Professional Documents
Culture Documents
الفصل الثالث
الفصل الثالث
تمارس اإلدارة وظيفتها عن طريق الوسائل القانونية والوسائل المادية.وتنقسم الوسائل القانونية
إلى وسيلتين هما ،القرارات اإلدارية والعقود اإلدارية .وتصدر القرارات اإلدارية من طرف اإلدارة
وحدها ،سواء كانت قرارات فردية أو تنظيمية.
وتعد هذه القرارات من أهم امتيازات اإلدارة وبذلك تستطيع اإلدارة أن تصدر قرارات ملزمة
لألفراد دون أن يتوقف تنفيذها على قبولهم.
يعتبر القرار اإلداري من أهم الوسائل القانونية التي تستخدمها اإلدارة لممارسة نشاطها وتحقيق
أهدافها ..ويحظى موضوع القرارات اإلدارية بأهمية خاصة كموضوع من موضوعات القانون اإلداري
من الناحيتين النظرية والعملية..
فأهمية القرارات اإلدارية من الناحية النظرية :تتمل في أن القرارات اإلدارية تعتبر محورا تدور
حوله معظم نظريات القانون اإلداري إال ويثير فكرة القرار اإلداري..كما أن القرارات اإلدارية تعتبر من
السلطات واالمتيازات التي تتمتع بها اإلدارة.1
يضاف إلى كل ذلك أنها تمثل الوسيلة واألداة الفعالة التي تستخدمها اإلدارة للحصول على وسائلها
األخرى :كالوسائل البشرية ( مثل تعيين الموظفين الذي يتم بقرارات إدارية)،والنشاط اإلداري (مثل
القرارات اإلدارية التي تصدر في مجال الضبط اإلداري والمرافق العامة)والوسيلة المادية ( مثل
القرارات التي تحصل اإلدارة بواسطتها على األموال العامة كقرارات االستهالك).
أما أهمية القرارات من الناحية العملية :تتمثل في أن القرارات اإلدارية تعتبر من أهم الوسائل
اليومية،في حياتهم في المجتمع أفراد مع للتعامل اإلدارة تستخدمها التي القانونية
أعمالهم،وأموالهم،ومصالحهم،وحرياتهم في بعض األحيان..وأنها تعتبر مجاال رئيسيا لممارسة الرقابة
القضائية على أعمال اإلدارة ،إذ تدور معظم المنازعات القضائية المطروحة أمام القضاء اإلداري حول
الطعن فيه باإللغاء ،مما أتاح الفرصة أمام القضاء اإلداري البتداع الكثير من المبادئ والقواعد المتعلقة
بالقرارات اإلدارية.
1
GEORGES DUPUIS MARIE _ JOSÉ GUÉDON PATRICE CHRÉTIENT Droit administratif 8e édition
DALLOZ Paris ,2002 p 543
لقد خول المشرع لإلدارة ،من خالل القرارات اإلدارية واالنفرادية ،سلطات وامتيازات تمكنها من
أدائها لوظائفها ،وتعرف هذه السلطات بامتيازات السلطة العامة،وذلك لكونها قائمة على المصلحة العامة .
وصف القاضي اإلداري هذه السلطة بأنها تشكل القاعدة األساسية للقانون العام وأنها من مبادئه
ومقوماته ،وال يجوز إنكارها أو التشكيك فيها بحال من ألحوال .هذه االمتيازات وتلك السلطات المتمثلة
في حق إصدار قرارات إدارية ملزمة بإرادتها المنفردة ودون حاجة إلى رضا وموافقة المخاطبين بها،بل
دون حاجة إلى اللجوء إلى القضاء لالعتراف لها مسبقا بهذا الحق ،حتى إن القاضي اإلداري قد قرر في
أحكام له ،عدم قبول دعوى اإلدارة أمامه إذا ما اقتصرت في طلباتها على السماح لها باتخاذ قرار معين
هو األصل من اختصاصها المقرر قانونا لها.
ومن هنا فإن موضوع القرارات اإلدارية موضوع متعدد الجوانب ،وتتطلب دراسته اإلحاطة بهذه
الجوانب المتعددة ،والتي تشمل :معرفة الشروط التي يجب توافرها حتى يمكن أن نصف تصرفا معينا بأنه
قرار إداري ،وأركان القرار اإلداري،وأنواع القرارات اإلدارية ،وكيف يتم نفاذ وتنفيذ القرارات اإلدارية.2
تقتضي دراسة القرار اإلداري من الناحية القانونية التعريف بالقرار اإلداري وتمييزه عن األعمال
القانونية أو اإلدارية األخرى.
لم يضع المشرع اإلداري تعريفا معينا للقرار اإلداري،ولهذا كان المجال رحبا الجتهادات الفقه
والقضاء اإلداريين في محاولة لوضع تعريف جامع للقرار اإلداري..
بحيث عرفه القضاء والفقه ،بأنه إفصاح جهة اإلدارة في الشكل الذي يحدده القانون عن إرادتها
الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح،بقصد إحداث أثر قانوني معين.و قد تم تعريفه
2
JACQUELINE MORAND_DEVILLER COURS DE DROIT ADMINISTRATIF IMPRIMERIE FRANCE
QUERCY 1999 P 263
على :أنه عمل قانوني نهائي صادر باإلرادة المنفردة و الملزمة لجهة اإلدارة العامة الوطنية،بما لها من
سلطة بمقتضى القوانين واألنظمة وفي الشكل الذي يتطلبه القانون ،بقصد إنشاء أو تعديل أو إلغاء حق أو
التزام قانوني معين متى كان ذلك ممكنا أو جائزا قانونا أو ابتغاء المصلحة العامة..
فالقرار اإلداري وسيلة اإلدارة المفضلة في القيام بوظيفتها لما يحققه من سرعة وفاعلية العمل
اإلداري .
فالقرار اإلداري يتيح لإلدارة إمكانية البث من جانب واحد في أي أمر من األمور ،دون حاجة إلى
الحصول على رضى األفراد أو حتى بالرغم من معارضتهم.
والقرار اإلداري كذلك هو عمل قانوني ،يصدر عن اإلدارة المنفردة لإلدارة،وال يتوقف نفاذه على
موافقة من ينطبق عليهم.
وتعتبر القرارات اإلدارية من أهم وسائل اإلدارة في مباشرة وظيفتها ومظهرا من أخطر مظاهر
السلطات واالمتيازات القانونية التي تتمتع بها والتي ترجع كفتها علة كفة األفراد مبررة ذلك بأنها تستهدف
تحقيق الصالح العام ،ومن ثم تعتبر القرارات اإلدارية من أهم وموضوعات القانون اإلداري 3ومع ذلك لم
يكلف المشرع نفسه عناء تعريف القرار اإلداري ولهذا فقد تصدى القضاء والفقه لهذا التعريف.
وقد عرف القضاء القرار في أحكامه األولى بأنه " إفصاح من جانب اإلدارة العامة يصدر
صراحة أو ضمنا .أثناء قيامها بأداء وظائفها المقررة لها قانونا ،وفي حدود المجال اإلداري ،ويقصد منه
إحداث أثر قانوني ويتخذ صفة تنفيذية".
كما عرفه القضاء كذلك بأنه إفصاح جهة اإلدارة في الشكل الذي يحدده القانون عن إرادتها
الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح ،بقصد إحداث أثر قانوني معين ،متى كان ممكنا
وجائزا وكان الباعث عليه مصلحة عامة .كما عرف القرار اإلداري القابل للطعن باإللغاء هو كل قرار
صادر عن سلطة إدارية وطنية ،نهائية تنفيذية ومؤثرة في المركز القانوني للطاعن.
وحيث أن المقصود بالقرار اإلداري العمل القانوني الصادر من جانب اإلدارة وحدها،لذلك فإن
العمل المادي الذي ال تتولد عنه آثار قانونية ال يعتبر قرارا إداريا وال يمكن الطعن فيه بإلغاء أيا كانت
اآلثار الضارة التي تمخض عنها .مثل األعمال التمهيدية ،واألعمال التي تستهدف إثبات الحالة
،والمنشورات واألوامر المصلحية.
3
د محمود حلمي ،القرار اإلداري –الطبعة األولى ،دار االتحاد العربي ،1970ص . 15
وقد ذهبت أحكام القضاء اإلداري إلى أن األوامر التي تصدرها الجهات اإلدارية ال تعتبر من قبيل
القرارات اإلدارية ،وإنما هي مجرد إجراء تنفيذي أو عمل مادي ال يسمو إلى مرتبة القرار اإلداري هو
إفصاح جهة اإلدارة عن إرادتها الذاتية فإن كل تصرف يعبر عن إرادة أخرى وال ينشئ بذاته مركزا
قانونيا ال يعتبر قرارا إداريا.
قبل الدخول في تفصيل وشرح القرار اإلداري عمل قانوني تجدر اإلشارة إلى التطرق إلى تحديد
ماهية العمل القانوني.فالفقيه دوجي يقسم األعمال والتصرفات القانونية من حيث ما ترتبه من آثار إلى
ثالثة أنواع:
وهو الذي يترتب عليه إنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز قانوني عام أو موضوعي ،فهو يقع على
قاعدة جديدة أو يلغي قاعدة ق ائمة ،مثال ذلك في القانون العام القوانين المشرعة واللوائح أي القرارات
اإلدارية التنظيمية ،وفي القانون الخاص نظم الجمعيات والشركات وأحكام االتفاق الجماعي للعمل.
وهو الذي يترتب عليه إنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز قانوني ،شخصي.وخير مثال له هو العقد ،إذ
يرتب حقوقا والتزامات بالنسبة لطرفيه،يختلف مداها عن مدى الحقوق وااللتزامات التي ينشئها عقد آخر
سواء بالنسبة لهما أو بالنسبة ألشخاص آخرين.
– 3العمل الشرطي
وهو عمل صادر بصدد فرد معين ،يترتب عليه إلحاقه بمركز قانوني عام أو موضوعي ،أو كم
يق ول األستاذ السنهوري إن األثر الذي يرتبه هذا العمل أو التصرف هو نقل شخص إلى حالة قانونية ،لم
تكن تنطبق عليه من قبل .فالتصرف إذن هو الشرط الذي ال بد من توافره حتى ينتقل الشخص إلى هذه
الحالة القانونية الجديدة ،ومن ثم سمي بالتصرف الشرطي.
ومثال ذلك في القانون الخاص عقد الزواج ،وفي القانون العام قرار تعيين شخص في إحدى
الوظائف العامة.
وبالنسبة للقرار اإلداري كعمل قانوني يعني أن القرار اإلداري يقوم على تعبير اإلدارة عن
إرادتها بقصد ترتيب أثر قانوني ،وهذا األثر القانوني قد يكون:حالة قانونية جديدة أو تعديل مركز قانوني
قديم أو إلغائه ..
وبهذا يختلف العمل القانوني الصادر من جانب اإلدارة عن العمل المادي في أن محل العمل
المادي يكون دائما واقعة ما دية أو إجراء مثبتا لها دون أن يقصد به تحقيق آثار قانونية معينة.ويتمثل في
إنشاء حالة قانونية معينة أو تعديلها أو إلغائها وبهذا يتميز محل العمل القانوني عن محل العمل المادي
الصادر عن اإلدارة يكون في الغالب واقعة مادية دون أن يتجه قصده إلى إحداث أثر قانوني -أي إنشاء
حقوق والتزامات جديدة – وبالتالي ال تعتبر مثل هذه األعمال قرارات إدارية.
ويعبر عن القرار اإلداري المحدث آلثار قانونية بهذا المعنى باصطالح القرار النهائي .
و يترتب األثر القانوني فور صدور القرار و ينسب إليه مباشرة حتى ولو كان صدر تطبيقا لنص
عام.
كما أن العمل المادي قد يكون تنفيذا لعمل قانوني :كأن يصدر أمر إداري بالقبض على شخص
معين عبرت فيه اإلدارة عن قصدها وغرضها ونفذته باعتبارها ذات وظيفة ،حيث يعتبر مثل هذا األمر
تصرف أو عمل قانوني ..أما عملية إلقاء القبض على هذا الشخص (كواقعة مادية في حد ذاتها)تعتبر من
األفعال المادية،وهي ليست عمال قانونيا..
كما أن العمل المادي الصادر عن اإلدارة نتيجة خطأ أو إهمال دون أن تقصد ترتيب أي أثر
ق انوني عليه،ال يعتبر قرارا إداريا ،كالحوادث التي تقع للقطارات أو السيارات ،أو هدم المباني التي قد
ينتج هنا أضرار تصيب بعض األفراد في أنفسهم وأموالهم.
يعتبر القرار اإلداري هنا هو الوسيلة القانونية األساسية التي يمكن بواسطتها أن تفرض
االلتزامات أو تمنح الحقوق بمحض إرادتها ،دون أن يتوقف ذلك على رضى أو موافقة المعنيين
باألمر.وذلك خالفا لما هو عليه األمر في مجال عالقات األفراد فيما بينهم،حيث يسود مبدأ العقد شريعة
المتعاقدين.
فالقرار اإلداري أيا كان نوعه هو عمل قانوني يصدر بإرادة اإلدارة المنفردة..وهذا العنصر هو
أساس التفرقة بين القرار اإلداري والعقد اإلداري،ذلك أن العمل القانوني في العقد ال يظهر أثره إال تالقت
إرادة اإلدارة وإرادة الفرد أو الجهة المتعاقدة معها..في حين أن العمل القانوني في القرار اإلداري يظهر
أثره دون تدخل من جانب األفراد وبإرادة اإلدارة وحدها رضي سواء األفراد أو لم يرضوا.
وعنصر" اإلرادة " يفترض أوال أن هناك نية ما اتجهت بها اإلدارة إلى ترتيب أثر قانوني
معين،وذلك بكون يشترط أن يكون تعبير اإلدارة عن إرادتها الذاتية وليس تنفيذا إلرادة إدارة أو سلطة
أخرى.وتطبيقا لذلك قضت محكمة العدل العليا في حكم لها في هذا المجال بقولها(( ..ال يعتبر قرارا إداريا
رفع دائرة األراضي والمساحة رفع إشارة الحجز على األرض بناء على قرار صادر عن
المحكمة الكنسية ،ألن مثل هذا الرفض يعتبر تصرفا يعبر عن إرادة سلطة أخرى،وال يحدث بذاته أثرا
قانونيا ،وإنما يعتبر إجراء تنفيذيا لقرار صدر عن جهة أخرى))..
استقر اجتهاد الفقه والقضاء اإلداريين على أن القرار ال يعتبر قرارا إداريا ما لم يكن صادرا عن
سلطة إدارية عامة،بحيث أن حق إصدار القرارات اإلدارية هو امتياز لصالح اإلدارة ،فهو ال يتمتع به
األفراد والخواص كما أنه كقاعدة ال يصدر عن السلطتين التشريعية والقضائية.ولكن هذا القاعدة ليست
مطلقة ،حيث أنه بعد أن أصبح الخواص يساهمون إلى جانب اإلدارة في تحقيق المصلحة العامة منح لهم
المشرع إمكانية إصدار قرارات ملزمة ،مثال المجلس الوطني لهيئة األطباء أو الهيآت األخرى يمكن أن
تصدر قرارات ألعضائها ،هذا ما يتم في بعض الدول كفرنسا حيث أن طرد أحد األطباء من القطاع
الخاص يتم بقرار تصدره هيئة األطباء التي هي شخص معنوي خاص.وهكذا فمجلس الدولة الفرنسي
يضفي الصفة اإلدارية على القرارات الصادرة من هيآت خاصة مستندا في ذلك إلى موضوع القرار ذاته
،وهو تنفيذ مرفق عام ،وطابع السلطة العامة الذي يتسم به باعتباره مظهرا من مظاهر امتيازات القانون
العام الممنوحة لتك الهيآت الخاصة .
ونجده في أول األمر يجمع بين هذين العنصرين في حكمه الصادر في قضية ماجنيي في 3يناير
، 1961ثم يكتفي بالعنصر األخير في رأي بعض الفقهاء ،هو عنصر السلطة العامة الذي يطبع القرار ،في
حكمه الصادر في 2أكتوبر سنة 1961في قضية االتحاد الوطني لشراء المنتوجات الزيتية. 4
فمجلس الدولة يصرح بأن القرارات المذكورة صادرة عن هيئات خاصة ومع ذلك فهي قرارات
إدارية ألنها تصدر تنفيذ لمرفق عام،وتنطوي على عنصر السلطة
العامة،وبذلك يعتبر هذا الحكم 5نقطة تحول هامة من المعيار الشكلي إلى المعيار الموضوعي ،فلم
يعد من الضروري أن يكون القرار صادرا من إحدى السلطات اإلدارية ،أي أحد أشخاص القانون العام
،وإنما يلزم ويكفي أن يكون موضوعه تنفيذ مرفق عام ،ويكون متسما بطابع السلطة العامة.
ويرى األستاذ فالين أن المجلس يرجح عنصر السلطة العامة في هذه القضية ،وأن ذلك يستفاد بال
أدنى شك من حيثيات الحكم ال تي ،بعد أن قررت أن المشرع قد عهد بمهمة تنفيذ مرفق عام إلى هيئات
خاصة .ذكرت أنه في حاالت التي تصدر فيها تلك الهيآت.
قرارات فردية من جانب واحد وملزمة لمالك األراضي الزراعية ،فإن القرارات تكون قرارات
إدارية مما يدخل في اختصاص القضاء اإلداري.
ففي نظر هذا الفقيه أن شرط تنفيذ مرفق عام وإن كان ضروريا إال أنه لم يعد كافيا العتبار القرار
إداريا ،بل يجب أن نكون بصدد مباشرة امتياز من امتيازات القانون العام.كما أنه ال يوجد ما يقطع بتغليب
أحد الشرطين عن اآلخر ،وإنما نعتقد أن الحكم لم يخرج من هذه الناحية عن اتجاه األحكام التالية له،التي
تثير تنفيذ مرفق عام كأساس العتبار القرارات الصادرة من الهيئات المكلفة بهذا التنفيذ لقرارات إدارية
،ولكن الحكم المذكور يتميز عن األحكام السابقة،ويمتاز عليها في انه بدال من أن يتهرب من التصدي
لتحديد طبيعة الهيئات الصادرة منها القرارات محل الطعن ،نجده قد واجه هذه المشكلة وتولى حلها بكل
-2ونالحظ أن المجلس قد أخذ في هذا الحكم أيضا بالمعيار الشخصي الذي تواترت علي أحكامه منذ حكمه في قضية غوسي سنة 1923فيقرر أنه
4يتضح من نصوص القانون أن المشرع قد قصد اعتبار المهمة المعهود بها إلى النقابات المذكورة مرفقا عاما.
-3وتتلخص وقائع الحكم المتعل ق بقضية ماكنيي في أن المشرع الفرنسي نص في األمر الصادر في 2نوفمبر سنة 1945على إنشاء هيئات في
شكل نقابات خاصة في األمر الصادر في 2نوفمبر 1945على إنشاء هيئات في شكل نقابات خاصة ،تتولى مهمة القضاء على الطفيليات
والحشرات الضارة بالمزروعات ،ويتضح من نصوص ا لتشريع المذكور أن المشرع قد قصد اعتبار تلك المهمة مرفقا عاما،فهي تهدف إلى حماية
االقتصاد الوطني ،وفي سبيل أدائها اعترف للنقابات المذكورة ببعض امتيازات وسلطات القانون العام كاحتكار تلك المهمة ،وسلطة جباية فرائض
مالية من مالك األراضي الزراعية ،وسلطة التنفيذ المباشر لعمليات تطهير النباتات ،وسلطة إصدار القرارات الفردية الملزمة لمالك األراضي
.وكانت المشكلة التي تصدى لها المجلس الدولة في هذه القضية هي معرفة طبيعة القرارات التي تصدرها النقابات المذكورة ،وقد أجاب عليها
المجلس باعتبار تلك القرارات إدارية ،واستند في هذا التكييف إلى سببين :أولهما أن هذه القرارات وإن كانت صادرة من هيئات خاصة هي النقابات
إال أنها صادرة منها لتنفيذ مرفق عام الذي أنشأه المشرع ،وعهد بالقيام به إلى تلك الهيآت ،وثانيها أن تلك القرارات تنطوي على عنصر السلطة
العامة وتعتبر مظهرا من مظاهر امتيازات القانون العام منحها المشرع للنقابات المذكورة
صراحة ،مقررا أن القرارات اإلدارية تعتبر كذلك ألنها صادرة تنفيذا لمرفق عام ،وإن كانت تلك الهيئات
خاصة أي من أشخاص القانون الخاص.
يعني صدو ر القرار اإلداري ابتداء بتعبير اإلدارة عن إرادتها المنفردة والملزمة.وبذلك فإن القرار
اإلداري ال يتكون إال بإرادة السلطة اإلدارية وحدها،وسواء اتخذ هذا التعبير أو اإلفصاح عن اإلرادة موقفا
إيجابيا ،فيكون القرار في هذه الحالة قرارا سلبيا أو ضمنيا ..وأيا كانت صيغة التعبير عن إرادة اإلدارة –
إيجابا أو سلبا – فإن القرارات الصريحة أو الضمنية (أو السلبية)يمكن الطعن بعدم مشروعيتها على حد
سواء ،
وبخصوص االنفراد في تحديد هذه اإلرادة،فال يشترط لتوافره أن يصدر القرار عن فرد واحد فقط
،فإن العبرة في ذلك ليست بعدد أعضاء السلطة اإلدارية الذين يصدرون القرار،كذلك فإن طبيعة القرار
اإلداري كقرار صادر باإلرادة المنفردة.
ويشترط أن تكون السلطة الملزمة التي عبرت اإلدارة عنها بإرادتها المنفردة مستندة إلى القوانين
واألنظمة التي منحتها هذه السلطة ..وقد أكدت محكمة العدل العليا على هذا الشرط ،فاعتبرت العمل أو
التصرف القانوني الصادر عن اإلدارة قرارا إداريا إذا كانت سلطة اإلدارة التي أصدرت القرار مستمدة
من قانون أو نظام كالقرارات الصادرة بحجب الخدمة الهاتفية عن المشتركين استنادا ألحكام نظام
الهاتف ..في حين لم تعتبر التصرف الصادر عن وزير المالية بتجديد العقد المبرم بين الوزارة وأحد
األفراد لمدة ستة أشهر أخرى بعد انتهاء مدته ،استنادا إلى النص الوارد في العقد قرارا إداريا ألن والية
وزير المالية في إصدار القرار غير مستمدة من سلطته العامة المنوطة به بمقتضى القوانين واألنظمة
،وإنما هي مستمدة من شروط العقد.
تعتبر( نهائية القرار ) من الخصائص المميزة للقرار اإلداري ،فالعمل أو التصرف الذي يصدر
من اإلدارة مستوفيا الشروط السابقة ،يتعين أن يكون متخذا صفة تنفيذية دون حاجة إلى تصديق سلطة
عليا..
وقد كان هذا الشرط (نهائية القرار اإلداري)محل خالف في الفقه اإلداري ،إذ اعترض البعض
على استخدامها واقترح استعمال كلمة تنفيذي بدال منها..
وأيا كان الخالف حول استعمال هذا االصطالح فإن هناك حدا أدنى من االتفاق على معنى نهائية
القرار اإلداري يتمثل في صدور القرار من جهة خولها القانون أو النظام سلطة البث في أمر ما بغير
حاجة إلى تصديق سلطة أعلى.وهذا ما أخذت به المحكمة اإلدارية للرباط في أحد أحكامها،والذي تعلق في
الطعن في الحساب اإلداري الغير المصادق عليه من طرف وزارة الداخلية وأن اآلجال القانونية للمصادقة
لم ينصرم بعد،بحيث اعتبر ت المحكمة اإلدارية للرباط بأن هذا القرار اإلداري غير نهائي وذلك استنادا
إلى المادة 69من القانون 78 00الذي وقع تعديله وتتميمه بالقانون 17حيث تعتبر هذه المادة أن مقررات
المجلس الجماعي الخاصة بالمسائل اآلتية ال تكون نهاية وقابلة للتنفيذ إال إذا صادقت عليها سلطة
الوصاية طبق الشروط المحددة في المادة 73من بين هذه المقررات :
وال تعتبر قرارات إدارية – وفقا لشروط نهائية القرار -األعمال التحضيرية أو التمهيدية التي
تسبق صدور القرار واألعمال الالحقة لصدوره ،والتي ال تحدث بذاتها قرارا قانونيا ..كالتوصيات
،االقتراحات،االستيضاحات،اآلراء التي تبديها الجهات االستشارية ،التحقيقات ،المنشورات والتعليمات
التي يصدرها الوزراء على إثر صدور القرارات يشرحون بها للموظفين األحكام الجديدة التي تضمنها
،وكيفية تنفيذها ،شريطة أال تتضمن قواعد جديدة.
يقتضي تحديد ماهية القرار اإلداري – باإلضافة إلى تعريفه -تمييزه عن األعمال القانونية
المختلفة ،التي تخضع ألنظمة قانونية خاصة بها،إذ أن مثل هذه األعمال ال تخضع لرقابة القضاء اإلداري
لصدورها من غير السلطة اإلدارية ..
وكما هو معروف عند غالبية الفقه اإلداري فإن األعمال االنفرادية الصادرة عن السلطات اإلدارية
ال تتوفر كلها على نفس القوة الحقوقية .ومن ثم التمييز ما بين القرارات اإلدارية وغيره من األعمال ،فمن
جهة هناك األعمال االنفرادية التي تأخذ صفة القرار اإلداري ألنها تترجم إرادة السلطات اإلدارية في
التأثير على األوضاع القانونية القائمة ،سواء بالنسبة لألفراد أو بالنسبة للجماعات ،ومن جهة أخرى ،هناك
األعمال االنفرادية التي تشكل مجرد إجراءات داخلية ،وهي األعمال التي وإن كانت تصدر عن اإلدارة
بشكل انفرادي ،إال أنها تشكل نشاطات ال ترمي من ورائها ترتيب حقوق أوفرض التزامات.مما يجعلها
تختلف عن القرارات اإلدارية بما في الكلمة من معنى،حيث إنها تظل مفتقرة لبعض الخصائص األساسية
التي تميز هذه األخيرة.6ومن هنا سنعرض للتمييز ما بين القرار اإلداري من جهة وكل من :العمل
التشريعي ،والعمل القضائي،وأعمال السيادة من جهة أخرى،وذلك وفقا للمعيارين الشكلي والموضوعي
اللذين تفاوت األخذ بهما في الفقه والقضاء المقارن.7
تردد ا لفقه والقضاء اإلداريين بين معيارين للتمييز بين القرار اإلداري والعمل التشريعي هما
:المعيار الشكلي ،والمعيار الموضوعي.
وهو معيار يمتاز بالسهولة والوضوح ،وبمقتضاه يجب أن ننظر إلى الجهة التي صدر عنها القرار
فإن كانت السلطة التنفيذية فيقال بأنه قرار إداري وإن كان البرلمان فيكون قانونا،وإن كان القضاء فهو
حكم.
وهذا المعيار هو الذي يستعمله القضاء وهو الذي ينص عليه القانون.
وبالرغم من بساطة هذا المعيار وسهولة تطبيقه في الواقع العملي إال أن هذا المعيار تعرض
لبعض المآخذ التي تمثلت في أنه يعتمد أساسا على مبدأ الفصل بين السلطات الذي يقضي بتحديد وظيفة
لكل سلطة من السلطات الثالث :التشريعية،والتنفيذية ،والقضائية،وأن األخذ بهذا المعيار يتطلب الفصل
التام والمطلق بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ،بحيث يتمثل التمييز ما بين القرارات الصادرة عن
مختلف السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية فيما يلي:
-1خضوع القرارات اإلدارية لنظام قانوني مغاير للنظام الذي تخضع له األعمال التشريعية
،فاألفعال اإلدارية تخضع لرقابة القضاء اإلداري إلغاء وتعويضا ،وعلى ذلك ال يجوز الطعن باإللغاء ضد
العمل التشريعي ألن المنازعة هنا التعتبر منازعة إدارية.
6عبد الغني بسيوني عبد هللا ،القانون اإلداري ،مطبعة األطلس ،القاهرة ،1990 ،ص . 455
7د .نواف كنعان ،القانون اإلداري ،الكتاب الثاني ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،2007 ،ص . 243
-2إن القانون يخضع لرقابة قضائية من نوع خاص وهي ما تسمى بالرقابة الدستورية ويباشرها
القضاء الدستوري.
ويضاف إلى النقد السابق للمعيار الشكلي أن أعمال السلطة التشريعية ال تقتصر فقط على إصدار
القوانين باعتبارها قواعد عامة ومجردة،وإنما يوجد إلى جانب القوانين ما يسمى باألعمال البرلمانية
،كاألعمال المتعلقة بالتنظيم الداخلي للبرلمان ،كالقرارات الخاصة بتعيين موظفي البرلمان وترقيتهم
وعالواتهم..والقرارات المت صلة برقابة البرلمان للسلطة التنفيذية سواء كانت ذات صبغة إدارية أو كانت
ذات صبغة مالية أو صبغة وصائية .
اتجه رواد المدرسة الواقعية وفي مقدمتهم الفقيه ( دوجي) إلى األخذ بالمعيار للتمييز بين سائر
أعمال الدولة.
واعتبروا أن ال معيار الشكلي ،ال يغوص في العمق ويقف عند الشكليات ،وذلك بتحديده نوع العمل
تبعا للهيئة التي أصدرته ،والشكل واإلجراءات التي روعيت في إصداره بدون فحص مضمون العمل ذاته
وطبيعته الداخلية.
حيث يعتبر رواد المدرسة الواقعية ،أن هذا الفحص هو المميز الحقيقي والوحيد بين األعمال
المختلفة.8
ويعتبر الفقيه دوجي ومن حذا حذوه ،أن البناء القانوني للدولة ،يتكون من مجموعة من المراكز القانونية
العامة والخاصة،واألعمال القانونية،التي تصدرها السلطات المختلفة في الدولة تعتبر األساس الذي يرتكز
عليه البناء القانوني،إذ أنها المحرك الذي ولد المراكز القانونية ،حيث أنها تنشئ أو تلغي أو تعدل هذه
المراكز سواء كانت عامة أو خاصة.
يعرف المركز القانوني بأنه الحالة التي يوجد فيها الفرد حيال القانون.
وهي التي تحدد مضمونها وترسم حدودها كقواعد عامة ومجردة،بحيث يكون المضمون والحدود
والمعالم واحدة بالنسبة لجميع األفراد الذين يشغلون هذه المراكز.
وهي التي يتحدد مضمونها بصدد كل فرد إلى آخر ،وأفضل مثال على هذه المراكز موضوع
العقود،وما تنشئه من حقوق وما ترتبه من التزامات تختلف باختالف الحاالت.وتتحدد تبعا لظروف كل
حالة على حدة.
يقسم الفقيه دوجي األعمال والتصرفات القانونية حسب ما ترتبه من آثار إلى ثالثة أنواع وذلك
على التفصيل التالي:
أوال -العمل المشرع أو المنظم :الذي يتضمن قاعدة عامة ،حيث يترتب على هذا العمل ،إنشاء أو
إلغاء ،أو تعديل مركز قانوني عام وموضوعي ،فهذا العمل يضع قاعدة جديدة ،أو يلغي قاعدة قائمة،ومثال
ذلك القوانين المشرعة واللوائح أي القرارات اإلدارية التنظيمية في القانون العام.ومثال ذلك في القانون
الخاص ،نظام الجمعيات والشركات وإحكام االتفاقيات الجماعية للعمل.9
ثالثا -العمل الشرطي:وهو عمل يختص بفرد معين ،ويترتب عليه إلحاقه بمركز قانوني عام -،أو
حسب رأي – الدكتور السنهوري –حيث يعتبر أن األثر الذي يرتبه هذا العمل
أو التصرف هو نقل شخص إلى حالة قانونية لم تكن تنطبق عليها من قبل.
فالتصرف إذن هو الشرط الذي ال بد من توافره حتى ينتقل الشخص إلى هذه الحالة القانونية
الجديدة ومن أمثلته :عقد الزواج في القانون الخاص،وقرار تعيين شخص في إحدى الوظائف العامة في
القانون العام،ويستنتج من هذا كله أن الفقيه ((دوجي))يعرف العمل التشريعي وفقا للمعيار الموضوعي
بأنه العمل الذي يتضمن قاعدة عامة موضوعية بصرف النظر عن صفة السلطة التي تصدره .وكذلك
الشكل واإلجراءات التي تتبع في إصدار هذا العمل .وينطبق هذا على القوانين المشتركة واللوائح.
أما العمل اإلداري في نظر ((دوجي))فهو المتسم بطابع الخصوصية أو الفردية ،وخير ماله
،األعمال الشخصية (الذاتية)واألعمال الشرطية.
إذا كان التمييز بين القرار اإلداري والعمل التشريعي أمرا تشوبه الدقة والتعقيد فإن التمييز بين
القرار اإلداري والعمل القضائي أكثر دقة وتعقيدا وذلك للشبه الكبير الموجد بينهما.
فكما هو معروف إن هدف اإلدارة والقضاء هو تنفيذ القانون وتطبيقه على الحاالت الفردية التي
تبرز في الحياة العملية.
فاإلدارة عندما تمارس وظيفتها كتسييرها للمرافق العمومية،والمحافظة على أمن الدولة وسالمتها
لتحقيق التقدم والرفاهية لألفراد.فأن القضاء يتصدى لألفراد عندما يباشر وظيفته بفض المنازعات
ومحاكمة مرتكبي الجرائم.
إن التشابه الكبير بينهما ليس كما يعتقد ألول وهلة والوظيفتين اإلدارية والقضائية متشابهتان بل
إنهما مختلفتان ،ولكنهما تلتقيان في هدفهما أال وهو تحقيق الصالح العام.
لكننا نجد هناك شبه كبير قائم بين القرار اإلداري الذي تستخدمه اإلدارة في مباشرتها لوظيفتها
وبين الحكم القضائي الذي هو وسيلة القضاء في أداء وظيفته.
فاإلدارة والقضاء ينقالن حكم القانون من حالة العمومية والتجريد إلى حالة الخصوصية والتجسيد
وذلك بالتطبيق على الحاالت الفردية التي يواجهها كل من القضاء واإلدارة .
وإذا ما رجعنا إلى الفقه والقضاء المصري ،فإننا نجد اختالف الفقه وتردد القضاء اإلداري في
وضع معيار للتمييز بين القرار اإلداري والحكم القضائي،وظهر في هذا المجال معياران ،معيار شكلي
ومعيار موضوعي.
فوفقا للمعيار الشكلي:يكون العمل أو التصرف إداريا إذا صدر عن وجهة إدارية ،بينما يكون
العمل قضائيا متى كان صادرا عن السلطة القضائية،بصرف النظر عن مضمون هذا العمل ومحتواه.
فالمعيار الشكلي يقوم على أن الحكم القضائي هو الذي يصدر من جهة منحها القانون والية القضاء.
ووفقا للمعيار الموضوعي:يكون العمل والتصرف إداريا أو قضائيا بحسب محتوى العمل وفحواه
وليس بحسب الجهة التي يصدر عنها العمل ..فالمعيار الموضوعي يقوم على أن الحكم القضائي هو الذي
يصدر في خصومة لبيان حكم القانون فيها..
وبخصوص القانون المغربي ،فإن المشرع يجعل من اإلدارة أحيانا الحكم فيما ينشأ بينهم من
خالفات وصراعات ،ونص على تشكيل هيئات إدارية مكلفا إياها باختصاص قضاء مثل مجالس التأديب
والهيئات اإلدارية ذات االختصاص القضائي.منهم من ذلك أن الفصل في خصومة ليس وفقا على رجال
السلطة القضائية ويمكن أن يقوم رجال اإلدارة أو هيئات تتبع عضويا جهة اإلدارة.
والعكس صحيح فيما يتعلق بالسلطة القضائية ،فهي و إن كانت مكلفة أصال من قبل المشرع
بحماية النظام القانوني للدولة وحسم ما قد ينشأ بين أفردها و هيئاتها من منازعات بأحكام تحوز حجية
الشيء المقضي به ،إال أنها تتولى أحيانا إصدار الكثير من األعمال التي قلما تختلف في ماهيتها والغرض
منها عن سائر األعمال التي تكون اإلدارة على رأسها.فمثال مهمة القاضي أصال إصدار ((أحكام
قضائية)) فيما رجع إليه دعاوى بشأن نزعات معينة ،إال أن المشرع أضاف إلى هذه المهمة مهاما أخرى
إدارية كإصدار األوامر من قاضي األمور الوقتية ،وإصدار قرارات إدارية تتعلق بالحياة الوظيفية لرجال
القضاء والنيابة،فهي قرارات صادرة في شأن موظفين عموميين.
ولهذا فإننا نجد مهمة التمييز بين القرار اإلداري ،والعمل القضائي مهمة صعبة ومعقدة ،وقد
اختلف الفقهاء في هذا المجال ،وانطالقا من هذا سنحاول التطرق آلراء الفقهاء انطالقا من بعض
النظريات .
فأصحاب نظرية السلطة التقديرية يعتبرون أن القرار اإلداري يصدر عن السلطة التقديرية
،يعكس الحكم القضائي الذي يصدر بناء على سلطة مقيدة.
ما يتعلق بكون اإلدارة ال تتمتع وفي جميع األحول بسلطة تقديرية في ممارستها الختصاصاتها بل
تكون هذه السلطة أحيانا مقيدة أو تقديرية.
ففي الحاالت التي تكون فيها سلطة اإلدارة مقيدة ،ال يختلف القرار الصادر من اإلدارة عن الحكم
القضائي.هذا إذا سلمنا أن سلطة القاضي مقيدة ،حيث على القاضي أن ينطق بحكم القانون .وينزل الحكم
عل ما يعرض عليه من وقائع.
كما أن سلطة القاضي فيما يصدره من أحكام ،ليست مقيدة في جميع الحاالت بل منحه المشرع
سلطة تقديرية كالتي تتمتع بها اإلدارة ،حيث نجد أن القاضي الجنائي يتدرج بالعقوبة من حدها األدنى إلى
حدها األقصى حيث يحكم بالقدر المناسب نتيجة لقناعته وظروف الجريمة المعروضة ومن هنا نرى أن
هذه النظرية غير صالحة كمعيار للتمييز بين القرار اإلداري والحكم القضائي.10
أما بخصوص نظرية التصرف التلقائي،فيعتبر أصحاب هذه النظرية أن القرار اإلداري يصدر
بطريقة تقليدية – بعكس الحكم القضائي،الذي ال يصدر إال بناء على طلب األفراد في شكل دعوى أو
دفع،فن ظرية التصرف التلقائي ،تصيب في شق واحد،وهو أن الحكم القضائي ال يصدر إال بناء على إجراء
يتخذه األفراد في شكل دعوى أو دفع.
لكن الشق الثاني للنظرية معيب ،ألن القرارات اإلدارية ال تصدر كلها بطريقة تلقائية.
10للمزيد من التفصيل انظر الدكتور محمود حافظ القرار اإلداري ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1985 ،ص . 72
أما بالنسبة لطبيعة العمل أو موضوعه فإنها تستند إلى كبيعة العمل أو موضوعه كمعيار للتمييز
بين القرار اإلداري والعمل القضائي فطبقا لهذه النظرية ،يكون العمل قضائيا إذا كان موضوعه الفصل
في خصومة أو نزاع على حق شخصي بمعنى أن عنصر الخصومة هو المميز للحكم القضائي عن القرار
اإلداري.ويؤخذ على هذه النظرية أنها غير مطابقة للواقع.
أما بخصوص نظرية الغرض ،فإن هذه النظرية تهدف في مباشرتها لوظيفتها – بما تصدره من
قرارات إدارية إلى إشباع الحاجات العامة أما القضاء فهو يهدف إلى حماية النظام القانوني للدولة وذلك
بالفصل في المنازعات وتوقيع العقوبات على مرتكبي الجرائم.
فالقرارات اإلدارية ال تتمتع بما تتمتع به أحكام القضاء من حجية ،أي أن الحكم القضائي يعتبر
عنوانا للحقيقة القانونية المطلقة بم تضمنه ونص عليه .
وقد وجهت لهذه النظريات التي أشرنا إليها ،انتقادات عديدة ألنها ال تتعرض لصميم المشكلة
وصلبها ،وإنما حامت حولها فقط.
فهذه النظريات لم تعطينا عنصر التمييز الحقيقي بين العملين اإلداري والقضائي ،وإنما ذكرت
بعض أوجه االختالف التي يمكن أن تساعد على التمييز.
وعلى ضوء ما سبق يمكن القول ،إن القرار يكون إداريا وفقا للمعيار الموضوعي ،إذ لم يتضمن
فصال في خصومة ،أو منازعة ،وكان صدوره بقصد إحداث أثر قانوني معين ،وذلك بإنشاء وإلغاء أو
تعديل أحد المراكز القانونية إنشاء أو إلغاء أو تعديل أحد المراكز القانونية الخاصة أو العامة.
ويكون القرار قضائيا وفقا للمعيار المذكور(المعيار الموضوعي )،إذا كان يحسم على أساس قاعدة
قانونية خصومة أو منازعة حول مركز قانوني خاص أو عام ،ولم يكن المقصود منه إحداث أثر في
المراكز القانونية إنشاء وإلغاء وتعديال،وإنما مجرد تقدير المركز القانوني المتنازع عليه والكشف عنه.
وبعد دراستنا للمعيار الموضوعي فإننا نجد أن مزايا المعيار الموضوعي أكثر من المعيار الشكلي
اتفاقا مع طبيعة األشياء ،وأكثر مساعدة في تفهم حقيقة األعمال الدولة .حيث ينظر إلى طبيعة العمل
الداخلية،وينصب عل مضمونه ومحتواه ،ويهتم بجوهره دون مظهره الخارجي.
أما بالنسبة للتمييز بين القرارات اإلدارية واألعمال القضائية ،فلجأ القضاء المغربي للمعيار
الموضوعي ،ومن األمثلة على ذلك األحكام الصادرة عن بعض المحاكم ،إما جاللة الملك ،أو من أحد
كبار رجال اإلدارة العسكريين أو المدنيين.
ورغم أن قرار التصديق يعتبر قرارا إداريا طبقا للمعيار الشكلي لصدوره من أحد رجال السلطة
التنفيذية ،فقد استقر القضاء على اعتباره عمال قضائيا ،ومن هنا نجد أن المحكمة تأخذا بالمعيار
الموضوعي.
إن تعريف القرار اإلداري وتمييزه عن غيره من األعمال كاألعمال التشريعية والقضائية وأعمال
السيادة ،ال يغني عن بيان أركان القرار التي تحدد مشروعية القرار أو عدم مشروعيته ..أما معرفة ما إذا
كان القرار اإلداري مشروعا أم غير مشروع فيتصل ببيان أركان القرار اإلداري التي تتمثل في ستة
أركان أساسية هي:االختصاص،الشكل واإلجراءات،المحل،الغاية،السبب.
يحكم االختصاص مصلحتان أساسيتان ،ترتبط األولى باإلدارة،ومفادها أن السلطات اإلدارية ال
يمكنها أن تتدخل في أي وقت وفي أي مجال التخاذ التدابير بشكل عشوائي وغير منظم ،ومن تم ضرورة
توزيع الوظائف عبر مجموعة من المصالح اإلدارية،تناط بكل واحدة منها مهمة التدخل في مجال
محدد.أما المصلحة الثانية،فهي ترتبط بالمواطنين ،حيث عن تحديد االختصاصات في المجال اإلداري
بشكل واضح ،يمكنهم من معرفة الجهة التي عليهم التوجه إليها القضاء حاجياتهم اإلدارية والمرفقية.
وانطالقا من هذا يعرف االختصاص بأنه القدرة القانونية على مباشرة عمل إداري معين ،وشبه
البعض االختصاص في القانون العام باألهلية في القانون الخاص وكامل فالشخص المختص وكامل
األهلية كالهما قادر على القيام بعمل قانوني .إال أن هذا التشابه ال يحجب االختالف الجوهري بين
الفكرتين ،حيث أن قواعد االختصاص تصبو إلى حماية المصلحة العامة ،بينما ترمي قواعد األهلية إلى
حماية الشخص ذاته.
وليست قاعدة التخصص في حقيقتها إال تطبيقا لمبدأ تقسيم العمل ،فمادام العمل الحكومي هو عمل
جماعي ،فإن المصلحة تقتضي بأن يقتصر عمل كل موظف على نوع واحد يتفرع له ويجيده.
ومن معلوم أن هاته المصلحة تجد أساسها في أحد المبادئ األساسية التي تشكل دعامة رئيسية
للنظام اإلداري القائم.ويتعلق األمر بمبدأ النظام العام،الذي تعتبر فكرة االختصاص إحدى تجلياته.11
ويثير ركن االختصاص في القرار اإلداري عدة مسائل أهمها:بيان مصادر ركن االختصاص
،وصور ركن االختصاص.
يتحدد االختصاص في مجال القرارات اإلدارية في الغالب بصورة مباشرة من قبل المشرع الذي
يحدد اختصاص الموظف أو الجهة اإلدارية صراحة..كما يتحدد االختصاص أيضا بصورة غير مباشرة
بمقتضى أحد المبادئ القانونية العامة
يستخلصها القاضي اإلداري ،ومثالها ممارسة الموظف سلطة إصدار القرار اإلداري عن طريق
التفويض ،والحلول ،وقاعدة توازي االختصاص
واالختصاص يتحدد (يتحدد موضوعيا كما رأينا في المثال السابق)ولكنه يتحدد أيضا على نطاق
جغرافي محدود فال يمكن لها أن تتخذ قرارات تتعلق بمنطقة خارج حدود اإلقليم الذي تشرف عليه مثال
العامل له سلطة داخل حدود اإلقليم أو العمالة،والباشا والقائد كذلك .وزمنيا معناه أن السلطة يجب أن
تتدخل في الوقت الذي حدده القانون،فالعامل مثال كان يجوز له أن يراقب األسعار قبل تغيير قانون 1971
المنظم لألسعار في الفترات التي يتم تحديدها من طرف وليس خارجها كذلك الموظف الذي يوجد في حالة
توقيف أو إعفاء ولم مختصا لممارسة المهام التي كان يمارسها قبل التوقيف أو اإلعفاء .
وعدم االختصاص قد يكون جسيما عندما تتعدى السلطة اإلدارية على مهام إحدى السلطتين
األخريين أي القضائية أو التشريعية وفي هذه الحالة ال يعتبر القرار غير مشروع بل يعتبر كأنه غير
موجود أي منعدما.12
11تنص المادة 12من القانون 90- 14المحدث للمحاكم اإلدارية:تعتبر القواعد المتعلقة باالختصاص النوعي من قبل النظام العام =،
=ولألطراف أن يدفعوا ب عدم االختصاص النوعي في جميع مراحل إجراءات الدعوى،وعلى الجهة القضائية المعروضة عليها القضية أن تثيره
تلقائيا.
وانطالقا من هذا التوضيح يمكن أن نتناول مسألة االختصاص ،عبر نقطتين :النقطة األولى
سنعالج فيها الموضوع من جانبه المادي ،أما الثانية فنخصصها للجانب الظرفي.
) 1االختصاص المادي
إنه االختصاص الذي يرتبط بالموضوع الذي يسمح القانون لإلدارة أن تتدخل في شأنه بمعنى أن
هناك مجاالت معينة ،يكون على السلطات اإلدارية أن تلزم بالتدخل فيها ،دون أن تتعداها إلى مجاالت
أخرى تعد من اختصاص سلطات إدارية أخرى.
ومن تم فإن تحديد مجاالت االختصاص ،يمكن أن يكون على مستويين :على مستوى العالقات
التي هي قائمة بين مختلف أنواع السلطات اإلدارية،ثم على مستوى التعامل داخل نوع معين من السلطات.
إنه نوع من االختصاص الذي يهم أساسا التوزيع التقليدي لوظائف الدولة.ويتعلق األمر بالوظيفة
التشريعية والوظيفة التنفيذية والوظيفة القضائية.فبمقتضى الدستور ،نجد أن هذه الوظائف قد تم تحديدها
بشكل يمنع على أي سلطة أن تتدخل في إحدى المواد التي يخصصها الدستور لمجال القانون ،كما ال
يجوز لها أن تصدر أحكاما فتحل محل السلطة القضائية لممارسة مهمة المنازعات .ففي حالة حصول
عمل من هذا القبيل ،فإن التصرف الصادر عن السلطات اإلدارية يعتبر تجاوزا لالختصاص مشوبا بعدم
المشروعية ،بل إن هناك الفقهاء من يعده اغتصابا للسلطة.
وذلك مثل الفيريير الذي يرى أن اغتصاب السلطة يترتب عليه ضرورة اعتبار القرار اإلداري
13
المتخذ في هذا اإلطار ،بأنه منعدم
ب – االختصاص الداخلي
12د عبد الرحمان البكريوي ،الوجيز في القانون اإلداري المغربي -نشاط اإلدارة وامتيازاتها ،الطبعة األولى ،1990 ،ص .133
13
Chapus .R: Le service public et la puissance publique ,R.D.P,Mars _Avril 1968 p :255
يعني هذا االختصاص أن السلطات اإلدارية ال يمكنها أن تقرر إال في المجاالت التي تكون
مختصة فيها.ومعنى ذلك أنه ال يحق لها أن تتدخل في المجاالت التي تكون مخصصة لسلطات إدارية
أخرى،على أساس كل سلطة إدارية تتصرف في ميدان معين.
فمسألة االختصاص الداخلي للسلطات اإلدارية التي تكون في نفس الدرجة الترابية اإلدارية،وذلك
كأن يقرر وزير في مكان وزير آخر،وأن تتدخل مؤسسة عمومية إلنجاز أشغال يعود االختصاص فيها
إلى مؤسسة عمومية أخرى ،ومن جهة أخرى ،على مستوى المصالح المتعلقة بنفس الجهة اإلدارية،وذلك
كأن يتدخل مرؤوس في اختصاص رئيسه أو العكس.وأخيرا على مستوى السلطات اإلدارية من نفس
الطبيعة.
ومع ذلك تنبغي اإلشارة إلى أن مبدأ اختصاص السلطات اإلدارية ليس دائما مبدأ جامدا ،بل هو
مبدأ يعرف بعض المرونة ،نتيجة ما يخضع لها من استثناءات يحددها القانون وينظمها.
الفرع الثاني:الشكل
يعني شكل القرار اإلداري الصورة التي يوضع فيها القرار سواء اتخذت هذه الصورة التي يوضع
فيها القرار سواء اتخذت هذه الصورة الكتابة أو اتخذت صورة أخرى غير الكتابة،كأن يصدر القرار
شفاهة أو بطريق اإلشارة أو اإليماءة أو السكوت الذي يعني الرفض أو القبول..
واألصل أنه ال يشترط في القرارات اإلدارية شكل خاص لصدورها ما لم ينص المشرع أو يجري
العرف على خالف ذلك ..فقد يتطلب المشرع ضرورة صدور القرار اإلداري في شكل معين ،كأن يكون
مكتوبا أو أن يكون مسببا أوشفويا كما يمكن أن يكون صرحا أوضمنيا،بل حتى في شكل إشارة ،ونظرا لما
تعرفه هذه األشكال من تداخل فإنه يستحسن جمعها في شكلين رئيسيين تتضمن جميع األشكال األخرى
الممكنة وذلك عبر نقطتين ،نخصص األولى منهما للشكل الصريح للقرار،أما الثانية فنعالج فيها الشكل
الضمني للقرار.
فالكتابة هي الشكل الصريح المعتمد عادة من ظرف اإلدارة في اتخاذ قراراتها.وتستنتج أهمية
الكتابة بالنسبة للقرار اإلداري من خالل الفصل 355من قانون المسطرة المدنية ،الذي ينص في فقرته 3
على أن يكون مقال الدعوى ،تحت طائلة عدم القبول ،مرفقا "...بنسخة من المقرر اإلداري المطعون
فيه"...مما يترتب عليه أن القاعدة في القرار اإلداري هي أن يصدر في شكل كتابي.ويتخذ القرار اإلداري
إذا ما صدر بص ورة مكتوبة مجموعة من البيانات والمعلومات التي تشكل في مجملها صور ألشكال
القرارات اإلدارية هي:مكان وتاريخ صدور القرار ،وذكر األسانيد التي يقوم عليها القرار ،تسبيب القرار
،التوقيع عليه من الجهة المختصة بإصداره ...أما إذا صدر القرار بصورة غير مكتوبة فإنه يتخذ أشكاال
أخرى هي:الشكل الشفوي للقرار أو اإلشارة.
فاإلدارة بإمكانها أن تتخذ قراراتها بشكل شفوي ،خصوصا عندما ال تفرض عليها النصوص
التشريعية أو التنظيمية اتباع شكل معين في القيام بأعمالها .وهو الموقف الذي اتخذه مدير باإلدارة
المركزية والرامي إلى توقيف أحد الموظفين عن مزاولة مهامه.ونفس الموقف تبناه االجتهاد القضائي
المغربي ،حيث نجد أن المحكمة اإلدارية بمكناس قد صرحت في أحد أحكامها ،أن القرار الشفوي الذي
يحدث أثرا في المركز القانوني للطاعن يعتبر قرارا إداريا قابال للطعن باإللغاء.15
من أهم القواعد الذي يقوم عليها القانون اإلداري ،القاعدة التي تقتضي بأن سكوت اإلدارة يعتبر
رفضا.بمعنى أن التزام اإلدارة للصمت عن الطلبات الموجهة إليها قصد الحصول على حق أو إذن أو
ترخيص ،يشكل قرارا إداريا يكون قابال للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة.
إن األمر يتعلق هنا بقاعدة قانونية ،قد شكلت دائما أساسا لنظام القانون اإلداري .ومن ثم فإن
تكريسها يبدو واضحا من خالل المواد المتعلقة بآجال الطعون المقدمة ضد القرارات اإلدارية ،وفي هذا
-13المحكمة اإلدارية بمكناس ،النشاط عبد هللا ضد رئيس المجلس البلدي لجماعة حمرية ،حكم عدد 3. 96. 11غ بتاريخ 1996. 4. 25المجلة
المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد ، 16يوليوز – شتنبر 1996ص . 146
اإلطار تنص الفقرة 5من المادة 23من القانون رقم 90/41المحدث للمحاكم اإلدارية والتي جاءت فيها
على أنه .....((:إذا التزمت اإلدارة الصمت طوال ستين يوما في شأن طلب قدم إليها اعتبر سكوتها
عنه،مالم ينص قانون على خالف ذلك،بمثابة رفض ،وللمعني باألمر حينئد أن يطعن في ذلك أمام المحكمة
اإلدارية داخل أجل ستين يوما يبتدئ من انقضاء مدة الستين يوما المشار إليها أعاله)).
كما أن المادة 48من القانون 90- 12المتعلق بالتعمير تنص علي ما يلي:
"في حالة سكوت رئيس مجلس الجماعة تعتبر رخصة البناء مسلمة عند انقضاء شهرين من تاريخ
إيداع طلب الحصول عليها "فبمقتضى هذه المادة ،فإن سكوت رئيس المجلس الجماعي بعدم رده على
طلبات ترخيص البناء خالل اجل شهرين ،يعتبر في نظر المشرع قبوال للطلب وليس رفضا ،حيث يكون
على المعنيين باألمر اعتبار أنفسهم كما لو أنهم تسلموا رخص البناء.
يراد بتعليل القرار اإلداري أو تسبيبه اإلفصاح عن األسباب الواقعية والقانونية التي تبرر اتخاذه
.وبالتالي يكون القرار معلال إذا أفصح في صلبه عن األسباب التي استند إليها مصدر القرار.16
17
ومن ثم فهو ينتمي إلى المشروعية الخارجية فالتعليل و التعبير الشكلي عن أسباب القرار
للقرار.
وهذا التعريف السائد في الفقه قد تضمنه القانون الصادر في فرنسا في 11يوليوز 1979بشأن
تعليل القرارات اإلدارية وتحسين العالقة بين اإلدارة والمواطن.إذ
تنص المادة الثالثة من القانون 01. 03على((....يجب أن يكون التعليل الذي يفرضه هذا القانون
مكتوبا وأن يتضمن بيان االعتبارات القانونية والواقعية التي تشكل أساس القرار )).
16
Pacteau (B):le juje de l`exés de pouvoir et les motifs de l´acte administratif ,LGDJ ,1977,P 47
17عبد الفتاح حسن ،التسبيب كشرط شكلي في القرار اإلداري ،مجلة العلوم اإلدارية ،1966 ،العدد ،2ص 172
فالسبب في القرار اإلداري هو مجموعة العناصر القانونية والواقعية التي تشكل أساس هذا القرار
وتقود اإلدارة إلى التصرف .فالسبب بهذا المعنى عنصر خارجي سابق على صدور القرار.وطبقا للقانون
اإلداري فإن القرار اإلداري ال يكون صحيحا وسليما إال إذا كان يقره هذا القانون.هذا وإن كان وجود
السبب يشكل الدافع األساسي لتمكين اإلدارة من إصدار قرارها فهذا ال يعني أنها ملزمة بتبيانه .فاإلدارة
غير مطالبة وجوبا بإظهار سبب القرار اإلداري إال في حالتين:
إذا طلب القاضي منها ذلك أثناء الطعن من طرف المخاطب به.
وإذا كان التعليل يعني اإلفصاح عن األسباب التي يستند إليها القرار مما يعني وجود عالقة وثيقة
بينهما .وتحدد هذه العالقة فيما يلي:
أ -إذا كانت اإلدارة غير ملزمة بتعليل قراراتها كمبدأ عام ،فإن كل قرار إداري يجب أن يقوم على
أسباب موجودة وصحيحة.
ب – إن التعليل هو أحد العناصر الجانب الشكلي للقرار،أم السبب فهو أحد العناصر الموضوعية
للقرار.18
وسنحاول من خالل هذا المطلب معالجة عنصرين أساسيين وهما ركن اإلفصاح عن اإلرادة
والسبب.
إذا كنا قد عرفنا القرار اإلداري بأنه تعبير عن اإلرادة المنفردة للسلطة اإلدارية المختصة أو
المفوض لها القيام بذلك ،بهدف إحداث أثر قانوني معين .
وقبل اإلقدام على اتخاذ القرار اإلداري ،يراعي رجل اإلدارة بعض اإلجراءات والشكليات التي
ينص عليها القانون والمبادئ العامة واالجتهاد القضائي ،وإغفالها يظهر ال محالة إحدى الضمانات
المعترف بها للمواطنين ويوصم القرار بعيبي الشكل واإلجراءات..
18ذ سعيد نكاوي ،تعليل القرارات اإلدارية – دراسة مقارنة ،دار النشر والمعرفة ،الطبعة األولى ، 2003 ،ص 18
وهذه الشكليات منها ما يكون سابقا على إنجاز القرار اإلداري كاألعمال اإلدارية غير التنفيذية
وكل الشكليات الخاصة بحقوق الدفاع من تمكين المواطن من حق اإلطالع على ملفه اإلدالء بتصريحاته
19
ودفاعه بل منحه فرصة االمتثال أمام الهيآت االستشارية
وقد تهم اإلجراءات تلك المتبعة في إصدار القرار اإلداري ،قد يتبع شكلية معينة في إصداره ،قد
تكون كتابة أو شفاهة وقد تكون صريحة أو ضمنية تنتج عن سكوت اإلدارة خالل أجل معين.
زمنها الرافضة ،تلتزم بمقتضاها اإلدارة الصمت لمدة معينة ،حالة المغرب مثل سكوت اإلدارة
أكثر من ستين يوما على الملتمس االستعطافي أو اإلداري.
ومنها التي تتخذ شكل القبول كالتصديق عل مقرر إداري من قبل سلطة الوصاية لعمل يدخل في
اختصاص السلطة الالمركزية ،أو يهم الموافقة على الرخص الضمنية لممارسة نشاطا معينا ينتج من
سكوت اإلدارة خالل أجل معين .
ومنها الرافضة،تلتزم بمقتضاها اإلدارة الصمت لمدة معينة،حالة سكوت اإلدارة أكثر من ستين
يوما على الملتمس االستعطافي أو اإلداري.ومنها التي تتخذ شكل القبول كالتصديق على مقرر إداري من
قبل سلطة الوصاية لعمل يدخل في اختصاص السلطة الالمركزية ،أو يهم الموافقة على الرخص الضمنية
لممارسة نشاطا معينا ينتج اإلدارة لفترة معينة.
و عندما تعتزم اإلدارة إصدار قرار إداري تنفيذي تضع نصب عينيها الحالة الواقعية للمشكل
المطروح والقاعدة القانونية المتمشية معه.
وتظهر عدم مشروعية السبب بالتبني الخاطئ للعناصر الواقعية أو القانونية ،فالسبب من وجهة
نظر األستاذ ديلوبادير ،هو الواقعة الموضوعية السابقة على القرار والخارجة عنه،وجودها هو الذي دفع
مصدر القرار إلى إصداره.
وعرفه األستاذ الطماوي أيضا بأنه حالة واقعية أو قانونية بعيدة عن رجل اإلدارة ومستقلة عن
إرادته فتوحي له بأنه يستطيع أن يتدخل وأن يتخذ قرارا ما....20
-17يراجع في هذا اإلطار مقال الدكتور موالي إدريس حالبي التطور القضائي لمبدأ حقوق الدفاع ،م.م.د.م.ت سلسلة مواضيع ،عدد 14أربعون
سنة من القضاء اإلداري بالمغرب ،1918ص . 33- 11
أي أن السبب يقع في غياب إرادة رجل اإلرادة لكنه يفرض تدخلها وامتناعها يعتبر مخالفة للقانون
،فطلب االستقالة من وظيفة إدارية يعتبر الدافع القانوني إلصدار قرار قبول االستقالة،وحدوث إعمال
شغب واضطرابات تهدد األمن في مكان عمومي أو حدوث زلزال أو حريق قد يشكل الباعث الواقعي
وراء إصدار القرار..
ولهذا ن عترف أن لكل قرار إداري تنفيذي سبب واقعي أو قانوني إلصدار قرار قبول االستقالة
،وحدوث أعمال شغب واضطرابات تهدد األمن في مكان عمومي أو حدوث زلزال أو حريق قد يشكل
الباعث الواقعي وراء إصدار القرار.
ولهذا نعترف أن لكل قرار إداري تنفيذي سبب واقعي أو قانوني يبرر صدور و هنا نطرح
التساؤل حول استقاللية أو عدم استقاللية السبب عن باقي األركان األخرى ،نؤكد أن هذا الركن قائم بذاته
ومستقل بنفسه سواء في نطاق شكلي أو مادي أو في نطاق السلطة التقديرية أو المقيدة لرجل اإلدارة.
وفي نطاق السلطة التقديرية يترك المشرع لرجل اإلدارة حرية اختيار السبب بين القيام بعمل أو
االمتناع عن القيام بالعمل.
وهذا االختيار قد ينصب على الوقائع من الناحية المادية – كحدوث كوارث طبيعية من جراء
الفيضانات أو اضطرابات تهدد األمن العام.
وقد تتصرف اإلدارة بكل حرية من دون أن يملي عليها مسبقا اتباع قاعدة معينة كارتكاب موظف
خطأ تأديبيا يمنح لإلدارة حرية تقدير العقوبة..
وفي كلتا الحالتين ،التقديرية والمقيدة ينبغي أن يكون القرار اإلداري مشروعا،وقائما على سبب
يبرره حقا في الواقع والقانون وقت صدوره ألن الغدارة تخضع للرقابة القضائية سواء في مخالفتها
للقانون أو في انحرافها في استعمال السلطة.
20يراجع سليمان الطماوي ،النظرية العامة للقرارات اإلدارية،الطبعة الثالثة ،1986دار الفكر العربي ،ص 194
إذا كان المقصود بمحل القرار اإلداري األثر القانوني الذي يحدثه مضمونه أو منطوقه فورا
ومباشرة وسعيا وراء تحقيق الصالح العام الذي هو غاية القرار اإلداري ،فإن اإلدارة تلتزم أن ال يكون
المحل أو األثر القانوني الذي يحدثه مخالفا للقواعد القانونية العليا.21
فإذا كان محل القرار اإلداري ومحتواه يؤثر مباشرة في المراكز القانونية ،فإنه يتعين على
صاحبه أن يتخذ الحيطة الكاملة لكون مطابقا مع القانونية المدونة منها وغير المدونة منها وغير المدونة
تبعا لمبدأ احترام تدرجها.
ومحل القرار اإلداري – أسوة بالتصرفات القانونية قاطبة -يجب أن يكون ممكنا وجائزا قانونا.
فإذا كان محل القرار غير ممكن أو كان مستحيال كان القرار منعدما ،كأن يصدر قرار تعيين
موظف في درجة ليس لها منصب مالي أو لم ترد في الميزانية.
كذلك يتعين أن يكون محل القرار مشروعا ،فال يخالف النظام العام أو حكم القانون،فالقرار الذي
يقضي بأمر مخالف النظام العام يكون باطال ،الن محله غير جائز فالقرار اإلداري الذي يخرج على
األحكام الموضوعية للقانون ،يغدو معيب،من حيث محله بعيب مخالفة القانون.
وحتى يكون القرار اإلداري سليما في محله يشترط أن يكون هذا المحل جائزا قانونا وممكنا عمال.
الشرط األول :أن يكون محل القرار جائزا قانونا (مشروعا):هذا الشرط يعني أن يكون
األثر القانوني الذي يترتب على إصدار القرار اإلداري متفقا مع القواعد القانونية..فإذا كان هذا
األثر مخالفا للقواعد القانونية كان القرار معيبا في محله.
ومن أمثلة القرارات اإلدارية المعيبة لعدم مشروعية محلها،نذكر القرارات اإلدارية التنظيمية التي
تقيد حريات األفراد في مجال يحرم القانون المساس به،أو التي تتعارض مع المبادئ القانونية العامة كمبدأ
المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات ..والقرارات الفردية التي تتعارض مع القواعد
النظامية،كالقرار الصادر بحرمان الموظف من إجازته العادية كعقوبة تأديبية على مخالفة ارتكبها .
الشرط الثاني :أن يكون محل القرار اإلداري ممكنا من الناحية العملية ،وهذا الشرط يعني أال
يكون األثر القانوني الذي يترتب على القرار اإلداري غير ممكن تحقيقه من الناحية العملية حتى ال
يستحيل تنفيذ القرار .ومن أمثلة القرارات التي يستحيل تنفيذ محلها ،نذكر القرار الصادر بهدم منزل آيل
21د موالي ادريس الحالبي الكتاني،مسطرة التقاضي أمام المحاكم اإلدارية ،الجزء الثاني ،ص 99
للسقوط إذا اتضح أن هذا المنزل قد انهار فعال قبل إصدار القرار ،فمحل هذا القرار وهو هدم المنزل
مستحيل تحقيقه من الناحية العملية ،ويترتب على ذلك أن يصبح القرار اإلداري نفسه منعدما .
إذا كان الهدف المتوخى لكل قرار إداري تنفيذي هو تحقيق المصلحة العامة ،فاإلدارة قد تتعسف
وقد تنحرف عن إجراء تصرفاتها عن الغايات المحدد إنجازها قانونا.ولهذا فإن تحقيق المصلحة العامة
يتنافى مع ترك حرية التقرير لإلدارة ،مع حرية اختيار رجل اإلدارة لغرض غير الغرض المحدد قانونا
،فكل آخر يسعى تحقيقه يجرده من صفته كعون عمومي ويضفي على تصرفاته ضد العمل اإلداري
الصرف.
ولهذا فإن االنحراف ال يعني سوى اعوجاج رجل اإلدارة أو السلطة المفوض لها القيام بمهمة
معينة عن تحقيق الهدف المحدد من قبل المشرع.
ومراقبة القاضي تنصب لتراقب ذاتيته صاحب القرار اإلداري الذي هدف تحقيق هدف آخر غير
الهدف المعهد له القيام به،ومن المعلوم أن هدف كل عمل إداري هو تحقيق المصلحة العامة ..ومن
الطبيعي أن يراقب القاضي ما إذا كان رجل اإلدارة قد جانب تحقيق الهدف عن قصد أو عن غير قصد
حيث تبرز المصلحة الشخصية الناجمة عن األهواء.
واألصل أيضا أن تلتزم اإلدارة المختصة بإصدار القرار ،بما قد يحدده لها المشرع من أهداف
خاصة عند اتخاذ قراراتها ،فتكون هذه األهداف المحددة هي المصلحة العامة المحددة التي نص عليها
المشرع ،بحيث تصبح هذه القرارات معيبة بعيب إساءة استعمال السلطة إذا خالفت اإلدارة هذا الهدف
الم حدد حتى وإن تذرعت باستهداف المصلحة العامة ،وهذه الحالة هي التي يطلق عليها الفقه والقضاء
اإلداريين قاعدة تخصيص األهداف .
ويالحظ هنا عدم الخلط بين كل من أركان القرار اإلداري الثالثة وهي:الغاية،والسبب،والمحل..إذ
أن لكل ركن من األركان الثالثة مدلوله الخاص به..فركن (الغاية أو الهدف) للقرار اإلداري :هو النتيجة
النهائية التي يهدف مصدر القرار إلى تحقيقها مباشرة من وراء القرار..أما ركن (السبب):فهو الحالة
القانونية أو الواقعية التي أثارت في ذهن التي أثارت في ذهن رجل اإلدارة فكرة إصدار القرار،والسبب
يسبق عادة وجود القرار ،أما الغاية فتلحق به والمفروض أن تظهر بعد إصداره..وأما ركن المحل فهو
األثر القانوني المترتب على صدور القرار وتنفيذه ،وهو ما قد ال يكون مقصودا لذاته رغم العلم الواضح
والمسبق بترتيبه،وإنما يعد وسيلة وطريقا لتحقيق النتيجة النهائية التي استهدفها مصدر القرار.
وعلى ضوء المفهوم السابق لركن الغاية في القرار اإلداري يمكن أن نحدد حالتين لركن الغاية
هما:أن يستهدف القرار المصلحة العامة،وأن تحترم مصدرة القرار قاعدة تخصيص األهداف.22
وسنحاول من خال ل هذا المبحث دراسة أنواع القرارات اإلدارية ،خصوصا وأن هناك العديد من
المعايير لتقسيم القرارات اإلدارية،وكذلك مسألة نفاذ القرار اإلداري حينما يستوفي كل أركانه ،ويصبح
نافذا في حق اإلدارة بمجرد صدوره.
لقد ذهب فقهاء القانون العام في تقسيم القرارات اإلدارية مذاهب شتى حسب الوجهة التي ينظرون
منها إلى القرار وبالنظر إلى العمومية والتجريد حيث تكون إما قرارات فردية أو الئحية ومن حيث
الرقابة القضائية هناك قرارات اإلدارة وأعمال السيادة ،غير أن التقسيمات الهامة ذات األثر المحسوس في
التطبيق العملي .حيث تنقسم القرارات اإلدارية من حيث التكوين إلى قرارات بسيطة –وقرارات تدخل في
تكوين عمل إداري مركب والقرارات البسيطة هي التي تصدر بصفة مستقلة وتكون قائمة بذاتها وغير
مرتبطة بعمل قانوني آخر أو داخلة في تكوينه ،أما القرارات التي تدخل في تكوين عمل إداري مركب
فهي ال تصدر مستقلة بل تصاحب أعماال إدارية أخرى.
وقد تكون سابقة أو معاصرة أو الحقة على عمل إداري آخر مع وجود صلة االرتباط بينها
جميعا.وتنقسم القرارات اإلدارية من حيث رقابة القضاء إلى قرارات تخضع لرقابة القضاء وقرارات ال
تخضع لهذه الرقابة،واألصل هو خضوع القرارات اإلدارية لرقابة القضاء إلغاء وتعويضا ألن هذه هي
النتيجة الطبيعية لألخذ بمبدأ الشرعية.23إال أن هذا األصل وردت عليه استثناءات منها:
22
أوال:وجوب استهداف القرار اإلداري المصلحة العامة،حيث يستهدف نشاط األفراد تحقيق المصلحة العامة،وذلك بعكس الحال في
القانون الخاص حيث يستهدف نشاط األفراد تحقيق المصلحة الخاصة.
ثانيا:وجوب استهداف القرار اإلداري تحقيق( الغاية أو الهدف) الذي حدده القانون،وفي هذه الحالة يجب أال يستهدف القرار اإلداري المصلحة العامة
فحسب،بل أيضا الهدف الخاص الذي عينه القانون لهذا القرار عمال بقاعدة تخصيص األهداف التي تقيد القرار اإلداري بالغاية المخصصة التي
رسمت له ،فإذا خرج القرار على هذه الغاية – ولو كان هدفه تحقيق المصلحة العامة ذاتها – كان القرار مشوبا بعيب االنحراف ووقع باطال.
23د سليمان الطماوي ،مبادئ القانون اإلداري – دراسة مقارنة ،دار الفكر العربي ،1973 ،ص 431
أعمال السيادة أو الحكومة وهي تلك الطائفة من أعمال السلطة التنفيذية التي تتمتع بحصانة من
رقابة القضاء إلغاء وتعويضا أو رقابة فحص الشرعية .
القرارات التي ال تخضع لرقابة القضاء بناء على نص تشريعي ،غير أن هذه القرارات لم يعد لها
أثر.كما أن القرارات تنقسم من حيث آثارها ،على قرارات فردية وقرارات تنظيمية،ونظرا ألن جميع
القرارات اإلدارية الداخلة في التقسيمات المتقدمة تعتبر واحدة ،مهما تعددت ،وبالتالي سنعتمد هنا
الموضوعي ،حيث تنقسم بالنظر إلى مداها وعموميتها إلى قرارات فردية وأخرى تنظيمية.
تصدر القرارات الفردية لمعالجة حاالت فردية،أي تصدر بصدد فرد معين بالذات أو أفراد معينين
بذواتهم أو حاالت معينة ،وتستنفذ موضوعها أو مضمونها بمجرد تطبيقها على الحالة أو الحاالت
المذكورة ،أو على الفرد أو األفراد المذكورين ..ومن أمثلة القرارات الفردية :القرار الصادر بتعيين
موظف او بنقله أو بترقيته ،أو ب توقيع عقوبات تأديبية عليه،أو القرار الصادر بإبعاد أجنبي عن البالد.وال
يغير من صفة القرار الفردي تعلقه بعدد كبير من األفراد كما لو صدر قرار يخاطب في وقت واحد أكثر
من فرد حتى أعداد كثيرة من األفراد طالما خاطبهم بذواتهم،فالعبرة في تمييز القرار اإلداري ليست في قلة
أو كثرة عدد األفراد الذي ينطبق عليهم القرار وإنما في تحديد هؤالء األفراد بذواتهم ،كالقرار الصادر
بترقية عدد الموظفين ،أو بإغالق عدد من المحالت المرخصة.
ويترتب عن التفرقة بين القرار الفردي والقرار التنظيمي أهمية خاصة تتمثل فيما يلي:
-أن القرار التنظيمي يسمو على القرار الفردي ..وترتيبا على ذلك فإن قرار فردي يجب أن يحترم
القرار التنظيمي مهما كانت سلطة إصداره،ذلك ألن للقاعدة التنظيمية قداستها واحترامها ،إذ أن في
تطبيقها ضمان ألمن واستقرار معامالت األفراد والمساواة بينهم .وقد استقر القضاء اإلداري على أن
مخالفة القرار الفردي لقرار التنظيمي يترتب عليه اتسامه بعدم المشروعية.
-إن بدأ سريان القرار في حق األفراد يختلف عنه في القرار التنظيمي عنه في القرار
الفردي..حيث يسري القرار التنظيمي من تاريخ نشره ،بينما ينفذ القرار الفردي في حق الفرد من تاريخ
إعالنه به.
إن ال قرار التنظيمي يجوز لإلدارة في أي وقت تعديله أو إلغاؤه أو حتى استبداله بغيره ،دون أن
يكون ألي شخص أن يتمسك باإلبقاء عليه أو االحتجاج بحقوق مكتسبة.أما القرار الفردي فمتى صدر
سليما وترتبت عليه حقوق للغير فال يجوز المساس به إال في الحاالت ووفقا لإلجراءات القانونية المقررة.
نقصد بالقرار التنظيمي ،القرار الذي يحتوي على قواعد قانونية عامة ومجردة تنطبق على عدد
غير محدد من األفراد والحاالت بصرف النظر عن عدد هذه الحاالت أو هؤالء األفراد.والقرارات
التنظيمية هي عبارة عن القواعد العامة المجردة التي تختص السلطة التنفيذية بإصدارها طبقا ألحكام
الدستور وتنطبق على عدد غير محدود من األفراد الذين تتوافر فيهم الصفات المحددة فيها .24وتلتزم جهة
اإلدارة بمراعاتها في التطبيق على الحاالت الفردية،وأي تعديل لهذه القاعدة يتعين أن يكون بنفس
األداة،أي بقرار تنظيمي عام مماثل.كما أن المراكز القانونية التي تنشئها القرارات التنظيمية
هي مراكز عامة ،بمعنى أن القواعد التنظيمية تنطبق على أشخاص معينين بأوصافهم وليس
بذواتهم.
كما أن القرارات التنظيمية التستنفذ غرضها بتطبيقها على حالة واحدة بل تظل باقية لكي تطبق
على ما يستجد من الحاالت ،فهي تتسم بالثبات .كما أن القرار التنظيمي ال يتأثر بالمستوى الوظيفي للجهة
مصدرة القرار من حيث وصفه ،فكل قرار يتسم بالعمومية يعتبر قرارا تنظيميا.
وقد تصدر اإلدارة هذه القرارات في الظروف العادية ،وقد تصدرها في األحوال الغير العادية.
وتصدر هذه المراسيم بغية تنفيذ أحكام القانون ،وتسمى أحيانا بالمراسيم التكميلية ،فهي توضع
لتنفيذ القوانين الصادرة من المجلس التشريعي ،وذلك بإيراد الجزئيات والتفصيالت الالزمة لوضعها
24د مصطفى قلوش :اإلطار القانوني والفقهي للقوانين التنظيمية،م.م.إ.م ث ،عدد ، 2002 ، 47ص 11
موضع ا لتطبيق ،سواء تسيير تطبيقها وتفسير غموضها أو تفصيل مجملها.أو تحديد اإلجراءات الالزمة
إلعمال قواعدها العامة.فالمراسيم التنفيذية تهدف إلى تسهيل تطبيق القانون في األمور الجزئية والمسائل
التفصيلية التي ال يتسع وقت البرلمان إلى التعرض لها.
ت عد بمثابة التشريع الثانوي الذي تباشره اإلدارة في مجال العملية التشريعية حتى أطلق عليها
المراسيم المستقلة،فهي بمثابة قواعد عامة ال ترتبط بتنفيذ قانون معين ،ويكون الهدف منها حماية النظام
العام الشامل و األمن العام والسكينة العامة والصحة العامة ،حيث تتضمن بعض القيود على ممارسة
األفراد لحقوقهم وحرياتهم الفردية ،كالمراسيم الخاصة بالطرق العامة ،أو المحالت الخطرة أو المقلقة.
1القرارات التظيمية الضبطية:وتصدر هذه القرارات بمعرفة اإلدارة دون أن تكون مستندة إلى
قانون سابق ،بغية الحفاظ على النظام العام الشامل لألمن العام والصحة العامة والسكينة العامة .وهي
خاصة بالشرطة اإلدارية والضبط اإلداري.
تصدر اإلدارة هذه القرارات لكي تنظم بها المرافق العامة ،وحالة الموظفين وشؤوؤن وظائفهم
،دون أن تكون مستند ة إلى نص تشريعي ،أسوة بقرارات الضبط .لذلك فغنا تعتبر من المراسيم المستقلة أو
القائمة بذاتها ،فهي بمثابة تشريع ثانوي تتواله السلطة التنفيذية.
قد تنتاب الدولة ظروفا حرجة تتطلب عمال سريعا وحازما لمواجهتها قبل أن يستفحل الخطر
ويفلت الزمام من يد الدولة ،لذلك منحت اإلدارة سلطات استثنائية للتصدي لتلك الظروف ،تتمثل في
نوعين من المراسيم هما :مراسيم الضرورة والمراسيم التفويضية.
مراسيم الضرورة:
تجد هذه المراسيم سندها في نظرية الضرورة التي تبرز خروج الدولة على القانون في أحوال
الضرورة حيث أن الدولة هي التي وضعت القانون وهي التي تلتزم بأحكامه في سبيل تحقيق صالحها
،لكن يمكن خضوعها إذا كان تحيق صالحها يتطلب الخضوع،فالقانون وسيلة لتحقيق الغاية ،وهي حفظ
الجماعة،فإذا لم يؤد القانون إلى تلك الغاية ،فال خضوع له،وعلى الحكومة أن تطرحه جانبا إذا تعارض
مع مصلحة الجماعة.
المراسيم التفويضية:
وهي عبارة عن مراسيم تصدرها السلطة التنفيذية ببناء على تفويض من السلطة التشريعية ،في
موضوعات يشترط الدستور فيها صدور قانون.
ورغم أن الدستور الحالي قد حدد نطاق القانون على نحو معين ال يستطيع أن يتعداه ،إال أنه قرر
إمكان تفويض البرلمان للحكومة في هذا النطاق المحدد على الوجه الذي صرحت ب المادة . 45
وال تستطيع الحكومة أن تصدر مراسيم تفويضية ،إال إذا طلبت من البرلمان السماح لها بإصدارها
لتستعين بها في تنفيذ برامجها.
فالفصل 45من الدستور يحدد طبيعتها ،والشروط التي يجب أن تتم فيها المراسيم التفويضية يجب
أن تصبح فيها قوانين عادية((:يصدر القانون عن البرلمان بالتصويت ،وللقانون أن ياذن للحكومة أن تتخذ
في ظرف من الزمن محدود ولغاية معينة بمقتضى مراسيم ،تدبير يختص القانون عادة باتخاذها ،ويجري
العمل بهذه المراس يم بمجرد نشرها ،غير أنه يجب عرضها على البرلمان قصد المصادقة عند انتهاء
االجل الذي حدده قانون اإلذن بإصدارها)).....
األصل أن يصدر القرار اإلداري بشكل إيجابي صريح سواء كان ذلك بالمنح أو بالمنع،
واالستثناء أن يصدر القرار بشكل سلبي عندما تعبر اإلدارة عن موقف سلبي ،فهي ال تعلن عن إرادتها
للسير في اتجاه أو آخر بالنسبة لموضوع األمر الواجب عليها اتخاذ موقف بشأنه ،وإن كانت في ذات
الوقت تعلن عن إرادتها الصريحة في ((االمتناع))عن إصدار قرار كان يتعين عليها إصداره.
ويشترط لسالمة وصحة القرار السلبي توفر شرطين أساسيين هما:أن تكون اإلدارة ملزمة أصال
بإصدار القرار،وأن تمتنع الغدارة عن إصداره مخالفة بذلك القوانين واألنظمة.
الفقرة الثانية:القرار المنعدم
يعني القرار المنعدم المشوب بمخالفة جسيمة تفقده صفته اإلدارية فيصبح منعدما..حكمه في ذلك
حكم األحكام المعدومة ليس من شأنه أن يرتب أثرا قانونيا من قبل األفراد أو يؤثر في مراكزهم القانونية
،ويعد مجرد واقعة مادية ال يلزم الطعن فيه أمام الجهة المختصة قانونا للحكم بتقرير انعدامه،وإنما يكفي
إنكاره عند التمسك به وعدم االعتداد به.
-القرار المعيب بعيب عدم االختصاص الجسيم الذي يتمثل في إغفال مصدر القرار للشروط
الجوهرية التي ال يتم القرار اإلداري إال إذا توافرت ،ويترتب على إغفالها أن يلحق بالقرار عيب جسيم
ينحدر بالقرار إلى درجة العدم.
-القرار الذي يشوب اإلدارة التي تصدره عيب جسيم يؤثر فيها تأثيرا جوهريا ،كحصول أحد
األفراد على قرار نتيجة اإليهام بوجود أمر ال حقيقة له .
أ -أن القرار المنعدم يخول اإلدارة حق سحبه في أي وقت دون التقيد بالميعاد كما هو منصوص
عليه.
ب -أن القرار المنعدم يعتبر مجرد واقعة ما دية ال يلزم الطعن فيه أمام الجهة المختصة قانونا
للحكم بتقرير انعدامه ،وإنما يكفي إنكاره وعدم ترتيب أي اثر عليه.
ج -أن القرار المنعدم ليس بحاجة إلى قرار إداري يبطله ،وال تلحقه حصانة،وال يزيل عيبه فوات
ميعاد الطعن فيه،كما أنه ال يكون قابال للتنفيذ المباشر ،وذلك تطبيقا للقاعدة العامة في عيوب اإلرادة من أن
القرار المنعدم ال يقوم ،وهو ساقط والساقط ال يعود.
ومن صور القرارات المستمرة:القرار الصادر بوضع شخص في قوائم الممنوعين من السفر،أو
ال قرار الصادر من اإلدارة باالمتناع عن رفع اسم شخص من قوائم الممنوعين من السفر..فهذا القرار له
أثر مستمر ،مما يجعل لصاحب الشأن فيه الحق في أن يطلب رفع اسمه من قوائم الممنوعين من السفر في
كل مناسبة تدعو إلى السفر إلى الخارج،وكل قرار يصدر برفض طلبه يعتبر قرارا جديدا يحق له الطع فيه
باإللغاء .وكذلك القرار الصادر بامتناع الجهة اإلدارية المختصة عن إصدار ترخيص لممارسة نشاط
معين ويتجدد هذا القرار عند تقديم كل طلب ترخيص ،وبالتالي يبقى ميعاد طلب إلغائه مفتوحا.
سنعالج في هذا المطلب نفاذ القرارات اإلدارية،وذلك عندما يصبح القرار اإلداري جاهزا ،فإن
اإلدارة تعمل على تنفيذه لكي ينتج آثاره القانونية .مع اإلشارة إلى ان عملية التنفيذ هذه ينبغي طرحها في
مدلولها الواسع ،ثم انتهاء القرارات اإلدارية 25بحيث أن هذه األخيرة قد تختفي بشكل يضع حدا آلثارها
.بمعنى أنها قد تنتهي وتصبح غير قابلة لخلق أو ضاعا جديدة أو تغيير أوضاعا كانت قائمة في السابق.
إن نفاذ القرار اإلداري يبدأ من تاريخ صدوره ،أي عندما يصبح نهائيا وقابال لالحتجاج به.إذ
يكون بإمكان كل من ينتج هذا القرار آثارا قانونية لصالحه أن يتشبث به ،كما يكون بإمكان كل من ينتج
آثارا سلبية بالنسبة إليه أن يطعن فيه أمام القضاء اإلداري.غير أن صفة النفاذ التي يتوفر عليها القرار
اإلداري ال يمكن أن توتي مفعولها إال إذا كانت صحيحة .والقاعدة العامة في هذا الشأن هي القرارات
25
Delbaz :LA Révocation des actes administratifs ,R .D.P,P :463
اإلدارية في حق الجهة اإلدارية فور صدورها دون أن يتوقف ذلك على علم األفراد بها،واإلصدار بحسب
األصل يتم بمجرد التوقيع عليها ،ومن هذا التاريخ ينفذ القرار وال يقتصر النفاذ على القرارات السليمة
وإنما يشمل القرارات اإلدارية المعيبة والتي ال ترقى لدرجة االنعدام،والقاعدة السابقة تطبق على القرارات
الفردية شأنها في ذلك شأن القرارت التنظيمية حيث أن نفاذها غير رهين بقبول من تسري في حقه .هذا
بالنسبة لنفاذ القرارات اإلدارية والتنظيمية كأصل عام ،أما بالنسبة لسريان تلك القرارات في حق من
صدرت بشأنهم فإنها بحسب األصل ال تسري إال من تاريخ النشر أو العلم أو اإلعالن.أم بالنسبة للقرارات
الضمنية أو السلبية التي ال يتصور النشر واإلعالن بشأنها فإن ميعاد الطعن عليها يظل مفتوحا حتى تدخل
تلك القرارات مدارج التنفيذ الفعلي فيبدأ الميعاد من هذا التاريخ.
ويقصد بتنفيذ القرار اإلداري إظهار آثاره إلى حيز التطبيق ،ويأتي في مرحلة الحقة على النفاذ
.ذلك أن القرار اإلداري عندما يعتبر نافذا قانونا،فإنه يكون قابال إلحداث آثاره من تاريخ نفاذه.
ولقد حدد المشرع ميعادا قصيرا ،ترفع خالله دعوى اإللغاء حتى تكون مقبولة ،هو شهران في
القانون المغربي.وتقول المادة الرابعة "ميعاد رفع الدعوى أمام المحاكم فيما يتعلق بطلبات اإللغاء ستون
يوما من تاريخ نشر القرار اإلداري المطعون فيه.
والحكمة في جعل الميعاد قصيرا هي توفير عنصر الثبات واالستقرار للمراكز القانونية التي
نشأت لألفراد بناء على أعمال اإلدارة.
ويسري ميعاد رفع دعوى اإللغاء ابتداء من تاريخ نشر القرار اإلداري محل الطعن أو إعالنه
للمعني به.وذلك ألن نشر النشر واإلعالن هما الوسيلتان اللتان بهما قانونا علم األفراد بالقرارات اإلدارية
،إضافة إلى وسيلة العلم اليقيني.
واألصل في تنفيذ القرارات اإلدارية أن تتم طواعية واختيارا ،سواء كانت قرارات تنظيمية أم
فردية،إيجابية أم سلبية،إذ أن اإلدارة ال تجد صعوبة في الغالب في تنفيذها ،وخاصة إذا تطابق النفاذ
القانوني مع التنفيذ المادي.
أما إذا صدر القرار مستكمال أركانه القانونية وخاطب أفرادا طالبا منهم القيام بعمل معين أو
االمتناع عن القيام بعمل معين ولم يمتثلوا للقرار،فتثور عندئذ مشكلة تنفيذ القرار ،ذلك أن القرار ،ذلك أن
األفراد الذين يخاطبهم القرار الملزمون من ناحيتهم باحترام مقتضى القرار ،واإلدارة من ناحيتها مسؤولة
عن كفالة هذا االحترام.زمن هنا وجدت الوسائل التي تستطيع اإلدارة من خاللها الوصول إلى تنفيذ
قراراتها ،وأهمها وسيلتين:إحداهما عن طريق اإلدارة واألخرى عن طريق القضاء.
فإذ ما اتضح أن القرار اإلداري قد شابه عيب يبطله ،فيكون له الحق في التظلم منه إلى اإلدارة
نفسها عن طريق التظلم اإلداري ،أو أن يلجأ إلى القضاء اإلداري للطعن فيه باإللغاء .أما إذا لجأ األفراد
إلى القوة في مقاومة القرارات اإلدارية وامتنعوا عن تنفيذها ،فإنهم يتعرضون للجزاءات الجنائية ،فوق ما
تملكه اإلدارة ذاتها من توقيع عقوبات إدارية .ألن القرارات اإلدارية تحوز قوة الشيء المقرر،قياسيا على
قوة الشيء المقضي به بالنسبة لألحكام القضائية.
وال يترتب كقاعدة عامة على رفع دعوى اإللغاء وقف تنفيذ القرار اإلداري المطعون فيه،وهذا ما
يقرره القاضي اإلداري حينما قضى:
((حيث إن إيقاف تنفيذ قرار إداري يكون بصورة استثنائية وفقا لما هو منصوص عليه في الفصل
24من القانون رقم 90. 41بشأن أحداث المحاكم اإلدارية وأن ذلك يقتضي:
-أن يكون الضرر الناجم عن تنفيذ القرار من الضرر الذي يؤثر في المركز القانوني لطالب
إيقاف التنفيذ،26فقرارات اإلدارة تكون واجبة النفاذ دون حاجة إلى إذن القاضي بتنفيذها ،فهي ذات اثر
تنفيذي مباشر أسوة باألحكام القضائية النهائية التي يوقف تنفيذها الطعن فيها .وبذلك تستطيع اإلدارة أن
تلزم األفراد بإرادتها المنفردة فيما تتخذه من قرارات إدارية رغم الطعن فيها أمام القضاء اإلداري.
فلو كان الطعن في قراراتها أمام القضاء يوقف تنفيذها ،لترتب على ذلك إتاحة الفرصة أمام
األفراد لإلسراف في رفع دعوى اإللغاء لسبب ولغير سبب،وألدى ذلك إلى تعطيل مصالح الدولة وهيئاتها
المختلفة.
يقصد بانتهاء القرارات اإلدارية زوالها،وقد يترتب عن هذا الزوال انتهاء اآلثار القانونية .ويخضع
انتهاء القرارات اإلدارية لطريقتين:الطريقة العادية والطريقة الغير العادية.وتختلف الطرق العادية عن
-26قبل حكم المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء رقم 267صادر بتاريخ 1996. 7. 31منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد، 1ص 89.
الطرق الغير العادية النتهاء القرار بسبب ما تثيره من صعوبات ومشاكل في الواقع العملي تتعلق بحقوق
وأوضاع أطراف القرار اإلداري كثيرا ما يكسب األفراد حقوقا اعتمدوا عليها ورتبوا أمورهم على أساسها
،ومن العدالة أن تتمتع بنوع من الثبات.
وهذا يقتضي من اإلدارة عندما تنتهي قرارها – بالطرق غير العادية -مراعاة التوفيق بين
مصلحتين كل منهما جدير بالرعاية:المصلحة العامة التي تقتضي إنهاء القرار غير المشروع أو غير
المالئم،والمصلحة الخاصة التي انبثقت عن القرار والتي يجب حمايتها حرصا على استقرار األوضاع
القانونية ،ومن هنا تبدو الصعوبة في إنهاء القرارات اإلدارية ومنها اإللغاء.
ينتهي القرار اإلداري بالنسبة للمستقبل فحسب ،وهو ما يسمى باإللغاء ،كما أن القرار اإلداري
تمحى آثاره بالنسبة للماضي والمستقبل ويعتبر كأن لم يكن وهو ما يطلق عليه بسحب القرار.
أوال:اإللغاء
يقصد باإللغاء إنهاء اآلثار القانونية للقرار اإلداري بالنسبة للمستقبل وذلك اعتبارا من تاريخ إقدام
اإلدارة على هذا اإلجراء وبهذا تظل اآلثار القانونية للقرار سارية المفعول بالنسبة للفترة السابقة.فاألعمال
االنفرادية الصادرة عن اإلدارة يتم اتخاذها في إطار النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها
العمل.وقد يحدث أن يتم إلغاء القانون الذي قامت اإلدارة فإصدار قراراتها في إطاره ،مما يترتب عليه
ضرورة اختفاء هذه القرارات الصادرة تنفيذا لهذا القانون وذلك بحكم التبعية القائمة بين القانون الملغى
والقرارات المتخذة استنادا عليه.27
ومن هنا يمكن التمييز ما بين إلغاء القرار التنظيمي والقرار الفردي.
يجوز لإلدارة أن تلغي القرار التنظيمي المشروع دون التقيد بأية مدة،وذلك ألن القرارات
التنظيمية تضع قواعد تنظيمية ال يتصور أن تكون مؤبدة ،بل تقبل بطبيعتها التعديل والتغيير طبقا
لمقتضيات المصلحة العامة.
27
De laubadère A: Traité de droit administratif , TL,3eme éd 1984,p .373
وال حرج على اإلدارة في ذلك ما دام إلغاء هذه القرارات ال يرتب أثره إال بالنسبة إلى المستقبل
،وما دام ال يمس الحقوق التي نشأت في ظل تطبيق قواعده،أي في الفترة ما بين إصدارها وإلغائها.
األصل عدم جواز إلغاء القرارات الفردية المشروعة،وذلك ألن هذا النوع من القرارات يترتب
عليها حقوقا فردية مكتسبة ال يجوز المساس بها ،ضمانا الستقرار المعامالت اإلدارية.
واستثناء من هذا األصل وفي الحاالت التي ال تتوافر فيها مثل هذه الحكمة يجوز لإلدارة إلغاء
القرار اإلداري الفردي المشروع إذا وجدت المبررات القانونية أو في الحاالت التي ال يرتب فيها القرار
حقوقا مكتسبة.
فالقرار اإلداري الفردي إذا كان معيبا وقابال للطعن فيه باإللغاء فإنه يجوز لإلدارة أن تلغيه خالل
المدة المحددة للطعن فيه باإللغاء ،دون التمسك بفكرة الحقوق المكتسبة ،ألن هذه الحقوق ال تتولد عن
قرارات غير مشروعة ،انتهت مدة الطعن في القرار دون إلغائه قضائيا أو إداريا ،فإنه يتحصن ويغدو
سليما وال يستطيع األفراد الطعن فيه باإللغاء ،وتنفيذ سلطة اإلدارة في إلغائه بضرورة احترام الحقوق
المكتسبة.
ثانيا :السحب
يقصد بسحب القرار اإلداري زوال كافة آثاره سواء في الماضي أو المستقبل ،وبذلك يعتبر القرار
المسحوب كأنه لم يكن من تاريخ إصداره .وهو كذلك إعدام القرار اإلداري من طرف مصدره أو من
ظرف السلطة التي تعلوه،وذلك بمحو آثاره بالنسبة للماضي والمستقبل،فيصبح كأن لم يكن ويزول بأثر
رجعي كليا أو جزئيا،في إطار الشروط المنظمة لعملية السحب والمتمثلة في عدم شرعية القرار واحترام
أجل ستسن يوما من صدوره .28فكما يحدث بالنسبة لإلبطال الذي يمارسه القضاء اإلداري ،فإن سحب
القرارات اإلدارية من طرف اإلدارة تترتب عليه نفس النتائج.ذلك أن هذه القرارات تصبح بمجرد سحبها
منعدمة وكأنها لم تكن،سواء بالنسبة للماضي ،أو بالنسبة للمستقبل.ومع ذلك يمكن القول ،بأنه خالفا لما هو
عليه األمر بالنسبة لإللغاء ،فإن سحب القرارات اإلدارية من طرف اإلدارة من طرف اإلدارة يخضع
لشروط صارمة حتى يمكن لها ممارسته .وذلك نتيجة ما تنطوي عليه هذه الوسيلة من مخاطر على حقوق
األفراد
28المحكمة اإلدارية بالدار البيضاء،حكم رقم 300بتاريخ ، 2006- 12- 11أحمد عراقي ضد وزير التعليم العالي .م.م.إ م.ت،
ص215:
وأوضاعهم،بحكم طابعها الرجعي.وتظهر أمية هذه الشروط خصوصا عندما يتعلق األمر
بالقرارات اإلدارية المانحة للحقوق،والتي خلفت أوضاعا قانونية يكون من الصعب على اإلدارة هدرها
بسحبها للقرارات اإلدارية المتعلقة بها.
وهكذا فبالنسبة للقرارات اإلدارية التي لم تمنح حقوقا لألفراد ،فإن اإلدارة بإمكانها أن تبادر إلى
سحبها في أي وقت وألي سبب.أما إذا كانت هذه القرارات قد منحت حقوقا لألفراد ،فإن االجتهاد القضائي
قد أحاط ممارسة السحب بخصوصها بمجموعة من الشروط نذكرها كالتالي:
-يجب أن يكون القرار اإلداري موضوع السحب مشوبا بعيب من عيوب عدم المشروعية.وهو
شرط أساسي ،إذ يشكل السبب الذي يدفع اإلدارة سحب ما قامت به من أعمال.
-أن ال يتم السحب بخصوص القرار اإلداري المانح للحقوق،والتي اتخذته اإلدارة في نطاق
القوانين الجاري بها العمل،حيث خول المستفيد وضعية حقوقية معينة إال في الحاالت الخاصة حسب
الظروف والمالبسات.
-أن يتم سحب القرار اإلداري داخل آجال الطعن القانونية ،أو أثناء مرحلة البث في دعوى اإللغاء
المرفوعة ضده.غير أنه ال ينبغي أن نميزها بين العمل اإلداري الباطل فقط والعمل المنعدم.فمجرد العمل
الباطل ال يمكن سحبه إال داخل أجل الطعن ،انطالقا من االجتهاد القضائي يعتبر أن االستقرار القانوني هو
أهم من المشروعية نفسها، 29في حين أن العمل المنعدم يكون من الممكن سحبه في أي وقت وحين.
-أن يكون المعني باألمر قد استعمل مناورات تدليسية للحصول على القرار اإلداري موضوع
السحب.وفي هذه الحالة فإن مسألة احترام ألجل الطعن ال تطرح ،إذ من حق اإلدارة أن تمارس هذا
السحب في أي مرحلة.
أما القرارات المنعدمة التي ال تتولد عنها مراكز قانونية يجوز لإلدارة أن تسحبها في أي وقت
مهما طال عليها األمد.
29
C.E Dame Cachet ,3 novembre 1922 , les grands Arrèts de la jurisprudence administrative p: 221
متى صدر القرار اإلداري صحيحا ممن يملك سلطة إصداره فإنه يكون للتنفيذ بإخراجه إلى حيز
العمل وإظهار حقيقة في الحياة العملية.حيث أنه يفترض في القرارات اإلدارية الصحة والسالمة بمجرد
صدورها إلى أن يثبت العكس.
غير أن هذه ليست مطلقة ،ألن هذا يجافي سنة التطور وحسن سير اإلدارة وبذلك يكون المقصود
بحصانة القرارات اإلدارية الفردية السليمة عدم المساس بها إال عن طريق قرار مضاد يصدر باإلجراءات
ال تي يحددها القانون في الحاالت التي يقتضيها ،فهذا القرار هو بمثابة قرار إداري يلغي ضمنا قرار إداريا
فرديا مشروعا.على أن ينصب اإللغاء على المستقبل – مع اسمرار أثاره التي تولدت في الماضي في ظل
القرار األول والذي يعتبر سليما.
فإذا أصدرت اإلدارة قرارا إداريا سليما بتعيين أحد الموظفين فإنها ال تستطيع إلغاء هذا القرار
متى أرادت،وال يجوز لإلدارة أن تلغي قرارا إداريا مشروعا رجعي تطبيقا لعدم رجعية القرارات
اإلدارية.
فالقرار المضاد هو عبارة عن قرار إداري فردي سليم فيحدث فيه تعديال لبعض بنوده أو تغييرا له
بأكمله ،ويقتصر أثره بالنسبة للمستقبل.وبذلك يحل القرار المضاد محل القرار اإلداري السليم لمصلحة فرد
من األفراد ال يمكن التطاول عليها أو النيل منها إال بقرار مضاد تصدره سواء السلطة التي أصدرت
القرار األول أو غيرها،وفقا للشروط واإلجراءات التي تنص عليها األنظمة.
وقد تقتصر مهمة القرار المضاد على مجرد إعدام القرار اإلداري الفردي السليم مستقبال.سواء
كليا أو جزئيا دون أن تحل آخر بدال منه كالقرار الصادر بإلغاء ترخيص ممنوح ألحد األفراد ،وقد يكون
اإللغاء مجرد استبدال القرار األول بقرار آخر بحيث يلغيه كليا او جزئيا ،فقرار إلغاء الوظيفة للصالح
العام يحوي في طياته قرار تعيين الموظف في تلك الوظيفة.