You are on page 1of 40

‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫التنظيم القضائي بني العدالة املؤسساتية والعدالة املكملة أو البديلة‬

‫عبد الرمحان الرشقاوي‬


‫أستاذ القانون املدين‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية السوييس‬
‫جامعة حممد اخلامس بالرباط‬

‫التنظيم القضائي‬
‫بني العدالة املؤسساتية والعدالة املكملة أو البديلة‬

‫‪2020‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫التنظيم القضائي بني العدالة املؤسساتية والعدالة املكملة أو البديلة‬

‫مقدمة‬
‫‪ .1‬إن االعرتاف باحلقوق وحدها ال يكفي للحديث عن دولة احلق والقانون؛ بل ال بد من‬
‫حتديد الوسائل التي متكن من الوصول هلاته احلقوق ‪ .‬ومن أجل بلوغ هذه الغاية‪ ،‬فإن اإلنسان كان‬
‫‪1‬‬

‫يف البداية حيتكم إىل قوته الذاتية من أجل أخذ حقه بنفسه؛ وهو ما كان يسمى بعهد العدالة اخلاصة‪،‬‬
‫التي من خالهلا حيقق الشخص محاية ذاتية مع مؤازرة أهله وعشريته‪ ،‬بحكم التضامن القائم بينهم‬
‫وأيضا بالنظر لرتابط املصالح وتبادهلا ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ .2‬ثم تطور األمر‪ ،‬فأصبح شيخ القبيلة حيكم بني أفرادها طبقا ألعرافها وتقاليدها‪ ،‬كام هو‬
‫الشأن بالنسبة للوضع الذي كان سائدا يف احلقبة السابقة عن اإلسالم ؛ حيث كان العرب يعهدون‬
‫‪3‬‬

‫بالقضاء إىل شيخ القبيلة‪ ،‬الذي كان يفصل يف املنازعات بناء عىل األعراف السائدة‪ ،‬والتي كان‬
‫مصدرها إما من جتارهبم أو معتقداهتم‪ ،‬وأيضا مما اقتبسوه من الشعوب املجاورة هلم كالروم‬
‫والفرس‪ ،‬أو أولئك الذين احتكوا هبم كاملسيحيني أو اليهود‪ .‬كام كان العرب يلجؤون إىل الكهان أو‬
‫إىل العرافني‪ ،‬وعموما إىل من عرف بجودة الرأي وأصالة احلكم من أهل الرشف والصدق‪.‬‬

‫‪ .3‬إال أنه بمجرد أن أصبحت الدولة قوية‪ ،‬قامت باحتكار العدالة؛ ومن ثم أصبحت هي التي‬
‫تقوم بتعيني القضاة من أجل إصدار األحكام باسمها‪ ،‬كام حددت رشوط تسميتهم وترقيتهم‬

‫‪ 1‬لعل هذا هو املربر الذي دفع عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه إىل التأكيد‪ ،‬يف رسالته التي بعث هبا إىل أيب موسى األشعري بمناسبة توليته القضاء‪،‬‬
‫عىل أنه ال ينفع تكلم بحق ال نفاذ له‪.‬‬
‫أيب احلسن بن حممد بن حبيب البرصي املاوردي‪ :‬األحكام السلطانية والواليات الدينية؛ طبعة دار الكتاب‪ ،‬بريوت‪1978/‬؛ ص‪.71:‬‬
‫وجدي راغب‪ :‬النظرية العامة للتنفيذ القضائي يف قانون املرافعات املدنية والتجارية؛ دار الفكر العريب؛ ص‪.7:‬‬ ‫‪2‬‬

‫حممد السامحي‪ :‬نظام التنفيذ املعجل لألحكام املدنية يف القانون املغريب‪ ،‬دراسة مقارنة؛ أطروحة لنيل دكتوراه يف القانون اخلاص‪ /‬جامعة حممد‬
‫اخلامس الرباط؛ مؤسسة غبور للطباعة ‪-‬دمشق‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1996‬؛ ص‪.13:‬‬
‫‪ 3‬أما بعد اإلسالم‪ ،‬فإن الناس يف البداية كانوا حيتكمون إىل الرسول عليه أفضل الصالة والسالم متى تراضوا فيام بينهم عىل حتكيمه؛ ثم بعد ذلك‬
‫أصبح كل فرد يف الدولة اإلسالمية ملزم بتحكيم الرسول يف مجيع األمور‪ ،‬تطبيقا لآلية الكريمة التي قال فيها احلق سبحانه وتعاىل‪) :‬فال وربك ال‬
‫يؤمنون حتى حيكموك فيام شجر بينهم ثم ال جيدوا يف أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليام(‪ .‬اآلية ‪ 63‬من سورة النساء‪.‬‬
‫مما يعني‪ ،‬أن الرسول عليه الصالة والسالم مجع بني السلطات الثالث؛ واملتمثلة يف الترشيع والتنفيذ والقضاء‪ .‬غري أن ممارسته للوظيفة الترشيعية‪،‬‬
‫كام أكد عىل ذلك الفقه‪ ،‬ختتلف‪ ،‬من حيث العموم واخلصوص‪ ،‬عن ممارسته لوظيفتي التنفيذ والقضاء؛ فاألوىل كان يؤدهيا بصفته مكلفا بأدائها‬
‫عىل وجه اخلصوص‪ ،‬وكانت وسيلتها الوحي الساموي‪ ،‬وما يبينه رسول اهلل من ذلك‪ ،‬وقد انتهت هذه الوظيفة بوفاته عليه السالم‪.‬‬
‫أما أداؤه عليه أفضل الصالة والسالم لوظيفتي القضاء والتنفيذ فكان تكليفه هبام عىل سبيل العموم‪ ،‬ولذلك ورثتهام عنه األمة اإلسالمية مرياثا‬
‫كامال‪ ،‬فقد مارس اخللفاء الر اشدين من بعده وظيفتي القضاء والتنفيذ‪ ،‬وسيظل املسلمون يامرسوهنام إىل أن يرث اهلل األرض ومن عليها كعمل‬
‫تقتضيه مصلحة اجلامعة‪.‬‬
‫سعود بن سعد آل دريب‪ :‬التنظيم القضائي يف اململكة العربية السعودية يف ضوء الرشيعة اإلسالمية ونظام السلطة القضائية؛ رسالة يف السياسة‬
‫الرشعية؛ جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪/‬وزارة التعليم العايل؛ نرش اإلدارة العامة للثقافة والنرش ‪1999‬؛ ص‪.119:‬‬

‫‪2‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫التنظيم القضائي بني العدالة املؤسساتية والعدالة املكملة أو البديلة‬

‫وضامنات استقالهلم‪ ،‬وحددت أيضا جمال اختصاص هؤالء‪ ،‬وهذا ما يعرف بالتنظيم القضائي‪ .‬كام‬
‫قامت الدولة بتنظيم طرق اللجوء إىل العدالة عن طريق قواعد آمرة تشكل لوحدها فرعا خاصا‬
‫للقانون‪ ،‬يطلق عليه قانون املسطرة املدنية‪ .‬وكال الفرعني يكونان ما يسمى بالقانون القضائي‬
‫اخلاص‪.‬‬
‫أي أن الصورة النهائية التي صاغها املجتمع اإلنساين لصيانة حقوق األفراد‪ ،‬تتمثل يف احلامية‬
‫ا لقضائية‪ ،‬التي تفرتض وجود جهاز قضائي‪ ،‬ونشاط تتولد عنه احلامية القانونية‪ .‬بمعنى أن الدولة‬
‫هي التي أصبحت تتوىل احلامية القانونية حلقوق األفراد واجلامعات‪ ،‬معتربة إياها إحدى مظاهر‬
‫سيادهتا‪ ،‬ونشاطا أساسيا إلحدى السلط الثالث التابعة هلا ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ .4‬غري أنه قبل االنتقال إىل العدالة العامة؛ أو ما يسمى بالعدالة املؤسساتية‪ ،‬كان الناس‬
‫يلجؤون إىل التحكيم ؛ حيث كانوا يف البداية حيتكمون للتحكيم اختياريا إليامهنم بأن القوة واالنتقام‬ ‫‪5‬‬

‫طريق غري فعال يف فض املنازعات‪ .‬ثم يف مرحلة الحقة‪ ،‬أصبح االلتجاء للتحكيم إجباريا ‪ ،‬بعدما‬
‫‪6‬‬

‫حرمت الدولة العدالة اخلاصة؛ ومن ثم أصبحت تفرض عليهم اختيار حماكم حلل املنازاعات‬
‫القائمة بينهم‪.‬‬

‫وبالنظر لفوائد التحكيم اجلمة‪ ،‬فقد ظهر منذ عهد قديم يعود إىل البابليني وإىل اإلمرباطوريتني‬
‫الرومانية واليونانية‪ ،‬كام ذهب لذلك الفقيه املرصي أبو زيد رضوان ‪ ،‬الذي ردد مقولة أرسطو "إن‬
‫‪7‬‬

‫أطراف النزاع يستطيعون تفضيل التحكيم عن القضاء‪ ،‬ذلك ألن املحكم يرى 'العدالة' بينام ال يعتد‬
‫القايض إال بالترشيع"؛ بل إن البعض اآلخر وصفه بأنه أصل القضاء نفسه‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫‪ .5‬وإذا كان اجلميع متفق عىل كون العدالة أصبحت إحدى الوظائف األساسية التي تقوم هبا‬
‫الدولة‪ ،‬بل إن القضاء أصبح بمثابة السلطة الثالثة التي تقوم عليها خمتلف األنظمة الديموقراطية‬
‫احلديثة إضافة إىل السلطتني الترشيعية والتنفيذية‪ ،‬فإن ما تنبغي اإلشارة إليه أيضا‪ ،‬هو أن التحكيم‪،‬‬

‫‪ 4‬حممد حامد فهمي‪ :‬املرافعات املدنية والتجارية؛ طبعة ‪ ،1940‬ص‪.12:‬‬


‫أمحد حممد مليجي موسى‪ :‬حتديد نطاق الوالية القضائية واالختصاص القضائي؛ أطروحة دكتوراه من جامعة عني شمس‪1979/‬؛ ص‪.6:‬‬
‫‪5 ECHARKAOUI Abderrahman: L’accès du consommateur au droit et à la justice en droit marocain et en droit‬‬
‫‪européen ; Thèse de doctorat en droit privé ; Université Hassan II; Année universitaire ; 2007-2008 ; P : 266.‬‬
‫‪ 6‬احلسني الساملي‪ :‬التحكيم وقضاء الدولة‪ ،‬دراسة علمية تأصيلية مقارنة‪ ،‬جمد املؤسسة اجلامعية للدراسات والنرش والتوزيع‪ /‬بريوت؛ ‪2008‬؛ ص‪.11:‬‬
‫‪ 7‬أبو زيد رضوان‪ :‬األسس العامة يف التحكيم التجاري الدويل؛ دار الفكر العريب؛ ‪1981‬؛ ص‪.3:‬‬
‫‪ 8‬أمحد عبد الكريم سالمة‪ :‬التحكيم التجاري الدويل والداخيل؛ دار النهضة العربية‪ ،2004 /‬ص‪.9:‬‬
‫احلسني الساملي‪ :‬التحكيم وقضاء الدولة‪ ،‬دراسة علمية تأصيلية مقارنة‪ ،‬مرجع سابق؛ ص‪.11:‬‬

‫‪3‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫التنظيم القضائي بني العدالة املؤسساتية والعدالة املكملة أو البديلة‬

‫إىل جانب الوسائل الودية األخرى‪ ،‬أصبح له اليوم دور أسايس السيام يف جمال األعامل ؛ فقد أصبح‬
‫‪9‬‬

‫بمثابة وسيلة مكملة للعدالة وليست جمرد وسيلة بديلة كام يذهب البعض لذلك‪ .‬وما زاد من هذه‬
‫‪10‬‬

‫األمهية‪ ،‬هو تزايد السلبيات والعراقيل التي تواجه القضاء‪ ،‬واملتمثلة أساسا يف الرتاكم املهول الذي‬
‫أصبحت تعرفه املحاكم من حيث عدد القضايا املعروضة عليها‪ ،‬إىل جانب التعقيد الذي تعرفه‬
‫مسطرة التبليغ والتنفيذ وافتقارها إىل الرس عة والفعالية‪ ،‬مع ما يرتتب عن ذلك من بطء يف الفصل يف‬
‫النزاعات‪.‬‬

‫‪ .6‬يف ختام هذا التقديم املقتضب‪ ،‬أود أن أشري إىل أنه بالنظر ألمهية التحكيم إىل جانب باقي‬
‫الوسائل املكملة للعدالة املؤسساتية‪ ،‬فإننا ارتأينا أن نخصص هلا فصال خاصا‪ ،‬السيام بعدما تم‬
‫تنظيمه يف قانون املسطرة املدنية‪ ،‬ثم وضع مسودة مرشوع قانون حديثا‪ ،‬خاصة بالتحكيم والوساطة‬
‫االتفاقية؛ وذلك إىل جانب املحاور األساسية التي تشكل املكونات البنيوية األساسية ملادة التنظيم‬
‫القضائي كام تتداوهلا معظم الدراسات األكاديمية‪ ،‬والتي تتمثل باخلصوص يف مبادئ التنظيم‬
‫القضائي وخمتلف أنواع املحاكم واختصاصاهتا إضافة إىل أشخاص القضاء بوجه عام‪.‬‬

‫‪ .7‬عموما‪ ،‬فإننا سنتن اول هذه الدراسة من خالل التمهيد هلا بأهم املبادئ العامة واألساسية‬
‫للتنظيم القضائي (الفصل األول)‪ ،‬ثم نتطرق بعد ذلك لتنظيم املحاكم وأهم اختصاصاهتا (الفصل‬
‫الثاين)‪ ،‬قبل أن ننتقل إىل احلديث عن أهم أشخاص املحاكم يف التنظيم القضائي (الفصل الثالث)‪،‬‬
‫ويف األخري نتنا ول بالدرس والتحليل الوسائل البديلة أو املكملة للمحاكم أو للعدالة املؤسساتية‬
‫(الفصل الرابع)‪.‬‬

‫‪ 9‬مل تقترص احللول البديلة عىل جمال األعامل‪ ،‬بل تعدته إىل خمتلف املجاالت‪ ،‬فالوساطة األرسية مثال كتقنية يف إدارة احلوار برزت أساسا يف‬
‫الواليات املتحدة األمريكية ومنها انتقلت إىل فرنسا يف هناية الثامنينات من القرن املايض وإىل كندا‪.‬‬
‫وبحسب أحد الباحثني املغاربة‪ ،‬فإن الوساطة يف النموذج األمريكي إما أن تكون؛ وساطة قضائية‪ ،‬حيث تتطلب وجود نزاع مطروح أمام‬
‫القضاء‪ ،‬هذا األخري هو الذي حييل األطراف عىل وسيط معني من ضمن قائمة الوسطاء املعتمدين لدى املحاكم‪ ،‬والذين غالبا ما يعملون يف‬
‫القطاع اخلاص وهم إما حمامون قدماء يتفرغون للوساطة‪ ،‬أو قضاة متقاعدون أو خرباء يف ميادينهم‪ .‬أما النوع الثاين‪ ،‬فهو الوساطة االتفاقية‪ ،‬التي‬
‫يتفق عليها الطرفان من غري أن يكون هناك أي نزاع أمام املحكمة‪ ،‬وفيها يتوجهان مبارشة إىل الوسيط املتفق عليه بعيدا عن املحكمة‪.‬‬
‫زهور احلر‪ :‬الصلح والوساطة األرسية يف القانون املغريب والقانون املقارن؛ الندوة اجلهوية احلادية عرش املنظمة من قبل حمكمة النقض بقرص‬
‫املؤمترات بالعيون يومي ‪ 01‬و ‪ 02‬نونرب ‪ 2007‬حتت عنوان الصلح والتحكيم والوسائل البديلة حلل النزاعات من خالل اجتهادات املجلس‬
‫األعىل؛ مطبعة األمنية‪2007/‬؛ ص‪.127:‬‬
‫‪10 ECHARKAOUI Abderrahman: L’accès du consommateur au droit et à la justice en droit marocain et en droit‬‬
‫‪européen ; op.cit; P:220.‬‬

‫‪4‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪5‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫الفصل األول‬
‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪6‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪7‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪ .8‬قلنا املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‪ ،‬ومل نردفه باملغريب‪ ،‬عىل اعتبار أن هذه املبادئ تكاد‬
‫تكون شاملة ملجموع الدول احلديثة‪ ،‬بالرغم من االختالف احلاصل بينها عىل مستوى التنظيم ‪ .‬غري‬
‫‪11‬‬

‫أنه قبل تناول أهم هذه املبادئ‪ ،‬فإننا ارتأينا الوقوف عىل إشكالية يف غاية األمهية؛ وهي املتعلقة‬
‫بوحدة القضاء بالنظر للنقاش الذي ال زالت تثريه‪ .‬ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن املرشع‬
‫املغريب تراجع عن هذا املبدأ ‪ ،‬وذلك منذ إحداثه جلهات قضائية أخرى إىل جانب القضاء العادي؛‬ ‫‪12‬‬

‫وتتمثل هذه اجلهات يف كل من القضاء اإلداري (املحاكم اإلدارية وحماكم االستئناف اإلدارية)‬
‫والقضاء التجاري (املحاكم االبتدائية وحماكم االستئناف التجارية)‪.‬‬
‫يف مقابل هذا الرأي‪ ،‬نجد غالبية الفقه املغريب‪ ،‬يؤكد بأن التنظيم القضائي املغريب ال زال ملتزما‬
‫بمبدأ وحدة القضاء؛ وحجة مجهور الفقه‪ ،‬هو أنه بالرغم من إحداث املحاكم اإلدارية والتجارية‪،‬‬
‫فإن القضاء ال زال واحدا ما دام أن حمكمة النقض ‪ ،‬هي اهليأة الوحيدة التي تنظر يف مجيع األحكام‬
‫‪13‬‬

‫االنتهائية الصادرة عن خمتلف حماكم اململكة سواء كانت مدنية أو إدارية أو جتارية ؛ بينام يتطلب‬
‫‪14‬‬

‫احلديث عن ازدواجية القضاء أو تعدد اجلهات القضائية بدولة معينة تواجد أو قيام حماكم نقض‬
‫موازية هلذه اجلهات اجلديدة‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة ملجلس الدولة الفرنيس الذي ينظر يف نقض‬
‫األحكام والقرارات الصادرة يف املادة اإلدارية ؛ وهذا ما يعرف باالختصاص الوظيفي‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫‪ 11‬فتحي وايل‪ :‬مبادئ قانون القضاء املدين؛ منشأة املعارف باإلسكندرية‪.1975/‬‬


‫‪12 BENABDALLAH Mohamed Amine: La cour supreme : de l’unité à la semi dualité de juridiction; REMALD,‬‬
‫‪N°23 ; P:93.‬‬
‫‪BENABDALLAH M.A. : Réflexions sur la loi instituant les cours administratives d’appel ; REMALD, N°68 ; P:7.‬‬
‫حسن صحيب‪ :‬إشكالية حتديد الطبيعة القانونية للنظام القضائي املغريب بعد إحداث املحاكم اإلدارية؛ املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية؛‬
‫العدد ‪69‬؛ ص‪.11:‬‬
‫مصطفى الرتاب‪ :‬القواعد اإلجرائية أمام حماكم االستئناف اإلدارية؛ مداخلة بمناسبة اليوم الدرايس املنظم من طرف املجلة املغربية لإلدارة‬
‫املحلية والتنمية واملدرسة الوطنية لإلدارة بتعاون مع املؤسسة األملانية هانس سايدل يف موضوع تطور القضاء اإلداري باملغرب عىل ضوء إحداث‬
‫حماكم االستئناف اإلدارية؛ منشورات املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬العدد ‪2007/55‬؛ ص‪.43:‬‬
‫‪ 13‬تم تغيري عبارة املجلس األعىل بعبارة حمكمة النقض بمقتىض القانون رقم ‪ 58.11‬انسجاما مع مقتضيات الدستور اجلديد لسنة ‪.2011‬‬
‫ظهري رشيف رقم ‪ 1.11.91‬صادر يف ‪ 27‬من شعبان ‪ 1432‬املوافق ‪ 29‬يوليو ‪ 2011‬بتنفيذ نص الدستور‪ ،‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ 5964‬مكرر‬
‫بتاريخ ‪ 28‬شعبان ‪ 1432‬املوافق ‪ 30‬يوليو ‪ ،2011‬ص‪-3600 :‬؛ وذلك بمقتىض الظهري الرشيف رقم ‪ 1.11.170‬صادر يف ‪ 27‬من ذي‬
‫القعدة ‪ 25( 1432‬أكتوبر ‪ )2011‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 58.11‬املتعلق بمحكمة النقض‪ ،‬املغري بموجبه الظهري الرشيف رقم ‪1.57.223‬‬
‫الصادر يف ‪ 2‬ربيع األول ‪ 27( 1377‬سبتمرب ‪ )1957‬بشأن املجلس األعىل‪ .‬اجلريدة الرسمية عدد ‪ 5989‬مكرر بتاريخ ‪ 28‬ذو القعدة ‪1432‬‬
‫(‪ 26‬أكتوبر ‪)2011‬؛ ص‪.5228:‬‬
‫‪ 14‬حممد املنترص الداودي‪ :‬اإلشكاليات القانونية وال واقعية يف اختصاص القضاء اإلداري؛ دار القلم للطباعة والنرش والتوزيع‪ /‬الطبعة األوىل‬
‫‪2005‬؛ ص‪.7:‬‬
‫‪ 15‬يف هذا السياق‪ ،‬ذهب أحد الباحثني إىل أنه " رغم إحداث املحاكم التجارية كمحاكم أول درجة وحماكم االستئناف التجارية كمحاكم ثاين‬
‫درجة يف القضايا ذات الصبغة التجارية‪ ،‬فال وجود ملحكمة قانون (حمكمة النقض التجارية) خمتصة يف مراقبة حماكم املوضوع التجارية من حيث‬

‫‪8‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪ .9‬من وجهة نظرنا الشخصية‪ ،‬يمكن القول أن املغرب كان يسري يف اجتاه اعتامد ازدواجية‬
‫القضاء‪ ،‬السيام بعد إحداثه ملحاكم االستئناف اإلدارية بمقتىض القانون رقم ‪80.03‬؛ كل ما هنالك‬
‫أنه بقيت خطوة إضافية أخرى ينبغي عليه استكامهلا‪ ،‬وهي املتمثلة يف رضورة إحداثه ملجلس الدولة‬
‫عىل غرار حمكمة النقض ؛ وبالتايل نكون متفقني مع الرأي الذي سار عليه بعض فقهاء القانون‬
‫اإلداري يف املغرب‪ ،‬حيث كتب أحدهم 'وبالنظر هلذا التطور النوعي‪ ،‬فقد وضعت لبنة أخرى نحو‬
‫إقامة نظام ازدواجية القضاء يف بالدنا‪ ،‬مما يؤكد أن مبدأ االزدواجية أضحى اختيارا هنائيا أساسيا ال‬
‫رجعة فيه‪ ،‬ي تحقق تدرجييا عىل أرض الواقع بخطى متأنية وثابتة‪ ،‬وإن استكامل البناء املؤسسايت‬
‫لقضاء إداري سيتم ال حمالة يف املستقبل القريب مع إحداث جملس الدولة إىل جانب املجلس‬
‫األعىل' ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫‪ .10‬غري أن مراجعة مرشوع القانون رقم ‪ 38.15‬املتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة‪ ،‬تؤكد‬
‫لنا بأن توجه املرشع املغريب‪ ،‬سار نحو املحافظة عىل وحدة القضاء‪ ،‬كام يتضح لنا من خالل املادة‬
‫األوىل من هذا القانون األخري‪ ،‬التي حددت معامل التنظيم القضائي للمملكة‪ ،‬وأيضا من خالل املادة‬
‫اخلامسة التي نصت عىل هذا املبدأ بشكل رصيح يف فقرهتا األوىل‪ ،‬والتي جاء فيها ما ييل‪' :‬يرتكز‬
‫التنظيم القضائي عىل مبدإ وحدة القضاء‪ ،‬وتعترب حمكمة النقض أعىل هيئة قضائية باململكة'‪.‬‬
‫ثم أكدت الفقرة الثانية من هذه املادة عىل أن هذا املبدأ يعترب أحد أهم توجهات التنظيم‬
‫القضائي املغريب بشكل غري مبارش‪ ،‬وإن كانت الفقرتني الثالثة والرابعة لطفت من حدته‪ ،‬من خالل‬
‫اعتبار القضاء املتخصص هو اآلخر من أسس التنظيم القضائي املغريب‪.‬‬
‫وهذا ما يتأكد لنا من خالل قراءة هذه الفقرات‪' :‬تشكل املحكمة االبتدائية الوحدة الرئيسية‬
‫يف التنظيم القضائي ‪ ،‬وهي صاحبة الوالية العامة يف كل القضايا التي مل يسند االختصاص بشأهنا‬
‫رصاحة إىل جهة قضائية أخرى‪.‬‬
‫يرتكز التنظيم القضائي أيضا مبدأ القضاء املتخصص‪ ،‬السيام بالنسبة للمحاكم واألقسام‬
‫املتخصصة‪.‬‬

‫تطبيقها للقانون‪ .‬ورغم إنشاء املحاكم اإلدارية كمحاكم أول درجة‪ ،‬وحماكم االستئناف اإلدارية كمحاكم ثاين درجة يف املادة اإلدارية‪ ،‬فإن غياب‬
‫جملس دولة يبت يف القضايا اإلدارية وحدها عىل غرار جملس الدولة الفرنيس‪ ،‬جيعل القول بأخذ املغرب بازدواجية القضاء حمل نظر"‪.‬‬
‫عبد الكريم الطالب‪ :‬التنظيم القضائي املغريب؛ املطبعة والوراقة الوطنية الداوديات مراكش‪ ،‬الطبعة الرابعة مزيدة وحمينة وفق آخر التعديالت‪/‬‬
‫مارس ‪2012‬؛ ص‪.38:‬‬
‫عبد الكريم الطالب‪ :‬الرشح العميل لقانون املسطرة املدنية؛ مطبوعات املعرفة‪ ،‬طبعة مزيدة وحمينة وفق آخر التعديالت‪2009/‬؛ ص‪.18:‬‬
‫‪ 16‬أمال املرشيف‪ :‬إحداث حماكم االستئناف اإلدارية‪ :‬نحو ازدواجية القضاء والقانون؛ مداخلة بمناسبة اليوم الدرايس املنظم من طرف املجلة‬
‫املغربية لإلدارة املحلية والتنمية واملدرسة الوطنية لإلدارة بتعاون مع املؤسسة األملانية هانس سايدل يف موضوع تطور القضاء اإلداري باملغرب‬
‫عىل ضوء إحداث حماكم االستئناف اإلدارية؛ منشورات املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬العدد ‪2007/55‬؛ ص‪.32:‬‬

‫‪9‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫يراعى ختصص القضاة عند تعيينهم يف املحاكم واألقسام املتخصصة'‪.‬‬


‫عموما‪ ،‬فإن بالرجوع ألهم مبادئ التنظيم القضائي‪ ،‬يمكننا التمييز بني تلك املبادئ التي هتدف‬
‫إىل خدمة املتقايض باألساس من خالل الضامنات التي توفرها له هذه املبادئ (املبحث األول)؛ وتلك‬
‫املبادئ التي هتدف باألساس إىل متكني القايض من أداء رسالته بكل استقاللية ونزاهة (املبحث الثاين)‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مبادئ التنظيم القضائي اهلادفة إىل تعزيز ضامنات املتقايض‬
‫‪ .11‬سنتناول هذه املبادئ تباعا بحسب األمهية واملسامهة التي يمكن أن تقوم هبا عىل مستوى‬
‫تعزيز الضامنات املتاحة للمتقايض‪ .‬وسنتقترص عىل أهم هذه املبادئ‪ ،‬السيام تلك التي تتمثل يف حق‬
‫الولوجية إىل القضاء (املطلب األول)‪ ،‬وأيضا مبدأ جمانية القضاء (املطلب الثاين)‪ ،‬ثم مبدأ التقايض عىل‬
‫درجتني (املطلب الثالث)‪ ،‬ومبدأ القضاء اجلامعي والقضاء الفردي (املطلب الرابع)‪ ،‬زد عىل ذلك مبدأ‬
‫علنية اجللسات (املطلب اخلامس)‪ ،‬والقضاء بني شفوية اجللسات ومبدأ الكتابة (املطلب السادس)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬حق الولوجية إىل القضاء‬


‫‪ .12‬يقصد هبذا احلق‪ ،‬أن كل شخص حيق له أن يتجه إىل املحاكم من أجل املطالبة بحقوقه‬
‫التي تم املساس هبا؛ بحيث ال يمكن أن يسأل أي شخص عن استعامله هلذا احلق ولو أدى استعامله‬
‫له إىل إحلاق الرضر بالغري ما مل ينحرف يف استعامله له‪ ،‬عن طريق جلوئه ملقاضاة شخص آخر بطريقة‬
‫كيدية‪ ،‬أو كان يسء النية‪ ،‬كام نص عىل ذلك الفصل اخلامس من ق‪.‬م‪.‬م‪ .‬الذي جاء فيه‪" :‬جيب عىل‬
‫كل متقاض ممارسة حقوقه طبقا لقواعد حسن النية"‪.‬‬
‫‪ .13‬وقد أكد عىل هذا املبدأ الدستور املغريب بمقتىض الفصل ‪ 118‬منه‪ ،‬الذي جاء فيه ما ييل‪:‬‬
‫"حق التقايض مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصاحله التي حيميها القانون"‪ .‬بمعنى‪،‬‬
‫أن كل شخص كيفام كانت جنسيته‪ ،‬أو سنه‪ ،‬أو مستواه الدرايس أو مستواه املعييش له احلق يف‬
‫الولوج إىل القضاء‪ ،‬وله احلق أيضا يف أن تتم معاجلة قضيته عن طريق قاض مستقل‪ ،‬كام أن له احلق‬
‫أيضا يف أن تتم حماكمته وفق نفس القواعد الشكلية والنصوص القانونية املوضوعية التي تطبق عىل‬
‫اجلميع‪ ،‬كام أكد عىل ذلك اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان لسنة ‪.1948‬‬
‫‪17‬‬

‫‪ .14‬غري أن الولوجية إىل العدالة يصطدم بالعديد من الصعوبات والعراقيل التي تتمثل يف‬
‫ارتفاع كلفة مراجعة القضاء ‪ ،‬وتعقد املساطر القضائية‪ ،‬وطول املسطرة أمام املحاكم‪ ،‬وضعف‬
‫‪18‬‬

‫فعالية عدالة القرب‪ ،‬إضافة إىل ضعف وسائل الدفاع املقررة للجمعيات ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫‪17 ECHARKAOUI Abderrahman: L’accès du consommateur au droit et à la justice en droit marocain et en droit‬‬
‫‪européen ; op.cit ; P : 32.‬‬
‫‪18 ANCEL P. et COTTIN M. : Le coût de la durée du procès pour les parties : Les intérêts de retard dans le procès‬‬
‫‪civil. R.I.D.E, N°2, 1999, P:239 .‬‬

‫‪10‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪ .15‬ومن ثم‪ ،‬فإنه من أجل تفعيل هذا احلق‪ ،‬ينبغي القيام بالعديد من اخلطوات من قبل‬
‫الدولة‪ ،‬تتمثل باألساس يف ترسيع البت يف القضايا املعروضة عىل املحاكم أو استصدار األحكام يف‬
‫مدة معقولة كام نصت عىل ذلك املادة السادسة من االتفاقية األوروبية حلقوق اإلنسان (الفقرة‬
‫‪20‬‬

‫األ وىل)‪ ،‬وأيضا يف تبسيط اللغة القانونية املستعملة يف املجال القضائي (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مبدأ جمانية القضاء‬
‫‪ .33‬إن مبدأ جمانية القضاء‪ ،‬ال يعني أن املتقايض ال يؤدي أي مقابل أو ال يتحمل أي أعباء‬
‫مادية يف حالة اللجوء للقضاء من أجل املطالبة بحقه‪ ،‬وإنام عىل العكس من ذلك يتحمل العديد من‬
‫املصاريف واألتعاب‪ ،‬منها ما هو مبارش ومنها ما هو غري مبارش؛ مما جعل املرشع املغريب عىل غرار‬
‫الترشيعات األجنبية يقر نظام املساعدة القضائية هبدف حتقيق نوع من املساواة بني املتقاضني ؛ وإن‬
‫‪21‬‬

‫كان الواقع يؤكد عىل حمدودية هذا املبدأ كام سنرى (الفقرة الثانية)؛ غري أنه قبل ذلك ينبغي حتديد‬
‫مفهوم جمانية القضاء (الفقرة األوىل)‪.‬‬
‫الفقرة األوىل‪ :‬مفهوم جمانية القضاء‬
‫‪ .34‬يقصد بمجانية القضاء‪ ،‬أن القايض حينام يصدر حكام معينا‪ ،‬فإن ذلك يتم جمانا؛ أي أنه ال‬
‫يتقاىض أي مقابل عن ذلك من املتقاضني‪ ،‬بل إن الدولة هي التي تتوىل تسديد مرتب شهري‬
‫للقايض عن املهام القضائية التي يقوم هبا ‪ .‬ولعل هذا املبدأ هيدف إىل متكني كل شخص من احلق يف‬
‫‪22‬‬

‫الولوج إىل العدالة أيا كانت جنسيته‪ ،‬سنه‪ ،‬جنسه‪ ،‬ثقافته‪ ،‬أو مكان حياته‪ ،‬كام أكد عىل ذلك اإلعالن‬
‫العاملي حلقوق اإلنسان لسنة ‪.1948‬‬
‫‪23‬‬

‫‪Goyens et Vos : Les litiges de consommation transfrontières dans la communauté européenne. RED‬‬
‫‪consommation, 1991, 207 .‬‬
‫‪Normand et Balate : Relations transfrontières et consommation : Quel juge et quelle loi ? INC‬‬
‫‪Hebdo. N°633, P:93.‬‬
‫‪19 S. BESSIS : Les associations d’aide aux tiers monde à la croisée des chemins, Dossier, in problèmes politiques‬‬
‫‪et sociaux, N°615, septembre 1989, P:6.‬‬
‫‪20 ECHARKAOUI Abderrahman : L’accès du consommateur au droit et à la justice en droit marocain et en droit‬‬
‫‪européen ; op.cit ; P : 189.‬‬
‫‪21 Myriam DORIAT-DUBAN : Analyse économique de l’accès à la justice : Les effets de l’aide juridictionnelle.‬‬
‫‪Revue Internationale de droit économique, 1995. P:77.‬‬
‫‪André RIALS : L’accès à la justice, Que sais-je ? Presse universitaire de France, 1993, P : 24.‬‬
‫‪M. KRAMER : La communauté européenne et la protection des consommateurs. Centre international d’études et‬‬
‫‪de recherches européennes. COURS 1983, p:286.‬‬
‫‪Léon COFFIN : L’accès à la justice dans l’union Européenne, actes de la journée d’études organisée par les cahiers‬‬
‫‪de droit européen. Cah. De droit européen, 1995, P:529.‬‬
‫‪22 Abdellah BOUDAHRAIN : Droit judiciaire privé au Maroc, Société d’édition et de diffusion AL MADARISS,‬‬
‫‪Casablanca, 2003, P : 223.‬‬
‫‪23 ECHARKAOUI Abderrahman : L’accès du consommateur au droit et à la justice en droit marocain et en droit‬‬
‫‪européen ; op.cit ; P : 138.‬‬

‫‪11‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫وإذا كان يظهر بأن القانون املغريب قد أكد عىل هذه القاعدة يف الفصل ‪ 121‬من دستور اململكة‬
‫املغربية وأيضا يف املادة السادسة من مرشوع القانون رقم ‪ 38.15‬املتعلق بالتنظيم القضائي‪ ،‬فإن قراءة‬
‫متأنية ملقتضيات هاتني املادتني‪ ،‬تربز لنا اللبس الذي وقع فيه املرشع املغريب؛ حيث اختلط عليه مبدأ‬
‫املجانية واملصاريف التي تثقل كاهل املتقاضني حينام يلجون إىل العدالة‪ ،‬حينام استعمل الفصل األول‬
‫عبارات ' يكون التقايض جمانيا يف احلاالت املنصوص عليها قانونا ملن ال يتوفر عىل موارد مالية‬
‫كافية'؛ واحلال أن التقايض يكون دائام جمانيا‪ ،‬بمفهوم املجانية املتعارف عليه يف إطار مبادئ التنظيم‬
‫القضائي‪ ،‬يف حني أن الفصل املذكور‪ ،‬ربط املجانية بمن ال يتوفر عىل موارد مالية كافية؛ وكأنه يتكلم‬
‫عن املساعدة القضائية‪.‬‬
‫وما يؤكد لنا هذا االستنتاج األخري‪ ،‬هو مقتضيات املادة السادسة من مرشوع قانون التنظيم‬
‫القضائي‪ ،‬التي أحالت عىل أحكام الفصل ‪ 121‬أعاله‪ ،‬معيدة نفس عباراته‪ ،‬ثم تأيت يف الفقرة الثانية‬
‫لتنص عىل املساعدة القضائية واملساعدة القانونية‪.‬‬
‫حيث نصت هذه املادة عىل ما ييل‪' :‬طبقا ألحكام الفصل ‪ 121‬من الدستور‪ ،‬يكون التقايض‬
‫جمانيا يف احلاالت املنصوص عليها قانونا ملن ال يتوفر عىل موارد كافية للتقايض‪.‬‬
‫تتم االستفادة من املساعدة القضائية واملساعدة القانونية طبقا للرشوط التي حيددها القانون'‪.‬‬
‫‪ .35‬واحلق يقال‪ ،‬إن الفقهاء املسلمون كان هلم السبق يف املجادلة بل ومعارضة فكرة أخذ‬
‫القايض أجرا أو مقابال من املتقاضني؛ بل إن هناك من جادل يف مبدأ إعطاء أجر للقايض عن‬
‫اخلدمات أو املهام القضائية التي يقوم هبا ولو كان هذا األجر عبارة عن مرتب من طرف الدولة‪ .‬أما‬
‫في ام يتعلق بام يسمى بمصاريف ونفقات الدعوى‪ ،‬فإنه مل ينقل يف التاريخ اإلسالمي أن الدولة‬
‫اإلسالمية كانت تأخذ مثل هذا‪ ،‬باستثناء ما ذكر أنه يف آخر عقد خلفاء العباس وضعت رسوما عىل‬
‫القضاء ‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪ .36‬هذا بخالف الوضع الذي كان سائدا يف أوربا قبل قيام الثورة الفرنسية ؛ حيث مل يتم‬
‫‪25‬‬

‫إلغاء مبدأ إعطاء اجلهات املتقاضية مقابال للقايض‪ ،‬أو ما كان يعرف بنظام التوابل‪ ،‬إال بمقتىض‬
‫قانون ‪ 16‬غشت ‪ 1790‬الذي أكد عىل مبدأ جمانية عمل القايض‪ ،‬وأن الدولة هي امللزمة بأداء مرتب‬
‫له ‪ .‬وحتى مع اإلقرار بمجانية القضاء يف خمتلف الترشيعات احلديثة‪ ،‬فإن املامرسة أثبتت حمدودية‬ ‫‪26‬‬

‫‪ 24‬سعود بن سعد آل دريب‪ :‬التنظيم القضائي يف اململكة العربية السعودية يف ضوء الرشيعة اإلسالمية ونظام السلطة القضائية؛ مرجع سابق؛‬
‫ص‪.543 :‬‬
‫‪ 25‬ادريس العلوي العبدالوي‪ :‬الوسيط يف رشح املسطرة املدنية (القانون القضائي اخلاص) وفق آخر التعديالت؛ اجلزء األول‪ ،‬أساس القانون‬
‫القضائي اخلاص‪ -‬النظرية العامة للعمل القضائي‪ -‬املبادئ األساسية للنظام القضائي‪ -‬النظام القضائي املغريب‪ -‬االختصاص‪ -‬التحكيم؛ مطبعة‬
‫النجاح اجلديدة‪ /‬الدار البيضاء؛ الطبعة األوىل ‪1998‬؛ ص‪.275:‬‬
‫‪26 Th. BOURGOIGNIE : L’accès des consommateurs à la justice dans la communauté européenne : Apports de‬‬
‫‪droit comparé, Centre de droit de la consommation, Université catholique de Louvain, 1982, P:2.‬‬

‫‪12‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫هذا املبدأ سواء من خالل املصاريف القضائية التي تثقل كاهل املتقاضني‪ ،‬أو من خالل قصور مبدأ‬
‫املساعدة القضائية السيام يف الترشيع املغريب كام سنرى يف الفقرة املوالية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬حدود مبدأ املجانية‬
‫‪ .37‬بالرغم من أن اجلميع يتفق عىل كون مبدأ جمانية القضاء من املبادئ األساسية للنظام القضائي‬
‫املغريب‪ ،‬ما دام أن القايض يتقاىض أجره من الدولة ال من املتقايض‪ ،‬فإن ذلك ال يعني أن املتقايض ال‬
‫يؤدي أي مقابل أثناء سلوكه الطريق القضائي‪ ،‬بل عىل العكس من ذلك‪ ،‬فهو يتحمل العديد من‬
‫املصاريف القضائية التي حتد من مبدأ املجانية كام سنرى ؛ ووعيا من املرشع املغريب بمدى تأثري هذه‬
‫‪27‬‬

‫املصاريف عىل مبدأ جمانية القضاء (أوال)‪ ،‬فإنه أقر نظام املساعدة القضائية من أجل إقرار نوع من املساواة‬
‫بني املتقايض الفقري ونظريه الغني‪ ،‬غري أن املامرسة أثبتت حمدودية هذا النظام‪ ،‬لذلك فإن العديد من‬
‫الدول األوروبية عملت عىل استبداله بنظام أكثر فاعلية (ثانيا)؛ مع اإلشارة إىل أن هناك العديد من‬
‫املصاريف األخرى التي يتحملها املتقايض قد تثنيه عن سلوك الطريق القضائي الستيفاء حقوقه‪ ،‬أو ما‬
‫أطلقنا عليه باملصاريف غري املبارشة (ثالثا)‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬مبدأ التقايض عىل درجتني‬
‫‪ .51‬يمكن القول إمجاال‪ ،‬ب أن اهلدف األسايس هلذا املبدأ الذي أخذ به النظام القضائي املغريب‪،‬‬
‫هو توفري املزيد من الضامنات للمتقايض ‪ ،‬ما دام أن هذا املبدأ خيول للمتقايض إمكانية عرض نزاعه‬
‫‪28‬‬

‫من جديد أمام حمكمة ثانية أعىل درجة من املحكمة األوىل ‪ -‬أي أمام حمكمة االستئناف‪ . -‬ومن ثم‪،‬‬
‫‪29‬‬

‫فهو يضمن حقوق الدفاع للمتقايض بفضل الدراسة اجلديدة التي تتم من قبل حمكمة أعىل درجة ‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫‪27 ECHARKAOUI Abderrahman: L’accès du consommateur au droit et à la justice en droit marocain et en droit‬‬
‫‪européen; op.cit ; P:7 .‬‬
‫‪ 28‬بحسب أحد فقهاء القضاء املغريب‪ ،‬فإن االستئناف جيسد مفهوم التقايض عىل درجتني‪ ،‬ويتحقق بإعادة نرش اخلصومة القضائية عىل حمكمة موضوع‬
‫أعىل درجة من التي أصدرت احلكم املستأنف‪ ،‬وذلك من خالل الطعن يف هذا احلكم ‪ -‬باالستئناف‪ -‬بقصد إلغائه‪ ،‬ثم احلكم وفق ما يلتمسه الطاعن‪.‬‬
‫نور الدين لربيس‪ :‬نظرات يف قانون املسطرة املدنية؛ مطبعة األمنية‪ /‬الرباط‪2012 -‬؛ ص‪ 147:‬وص‪.177:‬‬
‫‪ 29‬يف مقابل هذا االمتياز الذي يمنحه مبدأ التقايض عىل درجتني‪ ،‬فإن هناك العديد من االنتقاذات التي وجهت هلذا املبدأ‪ ،‬والتي تتمثل‬
‫باألساس يف‪:‬‬
‫أنه يؤدي إىل تعطيل العدالة‪ ،‬مما قد يرتتب عنه فقدان الثقة يف القضاء بوجه عام؛‬ ‫‪-‬‬
‫أن هذا املبدأ بام فيه من عرض النزاع عىل حمكمة أخرى مكونة من عدد مهم من القضاة واملوظفني‪ ،‬يؤدي إىل تضخيم نفقات الدولة‬ ‫‪-‬‬
‫من جهة أوىل‪ ،‬ومن جهة ثانية يؤدي إىل الزيادة يف تكلفة التقايض بالنسبة للمتقايض نفسه ما دام أنه سيؤدي إىل املزيد من املصاريف بمناسبة‬
‫عرضه النزاع أمام حمكمة أخرى؛‬
‫‪ -‬بل إن هذا الرأي‪ ،‬يرى أن حجة الفريق املتحمس ملبدأ التقايض عىل درجتني واملتمثلة يف كون عرض النزاع عىل أكثر من حمكمة يشكل ضامنة إضافية‬
‫للمتقايض‪ ،‬يرى هذا الفريق أن هذه احلجة م ردودة عىل أصحاهبا‪ ،‬عىل اعتبار أهنا لو كانت حجة دامغة لتعددت درجات التقايض إىل ما ال هناية‪.‬‬
‫‪30 BOUDAHRAIN Abdellah : Droit judiciaire privé ; op.cit ; P:28 .‬‬

‫‪13‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪ .52‬واحلق يقال‪ ،‬إن هذا املبدأ يتيح للمتقاضني إمكانية رفع نزاعاهتم وعرضها يف جمموعها‬
‫بوقائعها‪ ،‬واعتامد خمتلف األسس القانونية أمام درجة أوىل من املحاكم (حماكم الدرجة األوىل أو املحاكم‬
‫االبتدائية)‪ ،‬ثم عىل حمكمة الدرجة الثانية بعد حصول البت من قبل األوىل ‪ .‬لذلك‪ ،‬فهو خيتلف عن‬
‫‪31‬‬

‫التعرض الذي تنظر فيه نفس املحكمة التي أصدرت احلكم األول وليس من قبل حمكمة أعىل درجة؛ كام‬
‫أنه خيتلف عن النقض الذي هو طعن يعرض عىل حمكمة أعىل‪ ،‬غري أهنا حمكمة قانون وليس حمكمة‬
‫موضوع ‪.‬‬
‫‪32‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬مبدأ القضاء اجلامعي أو القضاء الفردي‬

‫‪ .65‬قبل أ ن نتطرق للمبدأ املعتمد يف النظام القضائي املغريب‪ ،‬والذي يتمثل يف تبنيه لنظام‬
‫القضاء الفردي كقاعدة عامة بالنسبة للمحاكم االبتدائية (الفقرة الثانية)‪ ،‬فإننا ارتأينا أن نتناول يف‬
‫البداية خمتلف النتائج املرتتبة عن اعتامد أحد األنظمة املعروفة عامليا‪ ،‬ونقصد بذلك نظام القضاء‬
‫اجلامعي ونظام القضاء الفردي‪ ،‬عىل اعتبار أن لكل منهام إجيابيات وسلبيات (الفقرة األوىل)‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬النتائج املرتتبتة عن القضاء الفردي والقضاء اجلامعي‬

‫‪ .66‬جيمع الفقه القضائي‪ ،‬عىل أنه سواء تعلق األمر بالقضاء اجلامعي أو القضاء الفردي‪ ،‬فإن‬
‫لكل واحد منهام إجيابياته وسلبياته وإن اختلفت درجة كل واحد منهام ‪ .‬فبخصوص النظام األول‪،‬‬
‫‪33‬‬

‫فإن املدافعني عنه يرون أنه حيقق العدالة بالنظر لعدد القضاة الذين يشاركون يف إصدار احلكم؛‬
‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن القضاة يستفيدون من جتربة بعضهم البعض‪ ،‬كام أهنم يبتعدون هبذا النظام عن‬

‫‪VINCENT et GUINCHARD : Procédure civile ; 23ème édition ; P:792 .‬‬


‫‪MANNI Hammadi : Droit judiciaire privé; REMALD, Collection Mannuels et Travaux Universitaires,‬‬
‫‪N°11/1999. P:144 .‬‬
‫‪ 31‬ذهب األستاذ العبدالوي إىل أن مبدأ التقايض عىل درجتني يتيح الفرصة للمتقايض الذي حكم لغري صاحله‪ ،‬بعرض النزاع أمام حمكمة أعىل‬
‫درجة من املحكمة التي أصدرت احلكم املطعون فيه لتفصل فيه من جديد‪.‬‬
‫ادريس العلوي العبدالوي‪ :‬الوسيط يف رشح املسطرة املدنية (القانون القضائي اخلاص) وفق آخر التعديالت؛ اجلزء األول‪ :‬أساس القانون‬
‫القضائي اخلاص‪ -‬النظرية العامة للعمل القضائي‪ -‬املبادئ األساسية للنظام القضائي‪ -‬النظام القضائي املغريب‪ -‬االختصاص‪ -‬التحكيم؛ مرجع‬
‫سابق؛ ص‪.257:‬‬
‫‪ 32‬نور الدين لربيس‪ :‬نظرات يف قانون املسطرة املدنية؛ مرجع سابق؛ ص‪.147:‬‬
‫‪ 33‬حممد السام حي وموسى عبود‪ :‬املخترص يف املسطرة املدنية والتنظيم القضائي وفق تعديالت سنة ‪1993‬؛ مطبعة الصومعة‪1994/‬؛ ص‪.39:‬‬
‫ادريس العلوي العبدالوي‪ :‬الوسيط يف رشح املسطرة املدنية (القانون القضائي اخلاص) وفق آخر التعديالت؛ اجلزء األول أساس القانون القضائي‬
‫اخلاص‪ -‬النظرية العامة للعمل القضائي‪ -‬املبادئ األساسية للنظام القضائي‪ -‬النظام القضائي املغريب‪ -‬االختصاص‪ -‬التحكيم؛ مرجع سابق‪ ،‬ص‪.267:‬‬

‫‪14‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫االنتقادات التي يمكن أن توجه إليهم مادام احلكم الذي نتج عن املداولة هو حكم مجاعي وليس‬
‫فردي‪.‬‬

‫‪ .67‬يف مقابل هذا الرأي‪ ،‬فإن أنصار القضاء الفردي‪ ،‬يرون أن هذا األخري يوفر للدولة ممثلة يف‬
‫وزارة العدل واحلريات كثريا من االعتامدات املالية التي متكنها من حتسني الوضعية املادية للقضاة‬
‫املعتمدين ومن تقريب القضاء من املتقاضني؛ زد عىل ذلك‪ ،‬يرى هؤالء املدافعني عن القضاء‬
‫الفردي‪ ،‬أن هذا النظام خيلق لدى القايض روح املسؤولية واملبادرة ما دام هو األول واألخري الذي‬
‫يصدر احلكم أو القرار‪ ،‬مما يعني أنه سيبدل قصارى جهده من أجل البحث والرتوي قبل إصدار‬
‫احلكم‪ ،‬يف حني أنه يف إطار القضاء اجلامعي يكون القايض املقرر يف امللف ملزم باحرتام أغلبية‬
‫األصوات ولو كان ال يؤمن بالتوجه املتخذ‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬مبدأ علنية اجللسات‬
‫‪ .81‬ذهب الفقه إىل أن املقصود هبذا املبدأ هو أن مجيع اإلجراءات التي تقوم هبا املحكمة قبل‬ ‫‪34‬‬

‫إصدار احلكم كالتحقيق يف الدعوى مثال جيب أن جترى بصورة علنية‪ .‬بعبارات أخرى‪ ،‬أنه يقصد‬
‫بعلنية اجللسات أن تتم مناقشة القضية والنطق باحلكم فيها يف جلسة مفتوحة للجميع‪ ،‬مع إمكانية‬
‫إعالم الرأي العام بام راج فيها عن طريق النرش يف الصحف وباقي وسائل اإلعالم األخرى‪ .‬وبالنظر‬
‫ألمهية هذا املبدأ‪ ،‬فإن العهد الدويل اخلاص باحلقوق املدنية والسياسية نص عليه يف املادة ‪ 14‬منه‪،‬‬
‫والتي جاء فيها‪ " :‬الناس مجيعا سواء أمام القضاء‪ ،‬ومن حق كل فرد عند الفصل يف أية هتمة جزائية‬
‫توجه إليه‪ ،‬أو يف حقوقه والتزاماته يف أية دعوى مدنية‪ ،‬أن تكون قضيته حمل نظر منصف وعلني من‬
‫قبل حمكمة مستقلة حيادية‪ ،‬منشأة بحكم القانون"‪.‬‬
‫‪ .82‬وقد أمجع الفقه القضائي ‪ ،‬عىل أن مبدأ علنية اجللسات يعترب من بني ضامنات العدالة‪،‬‬
‫‪35‬‬

‫مادام أهنا متكن اجلمهور من مراقبة القضاء‪ ،‬حيث جتعل القايض متيقضا بشكل كبري يف جملسه ولفظه‬
‫ونظره إلظهار املساواة بني اخلصوم‪ ،‬مما يؤدي إىل جتنب الوقوع يف اخلطأ أو عىل األقل تعمد احليف‬
‫وامليل إىل أحد األطراف؛ إضافة إىل أن املناقشة العلنية وما يستتبعها من صدور األحكام عىل مرأى‬
‫ومسمع من احلضور تبعث الطمأنينة يف نفوس املتقاضني‪.‬‬

‫‪ 34‬ادريس العلوي العبدالوي‪ :‬الوسيط يف رشح املسطرة املدنية (القانون القضائي اخلاص) وفق آخر التعديالت؛ اجلزء األول‪ :‬أساس القانون‬
‫القضائي اخلاص‪ -‬النظرية العامة للعمل القضائي‪ -‬املبادئ األساسية للنظام القضائي‪ -‬النظام القضائي املغريب‪ -‬االختصاص‪ -‬التحكيم؛ مرجع‬
‫سابق؛ ص‪.293:‬‬
‫‪ 35‬سعود بن سعد آل دريب‪ :‬التنظيم القضائي يف اململكة العربية السعودية يف ضوء الرشيعة اإلسالمية ونظام السلطة القضائية؛ مرجع سابق؛‬
‫ص‪.539:‬‬

‫‪15‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪ .83‬وبالرجوع للقانون املغريب نجده أكد عىل هذا املبدأ يف العديد من النصوص القانونية؛ بل‬
‫إن هذا املبدأ تم التنصيص عليه دستوريا بمقتىض الفصل ‪ 123‬من الدستور اجلديد ‪ -‬دستور‬
‫‪ ،-2011‬الذي جاء فيه "تكون اجللسات علنية ماعدا يف احلاالت التي يقرر فيها القانون خالف‬
‫ذلك"‪.‬‬
‫كام أكد عليه املرشع املغريب بمقتىض قانون املسطرة املدنية بخصوص املحاكم االبتدائية‬
‫واالستئنافية‪ ،‬حيث جاء يف الفصل ‪ 43‬منه عىل أنه "تكون اجللسات علنية‪ ،‬إال إذا قرر القانون‬
‫خالف ذلك‪ .‬لرئيس اجللسة سلطة حفظ النظام العام‪ ،‬ويمكنه أن يأمر بأن تكون املناقشة يف جلسة‬
‫رسية‪ ،‬إذا استوجب ذلك النظام العام أو األخالق احلميدة‪. "...‬‬
‫‪36‬‬

‫‪ .85‬وقد أحسن مرشوع القانون رقم ‪ 38.15‬املتعلق بالتنظيم القضائي‪ ،‬حينام أشار بشكل‬
‫واضح هلذا املبدأ‪ ،‬الذي يطبق أمام مجيع املحاكم‪ ،‬وذلك بمقتىض الفقرة األوىل من املادة ‪ 11‬منه‪،‬‬
‫التي جاء فيها بأنه طبقا للفصل ‪ 123‬من الدستور‪ ،‬تكون اجللسات علنية‪ ،‬ما عدا يف احلاالت التي‬
‫يقرر فيها القانون خالف ذلك‪.‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬القضاء بني شفوية املرافعات ومبدأ الكتابة‬

‫‪ .86‬لعل من أهم املبادئ التي كان يقف عندها الفقه بصدد دراسة مبادئ التنظيم القضائي‬
‫مبدأ شفوية املرافعات ‪ ،‬الذي يقصد به متكني اخلصوم من رشح نزاعهم بشكل مبارش أمام املحكمة‬
‫واستامعها إليهم ‪ -‬أي باحلضور الشخيص‪ -‬أو إىل وكالئهم والشهود واخلرباء من أجل الوصول‬
‫للحقيقة م ن خالل خالصة أقواهلم ومالحظتهم وأيضا باالعتامد عىل الوثائق املعروضة بام يسمح هلا‬
‫من تكوين قناعتها ‪.‬‬
‫‪37‬‬

‫‪ .87‬غري أن هذا املبدأ أصبح نطاقه ضيقا مقارنة بمبدأ الكتابة ‪ ،‬حيث أصبحت هذه األخرية‬
‫‪38‬‬

‫هي األصل حتى عىل مستوى املحاكم االبتدائية ‪ -‬باستثناء املسطرة أمام أقسام قضاء القرب التي‬

‫‪ 36‬أما بخصوص حماكم االستئناف‪ ،‬فقد جاء يف املادة ‪ 339‬من قانون املسطرة املدنية "تكون اجللسات علنية إال أنه جيوز للمحكمة أن تأمر‬
‫بعقدها رسية إذا كانت علنيتها خطرية بالنسبة للنظام العام أو األخالق احلميدة"‪.‬‬
‫‪ 37‬إدريس العلوي العبدالوي‪ :‬الوسيط يف رشح املسطرة املدنية؛ اجلزء األول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.294:‬‬
‫نور الدين لربيس‪ :‬نظرات يف قانون املسطرة املدنية؛ مرجع سابق؛ ص‪.64:‬‬
‫‪ 38‬تتميز املسطرة الكتابية بالدور اجلوهري للقايض املقرر يف عملية حتقيق الدعوى‪ ،‬ومسامهة كتابة الضبط يف تنفيذ وإنجاز تعليامته‪ .‬وهي منظمة‬
‫وحمددة يف الفصول من ‪ 329‬إىل ‪ 336‬من قانون املسطرة املدنية‪ ،‬ابتداء من إحالة امللف عليه إىل حني إصداره األمر بالتخيل‪ .‬وبحسب أحد‬
‫املامرسني‪ ،‬فإن التقيد بتطبيق إجراءات املسطرة الكتابية‪ ،‬كام هي حمددة قانونا‪ ،‬يرتتب عنه عمليا وحقيقة أمران اثنان‪" :‬أوهلام‪ ،‬إرهاق كتابة الضبط‬

‫‪16‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫تكون شفوية ‪ -‬كام يتضح لنا من مقتضيات الفصل ‪ 45‬من قانون املسطرة املدنية كام عدل بمقتىض‬ ‫‪39‬‬

‫القانون رقم ‪ 72.03‬وأيضا بمقتىض القانون رقم ‪ 35.10‬السالف الذكر‪ ،‬والذي جاء فيه ما ييل‪:‬‬
‫"تطبق أمام املحاكم االبتدائية وغرف االستينافات هبا قواعد املسطرة الكتابية املطبقة أمام حماكم‬
‫االستئناف وفقا ألحكام الفصول ‪ 329‬و‪ 331‬و‪ 332‬و‪ 334‬و‪ 335‬و‪ 336‬و‪ 342‬و‪ 344‬اآلتية‬
‫بعده‪ ."...‬بينام أصبحت الشفوية جمرد استثناء حتى عىل مستوى املحاكم االبتدائية‪ ،‬كام يتضح من‬
‫الفقرة الثالثة من نفس الفصل السالف الذكر‪ ،‬والتي جاء فيها "غري أن املسطرة تكون شفوية يف‬
‫القضايا التالية‪ :‬القضايا التي ختتص املحاكم االبتدائية فيها ابتدائيا وانتهائيا؛ قضايا النفقة والطالق‬
‫والتطليق؛ القضايا االجتامعية؛ قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء؛ قضايا احلالة املدنية"‪.‬‬

‫‪ .88‬كام أن الكتابة هي املقررة أمام حماكم االستئناف وحمكمة النقض وذلك بمقتىض قواعد قانون‬
‫املسطرة املدنية (الفصول من ‪ 328‬إىل ‪344‬؛ وأيضا الفصول ‪ 354‬و‪ 356‬و‪ 362‬إىل ‪)366‬؛ وأيضا أمام‬
‫املحاكم التج ارية االبتدائية واالستئنافية وأيضا أمام املحاكم اإلدارية االبتدائية واالستئنافية‪.‬‬

‫بإنجاز وتنفيذ هذه اإلجراءات بكل مراحلها املتعددة واملتنوعة‪ ،‬وتبليغها‪ ،‬وانتظار األجل املمنوح للخصم لرتتيب أثره‪ .‬وثانيهام‪ ،‬أن كل واحد‬
‫من اإلجراءات املنجزة يف الدعوى‪ ،‬يتطلب لتنفيذه وحتقيق أثره مدة زمنية ال تقل عن شهرين أو ثالثة يف أحسن الظروف‪ ،‬وهو ما يعني –واقعيا‪-‬‬
‫إطالة املدة بني تقييد الدعوى وبني احلكم فيها‪ .‬وهذا يرتتب عنه أيضا ازدياد وتراكم القضايا أمام املحكمة‪ ،‬إذ يكون ما يقع البت فيه منها أقل‬
‫عددا من القضايا اجلديدة املسجلة"‪.‬‬
‫نور الدين لربيس‪ :‬نظرات يف قانون املسطرة املدنية؛ مرجع سابق؛ ص‪.64:‬‬
‫‪ 39‬نصت املادة السادسة من القانون رقم ‪ 42.10‬املتعلق بقضاء القرب عىل ما ييل‪" :‬تكون املسطرة أمام أقسام قضاء القرب شفوية وجمانية‪،‬‬
‫ومعفاة من الرسوم القضائية"‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مبادئ التنظيم القضائي اهلادفة إىل ترسيخ استقالل ونزاهة القايض‬
‫‪ .90‬من أجل توفري أكرب قدر من الضامنات للمتقاضني‪ ،‬فإنه ينبغي بداية ترسيخ وتعزيز آليات‬
‫استقالل القضاة؛ عىل اعتبار أن استقالل النظام القضائي ال يعترب هدفا يف حد ذاته‪ ،‬وإنام هو جمرد‬
‫وسيلة تؤدي يف حالة احرتامها وتكريسها عمليا إىل إقامة العدل ونرش الثقة لدى املواطنني‬
‫‪40‬‬

‫بطمأنتهم عىل أن القوانني سيتم تطبيقها بمساواة وإنصاف ودون متييز؛ وعىل حد تعبري أحد فقهاء‬
‫القضاء املغريب ‪ ،‬فإن املجتمعات املتحرضة اعتربت استقالل القضاء بمثابة صامم األمان ودرعه‬ ‫‪41‬‬

‫جلميع مواطنيها حكاما كانوا أو حمكومني واحلارس الطبيعي حلقوق أفرادها وحرياهتا‪.‬‬
‫‪ .91‬ويذهب اجلميع‪ ،‬بأن استقالل القايض يشكل دعامة متينة لقيام املحاكمة العادلة ؛ حيث‬
‫‪42‬‬

‫يعترب القايض بمثابة مأمور إلعادة احلق لصاحبه؛ غري أن ذلك ال يمكن أن يتحقق إال إذا كان حرا يف‬
‫قراراته وأيضا مستقال عن أي تأثري‪ .‬وقد عرب عن هذا املفهوم إعالن القاهرة الذي متت صياغته‬
‫خالل املؤمتر الثاين للعدالة العربية‪ ،‬فرباير ‪ ،2003‬الذي جاء فيه "إن نظام القضاء املستقل يشكل‬
‫الدعامة الرئيسية لدعم احلريات املدنية وحقوق اإلنسان وعمليات التطور الشاملة واإلصالحات يف‬
‫أنظمة التجارة واالستثامر والتعاون االقتصادي اإلقليمي والدويل وبناء املؤسسات الديمقراطية"‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬فإن استقالل القضاء أصبح مبدأ عامليا‪ ،‬كرسته املواثيق الدولية‪ ،‬ويف مقدمتها مؤمتر‬
‫األمم املتحدة السابع ملنع اجلريمة ومعاملة املجرمني الذي انعقد بإيطاليا (بمدينة ميالنو) يف الفرتة‬
‫املمتدة من ‪ 26‬غشت ‪ 1985‬إىل ‪ 6‬شتنرب ‪ ،1985‬واملكرسة بقراري اجلمعية العامة‪ ،‬األول حيمل‬
‫رقم ‪ 32/40‬الصادر بتاريخ ‪ 29‬نونرب ‪ 1985‬والثاين حيمل رقم ‪ 146/40‬الصادر بتاريخ ‪13‬‬
‫دجنرب ‪ 1985‬؛ حيث أصبح لزاما عىل الدول بمقتىض هاذين القرارين كفالة استقالل السلطة‬
‫القضائية‪ ،‬وضامن سري اإلجراءات القضائية من أجل حتقيق العدالة واحرتام حقوق األطراف‪ ،‬بل إنه‬
‫ينبغي عىل الدول أن توفر املوارد الكافية حتى تتمكن السلطة القضائية من أداء مهامها بطريقة‬
‫مالئمة ومناسبة ويف الوقت واآلجل املعقول‪.‬‬

‫‪ 40‬العدل يف اللغة هو ما كان مستقيام يف النفوس وهو ضد اجلور‪ ،‬وهو اسم من أسامء اهلل تعاىل‪ ،‬واالسم مأخوذ من عدل يعدل عدال فهو عادل‬
‫ومجعه عدول‪ .‬وتقول العرب بسط الوايل عدله وعدل عليه يف القضية فهو عادل وهو الذي ال يتبع اهلوى ويميل إىل جهة معينة‪ ،‬فهو احلاكم باحلق‬
‫ومنه يأيت أحد أوصاف القضاء عندما نقول‪ :‬فالن يقيض باحلق ويعدل‪.‬‬
‫عمر بومحوش‪ :‬اإلصالح القضائي بني النظرية والتطبيق‪ -‬اجلزء األول؛ مطبعة دار السالم بالرباط؛ الطبعة األوىل‪ ،2000 /‬ص‪.28:‬‬
‫‪ 41‬حممد النجاري‪ :‬القضاء املستقل القوي قاطرة للتنمية؛ جملة امللحق القضائي‪ ،‬العدد ‪ -44‬السنة ‪2011‬؛ ص‪.3:‬‬
‫‪ 42‬عبد السالم العامين‪ :‬القضاء ورهان اإلصالح‪ ،‬مسامهة يف النقاش حول إصالح القضاء؛ دون ذكر دار الطبع؛ اإليداع القانوين‬
‫‪.2009/0136‬‬

‫‪18‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪ .92‬إذا كان املرشع املغريب هو اآلخر تعرض للعديد من ضامنات استقالل القضاء‪ ،‬سواء من‬
‫خالل الدساتري السابقة أومن خالل النظام األسايس لرجال القضاء‪ ،‬فإن الدستور اجلديد لسنة‬
‫‪ ،2011‬جاء بالعديد من الضامنات اإلضافية واملهمة‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة حلرية التعبري وتكوين‬
‫اجلمعيات‪ ،‬أو عن طريق التنصيص دستوريا عىل بعض الضامنات التي كانت مكفولة فقط بمقتىض‬
‫النصوص الترشيعية العادية‪.‬‬

‫‪ .93‬لعل من املالحظات األساسية أيضا عىل دستور ‪ ،2011‬هو أنه ارتقى هبذا القطاع إىل‬
‫درجة التعبري عنه بالسلطة القضائية‪ ،‬بخالف الوضع بالنسبة للدساتري السابقة التي كانت تكتفي‬
‫بالتعبري عنها فقط بالقضاء‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة لدستور ‪ 13‬شتنرب ‪ ،1996‬الذي خصص له الباب‬
‫السابع حتت عنوان 'القضاء'؛ وهو ما أدى بكثري من الباحثني واملختصني إىل القول بأن الدستور‬
‫‪43‬‬

‫املغريب السابق مل يعرتف للقضاء بكونه سلطة عىل غرار ما أقره للسلطتني الترشيعية والتنفيذية‪ ،‬كام‬
‫يتضح لنا من خالل مقتضيات الفصل ‪ 82‬من ذلك الدستور‪ ،‬الذي جاء فيه ما ييل‪" :‬القضاء مستقل‬
‫عن السلطة الترشيعية وعن السلطة التنفيذية"‪.‬‬

‫‪ .94‬وبعد االنتهاء من احلوار الوطني حول إصالح منظومة العدالة‪ ،‬أصدر املرشع املغريب‬
‫قانونني تنظيميني‪ ،‬األول حيمل رقم ‪ 100.13‬املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية‪ ،‬يف حني أن‬
‫الثاين هو القانون التنظيمي رقم ‪ 106.13‬املتعلق بالنظام األسايس للقضاة‪.‬‬

‫يف ضوء هاذين القانونني‪ ،‬وباقي النصوص القانونية األخرى ذات الصلة‪ ،‬سنحاول الوقوف‬
‫عىل أهم املبادئ اهلادفة إىل ترسيخ استقالل القايض‪ ،‬وذلك من خالل مطلبني‪ ،‬نتناول يف األول‬
‫ضامنات استقالل القضاة وعدم حتيزهم الواجب عىل الدولة توفريها‪ ،‬بينام نعالج يف املطلب الثاين‬
‫املعايري املتطلبة من القضاة أنفسهم لتحقيق استقالل القضاء‪.‬‬

‫‪ 43‬ذهب أحد املامرسني للقضاء‪ ،‬عىل أن استقراء مجيع الفصول الستة التي خصصها الدستور املغريب لسنة ‪ 1996‬للجهاز القضائي توضح عىل‬
‫أن هناك غياب تام ألي إشارة إىل كون القضاء هو سلطة عىل غرار السلطتني الترشيعية والتنفيذية‪ .‬مما يعني أن ذلك يعترب بمثابة ثغرة يف البناء‬
‫الديمقراطي املوحد عامليا وفق املنظور املتحدث عنه سابقا من خالل مبدأ فصل السلط‪ .‬ويعكس بالتايل إحدى نقط ضعف اجلهاز القضائي يف‬
‫املغرب‪ ،‬حيث كان لذلك انعكاسات سلبية عىل فعالية اجلهاز ككل الذي أصبح أداة طيعة يف يد السلطة التنفيذية املتدخل املبارش يف كافة شؤون‬
‫القضاء والقضاة من خالل مؤسسة وزير العدل التي هلا الوالية العامة واإلرشاف املبارش عىل كل ما له عالقة باجلهاز من خالل جمموعة من‬
‫القوانني اخلاصة التي تقوى معها وزير العدل‪.‬‬
‫عبد السالم العامين‪ :‬القضاء ورهان اإلصالح‪ ،‬مسامهة يف النقاش حول إصالح القضاء؛ مرجع سابق؛ ص‪.68:‬‬

‫‪19‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫املطلب األول‪ :‬ضامنات استقالل القضاة وعدم حتيزهم الواجب عىل الدولة توفريها‬
‫‪ .95‬يقتيض منا دراسة هذا املطلب أن نقسمه إىل فقرتني‪ ،‬نتناول يف األوىل ماهية ضامنات‬
‫استقالل القضاة وعدم حتيزهم؛ غري أنه بالنظر للمعوقات التي تقف يف وجه حتقيق هذا املبدأ بالرغم‬
‫من املجهود ات التي ال زالت الدولة تقوم هبا‪ ،‬فإننا سنقف عندها هي األخرى يف فقرة ثانية‪.‬‬
‫الفقرة األوىل‪ :‬ماهية ضامنات استقالل القضاة وعدم حتيزهم‬
‫‪ .96‬تنبغي دراسة هذه الفقرة‪ ،‬تقسيمها إىل شقني‪ ،‬نتناول يف األول ماهية ضامنات استقالل‬
‫القضاة (أوال)‪ ،‬ويف الثاين ضامنات عدم حتيزهم (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ماهية ضامنات استقالل القضاة‬
‫‪ .97‬إن احلديث عن متكني املتقايض من الولوج الفعيل للعدالة‪ ،‬ال يمكن أن يتم بدون حتقيق‬
‫استق الل تام للسلطة القضائية؛ وهو األمر الذي أكدت عليه خمتلف املواثيق الدولية‪ ،‬ونص عليه‬
‫‪44‬‬

‫الدستور املغريب اجلديد يف الباب السابع املعنون حتت اسم السلطة القضائية‪ ،‬حيث خصص‬
‫الستقالل القضاء ستة فصول قانونية من الفصل ‪ 107‬إىل ‪ ،112‬حيث جاء يف األول "السلطة‬
‫القضائية مستقلة عن السلطة الترشيعية وعن السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫امللك هو الضامن الستقالل السلطة القضائية"‪.‬‬
‫‪ .98‬وجيمع خمتلف املختصني يف التنظيم القضائي‪ ،‬أنه من أجل ضامن جتسيد حقيقي هلذا املبدأ‬
‫فإنه ينبغي صياغة قواعد تعزز هذا االستقالل ؛ لعل أهم هذه الضامنات تتمثل يف عدم عزل القضاة‬
‫‪45‬‬

‫أو نقلهم (‪ ،)1‬وأن ال تبقى ترقية القضاة بيد السلطة التنفيذية (‪ ،)2‬ومحايتهم مما قد يتعرضون له من‬
‫التهديدات (‪ ،) 3‬وأخريا نقف عند الضامنة اجلديدة التي جاء هبا دستور ‪ ،2011‬وهي حرية التعبري‬
‫وتكوين اجلمعيات (‪.)4‬‬
‫‪ :1‬عدم عزل القضاة أو نقلهم‬
‫‪ .99‬بالنظر ألمهية هذه الضامنة‪ ،‬فإن الدستور املغريب اجلديد نص عليها بمقتىض الفصل ‪،108‬‬
‫الذي جاء فيه ما ييل‪ " :‬ال يعزل قضاة األحكام وال ينقلون إال بمقتىض القانون"‪ .46‬كام أكدت عىل‬
‫هذا املبدأ العديد من الدساتري الدولية‪ ،‬منها دستور الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬الذي أكد بمقتىض‬
‫مادته الثالثة عىل أن للقضاة احلق يف االستمرار يف شغل مناصبهم ما داموا حسني السلوك‪ ،‬ويتم‬

‫‪ 44‬حممد النجاري‪ :‬القضاء املستقل القوي قاطرة للتنمية؛ مرجع سابق؛ ص‪.3 :‬‬
‫‪ 45‬عمر بومحوش‪ :‬اإلصالح القضائي بني النظرية والتطبيق‪ -‬اجلزء األول؛ مرجع سابق؛ ص‪.74 :‬‬
‫‪ 46‬قبل ذلك‪ ،‬كان النظام األسايس لرجال القضاء ينص عىل مسطرة عزل القضاة يف الفصلني ‪ 59‬و ‪ ،63‬واملتمثلة يف أن عزل القضاة يتم بظهري‬
‫صادر عن امللك بعد استشارة املجلس األعىل للقضاء‪ ،‬ويعزل القايض عىل إثر ارتكاب خطأ فادح يستوجب توقيع جزاء تأديبي يف حقه‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫عزل القايض بعد أن يوجه إليه اهتام نيايب‪ ،‬ويصدر حكم يقيض بطرده‪ .‬بل إن األعراف الدستورية يف‬
‫اململكة املتحدة قد درج ت عىل عدم إمكانية نقل القضاة إال بموجب توصية صادرة عن جمليس‬
‫العموم والشيوخ معا‪.‬‬
‫‪ .100‬وقد أحسن القانون التنظيمي رقم ‪ 106.13‬املتعلق بالنظام األسايس للقضاة‪ ،‬من‬
‫خالل حتديده ملسطرة تأديب القضاة بشكل دقيق؛ هدف من خالهلا إىل توفري املزيد من الضامنات هلم‪،‬‬
‫وذلك يف املواد من ‪ 96‬إىل ‪ 102‬منه؛ وبعد نقاش مستفيض‪ ،‬وتدخل املجلس الدستوري‪ ،47‬جاءت‬
‫صيغة املادة ‪ 97‬من هذا القانون‪ 48‬متناسبة إىل حد ما مع هواجس السادة القضاة وكل املهتمني‬
‫بالشأن القضائي املغريب‪ ،‬السيام بعد حذف عبارة 'بصفة خاصة'‪ ،‬التي كانت تنطوي عىل الكثري من‬
‫املخاوف؛ عىل اعتبار أن االحتفاظ هبا يف هذا النص القانوين‪ ،‬كان من شأنه أن يفتح املجال أمام‬
‫توسيع احلاالت ايل يمكن اعتبارها خطأ جسيام‪ ،‬يعرض القايض لعقوبات تأديبية؛ مما كان سينعكس‬
‫سلبا عىل االستقاللية التي ينبغي أن يتمتع هبا القايض أثناء مزوالة مهامه‪.‬‬

‫قرار املجلس الدستوري رقم ‪ 992.16‬بتاريخ ‪ 5‬مجادى اآلخرة ‪ 15( 1437‬مارس ‪ ،)2016‬الذي رصح بمقتضاه بأن‪:‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪ -1‬عبارة 'بصفة خاصة' الواردة يف الفقرة الثانية من املادة ‪ 97‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 106.13‬املتعلق بالنظام األسايس للقضاة‪ ،‬وما ورد يف‬
‫البند األول من نفس الفقرة من 'إخالل القايض بواجب االستقالل والتجرد والنزاهة واالستقامة'‪ .‬وما تضمنه املقطع الثاين من البند التاسع من‬
‫نفس الفقرة 'أو اإلدالء بترصيح يكتيس صبغة سياسية'‪ ،‬خمالف للدستور؛‬
‫‪ -2‬بأن املواد ‪ 35‬و‪ 43‬و ‪ 72‬والبندين الثاين والثالث من الفقرة الثانية من املادة ‪ 97‬من القانون التنظيمي املذكور‪ ،‬ليس فيها ما خيالف الدستور‪،‬‬
‫مع مراعاة املالحظات املسجلة بشأهنا؛‬
‫‪ -3‬بأن باقي مقتضيات هذا القانون التنظيمي‪ ،‬ليس فيها ما خيالف الدستور؛‬
‫‪ -4‬بأن عبارة 'بصفة خاصة' الواردة يف الفقرة الثانية‪ ،‬والبند األول من هذه الفقرة‪ ،‬واملقطع الثاين من البند التاسع من نفس الفقرة من املادة ‪97‬‬
‫املذكورة أعاله‪ ،‬املرصح بعدم مطابقتها للدستور‪ ،‬يمكن فصلها عن أحكام هذه املادة‪ ،‬وجيوز بالتايل إصدار األمر بتنفيذ القانون التنظيمي رقم‬
‫‪ 106.13‬املتعلق بالنظام األسايس للقضاة‪ ،‬باستثناء هذه املقتضيات‪.‬‬
‫‪ 48‬نصت املادة ‪ 97‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 106.13‬عىل ما ييل‪ :‬يمكن توقيف القايض حاال من مزاولة مهامه إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ جسيام‪.‬‬

‫ويعد خطأ جسيام‪:‬‬


‫‪ -‬اخلرق اخلطري لقاعدة مسطرية تشكل ضامنة أساسية حلقوق وحريات األطراف؛‬
‫‪ -‬اخلرق اخلطري لقانون املوضوع؛‬
‫‪ -‬اإلمهال أو التأخري غري املربر واملتكرر يف بدء أو إنجاز مسطرة احلكم أو يف القضايا أثناء ممارسته ملهامه القضائية؛‬
‫‪ -‬االمتناع عن العمل املدبر بصفة مجاعية؛‬
‫‪ -‬وقف أو عرقلة عقد اجللسات أو السري العادي للمحاكم؛‬
‫‪ -‬اختاذ موقف سلبي؛‬
‫‪ -‬ممارسة نشاط سيايس أو نقايب أو االنتامء إىل حزب سيايس أو نقابة مهنية'‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪ :2‬عدم اإلبقاء عىل ترقية القضاة بيد السلطة التنفيدية‬


‫‪ .101‬بحسب املادة الثالثة من القانون التنظيمي رقم ‪ 106.13‬املتعلق بالنظام األسايس‬
‫للقضاة‪ ،‬فإن السلك القضائي باململكة اخلاضع هلذا النظام األسايس يتألف من هيئة واحدة‪ ،‬تشمل‬
‫قضاة األحكام وقضاة النيابة العامة‪ ،‬املعينني بمحاكم أول درجة وحماكم االستئناف وحمكمة النقض‪،‬‬
‫املوجودين يف إحدى الوضعيات املنصوص عليها يف املادة ‪.57‬‬

‫يف حني تطرقت املادة السادسة من نفس القانون لدرجات القضاة؛ حيث أكدت بأهنا مخس‬
‫درجات‪ ،‬تتكون من ثالث درجات ودرجة استثنائية ووضعية خارج الدرجة؛ هاته الدرجات تبتدئ‬
‫من الدرجة الثالثة األدنى مرتبة وتنتهي بوضعية خارج الدرجة وهي األعىل سلام‪ .49‬إضافة لذلك‪،‬‬
‫فإن هناك رتبا داخل الوضعيات اخلمس تنتقل باملعني باألمر من أسفل السلم إىل أعاله‪.‬‬

‫‪ .102‬وتأكيدا عىل استقالل القضاء‪ ،‬فإنه ال ينبغي أن تبقى ترقية القضاة بيد السلطة‬
‫التنفيذية ؛ وعليه‪ ،‬فإن الدستور اجلديد والقانونني التنظيميني املتعلقني باملجلس األعىل للسلطة‬ ‫‪50‬‬

‫القضائية والنظام األسايس للقضاة‪ ،‬حدد املسطرة التي يتعني سلوكتها لرتقية القضاة‪.51‬‬

‫‪ 49‬بحسب املادة السادسة من القانون التنظيمي رقم ‪ 106.13‬املتعلق بالنظام األسايس للقضاة‪ ،‬فإنه يرتب القضاة يف درجات متسلسلة عىل‬
‫النحو التايل‪:‬‬
‫‪ -‬الدرجة الثالثة؛‬
‫‪ -‬الدرجة الثانية؛‬
‫‪ -‬الدرجة األوىل؛‬
‫‪ -‬الدرجة االستثنائية؛‬
‫‪ -‬خارج الدرجة‪.‬‬
‫حتدد بنص تنظيمي الرتب التي تشتمل عليها كل درجة من الدرجات املذكورة وتسلسل األرقام االستداللية املطابقة هلا‪.‬‬
‫‪ 50‬عمر بومحوش‪ :‬اإلصالح القضائي بني النظرية والتطبيق‪ -‬اجلزء األول؛ مرجع سابق؛ ص‪.96:‬‬
‫‪ 51‬بالرجوع ملا كان ينص عليه النظام األسايس لرجال القضاء‪ ،‬نجد الفصل ‪ 23‬منه ينص عىل خضوع ترقية القضاة من درجة إىل درجة أعىل‬
‫ملسطرة خاصة يؤخذ فيها دائام بعني االعتبار رأي املجلس األعىل للقضاء؛ كام أن نظام الرتقية من رتبة إىل أخرى يتم بالنظر ملدة األقدمية‪.‬‬
‫يف حني كان الفصل ‪ 23‬من النظام األسايس لرجال القضاء‪ ،‬نجده ينص عىل ما ييل‪" :‬تقع ترقية القضاة درجة ورتبة‪ .‬وتتم بصفة مستمرة من‬
‫درجة إىل أخرى ومن رتبة إىل أخرى‪.‬‬
‫ال يمكن ترقية أي قاض إىل الدرجة األعىل ضمن حدود املناصب الشاغرة إن مل يكن مسجال بالئحة األهلية‪.‬‬
‫غريت الفقرة الثالثة بالظهري الرشيف رقم ‪ 1.80.329‬بتاريخ ‪ 17‬صفر ‪ 1401‬املوافق ‪ 25‬دجنرب ‪ 1980‬بتنفيذ القانون رقم ‪( :14.80‬اليمكن‬
‫أن يسجل يف الئحة األهلية إال األشخاص الذين يتوفرون عند وضع هذه الالئحة عىل أقدمية مخس سنوات يف الدرجة)‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫فبالنسبة للدستور‪ ،‬نجده أوكل للمجلس األعىل للسلطة القضائية‪ ،‬بمقتىض الفصل ‪ 113‬منه‪،‬‬
‫مهمة السهر عىل ترقية القضاة‪.‬‬
‫وبالفعل‪ ،‬فإنه من خالل مراجعة القانون التنظيمي رقم ‪ 100.13‬املتعلق باملجلس األعىل‬
‫للسلطة القضائية‪ ،‬نجده يؤكد عىل هذا املقتىض الدستوري بواسطة املادتني ‪ 74‬و‪ 75‬منه؛ حيث جاء‬
‫يف األوىل ما ييل‪" :‬هييء املجلس الئحة األهلية للرتقية برسم السنة اجلارية‪.‬‬
‫ال يسجل بالئحة األهلية للرتقية ملدة حيددها النظام الداخيل للمجلس‪ ،‬القضاة الذين صدرت‬
‫يف حقهم عقوبة اإلقصاء املؤقت عن العمل‪.‬‬
‫تنرش الالئحة باملحاكم وباملوقع اإللكرتوين للمجلس وبكل الوسائل املتاحة قبل متم شهر‬
‫يناير من كل سنة‪.‬‬
‫يمكن للقضاة‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬أن يتقدموا إىل املجلس‪ ،‬داخل أجل مخسة (‪ )5‬أيام من تاريخ‬
‫النرش‪ ،‬بطلبات تصحيح الالئحة‪.‬‬
‫يبت املجلس يف هذه الطلبات داخل أجل مخسة (‪ )5‬أيام من تاريخ توصله هبا‪.‬‬
‫يمكن الطعن يف قرار املجلس برفض تصحيح الئحة األهلية للرتقي‪ ،‬أمام الغرفة اإلدارية‬
‫بمحكمة النقض خالل أجل سبعة (‪ )7‬أيام من تاريخ تبليغه بكل الوسائل املتاحة‪.‬‬
‫تبت املحكمة اإلدارية بمحكمة النقض يف الطلب داخل أجل مخسة عرش (‪ )15‬يوما بقرار غري‬
‫قابل ألي طعن"‪.‬‬
‫يف حني أشارت املادة ‪ 75‬من نفس القانون إىل املعايري التي يأخذها املجلس األعىل للسلطة‬
‫القضائية بعني االعتبار؛ حيث نصت عىل أن املجلس يراعي عند ترقية القضاة‪:‬‬
‫‪ -‬األقدمية يف السلك القضائي واألقدمية يف الدرجة؛‬

‫غريت بالظهري الرشيف رقم ‪ 1.85.99‬بتاريخ ‪ 23‬صفر ‪ 1407‬املوافق ل ‪ 28‬أكتوبر ‪ 1986‬بتنفيذ القانون رقم ‪( 19.83‬غري أنه ال يمكن أن‬
‫يسجل يف قائمة األهلية للرتقي إىل الدرجة الثانية إال القضاة الذين بلغوا الرتبة السادسة من الدرجة الثالثة)‪.‬‬
‫تعترب عند وضع لوائح األهلية الشهادات اجلامعية التي يتوفر عليها املعنيون باألمر مع كفاءهتم واستعدادهم ملزاولة املهام املوازية للدرجة العليا‪.‬‬
‫يتقيد الرتقي من رتبة إىل أخرى يف آن واحد باألقدمية والنقط التي حيصل عليها القايض ضمن الرشوط املحددة بمرسوم‪.‬‬
‫هييئ وزير العدل وحيرص سنويا الئحة األهلية املشار إليها يف الفقرة الثانية أعاله بعد استشارة املجلس األعىل للقضاء‪.‬‬
‫حيدد مرسوم رشوط تنقيط القضاة وكيفية حتضري الئحة األهلية"‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪ -‬احلرص عىل إصدار األحكام يف أجل معقول؛‬


‫‪ -‬جودة املقررات القضائية؛‬
‫‪ -‬القدرة عىل التنظيم وحسن تدبري القضايا؛‬
‫‪ -‬الدراسة القبلية للملفات والسهر عىل جتهيزها؛‬
‫‪ -‬استعامل الوسائل التكنولوجية احلديثة؛‬
‫‪ -‬القدرة عىل التواصل؛‬
‫‪ -‬القدرة عىل التأطري؛‬
‫‪ -‬احلرص عىل املواكبة والتتبع واملواظبة‪.‬‬
‫عالوة عىل ذلك‪ ،‬يراعي املجلس عىل اخلصوص بالنسبة لقضاة النيابة العامة‪:‬‬
‫‪ -‬تنفيذ التوجهات العامة للسياسة اجلنائية؛‬
‫‪ -‬تطبيق التعليامت الكتابية القانونية؛‬
‫‪ -‬جودة امللتمسات‪.‬‬
‫‪ .103‬كام تطرق القانون التنظيمي رقم ‪ 106.13‬املتعلق بالنظام األسايس للقضاة‪ ،‬إىل مسطرة‬
‫الرتقية‪ ،‬يف املواد من ‪ 32‬إىل ‪ 35‬؛ حيث نصت األوىل عىل أنه يرقى القضاة من رتبة إىل رتبة ومن‬
‫درجة إىل درجة بكيفية مستمرة‪ ،‬طبقا ملقتضيات هذا القانون التنظيمي والنصوص املتخذة لتطبيقه‪.‬‬
‫ال يمك ن ترقية القضاة من درجة إىل درجة أعىل إال بعد التسجيل يف الئحة األهلية للرتقية‪.‬‬
‫حتدد بنص تنظيمي أنساق الرتقي من رتبة إىل رتبة أعىل‪.‬‬
‫‪ :3‬محاية القضاة مما قد يتعرضون له من التهديدات‬
‫‪ .104‬يعترب هذا املقتىض من أهم الضامنات التي ينبغي توفريها للقضاة‪ ،‬حتى يمكنهم مزاولة‬
‫مهامهم بكل أمن وأمان ؛ ألجل ذلك‪ ،‬نصت املادة ‪ 39‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 106.13‬املتعلق‬ ‫‪52‬‬

‫‪ 52‬كان الفصل ‪ 20‬من النظام األسايس لرجال القضاء‪ ،‬ينص عىل ما ييل‪" :‬حتمي الدولة القضاة مما قد يتعرضون له من التهديدات والتهجامت‬
‫والسب والقذف ضمن مقتضيات القانون اجلنائي والقوانني اخلاصة اجلاري هبا العمل‪ .‬تضمن هلم ‪-‬زيادة عىل ذلك عند االقتضاء‪ -‬طبقا‬
‫للقوانني اجلاري هبا العمل تعوي ضا عن األرضار التي يمكن أن تلحقهم أثناء مبارشة مهامهم أو بسبب القيام هبا وذلك يف غري ما يشمله الترشيع‬
‫اخلاص برواتب املعاش ورأس مال الوفاة‪.‬‬
‫وحتل يف هذه احلالة حمل املصاب يف حقوقه ودعاويه ضد املتسبب يف الرضر"‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫بالنظام األسايس للقضاة عىل ما ييل‪' :‬يتمتع القضاة بحامية الدولة وفق مقتضيات القانون اجلنائي‬
‫والقوانني اخلاصة اجلاري هبا العمل‪ ،‬مما قد يتعرضون له من هتديدات أو هتجامت أو إهانات أو سب‬
‫أو قذف ومجيع االعتداءات أيا كانت طبيعتها أثناء مبارشة مهامهم أو بسبب القيام هبا‪.‬‬
‫وتضمن هلم الدولة التعويض عن األرضار اجلسدية التي يمكن أن يتعرضوا هلا أثناء مبارشة‬
‫مهامهم أو بسبب القيام هبا والتي ال تشملها الترشيعات املتعلقة بمعاشات الزمانة ورصيد الوفاة‪،‬‬
‫ويف هذه احلالة حتل الدولة حمل الضحية يف احلقوق والدعاوى ضد املتسبب يف الرضر'‪.‬‬
‫‪ .105‬يف األخري نود اإلشارة إىل بعض املقتضيات التي جاء هبا دستور ‪ ،2011‬والتي نعتربها‬
‫بمثابة ضامنات الستقالل القضاء‪ ،‬نوجزها فيام ييل‪:‬‬
‫‪ -‬يمنع كل تدخل يف القضايا املعروضة عىل القضاء؛ وال يتلقى القايض بشأن مهمته القضائية‬
‫أي أوامر أو تعليامت‪ ،‬وال خيضع ألي ضغط (الفقرة األوىل من الفصل ‪)109‬؛‬
‫‪ -‬جيب عىل القايض كلام اعترب أن استقالله مهدد‪ ،‬أن حييل األمر إىل املجلس األعىل للسلطة‬
‫القضائية (الفقرة الثانية من الفصل ‪)109‬؛‬
‫‪ -‬يعاقب القانون كل من حاول التأثري عىل القايض بكيفية غري مرشوعة (الفقرة األخرية من‬
‫الفصل ‪)109‬؛‬
‫‪ -‬ال يلزم قضاة األحكام إال بتطبيق القانون‪ ،‬وال تصدر أحكام القضاء إال عىل أساس التطبيق‬
‫العادل للقانون (الفقرة األوىل من الفصل ‪)110‬؛‬
‫‪ -‬جيب عىل قضاة النيابة العامة تطبيق القانون‪ .‬كام يتعني عليهم االلتزام بالتعليامت الكتابية‬
‫القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون هلا (الفقرة الثانية واألخرية من الفصل ‪ 110‬من الدستور‬
‫املغريب اجلديد)‪.‬‬
‫‪ :4‬حرية التعبري وتكوين اجلمعيات‬
‫‪ .106‬لعل من املستجدات األساسية التي جاء هبا الدستور املغريب املؤرخ يف ‪ 1‬يوليوز ‪،2011‬‬
‫تلك املتعلقة بحرية التعبري وتكوين اجلمعيات ‪ ،‬وذلك بعدما تم حرماهنم ملدة طويلة من هذا احلق‪،‬‬
‫‪53‬‬

‫بالرغم من مناشدات اهليئات احلقوقية وتقارير املنظامت الدولية وأيضا توصيات مؤمترات‬
‫‪54‬‬

‫امل حامني‪ .‬وقد نص املرشع املغريب عىل هذا احلق يف الفصل ‪ 111‬من دستور ‪ ،2011‬الذي جاء فيه‬
‫عىل أن للقضاة احلق يف حرية التعبري‪ ،‬بام يتالءم مع واجب التحفظ واألخالقيات القضائية‪.‬‬

‫‪ 53‬يف املقابل‪ ،‬يمنع عىل القضاة االنخراط يف األحزاب السياسية واملنظامت النقابية‪( .‬الفقرة األخرية من الفصل ‪ 111‬من دستور ‪.)2011‬‬
‫‪ 54‬عبد السالم العامين‪ :‬القضاء ورهان اإلصالح‪ ،‬مسامهة يف النقاش حول إصالح القضاء؛ مرجع سابق‪ ،‬ص‪.26:‬‬

‫‪25‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫يمكن للقضاة االنخراط يف مجعيات‪ ،‬أو إنشاء مجعيات مهنية‪ ،‬مع احرتام واجبات التجرد‬
‫واستقالل القضاء‪ ،‬وطبقا للرشوط املنصوص عليها يف القانون‪.‬‬
‫‪ .107‬وبالفعل‪ ،‬فقد حرص القانون التنظيمي رقم ‪ 106.13‬املتعلق بالنظام األساس‬
‫للقضاة‪ ،‬عىل تنظيم هذه الضامنة‪ ،‬بمقتىض املادتني ‪ 37‬و‪ 38‬منه؛ حيث جاء يف األوىل بأنه تطبيقا‬
‫ألحكام الفقرة األوىل من الفصل ‪ 111‬من الدستور‪ ،‬للقضاة احلق يف حرية التعبري‪ ،‬بام يتالءم مع‬
‫واجب التحفظ واألخالقيات القضائية‪ ،‬بام يف ذلك احلفاظ عىل سمعة القضاء وهيبته واستقالله‪.‬‬
‫يف حني نصت املادة ‪ 38‬عىل أنه تطبيقا ألحكام الفقرة األوىل من الفصل ‪ 12‬والفقرة الثانية من‬
‫الفصل ‪ 111‬من الدستور‪ ،‬يمكن للقضاة املعينني طبقا ملقتضيات املادة ‪ 68‬من القانون التنظيمي‬
‫املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية‪ ،‬االنخراط يف مجعيات مؤسسة بصفة قانونية وتسعى‬
‫لتحقيق أهداف مرشوعة‪ ،‬أو إنشاء مجعيات مهنية‪ ،‬ويف كلتا احلالتني يتعني مراعاة واجب التحفظ‬
‫واألخالقيات القضائية‪ ،‬واحرتام واجب التجرد واستقالل القضاء‪ ،‬واحلفاظ عىل صفات الوقار‬
‫صونا حلرمة القضاء وأعرافه‪.‬‬
‫غري أنه يمنع عىل القايض تأسيس مجعية غري مهنية أو تسيريها بأي شكل من األشكال‪.‬‬
‫‪ .108‬ومبارشة بعد تبني الدستور املغريب هلذه املقتضيات‪ ،‬تشكلت العديد من اهليئات املهنية‬
‫اخلاصة بالقضاة؛ من بينها نادي قضاة املغرب‪ ،‬والذي يعترب أول مجعية مستقلة للقضاة يتم إنشاؤها‬
‫يف ظل هذا الدستور‪ ،‬حيث تم تأسيسه يف ‪ 20‬غشت ‪ ،2011‬ولقي جتاوبا كبريا من قبل القضاة‪،‬‬
‫السيام الشباب منهم‪.‬‬
‫فمثل هذه اجلمعيات ستكون بمثابة اجلرس الذي جيسد حرية القضاة واستقالهلم‪ ،‬وحيقق غاية‬
‫األمة‪ ،‬املتمثلة يف بلوغ استقالل فعيل للسلطة القضائية عن السلطتني الترشيعية والتنفيذية‪ ،‬بام يؤدي‬
‫إىل خلق الثقة والشعور باألمن لدى املواطن املغريب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ضامنات عدم حتيز القضاة‬
‫‪ .109‬ذهب بعض الفقه املغريب إىل أن ضامنات استقالل القضاة هي نفسها ضامنات لعدم‬ ‫‪55‬‬

‫حتيزه‪ ،‬وإن كانت هناك ضامنات تسعى بشكل مبارش إىل عدم حتيزه‪ .‬ونرى بأن ضامنات عدم حتيز‬
‫القضاة املطلوبة من الدولة السهر عىل توفريها حتى تكون هناك حماكمة عادلة‪ ،‬تتجىل يف مراقبة‬ ‫‪56‬‬

‫‪ 55‬موسى عبود وحممد السامحي‪ :‬املخترص يف املسطرة املدنية والتنظيم القضائي وفق تعديالت سنة ‪1993‬؛ مرجع سابق؛ ص‪.109:‬‬
‫‪ 56‬املقصود بعدم التحيز أن القايض ملزم بأن حيكم باالستناد فقط عىل الوقائع الثابتة يف امللف املعروضة عليه مطبقا عليها تطبيقا سليام القواعد‬
‫القانونية دون أن يأخذ بعني االعتبار أي عنرص أخر جيعله يتحيز لفريق ضد اآلخر‪.‬‬
‫موسى عبود وحممد السامحي‪ :‬املخترص يف املسطرة املدنية والتنظيم القضائي وفق تعديالت سنة ‪1993‬؛ مرجع سابق؛ ص‪.107:‬‬

‫‪26‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫أموال القايض (أ)‪ ،‬ومنع حاالت التنايف (ب)‪ ،‬وأيضا السهر عىل منع القايض من النظر يف بعض‬
‫القضايا بسبب عدم أهليته (ج)‪.‬‬
‫أ‪ :‬مراقبة أموال القايض‬

‫‪ .110‬كان ينص عىل هذه الضامنة النظام األسايس للقضاء بشكل رصيح من خالل الفصل‬
‫‪ 16‬الذي جاء فيه‪ " :‬يرصح كل قاض كتابة وبرشفه بام يملكه من عقار وقيم منقولة وكذا ما يملكه‬
‫منها زوجه وأبناؤه القارصون‪.‬‬

‫إذا كان كال الزوجني قاضيا أدىل كل واحد منهام بترصيح مستقل عىل أساس أن يقدم األب‬
‫الترصيح املتعلق باألبناء القارصين‪.‬‬

‫يقدم ترصيح إضايف فورا ضمن نفس الرشوط كلام حدث تغيري يف الوضعية املالية للمعنيني‬
‫باألمر‪.‬‬

‫يقدم القايض داخل الثالثة أشهر املوالية لتعيينه الترصيح املنصوص عليه يف الفقرة األوىل أعاله‪.‬‬

‫يقدم القضاة املزاولون ملهامهم عند نرش هذا الظهري بمثابة قانون الترصيح داخل الثالثة‬
‫األشهر املوالية هلذا النرش"‪.‬‬

‫‪ .111‬بالرجوع للقانون التنظيمي رقم ‪ 106.13‬املتعلق بالنظام األسايس للقضاة‪ ،‬يتضح لنا‬
‫بأنه أغفل هذه النقطة‪ ،‬ومل يرش إىل واجب ترصيح القايض بممتلكاته‪ ،‬سواء بصورة مبارشة أو غري‬
‫مبارشة‪ .‬غري أن ذلك‪ ،‬ال يعني أن قصد املرشع املغريب هو الرتاجع عن هذا املقتىض‪ ،‬الذي يعترب أحد‬
‫أهم االلتزامات امللقاة عىل عاتق القضاة‪ ،‬يف مقابل احلقوق التي يتمتعون هبا‪.‬‬

‫‪ .112‬إن ما يؤكد لنا هذه القراءة‪ ،‬هو مقتضيات املادة ‪ 107‬من القانون التنظيمي رقم‬
‫‪ 100.13‬املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية‪ ،‬التي نصت عىل أنه يكلف الرئيس املنتدب‬
‫للمجلس بتتبع ثروة القضاة؛ وهو األمر الذي ال يمكن أن يتحقق‪ ،‬إذا مل يرصح هؤالء بأمواهلم‪.‬‬

‫حيق له دائام‪ ،‬بعد موافقة أعضاء املجلس‪ ،‬أن يقدر ثروة القضاة وأزواجهم وأوالدهم بواسطة التفتيش‪.‬‬
‫يمكن أن يكون موضوع متابعة تأديبية كل قاض ثبتت زيادة ممتلكاته‪ ،‬خالل فرتة ممارسة مهامه‪،‬‬
‫زيادة ملحوظة ال يستطيع تربيرها بصورة معقولة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫ب‪ :‬منع حاالت التنايف‬


‫‪ .113‬يشكل منع حاالت التنايف ضامنة إضافية مبارشة للحيلولة دون حتيز القضاة‪57‬؛ وقد‬
‫نصت عىل هذه القاعدة املادة ‪ 47‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 106.13‬املتعلق بالنظام األسايس‬
‫للقضاة‪ ،‬والتي جاء فيها بأنه يمنع عىل القضاة أن يامسوا خارج مهامهم‪ ،‬ولو بصفة عرضية‪ ،‬أي‬
‫نشاط مهني‪ ،‬كيفام كانت طبيعته بأجر أو بدونه؛ غري أنه يمكن منح استثناءات فردية بموجب قرار‬
‫للرئيس املنتدب‪ ،‬وذلك لرضورة التدريس أو البحث العلمي أو القيام بمهام تكلفهم هبا الدولة‪.‬‬
‫ال يشمل هذا املنع إنتاج املصنفات األدبية أو العلمية أو الفنية‪ ،‬غري أنه ال جيوز ألصحاهبا أن‬
‫يذكروا صفاهتم كقضاة إال بإذن من الرئيس املنتدب للمجلس‪.‬‬
‫يمكن للقايض املشاركة يف األنشطة والندوات العلمية رشيطة أال يؤثر ذلك عىل أدائه املهني‪،‬‬
‫مع مراعاة مقتضيات املادتني ‪ 37‬و‪ 44‬أعاله‪ ،‬وتعترب اآلراء التي يديل هبا القايض املعني بمناسبة هذه‬
‫املشاركة آراء شخصية‪ ،‬وال تعترب معربة عن أي رأي جلهة رسمية إال إذا كان مرخصا له بذلك‪.‬‬
‫ج‪ :‬عدم األهلية للنظر يف قضايا معينة‬
‫‪ .114‬لعل أهم احلاالت التي تناوهلا الفقه‪ ،‬والتي يرى أنه ينبغي منع القايض من النظر فيها حتى‬
‫يمكن جتنيبه التحيز ألحد املتقاضني؛ تتمثل يف عدم اجتامع القضاة األقارب يف نفس اهليئة املكلفة باحلكم‬
‫(‪ ،)1‬والتجريح (‪ )2‬وطلب اإلحالة من أجل التشكك املرشوع (‪ )3‬وأخريا خماصمة القضاة (‪.)4‬‬

‫‪ )1‬عدم اجتامع بعض القضاة األقارب يف نفس اهليئة املكلفة باحلكم‬

‫‪ .115‬كان املرشع املغريب ينص عىل هذا املبدأ يف الفصلني ‪ 24‬و‪ 25‬من ظهري التنظيم القضائي‬
‫للمملكة‪ ،58‬قبل أن يتم التأكيد عىل ذلك أيضا بمقتىض مرشوع القانون رقم ‪ 38.15‬املتعلق بالتنظيم‬
‫القضائي للمملكة‪.‬‬

‫‪ 57‬كان ينص عىل هذه الضامنة الفصل ‪ 15‬من النظام األسايس للقضاء‪ ،‬الذي جاء فيه‪" :‬يمنع عىل القضاة أن يبارشوا خارج مهامهم ولو بصفة عرضية نشاطا أيا‬
‫كان نوعه بأجر أو بدونه‪ .‬غري أنه يمكن خمالفة هذه القاعدة بقرارات فردية لوزير العدل لصالح التعليم أو املستندات القانونية‪ .‬ال يمتد هذا املنع إىل التآليف األدبية‬
‫أو العلمية أو الفنية غري أنه ال يمكن ملؤلفيها اإلشارة هبذه املناسبة إىل صفتهم القضائية إال بإذن من وزير العدل‪ .‬إذا كان زوج قاض يامرس نشاطا خاصا يدر عليه‬
‫نفعا رصح القايض بذلك لوزير العدل ليتخذ أو يأمر باختاذ التدابري الالزمة للحفاظ عىل استقالل القضاء وكرامته‪.‬‬
‫تتبع نفس املسطرة إذا كان قاض أو زوجه يملك يف مقاولة مصالح من شأهنا أن متس باملهمة املنوطة به"‪.‬‬
‫‪ 58‬ظهري رشيف بمثابة قانون رقم ‪ 1.74.338‬بتاريخ ‪ 24‬مجادى الثانية ‪ 15( 1394‬يوليوز ‪ )1974‬يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة‪.‬‬
‫بالرجوع هلام‪ ،‬نجد الفصل ‪ 24‬ينص عىل ما ييل‪ " :‬ال يمكن لألزواج واألقارب واألصهار إىل درجة العمومة أو اخلؤولة أو أبناء االخوة أن‬
‫يكونوا بأية صفة كانت قضاة يف آن واحد بنفس املحكمة عدا يف حالة ترخيص يمكن منحه بمرسوم عندما تشتمل املحكمة عىل أكثر من غرفة‬

‫‪28‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪ .116‬وبالرجوع إىل مرشوع القانون اجلديد هذا‪ ،‬نجده أكد عىل نفس احلكم‪ ،‬يف املادتني ‪ 42‬و‪43‬‬
‫منه؛ حيث نصت األوىل عىل أنه ال يمكن لألزواج واألقارب واألصهار إىل درجة العمومة أو اخلؤولة أو‬
‫أبناء اإلخوة أن يكونوا بأي صفة قضاة للحكم أو قضاة للنيابة العامة بنفس اهليئة باملحكمة‪.‬‬
‫يف حني نصت املادة ‪ 43‬عىل أنه ال يسوغ للقضاة النظر يف القضايا التي يرافع فيها‪ ،‬أو ينوب عن‬
‫األطر اف فيها‪ ،‬أزواجهم أو أصهارهم أو أقارهبم إىل الدرجة الرابعة‪.‬‬

‫‪ )2‬التجريح‬

‫‪ .117‬نظم املرشع املغريب التجريح بمقتىض الفصول من ‪ 295‬إىل ‪ 299‬من قانون املسطرة‬
‫املدنية؛ حيث خصص الفصل األول (الفصل ‪ 295‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ ).‬للحاالت التي يتحقق فيها‬
‫التجريح‪ ،‬والتي تتمثل فيام ييل‪:‬‬

‫إذا كانت للقايض أو لزوجه مصلحة شخصية مبارشة أو غري مبارشة يف النزاع؛‬ ‫➢‬

‫إذا وجدت قرابة أو مصاهرة بينه أو بني زوجه مع أحد األطراف حتى درجة ابن العم‬ ‫➢‬
‫املبارش بإدخال الغاية؛‬
‫إذا كانت هناك دعوى قائمة أو انتهت منذ أقل من سنتني بينه أو بني زوجه أو أصوهلام‬ ‫➢‬
‫أو فروعهام وبني أحد األطراف؛‬
‫إذا كان دائنا أو مدينا ألحد األطراف؛‬ ‫➢‬

‫إذا قدم استشارة أو رافع أو كان طرفا يف النزاع أو نظر فيه كحكم أو أدىل فيه بشهادة؛‬ ‫➢‬

‫إذا سبق أن كان نائبا قانونيا ألحد األطراف؛‬ ‫➢‬

‫إذا وجدت عالقة تبعية بني القايض أو زوجه وبني أحد األطراف أو زوجه؛‬ ‫➢‬

‫إذا وجدت صداقة أو عداوة مشهورة بني القايض وأحد األطراف‪.‬‬ ‫➢‬

‫واحدة أو إذا كانت املحكمة تعقد جلس اهتا بقاض منفرد‪ ،‬وبرشط أن ال يكون أحد األزواج واألقارب أو األصهار املشار إليهم أعاله رئيسا من‬
‫رؤساء املحكمة‪.‬‬
‫ال يمكن يف أي حال من األحوال ولو بعد الرتخيص املذكور أن ينظر األزواج واألقارب أو األصهار املشار إليهم باملقطع السابق يف قضية‬
‫واحدة"‪.‬‬
‫كام أن الفصل ‪ 25‬من نفس القانون نص عىل أنه " ال يسوغ ألي قاض يكون أحد أقاربه أو أصهاره إىل درجة العمومة أو اخلؤولة أو أبناء االخوة‬
‫حماميا ألحد األطراف أن ينظر يف ذلك النزاع وإال اعترب احلكم أو القرار باطال"‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪ .118‬وقد اكتفى مرشوع القانون رقم ‪ 38.15‬املتعلق بالتنظيم القضائي باإلحالة عىل أحكام‬
‫قانون املسطرة املدنية‪ ،‬بمقتىض املادة ‪ 41‬منه‪ ،‬حيث جاء يف فقرهتا األوىل بأنه حتدد حاالت جتريح‬
‫القضاة طبقا للمقتضيات املنصوص عليها يف كل من قانون املسطرة املدنية وقانون املسطرة اجلنائية‪.‬‬
‫‪ )3‬طلب اإلحالة بسبب التشكك املرشوع‬
‫‪ .119‬تطرق املرشع املغريب لطلب اإلحالة بسبب التشكك املرشوع يف الفصول ‪ 383‬و‪384‬‬
‫و‪ 385‬من قانون املسطرة املدنية‪ ،‬وهو بصدد تناول اختصاصات حمكمة النقض‪ .‬وبالرجوع للفصل‬
‫‪ 383‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ .‬نجده ينص عىل أنه‪ " :‬يمكن تقديم طلب اإلحالة من أجل التشكك املرشوع من‬
‫أي شخص طرف يف النزاع بوصفه مدعيا أو مدعى عليه أو متدخال أو مدخال كضامن‪.‬‬
‫تطبق عىل هذا الطلب نفس مسطرة تنازع االختصاص أمام حمكمة النقض‪.‬‬
‫إذا قبلت حمكمة النقض دعوى التشكك املرشوع أحالت القضية بعد استشارة النيابة العامة‬
‫عىل حمكمة تعينها‪ .‬وتكون من نفس درجة املحكمة املتشكك فيها‪.‬‬
‫إذا مل تقبل املحكمة الدعوى حكم عىل املدعي غري النيابة العامة باملصاريف‪ .‬كام يمكن احلكم‬
‫عليه بغرامة مدنية لصالح اخلزينة ال تتجاوز ثالثة آالف درهم‪.‬‬
‫ال تقبل طلبات التشكك املرشوع ضد حمكمة النقض"‪.‬‬
‫‪ )4‬خماصمة القضاة‬
‫‪ .120‬أضاف الفقه القضائي إىل ا حلاالت الثالثة السالفة الذكر‪ ،‬ما خيوله قانون املسطرة املدنية‬
‫للمتقاضني من إمكانية دفعهم بمسطرة خماصمة القضاة‪ ،‬التي تطرق هلا املرشع املغريب بمقتىض‬
‫الفصول من ‪ 391‬إىل ‪ 401‬من قانون املسطرة املدنية‪ ،‬وأيضا بمقتىض الفصل ‪ 81‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود املغريب الذي جاء فيه‪ " :‬القايض الذي خيل بمقتضيات منصبه‪ ،‬يسأل مدنيا عن‬
‫هذا اإلخالل يف مواجهة الشخص املرضور‪ ،‬يف احلاالت التي يكون فيها حمل خماصمة"‪.‬‬
‫وبالرجوع للفصل ‪ 391‬من قانون املسطرة املدنية‪ ،‬نجده عدد احلاالت التي يمكن فيها‬
‫خماصمة القضاة‪ ،‬والتي تتجىل يف‪:‬‬
‫‪ -‬إذا ادعي ارتكاب تدليس أو غش أو غدر من طرف قايض احلكم أثناء هتيئ القضية أو‬
‫احلكم فيها أو من طرف قاض من النيابة العامة أثناء قيامه بمهامه؛‬
‫‪ -‬إذا قىض نص ترشيعي رصاحة بجوازها؛‬

‫‪30‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪ -‬إذا قىض نص ترشيعي بمسؤولية القضاة يستحق عنها تعويض؛‬


‫‪ -‬عند وجود إنكار العدالة‪.‬‬
‫وقد حدد الفصل ‪ 392‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ .‬املقصود بإنكار العدالة‪ ،‬بنصه عىل أن القايض يعترب منكرا للعدالة‬
‫إذا رفض البت يف املقاالت أو أمهل إصدار األحكام يف القضايا اجلاهزة بعد حلول دور تعيينها يف اجللسة‪.‬‬

‫‪ .121‬كام أشار مرشوع القانون رقم ‪ 38.15‬املتعلق بالتنظيم القضائي ملخاصمة القضاة‪ ،‬مكتفيا‬
‫باإلحالة عىل قواعد قانون املسطرة املدنية‪ ،‬كام يتضح لنا من قراءة الفقرة الثانية من املادة ‪ 41‬منه‪ ،‬التي‬
‫جاء فيها بأنه حتدد حاالت خماصمة القضاة طبقا للمقتضيات املنصوص عليها يف قانون املسطرة املدنية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬معوقات استقالل القضاء‬


‫‪ .122‬نشري منذ البداية إىل أن من حسنات الدستور اجلديد هو إضفائه عىل جهاز القضاء‬
‫تسمية السلطة القضائية كام يتضح من الباب السابع منه؛ وبذلك يتجاوز االنتقادات التي كانت‬
‫توجه للدساتري القديمة؛ ذلك أنه بمجرد مراجعة الفصل ‪ 82‬من الدستور املغريب القديم‪ ،‬نالحظ أنه‬
‫مل يصف القضاء "بالسلطة" عىل غرار ما قام به بخصوص السلطتني التنفيذية والترشيعية ‪ ،‬ويتضح‬
‫‪59‬‬

‫ذلك من الوصف والقراءة احلرفية هلذا الفصل الذي جاء فيه "القضاء مستقل عن السلطة الترشيعية‬
‫والتنفيذية" ‪ .‬بعبارات أخرى‪ ،‬إن الدستور املغريب امللغى تناول القضاء بصياغة وأسلوب غامض‬
‫كوظيفة أو كمهمة من مهام الدولة ‪ ،‬يف الوقت الذي يتحدث فيه بشكل رصيح عن اهليئتني التنفيذية‬
‫‪60‬‬

‫والترشيعية باعتبارمها سلطتني أساسيتني يف نظام الدولة املغربية‪.‬‬


‫‪ .123‬وقد ترتب عن ذلك العديد من السلبيات التي تضمنتها العديد من النصوص القانونية‪،‬‬
‫والتي تعترب بمثابة معوقات حتد من مبدأ استقالل القضاء‪ ،‬عىل األقل قبل صدور القوانني التنظيمية‬
‫التي يمكنها أن تفعل القواعد العامة التي جاء هبا الدستور اجلديد ؛ يمكن إمجال أمهها يف طريقة‬
‫‪61‬‬

‫تعيني القضاة (أوال)‪ ،‬وترقية القضاة (ثانيا)‪ ،‬وأخريا يف نقل القضاة وعزهلم (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬طريقة تعيني القضاة‬
‫‪ .124‬كان االنتقاد األسايس املوجه هلذا املبدأ يتمثل يف طريقة تعيني حكام اجلامعات‬
‫واملقاطعات؛ حيث كان هناك تدخل سافر لوزارة الداخلية يف مسطرة اختيار وتعيني هؤالء احلكام؛‬

‫‪ 59‬عبد السالم العامين‪ :‬القضاء ورهان اإلصالح‪ ،‬مسامهة يف النقاش حول إصالح القضاء؛ مرجع سابق‪ ،‬ص‪.68:‬‬
‫‪ 60‬عمر بومحوش‪ :‬اإلصالح القضائي بني النظرية والتطبيق‪ -‬اجلزء األول؛ مرجع سابق؛ ص‪.112:‬‬
‫‪ 61‬نص الفصل ‪ 113‬من دستور ‪ 2011‬عىل ما ييل‪" :‬يسهر املجلس األعىل للسلطة القضائية عىل تطبيق الضامنات املمنوحة للقضاة‪ ،‬والسيام‬
‫فيام خيص استقالهلم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم"‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫ذلك أنه بمقتىض الفصول ‪ 3‬و‪ 4‬و‪ 5‬من ظهري ‪ 15‬يوليوز ‪ 1974‬املتعلق بتنظيم وحتديد‬
‫اختصاصات حماكم اجلامعات واملقاطعات‪ ،‬فإن تعيني جانب من قضاة اجلامعات واملقاطعات يتم‬
‫عن طريق االنتخاب ‪ .‬غري أن هذا االنتقاد أصبح فقط من باب املعاجلة التارخيية مادام أن املرشع‬ ‫‪62‬‬

‫املغريب ختىل بصفة كاملة عن هذا النوع من املحاكم‪.‬‬


‫‪ .125‬بل إنه‪ ،‬حتى بالنسبة للطريقة العادية واملهمة يف تعيني القضاة‪ ،‬التي تتم عن طريق املباراة‬
‫لولوج سلك امللحقني القضائيني كام كان ينص عىل ذلك النظام األسايس لرجال القضاء املؤرخ يف‬
‫‪ 11‬نونرب ‪ ،1974‬فإهنا كانت تتسم هبيمنة اإلدارة عليها ما دام أن وزارة العدل واحلريات هي التي‬
‫تتحكم يف مجيع مراحلها بدأ من مباراة الولوج إىل غاية امتحان التخرج من املعهد العايل للقضاء ؛‬
‫‪63‬‬

‫كام أن امللحق القضائي عند نجاحه يف املباراة كان يعني بقرار لوزير العدل واحلريات ويعترب خالل‬
‫مرحلة التكوين موظفا تابعا لوزارة العدل‪ ،‬وال يعني كقاض إال بعد خترجه‪.‬‬

‫بل إن هذه اهليمنة كانت تربز أيضا عىل مستوى تغييب املجلس األعىل للقضاء‪ ،‬الذي ال يظهر‬
‫إال يف املرحلة النهائية بمباركته هلذا املنتوج اجلاهز‪ .‬وربام‪ ،‬أن هذه اهليمنة لوزارة العدل عىل طريقة‬
‫تعيني القضاة‪ ،‬هي التي تؤدي حسب بعض الفقه إىل اعتقاد القايض وهو بصدد بدء عمله املهني‬
‫‪64‬‬

‫عىل أن حماوره األسايس والذي يتحكم أيضا يف مصريه هو وزارة العدل؛ بل إنه يتشكل له اعتقاد‬
‫عىل أن املجلس األ عىل للقضاء ما هو إال سلطة غائبة أو باألحرى مغيبة ال تظهر إال يف مناسبات‬
‫شكلية ‪.‬‬
‫‪65‬‬

‫‪ .126‬وقد أحسن القانون التنظيمي رقم ‪ 100.13‬املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية‪،‬‬
‫من خالل تنصيصه عىل أن هذا املجلس هو الذي يقوم بتعيني القضاة‪ ،‬وأن امللك يوافق فقط عىل هذا‬
‫التعيني بمقتىض ظهري‪ ،‬كام يتضح لنا من مراجعة أحكام املادتني ‪ 67‬و‪ 68‬منه ‪.‬‬
‫‪66‬‬

‫‪ 62‬جعفر علوي‪ :‬استقالل القضاء اجلنائي اجلالس؛ منشورات املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬العدد ‪2007/55‬؛ ص‪.183:‬‬
‫‪ 63‬عبد السالم العامين‪ :‬القضاء ورهان اإلصالح‪ ،‬مسامهة يف النقاش حول إصالح القضاء؛ مرجع سابق‪ ،‬ص‪.72:‬‬
‫‪ 64‬حممد كرم‪ :‬معوقات استقالل القضاء يف املغرب؛ يف ندوة استقالل القضاء يف املغرب‪ ،‬مجعية عدالة؛ مطبعة النجاح اجلديدة‪ /‬الدار البيضاء؛ ص‪.93:‬‬
‫‪ 65‬لعل من مظاهر هيمنة وزارة العدل واحلريات أيضا‪ ،‬ما يربز من خالل نامذج األحكام التي تسلم إىل القضاة من أجل حترير أحكامهم فيها‪،‬‬
‫حيث نجد اسم وزارة العدل يف أعىل الصفحة‪ ،‬مما جيعل القايض يعتقد أنه تابع لوزارة العدل واحلريات‪.‬‬
‫نصت املادة ‪ 67‬من هذا القانون التنظيمي عىل ما ييل‪" :‬يعني املجلس القضاة يف السلك القضائي وحيدد مناصبهم القضائية‪.‬‬ ‫‪66‬‬

‫كام يعني املسؤولني القضائيني بمختلف حماكم االستئناف وحماكم أول درجة"‪.‬‬
‫بينام نصت املادة ‪ 68‬من نفس القانون التنظيمي عىل ما ييل‪" :‬طبقا ألحكام الفصل ‪ 57‬من الدستور‪ ،‬يوافق امللك بظهري عىل تعيني القضاة يف‬
‫السلك القضائي‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫ثانيا‪ :‬ترقية القضاة‬


‫‪ .127‬يلعب نظام ترقية القضاة دورا أساسيا يف إعطاء استقالل القايض نفسا قويا أو‬
‫العكس ‪ ،‬بل إنه امليزان الذي يقاس به استقالل القايض‪ .‬عموما‪ ،‬فإنه بمجرد إلقاء نظرة موجزة عن‬ ‫‪67‬‬

‫نظام الرتقية يف املغرب‪ ،‬يتضح لنا مدى حمدودية استقالل القضاء بخصوص هذه النقطة من خالل‬
‫اجلهة ال تي تقوم بإعداد الئحة الرتقية‪ ،‬وأيضا من خالل معايري التنقيط‪ .‬ذلك أنه بالرجوع للنظام‬
‫الداخيل للمجلس األعىل للقضاء املؤرخ يف ‪ 03‬أكتوبر ‪ 2000‬نجده يؤكد يف مادته ‪ 13‬عىل أن‬
‫الئحة األهلية للرتقي يقوم بإعدادها وزير العدل برسم كل سنة‪ ،‬وبعد ذلك يقوم املجلس األعىل‬
‫للقضاء بدراستها واملصادقة عليها بحسب املرسوم ‪ 2.75.883‬الصادر بتاريخ ‪ 23‬دجنرب ‪1997‬‬
‫والذي حيدد رشوط الرتقية إىل أعىل درجة‪.‬‬
‫‪ .128‬من جهة ثانية‪ ،‬فإنه من خالل الرجوع للفصل ‪ 22‬من النظام األسايس لرجال القضاء‪،‬‬
‫نجده كان حي دد معايري التقييم عىل أساس التنقيط عىل سبيل احلرص‪ ،‬يكون فيه لإلدارة املركزية دور‬
‫بارز‪ ،‬السيام أن بعض من هذه املعايري هلا مفهوم مرن‪ ،‬كام هو الشأن بالنسبة ملعايري الكفاءة والنشاط‬
‫العلمي والنجاعة يف العمل والسلوك املهني وااللتزام بأخالقيات املهنية‪ ،‬فكل هذه املعايري تبدو لنا‬
‫أهنا فضفاضة ومرنة ختول لإلدارة املركزية ممثلة يف وزارة العدل أن يكون هلا دور رئييس يف اقرتاح‬
‫القضاة الذين ترى فيهم هذه املواصفات للرتقية؛ وهو األمر الذي يمكن أن يؤدي إىل املساس بمبدأ‬
‫استقالل القضاة‪.‬‬

‫‪ .129‬وبالنظر ألمهية وحساسية هذه النقطة‪ ،‬فإن القانون التنظيمي رقم ‪ 100.13‬املتعلق‬
‫باملجلس األعىل للسلطة القضائية‪ ،‬أكد عليها بشكل رصيح‪ ،‬حيث خصص هلا الفرع الثاين من الباب‬
‫األول من القسم الرابع من هذا املرشوع‪ ،‬وعنونه برتقية القضاة‪ ،‬وبالرجوع إىل املادة ‪ 74‬منه‪ ،‬نجدها‬
‫تنص عىل ما ييل‪" :‬هييء املجلس الئحة األهلية للرتقية برسم السنة اجلارية‪.‬‬

‫ال يسجل بالئحة األهلية للرتقية ملدة حيددها النظام الداخيل للمجلس‪ ،‬القضاة الذين صدرت‬
‫يف حقهم عقوبة اإلقصاء املؤقت عن العمل‪.‬‬

‫تنرش الالئحة باملحاكم وباملوقع اإللكرتوين للمجلس وبكل الوسائل املتاحة قبل متم شهر‬
‫يناير من كل سنة‪.‬‬

‫يوافق امللك كذلك عىل تعيني املسؤولني القضائيني ملختلف حماكم االستئناف وحماكم أول درجة"‪.‬‬
‫‪ 67‬جعفر علوي‪ :‬استقالل القضاء اجلنائي اجلالس؛ مرجع سابق؛ ص‪.185:‬‬

‫‪33‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫يمكن للقضاة‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬أن يتقدموا إىل املجلس‪ ،‬داخل أجل مخسة (‪ )5‬أيام من تاريخ‬
‫النرش‪ ،‬بطلبات تصحيح الالئحة‪.‬‬
‫يبت املجلس يف هذه الطلبات داخل أجل مخسة (‪ )5‬أيام من تاريخ توصله هبا‪.‬‬
‫يمكن الطعن يف قرار املجلس برفض تصحيح الئحة األهلية للرتقي‪ ،‬أمام الغرفة اإلدارية‬
‫بمحكمة النقض خالل أجل سبعة (‪ )7‬أيام من تاريخ تبليغه بكل الوسائل املتاحة‪.‬‬
‫تبت املحكمة اإلدارية بمحكمة النقض يف الطلب داخل أجل مخسة عرش (‪ )15‬يوما بقرار غري‬
‫قابل ألي طعن"‪.‬‬
‫‪ .130‬بل إن املادة ‪ 75‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 100.13‬حدد معايري الرتقية‪ ،‬وجعلها‬
‫كمحددات أساسية للمجلس األعىل للسلطة القضائية‪ ،‬من األجل االهتداء هبا يف ترقية القضاة؛ وقد‬
‫سبق لنا تناوهلا يف باب الضامنات املخولة للقضاة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬نقل القضاة وعزهلم‬
‫‪ .131‬كان الفصل ‪ 85‬من الدستور املغريب املنسوخ ينص عىل أنه‪" :‬ال يعزل قضاة األحكام‬
‫وال ينقلون إال بمقتىض القانون"‪ .‬واحلق يقال‪ ،‬إن القانون املغريب‪ ،‬حافظ يف مرحلة أوىل عىل روح‬
‫هذا املبدأ الدستوري‪ ،‬من خالل حتديده لألسباب التي تسمح بنقل قايض األحكام ‪ ،‬والتي تتمثل‬
‫‪68‬‬

‫يف طلبه الشخيص أو ترقيته أو إحداث حمكمة جديدة‪.‬‬


‫غري أنه تراجع عن هذا املبدأ انطالقا من تعديله للنظام األسايس للقضاء بتاريخ ‪ 12‬يوليوز‬
‫‪ ،1977‬الذي أضاف بمقتىض الفصل ‪ 55‬منه إىل األسباب السالفة الذكر سبب يمكنه أن يمس‬
‫باستقالل القضاة ملا فيه من ترك سلطة تقديرية واسعة للوزارة متكنها من نقل القايض بحسب ما‬
‫متليه املصلحة القضائية‪ ،‬ويتمثل هذا السبب اإلضايف يف "تدارك نقصان يف عدد القضاة يكون له‬
‫تأثري خطري عىل سري حمكمة من املحاكم"‪.‬‬
‫‪ .132‬زد عىل ذلك‪ ،‬فإننا نرى عىل أن النقل الذي يتم من قبل وزير العدل يف إطار االنتداب‬
‫املخول له ملدة ثالثة أشهر قابلة للتجديد فيه أيضا مساس هبذا املبدأ الذي كرسه الفصل ‪ 85‬السالف‬
‫الذكر‪ .‬ومن ثم نرى‪ ،‬بأن االنتداب شكل عىل مر الزمن إحدى األساليب التي تستعملها وزارة‬

‫‪ 68‬أي أن حصانة النقل تأيت يف أغلب الترشيعات مقصورة عىل قضاة األحكام دون قضاة النيابة العامة؛ ولعل اهلدف من ذلك هو تعزيز املركز‬
‫القانوين للقايض احلاكم‪ ،‬وذلك بعدم السامح بنقله إال بموجب رشعي ضامنا الستقالله وحتصينا له من الضغوط التي يمكن أن متارس عليه‬
‫لتوجيه أحكامه هاته الوجهة أو تلك‪.‬‬
‫جعفر علوي‪ :‬استقالل القضاء اجلنائي اجلالس؛ مرجع سابق؛ ص‪.184:‬‬

‫‪34‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫ا لعدل لتأديب القضاة حتت غطاء النقل‪ ،‬لكون املصلحة اقتضت ذلك؛ فال بد إذن من إلغاء هذا‬
‫الفصل؛ بحيث ال يتم نقل القايض إال إذا كان ذلك بسبب الرتقية أو يف حالة تكليف بمسؤولية أو‬
‫بناء عىل طلبه الشخيص‪ ،‬بام يوفر ضامنات مهمة للقضاة‪.‬‬
‫‪ .133‬وقد أحسن القانون التنظيمي رقم ‪ 100.13‬املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية‪،‬‬
‫من خالل تأكيده عىل أن هذا املجلس هو الذي يسهر عىل نقل القضاة وانتداهبم وإحلاقهم وتأديبهم‪،‬‬
‫كام يتضح لنا من خالل أحكام املواد من ‪ 76‬إىل ‪ 100‬منه‪.‬‬
‫ففيام خيص النقل‪ ،‬فإن املادة ‪ 76‬من هذا القانون التنظيمي نصت عىل ما ييل‪" :‬تقوم األمانة‬
‫العامة للمجلس بإعداد الئحة اخلصاص باملحاكم وباملوقع اإللكرتوين للمجلس‪ ،‬وبكل الوسائل‬
‫املتاحة‪ ،‬وتتلقى طلبات القضاة بشأهنا‪.‬‬
‫تشعر األمانة العامة للمجلس كل قاض بتوصلها بطلب انتقاله‪ ،‬كام تشعره بمآله"‪.‬‬
‫أما بخصوص مسطرة التأديب‪ ،‬فقد نصت املادة ‪ 85‬من نفس القانون التنظيمي عىل ما ييل‪:‬‬
‫"خيتص املجلس بالنظر فيام قد ينسب إىل القايض من إخالل كام هو منصوص عليه يف النظام‬
‫األسايس للقضاة"‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬املعايري املتطلبة من القضاة أنفسهم لتحقيق استقالل القضاء‬

‫‪ .134‬من خالل الرجوع إىل املواثيق الدولية السيام مبادئ األمم املتحدة بشأن استقالل‬
‫العدالة الصادرة بقرار للجمعية العامة لألمم املتحدة ومواثيق دولية أخرى ذات صلة‪ ،‬يتبني لنا أنه‬
‫يتعني لتحقيق املبدأ السالف الذكر إيالء مهام القضاء لذوي النزاهة والتكوين والكفاءة (الفقرة‬
‫‪69‬‬

‫األوىل)‪ ،‬إضافة إىل التزام القضاة بعدم التحيز وااللتزام بالرس املهني والتحفظ (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬رضورة إيالء مهام القضاء لذوي النزاهة والتكوين والكفاءة‬

‫‪ .135‬جيمع املختصون يف الشأن القضائي عىل أنه يستحيل أن نتصور قاضيا مستقال بدون‬
‫كفاءة واحرتافية واقتدار مهني ؛ بل إنه يف ظل التحوالت العميقة والرسيعة التي تعرفها العديد من‬
‫القوانني‪ ،‬فإنه ينبغي استمرارية التكوين الذايت‪ .‬وإدراكا منه بأمهية هذا املبدأ‪ ،‬فإن إعالن بريوت‬
‫للمؤمتر العريب األول للعدالة ‪ ،‬أوىص بأن يكون اختيار القضاة متحررا من التمييز عىل أساس العرق‬
‫واللون واجلنس والدين واللغة واألصل القومي واملركز االجتامعي ومكان الوالدة وامللكية واالنتامء‬

‫‪ 69‬يونس العيايش‪ :‬نزاهة القايض وفق مدونة القيم القضائية؛ جملة القانون املغريب‪ ،‬العدد ‪ -20‬يناير ‪2013‬؛ ص‪.5 :‬‬

‫‪35‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫السيايس أو أي اعتبار آخر‪ ،‬وجيب اتباع مبدأ تساوي الفرص لضامن التقييم املوضوعي جلميع‬
‫املرتشحني ملنصب القضاء ‪.‬‬
‫‪70‬‬

‫األكثر من ذلك‪ ،‬أنه من املبادئ الراسخة لدى فقهاء القضاء‪ ،‬هو أنه ينبغي أن تتحقق يف‬
‫القايض ثالثة خصال حتى يمكن أن يكون يف مركز يسمح له بتجسيد استقالل فعيل يف مهامه‬
‫القضائية الرصفة‪ ،‬وإن كان من النادر اجتامع كل هذه اخلصال يف وقتنا احلايل‪ ،‬بالنظر لعدة أسباب‪،‬‬
‫من بينها املعايري املعتمدة يف طريقة الولوج إىل سلك القضاء‪ ،‬وتتمثل هذه اخلصال يف الكفاءة‪،‬‬
‫والنزاهة‪ ،‬والشجاعة‪.‬‬

‫‪ .136‬وبالرجوع إىل مدونة القيم األخالقية التي أصدرهتا الودادية احلسنية للقضاة‪ ،‬فإن‬
‫املقصود بالكفاءة توفر القايض عىل صناعة تنبثق من احلصول عىل أكرب قدر من املعرفة بالقانون‪،‬‬
‫وبالعمل القضائي‪ ،‬وبعلوم العرص‪ ،‬وبتقنيات املعامالت وأعراف املجتمع‪ ،‬باعتبارها عنرصا أساسيا‬
‫يف املحاكمة العادلة؛ ولتحقيق ذلك عليه‪:‬‬

‫‪ -‬أن يصقل هذه الصناعة بالتتبع اآلين واملستمر لكل القوانني واالجتهادات القضائية؛‬

‫‪ -‬ال يقترص يف تطوير ملكته القانونية‪ ،‬وصناعته القضائية عىل ما هو حميل‪ ،‬بل عليه أن يواكب‬
‫العمل القضائي األجنبي واالتفاقيات الدولية؛‬

‫‪ -‬يتخد اإلجراءات العملية لتطوير معلوماته والرفع منها‪ ،‬ويعمل جاهدا لصقل مؤهالته وكفاءاته؛‬

‫‪ -‬يساهم يف البحوث واملؤلفات وحضور الندوات وإلقاء املحارضات ويف كل األنشطة التي‬
‫من شأهنا إثراء العمل القضائي؛‬

‫‪ -‬يكون ملام بالقراءة املقاصدية للنصوص القانونية؛‬

‫‪ -‬يواكب العمل القضائي ملحكمة النقض‪ ،71‬ويرصد االجتهاد املستقر لديه بشأن القضايا األخالقية؛‬

‫‪ 70‬لقد أكد العديد من املامرسني‪ ،‬عىل أنه ينبغي اختيار القضاة من بني حاميل الشهادات اجلامعية العليا من مستوى دبلوم الدراسات العليا‬
‫امل عمقة أو املتخصصة يف القانون اخلاص أو يف القانون العام أو شهادة املاسرت أو ما يعادهلا عىل األقل‪ ،‬بعدما انترشت كليات احلقوق يف سائر‬
‫ربوع اململكة‪ ،‬وبعدما أصبح عدد حاميل مثل هذه الشهادات وشهادات الدكتوراه يف احلقوق يف تزايد مستمر‪.‬‬
‫حممد حمجويب‪ :‬القانون القضائ ي اخلاص‪ ،‬الكتاب األول‪ :‬املبادئ األساسية وخمتلف أنواع االختصاص القضائي‪ ،‬مطبعة دار القلم‪-‬الطبعة الثانية‬
‫مزيدة ومنقحة‪2007/‬؛ ص‪.54:‬‬

‫‪36‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫‪ -‬يامرس حقه يف التكوين حتى يكون مواكبا للتطورات العلمية والتكنولوجية خاصة ما تعلق‬
‫منها باستعامل املعلوميات واستغالل خدمات الشبكة العنكبوتية؛‬

‫‪ -‬حيرص عىل تطوير مهاراته الشخصية بخصوص الدورات املتخصصة التي يشارك فيها‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التزام القضاة بعدم التحيز وااللتزام بالرس املهني والتحفظ‬

‫‪ .137‬بالنظر ألمهية حياد القايض‪ ،‬فإن الدستور املغريب اجلديد أكد عليه بشكل بارز يف الفقرة‬
‫األوىل من الفصل ‪ 111‬التي جاء فيها بأن للقضاة احلق يف حرية التعبري بام يتالءم مع واجب التحفظ‬
‫واألخالقيات القضائية ؛ كام أكدت عىل هذا املبدأ املادتني ‪ 37‬و‪ 38‬من القانون التنظيمي املتعلق‬ ‫‪72‬‬

‫بالنظام األسايس للقضاة‪ ،‬اللتني سبق لنا التطرق إليهام‪.‬‬


‫‪ .138‬كام أن مدونة القيم األخالقية جعلت من مبدأ التجرد واحلياد أحد أهم القيم التي ينبغي‬
‫عىل القايض االلتزام هبا ‪ ،‬وحددت له جمموعة من الرشوط لتحقيق هذا املبدأ‪ ،‬حيث يتعني عىل‬ ‫‪73‬‬

‫القايض أن‪:‬‬
‫‪ -‬يقوم بأداء واجباته القضائية من غري مفاضلة وال حتيز وال حتامل وال تعصب‪ ،‬بل يؤدهيا‬
‫بام يعزز الثقة يف القضاء؛‬
‫يتفادى كل ما من شأنه أن يثري شبهة سواء يف عالقته مع مساعدي القضاء أو مع‬ ‫‪-‬‬
‫األشخاص املرتددين عىل املحكمة؛‬

‫‪- 71‬غري أن الواقع يثبت عكس ذلك‪ ،‬لكون القايض جيد صعوبة مجة يف االطالع واحلصول عىل قرارات حمكمة النقض غري املنشورة‪.‬‬
‫‪72‬بل إن الفصل ‪ 109‬من الدستور املغريب اعترب عىل أن كل إخالل من القايض بواجب االستقالل والتجرد يعترب خطأ مهنيا جسيام‪ ،‬برصف‬
‫النظر عن املتابعات القضائية املحتملة‪.‬‬
‫‪ 73‬بالنظر ألمهية هذا املبدأ‪ ،‬فإن الرسول عليه الصالة والسالم ركز عليه بشكل كبري‪ ،‬حيث بني العديد من األمور التي ينبغي أن يسلكها القايض‬
‫يف جملس احلكم لتحقيق املساواة بني اخلصوم للوصول إىل احلق والعدل يف احلكم‪.‬‬
‫فمن جهة‪ ،‬بني طريقة جلوس اخلصمني ورضورة التسوية بينهام أثناء الرتافع؛ فقد روي عن عبد اهلل بن الزبري قال قىض رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫وسلم أن اخلصمني يقعدان بني يدي احلاكم‪ .‬وعن أم سلمة أنه روي عن النبي قوله 'من ابتيل بالقضاء بني املسلمني فليعدل يف حلظه ولفظه‬
‫وإشارته ومقعده' ‪ .‬يف نفس السياق‪ ،‬فإن النبي صىل اهلل عليه وسلم هنى عن رفع الصوت عىل أحد اخلصوم دون اآلخر‪ ،‬فقد روي عنه أنه من ابتيل‬
‫بالقضاء بني الناس فال يرفعن صوته عىل أحد ما ال يرفع عىل اآلخر‪ .‬كام أنه من أجل املساواة بينهم‪ ،‬فإنه أوىص عليه السالم برضورة سامع ما‬
‫لدى اخلصوم قبل الفصل يف النزاع‪ ،‬كام يتضح من توصيته لعيل بن أيب طالب حينام واله قضاء اليمن‪ ،‬حيث قال له 'فإذا جلس بني يديك‬
‫اخلصامن فال تقيض حتى تسمع كالم اآلخر‪ ،‬فإنه أحرى أن يتبني لك وجه القضاء'‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬فإن النبي عليه السالم أوىص القايض بأن يكون خال البال وبعيد عن املشاغل‪ ،‬وحذر احلكم يف قضية معينة حلظة غضب‬
‫القايض‪ ،‬ألنه يف مثل هذه األحوال ال يستطيع حتري احلق‪ ،‬لذلك روي عنه صىل اهلل عليه وسلم أنه قال "ال يقيض القايض وهو غضبان"‪.‬‬
‫للتعمق يف هذا املوضوع يمكن الرجوع لرسالة الدكتور سعود بن سعد آل دريب‪ :‬التنظيم القضائي يف اململكة العربية السعودية يف ضوء الرشيعة‬
‫اإلسالمية ونظام السلطة القضائية؛ مرجع سابق؛ ص‪ 132:‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫ال يسمح لعالقاته االجتامعية أو األرسوية أن تؤثر يف سلوكه وأحكامه ومواقفه؛‬ ‫‪-‬‬
‫ال جيهر برأيه أثناء رسيان الدعوى‪ ،‬وال يفصح عن موقفه منها ويمتنع عن إبداء أية‬ ‫‪-‬‬
‫تعليقات من املرجح أن تؤثر يف نتيجتها ولو مل تكن معروضة عليه؛‬
‫‪ -‬ال يديل بأي تعليق أو رأي حول الدعاوى التي نظرها هو أو زمالؤه ما مل يتعلق األمر‬
‫بالبحث العلمي أو التدريب القضائي؛‬
‫‪ -‬ال يكشف عن املعلومات الرسية التي عرفها بمناسبة وظيفته أو يديل هبا إىل الغري أو‬
‫يستخدمها يف أغراض أخرى؛‬
‫ال يشارك يف أي بحث أو نقاش قانوين يتعلق بالنزاع املعروض عليه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ .139‬ويف سبيل تكريس ه ذه املبادئ‪ ،‬فإن مدونة القيم القضائية التي أقرهتا الودادية احلسنية‬
‫للقضاة‪ ،‬ذهبت إىل أن استقالل القايض ال يمكن أن يتحقق إال باحرتام ما ييل‪:‬‬
‫يتعني عىل القايض أن يفرض استقالله عن باقي السلط؛‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬يتعني عليه االبتعاد عن إقامة عالقات غري مالئمة مع السلطتني الترشيعية والتنفيذية‬
‫وعن اخلضوع ألي تأثري منهام‪.‬‬
‫يقوم بمهامه القضائية بفعالية وأمانة‪ ،‬مستقال إزاء زمالئه القضاة عند اختاذه للقرارات‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬يصون مقومات احلياد والتجرد‪ ،‬حفاظا عىل االستقالل املؤسسايت للجهاز القضائي‬
‫والنهوض به‪.‬‬
‫يكون مستقال عن املجتمع قاطبة‪ ،‬وعن أطراف النزاع بصفة خاصة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يمتنع عن االنتامء السيايس‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ .123‬ومل تكتفي الودادية احلسنية للقضاة بإعداد هذه املدونة‪ ،‬بل عملت بتنسيق مع وزارة‬
‫العدل واحلريات واملعهد العايل للقضاء عىل تدريس هذه املدونة لألفواج األخرية‪ ،‬أي ‪ 36‬و‪37‬‬
‫و‪ 38‬و‪ 39‬و‪ 40‬و‪ 41‬و‪ ،42‬من امللحقني القضائيني‪ ،‬وذلك هبدف حتسيس القضاة بدورهم يف‬
‫حتقيق استقالهلم اخلاص‪.‬‬
‫‪ .140‬كام أن القانون التنظيمي رقم ‪ 100.13‬املتعلق باملجلس األعىل للسلطة القضائية نص يف‬
‫الباب الثاين من القسم الرابع منه عىل ما اعتربه محاية استقالل القايض يف املواد من ‪ 103‬إىل ‪107‬؛ حيث‬
‫نص يف األوىل عىل أنه يسهر املجلس عىل ضامن احرتام القيم القضائية والتشبت هبا وإشاعة ثقافة النزاهة‬
‫والتخليق بام يعزز استقالل القضاء‪ ،‬ويتخذ ألجل ذلك كل اإلجراءات التي يراها مناسبة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫املبادئ األساسية للتنظيم القضائي‬

‫يف حني نصت املادة ‪ 99‬من نفس القانون التنظيمي عىل أن املجلس يضع‪ ،‬بعد استشارة‬
‫اجلمعيات املهنية للقضاة‪ ،‬مدونة لألخالقيات القضائية تتضمن القيم واملبادئ والقواعد التي يتعني‬
‫عىل القضاة االلتزام هبا أثناء ممارستهم ملهامهم ومسؤولياهتم القضائية‪ ،‬وذلك من أجل‪:‬‬
‫‪ -‬احلفاظ عىل استقاللية القضاة ومتكينهم من ممارسة مهامهم بكل نزاهة وجترد ومسؤولية؛‬
‫‪ -‬صيانة هيبة اهليئة القضائية التي ينتسبون إليها والتقيد باألخالقيات النبيلة للعمل القضائي‬
‫وااللتزام بحسن تطبيق قواعد سري العدالة؛‬
‫‪ -‬محاية حقوق املتقاضني وسائر مرتفقي القضاء والسهر عىل حسن معاملتهم يف إطار‬
‫االحرتام التام للقانون؛‬
‫‪ -‬تأمني استمرارية مرفق القضاء والعمل عىل ضامن حسن سريه؛‬
‫تنرش مدونة األخالقيات القضائية باجلريدة الرسمية‪.‬‬
‫يشكل املجلس‪ ،‬طبقا ملقتضيات املادة ‪ 52‬من هذا القانون التنظيمي‪ ،‬جلنة لألخالقيات تسهر‬
‫عىل تتبع ومراقبة التزام القضاة باملدونة املذكورة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫عبد الرمحان الرشقاوي‬ ‫فهرس املواد‬

‫‪40‬‬

You might also like