مظاهر االتفاق و االختالؾ بٌن شعراء الحماسة الثالثة
سنذكر مظاهر االتفاق و االختالؾ مبوّ بة حسب مراكز اإلهتمام فً دراسة شعر الحماسة :المعانً الحماسٌة و أؼراض الشعر)1 ترد المعانً الحماسٌة عند الشعراء الثالثة فً معرض المدح خاصة ؛ مثل مدح أبً تمام للمعتصم ( فتح الفتوح ) ،و مدح المتنبً لسٌؾ الدولة ( الحدث الحمراء ) ،و مدح ابن هانئ ).للمعز لدٌن هللا الفاطمً ( ما شئت ال ما شاءت األقدار وقد ترد فً قصائد الرثاء مثل رثاء أبً تمام لمحمد الطوسً ،و رثاء المتنبً ألبً شجاع فاتك ،و قد ترد فً سٌاق الهجاء كهجاء أبً تمام للجلودي فً مصر ،أو هجاء المتنبً .لكافور اإلخشٌدي لكن المتنبً أكثر من إدراج المعانً الحماسٌة فً سٌاق الفخر فامتاز بذلك عن أبً تمام و ابن هانئ .و لعل ذلك راجع إلى إحساسه المفرط بتضخم الذات و إٌمانه الراسخ بأن القوة هً :السبٌل الوحٌدة لمؽالبة الدهر و بلوغ المجد كقوله .ألتركن وجوه الخٌل ساهمة *** و الحرب أقوم من ساق على قدم :الباعث على نظم المقاطع الحماسٌة )2 لئن صدر الشعراء الثالثة فٌما نظموا من شعر حماسً عن عقٌدتهم اإلسالمٌة و اعتزازهم بما حققه األمراء و الخلفاء و القواد المسلمون من انتصارات باهرة على الروم الصلٌبٌٌن فخلدوا األمجاد و تؽنوا بالبطوالت ،فإننا نجدهم مختلفٌن فً الروح التً تحرك قرائحهم ،فأبو تمام :تحركه العصبٌة القبلٌة فً مدحه الحماسً ألبً سعٌد الثؽري الطائً إذ ٌقول لوال جالد أبً صعٌد لم ٌزل *** للثؽر صدر ما علٌه صدار :و رثائه لمحمد بن حمٌد الطوسً الطائً ألذي ٌقول فٌه .فتى مات بٌن الضرب و الطعن مٌتة *** تقوم مقام النصر إذ فاته النصر أما المتنبً فتحركه فً مدحه لألمٌر العربً سٌؾ الدولة الحمدانً روح عربٌة تكره األعاجم :إذ ٌقول تهاب سٌوؾ الهند و هً حدائد *** فكٌؾ إذا كانت نزارٌة عُربا ؟ :و ٌقول مشٌدا بانتصار سٌؾ الدولة على الدمستق قائد الروم و لست ملٌكا هازما لنظٌره *** و لكنك التوحٌد للشرك هازم تشرؾ عدنان به ال ربٌعة *** و .تفتخر الدنٌا به ال العواصم فانتصار سٌؾ الدولة شرؾ للعرب جمٌعا (عدنان ) ال لقبٌلته (ربٌعة )فحسب .و أما ابن هانئ فتحركه فً مدحه للخلٌفة الشٌعً المعز لدٌن هللا الفاطمً قناعات مذهبٌة شٌعٌة .فهو قائد ٌنضوي تحت لوائه فتٌة شٌعٌة شعارهم الوالء للخلٌفة المعز لدٌن هللا ( و هو اإلمام الرابع ):عشر للشٌعة و على مطاها فتٌة شٌعٌة *** ما أن لها إال الوالء شعار حفوا براٌات المعز و من به *** .تستبشر األمالك و األمصار اعتنى الشعراء الثالثة بتصوٌر مظاهر القوة المادٌة ( الجٌش ،السالح ،الخٌل )...و تفرّد )3 ابن هانئ بوصؾ السفن ،فأبدع فً وصؾ األسطول الفاطمً الذي كان أعظم قوة بحرٌة فً البحر المتوسط ،و ذلك نظرا لطبٌعة الصراع بٌن الفاطمٌٌن و الروم فً عرض البحرٌ .قول :من القادحات النار تضرم للطلى *** فلٌس لها ٌوم اللقاء خمود إذا زفرت ؼٌضا ترامت .بمارج *** كما شً من نار الجحٌم وقود صور الشعراء الثالثة هزائم األعداء فً المعارك البرٌة ،فوصفوا بشاعة الخراب ،و )4 فظاعة الحرائق ،و سٌول الدماء ...و تفرّد بن هانئ بوصؾ هزائم البٌزنطٌٌن فً المعارك البحرٌة فصور إحراق السفن و إؼراقها و راكبٌها فً موج البحر .فهذا أبو تمام ٌصور :الخراب الذي ألحقه جٌش المعتصم بعمورٌة فٌقول لـقد تركت أمٌر المؤمنٌن بها *** للنار ٌوما ذلٌل الصخر و الخشب .حتى كأن جالبٌب الدجى رؼبت *** عن لونها و كأن الشمس لم تؽـب :و هذا ابن هانئ ٌصور ما ألحقه جٌش المعز بأرض الروم من دمار فٌقول أضحوا حصٌدا خامدٌن و أقفرت *** عرصاتهم و تعطت آثار كانت جنانا أرضهم معروشــة *** فأصابها من جٌشه إعصار على المستوى المعجمً بالػ أبو تمام و المتنبً فً استعمال الحوشًّ من األلفاظ و المعقّد )5 من التراكٌب ألداء معان عادٌة مجت ّرة .أما لؽة ابن هانئ فهً فً األع ّم األؼلب مألوفة سلسة . و لعل ذلك راجع إلى طبٌعة المحٌط الثقافً الذي نشأ فٌه كل شاعر ففً المشرق العربً كانت .الفصاحة تقاس بالقدرة على استعمال الؽرٌب ،أما لؽة األندلسٌٌن فكانت أمٌل إلى السهولة على مستوى الصور استلهم كل من أبً تمام و المتنبً أؼلب صورهما من الموروث )6 الشعري .و إلٌك هذا المثال :فقد شاع عند الشعراء منذ الجاهلٌة تصوٌر الطٌور التً ترتاد ساحات المعارك لتفترس الجثث ،كقول النابؽة الذبٌانً فً مدح عمرو بن الحارث الؽسانً : إذا ما ؼزوا فً الجٌش حلّق فوقهم *** عصائب طٌر تهتدي بعصائـب ٌصاحبنهم حتى ٌؽرن .مؽارهــم *** من الضارٌات بالدماء الدوارب :فاستلهم أبو تمام هذه الصورة فً مدح المعتصم و قائد جٌشه األفشٌن ْ أقامت مع الراٌات حتى ظللت عقبان أعالمه ضحى *** بعقبان طٌر فً الدماء نواهــــل ْ و قد .كأنها *** من الجٌش إال أنها لم تقاتل ثم جاء المتنبً فأخذ الصورة نفسها و أضاؾ إلٌها من فنه و خٌاله فقال فً مدح سٌؾ الدولة :الحمدانً .له عسكرا خٌل و طٌر إذا رمى *** بها عسكرا لم تبق إال جماجمه وأما ابن هانئ فاستلهم الموروث الدٌنً ألداء المعانً الحماسٌة و لعل ذلك راجع إلى شخصٌة البطل الممدوح ( المعز لدٌن هللا الفاطمً )الذي ٌتمتع بتأٌٌد إلهًّ باعتباره من ذرٌة الرسول – صلى هللا علٌه و سلم .-فٌقول مشبها انتصار الممدوح على الروم الكافرٌن بانتصار الرسول :و المسلمٌن على الكفار .نصر اإلله على ٌدٌك عباده *** و هللا ٌنصر من ٌشاء و ٌخذل :وٌقول مشبها حراقات المعز بالجحٌم .إذا زفرت ؼٌظا ترامت بمارج *** كما شب من نار الجحٌم وقود س ْالمَصِ ٌ ُر << :وهً صورة مستوحاة من اآلٌة الكرٌمة ٌِن َك َفرُوا ِب َرب ِِّه ْم َع َذابُ َج َه َّن َم َو ِب ْئ َ َولِلَّذ َ >> .إِ َذا أ ُ ْلقُوا فٌِ َها َس ِمعُوا لَ َها َش ِهٌ ًقا َوه َ ًِ َتفُو ُر َت َكا ُد َت َم ٌَّ ُز م َِن ْال َؽٌْظِ و تنافس الشعراء الثالثة فً تصوٌر قوة المعارك فنقلوا صورا من ساحات القتال تبرز قوة )7 :الضرب و الطعن و الفتك بالعدو ...فقال أبو تمام فً وصؾ قوة الضرب و سرعة الطعن أوسعتهم ضربا تهد بـه الكلى *** و ٌخؾ منه المرء و هو ركٌن ضربا كأشداق المخاض و تحته *** طعن كأن وجاءه طاعــــــون و كان للمتنبً فضل كبٌر فً دقة تصوٌر المشاهد القتالٌة الملٌئة بالحركة و فً حسن توظٌؾ " :اإلٌقاع إلكساب هذه المشاهد قوة فً اإلٌحاء و مثال ذلك قوله فً وصؾ معركة "الحدث .بناها فأعلى و القنا تقرع القنا *** و موج المناٌا حولها متالطم فقد أحسن توظٌؾ اإلٌقاع ( بتردٌد صوت العٌن و صوت القاؾ و صوت النون ) لإلٌحاء بقوة .المعركة أضفى الشعراء الثالثة طابعا ملحمٌا على كثٌر من قصائدهم الحماسٌة و ذلك بتوظٌؾ )8 السرد ( سرد مراحل الحمالت التً شنها المسلمون على بالد الروم من خروج الجٌش للحرب إلى عودته منتصرا ) و الوصؾ ( وصؾ الجٌوش و السالح و الخٌل و المقاتلٌن )...و ذكر أسماء األبطال ( سٌؾ الدولة – أبو سعٌد الثؽري )...و أماكن المعارك( موقان – أبرشتوٌم – أرشق – جزٌرة صقلٌة ) ...فقصائد أبً تمام الطائً فً مدح القائد العربً أبً سعٌد الثؽري الطائً ،وفً مدح الخلٌفة العباسً المعتصم ،و مدائح أبً الطٌب المتنبً لسٌؾ الدولة الحمدانً ،و مدائح ابن هانئ للمعز لدٌن هللا الفاطمً مالحم أو فصول من مالحم ،تصور جهاد المسلمٌن للروم