You are on page 1of 180

‫’’نهضة الشركات الناشئة هو أَح د أَّول الُكُتب التي ُتغِّطي هذا الموضوَع المهّم ‪ :‬الريادُّيون الشباب‪ ،‬الذين يشِّكلون‬

‫القَّوة الرئيسَّية في ازدهار مستقَب ل العالم العربِّي وتنمَي ته‘‘‪.‬‬


‫وائل غنيم‪ ،‬مؤِّس س ورئيس مجلس إدارة ’’مؤَّس سة نبضات‘‘‪،‬‬
‫ومؤلِّف كتاب ’’الثورة ‪)Revolution 2.0( ‘‘٢‬‬

‫’’كتاٌب يتمَّتع المرء بقراءته‪ ،‬وهو أَح د الكتب القليلة المنشورة عن الشرق الأوسط المعاصر‪ ،‬والذي ُتعُّد الثورات العربَّية‬
‫مجَّرد مقِّدمٍة عابرة فيه‪ ...‬يشعُر المرُء لدى قراءته بأحاديَث ُوِّد َّية‪ ،‬يتمَّكُن فيها شرودر من أن ينِّبَه الغرَب بشأن ُقصِر‬
‫الَّنظر الذي ُيعانيه‪ ،‬ويقوَد القَّر اء في جولٍة على ريادِّيي العالم العربِّي من العيار الثقيل‪ ،‬ويعرُض كًّم ا هائًل ا من المعلومات‬
‫ضمن فرٍص حقيقَّية‘‘‪.‬‬
‫(‪)wamda.com‬‬ ‫ومضة دوت كوم‬

‫’’نهضة الشركات الناشئة كتاٌب يسرُد فيه شرودر بطريقٍة رائعٍة ما يغيُب عَّنا من أموٍر بينما نتأَّمُل الشرَق الأوسط‪ -‬رغَم‬
‫أَّنها منطقَّيٌة بالفعل؛ فهؤلاء الريادُّيون وُبناُة بيئات الأعمال هم على المسار الصحيح‪ ،‬ولا شَّك أَّنهم سيصَنعون‬
‫تاريًخ ا‘‘‪.‬‬
‫(‪)Marc Andreessen‬‬ ‫مارك أندريسن‬
‫ثورٌة ريادة الأعمال في الشرق الأوسط‬

‫مكتبة الحبر اإللكتروني‬


‫مكتبة العرب الحصرية‬

‫كريستوفر شرودر‬

‫ترجمة‪:‬‬
‫(‪)Tarjama L.L.C‬‬ ‫ترجمة ذ‪.‬م‪.‬م‬
Startup Rising
Copyright © Christopher M. Schroeder, 2013.

All Rights reserved.

®
First Published in English in 2013 by PLAGRAVE MACMILIAN in the U.S.- a division of St. Martin’s Press

LLC, 175 Fifth Avenue, New York, NY 10010.

Arabic Edition Copyright © 2014 by

Jabal Amman Publishers.

All rights reserved. No portion of this book may be reproduced,

stored in a retrieval system or transmitted in any form or by any means – electronic,

mechanical, photocopy, recording or any other – except for brief quotations in printed reviews, without prior

permission of the publisher.

‫نهضة الشركات الناشئة‬


‫م‬٢٠١٤ ‫الطبعة العربية الأولى‬
‫حقوق الطبع محفوظة‬

‫جبل عَّم ان ناشرون‬

‫ الأردن‬،١١١٨١ ‫ عمان‬،٣٠٦٢ .‫ب‬.‫ص‬


+٩٦٢ ٦ ٤٦٤٥٥٥٩ :‫هاتف‬
Email: info@JAPublishers.com

www.JAPublishers.com

١١٤٤/٣/٢٠١٤ :‫رقم الإ يداع‬

ISBN 978-99-57-539-19-1

،‫ أو تخزينه في نطاق استعادة المعلومات أو نقلها‬،‫ أو أي جزء منه‬،‫ لا يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب‬،‫جميع الحقوق محفوظة‬
.‫ دون إذن خطي مسبق من الناشر‬،‫أو استنساخه بأي شكل من الأشكال‬
‫إهداء‬
‫إلى الريادِّيين الذين يسَع ون إلى الُّنهوض بابتكاراتهم‪،‬‬
‫و إلى مرشديهم الذين يوِّج هوَنهم إلى المسار الصحيح‪.‬‬
‫إلى كِّل مستثمٍر يحِّف ُز الشركات الناشئة‪ ،‬و إلى كِّل ريادٍّي‬
‫سعى إلى بناء بيئات الأعمال لاحتضان الشركات‪.‬‬
‫إلى كِّل َم ن يدعُم هم في أِّي مكاٍن وزمان‪.‬‬

‫(‪)Ben‬‬ ‫إلى جاك (‪ )Jack‬وجوليا (‪ )Julia‬وبن‬


‫الذين سُيسهمون بطرقهم الخاَّص ة في تغيير العالم يوًم ا ما‪.‬‬
‫الفهرس‬

‫تقديم ‪٩‬‬
‫الفصل الأَّول الاحتفاُل بريادة الأعمال ‪١٥‬‬
‫الفصل الثاني تخِّطي العوائق‪’’ -‬الريادة‪ ،‬ليست جديدة على الشرق الأوسط‘‘ ‪٤١‬‬
‫الفصل الثالث الجيُل الجديد ‪٦٥‬‬
‫الفصل الرابع قفزٌة َنوعَّية ‪١٠١‬‬
‫الفصل الخامس ُبناُة بيئات الأعمال ‪١٣٧‬‬
‫الفصل السادس الشركات الناشئة‪ /‬التحُّول‪ -‬تعليُم الجيل الجديد ‪١٧٣‬‬
‫الفصل السابع الشرق الأوسط الجديد‪/‬المرأة على عرش قيادة الشركات الناشئة ‪٢٠٥‬‬
‫الفصل الثامن الِّديُن وَد وره في بيئات الأعمال الريادَّية ‪٢٣٥‬‬
‫الفصل التاسع العنصُر الأهُّم هو الوقت‪ ،‬وليس نسبَة النجاح ‪٢٥٥‬‬
‫الملاحظات ‪٢٧٥‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع والدراسات ‪٢٧٩‬‬
‫شكر وعرفان ‪٢٨٦‬‬
‫تقديم‬

‫أتمَّنى بالَّتأكيد أن يكوَن شرودر محًّقا‪ ،‬وهو في حقيقة الأمر ُم ِح ٌّق في أمور كثيرة؛ إذ يرى أَّنه في أقَّل من َع ْق ٍد من الزمن‪،‬‬
‫صاَرِت البرمجَّيات هي السائدة في مجال الأعمال‪ ،‬وفي ُوسعنا أن نرى مدى الـتأثير الذي أحدَثه استخداُم ها في العديد من‬
‫جوانب الاقتصاد العالمّي ‪ .‬فشركاٌت عديدة مثل غوغل (‪ ،)Google‬وفيسبوك (‪ )Facebook‬التي أنا عضٌو في مجلس إدارتها‪،‬‬
‫وتويتر (‪ ،)Twitter‬وإير بي أن بي (‪ )Airbnb‬وپنترست (‪ -)Pinterest‬والتي تعتمد هذه البرمجَّيات بوصفها أساًس ا في عملها‪-‬‬
‫عززت التواصَل البشرّي ‪ ،‬ويَّس َرِت الُوصوَل إلى المعرفة‪ ،‬وأَّدْت إلى ظهور نماذَج أعماٍل جديدٍة لم تكن معروفًة قبل ُوجوِد تلك‬
‫الوسائل‪.‬‬
‫وقد أَّثَرِت الشركاُت الناشئُة المعتمدة على البرمجَّيات في عملها (‪ -)Software-Powered Startups‬في معظم مجالات‬
‫الاستهلاك التقليدَّية التي يمارُس ها العملاُء من شراء الكتب إلى تنزيل الموسيقى والتعامل مع مكاتب الطيران ومراكز الألعاب‬
‫والترفيه والڤيديو والتسُّوق والاِّتصالات الهاتفَّية وما إلى ذلك‪.‬‬
‫وهذا جزٌء بسيط من الحقيقة‪ ،‬أَّم ا الحقيقة الكاملة فهي أَّن معظم الشركات تقريًب ا صارت‪ ،‬وبصورٍة ما‪ ،‬شركاِت برمجَّيات‬
‫لما تقِّد ُم ه من خدماٍت معتمدٍة على التكنولوجيا الحديثة‪ .‬وهذا ما تراه في لوحة القيادة في سَّيارتك‪ ،‬وطريقة عمل‬
‫المحِّركات في العصر الحديث‪ ،‬والتطُّور الذي أتاَح لنا استخداَم الخدمات المصرفَّية عبر الإ نترنت بأمان‪ .‬ولو توَّقفَت قليًل ا‬
‫لتفِّكَر في الطريقة المبتكرة لشراء القهوة عبر بطاقة الائتمان؛ أو في دفع تكاليف تعبئة سَّيارتك بالوقود‪ ،‬أو دفع قيمة مشترياتك‬
‫في وول مارت (‪ ،)Wal-Mart‬فإَّنك ستصُل إلى نتيجٍة قاطعة وهي أَّن الابتكار في مجال البرمجَّيات أفسَح المجاَل للارتقاء‬
‫بالخدمات إلى هذا المستوى‪.‬‬
‫في عام ‪٢٠١١‬م‪ ،‬كَتْب ُت في صحيفة وول ستريت (‪ )Wall Street Journal‬مقالًة ذكرُت فيها أَّن ’’البرمجَّيات بدأت تسيطُر‬
‫على العالم‘‘‪ ،‬وفي عصرنا هذا نرى إقباًل ا أكبَر على البرمجَّيات مقارنًة بذلك الوقت‪ .‬فالشركاُت التقليدَّية مثل كوداك (‪)Kodak‬‬

‫وبوردرز (‪ )Borders‬والتي لا يتجاَو ُز تفاُع ُلها مع عالم البرمجَّيات سوى الإ طراء على تلك الابتكارات‪ -‬وفي بعض الحالات‬
‫تجاهلها تماًم ا‪ -‬تبذُل اليوَم جهوًد ا كبيرًة للُّص مود ومواَص لِة بقائها في الوقت الحاضر‪ ،‬وعلى المدى القريب لا البعيد‪.‬‬
‫إَّن شرودر محٌّق أيًض ا في تسليط الَّض وء على القوى الثلاثة التي تقوُد الابتكار التكنولوجّي ‪ ،‬والتي تنطلُق من دوٍل ومناطَق‬
‫في العالم لا يمكن لنا توُّقعها‪ ،‬وهو مِح ٌّق أيًض ا في َقوله إَّن جيًل ا جديًدا من الريادِّيين يرى ما يلي أمًر ا مسَّلًم ا به ولا جداَل‬
‫فيه‪:‬‬
‫توِّفر التكنولوجيا مسَتوياٍت عاليًة من الشفافية والتواصل‪ ،‬كما تسِّه ل الُوصوَل إلى رؤوس الأموال والأسواق بتكلفٍة منخفضة‪.‬‬
‫بعد مرور عقَدين على الاستثمار في الأسواق الناشئة‪ ،‬صار هناك إقدام على الاستثمار في رأس المال محِّلًّيا ودولًّيا نتيجَة‬
‫َفْه م تباُيناِت الأسواق المحِّلَّية وممِّيزاتها‪ ،‬وذلك رغم الأخطار الناجمة عن حالة عدم الاستقرار السياسِّي التي تعُّم المنطقة‪.‬‬
‫مع تزايد الُوصول إلى التكنولوجيا‪ ،‬ما تزاُل هناك أسواٌق استهلاكَّيٌة ومجالاُت أعماٍل جديدٌة وكبيرٌة غيُر ُم ستغَّلٍة بعُد‪ ،‬في‬
‫حاجٍة إلى حلوٍل برمجَّية أكبر وأكثر تعقيًدا‪.‬‬
‫وأوُّد أن ُأضيَف قَّو ًة رابعًة إلى تلك القوى الثلاث التي رَّكَز عليها شرودر‪ :‬أَّنه وبعد عشرين عاًم ا من العمل الجاِّد الذي قام‬
‫به العديُد من أصحاب المواهب‪ ،‬صارت التقنَّيات المطلوبة لَتحويل َع َم ِل القطاعات إلى أنظمٍة برمجَّيٍة ُم طَّبقة‪ ،‬ويمكن أيًض ا‬
‫استخدامها على مستوى عالمّي ‪ .‬وهذه هي البداية فقط‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬أعتقُد أَّنه وخلال َع ْق ٍد من الَّزمان‪ ،‬سيبلُغ عَد ُد‬
‫مسَتخِد مي الهواتف الذكَّية في العالم خمسَة ملياراِت مستخدم‪ ،‬وتتمَّيُز هذه الهواتف بسعٍة مكافئٍة لجهاز الحاسوب‬
‫العملاق‪ ،‬وسُتمِّكُن جميَع المستخدمين من الحصول على الإ نترنت ذي السرعِة الفائقة في أٍّي زماٍن ومكان‪ .‬لقد أشاَر‬
‫شرودر إلى أَّن بعَض الخبراء يتوَّقعون زيادَة معَّد ِل انتشار الهواتف الذكَّية في الشرق الأوسط خلال السنوات الثلاث إلى‬
‫الخمس المقبلة بنسبة ‪ .٪٥٠‬ويمكُن للمرء أن يتصَّوَر ما يمكُن أن َينُتَج عن هذا الانتشار من حلوٍل فَّع الٍة للمشكلات وَخ ْلِق‬
‫َفرِص جديدٍة‪.‬‬
‫وشرودر على َح ٍّق في َطْرِح ه أَّننا في سيليكون ڤالي (‪ ،)Silicon Valley‬نفِرُط في التركيز على احتياجاتنا وأفكارنا فقط بمعزل‬
‫عن الآخرين‪ .‬فليس هناك أدنى شٍّك من تأثير التواصل وتكوين العلاقات ما بين أصحاب المواهب‪ -‬فالريادُّيون العالمُّيون‪،‬‬
‫والمهندسون‪ ،‬والموهوبون‪ ،‬يسَع ون جميًع ا لأن يكونوا على صلة مع الأفضل والأكثر تمُّيًز ا‪ -‬وهذه العوامل جعَلْت من سيليكون‬
‫ڤالي مكاًنا فريًدا في تاريخ الابتكار العالمّي ‪ .‬ورَّبما يكون التُّص ور التاريخُّي السائد نحو الأسواق النامية والناشئة تصُّوًر ا ضِّيًقا؛‬
‫إذ كانت ُتعُّد أماكَن لَب يع منتجاتنا وخدماتنا‪ ،‬أو أَّنها أسواق للَّتعهيد والاستعانة بموارَد قليلة التكلفة نسبًّيا‪ .‬وإذا كان كُّل ما‬
‫سردُته هنا صحيًح ا‪ ،‬فإَّن الإ بداَع سينطلُق من ُد َو ٍل ومدٍن لا يمكُن التنُّبؤ بها‪ ،‬نتيجَة حصول المواهب الموجودة في هذه‬
‫المناطق على فرصِة الُوصول إلى التكنولوجيا والبرمجَّيات‪ .‬وتؤِّكُد الأحداث التاريخَّية أَّننا كَّنا نحفُز دائًم ا التركيَز على هذه‬
‫المواهب ومحاَو لَة استقطابها إلى سيليكون ڤالي‪ ،‬وهذا هو السبب الرئيسُّي في تأييدي لتشجيع الريادِّيين الشباب الذين لديهم‬
‫تأشيرة (‪ ،)H-1B Visa‬وهي التأشيرة التي تسَمُح بالعمل في الولايات المَّتحدة‪ .‬إَّلا أَّننا نحتاُج إلى التفكير بشكٍل مختلف‪،‬‬
‫إذا رِغ َب ْت هذه المواهُب في البقاء في أوطانها‪ ،‬وتحقيق الابتكار هناك‪.‬‬
‫والسؤاُّل الأساسُّي في رأيي هو ما إذا كاَنْت لدى أصحاب المواهب من الريادِّيين في الشرق الأوسط القدرُة على الابتكار‬
‫والتوُّس ع في الأنظمة والبرمجَّيات إقليمًّيا‪ ،‬والمنافسة على المستوى العالمّي ‪ .‬وهذا سؤاٌل أساسٌّي يساوي مليارات الدولارات‪،‬‬
‫وفي مرحلة ما قد يساوي تريليون دولار‪.‬‬
‫إَّن قصَص أصحاب الأعمال الريادَّية والأفكار العظيمة التي َيِص ُفها شرودر في كتابه هي حًّقا ُم لهمة‪ ،‬وأعتقُد أَّن في‬
‫ُوسعها تغييَر قواعد اللعبة أيًض ا‪ .‬يرِّكُز الريادُّيون في الشرق الأوسط على تأسيس شركاٍت ناشئٍة في قطاع التعليم‪ ،‬والحِّد من‬
‫الجريمة‪ ،‬وإدارة المرور‪ ،‬وإعادة التدوير‪ ،‬والطاقة المتجِّددة‪ ،‬والصَّح ة‪ ،‬والترفيه وغيرها من الحلول الفَّع الة لمواَج هة التحِّديات‬
‫الصعبة‪ ،‬ولإ يجاد الفرص الجديدة التي يمكُن أن تغِّير المجتمعات وتؤِّثر في العالم‪ .‬فهل في ُوسعهم أن يؤِّثروا في العالم؟ لا‬
‫سَّيما أَّن هذه الشريحَة التي تحاَوَر معها تملُك تجارَب فريدًة من َنوعها من خلال مشاريعها التي قاَم ْت في المنطقة‪ ،‬وتبَّنت‬
‫برامَج اسُتْخ ِد َم ت عالمًّيا في مجالات الهاتف النَّقال‪ ،‬ووسائل التواصل الاجتماعّي ‪ ،‬والطاقة الشمسَّية‪.‬‬
‫إَّن الثقافَة وبيئات الأعمال هي الركيزُة الأساسَّيُة لكِّل شيء‪ ،‬وقد يواجُه أصحاُب هذه الأعمال بعض المعِّوقات التي تحُّد‬
‫من تقُّدمهم‪ .‬فهناك عدٌد من الحكومات والمؤَّس سات التعليمَّية في الشرق الأوسط تَّتخُذ قراراٍت صارمًة ‪ ،‬وهناك نداءاٌت ِج ِّد َّيٌة‬
‫لاِّتخاذ توُّج ٍه لَتغيير البنية التحتَّية على نطاق واسع وسريع للحِّد من مثل تلك القيود‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬مع زيادة القيود على‬
‫الإ نترنت في المنطقة مؤَّخ ًر ا‪ ،‬فإَّن الحكومات‪ ،‬وكما أشار المؤِّلُف ‪ُ ،‬تعيُق ليس فقط التواصل بشفافَّية‪ ،‬بل أيًض ا تأسيس منَّص ِة‬
‫النمِّو الاقتصادِّي الذي يحفُز تحقيَق النجاحات للُّدوِل في العقود المقبلة‪.‬‬
‫ويستعرُض شرودر أَّن بيئات الأعمال للَّش ركات الريادَّية في المنطقة تقوُم على َنْه ج من القاع إلى القَّم ة (‪،)Bottoms up‬‬
‫وبَتمكيٍن من البرمجَّيات‪ .‬ما أزاُل أتذَّكُر إحدى العبارات التي قالها أَح ُد الريادِّيين المعروفين في المنطقة‪ :‬ليس هناك‬
‫’’واسطة’’‪ ،‬أو تفضيل لأصحاب النفوذ‪ ،‬لدى استخدام الإ نترنت وَد ْفع عجلة الحياة‪ ،‬فقد تمَّكُن الكثيرون من البحث‬
‫والحصول على تعليٍم جِّيد‪ ،‬ومن َثَّم البحث عن وظيفة‪ ،‬من خلال الإ نترنت‪ .‬وقد رَّدَد المدير الإ قليمُّي الجديد لشركة لنكدإن‬
‫(‪ )LinkedIn‬عباراٍت تحمُل هذا المعنى نفَس ه حين قال إَّن المنَّص ات التي تشبه لنكدإن‪ ،‬ترِّكُز في طريقة أدائها على التواصل‬
‫ِط‬
‫الشَّفاف‪ ،‬وَر ْب الباحثين عن عمل وفَق مهاراتهم الحقيقَّية وأدائهم‪ .‬إَّن ملاييَن الأفراد يستخدمون وسائَل التواصل الاجتماعِّي‬
‫المختلفة‪ ،‬وموقع يوتيوب (‪ )YouTube‬والمئات من الأعمال الناشئة الُأخرى للُّنهوض بحياتهم وتحسين أحوالهم المعيشَّية‪.‬‬
‫فعلى الأرجح‪ ،‬سَي بني هذا الجيُل نماذَج اقتصادَّيًة جديدًة ناجحة‪ ،‬رغم التحِّديات الناجمة عن إهمال الأنظمة السياسَّية‬
‫والمؤَّس سَّية‪.‬‬
‫ُتَع ُّد التركيبُة السَّكانَّيُة في الشرق الأوسط مؤِّش ًر ا مهًّم ا إلى الَع ديد من الأحداث التي تحصُل فيه‪ ،‬ويمكن أن ننظَر إليها‬
‫بوصفه سلاًح ا ذا حَّدين‪ .‬إذ تشيُر التركيبُة السَّكانَّيُة إلى أَّن عدًد ا كبيًر ا من السَّكان يدُخ لون مرحلَة الشباب‪ ،‬وهذا يعني وجوَد‬
‫كٍّم غيِر َم سبوٍق من المواهب الجديدة تنخرُط في الإ بداع والابتكار‪ .‬ولا يمكُن لَنماذج الأعمال والوظائف التقليدَّية أن‬
‫َتسَتوعَب هذه الأعداد‪ ،‬لذا لا بَّد من ُوجود الشركاِت الريادَّية بَوصفها جزًءا من الحِّل الذي يشِّكُل ملاًذا لهذه المواهب‪.‬‬
‫وهذا التحِّدي أفضُل بكثيٍر من التحِّدي الناتج عن انخفاض عدِد الشباب في بعض الدول والمجتمعات‪ ،‬ولكْن يجب على‬
‫هذه المجتمعات احتضان الفكر الريادِّي والإ بداع‪ .‬أَّم ا إذا ُأهِم َلت تلك المواهب‪ ،‬فرَّبما تكوُن العواقُب وخيمًة وتنعكُس سلًب ا‬
‫على الأجيال الَّل احقة‪ .‬وبُطرٍق مختلفة‪ ،‬تَّتجُه الأسواُق الناشئُة نحو اِّتخاِذ قراراٍت وتوُّج هاٍت محَّددة حول ما إذا كانت ستتبَّنى‬
‫المفاهيَم الجديدَة السائدة في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬أو أَّنها سَتحَتمي خلف أعذاِر ’’الفرص الضائعة‘‘ التي كانت ترِّدُد ه في‬
‫القرن العشرين‪.‬‬
‫وأعتقد أَّنه في حال كان توُّج ه الحكومات في الشرق الأوسط إهماُل تلك المواهب‪ ،‬فإَّن هذه قد تكوُن أنباًء ساَّر ًة لأمثالي‬
‫في سيليكون ڤالي‪ .‬وكما يشير شرودر‪ ،‬لم يسِّج ِل التاريُخ عدًد ا من المواهب القادرة على التنُّقل من منطقٍة إلى أخرى أكثَر‬
‫من هذا الوقت‪ .‬إَّننا نرِّح ُب دائًم ا بالريادِّيين الذين يسَع ون َد وًم ا إلى ابتكاٍر غير مسبوق‪.‬‬
‫ولكَّن هناك فرصًة فريدًة للمجتمعات التي تتبَّنى تلك المواهب وتدعُم ها‪ .‬ففي كتاب ’’نهضة الشركات الناشئة‘‘‪ ،‬يسرُد‬
‫شرودر بطريقٍة رائعٍة ما يغيُب عَّنا من أموٍر بينما نتأَّمُل الشرَق الأوسط‪ -‬رغَم أَّنها منطقَّيٌة بالفعل؛ فهؤلاء الريادُّيون وُبناُة بيئات‬
‫الأعمال هم على المسار الصحيح‪ ،‬ولا شَّك أَّنهم سيصَنعون تاريًخ ا‪.‬‬
‫(‪)Marc Andreessen‬‬ ‫مارك أندريسن‬
‫بالو ألتو (‪ ،)Palo Alto‬كاليفورنيا (‪٢٠١٣ ،)California‬م‬
‫الفصل الأَّول‬

‫الاحتفاُل بريادة الأعمال‬

‫جلسُت أنتظُر في غرفِة اجتماعاٍت صغيرة تظهُر على وجهي علامات التعب من السفر‪ ،‬بينما كنُت أراقُب الشمَس وهي تميُل‬
‫نحو الُأِفق الغربّي ‪ .‬كانت تلك رحلتي الأولى إلى الشرق الأوسط بعد أكثر من عقٍد من الزمن‪ ،‬وقد نسيُت أَّن درجَة الحرارة‬
‫مرتفعٌة حَّتى في تشرين الثاني‪/‬نوڤمبر‪ ،‬ففي آخر مَّرة زرُت فيها المنطقة‪ ،‬كنُت سائًح ا في القاهرة أتأَّمُل ما ترَك ْته العصوُر‬
‫القديمة من آثاٍر تجَّلْت في َع َظمة الأهرامات ومقَتَنياِت المتاحف الثمينة‪ .‬وها أنا الآن أزوُر المنطقَة ثانيًة لحضور أَّول فعالَّية‬
‫في دبي‪ ،‬تجمُع أصحاَب الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا‪ ،‬وجئت بصفتي ريادًّيا وأحَد المستثمرين في مجال‬
‫الإ نترنت‪ ،‬وعضَو مجلس إدارة‪ .‬لقد أثارْت هذه المدينُة إعجابي بمبانيها الشاهقة والأبراج التي تضُّم شركاٍت ومؤَّس ساِت‬
‫أعماٍل مختلفة‪ ،‬وهي التي كان الحديُث بشأنها خلال زيارتي السابقة إلى دبي أشَب َه بالُح ُلم لأِّي مهندٍس معمارّي ‪ .‬ومع هذه‬
‫المعالم‪ ،‬لم يبَق ما هو مألوٌف في هذه المدينة سوى الحرارة الشديدة‪ .‬ورَّبما لا بَّد لي أن أعترَف أَّن مفهومي عن الشرق‬
‫الأوسط كان قد تغَّير كِّلًّيا في نهاية المؤتمر‪.‬‬
‫تقَّدمْت باِّتجاه المكان الذي أجلُس فيه شاَّبة ترتدي عباءَتها التقليدَّية‪ ،‬حيُث لا يظهُر إَّلا وجُه ها وكَّفيها‪ ،‬واَّتخذْت‬
‫مقعدها بجواري‪ .‬عَّرفتني إلى نفِس ها بثقٍة واعتزاز‪ ،‬قائلًة إَّنها طالبٌة جامعَّيٌة في السعودَّية‪ ،‬و إَّنها‪ -‬بينما ما تزاُل طالبًة ‪ -‬صَّم مْت‬
‫حافظًة جلدَّيًة فاخرًة مزَّودًة ببطارَّيِة شحٍن صغيرٍة للأجهزة النَّقالة على مختلف أنواعها من هواتَف ذكَّيٍة وأجهزٍة لوحَّية‪ ،‬ثَّم‬
‫سأَلْتني إْن كنُت أظُّن أَّن هذه الحافظة فكرٌة تجارَّيٌة جِّيدة‪.‬‬
‫لقد أتاَح ْت لي مسيرتي العملَّية الاستماَع إلى العديد من الأفكار الجديدة‪ ،‬والنظر في العروض الاستثمارَّية‪ ،‬وَتلِبَي ة دعواِت‬
‫كثيرين لَتقديم الإ رشاد والتوجيه‪ ،‬ولا أجُد ما يبَع ُث الحماسَة في ذاتي أكثر من لقاء أولئك الذين يبدأون مشواَرهم العملَّي من‬
‫نقطة الصفر رغم الأحوال المعاكسة التي تحيُط بهم‪ ،‬كما أشعر بالإ طراء والفخر لمساهمتي في دعم أصحاب الشركات‬
‫الريادَّية في خطواتهم الأَّولَّية‪ ،‬من خلال خبرتي التي تناهُز نحو عقَدين من الزمان‪ .‬ولكِّني شعرُت خلال تجِربتي الأولى في‬
‫الشرق الأوسط‪ ،‬وفي هذا اليوم من العام ‪٢٠١٠‬م أَّن الَّتوجيَه والإ رشاد يختلُف تماًم ا في هذه البقعة من العالم‪.‬‬
‫طرحُت على سائلتي بعَض الأسئلة حول َم نشأ فكرتها قبل إعطائها إجابًة وافية‪ ،‬ثَّم أطلقُت بعَض الكلمات لَتشجيعها على‬
‫تحقيق ُح ُلمها‪ .‬أومأْت برأِس ها تعبيًر ا عن الموافقة‪ ،‬ورَّدْت بَتَم ْلُم ٍل واضح‪’’ :‬شكًر ا لك‪ .‬كان ذلك مفيًدا‘‘؛ وأضاَفِت الَقول‪:‬‬
‫’’رَّبما يجب أن أكوَن أكثر دَّقة‪ .‬لدَّي طلُب شراٍء مسَّبٌق لشراء ألِف َو حدة‪ ،‬وقد أبدى أربعُة مصِّنعين من ذوي التكلفة‬
‫المنخفضة في الصين رغبتهم في العمل معي؛ وهنا تكمُن المعضلة‪ .‬فأنا لا أملُك الثقة للَّتعاُم ل مع موِّردين في منطقٍة بعيدة‪.‬‬
‫هل ُأجازف بَتصنيع فكرتي مع أشخاٍص لا أعرُفهم جِّيًدا‪ ،‬أم علَّي أن أجَمَع المبلَغ اللازَم لشراء المعَّدات للَّتصنيع المحِّلّي ‪،‬‬
‫والذي ُيقَّدر بنحو ‪ ٤٥.٠٠٠‬دولار‪ ،‬وأوِّظَف بعَدها فتاًة أعرُفها لإ دارة عملَّية الإ نتاج؟‘‘‪.‬‬

‫َّل‬
‫ُذ ِه لُت من حديث تلك الشاَّبة السعودَّية‪ ،‬صاحبة شركة ريادَّية إبداعَّية في مجال التكنولوجيا‪ ،‬تتطَّلع إلى توسيع نطاِق‬
‫أعمالها على مستًوى عالمّي ‪ ،‬وهذا ليس بالفكر الذي كنُت أتوَّقُع ه في الشرق الأوسط‪ ،‬وهو فكٌر لا يمِّثُل الشرَق الأوسط‬
‫الذي عرَفه زملائي أو أكثر رجال الأعمال تمُّرًس ا وخبرة‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬عندما سردُت تلك القَّص ة واصًفا هذه الشاَّبة‪ ،‬أثاَر ذلك‬
‫تعُّج َب بعِض أصدقائي مَّم ن يتحَّفظون بشأن إبداء رأيهم في منطقة الشرق الأوسط‪.‬‬
‫كان أَح ُد أصحاب الشركات الريادَّية‪ ،‬وهو مؤِّس س شركٍة للُّرسوم المتحِّركة في سورية‪ ،‬يتابُع حديثي مع الشاَّبة‪ ،‬وقد رأى‬
‫هذا الشاُّب ‪ -‬الذي ُيشبُه إلى حٍّد كبيٍر الممِّثل ليوناردو دي كاپريو (‪ -)Leonardo DiCaprio‬ملامح الَّدهشة والإ عجاب على‬
‫وجهي‪ ،‬فغمَزني وقاَل مبتسًم ا‪’’ :‬هذا المكان يعُّج بالكثير‪ ،‬أليس كذلك سِّيدي؟‘‘‪ ...‬بالتأكيد!‬
‫لقد حضرُت هذه الفعالَّية في دبي؛ لأِّني صاحُب ِفكٍر ريادٍّي ناجح‪ ،‬ومستثمٌر ناجٌح في العديد من الشركات الناشئة‪.‬‬
‫وقد اضطلعُت بمسؤولَّياٍت مختلفٍة في مناصَب عَّدة‪ :‬كنُت الرئيس أحياًنا‪ ،‬وعضَو مجلس الإ دارة في أحياٍن ُأخرى؛ الموِّجَه‬
‫أحياًنا بل حَّتى المرشَد النفسَّي في أحياٍن أخرى‪ُ .‬أدرُك تماًم ا شعوَر الإ ثارة والفرح الذي يجتاُح المرَء عندما يرى العَم لاء‬
‫ُيقِبلون على ُم نَتٍج جديد‪ ،‬كما ُأدرُك حالَة القلق التي ُتصيُب المرَء َخ وًفا من ارتكاِب خطأ بسيٍط قد يكِّلُفه تسريَح موِّظفيه‪.‬‬
‫وعندما أتحَّدُث إلى فئة الشباب من أصحاب الفكر الريادِّي مَّم ن يغمُرهم شعوُر الحماسة نحو التكنولوجيا وشبكة الإ نترنت‪،‬‬
‫أشعُر كأِّني أتحَّدُث إلى أخي؛ فأنا أعرُف ما هم ُم قِبلون عليه‪ ،‬وأحِّييهم على حماستهم‪ ،‬وتحضُرني فكرُة صاحِب الفكر‬
‫الاستثمارِّي العملاق مارك أندريسن‪ ،‬مؤِّس س شركة نتسكيپ (‪ )Netscape‬الذي قال لي في بدايِة أَح ِد شركاتي إَّن الحياَة‬
‫تقوُم على الِخ يارات الجريئة‪ :‬شعوٌر عارٌم بالحماسة‪ ،‬وفي الوقت ذاته شعوٌر بالقلق والخوف من الفشل‪.‬‬
‫إَّن حضوري هذه الفعالَّية في دبي كان تجِربًة فريدة‪ .‬في الولايات المَّتحدة‪ ،‬غالًب ا ما ُأسَأل عن سبب اهتمامي بالشرق‬
‫الأوسط‪ .‬وعادًة ما ُأجيب بشكٍل غير واضح ومحِّير‪ ،‬قائًل ا‪’’ :‬ولَم لا؟‘‘‪ .‬من الصعب حًّقا أن تجَد في العالم مثل هاَتين‬
‫المنطقَتين‪ ،‬الشرق الأوسط والولايات المَّتحدة‪ ،‬التي ساهَم ِت الحاجاُت والضغوطاُت وسوُء التفاهم والأخطاء في التأثير فيها‬
‫وتحديد َم صيرها‪ .‬أذكُر أِّني عندما كنُت شاًّبا‪ ،‬كَّنا ننظُر إلى الشرق الأوسط‪ ،‬وما يحَتضُنه من تاريٍخ وثقافات‪ ،‬في إطار‬
‫يتمحوُر حول الصراع العربِّي الإ سرائيلِّي أو الثورة الإ يرانَّية‪ .‬وفي أثناء دراستي الجامعَّية‪ ،‬كان زميلي الذي يشارُكني الغرفة يتمَّتُع‬
‫بذكاٍء فائق‪ ،‬وقد فَّر آنذاك من لبنان برفقِة عائلته على خلفَّية الحرب الأهلَّية التي مَّزقِت البلاد حينها‪ .‬وفي أثناء جلساتنا‬
‫الليلَّية التي كَّنا نتطَّرق خلالها إلى الشرق الأوسط‪ ،‬كان هذا الشاُّب يجُد المتعَة في أن يوضَح لزملاء الدراسة الفروقاِت ما‬
‫بين المناطق المختلفة في هذه البقعة من العالم‪ ،‬وكيف تنظُر الشعوُب إلينا هناك‪ .‬وفي إحدى تلك الليالي‪ ،‬التفَت إليه أَح ُد‬
‫الزملاء‪ ،‬وكأَّن الغرَب غير مسؤوٍل عن التحِّديات التي تواِج ُه ها المنطقة‪ ،‬قائًل ا‪’’ :‬ليس هناك أمٌر ُيرجى‪ .‬يجب علينا أن نبنَي‬
‫جداًر ا حول هذه المنطقة‪ ،‬ونترَك ُكم لمحاولة حِّل مشكلاِتكم بأنفسكم‘‘‪ .‬ساَد المكاَن صمٌت أشبه بالإ حراج‪ ،‬إَّلا أَّن أًّيا مَّنا‬
‫لم يملْك فكرًة أذكى نقِّد ُم ها إلى صديقنا الساخط على الوضع‪.‬‬
‫في العقود الَّل احقة‪ ،‬صاَر ارتباُط أميركا الاستراتيجُّي والاقتصادُّي بمنطقة الشرق الأوسط ارتباًطا أقوى‪ .‬وازداَد ْت حَّدُة التوُّتر‬
‫والاضطراب لَتبُلَغ ذرَو َتها في أعقاب الهجوم الوحشِّي في ‪ ١١‬أيلول‪/‬سپتمبر‪ ،‬وقد كنُت في ذلك الوقت قد توَّليُت منصًب ا إدارًّيا‬
‫يتطَّلُب السفر‪ .‬لقد أدركُت حينها أَّن الانخراط في العمل والسعي إلى حِّل النزاعات في أِّي مكاٍن يتطَّلُب مراعاَة الفروقات‬
‫سواٌء كانت كبيرًة أم صغيرة‪ ،‬وأَّن أفضَل الحلول وأكثَرها ابتكاًر ا من النادر أن تكوَن مناسبًة للجميع‪ -‬فهي لا بَّد أن تكوَن على‬
‫حساِب أَح ِد هم‪ .‬كنُت قِد انضممُت إلى عضوَّية منَّظمِة الرؤساء الشباب (‪ -*)YPO‬والتي تضُّم نحو ‪ ١٦.٠٠٠‬عضو من‬
‫جميع أنحاء العالم‪ -‬في منصب رئيٍس تنفيذّي ‪ .‬وترِّكُز رسالة المنَّظمة على توطيد علاقات التفاهم والتبادل المشترك بين‬
‫الأعضاء‪ ،‬وليس َخ لق علاقاِت عمٍل وفرٍص تجارَّية‪ .‬في العام ‪٢٠٠٣‬م‪ ،‬قَّدمني زميٌل أميركٌّي إلى أعضاء آخرين من العالم‬
‫العربّي ‪ ،‬وتوَّص لنا جميًع ا إلى قراِر تشكيِل مجموعٍة فرعَّيٍة من الرؤساء التنفيذِّيين الأميركِّيين والعرب بهدِف تعُّرِف ثقافاتنا‬
‫المختلفة‪ ،‬وَفهِم ها بشكٍل أوضح‪.‬‬
‫وكما وصَف أَح ُد الأعضاء العرب هدَف هذه المجموعة‪ ،‬بلهجته العاِّمَّية‪ ،‬وُفِّس َرت في ما بعد بشكٍل أدّق ‪’’ :‬إَّن الغايَة من‬
‫تأسيس مجموعتنا هي إقناُع بعضنا بعًض ا بعد أحداث ‪ ١١‬أيلول‪/‬سپتمبر أَّننا‪ ،‬نحن العرَب ‪ ،‬لسنا جميًع ا أوغاد‘‘‪ .‬وقد واظَب‬
‫نحو ‪ ٢٤‬عضًو ا مَّنا على الاجتماع ثلاَث مَّر اٍت في السنة‪ :‬مَّرة في نيويورك أو واشنطن‪ ،‬ومَّر ًة في أوروپا‪ ،‬ومَّر ًة في الشرق‬
‫الأوسط‪ .‬توَّطدْت علاقُتنا الشخصَّية وبدأنا نناقُش مع خبراء من الخارج‪ .‬وأهُّم ما توَّص ْلنا إليه كان الوسائَل الفريدَة في حِّل‬
‫النزاع بين المنطقَتين‪ ،‬والتي تشمل إطاًر ا سياسًّيا واسَع النطاق يَّتخُذ شكَل المحاَد ثات حول الَّدعم الاقتصادِّي والصراع‬
‫العسكرِّي المحتمل‪.‬‬
‫تمَّكَن اثنان من أعضاء هذه المجموعة البارزة من تحقيق التمُّيز والنجاح؛ كان الأَّوُل أردنًّيا من أصٍل لبنانّي ‪ ،‬هو فادي‬
‫غندور‪ ،‬مؤِّس س شركة أرامكس التي صارت أشبَه بشركة فيدكس (‪ ،)FedEx‬فهي أكبُر مزِّو ٍد للخدمات اللوجستَّية في‬
‫المنطقة‪ .‬وقد تجاوَز فادي الخمسين من العمر‪ ،‬إَّلا أَّنه يتمَّتُع بقواٍم رشيق وبنيٍة صلبة‪ ،‬إذ إَّنه يمارُس السباحة كَّل صباح لنحو‬
‫‪٣‬كم‪ ،‬مهما كان الفارُق الزمنُّي بين وقته المعتاد والبلد الذي سافَر إليه‪ ،‬وأيَنما كان مكاُنه‪ .‬أَّم ا الشخُص الثاني فهو عارف‬
‫نقفي‪ ،‬مؤِّس س شركة أبراج كابيتال ومطِّورها لتكوَن أكبَر شركِة استثماٍر خاٍّص على مستوى الأسواق العالمَّية‪ .‬ويعمُل عارف‬
‫مَّدَة عشرين ساعًة في اليوم؛ ما يدُّل على ُفضوله في اكتشاف التطُّورات ومعرفة التغُّيرات التي تطرأ في العالم‪ .‬استثمَر عارف‬
‫في شركة فادي‪ ،‬وهكذا الَتَقيا لَتجمَع هما بعد ذلك صداقٌة وثيقة‪ .‬ويشترُك كلاهما في شغفه بمعرفة تأثير أعمالهم في‬
‫المجتمع ومتابعته‪ ،‬كما يقود كٌّل منهما مباَد راٍت مبتكرًة في المسؤولَّية الاجتماعَّية في الشرق الأوسط‪ .‬وقد درَس فادي‬
‫وعارف تأثيَر التكنولوجيا الحديثة في ولَديهما خلال سِّن المراَه قة‪ ،‬وكيف غَّيرت حياَتهما‪ .‬بدا كلاهما مقَتنًع ا أَّن هذه الحقبَة‬
‫من الزمن سُتتيُح فرًص ا تاريخَّية‪.‬‬
‫برَز َد وُر كٍّل من فادي غندور وعارف نقفي خلال لقاءات منَّظمة الرؤساء الشباب‪ ،‬وذلك في تشجيع الفكر الريادِّي ودعمه‬
‫في مجال التكنولوجيا في الدول النامية‪ ،‬ولا سَّيما في الشرق الأوسط؛ فهم ُيدركون أَّن جيَل الشباب يملُك فرًص ا هائلة في‬
‫إطلاِق شركاٍت جديدٍة وبأفكاٍر ُم بَتَك رة‪ ،‬لم تُكْن َم وجودًة منذ سنواٍت قليلة‪ ،‬وكما يؤِّكُد فادي وعارف‪ ،‬فإَّن هذا دليٌل راسٌخ‬
‫على َس عِي هؤلاء الشباب إلى تحقيِق حياٍة أفضل‪ ،‬لذا فإَّن احتضاَن أولئك الشباب وَد عَم هم في عملَّية تحويل ِفكِرهم الريادِّي‬
‫إلى حقيقة‪ ،‬ليَس أمًر ا بعيًدا عن احتضان شرق أوسٍط جديٍد أكثَر تطُّوًر ا‪ ،‬وهما يستثمران المال والوقت لَب ْلَورة هذه الفكرة‬
‫الراسخة لدى كليهما‪ .‬يقوُد كٌّل من فادي وعارف الفكَر الذي يدعو إلى الابتكار وتحقيق النجاح ويستثمران الَج هَد والمال‪،‬‬
‫ويقِّدمان الإ رشاد‪ ،‬وهما حلقُة َو ْص ٍل بين العديد من الشركات الإ قليمَّية الناشئة في مجال التكنولوجيا‪ .‬ففي فصل الصيف من‬
‫العام ‪٢٠١٠‬م‪ ،‬اجتمَع غندور ونقفي لإ قامة أَّو ِل َح َد ِث ’’احتفاء بالِّريادة‘‘ في المنطقة‪ ،‬وُع ِق د هذا الحدث البارز في دبي‪ ،‬وهو‬
‫ُيعِّبر عن أفكار كَليهما‪ .‬كانت كلماُتهما لي حين أرَس لا لي الدعوة عبر البريد الإ لكترونّي ‪’’ :‬عليك المجيء إلى هنا لترى‬
‫بنفسك‘‘‪ ،‬ورغم ترُّد دي‪ ،‬فإَّن معظَم أعضاء المجموعة كانوا على يقين أَّن علينا الذهاَب والمشاركة‪.‬‬
‫كان الحدث الذي توافدت إليه الجموُع من كِّل أنحاء المنطقة أشبَه بالفعالَّيات التي ُتنَّظم في سيليكون ڤالي؛ إذ حضَر‬
‫أكثُر من ‪ ٢.٤٠٠‬ريادٍّي ومستثمٍر طموح معظُم هم من الشباب الَّنِش طين في وسائل التواصل الاجتماعِّي من خلال أجهزة‬
‫نَّقالة‪ ،‬يتحاَو رون ويتناَقشون ويتشاركون الأفكار‪ .‬اختلَطْت أصواُت المتحِّدثين في حلقات النقاش بشباٍب يتمَّتعون بالحماسة‬
‫نحو أفكارهم‪ ،‬في أجواٍء من موسيقا ’’الهيپ هوپ‘‘ (‪ )hip-hop‬بين حيٍن وآخر‪ .‬وقد ذَّكرتني هذه المشاهُد بمرحلٍة ما حين‬
‫كَّنا نشارُك في فعالَّياٍت مختلفة حيث يختلط المتحِّدثون الخبراء بالمبتدئين حديثي العهد في هذا المجال‪ ،‬بهدف َطْرح‬
‫أفكاٍر وتباُد ِل آراء‪ ،‬وينطلق كٌّل مَّنا بعَدها إلى شركة جديدة‪ .‬غير أَّن المشاركين هذه المَّرة لم يكونوا من أصحاب الشركات‬
‫الناشئة الأميركِّيين المعروفين في قطاع الإ نترنت‪ ،‬بل كان هناك جيٌل جديٌد من الريادِّيين المتحِّدثين بالُّلغة العربَّية من الشرق‬
‫الأوسط‪ .‬أَّم ا موسيقا ’’الهيپ هوپ‘‘‪ ،‬فلم تكن تلك التي َع ِه ْدناها في لوس أنجلوس (‪ ،)Los Angeles‬بل كانت مزيًج ا لامًع ا‬
‫بين ألحان الفَّنان الباكستانِّي البارز عارف ُلهار (‪ )Arif Lohar‬ممزوًج ا مع الصوت الرائع لمغنَّية موسيقا ’’الپوپ‘‘ (‪ )pop‬الأشهر‬
‫في المنطقة ميشا؛ فأضَف ْت جًّو ا ساحًر ا بكلماٍت دافئٍة باللغة الُأردَّية تعِّبر عن حِّب الله وشكره‪.‬‬
‫ولم يتطَّرق أَح ٌد إلى مناقشة مواضيَع تتعَّلق بالسياسة أو الدين أو العقبات التاريخَّية؛ إَّنما رَّكزوا ُج َّل اهتمامهم على َطْرح‬
‫أفكاٍر مبتكرٍة وتنمَي ِة أعماٍل وشركاٍت جديدة‪.‬‬
‫عقب لقاء ’’الاحتفال بريادة الأعمال‘‘‪ ،‬انطلْق ُت في رحلاٌت عَّدة من دبي إلى القاهرة ثَّم عَّم ان فبيروت وإسطنبول‬
‫ودمشق‪ ،‬التَقيُت خلالها آلاَف الشباِب من أصحاب الفكر الريادِّي على قدٍر من الموهبة والنجاح والثقة والجرأة‪ ،‬يجمُع هم‬
‫دافٌع واحد هو الرغبة في البناء والتطوير والعزيمة لتخِّطي العقبات الثقافَّية والقانونَّية والاجتماعَّية التي توارَثْتها مجتمعاُتهم‪،‬‬
‫والتقيُت أصحاب شركاٍت مساهمٍة خاَّص ة‪ ،‬ومسَت ثمرين في رأس المال المغامر‪ ،‬وشركات التكنولوجيا مثل غوغل وإنتل (‪)Intel‬‬

‫وسيسكو (‪ )Cisco‬وياهو (!‪ )Yahoo‬ولينكدِإن وپاي پال (‪ )PayPal‬وغيرها الكثير من الشركات الرائدة التي أبَد ِت استعداَد ها‬
‫لَتقديم الاستثمار والمغامرة‪ ،‬بل أيًض ا ُم ضاَع فة استثماراٍت سابقٍة رغم حالة عدم الاستقرار التي تسوُد المنطقة‪.‬‬
‫ويجدر بي أن أعترَف أَّن تنُّبؤات فادي وعارف صارت بالفعل حقائق‪ .‬فبعَد ثلاثة أشهٍر فقط من لقائنا في دبي‪ ،‬كان عدٌد‬
‫كبيٌر من الشباب الذين التقيناهم هناك يَتظاَه رون في ميدان التحرير وفي مدٍن ُأخرى في المنطقة‪ ،‬للمطالبة بمجتمعات أكثَر‬
‫انفتاًح ا تضمُن لهم النمَّو والازدهار‪.‬‬

‫فقبل لقائنا في دبي‪ ،‬كنُت أميُل إلى رفض فكرِة أن يكوَن فادي وعارف على حّق ‪ .‬ولا أعزو استنكاري لهذه الفكرة إلى تحُّيز‬
‫إلى هذه المنطقة‪ ،‬ولكِّني في الواقع تجاهْلُت كَّل ما كنُت أراه أمامي خلال عملي اليومِّي في إدارة شركات الإ نترنت‪ .‬إَّن‬
‫الحقيقة التي ُأدرُكها تماًم ا هي أَّن الأفراَد الذين تتوافُر لهم علاقاٌت بَّناءة وفرٌص لَتباُد ل تجاربهم ومشاركة تلك التجارب هم‬
‫قادرون على الابتكار باستخدام التكنولوجيا‪ ،‬بغِّض الَّنظر عن مكان َع يشهم‪ .‬فكان علَّي أن أستعيَن بمعلوماتي لأعرَف أكثر‬
‫عن واقع الأحداث المقبلة في ِم ْص ر‪.‬‬
‫كانت بداياتي في عالم الإ نترنت تجِربًة شخصَّيًة بحتة‪ .‬فقد َع لمُت خلال سنٍة ونصف في أواخر تسعينَّيات القرن العشرين‬
‫أَّن أعَّز أصدقائي يعاني أحَد الأمراض النفسَّية المستعِص ية‪ ،‬وهو الاضطراُب الوجدان ثنائ القطب (‪Crippling Bipolar‬‬
‫ُّي ُّي‬
‫‪ ،)Disorder‬وأَّن أَّم َز وَج تي تعاني سرطاَن الرئة الذي انتشَر إلى الِّدماغ‪ .‬ولأِّني حفيٌد لعائلٍة تنحدُر من أصوٍل إيطالَّية هاجرُت‬
‫إلى الولايات المَّتحدة‪ ،‬والاكتئاُب عندنا لا ُيَع ُّد مرًض ا‪ ،‬بل هو أشَب ُه بحالٍة يجدُر التعايُش معها‪ .‬أَّم ا عن مرض السرطان‪ ،‬فهو‬
‫أمٌر نتحَّدُث بشأنه بين أفراد العائلة فقط بشكٍل مقَتضب‪ ،‬وُيترك التصُّرف للأطَّباء المخَتِّص ين‪ .‬كان خبُر إصابِة أعزاء لي‬
‫بأمراض قد تودي بحياتهم صدمًة كبيرة‪ .‬وفي محاَو لٍة مِّني لأفهَم الأموَر بعمٍق أكبَر خارَج المفهوم الُم َتعاَرِف عليه في عائلتنا‪،‬‬
‫قَّررُت اللجوء إلى الإ نترنت‪.‬‬
‫كان ذلك قبل نحو عشر سنوات من انتشار شبكات التواصل الاجتماعّي ‪ ،‬لكِّني عثرُت على مواقَع لمجتمعاٍت صغيرٍة‬
‫لأفراٍد يعانون أوضاًع ا وتجارَب مماثلة‪ .‬لم نُكْن نعرُف بعُض نا بعًض ا بشكٍل شخصٍّي َقّط ‪ ،‬ولكَّننا خلال الأشهر التالية تباَد ْلنا‬
‫الثقافَة والمعرفة والمعلومات حول مصادَر عديدٍة تساعُدنا‪ ،‬وقَّد ْم نا الُّنصَح والدعَم والإ رشاد بعُض نا إلى بعٍض في الأوقات‬
‫العصيبة التي كَّنا نمُّر بها‪ .‬وعندما خسَر أحَّبائي معركَتهم مع المرض‪ ،‬وجدُت في تلك المجتمعات َرفيًقا يدَع ُم ني ويعِّزيني‬
‫وُيعيُنني على تخِّطي الأزمة‪ .‬لقد صرُت أذكى وأكثر اِّطلاًع ا ودعًم ا لعائلتي وأصدقائي‪ ،‬ولم يراِوْد ني شٌّك قُّط أَّن التكنولوجيا لا‬
‫تتوَّقُف فقط عند َكْش ِف ُس ُبٍل جديدٍة للَّر احة‪ ،‬بل أيًض ا توِّفُر وسائَل جديدًة ومبتكرًة لَتبادل الأفكار وبناء العلاقات واِّتخاذ‬
‫إجراءاٍت ِج ِّد َّية‪’’ .‬أنت لسَت وحَدك‪ .‬أنت لسَت مجنوًنا؛ فالأنشطُة التي تمارُس ها قد ُتحِد ث َفرًقا لأَّن أشخاًص ا آخرين غيرك‬
‫قاموا بها وكانت فَّع الة‘‘‪ .‬كانت تلك العبارُة أساَس خطاباتي منذ ذلك الوقت لأفِّس ر ما صارْت َتعنيه التكنولوجيا بالنسبة إلينا؛‬
‫فقد منَح ْتنا القَّو َة للَّتغيير‪ ،‬وأنذَرْت بتحُّو ٍل في موازين القَّوة والُّس لطة‪ ،‬وسمحت لنا‪ ،‬بصفتنا أفراًد ا‪ ،‬بالمطالبة بالشفافَّية وإقامِة‬
‫العلاقاِت لمساعدتنا على تأِد َية َد ورنا‪ .‬بالَّتأكيد‪ ،‬هكذا يتغَّيُر العاَلم‪.‬‬
‫بعَد بضع سنواٍت من هذا الحَدث الذي غَّيَر حياتي‪ ،‬قَّررُت أنا ومجموعٌة من أصحاب الفكر الريادِّي مَّم ن يشاركونني‬
‫الرأَي َج ْم َع تجاِربنا وخبراِتنا الشخصَّية والِم ْه نَّية َقيَد الَّتنفيذ‪ ،‬وأطَلْقنا إحدى أولى المنَّص ات الاجتماعَّية في مجال‬
‫الصَّح ة‪:‬هيلث سنترال دوت كوم (‪ ،)Healthcentral.com‬للحصول على الَّدعم والإ رشاد من خلال بيئٍة آمنٍة وموثوقة‪ .‬تضمَّنْت‬
‫شركُتنا نحو خمسين موقًع ا إلكترونًّيا تشمُل مواقَع يمكُن تصُّف ُح ها من الهواتف النَّقالة‪ ،‬ليتسَّنى للأشخاص الذي مُّر وا بتجربٍة‬
‫ما‪ ،‬مشاركة آرائهم مع الآخرين حول الحالات المرِض َّية والوسائل التي قد تساعُد في بعض الحالات‪ .‬وقد نَج ْح نا في إقناع‬
‫بعض المستثمرين البارزين في قطاَع ي الإ نترنت والإ علام بَم نِح نا الَّدعم الَّل ازم‪ .‬واَج ْه نا بعَض الَع َقبات التي قد تتعَّرُض لها أَّيُة‬
‫شركٍة ناشئة‪ ،‬إَّلا أَّن ِم نَّص َتنا حَّققِت النجاَح وضَّم ْت ما يزيد على ‪ ١٥‬مليوَن مستخدٍم شهرًّيا‪ .‬وانهاَلِت المشاركات على‬
‫الموقع‪ ،‬لَي ضَّم َزَخ ًم ا من قصٍص لأشخاص يتحَّلون بالشجاعة والجرأة لمساعدة َغيرهم وتحسين صَّح تهم وصَّح ة أحَّبائهم‪.‬‬
‫خلال رحلة عمل قمُت بها في أثناء وظيفتي السابقة لدى المنَّص ة التفاعلَّية المتكاملة ’’واشنطن پوست نيوزويك‘‘‬
‫(‪ )Washingtonpost.Newsweek Interactive‬عندما ُد ِه ْش ُت من تداعيات التكنولوجيا على الأفراد وأثر المشاركة والتعاون في‬
‫هذا المجال‪ .‬حينها طلَب مِّني الرئيُس التنفيذُّي لدى ’’واشنطن پوست‘‘ (‪ )Washington Post‬السِّيد دون غراهام (‪Don‬‬

‫‪ ،)Graham‬المعروف بلطفه وفكره المستقبلّي ‪ -‬زيارَة طوكيو (اليابانَّية) وسيول (الكورَّية الجنوبَّية) وِه لِس نكي (الفنلندَّية)‬
‫للاِّطلاع من كثب على المجتمعات التي تشهُد تغُّيًر ا متسارًع ا‪ ،‬والتي تستخدُم للَّتواُص ل شبكاِت النطاق العريض المتقِّدمة‬
‫عبر الهواتف النَّقالة‪ .‬أمضيُت عَّدة أسابيَع مع مديرين تنفيذِّيين ُم خضَرمين وناشئين‪ ،‬وأصحاب فكر‪ ،‬وأساتذٍة في مجال‬
‫الأعمال‪ ،‬وطَّل اٍب كذلك لأتعَّلم كيف اشتَر وا التكنولوجيا واستخدموها‪.‬‬
‫ُرغَم َتباُين الثقافات والتاريخ والمنهجَّية السائدة في هذه الُّد َو ل عن تلك في الولايات المَّتحدة‪ ،‬فإن البنية التحتَّية لشبكات‬
‫التواصل الاجتماعِّي والتجارة الإ لكترونَّية وتلك عبر الهاتف النَّقال ورسائل الهاتف النَّقال النِّص َّية ومشاركات مقاطع كانت‬
‫ُمَع َّدًة في تلك الدول قبل سنواٍت من أن يصيَر استخداُم ها شيًئا عادًّيا في الولايات المَّتحدة‪ .‬وبناًء على ما عرفُته‪ ،‬توَّقعُت أن‬
‫أرى كَّل شيٍء مرَتبًطا بالتكنولوجيا الحديثة‪ ،‬وأن أكوَن في عالٍم مماثل لذلك الذي أشاهُده في مسلسل الصور المتحِّركة‬
‫’’جتسنز‘‘ (‪ ،)Jetsons‬إَّلا أَّن لحظَة الحقيقة كانت مفاجأًة لم أُكْن مستعًّدا لها‪ :‬ليسْت هناك تكنولوجيا حديثٌة البَّتة في تلك‬
‫المجتمعات! لقد صارت التكنولوجيا في تلك المجتمعات ضرورًة كالماء أِو الكهرباء‪ ،‬ويعتقُد الناس بوجودها بوصفها جزًءا‬
‫من حياتهم اليومَّية‪ .‬حَّتى إَّن الكثيرين تعَّج بوا لسبب زياراتي ورحلاتي إلى هناك‪ .‬وقد عَّز َز انتشاُر الابتكار‪ -‬نتيجة الزيادة‬
‫َّط‬
‫المَّطردة في إمكانَّية الُوصول إلى المعلومات‪ -‬في إتاحة الفرصة للريادِّيين للابتكار والتعاون وتوسيع نطاق أعمالهم مقابَل تكلفٍة‬
‫معقولة لحِّل المشكلات المحِّلَّية والإ قليمَّية‪ ،‬وحَّتى العالمَّية كما لم يحُد ْث من قبل‪.‬‬
‫كانت هذه المجتمعات مثيرًة حًّقا‪ ،‬وكنُت قد بدأُت أتساءل آنذاك‪ :‬ما الذي سيحدُث لو أَّن كَّل دولٍة في العالم تمَّكنْت‬
‫من الحصول على هذا المستوى نفسه من التكنولوجيا الحديثة؟‬
‫يميُل الغرب إلى النظر إلى العالم عبَر منظوِر نجاحاته‪ ،‬ويعتقد أَّن له حَّق احتكار الأفكار المبتَك رة والشركات الريادَّية‪ .‬ومن‬
‫أكثر الأمور تسليًة بالنسبة إلى العديد من أصحاب الشركات الريادَّية الذين التقيُتهم حول العالم‪ ،‬هو إشارة بعض رجال‬
‫السياسة الأميركِّيين إلى ريادة الأعمال على أَّنها أبرُز منتج أميركٍّي نمنُح ه للعالم‪ ،‬وكأَّن الثقافات الريادَّية التي تعوُد إلى آلاف‬
‫السنين اكتشَف ْت مفهوَم الريادة والابتكار مؤَّخ ًر ا فقط‪ .‬إَّن أكثر الأسئلة شيوًع ا بين أصحاب الشركات الريادَّية والمستثمرين‬
‫وصانعي السياسة الأميركِّيين لدى الحديث بشأن سوٍق جديدٍة هو السؤال‪’’ :‬ما الدولُة أو المنطقُة التي ستكون سيليكون ڤالي‬
‫التالية؟‘‘‪.‬‬
‫ُيعُّد سيليكون ڤالي حًّقا َمْع َلًم ا استثنائًّيا رائًع ا بما يحمُله من أجواٍء حماسَّيٍة وتنافسَّية‪ ،‬تسوُد فيها روُح الابتكار‪ ،‬فساهَم ْت‬
‫في تغيير عالمنا بشكل كِّلّي ‪ .‬وذاَع صيُت سيليكون ڤالي بوصفه مكاًنا لَتحقيق الثروة والشهرة‪ ،‬ويحِّق ُق تأُّلًقا أشَب َه بالإ مبراطورَّية‬
‫اليونانَّية في عهد پركليس (‪ )Pericles‬أو الأندلس في أجمل عهودها في القرن الحادي عشر‪ ،‬أو رَّبما فلورنسا خلال تأُّلِق ها في‬
‫عصر النهضة‪ .‬فبمجَّرد ُوصولك إلى هناك‪َ ،‬ترى مؤِّش راٍت واضحًة على الحماسة والدافع للابتكار أيَنما كنت وفي كِّل حوار‪،‬‬
‫سواٌء كنَت في مطعم أم متجٍر أم مقًه ى‪.‬‬
‫في إحدى المناسبات؛ وفي أثناء حديثي مع بن ُه ُر ِوتز (‪ ،)Ben Horowitz‬الرئيِس التنفيذِّي السابق لإ حدى الشركات‬
‫العملاقة في التكنولوجيا الحديثة أوپسوير (‪ ،)Opsware‬والمؤِّس س المشارك لأحد الصناديق الاستثمارَّية الأكثر نجاًح ا أندريسن‬
‫ُه ُر ِوتز (‪ - )Andreessen Horowitz‬أخبرني بأَّن معظَم الناس غالًب ا لا يعون أهِّمَّية المواهب التي يستقطُبها سيليكون ڤالي‪،‬‬
‫ومدى أهِّمَّية التواصل في هذا المكان لتلك المواهب‪ .‬ثَّم أضاف‪’’ :‬إَّن التصميَم الهندسَّي الإ بداعَّي ‪ ،‬والمنتجاِت الاستثنائَّيَة‬
‫وأصحاَب الفكر الابتكارّي ‪ -‬كَّلها تستقطُب أعلى المستويات من الابتكار‪ ،‬لذا فإَّن الشركات اليوم تبذل قصارى َج هدها‬
‫لاستقطاب الأفضل‪ ،‬والأفضُل هم َم ن يمسكون ِبِزمام الأمور‘‘‪ .‬ويَّتفق مايك ُم ِرتز (‪ )Mike Moritz‬مع هذا الرأي‪ ،‬هو رئيس‬
‫مجلس إدارة الشركة الأسطورة سيكويا كاپيتال (‪ ،)Sequoia Capital‬هي شركٌة استثمارَّية في رأس المال المغامر تدعُم‬
‫شركات مثل آپل (‪ ،)Apple‬وغوغل‪ ،‬وسيسكو‪ ،‬وپاي پال‪ ،‬ولينكدإن‪ ،‬والتي ُتعُّد من أبرز شركات التكنولوجيا الحديثة في‬
‫العالم‪ ،‬وُيضيُف قائًل ا‪’’ :‬نحن نسعى دائًم ا إلى الحصول على الشركات الواعدة‪ ،‬حَّتى إْن كانت تبعُد مئات الكيلومترات‪،‬‬
‫لتكوَن في مناطَق مثل لوس أنجلوس أو سان دييغو (‪ ،)San Diego‬إَّلا أَّن التحِّد َي الأكبر الذي نواِج ُه ه يكمُن في استقطاب‬
‫أفضل المهارات للانتقال إلى هناك‘‘‪.‬‬
‫ويعترف ُه ُر ِوتز بالَقول‪’’ :‬تنطلُق بعُض الأعمال الجَّذ ابة خارج سيليكون ڤالي؛ سواء في الولايات المَّتحدة أم في مناطق‬
‫ُأخرى من العالم‪ .‬فلو َتناَو ْلنا قطاَع الأفلام مثًل ا‪ ،‬لَوَج ْدنا أَّن صناعَة الأفلام العظيمة تتُّم في مواقَع عديدة في العالم‪ ،‬إَّلا أَّن‬
‫الأفلاَم الناجحة‪ -‬والتي تربُح ملاييَن الدولارات‪ -‬هي تلك التي كانت ُتصنع في هوليوود‪ .‬وبالَّتأكيد‪ ،‬فإَّن أصحاَب المواهب‬
‫يرغبون في أن يوَج دوا ويتأَّلقوا هناك‪ .‬وهناك بوليوود (‪ )Bollywood‬في الهند؛ لكَّنها لا تعادُل هوليوود تأُّلًقا‪ .‬لكْن ما عدُد‬
‫شركات التكنولوجيا التي انطلَق ْت خارج سيليكون ڤالي أو خارج الولايات الَّم تحدة وحَّققْت مليارات الدولارات؟‘‘ عندما‬
‫سألُت مجموعًة من المستثمرين الذين أطلقوا مكاتَب في أسواٍق ناشئة عن سبب قيامهم بذلك‪ ،‬كاَنِت الإ جابُة تتَم حَوُر حول‬
‫عامَلين مهَّم ين‪ :‬الأَّول أَّنهم يبحثون عن فرٍص في أسواٍق ضخمة؛ فقد يخسُر المرُء رأَس ماله في دولٍة كالصين مثًل ا‪ ،‬ولكْن‬
‫نظًر ا إلى حجمها‪ ،‬فإَّنها سوٌق يصعُب تجاُه ُلها رغم التحِّديات التي قد تواِج ُه العمل‪ .‬والعامل الثاني هو أَّن الأسواَق الناشئَة‬
‫توِّفُر مواهَب استثنائَّيًة في مجال الهندسة ومراكز اِّتصال خدمِة العملاء بتكلفٍة أقَّل منها في الولايات المَّتحدة‪.‬‬
‫ولدى سؤال مايك ُم ِرتز عن الفرص المتاحة للابتكار على الصعيد الإ قليمِّي أو حَّتى العالمِّي من الُّد َو ل الناشئة‪ ،‬أجاب‪:‬‬
‫’’نرى هذا النوَع من الابتكار دائًم ا‪ ،‬لا سَّيما في مجال الخدمات التي تستهدُف تلبَي ة الحاجاِت المحِّلَّية أِو الإ قليمَّية؛ وهذا‬
‫يفِّس ُر ُوجوَد شركاٍت مثل علي بابا (‪ )Alibaba‬وتنِس ت (‪ )Tencent‬وبايدو (‪ )Baidu‬في الصين‘‘‪ .‬ويضيُف قائًل ا‪’’ :‬لقد كانت‬
‫سيليكون ڤالي َد وًم ا مرَك َز َج ْذ ٍب للُم هاجرين بسبب ُقدرِة الشركات الناجحة في هذا المكان على احتضان القدرات التي‬
‫تنقُص ها الخبرة‘‘‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬ماذا يحدث عندما تقِّرُر الغالبَّية الُع ظمى من المواهب عدَم الرغبة في الانتقال‪ ،‬وأَّنهم لا يرغبون ليس فقط في‬
‫البقاء في أوطانهم‪ ،‬بل أيًض ا هم متحِّم سون بانتمائهم الوطنِّي لإ حداث التغيير في البلدان التي ينَتمون إليها؟ وهنا لن يكوَن‬
‫السؤاُل حول ما إذا كان سيليكون ڤالي هو المكان الوحيد للتأُّلق‪ ،‬أو أين هي سيليكون ڤالي التالية‪ .‬بل السؤال هو كيف‬
‫سُتسهُم الابتكاراُت الموجودة في سيليكون ڤالي بَتوفير سرعِة الُوصول إلى برامِج ها وأجهز ِتها بتكلفٍة أقّل ‪ ،‬لُتسهم أيًض ا في‬
‫َخ ْلق منَّص اٍت جديدٍة متعِّددة في جميع أنحاء العالم‪ .‬وهذا بحِّد ذاته سُيشِّكُل تحِّد ًيا لمفهوم الابتكار بحسب تعريف‬
‫الغرب‪ ،‬على أَّنه الشيء الجديد الذي يلقى بريًقا وإقباًلا‪ .‬إَّن تعريَف هذه الكلمة يحمُل مفاهيَم مختلفًة في الأسواق الناشئة‬
‫التي تتمَّتُع بُوجوِد شبكٍة متكاملٍة من البرامج والأجهزة للمَّرة الأولى‪ .‬وتعمُل هذه الأسواق على توفير حلوٍل مبتكرٍة للتغُّلب‬
‫على التحِّديات والاستفادة من الفرص التي تحظى بها‪ .‬ونظًر ا إلى تجاربهم وأحوالهم الخاَّص ة والاستثنائَّية‪ ،‬قد يلجأ العالُم َيوًم ا‬
‫ما إلى اعتماد هذه الحلول المبتَك رة واستخداِم ها في هذا الجزء من العالم‪.‬‬
‫ماذا لو جعلْت تكنولوجيا المعلومات التقاُرَب الَج غرافَّي وتأثيَر شبكات الموهبة أقَّل تأثيًر ا؟ نحن نعلم أَّن لتكنولوجيا‬
‫المعلومات تأثيًر ا كبيًر ا في حياتنا اليومَّية‪ .‬فقِد انتشَرِت البرامُج التي صاَر استخداُم ها شائًع ا في حياتنا بشكٍل يومٍّي مثل‬
‫سكايپ (‪ ،)Skype‬وبرامج الدردشة‪ ،‬ومواقع التواصل الاجتماعّي ‪ ،‬والبرمجَّيات التعاونَّية (‪ )Collaborative Software‬المصَّم مة‬
‫لمساعدة الأشخاص الذين تربُطهم َم هَّم ٌة مشتركة في تحقيق أهدافهم‪ ،‬إضافة إلى َغيرها من برامج بِّث الڤيديو والتي تشهُد‬
‫تطُّوًر ا مستمًّر ا‪ .‬لقد كان لهذه البرامج أثٌر واضٌح في الحوار الاجتماعِّي والسياسِّي في كِّل َد ولٍة ُوِج َدْت فيها‪ .‬وتدعُم هذه‬
‫الأدوات ظهور المنَّص ات الحيوَّية في مختلف مجالات الحياة‪ ،‬كالتواصل مثًل ا حول النواحي الصِّح َّية على موقع هيلث‬
‫سنترال دوت كوم (‪ ،)Healthcentral.com‬فمنذ خمس سنوات كان مثل هذا النوع من التواصل أبعد من أن يكوَن حقيقًة ‪،‬‬
‫إَّلا أَّنه صار الآن ليس فقط متداَو ًلا‪ ،‬بل أيًض ا أدَخ َل المستخدمون في تلك البرامج التعديلاِت لَتَتماشى مع الاحتياجات‬
‫والثقافات المحِّلَّية والإ قليمَّية‪ .‬قد لا ُتعطي هذه التجارب النتيجَة والأثَر ذاتهما لدى مقارنتهما بالَّتواصل وجًه ا لوجه؛ ولكَّنها‬
‫ُتلِّبي احتياجات جيٍل اعتاَد استخدامها‪ ،‬وَح ِظ َي من خلالها بفرصٍة للتغُّلب على حواجز المسافات‪ ،‬فهل ستحِّق ُق الاكتفاَء‬
‫لهم؟‬
‫إَّن الأحداَث التي تعاقَب ْت في مجال الحاسوب ومكِّوناته ُتثبُت أَّن تلبية الحاجة محِّلًّيا‪ ،‬تصيُر ابتكاًر ا عالمًّيا تنافسًّيا‪.‬‬
‫فبالَّتأكيد‪ ،‬لم يتصَّو ْر أَح ٌد َقُّط أن تصيَر اليابان أو كوريا الجنوبَّية في أوائل الثمانينَّيات من الُّد َو ل المهيمنة في صناعة الأجهزة‬
‫النَّقالة والألعاب‪ .‬كما لم يكْن من المتوَّقع أن ُتطلَق فنلندا‪ -‬الدولة المعروفة بالمصنوعات الخشبَّية‪ -‬شركة نوكيا‪ ،‬الشركة الأولى‬
‫التي استخدمت تكنولوجيا الاِّتصال النَّقال لَتسهيل التواصل في المناطق التي يصُع ب الُوصول إليها من خلال أجهزة الهاتف‬
‫التقليدَّية‪ ،‬مثل الغابات أو المناطق التي توَج ُد فيها المطاحن‪.‬‬
‫في عام ‪٢٠١١‬م‪ ،‬بادَرْت شركة سفاريكوم (‪ )Safaricom‬الكينَّية (والتي تمتلُك شركة ڤودافون ‪ ٪٤٠‬منها) باِّتخاذ الخطوات‬
‫الأولى في َطْرح الهواتف الذكَّية على نطاٍق عالمٍّي بتكلفٍة تقُّل عن ‪ ٩٠‬دولاًر ا‪ .‬وُرغم ِص َغر حجم شاشة هذه الهواتف مقارنة‬
‫بهاتف آيفون (‪ )iPhone‬مثًل ا؛ وانخفاض مستوى سرعة المعالج؛ فإَّنها أجهزُة حاسوٍب حقيقَّيٌة ُأتيَح ْت لأشخاٍص لم يتمَّتعوا‬
‫بأَّية وسيلِة اِّتصاٍل في الماضي‪ .‬وبيَع منها ما يزيُد على ‪ ٣٥٠.٠٠٠‬جهاز خلال أشهر‪ .‬وفي ِم ْص ر‪ ،‬يبلُغ عدُد السَّكان أكثر من‬
‫ثمانين مليون نسمة‪ .‬ورغم أَّن نصيَب الفرِد من الناتج المحِّلِّي الإ جمالِّي لا يتجاوُز ‪ ٦.٥٠٠‬دولار‪ ،‬فإَّن نسبَة انتشار الهواتف‬
‫النَّقالة البسيطة يتجاوُز ‪ .٪١١٥‬وهذه النسبُة المرتفعُة للانتشار هي تقريًب ا السائدُة في الشرق الأوسط‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬فإَّن‬
‫‪ ٪١٢-٨‬فقط من مجموع هؤلاء يملكوَن هواتف ذكَّية في الوقت الحالّي ‪ .‬ألا يساعُدنا هذا الَّتحليل على استيعاب فكرة‬
‫حجم الابتكار من تلك الدول التي لم يسِبْق لها حَّتى أْن عرَفِت الهواتف الأرضَّية‪ ,‬والتي تصل نسبة انتشار الهواتف الذكَّية‬
‫بين مواطنيها إلى ‪ ٪٥٠‬أو رَّبما أكثر؟ حَّدثني بعُض الخبراء في مجال الأجهزة النَّقالة بأَّن من المتوَّقع أن نشهَد َطْرَح هواتَف‬
‫ذكَّيٍة بأسعار لا تتجاوز ‪ ٥٠‬دولاًر ا خلال ثلاث سنوات لَد ْع م استخدام هذا الَّنوع من التكنولوجيا‪ .‬فهل يجدُر بنا أْن ُندَه َش‬
‫أَّن كينيا‪ -‬الدولَة ذات الخدمات المصرفَّية المحدودة‪ ،‬والتي لم تحِّق ْق أَّي تطُّو ٍر ُيذكر في مجال الهواتف السلكَّية‪ -‬هي نقطة‬
‫انطلاق شركة أم‪ -‬پيزا (‪ )M-Pesa‬الخاَّص ة بِخ ْدمات الدفع عبر الأجهزة النَّقالة‪ ،‬والتي َتِتُّم من خلالها ما يزيُد على نصف‬
‫عملَّيات الدفع عبر الهواتف النَّقالة في العالم‪ ،‬وهي ُتسهُم بأكثر من ‪ ٪٢٠‬من الناتج المحِّلِّي الإ جمالِّي في الدولة؟‬
‫يؤِّكد مايك ُم ِرتز قائًل ا‪’’ :‬أثبَتْت لي الَّتجارُب خلال رحلاتي‪ ،‬أَّنه إْن َج َمْع نا نخبًة من الريادِّيين من أَّية ُبقعٍة حوَل العالم في‬
‫قاعٍة واحدة‪ ،‬سنلاحُظ أوُجَه الَّتشاُبِه الكبيرة بينهم رغم اختلاف لغاتهم ودياناتهم وألوانهم؛ فهم ينظرون إلى المشكلات‬
‫والفرص المتاحة في العالم بالمنظار نفسه‪ ،‬ويعِّبرون عَن أفكارهم وطاقاتهم ورغبتهم في تحقيق النجاح بلغة مشتركة‪ ،‬وهم‬
‫يتبادلون الحديَث وكأَّنما تربُطهم معرفٌة طويلُة الأمد‘‘‪.‬‬
‫پيتر ثيل (‪ ،)Peter Thiel‬أَح ُد ِكباِر المستثمرين الناجحين في رأس المال المغامر‪ ،‬وإْن كان معروًفا بأسلوِب ِج داله‬
‫المندفع‪ ،‬كان أَّوَل َم ن قَّد َم َد عَم ه لشركاِت الدفع المبتكرة مثل پاي پال وسكوير‪ ،‬ومواقع التواصل الاجتماعِّي مثل فيسبوك‬
‫ولنكدإن‪ ،‬وهو يبحُث دائًم ا عَّم ا ُيطَلُق عليه ’’وسائل الاِّتصال غير الظاهرة‘‘‪ .‬ورغَم النجاحاِت الريادَّية في الغرب‪ ،‬وغياِب‬
‫منافسين ُج دٍد في النطاق نفسه‪ ،‬فإَّن هناك غياًبا لنجاحاٍت ولسجٍّل تاريخٍّي حافٍل بالُفرص في مجالات ’’غير ظاهرة‘‘‪ .‬فنحن‬
‫نرى ُج هوًد ا لدعم الابتكارات ورعاَيتها في جميع أنحاء العالم‪ ،‬غير أَّن كثيًر ا من المعنِّيين ما يزالون يَتجاَه لون مساَه مَة الابتكار‬
‫في الاقتصاد العالمِّي حَّتى وقٍت قريب‪ .‬وتشهُد الطبقُة الُوسطى في الأسواق الناشئة ارتفاًع ا‪ ،‬ولا بَّد أن تكوَن لهذه الزيادة‬
‫نتائُج وتأثيراٌت واضحة‪.‬‬

‫ويبقى السؤال‪ :‬هل أٌّي من هذه الإ نجازات ممكٌن أو قابٌل للنمِّو فعًل ا في الشرق الأوسط؟‬
‫في َض وء ما تواِج ُه ه بعُض الشعوب من َقْم ٍع وُظلم؛ إضافًة إلى حالِة عدم الاستقرار السياسِّي الذي تتعَّرُض لها المنطقة‪،‬‬
‫فإَّن هذا السؤال أبعُد ما يكوُن عن الواقع‪ ،‬ناهيك بالفجوِة التي تظُّل صادمًة ما بين المستويات الاجتماعَّية التي تتراوُح ما بين‬
‫الثراء الفاحش والفقر المدقع‪ ،‬ومحدودَّية فرص التعليم ومحو الأِّمَّية التي تفرض كُّلها تحِّدياٍت صعبة‪ .‬ولا يمكُننا أن نتجاَهَل‬
‫واقَع الحياة اليومَّية وما يتخَّلُله من فساٍد ونسبِة بطالٍة مرتفعة‪ ،‬واعتماٍد كبيٍر على سخاء الحكومة‪ ،‬وإطاٍر قانونٍّي قديٍم ومتهاٍو‬
‫َّل‬
‫وغير واضح‪ ،‬ومفهوٍم سائٍد لعدم الاستثمار إَّلا في الأصول الثابتة‪.‬‬
‫ومع الحماس الكبير الذي خَّلفه الربيع العربّي ‪ ،‬لا يزاُل الجداُل في الوطن العرِّبي حوَل أنواع المجتمعات والحكومات التي‬
‫يجب إنشاؤها‪ ،‬ودور المرأة والدين في تلك المجتمعات‪ ،‬وابتكار الطرق لمنع القيام بالأعمال‪ .‬ما عليك إَّلا أن ُتمضي بضعة‬
‫أَّيام في عَّم ان أو القاهرة لتمَّر عبر أجهزة التفتيش قبل دخوِل أِّي مطعٍم أو فندٍق أو َم وقٍع سياحّي ‪ ،‬فتدرَك عندها كيف يمكُن‬
‫للواقع السياسِّي والاجتماعِّي أن يضَع حًّدا للاستثمار في رؤوس المال‪ ،‬ومن ثَّم يضُع الأعماَل في زاويِة الإ همال‪.‬‬
‫لا شَّك في أَّنه لا يمكُننا أن نتجاَهَل أهِّمَّيَة ُوجوِد الجهاِز السياسِّي والسياسات القوَّية‪ .‬فبحسب ما أخبرني به عارف‬
‫نقفي أَّن ’’التوُّجَه الذي سُيعَتَم ُد في الشرق الأوسط سُيحَّدد إْن أدرَك ِت الأنظمُة في المنطقة أَّنه لا يمكُن مواَكبُة تطُّوراِت‬
‫القرن الحادي والعشرين بأحكام القرن التاسع عشر‪ ،‬وأَّن الإ صلاَح السياسَّي يجب أن ُيصاَح َب بإصلاحاٍت اقتصادَّيٍة وانفتاٍح‬
‫على الأسواق لَتعويض الَّض رر عن السنوات القليلة الماضية‘‘‪.‬‬
‫وَبينما علينا تناُول هذه المخاوف على َم حِم ِل الِج ّد؛ فعلينا أيًض ا أَّلا ُنغِف َل القَّو َة والحماسَة الكبيرَتين الَّلتين ُتشِّج عان‬
‫أصحاَب الفكر الريادِّي على الابتكار‪ ،‬وتدفعان عاصفَة التغيير‪.‬‬
‫أَّوًلا‪ ،‬توِّفُر التكنولوجيا مسَتَوياٍت لا ُتضاهى من الشفافَّية والتواُص ل وسهولِة الُوصول إلى رؤوس المال والأسواق على نحٍو لم‬
‫يكْن متوَّقًع ا قبل خمس سنوات‪ .‬هناك جيٌل جديٌد في الشرق الأوسط‪ -‬وبقاٍع ُأخرى‪ -‬لم يعرْف عالمًـا دون تكنولوجيا‬
‫المعلومات‪ ،‬ولديه فهٌم وإدراٌك للَوسائل المتوافرة في حياة غيرهم من الناس مَّم ن نَج حوا في َخ ْلِق الفرص وجعِلها تعَم ُل‬
‫لمصلَح ِتهم‪ .‬كما أَّنهم يفَترضون تواُفَر استخداِم وسائَل تكنولوجَّيٍة واجتماعَّيٍة وتفاعلَّيٍة ذاِت تكلفٍة قليلة نسبًّيا تمِّكُنهم من‬
‫إطلاق الأعمال والُوصول إلى مستهلكين وأسواق لم يتمَّكنوا من الوصول إليها من قبل سواٌء على المستوى الإ قليمِّي أم في‬
‫الخارج‪.‬‬
‫ثانًي ا‪ ،‬يستفيد هذا الجيل من رؤوس مال إقليمَّية وعالمَّية بقدٍر أكبر نتيجَة المخاطر السياسَّية‪ .‬إَّن الخبرة التي اكتَس ْب ناها‬
‫على مدى عشرين عاًم ا في أسواٍق ناشئٍة ُأخرى مثل دول البرازيل وروسيا والهند والصين (والتي ُتعرَف في الإ نكليزَّية بالاختصار‬
‫’’‪ ،)‘‘BRIC‬والتي لم َتُع ْد منذ عهٍد قريٍب مجَّرَد محِّركاٍت اقتصادَّية‪ -‬تؤِّكُد هذه الخبرُة أَّن هذه الدول رَّس خت ُأُس ًس ا مهَّم ًة‬
‫لقيام الأعمال‪ .‬لقد عانت جميُع هذه الدول‪ ،‬وما تزال‪ ،‬غموًض ا سياسًّيا وحكوماٍت لا تملُك أدنى مسَتوياِت الشفافَّية‪،‬‬
‫ويشوبها الفساد‪ ،‬ناهيك بالبنى التحتَّية الضعيفة‪ .‬غير أَّنها حَّققْت عوائَد استثماٍر كبيرًة وتضمُن مستوياِت راحٍة واطمئناٍن في‬
‫مختلف القطاعات في الأسواق الناشئة‪ ،‬الأمر الذي يشيُر إلى ُوجوِد فرٍص اقتصادَّيٍة مسَتدامٍة في الشرق الأوسط‪ ،‬وبسرعٍة‬
‫أكبر‪.‬‬
‫ثالًثا‪ ،‬إَّن عوامَل السوق المتغِّيرة‪ ،‬وفرَص النمِّو في الشرق الأوسط كانت َم وجودًة قبل الَّثورات بفترٍة طويلة‪ .‬فقد ذكَر ڤالي‬
‫نصر‪ ،‬عميد جامعة ’’جون هوپكنز للِّد راسات الدولَّية‘‘ (‪ )John Hopkins School of International Studies‬في كتابه الذي‬
‫حمل عنوان ’’قوى الثروة‘‘ (‪ )Forces of Fortune‬حول بزوغ الاقتصادَّيات الكِّلَّية في الشرق الأوسط‪ ،‬واصًفا التركيبة السكانَّية‬
‫بأَّنها تتهاوى فقال‪’’ :‬في عام ‪٢٠٠٨‬م‪ ،‬بلَغ الناتُج المحِّلُّي الإ جمالُّي في أكبر خمس دوٍل في الشرق الأوسط وما حولها ‪٣.٣‬‬
‫تريليون دولار‪ -‬وهي ِم ْص ر وإيران وباكستان والسعودَّية وتركيا‪ .‬وتضُّم هذه الدول ‪ ٤٢٠‬مليوَن نسمة‪ .‬ويساوي هذا المعَّدل في‬
‫الناتج المحِّلِّي الإ جمالِّي حجم المعَّدل في الهند التي تضُّم ثلاَث أضعاِف عدد السَّكان‘‘‪ .‬ويضيُف أَّن العالم العربَّي وحَده‬
‫يضُّم أكثر من ‪ ٣٥٠‬مليون نسمة؛ أي ضعَف عدِد سَّكان البرازيل‪ ،‬كما أَّن فيه ناتًج ا محِّلًّيا إجمالًّيا يفوُق نظيَره في روسيا‬
‫ِّل‬
‫والهند‪ ،‬كما يمِّثُل ِض عَفي نصيب الفرد من الناتج المحِّلِّي الإ جمالِّي في الصين‪ .‬وقد شهَد الدخُل المتاح نمًّو ا بنسبة ‪٪٥٠‬‬
‫خلال السنوات الثلاث الماضية ليتجاوز المليار دولار في عام ‪٢٠١٢‬م‪ .‬إَّنها سوٌق يافعة‪ ،‬يصُل عدُد َم ن هم دون سِّن‬
‫الخامسة عشرة ما يزيد على ‪ ١٠٠‬مليون شخص‪ ،‬مَّم ن يعشقون التواصَل والأجهزة النَّقالة‪ .‬ففي العام ‪٢٠١١‬م‪ ،‬تجاَو َز معَّدُل‬
‫استخدام وسائل التواصل الاجتماعِّي ‪ ،٪٢٥‬ليشهَد بعَدها نمًّو ا بنسبِة ‪ ٪١٢٥‬في السنوات التالية‪ ١.‬تتمَّتُع المنطقة بسجٍّل‬
‫ريادٍّي حافل يعوُد إلى آلاف السنين‪ ،‬وقد صاَر طَّل اب الجامعة اليوم والخِّريجون والمهندسون يتوَّج هون نحو الشركات الريادَّية‬
‫والشركات الناشئة متوِّس طة الحجم بشكٍل أكبَر من أِّي وقٍت مضى‪ .‬حَّتى في الدول التي يواِج ُه اقتصاُد ها الكِّلُّي تحِّدياٍت‬
‫أكبر‪ ،‬فإَّن الريادة كانت ليس فقط مسألَة ابتكار‪ ،‬بل مسألُة بقاء‪.‬‬
‫إَّن هذا الجيَل الجديَد متعِّطٌش إلى المزيد من الابتكار‪ ،‬ويمكُن وصفه بمِّيزة واحدة يمكُن أن يشترَك فيها كُّل َم ن يتمَّتع‬
‫بفكٍر ريادّي ‪ :‬أَّن ثورَتهم كانت ليس فقط ُبغيَة الإ طاحة بنظام ديكتاتورٍّي طاَل حكمه‪ ،‬بل أيًض ا كانت اعتراًض ا على افتراض‬
‫جيِل آبائهم أَّن الأموَر لا يمكُن أن تتغَّير‪ ،‬وهم رفضوا الَّتسليَم بهذا الأمر‪ .‬قال لي مؤِّس س شركٍة من الأردّن ‪’’ :‬لماذا يجب‬
‫علينا ُقبوُل وظائَف عادَّيٍة في شركات كبرى تستغُّل مواهَب نا أو وظائَف في الحكومة‪ ،‬على فرض أَّنه يمكُننا العثوُر على مثل‬
‫تلك الوظائف؟‘‘ وأضاف‪’’ :‬في الحقيقة‪ ،‬لا أفهُم لماذا يقَب ُل والداي بمثل هذه الوظائف؟‘‘‪ .‬ومن المثير حًّقا أَّن أكثَر‬
‫المواضيع شيوًع ا والتي وردتني عبر البريد الإ لكترونِّي خلال ما ُيعَرف ِباْس م ’’الربيع العربّي ‘‘ وما تلاه من أحداث‪ ،‬كان الشعوَر‬
‫بالازدراء نحو كلمة ’’الاستقرار‘‘‪ .‬وقد كتب لي أحُد المديرين التنفيذِّيين المصرِّيين‪’’ :‬ليس الأمُر أَّننا لا نقِّد ُر الاستقراَر الذي‬
‫تنعم به معظم بيئات الأعمال الريادَّية الناجحة الذي هو أساُس ُوجودها‪ ،‬بل هو استخدام الأنظمِة والجيِل السابق كلمَة‬
‫«الاستقرار» بَوصِف ها ُع ذًر ا لُقبول أوضاٍع راهنٍة غير مقبولة‪ .‬بالَّتأكيد يمكُننا أن نحِّق َق أفضَل من ذلك‘‘‪.‬‬
‫ورغم الاضطراب وعدم ُوجود الِّنظام‪ ،‬فإَّن الأحداَث الأخيرة في توُنَس وِم ْص َر ودوٍل ُأخرى في المنطقة كانت كفيلًة بإقناع‬
‫هذا الجيل أَّن ما كان يبدو مستحيًل ا في يوٍم ما‪ ،‬صار اليوم سهَل المنال‪ .‬لقد ساهَم ِت الاحتجاجاُت والثوراُت في َتوحيد‬
‫فكرهم وقناعاتهم أَّن ما يقومون به اليوم هو جزٌء من الرسالة الوطنَّية والثقافَّية‪ .‬وقد بعَث إل أحُد الريادِّيين المصرِّيين برسالٍة‬
‫َّي‬
‫نِّص َّيٍة من ميدان التحرير خلال الاحتجاجات‪’’ :‬لطالما كنُت فخوًر ا بأِّني ِم ْص رّي ‪ ،‬ولكَّن هذه أَّوُل مَّر أحُّب فيها بلدي‪ .‬إَّن‬
‫ٍة‬
‫عملي هو عمُل ِم ْص ر‘‘‪ .‬وفي تغريدٍة على تويتر مؤَّخ ًر ا لريادٍّي آخَر قال‪’’ :‬سأظُّل أقوُل هذا باستمرار‪ :‬إَّن روَح الريادة لدى‬
‫الشباب هي أمٌر أساسٌّي جًّدا في إحداث تأثيٍر طويل الأمد في العالم العربّي ‘‘‪.‬‬
‫هذه هي الروُح الريادَّيُة التي يتمَّتع بها كُّل شاٍّب من مختلِف أنحاء الوطن العربّي ؛ فمنهم نساٌء ورجال‪ ،‬ومنهم ملتزمون‬
‫دينًّيا وإسلامُّيون‪ ،‬ومتعِّلمون ومثَّقفون وشباٌب وِكباُر السِّن مَّم ن ينحدرون من كِّل دول المنطقة‪ .‬ويسمو تفكيُرهم عن واقٍع يعُّج‬
‫بالمصاعب والتحِّديات التي تواِج ُه هم‪ ،‬وهم لا يعبأون بالَع َقبات السياسَّية ومدى توافر البنية التحتَّية‪ .‬إَّنهم ينظرون إلى التغيير‬
‫السياسِّي على أَّنه فرصٌة غير مسبوقة‪ ،‬وهو تأكيٌد على جهودهم المبذولة لإ حداث تغيير على مدى سنواٍت عَّدة‪ ،‬لذا فُه م‬
‫ُيطِلقون الِع ناَن لقَّوتهم الاجتماعَّية والاقتصادَّية الكفيلة بَوضع حجِر الأساس لشرٍق أوسط جديد‪ .‬وستكون هذه القوى كفيلًة‬
‫بالابتكار والتطوير والتغيير بمرور الوقت‪ ،‬وستعمُل على تنفيذ أهدافها بسرعٍة وشفافَّية من خلال التكنولوجيا التي سَتضُع‬
‫القيادات في َم وضع المسؤولَّية‪ .‬إَّن هؤلاء الريادِّيين ليسوا ساذجين؛ فهم يتوَّقعون ُح دوَث الإ خفاق والفشل‪ ،‬لكَّنهم على يقين‬
‫أَّنهم على المسار الصحيح‪.‬‬
‫والسؤاُل الأهُّم بالنسبة إلَّي هو هذا‪’’ :‬لماذا لا ينضُج الشرُق الأوسط ليصيَر قادًر ا على إطلاق الِع نان لحقبٍة جديدٍة من‬
‫الريادة والابتكار القائم على التكنولوجيا‪ ،‬والذي كان أهَّم العوامل التي أسهَم ْت بنجاٍح في تحفيز النمِّو وتوفير فرص العمل‬
‫حول العالم؟‬

‫في اليوم الثاني من فعالَّية الاحتفاء بالِّريادة‪ ،‬جلسُت في مقهى التواصل في مرَكز المؤتمرات في فندق ُج ميرا لاحتساء كوب‬
‫من قهوة ’’الكاپوتشينو‘‘ (‪ ،)Cappuccino‬بعد أن غادَر الشباب أصحاَب هواتف البلاكبيري (‪ )Blackberry‬وآي فون‬
‫(‪ .)iPhone‬إَّن دبي تجِّس د مزيًج ا غريًب ا بين المألوف والعادِّي من جهة‪ ،‬وكِّل ما هو مثير للَّدهشة من جهٍة ُأخرى‪ .‬ويحُض ُرني‬
‫هنا َقول صديقي الذي انتقَل مؤَّخ ًر ا للَع يش هناك‪ :‬تمِّثل دبي ’’جرعاٍت زائدًة من لاس ڤيغاس‘‘‪ .‬كُّل ما في هذه المدينة‬
‫جديٌد وفخم‪ ،‬وفيها كُّل وسائل الراحة والتنظيم كما في مدينة أميركَّيٍة جديدة‪ .‬تتأَّلُق المتاجر الغربَّية فيها بَلوحاٍت إعلانَّيٍة أنيقة‬
‫ُأوِص َلت بالهواتف النَّقالة وخطوط الطيران والفنادق الإ قليمَّية‪ .‬ويحظى أَح ُد الفنادق القريبة بإطلالٍة خَّل ابٍة على الخليج‪ ،‬ويتمَّيُز‬
‫بُوجوِد َم هبط للطائرات العمودَّية‪ ،‬وكأَّنه معَّلٌق في الهواء الَّطلق‪ ،‬وقد اسُتخِد َم في الحملات الإ علانَّية لمشاهيَر عالمِّيين مثل‬
‫تايغر وودز (‪ )Tiger Woods‬وهو ُيسِّد ُد َض ربًة بكرِة الغولف عند الحاَفة‪.‬‬
‫قبل أقَّل من عقَدين من الزمن‪ ،‬كان يحيُط بمرَكز المؤتمرات الذي ُتقام فيه فعالَّيتنا مساحاٍت شاسعًة من الصحراء‪ ،‬وكانت‬
‫هذه هي الحاُل بالنسبة إلى مناطَق عديدٍة ُأخرى من المدينة‪ .‬وخلال هذه الفترة‪ ،‬شهَد عدُد سَّكان دبي نمًّو ا إلى ما يزيُد‬
‫على مليوَني نسمة بعد أن كاَن يقَّد ُر بمئات الآلاف‪ ،‬وتبلُغ نسبة السكان الأصلِّيين نحو ‪ ،٪٢٠‬أَّم ا ما تبَّقى فيمِّثلون خليًطا‬
‫من عشراِت الجنسَّيات‪ .‬خلال فترة وجيزة‪ ،‬حَّقق هذا المجتمُع المتنِّوع في أعراقه وخلفَّياته النجاَح في بناء أضخم ناطحة‬
‫سحاٍب في العالم‪ ،‬ومجَّمِع تزُّلٍج داخلّي ‪ ،‬ومجموعِة ُجُز ٍر صناعَّيٍة تزخُر بمشاريَع سكنَّيٍة وڤلٍل فاخرة تظهُر بينما ُينَظُر إليها من‬
‫مستويات أعلى في الجِّو كأَّنها خريطُة العالم‪ .‬كان من الصعب‪ ،‬ورَّبما المستحيل‪ ،‬أن يجَد المرُء مطعًم ا مختًّص ا ُيقِّد ُم أطباًقا‬
‫محِّلَّية‪ .‬لقد أعَّد َم ن كنُت بِض ياَفتهم برناَمًج ا حافًل ا‪ ،‬حيث اصَطَح بوني‪ ،‬ولعَّدة َلياٍل ‪ ،‬لَتناُو ِل أشهى الأطباق الصينَّية والتايلندَّية‬
‫والفرنسَّية‪ ،‬ولن أنسى أَّول طبِق تشوراسكو (‪ )Churrasco‬أرجنتين أتناوُله منذ آخر زيارة لي إلى بويُنس آيرس (‪Buenos‬‬
‫ٍّي‬
‫‪ .)Aires‬دبي هي مدينُة ريادِة الأعمال‪ ،‬وُش ِّيدْت لتحتضَن أحلاَم الِّريادِّيين وتحِّقَقها‪ .‬وهذا ما جعَلها المكاَن الأمثَل لاحتضان‬
‫هذا الجمع الممَّيز‪.‬‬
‫إلى طاولٍة في الجانب المقابل‪ ،‬جلَس شاٌّب كويتٌّي لا تزاُل علامات الَّدهشة والُّذ هول على وجهه؛ فقد قام أكثُر من مليون‬
‫شخٍص بَتنزيِل تطبيقاِت ألعاٍب خاَّص ٍة بالهاتف النَّقال صَّمَم ها خلال العاَم ين الماِض َي ين لَتسلَي ته الخاَّص ة‪ .‬جلس هذا الشاُّب‬
‫مقابَل شاٍّب ريادٍّي يمنٍّي في التاسعة عشرة من عمره صاحَب فكرٍة في مجال القهوة‪ُ ،‬يصُّر أن ُينَّفذ كُّل جزٍء من العملَّية‬
‫الخاَّص ة بالقهوة (بما في ذلك التعبئة والتغليف‪ ،‬والتي َيعَه ُد معظُم المنتجين بها إلى الصين) في بلده وبأيدي أفراد مجتمعه‪.‬‬
‫انضَّم إلَّي الشاُّب السورُّي الذي يشبُه دي كاپريو لاحتساء الشاي‪ ،‬وهو يديُر شركًة تَّتخُذ من دمشق مقًّر ا لها‪ ،‬وهي تنتُج‬
‫الأفلاَم القصيرَة بتكلفٍة قليلة‪ ،‬وإخراٍج ُم تَقن للِّتلفاز والإ نترنت والأجهزة النَّقالة ووسائل التواصل الاجتماعّي ‪ .‬كنُت مَّتِج ًه ا إلى‬
‫إحدى الجلسات‪ ،‬حين اعتَرَض ني شاٌّب لطيٌف ‪ ،‬ممتلُئ الجسم‪ ،‬برأٍس أصلَع ‪ ،‬مصرُّي الجنسَّية وفي الثلاثينَّيات من عمره‪.‬‬
‫طَّوَر هذا الشاُّب تكنولوجيا لمزج الهواء ومياه الاستحمام وتخفيض استهلاك المياه بشكٍل كبير‪ ،‬وهو أمٌر ُيعُّد ميزًة ضرورَّيًة في‬
‫الشرق الأوسط‪ .‬أخرَج بطاقَته المهنَّية (‪ ،)Business card‬والتي كنت قد تلَّقيُت ما يزيد على ‪ ١٠٠‬منها في َيومَي الأَّول‪،‬‬
‫وطلَب مِّني أن نلتقَي في ما بعد لأستمَع لَع رٍض َح وَل فكرته‪ ،‬ولنتحَّدَث بكيفَّية الحصول على براءة الاختراع‪ .‬ولم أعثْر على‬
‫تلك الشاَّبة السعودَّية صاحبِة فكرِة الشاحن الفاخر ضمن الحشود‪ ،‬والتي كانت النساء صاحبات الأفكار الريادَّية يشِّكلَن‬
‫أكثَر من ُثلِث الحضور‪.‬‬
‫في أثناء تجوالي في الممَّر ات الطويلة المكتَّظة بُص فوٍف من الشباب‪ ،‬لاحظُت الطاقَة التي يملُكها كٌّل منهم‪ :‬فمنهم َم ن‬
‫يرتدي بذلًة رسمَّية‪ ،‬وبعُض هم يرَتدون الجينز‪ ،‬ومنهم َم ن جاء بلباسه التقليدِّي ووشاح الرأس‪ ،‬وكُّلهم مندمجون في حديٍث‬
‫ُم فَع م بالحيوَّية‪ ،‬أو منشغلون بأجهزتهم النَّقالة‪ ،‬فقد ُطرَح ْت أسئلة عبر رسالٍة نِّص َّية حول كِّمَّية المال التي يمكُن أن يجمَع ها‬
‫أَح ُد أصحاب الشركات‪ ،‬وسأل آخر عن الوقت والطريقة المناسَب ين لُيعِّيَن ريادٌّي طاقَم العمل الخاَّص بفكرته‪ ،‬التي تتضَّم ن‬
‫إرسال الوثائق واستقبالها بأماٍن عبر الحاسوب والأجهزة النَّقالة‪ ،‬وذلك قبل البدء بعملَّية البيع‪ .‬وآخُر يسأل عن الشروط‬
‫والأحكام المنطقَّية التي ُتتيُح له َطْرَح التكنولوجيا التي طَّورها لَتحديِد الُه ِوَّية من خلال َقزحَّية الَع ين في المطارات‪ .‬جميُع هم‬
‫يشتركون في المخاوف نفسها‪ :‬هل أملك الوقَت الكافي؟ هل سأنجح في إتمام صفقاٍت تجارَّيٍة ناجحة؟ ماذا لو فشلت؟‬
‫لدى َع ودتي إلى الولايات المَّتحدة‪ ،‬كتبُت مقالًة موَّج هة إلى مديرَّي السابقين في صحيفة ذا واشنطن پوست تضَّم نْت‬
‫َو ْص ًفا لما شاهدُت ‪ .‬وكانت رَّد ة الفعل الذي َح ظيُت بها َح وَل هذه المقالة الأعظم والأكثر إثارًة من أِّي شيء كتبُته في‬
‫السابق‪ .‬فقد سأَلني خبراء في اقتصادَّيات الشرق الأوسط وسياساته من شركات فكرَّية رائدة‪ ،‬وأصحاب رؤوس أموال‬
‫ومستثمرين في شركات عالمَّية ناجحة إن كان ما رأيُته توُّجًه ا واسَع النطاق ومستداًم ا‪ .‬كما كتب عدٌد كبيٌر من الأشخاص‬
‫من المنطقة رسائَل شكٍر وتقديٍر على هذه المقالة‪ ،‬وكانوا جميًع ا يرِّد دون بصياغٍة ما تشِبه ما كتَب ه أَح ُد الريادِّيين من رام الله‬
‫في ِفَلسطين‪’’ :‬وأخيًر ا‪ ،‬ظهَر َم ن يحكي قَّص تنا‘‘‪.‬‬
‫ويبدو أَّن وزارَة الخارجَّية الأميركَّية هي الُأخرى كانت مهتَّم ًة بالموضوع؛ فبعَد نحو شهٍر من نشِر المقالة‪ ،‬تلَّقيُت دعوًة من‬
‫البرنامج الريادِّي للمبادرة العالمَّية لأعوَد إلى القاهرة‪ ،‬وأنضَّم إلى لجنة التحكيم في أولى منافساِت الشركات الناشئة التي ُتعَقُد‬
‫هناك‪ .‬كان زملائي في لجنة التحكيم أوستن ليُغن (‪ )Austin Ligon‬الريادَّي البارَز مؤِّس س شركة كار ماكس (‪،)CarMax‬‬
‫وَس ث غولدشتاين (‪ ،)Seth Goldstein‬وهو من أصحاب الشركات الريادَّية المعروفين والبارزين في سيليكون ڤالي ونيويورك‪،‬‬
‫وصاحب أحِد المدَّونات المشهورة‪ ،‬وقد أَّس َس أحَد أهِّم مواقع الموسيقا الجديدة‪ :‬دي جاي زي (‪ ،)DJZ‬وفيصل سهيل‪،‬‬
‫أحد المستثمرين في رأس المال المغامر في پالو ألتو‪ ،‬كاليفورنيا‪ ،‬والمستثمر البارز في القطاع المصرفِّي في نيويورك‪ ،‬كما‬
‫حضَر المنافسَة خبراء وأساتذٌة في تكنولوجيا المعلومات من إدارة معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا (‪ )MIT‬وغيرهم من‬
‫المستثمرين في الأسواق الناشئة‪ ،‬يجمُع هم الاِّطلاع من خلال السفر‪ ،‬وكانوا يَر ون دلائَل على حدوث أشياَء جديدٍة في‬
‫المنطقة‪ .‬وقد كانت لدى معظمهم خبرًة استثمارَّيًة ناجحة في العديد من الشركات الريادَّية في أسواٍق ناشئة‪ ،‬ذاِت بنيٍة تحتَّية‬
‫مختلفة‪ ،‬وفساٍد وعوائَق ثقافَّية‪ .‬وعلى مدى أربعة أَّيام‪ ،‬اَّطلعنا على ‪ ٣٢‬عرًض ا تقديمًّيا لنختاَر فائَزين من الشركات التي‬
‫اشتمَلت على تطبيقاٍت للإ نترنت والهواتف النَّقالة والأجهزة من جميع أنحاء ِم صَر ‪ ،‬ليتكَّرَر بقَّو ٍة المشهُد الذي رأيُته في دبي‪،‬‬
‫لكْن في القاهرة هذه المَّرة‪.‬‬
‫أوَح ْت لي التجِربُة في ‪ ١٧‬يناير‪/‬كانون الثاني ‪٢٠١١‬م‪ ،‬أَّن ثورَة الشركات الريادَّية الوليدة في المنطقة ترتبُط بشكٍل وثيٍق‬
‫بشيٍء ما أكبر‪ .‬فبعَد انتهاء المسابقة‪ ،‬وَّد عُت زملائي الحَّكاَم في القاهرة وتوَّج هُت إلى دمشق‪ -‬المدينة التاريخَّية ذات الطابع‬
‫الخاِّص في ما يخُّص الريادة والابتكار‪ .‬فرغم القيود التي تفرُض ها الحكومُة على استخدام البيانات عبر الهاتف النَّقال ووسائل‬
‫التواصل الاجتماعّي مثل فيسبوك‪ ،‬كان الشباُب الريادُّيون يسِّخ رون التكنولوجيا لاستخداماتهم‪ .‬فعندما كنُت أسيُر بمحاذاة‬
‫مكتب الاستقبال في الفندق الدافئ والأنيق‪ -‬وهو واحٌد من ‪ ٦٥‬فندًقا افُتِتَح ْت مؤَّخ ًر ا‪ -‬كنُت ألَتقي شَّباًنا يتفَّقدون صفحاتهم‬
‫على الفيسبوك‪ .‬ويحُض ُرني َقوُل أَح ِد مؤِّس سي شركة إعلاناٍت على الإ نترنت قال‪’’ :‬القوانين مزعجة فعًل ا‪ ،‬لكَّننا دائًم ا َنجُد‬
‫الوسيلة‘‘‪ .‬التقيُت في ذلك المساء عدًد ا من الشباب الريادِّيين السورِّيين إلى جانب مجموعٍة من المديرين التنفيذِّيين لاحتساء‬
‫المشروبات في فندق الفور سيزونز (‪ )Four Seasons Hotel‬ذي الطراز الحديث القابع أسفل التلال‪ ،‬والذي يبعد بضعة‬
‫كيلومترات عن دمشق القديمة‪ .‬كانت منطقة المطعم مزدحمًة بحشٍد من المديرين التنفيذِّيين من دول عديدة‪ ،‬اندمجوا في‬
‫حديٍث صاخٍب عن مصالحهم وصفقاتهم‪ .‬ثَّم خَّيَم الصمُت على المكان‪ ،‬حيث بدأ الجميع‪ -‬وفي وقٍت واحد‪ -‬يتصَّفحون‬
‫هواتَفهم بَدهشة‪ .‬لم تتجاوْز فترُة الصمت ثوانَي معدودة‪ ،‬لكَّنها بدت دقائق‪ .‬ثَّم عاَو َد الجميُع الحديَث ثانيًة مرِّد دين الجملَة‬
‫نفَس ها و ِبُلغاٍت مختلفة‪’’ :‬لقد رحل‪ ،‬حًّقا رحل‘‘‪.‬‬
‫استقَّل زين العابدين بن علي طائرًة وغادَر توُنس إلى الأبد‪ ،‬وهو الديكتاتور الذي حكَم البلاَد لأكثَر من عقَدين من الزمن‪.‬‬
‫وخلال دقائق‪ ،‬وصَلْتني رسالٌة من غندور يقوُل فيها‪’’ :‬هذا أعَظُم ما يحُدُث في المنطقة‪ .‬راِقِب الأحداَث من كثب؛ فهي‬
‫أهُّم بكثيٍر من اجتياح العراق‪ ،‬ومن الحرب العربَّية الإ سرائيلَّية عام ‪١٩٦٧‬م‪ .‬إَّن الشعوَب تسعى إلى التغيير‪ ،‬وهذا الحدُث‬
‫سُيغِّير مجرى الأحداث في كِّل مكان‘‘‪ .‬قبل هذه الواقعة ببضعِة أسابيع‪ ،‬أقدَم شاٌّب متعِّلم‪ ،‬لا يملك وظيفة‪ ،‬ولديه بعض‬
‫الآفاق الاقتصادَّية‪ ،‬على إشعال الناِر بجسمه احتجاًج ا على تكبيده غرامًة مالَّيًة لمجَّرد أَّنه حاوَل َو ْض َع عربٍة لَب يع لفاكهة دون‬
‫تصريح‪ .‬وأَّدْت هذه الحادثُة إلى تصعيد الأمور لينتَج عنها ما سمعناه للَّتّو ‪ُ .‬أصيَب جميُع الحاضرين في هذا المكان بالهلع‬
‫لمجَّرد التفكير في أَّن احتجاًج ا بسيًطا في ظاهره‪ ،‬أَّد ى إلى هذه النتائج! لقد بدا كُّل شيء ممكًنا!‬
‫بعد هذا الحدث بيوَم ين‪ ،‬عدُت إلى القاهرة للمشاركة في َد عوِة عشاٍء أخيرٍة قبل العودة إلى الولايات المَّتحدة‪ .‬وجلس‬
‫معي إلى الطاولة نخبٌة من رجال الأعمال المخضَرمين في الأربعينَّيات من العمر أو رَّبما أكثر‪ ،‬وبعُض المسؤولين الحكومِّيين‪،‬‬
‫بعضهم ممِّثلون عن السفارة الأميركَّية واثنين من الريادِّيين الشباب كانوا من بين المشاركين في المسابقة‪ .‬كانت توُنس هي‬
‫محوَر حديِث الأمسَّية‪ .‬فقال لي أَح ُد المسؤولين الأميركِّيين‪’’ :‬لا شَّك أَّن هذه تطُّوراٌت كبيرٌة جًّدا‘‘‪ .‬ثَّم استطرَد قائًل ا‪:‬‬
‫’’ولكَّن توُنَس ليَس ْت ِم ْص ر‪ .‬ومبارك ليس بن علي‪ .‬لن يسمَح الجيُش بحدوِث أمٍر كهذا بتاًتا‘‘‪ .‬اسَتدرُت نحو الشاَّبين‪،‬‬
‫فانحنى أحُدهما وقال‪’’ :‬لسُت أدري‪ ،‬فرَّبما يكونون على حّق ‪ .‬لكِّني لسُت متأِّكًدا لماذا نحن مختلفون إلى هذا الحّد ‘‘‪.‬‬
‫خلال شهٍر واحد؛ وبعَد ‪ ١٨‬يوًم ا من الاحتجاجات‪ ،‬تنَّح ى مبارك عن منصبه رئيًس ا للجمهورَّية‪ .‬وبعد عام‪ ،‬كان يقضي‬
‫عقوبَة السجن مدى الحياة في سجٍن مصرٍّي وسط شائعاٍت َح ول َم و ِته الوشيك‪.‬‬

‫سورية هي الُأخرى تحذيٌر آخر‪ .‬فهذا البلد يملُك مواهَب تنافسَّيًة عالمَّية‪ ،‬كما أَّن فيه شغًفا وحماسًة تقمُع ها سيطرُة‬
‫الحكومة‪ ،‬واليوم هي ضحَّيٌة لحرٍب طاحنة بين النظام ومعارضيه‪ .‬معظم الشباب الموهوبين وأصحاب الفكر الريادِّي من‬
‫المبتكرين الذين قابلُتهم هناك غادروا إلى دبي أو إلى دوٍل ُأخرى في المنطقة‪ ،‬أو اختبأوا بعيًدا عن الأعُين‪ ،‬أَّم ا البعُض الآخر‬
‫فقد لقَي حتَفه‪ .‬ويبدو أَّن مشهَد الحرب الأهلَّية والعنف الطائفِّي الذي يتوَّقُع ه عدٌد من الأشخاص في الغرب بات غالًب ا على‬
‫المشهد‪ ،‬وقد بدأ يؤتي ُأُكَله الآن‪ ،‬ولكِّني لا أراهُن على استمرار هذا الوضع بمرور الوقت‪.‬‬
‫قال لي الكاتُب وخبير السياسة العالمَّية پاراغ خانا (‪ )Parag Khanna‬في أثناء جلسٍة مطَّولٍة من بعد ُظْه ر أَح ِد أَّيام ربيع‬
‫العام ‪٢٠١٢‬م‪’’ :‬وجدُت تاريخًّيا أَّنه على المدى الطويل‪ ،‬عندما تصبُح المجتمعات أمام ِخ ياَرين بين تقرير مصائرها بنفسها أو‬
‫الانتحار الجماعّي ‪ ،‬فإَّن المراَه نة على الانتحار الجماعي ليَس ْت بفكرٍة جِّيدة‘‘‪ .‬يعرُف هذا الرجُل بالَّض بط ما يتحَّدُث بشأنه‪،‬‬
‫لا سَّيما أَّنه عاش في عَّدة أماكن وسافَر إلى بقاع كثيرٍة من العالم‪ ،‬فهو ُيمضي ‪ ٣٠٠‬يوم من السنة مرَتحًل ا‪ .‬وتكاُد أن تكوَن‬
‫كتُبه مثل كتاب ’’العالم الثاني‘‘ (‪ )The Second World‬أشَب ه بقواعَد يتبُع ها عالم الشركات الناشئة‪ ،‬وهي تلعُب َد وًر ا حيوًّيا‬
‫على مستوى العالم‪ .‬ثَّم تابَع وهو يحِّدُق إلَّي ‪’’ :‬إَّن ما َيفَش ُل الكثيرون في َفهِم ه هو أَّن العوائَق النفسَّية بدأت تتلاشى في‬
‫جميع أنحاء العالم‪ .‬وباتْت مؤامراُت الحرب الباردة التي توارَثها المجتمع‪ -‬ولا سَّيما في مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا‬
‫الَّل اتينَّية‪ -‬تثمُر عن توُّقعاٍت جديدٍة في الاعتماد على النفس‘‘‪ .‬ثَّم أضاَف مبَتِس ًم ا‪’’ :‬عندما لا تنظُر إلى نفسك أَّنك أحَد‬
‫البيادق في معركة القوى العظمى‪ ،‬أو أَّن الُّلعبَة َم غشوشة‪ ،‬فلا بَّد أن ترغَب في الارتقاء وُم ضاَع فِة َج هدك‘‘‪.‬‬
‫من الواضح أَّن أمًر ا ما يسيُر على قدم وساق؛ حيُث يحظى قادُة الأعمال والاستثمارات والسياسة في المنطقة والعالم‬
‫بفرٍص تاريخَّية‪ ،‬ورَّبما غيِر مسبوقة‪ ،‬لاحتضان هؤلاء الريادِّيين الشباب بَوصِف هم استثماًر ا جِّيًدا ضمَن عالم أكبَر بكثير‪ .‬وفي‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬يمكُنهم َتبِّني هؤلاء المبتكرين والمجازفين واحتضانهم نظًر ا إلى الَّدور الحيوِّي الذي يلعبوَنه في المجتمعاِت‬
‫والاقتصادَّيات الجديدة في الشرق الأوسط‪ .‬فلدى هؤلاء الشباب القدرُة على العمل جنًب ا إلى جنٍب مع جيٍل جديٍد يعمُل‬
‫دون كلل‪ ،‬ويلتزُم تقديَم مساراٍت وتوُّج هاٍت جديدٍة من أجل حياٍة مختلفٍة وأفضل حاًلا‪ .‬وتقوم دعائُم التشجيع نحو هذه‬
‫الحقبة الجديدة لريادة الأعمال في العالم العربِّي على ُأسٍس من الابتكار العالمِّي الآتي من الشرق الأوسط وإليه‪.‬‬
‫أظُّن شخصًّيا أَّن البدايَة الحقيقَّية لتاريخ الشرق الأوسط الحديث كانت في المؤتمر الذي ُع ِق د في دبي‪ .‬فُرغَم عدم ُوجود‬
‫تأكيٍد على النجاح الاقتصادِّي في هذه المدينة‪ ،‬فإَّن ُظهوَر جيٍل جديٍد من ريادِّيي الأعمال هو أمٌر لا يمكُننا تجاُه ُله‪.‬‬
‫اَّتخذُت قراري بَتكريِس عاٍم من حياتي لاكتشاف نقاِط القَّوة والمعِّوقات التي تواجه بيئات الأعمال الناشئة في المنطقة‬
‫ودراستها‪ ،‬بهدف تسليِط الَّض وء على بعض الآلاف من الشباب الريادِّيين‪ .‬فهؤلاء الشباب يبَتِكرون ليس فقط شركاٍت محِّلَّيًة‬
‫وإقليمَّيًة وعالمَّية‪ ،‬بل يعَم لون أيًض ا على تخِّطي التحِّديات الاجتماعَّية وافتقارهم إلى البنية التحتَّية‪ .‬أردُت التوُّص ل إلى َفْه ٍم‬
‫أفضَل للقوى المرتبطة ِبَدوِر المرأة والِّدين بين هؤلاء الريادِّيين‪ ،‬كما أردُت أن أعرَف المزيد عن سبب ُوجوِد العديد من‬
‫شركات التكنولوجيا العالمَّية العملاقة في المنطقة في مثل هذا الوقت الذي تسيطُر فيه حالٌة من الشِّك وعدم اليقين‪ .‬أرجو أن‬
‫يساعَد هذا الكتاُب على تشجيع الآخرين على َتسليِط الَّض وِء بشكٍل أكبر على هذا التغيير التاريخِّي الذي تعيُش ه المنطقة‪،‬‬
‫لَي حظى ريادُّيو الأعمال بإعجاٍب أكبر‪ -‬كما حصل معي‪ -‬ولتعزيز الوعي بالفرص غير المسبوقة التي نراها في العالم العربّي ‪.‬‬
‫أوُّد التأكيَد على أَّن كتاب ’’نهضة الشركات الناشئة‘‘ يتيُح المجال للتحِّدي‪ .‬لقد كان محَوُر تركيزي هو العالَم العربّي ‪-‬‬
‫ِم صر والأردّن ولبنان والسعودَّية ودبي‪ -‬ولكْن هذا لا يعني أِّني أتجاهُل ُوجوَد نشاٍط مماثٍل في أسواٍق ُأخرى سواٌء في الإ مارات‬
‫الُأخرى أم شمال أفريقيا أم منطقة الخليج أم تركيا أم حَّتى إيران‪ .‬أَّم ا بيئة الأعمال للشركات الناشئة في إسرائيل‪ ،‬فقد ُس ِّلَط‬
‫الَّض وء عليه في كتاب دان َس ُنر (‪ )Dan Senor‬وشاول سنغر (‪ )Saul Singer‬بعنوان ’’ُأَّم ُة الشركات الناشئة‘‘ (‪،)Start-up Nation‬‬
‫وكذلك في دراساٍت وبحوٍث ومقالاٍت عديدٍة ُأخرى‪ .‬وعلى الُّرغم من ذلك‪ ،‬فقد يجادُل المثَّقفون في الشرق الأوسط وعلماء‬
‫السياسة‪ ،‬أَّن ما رأيُته لا يمِّثل إَّلا جزًءا يسيًر ا من المجتمع العربّي ‪ ،‬وهو مجَّرُد عرٍض جانبٍّي أمام القوى السياسَّية التقلَّيدية في‬
‫المنطقة‪ .‬أَّم ا الاقتصادُّيون والخبراء المتخِّص صون بالأسواق الناشئة فسَيَر ون أَّن ريادَة الأعمال في مجال التكنولوجيا لا يمكُن‬
‫أن تخلَق فرَص عمٍل كافيًة إقليمًّيا وبالسرعة المطلوبة‪ ،‬ناهيك بالَّتنافس عالمًّيا مع مجتمعات أكثَر انفتاًح ا في الغرب‪ .‬أَّم ا‬
‫المستثمرون الناجحون في الأسواق الناشئة‪ ،‬فقد يجاِد لون أَّن هناك ِرهاناٍت أكثُر أماًنا في ُد َو ٍل ناميٍة ُأخرى‪ ،‬وقد يكونون‬
‫جميًع ا على َح ّق ‪ .‬لكَّن عليهم إعادَة النظر‪.‬‬
‫لا أحاوُل هنا قراءَة المستقبل‪ ،‬لكِّني آمُل فقط أن أتحَّدى السيناريو التقليدَّي في الشرق الأوسط في َض وء التطُّورات التي‬
‫َّط‬
‫ُتتيُح استخدام التكنولوجيا بشكٍل مَّطِرد‪ .‬في الماضي‪ ،‬كان السعُي إلى الصدارة وتحقيق الإ نجازات أمًر ا سهًل ا يبعث على‬
‫الأمن والطمأنينة؛ ولكَّنه قاَد بعَض العقول العظيمة إلى التنُّبؤ بشأِن قَّوة َم وقِف مبارك‪ ،‬قبل مجَّر ِد أسابيَع من سقوطه‪ .‬وكما قال‬
‫صاحُب البصيرة النافذة الرائد في عالم السَّيارات‪ ،‬هنري فورد (‪’’ :)Henry Ford‬لو كنُت أستمُع للُّس وق بكِّل وعٍي في ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬لَص نعُت أسرَع حصان‘‘‪.‬‬
‫ولَتوضيح التباُين ما بين ُوجود هؤلاء الريادِّيين والأحداث المضطربة وغير المستقَّرة في القاهرة وبغداد وحلب‪ ،‬يحُض ُرني َقوُل‬
‫أحِد أصحاب البصيرة النافذة‪ ،‬وهو من أصٍل سورّي ‪ ،‬الراحل ستيڤ جوبز (‪ ،)Steve Jobs‬فقد قاَل ضمَن سياٍق مختلف‪:‬‬
‫‪٢‬‬
‫’’نحن لا نعرُف إلى أين سيقودنا‪ .‬كُّل ما نعرُفه‪ ،‬أَّن هناك أمًر ا أكبَر جًّدا من أِّي واحٍد مَّنا‘‘‪.‬‬
‫* الحروف الأولى للاسم الإ نكليزيِّ ’’‪( ‘‘Youth Presidents Organization‬الناشر)‪.‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫تخِّط ي العوائق‪’’ -‬الريادة‪،‬‬


‫ليست جديدة على الشرق الأوسط‘‘‬

‫ُيمكُن تلخيُص إحدى أكبر العقبات للِّريادة والابتكار في الشرق الأوسط بكلمٍة واحدة‪’’ :‬النفوذ‘‘‪ ،‬أو ما ُيسَّم ي بالَّلهجة‬
‫العاِّمَّية ’’الواسطة‘‘‪ ،‬والتي قد تشِّكُل حاجًز ا أماَم المِض ِّي ُقُد ًم ا في هذه المنطقة من العالم‪.‬‬
‫كنُت قد سمعُت هذه الكلمة أَّوَل مَّر ٍة عندما زرُت الجامعة الأميركَّية في بيروت‪ ،‬وهي حرٌم جامعٌّي كبيٌر محاٌط بالأشجار‪،‬‬
‫يقُع على منحدٍر جميٍل يطُّل على البحر‪ ،‬ويضُّم أكثَر من ‪ ٦٠‬مبًنى جَّذ اًبا وعصرًّيا وصديًقا للبيئة‪ .‬يستحضُرك وأنت هناك پالو‬
‫ألتو‪ ،‬كاليفورنيا‪ ،‬أو كيپ تاون (‪ ،)Cape Town‬جنوب أفريقيا‪ .‬والمفارقة أن أكوَن قد تعَّلمُت هذه الكلمة هناك‪ .‬من الصعب‬
‫تفهَم أسباب اندلاع الحرب الأهلَّية في لبنان‪ ،‬واحتدامها خارج أسوار تلك الجامعة لعقَدين من الزمن‪ ،‬لتترَك بصمًة طائفَّيًة‬
‫ُتشِّكُل جزًءا كبيًر ا من حياة الطَّل اب الجامعَّية اليوم؛ فلطالما كانت هذه الجامعة َم نَه ًل ا لَتباُد ِل وجهات النظر المختلفة‬
‫والتفكير المستقّل ‪.‬‬
‫تأَّس سِت الجامعُة الأميركَّية في بيروت منتصف القرِن التاسَع عشَر على يد مرَس لين أميركِّيين‪ ،‬وما زال هذا الصرُح ُيعُّد أَح َد‬
‫أبرز المؤَّس سات التعليمَّية في المنطقة والعالم‪ .‬وقد واصَلِت الجامعُة فلسفَتها التعليمَّيَة في التركيز على تعليم الآداب الحَّرة‪،‬‬
‫ولكَّنها أيًض ا تحتُّل مكانًة متمِّيزًة لما توِّفره من برامَج تعليمَّيٍة متمِّيزٍة في تخُّص صات الطِّب والهندسة‪ ،‬ومؤَّخ ًر ا إدارة الإ عمال‪.‬‬
‫وما يزال الشعاُر الذي يمِّيزها منقوًش ا على بَّو اباتها بالُّلغة اللاتينَّية‪’’ :‬لتكوَن لهم حياة‪ ،‬ويكون تلك الحياة بَفيض‘‘‪ .‬تزامنت‬
‫زيارتي للجامعة مع حملِة تغييِر ُه ِوَّيتها المؤَّس سية تحت الشعار الجديد ’’القيادة والتحُّول‘‘ الذي رَّبما يكون منَس ِج ًم ا مع‬
‫الثورات العربَّية‪.‬‬
‫كان الهدف من زيارتي إلى الجامعة هو لقاَء رئيسها پيتر دورنان (‪)Peter Dornan‬؛ وهو باحٌث رائٌد في شؤون الشرق‬
‫الأدنى‪ ،‬وله مكانُته المرموقة في جامعة شيكاغو‪ .‬رَّتَب الرئيس دورنان موعًدا لي‪ ،‬لُأمضَي بعَض الوقت برفقة بعض أعضاء‬
‫الهيئة التدريسَّية في كِّلَّية إدارة الأعمال‪ ،‬ولكَّن ما استرعى انتباهي فعًل ا هو جلسُة الحوار التي حظيُت بها مع مجموعٍة من‬
‫طلبة البكالوريوس لاحًقا من جميع أنحاء المنطقة وكاَّفة التخُّص صات‪ ،‬وقد حاَو روني بكِّل احتراٍم ولباقة‪ ،‬وحَّدثوني بشأن‬
‫تطُّلعاتهم وأحلامهم وأهدافهم‪ ،‬لكْن ما إْن سألُتهم عن تطُّلعاتهم‪ ،‬وَم ن منهم ينوي العمَل في لبنان‪ ،‬لاحظت َتحُّوًلا في نبرة‬
‫الصوت‪ ،‬وإجابًة لا َتُنُّم إَّلا عن التعبير بالَّرفض‪.‬‬
‫كان الَّرد الذي تلَّق يُته واحًدا‪’’ :‬لا‘‘‪.‬‬
‫’’الواسطة!‘‘‬ ‫فسألُتهم عن السبب باندهاش‪ ،‬ليكوَن الرُّد بصوٍت واحد مَّر ًة ُأخرى‪:‬‬
‫رأيُت نظراِت الشِّك حول ما إذا كنُت قد سمعُت هذه الكلمة من قبل‪ ،‬وإْن كنُت أعرُف معناها‪.‬‬
‫وفي الواقع‪ ،‬كان هذا المفهوُم مألوًفا لي‪ ،‬فقد سمعُته سابًقا‪ .‬وأقرُب تعريٍف له هو ’’إظهار التحُّيز لمجموعة من الأشخاص‬
‫أو شخٍص ما دون الأخذ في الحسبان أَّية مؤِّه لاٍت يملُكها هذا الشخص‘‘‪ .‬ولكَّن هذه الترجمة الحرفَّية لا تعكُس‬
‫الانفعالات والأحاسيس الحقيقَّية التي تسَتثيُرها هذه الكلمة بين أوساط جيل الشباب‪ .‬فقد كان كُّل طالٍب ُيعطي مثًل ا من‬
‫واقعه حول تأثير هذا المصطلح في حياته‪ ،‬وهذا يشَم ُل جوانَب كثيرة‪ ،‬منها الحصول على تدريٍب صيفٍّي أو مقاَبلِة عمل أو‬
‫حَّتى في إنجاز معاَم لاِت التصاريح التنظيمَّية‪ -‬كُّلها تتوَّقُف على معارفك أو معارف والديك أو معِّلميك‪ ،‬وحسب الخدمات‬
‫التي يمكُنهم توفيرها لاحًقا لقاَء تلبية هذا الطلب‪ .‬وإْن زاَد ْت أهِّمَّية الطلب‪ ،‬فقد يصُل الأمُر حَّد الِّرشوة الصريحة أو التهديد‪.‬‬
‫أخبرني أَح ُد المصرفِّيين الطموحين مفِّس ًر ا‪’’ :‬لا يتوَّقُف الأمُر فقط عند َفْتح أبواِب الفرص أمامك‪ ،‬بل الأدهى من ذلك أَّنه‬
‫بعد التحاقَك بعمٍل ما‪ ،‬فإَّن هذا يعني أَّنك تدُخ َل ضمن هرٍم وظيفٍّي يضُّم أشخاًص ا يعَم لون في مستوياٍت مختلفة‪ ،‬ليس‬
‫بسبب مؤِّه لاتهم وكفاءتهم‪ ،‬بل بسبب «الواسطة»‪ .‬هل هذا أفضل ما يمكُن أن نفعُله؟‘‘ ثَّم طلَب مِّني أن ُأجرَي تجِربًة‬
‫خلال رحلاتي‪ ،‬فإذا سَّبب لي أَح ُدهم العناء‪ ،‬فكُّل ما علَّي فعُله هو الَّتظاُه ُر بالاِّتصال مع أَح ِد هم من أصحاب النفوذ على‬
‫هاتفه النَّقال‪ .‬وبحسب ما قاَله لي صديقي المصرفّي ‪ ،‬فإَّن َم ن سَّبب لي العناء سيتراَج ُع ‪ ،‬تحُّس ًب ا أن أكون على صلٍة حًّقا‬
‫بأَح ٍد من ذوي النفوذ‪.‬‬
‫من السهل أن تلفَت انتباَه َك الطاقاُت الكامنة للشركات الناشئة في الشرق الأوسط‪ ،‬لكَّن من المستحيل أن تتغاضى عن‬
‫تأثير الواسطة والفساد المتَغلِغ ل في بيئة العمل‪ ،‬وهناك العديد من الكتب التي استعرَض ْت تعقيداِت الاقتصادات الإ قليمَّية‪،‬‬
‫ولكِّل َد ولٍة تاريُخ ها وتجِرَبُتها الفريدة‪ ،‬إَّلا أَّنها جميعها‪ -‬سواء كانت دولًة منتجًة للَّنفط من دول الخليج بقيادة الشيخ الذي‬
‫يمِّثل رئيس الدولة‪ ،‬أم نظاًم ا دكتاتورًّيا مستبًّدا أم معتدًلا‪ -‬تشترُك تاريخًّيا باستغلال الواسطة‪ ،‬لتجَد سبًل ا للُوصول إلى مصادر‬
‫رأس المال‪ ،‬ولُتحِكَم َس يطرَتها على المشهد السياسّي ‪ .‬وقد ظَّلْت هذه الأنظمة في الحكم‪ ،‬لعقوٍد من الزمن‪ ،‬تسمُح لنخبٍة‬
‫قليلٍة من المجتمع بَج ْم ع الثروة‪ ،‬والحِّد من ُوصول الآخرين إلى رؤوس الأموال‪ .‬وَو فَق ما أخبَرني أَح ُد المستثمرين‪’’ :‬ساهَم‬
‫الَّنفط في تفاُقم الوضع‘‘‪ ،‬وأضاف متسائًل ا‪’’ :‬ما الدوافُع التي تحفُز على تنويع قطاعات الأعمال بعيًدا عن قطاَع ِي النفط‬
‫والتجارة؟ وما الدافُع الذي يحِف ُز القَّلة من أصحاب الثروة إلى مشاركة الآخرين؟‘‘ توَّقَف لُبرهٍة‪ ،‬ثَّم تابع قائًل ا لي‪’’ :‬أنا لا أبِّرُر ‪،‬‬
‫ولكَّننا عندما نسَتعرُض التاريخ‪ ،‬فإَّننا نرى أمثلًة عديدة‪ .‬فقبل الحرب العالمَّية الثانية‪ ،‬كانت اليابان وأوروپا رَّو اًد ا في التصنيع‬
‫والإ نتاج‪ ،‬أَّم ا بعد الحرب العالمَّية الثانية‪ ،‬عمَلِت الولايات المَّتحدة‪ ،‬وعلى مدى عقوٍد ‪ ،‬عل ضِّخ ملياراِت الدولارات من أجل‬
‫تنويع اقتصادات هذه الدول‪ ،‬أَّم ا نحن‪ ،‬فما نزاُل مجموعًة من البدو حَّتى بعد الحرب!‘‘‪.‬‬
‫ويمكُن ترجمة الآثار الناجمة عن هذه السياسات من الناحية الاقتصادَّية كما يلي‪ :‬بينما تنحصُر حَّص ة الدخل ضمن‬
‫نسبة ‪ ٪٢٠‬من تركيز الثروة‪ ،‬مقارنًة بتلك في الأسواق الناشئة الُأخرى والتي تتراوح ما بين ‪ ٪٤٠‬و‪ ١،٪٥٠‬فأَّوًلا‪ ،‬يشهُد الأداء‬
‫الاقتصادُّي عموًم ا تراُجًع ا قد يصُل إلى حِّد الُّر كود؛ فقد بلغ متوِّس ط معَّدلات نمِّو الناتج المحِّلِّي الإ جمالِّي في الشرق‬
‫الأوسط وشمال أفريقيا في الدول غير المصِّدرة للنفط ما نسبته ‪ ٪٥‬تقريًب ا للفترة الواقعة ما عاَم ي ‪ ٢٠٠٠‬و‪٢٠١١‬م‪ ،‬وهو أقُّل‬
‫بكثيٍر من متوِّس ط معَّدلات نمِّو الناتج المحِّلِّي الإ جمالِّي في الدول ذات الأداء العالي مثل الصين (‪ ،)٪١٠.٤‬والهند‬
‫(‪ ٢)٪٧.٧‬عن الفترة نفسها‪ .‬ثانًي ا‪ ،‬في ما يتعَّلق بالنمِّو الحقيقِّي لناتج الفرد‪ ،‬فإَّن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانتا‬
‫الأضعَف أداًء على مستوى المناطق المختلفة في العالم خلال العقَدين الماضَي ين‪ ،‬باستثناء الدول الأفريقَّية الواقعة جنوب‬
‫الصحراء الكبرى‪ ٣.‬ثالًثا‪ ،‬يشيُر برناَمُج الأمم المتحدة الإ نمائُّي في تقريره الصادر عام ‪٢٠١١‬م حول تحِّدياِت الَّتنمية العربَّية أَّن‬
‫معَّدل الفقر في الدول العربَّية يبلغ ‪ ٪١٩‬عند خِّط الفقر دولاَرين كما حَّدده التقرير؛ وهذا المعَّدل أعلى بنسبة ‪ ٪٦٠‬من ذلك‬
‫في أميركا الَّل اتيَّنية‪ .‬بالإ ضافة إلى ذلك‪ ،‬فإَّن معَّدل البطالة في دول المنطقة يبلغ ‪ ٪٢٤‬وهو الأعلى ما بين الدول النامية‪،‬‬
‫‪٤‬‬
‫ويتجاَو ُز ضعَف معَّدل البطالة العالمِّي للشباب‪.‬‬
‫ألَق ْت هذه العوامل مجتمعًة بِظ لالها على مجتمع المنطقة‪ ،‬وتأَّثرْت ثقافُته لتصيَر القبوَل بإكراه للفكرة التي تقترح أَّن العمَل‬
‫في المنطقة يتُّم بطريقٍة واحدٍة فقط‪ .‬أخبَرني أَح ُد التنفيذِّيين‪’’ :‬عندما ُتفِّكر في استخدام الواسطة‪ ،‬تشعُر بفظاعِة الموقف‪ ،‬وما‬
‫قد َيعنيه خنوُع ك وُقرُبك من النفوذ الذي يمِّثُلها‪ ،‬وما سيؤدي إليه من إلحاق الضرر بالمجتمع على المدى البعيد‘‘‪ .‬لكن‬
‫وعلى مدى سنوات‪ ،‬يتساءل الناس‪’’ :‬ما الخيار الآخر؟‘‘ فالواسطة قد تكوُن العامَل الوحيَد الذي َيفِص ُلَك عن النجاح‪ ،‬ويودي‬
‫بك إلى الفشل أو السجن في حالاٍت ُقصوى‪ .‬فالحكومات في معظم دول المنطقة هي المصدُر الأكبُر للَّتوظيف وَخ ْلِق‬
‫ُفَرِص العمل‪ ،‬ولا تتطَّلُب َج هًدا كبيًر ا في أداء الوظيفة‪ ،‬وهناك بعض المكافآت والحوافز لَم ن يحاول اِّتخاَذ خطوات ومبادرات‬
‫إضافَّية‪ .‬وتكمن إيجابَّيُة هذا النظام‪ ،‬أو كما تتذَّرع الحكومات للِّدفاع عن سياساتها‪ ،‬بالمحافظة على ’’الاستقرار‘‘‪ .‬إَّن‬
‫تحقيَق النمِّو والتطُّور يتُّم بخطواٍت أبطأ‪ ،‬كما أَّن الإ صلاح الاقتصادِّي يتطَّلُب إجراءاٍت تدريجَّية‪ ،‬إَّلا أَّنهما أفضُل مَّم ا قد‬
‫ُيعادل َثورة إيران! بعَث إلَّي أَح ُد الريادِّيين المصرِّيين برسالٍة إلكترونَّية خلال فترة اعتصامات ميدان التحرير قائًل ا‪’’ :‬يا لها من‬
‫صفقة!‘‘‪ ،‬وأضاَف قائًل ا‪’’ :‬أكره كلمة «الاستقرار»‪ .‬أستطيع إدراَك أهِّمَّية هذا المفهوم الذي يعني لي التنُّبؤ بمستقبِل عائلاتنا‬
‫وأعمالنا‪ ،‬إَّلا أَّن الأنظمَة استخدمت هذه الكلمَة لإ خاَفِتنا وإسكاِتنا‪ ،‬وَس ْح ِق خيالنا‘‘‪.‬‬
‫على الرغم من ذلك‪ ،‬تمَّكَن الريادُّيون العظماء في المنطقة من النهوض والتأُّلق حَّتى قبل تواُفر التكنولوجيا بهذا الشكل‪.‬‬
‫كيف كان الوضع بالِّنسبة إليهم؟ بدأُت استقصاء المعلومات في منطقٍة تبعُد أقَّل من ‪٢٤٠‬كم عن جنوب شرق بيروت‪:‬‬
‫العاصمة الأردنَّية عَّم ان‪.‬‬

‫ُم رافُق الصحفِّيين (‪)The fixer‬‬


‫يكره محَّم د العجلوني أن ُينادى ِباْس م ’’مرافق الصحفِّيين‘‘‪ ،‬ولكَّنه كان كذلك لكبرى المؤَّس سات الإ خبارَّية الأميركَّية التي‬
‫أتت إلى الأردن في عام ‪١٩٩٠‬م لَتغطية حرب الخليج الثانية‪ .‬يتذَّكر جون ُد نَڤ ن (‪ ،)John Donvan‬مراسل شبكة إيه بي سي‬
‫الإ خبارَّية (‪ )ABC News‬ومنتج برنامج نايت لاين (‪ )NightLine‬فيقول‪’’ :‬عليَك أن تدرك أَّن تغطَي ة الحرب لم تكن كما هي‬
‫في أَّيامنا هذه‘‘‪ .‬صرنا‪ ،‬أنا وجون‪ ،‬أصدقاء في عالم الأخبار‪ ،‬ثَّم توَّطَدت علاقُتنا أكثر مع ارتياد أبنائنا المدرسَة نفَس ها‪.‬‬
‫أخبرني بينما كنُت أستعُّد للَّذ هاب في إحدى رحلاتي إلى الأردِّن بأَّن علَّي أن ألتقي محَّم د متذِّكًر ا الماضي‪’’ :‬لم تكن هناك‬
‫هواتُف نَّقالة أو أجهزة كومپيوتر محمول أو أجهزٌة لوحَّية‪ ،‬ولم تكن هناك أيًض ا طرٌق سهلٌة للحصول على مقاطع الڤيديو أو‬
‫تعديلها أو نشرها في أثناء التنُّقل‪ .‬فأنت تحتاُج إلى تصريح لأِّي أمٍر تريُد القيام به‪ ،‬وتحتاج إلى إقناع الآخرين بما تريُد عمَله‬
‫دائًم ا‪ ،‬لذا فالأمُر يتطَّلُب وجوَد شخٍص معك على درايٍة تاَّم ٍة بالَوضع في تلك البلاد ليجَع َل الأموَر أسهل‪ .‬وعندما التقيُت‬
‫محَّم د‪ ،‬عرفُت أَّنه شخٌص لا يعرُف معنى المستحيل‘‘‪.‬‬
‫وأكثر ما يلِف ُت النظَر في محَّم د هو ضحكُته المجْلِج لة‪ .‬وعندما طلبُت منه أن يروَي لي عن بداياته في العمل بصفته‬
‫مرافَق صحفِّيين‪ ،‬ضحَك كثيًر ا‪ ،‬ثَّم أجاَبني بعد أِن التقَط أنفاَس ه‪’’ :‬بالنسبة إلى الأميركِّيين‪ ،‬فإَّن كَّل شخص يمكن أن يكون‬
‫مرافًقا للصحفِّيين‪ .‬ولو أِّني كنُت سامًّيا أو من عرٍق آخر‪ ،‬فرَّبما كان في ُوسعي أن أكوَن مديًر ا لوكالة إيه بي سي‪ ،‬فقد كنُت‬
‫ببساطة على اِّطلاع أكثر منهم‘‘‪ .‬بدأ العجلوني قبل أشهٍر قليلٍة فقط عمله في محَّطة التلفزيون الأردنِّي المحِّلَّية الرائدة‬
‫بمنصب مهندس‪ .‬ولأَّن جميَع الشبكات ووكالات الأنباء كانت تحتاُج إلى استخدام الاستديو للبِّث عبر الأقمار الصناعَّية‪،‬‬
‫كانت جميعها على استعداٍد تاٍّم لَد ْفع مبالَغ جِّيدٍة من أجل ذلك‪’’ .‬كَّنا قد حَج ْزنا قاعَتِي الاستديو لشبكة سي بي أس‬
‫(‪ ،)CBS‬ولكن ما إن دخَل ُد نَڤ ن المحَّطة مع زميل له‪ -‬يتحَّدث نحو عشر كلمات فقط بالُّلغة العربَّية‪ -‬حَّتى عرفته‘‘‪ ،‬ويتابع‬
‫محَّم د قَّص ته ضاحًك ا‪ ،‬وشارًح ا أَّنه كان يرغُب حًّقا في مساعدة ُد نَڤ ن‪ ،‬فعرض محَّم د عليه أن يرِّتب له استوديو في غرفة‬
‫تخزين إضافَّية‪ ،‬ورفَع سَّج ادة الصلاة واضًع ا إَّياها خلف ُد نَڤ ن كأَّنها خلفَّية وقال‪’’ :‬ألا تكفي هذه أن ُتعِط َي لمسًة شرق‬
‫أوسطَّية؟‘‘‪ .‬وقد لمَع ْت عيناه وهو يتذَّكر‪.‬‬
‫كان من الصعب جًّدا في ذاك الوقت الحصول على بٍّث من الأقمار الصناعَّية في العراق‪ ،‬ولم يكِن الأردن يمتلُك قدراٍت‬
‫كبيرًة للاِّتصال بالأقمار الصناعَّية‪ ،‬ولكِن استطاَع محَّم د أن يحِّقق َم طاِلَب نا‪ .‬وسرعان ما صاَر نقطَة الاِّتصال الأساسَّيَة لكل‬
‫مقاطع الڤيديو لمحَّطات سي بي أس وإيه بي سي‪ .‬ونشأت صداقة ما بين ُد نَڤ ن ومحَّم د الذي بدأ يعمُل بانتظام مع شبكة‬
‫إيه بي سي الإ خبارَّية‪’’ .‬كنُت أشعر بأِّني من الأسرة المالكة‪ ،‬وكنُت أجني ‪ ١٠٠‬دولار إضافَّية في اليوم مقابل تسهيل ما‬
‫يحتاجون إليه‪ .‬وقد ساهَم هذا في َنْش ِر قصص شبكة إيه بي سي الإ خبارَّية بشكل فَّع ال وعلى نحٍو أسرَع من الشبكات‬
‫الإ خبارَّية الأخرى‘‘‪ .‬كانت هذه التجِربُة كفيلًة بإقناع محَّم د أن يؤِّس س شركًة خاَّص ًة به‪ ،‬أطلق عليها اسم ’’الشركة الأردنَّية‬
‫للإ علام والإ نتاج التلفزيونّي ‘‘‪ ،‬والتي صارت خلال العقَدين التالَي ين أكبَر مصدٍر للخدمات اللوجستَّية الإ علامَّية في الشرق‬
‫الأوسط وشمال أفريقيا في توفير قاعات الاستديو ومعَّدات التصوير‪.‬‬
‫لم تكن خلفَّية محَّم د توحي بمثل هذه النتيجة‪ .‬فقد ُولد في بلدٍة صغيرة على الحدود مع سورية‪ ،‬وكان والُده أحَد أهِّم‬
‫القادة والقضاة الدينِّيين في المنطقة‪ .‬يقاُل إَّن عائلَته تنحدُر من الخليفة الثالث للنبِّي محَّم د‪ .‬يقوُل محَّم د‪’’ :‬كان أبي ممَّيًز ا‪،‬‬
‫وأراَد أن يتعَّلم جميُع أبنائه بالُّلغة الإ نكليزَّية مع أَّنه لا يعرُفها البَّتة؛ لأَّنه كان يؤمُن بأَّنها لغة المستقبل‘‘‪ُ .‬ولد والُد محَّم د‬
‫العجلوني عام ‪١٩٣٦‬م‪ ،‬وشهَد تطُّوَر إنكلترا وتوُّس عها من جزيرٍة صغيرٍة إلى إمبراطورَّية تفرُض سلطَتها حول العالم‪ ،‬وكان يقرأ‬
‫يومًّيا‪ .‬قال محَّم د مسَترِس ًل ا بالحديث بشأن أبيه‪’’ :‬نادًر ا ما كان يقرأ كتًب ا دينَّية‪ ،‬وكان يقرأ كتًب ا حول أحداٍث تاريخَّية وِس َي ر‬
‫حياة قادِة الِف كر مثل غاندي‪ ،‬ولكَّنه أصَّر أن نرِّكز في دراستنا على المجالات العلمَّية؛ لأَّنها توِّفر لنا مستقبًل ا أفضَل من دراسة‬
‫العلوم الإ نسانَّية‘‘‪ .‬زاَر والُده كاهًنا في إحدى المدارس الكاثوليكَّية القريبة‪ ،‬حيث كان َينوي تسجيَل أولاِد ه التسعة‪ ،‬والذين‬
‫كانوا المسلمين الوحيدين في تلك المدرسة‪ .‬أضاَف محَّم د‪’’ :‬لقد ُقمنا بعمٍل جِّيد؛ فأشَّقائي أطَّباء ومهندسون وأساتذة‬
‫جامعُّيون‪ ،‬ولكَّن مسيرتي كانت مختلفة‘‘‪.‬‬
‫كانت قَّص ُة محَّم د أقرَب إلى الخيال‪ ،‬فقد كان طالًب ا صاحَب تفكير مشرذم‪ ،‬عصبَّي المزاج وذا أداٍء ضعيٍف في المرحلة‬
‫الثانوَّية وفي الجامعَّية‪ .‬سمَع محَّم د من أحد أصدقائه عن برنامج للدراسة في فورت سميث (‪ ،)Fort Smith‬ولاية آركنسا‬
‫(‪ )Arkansas‬الأميركَّية‪ ،‬ومع أَّنه لم يسبْق له السفر خارج الأردن‪ -‬باستثناء تلك الرحلة الوحيدة إلى سورية في سِّن الخامسة‬
‫عشرة‪ -‬ولم يسبْق له ركوب الطائرة‪ ،‬فإَّن فكرَة الذهاب لمعْت في ذهنه عندما رأى ُص َور فورت سميث التي كانت كما يتذَّكر‬
‫’’مدينة صحراوَّية ذات مباني قليلة الارتفاع‪ ،‬تبدو إلى حٍّد ما مثل الأردّن ‘‘‪ .‬عند ذلك‪ ،‬ملأ محَّم د ورفيُقه طلبات الالتحاق‪،‬‬
‫وأَّم َنا التأشيرات الَّل ازمة‪ ،‬وحصلا على قبول في برنامج الهندسة هناك‪’’ .‬كان ذلك في نهاية سبعينَّيات القرن العشرين‪ ،‬وكان‬
‫‘‘ (‪Smokey‬‬ ‫أَّول درٍس لنا في أميركا هو عن سَّيارات الترانس آم (‪ )Trans Am‬الرياضَّية‪ ،‬والبرنامج التلفزيونِّي ’’سموكي واللص‬
‫‪ .)and the Bandit‬كان علينا العمل لتأمين المال‪ ،‬وسرعان ما َع ِلْم نا أَّن علينا الالتحاق بجامعة تكون سنوات الدراسة فيها‬
‫أطَوَل لَتمديد إقاماتنا في الولايات المَّتحدة‪ .‬سمعنا أن أرخَص جامعة كانت في ولاية لويزيانا (‪ ،)Louisiana‬وأَّنها سبق أن‬
‫قبَلْت سِّتين طالًب ا عربًّيا‪ ،‬فعِم ْلنا في مطاعم البرغر لنؤِّمن المصاريف وننطلَق إلى هناك‘‘‪.‬‬
‫كانت مواجهُته الأولى مع الواسطة بعد حصوله على شهادة الهندسة وَع ودته إلى الأردَّن لأداء الخدمة العسكرَّية المطلوبة‪.‬‬
‫كان المجَّندون في ذلك الوقت ُيكَّلفون بالعمل الشاِّق لقاء ما يعادل ثلاثين دولاًر ا شهرًّيا فقط‪ ،‬ولكَّنه كان على علاقة بأَح ِد‬
‫أصحاب المراكز الُع ليا‪ ،‬مَّم ا جعَل منه ضابًطا في وظيفٍة أسهَل في قسم البحث والاستخبارات وبراتٍب شهرٍّي يعادل ‪٧٠٠‬‬
‫دولاٍر أميركّي ‪ .‬يتذَّكر محَّم د تلك الأَّيام قائًل ا‪’’ :‬في الحقيقة‪ ،‬لم أكن أعرف ما كنُت أريُد أن أعمل عندما تنتهي خدمتي‬
‫العسكرَّية‪ ،‬لكْن بينما كنُت في أميركا‪ ،‬كان شيٌء ما يجول في رأسي حول العمل التلفزيونّي ‪ .‬لقد أردُت أن أعمَل في مجال‬
‫الأفلام‘‘‪ .‬ساعَده والُده في الحصول على وظيفة في محٍّل للَّتصوير‪ ،‬حيث عمَل في تحميض الُّص َور‪ .‬ومع أَّنه لم يكن هناك‬
‫أُّي جانب فِّن في هذا العمل‪ ،‬فإَّن محَّم د أحَّبه‪ .‬ومجَّد ًد ا‪ ،‬ساهَم ْت علاقاته في حصوله على وظيفٍة جِّيدٍة في أكبر محَّطٍة‬
‫ٍّي‬
‫تلفزيونَّيٍة محِّلَّية في الأردّن ‪.‬‬
‫ساهمت خبرُته خلال حرب الخليج في حصوله على عرِض عمٍل لإ دارة شبكة إيه بي سي الإ خبارَّية الجديدة في بغداد‪.‬‬
‫وظَّل محَّم د يعمل في هذا المنصب حَّتى عام ‪٢٠٠٨‬م‪ ،‬ولكَّنه كان دائًم ا يشتغل في عمٍل خاٍّص به‪ .‬ويقول محَّم د عن‬
‫ذلك‪’’ :‬تعَّلمُت أَّن لدى العديد من شركات الإ علام التلفزيونَّية احتياجاٍت مؤَّقتة‘‘‪ ،‬وأضاَف أيًض ا‪’’ :‬إذا كنَت ستقِّدم تقريًر ا في‬
‫الصومال‪ ،‬فلماذا تشتري معَّداٍت باهظَة الثمن أو تبنَي استديوهاٍت ضخمًة ؟ فاشتريُت كاميراٍت وعملُت على تأجيرها لشركات‬
‫الإ علام‪ .‬وبذلك بدأِت الأمواُل تتدَّفُق علّي ‪ .‬وبدأت ُأعُّد قاعاِت استديو مؤَّقتة في فنادق من خلال بناء جدران مرتفعة بأبواٍب‬
‫كبيرة مقابل سعٍر زهيد‘‘‪ .‬كان محَّم د يرغُب في العودة إلى الغرب ليتعَّلَم أكثر عن أفضل الممارسات في إنتاج الأخبار‪ ،‬لكَّنه‬
‫أدرَك لاحًقا أَّن الشرق الأوسط هو المكاُن الأفضُل الذي يمكن أن يحِّق َق فيه التقُّدم‪ .‬يعِّلق محَّم د قائًل ا‪’’ :‬ليس من السهل‬
‫أن تجَد أشخاًص ا مثلي في المنطقة‪ ،‬أَّم ا في الولايات المَّتحدة فلن يكترثوا بي‪ .‬مثًل ا‪ ،‬هنا في الشرق الأوسط لم يُق ْم پيتر‬
‫ِج ِننغز (‪ )Peter Jennings‬بأَّية رحلٍة إلى أِّي مكاٍن دون اصطحابي و إَّياه على مدى خمسة عشر عاًم ا‘‘‪ .‬فقَّرر محَّم د أن‬
‫يوِّظَف هذه المِّيزَة الفريدَة في تأسيس شركته الخاَّص ة‪ :‬تلفزيون پرايم (‪.)Prime Television‬‬
‫وقال محَّم د ضاحًك ا‪’’ :‬فلأُقْل لَك ما كان يعنيه أن تؤِّس س شركًة في الأردِّن في بداية تسعينَّيات القرن العشرين‪ .‬كان يعني‬
‫ببساطٍة أَّنك تملُك المعارف التي تدعُم ك لفعل ذلك‪ ،‬و إَّلا فلا يمكُنك أن تقوَم بذلك‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬هذا المفهوُم صحيٌح‬
‫حَّتى َيومنا هذا‪ ،‬على الأقِّل بالِّنسبة إلى الشركات التي لها فرٌص في تحقيِق النجاح والأرباح العالية‪ .‬ولا يمكُنَك أن تقوَم بأِّي‬
‫عمٍل يتعَّلُق بصناعة الأفلام دون تصريح؛ وهي ورقٌة تسمُح لك بَتصوير أِّي شيء وفي أِّي مكان‪ ،‬حَّتى لو كان ذلك في مكاٍن‬
‫عاّم ‪ .‬إذا كنت تعرُف الشخَص المناسب‪ ،‬فلن يأخَذ ك استصداُر التصريح أكثر من عشر دقائق فقط‪ ،‬وإْن لم تكن تعرُف‬
‫أَح ًدا‪ ،‬فِبَب ساطة لن تستطيَع الحصول على أِّي تصريح‪ .‬هل تصِّدُق أَّن الشخَص الذي تعاملُت معه في مكتب استصدار‬
‫التصاريح هو نفُس ه الذي الَتقيُته أَّوَل مَّر ٍة منذ عشرين عاًم ا؟‘‘‬

‫وعمل محَّم د أيًض ا على تعزيز قاعدِة عملاَء تضُّم العديد من شركات الإ علام بدًءا من قناة بي بي سي (‪ )BBC‬وانتهاًء‬
‫بأكبر شركات الإ علام في المنطقة‪ ،‬الأمر الذي لفَت أنظار مديرين تنفيذِّيين لشركاٍت محِّلَّية‪ ،‬فبدأوا يتساءلون إْن كان محَّم د‬
‫قد صاَر ناجًح ا لدرجٍة كبيرة‪ .‬وبنى محَّم د حصًنا منيًع ا حول تجارته لحمايتها من المنافسين عبر الاستفادة من النظام‬
‫الحكوم بطريقَتين‪ :‬أَّوًلا‪ ،‬عَّين ابن أَح ِد الوزراء المهِّم ين شريًك ا له‪ .‬ثانًي ا‪ ،‬عَّز َز مكانَة شركته في السوق لَتصيَر غير قابلٍة‬
‫ِّي‬
‫للاستغناء عنها‪ .‬يقول محَّم د‪’’ :‬حاوَلْت شركاُت الإ علام المحِّلَّية المناِفسُة العبَث معي‪ ،‬ومنعي من الحصول على التصاريح‬
‫وما إلى ذلك من معاناة‪ .‬حَّتى إِّني ُألقيُت في السجن لعَّدة أَّياٍم دون أن أعرُف السبَب إلى الآن‪ .‬أظُّن أَّنهم أرادوا أن ُيثبتوا لي‬
‫أَّن في ُوسعهم فعَل ذلك‪ .‬ولكَّنك عندما تقِّد ُم عمًل ا رائًع ا لشركات الإ علام الُكبرى؛ وتصيُر مهًّم ا جًّدا ولا غنى عنك‪ ،‬فهذه‬
‫أفضُل حمايٍة يمكُنك الحصول عليها ضَّد نظام الواسطة‘‘‪.‬‬
‫عمَلِت الحمايُة جِّيًدا في عالٍم حافٍل بالواسطة‪ ،‬وازدهَر العمُل دون َطرِح أَّية أسئلة‪ .‬غير أَّن للواسطة ناحيًة سلبَّية؛ فهي قد‬
‫تعمُل ضَّدَك لتأخَذ منك ما سبَق أن منَح ْتك إَّياه‪ .‬فمثًل ا‪ ،‬طلَب الشريُك الذي اختاَره محَّم د من أجل حماَيِته‪َ ،‬بيَع الشركِة له‬
‫بمبلغ يشِّكُل جزًءا ضئيًل ا من قيَم ِتها الحقيقَّية‪ ،‬ولم يكن لدى محَّم د الكثير من الأموال الشخصَّية‪ .‬يقول محَّم د‪’’ :‬كنُت‬
‫تحت ضغِط قبوِل أِّي عرٍض يقِّد ُم ه‪ ،‬ولم تكن هناك أَّية وسيلٍة لأكون رابًح ا في تلك الصفقة؛ فلَديه علاقاٌت ذاُت نفوٍذ قوٍّي‬
‫جًّدا‪ ،‬لذا اضُطرْرُت لأن أقبَل العرض‘‘‪.‬‬
‫يضحُك العجلوني عندما يتذَّكر أَّن ابَن الوزير خسَر الشركة‪ ،‬وليس هذا فقط‪ ،‬بل ما زاَد الأمَر سوًءا هو قراٌر بتغيير‬
‫الحكومة‪ ،‬والتي اسُتْثِنَي والُده من تشكيَلتها الجديدة‪ .‬وكان رئيس الوزراء الجديد أَح َد المعَج بين بمحَّم د‪ ،‬فساعَده على إنشاء‬
‫شركة للِخ ْدمات الإ علامَّية‪ ،‬ومنَح ه التراخيص اللازمة لَتنفيِذ الأعمال في جميع أنحاء المملكة‪ ،‬غير أَّن كَّل هذا كان مقابَل‬
‫ثمٍن بالَّتأكيد‪ .‬وللحصول على رخصٍة لَر ْبط البِّث عبر الأقمار الصناعَّية بالتلفزيون الأردنّي ‪ ،‬اضُطَّر محَّم د ثانيًة إلى مشاركة‬
‫أَح ِد أصحاِب الُّنفوذ‪ .‬ويتابع محَّم د‪’’ :‬تنازلُت عن جزٍء من شركتي لشخٍص لم أعرْفه‪ ،‬من أجل الحصول على ما ُأريد‪،‬‬
‫وهكذا صار‪ :‬بالأمس لم أُكْن أملُك شيًئا‪ ،‬وفي اليوم التالي حصلت على ما ُأريد‘‘ ثَّم قهَق َه قائًل ا‪’’ :‬أُّي أسلوٍب هذا للقيام‬
‫بالأعمال؟‘‘‪.‬‬
‫أَّس س محَّم د الشركة العربَّية لخدمات البِّث الإ ذاعِّي والتلفزيونِّي (‪ )ABS Network‬عام ‪٢٠٠٣‬م لَتوفير خدمات التقارير‬
‫الإ خبارَّية‪ ،‬والبِّث عبر الأقمار الصناعَّية‪ ،‬وخدمة جمع الأخبار الإ لكترونَّية‪ .‬وبحلول عام ‪٢٠٠٥‬م‪ ،‬انتشَرْت عملَّياُته لتغِّطَي‬
‫الأردَّن والعراَق وأفغانستاَن ولبنان‪ ،‬وافتتَح في العام التالي استديوهاٍت في دبي‪ .‬وبعد خمس سنوات‪ ،‬اندَلَع ْت ثوراُت ’’الربيع‬
‫العربّي ‘‘ لُتغِّيَر مساَر الُأمور ثانيًة ‪ .‬ويتابُع محَّم د‪’’ :‬بعد الحروب التي نشبت‪ ،‬عرفُت أَّن هناك أسواًقا جديدًة واعدًة لأبدأ منها‬
‫مثل العراق وأفغانستان والآن ليبيا وتوُنس‪ ،‬وآمل قريًب ا أن أدخَل بقَّيَة أفريقيا؛ لأَّن أصحاَب النفوذ الذين يمِّثلون الواسطة إَّم ا‬
‫تبَّدلوا و إَّم ا تغَّيروا‪ ،‬وقد توَض ُع قوانيُن جديدة‪ ،‬لكِن الآن ولفترٍة ُم قِبلة‪ ،‬لن تكوَن هناك أَّية قوانين‪ ،‬أو أُّي شيء من هذا الهراء‪،‬‬
‫لذا سأستفيد من فرصِة وجودي هناك لأفعَل ما ُأريد‘‘‪ .‬ويضيُف محَّم د قائًل ا إَّنه بعد الربيع العربّي ‪ ،‬صاَرِت الواسطة ورموُزها في‬
‫أَّيامهم الأخيرة‪ .‬إَّن تلك الأنظمة التي تبُح ث عن مصالحها هي ببساطة أنظمٌة مترِّد ية‪ .‬ويقول محاًّج ا‪’’ :‬أعتقد أَّن التأثيَر في‬
‫طرق العمل القديمة التي ُتمارُس يوًم ا ِبَي وم سيكوُن كبيًر ا مع هذه التغييرات والشفافَّية التي وَّفرتها التكنولوجيا الحديثة‘‘‪،‬‬
‫وأضاف مؤِّكًدا‪’’ :‬في عهد مصر السابق‪ ،‬كان المرُء يحتاج إلى ابن الرئيس الأسبق مبارك شريًك ا لكِّل ما يريُد عمَله‪ ،‬ولا‬
‫سَّيما إذا كان ريادًّيا جديًدا‪ .‬أَّم ا الرئيس [السابق] مرسي‪ ،‬فلم تُكن لدى ابنه فرصٌة لعمل ذلك‘‘‪.‬‬
‫يعمل محَّم د في ليبيا وتوُنس منذ عام‪ ،‬ولم يواِج ْه أَّية مشكلٍة مع الإ جراءات الحكومَّية‪ ،‬والسؤال الآن هو ما إذا كانت‬
‫ِم ْص ر ستصيُر أكثَر انفتاًح ا‪ .‬في السعودَّية والخليج‪ ،‬يتواصُل العمُل كالمعتاد‪ ،‬على الأقِّل في الوقت الراهن‪ .‬يتابُع محَّم د قائًل ا‪:‬‬
‫’’تتغَّيُر الأرقاُم والصفقات دائًم ا‪ ،‬ولن تعلَم بتاًتا ما ينتظُرَك دون أصحاب النفوذ‘‘‪ .‬يعيُش محَّم د َح َذ ًر ا دائًم ا‪ ،‬حاُله حاُل أِّي‬
‫شخٍص في عمره ترعرَع في الشرق الأوسط‪ .‬ويعِّلق على هذا‪’’ :‬كان واقُع حياتي على الدوام هو هذا‪ :‬أعلُم أَّنهم قادرون على‬
‫التخُّلص مِّني متى أرادوا ذلك‪ .‬وسيبقى هذا في ذهني في الحاضر‘‘‪ .‬لكْن يؤمُن محَّم د بأَّن بيئة العمل للريادِّيين‪ ،‬ورغُم حالة‬
‫عدم الاستقرار السياسّي ‪ ،‬هي أسهُل مَّم ا كانت عليه عندما بدأ مشواَره قبل عقَدين من الزمن‪ .‬وأوضح قائًل ا‪’’ :‬غَّيرِت الإ نترنُت‬
‫واقع حياتنا إلى الأفضل بكِّل تأكيد‪ .‬وإذا أردَت فعًل ا أن تفهَم هذا التحُّول‪ ،‬عليك التحُّدث إلى صديقك فادي غندور‘‘‪.‬‬

‫بناة بيئات الأعمال‬


‫لا بَّد لكِّل الريادِّيين‪ -‬سواء في الماضي أم حَّتى في المستقبل‪ -‬من أن يلتقوا عند مفترٍق ما فادي غندور‪ .‬مع أَّن قَّص ته‬
‫تختلف عن العجلوني‪ ،‬فإَّنها تحمُل المفاهيَم العميقة نفسها لما َيعنيه أن تكون ريادًّيا في الشرق الأوسط‪ ،‬وخلال مرحلة‬
‫التحُّول المقبلة‪.‬‬
‫فادي غندور في الرابعة والخمسين من عمره‪ ،‬صاحب لحيٍة مشَّذ بٍة بدأْت تظهُر فيها خيوٌط رمادَّية‪ ،‬لكَّنه يمارُس السباحة‬
‫يومًّيا لَنحو ‪٣‬كم‪ ،‬فتظهُر قامُته مشدودًة لَي بدَو في َم ظَه ِر شخٍص أصغَر من ذلك بكثير‪ .‬هو صاحُب نظرٍة حاَّد ة‪ ،‬لا سَّيما‬
‫عندما يدرُس الأسئلَة المطروحة عليه ويبدأ يربُط الأموَر في عقله‪ .‬التقيُته في منَّظمة الرؤساء الشباب في عام ‪٢٠٠٣‬م‪ ،‬ومنذ‬
‫ذلك الحين ونحن نتناقُش في السياسة العالمَّية والعدالة الاجتماعَّية‪ .‬إَّلا أَّن المَّرة الأولى التي َتباَد ْلنا فيها وجهاِت النظر حول‬
‫ما يعنيه أن تكوُن ريادًّيا في الشرق الأوسط‪ ،‬كان في صيف عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬وخلال َتناُول الُفطور في مدينة نيويورك‪ .‬كان متأِّنًي ا‬
‫في إجاباته‪ ،‬لكَّن صوَته كان يعلو بَش َغ ٍف عندما كان يسعى إلى إثبات وجهة نظره‪ .‬قال ذاَت مَّرة‪’’ :‬لم أكن أعلُم أِّني‬
‫ريادّي ‪ ،‬فقد كنُت أعتقُد أِّني رجل أعمال فحسب‘‘‪ .‬ويسترجُع غندور ذكرياته حول خطواته الأولى ليعِّلَق باستهجان‪’’ :‬لكِّني‬
‫أستطيُع أن ُأوِّكَد لك أَّن الأمَر كان بالَغ الصعوبة‘‘‪ ،‬تنَّه َد ووَم َض ْت عيناه وتابَع ضاحًك ا‪’’ :‬كنُت أشعُر كما أشعر الآن‪ ،‬بأَّن‬
‫للعمِل على فكرٍة جديدة مِّيزاٍت عديدة‪ .‬يمكنك القيام بالكثير قبل أن َيِع َي النظام أَّنك تقوم بتغيير بيئات الأعمال كِّلًّيا‘‘‪.‬‬
‫فادي غندور هو ابن علي غندور‪ ،‬الذي ُيعُّد رمَز ريادة الأعمال‪ ،‬وهو مؤِّس ُس الملكَّية الأردنَّية عام ‪١٩٦٢‬م‪ .‬تخَّرَج علي‬
‫غندور في جامعة نيويورك وهو يحمل شهادًة في هندسة الطيران‪ ،‬وقابَل الملك الحسين أَّوَل مَّر ٍة عام ‪١٩٥٧‬م‪ ،‬عندما أشاَرْت‬
‫إدارُة الطيران الفيدرالَّية الأميركَّية على المِلك أن يستعيَن بعلي غندور لإ صلاح طائرته الأميركَّية (كان غندور في ذلك الوقت‬
‫المفِّتش المعتمَد الوحيد لإ دارة الطيران الفيدرالَّية [‪ ]FAA‬في الشرق الأوسط)‪ .‬وكان علي غندور أيًض ا نائَب الرئيس ثَّم رئيس‬
‫دائرة الهندسة لدى أَّول شركِة طيران خاَّص ة في لبنان‪ :‬الخطوط الجِّو َّية اللبنانَّية‪ .‬وجمَع ِت السياسُة ما بين الملك الحسين‬
‫وعلي غندور مَّر ًة ُأخرى عام ‪١٩٦٢‬م‪ ،‬عندما ُح كم على غندور بالإ عدام إثَر محاَو لِة انقلاٍب في لبنان‪ .‬ولَّم ا علَم الملك‬
‫بمشكلات غندور السياسَّية‪ ،‬دعاه إلى الأردّن ‪ ،‬وعرض عليه الحماية‪ ،‬وطلب منه إنشاَء أَّول شركة طيران وطنَّية في الأردّن ‪.‬‬
‫وبمرور الوقت‪ ،‬توَّثَق التعاون المهنُّي ليصيَر تعاُو ًنا سياسًّيا‪ ،‬ويجعَل من غندور‪ -‬رغم َكونه ديمقراطًّيا متشِّد ًد ا‪ -‬أَح َد المقَّربين من‬
‫الملك على مدى ثلاثة عقود‪.‬‬
‫َغرس والد فادي في أبنائه معنى العدالة الاجتماعَّية‪ ،‬وشَّدد على مفهوم القدرة على تحقيق ذلك‪ .‬يتذَّكر فادي قائًل ا‪:‬‬
‫’’تعَّلمنا منذ الطفولة أَّنه لا يمكُننا أن نكوَن محاِيدين في أِّي شيء‪ .‬فقد كان والدي يؤمن بأَّنه يجب عليك إصلاُح الفشل‬
‫في ُأَّم تك‪ .‬ليس هناك مكاٌن للكسل‪ ،‬وكُّل مواطن يعرف القانون‪ ،‬لكَّنَك لا تحتاُج إلى القانون لتعرَف ما يجب فعُله‪ ،‬ويجب‬
‫َّل‬
‫أَّلا تنتظَر القانوَن لَتقوَم بالعمل‘‘‪ .‬كان المنزُل يضُّج بالأحاديث السياسَّية والأعمال‪ ،‬وقد رأى فادي والَده وهو يطِّبق ما تضَّم نْته‬
‫تلك الأحاديث‪ .‬يتابُع الَقول‪’’ :‬تحمُلني ذاكرتي إلى عام ‪١٩٦٩‬م عندما أسَقطْت مجموعٌة تابعٌة لمنَّظمة التحرير الِف َلسطينَّية‬
‫طائرًة تابعًة للخطوط الجِّو َّية السويسرَّية‪ .‬كان والدي رئيس الاِّتحاد العربِّي للنقل الجِّوِّي ‪ ،‬وصاَر كبيَر المفاِوضين بين جميع‬
‫الأطراف‪ ،‬التي شملت اِّتحاد النقل الجِّوِّي الدولّي (‪ )IATA‬على خلفَّية دعوِة بعِض المطارات الأوروپَّية إلى مقاطعة التعامُل مع‬
‫شركات الطيران العربَّية‪ ،‬وكان اللقاُء في منزلنا‪ .‬سمعُت الحديَث كامًل ا‪ ،‬وَلمْس ُت التزاَم ه الشديد أن يجَد الحّل ‪ .‬وهذه هي‬
‫الطريقة التي نَش ْأنا عليها‘‘‪.‬‬
‫لكَّنه تعَّلَم أيًض ا دروًس ا صعبًة خلال محاَو لِته إحداَث تغييٍر من خلال الحكومة‪ .‬فقد بَدْت مفاهيُم ه ورؤيُته ُم عاِرضًة لتلك‬
‫المَّتَب عة في الُّد َو ل المحاِفظة‪’’ .‬لم يرَغ ْب والدي بتاًتا في إقحام نفسه في السياسة من نواحي عديدة‪ ،‬ولكَّنه كان ناشًطا‬
‫بشكٍل ما‪ ،‬فقد كان يرغُب َد وًم ا في تغيير الأشياء إلى الأفضل‪ .‬وكان يؤمُن بأَّن المرَء في نهاية المطاف يخسُر َد وًم ا حين‬
‫يتوَّرُط في السياسة؛ لأَّنه يصعُب إحداث تغيير في الحكومة بسهولة‪ ،‬وسيحاوُل الوضيعون إلحاَق الَّض رِر بُس معته‪ ،‬وليسْت‬
‫هناك متعٌة في ذلك‪ ،‬وغالًب ا ما يلحُق به الأذى‘‘‪ .‬توَّقَف فادي لبرهة‪ ،‬ونظَر إلى الأفق‪ ،‬ثَّم قال‪’’ :‬أنا متأِّكٌد أَّن الحكَم على‬
‫والدي بالإ عدام أَّثر بشكٍل كبيٍر في عائلتنا لأسباٍب واضحة‘‘‪.‬‬
‫أصَّر والده أن ُيتابَع أبناؤه دراسَتهم في الولايات المَّتحدة‪ .‬ويقول فادي هنا‪’’ :‬لم يكن هذا الأمُر مثاًر ا للِّنقاش‪ .‬فلو كنَت‬
‫تمتلُك الإ مكانَّيات في السبعينَّيات في الشرق الأوسط‪ ،‬لفعلَت هذا بالتأكيد؛ إذ كان هذا هو اِلخياُر الأفضل‘‘‪ .‬حصل فادي‬
‫على قبول في جامعة جورج واشنطن (‪ )George Washington University‬في واشنطن دي سي (‪ ،)Washington, D.C‬حيث‬
‫عاش مع والدِته وشقيقِته الَّلتين كان عليهما الانتقاُل إلى الولايات المَّتحدة لعلاج شقيقته الُّص غرى التي كانت تعاني ضعَف‬
‫الَّس مع وصعوبَة التعُّلم‪ .‬التحَق ْت شقيقُته الُأخرى بمدرسة هولتن آرمز (‪ ،)Holton Arms‬وهي مدرسٌة ثانوَّيٌة خاَّص ٌة رائدة‪ .‬ويقول‬
‫فادي‪’’ :‬لم تكن تجِربَة دراسٍة جامعَّيٍة عادَّيًة ‪ ،‬ولكَّننا جميًع ا اَج تْزناها بنجاح‘‘‪.‬‬
‫وبصرف النظر عن طريقة تربيته‪ ،‬لم يكن فادي منخرًطا في السياسة‪ ،‬ولكَّنه كان ناشًطا اجتماعًّيا‪ .‬لكْن حين ذهَب إلى‬
‫الولايات المَّتحدة‪ ،‬كانت الجامعُة هي المَّر َة الأولى التي يجمُع فيها الحقائق‪ ،‬ويتفاعُل فيها مع أشخاٍص من أصحاب فكٍر‬
‫ورأي‪ ،‬ويناقُش موقَفه خارج نطاق عائلته‪ .‬كانت صدمًة ثقافَّية‪ .‬يعِّلق فادي بالقول‪’’ :‬لم يكن في الجامعة عدٌد كبيٌر من‬
‫العرب‪ ،‬وكان معظُم َم ن هم في الشرق الأوسط آتون من إيران (كان شاه إيران ما يزال في الحكم في ذلك الحين) والكثير‬
‫من اليهود الأميركِّيين‪ .‬لم يسبْق أِن الَتَقيُت يهودًّيا َقّط ‪ ،‬باستثناء ما كنُت أشاهُده في التلفزيون‪ ،‬أو خلال عطلاٍت عائلَّيٍة‬
‫ُأخرى إلى لبنان أو القاهرة‪ ،‬ولم أكن في الواقع أتواَص ُل مع أَح ٍد في الشرق الأوسط‪ .‬كانوا يشاركون بنقاشاتهم السياسَّية حول‬
‫المنطقة‪ ،‬ويطرحون أسئلَتهم‪ .‬كانوا أذكياَء بحّق ‪ ،‬وعلى معرفٍة عميقة‪ .‬وأنا لم أكن كذلك‪ ،‬فأثاَر هذا الأمُر َغيرتي‘‘‪.‬‬
‫في بداية الأمر‪ ،‬دَرس فادي الهندسة لأَّن كثيرين في الشرق الأوسط كانوا يعُّدونها‪ ،‬إضافًة إلى الِّطّب ‪ ،‬أوَض َح مساٍر للعمل‬
‫المرموق‪ .‬وبعد فشله في الهندسة‪ ،‬تحَّول إلى دراسة العلوم السياسَّية‪ ،‬ليصيَر ناشًطا سياسًّيا مهًّم ا في الجامعة‪ ،‬ومرجًع ا بكِّل ما‬
‫يتعَّلُق بالشؤون العربَّية‪ .‬وصار يأخُذ كَّل ما ُيناَقُش على َم حِم ل الِج ّد‪ .‬ويعِّلق فادي على هذا‪’’ :‬ظَّن والدي وأصدقاؤه أِّني‬
‫صرُت َثورًّيا‪ .‬فلم أكن أقوم بما يقوم به الآخرون من أمثالي في المنطقة‘‘‪ .‬وفَّكر فادي أَّن عليه رَّبما العودَة إلى الأردّن ‪ ،‬وَخ وَض‬
‫المعترك السياسّي ‪ ،‬ولكَّنه انجذب إلى القيام بما هو جديد‪ ،‬ومحاولة التغُّلب على الأنظمة القائمة‪ ،‬ليؤِّثر في مجتمعه‪ .‬وأثارت‬
‫هذه الرغبات شغَفه في ريادة الأعمال‪ ،‬وظَّل هذا الشغُف يرافُقه لمَّدة طويلة‪.‬‬
‫يقوُل فادي‪’’ :‬لم أُكْن أملُك أَّية فكرٍة عَّم ا أريد عمَله‪ ،‬ولكِّني كنُت أدرُك أِّني غير قادٍر على تحُّم ل ُه راء الأنظمة من‬
‫َح ولي‪ .‬كانت الواسطة هي الوسيلَة الوحيدَة إلى كِّل مكان‪ ،‬ورغم أِّني كنُت أملُك العلاقات‪ ،‬فقد كنُت أكَره هذا الأسلوَب‬
‫في العمل‘‘‪ ،‬قال فادي العبارَة الأخيرَة عاِبًس ا‪ .‬أراَد ه والُده أن يعمَل موَّظًفا في البنك المرَك زِّي في عَّم ان‪ ،‬لكْن ومنذ المقابلة‬
‫الأولى‪ ،‬لم يكن هناك أُّي جانٍب يتعَّلُق به أو يؤِّثر فيه‪ .‬وأخبروه بأْن يعوَد إلى مقابلٍة ُأخرى وأن ُيجرَي امتحاًنا‪ ،‬إَّلا أَّنه لم‬
‫يفَع ْل ‪.‬‬
‫في أثناء دراسته الجامعَّية‪ ،‬سمًع فادي عن شركة خدماٍت لوجستَّيٍة جديدٍة نسبًّيا ُتدعى فيدرال إكسبرس (‪Federal‬‬

‫‪ .)Express‬وكان قد ناقَش مطَّوًلا في إحدى الأمسَّيات مع زميٍل له في الدراسة فرَص نجاح تلك الشركة‪ ،‬ومدى تأُّخ ر النظام‬
‫البريدِّي في العالم العرب ‪ .‬لم يلفْت هذا الموضوُع اهتماَم ه حَّتى التقى في معرض باريس الجِّوِّي ِبل كنغسون (‪Bill‬‬
‫ِّي‬
‫‪ ،)Kingson‬وهو صديٌق قديٌم للعائلة وريادٌّي ناجح‪.‬‬
‫كان كنغسون يؤِّس س شركًة لَتوصيل الشيكات الملغاة في الولايات المَّتحدة‪ ،‬وكان يفِّكُر في تأسيس الشركة نفسها في‬
‫الشرق الأوسط‪ .‬كان هذا في عام ‪١٩٨١‬م‪ ،‬وكان غندور حينها يبلُغ ‪ ٢٢‬عاًم ا‪ ،‬وقد بدأ شغُفه واهتمامه يزداُد بمستقبل‬
‫الخدمات اللوجستَّية في المنطقة‪ .‬فانضَّم إلى شركة تأجير سَّياراٍت في عَّم ان‪ ،‬لتكوَن انطلاقًة للَب حِث في الخدمات البريدَّية‪،‬‬
‫وحصَل على إجازٍة لمَّدة أسبوَع ين‪ ،‬وسافر إلى الولايات المَّتحدة للاجتماع بكاَّفة شركات الخدمات اللوجستَّية التي كانت‬
‫قد تأَّس ست منذ زمن‪ ،‬مثل فيديكس (‪ ،)FedEx‬وپيوروليتر (‪ ،)Purolator‬وبرلنغتون نورثرن (‪ ،)Burlington Northern‬وقد أَّثر‬
‫ذلك فيه وتكَّونْت لديه فكرٌة عَّم ا يرغُب في عمله‪ .‬يقول فادي‪’’ :‬في هذه الفترة‪ ،‬لم تُكن هناك في المنطقة مكاتُب بريٍد‬
‫مجَّه زة‪ ،‬لذا كانت التوُّقعات سلبَّيًة ‪ .‬ولم يكْن أَح ٌد من الحكومة يعرُف حًّقا في ذلك الوقت ماهَّية الخدمات اللوجستَّية‪ ،‬لذا‬
‫كنُت واثًقا بأِّني أسَتطيُع َو ْض ع الأساسات بسرعة‪ ،‬وليس هناك ما يدعو إلى القلق حول البيروقراطَّية حَّتى أحِّق َق النجاح‪.‬‬
‫وكنُت واثًقا أيًض ا بأِّني أستطيُع فعل ذلك‘‘‪ .‬في عام ‪١٩٨٢‬م‪ ،‬كانت رؤية فادي هي تأسيَس شركة أشَب ه بمشِّغٍل للخدمات‬
‫اللوجستَّية‪ -‬أو متعِّه د عاٍّم في الشرق الأوسط للشركات اللوجستية الأميركَّية الرائدة‪ -‬لا شركًة تمتلُك طائرات‪ .‬وهكذا رأت‬
‫أرامكس النور‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الحين‪ ،‬صاَرْت أكبَر شركٍة للخدمات اللوجستَّية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا‪ ،‬واستحوَذ ْت مؤَّخ ًر ا على‬
‫عملَّياٍت في جنوب أفريقيا‪ .‬إَّلا أَّن السنوات الأولى كانت حافلًة بَتجاِرِب َفَش ٍل ذريع‪’’ .‬واجهنا كافة المشكلات التي قد‬
‫تواجُه أَّي ريادّي ‪ ،‬ولأَّننا كَّنا في خطواتنا الأولى‪ ،‬ارتَك ْب نا أخطاًء كثيرة‪ ،‬منها أخطاٌء في الَّتوظيف‪ ،‬وُأخرى في الفصل من‬
‫العمل‪ ،‬ومتاعب تتعَّلُق بالأنظمة الخاَّص ة بَش ْح ن البضائع إلى ُد َو ِل المنطقة‪ ،‬بالإ ضافة إلى َنْق ٍص في الُّس يولة‘‘‪ .‬حَّققِت الشركُة‬
‫نمًّو ا ونجاًح ا‪ ،‬وصارت في عام ‪١٩٩٧‬م الشركة الأولى في المنطقة التي تصيُر عاَّم ًة وُتدَرُج في بورصة نازداك (‪.)NASDAQ‬‬
‫وفي عام ‪٢٠٠٢‬م‪ ،‬عاَد ْت لتكوَن شركًة خاَّص ة باستحواذ مجموعة أبراج عليها‪ ،‬ومن َثَّم ‪ُ ،‬طرَح ْت أسهُم ها للاكتتاب العاِّم في‬
‫دبي‪ ،‬لترسيخ مكانتها‪.‬‬
‫في أثناء الاستعداد للذكرى الخامسة والعشرين للشركة‪ ،‬عثَر غندور على وثيقٍة من عام ‪١٩٩٠‬م‪ ،‬تحوي رسالة المؤَّس سة‬
‫التي قامت من أجلها الشركة‪ ،‬والتي ُح ِّض َرْت حين بدا النجاُح صعًب ا‪ُ .‬د هش حين قرأ فحواها الذي كتَب ه بنفسه‪ ،‬وكان فيها‪:‬‬
‫’’نسعى لأْن نكوَن شركًة وطنَّيًة رائدًة في منطقتنا‘‘‪ ،‬وكان ذلك قبل سنواٍت من رواج مفهوم ’’المسؤولَّية الاجتماعَّية‘‘ في‬
‫كِّلَّيات الأعمال الغربَّية‪ ،‬وضمن حملات الشركات الإ علانَّية‪ ،‬وكما سأستعرض لاحًقا‪ ،‬فإَّن أرامكس‪ ،‬وفادي غندور شخصًّيا‪،‬‬
‫أثبَتا التزامهما مفهوَم المسؤولَّية الاجتماعَّية‪ ،‬ولكَّن فحوى وثيقة رسالة المؤَّس سة عكَس ُد روًس ا واقعَّية‪’’ .‬ليس هناك مكاٌن‬
‫للواسطة في َد عم المجتمع وتنمَي ته‪ .‬هذا هو الأمُر الصحيُح الذي ينبغي فعله‪ ،‬ولكَّنه كان تقليًدا غيَر مألوٍف بعُد في الشرق‬
‫الأوسط‪ ،‬فعَّززنا مكانَتنا عبر ترسيخ مسؤولَّيتنا في المجتمع‪ِ ،‬لَم نحن هنا؟ دون شّك ‪ ،‬لتأسيس أعماٍل ناجحة‪ .‬لكْن ما‬
‫المستقبل الذي نصنُع ه لأبنائنا إذا لم ُتبَن وتتنَّم المجتمعاُت من حولنا؟‘‘‪.‬‬
‫كان العجلوني يتلَّقى لكماِت الواسطة‪ ،‬ويعوُد أكثَر عزًم ا ليبدأ من جديد‪ ،‬وكان هذا أيًض ا ينطبُق على فادي أو أِّي ريادٍّي‬
‫آخَر يحاوُل تأسيس عمٍل ما‪ .‬أثبَت غندور أَّنه يمكُن تحقيُق الكثير عبر دخول مجاِل عمٍل جديد‪ ،‬حيث لا توجد الواسطة‪،‬‬
‫أو حينما تظهُر في مراحَل لاحقة‪’’ .‬كان لا بَّد أن يملَك المرُء العلاقاِت التي كنُت أملُكها‪ ،‬فَلدى المرء آلاف الأوراق‬
‫والتصاريح التي عليه استصداُرها لتأسيس عمٍل ما‪ ،‬إَّلا أَّن الخدمات اللوجستَّية كانت جديدة‪ ،‬ويمكُننا تحقيق الكثير إذا‬
‫أنَج ْزنا العمَل بخطواٍت أسرع من أسلوب العمل السائد‪ ،‬وتعاَم ْلنا مع الضغوطات عند ظهورها‪ .‬صرنا شركًة رائدًة في دعم‬
‫المسؤولَّية الاجتماعَّية؛ لأَّنها لم تُكْن معروفًة من قبل‪ ،‬ولم يكن أَح ٌد يعلُم ما يمكُنه أن يجنَي ه منها‪ ،‬لذلك تبَّنيناها على‬
‫الَفور‘‘‪ .‬توَّقَف فادي قليًل ا ثَّم ابتسَم ‪ ،‬ونظر إلَّي قائًل ا‪’’ :‬وعند ظهور الإ نترنت‪ ،‬كنُت واثًقا بأَّن تغييًر ا سيحدُث في الجيل‬
‫الجديد‪ ،‬ليس فقط من الريادِّيين الذين ما يتحَّدثون باستمرار بشأن هذه التكنولوجيا معي‪ ،‬بل أيًض ا في المجتمع العربِّي كِّله‪.‬‬
‫فليَس ْت هناك واسطة على الإ نترنت‘‘‪.‬‬

‫’’ما قبل «مكتوب» وما بعَد ها‪ :‬هكذا‬


‫سُينَظ ُر إلى الأعمال في الشرق الأوسط ‘‘‬
‫أخبَرني فادي قائًل ا‪’’ :‬يصعُب إدراُك أين كَّنا في الشرق الأوسط وإلى أين نَّتجه دون أن تسمَع من سميح طوقان‪ .‬فهو في‬
‫ُص ْلب بيئات الأعمال‪ ،‬وهو ريادٌّي ‪ ،‬وحامٌل للشعلة‪ ،‬ومغامٌر‪ .‬ورغم أَّنه ينحدُر من عائلة مرموقة‪ ،‬فإَّنه عصامّي ‪ ،‬وصاحُب فكر‬
‫ريادٍّي عظيم‘‘‪ .‬ففي عام ‪٢٠٠٠‬م‪ ،‬أَّس َس سميح وزميُله حسام خوري ’’مكتوب‘‘‪ ،‬أحد مواقع الإ نترنت العربَّية في الأردّن ‪.‬‬
‫وتصَّد َر هذا الموقع عناوين الُّص حف في عام ‪٢٠٠٨‬م‪ ،‬عندما استحوَذ ْت عليه شركة ياهو مقابل ‪ ١٧٥‬مليون دولار‪ .‬لم ُتَب ع أَّيُة‬
‫شركِة إنترنت ُأخرى في العالم العربِّي ولو بجزٍء بسيٍط من هذا المبلغ‪ .‬يحِّذ ُرنا فادي قائًل ا‪’’ :‬إَّن صفقَة الَب يع كانت عظيمة‪ ،‬لا‬
‫تسيئوا فهمي‪ ،‬غير أَّن هناك درًس ا عظيًم ا أيًض ا في هذه الصفقة‪ .‬فإذا كان أَح ُدهم َيعي أَّنه ليست هناك واسطة في الإ نترنت‪،‬‬
‫فإَّن هذا الشخَص هو سميح‪ .‬حينها لم يُكْن أَح ٌد في الحكومة يفهُم ماهَّية المواقع الإ لكترونَّية‪ .‬ولم تكن هناك تشريعات‬
‫قانونَّية متعِّلقٌة بهذا المجال‪ ،‬فقد كان مجاًلا ُم بَه ًم ا لا تحكُم ه قوانين‪ .‬وقد اعتمَد هذا الموقع في تأسيسه على َد عِم‬
‫مسَتثِم رين مستقِّلين دون أن يشعَر مؤِّس ساه َقُّط أَّنهما ُيدينان للُح كومة في شيء‪ .‬إَّنهما يمِّثلان الطبقَة الُوسطى التي سُتحِّق ُق‬
‫التغييَر ؛ لأَّنها لا ُتديُن لأَح ٍد بشيٍء عدا طموحاتها‘‘‪.‬‬
‫لا يحُّب سميح المبالغة في الأمر‪ ،‬ولكَّنه يعتقُد جازًم ا أَّن خبرَته أعَطِت الشركاِت الناشئَة الُأخرى أمًل ا أَّنه يمكُن تأسيُس‬
‫بيئة أعمال ريادَّية على الُّرغم من الطرق القديمة المَّتبعة للقيام بالأعمال‪ .‬حَّدَثني في أثناء َتناُو ِل الفطور في فندق غُرسِڤ نر‬
‫(‪ )Grosvenor‬في دبي قائًل ا‪’’ :‬أماَم نا طريٌق طويٌل نمضي فيه‘‘‪ .‬يملُك طوقان طاقًة خاَّص ة‪ ،‬وهو صاحُب قامٍة طويلة وجسٍد‬
‫نحيل وقوّي ‪ ،‬وُتعطيه نَّظارُته ذاُت الإ طار المعِد نِّي مظهَر أستاذ‪’’ .‬صاَرِت الحاُل هذه الأَّيام أفضَل بكثير‪ .‬فالُّس يولة الحقيقَّية‬
‫المستقَّلة متوافرة‪ ،‬والأشخاص الذين مُّر وا بالَّتجارب نفسها على استعداٍد للَّتوجيه‪ ،‬وهناك العديُد من الأمثلة على شركاٍت‬
‫ناشئٍة ناجحة‪ ،‬ولكَّن ما حدَث في المنطقة كان أشَب َه بانفجاٍر نتَج ت عنه أفكاٌر بَزَخ ٍم هائل‪ .‬استغرَقنا الأمُر عقًدا لُنحِّق َق‬
‫َّظ‬
‫نجاَح نا مع ’’مكتوب‘‘ بين عشَّيٍة وُض حاها‪ .‬وصاَرِت الأموُر الآن تجري على نحٍو أسرَع ‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬استقَّل بعُض موَّظفينا‬
‫عَّنا لتأسيس عمِلهم الخاّص ‪ .‬إَّن هذا الَّنوع من الأعمال يشِّجُع الآخرين أن يحذو حذَو نا‘‘‪.‬‬
‫أيقنُت أَّن هناك أمًر ا ما بشأِن َتشبيهي لسميح بالأستاذ‪ ،‬عندما عرفُت أَّنه من ُأسرٍة تحوي الأكاديمِّيين‪ُ .‬ولَد في العاصمة‬
‫الأردنَّية عَّم ان‪ ،‬وهو ابٌن لخبيَرين اقتصادَّيين لديهما خبرٌة عملَّيٌة في الغرب‪ .‬والُده مصرفٌّي ناجح‪ ،‬وشقيقُته وعُّم ه اقتصادَّيان‪،‬‬
‫لكْن توَّج ه سميح إلى العلوم والهندسة‪ ،‬فناَل درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائَّية‪ ،‬ثَّم حصل على درجة الماجستير في‬
‫إدارة الأعمال (‪ )MBA‬من جامعة لندن‪ ،‬وعاَد إلى عَّم ان ليعمَل استشارًّيا في تكنولوجيا المعلومات لدى مجموعة أندرسون‬
‫الاستشارَّية (‪’’ .)Anderson Consulting‬كان إطاُر العمل يتضَّم ُن أعماًلا استشارَّيًة لَد ْم ج الأنظمة لتعمَل بشكٍل متكامل‪،‬‬
‫وتعَّلمُت أَّوًلا أِّني كنُت جِّيًدا في هذا المجال‪ ،‬وثانًي ا‪ ،‬أَّن هناك طلًب ا كبيًر ا على الخدمات الاستشارَّية في هذا المجال‪.‬‬
‫كرهُت العمَل لدى شركة كبرى‪ ،‬لذا قَّررُت الانفصال وتأسيس عملي الخاّص ‘‘‪.‬‬
‫في عام ‪١٩٩٤‬م‪ ،‬عارَض سميح رغبَة والَديه وترَك هو وزميٌل له مجموعة أندرسون الاستشارَّية لتأسيس شركٍة استشارَّيٍة‬
‫خاَّص ة‪ ،‬تحت اسم ’’بزنس ُأپتمايزيشن كنسلتانتس‘‘ أو ’’بي أو سي‘‘ (‪ .)BOC‬واجَه ْتهما صعوبٌة في استقطاب العملاء؛‬
‫لأَّنهما لم يعودا يعملان لدى العلامة التجارَّية الكبرى أندرسون‪ ،‬وكان هناك استثناٌء واحد‪ :‬أَّن فادي غندور عمَل مع فريقه‬
‫لدى شركة أندرسون وُأعِج َب بعملهما‪ .‬ويتذَّكر فادي قائًل ا‪’’ :‬قاما بعمل رائع في إعادة هندسة عملَّيات الَب يع َلَدينا‪ ،‬لذا كنُت‬
‫مطمئًّنا لاستمرارَّية العمل معهما‘‘‪ .‬في حقيقِة الأمر‪ ،‬لم يكن سميح يعرُف َنوَع الِخ ْدمات التي يجُب أن يوِّفرها‪ ،‬حَّتى قرأ في‬
‫إحدى عطل نهاية الأسبوع كتاب ’’إعادة هندسة المؤَّس سة‘‘ (‪ )Re-engineering the Corporation‬للمؤِّلف مايكل هامر‬
‫(‪’’ .)Michael Hammer‬كان أَّول عرٍض أقِّدمه إلى فادي ذلك الاثنين الذي تلى عطلة نهاية الأسبوع‪ ،‬وأخبرُته بأَّننا نريُد إجراء‬
‫بعض أعمال إعادة الهندسة لأنظمِة شركتك‘‘‪ .‬ودون معرفة ما قد يعني ذلك‪ ،‬جلَس سميح مع المديرين التنفيذِّيين وبدأوا‬
‫يحِّللون ويكتبون طريقَة العمل على الَّلوح‪ ،‬لَي ِص لوا إلى استنتاج أَّنهم صاروا جزًءا من طريقِة عمٍل تقليدَّية في إدارة الشركة‪.‬‬
‫ويتابع سميح‪’’ :‬قَّس مناهم فرًقا في فرِق العملاء‪ -‬الفريق الأخضر‪ ،‬والفريق الأحمر‪ ،‬لكِّل الخدمات التي يقِّدمونها‪ .‬فِص ْرنا وكلاء‬
‫التغيير لهذه الشركة‘‘‪ُ .‬أعجَب فادي بالفكرة‪ ،‬حَّتى إَّنه صاَر مسَتثِم ًر ا في ’’بي أو سي‘‘‪.‬‬
‫استقطبت الشركة عملاَء آخرين‪ ،‬لكَّن سميَح وفريَق العمل كانوا غير راضين عن مستوى الإ نجاز‪ .‬ويتذَّكُر سميح بالَقول‪:‬‬
‫’’كان معظُم نا من مواليد نهاية السِّتينَّيات أو نحو ذلك‪ ،‬وكان لدينا إحساٌس قوٌّي بشأن التغيير في منطقتنا‪ ،‬وكَّنا ندرُك أَّن‬
‫عالمنا والعالَم الأشمَل يمكُن أن يكونا أفضَل للَع يش‪ .‬ومن الصعب القيام بذلك حين نحاسُب العميَل بالَّس اعة‪ .‬ويتابع قائًل ا‪:‬‬
‫’’إَّن عمَل الاستشارِّي هو أشَب ُه بقراءِة كتاب‪ ،‬حين تنتهي من قراءته‪ ،‬تتابُع مسيرتك‪ .‬أَرْد نا شيًئا أكثَر استدامًة ‪ ،‬وذا تأثيٍر أكبر‘‘‪.‬‬
‫بدأ سميح وفريُقه يستعرضون سلسلًة من الأفكار‪ ،‬لكَّن كَّل شيء ظَّل على حاله‪ ،‬إلى أن زار سميح وحسام لندن‪ ،‬حيث‬
‫كانت تلك لحظَة التحُّول الحقيقّي ‪ .‬زار كلاهما أَّوَل مقهى للإ نترنت‪ ،‬وكان يوِّفُر خدمَة الإ نترنت بسرعٍة بطيئة جًّدا‪ .‬إَّلا أَّنهما‬
‫وجدا‪ ،‬للمَّرة الأولى‪ ،‬مجموعًة من المقالات عن الأردِّن وُص َوًر ا للبترا‪ ،‬وعالًم ا بأكمله بين أيديهما‪ .‬مكثا هناك لساعات‪ ،‬وكانا‬
‫يعودان كَّل يوم‪ .‬وفي أثناء رحلة العودة‪ ،‬اَّتفَق كلاهما على أَّن الإ نترنت هي الحّل ‪.‬‬
‫لم تتوافْر خدمُة الإ نترنت في الأردّن ‪ ،‬ولم يكن هناك مزِّودون للخدمة‪ ،‬وكان أشَب َه بالمستحيل تصُّف ُح الإ نترنت إَّلا عبر مودم‬
‫(‪ )Modem‬يوِّفُر شبكًة من خلال اِّتصاٍل دولّي ‪ ،‬وهذا ِخ ياٌر باهُظ التكلفة‪ .‬ويضحك سميح قائًل ا‪’’ :‬كَّنا ننفُق ‪ ٢.٠٠٠‬دولاٍر‬
‫شهرًّيا‪ ،‬لكَّنه كان استثماًر ا جِّيًدا‪ .‬وجدنا الهوت ميل (‪ ،)Hotmail‬وسَّج ْلنا حساباٍت هناك‪ ،‬غير أَّنه لم يكن هناك أُّي شيٍء‬

‫ُّل‬
‫بالُّلغة العربَّية‪ .‬وهنا نشأْت فكرُة الموقع الذي صاَر معروًفا ِباْس م «مكتوب»‘‘‪.‬‬
‫وبدأا العمَل في تطوير المواقع الإ لكترونَّية الأولى لعملائهما من الشركات‪ .‬فكانت أرامكس إحدى الشركات التي أطلَق ْت‬
‫أَّوَل موقع إلكترونٍّي لها في العالم العربِّي من خلال العمل معهما‪ .‬ويعود سميح بذاكرته ليخبرنا‪’’ :‬ما كَّنا نشاهُده هو أَّن هناك‬
‫استخداًم ا لهذه المواقع دون سبب‪ ،‬فقد عثَر العملاء على مواقعنا‪ ،‬بضع مئاٍت منهم أَّوًلا ثَّم آلاٍف ‪ .‬وبحلول عام ‪١٩٩٨‬م‪،‬‬
‫أدرْكنا أَّن الهوت ميل كان محَّط الأنظار‪ ،‬إَّلا أَّن اللغَة في منطقتنا عامٌل أساسّي ‪ .‬وكلمة «مكتوب» (أْي رسالة‪ ،‬وقد تعني‬
‫«القدَر » أيًض ا)‪ ،‬كانت سهلَة الَّلفظ لمتحِّدثي اللغة الإ نكليزَّية‘‘‪ .‬وهكذا أطَلقوا البريَد الإ لكترونَّي الأَّول بالُّلغة العربَّية للعاَّم ة‪،‬‬
‫وسَّج ل ‪ ٥.٠٠٠‬مستخدم في الشهر الأَّول‪ .‬كان هذا الرقم آنذاك مرتفًع ا جًّدا‪ ،‬لذا دَعْتهما قناُة بي بي سي لإ جراء مقابلٍة‬
‫مشِّككين في هذا الرقم‪.‬‬
‫وماذا بشأن البيروقراطَّية الحكومَّية ومتاعبها؟ يضحُك سميح قائًل ا‪’’ :‬أَّس سنا أَّول موقع إلكترونٍّي لملك الأردِّن الراحل‬
‫الحسين‪ ،‬لكْن في الحقيقة لم يُكْن أَح ٌد يعَلُم ما كَّنا نفعله‪ ،‬لذا تمَّكَّنا من المتابعة‘‘‪ .‬إَّلا أَّن سميح اكتشَف أَّن هناك ثقافًة‬
‫راسخًة من عدم الثقة في سرعة التغيير‪ .‬ويتابُع موِض ًح ا‪’’ :‬أحَّب الناس ما قَّدمناه‪ ،‬لكَّنهم لم يثقوا بالإ نترنت‪ .‬كانت هناك‬
‫أسئلٌة كثيرة‪ :‬ماذا تعني خدمة الإ نترنت؟ هل يعني ذلك أَّنك تعمل مع المخابرات؟‘‘ وما ُيثيُر الانتباه هو أَّن العلامات التجارَّية‬
‫الأميركَّية الخاَّص ة بالإ نترنت كانت ذاَت مصداقَّيٍة عالية‪ ،‬لذا ضَّم نْت شركُته أيًض ا نتسكيپ في باقتها لتكوَن جزًءا من‬
‫عرضها‪.‬‬
‫وبحلول عام ‪ ،٢٠٠٠‬وصل عدُد المستخدمين إلى ‪ ١٠٠.٠٠٠‬مستخدم‪ ،‬وبعد ذلك بدأت شركاٌت أخرى تظهر‪ ،‬مثل‬
‫أريبيا أون لاين (‪ ،)Arabia Online‬التي ُتعُّد أَّوَل منَّص ِة محتوى بالُّلغة العربَّية ُتغِّطي كاَّفة المواضيع‪ .‬إَّلا أَّن سميح وفريق عمله‬
‫كانوا واثقين بأَّن التركيز هو العامل الأساسّي ‪ .‬كان البريد الإ لكترونُّي هو التطبيَق الأصعب‪ ،‬فقد جمعا مليوني دولار من‬
‫المستثمرين في المنطقة لَتشجيع المستخدمين حَّتى قبل أن تكوَن لديهم ُخ َّطُة عمٍل تتجاَو ُز إنشاَء مواقع إلكترونَّية للشركات‪.‬‬
‫وبحلول عام ‪٢٠٠٣‬م‪ ،‬تخَّطى عدد المستخدمين حاجز المليون مشترك‪ ،‬وكان عمًل ا شاًّقا جًّدا‪’’ .‬كَّنا ثلاثين موَّظًفا‪ ،‬وكَّنا‬
‫جميًع ا ننجُز الأعماَل التقنَّية وخدمَة العملاء‪ .‬ولم تكن هناك شبكة للخوادم (السيرڤر) أو خدمات سحابَّية‪ .‬أتذَّكُر أَّن شريكي‬
‫حسام كان يحمل الخوادم على كتَفيه ليوصَلها بالسرعة الممكنة لئَّل ا يظَّل العملاُء دون شبكٍة لمَّدة طويلة‘‘‪ .‬كانا دائَمِي‬
‫الابتكار لطرٍق تعِّزز ثقافَة جمهورهما‪ ،‬وتمِّكُنهما من استقطاِب عدٍد أكبر‪ .‬ويتابع سميح‪’’ :‬آنذاك‪ ،‬لم تُكْن هناك لوحُة مفاتيَح‬
‫لأجهزة الحاسوب بالعربَّية‪ .‬ولكي نساعَد مسَتخدمينا على الطباعة بالُّلغة العربَّية‪ ،‬طبعنا آلاف الملصقات للحروف الألفبائَّية‬
‫العربَّية‪ ،‬وعلى نفقتنا‪ ،‬ليتمَّكَن المستخدمون من إلصاقها على لوحة المفاتيح الإ نكليزَّية‪ .‬ولم ينَس المستخدمون ما فَع ْلناه‬
‫لأجلهم‘‘‪.‬‬
‫وحين تخَّطى عدُد المستخدمين حاجَز المليون‪ ،‬بدأا يطَرحان خدماٍت ُأخرى‪ .‬أَّس سا خدمَة الدردشة وغرًفا خاَّص ة لَدردشة‬
‫المجموعات‪ ،‬وحَّف زا المشاهير من مغِّنين وسياسِّيين وممِّثلين على استضافة دردشٍة أسبوعَّية‪ ،‬الأمر الذي ساعَد على تعزيز‬
‫مصداقَّية الشركة‪ .‬تبَع ْت ذلك خدمُة الأخبار والرياضة‪ ،‬والمنتديات وحلقات نقاٍش تفاعلَّية ُينِش ُئها المستخدمون‪ .‬كانت‬
‫الإ علانات على الإ نترنت ما تزاُل في بداياتها‪ ،‬فأطلقا حملاِت الرعاية (‪ )Sponsorships‬التي كانت تعوُد عليهما بَدْخ ٍل‬
‫ضئيل‪ .‬ومع كِّل هذا؛ ورغم عدد المستخدمين الهائل‪ ،‬لم يكن لديهما تدُّفٌق واضٌح للإ يرادات‪ .‬عندما انفجَرْت فَّقاعة‬
‫التكنولوجيا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول‪/‬سپتمبر‪ ،‬حالَفهما الحُّظ حين الَتَقيا صديَق فادي‪ ،‬المستثمر عارف نقفي من‬
‫مجموعة أبراج‪ .‬أخبَرني عارف في ما بعد قائًل ا‪’’ :‬كنُت أتابُع اهتماماِت أولادي‪ ،‬فعرفُت أَّن الإ نترنت ستكون أمًر ا غايًة في‬
‫الأهِّمَّية‘‘‪ .‬اشتَرْت مجموعة أبراج ما نسبُته ‪ ٪٢٠‬من الشركة‪ ،‬الأمُر الذي ساعَد سميح على تأسيِس شركاِت إنترنت صغيرة‬
‫كانت تشهُد نمًّو ا في ُد َو ٍل عديدة‪’’ .‬كانت هذه الشركات الأخرى تملُك عدًد ا كبيًر ا من المستخدمين‪ ،‬لكْن كانت تنقُص ها‬
‫ُخ َّطُة العمل أو مصدٌر للإ يرادات‪ ،‬فعادًة ما يكون هناك شخٌص واحٌد ُيديُرها في مكاٍن ما‪ .‬كَّنا نشتريها ببضع مئاِت الألوف‬
‫من الدولارات‪ ،‬وهذا أكثُر بكثيٍر مَّم ا كان ُيتوَّقُع َج ْنُيه‪ ،‬وكَّنا نجمع المستخدمين بشكٍل يضمُن حصوَلنا على إيرادات من‬
‫الإ علانات التي لا بَّد أن تتحَّق َق َيوًم ا ما‘‘‪ .‬وساهَم تأسيس موقٍع متخِّص ٍص بقضايا المرأة في السعودية‪ ،‬وموقع الرياضة الرائد‬
‫في الأردن‪ ،‬ومواقع أخرى غيرهما‪ -‬في زيادة عدد المستخدمين إلى ‪ ٥‬ملايين‪ ،‬ومن ثَّم ‪ ١٠‬ملايين في عام ‪٢٠٠٥‬م‪.‬‬
‫وفي العام التالي؛ ورغم أَّنهما لم يكونا يسَع يان إلى َبيع الشركة‪ ،‬فقد شعرا بأَّن نطاَق العمل الذي حَّققاه يمكُن أن يجذَب‬
‫فرًص ا لتنمية العمل مع شركاٍت ُكبرى في الولايات المَّتحدة‪ .‬يتذَّكر سميح قائًل ا‪’’ :‬كان بعُض هم يتجاهُل اِّتصالاتي ورسائلي‬
‫الإ لكترونَّية‪ ،‬مثل إيه أو أل (‪ ،)AOL‬وكان آخرون يستجيبون للتواُص ل مثل ياهو‘‘‪ .‬كان أَّول تواُص ٍل له مع فريق ياهو في‬
‫سنغافورة‪ ،‬وكان هذا الفريُق مسؤوًلا عن الخدمات في الأسواق الناشئة‪ ،‬وقد أدرَك الفريُق على الَفور الإ مكاناِت والفرَص التي‬
‫يوِّفرها مكتوب‪ .‬وتزامَن هذا مع رحلٍة قام بها سميح لاحًقا إلى ماونتن ڤيو (‪ )Mountain View‬في كاليفورنيا‪ ،‬قابَل خلالها‬
‫الرئيَس التنفيذَّي لشركة ياهو َتري سيِم ل (‪ )Terry Semel‬في المقِّر الرئيسِّي للشركة‪ .‬ولكَّن الصيَن كاَنِت الأولوَّية العالمَّية‬
‫الوحيدة له‪.‬‬
‫توَّقفِت المناقشاُت ما بين الطرَفين لعَّدة سنوات‪ ،‬تواَص َل بعَدها فرع ياهو من سنغافورة مع سميح مَّرة ُأخرى‪ ،‬وبمحض‬
‫الِّص دفة‪ ،‬كانت تايغر مانجمنت (‪ ،)Tiger Management‬وهي أَح ُد الصناديق الاستثمارَّية الرائدة في نيويورك‪ ،‬قد استثمرت‬
‫في الشركة‪ ،‬كما كانت شركة التجارة الإ لكترونَّية في جنوب أفريقيا‪ ،‬ناسپرز (‪ ،)Naspers‬بدأت محادثتها لَع ْقد شراكٍة أو حَّتى‬
‫لشراء بعض أصول الشركة‪’’ .‬كانت أبراج قد استثمَرْت مقابَل مبلٍغ جِّيد‪ ،‬لذا لم نكن نسَتجدي تلك العروض‪ ،‬إَّلا أَّن تايغر‬
‫مانجمنت عرَض ْت قيمًة تعادُل أربعَة أضعاِف ما استثمَر ْته أبراج‪ ،‬وكَّنا نعلُم أَّنهم أصحاُب نفوٍذ في الولايات المَّتحدة‪ ،‬مَّم ا قد‬
‫يساعدنا على تحقيق رغبتنا في تطوير العمل‘‘‪ .‬جذَب هذا الحدُث ياهو باهتماٍم أكبر‪ .‬وُيعِّلُق سميح بالَقول‪’’ :‬أعتقُد أَّن‬
‫ناسپرز ظُّنوا أَّننا نخدُع هم؛ فالاهتماُم الذي أبَدْته ياهو كان مفاِج ًئا‪ ،‬وأراَد ْت أخيًر ا أن تتفاَو َض معنا بشكٍل استثنائّي ‘‘‪ .‬تحَّوَلِت‬
‫المناقشُة التي بدأْت على أساِس تطويٍر للأعمال‪ ،‬إلى دعوة للاستحواذ على الشركة‪ .‬يضيُف سميح‪’’ :‬بالِّنسبة إلَّي ‪ ،‬استمَّر‬
‫مجرى الأمور طبيعًّيا‪ ،‬إلى أن جاَء ذلك اليوم‘‘‪ ،‬ويتابُع الَقول‪’’ :‬حَّتى عائلتي لم تكن تعلُم بكِّل هذه التعقيدات حتى وَّقْعُت‬
‫الصفقة‘‘‪.‬‬
‫استحوَذ ْت ياهو على الموقع الإ لكترونِّي والبريد الإ لكترونِّي فقط‪ ،‬أَّم ا الشركات الأربع أو الخمس الُأخرى التي تأَّس سْت‬
‫ضمَن مكتوب لتكوَن تجِربًة جانبَّية‪ ،‬فكانت من نصيب سميح‪ ،‬وتشمُل موقَع التجارة الإ لكترونَّية سوق دوت كوم‬
‫(‪ ، )Souq.com‬وشركة الدفع النقدِّي للتجارة الإ لكترونَّية كاش يو (‪ ،)CashU‬وبعض الأصول الخاَّص ة بألعاب الإ نترنت‪.‬‬
‫’’عرفُت منذ بداية ذلك الُأسبوع أَّن َد وري في الحياة سيتغَّيُر بشكٍل جذرّي ‪ .‬كان لدَّي بعُض المال وهذه الشركات الصغيرة‬
‫ذات الإ مكانات الكبيرة‪ .‬في السابق‪ ،‬كانت َم هَّم تي تكمُن في تنمية شركة‪ ،‬أَّم ا الآن‪ ،‬وبعد أن شاهدُت التغييَر الذي تحِّققه‬
‫الشركات الناشئة في المنطقة‪ ،‬فقد عرفُت أَّن في ُوسعي أن أضطلَع ِبَدور فَّع اٍل في تطوير قطاع الشركات الناشئة ودعم‬
‫الريادِّيين‘‘‪ .‬عَّين سميح رئيًس ا تنفيذًّيا لكِّل شركٍة من شركاته‪ ،‬وأطلَق أَّوَل شركِة إنترنت قابضة واستثمارَّية أطلَق عليها اسم‬
‫جَّبار‪ ،‬وجمَع رأَس ماٍل إضافًّيا لهذه الأصول‪ ،‬ولعملَّيات استحواذ مستقبلَّية‪ ،‬وإطلاق خدمات جديدة‪ .‬كما عرَض ْت هذه‬
‫الشركات أيًض ا خدمات‪ ،‬وقَّد َم ِت الموارَد للريادِّيين كالمساحات المكتبَّية‪ ،‬والمساعدات المالَّية والقانونَّية والاستراتيجَّية‪،‬‬
‫ليرِّكزوا على إبداعاتهم وابتكارهم الفكرّي ‪.‬‬
‫حَّدق سميح بي قائًل ا‪’’ :‬فلُأخبْرَك بشيء‪ :‬نحن لا نعاني شًّح ا في الأفكار أو الابتكارات؛ إذ إَّن َلَدينا دون شٍّك‬
‫الأشخاَص المناسبين‪ ،‬والأسواَق الضخمة التي تشِّكُل بَّو اباٍت لأسواٍق أضخم‪ .‬غير أَّن ما لا نملُكه فهو البنية التحتَّية الواسعة‬
‫والداعمة‪ ،‬التي قد لا نكون مؤمنين بعُد بأهِّمَّية ُوجودها من الناحية الثقافَّية للمنطقة‘‘‪ .‬ويتابع مستنكًر ا‪’’ :‬تخَّيل لو أَّن فًتى في‬
‫العالم العربِّي أتى بفكرِة فيسبوك قبل عشر سنوات؟ لرَّبما نعَته أصدقاؤه بالغبّي ‪ .‬ورَّبما لن يسمَح والُده له ِبَترك ما يطَلُق عليه‬
‫«وظيفته الآمنة»‘‘‪ .‬توَّقف عن الحديث لبرهة ثَّم قال‪’’ :‬أوِّكُد لك أَّنها في طريقها إلى التغيير‪ ،‬فأنا أرى ذلك كَّل يوم‪ .‬لو‬
‫أمضيَت بعض الوقت في شركاتنا أو شركات أخرى تشِبُه ها‪ ،‬فسترى الَّتغيير‪ .‬لا تترَّد د في تمضية وقٍت في هذه الشركات‬
‫الجديدة!‘‘ وقد فعلُت ذلك دون شّك ‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫الجيُل الجديد‬

‫كان تطُّور موقع مكتوب وَبيعه حدًثا لافًتا‪ ،‬وتزامَن مع تزاُيد إقبال المستهلكين على التكنولوجيا في المنطقة‪ .‬في تشرين الأَّول‪/‬‬
‫أكتوبر من عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬أطلقْت شركُة غوغل وشركة بوز آند كومپاني (‪ )Booz & Company‬بحًثا مكَّثًفا حول ما أطَلقوا عليه‬
‫اسم ’’الجيل الرقمُّي العربُّي ‘‘ (‪ .)The Arab Digital Generation‬ورَّكز البحُث على دراسة توُّج هات ثلاثِة آلاِف مستخدٍم في‬
‫تسع دول‪ ،‬جميعهم من مواليد ما بعد عام ‪١٩٩٧‬م‪ ،‬وكانت نتائج البحث مذهلة‪ ،‬إذ أظهَرْت أَّن انفتاَح العالم العربِّي على‬
‫الإ نترنت ازداد بمعَّد ٍل ُيضاهي أَّية منطقٍة ُأخرى في العالم‪.‬‬
‫ورغم أَّن المنطقَة ما تزاُل متأِّخ رة عن الدول الُأخرى في انتشار الإ نترنت‪ ،‬فإَّن عدَد مستخدمي الإ نترنت في الدول العربَّية‬
‫يشهُد نمًّو ا بشكٍل أسرع (‪ ٪٢٣‬سنوًّيا مقابل ‪ ٪١٤‬عالمًّيا)‪ ،‬ومن المتوَّقع أن يتجاوَز العدُد ‪ ١٤٠‬مليوًنا بحلول العام المقبل‪.‬‬
‫وبينما وصَل معَّدُل انتشار الهواتف النَّقالة ‪ ٪١٠٠‬في جميع الدول تقريًب ا‪ ،‬فمن المتوَّقع أن يصَل معَّدل استخدام الهواتف‬
‫الذكَّية إلى ‪ ٪٥٠‬خلال ثلاث سنوات‪ ،‬كما سيزداُد معَّدُل توافر الإ نترنت للمستخدمين الذين يعانون عدَم ُوجوِد ها‪ .‬لقد روى‬
‫الأشخاص الذين ُأتيَح ْت لهم فرصُة استخدام الإ نترنت قَّص ًة ُم ذِه لًة عن التغيير على مدى السنوات الخمس الماضية‪ ،‬وعن‬
‫الَّتداِع يات المستقبلَّية‪ ،‬إذ يستخدُم ‪ ٪٨٣‬من الناس الإ نترنت يومًّيا‪ ،‬ويصُل معَّدُل استخدام نصف هؤلاء خمس ساعاٍت يومًّيا‬
‫على الأقّل ‪ .‬وقد فَّض لِت الغالبَّيُة منهم بما نسبُته ‪ ٪٧٨‬استخدام الإ نترنت على مشاهدة التلفاز‪ ،‬كما صَّرح ‪ ٪٤٤‬أَّنهم ُيمضون‬
‫وقًتا أطَوَل على الإ نترنت أو باستخدام هواتفهم النَّقالة‪ ،‬مقارنًة بالوقت الذي ُيمضونه مع أصدقائهم وجًه ا لَوْج ه‪ .‬إَّن أكثَر من‬
‫نصف هؤلاء يرغب في متابعة مسيرته التعليمَّية والمهنَّية وتحقيق طموحاته‪ .‬ولن يكوَن أمًر ا مفاجًئا إذا ما عرفنا أَّن ما يزيُد على‬
‫‪١‬‬
‫‪ ٪٤٠‬يرغبون في تأسيس شركاتهم الخاَّص ة‪.‬‬
‫ولو تساءلنا عن أنواع الشركات التي قد يؤِّس سها هذا الجيل الجديد من ريادِّيي الأعمال لَتلِبَي ة توُّج هات السوق الجديدة‪،‬‬
‫فنجد أَّنه يمكُننا في هذه المرحلة المبكرة تقسيم قطاعات الشركات الناشئة ثلاث فئات‪ :‬الأولى هي شركات ارتجالَّية تتبَّنى‬
‫نماذَج أثبَتْت نجاَح ها في الأسواق الغربَّية‪ ،‬ويعمُل مؤِّس سوها على تعريب الخبرات لغوًّيا وثقافًّيا لُتلائَم المجتمَع الذي يعيشون‬
‫فيه‪ .‬والثانية هي الشركات التي توِّفُر حلوًلا للمشكلات التي يشهُدها المجتمُع وللتحِّديات المحِّلَّية والإ قليمَّية‪ ،‬التي يسوُد‬
‫اعتقاد أَّن حَّلها يقُع ضمَن مسؤولَّياِت الحكومات‪ ،‬إَّلا أَّن المشهَد الحقيقَّي يناقُض هذا الاعتقاد‪ ،‬لذلك يبادر ريادُّيو الأعمال‬
‫في إطلاق شركاَت تدعُم المجتمَع في تخِّطي تلك التحِّديات‪ .‬أَّم ا الثالثة‪ ،‬فهي الشركات التي يطلُقها ريادُّيو الأعمال ذوو‬
‫المستوى العالمّي ‪ ،‬وُه م أولئك الذين يدركون منذ البداية أَّنهم ُيطِّورون شركاٍت فريدًة قادرًة على الُوصوِل إلى أَّية سوق‪ ،‬التأثير‬
‫في تلك السوق أيًض ا‪.‬‬
‫نهضُة التجارة الإ لكترونَّية و الريادُّيون الارتجالُّيون (‪)Improvisers‬‬
‫تمنُح ك مؤتمرات الشركات الناشئة في الشرق الأوسط شعوًر ا بأَّنك في الولايات المَّتحدة‪ .‬فهناك وفرٌة من الشركات المألوفة‪،‬‬
‫وهي ليست شركاَت مناِفسة أو نماذَج مقَّلدة‪ ،‬بل هي شركاٌت تتناَو ُل احتياجات المستهلكين نفسها التي تتناوُلها نظيرُتها‬
‫الغربَّية‪ .‬غير أَّنها تَّتسُم بملاَءمِتها للثقافة المحِّلَّية وللَّطابع الممَّيز السائد‪ .‬وُيعُّد موقع مكتوب أحَد الأمثلة الرائدة في هذا‬
‫السياق‪ ،‬إَّلا أَّن هناك العديَد من الأمثلة الُأخرى التي تتناَو ُل جوانَب متعِّددة‪ .‬فمثًل ا‪ ،‬الموقع الخاُّص بالطِّب والصَّح ة المسَّم ى‬
‫الطِّبي دوت كوم (‪ُ )altibbi.com‬يشبه إلى حٍّد كبيٍر الموقَع الأميركَّي ويب أم دي دوت كوم (‪ ،)WebMD.com‬إَّلا أَّن‬
‫المشاركَة في موقع الطِّبي دوت كوم تتُّم عبر أسماء مستعارة لحماية مستخدميه من النساء في المنطقة والمحاَفظة على‬
‫خصوصَّيتهم‪ .‬كذلك موقع أَرب مترموني دوت كوم (‪ )ArabMatrimony.com‬وهو موقُع ’’المواعدة‘‘ الرئيسُّي في منطقة الشرق‬
‫الأوسط‪ ،‬رغم أَّن معارفي من مواطني الشرق الأوسط ُيصُّر ون على تصحيحي قائلين إَّنه لا يوجد ’’مواقع للمواعدة‘‘ في‬
‫المنطقة بل هي ’’مواقع للباحثين عن الزواج‘‘‪.‬‬
‫إَّن أكثَر الألعاب إبداًع ا وابتكاًر ا في العالم‪ ،‬والتي تستقطُب المجتمَع العالمَّي ‪ُ ،‬تطَّور الآن في العالم العربّي ‪ .‬وعلى حِّد‬
‫َقول مؤِّس سي موقع فلافل غايمز (‪ )falafel games‬للألعاب‪ ،‬رضوان قاسمية وڤينس ُغصوب‪’’ :‬في القصص التي تسرُد ها‬
‫ألعاُبنا‪ ،‬لن تجَد جندًّيا من قَّو ات المارينز الأميركَّية يقاتلون في شوارع بيروت‘‘‪ .‬فمنذ عام ‪٢٠٠٨‬م‪ ،‬أطلَق أصحاُب هذا الموقع‬
‫العديَد من الألعاب التي تنسجُم مع خبراتهم ونشأتهم في بيئٍة محِّلَّيٍة سواٌء في المدن أم في الريف‪ ،‬حَّتى إَّن ألعاَبهم قد‬
‫تتضَّم ُن مشاهَد الطعام المحِّل والموسيقا الشائعة‪ .‬وهناك موقُع الألعاب الذي انطلق من لبنان غايم كوكس (‪)Game Cooks‬‬
‫ِّي‬
‫ِق‬
‫الذي ُيطلُق ألعاًبا على الهواتف النَّقالة‪ ،‬وهناك َم و عا تحِّدي غايمز (‪ )TahadiGames‬الإ ماراتُّي وميس الورد الأردنُّي‬
‫(‪ )Maysalward‬اللذان يرِّكزان على الألعاب التفاعلَّية الاجتماعَّية‪ .‬أَّم ا موقُع ِنزال إنترتيمنت (‪ )Nezal Entertainment‬المصرُّي‬
‫فهو ُم سَتوحى من الَّتجِربِة الخاَّص ة للفريِق المؤِّس س في أثناء الثورة المصرَّية‪ ،‬حيث تجري وقائُع اللعبة على خلفَّية الثورة‪،‬‬
‫ويسَمُح التطبيُق لَّل اعبين بالتحُّرك في المكان واختباِر تسلُس ِل ‪ ١٨‬يوًم ا من الأحداث على ِم نَّص ة فيسبوك‪ .‬ولمواكبة التطُّور في‬
‫مجال الألعاب الإ لكترونَّية‪ ،‬بدأ الآن مطِّورو الألعاب العالمُّيون‪ ،‬مثل الشركة الأميركَّية زينغا (‪ ،)Zynga‬يصدرون الألعاَب‬
‫مدعومًة بخياِر الُّلغة العربَّية‪ ،‬كما أَّن هناك توُّجًه ا واضًح ا من شركة تطوير الألعاب الاجتماعَّية التركَّية پيك غايمز (‪Peak‬‬

‫‪ )Games‬لاستهداف منطقة الشرق الأوسط‪.‬‬


‫يميُل الغرب إلى الاعتقاد أَّن الابتكاَر هو الأمُر التالي الجديد المتأِّلق‪ ،‬وينظُر بعُض المستثمرين إلى الريادِّيين الارتجالِّيين‬
‫ِبَع ين الازدراء‪ .‬ولكَّن القدرَة على الُوصول إلى التقنَّيات الحالَّية (مثل إنترنت النطاق العريض الفائق السرعة‪ ،‬والهواتف النَّقالة‪،‬‬
‫والأجهزة الذكَّية)‪ ،‬تكمُن ليس فقط في إمكانَّية الُوصول إلى أسواق ضخمة‪ ،‬بل تستطيع أيًض ا قيادَة التفكير المتجِّدد الذي‬
‫ٍة‬
‫يعالُج المشكلات المحِّلَّية والإ قليمَّية‪ .‬يعِّلق سميح بحماس قائًل ا‪’’ :‬إَّن هذه المرحلَة طبيعَّيٌة ومتوَّقعة‘‘؛ فموقعه الإ لكترونُّي‬
‫مكتوب كان ُيطَلق عليه ’’ياهو الشرق الأوسط‘‘ حَّتى قبل الاستحواذ عليه‪ .‬وكما يعتقد سميح‪ ،‬فإَّن الريادِّيين الارتجالِّيين قد‬
‫يحَظون بالوصول إلى طرق سهلٍة إلى النجاح‪ ،‬وهم الَّلِبنة الأساسَّية في الحوارات التي يتفَّه ُم ها المستثمرون المحافظون في‬
‫هذه البيئة‪ .‬وُيضيُف قائًل ا‪’’ :‬كان من المستحيل أن ينجح فيسبوك في أٍّي من الأسواق النامية منذ اليوم الأَّول‘‘‪ .‬ويعتقد‬
‫سميح أَّن البيئات خارَج الأسواق النامية مثل أسواق الشرق الأوسط‪ ،‬لا ترى الابتكار في هذه الأعمال‪ ،‬وكيف يمكن أن‬
‫تخدَم المناطَق التي ُتؤَّس ُس فيها‪ ،‬وكيف تساعُد في بناء البيئات التكنولوجَّية على المستوى الإ قليمّي ‪ .‬ويضيُف مبتسًم ا‪’’ :‬أنا‬
‫راٍض عن هذا تماًم ا؛ فأنا ألتقي الشركات الأفضل أَّوًلا‘‘‪.‬‬
‫وعلى المستوى المحِّلّي ‪ ،‬ليست هناك فرٌص ممتعٌة تعطي نتائج فورَّيًة وسوًقا مستقبلَّية‪ ،‬مثل ما تفعُل التجارة الإ لكترونَّية‪.‬‬
‫وتتباَيُن الإ حصائَّياُت ضمن الدراسات‪ ،‬ولكَّن حجَم هذه الأعمال والفرص التي توِّفُرها واضحة‪ .‬فإَّن ما تنفُقه شريحُة‬
‫المستهلكين المتنامية في الشرق الأوسط على التسُّوق الإ لكترونِّي يتجاوز المليار دولار‪ ،‬ومن المتوِّقع أن يتضاعَف هذا الرقم‬
‫خلال السنوات الثلاث المقبلة‪ .‬وتشير الأحداث التاريخَّية إلى أَّن الإ نفاق عبر الإ نترنت على الألعاب يتجاوز ‪ ،٪٤٠‬في حين‬
‫تمِّثُل النساء نسبًة صغيرًة نسبًّيا‪ ،‬حيث تشِّكُل ما نسبُته ‪ ٪٣٢‬من التسُّوق عبر الإ نترنت‪ ،‬ومن المتوَّقع ظهور فئاٍت أكثَر تنُّوًع ا‬
‫من فئات المستهلكين في المستقبل‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فإَّن ثلَثِي المستهلكين عبر الإ نترنت يقولون إَّنهم يستخدمون الإ نترنت‬
‫لإ جراء بحٍث حول المنتجات والخدمات قبل شرائها إلكترونًّيا أو فعلًّيا‪ .‬وُتقَّدر قيمُة الإ نفاق الحالَّية على قطاع التجزئة في‬
‫الأسواق الفعلَّية في الشرق الأوسط بنحو ‪ ٤٢٥‬ملياَر دولار‪ ،‬وتقِّدر غوغل أَّن نسبة الأعمال التي حَّققْت وجوًد ا لها على‬
‫الإ نترنت في الشرق الأوسط لا يتجاوُز ‪ .٪١٥‬ورغم ُوجود نسبٍة ضئيلٍة من هذه الشركات على الإ نترنت‪ ،‬فإَّن الإ حصائَّيات‬
‫‪٢‬‬
‫تتوَّقُع نسبَة نمٍّو كبيرة‪.‬‬
‫تبدو هذه الإ حصائَّياُت ُم بِّش رة‪ ،‬غير أَّنها تناِقُض عامَلين مهَّم ين شَّكلا جزًءا من الثقافة والتاريخ‪ ،‬وهما يحولان دون نمِّو‬
‫التجارة الإ لكترونَّية في المنطقة حَّتى الآن‪ :‬الأَّول‪ ،‬أَّن كَّل دولٍة تطِّبُق قوانيَن شحٍن خاَّص ة‪ ،‬رغم أَّنها غالًب ا ما تكُون ُم بَه مة‪.‬‬
‫أخبَرني فادي غندور قائًل ا‪’’ :‬لقد حَّققِت التجارة الإ لكترونَّية نجاًح ا ساحًقا في الولايات المَّتحدة‪ ،‬نتيجَة سهولِة َنْقل البضائع‬
‫ما بين الولايات‪ .‬تخَّيل لو أَّن كَّل ولايٍة كانت تطِّبُق قوانيَن الجمارك والإ جراءات البيروقراطَّية الخاَّص ة بها‪ ،‬حيث تتفَّقُد كَّل‬
‫َطْر ٍد ‪ ،‬لتجعل من عملَّية التسليم والمتابعة أمًر ا لا يمكُن الاعتماُد عليه لأِّي سبٍب كان‪ .‬أضف إلى ذلك رسوَم الشحن‬
‫والضرائب المفروضة خلال كِّل خطوة‪ .‬وهذه هي الصورة تماًم ا في الشرق الأوسط حَّتى َيومنا هذا‪ ،‬وهذا هو التحِّدي‬
‫الأكبر‘‘‪ .‬وقد وجدُت دراسًة مشتركًة أجراها كٌّل من بوز وغوغل‪ ،‬وأظهَرْت أَّن ’’تطبيق عدٍد من الإ جراءات على التجارة‬
‫الخارجَّية يعني أَّن التعرفَة والرسوَم الجمركَّية مرتفعة‪ .‬فقد يكون شراُء شيٍء ما من الولايات المَّتحدة ثَّم شحنه إلى دبي‪ ،‬أقَّل‬
‫تكلفًة من شرائه من دبي وشحِنه إلى الرياض في السعودَّية‘‘‪ ٣.‬أضْف إلى ذلك َتباُيَن النظام البريدِّي وشبكة الطرق وعناوين‬
‫الشوارع بشكٍل كبيٍر من َد ولٍة إلى ُأخرى‪ ،‬مَّم ا يجعُل َتوصيَل الُّطروَد أمًر ا صعًب ا حَّتى بعد تخليصه جمركًّيا‪ .‬العامل الثاني‪ ،‬أَّن‬
‫استخداَم بطاقات الائتمان في المنطقة هو الأقُّل في العالم‪ ،‬حَّتى على مستوى المعاملات الشخصَّية كالدفع في المتجر أو‬
‫المطعم‪ .‬ورغم أَّن الإ حصائَّياِت حوَل هذا الموضوع متباينة‪ ،‬فيمكن القول إَّن نسبَة َم ن يملكون بطاقاٍت ائتمانَّيًة من بين ‪٣٥٠‬‬
‫مليون نسمة هو أقُّل من ‪ ٪١٠‬تقريًب ا‪ .‬ورغم أَّن العديَد من الأفراد يملكون بطاقاِت الخصم المباِش ر‪ ،‬فإَّن حاِم ليها لا‬
‫يستخدمونها في الشراء عبر الإ نترنت‪ .‬هناك طرٌق مختلفٌة للَّدفع عبر الإ نترنت مثل پاي پال‪ ،‬والدفع من خلال الهاتف النَّقال‪،‬‬
‫غير أَّنها ما تزاُل في مراحَل مبِّكرٍة حَّتى َو فًقا للمقاييس الأفريقَّية‪ .‬والنتيجة أَّن أكثَر من ثلَثِي المعاَم لات في الشرق الأوسط‬
‫تقوُم على الَّدفع عند التسليم (‪ .)Cash on delivery‬يضحُك فادي غندور عندما يفِّكر في الأمر‪ ،‬ويعِّلق قائًل ا‪’’ :‬لا أستطيع أن‬
‫أخبُرَك بعدد المَّر ات التي يتعامُل فيها العملاُء مع سائقي أرامكس الذين يوصلون البضائع إليهم كما لو كانوا تَّج اًر ا! يحُّب‬
‫العرُب المساَو مة‪ ،‬فَي سَع ون إلى الحصول على خصٍم أو إيجاِد خلٍل ما في البضاعة‪ ،‬أو يقولون ببساطة إَّنهم لا يريدوَنها‘‘‪ .‬إَّن‬
‫محاَو لَة الُوصوِل إلى العنوان الصحيح إضافًة إلى الزيارات المتكِّررة قد تزيد تكلفَة َتوصيل البضاعة بنسبة ‪ .٪٥-٣‬وتتراوُح نسبة‬
‫البضائع المسترَج عة في المنطقة بين ‪ ١٧‬و‪ ،٪٢٥‬وُيعزى ذلك إلى اعتماد أسلوب الدفع عند التسليم‪ .‬أَّم ا في حال اعتماد‬
‫الشراء عبر الإ نترنت‪ ،‬فإَّن هذه النسبة تكوُن أقَّل بأربع أو خمس مَّر ات‪ ٤.‬ناهيك ِبُوجود بعِض الحَّس اسَّيات الثقافَّية حول مجَّر ِد‬
‫تسليِم َطرٍد إلى بعض الأماكن‪ .‬ويتابع فادي موِض ًح ا‪’’ :‬حاَو ْلنا مثًل ا تسليَم البضائع إلى أصحابها في السعودَّية خلال ساعاِت‬
‫العمل الاعتيادَّية‪ ،‬غير أَّن رَّب المنزل يكوُن في العمل‪ ،‬في حين تكوُن النساُء وحدهَّن ‪ .‬ويمكنك تخُّيُل ما أتى به ذلك علينا‪.‬‬
‫أخبَرني بعض السائقين بأَّنهم اضُطُّر وا إلى الهرب من أزواج َقِد موا إلى منازلهم مهِّددين إَّياهم بالسلاح! حَّتى أبناء الجيل‬
‫الرقمِّي ُيفِّض لون التعاُم َل مع بائع حقيقّي ‪ ،‬ورؤيِة المنَتج قبل شرائه‪ .‬فهم يترَّد دون في استخدام بطاقات الائتمان أو الخصم‬
‫‪٥‬‬
‫على الإ نترنت‪ ،‬كما أَّنهم يخَش ون احتياَل المواقع الإ لكترونَّية‪ ،‬وسرقة النقود المدفوعة‪.‬‬
‫إَّلا أَّن هناك توُّجًه ا نحو التغيير‪ ،‬وهذا ما تؤِّكُده قَّص ُة الموقع الإ لكترونِّي غونابت (‪ ،)GoNabit‬فالكندُّي الرائد في عالم‬
‫القسائم والصفقات اليومَّية دان ستيوارت (‪ )Dan Stuart‬يتمَّتُع ِبُبعِد النظر‪ ،‬وتحليِل التحِّديات‪ ،‬وتحديد فرص التغيير‪ .‬أنشأ‬
‫وشركاُء له من المنطقة أَّوَل شركٍة ُتشِبه إلى حٍّد ما شركَة غروپأون (‪ )Groupon‬للَّص فقات في دبي في مايو‪/‬أَّيار ‪٢٠١٠‬م‪ ،‬وهي‬
‫غونابت‪ ،‬التي استحوَذ ْت عليها في َح زيران‪/‬يونيو عام ‪٢٠١١‬م الشركة المنافسة ليڤنغ سوَش ل (‪ ،)LivingSocial‬والتي ِبَدوِرها‬
‫أغلَق ْت عملَّياتها لاحًقا للَّتركيز على الأسواق الأنضج مثل إسبانيا وأستراليا وكندا‪ .‬التقيُت دان في دبي بعد وقٍت قصير من‬
‫اِّتخاذ قرارهم‪ .‬كان لقاؤنا في فندق ميديا َو ن (‪ )Media One‬في دبي‪ ،‬الذي يطُّل على مباني المدينة الشاهقة‪ .‬واستقَب َلني‬
‫دان برشاقته الرياضَّية وابتسامته الدافئة‪ ،‬وأسلوبه المنفتح‪ ،‬التي لا تعطي انطباًع ا عن َكونه أَح َد أصحاِب الشركات الناشئة‬
‫المتمِّرسين في الشرق الأوسط‪ .‬استرَس َل قائًل ا‪’’ :‬أنا أحترُم ُخ َطَطهم وتركيَزهم‪ ،‬وقد كان تعامُلهم معي ومع الفريق مهنًّيا‪ .‬غير أَّن‬
‫من المؤسف أن يحُدَث هذا‪ .‬فقبل فترٍة وجيزة‪ ،‬تمَّكَّنا من استقطاب مليون عميل‪ ،‬وحَّفزنا ظهوَر العديد من المنافسين‬
‫المباشرين وغير المباشرين‪ ،‬وهذا مؤِّش ُر إلى التغيير الذي نعاصره‘‘‪.‬‬
‫لم ُتضطَّر شركة غونابت‪ -‬حاُلها حاُل الشركات التي توِّفر ’’البضائع عبر الإ نترنت‘‘‪ -‬إلى التعاُم ل مع مشكلات الشحن التي‬
‫تعانيها شركاُت التجارة الإ لكترونَّية الُأخرى‪ .‬ولكَّنهم خاضوا جميًع ا التحِّديات الناجمة عن الشِّك الناتج عن الخلفَّية الثقافَّية‪.‬‬
‫ويتابُع دان‪’’ :‬لقد كان علينا بذُل ُج هوٍد ضخمٍة في التركيز على الفئة القليلة نسبًّيا من حاملي بطاقات الائتمان في المنطقة‬
‫واستقطاِبها‪ ،‬والتي تتباَيُن بشكٍل كبيٍر ما بين الإ ماراِت ولبناَن وِم ْص ر‪ .‬لقد كان علينا البحُث عن وسائل لحِّث فئاِت المجتمع‬
‫التي ترغب فعًل ا في شراء الأشياء‪ ،‬وتهتُّم جًّدا بالحصول على أكبِر قيمٍة مقابَل نقودها‪ ،‬والتي تسعى إلى ارتياد أماكَن‬
‫جديدة‘‘‪ .‬في حديثه بشأن تجِرَبته‪ ،‬يتذَّكُر كيف اسَتهَدفوا في البداية المشَترين من أصحاب البطاقات الائتمانَّية‪ .‬فعلى الُّرغم‬
‫من قَّلِة عدِد هم‪ ،‬فقد كانوا أكثَر ثراًء واستعداًد ا للَّدفع‪ .‬لقِد اَّتسَم ِت استراتيجَّيُتهم التسويقَّية بالَب ساطة‪ ،‬وكانت قائمًة على‬
‫سؤاَلين‪ :‬كيف نستطيُع الُوصول إلى المجتمع عبر الإ نترنت؟ وهل لدينا الوسائُل والآلَّيات الَّل ازمة للَّدفع؟ يقول دان‪’’ :‬تعَّلمنا أَّن‬
‫ُوجوَد بطاقة الائتمان والنقود لا يعنيان استقطاَب العملاء َفوًر ا‪ ،‬فقد كانت القضَّية الأساسَّية هي الثقة‪ ،‬وهي أمٌر كاَنِت‬
‫الأسواُق تفتقُر إليه عندما انطَلْقنا‪ .‬راَح المشهُد يتغَّيُر الآن‪ ،‬أَّم ا في عام ‪٢٠١٠‬م‪ ،‬فلم تُكْن لدى مجتمع المنطقة الثقُة بالتوُّج ه‬
‫إلى الإ نترنت لِش راء أِّي شيء‪ ،‬فهذه الوسيلة لم تُكْن َم وجودًة في هذه البقعة من العالم آنذاك‘‘‪.‬‬
‫وبحسب ما يراه دان‪ ،‬فإَّن عدم الثقة كان مجَّرَد مسألِة وقت‪ ،‬نتيجَة َنْق ِص المعرفة والخبرة في أوساِط قاِع دِة الُعَم لاء‪ .‬لقد‬
‫اسَتوحى دان الفكرَة عندما رأى إعلاناِت المواقع الإ لكترونَّية في كِّل مكان لدى ُوصو ِله إلى مطار أوهير (‪ )O’Hare‬في‬
‫شيكاغو‪ ،‬كما رأى كًّم ا من الإ علانات عند كِّل محَّطِة قطار تحِّف ُز استخداَم المواقع الإ لكترونَّية حَّتى في طَلِب وجبات‬
‫الطعام من مطاعَم محِّلَّية‪ ،‬كما غَّطْت جدراَن المطاراِت الملصقاُت الإ علانَّيُة لَتطبيقات فيسبوك‪ ،‬وكانت هناك إعلاناٌت‬
‫لمطِّوري التطبيقات على حزام الأمتعة‪ .‬ويقول دان‪’’ :‬دون شّك ‪ ،‬كنُت أعرُف مسَّبًقا الحاَل في الولايات المَّتحدة‪ ،‬غير أَّن‬
‫هذا كان تأكيًدا على انتشار الإ نترنت‪ ،‬حيث تفترُض الإ علاناُت الخارجَّيُة أَّن وسيلَة الدفع عبر الإ نترنت متاحٌة للَج ميع‪.‬‬
‫وأستطيع أن أوِّكَد لَك هذا‪ :‬لو أَّن أَح َد تلك الإ علانات الخارجَّية التي ترِّوج للَب يع عبر الإ نترنت ُوضَع على جانب الطريق في‬
‫القاهرة‪ ،‬لرآها العديُد من الناس‪ ،‬غير أَّنها لن ُتحِد َث أدنى فرق‘‘‪ .‬استعرض دان نتائَج الاستبانة الأولى التي أجَرتها غونابت‪،‬‬
‫والتي أَّكدْت أَّن أكثر من ‪ ٪٢٥‬من مستخدمي هذا الموقع اشتَر وا شيًئا عبر الإ نترنت للمَّرة الأولى في الشهر السابق لإ جراءها‪.‬‬
‫’’لقد كان موقُع نا الباَب الذي دخَله العديد من الناس للَّش راء عبر الإ نترنت‪ .‬منذ سنوات‪ ،‬كان البعض يرِّد د أَّن موقَع إي باي‬
‫(‪ )eBay‬كان مكاَن التدريب للبائعين والُّتَّج ار ليخوضوا تجِربَة الَب يع عبر الإ نترنت‪ ،‬وهذا ما يجعُل مَّنا‪ ،‬نحن المشترين‪ ،‬أداَة‬
‫الَّتدريب لهم‘‘‪ .‬ويشيُر دان إلى إحدى القضايا المهَّم ة أيًض ا‪ :‬أَّن شركاِت أمِن الشبكات نجَح ْت بالفعل في َنْش ِر الُّذ عر في‬
‫صفوف العملاء‪ .‬ويضيف قائًل ا‪’’ :‬لقد نجَح ْت شركُة سيَم نِتك (‪ -)Semantic‬التي ُتعُّد من كبريات الشركات المتخِّص صة في‬
‫برامج الأمن والحماية‪ -‬في َبيع العديد من البرامج التي أطلقْتها استجابًة للقلق الذي يصيُب أفراَد المجتمع من الإ نترنت‪.‬‬
‫وتأتي هذه الشركة في المقِّدمة لما تقوُم به من تثقيٍف لا تقوم به شركاُت التجارة الإ لكترونَّية‘‘‪.‬‬
‫غير أَّن غونابت بدأت تحِّق ُق شهرًة وحضوًر ا على مدى العاَم ين الماِض َي ين‪ ،‬وعقَدْت شراكات مع مصارف يستخدُم‬
‫عملاؤها بطاقات الائتمان‪ ،‬أو من الشركات التي كانت تهدُف إلى استقطاب المزيد‪ .‬وتوَّص لوا إلى وسيلٍة أقَّل تكلفًة لَتعزيز‬
‫قوائم مراسلاتهم بمقدار ثلث إلى نصف التكاليف في الولايات المَّتحدة‪ ،‬لِبناء قاعدة بيانات تتضَّم ُن مئات الآلاف من‬
‫المشترين عبر الإ نترنت بين أولئك الذين تخِّطُط الشركُة لاستقطابهم وتثقيفهم‪ .‬كان التحِّدي في تحديد الأعضاء المؤَّه لين‬
‫للتسُّوق عبر الإ نترنت من تلك القوائم وتفعيل عضوَّيِة أكبِر عدٍد ممكن منها‪ .‬ويعِّلُق دان قائًل ا‪’’ :‬ما يزال هناك حاجٌز ما بين‬
‫البائعين والمشترين عبر التجارة الإ لكترونَّية لا بَّد للَّطرَفين من تخِّطيه في الشرق الأوسط‪ .‬فلا يمكُن أن يقوَم أَح ٌد بالإ نفاق إلى‬
‫الأبد آمًل ا أن يتحَّوَل اهتماُم الناس إلى كِّل ما يبيُع ه‪ .‬ولكَّن هذا الحاجَز بدأ يزوُل شيًئا فشيًئا مع اطمئناِن عدٍد أكبَر من‬
‫الناس‪ ،‬وابتكار الريادِّيين وسائَل للتغُّلب على التحِّديات المختلفة كالتوصيل والدفع والعروض الرائعة عبر الإ نترنت‘‘‪ .‬ويعتقد‬
‫دان أَّن مواقَع التجارة الإ لكترونَّية التي تبيُع البضائَع الحقيقَّية‪ ،‬مثل شركات الدعم اللوجستّي ‪ ،‬كشركة أرامكس‪ ،‬تتوَّلى الأموَر‬
‫المعَّقدة الخاَّص ة بالعملَّية مثل شحِن البضائع ما بين الدول‪ ،‬وقد تصيُر هذه التعقيداُت صدمًة في كثير من الأحيان‪ ،‬في‬
‫حين تظهُر حلول جديدٌة للَّدفع‪’’ .‬عندما بدأت‪ ،‬بالكاد كانت هناك أَّية وسائَل للَّدفع‪ ،‬وعدٌد قليٌل جًّدا من العلامات التجارَّية‬
‫التي أبَد ِت اهتماًم ا باستثمار النقود في هذا المجال‘‘‪ .‬يتوَّقُف دان عن الحديث ويبتسم ثَّم يتابُع قائًل ا‪’’ :‬والفرق الكبير اليوم‬
‫هو أَّن البائعين والمشَترين على حٍّد سواء يسألونني يومًّيا عن طريقٍة لإ نجاز عملَّياٍت باستخدام الإ نترنت‪ .‬فما تزاُل الأمور‬
‫الُّلوجستَّية وأنظمة الدفع عبر الإ نترنت ُم كِلفًة ‪ ،‬ولكَّن العلامات التجارَّية وأصحاب الأفكار الريادَّية يمارسون ضغًطا على‬
‫الأنظمة لَتغييرها؛ فالاستثماراُت تشهُد ارتفاًع ا كما أَّن التجارَة الإ لكترونَّيَة تشهُد اهتماًم ا أكبَر من الناس الذين ُينفقون الماَل‬
‫عبر الإ نترنت‪ .‬قد لا تكوُن مستعَّدًة بعُد لانتشاٍر واسع‪ ،‬ولكَّن هناك صناعًة بانتظاِر الأذكياء لَج ْع ِلها أكثَر كفاءًة ‘‘‪.‬‬
‫يَّتفُق بشَّد ٍة مع دان أيًض ا حسن ميكايل‪ ،‬مدير خدمات التجارة الإ لكترونَّية لدى أرامكس‪ .‬يملُك حسن قامًة طويلًة وُبنيًة‬
‫قوَّية‪ ،‬ويلبُس نَّظاراٍت شمسَّيًة لا تخفي نظرَته الثاقبة‪ ،‬ويتمَّتُع بطاقِة لاعبي كرة القدم الأميركَّية‪ .‬يتكَّلُم حسن بسرعٍة وثقة‪’’ :‬أنا‬
‫أتابُع الأرقاَم يومًّيا‪ .‬لذا فأنا على اِّطلاع أَّن الشحَن خلال عام ‪٢٠١٢‬م ازداد بنسبِة ‪ ٪٣٠٠‬مقارنًة بالعام السابق‪ ،‬نتيجَة‬
‫عملَّياِت الطلب عبر الإ نترنت‪ .‬ولو سألَتني ما إذا كَّنا نواجُه صعوبًة في َتوصيِل الُّطرود إلى العملاء حَّتى اليوم‪ ،‬فسُأجيُبك‪،‬‬
‫بكِّل تأكيد‪ .‬ولكَّن هذا هو مجاُل خبرتنا‘‘‪ .‬كَّنا نقوُد السَّيارة من وسط مدينة دبي عبر الصحراء في طريقنا إلى مدينة دبي‬
‫اللوجستَّية التي افُتتَح ْت مؤَّخ ًر ا‪ ،‬وهي مدينٌة ترِّكُز على قطاع الَّش حن‪ ،‬وتقُع هذه بالُقرب من مطار دبي الدولِّي الجديد‪ .‬كنُت‬
‫أتأَّمُل المنظَر خارَج النافذة‪ :‬أرٌض صحراوَّيٌة ُم نبِس طة‪ ،‬ومباٍن صغيرٌة متناثرة هنا وهناك‪ ،‬ورَّبما مرَك ُز تسُّوق‪ ،‬وبدأُت أتصَّوُر ما‬
‫كانت عليه هذه المدينُة منذ عشر سنوات‪ .‬من ثَّم ‪ ،‬ظهر في الُأفِق مستودعان تبلُغ مساحُة كٍّل منهما ‪٤٠.٠٠٠‬م ‪ ،‬مكتوٌب‬
‫‪٢‬‬

‫عليها بالُّلون الأحمر ’’أرامكس‘‘‪ .‬قال حسن مبتسًم ا‪’’ :‬انتظر حَّتى ترى هذا! لدينا المعرفة‪ ،‬والبنية التحتَّية‪ ،‬والمرونُة لَدعم‬
‫توُّس ع الأعمال وبتكلفٍة معقولة‪ ،‬دون الحاجة إلى التعاُم ل مع تعقيدات الأنظمة في الدول‪ .‬ونحن َم ن يتوَّلى هذه المشكلة‘‘‪.‬‬
‫دخلُت أحدَث مرَكز ما بين مراكز الشحن السَّتة الرئيسَّية الخاَّص ة بأرامكس‪ ،‬والتي تنتشُر حول العالم‪ ،‬من مطار َكنيدي‬
‫إلى الشرق الأوسط‪ .‬من خلال هذه الشبكة‪ ،‬أطلَق ْت أرامكس برناَمًج ا ُيدعى ’’شوپ آند ِش پ‘‘ (‪ ،)Shop and Ship‬يتيُح‬
‫للُعَم لاء طلَب المنتجات من أِّي َم وقٍع تجارٍّي إلكترونٍّي في الولايات المَّتحدة والصين وقريًب ا من الشرق الأوسط‪ ،‬من خلال‬
‫عملَّية تَّتسُم بسلاستها‪ :‬تتسَّلُم أرامكس البضائع التي ُتطَلُب في منشآتها‪ ،‬وتحمُل على عاتقها مسؤولَّية الَّتعامل مع كاَّفة‬
‫مسائل الأنظمة البيروقراطَّية‪ ،‬ومن ثَّم تسِّلُم البضائَع مباشرة إلى المتسِّوق‪ .‬وتتمَّيُز منشآت أرامكس بالحداثة وبنظاِم تحُّكم في‬
‫الحرارة‪ ،‬إضافًة إلى مستوى نظافٍة عاٍل ‪ ،‬حيُث تتكَّد ُس صناديُق بضائَع يصُل ارتفاعها إلى نحو ‪ ١٠‬أمتار‪ُ ،‬وضَع ْت بطاقٌة‬
‫عليها للمتابعة باستخدام تقنَّياٍت حديثة‪ .‬ويحفُل تاريخ أرامكس بخبرٍة امتَّد ْت على مدى ‪ ٣٠‬عاًم ا في منطقة الشرق الأوسط‬
‫وأفريقيا‪ ،‬يعِّززه وجوٌد فعل وتوُّس ع‪ ،‬لَتلبَي ة توفيِر الحاجة الماَّس ة إلى الإ قبال على عالم التجارة الإ لكترونَّية عبر منَّص ٍة لوجستَّيٍة‬
‫ٌّي‬
‫متكاملة‪ .‬ويقول فادي غندور بهذا الَّص دد‪’’ :‬إَّن تأسيس مسَتوَد عاٍت لخدمة المنطقة في مكاٍن يتمَّيُز بكِّمَّياٍت كبيرة‪ -‬كالذي‬
‫شاهدَته‪ -‬هو أمٌر ذو تأثيٍر بالغ‪ .‬لقد صاَر في ُوسع الأعمال التجارَّية َتوصيُل الطلبات محِّلًّيا داخل دولٍة ما‪ ،‬والعودة خلال وقٍت‬
‫أسرَع مع َتوفير تكاليف الشحن عبر َد ْم ج البضائع بدَل إرسال طروٍد مستقَّلٍة إلى أصحابها‘‘‪.‬‬
‫لقد ُز ِّوَد كُّل سائٍق في أرامكس بأحَد ِث الوسائل والتقنَّيات التي تمِّكُننا من متابعة كِّل طرد‪ ،‬كما ساهَم التواُص ُل المستمُّر‬
‫ما بين أرامكس والمشترين والبائعين في توصيل الشحنات إلى جهاِت الَّتسليم المحَّددة بدَّقة‪ ،‬وتساهُم الخرائُط الرقمَّيُة أيًض ا‬
‫في تعزيز كفاءة الإ طار الزمنِّي للَّتسليم‪ .‬من الصعب تخُّيُل أن تَق ِّلَد أَّيُة شركِة تجارٍة إلكترونَّية إطاَر عَم ِلنا‪ ،‬لا سَّيما حين يكوُن‬
‫من الَّس هل عليها الاستفادُة من البنية التحتَّية لشركة أرامكس كما لو كاَنْت خاَّص ة بها‪ ،‬مقابل تكلفة بالَّتاكيد‪.‬‬
‫تفرُض أرامكس رسوًم ا بسيطًة على شحن البضائع‪ ،‬لكَّن الشركات الُأخرى أقَّرْت أيًض ا بأَّن المسائل المتعِّلقة بالَّدفع‪ -‬والتي‬
‫تتطَّلُب علاقاٍت بالمصارف وشركات بطاقات الائتمان‪ -‬هي خارُج نطاق خبرتهم‪ .‬كما أَّن هناك العديَد من الشركات الريادَّية‬
‫التي انبثَق ْت عن نموذج شركٍة ريادَّيٍة ُأخرى أقدَم عمًر ا‪ -‬ومن أبرز هؤلاء شركة كاشيو التي انبثَق ْت عن َم وقع سميح طوقان الرائد‬
‫مكتوب‪.‬‬
‫تحَّدثُت عبر سكايپ إلى مارتن والدنستروم (‪ )Martin Waldenstrom‬أَح ِد مؤِّس سي كاشيو‪ ،‬وهو من أصل سويدّي ‪ ،‬وقد‬
‫اختاَر صورًة يرتدي فيها قبعًة صوفَّيًة ‪ ،‬ويبدو أَّنه كان في رحلِة تزُّلٍج في مكاٍن ما‪ .‬حَّقق مارتن نجاًح ا في قطاع تداُو ِل‬
‫العملات الأجنبَّية والقطاع المصرفِّي حيث عمَل في السويد ولندن وسنغافورة‪ ،‬ثَّم دبي‪ ،‬واكتسب خبرة واسعة في تكنولوجيا‬
‫المعلومات الخاَّص ة بالقطاع المالِّي ليؤِّس َس شركة استشارات في تكنولوجيا المعلومات‪ .‬بعد مكالمٍة تلَّقاها من أَح د وكلاء‬
‫التوظيف‪ ،‬التقى مارتن سميح طوقان من مكتوب عام ‪٢٠٠٦‬م‪ .‬كان سميح يحاوُل أن يجَد طريقًة لمعالجِة تحِّديات الدفع‬
‫في الشرق الأوسط؛ لأَّنه كان يؤمن بُوجوِد فرٍص كبيرٍة بمجَّر ِد التوُّص ل إلى حّل ‪ .‬أخبَرني مارتن بالَقول‪’’ :‬لقِد اَّتسَم ْت بداياُتهم‬
‫ِبَب يع منتج بسيٍط مثل نغمات الهاتف النَّقال‪ ،‬ولكَّن القليل من الأشخاص فقط كانت لديهم بطاقاُت ائتمان‪ .‬فبدأُت أبحُث‬
‫في الموضوع ووجدُت أَّن الناس‪ ،‬ولا سَّيما صغاَر الِّس ّن ‪ ،‬يرغبون في التسُّوق‪ ،‬إَّلا أَّنهم كانوا يحتاجون إلى الإ مكانَّيات للقيام‬
‫بذلك‘‘‪ .‬وكانت كاشيو آنذاك قد بدأت حواَرها مع أرامكس حول شراكٍة مع مراكز التوزيع لديهم‪ ،‬حيث يستطيُع الناس شراء‬
‫بطاقات شحن (‪ )Cash Cards‬محمَّيٍة برقٍم سِّرّي ‪ .‬وكان هذا النظاُم تماًم ا مثل قسائم الهدايا في الولايات المَّتحدة‪ ،‬فعلى‬
‫ٍم‬
‫المشَترين إدخاُل الرقم السِّرِّي والتسُّوُق بقيمِة الحِّد الثابت للبطاقة‪’’ .‬لقد كانوا يحِّققون نحو ‪ ٥٠.٠٠٠‬دولار شهرًّيا كحٍّد‬
‫أقصى في ذلك الوقت‘‘‪ ،‬وأضاَف مبتسًم ا‪ ’’ :‬كان من الواضح أَّنه سهٌل وآمن‪ ،‬ونظًر ا إلى تدِّني انتشار الإ نترنت في ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬فقد كاَنِت الفرصُة المتاحُة رائعًة ‘‘‪.‬‬
‫بعد وقت قصير من انضمامه‪ ،‬بادَر مارتن إلى الَّتفاُوض حول صفقٍة مع أَح ِد الأشخاص الأردنِّيين يعمل لدى شركة ماستر‬
‫كارد (‪ ،)Master Card‬بهدف استقطاِب حملِة بطاقاِت الائتمان المحدودة مَّم ن لديهم الاستعداد لإ جراء تعاُم لاٍت عبر‬
‫الإ نترنت‪ .‬وخلال شهر سَّجَل أكثر من ‪ ٣٠.٠٠٠‬مسَتخِد م‪ .‬كانت تلك مقِّدمًة لَتَح ٍّد جديد‪ .‬فمع النجاح الذي بدأت‬
‫تحِّققه هذه التجارة في الشرق الأوسط‪ ،‬تلَّقى الشريُك الأردنُّي مكالمة من ماستر كارد في الولايات المَّتحدة‪ ،‬يخبره فيها بأَّن‬
‫أَح َد الريادِّيين المراِوغين اشترى المئات من البطاقات مقابل ‪ ٤٩٩‬دولاًر ا‪ ،‬وباعها في مناطَق لا تستطيُع ماستر كارد التعاُم َل‬
‫معها‪ ،‬بما في ذلك إيران وسورية‪ ،‬مقابل مبالَغ طائلة وصلت إلى ‪ ٢.٠٠٠‬دولاٍر في ذلك الوقت‪ .‬لم تُكْن بطاقاُت الائتمان‬
‫تتطَّلُب إثباَت ُه ِوَّية إذا كانت قيمُتها أقَّل من ‪ ٥٠٠‬دولار‪’’ .‬كانت الأنباء الساَّرة أَّننا كَّنا محِّقين في تقديِر مدى رغبة الناس‬
‫في الِّش راء عبر الإ نترنت‘‘‪ ،‬وأضاف‪’’ :‬غير أَّن الأنباَء السِّيئة كانت أَّن إيران وسورية كانتا على قائمِة المراَقبِة لوزارة الداخلَّية‬
‫الأميركَّية‪ ،‬لذا كان علينا إيقاُف جميُع عملَّياتنا‘‘‪ .‬ولكن بعد زيادة حجم الطلب‪ ،‬بادَرْت كاشيو إلى َو ْض ع ’’نظام كاشيو‬
‫المغلق‘‘‪ ،‬الذي ُيمِّكُن التَّج اَر والمشترين من َتباُد ِل المعلومات حول عملَّياِت البيع والشراء عبر المنَّص ة‪ .‬ويتابُع مارتن‪’’ :‬لقد‬
‫تمَّكنِت الشركُة من تخِّطي العقبات؛ لأَّنها كانت الوحيدَة آنذاك في المنطقة‪ .‬إَّلا أَّننا أدرْكنا أَّن المستخِد مين يرغبون في‬
‫الشراء من أِّي متجر‪ ،‬وليس تلك المتاجر فقط التي يضُّم ها ’’نظام كاشيو المغلق‘‘‪ .‬وفي ‪٢٠٠٧‬م‪ ،‬انضَّم ْت سكايپ إلى‬
‫منَّص تنا‪ ،‬وهذا أعطانا دفعًة كبيرًة نحو الُّنمّو ‪ ،‬ولكَّنه أجبَرنا على التحُّول ثانيًة من جديد‘‘‪.‬‬
‫ما يزال نظام كاشيو اليوَم يضُّم نظاَم الدفع المسَّبق أو نظاَم السوِق المغلقِة‪ ،‬كما دمَج القائمون عليه ِخ ْدماتهم مع أجهزة‬
‫شخصَّيٍة لسائقي شركة الخدمات الُّلوجستَّية؛ حَّتى يتمَّكَن سائقوها من قبول الدفعات ’’النقدَّية‘‘ فور َتسليمهم البضاعة‪.‬‬
‫فشركة أرامكس تتوَّلى اليوم ‪ ٪٢٠‬من عملَّيات الدفع عند التسليم بهذه الطريقة‪ .‬رغم ذلك‪ ،‬يدرُك مارتن أَّنه ومع ازدياد الطلب‬
‫على التجارة الإ لكترونَّية‪ ،‬فلا بَّد من ُوجوِد نظاٍم حقيقٍّي للَّدفع الإ لكترونّي ‪ ،‬والذي بدأوا الآن يوِّفرونه‪ ،‬ويضيُف قائًل ا‪:‬‬
‫’’سنواصُل استخداَم طريقة الَّدفع عند التسليم لفترة‪ ،‬ولكِّني أتلَّقى مكالمًة كَّل أسبوع من شركٍة ناشئة لَعْرض حلوٍل للَّدفع عبر‬
‫أجهزة الهاتف النَّقال (‪ ،)m-payment‬وليس فقط عبر الإ نترنت‪ .‬فنحن الآن في عهٍد حيُث يرغُب أفراُد المجتمع في‬
‫الاستفادة من نظام الحماية في هواتفهم النَّقالة لشراء ما يرغبون فيه حيثما يريدون‪ ،‬سواٌء عبر الإ نترنت أم دونها‪ ،‬وهم يريدون‬
‫استخداَم نظاٍم في متناولهم دون الدخول في التعقيدات والتفاصيل‪ ،‬فقط انُق ْر واشتِر‘‘‪.‬‬
‫إلياس غانم هو أَح ُد الأشخاص القليلين جًّدا الذين يفَه مون هذا التحُّول‪ .‬هو المدير العاُّم للشركة الجديدة التي تأَّس سْت‬
‫في صيف عام ‪٢٠١٢‬م ’’پاي پال الشرق الأوسط وشمال أفريقيا‘‘ (‪ .)PayPal Middle East and North Africa‬يملُك إلياس‬
‫الخبرَة الَّل ازمة لَوْض ع حلوٍل لَتحِّدياِت الدفع في المنطقة‪ ،‬فهو وعائلُته المكَّونة من أربعِة أطفاٍل مواطنون عالمُّيون على نحٍو‬
‫جلّي ‪ُ :‬ولد في لبنان‪ ،‬ودرس في بيروت وباريس وميامي‪ ،‬وعمل في شركاٍت مالَّيٍة عالمَّية مثل ڤيزا (‪ )VISA‬في ميامي حيث‬
‫كان مسؤوًلا عن أميركا الَّل اتينَّية‪ .‬قبل َع ودته إلى الشرق الأوسط‪ ،‬عمل في سنغافورة‪ ،‬حيث انضَّم إلى عملَّيات پاي پال في‬
‫آسيا‪-‬المحيط الهادئ ليكوَن مسؤوًلا عن توُّس عهم في جنوب شرق آسيا والهند‪ ،‬ثَّم عاَد بعَدها إلى بيروت بعد أكثر من ‪٣٠‬‬
‫عاًم ا في الخارج‪ ،‬ليتوَّلى منصبه الجديد‪.‬‬
‫يوِض ُح لي إلياس قائًل ا‪’’ :‬يكمُن التحِّدي الأَّول الذي يواِج ُه تأسيَس أِّي عمٍل جديٍد في تقُّبل الحاجة إلى تغيير العقلَّيات‬
‫السائدة والطريقة المَّتبعة للقيام بالأعمال‪ .‬وهي تتطَّلُب شجاعًة وطاقًة ورؤية‪ .‬والقليل فقط من الأطراف المعنَّية على استعداٍد‬
‫للقيام بذلك في البداية‪ ،‬ولكْن على نحو ثابت وبالَّتدريج‪ ،‬وسيبدأ الجميُع واحًدا تلَو الآخر يستوعبون مزايا التكنولوجيا‬
‫الجديدة والاستفادة منها‘‘‪ُ .‬أتيحت لإ لياس خلال سنوات عمله‪ ،‬فرٌص عديدٌة تؤِّكُد هذه الفكرة‪ .‬فقد كان موَّظًفا تنفيذًّيا‬
‫شاًّبا يعمُل لدى شركة ڤيزا‪ ،‬وكان يضطلُع بمسؤولَّيِة تحويل برنامج قسائم الطعام الوطنِّي من النظام الورقِّي إلى البطاقة الذكَّية‬
‫مع الحكومة وثلاث مصارف في البرازيل‪ .‬وظهرت مزايا تعزيز هذه المبادرة‪ ،‬فمن السهل فقدان القسائم الورقَّية‪ ،‬ولا تملُك‬
‫الحكومة نظاًم ا لمتابعة استخدام تلك القسائم‪ .‬لاَقِت التكنولوجيا الجديدُة َر ْفًض ا من المزِّودين التقليدِّيين لتلك القسائم‪،‬‬
‫ولكَّن إلياس والمصارف الشريكة عملوا بإصراٍر وبادروا بَتوِع َي ة العملاء وتعزيز ثقتهم بالِّنظام الجديد‪ .‬واليوم صارت القسائم‬
‫الرقمَّية تتفَّوق على تلك الورقَّية‪’’ .‬لقد تعَّلمُت درًس ا واضًح ا‪ ،‬ورأيُته يتكَّرُر في الأسواق الناشئة حول العالم‪ .‬إَّن الوصفَة المثالَّية‬
‫ِل‬
‫للنجاح هي هذه‪ :‬أط ْق منتجاٍت جديدًة باستخدام التكنولوجيا الصحيحة؛ ويجب أن تَّتسَم هذه المنتجات بالبساطة وتلِّبَي‬
‫حاجًة واضحًة للمستهلك‪ ،‬وأِّس ْس شراكاٍت مع شركاٍت رائدة وملتزمة‪ ،‬وستنجح‘‘‪ .‬في خطوٍة مثيرة‪ ،‬استبدلِت الحكومُة‬
‫المصرَّية عام ‪٢٠٠٥‬م بطاقاٍت ذكَّية بنحو ‪ ١٤‬مليون قسيمِة طعاٍم ورقَّية‪ .‬ويقِّد ُر مستثمٌر مَّطلٌع على المشروع أَّن الحكومة‬
‫وَّفرت من خلال اعتماِد البطاقات الذكَّية نحو ‪ ٢٠٠‬مليون دولار سنوًّيا‪.‬‬
‫أَّس ست پاي پال‪ ،‬التي تملُكها شركة إي باي للمزاد عبر الإ نترنت‪ ،‬سوًقا تضُّم ‪ ١٠٠‬مليون مستهلك َنِش ٍط عبر ‪ ١٩٠‬دولة‪،‬‬
‫وكُّل ذلك بالَّتركيز على مفهوٍم بسيط‪ .‬يقول إلياس بشأن هذا‪’’ :‬نحن معنُّيون بَتفعيل التجارة الإ لكترونَّية‪ .‬إَّننا نقتطُع تكاليَف‬
‫بسيطًة من أَّية عملَّيِة تجارٍة إلكترونَّية مقابَل تقديم منَّص ٍة آمنٍة ومريحٍة للَّدفع تخدُم المشترين والبائعين‪ ،‬وتربُط احتياجاِتهم في‬
‫الشراء بَوسائِل الدفع الخاَّص ة بهم‪ ،‬سواٌء كانت بطاقات ائتمان‪ ،‬أم حساباٍت مصرفَّية‪ ،‬أم أرصدة‪ .‬لدينا اسٌم تجارٌّي عالمٌّي‬
‫َم وثوق به‪ ،‬وسمعٌة تشِّجُع المستخدمين على الَّدفع عبر الإ نترنت بأمان‘‘‪ .‬ورغم التحِّديات التي تتبايُن بين الدول في المنطقة‬
‫وعدم تجاُوِب المستهلكين مع البطاقات الائتمانَّية‪ ،‬فقد شعَر إلياس غانم بالسعادة عند َع ودته إلى الشرق الأوسط‪ .‬ويتابع‬
‫قائًل ا‪’’ :‬لم يبادْر أَح ٌد َقُّط في أِّي اجتماع عقدُته في كاَّفة الأسواق التي أطلقُت فيها منتجاٍت مالَّيًة للمستهلكين‪ ،‬بَقو ِله‬
‫«أخيًر ا أنتم هنا!» إَّلا في الشرق الأوسط‘‘‪.‬‬
‫عندما قابلُت غانم في أواخر خريف ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬كانت قد مضت ثلاثة أشهٍر على عمله لدى پاي پال الشرق الأوسط‪.‬‬
‫رافَقني في َج ولٍة سريعٍة استعَرَض خلالها وجهَة نظِره في ما يتعَّلُق بالِّتجارة الإ لكترونَّية في كِّل َد ولة‪ .‬فالإ مارات وقطر تتمَّيزان‬
‫بأَّنهما أنَض ُج نسبًّيا في التجارة الإ لكترونَّية‪ .‬ويقول إلياس‪’’ :‬يتماشى توُّجُه الحكومات والشركات في هذه الدول مع تحقيق‬
‫هذا الهدف‪ .‬كما تتمَّيُز الأسواُق بالَّنشاط والديناميكَّية والابتكار‘‘‪ .‬ويرى إلياس أَّن السوَق السعودَّيَة تستحُّق المتابعة‪ .‬فهي‬
‫دون شٍّك السوق الأكبر‪ ،‬وفيها عدٌد كبيٌر من المستهلكين‪ .‬وتشهُد سوُق هذه الدولة نمًّو ا في التجارة الإ لكترونَّية بَوتيرٍة أسرع‪،‬‬
‫سيكوُن لها تأثيٌر كبيٌر خلال السنوات القليلة المقبلة‪ .‬ورغَم أَّن باقَي ُد َو ل الخليج قد تكوُن أبطأ في توُّج ِه ها‪ ،‬فإَّنها تَّتجُه نحو‬
‫المسار الصحيح‪ .‬وُرغَم ِص َغر حجم السوق في كٍّل من الأردِّن ولبنان‪ ،‬فإَّنها أسواٌق رائدة في تطوير الحلول الإ لكترونَّية الريادَّية‬
‫للتجارة الإ لكترونَّية‪ .‬ويضيف غانم قائًل ا‪’’ :‬يطِّوُر الشباُب في هذه الأسواق منتجاٍت جديدًة ويختبروَنها في أسواِقهم على أمِل‬
‫تطبيق النموذج نفسه في الإ مارات‪ ،‬ثَّم في السعودَّية‪ .‬وهذه استراتيجَّيٌة جِّيدة‪ ،‬إذ تتمَّيُز أسواُق دبي والسعودَّية بأحجامها‬
‫الكبيرة‪ ،‬لذا فإَّن الأفكاَر الناجحَة هنا قد تحِّق ُق نجاًح ا عظيًم ا هناك‘‘‪ .‬أَّم ا ِم ْص ر‪ ،‬فهي إحدى أكبر الُّد َو ل التي تتدَّنى فيها‬
‫نسبُة المصارف‪ ،‬فقد أخبَرني مستثمرون أَّن أقَّل من ‪ ٪١٠‬فقط من عدد السَّكان لديهم حساباٌت مصرفَّية‪ .‬وُيضيُف غانم‪:‬‬
‫’’وتكمُن الفرصُة هنا في استقطاب كاَّفِة القطاعات السَّكانَّية للاستفادة من التجارة على الإ نترنت‘‘‪.‬‬
‫تتمَّثُل الفرصُة الأولى‪ ،‬بالنسبة إلى إلياس‪ ،‬في َج ْذ ِب السلطات المحِّلَّية في كِّل سوق (من مشِّرعين‪ ،‬وبنوٍك مرَك زَّية‪ ،‬إضافًة‬
‫إلى الوزارات المعنَّية بالَّتجارة‪ ،‬والمؤَّس سات الصغيرة والمتوِّس طة‪ ،‬والنقابات التجارَّية) لمساعدتهم على الاستفادة من الفرص‬
‫التي ُتتيُح ها التجارة الإ لكترونَّية‪ .‬إذ يملُك المشِّرعون فرصًة فريدًة لهيكلة نظام الَّدفع الإ لكترونّي ‪ ،‬وَو ْض ع الأنظمة والتشريعات‬
‫بطريقٍة تدعُم نمَّو هذا النظام‪ ،‬والمحاَفظة على مرونة القوانين وتماشيها مع السرعة العالية للابتكار في المجال التكنولوجّي ‪.‬‬
‫وقد تمَّكنِت المصارُف المرَك زَّية من َو ْض ع الأنظمة والتشريعات للَقطاع المصرفِّي ومعاَم لات التحويل النقدَّية التي تشَم ُلها‬
‫المعاملاُت الإ لكترونَّية‪ ،‬حيث ُتباُع البضائع والخدمات حول العالم دون التفاُع ل الإ نسانِّي َو ْج ًه ا لَوْج ه‪ .‬يتابُع إلياس موِض ًح ا‪:‬‬
‫’’إَّن البيئة التشريعَّية في كِّل سوٍق في المنطقة تشهد تطُّوًر ا لُتحِّد َد إطاَر العمل الذي يَتماشى مع هذه الإ مكانات الجديدة‪.‬‬
‫وسَي شهُد الشرق الأوسط تغُّيًر ا كبيًر ا‪ ،‬وَم همتي هنا‪ -‬كما هي في أَّيٍة سوٍق جديدة عملت فيها‪ -‬هي أن أحافظ على تواضعي‪،‬‬
‫وأكوَن ُأذًنا صاغية‪ ،‬واستشارًّيا للمشِّرعين لمساعدتهم على َفْه م الفرص الهائلة التي ُتتيُح ها التجارة الإ لكترونَّية في كِّل سوق‪.‬‬
‫هناك فرٌص كبرى للتَّج ار من كِّل حجٍم للانضمام إلى التجارة الإ لكترونَّية العالمَّية‪ ،‬وتقديم الخدمة إلى العديد من الناس‬
‫الذين يتوافُر لهم التواُص ُل عبر الإ نترنت من خلال أجهزة الحاسوب‪ ،‬أو الهواتف النَّقالة‪ ،‬أو الأجهزة اللوحَّية‪ ،‬في أِّي مكاٍن في‬
‫العالم‘‘‪.‬‬
‫يؤمُن إلياس بأَّن ازدهاَر التجارة الإ لكترونَّية أو توُّقَفها يعتمُد على الثقة والأمان‪ ،‬ويوِض ح بالَقول‪’’ :‬إَّن الدفع عند التسليم هو‬
‫حاجٌة إنسانَّيٌة تنطلُق من الرغبة في َفْح ِص البضاعة قبل توقيع الشيك أو َس ْح ب البطاقة‪ .‬لذا فهو سلوٌك طبيعٌّي عندما تذهُب‬
‫إلى المحّل ‪ ،‬فلماذا إًذا ُتصيُبنا الدهشة عندما نرى السلوَك نفسه بينما ما نزاُل في مراحَل باكرٍة من التجارة الإ لكترونَّية في‬
‫المنطقة‪ ،‬والسوق تأتي إلينا عبر الإ نترنت؟‘‘‪ .‬وقد رأى إلياس انعداَم الثقة باستخدام بطاقات الائتمان عبر الإ نترنت في كِّل‬
‫سوٍق عمَل فيها‪ ،‬ويبدو أَّن لدى الجميع قَّص ًة سِّيئًة يسردوَنها عن صديٍق تعَّرض للِغ ِّش في ُم عاَم لٍة عبر الإ نترنت‪.‬‬
‫يعتقد إلياس أَّن هناك أربَع دعائم في المنظومة الخاَّص ة بالتجارة الإ لكترونَّية‪ :‬المشِّروعون‪ ،‬والتَّج ار (من ريادِّيين إلى شركاٍت‬
‫عالمَّية)‪ ،‬والاحتياجات التقنَّية واللوجستَّية‪ ،‬وحلول الَّدفع عبر الإ نترنت مثل پاي پال أو غيرها من الحلول العالمَّية أو المحِّلَّية‬
‫أو الإ قليمَّية‪ .‬ومن خبرته‪ ،‬عندما تجتمُع هذه الدعائم الأربع لُتبادَر في تثقيف المستهلكين بشأن أمان التجارة الإ لكترونَّية‪ ،‬إْن‬
‫لم تُكْن أكثر أمًنا من التجارة الملموسة‪ ،‬عندها سَتشهُد التجارة الإ لكترونَّية نمًّو ا بَوتيرٍة مستقَّرة‪ .‬ويكون على كِّل طرٍف أداَء‬
‫َد وره في بناء جسور الثقة‪ .‬فمثًل ا‪ ،‬تطِّبق پاي پال برنامَج ’’حماية المشتري‘‘ الذي يجري من خلاله حمايُة المسَتهِلكين الذين‬
‫اشتَر وا منتجاٍت عبر الإ نترنت باستخدام پاي پال للَّدفع‪ ،‬ولم يتسَّلموا مشترياتهم بعُد‪ ،‬أو كانت غير مطابقٍة للمواَص فات‬
‫المعروضة على الموقع الإ لكترونّي ‪ .‬تراجُع پاي پال المعاَم لة وتعِّوُض المشتري‪ .‬ويتذَّكر إلياس أَّن پاي پال رَعْت مبادرًة ناجحًة‬
‫في ماليزيا تحت اسم ’’شهر الأمان الإ لكترونِّي ‘‘ بالتعاون مع الحكومة لَتوعية المستهلكين بشأن كيفَّية توِّخ ي الأمان في أثناء‬
‫تسُّوقهم عبر الإ نترنت‪ .‬وقد أخبَرني بأَّن التَّج ار في مختلف القطاعات التجارَّية يناقشون الآن عدم إتاحة خياِر ’’الدفع عند‬
‫التسليم‘‘ في الشرق الأوسط‪ .‬ويشيُر قائًل ا‪’’ :‬إَّنهم يدركون مدى تأثير هذا في نمِّوهم على المدى القصير‪ ،‬ولكَّنهم يثِّقفون‬
‫المستهلك على المدى الطويل لاستخدام ِخ يار الَّدفع الأكفأ والآَم ن‘‘‪.‬‬
‫إذا تحَّدثَت مع أِّي شخٍص له علاقٌة بالَّدفع الإ لكترونّي ‪ ،‬فسُيخبرَك بأَّن العامَل الذي سُيغِّيُر توُّج ه المستهلكين هو الهاتف‬
‫النَّقال‪ .‬ويؤِّكُد حسن ميكايل من أرامكس قائًل ا‪’’ :‬إَّن التجارَة الإ لكترونَّية وتلك عبر الهاتف النَّقال ستصيران جزًءا واحًدا لا‬
‫يتجزأ من الأمر ذاته‪ .‬فإذا كنَت تمِّثُل إحدى نقاط البيع‪ ،‬فسَتكوُن قادًر ا على َد ْفع ثمِن أِّي شيء تراه في أِّي مكاٍن عبر تواُفر‬
‫الاِّتصال المستمّر‘‘‪ .‬ويَّتفُق غانم مع هذه الفكرة بالَقول‪’’ :‬لقد أحدَث الهاتف النَّقال تحُّوًلا كبيًر ا في التجارة‪ ،‬فلم يُع ْد هناك‬
‫فرٌق ما بين المتاجر التقليدَّية وتلك الإ لكترونَّية‪ .‬ومع التطُّور الحاصل هذه الأَّيام‪ ،‬فالمرء يحتاُج إلى محفظٍة متنِّقلة‪ ،‬تمِّكنه‬
‫من الَّدفع عبر قنواٍت متعِّددة‪ -‬في المحِّل ‪ ،‬وعبر الإ نترنت‪ ،‬وعبر الهاتف‪ ،‬وقريًب ا عبر جهاز التلفزيون‪ ،‬أو في مقصف في الشارع‬
‫مع ضمان الحماية‘‘‪ .‬عندها سيشتري المرء في أثناء انتظاره لقطار الأنفاق أو في أثناء المشي في شوارع دبي‪ ،‬عبر َمْس ح رمز‬
‫الاستجابة السريعة (‪ )QR Code‬الموجود على يافطٍة ما‪ .‬وهذا ما يوِّفُره پاي پال‪ ،‬فهو ’’محفظٌة رقمَّية في السحابة الحاسوبَّية‘‘‬
‫يقِّدم إلى عملائه طريقًة فريدًة للُح صول على حلوٍل عالمَّيٍة للَّدفع بما يلِّبي احتياجات المسَتهِلكين‪ .‬يتابع غانم قائًل ا‪’’ :‬تخَّيل‬
‫دخوَل أَح د المتاجر‪ ،‬واختياَر حذاٍء أعجَب ك‪ ،‬ومسح الرمز الشريطِّي «الباركود»‪ ،‬ومغادرة المتجر‪ ،‬لتجَد الحذاء ينتظرك في‬
‫منزلك حَّتى قبل ُوصولك! والفضل في ذلك يعود إلى هاتفك النَّقال والمحفظة الرقمَّية! لقد شهَدْت تعاُم لاُت پاي پال عبر‬
‫الهاتف النَّقال زيادًة وصَلْت إلى ‪ ٤‬ملياراٍت في العام ‪٢٠١١‬م‪ ،‬بعد أن كاَنْت ‪ ٣٠٠‬مليون دولار في العام ‪٢٠١٠‬م‪ .‬ومن‬
‫المتوَّقع أن تصَل في العام ‪٢٠١٢‬م إلى ‪ ١٠‬مليارات دولار‪ .‬ما نزاُل في مراحل باكرٍة من التجارة عبر الهاتف النَّقال‪ ،‬ولكَّن‬
‫الأرقاَم مذهلٌة حًّقا‪ .‬ويمكنَك تخُّيُل حجم نمِّو التجارة عبر الهاتف النَّقال في الشرق الأوسط‪ ،‬مع توُّقعاِت تجاُو ِز انتشار‬
‫الهواتف الذكية ‪ ،٪٥٠‬خلال العاَم ين المقبَلين‘‘‪.‬‬
‫اليوم تكاُد كُّل عملَّيات الَب يع بالَّتجزئة أن تجَد ُطُر ًقا للَب يع عبر الإ نترنت‪ ،‬وقد أطلَق مجتمُع الريادِّيين العديَد من المنَّص ات‪،‬‬
‫سواء لبضائع افتراضَّية مثل الموسيقا والمكافآت أم لتلك التي تبيُع الأزياء والتكنولوجيا‪ ،‬أو حَّتى التي توصُل وجباِت الطعام‪.‬‬
‫ورغم عدم الإ فصاح عن أرقامها‪ ،‬فإَّن ثلاَث منَّص اٍت حَّققْت نجاًح ا كبيًر ا‪ ،‬اثنَتين منها متاجُر واسعٌة تعرُض بضائعها على‬
‫الإ نترنت وهما‪ :‬سوق دوت كوم (‪ ،)Souq.com‬وماركا ڤي آي پي (‪ ،)MarkaVIP‬ومن المتوَّقع أن تحصَد أكثَر من ‪ ١٠٠‬مليون‬
‫دولار في عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬والمنَّص ة الثالثة هي متجر الأحذية على الإ نترنت نمشي (‪ ،)Namshi‬والذي استثمَرت فيه شركة‬
‫روكت إنترنت (‪ )Rocket Internet‬الألمانَّية‪ ،‬كما حصَد نحو ‪ ٢٠‬مليون دولار من شركاٍت استثمارَّيٍة من الفئة الأولى مثل‬
‫جاي پي مورغان تشايز (‪ )J.P.Morgan Chase‬في الولايات المَّتحدة الأميركَّية‪ ،‬وشركة بلاِكني مانجمنت (‪Blakeney‬‬

‫‪ )Management‬في لندن‪ ،‬وانضَّم ْت إليهم مؤَّخ ًر ا في أوائل عام ‪٢٠١٣‬م‪ ،‬شركة الاستثمارات المالَّية الأميركَّية َس ِم ت ڤنتشرز‬
‫(‪.)Summit Ventures‬‬
‫كان موقُع سوق دوت كوم هو أَّوَل موقع انبثَق عن مكتوب بعد استحواذ ياهو عليه‪ ،‬فقد كان مؤِّس ُس ه رونالدو موشاور‬
‫(‪ )Ronaldo Mouchawar‬هو شريَك سميح طوقان منذ وقٍت طويل‪ .‬يتمَّيُز رونالدو بحماسته وتماُس ِكه‪ ،‬وقدرته على دعم كِّل‬
‫جملٍة بإحصائَّية‪ .‬ترعرَع في سورية حيُث تعَّلم َبيَع المعَّداِت الزراعَّية من والده‪ ،‬ويتذَّكُر قائًل ا‪’’ :‬إَّن هذا النوع من العمل‬
‫يعِّلُم َك الَّتواضع‪ ،‬وعدم الجدال والإ صغاء جِّيًدا في أثناء العمل‘‘‪ .‬احتذاًء بُخ طى عِّم ه الذي درس الطَّب في جامعة هارڤرد‬
‫(‪ ،)Harvard‬درس رونالدو في جامعة نورثويسترن (‪ )Northeastern‬قرب بوسطن‪ ،‬حيث ناَل درجًة في هندسة الحاسوب‪،‬‬
‫وعمَل في بداية مسيرته في العملَّيات التكنولوجَّية خلال المراحل المبِّكرة للڤيديو في شركة إلكترونيك داتا ِس ْس تمز‬
‫(‪ ،)Electronic Data Systems‬ولكْن سرعاَن ما انتقَل إلى المبيعات‪ .‬وهناك اكتشَف أَّنه يملُك الجرأَة على القيام بهذا‬
‫العمل‪ .‬ورغبًة منه في الَع ودة إلى المنطقة‪ ،‬التقى سميح في أواخر تسعينَّيات القرن العشرين عبر صديٍق مشترك‪ ،‬وأثاَر موقُع‬
‫مكتوب اهتماَم ه كثيًر ا‪ .‬وفي عام ‪٢٠٠٠‬م‪ ،‬أتيَح ْت له فرصُة زيارة مكاتب مكتوب‪ ،‬وكان مبهوًر ا بالرؤية التي يسعى سميح إلى‬
‫تحقيقها‪َ :‬ج ْعُل العالم العربِّي مكاًنا أفضل‪ .‬ويقول رونالدو‪’’:‬لقد عَّز َز سميح ُه ِوَّيَة ثقاَفِته؛ واقُتِبَس ِت العبارة التي تمِّثل رسالة‬
‫المؤَّس سة الخاَّص ة بهم من قصيدِة الشاعر الفلسطينِّي محمود درويش التي تصُف كيف يكوُن المرُء عربًّيا‪ .‬بذَل فريُق العمل‬
‫َج هده‪ ،‬وعمل على ُأسٍس تقوم على الاحترام المتبادل‪ ،‬وَفْه ِم التكنولوجيا التي يستخدمونها‪ ،‬والهدف الذي يسعون لأْن َيِص لوا‬
‫إليه‪ ،‬كما آمن بفكرة تعزيز قدرات الشرق الأوسط‪ .‬في حقيقة الأمر‪ ،‬ليَس ِت التجارُة الإ لكترونَّية إَّلا تعزيُز القدرات‪ .‬فالَب يُع ‪،‬‬
‫وبناء الأعمال‪ ،‬وتقديم ِخ ياراٍت متعِّددة للَّش ركات والعملاء‪ ،‬وبناُء فريٍق من الموَّظفين دون إدارٍة تتابع التفاصيل الدقيقة‪ ،‬بل‬
‫تعِّز ُز قدرَته للقيام بَعَم له‪ -‬هو أمٌر رائٌع جًّدا‪ ،‬ويدُّل على التطُّور وُبْع ِد النظر‘‘‪.‬‬
‫في البداية اعَتَقدوا أَّن النموذَج الذي يجُب الاحِتذاُء به كان موقع إي باي‪ ،‬غير أَّن مكتوب كان يحظى بَع دٍد مَتزايٍد من‬
‫المستخدمين النشطين‪ ،‬فلَم لا يؤِّس سون َم وقًع ا عربًّيا للمزادات؟ كانت التجارُة الإ لكترونَّية في مراحل باكرٍة جًّدا‪ ،‬ولا يتبَّناها‬
‫سوى بعِض الشركات الناشئة الصغيرة وَم وقٍع واحٍد فقط من الأردّن ‪ ،‬وهو موقع أرابيا دوت كوم‪ ،‬الذي كان على مستًوى من‬
‫التطُّور آنذاك‪ ،‬إَّلا أَّن الشركَة اضُطَّرْت إلى الإ غلاق بعد انفجاِر فَّقاعة التكنولوجيا الأولى‪ .‬وكان أداُء موقع المزادات جِّيًدا في‬
‫البداية‪ ،‬إَّلا أَّنه كان ضمَن إطاٍر محدود‪ .‬وكان هو وسميح يدركان أَّن دَو َل الشرق الأوسط من كبار المسَتهِلكين‪ ،‬كما أدَر كا‬
‫أَّنه بمرور الوقت‪ ،‬والعمل على تعزيز الثقة‪ ،‬سُيحِّققان نجاًح ا‪ .‬فاَّتخذا ثلاثة قراراٍت مهَّم ة‪ :‬الأَّول‪ ،‬التركيز على دبي والإ مارات‪،‬‬
‫والتي بلَغ ْت نسبة انتشار الإ نترنت فيها ‪ ،٪٢٠‬وهي الأعلى في المنطقة‪ ،‬التي كان معَّدل الانتشار فيها ‪ .٪٢‬والقرار الثاني‪،‬‬
‫التركيز على منتجاِت الهواتف النَّقالة‪ ،‬ويشير إلى هذا قائًل ا‪’’ :‬لم يتغَّيِر الآن الَوْض ُع عَّم ا كان عليه في السابق؛ فالَّناس ُيغِّيرون‬
‫هواتَفهم النَّقالة كَّل بضعِة شهور‪ ،‬ومعَّدُل مستخدمي الهواتف النَّقالة الجدد مرتفع‘‘‪ .‬أَّم ا القرار الثالث‪ ،‬فكان إيقاُف البيع من‬
‫خلال المزاَيدة‪ ،‬والانتقال إلى الَب يع بأسعاٍر ثابتة‪ .‬وإذ كان معَّدُل نمِّوهم متسارًع ا خلال أشهر‪ ،‬توَّس عوا لَي شَم َل عرُض هم‬
‫الكتب‪ ،‬والموسيقا وخلافه من المواِّد الإ علامَّية‪ ،‬والملابس‪ ،‬وغيرها من الأجهزة الخاَّص ة بتكنولوجيا المعلومات‪ .‬في عام‬
‫‪٢٠٠٦‬م‪ ،‬صاروا أَّوَل شريِك تجارٍة إلكترونَّيٍة لأرامكس‪ ،‬وطَّوروا مًع ا برنامَج الَّدفع الآمن لَتسهيل الَّدفعات النقدَّية للَع ديد من‬
‫التَّج ار‪ .‬اليوَم يشِّكُل موقع سوق دوت كوم موقع التجارة الإ لكترونَّية الأكبر على مستوى المنطقة‪ ،‬ويعمُل فيه أكثُر من ‪٥٠٠‬‬
‫موَّظف‪ ،‬وهو أَح ُد أكبر ‪ ١٣‬موقًع ا إلكترونًّيا في المنطقة‪ ،‬وعدُد المتسِّوقين فيه يزيد على ‪ ٨‬ملايين شهرًّيا‪ .‬وفي كِّل يوم‪ ،‬يقِّد ُم‬
‫الموقُع المزيَد من العروض التي تتراوُح ما بين الأزياء الفاخرة والخدمات على شكِل صفقاٍت يومَّية‪.‬‬
‫غير أَّن موقَع سوق دوت كوم ليس الوحيد‪ ،‬فهناك روكت إنترنت المجموعة الألمانَّية للتجارة الإ لكترونَّية التي تملُك ُأصوًلا‬
‫حول العالم‪ ،‬والمعروفة بتوُّج ٍه تحليلٍّي قد يراه البعُض قاسًي ا أحياًنا في دخول الأسواق والخروج منها‪ .‬ففي عام ‪٢٠١٢‬م‪،‬‬
‫خرَج ِت المجموعُة من تركيا‪ ،‬السوق التي كان العديدون يَر ون أَّنها عاصمة الإ نترنت في الشرق الأوسط؛ لأَّن أرقاَم هم أشارت‬
‫إلى أَّن السوق قد وصلت إلى مرَح لِة الُّنضج‪ ،‬ومرحلة التشُّبع بشركات التجارة الإ لكترونَّية المحِّلَّية‪ .‬وفي العام ذاته‪ ،‬ضاعَف ِت‬
‫الشركُة استثمارها في دبي‪ ،‬كما حَّف َزِت المصرَف الاستثمارَّي العالمي جاي پي مورغان على الانضمام إليها والاستثمار في‬
‫َتوسيع رأس المال هناك وحول العالم‪ .‬وفي كانون الثاني‪/‬يناير ‪٢٠١٣‬م‪ ،‬استثمرت َس ِم ت پارتنرز أيًض ا في الشركة‪ ،‬وهي إحدى‬
‫شركات الاستثمار في رأس المال‪ .‬ويتحَّدُث محَّم د مِّكي‪ -‬أَح ُد مؤِّس سي موقع نمشي‪ ،‬ومستشاٌر سابٌق لشركة ماكنزي‬
‫(‪ )McKinsey‬في دبي‪ ،‬وهو أميركٌّي من أصٍل عراقّي ‪ -‬بذلك فَي قوُل ‪’’ :‬لدينا أرقاٌم واضحة‪ ،‬والأموُر تسيُر في مصلحتنا‘‘‪ .‬ويعُّد‬
‫موقع نمشي أشبه بموقع زاپوس (‪ )Zappos‬الشرق الأوسط‪ ،‬وهو الآن يشهُد توُّس ًع ا لَي ضَّم أزياء مختلفة إلى جانب الأحذية‪.‬‬
‫عندما زرُت مسَتوَد عات أرامكس في دبي‪ ،‬والتي تتوَّلى الشؤون الُّلوجستَّية للَّش ركة‪ ،‬رأيُت صفوًفا ضخمًة للعلامة التجارَّية‬
‫نمشي‪ ،‬والتي قيل لي إَّنها شهَدْت نمًّو ا مذِه ًل ا خلال السنوات الماضية‪ ،‬إَّلا أَّن مِّكي يقوُل بكِّل تواضع‪’’ :‬لا تأخذ‬
‫«نمشي» أَّي شيٍء ُم َس َّلٍم به‪ .‬هناك الكثيُر من شركات التجارة الإ لكترونَّية الُأخرى التي دخَلِت المنطقة أو تلك التي تحاوُل‬
‫دخولها‘‘‪.‬‬
‫باشَر مِّكي محادثاِته مع روكت بعد وقٍت قصيٍر من انضمامه إلى ماكنزي‪ ،‬لاكتشاف القطاعات التي لديها فرٌص أكبُر في‬
‫مجال التجارة الإ لكترونَّية‪ .‬وقد أَّد ِت الثوراُت العربَّية إلى إيقاف هذه الجهود مرحلًّيا‪ ،‬لكْن وبحلول خريف ‪٢٠١١‬م‪ ،‬عادت‬
‫روكت مجَّد ًد ا بحماسٍة أكبَر من ذي قبل‪ .‬يقول مِّكي عن تلك الفترة‪’’ :‬لم تكْن لدَّي المعرفُة أو الاهتمام بمجال الأزياء قبل‬
‫ذلك‪ ،‬ولكَّن نجاَح زاپوس في الولايات المَّتحدة كان واضًح ا وتتكَّلُم أرقاُم الَّطلب من الشرق الأوسط عن نفسها‪ .‬لم يكن‬
‫هناك منافسون في ذلك الوقت‪ ،‬كما أَّن روكت كانت قد عَّززْت وجوَد ها بنجاٍح في أوروپا ومناطَق ُأخرى‪ ،‬فقد كانوا يملكون‬
‫المنَّص ة التقنَّية الَّل ازمة لهذا العمل‪ ،‬وكنُت على ثقٍة بأِّني قادٌر على الاستفادة منها إذا تحَّر ْك ُت بسرعٍة أكبَر من أَّيِة جهٍة‬
‫ُأخرى‘‘‪ .‬صاَر مِّكي المديَر التنفيذَّي في أيلول‪/‬سپتمبر‪ ،‬وبحلول كانون الأَّول‪/‬ديسمبر باشَرْت نمشي عملها في السوق‪’’ .‬لم‬
‫ُتسَّم «روكت»‪ -‬أي الصاروخ‪ -‬عبًثا‘‘‪ ،‬يبتسم قائًل ا ثَّم يتابُع ‪’’ :‬إَّنها ثقافٌة كُع لوم الصاروخ‪ ،‬وهي فريدٌة من َنوعها في الشرق‬
‫الأوسط‪ ،‬وقد كنُت على ثقٍة بأَّنها ستكوَن ليس فقط مِّيزًة تنافسَّية في مصلحتنا‪ ،‬بل ستدفع الآخرين أيًض ا لَي حَتذوا بها‘‘‪.‬‬
‫خلال عاٍم واحد‪ ،‬انضَّم إلى مِّكي ‪ ١٤٥‬موَّظًفا‪ ٣٠ ،‬منهم مخَّص صون للعمل في مستودعات أرامكس للقيام بأعمال التغليف‬
‫والتوزيع وخدمة العملاء‪ .‬وفي الوقت الحالّي ‪ ،‬يبيُع الموقُع أكثَر من ‪ ٥٠٠‬علامة تجارَّية‪ ،‬و‪ ١٢.٠٠٠‬تصميٍم مختلف‪َ ،‬م وجودة‬
‫في المستودع الذي زرُته‪ .‬ويضيُف قائًل ا‪’’ :‬من الَّص عب تفسيُر مدى اختلاف الأمور عن العام الماضي‪ .‬في البداية لم تكن‬
‫العديُد من العلامات التجارَّية التي نتعامُل معها تفَه ُم ما هي التجارة الإ لكترونَّية‪ ،‬وأراد القائمون عليها معرفَة أماكن التخزين‬
‫الفعلَّية للبضائع‪ .‬ودون وجودنا وجًه ا إلى وجه‪ ،‬لم يرغبوا في إرسال البضائع إلينا حَّتى وإْن دَفْع نا لهم نقًدا‪ .‬لكْن وخلال‬
‫بضعة شهور‪ ،‬تمَّكَّنا من التغُّلب على ذلك بعد تعزيز ُس معِتنا؛ إذ فاَق معَّدُل نمِّو عدد عملائنا كَّل توُّقعاتنا‪ .‬لقد رَّكزنا في‬
‫البداية على دول الخليج نظًر ا إلى عدم ُوجود تباُيٍن بينها في القوانين والتشريعات التي تتشاَبه إلى حٍّد بعيد‪ .‬كما أَّن أرامكس‬
‫تقِّد ُم إلينا المساعدة في كِّل الأحوال‪ .‬وتبقى طريقُة الدفع عند التسليم تحِّد ًيا قائًم ا‪ ،‬ولكَّننا نلحُظ زيادًة في استخدام‬
‫البطاقات الائتمانَّية في كِّل شهر‪ .‬ولا شَّك أَّن شركاِت الَّدفع الإ لكترونِّي مثل پاي پال‪ ،‬وغيرها سَتعمُد إلى تغيير التكنولوجيا‬
‫المتعِّلقة بهذه المسألِة بشكٍل كبير‘‘‪.‬‬
‫وهذه هي البداية فقط‪ .‬فخبيُر التجارة الإ لكترونَّية لدى أرامكس‪ ،‬حسن ميكايل‪ ،‬مهتٌّم جًّدا بما يحمُله المستقبل‪ ،‬وهو‬
‫يملُك الحماَس نفَس ه الذي يملُكه في الوقت الحاضر‪ ،‬ولذا أطلَق مع أرامكس‪ ،‬ابتكاًر ا جديًدا في مجال التجارة الإ لكترونَّية‪،‬‬
‫وَنوًع ا جديًدا من حاضنات الشركات الناشئة في دبي‪ -‬والتي يفِّض لون تسِم َي تها ’’صانعة الأعمال‘‘‪ -‬تحت اسم إي هاوس‬
‫(‪ .)eHouse‬فعوًض ا عن تمويل الشركات الناشئة برأس المال الأساسّي ‪ ،‬ترِّكز إي هاوس على شركات َبيع التجزئة الإ لكترونَّية‬
‫والتي استقطَب ْت بعَض الاهتمام‪ .‬ويتساءل بالَقول‪’’ :‬ما الذي يحتاجون إليه أكثر من هذا؟ إَّنهم يحتاجون إلى التركيز على‬
‫ابتكارهم وتعزيز اسمهم التجارِّي والتواصل مع المشترين‪ .‬فليس هناك مجاٌل لإ ضاعة الوقت في هذه المرحلة‪ ،‬بل عليهم‬
‫التركيُز على التكاليف والعملَّيات التشغيلَّية‪ .‬وهنا يأتي َد وُرنا بصفتنا حاضنَة الأعمال التقليدَّية‪ ،‬فنحن في إي هاوس نقِّد ُم‬
‫مساحاٍت مكتبَّيًة ‪ ،‬ودعًم ا قانونًّيا ومالًّيا وفِّنًّيا‪ ،‬وموارَد بشرَّية‪ .‬في المقابل نأخذ رسوًم ا بسيطًة من الشركات الجديدة لقاء هذا‬
‫الدعم‪ ،‬ولقاء توفير مساحٍة في مستودعات أرامكس التي تتوَّلى كاَّفة المسائل المتعِّلقة بإدارة البضائع والتوصيل والمسائل‬
‫اللوجستَّية‪ .‬بعد اختبار الفكرة في دبي‪ ،‬يأمُل حسن أن تلقى النجاَح حيث توَج ُد مسَتوَد عاٌت لأرامكس‪ .‬ويَّتخُذ أَّول إي‬
‫هاوس من مجَّم ع أعماٍل كبيٍر مقًّر ا له‪ ،‬وهو يقُع بالُقرب من مرَكز المدينة‪ ،‬ويَّتسم بحجمه الكبير‪ ،‬ومساحات واسعة مفتوحة‬
‫ومجَّه زة‪ .‬أخَذ ني حسن في جولة شاهدت فيها مكاَن البناء‪ ،‬وأشاَر إلى صٍّف تلَو الآخر من رفوف التخزين الكائنة بجوار‬
‫المكاتب الأنيقة الإ ضافَّية‪ .‬قال وكأَّنه يكِّلم نفسه‪’’ :‬العرب هم البائعون الأكثر إبداًع ا وابتكاًر ا على وجه الأرض‪ .‬سندعُم‬
‫مئات الشركات‪ ،‬والتي ِبَدورها ستؤِّد ي إلى َخ ْلِق مئات الأعمال الُأخرى وهكذا‪ .‬وهذه هي الطريقة التي ُتبنى من خلالها‬
‫منظومٌة متكاملة‘‘‪.‬‬

‫حَّلالو المشكلات‬
‫إَّن الفرَق ما بين أصحاب الشركات الريادَّية وما ُيطلق عليه ’’أصحاب الشركات الاجتماعَّية‘‘ يكاد أن يختفي‪ .‬فالفئُة الأولى‬
‫تهدُف إلى َك ْس ب المال ِبَع زٍم وإصرار‪ ،‬بينما تهدُف الثانية إلى إرساء مؤَّس ساٍت غير ربحَّية‪ .‬لكْن في هذه الأَّيام‪ ،‬بدأ‬
‫أصحاُب الشركات الريادَّية يفِّكرون في التأثيرات الاجتماعَّية لمنتجهم‪ ،‬وهذا ما بدأُت ألحُظه في معظم مقترحات الشركات‬
‫التي أَح ُض ُرها مهما كانت قطاعاُتها‪ ،‬فهناك توُّجٌه إلى إدارة أعمالهم بطريقٍة مسؤولٍة اجتماعًّيا‪ .‬لقد أوجَد ِت الثوراُت العربَّية في‬
‫الشرق الأوسط َوْع ًي ا اجتماعًّيا عميًقا‪ ،‬وحًّس ا وطنًّيا يتجَّلى بإطلاِق أفكاٍر ريادَّية‪ .‬التَقيُت مصطفى حمدان‪ ،‬وهو طالٌب في‬
‫كِّلَّية الهندسة في جامعة طنطا‪ ،‬وهي جامعٌة صغيرٌة تبُع ُد ساعَتين عن القاهرة‪ ،‬فأخبَرني قائًل ا‪’’ :‬يشعُر جيُلنا بالغضب‬
‫والإ حباط ُتجاَه الكثير من المعتقداِت التي َو رْثناها‪ .‬نحن ببساطٍة نريُد أن ُنصلَح الوضع‪ .‬لماذا ننتظُر الآخرين لُيباِد روا إلى‬
‫ذلك؟‘‘‪.‬‬
‫تضُّم مدينُة طنطا الفئَة العاملة‪ ،‬وتعاني شأُنها شأن باقي المدن المصرَّية‪ ،‬مشكلاِت تراُكِم النفايات‪ ،‬وتوُّقِف َج ْم ِع ها‪،‬‬
‫وعدم كفاءة العملَّيات الخاَّص ة بذلك‪ .‬ولاحَظ حمدان في جامعته ُوجوَد كِّمَّياٍت من النفايات غير المعالَج ة‪ -‬مثل المواِّد‬
‫المعِد نَّية ومخَّلفاِت الحواسيب والإ لكترونَّيات‪ -‬فقد كاَنِت المدارُس والشركات تعَم ُد إلى َطْرح هذه المخَّلفات في‬
‫المسَتوَد عات أو في مكَّبات النفايات لينَتهَي الأمُر بها أكواًم ا ُم هَم لة‪ .‬وفي أثناء إنجازه أَح َد واجباته حول موقٍع هندسٍّي عالمٍّي‬
‫ريادّي ‪ ،‬آي إي إي إي تي ڤي (‪ ،)IEEE TV‬اكتشَف مجموعًة من مقاطع الڤيديو بعنوان ’’البيئة الخضراء‘‘ (‪The Green‬‬

‫‪ .)Environment‬تضَّم ن أَح ُدها برنامًج ا وثائقًّيا حول تأسيس إحدى الشركاِت الحديثة منشأًة تعمُل على َفْص ل المعادن‬
‫الثمينة‪ -‬كالذهب‪ ،‬والفَّض ة‪ ،‬والنحاس‪ -‬من الحواسيب المهَم لة‪ ،‬ثَّم َبيع تلك المعاِد ن والمخَّلفات المعِد نَّية إلى جهاٍت ِع َّد ٍة‬
‫َم عِنَّيٍة بإعادِة الَّتدوير‪ .‬شاَه َد حمدان البرنامَج عشراِت المَّر ات‪ ،‬وعرَض ه على أصدقائه المقَّربين جًّدا‪ .‬وتساءَل باهتماٍم عن‬
‫إمكانَّية إيجاد جهاٍت ’’خضراء‘‘ لإ عادة تدوير المعاِد ن الثمينة‪ ،‬والأجزاء الُأخرى ذات القيمة‪ ،‬وعقَد صفقًة مع محاِّل‬
‫المخَّلفات المعِد نَّية لَأْخ ِذ ما تبَّقى‪ .‬يقوُل مصطفى‪’’ :‬لم أكن أعرُف أَّي شيء عن إعادة التدوير‪ ،‬ولكْن كان من الواضح أِّني‬
‫لم أُكْن َو حدي َم ن أجَه ُله‪ ،‬فحَّتى أساتذتي في الجامعة‪ ،‬والأشخاص الذين التقيُتهم في ورشات المخَّلفاِت المعدنَّية في‬
‫المنطقة‪ ،‬لم يخُطْر في بالهم الاستفادة من مخَّلفات الأجهزة الإ لكترونَّية‪ .‬كانت هناك فجوة‪ ،‬وفَّكرُت في أَّننا نستطيُع بناَء‬
‫شركٍة مهَّم ٍة تعمُل في هذا المجال‪ ،‬وفي الوقت ذاته تعزيَز ثقافِة إعادة التدوير في طنطا وفي أنحاء ِم ْص ر‘‘‪ .‬من هنا‪ ،‬أطَلَق‬
‫مصطفى ريسايكلوبيكيا (‪ )RecycloBekia‬خلال ذلك الأسبوع بالَّتعاون مع عشرين طالًب ا‪ -‬كان منهم زميلان من المؤِّس سين‪،‬‬
‫وآخرون تطَّوعوا لَتقديم المساعدة‪.‬‬
‫ويضيُف مصطفى قائًل ا‪’’ :‬في البداية حاولُت البحَث عن نموذج مشابٍه سبَق أْن ُنِّف َذ في ِم ْص ر لأتعَّلَم منه‪ ،‬فلم أِج ْد إَّلا‬
‫مجموعًة من الشباب يعملون على إعادة َتدوير القارورات والزجاج‘‘‪ .‬وقد حاوَل عبًثا البحَث عن الشخص الذي حَّم ل الڤيديو‬
‫ليأُخ َذ بَنصيحِته حول طريقة َبْد ِء تأسيِس مرَفٍق لإ عادة التدوير‪ .‬أخيًر ا‪ ،‬قَّرر أن يطرَح سؤاَله عبر موقع علي بابا دوت كوم‬
‫(‪ ،)alibaba.com‬وهو أَح ُد المواقع الإ لكترونَّية المختَّص ة بأعمال الشركات‪ .‬قال في سؤاله‪’’ :‬لدَّي مكِّوناُت حواسيَب قديمٍة‬
‫للَب يع لأِّي مشَتٍر معنٍّي بالبيئة‘‘‪ .‬وفي الحال تقريًب ا‪ ،‬ورَد ه اِّتصاٌل من شركاٍت في الصين والولايات المَّتحدة وإنكلترا‪ُ .‬أصيَب‬
‫بالُّذ هول! يوِض ُح قائًل ا‪’’ :‬جميُع هم أرسلوا إلَّي ُيعلموَنني بأَّنهم جهاٌت صديقٌة للبيئة ويرَغبون في معرفة الِّس عر المطلوب‪ .‬لم‬
‫تُكِن الحواسيُب في َح وزتي في ذلك الوقت‪ ،‬ولم أكْن أفِّكُر في الِّس عر بتاًتا؛ لذا كنُت سأقبُل بما يعرضونه علّي ‪ .‬ولكَّنهم‬
‫جميًع ا أخبروني بأِّني أنا البائع‪ ،‬فأخِبْرنا بالِّس عر الذي تطلُبه‪ .‬وكان هذا درًس ا جِّيًدا لي‘‘‪.‬‬
‫توَّج ه مصطفى مجَّد ًد ا إلى موقع علي بابا دوت كوم متظاِه ًر ا بأَّنه مشتٍر يرغُب في شراء حواسيَب مستعملة‪ ،‬ليستكشَف‬
‫الأسعار التي وضَع ها الآخرون على الأجزاء التي يبيعونها‪ .‬بعدها اختاَر أَح َد البائعين عبر الإ نترنت من الصين‪ ،‬كان قد رغَب‬
‫في شراء ‪ ٦٠٠٠‬قرٍص صلب (‪ .)Hard disc‬خاطَب بعَدها كِّلَّيته والمحاَّل التجارَّية في المنطقة حول شراء أجهزة الحاسوب‬
‫القديمة بسعٍر رخيٍص أو حَّتى الحصول عليها دون مقابل لقاَء مساعدتهم في التخُّلص منها‪ ،‬وأجرى المزيَد من البحوث حول‬
‫طريقة شحن المواِّد وإنشاء حساٍب مصرفٍّي آمن على الإ نترنت‪ ،‬وَع َقَد شراكًة مع تاجِر َخ رَد وات محِّلٍّي لَف ْص ِل الأجزاء‪ ،‬والتزَم‬
‫أن يقِّدم ’’أنظَف ‘‘ طريقٍة للقيام بذلك‪ -‬بعَدها كانت ُتشَح ُن الِق َطع إلى الجهة المطلوبة‪ ،‬وتوَدُع النقوُد في حسابه يوم تسُّلم‬
‫الشحنة‪ .‬يتذَّكُر مصطفى‪’’ :‬كانت تلك أَّوَل ‪ ١.٠٠٠‬دولار أحصُل عليها‪ .‬لقد كانت تلك النقوُد هي رأَس مالنا‘‘‪ ،‬ويضيُف‬
‫قائًل ا‪’’ :‬طَلْب نا قرًض ا من أَح ِد أساتذتنا في الجامعة‪ ،‬وهو الأستاُذ الذي توَّج هنا إليه لمساعدتنا في شراء تلك القطع‪ ،‬وبعد أن‬
‫حَص ْلنا على المال‪ ،‬أعَطيناه ِح َّص َته من الأرباح‪ .‬وهكذا أَّس ْس نا شركَتنا‘‘‪ .‬ثَّم ازداَد الطلُب من ُم شَترين آخرين‪ ،‬واستقطَب‬
‫حمدان اهتماَم الصحافة المحِّلَّية‪ .‬وحصل خلال السنة الأولى من إطلاقه عملَّياته على العديد من الجوائز المحِّلَّية‪ ،‬وتمَّكن‬
‫من زيادة رأس مال الشركة إلى ‪ ١٥٠.٠٠٠‬دولار‪.‬‬
‫ومع وجود هذا الاستثمار والتوُّس ع الذي ضَّم ‪ ٣٠‬موَّظًفا جميُع هم بَد واٍم كامل‪ ،‬قَّرر الانتقاَل بعملَّياته إلى القاهرة‪ .‬أخبَرني‬
‫حمدان قائًل ا‪’’ :‬كَّنا قادرين على استئجاِر مساحٍة مكتبَّيٍة حديثة بِس عٍر قليٍل هناك؛ فالقاهرة مرَك ٌز تكنولوجٌّي أكبُر بكثيٍر من‬
‫طنطا‪ ،‬لذا يكون الطلب على التخُّلص من الأجهزة المستعملة أعلى‘‘‪ .‬تستهدُف ريسايكلوبيكيا الجامعات والشركات العالمَّية‬
‫والمدارس الثانوَّية‪ ،‬ويأمُل في أن يأتي َيوٌم يفِّكر كُّل المواطنين الِم صرِّيين في إعادة َتدويِر أجهزة الحاسوب المسَتعَم لة الخاَّص ة‬
‫بهم‪ .‬وُيضيُف مصطفى‪’’ :‬إَّن العديَد من المدارس والشركات ُتعطينا أجهزَة الحاسوب القديمة دون مقابل‪ .‬لقد صاَرِت‬
‫المسؤولَّية الاجتماعَّية للشركات َم هَّم ًة حقيقَّية وليست مجَّرَد كلمٍة ُم َتداَو لة‘‘‪ .‬يتوَّقُف قليًل ا قبل أن ُيكمَل ضاحًك ا‪’’ :‬ولكِّني‬
‫سأخبُرك بشيء‪ :‬ما نزال ُم ضطِّرين إلى دفع بعض المال مقابل بعض هذه الأجهزة؛ لأَّننا نحن العرَب نحِرُص على قيمة كِّل‬
‫ما نقَتنيه‪ ،‬حَّتى إْن كان عديَم الفائدة‪ ،‬فنحن نريد أن نعرَف ما ستدفُع ه في المقابل‘‘‪ .‬في هذه الأَّيام‪ ،‬يضُع فريُق العمل ُخ َّطًة‬
‫استثمارَّيًة لإ نشاء مرَكٍز َض ْخ ٍم لإ عادة التدوير الإ لكترونّي ‪ .‬ويقول مصطفى‪’’ :‬نأمُل حًّقا أن نستقطَب اهتماًم ا في ِم ْص َر لنتمَّكَن‬
‫بعَدها من الانطلاق إلى منطقة الشرق الأوسط بأكملها‪ .‬ونحن نخِّطُط لأن نكوَن الشركَة الأكبر في َج ْم ع أجهزة الحاسوب‬
‫القديمة‪ ،‬وَفْص ِل مكِّوناتها باستخداِم أنَظِف الوسائل‪ ،‬وإعادِة َتدويِرها‘‘‪.‬‬
‫إَّن إعادة التدوير هي أَح ُد أكبر التحِّديات التي تواِج ُه ها المدُن التي تشَه ُد نمًّو ا مَتسارًع ا في الشرق الأوسط‪ .‬وعلى الُّرغم‬
‫من خبرتي في القيادة على الطرق السريعة مثل بلتوي (‪ )Beltway‬في العاصمة الأميركَّية واشنطن‪ ،‬والطريق السريع رقم ‪١١٠‬‬
‫في لوس أنجلوس‪ ،‬فإِّني لم أُكْن مهَّيًأ نفسًّيا لمثل هذا الازدحام المرورِّي الهائل في شوارع القاهرة‪ .‬وَو فًقا لإ حدى الدراسات‬
‫التي أعَّدها البنك الدولُّي مؤَّخ ًر ا‪ ،‬فإَّن الازدحاَم المرورَّي في القاهرة يكِّلُف وحَده الاقتصاَد نحو ‪ ٨‬ملياراِت دولاٍر سنوًّيا‪ ،‬أو ما‬

‫ِّل‬
‫يعادُل ‪ ٪٤‬من الناتج المحِّلِّي الإ جمالِّي ‪ ،‬كما يتسَّبُب في أكثر من ‪ ٧.٠٠٠‬حالة وفاة (نسبة المشاة تتجاوز ‪ ٪٢٠‬منهم)‬
‫وأكثر من ‪ ١٠٠.٠٠٠‬إصابة‪ ٦.‬لقد تجاَو َز عدُد سَّكان القاهرة ‪ ١٨‬مليوَن نسمة‪ ،‬كما يبلُغ عدُد السَّيارات في شوارع ِم ْص َر‬
‫أكثَر من ‪ ١٤‬مليون سَّيارة‪ ،‬وُيعُّد معَّدُل السَّيارات في الكيلومتر الواحد أَح َد أعلى المعَّدلات في العالم‪ .‬إَّن نظاَم النقل‬
‫العمومِّي قديٌم جًّدا وغيُر قادٍر على تحُّم ل الزيادة في أعداد السَّكان‪ .‬فحجُم نظام قطار الأنفاق في القاهرة يساوي نصف‬
‫حجم المترو في العاصمة واشنطن‪ ،‬إَّلا أَّن حمولَته تتجاَو ُز أربعة أضعاف عدد المسافرين لكِّل كيلومتٍر من خطوطه‪ .‬ورغم‬
‫إعلان الرئيس المصرِّي السابق محَّم د مرسي عن التركيز على الحركة المرورَّية في القاهرة بصفتها أهَّم أوَلوَّياته‪ ،‬فإَّن الأمَر‬
‫يتطَّلُب تغييراٍت جذرَّيًة في البنية التحتَّية وإعادَة تحديِد الأولِوَّيات‪ ،‬واستثماراٍت هائلًة ‪ ،‬وسنواٍت للَّتنفيذ‪ .‬ولم تتضَّم ِن الُخ َّطُة‬
‫الاقتصادَّية التي أعلَنها رئيُس الوزراء عام ‪٢٠١٢‬م أَّية حلوٍل ُتذَكر لمشكلاِت المرور‪.‬‬
‫إَّن الشركاَت الريادَّية التي تقوم على البرمجَّيات ووسائل التواصل الاجتماعِّي لا تنتظُر الأنظمة‪ .‬ففي تشرين الأَّول‪/‬أكتوبر‬
‫‪٢٠١٠‬م‪ُ ،‬أطِلَق تطبيُق الهاتف النَّقال بيقولك (‪ ،)Bey2ollak‬بالَّش راكة مع شركة الهواتف النَّقالة المصرَّية ڤودافون (‪Vodafone‬‬

‫‪ )Egypt‬وهي خدمة تعطي آخَر المسَتجَّدات حول حركة المرور من خلال مساهمة الجمهور‪ .‬ويتجاوُز عدُد مستخدمي هذا‬
‫التطبيق أكثر من ‪ ٣٥٠.٠٠٠‬مستخدم شهرًّيا‪ .‬يتوافُر التطبيق على كاَّفة منَّص ات الهواتف النَّقالة‪ :‬بلاكبيري (‪،)Blackberry‬‬
‫وأندرويد(‪ ،)Android‬ونوكيا (‪ ،)Nokia‬وهواتف ويندوز (‪ ،)Windows‬وهواتف الآيفون‪ ،‬وهو التطبيق الوحيد الذي يستخدُم‬
‫الرسائل النِّص َّية القصيرة للمستجَّدات المرورَّية‪ ،‬كما أَّن هذا التطبيَق يأتي ضمَن اِّتفاقَّية مع شركة ڤودافون تمتُّد لسنواٍت عَّدة‪،‬‬
‫وتتضَّم ُن حملاٍت ترويجَّيًة للَّرسائل النِّص َّية ووسائل التواصل الاجتماعّي ‪ .‬ونظًر ا إلى حجم هذا التطبيق والنطاق الذي يشمله‪،‬‬
‫فقد صاَر أحَد أهِّم منَّص ات الإ علان عبر الهاتف النَّقال في ِم ْص ر‪ ،‬كما حصَد العديَد من الجوائز في مسابقة الشركات‬
‫الناشئة ’’إبداع‘‘ التي أطلَق ْتها غوغل في ِم ْص ر‪ ،‬وحصَل على جائزٍة قيمُتها ‪ ٢٠٠.٠٠٠‬دولار‪ .‬ومن الشركات الناشئة الُأخرى‪،‬‬
‫تطبيق إي مخالفة (‪ ،)Emokhalfa‬والذي يقوُم على مبدأ إسناد الأعمال إلى الجمهور للُح صول على مساهمات المستخدمين‬
‫حول المخاَلفات المرورَّية التي يَر وَنها في الشارع‪ ،‬فهو وسيلُة ضغٍط على السائقين المتهِّورين‪ .‬كما يتيُح للمستخدمين‬
‫الإ بلاغ عن المخالفات المرورَّية بالُّص ور والَّتفاصيل‪ -‬مثل الاصطفاف المزدَو ج‪ ،‬أو القيادة بعكس اِّتجاه الَّس ير‪ ،‬أو العدائَّية في‬
‫القيادة‪ ،‬أو حَّتى التحُّرش الجنسّي ‪ -‬من خلال رسالٍة نِّص َّية تحمل رقم لوحة السَّيارة‪ ،‬أو تحميل صورة‪ ،‬أو الاِّتصال على رقم‬
‫الهاتف المخَّص ص للمساعدة‪ .‬وقد أقاَم تطبيق إي مخالفة شراكاٍت مع مؤَّس سات محِّلَّية غير حكومَّية وهيئاٍت ُأخرى تابعة‬
‫لوزارة الداخلَّية لَج ْم ع البيانات عن سلوكَّيات الأفراد السلبَّية‪ ،‬إلى جانب المعلومات التي قد تؤِّثر في َس ير الحركة المرورَّية‪ .‬في‬
‫الوقت ذاته‪ ،‬يستطيُع أُّي شخص‪ -‬مثل والٍد يستخدُم طفُله حافلًة مدرسَّية‪ -‬التحُّقق من المخالفات السابقة عبر إدخال رقم‬
‫لوحة المركبة‪.‬‬
‫هل تجُد صعوبًة في العثور على سَّيارِة ُأجرة في القاهرة؟ إذا عجزَت عن العثور على ِخ ْدمات َتوصيٍل اليوم‪ ،‬فُيمكُنَك‬
‫الاستعانُة بتطبيق ُأجرة‪ ،‬والذي يشبُه إلى حٍّد كبير تطبيق أوبر (‪ )Uber‬الذي يمِّكن المستخدمين من العثور على سَّيارة الأجرة‬
‫الأقرب لهم‪ ،‬وطلِب سَّيارٍة دوَن الحاجة إلى الانتظار مَّدًة طويلة‪ .‬إضافًة إلى ذلك؛ ولأن التطبيق ُيشِّغ ُل نظام تحديد المواقع‬
‫جي پي أس (‪ ،)GPS‬فإَّن استخداَم سَّيارٍة تابعٍة لشركِة أجرة يضمُن سلامَة الُوصول إلى الجهة المقصودة‪ .‬يوضح إدوارد دزلي‬
‫(‪ ،)Edward Disley‬المؤِّس س المشارك في أجرة‪-‬القاهرة قائًل ا‪’’ :‬يتضَّم ُن هذا التطبيق اختلافاٍت تقنَّية مهَّم ة‪ ،‬وهو تطبيٌق يَّتسُم‬
‫ببساَطِته؛ فطريقُة عمله تشبه تطبيق أوبر‪ ،‬حيُث يعمُل على َر ْبِط العملاء بسائقي سَّيارات الأجرة‪ ،‬وهو حٌّل ذكٌّي لِق طاع‬
‫سَّيارات الأجرة بأكمله‪ .‬هناك حاجٌة ماَّس ة إليه‪ ،‬وهي حاجٌة لم ُتلَّب بعُد ‘‘‪ .‬ويأمُل إدوارد التوُّس َع إلى كاَّفة مناطق الشرق‬
‫الأوسط‪ ،‬بل أيًض ا في أوروپا والولايات المَّتحدة‪.‬‬
‫وكما أخبَرني أَح ُد مستثمري رأس المال في المنطقة‪’’ :‬سيكوُن على الحكومات الارتقاُء بعملها‪ ،‬ولكَّن المؤِّش راِت تدُّل‬
‫على َع َد ِم ُوجوِد أسباٍب َتْدعو للانتظار؛ إذ صاَر يمكُن حُّل أَّيِة ُم شِكَلٍة اليوَم باسِتْخ داِم َتطبيٍق أو برناَمٍج ما‘‘‪.‬‬

‫ريادُّيو الأعمال العالمُّيون‬


‫كما ذَك ْرُت في الفصل الأَّول‪ ،‬تلَّقيُت َد عوًة عام ‪٢٠١١‬م لأنضَّم إلى لجنِة الُح َّكام في إحدى كبَرياِت منافساِت الشركات‬
‫الناشئة في ذلك الوقت‪ .‬شارَك في تلك المناَفسة المئاُت من الشباب من أنحاء البلاد الذين تحَّم لوا نفقاِت َس َفِرهم إلى‬
‫القاهرة‪ ،‬قبل أن تجري َتصِف َي ة الَع َد ِد النهائِّي إلى ‪ ٣٥‬مشارًكا في الجولة النهائَّية‪ .‬شعرُت بالُألفة ُتجاَه أَح ِد العروض التقديمَّية‬
‫التي اَّتسَم ْت بالهدوء‪ ،‬قَّدمها فريٌق من مطِّوري التطبيقات من الإ سكندرَّية‪ .‬تقُع الإ سكندرَّية على الساحل الشمالّي ‪ ،‬وهي‬
‫تتمَّتع ِبَص َخ ِب المدينة الَّنِش طة‪ ،‬بوصفها ثانية أكبر المدن المصرَّية‪ ،‬كما أَّنها الوجهُة المفَّض لة للِّس ياحة‪ .‬لم يبَق شيٌء من‬
‫المكتبة الُأسطورَّية التي ُأنِش ئت في القرن الثالث قبل الميلاد خلال حكم بطليموس الأَّول والثاني‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فإَّن تقاليَد‬
‫تحفيز التعُّلم تتواَص ُل في هذه المدينة التي يعتقد البعُض أَّنها إحدى المراكز الرائدة للابتكار التكنولوجِّي في الشرق الأوسط‪.‬‬
‫لم أِج ْد تبريًر ا لمشاعري نحو هذا العرض إلى أْن نظرُت إلى جهاز الآيباد (‪ )iPad‬الخاِّص بي لُأدرَك أِّني عملُت على تنزيل‬
‫َع رِض ه الناجح منذ بضعِة شهور‪ .‬ومنذ ذلك الحين صاَر تطبيُق الحالة الجِّو َّية ويذر إتش دي (‪ ،)WeatherHD‬هو أكبُر منَّص ٍة‬
‫مدفوعة الأجر في العالم‪ .‬فقد كنُت أستخدُم ه يومًّيا‪ .‬عمرو رمضان‪ ،‬صاحب الفكر الابتكارِّي الذي يبحُث عنه المستثمرون‪.‬‬
‫تحَّدَث بشأن تأسيس شركته‪ ،‬ڤيموڤ (‪ ،)Vemov‬بمبلغ لا يتجاوُز ‪ ١.٠٦٠‬دولاًر ا‪ ،‬وهذا يعكُس حرَص ه على ماله‪ .‬بدأ‬
‫مقترَح ه الاستثمارَّي أمام لجنة الحَّكام في القاهرة بالاعتراف بَفَش ِل منتجه الأَّول‪ ،‬وتحديِد الُّدروس المسَتفادِة من هذه‬
‫الَّتجِربة‪ .‬تضَّم نْت تجِربُته التالية تطبيَق محاكاٍة لمطِّوري الآيباد والآيفون‪ ،‬وقد ِبيَع العديُد من عملَّيات التحميل بقيمة ‪٣٢‬‬
‫دولاًر ا لكٍّل منها‪ .‬أَّم ا منتُج ه الثالث فكان ويذر إتش دي‪ ،‬الذي يستخدُم ه أكثُر من ‪ ٤٠٠.٠٠٠‬مستخدم يدفُع كٌّل منهم‬
‫‪ ٠.٩٩‬دولاًر ا منذ كانون الثاني‪/‬يناير ‪٢٠١١‬م‪ ،‬وأكثُر من نصفهم تقريًب ا خارَج منطقة الشرق الأوسط‪ .‬أَّم ا المنتُج الآخر الذي‬
‫يعمُل عليه‪ ،‬والذي يبدو أَّنه فكرٌة واعدٌة ُأخرى‪ ،‬فهو تطبيٌق يتناوُل الأخباَر َو فًقا للاختيار الشخصّي ‪.‬‬
‫لم ُأدَه ش عندما تفَّق دُته بعد عام ونصف‪ .‬فقد أخبَرني عمرو قائًل ا‪’’ :‬إَّننا نقترُب من تسجيل ‪ ٧‬ملايين تنزيل نصفها من‬
‫الولايات المَّتحدة‪ .‬وقد أطَلْقنا ويذر إتش دي لأجهزة ماك‪ ،‬والذي حافَظ على المرتبة الثانية ضمن قائمة التطبيقات الأعلى‬
‫مبيًع ا في الولايات المَّتحدة خلال أسبوٍع من إطلاقه‘‘‪ .‬لقد أطلقوا في صيف عام ‪٢٠١٢‬م الُّنسخَة التي كانوا يعِّلقون عليها‬
‫آماًلا عريضة عبر متجر ’’آيتيونز‘‘ (‪ )iTunes‬الخاِّص بشركة آپل‪ ،‬وهو يحمُل تصميًم ا ُم ذِه ًل ا ويقِّد ُم مِّيزاٍت جديدًة مثل‬
‫المشاهدة السريعة (‪ ،)Quickview‬والتي تسَمُح للُم ستخِد مين بمتابعة معلوماِت الحالة الجِّو َّية عبر َع َد ٍد من مزِّودي خدمات‬
‫الحالة الجِّو َّية في مدٍن عَّدة‪ .‬لقد شهَدت شركتهم نمًّو ا من ثلاثة موَّظفين إلى ثلاثين جميعهم من المهندسين‪ ،‬وتعوُد‬
‫أصوُلهم إلى مدينة الإ سكندرَّية‪.‬‬
‫إَّن معاَص رَة الأحداث في هذه المرحلة التي تَّتسُم بالغموض لم تُكْن سهلًة ‪ .‬ويتذَّكُر رمضان قائًل ا‪’’ :‬بعد احتجاجات ‪٢٥‬‬
‫يناير‪ ،‬اَّتخذنا خطواٍت أكثَر َح َذ ًر ا نحو الُّنمّو ‪ ،‬ونحن بانتظار أن تشهَد المرحلة المقبلُة بعض الهدوء‪ .‬إَّلا أَّن هذا لا يبدو قريًب ا‪،‬‬
‫ولن ُيعَرَف التوُّجُه السياسُّي أو الاقتصادُّي سريًع ا‘‘‪ .‬وليواِج َه عمرو السيناريوهات المتوَّقعة‪ ،‬قام بما يقوُم به الريادُّيون العظماء‬
‫حول العالم‪ :‬تمَّس ك بالأمل نحو الأفضل‪ ،‬والتخطيِط للعمل المَّتسم بالَّتناُفس العالم والذي كان يحلم به‪ ،‬ومن ثَّم َبْد ِء‬
‫ِّي‬
‫عملَّية التنفيذ‪ .‬قال رمضان مبتسًم ا‪’’ :‬فلأُكْن واضًح ا‪ .‬لقد عزَزِت [الثورة] الضغوَط على الشركات الناشئة‪ .‬وعادًة ما ُيعيُد المرُء‬
‫تقييَم وضعه َو فَق توُّقعاِته المستقبلَّية‪ ،‬لَي َض َع ُخ َطًطا بديلة‪ ،‬عبَر طريٍق وحيٍد هو الَّتركيُز ومن ثَّم التنفيذ؛ فمساُر العمل البطيء‬
‫ليس ِخ ياًر ا في عالم التكنولوجيا‘‘‪.‬‬
‫باشروا التنفيذ‪ ،‬مع تزايد معَّدلات النمِّو التي يرغُب فيها الكثيرون في سيليكون ڤالي‪ ،‬وقد حَّفز رمضاُن فريَقه على‬
‫الاستمرار بإعادِة تصميم التطبيق العظيم للحالة الجِّو َّية وتحديد ما يجب أن يكوَن عليه‪ .‬ومن خلال تقديم تصميٍم بارٍع‬
‫لَتطبيٍق يتمَّتُع بمشاهَد خَّل اقٍة وفريدة‪ ،‬طَّوروا مباشرًة القدرَة على تصُّفح العديد من المدن التي يتابُع مستخدموها باستمرار‬
‫الحالَة الجِّو َّية فيها‪ .‬ويتابُع قائًل ا بَفخر‪’’ :‬لقد أطَلقنا تطبيَق كِوكڤيو للمشاهدة السريعة‪ ،‬والذي ُيظهُر صوًر ا متحِّركًة للحالِة‬
‫الجِّو َّية في عدٍد من المواقع في الوقت ذاته على نحٍو يَّتسُم بالَب ساطة والأناقة‘‘‪.‬‬
‫من خلال الإ صدار الجديد‪ ،‬يؤمُن رمضان بأَّنه يعرُض طموَح ه على المدى البعيد‪ ،‬ويقول‪’’ :‬نحن نسعى إلى َو ْض ع الأسس‬
‫التي يجب أن يبدَو عليها تطبيُق الحالة الجِّو َّية‪ -‬أو أُّي تطبيٍق آخَر يقِّد ُم المعلومات للمستهلكين‪ .‬وليس ويذر إتش دي إَّلا‬
‫البداية‪ ،‬وسيكوُن الأساَس الذي نبني عليه سلسلًة من التطبيقات التي تشمُل أموًر ا ُأخرى كثيرة‪ .‬ونأمُل أن نتمَّكَن من إحداث‬
‫تغييٍر في فضاء الهواتف النَّقالة‘‘‪.‬‬
‫والسؤال هو‪ :‬هل تستطيُع ِم ْص ر والشرق الأوسط فعًل ا مجاراَة الابتكار المذهل‪ ،‬الذي يتدَّفُق ليس فقط من الولايات‬
‫المَّتحدة‪ ،‬بل أيًض ا من أوروپا‪ ،‬وإسرائيل‪ ،‬والهند‪ ،‬وآسيا‪ ،‬وأميركا الَّل اتينَّية؟ بالِّنسبة إلى رمضان‪ ،‬فإَّن الابتكاَر الذي يتدَّفُق من‬
‫كاَّفة أنحاء العالم‪ ،‬حَّتى من ُد َو ٍل كان الناُس يتجاَه لوَنها في الماضي‪ ،‬يدُّل على أَّن الأموَر تمضي بَوتيرٍة أسرَع في الشرق‬
‫الأوسط‪ .‬فعلى حِّد َقوله‪’’ :‬ما تزاُل التكنولوجيا هنا في مراحلها الأولى‪ ،‬وهذا يعني أَّن هناك العديَد من الفرص‪ .‬فالُقصور في‬
‫تقديم الخدمات إلى هذه السوق الكبيرة التي تضُّم ‪ ٣٥٠‬مليوَن مستخدٍم يعوُد إلى عدم تحُّرك المحيطين بالَّش باب إلى تحفيز‬
‫فكرهم نحو الابتكار‪ ،‬فالَّش باُب يشعرون باليأس من تحقيق أِّي ُح ُلم‘‘‪ .‬يؤمُن عمرو أَّن هذا التفكير المظلم قد تلاشى إلى‬
‫الأبد خلال أحداث الثورات العربَّية‪ .‬ومن منطلق خبرته بصفته مهندًس ا‪ ،‬تحَّدَث قائًل ا‪’’ :‬إَّن المحِّف َز الرئيسَّي للُم هندسين‬
‫ٍة‬ ‫ِك‬
‫المبَت رين هو َو ْض ُع حلوٍل ناجع للَع َقبات والمشكلات المسَتعِص ية التي تواِج ُه هم‪ .‬أعمُل الآن مع فريٍق على مستًوى عالمٍّي‬
‫وبكلفٍة ضئيلٍة مقارنًة بمثيله في سيليكون ڤالي‪ -‬ولكَّننا جميًع ا نحُّب الاسكندرَّية‪ ،‬ونحِّق ُق دخًل ا ممتاًز ا‪ ،‬ونشعُر جميًع ا بالفخر‬
‫في تطوير منتجاٍت عظيمٍة ُص ِنَع ت في مصر‘‘‪ .‬وبحسب رأيه فإَّن الآلاف من الشركات الناشئة توَّص لْت إلى النتيجة ذاتها في‬
‫جميع أنحاء الشرق الأوسط‪.‬‬
‫هند حبيقة هي أَح ُد هؤلاء الريادِّيين‪ ،‬وهي لبنانَّية الجنسَّية‪ .‬نالْت هند المرَك َز الأَّول لمسابقة أفضل ُخ َّطة أعمال في الشرق‬
‫الأوسط لمعهد ماساتشوِس تس للتكنولوجيا (‪ )MIT‬للعام ‪٢٠١٢‬م‪ .‬وتدرُس هند هندسَة الميكانيك في الجامعة الأميركَّية في‬
‫بيروت‪ ،‬وهي سَّباحٌة ماهرة تشارُك في منافسات هذه الرياضة‪ .‬هند هي ابنٌة لوالَدين يعملان في المجال الأكاديمِّي ‪ ،‬وكانت‬
‫تتوَّقُع أن تصيَر موَّظفًة تنفيذَّيًة في إحدى الشركات العالمَّية الُك برى في المنطقة مثل پروكتر آند غامبل (‪Proctor and‬‬

‫‪ .)Gamble‬إَّلا أَّنها أَّس سْت شركًة لمنتٍج وجَدْت فيه حاجًة شخصَّيًة ‪ ،‬وتملُك الشغَف ُتجاَه ه‪.‬‬
‫بوصفها عضًو ا في فريق السباحة في الجامعة الأميركَّية في بيروت‪ ،‬كانت تشعُر بالإ حباط لاعتمادهم الطريقة اليدوَّية في‬
‫عِّد معَّدل نبضات القلب عند نهاية السباق‪ .‬وحَّتى مع َطْرح أجهزِة مراقبِة معَّدل نبضات القلب في الأسواق‪ ،‬فإَّنها كانت‬
‫تَّتسُم بالُقصور بالنسبة إلى رياضة السباحة‪ .‬تتحَّدث بشأن ذلك قائلًة ‪’’ :‬لم يكْن أٌّي منها مهَّيًأ فعًل ا ليَتماشى مع الطريقة‬
‫الحيوَّية التي تعمُل بها العضلات في أثناء السباحة‪ .‬فجميُع الوسائل المستخَدمة مثل ساعات مراقبة نبِض القلب وغيرها من‬
‫أحزمة الَّص در الخارجَّية الُأخرى تعيُق حركَة السَّباحين‪ ،‬كما أَّنه يصُع ُب تفُّقُدها في أثناء التمرين‘‘‪ .‬فكانت الفكرُة ابتكاَر‬
‫جهاٍز صغيٍر يستطيع قراءَة معَّدل النبض‪ ،‬وُيرَّكُب على أِّي َنوٍع من نَّظارات السباحة‪ ،‬ليعرض النتائج مباشرة على عدسة‬
‫السَّباح من خلال الرموز الَّلونَّية‪ :‬فمثًل ا الَّلون الأزرق عندما يكون الأداُء قد وصَل إلى مرحلة َح ْرق الُّدهون‪ ،‬والأخضر عندما‬
‫يكوُن في منطقة الَّلياقة‪ ،‬والأحمر عند أقصى أداء‪ .‬وصارت شركُتها‪ ،‬التي أطلَق ْت عليها بترفلاي (‪ ،)Butterfleye‬هي الحَّل‬
‫لهذه المسألة‪.‬‬
‫تلَّقت هند دعوًة للمشاركة في برنامج تلفزيون الواقع ’’نجوم العلوم‘‘ التابع لمؤَّس سة قطر لمَّدة أربعِة أشهر‪ ،‬حيث تمَّكنْت‬
‫من َش ْح ِذ نموذِج ها الأَّولِّي ‪ .‬تقول هند‪’’ :‬لقد كنُت المرأَة الوحيدَة بين المتسابقين الخمس الأوائل‪ ،‬ومع ذلك رفَض بعض‬
‫الرجال مخاَطبتي في أثناء التصوير؛ لأَّنهم لم يرغبوا أن يظَه روا بينما يعَم لون ويتواَص لون مع النساء‘‘‪ .‬ولكَّنها أثبَتْت أَّنهم على‬
‫خطأ‪ .‬فقد حَّلْت شركُتها في المرتبة الثالثة‪ .‬ومنذ ذلك الحين‪ ،‬ناَلِت الجوائز والتقدير‪ ،‬واستقطاب المستثمرين‪ .‬وقد تكَّف َل‬
‫صندوق بيريِتك (‪ -)Berytech‬وهو أَح ُد المستثمرين في رأس المال في المنطقة‪ -‬بالَج ولة الاستثمارَّية الأولى‪ .‬كما قَّد َم ِت‬
‫الدعَم والإ رشاَد إلى هند المهندسة آية بدير‪ ،‬التي تعُّد فَّنانًة ومهندسًة متمِّيزًة في مجال الابتكار التكنولوجِّي في الشرق‬
‫الأوسط‪ ،‬ومستشارَة التصميم لدى برنامج ’’نجوم العلوم‘‘‪ .‬وتتذَّكر هند قائلًة ‪’’ :‬قَّدمْت إلَّي آية بيئَة عمٍل صغيرًة إضافًة إلى‬
‫الَّدعم المعنوِّي حين لم تكن لدَّي أدنى فكرٍة عَّم ا يجب أن أقوَم به‪ .‬كانت آية ووالدتي أهَّم شخَص ين خلال رحلتي هذه‘‘‪.‬‬
‫وتضيُف هند‪’’ :‬من الواضح أَّن الأمور كانت تسيُر في مصلحة أصحاِب الأفكار الريادَّية التكنولوجَّية في المنطقة‪ ،‬ولكْن‬
‫كاَن الأمُر جلًّيا أَّن شركَة بترفلاي قادرٌة على طرح منتٍج ناجٍح على مستوى العالم‪ .‬فمع أَّن السباحة رياضٌة منتشرٌة في الشرق‬
‫الأوسط‪ ،‬فإَّن الولايات المَّتحدة‪ ،‬وأستراليا‪ ،‬وأوروپا هي ُد َو ٌل تضُّم عدًد ا أكبَر من السَّباحين‪ ،‬إضافًة إلى أولئك الحريصين على‬
‫الصَّح ة‪ ،‬والموَلعين بالتكنولوجيا!‘‘ وبالفعل تمَّكنْت هند من تأسيس فريٍق عالمّي ‪ .‬وتتابُع قائلًة ‪’’ :‬عندما نطِّوُر جهاًز ا يستخدُم‬
‫التكنولوجيا الحديثة إلى الرياضِّيين ليتمَّكنوا من متابعة أدائهم في أثناء التدريبات بشكل مباشر‪ ،‬فإَّننا نعمُل بشكٍل مكَّثٍف مع‬
‫المكِّونات الإ لكترونَّية‪ ،‬وأجهزة التحُّكم الدقيقة‪ ،‬والبرمجَّيات والتطبيقات الخاَّص ة بالإ نترنت‪ .‬يتوَّزُع فريُق عملنا في كٍّل من‬
‫لندن وفرنسا وهولندا ودبي‪ ،‬لذا فأنا ُأمضي ‪ ٪٩٠‬من وقتي على سكايپ‪ .‬وفي نهاية عام ‪٢٠١٢‬م‪ُ ،‬أطِلَق على الجهاز الذي‬
‫طَّورْته هند اسم إنستابيت (‪ ،)Instabeat‬وُيصَّنُع حالًّيا في الصين‪ ،‬وكان من المتوَّقع أن ُيطَلَق رسمًّيا خلال معرض‬
‫الإ لكترونَّيات الاستهلاكَّية في لاس ڤيغاس (‪ )Computer Electronics Show‬في كانون الثاني‪/‬يناير من العام ‪٢٠١٣‬م‪،‬‬
‫وبحضور أكثر من ‪ ١٤٠.٠٠٠‬مشارك‪.‬‬
‫الحاجُة أُّم الاختراع‪ ،‬وقد ترتبُط الحاجُة في معظم الأحيان بمشكلاٍت تقَتضي حلوًلا ناجعة‪ .‬ويؤِّكُد الريادُّي اللبنانُّي زياد‬
‫سنكري على ذلك قائًل ا‪’’ :‬يحفُل تاريُخ عائلتي بمشكلاٍت صِّح َّيٍة من ارتفاع في الكوليسترول إلى أمراض القلب‪ .‬ورغم عدٍد‬
‫من الأزمات التي ما تزاُل مستمَّر ًة إلى اليوم‪ ،‬فإِّني لم أُكْن مستعًّدا بتاًتا لتلِّقي َخ َب ِر فقدان والدي‘‘‪ .‬كان زياد في السابعة‬
‫عشرة عندما ُتُو ِّفَي والُده الذي ناهَز الثالثة والخمسين من العمر‪ .‬ويقول زياد‪’’ :‬كان هذا الحدُث المؤلُم محِّف ًز ا لي لَتحديد‬
‫رسالتي في الحياة‘‘‪.‬‬
‫تخَّرَج سنكري النابغة في كِّلَّية هندسة الحاسوب في الجامعة الأميركَّية في بيروت‪ ،‬وهو في العشرينَّيات من العمر‪ .‬وتابع‬
‫دراسَته ليناَل درجَتي ماجستير في هندسة الكيمياء الحيوَّية وفي هندسة الكهرباء والحاسوب إضافًة إلى تخُّص ٍص فرعٍّي في‬
‫الشركات الريادَّية ضمن برنامج ِم َنِح فولبرايت (‪ )Fulbright‬في جامعة أوهايو عام ‪٢٠١٠‬م‪ .‬يخبُرني زياد‪’’ :‬فَّكرُت في مرحلٍة ما‬
‫أن أصيَر أستاًذا جامعًّيا‪ ،‬لأكوَن مثل والدي الذي عمَل في مجال التعليم‪ ،‬ولكْن عندما أدركُت أَّن وفاَته كانت أمًر ا يمكن‬
‫تجُّنبه من خلال إمكانَّية الُوصول إلى بياناِت تخطيٍط قلبٍّي كهربائٍّي بشكٍل أفضل وعلى نحٍو َد ورّي ‪ ،‬بدأُت في السنوات‬
‫الأولى من دراستي أفِّكر في طريقٍة لإ يجاد حٍّل ما‘‘‪.‬‬
‫وفي أثناء دراسته‪ ،‬طَّوَر سنكري نموذًج ا أَّولًّيا لُس ترٍة قادرة على مراقبة نبضات القلب بشكٍل دورٍّي للمرضى الذين يعانون‬
‫مشكلاٍت في القلب‪ ،‬فناَل جائزة العلوم في مسابقة الجامعة‪ .‬وفي أثناء دراسته في الولايات المَّتحدة‪ ،‬رَّكز زياد على تطوير‬
‫هذه التكنولوجيا‪ ،‬كما شارَك في الوقت ذاته في تأسيس شركٍة تعمُل في مجال تكنولوجيا النانو للأغراض الطِّبَّية الحيوَّية‪.‬‬
‫ولكَّنه كان يتطَّلُع إلى الَع ودة إلى مشروعه المخَتِّص بمراقبة القلب‪،‬كما تطَّلَع إلى الَع ودة إلى لبنان‪ .‬ويضيُف قائًل ا‪’’ :‬رَّبما كان‬
‫للعمِل الذي ُش ِّكل أثٌر كبيٌر هو تطوير نماذج وبرامج جديدٍة متخِّص صة بقياِس وظائف الأعضاء‪ .‬فمثًل ا‪ ،‬تعَّلمُت كيف يمكُن‬
‫أن تعطي إشاراٌت خاَّص ٌة من الدماغ مؤِّش ًر ا على الإ صابة بمرض الألزهايمر في مراحل مبِّكرة‪ .‬وفكرُت في استخدام ذلك‬
‫للكشف عن المؤِّش رات الخطيرة من خلال بيانات التخطيط الكهربائِّي للَق ْلب‘‘‪.‬‬
‫بعد َع ودته إلى لبنان عمل في المرَكز الطِّبِّي للجامعة الأميركَّية‪ ،‬الذي ُيعُّد أَح َد المراكز المرموقة في المنطقة‪ ،‬حيث ُيدَّرُب‬
‫الأطَّباء في غرفة العملَّيات على استخدام أحَد ِث التقنَّيات في ما يختُّص بالمعَّدات والوسائل الطِّبَّية‪ .‬وكان هدُف زياد هو‬
‫تعُّلَم المزيد عن طريقِة عمِل نظاِم الرعاية الصِّح َّية في الشرق الأوسط‪ .‬وساعَده هذا العمُل على الاستثمار في عمله الذي كان‬
‫يعمُل على تأسيسه والذي ُأطلق عليه اسم كارديو دياغنوستكس (‪ ،)Cardio Diagnostics‬كما ساعَده على استكشاف‬
‫الفرص المتاحة في مجال الرعاية الصِّح َّية في الشرق الأوسط‪ .‬ويوِض ُح زياد ذلك بالَقول‪’’ :‬هناك تحِّدياٌت كثيرٌة هنا‪.‬‬
‫فالعلامات التجارَّيُة تهُّم كًّل ا من المستهلكين والمسَتشفيات‪ ،‬ولأِّني آٍت من الولايات المَّتحدة‪ ،‬كان ذلك في مصلحتي‪.‬‬
‫فحين تذُكُر أَّنك شركٌة ناشئة من الشرق الأوسط يرمُقَك الناس بنظراِت استنكار‪ .‬ولكَّن الموهبة والمصادر الطِّبَّية المتاحة هنا‬
‫ممتازة‪ ،‬كما أَّن الإ طاَر التنظيمَّي يَّتسُم بالمرونة‪ ،‬وأستطيُع توظيَف الموهبة الطِّبَّية هنا بُثمِن كلفة نظيرتها في الولايات‬
‫المَّتحدة‪ .‬وبدأت أدرُك أِّني أستطيُع تحقيَق شيء مهٍّم هنا‪ ،‬وسيسَمُح ذلك لي بالاستفادة من هذا النجاح في الانطلاق على‬
‫المستوى العالمّي ‘‘‪.‬‬
‫أطَلَع ه أَح ُد أصدقائه على برنامج أطلَق ْته مؤَّس سة قطر يقِّد ُم ِم َنًح ا إلى الشركات المبتَك رة في قطاع الصَّح ة وغيرها من‬
‫المجالات التكنولوجَّية‪ .‬فترَك المرَك َز الطِّبِّي ليوِج َد حلوًلا للتحِّديات التي واجَه ْت والَده‪ .‬يقول زياد‪’’ :‬شهَد ِت التكنولوجيا‬
‫تغييراٍت كبيرًة خلال العقد الماضي‪ .‬وهذا لم يقتَص ْر فقط على تعُّرف الإ مكانات بشكٍل أكبر‪ ،‬بل عنى أيًض ا أَّنه بُوجوَد‬
‫التكنولوجيا المتنِّقلة‪ ،‬صارْت مراقبُة المختِّص ين بالعناية الطِّبَّية للحالة الصِّح َّية أمًر ا ممكًنا ومباشًر ا‪ .‬كنُت أعلُم أَّنه يمكُن‬
‫تصميُم طريقٍة ُتمِّكن المرضى الذين يعانون أمراًض ا خطيرًة في القلب من الحصول على تخطيِط القلب على مدار الساعة‬
‫للعناية بأنفسهم‪ -‬وبالجودة ذاتها التي تتوافر في المستشفى‪ -‬وإيجاِد طريقٍة لَتحليِل البيانات في الوقت ذاته‪ ،‬وإخطاِر الأطَّباء‬
‫في حال ظهور عوارض أزمٍة ما‘‘‪ .‬أمضى زياد عاًم ا في قطر وتعَّرَف من خلال مؤَّس سة قطر إلى مهندسين آخرين‪ .‬وسَّجَل‬
‫شركَته في الولايات المَّتحدة‪ ،‬وبدأ يسِّج ل براءَة اختراعه لدى الجهات المعنَّية‪.‬‬
‫ُص ِّم مت كارديو دياغنوستكس بطريقٍة سهلة لاستخدام المرضى؛ فهي تعتمُد على َو ْض ع لصقاٍت على سترٍة خفيفِة الوزن‬
‫ُر ِّكَب فيها جهاُز استشعار يرسُل إشاراِت القلب إلى جهاز مراقبٍة خاّص ‪ .‬ومن خلال إجراء تحليل خاٍّص تمَّكن من تطويره مع‬
‫فريقه‪ ،‬يمكُن تَتُّبُع العوارض على مدى سَّتة أسابيع أو أكثر‪ ،‬بحسب الوقت الذي يحِّد ُد ه الطبيب لمراقبة مريٍض معَّرض‬
‫للإ صابة بأزمة قلبَّية‪ .‬سُيبادرون إلى تأسيس شراكة‪ ،‬ومن ثَّم بناء مرَكِز بياناٍت سحابٍّي في بيروت لإ جراء اختباراٍت أَّولَّية على‬
‫مشروعهم‪ .‬يؤِّكد زياد قائًل ا‪’’ :‬إَّن زيادَة الَوعِي الثقافِّي للمرضى هو جزٌء أساسٌّي من هذا العمل‪ ،‬فنحُن لا نريُدهم أن يعتقدوا‬
‫أَّن اِّتصاًلا من جهاز المراقبة يعني أَّنهم يواِج هون عوارَض ُم ميتة‪ ،‬بل هو مجَّرُد إنذاٍر مبِّكٍر لتواُص ِلهم مع أطَّبائهم‪ ،‬والبحث‬
‫بشكٍل مفَّص ٍل في ُم سِّببات عدم الانتظام‪ ،‬ورَّبما تعديل أدِوَيتهم‪ ،‬أِو التوُّج ه إلى المستشفى‘‘‪.‬‬
‫في الوقت الحاضر‪ ،‬يوجُد في الولايات المَّتحدة أجهزٌة معَّقدٌة ومَّتصلة بأسلاك‪ ،‬ولكَّنها تراقب على مدى يوٍم أو يوَم ين‬
‫فقط‪ ،‬ولا تتضَّم ُن تحليًل ا دقيًقا كالذي طَّورته كارديو دياغنوستكس‪ .‬شاهْد ُت النسخَة الأولى من منَتِج هم في أواخر عام‬
‫‪٢٠١١‬م‪ ،‬وُذ ِه ْلُت من بساطِة الاستخدام في توصيل الَّلصقات الإ لكترونَّية بالسترة الخاَّص ة بهم‪ .‬قلُت لسنكري إَّنه ُقبيل‬
‫مشاركتي في سباق الماراثون‪ ،‬توَّج هُت لُأجرَي تخطيًطا للَق ْلب في مشًفى محِّل في واشنطن‪ ،‬وجرى هناك َتوصيلي بأسلاٍك‬
‫ٍّي‬
‫كثيرة‪ ،‬وكاَنِت الأجهزة غير ثابتة‪ .‬ابتسَم وقال‪’’ :‬هنا يكمُن الإ بداع في تصميمنا وفي التكنولجيا النَّقالة‪ .‬ليَس ْت هناك أَّية‬
‫أسلاك‪ ،‬وتستطيُع المحاَفظَة على نشاطك مع بقاء لصقاِت المراقبة ثابتًة في مكانها‘‘‪ .‬يضُّم المجلُس الاستشارُّي لكارديو‬
‫دياغنوستكس نخبًة من الخبراء على المستوى الإ قليمِّي والدولّي ‪ ،‬وهم من أكثر الداعمين لهذا العمل‪.‬‬
‫لا شَّك أَّنه يجب الحصول على موافقة من إدارة الغذاء والدواء الأميركَّية (‪ )FDA‬للتوُّج ه إلى السوق العالمَّية‪ .‬ويؤِّكُد زياد‬
‫قائًل ا‪’’ :‬لسنا دواًء أو جهاَز عنايٍة طِّبَّيٍة حثيثة‪ .‬نحن خدمُة مراَقبٍة تحتاج فقط إلى ترخيص من أدنى مستوى وهو (‪510K‬‬

‫‪ )Clearance‬من إدارة الغذاء والدواء الأميركَّية‪ -‬ويحتاج إصداُره إلى أقَّل من عام‪ .‬تتمَّثُل أهداُفنا الحالَّية في إنهاء تطوير‬
‫المنتج‪ ،‬وَبْد ِء مراحل اختباره خلال العام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬وتوثيق البيانات الطِّبَّية‪ .‬ونعتقد أَّننا قادرون على الانطلاق إلى أسواق الشرق‬
‫الأوسط‪ ،‬بما في ذلك الحصول على التراخيص الَّل ازمة من إدارة الغذاء والدواء‪ ،‬وذلك خلال ‪ ١٨‬شهًر ا‪ ،‬ونحن على وشك‬
‫اِّتخاذ قراٍر بشأن الجهة المصِّنعة‪ .‬وهناك عدٌد من المستشفيات الكبرى في المنطقة على استعداٍد لتقديم الَّدعم لنا في‬
‫اختباراتنا الطِّبَّية‘‘‪.‬‬
‫ُذهلُت عندما أدركُت أَّنهم سيعَم لون في مجال المراقبة‪ .‬ففي مراحَل مبِّكرٍة من حياتي كنُت أبحُث عن فرٍص استثمارَّيٍة‬
‫في عدٍد من شركات المراقبة‪ ،‬مثل أنظمِة الإ نذار في المنازل‪ ،‬وأنظمة الإ نذار في مختلف نواحي الحياة اليومَّية‪ .‬ولكَّن التغطية‬
‫على مدار الساعة عاليُة التكاليف‪ ،‬وعندما تكوُن المسألة متعِّلقًة بالحياة والموت‪ ،‬يصيُر ُوجوُد خبراَء لَتحليِل البيانات أمًر ا‬
‫أساسًّيا‪ُ .‬يجيب سنكري‪’’ :‬ما من شٍّك في أَّن التكنولوجيا هي كُّل شيء هنا‪ .‬وفي المقام الأَّول‪ُ ،‬تعُّد هذه سلسلًة فريدًة من‬
‫الإ مكانات التي تنتظُر براءَة الاختراع‪ ،‬وهي قادرٌة على إنقاذ الأرواح‪ .‬ثانًي ا‪ ،‬تعني الانطلاقة من الشرق الأوسط‪ ،‬إطلاَق المنتج‬
‫واختباره على نحٍو أسرَع وبتكلفٍة أقّل ؛ فهناك فرصٌة كبيرٌة لَتسويق المنتج هنا وفي الأسواق الناشئة الُأخرى‪ ،‬كما يمكُن التوُّس ع‬
‫أيًض ا وصوًلا إلى الولايات المَّتحدة‪ .‬أخيًر ا‪ ،‬لاعتماد المنتج‪ ،‬لا بَّد من الِتزاِم أعلى معايير الجودة‪ .‬وأنا على ثقة بأَّننا قادرون‬
‫على الحصول على رأس المال لَتطوير المنتج هنا وفي الخارج لَتحقيق مستوى الكفاءة المطلوب‪ .‬كما أثُق بأَّننا سنتمَّكُن من‬
‫ابتكاِر جهاز المراقبة الخاِّص بنا وطرِح ه في الأسواق‪ .‬فالتكنولوجيا التي نستخدُم ها تجَع ُل الفتراِت الَّل ازمة للاستجابة بسيطًة‬
‫وسهلَة التحليل‪ .‬يمكُنَك تصُّوُر أن يتلَّقى الخبراء بياناٍت سهلَة القراءِة على أجهزتهم الَّلوحية وإخطار الأطَّباء‪ .‬إَّن الابتكار‬
‫الذي سمَح لنا من العمل على هذه الخدمة سُيمِّكننا من إطلاق وسائَل جديدٍة لعلاج أَّية مشكلٍة قد تواِج ُه نا‪ ،‬كما‬
‫سيساعُدنا على تخِّطي تحِّدياِت خدمات المراَقبة‘‘‪.‬‬
‫لا جدال في قدرة الريادِّيين الارتجالِّيين‪ ،‬وحَّل الي المشكلاِت بالحلول الناجعة‪ ،‬وريادِّيي الأعمال العالمِّيين في َخ ْلِق‬
‫الفرص‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬هم جميًع ا‪ -‬ولا سَّيما ريادِّيي الأعمال العالمِّيين‪ -‬يحِّفزون َطْرَح سؤاٍل مهّم ‪ .‬إْن كاَن تاريخ الابتكار‬
‫التكنولوجِّي مبنٌّي على أفكاٍر ريادَّيٍة كانت هناك حاجٌة إليها لَتَخ ِّطي التحِّديات والأوضاع الفريدة التي يواجهونها على الأرض؛‬
‫ونظًر ا إلى التغيير التاريخِّي الذي يشهُده الشرق الأوسط‪ ،‬فهل هناك فرٌص يمكُن تحديُدها من خلال الخبرات الممَّيزة والموقع‬
‫الَج غرافِّي الفريد تجعل من المنطقة مهَد ابتكاٍر تنافسٍّي عالمِّي المستوى؟ لقد وجدُت خلال رحلاتي أَّن مثل هذه الفرص‬
‫سانحة وفي ثلاثِة مجالاٍت على الأقّل ‪ :‬التكنولوجيا النَّقالة‪ ،‬والطاقة الشمسَّية‪ ،‬وشبكات التواصل الاجتماعّي ‪.‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫قفزٌة َنوعَّية‬

‫تبدو الإ مكاناُت والفرُص واضحًة عندما تلوُح للريادِّيين الارتجالِّيين‪ ،‬وحَّل الي المشكلات‪ ،‬والريادِّيين العالمِّيين‪ .‬وغالًب ا ما‬
‫تساءلُت إْن كانت هناك فئٌة رابعٌة قد تبصُر الُّنور‪ ،‬حيث تحفُز الخبراُت والثقافاُت والموقُع الَج غرافُّي والتاريُخ ابتكاًر ا جديًدا‬
‫كِّلًّيا‪ .‬وهو ما نسِّم يه في المجتمع الناشئ بالَقفزة الَّنوعَّية‪.‬‬
‫تاريخًّيا‪ ،‬لم يكْن لأَح ٍد أن يتصَّوَر أن تصيَر كٌّل من اليابان أو فنلندا أو كوريا الجنوبَّية ُد َو ًلا رائدًة في صناعة أجهزة الَّترفيه‬
‫المنزلِّي أو أجهزة الَّل اپتوپ أو حَّتى ألعاب الحاسوب‪ .‬ولكن ما قد يبدو غريًب ا في أَّيامنا هذه هو هذا‪ :‬أَّنه ولسنواٍت َم َض ْت ‪،‬‬
‫ليس هناك ابتكاٌر في برامج الحاسوب كالذي يظهُر في الولايات المَّتحدة‪ .‬فهل يمكُن أن يكوَن الشرق الأوسط هو الحاضنَة‬
‫المقبلة لمثل تلك الابتكارات؟ فإذا واصَلِت المنطقُة ابتكاَر وسائَل تساعُدها في التغُّلب على التحِّديات؛ واستمَّرِت‬
‫التكنولوجيا في الانتشار الواسع بأسعاٍر غير ُم كِلفة‪ ،‬فهل يسُع نا أن نرى عبارَة ’’ُص نع في الشرق الأوسط‘‘ عنواًنا للابتكار‬
‫العالمّي ؟‬
‫تشهُد الأسواُق الناشئُة اليوم‪ ،‬وبشكٍل منتَظم‪ ،‬انتشاًر ا واسَع النطاق لابتكاراٍت جديدة‪ ،‬تقوُد ه شركاٌت تدرُك فروقاِت السوق‬
‫المحِّلَّية‪ ،‬وتسعى إلى تجِربِتها في الأسواق النامية الُأخرى‪ .‬ويذِّكرنا كتاب ’’الابتكار العكسّي ‘‘ (‪ )Reverse Innovation‬من‬
‫تأليف الُأستاَذين ڤيجاي غوڤيندارجان (‪ )Vijay Govindarajan‬وكريس ترمبل (‪ )Chris Trimble‬من كِّلَّية دارتموث‬
‫(‪ -)Dartmouth‬أَّن هذه الأسواق وحَدها تضُّم أعداًد ا كبيرًة جًّدا من السَّكان وقدرًة على الإ نفاق‪ .‬ويشيُر الكتاب إلى أَّن‬
‫ِم فتاَح النجاح في الأسواق الناشئة يكمُن في َفْه م الفروقاِت المهَّم ة عن الغرب‪ ،‬والتي تتجَّلى في كِّل المماَرسات اليومَّية‪.‬‬
‫وينِّبه الكتاب إلى التباُين في القدرة على الإ نفاق حيث يشيُر بالقول‪’’ :‬في الدول المتقِّدمة‪ ،‬هناك عدٌد قليٌل من الناس الذين‬
‫ينفقون الكثير‪ ،‬أَّم ا في الدول النامية فهناك عدٌد كبيٌر من الناس الذين ينفقون القليل‘‘‪ .‬لذا فَتصميُم منتجاٍت تتناسُب مع‬
‫حاجاِت هذه الأسواق قد يكوُن ذا تأثيٍر ُم ضاَع ف‪ .‬فكَّلما زاَد الإ قبال على استخدام التكنولوجيا‪ ،‬زاَد ْت فرُص تبِّني الأفكار في‬
‫تلك الأسواق‪.‬‬
‫لقد أدرَك ْت شركة نوكيا (‪ )Nokia‬هذا الأمر‪ .‬فاستحوَذ ْت على ‪ ٪٦٠‬من ِح َّص ة السوق الهندَّية خلال العقد الماضي‪ ،‬من‬
‫خلال إعادة النظر في إطار عملهم‪ ،‬وإعادة تصميم عروضهم لَتلِبَي ة الاحتياجات المحِّلَّية‪ .‬طرَح ِت الشركُة عدًد ا أقَّل من‬
‫التصاميم‪ ،‬ووضَع ْت برناَمًج ا أرخَص يمِّكن من الكتابة النِّص َّية بالهندَّية ليحَّل محَّل العروض المطروحة على المعَّدات‪ ،‬كما‬
‫أضافوا المصباَح اليدوَّي ِلَم ن يعيش في المناطق الريفَّية ولا يحصلون على الكهرباء بشكٍل منتظم‪ .‬وينطبُق هذا النموذُج على‬
‫أكبر شركٍة للهواتف النَّقالة في كينيا‪ ،‬وهي شركة سفاريكوم والتي أعاَد ِت النظَر في الغرض الرئيسِّي من هاتفها النَّقال‪ُ .‬تعُّد‬
‫كينيا من الدول التي تعاني نقَص المصارف‪ ،‬حيُث يملُك أقُّل من ُخ ْم س سَّكانها حسابات مصرفَّية‪ .‬فهي مجتمٌع متناثٌر‬
‫يعتمد على تعاُم لاٍت نقدَّية من بضعة دولارات‪ .‬وغالًب ا ما يسيُر العَّم ال أمياًلا لإ حضار المال نقًدا إلى بيوتهم أو إلى‬
‫عائلاتهم‪ ،‬ما يجعُلهم ُع رضة للسرقة‪ .‬وفي مثل هذه الأحوال‪ ،‬أطلَق ْت شركة سفاريكوم خدمة أم‪ -‬پيزا‪ ،‬وهي خدمٌة بسيطٌة‬
‫لَد ْفع الأموال نقًدا عبر الهاتف النَّقال عبر رسالٍة نِّص َّية‪ .‬ومن خلال أكثر من ‪ ٣٠.٠٠٠‬وسيط في الدولة‪ ،‬يتمَّكُن العملاء من‬
‫إرسال الأموال واستقبالها بشكٍل آمن من أِّي مكاٍن عبر رقٍم سِّرٍّي خاّص ‪ .‬وفي عام ‪٢٠١١‬م‪ ،‬جرى تداُوُل ‪ ١٠‬مليارات دولاٍر‬
‫أميركٍّي عبر أم‪ -‬پيزا‪ ،‬وهذا يمِّثُل تقريًب ا نصف التعاملات عبر الهاتف النَّقال في العالم‪ .‬وسَّجَل في هذه الخدمة ما يزيُد على‬
‫ثلَثي سَّكان كينيا البالغ عدُد هم ‪ ٤٠‬مليوَن نسمٍة‪ .‬ويمكُن الَقوُل إَّن إرساَل الأموال من شخٍص إلى آخر في كينيا باَت اليوَم‬
‫أسهَل بكثيٍر منه في الولايات المَّتحدة‪ .‬وقد ُطرَح هذا الابتكار اليوَم في القارة الأفريقَّية بأسرها‪ ،‬وُيدرُس طرُح ه في الشرق‬
‫الأوسط حيث ُيتوَّقُع ُوصوِل مستخدمي هذه الخدمة إلى ما يزيُد على المليار‪.‬‬
‫إَّن التعديلاِت على التكنولوجيا لُتلِّبي الاحتياجات المحِّلَّية هي أمٌر من شأنه أن يخلَق أسواًقا جديدًة رائعة‪ .‬غير أَّن هذه‬
‫الخبراِت مختلفٌة عن إقبال المستهلكين حول العالم على التكنولوجيا الجديدة في القطاع‪ .‬وقد بدأ بعُض ها فعًل ا في الشرق‬
‫الأوسط‪.‬‬
‫ولكْن عندما أدركُت المواقَف والخبرات التي من شأنها تغذيُة هذا النوع من الابتكار على الصعيد العالمِّي في الشرق‬
‫الأوسط‪ ،‬استطعُت تحديَد ثلاثِة مجالاٍت تعِّز ُز مثل فرص الابتكار‪ ،‬وهي أَّوًلا‪ :‬أين تكمُن فرُص الابتكار في قطاع الهواتف‬
‫النَّقالة مع انتشار الهواتف النَّقالة بمعَّدل ‪ ٪١٠٠‬واستخدام الهواتف الذكَّية بشكٍل متزايد‪ ،‬قد يصُل بحسب الخبراء إلى نسبة‬
‫‪ ٪٥٠‬خلال ثلاث سنوات؟ ثانًي ا‪ ،‬تمتُّد أكبُر موارِد المياه النقَّية غير المستغَّلة في العالم عبر الصحراء المصرَّية‪-‬الليبَّية‪ ،‬لكْن‬
‫ليسْت هناك طريقٌة اقتصادَّية لَتوصيِل الَّنفط الَّل ازم لَتشغيِل المضَّخ ات وإخراج هذه المياه‪ .‬فما الابتكار في مجال تشغيل‬
‫مضَّخ ات المياه والزراعة بالطاقة الشمسَّية الذي يمكُنه حُّل هذه المشكلة؟ ثالًثا‪ ،‬ماذا عن ملايين الناس الذين كانوا يتواصلون‬
‫عبر أجهزة الهاتف النَّقالة ووسائل التواصل الاجتماعِّي مثل تويتر وفيسبوك خلال الثورات العربَّية؟ تلك الجموع التي رَو ْت‬
‫قصًص ا‪ ،‬وأطاَح ْت بأنظمٍة سياسَّية‪ ،‬هل سُتساهُم تجارُبهم في انطلاقِة أكبر شبكٍة اجتماعَّيٍة عالمَّية ُكبرى؟‬
‫أردُت أن أكتشَف المزيد‪.‬‬

‫ثورة في عالم الهواتف النَّق الة‬


‫ولَي م هيغ (‪ )William Hague‬هو نائب الرئيس التنفيذِّي لشركة إيه تي آند تي (‪ )International AT&T Mobility‬المعروفة سابًقا‬
‫ِباْس م سينغيولار وايرليس (‪ .)Cingular Wireless‬تعتمُد إيه تي آند تي استراتيجَّيًة تقوُم على عدم التركيز على الأسواق الناشئة‬
‫بشكٍل يتجاَو ز علاقاِت الشراكة للتجوال الدولّي ‪ ،‬والتركيز على قاعدة الشركة محِّلًّيا حيث نمُط العمل والبنية التحتية أكثُر‬
‫استجابًة لأسواٍق ذاِت قيمٍة أعلى مثل الولايات المَّتحدة‪ .‬فتوُّقعاُت العملاء في الأسواق الأكثر تطُّوًر ا حول كفاءِة المنتجات‬
‫وخدمة العملاء والأسعار تكوُن ضمَن مستويات أعلى‪ ،‬ويكوُن معَّدُل العائد لكِّل مستخدم (‪ ٦٠ )ARPU‬دولاًر ا شهرًّيا‪-‬وهو ما‬
‫يمِّثُل نقطًة إيجابَّيًة للَّش ركة‪ .‬وبينما يصُل معَّدُل العائد لكل مستخدم أحياًنا إلى هذا الحِّد في دول الخليج‪ ،‬إَّلا أَّن معظم‬
‫أسواق الشرق الأوسط تنخفض دون ‪ ٢٠‬دولاًر ا‪ ،‬ويصُل في أفريقيا إلى ما دون ‪ ٦‬دولارات‪ .‬غير أَّن هيغ يدرُك أَّن هناك ثورًة في‬
‫مجال الهواتف النَّقالة‪ ،‬ذات نتائَج كبيرٍة ليس فقط على قطاع الهواتف بل أيًض ا على المجتمعات كُكّل ‪ .‬وهذه النتائُج هي‬
‫سبٌب يدفُع هم لمواصلة اِّتصالهم بهذه الأسواق عبر إقامة الشراكات‪.‬‬
‫أدرَك هيغ أهِّمَّية ذلك منذ ‪ ٣٠‬عاًم ا‪ ،‬حيث كان أحَد المتطِّوعين في فرق حفظ السلام في توغو (‪ ،)Togo‬في أفريقيا‬
‫الغربَّية‪ .‬ويوضُح قائًل ا‪’’ :‬نحن في الولايات المَّتحدة نعتقد أَّن وجوَد وسائل الاِّتصال الفورَّية أمٌر ُم سَّلم به‪ ،‬حَّتى إَّننا لا ندرُك‬
‫التأثيَر الهائَل في السلوك في حال عدم توافر هذه الوسائل بصفتها جزًءا من حياتنا اليومَّية‘‘‪ .‬عندما وصَل هيغ إلى توغو في‬
‫بداية الأمر‪ ،‬سرعاَن ما تكَّيَف على أسلوب الحياة دون وسائل الراحة المعتادة‪-‬كالطبخ على الحطب بدَل الفرن‪ ،‬وقراءة كتاب‬
‫بدل مشاهدة التلفاز‪ ،‬واستخدام مشاعل الكاز في غياب الكهرباء‪ ،‬واستخدام الدلو بدل ُد ش الاستحمام‪ .‬ولكَّنه يقول‪’’ :‬لقد‬
‫أوقَف انعداُم التواصل اليومِّي المباشر كَّل شيء‪ .‬كنُت أشاهُد الناَس الذين يقطعون نحو ‪٤٨‬كم يومًّيا لإ تمام بعض التعاُم لات‬
‫التجارَّية‪ ،‬وقد يكون الشخص الذين أتوا لمقابلته َم وجوًد ا أو غير َم وجود‪ .‬كان حًّقا أمًر ا غايًة في الإ زعاج‪ .‬كيف يمكن أن‬
‫يكوَن هناك تطُّوٌر حقيقّي ؟‘‘ حَّتى إَّنه حاوَل تنظيم َد وراٍت محِّلَّية في كرة السلة بين المدن‪ ،‬إَّلا َّأن ذلك كان شبَه مستحيل‪.‬‬
‫ويتابع‪’’ :‬كَّنا ننِّظُم الألعاَب الرياضَّية قبل أسابيَع من تاريخها‪ ،‬وكان علينا أن نبعَث برسائَل شخصَّيٍة من خلال القيادة إلى‬
‫المنطقة المقصودة ومن ثَّم العودة‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬لا يمكنني أن أتخَّطى فكرَة المبالغ التي أنفقناها على سَّيارات الأجرة فقط‬
‫لنبعَث بمراسلين إلى المناطق المجاورة‪ .‬تخَّيْل ما قد يحُدُث عندما تتوافُر الهواتف النَّقالة لعدٍد أكبَر من أفراد المجتمع يفوُق‬
‫َم ن تتوافُر لهم خدمة الكهرباء؟‘‘‬

‫يشغُل هيغ منصب عضو مجلس إدارِة رابطة مشِّغلي الهواتف النَّقالة العالمَّية (‪،)Groupe Speciale Mobile Association‬‬
‫ومقُّرها لندن‪ .‬وتضُّم هذه الرابطة ما يزيد على ‪ ٨٠٠‬مشِّغِل اِّتصالاٍت من ‪ ٢٠٠‬دولة في العالم‪ ،‬وتضطلُع الرابطة بمسؤولَّياٍت‬
‫عديدة‪ ،‬منها أَّنها تمِّثُل مرجًع ا للُف َرص المتوافرة والابتكارات الجديدة على مستوى أعضائها‪ .‬ويقول هيغ‪’’ :‬في كِّل اجتماع‬
‫نعقده‪ ،‬هناك قَّص ٌة جديدة عن ابتكاٍر ما في أَح ِد الأسواق الناشئة‪ ،‬وهو يتعَّلق ليس فقط بزيادة معَّد ِل تواُفر الاِّتصال النَّقال‪،‬‬
‫بل يشمل أيًض ا بيئات الأعمال المختلفة التي تنطلق‘‘‪ .‬ولكي يساعَدني في الحصول على فكرٍة أوضَح حول الابتكار في‬
‫الدول الناشئة في قطاع الهواتف النَّقالة‪ ،‬قَّد َم ني إلى كريس لوك (‪ ،)Chris Locke‬وهو المديُر الإ دارُّي للَّتطوير لدى رابطة‬
‫مشِّغلي الهواتف النَّقالة‪ ،‬ويمكُن الَقوُل إَّنه مسؤوٌل عن َرْس م ُخ َّطٍة مستقبلَّيٍة للمنَّظمة؛ فهو معروٌف بَش َغفه في مجال‬
‫التكنولوجيا والأسواق الناشئة‪ ،‬كما شغل في ما سبَق منصًب ا تنفيذًّيا في قطاع الإ نترنت لدى شركة إيه أو أل ومجموعة ڤيرجن‪،‬‬
‫وهو أيًض ا محاضٌر لمجموعة زيروكس (‪ )Xerox‬في مجال الاِّتصال الإ لكترونِّي والنشر في كِّلَّية لندن الجامعَّية‪ ،‬ومسؤوٌل عن‬
‫برنامج الماجستير في هذا المجال‪ .‬وقد أثبَتِت الرابطُة التطابَق ما بين تحليله للماضي وما يتوَّقُع ه في المستقبل‪.‬‬
‫يحِّد ُثني قائًل ا‪’’ :‬إَّن الخدماِت المالَّيَة عبر الهاتف النَّقال باستخدام تطبيق أم‪ -‬پيزا هي قَّم ة الابتكار حيُث تعُّد مصرًفا‬
‫متنِّقًل ا ِلَم ن ليَس ت لديهم حساباٌت مصرفَّية‪ .‬إَّن نسبَة انتشار الهواتف النَّقالة في كاَّفة الأسواق الناشئة تصُل إلى ‪ ٪٥٠‬أو‬
‫أكثر‪ .‬أَّم ا نسبُة انتشار المصارف في تلك المجتمعات لا تكاُد تحِّق ُق جزًءا بسيًطا من هذا الأمر‪ .‬وبهذا يمكُن للهاتف‬
‫النَّقال أن يُس َّد هذه الفجوة‪ ،‬ولكَّن الابتكار الحقيقَّي هو أَّنهم يؤِّس سون محاوَر ابتكاٍر جديدًة لكاَّفة المجتمعات‘‘‪ .‬ولدى‬
‫َض ْرِب مثاٍل على ذلك فإَّن في أفريقيا وحَدها ما يزيُد على ‪ ٦٨٠.٠٠٠‬محَّطِة إرساٍل للهاتف النَّقال في المناطق الريفَّية ضمن‬
‫الشبكة الكهربائَّية‪ .‬وكما اقتَض ِت الَّض رورُة فإَّن لديهم موِّلداتهم الكهربائَّية الخاَّص ة التي ُيشَّغ ُل جزٌء صغيٌر من ِس عِتها لأجل‬
‫ذلك‪ ،‬وهي تعمُل بطاقِة الِّرياح أو بالَّطاقة الشمسية‪ ،‬أو في أغلب الأحيان بماَّد ة الديزل‪ ،‬فبرَزْت مجموعٌة من الريادِّيين في‬
‫مجال الصناعات المنزلَّية‪ ،‬يبيعون هذه الطاقة غير المستغَّلة لَدعم القرى المحِّلَّية والمراكز الطِّبَّية ومحَّطات الشحن للهواتف‬
‫النَّقالة في مجتمع لم يُك ْن له أمٌل في تواُفر الكهرباء‪ .‬وفي الهند‪ ،‬أَّس سْت شركاٌت مثل بيرفوت الهند للطاقة (‪India Barefoot‬‬

‫‪ )Power‬مشاريَع تقوم على أساس تأجير البَّطارَّيات وإعادة شحنها‪ .‬وفي نيروبي الكينَّية‪ ،‬يقوُم نظام الإ نارة في المناطق الريفَّية‬
‫على مشاعل الكاز‪ ،‬وهي غير كافيٍة وغير صِّح َّية وغير مستدامة من الناحية البيئَّية‪ ،‬فوَّزعت شركُة أم‪-‬كوپا (‪ )M-Kopa‬مَّج اًنا‬
‫َّط‬
‫آلاَف المصابيح الكهربائَّية الصغيرة المشحونة ببَّطارَّيات‪ ،‬وتتضَّم ُن شريحًة بسعة ‪ ٢‬غيغابايت مَّتصلٌة بخدمة أم‪ -‬پيزا‪ ،‬لتوِّفَر‬
‫الإ نارَة برسالٍة نِّص َّية لبعض الأفراد مَّم ن لا يملكون إنارًة كهربائَّية‪ ،‬ولا يستطيعون شراَء ِخ ياراِت الطاقة الشمسَّية‪ ،‬وذلك مقابل‬
‫بضع سنتاٍت فقط‪ .‬ويتابع كريس‪’’ :‬والأمر المستهاُن به هو عدُم القدرة على توُّقع أٍّي من هذه الابتكارات التي شَّق ْت‬
‫طريَقها‪ .‬فهل ستعرُف الولايات المَّتحدة مثل هذه المصابيح ذات الشريحة التي تمِّكُن الدفَع عبر رسالٍة من الهاتف النَّقال؟‬
‫بالَّتاكيد لا‪ .‬ولكَّن هناك ما يزيُد على ملياِر شخٍص لا يملكون خدمة الكهرباء‪ .‬فيمكنك أن تتخَّيَل ما سيحُص ُل عندما تتوافر‬
‫لهم هذه الخدمة‪ ،‬وما الأفكار التي قد تنشأ وتؤِّثُر في ملياٍر آخَر من الناس‪.‬‬
‫ويضيُف كريس لوك قائًل ا إَّنه لم تدرْك كاَّفة الأطراف‪ -‬من مصِّنعين للأجهزة ومزِّودين للخدمة وِج هاٍت حكومَّية‪ -‬وعلى‬
‫مدى تاريخ الهاتف النَّقال قدرَة العملاء على استيعاب هذه الابتكارات‪ .‬فيقوُل في هذا الشأن‪’’ :‬إذا نظرَت إلى أٍّي من‬
‫الدراسات التي أجَر ْتها الحكوماُت في الأسواق الناشئة في ‪١٩٨٠‬م وما بعدها‪ ،‬سَترى أَّنها كانت تتوَّقُع انتشاَر الهاتف النَّقال‬
‫لن يصَل إَّلا إلى مجموعٍة قليلٍة لا تتعَّدى بضعَة آلاِف شخٍص من نخبة أفراد المجتمع‪ .‬لقد أساءوا تقديَر حاجِة الناس إلى‬
‫وسائِل الاِّتصال والابتكاِر الذي سيرافقه‪ ،‬والأثَر الذي يشِّكله الهبوُط الكبير في الأسعار‘‘‪ .‬ولا يملك كِريس أدنى شٍّك في أَّن‬
‫انتشاَر الهواتف الذكَّية في الأسواق الناشئة سيتبُع نمًطا مماثًل ا‪ ،‬فيقول‪’’ :‬لقد رأينا هذا المثال في الدول المتقِّدمة‪ ،‬التي‬
‫يستطيُع فيها الأفراُد شراَء أجهزٍة بمئاِت الدولارات‪ ،‬ولكْن خلال عام تقريًب ا سنرى في أفريقيا والشرق الأوسط توُّجًه ا نحو‬
‫استخدام الهواتف الذكَّية التي يقُّل سعُرها عن ‪ ٥٠‬دولاًر ا‘‘‪ .‬في الواقع‪ ،‬أخضَع ْت شركُة سفاريكوم هذه الأجهزة للاختبار في‬
‫عام ‪٢٠١١‬م في نيروبي‪ ،‬وخلال أشهر ِبيَع ما يزيد على ‪ ٣٥٠.٠٠٠‬جهاًز ا‪ .‬ويتابع كريس‪’’ :‬لم تكن هذه أجهزَة آيفون‪ ،‬بل‬
‫أجهزًة بخواَّص بسيطٍة جًّدا‪ ،‬غير أَّنها أجهزُة حاسوٍب حقيقَّيٌة تسَمُح بالاِّتصال والكتابة النِّص َّية وإرسال الرسائل الإ لكترونَّية‬
‫واستخدام شبكة الإ نترنت‪ .‬إَّن معَّدل انتشار الهواتف الذكَّية ذاِت الخواِّص الأعلى في تلك المناطق اليوم يتراوح ما بين ‪١٥‬‬
‫و‪ .٪٢٠‬وقد تصل هذه النسبة إلى ‪ ٪٥٠‬خلال ثلاث سنوات‪ .‬فتخَّيل النتائَج عندها‘‘‪.‬‬
‫أمضى كمال شحادة الأعوام الخمسَة عشر السابقة في تقديم الاستشارة‪ ،‬أو في المشاركة في افتتاح أسواق الاِّتصالات‬
‫في الشرق الأوسط‪ ،‬لذا ُيدرُك كمال تماًم ا تلك النتائج أكثَر من غيره‪ .‬وهو اليوَم يشَغ ُل منصَب الرئيس التنفيذِّي لقطاع‬
‫الشؤون القانونَّية والتنظيمَّية لإ حدى شركات الاِّتصالات‪ ،‬وهي أَح د أكبر مشِّغلي قطاع الاِّتصالات في الشرق الأوسط‬
‫وأفريقيا‪ .‬ويملُك شحادة القدرَة الفكرَّيَة والتحليلَّيَة التي اكتسَب ها من دراسته في جامعَتي هارڤرد وكولومبيا (‪ ،)Columbia‬حيث‬
‫أنهى دراسَة الدكتوراة هناك في مجال الاقتصاد السياسِّي في منتصف تسعينَّيات القرن العشرين‪ .‬ويتمَّيُز بُأسلوبه المباشر الذي‬
‫يقوم على الحقائق‪ ،‬وابتسامته الدافئة والجَّذ ابة‪ ،‬وهذا ما جعَله يتمَّيُز بسمعة ’’الرجل الذي لا يقَب ُل الفساد‘‘ في الأوساط‬
‫المهنَّية‪َ ،‬و فَق ما أخبَرني به أَح ُد المسؤولين الحكومِّيين‪ .‬وقد أكسَب ْته المناصُب التي شغَلها البصيرَة حول الواقع السياسّي ؛ فهو‬
‫مستشاٌر سابٌق للبنك الدولِّي في مجال خصخصة قطاع الاِّتصالات وتحريره في منطقة الشرق الأوسط‪ ،‬ورئيس الهيئة اللبنانَّية‬
‫المختَّص ة بترخيص العمل في قطاع الاِّتصالات تنظيمه‪ .‬وقد كان عمُله في قطاع الاِّتصالات بالِّص دفة؛ ففي منتصف‬
‫تسعينَّيات القرن العشرين‪ ،‬بحَث عدٌد من حكومات الشرق الأوسط مبادراِت الخصخصة لزيادة العائدات استجابًة للتنافسَّية‬
‫العالمَّية المتزايدة‪ .‬ويتذَّكر في هذا السياق قائًل ا‪’’ :‬كان لدَّي ِخ ياٌر إَّم ا الانخراط في مجال الاِّتصالات و إَّم ا في المالَّية‪ ،‬غير‬
‫أَّن مجاَل الاِّتصالات كان أهَّم وأكثَر جاذبَّية‪ ،‬إذ كان يقوُم هذا القطاع في المنطقة على شركاِت احتكاٍر تدعُم ها‬
‫الحكومات‪ ،‬فأدركُت أَّن هناك فرصًة لإ حداِث تغييٍر كبير‘‘‪.‬‬
‫غير أَّنه وجَد أَّن معظَم الحكومات في ذلك الوقت راضيٌة عن ُوجود شركات الاِّتصالات المحتِكرة التي تدعُم ها‪ ،‬فهي‬
‫َّل‬
‫تحِّق ُق الأرباَح وُتحِكم سيطرَتها على القطاع دون الَخ وض في أَّية مشكلات‪ ،‬وقد كانت إدارُة قطاع يتأَّلُف من لاعٍب أو‬
‫لاعَب ين على الأكثر أمًر ا سهًل ا‪ .‬وكان بعُض المسؤولين الحكومِّيين في بعض تلك الدول يسعى إلى نجاح تلك الشركات من‬
‫أجل مصالح سياسَّية أو شخصَّية‪ .‬إَّلا أَّن هناك عامَلين ساهما في إقناع القيادات السياسَّية بإعادة النظر‪ :‬أَّولهما أَّن‬
‫الحكومات تحتاُج إلى المساعدة في إدخال تكنولوجيا الهواتف النَّقالة في الشركات المحتِكرة التي لا تتمَّتُع بالمرونة‪،‬‬
‫فكانت الطريقُة الأسرُع ’’للاستحواذ‘‘ على هذه التكنولوجيا هي إقامَة علاقاِت شراكٍة عاَّم ٍة وخاَّص ة‪ .‬وثانًي ا‪ ،‬رأِت الحكوماُت‬
‫فرصًة لَتوليد عوائَد جديدٍة دون أن ُتضطَّر إلى مواَج هة أَّية معاَرضٍة مباشرة من الأطراف المعنَّية في طريقة العمل التقليدَّية‬
‫لإ صلاح الشركات المحتِكرة المملوكة للَّدولة‪ .‬وفي عام ‪١٩٩٨‬م‪ ،‬عقَد ِت الحكومُة المغربَّية أَّول مزاٍد علنٍّي حقيقٍّي في‬
‫المنطقة لتراخيص الهواتف النَّقالة‪ .‬يتذَّكر شحادة قائًل ا‪’’ :‬لقد كانت هذه نقطَة تحُّو ٍل أساسَّية‪ .‬فاستناًد ا إلى دراساٍت‬
‫وتحليلات‪ ،‬اعتقَد ِت الحكومُة أَّن استخداَم الهاتف النَّقال قد يصل إلى ‪ ٥٠.٠٠٠‬مستخِد ًم ا‪ -‬وهذه زيادٌة مقبولٌة في الطلب‬
‫على الخدمة‪ ،‬وليست هائلة‪ .‬فبناًء عليه‪ ،‬توَّقعِت الحكومُة أَّن العروَض في أِّي مزاٍد علنٍّي قد تحِّق ُق نحو ‪ ٥٠‬إلى ‪ ٧٠‬مليون‬
‫دولار‪ .‬ولم تقْف هذه التوُّقعات في المنطقة عندهم‪ ،‬بل كاَنِت الحاُل كذلك في لبناَن والأردِّن والسعودَّية‪ -‬كان هناك تراُجٌع‬
‫في التوُّقعات‘‘‪ .‬لكْن عندما ُع ِق َد المزاُد العلنّي ‪ ،‬نالت شركة ميديتل (‪)Meditel‬؛ وهي اِّتحاد ما بين شركَتي تيليفونيكا‬
‫(‪ )Telefonica‬وتيليكوم البرتغال (‪ )Portugal Telecom‬العطاَء الذي كان يقارُب مليار دولار‪ .‬بالَّتاكيد أدرَك ْت شركاُت الهواتف‬
‫النَّقالة أَّن الفرَص أكبُر بكثير‪.‬‬
‫وبعد بضع سنوات‪ ،‬حصلت الجزائر على نحو ‪ ٨٠٠‬مليون دولار في مزاٍد علنٍّي مماثل‪ ،‬إضافًة إلى مئات الملايين من‬
‫الدولارات التي تجاَو زْت توُّقعاتها‪ .‬وفي عام ‪٢٠٠٤‬م‪ ،‬اَّتبعْت كٌّل من السعودَّية والأردِّن وِم ْص َر التوُّجَه نفَس ه‪ .‬ويتابع شحادة‪:‬‬
‫’’في البداية‪ ،‬كانت هناك مقاومٌة من الفريق التقليدّي ‪ ،‬كما ساَد ْت حاٌل من عدم الرضى بين المحتِكرين السابقين‪ .‬ولم تُكِن‬
‫الدولاراُت الطريقَة الوحيدَة لإ قناع الدول بالتنافسَّية‪ ،‬بل صاَر من الواضح‪ ،‬خارَج المنطقة وداخلها‪ ،‬أَّن التنافسَّية كانت في‬
‫مصلحة الجميع‪ .‬وتمَّكَن السياسُّيون من التباهي بُوجود تنافسَّيٍة في أسواقهم وبهبوِط الأسعار بشكٍل كبير‪ -‬الأمر الذي ُيعُّد‬
‫مرغوًبا فيه من الناحية السياسَّية‘‘‪ .‬ولا شَّك أَّن الأرقاَم تتكَّلُم عن نفسها‪ .‬فِبمجَّرد أْن حَّققْت دوُل الشرق الأوسط مليارات‬
‫الدولارات من خلال رسوم الترخيص‪ ،‬هبَطْت أسعاُر التكلفة على المستهلك مئة ضعف‪ ،‬وأحياًنا أكثر من ذلك‪ .‬وانتشر‬
‫استخداُم الهاتف النَّقال من لا شيء إلى معَّد ٍل يفوُق ‪ ٪٨٠‬في كٍّل من شمال أفريقيا وبلاد الشام‪ ،‬وما يزيد على ‪ ٪١٥٠‬في‬
‫دول الخليج العربّي ‪ ،‬وذلك بحلول عام ‪٢٠١٠‬م‪.‬‬
‫وكان لذلك أثٌر عميٌق في أسلوِب عمل الحكومات وكيف صارْت تفِّكُر في َد ورها ضمَن البيئات التنافسَّية الجديدة‪.‬‬
‫ولَض ماِن نجاح المزادات العلنَّية؛ ولَج ْذ ِب الَّل اعبين الإ قليمِّيين (مثل اِّتصالات‪ ،‬وأوراسكوم‪ ،‬وزين‪ ،‬وأس تي سي) واللاعبين‬
‫الدولِّيين أيًض ا (مثل ڤودافون وفرانس تيليكوم)‪ ،‬أنشأِت الحكوماُت هيئاٍت تنظيمَّيًة مستقَّلًة هي الأولى من نوعها من أجل إقناع‬
‫أولئك اللاعبين الإ قليمِّيين والدولِّيين على حٍّد سواء أَّنها (أي الحكومات) جاَّد ٌة ومستعَّدٌة لإ قامة علاقاٍت طويلِة الأمد‪ .‬ويوضُح‬
‫شحادة بَقوله‪’’ :‬لقد شهَد ِت المنطقُة عملَّية «إعادة تنظيم» تسمُح بالتخُّلص من الأنظمة القديمة البيروقراطَّية‪ ،‬وتبِّني أنظمٍة‬
‫عصرَّيٍة تتمَّيُز بالمرونة وعدم الجمود‪ .‬وهذا أمٌر غايٌة في الأهِّمَّية لصَّح ة منظوماِت قطاع الاِّتصالات‘‘‪ .‬وقد مَّكنْت هذه‬
‫التغُّيراُت الإ يجابَّية من الاستثمار في بناء الشبكات وتعزيزها وَبيع الخدمات لملايين المستخدمين‪.‬‬
‫يكمُن التحِّدي اليوَم في َو ْض ع الإ طار التنظيمِّي الَّل ازم للانتقال إلى تطوير ثورة الاِّتصالات‪ ،‬والانتقال بها إلى ثورة‬
‫الحاسوب المتنِّقلة‪ .‬وهذا ليس بالأمر السهل إذا أخذنا في الحسبان تدابيَر الحماية التي يجب على الشركات والعملاء على‬
‫ٍّد‬
‫حٍّد سواء أن يضعوها لَتوفير التعاُم لات بالهواتف النَّقالة (‪ ،)Mobile transactions‬والعملَّيات السحابَّية (‪،)Cloud computing‬‬
‫وضمانات الخصوصَّية (‪ .)Privacy guarantees‬ويوضُح كمال شحادة في هذا الشأن قائًل ا‪’’ :‬حَّتى وقت قريب‪ ،‬لم تَض ْع أَّيُة‬
‫دولٍة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإ طاَر الذي يتوافُق مع المعايير الَّل ازمة لحماية السِّرَّية في التعاُم لات الإ لكترونَّية مثل‬
‫ذلك المطَّبق في أوروپا أو أميركا الشمالَّية‪ .‬غير أَّن الأمَر بدأ يتغَّير اليوم‪ ،‬وبدأت بعُض دول الخليج في َو ْض ع إطار ُم حَك م‪،‬‬
‫سرعاَن ما سَي نتشُر إلى كاَّفة أنحاء المنطقة‪ .‬وهذه مؤِّش راٌت قوَّيٌة إلى انفتاح المنطقة على مشاريع الهاتف النَّقال والإ نترنت‪،‬‬
‫وإلى رغبتها في الَّتناُفس على الصعيد العالمّي ‘‘‪.‬‬
‫بحلول عام ‪٢٠١١‬م‪ ،‬بدأْت شركاُت الهواتف النَّقالة ترِّكُز على ظاهرَتين تصعُب السيطرُة عليهما‪ :‬الأولى زيادٌة في استخدام‬
‫الهواتف الذكَّية والبيانات والابتكار الناتج عن الشركات الناشئة الذي يحفز استخدام التكنولوجيا المتنِّقلة‪ .‬أَّم ا لمشِّغلي‬
‫الاِّتصالات‪ ،‬فإَّن تعزيَز الطاقة الاستيعابَّية للبيانات في مثل هذه البيئة هو أمٌر مكِلٌف جًّدا‪ .‬وقد أقاَم بعُض مشِّغلي الاِّتصالات‬
‫علاقاِت شراكٍة بمنافسين لَتقاُس م التكاليف‪ ،‬كما صَّرحْت بعُض الحكومات عن الاستثمارات في الألَّياف البصرَّية‪ -‬إَّلا أَّن‬
‫تلبيَة الطلب أمر غايٌة في الصعوبة‪ .‬أخبَرني كمال قائًل ا‪’’ :‬دفَع انهياُر الاقتصاد العالمِّي عام ‪٢٠٠٨‬م المستثمرين في مجال‬
‫الاِّتصالات إلى تجُّنب المخاطر‪ .‬غير أَّن الكثيرين يفَتقدون المحِّفز لزيادة معَّدل العائد لكِّل مستخدم‪ ،‬وهو أمٌر يكمُن في‬
‫زيادة الوعي‪ ،‬وهذا ما رأيناه من أفريقيا إلى الفيلِّپين‘‘‪ .‬وتوَّص لْت شركُة ’’اِّتصالات‘‘ إلى حقيقِة أَّن المستخِد َم العادَّي لا‬
‫يستخدُم إَّلا جزًءا بسيًطا من المزايا المتوافرة في جهاٍز ما‪ ،‬مهما كان الجهاُز متطِّوًر ا أو المستخدم متقِّد ًم ا‪ .‬فكَّلما زاَد ِت‬
‫الخواُّص المستخدمة‪ ،‬زاَد استخداُم سعِة الشبكة‪ ،‬ومن ثَّم زاَد معَّدل العائد لكِّل مستخِد م‪ .‬ويشيُر شحادة قائًل ا‪’’ :‬لقد رأيُت ‪،‬‬
‫وبشكل متكِّرر خلال الفترة التي أمضيُتها في المنطقة‪ ،‬أَّن الأشخاص الذين يتمَّتعون باستخدام تكنولوجيا متطِّورة للاِّتصالات‬
‫لديهم الرغبُة في الإ نفاق على المزيد من خدمات الاِّتصالات والإ نترنت‪ .‬فمثًل ا‪ ،‬أَّس سْت عملَّياُتنا في نيجيريا محاَّل ُنسِّم يها‬
‫’’القَّوة الدافعة‘‘ (‪ -)The Geek Force‬حيُث ُيطلُع ك مسَتشارو الاِّتصالات من الشباب على الخواِّص المختلفة في الهاتف‬
‫النَّقال‪ .‬وهم على تواصٍل بأحدِث الموسيقا والأفلام والأزياء والبرامج الإ رشادَّية القصيرة للعملاء الذين يدخلون هذه المحاّل‪.‬‬
‫فاعتاد أفراُد المجتمع ُوجوَد ’’القَّوة الدافعة‘‘‪ ،‬وصاَرِت الوسيلَة لزيادة معَّدل العائد لكِّل مستخدم وهذا ُيعُّد أمًر ا مهًّم ا جًّدا‬
‫ومحورًّيا لقدرتنا على الاستثمار وَطْرح خدماٍت بشكٍل أسرع‘‘‪ .‬إَّلا أَّن هذه الجهود لم تكن بالسهولة ذاتها في الشرق الأوسط؛‬
‫فالعملاُء يتمَّيزون بالتحُّفظ والترُّد د في طلب المساعدة من الغرباء‪ .‬لكْن يقول شحادة في هذا الِّس ياق‪’’ :‬سيتحُّقق هذا‬
‫الأمر‘‘‪.‬‬
‫خليفة الُفرح‪ ،‬أَح ُد زملاء كمال شحادة في اِّتصالات‪ ،‬يشغُل منصَب مدير الخدمات الرقمَّية‪ ،‬وهو المسَّم ى الذي صاَر‬
‫عاًّم ا في شركات الهواتف النَّقالة في المنطقة‪ .‬درَس في جامعة كنتاكي ثَّم في الإ مارات‪ ،‬ويعمُل لدى اِّتصالات منذ عشرين‬
‫عاًم ا‪ ،‬وقد اضطلَع ِبَدوٍر بارٍز في إطلاق خدمات الهاتف النَّقال‪ .‬يقول خليفة‪’’ :‬الأمُر الآخُر الذي ُيسَتهان به في مجال‬
‫الَح وسبة المتنِّقلة هو أَّن تكلفَة التسويق تنخفُض بمرور الوقت؛ فرغبُة المستخدم في استخدام التطبيقات لا يمكُن قياسها‪ ،‬لا‬
‫سَّيما عندما يقِّدرون المزايا التي تعوُد عليهم من جَّر اء هذا الاستخدام‪ .‬فما يرغُب فيه المستخدم هو استخداٌم لامحدود‘‘‪.‬‬
‫ويشيُر إلى أَّن أهَّم الأسس بالنسبة إلى اِّتصالات وغيرها من مشِّغلي الاِّتصالات هو عقُد شراكاٍت عبر المنظومات المختلفة‬
‫في المجتمع المتنامي‪ .‬ويتابُع قائًل ا‪’’ :‬ما من شركٍة على الإ طلاق تحتكُر الابتكارات؛ فمجَّرُد محاَو لٍة للاحتكار هي كفيلٌة‬
‫بضمان الَقضاء على هذا الابتكار‪ .‬إَّن الهدف الذي أسعى إليه َد وًم ا هو الُوصول إلى الشركاء التقليدِّيين (كمشِّغلي‬
‫الاِّتصالات) وشركات الإ نترنت مثل غوغل وفيسبوك والجامعات‪ -‬ولكَّن الأهَّم هو الُوصوُل إلى المجتمعات الناشئة التي ينطلُق‬
‫منها التفكيُر الرائع‪ .‬هناك العديُد من الأمور التي ُيحَّض ُر لها في مجالاٍت متعِّددٍة مثل التجارة الإ لكترونَّية‪ ،‬والدفع عبر الهاتف‬
‫النَّقال ووسائل التواصل الاجتماعِّي والمحتوى الإ لكترونِّي (لا سَّيما الڤيديو) والموسيقا والألعاب‪ -‬ولعَّلنا نقُف ليس فقط عند‬
‫َدْع م هذه الأمور‪ ،‬بل علينا أيًض ا َو ْض ُع لمساِتنا لَتحفيز تبِّني الابتكارات بشكٍل أسرَع مَّم ا هي عليه في السابق‘‘‪ .‬والأساُس‬
‫الآخُر الذي يدعُم النجاَح في َطْرح الخدمات هو تواُفُق الخدمات مع طرق الَّدفع التي يختاُرها العملاء والبنوك التي‬
‫يفِّض لونها‪.‬‬
‫إَّن لهذه الشراكاِت نتائَج كبيرة‪ .‬عندما زرُت دبي في خريف عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬كانت اِّتصالات قد أطلَق ْت خدمة موبايل بيبي‬
‫(‪ ،)Etisalat Mobile Baby‬وهي مجموعٌة من خدمات الهاتف النَّقال تضُّم الأطَّباء والقابلات ومرافقي الولادة في أفريقيا‬
‫والشرق الأوسط‪ .‬فهذه المناطق تشهُد نسبًة مرتفعًة من َو َفيات النساء والأطفال عند الولادة‪ .‬وهي نسبٌة أعلى بكثيٍر مَّم ا هي‬
‫عليه في المناطق الأكثر تطُّوًر ا في العالم‪ .‬إَّن علاقاِت شراكٍة بشركاٍت متخِّص صة في التكنولوجيا والخدمات الَّل اسلكَّية مثل‬
‫شركة كوالكوم (‪ )Qualcomm‬والمنظَّم ات غير الحكومَّية‪ ،‬مثل منَّظمة الصَّح ة العالمَّية ومنَّظمة دي‪-‬تري (‪ )D-Tree‬الدولَّية‪-‬‬
‫توِّفر هذه العلاقات برامَج رعايٍة صِّح َّيٍة شاملة عبر الهاتف النَّقال‪ .‬لقد وَّفرت خدمة موبايل بيبي للعملاء في السعودَّية وتنزانيا‬
‫والإ مارات ونيجيريا خاِّص َّية مراقبة الحمل المتنِّقلة‪ ،‬والإ جراءات المَّتبعة لَتحديِد أَّية إشاراٍت ُتنذُر بالخطر والإ بلاغ عنها‪ ،‬وطرق‬
‫الاِّتصال بالمراكز عبر الهاتف النَّقال حيُث يمكُن نقُل المرضى مباشرًة بصفتهم حالًة طارئة‪ ،‬وُتسَّد ُد التكاليُف عبر الهاتف‬
‫النَّقال‪ .‬وحَّتى تاريخ كتابة هذه السطور‪ ،‬تضُّم هذه الخدمُة ما يزيُد على ‪ ٥٠٠‬مرافِق ولادة‪ ،‬و‪ ١٠.٠٠٠‬امرأٍة حامل‪ ،‬وسبعة‬
‫مستشفياٍت رئيسَّية‪ ،‬و‪ ٢٦‬مرَك ًز ا صِّح ًّيا إقليمًّيا‪ .‬ويواصل خليفة مؤِّكًدا‪’’ :‬بالَّتأكيد سُيساهم هذا في إنقاذ أرواح الآلاف بمرور‬
‫الوقت‪ ،‬كما يطرُح سؤاًلا مهًّم ا‪ :‬ما المشكلاُت التي لا يمكُن التعامل معها من خلال الهاتف النَّقال؟‘‘‪.‬‬
‫ومن الَّل افت أَّن شركة ڤودافون ِم ْص ر تتواصُل بشكٍل فَّع ال مع الشركات الناشئة حَّتى تبقى على اِّطلاع بأحدث‬
‫التكنولوجيا‪ .‬ويرأس محَّم د العيوطي تطويَر المشاريع في شركة ڤودافون‪ ،‬وهو أَح ُد خِّريجي كِّلَّية الهندسة من جامعة القاهرة‪،‬‬
‫كما أَّنه ريادٌّي بارز‪.‬‬
‫أَّس َس محَّم د شركًة لإ دارة المواقع الإ لكترونَّية في أواخر تسعينَّيات القرن العشرين‪ ،‬ثَّم التحَق بشركة ڤودافون مع إطلاق‬
‫الجيل الثالث للإ نترنت في ِم ْص ر‪ .‬وبحلول عام ‪٢٠٠٧‬م‪ُ ،‬طِلَب منه البحُث في فرص إطلاق الهاتف النَّقال المَّتصل‬
‫بالإ نترنت‪ ،‬فأطلَق للمَّرة الأولى في ِم ْص ر عرَض ’’إنترنت بلا حدود بجنيه واحد‘‘‪ ،‬وساهَم في بناء أحد أَّول منَّص ات الهاتف‬
‫النَّقال لعملاء الشركة في المنطقة‪ .‬وحاُله حاُل معَظم الريادِّيين في المنطقة‪ُ ،‬ذ ِه َل العيوطي بمعَّدلات الاعتماد على الهاتف‬
‫النَّقال‪ ،‬إَّلا أَّنه كان من الطبيعِّي أن تتبَع البيانات الَّنهَج نفسه‪ .‬ويقول‪’’ :‬كَّنا نتزاحُم في أحياٍن كثيرة لأجل تعزيز الطاقة‬
‫الاستيعابَّية ومواَكبة التناُفس المتزايد‪ .‬وكَّنا محظوظين بقدرتنا على الاستفادة من الموارد العالمَّية لشركة ڤودافون‪ .‬لقد كان‬
‫هناك سبٌب لَك وننا أَّوَل َم ن يطرح جهاز آيفون في ِم صر‘‘‪ .‬لقد ظهَرْت نهضُة المجتمعات الناشئة التي كان على مشِّغلي‬
‫الاِّتصالات التفاُعَل معها‪ .‬أخبَرني العيوطي خلال تناُولنا الفطور في مدينة القاهرة‪’’ :‬يجب علينا أن نثِبَت أداَءنا بالأرقام اليوم‪،‬‬
‫لكَّن من الَّس ذاجة تجاُه ل الغد‪ .‬فما يزاُل هناك الكثير لنقِّد َم ه إلى المنظومات الناشئة من خلال الشراكة‪ .‬إَّن الابتكاَر الأفضل‬
‫هو الذي ينشأ على ُأُس ٍس من الحاجة والمسِّببات‪ .‬ونحن هنا لَتحفيز الابتكار عبر قدرتنا على تسخير المصادر القائمة على‬
‫العلاقات‪ ،‬وخبراتنا والمعرفة العملَّية وتواُفر رأس المال‘‘‪.‬‬
‫وفي عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬أطلَق ْت شركة ڤودافون عرَض ’’زون مصر‘‘ (‪ ،)Xone Egypt‬حيُث تعَّه دْت عند إطلاقها باستثمار نحو ‪٣‬‬
‫ملايين دولار في عشر شركات ناشئة تقريًب ا بمراحلها الأَّولَّية‪ .‬ويوضُح العيوطي بَقوله‪’’ :‬لدينا ثلاثة معايير‪ .‬هل ُيعُّد هذا الابتكار‬
‫استراتيجًّيا لنا؟ هل هو قابٌل للَّتطبيق فعًل ا من الناحية التجارَّية؟ هل لديهم إدارٌة متمِّيزة؟‘‘ وفي المقابل توِّفُر زون الَّدعم لَتطوير‬
‫الشركات في مراحلها الأولى عبر َتوفير المساحات الَّل ازمة‪ ،‬والموارد المطلوبة‪ ،‬والَّدعم العملّي ‪ ،‬كما تعمل ڤودافون على اختبار‬
‫المنتج وتضُع الأفكاَر حول تطويره ودمِج ه مع عروِض ڤودافون للجيل المتقِّدم‪ ،‬والتواصل مع المطِّورين في كاَّفة أنحاء ِم ْص ر‪.‬‬
‫ويقول‪’’ :‬إَّننا نساعُد اليوَم على َخ ْلِق ثقافٍة لمجاراة عصر السرعة‪ ،‬وتلبَي ة الحاجات الضرورَّية‪ ،‬إضافة إلى تعزيز الكفاءة‘‘‪ .‬ويتبُع‬
‫العيوطي بحماسة‪’’ :‬أتمَّنى أن نطِّوَر الثقافَة في ڤودافون ليكوَن العمُل معها أسهل‪ ،‬وتكون لدينا القدرُة على التفاعل مع‬
‫الابتكارات الناشئة الرائدة التي انطلَق ْت من واقعنا‘‘‪ .‬ومن خلال مقِّرها الرئيسِّي في سيليكون ڤالي‪ ،‬توِّفر زون التابعة لڤودافون‬
‫التواصَل والإ رشاَد أيًض ا‪.‬‬
‫وفي تشرين الأَّول‪/‬أكتوبر عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬أعلَنِت الشركُة عن استثماراتها الثلاثة الأولى‪ .‬حيُث دعَم ِت التجارَة الإ لكترونَّيَة عبر‬
‫الهاتف النَّقال‪ ،‬عبر َدْع م خدمِة المتجر الافتراض عبر الهاتف النَّقال اشتِر (‪ )Eshtery‬من خلال تعزيز استخدام شريِط‬
‫ِّي‬
‫البيانات لمساعدة المتسِّوقين على شراء حاجَّياتهم اليومَّية إلكترونًّيا‪ .‬وبعد النجاح الذي حَّققته خدمة بيقولك‪ ،‬الذي يساعد‬
‫في معرفة الحركة المرورَّية في القاهرة‪ ،‬انتقَلِت الشركة إلى حلوٍل جديدة من خلال إطلاق تطبيق أجرة أو خدمة حجز‬
‫ِد‬
‫سَّيارات الأجرة (التكسي) في القاهرة‪ .‬ولَتعزيز وجو ها في مجال البِّث التلفزيونّي ‪ ،‬استثمَرِت الشركُة في التطبيق التفاعلِّي‬
‫جايرو لابس (‪ )GyroLabs‬والذي يربُط البَّث التلفزيونَّي بعَّد ِة تطبيقاٍت على الهاتف النَّقال‪ .‬ويقول العيوطي‪’’ :‬إن أًّيا من‬
‫الابتكارات التي تطرُح ها تلك الشركات تفرُض تغييًر ا استراتيجًّيا على ِم ْص ر والشرق الأوسط‪ ،‬وقد يكون بعُض ها عالمًّيا وما نزاُل‬
‫في المراحل الأولى‪ .‬إَّلا أَّن التغييَر في مجتمعات الشرق الأوسط والشركات الرائدة مثل شركتنا هو لتأسيس جيٍل جديٍد من‬
‫الشركات التكنولوجَّية المتمِّيزة‪ -‬يقوم على الهواتف النَّقالة والذكَّية‪ .‬وَم ن يعرُف إلى أين سيؤِّد ي ذلك كُّله؟‘‘ ويتزامُن استكماُل‬
‫الموجة التالية من الاستثمارات مع َنشِر الكتاب‪.‬‬

‫كما تعلم‪ ...‬لدينا مقداٌر هائٌل من أشَّع ة الشمس‬


‫يمكن لأِّي شخٍص أن يدرَك إمكاناِت إنتاج الطاقة الشمسَّية في مصر والشرق الأوسط بمجَّرد زيارة القاهرة‪ .‬وبحسب تقرير‬
‫آفاِق السوِق العالمَّية لعام ‪٢٠١١‬م‪ ،‬والذي ُتصدُره جمعَّية الصناعة الَّض وئَّية الأوروپَّية‪ -‬وهي جمعَّية متخِّص صة في قطاع توليد‬
‫الكهرباء بالطاقة الشمسَّية‪ -‬فإَّن ِم صر والشرق الأوسط هما منطقتان ملائمتان جًّدا لتكونا مرَك ًز ا رائًدا للطاقة الشمسَّية‪ ،‬لا سَّيما‬
‫وأَّنهما تتمَّتعان بسماٍء صافية‪ ،‬تعلو مساحاٍت واسعًة من الصحراء‪ ،‬وهذا يؤِّه ُلهما لمضاعفة معَّدلات الإ نتاج لدى إسبانيا‬
‫بالكيلوواط لكِّل متر مرَّبع‪ .‬وبحسب تقديرات الجمعَّية‪ ،‬فإَّن الكيلومتر المرَّبع الواحد في الشرق الأوسط قادٌر على إنتاج الطاقة‬
‫بمعَّدل ‪ ١.٥‬مليون برميل من النفط الخام‪ .‬ويقِّدر كٌّل من مرَكز أطلس لموارد الطاقة الشمسَّية‪ ،‬والمرَكز الفضائِّي الألمانِّي‬
‫التابَع ين للاِّتحاد الأوروپِّي للطاقة الشمسَّية التي يمكُن الاستفادة منها عملًّيا واقتصادًّيا بأضعاف الإ نتاج المصرِّي الحالِّي من‬
‫الكهرباء‪ .‬إَّن استخداَم الطاقة الشمسَّية تاريخًّيا لا ُيعُّد أمًر ا شائًع ا نتيجَة التوُّج ه العاِّم نحو المصادر التقليدَّية للَّطاقة‪ .‬وبحسب‬
‫شركة َك ْرم سولار (‪ )Karm Solar‬فإَّن هبوَط التكلفة في استخدام التكنولوجيا عالمًّيا؛ وتراجَع الدعم الحكومِّي يجعلان الفرصَة‬
‫مواتيًة الآن‪.‬‬
‫وفي أثناء زيارتي له في مقِّر الشركة المتواضع في أحد أحياء الزمالك الخضراء في القاهرة‪ ،‬حَّدَثني أحمد زهران‪ ،‬مؤِّس س‬
‫شركة َك ْرم سولار‪ ،‬بشأن هذه الفرص قائًل ا‪’’ :‬إَّن أحَد أكبر التحِّديات التي تلوُح في الُأفق هو هذا‪ :‬رغم أَّن الفرَص التي‬
‫تطرُح ها الطاقُة البديلُة هائلة‪ ،‬فقد يبدو أَّنها تتطَّلُب الجهوَد والأساليَب الحكومَّية نفَس ها في التنقيب عن النفط‪ .‬فالطاقُة‬
‫البديلُة تتطَّلُب بنيًة تحتَّيًة حكومَّيًة ضخمة واستثماراٍت كبيرًة جًّدا لإ نتاجها‪ .‬ومع أَّن هذا قد يكوُن واقعًّيا في بعض الحالات‪،‬‬
‫فإَّن هناك العديَد من الفرص الصغيرة وابتكارات الطاقة الشمسَّية التي تتمَّيُز بالمرونة‪ ،‬والتي يمكُن الاستفادة منها بشكٍل‬
‫مباشر‪ .‬وَكونها يسيرٌة لا يعني أَّنها قد لا تصيُر كبيرًة جًّدا‘‘‪ .‬إَّن الحقيقَة التي تخفى على الكثيرين أَّن أكبر تجُّم عاٍت للمياه‬
‫الجوفَّية تقبُع في قاع الصحراء التي تمتُّد أمياًلا تحت ِم ْص ر وليبيا والسودان وتشاد‪ .‬ويتعاوُن زهران مع شركة وورلد ووتر آند‬
‫سولار تكنولوجيز (‪ ،)WorldWater & Solar Technologies‬الرائدة في تكنولوجيا المياه والطاقة الشمسَّية‪ ،‬ومقُّرها پرينستون‬
‫(‪ ،)Princeton‬نيوجيرسي (‪ .)New Jersey‬ويعتقد زهران وفريُقه المكَّوُن من عشرة أفراد أَّنه سيكون في ُوسعهم تعزيُز الطاقة‬
‫الشمسَّية إلى معَّدلاٍت تكفي للمساعدة على ضِّخ المياه إلى المزارع التي َتُح ُّد الصحراَء في كاَّفة أنحاء ِم صر‪.‬‬
‫يبلغ أحمد زهران الثانية والثلاثين من عمره‪ ،‬ووالده كان أَح َد مهندسي سلاح الجّو ‪ ،‬إَّلا أَّنه أَّس َس في ما بعد شركَة‬
‫عملَّياٍت وصيانٍة تقِّد ُم خدماتها إلى بعض السجون المصرَّية الكبرى‪ .‬ويتذَّكر أحمد قائًل ا‪’’ :‬كان مصير شركته الأولى الفشل؛‬
‫إَّلا أَّن النجاَح حالَف شركته الثانية‪ .‬ورأيُت كيف تجاهَله الناُس عندما فشل‪ ،‬وكيف كانوا يتمَّلقونه عندما حَّق َق النجاح‪ .‬وهذا‬
‫ما أَّثر فَّي ‪ .‬فقد تعَّلمُت أَّنه يمكُن للمرء أن يفشَل ‪ ،‬لكَّنه قادٌر على النهوض ثانيًة وتحقيق النجاح‪ .‬كما تعَّلمُت أَّنه يمكُن‬
‫للمرء أن يكتشَف حقيقَة البشِر عندما تشتُّد المصاعب‘‘‪ .‬وحَّق َق أفراُد أسرِة زهران أيًض ا مكانًة مرموقة؛ فعُّم ه كان رئيًس ا للأمن‬
‫ثَّم صاَر محاِفًظا لمنطقة كبرى‪ ،‬قبل أن ُيسَّرُح من منصبه بصفته وزيًر ا للَّتنمية المحِّلَّية بعد صداٍم سياسٍّي مع بعض‬
‫الشخصَّيات في أثناء حكم مبارك‪ .‬أَّم ا والدُته فكانت مذيعَة أخباٍر معروفًة ومحِّللًة سياسَّية‪ .‬غير أَّن أحمد زهران لم يكن‬
‫يرغُب في الانخراط في أٍّي من تلك المجالات‪ ،‬وكان عضًو ا فَّع اًلا في نادي الفلسفة في الجامعة الأميركَّية في القاهرة‪ ،‬وهي‬
‫المجموعة الرائدة للحوارات والأنشطة السياسَّية‪ ،‬وكان ُيعرَف باعتداله أحياًنا وبتمُّرده في أحيان ُأخرى‪.‬‬
‫تخَّرَج أحمد في الجامعة عام ‪٢٠٠٢‬م في أثناء فترة الركود الاقتصادّي ‪ ،‬غير أَّنه حصَل على وظيفٍة لدى المجموعة المالَّية‬
‫التابعة لشركة ِش ل (‪ ،)Shell‬وأمضى وقًتا في مقِّرها الرئيسِّي في كٍّل من توُنس ولندن‪ .‬يتذَّكُر زهران قائًل ا‪’’ :‬لقد كانت خمَس‬
‫سنواٍت رائعة‪ .‬لم ُتِض ِف المحاسبُة أو أعمال الطاقة شيًئا إلى شخصَّيتي‪ ،‬إَّلا أَّنها جعَلْتني أراجُع وضعي الذي كنُت عليه في‬
‫أثناء الدراسة الجامعَّية‪ ،‬كما أمعنُت في النظر في آثار الطاقة البديلة وفرصها وإمكاناتها‘‘‪ .‬وضَع زهران برناَمًج ا إرشادًّيا مع أَح ِد‬
‫التنفيذِّيين لدى شركة شل‪ ،‬وهو أيًض ا ِم صرُّي الجنسَّية‪ ،‬إَّلا أَّنه ترَك العمل لدى الشركة عام ‪٢٠٠٨‬م ليؤِّس َس شركَته الخاَّص ة‬
‫في قطاع النفط في ِم ْص ر‪ ،‬وأَّس َس شركًة تابعًة للحِّد من انبعاثات الكربون من خلال الاِّتجار بها‪ .‬ويتابع‪’’ :‬لقد كانت فكرًة‬
‫جِّيدة‪ ،‬فقد عملُت معه لثلاث سنوات‪ .‬إَّلا أَّن النموذَج الذي صَّم مته الأمُم المَّتحدة للاِّتجار بانبعاثِات الكربون لم يكْن‬
‫فَّع اًلا‪ ،‬ولم ُيسِه م في الحِّد من أثر الكربون‘‘‪ .‬وبصفته موَّظًفا شاًّبا يحظى بالاِّطلاع على بياناٍت مهَّم ة‪ ،‬صاَر زهران مهتًّم ا بما‬
‫توِّفره الطاقُة الشمسَّية من فرص‪ .‬وبدأ يحاول البحَث عن طريقٍة للُوصول إلى مصادر المياه والطاقة التي يمكُنها أن تسهَم في‬
‫الحصول عليها بتكاليف قليلة‪ ،‬فبرَزْت فكرُة إنشاء شركة َك ْرم سولار‪ .‬خلال الثورة‪ ،‬توَّقفِت الأعماُل والمشاريع‪ ،‬فانضَّم إلى‬
‫زملاء الدراسة في ميدان التحرير‪ .‬إَّلا أَّنه كان يعلُم أَّنه يريُد تكريَس نفسه للتأثير في المجتمع من خلال الريادة‪ .‬وفي تشرين‬
‫الأَّول‪/‬أكتوبر عام ‪٢٠١١‬م‪ ،‬أَّس س هو وثلاثٌة من زملائه شركًة جديدة‪ ،‬ويخبرني بذلك قائًل ا‪’’ :‬كَّنا نعلُم أَّن الشركَة ستواصل‬
‫المشاركَة في الثورة‪ ،‬ولكْن بطريقٍة خاَّص ة‪ .‬كَّنا نعرُف الكثيَر عن الطاقة البديلة‪ ،‬ونعرُف أيًض ا َنوَع التغيير الذي يمكُنها أن‬
‫تحِّققه‘‘‪.‬‬
‫ِّل‬
‫عندما تحِّلُق بالطائرة فوق الأراضي المصرَّية‪ ،‬ستدرُك أهِّمَّية المياه‪ .‬فمساحاُت الأراضي حول نهر النيل خصبة خضراء‬
‫تزخُر بالمزروعات‪ ،‬وتمتُّد لأمياٍل لتتوَّقَف وتظهُر بعد ذلك صحراُء قاحلة‪ .‬ويوضُح زهران قائًل ا‪’’ :‬إَّن ما رأيَته قد لا يعطيَك فكرًة‬
‫واضحًة عن حقيقة التربة الغنَّية التي تعلو مصادَر مائَّيًة جوفَّية لعشرات الأمتار في باطن الأرض‪ ،‬والتي يقَّد ُر حجُم ها بما يزيُد‬
‫على مياه نهر النيل لنحو ‪ ٣.٠٠٠‬سنة‪ ،‬أي أكثر من مياه ولاية كاليفورنيا بأسرها‪ .‬والمستغُّل منها هو أقُّل من ‪ ٪١‬حالًّيا‬
‫فقط‘‘‪ .‬إَّن الأراضي المستغَّلة حالًّيا في ِم ْص َر هي أقُّل من ُخ مِس الأراضي الصالحة للزراعة‪ ،‬وتعمُل المضَّخ ات التي تستخرُج‬
‫مياَه الرِّي على ما ُيشَح ُن إليه من ماَّد ة الديزل الذي قد لا يكوُن كافًي ا‪ .‬ويخبُرني أحمد‪’’ :‬لقد رأيَت تلك المساحات الكبيرة‪،‬‬
‫فهي تحتاُج لَر ِّيها إلى َقْط ع مسافاٍت لَنْقل الوقود الَّل ازم لَض ِّخ المياه‪ .‬ومن الصعب تخزيُن أَّية كِّمَّياٍت من الوقود‪ ،‬فحَّتى مع‬
‫الدعم الحكومِّي الذي يصُل إلى ‪ -٪٨٠‬رغم أَّن نسبَة هذا الدعم قد تنخفض أو تتلاشى‪ -‬فما تزاُل التكلفُة مرتفعة‪ .‬فكيف‬
‫يمكُن للمزارع أن يحرَث مساحات الأراضي المتبِّقية دون ُوجود مصادِر مياٍه كافيٍة ومستمَّرة؟‘‘‬

‫بادرُت بسؤاِل زهران عن سبب عدم وصول لحظة استخدام الطاقة الشمسَّية لاستغلال هذه الفرصة‪ ،‬فَع َلْت وجَه ه نظرُة‬
‫استنكاٍر وقال‪’’ :‬إَّن ما لا َيعيه َم ن هم خارج ِم ْص ر هو التحُّول الكبير الذي يجب أن يحدَث لإ ثراء التصُّور‪ ،‬والذي أعتقد أَّنه‬
‫بدأ يشهُد تغييًر ا طفيًفا‪ .‬كان هذا أكبَر ما ورثناه عن نظام مبارك‪ .‬فالجميع يدرُك أَّن النفَط متوافٌر لهم بشكٍل محدود‪ ،‬وأَّن هذا‬
‫يسمح لهم باستخداٍم محدوٍد ُيلِّبي الحاجة الضرورَّية‪ ،‬إَّلا أَّن المزارعين لا يفِّكرون في طرٍق ووسائَل أكثَر فاعلَّية‘‘‪ .‬هناك نقٌص‬
‫في خبراِت استخدام الطاقة البديلة والاعتماد عليها‪ .‬كان هناك بعُض المشاريع الحكومَّية الصغيرة مثل َلوحاٍت إعلانَّية وبعض‬
‫أنوار الشوارع التي تعمل بالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح‪ ،‬لكَّنها حَّققْت نجاحاٍت محدودة‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬كانت معظُم‬
‫الدروس سلبَّية‪ ،‬على حِّد وصف أحمد‪ .‬ويتابع زهران بالقول‪’’ :‬صار الناُس لا يعتقدون حَّتى في إمكانَّية نجاح ذلك؛‬
‫فَلوحاُت التثبيت تختفي‪ ،‬وكان ُيطَلُب من المزارعين الذين كانوا راغبين في تجِربٍة ما أن يرِّكبوا معَّداٍت ووسائَل بأنفسهم‪ ،‬ولم‬
‫يكن ذلك أمًر ا سهًل ا‪ .‬ثَّم ُيَّتهمون بَتطبيِق أفكاٍر غريبة؛ لأَّنها لم تُص دْر عن الجهات الحكومَّية‪ .‬وهنا لا بَّد أن يلعَب الَوعُي‬
‫َد وًر ا مهًّم ا‪ .‬نحن نشهُد تغُّيًر ا اليوم‪ ،‬وهناك ثلاُث مزايا يمكُن الاستفادة منها‪ :‬أَّننا نتمَّتُع بأفضل َم وقع َج غرافٍّي على الأرض؛‬
‫لأَّننا ضمن الحزام الشمسّي ‪ ،‬ولدينا كُّل مصادِر المياه الَّل ازمة‪ .‬ورغم معاناتنا في موضوع تواُفر الوقود‪ ،‬فإَّننا نملُك أكبَر أسواِق‬
‫مضَّخ اِت المياه في العالم‘‘‪.‬‬
‫يؤمن خافيير أوكلي (‪ )Xavier Auclair‬بأهِّمَّية المشروع‪ ،‬وهو فرنسُّي الأصل ويعمل لدى شركة أحمد في منصب الرئيس‬
‫التنفيذِّي للتكنولوجيا‪ .‬ويشيُر خافيير إلى أَّن التكنولوجيا الشمسَّية ليَس ْت ُم عفاًة من التحِّديات الخاَّص ة بها‪ .‬ولعَّل أهَّم ها هو‬
‫الربُط ما بين حاجات المزارع من المياه على مدى العام رغم معَّدل التدُّفق المتغِّير للضِّخ باستخدام الطاقة الشمسَّية‪ -‬بمعنى‬
‫أَّنه يكوُن وقُت الذروِة للَّطاقة عند الظهر‪ ،‬بينما تنعدُم الطاقة الشمسَّية في الليل ويكون متوِّس ًطا ما بين الفترَتين‪ .‬إَّن تخزيَن‬
‫الطاقة باستخدام بَّطارَّيات لاستخدامها َليًل ا هو أمٌر ُم كِلٌف جًّدا‪ ،‬ولا ُيلِّبي احتياجات الطاقات الاستيعابَّية الكبيرة في الوقت‬
‫الحالّي ‪ .‬لذا تعِّز ُز شركُة َك ْرم سولار حجَم كِّل المكِّونات‪ ،‬بما في ذلك تخزين المياه لَض مان توافُر المياه في على مدى العام‬
‫وبَتكاليَف قليلٍة نسبًّيا‪ .‬ويتابُع خافيير الذي انضَّم إلى جلَس تي مع أحمد قائًل ا‪’’ :‬إَّن من شأن التكنولوجيا التي نسعى إلى‬
‫َتوظيفها في تشغيل نظام المضَّخ ات الحالِّي للمياه باستخدام الطاقة الشمسَّية‪ -‬أن تضمَن معَّدَل تدُّفٍق ثابًتا للمياه بشكٍل‬
‫موثوق للتوُّس ع في الأراضي الزراعَّية‪ .‬فَليس على المزارع إَّلا أن يهتَّم بإنتاجه الزراعّي ‪ ،‬ونحن نهتُّم بتلبية احتياجاته من الطاقة‘‘‪.‬‬
‫تسعى شركة َك ْرم سولار لتكون ’’المنَّص ة في إدارة الطاقة الشمسَّية‘‘ في مصر‪ .‬حيث تعمُل مع مزارعين في تصميم‬
‫مخَّططاتها الخاَّص ة بالمياه والتوُّس عات وتركيب وسائل تكنولوجَّية تمِّكنهم من استغلال الطاقة الشمسَّية في الضِّخ ومتابعة‬
‫عمل أنظمتهم بشكٍل كامل من خلال الشبكة الإ لكترونَّية‪ .‬كما سيربطوَنها بمصادر المعلومات الجِّو َّية لتأمين الَّدعم في حال‬
‫أَّثرِت الأحواُل الجِّو َّية في استخدام الطاقة الشمسَّية‪ .‬يوضُح أحمد ذلك بالقول‪’’ :‬سنضُع كَّل أداٍة قد يحتاُج إليها المزارعون‬
‫لاستخدام الطاقة الشمسَّية بين أيديهم‪ ،‬سواٌء كانت أدواٍت تثقيفَّيًة لزيادة الوعي بشأن استخدامات الطاقة أم كيفَّية دمجها‬
‫في أنظمِة ضِّخ المياه الحالَّية المستخدمة‪ ،‬وكيفَّية تعزيز المحاصيل الأساسَّية والبديلة‪ ،‬ومقدار مخزون المياه الذي قد‬
‫يحتاجون إليه‪ ،‬وكيفَّية مراقبة كفاءة أداء تلك الأنظمة‘‘‪ .‬تسعى َك ْرم سولار لأن تكوَن رائدًة في صناعة التكنولوجيا‪ ،‬ومقاوًلا‬
‫عاًّم ا أيًض ا للعملَّية‪ .‬ويقول أحمد‪’’ :‬سُنجري تقييًم ا حول الاحتياجات‪ ،‬وسنَّتصُل بأَح ِد المقاولين الفرعِّيين من أجل التنفيذ‘‘‪.‬‬
‫تعمل َك ْرم سولار حالًّيا على َخ ْف ِض التكاليف وتطوير حلوٍل تمويلَّيٍة للمزارعين المهتِّم ين بإنتاج المواِّد الغذائَّية في أسواقهم‬
‫المحِّلَّية‪ ،‬لكَّنهم لا يملكون القدرَة على شراء حلوٍل حَّتى لو كانت بتكلفٍة أقّل ‪.‬‬
‫من جهة ديڤيد يورك (‪ ،)David York‬نائب الرئيس التنفيذِّي لشركة وورلد ووتر آند سولار تكنولوجيز‪ ،‬الشريِك الأمريكِّي‬
‫لشركة َك ْرم سولار في پرينستون‪ ،‬فإَّن شركَته أدرَك ِت الفرصَة فوًر ا‪ .‬فقد كانت َك ْرم سولار تسعى بشكل أساسٍّي إلى تحويل‬
‫الصحراء إلى مساحاٍت خضراَء من خلال حِّل القضايا المهَّم ة‪ ،‬كالتكاليف والمصداقَّية في تزويد المواقع البعيدة جًّدا بوقود‬
‫الديزل‪ .‬وقد أخبَرني قائًل ا‪’’ :‬إَّن منهَج هم فريٌد من َنوعه‪ .‬فحسب معلوماتنا‪ ،‬ليَس ْت هناك شركاٌت ُأخرى تسعى إلى تعزيز‬
‫استخدامات الطاقة الشمسَّية في َد ْفع تلك المضَّخ ات المائَّية الهائلة واستخدامها بشكٍل مباشر للَّرِّي في الأجزاء البعيدة من‬
‫العالم‪ .‬إَّن هذه المضَّخ ات والمحِّركات الكبيرة عادًة ما تتطَّلُب مصدًر ا كهربائًّيا َم وثوًقا ومستداًم ا مثل شبكات الكهرباء‪.‬‬
‫ونتيجًة للطبيعة المتغِّيرة للطاقة الشمسَّية‪ ،‬فهناك العديد من وسائل ربط الشبكات القابلة للبرمجة والَّل ازمة لتثبيت معَّدل‬
‫الكهرباء المستخدم في تلك المضَّخ ات والمحِّركات‪ .‬فلو طَّبقنا أفكاَرهم من خلال اختراعاِتنا‪ ،‬فستكوُن لدينا القدرُة على‬
‫تثبيت معَّدل الكهرباء الَّل ازمة لتشغيل المضَّخ ات والمحِّركات بتكنولوجيا الربط الشبكّي ‘‘‪ .‬ويرى يورك أَّن على كبريات‬
‫الشركات الزراعَّية وخدمات المياه (مثل شركات السويس‪ ،‬وڤيوليا [‪ ،]Veolia‬وجون دير [‪ ،]John Deere‬وغراندفوس‬
‫[‪ ،]Grundfos‬وكوليغان [‪ )]Culligan‬أن تتشارَك بما لديها من تقنَّياٍت لاستغلال ما نسبُته ‪ ٪٧٥‬من المناطق الزراعَّية غير‬
‫المستغَّلة من العالم لزراعة المحاصيل‪ ،‬وتوفير الأمن الغذائِّي في كاَّفة أنحاء العالم‪.‬‬
‫وقد تكوُن هذه فرصَة عمٍل كبيرة‪ .‬أَّم ا بالنسبة إلى أحمد‪ ،‬فهي توُّجٌه أوسُع يسِّم يه هو ’’التطُّور المنفصل‘‘ (‪Disconnected‬‬

‫‪ .)Development‬فلو ُع ْدنا بذاكرتنا إلى ما قامْت به شركات الهاتف النَّقال من تحفيٍز للريادِّيين في تطوير أعماٍل ناشئة حول‬
‫تقنَّياتهم عندما أنشأوا َم صادَر مستقَّلٍة للَك هرباء لأبراجها في المناطق الريفَّية؟ فهذه الجهوُد لم تكْن جزًءا من أَّية شبكة‪ ،‬أو‬
‫من أَّية ُخ َّطٍة مرَك زَّية‪ .‬إَّلا أَّنها صارْت مدَخ ًل ا مهًّم ا في المجتمعات الفردَّية التي قامت بتلك الابتكارات‪ .‬وبصورٍة عاَّم ة‪ ،‬فإَّن‬
‫التأثيَر الناتَج عن الأفراد كبيٌر جًّدا ومن شأنه أن يسِّهَل الارتباَط ما بين المجتمعات المختلفة التي كان يصعُب ارتباُطها نظًر ا‬
‫إلى المواقع الَج غرافَّية‪ .‬ويشيُر أحمد إلى هذا بَقوله‪’’ :‬هذا هو بالَّض بط ما تقوُم به َك ْرم سولار‪ .‬إَّن الخبرَة التي اكتسَب ها أفراُد‬
‫جيلنا كانت نتاًج ا للَّتخطيط المرَكزّي ‪ .‬وهي ليست فَّع الًة بالَقدر الذي يلِّبي حاجاِت المجتمع الخاَّص ة ولا تحِّقق الهدَف‬
‫الذي يسعون إليه لأنفسهم‪ .‬أَّم ا الآن فإَّن التكنولوجيا والطاقة المتجِّددة تحفُز الابتكاَر المحِّلَّي الذي يحِّق ُق شهرًة وتطُّوًر ا‪.‬‬
‫فتخَّيِل المدَن دون شبكاِت مياٍه مرَك زَّية أو دون نظاِم صرٍف صِّح ٍّي أو شبكاٍت للطاقة‪ ،‬وتصَّو ْر أَّن هذه لا تتوافُر إَّلا في‬
‫المجتمعات الصغيرة‪ ،‬أو رَّبما على صعيد فردّي ‪ .‬ولتأُخ ْذ َك ْرم سولار بوصفها مثاًلا منطقًّيا مشاريع يمكُنها الاستفادُة بلا حدود‬
‫من مصادر قريبة للطاقة والمياه‪ .‬وهذا يعني ُوجوَد مزارَع وبلداٍت صغيرٍة في وسط صحراِء ِم ْص َر وحوَل العالم‪ .‬أي أَّن ِم صَر‬
‫ودَو ًلا ُأخرى تنتقُل من معَّدل ‪ ٪٨-٦‬من الأراضي المستغَّلة إلى ما نسبُته ‪ .٪٢٥‬تخَّيْل ما قد يعنيه ذلك من تخفيض‬
‫مستويات الازدحام في مدن مثل القاهرة؟ إَّننا نستطيُع ليس فقط أن ننجَز ذلك‪ ،‬بل علينا التفكير في تلك الإ مكانات التي‬
‫ُتتيُح فرًص ا هائلة‪ ،‬ليس فقط من أجل الابتكار في هذه البقعة من العالم‪ ،‬بل في أِّي مكان‘‘‪.‬‬

‫’’الفيسبوك‘‘ المقِبل؟‬
‫تنعكُس آثاُر مفهوم ’’التطُّور المنفصل‘‘ والخبرة المحِّلَّية الفريدة على شبكة الإ نترنت أيًض ا‪ .‬فمن الصعب التفكير في أَّية منَّص ة‬
‫تجمُع عدًد ا من المستخدمين ولا تحمل الطابع الاجتماعّي ‪ .‬فهل من الغريب عندئٍذ أن تتجَّدد الثورات العربَّية‪ -‬والتي ينِّس ُقها‬
‫القائمون عليها ويتواصلون بشأنها في الغالب عبر مواقع التواصل الاجتماعِّي مثل فيسبوك وتويتر‪ -‬وأن تكوَن لريادِّيين في الشرق‬
‫الأوسط رؤيٌة خاَّص ٌة بشأن منَّص ات الربط والتواصل الاجتماعِّي ومواقعها؟‬
‫تملك ياسمين العَّياط دون شٍّك هذه الرؤية‪ .‬فوالُدها ريادٌّي ناجح في مجال التكنولوجيا‪ ،‬وقد نشأْت وترعرَعْت في‬
‫سيليكون ڤالي‪ُ .‬تمضي ياسمين منذ طفولتها ثلاثة أشهٍر من كِّل عاٍم في ِم صر‪ .‬في عام ‪١٩٩٧‬م‪ ،‬عندما ُتُو ِّفَي جُّدها في‬
‫القاهرة‪ ،‬قَّررْت عائلُتها العودَة إلى هناك‪ .‬وفي عام ‪٢٠٠١‬م‪ ،‬كانت تدرُس هندسَة الحاسوب في جامعة سانتا كلارا‪ ،‬وحَّولت‬
‫دراسَتها إلى الجامعة الأميركَّية في القاهرة‪ .‬وحمَلها طموُح ها في َد ْم ج تكنولوجيا الحاسوب والتصميم التفاعل وَس ْر ِد روايٍة‬
‫ِّي‬
‫تفاعلَّية‪ -‬إلى جامعة نيويورك لَنيِل درجة الماجستير‪ .‬إَّلا أَّن الاحتجاجات في ميدان التحرير أقنَع ْتها بالَع ودة إلى ِم ْص ر‪.‬‬
‫وتقول ياسمين‪’’ :‬في فبراير ‪٢٠١١‬م اَّتخذُت خطوًة مهَّم ًة وكبيرة‪ ،‬حيُث تركُت وظيفًة رائعة في نيويورك وانتقلُت لأعيَش في‬
‫القاهرة معتمدًة على مَّد َخ راتي‪ ،‬وقَّررُت أن أعمَل بدواٍم كامٍل على مشروع فِّنٍّي كنُت حًّقا أومُن به‪ .‬كان ملاييُن المصرِّيين‬
‫يصِّورون لحظاٍت من الثورة على أجهزتهم النَّقالة ويبُّثونه عبر الشبكات الاجتماعَّية من قلب الحدث‪ ،‬ليشهَد العالُم بأسره‬
‫المواقف التاريخَّية‪ .‬وأيقَّنا أَّن إنشاَء منَّص ٍة روائَّيٍة تبُّث برناَمًج ا وثائقًّيا على شبكة الإ نترنت‪ ،‬مصدُره الحشود في ميدان التحرير‪،‬‬
‫قد يكوُن أفضَل طريقٍة لَتوثيق هذه اللحظات‪ ،‬وعمْلنا على تعزيز المصادر لَتحكي القَّص ة‪ ،‬فنجعل منها كأَّن البلَد يخُّط أحداَثه‬
‫التاريخَّية بنفسه‘‘‪.‬‬
‫لقد قَّد َم موقُع هم الإ لكترونُّي ’’‪ ١٨‬يوم في مصر‘‘ منبًر ا للتكنولوجيا المرئَّية الإ بداعَّية لروايٍة جماعَّية‪ .‬وُيذَكر أَّن المنحَة التي‬
‫قَّدمها صندوق الإ علام الجديد (‪ )New Media Fund‬التابع لمعهد تريبيكا للأفلام (‪ ،)Tribeca Film Institute‬إضافة إلى‬
‫َد عم مؤَّس سة فورد (‪ ،)Ford‬والحملات الناجحة التي نَّف ذْتها كيك ستارتر (‪ -)Kickstarter‬عمَلْت هذه كُّلها على مساعدة‬
‫ياسمين والمؤِّس سين المشاركين على توثيق التغييرات في مصر بأساليَب ممَّيزٍة وفريدة وغير اعتيادَّية‪ .‬فقد نشَر الناُس الآلاَف‬
‫من القصص والصور والتغريدات ومقاطع الڤيديو على الموقع‪.‬‬
‫وألهَم ِت التجِربُة ياسمين وفريَقها للَّتفكير في َتوسيع نطاِق المشاركة وكيف يمكُن للمنَّص ة التي كانت نتاَج ‪ ١٨‬يوًم ا أن‬
‫تتطَّور‪ .‬وأخبرتني ياسمين بالَقول‪’’ :‬نحن نشارُك بملايين المقاطع الإ علامَّية عن لحظاٍت وتجاِرَب مهَّم ٍة في حياتنا على‬
‫الفيسبوك وتويتر واليوتيوب وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعّي ‪ .‬إَّلا أَّن هذه اللحظاِت المهَّم َة مبعثرٌة ومتناثرٌة في وسائل‬
‫التواصل الإ علامِّي المختلفة‪ ،‬والتي قد لا تشِّكُل جزًءا من أِّي َح َدث‪ ،‬وعادًة ما تأتي أحداٌث جديدٌة لَتطغى عليها‘‘‪.‬‬
‫وتسِّجُل وسائل التواصل الاجتماعِّي مثل پاث (‪ )Path‬وإنستغرام (‪ )Istagram‬وغيِرها تجارَب يومَّيٍة فردَّية‪ .‬وتؤِّكُد ياسمين أَّن‬
‫لدى الجميع الكثيَر من التجارب المشتركة كَّل يوم‪ ،‬إَّلا أَّن الحلوَل السهلة لَج ْم ع كِّل لحظاتنا المهَّم ة‪ ،‬وإنشاء قَّص ٍة مرئَّيٍة‬
‫نعرُض ها على أصدقائنا أو حَّتى على الجماهير هي حلوٌل غير موجودة‪.‬‬
‫(‪)Kaptur‬‬ ‫وتتابُع الَق وَل أيًض ا‪’’ :‬تستعرُض مثل هذا الأمر مواقُع ستوريفاي (‪ )Storify‬وستوري نايشن (‪ )Storination‬وكاپتشر‬
‫وغيرها الكثير‪ .‬ولكَّن ما تعَّلمناه من موقع ‪ ١٨‬يوم في مصر هو أَّن أفضَل القصص هي التي نرويها مًع ا‪ .‬أَّم ا تجِربُتنا التالية فهي‬
‫روايِة الأحداث على الهاتف النَّقال أَّوًلا وعلى الشبكة ثانًي ا‪ ،‬من أجل رواية قصٍص حول فعالَّياٍت صغيرٍة وشخصَّيٍة (مثل‬
‫جولات في السَّيارة والأعراس) أو حول فعالَّياٍت شعبَّيٍة كبرى (مثل الحملات الانتخابَّية‪ ،‬والألعاب الأولمپَّية والمؤتمرات)‬
‫بطريقٍة سهلٍة ومرئَّية‘‘‪.‬‬
‫ويرى أحمد سليمان أَّن هذا هو الوقُت الصحيح لتبِّني أِّي منتٍج مهٍّم عالمًّيا‪ -‬ما داَم منتًج ا فريًدا ورائًع ا حًّقا‪ .‬فيقول‪:‬‬
‫’’أعتقد أَّن المجتمَع الغربَّي قد يمانُع قليًل ا في تبادل البيانات والخبرات الشخصَّية إذا أدركوا أَّن منَّص ة التواصل الاجتماعِّي‬
‫غيُر آمنٍة في مناطق مثل الشرق الأوسط‪ .‬إَّلا أَّن البنية التحتَّية الجِّيدَة هي مطلٌب أساس في كِّل مكان‪ .‬فهي تعني ببساطٍة‬
‫ٌّي‬
‫بناَء منتٍج يقوُل لك «هذا منتٌج عظيم ولا أهتُّم من أين جاء‪ ،‬وسأستخدمه»‘‘‪ .‬سليمان هو الرئيس التنفيذُّي لتطبيق سيركل‬
‫تاي (‪ ،)CircleTie‬وهو شبكٌة اجتماعَّية للمواقع أطِلَق ْت في ِم صَر لَتحديد المواقع عبر الهاتف النَّقال‪ ،‬وُيعتَقُد أَّنها سَتلقى‬
‫رواًج ا واسًع ا لتتفَّوَق على الخدمات الأقدم منها في الولايات المَّتحدة مثل فورسكوير (‪ .)Foursquare‬ويوضح سليمان قائًل ا‪:‬‬
‫’’يرِّكز كٌّل من غوغل وفيسبوك على أنماِط البحث لديك وعلى موقعك المحَّدد بوصفه دليًل ا على ُه وَّيتَك أو ما تسعى إلى‬
‫الوصول إليه في لحظٍة ما‪ .‬ولكْن ما نحن عليه له سياٌق خاٌّص ‪ -‬وهو بسيط جًّدا يأتي بوصفه جزًءا من حياتنا اليومَّية مثل‬
‫السؤال عن الوقت‪ ،‬أو حالة الجّو ‪ ،‬أو السؤال عَّم ا كنَت تفعُله قبل قليل‪ -‬وهذه صورٌة أشمُل لشخصَّيتك والطرف الذي توُّد‬
‫الاِّتصال به‘‘‪.‬‬
‫سليمان هو مهندُس حاسوٍب يقيُم في القاهرة‪ ،‬ويجد نفَس ه مهووًس ا بالتكنولوجيا‪ .‬غير أَّنه مهتٌّم أيًض ا بالَّد وافع وراَء قيام‬
‫الأشخاص بشيء ما باستخدام هذه التكنولوجيا‪ .‬فيقول‪’’ :‬لقد أحببُت كَّل ما يتعَّلُق بحِّل الألغاز وإيجاد الحلول‪ ،‬مَّم ا جعَلني‬
‫ُم برمًج ا جِّيًدا‪ .‬إَّلا أَّن خبرتي في الألعاب الخاَّص ة بالعالم الافتراضِّي ساعَدْتني على رؤية العواطف والَّتفاُع لات الحقيقَّية ما بين‬
‫لاعبين لا «يعرفون بعُض هم بعًض ا» في العالم الحقيقّي ‪ .‬كان حًّقا أمًر ا ممتًع ا‪ ،‬وحافًل ا بالَّتفاعل والخبرة الحقيقَّية التي تستفيُد‬
‫منها وتعِّلُم َك الكثيَر مَّم ا قد يتعَّلُم ه أَح ُدنا في صفوف الدراسة التي تشعُرك بالملل‘‘‪ .‬وقد ساَع ده هذا الأمر على َفْه م توُّج هات‬
‫الناس وإدراك رَّد ة فعلهم وما يمكُن أن يقوموا به‪ ،‬والسياق الذي رَّبما يجعُلهم يتصَّرفون بطرٍق غريبٍة‪ ،‬وأنواع المشكلات التي‬
‫قد يلجأون إلى حِّلها مًع ا‪ -‬فكُّل ذلك كان مصدَر إلهاٍم له في تفكيره الريادّي ‪.‬‬
‫وأَّوُل عمٍل شغَله بعد إنهاء دراسته في الكِّلَّية كان ُم برمًج ا في شركة آي بي أم (‪ .)IBM‬ورغم أَّنه لم يرغْب بتاًتا في‬
‫الاستمرار في العمل لدى شركٍة كبرى إلى الأبد‪ ،‬فإَّنه اَّد خَر بعَض المال‪ ،‬وأَّس َس علاقاٍت جِّيدًة‪ ،‬وتعَّلَم ما قد يصلُح وما لا‬
‫يصلُح القياُم به في مجال البرمجة‪ .‬كما تعَّلَم أيًض ا بعَض المهارات الإ دارَّية‪ -‬كالطريقة التي ُيخَّطُط بها لفكرٍة ما‪ ،‬وكيف يلتزُم‬
‫مواعيَد تسليِم أَّية َم هَّم ة‪ ،‬وكيف يتواصُل مع العملاء الذين يفتقرون إلى معرفة ما يريدونه من التكنولوجيا‪ ،‬ويرِّح بون بمساعدته‬
‫على إنشاء حلوٍل وأنظمٍة رائعٍة لهم‪ .‬وفي عام ‪٢٠٠٨‬م‪ ،‬تلَّقى عرًض ا من أصدقاَء له للعمل في منَّص ٍة للتعليم الإ لكترونِّي في‬
‫المنطقة‪ ،‬فَق ِبَلها دون ترُّد د‪ .‬ويتذَّكُر متعِّج ًب ا‪’’ :‬كان لدينا مستثمر‪ ،‬ولكْن لم يكن لدينا منَتٌج ولا رؤية واضحة‪ .‬كنُت أعرُف أَّن‬
‫الأمَر سيكون ممتًع ا‪ ،‬ولكْن لم تُكْن لدَّي فكرٌة حول الصعوبات التي سنواجُه ها‘‘‪ .‬وبحلول عام ‪٢٠١٠‬م‪ ،‬لم تُكِن الشركُة قد‬
‫حَّققْت أَّي نجاح‪ ،‬إَّلا أَّن أحمد سليمان كان مهتًّم ا فقط بالشركات الناشئة‪ ،‬فالتحَق بعَدها بشركٍة جديدة متخِّص صٍة في‬
‫أمن الحاسوب‪ ،‬فكان أَّوَل موَّظٍف متخِّص ص في التكنولوجيا‪ .‬إَّلا أَّنه كان يخِّطُط لإ طلاق شركٍة مع بعض الأصدقاء‬
‫المقَّربين‪.‬‬
‫َّل‬
‫يخبرني قائًل ا‪’’ :‬كَّنا قد بدأنا نعقُد لقاءاٍت في جلساٍت نستعرُض فيها مجموعًة من الأفكار‪ .‬إَّلا أَّننا في كِّل مَّر ٍة كَّنا نعوُد‬
‫بفكرٍة حول استخدام هواتفنا النَّقالة‪ ،‬فقد استخَد ْم نا جميًع ا الخدماِت التي أنشأها الغرُب مثل غوغل وفيسبوك‪ ،‬إَّلا أَّنه لا‬
‫توجد وسائُل شبيهٌة لهذه تحمُل صبغَة إنتاج أو نكهًة محِّلَّية حَّتى في الترفيه‪ -‬لا يوجد َيْلپ (‪ )Yelp‬ولا فورسكواير‪ .‬فكاَن‬
‫الأمُر وكأَّنه فرصٌة لسِّد فجوٍة ما‘‘‪ .‬كانت منَّص ة سيركل تاي ارتجالَّية في بادئ الأمر؛ فهي أشَب ُه بنسخٍة محِّلَّية لوسائل التواصل‬
‫الاجتماعِّي المستخَدمة على الهواتف النَّقالة في الولايات المَّتحدة‪’’ .‬كَّنا وسيلًة لاكتشاف المدن‪ ،‬ليس بمفهوم الدليل‪ ،‬بل‬
‫للحصول على معلوماٍت حول وسائَل الَّترفيه محِّلًّيا‪ .‬كان هذا محوًر ا أساسًّيا في انطلاقتنا؛ إذ كَّنا في البداية وسيلًة لمعرفة‬
‫المزيد عن أصدقائك واكتشافهم‪ :‬ماذا يحُّبون؟ وما الأماكُن التي يتناولونها في حواراتهم؟ وقد كانت لدينا أفلاٌم رغم أَّن أكبَر‬
‫شبكات التواصل الاجتماعِّي لم تكْن قد ضَّم ت هذه الفئة في ذلك الحين‘‘‪.‬‬
‫كان أمًر ا غريًب ا أن يكوَن للَّربيع العربِّي أثٌر سلبٌّي في الشركة في بداية الأمر‪ ،‬لكْن سرعاَن ما صار له أثٌر إيجابّي ‪ .‬ويتذَّكُر‬
‫أحمد قائًل ا‪’’ :‬لقد أطَلْقنا الشركَة قبل الثورة مباشرًة‪ ،‬وكَّنا قد عملنا بجٍّد على َج ْم ع أَّول عائداٍت بالَّتعاون مع أَح ِد مستثمري‬
‫رأس المال المحِّلِّيين‪ .‬كما استقَطبنا ما يزيُد على ‪ ٤٠.٠٠٠‬مستخدم قبل أن نطلَق حملاٍت مكَّثفة‪ .‬ثَّم جاءت الثورُة وتوَّقَف‬
‫كُّل شيء‪ .‬لم يُكْن أَح ٌد يسعى إلى الخروج‪ ،‬كانوا يسَع ون إلى تغيير مجتمعنا‪ .‬فاستغرَق الأمُر شهوًر ا لاستقطاب ‪٢٠.٠٠٠‬‬
‫مستخدم مَّر ًة أخرى‘‘‪ .‬إَّلا أَّنه كان لهذا الأمِر َو ْقٌع إيجابّي ‪ .‬فقد رَّكزوا خلال نشاطهم السياسِّي على ما كانوا يتعَّلمونه في‬
‫الشوارع‪ ،‬وما من شأنه أن يجعَل هذا الموقَع منتًج ا فريًدا‪ .‬فكانوا يتساءلون عَّم ا قد يحُدُث في مواقَف متعِّددة‪ ،‬ويبحثون‬
‫ويتباحثون‪ ،‬كما بَنوا منظومًة ذات محتًوى وسياٍق خاَّص ين‪.‬‬
‫ويطرُح سليمان تساؤًلا هنا ليوضَح التفاعَل على الموقع‪’’ :‬ما وجبة العشاء التي قد يقِّدمها مطعٌم ما في الساعة ‪٨:٠٠‬‬
‫صباًح ا؟ وماذا ينفع التخطيط للاجتماع بالأصدقاء في مكاٍن خارجٍّي إْن كان الجُّو ماطًر ا؟ بدأنا ندرك أَّن مراعاَة المحتوى‬
‫والسياق لا تقُّل أهِّمَّية عن الموقع نفسه‘‘‪ .‬وكان سليمان قد بدأ يدرُس الماجستير في الجامعة الأميركَّية في القاهرة في البحث‬
‫عن تعليماٍت حَّس اسِة السياق عبر الهاتف النَّقال‪ .‬ويقول‪’’ :‬إَّنها مشكلٌة صعبُة الحّل ‪ .‬ولكَّن حَّلها بين أيدينا‘‘‪ .‬ومؤَّخ ًر ا‪،‬‬
‫راحْت عملَّيُة التحُّقق التي أطلَق ْتها شبكُة سيركل تاي تجمُع عناصَر من الشبكات الاجتماعَّية الُأخرى‪ ،‬ولكَّنها ُتعنى بإنشاء‬
‫السياق‪ .‬كما ُتسِّهُل خبرُة المستخدم لهذه الشبكة عملَّيَة التأُّكد ما إذا كان مكاٌن ما مفتوًح ا‪ ،‬وتقييمه بزٍّر واحد‪ .‬كما يحِّد ُد‬
‫المستخدُم الأشخاَص الذين يرغب في إعلامهم‪ ،‬بدًلا من البِّث لجميع المستخدمين على الشبكة الاجتماعَّية‪ ،‬كما يحِّد ُد‬
‫السياَق ذا العلاقة لمساعدتهم على التواصل‪ .‬وزاَد عدُد المستخدمين في إطلاقهم النسخة الجديدة في تشرين الأَّول‪/‬أكتوبر‬
‫ليصَل إلى ‪ ٦٠.٠٠٠‬في القاهرة‪ ،‬وُه ُم الآَن يجَم عون البيانات لَب يروت وعَّم ان ودبي والإ سكندرَّية والرياض‪ .‬ويعِّلُق أحمد بالَقول‪:‬‬
‫’’إَّن الحصوَل على البيانات والمحتوى الأساسِّي لمدينٍة ما هو واجهٌة لَج ْع ِل التطبيق جَّذ اًبا‪ .‬أَّم ا ما يجعُل التجِربَة فريدًة فهي‬
‫البيانات والمعلومات التثقيفَّية التي نكتسُبها‪ ،‬والتي تجعل الخبرَة أكثَر تمُّيًز ا‘‘‪ .‬وُتجري سيركل تاي محاَد ثاٍت مكَّثفًة مع‬
‫مشِّغلي الهواتف النَّقالة مثل ڤودافون‪ ،‬لتجمَع ما بين تغِط َي ِتها والابتكار والخبرات التي تستهدُفها‪.‬‬
‫هل هذا جاهٌز للانطلاق والاستخدام في الغرب؟ ويتابُع سليمان الحديَث بحماسة‪’’ :‬هذا المنتُج قابٌل أيًض ا للاستخدام‬
‫باللغة الإ نكليزَّية؛ لأَّننا ندرُك أَّن هذا قد يجعُله أسهَل للاستخدام عالمًّيا‪ .‬كما سُتضاُف لغاٌت ُأخرى أيًض ا‘‘‪ .‬وبطرٍق عديدة‪،‬‬
‫هو يتكَّلم عن كِّل شخٍص يسعى إلى تحقيق ’’قفزة َنوعَّية‘‘ في ابتكاٍر ما في المنطقة‪ .‬ويتابع قائًل ا‪’’ :‬سيكون أمًر ا رائًع ا حًّقا لو‬
‫اسُتخِد َم التطبيُق في الولايات المَّتحدة‪ .‬فَليسْت هناك سوٌق متطِّورٌة مثل الولايات المَّتحدة من الناحية التكنولوجَّية‪ .‬ونحن‬
‫الآن في حواٍر مع لاعبين كبار هناك‪ .‬ولكن ما قد لا يدرُكه البعُض أَّنه عالٌم كبير جًّدا‪ .‬إَّن الشرَق الأوسط منطقٌة مهَّم ٌة جًّدا‪،‬‬
‫ولكَّن الانطلاق على مستًوى عالمٍّي هو استخدام تقنَّيتنا المتمِّيزة في أسواٍق ناميٍة تحتاج إلى مثل تلك الخدمات‪،‬‬
‫ومساعدتها على تعزيز أعمالها وتواُص لها‪ ،‬وقد يساهُم هذا التوُّج ه في الوصول إلى المليارات‘‘‪.‬‬
‫ولو تساءلنا ماذا بعد؟ يجيب على الفور‪’’ :‬أوروپا الشرقَّية‪ .‬فلديهم معَّدُل انتشاٍر مرتفٌع جًّدا للهواتف الذكَّية‪ ،‬ويرغبون َد وًم ا‬
‫في التواصل الاجتماعّي ‪ ،‬إَّلا أَّنهم لا يملكون الخدمات المحِّلَّية التي توِّفُرها شركاٌت رائدة‪ .‬ومن هناك إلى سائر أوروپا‪ ،‬وَم ن‬
‫يعلُم ما قد يأتي بعدها‘‘‪.‬‬

‫رامز شحادة‪ -‬ذو قرابة بعيدة مع كمال الذي يعمل لدى اِّتصالات‪ -‬من مواليد لبنان‪ ،‬وتخَّرَج في كِّلَّية الهندسة من َرتجرز‬
‫(‪ )Rutgers‬وجامعة تورونتو‪ ،‬وأمضى آخَر عشرة أعوام في مجال الاستشارات الإ دارَّية‪ ،‬حيث بدأ مع إيه‪ .‬تي‪ .‬كيرني (‪A.T.‬‬

‫‪ ،)Kearney‬ثَّم أَّس َس إدارَة فريق التكنولوجيا لدى شركة بوز (‪ )Booz‬في دبي وكان المضطلَع بَم هاِّم الفريق‪ .‬ولا يتوَّقُف عمُله‬
‫فقط عند تقديم الاستشارات إلى شركات التكنولوجيا العالمَّية في مجال وسائل التواصل الاجتماعِّي والتطبيقات والأمن‬
‫والحاسوب والتطبيقات السحابَّية واستراتيجَّيات الهواتف النَّقالة‪ ،‬بل تجاَو َزْت شركة بوز ذلك لتكوَن مصدًر ا َم وثوًقا للبيانات في‬
‫قطاع التكنولوجيا في الشرق الأوسط‪ .‬وكانت هذه البيانات مرجًع ا لي وبشكٍل مكَّثٍف في هذا الكتاب‪ .‬يحِّد ُثني رامز قائًل ا‪:‬‬
‫’’لقد أوضَح ْت تقاريُرنا توُّج هاِت الشركات الناشئة أو تبِّني أفكار ُطِّورْت في الغرب‪ .‬ولكِّني أرى أَّن التفاصيَل تغِّيُر الأشياَء بعَّد ِة‬
‫طرٍق مختلفة‪ .‬فالَّثورة التي حصلت في مجال الهواتف النَّقالة ساهَم ْت في إزالة الحدود لنتمَّكَن بعَدها من استخدام خدمات‬
‫الإ نترنت‪ .‬كان من الصعب تحقيُق ذلك‪ ،‬أو بصراحة كان ذلك مجَّرَد ُح ُلم‪ .‬وفي السنوات الثلاث الماضية‪ ،‬أعتقد أَّن‬
‫الثوراِت العربَّيَة ساهمْت في النهج المختلف الذي شهْدناه‪ .‬فلدى دراسة الذين أنشأوا بيئات أعمال ناشئة‪ -‬سواء كانوا‬
‫حاضنين أم مستثمرين أم مؤتمرات أم اجتماعات‪ ،‬أم كان زخَم تبادِل المعلومات التي تسِّلط الَّض وَء على أهِّمَّية استخدام‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬وتؤِّكد على نجاح الشركات الناشئة‪ -‬فإَّن ذلك سُيعطي فكرًة واضحًة حول كيفَّية تحُّول المجتمعات والثقافات‬
‫أيًض ا‘‘‪.‬‬
‫سألُته إْن كان قد وصَل إلى لحظٍة من الإ دراك وراوَد ه شعوُر ’’وَج ْدُتها‘‘‪ -‬أدرَك هذا الجزَء من البيانات‪ ،‬أو ذلك الدليَل من‬
‫حالٍة مشاِبهة‪ ،‬أو تلك التجِربَة حيُث شعَر بأَّن ذلك كَّله راَح يبدو منطقًّيا ليشِّكَل علامًة فارقة‪ .‬أجاب قائًل ا‪’’ :‬نحن في وسط‬
‫لحظة «الإ دراك» تلك التي تتحَّدث بشأنها‪ -‬إَّنها المراحل الأولى للشركات الناشئة‘‘‪.‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫ُبناُة بيئات الأعمال‬

‫في أثناء الأسابيع الأولى الحافلة بالغموض بعد َع ْز ِل الرئيس مبارك في ِم ْص ر‪ ،‬ذاَع َخ بٌر صغير كان علَّي أن أقرأه مَّر َتين‬
‫لأصِّدَقه‪ .‬لم تكن كلمة ’’ارحل‘‘ في ذلك الوقت ُتستخدم إَّلا تعبيًر ا عن المطالبة بإبعاد أَح ِد السياسِّيين أو رجال الأعمال‬
‫الذين يناِه ضون قواعد القوى الشعبَّية التاريخَّية‪ ،‬لذا مَّثل استخداُم ها في سياٍق مختلٍف تماًم ا صدمًة بالِّنسبة إلّي ‪ -‬أن ُتقاَل في‬
‫َو ْص ِف خروج المستثمرين عند َبيع شركة‪ ،‬وكان ذلك عندما استحوَذ ْت شركة إنتل (‪ )Intel‬على شركة سيس دي سوفت‬
‫(‪)SySDSoft‬؛ وهي شركٌة مصرَّيٌة رائدة في عالم تطوير برامج الجيل الرابع الَّل اسلكَّية‪.‬‬
‫وقبل أسبوع من أحداث ميدان التحرير في القاهرة‪ ،‬التقيُت خالد إسماعيل‪ ،‬مؤِّس َس شركة سيس دي سوفت ومديَرها‬
‫التنفيذّي ‪ .‬كانت شركُته مثاًلا نموذجًّيا على نجاح الشركات الناشئة؛ فبعد حصوله على شهادة الدكتوراه من معهد‬
‫ماساتشوِس تس للتكنولوجيا (‪ ،)MIT‬عمل خالد لدى شركٍة أميركَّية لم تستطع التغلَب على التحِّديات الناجمة عن أزمة عام‬
‫‪٢٠٠١‬م‪ ،‬فأَّس س لها مرَك ًز ا للعملَّيات في القاهرة‪ .‬وفي أثناء عمله‪ ،‬وجَد أَّن السوَق تفتقُر إلى مثل هذا النوع من الشركات رغم‬
‫وفرة المواهب الكبيرة وفرص التسويق الضخمة في المنطقة‪ ،‬فأَّس س شركَته بناًء على عامَلين‪ :‬إدراُكه ضرورَة ُوجود مثل هذا‬
‫الَّنوع من الخدمات‪ ،‬وشغُفه بهذا المجال‪ .‬بدأ خالد شركَته بموَّظَفين فقط‪ .‬ولدى سؤاله عن تلك الأَّيام يقول‪’’:‬لم يُكِن الأمُر‬
‫صعًب ا؛ فقد أنعَم الله عل بفريق رائع ومتفاٍن إلى أبعد الحدود‪ .‬كان التحِّدي الوحيُد بالنسبة إل هو استقطاَب عملاَء ُج ُد ٍد‬
‫َّي‬ ‫َّي‬
‫من الخارج‪ ،‬يكونون مستعِّدين للِّثقة بشركٍة ِم ْص رَّية‪ ،‬والاستعانة بخدماتها الفِّنَّية رفيعة المستوى‘‘‪ .‬ولكَّن الأموَر مع خالد جَرْت‬
‫بما تشتهي السفن‪ ،‬إذ استطاَع النهوض بشركته سيس دي سوفت حَّتى وصَل عدُد موِّظفيها إلى مئة مهندٍس تقريًب ا‪ ،‬كما‬
‫تمَّكَن من توسيع خدماتها من تصميم البرامج فقط إلى تطوير برامَج خاَّص ٍة بها في مجال اِّتصالات الجيل الرابع‪ .‬ويبدو‬
‫واضًح ا أَّن شركة إنتل‪ ،‬التي لا تستهيُن بالمواهب الهندسَّية الفَّذ ة ‪،‬كانت مهتَّم ًة بهذا الفريق‪ ،‬حَّتى في ظِّل الأحوال‬
‫المضطربة التي تعيشها ِم ْص ر‪.‬‬
‫خالد في أوائل الخمسينَّيات من عمره‪ ،‬واسع المعرفة‪ ،‬ويرتدي نَّظاراٍت طِّبَّية‪ ،‬كما أَّنه صاحُب أسلوٍب تحليلٍّي لحِّل‬
‫المشكلات‪ُ .‬يعُّد خالد الوسيَط ما بين أوائل ريادِّيي التكنولوجيا الحديثة في الشرق الأوسط والجيل الجديد منهم‪’’ .‬إَّن‬
‫الشركاِت الناشئَة الموجودَة اليوم تشِّكُل أضعاَف ما كانت عليه قبل عاَم ين ويزيد‘‘‪ ،‬يتوَّقُف لحظًة عن الحديث ليتذَّكر‪ ،‬ثَّم‬
‫يتابَع قائًل ا‪’’ :‬ودون شّك ‪ ،‬لا يحالُف جميَع هذه الشركات الحُّظ بالَّنجاح‪ ،‬مَّم ا ُيعيُدنا إلى نقطة الصفر حين كان الناُس‬
‫يخافون من المجاَزفة‪ .‬لذا علينا اليوَم أن نحرَص على َتوجيه هذه الشركات أكثَر من أِّي وقٍت مضى لَض مان نجاحها‪ ،‬و إَّلا‬
‫فسنندُم على فشلنا في بناِء بيئة أعمال مناسبة‘‘‪.‬‬
‫يعُّد مصطلُح ’’بيئة الأعمال‘‘ أَح َد تلك المصطلحات التكنولوجَّية العظيمة المحِّيرة التي يختلُف معناها من شخٍص إلى‬
‫آخر؛ تماًم ا كَوصِف المحكمة الأميركَّية الُع ْليا المشهور لمصطلح الإ باحَّية‪’’ :‬تعرُفها عندما تراها‘‘‪ .‬قد تختلُف آراُء الناس حول‬
‫المتغِّيرات التي توِّفُر البيئَة الأفضل لنمِّو الشركات الناشئة‪ ،‬ولكْن لا خلاَف ُيذكُر حول العناصر الأساسَّية التي ُتسهُم في َخ ْلِق‬
‫مثل هذه البيئة‪ .‬وهنا يستحِض ُرني ما قاَله لي بن ُه ُر ِِوتز في أثناء وجودنا في مطعمه المفَّض ل الذي ُيعُّد من أبرز معالم سيليكون‬
‫ڤالي‪’’ :‬بيئة الأعمال هي إمكانَّية الوصول إلى مجموعٍة واسعٍة من المواهب والمصادر المتكاملة في كِّل العناصر المطلوبة‬
‫لبناء منتج من الطراز العالمّي ‪ .‬فبيئة الأعمال الممتازة هي حيُث يمكُن للمرء الجمُع ما بين نخبِة الأفكار والمواهب وأكثرها‬
‫ذكاًء وخبرة من جهة‪ ،‬واستقطاب مجموعٍة من أذكى الريادِّيين والمستثمرين والموِّج هين‪ ،‬بالإ ضافة إلى أفضل المحامين‬
‫وموَّظفي التسويق والمحاسبة والموارد البشرَّية من جهٍة أخرى‪ .‬إَّنها مجتمعاٌت متكاملة من الَّدعم والمساندة‪ ،‬لكَّنها في الوقت‬
‫ذاته توِّفُر أجواًء تنافسَّيًة ممتازًة لإ ثراء ثقافِة التمُّيز وترسيخها‘‘‪.‬‬
‫تتطَّلُب بيئاُت الأعمال المتمِّيزُة العديَد من أشكال الَّدعم المختلفة‪ .‬وبحسب خبرتي‪ ،‬فهناك ثلاُث فئاٍت أساسَّية تفوُق‬
‫في أهِّمَّيتها‪ .‬والفئة الأولى هي المستثمرون‪ ،‬وهم النساء والرجال الذين يقِّدمون التمويل الَّل ازم لَد ْع م فكرٍة ما منذ ولادتها إلى‬
‫أن تتبلوَر وتتطَّور‪ ،‬كما يقِّدمون الإ رشاداِت والعلاقاِت البَّناءة والخدمات الضرورَّية كالمحاسبة والخدمات القانونَّية وخدمات‬
‫الموارد البشرَّية التي تحتاُج إليها الشركاُت الناشئُة بشكٍل كبير‪ .‬أَّم ا الفئة الثانية فتضُّم منِّظمي اجتماع الريادِّيين؛ وهم الأفراُد‬
‫والمنَّص ات الذين يساعدون الريادِّيين على التواصل بعضهم مع بعض‪ ،‬وتطوير شبكات الاِّتصال لَتوسيع آفاقهم وشبكتهم‬
‫وفرِص هم في النجاح‪ .‬وأخيًر ا تشمُل الفئُة الثالثة جهاِت تكريم الشركات الريادَّية‪ ،‬وهم َم ن ينِّظمون المنافسات‪ ،‬ويسِّلطون‬
‫الَّض وَء على أفضل الأفكار في بيئة الأعمال‪ ،‬ويمنحون ليس فقط حَّس الإ نجاز للريادِّيين‪ ،‬بل أيًض ا ثقَتهم وتصديَقهم على‬
‫الفكرة‪.‬‬
‫تواجُه هذه الفئات الثلاث تحِّدياٍت بارزًة في بيئات الأعمال للشركات الناشئة في الشرق الأوسط‪ ،‬والتي ُتعُّد أنظمًة ناشئًة‬
‫َو فًقا لمعايير الأسواق المتقِّدمة‪ .‬فما إْن تحاوُل تحفيَز الريادِّيين والمستثمرين على تأسيس شركات في هذه المنطقة‪ -‬ولو‬
‫بشكٍل بسيط‪ -‬حَّتى يبدأون بالَّش كوى من التحِّديات التي تواِج ُه هم‪ .‬وأَّوُل ما يتحَّدثون به في الغالب هو الأعباُء التنظيمَّية‪،‬‬
‫واختلافها من بلٍد إلى آخر‪ .‬أحمد ألفي مصرٌّي أميركٌّي بدأ استثماره في قطاع التكنولوجيا والإ علام في لوس أنجلوس منذ‬
‫عقَدين من الزمن‪ ،‬وقَّرر في عام ‪٢٠٠٦‬م أن يعوَد إلى القاهرة لاغتنام الفرص المتنامية في عالم التكنولوجيا في المنطقة‪،‬‬
‫فأَّس َس شركة سواري ڤنتَش رز (‪ )Sawari Ventures‬التي ُتعُّد من أوائل صناديق رأس المال المغامر في المنطقة‪ .‬يرى أحمد أَّن‬
‫أبرَز التحِّديات التي تواجُه ها بيئات الأعمال للشركات الناشئة في المنطقة تتمَّثُل في َتضاُرِب القوانين وعدم الثبات في‬
‫تطبيقها‪ ،‬مَّم ا يجعُل المستثمرين يمَتنعون عن الاستثمار في حصص الأقِّلَّية في الشركة‪ ،‬وهي الطريقة الشائعة لتمويل الشركات‬
‫الناشئة‪ ،‬لا سَّيما أَّن المسائَل القانونَّيَة لا تكون واضحًة بالنسبة إليهم في حال اضطرارهم إلى الاحتكام إلى القانون في حال‬
‫وقوع أِّي خلاف‪ .‬كما يعتقد أحمد أَّن بقاَء البيروقراطَّية الحكومَّية وعدم كفاءة اللوائح التنظيمَّية إلى الآن هو نتيجُة عدم ُوجود‬
‫سبٍل قانونَّية للتظُّلم والعدل‪ .‬ويضيف أَّنه حَّتى في الفترة التالية لحكم مبارك‪ ،‬ظَّلِت الحكومُة المصرَّية ُم ِص َّر ًة أَّن َد وَرها يكمُن‬
‫في حماية المستثمرين من أنفسهم‪ .‬ثَّم يوضح قائًل ا‪’’ :‬إَّن معظَم الأنظمة والقوانين استباقَّية‪ ،‬أي أَّنها تستبُق المشكلات‬
‫وتحُّلها قبل ُوقوعها؛ لأَّنه يتعَّذ ر حُّلها في المحاكم‪ ،‬وهناك حافٌز ضئيٌل لحماية حقوق الأقِّلَّية من المستثمرين‘‘‪ .‬فمثًل ا‪ ،‬يجب‬
‫أن ُتثبَت أَّية شركٍة جديدٍة ُوجوَد ها الماِّد َّي أمام أمين عام وزارة الاستثمار‪ ،‬ليس فقط للَّتصديق على تسجيلها‪ ،‬بل أيًض ا‬
‫لتخَض َع للَّتقييم‪ .‬أَّم ا في ِم ْص ر‪ ،‬فيستغرُق إصداُر شركٍة مساهمٍة جديدٍة أسابيَع عديدة‪ ،‬ورَّبما شهوًر ا أحياًنا‪ .‬كما ُيحَظُر على‬
‫المؤِّس سين َبيع الأسهم لمَّدة عاَم ين‪ ،‬ولا يوَج ُد قانوٌن لَتداُو ِل الأوراق المالَّية القابلة للَّتحويل‪ ،‬والتي باَتْت آلَّيَة تمويٍل شائعًة في‬
‫َّظ‬
‫الولايات المَّتحدة أو طريقًة سهلًة لمنح كباِر الموَّظفين أسهًم ا في الشركة‪.‬‬
‫يعتقد كريم فهمي‪ ،‬مديُر َو حدِة تطوير الأعمال العالمَّية في شركة إنتل‪ ،‬أَّن التحِّدياِت الثقافَّيَة الأشمَل بخصوص أخلاقَّيات‬
‫العمل هي أهُّم وأخطُر من تلك المتعِّلقة بالقوانين والأنظمة‪ُ .‬ولد كريم في القاهرة‪ ،‬ودرَس في أميركا‪ ،‬وعِم َل في َو حدة‬
‫عملَّيات التصنيع في شركة إنتل قبل أن يعوَد إلى ِم ْص ر عام ‪٢٠٠٣‬م ليترَّأَس عملَّياِت الشركة هناك‪ .‬يتذَّكر كريم ضاحًك ا أَّوَل‬
‫َيوٍم له في العمل في ِم ْص ر‪’’ :‬كان يومي الأَّول في العمل منتصف فصل الصيف‪ ،‬وكنُت قد وصلُت إلى َم وقع الشركة الجديد‬
‫نسبًّيا في تمام الساعة السابعة والنصف صباًح ا‪ ،‬فوجدُت أَّن كَّل شيء ما يزاُل مغَلًقا‪ .‬وقال لي موَّظُف الأمن إَّنه لا أَح د يأتي‬
‫إلى العمل قبل الساعة التاسعة إَّلا ُربًع ا‪ ،‬و إَّن أجهزَة التكييف ُتشَّغ ُل قبل التاسعة‪ .‬وفي تمام العاشرة ظهَر موَّظف المبيعات‘‘‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬يرى كريم أَّنه كانت هناك العديُد من المِّيزات التي ساهَم ْت في بناء أساٍس متيٍن لبيئة أعماٍل قوَّية؛ فقدراُت‬
‫تجميع التكنولوجيا المحِّلَّية كانت ممتازة‪ ،‬وكان التعاُم ُل مع الجانب التنظيمِّي أسهَل مَّم ا كان ُيظّن ‪ ،‬كما أَّنه لم يواجه أَّية‬
‫حالِة فساٍد َقّط ‪ .‬بل يؤِّكُد كريم أَّن المهارات الفِّنَّية لدى عملائه من الجهات الحكومَّية كانت أفضَل من مهارات نظرائهم في‬
‫الهند‪ .‬فقد كانت لعمالقة التكنولوجيا‪ -‬مثل مايكروسوفت‪ ،‬وآي بي أم‪ ،‬وإتش پي (‪ ،)HP‬وِد ل (‪ -)Dell‬أفرٌع في ِم صَر منذ‬
‫سنين‪ ،‬بل أحياًنا منذ عقود‪ .‬أخبرني كريم‪’’ :‬كانت نقطُة الانطلاق موجودة‪ ،‬ولا سَّيما على صعيد الشركات الناشئة‪ .‬كان‬
‫الأساُس راسًخ ا‪ ،‬والآن يبني الجيُل الجديد بيئاِت أعماٍل بالاعتماد على نقاط قَّوته والتغاضي بكِّل بساطٍة عن نقاط‬
‫الضعف‘‘‪.‬‬
‫ُيقُّر الألفي أَّن من السهل أن نفِّكَر فقط في الَخ َلل الموجود في الشرق الأوسط‪ ،‬لكَّنه مفتوٌن حًّقا بما يحِّققه المصرُّيون‬
‫على الُّرغم من ُوجود هذا الخلل‪’’ .‬فِّكْر لَلْح ظٍة في الأمر؛ منذ الثورة ِع ْش نا دون ُوجوِد حكومٍة فعلَّيٍة مَّدة عام‪ ،‬ومع ذلك‬
‫تمَّكَّنا من العمل بشكٍل جِّيد‪ ،‬وحَّققنا الكثيَر خلال هذه الفترة‪ .‬بالَّتأكيد سُتشِّغ ُل الحكومُة الأنظمَة في نهاية المطاف‪ ،‬ولكْن‬
‫في هذه الأثناء كان أصحاُب الفكر الريادِّي يعملون على إنشاء شركاتهم الخاَّص ة‪ ،‬وحِّل مشكلاتهم‪ ،‬وبناء بيئات أعمالهم‬
‫بَص ْرف الَّنظر عن أِّي أمٍر آخر‘‘‪ .‬لم يتمَّكْن أَح ٌد من صياغة فكرة ظَّلْت على مسامعي خلال رحلاتي الكثيرة إلى المنطقة‬
‫سوى شخٍص سعودٍّي من أوائل المستثمرين‪ ،‬وذلك حين قال‪’’ :‬كُّل ما نحتاُج إليه هو القليُل من قصص النجاح‪ ،‬والنجاح‬
‫سيوِّلد نجاًح ا‪ُ .‬وجوُد تشريعات أفضل‪ ،‬وحاضناِت أعمال أكثر‪ ،‬وبنيٍة قانونَّيٍة أقوى‪ -‬كُّلها عوامُل ممتازة‪ .‬ولكِّني أرى أَّن الطلَب‬
‫هنا في الشرق الأوسط محدود؛ فالشركاُت الناجحة تبني بيئاِت أعمال ناجحة‪ ،‬والعكس صحيح‪ .‬الماُل متوافٌر هنا وبأيدي‬
‫المغتربين الأثرياء‪ ،‬وها هي النجاحات تبدأ؛ كُّل ما علينا فعُله هو إظهاُرها والاحتفاء بها‘‘‪.‬‬
‫يعتقد ُه ُر ِوتز أَّن ما تَّتسم به الأسواق المستقَّرة الناجحة من سرعة وفَّع الَّية في إتمام الأمور يجعُل لمثل هذه الأنظمة الراسخة‬
‫تأثيًر ا قوًّيا جًّدا بحيُث يصعُب استقطاُب أفضِل المواهب والكفاءات إلى الأسواق الناشئة‪’’ .‬وحَّتى في أميركا؛ رغم حصول‬
‫أموٍر مثيرٍة للاهتمام في أماكَن مثل نيويورك وغيرها من المدن‪ ،‬فإَّنها لا تزال أموًر ا صغيرًة نسبًّيا‘‘‪ .‬يتوَّقُف ُه ُر ِوتز لَلحظة ثَّم يتابُع‬
‫قائًل ا‪’’ :‬مع ذلك‪ ،‬يمكنني الَقوُل إَّن أَح َد أعظم التحِّديات التي تواجه بيئات الأعمال في الغرب هي الأفكار المكَّررة‪ ،‬إذ‬
‫تجُد الأشخاَص أنفَس هم َيدورون حول الأفكار ذاتها‪ ،‬بحيث تصيُر التوُّج هات والابتكاراُت المتشابهة َم صدًر ا للإ زعاج‪ .‬الأفكار‬
‫الجديدة والمبتكرة ستأتي من أماكن لم ُيرهْقها هذا الَّتكرار‘‘‪.‬‬
‫أَّكد لي كُّل َم ن قابلُته من مستثمرين ومنِّظمين لتواصل الريادِّيين ومكِّرمين لهم على اِّتفاقهم مع هذا التحليل‪ .‬يضُّم‬
‫أصحاُب الأفكار الجديدة ريادِّيي الأعمال المحِّلِّيين والإ قليمِّيين‪ ،‬والخبراَء المغتربين‪ ،‬وقادَة الأعمال ذوي الخبرة من بيئات‬

‫ًّد‬
‫أعماٍل مختلفة حول العالم‪ ،‬بحيُث يكوُن حجُم هم وتأثيُرهم المتنامي مذهًل ا جًّدا‪ .‬من المهِّم َفهُم َد وِر هؤلاء عند تقييم‬
‫الفرص الجديدة في الشرق الأوسط‪.‬‬

‫المستثمرون‬
‫خلال رحلتي إلى القاهرة في كانون الثاني‪/‬يناير ‪٢٠١١‬م‪ُ ،‬طلب مِّني المشاركة في لجنٍة تستضيُفها غرفة التجارة الأميركَّية‪.‬‬
‫كان من ضمن أعضاء الغرفة نخبٌة من أنجح قادة الأعمال في المنطقة ليشِّكلوا مجموعًة منسجمًة وجاَّد ًة وصارمة هدُفها‬
‫العمُل وتحقيُق الإ نجازات‪ُ .‬طلب مِّني أن ُألقَي خطاًبا أمام ثلاث مئة شخٍص من أولئك في قاعة فندق فور سيزونز‪ .‬وبينما أنا‬
‫منهمٌك في حديثي‪ ،‬لاحْظ ُت اهتمامهم المتزايد عندما رحُت أِص ُف الإ مكانات التي تحظى بها الشركات الناشئة التي‬
‫رأيُتها‪ ،‬وفجأًة تجَّلى أمامي أَّن في ُوسع رجاِل الأعمال والتنفيذِّيين الموجودين في هذه الغرفة تمويَل بيئة أعماٍل من الشركات‬
‫الناشئة في هذه الأَّيام دون أِّي َج هٍد ُيذَكر‪ ،‬ولكْن لم يبادر أٌّي منهم بتقديم أَّي مبلغ وإْن كان ضئيًل ا‪ .‬لا يزاُل هذا الترُّد د‬
‫َم وجوًد ا إلى يومنا هذا؛ فعندما اشترى الأمير السعودُّي الوليد بن طلال‪ -‬الذي تبلغ ثروُته أكثَر من ‪ ١٨‬مليار دولار‪ -‬أسهًم ا‬
‫بقيمة ‪ ٣٠٠‬مليون دولار في موقع تويتر‪ ،‬اكتَّظت صفحات الموقع نفسه بتغريدات من ريادِّيين شباب من المنطقة مَّم ن عَّبروا‬
‫عن الفكرة ذاتها‪’’ :‬عظيم‪ ،‬هل له أن يقِّدم ‪ ٪١٠‬من هذا المبلغ لشركاتنا الناشئة؟‘‘‪ .‬يمكُننا أن نفهَم ترُّد د المستثمرين في‬
‫تمويل الشركات الناشئة نظًر ا إلى تاريخ المنطقة من عدم الاستقرار السياسِّي والفقر والفساد‪ ،‬ولكَّن هذا لا يفِّس ُر لماذا تستمُّر‬
‫الثرواُت الطائلة الموجودة في المنطقة بَتمويل مشاريَع ضخمٍة في قطاع العقارات والطاقة وتشييد مدينٍة متكاملة مثل دبي في‬
‫قلب الصحراء‪ .‬قال لي أَح ُد المسؤولين الحكومِّيين الإ قليمِّيين بضحكٍة ساخرٍة ذاَت مَّرة‪’’ :‬الخبُر الجِّيُد هو أَّننا نملك المال‪،‬‬
‫ولكَّن الخبَر السِّيئ هو أَّن هذا الماَل َم وجوٌد في جيوبنا وغير مستَغ ّل ‘‘‪.‬‬
‫قال لي هاني السنباطي‪’’ :‬لقد قلَت الصواب تماًم ا‘‘‪ ،‬وذلك بعد أن أزاَل النرجيلة من فمه في أمسَّيٍة جميلٍة أمضيُتها معه‬
‫في أَح ِد المطاعم المطَّلة على نهر النيل‪ .‬السنباطي هو شاٌّب مصرٌّي تدَّرَب في لندن ويعمُل في مجال الاستثمار المصرفِّي ‪،‬‬
‫وشارَك الألفي في تأسيس شركة سواري لرأس المال المغامر‪ .‬ثَّم يتابُع قائًل ا‪’’ :‬إَّن تحُّف َظ الناس حول َم وضوع الاستثمار هو أمٌر‬
‫متأِّص ٌل في ثقافتنا‪ ،‬فَتجُدهم ُم قِبلين على امتلاك الأصول الثابتة‪ -‬أصوٍل كالعقارات يشعرون بأَّنها حقيقَّية‪ ،‬والتي في الأجواء‬
‫السياسَّية المبَه مة ُتعُّد أمًر ا ملموًس ا ويمكن الَع يش فيه‘‘‪ .‬ثَّم يواصُل حديَثه مبتسًم ا‪’’ :‬كما أَّننا نحُّب أن ُنظِه َر مدى نجاحنا‬
‫بالَّتباهي بآخر مبنى أو فندٍق أو مصنٍع امَتْلكناه‪ .‬يصعُب هنا أن تقول‪« :‬انُظر كم أنا شخٌص مهّم »‪ ،‬أو «انُقر الرابَط‬
‫الإ لكترونَّي لَتعرَف مدى أهِّمَّيتي»‘‘‪ .‬ضحك الألفي لاحًقا عندما سأُلته عن َقول السنباطي‪ ،‬وأجاَبني‪’’ :‬الفكرة الأساسَّيُة من‬
‫رأس المال المغامر هي أْن تأَم َل أَّنك اخترَت شركًة ناشئًة ناجحًة ‪ ،‬ولكْن لن تلقى جميُع هذه الشركات النجاَح المنشود بكِّل‬
‫تأكيد‪ ،‬ولا شَّك أَّن بعَض ها سَي عوُد إلى نقطة الصفر‪ .‬نحن العرَب لا نحُّب «الرجوع إلى نقطة الصفر»‪ ،‬ونمتعُض عندما‬
‫نفشل‪ ،‬فما بالك لو أَّنك علمَت أَّن هذا الفشَل يسود في كِّل مكاٍن في المنطقة‘‘‪.‬‬
‫يحظى الألفي برؤية استثنائَّية واِّطلاع واسع؛ فقد عاَش في الولايات المَّتحدة لأربعة عقوٍد تقريًب ا‪ ،‬مَّم ا أتاَح له الَّربَط ما‬
‫بين العقلَّية الأميركَّية والعقلَّية الشرق الأوسطَّية‪ .‬كما تمَّكن هو والسنباطي من إدراك أَّن هناك أمًر ا مختلًفا يحُدُث في الجيل‬
‫الجديد من ريادِّيي الأعمال قبل بداية الثورات العربَّية بفترٍة طويلة‪ ،‬إَّلا أَّن أحداَث ميدان التحرير أشعَلْت فتيَل الثورة في‬
‫بلدهم‪ ،‬وأثارْت معها مشاعَرهم الوطنَّية‪ .‬يقوُل الألفي‪’’ :‬لطالما عشَق المصرُّيون بلَدهم‪ ،‬لكَّنهم لم يشعروا َد وًم ا بأَّن هذه البلد‬
‫ُم لٌك لهم‘‘‪ ،‬ثَّم يتابع‪’’ :‬اختلَف الأمُر الآن؛ فالشعُب يشعُر بأَّنه يملُك القَّو َة والسلطة‪ .‬لقد َتظاَه روا مًع ا في سبيل الحصول‬
‫على حقوقهم وَتعاَو نوا مًع ا لحماية منازلهم وعائلاتهم‪ .‬هم مسؤولون عن مصر الآن‘‘‪ِ .‬بَدوره يضيف السنباطي أَّن هذه الأجياَل‬
‫الجديدَة تسيُر بسرعِة الإ نترنت‪ ،‬فُه م يرفضون انتظاَر الإ صلاحات والوقوف مكتوفي الأيدي أمام التحِّديات السياسَّية والتنظيمَّية‬
‫والاقتصادَّية الواضحة في المنطقة‪’’ .‬الجيُل الجديد قادٌر على تثقيف نفسه بنفسه والتغُّلب على الأنظمة الفاشلة‪ .‬إذ لم َيُع ْد‬
‫هذا الجيل يرضى أن يلَّقن ما لا يستطيُع أن يفعَله‪ ،‬بل صاَر يرى بنفسه عبر الإ نترنت ما يمكُنه أن ُينجَزه‪ .‬هم ُم تعِّطشون إلى‬
‫تحقيق الَّنجاح والحصول على التقدير‘‘‪ .‬يؤمن هؤلاء الشباب بأَّن مجتمَع الشركات الناشئة ُيغِّذ ي بيئاِت الأعمال ليس فقط‬
‫عبر توفير رأس المال؛ بل أيًض ا بَتوفير نطاٍق أوسَع من البنى التحتَّية التي ُتسهُم بتحقيق نجاحاٍت قابلٍة للَّتطوير والاستمرار‪.‬‬
‫وضَع ْت شركُة سواري لرأس المال المغامر هذا المنظوَر في حسباِنها عندما أَّس سْت شركة فلات‪٦‬لابس (‪ )Flat6Labs‬عام‬
‫‪٢٠١١‬م‪ ،‬لتكوَن أَّوَل ثمرٍة مَّم ا يمكُن تسميُته ’’ُم سِّرعات‘‘ شركات التكنولوجيا الناشئة التي باتت تظهر الآن في القاهرة‬
‫والإ سكندرَّية وجميع أنحاء الشرق الأوسط‪ُ .‬ص ِّم مت شركة فلات‪٦‬لابس على نسِق الشركات الأميركَّية مثل واي كومبينيتور‬
‫(‪ )YCombinator‬أو ستارت أپ ‪ )Startup 500( ٥٠٠‬أو دوغ پاتش لابس (‪ ،)Dog Patch Labs‬فهي عبارة عن مساحٍة‬
‫مكتبَّيٍة مفتوحة توِّفُر الدعَم لسبِع شركاٍت تكنولوجَّيٍة ناشئة لمَّدة ثلاثة أشهر‪ ،‬وذلك بَتوفير التمويل الأَّولِّي لتأسيس الشركة‪ ،‬وكِّل‬
‫ما يلزُم للشركة الناشئة من أجهزة حاسوب‪ ،‬واِّتصال بالإ نترنت‪ ،‬وتدريب‪ ،‬وخدمات الموارد البشرية الأساسَّية‪ ،‬والمحاسبة‪،‬‬
‫والخدمات القانونَّية‪ُ .‬يعَه ُد أسبوعًّيا إلى نخبٍة من ريادِّيي الأعمال وأساتذة كِّلَّيات إدارة الأعمال من القاهرة والعالم بَم هَّم ِة‬
‫إرشاد هذه الشركات الناشئة‪ ،‬وتقديم جلساٍت متخِّص صة حول مواضيع مثل التسويق‪ ،‬وتجِربة المستخدم‪ ،‬والدعاية الرقمَّية‪،‬‬
‫وإدارة المشاريع وغيرها من المواضيع المهَّم ة‪ .‬وسعًي ا منها إلى المساعدة في تمهيد الطريق لإ طلاق فلات‪٦‬لابس‪ ،‬بادرت‬
‫شركة سواري لرأس المال المغامر بالتبُّرع بطاَبٍق كامل في مبناها الحديث الواقع في الجيزة والمطِّل تماًم ا على نهر النيل‪.‬‬
‫كانت الجامعة الأميركَّية في القاهرة قد وَّقعت عقَد شراكٍة مع سواري قبل أَح َد عشر يوًم ا من أحداث ميدان التحرير‪ ،‬ولكْن لم‬
‫تَر الشركُة الأولى للشركِة الُّنوَر إَّلا بعد تسعة شهور‪ .‬أَّم ا المهَّم ة التالية التي كانت بانتظار سواري‪ ،‬فقد تمَّثلْت بالعثور على‬
‫الشخص المناسب لقيادة فلات‪٦‬لابس وإدارتها‪ .‬وبالفعل اسَتطاعوا العثوَر على ضاَّلتهم على موقع تويتر‪ .‬ففي نيسان‪/‬أپريل عام‬
‫‪٢٠١١‬م‪ ،‬كان رامز محَّم د‪ ،‬ابُن السابعة والعشرين عاًم ا‪ ،‬وخِّريج كِّلَّية الحاسوب في جامعة الإ سكندرَّية يستمتع بَثمِر مهنٍة‬
‫ناجحٍة في تصميم المواقع الإ لكترونَّية للشركات‪ ،‬وبعدها تطبيقات الهواتف النَّقالة لواحدٍة من أكبر بَّو ابات تطوير المحتوى‬
‫والتجارة الإ لكترونَّية في ِم ْص ر‪ .‬وُرغَم أَّنه لم يسبْق له أن سمَع بمفهوم ’’ُم سِّرع التكنولوجيا‘‘ (‪ )Tech accelerator‬حَّتى بدأ يتابُع‬
‫تغريدات السنباطي حول ميدان التحرير وريادة الأعمال‪ ،‬فقد بادَر بالرِّد على تلك التغريدات‪ ،‬وفي النهاية اَّتفَق الاثنان على‬
‫اللقاء وجًه ا لوجه‪ .‬وتحضيًر ا لهذا اللقاء‪ ،‬حَرَص محَّم د على دراسة جميع نماذج المسِّرعات الشائعة في الولايات المَّتحدة‪،‬‬
‫وعاد محَّم ًل ا بالأفكار التي يمكُن تطبيقها في ِم ْص ر‪ .‬وكان هو َم ِن اقترَح دورة الأشهر الثلاثة التي اعتمَدْتها شركُة فلات‪٦‬لابس‬
‫لاحًقا‪ ،‬بالإ ضافة إلى الفحص الدقيق لتطبيقات الإ نترنت والذي تَلْته فكرُة تسخير معسكراٍت تعمُل على مدار الساعة‬
‫لاستقطاب أفضل ريادِّيي هذا الجيل‪ .‬أراَد محَّم د أن يمنَح شركاِته أعلى درجٍة من التركيز؛ لذا رَّس َخ مفهوًم ا مشترًكا هو‪’’ :‬لا‬
‫ُيسَمُح بالتطُّرق لمواضيع الِّدين أِو السياسة‘‘ في أِّي نقاٍش يدوُر داخَل المكاتب‪.‬‬
‫إَّن العملَّية التي ابتكَرها محَّم د بسيطٌة وتتمَّتُع بتطُّور معَّين‪ .‬فمع بداية كِّل فصٍل من العام‪ ،‬تبدأ دروٌة جديدٌة يختاُر فيها‬
‫محَّم د وفريُقه سبعة أفكاٍر لشركاٍت ناشئٍة من بين مئات الأفكار المرَّش حة المقَّدمة على الموقع الخاِّص على الإ نترنت‪ .‬بعد‬
‫الانتهاء من مرحلة الاختيار‪ُ ،‬تزِّوُد شركة فلات‪٦‬لابس كَّل استثماٍر بمبلغ بالجنيه المصرِّي يعادُل ما بين ‪ ١٠.٠٠٠‬و‪١٥.٠٠٠‬‬
‫دولار أميركّي ‪ ،‬مقابل نسبٍة تتراوُح ما بين ‪ ١٠‬و‪ ٪١٥‬من ملكَّية الشركة‪ .‬تعمُل الفرق المختارة في المقِّر الرئيسِّي لشركة‬
‫فلات‪٦‬لابس‪ ،‬ومع نهاية كِّل أسبوع تعرُض هذه الفرُق التطُّوَر الذي أحرَزته داخلًّيا وأمام مجموعٍة من المستشارين والضيوف‪.‬‬
‫بعد ذلك يبدأ ما ُيسَّم ى بأَّيام العروض التوضيحَّية في نهاية كِّل دورة‪ ،‬والتي يتخَّللها تقديُم عروِض الفرق أمام مجموعاٍت من‬
‫خارج الشركة تتأَّلُف من مستثمرين وموِّج هين ووسائل إعلاٍم ومجتمع الأعمال‪ .‬بعد كِّل َد ورة تدوُم مَّدَة ثلاثة أشهر‪ ،‬تدعو‬
‫شركة سواري مسَتثِم رين آخرين لَتمويل الشركات الناشئة (وتجدُر الإ شارة هنا إلى أَّن شركة سواري تختاُر أن تكوَن مستثمًر ا‬
‫صامًتا أو مستثمًر ا مشارًكا في الإ دارة)‪ .‬وبمجَّرد انتهاء دورِة الشركة الناشئة‪ ،‬سيكوُن عليها مغادرُة موقع فلات‪٦‬لابس سواٌء‬
‫حصلْت على الدعم أم لم تحُص ل‪.‬‬
‫استضاَفْت فلات‪٦‬لابس مجموعًة متنِّوعًة من الشركات التي ُتغِّطي نطاًقا واسًع ا من المفاهيم‪ ،‬منها أدواُت التعاون عبر‬
‫الإ نترنت للشركات وعملائها‪ ،‬وخدمات الڤيديو عبر الإ نترنت والتي تتيُح إمكانَّيًة أكبَر للحصول على ِخ ْدماِت البرمجة حسب‬
‫الطلب‪ ،‬بالإ ضافة إلى ُم حِّركات التوصية الاجتماعَّية للمستهلك‪ ،‬والتي تفيُد المطاعَم وغيرها من مرافق الترفيه المحِّلَّية وغيرها‬
‫الكثير‪ .‬ففي مدينٍة وبلٍد يعانيان تحِّدياٍت كبيرًة على صعيد البنية التحتَّية‪ ،‬فإَّن العديَد من ريادِّيي الأعمال يعتقدون أَّن‬
‫المساراِت الرقمَّية هي الوصفُة الأكيدة للَّنجاح‪.‬‬
‫ومع ما يشهُده مجتمُع المستثمر المحِّلِّي الفاعل من تطُّو ٍر ونمٍّو متواصل‪ ،‬فإَّن ُخ َطَط الألفي والسنباطي ومحَّم د للعام‬
‫‪٢٠١٤‬م تتضَّم ُن إطلاق ‪ ١٠٠‬شركة ناشئة أو أكثر عبر فلات‪٦‬لابس‪ ،‬ويعتقدون أَّن المزيَد من الجهات الُم سِّرعة ستظهُر‬
‫وتتوَّس ُع كذلك‪ .‬استقطَب ْت فلات‪٦‬لابس منذ تأسيِس ها نخبًة من أكفأ الريادِّيين في قطاعاٍت متعِّددة في ِم ْص َر وضَّم ْتهم إلى‬
‫شبكتها من الموِّج هين والمتحِّدثين‪ .‬وقد نجَح هؤلاء بَتشغيل أربع َد ورات‪ ،‬والاستثمار في أربع وعشرين شركًة استمَّر معظُم ها‬
‫ليشارَك في َد وراٍت إضافَّية‪ .‬كما نَّظَم ِت الشركُة جولات لزيارة الولايات المَّتحدة‪ ،‬بالإ ضافة إلى جولٍة سريعة ُأطلقت في‬
‫القاهرة في خريف عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬وتخَّللْتها مفاجأٌة كبرى للشركات الناشئة حين زارتهم وزيرة الخارجَّية هيلاري كلينتون‪ .‬وما‬
‫يزال هناك بعض المفاجآت الجديدة‪ ،‬فعندما انتقَلِت الجامعُة الأميركَّية في القاهرة إلى مقَّرها الجديد الكائن في ضواحي‬
‫القاهرة عام ‪٢٠٠٨‬م‪ ،‬قَّررْت بيَع بعض مرافقها القديمة‪ .‬ومن تلك المرافق التي كان مرغوًبا فيها بشكٍل كبير في مبنى الجامعة‬
‫القديم ’’الحرم اليونانّي ‘‘ (‪)The Greek Campus‬؛ فمساحُته تمتُّد على ح كامٍل تقريًب ا من المدينة‪ ،‬وُيشِّكُل ثلَث مساحِة‬
‫ٍّي‬
‫الحرم الجامعِّي الكائن في المدينة القديمة‪ .‬ولهذا الموقع ُبعٌد تاريخٌّي واسع‪ ،‬إذ يمزج ما بين المباني الكلاسيكَّية الرائعة التي‬
‫تعوُد إلى القرن التاسع عشر‪ ،‬والمباني العصرَّية الحديثة التي ُتشِّكل مساحاٍت ممتازًة للمكاتب والمطاعم والمراكز الضخمة‪،‬‬
‫ناهيك بموقعه الممَّيز على مسافٍة قصيرة من نهر النيل‪ ،‬والمتحف الوطنّي ‪ ،‬وأَح د مراكز الأعمال الرئيسَّية بحيُث لا يمكُن أن‬
‫يكوَن هذا المكان أكثَر مرَك زَّيًة أو ملاءمًة ‪ .‬لكْن من جهٍة ُأخرى‪ ،‬هذا الموقع كائٌن على ُبعِد مرمى حجٍر من ميدان التحرير‪.‬‬
‫ومنذ ’’ثورة ‪ ٢٥‬يناير‘‘ صاَر أشَب َه بمكاٍن محظوٍر لا يمكُن الاقتراب منه‪ .‬ففي الذكرى السنوَّية الثانية للَّثورة‪ ،‬قذَف آلاُف‬
‫المحتِّج ين المكاَن بقنابل المولوتوڤ (‪ )Molotov‬وأضرموا الناَر وكَّس روا النوافَذ هناك‪.‬‬
‫كنُت أجلُس مع أحمد الألفي في أَح د المكاتب القانونَّية المريحة في مدينة نيويورك‪ ،‬في أواخر كانون الثاني‪/‬يناير‬
‫‪٢٠١٣‬م‪ ،‬بعد أن هدأت أعماُل العنف لفترة وجيزة‪ .‬وأخبَرني حينها بالقول‪’’ :‬لاحْت أمامي فرصة‘‘‪ ،‬وذهَب أحمد هناك‬
‫للَّتفاُوض حول الوثائق النهائَّية مع الجامعة الأميركَّية بالقاهرة لَتحويل الحرم اليونانِّي إلى مساحِة عمٍل مفتوحة صديقة‬
‫للتكنولوجيا الحديثة‪ ،‬وتتضَّم ُن مرَك َز بياناٍت وقاعَة محاضراٍت وحاضناِت أعماٍل ومكاتب تكنولوجَّيٍة تكوُن الأكبَر والأحدَث‬
‫على مستوى الشرق الأوسط‪ .‬وتابَع أحمد َقوَله بصراحة‪’’ :‬إْن كنُت مخطًئا‪ ،‬سأخسُر كَّل شيء‪ ،‬لكِّني لا أعتقد أَّن الرهاَن‬
‫ضَّد ِم ْص َر هو الِّرهاُن الصحيح‘‘‪.‬‬
‫وَّقَع أحمد عقَد إيجاٍر لمَّدة ‪ ٢٥‬عاًم ا لَتطوير الحرم وإدارته‪ ،‬وتبلُغ مساحُة الحرم ‪٢٥٠.٠٠٠‬م‪ ،٢‬وقد صاَر يضُّم اليوَم غرَف‬
‫محاَض راٍت قديمًة فخمة‪ ،‬ومكتبًة عصرَّية‪ ،‬ومرافَق للمحاضرات‪ ،‬بالإ ضافة إلى مطعٍم وباحٍة واسعة‪ ،‬وِفناٍء خلفٍّي مفتوح في‬
‫الهواء الَّطْلق‪ .‬تعتزم شركة غوغل رعايَة المساحة المكتبَّية المفتوحة المزَّودة بشبكِة اِّتصال لاسلكٍّي ُتتيُح فرصًة ِلِلقاء التقنِّيين‬
‫بعضهم ببعٍض‪ ،‬وَتباُد ِل الآراء والأفكار‪ ،‬وابتكار أفكاٍر جديدة‪ ،‬كما سُتنَق ُل شركُة فلات‪٦‬لابس إلى هناك‪ ،‬إلى جانب العديد‬
‫من الشركات التابعة لها وغيرها من شركات رأس المال المغامر‪ ،‬والجهات البارزة عالمًّيا في مجال التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬والتي‬
‫تنوي نقَل مكاتبها أو افتتاح مكاتَب لها هناك‪ ،‬مثل شركة أرامكس التي يمتلكها فادي غندور والتي تعتزم افتتاَح مرَكٍز‬
‫لخدمات الشحن لمساعدة الريادِّيين وشركات التجارة الإ لكترونَّية الناشئة على تسيير أعمالها بسهولة‪ .‬أَّم ا الجامعة الأميركَّية‪،‬‬
‫فهي أيًض ا تبحُث فكرَة إنجاِز أنشطٍة جديدة في القاهرة‪ ،‬منها تأسيس متحٍف علمٍّي للأطفال‪.‬‬
‫وفي ربيع عام ‪٢٠١٣‬م‪ ،‬بوِش َر العمل بالشراكِة التي ُأعلَن عنها في شهر شباط‪/‬فبراير ‪٢٠١٣‬م‪ .‬ومن جهته كان الألفي يأمُل‬
‫أن يباشَر الموقُع استقباَل الريادِّيين وأصحاب الأفكار المبتَك رة قبل نهاية عام ‪٢٠١٣‬م‪ .‬ثَّم قال لي بحماس وهو يريني عشراِت‬
‫الصور التي التقَطها من كل زاويٍة من زوايا الحرم‪’’ :‬إَّنه صرٌح تاريخٌّي رائع‪ .‬وسيساعُد على إنعاش منطقة وسط البلد بالكامل‪،‬‬
‫وسيجعُل منها مرَك ًز ا َج غرافًّيا مهًّم ا ُيعُّد من أهِّم عناصر بيئة الأعمال‘‘‪.‬‬
‫أسامة فَّياض رجٌل قوٌّي أصلُع ذو بنيٍة جسدَّية ضخمة‪ ،‬ويحلُم بتحقيق رؤيٍة مماثلٍة في بلده الأردّن ‪ .‬لم تأِت العقلَّية‬
‫المنهجَّية البحتة والقدرة الهائلة على البحث والتحِّري التي يمتلُكها هذا الرجل من فراغ؛ بل جاءت نتاَج سنين من العمل‬
‫بصفته أستاًذا ومحِّلَل بيانات‪ .‬وعادًة ما تعلو ابتسامٌة ودودٌة ملامَح ه الحاَّد ة‪ ،‬ويرافُقها شغٌف عميٌق ُتجاه بلده والتاريخ‬
‫الإ سلامِّي والِّش عر‪ .‬وحاُله حاُل الألفي‪ ،‬عاد أسامة إلى المنطقة بعد أن أمضى سنين عَّدة في الولايات المَّتحدة‪ ،‬ولكْن ما‬
‫يختلُف في حالة أسامة أَّن إقامَته كانت في سيليكون ڤالي حيُث أَّس َس وباَع العديَد من شركات التكنولوجيا والبيانات‬
‫الناجحة‪ ،‬وقد استحوَذ ْت على آخرها شركة ياهو التي عمل فيها لأكثر من أربع سنوات في منصب نائب الرئيس التنفيذّي ‪،‬‬
‫ورئيس دائرة البيانات‪ .‬يترَّأس أسامة حالًّيا شركة أويسس ‪ ،)Oasis 500( ٥٠٠‬وهي أَح د أوائل ُم سِّرعات شركات التكنولوجيا‬
‫الناشئة‪ ،‬وهي شركٌة خاَّص ٌة تحظى بَدعم الملك عبدالله الثاني الذي تحَّدى القطاَع الخاَّص بمعالجة الفجوات الموجودة في‬
‫بيئات الأعمال‪ ،‬والتي حاَلْت دون تمُّكن أعداد كبيرة من خِّريجي تكنولوجيا المعلومات الأردنِّيين من تأسيس شركاتهم‬
‫الناشئة‪ .‬تأَّس ست أويسس ‪ ٥٠٠‬في عام ‪٢٠١٠‬م بهدف توجيه الاستثمار وتسريعه في ‪ ٥٠٠‬شركة إقليمَّية ناشئة‪ ،‬بالإ ضافة إلى‬
‫تدريب ‪ ٤٥.٠٠٠‬ريادٍّي خلال سِّت سنوات‪ ،‬بالاعتماد على مبدأ جلسات المعسكرات (‪ .)Boot Camp Sessions‬يقوُل‬
‫فَّياض‪ُ’’ :‬تعُّد الشركُة الآن واحدة من أكبر الشركات الاستثمارَّية المسؤولة عن تدريب الشركات الناشئة واختيارها ودعمها في‬
‫مراحلها الأَّولَّية‪ .‬وسنكون في المرحلة التالية الشركَة الأبرَز في مجال تسهيل الاستثمار في المنطقة‪ .‬الاجتماعات واللقاءات‬
‫والمنافسات والإ رشاد‪ ،‬كُّلها أموٌر مهَّم ٌة وأساسَّية‪ .‬غير أَّنه لَتحديد درجِة نجاح الشركة من فشله‪ ،‬يجب أن تنجَح أَّوًلا في‬
‫الحصول على تمويٍل حقيقّي ‪ ،‬وتمهيد الطريق للعقلَّية المتطِّورة وثقافة العمل الجاّد ‘‘‪.‬‬
‫اختاَر فَّياض عَّم ان لتأسيس شركته مستفيًدا مَّم ا تزخُر به هذه المدينة من كفاءاٍت ُم دَّربة في مجال تكنولوجيا المعلومات‪،‬‬
‫بالإ ضافة إلى انخفاض تكلفة ممارسِة الأعمال نسبًّيا‪ .‬ويشيُر فَّياض إلى أهِّمَّية موقع الأردِّن الاستراتيج في قلب منطقٍة‬
‫ِّي‬
‫تشهُد نمًّو ا متسارًع ا‪ ،‬فيقول إَّن الأردَّن ’’مكاٌن رائٌع لإ طلاق الشركات الناشئة التي تستفيُد من نقاط القَّوة المح َّية والاستقرار‬
‫ِّل‬
‫السياسِّي والقانونِّي والتوُّج ه الرأسمالّي ؛ مَّم ا يجعُلها بيئًة ممتازة لتشغيل الشركات وتطويرها‘‘‪ .‬حَّققْت أويسس ‪ ٥٠٠‬إنجازاٍت‬
‫ُّق‬
‫لافتة؛ فمنذ تشرين الأَّول‪/‬أكتوبر ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬استثمرْت في ‪ ٥٤‬شركًة ‪ -‬وهو إنجاٌز أكبُر بكثير من توُّقعاتها التي كانت محَّددًة‬
‫بمقدار ‪ ٣٢‬شركًة فقط‪ -‬وذلك ضمَن ‪ ١٧‬صًّفا أو ’’موجًة ‘‘ استغرقْت كٌّل منها خمسَة أسابيع‪ .‬وقد تمَّكنْت عشرون من هذه‬
‫الشركات من الحصول على استثماراٍت متعاقبة خلال أربعِة إلى خمسِة أشهر من إطلاقها مقابل تقييمات تتراوح ما بين ثلاثة‬
‫وعشرة أضعاف قيمِة استثماراتها الأَّولَّية‪ .‬وترَّكزْت أغلب المشاريع في مجال المحتوى الرقمِّي والمتنِّقل والتجارة الإ لكترونَّية‪.‬‬
‫وقد ُد ِّرَب ما يزيُد على ‪ ٧٠٠‬ريادّي ‪ ،‬رغم أَّن توُّقعاِت الشركة لم تتجاَو ْز ‪ ١٥٠‬ريادًّيا‪ .‬كما ُع قدْت جلساٌت إضافَّية لريادِّيين في‬
‫رام الله‪ِ ،‬فَلسطين‪ .‬يؤِّكُد أسامة على أهِّمَّية الثقافة قائًل ا‪’’ :‬لا يمكُننا التقليل من شأن الثقافات وما لها من تأثيٍر نافذ‪ .‬في‬
‫سيليكون ڤالي يؤمُن الريادُّيون الناجحون بأهِّمَّية َغ ْرِس أخلاقَّياِت عمٍل قوَّية منذ البداية‪ ،‬ويحسبوَنه أمًر ا مفروًغا منه‪ ،‬كما يولون‬
‫أهِّمَّية عظمى للُّس رعة والَّتكرار‪ ،‬وضرورة تخِّطي الإ خفاقات بسرعة‪ ،‬والُم ِض ِّي ُقُد ًم ا مع الاستفادة من الدروس المستقاة من‬
‫تلك الإ خفاقات‪ .‬وهذه العقلَّيُة ليست العقلَّيَة المنتشرة في منطقتنا بتاًتا‘‘‪ .‬يصمُت لفترٍة قصيرة ثَّم يتابُع تعلو وجَه ه ابتسامٌة‬
‫عريضة‪’’ :‬إَّنها منتشرٌة وشائعٌة في أويسس ‪ ،٥٠٠‬وتقِّد ُم نموذًج ا جِّيًدا لبيئة أعماٍل أشمَل في الأردِّن ومختلف أنحاء الشرق‬
‫الأوسط‘‘‪.‬‬
‫من أبرز الأفكار والتأُّم لات التي طرَح ها فَّياض كانت هذه‪ :‬على الُّرغم من ُوجود مواهَب قوَّيٍة ورغبٍة أكبَر للتعُّلم في الأردِّن‬
‫وباقي الدول‪ ،‬فإَّن دورات التلقين التي ُتسَتوَرُد من أميركا لم ُتثبْت فَّع الَّيتها الكبيرة على الصعيد المحِّلّي ‪ .‬لقد أدرك فَّياض هذا‬
‫الأمَر للمَّرة الأولى عندما جاء اثنان من ريادِّيي الأعمال الِف َلسطينِّيين وأبدوا استعدادهم لعقد ندوٍة مستوحاة من كتاب جيوفري‬
‫مور (‪ )Geoffrey Moore‬الذي يحمُل عنوان ’’عبور الهوَّة‘‘ (‪ .)Crossing the Chasm‬يناقُش مور في كتابه استراتيجَّيَة َطْرح‬
‫المنتجات التي تقِّد ُم تقنَّياٍت جديدًة أماَم مجموعاٍت محَّددٍة مبدئًّيا بدًلا من َو ضِع ها بين أيدي الأغلبَّية العظمى من‬
‫المستخدمين منذ البداية‪ ،‬لكْن مع مراعاة ضرورة تحديِد كيفَّية تجسير الثغرات والُوصول إلى مرحلِة َطْرح المنتج للأغلبَّية‬
‫الأَّولَّية‪ .‬كان فَّياض على اِّطلاع جَّيد بمحتوى الكتاب؛ فقد استخدَم المنهجَّية التي يتناولها الكتاب في شركاته الناشئة‪ ،‬كما‬
‫استعاَن بالمؤِّلف نفِس ه بصفِة مسَتشاٍر للُم ساعدة على تدريِب فريِق المبيعات في إحدى شركاته‪ .‬وما دام مَّتفًقا مع الدروس‬
‫التي يقِّد ُم ها الكتاُب لتجزئة الأسواق والتركيز على تطوير المنتجات‪ ،‬فقد خطَر في باله الأمَر التالي‪ِ’’ :‬لَم لا أستعيُن بهذه‬
‫الأفكار هنا؟‘‘‪.‬‬
‫حَض ر أسامة الجلسة بأكملها‪ ،‬وفي عَّدة مناسباٍت كاَد أن يقَع من َه ول الَّدهشة‪ .‬فلمَّدة أربع ساعات متواصلة‪ ،‬استمَع‬
‫إلى نماذج محِّلَّية من أفكاِر مور‪ ،‬حيث ُطرحْت دراساٌت مسَتوحاٌة من مواقَف واجَه ها الريادَّيان في حياتهما اليومَّية‪ ،‬مع‬
‫فروقاٍت ثقافَّيٍة بالكاد يمكُن إدراُكها‪ ،‬ولغٍة عربَّية عاِّمَّية بسيطة‪’’ .‬أدركُت أَّن هذين الشاَّبين ُينجزان في ساعاٍت قليلة أكثَر مَّم ا‬
‫يمكنني تقديمه إليهما خلال تدريب الأَّيام الخمسة‪ .‬لقد أمضيُت سنواٍت في سيليكون ڤالي‪ ،‬ولكْن في ذاك اليوم تحديًدا‬
‫تعَّلمُت أَّن تمكيَن هذا النظام لن يكوَن بَتوفير الماَّد ة المهَّم ة وتعليمها؛ بل بالوسائل المستخدمة لإ يصالها ضمَن المحتوى‬
‫الصحيح‘‘‪ .‬بدأْت أويسس ‪ ٥٠٠‬تطِّوُر المزيَد والمزيد من مواِّد ها التعليمَّية الخاَّص ة‪ .‬يقول فَّياض‪’’ :‬لا أنكر أَّن الأمواَل التي‬
‫نستثمُرها مهَّم ة لهذه الشركات الناشئة‪ ،‬لكَّن الإ رشاَد والتسريَع المناسب هما نقطُة انطلاق بيئة الأعمال ونجاحها‘‘‪.‬‬
‫من جهٍة ُأخرى‪ ،‬يعتقُد أسامة أَّن جزًءا كبيًر ا من الفرصة المتاحة لشركات التكنولوجيا الناشئة في المنطقة يكمُن في أَّوًلا‬
‫في يد الارتجالِّيين؛ وهم الأشخاص الذين يستفيدون من الفرص التي أثبَتْت نجاَح ها في الغرب‪ ،‬ويستثمرون فيها على أساس‬
‫ذلك النجاح‪ .‬كما يوافُق على ُوجوِد عوامَل عديدٍة خلف التجارة الإ لكترونَّية‪ .‬يشير بَي ديه تعبيًر ا عن يأسه ويقول‪’’ :‬في عام‬
‫‪٢٠١١‬م‪ ،‬بلَغ حجم قطاع التجارة الإ لكترونَّية عالمًّيا ‪ ٧‬تريليون دولار‪ .‬أتعلم كم كانت ِح صته في السوق العربَّية الذي يزخر‬
‫بما يزيد على ‪ ٣٥٠‬مليون عربٍّي يتحَّدثون العربَّية؟ أقَّل من ‪ ٣٠٠‬مليون دولار!‘‘ بالِّنسبة إلى فَّياض‪ ،‬هذه الفجوة الكبرى لا‬
‫تعني أكثَر من ُوجود فرصٍة مواتية‪ .‬يقِّد ُم فَّياض مثاًلا على ذلك ويستشهُد باستثماراته في موقٍع منافٍس لبَّو ابة التجارة الإ لكترونَّية‬
‫سوق دوت كوم (‪ )Souq.com‬وهو ماركا ڤي آي پي (‪ .)Markavip.com‬كان فَّياض يعرُف مؤِّس س الموقع أحمد الخطيب‪،‬‬
‫ويكُّن له الاحتراَم والإ عجاَب منذ أن كان يعمُل موَّظًفا في موقع متخِّص ص بالهدايا في سيليكون ڤالي‪ ،‬وهو زازل دوت كوم‬
‫(‪ .)Zazzle.com‬عاَد الخطيب إلى وطنه الأردِّن عاقَد العزم على بناء شركة ناشئة وتطويرها بسرعة بمصادر تمويٍل ضخمة‪.‬‬
‫وخلال عام واحد‪ ،‬تبلَوَر الحُلم إلى حقيقة‪ .‬وبعد أن بدأ بسبعة موَّظفين فقط وتمويل أَّولّي ‪ ،‬جمَع الخطيب أكثَر من ‪١٥‬‬
‫مليون دولار ولديه الآن ما يزيُد على ‪ ٣٥٠‬موَّظف‪ .‬يقول أسامة‪’’ :‬لم نسَم ْع في المنطقة عن َج ْم ع هذا المبلغ من المال بهذه‬
‫السرعة وخلال فترة زمنَّيٍة قصيرة‪ .‬ولكَّن أحمد تمَّكَن من تحقيق النمِّو الحقيقِّي ومضاعفة الإ يرادات كَّل شهر؛ الأمر الذي‬
‫فتح أعُيَن العديد من المستثمرين سواٌء المحِّلِّيين أم الآتين من أميركا وأوروپا مَّم ن طاَلبوا بأن تكوَن لهم ِح َّص ٌة في َج ولات‬
‫تمويل الاكتتاب‪ .‬وهذا مثاٌل عظيم على حجم الفرص غير المستغَّلة في قطاع تكنولوجيا المعلومات في الشرق الأوسط‘‘‪.‬‬
‫تحُدُث أنشطُة بناء بيئات الأعمال في كِّل مكان‪ ،‬حَّتى في السعودَّية؛ الدولة التي‪ -‬كما نعرُف جميًع ا‪ -‬تحظُر قيادَة‬
‫المرَكبات على نصف سَّكانها‪ .‬إذا ما استعَرْض نا الأرقاَم الفعلَّية نجُدها لافتًة وتتفَّوُق على أِّي جزء من المنطقة خارَج دول‬
‫الخليج؛ أَّم ا نسبُة اختراق الإ نترنت فقد اقتربت من حاجز ‪ ٪٥٠‬عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬وتجاوز انتشاُر الهواتف النَّقالة ما نسبُته ‪،٪٢٠٠‬‬
‫في حين اسُتخدَم ِت الهواتُف الذكَّية بنسبٍة تصُل إلى ‪ ٪٣٠‬تقريًب ا‪ .‬كما يبلُغ عدُد ُم ستخدمي موقع فيسبوك أكثَر من أربعة‬
‫ملايين مستخدم‪ ،‬وُتعُّد البَّو ابُة الرياضَّية كوورة دوت كوم (‪ ،)Kooora.com‬التي تَّتخُذ من السعودَّية مقًّر ا لها‪ ،‬واحدًة من أهِّم‬
‫المواقع الإ لكترونَّية وأكثرها زيارًة على مستوى العالم بأكثر من مليون زيارٍة لصفحتها شهرًّيا من الشرق الأوسط وحَده‪ .‬علاوة‬
‫على ذلك‪ ،‬حَّققِت السعودَّية أعلى نسبة استخدام لموقع يوتيوب (‪ )YouTube‬للفرد الواحد على مستوى العالم بأكثر من‬
‫‪ ١٨٠‬مليون مشاهدٍة شهرًّيا‪ ،‬وفوق كِّل ذلك‪ ،‬تفخُر بُوجود أكبر بَّو ابٍة إلكترونَّية مخَّص صٍة للسِّيدات على صعيد المنطقة وهي‬
‫عالم َح َّو اء (‪ )HawaaWorld‬والتي تحظى بما يزيُد على ‪ ١٠٠‬مليون مشاهدٍة شهرًّيا‪ .‬وبمعَّدل دخٍل يصُل إلى ‪ ٢٤.٠٠٠‬دولار‬
‫سنوًّيا للفرد الواحد؛ واحتمالَّية ُوصوِل حجم أسواق التجارة الإ لكترونَّية إلى ‪ ١٦‬مليار في العقد المقبل‪ ،‬كان من الصعب أن‬
‫ألتقَي رجًل ا يعمل في استثمار رؤوس الأموال في الشركات الناشئة في المنطقة‪ ،‬ولا يحاول البحَث عن الطريقِة المثلى‬
‫للاستفادة من الفرص المتاحة هناك‪.‬‬
‫في الإ طار ذاته‪ ،‬لا بَّد أن نأتي على ِذ ْكِر شركِة المبادرات الوطنَّية للإ نترنت أن تو ڤي (‪ )N2V‬التي ُتعُّد اليوم واحدًة من أهِّم‬
‫بناة بيئات الأعمال التي تأَّس سْت في السعودَّية وتَّتخُذ من الرياض مقًّر ا لها‪ ،‬وبدأْت بوصفها جزًءا من المجموعة الوطنَّية‬
‫للتكنولوجيا؛ والتي ِبَدوها هي أكبُر شركٍة قابضة لتكنولوجيا المعلومات في المنطقة‪ .‬تتأَّلُف أن تو ڤي من ‪ ٢٥‬شركًة مستقَّلًة ‪،‬‬
‫وتحِّق ُق إيراداٍت سنوَّيًة تتجاوُز ‪ ٧٠٠‬مليون دولار‪ُ .‬أِّس ست الشركُة بمجهوٍد عائلٍّي عام ‪١٩٨٥‬م بوصفها شريًك ا وموِّزًع ا حصرًّيا‬
‫لأبرز شركات التكنولوجيا العالمَّية‪ -‬مثل إتش پي ومايكروسوفت وِد ل‪ -‬في أنحاء العالم العربّي ‪ .‬وفي عام ‪٢٠٠٣‬م‪ ،‬بدأوا‬
‫يستثمرون في َفضاء الإ نترنت‪ ،‬إلى أن ُأطلَق ْت أن تو ڤي رسمًّيا عام ‪٢٠٠٩‬م لتعمَل بوصفها مظَّلًة لاحتضان هذه الشركات‬
‫وتوسيعها في مجال خدمات الإ نترنت الاستهلاكَّية‪ ،‬والتجارة الإ لكترونَّية‪ ،‬وتطبيقات الهواتف النَّقالة‪ُ .‬تعُّد أن تو ڤي المالَك‬
‫والمشِّغ َل لشركاٍت ناشئٍة أكثَر منها شركًة لرؤوس المال الاستثمارَّية‪ .‬وعلى الَّنهج نفسه الذي يتبُع ه مؤِّس س شركة مكتوب‪،‬‬
‫سميح طوقان في شركته جَّبار‪ُ ،‬تعنى أن تو ڤي بإيجاد الشركات وإطلاقها عبر توفير المواهب والأفكار المبتَك رة‪ ،‬وأخِذ ِح َّص ة‬
‫الأغلبَّية وذلك بعد َم نح الإ دارِة حقوَق الملكَّية وتسخير الخدمات الأساسَّية للشركة مثل الخدمات الفِّنَّية والقانونَّية والمحاسبة‪.‬‬
‫إلى جانب الرياض‪ ،‬تملُك الشركُة مكاتَب في دبي وعَّم ان والقاهرة وبيروت والمنامة وسيليكون ڤالي‪.‬‬
‫على الُّرغم من منهجه العملِّي والواقعِّي البحت الذي يعتمد على البيانات‪ ،‬فإَّن رشيد البَّل اع‪ ،‬مؤِّس س الشركة ورئيَس ها‬
‫التنفيذّي ‪ُ ،‬يبدي استعداًد ا تاًّم ا لتقُّبل أِّي توُّج ه يَّتخُذ ه الجيل الجديد في مجال التكنولوجيا في الشرق الأوسط‪ ،‬كما أَّنه‬
‫مستعٌّد لاِّتباع ذاك التوُّج ه‪ .‬منذ تأسيسها عام ‪٢٠٠٣‬م‪ ،‬قاد البَّل اع الشركة عبر العديد من مراحل الكِّر والفّر‪ .‬ويتذَّكر البدايات‬
‫فيقول‪’’ :‬لقد مرْرنا بالكثير من التجارب والأخطاء في استكشاف عالم الأعمال عبر الإ نترنت في منطقة الشرق الأوسط‬
‫وشمال أفريقيا‘‘‪ .‬لكَّنهم حَّققوا‪ ،‬من جهٍة ُأخرى‪ ،‬العديَد من النجاحات بما فيها ابتكاُر واحدٍة من أكبر شبكاِت الإ علان‬
‫والتحليل الإ لكترون في المنطقة وهي نت أدڤانِتج (‪ )Net Advantage‬وأداة الدفع المال الإ لكترون ون كارد (‪)One Card‬‬
‫ِّي‬ ‫ِّي‬ ‫ِّي‬
‫بالإ ضافة إلى موقع ُم باشر (‪ )Mubashar‬المختِّص بَتغطية أخبار البورصات وحركة الأسهم‪ ،‬والذي يحتُّل اليوَم مكانًة رائدًة‬
‫تضُع ه في مصافي مواقع عالمَّية مثل بلومبيرغ (‪ ،)Bloomberg‬وهو اليوم أكبُر وجهٍة في الإ مارات‪ .‬تَلْت ذلك تجاِرُب إلكترونَّية‬
‫ناجحة في فئاٍت ُأخرى منها موقع المرأة الممَّيز عالم حَّو اء‪ .‬قال لي البَّل اع‪َ’’ :‬أحِرُص عادًة على توضيح الصورة لرجال‬
‫الأعمال والِّرياديين في السعودَّية والمنطقة‪ ،‬وُأوِّكُد لهم أَّن ريادة الأعمال لا تنطوي على مخاِط َر وتحِّدياٍت كما يعتقدون‘‘‪ .‬ثَّم‬
‫أضاف‪’’ :‬ما الذي يمكُن أن تخسَره حًّقا؟ حَّتى إْن لم تنَج ِح الشركة الناشئة؛ فستكوُن قد حصْلَت على خبرٍة وتدريٍب على‬
‫مدى عاَم ين‪ ،‬ولو براتٍب أقّل ‪ .‬لا ُيحتَم ُل أن تدخَل السجن أو أن تخسَر منزلك مثًل ا‪ ،‬بل على العكس سيكون من السهل‬
‫عليك أن تجَد وظيفًة ممتازًة براتٍب عاٍل نتيجًة للَّطلب الكبير في السوق‘‘‪ .‬ثَّم يؤمئ البَّل اع بذكاء‪’’ :‬لا يمكنك تفويُت‬
‫الفرصة لمجَّرد أَّنك لم تحاوْل مجَّرد محاَو لة‘‘‪.‬‬
‫باَتْت شركات جَّبار وسواري ڤنتَش رز وأويسس ‪ ٥٠٠‬وأن تو ڤي‪ -‬تحتُّل اليوَم مرَك ًز ا ريادًّيا يضُع ها في طليعة الأنشطة‬
‫الاستثمارَّية النامية‪ .‬وبحسب َقول إميل قبيسي من شركة أكسليريتر تكنولوجي القابضة (‪،)Accelerator Technology Holding‬‬
‫وهو ريادٌّي آخر في بيئات الأعمال في الأردِّن والشرق الأوسط‪ ،‬فإَّن الأسواق تترَّقُب إطلاَق نحو عشرين شركًة محِّلَّيًة وإقليمَّيًة‬
‫متمِّيزة في المستقبل القريب‪ .‬أَّس َس فَّو از الزعبي شركة أكسليريتر تكنولوجي القابضة‪ ،‬وتقَّلَد منصب وزير الاِّتصالات وتكنولوجيا‬
‫المعلومات في الحكومة الأردنَّية عام ‪٢٠٠٥‬م‪ ،‬ويمتلك ‪ ٢٨‬استثماًر ا من مرحلة الشركات الناشئة ُوصوًلا إلى شراكاٍت في‬
‫الولايات المَّتحدة مثل سيليكون بادية (‪ .)Silicon Badia‬وتسعى هذه الشركة إلى مساعدة استثماراتها بالارتقاء إلى مستًوى‬
‫يمِّكنها من التنافس على مستًوى عالمّي ‪ .‬قال لي فَّو از‪’’ :‬سنشهُد عقَد المزيد من الصفقات بقيمة تتراوح ما بين مليوَنين‬
‫وعشرة ملايين دولار في العام أو العاَم ين المقبَلين‪ ،‬وسُتنجُز هذه الصفقات‪ -‬أو على الأقِّل جزٌء منها‪ِ -‬بَدعٍم ومساهمٍة من‬
‫مستثمرين من الخارج مَّم ن يبحثون عن فرٍص سانحة في المنطقة‘‘‪ .‬ورأينا بالفعل أَّن مستثمرين عالمِّيين يدخلون المنطقة مثل‬
‫تايغر غلوبال مانيجَم نت (‪ ،)Tiger Global Management‬وجنرال أتلانتيك (‪ )General Atlantic‬وساميت پارتنرز(‪Summit‬‬

‫‪ )Partners‬وجاي‪ .‬پي مورغان‪ ،‬ومساهمتهم في عشرات الملايين خلال شهر كانون الثاني‪/‬يناير ‪٢٠١٣‬م‪ .‬حَّتى إَّن شركة‬
‫كلاينير پيركنز (‪ )Kleiner Perkins‬الأسطورَّية لريادِّي شركات تمويل المشاريع پالو ألتو اختاَرْت إسطنبول لتحظى بصورٍة أوضَح‬
‫لدراسة منطقة الشرق الأوسط‪ ،‬كما بادرت صناديُق سيادَّيٌة ضخمة مثل جهاز أبوظبي للاستثمار بافتتاح ذراٍع استثمارَّيٍة في‬
‫المنطقة‪.‬‬
‫إْن كان النجاح يوِّلُد نجاًح ا‪ ،‬فمن الممكن أيًض ا أن ُيثمَر عن تحِّدياٍت جديدة‪ .‬تحَّدثُت مع فَّياض بشأن ما لاحظُته من‬
‫توزيع غير متكافئ لرأس المال الذي يتزايد في المراحل الأولى والأخيرة‪ ،‬بينما يتناقُص بل يتضاَءل في المرحلة الوسطى‪ .‬تماًم ا‬
‫كما توحي شخصَّيته‪ ،‬شرَح لي الأمَر بُوضوح وقال دون أن يبتسم‪’’ :‬ببساطة هي حالٌة من الإ مساك الاقتصادّي ‘‘‪ .‬ثَّم أضاف‪:‬‬
‫’’هذه الكِّمَّية المهولُة من الأفكار الإ بداعَّية الجميلة والطاقة والموهبة لا يمكُن أن تُمَّر إلى المرحلة النهائَّية دون تواُفر رأس ماٍل‬
‫ما بين المرحلَتين؛ وهذا ما ُيطِلقون عليه في أميركا سلسلَة دورات ’’أ‘‘ و’’ب‘‘ و’’ج‘‘‪ ،‬بحيُث ينتظر رأس مال المرحلة النهائَّية‬
‫لحين العثور على صفقاٍت مناسبة يمكن توظيفه فيها‘‘‪ .‬غير أَّن هذا أيًض ا يتغَّيُر لأسباٍب مثيرٍة للاهتمام‪ .‬وفي الوقت الذي‬
‫تبقى فيه أسواق العقارات والأسهم الإ قليمَّية ضعيفة؛ وتستمُّر الشركات بالنجاح‪ ،‬يواصل فَّياض باهتماٍم وحماٍس أكبر‪’’ :‬هي‬
‫عاصفٌة رائعٌة من مستثمرين يقولون لا أراضي وعقارات ولا أسهم‪ ،‬رَّبما حاَن الوقت لَد ْع م هؤلاء المبتدئين الذين يستكِش فون‬
‫مستقبَل التكنولوجيا‪ ،‬والذين يملكون معَّدلاِت نمٍّو استثنائَّيًة في الانتقال عبر مراحِل حصد التمويل من مرحلٍة إلى أخرى‘‘‪.‬‬
‫هنا لا بَّد من الحديث بشأن عارف نقفي‪ ،‬وهو مبتكٌر مشارك وممِّول لمبادرة الاحتفاء بالِّريادة‪ ،‬كما يمتلُك أبراج كاپيتال‬
‫التي غالًب ا ما تستثمُر في المنشآت المتوِّس طة إلى كبيرة الحجم في الأسواق الناشئة‪ .‬لقد كَّرس هذا الشخُص كًّم ا هائًل ا من‬
‫الموارد والوقت لبناء جسوٍر بدًءا من المراحل الأَّولَّية وحَّتى النهائَّية‪ .‬بالنسبة إلى عارف‪ ،‬فإَّن هذه حقبٌة مهَّم ٌة من التاريخ‬
‫حيث يقول‪’’ :‬يتمَّتُع هؤلاء الشباب بتطُّلعاٍت عميقٍة ليحَظوا بحياٍة أفضل‪ ،‬كما أَّنهم على قدٍر كبيٍر من العلم والثقافة‪،‬‬
‫ويمتلكون وسائَل أفضَل للَب قاء على تواُص ٍل مع العالم‪ ،‬كما أَّنهم على ِد رايٍة واسعٍة بالقضايا السياسَّية‪ ،‬وعلينا أَّلا ننسى‬
‫إحساَس هم بالعَّزة والكرامة الوطنَّية والذي يفوق ما يعتقُده الناس‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإَّن هؤلاء الشباب تَّو اقون إلى المشاركة بَتقرير‬
‫مصيرهم‪ .‬أطِلقوا الِع ناَن لهم وقِّدموا إليهم الدعم الذي يرغبون فيه وكما يرغبون‪ ،‬فتصيَر العوائق الهيكلَّية بمرور الوقت مجَّرَد‬
‫فكرٍة من الماضي‘‘‪.‬‬

‫الجهات الُم كِّرمة للريادِّيين‬


‫شارَفْت على النهايِة واحدٌة من أكثِر الَّلحظاِت إثارة‪ -‬إْن لم يكن أكثَرها تحريًك ا للمشاعر‪ -‬في مبادرة الاحتفاء بالِّريادة التي‬
‫استْه َلْلُت بها رحلتي‪ .‬كان التجُّمُع في معظم أجزائه بعيًدا عن َكونه مؤتمًر ا‪ ،‬بل تخَّلله عدٌد من الجلسات المرَك زَّية دون‬
‫خطاباٍت رئيسَّية‪ .‬جرْت معظُم الإ ثارة والتفاعل خلال جلسات الاستراحة؛ حيث ُطرَح ْت هناك مواضيُع متنِّوعة مثل‪’’ :‬كيف‬
‫تؤِّس س شركة‘‘‪ ،‬و’’أفضل عشرة أخطاء‘‘‪ ،‬و’’آخر الاختراقات التكنولوجَّية‘‘‪ .‬ولكْن بنهاية الاجتماع‪ ،‬لم تبُد على المضيف‬
‫عارف نقفي علاماُت الرضى‪.‬‬
‫ورغم أَّنه اختتَم الاجتماَع بحماٍس واضٍح ‪ ،‬فإَّنه نَّبه إلى أهِّمَّية الَّزَخ م وتأثيره الضخم‪ .‬من ثَّم تحَّدَث بشأن الإ جراءات‬
‫الملموسة الكفيلة ببناء بيئات الأعمال في المنطقة‪ ،‬والتي تتضَّم ن َج هًدا مشترًكا يحتاُج إلى مساعدة جميع الحاضرين في‬
‫المؤتمر‪ .‬طرَح عارف فكرًة أطلق عليها اسم ’’ومضة‘‘‪ ،‬ثَّم أضاَف أَّن المنطقة تحتاُج إلى مثل هذا المورد الذي يقِّد ُم في أَح د‬
‫أجزائه بوَتقًة من الأفكار المتعِّلقة بالتعُّلم والتوُّج هات الريادَّية للشرق الأوسط‪ ،‬كما يعرُض أفضَل الأخبار والمعلومات عن‬
‫الشركات الناشئة في المنطقة‪ ،‬وسيَر عملَّيات التمويل في جزئه الآخر‪ .‬عقَب تعريف فكرة ومضة‪ ،‬طلَب عارف من الحشد‬
‫التطُّوَع والتعُّه َد بَد ْع م هذه الفكرة‪.‬‬
‫وكما هو متوَّقع‪ ،‬كان صديُقه فادي غندور أَّوَل من تقَّدم وعرَض خدماته لدعم الفكرة والارتقاء بها‪ .‬لم يكن غندور وحَده‪،‬‬
‫بل انضَّم إليه عشرات الريادِّيين والشركات والمستثمرين لتقديم خدماتهم أمام حشٍد زاد على ألَفي شخص‪ .‬في تلك اللحظة‪،‬‬
‫تحَّولْت ومضة من مجَّر ِد ُح ُلم إلى واقٍع ملموٍس هو موقع ومضة دوت كوم (‪ .)Wamda.com‬طلبوا مِّني العمَل بصفة مستشاٍر‬
‫لهذه الشركة‪ ،‬وبعد عاٍم حافل بالتجارب الناجحة‪ ،‬اسَتقَدموا شاًّبا موهوًبا لَي قوَد دَّفة التطوير والريادة‪ ،‬هو حبيب حَّداد‪.‬‬
‫سمعُت الكثير عن حَّداد‪ ،‬وهو شاٌّب لبنانٌّي في الثلاثينَّيات من العمر وُم قيم في بوسطن‪ .‬طَّور مؤَّخ ًر ا يملي (‪ ،)Yamli‬وهو‬
‫من أهِّم محِّركات البحث العربَّية على الإ نترنت‪ ،‬والتي ُتعنى بكتابة الُّلغة بحروِف لغٍة ُأخرى‪ ،‬كما كان له َد وٌر بارٌز بصفته‬
‫ُم دِّو ًنا معروًفا خلال الثورات العربَّية الأخيرة‪ .‬التقيُته أَّوَل مَّر ٍة في مقهى پيت (‪ )Peet‬بالقرب من ساحة هارڤرد في يوٍم من أَّيام‬
‫بوسطن الباردة جًّدا‪ ،‬حيُث اقترَب مِّني بقامته الطويلة والنحيلة ورأِس ه الحليق دون أن يضَع قبعًة أو حَّتى معطًفا‪ .‬يمتلُك حَّداد‬
‫ذلك الحَّس من المثابرة وسرعة الأداء التي ِبُّت ألمُس ها لدى العديد من الشباب اللبنانِّي الريادِّي الذي عاَش على أصوات‬
‫الحرب في طفولته‪ .‬يستطيع حَّداد استيعاَب كٍّم هائٍل من المعلومات‪ ،‬واختيار المفيد والأهِّم منها‪ ،‬ومن ثَّم طرح الأفكار‬
‫والرهانات وفًقا لذلك‪.‬‬
‫قال لي لاحًقا إَّنه أمضى شباَبه‪ ،‬بسبب عمل والده في الجيش‪ ،‬يتنَّق ُل حيث توَج ُد قنابل‪ .‬هَّز كتَفيه باسِتهجاٍن وقال‪’’ :‬إَّنه‬
‫أمٌر فظيع‪ ،‬لكْن لا يمكُنَك فعُل شيء ِح ياله‪ .‬على المدى القصير‪ ،‬صرُت أحياًنا غيَر قادٍر على ارتياد المدرسة‪ ،‬لكْن لم‬
‫يخطْر في بالي لوهلٍة أَّن هذا الأمَر قد يعيُق مستقبلي‘‘‪ .‬تابعُت أَح َد أرَوع حواراته في مطعٍم دافئ في وسط مدينة بيروت‪،‬‬
‫حيث كان يتناقُش بِح َّدة مع أَح ِد أصدقائه الذي كان يشكو من الصعوبات والتحِّديات التي تترَّتب على إنشاء شركٍة في‬
‫لبنان وقال‪’’ :‬حسًنا‪ ،‬ينقطُع الاِّتصاُل بالإ نترنت لفترٍة قصيرٍة ثَّم يعود‪ .‬هل تشكو فعًل ا من انقطاع التَّيار الكهربائّي ؟ هل تمزح!‬
‫ألا تمتلُك موِّلًدا حاُلك حاُل الجميع؟ ماذا بك؟ الريادة هي العمُل لَتجاُو ِز مثل هذه التفاهات‘‘‪.‬‬
‫من عبقرِّي رياضَّيات ناجح لا يهدأ في المرحلة الثانوَّية‪ ،‬قَّرر حَّداد دراسة هندسة الحاسوب والاِّتصالات في الجامعة‬
‫الأميركَّية‪ ،‬بيروت‪ .‬عقب ذلك‪ ،‬التحَق بجامعة جنوب كاليفورنيا وناَل شهادة الماجستير في الهندسة الكهربائَّية بتخَّص ص‬
‫الوسائط المتعِّددة والرسم‪ .‬خلال وجوده في هذه الجامعة‪ ،‬تواصَل حَّداد مع ُم طِّوري برامج من كِّلَّية الإ دارة وتكنولوجيا‬
‫المعلومات‪ ،‬وكانوا يجرون تجارَب للتمُّكن من تحويل الصور الفوتوغرافَّية إلى ُص َو ٍر ثلاثَّية الأبعاد‪ ،‬وعندها طرأْت في باله أَّول‬
‫رؤية لشركة ناشئة‪ .‬يتذَّكر حَّداد تلك الأَّيام ويقول‪’’ :‬كان كُّل شيٍء في الجامعة أكاديمًّيا إلى أبَع ِد الحدود‪ .‬ولكْن عندما‬
‫يرتبُط الأمر بشركة ناشئة‪ ،‬فإَّنك ترى الأموَر وتطِّوُرها وتجعُلها ناجحة‘‘‪ .‬انتقَل حَّداد إلى بوسطن لُيقيَم هناك ويباشَر العمَل مع‬
‫هؤلاء الشباب دون أن يسأَل أو يهتَّم بأَّية فائدٍة مرجَّوة‪ .‬لكَّنه أحَّب تلك الرحلة‪ ،‬لا سَّيما عندما زاَد عدُد هم ليصَل إلى ‪٤٠‬‬
‫موَّظًفا‪ .‬عندها‪ ،‬ودون سابِق إنذار‪ ،‬اجتمَع الرئيُس التنفيذُّي بالجميع‪ ،‬وأخبَرهم بأَّن الشركَة أفلَس ْت ‪ .‬عن تلك اللحظة يقوُل‬
‫حَّداد‪’’ :‬كانت هذه تجِربًة تعَّلمُت منها الكثير‪ .‬شعرُت بالحزن والانكسار‪ ،‬غير أِّني لو فَّكرُت جِّيًدا في الأمر‪ ،‬لوجدُت أَّنه لم‬
‫َتُكْن لدينا رؤيٌة واضحة للَع مل‪ .‬علاوًة على ذلك‪ ،‬اَّتخْذ نا قراراِت الَّتوظيف بسرعة‪ ،‬ولم تُكْن من أفضل القرارات‪ .‬وفي المقابل‬
‫كانت عملَّية َفْص ِل الموَّظفين غير الَأْكفاء بطيئة‪ .‬لم يتعاَم ْل معنا القادُة بَقدٍر كاٍف من الشفافَّية‪ ،‬لذا لم ُندهْش مَّم ا جرى‘‘‪.‬‬
‫ولكن في النهاية لم يهتَّم حبيب حَّداد بكِّل ما جرى؛ فالعمُل الريادُّي هو فحوى حياته وأساسها‪ ،‬بَص رِف النظر عن َنوعه‬
‫وشكله‪.‬‬
‫بعد إجازٍة قصيرة‪ُ ،‬وِّظَف حَّداد مجَّد ًد ا في ما تبَّقى من الشركة للقيام بأعماٍل مسَتعِص ية في هندسة الحاسوب والبرمجة‬
‫وحِّل المشكلات واكتشاف العيوب وإصلاحها‪ .‬وكان قِد الَتقى في بوسطن شاًّبا لبنانًّيا آخَر من المغتربين المقيمين هناك‪.‬‬
‫وحاُله حاُل حبيب حَّداد‪ ،‬أراد هذا الشاُّب إعادَة التواصل مع بلِد ه الأِّم واكتشاف ما إذا كانْت مهاراُته ستؤِّثر هناك‪ .‬أَّس س‬
‫الشاَّبان ’’الشبكَة الدولَّيَة للقيادات اللبنانَّية والتكنولوجيا‘‘ (‪International Network of Lebanese Entrepreneurs and‬‬

‫‪ )Technologies‬واختصاُرها (‪ ،)INLET‬التي يزيُد عدُد أعضائها اليوم على ‪ ٥٠٠‬عضو‪ ،‬وذلك قبل العدوان الإ سرائيلِّي على‬
‫ُلبناَن عام ‪٢٠٠٦‬م بفترٍة وجيزة‪ .‬يقوُل حَّداد عن تلك الفترة‪’’ :‬توَّقفْت جميُع الأعمال بالنسبة إلَّي ‪ .‬عندها تذَّكرُت شعوري‬
‫عندما كنُت طفًل ا لا حول له ولا قَّوة لا يملُك شيًئا أماَم َو يلات الحرب‪ .‬والآن اعتقدُت أَّن في ُوسعي تحقيق شيء ما‘‘‪ .‬بادر‬
‫حَّداد بتأسيس منَّظمِة ’’إغاثة لبنان‘‘ هي ُتعنى بتوجيه أموال المغتربين إلى وطنهم‪ ،‬وكانت تلك واحدًة من أعظم التجارب التي‬
‫مَّر بها في حياته وتعَّلم منها الكثير‪ .‬أطلَق موقًع ا إلكترونًّيا‪ ،‬وأجرى اِّتصالاٍت عشوائَّيًة بجميع منَّظمات الإ غاثة التي عثَر عليها‪.‬‬
‫ومن ضمن الجهات التي رَّدْت على اِّتصالاته كانت جمعَّية الصليب الأحمر التي تجاوبْت بشكٍل كبير‪ ،‬وُفتحْت حساباٌت‬
‫مصرفَّية للَّتعاُم ل مع الأموال وإدارتها َفوًر ا‪ .‬باشَر حَّداد برفقة فريِق عمٍل صغيٍر تجميَع قائمٍة تضُّم كَّل كنيسٍة ومسجٍد في‬
‫الولايات المَّتحدة يرتبُط بأِّي شكٍل من الأشكال ِبلبنان‪ .‬وخلال أقَّل من شهَرين‪ ،‬نجَح موقُع هم البسيط في َج ْم ع مليوَني‬
‫دولار‪’’ .‬تعَّلمت أَّن هناك أشخاًص ا يرغبون في المساعدة ورِّد الجميل‪ ،‬وأفضُل طريقٍة لإ ثارة اهتمامهم هي التحُّرك بسرعة‪.‬‬
‫كلمتي المفَّض لة هي «يَّل ا»‪ -‬افَع ل ذلك‪ .‬لا أظُّن أَّنهم كانوا سيسَتجيبون لرسائلي إذا علموا أِّني كنُت في السادسِة والعشرين‬
‫من عمري آنذاك‪ ،‬وأِّني لا أملك أَّي َد عٍم أو مساندة‪ .‬من خلال التسُّلح بسرعة الأداء والبساطة؛ ودون وضع ُخ َطٍط لاِّتباع‬
‫عدٍد لا ُيحصى من الاستراتيجَّيات‪ ،‬تمَّكَّنا من تحقيق النجاح المنشود‘‘‪ .‬كان حَّداد ذلك الشخَص الجريء الذي لا يعرُف‬
‫الخوف‪ .‬عندما قَّرَر إطلاَق موقع يملي‪ ،‬لم يُكْن يملُك سوى ‪ ١٠٠‬دولاٍر في حسابه المصرفّي ‪ ،‬وبطاقاِت ائتماٍن بلَغ ْت حَّدها‬
‫الأقصى‪ ،‬وكان قد باَع كَّل قطعِة أثاٍث في شَّقته ما عدا السرير‪.‬‬
‫بعد نجاحه مع موقع يملي‪ ،‬قَّرَر حَّداد ومجموعٌة من المغتربين الناجحين من العالم العربِّي َتوجيه كامل تركيزهم وجهودهم‬
‫على المنطقة‪ .‬وقد أثمَر هذا التركيُز عن تطويِر واحٍد من أوائل التجُّم عات التي تعمُل بوصفها حلقَة وصٍل ما بين ريادِّيي‬
‫الشركات الناشئة المحِّلَّية‪ ،‬وأطَلقوا عليه اسم يَّل ا ستارت أپ (‪ ،)Yalla Startup‬وذلك في عام ‪٢٠١٠‬م بعد اجتماع الاحتفاء‬
‫بالِّريادة في دبي‪’’ .‬اخَتْرنا بيروت لَع ْق ِد هذا الاجتماع‪ ،‬وَح َرْص نا على توفير حافلات لإ حضار المبرمجين وريادِّيي الأعمال من‬
‫سورية والأردّن ‪ .‬في أثناء وجودهم في الحافلات‪ ،‬كان المشاركون ينخرطون بنقاشاٍت أشَب َه بمؤتمراِت التكنولوجيا والترفيه‬
‫والتصميم تحَّدثوا فيها بشأن إلهاِم هم وأفكارهم‪ .‬لم يخُل التجُّمُع من الأطفال الذين أحَض روا أكياَس النوم معهم‪ ،‬وفي نهاية‬
‫الحدث خرجنا بأربع وثلاثين فكرًة واعدة‘‘‪.‬‬
‫لم يكن للثورات العربَّية تأثيٌر ُيذَكر في حبيب الذي رأى واقَع الحياة أمام َع يَنيه‪ .‬يقول حَّداد‪’’ :‬لم أكن أنا والعديُد من‬
‫أصدقائي من الَّنوع المهتِّم بالسياسة أو المَّيال إليها‪ .‬ولكْن من خلال تجِربتي في منَّظمة إغاثة لبنان‪ ،‬أيقنُت أَّن المرَء لا‬
‫يملُك وقًتا للتأُّم ل والتفكير في تأثير الأحداث فيه‪ .‬كما هي حال الثورات‪ ،‬كَّنا في الشركات الناشئة نحارُب الوضَع الراهَن‬
‫ونصبو إلى التغيير نحو الأفضل‘‘‪ .‬لا يزاُل حَّداد يعمُل بشكٍل جزئٍّي في موقع يملي‪ ،‬وأنشأ بشكٍل منفصٍل شركًة نسَخ ْت‬
‫آلاَف التغريداِت الَّص وتَّية وحَّولتها إلى نصوٍص خلال فترة الثورات‪’’ .‬كُّل َم ن عرفُته من ريادِّيين كانوا يمتلكون روَح المبادرة‬
‫وحَّب المشاركة‪ ،‬لم يقْف أٌّي منهم جانًب ا دون فعل شيء‪ -‬إَّنها قَّوة «يَّل ا»‘‘‪.‬‬
‫جاء قراُر عارف وفادي بَتوظيف حبيب لقيادة موقع ومضة دوت كوم في وقٍت مناسب جًّدا؛ حيث استعاَن الأخيُر‬
‫بالصحفَّية الأميركَّية نينا كيرلي (‪ )Nina Curley‬لبناء فريِق عمٍل من الُكَّتاب للعمل بَد واٍم كامل‪ ،‬بالإ ضافة إلى أكثر من ‪٤٠‬‬
‫مساهًم ا خارجًّيا وذلك لَتحقيق مستًوى غير مسبوٍق من الرقابة على الجودة والمعايير التي لم تعَه ْدها المنطقُة من قبل‪.‬‬
‫وبالفعل‪ ،‬نجَح الفريق بتغطية كِّل ما يحُدُث من أخباٍر عاجلة وبحوٍث جديدة عن الشركات الناشئة في الشرق الأوسط‬
‫والمؤتمرات والهاكثون** والاجتماعات واللقاءات التي تجري مشاركُتها مع نطاٍق أوَس َع من المجتمع‪ .‬صاَر موقع ومضة دوت‬
‫كوم من المواقع الإ لكترونَّية التي يجب الاِّطلاُع عليها ومشاركُتها لمعرفة ما يحُدُث في المنطقة‪ ،‬كما وصَل اليوَم إلى مئاِت‬
‫الآلاف من المتابعين شهرًّيا ولا يزاُل ينمو بوتيرٍة سريعة؛ إذ تعُّد هذه التغطيُة الشاملُة الوجهَة الأمثَل لريادِّيي الأعمال‪ ،‬كما‬
‫أَّنها مهَّم ٌة للمستثمرين لمعرفة مجَريات الأمور التي َتهُّم هم‪ .‬قالت لي نينا‪’’ :‬في عالم غالًب ا ما تقتصُر فيه أخبار التكنولوجيا‬
‫على مجَّر ِد نشراٍت صحفَّية‪ ،‬لا بَّد أن نكافَح لَتحقيِق أعلى درجاِت الشفافَّية والحوار الصادق‪ .‬نحن ُنشيُر إلى الأمور التي‬
‫يجب أن تتغَّير‪ ،‬ونستكشُف النجاحات والإ خفاقات والحوارات المفتوحة في المجتمع‘‘‪ .‬من جهته‪ ،‬يوافُق حبيب على أَّن‬
‫موقَع ومضة يسهُم في تثقيِف السوق وتنويره ويقول‪’’ :‬تتمَّثل َم هَّم ُتنا في رؤية التوُّج هات والإ بلاغ عنها‪ ،‬لكَّننا أيًض ا ُنحِّرُك‬
‫التأثيرات ونقوُد ها‪ .‬لقد كانت المعلوماُت منتشرة على نطاق واسع من قبُل ‪ .‬أذكُر أَّننا نَق ْلنا خبًر ا الخريف الماضي عن شركة‬
‫إقليمَّية ناشئة ُتشبُه إلى حٍّد ما أنغري بيردز (‪ ،)Angry Birds‬وبعد أن نشرنا تحليَلنا للفكرة‪َ ،‬ح ِظ َي ت بنحو‪ ٥٠٠.٠٠٠‬تحميل‬
‫في أسبوَع ين‘‘‪.‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬يظُّل المحتوى هو أَح َد الأعمدة الأساسَّية في موقع ومضة‪ .‬ومن أجل مواجهة التحِّديات التي تترافُق مع متابعة‬
‫الاستثمارات‪ ،‬أطلَق ْت شركُة ومضة صندوًقا لَوْض ع المال وتوظيفه في المكان الذي يؤمنون به‪ .‬يشيُر حبيب بَقوله‪’’ :‬يعتقد‬
‫البعض أَّن في هذا تضارًبا في المصالح‪ ،‬لكَّننا نديُر استثماراتنا بشكل مستقٍّل تماًم ا عن المحتوى الذي نقِّدمه‪ .‬يقول الواقع‬
‫إَّن الكثير من رأس المال ُيتاُح في المراحل الأَّولَّية‪ ،‬ولكْن يظُّل المرء يبحُث عَّم ا يطمئُنه أَّن الاستثماراِت ستحظى بالَّنجاح‪.‬‬
‫لا أقول إَّن فريَقنا من الريادِّيين سيتمَّكن من تأسيس تويتر المقبل منذ البداية‪ ،‬ولكَّن النجاَح سَي بني نجاًح ا أكبر‘‘‪ .‬يعتقُد‬
‫حبيب أَّن الاستثماَر يساعُد في بناء تلك النجاحات المبِّكرة وتعزيزها‪ ،‬كما يساعُد على تمويل مشاريَع ومباَد راٍت أكبَر لشركة‬
‫ومضة‪ .‬ومنذ خريف عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬احتفَلِت الشركُة بنجاح شركتها الناشئة العاشرة‪ ،‬وأطلَق ْت تجُّمَع ’’ميكس أن مينتور‘‘‬
‫(‪ )MixNMentor‬الذي يلتقي فيه ريادُّيو الأعمال الناجحين مع شركات ناشئة جديدة‪ .‬كما تضمُن هذه الشبكُة العالمَّيُة من‬
‫المرشدين والخبراء التعريَف بالشركات على نطاٍق أوسَع في السوق‪ .‬ولوضع عموِد الأساس الأخير‪ ،‬عمَل ريادُّيو ومضة مع‬
‫شركاء إقليمِّيين لمنح ريادِّيي الأعمال الفائدة‪ ،‬ومثاُل ذلك الموقع الذي ُأطِلَق مؤَّخ ًر ا وهو بطاقة ومضة (‪ )Wamda Card‬الذي‬
‫يتيُح خصوماٍت على الخدمات الأساسَّية من الأدوات المكتبَّية ُوصوًلا إلى السفر‪.‬‬
‫اَّتخَذ عمر كريستيديس (‪ )Omar Christidis‬منًح ى مختلًفا في بيئة الأعمال‪ ،‬حيث عمَل على َر ْبط كوكبٍة من المواهب‬
‫المتمِّيزة وتحسين عملَّية الربط هذه‪ .‬ابتكَر عمر أراب ِنت (‪ )Arab Net‬الذي ُيعُّد اليوَم من أبرز المؤتمرات التي يجب عدم‬
‫تفويتها للُم هتِّم ين بعالم التكنولوجيا والشركات الناشئة عموًم ا في المنطقة‪ .‬في كِّل دورة‪ ،‬يستقطُب المؤتمُر ما يزيُد على ألف‬
‫شاٍّب ومستثمر من كِّل دول الشرق الأوسط‪ ،‬إلى جانب أبرز العاملين في مجال التكنولوجيا على مستوى العالم‪ -‬ليَّطلعوا على‬
‫ما في َج عبة هذا التجُّم ع الضخم‪ .‬يمتلُك عمر الشاُّب العشرينُّي ‪ ،‬وخِّريج جامعة يال (‪ ،)Yale‬سلوًكا فيه من الَّلباقة والتهذيب‬
‫ما يليُق بأِّي رجٍل نبيل‪ .‬هذا الشاُّب الذي لم يبلغ الثلاثين بعُد هو عضو في مجموعة ويفينپوفس (‪ )Whiffenpoofs‬العريقة‬
‫بصفته طالًب ا جامعًّيا‪ .‬يضحك عمر وهو يصُف المزيَج الذي احتضَنه المؤتمُر ويقول‪’’ :‬قد لا يأتي الراعون إلى الَح َدث‬
‫بسهولة‪ ،‬ولكَّن الريادَّيين يأتون َد وًم ا‘‘‪.‬‬
‫يغِّطي مؤتمر أراب ِنت‪ -‬الذي ُع ِق د في فندٍق عصرٍّي من فنادق بيروت‪ُ -‬م جمَل الأفكار التي يمكُن للَمْر ء تخُّيلها بدًءا من‬
‫مستقبل الأجهزة النَّقالة والَح وَس بة السحابَّية والتجارة الإ لكترونَّية والقضايا الريادَّية التكتيكَّية ومنها َج مُع رأس المال‪ ،‬وإنشاُء‬
‫مجلس الإ دارة‪ ،‬وتوظيُف أفضل الكفاءات والمواهب‪ .‬وقد تحَّدَث المشاركون عبر حساباتهم على تويتر بشأن الدروس‬
‫المستفادة والشكاوى والتعليقات الشرسة التي لم تخُل منها الجلسات‪ .‬تمالكُت نفسي من الَّض حك عَّدة مَّر ات خلال‬
‫حديِث مجموعٍة من شركات الاِّتصالات الكبرى التي كانت تحاول تبريَر الفواتير الشهرَّية العالية‪ ،‬وخدمة العملاء العادَّية‪.‬‬
‫كانت جميُع التغريدات ُتكتب بهاش تاغ (‪ ،)’’gladwehaveskype‬أي سعداُء لأَّن لدينا سكايپ‪ .‬كان المكان ُم كَتًّظا‬
‫ينبعُث منه حماٌس وطاقٌة هائَلين‪ ،‬وشعرُت لوهلٍة كأِّني في أَح ِد تلك التجُّم عات التي حضرُتها في الولايات المَّتحدة لولا‬
‫ُوجوِد فارٍق بسيط في الشرق الأوسط‪ :‬أَّن كَّل شيٍء سيتأَّخ ُر حتًم ا‪ .‬قال لي أَح ُد الريادِّيين في مجال التجارة الإ لكترونَّية‪:‬‬
‫’’هذا أمٌر متوَّقع‪ ،‬ليس فقط لأَّننا نحن العرَب نتأَّخ ُر َد وًم ا‪ ،‬بل أيًض ا لأَّننا نحُّب رؤيَة بعضنا بعًض ا لأطَو ِل فترٍة ممكنة هناك‪.‬‬
‫َطواَل العام‪ ،‬نكون منَغ ِم سين بأعمالنا ونتواَص ُل مع أصدقائنا وشركائنا وموَّظفينا بشكٍل تفاعلّي ‪ .‬ولكْن في مؤتمر عرب ِنت‪،‬‬
‫فالأمُر مختلف تماًم ا؛ إذ يتسَّنى لنا التواصُل فعلًّيا وجًه ا لَوجٍه وهذا أمٌر مهّم ‘‘‪.‬‬
‫ُولد عمر في دمشق لعائلٍة يونانَّية مسيحَّية أرمنَّية من جهِة الأب‪ ،‬وأٍّم سورَّيٍة مسلمة‪ ،‬وقِد اضُطَّر والداه إلى الهرب ليتمَّكنا‬
‫من الَّز واج‪ .‬كما حصَل مع حبيب‪ ،‬ترْع َرَع عمر في أجواِء حروٍب مستمَّرة‪ ،‬إَّلا أَّن ُوجوَد ه في المدرسة الأميركَّية المرموقة التي‬
‫تستقبُل طَّل اًبا أميركِّيين‪ ،‬ومن جنسَّياٍت أجنبَّيٍة وعربَّيٍة مختلفة‪ -‬أثمَر هذا الُوجوُد عن توسيع آفاقه ومنظوره عن العالم‪’’ .‬داخَل‬
‫المنزل‪ ،‬كَّنا عرًبا حَّتى الصميم؛ لذا كان لما حدَث في دول ُأخرى في المنطقة معًنى وأثٌر ملموٌس فينا‪ .‬لم نُكْن ُم غالين في‬
‫ِح ِّس نا الَقومّي ‪ .‬وقد ساعَدني هذا الأمُر على تحسين أدائي في العمل؛ فحيُثما ذهبُت وتنَّقلُت في هذه البلدان أشعُر كأِّني في‬
‫َو طني‪ .‬لم أشُعْر بأَّيِة حدوٍد ُتقِّيُدني‘‘‪ .‬ينظُر عمر إلى تجِربته في جامعة يال على أَّنها التجِربُة الأولى والأهُّم التي ساعَدْت في‬
‫تكوين شخصَّيته؛ لأَّنه كان ُم حاًطا بمجتمع متكامٍل من الأقران الحريصين على إيجاِد ُس بٍل للُم ساعدة والمساَه مة‪ .‬عن تلك‬
‫التجربة يقوُل عمر‪’’ :‬معروٌف عَّنا‪ ،‬نحن اللبنانِّيين‪ ،‬أَّننا نفتقُر إلى التخطيط الجِّيد‪ ،‬وُيعزى ذلك إلى أَّننا كُبرنا ونحن لا نعلُم ما‬
‫الذي يمكن أن يحُدَث لاحًقا‪ .‬كانت حياُتنا سلسلًة من أحداث القوى القاهرة‘‘‪ .‬يضحُك ويواصل‪’’ :‬لكِّني كنُت أومُن بأَّنه‬
‫يجُب أن يكوَن لأِّي شيء أفعُله تأثيٌر وَفْرق‘‘‪.‬‬
‫بعد بدء إجراءات الحصول على درجة الماجستير‪ ،‬ومن ثَّم تأجيلها والانتهاء من َم هَّم ٍة سريعٍة في إحدى شركات‬
‫الاستشارات‪ ،‬كان كريستيديس قد ضاَق َذ ْرًع ا بالوتيرة والتسلسل الهرمِّي المترِّتب على العمل مع الآخرين‪ ،‬وعاد إلى بيروت‬
‫في صيف عام ‪٢٠٠٦‬م للعمل في شركة أِّمه المختَّص ة بتنظيم الفعالَّيات هناك‪ .‬كانت بيروت في تلك الفترة في أوِج ها؛‬
‫فالشعُب مفَعٌم بالأمل والِّس َّياح يتدَّفقون بأعداٍد هائلٍة إلى العاصمة العصرَّية المزَد ِه رة‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬نشبت الحرُب مع إسرائيل‪،‬‬
‫وكأَّنها لم تخَتْر وقًتا أنسَب من ذلك‪ .‬قَّرَر عمر استعادَة تركيزه على درجة الماجستير‪ ،‬وجَّرب عدًد ا من الشركات المتنِّوعة في‬
‫الولايات المَّتحدة‪ .‬ولكن‪ ،‬عندما وقَع ِت الأزمُة العالمَّية عام ‪٢٠٠٨‬م‪ ،‬عاد إلى الشرق الأوسط بهدف الاستقرار تماًم ا‪’’ .‬رأيُت‬
‫الخِّريجين الأكثَر موهبًة وذكاًء بلا عمٍل في مدينة نيويورك؛ ففَّكرت‪ :‬و ِلَم لا؟‘‘‪.‬‬
‫في أثناء وجوده في جامعة يال‪ ،‬شارَك عمر بتأسيس جمعَّية خِّريجي جامعة يال العرب‪ ،‬وساعَد في بناء شبكٍة قوَّيٍة من‬
‫الأفراد الذين يتمَّتعون بعقلَّيٍة مماثلٍة تسعى إلى النمِّو والتطُّور‪ ،‬وذلك من خلال التواصل وفعالَّيات الأعمال‪ .‬وما بين انشغاله‬
‫في تسيير أعمال والدته وهذه التجِربة‪ ،‬وجَد عمر سعادَته في َج ْم ِع الناس بعضهم مع بعض‪’’ .‬أنا أنتمي إلى جيٍل حافٍل‬
‫بالأنشطة المرتبطِة بالتكنولوجيا‪ ،‬وكانت مسابقاُت المبرمجين الضخمة أمًر ا مألوًفا في الولايات المَّتحدة‪ .‬لم يُكْن أَح ٌد قد بدأ‬
‫بفعل ذلك في الشرق الأوسط‪ ،‬وعلمُت أَّن المواهَب هناك كانت تَّو اقًة إلى الحصول على مثل هذه الفرص‪ .‬وهكذا جاء‬
‫عرب ِنت في الزمان والمكان المناسَب ين‪.‬‬
‫بالنسبة إلى عمر‪ ،‬كان التحِّدي الأساسُّي في الشرق الأوسط هو الموارَد البشرَّية‪ .‬ويقول عن ذلك‪’’ :‬توَج ُد هنا مواهُب‬
‫وكفاءاٌت ُم ذهلة‪ .‬ولكَّن مستوى الخبرة مَتَد ٍن ‘‘‪ .‬ويطلُق على ذلك ’’تحِّدي الخبرات الجماعَّية‘‘؛ حيث تتعَّطش الشركاُت‬
‫الكبرى والناشئة على حٍّد سواء إلى المزيد من المواهب‪ ،‬لكَّنها تجُد صعوبًة في العثور عليها‪ ،‬ناهيك بأَّن أفضَل المواهب‬
‫غالًب ا ما تكوُن مفتقرًة إلى الخبرة‪.‬‬
‫كما حدث في الغرب‪ ،‬فإَّن شركات التكنولوجيا المحِّلَّية الناشئة تحمُل على عاتقها مسؤولَّية المزج ما بين الموهبة‬
‫واحتياجات الَّتوظيف‪ .‬ومن تلك الشركات نذكر مثًل ا أخطبوط (‪ )Akhtaboot‬وبيت (‪ )Bayt‬وليمون (‪ )Laimoon‬ووَّظف‬
‫(‪ )Wuzzuf‬وتصميم أم إي (‪ ،)TasmeemME‬والتي تعُّد جميعها من الشركات الإ قليمَّية الرائدة في توفير فرص العمل‪ ،‬ومطابقة‬
‫القدرات والكفاءات وخدمات المهن والاِّتصالات الاجتماعَّية‪ُ .‬أطِلَق موقع َنِّبش دوت كوم (‪ )Nabbesh.com‬عام ‪٢٠١٢‬م‬
‫ليكوَن أَّوَل شبكٍة اجتماعَّيٍة تتيُح للناس الفرصَة لَنشر مهاراتهم ومواهبهم ضمَن سياٍق ُيلِّبي حاجاتهم ومتطَّلباتهم؛ أِي البحث‬
‫عن وظيفة أو العمل في مشاريع مؤَّقتة بالقرب من منازلهم‪.‬‬
‫في العام نفسه (أي ‪٢٠١٢‬م)‪ ،‬وصَلْت شركٌة من كبريات الشركات الغربَّية وهي لينكدإن‪ .‬حَّتى قبل أن تباشَر عملَّياتها في‬
‫الشرق الأوسط‪ ،‬اكتشَف ْت هذه المنَّص ة الضخمة المعنَّية بإدارة الوظائف أَّن خمسة ملايين من أعضائها‪ ،‬الذين يبلُغ عدُد هم‬
‫‪ ١٧٥‬مليون عضو‪ ،‬مقيمون في هذه المنطقة‪ .‬علي مطر‪ ،‬المدير الإ قليمُّي للشركة‪ ،‬يفهُم تماًم ا الفرَص والتحِّديات التي‬
‫تواجُه ها المواهُب في الشرق الأوسط؛ فقد عمَل في أوراِكل (‪ ،)Oracle‬وپروكتر آند غامبل‪ ،‬وساپ (‪ )SAP‬في مختلف أنحاء‬
‫المنطقة‪ .‬قال لي علي‪’’ :‬هناك أمٌر واحٌد مهٌّم جًّدا يفوُت الناس‪ :‬أنه لا توجُد «واسطة» أو محسوبَّية في أٍّي من تلك‬
‫المنَّص ات‘‘‪ .‬وذَّكرني بالتعليق الذي قاله فادي غندور حوَل الإ نترنت عموًم ا حيث قال‪’’ :‬تتمحور هذه المواقع حول إظهار‬
‫المواهب‪ ،‬ولا تهتُّم في المقابل بأموٍر ُأخرى مثل «معارف الشخص»؛ وهذا الأمُر يجعل الناَس تَّو اقين إلى التفُّوق والتمُّيز‬
‫أكثر‪ .‬دون شّك ‪ ،‬ليست هناك فئاٌت أو تراتبَّية هرمَّية هنا حيُث يمكُن للجميع من رؤساء تنفيذِّيين ومديري الدرجة المتوِّس طة‬
‫وموَّظفين طامحين التسجيل في «لينكدإن» وغيره من المنَّص ات‘‘‪ .‬ثَّم يضيُف أَّنه ِبَك ون ‪ ٪٦٠‬من سَّكان المنطقة تحت سِّن‬
‫الثلاثين؛ ولأَّن انتشار الأجهزة النَّقالة أكثَر من فراشي الأسنان‪ ،‬فإَّن شبكات التواصل الاجتماعِّي تعطي الأولوَّية لشركات‬
‫التوظيف من جهِة‪ ،‬والموَّظفين من جهٍة ُأخرى‪ .‬إَّن عملَّية التوظيف على الأرجح أقرُب ما تكوُن اليوَم إلى الَّل احدود إْن رغَب ِت‬
‫الموهبة في الانتقال‪.‬‬
‫في الوقت ذاته‪ ،‬يشعُر مطر بأَّن الكثيَر من أصحاب الموهبة يخالجهم حنين نحو الوطن‪ ،‬وبأَّن مطابقة المواهب‬
‫والكفاءات مفيدٌة ومهَّم ة بقدِر أهِّمَّية نوعَّية المواهب التي ُتصَق ُل محِّلًّيا‪ .‬يوضُح مطر الفكرَة بقوله‪’’ :‬يمتاز بناء المواهب‬
‫المحِّلَّية ِبِس َم ة المرَك زَّية؛ لذا ترانا نفتُح الآفاَق لوجوٍد فعلٍّي في المنطقة‪ .‬وبصفتنا شركًة عالمَّية‪ ،‬يتعَّين علينا العثوُر على‬
‫الوسائل التي تساعُدنا على الانسجام مع التفُّرد المحِّلّي ‪ .‬هناك أمٌر عظيٌم يحُدُث في الشرق الأوسط حيُث الموهبُة ُتعِّلم‬
‫الموهبة‪ ،‬والناس يتجَّم عون ويتواصلون لتطوير أنفسهم على الإ نترنت ودونها‪ .‬أَّم ا الشركات‪ ،‬فلها ِح َّص ٌة كبرى من هذه المعادلة‬
‫كونها تدرُك َد ورها في الارتقاء بأسماء تلك الشركات وعلاماتها التجارَّية‪ ،‬وتعزيز رغبِة أفضل المواهب في الانضمام إليها‪ .‬إَّن‬
‫هذه المعادلَة سليمٌة وصحيحٌة في كِّل مكان‪ ،‬لكَّنها تنطوي على بعض الحَّس اسَّية في منطقة الشرق الأوسط حيث ُتبنى‬
‫الشركُة ويرَّس ُخ اسُم ها وسمعُتها على مدى أعوام وأعوام‪ ،‬بينما يمكن تدميرها في غضون ثواٍن معدودة‪ .‬إَّننا نعمُل اليوَم على‬
‫تحويل أنفسنا في المنطقة‘‘‪ .‬ثَّم يشير إلى أَّن َد وَر هذه المنَّص ات لا يقتصُر فقط على مساعدة مجتمعات التكنولوجيا‬
‫والشركات الناشئة‪ ،‬بل يمكن الاستفادُة منها في قطاعات النفط والرعاية الصِّح َّية والتمويل‪’’ .‬في السابق‪ ،‬لنُق ْل في عام‬
‫‪٢٠١٠‬م‪ ،‬كانت شبكة الإ نترنت عبارة عن وسيلة اجتماعَّية للبحث عن الأشياء‪ .‬وفي عام ‪٢٠١١‬م‪ ،‬أدرك الجميع بأَّن‬
‫الإ نترنت وشبكات التواصل الاجتماعِّي يمكن أن تكوَن أدواٍت سياسَّية مهَّم ة‪ .‬ثَّم حَّل عام ‪٢٠١٢‬م حامًل ا معه مرحلًة جديدًة‬
‫أدرَك فيها أرباب العمل والموَّظفون أَّن الإ نترنت هي وسيلٌة للَّتدريب والتطُّور الوظيفِّي في جميع القطاعات‘‘‪.‬‬
‫وبناًء على هذا‪ ،‬يعمُل كريستيديس على توسيع نطاِق مؤتمر عرب ِنت ليشمَل خدمات تدريب المواهب والكفاءات‬
‫لمجتمعات الشركات الناشئة‪ .‬ويقول ممتعًض ا‪’’ :‬اذَه ْب إلى سيليكون ڤالي‪ ،‬فَتِج َد أَّن الموَّظَف الأعلى أجًر ا هو مهندس‬
‫البرامج‪ .‬ولكَّن الأمر ليس كذلك في الشرق الأوسط؛ حيث إَّنهم يحصلون على أجور قليلة نسبًّيا‘‘‪ .‬من الواضح أن توافَر‬
‫العمالة الأدنى أجًر ا هو أشبه ما يكوُن بمِّيزة تنافسَّية‪ ،‬كما يرى أَّن الطلَب يتزايُد لا سَّيما في ِم ْص َر والأردّن ‪ .‬ولكْن ‪ ،‬إذا احتاَج‬
‫المرُء إلى ُم برمجين ذوي خبرٍة واِّطلاع على أحدث لغات البرمجة مثل جانغو (‪ )Django‬وروبي أون ريلز (‪-)Ruby on Rails‬‬
‫فهم من القَّلة‪ ،‬ويصعُب أن يجَدهم المرء‪.‬‬
‫’’هناك كٌّم هائٌل من مسابقات الشركات الناشئة التي تقاُم اليوَم في مختلف أنحاء الشرق الأوسط؛ وهذا أمٌر رائع‪ .‬ولكْن‬
‫لم ُيفِّكر أَح ٌد في إقامة مسابقات القرصنة الحقيقَّية واسعِة النطاق‘‘‪ .‬وللمساعدة في تصحيح هذا الخلل‪ ،‬استضاَفْت أراب‬
‫ِنت سلسلًة من مسابقات مطِّوري البرامج في بيروت وعَّم ان والرياض والقاهرة ودبي خلال عاَم ي ‪ ٢٠١٢‬و‪٢٠١٣‬م‪ .‬تهدُف‬
‫هذه المسابقات المفتوحة إلى العثور على أفضل المتسابقين على مدى أربع جولات‪ ،‬تبدأ باختبار المهارات الأساسَّية‪ ،‬مروًر ا‬
‫بالأمور الأكثر تعقيًدا مثل حلول الترميز‪ ،‬وتطوير البرامج والشبكات الاجتماعَّية‪ ،‬واستخراج البيانات‪ .‬وتقتضي المسابقة أن‬
‫يعرَض المشاركون مهاراتهم من حيُث السرعُة والابتكار في الوقت نفسه‪ .‬يتوَّلى مسؤولَّيَة التحكيم نخبٌة من المهندسين من‬
‫نوكيا وغوغل ومايكروسوفت‪ ،‬حيث يقِّيمون كَّل مجموعٍة ويمنحون علاماٍت مختلفًة للمرحلة النهائَّية تبدأ من ‪ ٥٠٠‬دولاٍر إلى‬
‫‪ ٢٥٠٠‬دولار‪ .‬في بيروت فقط‪ ،‬أثمرْت تلك المسابقات عن ما يزيد على ‪ ٤٠٠‬شركة واعدة‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬يعتقد عمر أَّن‬
‫تحديد معايير المشاركين في كِّل مسابقة بالإ ضافة إلى اختيار الفائز على مستوى المنطقة هو أمٌر غايٌة في الأهِّمَّية وذي قيمٍة‬
‫عاليٍة بالِّنسبة إلى بيئة الأعمال‪ .‬ثَّم قال لي‪’’ :‬نميُل إلى معرفة الأشخاص من الدرجة الأولى والثانية في الشرق الأوسط‪ .‬ولكَّن‬
‫هذا سيحمُل العديد مَّم ن هم في المنتصف على الارتقاء بإمكانَّياتهم ومضاَع فِة جهودهم‪ .‬إَّن قصَص النجاح سواٌء في شركٍة‬
‫جديدة تستقطُب اهتماًم ا كبيًر ا أم شركة ناشئة تحِّق ُق إنجازاٍت ضخمًة أم مبرمًج ا يقِّد ُم رموًز ا تنافسَّيًة على مستوى العالم‪،‬‬
‫فهي تشعُل في نفوس الآخرين روَح الحماسة والإ صرار على تحقيق الأمر نفسه‘‘‪.‬‬

‫منِّظ مو التواصل ما بين الريادِّيين‬


‫ليس جديًدا أن تحِرَص الشركاُت الناشئة الطموحُة على الفوز بالمسابقات المرموقة وما يرافقها من شهرٍة واعتراٍف ودعٍم مالّي ‪.‬‬
‫ولكَّن ما هو جديٌد ومفاجئ هو أن ُتستضاَف اثنتان من أبرز المسابقات هذا العام في الشرق الأوسط‪ ،‬وُتفَتُح أذرعهما فقط‬
‫لريادِّيي الأعمال من الشرق الأوسط‪ .‬وأيًض ا أن تكون الجهات الراعية لهذه المسابقات جهَتين من أهِّم الأسماء في عالم‬
‫التكنولوجيا‪ :‬معهد ماساتشوِس تس للتكنولوجيا وغوغل‪.‬‬
‫يقول وائل الفخراني‪ ،‬المديُر الإ قليم لشركة غوغل في ِم ْص ر وشمال أفريقيا؛ ومؤِّس ُس مسابقة ابدأ‪ ،‬وهي أَّوُل مسابقٍة‬
‫ُّي‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫إقليمَّية تطلُقها الشركُة للتعُّرف إلى ريادِّيي مصر‪’’ :‬في الواقع‪ ،‬حاَن الوقت ال ن‪ .‬هناك عدٌد كبيٌر من ال ماكن غير المستقَّرة‬
‫في العالم‪ ،‬والتي ُتظِه ُر درجًة عاليًة من الابتكار اليوم‘‘‪ .‬ثَّم يتحَّدُث بشأن التركيبة السَّكانَّية في مصر ويشيُر إلى أَّن عدَد‬
‫الطَّل اب يصُل إلى أكثر من ‪ ١٧‬مليون طالب؛ وأَّن هناك ما يزيُد على ‪ ٢.٣‬مليون مصرٍّي يعَم لون في قطاع التكنولوجيا‪ ،‬وأكثر‬
‫من ‪ ٣٥‬مليون شخص يستخدمون الإ نترنت بشكٍل َنِش ط‪ ،‬وما يزيد على ‪ ٩٠‬مليون مستخدم للهاتف النَّقال‪’’ .‬نحن نؤمُن بأَّن‬
‫فجَر المرحلة المقبلة من التأثير والنمِّو سيبزُغ من هذا الجزء من العالم‘‘‪.‬‬

‫ُّل‬
‫إْن دَّل هذا الأمُر على شيء فإَّنما يُدُّل ويؤِّكد على الزخم الذي رأْته مؤَّخ ًر ا هلا فاضل‪ ،‬وهي مستثمرٌة عالمَّيٌة مقيمٌة بين‬
‫بيروت وباريس‪ ،‬ومؤِّس سُة منتدى معهد ماساتشوِس تس للتكنولوجيا لخدمة عموم البلدان العربَّية؛ حيث أشرَفْت هذا العام على‬
‫المسابقة الخامسة لها وهي مسابقة معهد ماساتشوِس تس للتكنولوجيا ’’ُخ َّطة العمل‘‘‪ ،‬والتي ُنِّفذْت بمشاركٍة من مبادرة عبد‬
‫اللطيف جميل الاجتماعَّية‪ ،‬وُتغِّطي جميَع أنحاء الشرق الأوسط‪ .‬تقول هلا‪’’ :‬خلال عام ‪٢٠٠٦‬م؛ وهو عامنا الأَّول‪ ،‬توَّقْع نا‬
‫َتَس ُّلَم ‪ ٢٠٠‬طلٍب من مختلف أرجاء الشرق الأوسط‪ ،‬ولكَّننا وَص ْلنا إلى ما يزيد على ‪ ١٥٠٠‬طلب‪ .‬وفي هذا العام‪ ،‬تناَفَس‬
‫أكثُر من ‪ ٤٥٠٠‬فريق مكونين من ثلاثِة أشخاص أو أكثر؛ أي ما يزيُد على ‪ ١٣٠٠٠‬ريادِّي أعمال محَتَم ل‪ .‬حَّتى إَّننا تسَّلْم نا‬
‫ما يزيد على ‪ ١٠٠‬طلب من سورية!‘‘‪.‬‬
‫واستقَطَب معهُد ماساتشوِس تس للتكنولوجيا اهتماماٍت ِع َّدة تراَوَح ْت ما بين الشركات المعنَّية بتلبية الحاجات المحِّلَّية‬
‫والإ قليمَّية من جهة‪ ،‬والشركات الطامحة إلى التناُفس ضَّد شركات تكنولوجيا ذاِت طراٍز عالمّي ‪ .‬المرَكز الأَّوُل إلى جانب‬
‫جائزة الخمسين ألف دولار كان من نصيب نَّظارات َبترفلي الذكَّية الُم خَّص صة للسَّباحين‪ ،‬والتي تتيُح إمكانَّية مراقبة معَّد ِل‬
‫ضربات القلب ومستوى الِّلياقة‪ ،‬كما أِّني صَّنفُتها بوصفها واحدًة من أبرز الابتكارات العالمَّية ضمن السلالة الجديدة‪.‬‬
‫أَّم ا الفائز بالمرَكز الثاني وجائزة العشرة آلاف دولار فكان شركة قبيلة للإ نتاج الإ علامّي ‪ ،‬والتي ذاَع صيتها وحَّققْت نجاًح ا‬
‫ضخًم ا عندما اجتاحت خدماتها البلاَد خلال الثورة المصرَّية‪ .‬وجاءت شركة سيلجينيكس (‪ )Silgenix‬في المرَكز الثالث‪،‬‬
‫وهي من ِم ْص َر أيًض ا‪ ،‬وقد ابتكَرْت تصميًم ا متكامًل ا للدائرة الكهربائَّية بحيث يساعُد على زيادة عمر بطارَّية الأجهزة‬
‫الإ لكترونية النَّقالة‪ .‬وقد ابتكَرِت الفرُق التي تأَّه َلْت إلى النهائَّياِت نطاًقا واسًع ا من شبكات التواصل الاجتماعِّي الإ قليمَّية‬
‫ومنَّص اِت التجارة الإ لكترونَّية ودورات التعليم عبر الإ نترنت والتمكين لزيادة سرعة الإ نترنت وموثوقَّيتها‪ .‬جاء المتسابقون من كاَّفة‬
‫أنحاء الوطن العربّي ‪ ،‬مثل السعودَّية وِفَلسطين وغيرهما‪.‬‬
‫بذَلْت شركة غوغل‪ ،‬إلى جانب العديد من شركات التكنولوجيا العالمَّية في المنطقة‪ ،‬جهوًد ا جَّبارة لإ يجاد حلقة وصٍل ما‬
‫بين ريادِّيي الأعمال‪ ،‬وذلك قبل أن يصيَر الموَّظف وائل غنيم قائًدا وعلًم ا من أعلام الثورة‪ .‬كانت الشركة قد عقَدْت مؤتمًر ا‬
‫في شهر كانون الأَّول‪/‬ديسمبر الماضي يهدف‪ ،‬بحسب َقول المدير الإ قليمِّي وائل فخراني إلى‪’’ :‬الاستثمار في المواهب‬
‫المصرَّية‪ ،‬وزيادة الاختراق الإ لكترونِّي من خلال َم ْنح المطِّورين والأكاديمِّيين ورجال الأعمال الأدوات الكفيلة بإنشاء محتًوى‬
‫محِّلٍّي يتضَّم ُن معلوماٍت مناسبًة ومفيدًة يسهُل الاِّطلاع عليها‪ .‬وحضر المؤتمر الذي داَم مَّدة ثلاثة أَّيام أكثر من ألَفي‬
‫شخص‪ ،‬ولا تزاُل الجهوُد قائمًة لَع ْقد تجُّم عاٍت بمثل هذا الحجم شهرًّيا من بيروت إلى المغرب‪.‬‬
‫بلغ عدُد المشاركين في مسابقة ابدأ التي أطلَق ْتها غوغل في ِم ْص َر أكثَر من ‪ ٢٤٠٠‬ريادٍّي جرت تصِف َي ُتهم إلى عشرين في‬
‫مرحلة النهائَّيات‪ ،‬وذلك بعد تسعة شهور من التدريب والمراَقبة والتحكيم‪ .‬ولزيادة الوعي والتعريف أكثر بالمسابقة‪ ،‬استأجَر‬
‫فريُق عمل ابدأ وغوغل حافلة‪ ،‬وتنَّقلوا عبر أنحاء البلاد لجمع المتسابقين وتقديم الخدمات التدريبَّية‪ .‬وبعد أن زاروا اثنَتي عشرَة‬
‫جامعًة في عشرين مدينًة بدًءا من مراكز المدن الكبيرة مثل القاهرة والإ سكندرَّية وصوًلا‪ ،‬إلى المدن الأصغر مثل طنطا والفيوم‬
‫وبورسعيد‪ ،‬التَق وا هناك ما يزيُد على ‪ ١٥٠٠‬ريادٍّي يحِم لون أفكاًر ا مبتكرًة لكِّل شيء من الإ نترنت إلى الرعاية الصِّح َّية‪.‬‬
‫أَّم ا الفائز بجائزة المئتي ألف دولار فكان فريق بيقولك المكَّون من سَّتة أشخاص يتطَّرقون إلى واحدٍة من أهِّم المشكلات‬
‫الشائكة في مصر‪ :‬حركة المرور‪ .‬يقوُل محَّم د جودت‪ ،‬نائب رئيس غوغل لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب وشرق‬
‫أوروپا‪’’ :‬لم أصِّدْق عيني عندما أمضيُت َيوًم ا كامًل ا أجتمُع فيه بفرٍق التصفيات النهائَّية‪ُ .‬ص عقُت بما رأيُته هناك من الشغف‬

‫َّظ‬
‫والطاقة وحِّرَّية التعبير وريادة الفكر والتجاُه ل الصِّح ِّي للمسَتحيل‪ .‬شعرُت بأِّني أمضي َيومي مع موَّظفي غوغل‘‘‪.‬‬
‫هل تعُّد مثل هذه المنافسات ُم هَّم ة؟ يقول الفخراني‪’’ :‬نؤمن بأَّن الإ نترنت تسهُم بشكٍل فاعٍل في الاقتصاد في المنطقة‬
‫وِم ْص َر على حٍّد سواء‪ .‬لكَّنها ُتعُّد أيًض ا من أهِّم الأسرار المخَّبأة‪ .‬لقد أنَفْقنا ‪ ٢٠٠.٠٠٠‬دولار في هذه المسابقة‪ ،‬ولدينا التزاٌم‬
‫أن ننفَق ‪ ٢.٣‬مليون دولار أخرى خلال العاَم ين المقبَلين‪ .‬يمكُن تغيير معالم ِم ْص ر بالتكنولوجيا‘‘‪.‬‬
‫تعتقد هلا فاضل أَّن هذه القدرة على الاِّتصال والترابط أثمَرْت عن تجُّم عاٍت واعدًة كتلك التي تساعد في إثراء المزيد من‬
‫الابتكار‪ ،‬تماًم ا كما فعَلْت في الولايات المَّتحدة‪ .‬تقول هلا‪’’ :‬بحكم المعنى‪ ،‬تنطوي عبارُة «ريادُّي أعمال» على شيٍء من‬
‫الَوحدة‪ .‬هناك احتمالاٌت ضخمٌة للفشل‪ ،‬ولا يمكُننا التقليُل من شأن الَّدعم النفسِّي الذي تحظى به الشركات الناشئة لدى‬
‫مشاركتها في المسابقات‪ ،‬حيث يدرُك أصحاُب تلك الشركات أَّنهم ليسوا الوحيدين الذين يعَم لون بجٍّد في هذه المنطقة‪،‬‬
‫لا سَّيما عندما يرون غيرهم يقومون بالأمور نفسها وينجحون‘‘‪.‬‬
‫تؤمن هلا فاضل وإلى جانبها وائل الفخراني بأَّننا نعيُش حالًّيا المراحَل الأَّولَّية من هذه النهضة للشركات الناشئة في الشرق‬
‫الأوسط‪ ،‬حَّتى إَّن المؤَّس سات العالمَّية والمحِّلَّية بدأْت فعًل ا تستضيُف مئاِت المسابقات في مختلف أنحاء المنطقة‪ ،‬وليست‬
‫هذه إَّلا البداية‪ .‬تعيُد هلا فاضل العبارَة التي كَّررها العديُد من معاصريها‪’’ :‬النجاح يوِّلُد نجاًح ا‘‘ وتضيف‪’’ :‬الأمر عبارٌة عن‬
‫حسبة رياضَّية بسيطة؛ سِّم دولًة في الشرق الأوسط‪ ،‬فُأسِّم َي لك عشرات السِّيدات والرجال المهتِّم ين بالإ طار ذاته‘‘‪.‬‬

‫لا أحُد يمكنه فهم بيئات الأعمال الناشئة في الشرق الأوسط أفضل من ليندا روتنبيرغ (‪ .)Linda Rottenberg‬ليندا هي من‬
‫مؤِّس سي إنديڤور جلوبال (‪ )Endeavor Global‬وهي ُم نشأة رائدٌة قَّد َم ِت الَّدعم‪ -‬ولا تزال تقِّد ُم ه‪ -‬إلى أكثر من ‪ ٧٢٦‬ريادًّيا بارًز ا‬
‫مَّم ن قادوا ‪ ٤٥٥‬شركة غَّيرت قواعد اللعبة في ‪ ١٦‬سوًقا حول العالم‪ ،‬بما في ذلك ِم ْص ر واليونان والمكسيك وإندونيسيا‪ .‬لقد‬
‫وَّفر هؤلاء أكثَر من ‪ ٢٠٠.٠٠٠‬فرصة عمل عالية الجودة‪ ،‬وحَّققت العام الماضي إجمالَّي إيرادات زاد على ‪ ٥‬مليار دولار في‬
‫الأسواق التي عملت فيها‪ .‬في عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬أطلقوا أَّوَل نموذج أعمال ذاتِّي الدعم للجهات غير الربحَّية من خلال صندوق‬
‫إنديڤور كاتاليست (‪ )Endeavor Catalyst‬بحيُث يتيُح هذا النموذج الفرصَة لمؤَّس سة إنديڤور للمشاركة في الاستثمار في‬
‫شركاتها الريادَّية وجمع مبالَغ من رأس المال المملوك‪ .‬تشتمُل إنديڤور على أقسام محِّلَّية يترَّأسها قادة أعمال بارزين في كِّل‬
‫سوٍق من أسواقهم في العالم‪.‬‬
‫تجِّس ُد ليندا روتنبيرغ قَّو ًة من قوى الطبيعة لما تمتلُكه من فكٍر ريادٍّي مَّكنها من أن تصيَر أحَد أبطال ’’ريادة الأعمال عالية‬
‫التأثير‘‘ (‪ ،)High-impact entrepreneurship‬وهو مصطلٌح صاَغ ْته منذ سنواٍت َم َض ْت ويعني العثور على الأشخاص الذي‬
‫يحملون أفكاًر ا قِّيمة وإمكاناٍت ضخمًة لتحقيق إيراداٍت ونمٍّو وظيفٍّي ملحوظ في مجال التكنولوجيا المتقِّدمة أو البسيطة‪،‬‬
‫وتزويدهم بالَّدعم والإ رشاد‪ ،‬وخلق حلقة اِّتصاٍل في ما بينهم‪ .‬منذ بضع سنوات عندما ُأطلَقت إنديڤور في البرازيل‪ ،‬تمَّكنْت‬
‫ليندا من ابتكار كلمة ’’ريادّي ‘‘ بالُّلغة البرتغالَّية‪ ،‬ونشرتها في القاموس الرسمِّي للبلاد‪ .‬بقيامها بذلك‪ ،‬ناَلْت لقب ’’تشيكا لوكا‘‘‬
‫(‪ ،)Chica Loca‬ويعني الفتاة الشقَّية‪ .‬بالِّنسبة إليها‪ ،‬كانت تلك فرصًة قِّيمة كانت تحتاُج جًّدا إليها‪ .‬في عام ‪٢٠١٢‬م‪،‬‬
‫باشَرِت المؤَّس سُة أعماَلها في اليونان خلال ارتفاع ِح َّد ِة المظاَه رات المنِّددة بسياسِة التقُّش ف هناك‪ .‬التقيُت ليندا في مكتبها‬
‫في منهاتن وقالْت لي‪’’ :‬الَفوضى هي من أبرِز المحِّف زات على الابتكار‪ .‬عندما يمُّر الاقتصاُد بمرحلٍة عصيبة‪ ،‬يبدأ أصحاُب‬
‫الفكر الريادِّي يتأَّم لون ويفِّكرون‪ .‬أَّم ا الاستقرار فهو في المقابل صديُق الوضع الراهن‘‘‪.‬‬
‫خلال وجودها في جامعة يال في تسعينَّيات القرن العشرين‪ ،‬عِم لت ليندا مع أَح ِد الأساتذة هناك على مشروع لبناء برامج‬
‫القانون والأعمال في أميركا الجنوبَّية‪ .‬ورأت هناك نخبًة من الشباب والموهوبين المحَب طين بشكٍل واضح؛ الأمُر الذي وضَع ها‬
‫على بداية الطريق نحو ابتكار إنديڤور‪’’ .‬لم يشُعْر أَح ٌد‪ -‬سواء كاَن طالًب ا أم سائق سَّيارة أجرة‪ -‬بأَّن هناك وسائَل متاحًة غير تلك‬
‫الموجودة بين يديهم أو في وظيفٍة حكومَّية‪ .‬كانت تلك حقبة منتجات آپل والشركات الناشئة في الولايات المَّتحدة‪ ،‬ولكَّن‬
‫الناَس هناك كانوا لا يملكون إَّلا القليل جًّدا‘‘‪ .‬أدركُت أَّن السياَق المحِّلَّي هو الأهُّم ‪ ،‬وأَّن النماذج المثالَّية ُتغِّير نظرَة الناس‬
‫إلى أنفسهم‪’’ .‬كُّل ما تحتاُج إليه هو مجموعٌة صغيرة تقوُد التغييَر الإ يجابّي ‪ .‬شاركت إنديڤور مع كِّلَّية ستانفورد للأعمال‬
‫(‪ )Stanford Business School‬والمنتدى الاقتصادِّي العالمّي (‪ )World Economic Forum‬في دراسٍة شمَلْت ‪٣٨٠.٠٠٠‬‬
‫شركٍة من جميع أنحاء العالم‪ ،‬ووجدْت أَّن ‪ ٪٥‬من بناة الشركات انتهى بهم المطاف في توفير ثلَثي الوظائف‘‘‪ .‬بعد ذلك‬
‫بفترٍة وجيزة‪ ،‬اكتشَف ْت أَّن الموضوَع لم يكن هو مقداَر الوظائف والأرباح المباشرة‪ ،‬بل بيئات الأعمال التي وَّفرتها تلك‬
‫الشركات‪ .‬بعد النجاح الساحق الذي حَّققته شركة الدفع الإ لكترونِّي پاي پال‪ ،‬أطلَق ْت ليندا عبارة ’’پاي پال مافيا إيفيكت‘‘‬
‫(‪ .)PayPal Mafia Effect‬وحَّقق موَّظفو هذه الشركة مئاِت الشركات الناشئة الجديدة‪.‬‬
‫قالت ليندا وبدت كأَّنها الرئيس الأميرك الأسبق ِبل كلينتون (‪’’ :)Bill Clinton‬لا تقِّللوا من أهِّمَّية قَّوة الأمل‪ .‬أومُن بشَّد ٍة‬
‫ُّي‬
‫أ‬ ‫آ‬
‫بأَّنه عندما ينجُح شخٌص ما وحَّتى عندما يفشُل ال خرون‪ ،‬فغايُتهم هي رفُع مستوى ال داء والمنافسة‘‘‪ .‬لقد تع مْت من‬
‫َّل‬
‫خبرتها أَّنه في أِّي مكاٍن في العالم هناك أعداٌد لا ُتحصى من الأشخاص الملتزمين والموهوبين والمخِلصين لَوطنهم ويعرفون‬
‫مشكلاته وقضاياه‪ ،‬ويفَه مون الفرَص المتاحة فيه‪ .‬هؤلاء الأشخاص مستعُّدون لَب ْذ ل جهوٍد جَّبارة والتصِّدي للتحِّديات والبناء‬
‫وإرشاد الآخرين‪’’ .‬ومن هنا تأتي بيئات الأعمال‪ ،‬فتحُدُث أموٌر كبرى‘‘‪.‬‬
‫ولكَّن الأمَر يحتاُج إلى الوقت والاستعداد والرغبة في مواجهة الصعوبات‪ .‬تتذَّكُر ليندا شركاٍت مثل ميركادو ليبري‬
‫(‪ ،)Mercado Libre‬وهي شركٌة ناشئة صغيرٌة للتجارة الإ لكترونَّية أُطلَقت منذ عقٍد من الزمان في الأرجنتين حيُث كانت‬
‫التكنولوجيا حديثَة الانتشار‪ ،‬ثَّم صاَرت شركًة للَّتداول العاِّم على مؤِّش ر نازداك في عام ‪٢٠٠٧‬م‪ ،‬وتبلغ قيمُته اليوَم أكثر من ‪٤‬‬
‫مليارات دولار‪ .‬تشِّكُل الأرجنتين والبرازيل اليوم مراكَز التجارة الإ لكترونَّية في أميركا الَّل اتينَّية؛ أقول ذلك لأَّن هذه المناطق‬
‫تحتضُن ريادِّيي أعماٍل ذوي تأثيٍر عاٍل مثل ماركوس غالپيرن (‪ )Marcos Galperin‬وهو مؤِّس ٌس مشارٌك في ميركادو ليبري‬
‫ورئيُس ها التنفيذّي ‪ ،‬وغيره من مبتكري التكنولوجيا الذي ساعَدهم على الانطلاق سواٌء من خلال الاستثمار المباشر أم عبر‬
‫تأثيره النموذجِّي الملِه م‪ .‬كما أَّن هناك ازدهاًر ا ونجاًح ا‪ ،‬هناك في المقابل إخفاقاٌت وفشل‪ .‬يمكن أن تتحَّوَل الوفرُة غير‬
‫المدروسة إلى اكتئاب وإحباط غير منطقّي ‪’’ .‬فوَر حدوث فشٍل ما‪ ،‬يغادُر الناُس ويقوُل لك الآخرون‪« :‬لقد قلنا لَك ذلك»‘‘‪.‬‬
‫ثَّم تبتسُم ليندا وتقول‪’’ :‬وعندها تحُدث الأمور‘‘‪.‬‬
‫لقد تطَّور بيئات الأعمال في الشرق الأوسط من مرحلة الاهتمام والاِّتصال بالتكنولوجيا والتساؤل عَّم ا إذا كان من الممكن‬
‫أن تحُدث هنا‪ ،‬إلى مرحلة جديدة من الثقة الكاملة‪ :‬نعم! إَّنها تحُدُث هنا‪ .‬تستذكر ليندا الأحداَث وتقول‪’’ :‬في عام‬
‫‪٢٠٠٧‬م‪ ،‬حضرت أَح َد مؤتمرات المنتدى الاقتصادِّي العالمِّي الذي جمَع ما بين رؤساء الأعمال التنفيذِّيين في منطقة البحر‬
‫المِّيت‪ ،‬الأردّن ‪ .‬كان التخُّوف من الفشل واضًح ا جًّدا؛ حيُث كَّرر المتحِّدثون فكرًة مشتركًة هي أَّنهم من الشرق الأوسط ولن‬
‫يتمَّكنوا البَّتة من الَّلحاق بالَّر كب المتطِّور في عالم الريادة‪ ،‬وقالوا أيًض ا إَّن الشرق الأوسط مكاٌن لا يحتضن ثقافَة التغاضي عن‬
‫الفشل والُم ِض ِّي ُقُد ًم ا أو دعم المبتكرين الشباب‘‘‪ .‬لكَّنها وبعد كِّل تلك النقاشات حول ما تفعُله التكنولوجيا في مناطق‬
‫أخرى حول العالم‪ ،‬لن تنسى ما عاَش ْت تلك الشاَّبة التي قالت لها‪’’ :‬سأترك عملي في سيسكو غًدا‪ .‬علَّي أن أبدَأ شركًة‬
‫ما‘‘‪.‬‬
‫اليوم‪ ،‬تدعُم إنديڤور وغيرها من الشركات الريادَّية المنَّظماِت للعمل في أنحاء المنطقة مع حاضنات أعمال وُم سِّرعاٍت‬
‫وشركاٍت استثمارَّية جديدة تظهُر بانتظام‪ .‬وكما شهَدْت ليندا من أحداث في أميركا الَّل اتينَّية‪ ،‬حيُث بدأ تأثيُر ريادِّيي الأعمال‬
‫النموذجِّيين يتضاعُف ويجتاُح أنحاء المنطقة‪ .‬سواء كانوا شباًبا تقنِّيين َيصبون إلى تأسيس شركٍة ناجحٍة مثل مكتوب‪ ،‬أم‬
‫مصِّم مين لبنانِّيين شباًبا يتخَّيلون نجاَح هم وَس يَرهم على ُخ طى الفَّنانة الريادَّية الأسطورَّية ندى دبس‪ ،‬فإَّن الابتكاَر وروَح الريادة‬
‫ينتشران في الشرق الأوسط بُوضوح‪ .‬تبتسم ليندا وتقول‪’’ :‬هذا هو الربيُع العربُّي الحقيقّي ‘‘‪.‬‬
‫** الهاكثون (‪ )Hackthon‬هو حدٌث يضُّم المبرمجين ومطِّوري البرمجَّيات والمصِّم مين الغرافكِّيين ومديري مشاريع البرمجة‪ ،‬حيث يتعاونون جميًع ا في الأمور التي‬
‫تتعَّلق بمشاريع البرمجة (الناشر)‪.‬‬
‫الفصل السادس‬

‫الشركات الناشئة‪/‬‬
‫التحُّول‪ -‬تعليُم الجيل الجديد‬

‫جلَس الفتى الذي يبلغ العاشرة من عمره وهو يشعر بالتوُّتر والحياء في صٍّف يضُّم ‪ ٧٠‬طفًل ا‪ .‬التفَتْت إليه الموِّج هُة التربوَّية‬
‫وسأَلْت ه‪’’ :‬لماذا أنت هنا؟‘‘‬

‫أعاَد الفتى نَّظاراِته الداكنَة ذات الحجم الكبير إلى مكانها‪ ،‬وعَّدَل وضعَّيَتها على أنفه قبل أن يهمَس قائًل ا‪’’ :‬لأكون واثًقا‬
‫بنفسي‘‘‪.‬‬
‫تَبَّس مت الموَّج هة قائلًة ‪’’ :‬ماذا قلَت ؟ بَص وٍت أعلى‘‘‪.‬‬
‫رفَع الفتى نبرَة َص وته كأَّنه يتحَّدث‪’’ .‬لأكوَن واثًقا بنفسي‘‘‪.‬‬
‫فضلك!‘‘‬ ‫تحَّر كِت الموِّج هُة إليه‪ُ’’ :‬قْلها بَص وٍت عاٍل ‪ ،‬من‬
‫ارتعَد الفتى الصغير ِلَلحظة‪ ،‬ولكَّنه كان يبتسم‪’’ :‬لأكون واثًقا بنفسي!‘‘ قاَلها بَص وت عاٍل ‪.‬‬
‫حَّثته الموِّج هة قائلًة ‪َ’’:‬قْف على ِم نَض دتك وُقلها بَص وٍت أعلى!‘‘‪.‬‬
‫بنفسي!‘‘‬ ‫عَّم الضحك الصَّف حين كان الفتى يصعُد على ِم نضدته ويصرُخ قائًل ا‪’’ :‬لأكون واثًقا‬
‫قالت الموِّج هة بسعادة‪’’ :‬حسًنا! الآن عرفت سبَب وجودَك هنا‘‘‪ .‬وصَّفق الأطفال فرًح ا‪.‬‬
‫في تلك اللحظة‪،‬كانت ُثرَّيا سلطي تصِّوُر نفَس ها في صٍّف في إحدى المدارس الحكومَّية في الأردِّن زاَر ْته في ذلك اليوم‪.‬‬
‫ُثرَّيا هي ابنٌة لأٍّب أردنٍّي وأٍّم أميركَّية‪ ،‬درَس ْت في المدارس المحِّلَّية‪ .‬تتذَّكُر قائلًة ‪’’ :‬كنُت طفلًة خجولًة جًّدا في الَّص ّف ‪ ،‬لم‬
‫أُكْن أتكَّلم َقّط ‪ .‬ولم ُيبادْر أَح ٌد بمساعدتي على الخروج من َقوَقعة الخجل‘‘‪ .‬على أَّية حال‪ ،‬ماذا كان سُيحِّقق ذلك؟ مع أَّن‬
‫الأردَّن ‪ -‬شأُنه شأُن العديد من دول الشرق الأوسط‪ -‬استثمَر بشكٍل مكَّثٍف لتعليم الأطفال في المدارس‪ ،‬فإَّن ما نتَج عن ذلك‬
‫كان أمًر ا ُم حِّيًر ا وغيَر واضح‪ .‬فالمناهُج الدراسَّية تعتمُد بشكٍل كبيٍر على الِح ْفظ والَّتحضير للامتحانات الموَّح دة الَّل ازمة‪ ،‬التي‬
‫تحِّدد المساَر الجامعَّي لاحًقا‪ ،‬والحصول على وظيفٍة حكومَّية بعد ذلك‘‘‪ .‬تهُّز ُثرَّيا كتَفيها وتتابع‪’’ :‬ولكَّن التركيَز ضئيٌل جًّدا‬
‫على التفكير الناقد‪ ،‬ولا يوَج ُد أُّي َنوٍع من الارتباط بالقضايا التي تشهُدها المجتمعات المحِّلَّية‪ ،‬أو البلد‪ ،‬أو المنطقة كُّلها‪.‬‬
‫إَّن المعلومات في هذه الكتب قديمة‪ ،‬ولا يوَج ُد إَّلا الحُّد الأدنى من التفاعل بين المعِّلمين والأطفال‪ .‬وما نزاُل نتساءل عن‬
‫سبب عدم َك وِن الكثير من هؤلاء غيَر مؤَّه لين للعمل اليوم‘‘‪.‬‬
‫في عام ‪١٩٨٤‬م‪ ،‬افتتَح ْت والدة ُثرَّيا أَّوَل مكتٍب لمنَّظمة رعاية الأطفال ’’سيڤ ذا تشلدرن‘‘ (‪ )Save the Children‬في‬
‫َّظ‬
‫الأردّن ‪ .‬وتواَص َلْت هذه المنَّظمة العالمَّية مع برامج التعليم الإ ضافِّي في الولايات المَّتحدة وغيرها‪ ،‬مثل تلك التي وضَع ْتها‬
‫منَّظمة ’’جونيور أتشيڤمنت‘‘ (‪ ،)Junior Achievement‬المنَّظمُة غير الربحَّية العالمَّية الهادفة إلى إعداد الشباب للانخراط في‬
‫العمل‪ .‬ولا ترِّكز هذه البرامج على تنمية المهارات الأكاديمَّية لإ عداد الشباب للعمل‪ ،‬بل تسعى إلى تعزيز مهارات الوعي‬
‫بالَّنفس عبر تحفيز الأطفال‪ -‬عبر جميع المراحل الدراسَّية من الحضانة إلى المرحلة الجامعَّية‪ -‬على إبداء آرائهم‪ .‬في عام‬
‫‪٢٠٠١‬م‪ ،‬قَّررت منَّظمة رعاية الأطفال سيڤ ذا تشلدرن إطلاَق فرع لها في الأردّن ‪ ،‬وطلبت من ُثرَّيا سلطي أن تتوَّلى منصب‬
‫المدير لدى ’’إنجاز الأردن‘‘‪ ،‬ووافقْت ُثرَّيا بعد أن كانت قد حصَلْت آنذاك على درجة الماجستير من جامعة نورثوسترن‬
‫(‪ ،)Northwestern‬حيث كانت تتطَّلُع إلى العودة إلى الوطن والمساَه مة الفَّع الة في دعم المجتمع‪ .‬ومن ثَّم ‪ ،‬أنشأت مكتب‬
‫إنجاز الإ قليمَّي بهدف نشر النموذج عبر دول الشرق الأوسط الأربع عشرة‪.‬‬
‫كانت إنجاز أولى مبادرات الشراكة ما بين القطاَع ين العاِّم والخاّص ‪ .‬بدأْت ُثرَّيا ووالدُتها العمل بعد أن منَح ْتهم الوكالة‬
‫الأميركَّية للإ نماء الدولّي (‪ )USAID‬منحًة تعادُل قيمتها المساهمات التي قَّد مْتها الشركات المحِّلَّية‪ ،‬وقد اختيَرِت المدارُس‬
‫بالَّتعاون مع وزارة التربية والتعليم‪ .‬كان الهدُف من هذه المنحة تقديَم دروٍس إضافَّيٍة في نهاية كِّل َيوم دراسٍّي ليس فقط لَتعزيز‬
‫البرنامج التعليمّي ‪ ،‬بل أيًض ا بهدف تنمية المهارات المرتبطة بسوق العمل‪ ،‬وحِّث الطلبة على التفكير الريادِّي وإثراء أفكارهم‬
‫الخاَّص ة‪ .‬كان أوائُل المتطِّوعين في هذا البرنامج الأصدقاء وأفراد العائلة‪ ،‬وسرعان ما باَش روا بَتوظيف قادٍة من الشركات‬
‫المحِّلَّية وموَّظفيهم ليتوَّلوا إرشاَد الشباب الأردنِّيين وتدريبهم ضمَن البرامج المطَّبقة بعد أوقات الدوام المدرسّي ‪ .‬شارَك في‬
‫برنامجهم الأَّول ‪ ٣٠٠‬طالب وعشرُة متطِّوعين‪ .‬وتتحَّدُث ُثرَّيا بشأن تلك الفترة قائلًة ‪’’ :‬في تلك الأَّيام‪ ،‬لم تكْن هناك مراجُع أو‬
‫ماَّد ٌة مكتوبة عن العوامل الديموغرافَّية أو الخلل في الأنظمة الدراسَّية‪ .‬لم تُكْن هناك حاجٌة ملَّح ٌة للَّنظر في هذه التحِّديات‪،‬‬
‫بل كانت هناك شكوٌك أكبُر ِح ياَل استقطاب القطاع الخاّص ‪ ،‬واعتقَد المعِّلمون وأفراد المجتمع المحِّلِّي أَّن ذلك لا يمُّت‬
‫لهم ِبِص لة‘‘‪.‬‬
‫لقد اَّتسم العمُل بالُبطء وذلك بهدف َك ْس ِب الجهود والسعي إلى التعاون مع كِّل الجهات‪ -‬القطاع الخاّص ‪ ،‬والحكومة‪،‬‬
‫والمدارس‪ ،‬إضافًة إلى الطلبة أنفسهم‪ .‬وتتذَّكُر ُثرَّيا‪’’ :‬حَرْص نا آنذاك على إعلام كِّل فئٍة عن آخر المستجَّدات على صعيد‬
‫العمل‪ .‬ثَّم تمَّكَّنا من إقناع المعِّلمين بالانضمام إلينا والتعاون معنا بعد الانتهاء من الدوام المدرسّي ‪ ،‬وقَّدمنا إليهم بعَض‬
‫الحوافز والهدايا مقابَل عملهم الإ ضافّي ‘‘‪ .‬ووجَد هذا التوُّجُه قبوًلا كبيًر ا لدى الطلبة‪ ،‬كما طالَب به الأهالي‪ .‬يرِّكُز منهُج هم‬
‫الدراسُّي اليوَم بشكٍل كبيٍر على تشجيع التفكير الريادّي ‪ ،‬وغالًب ا ما ُتعَقُد الُّص فوف خلال ساعات الَّد وام المدرسَّية‪ ،‬حيُث يعِّلُم‬
‫أصحاُب الأعمال الريادَّية الطلبَة ابتداًء من المرحلة الإ عدادَّية طريقَة إعداد ُخ َطط العمل‪ ،‬والمشاركة في المنافسات المحِّلَّية‬
‫والإ قليمَّية‪ ،‬إلى جانب تعليمهم المهارات الوظيفَّية الأساسَّية مثل التواصل الفَّع ال‪ ،‬وروح الفريق الواحد‪ ،‬وبناء السيرة المهنَّية‪،‬‬
‫والثقافة المالَّية‪ .‬وحَّققْت منَّظمُة إنجاز حضوًر ا في أكثر من ‪ ١.٠٠٠‬مدرسة‪ ،‬لُتغِّطَي كاَّفة العوامل الاقتصادَّية الديموغرافَّية عبر‬
‫الشرق الأوسط وشمال أفريقيا‪ .‬وفي عام ‪٢٠١٢‬م فقط شارَك أكثر من ‪ ٣٠٠.٠٠٠‬طالب معهم‪ ،‬وتجاوَز عدد الخِّريجين ‪١.٣‬‬
‫مليون خِّريج‪ .‬كما بادروا إلى عقِد شراكاٍت مع برامج ريادِة الأعمال في أكثر من ‪ ١٤٠‬جامعة‪.‬‬
‫إَّلا أَّن العوامَل الديموغرافَّية التي ما تزاُل في مراحلها الأولى تشِّكُل مصدَر قلٍق لُثرَّيا‪ .‬تتنَّه ُد قائلة‪’’ :‬لقد رَّكْزنا على ريادة‬
‫الأعمال لأَّن البيانات أظهَرْت حاجًة إلى ذلك‪ .‬فبحلوُل عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬سيدخُل ‪ ١٠٠‬مليون شخٍص جديٍد سوَق العمل‪،‬‬
‫وهناك ‪ ١٣٥‬مليوَن شخٍص دون ‪ ١٥‬عاًم ا‪ .‬ومن الواضح أَّن القطاعات التقليدَّية عاجزٌة عن تحقيق النمِّو السريع الذي يساعُد‬
‫على استيعاب هذه الأعداد‪ ،‬ولهذا سيكوُن على هؤلاء الشباب أن يخِلقوا فرَص عمِلهم بأنفسهم‘‘‪ .‬وتعتقد ُثرَّيا أَّن الأطفاَل‬
‫القادرين على استيعاب مهارات التدريب التي يقِّد ُم ها برنامج إنجاز‪ ،‬سيقودون إلى التغيير وإيجاد فرٍص جديدٍة وعظيمٍة سواء‬
‫صاروا ريادِّيي أعمال أم لا‪ .‬ولكَّنها في الوقت ذاته واقعَّية‪ .‬فهي تقول‪’’ :‬هذا العام‪ ،‬نحن نعمل مع ‪ ٣٠٠.٠٠٠‬طفل‪ ،‬وما يزال‬
‫هناك الملايين من الطلبة يحتاجون إلى ما نقِّد ُم ه في الشرق الأوسط‘‘‪ .‬تتأَّمُل لُبرهة‪ ،‬ثَّم تتابع‪’’ :‬أحياًنا‪ ،‬تبدو التحِّديات‬
‫المتعِّلقة بالتعليم محبطًة ‘‘‪.‬‬

‫عندما يكوُن الهدُف هو بناَء اقتصاٍد مزَد هر‪ ،‬ومنظومٍة متكاملٍة تحفُز الإ بداَع والريادة‪ ،‬فلا يمكُن المباَلغُة في الحديث بشأن‬
‫أهِّمَّية البنية التحتَّية التعليمَّية‪ .‬فمعظم الريادِّيين في الشرق الأوسط َح َظوا بَتعليٍم رفيع المستوى‪ ،‬وغالًب ا ما كان خارج المنطقة‪.‬‬
‫غير أِّني أظُّن أَّن معظَم أبناء الجيل الجديد لم يتمَّكنوا من الحصول على التعليم‪ ،‬أو رَّبما كان دون المستوى المطلوب إذا‬
‫قارَّناه بنظرائه في الأسواق الناشئة‪ .‬وعلى حِّد َقوِل مستثمٍر أميركٍّي في رأس المال‪’’ :‬إَّن من المستحيل أن يملَك هؤلاء‬
‫الشباُب التركيَز والالتزاَم والمهاراِت كما هي حال الكورِّيين‘‘‪.‬‬
‫لذا ُأصبُت بالَّدهشة عندما تبَّيَن لي حجُم الَج هِد والإ نفاق في قطاع التعليم في منطقة الشرق الأوسط‪ .‬ففي عام‬
‫‪٢٠٠٧‬م‪ ،‬أصدَر البنك الدولُّي للإ نشاء والتعمير التابع للبنك الدولِّي تقريًر ا حول الإ صلاحات في قطاع التعليم في الشرق‬
‫الأوسط وشمال أفريقيا‪ .‬ويسِّلُط التقرير الَّض وَء على إنفاق دول المنطقة على التعليم المدرسِّي والذي يشِّكُل نسبًة كبيرًة من‬
‫الناتج المحِّلِّي الإ جمالِّي بمعَّد ٍل يتجاوُز ما تنفُقه أَّية سوٍق ناشئة ُأخرى ذات مستوياٍت مماثلٍة في معَّدل الدخل الفردّي ‪.‬‬
‫يصُل متوِّس ُط الإ نفاق في دول الشرق الأوسط على التعليم إلى ‪ ٪٥‬من الناتج المحِّلِّي الإ جمالّي (أي بعد أميركا الشمالَّية‬
‫وأوروپا الغربَّية‪ ،‬وأعلى من المعِّدلات في معظم دول أميركا الَّل اتينَّية وشرق آسيا)‪ ،‬وَيِص ُل إجمالُّي الإ نفاق الحكومِّي إلى ‪.٪٢٠‬‬
‫إَّن القدرَة على التعُّلم تصُل إلى مستوياٍت مرتفعة‪ ،‬ويمكن لكِّل طفٍل تقريًب ا الحصوُل على التعليم الابتدائّي ‪ ،‬مع زيادٍة مستمَّر ٍة‬
‫في أعداد الطلبة في المسَتوَيين الإ عدادِّي والثانوّي ‪ .‬ولعَّل الأمَر المثيَر للانتباه هو تساوي التوزيع ما بين الجنَس ين‪ ،‬وتقارُبها مع‬
‫أميركا الَّل اتينَّية وشرق آسيا‪ .‬كما انخفَض ْت مسَتَوياُت الأِّمَّية إلى أكثر من النصف خلال العقد الماضي‪.‬‬
‫إَّن حجَم الإ نفاق هذا والتحسينات المقترنة به من خِّط أساٍس متدٍّن ‪ ،‬تخفي واقَع التراُج ع في الجوانب الأهّم ‪ .‬فُرغَم ازدياد‬
‫الأعداد في التعليم الإ عدادِّي والثانوّي ‪ ،‬فإَّنها ما تزاُل أقَّل بشكٍل كبيٍر من شرق آسيا وأميركا الَّل اتينَّية‪ .‬ورغم التحسينات في‬
‫مهارات القراءة الأساسَّية‪ ،‬فإَّن معَّدلاِت الأِّمَّية في الشرق الأوسط أعلى بمَّر َتين من الأسواق الناشئة‪ .‬ولعَّل أكثَر ما يثيُر القلق‪،‬‬
‫هو أَّن في أكثر من نصف دول المنطقة حيث الجامعاُت عاملًة ‪ ،‬يتوَّج ه أكثُر من ثلَثي الطلبِة إلى تخُّص صات في العلوم‬
‫الاجتماعَّية والإ نسانَّية ِع َوًض ا عن التوُّج ه إلى العلوم والرياضَّيات‪ .‬أَّم ا في شرق آسيا‪ ،‬وبنسٍب أقَّل في أميركا الَّل اتينَّية‪ ،‬نجُد‬
‫نقيَض هذا النموذج‪ .‬ففي الاختبارات العالمَّية الخاَّص ة بتقييم الطلبة بالعلوم والرياضَّيات مثل ’’اختبار تيمس‘‘ (‪)TIMSS‬‬

‫واختبار البرنامج الدولِّي لتقييم الطلبة ’’پيزا‘‘ (‪ ،)PISA‬تسِّجُل دول الشرق الأوسط بشكل مستمٍّر تراُجًع ا عن المعَّدلات‬
‫العالمَّية‪ ،‬بل تصُل إلى مستوياٍت أدنى من الاقتصادات النامية في آسيا وأميركا الَّل اتينَّية‪ .‬وبحسب تقرير البنك الدولِّي ’’نظًر ا‬
‫إلى أَّن الابتكار والقدرة على التكُّيف مع التكنولوجيا يلعبان دوًر ا أساسًّيا في عملَّية التنمية‪ .‬فقد يكون إنتاُج المدارس [في‬
‫منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا] من الكفاءات يحمُل خليًطا خاطًئا من الكفاءات‘‘‪.‬‬
‫أخبرني الدكتور شريف كامل‪’’ :‬هنا يكمُن جوهُر التحِّدي‘‘‪ .‬والدكتور شريف هو عميد كِّلَّية إدارة الأعمال في الجامعة‬
‫الأميركَّية في القاهرة التي أتشَّرُف بعضوَّيتي في مجلسها الاستشارّي ‪ ،‬وهو أٌب لطفَلين ترْع َرعا في القاهرة؛ لذا فهو يعرُف‬
‫بالَّض بط ما يتحَّدث به‪ .‬يعتقُد الدكتور كامل أَّن نطاَق خبرته في مصر أمٌر شائٌع في المنطقة‪ .‬ويتابع‪’’ :‬إَّن الدراسات المتعِّلقة‬
‫بالتعليم في ِم ْص ر تتجاَو ُز أَّية قضَّيٍة اجتماعَّيٍة أخرى‪ .‬الجِّيُد في الأمر أَّن هناك اِّتفاًقا كبيًر ا على التحِّديات‪ ،‬وهذا بحِّد ذاته‬
‫يشِّكُل نقطَة انطلاٍق مهَّم ة‪ .‬ولكَّن الخبَر السِّيئ هو أَّن إصلاَح تلك التحِّديات سيتطَّلُب صرامًة ووقًتا طويًل ا‪ -‬رَّبما سنوات‘‘‪.‬‬
‫ويرى الدكتور كامل حاجًة إلى أربعة عوامَل أساسَّية مترابطة‪ :‬أَّوًلا‪ ،‬أْن تتمحَوَر استراتيجَّيُة السياسات حول ما يحتاُج‬
‫الطالب إلى تعُّلِم ه‪ ،‬دون الاستناد إلى مبدأ الَّتلقين والِح ْفظ الموَّج ه نحو اجتياِز الاختبارات الحكومَّية الموَّح دة‪ .‬ويتساءُل‬
‫الدكتور‪’’ :‬ما الذي نريُده؟ ما القطاعاُت التي نحتاُج إلى إعداِد الخِّريجين للانخراط بها؟ ولماذا؟ ما أوُج ه القصور الواضحة‬
‫التي يمكُننا إصلاُح ها على مستوى الِّنظام كُكّل ؟ ثانًي ا‪ ،‬هناك حاجٌة أقوى إلى منهج دراسٍّي وبنيٍة تحتَّية أقوى لَج ْذ ِب‬
‫المواهب الحقيقَّية المطلوبة لَتنفيذها‪ .‬ويضيُف قائًل ا‪’’ :‬نحن ندفُع للمعِّلمين رواتَب شهرَّيًة بمعَّدل ‪ ٧٠‬دولاًر ا تقريًب ا‪ .‬فماذا‬
‫برأيك سيعتقُد المجتمع؟‘‘ ثالًثا‪ ،‬الاهتمام على نحٍو أكبر بحجم الغرف الصِّف َّية‪ .‬ويقول في ذلك‪’’ :‬قد يصُل عدد الطَّل اب‬
‫في صفوف المدارس الحكومَّية إلى ‪ ٦٠‬أو ‪ ٧٠‬طالًب ا بأقِّل مستوياِت تركيٍز ومشاركٍة تفاُع لَّية‪ .‬والكثير من الطلاب لا يحُض رون‪،‬‬
‫ولا يتعَّرضون للمساءلة حَّتى إَّنه لا ُيسَّجُل الحضور والغياب‘‘‪ .‬أخيًر ا‪ ،‬يحاُّج الدكتور شريف أَّن إحصائَّياِت محو الأِّمًّية تعطي‬
‫ِح ًّس ا خاطًئا بالَّنوعية والجودة فيقول‪’’ :‬في مرحلِة الجامعة‪ ،‬سنَح ْت لي فرصُة مقابلِة أفضل الطَّل اب‪ ،‬غير أَّن مهاراِت القراءة‬
‫والكتابة لديهم لم تُكْن جِّيدة‪ .‬كما أَّن الَفجوَة هائلٌة ما بين المدارس الحكومَّية والمدارس الخاَّص ة‪ .‬فمن بين ‪ ١٦‬مليون‬
‫طالٍب في مصر اليوم‪ ،‬لا يتمَّكُن سوى بضِع عشراِت الآلاف منهم فقط من الالتحاق بمدارَس خاَّص ة‘‘‪ .‬وهذا الأمُر يشِّكُل‬
‫تحِّد ًيا على مستوى المنطقة بأسرها؛ فقد أشاَرْت إحدى الدراسات إلى أَّن الجامعاِت في الإ ماراِت تنفُق ما بين ‪ ١٦‬و‪٪٢٠‬‬
‫من موازنتها على دروس التقوية في الرياضَّيات واللغة الإ نكليزَّية‪ .‬ويشيُر كامل ِبَقوله‪’’ :‬إَّن العملَّيَة الحسابَّية للديموغرافيا بسيطة‪:‬‬
‫نسبة البطالة في مصر اليوم تصُل إلى ‪ ،٪٢٠‬وعلينا َخ ْلُق ما مجموعه ‪ ٨٠٠.٠٠٠‬فرصة عمل كَّل عام للمحافظة على التوازن‪.‬‬
‫التعليم هو كُّل شيء‘‘‪.‬‬
‫نافذ دَّقاق‪ ،‬أَح ُد خبراء تعليم الشباب في منطقة الشرق الأوسط‪ ،‬ومن أصحاب الطليعة في هذا المجال‪ .‬يجمُع نافذ‬
‫العالم العربَّي من أطيافه‪ :‬فهو فلسطينٌّي من مواليد السعودَّية‪ ،‬ويحمُل الجنسَّية الأردنَّية‪ ،‬وعاش في كٍّل من الُقدس ودبي‪.‬‬
‫درَس في جامعة يال‪ ،‬رغم أَّن أَح د الذين عقَد مقابلة معهم في الجامعة لم يترَّد د في إظهار توُّقعاته السلبَّية عن التعليم في‬
‫المنطقة‪ .‬ويضحك نافذ قائًل ا‪’’ :‬أتذَّكُر كيف بَدْت علاماُت الدهشة على وجوههم عندما علموا أَّننا نستخدم جهاز الحاسوب‬
‫المحمول بانتظام‪ ،‬وطرحوا علينا سؤاَلين‪ :‬هل نعرُف ماهَّية الفنون الليبرالَّية؟ هل نعرُف اختبارات سات (‪[ )SAT‬اختبار الكفاءة‬
‫الدراسَّية الموَّح د للقبول في الجامعات الأميركَّية]؟ ولا بَّد أِّني تركُت انطباًع ا جِّيًدا لديهم لأِّني كنُت أعرُف إجابَة هذين‬
‫السؤاَلين‪ ،‬ثَّم حَّثوني على تقديم طلٍب في وقٍت مبِّكر‘‘‪ .‬يشُّع وجُه ه بابتسامٍة دافئة ثَّم يقوُل مازًح ا‪’’ :‬رغم سمعتهم العالمَّية‪،‬‬
‫فأنا أرى أَّن لجامعة يال معاييَر متدنَّية‘‘‪.‬‬
‫كتب دَّقاق أطروحته في نيو هايڤن (‪ )New Haven‬حول العقبات التي تحوُل دون إصلاح المناهج في المنطقة بشكل‬
‫عاّم ‪ .‬وبصفته عضًو ا في اِّتحاد الطلبة العرب بجامعة يال‪ ،‬فقد تواصَلْت معه شركُة الاستشارات ماكنزي آند كومپاني‬
‫(‪ )Mckinsey and Company‬التي عرَض ْت تقديَم منحٍة لرعاية تجُّم ع طَّل ابٍّي يستقطُب الشباَب العربّي ‪ .‬ويتابع نافذ‪’’ :‬بدأُت‬
‫ُأفِّكر ملًّيا في ما يجب علَّي فعله‪ ،‬وتحَّدثُت إلى أصدقائي حَّتى أدركُت أَّن الفكرَة السائدَة هي أَّن أَح ًدا لن ينتظَر أَّي شخٍص‬
‫آخر لحِّل المشكلات التي نواِج ُه ها؛ إذ يمكُننا من خلال التكنولوجيا والفكر الريادِّي تحقيُق إنجازاٍت هائلة‪ .‬وكانت هذه‬
‫الفكرة التي ارتكَز عليها تجُّم عنا الطَّل ابّي ‘‘‪ .‬عاد دَّقاق إلى الشرق الأوسط بمنحٍة من جامعة يال للُم ِض ِّي ُقُد ًم ا في تكثيف‬
‫عملَّية البحث ساعًي ا إلى الدمج ما بين حلول الشركات الريادَّية من جهة‪ ،‬وأهداف إصلاحَّية من جهٍة ُأخرى‪.‬‬
‫كانت النتائج التي توَّص َل إليها دَّقاق متقاربًة بشكل ٍكبير مع تلك التي تحَّدث بشأنها شريف كامل؛ فهو يعتقد أيًض ا أَّن‬
‫هناك ثلاثَة عوامل تحول دون القيام بالإ صلاحات بالسرعة المطلوبة‪ .‬كانت صدمُته الأولى عندما أدرك أَّن هناك افتقاًر ا إلى‬
‫الاستمرارَّية عند محاولة إجراء الإ صلاحات‪ ،‬ويوضُح قائًل ا‪’’ :‬يبدو أَّن وزراء التعليم في الأردِّن والإ مارات يستبَدُل بهم وزراء‬
‫آخرون كَّل سَّتة شهور‪ ،‬وكأَّن الوسيلة الوحيدة لقياس مدى نجاح السلطات المسؤولة هو عدم تحقيق النتائج المرجَّوة من‬
‫الإ صلاحات‘‘‪ .‬ثانًي ا‪ ،‬يرى نافذ أَّن الجهوَد المبذولة في الإ صلاحات لم تَّتخْذ نهًج ا شمولًّيا‪ ،‬فقد كانت ترِّكُز على أجزاء‬
‫متفِّرقٍة من المعاَد لة وليس على الإ طار الشمولّي ‪ .‬ويقول‪’’ :‬إَّنهم ُيرِّكزون على إدخال التعديلات على الاختبارات الموَّح دة التي‬
‫ترِّكُز على الحفظ والَّتلقين‪ ،‬ويتجاَه لون تدريب المعِّلمين‪ .‬لو أَخ ْذ نا الأردَّن مثًل ا‪ ،‬نرى أَّن ‪ ٪١٦‬فقط من أسئلة اختبارات‬
‫الثانوَّية العاَّم ة تعتمُد على التفكير التحليلّي ؛ وعليه فإَّن تعُّلَم كيفَّية التفكير بطريقة تحليلَّية ليَس ْت بفكرٍة جِّيدة‘‘‪ .‬ثالًثا‪ ،‬وكما‬
‫أشاَر تقريُر البنك الدولّي ‪ ،‬ليس هناك أُّي َنوع من أنواع المساءلة حول إنفاق الأموال‪ .‬ويتابع‪ ’’ :‬فالإ علان عن استخدام‬
‫التكنولوجيا في التعليم من خلال الإ نفاق لشراء أجهزة لوحَّية ليس بالحِّل الأمثل‪ ،‬ما لم تدَع ُم ه نتائُج واضحٌة يمكُن تحليُلها‬
‫وقياسها‪ .‬فالمعِّلم السِّيئ لن يعطَي نتائَج أفضل‪ ،‬وسيبقى سِّيًئا حَّتى لو زَّودَته بأكثِر الأجهزة تقُّد ًم ا‘‘‪.‬‬
‫ولكْن ‪ ،‬في الوقت الذي توَّقَع فيه أن تكوَن رَّد ة الفعل نحو تلك التحِّديات هي الَّل امبالاة وعدم الاكتراث‪ ،‬وجَد العكَس‬
‫تماًم ا‪ .‬كان أولياُء الأمور والمعِّلمون على حٍّد سواء يعرفون أين يكمُن الخطأ‪ .‬ويتذَّكُر دَّقاق ما قاَله له أَح ُد ُم عِّلمي الُّلغة‬
‫الإ نكليزَّية من الأردّن ‪’’ :‬أنا لا ُأعِّلمهم اللغَة الإ نكليزَّية‪ ،‬ولست مدهوًش ا أَّنهم لا يتحَّدثوَنها‪ .‬فكُّل ما ُأعِّلمهم إَّياه هو كيف‬
‫يحَفظون الكلمات لتأدية الامتحانات‘‘‪ .‬فالأنظمُة لا تحفُز الابتكاَر أو تبِّني أسلوٍب جديد‪ .‬ويقوُل دَّقاق‪’’ :‬بالكاد يكافأ‬
‫القائمون على التعليم على ما يؤُّد ونه‪ .‬عندما كنُت ُأجري بحثي‪ ،‬تبَّين لي أَّن أكثَر ما يمكن للُم عِّلم أن يتمَّناه هو زيادٌة شهرَّيٌة‬
‫تعادل ‪ ٥‬دولارات‪ .‬وهذا المبلُغ لا يعِّبر بالَّتأكيد عن الشكر أو التقدير‪ ،‬وهو لن يُح َّث أَح ًدا على الابتكار وحِّل المشكلات‘‘‪.‬‬
‫هل نفقُد الأمل؟‬
‫يؤِّكد شريف مجَّد ًد ا أَّن الاعتراَف بالتحِّديات والاِّتفاَق عليها قد يكوُنان البداية‪ ،‬كما يرى أَّن هناك حاجًة ضرورَّيًة إلى رؤيٍة‬
‫قابلٍة للَّتنفيذ‪ ،‬وأَّن َو ْض ع أهداٍف قصيرٍة وطويلِة الأجل هو أمٌر ضرورٌّي جًّدا‪ .‬ورغم اعتقاده أَّننا قد لا نرى نتائَج التغُّيراِت‬
‫الجوهرَّيَة على الُبنى التحتَّية إَّلا بعد سنوات‪ ،‬غير أَّن أمَرين مهَّم ين َح َدثا مؤَّخ ًر ا‪ ،‬وشَّكلا عامًل ا مشِّجًع ا‪ :‬أَّولهما هو توُّج ه‬
‫الشركات للَّتركيز على المسؤولَّية الاجتماعَّية أكثر من أِّي وقٍت مضى؛ ليس على أساس أَّنها مجَّرُد مبادراٍت في العلاقات‬
‫العاَّم ة‪ ،‬بل طريقة استراتيجَّية للَّتفاعل مع المجتمعات والارتقاء بها‪’’ .‬يعُّد هذا أَح َد المواضيع التي تحظى باهتماٍم في الشرق‬
‫الأوسط‪ ،‬حيُث تتناوُله الشركاُت وصانعو السياسة والمجتمعات الأكاديمَّية‪ .‬فالجميُع يدركون أَّن عليهم التزاماٍت نحو‬
‫المجتمع‪ ،‬ولكْن لكي ُنحِّق َق أهداَفنا علينا استقطاُب الإ بداع والَّل اعبين الجدَد والموارد‪ .‬وقد بدأِت الشركاُت فعًل ا‪ ،‬وللمَّرة‬
‫الأولى‪ ،‬تدرُك أَّن اِلخياَر الذي أماَم ها هو إيجاُد طرٍق إبداعَّية لمساعدِة المجتمعات على النمِّو والبناء‘‘‪ .‬أَّم ا التطُّور الثاني‪ ،‬فهو‬
‫أَّن هناك إمكاناٍت ضخمًة آتيٌة من القاع إلى القَّم ة‪ .‬فمن خلال تكنولوجيا المعلومات‪ ،‬صار في ُوسع الشباب اليوَم التواصُل‬
‫بشكٍل أسهَل وأوسَع وتعزيُز مهاراتهم‪’’ .‬إَّن المعرفَة والثقافة التكنولوجَّية على مستوى عاٍل اليوم‪ ،‬وهو أمٌر لا يقتصُر في المدن‬
‫الرئيسَّية؛ فالجميع في كِّل مكاٍن لديهم وسيلُة اِّتصاٍل أو هاتف نَّقال‪ .‬سنجُد المزيَد والمزيَد من الإ جابات المثيرة للاهتمام‬
‫آتيٌة من مناطَق جديدة‪ .‬وسترى مهاراٍت عاليًة في إضفاء الطابع التسويقِّي على الإ جابات والأفكار من خلال ريادة الأعمال‘‘‪.‬‬
‫لقد شهدُت قَّو َة تأثير هذين العامَلين في قَّص ٍة لا تصَّدُق في أكثر مناطِق عَّم ان‪.‬‬

‫في أحد الأَّيام‪ ،‬أخبَرني أَح ُد مستثمري رأس المال‪ ،‬وهو أميركّي ‪ ،‬بأَّن رهاَنه الحقيقَّي يكمُن في محاَو لِة تخمين الشركة الآتية‬
‫التي سيقوُم بها صاحُب الفكر الريادّي ‪ .‬فهو على يقيٍن أَّن احتمالَّيَة نجاح الفكرة أو فشلها قائمٌة لعَّدة أسباب‪ ،‬ولكْن عندما‬
‫تجُد فكًر ا ريادًّيا بالفطرة‪ ،‬تجمُع صفاُته مزيًج ا من الجِّد والمثاَبرة وبراعِة الإ بداع‪ ،‬والتواضع‪ ،‬إضافًة إلى الَّص رامة في إيجاد‬
‫الحلول‪ ،‬فستكوُن صاحَب قناعٍة أَّن النجاَح سيكوُن حليَفه يوًم ا ما‪ .‬وكذلك هو علاء السَّل ال‪ ،‬الشاُّب الأردنُّي ذو العشرين‬
‫عاًم ا‪ ،‬صاحُب الابتسامة الدافئة والوجه المفَع م بالحماس‪ ،‬كأَّنه في السادسة عشرة من العمر‪ .‬ولا يمكُن أن يتصَّوُر المرُء‬
‫للَوهلة الأولى أَّن هذا الشاَّب مديٌر تنفيذٌّي لإ حدى الشركات التي يطمُح أن تغدَو أكبَر منَّص ٍة تجارَّيٍة إلكترونَّيٍة لَب يع الكتب‬
‫في الشرق الأوسط‪.‬‬
‫كان لقائي الأَّول به في مقِّر شركة أويسس ‪ ٥٠٠‬في مجَّم ع الملك حسين للأعمال في عَّم ان‪ ،‬وهو مجمٌع عصرٌّي‬
‫حديٌث جًّدا‪ ،‬يخضُع لحراسٍة مشَّددة‪ .‬تحيُط بهذا المبنى مكاتُب مبيعاٍت لشركات التكنولوجيا العالمَّية العملاقة مثل‬
‫مايكروسوفت وآي بي أم‪ ،‬وتمنُح بساطُة تصميمه والغايُة من إنشائه شعوًر ا بالَّترحاب والراحة‪.‬‬
‫كان علاء‪ ،‬حين التقيُته‪ ،‬لبًقا جًّدا وسعيًدا بمشاركتي قَّص َته‪ ،‬إَّلا أِّني شعرُت أَّنه شديد الحماس لمتابعة عمِله بسرعة‪،‬‬
‫فارتأيُت أَّلا أطيُل الحديَث معه‪.‬‬
‫تحَّدث علاء باقتضاٍب عن نشأته‪ ،‬وما كان يحاوُل بناَءه‪ ،‬وكانت عيناه الداكنتان تضيقان بينما كان يسرُد كلماِته‪ .‬ورغم‬
‫أَّن فكرته بَّناءة‪ ،‬فقد بَدْت أيًض ا أبعَد من أن تصيَر واقًع ا‪.‬‬
‫هو أَح ُد سبعة أشَّقاَء لوالَدين ِفَلسطينَّيين يعملان في قطاع التعليم‪ .‬وبعد قيام دولة إسرائيل عام ‪١٩٤٨‬م‪ ،‬قَّررا الرحيل إلى‬
‫الأردِّن حاُلهم حاُل اللاجئين الِف َلسطينِّيين الذين يمِّثلون ثلَث سَّكان الأردّن ‪ .‬فعدُد سَّكان عَّم ان وحدها نحو ثلاث ملايين‬
‫نسمة‪ .‬وبحسب توُّقعات الخبراء‪ ،‬فإَّن هذا العدَد قد يَتضاَع ُف خلال العقد المقبل‪ .‬وإلى جانب السَّكان الِف َلسطينِّيين‪،‬‬
‫استقطَب ْت كاَّفُة مناطق الأردِّن لاجئين وعَّم اًلا من جنسَّياٍت ُأخرى من ِم ْص َر والعراق وسورية‪ .‬وخلال السنوات الأخيرة‪ ،‬تغَّيرْت‬
‫ملامُح المدينة‪ ،‬لا سَّيما المنطقة الغربَّية منها‪ ،‬بفعل عملَّيات الإ نشاء في القطاع العقارّي ‪ ،‬وافتتاح المطار الجديد‪ .‬أَّم ا‬
‫منطقة عَّم ان الشرقَّية‪ ،‬حيُث يقطُن علاء وعائلُته‪ ،‬فما تزاُل على حالها‪ ،‬وكأَّن آلَة الزمن توَّقفْت ولم يجِد التغييُر طريًقا إليها‪.‬‬
‫يقوُل أَح ُد الريادِّيين مازًح ا‪ ،‬وهو مَّم ن يسكنون في المنطقة الغربَّية ويعمُل في قطاع التكنولوجيا في أثناء توضيحه الفرَق بين‬
‫المنطقَتين‪’’ :‬أعتقد أَّنك تحتاُج إلى جواز سفٍر للُع بور ما بين عمان الغربَّية وعَّم ان الشرقَّية‘‘‪.‬‬
‫عَّم ان هي مدينٌة تتنَّوُع الشوارع فيها بين تلك التي تقُع على جبل أو على دَّو ار‪ .‬ويمكُنك أن تستدَّل على المستوى‬
‫الاجتماعِّي للشخص من الدَّو ار أو الجبل الذي يقطُنه‪.‬‬
‫وعندما أوضح لي فادي غندور أَّن بعَض جبال عَّم ان الشرقَّية كانت مخَّيماٍت لَّل اجئين‪ ،‬جعَلني هذا أتخَّيُل ِخ ياًم ا على مِّد‬
‫النظر‪ ،‬إَّلا أَّن ما رأيُته كان مغايًر ا لما توَّقعت‪ .‬فقد وجدُت صفوًفا من المساكن داكنة الَّلون‪ ،‬قليلة الارتفاع‪ ،‬تمتُّد إلى أعلى‬
‫الجبل‪ .‬وقد ُأِّمَنِت الأموُر المهَّم ة للَم عيشة كالكهرباء والماء‪ ،‬كما توَج ُد المتاجُر الصغيرُة لَتلِبية بعض الاحتياجات‪ .‬ورغم‬
‫َّظ‬ ‫ُّف‬
‫ذلك‪ ،‬فإَّن هذه المجتمعاِت الأكثر تحُّف ًظا‪ ،‬مكتَّظٌة بالسَّكان وُتعاني الفقر‪ .‬فمباني المدارس مَتهاِوية‪ ،‬وبالكاد تتوافُر أماكُن‬
‫لعٍب آمنٌة للأطفال‪ ،‬هذا إْن ُوجَدت أصًل ا! كما أَّن معَّدَل البطالة والتسُّرب من المدارس في هذه المجتمعات مرتفٌع جًّدا‪.‬‬
‫وأوَض َح لي علاء قائًل ا‪’’ :‬إَّن الاحتكاَك ما بين هذه المجتمعات وسَّكان عَّم ان الغربَّية معدوٌم تقريًب ا! وباستثناء هؤلاء الذين‬
‫يمارسون أعماًلا خارَج إطار المألوف‪ ،‬فإَّن عالمنا هو الجبُل فقط‘‘‪.‬‬
‫كان علاء محظوًظا بارتياد إحدى المدارس التابعة لوكالة الغوث الدولَّية (الأونروا)‪ ،‬والتي تأَّس سْت قبل ما يزيد على نصف‬
‫قرن‪ ،‬من أجل تعليم أطفال الَّل اجئين الِف َلسطينِّيين‪ .‬ورغم أَّن الأردَّن تعُّد من الدول الرائدة في الشرق الأوسط في توفير التعليم‬
‫العاِّم المَّج انّي ‪ ،‬فإَّن الفرَق في التعليم ما بين المدارس الحكومَّية ومدارس الأونروا شاسٌع جًّدا‪ .‬أخبَرني علاء قائًل ا‪’’ :‬لقد‬
‫حظينا بأساتذٍة ذوي خبرٍة عالية‪ ،‬وتعليٍم جِّيٍد ‪ ،‬لا سَّيما في ماَّد ة الرياضَّيات‪ .‬غير أَّن التعليَم كان فقط بهدف اجتياز‬
‫امتحانات شهادة الثانوَّية العاَّم ة‪ .‬ولم تكن هذه الامتحانات اختباًر ا للمهارات التي نحتاُج إليها للُح صول على أفضل‬
‫الوظائف‘‘‪ .‬في الواقع‪ ،‬ولدى زيارتي للمدارس في المناطق الفقيرة في الأردِّن والقاهرة لتعُّرف البرامج الشبابَّية‪ ،‬رَّد د طَّل اُبها‬
‫أَّنهم لا يعَلمون مصيَرهم في المستقبل‪.‬‬
‫يروي علاء قائًل ا‪’’ :‬حصْلُت على أَّول حاسوب حين كنُت في الصِّف التاسع‪ ،‬بعد أن جمَع والدي‪ ،‬بعد فترٍة طويلة‪،‬‬
‫بعَض المال لِش راِء حاسوٍب بسيط‪ .‬ودفَع ني شَغفي بماَّد َتي الرياضَّيات والعلوم إلى البرَم جة التي وجدُتها من الأمور السهلة‪،‬‬
‫وهكذا مَّه د لي هذا الحاسوُب آفاًقا واسعًة من الفرص المستقبلَّية‘‘‪ .‬كان علاء يعَلُم أَّنه لن ُتتاح له التخُّص صات التعليمَّية‬
‫التقليدَّية التي ُتعُّد ِخ ياًر ا أَّوَل للَّش باب في المجتمع الأردنِّي كالطِّب والهندسة‪ ،‬نظًر ا إلى الَوْض ع الماِّد ِّي وَعْج ز والَديه عن‬
‫تأميِن رسومها‪ .‬لذا قَّرَر التوُّجَه إلى الإ نترنت لتكوَن مصدَر ثقافته‪ ،‬فقرأ عن بل غيتس‪ ،‬واَّطلع على نشأة مايكروسوفت‪ ،‬وكان‬
‫الحاسوُب مدخًل ا لعالٍم جديٍد من الفرص لا تتعَّدى تكاليُفه ثمَن الجهاز نفسه‪ .‬يتابُع علاء قائًل ا‪’’ :‬كان عدُد نا في الصِّف‬
‫خمسًة وأربعين طالًب ا‪ ،‬ولم يُكْن إَّلا خمسٌة مَّنا يملكون جهاَز حاسوب! ومن الجدير بالذكر أَّن الإ نترنت كانت بالكاد متاحًة‬
‫في عمان الشرقَّية‪ ،‬ناهيك بتكلفتها المرتفعة جًّدا‪ ،‬حيث كان الاشتراك يناهز السِّتين ديناًر ا شهرًّيا‘‘‪ .‬قَّرَر الطَّل اُب الخمسة أن‬
‫يشتركوا جميًع ا في الإ نترنت‪ ،‬وتناَو بوا في استخدامها ساعًة تلَو الُأخرى‪ .‬ويضحُك علاء قائًل ا‪ ’’ :‬صرنا فجأًة أكثَر ذكاًء من‬
‫الطَّل اب الآخرين؛ لأَّننا كَّنا نؤِّد ي واجباتنا باستخدام الموقع الإ لكترونِّي مكتوب‪ ،‬الذي لم يسَم ْع به زملاؤنا من قبل‘‘‪.‬‬
‫استحَوَذ شغُف علاء الاستثنائُّي وقدراُته الفَّذ ة في استخدم الحاسوب على اهتماِم أساتذته في مدرسة الأونروا‪ ،‬مَّم ا دفَع هم‬
‫إلى ترشيحه لمنحٍة دراسَّيٍة في إحدى الكِّلَّيات الرائدة في علوم الحاسوب في عَّم ان‪ .‬وإلى جانب دراسته مواَّد برمجة‬
‫الحاسوب‪ ،‬كان علاء يحضُر جميَع محاَض رات الرياضَّيات بصفِة مستمع‪ ،‬ويضيُف قائًل ا‪’’ :‬لم يُكْن أَح ٌد يصِّدُق أِّني لسُت‬
‫طالَب رياضَّيات‪ .‬هناك سحٌر في الرياضَّيات يجذُبني؛ فنظرَّيُة الأعداد هي موضوعي المفَّض ل‪ ،‬رَّبما لأِّني كنُت أربُطها بعلم‬
‫الحاسوب‘‘‪ .‬كانت الجامعُة عالًم ا آخَر بالنسبة إلى علاء‪ ،‬فقد تعَّرَف فيها أموًر ا لم يسبْق له أن رآها من قبل‪ ،‬مثل مختبٍر‬
‫لطلبِة العلوم للبحث والاستكشاف وإجراء التجارب‪ ،‬واستطاع إنشاء َم وقع إلكترونٍّي بسيط‪ .‬وبعد اكتشافه موقع غوغل آدسنس‬
‫(‪ ،)Google AdSense‬حصَل على أَّول ‪ ١٠٠‬دولار من خلال الإ علان على موقعه‪ ،‬ويصُف علاء التجِربة قائًل ا‪’’ :‬كانت أبرَز‬
‫لحظٍة بالِّنسبة إلَّي أن أحصَل على صورة فوتوغرافَّية مع هذا الشيك‪ .‬إَّلا أَّن ما تعَّلمُته كان أهَّم وأكبر‪ ،‬فلم يتوَّقْع أَح ٌد من‬
‫معارفي آنذاك أِّني سأجني الماَل من الإ نترنت! فُه م لا يعرفون معنى الريادة‪ .‬كنُت أعلُم أَّن الفرَص كانت متاحًة ‪ ،‬وأَّنها مسألُة‬
‫وقٍت فقط‘‘‪.‬‬
‫بعد ذلك‪ ،‬اَّتخذْت حياُته مساراٍت ُم ذهلة‪ .‬ففي عام ‪٢٠٠٧‬م‪ ،‬رَّش حْته مدرسُته للمشاركة في منافسٍة أعَّدْتها مايكروسوفت‪.‬‬
‫وللمَّرة الأولى في حياته‪ ،‬يسافُر على متن الطائرة‪ ،‬ليزوَر كولورادو وعالم ديزني في فلوريدا‪ .‬منذ أن حصَل على تأشيرِة الولايات‬
‫المَّتحدة‪ ،‬راَو َد ه شعوٌر بأَّن هذه الرحلة سُتغِّيُر مساَر حياته إلى الأبد‪ .‬ويعِّلُق علاء قائًل ا‪’’ :‬لن أنسى أبًدا ما قاَله لي أَح ُد‬
‫القائمين على المسابقة‪« :‬نريُد أن يزوَر أميركا أشخاٌص مثلك»‪ .‬عَّززْت هذه الكلماُت ثقتي بنفسي‘‘‪ .‬حاز علاء المرتبَة‬
‫السادسة من بين خمسين متسابًقا حول العالم‪ ،‬وعاَد إلى عَّم ان وهو أَح َد المشاهير الصغار‪ .‬كان علاء يرغُب في البقاء في‬
‫الولايات المَّتحدة‪ ،‬إَّلا أَّنه لم يكن يملُك الماَل الكافَي لذلك‪ .‬شاءت الأحوال ونال منحًة دراسَّيًة في معهد أثينا لتكنولوجيا‬
‫المعلومات في اليونان‪ ،‬والتابع لجامعة كارنيجي َم ُلن (‪ .)Carnegie Mellon‬تضَّم نِت المنحُة جميَع المصاريف ما عدا‬
‫تكاليف المعيشة‪ ،‬والتي كانت تبلُغ ‪ ٥٠٠‬يورو شهرًّيا تقريًب ا‪ ،‬حَّتى لو قَّرَر الاستغناَء عن الأساسَّيات أو الطعام‪ .‬إَّلا أَّن والَده‬
‫تعَّه َد أن يقترَض المبلَغ لمساعدته على تأمين الحِّد الأدنى المطلوب‪ .‬وكانت المفاجأُة أن ُأصيَب والد علاء بالمرض فجأًة‬
‫وُتُو ِّفي بعد سفِر ابنه علاء إلى اليونان بوقٍت قصير‪ .‬وُيشيُح علاء بنظره إلى الأفق‪ ،‬ويروي ذكرياته‪’’ :‬كان الأمُر صعًب ا جًّدا‪،‬‬
‫وكان علَّي اِّتخاذ القرار‪ :‬فإَّم ا أن أعوَد إلى عَّم ان ومساعدة عائلتي و إَّم ا أن ُأتابَع الدراسة‪ .‬كانت المسؤولَّية تثقُل كاهلي‪،‬‬
‫وكانت الَح يرة تراوُد ني‘‘‪ .‬في أثناء الجنازة‪ ،‬انفرَد ْت به والدُته جانًب ا وقالت له إَّنه لا يملُك الِخ يار و إَّن عليه أن يعوَد إلى اليونان‪،‬‬
‫وأصَّرْت قائلًة ‪’’ :‬أنا سأتكَّف ُل بمسؤولَّية العائلة هنا‪ .‬وسنتدَّبُر أموَرنا‘‘‪.‬‬
‫عاَد علاء إلى اليونان‪ ،‬ولكَّنه كان يحتاُج إلى وظيفٍة لتسديد أعباء المصاريف ومواَص لة الحياة‪ ،‬وكان يأمُل أن يتمَّكَن من‬
‫إرسال بعض المال لمساعدة عائلته في الأردّن ‪ .‬حصَل علاء على عمٍل في شركٍة بعيدٍة عن مجال التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬وهي‬
‫شركُة اِّتحاد المقاِولين؛ الشركة العالمَّية الكبرى التي يعمل لديها ‪ ١٨٠‬ألَف موَّظف‪ ،‬حيث عمَل لدى المرَكز الفِّنِّي لتكنولوجيا‬
‫المعلومات براتب ‪ ٨٠٠‬يورو شهرًّيا‪ ،‬ولمَّدة ثماني ساعاٍت في اليوم‪ ،‬إلى جانب دراسته‪.‬‬
‫تمَّكَن علاء من إيجاد الوقت لكي يحلم! كان علاء شديَد الإ عجاب بموقع أمازون‪ ،‬إَّلا أَّنه كان ممتعًض ا من عدم ُوجود‬
‫موقع إلكترونٍّي لَب يع الكتب العربَّية في الشرق الاوسط‪ .‬تزاَم َن ذلك مع َبيع سميح طوقان موقَع مكتوب إلى شركة ياهو‪ ،‬فأدرَك‬
‫علاء حينها أَّن الفرَص واعدٌة في الأردّن ‪ .‬ويتذَّكر علاء كم كانت فكرة َبيع الكتب في الشرق الأوسط منطقَّيًة ‪ ،‬وكيف فَّكر‬
‫عنَدها في أَّنه إْن لم ينِّف ْذ هذه الفكرة قريًب ا‪ ،‬سيسبُقه أَح ٌد إلى َتنفيذها‪ .‬فبدأ يَض ُع مسَّودَة ُخ َّطِة العمل‪ ،‬وتواَص َل مع فادي‬
‫غندور‪ ،‬الذي كان قد التقاه بشكٍل موَج ٍز في عَّم ان‪ .‬يتذَّكُر فادي ضاحًك ا‪’’ :‬كان علاء لحوًح ا إلى درجِة الإ زعاج! وعرفُت‬
‫منذ أن قابلُته أَّوَل مَّرة‪ ،‬أَّنه كان شخًص ا ممَّيًز ا‪ .‬فقد كان دائَم السؤال والاستفسار‪ ،‬وكان يلاحُقني بفكرته عندما كان في‬
‫اليونان‪ ،‬وكانت ُخ َّطُة العمل التي وضَع ها أشَب َه بدراسٍة لمثاٍل واقعّي ‪ .‬قلُت له عندها أن ُينهَي دراسَته ويحصل على شهادته‪،‬‬
‫ثَّم يعوَد إلى عَّم ان ليعمل على تعديل الُخ َّطة وتحديثها‪ .‬كان عنيًدا لا ينفُّك عن َطْرح الأسئلة والضغط والإ لحاح والتعُّلم‬
‫والبحث والتنقيح‘‘‪.‬‬
‫حين بدأْت شركة أويسس ‪ ٥٠٠‬تستقطُب اهتماَم الكثيرين‪ ،‬راسَل علاء أسامة فَّياض عبر البريد الإ لكترونّي ‪ .‬كان يعلُم أَّن‬
‫نجاَح شركِة التجارة الإ لكترونَّية يجب أن يرتكَز على البيانات‪ ،‬وكان أسامة الشخص الذي يملُك كَّل الإ جابات‪ .‬إَّلا أَّن أسامة‬
‫لم يرَّد على مراَس لاته‪ ،‬فقَّرَر علاء في صيف ‪٢٠١٠‬م أن ينخرَط في إحدى دورات أويسس التدريبَّية‪ ،‬وكان موضوعها حول‬
‫إنشاِء شركٍة ما‪ ،‬وكانت تستغرُق سَّتة أَّيام‪ .‬ويقول علاء‪’’ :‬لم أطُلْب منهم تمويًل ا! ولكَّن الدورَة غَّيرْت حياتي‪ ،‬فقد عدُت إلى‬
‫فادي بُخ َّطِة عمٍل حقيقَّية‘‘‪ .‬ثَّم قَّرَر فادي وصديٌق له أن يمِّولا شركَة علاء بمبلغ ‪ ١٤.٠٠٠‬دولار‪ ،‬وُتعرُف هذه الشركُة اليوَم‬
‫ِباْس م َم وقع َج َم لون (‪ ،)jamalon.com‬وكان أَّوَل موَّظفيه هم والدُته وأشقاؤه وشقيقاُته‪ .‬لم يدفْع علاء أَّي مبلغ في شركته‪،‬‬
‫ولكَّن أشقاَءه ساَه موا بمصروفهم اليومِّي في الشركة‪ .‬هذا العام‪ ،‬حصل علاء على جائزة الموقع الإ لكترونِّي المفَّض ل‬
‫للمستخِد مين في مؤتمر عرب نت‪ ،‬إَّلا أَّن عدًد ا من المستثمرين الآخرين كان رأُيهم أَّنه لن يتمَّكَن من منافسِة َم وقع أمازون‬
‫عندما يجتاُح السوَق العربَّية‪ ،‬ولن يستطيَع جمَع عدٍد كاٍف من الكتب يستقطُب المستخِد مين ويجعُل من الموقع منَّص ًة‬
‫للِّتجارة الإ لكترونَّية‪ .‬ولكَّن علاء كان يزداُد إصراًر ا‪ .‬أخَب رني لاحًقا‪’’ :‬إَّن معرفَة أمازون َتفوُق معلوماتي بكثير‪ ،‬إَّلا أَّنهم يجَه لون‬
‫تماًم ا أسواَق منطقتنا وتوُّج هاتها‪ .‬لذا فإَّن التحُّرَك السريَع يمكُنه أن يجعَل منه شركًة مختلفًة ‪ .‬لقد رأيُت ما سيجلُبه المستقبل‬
‫ليس فقط إلى جملون‪ ،‬بل إلى جميع الشركات الناشئة في الأردِّن والشرق الأوسط‘‘‪.‬‬
‫ولا يتذَّكُر أسامة فَّياض رسالَة علاء الأولى له‪ ،‬ولكَّن علاء لفَت انتباَه ه خلال دورة أويسس التدريبَّية‪ ،‬فبادَر أسامة بتقديم‬
‫مكتٍب له‪ ،‬ومبلٍغ مقداُره ‪ ١٥‬ألف دولار إضافَّية استعداًد ا لَتمويٍل جديٍد أهّم ‪ .‬ويؤِّكد علاء‪’’ :‬كان التمويُل عظيًم ا‪ ،‬لا سَّيما‬
‫أِّني كنُت في أمِّس الحاجة إليه‪ .‬ولأَّننا في بيئٍة ُتشَتَه ر بانطلاق شركات ناشئة‪ ،‬فإَّن الاستفادة من خبرِة هؤلاء والحصول على‬
‫التوجيه‪ ،‬كان بحِّد ذاته ثروة‘‘‪ .‬يروي أسامة قائًل ا‪’’ :‬كان لدى علاء َم هَّم َتين أساسَّيَتين في أويسس‪ :‬الأولى أن يتعَّلَم من كِّل‬
‫شيء يدوُر َح وله ويكتسَب أكبَر َقْدٍر من المعلومات‪ ،‬والثانية أن ُيعِلَم كَّل من يقابُله عن شركته وإمكانَّياته‪ .‬وعندما حان الوقت‬
‫لجمع المال الحقيقّي ‪ ،‬كان علاء قد نجح في َو ْض ع أساٍس متيٍن مثيٍر للإ عجاب‘‘‪.‬‬
‫في صيف ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬كان علاء السَّل ال الذي ترعَرَع في عَّم ان الشرقَّية قد أَّس س جملون‪ ،‬وجعَل منها منَّص ًة تجَمُع ما يزيُد‬
‫على تسعة ملايين كتاب بالُّلغَتين العربَّية والإ نكليزَّية بعد أن شَّكَك المستثمرون في قدرته على تحقيق ذلك‪ .‬بل استطاَع‬
‫أيًض ا أن ُيبرَم اِّتفاقَّياٍت مع الناشرين‪ ،‬وهذا ما جعَل جَم لون أكبَر منَّص ِة تجارٍة إلكترونَّيٍة للكتب في الشرق الأوسط‪.‬‬
‫بالإ ضافة إلى ما قَّدمه فادي وأويسس ‪ ٥٠٠‬من تمويل أَّولّي ‪ ،‬تمَّكَن علاء أيًض ا من َج ْم ع ‪ ٤٠٠‬ألف دولاٍر عبر تقييم تلك‬
‫المنَّص ة بمبلٍغ تجاَو َز مليوَني دولاٍر أميركّي ‪ .‬وفي شتاء عام ‪٢٠١٣‬م‪ ،‬جمع علاء مَّر ًة ُأخرى رأَس ماٍل إضافًّيا للَّش ركة ليفتَح‬
‫مسَتوَد عاٍت في مدٍن عَّدة في الشرق الأوسط‪ ،‬وهو الآن يتفاوُض مع أمازون نفِس ها‪ .‬ويعِّلُق فادي قائًل ا‪’’ :‬واصَل هذا الشاُّب‬
‫تصميَم ه وتركيَزه‪ ،‬فهو يعلُم أَّن التحِّديات بدأْت تزداُد صعوبًة ‪ .‬إَّن التجارَة الإ لكترونَّية ُم كلفٌة حًّقا‪ ،‬وتشهُد مناَفسًة حقيقَّية‪.‬‬
‫ويبقى السؤال‪ :‬هل سيتمَّكُن علاء من َتوسيع حجم شركته هذه؟ وكيف سيقوم بذلك؟ فسوُق الشرق الأوسط ليَس ْت بالُّس وق‬
‫التي تضُّم عدًد ا كبيًر ا من محِّبي القراءة‪ ،‬باستثناء الكتب الدينَّية‪ .‬إَّن علاء حريٌص في إنفاق المال‪ ،‬ولم يمَنْح نفَس ه مكافأًة‬
‫عندما حَّق َق استثماًر ا جديًدا‪ ،‬وهذا ما يجعُل فرصَة جملون حقيقَّية‪ .‬وأنا أتمَّنى حًّقا أن تنجح! وإْن لم ينجح علاء اليوم‬
‫فسينجُح يوًم ا ما‘‘‪.‬‬
‫في ربيع عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬وحين كان علاء في مكاتب أويسس ‪ ،٥٠٠‬سألُته ما إذا كان يعتقُد أَّن قَّص ته قد تتكَّرر‪ ،‬أو أَّنه‬
‫كان حالًة استثنائَّيًة ُتثبُت أَّن الِج َّد في العمل يتفَّوُق على النظام التعليمِّي الذي يخضُع له الشخص‪ ،‬والذي لا يتطابُق مع‬
‫متطَّلباِت القرن الحادي والعشرين‪ .‬أجاَبني دون ترُّد د‪’’ :‬إَّن النجاحاِت التي يحِّقُقها أشخاٌص مثلي تعِّز ُز ثقَة الآخرين في‬
‫الشرق الأوسط للَّس عي إلى تحقيق المزيد‪ .‬لا شَّك أَّن التحِّدياِت التعليمَّيَة كبيرٌة جًّدا‪ ،‬ولا ينتظُر الناُس إصلاحاِت الحكومة‪،‬‬
‫فُه م يواِج هون المشكلة ويعَم لون على تجاُو ِزها‪ .‬فليس لديهم ِخ ياٌر آخر‪ .‬وهناك مصادُر َد عٍم جديدٌة لمساعدتهم الآن‘‘‪ .‬نظَر‬
‫وهو يبتسم‪ ،‬وأضاف قائًل ا‪’’ :‬لم نتحَّدْث بعُد بشأن المكان الذي كان له تأثيٌر عميٌق في نجاحاتي أكثَر من غيره‪ .‬وحَّتى ترى‬
‫ما أعنيه‪ ،‬عليك بزيارة رَّو اد التنمية‘‘‪.‬‬

‫كنُت أعرُف جِّيًدا تفاصيَل قَّص ة رَّو اد التنمية‪ .‬ففي عام ‪٢٠٠٥‬م‪ ،‬أخبَر فادي مجموعَتنا التابعة لمنَّظمِة الرؤساء الشباب العرب‬
‫َّل‬ ‫ِّط‬
‫في أميركا بشأن مرَكٍز للَّش باب كان يخِّطُط لِبنائه في مخَّيٍم لَّل اجئين بالُقرب من المنطقة التي يقطُن فيها علاء‪ .‬وكان فادي‬
‫يعرُف الواقَع الديموغرافَّي تماًم ا؛ فكما هي الحاُل في معظم دول الشرق الأوسط‪ ،‬فإَّن أكثَر من نصف سَّكان الأردِّن هم‬
‫تحت سِّن الخامسة عشرة‪ ،‬كما أَّن نسبًة كبيرًة منهم يعيشون في المجتمعات المهَّم شة‪ .‬ويؤِّكُد فادي‪’’ :‬إَّنهم لا يملكون‬
‫أدنى فكرٍة عن الفرص التي قد ُتتاُح لهم‪ .‬فهم يعَتقدون أَّن هذا كُّل ما لديهم‪ ،‬أو رَّبما يتوَّقعون من الحكومة أن تمنَح هم‬
‫أساسَّيات البقاء فقط‪ .‬لقد كان ما حصلوا عليه من برامَج تعليمَّيٍة وتدريٍب ِم ْه نٍّي غير فَّع ال بتاًتا‘‘‪ .‬كان يدرُك حيَنها‪ ،‬كما‬
‫يدرُك الآن‪ ،‬أَّن الحكومَة وحَدها لن تتمَّكَن من حِّل التحِّديات بالسرعة الكافية‪ ،‬إَّلا أَّن الشراكَة ما بين القطاَع ين العاِّم‬
‫والخاِّص ‪ ،‬والتي تقوُد ها المجتمعاُت المحِّلَّية بنفسها‪ ،‬قد تنجُح في تغيير تلك التوُّج هات إلى الأبد‪ .‬ويؤِّكُد فادي على أَّن َد وَر‬
‫القطاع الخاِّص لا يقتصُر فقط على زيادة الأرباح‪ ،‬بل يجب عليه الاستثمار في المجتمعات لَتحسين مستوياتها المعيشَّية‬
‫والارتقاء بها‪ ،‬عبر تعزيز المجالات التي تشهُد قصوًر ا‪ .‬فكما تحتاُج المجتمعات إلى المال‪ ،‬فإَّنها تحتاُج كذلك إلى موارَد‬
‫ُأخرى مثل المعرفة والتواصل والمهارات والخبرات والفكر الريادّي ‪.‬‬
‫ورغم أن رَّو اد التنمية قد يجمُع عناصَر المدرسة أو العيادة أو برنامَج ما بعد الدوام المدرسّي ‪ ،‬فإَّنه ليس أًّيا منها‪ ،‬بل هو‬
‫مرَك ٌز يديُره المجتمُع المحِّلُّي لمساعدة الشباب والعائلات على إيجاد الحلول للتحِّديات التي تواجُه هم‪ ،‬والاستفادة من‬
‫الفرص المتاحة أماَم هم‪ .‬إَّن حَّس المشاركة المدنَّية والُم لكَّية‪ -‬والذي يوازي شعوَر الريادِّيين نحو أفكارهم‪ -‬يوِّفُر قاعدًة لبناء‬
‫المهارات والمعرفة التي لا يتعَّلُم ها المرُء في المنشآت التعليمَّية‪ .‬ولن تكوَن هناك أَّية ِه َب ات؛ فالشرُط الأساسُّي الذي يقوم‬
‫عليه المرَكز هو أَّنه يجُب على أِّي شخٍص ينضُّم إلى رَّو اد التنمية أن يقِّد َم شيًئا ما بالمقابل لَتعزيز أهِّمَّية المرَكز ُتجاَه‬
‫المجتمع‪ .‬ويمكُن للَّش ركاِت المساهمُة بالمال والكتب والتدريب وأجهزة الحاسوب‪ ،‬أَّم ا الخبراء فيمكُنهم تعليُم المهارات‬
‫الوظيفَّية‪ .‬ويمكُن للُّس َّكان أيًض ا المساهمُة بالوقِت والعمالِة أو أِّي شيء آخر‪ .‬كان الهدُف هو تمكين السَّكان المحِّلِّيين‬
‫لإ يجاد حلوٍل تدعُم هم في التغُّلب على التحِّديات التي ُيعانيها مجتمُع هم المحِّلّي ‪.‬‬
‫سمَع علاء عن رَّو اد التنمية للمَّرة الأولى حين كان في عامه الجامعِّي الثاني‪ .‬فقد أخبَر ْته والدُته بشأن المرَكز معتقدًة أَّنه‬
‫قد يستفيد من المشاركة في مثل هذه المباَد رة‪ .‬يتذَّكر علاء‪’’ :‬كان انطباعي الأَّول الَّل امبالاة‪ ،‬فلم أُكْن مَّم ن يدعُم فكرة‬
‫العمل التطوعِّي ‪ ،‬وكنُت مشغوًلا جًّدا‪َ .‬م ن يملُك الوقَت لمثل هذه الأمور؟ هذا الشعور كان سائًدا عند كِّل َم ن ترعرَع في‬
‫مجتمعاٍت كتلك التي كبرُت فيها‪ .‬لم نُكْن نؤمُن بَتطوير مجتمعاتنا لما فيه مصلحُتنا‪ .‬كانت مشكلاُتك لك ومشكلات‬
‫الآخرين لهم‪ .‬فلم أترَّب على التفكير في العَّم ال الآخرين والمعاَم لة التي يتلَّقونها‪ ،‬أو كيف يمكُنني تحسيُن البيئة التي أعيُش‬
‫فيها‪ .‬كانت تربيُتنا عموًم ا تتمحَوُر حول كيفَّية إنجاِز الأمور لأنفسنا‪ ،‬وكيفَّية العناية بعائلاتنا بأقصى الحالات‘‘‪.‬‬
‫غير أَّن رَّو اد التنمية ساهَم بَتغيير كِّل شيء لعلاء وللعديد من الأشخاص مَّم ن قابلُتهم من الذين شاركوا في بنائه‪ .‬فعلى‬
‫َم قربٍة من المدرسة الحكومَّية المحِّلَّية‪ -‬المحاطة بالأسلاك الشائكة وهيكلها الباهت الُم حاط بالأسوار والمغَّطى بالكتابات‬
‫والرسومات‪ -‬برَز شيٌء مختلٌف تماًم ا‪ .‬إَّنه رَّو اد التنمية الذي يتمَّيُز بمبناه الصغير نسبًّيا وجدران ذاِت طلاٍء حديث‪ ،‬وقد صار‬
‫أشَب ه بالمرَكز الرئيسِّي لمجتمع جبل النظيف‪ .‬لا يسُع نا إَّلا أن ننظَر ِبَع ين الإ عجاب والتقدير لما أتاَح ه هذا المرَكز من‬
‫خدمات‪ -‬ابتداًء من حصص الُّلغة الإ نكليزَّية وتكنولوجيا المعلومات وِخ ْدمات الرعاية الصِّح َّية والاستشارة القانونَّية‪ ،‬إلى‬
‫مهارات الوظائف الأساسَّية كالتدريب على تطوير المستقبل المهني‪ ،‬وكتابة السيرة المهنَّية‪ .‬ويضُّم المرَكز مكتبًة واسعًة تحتوي‬
‫على كتٍب للمراحل العمرَّية المختلفة بالُّلغَتين العربَّية والإ نكليزَّية‪ ،‬حيث تأتي الُأَّم هاُت مع أولادهَّن بعد الانتهاء من الدوام‬
‫المدرسِّي لتعزيز مهارات القراءة‪ .‬كما توجُد أيًض ا عشراُت أجهزة الحاسوب المَّتصلة بالإ نترنت بحيث يتسَّنى للأولاد تعُّلُم‬
‫مهاراِت البرمجة الأساسَّية‪ ،‬وحُّل واجباتهم المدرسَّية‪ ،‬والتمُّتع بالألعاب ووسائل الترفيه من جميع أنحاء العالم‪ .‬إَّن َج وهَر رَّو اد‬
‫التنمية لا يرتكُز على المساحة أو الخدمات التي يقِّد ُم ها؛ فهدفه الأساسُّي هو َخ ْلُق بيئٍة تعِّز ُز الإ لهاَم والقَّوة‪.‬‬
‫في بداية الأمر‪ ،‬شارَك علاء في تعليم الأولاد مهاراِت البرمجة‪ ،‬ثَّم أدرَك أَّن التجِربَة بحِّد ذاتها كانت ُتعِّلمه الكثير‪ .‬يقول‬
‫علاء‪’’ :‬كان الأطفاُل يحُّثوَنني على العطاء بأسئلتهم الكثيرة‪ ،‬وقد تعَّلمُت من المستشارين الذين يعَم لون لدى الشركات مَّم ن‬
‫جاءوا للَّتخاُطِب مع المجتمع‪ .‬واصَطَح بونا بالحافلات إلى مقِّر شركة مايكروسوفت الرئيسِّي لتلِّقي التدريب على أحدث‬
‫تقنَّياتهم‪ .‬والأهُّم من ذلك كِّله أَّنه تسَّنْت لي المشاركُة في المحافل والمنتديات الشبابَّية‘‘‪ .‬يتوَّقُف عن الحديث لوهلة ويتابُع‬
‫بُذ هول‪’’ :‬اعتقدُت َيوًم ا ما أَّن «الواسطة» هي الطريُق لَتحقيق كِّل شيء‪ :‬فإَّم ا أن تكوَن على معرفٍة وثيقٍة بإحدى الشخصَّيات‬
‫المهَّم ة‪ ،‬و إَّم ا أن تدفَع المال لُتنجَز ما تسعى إليه‪ .‬كَّنا في رَّو اد التنمية ننِّظُم جلساٍت أسبوعَّيًة نستضيُف خلالها شخصَّياٍت‬
‫من عالم الأعمال أو من الحكومة‪ -‬أشخاًص ا نعرفهم من خلال شاشات التلفاز‪ -‬ليتحَّدثوا إلينا ضمن أجواٍء ُوِّد َّية حول ما‬
‫يسَع ون إليه والفرص التي قد تكوُن متاحة لنا‪ .‬لقد حظينا بتعُّرِف الأنماط المختلفة لهذه الشخصَّيات‪ ،‬وكيف ينظرون إلينا‪.‬‬
‫فصار كُّل شيٍء ممكًنا‘‘‪.‬‬
‫انضَّم ْت سمر دودين إلى المرَكز بصفتها متطِّوعًة عام ‪٢٠٠٥‬م‪ ،‬وهي تشغُل حالًّيا منصَب المدير الإ قليمّي ‪ ،‬ورئيَس برامج‬
‫المؤَّس سة‪ .‬أَّس ست سمر منَّص َة حواِر الشباب هناك‪ ،‬لذا فإَّن تعليَق علاء يسعُدها جًّدا‪ ،‬وهي امرأة ذاُت شخصَّيٍة مذِه لة حًّقا‪،‬‬
‫تعكُس حًّس ا هادًئا يحمُل إصراًر ا وسعًي ا نحو تحقيق الأهداف المنشودة‪ .‬خلال مسيرتها المهنَّية‪ ،‬عملت سمر ُم عِّلمًة ومديرَة‬
‫مسرح ومنِّظمَة فعالَّياٍت مجتمعَّيٍة في عَّم ان‪ .‬ومن خلال خبرتها‪ ،‬ساهَم ْت في إثراء رَّو اد التنمية وَو ْض ع برامَج فريدٍة تهدف‬
‫إلى تعزيز إمكانَّيات المجتمع وتنمية الشباب‪ .‬وسَّلَطْت سمر الَّض وَء على أهِّمَّية تفاُع ِل الشباب مؤِّكدًة أَّن التعليَم الحقيقَّي‬
‫يبدأ عندما يترَّس ُخ لدى الشباب حُّس الُم لكَّية والعزيمة لَتحقيق الأهداف التى ُتلِّبي احتياجاتهم الشخصَّية واحتياجات‬
‫مجتَم ِع هم‪ .‬أخبَر ْتني سمر‪’’ :‬نحن نبدأ في مراحَل مبَّكرٍة في بناء منَّص ٍة لَتعزيز حِّس الوطنَّية وتحِّدي الفكر السائد الذي يرِّجُح‬
‫نجاَح المحسوبَّية في مقابل الجدارة‪ ،‬وَتوِّلَي القيادة نتيجَة الَّنسب في مقابل القيادة عبر العمل التطُّوعِّي وخدمة المجتمع‪،‬‬
‫والتركيَز على حقوق الإ نسان والمرأة في مقابل الممارسات التقليدَّية التي َتُح ُّد من قدرات المرأة والأفراد وإضعافهم‪ .‬وهذا هو‬
‫نموذُج التعليم الأهِّم في رَّو اد التنمية؛ فهو يواجه الأسلوَب التقليدَّي المحاِفَظ من خلال عملَّية متينٍة ومستمَّر ٍة ومقصودة‪.‬‬
‫كما يخلُق مساحًة آمنة لَم ن َينأى بأفكاره عن العادات السائدة ويتبَّنى البدائَل ويحترُم التنُّوَع والِق يَم التقليدية الجِّيدة‘‘‪ .‬تؤمُن‬
‫سمر بأَّن هذا الَّنوع من التعليم يحُّث ليس فقط الأطفال الذين يسعون إلى مشاركة أفكارهم وبِّث أصواتهم‪ ،‬بل أيًض ا هو ركيزٌة‬
‫للَّش باب‪ ،‬وقاعدٌة ينطلقون منها نحو درجاِت التعليم الأكبر والثقافة الأوسع‪.‬‬
‫بحلول عام ‪٢٠١٠‬م‪ ،‬أعادت سمر هيكلة البرامج في رَّو اد التنمية لُترِّكز على ما تطلق عليه ’’قَّوة الناس‘‘‪ .‬فهي تؤمن بأَّنه‬
‫من خلال تعزيز التعليم القائم على المتابعة والاستقصاء (وليس التلقين)‪ ،‬وتعزيز التواصل في بيئٍة آمنة‪ ،‬وتشجيع الالتزام نحو‬
‫الفِّن والبحث العلمِّي والرياضة‪ ،‬ستكون التجِربة تعليمَّيًة وبَّناءة للشخصَّية‪ .‬وترِّكُز برامُج ها على عنصَرين مهَّم ين‪ :‬الأَّول هو‬
‫حُّس الُم لكَّية الذي َيظهُر من خلال الحملات المجتمعَّية‪ .‬وترِّكز هذه المبادرات على القضايا الاجتماعَّية الُم لَّح ة مثل محو‬
‫الأِّمَّية‪ ،‬والعنف الجسدِّي ضَّد الأطفال‪ ،‬وَتوظيف أساليب الَّدعم النفسِّي والاجتماعِّي للحِّث على الإ بداع‪ .‬وتتوَّقع رَّو اد‬
‫التنمية من كِّل شاٍّب وعائلٍة المشاركَة والتطُّوع‪ ،‬ففي العام الماضي فقط بلَغ إجمالُّي عدِد الساعات أكثر من ‪٣١.٠٠٠‬‬
‫ساعة‪ .‬أَّم ا العنصر الثاني فيدخُل ضمَن برناَمٍج رائع ُيطَلق عليه اسم ’’دردشات‘‘‪ ،‬وهو عبارٌة عن جلساٍت أسبوعَّية ُتعَقد كَّل‬
‫َيوِم سبت‪ ،‬وتبدأ منذ فترة الَّظهيرة وحَّتى الساعة الثانية‪ ،‬ويهدُف هذا البرناَمُج إلى تحفيز الشباب على اكتشاف مفهوم الذات‬
‫والعلاقات والحقوق والوطنَّية والمستقبل المهنِّي وأهداف الحياة‪ .‬وتوضح سمر قائلًة ‪’’ :‬تَّتبُع هذه الجلسات عادًة أسلوَب ُورِش‬
‫العمل‪ .‬وندعو مَّر ًة كَّل شهر أَح َد الشخصَّيات لَتناُول مواضيع مهَّم ة مثل القضايا الراهنة أو ريادة الأعمال أو بعض المواضيع‬
‫والأسئلة التي يبحُث فيها الشباب‪ .‬ومع أَّن هذه النقاشات تكون حاَّد ًة ومثيرة أحياًنا‪ ،‬فإَّنها تجمُع الفكرَة الرئيسَّية‪ ،‬وهي قبوُل‬
‫التنُّوع والتعُّددية والاحتفاء بها بوصفها إحدى الِق َي م الأساسَّية‘‘‪ .‬ختَم ْت سمر حديَثها مشِّددًة على أَّن العامَل المهَّم والأساسَّي‬
‫في رَّو اد التنمية هو ’’تدوير‘‘ المتطِّوعين‪ .‬سواٌء كانوا يعيشون في المجتمع أم حصلوا على منٍح دراسَّية من خلال صندوق‬
‫مصعب خورما الذي أطلَق ْته رَّو اد التنمية‪ ،‬فسَي بقون َد وًم ا على اِّطلاع وتفاُع ٍل مع محيطهم‪.‬‬
‫عندما سألُت الأعضاَء من أفراد المجتمع عن الأمر الأكثر قيمًة بالِّنسبة إليهم في رَّو اد التنمية‪ ،‬كانت الإ جابة‪ ،‬لا سَّيما‬
‫من المراهقين الشباب‪ ،‬برنامج ’’دردشات‘‘‪ .‬ورغم أِّني لا أتحَّدُث العربَّية‪ ،‬فإَّن ذلك لم يُكْن ضرورًّيا لإ دراك مدى قَّوة هذه‬
‫التجُّم عات وفاعلَّيتها‪ .‬يحتشُد عشراُت المراهقين في غرفٍة كبيرٍة ُتستخَد ُم عادًة خلال أَّيام الأسبوع لصفوف الفّن ‪ ،‬وُيقَّس مون‬
‫مجموعاٍت مكَّونًة من سبعة أو ثمانية أعضاء‪ ،‬ثَّم ُيعَرُض عليهم سيناريو لأشخاٍص يواِج هون مشكلًة ما‪ .‬وقد يكون هذا‬
‫السيناريو بسيًطا مثل مخاطبة شاٍّب لفتاة‪ ،‬أو موقف مضاَيقة‪ ،‬أو شجار مع أَح ِد الوالَدين أو أَح د الأستاذة‪ .‬ومهما كان‬
‫الموضوع المطروح‪ ،‬فالهدُف منه لا يكمُن في التركيز على المعضلة‪ ،‬بل هو َص ْق ُل المهارات‪ ،‬وتعليم الشباب الاستماع‬
‫لوجهات نظر الآخرين واحترامها‪ ،‬والعمل مًع ا بشكل مترابط‪ .‬كانت جميع الفتيات َترتديَن الحجاب‪ ،‬وأَّم ا الفتية فكانوا يمِّثلون‬
‫النموذَج المعتاَد للمراهق المعَتِّد بنفسه‪ .‬ولكْن ما إْن تبدُأ الجلسة‪ ،‬حَّتى ترى نموذًج ا واحًدا من الثقة بالَّنفس‪ .‬عندما شاركُت‬
‫علاء ملاحظاتي تلك‪ ،‬وافَقني الرأي وقال‪’’ :‬في المراحل المبِّكرة‪ ،‬كان الجميُع في حالِة ِش جار‪ ،‬ويقاطعون بعُض هم بعًض ا‪،‬‬
‫ولا يحاولون َفْه َم رأِي الآخر‘‘‪ .‬يضحُك ثَّم يواصل الَقول‪’’ :‬تمَّكنْت سمر‪ ،‬بالَّتعاون مع أشخاٍص آخرين من أفراد المجتمع‬
‫المدَّربين على العمل لدى رَّو اد التنمية‪ ،‬من تعزيز مهارات الاستماع وعدم ُم هاَج مة الآخر ومقاَطَع ِته عند أَّول رَّد ة فعل‪ ،‬ومن‬
‫ثَّم عدم رؤية الأمور من منظورهم‪ .‬وهذا ما يجعُل مجتمَع نا هذا رائًع ا‪ .‬وهذا الَّنوع من التعليم هو الذي ُيعِّزز الحلوَل الأكاديمَّية‬
‫التقليدَّية‪ ،‬ويطِّور مهارات الأطفال ويوِّس ُع آفاَقهم بشكل يفوُق التعليم المدرسّي ؛ فَي جعُلهم أكثَر قدرًة على العمل‪ ،‬وُيعِّز ُز‬
‫الجانَب القيادَّي في شخصَّياتهم‘‘‪.‬‬
‫أخبرتني فتاٌة من رَّو اد التنمية الملتزمات أَّنها واثقٌة بأَّن هذا الَّنوع من الجلسات‪ ،‬إلى جانب الفنون والموسيقا وحَّتى‬
‫التمثيل‪ ،‬تمنُح هؤلاء الأطفال َص وًتا وتعبيًر ا عن رأيهم لم يدركوا أَّنهم يمتلكونه نتيجَة طريقِة التربية‪ .‬إَّن لقضايا الِع رِق والِّدين‬
‫والعنِف أهِّمَّيًة خاَّص ة وتركيًز ا كبيًر ا في المناطق المجاورة لجبل النظيف‪ ،‬والأنشطة التي قد تبدو بسيطًة ظاهرًّيا‪ ،‬هي غايٌة في‬
‫الأهِّمَّية لِبناء بيئاٍت َم وثوقٍة تتيُح الفرصَة أماَم المراِه قين للَّتعبير عن آرائهم وقناعاتهم‪ ،‬ودعِم هم في بناء مستقبلهم‪ .‬توضُح الفتاُة‬
‫قائلة‪’’ :‬رغُم أهِّمَّية مهاراِت الحاسوب وتوفيِر مصادَر للعمل‪ ،‬إضافًة إلى الأنشطِة المكِّم لة للبرامج المدرسَّية التعليمَّية وغيرها‬
‫من الأمور‪ ،‬فإَّن القدرَة على َطْرح مواضيع ُتصَّنف على أَّنها محظورة؛ والسماح لهم بالَّتعبير عن تجاربهم‪ ،‬والتفكير بعضهم‬
‫في بعض‪ ،‬واحترام بعضهم بعًض ا‪ -‬هي نقطُة الانطلاق الحقيقَّية‘‘‪ .‬عرَض أَح ُد أعضاء فريق رَّو اد التنمية فيلًم ا أماَم المجموعة‬
‫تطَّرق إلى مواضيع جنسَّية‪ -‬بشكٍل خفيٍف وضمن معايير غربَّية‪ -‬وكانت النتيجُة أَّن جميَع الطَّل اب غاَد روا الغرفة‪ .‬أخبَر ْتني‬
‫سمر‪’’ :‬هل تصِّدُق لو أخبرُتك بأَّن جميَع َم ن غادَر عاَد إلى الغرفة وقالوا إَّن عليهم الَّتصويت على الفيلم‪ ،‬وقالوا إَّن الفيلَم قد‬
‫يكون مناسًب ا إذا شاهَده الأولاُد منفصلين عن البنات‪ .‬لقد ارتَك ْب نا خطًأ قَّلص من قدرات رَّو اد التنمية‪ .‬تمَّس كوا بآرائهم‪،‬‬
‫وداَفعوا عن وجهة نظرهم وجاَد لوا وعَّبروا عن رأيهم بطريقٍة غايٍة في الاحترام‪ ،‬وسيطروا على زمام الأمور وبشروطهم‘‘‪ .‬الأمر‬
‫الأهُّم الذي أدرْك ُته خلال وجودي في رَّو اد التنمية هو أَّنه على الُّرغم من أهِّمَّية المهارات والدورات الدراسَّية والتعليم على‬
‫المدى القصير؛ فهي غير فَّع الة إْن لم تُكْن مدَّع مًة بأساٍس متيٍن من الِّثقة بالَّنفس والطموح الذي ينبُع من الإ يمان بأَّن لدى‬
‫المرء رأًيا يعِّبُر به عن نفسه وطريًقا يسلُكه‪.‬‬
‫خلال سبع سنوات فقط‪ ،‬وصَلِت الأعداُد إلى مستوياٍت مثيرٍة للإ عجاب‪ .‬ففي منطقة عَّم ان الشرقَّية وحَدها‪ ،‬تمَّكن رَّو اد‬
‫التنمية من التأثير في حياِة ما يزيُد على ‪ ٧٥.٠٠٠‬شخص‪ .‬وضَّم برنامُج هم المدرسُّي ‪ ١.٥٠٠‬طفٍل من المدارس الابتدائَّية‬
‫للمساعدة ضمَن ُج هودهم في محِو الأِّمَّية‪ .‬أطلَق ْت مجموعٌة من الأَّم هات والمعِّلمين والشباب ضمَن رَّو اد التنمية حملَة‬
‫’’سُّت دقائق‘‘ للقراءة بهدف تشجيع المجتمع على المواَظبة على القراءة‪ ،‬وقد أَّثرْت في نحو ‪ ٥.٠٠٠‬شخٍص ضمَن أكثر‬
‫من ‪ ٦.٦٠٠‬فعالَّية ونشاط‪ .‬كما حصَل أكثُر من ‪ ٧٠٠‬مراهٍق على منٍح جامعَّيٍة دراسَّية‪ .‬وتسعى رَّو اد التنمية الآن إلى التوُّس ع‬
‫إلى مدن ُأخرى داخل الأردّن ‪ ،‬وبعِض المناطق الفقيرة في ُبدرس في ِفَلسطين والقاهرة وطراُبُلس في لبنان‪ .‬وفي عام ‪٢٠١٢‬م‪،‬‬
‫أطلَق ْت رَّو اُد التنمية صندوًقا لَتمويل الشركات الصغيرة‪ ،‬ليكوَن منَّص ًة لَتشجيع المبادراِت الريادِّية‪ .‬ويهدُف الصندوُق إلى َدْع م‬
‫المجتمعات من خلال ترجمة أفكارهم إلى أعماٍل ُم ر ِبحة‪ ،‬وَخ ْلِق ُفَرِص عمٍل وتلِبية الحاجات المحِّلَّية‪ .‬وسَتستفيُد الشركات‬
‫الصغيرة والمتوِّس طة من الخدمات المالَّية وغير المالَّية من خلال الاستثمارات في رأس المال‪ ،‬بالإ ضافة إلى الخدمات‬
‫الاستراتيجَّية ذات القيمة الُم ضافة والتي ُتعُّد غايًة في الأهِّمَّية لتحقيق هذا النجاح؛ وهي معلومات أساسَّية في الشؤون المالَّية‬
‫والتسويق والمبيعات‪ ،‬إلى جانب َتوفير منَّص ة للتعاُرف وبناء العلاقات‪ .‬ويضيف فادي‪’’ :‬نحن نسعى إلى تزويد المجتمعات‬
‫بعناصر النمِّو الاقتصادِّي وهي‪ :‬الحصول على المعرفة والمهارات ورأس المال والشبكات لإ نشاء أعماٍل مستدامة و‪ /‬أو‬
‫تنميتها‘‘‪.‬‬
‫دينا شريف هي خبيرٌة في المسؤولَّية الاجتماعَّية للشركات من القاهرة‪ .‬أمَض ْت سنواٍت في العمل لدى منَّظماٍت غير‬
‫حكومَّية ومؤَّس سات مالَّية في أفريقيا‪ .‬وتؤِّكُد دينا أَّن تلك البرامج مثل رَّو اد التنمية ُتلقي بالَّض وء على حقائَق رئيسَّيٍة يتغاضى‬
‫عنها الكثيرون‪ ،‬وتوضح قائلة‪’’ :‬في أغلب الأحيان‪ُ ،‬يخفُق الأشخاُص ذوي النَّيات الحسنة في مراَقبة ما يفعُله الناس‪ ،‬وما‬
‫يمكُنهم تحقيقه ضمن إمكانَّياتهم الخاَّص ة‪ .‬ولأَّن الشباَب يشِّكلون َم وضوًع ا ضخًم ا قد يؤِّثر في التنمية المستدامة لمجتمعنا‪،‬‬
‫فإَّن العديَد من الجهات الحكومَّية والأعمال تنظُر إليهم بوصفهم مشكلًة ‪ ،‬بدل النظر إليهم بوصفهم أَح َد الأُص ول المهَّم ة‬
‫لُنمِّونا‪ .‬ويَّتضُح هذا الأمر في المجتمعات الأْفَقر‪ .‬فُه م لا ينظرون إلى نقاط القَّوة التي يتمَّتُع بها هؤلاء الشباب أو ما يمكُنهم‬
‫تحقيقه‪ ،‬وهذا يعني أَّنهم لا يَر ون فيهم جزًءا من الحّل ‘‘‪ .‬تعمُل منَّظمات مثل رَّو اد التنمية على فرضَّية أَّن َم ن سيضُع حلوًلا‬
‫للتحِّديات هم الأشخاص الذين يساِه مون بُم عاَلجِة تلك التحِّديات‪.‬‬
‫بحسب َقول فادي‪ ،‬فإَّن الحلوَل تعمُل فقط عندما يبتكُرها الناس ويملكوَنها‪’’ .‬إَّن أهَّم الدروس المستفادة من الثورات‬
‫العربَّية هو أَّن الناس صاروا يسَع ون لأْن ُيسَمَع صوُتهم وتؤَخ ُذ آراؤهم في الحسبان‪ ،‬وُيريُد هؤلاء الأشخاص حَّل المشكلاِت‬
‫الداخلَّية‪ .‬وَم ن أقصُدهم بكلامي هم أمثال ذلك الشخص الذي أراَد حًّل ا لمشكلِة القمامة في الشوارع‪ ،‬وليس المشاريع‬
‫الإ نمائَّية الضخمة‪ .‬إَّنها المشاريُع الصغيرة التي يقوم بها أشخاٌص مستقُّلون مَّم ن لديهم القدرة على المباَد رة والتفكير الريادِّي‬
‫واِّتخاذ الإ جراءات بأنفسهم‘‘‪ .‬إَّلا أَّنه يعَلُم تماَم الِع ْلم أَّن الموارَد والخبراِت والتدريَب هي من العناصر المهَّم ة‪ ،‬والقطاُع‬
‫الخاُّص يمتلكها‪ .‬ويتابع‪’’ :‬إَّن برنامَج رَّو اد التنمية ليس مجَّرَد هواية‪ .‬فقد أدركُت على مدى سنوات عملي في القطاع‬
‫الخاِّص أَّننا منفصلون عن الواقع‪ ،‬وأَّن التوُّج هات السائدة في المنطقة لن تكوَن ُم سَتدامة‪ .‬وقد تحَّداني المحاربون القدامى من‬
‫أصحاب الفكر التقليدِّي المتزِّمت وسألوني‪’’ :‬ما الذي تفعُله؟‘‘‪ ،‬وكانت إجابتي‪’’ :‬أنا ريادّي ‪ ،‬ونحن نرِّكُز على الفعل‬
‫والتغيير!‘‘‪ .‬ويعتقد فادي أَّن التحِّد َي يمتُّد لما بعَد الثورات العربَّية‪ ،‬حيث تعتقُد شركاٌت وأعمال عديدة أَّنها سُتحِّق ُق النجاَح‬
‫عبر تقديم الُوعود‪ .‬فيقول‪’’ :‬في الوقت الذي تهدأ فيه الأمور‪ ،‬سيعتقد الكثيرون أَّن القضايا قد ُح َّلْت ‪ .‬ولكَّن الأمور لن تهدأ‬
‫بتاًتا‪ .‬يرغُب الناس بشَّد ٍة في أن ينَع موا بحياٍة أفضَل وسَي بذلون أقصى جهودهم للحصول عليها‘‘‪.‬‬
‫تعمُل ريم خوري مع فادي غندور وشركة أرامكس على العديد من المبادرات والمشاريع بما فيها مشروع رَّو اد التنمية‪،‬‬
‫والتوُّس ع الذي يسعى التجُّم ع إليه‪ .‬وهي تحُّب عمَلها بشَّدة‪ .‬تعَّلمْت تلك الشاَّبُة الِف َلسطينَّية في مراحَل مبِّكرة أَّن للمرء‬
‫الِخ يار‪ :‬فإَّم ا أن يستسلَم للإ حباط‪ ،‬و إَّم ا أن يكوَن مبادًر ا لإ حداث تغيير من خلال الأعمال‪ .‬فتقول‪’’ :‬إَّن هذه المبادرات‬
‫كأَّنها مؤَّس ساٌت تجِّد ُد عقَدها مع المجتمع‪ .‬تماًم ا كما تقوم الحكومات والمجتمعات حالًّيا بإعادة الَّتفاُوض بخصوص عقود‬
‫مسؤولَّيتها الاجتماعَّية‪ ،‬فكذلك هي الشركات‪ .‬لا يمكُن للأعمال أن تنشأ بمعزٍل عن المجتمعات ومشكلاتها وهمومها؛‬
‫وعليه فإَّن الاستثماَر في تنمية المجتمع سواء في مجال التعليم أِم الصَّح ة أم البيئة سُيعِّز ُز المجتمعات ويجعُلها أصَّح ‪ ،‬ويجعُل‬
‫الأعماَل أنجَح ‪ .‬وتأتي الحاجة إلى ذلك انطلاًقا من مبدأ المنفعة المشتَر كة والفرص المشتركة؛ فهي ليَس ْت مجَّرَد أعماٍل‬
‫خيرَّية‪ ،‬بل هي منفعٌة واستمرارَّية‘‘‪ .‬تشعُر دينا شريف أيًض ا بَتفاؤٍل َح ِذ ر؛ فالارتقاُء بالمجتمع هو مصلحُة جميع الأطراف‪.‬‬
‫وتتابع دينا‪’’ :‬تنِّف ُذ الشركاُت حالًّيا مثل تلك المشاريع من تلقاء نفسها؛ لأَّن لها أثًر ا في التنمية المستدامة للأعمال‪ .‬لقد‬
‫أدرَك ِت الشركاُت ما حدَث بعَد الثورة عندما صاَر للجميع َص وٌت واحٌد للَّتعبير عن الآراء بحِّرَّية‪ ،‬وحوسَب ِت الشركاُت ِبُتَه م‬
‫الفساد وَض ْع ِف مسَتَويات الَح وَكمة المؤَّس سَّية‪ ،‬وبرزْت كُّل تلك الأمور وصارْت حديَث المجتمع‪ ،‬فَلْم يُع ِد الأمُر متعِّلًقا‬
‫بشركاتنا واستثماراتها في المجتمعات المحيطة؛ بل هو تحُّوٌل واسٌع في العقلَّية وطريقة التفكير‘‘‪.‬‬
‫إَّن النجاحات التي يحِّقُقها مشروُع رَّو اد التنمية هي نجاحاٌت راسخة‪ ،‬وقد دفَع ْتني إلى الَّتساؤل عن سبب عدم وجود‬
‫المئات بل حَّتى الآلاف من تلك المشاريع في المنطقة‪ .‬يخبُرني فادي قائًل ا‪’’ :‬أنت تقوم بما يمكُنَك فعُله وضمن قدراتك‬
‫وإمكانَّياتك‪ ،‬وتعمُل على استقطاب أكبِر عدٍد من الناس للمشاركة في َتوسيع نطاق المشروع‪ .‬إَّن رَّو اد التنمية لا يزاُل في‬
‫مراحله المبِّكرة‪ ،‬إَّلا أَّنه بلَغ عاَم ه السابع‪ .‬وقد بدأنا الآن نتوَّس ُع على الصعيد الإ قليمِّي إلى أماكَن ُأخرى في الأردِّن وِفَلسطين‬
‫وِم ْص َر ولبنان‪ .‬وليس هدُفنا إسقاُط الحكومات التي يجدُر بها المسارعة للقيام بالأدوار والخدمات المنوطة بها‪ ،‬والتي لا يمكن‬
‫لأَّية جهٍة ُأخرى توفيرها‪ ،‬ويقوُم بعُض الحكومات بها حًّقا‪ .‬لقد توَّقْفنا عن أنشطِة إصلاح المدارس؛ لأَّن الملكَة رانيا أطَلَق ْت‬
‫مبادرًة لإ صلاح ‪ ٥٠٠‬مدرسٍة حكومَّية‪ .‬كما بدأِت الحكومُة تحِّس ُن قطاَع الرعاية الصِّح َّية والعيادات الموجودة في هذه‬
‫المجتمعات‪ .‬وتبذُل رَّو اد التنمية وشركاٌت ُأخرى‪ ،‬إضافًة إلى أرامكس‪ُ ،‬ج هوًد ا مشتركًة ضمَن الإ طار ذاته‪ .‬الصورة المثالَّية‬
‫تكمُن في َدْع م أطراف القطاع الخاِّص بعُض هم بعًض ا‪ ،‬وتكاُتِف ُج هود القطاَع ين العاِّم والخاِّص لمساعدة المجتمعات على‬
‫تنظيم حياتها وَو ْض ع رؤيٍة ومساٍر للمستقبل‪ .‬قد يبدو الأمُر بسيًطا‪ ،‬ورَّبما هو كذلك؛ غير أَّنه يصاحُب كَّل نجاٍح نحِّقُقه‬
‫تباُد ُل معلوماٍت واسٌع ‪ ،‬وأفكاٌر جديدة نابعٌة من الواقع والمحيط‪ ،‬وذلك في الوقت الحالّي ‪ ،‬وليس لسنواٍت من الآن‘‘‪.‬‬
‫يعتقُد فادي أَّن علاء يجِّس ُد مثاًلا استثنائًّيا‪ ،‬إَّلا أَّنه قد لا يكوُن فريًدا‪ .‬ويشرُح وجهَة نظره قائًل ا‪’’ :‬وفَق ما أراه‪ ،‬إْن وجْد َت‬
‫شخًص ا لديه الفضول والطموح‪ -‬بَص ْرِف النظر عن المكان الذي نشأ فيه‪ -‬سُيحِّق ُق هذا الشخُص إنجازاٍت هائلة ويحفُز‬
‫الآخرين ليتَب عوا خطواته‪ .‬وهؤلاء الأشخاص َم وجودون‪ ،‬في المدارس والخلفَّيات الاقتصادَّية ذاتها‪ ،‬وهم ليسوا طَّل اًبا متفِّوقين‬
‫بمعَّدل تراكمٍّي ‪ ٤.٠‬من ‪ .٤.٠‬إَّنهم طَّل اب يتمَّتعون بالُفضول وحِّب الاِّطلاع‪ ،‬وُه م يسَع ون إلى تغيير الأمور وإنجاحها‪ .‬وهنا‬
‫يأتي َد وُر الشركات في إرشاِد هؤلاء الشَّبان ومساعدِتهم ليكونوا مثاًلا ُيحتذى به في مجتمعاتهم والمجتمعات الأخرى التي‬
‫ُتشِبُه هم‪ ،‬ويصيروا مصدَر فخٍر لَتلك المجتمعات ولأنفسهم‘‘‪ .‬يتوَّقُف عن الحديث ثَّم يضغَط بإصبعه على صدري ويتابع‪:‬‬
‫’’في النهاية‪ ،‬بَم ن ستفخر هذه المجتمعات؟ بشخٍص مثلي أم بَم ن هم مثل علاء‪ ،‬الذي يشارُكهم خلفَّيتهم وأحوالهم؟ هذا‬
‫ُّل‬
‫هو الدرُس الأهّم ‪ .‬إَّن رَّو اد التنمية تحفُز الفضوَل والبحَث والسؤاَل والتفكيَر النقدَّي للاستفادة من الفرص‪ .‬ويمكن للمرء تعُّلم‬
‫مثل هذه المهارات المهَّم ة‘‘‪ .‬ثَّم ُيضيُف الفكرَة الأكثر شيوًع ا بين ُبناة الشرق الأوسط‪’’ :‬النجاح يوِّلد نجاًح ا‘‘‪.‬‬

‫في صيف عام ‪٢٠١٠‬م‪ ،‬بدأ أحمد الألفي‪ ،‬مؤِّس ُس سواري ڤنتشرز‪ ،‬يجري بعض الحساباِت في ذهنه‪ .‬سمع في ذلك الحين‬
‫أَّنه كان يلتحُق بالصِّف الأَّول الابتدائِّي في ِم ْص َر أكثر من مليون ونصف مليون تلميذ‪ ،‬وُو ِلَد في ذلك العام أكثر من مليوَني‬
‫طفل‪ .‬قال لي بينما كَّنا عالقين مجَّد ًد ا في أزمِة مروٍر خانقة في القاهرة‪’’ :‬لا يتطَّلُب الأمُر أن يكوَن المرُء عبقرَّي رياضَّيات‬
‫ليحسَب أَّن على الحكومِة أن تبنَي بضَع مدارس كَّل يوٍم على مدى السنوات الخمس المقبلة لاستيعاب هذه الأعداد‪،‬‬
‫واحتمال تحقيق ذلك ليس كبيًر ا‘‘‪ .‬وإذ بدا مأسوًر ا بازدياد المواقع الإ لكترونَّية التي توِّفر مساقاٍت تعليمَّيًة للأطفال حول‬
‫العالم‪ ،‬مثل أكاديمَّية خان***‪ ،‬قَّرر الألفي أن يسأَل سائَقه عن هذه الفكرة‪ .‬توَّقع بأْن ُيَس َّر السائُق بهذه الفكرة‪ ،‬حاُله حاُل‬
‫أِّي رجٍل عامل‪ ،‬ما داَم ْت فرصًة توِّفُر تعليًم ا تكميلًّيا‪ ،‬كما توِّفر على الأهل مصاريف الدروس الخصوصَّية‪ ،‬التي يلجأ إليها‬
‫الكثيرون للَّتعويض عن الجودة المتوِّس طة للَّتعليم‪ .‬علًم ا أَّن هذه الدورَس هي أمٌر شائٌع وُم ربٌح جًّدا في الشرق الأوسط؛ إذ تبلُغ‬
‫قيمُته ملياران إلى ثلاثة مليارات دولاٍر في ِم ْص َر وحَدها‪ .‬لدى سؤاِل السائق‪ ،‬أجاَب الأخير بثلاثة أسئلٍة أذهَلِت الألفي‪:‬‬
‫’’هل سيكون في ُوسع َز وَج تي أن تتعَّلم في الوقت نفسه الذي يتعَّلُم فيه الأولاد؟ أرغُب حًّقا في التحُّدث معها أكثَر بُأمور‬
‫الحياة‪ ،‬لكَّنها لا تستطيُع القراءَة بشكٍل جِّيد‪ ،‬لذا فهي لا تقرأ الُّص حف‘‘‪.‬‬
‫’’هل يمكُن لإ حدى النساء في بنايتنا أن تستخدَم هذه الأشرطة في تعليم طَّل اِب المدرسة الابتدائَّية ضمن مجموعات؟‘‘‬

‫’’هل يمكن لابني أن يتعَّلَم في المنزل بدًلا من الَّذ هاب إلى المدرسة؟ يتعَّرُض أحياًنا للَّض رِب أو التأديب الجسدِّي من‬
‫قبل الأساتذة‪ ،‬ولا يوَج ُد له مقعٌد يجلُس فيه‘‘‪.‬‬
‫توَّقَف الألفي متأِّمًل ا للحظاِت في رَّد ة الفعل هذه‪ ،‬ونظر إلَّي مباشرًة وقال لي‪’’ :‬قَّررُت حينها أِّني سأطلُق شركتي الناشئة‬
‫عبر فلات‪٦‬لابس لتوِّفَر دروًس ا تكميلَّيًة باللغة العربَّية‪ .‬سُيشِّكُل هذا فرصًة هائلة‪ ،‬وسَي صُل إلى كِّل أرجاء المجتمع‘‘‪ .‬وُأطلَق ْت‬
‫شركُته نفهم (‪ ،)nafham.com‬وهي الشركة الوحيدُة التي أَّس سها ويرأُس مجلَس إدارتها‪ .‬وُتنفُق الشركُة الماَل على أكثر من ‪٦٠‬‬
‫معِّلًم ا لَتصوير ڤيديوهاٍت بالاعتماد على المنهج الحكومِّي الحالّي ‪ .‬اختاروا الدورَس وصَّوروا الڤيديوهات وَنَش روا على الموقع‬
‫أكثر من ‪ ٤.٠٠٠‬ڤيديو في أَّيار‪/‬مايو ‪٢٠١٣‬م‪ ،‬لتكوَن هذه الڤيديوهاُت قاعدًة لما يأملوَن أن يصيَر نموذج عمٍل تشاركٍّي حيث‬
‫َينشُر مئاُت ‪ ،‬بل رَّبما آلاف‪ ،‬المعِّلمين والأهل والطلبة أيًض ا ڤيديوهاتهم وأدواتهم التعليمَّية‪ .‬تعمل شركة نفهم الآن على اختيار‬
‫مساقاٍت لتغِط َي ِة المناهج السورَّية والسعودَّية‪.‬‬
‫تؤِّكُد ُثرَّيا سلطي‪ ،‬المديُر الإ قليمُّي لمؤَّس سة إنجاز‪ ،‬أَّنها ترى العديَد من الأمثلة كَّل عام‪ ،‬خلال المساَبقاِت السنوَّية التي‬
‫ُتقيُم ها المؤَّس سة للشركات الناشئة التي ُتقاُم في الأردِّن والمنطقة‪ ،‬وهي شركاُت تؤِّكُد على َد ور الإ نترنت في تخِّطي الحواجز‬
‫والعوائق‪ .‬حضرُت العروَض التقديمَّية النهائَّية لإ حدى المساَبقات في فندق فور سيزنز (‪ )Four Seasons‬في عَّم ان في ربيع‬
‫عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬حيُث احتشَد العديُد من طَّل اب المرحلة الثانوَّية من خمَس عشرَة دولًة في قاعٍة واحدة ذات أقساٍم لعرض‬
‫أفكارهم‪ .‬وقد تنَّوَعْت تلك الأفكار من استخدام المواِّد التي ُأعيَد تدويرها واستخدامها في الأعمال اليدوَّية‪ ،‬إلى تطبيقات‬
‫الهواتف النَّقالة الكفيلة بَر ْبِط المجتمعات الَّنِش طة في مجاِل َتوفير مياه شرٍب آمنٍة ونظيفة‪ .‬دخَلْت مجموعٌة من الفتيات‪ ،‬كان‬
‫عدُد هَّن خمًس ا أو سًّتا‪ ،‬وكَّن يلبْس َن عباءاٍت مذهلًة نابضًة بالألوان زَّينْتها جواهر تقليدَّية كانت ترُّن ِبَص وٍت خفيٍف بينما ِس ْرَن‬
‫بِخ َّفة‪ ،‬وقد أَتيَن من مدرسٍة ثانوَّيٍة في بلدٍة متوِّس طِة الحجم في اليمن‪ .‬وبدا أَّن تلك المجموعَة َش غوفٌة بالُع لوم‪ ،‬وحريصٌة على‬
‫إيجاِد حٍّل لمشكلة َتوفير الكهرباء إلى ِخ َي م القرى المجاِورة‪ ،‬التي كانت تتعَّرُض للحرائق بشكل متكِّرر نتيجَة استخدام‬
‫الشموع للإ ضاءة‪ .‬وقَّررِت المجموعُة تأسيَس شركٍة صغيرٍة للطاقة الشمسَّية‪ .‬وكدُت أن أقَع عن الكرسِّي عندما أجاَبْت‬
‫إحداُه َّن عن سؤاِل أَح ِد الحَّكام حول المكان الذي أتوا منه بالَّلوحات المستخدمة في جمع الطاقة الشمسَّية لَتوفير الخدمة‪:‬‬
‫’’لقد صنعناها بأنفسنا‪ .‬فبعض المواقع مثل يوتيوب وغيره من المواقع الإ لكترونَّية الُأخرى يشرُح بالتفصيل كيفَّية إتمام ذلك‪،‬‬
‫فصنعناها بأنفسنا‘‘‪ .‬كما طَّورَن لوحاِت أم آر ‪ )MR1( ١‬أصغَر حجًم ا ُم ثبَّتًة على ِم ظَّل ات لتشغيل مراوَح تساعُد الأشخاص‬
‫الذين يعانون حرارَة الَّص يف‪ ،‬فحَّققَن الَف وَز في المسابقة‪.‬‬
‫سألُت نافذ دَّقاق الباحث في الشؤون التعليمَّية عن دور التكنولوجيا في تحفيز العملَّية التعليمَّية والمهارات في الشرق‬
‫الأوسط‪ .‬فأجاَبني بَقوله‪’’ :‬تتيُح التكنولوجيا للمستخدم اختراَق الثقافات‪ .‬فهي تقوُم بما يقوُم به رَّو اد التنمية‪ ،‬ولكْن بأسلوٍب‬
‫افتراضّي ‪ ،‬كما أَّنها ُتساعُد على َنْش ِر الأفكار الجِّيدة وتبِّنيها في المنطقة‪ ،‬وَو ْض ع حٍّد لحالة العجز التي قد تصيُب َم ن يتبَّنون‬
‫قضَّيًة ما‪ ،‬وتساهم كذلك في تعزيز الثقة والإ يمان بأَّن التغييَر يمكُن أن يحُدُث من الداخل‪ ،‬وبأَّننا نمتلُك ما يلزُم للقيام‬
‫بهذا‘‘‪ .‬إذا توَّفَرِت التكنولوجيا المناسبة في أَّية مرحلٍة عمرَّية‪ ،‬فيمكُن أن ُيرى المجتمع ويكتشَف كيف تمَّكَن آخرون من حِّل‬
‫مشكلاتهم التي بَدْت مسَتعِص ية‪ .‬ويتابع الَقول‪’’ :‬لا يمكُنك التنُّبؤ حًّقا بالمستوى الذي يمكُن للمرِء الُوصوُل إليه‪ ،‬أو يمكُنه‬
‫فعُله أكثر‪ ،‬حَّتى ترى وتتفاعل مع ما يحدُث من حولك‘‘‪.‬‬
‫لا ينُظر نافذ إلى التكنولوجيا على أَّنها عًص ا سحرَّية‪ ،‬بل مصدٌر لمجموعٍة من الاحتمالات التي بدأ المجتمُع من معِّلمين‬
‫وكبار وأطفال يفَه ُم الآن نتائَج ها‪ .‬ويوضُح دَّقاق قائًل ا‪ُ’’ :‬تتيُح التكنولوجيا إمكانَّية انتشار الأفكار الجِّيدة جَّدا؛ فعندما يكوُن‬
‫هناك نقٌص في المعِّلمين الأْكَفاء‪ ،‬يأتي َد وُر الڤيديوهات التعليمَّية‪ ،‬كتلك المستخدمة في أكاديمَّية خان في الولايات‬
‫المَّتحدة لَتوفير ُفرٍص تعليمَّيٍة قِّيمٍة لأٍّي كان ودون تكلفة‘‘‪ُ .‬يشيُر دَّقاق إلى أَّن التعليَم الذي يحمُل طابًع ا عالمًّيا بالُغ الأهِّمَّية‪،‬‬
‫بحيث يتسَّنى لأِّي ولِّي أمٍر أو طالٍب يتاُح له تصُّفح الإ نترنت (أو حَّتى القدرة على كتابة الرسائل النِّص َّية وإرسالها)‪ -‬أن‬
‫يحصَل على المعلومات والمعرفة مهما كان مصدُرها‪ .‬وهي بذلك ُتزيُل عائَق العمر‪ .‬ويتابُع قائًل ا‪’’ :‬في الواقع‪ ،‬إَّن الإ مكاناِت‬
‫المثيرَة المتاحة لحِّل المشكلات الآن‪ ،‬وعدم الانتظار إلى حين حدوِث التغييراِت الهيكلَّية تعني أَّن الأشخاَص قادرين على‬
‫تنمية مهاراتهم في أِّي عمر‪ .‬يحظى الموقع الإ لكترونُّي التعليمُّي الذي يحمل اسم قيروان (‪ )Qayrawan‬بشعبَّيٍة كبيرٍة في‬
‫السعودَّية‪ .‬توَّقع َم ن برأيك أبرُز مستخدمي هذا الموقع حَّتى الآن؟ النساء في منتصف العمر!‘‘‪ .‬ثَّم يضيُف مؤِّكًدا أَّن‬
‫التكنولوجيا هي الوسيلُة الوحيدُة للكبار للتعُّلم واكتساب خبراٍت جديدًة مطلوبًة للَّتناُفس في سوق الأعمال العالمَّية‪ .‬إذا أردَت‬
‫أن تكوَن لديك فكرٌة واضحٌة عن المستقبل‪ ،‬فما عليك إَّلا أن تنظَر إلى الولايات المَّتحدة حيُث تضاعَف ِت استثماراُت‬
‫القطاع الخاِّص في مجال التكنولوجيا المسَتخَدمة في التعليم على مدى السنوات العشر الماضية ثلاَث مَّر ات‪ ،‬لَتصَل إلى ما‬
‫يقارُب نصَف مليار دولار أميركّي ‪ -‬كما يوَج ُد ما يزيُد على ‪ ٧٠.٠٠٠‬تطبيٍق تعليمٍّي على موقع آيتيونز وحَده‪.‬‬
‫ما نزاُل في المراحل الأَّولَّية لاستخدام التكنولوجيا باللغة العربَّية في التعليم في الشرق الأوسط؛ ومع ذلك يعتقُد دَّقاق أن‬
‫‪ ٪٢٠‬على الأقِّل من الشركات الناشئة ُترِّكُز على التعليم‪ .‬ومثال ذلك‪ ،‬شركة روبيكون غيمز (‪ )Rubicon Games‬الأردنَّية‪،‬‬
‫التي ابتكَرْت تطبيقاِت الألعاب التعليمَّية مثل ماث مايغ (‪ ،)Math Mage‬لعبة الڤيديو التي يقتُل فيها الأطفاُل الُوحوَش عبر‬
‫حِّل مسائَل حسابَّية‪ .‬كما أطلَق أحمد الألفي من خلال شركته التي تحِّف ُز النمَّو فلات‪٦‬لابس موقع نفهم دوت كوم‬
‫(‪ )Nafham.com‬الذي يحوي أكثَر من ‪ ٢.٠٠٠‬ڤيديو تعليمّي ‪ ،‬وقد ُطِّوَر محِّلًّيا في الشركة وهو متاٌح على الإ نترنت‪ ،‬بالإ ضافة‬
‫َّل‬ ‫ِّل‬
‫ٍة‬
‫إلى وسائَل متاح للأهل والمعِّلمين للَّتفاُع ل بشكٍل أفضل مع الطَّل اب‪ .‬وتتوَّقُع الشركُة تواُفَر أكثر من ‪ ٢.٠٠٠‬ڤيديو إضافٍّي‬
‫على الإ نترنت تتزاَم ُن مع َنْش ِر هذا الكتاب‪ .‬إَّن سهولَة الُوصول إلى الوسائل التعليمَّية على مواقع التعليم باللغة الإ نكليزَّية مثل‬
‫كندرتاون (‪ ،)Kindertown‬وهو موقٌع شامٌل يتضَّم ن َع ْرَض تطبيقاٍت تعليمَّيٍة للأهل‪ ،‬وكذلك موقع ريدينغ بير (‪)Reading Bear‬‬

‫وموقع ستوري پاندا (‪ )Story Panda‬وموقع هاكيتي هاك (‪ )Hackety Hack‬وموقع سكراتش (‪ )Scratch‬تحفُز الأطفاَل على‬
‫تعُّلم مهارات البرمجة‪ .‬أَّم ا موقع كورسيرا (‪ )Coursera‬وأكاديمَّية خان‪ ،‬فُه ما الموقعان الرائدان‪ -‬بين عشرات المواقع‪ -‬في َتوفير‬
‫مناهج إلكترونَّيٍة لجميع الفئات العمرَّية أطفاًلا وكباًر ا على حٍّد سواء‪.‬‬
‫وتسِّلُط ُثرَّيا سلطي الَّض وء على نتائج التواصل ما بين الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعّي ‪ .‬عقدْت إنجاز مسابقًة‬
‫إلكترونَّيًة مع عشرة جامعات‪ ،‬وطلَب ْت منهم تحديَد حاجٍة ما للمجتمع‪ ،‬وإيجاد حٍّل لها‪ .‬وقَع الاختيار على خمَس عشرَة‬
‫مجموعًة لتحميل مقاطع ڤيديو وتقاريَر عن نموذجهم المفَّض ل على موقع فيسبوك بحيُث يصِّوُت الأطفاُل هناك‪ .‬وحصل الفائُز‬
‫على أكثر من ‪ ٣٧٠.٠٠٠‬إعجاب (‪ .)Like‬تقوُل ُثرَّيا بحماسة‪’’ :‬إَّن ما ُتظهره لنا وسائُل التواصل الاجتماعِّي هو أَّنه لا‬
‫يمكُنَك البقاُء صامًتا‪ ،‬فأنَت قادٌر على إحداِث فرٍق في مجتمعك‪ ،‬وليس من خلال الاعتماد على الهيئات الحكومَّية أو‬
‫الجهة التي تتمَّتع بالُّس لطة؛ فلم تُع ْد هناك حاجٌة إلى وسيط‪ .‬يمكُنَك تسُّلُم زمام الأمور وتحُّمُل المسؤولَّية والقيادة‪ .‬وهذا‬
‫الأمُر يحُدُث الآن دون الحاجة إلى الانتظار‪ .‬وهذا ما أثاَر انتباَه الأطفال والقطاع الخاّص ‪ .‬إَّنها اللحظة التي تحُّس فيها‬
‫بشعور‪« :‬وجدُتها»‘‘‪.‬‬
‫نجَح الشاُّب الأميركُّي إريك مارتن (‪ )Eric Martin‬في َر ْبِط َد ور القطاع الخاِّص والتكنولوجيا مًع ا وتوضيحها لي‪ .‬جاءت‬
‫تجِربُته مع التكنولوجيا في الشرق الأوسط بَم ْح ِض الِّص دفة‪ .‬إريك طالُب ماجستير في العلوم البيئَّية في جامعة كاليفورنيا‬
‫(‪ )University of California‬في سانتا باربرا (‪ .)Santa Barbara‬وقد ظَّنه البعُض على درجٍة من الجنون؛ لأَّنه كان يفِّكُر في‬
‫الدراسة في جامعة حديثٍة للبحوث في الُّس عودَّية هي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا‪ .‬يقُع حرُم الجامعة التي‬
‫تحظى بَدعٍم حكومٍّي خارج مدينة جَّدة‪ ،‬وتَّتسم بطراٍز حديٍث وتصميٍم عصرٍّي رائع‪ .‬وكانت الجامعُة تسعى إلى استقطاب‬
‫الُّنخبِة من الأساتذة والطَّل اب‪ .‬أخبَرني إريك قائًل ا‪’’ :‬كانت المنحة الدراسَّية سخَّية جًّدا؛ إذ تضَّم نْت تسديَد ما تبقى من‬
‫رسوم التعليم في جامعة كاليفورنيا‪ ،‬وعَّدة دوراٍت تدريبَّية‪ ،‬إضافًة إلى المنهج الدراسِّي الجامعِّي هناك‪ ،‬كما شمَلْت تكاليف‬
‫المعيشة والإ قامة وراتًب ا بلَغ ‪ ٣٠.٠٠٠‬دولار سنوًّيا‪ .‬لذا فإَّن وصَفها بأَّنها مغامرٌة داَم ْت أربَع سنوات‪ ،‬يقِّلُل من شأنها‘‘‪.‬‬
‫كان حجُم البرنامج صغيًر ا ولكَّنه عالمّي ؛ فقد تضَّم َن ‪ ٣٥٠‬طالًب ا من ‪ ٧٠‬دولًة وهيئَة تدريٍس من مختلف أنحاء العالم‪.‬‬
‫وكانوا على استعداٍد للَّتجِربة حيُث أطلق مارتن منهًج ا اختيارًّيا معتمًدا أطلَق عليه اسم پلاي لاب أرابيا (‪،)PlayLab Arabia‬‬
‫وقد كانت الفكرة مماثلًة لحاضنات الشركات الناشئة التي تبدأ في أِّي مكاٍن آخَر في الشرق الأوسط‪ .‬ويقول مارتن‪:‬‬
‫’’واجْه ُت انتقاداٍت لاذعًة من ُص َّناع القرار الذي قالوا إَّن البرنامج كان «شَّفاًفا وممتًع ا ومنفتًح ا بمستوياٍت كبيرة تتجاوُز ما هو‬
‫ملائٌم للمجتمع السعودّي »‘‘‪ .‬لذا غَّيروا اسَم الشركة لتصيَر ڤنتشرلاب (‪ ،)VentureLab‬ورَّكزوا بشكٍل كبير على الشركات التي‬
‫تبحُث عن تمويٍل بقيمة ‪ ٢٠٠.٠٠٠‬دولار‪ .‬وقد ُد ِه َش مارتن من المستوى الرفيع للريادِّيين الذين جاءوا من جميع أنحاء‬
‫السعودَّية‪ ،‬وقدرتهم العالية على التركيز لحِّل المشكلات‪ .‬ويتابُع مارتن بحماسٍة شديدة‪’’ :‬أتطَّلُع ُقُد ًم ا وأتوق إلى الفترة المقبلة‬
‫لنرى ثمَر تلك المبادرات بعد خمس سنواٍت من الآن‪ ،‬حيث تجتمُع النتائج من القَّم ة إلى القاع‪ ،‬مع مبادراِت القاع إلى‬
‫القَّم ة‪ .‬إَّن الوزارات المختلفة ترِّكُز على ريادة الأعمال‪ ،‬ويأتي تأسيس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا وغيرها من‬
‫الجامعات الُأخرى في الخليج‪ ،‬وكأَّنها تصريحاٌت واضحٌة من تلك الحكومات على الَّدعم‘‘‪ .‬يضحُك مارتن ثَّم يقول‪:‬‬
‫ِّط‬
‫’’صرُت أستمتُع بالاِّطلاع على السير المهنَّية التي تأتي من الشرق الأوسط‪ ،‬فهي تسرُد الشهادات التي حصَل عليها الأفراد‬
‫عبر التعليم الذاتِّي الإ لكترونِّي ‪ ،‬والتي قد تصُل في بعض الأحيان إلى خمسين شهادة!‘‘‪.‬‬
‫*** أكاديمَّية خان (‪ )khanacademy.org‬هي موقع إلكترونٌّي غير ربحٍّي أَّس َس ه الريادُّي سلمان خان‪ ،‬وُيعنى بتقديم دروس لكِّل المراحل المدرسَّية بأسلوب غير‬
‫تقليدّي (الناشر)‪.‬‬
‫الفصل السابع‬

‫الشرق الأوسط الجديد‪/‬المرأة على عرش قيادة الشركات‬


‫الناشئة‬

‫قالت لي أليكس طعمة (‪ )Alex Tohme‬بلهجٍة بريطانَّيٍة راقيٍة واضحة‪ ،‬وكأَّنها من القرن الماضي‪’’ :‬آسفة إْن كنُت قد خَّيبُت‬
‫ظَّن أِّي شخص‘‘‪ ،‬مضيفًة ‪’’ :‬إَّن شركتي الناشئة المختَّص ة بالتجارة الإ لكترونَّية لا ترِّكز على «الملابس الداخلَّية الغريبة‬
‫والمغرية»‪ ،‬بل تسعى إلى تقديم حلول للمشكلات التي تعانيها النساء‪ ،‬فهَّن ُيِرْد َن النصيحة‪ُ -‬يِرْد َن الحَّل الصحيَح لمشكلة‬
‫حَّم الة الصدر‪ ،‬وُيِرْد َن أن يشُع رَن بأَّن هناك َم ن يهتُّم بشعورهَّن وليس بقيمِة الأرباح التي سَي جنيها‪ .‬فكُّل امرأٍة يجب أن تشعَر‬
‫بالاهتمام مهما كان شكُلها أو حجُم ها‘‘‪.‬‬
‫كنت قد قابلُت أليكس أَّوَل مَّر ٍة في مؤتمر عرب نت في بيروت‪٢٠١٢ ،‬م‪ ،‬وهو المؤتمر الذي أَّس سه عمر كريستيديس‬
‫وساعَدْت هي في تنظيمه‪ .‬التقيُتها ثانيًة في مقًه ى بجانب مكتبها في دبي‪ .‬اسَتطاَعْت أليكس خلال عملها مديًر ا تنفيذًّيا‬
‫للَّتسويق الرقمِّي في الشرق الأوسط في وكالات غربَّية للإ علانات مثل أوِغ لڤي ون (‪ )Ogilvy One‬أن تبنَي قاعدًة واسعًة من‬
‫المتابعين لها على مدَّونتها نظًر ا إلى جرأتها وصراحتها في َطْرِح مواضيِع بيئات الأعمال للشركات الناشئة في المنطقة‪ُ .‬ولَدْت‬
‫أليكس في لبنان‪ ،‬وترعَرْت في السعودَّية‪ ،‬ثَّم أرسَلها والداها لاستكمال دراستها الثانوَّية في بريطانيا‪ ،‬فاجتاَزْت في العام ‪١٩٩٨‬‬
‫اختباَر مجلس القبول الاعتيادِّي في أكاديمَّية ساندهيرست العسكرَّية الملكَّية (‪ ،)Sandburs‬وهي المدرسة الثانوَّية البريطانَّية‬
‫المقابلة لأكاديمية ويست پوينت العسكرَّية الأميركَّية (‪ .)West Point‬تخَّص صْت أليكس بعد ذلك في علم النفس وتخَّرجْت‬
‫في جامعة مانشستر (‪ ،)Manchester‬ثَّم عادت إلى المنطقة عام ‪٢٠٠٦‬م مبهورة بازدهار الاقتصاد الرقمِّي في تلك الأَّيام التي‬
‫لن ينساها أَح د‪.‬‬
‫تعمُل أليكس على إطلاق موقع أمورة دوت كوم (‪ )amourah.com‬أَّول مدَّونٍة ومنَّص ٍة للتجارة الإ لكترونَّية تختُّص بتسُّوق‬
‫الملابس الداخلَّية في الشرق الأوسط‪ .‬تناوَلْت أَّول تدوينٍة لها بكِّل صراحٍة موضوَع ْي صعوبَة العثور على ملابَس داخلَّية‬
‫ملائمة‪ ،‬وعدم الشعور بالارتياح عند التسُّوق في الأماكن العاَّم ة‪ .‬وتقول ضاحكًة ‪’’ :‬أعتقد أَّنها المَّرة الأولى في هذه المنطقة‬
‫التي ُتعرض فيها امرأٌة لا ترتدي شيًئا من الأعلى سوى حمالة الصدر! لكِّني ما زلُت على َقيِد الحياة ولم ُأعتَقل‪ .‬بل كانت‬
‫النتيجُة أَّن بعَض النساء تواَص ْلَن معي مَّم ن كانت لديهَّن الاستفسارات والتجارب نفسها التي لدَّي ‪ .‬إذا خاطْرَت فإَّنك تمنُح‬
‫الآخرين الثقَة لَّلحاق بك‘‘‪.‬‬
‫تعَّرَض ْت أليكس لنكسٍة كبيرة تقُّر بأَّنها جاءت نتيجة َه يمنة الذكور على قطاع التجزئة‪’’ .‬حَّتى إَّن بعَض الرجال قالوا لي‬
‫إَّن تمكيَن المرأة لن ينجح‘‘‪ .‬تتوَّقُف أليكس عن الحديث قليًل ا ثَّم تتابُع مترِّد دًة‪’’ :‬نحن نتكَّلم هنا عن التسُّوق الخاِّص‬
‫بالِّنساء والموَّج ه إلى النساء‪ .‬إَّن المرأَة أكثُر واقعَّيًة في تحديد نقاط قَّوتها وضعِف ها‪ ،‬وتبحُث عن أشخاٍص يسَتطيعون ملَء هذه‬
‫الفجوة‘‘‪ .‬تعتقد أليكس أَّنه‪ ،‬على الُّرغم من التحِّديات التي تواِج ُه ها بيئات الأعمال‪ ،‬فإَّن شيًئا جديًدا بدأ يلوُح في أفق هذا‬
‫النظام مع ازدياد عدد النساء الريادَّيات في المنطقة‪’’ .‬الجميع يتحَّدُث بشأن عدم استعداد الشرق الأوسط بعُد لهذا الموضوع‬
‫أو تلك المسألة‪ ،‬لكْن لن يستطيَع أَح ٌد في الحقيقة أن يجزَم حَّتى ُتجرى تلك التجِربة‪ .‬معظُم الأوقات تكوُن الأسواُق‬
‫جاهزًة‪ ،‬ولكْن لا يوَج ُد أَح ٌد يتمَّتُع بالجرأة الكافية لاستغلال تلك الأسواق‘‘‪.‬‬
‫عاد تحليُلها المنطقُّي يحوُم في ذهني لاحًقا في ذلك اليوم في أثناء مشاركتي في لجنة تحكيم مؤتمر عرب نت وحصلُت‬
‫على أكبر رِّد فعل لم أتلَّقاه من قبُل في أَّية مرحلة‪ ،‬وذلك عندما أثاَر مؤِّس س المؤتمر كريستيديس‪ ،‬وهو شخٌص رصيٌن‬
‫استثنائٌّي ووسيٌط يدفُع َك إلى التفكير بُع مق‪ ،‬مواضيَع حَف زْتنا على التساؤل عن السبب الذي يجعُل الشرق الأوسط يبدو‬
‫متخِّلًفا عن الأسواق الناشئة الُأخرى في ما يتعَّلق بالشركات الناشئة‪ .‬فتساءل حانًقا‪’’:‬أليَس ْت أفكاُرنا على المستوى‬
‫المطلوب؟‘‘‪ ،‬ثم توَّج ه بحديثه إلى أليكس سائًل ا‪’’ :‬ألا نمتلُك الجرأة الكافية؟‘‘‪ .‬نظرُت إليه وأومأُت له بَطرف عيني قائلًة ‪:‬‬
‫’’حسًنا‪ ،‬إَّن أَّوَل شيء يمكُن أن تقوُم به هو أن َتِع َد بَع دم السؤال عن الجرأة مَّر ًة أخرى‪ .‬فبحسب خبرتي‪ ،‬بعُض أعظِم‬
‫الاختراعات هي من ابتكار النساء‘‘‪ .‬ضَّج ِت القاعُة بَتصفيِق الحضور من النساء بحماٍس كبير‪ ،‬والرجال الذين لم يُكْن‬
‫عدُد هم قليًل ا‪ ،‬رَّبما خجًل ا‪.‬‬
‫حاُلها حاُل العديد من رفقائي في الغرب‪ ،‬كانت رؤيتي إلى الشرق الأوسط في الماضي من منظوٍر واحد‪ ،‬غالًب ا ما نراه في‬
‫النشرات الإ خبارَّية‪ :‬سلسلٌة من المجتمعات الذكورَّية المَه يِم نة لا تمتلُك المرأة فيها حقوًقا مثل السعودَّية التي لا تمنُح المرأَة‬
‫حَّق قيادة السَّيارة بموجب القانون‪ُ .‬أحُّب في العادة أن أستكشَف طريقَة تفكير الناس‪ ،‬لذا كنُت دائًم ا أختبُر تفكيَر أصدقائي‬
‫في سيليكون ڤالي‪ ،‬فأطلَب منهم أن يذُكروا لي أسماء خمس نساء شريكات رئيسات في شركات رأس المال المغامر‪ ،‬أو‬
‫أسألهم عن عدد المهندسات في فريق عمل شركاتهم‪ .‬وعندما أجريُت الَّتجِربة ذاَتها هنا‪ ،‬كنُت أقاَبُل غالًب ا بَص مٍت َج عَلني‬
‫أفترُض أَّن تمثيَل الأنثى في الشرق الأوسط َليس َم وجوًد ا تقريًب ا‪.‬‬
‫ليس هناك خلاٌف في هيمنة الرجال على المشهد التكنولوجِّي في الشرق الأوسط‪ ،‬ومع ذلك فإَّننا نرى عدًد ا كبيًر ا من‬
‫النساء في كِّل منتًدى أو فعالَّية أو اجتماع‪ .‬ترى هلا فاضل‪ ،‬المشرفُة على مسابقة معهد ماساتشوِس تس للتكنولوجيا لأفضل‬
‫ُخ َّطة عمل في الشرق الأوسط أَّن عدَد النساء المشاركات في المسابقة يزداُد عاًم ا بعد عام‪ ،‬مع أَّن مشاركة المرأة مرتفعٌة‬
‫أصًل ا‪ .‬ففي عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬نافَس أكثُر من ‪ ٤.٥٠٠‬فريق يضُّم كٌّل منها ثلاثَة أشخاص أو أكثر‪’’ .‬هذه الأرقام تعني أَّن هناك‬
‫أكثَر من ‪ ١٣٠٠٠‬ريادٍّي محتَم ل‘‘‪ ،‬تقول هلا مضيفًة ‪’’ :‬شَّكَلِت الفرُق التي تضُّم نساًء بين أعضائها نسبة ‪ ٪٤٨‬تقريًب ا‪ .‬ما‬
‫عدُد المسابقات في سيليكون ڤالي التي ضَّم ْت نسبَة مشاركٍة للِّنساء مثل هذه النسبة؟‘‘‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬ولا واحدة‪.‬‬
‫يعكُس تنامي َد ور المرأة في الشرق الأوسط دوَرها الصاعد‪ ،‬وتأثيَرها المتنامَي في نمِّو الأسواق الناشئة‪ .‬أردُت أن أفهَم‬
‫خلفَّية هذا الَّدور المتنامي بشكٍل أوضح‪ ،‬وأستكشَف الفرص التي تخلُقها بعُض النساء الريادَّيات‪.‬‬

‫يجب أن يكوَن الشخُص َح ِذ ًر ا من تعميم أَّيِة صفٍة على منطقٍة غنَّيٍة ومتنِّوعة كالعالم العربّي ‪ .‬إذ تميُل السعودَّية والإ مارات‬
‫ودول الخليج الأخرى إلى المحاَفظة والتشُّدد أكثر من ِم ْص ر أو بلاد الشام‪ .‬وتدفُع تلك الدول ثمَن ذلك التشُّدد من الناحية‬
‫الاقتصادَّية‪ .‬وفي دراسة أعَّدْتها شركة بوز آند كومپاني حول دور النساء في منطقة الخليج العربّي ‪ ،‬وجَدْت أَّن المرأَة تمِّثُل‬
‫النسبَة الأكبَر من الكفاءات المتعِّلمة بين جميع فئات السَّكان‪ ،‬ولكَّنها أيًض ا تحتُّل أعلى نسبٍة في معَّدلاِت البطالة‪ ،‬فقد‬
‫أشاَرِت الدراسُة إلى أَّن ’’نسبة النساء الخِّريجات من الجامعات في دول الكويت وقطر والسعودَّية تبلغ ‪ ،٪٦٣ ،٪٦٧‬و‪٪٥٧‬‬
‫على التوالي‘‘‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬فإَّن نسبة النساء في معَّدلات البطالة في دول مثل الكويت تبلغ ‪ ٪٨٠‬من مجموع العاطلين من‬
‫العمل‪.‬‬
‫تكثُر الأمثلُة عن الروايات الحديثة والقديمة في كِّل أنحاء المنطقة سواٌء في الخليج العرِّبي أم ِم ْص َر أم بلاد الشام‪.‬‬
‫أخبَر ْتني إحدى العاملات في منصب المدير التنفيذِّي لشركٍة ُتديُر التجارة عبر الإ نترنت بين الشركات والمؤَّس سات في‬
‫العشرينَّيات من عمرها‪’’ :‬لا تفَه ْم ني بشكٍل خاطئ‪ .‬الكثيُر من الرجال هنا‪ ،‬ولا سَّيما المستثمرين القدامى‪ ،‬يحُكمون علينا‬
‫من منظوٍر تقليدّي ‪ ،‬مَّم ا يسِّبُب لنا مشكلة‘‘‪ .‬وقالْت لي سِّيدٌة ريادَّيٌة ُأخرى من الإ سكندرَّية‪ ،‬أَّس سْت َم وقًع ا إقليمًّيا لتواُص ِل‬
‫الأَّم هات مع أبنائهّن ‪’’:‬صِّدقني‪ ،‬من الصعب جًّدا أن تكوَن المرأُة سِّيدَة أعمال ريادَّية‪ ،‬فهي كذلك زوجٌة وأٌّم وابنة‪ ،‬وهذا‬
‫يشِّكُل َض غًطا إضافًّيا لأَّننا نشعُر بالَّذ نب تحت وطأة التوُّقعات المطلوبة مَّنا‪ ،‬ولكْن في الوقت ذاته لا يمكُن للَّش خص أن‬
‫يكوَن ريادًّيا فقط‘‘‪ .‬وفي الجهة الُأخرى من الروايات‪ ،‬اعترَض ْت سِّيدٌة مؤِّس سٌة لشبكٍة اجتماعَّيٍة من القاهرة على طرحي‬
‫الموضوع بتوُّج ه يحتوي على تمييز‪ ،‬على حِّد وصفها‪ ،‬وانتقَدْتني قائلة‪’’ :‬نحن لسنا نساء ريادَّيات‪ ،‬بل نحن ريادَّياٌت من‬
‫جنس النساء‪ .‬نواِج ُه القضايا ذاتها كأِّي ريادٍّي رجل‪ .‬وإْن كان هناك أُّي أمٍر يتعَّلُق ِبَك وننا نساء‪ ،‬فذلك أَّننا نعمُل بِج ٍّد أكبر‪،‬‬
‫ونحن مَتعاوناٌت بشكٍل أفضل‪ ،‬ونقوُم على تنفيذ الأعمال بشكٍل أفضل من كثيٍر من الرجال‘‘‪ .‬مهما كانت توُّقعات المرء عن‬
‫الشرق الأوسط‪ ،‬لا شَّك أَّن هناك تغييًر ا كبيًر ا يجري منذ سنوات‪ ،‬وأَّن َد وَر المرأة الأساسَّي في التنمية الاقتصادَّية هو ظاهرٌة‬
‫عالمَّية‪ .‬فَك ما ُتظِه ُر كُّل دراسٍة حوَل تأثير المرأة في المجتمع‪ ،‬وأحدُثها تقريُر البنك الدولِّي لعام ‪٢٠١٢‬م الصادر بعنوان‪:‬‬
‫’’المساواة ما بين الجنَس ين والتنمية‘‘ (‪ ،)Gender Equality and Development Report‬أَّنه رغم استمرار ُوجوٍد َفجوٍة ما بين‬
‫الجنَس ين‪ ،‬فإَّن المرأَة صارْت تلعُب َد وًر ا كبيًر ا في َخ ْلِق ُفَرِص العمل‪ ،‬وتأسيس الأعمال‪ ،‬والنشاط الاقتصادِّي للمستهلك عبر‬
‫كِّل صناعة‪ .‬ليس غريًب ا أن تكوَن المرأة أشَّد رغبًة في الابتكار والإ بداع من أِّي شخٍص آخر‪ ،‬لا سَّيما مع الانتشار الواسع‬
‫للتكنولوجيا الحديثة‪.‬‬
‫أخبرتني أليس نيلسون (‪ )Alyse Nelson‬ذاَت مَّر ٍة أَّنها بدأْت ترى التغيير في الشرق الأوسط بوصفه جزًءا من التغيير‬
‫العالمّي ‪ .‬وأليس هي المدير التنفيذُّي لمنَّظمة ڤايتال ڤويسز (‪ ،)Vital Voices‬وهي منَّظمُة المجتمع المدنِّي التي أَّس ستها‬
‫هيلاري كلينتون (‪ )Hilary Clinton‬وتهدُف إلى تدريب النساء الريادَّيات الناشئات وتمويلهم حول العالم‪ .‬قالت لي أليس‪:‬‬
‫’’ِص ْرنا نرى النساَء يجسْرَن الفجوَة بينهَّن وبين الرجال في مجالات التنمية الاقتصادَّية وتعليم الإ ناث‘‘‪ ،‬ثَّم أضافت‪’’ :‬ولكَّن‬
‫المسألة المهَّم ة التي لم تعالْج إلى الآن في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬هي أَّن المرأَة لا تزال متأِّخ رة في مجالات القيادة‬
‫والسلطة وُص ْنع القرار‘‘‪ .‬ووجدت أليس أَّن النساَء في جميع أنحاء العالم يحَظين بأقَّل من ‪ ٪٢٠‬من المقاعد البرلمانَّية‪ ،‬وأقَّل‬
‫من تلك النسبة من المناصب الإ دارَّية الُع ْليا أو مجالس إدارة المؤَّس سات الكبرى‪ ،‬وقالت لي‪’’ :‬الشيء الممَّيز الآن هو أَّن‬
‫محِّركات القَّوة انتقلت بشكٍل واسع وسريع في السنوات الأخيرة مع دخول الشبكات الاجتماعَّية والهواتف النَّقالة‪ ،‬فالتغيير لم‬
‫َيُع ْد محدوًد ا بالمكاتب الإ دارَّية والسلطات‪ ،‬بل صار في ُوسع أِّي مستخدم لموقع تويتر أن ُيحِد َث تغييًر ا كبيًر ا‪ .‬فالتكنولوجيا‬
‫الحديثة ُتغِّير كَّل شيء‪ ،‬وُتزيل الحواجز الثقافَّية التي كانت ذاَت مَّر ٍة ُتشِّكل أبرَز المعِّوقات التي حَّدت من قدرات المرأة‬
‫وإمكانَّياتها‪ ،‬والاستفادة من الفرص والابتكار لُص ْنع تغييٍر إيجابّي ‘‘‪.‬‬
‫تروي أليس نيلسون في كتابها الذي يحمل عنوان‪’’ :‬أصوات حَّية‘‘ (‪ )Vital Voices‬أيًض ا قَّص ة الناشطة منال الشريف‪ ،‬التي‬
‫تحَّد ِت الأعراَف والعادات السعودَّية بعدم السماح للنساء بقيادة السَّيارات‪ ،‬ولم تكتِف فقط بقيادة السَّيارة‪ ،‬بل صَّورْت نفَس ها‬
‫في مقطع مصَّور وهي تقود السَّيارة‪ ،‬وحَّم لْته على موقع يوتيوب‪ ،‬حيث انتشَر بَلْم ح البصر‪ .‬وفي عام ‪٢٠٠٨‬م‪ ،‬أنشأت إسراء‬
‫عبد الفَّتاح مجموعًة على فيسبوك كانت من أوائل المجموعات التي ُتنشأ في الشرق الأوسط لتنظيم احتجاٍج سلمٍّي على‬
‫انخفاض الأجور في مصنع للَّنسيج‪ .‬وسرعان ما ازداَد عدد مشتركي هذه المجموعة ليصَل إلى نحو ‪ ٧٧.٠٠٠‬مشترك‪ .‬كما‬
‫أخبرتني أليس بأَّن الفكرة الأساسَّية هي‪’’ :‬أَّن المرأة اعتقدت ذاَت َيوم أَّنها لا تمتلك الحَّق في الَّتعبير‪ ،‬واليوم ترى هذا التغييَر‬
‫وتعلُم أَّن لديها كَّل الحِّق في التعبير عن رأيها‘‘‪ .‬كان التأثيُر المضاَع ُف عميًقا عندما تعاونْت منَّظمُة ڤايتال ڤويسز وموقع ياهو‬
‫في تنظيم مؤتمر ’’غِّير عالمك‘‘ (‪ )Change Your World‬في ِم ْص ر‪ .‬جاء المئاُت من النساء الَّل اتي لم يلَتقيَن من قبُل سوى‬
‫على الإ نترنت‪ ،‬واجتَمْع َن مًع ا ليس فقط ليتشارْك َن الُخ طط والأفكار‪ ،‬بل لَتدعَم إحداهَّن الُأخرى في التعبير عن آرائهّن ‪.‬‬
‫ترى روث ماسينجر (‪ )Ruth Massinger‬هذا التأثير المضاعف للنساء الناشطات في اقتصادات بلادهّن ‪ .‬شغَلْت روث منذ‬
‫عام ‪١٩٨٨‬م منصب رئيسة منَّظمة الخدمات العالمَّية الأميركَّية‪ ،‬والتي مَّولت ما يقارب ‪ ٤٠٠‬منَّظمٍة شعبَّية تعمُل على تعزيز‬
‫الصَّح ة والتعليم والتنمية الاقتصادَّية وإغاثة الكوارث‪ ،‬والتغيير الاجتماعِّي والسياسِّي في جميع أرجاء الدول المتقِّدمة‪.‬‬
‫قالت لي روث في مكتبها في منهاتن‪ ،‬الذي يضُّم فريَق عمٍل شاًّبا متلِّه ًفا إلى العمل‪’’ :‬نحن في الغرب لا نقِّد ُر أحياًنا‬
‫أهِّمَّيَة َد وِر المرأة المحورِّي في العائلة‘‘‪ ،‬وأضافت‪’’ :‬تلعُب النساء َد وًر ا ممَّيًز ا في المحاَفظة على تماُس ك العائلة وتراُبِط ها‪،‬‬
‫وتمكين كِّل فرٍد فيها من تنفيذ َد وره‪ .‬فحين أفِّكر أِّني يجب أن ُأذِّكر َز وجي باستمرار أن يهاتَف عائلَته ليطمأَّن عليهم‪ ،‬فإَّن‬
‫ذلك يذِّكُرني أَّن هناك أموًر ا ُيغِف ُلها المجتمُع إْن لم تنَه ِض المرأُة وتمسَك بِزمام الأمور‘‘‪ .‬وتتابع قائلًة ‪’’ :‬في العالم الناشئ‪،‬‬
‫ُص ِّنَف ِت المرأُة بعَّد ِة ُطرٍق على أَّنها مواِط نٌة من الدرجة الثانية‪ .‬ماذا ترتدي؟ ما درجة التعليم المسموح بها؟ ُيرى أَّن دوَر المرأِة‬
‫يكمُن في رعاية َم ن حولها في المقام الأَّول والأخير‪ -‬رعايِة والَديها وزوِج ها وإخوانها وأولادها‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬يستخُّف‬
‫معظُم الناس ِبَدورها على الصعيد المهنّي ‪ .‬عندما نتوَّقُف للتفكير في أَّن هناك ما بين مليار وملياَرين من المزارعين فقراُء في‬
‫العالم؛ وأَّن المرأة تشِّكُل نحو ‪ ٪٦٠‬إلى ‪ ٪٨٠‬منهم‪ ،‬يجب علينا أن نعيَد التفكيَر في المعنى الحقيقِّي للَّدور الاقتصادِّي‬
‫الذي تضطلع به المرأة‘‘‪ .‬وعلاوًة على ذلك‪ ،‬يعتقُد العديُد من النساء أَّن الأدواَر والأعماَل التي َيُق ْم َن بها ليَس ْت عمًل ا حقيقًّيا‬
‫يستحُّق الحصوَل على أجٍر مقابله‪ .‬وتقول روث في ذلك‪’’ :‬يفترُض الرجاُل حوَل العالم أَّنهم سيحصلون على الَأجِر لقاء‬
‫عملهم‪ ،‬ولكَّن غالبَّية النساء َيُق ْم َن بأموٍر خارَج بيوتهَّن ‪ ،‬مثل تأسيس عيادة صِّح َّية صغيرة‪ ،‬أو تقديم المساعدة في الدراسة‪،‬‬
‫ولا يخطُر في بالهَّن أن هذا العمل يستوجُب أجًر ا ماِّد ًّيا‪ .‬وهذا الأمُر بدأ يتغَّير‘‘‪ .‬عندما تصيُر المرأة معيًل ا في الأسواق الناشئة‪،‬‬
‫فإَّن أَّول شيء تعمله بدخلها الخاِّص هو استثماره‪’’ .‬نعَلُم من العمل الذي نقوم به في نطاق تمويل المشاريع الصغيرة أَّن‬
‫المرأَة حين تمتلك دخًل ا فائًض ا عن حاجتها‪ ،‬فإَّنها تسعى إلى استثماره في أنشطٍة ذاِت تأثيٍر مضاَع ٍف في إبعاد شبح الفقر‬
‫عن عائلتها‪ ،‬مثل تعليم أطفالها ومنحهم وسائَل السعادة في الحياة‪ ،‬أَّم ا الرجل فغالًب ا ما ينفُقه على السلع الاستهلاكَّية‘‘‪.‬‬
‫وعلاوًة على ذلك‪ ،‬يبدو أَّن النساَء يفِّكرَن أكثر في المستقبل‪ ،‬وُيقِّدرن نتائَج كِّل خطوة‪’’ .‬إن نظْرنا مَّر ًة ُأخرى إلى تمويل‬
‫المشاريع الصغيرة‪ ،‬فنرى أَّن ‪ ٪٩٠‬من النساء تخبُرنا بأَّن حصولهَّن على َقْرض‪ ،‬ولو كان ‪ ١٤‬دولاًر ا فقط‪ ،‬يعني الفرصَة‬
‫الوحيدَة التي تخِّلصهَّن من استعباد الأجور‪ .‬ويحرصَن دائًم ا على سداد هذا القرض؛ لأَّنهَّن يعَلمَن أَّنه الفرصُة الوحيدة لَع دم‬
‫العودة إلى وظائَف قليلِة الأجر‪ ،‬وليست ُم جِد ية‘‘‪.‬‬
‫تطرُح التكنولوجيا الحديثة حًّل ا جديًدا لهذه المشكلة في مثل هذه المجتمعات‪ .‬وحسب مؤَّس سة التمويل الدولَّية‬
‫(‪ ،)International Finance Corporation‬فإَّن نسبَة استخدام الهاتف النَّقال والحاسوب في الأعمال التي ُتديُرها النساء هي‬
‫نفسها تقريًب ا لدى الرجال‪ ،‬والتي تقترب نسبتها من ‪ ٪٩٠‬تقريًب ا‪ ،‬ونحو أكثر من ثلَثي عدد مَّر اِت الُّدخول المنتظم إلى‬
‫الإ نترنت‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬توَج ُد النتائُج المبتكرة كثيًر ا في أحياٍء لا تتوَّقُع منها ذلك‪ ،‬فالشاَّباُت اليمنَّيات الَّل اتي تحَّدثُت بشأنهَّن‬
‫في الفصل السابق هَّن مثٌل بسيٌط على آلاف الحالات المشابهة‪ .‬وأوضَح ْت لي مسنجر‪’’ :‬أعِط المرأَة هاتًفا نَّق اًلاوإمكانَّية‬
‫إعادِة شحنه‪ُ ،‬تشاهْد كيف تؤِّس س كشًك ا للخدمات الهاتفَّية وتكسُب أرباًح ا من عملَّيات الاِّتصال‪ .‬اسمْح للِّنساء بالُوصول‬
‫إلى رقم هاتٍف نَّقاٍل مجهول‪ ،‬وانُظْر كيف يستِط عَن الإ بلاغ عن الإ ساءة‪ ،‬وتحَّر هذه البلاغات من قصصهَّن ‪ ،‬ستأخُذ العدالُة‬
‫مجراها‪ .‬أعرُف ريادًّيا في الهند أَّس س هذه الخدمة‪ ،‬ويرى أَّن خدمَته هذه تساهُم في توفير حماية حقوق الإ نسان‪ ،‬ولكَّنها‬
‫أيًض ا توِّفُر شكًل ا من أشكال الصحافة في مجتمع لا تتوافر لديه الُّص حف‪ .‬إَّنه يجمع الأخبار‪ ،‬ويتحَّر اها‪ ،‬ثَّم ينشُرها عبر‬
‫الهواتف النَّقالة‪ ،‬ويتأَّكُد من متابعة السلطات لها‪ .‬وهناك أشخاص آخرون في أفريقيا يقِّدمون خدمات مماثلة لمحاربة‬
‫الفساد‘‘‪ .‬إَّن مثل هذه القصص ليس غريبًة على غادة هويدي المقيمة في القاهرة حيُث تتوَّلى مسؤولَّيَة التطوير المؤَّس سِّي في‬
‫كِّلَّية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركَّية في القاهرة‪ .‬أوضَح ْت غادة لي أَّن هناك حركًة ريادَّيًة كبرى وغير رسمَّية وأقُّل تقنَّيًة‬
‫تحُدُث بين النساء الشاَّبات في ِم ْص ر منذ أكثر من عقٍد من الزمن‪ .‬وأشاَرْت إلى أَّن العديَد من النساء الَّل اتي يعَم ْلَن أَتيَن من‬
‫ِم هٍن أخرى كَّن يعمْلن فيها‪ ،‬ولكَّنهَّن يقِّررَن العمل في شركة ريادَّية من المنزل لأسباٍب قد تكوُن حَّب الفكرة‪ ،‬أو أسلوَب‬
‫الحياة‪ ،‬أو تربية الأولاد‪’’ .‬قد تبدأ هذه الشركات بشكٍل تقليدٍّي مثل إعداد الطعام‪ ،‬أو تصميم إكسسوارات للبيت‪ ،‬أو‬
‫الجواهر‪ ،‬وليس غريًب ا أن تساهَم سهولُة الُوصول إلى التكنولوجيا الحديثة في هذه الأَّيام بَنجاح هذه الشركات‪ ،‬والأهُّم من‬
‫ذلك أَّنها صارت تفتُح أماَم ها المجاَل لَتأسيس شركات عبر الإ نترنت محِّلًّيا‪ ،‬ورَّبما دولًّيا‘‘‪.‬‬
‫من المدهش أن تعَلم مدى زيادة الشركات التكنولوجَّية التي تؤِّس ُس ها النساُء في العالم العربّي ‪ ،‬ولكَّن هذه الشركات تمِّثُل‬
‫أيًض ا نافذًة بَّناءًة للفرص الناشئة في المنطقة‪ .‬فقد شمَلْت جميع المجالات التي ُيغِّطيها الريادُّيون الارتجالُّيون‪ ،‬وحَّل الو‬
‫المشكلات‪ ،‬والريادُّيون العالميون‪ ،‬لكِّني درسُت أربَع مجموعاٍت عاَّم ة أخرى‪ :‬تقديُم الخدمات بالُّلغة العربَّية‪ ،‬ومساعدة‬
‫العائلات الُأخرى على تحقيق التوازن ما بين العمل والحياة‪ ،‬والاستفادة من الثورات العربَّية في تأسيس منَّص ات مشتركة‬
‫للَّتعاون ومشاركة الأفكار البَّناءة‪ ،‬وتطوير منَّص اٍت واسعِة النطاق في تجارة التجزئة والتجارة الإ لكترونَّية ترِّكز على المرأة‪.‬‬

‫قَّلُة المحتوى العربِّي على الإ نترنت‬


‫بالمقارنة بالعدد الكبير للَّناطقين بالعربَّية‬
‫بصفتي مستشاًر ا ومرشًدا لمنَّص َتين ُتعَّدان من أبرز المساهمين في تأسيس بيئات الأعمال في الشرق الأوسط‪ ،‬وهما‪ :‬ومضة؛‬
‫بوابة المصادر التمويلَّية للشركات الناشئة في المنطقة‪ ،‬وأويسس ‪٥٠٠‬؛ حاضنة الأعمال في الأردّن ‪ ،‬فإِّني أرى‪ -‬دون الَّنظر إلى‬
‫المصلحة الاقتصادَّية‪ -‬أَّن هناك العديَد من الريادِّيين المذهلين‪ .‬ومن خلال هذه الجهود اكتشفُت ثلاَث قصٍص رائعة تبدو‬
‫حًّل ا لتحِّديات بيئات الأعمال التي يواِج ُه ها الريادُّيون الارتجالُّيون‪ ،‬وهي النقص الهائل في المحتوى العربِّي عبر الإ نترنت‪.‬‬
‫جلْس ُت مع مي حبيب في مقًه ى كلاسيك َرْح ٍب وسَط بيروت‪ .‬كان الترِّوي الشديُد والقَّو ُة في حديِثنا يلائمان بصورٍة‬
‫ٍّي‬
‫كبيرٍة قَّص َة تأسيس شركتها‪ُ .‬ولَدت مي في لبنان‪ ،‬ودرَس ْت في جامعة هارڤرد قبل أن تعمَل مديرًة للَّص ناديق الائتمانَّية في‬
‫أبوظبي‪ .‬بدَأْت مي تشعُر بالقلق منذ نحو عاَم ين‪ ،‬فقد بلَغ ْت السَّن التي بدأ فيها أصدقاؤها يأِّس سون شركاتهم ويحُّلون‬
‫المشكلات‪ ،‬ولكَّنها أراَد ْت أن تحِد َث فارًقا في تنمية منطقتها‪.‬‬
‫بدَأت مي في أثناء عطلٍة أمضْتها في أوروپا تدِّوُن الملاحظات حول التحِّديات التي تواجه المنطقَة والحلول الممكنة‬
‫لمعالجتها‪ .‬تناَو لْت كاَّفة التحِّديات من عدم تمكين المرأة‪ ،‬والتعصِب الدينّي ‪ ،‬إلى َنْقص التوجيه الجامعِّي في المدارس‬
‫الثانوَّية‪ .‬ولَّم ا قرأت تقريَر الأمم المَّتحدة حول التنمية البشرَّية في الدول العربَّية لعام ‪٢٠٠٥‬م‪ ،‬وجَدْت فيه مسألًة صدَم ْتها‬
‫كثيًر ا‪ .‬فرغَم أَّن أكثر من ‪ ٪٨٠‬من سَّكان الشرق الأوسط‪ ،‬والبالغ عددهم ‪ ٣٥٠‬مليون نسمة‪ ،‬يتحَّدثون الُّلغة العربَّية فقط‪،‬‬
‫فَليس هناك سوى القليِل من مصادر المعلومات العالمَّية باللغة العربَّية‪ ،‬ولا سَّيما على الإ نترنت‪ .‬وبعد خمسة أعوام من قراءتها‬
‫ذلك التقرير بلَغ ْت نسبُة المحتوى العربي على الإ نترنت أقَّل من ‪ ٪١‬فقط‪.‬‬
‫تتذَّكُر مي قائلة‪’’ :‬مع انتهاء الإ جازة صاَر لدَّي نموذٌج حول كيفَّية الاستعانة بُخ َب راء الإ نترنت الذين يملكون مصادَر كثيرًة‬
‫لمعالجة هذا الأمر‘‘‪ .‬كتَب ْت مي خلال شهَرين ُخ َّطَة عمٍل مفَّص لة‪ ،‬وترَك ِت العمَل في القطاع المصرفّي ‪ ،‬وغادرْت أبوظبي إلى‬
‫بيروت للحصول على تمويل‪ .‬تأَّس ست شركُتها الناشئة الأولى تحت اسم قرطبة في عام ‪٢٠١١‬م‪ .‬أَّس س فريُق عمل الشركة‪،‬‬
‫الذي يضُّم اليوم أربعَة عشر مهندًس ا بَد وام كامل‪ ،‬وثلاثة مهندسين بدوام جزئ وأكثر من ‪ ٥٠٠‬كاتٍب ومحِّرر ومترجم بصفِة‬
‫ٍّي‬
‫مستقِّلين‪ ،‬أبرَز منَّص ٍة لابتكار المحتوى العربِّي في الشرق الأوسط‪ .‬باشَرْت قرطبة العمل في مجال التجارة عبر الإ نترنت بين‬
‫الشركات والمؤَّس سات نظًر ا إلى نجاح هذا القطاع وارتفاع عائداته الماِّد َّية‪ .‬أخبرتني مي بالَقول‪’’ :‬تشتكي الشركات متعِّددة‬
‫الجنسَّيات‪ ،‬وشركات التجارة الإ لكترونَّية الناشئة‪ ،‬والشركات الاستشارَّية‪ ،‬ومكاتب المحاماة‪ ،‬من صعوبة العثور على خدمات‬
‫الُّلغة العربَّية التي تَّتسم بالجودة العالية وسرعة توفيرها وملاءمتها‘‘‪ .‬ومن خلال تأسيس منَّص ة على الإ نترنت تنِّق ُح الكَّتاب‬
‫والمحِّررين والمترجمين المستقِّلين وتختبُرهم وتوِّظُفهم‪ ،‬وتوِّزُع المشاريع عليهم وفَق خبراتهم ومهاراتهم‪ ،‬وجَدْت قرطبة الحلوَل‬
‫لجميع تلك المتطَّلبات الثلاثة‪’’ .‬كان عملاؤنا في السابق يحصلون على هذه الخدمات من شركات ترجمة عالمَّية ُم كِلفة‪،‬‬
‫أو من شركاٍت محِّلَّيٍة صغيرٍة أقَّل تكلفًة وكفاءة‪ .‬جعْلنا العملَّيَة كَّلها َس ِلسًة وفَّع الة‘‘‪.‬‬
‫بدأت قرطبة تلفُت أنظار المستثمرين نظًر ا إلى تجاوز عائداتها الشهرَّية التوُّقعات في سوٌق يحصُل المهندسون الممَّيزون‬
‫فيها على دخٍل يبلغ ُخ مَس ما يحصُل عليه نظراؤهم في الولايات المَّتحدة‪ ،‬ولكَّن المستثمرين كانوا يرغبون في تأجيل‬
‫عروضهم التمويلَّية الأَّولَّية حَّتى ربيع ‪٢٠١٣‬م‪ .‬ويأملون بعد ذلك أيًض ا دخول القطاع الاستهلاكِّي عبر تقديم الترجمة العربَّية‬
‫للكتب الإ نكليزَّية‪.‬‬
‫تساهُم خلفَّية مي في توضيح تفانيها وعزمها‪ .‬فقد ُولدت في قريٍة صغيرٍة في عَّكار الواقعة شمال غرب لبنان‪ .‬هاجَرْت‬
‫عائلُتها إلى وندسور (‪ )Windsor‬في أونتاريو (‪ )Ontario‬عندما كانت في السادسة من عمرها‪ .‬أَّس سْت عائلُتها شركًة لَتصنيع‬
‫المعَّدات‪ ،‬وكان ُيفترُض أن تساعَد هي وأشَّقاؤها السبعُة في إدارة الشركة‪ ،‬مع التركيز على دراستهم في الوقت نفسه‪.‬‬
‫رَّبما تتدَّفق ريادة الأعمال في دماء مي‪ ،‬ولكَّن أَّوَل وظيفٍة لها بعد تخُّرجها في الجامعة كانت في بنك ليمان برذرز‬
‫(‪ )Lehman Brothers‬الاستثمارّي ‪ ،‬قبل أن تنتقَل إلى أبوظبي للعمل في مجال الملكَّية الخاَّص ة‪ .‬أخبرتني قائلًة ‪’’ :‬أمضيُت‬
‫عاَم ين رائَع ين هناك‪ ،‬وذلك بسبب الصفقات التكنولوجَّية التي كنُت أقوم بها عبر العالم‪ .‬كنُت أرى مشكلَة المحتوى العربِّي‬
‫في كِّل مكان‪ .‬ومع أَّن الجميع كانوا ينتقدونها‪ ،‬فإَّن أَح ًدا لم يفعْل شيًئا ِح ياَل ذلك‪ .‬ليس من عذٍر لدى أَح ٍد الآن‪ ،‬لقد‬
‫عَثْرنا على حٍّل مدهٍش وبَتكلفٍة معقولة‘‘‪.‬‬
‫مي قلقٌة من الأمور نفسها التي ُتقِلُق أَّي ريادّي ‪ :‬الوقت الطويل في العمل‪ ،‬العثور على كفاءات مناسبة للعمل‪ ،‬استقطاب‬
‫العملاء والحفاظ على رضاهم‪ ،‬إضافًة إلى عملَّيات الإ نفاق‪ ،‬ولو كان مقداُر المال بسيًطا‪ .‬تعتقد مي‪’’ :‬أحسُب َكوني امرأة‬
‫مِّيزًة في مصلحتي‪ ،‬فأنا أعمُل مع فريق متمِّيز ُيضطُّر إلى تخفيض أجوره للانضمام إلينا‪ .‬أعتقُد أِّني كنُت قادرًة على َتوظيفهم‬
‫بسبب الصفات الممَّيزة التي رأيُتها بشكٍل متكِّرر لدى السِّيدات الريادَّيات‪ .‬فقد جعلُت نجاحي هو نجاَح هم‪ ،‬وأستمُّر في‬
‫المحاولة لو كان الجواب «لا»‪ .‬من الأسهل‪ ،‬ولأسباٍب ثقافَّية‪ ،‬سواًء في الشرق أم الغرب‪ ،‬أن توِّظُف المرأُة رجًل ا من أن‬
‫يوِّظَف الرجُل رجًل ا أو امرأة‘‘‪ .‬تشعُر مي بالفخر أَّن المنَّص ات الإ لكترونَّية‪ ،‬مثل قرطبة‪ ،‬توِّفُر فرَص عمٍل للُكَّتاب والمترجمين‬
‫في جميع أنحاء العالم العربّي ‪.‬‬
‫في اليوم التالي‪ ،‬عندما غادرُت إلى عَّم ان‪ ،‬التَقيُت سمر شوارب ِص دفًة في مقِّر أويسس ‪ .٥٠٠‬واختيَرْت سمر مؤَّخ ًر ا‬
‫للانضمام إلى الشركات الناشئة التي تحتضُنها أويسس ‪َ .٥٠٠‬ع ِلمت سمر‪ ،‬مثل مي حبيب‪ ،‬في وقت مبَّكر أَّنها ريادَّيٌة‬
‫بالفطرة‪ ،‬ووجَدْت فرصًة ُأخرى كبيرة لا تتوافر فيها الخدمات بالُّلغة العربَّية‪ .‬تخَّرجت سمر في كِّلَّية إدارة الأعمال في الجامعة‬
‫الأميركَّية في بيروت‪ ،‬ثَّم حصلت على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال (‪ )MBA‬من الجامعة الأردنَّية‪ ،‬قبل أن تعمَل في‬
‫السفارة البريطانَّية في عَّم ان‪ .‬كان لدى سمر شغٌف كبيٌر بإقامة الفعالَّيات‪ ،‬وكانت ُتتقُن ذلك أيًض ا‪ .‬تتذَّكُر قائلًة ‪’’ :‬رأيُت أَّن‬
‫السوَق الأردنَّية تحتاُج إلى شركٍة محترفة في إدارة الفعالَّيات‘‘‪ ،‬ثَّم تتابُع َقوَلها‪’’ :‬قَّررُت تأسيَس شركتي الأولى إڤنتس أنليمتد‬
‫(‪ )Events Unlimited‬عام ‪٢٠٠١‬م‪ ،‬وهي ُتعنى بتنظيم المعارض والمؤتمرات في جميع أرجاء الأردّن ‘‘‪.‬‬
‫وفي العقد التالي‪ ،‬صار تنظيم حفلات الزفاف من أبرز قطاعات أعمالها وأكثرها ربًح ا‪ ،‬فعلمْت أَّنها تستطيع أن توِّفَر‬
‫مصادَر أوسَع للُم قِد مين على الزواج في جميع أرجاء المنطقة‪ .‬من أكثر الأجزاء المرهقة والمربكة‪ ،‬والتي تستغرُق وقًتا طويًل ا‬
‫بالِّنسبة إلى الُم قدمين على الزواج لدى التخطيط لحفل الزفاف‪ ،‬هو اختيار منِّظمي حفل الزفاف‪ ،‬والحصول على نصائح‬
‫وأفكار في القضايا المتعِّلقة بالتخطيط للزفاف والأزياء والتجميل وغيرها‪ ،‬وتقييم العروض المختلفة‪ ،‬ومعرفة الاحتياجات‬
‫الحقيقَّية للعروَس ين وما يوافق موازنَتهم‪ .‬وهذه العوامل كُّلها يمكُن أن توَّفَر بشكٍل مثالٍّي عبر محتوى الإ نترنت والمنَّص ات‬
‫ِق ِة‬
‫الاجتماعَّية‪ .‬تفاجأت سمر ل َّل المصادر المتاحة على الإ نترنت في الشرق الأوسط‪ ،‬ولا سَّيما تلك المتعِّلقة بالمحتوى الثنائِّي‬
‫الُّلغة (‪.)Bilingual‬‬
‫أَّس سْت سمر في عام ‪ ٢٠١١‬أرابيا ودينغز (‪ )Arabiaweddings.com‬ليكوَن أَّول موقٍع إلكترونٍّي شامل ثنائِّي اللغة يخدُم‬
‫العالم العربَّي في التخطيط لحفلات الزفاف‪ .‬تأَّس س في البداية بالُّلغة الإ نكليزَّية‪ ،‬ثَّم ُأضيَف ِت الُّلغة العربَّية لاحًقا‪ .‬يقِّد ُم هذا‬
‫الموقع مزيًج ا فريًدا من المحتوى الوفير‪ ،‬كالأخبار المتنِّوعة والحقيقَّية‪ ،‬ودليل مزِّودي خدمات حفلات الزفاف على الإ نترنت‬
‫في عشر دول عربَّية‪ ،‬وأدوات تخطيط مبتكرة كالمواقع الإ لكترونَّية لحفلات الزفاف‪ ،‬بالإ ضافة إلى العروض الممَّيزة‪ .‬كان‬
‫توقيت سمر في تأسيس الموقع دقيًقا وممَّيًز ا‪ ،‬حيث استفادت من خبرتها عندما شغلْت منصب المدير التنفيذِّي لشركتها‬
‫إڤنتس أنليمتد‪ ،‬والتي صارت من الشركات المعروفة في مجال تنظيم حفلات الزفاف‪ ،‬ونَّظمت معرَض الأعراس السنوَّي على‬
‫مدى سبعة أعوام متتالية في الأردّن ‪ ،‬فصارت على اِّطلاع بَتوُّج هات السوق‪ ،‬مَّم ا منَح ها فكرًة بارزًة عن الشركات الناجحة عبر‬
‫الإ نترنت‪ .‬وبالإ ضافة إلى ذلك‪ ،‬كان لانتشار الإ نترنت وازدهار تكنولوجيا الاِّتصالات في الأردِّن دوٌر كبيٌر في َج ْع ل عَّم ان‬
‫المكاَن المثالَّي لتأسيس شركة ريادَّية ناجحة على مستوى المنطقة‪ .‬يستعُّد فريُق العمل الآن للتوُّس ع في الأسواق المربحة في‬
‫الإ مارات قبل الانتقال إلى تغطية السوق السعودَّية لاحًقا‪.‬‬
‫تَّتفُق سمر مع مي بشأن الضغوطات والتحِّديات التي تواجُه الشركاَت الناشئة‪’’ .‬إَّن أصعب القرارات التي اَّتخذُتها هي‬
‫تركي وظيفة محترمة من أجل تأسيس شركتي الأولى‪ ،‬على الأغلب بسبب خسارتي للَّدخل الشهرِّي الآمن‪ ،‬ولكْن تقَّلَص ِت‬
‫المخاطر لأِّني ظللُت في وظيفتي بضعَة أعواٍم في أثناء المراحل الأولى لتأسيس شركتي الناشئة‪ .‬ينسجُم عمُل شركتي الجديدة‬
‫على الإ نترنت مع عمل شركتي الأولى‪ .‬ولا شَّك أَّن رؤيَة ُح ُلمَك يتحَّق ُق هو أكبُر مكافأٍة تناُلها‘‘‪ ،‬توَّقفْت سمر عن الكلام‬
‫مبتسمة‪ ،‬ثَّم عادْت لمتابعة الحديث‪’’ :‬رغم أَّنها دائًم ا تكوُن ممزوجًة بشعوٍر بالخوف‘‘‪.‬‬
‫تخِّطط الإ دارَّية التنفيذَّية في قطاع الإ علام في الأردِّن فداء طاهر أن تستخدَم التكنولوجيا الحديثة أيًض ا لَتأسيس أفضل‬
‫موقع إلكترونٍّي على مستوى العالم للأطباق التقليدَّية في الشرق الأوسط‪ .‬تأَّس س موقُع زيتونة (‪ )zaytouneh.com‬في نهاية عام‬
‫‪٢٠١١‬م‪ ،‬ويهدُف لأن يصيَر أكبَر مكتبٍة في العالم لدروس الطهي القصيرة عبر منَّص ات متعِّددة‪ ،‬من بينها المواقع الإ لكترونَّية‬
‫وتطبيقات الهواتف الذكَّية‪ .‬يعرُض الموقُع مقاطَع ڤيديو لا تزيُد مَّدُتها على ثلاث دقائق‪ ،‬حول طرُق إعداِد الأطباق المحِّلَّية‬
‫خطوًة بخطوة‪ ،‬وتخِّطُط فداء لأن ُتعرَض هذه المقاطع مستقَب ًل ا بكاَّفة الُّلغات في العالم‪.‬‬
‫إلى جانب عملها المهِّم في الإ نتاج التلفزيونّي ‪ ،‬كانت فداء موَلعًة بطبخ الأطباق الإ قليمَّية‪ .‬تتأَّص ُل الريادة في عائلة فداء؛‬
‫فوالدُتها أَّس سْت شركَة مطاعم رائدة في الأردّن ‪ .‬وتوضح فداء قائلًة ‪’’ :‬إَّن معظم مقاطع الڤيديو التي تتعَّلق بوصفات الأطباق‬
‫على الإ نترنت هي من إنتاج الُم ستخِد م وليست عالية الجودة‘‘‪.‬‬
‫’’نحن نصِّوُر بتقنَّيٍة عالية الجودة (‪ ،)Full HD‬وتَّتسُم مقاطع الڤيديو التي ننتُج ها بجودٍة ممتازة‪ .‬وما داَم ِت المقاطُع لا‬
‫ُتظِه ُر سوى اليَدين‪ ،‬فإَّن دبلجة أِّي ڤيديو بأَّيِة لغٍة هو أمٌر بسيٌط من حيُث الَج هد والَّتكلفة‪ .‬من الصعب الحصول على وصفِة‬
‫طعاٍم شرقَّيٍة جِّيدة حَّتى في المواقع الإ لكترونَّية الناطقة بالإ نكليزَّية‪ ،‬ومن المستحيل تقريًب ا أن تجَد ذلك في مقاطع ڤيديو‘‘‪.‬‬
‫هناك ثلاثُة تحِّدياٍت جلَّية رافَق ْت بدايَتها بصفتها سِّيدًة ريادَّية‪ ،‬وتتذَّكر فداء ذلك قائلًة ‪’’ :‬أَّوًلا‪ ،‬تخُّوف الرجال من المرأة‬
‫القوَّية‪ .‬ثانًي ا‪ ،‬يحسُب الآخرون أَّن علاقَة العمل بالمرأة يجب أن تكوَن شخصَّيًة ‪ .‬وأخيًر ا‪ ،‬يقِّلُل بعُض الرجال من شأن الِّنساء‬
‫عموًم ا‪ ،‬ويعتقدون أَّن المرأَة ليَس ْت قادرًة على تقديم نتائج جِّيدة‘‘‪.‬‬
‫وتتابُع فداء قائلًة ‪’’ :‬إَّن التقليَل من شأنَك ليس َد وًم ا أمًر ا سِّيًئا‪ ،‬فأنا فخورة بأِّني من المناصرين والمدافعين عن حقوق‬
‫المرأة‪ ،‬وأومُن بأَّن علينا الِّنضاَل حَّتى نناَل حقوَقنا المتساوية على كاَّفة المستويات الاجتماعَّية والاقتصادَّية والسياسَّية‘‘‪.‬‬
‫بالإ ضافة إلى حصول موقع زيتونة على تكريم مهٍّم في منافسات الشركات الناشئة‪ ،‬فإَّن الموقع يتمَّتُع بنحو ‪ ٣٥.٠٠٠‬متابٍع‬
‫حول العالم‪ ،‬وهو في طريقه إلى إنتاج ‪ ١٢٠‬مقطع ڤيديو شهرًّيا خاَّص ٌة بوصفات الطعام‪ .‬كانت فداء قد حصَلْت على التمويل‬
‫الأَّولِّي من أوسيس‪ ٥٠٠‬لتأسيس موقعها الإ لكترونّي ‪ ،‬وها هي الآن تتجاوُز الأهداَف المتوَّقعة للإ يرادات‪ ،‬وتقَّرَر حصولها على‬
‫الدفعة الثانية من التمويل في عام ‪٢٠١٣‬م‪.‬‬

‫التوازُن في الحياة‬
‫شعَرْت جميُع النساء التي قابلُتهَّن بالخوف في مرحلٍة ما في رحلتهَّن مع الريادة‪ .‬و إَّن سألت أَّية امرأٍة في مجتمع الشركات‬
‫الناشئة في الشرق الأوسط عن أبرز التحِّديات التي واَج َه ْتها‪ ،‬فأَّول ما تسمُع ه هو التحِّديات المشتركة مع أَّية سِّيدٍة ريادَّية في‬
‫أِّي مكان‪ .‬هل يمكُنني القيام بذلك؟ هل يهتُّم أَح ٌد بالأمر؟ كيف أختاُر من بين مئات الأولوَّيات؟ متى أحصُل على تمويل؟‬
‫وكيف ينبغي أن ُأعِّيَن موَّظفين؟ هل يمكُنني التحُّرك بسرعٍة كافية؟ ولكْن ما إْن تتعَّمُق في المواضيع المتعِّلقة بالمرأة بشكٍل‬
‫خاّص ‪ ،‬حَّتى تظهَر بعُض المواضيع ذات العلاقة بالحَّس اسَّيات الإ قليمَّية‪ .‬وقد أخبَر ْتني ذاَت َيوٍم سِّيدٌة ريادَّيٌة أَّس سْت موقًع ا‬

‫ُّل‬
‫ِلَلقطات الڤيديو على الإ نترنت بَقولها‪’’ :‬أن تكون سِّيدًة ريادَّيًة يعني عموًم ا أَّن عليك التغُّلَب على العديد من الأنماط الثقافَّية‪،‬‬
‫ولا سَّيما الزوجة والأُّم والبنت‪ .‬من السهل في بيئتنا الثقافَّية أن تشعَر المرأة بالَّذ نب لَع دم وجودها مع أطفالها لأَّن لديها الكثيَر‬
‫من الَم هاِّم التي عليها أن تنجزها‘‘‪ .‬وتَّتفُق سِّيدٌة ُأخرى مع هذا التفسير قائلًة ‪’’ :‬إَّنه توازٌن غايٌة في الدَّقة‪ .‬فإذا أسقْط َت الكرَة‬
‫سَي حُكُم عليك المجتمع على نحٍو قاٍس جًّدا‪ ،‬بل على نحٍو مضاَع ف‘‘‪.‬‬
‫ليس غريًب ا أن توِّفَر الشركاُت الناشئة البارزة منَّص اٍت للُم ساعدة في العثور على هذا التوازن‪ ،‬وتوفير مصادَر مفيدٍة للعالم‬
‫العربّي ‪ ،‬ورَّبما غيره من المناطق حول العالم‪.‬‬
‫لم تختبْر ياسمين المهيري ولا شريكتها زينب سمير الأمومَة بعُد‪ .‬لكن عندما حبَلْت زوجُة أخي ياسمين‪ ،‬أصاَبْت الدهشُة‬
‫هاَتين الريادَّيَتين المقيمَتين في القاهرة؛ وذلك لعدم ُوجود أِّي مصدٍر عبر الإ نترنت بالُّلغة العربَّية يخاطُب الأَّم هات الجدد‪،‬‬
‫ويتناَو ُل قضاياهَّن الجديدة‪ .‬أخبرْتني ياسمين قائلًة ‪’’ :‬إَّن معظَم أفراد عائلتي أطَّباء‪ ،‬لذا كَّنا نفهُم المعلومات الطِّبَّية بالإ نكليزَّية‬
‫بشكٍل مريح‪ .‬لكَّننا تساءلنا عَّم ا تفعُله النساُء العربَّيات الُأخريات‘‘‪.‬‬
‫سبق للصديقَتين أن َفِش َلتا في تأسيس شركة لخدمات تكنولوجيا المعلومات‪ ،‬وبعد ذلك ظَّلتا تبَح ثان عن فكرٍة جديدة‪.‬‬
‫كانت فرصُة إنشاء أَّول بَّو ابٍة إلكترونَّية حول تربية الأطفال واسعًة جًّدا‪ .‬وفي عام ‪٢٠١١‬م‪ ،‬جمَع ْت ياسمين وزينب فريًقا مكَّو ًنا‬
‫من عشرة أشخاص لتأسيس موقع إلكترونّي ‪ ،‬وسرعان ما صاَر ذلك الموقُع المصدَر البارز في مواضيع تربية الأطفال‪ :‬سوپرماما‬
‫دوت مي (‪.)Supermama.me‬‬
‫وجَدْت الصديقتان بعد عام من البحث أَّن أكبَر ثلاثة تحِّديات تواجُه الأَّم هات الشاَّبات هي‪ :‬الحصول على المعلومات‪،‬‬
‫وتوفير الوقت للُم واَزنة ما بين قضايا العمل والحياة‪ ،‬وإعداد ُخ َطٍط مالَّية لُأسِرهّن ‪ .‬صار موقع سوپرماما دوت مي مصدًر ا شامًل ا‬
‫للمعلومات ضمن أَح د أجزائه‪ ،‬ومدَّونًة تكتُب فيها الأَّم هات من صاحبات الخبرة السابقة في جزئه الآخر‪ ،‬وُتغِّطي المدَّونة‬
‫الأسئلة الرئيسَّية حول الحمل وتربية الأطفال والإ دارة المنزلَّية‪ ،‬ووصفات الطعام المناسبة‪ ،‬وتنظيم الوقت ما بين الأطفال والزوج‬
‫والواجبات المنزلَّية والهوايات والعمل‪ .‬تؤِّكد ياسمين قائلًة ‪’’ :‬يمكُن أن توَج َد الأَّم هات العصرَّيات على الإ نترنت في كاَّفة‬
‫الأوقات‘‘‪ ،‬مضيفًة ‪’’ :‬ولكْن ليس هناك الكثير من المحتوى العربِّي حول هذا الموضوع‪ ،‬وقد تكوُن المعلوماُت المتاحة بالُّلغات‬
‫الأخرى قديمًة أو غير صحيحة‘‘‪.‬‬
‫تخَّرجْت ياسمين في كِّلَّية علوم الحاسوب من واحدٍة من أفضل الجامعات في القاهرة‪’’ .‬بدأُت أومن بأَّن التكنولوجيا‬
‫الحديثة هي الوسيلُة للَّنجاح‪ .‬لذا‪ ،‬عملنا جميًع ا سنًة واحدًة من المنزل‪ ،‬حيث نباشُر الأعمال كَّلها بأنفسنا عبر البريد‬
‫الإ لكترونِّي وأدوات الإ نترنت‪ ،‬وسمَح ذلك لنا ببناء شبكِة مدَّونات للأَّم هات والخبراء‪ .‬وقد راَقهم جميًع ا‪ -‬الأَّم هات والخبراء‪-‬‬
‫العمَل معنا؛ لأَّنهم لا ُيجَب رون على الجلوس في المكتب َطوال اليوم‘‘‪.‬‬
‫سرعان ما اكتسب موقُع هما الإ لكترونُّي اهتماًم ا في مجتمع الشركات الناشئة المحِّلِّي المتنامي‪ ،‬ووصلتا إلى نهائَّيات‬
‫مسابقة معهد ماساتشوِس تس للتكنولوجيا لأفضل ُخ َّطة عمل في الشرق الأوسط لعام ‪٢٠١٢‬م (من أصل ‪ ٤٠٠٠‬متنافس)‪.‬‬
‫ولكن ما غَّير حياتهما فعًل ا كان معسكر الشركات الناشئة (‪ )Startup Boot Camp‬الذي ُأقيَم في أوروپا‪ .‬تتذَّكُر ياسمين قائلة‪:‬‬
‫’’كَّنا على تواُص ٍل مع مرشدين ومعِّلمين خبراء‪ ،‬وكان في ُوسعنا أن نسأَلهم عن أِّي شيء‪ .‬تعَّلمنا ليس فقط كيفَّية التفكير في‬
‫الأخطاء‪ ،‬بل أدرْكنا أيًض ا أَّننا كَّنا من أفضل الشركات الناشئة في السياق المصرّي ‪ ،‬بل من أفضل الفرق المشاركة إقليمًّيا‬
‫ودولًّيا‘‘‪.‬‬
‫بعد أن أنهى موقع سوپرماما الفترة التجريبَّية له بنجاح مؤَّخ ًر ا‪ ،‬بعدما شارَك ْت آلاف الأَّم هات خبراتهَّن على الموقع‪ ،‬وافَق‬
‫المستثمرون على تمويل الشركة مع الانتهاء من َج ْم ع الجولة الأولى من رأس المال الأَّولِّي بمبلغ ‪ ٣٥٠.٠٠٠‬دولار‪ ،‬وكان من‬
‫ضمن الممِّولين أَح ُد صناديق تمويل الشركات الريادَّية محِّلًّيا أم بي سي ڤنتشرز (‪ .)MBC Ventures‬تقول ياسمين وهي تتطَّلُع‬
‫ُقُد ًم ا إلى تقُّدم الموقع على المستوى العالمّي ‪’’ :‬نعتقد أَّن هناك إمكانَّياٍت للَّنجاح عالمًّيا هنا‪ ،‬إذ يوجد مئاُت الملايين من‬
‫النساء الناطقات بالُّلغة العربَّية في جميع أنحاء العالم‘‘‪ .‬وُتضيُف قائلًة ‪’’ :‬ولكَّننا نرغُب أن يبقى تركيُزنا على الخدمات المتنِّوعة‬
‫في تربية الأطفال‪ ،‬وسننمو من هناك‘‘‪.‬‬
‫إَّن ما أثاَر دهشَة راما كَّيالي جردانة وشريكُتها لمياء الطَّباع هو غياب ما كانتا تعتقدان أَّنه مطَلٌب أساسٌّي في مصادر‬
‫التعليم المبِّكر عبر الإ نترنت لدى جمهور الشرق الأوسط‪ .‬راما هي أردنَّية‪ ،‬أَّم ا لمياء فهي أردنَّية سعودَّية‪ .‬درستا مًع ا في‬
‫الجامعة‪ ،‬وناَلتا الماجستير من المملكة المَّتحدة والولايات المَّتحدة‪ .‬أخبَر ْتني لمياء‪’’ :‬لم نُكْن نفِّكُر بتاًتا أن نكوَن ريادَّيَتين‪.‬‬
‫كَّنا نعمُل مًع ا على إنتاج مقاطع الڤيديو بشكل مستقٍّل بعد الجامعة‪ ،‬وكَّنا ننتُج أيًض ا محتويات الأخبار‪ ،‬ولكَّننا شعرنا بعد أن‬
‫ُرزْقنا أطفاًلا بَنْقص المحتوى التعليمِّي المسؤول وعالي الجودة بالُّلغة العربَّية‪ .‬أَرْد نا ببساطٍة جسَر هذه الفجوة‘‘‪ .‬تأَّس سْت شركة‬
‫’’المفِّكرون الصغار‘‘ لتكوَن أولى الشركات العربَّية في المنطقة‪ ،‬المختَّص ة بالوسائل التعليمَّية السمعَّية البصرَّية للأطفال دون‬
‫سِّن السابعة‪.‬‬
‫بدأت راما ولمياء تخِّططان بشكٍل مناسٍب وتفاُع لّي ؛ إذ كانت لمياء تعيش في لندن‪ ،‬وراما في عَّم ان‪ ،‬ولدى كلَتيهما أبناء‬
‫صغار‪ .‬كانتا تشكوان من عدم توافر محتًوى جَّيٍد لأفلام الڤيديو بالُّلغة العربَّية يناسُب أعماَر أطفالهما‪ ،‬وكُّل ما وجدتاه كان‬
‫إَّم ا بلغٍة مترجمٍة سِّيئة مثل بارني (‪ )Barney‬أو ديزني (‪ ،)Disney‬و إَّم ا محتًوى يتناَو ُل المواضيع الدينَّية‪ .‬وفي الوقت نفسه‪،‬‬
‫حَّقق برنامج بيبي آينشتاين (‪ )Baby Einstein‬الذي أنتَج ْته شركة ديزني نجاًح ا باهًر ا في جميع أنحاء العالم‪ ،‬وأحَّبه أطفاُلهما‬
‫أيًض ا‪ .‬عندما أَتْت لمياء إلى زيارة راما في عَّم ان‪ ،‬فَّكرتا مًع ا في السؤال‪ :‬ماذا لو أنتَج أحُدهم إصداراٍت بالُّلغة العربَّية؟‬
‫باشرت لمياء وراما العمَل على حواِر أَّول مقطع ڤيديو‪ ،‬والذي ظَّل محبوًبا حَّتى الآن عندما صَّورا عرَض هما الأَّول في عام‬
‫‪٢٠٠٥‬م‪ .‬في ذلك الوقت‪ ،‬استضافتا عروَض سينما صغيرٍة للأطفال من عمر ثلاث سنين‪ ،‬وكانت رَّد ة فعلهم غامرة‪ .‬حضَر‬
‫‪ ٦٠٠‬طفٍل عرَض هما الأَّول‪ ،‬لذا كانت عليهما زيادُة عدد العروض إلى سَّتٍة لُتلِّبيا هذا العدَد من الأطفال‪ .‬قالت لي لمياء‪:‬‬
‫’’اَّتضَح لي بعد ذلك أَّن ما كَّنا نقوم به هو تغييٌر كبير‪ .‬إِن استَطْع نا َتوفيَر هذه العروض على منَّص ٍة رقمَّية‪ ،‬فهذا يعني أَّننا قد‬
‫نصيَر من رَّو اد هذ القطاع في السوق؛ لأَّننا أولى الشركات التي توِّفُر مثل هذه العروض‘‘‪.‬‬
‫بدأتا العمَل بدواٍم جزئّي ‪ ،‬ووَّزَع تا الأدواَر ما َبينهما‪ :‬تتوَّلى راما َم هَّم َة الإ شراف على إنتاج الأقرص المدمجة (‪)DVD‬‬

‫وتوزيعها‪ ،‬فيما تتوَّلى لمياء‪ -‬التي لا تزاُل مقيمًة في لندن‪َ -‬م هَّم َة كتابِة النصوص‪ ،‬وتباُد ِل الآراء مع متخِّص صين في تعليم‬
‫الأطفال‪ ،‬ومتابعِة صفقات التوزيع‪ .‬وبينما هما تعملان على َتوفير مقاطع الڤيديو على الأقراص المدمجة وشرائط الڤيديو‪،‬‬
‫برزت التكنولوجيا الرقمَّية لُتغِّيَر كَّل شيء‪ .‬وتقول راما‪’’ :‬يريُد الوالدان ببساطٍة أن يتاَح لأطفالهما محتًوى حَّس اٌس للَّثقافة‬
‫العربَّية‪ ،‬ويعكُس ِقَي مهم العربَّية‪ ،‬وهم على استعداد لتحُّم ل تكاليف ذلك‪ .‬إَّن التحُّول إلى التكنولوجيا الرقمَّية سُيسهُم في زيادة‬
‫عدد مشاهدينا في الأردِّن والمنطقة‪ ،‬كما سيمِّكُننا من الُوصول إلى المغتربين العرب في كاَّفة أنحاء العالم بسهولٍة أكبَر وأوسَع‬
‫من قدرتنا على القيام بذلك خارج النطاق الرقمّي ‘‘‪.‬‬
‫اليوم‪ ،‬تقِّد ُم راما ولمياء الأدوات والمحتوى عبر كاَّفة القنوات‪ :‬من أقراص الڤيديو الرقمَّية والأقراص المدمجة عبر الإ نترنت‪،‬‬
‫إلى إتاحتها في المتاجر‪ ،‬مثل متجر ڤيرجن ميجا ستور (‪ )Virgin Megastore‬بكاَّفة أفرعه في المنطقة‪ .‬تتوافُر التطبيقات‪،‬‬
‫وألعاب الإ نترنت‪ ،‬والڤيديو على متجر تطبيقات آپل (‪ )App Store‬وآيتيونز‪ ،‬والمساحات المستأجرة على موقع يوتيوب‪.‬‬
‫وتجريان كذلك مفاَو ضاٍت مع المطارات الإ قليمَّية وخطوط الطيران لَتوفير المحتوى الذي تبَتكرانه إلى العائلات المسافرة‪.‬‬
‫وتخبُرني راما بتطُّلعاتهما إلى المستقبل بالَقول‪’’ :‬نسعى إلى تطوير كاَّفة الأمور المتعِّلقة بتعليم اللغة العربَّية للأطفال دون سِّن‬
‫السابعة‪ ،‬إضافًة إلى الوسائل التعليمَّية في المدارس التي ترتبُط ببرامجنا الرقمَّية والإ لكترونَّية‪ ،‬وذلك لَتعزيز تعُّلم اللغة العربَّية‬
‫للآباء والأَّم هات والأطفال الصغار‘‘‪.‬‬
‫عندما ُرزقت سارة جلال المقيمة في الإ سكندرَّية طفًل ا‪ ،‬لاحَظْت وجوَد فرصٍة متاحٍة‪ ،‬مع أَّنها فرصٌة أَتْت مبِّكرة بضع‬
‫سنوات (نظًر ا إلى عمر رضيعها)‪ .‬كان عمُلها في الإ دارة التنفيذَّية في قطاع الضيافة والفنادق بعد تخُّرجها مباشرًة في الجامعة‬
‫يتطَّلُب منها السفر كثيًر ا‪ ،‬ولم يكن جدول أعمالها يسمُح لها بالتواصل مع طفلها المولود‪ ،‬لا من حيُث الوقت‪ ،‬ولا من‬
‫حيُث إمكانَّيُة الاِّتصال‪ .‬وعندما انتقَلْت إلى العمل في قسم الموارد البشرَّية في شركة محِّلَّية لتكنولوجيا المعلومات‪ ،‬تغَّير كُّل‬
‫شيء بالنسبة إليها‪ .‬لقد تعَّلمْت قَّوة التكنولوجيا بوصفها أداًة للَّتواُص ل‪ ،‬ومدى أهِّمَّية ثقافة الشركة في إنجاح َم هَّم تها‪.‬‬
‫تساءَلْت سارة عَّم ا في ُوسعها أن تفعَله لإ رضاء شغِف ها في تأسيس شركة جديدة‪ ،‬على أن لا يؤِّثَر في الوقت نفسه في دورها‬
‫بصفتها أًّم ا؟‬
‫كانت الإ سكندرَّية قد صارت أَح َد مراكز الابتكار في منطقة الشرق الأوسط‪ ،‬وقَّررت سارة منذ عاَم ين حضور ’’أسبوع ريادة‬
‫الأعمال‘‘‪ -‬وهو المناَفسة الرائجة في مجال الريادة والشركات الناشئة‪ ،‬والتي شارك فيها أكثر من ‪ ١٠٠٠‬متنافس‪ .‬قالت لي‬
‫سارة‪’’ :‬أتى أكثر من ‪ ٪٩٠‬من المشاركين من خلفَّية تكنولوجَّية ولديهم أفكاٌر متطِّورة جًّدا‘‘‪ .‬دفَع ني ذلك إلى التفكير في‬
‫الكيفَّية التي يمكن بها الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في دعم العلاقات بين الأبناء والآباء وتعزيزها‪ ،‬ولكن المسابقة‬
‫كانت مخيفًة ‪ ،‬فكتبُت في حسابي على الفيسبوك‪« :‬هل أذهب؟ هل أبقى؟ هل أعود في وقٍت لاحق؟»‘‘ ولكَّن رَّد ها كان‬
‫واضًح ا بالدرجة نفسها‪’’ :‬كان شعوري الداخلُّي يدفُع ني لُأثِبَت أَّن المرأة العاملة تستطيُع أن تنجح في عملها‪ ،‬وتكوَن أًّم ا‬
‫صالحة وزوجة متفانية في الوقت نفسه‘‘‪.‬‬
‫إَّن المرحلة التجريبَّية من موقع سويتي هيڤن (‪ )Sweety Heaven‬متاحٌة على الإ نترنت لأِّي شخٍص يشترك‪ ،‬وهو تجِربة‬
‫تتوافر على الموقع الإ لكترونِّي والهواتف النَّقالة لتساعَد الآباء والأبناء على تحديد التوُّقعات السلوكَّية مثل‪ :‬حاِفْظ على نظافة‬
‫غرفتك‪ ،‬عليك أن ُتنهَي واجباتك المدرسَّية‪ ،‬كْن مؤَّد ًبا‪ -‬وكُّل هذا من خلال بيئٍة سهلٍة ولطيفٍة قائمٍة على الَّلعب‪ ،‬ولكَّنها‬
‫تقيس مدى نجاحهم أيًض ا‪ .‬يخلُق الآباء والأبناء نظاَم المكافأة اعتماًد ا على المسار الزمنِّي والأهداف التي وضعوها بأنفسهم‪،‬‬
‫ويتضَّم ن ذلك حالًّيا لعبًة أو هدَّيًة يجري إيصاُلها إلى منازلهم‪ ،‬ولكْن يمكن زيادتها للحصول على امتيازاٍت إضافَّية‪ ،‬أو حَّتى‬
‫جائزٍة إلى جمعَّيٍة خيرَّيٍة محِّلَّية أو قضَّيٍة خيرَّية‪’’ .‬الفكرُة بسيطٌة جًّدا‪ ،‬وهي ما يقوُم به الآباء يومًّيا في الواقع‪ ،‬ولكَّن أهِّمَّيَة‬
‫هذه المنَّص ة هي أن تحفَز التواصل ما بين الآباء والأبناء‪ ،‬وتوِّطَد العلاقَة بينهم أكثر‪ ،‬حَّتى لو كان الآباُء يسافرون من وقٍت‬
‫إلى آخر‘‘‪.‬‬
‫ُد هَش ْت سارة عندما جاء رأُي المستثمِر الأَّولُّي إيجابًّيا‪ ،‬ولكَّنه شَّج عها أيًض ا على َأْخ ِذ فكرتها إلى سيليكون ڤالي أو مكاٍن‬
‫آخَر في الغرب‪ .‬أوضحت لي سارة قائلًة ‪’’ :‬مع هذا التغيير الكبير في ِم ْص ر‪ ،‬أشعُر بأِّني مجَب رٌة على استقطاب الطاقة الإ يجابَّية‬
‫إلى وطني‪ ،‬ونفسي‪ ،‬وابنتي‪ .‬أشعر بالإ يجابَّية نحو مستقبل ِم ْص ر والفرص الكبيرة في سوق الشرق الأوسط‘‘‪ .‬وأضاَفْت أيًض ا‪:‬‬
‫’’أعتقد أَّن الآباء والأبناء في أِّي مكاٍن في العالم قد يرغبون في استخدام منَّص تنا‘‘‪.‬‬
‫زوجها‪ ،‬محَّم د بادرة مهندُس تكنولوجيا معلومات‪ ،‬استقاَل أيًض ا مثل سارة لينضَّم إليها في شركتها ويشَغ َل منصَب رئيس‬
‫التكنولوجيا ومدير الشركة‪ .‬عَّيَن محَّم د وسارة فريًقا محِّلًّيا مكَّو ًنا من سبعة مهندسين ومختِّص ين في المنتج‪ .‬قالت لي سارة‬
‫عن زوجها‪’’ :‬إَّن الزواَج بشخٍص يدعُم ِك هو ِه َب ة في الحياة‪ .‬عندما تكون ُم حَب ًطا‪ ،‬عاجًز ا‪ ،‬يائًس ا‪ -‬وكُّل الريادِّيين يشعرون‬
‫بذلك في مرحلٍة ما‪ -‬فإَّن الزوج العظيَم يرفع معنوَّياتك بطريقٍة سحرَّية‪ .‬نحن نكِّم ُل بعُض نا بعًض ا‘‘‪.‬‬
‫تتحَّدُث سارة بالِّنيابة عن العديد من النساء في المنطقة وحول العالم عندما قالت‪’’ :‬إَّنه يصعُب جًّدا أن تصيَر المرأة سِّيدًة‬
‫ريادَّية‪ ،‬وهذا أمٌر غير مألوف أيًض ا‪ ،‬فهناك تحٍّد كبيٌر للمرأة أن تتمَّكَن من تحقيق التوازن بين العناية بالمنزل والزوج والأطفال‬
‫وحَّتى الوظيفة‪ ،‬إذ لا يستطيُع العديُد من الريادِّيين ترَك «عملهم اليومّي » لأسباٍب مالَّية‪ .‬لكْن إْن كنَت ترغُب في طرح‬
‫السؤال‪« :‬لماذا نسعى إلى تأسيس هذه الشركة؟» فالجواب ببساطة هو لأَّننا لا نملك ِخ ياًر ا آخر‪ .‬لن أكوَن قادرًة على َج ْع ِل‬
‫ُأسرتي سعيدًة إَّلا إذا كنُت سعيدًة‪ ،‬وشركتي الناشئة التي قمت به هو سعادٌة غامرة‪ .‬باستخدام منَّص ات مثل منَّص تنا يمكُن‬
‫للمرأة أن تشعر بالتواصل مع أطفالها‪ ،‬ورَّبما تملُك المزيَد من الوقت الخاِّص لها‪ ،‬ورَّبما تبتكُر أفكاَرها الخاَّص ة وتنِّف ُذ ها‘‘‪.‬‬

‫التواصُل مع الآخرين لابتكار أفكاٍر أفضل‬


‫كانت تلك الأَّياُم هي بدايات َس ْر ِد القصص التي تعتمُد في مصادرها على الجمهور‪ ،‬بحسب ما أخبرتني به بيرهان أبو زيد‪،‬‬
‫وهي صاحبُة الشركة الريادَّية الجديدة قبيلة للإ نتاج الإ علامّي ‪ ،‬وقد حازت هذه الشركة جوائَز في منافسِة معهد ماساتشوِس تس‬
‫للتكنولوجيا للشركات الريادَّية في الشرق الأوسط‪ .‬مثل ياسمين العَّياط‪ ،‬مؤِّس سة منَّص ة ‪ ١٨‬يوم في مصر‪ ،‬تخَّرجت بيرهان من‬
‫الجامعة الأميركَّية في القاهرة وصارت مولعًة بقَّو ِة الإ علام الاجتماعِّي وتحليلات الأداء المتوافرة لقياس الجودة وإنشاء‬
‫المحتوى المفيد‪ .‬لكَّن جذورها بوصفها ريادَّيًة جاءت في وقٍت مبِّكر‪’’ .‬كانت أَّوُل فكرة لي في ريادة الأعمال في الصِّف‬
‫الثامن‪ ،‬عندما صَّم مُت مجموعًة من الإ كسسوارات و ِبعُتها لبنات صِّفي‪ .‬وقد كسبُت مبلًغا ُيعُّد ثروًة لفتاٍة في ذلك العمر‬
‫آنذاك‘‘‪ .‬اهتَّم ْت بشكٍل خاٍّص بقَّو ِة َر ْبِط التحليلات ووسائط الإ علام الاجتماعِّي وأثرها الفَّع ال في المحتوى الإ علانّي ‪.‬‬
‫قبيلة هي شركة لمحتوى أفلام الڤيديو‪ ،‬التي تعِّزز الإ علاَم الصادَر عن الجمهور في توفير أَّية مؤَّس سٍة بمحتًوى فَّع ال وغير‬
‫ُم كِلف‪ .‬تتمَّتُع قبيلة بفريِق عمٍل يتجاوُز الثلاثين مهندًس ا ومنِّس ًقا‪ .‬كما تعمُل الشركة أيًض ا على مساعدة العملاء في َج ْذ ِب‬
‫المشاهدين عبر أَّية شبكٍة اجتماعَّيٍة أو منَّص ات إلكترونَّية‪ .‬أخبرْتني بيرهان بكاَّفة استراتيجَّيات غوغل التي كانت تعمُل فيها‬
‫سابًقا‪ ،‬وقالت لي‪’’ :‬نضمُن أن تصَل رسالُة العميل إلى الجمهور المستهَدف بشكٍل فَّع ال‪ .‬ونؤمُن بأَّننا سُنحدُث ثورًة في‬
‫الإ نتاج الإ علامِّي في ِم ْص ر من خلال دراسِة سلوك الجمهور‪ ،‬وتبِّني نموذٍج يجعُل الجمهور منخرًطا‪ ،‬ومتفاعًل ا‪ ،‬مَّم ا يجعُلنا‬
‫نفهُم هذا الجمهور على نحٍو أفضل‘‘‪.‬‬
‫كان للَّثورة تأثيٌر عميٌق في تأسيس شركة قبيلة‪’’ .‬أَّثر الربيع العربُّي بشكل كبير فَّي ؛ في الواقع استلَه مُت تأسيَس شركة قبيلة‬
‫من الثورة في مصر‪ ،‬وكان أَّول ڤيديو صَّورناه في ميدان التحرير‪ .‬أرانا الربيُع العربُّي الفجوة الهائلة في قطاع الإ علام‪ ،‬وقَّدم إلينا‬
‫الفرصَة أيًض ا في ذلك الوقت‘‘‪ .‬اعتَقدِت الشركُة أَّنه لم يكن هناك أَح ٌد‪ ،‬ولا حَّتى أٌّي منهم‪ ،‬يفهُم أساسَّيات الحقوق المدنَّية‬
‫والحكومة‪ .‬لذا نشَرِت الشركُة مقاطَع ڤيديو تعليمَّية‪ .‬وبحسب المرصد الإ علامِّي المحِّلّي ‪ِ ،‬م ْص ر اليوم‪’’ ،‬كان لاستخدام‬
‫الفكاهة واللغة البسيطة والرسوم المتحِّركة دوٌر كبيٌر في شِّد انتباه الشباب الذين صاروا مهتِّم ين بالسياسة مؤَّخ ًر ا‪ ،‬ولكَّنهم لم‬
‫يستطيعوا أن يفَه موا المصطلحات المستخَدمة في هذا السياق‘‘‪ .‬وكان هذا النموذج وطريقة التعبير هذه هما ما قَّدموهما‬
‫لاحًقا إلى المسِّوقين في جميع القطاعات‪.‬‬
‫كانت صابرين عاصم تدرُس للُح صول على شهادة الماجستير في الابتكار والتكنولوجيا في الجامعة الألمانَّية في القاهرة‬
‫قبل عاٍم من رؤيتها زملاَءها ينشرون الأسئلة والمشكلات على موقع إنوسينتيڤ (‪ ،)Innocentive‬المنَّص ة الكائنة في الولايات‬
‫المَّتحدة‪ ،‬وتعتمد على مشاركات الجمهور‪ .‬وكانت هذه المنَّص ة قد سمحت لأكثر من ‪ ٢٠٠.٠٠٠‬خبير في العلوم الصعبة‬
‫بَنشِر أسئلٍة حول البحث والتطوير‪ ،‬ونشر بحوٍث وتباُد ِل الآراء بشأنها‪ ،‬وهكذا بدأ تعُّلقها في هذه المنَّص ة‪ .‬قالت صابرين‪:‬‬
‫’’فِّكر في المشكلات التي ستحُّل في ِم ْص ر من خلال التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬وعبر التواصل مع الخبراء حول العالم‘‘‪ .‬قرَّرْت قبل‬
‫شهور من كتابة هذه السطور تأسيَس منَّص ٍة مماثلٍة عربَّية تحت اسم ’’فكرة‘‘‪.‬‬
‫ُولدت صابرين في مدينة الإ سكندرَّية المصرَّية‪ ،‬وكان والُدها مستشاًر ا في خدمات تكنولوجيا المعلومات‪ ،‬وريادًّيا في‬
‫سِّتينَّيات القرن الماضي عندما كان القليُل من المصرِّيين يعَلمون معنى هذه الكلمة‪ .‬تقول صابرين‪’’ :‬كان يريُد امتلاَك شركته‬
‫الخاَّص ة‪ ،‬لذا شَّج عني دائًم ا على إطلاق شركتي‘‘‪ .‬كان استخدام شقيقَتيها الَّنشط لمواقع التواصل الاجتماعِّي إضافًة إلى‬
‫زملائها في الجامعة هم َم ن ألهموها في مبادراتها لتمكين الشباب‪ .‬كانت صابرين من أَّول المعتنقين لفكرة مشاركِة‬
‫الجمهور‪ ،‬ومن المؤمنين بقَّوتها‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬لم يُكْن تأسيُس شركة ريادَّية بهذه السهولة‪’’.‬بشكل عاّم ‪ ،‬يصُع ُب الَع يش في‬
‫القاهرة وحيدًة‪ ،‬لأسباٍب ماِّد َّية وبسبب اعتقاد بعض الناس أَّنه لا يجوُز للمرأة أن تعيَش وحَدها‪ ،‬ناهيك بتأسيس شركة‬
‫جديدة‪ .‬لكِّني تعَّلمُت أَّن الأمَر الوحيَد الذي َيُه ُّم هو رسالتي التي تحمُلها شركتي‘‘‪.‬‬
‫حضَرْت هي أيًض ا واحدًة من فعالَّيات ’’أسبوع ريادة الأعمال‘‘‪ ،‬وتذُكُر أَح َد هذه الاجتماعات في مقهى ستاربكس عندما‬
‫لفَتْت بآرائها أنظار رفقائها ومنِّظمي الحدث‪’’.‬التقيُت امرأًة هناك وشاركُتها‪ ،‬ثَّم عدُت إلى القاهرة لَج ْم ع فريق من الطلبة‬
‫لتأسيس منَّص ة‪ ،‬ومعرفة ما إذا كان في ُوسعنا النجاُح في المرحلة التجريبَّية وَتوفير رأِي خبيٍر ُيلِّبي إحدى الاحتياجات‘‘‪ .‬أقنَع ْت‬
‫صابرين الجامعَة وهيئة الطاقة الحكومَّية بَنْش ِر أَح ِد المشاريع على منَّص تها‪ ،‬وحصَلْت على اقتراٍح من أَح ِد الأكاديمِّيين في‬
‫ِم ْص ر‪.‬‬
‫ولا شَّك أَّن قَّو َة وسائل الإ علام الاجتماعَّية في الشركات الناشئة في الشرق الأوسط لا تقتصُر على ِم ْص َر وحدها؛ فالشبكة‬
‫الاجتماعَّية الأردنَّية للقراءة أبجد‪ ،‬والمشابهة لموقع غودريدز (‪ ،)Goodreads‬هي أَّول شبكة من َنوعها بالُّلغَتين العربَّية‬
‫والإ نكليزَّية ُتتيُح لُع َّش اق القراءة أن يسِّج لوا فيها ويتشاركوا وَلَع هم بالكتب‪ ،‬كما يسُع هم أن يتواصلوا ويتبادلوا الآراَء حول أفضل‬
‫الكتب بعُض هم مع بعٍض‪ ،‬ومع المؤِّلفين والمدِّونين‪ .‬إيمان حيلوز‪ ،‬مؤِّس سة هذه الشبكة‪ ،‬هي مهندسُة برمجَّيات‪ ،‬حاصلة‬
‫على ماجستير في إدارة الأعمال وخبيرة في بحوث التسويق‪ .‬استطاع فريق العمل أن يؤِّس َس قاعدًة للبيانات لعناوين الكتب‬
‫العربَّية‪ .‬تعتقد إيمان أَّن هذه الشبكة ستحِف ُز الجمهوَر العربَّي على قراءة المزيد من الكتب وشرائها‪ .‬أخبَرتني إيمان‪’’ :‬من‬
‫الواضح أِّني موَلعٌة بالكتب‪ ،‬وقد أردُت منذ وقٍت طويٍل تأسيس شركٍة تتعَّلُق بالُكُتب‘‘‪ .‬عندما كانت تغِّطي أعمال شركة كي‬
‫پي أم جي (‪ )KPMG‬في الأردِّن والسعودَّية‪ ،‬سمَع ْت أَّن أويسس‪ ،٥٠٠‬حاضنة الأعمال الجديدة القائمة في عَّم ان‪ ،‬توِّفُر تدريًب ا‬
‫لمَّدة سَّتة أَّيام حول تأسيس شركة ريادّية‪’’ .‬كانت هذه نقطَة التحُّول في حياتي‪ .‬تعَّلمُت كيف ُأحِّوُل فكرتي إلى ُخ َّطِة عمٍل‬
‫حقيقَّية‪ .‬تقَّدمُت إلى شركة أويسس ‪ ٥٠٠‬للمنافسة في الحصول على تمويل‪ ،‬وربحُت استثماًر ا أَّولًّيا كي أبدأ في تأسيس‬
‫فكرتي‪ .‬كان هذا في أَّيار‪/‬مايو ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬وبدأِت المرحلُة التجريبَّيُة في الثامن عشر من َح زيران‪/‬يونيو‪ .‬ومنذ بداية ذلك‬
‫الأسبوع‪ ،‬كان لدَّي أكثُر من ‪ ١٥٠٠٠‬مشترك‪ ،‬ونحو ‪ ٢٥٠٠‬تعليق على الكتب من الجمهور‘‘‪ .‬أَّس سْت إيمان شركَتها‬
‫بمساعدة أشخاٍص مستقِّلين فقط‪ ،‬وستعمُل على زيادة استثمارها الأَّولّي ‪ .‬وكانت تأمُل أن تفتتَح مكتًب ا‪ ،‬وُتعِّيَن موَّظفين بدواٍم‬
‫كامل‪ ،‬وتوِّس َع العمل خارج الأردّن ‪ ،‬وتحِّق َق الأرباَح من خلال مبيعات الكتب والإ علان‪.‬‬
‫ابتسَم ْت إيمان وقاَلْت ‪’’ :‬علَّي أن أقوَل إِّني فخورة بَك وني سِّيدًة ريادَّية؛ لأَّن الريادة في العادة تكون موَّج هة إلى الرجال‬
‫عموًم ا‪ .‬أَّم ا الآن‪ ،‬بدأت النسبة تتغَّير بعد أن أَّس سِت العديد من النساء شركاٍت ناشئًة جديدة‪ ،‬ورَّبما أحصُل على فرٍص ُأخرى‬
‫من سِّيداٍت ريادَّيات؛ لأنهَّن يحببَن َدْع َم بعضهَّن بعًض ا‘‘‪.‬‬

‫يوٌم جديٌد من الحكاية‬


‫ليست أليكس طعمة المرأة الوحيدة في المنطقة التي طرقْت أبواب الريادة في التجارة الإ لكترونَّية في قطاع التجزئة‪ .‬عرَفُت‬
‫من تصميمها وطاقتها أَّن الأردنَّية ليندا الحَّل اق هي سِّيدٌة ريادَّيٌة عظيمة منذ أِن التقيُتها في اجتماع ومضة للتجارة الإ لكترونَّية‬
‫في الأردّن ‪ ،‬وكان من الواضح أَّن الريادة تتدَّفق في دمها أيًض ا‪ .‬ترعَرَعْت ليندا في السعودَّية حَّتى حرب الخليج الثانية‪ ،‬ثَّم‬
‫عادت إلى عَّم ان لدراسة إدارة المستشفَّيات‪ .‬عندما كانت في السابعة من عمرها‪ ،‬كانت تجمُع البقدونس في حديقة‬
‫جَّدتها وتغسله وُتزيُل عوالَقه‪ ،‬ثَّم تلُّفه داخل مناديل وتبيُع ه إلى جيرانها‪ .‬وعندما التحَق ْت بالجامعة‪ ،‬نَّظَم ْت أحزاًبا طَّل ابَّيًة‬
‫وأَع َّدت فعالَّيات للأطفال‪ ،‬وفي ما بعُد‪ ،‬في عام ‪ ،٢٠٠٤‬باشَرْت بإطلاق أَّول مجَّلٍة للسَّيارات في الأردِّن رغم أَّنها لا تملك‬
‫أدنى فكرٍة عن السَّيارات؛ لأَّنها لمَس ْت حاجًة في السوق إلى ذلك‪.‬‬
‫لكَّنها كانت قد أَّس سْت عام ‪١٩٩٨‬م بخمسين دولاًر ا وبمساعدة أختها حنان شركة هاند كرافتس (‪)Hand Crafts‬‬

‫لَتصميم الحرف اليدوَّية المعتمدة على الرسم وإنتاجها لأصدقائها وأقربائها‪ ،‬وقد نجحت شركتهما‪ .‬وبمرور الوقت‪ ،‬بدأتا‬
‫تتعَّرفان إلى نساء ُأخريات لديهَّن شركاُت مشابهة‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬تأَّلفْت شبكٌة تضُّم ألف امرأة حرفَّية تعمُل من منزلها‪ .‬ثَّم‬
‫نَّظمْت نحو ‪ ٦٠‬معرًض ا وبازاًر ا مفتوًح ا للحرفِّيين المحِّلِّيين‪ ،‬بحيُث َح َض ره أكثُر من ‪ ٢٠٠.٠٠٠‬شخٍص على مدى السنوات‪.‬‬
‫كَّن يعَلْم َن أَّنه بقليل من التكنولوجيا الحديثة سيتمَّكَّن من تأسيس متجٍر إلكترونٍّي على الإ نترنت سُيسهُم في نشر الفكرة في‬
‫جميع أنحاء الشرق الأوسط‪.‬‬
‫تأَّس سْت شركة فيرست بازار (‪ )Firstbazaar.com‬في شهر آذار‪/‬مارس عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬وذلك لَر ْبِط المصِّم مين والحرفِّيين‬
‫الذين يعَم لون في المنازل بالعملاء الراغبين في الحصول على ِقَطٍع فريدٍة وجميلة من منتجات الِح َرف اليدوَّية‪ .‬قالت لي‬
‫ليندا‪’’ :‬نحن نوِّفُر لمئاِت الآلاف من الناس‪ ،‬وأغلُبهم من النساء‪ ،‬بَّو ابًة لَعْرِض المنتجات دون الحاجة إلى الخدمات‬
‫الُّلوجستَّية والتحويلات المالَّية وارتفاع تكاليف استئجار المحاِّل التجارَّية‪ .‬ما كان لهؤلاء أن يحَظيَن بالفرصة للتواصل بعُض هَّن‬
‫مع بعٍض َلولا ما ُقْم نا به‘‘‪ .‬تشِّكُل ثلاثة عشر عاًم ا من العمل في مجال َبيع الحرف اليدوَّية عائًقا أماَم البعض للانتساب إلى‬
‫منَّص ة إلكترونَّية‪ .‬تقول ليندا‪’’ :‬لدينا المعارف‪ ،‬والمعرفة الكافية في كيفَّية الُوصول إلى الحرف اليدوَّية وترويجها‪ ،‬وكيفَّية َخ ْلق‬
‫الوعي بهذه الِح َرف‪ .‬نحن نساعد َم ن يريُد الشراَء أو البيع في الحصول على ما يبحث عنه بالَّتحديد‘‘‪.‬‬
‫فاقت رؤية ليندا وحنان الحدوَد وذلك عبر مساعدة موَّظَفين بدواٍم جزئٍّي واثَنين آخَرين بدوام كامل‪ ،‬وفريق من المتدِّربين‪.‬‬
‫كانتا فخورَتين جًّدا عندما زاَرِت الملكُة رانيا البازارات الخاَّص ة بهَّن في العام الماضي‪ ،‬وقد أبَد ِت الملكُة إعجاَبها بجودة‬
‫منتجاتهما‪ ،‬مَّم ا ألهمهما بالتوُّس ع عالمًّيا‪ .‬تقول ليندا عن ُخ ططها المستقبلَّية‪’’ :‬سنوِّس ُع أعماَلنا في العام المقبل‪ ،‬علًم ا أَّننا‬
‫حَّققنا مبيعاٍت على مستوى دولّي ؛ لأَّن الإ نترنت عالمَّيٌة بطبيعتها‘‘‪ .‬صاَر لديهما الآن أكثُر من ‪ ٢٠٠‬مصِّم ٍم يقِّدمون أكثَر من‬
‫‪ ٣.٠٠٠‬منَتٍج فريٍد معروٍض على الإ نترنت‪ ،‬و‪ ٥٠.٠٠٠‬شخص زاروا الموقَع الشهَر الماضي‪.‬‬
‫حرصت ليندا وحنان على مساعدة مجتمعهما‪ ،‬إذ قالت لي ليندا‪’’ :‬في عام ‪٢٠١٠‬م‪ ،‬أَّس سنا منَّظمة هاندز أدڤوكاسي‬
‫(‪ ،)Hands Advocacy‬وهي منَّظمة غير ربحَّية توِّفر منَّص ًة للنساء الريادَّيات الَّل اتي يعمْلَن من منازلهّن ‪ ،‬والراغبات في تأسيس‬
‫شركاٍت خاَّص ٍة بهَّن ‘‘‪ .‬وتقِّد ُم المنَّظمة أيًض ا النصائح السِّرَّية‪ ،‬وتسِّهُل تواصلهَّن مع المرشدين‪ ،‬وتوِّفُر الإ رشاد لهَّن للَّتأثير في‬
‫سياسِة بيئِة تأسيس الأعمال ونمِّوها‪’’ .‬رؤيتنا هي تمكين المرأة العاملة على الصعيد الوطنِّي لَتحقيق الأمن الاقتصادّي ‘‘‪.‬‬
‫ُولدت رشا خوري في لندن لأَبوين لبنانَّيين من أصٍل ِفَلسطينّي ‪ ،‬وترعَرَعْت في نيويورك‪ ،‬ودرسْت في جامعَت ي براون (‪)Brown‬‬

‫وإنسيد (‪.)INSEAD‬‬
‫لم يتزعَزْع حُّبها للمنطقة والتزاُم ها ُتجاهها َقّط ‪ .‬تتذَّكُر رشا‪’’ :‬عندما كنُت في جامعة إنسيد‪ ،‬أدركُت أِّني أريُد َد ْمَج‬
‫اهتمامي في قطاع التجزئة مع حِّبي للشرق الأوسط‪ .‬توَّص لُت من خلال بحثي أَّن سوَق الإ نترنت تخلو من موقع لَب يع السلع‬
‫الفاخرة‪ ،‬لا سَّيما تلك الموَّج هة إلى المنطقة‪ .‬وعلمُت حينها أَّن هذه فرصٌة عظيمٌة يجب اغتناُم ها لابتكاٍر جديٍد ومثير‘‘‪.‬‬
‫تأَّس س موقُع دي آي إيه ستايل (‪ )DIA-Style.com‬قبل عاَم ين ليكوَن محَّطًة للتسُّوق الفاخر عبر الإ نترنت في الشرق‬
‫الأوسط‪ .‬نظًر ا إلى تنُّقلاتها ما بين لندن وبيروت‪ُ ،‬تقِّد ُر رشا حجَم فرصتها هذه وسرعتها وطبيعتها العالمَّية‪ .‬كان استخداُم‬
‫الإ نترنت في عام ‪٢٠١٠‬م هائًل ا في الشرق الأوسط‪ ،‬وكذلك زاَد ْت ثقُة المستهلك في التسُّوق عبر الإ نترنت‪ ،‬وقاَلْت رشا‬
‫أيًض ا‪ِ’’ :‬ص ْرنا الموقَع الوحيد الذي يقِّدم إلى المرأة بالُّلغتين العربَّية والإ نكليزَّية مجموعًة شاملًة من أحدث الأزياء الجاهزة‬
‫والإ كسسوارات الموسمَّية والحديثة‘‘‪ .‬من المثير للَّدهشة أَّن العلامات التجارَّية الرائدة والفاخرة في التجارة الإ لكترونَّية مثل‬
‫رالف لورين (‪ ،)Ralph Lauren‬وَبر ِبري (‪ )Burberry‬لا تملُك مواقَع على الإ نترنت بالُّلغة العربَّية‪ ،‬بل ترِّكَز جهوَد ها على اللغات‬
‫الأوروپَّية والصينَّية واليابانَّية‪ ،‬وتعتقُد رشا أَّنها تخسُر نحو سبعة مليارات دولار في سوق الشرق الأوسط‪ُ .‬يعُّد موقُع دي آي إيه‬
‫ستايل أكثر من مجَّرد موقع للتجارة الإ لكترونَّية‪ ،‬فهو يساعُد عَّش اق الأزياء والموضة على اختيار أفضل الخيارات التي تناسُبهم‬
‫عبر توفير أدوات التصميم التفاعلَّية التي تمِّكُن المستخِد مين من ابتكار التصميم الخاِّص بهم مثل لوح المزاج (‪Mood‬‬

‫‪ )Board‬واختبار لايفستايلايزر (‪ ،)Lifestylizer Quiz‬بحيث يمكُنهم مشاركُتها مع أصدقائهم وتلِّقي الملاحظات عليها‪.‬‬
‫تشعُر رشا بالَفخر ِببناء منشأة تجارٍة إلكترونَّية ذات قاعدة واسعة في الشرق الأوسط‪ .‬تقول هنا‪’’ :‬إَّننا بطريقٍة ما نعطي‬
‫َص وًتا للموضة‪ ،‬فُيعَّبر فيه عن منطقة ما تزال تحاول العثوَر على صوتها السياسِّي والاجتماعّي ‘‘‪ .‬وتعتقد رشا مضيفًة ‪’’ :‬إَّن‬
‫أعمال المنشأة مترابطٌة بشكل وثيق في جميع أرجاء الشرق الأوسط‪ ،‬فالمترجمون لدينا في لبنان‪ ،‬والمطِّورون في ِفَلسطين‪،‬‬
‫وشركة التسويق التي نتعامل معها في السعودَّية‪ ،‬وشركة العلاقات العاَّم ة مقُّرها دبي‪ .‬لا يخفى على أَح ٍد أَّن العمَل في المنطقة‬
‫خلال فترة التغيير هذه تبعُث على الحماس‘‘‪.‬‬

‫إَّن كَّل قَّص ٍة من قصص هؤلاء النسوة الرائعات متجِّس دة في رندة الأُّيوبي؛ فمنَّص تها المتعِّددة الوسائط ذات المحتوى الذي‬
‫يمكن استخدامه سواء كان المرء مشبوًكا على الإ نترنت أم لا‪ُ -‬تعُّد من أبرز شركات الإ نتاج في العالم‪ .‬تأَّس ست مجموعة‬
‫روبيكون القابضة في عَّم ان في النصف الثاني من تسعينَّيات القرن العشرين‪ .‬وتضُّم أكثَر من ‪ ٥٠٠‬موَّظف يعَم لون من عَّم ان‬
‫ودبي ومانيلا وكاليفورنيا‪ ،‬وتقَّدر قيمتها بأكثر من ‪ ٢٠٠‬مليون دولار‪ .‬وتتمَّتع روبيكون بشراكاٍت مع وسائل إعلام عالمَّية مثل أم‬
‫جي أم (‪ ،)MGM‬وسوني (‪ ،)Sony‬وتيرنر برودكاستينغ (‪ .)Turner Broadcasting‬استطاَع ِت الشركُة أن تبتكَر محتًوى وصوًر ا‬
‫مطَّورة على الحاسوب يمكن استخداُم ها على التلفاز والإ نترنت‪ ،‬وفي مجالات متنِّوعة مثل الترفيه‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والتدريب‪ .‬وهناك‬
‫ُخ َّطٌة لافتتاح متنَّزه أستراريوم (‪ )Astrarium‬على البحر الأحمر في المدى القريب‪ ،‬وبتكلفة مقدارها مليار دولار‪ .‬كُّل تلك‬
‫التجارب والخبرات التي شِه َدْتها من هذا الجيل‪ ،‬قالت لي رندة وهي تبتسم‪’’ :‬في عام ‪ ،١٩٩٤‬لم يكن في الأردِّن ريادُّيون‬
‫سوى فادي غندور‪ ،‬ولم يكن هناك نظاٌم للتحُّكم في الَّنسخ الإ لكترونّي ‪ ،‬ولا حَّتى ثقافة الشركات الناشئة‪ .‬وكانت فكرة‬
‫التكنولوجيا الرقمَّية غريبًة على معظم الناس‘‘‪ .‬نظرْت خارًج ا عبر نافذة مكتبها‪ ،‬وطلَب ْت إلَّي بكِّل هدوء أن أنظَر إلى كاَّفة‬
‫السَّيارات المركونة في المواقف‪ ،‬وتلك التي تسير في شوارع عمان الصاخبة‪’’ .‬إَّنك تعتقد أَّن هذا «أمٌر هائل»‪ ،‬غير أَّن عليك‬
‫أن تدرَك أَّن معظَم الأطفال الذين تتحَّدُث إليهم اليوَم لم يحُلموا بامتلاك سَّيارة‪ ،‬مع أَّن ذلك كان ممكًنا‪ .‬بالنسبة إلى الرجال‬
‫والنساء الذين تقابُلهم‪ ،‬فإَّن العامَل الحاسَم ليس السياسة‪ ،‬بل القدرُة على تنفيذ أفكارهم؛ فُه م يَر ون النجاح‪ ،‬ويَر ون أَّن هذه‬
‫السَّيارات وغيرها ُخ لَقت من أفكارهم الخاَّص ة‪ ،‬وهذا يبُّث فيهم القَّوة لمعرفة أَّنهم يستطيعون فعَل الشيء ذاته‪ .‬ما يَر ونه الآن‬
‫هو أَّنهم قادرون على قيادة مستقبلهم بأنفسهم‘‘‪.‬‬
‫تؤمُن رندة بأَّن ما مَّرت به‪ ،‬بالُّرغم من كِّل التحِّديات التي صاحبْتها َك وَنها الوحيدة‪ ،‬كان ُيعُّد سهًل ا بالمقارنة بنساٍء‬
‫ُأخَريات‪ ،‬ليس فقط بوصفها امرأًة‪ ،‬بل بوصفها ريادَّيًة أيًض ا‪ .‬عاشت في مرَكٍز عالمٍّي إلى حٍّد بعيد‪ ،‬حيث تأتي النساء من‬
‫الجامعة على الأقِّل للانضمام إلى القوى العاملة‪ ،‬وكانت عائلُتها داعمًة جًّدا‪ .‬لكَّنها تدرُك أَّن الشرق الأوسط صار على مفترق‬
‫طرق‪ .‬حَّدثتني قائلة‪’’ :‬ليس لهذا أُّي شأٍن بالقانون أو الدين‪ ،‬بل هو متعِّلٌق بالتصُّورات الثقافَّية عن الأمور التي يمكن للمرأة‬
‫القيام بها هنا‪ .‬لن ُيغِّير هذا كُّله إَّلا المعرفة والخبرة‘‘‪.‬‬
‫وعندما سألُتها عن رأيها في مقولة إَّن ’’النجاح يوِّلد نجاًح ا آخر‘‘‪ ،‬أجابت رندة‪’’ :‬بالَّتأكيد‪ .‬إن كان لدينا ‪ ١٠‬أو ‪ ١٥‬أو ‪٢٠‬‬
‫مثاًلا على أٍّي من مخاوفنا‪ ،‬فإَّن المجتمَع سيتغَّير‪ .‬ولكِّني أظُّن أَّن على أصحاب الأعمال تحديد توُّقعاتهم الخاَّص ة عن‬
‫أنفسهم‪ .‬يجب أن تكون التحِّديات في السوق هي آخَر مخاوفهم‪ ،‬وأن يجَع لوا المثابرَة طريَقهم‪ .‬ولكْن عادًة ما ُيطرُح هذا‬
‫السؤال‪ :‬كيف أحِّق ُق التوازَن ما بين حياة العمل والحياة اليومَّية؟ وتكون إجابتي َد وًم ا أَّن هذه أسطورة؛ فلا أَح َد يستطيُع‬
‫ذلك‘‘‪.‬‬
‫ثَّم تابَع ْت مشيرًة إلى أَّن نساَء المنطقة اليوم يُقِّدمَن ِخ ياراٍت حقيقَّيًة حول ما إذا كَّن يرغبَن في العمل أم البقاَء في المنزل‬
‫أو دمج الأمَرين مًع ا‪’’ .‬ولكْن عندما ندرُك فكرَة أَّننا لسنا بشًر ا خارقين‪ ،‬بل لدينا آفاٌق واسعة‪ -‬أسافر اليوم أو هذا الأسبوع‪ ،‬وغًدا‬
‫أو الأسبوع المقبل‪ ،‬وأحضُر الأنشطَة في مدرسة أطفالي‪ -‬عندها يتحَّقق التوازن‘‘‪.‬‬
‫توافق سلوى كاتخودا رندة رأيها‪ .‬وسلوى هي مديرة الاستثمار في أوسيس ‪ ،٥٠٠‬وهي متحِّم سٌة لما تراه يومًّيا عبر المشهد‬
‫المحِّلِّي والإ قليمِّي والعالمِّي من شركات ناشئة تقوُد ها النساء في الشرق الأوسط‪ .‬إَّنها تجُلب رؤيًة واسعًة كونها صارت محِّللًة‬
‫مالَّيًة دولَّية‪ ،‬ومستثمرًة أردنَّية‪ ،‬وهي مؤِّس سٌة لمرَكز دولٍّي للياقة البدنَّية للأطفال‪.‬‬
‫’’تواجه النساء تحِّدياٍت كبرى كالتحُّيز للُّذ كور‪ ،‬والعثور على التوازن المطلوب في أسلوب الحياة‪ ،‬وترسيخ نماذَج محدودٍة‬
‫للأدوار‪ ،‬والحِّد من الُوصول إلى أساسَّيات الحياة مثل نظام نقٍل جِّيد‪ ،‬لكْن زاَد ِت الإ نترنت من فرصنا‪ ،‬حيث ُس مَح بالمزيد‬
‫من ِخ يارات العمل المرنة (العمل المستقّل ‪ ،‬والعمل من بعد‪ ،‬والعمل من المنزل)‪ .‬يتطَّلُب العمُل عبر الإ نترنت رأس مال أقَّل‬
‫بكثير‪ ،‬ويسمُح للمرأة بأن تمتلَك عمَلها الخاّص ‪ .‬وتكون كاَّفة أنواع المصادر تحت يديها مَّج اًنا أو بثمٍن زهيد‘‘‪.‬‬
‫أجابت رندة عن استفساراتي بإيجاز‪’’ :‬لا يتعَّلق هذا بالِّرجال‪ .‬إَّن السلوَك السِّيئ هو سلوٌك سِّيٌئ فحسب‪ ،‬وعلينا جميًع ا‬
‫التخُّلص منه‪ .‬ولكَّن علينا الاعتراَف أَّننا مختلفون‪ ،‬ولدينا مشاعُر وخبراٌت مختلفة‪ ،‬حَّتى في طريقة السير‘‘‪ .‬توافُق رندة على ما‬
‫قاله لي معظم المؤِّس سين بطريقٍة ما‪’’ :‬إَّن هذه الفروقات وطريقة تعاُم ِلنا معها هي سبُب َكوننا أصحاَب شركاٍت جِّيدين‬
‫وفَّع الين‘‘‪.‬‬
‫الفصل الثامن‬

‫الِّديُن وَد وره في‬


‫بيئات الأعمال الريادَّية‬

‫في إحدى الأمسَّيات في الجزء التاريخِّي العريق من منطقة الزمالك في القاهرة‪ ،‬كنُت أتناوُل العشاء مع صديقي الريادِّي في‬
‫قطاع التكنولوجيا في ِفناء الفندق الخارجِّي الذي ُيطُّل مباشرًة على نهر النيل‪ .‬وكانت المباني تتأَّلُق تحت الأضواء‪ ،‬والقوارب‬
‫السياحَّية أو تلك الخاَّص ة بالشحن تعبُر النهر‪ .‬كنُت أستمُع إلى َص وت الموسيقا التقليدَّية ُتعَزُف خلَفنا‪ ،‬وكأَّنها تحمُل معها‬
‫رائحة الخبز المصرِّي الطازج الذي يخبُزه أَح ُدهم في مطبخ مفتوح‪ .‬كان صديقي يملُك العديَد من الأفكار والتساؤلات‬
‫أيًض ا‪ ،‬وكان عازًم ا على اكتشاف الفرص التي ُتتيُح ها التجارُة الإ لكترونَّية في المنطقة‪ .‬تحَّدثنا بشأن التكنولوجيا والأعمال‬
‫لساعاٍت عَّدة‪ .‬وحين هَمْم نا بالمغادرة‪ ،‬شكَرني على نصائحي‪ ،‬إَّلا أِّني كنُت واثًقا بأِّني تعَّلمُت من حواري معه أكثَر مَّم ا قد‬
‫يكوُن تعَّلم هو‪.‬‬
‫وفي الصباح التالي تناوْلُت الفطور مع أَح ِد المستثمرين لديه‪ ،‬فحَّياني قائًل ا‪’’ :‬لن أتمَّكَن من شكرك بالقدر الكافي على‬
‫الوقت الذي أمضيَته معه؛ فهذا ساعَده حًّقا على التفكير وتوسيع أفقه‪ ،‬ليس فقط بأفكاٍر لعمله الخاّص ‪ ،‬بل في الطريقة التي‬
‫ينظُر فيها إلى الأميركِّيين أمثالك‘‘‪ .‬توَّقَف عن الحديث وابتسم ابتسامًة عريضًة ثَّم سألني‪’’ :‬هل كنَت تعرُف أَّنه َس َلفّي ؟‬
‫وللأسف هو أيًض ا كان يعتقد أَّنك سُتمضي الأبدَّية في جهَّنم‘‘‪.‬‬
‫أجبُت مازًح ا أَّنه بطبيعِة نشأتي على العقيدة الكاثوليكَّية بصفتي أميركًّيا من أصوٍل إيطالَّية‪ ،‬فهذه أَّول مَّرة يصل فيها أحٌد‬
‫إلى هذا الاستنتاج بشأن أبدَّيتي! إَّلا أَّن ملاحظَته تلك‪ ،‬وإن كانت على سبيل المزاح‪ ،‬رسخْت في ذهني‪ .‬لم أشعر‬
‫بالإ هانة‪ ،‬فللأسف‪ ،‬لم أعد أحسُب نفسي جزًءا من أِّي نظام دينّي ‪ .‬كما أِّني فهمُت أَّن معظَم المسلمين لا يوافقون مع‬
‫الَّنهج السلفِّي الصارم والمتحِّفظ؛ ولم يكن في ُوسع المستثمر أو في ُوسعي أن نعرَف ما كان يفِّكُر فيه الريادُّي لدى‬
‫مغادرته‪ .‬إَّلا أَّن هذا جَع َلني أفِّكُر ملًّيا في الكيفَّية التي صار بها الِّدين جزًءا من أِّي حواٍر يتعَّلُق بالشرق الأوسط في الولايات‬
‫المَّتحدة‪ ،‬حَّتى إْن كان مجاَل الأعمال والشركات الناشئة‪.‬‬
‫عندما أتحَّدُث مع أصدقائي في الولايات المَّتحدة بشأن تجاربي في الشرق الأوسط‪ ،‬يبرُز سؤاٌل عَّم ا إذا كان التوُّتر الِّدينُّي‬
‫والخلافات الطائفَّية تشِّكُل تحِّد ًيا في نهضِة بيئاِت أعماٍل ناشئٍة ومتكاملة في العالم العربّي ‪ .‬في حين لم يسألني أٌّي منهم‬
‫عن مدى تأُثر بيئات الأعمال في الهند بالهندوسَّية أو في إسرائيل باليهودَّية‪ ،‬ومَّم ا يثيُر الاهتمام أَّن هذا السؤال يبدو انتقائًّيا‬
‫حَّتى نحو الدول ذات الغالبَّية المسلمة‪ .‬فقَّلما يكون الِّدين َم وضع اهتماٍم عندما أتناوُل مثًل ا أسواق النمِّو الكبرى في تركيا أو‬
‫ماليزيا أو إندونيسيا‪ ،‬والتي تضُّم غالبَّيًة مسلمًة وتقاليَد إسلامَّية‪ .‬ولم أقابل في حياتي مستثمًر ا في رأس المال يترَّد د في‬
‫الاستثمار في فكرِة أَح ِد الريادِّيين في الولايات المَّتحدة أو خارجها بسبب المعتقدات‪.‬‬
‫وقد أميُل إلى تجاُه ل مسألة الِّدين تماًم ا في هذا الكتاب‪ .‬فهو موضوٌع غنٌّي ومعَّقٌد وحَّس اس‪ ،‬وأنا لست عالَم لاهوٍت أو‬
‫خبيًر ا في العلوم الِّدينَّية‪ .‬إَّلا أَّن هناك ثلاثَة تساؤلات أرغُب في بحثها في نهضة الشركات الناشئة في المنطقة‪ :‬أَّولها‪ ،‬يسألني‬
‫الناس في الولايات المَّتحدة بشكٍل متكِّرر حول الإ سلام في العالم العربّي ‪ ،‬وأريد أن أعرَف لماذا يسألون عن ذلك‪ .‬ثانًي ا‪،‬‬
‫الِّدين هو الإ طاُر الذي يحكُم ليس فقط الحياَة اليومَّية في الشرق الأوسط‪ ،‬بل هو أيًض ا محوٌر مهٌّم في الصراع التاريخِّي‬
‫والسياسّي ‪ ،‬لذا أردُت أن أفهَم ما قد يكوُن أثُر الإ سلام في بيئات الأعمال‪ .‬وأَّم ا ثالًثا‪ ،‬فقد أردُت معرفَة ما إذا كانت الشركات‬
‫الناشئُة تنطلُق نتيجَة التأثيرات الِّدينَّية‪.‬‬
‫ولعَّل السبَب في سؤال الكثيرين في الولايات المَّتحدة عن الإ سلام هو ليس فقط عدم معرفة الكثير عنه‪ ،‬بل أيًض ا نتيجة‬
‫التفكير المعاصر حول الشرق الأوسط والذي نشأ بعد هجمات ‪ ١١‬أيلول‪/‬سپتمبر‪ .‬قال لي مراسٌل في إحدى قنوات التلفزيون‬
‫اللبنانَّية‪’’ :‬إَّن الإ سلام في الغالب هو حول الصلاة والاحتجاج والإ رهاب الذي تَر ونه على القنوات الإ خبارَّية‘‘‪ .‬وقد بَّررْت أقِّلَّيٌة‬
‫تلك الأعمال الإ رهابَّية التي قامت ِباْس م الإ سلام‪ ،‬مَّم ا جعَل الكثير من الأميركِّيين يعتقدون أَّنها لغة الإ سلام حًّقا‪ .‬وفي‬
‫الحقيقة‪ ،‬أنا أشُّك أَّن عدًد ا قليًل ا جًّدا من الأميركِّيين يسَع ون إلى َفْه م الحقائق‪ .‬كتبُت في إحدى المقالات التي نشرتها‬
‫صحيفة واشنطن پوست‪ ،‬حول إحدى المسائل المتعِّلقة بذلك‪ ،‬وقد أدهَش ني عدُد الأشخاص الذين قابلُتهم في الولايات‬
‫المَّتحدة‪ -‬لَتغطية جوانب سياسَّية واقتصادَّية‪ -‬الذين لا يشعرون بالاطمئنان للَخ وض في نقاش حول الِّدين الإ سلامّي ‪ .‬فهم‬
‫يتكَّلمون بتعاطٍف عن أهِّمَّية التسامح الِّدينّي ‪ ،‬وعن فصل الِّدين عن الدولة‪ ،‬وعن حقوق الإ نسان‪ .‬إَّلا أَّن هناك نبرَة َر ْفٍض‬
‫وترُّدًد ا عندما يتعَّلُق الأمُر بمدى ارتباِط الإ سلام بهذه الأسس‪.‬‬
‫أَّكد أَح ُد المسوحات الذي أجَر ْته مؤَّس سة چالوپ (‪ )Gallup‬هذه الحقيقة‪ ،‬فقد أظهرت الدراسة أَّن ‪ ٪٤٣‬من الأميركِّيين‬
‫يعترفون أَّن لديهم شعوًر ا ضئيًل ا بالتحُّيز ضَّد المسلمين‪ ،‬مقابل ‪ ٪١٨‬يقولون الأمَر ذاَته عن المسيحِّيين و‪ ٪١٥‬عن اليهود‪ .‬وما‬
‫يقرُب من ثلُث الأميركِّيين يقولون إَّن رأَيهم في الإ سلام ’’غير إيجابٍّي بشَّدة‘‘‪ .‬وقد حَّلل هذا التحُّيَز ڤالي نصر‪ ،‬عميد كِّلَّية‬
‫الدراسات الدولَّية المتقِّدمة لدى جامعة جون هوپكنز‪ ،‬وخبيٌر في شؤون الشرق الأوسط‪ ،‬موضًح ا‪’’ :‬يشعر المجتمع الأميركُّي‬
‫بحاجة إنسانَّية إلى َفْه م المزيد عن الإ سلام‪ ،‬وإزالة الغموض عن جوانَب عديدة تتعُّلق به‪ ،‬بمعزٍل عن التسميات السياسَّية‬
‫المتعارف عليها دولًّيا‘‘‪.‬‬
‫وخلال سعيي الشخصِّي إلى َفْه م المزيد عن الإ سلام‪ ،‬أدركُت أَّن الإ سلاَم ليس قطعًة صلبًة يتمَّس ُك بها الأفراد؛ فكما‬
‫هي الحال في كِّل الأديان نجُد أَّن كاَّفة المجتمعات المسلمة حول العالم‪ ،‬يجُد الناس أَّن ديَنهم هو أساُس ُه ِوَّيتهم‪ .‬بينما‬
‫لا يجُده آخرون الإ طاَر الوحيَد الذي يحِّد ُد جوانَب حياتهم‪ .‬وحَّتى أولئك الذين يجدونه أساَس حياتهم‪ ،‬فإَّن تفسيَر ذلك‬
‫واسع جًّدا‪ .‬وقد رأيُت هذا بُوضوح عند الذين شرحوا لي مفهوَم النفوذ (الواسطة) وأهِّمَّيته في الجامعة الأميركَّية في بيروت‪.‬‬
‫فهم يشعرون بالإ حباط حين يكون السؤال الأَّول الذي يوِّج هه إليهم زملاؤهم في الدراسات العليا في الجامعة‪’’ :‬ما الطائفة‬
‫التي تنتمي إليها؟‘‘ أخبَرني أَح ُد الطلبة قائًل ا‪’’ :‬رغم أَّن والدَّي عاشا في لبنان خلال الحرب الأهلَّية حين كانت الطائفة هي‬
‫كَّل شيء‪ ،‬فإِّني لم أفِّكْر في إطار تلك المفاهيم بتاًتا‪ .‬إَّلا أِّني كنُت أعلُم ما يخِّلُفه هذا السؤال‪ ،‬فإجابتي ستمِّكُنهم من‬
‫تحديد الفئة التي سُيصِّنفوني ضمنها في عقولهم‪ .‬أنا أحُّب ديني وأحُّب َم ن أكون‪ ،‬إَّلا أِّني أرفُض أن ُأصَّنَف ضمن فئاٍت‬
‫َو فَق مفاهيم الآخرين‘‘‪.‬‬
‫وفي إطار التأثير في بيئات الأعمال الناشئة‪ ،‬كان المستثمر في رأس المال أحمد الألفي نقطَة بدايٍة مهَّم ًة لَر ْبط الأفكار‪.‬‬
‫أحمد الألفي من أصٍل ِم ْص رّي ‪ ،‬وهو شخٌص يلتزُم ديَنه ويفتخر بالسنوات التي أمضاها في الولايات المَّتحدة‪ ،‬وما اكتسَب ه‬
‫هناك‪ .‬تناَو ْلنا الفطور في منهاتن خلال قَّم ة الحملة الرئاسَّية عام ‪٢٠١٢‬م‪ .‬وناَقْش نا الدوَر الأساسَّي للِّدين والمعتقدات في كِّل‬
‫الاِّتفاقَّيات السياسَّية الأميركَّية‪ .‬فقد كانت المسيحَّية هي المحوَر الأساسَّي لخطابات الجمهورِّيين‪ ،‬وكان الديموقراطُّيون‬
‫ُيضطُّر ون إلى التراُج ع إذا ُس ِح َب ِت الإ شارُة إلى الله من منبرهم الحزبّي ‪ .‬فسألُته عن رأيه بالأميركِّيين الذين ُيسيئون َفْه َم الإ سلام‬
‫في منطقة الشرق الأوسط‪.‬‬
‫أجاَب ببعض الاقتضاب‪ ،‬وقال‪’’ :‬كان واضًح ا لي في كِّل حياتي أَّن الإ سلاَم في َج وهره وأميركا أمٌر رائٌع حًّقا‪ .‬فكُّل قيمٍة‬
‫من الِق َي م الأميركَّية المثالَّية والأساسَّية‪ -‬مثل التفُّرد والمساءلة الفردَّية واستبعاد الكذب والغِّش والسرقة‪ -‬كُّلها َم وجودة‘‘‪ .‬فنظرُت‬
‫إليه بُفضول فأوضح قائًل ا‪’’ :‬ليس هناك شٌّك أَّن الإ سلاَم هو َم وضُع َج َد ٍل وسيتواَص ُل الجدل حوله‪ .‬فلا يوجُد في الإ سلام ما‬
‫يساوي «البابا» بوصفه مرجًع ا دينًّيا واضًح ا تماًم ا‪ .‬والمسؤولَّية تقع على الفرد في علاقاته بعائلته ومجتمعه المحِّلّي ‪ .‬فالإ سلاُم‬
‫هو أَح ُد الأديان القليلة حيث تكوُن العلاقُة بينك وبين رِّبَك مباشرًة‪ ،‬دون وسيط‪ ،‬حَّتى لو حاوَل البعُض اِّد عاَء غير ذلك‪.‬‬
‫َز وجتي دائًم ا تحِّدُث الأطفال بشأن يوم الحساب‪ ،‬والكتاب الذي يحمل أعمال المرء فقط وليس غيره‪ -‬لا دين ولا شيوخ‪.‬‬
‫الأمر كُّله يتعَّلُق بالمرء وحَده‘‘‪.‬‬
‫ثَّم أوَض َح المبدأين الاقتصادَّيين الأساسَّيين في التعاملات التجارَّية الإ سلامَّية‪ .‬الأَّول يدافُع عن حقوق الملكَّية الفردَّية‪،‬‬
‫ويشرح الألفي‪’’ :‬ما أملُكه هو لي‪ ،‬ولا يمكُن أن يستولَي عليه ُح كٌم أو حكومة‪ .‬فهو بحماية القانون الإ لهّي ‘‘‪ .‬أَّم ا الثاني فهو‬
‫’’الرضى‘‘ والذي يتطَّلُب موافقًة صريحًة من الطرَفين كَليهما‪ ،‬وهو مبدأ يدافُع عن حِّرَّية التجارة حَّتى في أبسط أشكال‬
‫التعاُم لات‪ .‬ويواصل الألفي حديَثه قائًل ا‪’’ :‬إَّلا أَّن ما لا يفهُم ه الكثيُر من الناس هو أَّن «الرضى» يعني أيًض ا قناعَة كلا‬
‫الطرَفين‪ .‬فيلتقي كُّل المعنِّيين بشكل كامل على فكٍر اقتصادٍّي تحُّررّي ‪ .‬إْن كانت لدَّي أمنية في ما يخُّص الحكومات في‬
‫المنطقة‪ ،‬مهما كان توُّج ههم‪ ،‬فهي أن يعِّززوا ببساطٍة تلك المبادئ المالَّية الإ سلامَّية الأساسَّية‘‘‪.‬‬
‫وترَك عندي هذا كُّله سؤاًلا ملًّح ا‪ .‬إَّن أكثَر بيئات الأعمال نجاًح ا وإبداًع ا تتطَّلُب الشفافَّية‪ -‬والقدرة على التشكيك في‬
‫النماذج‪ ،‬والانفتاح لتبِّني وجهاِت نظٍر وآراٍء متنِّوعة‪ .‬فإذا بدا أَّن الحكوماِت في الشرق الأوسط تطالُب بنظاٍم هرمٍّي دينّي ‪ -‬وهو‬
‫نظاٌم لا يمكن أن يرتقَي دون الانخراط في الأحزاب‪ -‬وفي حال قوبَلت وجهات النظر البديلة بالجمود والصرامة التي تُح ُّد من‬
‫مساهماِت القطاعات المجتمعَّية الكبرى والموهوبة مثل النساء‪ ،‬فكيف يمكن للريادِّيين تحقيُق الازدهار؟‬
‫ويرى السِّيد هاني السنباطي‪ ،‬شريك الألفي‪ ،‬أَّن هذا الأمَر هو إحدى المسائل المرَك زَّية التي يتصارُع معها الشرق الأوسط‬
‫اليوم‪ ،‬فيقول‪’’ :‬نحن نتحاوُر حول المسائل الفكرَّية المستقبلَّية أقَّل من غيرها‪ ،‬مثل ما نحتاج إليه أو نريُده من منشآتنا وبيئات‬
‫أعمالنا‪ .‬فغالًب ا ما نتوَّقُف عند عامَلين هما‪ :‬نظرتنا العالمَّية التي تقوُد رغبَتنا دائًم ا في الَّنظر إلى الماضي‪ ،‬وتجُّنب الأسئلة التي‬
‫لا يروُقنا طرُح ها على أنفسنا‘‘‪.‬‬
‫لا يعرُف الكثير من الغربِّيين تاريَخ المنطقة‪ ،‬ولكْن عندما انغَم َس ِت القاَّر ُة الأوروپَّية في ’’عصور الظلام‘‘ في أواخر القرن‬
‫العاشر‪ ،‬كان الإ سلام يقود العالم في العلوم والرياضَّيات والفلسفة‪ .‬وخلال أقَّل من قرَنين بعد ظهور الإ سلام‪ ،‬ساد تأثيُره في‬
‫العالم‪ ،‬بدًءا بما يسَّم ى اليوم بالهند إلى شمال أفريقيا وإسبانيا‪ -‬وتجاوَزْت عظمُته الإ مبراطورَّية الرومانَّية‪ .‬وأشار هاني إلى الَّدور‬
‫العميق الذي لعَب ه هذا الأمر في التأثير في النفس الإ نسانَّية في المنطقة‪ ،‬فيقول‪’’ :‬لقد سَّبَب لنا سقوط الدولة إحباًطا لنا‪ ،‬لا‬
‫سَّيما بعد النفوذ العالمِّي منذ ألف عام‪ ،‬وتبَع هذا السقوُط استعماَر الدول الأوروپَّية للمنطقة وتقسيمها بعد الحرب العالمَّية في‬
‫القرن الماضي‪ .‬وقد صارت للِّدين أهِّمَّية حقيقَّية في السياسة‪ ،‬سواء في الحنين إلى أَّيام المجد الغابر أم في القلق الحقيقِّي‬
‫من زوال الِق َي م الإ سلامَّية‪ .‬لذا فإَّن هناك الكثيَر من محاَو لات البحث عن الذات في ما يخُّص سبَب تراُج ِع نا‪ .‬وخلَص‬
‫الكثيرون إلى أَّننا حاَو ْلنا كَّل شيٍء وفشلنا‪ -‬باستثناء الَع ودة إلى الله‘‘‪.‬‬
‫ويؤِّكُد هاني أَّن هناك رغبًة قوَّيًة بعد الربيع العربِّي للاعتقاد أَّن السبَب الذي جعَل العالم العربَّي َيوًم ا ما عظيًم ا‪ ،‬سيجعُله‬
‫عظيًم ا مَّر ًة أخرى في المستقبل‪ .‬ويتابع‪’’ :‬لذلك‪ ،‬فنحن بصفتنا شعًب ا مسحوًقا فإَّننا نتوق للحصول على زعيٍم قوٍّي لإ خراجنا‬
‫من الوحل‪ .‬وفي هذه المرحلة التي نعيُش ها‪ ،‬نحن نميُل إلى الاعتقاد أَّن ما يفصُلنا عن المجد هو وجود زعيم واحد عظيم‪.‬‬
‫ولعَّلها مسألٌة صعبٌة جًّدا أن تقاوَم هذا الُم ناخ السائد‘‘‪ .‬فالنتيجُة هي التركيز على ما هو ’’غير إسلامّي ‘‘ بدَل الخوض في‬
‫نقاٍش شخصٍّي حول المعنى الحقيقِّي لأن يكوَن المرء إسلامًّيا‪ .‬فهناك تركيٌز بالٌغ على تفاصيل الإ يمان (مثل هل يؤِّد ي‬
‫شخٌص ما الصلواِت الخمَس أم لا؟)‪ ،‬مع إهمال الاهتمام بشخصَّيِة الفرد وكيف ينخرط ويتعامُل مع الآخرين‪ ،‬وهذا بحسب‬
‫الألفي هو المحوُر الأساسُّي للإ يمان‪.‬‬
‫محَّم د مِّكي‪ ،‬مؤِّس ٌس مشارك في موقع تجارة الأزياء الإ لكترونِّي في الشرق الأوسط نمشي‪ ،‬وهو موقع شبيه بموقع زاپوس‬
‫الإ لكترونّي ‪ .‬وقد أمضى ما يزيُد على عام بعد تخُّرجه في الجامعة يدرُس قضايا مماثلًة من خلال برنامج فولبرايت للزمالة‪ .‬وقد‬
‫عَّلمني بشأن مفهوم الِّربا‪ ،‬وكيف يتحَّوُل الجدال في المنطقة حول هذا المفهوم‪ .‬ومفهوم الِّربا يعني بشكل عاٍّم ’’الفائدة‘‘ أو‬
‫تحصيل مستويات مرتفعة من الفائدة على القروض‪ ،‬وهو أمٌر محَّر ٌم بشكل صريح في القرآن الكريم‪ .‬ويتضَّم ُن هذا الأمر أيًض ا‬
‫الاستفادَة من الآخرين‪ ،‬لا سَّيما الطرف الأضعف بشكل غير مصَّرح به‪ ،‬في أَّية تعاُم لاٍت تجارَّية‪ .‬ويخبُرني مِّكي بَقوله‪:‬‬
‫’’على الُّرغم من َفْه م الناس للِّربا على أَّنه الفائدة أًّيا كان َنوعها‪ ،‬فبالنسبة إلَّي يتعَّلُق الِّربا فعًل ا بالُّظلم المالّي ‪ .‬فالتحريُم القرآنُّي‬
‫الصارُم هو حمايُة الأشخاص من سلوٍك سُيؤِّد ي بهم إلى العبودَّية لَم ن ُيدينون لهم‘‘‪ .‬وقد برَز قطاٌع كامٌل من البنوك‬
‫والمستشارين على مدى الأعوام لإ يضاح ماهَّية التمويل الإ سلامّي ‪ -‬أي كيف يمكن تحديُد طلٍب اقتصادٍّي وترويجه بحيُث‬
‫يلتزُم نصوَص القرآن والُّس َّنة الشريفة‪ .‬إَّلا أَّن ُوجوَد أنظمٍة تمويلَّيٍة تطِّبُق أحكام الشريعة مقابل ’’رسوم‘‘ أمر يبدو لمِّكي مشابًه ا‬
‫للِّربا‪ .‬ويقول‪’’ :‬الأمُر المثير للُّس خرية‪ ،‬هو أَّن الحصول على «قرض إسلامّي » قد يكِّلُف الأشخاص المتعاملين وفق أحكام‬
‫الشريعة الكثيَر من المال‪ ،‬وأحياًنا تفوُق النسبُة الحصوَل على قرٍض عادّي ‪ .‬وهذا يتُّم ِباْس م الِّدين‪ ،‬ولكن هل هذا فعًل ا ما‬
‫ينُّص عليه الِّدين؟‘‘‪.‬‬
‫ويؤمُن كٌّل من الألفي والسنباطي ومِّكي بأَّن هناك تحِّد ًيا ثانوًّيا يتمَّثُل في عدم رغبة الشرق الأوسط في الحديث بشفافَّية‬
‫حول التحِّديات الحقيقَّية التي يواجهها‪ .‬ويقول الألفي‪’’ :‬إَّنه الأُفُق الضِّيُق وانعزال مجتمعنا‪ .‬فنحن لا نزاُل غير راضين عن‬
‫مستوى الشفافَّية؛ إَّلا أَّنها تعُّد إساءًة أن تملَك نظرة من جهٍة ُأخرى‪ .‬نحن نرتكُب أخطاًء بحِّق مجتمعنا يلزُم إصلاحها‪ .‬وكُّل‬
‫المجتمعات تعاني تلك التحِّديات‪ .‬وأحُدها هو أَّننا ننظُر إلى الماضي ِع َوًض ا عن المستقبل‪ .‬علينا التفكيُر في أمجاد‬
‫المستقبل‪ ،‬وليس أمجاد الماضي‘‘‪ .‬وأوضح وائل الفخراني من غوغل ِم ْص ر والمحِّرُك الرئيسُّي لمشروع جوائز ’’ابدأ‘‘ الناشئة‪،‬‬
‫فقال‪’’ :‬أنا مسلم تقٌّي أصِّلي خمس مَّر ات‪ ،‬ولكِّني أريُد أن أعيَش في العالم الأوسع‪ ،‬وأتقَّبَل الجميع ووجهات النظر الأخرى‪.‬‬
‫وأريد أن أطِّبَق أخلاقَّيات العمل التي أراها في الغرب‪ .‬وعندما أفِّكر في شعبي وَد ولتي‪ ،‬فأنا أريُد أن أتبَّنى منهًج ا علمًّيا‪ .‬فقد‬
‫َش ِه ْدنا الانحطاَط الذي سَّببته الأنظمة الاستبدادَّية والدكتاتورَّيات التي يعِّززها علماُء الِّدين بما يطلقوَنه من أفكاٍر بُحَّج ة‬
‫«الِّدين»‪ ،‬وهي في حقيقة الأمر تتعَّلُق بالُّس لطة فقط‘‘‪.‬‬
‫غير أَّن التكنولوجيا وعالم الحواسيب الشخصَّية والهواتف الذكَّية التي نعاصرها‪ ،‬وكما يعرف هؤلاء السادة جِّيًدا‪ ،‬تضُع‬
‫جميُع ها هذه الحوارات والمحاَد ثات بين أيدي الأفراد‪ .‬يشيُر الألفي‪’’ :‬أمعن في النظر جِّيًدا في الأمر‪ :‬كُّل ما يطلُقه الريادُّيون‬
‫اليوم يتلاءُم بشكل تاٍّم مع َج وهر ديننا‪ .‬وفي عالٍم من شبكات التواصل الاجتماعّي ‪ ،‬هناك افتراٌض أَّن المجتمَع يستطيُع ‪ ،‬بل‬
‫يجب عليه‪ ،‬حَّل المشكلات‪ .‬هناك حٌّس عاٌّم بالمساءلة الفورَّية للأفراد‪ ،‬فأفكاُرك وأفعاُلك يراها الجميع‪ ،‬وأُّي َض ْع ٍف يعَتريَك‬
‫هو َقيُد المساَءلة‪ .‬الإ سلاُم هو الملائم حًّقا لتفكيك الحلول المرَك زَّية التكُّتلَّية أو نزع قَّوتها‪ ،‬والتي نادًر ا ما تعالج احتياجات‬
‫المجتمع المحَّددة‪ ،‬وهي غالًب ا ما تتمَّيُز بالَّتعقيد‪ .‬يفتُح الإ سلاُم آفاًقا بالابتكار الجماعِّي الضخم‪ .‬فهو يجمُع الناَس مًع ا‪،‬‬
‫ولكَّن كًّل ا منهم يتحَّم ل ما عليه من مسؤولَّيات‘‘‪ .‬وتوَّقَف عن الحديث ليستجمَع أفكاَره وطرَح فكرًة بدت مَّتسقًة مع وجهة‬
‫نظر فادي غندور وآخرين بأَّنه لا يمكن أن توَج َد الواسطة أو النفوذ في الإ نترنت‪ ،‬فيقول‪’’ :‬في الإ علام الاجتماعّي ‪ ،‬لا يمكنك‬
‫المشاركة ثَّم الاختباء‪ .‬وهذا ما يتلاءم مع الفكرة الإ سلامَّية في المساءلة الفردَّية الكاملة‘‘‪.‬‬
‫ولعَّل السنباطي أكثُر حماسًة في هذا الإ طار‪ ،‬فهو يقول‪’’ :‬في الإ سلام‪ ،‬هناك الكثيُر مَّم ا يدعو إلى تشجيع الريادة رَّبما‬
‫أكثُر من أَّية ديانٍة ُأخرى‪ ،‬فهو ُيثري الريادَة الاجتماعَّية عندما تكون المنطقة محتاجًة جًّدا إليها‪ .‬إَّن عدم استغلال هذه الفرص‬
‫التي توِّفرها التكنولوجيا هو إضاعٌة لثروتنا‪ ،‬أو رَّبما فساد لأخلاقَّياتنا‪ ،‬فسَي عيُش الناس وسَتنمو الشركات‪ ،‬ولكَّن الفقر سَي ُعُّم أكثَر‬
‫مَّم ا ينبغي‘‘‪ .‬وَو فًقا لما يراه‪ ،‬فإَّن ما يحُدُث اليوَم هو سلسلٌة من الَّتباُد لات‪ .‬فإْن لم يُكْن هناك احترام للملكَّية الخاَّص ة‪ ،‬فلن‬
‫تكوَن هناك أَّيُة بيئٍة للأعمال‪ .‬وإذا كانت البيئات كثيرَة التعقيد‪ ،‬فلن تكوَن هناك شركاُت ناشئة‪ .‬وإْن حاَو َلِت الحكوماُت‬
‫َفْرَض الَّرقابة الاقتصادَّية من القَّم ة إلى القاع‪ ،‬فستفقُد الَّدولُة تفاعَلها مع الشعوب‪ ،‬لا سَّيما حين تدرُك تلك الشعوُب أَّنها‬
‫مجَّرُد ُوعوٍد فارغة‪ .‬وفي ظِّل قوانين عمٍل صارمة‪ ،‬سيكوُن هناك استخداٌم أقُّل للعمالة وارتفاٌع في نسبة البطالة‪ ،‬وخسارٌة في‬
‫الإ نتاجَّية‪ .‬ويشير قائًل ا‪’’ :‬سُيغِّيُر الريادُّيون الذين يوِّظفون طاقاتهم في قطاع التكنولوجيا المجتمعات في الشرق الأوسط‪ ،‬ولكَّن‬
‫تصُّرفاِت الحكومات ومنظوَرها إلى الإ يمان سُيحِّد ُد أين يحصُل ذلك بدَّقة‘‘‪.‬‬
‫وفي ظِّل أجواء التفاؤل السائدة والتي تأمُل أن تتَّم الحوارات المباشرة حول التحِّديات الإ قليمَّية تحت مظَّلة الشفافَّية‪،‬‬
‫سألُت هاني عن السبب وراَء القاعدة التي يطِّبقها هو والألفي في الحاضنة الاستثمارَّية التي أَّس ساها فلات‪٦‬لابس والتي تنُّص‬
‫على ’’لا دين‪ ،‬لا سياسة‘‘‪ ،‬فقال هاني‪’’ :‬كان عامل الزمان والمكان مهًّم ا جًّدا‪ ،‬فنحن اليوم نستعُّد للُّنهوض‪ ،‬ولا بَّد من‬
‫اِّتباع آلَّية تحُّد من المناقشات الساخنة‪ ،‬وتدعُم الريادِّيين في توجيه تركيزهم على ابتكار المنتجات‪ .‬وقد بدأنا تطبيق هذه‬
‫القاعدة مع انطلاقة الانتخابات البرلمانَّية‪ ،‬حين كانت الأمور حَّس اسًة بعَض الشيء‘‘‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬يستطيُع أُّي‬
‫شخٍص‪ -‬وهو ما يقوم به الكثيرون‪ -‬الصلاَة في قاعة المنشأة‪ .‬ويقول‪’’ :‬أنا معجٌب بهم وبإخلاصهم‪ ،‬ولكَّننا نريُد التركيَز على‬
‫تحقيق رسالتنا‪ ،‬وهذا ما يجب أن يكون واضًح ا لدى الجميع‘‘‪.‬‬
‫تطَّر ْقنا إلى الشاِّب السلفِّي الذي تناولُت العشاء برفقته‪ .‬ووافق هاني مع صديقي الآخر‪ ،‬وقال‪’’ :‬رَّبما يعتقُد أَّن مصيرك هو‬
‫جهَّنم‪ ،‬ولكَّنه يعلم أيًض ا قيمَة َتباُد ل الأفكار‪ .‬ولرَّبما كانت لَك في ما مضى حواراٌت مع ريادِّيين إنجيلِّيين في الولايات‬
‫المَّتحدة‪ ،‬مَّم ن يراوُد هم الشُّك والقلُق حول طهارة الروح‪ .‬إَّن ما يحُدُث اليوَم هو هذا‪ :‬كَّلما زاَد عدُد الأشخاص الذين‬
‫يمارسون الأعمال بعضهم مع بعض‪ ،‬فهم أيًض ا في حواٍر مستمٍّر وتواصل‪ .‬ولن يفِّكَر أُّي سلفٍّي متشِّد ٍد في التحُّدث إليك‪،‬‬
‫ولكن حين يحصُل تواصٌل كهذا‪ ،‬فإن ذلك سيؤِّثر في الصورة التي رسَم ها عنك في ذهنه‪ ،‬ورَّبما يستبعُد مثل تلك الأفكار‪،‬‬
‫وقد يؤِّثر أيًض ا في بعض ما لديك من أفكار‘‘‪ .‬سألُته عندها عن الأشخاص الذين يرفضون التعامَل مع المرأة؟ فقال‪’’ :‬إَّن أَّي‬
‫ريادٍّي يحُّد من تواصله مع أفضل المواهب لن يكون ببساطٍة على مستوى التنافسَّية عالمًّيا‘‘‪ .‬ثَّم أجاَل نظَره وقال كأَّنه‬
‫يتحَّدث إلى نفسه‪’’ :‬هل ينسى هؤلاء أَّن زوجَة النبّي ‪ ،‬التي كانت أَح َد أكبر التَّج ار آنذاك‪ ،‬كانت ريادَّيًة ناجًح ة جًّدا؟‘‘‪.‬‬

‫بالتأكيد‪ ،‬إَّن العديَد من الشركات الناشئة وجَدْت فرصًة في التفاُع ل مع الأجواء الِّدينَّية وبناء مجتمٍع يضُّم المتدِّينين يتعَّدى‬
‫حدود العالم العربّي ‪ .‬يوسف غندور (لا تربُطه أَّية قرابة بفادي غندور) هو ريادٌّي ِفَلسطينٌّي أطلَق تطبيًقا ُيسَّم ى ’’أنا بصِّلي‘‘‪،‬‬
‫المستخدم على الهواتف النَّقالة وشبكة الإ نترنت لتتُّبع مواعيد الصلوات الخمس‪ .‬وهو وسيلُة تذكيٍر لأولئك الراغبين في صلاة‬
‫الفروض الخمسة يومًّيا‪ ،‬كما أَّن فيه تقنَّيًة تسِّجُل الحركة والمَّدة التي يمضيها المصِّلي في كِّل وضٍع من أوضاع الصلاة‪ .‬وهو‬
‫أيًض ا منَّص ٌة مجتمعَّيٌة تسمُح للمستخدمين بمشاركة حالتهم الشخصَّية الخاَّص ة بالصلاة في الوقت الحقيقِّي خلال اليوم‪ ،‬أو‬
‫يمكنهم مشاركة أِّي محتًوى آخر قد يلهُم هم في أثناء أدائهم الشعائَر الِّدينَّية‪ .‬وهناك سلسلٌة من شركات التجارة الإ لكترونَّية‬
‫التي تسِّهُل شراَء الأطعمة الحلال للملتزمين دينًّيا‪ .‬وهناك مواقع ُأخرى تقِّد ُم خدماٍت خاَّص ًة بالمناسبات الِّدينَّية الخاَّص ة مثل‬
‫شهر رمضان‪ .‬فمثًل ا‪ُ ،‬يمضي أفراُد المجتمع أوقاًتا ممتعًة مع العائلة خلال شهر رمضان‪ ،‬فحَّفز هذا رشا خوري‪ ،‬مؤِّس سة موقع‬
‫التجارة الإ لكترونَّية دي آي إيه ستايل‪ ،‬لاستحداث قسم خاٍّص برمضان على موقعها تحت اسم ’’رمضان لايفستايلايزر‘‘‪.‬‬
‫وَيعرُض هذا القسم تصاميَم بصرَّية خاَّص ة من وحي رمضان‪ ،‬ومنِّس َق موضة خاًّص ا برمضان‪ ،‬كما يعرُض منتجات مثل‬
‫العباءات‪ .‬وأخبرتني رشا بالقول‪’’ :‬كانت هناك زيادة ملحوظة في استخدام الموقع والزيارات المتكِّررة له‪ ،‬بالُّلغتين العربَّية‬
‫والإ نكليزَّية‪ ،‬وكانت مواقع التواصل الاجتماعِّي مثل فيسبوك محِّف ًز ا مهًّم ا لتلك الزيادة‘‘‪.‬‬
‫كما أطلق محَّم د دنيا‪ ،‬مع صديق ِم ْص رٍّي له هو يسري حلمي‪ ،‬الذي ُيعُّد أَح َد الريادِّيين المخضَرمين في سيليكون ڤالي‬
‫عبر شركتهم آيديال ريتنغز (‪ ،)Ideal Ratings‬أداًة قوَّية‪ ،‬كانت أيًض ا جزًءا مهًّم ا جًّدا من فكرته عن الإ يمان‪ .‬محَّم د دنيا من‬
‫مواليد ِم ْص ر‪ ،‬وأقاَم فيها خلال سنوات دراسته الجامعَّية‪ .‬عمل محَّم د لدى الذراع الإ قليمَّية لمؤَّس سة پروكتر آند غامبل‪ ،‬وفي‬
‫منتصف تسعينَّيات القرن الماضي‪ ،‬التحَق بَص ديٍق مصرٍّي آخَر في أَح د الشركات الناشئة في سيليكون ڤالي‪ ،‬يسعى إلى‬
‫إطلاق شركة تساعد أفراَد المجتمع في الحصول على بوليصة تأمين إلكترونًّيا‪ .‬وبعد إطلاق الشركة في عام ‪١٩٩٩‬م‪ ،‬شارَك‬
‫في تأسيس شركٍة ُأخرى لمساعدة صناديق التحُّوط والمستثمرين على استعراض بياناٍت متعِّددٍة خاَّص ٍة بمحاِفظهم بإمكاناِت‬
‫بحٍث واسعٍة على شاشٍة واحدة‪ .‬إَّلا أَّنه لم يُكْن راضًي ا تماًم ا عن هذا النجاح‪ .‬وأخبرني قائًل ا‪’’ :‬حظيُت بمعرفة العديد من‬
‫الأشخاص الأثرياء والناجحين‪ ،‬إَّلا أَّنهم كانوا يقِّدرون الأموَر التي لم أُكْن أكترُث لها‪ .‬وكان عملائي من صناديق التحُّوط‬
‫الأكثر نجاًح ا وثراًء‪ ،‬إَّلا أَّنها لم ُتِض ْف الكثيَر إلى المجتمع‪ ،‬أو حَّتى إلى المستثمرين الصغار‪ .‬أَّم ا أنا فكنُت أبحُث عن نظاٍم‬
‫آخَر بطريقٍة مختلفٍة في َدْع م الشركات والاستثمار‘‘‪.‬‬
‫وفي عام ‪٢٠٠٦‬م‪ ،‬قَّرر محَّم د دنيا أن يستثمَر فقط في الشركات المتواِفقة مع أحكام الشريعة‪ -‬أي الشركات التي ُأنشَئْت‬
‫وفَق الِق َي م الِّدينَّية الأساسَّية‪ ،‬والتي تطِّبُق الشريعة في تعاُم لاتها مع الموَّظفين والعملاء والمجتمع‪ .‬ولكَّن المفاجأة كانت‪ ،‬أَّنه‬
‫لم يستطْع تحديَد الشركات كانت متوافقًة مع الشريعة‪ .‬ويتذَّكُر قائًل ا‪’’ :‬كنُت مغرًم ا جًّدا بالولايات المَّتحدة؛ فأنا أحُّب‬
‫الَع يَش هنا‪ ،‬لذا صرُت مواطًنا‪ ،‬ولم أواِج ْه ُم ضاَيقاٍت مباشرة‪ ،‬حَّتى في أعقاب اعتداء ‪ ١١‬أيلول‪/‬سپتمبر‪ .‬ولكْن عندما أردُت‬
‫التحُّق َق ما إذا كانت شركة إيه تي آند تي تلتزُم الشريعَة أم لا‪ ،‬لم أجد وسيلًة لذلك‪ .‬وبصراحٍة أكثر‪ ،‬لم تكن لَّدي أدنى فكرٍة‬
‫عَّم ا يعنيه مفهوم التوافق مع الشريعة الإ سلامَّية‪ ،‬ولكَّن ما عرفُته هو أَّن الملاييَن يريدون التحُّقق من ذلك يهتُّم ون به وبفهم‬
‫المزيد‘‘‪.‬‬
‫بدأ محَّم د دنيا يقرأ ويقابُل الأصدقاء‪ ،‬وأدرَك أَّن البحوَث الدقيقَة والدراساِت الفعلَّيَة حول مفهوم التوافق مع الشريعة غير‬
‫موجود‪ ،‬رغم الطلب الواسع لمعرفة معلوماٍت أكثر‪ .‬وكانت المعلومات المتوافرة تعريفَّيًة عاَّم ة وذات صبغة أكاديمَّية‪ ،‬لا علاقة‬
‫لها بما يحُدُث في عالم الأعمال‪ .‬ومع وجود ما يزيُد على ‪ ٧٠.٠٠٠‬شركة عاَّم ٍة مدرجة‪ ،‬وقاعدٍة كبيرة من المستثمرين‬
‫المسلمين في كاَّفة أنحاء العالم‪ ،‬رأى فرصًة لفكرٍة جديدة‪.‬‬
‫وكان له نمٌط خاٌّص في العمل‪ .‬فحَّتى الاستقراُر على تعريٍف واضح لمفهوم ’’متوافق مع الشريعة‘‘‪ ،‬كان صعًب ا جًّدا نتيجة‬
‫التفسيرات المختلفة وتعقيدات الشركات المعنَّية‪ .‬ويقول‪’’ :‬هل تكون شركٌة ما متوافقًة مع الشريعة إذا كان عليها التزاماٌت‬
‫ماِّد َّيٌة وقروض؟ ماذا لو باَعْت شركة ماكدونالدز لحم الخنزير أو الخمور؟ ذهبُت ودرست هذا الأمر‪ .‬فماذا لو كان عائد شركٍة‬
‫ما بنسبة ‪ ٪٢‬من بيع لحم الخنزير والمشروبات الكحولَّية‪ ،‬واستثمرُت أنا فيها ثَّم بعُت نسبة ‪ ٪٢‬من استثماراتي؟ ليست هناك‬
‫نظرَّيٌة شاملٌة وموَّح دة؛ فالأمُر يعتمد في الواقع على تفسير كِّل فرٍد على ِح دة‘‘‪ .‬درس محَّم د كَّل مرجع توَّفر له‪ ،‬وطَّوَر عملَّية‬
‫لتقييم الشركات العاَّم ة المتداولة أسهُم ها‪ .‬فأَّس َس قاعدَة بياناٍت ضخمًة شمَلْت ‪ ١٦٠‬دولة‪ ،‬تحوي معلوماٍت عاَّم ة ومستثمرين‬
‫محَتَم لين‪ .‬كان هدُفه أن تكوَن لدى المؤَّس سات التي تملُك رأس مال كبير‪ ،‬مثل صناديق التعليم الجامعِّي المحِّلَّية‪ ،‬وسيلٌة‬
‫للاستفادة من الفرص الاستثمارَّية العالمَّية بسهولٍة أكبر‪ .‬كما ُيمكُن للمستثمرين الأفراد في الشرق الأوسط وفي أِّي مكاٍن آخر‬
‫التوفير من خلال استثماراٍت أفضَل ُتتيُح امتلاَك سيولٍة أكبر‪ .‬ويمُكن لهؤلاء المستثمرين الأفراد المساهمة في الاقتصاد‪ ،‬وأن‬
‫يكونوا أقَّل انعزاًلا في َفْه م العالم من حولهم‪ .‬فكان الأثُر حقيقًّيا‪.‬‬
‫وبدأت آيديال ريتنغز تبيُع منتَج ها للمؤَّس سات ومديري الصناديق حول العالم‪ .‬ويضحُك محَّم د قائًل ا‪’’ :‬أتذَّكُر في المراحل‬
‫الأولى‪ ،‬عندما اجتمعُت بمؤَّس سة سعودَّية وأخرجُت بطاقتي المهنَّية‪ُ ،‬ذهل الشخص الذي حضرُت لمقابلته أَّننا شركٌة في‬
‫سيليكون ڤالي تقِّد ُم ابتكاًر ا للاستثمارات «المتوافقة مع الشريعة»‪ .‬ونجَح محَّم د اليوم في َد ْم ج التقارير والبيانات حول‬
‫تصنيفات الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة مع بيانات عالمَّية من شركاء عالمِّيين مثل بلومبرغ ورويتزر‪ .‬ويعمُل لدى الشركة‬
‫خمسون موَّظًفا‪ ،‬أربعون منهم في ِم ْص ر‪ ،‬وتتوَّزُع حول العالم شبكٌة واسعٌة من مستشاري البحوث حول العالم‪ .‬وتتضَّم ُن قاعدُة‬
‫البيانات ‪ ٦٠.٠٠٠‬شركة‪ ،‬ولديهم قاعدة عملاء واسعة من ‪ ٢٠‬دولة‪ ،‬كما افُتتحت مكاتب في السعودَّية وسنغافورة‪ .‬ويقول‪:‬‬
‫’’نحن لا نقوُل ما هو المتوافق أو غير المتوافق مع الشريعة‪ ،‬ولكِن انطلاًقا من روح العقيدة التي تحفُز الشفافَّية والتحليل‬
‫المبنِّي على عقيدة الفرد‪ ،‬نقِّد ُم إليهم منظوًر ا معَّيًنا ُم دَّع ًم ا بمعلوماٍت ليَّتخذوا القراَر الذي يجدونه مناسًب ا‘‘‪.‬‬
‫وتعمل الآن آيديال ريتنغز على استحداث نظام مماثل للمستثمرين الأفراد‪ .‬فقد أطلَق ِت الشركُة مؤَّخ ًر ا تطبيًقا مَّج انًّيا ليكوَن‬
‫اختباًر ا تجريبًّيا للاستخدام في هواتف آيفون في عشر دول‪ ،‬من بينها الولايات المَّتحدة والسعودَّية وِم ْص ر‪ .‬ويمكن للمستخدم‬
‫البحُث عن السهم المطلوب ليرى ما إذا كان في صعوٍد أو هبوط‪ ،‬وفي حال أراَد تقريًر ا مفَّص ًل ا أكثر فَع ليه دفُع مبلغ معَّيٍن‬
‫لقاء ذلك‪ .‬ويعِّلُق بُس خرية‪’’ :‬أخبَرني البعُض أَّن شركة آپل غير متوافقة مع أحكام الشريعة؛ لأَّن بعض كلمات الأغاني التي‬
‫تبيُع ها غير مناسبة‪ .‬ولكِّني متأِّكٌد أَّنها متوافقة‪ .‬يمكُن لأِّي مستخدم مسلم الاستفادة من استخدام هذه المنَّص ة لسماع‬
‫الموسيقا والقراءة ومشاهدة مقاطع الڤيديو‪ .‬وقد تكون هناك أغنية غير مناسبة بالفعل‪ ،‬إَّلا أَّن أَّي مستخدم يعلُم تماًم ا أَّن هناك‬
‫مواقع إباحَّية وأخرى للقمار‘‘‪ .‬ولأَّن ما تقوم به شركُته مشابٌه لعملَّية التمحيص التي يقوُم بها آخرون بوصفها جزًءا من‬
‫المسؤولَّية الاجتماعَّية‪ ،‬فهو يوضُح قائًل ا‪’’ :‬يستطيُع المستثمرون الموافقَة أِو المعارضة؛ إَّلا أَّن ما أزِّوُد هم به هو الشفافَّية‘‘‪.‬‬
‫ومن وجهة نظره بصفته مستثمًر ا‪ ،‬هو شديد الحماسة للشركات الناشئة في المنطقة‪ .‬فُرغَم النقاش المستمِّر حول َد ور‬
‫الَّدين والربا والتوافق مع الشريعة‪ ،‬فإَّن الاستثماراِت في رأس المال والأسهَم متوافرٌة بشكل كبير‪ ،‬ولا ُيقِّيُدها إَّلا تعاُرُض‬
‫عملَّياتها مع عقيدة الفرد الِّدينَّية‪ .‬ويتابع‪’’ :‬النتيجُة التي أوُّد أن أصَل إليها؛ إذا كان الَّنقُد محفوًظا في أَح ِد البنوك الصغيرة‪ ،‬أو‬
‫تحت الفراش‪ ،‬أو رَّبما مدفوًع ا لِش راء عقار‪ ،‬فكيف سنبني الفرص؟ المنطقة اليوم مستعَّدٌة لتفاعل أكبر في قطاعاٍت اقتصادَّيٍة‬
‫عالمَّية على جميع المستويات المجتمعَّية‘‘‪.‬‬

‫’’هذا رائع!‘‘ هذا ما أخبرْتني به فتاٌة صغيرٌة في العاشرة من العمر‪ ،‬كانت تقف بشكٍل لافت للَّنظر‪ ،‬وقد علا الاستغراُب‬
‫وجَه ها كأَّنها ناقُد أفلام متمِّرس‪ .‬كانت تلبُس أجمَل َثوٍب لديها لحضور أَّول عرٍض للمسلسل الكرتونّي ‪ ٩٩’’ :‬حجر‘‘ (‪The‬‬

‫‪ )99‬خلال مهرجان نيويورك للأفلام‪ .‬ويصِّوُر هذا المسلسُل ‪ ٩٩‬شخصَّيًة بطولَّية‪ ،‬يرتبُط كٌّل منها بحجٍر أثرٍّي ذي قَّو ٍة ممَّيزة‪،‬‬
‫ويقِّد ُم َم هَّم اٍت لإ نقاذ العالم‪ .‬واستناًد ا إلى سلسلٍة من الكتب التي تصِّوُر الشخصَّيات الكرتونَّية‪ ،‬فهي تتمَّتُع بكِّل من الَّذ وق‬
‫الفِّنِّي والأداء المؤِّثر والموسيقا التي يتوَّقُع الأطفال الأميركُّيون مشاهدتها من شاشاتهم‪ ،‬سواء في السينما أم في البيت‪.‬‬
‫إَّلا أَّن صاحب الفكرة الإ بداعَّية ليس طفًل ا بارًع ا من هوليوود‪ ،‬إَّنما هو الدكتور الكويتُّي نايف المطِّوع‪ ،‬الذي يحمل‬
‫شهادة دكتوراه ورخصة لمزاولة علم النفس السريرِّي في نيويورك‪ .‬والشخصَّيات البطولَّية ليست فقط أميركَّية‪ ،‬بل هي من كاَّفة‬
‫أرجاء العالم‪ .‬وقِد اسُتوِح َي ِت القَّص ة من التاريخ والثقافة الإ سلامَّيين‪ ،‬إضافًة إلى الثفاقة السائدة في الشرق الأوسط‪.‬‬
‫خطرت للمطِّوع فكرة المسلسل في البداية بينما كان يستقُّل سَّيارَة أجرة في لندن بعد أحداث ‪ ١١‬أيلول‪/‬سپتمبر بمَّد ٍة‬
‫قصيرة‪ .‬كان يفِّكُر في إنتاج مسلسٍل كرتونٍّي للأطفال في الشرق الأوسط لَغ ْرس الاعتزاز بالأبطال المحِّلِّيين‪ ،‬ويستعرُض الِق َي م‬
‫العالمَّية‪ ،‬ويدعُم التواصَل بالجماهير حول العالم‪ .‬يحِّد ُثني نايف بشأن تجِربته قائًل ا‪’’ :‬لدَّي إيماٌن راسخ بأَّن الطريقَة الوحيدَة‬
‫لمحاربة التطُّرف هي بالفِّن ووسائل الترفيه‪ ،‬فهذه أفضُل الوسائل عادًة لَتحفيز المجتمع على إعادة التأُّم ل ملًّيا في الثقافة‘‘‪.‬‬
‫ويروي الفيلُم الوثائقُّي ’’وام! بام! إسلام!‘‘ (!‪ ،)Wham! Bam! Islam‬والذي بَّثته الشبكة التلفزيونَّية الأميركَّية پي بي أس‬
‫(‪ )PBS‬في العاَم ين ‪ ٢٠١١‬و‪٢٠١٢‬م‪ ،‬بدايات نايف في الكويت وإنشاء شركة إعلام تستنُد إلى أَّول سلسلٍة للكتب الكوميدَّية‬
‫المحِّلَّية‪ .‬وكافح المطِّوع ليحصَل على الدعم في بيئة دينَّيٍة وسياسَّيٍة حيث كان أُّي اِّتصاٍل ما بين أفلام الكرتون والإ سلام أمًر ا‬
‫مثيًر ا للَّش ّك ‪ .‬ويقول‪’’ :‬كنُت أعرف أَّنه ستكون هناك مقاومٌة في منطقتي‪ ،‬وقد بنيُت الِّثقَة بخطواٍت بطيئة‪ ،‬ليرى الناُس‬
‫ويفهموا ما الذي أَّس سُته‘‘‪ .‬وعلى مدى عَّدة أشهر‪ ،‬كان عليه‪ ،‬مع فريقه من المصِّم مين والمؤِّلفين من كاَّفة الأديان‬
‫والمعتقدات‪ ،‬العمُل على إبداع قصٍص روائَّيٍة رائعة‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬كان نايف منشغًل ا بالاجتماع بشركاٍت إعلامَّيٍة‬
‫ُأخرى‪ ،‬وبوزاراِت الإ علام في كاَّفة أنحاء المنطقة لإ طلاِع هم على ما يفَع ُله‪ ،‬وإقناِع هم أَّنه لا يشِّكُل تهديًدا على الِّدين‪.‬‬
‫ومن خلال منَتجه‪ ،‬كان نايف يحاوُل الَّربَط ما بين مساَرين متعارَض ين‪ .‬فمن جهة‪ ،‬صَّمَم شخصَّياته البطولَّية حول عقائد‬
‫الإ سلام‪ .‬حيث تمِّثُل كُّل شخصَّيٍة أَح َد ِقَي م الِّدين الأساسَّية‪ ،‬وعددها ‪ .٩٩‬لكْن بسبب عدم ُوجود إطاٍر دينٍّي واضح في‬
‫قصصه؛ ولعدم التعبير عن الِّدين أِو التشجيع عليه‪ ،‬أنشأ منَّص ًة عالمَّيًة للأطفال من كاَّفة الخلفَّيات ليفهموا الِق َي م التي‬
‫يتشاركون فيها مع الإ سلام‪ ،‬مثل ِقَي م الكرم والرحمة‪ .‬ولا يرى نايف تعاُرًض ا في الأمر‪ ،‬فيقول‪’’ :‬لقد أطَلْقنا شركَتنا وسط أزمِة‬
‫الرسوم الكاريكاتورَّية الدنماركَّية المثيرة للَج َدل‪ ،‬وأعمال الشغب والاضطرابات والتهديدات التي وَّلدتها الرسوم الكاريكاتورَّية‬
‫والتي حملت تصويًر ا للنبّي ‪ .‬وكَّنا نملُك الِخ يار أن نكوَن مجَّرَد رسوم متحِّركة ُأخرى‪ ،‬ونبقى بعيدين عن الأنظار‪ ،‬إَّلا أَّننا ما‬
‫كَّنا لُنحِّق َق النجاح‪ .‬فقَّررُت أن أنطلَق تحت مظَّلة تعليم كاَّفة المجتمعات وتشجيعها‪ ،‬وليس المجتمعات الِّدينَّية فقط‘‘‪.‬‬
‫وحسب َقوله فإَّن صراَع ه الأكبر كان أَّن كَّل شخٍص ُيعِّرُف عناصَر الِّدين وفَق مفهوٍم يختلُف بعَض الشيء عن َغيره‪ .‬فقَّرَر‬
‫أن يستثنَي الِّدين؛ لأَّن كَّل نقاٍش حول العقيدة يصيُر بسرعٍة جداًلا لإ ثبات َم ن هو على حّق ‪ .‬ويقول لي‪’’ :‬هذه هي الطبيعة‬
‫البشرَّية‪ ،‬لذا فإَّن مسلسل ‪ ٩٩‬حجر لا يتحَّدُث بتاًتا بأمور الِّدين‪ .‬فنحن لا نناقُش مسألة اللّه ‪ ،‬ولا نتناوُل الآليات الموجودة‬
‫في أِّي نظام دينّي ‪ .‬وشخصَّياُتنا البطولَّية هي أنماط نموذجَّية‪ -‬مخَّططات‪ -‬للِق َي م التي نحُّث عليها كُّلنا‪ ،‬والِق َي م التي نتشارُك‬
‫فيها مع مراعاٍة للَّثقافاِت الُأخرى التي نحتاُج إلى فهمها‘‘‪.‬‬
‫ونايف‪ ،‬مثل الألفي والسنباطي‪ ،‬يرى أَّن الِق َي م الأساسَّية التي يتضَّم ُنها ديُنه مرتبطٌة بالُفرِص غير المسبوقة في بيئات‬
‫الأعمال‪ .‬ولكَّنه يتحَّدُث بشكل قاطع‪’’ :‬لا يرغُب الناُس في التكُّلم بهذه الطريقة‪ ،‬ولكَّن هناك قادًة دينِّيين وسياسِّيين في‬
‫الإ سلام يسَع ون إلى السيطرة على الفكر الِّدينِّي لمآرَب خاَّص ة‪ .‬فهل يريدون أن ينشأ المجتمُع َو فَق ُقدرته على ِح ْفظ آيات‬
‫القرآن‪ ،‬أم يرغبون أن يكوَن مستعًّدا للاستفادة من ُفرِص عصر التكنولوجيا في القرن الواحد والعشرين؟ فإذا لم ترِّكْز مناهُج‬
‫الأطفال على مفهوم الِح ْلم والتسامح؛ وإذا كان مفهوهم للإ يمان غامًض ا وإطاُر فهمهم للنبِّي أشبَه ِبُلغز‪ ،‬فكيف نكون قد‬
‫نَج ْح نا في ترسيخ مفهوم عقيدتنا؟ وَو فًقا للقرآن الكريم‪ ،‬أخطأ النبُّي كما يخطئ أٌّي مَّنا‪ .‬الأمُر الذي يجعُل رحلَتنا الِّدينَّية أكثَر‬
‫واقعَّيًة ‘‘‪.‬‬
‫حاوَل نايف إطلاَق المسلسَل في الولايات المَّتحدة من خلال قناة ذا هب (‪ )The Hub‬التي ُأطِلَق ْت بالَّش راكة مع قناة‬
‫ديسكڤري (‪ )Discovery‬وهاسبرو تويز (‪ .)Hasbro Toys‬وعندها وجَد نفَس ه يواجُه َفيًض ا من الجدل الِّدينّي ‪ .‬فَق ِد اقترَح العديُد‬
‫من مستخدمي المدَّونات الإ لكترونَّية أَّنه كان يملك أجندًة خفَّيًة تتَّلخُص في تحويل الأطفال الأميركِّيين إلى اعتناق الإ سلام‪.‬‬
‫وتقَّد َم آخرون بشكوى لأَّن أَح د شخصَّيات المسلسل كانت تلبُس برُقًع ا‪ .‬انتاَبُه الشُّك والارتياب‪ ،‬ويروي موضًح ا‪’’ :‬واحدٌة من‬
‫الشخصَّيات التي عدُد ها ‪ -٩٩‬أي ما يمِّثُل ‪ -٪١‬تلبس البرقع‪ .‬دست (‪ )Dust‬إحدى الشخصَّيات المحورَّية في البرنامج‬
‫الكرتونِّي إكس ِم ن (‪ )X-Men‬الذي أطلَق ْته مارڤل (‪ ،)Marvel‬يلبس البرقَع منذ عام ‪٢٠٠٢‬م! تمِّثُل كُّل شخصَّيٍة من‬
‫شخصَّياتي دولًة وثقافًة مختلفَتين‪ .‬وأنا لسُت مدافًع ا أو مؤِّيًدا‪ ،‬ولكَّن ارتداَء البرقع هو جزٌء من مجتمعنا‪ .‬ونحن هنا نستعرُض‬
‫بمبدأ الشمولَّية وليس التفُّرد‘‘‪.‬‬
‫من الصعب أن َتقيَس معارضَة المجتمع الأميركِّي الحقيقَّيَة لهذه الأفكار‪ ،‬فهي ليَس ْت واضحًة دائًم ا‪ .‬وجد المطِّوع‪،‬‬
‫الذي خَّص ه الرئيس أوباما بالِّذ كر بوصفه نموذًج ا للريادِّيين في الشرق الأوسط‪ ،‬معرًض ا لهجوم من مستخدمي المدَّونات‬
‫الإ لكترونَّية المتحِّفظين خلال انتخابات الكونغرس عام ‪٢٠١٠‬م‪ .‬وبعد عاَم ين من التوقيع على اِّتفاقَّية التوزيع مع القناة‬
‫التلفزيونَّية الأميركَّية ذا هب‪ ،‬لم يحَظ المسلسل بالبِّث التلفزيون في الولايات المَّتحدة‪ .‬ورغم أَّن إسحاق سولوتاروف (‪Isaac‬‬
‫ِّي‬
‫‪ ،)Solotaroff‬مخرُج برناَم ج وام! بام! إسلام!‪ ،‬كان قد حضر اجتماَع الاِّتفاق على الُخ َّطة مع قناة ذا هب في شهر آذار‪/‬‬
‫مارس من عام ‪٢٠١١‬م‪ ،‬فإَّنه لم يكن يملُك أدنى شٍّك أَّن الَّض غَط الذي مارَس ه مستخدمي المدَّونات الإ لكترونَّية كان سبًب ا‬
‫رئيسًّيا في تأخير التوزيع الأميركّي ‪ .‬وأخبَرني قائًل ا‪’’ :‬صَّرَح ْت قناُة ذا هب ِبُوضوح أَّنها لم تكن على استعداد لَتعريض سمعتها‬
‫لأِّي خطر َكونها قناًة حديثة‪ .‬وهذا لم يكن أمًر ا متوَّقًع ا على الإ طلاق في البداية عندما اشَتَر وا حقوَق التوزيع للمسلسل‪ ،‬وهذه‬
‫حقيقٌة مؤسفٌة للُم ناخ السياسِّي الحالِّي في أميركا‘‘‪ .‬ويقول مارك كيرن (‪ ،)Mark Kern‬وهو مسؤول الاِّتصال لدى القناة‪’’ :‬في‬
‫هذه المرحلة‪ ،‬لم ُيَّتخْذ أُّي قراٍر بشأن َج دَو لة الَب ّث ‘‘‪.‬‬
‫جيمس غلاسمان‪ ،‬أَح ُد الصحفِّيين المحاِفظين وكان مساعَد وزير الخارجَّية لشؤون الدبلوماسَّية العاَّم ة في حكومة الرئيس‬
‫جورج دبليو‪ .‬بوش (‪ ،)George W. Bush‬أَّن النَّقاَد لم يتمَّكنوا من استيعاب النقطة الرئيسَّية‪ ،‬يقول موِض ًح ا‪’’ :‬إْن كانت أميركا‬
‫ترمُز إلى أِّي شيء‪ ،‬فهو العالمَّية والمجتمع والعمل المشتَرك والتنُّوع‪ .‬فلماذا لا نريُد الاحتفاَء بإنجازاٍت حَّق قْتها المجتمعاُت‬
‫الُأخرى؟ وأُّي عمل بطولٍّي إيجابٍّي يجب دعُم ه وتعزيزه‪ .‬والِق َي م التي يعكُس ها المسلسل‪ ،‬هي الصفات التي يجب دُع مها‬
‫وتأييُدها‪ ،‬لأَّنها في مصلحتنا‪ .‬فلماذا لا نريُد َدْع َم الِق َي م الجِّيدة التي تصِّورها الشخصَّيات التسعة والتسعون؟‘‘‬

‫ِلويس بيرنشتاين (‪ ،)Lewis Bernstein‬نائب الرئيس التنفيذِّي لشؤون التعليم والبحث والتطوير عن شارع سمسم (‪Sesame‬‬

‫‪ ،)Street‬يشيُر على نايف أَّلا يستسلَم ‪ ،‬بل أن يمارَس بعَض الَّض غط للُم ِض ِّي ُقُد ًم ا‪ .‬ويتذَّكُر ِلويس في العام الأَّول من عرض‬
‫شارع سمسم‪ُ ،‬ح ِظ َر عرضه في ميسيسپي‪ ،‬لأَّنه صَّور للمَّرة الأولى على برناَمٍج للأطفال أَح َد الأزواج الأميركِّيين من أصل‬
‫أفريقّي ‪ .‬وبعد عام ُأزيَل الَح ْظ ر‪ ،‬فيقول‪’’ :‬أتى شارع سمسم في مرحلٍة صعبٍة جًّدا‪ ،‬وساهَم في تصاُع ِد التعقيدات وتفاُقِم‬
‫الَوضع‪ .‬والسؤاُل الذي يطرُح نفَس ه في النهاية هو هذا‪ :‬هل البرناَمُج قوٌّي بما يكفي‪ ،‬أو جِّيٌد كفايًة لصِّد أَّية مقاَو مة؟‬
‫فالتكنولوجيا توِّفُر اليوَم البرَم جَة على الإ نترنت والهواتف النَّقالة والمزيد من القنوات والِخ يارات‘‘‪.‬‬
‫تمِّكُن الإ نترنت المسَتخِد مين من َتوضيح المفاهيم الخاطئة في الشرق الأوسط‪ .‬ويقول نايف‪’’ :‬رَّكزْت ثقافاُتنا تاريخًّيا في‬
‫المنطقة على الِّص دفة؛ فنحن شعوٌب تعتقد أَّن مصيَرها في أيدي الآخرين‪ ،‬وأَّن من الطبيعِّي أن تنتظَر ُح دوَث الُأمور من‬
‫حولك دون أن تفعَل شيًئا‪ .‬أَّم ا التكنولوجيا فُتظهُر لنا أَّن العكَس هو الصواب‪ .‬فهي تعِّز ُز مساهماتنا وتأثيرنا‪ ،‬وإدراكنا‪ -‬لأنفسنا‬
‫ولعلاقاتنا بَع قيدتنا‘‘‪.‬‬
‫ويشترُك نايف مع الألفي في أمنيتهم أن يرِّكَز أتباُع العقيدة الإ سلامَّية على ما يمِّثُله الإ سلام وليس على ما لا يِّم ثله‪،‬‬
‫فيقول‪’’ :‬لقد أنَه َك نا الأشخاُص الذي يمارسون أعماًلا إرهابَّيًة ِباْس م الِّدين والله‪ ،‬والزعماُء الذين لا َيدينون الفساد الواضح‪.‬‬
‫فالبعُض يفِّج رون ويقطعون الرؤوس‪ ،‬وكُّلها ِباْس م الله! إَّلا أَّن أطفالي يحتاجون إلى الجانب الروحِّي الإ يجابِّي في دينهم‬
‫وعقيدتهم‪ .‬لقد نصَح ني العديُد من الأشخاص أَّلا أعمَل على هذه الفكرة‪ ،‬ولكِّني أعتقُد أَّن الوضَع بدأ يتغَّير‘‘‪ .‬ويضحُك‬
‫لأَّنه استخدَم أَح َد المقولاِت التي يستخدُم ها في خطاباته وفي حلقات تيد الحوارَّية (‪ )TED Talks‬حول العالم‪’’ :‬علينا التوُّقُف‬
‫عن َطَلِب الإ ذِن والبدُء بطلِب المغفرة عندما نرتكُب خطًأ ما‘‘‪ .‬واقتبَس كلماِت الكوميدِّي الكبير إيمو فيليپس (‪Emo‬‬

‫‪ )Phillips‬حين قال‪’’ :‬عندما كنُت في العاشرة من عمري‪ ،‬اعتدُت أن ُأصِّلَي كَّل ليلٍة لأحصَل على دَّر اجة جديدة‪ .‬بعَدها‬
‫عرفُت أَّن التعاُم َل مع الله لا يكوُن بهذه الطريقة‪ ،‬فسرقُت الدَّر اجة وطلبُت منه أن يغفَر لي‘‘‪ .‬ويقول إيمو‪ُ’’ :‬كْن فاعًل ا وارتِكِب‬
‫الأخطاء‪ .‬هذه هي الكلمات التي أرغب أن أترَكها للِّريادِّيين‪ :‬عليكم بسرقة دَّر اجة‘‘‪.‬‬
‫إَّن المؤِّش َر على التغيير الذي تحِد ُثه التكنولوجيا كان جلًّيا في خريف عام ‪٢٠١٢‬م‪ .‬فقد دخَل في صراٍع طويٍل مع ذا هب‬
‫حول احتفاظهم بحقوق التوزيع التلفزيونِّي في الولايات المَّتحدة دون أن يستخدَم ها‪ .‬وفي تشرين الثاني‪/‬نوڤمبر‪ ،‬انتَه ِت‬
‫الحقوُق الإ ضافَّية للإ نترنت‪ .‬فأعلن نايف في اليوم التالي عن صفقٍة مع مؤَّس سة نيتفلكس (‪ ،)Netflix‬ليحِّق َق عدَد مشتركين‬
‫يصُل إلى ‪ ٢٥‬مليوَن شخٍص في الولايات المَّتحدة وحَدها‪ .‬وفي عامه العاشر من تأسيس مسلسله‪ ،‬حَّق َق التوُّس َع إلى ‪٧٠‬‬
‫دولة‪ ،‬من أميركا الجنوبَّية إلى إيرلندا وأستراليا والشرق الأوسط‪ ،‬ليصَل إلى أنحاء الوطن العربِّي من خلال قناة الأطفال الضخمة‬
‫أم بي سي (‪ ،)MBC‬والجمهور العربِّي عالمًّيا من خلال الموقع الإ لكترونِّي التابع لشركة ياهو! مكتوب‪ ،‬حيث ساهموا جميًع ا‬
‫في تحفيز البِّث لما يزيد على ربع مليون‪ .‬كما كان مخَّطًطا أن ُتطَلَق قناُتهم على اليوتيوب في شهر شباط‪/‬فبراير من عام‬
‫‪٢٠١٣‬م‪ ،‬حيث سيكوُن لكِّل شخٍص متصِّف ٌح قادٌر على رؤية مسلسل ‪ ٩٩‬حجر‪.‬‬
‫في شهر تشرين الثاني‪/‬نوڤمبر ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬كانت أكثر المقالات في ِم ْص ر جدًلا على الإ نترنت هو ما نشَره أَح ُد الشباب‬
‫المنتمين إلى جماعة الإ خوان المسلمين‪ ،‬الكاتب والمدِّون أسامة دَّرة‪ ،‬الذي يكتب لصحيفة ’’إيجپت إندپندنت‘‘ (‪Egypt‬‬

‫‪ .)Independent‬فعندما صاَر يلتزُم أحكام عقيدته؛ وصار يرفُض َد وَر الِّدين في السياسة‪ ،‬عمَل جاهًدا وبحماس لخلِق َنوع‬
‫أكبَر من الارتباط بما يرى الإ سلاَم عليه‪ ،‬وما يمكُن أن يكوَن عليه‪ ،‬بدًلا من التركيز على القيود‪ .‬إَّن بعَض الريادِّيين الذين‬
‫تكَّلمُت معهم يَّتفقون مع النظرة العاَّم ة‪ ،‬في حين يعارُض ها آخرون‪ ،‬ولكَّنهم جميًع ا يعتقدون أَّنه أصاَب في عبارته الأخيرة حين‬
‫قال‪’’ :‬الرسالة التي يبعُثها جيلي إلى َم ن غلبوا على أمر هذا البلد‪« :‬نُّق وا الِّدين من الفظاعات الفقهَّية‪ ،‬ونِّزهوه عن التسخير‬
‫السياسّي ‪ ،‬و إَّلا فإَّننا نرفضُكم وما تؤمنون به جملًة وتفصيًل ا‘‘‪ .‬وهؤلاء الريادُّيون الفخورون بعقيدتهم‪ ،‬غالًب ا ما يَر ون هم‬
‫ومستثمروهم شركاِتهم الناشئَة امتداًد ا لِق َي مهم الشخصَّية‪ ،‬وهم يشعرون بالَق َلِق من الجدال الذي يدوُر َح وَلهم‪ .‬إَّلا أَّنهم يَر ون‬
‫أَّن هناك فرصًة أيًض ا في كِّل ما يفعلونه‪.‬‬
‫الفصل التاسع‬

‫العنصُر الأهُّم هو الوقت‪،‬‬


‫وليس نسبَة النجاح‬

‫حين كنُت أكتُب هذا الفصل في بداية شباط‪/‬فبراير ‪٢٠١٣‬م‪ ،‬كنُت أمضي معظم الليل مسَتيقًظا أقرأ التغريدات على موقع‬
‫تويتر‪ .‬كان بعُض أصدقائي‪ ،‬مَّم ن تحَّدثُت بشأنهم في هذا الكتاب يقفون في شوارع القاهرة والإ سكندرَّية ليقِّدموا تقاريَرهم‬
‫عن الوضع على الأرض هناك‪ .‬فقبل ثلاثة أشهر من ذلك‪ ،‬أصدَر الرئيُس المصرُّي السابق محمد مرسي مرسوًم ا يضُع نفَس ه‬
‫بموجبه فوق المساءلة القضائَّية‪ .‬واحتجاًج ا على هذا القرار‪ ،‬اعتصَم مئات الآلاف‪ ،‬بل حَّتى ملاييُن الناس‪ ،‬في معظم المدن‬
‫المصرَّية مع هواتفهم النَّقالة في أيديهم‪ .‬وفي كانون الأَّول‪/‬ديسمبر ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬صَّوت المصرُّيون على الدستور المصرِّي الجديد‪،‬‬
‫أو امتنعوا عن التصويت في كثيٍر من الحالات تعبيًر ا عن رفضهم للُّدستور‪ .‬وكان الاستحقاق المقبل للمصرِّيين هو الانتخابات‬
‫البرلمانَّية بعد أن حَّل القضاء المصرُّي مجلس الشعب‪ .‬وكانوا يتساءلون إْن كانت ِم ْص ُر ستعاني َم وجًة جديدة من العنف‬
‫كتلك التي اندلعت في الذكرى الثانية لمظاهرات ميدان التحرير‪ .‬وتبحث تقارير ُأخرى على تويتر عن الرئيس السورِّي بَّش ار‬
‫الأسد‪ ،‬وإْن كان سَي ظُّل متمِّس ًك ا بالُّس لطة رغَم الكِّم الهائل من الدماء المهدورة‪ ،‬سواٌء من الموالين للِّنظام أم المعارضين له‪.‬‬
‫ودارْت أقاويُل إَّنه سَّلَح قَّو اته بصواريخ محَّم لة برؤوس كيماوَّية‪ .‬رَّبما لا تكون النتائج النهائَّية واضحًة في أٍّي من الدولَتين حَّتى‬
‫عند َنْش ِر هذا الكتاب‪.‬‬
‫قبل عَّدة أسابيع من هذه الأحداث‪ ،‬تجَّددْت مَّر ًة ُأخرى في غَّزة المعارك التي لا يبدو في الأفق أَّية نهاية لها‪ .‬وقبل ذلك‬
‫بمَّدة أيًض ا‪ ،‬اعتدى متطِّرفون على السفارة الأميركَّية في بنغازي الليبَّية‪ ،‬أسفَرْت عن مقتل أربعة أميركِّيين‪ ،‬بَم ن فيهم السفير‬
‫الأميركُّي نفسه‪.‬‬
‫بعيًدا عن الأسى وحالة عدم اليقين المصاحَب ين لهذه الأحداث‪ ،‬كانت لدَّي رَّد تا فعٍل مترابطتان‪ :‬الأولى أَّنه قبل الاحتفاء‬
‫بالِّريادة في عام ‪٢٠١٠‬م‪ ،‬كنُت قد تغاَض يُت عن هذا النوع من الحوادث‪ ،‬أو حَّتى صرفُت النظَر عنها بوصفها دليًل ا على‬
‫رواية الشرق الأوسط التي تستمُّر في مواَص لة التعقيد دون العثور على حٍّل لها‪ .‬ولكِّني اليوَم أرى وجَه ين مختلَفين لرواية الشرق‬
‫الأوسط‪ ،‬كلاهما على الَّنقيض من الآخر‪ ،‬ولكَّنهما ينسجمان مًع ا بطريقٍة ُأخرى‪ ،‬وهما‪ :‬الرغبة المترِّس خة لدى المسؤولين من‬
‫أعلى هرم الُّس لطة إلى أسفله للتحُّكم في أجندات مجتمعاتهم‪ ،‬والرغبُة في حِّل المشكلات والتحِّديات وبناء الفرص المنطلقة‬
‫من أسفل القاعدة صعوًد ا إلى أعلاها بالاستناد إلى التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬وهو ما يحُدُث بغِّض النظر عن الوجه الأَّول للرواية‪.‬‬
‫كما لاحظُت أَّن كَّل سوٍق من أسواق النمِّو تتصارُع اليوم بشكٍل ما على طريقة شِّد الحبل الخاَّص ة بها‪.‬‬
‫ويقوُد ني رُّد فعلي الأَّول إلى رِّد الفعل الثاني‪ ،‬وهو التفكيُر بسعيد ناشف‪ ،‬وهو مستثمٌر في رأس المال المغامر في الشركات‬
‫الناشئة‪ ،‬استثمر في الأشهر الأخيرة من عام ‪٢٠١٢‬م مليون دولار في شركة سفرَّيات ناشئة‪ ،‬كما التزَم أيًض ا أن يمِّوَل مليون‬
‫دولار ُأخرى في شركٍة ناشئٍة لخدمات التوظيف من خلال الرسائل النِّص َّية‪ ،‬وتسعى الشركة إلى تطويِر تطبيٍق يخدُم الأغراَض‬
‫نفَس ها‪ .‬لعَّل أفكار هذه الشركات الناشئة ليس استثنائَّيًة بالشكل المتعارف عليه في مجال الشركات الناشئة‪ ،‬ولكَّن أهِّمَّيتها‬
‫تكمن في أَّن هذه الشركات تعمُل في ِفَلسطين التي ُيقيُم فيها سعيد أيًض ا‪ .‬فلو كان أُّي شخٍص ُيعُّد دليًل ا على نفوذ‬
‫التكنولوجيا الحديثة التي لا تعرُف حدوًد ا في أيدي الريادِّيين‪ ،‬فهذا الشخص هو سعيد‪ ،‬وهذا النفوذ سيكوُن في ِفَلسطين‪.‬‬
‫ُولد سعيد في ِفَلسطين‪ ،‬وهو مؤِّس ٌس شريك في صندوق صدارة لرأس المال المغامر‪ ،‬الذي يمِّثُل صندوًقا لتمويل الشركات‬
‫الناشئة بقيمٍة إجمالَّية تبلُغ ‪ ٣٠‬مليون دولار‪ .‬ومن بين الشركاء الآخرين في الصندوق كبار الشركات في قطاع تكنولوجيا‬
‫المعلومات والاستثمارات العالمَّية مثل غوغل‪ ،‬وسيسكو‪ ،‬وصندوق جورج سوروس للتنمية الاقتصادَّية (‪George Soros‬‬

‫‪ ،)Economic Development Fund‬ومؤَّس سة سكول (‪ ،)Skoll Foundation‬وبنك الاستثمار الأوروپِّي وغيرها‪ .‬تعمل صدارة‬
‫على تمويل الشركات التكنولوجَّية الِف َلسطينَّية الناشئة‪ ،‬والواقعة على الجانب الِف َلسطينِّي من الجدار العازل‪ ،‬وهو حاجٌز إسمنتٌّي‬
‫بارتفاع نحو ‪٧.٥‬م يفصُل ما بين إسرائيل والضَّفة الغربَّية بدأت إسرائيل في بنائه عام ‪٢٠٠٢‬م في مدينة رام الله‪.‬‬
‫لا يمكن أن ُيَع ُّد سعيد شخًص ا شديَد التفاؤل‪ ،‬ولكَّنه جاهَد َطوال حياته للتغُّلب على المتناقضات الكثيرة والكبيرة التي‬
‫تحيط به‪ُ .‬ولد سعيد ونشأ في القدس الشرقَّية‪ ،‬ثَّم انتقَل مهندُس الحاسوب السابق في أثناء مراهقته ليعيَش في الولايات‬
‫المَّتحدة في نهاية ثمانينَّيات القرن الماضي‪ ،‬حيث ساعَدْته عَّم ُته التي تعيش هناك‪ .‬شَّق طريَقه في لونغ بيتش (‪Long‬‬

‫‪ ،)Beach‬كاليفورنيا بالعمل لساعاٍت بصفِة سائِق سَّيارة أجرة وعامٍل في محَّطة وقود‪ .‬تعَّلم الحاسوَب بنفسه‪ ،‬فكان يزوُر‬
‫محاَّل الحاسوب ويمضي ساعاٍت بدراسة البرامج والعِّينات المعروضة‪ .‬لفَت انتباَه شركة ميكروسوفت قبل أن يتخَّرج‪ ،‬فأمضى‬
‫السنوات الخمس التالية في ُم جَّم ع الشركة في ريدموند (‪ ،)Redmond‬ولاية واشنطن‪.‬‬
‫كانت تلك السنوات الخمس في مقِّر مايكروسوفت كفيلًة بَتعليم سعيد كاَّفة أساسَّيات الحاسوب‪ ،‬ثَّم أمضى السنوات‬
‫الخمس الأولى من الألفَّية الثالثة يؤِّس س شركاٍت ناشئًة في قطاع تكنولوجيا المعلومات في الولايات المَّتحدة‪ .‬وقَّرَر أن يكتَب‬
‫إجازة لسنة واحدة يعود فيها إلى ِفَلسطين‪ .‬عَّبَر لي عن دهشته لما رآه بعَد ُوصوله إلى ِفَلسطين‪’’ :‬بدأُت ألتقي الناس‪ ،‬فرأيُت‬
‫مجموعًة من المواهب المذهلة والناشئة التي تمتلُك إمكاناٍت هائلًة في التكنولوجيا الحديثة‪ .‬لم تُكْن هذه المجموعة مئاِت‬
‫الآلاف‪ ،‬ولكَّنها كانت أوسَع مَّم ا كنُت أتوَّقع‪ .‬كانوا يطِّورون أموًر ا مثيرًة للاهتمام‪ ،‬وكانوا بارعين في ذلك‪ .‬كَّل ما كان‬
‫ينقُص هم ببساطة هو الاِّطلاع والفرص التي يحصُل عليها الآخرون‪ .‬فَّكرُت لو أِّني تمَّكنُت من مساعدتهم على الُوصول إلى‬
‫بعض الشبكات على الإ نترنت للحصول على الإ رشاد والتوجيه‪ ،‬فإَّنهم سُيحِّققون النجاَح ‪ ،‬ولاختلَف كُّل شيٍء بالِّنسبة إليهم‪.‬‬
‫جاءت المساعدة في عام ‪٢٠٠٨‬م من الرجل الذي صار لاحًقا شريَك سعيد في صندوق صدارة‪ ،‬وهو يادين كوفمان‬
‫(‪ .)Yadin Kaufmann‬وكان هذا المستثمُر الإ سرائيلُّي الناجح مقيًم ا في نيويورك‪ ،‬وكان قد َو ضَع ُخ َّطًة للاستثمار في ِفَلسطين‪.‬‬
‫ُد هش يادين‪ ،‬كما ُد هش سعيد من قبل‪ ،‬بما وجَده من فرص تكنولوجيا مدهشة في هذه المنطقة‪ ،‬التي سقَطْت من‬
‫حسابات العالم‪ .‬اَّتفق كلاهما عندئٍذ ‪ ،‬كما يؤمنان اليوم‪ ،‬على أَّن التفكير في خلق بيئة أعمال ريادَّية في مكاٍن مثل ِفَلسطين‬
‫لا شَّك أَّنه سيحمل رسالًة اجتماعَّية أيًض ا‪ ،‬ولكَّنهما قَّررا في البداية أن يلَتزما الاهتماَم بالشركات الرابحة‪ .‬وبهذه المعايير؛ وبعد‬
‫تقييم الموهبة النامية‪ ،‬توَّص لا إلى أَّنهما يسَتطيعان تنفيَذ هذه الَم هَّم ة‪ .‬وهكذا ُولَد ِت الشراكُة بينهما‪.‬‬
‫أخبرني سعيد‪’’ :‬كان جزًءا من السبب الذي جَع َلنا نرِّكُز على التكنولوجيا الحديثة بالتحديد هو أَّنها أكثُر مرونًة في ِخ َض ِّم‬
‫عدم الاستقرار الجيوسياسِّي الذي يسود ِفَلسطين‪ .‬فالأعمال التقليدَّية‪ ،‬مثل البناء والزراعة والسياحة‪ ،‬تتأَّثر بسرعٍة بالتغُّير‬

‫ُّث‬
‫الجيوسياسِّي في ِفَلسطين‪ .‬أَّم ا التكنولوجيا الحديثة فهي أقُّل تأُّثًر ا‪ .‬كان واضًح ا أَّن ثورة النمِّو الاقتصادِّي المقبلة‪ ،‬ستكون‬
‫ليس فقط في ِفَلسطين‪ ،‬بل أيًض ا في الشرق الأوسط والعالم ككّل ‪ ،‬وستكون ثورًة تكنولوجَّية‘‘‪ .‬سألُته إْن كانت هناك فرصٌة‬
‫للَّتواصل بمرَكز التكنولوجيا الكبير‪ -‬إسرائيل‪ ،‬فتوَّقف عن الحديث لبرهة ثَّم تابَع قائًل ا‪’’ :‬رَّبما في المستقبل‪ .‬بالِّنسبة إلى‬
‫الريادِّيين الِف َلسطينِّيين المهتِّم ين‪ ،‬نستطيع أن نجعَلهم يتواَص لون مع إسرائيل‪ .‬فشركة سيسكو‪ ،‬والعديد من الشركات‬
‫الِف َلسطينَّية الأخرى حاوَلْت أن تبني شراكاٍت إسرائيلَّيًة ِفَلسطينَّية في مجالاٍت مثل تطوير البرمجَّيات‪ .‬ولكْن ما َيُهُّم نا في‬
‫البداية هو الاستثمار في الريادِّيين المتمِّيزين وتأسيس شركات عظيمة‪ .‬وغير ذلك نترُكه للَّزمن‘‘‪.‬‬
‫سألُته عبر مكالمٍة هاتفَّية عبر سكايپ عن الكيفَّية التي تسيُر بها الأمور بعَد أحداِث العنف الأخيرة في غَّزة‪ ،‬فصمَت‬
‫بعَض الشيء ثَّم قال‪’’ :‬سأكذب عليك إْن قلُت لك إَّن هذا لا يؤِّثر في الأمور هنا‪ .‬يرى أَح ُدنا ِفَلسطين في الغالب فقط من‬
‫منظوِر الصراع والاحتلال‪ ،‬وكلاهما حقيقٌّي وخانق دون شّك ‘‘‪ .‬ارتفَع َص وُته وقال‪’’ :‬ولكْن على الُّرغم من هذا‪ ،‬تتمَّتُع‬
‫ِفَلسطين بالموهبة والفرصة الاقتصادَّية‪ .‬أتت شركة أويسس ‪ ٥٠٠‬من الأردِّن وعقَدْت ورَش عمٍل هنا‪ ،‬مَّم ا وَّض ح الأموَر أمام‬
‫المجتمع أكثَر مَّم ا أستطيُع وصَفه‪ .‬و ِبَص رِف الَّنظر عن صندوق صدارة‪ ،‬هناك صندوقان آخران للَّتمويل يرِّكزان على الشركات‬
‫في ِفَلسطين‪ ،‬أَّم ا النتائُج فهي فلا تزال مغامرًة بعيدَة المدى‘‘‪.‬‬
‫واصل سعيد كلامه‪’’ :‬هناك الكثيُر من الأمور تحُدث هنا مثل الاحتلال والتحِّديات السياسَّية‪ .‬ورَّبما يكوُن من الصعب أن‬
‫نخلَق حًّل ا ُم سَتداًم ا إْن لم يكن قائًم ا على أساس التقُّدم المتوازي على الصعيَدين السياسِّي والاقتصادّي ‘‘‪ .‬توَّقَف لوهلٍة ُأخرى‬
‫ثَّم قال‪’’ :‬إْن كانت هذه الشركات قادرًة على النجاح في ِفَلسطين‪ ،‬فمن الممكن نجاحها في أِّي مكاٍن آخر‪ .‬وبمجَّرد أن‬
‫يذوَق الريادُّيون طعَم النجاح‪ ،‬فإَّنهم لن يتوَّقفوا‘‘‪.‬‬
‫كان سعيد في ذهني عندما اَّتصَل بي أَح ُد الصحفِّيين بعد أحداث بنغازي ليسأَلني إْن كان الوقت قد حاَن للَّتخِّلي عن‬
‫فكرة الشركات الناشئة في الشرق الأوسط‪ .‬فسألُته عن عدد الأشخاص الذين اشتركوا في الاعتداءات على السفارة‬
‫والاحتجاجات هناك بالَّتزامن مع الاعتداءات على السفارة الأميركَّية في القاهرة‪ .‬فكان يعتقد أَّنهم نحو ألَفي شخص (في‬
‫الواقع‪ ،‬كان العدد نحو مئَتين فقط)‪ .‬فأخبرُته بأَّنه قبل عَّدة أشهر‪ ،‬تقَّد َم ما بين أربعِة وخمسة آلاف من الشباب من الجنَس ين‬
‫من مختلف نواحي المنطقة للمشاركة في مسابقة معهد ماساتشوِس تس للتكنولوجيا للشركات الناشئة في الشرق الأوسط‪ ،‬وهي‬
‫واحدة من عشرات‪ ،‬ورَّبما مئات المسابقات الكبيرة والصغيرة على مدى السنة الماضية في العالم العربّي ‪ .‬فالعنف وعدم‬
‫الاستقرار اليوم هي حقائُق واقعَّيٌة في المنطقة وفي كثير من أسواق النمِّو الناشئة‪ .‬إَّلا أَّن أمًر ا مختلًفا يحصُل اليوم بالَّتزامن مع‬
‫ذلك‪ .‬فما َيراه هو وما أراه أنا كلاهما حاضٌر في العالم‪ .‬والسؤاُل الحقيقُّي هو‪ :‬أَّي المجموعات نريُد المراَه نَة على تقِّدمها؟‬
‫سمعُت من يسري حلمي الُحَّج ة ذاتها تقريًب ا‪ .‬وحلمي هو ِم صرٌّي كان قد حَّق َق نجاًح ا كبيًر ا في عَّدة شركاٍت ناشئة في‬
‫سيليكون ڤالي؛ فهو مؤِّس ٌس شريك في شركة آيديال ريتنغز‪ ،‬وهي المصدر المماثل لموقع بلومبرغ الخاِّص بموقع التمويل‬
‫الإ سلامِّي الذي يشارُكه فيه محَّم د دنيا‪ .‬وقد ترَّأَس أيًض ا مع صديٍق ِم صرٍّي آَخ ر ُيعُّد من قصص نجاح سيليكون ڤالي‪ ،‬وهو‬
‫الدكتور أسامة حسنين‪ ،‬رئيس شركة تيك وادي (‪ )Tech Wadi‬وهي مجموعٌة رائدٌة غير ربحَّية لربط الريادِّيين في الشرق‬
‫الأوسط بمنطقة خليج سان فرانسيسكو‪ .‬وكان في القاهرة خلال احتجاجات كانون الأَّول‪/‬ديسمبر ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬ولكْن في َم وقع‬
‫مختلف تماًم ا‪ .‬حضَر نحو ‪ ١.٤٠٠‬ريادٍّي للمشاركة في منتدى التكنولوجيا والترفيه والتصميم (‪ )TEDx‬في القاهرة‪ ،‬وهو واحٌد‬
‫من آلاف المنتديات العالمَّية المنبثقة عن لقاءات التكنولوجيا والترفيه والتصميم (‪ )TED‬السنوَّية المشهورة‪ ،‬التي تستقطُب كَّل‬
‫عام أفضَل المبدعين في العالم إلى منطقة لونغ بيتش في كاليفورنيا‪.‬‬
‫أخبَرني قائًل ا‪’’ :‬كان الوقت الذي أمضيُته في القاهرة صورًة مشابهًة تماًم ا لما يحصل اليوم‪ .‬فالناس يعيشون ويعملون‬
‫كالمعتاد‪ ،‬ثَّم يذهبون إلى ميدان التحرير أو إلى القصر الرئاسِّي للمشاركة على الصعيد السياسّي ‪ .‬وقد نرى على التلفاز مليون‬
‫شخص رغم أَّن عدد سَّكان القاهرة في الحقيقة يصُل إلى نحو عشرين مليون شخص‪ .‬البقية يكونون في أشغالهم أو في‬
‫المدرسة أو في منتدى التكنولوجيا والترفيه والتصميم (‪ ،‘‘)TEDx‬ضحَك ثَّم أضاَف قائًل ا‪’’ :‬كان هذا المعرُض رائًع ا‘‘‪.‬‬
‫بالإ ضافة إلى الألف والأربع مئة شخٍص الموجودين في القاعة أو خارجها على مقاعَد مريحة يشاهدون الجلسات‪ ،‬هناك أكثر‬
‫من خمسين ألَف مشاهد كانوا يشاهدونها على الإ نترنت‪ .‬كان المتحِّدثون حماسِّيين جًّدا‪ ،‬فمنهم طبيٌب يتحَّدُث بموضوع‬
‫’’الطُّب عن ُبعد في ِم ْص ر‘‘‪ ،‬ومحاٍم يتحَّدُث بحقوق المرأة‪ ،‬ومفِّكرون وكَّتاٌب ومبدعون‪ .‬أَّم ا الشباب لم يعودوا يعرفون الخوف‪،‬‬
‫فقد انعكَس ذلك على مطالباتهم بالحِّرَّية والِخ ياراِت المهنَّية وموجة ريادة الأعمال‪ .‬لا مجال للَع ودة إلى الوراء‘‘‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬لا مجال للعودة إلى الوراء‪.‬‬

‫للتحُّقق من الواقع مَّرة أخيرة‪ ،‬رجعُت إلى مؤِّس س فعالَّية الاحتفاء بالريادة‪ ،‬حيث بدأُت رحلتي‪ .‬عارف نقفي هو أكبر‬
‫المستثمرين العالمِّيين في قطاع الملكَّية الخاَّص ة في أسواق النمِّو في العالم‪ ،‬وقد أردُت أن أسمَع منه أين يرى فرَص النجاح‬
‫ولماذا؛ فهو شخٌص ذو خبرٍة هائلة وباٍع َطويل‪.‬‬
‫إَّن أولئك الذين يعتقدون أَّن الأعماَل ذاَت المسار المهنِّي التقليدّي ‪ ،‬لها درجة نجاح تقليدَّيٌة بالمثل سيقولون إَّن َتوقيَت‬
‫عارف نقفي كان سِّيًئا دائًم ا‪ُ .‬ولد عارف في مدينة كراتشي‪ ،‬ودرس الأنظمة الاقتصادَّية السوڤييتَّية والتخطيط الوطنِّي في كِّلَّية‬
‫لندن للعلوم الاقتصادَّية قبل سنوات قليلة من انهيار الاِّتحاد السوڤييتّي ‪ .‬فقَّرر الانتقال من لندن إلى السعودَّية‪ ،‬واختار تاريخ‬
‫الانتقال قبل ثلاثة أَّيام من اجتياح العراق للكويت‪ .‬أَّس س فعالَّية الاحتفاء بالريادة ومَّولها‪ ،‬وذلك قبل شهَرين من اندلاع‬
‫الثورات العربَّية في الشرق الأوسط‪ .‬أَّس سْت شركُته المساهمة الخاَّص ة‪ ،‬وهي مجموعة أبراج‪ ،‬سلسلًة من الصناديق الاستثمارَّية‬
‫بمئات ملايين الدولارات‪ ،‬والمخَّص صة لكِّل َد ولٍة من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الوقت نفسه‪.‬‬
‫لا يوجُد شيٌء ُيسَّم ى مسار مهنٌّي تقليدّي ‪ ،‬أو متوَّقٌع المسار مع هذا الريادِّي البارز‪ ،‬فأداؤه غايٌة في التمُّيز‪ .‬وصَل عارف‬
‫إلى دبي عام ‪١٩٩٤‬م ولديه مَّدخرات بقيمة ‪ ٧٥.٠٠٠‬دولار‪ ،‬وبدأ العمل على إيجاد فرصة استثمارَّية من خلال المضاربة في‬
‫الأسهم‪ .‬وعلى مدى السنوات الخمس عشرة الَّل احقة‪ ،‬ساهَم ْت مجموعته أبراج بنمِّو قطاع الملكَّية الخاَّص ة في الشرق‬
‫الأوسط‪ .‬واليوم يبلُغ مجموع الأصول تحت إدارة الشركة ثمانية مليارات دولار‪ .‬وفي صيف عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬استحوذت على‬
‫شركة أوريوس كاپيتال (‪ ،)Aureos Capital‬وهو صندوق للملكَّية الخاَّص ة في الأسواق الناشئة ومقُّره لندن‪ ،‬مَّم ا جعَله من كبار‬
‫المستثمرين في أسواق النمِّو في العالم‪.‬‬
‫وفي إطار آخر‪ ،‬عكَس ْت مهنُة نقفي نهضَة أسواِق النمِّو الناشئة‪ ،‬وتأثيَر الريادِّيين والتكنولوجيا الحديثة بشكل تاّم ‪ .‬جلسُت‬
‫مع عارف في العديد من المَّر ات على هامش اجتماعاِت المجموعة العربَّية الأميركَّية المنبثقة عن منظمة الرؤساء الشباب‪،‬‬
‫وخلال أنشطته حول العالم‪ .‬وفي نهاية خريف عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬بينما كان في مدينة نيويورك لمقابلة الرئيس كلينتون في قَّم ة‬
‫مبادرة كلينتون العالمَّية‪ ،‬جلسنا في حجرة انتظار هادئة ضمن جناحه في فندق فورسيزونز‪ .‬كان شعُره الداكن وملامُح ه تجعُله‬
‫يبدو أصغَر من أعوامه الاثنين والخمسين‪ .‬كان يبدو عليه التعب من رحلات الطيران والاجتماعات الكثيرة‪ ،‬فعرفُت أنه‬
‫يخِّطُط لخطوته التالية‪ .‬خلال الوقت الذي أمَض يناه مًع ا‪ ،‬بدا لي أَّنه كَّلما فَّكر في َتباطؤ العمل‪ ،‬كان يزيُد أنشطَته الجديدة‪.‬‬
‫َّل‬
‫كانت َع يناه تزدادان اِّتساًع ا بانتباٍه وثباٍت كَّلما وصَف المرحلَة التي يرى العالَم فيها اليوم‪ ،‬والاِّتجاهات المستمَّرة الآتية في‬
‫طريقنا‪.‬‬
‫’’الخطأ الذي يرتكُبه معظم الناس عندما ينظرون إلى العالم اليوم‪ ،‬لا سَّيما الشرق الأوسط‪ ،‬هو أَّنهم يعِّم مون أحكاَم هم‬
‫وآراَءهم دون النظر إلى الاختلافات الموجودة فيها‪ ،‬ودون َفْه ِم الفروق البسيطة بين الدول المختلفة‪ ،‬وإن كانت واقعًة في‬
‫المنطقة نفسها‪ .‬وهذا الخطأ هو أَح ُد الأسباب الرئيسَّية «لسوء الفهم» في العالم‪ .‬وبالَّنظر إلى مواضيع الشرق الأوسط لا‬
‫يبدو الغرب‪ ،‬لا سَّيما الإ علام الغربّي ‪ ،‬قادًر ا على النظر إلى المنطقة بطريقٍة ُأخرى سوى أَّنها منطقُة حرٍب كبرى‪ .‬فلا يجوز أن‬
‫تقِّلَل الأحداُث في سورية من َقْدِر ما تنِّفذه المنطقة من إنجازات‪ .‬ولكَّنهم يفعلون ذلك‘‘‪.‬‬
‫يعتقد عارف أَّن المسألة ليست مرتبطًة كثيًر ا بما ُيسيء الغرُب فهمه‪ ،‬بل مرتبٌط بحقائَق ثلاٍث على الأقِّل يفتقدونها‬
‫جميَع ها‪.‬‬
‫الحقيقة الأولى هي أَّن روايات الحرب ُتعمي الغرَب عن الاِّتجاهات الاقتصادَّية الواضحة في المنطقة‪ .‬فعلى مدى نحو‬
‫عقٍد من الزمن‪ ،‬ومن حيُث منظور الاقتصاد الكِّلّي ‪ ،‬استطاَعْت دوٌل مثل تركيا وِم ْص ر والسعودية أن تتبَّو أ مكانًة عاليًة وبشكٍل‬
‫ثابٍت في أسواق النمِّو العشرة من حيُث الإ مكاناُت في معظم الدراسات‪ .‬ويقول عارف‪’’ :‬حَّتى اليوم‪ُ ،‬يتوَّقُع من هذه البلدان‬
‫أن تنمَو بنسبة ‪ ٪٥‬سنوًّيا على مدى السنوات الخمس المقبلة‪ ،‬لذا يجب أن يكون السؤاُل التالي هو عَّم ا يعنيه ذلك من‬
‫حيُث المتطَّلباُت الاستثمارَّيُة في مختلف القطاعات المحَّددة‘‘‪ .‬ويشير مثًل ا إلى أَّن نمَّو الطلب على الإ سكان في السعوَّية‪،‬‬
‫يعني الحاجَة إلى بناِء أكثَر من مليون منزٍل على مدى السنوات الثلاث المقبلة‪ ،‬وهو ما ُيعُّد مؤِّش ًر ا إيجابًّيا لقطاع الإ نشاءات‪،‬‬
‫كما أَّن فرصَة النمِّو في انتشار البطاقات الائتمانَّية في الاقتصادات الإ قليمَّية الكبرى يعني ارتفاَع إنفاِق المستهلكين؛ وأَّن‬
‫الطلَب على َأِس َّر ِة المستشفيات سيَتضاَع ُف في دول الخليج العربِّي على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة يعني فرصًة‬
‫حقيقَّيًة في قطاع الرعاية الصِّح َّية‪’’ .‬هذه اِّتجاهاٌت وأسواٌق لا يدرُكها أو يفهمها العديُد من المستثمرين‪ .‬لذا نستمُّر في‬
‫العمل على الصعيد المحِّلِّي فقط‘‘‪.‬‬
‫والحقيقة الثانية‪ ،‬هي ما يحصل اليوم في منطقة الشرق الأوسط‪ ،‬والذي يشِّكل جزًءا كبيًر ا وواضًح ا من حالة التحُّول التي‬
‫تسوُد المشهَد الاقتصادَّي العالمّي ‪ ،‬وإلى حٍّد ما تحُّول النفوذ السياسِّي من الغرب إلى الشرق‪ .‬واعتمدت قَّص ة نجاح‬
‫مجموعة أبراج على النمِّو العالمِّي المدفوع بهذا التُّح ول؛ فشركته اليوم تعمُل من خلال سبعة محاوَر في ‪ ٣٥‬مدينة حول‬
‫العالم‪ ،‬وتستثمُر في أسواق النمِّو العالمَّية الممتَّدة من أميركا الَّل اتينَّية إلى الصين‪ ،‬ومن كازاخستان إلى جنوب أفريقيا‪ .‬ويقول‬
‫عارف‪’’ :‬أفريقيا هي المكاُن الِج ِّد ُّي للاستثمار بالنسبة إلى البعض‪ .‬ولكَّننا وَّظفنا ما يزيد على ‪ ١.٥‬مليار دولار في ‪ ٥٠‬شركًة‬
‫في القاَّرة الأفريقَّية‪ ،‬ولا نزاُل متفائلين بإمكانَّية النجاح هناك‘‘‪ .‬ويضيف أَّن شركة ماكينزي تتوَّقع أن يصَل عدُد المستهلكين‬
‫من الطبقة الُوسطى إلى ‪ ٦٠٠‬مستهلك في العام ‪٢٠٦٠‬م في القاَّرة الأفريقَّية‪ ،‬علًم ا أَّن سبعًة من عشرة من أسرع الُّد َو ل نمًّو ا‬
‫في العالم اليوم تقُع في هذه القاَّرة‪ .‬ويقول عارف‪’’ :‬معظم الناس لا ينظرون إلى أفريقيا من هذا المنظور‪ ،‬ولكْن بالِّنسبة إلينا‬
‫هي ليَس ْت َم وقًع ا جديًدا للنشاط الاستثمارّي ‪ ،‬بل سوٌق للنمِّو ستكوُن لنا فيها مكانٌة رائدة‘‘‪ .‬ويقول إَّن الشرق الأوسط تمتلُك‬
‫مؤِّش راٍت عاليًة للُّنمّو ‪ ،‬ولكَّن الأهَّم أَّنها تقُع في قلب هذا النمِّو الأشمل‪ .‬ويتابُع قائًل ا‪’’ :‬يوصُل الشرق الأوسط الصين والهند‬
‫بأفريقيا‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬فهو المنطقة التي تمِّثُل َم وطَن أَح ِد أكثر الخطوط الجِّو َّية ربحَّيًة وهي شركة الإ مارات للطيران‪ ،‬وأَح َد‬
‫أكبر الموانئ في العالم‪ ،‬وهو ميناء جبل علي‪ .‬وبينما تواصُل القاَّرتان الآسيوَّية والأفريقَّية نمَّوهما القوّي ‪ ،‬أعتقُد أَّنه سيكون‬
‫للشرق الأوسط َد وٌر أكبُر في الاقتصاد العالمّي ‘‘‪.‬‬
‫والحقيقة الثالثة‪ ،‬هي رغباُت الجيل الجديد في الشرق الأوسط وطرق التعبير عنها تمِّثُل ظاهرًة عالمَّيًة أيًض ا‪ .‬يقول عارف‪:‬‬
‫’’نصف سَّكان الشرق الأوسط تقُّل أعماُرهم عن ‪ ٢٥‬عاًم ا‪ ،‬والكثير منهم فقراء حالًّيا‪ .‬وهو ما يشِّكُل دون شٍّك تحِّد ًيا بارًز ا‪،‬‬
‫ولكن في الوقت نفسه‪ ،‬لدى الجميع طموحاٌت للَح راك المجتمعّي ‘‘‪ .‬ما يجب تسليط الَّض وء عليه هو أَّن الشباب في‬
‫المنطقة يكافحون اليوم من أجل الأمور نفسها التي يكافح نظراؤهم الغربُّيون لأجلها‪’’ .‬لا تختلُف أحداُث الثورات العربَّية‬
‫والأسباُب التي أَّد ت إلى اندلاعها‪ -‬رُّد الفعل على الُّظلم‪ ،‬وهذه الطموحات للحراك المجتمعّي ‪ -‬عَّم ا رأيناه في حركة «احتُّلوا‬
‫وول ستريت» (‪ )Occupy Wall Street‬أو الثورات في اليونان‘‘‪ .‬يعتقُد عارف أَّن ما يقوُم به الجيل الجديد على صعيد‬
‫التكنولوجيا الحديثة وفي مجال الشركات الناشئة مَّم ا يراه هو وفريُقه كَّل أسبوع‪ ،‬إَّنما هو تعبيٌر جديٌد بأَّنهم صاروا يسيطرون‬
‫على َح راكهم‪ .‬ويضيُف قائًل ا‪’’ :‬وهذا سينَتشُر على نطاٍق واسع؛ فالَّش باُب العربُّي ‪ ،‬وجميع الشباب‪ ،‬لن يقبلوا أن تعوَد الأموُر‬
‫إلى ما كانت عليه‪ .‬فقد خرج المارُد من ُقْم ُق ِم ه‘‘‪.‬‬
‫وبقدر ما هي واضحٌة تلك الحقائق بالِّنسبة إلى عارف اليوم‪ ،‬لا يحتاُج المرُء إلى كرٍة ِبَّلورَّيٍة لَي رى ثلاثة اِّتجاهاٍت إضافَّيًة‬
‫للمستقبل على الَقْدِر نفسه من الأهِّمَّية‪ ،‬بدأْت تتكَّوُن الآن‪.‬‬
‫الاِّتجاه الأَّول‪ :‬نظًر ا إلى أَّن ‪ ٪٥٠‬من سَّكان العالم يعيشون في المدن اليوم‪ ،‬مع نمِّوهم بما يزيد على مليون نسمٍة‬
‫أسبوعًّيا‪ ،‬فقد صار التحُّض ر أمًر ا حتمًّيا‪’’ .‬في كِّل عام‪ ،‬تتوَّس ُع المدُن في أسواق النمِّو بما يعادل حجم ثمانيِة مدٍن بحجم‬
‫نيويورك‪ .‬إذ تمِّثُل خمٌس وعشرون مدينًة في تلك الأسواق ما يزيد على عدِد سَّكان الولايات المَّتحدة‪ .‬وهذا يعني َتزاُيَد تعداد‬
‫الَّطبقة الُوسطى ليصَل إلى ‪ ١.٤‬مليار نسمة‪ ،‬وهو أكبُر من كِّل بلدان منَّظمة التعاون والتطوير الاقتصادّي [المكَّونة من ‪٣٤‬‬
‫دولة]‘‘‪.‬‬
‫الاِّتجاه الثاني‪ :‬بالَّتزاُم ن مع الاِّتجاه الأَّول‪ ،‬سيواصل المجتمع استبداَل الضرورة والرغبة بالَّتسلسل الوظيفِّي في السياسة‬
‫والأعمال‪ .‬فمع زيادة عدد السَّكان والتحُّض ر‪ ،‬تأتي تعقيداٌت أوسع‪ ،‬وتكوُن المؤَّس ساُت التقليدَّية غير متمِّتعٍة بالُقدرة أو‬
‫المصادر الكافية لحِّل التحِّديات والمشكلات‪ .‬وهذا يعني أَّن المدَن بشكٍل إجمالٍّي ستضطلُع ِبَدوٍر أكبَر في مجابهة‬
‫تحِّدياتها‪ ،‬غير أَّن الأهَّم من ذلك هو أَّن الأفراَد والريادِّيين سيقودون التغيَي ر من أسفل القاعدة صعوًد ا إلى أعلاها‪’’ .‬ما يعنيه‬
‫ذلك حًّقا هو أَّن كَّل شخٍص سيكوُن على َقْدٍر أكبَر من القَّوة بالطريقة التي نتعامُل بها مع الحكومات أو الشركات أو‬
‫المؤَّس سات‘‘‪ .‬تعمل التكنولوجيا الحديثة اليوم على تسهيل هذا التغيير ما دام الناُس أكثَر اعتماًد ا عليها‪ .‬ويقول عارف‪’’ :‬بمرور‬
‫الوقت‪ ،‬سُتزال الحدود ما بين الدول القائمة‪ ،‬وسيكون المجتمُع هو الأصل‪ ،‬وسيتعارُض مع قاعدة الَّتسلسل الهرمِّي الذي‬
‫كانت الحكوماُت والمجتمعاُت والمشاريع ُتنَّظم في ما مضى بناًء عليه‘‘‪.‬‬
‫وفي النهاية‪ ،‬سيكون على الشركات والمشاريع أن تعيَد تعريَف َد ورها ومساهمَتها في المجتمع‪ .‬فيقول عارف‪’’ :‬ستحتاُج‬
‫الشركاُت الدولَّية إلى سياسٍة خارجَّيٍة خاَّص ة بها‪ .‬ولا َيُه ُّم إْن كانت شركة عملاقٌة عالمَّية مثل كوكا كولا‪ ،‬أو شركة صغيرة‬
‫تعمل في قطع الغيار‪ ،‬أو شركة تكنولوجَّية ناشئة جديدة‪ .‬ستتنافس الشركاُت مع الأفراد في الواقع‪ ،‬وسُتظهُر علاقاُتها‬
‫وارتباطاُتها مواقَفها وكيف ستتفاعُل مع الشركات العالمَّية والدول والأفراد بصفتهم مواطنين مسؤولين‪ .‬فالمسؤولَّية الاجتماعَّية‬
‫للشركات بالِّنسبة إلى السِّيد عارف هي ليَس ْت مجَّرَد مصطلح من مصطلحات العلاقات العاَّم ة‪ ،‬بل هي مكَّوٌن مهٌّم من‬
‫مكِّونات أَّية شركٍة له أهِّمَّية الأرباح نفسها‪ .‬فكُّل الجهات المعنَّية اليوم‪ ،‬والتي سَتزداُد في المستقبل‪ ،‬بَمْن فيها الجهات‬
‫َّظ‬
‫المعنَّية التقليدَّية مثل العملاء والمستثمرين والموَّظفين‪ ،‬بل أيًض ا المجتمعات التي يعيشون فيها أو يتواصلون معها بصورٍة‬
‫افتراضَّية‪ ،‬سُتطالُب جميعها بالشمولَّية‪ .‬ويؤِّكد عارف قائًل ا‪’’ :‬لا تأتي الشمولَّية تلقائًّيا‪ ،‬بل على شكل عاصفٍة تعلو فيها‬
‫الأمواج‪ .‬وكَّلما َع َلِت الأمواج‪ ،‬فعلى القوارب أن تعلَو أيًض ا‪ ،‬لكْن ليس كُّل القوارب‪ ،‬بل القوَّية منها فقط‘‘‪.‬‬
‫بما يتوافق مع النظرة المهنَّية الشاملة‪ ،‬والتي أهُّم ما فيها هو النظر إلى ما وراء الروايات الفورَّية والمقبولة عموًم ا‪ ،‬ليس غريًب ا‬
‫أن تكوَن رؤية عارف مختلفًة عن أولئك الذين يعتقدون أَّن الثورات العربَّية قد زاَد ْت من مخاطر الاستثمار في الشرق الأوسط‪.‬‬
‫يخبُرني عارف بالَقول‪’’ :‬هناك بالـَّتأكيد حالٌة من الشِّك وعدم اليقين بدأت تظهُر في بعض الدول مع الأحداث التي تعُّم‬
‫المنطقة اليوم‪ .‬غير أَّننا عندما ُنمعُن في النظر في الحقائق والاِّتجاهات السابقة‪ ،‬فهذه الحالة لن تؤِّد َي إلى تبُّد ِد طموح‬
‫الريادِّيين بالنجاح في مشاريعهم التجارَّية‘‘‪.‬‬
‫بالنسبة إلى عارف الإ نسان في حياته العادَّية‪ ،‬يكوُن السؤاُل الأساسُّي المجهوُل على المدى المتوِّس ط‪ -‬أِو الِخ يار الأساسُّي‬
‫بالفعل‪ -‬هو إْن كانت الحكوماُت والمؤَّس ساُت ستعترُف بهذه الحقائق والاِّتجاهات‪ .‬يقول عارف‪’’ :‬لا أعتقد أَّن أَّي شخٍص‬
‫يستطيُع إنكاَر حِّق الناس في الحصول على حياٍة أفضل‪ ،‬وتعزيِز نظاِم َح وَكمٍة قائٍم على المشاركة والتعاون‪ ،‬وترسيِخ نظاِم‬
‫مساءلٍة أكبَر للُح كومات‘‘‪ .‬وقد تكون نقطُة الَّتعاُرِض في الفرق ما بين مؤَّس سات القرن العشرين التي تسير في مساٍر مختلف‬
‫نحو ’’المدى الطويل‘‘ والأفراد الذي يريدون التغيير ويعَم لون على صنعه بسرعٍة أكبر‪ .‬ويضيف عارف‪’’ :‬أرى أَّن المسألة ليَس ِت‬
‫في تكُّيف الحكومات‪ ،‬بل هي مسألة متى وكيف‪ .‬فهل ستنجُم عن مزايا المنَّص ة الديمقراطَّية في الشرق الأوسط تغُّيراٌت‬
‫إيجابَّية خلال السنوات الخمس أو العشر أو العشرين المقبلة؟‘‘‪.‬‬
‫أَّم ا بالِّنسبة إلى عارف المستثمر‪ ،‬فالسؤاُل الأساسُّي على المدى القريب هو‪ :‬هل ستبقى هناك فرٌص استثمارَّية جِّيدٌة‬
‫تمِّكُنه من توظيف رأس مال أكبر؟ يقول عارف‪’’ :‬لا أريُد المزاَح في هذا الموضوع‪ ،‬ولكِّني مهتٌّم كثيًر ا بأن تكوَن منطقة‬
‫اليورو والولايات المَّتحدة قادرًة على ترتيب أمورها الداخلَّية‪ .‬إذ لا يستطيُع المرُء أن يتمَّيَز وسط الإ ضرابات المحيطة به‪ .‬نحن‬
‫نعيش في عالم مترابط ومعَّقد بشكٍل كبير‪ ،‬فقد تؤِّد ي التحِّديات التي تواجُه ها منطقة اليورو والولايات المَّتحدة إلى نتيجٍة‬
‫ُتسِّم يها مديرُة صندوق النقد الدولّي كريستين لاغارد (‪ )Christine Lagarde‬بالعقد الضائع‘‘‪.‬‬
‫يتوَّقُف عارف لحظًة وينظُر من فوق كتفَّي إلى أفق مدينة نيويورك‪ ،‬ثَّم يتابُع قائًل ا‪’’ :‬إَّن موقَع نا الآن والاِّتجاهاُت المحورَّية‬
‫في المجتمعات والطلبات منها‪ ،‬لم تكن هذه يوًم ا تساؤلاٍت واضحًة كما هي اليوم‘‘‪ .‬يتوَّقُف عن الحديث وينظُر إلَّي ويتابُع ‪:‬‬
‫’’ولكِّني متفائٌل أَّن الشرق الأوسط سُيسهُم في زيادة معَّدل النمِّو العالمِّي في السنوات الخمس إلى العشر التالية‪ .‬إَّن رهاني‬
‫هو على الريادِّيين الذين سَي صَنعون ذلك التغيير‘‘‪.‬‬

‫فهل ستَّتخُذ الحكومات والمجتمعات الجديدُة الرهاَن نفَس ه؟‬


‫لقد جعَلْت قَّو ُة التكنولوجيا الحديثة هذا السؤاَل في الكثير من المجالات أقَّل ارتباًطا‪ .‬فلو أَّن هناك ما يشيُر إلى نهضِة‬
‫الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وفي أنحاء العالم‪ ،‬فهو ما يقوُم به الريادُّيون من بناٍء وصعوٍد وتجاُو ٍز للعقبات والنجاح رغم‬
‫ُوجود تلك العقبات‪ .‬ورغم عدم ُوجود المجال للَّتراجع‪ ،‬فإَّن الحكومات تستطيُع إبطاَء هذه الموهبة في الأسواق التنافسَّية‬
‫العالمَّية ذات الوتيرة السريعة‪ .‬في الواقع‪ ،‬وبحسب ما يشهُده العالم اليوَم من استخداٍم كبيٍر للتكنولوجيا الحديثة‪ ،‬واعتماد‬
‫العالم عليها بصورٍة كبيرة‪ ،‬فإَّن لكِّل ما يبطئ بيئات الأعمال عواقَب كبرى ترتبُط بكِّل جيٍل على ِح دة‪.‬‬
‫لقد حاَل التركيُز على عدم الاستقرار السياسِّي في المنطقة دون الانتباه إلى القوانين التي َتُس ُّنها العديُد من الدول حول‬
‫تقييد الوصول إلى الإ نترنت وقوانين الخصوصَّية‪ .‬ومن هذه الدول دبي التي تشِّكل بيئًة صديقًة للأعمال‪ ،‬والأردُّن التي تشِّكُل‬
‫مرَك ًز ا تكنولوجًّيا متقِّد ًم ا‪ .‬وهذه القيود‪ ،‬التي توَص ُف غالًب ا بأَّنها خطواٌت ضرورَّيٌة في مجالاٍت مثل قانون المطبوعات والنشر‬
‫لأجل الحماية من التشهير‪ ،‬عادًة ما تنُّص عليها القوانين بشكٍل غامض‪ ،‬وتخضُع لتفسيراٍت انتهازَّيٍة واسعة‪ .‬وعلى الأرض‪،‬‬
‫يرى الريادُّيون والمستثمرون أيًض ا هذه القيود بوصفها خطواٍت تهِّد َد تطوير الأعمال في بيئات الأعمال المزدهرة‪.‬‬
‫مثًل ا‪ُ ،‬يحِّم ُل التشريُع الأردنُّي لعام ‪٢٠١٢‬م المواقَع الإ خبارَّية الإ لكترونَّية المسؤولَّيَة عن التعليقات التي يضُع ها القَّر اء‪،‬‬
‫ويطلُب من المواقع أرشفة كاَّفة تلك التعليقات‪ ،‬ويجبُرها على الحصول على تراخيص من الحكومة أو تحُّم ل مسؤولَّية‬
‫إغلاقها‪ .‬هذا القانون من جهة‪ ،‬ومن جهٍة أخرى‪ ،‬حَّق َق قطاع التكنولوجيا الحديثة في الأردِّن نمًّو ا بنسبة ‪ ٪٢٥‬سنوًّيا على‬
‫مدى العقد الماضي‪ ،‬ويشِّكل اليوم ما نسبته ‪ ٪١٤‬من الناتج المحلِّي الإ جمالّي ‪ ،‬بعدما كان يشِّكل عام ‪ ٢٠٠٠‬ما نسبُته‬
‫‪ ١.٪٢‬تشيُر المجموعة الإ خبارَّية والبحثَّية الإ قليمَّية‪ ،‬سندباد في عام ‪٢٠١١‬م‪ ،‬إلى أَّن الأردَّن هو مقُّر أكثر من نصف الشركات‬
‫‪٢‬‬
‫الناشئة التي تمَّوُل في العالم العربّي ‪.‬‬
‫كانت رَّد ُة فعل المجتمعات التكنولوجَّية الإ قليمَّية فورَّيًة أمام مثل هذه القيود‪ .‬فالمئاُت من أشهر المواقع الإ لكترونَّية في‬
‫الأردِّن ُتغلُق َد ورًّيا احتجاًج ا على هذه القوانين (مثل الاحتجاجات في الولايات المَّتحدة في بداية عام ‪٢٠١٣‬م ضَّد قانون‬
‫َو ْقِف القرصنة الإ لكترونَّية‪ ،‬والذي درَس ْته عندئٍذ لجاُن الكونغرس)‪ .‬كما امتلأ موقع تويتر بتغريدات الريادِّيين يحِّذ رون من هذا‬
‫التقييد‪ .‬كما كتَب لي مؤَّخ ًر ا أَح ُدهم أَّن ‪’’ :‬الحكومة على وشك تحقيق أكبر استنزاٍف للعقول في تاريخنا‘‘‪.‬‬
‫ولكن هل سُيسهُم غضُب القطاع التكنولوجِّي في تغيير سياسة الحكومة؟ ما تزاُل القيوُد على الإ نترنت شائعًة اليوم في‬
‫دول حيُث تكون فيها الإ دارة الحكومَّية مرَك زَّيًة ‪ .‬فالِّص ين تتصارع بشكل نظامٍّي مع غوغل‪ ،‬والسعودَّية وروسيا لديهما الكثير من‬
‫القوانين المقِّيدة‪ ،‬وحَّتى الدول الديمقراطَّية مثل تركيا والهند لديها الكثيُر من القيود على الإ نترنت‪ .‬وفي نهاية عام ‪٢٠١٢‬م‪،‬‬
‫حاوَلِت الفيلِّپين َفْرَض قيوٍد شديدٍة على استخدام مواقع التواصل الاجتماعِّي قبل تدُّخ ل القضاء هناك‪ .‬فهذه البلدان على‬
‫المدى القصير تتنَّبأ بموجاِت احتجاج‪ ،‬وتتحَّرُك الشركات بخًطى سريعة‪.‬‬
‫توِّفُر القيوُد على الإ نترنت ظاهرًة متناقضًة اقتصادًّيا أكبَر وأطَوَل مًدى لكاَّفة الدول النامية‪ .‬فالإ نترنُت اليوم ليَس ْت مجَّرَد‬
‫وسيلِة اِّتصال‪ ،‬بل هي منَّص ٌة لابتداع المشاريع والشركات‪ ،‬التي تتفاعل مع كاَّفة أنحاء العالم‪ .‬فكيف يمكُن للحكومات‬
‫تقييُد هذه المنَّص ة عندما يكوُن نجاُح ها مستنًدا إلى الشفافَّية والانفتاح وحِّرَّية الاستخدام؟‬
‫مارك أندريسن هو أَح ُد رَّو اد الإ نترنت‪ ،‬وهو مستثمٌر في رأس المال المغامر‪ .‬كتب مارك في صحيفة وول ستريت عام‬
‫‪٢٠١٢‬م‪’’ :‬العديُد من الشركات والقطاعات الرئيسَّية ُتداُر اليوَم َو فًقا لبرامَج حاسوبَّية وُتقَّد ُم بوصفها ِخ ْدماٍت إلكترونَّيًة في‬
‫قطاعاٍت مختلفة مثل الأفلام والزراعة والدفاع الوطنّي ‪ .‬والكثير من الرابحين هم الشركات الريادَّية التكنولوجَّية على طريقة‬
‫سيليكون ڤالي‪ ،‬والتي تغزو اليوم وتطغى على البنى القطاعَّية القائمة‪ .‬فعلى مدى السنوات العشر المقبلة‪ ،‬أتوَّقُع أن ُتبتَك َر‬
‫الكثيُر جًّدا من القطاعات بِف عل البرَم جة الحاسوبَّية‪ ،‬وذلك بفعل المزيُد من شركات سيليكون ڤالي الريادَّية التي ستخلُق المزيد‬
‫‪٣‬‬
‫من حالات الابتكار التي تخدم أسواًقا جديدة‘‘‪.‬‬
‫لقد ساهَم هذا الكتاُب في إظهار حقيقِة أَّن الإ بداَع التكنولوجَّي لم يُع ْد حكًر ا على سيليكون ڤالي‪ ،‬ولكَّن من الضرورِّي‬
‫عدَم تقييد استخدام الإ نترنت‪ .‬إذ يعمل الريادُّيون اليوم في أنحاء العالم على َخ ْلِق وسائَل للَّتعاون وحِّل المشكلات المحِّلَّية‬
‫والإ قليمَّية وحَّتى العالمَّية‪ .‬وعلى الحكومات أن تلاحَظ أَّن هؤلاء المبتكرين رغم حماسهم الشديد لأوطانهم وثقافاتهم‪ ،‬فإَّن‬
‫في ُوسعهم أيًض ا الانتقاَل إلى أِّي مكاٍن آخَر في العالم بحًثا عن حكوماٍت تتبَّنى مواهَب هم‪ ،‬في حال ضغطت حكوماُتهم‬
‫عليهم أو قَّيدتهم‪.‬‬
‫وبالإ ضافة إلى فقدان أفضل وأروع ما لديهم‪ ،‬ستتعَّرُض الدول النامية لتحِّدياٍت في بيئاتها القانونَّية التي تخمُد الفكَر‬
‫الإ بداعّي ‪ .‬حَّتى في الصين‪ ،‬حيث ُيظِه ُر النمُّو المذهُل فيها اليوَم مهارَة الحكومة في إدارة التحُّولات التكنولوجَّية‪ ،‬فإَّن‬
‫المحِّرَك على ما يبدو يسيُر ببطء‪ .‬أَّم ا بالنسبة إلى الاقتصادات الجديدة في بدايات تبِّنيها التكنولوجيا والصراع من أجل النمِّو‬
‫الشامل‪ ،‬فرَّبما يكوُن الضرُر أسوأ‪ .‬ويبقى السؤال بعد أن يصيروا متأِّخ رين عن الدول الأخرى‪ :‬كيف يأمل الناس في التطُّور‬
‫والتنافس بمرور الوقت؟‬
‫التاريخ حافٌل بقصص الحكومات التي تقِّيُد رأَس المال من أجل المحاَفظة على النفوذ السياسّي ‪ ،‬ولعَّل الاِّتحاَد السوڤييتَّي‬
‫هو أجدُر مثاٍل على ذلك‪ .‬لقد عاَش ِت الأنظمُة الظالمُة لُع قوٍد من الزمن من خلال السماح لآخرين باستخدام رأس المال‪.‬‬
‫إَّلا أَّن هذه الاستراتيجَّية لم َتُد ْم ‪ ،‬وهو ما أظهرْته منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص في السنوات الأخيرة‪ .‬لا يمكُن‬
‫أن نتصَّوَر أَّن لتقييِد استخدام التكنولوجيا نتائَج جِّيدًة في أَّية حال من الأحوال‪.‬‬
‫نيتين نوريا (‪ )Nitin Nohria‬هو عميد كِّلَّية الأعمال في جامعة هارڤرد‪ ،‬وكان في ما مضى أستاذي لعقَدين من الزمن‪.‬‬
‫عكست حياُته التحُّولات والتحِّديات والفرص في وقتنا‪ُ .‬ولد نوهريا وترعرع في رحاب الجامعة في الهند‪ ،‬ودرس في معهد‬
‫ماساتشوِس تس للتكنولوجيا‪ ،‬ثَّم التحق بجامعة هاڤرد‪ .‬عايَش فترَة نشأة التكنولوجيا وأسواق النمِّو الناشئة‪ .‬فما من أَح ٍد دفَع ني‬
‫إلى التفكير في نتائج هذه المعضلة أكثر منه‪.‬‬
‫أخبَرني في مكتبه في بوسطن بأَّن ‪’’ :‬الناس لا يهتُّم ون كثيًر ا لعلم النفس في هذه الأمور‪ .‬فالقَّوة الكامنة أن تكوَن جزًءا من‬
‫هذه التوُّج ه لأَّنك تستطيُع أن تكوَن جزًءا منه‪ ،‬وهذا ما دفع العديَد من الناس إلى الثورات العربَّية‪ .‬نحن اليوم في لحظِة تغييِر‬
‫المفاهيم‪ ،‬فلا أَح َد يحتاُج لأْن يعيَش في عالٍم ُتقِّرُر فيه سلطاٌت دكتاتورَّية مصيَر الناس‪ .‬وهذا تعبيٌر سياسّي ‪ ،‬ولكَّنه اقتصادٌّي‬
‫أيًض ا لما وراء ما يراه الريادُّيون اليوم‘‘‪ .‬توَّقَف لوهلٍة وقال‪’’ :‬وكُّل مثٍل على النجاح‪ ،‬سيكوُن مصدَر إلهام لكثيٍر من الناس أن‬
‫يتحَّلوا بالشجاعة ليخُرجوا من َثوِب الوظيفة ويقولون‪« :‬نحن لا نحتاج لأن نكوَن موَّظفين براتٍب ثابت‪ .‬لا نحتاُج لأن نكون‬
‫في الجيش لَتحقيق النجاح‪ .‬لا نحتاُج إلى الالتحاق بأَّية تنظيماٍت دينَّية‪ .‬لا نحتاج لأن نكون من أسرٍة مرموقة‪ .‬لا نحتاج‬
‫لأن نذهب إلى الغرب‪ .‬وليس أملنا الوحيد هو الهروب والعثور على فرصٍة ما في الخارج»‘‘‪.‬‬
‫وضَع إصبعه على الجرح عندما ذَّكرني بكِّل الأمور التي نحسُبها نحن في الغرب أموًر ا أكيدًة حيث يقول‪’’ :‬ليس أمًر ا‬
‫تافًه ا‪ ،‬فمن السهل بالنسبة إلينا أن نجلَس هنا في مكتبي ونقوَل ‪« :‬حسًنا‪ ،‬على كِّل شخٍص أن يتخَّيَل فكرًة ما ويعمَل على‬
‫تطبيقها»‪ .‬فالِّنسبة إلَّي هذا التفكير هو أهُّم رأس مال تمتلُكه الولايات المَّتحدة؛ بمعنى أَّن المساحة النفسَّية للشخص يمكُن‬
‫أن تكوَن أيًض ا مساحًة حقيقَّيًة على أرض الواقع‪ .‬فنحن في الولايات المَّتحدة غير ُم لَزمين أن ينشأ أَح ُدنا متسائًل ا إْن تطَّلَب‬
‫الأمُر قفزًة كبرى لاِّتخاذ قراٍر في فعل أمٍر ريادٍّي ما‪ ،‬فالأمُر محسوم‪ .‬وللمَّرة الأولى‪ ،‬رَّبما يكوُن هذا واقًع ا في كثير من أرجاء‬
‫العالم‪ ،‬ومن الصعب كبُته حالما يبرُز هناك‪ .‬إذ صارت الحكومات تخاُف اعتماَد ذلك لأَّنه يجلُب عدم الاستقرار‪ ،‬غير‬
‫فاهمين أَّن في هذا التعبير إجاباٍت عن الكثير من مخاوفهم‘‘‪.‬‬
‫واَص َل نوهريا حديَثه‪’’ :‬من المثير للَح يرة فعًل ا أن تكوَن لديك القدرُة على استخدام الإ نترنت وكِّل ما تقَّدم‪ ،‬فهذه المنَّص ة‬
‫تعني أَّن طلبَة الجامعات يستطيعون أن يحلموا ويحِّققوا تلك الأحلام بسبب هذا الانفتاح الهائل‘‘‪ .‬توَّقَف برهًة ثَّم قال‪’’ :‬كم‬
‫عقًل ا مبدًع ا تريُد الحكومُة أن تقِّيد؟ إَّن ما يجعُل المجتمعات تتقَّدم‪ ،‬سواء من الناحية النظرَّية أم العملَّية‪ ،‬هو سيادُة الفرد فوَق‬
‫أِّي أمٍر آخر‪ -‬أن يكوَن الفرُد سِّيَد نفسه‪ ،‬في حياته الخاَّص ة بشكٍل معَّين‪ .‬هذه هي الطريقُة الوحيدُة لَتكريم الحقيقة‪ :‬أَّن لكِّل‬
‫حياٍة فرصَة تقرير المصير‘‘‪.‬‬
‫إَّن المعضلة في مسألِة إن كانت المؤَّس ساُت التي تتبُع نهَج الإ دارة من الأعلى إلى الأسفل تستطيع تحقيَق النمِّو المرجِّو‬
‫بنجاٍح من خلال التحُّكم في الإ نترنت والريادِّيين الذين يستخدمونها‪ -‬وهذه منَّص ٌة يزَد هُر فيها الأفراد على الشفافَّية والمرونة‬
‫والابتكار السريع‪ -‬فلا توَج ُد معضلٌة حينها‪ .‬هم ببساطٍة لا يستطيعون التحُّكم‪ .‬فهذه المؤَّس سات تتأَّكد من تحقيق الهوامش‬
‫المطلوبة باستمرار‪ ،‬وتخاطُر بأن يؤِّس َس أفضُل الريادِّيين شركاِتهم الناشئة في أماكَن ُأخرى‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬تمتلُك الحكومات في أسواق النمِّو الناشئة فرصًة متمِّيزًة وغيَر مسبوقٍة عبر التاريخ في حسبان الإ نترنت منَّص ًة‬
‫مرَك زَّية للأعمال الخاَّص ة بها‪ .‬اغتنَم ْت كٌّل من سنغافورة وكوريا الجنوبَّية وإسرائيل هذه الفرصة‪ ،‬فصارت من أبرز الُّدول في‬
‫قطاع التكنولوجيا الحديثة‪ .‬وقد واجَه ْت هذه الدول تحِّدياٍت في مسألِة التحُّرر السياسّي ‪ ،‬ولكَّن اعتمادها لمسألة الاستخدام‬
‫المنفتح والتنافسِّي عالمًّيا للتكنولوجيا الحديثة أتاَح الفرصَة لنمِّو الأعمال والشركات‪ ،‬وإمكانَّية طلبة الجامعات أن يحُلموا ببناء‬
‫شركاٍت جديدٍة في وطنهم‪.‬‬

‫فإْن كان لدَّي أمٌل واحٌد لَنهضِة الشركات الناشئة‪ ،‬فهو لأَّنها ستحفُز الناَس على المشاركة وعلى إعادة النظر بمفاهيمنا‬
‫لمنطقة الشرق الأوسط‪.‬‬
‫إَّن إعادَة النظر هو أمٌر ُيعُّد مبادرًة وليس رَّد فعل‪ .‬ويتطَّلُب ذلك َج هًدا منتظًم ا للتحُّقق من ُأُس ِس الحكمة التقليدَّية‪ ،‬ليس‬
‫لرفضها‪ ،‬بل لمعاينتها والنظر إلى المستقبل‪ .‬فعندما ُس ئل أسطوُرة رياضة الهوكي وايني غريتزكي (‪ )Wayne Gretzky‬عَّم ا يفِّكر‬
‫عندما يكون على الجليد‪ ،‬أجاب بعد لحظاِت تأُّم ل‪’’ :‬أفِّكُر أين سيذهُب قرص الهوكي وليس في المكان الذي أنا فيه الآن‘‘‪.‬‬
‫وأنا لا أستطيُع أن أفِّكَر في مهارٍة أفضَل لَش حِذ ها في هذا الزمان‪.‬‬
‫إَّن إعادَة النظر تعني أيًض ا إعادة الصياغة‪ .‬يميُل الغرب إلى التفكير في أسواِق النمِّو الناشئة على أَّنها أسواٌق تحتاُج إلى‬
‫الدعم والمساعدة بحسب النهج من الأعلى إلى الأسفل‪ .‬وفي بعض المجالات‪ ،‬لا تكون الحاُل هكذا بتاًتا‪ .‬حَّتى في عالم‬
‫الشركات الناشئة‪ ،‬يكوُن أكثر الأسئلة التي ُتطرح وأسمُع ها من الريادِّيين والمستثمرين الإ قليمِّيين هو عن تباُد ل المعارف‪ .‬لولو‬
‫خازن‪ ،‬لبنانَّية ُولَدت في لبنان‪ ،‬وتقيُم في دبي‪ .‬أَّس سْت في عام ‪٢٠١٢‬م موقع نِّبش (‪ ،)Nabbesh.com‬وهي منَّص ة للتواصل‬
‫الاجتماعِّي تعمُل على توفير خدمات التوظيف للمواهب والكفاءات البشرَّية‪ ،‬أو ترتيب مشاريع جزئَّية لها‪ .‬فازت بأولى‬
‫مسابقات العرض التلفزيونِّي ذا إنتربونور (‪ )Entrepreneur‬على مستوى المنطقة‪ .‬كانت تشعُر بحماسٍة كبيرة لما قد تتعَّلمه هي‬
‫وآخرون من التواصل مع الولايات المَّتحدة‪ .‬وتقول لولو‪’’ :‬إَّن بيئة الأعمال للشركات الناشئة هنا أكثُر تقُّد ًم ا وتطُّوًر ا‪ ،‬ونحن‬
‫نستطيع التعُّلم من حالات الفشل والنجاح بالإ ضافة إلى أفضل ممارساتك حول المسائل الرئيسَّية في كيفَّية العمل والتقييم‪.‬‬
‫وهناك أيًض ا فرصٌة كبرى للأميركِّيين ليَر وا ما نقوُم به نحن اليوم والعثور على فرٍص استثمارَّيٍة مهَّم ة مع ما تشهُده بيئة الأعمال‬
‫من تطُّور‘‘‪.‬‬
‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬في عالم التكنولوجيا الحديثة الشَّفافة والمَّتصلة بالعالم‪ ،‬يكوُن السؤاُل أقَّل عَّم ا يمكن لأَح ٍد أن يفعله‬
‫لأجلي‪ ،‬وما يمكُنني فعله له‪ ،‬إذ يكون السؤال الأكثر ما يمكُننا فعله بعضنا لبعض‪ .‬فنحن في الولايات المَّتحدة غالًب ا ما‬
‫ننخرُط في أسواِق النمِّو معتقدين «بإمكانَّية نشوء أسواق أكبر‪ ،‬أو الحصول على موارد بشرَّية أقَّل تكلفًة »‪ .‬فلا نفِّكر كفايًة في‬
‫ما يمكننا تعُّلمه والمشاركة في تأليفه مًع ا؛ وفي أَّن «الإ بداع» المستقبلَّي سيأتي من أماكن غير متوَّقعة‪ ،‬ولسوف يدفع بنا‬
‫نحو اعتماد خبراٍت ومواقَع وثقافاٍت متمِّيزة‪ ،‬كما أَّننا لا نفِّكُر في أَّن َبيَع السلع الافتراضَّية أو الحقيقَّية وإيصاَلها إلى عملاء‬
‫يصعُب الُوصول إليهم ما كان في ما مضى أسهل أو أقَّل كلفة‪ .‬ولعَّل قرص الهوكي تاريخًّيا ذاهٌب اليوم نحو التعاون من‬
‫الأسفل إلى الأعلى‪ ،‬حيث يكون لدى كِّل شخٍص ما يضيُفه إلى المشكلات والفرص والتي نتشارُك َع يَش ها مًع ا‪.‬‬
‫على الُّرغم من كِّل القَّوة التي تتمَّتُع بها تكنولوجيا الاِّتصالات‪ ،‬فَليس هناك بديٌل عن التفاعل الإ نسانّي ‪ .‬وليست هناك‬
‫خطوٌة أولى نَّتخذها نحن في الغرب لَفهم الأسواق الناشئة‪ ،‬أهُّم من زيارة تلك الأسواق‪ .‬ويحُّب الريادُّيون وبناة بيئات الأعمال‬
‫في هذه الأسواق أن يحضَر الناُس ليس فقط عروًض ا َه ْزلَّية أو ما شابه‪ ،‬بل أن تكوَن لديهم تحُّفظاٌت ِج ِّد َّيٌة لإ يجاد طرق‬
‫اِّتصال مفيدٍة ومتبادلة‪ .‬السِّيد دايڤ ماكلير (‪ )Dave McClure‬رجٌل عظيٌم فعًل ا‪ ،‬ومؤِّس ُس ‪ ٥٠٠‬شركة ناشئة‪ .‬وقد أدهَش ني ما‬
‫فعله حًّقا في خريف عام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬حيُث أجرى جولًة في الشرق الأوسط مع مجموعٍة من المسَتثِم رين في التكنولوجيا‪ ،‬وعاد‬
‫بنظرة مختلفة للأرضَّية الَّل ازمة للقيام بذلك‪.‬‬
‫وبشكل مشابه‪ُ ،‬يعُّد الأثر الناشئ عن تسهيل بروُز الشركات الناشئة في الإ تيان إلى هنا أثًر ا عميًقا‪ ،‬أي التخطيط مسَّبًقا‬
‫لإ حضار ُوفوٍد من مئاٍت أو رَّبما آلاف الشركات الناشئة الفتَّية إلى اجتماعات مهَّم ة في سيليكون ڤالي‪ ،‬أو في نيويورك‪ ،‬أو‬
‫أوسِتن وغيرها من المناطق‪ .‬يستغرُق الأمر وقًتا وَج هًدا كبيَرين‪ -‬وهو ما ننساه بسهولة‪ -‬لإ نجاز ذلك من جانبهم (بمعنى‬
‫الحصول على التأشيرات وإيجاد التمويل لَتغِط َي ة مصاريف الرحلات وتنسيق الاِّتصالات أو اللقاءات شخصًّيا‪ ،‬وما إلى ذلك)‪.‬‬
‫وهذا ما يحصُل اليوَم أصًل ا بشكٍل متزايٍد دون تخطيط‪ ،‬فلطالما زاَر الريادُّيون الشباب مَّم ن ألتقيهم الولايات المَّتحدة كٌّل‬
‫على حدة‪ .‬فتخَّيْل ما قد ينتُج من أفكاٍر وإبداعاٍت عظيمة وقتئٍذ حيث يَّتصُل مئات ورَّبما آلاُف الريادِّيين وبشكل منتظم‬
‫ومتكِّرر مع نظرائهم في العالم‪ ،‬بما يمِّكُن من اكتشاف الأعمال وإنجازها‪.‬‬
‫فما يجُب علينا تذُّكره دائًم ا هو أَّنه يكون لدى الريادِّيين ذكاٌء تكنولوجٌّي نتيجًة للمشاركة اليومَّية في برامَج ذاَت مستًوى‬
‫عالمّي ‪ ،‬وتكون رغبتهم في الغالب شديدًة على المستوى نفسه أو رَّبما أعلى مَّم ا اعتدناه نحن‪ ،‬إَّلا أَّن بيئات الأعمال الريادَّية‬
‫هذه لا تزاُل ناشئة‪ .‬وكما أظهْرُت سابًقا‪ ،‬التحِّدياُت في ما يتعَّلُق بالبنية التحتَّية والتعليم والمهارات والأفكار المختَّص ة‬
‫بالتكنولوجيا هي تحِّدياٌت حقيقَّية‪ ،‬ولكَّن الإ بداَع أيًض ا حقيقّي ‪ ،‬وهو ما تتناوُله هذه التحِّديات‪ .‬وأتذَّكُر تحُّف ًظا واحًدا لدى‬
‫طفٍل حول َم وضوع الممارسات الُفضلى على ورقة بحث‪ .‬كان يعرف هذا الطفُل أكثر مِّني ببساطة من خلال البحث‬
‫إلكترونًّيا وطرح الأسئلة‪ .‬حيث هناك الكثير لنتعَّلمه من الرغبة الكبيرة ومناحي التعُّلم الذاتِّي لتلك الأسواق‪ .‬وفهُم هذا الأمر‬
‫هو خطوٌة رئيسَّيٌة للمنفعة المتباَد لة‪ .‬فمصلحُتنا هي ما يقُف غالًب ا في طريقنا عندما نقِّلُل من َقْدر التحُّولات العالمَّية كتلك‬
‫الحاصلة في الشرق الأوسط‪.‬‬
‫أنا الآن في العقد الخامس من عمري‪ ،‬إَّلا أَّن رحلتي نحو َفْه م هذه التغُّيرات التاريخَّية والعالمَّية في الشرق الأوسط‬
‫والمناطق الُأخرى في العالم لا تزاُل في بدايتها‪ .‬ولا شَّك أَّن الشركة المقبلة التي سأشتريها أو سأعمل على تأسيسها ستكوُن‬
‫عالمَّيًة بطبيعتها‪ .‬فستعتمُد هذه الشركة تعريًفا أشمَل لمفهوم الإ بداع الذي اكتشفُته حَّتى اللحظة في المنطقة‪ .‬وستعمُل‬
‫الشركُة على بناء صداقاٍت قديمٍة وجديدٍة في الخارج‪ ،‬ليكوَن هؤلاء الأصدقاء شركاَء حقيقِّيين ليس فقط للغرض التقليدِّي‬
‫ُّل‬
‫المتمِّثل في ُد خول السوق أو تدبير الموارد‪ ،‬بل لأجل المشاركة المنتظمة والمستمَّرة والمتباَد لة في إعداد ُأُس ِس التعُّلم والتفكير‬
‫الحديث‪.‬‬
‫وبين الدوائر الكثيرة التي أتجَّول بينها‪ -‬من بيئات أعمال الشركات الناشئة في كاَّفة أنحاء البلد‪ ،‬والمجتمعات الاستثمارَّية‬
‫الأشمل‪ ،‬والِكيانات الإ خبارَّية والمدَّونات وصَّناع السياسة هنا في واشنطن العاصمة‪ -‬سأدعُم كَّل شخٍص يبحُث عَّم ا هو ’’غير‬
‫واضٍح ‘‘ وسنشارك فيه‪ .‬وسأعمُل جاهًدا على تسليط الَّض وء على أولئك الريادِّيين البارزين ومحاِّلهم حيث يأخذ كٌّل منهم‬
‫مستقبَله بين يَديه وُيغِّير مجتمعه‪.‬‬
‫فكل شيٍء وصفُته في الشرق الأوسط هو أمٌر يحصُل اليوم‪ .‬والأكيد أَّنه سيكون هناك ألٌم وتقاعس‪ ،‬وبعُض ها سيكوُن‬
‫شديًدا‪ .‬التساؤلات المطروحة هي‪ :‬من أين تأتي النجاحات الكبرى؟ وما المَّدة المستغَرقة لتحقيق ذلك؟ سواًء كان السنة‬
‫المقبلة أم بعد خمس سنوات من الآن‪ ،‬أو رَّبما عشر‪ ،‬فهذا لا َيُهّم ‪ .‬يقوُل المتنِّبئ الراحل روي أمارا (‪ -)Roy Amara‬الذي‬
‫يقتبُس ه كباُر المفِّكرين مثل آرثر سي‪ .‬كلارك (‪ )Arthur C. Clarke‬وبل غيتس‪ -‬إَّننا ننوي على المدى الطويل تقليَص حجِم‬
‫الأثر الناشئ عن تكنولوجيا ما‪ ،‬ونحن َم ن يتحَّمُل مسؤولَّية ذلك‪.‬‬
‫والآن هو المدى الطويل‪.‬‬
‫الملاحظات‬

‫ الاحتفاُل بريادة الأعمال‬:‫الفصل الأَّول‬

1. Vali Nasr, The Rise of Islamic Capitalism (New York: Free Press, 2010), 15.
2. David Sheff, “Interview with Steve Jobs,” Playboy Magazine, February 1985.

‘‘‫الأوسط‬ ‫ ’’الريادة ليست جديدة على الشرق‬-‫ تخِّط ي العوائق‬:‫الفصل الثاني‬

1. Derived from the World Bank and European Bank for Reconstruction and Development database, Business
Environment and Enterprise Performance Survey (BEEPS).
2. International Monetary Fund, Regional Economic Outlook: Middle East and Central Asia Report, November
2012, 88-90. See also: IMF World Economic Outlook online database,October 2012.
3. Rina Bhattacharya and Hirut Wolde, Constraints on Growth in the MENA Region, International Monetary
Fund, February 2010.
4. United Nations Development Program. Arab Development Challenges Report 2011, December 2011.

‫ جيٌل جديد‬:‫الفصل الثالث‬


1. Karim Sabbach, Mohamad Mourad, Wassim Kabbara, Ramez Shehadi, “Understanding the Arab Digital
Generation,” Booz & Company/Google (Fall 2012),
http://www.booz.com/media/uploads/BoozCo_Understanding-the-Arab-Digital-Generation.pdf.
2. Glen Palakian, “25 Essential Stats on e-commerce in the Middle East,” Wamda .com, October 16, 2012,
http://www.wamda.com/2012/10/25-essential-stats-on-e-commerce-in-the-middle-east-stats?
goback=%2Egna_2778360%2Egde
_2778360_member_190563641. See also Philip Hampsheir, “Mall v. Internet. Can e-commerce Conquer the
Middle East?” BBC.com, January 17, 2012, http://www.bbc.co.uk/news/business-16581980.
3. Op. Cit., “Understanding the Arab Digital Generation.”
4. Email Conversation with Aramex, Lyad Kamal. November 27, 2012.
5. Op. Cit., “Understanding the Arab Digital Generation.”
6. The World Bank, “Cairo Traffic is Much More than a Nuisance,” August 21,
2012,http://www.worldbank.org/en/news/2012/08/21/cairo-traffic-much-more-than-nuisance.
See also: EgyptToday, “Raging about Road Safety,” February 7, 2012, http://www.egypttoday.com/index.php?
url=news/display/article/artId:506/Raging-About-Road-Safety/secId:12/catId:2 ; Ahram Online, “20 Egyptians
Die Per Day in Traffic Accidents: CAPMAS,” September 9, 2012.
http://english.ahram.org.eg/NewsContent/3/12/52385/Business/Economy/-Egyptians-die-per-day-in-traffic-
accidents-CAPMAS.aspx ; Naeema Al-Gasseer of the World Health Organization,“Road Safety in Ten
Countries: Egypt,” 2012. http://www.emro.who.int/media/news/improving-road-safety-egypt.html.
‫ قفزٌة َنوعَّية‬:‫الفصل الرابع‬
1. Vijay Govindarajan and Chris Trimble, Reverse Innovation (Boston: Harvard Business Review Press, 2012),
8.
2. Ibid., 15-19.
3. Ibid.
4. Tonny K. Omwansa and Nicholas P. Sullivan, Money Real Quick: The Story of MPesa (London: Guardian
eBooks, 2012), 9.
5. The European Photovoltaic Industry Association (EPIA), Global Market Outlook for Photovoltaics Until 2015,
The European Photovoltaic Industry Association (EPIA), (Brussels: Renewable Energy House, January 13,
2012). See also, Padron-Fumero,
Noemi, “A Regional Mitigation and Adaption Approach to Climate Change: Technology Transfer and Water
Management in the MENA Region,” Universidad de La Laguna, Spain, 7.
6. Janet L. Sawin and Lisa Mastny, eds., Prospects of the Renewable Energy Sector in
Egypt, (Cairo: Egyptian-German Private Sector Development Program, 2010), 7.

‫ تعليُم الجيل الجديد‬-‫ التحُّول‬/‫ الشركات الناشئة‬:‫الفصل السادس‬


1. International Bank for Reconstruction and Development/World Bank, “The Road
Not Travelled—Education Reform in the Middle East and North Africa (Washington
D.C., 2007), 3-6. See also Pauline Rose, “Education for All: Global Monitoring
Report 2012” (EFA Global Monitoring Report Team, Commissioned by UNESCO,
Paris, 2012).
2. Ibid., 4.

‫ المرأة على عرش قيادة الشركات الناشئة‬/‫ الشرق الأوسط الجديد‬:‫الفصل السابع‬
1. Ramez Shehadi, Dr. Leila Hoteit, Dr. Kamal Tarazi, Abdulkader Lamaa, “Educated, Ambitious, Essential:
Women Will Drive the GCC Future” (Booz & Company, 2011), http://www.booz.com/media/uploads/BoozCo-
Educated-Ambitious-Essential.pdf.
2. Bruce Ross-Larson, principal editor, World Bank 2012 Gender Equality and Development Report
(Washington, DC: International Bank for Reconstruction and Development/World Bank, 2011).
3. Alyse Nelson, Vital Voices: The Power of Women Leading Change around the World (San Francisco:
Jossey-Bass, 2012), 134-135.
4. International Finance Corporation/World Bank Group, Women Entrepreneurs in the Middle East and North
Africa: Characteristics, Contributions and Challenges (Washington, DC: Center of Arab Women for Training
and Research, 2007), 6.
5. United Nations Development Program, Arab Human Development Report 2003: Building a Knowledge
Society (2003), 50, http://www.arab-hdr.org/contents/index.aspx?rid=2.

‫ الِّديُن وَد وره في بيئات الأعمال الريادَّية‬:‫الفصل الثامن‬

1. Gallup Center for Muslim Studies, “In U.S., Religious Prejudice Stronger Against
Muslims,” January 21, 2010, http://www.gallup.com/poll/125312/religious-preju
dice-stronger-against-muslims.aspx.

‫ وليس نسبَة النجاح‬،‫ العنصُر الأهُّم هو الوقت‬:‫الفصل التاسع‬


1. September 2012 Sector Presentation and email interview with Abed Shamlawai, CEO of intaj—Jordan’s
Information and Communications Technology Association.
2. Ibid., and Oasis500 and Sindibad-business.com (in Arabic translated by Wamda.com): Investment Report
on Internet and Technology Startups, October 2011.
3. Marc Andreessen, “Why Software is Eating the World,” Wall Street Journal, August 20, 2011,
http://online.wsj.com/article/SB10001424053111903480904576512250915629460.html.
‫قائمة المصادر والمراجع والدراسات‬

‫ ولا تزال‬.‫ كتاباٍت حديثًة مقارنًة بَغيرها‬،‫ والأسواق الناشئة‬،‫ُتعُّد المنشورات التي تطرُح الشركات الناشئة في الشرق الأوسط‬
‫ وضمن المجموعات البحثَّية الجديدة والعشرات ورَّبما المئات من‬،‫أفضُل المصادر في هذا الأمر في مدَّوناٍت إلكترونَّية‬
‫ وتعَّرفُت إليه وقابلُته هو‬،‫ إَّن كَّل شخٍص التقيُته عبر الإ نترنت‬.‫’’المجموعات‘‘ على مواقع التواصل الاجتماعِّي ذات الشأن‬
‫ وقد حصلت على أفكاٍر ومعلومات ثمينة من المصادر‬.‫مصدٌر للمعلومات والبيانات والرؤية الحديثة من خلال موقع تويتر‬
:‫والمراجع التالية‬

‫السياق التاريخُّي والتحُّولات الحالَّية في الشرق الأوسط‬

Abdel-Malek, Anouar. (1968). Egypt: Military Society. New York: Random House. Holds up surprising well as
an early look of the ramifications of Nasser and Egypt on Egypt.
Abou, El Fadl. (2007). The Great Theft. New York: HarperCollins. Provocative history and analysis of Islam, its
relationship to the West, and step-by-step argument against extremist interpretations of the faith.
Akyol, Mustafa. (2011). Islam Without Extremes. New York: W. W. Norton & Company, Inc. A thoughtful
historical survey of the political rise of Islam and views on how Islam should and does co-exist with liberalism
and democracy.
Bishara, Marwan. (2012). The Invisible Arab. New York: Nation Books. Thoughtful overview of what led to the
Arab uprisings, the internal and external forces that had impact upon them, and what may come next.
Dhillon, Navtej, & Yousef, Tarik (Eds.). (2009). Generation in Waiting: The Unfulfilled Promise of Young People
in the Middle East. Washington, DC: The Brookings Institution. An outstanding collection of articles, country-
by-country, on the state of, challenges facing, and opportunities among the youth in the Middle East.
Lynch, Marc. (2012). The Arab Uprising. New York: Public Affairs. Excellent reporting and analysis of the Arab
uprisings and the issues yet to be resolved.
Ghonim, Wael. (2012). Revolution 2.0. Boston and New York: Houghton Mifflin Harcourt.
The first and most comprehensive, first-hand description of the Arab uprisings in Egypt in English.
Haddad, Bassam. (2012). Business Networks in Syria. Stanford: Stanford University Press. A definitive study
on Syria’s current political economy and business environment.
Mahajan, Vijay. (2012). The Arab World. San Francisco: Jossey-Bass. An outstanding history and overview of
shifts in consumer behaviors happening in the Middle East, how businesses broadly are both addressing and
leading these shifts, and where the new generations are focused.
Nasr, Vali. (2009). The Rise of Islamic Capitalism. New York: Free Press. A definitive overview of the history
and trends in Middle East business and economies.
Rizk, Nagl, & Shave, Lea, (Eds.). (2010). Access to Knowledge in Egypt. London: Bloomsbury Publishing. An
outstanding overview of Egypt’s history and future centers around connecting to the best resources of
experience, information, and information technology, not only in Egypt, but also around the region and the
world.
Rivlin, Richard. (2006). Desert Capitalists. London: Bladonmore Media, Ltd. A definitive history and future look
at the Middle East’s financial, investment, and trading landscape and its most impactful leaders.
Vatikiotis, P. J. (1961). Egyptian Army in Politics. Bloomington: Indiana University Press. Like Abdel-Malek, a
classic in its time and an interesting perspective through the lens of the early 1960s.
Banerjee, Abhijit V., & Duflo, Esther. (2011). Poor Economics. New York: Public Affairs. Financial Times’ “Book
of the Year”; research-rich analysis that shines often-shocking light on our premises around traditional
development efforts and bottom-up initiatives on the ground.
Gleick, James. (2011). The Information. New York: Vintage Books. A sensational history and look forward at
how access to and the creation of new information changes societies and ourselves.
Govindarajan, Vijay, & Trimble, Chris. (2012). Reverse Innovation. Boston: Harvard Business Review Press. A
provocative raising of what we mean by the term “innovation,” its ramifications in emerging societies, and how
Western businesses miss new opportunities both in internal processes and markets by being locked in dated
outlooks.
Hwang, Victor W., & Horowitt, Greg. (2012). The Rainforest. Los Altos: Regenwald. While I am not persuaded
that building the “next Silicon Valley” is the right way to look at new growth markets, the authors are
provocative in what makes for great ecosystems.
Ibrahim, Lethem, & Sherif, Dina H. (2008). From Charity to Social Change: Trends in Arab Philanthropy. Cairo:
The American University of Cairo Press. An excellent countryby-country overview of philanthropy and shifts to
bottom-up, public-private partnerships to solve regional challenges.
Lacy, Sarah. (2011). Brilliant, Crazy, Cocky: How the Top 1% of Entrepreneurs Profit from Global Chaos.
Hoboken: John Wiley & Sons. A definitive first look at the rise of startups, technology and innovation from
some of the most overlooked regions of the world.
Nelson, Alyse. (2012). Vital Voices. San Francisco: Jossey-Bass. Excellent overview with remarkable stories
of how women around the world and particularly in emerging growth markets are leading change in their
communities, their regions, and globally.
Nielsen, Michael. (2012). Reinventing Discover. Princeton: Princeton University Press. Meticulous and
fascinating overview of how interactive technologies and the impact of collective expertise and knowledge is
changing innovation and science.
Saxenian, Annalee. (1996). Regional Advantage. Cambridge: Harvard University Press.
This is the classic description and analysis of the rise of Silicon Valley and the concurrent
decline of Route 128 in Boston.
Schramm, Carl L. (2006). The Entrepreneurial Imperative. New York: HarperCollins.
From the recent president of the Kauffman Foundation, one of the leading institutions in entrepreneurship, this
is a passionate call to action in the value of startups and how ecosystems can support them.

‫التحُّولات العالمَّية ذات العلاقة‬


Acemoglu, Daron, & Robinson, James A. (2012). Why Nations Fail. New York: Crown Business. Historically
supported, extensively researched analysis of the impact of governments, individuals, and institutions on why
some nations prosper and others do not.
Diamandis, Peter H., & Kotler, Steven. (2012). Abundance. New York: Free Press. Provocative account on
how scientific innovation is and will address a wide array of global challenges in energy, education, and health
care, among others.
de Soto, Hernando. (2000). The Mystery of Capital: Why Capitalism Triumphs in the West and Fails
Everywhere Else. New York: Basic Books. A classic on what has allowed for success in economic ecosystems
and structural challenges in emerging markets. De Soto has written and spoken (much available online) and
developed these ideas with the changes brought by technology.
James, Harold. (2002). The End of Globalization. Cambridge: Harvard University Press.
A historical overview of previous periods of rise globalization and ramifications of their backlashes.
Kaplan, Robert D. (2010). Monsoon: The Indian Ocean and the Future of American Power. New York: Random
House. A definitive account of how economic and strategic growth and power has shifted to a region often all
but ignored in the United States today.
Kaplan, Robert D. (2012). The Revenge of Geography. New York: Random House. Ties together geography,
history, culture, and politics to outline tomorrow’s core areas of conflict.
Khanna, Parag. (2008). The Second World. New York: Random House. Smart overview of the rise of
emerging growth markets, and how larger players like the United States, China, and Europe engage in them
differently and may miss central and new trends.
Omwansa, Tonny K., & Sullivan, Nicholas P. (2012). Money Real Quick: The Story of MPesa. London:
Guardian eBooks. Definitive account of the remarkable mobile payments company in Kenya.
Sharma, Ruchir. (2012). Breakout Nations. New York: W. W. Norton & Co. Provocative and concise overview
of the most important global shifts and dynamics among emerging growth markets.

‫الدراسات‬
Abdou, Ehaab, Fahmy, Amina, Greenwald, Diana, & Nelson, Jane. (2010, April). “Social Entrepreneurship in
the Middle East: Toward Sustainable Development for the Next Generation.” Wolfensohn Center for
Development (Brookings), Silatech and Dubai School of Government.
Aguirre, DeAnne, Hoteit, Leila, Rupp, Christine, & Sabbagh, Karim. (2012). “Empowering the Third Billion
Women and the World of Work in 2012,” http://www.booz.com/media/uploads/BoozCo_Empowering-the-Third-
Billion_Full-Report.pdf Booz&co.
Arab Development Challenges Report 2011. United Nations Development Programme. (2011).
Bhattacharya, Rina, & Wolde, Hirut. (2010, February). “Constraints on Growth in the MENA Region,”
http://www.imf.org/external/pubs/ft/wp/2010/wp1030.pdf International Monetary Fund.
Chamlou, Nadereh, & Nabli, Mustapha K., supervised. (2007, October). “The Environment for Women’s
Entrepreneurship in the Middle East and North Africa Region,”
http://siteresources.worldbank.org/INTMENA/Resources/Environment_for_Womens_Entrepreneurship_in_MN
A_final.pdf The World Bank.
Dakkak, Nafez. (2011, October). “Obstacles towards Curriculum Reform in the Middle East: Using Jordan and
the UAE as Case Studies,”
http://www.dsg.ae/en/Publication/Pdf_En/DSG%20Policy%20Brief%2028%20English.pdf Dubai School of
Government Policy Brief.
Ducker, Mike, in collaboration with Deloitte for the USAID_funded TAPR II Project. (2012). “Egypt
Entrepreneurship Final Report: Where are all the Egyptian Entrepreneurs.” USAID.
The European Photovoltaic Industry Association (EPIA). (2012, January 13). Global Market Outlook for
Photovoltaics Until 2015. “Global Market Outlook for Photovoltaics Until 2015.”
Galal, Ahmed, et al. (2007). “The Road Not Travelled: Education Reform in the Middle East and North Africa.”
http://web.worldbank.org/WBSITE/EXTERNAL/COUNTRIES/MENAEXT/0,contentMDK:21617643~pagePK:14
6736~piPK:226340~theSitePK:256299,00.html International Bank for Reconstruction and Development/World
Bank.
Galloway, Scott, & Guthrie, Doug. (2012). “Digital IQ Index: Brazil, Russia, India,” L2 Think Tank and the
International Herald Tribune.
International Monetary Fund. (2012, November). “Regional Economic Outlook: Middle East and Central Asia
Report.” http://www.imf.org/external/pubs/ft/reo/2012/mcd/eng /mreo1112.htm
International Monetary Fund. (2012, April). “Regional Economic Outlook Update.”
International Monetary Fund. (2012, October). “World Economic Outlook Database.”
International Monetary Fund. (2012, November). “Regional Economic Outlook: Middle East and Central Asia
Report.” http://www.imf.org/external/pubs/ft/weo/2012/02/weodata/index.aspx
Jaruzelski, Barry, Loehr, John, & Holman, Richard. (2012, November). “Global Innovations 1000: Making Ideas
Work.” Booz&co http://www.strategy-business.com/media /file/00140-The-Global-Innovation-1000-Making-
Ideas-Work.pdf
MENA Private Equity Association, VC Taskforce (multiple contributors). (2012, August). “2nd Venture Capital
in the Middle East and North Africa Report.” MENA Private Equity Association, KPMG and Zaywa.
Nakat, Ziad, & Herrera, Santiago. (2010). “Egypt—Cairo traffic congestion study—phase 1.” The World Bank.
http://documents.worldbank.org/curated/en/2010/11/16603168/egypt-cairo-traffic-congestion-study-phase-1.
Palakian, Glen. (October 16, 2012). “25 Essential Stats on eCommerce in the Middle East,” 1.” Wamda.
http://www.wamda.com/2012/10/25-essential-stats-on-e-commerce-in-the-middle-east-stats.
Revenga, Ana, Shetty, Sudhir, et al. (2012). “Gender Equality and Development 2012.” The World Bank
http://econ.worldbank.org/WBSITE/EXTERNAL/EXTDEC/EXTRESEARCH/EXTWDRS/EXTWDR2012/0,conte
ntMDK:22999750~menuPK:8154981~pagePK:64167689~piPK:64167673~theSitePK:7778063,00.html.
Rose, Pauline. “Education for All: Global Monitoring Report 2012,” EFA Global Monitoring Report Team,
Commissioned by UNESCO (2012). http://www.unesco.org/new/en/education/themes/leading-the-
international-agenda/efareport/reports/2012-skills/.
Ross-Larson, Bruce, principal editor. (2011). “World Bank 2012 Gender and Equality and Development
Report,” International Bank for Reconstruction and Development.
http://siteresources.worldbank.org/INTWDR2012/Resources/7778105-1299699968583/7786210-
1315936222006/Complete-Report.pdf.
Sabbagh, Karim, Mourad, Mohamad, Kabbara, Wassim, & Shehadi, Ramez. (Fall 2012). “Understanding the
Arab Digital Generation.” Booz&co. http://www.booz.com/media/uploads/BoozCo_Understanding-the-Arab-
Digital-Generation.pdf.
Sawin, Janet L., & Mastny, Lisa (Eds.). (2010). “Prospects of the Renewable Energy Sector in Egypt.”
Egyptian-German Private Sector Development Program. www.jcee-eg.net/download.asp? . . . / . . .
Shehadi, Ramez, Hoteit, Leila, Tarazi, Kamal, & Lamaa, Abdulkader. (2012). “Educated, Ambitious, Essential
—Women Will Drive the GCC Future,” Booz&co. http://www.booz.com/media/uploads/BoozCo-Educated-
Ambitious-Essential.pdf.
Shehadi, Ramez, Kassatly, Fady, Karam, Danny, & Cherfan, Michael. (2012). “Digital Spring—MENA
Governments Must Speak the Language of Social Media,”
Booz&co.http://www.booz.com/media/uploads/BoozCo-Digital-Spring-MENA-Governments-Social-Media.pdf.
Stevenson, Lois. (2012). “Women in Business: Policies to Support Women’s Entrepreneurship Development in
the MENA Region.” Organization for Economic Cooperation and Development (OECD).
http://www.oecd.org/daf/privatesectordevelopment/womeninbusiness-
policiestosupportwomensentrepreneurshipdevelopmentinthemenaregion.htm.
USAID. (March 2012). “Gender Equality and Female Empowerment.”
http://transition.usaid.gov/our_work/policy_planning_and_learning/documents/GenderEqualityPolicy.pdf.
World Health Organization. (2012). “Road Safety in Ten Countries: Egypt.”
http://www.who.int/violence_injury_prevention/road_traffic/countrywork/egy/en/index.html.
‫شكر وعرفان‬

‫يروي كتاب ’’نهضة الشركات الناشئة‘‘ أحداًثا تجِّس ُد الجرأة والعزيمة في اِّتخاذ القرارات‪ ،‬وتنفيذ بعض الأفكار التي قد تبدو‬
‫خارجًة عن المألوف‪ ،‬إَّلا أَّنها في حقيقة الأمر ما ُيمِّيز الريادِّيين العظماء أينما كانوا‪ .‬كنُت أخشى وأنا أضُع هذا الكتاب أَّلا‬
‫أحِّقق الإ نصاف لهؤلاء الريادِّيين رغم محاَو َلتي تسجيَل الحقائق‪ .‬وأشعر بالأسف حًّقا لعدم قدرتي على رواية قصصهم كاملة‪.‬‬
‫وسواًء وردت أسماؤهم أم لا‪ ،‬فقد التقيُت أكثَر من ‪ ١٥٠‬شخًص ا‪ ،‬وتحَّد ْثُت إليهم ضمن مقابلاٍت مطَّولة‪ ،‬تبَع ْتها‬
‫محادثات عبر سكايپ‪ .‬وقد أتيَح ْت لكِّل شخص ورد اسمه في هذا الكتاب فرصَة التحُّقق من التصريحات سواًء تلك التي‬
‫أدلى بها أم المنسوبة إليه‪ ،‬كما قرأ البعُض الفصول التي تتكَّلم عنهم‪ ،‬وقرأ العديد منهم فصوًلا كاملة ومسَّودة الكتاب‪ .‬لقد‬
‫تعَّلمُت منهم الكثير عن التاريخ والثقافة الغنَّية في المنطقة؛ وحَّفزوني على إعادة التفكير في التكنولوجيا والإ بداع بطريقٍة‬
‫جديدة؛ وأجبروني على الكتابة وإعادة صياغة أجزاء من الكتاب إلى أن صاَرِت الوقائُع صحيحًة والأسلوُب أكثَر سلاسًة ‪.‬‬
‫تعَّلمُت منهم معنى التأِّني والسخاء وكرم الضيافة‪ ،‬من خلال الوقت الذي أمَض وه معي‪ ،‬أو في الجولات التي اصطحبوني‬
‫فيها‪ ،‬أو في استضافتهم لي في منازلهم‪ ،‬أو لتناُو ِل الطعام‪.‬‬
‫تعَّلمُت كذلك مَّم ن التقيُتهم ضمن جلساٍت جماعَّية كانت تمتُّد لساعات‪ ،‬سواٌء في الجامعة الأميركَّية في القاهرة‪ ،‬أم‬
‫في بيروت‪ ،‬أم في مقِّر أويسس ‪ ،٥٠٠‬أم في مقِّر فلات‪٦‬لابس‪ ،‬أم في المؤتمرات والمنافسات‪ ،‬غير أَّن الفرصَة لم تسنح لي‬
‫لتعُّرف أسمائهم أو سماع قصصهم كاملة‪.‬‬

‫يشِّرفني أن أتقَّد َم بشكري وتقديري أَّوًلا من أصحاب الأعمال الريادَّية‪ ،‬وهم التالية أسماؤهم‪:‬‬
‫عامر عبدالغني ووسيم عبدالغني‪ ،‬مؤِّس س شركة رسوم متحِّركة ثلاثَّية الأبعاد وألعاب خاَّص ة بالحاسوب‪ ،‬في كٍّل من سورية‬
‫ودبي‪ .‬والأردنَّية سارة أبو عليا‪ ،‬مؤِّس سة شركة آرت ميديم للفِّن والموسيقا‪ .‬عابد آغا من شركة الترفيه الرقمِّي ڤاينلاب‬
‫(‪ )VineLab‬في دبي‪ .‬محَّم د العجلوني من مؤِّس سي شركة البِّث التلفزيونِّي والبِّث عبر الإ نترنت إيه بي أس‪ .‬علاء السَّل ال‪،‬‬
‫مؤِّس س جملون‪ ،‬المنَّص ة الإ لكترونَّية لَب يع الكتب في الشرق الأوسط من الأردّن ‪ .‬زياد علي مؤِّس س شركة الزَّو اد لخدمات‬
‫الهاتف النَّقال‪ .‬وائل أمين مؤِّس س شركة ’’آي تي ووركس‘‘ (‪ )ITWORX‬المتخِّص صة في خدمات البرمجَّيات في القاهرة‪.‬‬
‫صابرين عاصم مؤِّس س مشارك لشركة فكرة المتخِّص صة بالتعهيد الجماعِّي في القاهرة‪ .‬سلجوق عتيلي المؤِّس س والرئيس‬
‫التنفيذُّي لشركة التسويق الإ لكترونِّي سوشل واير (‪ .)Social Wire‬وائل عتيلي مؤِّس س الشركة الجديدة المتخِّص صة في مجال‬
‫الإ علام خرابيش (‪ .)kharabeesh‬رندا الأُّيوبي مؤِّس سُة مجموعة روبيكون‪ .‬محَّم د بادرة‪ ،‬مؤِّس ٌس مشارك سويتي هيڤين‪ ،‬وهي‬
‫بَّو ابٌة إلكترونَّيٌة للمكافآت الخاَّص ة بالآباء والأبناء في الإ سكندرَّية‪ .‬إدوارد ديزلي الرئيس التنفيذُّي والمؤِّس س الشريك لتطبيق‬
‫أجرة‪ ،‬المعنِّي بتوفير سَّيارات الأجرة في ِم ْص ر‪ ،‬ولا سَّيما القاهرة‪ .‬محَّم د دنيا الرئيس التنفيذُّي لشركة آيديال ريتنغز‪ .‬ياسمين‬
‫العَّياط مؤِّس سة منَّص ة ‪ ١٨‬يوم في مصر‪ .‬أحمد عصام صاحب فكرة تطبيق نيتلي (‪ )Neatly‬والذي ُأطِلق من ِم ْص ر‪ ،‬ويساعد‬
‫على ترتيب تغريدات من تويتر‪ .‬هيثم الفضيل مؤِّس س الشركة المصرَّية الناشئة كنجن (‪ )Kngine‬للَب حث الذكّي ‪ .‬أحمد فتح‬
‫الله صاحب شركة غيرو لابس لتطبيقات البِّث التليفزيونِّي على الهواتف الذكَّية‪ .‬سارة جلال‪ ،‬مؤِّس ٌس مشارك في سويتي‬
‫هيڤين‪ .‬يوسف غندور‪ ،‬ريادٌّي لسلسلٍة من الشركات في ِفَلسطين‪ .‬مهند غاشم مؤِّس س شوپ غو (‪ )ShopGo‬لحلول التجارة‬
‫الإ لكترونَّية في هيوستن وعَّم ان وحلب‪ .‬مي حبيب مؤِّس سة قرطبة لخدمات الترجمة في بيروت ودبي‪ .‬ليندا الحَّل اق مؤِّس سة‬
‫منَّص ة التجارة الإ لكترونَّية فيرست بازار‪ .‬مصطفى حمدان مؤِّس س شركة ريسيكلوبيكيا لإ عادة تدوير المخَّلفات الإ لكترونَّية في‬
‫ِم صر‪ .‬هند حبيقة‪ ،‬صاحبة فكرة إنستابيت الذي ُس ِّم يْت أَّوًلا بترفلاي‪ .‬إيمان حيلوز صاحبة فكرة أَّول شبكٍة عربَّيٍة لمحِّبي‬
‫القراءة أبجد دوت كوم في الأردّن ‪ .‬خالد إسماعيل من القاهرة‪ ،‬مؤِّس س شركة (‪ )SysDSoft‬والمعروفة الآن في مصر ِباْس م إنتل‬
‫موبايل‪ .‬لولو الخازن باز مؤِّس سة موقع نِّبش‪ ،‬وهو بَّو ابُة توظيٍف خاَّص ة‪ .‬رانيا جردانة ولمياء طَّباع بيبي‪ ،‬مؤِّس ستا شركة‬
‫المفِّكرون الصغار‪ .‬فؤاد جريس‪ ،‬ريادٌّي أردنٌّي لعَّدة شركات ناشئة‪ .‬رنا القليوبي مؤِّس سة أفيكتيڤا (‪ )Affectiva‬لتحليل المشاعر‪.‬‬
‫إيلي خوري من ووپرا (‪ .)Woopra‬رشا خوري مؤِّس سة دي آي إيه ستايل ودي آي إيه بوتيك (‪ .)DIA Boutique‬ياسمين‬
‫المهيري مؤِّس ٌس مشارك للموقع الإ لكترونِّي سوپر ماما‪ .‬محَّم د مِّكي مؤِّس ٌس مشارك لمتجر الأزياء الإ لكترونِّي نمشي‪ .‬رونالدو‬
‫ُم شوار مؤِّس س منَّص ة التجارة الإ لكترونَّية سوق دوت كوم‪ .‬أحمد نجيب المقيم في القاهرة‪ .‬عمرو رمضان من الإ سكندرَّية‬
‫مؤِّس س ڤيموڤ المصرَّية لتطبيقات الحالة الجِّو َّية‪ .‬زياد سنكري مؤِّس س شركة كارديو دايغنوستكس الذي ابتكَر جهاًز ا‬
‫لتشخيص حالة القلب‪ .‬محَّم د شعبان من القاهرة صاحب فكرة التطبيق الإ لكترونِّي التجارِّي اشتري‪ .‬سمر شوارب أشقر‬
‫المدير العاُّم لشركة تنظيم الفعالَّيات أرابيا ودنغز‪ .‬أحمد سليمان من القاهرة صاحب تطبيق دليل المدينة سيركل تاي‪ .‬دان‬
‫ستيوارت مؤِّس س مجموعة موقع البيع غونابت في دبي‪ ،‬ومدير ليفينغ سوشل في كندا‪ .‬فداء طاهر مؤِّس سُة شركِة زيتونة للإ علام‬
‫المتخِّص صة بإعداد مقاطع ڤيديو لتحضير الأطباق الشرق الأوسطَّية‪ .‬ألكسندرا طعمة من دبي مؤِّس سة موقع أمورة‪.‬دوت كوم‬
‫لتسويق الملابس الداخلَّية النسائَّية‪ .‬سميح طوقان مؤِّس س موقع مكتوب دوت كوم ومجموعة جَّبار للإ نترنت‪ .‬مارتن والدنستروم‬
‫مؤِّس س شركة كاشيو للَّدفع الإ لكترونّي ‪ .‬ديڤيد يورك نائب رئيس شركة وورلد ووتر آند سولار تكنولوجيز الأميركَّية شركاء شركة‬
‫َك ْرم للطاقة الشمسَّية‪ .‬أحمد زهران مؤِّس س شركة َك ْرم للطاقة الشمسَّية‪ .‬پيرهان أبو زيد من غوغل‪ ،‬ومؤِّس سٌة شريكٌة في شركة‬
‫قبيلة للإ نتاج الإ علامّي ‪.‬‬
‫وأوُّد أن أعِّبر عن شكري الجزيل أيًض ا إلى شركاء الريادِّيين المذكورين أعلاه‪ ،‬والذين يساهمون في بناء بيئة الأعمال‪ :‬هنري‬
‫عسيلي‪ ،‬مستثمر‪ .‬راشد البَّل اع المدير التنفيذُّي لشركة المبادرات الوطنَّية أن تو ڤي‪ .‬إميل القبيسي‪ ،‬المدير العاُّم لشركة آي‬
‫ڤي القابضة‪ .‬عمر كريستيديس مؤِّس س مؤتمر عرب نت في بيروت‪ ،‬ورشا غملوش مسؤولة التواصل مع الريادِّيين في المؤتمر‪.‬‬
‫نافذ دَّقاق المقيم في الأردِّن والمستشار في إصلاح قطاع التعليم‪ .‬كريم فهمي‪ ،‬مدير تطوير الأعمال الدولَّية في إنتل‪ .‬إلياس‬
‫غانم‪ ،‬مدير عام پاي پال الشرق الأوسط وشمال أفريقيا‪ .‬مازن حلمي مؤِّس س شركة ديستركت (‪ )District‬لمساحات العمل‬
‫المشتركة‪ .‬يسري حلمي مؤِّس ٌس شريك في شركة آيديال ريتينغز‪ ،‬ومؤَّس سة تك وادي‪ .‬أسامة حسنين‪ ،‬رئيس مجلس إدارة‬
‫مؤَّس سة تك وادي‪ .‬جورج خضر مؤِّس ٌس مشارك وعضو مجلس إدارة (الهيئة التوجيهَّية) لشركة عبد الرحمن مجدي والرئيس‬
‫التنفيذِّي لمؤَّس سة إيجبرنور (‪ .)Egypreneur‬پيكس إيريك مارتن في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا سابًقا‪،‬‬
‫ومستشاٌر في شركة كولتاي وشركاه (‪ )Koltai & Co.‬حالًّيا‪ .‬علي مطر رئيس لنكدإن لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا‪.‬‬
‫محمد منصور‪ ،‬المعروف ِباْس م ترپل أم (‪ )TripleM‬على تويتر‪ .‬شريف ناجي من كِّلَّية وارتون (‪ )Wharton‬لإ دارة الأعمال‪ .‬روني‬
‫النَّش ار المؤِّس س والمدير العاُّم لشركة سيد ستارت أپ (‪ .)SeedStartup‬رامز شحادة من شركة بوز وشركاه‪ .‬سعيد الناشف‬
‫ويادين كوفمان‪ ،‬مؤِّس سا صندوق صدارة لرأس المال المغامر‪ .‬ناديا عويضات‪ ،‬طالبة في جامعة أوكسفورد‪ .‬سحر السَّل اب‪،‬‬
‫داعمة ناشطة ومديرة تنفيذَّية لمسابقة ابدأ مع غوغل للشركات الناشئة في مصر‪ .‬ثريا السلطي من مؤَّس سة إنجاز العرب‪.‬‬
‫أورلاندو فيدال الشريك المقيم في دبي لشركة أس أن آر دنتون وشركاؤهم (‪ .)SNR Denton‬هاشم زهران مدير مساعد في فرع‬
‫الإ سكندرَّية من معهد فاوندر إنستتيوت (‪ ،)Founder Institute‬وفعالَّيات ستارت أپ ويك إند الإ قليمَّية (‪.)StartupWeekend‬‬
‫فَّو از الزعبي من شركة ’’أكسيليريتور تكنولوجي القابضة‘‘‪ ،‬الأردن‪.‬‬
‫أعِّبُر عن عظيم شكري وتقديري إلى َم ن ساَه موا في مراَج عة فصوٍل متعِّددٍة من الكتاب والتعليق عليها‪ ،‬وإثراء محتواها‪،‬‬
‫وأشكر على ذلك كٌّل من أحمد الألفي مؤِّس س شركة سواري لرأس المال المغامر وشريكه هاني السنباطي‪ .‬وفادي غندور‬
‫مؤِّس س ورئيس مجلس إدارة مجموعة أرامكس‪ .‬وعارف نقفي المؤِّس س ورئيس التنفيذُّي لمجموعة أبراج‪ -‬وهؤلاء جميًع ا‬
‫مَنحوني الوقَت ‪ ،‬واستقبلوني ِبَك َرم ضيافٍة لا ُيضاهى‪ ،‬وكان لهم دوٌر فاعٌل في قيادة التغيير في الشرق الأوسط‪ ،‬وقد أطَلعوني‬
‫على هذه الروايات الجديدة‪.‬‬
‫أتقَّد ُم بالشكر الجزيل أيًض ا إلى التالية أسماؤهم‪ :‬جميع َم ن التقيُتهم في الموقع الإ لكترونِّي ومضة دوت كوم‪ ،‬وذلك على‬
‫ما أظهروه من احترام ولطف‪ ،‬وعلى قراءاتهم ومشورتهم‪ ،‬وأذُكر هنا‪ :‬حبيب حداد‪ ،‬ونينا كرلي‪ ،‬ورولاند ضاهر‪ .‬ومؤِّس س‬
‫سواري فلات‪٦‬لابس رامز محمد‪ ،‬وأحمد عصام‪ ،‬وهبة الحبشي‪ ،‬وياسمين قمر ودينا الشنوفي‪ ،‬وعلي درويش‪ ،‬وأحمد رَّيان‪،‬‬
‫من شركة سواري لرأس المال المغامر‪ .‬وحسن ميكايل رئيس التجارة الإ لكترونَّية في أرامكس‪ ،‬والذي أطَلَع ني على التغُّير الذي‬
‫تشهُده التجارة الإ لكترونَّية‪ ،‬وساَه َم في قراءة المسَّودات والإ جابة عن أسئلٍة كثيرٍة‪ ،‬ولينا شحادة‪ ،‬وديانا مسَّنات الذين لم‬
‫يترَّد دوا في مساعدتي في كٍّل من عَّم ان ودبي‪ .‬وأشكر الرئيَس التنفيذَّي لشركة أبراج كاپيتال‪ ،‬مصطفى عبدالودود‪ ،‬والرئيس‬
‫التنفيذُّي لدى أوريوس كاپيتال توم سبيشلي‪ ،‬والشريك فريد سايكر‪ ،‬والنائب الأَّول لرئيس مجلس الإ دارة غزلان جوينز‪ ،‬ونائب‬
‫الرئيس الأَّول أوفيس نقفي ووليد بكر‪ .‬براديب رامامورثي‪ ،‬الذي التقيُته للمَّرة الأولى في أثناء خدمته في البيت الأبيض‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك في الوكالة الأميركية للإ نماء الدولّي ‪ ،‬والذي انضَّم لاحًقا إلى شركة أبراج كاپيتال‪ ،‬وقد كان متأِّنًي ا ويطرُح دائًم ا أحاديَث‬
‫مهَّم ة بشأن التعديلات على المسَّودات‪ .‬أسامة فَّياض‪ ،‬مدير شركة أويسس ‪ ،٥٠٠‬الذي أمضى العديَد من الساعات معي‬
‫وكان ُيبدي رأَيه في المسَّودات‪ ،‬وكذلك فعَل فريُقه المتفاني‪ ،‬ولا سَّيما إيمي لوت‪ ،‬وسلوى كاتخودا‪ ،‬وسيرين شعلان‪ .‬وأشكُر‬
‫أيًض ا وائل الفخراني من غوغل الشرق الأوسط‪ ،‬الذي أمضى معي ساعاٍت يساعُدني على َفْه م الكثير من جوانب بيئات‬
‫الأعمال في الشرق الأوسط‪ ،‬كما أشكر مها أبو العينين‪ ،‬ونجيب جرار من غوغل أيًض ا؛ فقد شَّكلوا مصدًر ا مهًّم ا للمعلومات‪.‬‬
‫شريف كامل عميد كِّلَّية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركَّية في القاهرة‪ ،‬وهو شخصَّية فَّذ ة وصديٌق وقارٌئ رائع‪ .‬وغادة‬
‫هويدي‪ ،‬وغادة حافظ‪ ،‬وساندي إسكندر‪ ،‬وأيمن إسماعيل مَّم ن قرأوا وكتبوا‪ ،‬وكان متاحين عند حاجتي إليهم‪.‬‬
‫وكان من أبرز أرشَدني وتعَّلمُت منهم حول الثقافة والتاريخ والتغُّيرات في الشرق الأوسط‪ ،‬وتقَّبلوا آرائي المتحِّيزة‪ ،‬وقَّدموا إلَّي‬
‫النصح والإ رشاد‪ ،‬وعَّلقوا بصراحٍة على عَّدة فصول‪ ،‬أربع نساء ُه َّن ‪ :‬أمل غندور المقيمة في بيروت‪ ،‬وهي مدِّونٌة في شؤون‬
‫الشرق الأوسط والعالم ثنكنغ فيتس (‪)ThinkingFits.com‬؛ وريم خوري المقيمة في عَّم ان‪ ،‬التي وضَع ْت مفهوًم ا جديًدا‬
‫للمسؤولَّية الاجتماعَّية في أرامكس‪ ،‬وهي عضٌو فَّع اٌل في دعم مؤسسة رَّو اد التنمية؛ ودينا شريف المقيمة في القاهرة‪ ،‬والتي‬
‫كَّرست حياتها من أجل وضع منهج تصاعدٍّي (متدِّرج من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى) في أوساط رجال الأعمال‬
‫وأصحاب الشركات الناشئة‪ ،‬وبمفهوم أوسع في القطاع الخاّص ؛ وهلا فاضل‪ ،‬وهي مستثمٌر ومؤِّس ُس فكرة مسابقة الشركات‬
‫الناشئة العربَّية لمعهد ماساشوِس تس (‪ )MIT‬على الصعيد الإ قليمّي ‪ ،‬كما تسعى إلى تحفيز الجهود لإ نشاء إطاٍر مماثٍل لمؤَّس سة‬
‫رَّو اد التنمية في طرابلس‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫خلال زياراتي الثلاث إلى مؤَّس سة رَّو اد التنمية في عَّم ان‪ ،‬وخلال العديد من اللقاءات‪ ،‬حظيُت بالتعُّرف إلى سمر دودين‬
‫ًّق‬
‫وطاقم العمل هناك الذين كانوا حًّقا ممَّيزين‪ ،‬وهم يعملون على تغيير المجتمع ليمِّثَل شخًص ا واحًدا ومجتمًع ا واحًدا‪.‬‬
‫أشكُر صديقي العزيز كامل شحادة وزوجته الرائعة نتالي حنين وأطفالهما اللذين تفَّض لا علَّي بالُوِّد والاحترام‪ ،‬كما شاركني‬
‫كمال في حضور العديد من المقابلات وكتابة مسَّودات تاريخ وتكنولوجيا الهاتف النَّقال بروح طِّيبة‪ .‬وأتوَّج ه بالشكِر إلى َم ن‬
‫تكَّرموا علَّي بوقتهم لُيطلعوني على الابتكار في الهاتف النَّقال‪ ،‬وهم‪ :‬خليفة الُف َرح الرئيس التنفيذُّي للخدمات الرقمَّية في‬
‫مجموعة اِّتصالات؛ ومحَّم د العيوطي ڤوداڤون مصر؛ وجيم سيكوني نائب الرئيس التنفيذّي للشؤون الخارجَّية لدى إيه تي أند‬
‫تي؛ ووليم هيغ نائب الرئيس التنفيذُّي الدولّي لدى إيه تي أند تي موبيليتي؛ وكريس لوك مدير عاّم مؤَّس سة الجَّو ال من أجل‬
‫التنمية؛ وغلين لوري رئيس المشاريع والشراكات في إيه تي أند تي‪ .‬أَّم ا بن هورويتز من أندريسن هورويتز ومايكل موريتز من‬
‫سيكويا كاپيتال الذين أظهروا صداقَتهم وُوَّد هم وإرشاَد هم بشَّتى الطرق‪ ،‬كما مَنحوني كَّل الوقت من أجل هذا الكتاب‪.‬‬
‫أستاذي القديم وعميد كِّلَّية إدارة الأعمال بجامعة هارڤرد‪ ،‬نيتين نوريا على وقته وإرشاده الذي يترَّد د صداه عبر الكتاب كِّله‪.‬‬
‫الناشطة الكبيرة والرئيس التنفيذُّي في الخدمات الأميركَّية روث ميسينجر‪ ،‬والتي استعرَض ْت معي آراَءها الفَّذ ة حول دور المرأة‬
‫وتأثيرها في الأسواق النامية‪ ،‬كما قامت أليس نيلسون من ڤايتال ڤويسز بَدور مهٍّم في ذلك‪ .‬ريد هوفمان مؤِّس س لينكدإن‬
‫وپريمال شاه (‪ )Premal Shah‬رئيس كيڤا (‪ ،)Kiva‬اللذان شاركاني آراءهما حول القَّوة الني يصنعها الشعب باستخدام‬
‫التكنولوجيا لَد ْفع عجلة التغيير في العالم‪ .‬المثابرة ليندا لوتنبرغ‪ ،‬مؤِّس ٌس مشارك في أنديڤور‪ ،‬والتي تدرك أهِّمَّية تأثير الشركات‬
‫الريادَّية أكثر من أِّي شخص‪ ،‬وفريقها الذي يشمل المؤِّس س المشارك پيتر كيلنر (‪ ،)Peter Kellner‬ورئيس مجلس الإ دارة‬
‫فرناندو فيبر (‪ ،)Fernando Fabre‬ونائب رئيس مجلس الإ دارة للتوسع الدولِّي والت مايو (‪ ،)Walt Mayo‬وفي الميدان‬
‫إسماعيل الأطرش‪ ،‬وتامر الصلاح‪ ،‬وأحمد البداوي‪ ،‬وبريان تشن (‪ ،)Brian Chen‬وتايلر غوين (‪ ،)Tyler Gwinn‬وجوانا هاريس‬
‫(‪ ،)Joanna Harries‬وبيلي كيمپنر (‪ ،)Baily Kempner‬ورشا مَّناع‪ ،‬ولوسي مينوت (‪ ،)Lucy Minott‬وترافيس مارشمان (‪Travis‬‬

‫‪ ،)Marchman‬وريت موريس (‪ ،)Rhett Morris‬ودانييلا تيرمنل (‪ ،)Daniela Terminel‬وطارق السعدي‪ ،‬وشون يونغ (‪Shaun‬‬

‫‪ ،)Young‬وكما أوِّج ه شكري إلى فريقهم في المنطقة الذين استقَب لوني بكِّل تقدير واحترام‪ ،‬وأشكر القادة في ريادة المشاريع‬
‫الدولَّية‪ ،‬كارل شرام (‪ )Carl Schramm‬وجوناثان أورتمانز (‪ ،)Jonathan Ortmans‬الَّلذين عَرضا أمامي المصادر المهَّم ة‪،‬‬
‫وعرضا آراَءهما‪ ،‬ومنحاني شرَف صداقتهما‪.‬‬
‫أنا شاكٌر جًّدا كذلك للَّدعم والتوجيه والتعليقات التي حظيُت بها من الصحفِّيين المعروفين‪ :‬ديڤيد أغناطيوس (‪David‬‬

‫‪ ،)Ignatius‬وكيڤن سوليڤان (‪ )Kevin Sullivan‬من صحيفة واشنطن پوست‪ ،‬والمؤِّلف والكاتب الحائز جائزَة پوليتزر ستيڤ‬
‫كول (‪ )Steve Coll‬من صحيفة ذا نيويوركر (‪ ،)The New Yorker‬والصحافُّي جون دونڤان (‪ )John Donvan‬الذي عمل سابًقا‬
‫في إيه بي سي نيوز‪ ،‬والصحافُّي فرنك سيسنو (‪ )Frank Sesno‬الذي عمل سابًقا في سي أن أن‪ ،‬ومديُر جامعة جورج‬
‫واشنطن للإ علام والشؤون العاَّم ة حالًّيا‪ ،‬والكاتب الصحافُّي المستقُّل بن كيرشبرغ (‪ )Ben Kerschberg‬الذي حَّرر وصَّحَح‬
‫عَّدة فصوٍل بدَّقة‪ .‬وكنُت أحظى يومًّيا بمشورِة وتعليق المراسل الأجنبِّي العظيم والكاتب والمؤِّلف لدى صحيفة واشنطن‬
‫پوست‪ ،‬وصحيفة فورن پوليسي ديڤيد هوفمان‪ ،‬الذي كان يقول لي‪’’ :‬لا تعِّس ِر الكتابَة على نفسك؛ ولُيصِّور كتاُبك الأحداث‬
‫ووجهات النظر‪ ،‬دون أن تروي تفاصيلها‘‘‪ .‬لقد برَز زخُم أفكاري في هذا الكتاب عندما كتبُت العديَد من المشاركات‬
‫لأعمدة الصحف والقنوات الإ خبارَّية والمدَّونات خلال هذه الرحلة‪ ،‬وقد دعَم ْت ردوُد فعل المحِّررين على هذه الكتابات‬
‫محتوى هذا الكتاب ليكوَن أفضَل ‪ .‬أتقَّدم بالُّش كر إلى كٍّل من‪ :‬فريد هيات (‪ )Fred Hiatt‬محِّرر صفحاٍت في واشنطن‬
‫پوست‪ ،‬وفرنسيس سيَلْرز (‪ )Frances Sellers‬من مدَّونة ستايل (‪ )Style‬التابعة لصحيفة واشنطن پوست‪ ،‬ودانييل هنينغر‬
‫(‪ ،)Daniel Henninger‬نائب مدير الصفحة الافتتاحَّية‪ .‬مارك لاسويل (‪ )Mark Lasswell‬محِّرر المقالة الافتتاحَّية‪ .‬وديڤيد فيث‬
‫(‪ )David Feith‬مساعد تحرير المقالة الافتتاحَّية‪ ،‬وجميع العاملين في صحيفة وول ستريت جورنال‪ .‬كارا سويشر (‪Kara‬‬

‫‪ )Swisher‬محِّرٌر تنفيذٌّي مساعد في صحيفة أول ثنغز ديجيتال (‪ ،)All Things Digital‬والمحِّرر الرئيسُّي بيت كالاهان‪ .‬سارة‬
‫لاسي (‪ ،)Sarah Lacy‬مؤِّس سة صحيفة پاندو ديلي (‪ ،)Pando Daily‬ومؤِّلفة كتاب ’’باهر‪ ،‬ومجنون‪ ،‬ومغرور‪ :‬كيف يربح‬
‫أفضل ‪ ٪١‬من الريادِّيين من الفوضى العالمَّية‘‘ (‪Brilliant, Crazy, Cocky: How the Top 1% of Entrepreneurs Profit from‬‬

‫‪ ،)Global Chaos‬الذي يؤِّرخ أعظَم تحُّو ٍل في مجال الابتكار والشركات الناشئة في العديد من الأسواق الناشئة‪ ،‬ومحِّررها‬
‫ناثان پينسكي (‪ ، )Nathan Pensky‬والفنان هالي بيتمان (‪)Hallie Bateman‬؛ تيم سوليڤان (‪ )Tim Sullivan‬مدير تحرير مجَّلة‬
‫هارڤرد بيزنس ريڤيو‪ ،‬والمحِّررين المساعدين كورتني كاشمان (‪ )Courtney Cashman‬وكيڤن إيڤرز (‪ .)Kevin Evers‬آدم‬
‫لاشنسكي (‪ )Adam Lashinsky‬المحِّرر الرئيسُّي في مجَّلة فورتشن (‪ )Fortune‬وميغان بارنيت (‪ ،)Megan Barnett‬مديرة‬
‫تحرير الموقع الإ لكترونِّي فورتشن‪ .‬دوت كوم (‪ .)Fortune.com‬وهنري بلودغيت (‪ )Henry Blodget‬وفريق العمل في مجَّلة‬
‫بيزنس إنسايدر (‪ .)Business Insider‬لاري روبرتس (‪ )Larry Roberts‬من مجَّلة بلومبرغ‪ ،‬وإيان مكارثي (‪ )Ian McCarthy‬من‬
‫لنكدإن‪ ،‬الذي توَّلى مسؤولَّية المحتوى الجديد‪ ،‬وقد طلب مِّني أن أكوَن أَح َد قادة الفكر‪ ،‬مَّم ا أثرى المحاَد ثات لتشمَل‬
‫الآلاف‪ .‬وقد كانت جهوده هو وفرانشيسكا ليڤي (‪ ،)Francesca Levy‬ودان روث (‪ )Dan Roth‬أساسَّيًة في إنجاز ذلك‪.‬‬
‫كما أوُّد أن أشكَر الريادَّية ساندي ماكفرسون (‪ )Sandi MacPherson‬صاحبة المنَّص ة الإ لكترونَّية ’’كيب دوت كوم‬
‫(‪ ،)Quibb.com‬والتي دَعْتني للانضمام إليها في البداية‪ ،‬مَّم ا أتاَح لي فرصًة للُح صول على ردوٍد ما كنُت لولاها لأحَص َل‬
‫عليها بتاًتا‪ .‬وقد قَّدم العديُد من الصحفِّيين في الميدان دعًم ا لا حدود له‪ ،‬وأذكُر منهم كريستين تشك (‪ )Kristen Chick‬من‬
‫صحيفة كريستيان ساينس مونيتور (‪ ،)Christian Science Monitor‬ونانسي ميسيه (‪ )Nancy Messieh‬التي كانت تعمُل سابًقا‬
‫في ’’ذا نكست وب‘‘ (‪ ،)The Next Web‬والآن في مجلس أتلانتيك‪ .‬وكريس ديكي (‪ )Chris Dickey‬من صحيفة ذا ديلي‬
‫بيست (‪ ،)The Daily Beast‬ومجَّلة نيوزويك (‪.)Newsweek‬‬
‫وقد تأَّثرْت أفكاري خلال الخطوات الأولى بالعديد من القَّر اء العظماء‪ ،‬ومنهم ويل مكانتس(‪ ،)Will McCants‬راني‬
‫كاسيلمان (‪ ،)Randy Castleman‬سارة تشيس (‪ ،)SarahChayes‬محَّم د الدهشان‪ ،‬پاراغ وعائشة خانا (‪Parag and‬‬

‫‪ ،)Ayesha Khanna‬سمير خليف‪ ،‬رافا ساَغلين (‪ ،)Raphe Sagalyn‬وجيرمي شاين (‪ .)Jeremy Shane‬وأوُّد أن أعِّبر عن‬
‫شكري الجزيل للَّس فير السابق لمنَّظمة التعاون والتنمية كارين كورنبلا (‪ ،)Karen Kornbluh‬التي ليس فقط قرأت الكتاب‬
‫بدَّقة‪ ،‬بل أيًض ا زَّودتني ببياناٍت ومعلوماٍت مهَّم ة تتعَّلق بالنساء في الأسواق الناشئة‪ .‬ونايف المطِّوع صاحب سلسلة القصص‬
‫المصَّورة ’’‪ ٩٩‬حجر‘‘ الذي جلس لإ جراء مقابلاٍت عديدٍة لها‪ ،‬وناقش العديَد من فصول الكتاب والذي أشمله في قائمة‬
‫الريادِّيين‪ ،‬ولكِّني أخُّص ه هنا بالِّذ كر‪.‬‬

‫أنا مدين إلى مارك أندريسن‪ ،‬على كِّل قضَّيٍة استعرضناها مًع ا‪ ،‬وعلى مشاركته وصداقته وضحكاتنا َطوال هذه الأعوام‪ ،‬وعلى‬
‫موافقته اللطيفة على كتابة تقديم هذا الكتاب‪ ،‬كما أشكُر أيًض ا زوجته الرائعة لورا أريلاغا أندريسن (‪Laura Arrillaga‬‬

‫‪ ،)Andreessen‬التي أعُّدها صديًقا ومستشاًر ا لي في هذا الكتاب بطرق لا ُتحصى‪ .‬ومدين أيًض ا إلى هيرب ألين الثالث‬
‫(‪ )Herb Allen III‬على مشاركتي بحكمته وروحه المرحة ودعمه على مدى عقٍد من الزمان‪ ،‬وعلى قراءة مسَّودة الكتاب كِّلها‪.‬‬
‫‘‘ (‪Allen‬‬ ‫كما أشكُره أيًض ا على تعريفي إلى والده هيربت ألين الابن (‪ )Herbert Allen Jr‬وإلى كاَّفة أعضاء شركة ’’ألين وشركاه‬
‫‪ ،)& Company‬لا سَّيما جون جريفن (‪ ،)John Griffen‬وجون جوزيفسون (‪ ،)John Josephson‬وكاوه خوسروشاهي (‪Kaveh‬‬

‫‪ ،)Khosrowshahi‬ليروي كيم (‪ ،)Leroy Kim‬وجيليان مونسن (‪ )Gillian Munsen‬وميغ كيلتي ولر (‪،)Meg Kelty Lawler‬‬
‫وماندي تاڤاكول (‪ -)Mandy Tavakol‬الذين عملوا ليس فقط على دعم مشاريع عملي‪ ،‬بل عَّلموني أيًض ا عن العالم على نحو‬
‫يفوق قدرتي على الوصف‪ .‬أيلانا ماير (‪ ،)Ilana Mair‬وهي أيًض ا من شركة ألين وشركاه‪ ،‬المحِّررة الرائعة‪ ،‬التي قرَأِت العديَد‬
‫من الفصول‪ ،‬وأدخَلِت العديد من التعديلات عليها بشكٍل رائع‪.‬‬
‫أشكُر كذلك َم ن ساهموا في دعم أفكاري وإثرائها‪ ،‬وأخُّص بالذكر ندى عبندة‪ ،‬وأحمد عبدالوهاب‪ ،‬وعمر الألفي‪ ،‬ورأفت‬
‫علي‪ ،‬وبراد أرونسون (‪ ،)Brad Aronson‬ورونيت أڤني (‪ ،)Ronit Avni‬ودِّر َّية البعداني‪ ،‬وهدى البارودي‪ ،‬سارة باكستر (‪Sarah‬‬

‫‪ ،)Baxter‬ونيك بيم (‪ )Nick Beim‬وپيراي يورتاس بيم (‪ ،)Piraye Yurttas Beim‬وفراس بن عاشور‪ ،‬وَج ف بيرمان (‪Jeff‬‬

‫‪ ،)Berman‬و ِلويس برنشتاين (‪ ،)Lewis Bernstein‬وجينا بيانشيني (‪ ،)Gina Bianchini‬وپول براجيل (‪ ،)Paul Bragiel‬وبريندا‬
‫بتلر (‪ ،)Brenda Butler‬وجيسون كالاكانيس (‪ ،)Jason Calacanis‬وإيان كاميرون (‪ ،)Ian Cameron‬وسوزان رايس (‪Susan‬‬

‫‪ ،)Rice‬ستيف وجان كيس (‪ ،)Steve and Jean Case‬مايك كاسيدي (‪ ،)Mike Cassidy‬وراما شقاقي‪ ،‬وجيمس تشان‬
‫(‪ ،)James Chan‬أندرو تشن (‪ ،)Andrew Chen‬بيزر كلاركسون (‪ ،)Beezer Clarkson‬شون كليري (‪ ،)Sean Cleary‬وبروك‬
‫كوبورن (‪ ،)Brooke Coburn‬وكاميرون كوك (‪ ،)Cameron Cook‬وجيمس كرابتري (‪ ،)James Crabtree‬وهنري كرومپتون‬
‫(‪ ،)Henry Crumpton‬وديڤيد دين (‪ ،)David Dean‬وباري ديلر (‪ ،)Barry Diller‬وپيتر دورنان (‪ ،)Peter Dornan‬وسارة‬
‫دودين‪ ،‬ونيفين الطاهري‪ ،‬وأندرو أكسوم (‪ ،)Andrew Exum‬وبروس فيلر (‪ ،)Bruce Feiler‬ونيت فيك (‪ ،)Nate Fick‬وآلان‬
‫فليشمان (‪ ،)Alan Fleischmann‬وريتشارد فونتين (‪ ،)Richard Fontaine‬وسعيد فرنسيس‪ ،‬وموريس غلفمان (‪Maurice‬‬

‫‪ )Gelfman‬ويوليوس غيناشوسكي (‪ ،)Julius Genachowski‬وجيمس غلاسمان (‪ ،)James Glassman‬وسيث غولدشتاين‬


‫(‪ ،)Seth Goldstein‬وپول غومپرز (‪ ،)Paul Gompers‬وجيم غولدغير (‪ ،)Jim Goldgeier‬ودون غراهام (‪،)Don Graham‬‬
‫وكاثرين حلبي‪ ،‬ولورين هاريتون (‪ ،)Lorraine Harriton‬وبوب هايز (‪ ،)Bob Hayes‬وعبد السلام هيكل‪ ،‬وهيذر هنيون‬
‫(‪ ،)Heather Henyon‬وأورين هوفمان (‪ ،)Auren Hoffman‬وجيم هورنثال (‪ ،)Jim Hornthal‬وجوليا هيرلي (‪،)Julia Hurley‬‬
‫ومارتن إنديك (‪ ،)Martin Indyk‬وجوي إيتو (‪ ،)Joi Ito‬وبيدريا هوليا (‪ ،)Bedriye Hulya‬وديما جمالي‪ ،‬ورياض أبو جودة‪ ،‬وزم‬
‫وجيمس خواكين (‪ ،)Zem and James Joaqin‬وماري جوردان (‪ ،)Mary Jordan‬ومعالي الوزير الأردنِّي الأسبق مروان جمعة‪،‬‬
‫وماهر قدورة‪ ،‬ورامي الكرمي‪ ،‬وطارق كَّتانة‪ ،‬ومؤَّس سة كوفمان‪ ،‬وجولييت كايم‪ ،‬وأندرو كين (‪ ،)Andrew Keene‬وسعد خان‪،‬‬
‫ويلينا كاديكينا (‪ ،)Yelena Kadeykina‬وباسل الكيلاني‪ ،‬وروبرت كيميت (‪ ،)Robert Kimmitt‬وجاي كوه (‪،)Jay Koh‬‬
‫وسعادة السفير كريم قعوار‪ ،‬وروب لالكا (‪ ،)Rob Lalka‬وكورينا لوپيز (‪ ،)Korina Lopez‬وكريستين لورد (‪،)Kristin Lord‬‬
‫ونانسي لوبلان (‪ ،)Nancy Lublin‬وأندرو ماك لافلين (‪ ،)Andrew McLaughlin‬ودايڤ مكلور (‪ ،)Dave McClure‬وإريك‬
‫مارتن (‪ ،)Eric Martin‬وإد ماتياس (‪ ،)Ed Mathias‬وكاثي ميريل (‪ ،)Cathy Merrill‬وكريستوفر ميشيل (‪،)Christopher Michel‬‬
‫ورانيت ميشوري (‪ ،)Ranit Mishori‬وجون ناجل (‪ ،)John Nagl‬وشريف ناجي‪ ،‬وڤالي نصر‪ ،‬وأحمد ناصف‪ ،‬وپغي نونان‬
‫(‪ ،)Peggy Noonan‬ومايكل أوهانلون (‪ ،)Michael O’Hanlon‬ودان أولشيفسكي (‪ ،)Dan Olszewski‬وأحمد عمران‪ ،‬وَد نيس‬
‫أوزيروڤ (‪ ،)Denis Ozerov‬وجيم پينكرتون (‪ ،)Jim Pinkerton‬ودان پرييتو (‪ ،)Dan Prieto‬وسلطان سعود القاسمي‪ ،‬ومهرونيزا‬
‫قيوم (‪ ،)Mehrunisa Qayyum‬وسالي كِون (‪ ،)Sally Quinn‬وهومان رادفر (‪ ،)Hooman Radfar‬وأندرو روزنتال (‪Andrew‬‬
‫‪ ،)Rosenthal‬كيڤين ريان (‪ )Kevin Ryan‬وروب شرودر (‪ ،)Rob Schroeder‬ولارا ستركيان‪ ،‬وعمرو شادي‪ ،‬ودينا شاكر‪ ،‬ومها‬
‫الشامي‪ ،‬وفيصل سهيل‪ ،‬وسيم سيرتأوغلو (‪ ،)Cem Sertoglu‬وإسحاق سولوتاروف (‪ ،)Isaac Solotaroff‬وآلان سپون (‪Alan‬‬

‫‪ ،)Spoon‬وريان سپون (‪ ،)Ryan Spoon‬ومارك ستنسل (‪ ،)Mark Stencel‬وأندرو ستيڤنز (‪ ،)Andrew Stevens‬ومارك شتاين‬
‫(‪ ،)Mark Stein‬ونفيسة سعيد‪ ،‬وشوق الطراونة‪ ،‬ونيت تيبتس (‪ ،)Nate Tibbets‬وسوزي جورج‪ ،‬روك جيل تانكل (‪Rock and‬‬

‫‪ ،)Jill Tonkel‬وغايل وجويل تروتر (‪ ،)Gayle and Joel Trotter‬وإليزابيث أولمر (‪ ،)Elizabeth Ulmer‬وأولتاك أونسال (‪Oltac‬‬

‫‪ ،)Unsal‬وإليزابيث ڤنغارتن (‪ ،)Elizabeth Weingarten‬وكاثرين ويماوث (‪ ،)Katharine Weymouth‬وفريد ويلسون (‪Fred‬‬

‫‪ ،)Wilson‬وجويل يزبك (‪ ،)Joelle Yazbeck‬وأحمد يونس ‪ ،‬وراحيلا ظفار‪ .‬ولم يكن هناك من هو أكثر تأثيًر ا في أفكاري من‬
‫روبرت زوليك (‪ ،)Robert Zoellick‬ولا سَّيما في ما يتعَّلق بالعالم‪ ،‬ومؤَّخ ًر ا بالأسواق الناشئة‪.‬‬
‫وأوُّد أن أشكر أيًض ا ليسلي جمپ (‪ )Leslie Jump‬المديرة التنفيذَّية لشركة تكنولوجي‪ ،‬شريكة شركة سواري لرأس المال‬
‫المغامر في الولايات المَّتحدة‪ ،‬مَّم ن قَّدموا دعًم ا لا حدوَد له لبيئات الشركات الناشئة المختلفة في الشرق الأوسط‪ ،‬ولإ ثراء‬
‫أفكاري حول ذلك‪ .‬وقد شغَل زوجها ند ووكر (‪ )Ned Walker‬منصَب الأمين المساعد السابق لسفير ِم ْص َر وإسرائيل في‬
‫الشرق الأوسط‪ ،‬وخدَم في كاَّفة أرجاء المنطقة‪ ،‬وهو الآن أستاذ في كِّلَّية هاملتون (‪ .)Hamilton College‬هو أكثر َم ن عَّلمني‬
‫عن المشهد السياسِّي في الشرق الأوسط على مدى أشهر من خلال قراءاتي‪.‬‬
‫قَّررُت في هذه الكتاب أن أرِّكَز على القصص في الشرق الأوسط‪ ،‬ولكَّن قيامي بذلك جعَلني أستثني بعض الرَّو اد‬
‫والداعمين العظماء للبيئات الناشئة في حكومة الولايات المَّتحدة‪ .‬ونتيجًة لَع َدم توافر التمويل والموازانة‪ ،‬يكون القراُر غالًب ا‬
‫لَض مان المساعدات‪ ،‬والحصول على الاستثمار‪ ،‬والقروض وضمانات القروض الحكومَّية التي رَّكزْت عليها الحكومة سابًقا‪،‬‬
‫هو لجوء هؤلاء ’’الريادِّيين‘‘ إلى البحث عن فرٍص لَر ْبِط الشركات الناشئة الكبرى حول العالم بالاستثمارات وتأسيس علاقات‬
‫صداقة بشخصَّياٍت عظيمٍة في الولايات المَّتحدة‪ .‬أشكر ستيڤن كولتاي (‪ ،)Steven Koltai‬والذي يعمُل حالًّيا مع مجموعة‬
‫كولتاي‪ ،‬بعد أن قاَد لسنواٍت أَح َد أهِّم وسائل الَّربط في الولايات المَّتحدة‪ ،‬وبيئات الأسواق الناشئة‪ ،‬وهو البرنامُج العالمُّي‬
‫لريادة الأعمال الذي أطلقته وزارة الخارجَّية الأميركَّية‪ ،‬وخليفُته شيلي پورِغ س (‪ ،)Shelly Porges‬الرئيس التنفيذُّي السابق لدى‬
‫أميركان إكسبرس (‪ ،)American Express‬وبنك أميركا (‪ ،)Bank of America‬بتعزيز البرنامج العالمِّي لريادة الأعمال‪ .‬وبرندا‬
‫ريوس (‪ )Brenda Rios‬من البرنامج العالم لريادة الأعمال التي جعلت كَّل الأمور تبدو سهلة‪ .‬ومايك دراكر (‪)Mike Drucker‬‬
‫ِّي‬
‫الموجود في القاهرة في منصب مستشار لدى الوكالة الأميركَّية للإ نماء الدولّي ‪ ،‬وأشكُر جهوَد هم في ريادة الأعمال‪ .‬والسفير‬
‫الأميركِّي لدى الإ مارات مايكل كوربين (‪)Michael H. Corbin‬؛ وطوني ڤيرستاندينغ (‪ )Toni Verstandig‬وميسم علي‪ ،‬وميكي‬
‫بيرغ مان (‪ ،)Mickey Bergman‬من المبادرة للشراكة بين القطاَع ين العاِّم والخاّص ‪ :‬شركاء من أجل بداية جديدة‬
‫(‪ ،)Partnership for New Beginnings‬التي فتَح ْت أبواًبا جديدًة للمديرين التنفيذِّيين والمستثمرين لتعُّرِف الأسواق النامية‪،‬‬
‫وكاثلن كامپل (‪ )Cathleen Campbell‬الرئيس التنفيذُّي في المنَّظمة الدولَّية للبحوث والتنمية (‪ ،)CDRF Global‬والذي‬
‫استضاف منافسات الشركات الناشئة حول العالم بالتعاون مع ناتاليا پيپا (‪ )Natalia Pipa‬وأوڤي بوجولين (‪)Ovi Bujorean‬‬

‫ويوريتزي أكوستا (‪ )Yoritzi Acosta‬وفريق عملهم‪ ،‬وكُّل ذلك بالإ ضافة إلى التزاماتهم اليومَّية‪ .‬كما ساعدتني كريستينا فيرناندز‬
‫(‪ )Cristina Fernandez‬من خلال سلسلة بحوث وتقِّص ي الحقائق دون كلل‪ ،‬وكانت دوًم ا حاضرة رغم طلبي إَّياها بمهٍل‬
‫قصيرة‪ ،‬كذلك كانت دانا ستستر (‪ ،)Dana Stuster‬وهي تعمُل الآن لدى مجَّلة فورين پوليسي‪ .‬وقد كتبت جان موري‬
‫(‪ )Jeanne Murie‬بتفاٍن ثلَث اللقاءات الطويلة التي أجريُتها‪.‬‬

‫َّظ‬
‫أتوَّج ه بالشكر إلى منَّظمة الرؤساء الشباب على كِّل ما قَّدموه إلَّي من معلوماٍت على مدى السنوات‪ ،‬وأشكُر الريادَّي العظيَم‬
‫والمستثمر في رأس المال المقيم في واشنطن‪ ،‬كال سيمونز (‪ ،)Cal Simmons‬وريادَّي ومستثمر الساحل الغربِّي جيم هورنثال‬
‫(‪ ،)Jim Hornthal‬الذي قَّدمني إلى المجموعة‪ .‬أشكُر سيف فهمي الذي كان مضيًفا رائًع ا لي في القاهرة وفي مناطق ُأخرى‬
‫في مصر‪ ،‬وهو حالًّيا يبذُل جهوَد ه في بناء ِم ْص ر‪ .‬وأشكر المنتدى الخاَّص بمنَّظمة الرؤساء الشباب في واشنطن العاصمة‬
‫ديڤيد إيزنر (‪ ،)David Eisner‬شون غرين (‪ ،)Sean Greene‬عميد غراهام (‪ )Dean Graham‬ستيوارت هوليداي (‪Stuart‬‬

‫‪ ،)Holiday‬توم موناهان (‪ ،)Tom Monahan‬جون رايس (‪ ،)John Rice‬روب وايلدر (‪ )Rob Wilder‬الذين دعموا أفكاري‪،‬‬
‫وتفَّه موا غيابي وأسباَب السفر‪.‬‬
‫عندما فَّكرت في بداية الأمر في كتابة ’’نهضة الشركات الناشئة‘‘‪ ،‬ابتسَم أَح ُد الأصدقاء والخبراء في نشر الكتب وقال‬
‫لي‪’’ :‬إَّن أقَّل الكتب مبيًع ا هي تلك المتعِّلقة بريادة الأعمال والشرق الأوسط‪ .‬فأْن تجَمَع الموضوَع ين مًع ا‪ ،‬فذلك يبدو‬
‫متناقًض ا‘‘‪ .‬في الوقت الذي بدأُت فيه الثورات العربَّية تخمد‪ ،‬لم تجْد فكرُة كتابِة ماَّد ٍة قد تمنح الأمل قبوًلا لدى الكثيرين‬
‫لتعارُض ها مع طبيعة الأخبار السائدة‪ ،‬وقد برَزِت امرأتان ليس فقط بشجاعتهما على الُم ِض ِّي ُقُد ًم ا بذلك‪ ،‬بل أيًض ا لإ بدائها‬
‫الصبَر والدعَم الَّل امحدود‪ ،‬وعلى التحرير الرائع طوال الوقت‪ :‬الأولى وكيل أعمالي علياء حَّنا حبيب‪ ،‬من دار نشر ماكورميك‬
‫آند وليمز (‪ ،)McCormick and Williams‬التي أدركت على الفور التأثيَر القوَّي لهذه القَّص ة‪ .‬وخلال أشهٍر من التحرير الدقيق‪،‬‬
‫وإعادة تحرير ما كتبُته‪ ،‬وبذل طاقتها في المبادرة والمثابرة‪ ،‬منَح ْتني مفهوًم ا آخر للشجاعة‪ .‬والثانية محِّررتي إميلي كارلتون من‬
‫دار نشر پالغريف ماكميلان (‪ ،)Palgrave Macmillan‬التي آمَنْت بفكرِة هذا الكتاب منذ البداية‪ ،‬ومنحتني الوقَت ‪ ،‬والمشورَة‪،‬‬
‫بحكمٍة وأسلوٍب لم أعهدهما من قبُل ‪ ،‬ووَّج هْت تركيزي على الَم هَّم ة‪ ،‬وجعلتني أكثر تفاؤًلا من خلال وسائل متعِّددة أكثر‬
‫مَّم ا توَّقعت‪ .‬وقد حَّررْت كَّل فصٍل أكثَر من مَّرة حَّتى في المواعيد النهائَّية التي بدت مستحيلة‪ ،‬وطرحت الأسئلة الصعبة‪،‬‬
‫وعملت على جعل كتابتي أفضل باستمرار‪ .‬لا يمكُنني أن أوفيهم‪ ،‬وفريق عملهم‪ ،‬حَّقهم مهما شكرُتهم‪ .‬وأشكر بشكٍل‬
‫خاص ليزلي فالكيمن (‪ )Leslie Falke‬من دار نشر ماكورميك على النسخ المعَّدلة من كتاباتي‪ ،‬ولورا لانكاستر (‪Laura‬‬

‫‪ )Lancaster‬من دار نشر پالغريف ماكميلان أيًض ا على القيام بالعديد من الأعمال في وقٍت واحد‪ ،‬وكارلا بينتون (‪Carla‬‬

‫‪ )Benton‬وجويل بروكلاندر (‪ )Joel Breuklander‬اللذين انضَّم ا إلى فريق العمل في مجال تحرير الكتاب‪ .‬وفريق التسويق في‬
‫دار نشر پالغريف ماكميلان‪ ،‬ويضُّم لورين دواير (‪ )Lauren Dwyer‬وإليزابيث تون (‪ )Elisabeth Tone‬في نيويورك‪ ،‬وڤيرتي‬
‫هوليداي (‪ )Verity Holliday‬وجايمي وفوريست (‪ )Jamie Forrest‬في لندن‪ ،‬وقد عمل هذا الفريق على إخراج هذا المحتوى‬
‫القصصِّي الخاِّص بالشرق الأوسط‪ .‬وأشكُر أيًض ا مارك فوتيير (‪ )Mark Fortier‬وپونجا سانغار (‪ )Punja Sangar‬من قسم‬
‫العلاقات العاَّم ة‪ ،‬وإيمي غونزاليس (‪ )Amy Gonzalez‬وكاميرون كوك (‪ )Cameron Cook‬من قسم التسويق التفاعلّي ‪ ،‬فهؤلاء‬
‫هم الأفضل في العلاقات العاَّم ة التسويق التفاعلِّي على التوالي‪ ،‬وقد صاروا حًّقا أعضاء مرَك زِّيين في فريق العمل‪.‬‬
‫أَّم ا بالِّنسبة إلى المؤِّلِف الكبير بيل مورفي (‪ ،)Bill Murphy‬فهو صديٌق رائٌع واثٌق يعرُض تسلسَل أحداث القَّص ة‪ ،‬قارًئا‬
‫ومحِّرًر ا ومحِّف ًز ا‪ ،‬وقد قَّد َم إلَّي الَّدعم المعنوَّي منذ بداية مشواري وخلال كِّل فصل‪ ،‬حَّتى أنهيُت الماَّد ة‪ .‬لا يمكن أن أوفيه‬
‫حَّقه في الإ يضاح الفكرِّي والكتابّي ‪.‬‬
‫توم ميلر (‪ ،)Tom Mueller‬صديقي العزيز والمؤِّلف الكبير‪ ،‬عَّلمني كيف أكتُب منذ فترة الجامعة‪ ،‬وقَّد َم إلَّي الدعَم‬
‫المتواصَل في مختلف المسائل كبيرًة كانت أم صغيرة‪.‬‬
‫أشكُر مساعدي التنفيذَّي بلير هوفمان (‪ )Blair Hoffman‬في هيلث سينترال (‪ ،)HealthCentral‬الذي قَّد َم إلَّي المئات من‬
‫ُّل‬
‫الخدمات الُّلوجستَّية‪ ،‬وأضفى أجواًء رائعًة بروح الفكاهة والَّدعم‪ .‬وقد يبدو توجيهي الشكر إلى عائلتي في آخِر جزٍء من‬
‫الإ هداء صيغًة متكِّررة‪ ،‬لكَّن دوَرهم كان أساسًّيا في هذا كِّله‪ .‬زوجتي‪ ،‬ساندي كوبورن (‪ ،)Sandy Coburn‬التي تكتُب‬
‫روايَتها وهي تمارُس َم هاَّم ها بصفتها أًّم ا على نحٍو ماهر‪ ،‬وتقوُم بالعديد من المهاِّم الأخرى‪ .‬كثيًر ا ما وضَع ْت أولوَّياتها جانًب ا‬
‫عندما سافرُت في العديد من الرحلات إلى المنطقة في أقَّل من عاَم ين‪ ،‬وحين اْع َتَكْف ُت كالَّناسك لعَّدة أشهر للكتابة وإجراء‬
‫محادثات سكايپ‪ ،‬وعَّدلْت واقترحت أموًر ا لا ُتقَّد ُر بَثمن‪ .‬لم تكن رحلاتي المستمَّرة مصدر اطمئناٍن لوالدَّي ‪ ،‬إد وإيلين (‪Ed‬‬

‫‪ ،)and Elaine‬لا سَّيما عندما كانت ترُد أخباٌر غير ساَّرة من المناطق التي كنُت أسافُر إليها‪ ،‬ولكَّنهم ورغم ذلك كانوا‬
‫داعمين لي بشكٍل لا يصَّدق في جميع النواحي‪ ،‬وقد عَّلماني التجوال‪ .‬ساندي وأطفالي جاك (‪ ،)Jack‬وجوليا (‪ ،)Julia‬وبن‬
‫(‪ ،)Ben‬كانوا يوِّج هون أسئلة لَّم احة‪ ،‬عندما كنُت أعود من رحلاتي‪ ،‬كان يلعبون معي ويتسَّلقون علَّي كي أبقى متيِّق ًظا إذا ما‬
‫قَّررُت أْخ َذ َيوم عطلة‪ .‬إَّن عالمهم يزداُد اضطراًبا وتشوُبه حالٌة من عدم اليقين‪ ،‬إَّلا أَّن هناك فرًص ا كبرى‪ ،‬وأتمَّنى أن يكونوا‬
‫قادرين على استغلال الفرص بأساليبهم الخاَّص ة‪ ،‬تماًم ا مثل الريادِّيين الذين َح ظيُت بمقابلتهم‪ ،‬لُص ْنع عالٍم أفضَل جديٍد ‪.‬‬

You might also like