You are on page 1of 3

‫بايدن‪ ..‬لو أّنه يأخذ بنصيحة كيسنجر لنيكسون!

‪ -‬سميح صعب‬
‫‪180post.com/archives/41831‬‬

‫سميح صعب‬ ‫‪December 3, 2023‬‬

‫المقارنة التي تفرض نفسها هنا‪ ،‬هي نجدة الرئيس األميركي الراحل ريتشارد نيكسون إلسرائيل عقب حرب ‪ ،1973‬والجسر الجوي‬
‫الذي أقامته الواليات المتحدة لتعويض الخسائر اإلسرائيلية في األيام األولى من تلك الحرب‪ .‬لكّن نيكسون بناء على نصيحة وزير‬
‫خارجيته ومستشاره لألمن القومي عامذاك هنري كيسنجر (توفي األربعاء الماضي عن مئة عام)‪ ،‬تعمد تأخير بعض المساعدات‪ ،‬كي‬
‫يدفع إسرائيل إلى التفاوض لفك اإلشتباك على الجبهتين المصرية والسورية‪.‬‬

‫وفي ما بعد عاتبت رئيسة الوزراء اإلسرائيلية وقتذاك غولدا مائير‪ ،‬كيسنجر على موقفه هذا “مع أّنه يهودي”‪ .‬وحرص كيسنجر طيلة‬
‫المفاوضات التي تلت الحرب‪ ،‬وهي التي مّه دت التفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في عهد الرئيس جيمي كارتر‪ ،‬على عدم‬
‫إظهار تحيزه إلسرائيل إنطالقًا من فلسفته في “السياسة الواقعية” وتقديم المصالح على العواطف‪.‬‬

‫ولم تكن هذه حال بايدن وال وزير خارجيته أنطوني بلينكن‪ ،‬الذي قال في زيارته األولى لتل أبيب بعد ‪ 7‬تشرين األول‪/‬أكتوبر “جئت‬
‫إلى إسرائيل كيهودي قبل صفتي كوزير للخارجية”‪ ،‬في خطاب غير مألوف في تاريخ الدبلوماسية األميركية على مر العقود‬
‫والعهود‪.‬‬

‫أطلق بايدن ومساعدوه يد إسرائيل في الحرب على غزة‪ ،‬مع تطابق في األهداف واختالف في الوسائل‪ .‬الجانبان يريدان التخلص من‬
‫“حماس” وإنشاء وضع سياسي وعسكري جديد في القطاع‪ ..‬والشرق األوسط‪.‬‬

‫تبدو المعادلة واضحة‪ :‬إسرائيل تسعى إلى كسب معركة بينما “حماس” تحاول كسب الحرب‬

‫وبينما يتوسل رئيس الوزراء اإلسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب لتحقيق هذا الهدف‪ ،‬بصرف النظر عن واقعيته‪ ،‬يسعى بايدن إلى‬
‫البحث عن خيارات أخرى مثل مناقشة امكان تشكيل قوة متعددة الجنسيات من الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬إلدارة قطاع غزة في‬
‫مرحلة ما بعد “حماس” أو إثارة مسألة قيام السلطة الفلسطينية “المتجددة” بدور ما في القطاع‪ .‬وعندما اصطدمت هذه الفكرة‬
‫األميركية برفض عربي للمجيء إلى غزة‪ ،‬ومع تعاظم أعداد الضحايا من المدنيين الفلسطينيين بعد تشكيك أولي باألرقام‪ ،‬بات بايدن‬
‫مًالاّي إلى إحداث تعديل بسيط في سياسته بحيث ُيرضي المعارضة المتصاعدة في الداخل األميركي للحرب‪ ،‬وال ُيغضب إسرائيل في‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬فكان العمل على اقناع نتنياهو بقبول الهدن الموقتة‪ ،‬من دون إلزامه بوقف نار دائم‪.‬‬

‫وبعد نجاح األيام األولى من الهدنة ُمعّز زة بتبادل دفعات من األسرى اقتصرت على النساء والقاصرين‪ ،‬سعى بايدن إلى استكشاف‬
‫إمكانات فتح طريق أمام الديبلوماسية طريقًا للوصول إلى تسوية دائمة قائمة على حل الدولتين‪ .‬المحادثات بين مسؤولي اإلستخبارات‬
‫األميركية واإلسرائيلية في الدوحة‪ ،‬جعلت البعض يتفاءل في امكان التوصل إلى هدنة دائمة‪ ..‬والذهاب إلى الديبلوماسية‪.‬‬

‫لكن نتنياهو سرعان ما سّد كل الطرق أمام هذا االحتمال‪ ،‬وهو الذي تقوم كل عصبيته في الحكم على رفض حل الدولتين‪ .‬وأمام‬
‫التعنت اإلسرائيلي تراجع البيت األبيض إلى الحديث عن ضوابط إلدارة الحرب في جنوب غزة‪ ،‬مثل تجنب إيقاع إصابات بين‬
‫المدنيين (وهذه استحالة في منطقة يتكدس فيها نحو مليوني نسمة)‪ ،‬أو إقامة “مناطق آمنة” لهم في جنوب القطاع ووسطه‪ ،‬فضًال عن‬
‫تزويد إسرائيل بقنابل دقيقة‪ ،‬والتشديد على ضرورة “التزام المعايير الدولية” في الحرب!‬

‫ًا‬
‫‪1/3‬‬
‫الثابت أن بايدن لن يضغط أكثر على نتنياهو‪ ،‬حتى ال يرتد ذلك سلبًا على الرئيس األميركي في الداخل‬

‫التراجع األميركي‪ ،‬شّج ع نتنياهو في لقاءاته مع المسؤولين األميركيين في األيام األخيرة على إعادة إحياء “خيار بيروت ‪ ،″1982‬أي‬
‫انسحاب مقاتلي “حماس” من غزة على غرار خروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت في صيف العام ‪ .1982‬وهو‬
‫يرى أن الضغط العسكري ال بد أن يقنع “حماس” باالستسالم لألمر الواقع والقبول بالخروج من غزة؟ لكن إلى أين؟‬

‫بلينكن تحدث في ختام زيارته األخيرة لتل أبيب عن اقتراح مشابه من أجل تجنب توسع الحرب إلى الجنوب‪ ،‬يقضي بأن ُيلقي مقاتلو‬
‫“حماس” السالح‪ ،‬وبأن ُيسّلم المسؤولون عن عملية “طوفان األقصى” أنفسهم‪ .‬أي أن بلينكن يستبدل النفي بالذهاب إلى المعتقالت‬
‫اإلسرائيلية‪.‬‬

‫ومن المؤكد أن نتنياهو يستغل السنة االنتخابية في‬


‫الواليات المتحدة كي ُيحّيد أي ضغط داخلي أميركي‬
‫محتمل‪ .‬ويجد في الجمهوريين حليفًا مهمًا بدأوا منذ اآلن‬
‫التصويب على بايدن واتهامه بخذالن إسرائيل من طريق‬
‫الدعوة إلى الهدن الموقتة أو الحديث عن حل الدولتين‪.‬‬
‫وفي مقدم هؤالء السناتور الجمهوري عن والية تكساس‬
‫توم كوتون الذي غّر د على حسابه في منصة “أكس”‬
‫قائًال‪“ :‬لقد استغرق بايدن بضعة أسابيع بعد أسوأ مجزرة‬
‫ترتكب بحق اليهود بعد الهولوكوست‪ ،‬كي ينقلب على‬
‫إسرائيل وُيشّبه أفعالها باإلرهاب”‪.‬‬

‫كان توم كونوت يرد بذلك على تغريدة لجو بايدن أثارت‬
‫لغطًا وإرباكًا في البيت االبيض الذي سارع إلى سحبها‬
‫الحقًا‪ ،‬وجاء فيها “أن حماس شّنت هجومًا إرهابيًا ألنها ال‬
‫تخشى شيئًا‪ ،‬أكثر من أن يعيش اإلسرائيليون‬
‫والفلسطينيون جنبًا إلى جنب بسالم‪ .‬إن المضي في مسار‬
‫اإلرهاب والعنف والقتل والحرب هو بمثابة منح حماس‬
‫ما تسعى إليه‪ .‬ال يمكننا أن نفعل ذلك”‪.‬‬

‫إقرأ على موقع ‪ 180‬السبت التاريخي الُملّو ن‪ ..‬فلسطين‬


‫تقرع جرس اإلنذار‬
‫ًال‬
‫اعتبر البعض أن بايدن حاول فع إقامة نوع من التوازن‬
‫بين دعمه المطلق إلسرائيل وحملة القصف اإلسرائيلي‬
‫غير المسبوق في غزة‪ ،‬في مسعى تكتيكي لتهدئة موجات‬
‫المعارضة داخل اإلدارة وخارجها والتي وصلت إلى حد‬
‫مطالبة سناتورات ديموقراطيين نافذين بوضع شروط على تقديم المساعدات العسكرية واالقتصادية إلسرائيل‪ .‬وهذا احتمال يدأب‬
‫المسؤولون األميركيون على تكرار نفيه‪.‬‬

‫الثابت أن بايدن لن يضغط أكثر على نتنياهو‪ ،‬حتى ال يرتد ذلك سلبًا على الرئيس األميركي في الداخل‪ ،‬علمًا أن رئيس الوزراء‬
‫اإلسرائيلي بعد ‪ 7‬تشرين األول‪/‬أكتوبر وصل إلى مرحلة من االنهيار أسوأ بكثير مما كانت عليه غولدا مائير بعد ‪ 6‬تشرين األول‪/‬‬
‫أكتوبر ‪ .1973‬توافرت لبايدن فرصة مثالية ليفتح الطريق إلى حلول سياسية‪ ،‬لكنه رفض استغاللها برغم أنه ُيقّدم نفسه أنه األكثر‬
‫خبرة في الواليات المتحدة في مجال السياسة الخارجية‪ ،‬كونه أمضى عقودًا رئيسًا للجنة العالقات الخارجية في مجلس الشيوخ‪.‬‬

‫ًال‬
‫‪2/3‬‬
‫إطالة أمد الحرب ليس دليًال على نجاحها‪ ،‬بل يزيد فقط من احتماالت توسع نيرانها إلى حد تجد أميركا نفسها في تورط‬
‫مباشر بنزاع شرق أوسطي جديد‬

‫اليوم‪ُ ،‬يحارب نتنياهو من أجل بقائه السياسي بقدر ما يصر على مواصلة حربه في غزة‪ ،‬حتى الخروج بصورة نصر تقيه الذهاب‬
‫إلى المنزل أو إلى السجن في اليوم التالي لوقف إطالق النار‪.‬‬

‫هنا تطرح عالمات استفهام كثيرة حول مآالت هذه الحرب بعد انتقالها إلى جنوب غزة‪ ،‬في وقت تبدو المعادلة واضحة‪ :‬إسرائيل‬
‫تسعى إلى كسب معركة بينما “حماس” تحاول كسب الحرب‪.‬‬

‫وأمام ديبلوماسية أميركية عاجزة عن توفير مخرج من أخطر هزة تتعرض لها إدارة بايدن منذ وصولها إلى البيت األبيض قبل نحو‬
‫ثالثة أعوام‪ ،‬فإن إطالة أمد الحرب ليس دليًال على نجاحها‪ ،‬بل يزيد فقط من احتماالت توسع نيرانها إلى حد تجد أميركا نفسها في‬
‫تورط مباشر بنزاع شرق أوسطي جديد‪.‬‬

‫في روايته “وداعًا أيها السالح”‪ ،‬يقول الكاتب والروائي األميركي أرنست همنغواي “ال يوجد أكبر من الهزيمة إال النصر الذي يمكن‬
‫أن يكون أسوأ في بعض الحاالت”!‬

‫الرئيسية‬
‫لبنان‬
‫فلسطين‬
‫العراق‬
‫سوريا‬
‫ثقافه وفنون‬
‫تحقيق‬
‫تحليل‬
‫ترجمة‬
‫تقرير‬
‫دراسة‬
‫رأي‬
‫كتاب‬
‫مقابلة‬
‫من الذاكرة‬
‫كورونا‬

‫‪ 180POST‬جميع الحقوق محفوظة ‪2021‬‬

‫‪3/3‬‬

You might also like