصلني بتلك الرائحة ‪ ،‬إن متكن من تركه كليًا فهو خري له ‪ ،‬وإن مل يستطع وغلبته‬
‫نفسه فال أقَّل من أن ُيعىن بنظافة نفسه وُبعده عن دخول بيوت اهلل بتلك الرائحة ‪ ،‬ومن إسفاف بعض املدخنني‬
‫أنه يطفئ سجارته عند باب املسجد ‪ ،‬وهذا حيصل غالبًا يف خري الشهور شهر رمضان ‪ ،‬يكون صائمًا طوال اليوم‬
‫فما أن يفطر يبادر إىل التدخني ويطفئ سجارته عند باب املسجد ويدخل بتلك الرائحة الكريهة ‪ ،‬وهي رائحة‬
‫يتأذى منها املؤمن املصلي وتتأذى منها املالئكة (( َفِإَّن اْلَم اَل ِئَك َة َتَتَأَّذى َّمِما َيَتَأَّذى ِم ْنُه َبُنو آَدَم )) ‪.‬‬
‫مث كذلك من استعداده وهتيئه يف بيته ‪ :‬أن حيرص على أن يتطهر يف بيته ‪ ،‬وهذا جاء فيه أحاديث كثرية جدًا‬
‫وبعض الناس يتهاون يف هذا األمر ورمبا أَّج ل الطهارة إىل أن يصل إىل دورات املياه اليت تكون إىل جوار املساجد‬
‫‪ ،‬فاألْو ىل باملسلم أن يتطهر يف بيته ‪ ،‬وقد جاءت أحاديث كثرية جدًا يف فضل ذلك وعظيم ثوابه فيحرص على‬
‫‪4‬‬
‫ِإ ٍت ِم‬ ‫ِتِه‬
‫ذلك ‪ ،‬قد جاء يف الصحيح عن نبينا عليه الصالة والسالم أنه قال ‪َ(( :‬مْن َتَطَّه َر يِف َبْي َّمُث َم َش ى ىَل َبْي ْن‬
‫ُبُيوِت الَّلِه ِلَيْق ِض َي َفِر يَض ًة ِم ْن َفَر اِئِض الَّلِه َك اَنْت َخ ْطَو َتاُه ِإْح َد اَمُها ُحَتُّط َخ ِط يَئًة َو اُأْلْخ َر ى َتْر َفُع َدَرَج ًة )) فلهذا‬
‫ينبغي للمسلم أن يعىن بالتطهر يف بيته ‪.‬‬
‫كذلكم من اآلداب وهو مهم وكثريًا ما يغفل عنه كثري من الناس أال وهو ‪ :‬مساع املؤذن وأن تقول مثلما يقول ‪،‬‬
‫حىت لو كنت وقت األذان تقرأ القرآن ‪ -‬وقراءة القرآن خري األعمال ‪ -‬فاملشروع أن توقف قراءة القرآن‬
‫وتستمع إىل املؤذن وتقول مثلما يقول ‪ ،‬وإذا قال " حي على الصالة حي على الفالح " تقول ‪ " :‬ال حول وال‬
‫قوة إال باهلل " ‪ ،‬وهي كلمة استعانة ‪ ،‬كلمة فيها طلب العون واملدد من اهلل ‪ ،‬ألنك ال ميكن أن تكون من‬
‫املصلني وال من أهل املساجد إال إذا أعانك اهلل ‪ ،‬فتقول "ال حول وال قوة إال باهلل " أي أعيِّن يا اهلل على الصالة‬
‫وعلى الفالح ووفقين لذلك ‪.‬‬
‫وسبحان اهلل !! مساع األذان والرتداد مع املؤذن يكسو العبد طمأنينة يف نفسه وإقباًال من قلبه على الصالة‬
‫وانصرافًا عن شواغل الدنيا وملهياهتا ‪ ،‬خبالف من يبلغه األذان فال يستمع إليه وميضي متشاغًال بأحاديثه العامة‬
‫وحتُّدثه مع أصحابه ورفقائه ‪ ،‬فمثل ذلك يؤثر عليه حىت يف حضوره للصالة ‪ ،‬وهلذا ترى األذان يؤَّذن واإلنسان‬
‫ماض يف أعماله ومستمر يف مشاغله ‪ ،‬وتقام الصالة وال يزال أيضا منشغًال مث أثناء الصالة يبدأ يتحرك إىل‬
‫املسجد !! ويف احلديث ‪(( :‬اَل َيَز اُل َقْو ٌم َيَتَأَّخ ُر وَن َح ىَّت ُيَؤ ِّخ َر ُه ْم الَّلُه ))‬
‫كذلكم أن حيرص على التبكري والتهجري ؛ فإذا مسع األذان أجاب داعي اهلل ولىب النداء ‪ ،‬فيرتك أعماله ‪ ،‬يرتك‬
‫أشغاله يرتك سوق الدنيا ألن سوق اآلخرة أقبل ‪ ،‬فيتوقف عن مجيع أعماله وأشغاله وأموره ويتوضأ ويذهب إىل‬
‫املسجد ‪ ،‬بل من األفضل أن ال يؤِّذن إال وهو على طهارة حرصًا على العبادة وقيامًا هبا وعنايًة هبا ومبادرًة إليها‬
‫‪ ،‬ويف احلديث وهو يف الصحيحني عن نبينا عليه الصالة والسالم ‪َ(( :‬و َلْو َيْع َلُم وَن َم ا يِف الَّتْه ِج ِري ‪ -‬والتهجري هو‬
‫التبكري‪ -‬اَل ْس َتَبُقوا ِإَلْيِه )) لكن كثري من الناس يف غفلة عن ذلك ويف أمور كثرية شغلته عن ذلك وصرفته عن‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫فهذه أمور يعىن هبا يف بيته ‪ ،‬مث إذا خرج من بيته متجهًا إىل املسجد يأيت بذكر اخلروج الذي يقوله عند باب بيته‬
‫‪ ،‬ويف الرتمذي وأيب داود من حديث أنس أن النيب عليه الصالة والسالم قال ‪ِ(( :‬إَذا َخ َر َج الَّر ُج ُل ِم ْن َبْيِتِه َفَق اَل‬
‫ِق‬ ‫ِف‬ ‫ِح ِئٍذ ِد‬ ‫ِه‬ ‫ِه‬ ‫ِه‬
‫ِبْس ِم الَّل َتَو َّك ْلُت َعَلى الَّل اَل َحْو َل َو اَل ُقَّوَة ِإاَّل ِبالَّل َقاَل ُيَق اُل يَن ُه يَت َو ُك يَت َو ُو يَت َفَتَتَنَّح ى َلُه‬
‫الَّش َياِط ُني ))‪ .‬وهذا ُيشرع أن تقوله يف كل مرة خترج فيها من بيتك ملصلحة دينية أو دنيوية ‪ ،‬وأْو ىل ما يكون‬
‫وأعظم ما يكون خروجك لطاعة اهلل وعبادته ‪ ،‬فتخرج من بيتك مستعينًا باهلل ‪ ،‬ألن هذه الكلمات كلها كلمات‬
‫استعانة ؛ بسم اهلل ‪ ،‬توكلت على اهلل ‪ ،‬ال حول وال قوة إال باهلل ‪ ،‬كلها كلمات استعانة باهلل وطلب مد وعون‬
‫منه سبحانه وتعاىل ‪ .‬وإذا أضفت إىل ذلك ما جاء يف حديث أم سلمة رضي اهلل عنها وهو يف سنن أيب داود‬
‫((الَّلُه َّم َأُعوُذ ِبَك َأْن َأِض َّل َأْو ُأَض َّل ‪َ ،‬أْو َأِزَّل َأْو ُأَز َّل ‪َ ،‬أْو َأْظِلَم َأْو ُأْظَلَم ‪َ ،‬أْو َأْجَه َل َأْو ْجُيَه َل َعَلَّي )) ‪ ،‬فتقول‬
‫‪5‬‬
‫ذلك وتكون حمفوظًا حبفظ اهلل ُمعانًا من اهلل سبحانه وتعاىل ومُم ًّدا بالعون من اهلل عز وجل ويتنحى عنك الشيطان‬
‫‪ ،‬و(( الَّش ْيَطاَن َقَعَد اِل ْبِن آَدَم ِبَأْطُر ِقِه )) كما صح بذلكم احلديث ‪ ،‬ومن ذلكم طريقك إىل املسجد ‪ ،‬فيجدر‬
‫باملسلم إذا خرج من بيته أن يذكر اهلل هبا الذكر وأن يأيت هبذه االستعانة العظيمة ليكون مُم ًّدا بالعون من اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل وليتنحى عنه الشيطان فيكون يف سالمة من وساوسه ‪.‬‬
‫مث يف طريقه للمسجد حيرص على السكينة والوقار ‪ ،‬فهو ليس يف أي طريق وإمنا يف طريٍق لبيت من بيوت اهلل‬
‫إلقامة فريضة من أعظم فرائض اهلل فيستشعر ذلك ‪ ،‬فيمضي إىل بيت اهلل راشدًا بسكينة ووقار ‪ ،‬وقد جاء يف‬
‫ِإ ِق‬
‫الصحيح عن نبينا عليه الصالة والسالم أنه قال ‪َ (( :‬ذا ُأ يَم ْت الَّصاَل ُة َفاَل َتْأُتوَه ا َتْس َعْو َن َو ْأُتوَه ا ْمَتُش وَن َعَلْيُك ْم‬
‫الَّس ِكيَنُة ‪َ ،‬فَم ا َأْد َر ْك ُتْم َفَص ُّلوا َو َم ا َفاَتُك ْم َفَأُّمِتوا )) مث ذكر عليه الصالة والسالم أَّن من يعَم د إىل املسجد للصالة‬
‫فهو يف صالة ‪.‬‬
‫إذًا خطواتك هذه اليت متشيها إىل املساجد قاصدًا أداء فريضة اهلل سبحانه وتعاىل هذا يعُّد من مجلة صالتك ‪،‬‬
‫وهذا من نعمة اهلل عليك ؛ فرتاعي يف طريقك إىل املسجد السكينة ‪ ،‬الطمأنينة ‪ ،‬اهلدوء ‪ ،‬البعد عن الَّلغط وحنو‬
‫ذلك ‪ ،‬وتقِبل على بيت اهلل تبارك وتعاىل هبذه الصفة ‪ ،‬وهذا أعون لك على اخلشوع يف صالتك وُح سن اإلقبال‬
‫فيها على اهلل سبحانه وتعاىل ‪ .‬خبالف من يأيت مسرعًا ويعدو عدوًا ليدرك الركعة أو حنو ذلك ال يتمكن هبذه‬
‫الصفة أن يؤدي صالته خبشوع وأن يقوم هبا بطمأنينة ‪.‬‬
‫ومما جاء النهي عنه ملن هو يف طريقه إىل املسجد ‪ :‬التشبيك بني األصابع ؛ فال يشبك بني أصابعه وهو يف طريقه‬
‫إىل املسجد كما قال عليه الصالة والسالم ((َفاَل َيُقْل َه َكَذ ا ‪َ ،‬و َش َّبَك َبَنْي َأَص اِبِعِه)) ‪ ،‬وهذا من متام السكينة‬
‫والبعد عما يشغل اإلنسان فتكون أعضاؤه ساكنة ال يعبث بأصابعه وال يلهو بأصابعه وإمنا يف سكينة وطمأنينة ‪.‬‬
‫وأقف هنا ألقول لفتًة موقظة ‪ :‬إذا كان النيب عليه الصالة والسالم هنى من هو يف طريقه إىل املسجد أن يشِّبك‬
‫بني أصابعه ؛ فما هي حال ذلك الرجل الذي يف طريقه إىل املسجد تكون السجارة يف يده يرفعها وخيفضها إىل‬
‫فمه!! ‪ -‬نسأل اهلل العافية ‪ -‬هُن ي أن يشبك بني أصابعه ليسكن وليطمئن ولُيقبل على بيوت اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫وأداء هذه الفريضة بسكينة ووقار وخشوع هلل سبحانه وتعاىل فيؤديها على أمت حال وعلى أكمل وجه ‪.‬‬
‫مث إذا وصل إىل باب املسجد يدخل بيت اهلل جل وعال معظمًا لبيته {َو َم ْن ُيَع ِّظْم َش َع اِئَر ِهَّللا َفِإَّنَها ِم ْن َتْقَو ى‬
‫اْلُقُلوِب} [احلج‪ ، ]32:‬كم حيتاج ‪ -‬واهلل ‪ -‬الداخل إىل املسجد إىل أن يستشعر عظمة املكان وعظمة قدره حىت‬
‫يدخل املسجد دخوًال يليق باملكان ويليق بشرف املوضع الذي دخله ‪ .‬وإنك لرتى يف بعض املساجد والسيما من‬
‫صغار السن من يدخل املسجد دخوًال ال فرق فيه بني املسجد وامللعب ‪ ،‬نعم !! دخوًال ال فرق فيه بني املسجد‬
‫وامللعب ‪ .‬وهذا من اخلطأ الفادح مع بيوت اهلل تبارك وتعاىل ومما ينبغي أن تصان عنه بيوت اهلل ‪ ،‬وهلذا فيما‬
‫يتعلق بالصغار ودخوهلم املساجد ؛ الصحيح يف ذلك التفصيل ‪ :‬إذا كان الصغري يعرف أدب املسجد وال تتأذى‬
‫منه املساجد وال يتأذى من أهل املساجد فال مُي نع من املسجد ‪ ،‬أما إذا كان الصغري يتأذى من املسجد عبثًا بأشياء‬
‫‪6‬‬
‫املسجد املوجودة فيه أو إيذا للمصلني وإشغااًل هلم فهذا يؤَّدب أوًال ويعرف بآداب املسجد مث يدخل بأدٍب‬
‫ًء‬
‫ورعاية ملا ينبغي أن يكون عليه يف بيوت اهلل تبارك وتعاىل ‪.‬‬
‫عند دخوله املسجد يقِّدم رجله اليمىن اتباعًا هلدي نبينا عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وقد جاء يف املستدرك عن أنس‬
‫ِل‬ ‫ِل‬ ‫ِج‬
‫رضي اهلل عنه أنه قال ‪ِ(( :‬م َن الُّس َّنِة ِإَذا َدَخ ْلَت اْلَمْس َد َأْن َتْبَد َأ ِبِر ْج َك اْلُيْمىَن ‪َ ،‬و ِإَذا َخ َر ْجَت َأْن َتْبَد َأ ِبِر ْج َك‬
‫اْلُيْسَر ى )) فيقِّدم رجله اليمىن ‪ .‬وعند نزعه لنعله ينزع نعله اليسرى قبل اليمىن لتكون اليمىن أول ما ُينعل وآخر‬
‫‪ -‬أيضًا ‪ -‬ما ُينعل لشرف اليمىن وفضلها فتقَّدم عند دخول املسجد ‪.‬‬
‫مث يأيت بذكر الدخول ‪ ،‬ومن جمموع أحاديث ثابتة عن النيب عليه الصالة والسالم يقول عند دخوله ‪ " :‬بسم اهلل‬
‫والصالة والسالم على رسول اهلل اللهم افتح يل أبواب رمحتك " ‪ ،‬يدخل هبذا الذكر وهو استعانة باهلل عز وجل‬
‫وصالًة وسالمًا على رسوله ومصطفاه صلوات اهلل وسالمه عليه ‪ ،‬فهذه الصالة اليت تصِّليها والبيت الذي قصدته‬
‫والعبادة اليت تقوم هبا كل ذلك إمنا وصل إليك وبلغك من طريق هذا الرسول عليه الصالة والسالم ؛ فتصِّلي‬
‫وتسِّلم على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وتسأل اهلل عز وجل من رمحته ألنك داخل بيت اهلل وأعظم‬
‫مواضع الرمحات ونيل الربكات وتنزل اخلريات فاسأل اهلل جل وعال من رمحته ‪ .‬وهذا السؤال إذا صدر عنك‬
‫بصدق وحسن التجاء إىل اهلل فزَت فوًز ا عظيمًا ونلَت خريات عظيمة ‪.‬‬
‫مث تضيف إىل ذلك أيضا أن تقول وهو يف سنن أيب داود بسند ثابت ‪َ(( :‬أُعوُذ ِبالَّلِه اْلَعِظ يِم َو ِب ْج ِه ِه اْلَك ِرِمي‬
‫َو‬
‫َو ُس ْلَطاِنِه اْلَق ِدِمي ِم ْن الَّش ْيَطاِن الَّر ِج يِم )) ‪ ،‬تستعيذ باهلل سبحانه وتعاىل من الشيطان ماذا ستنال من فضل إذا قلت‬
‫ذلك عند دخولك املسجد ؟ وماذا سيرتتب على ذلك الدعاء ؟ قال عليه الصالة والسالم ‪َ (( :‬فِإَذا َقاَل َذِلَك َقاَل‬
‫الَّش ْيَطاُن ُح ِف َظ ِم يِّن َس اِئَر اْلَيْو ِم )) سبحان اهلل !! ما قال تنحى عنه الشيطان يف املسجد ‪ ،‬تنحى عنه ‪ :‬أي ابتعد ‪.‬‬
‫أنت عندما جئت هذا البيت العظيم بيت اهلل جل وعال وهذه البقعة الفاضلة وتعَّو ذت هبا التعوذ يف هذا املكان‬
‫وأنت تدخل بيت اهلل عز وجل تفوز بأثٍر عظيم يرتتب على ذلك وهو أن يتنحى عنك الشيطان كل يومك ‪،‬‬
‫سائر يومك تكون يف عافية منه وسالمة منه ‪.‬‬
‫مث يبادر إذا دخل املسجد ألداء حتية املسجد ‪ ،‬وقد جاء يف احلديث عن نبينا عليه الصالة والسالم أنه قال ‪ِ(( :‬إَذا‬
‫َدَخ َل َأَح ُد ُك ْم اْلَمْس ِج َد َفاَل ْجَيِلْس َح ىَّت ُيَص ِّلَي َر ْك َعَتِنْي )) وهاتان الركعتان َّمسامها أهل العلم بتحية املسجد ‪ ،‬فيبادر‬
‫إىل أداء هذه التحية ‪ .‬وليحرص على أن يصلي حتية املسجد إىل سرتة كما كان الصحابة رضي اهلل عنهم‬
‫يتبادرون السواري ‪ ،‬سواري املسجد تكون سرتة هلم ‪ ،‬وحيرص على ذلك تأسيًا واقتداًء بالنيب الكرمي عليه‬
‫الصالة والسالم وبالصحب الكرام رضي اهلل عنهم وأرضاهم ‪ ،‬ومن املعلوم ما يرتتب على املرور بني يدي‬
‫املصلي من إمث ‪ ،‬فاختاذ السرتة كما أنه نافع للمصلي أيضًا نافع ملن كان يف طريق أو يف حاجة إىل اخلروج إىل‬
‫خارج املسجد ‪ .‬فالشاهد أنه يعتين بذلك وحيرص عليه ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مث حيرص على التقدم يف الصفوف األَو ل ‪ ،‬ويف احلديث عن النيب عليه الصالة والسالم أنه قال ‪َ(( :‬لْو َيْع َلُم الَّناُس‬
‫َم ا يِف الِّنَد اِء َو الَّصِّف اَأْلَّو ِل َّمُث ْمَل ِجَي ُد وا ِإاَّل َأْن َيْس َتِه ُم وا َعَلْيِه اَل ْس َتَه ُم وا)) ملا يف الصف األول من فضل عظيم‬
‫وخري عميم ‪ ،‬فيحرص على ذلك ‪.‬‬
‫وحيرص أيضًا يف الصالة عندما تقام أن يراعي أداء هذه الصالة وفق هدي النيب الكرمي عليه الصالة والسالم‬
‫القائل ((َص ُّلوا َك َم ا َر َأْيُتُم ويِن ُأَص ِّلي)) ومُت أل الصفوف الصف األول فاألول وُتسّد الُف رج وال ترتك فرجات‬
‫للشيطان وأن يلني املسلم بأيدي إخوانه ‪ ،‬وقد كان عليه الصالة والسالم يقول ‪َ(( :‬أِقيُم وا الُّصُفوَف ‪َ ،‬و َح اُذوا‬
‫ِن‬ ‫ٍت ِل‬ ‫ِن‬ ‫ِد‬ ‫ِل‬ ‫ِك‬
‫َبَنْي اْلَم َنا ِب ‪َ ،‬و ُس ُّدوا اَخْلَلَل ‪َ ،‬و يُنوا ِبَأْي ي ِإْخ َو ا ُك ْم ‪َ ،‬و اَل َتَذ ُر وا ُفُر َج ا لَّش ْيَطا ‪َ ،‬و َمْن َو َص َل َص ًّفا َو َص َلُه‬
‫الَّلُه ‪َ ،‬و َمْن َقَطَع َص ًّفا َقَطَعُه الَّلُه)) فيحرص على كل ذلك ويعتين به ‪.‬‬
‫كذلكم يعتين بعد الصالة بالطمأنينة ذكرًا هلل والسيما األذكار املأثورة عن نبينا عليه الصالة والسالم أدبار‬
‫الصلوات املكتوبة ‪ ،‬فيعتين بتلك األذكار وال يكون من سرعان الناس بل جيلس ويطمأن ‪ .‬وسبحان اهلل !‬
‫مالحظًة الحظتها ولعَّل أيضًا آخرين الحظوها ؛ من يبِّك ر للمسجد وللصالة بعد الصالة ال حيرص على القيام‬
‫سريعًا ‪ ،‬ألن نفسه قد اطمأنت وسكنت وشعرت بلذة هذه العبادة ‪ ،‬فال يقوم إال بأن حيمل نفسه على القيام‬
‫محال ‪ ،‬خبالف من يأيت سريًعا وقد فاته بعض الصالة جتده جمرد أن يسِّلم يقوم ألن نفسه مل تطمئن ‪ .‬وأذكر‬
‫لطيفة مَّر ت يب ‪ :‬أحد الشباب وكنت أراه يستعجل يف اخلروج من املسجد مرة من املرات رأيته مكث بعد‬
‫الصالة وأطال ‪ ،‬ملا أراد أن يقوم قلت له انتظر ؛ هل تعرف ملاذا أطلت اجلوس اآلن ؟ قال ‪ :‬ال ‪ ،‬قلت ‪ :‬ألنك‬
‫بَّك رت للمسجد ‪ .‬فسبحان اهلل ! إذا بَّك ر للمسجد اطمأنت نفسه فال يقوم بعد الصالة إال أن حيمل نفسه على‬
‫القيام محًال ‪ ،‬النفس استلذت وسكنت واطمأنت فال يقوم إال أن يلجئ نفسه إىل القيام إجلاًء ويلزمها بذلك إلزامًا‬
‫‪.‬‬
‫فهذه من اآلداب اليت تكون داخل املسجد ‪ ،‬وحرص اإلنسان على البقاء يف املسجد منتظًر ا للصالة ثوابه عند اهلل‬
‫عظيم ‪ ،‬وتأمل يف ذلك قول نبينا عليه الصالة والسالم ‪(( :‬اَل َيَز اُل َأَح ُد ُك ْم يِف َص اَل ٍة َم ا َداَم ْت الَّصاَل ُة ْحَتِبُس ُه)) ‪،‬‬
‫إذا صليَت مثًال املغرب وحبسْتك صالة العشاء ‪ ،‬جلسَت يف املسجد مرابطًا تنتظر صالة العشاء ‪ ،‬جلوسك يف‬
‫املسجد من املغرب إىل العشاء حُي سُب صالًة ‪ ،‬يقول ((اَل َيَز اُل َأَح ُد ُك ْم يِف َص اَل ٍة َم ا َداَم ْت الَّصاَل ُة ْحَتِبُس ُه)) ‪،‬‬
‫وهلذا يقول معاذ رضي اهلل عنه " من رأى أن من يف املسجد ليس يف صالة إال من كان قائما يصلي فإنه مل يفقه‬
‫" ‪ ،‬فهذا الذي هو جالس يذكر اهلل أو يقرأ القرآن أو يسِّبح أو يستمع علمًا ُيلقى يف بيت اهلل هذا كله حُي سب له‬
‫صالة ‪ ،‬تعرفون ماذا تعين هذه الكلمة ؟ حُي سب لك صالة ‪ :‬أي الفريضة اليت هي أحب العمل إىل اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ((َم ا َتَقَّر َب ِإَّيَل َعْبِدي ِبَش ْي ٍء َأَح َّب ِإَّيَل َّمِما اْفَتَر ْض ُت َعَلْيِه)) ‪ ،‬جلوسك من املغرب إىل العشاء تنتظر صالة‬
‫العشاء هذا حيسب لك صالة مادامت الصالة العشاء هي اليت حتبسك جلست مرابطًا تنتظر هذه الصالة ‪ ،‬وهذا‬
‫من عظيم فضل اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وهلذا مر معنا كالم معاذ أنه ال يفقه من يظن أن املصلي هو فقط الذي قائم‬
‫‪8‬‬
‫يصلي‪ ،‬بل هذا الذي جالس إما يسِّبح أو يقرأ قرآن أو يستمع علمًا هو يف صالة مادامت الصالة حتبسه ‪ ،‬هذا‬
‫من عظيم فضل اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫مث أيضًا يف بيوت اهلل تبارك وتعاىل أثناء بقاء اإلنسان يف املسجد ينبغي عليه أن يصوهنا من كل مؤذي سواء‬
‫األصوات العالية أو الَّلجج أو أيضا شْغل الوقت بأمور اللهو أو الدنيا أو حنو ذلك فاملساجد مل ُتَنب لذلك وإمنا‬
‫ُبنيت إلقامة ذكر اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وقد مسع عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه شخصني ارتفعت أصواهتما يف‬
‫املسجد فقال ‪ " :‬لو أنكما من أهل البلد حلصبتكما " احلصب ‪ :‬الضرب تأديبًا لكن عذرمها ألهنما قد يكونا على‬
‫جهل هبذا األمر وعدم معرفة به ‪ ،‬وهنى النيب عليه الصالة والسالم أن جيهر اإلنسان على أخيه بالقراءة ألن‬
‫املسجد للجميع يذكر اجلميع فيه اهلل عز وجل ‪ ،‬فإذا رفع صوته بالقراءة أو باألذكار اخلاصة به فإنه يشغل‬
‫املصلني ‪ ،‬ويستثىن من ذلك العلم الذي ُيلقى يف بيوت اهلل ‪ ،‬فالنيب عليه الصالة والسالم يلقي على مجوع املصلني‬
‫كلمات ومواعظ وأشياء تنفعهم وتقرهبم من اهلل سبحانه وتعاىل ويكون فيها صالحهم وفالحهم ‪ ،‬هذا أمٌر‬
‫للجميع ‪ ،‬وإذا كان ُينهى املسلم يف املسجد أن يرفع صوته بالقرآن وباألذكار اخلاصة به حىت ال يؤذي املصلني‬
‫فماذا يقال ‪ -‬أيها اإلخوة ‪ -‬عن البلية العظيمة اليت شاعت وانتشرت يف زماننا من خالل أجهزة اجلوال ؟! وهذا‬
‫حقيقة من األمور املؤملة املؤسفة للغاية ‪ ،‬هل يصَّدق أن بيوت اهلل سبحانه وتعاىل املساجد أصبح ال خيلو وقت من‬
‫األوقات وفرض من الفروض إال وُتسمع فيه املوسيقى داخل املسجد هل يصَّدق ذلك؟ واهلل لو قلت ذلك ألحد‬
‫من الناس قبل عشرين أو ثالثني سنة قبل وجود هذه األجهزة لقال لك هذا ضرب من اخليال وال ميكن أبًد ‪،‬‬
‫ومن يصِّدق أن يف املساجد يف بيوت اهلل حيصل ذلك !! لكن اآلن والناس يف سجود أو يف ركوع أو يف قيام‬
‫تنبعث تلك األصوات من هنا وهناك ‪ ،‬بعضها أصوات موسيقية صاخبة عالية ‪ ،‬فيا أسفى وما أعظمها من حال‬
‫مزرية ‪ ،‬الناس يف سجود هلل يف بيوت اهلل يناجون اهلل ويدعون اهلل ويلجئون إىل اهلل مث ينبعث من جوارهم ذلك‬
‫الصوت القبيح ‪ ،‬الصوت املنكر ‪ ،‬الصوت اآلمث!! فأين حرمة املساجد ؟ وأين تعظيم املساجد ؟ مع أن كل جهاز‬
‫من تلك األجهزة فيه حالة تسمى الوضع الصامت أو اإلغالق ‪ ،‬وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه كل مصلي‬
‫عندما يريد أن يدخل بيت اهلل سبحانه وتعاىل أن يبادر إىل إغالقه ‪ ،‬ولست حباجة إىل من يتصل عليك وأنت يف‬
‫بيت اهلل ‪ ،‬بيت اهلل مكان لعبادة اهلل لذكر اهلل لتالوة القرآن ‪ ،‬وأحيانًا يكون اإلنسان يف خري عظيم يف بيت اهلل‬
‫قلبه مطمئن ونفسه ساكنة ويف نفٍع عظيم مث يأتيه هاتف جوال وخيِر جه من املسجد رمبا ملصلحة دنيوية ‪ ،‬يتصل‬
‫عليه متصل يا فالن ال يفوتك ويعرض عليه أمرا من أمور الدنيا فيقوم ويرتك هذا اخلري العظيم الذي هو فيه ‪،‬‬
‫فينبغي على املسلم أن يعِّو د نفسه على العناية العظيمة بآداب بيوت اهلل واالهتمام بذلك اهتمامًا بالغًا ‪.‬‬
‫وال أحسب أنين أمتكن من إيفاء هذا املوضوع حقه لكن حسيب أين أشرت إىل بعض اآلداب ‪ ،‬أسأل اهلل يل‬
‫ولكم التوفيق والسداد ‪.‬‬
‫وصلى اهلل وسلم على عبده ورسوله نبينا حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫‪9‬‬

You might also like