Professional Documents
Culture Documents
أزمة السيولة النقدية في الجزائر
أزمة السيولة النقدية في الجزائر
خطة البحث
2 مقدمة:
1
مقدمة:
عاشت الجزائر خالل األشهر الماضية أزمة حادة تمثلت في نقص السيولة
بمكاتب البريد ،وكذلك على مستوى الوكاالت البنكية ،مما أدى إلى تشكيل
المواطنين لصفوف طويلة أمام تلك المكاتب والوكاالت بعد أن تحولت إلى أزمة
مزمنة ،وقد كانت تلك الظاهرة بالتبعية على حساب االقتصاد الوطني ،إذ أن
أغلبية المواطنين كانوا يشكلون تلك الصفوف في أغلب األوقات أثناء زمن العمل،
مما يعني أن االقتصاد الوطني يتكبد خسائر جسيمة جراء تلك الظاهرة ،ومما زاد
من وطأة تلك األزمة االرتفاع المفاجئ في أسعار بعض المواد األساسية ذات
االستهالك الواسع،
فما هي أسباب تلك األزمة ؟ وكيف نشأت وتطورت ؟ وما هي الحلول المقترحة
لها حماية للمواطن ولالقتصاد الوطني ؟ ،ذلك ما سنحاول اإلجابة عنه
2
بداية األزمة و أسباب نشأتها : .1
تعود البدايات األولى لهذه األزمة إلى العشر األواخر من شهر رمضان المبارك
1442هجري ( الموافق لسنة ) 2020ـ ،حيث يزداد الطلب على السيولة عادة
وبشكل عام ،وذلك بسبب التحضير المصاريف عيد الفطر المبارك والقيام بالتسوق
لشراء متطلبات هذه المناسبة ،وكذا لمواجهة مصاريف أخرى في هذه الفترة
وأهمها تلك الخاصة بالدخول المدرسي واالجتماعي.
إن ظهور هذه المشكلة في نظرنا يعود أساسًا إلى سوء تقدير للطلب على السيولة
في مثل هذه األيام ،حيث أن القائمين على
المؤسسات الموفرة للسيولة لم يحسنوا تقدير الطلب المتوقع خالل تلك الفترة،
والذي كان يتزايد باستمرار كلما اقتربت مناسبة العيد ،مما يعني أن الطلب الذي
لم تتم تلبيته في أي يوم سوف ُيضاف إلى طلب اليوم الذي يليه ،باإلضافة إلى
نسبة الزيادة في الطلب في ذلك اليوم ،وهذا األمر كان يتطلب منذ البداية دراسة
دقيقة وتقديرات صحيحة ،خاصة في ظل تعليمات إلى مسؤولي المؤسسات
المذكورة بعدم تخزين كميات كبيرة من النقود السائلة على مستوى مكاتب البريد
والوكاالت البنكية ألسباب أمنية.
3
تطورات األزمة واألسباب المساعدة على ذلك : .2
كانت أغلبية المحللين في بداية نشوء األزمة يعتقدون أن هذه األزمة سوف تكون
ظرفية أو وقتية ،وبالتالي ال تلبث أن تتالشى مع نقص الطلب على السيولة بعد
مرور مناسبات عيد الفطر المبارك والدخول االجتماعي ،إال أن األزمة ظلت تتفاقم
باستمرار ،وتحولت إلى مشكلة مزمنة ،بل وأخذت منحى آخر ،ومما ساعد على
هذا التطور السلبي لألزمة ما يلي :
إرتفاع أسعار بعض المواد الغذائية األساسية ذات االستهالك الواسع مثل
الزيت و مادة الدقيق ( السميد ) ،مما جعل المواطن بين نارين ،إرتفاع
هذه األسعار من جهة مما أضر كثيرًا بقدرته الشرائية ،والنقص الحاد في
السيولة النقدية في مكاتب البريد والوكاالت البنكية من جهة أخرى ،مما
جعله غير قادر على الوفاء بمتطلبات أسرته المعيشية ،أي بعبارة أخرى
أصبح المواطن بين مطرقة غالء األسعار وسندان نقص السيولة النقدية،
مما أدى إلى انتفاضة شعبية في بعض المدن الجزائرية خالل تلك األيام.
دفع مخلفات الرواتب المتأخرة والزيادات المعتبرة في األجور ،والخاصة
بعمال وموظفي بعض القطاعات التي تشغل أعدادًا كبيرة من اليد العاملة
مع نهاية سنة 2020وبداية سنة ،2021مثل قطاع التربية والتعليم و
الشرطة وأساتذة التعليم العالي الذين شرعوا في دفع مخلفات موظفيه منذ
سنة 2018واستمرت العملية في 2020تلك المخلفات التي كانت مبالغ
كبيرة كان أصحابها سحبها كاملة
إنهيار الثقة في المؤسسات المالية والبريد لدى المواطن ،إذ بعد النقص
الحاد في السيولة النقدية لدى هذه المؤسسات ،أصبح المواطن يفضل
تخزين كميات كبيرة من النقود لديه عوضًا من إيداعها لديها ،خاصة التجار
4
والمقاولين وغيرهم ممن يتعاملون بمبالغ نقدية كبيرة ،ألنهم في حالة
إبداعها ال يمكنهم استرجاعها في الوقت الذي يحتاجونها ،وبما أن البنوك
في االقتصاد مثل القلب في الجسم ،أي يدخل إليه الدم ويخرج منه في
حركة دورية ومستمرة ،أصبحت البنوك تعاني من خروج كبير ومستمر
لألموال دون أن تدخل إليه كميات أخرى مماثلة على األقل ،وكان ذلك سببًا
في تعميق األزمة.
اإلجراءات المتخذة كحل لهذه األزمة ونقدها : .3
قامت السلطات المعنية وفي سبيل توفير حلول عاجلة لهذه األزمة باتخاذ
اإلجراءات اآلتية :
طبع كميات هائلة من النقود القانونية وهذا لتغطية هذا النقص الحاد في
السيولة ،بحيث أصبح توزيع هذه السيولة انطالقًا .من الجزائر العاصمة
على واليات الوطن يتم يوميًا وبالتناوب بين تلك الواليات ،وكل الكميات
الموزعة كان يتم تخصيص نسبة % 80منها لمكاتب البريد ،على أساس
أن أغلبية الموظفين في الجزائر يتم دفع أجورهم عن طريق الحساب
البريدي الجاري.
إن القيام بمثل هذا اإلجراء وإ ن كان يخفف كثيرًا من أزمة السيولة -يعتبر
في نظرنا لجوءًا إلى الحلول السهلة عوض التفكير في الحلول الجذرية
والنهائية لهذه األزمة ،ذلك أن الكميات الكبيرة التي تمت طباعتها سوف
تزيد بالتأكيد من حجم الكتلة النقدية المتداولة يقابلها زيادة حقيقية في حجم
السلع والخدمات المنتجة ،وبالتالي فإن هذا اإلجراء سوف تظهر آثاره على
األجلين القصير والمتوسط في ارتفاع معدالت التضخم الذي تحاول الدولة
كبح جماحه ،وبالنتيجة فإن كل الزيادات في األجور والتي أقرتها الحكومة
في سبيل تحسين القدرة الشرائية للمواطنين وخاصة منهم موظفي القطاع
5
العام سوف تصبح بعد فترة قصيرة غير ذات أهمية ،وستبقى المظاهرات
مستمرة ومطالبة برفع األجور مرة أخرى ،وسيبقى الغليان الشعبي يسود
مختلف القطاعات في ظل اللجوء إلى مثل هذا اإلجراء.
اإلجراء الذي اتخذته الحكومة قبيل اندالع األزمة ،والمتمثل في الزامية
استخدام الشيك التحويل البنكي ،بطاقة الدفع ،االقتطاع من الرصيد ،السند
األمر ،وكل وسيلة دفع كتابية أخرى ،وذلك في كل المعامالت التجارية
والمالية التي تتجاوز قيمتها 200ألف دج ( )20مليون سنتيم ،حاولت أن
تقنع الرأي العام بأنه سيكون أحد الحلول الناجعة لمشكلة نقص السيولة في
الجزائر ،وبالتالي أعلن المسؤولون المعنيون مباشرة بهذه األزمة بأن شهر
أكتوبر 2020سوف يكون بداية الحل لهذه األزمة لكن مع اقتراب موعد
التطبيق لهذا اإلجراء ،قامت السلطات العمومية بالتراجع عن تطبيقه،
وتأجيله إلى أجل غير مسمى ،وذلك تحت ضغط الواقع ،وبالنظر إلى تأثير
السوق الموازي الذي يظل يمثل نسبة كبيرة من التعامالت التجارية
والمالية.
إن أزمة السيولة النقدية التي أضحت تعاني منها الجزائر كظاهرة مزمنة،
تتطلب حلوًال حذرية سواء على المدى القصير ،أو المديين المتوسط والطويل،
وتتمثل تلك الحلول أو اإلجراءات خاصة في:
6
واالئتمان (رقم )10-90 :باسم "جهاز مكافحة إصدار الشيكات بدون رصيد،
إال أن الهاجس األكبر الذي يبقى يمنع المواطنين وخاصة منهم .المتعاملين
االقتصاديين من التعامل بالشيك ،هو انتشار ظاهرة إصدار الشيكات بدون
رصيد ،وبالتالي فإن على التاجر إما أن يطلب من المشتري الدفع بشيك
مصادق عليه ،وهذا يتطلب من المشتري طلب هذا الشيك من البنك ثم
االنتظار بضعة أيام حتى يتم تحضيره ثم إمضاؤه من طرف مدير الوكالة
البنكية التي يتعامل معها ،وهذا مناف لتسريع المعامالت التجارية والمالية،
وإ ما أن يقبل من المشتري الدفع بشيك عادي وهو ال يضمن حقه ،وكثيرًا ما
ينتهي بها األمر إلى الدخول في منازعات قضائية مع ذلك المشتري بسبب
كون الشيك بدون رصيد ،أي هناك انتظار وتضيع للزمن في كال الحالتين،
إضافة إلى المخاطرة في الحالة الثانية.
تستعمل هذه البطاقة خاصة للسحب من أجهزة الصرف اآللي ،وهي محلية
ألنها صالحة فقط في الجزائر ،وتشترك في هذا النظام البنوك العمومية
الجزائرية
لذا يجب على السلطات المعنية أن تتعاون فيما بينها لتفعيل الدفع بهذه البطاقة،
وتحويلها إلى وسيلة دفع يسهل تعامل بها ،خاصة وأن معظم المالكين الحساب
7
بريدي حاري والذين يتجاوز عددهم 15مليون يحوزونها ،إضافة إلى من
يحملها من عمالء البنوك المشتركة في هذا النظام.
ونرى أن أول خطوة في هذا المجال هي إيجاد أماكن القبول العام لهذه
البطاقة ،ويقترح أن تكون البداية بالمؤسسات العمومية االقتصادية ،أي تسديد
فواتير الخدمات بتلك البطاقة في كل من :مؤسسة الكهرباء والغاز مؤسسة
الجزائرية للمياه ،مؤسسة الصاالت الجزائر ،مؤسسة موبيليس ،أو في
مؤسسات تجمع بين الطابع االقتصادي واإلداري مثل مصلحة الضرائب ،على
أن تتوسع العملية بعدها وبطريقة تلقائية إلى مؤسسات القطاع الخاص و
المحالت التجارية
إن القيام بمثل هذه اإلجراءات من شأنه أن يقلل من حجم الطلب على السيولة
النقدية ،ذلك أنه كلما تم استعمال وسائل الدفع الحديثة ،كلما قل حجم النقود
القانونية المتداولة على حساب النقود الخطية أو الكتابية ،إذ من المعلوم أن
حجم النقود القانونية يشكل حاليًا نسبة %80من إجمالي حجم الكتلة النقدية
المتداولة في الجزائر ،في الوقت الذي تشكل فيه هذه النسبة في البلدان المتقدمة
% 20مقابل %80للنقود الخطية أو الكتابية..
8
خاتمة :
يجب االعتراف بأن سوء التقدير للطلب على السيولة في بعض الفترات كان
بداية حقيقية ألزمة مزمنة ظلت تعيشها الجزائر طيلة الشهور الماضية ،والتي
تطورت وتفاقمت على مر األيام والشهور ،ويفعل عوامل أخرى مساعدة ،حتى
وصل األمر إلى انعدام ثقة المواطن في المؤسسات التي تعتبر مصدرًا لتلك
السيولة ،وأهمها مؤسسة بريد الجزائر والوكاالت البنكية ،مما جعل استرجاع
تلك الثقة أمرًا صعبًا على األقل في األجل القصير.
لكن بالمقابل يجب االعتراف أيضًا بأن الحلول التي تمت بها معالجة المشكلة
كانت حلوًال سياسية أكثر منها اقتصادية ،خاصة منها اللجوء إلى الحل األسهل
وهو طبع النقود بكميات كبيرة للحد من المشكلة ،مما سيكون له آثاره السلبية
على المدى القصير والمتوسط وأهمها ارتفاع معدالت التضخم مرة أخرى،
والذي تسعى الدولة إلى محاربته.
لذا البد من تطبيق حلول علمية واقتصادية تعالج المشكلة بشكل جذري ،وأهمها
تهيئة الظروف المالئمة للتعامل بوسائل الدفع الحديثة غير النقود ،كفرض
9
التعامل بالشيك وتفعيل النصوص القانونية التي تحارب إصداره بدون رصيد،
والتي أثبت الواقع العملي أنها بعيدة عن التطبيق ،مما انعكس في العزوف عن
التعامل به من طرف المتعاملين االقتصاديين لعدم شعورهم بالحماية القانونية
الالزمة ،هذا باإلضافة إلى تشجيع التعامل بالبطاقات البنكية ،والذي تسجل فيه
الجزائر تأخرًا رهيبًا مقارنة بالبلدان األخرى ،سواء العربية أو حتى المجاورة.
10