Professional Documents
Culture Documents
وقد تقدم قول ابن مسعود ،وأبي الدرداء ،وأبي هريرة ،وابن عباس ،وعبد هللا بن عمرو في تحريم ذلك ،وهو الثابت بال شك عن عبد
هللا بن عمر ،رضي هللا عنهما ،أنه يحرمه .
قال أبو محمد عبد هللا بن عبد الرحمن بن الدارمي في مسنده :حدثنا عبد هللا بن صالح ،حدثنا الليث ،عن الحارث بن يعقوب ،عن
سعيد بن يسار أبي الحباب قال :قلت البن عمر :ما تقول في الجواري ،أنحمض لهن ؟ قال :وما التحميض ؟ فذكر الدبر .فقال :وهل
يفعل ذلك أحد من المسلمين ؟
وكذا رواه ابن وهب وقتيبة ،عن الليث ،به .وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك ،فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل
فهو مردود إلى هذا المحكم .
وقال ابن جرير :حدثني عبد الرحمن بن عبد هللا بن عبد الحكم ،حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد بن أبي الغمر حدثني عبد الرحمن
بن القاسم ،عن مالك بن أنس أنه قيل له :يا أبا عبد هللا ،إن الناس يروون عن سالم بن عبد هللا أنه قال :كذب العبد ،أو العلج ،على
أبي [ عبد هللا ] فقال مالك :أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني ،عن سالم بن عبد هللا ،عن ابن عمر مثل ما قال نافع .فقيل له :فإن
الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار :أنه سأل ابن عمر فقال له :يا أبا عبد الرحمن ،إنا نشتري الجواري أفنحمض
لهن ؟ فقال :وما التحميض ؟ فذكر له الدبر .فقال ابن عمر :أف ! أف ! أيفعل ذلك مؤمن أو قال :مسلم .فقال مالك :أشهد على ربيعة
ألخبرني عن أبي الحباب ،عن ابن عمر ،مثل ما قال نافع .
وروى النسائي ،عن الربيع بن سليمان ،عن أصبغ بن الفرج الفقيه ،حدثنا عبد الرحمن بن القاسم قال :قلت لمالك :إن عندنا بمصر
الليث بن سعد يحدث عن الحارث بن يعقوب ،عن سعيد بن يسار ،قال :قلت البن عمر :إنا نشتري الجواري ،فنحمض لهن ؟ قال :
وما التحميض ؟ قلت :نأتيهن في أدبارهن .فقال :أف ! أف ! أو يعمل هذا مسلم ؟ فقال لي مالك :فأشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد
بن يسار أنه سأل ابن عمر ،فقال :ال بأس به .
وروى النسائي أيضا من طريق يزيد بن رومان ،عن عبيد هللا بن عبد هللا بن عمر أن ابن عمر كان ال يرى بأسا أن يأتي الرجل المرأة
في دبرها .
وروى معن بن عيسى ،عن مالك :أن ذلك حرام .
وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري :حدثني إسماعيل بن حصين ،حدثني إسماعيل بن روح :سألت مالك بن أنس :ما تقول في إتيان
النساء في أدبارهن :قال :ما أنتم قوم عرب .هل يكون الحرث إال موضع الزرع ،ال تعدو الفرج .
قلت :يا أبا عبد هللا ،إنهم يقولون :إنك تقول ذلك ؟ ! قال :يكذبون علي ،يكذبون علي .
فهذا هو الثابت عنه ،وهو قو ل أبي حنيفة ،والشافعي ،وأحمد بن حنبل وأصحابهم قاطبة .وهو قول سعيد بن المسيب ،وأبي سلمة ،
وعكرمة ،وطاوس ،وعطاء ،وسعيد بن جبير ،وعروة بن الزبير ،ومجاهد بن جبر والحسن وغيرهم من السلف :أنهم أنكروا ذلك
أشد اإلنكار ،ومنهم من يطلق على فاعله الكفر ،وهو مذهب جمهور العلماء .
وقد حكي في هذا شيء عن بعض فقهاء المدينة ،حتى حكوه عن اإلمام مالك ،وفي صحته عنه نظر .
[ وقد روى ابن جرير في كتاب النكاح له وجمعه عن يونس بن عبد األحوص بن وهب إباحته ] .
قال الطحاوي :روى أصبغ بن الفرج ،عن عبد الرحمن بن القاسم قال :ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك أنه حالل .يعني وطء
المرأة في دبرها ،ثم قرأ ( :نساؤكم حرث لكم ) ثم قال :فأي شيء أبين من هذا ؟ هذه حكاية الطحاوي .
وقد روى الحاكم ،والدارقطني ،والخطيب البغدادي ،عن اإلمام مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك .ولكن في األسانيد ضعف شديد ،
وقد استقصاها شيخنا الحافظ أبو عبد هللا الذهبي في جزء جمعه في ذلك ،فاهلل أعلم .
وقال الطحاوي :حكى لنا محمد بن عبد هللا بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول :ما صح عن النبي صلى هللا عليه وسلم في تحليله وال
تحريمه شيء .والقياس أنه حالل .وقد روى ذلكأبو بكر الخطيب ،عن أبي سعيد الصيرفي ،عن أبي العباس األصم ،سمعت محمد بن
عبد هللا بن عبد الحكم ،سمعت الشافعي يقول . . .فذكر .قال أبو نصر الصباغ :كان الربيع يحلف باهلل الذي ال إله إال هو :لقد كذب
يعني ابن عبد الحكم على الشافعي في ذلك فإن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه ،وهللا أعلم .
وقال القرطبي في تفسيره :وممن ينسب إليه هذا القول وهو إباحة وطء المرأة في دبرها سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن
كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون .وهذا القول في العتبية .وحكى ذلك عن مالك في كتاب له أسماه كتاب السر ،وحذاق أصحاب
مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ،ومالك أجل من أن يكون له كتاب السر ووقع هذا القول في العتبية ،وذكر ابن العربي أن ابن
شعبان أسند هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من رواية كثيرة من كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن هذا
لفظه قال :وحكى الكيا الهراسي الطبري عن محمد بن كعب القرظي أنه استدل على جواز ذلك بقوله ( :أتأتون الذكران من العالمين
وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون ) الشعراء . ] 166 ، 165 [ :
يعني مثله من المباح ثم رده بأن المراد بذلك من خلق هللا لهم من فروج النساء ال أدبارهن .قلت :وهذا هو الصواب وما قاله القرظي إن
كان صحيحا إليه فخطأ .وقد صنف الناس في هذه المسألة مصنفات منهم أبو العباس القرطبي وسمى كتابه إظهار إدبار من أجاز الوطء
في األدبار .
وقوله تعالى ( :وقدموا ألنفسكم ) أي :م ن فعل الطاعات ،مع امتثال ما نهاكم عنه من ترك المحرمات ; ولهذا قال ( :واتقوا هللا
واعلموا أنكم مالقوه ) أي :فيحاسبكم على أعمالكم جميعا .
( وبشر المؤمنين ) أي :المطيعين هلل فيما أمرهم ،التاركين ما عنه زجرهم .
وقال ابن جرير :حدثنا القاسم ،حدثنا حسين ،حدثني محمد بن كثير ،عن عبد هللا بن واقد ،عن عطاء قال :أراه عن ابن عباس ( :
وقدموا ألنفسكم ) قال :يقول " :باسم هللا " ،التسمية عند الجماع .
وقد ثبت في صحيح البخاري ،عن ابن عباس قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " :لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال :باسم
هللا ،اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ،فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا "
األحاديث المرفوعة
قال الحافظ« :جميع األحاديث المرفوعة في هذا الباب –وعِدتها نحو عشرين حديثا – كلها ضعيفة ال يصح منها شيء .والموقوف منها هو
الصحيح» .وقال ابن حجر« :ذهب جماعة من أئمة الحديث –كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي علي النيسابوري – إلى أنه ال
يثبت فيه شيء» .وقال الشافعي« :لم يصح عن رسول هللا rفي تحريمه وال في تحليله شيء»( .حذف).
وقد أشار ابن حجر في تلخيص الحبير ( )180|3إلى ضعف كل هذه األحاديث .ولكن هناك رغبة شديدة بتصحيحه عند الكثيرين .فنقول
لهم :حتى لو صح ،فهو ال يدل على المطلوب ،أ ي في الزوج .وهذا يقال في أكثر هذه األحاديث التي يحاولون تصحيحها .والثابت أن
تشرع له عقوبة ،وال عُرف عن رسول هللا rأنه عاقب أحدا ً عليه.
إتيان الزوجة في دبرها ،لم ّ
تفسير اآلية
ط ُه ْرن فإِذا تط َّه ْرن فأْتُوه َُّن مِ ْن حي ُ
ْث أمر ُك ُم َّ ُ
َّللا ِإ َّن يض وال تقْربُوه َُّن حتَّى ي ْ يض قُلْ هُو أذًى فاعْت ِزلُوا النِّساء فِي ْالمحِ ِ ويسْألُونك ع ِن ْالمحِ ِ
ث لكُ ْم فأْتُوا ح ْرث ُك ْم أنَّى ِشئْت ُ ْم وق ِ ّد ُموا ِأل ْنفُ ِس ُك ْم واتَّقُوا َّ
َّللا واعْل ُموا أنَّ ُك ْم ُمالقُوهُ وب ّ
ش ِِر َّللا يُحِ بُّ الت َّ َّوابِين ويُحِ بُّ ْال ُمتط ِ ّه ِرين * نِساؤُ ُك ْم ح ْر ٌ
َّ
ْال ُمؤْ مِ نِين (سورة البقرة .)223-222 :2
اختلف المفسرون في معنى ]فأتوهن من حيث أمركم هللا[ .فقد ثبت عن ابن عباس tوتلميذه عكرمة قوله بما معناه« :أُمِ روا أن يأتوهن من
وروي عن غيرهما أن معناه :فأتوهن من الوجه الذي أمركم هللا فيه أن تأتوهن منه ،وذلك الوجه حيث نهوا عنه ،أي من حيث جاء الدم»ُ .
هو الطهر دون الحيض .قال إمام المفسرين الطبري « :وأولى األقوال بالصواب في تأويل ذلك عندي قول من قال :معنى ذلك :فأتوهن من
قبل طهرهن .وذلك أن كل أمر بمعنى فنهي عن خالفه وضده ،وكذلك النهي عن الشيء أمر بضده وخالفه .فلو كان معنى قوله{ :فأتوهن
من حيث أمركم هللا} فأتوهن من قبل مخرج الدم الذي نهيتكم أن تأتوهن من قبله في حال حيضهن ،لوجب أن يكون قوله{ :وال تقربوهن
حتى يطهرن} تأويله :وال تقربوهن في مخرج الدم دون ما عدا ذلك من أماكن جسدها ،فيكون مطلقا في حال حيضها إتيانهن في أدبارهن.
وفي إجماع الجميع على أن هللا تعالى ذكره لم يطلق في حال الحيض من إتيانهن في أدبارهن شيئا حرمه في حال الطهر وال حرم من ذلك
في حال الطهر شيئا أحله في حال الحيض ،ما يعلم به فساد هذا القول» ،ثم أطال في االنتصار لهذا التفسير.
أما الحرث فهو إلقاء البذر في األرض ،وأما الزرع فهو عملية إنبات هذا البذر ،وهو من اختصاص هللا سبحانه وتعالى كما قال] :أفرأيتم
ما تحرثون ،أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون؟[ .والمقصود بالحرث هنا هو موضعه وهو فرج المرأة .قال القرطبي في تفسيره (:)93|3
« فرج المرأة كاألرض ،والنطفة كالبذر ،والولد كالنبات ،فالحرث بمعنى المحترث» ،فعلينا الحرث أي اإللقاء فيها وعلى هللا اإلنبات.
واختلف في معنى "أنى" .فقيل كيف ،وقيل حيث ،وقيل متى ،وبحسب هذا االختالف جاء االختالف في تأويل اآلية .فإن "أين" إنما هي
حرف استفهام عن األماكن .و "متى" هي حرف استفهام عن الوقت .وإذا فسرناها بمعنى "أين" لكان معنى ذلك إجازة وطء الدبر .وإن
فسرناها بمعنى "متى" لكان معنى ذلك إجازة وطء الحائض! وكل ذلك باط ٌل ال حجة لهم فيه ،ألن أنى في لغة العرب التي نزل بها القرآن
إنما هي بمعنى "من أين" ال بمعنى "أين" .فإذ ذلك كذلك فإنما معناه من أين شئتم .قال هللا عز وجل في سورة آل عمران] :يا مريم أنى لك
هذا[ أي بمعنى من أين لك هذا .وكذلك فسرها النحوي سيبويه بـ " كيف" و "من أين" باجتماعهما.وقال القرطبي «معناه عند الجمهور من
الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى :من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة» .قال اآللوسي في تفسيره روح المعاني (« :)124|2فيصير المعنى من
أي مكان ،ال في أي مكان .فيجوز أن يكون المستفاد حينئذ تعميم الجهات من القدام والخلف والفوق والتحت واليمين والشمال ال تعميم
مواضع اإلتيان .فال دليل في اآلية لمن جوز إتيان المرأة في دبرها».
أخرج البخاري (كما في الفتح )190|8وإسحاق ابن راه ُْويه في مسنده وتفسيره وابن جرير الطبري في تفسيره ( )391|2عن نافع قال:
قرأت ذات يوم {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} .قال :ابن عمر أتدري فيم أنزلت هذه اآلية؟ قلت :ال .قال :نزلت في إتيان
النساء في أدبارهن.
وأخرج البخاري وابن جرير عن ابن عمر {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال :في الدبر.
وأخرج النسائي وابن جرير عن محمد بن عبد هللا بن عبد الحكم (ثقة) عن أبي بكر بن أبي أويس (عبد الحميد بن عبد هللا ،ثقة) عن
سليمان بن بالل (ثقة) عن زيد بن أسلم (ثقة) عن ابن عمر :tأن رجالً أتى امرأته في دبرها ،فوجد في نفسه من ذلك وجدا ً شديداً ،فأنزل
هللا {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
وأخرج الدارقطني ودعلج كالهما في غرائب مالك من طريق أبي مصعب واسحق بن محمد القروي كالهما عن نافع عن ابن عمر أنه
قال« :يا نافع أمسك على المصحف» .فقرأ حتى بلغ {نساؤكم حرث لكم }...اآلية .فقال« :يا نافع أتدري فيم أنزلت هذه اآلية؟» .قلت:
«ال» .قال « :نزلت في رجل من األنصار ،أصاب امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك ،فسأل النبي ،rفأنزل هللا اآلية» .قال
الدارقطني« :هذا ثابت عن مالك» .وقال ابن عبد البر« :الرواية عن ابن عمر بهذا المعنى صحيحة معروفة عنه مشهورة».
فعندنا إذا سببين للنزول ،األول يرويه جابر tوالثاني يرويه ابن عمر . tولفظ البخاري لحديث جابر يحتمل الوجهين ،أي نكاح الدبر أو
نكاح الفرج من جهة الدبر .وأما لفظ مسلم فصري ٌح بأن اآلية خاصة بنكاح الفرج من جهة الدبر .وأما رواية عمر فهي صريحة في جواز
إتيان النساء في أدبارهن .على أن الجمع بين الروايتين ممكن ،فإن جابرا ً كان يتحدث عما كان يقوله اليهود ،وابن عمر يتحدث عن حادث ٍة
معينة حدثت لرجل من األنصار ،لم يس ِ ّمه طبعا ً للسبب الواضح .وإال فإن إصراره على هذا التفسير وكثرة تحديثه للمقربين منه بذلك ،هو
دليل تيقنه مما يعرف ،والمثبت مق َّد ٌم على النافي.
فنحن نثبت ما قاله ابن عمر tفي سبب النزول ،وقول الصحابي في سبب النزول حجة قاطعة بحكم الحديث المرفوع .لكن قد يخطئ
باالستنتاج (أي في األمر الفقهي) ،إذ يبدو –وهللا أعلم – أن النتيجة أتت بالتحريم وليس باإلجازة كما فهمه رضي هللا عنه .فقد فهم مما
حدث –كما أخرج البخاري – أن اآلية رخصة في إتيان النساء في أدبارهن .ولكن لو تأملنا القصة كما أخرجها الدارقطني ،وكما أخرجها
النسائي وابن جرير ،لوجدنا أن اآلية نزلت بعدما أتى األنصاري امرأته في دبرها ،فتأسف ،فسأل رسول هللا rعن ذلك فنزلت اآلية .ففهم
ابن عمر tأن مع نى اآلية الجواز لقوله تعالى ]أنى شئتم[ .والذي يبدو لي أنه ليس فيها جواز ،بل لعله إرشاد للرجل أن يؤتي امرأته من
موضع الحرث (وهو الفرج) من أي جهة كانت ،ولم تتكلم عن الدبر .فدل ذلك على تحريمه ،أو كراهته في أقل تقدير.
ويستدل البعض لهذا بما أخرج الطحاوي في شرح معاني اآلثار :حدثنا يونس قال :ثنا ابن وهب ،قال :أخبرني ابن جريج أن محمد بن
المنكدر حدثه ،عن جابر بن عبد هللا :tأن اليهود قالوا للمسلمين« :من أتى امرأته وهي مدبرة ،جاء ولدها أحول» .فأنزل هللا عز وجل
{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال رسول هللا « :rمقبلة ومدبرة ،ما كان في الفرج» .قال الطحاوي« :ففي توقيف النبي r
إياهم في ذلك على الفرج ،إعال ٌم منه إياهم أن الدبر بخالف ذلك» .أقول« :ولو صحت هذه الزيادة ألخرجها البخاري ومسلم وأصحاب
السنن ،إذ أن اإلسناد صحيح على شرط الشيخين .ولكن هذه الزيادة مدرجة من كالم ابن جريج وال تصح مرفوعة.
فقد أخرج أبو عوانة في مسنده ( :) 84|3حدثنا أبو عمر اإلمام ثنا مخلد عن ابن جريج ح وحدثنا يونس بن عبد األعلى ثنا ابن وهب قال
حدثني مالك وابن جريج وسفيان الثوري أن ابن المنكدر حدثهم عن جابر بن عبد هللا« :إن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأته وهي
مدبرة جاء ولده أحول .فأنزل هللا عز وجل نساؤكم حرث لكم» .قال ابن جريج في حديثه« :مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في القبل» .أقول:
جريج ألنها مدرجة من كالمه ،وال تصح مرفوعة .وهناك زيادة ٌ مدرجة أخرىٍ ولذلك أخرج البخاري ومسلم قول جابر tدون زيادة ابن
من طريق الزهري أنه قال « :إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير إن ذلك في صمام واحد» ،وهي من كالم الزهري ال من كالم
جابر .وعلى أية حال فقد أصحاب الزهري وابن جريج المعنى الذي دلت عليه اآلية كما سنرى في تفسيرها.
وأخرج ابن جرير الطبري وأبو داود ( )249|2والطبراني ( )77|11والحاكم ( )213|2والبيهقي في سننه ( ،)195|7كلهم من طريق
محمد بن إسحاق (مدلّس حسن الحديث) عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال :إن ابن عمر –وهللا يغفر له – أوهم إنما كان
هذا الحي من األنصار ،وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود ،وهم أهل كتاب كانوا يرون لهم فضال عليهم في العلم ،فكانوا يقتدون بكثير
من فعلهم .فكان من أمر أهل الكتاب ال يأتون النساء إال على حرف وذلك استر ما تكون المرأة .فكان هذا الحي من األنصار قد أخذوا
بذلك من فعلهم .وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا ً (أي ينزعون عنهن الثياب) ويتلذذون منهن مقبالت مدبرات
ومستلقيات .فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم (أي من المهاجرين ،بعكس قصة ابن عمر) امرأة من األنصار .فذهب يصنع
بها ذلك ،فأنكرته عليه .وقالت :إنما كنا نؤتى على حرف واحد فاصنع ذلك وإال فاجتنبني .فسرى أمرهما فبلغ رسول هللا ،rفأنزل هللا
{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} .يقول :مقبالت ومدبرات بعد أن يكون في الفرج ،وإنما كانت من قبل دبرها في قبلها .زاد
الطبراني قال ابن عباس « :قال ابن عمر :في دبرها .فأوهم ابن عمر ،وهللا يغفر له .وإنما كان الحديث على هذا».
ضعيف –ليس بالحسن – بسبب عنعنة محمد بن إسحاق .وما زعمه البيهقي من أن عبد الرحمن بن محمد المحاربي رواه ٌ أقول :هذا إسنادٌ
س وقد عنعن .وقد رواه الطبراني عنه بالعنعنة أيضا ً عن ابن إسحاق وليس ٌ ّ مدل هذا المحاربي فإن يصح. فال بالتحديث عن ابن إسحاق
بالتحديث! أما المتن الذي أخرجه الحاكم ( )307|2فليس فيه ذكر ابن عمر أصالً .ولذلك ذكر البيهقي اإلسناد ولم يذكر المتن ،ألنه يعلم
أنه حجة عليه وليس له.
وقد روى أبو يعلى وابن مردويه في تفسيره ،وابن جرير الطبري ( )395|2والطحاوي ( )40|3من طرق ،عن هشام بن سعد (حسن
الحديث) ،عن زيد بن أسلم (ثقة) ،عن عطاء بن يسار (ثقة) ،عن أبي سعيد الخدري « :أن رجال أصاب امرأة في دبرها ،فأنكر الناس ذلك
يسير في اللفظ دون المعنى.
ٍ عليه ،وقالوا :أثفرها .فأنزل هللا عز وجل {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}» .مع اختالف
أقول :هذا حديث حسن من رواية هشام بن سعد ،وهو أحسن حاالً من محمد بن إسحاق صاحب الحديث الذي وهّم به ابن عباس ابن عمر.
ونحن ال نحتج أصالً بالحديث الحسن وال بالضعيف ،فال نقبل ال هذا وال ذاك .ولكن من كان يقبل بالحديث الحسن فيلزمه االحتجاج بهذا
ب أولى من الحديث األول ،ألنه ليس فيه مدلّس كما حال األول .قال ابن حجر« :وهذا السبب في نزول هذه اآلية مشهور. الحديث من با ٍ
وكأن حديث أبي سعيد لم يبلغ ابن عباس ،وبلغه حديث ابن عمر فو َّه ّمه فيه».
وهذا التوهيم يُشكُّ في صدوره من ابن عباس .إذ هو يعلم أنه ليس من حقه النفي ما لم يعلم يقينا ً بالواقعة ،واألمر مشكوك فيه بالنسبة البن
عباس لصغر سنه .فقد مات رسول هللا rوابن عباس عمره ثالث عشرة سنوات كما في اإلصابة ( ،)141|4فكان عمره أصغر عند نزول
عمر ال يساعد على حضور الواقعة ،فال بد من وجود واسطة لشهود الحدث وهو لم يذكر تلك الواسطة .لكن معنى اآلية في ٌ اآلية .وهذا
اللغة يشهد البن عباس .t
اآلثار المبيحة
(حذف بأكمله)
اآلثار المحرمة
وأخرج النسائي والطحاوي وابن جرير والدارقطني من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس .أنه قيل له :يا أبا عبد هللا إن
الناس يروون عن سالم بن عبد هللا أنه قال :كذب العبد أو العلج على أبي .فقال مالك :أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن
عبد هللا عن ابن عمر مثل ما قال لنافع .فقيل له :فإن الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال :يا
أبا عبد الرحمن إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن؟ قال :وما التحميض؟ فذكر له الدبر .فقال ابن عمر :أف أف ،وهل يفعل ذلك أح ٌد من
المسلمين؟ فقال مالك :أشهد على ربيعة أخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع .قال الدارقطني« :هذا محفوظ عن مالك
صحيح» .قال ابن كثير« :هذا إسنادٌ صحيح» .وأخرج طرف القصة الدارمي أيضا ً بإسنا ٍد صحيح.
وليس في هذه القصة ما يثبت عدم صحة مذهب ابن عمر .tفإن الحارث بن يعقوب وأبو الحباب الّذان رويا قصة تأفأف ابن عمر ،قد
رويا عنه إباحة إتيان النساء من أدبارهن ،وهما ثقتان .فال مجال للطعن في الرواة أصالً .وليس في تأفأف ابن عمر تحري ٌم أصالً .فإنه
كان يفتي بإتيان النساء في أدبارهن ،ولم يكن الناس يوافقونه .ويبدو أيضا ً أنه لم يكن يفت بذلك إال للمقربين منه أمثال ولده ومواله .فمن
هنا استغرب أن يعلم أن كثيرا ً من المسلمين يفعلون ذلك .وهذا واض ٌح لمن تأمل الرواية بغير تعصب .وأما تكذيبهم لنافع –مع ما هو عليه
من قوة الحفظ – فبعيد .ولم يتفرد نافع بذلك بل سبق وقلنا أن الرواية متواترة ال ينقضها خبر اآلحاد على التسليم بمعارضته.
وأخرج وابن أبي حاتم بإسنا ٍد جيدٍ ،وكذلك ابن جرير قال :حدثني يونس بن عبد األعلى (ثقة فقيه) ،قال :أخبرنا ابن وهب (ثقة فقيه) ،قال:
ثنا أبو صخر (حميد بن زياد المدني ،جيد الحديث) ،عن أبي معاوية البجلي وهو عمار الدهني (ثقة) ،عن سعيد بن جبير أنه قال :بينا أنا
ومجاهد جالسان عند ابن عباس ،أتاه رجل فوقف على رأسه ،فقال :يا أبا العباس -أو يا أبا الفضل -أال تشفيني عن آية المحيض؟ فقال:
بلى! فقرأ{ :ويسألونك عن المحيض} حتى بلغ آخر اآلية .فقال ابن عباس« :من حيث جاء الدم من ثم أمرت أن تأتي» .فقال له الرجل:
«يا أبا الفضل .كيف باآلية التي تتبعها {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}؟» .فقال« :إي ويحك .وفي الدبر من حرث؟ لو كان ما
تقول حقا لكان المحيض منسوخاً .إذا اشتغل من هاهنا جئت من هاهنا! ولكن أنى شئتم من الليل والنهار».
وأخرج ابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس {فأتوا حرثكم أنى شئتم} يعني بالحرث الفرج .يقول« :تأتيه كيف شئت مستقبلة،
ومستدبرة ،وعلى أي ذلك أردت بعد أن ال تجاوز الفرج إلى غيره ،وهو قوله {من حيث أمركم هللا}» .وهذا إسناده فيه ضعف يسير ألنه
من صحيفة علي بن أبي طلحة ،وقد سبق الكالم عنها.
وأخرج ابن جرير بإسنا ٍد ضعيفٍ من طريق داود بن الحصين (قال علي بن المديني :ما روى عن عكرمة فمنكر ،وقريبا منه قال أبو
داود) ،عن عكرمة ،عن ابن عباس :أنه كان يكره أن تؤتى المرأة في دبر ها ويقول :إنما الحرث من القبل الذي يكون منه النسل والحيض.
وينهى عن إتيان المرأة في دبرها ويقول :إنما نزلت هذه اآلية { :نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } يقول :من أي وجه شئتم.
وأخرج النسائي والطبراني وابن مردويه عن كعب بن علقمة (مجهول) عن سالم أبي النضر بن أبي أمية (ثقة ثبت يرسل) .أنه قال لنافع
مولى ابن عمر :أنه قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر :أنه أفتى أن يؤتى النساء في أدبارهن؟ قال :كذبوا علي ،ولكن سأحدثك
كيف كان األمر :إن ابن عمر عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال :يا نافع هل تعلم
من أمر هذه اآلية؟ قلت :ال .قال :إنّا كنا معشر قريش نجبي النساء ،فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء األنصار أردنا منهن ما كنا نريد ،فإذا
هن قد كرهن ذلك وأعظمنه ،وكانت نساء األنصار قد أخذت بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن ،فأنزل هللا {نساؤكم حرث لكم فأتوا
حرثكم أنى شئتم}.
قلت هذه قصة واهية ضعيفة ال أساس لها .وكعب بن علقمة مجهول الحال ال يُعرف .ومثل هذا القصة ال تصلح لمعارضة ما أخرجه
البخاري في صحيحه ،بل وما تواتر عن ابن عمر .tوفي الباب عن جماعة من الصحابة .منها عن أبي بن كعب عند الحسن بن عرفة
بإسناد ضعيف .وعن ابن مسعود عند ابن عدي بإسناد واه .وعن عقبة بن عامر عند أحمد بإسناد فيه ابن لهيعة .وعن عمر عند النسائي
والبزار بإسناد فيه زمعة بن صالح وهو ضعيف.
بيان القياس
روى محمد بن عبد هللا بن عبد الحكم (ثقة بال خالف) وأخاه عبد الرحمان ق اال :قال الشافعي كالما كلم به محمد بن الحسن في مسألة إتيان
المرأة في دبرها ،قال :سألني محمد بن الحسن ،فقلت له :إن كنت تريد المكابرة ،وتصحيح الروايات وإن لم تصح ،فأنت أعلم ،وإن تكلمت
بالمناصفة ،كلمتك .قال :على المناصفة .قلت :فبأي شيء حرمته؟ قال :بقول هللا عز وجل{ :فأتوهن من حيث أمركم هللا} .وقال{ :فأتوا
حرثكم أنى شئتم} والحرث ال يكون إال في الفرج ،قلت :أفيكون ذلك محرما لما سواه؟ قال :نعم ،قلت :فما تقول :لو وطئها بين ساقيها ،أو
في أعكانها ،أو تحت إبطها ،أو أخذت ذكره بيدها ،أفي ذلك حرث؟ قال :ال .قلت :أفيحرم ذلك؟ قال :ال .قلت :فلم تحتج بما ال حجة فيه؟
قال :فإن هللا قال{ :والذين هم لفروجهم حافظون} اآلية .قال :فقلت له :إن هذا مما يحتجون به للجواز ،إن هللا أثنى على من حفظ فرجه من
غير زوجته ،وما ملكت يمينه ،فقلت :أنت تتحفظ من زوجته ومما ملكت يمينه!
قال الحاكم :لعل الشافعي كان يقول بذلك في القديم ،فأما في الجديد فالمشهور أنه حرمه .أقول :وكذلك قال الربيع أن الشافعي حرمه في
ستة كتب .وقال ابن حجر« :ويحتمل أن يكون ألزم محمدا ً بطريق المناظرة وإن كان ال يقول بذلك ،وإنما انتصر ألصحابه المدنيين».
أقول :هذا يعني –على تسليمه – أن الشافعي يجادل بالباطل تعصبا ً لمذهب قومه ،وهذا لألسف يفعله الكثير من الفقهاء .والشافعي كان
بارعا ً في المناظرة ،كثيرا ً ما يلزم خصومه بأمور باطلة .ولكن حسن الظن فيه أنه كان يعتقد بها ،وإال فإن قوله « لم يصح عن رسول هللا
rفي تحريمه وال في تحليله شيء» ،رغم أنه يُص ِّحح في ذلك حديثا ً رواه عن عمه ،يكون كذبا ً على رسول هللا .rوحاشاه هللا من ذلك .بل
نجزم بذلك لقوله كما في سير األعالم (« :)29|10ما ناظرت أحدا ً على الغلبة ،إال على الحق عندي» .لكن لربما أراد بعض فقهاء
الشافعية المتأخرين فتوى بجواز الكذب على خصومهم ،ف أرادوا نسبة ذلك إليه .وقد تكلم أبو حامد الغزالي عن هذا بما هو خارج عن
موضوعنا.
ثم إن ما ذهب إليه الشافعي قد أجاب عليه اآللوسي في روح المعاني ( )125|2فقال أن هذا «مدفوعٌ بأن اإلمناء –فيما عدا الضمامين – ال
يعد في العرف جماعا ً ووطئاً .وهللا تعالى قد حرم الوطء والجماع في غير موضع الحرث ،ال االستمناء .فحرمة االستمناء بين الساقين
وفي اإلعكان لم تعلم من اآلية ،إال أن يعد ذلك إيتا ًء وجماعاً ،وأنى به؟ وال أظنك في مري ٍة من هذا» .أقول :ومع ذلك فليس في اآلية
وحدها داللة تحريم صريحة .وإنما التحريم يكون بالقياس ،وسيأتي.
واحتج بعض المبيحين بقول هللا تعالى لقوم لوط{ :أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون}
أي من أزواجكم مثل ذلك ،إن كنتم تشتهون .وهذا استنتاج ضعيف كما هو ظاهر ،إذ يمكن عكسه! ولم يثبت مثل هذا التفسير عن أحد من
الصحابة.
وأخرج الخطيب والطحاوي وكذلك ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن ابن عبد الحكم (ثقة بال خالف) ،و كذلك الحاكم في مناقب
الشافعي عن األصم (ثقة ثبت) كالهما عن الشافعي أنه قال« :لم يصح عن رسول هللا rفي تحريمه وال في تحليله شيء ،والقياس أنه
حالل».
قلت بل إن القيا س يدل عليه ،وقياس الشافعي هذا ليس بشيء .فإن هللا قد حرم هللا الوطء في الفرج أثناء الحيض ألجل األذى .وهذا األذى
هو إما لنجاسة دم الحيض ،وإما للضرر الذي يصيب الرجل والمرأة من ذلك كما ثبت علمياً .فإن دم الحيض قد يدخل بعد القذف إلى
ت وأمراض .فإن كان إتيان الفرج وقت الحيض حراما ً بنص القرآن ألجل النجاسة العارضة ،فما الظن بالدبر الرجل فيسبب له التهابا ٍ
ً
الذي هو موضع النجس واألذى الالزم؟ هذا مع الذريعة القريبة جدا الحاملة على االنتقال من ذلك إلى أدبار المرد ،وممارسة اللواط؟ ال
شك أنه أولى بالتحريم .ولذلك سماه عبد هللا بن عمرو بن العاص tباللوطية الصغرى .وكفى مناديا على خساسته أنه ال يرضى أحد أن
ينسب إليه وال إلمامه تجويز ذلك.
فإن قال أحدهم ،فماذا لو أن الرجل استعمل واقيا ً بحيث يحجب عنه النجاسة؟ قلنا أما في الحائض فهو محرم بال أدنى شك .فإن المرأة
تتضرر من الجماع في ه ذا الوقت ألسباب عضوية ،حيث ال يكون جهازها التناسلي بحالة تسمح بالجماع سواء من القبل أو من الدبر .أما
في الدبر فقد ذكرت بعض الدراسات الطبية ،أن اإلتيان في الدبر يسبب ارتخاء في عضالت الدبر ،وتوسيعا ً له .وهذا يؤدي إلى عدم
التحكم الكامل بهذا المكان ،مما يصل إل ى خروج النجاسة غير اإلرادي ،وما يستتبعه ذلك من قذارات وعدم طهارة .والسبب أن الدبر لم
يُخلق أصالً للعملية الجنسية .لذلك يقول الدكتور محمد البار في كتاب "األمراض الجنسية" (ص« :)371وفي الحاالت التي يتم فيه
الجماع عن طريق الشرج (في الذكور واإلناث) ،فإن القناة الشرجية تلتهب التهابا ً شديدا ً مع وجود إفرازات قيحية دموية يصحبها نزيف
في بعض األحيان .وقد تتحول هذه االلتهابات المزمنة إلى سرطان! (لعل في هذا مبالغة وهللا أعلم) ويكون غشاء القناة الشرجية محتقنا ً
متقرحا ً مليئا ً بالبثور الصديدية الدموية .وتظهر الخراريج ،كما تحدث بواسير بين المستقيم والمهبل أو القناة الشرجية والمهبل» .وعلى
النقيض ،فإن دراسات طبية أخرى ترى أن (حذف).
فإذا كانت الدراسات الطبية األولى هي الصحيحة ،يكون نكاح الدبر محرماً ،حتى مع الواقي ،وإال فحكمه الكراهة .وأما إدخال اإلصبع
فقط (مع الواقي) ،فإذا كان جزءا ً مما نسميه بالمالعبة أو التمهيد للجماع بحيث إنها تحصل على متعتها بعد ذلك عن الطريق الطبيعي،
أمر
فهذا قد ال يعتبر –من الناحية الطبية البحتة – شذوذا ،ويعتبر نوعا من السلوك الجنسي الممهد للعملية الجنسية العادية .ولكننا نقول أنه ٌ
قذر ،ولو كان حالالً.
ٌ
بيان الراجح
والذي يترجح لنا في نهاية هذه البحث بطالن كل األحاديث المرفوعة التي تحرم نكاح الدبر .وثبوت بعض األقوال الموقوفة على بعض
الصحابة .وكذلك ثبوت اإلباحة عن عدد من الصحابة والتابعين واألئمة .وقد بينا أن معنى اآلية في اللغة وكذلك القياس في الشرع يدالن
على أن الكراهة هو القول الصحيح ،وعلى ذلك اتفق غالب العلماء المتأخرون .هذا وهللا أعلم بالصواب.