Professional Documents
Culture Documents
مادة التفسير - المحاضرة1 - تفسير سورة النبأ
مادة التفسير - المحاضرة1 - تفسير سورة النبأ
الحمد لل ،والصالة والسالم على رسول الل وعلى آله وصحبه ومن وااله ،أما بعد.
فضل كتاب اهلل تعالى
ال شك أن أجمل اللحظات التي يعيشها اإلنسان في هذه الحياة؛ هي األوقات التي يعيشها مع كتاب
ٍ
بأوصاف الل سبحانه وتعالى ،هذا القرآن كالم الل سبحانه وتعالى ،الذي وصفه اهلل سبحانه وتعالى
متعددة:
ب فِي ِه ُهدًى لِّلْ ُمتَّ ِقي َن" البقرة.٢:
َاب ََل َريْ َ
ك ال ْ ِكت ُ
.1وصفه بأنه هدى" :ذََٰل ِ َ
َاب مُبِي ٌن يَ ْه ِدي بِ ِه َّ
اهللُ مَ ِن اتَّبَ َع .2ووصفه الل سبحانه وتعالى بأنه نور" :ق َ ْد َجاءَ ُك ْم ِم َن َّ
اهللِ نُو ٌر َو ِكت ٌ
الس ََل ِم" المائدة. ١٥:
ض َوانَهُ ُسبُ َل َّ
ِر ْ
َاب أَنزَلْنَاهُ إِلَيْ َ
ك ُمبَا َر ٌك لِّيَ َّدب َّ ُروا آيَاتِ ِه" ص. ٢٩: كتاب مباركِ " :كت ٌ
ٌ .3ووصفه الل سبحانه وتعالى بأنه
فهذا الكتاب بهذه األوصاف الجميلة ينبغي على المسلم أن يهتم به أبلغ اإلهتمام ،وأن يجعله أولى
أولوياته وأعلى اهتماماته ،ولذلك الل سبحانه وتعالى أنزله علينا من أجل أن نتدبره ،ومن أجل أن نتعلمه،
ومن أجل أن نعلم ما جاء فيه؛ فهو رسالةٌ من الل سبحانه وتعالى إلى عباده.
الرسول ﷺ رغبنا في كثي ٍر من األحاديث الصحيحة ،في تعلم هذا الكتاب وفي مدارسته وفي حفظه،
ولذلك قال رسول الل ﷺَ " :خيْ ُر ُك ْم مَن تَعَلَّ َم ال ُق ْرآ َن وعَلَّ َمه" رواه البخاري ،فالخيرية تكون لهذا اإلنسان الذي
يهتم بكتاب الل سبحانه وتعالى تعل ًما وتعلي ًما.
والرسول ﷺ رغب في ذلك ً
أيضا في الحديث عندما ذكر للصحابة الكرام ،فقال ﷺ لصحابته:
يق" ،مكان في المدينة؛ سوق" ،فَيَأْتِ َي منه" أي يرجع
حا َن ،أ َ ْو إلى ال َع ِق ِ
وم إلى ب ُ ْط َ "أَيُّ ُك ْم يُ ِح ُّ َ
ب أ ْن يَ ْغ ُد َو ُك َّل يَ ٍ
ذلك ،قا َل:
ب َ منه "بنَاقَتَيْ ِن َك ْومَا َويْ ِن" عظيمتين" ،في غي ِر إث ْ ٍمَ ،و ََل ق َ ْط ِع َر ِح ٍم؟" فقالوا :يا َرسو َل اللِ ،ن ُ ِح ُّ
"أَفَل يَ ْغدُو أ َ َح ُد ُك ْم إلى ال َم ْسجِ ِد فَيَعْلَ ُم ،أ َ ْو يَ ْق َرأ ُ آيَتَيْ ِن ِمن ِكت ِ
َاب اهللِ َع َّز َو َج َّلَ ،خيْ ٌر له ِمن نَاقَتَيْ ِنَ ،وث َ ََل ٌ
ث
ثَ ،وأ َ ْرب َ ٌع َخيْ ٌر له ِمن أ َ ْرب َ ٍعَ ،و ِم ْن أ َ ْعدَا ِد ِه َّن ِم َن اإلبِ ِل" رواه مسلم.
َخيْ ٌر له ِمن ث َ ََل ٍ
َاب أَنزَلْنَاهُ
فهذا يدل على فضيلة مدارسة كتاب الل سبحانه وتعالى ،والل سبحانه وتعالى قالِ " :كت ٌ
اب" ص ،٢٩:والل سبحانه وتعالى قال" :أَف َ ََل يَتَ َدب َّ ُرو َن ال ْ ُق ْرآ َن َول َ ْو ك مُبَا َر ٌك لِّيَ َّدب َّ ُروا آيَاتِ ِه َولِيَتَ َذ َّك َر أُولُو ْاْلَلْبَ ِإِلَيْ َ
يرا" النساء ، ٨٢:وقال سبحانه وتعالى" :أَف َ ََل يَتَ َدب َّ ُرو َن ال ْ ُق ْرآ َن أ َ ْم عَلَ َٰى
اهلل ل َ َو َجدُوا فِي ِه ا ْختِ ََلفًا َكثِ ًَكا َن ِم ْن ِعن ْ ِد َغيْ ِر َّ ِ
حري بالمؤمن أن يعطي كتاب اهلل سبحانه وتعالى اهتمامًا بال ًغا من الحفظ ٌ وب أَق ْ َفال ُ َها" محمد ، ٢٤:لذلك قُلُ ٍ
2
تفسير سورة النبأ المحاضرة ()1 مادة التفسير
والمدارسة والتعلم والعمل ،فالبد أن يتبع العلم العمل ،وذلك ألن النبي ﷺ عندما أخبر أن أهل القرآن
هم أهل الل وخاصته ،كما جاء في الحديث الصحيح؛ عن النبي ﷺ أنه قال" :إ َّن َّهللِ أَهْلي َن م َن النَّاس"
وخاصتُهُ" صححه األلباني ،وأهل القرآن ليس هم
َّ القرآن ،أ َ ْه ُل َّ
اهللِ ِ اللِ ،مَن هُم؟" قا َل" :هُم أ َ ْه ُل
قالوا" :يا رسو َل ه
الحفظة فقط ،وإنما أهل القرآن هم الذين يحفظون ويتدبرون ،ويعملون بما جاء في كتاب الل سبحانه
وتعالى ،كما وردت اآلثار في ذلك.
فلذلك ينبغي على المسلم أن يهتم بكتاب الل سبحانه وتعالى ،كما قال عثمان رضي الل عنه" :والل
لو سلمت قلوبنا ما شبعت من كالم ربنا" نعم ،لو سلمت هذه القلوب ال تفتر أبدًا وال تشبع أبدًا من كالم
الل سبحانه وتعالى ،لما فيه من الجمال ،ولما فيه من العطاء ،ولما فيه من الخير والبركة ،التي جعلها الل
سبحانه وتعالى في هذا القرآن العظيم .نبدأ بفضل الل سبحانه وتعالى ،ومنته وعونه وتوفيقه في مدارسة
جزء عم ،وهو الجزء األخير من هذا القرآن الكريم.
لماذا جزء ع ّم؟
كثير منا في أحيانه وأوقاته ،وذلك ألنه اشتمل على قصار
كثير منا في قراءته ،ويردده ٌ
جزء عم يستهله ٌ
قكثير من المسلمين يستهل هذا الجزء وهذه السور في صالته ،في تالوته ،وهو أول السور وهو
ٌ السور،
وتعالى ،يبدأ بحفظ جزء عم
ه كثير من المسلمين ،أكثر من بدأ في حفظ كالم ٰه
الل سبحانه أول جزء يحفظه ٌ
وتعالى عندما رتب القرآن هذا الترتيب الجزئي وترتيب السور ،جعل جزء
ه لسهولته ويسرهٰ .ه
والل سبحانه
وتعالى في التسعة وعشرين جزءًا ،جمع ٰه
الل ه عم هو آخر الترتيب المصحفي ،وبث فيه ما أراده ٰه
الل سبحانه
وتعالى أن يختصرها للمسلم ،فكأن ٰه
الل سبحانه ه فيه أصول اإلسالم ،وقواعد الدين التي أراد ٰه
الل سبحانه
وتعالى في التسعة وعشرين
ه جمع ما تاله في كتاب ٰه
الل سبحانه وتعالى أراد من المسلم أن يستجمع ،وأن يُ ه
ه
ملخص لقواعد الدين ،وأصول اإلسالم التي أرادها ٰه
الل سبحانه ٌ جزءًا في هذا الجزء الكريم ،فكأنه
وتعالى في كتابه الكريم.
ه
لى وعونه في مدارسة هذه السور العظيمة. نبدأ بتوفيق ٰه
الل سبحانه وتعا ه
3
تفسير سورة النبأ المحاضرة ()1 مادة التفسير
سورة النبأ
معنى اَلستعاذة والبسملة
يم * ال َّ ِذي
الر ِحي ِمَ " :ع َّم يَت ََساءَلُو َن * َع ِن النَّبَ ِإ ال ْ َع ِظ ِ بالل من الشيطان الرجيم ،بِ ْس ِم ه
اللِ ه
الر ْح َهم ِن ه أعوذ ٰه
4
تفسير سورة النبأ المحاضرة ()1 مادة التفسير
ال يحق لهم أن يختلفوا فيه ،وأن يسألوا عنه؛ ألنه نبأ عظيم بيِّن واضح لكل من أراد أن يتذكر ،أراد
الهداية.
وتعالى
ه ختَلِ ُفو َن" وجاء هذا الجواب في صورة الجملة اإلسمية ،لم يقل ٰه
الل سبحانه "ال َّ ِذي ُه ْم فِي ِه مُ ْ
الذي يختلفون فيه ،وإنما قال" :ال َّ ِذي ُه ْم فِي ِه مُ ْ
ختَلِ ُفو َن" فجاء بهذا السياق ،أي سياق الجملة اإلسمية الذي
على اَلستمرار والتمادي ،والغلو في هذا االختالف ،كأنه شىء طبع في نفوسهم وتمادوا في غيهم.
يدل َٰ
يم * ال َّ ِذي ُه ْم فِي ِه مُ ْ
ختَلِ ُفو َن" يختلفون في هذا النبأ العظيم ،الذي هو يوم " َع َّم يَت ََساءَلُو َن * َع ِن النَّبَ ِإ ال ْ َع ِظ ِ
القيامة ،الذي هو البعث ،يختلفون فيه بين مصدٰقٍ ومُك ٰذب ،وقيل" :النَّبَ ِإ ال ْ َع ِظ ِ
يم" :هو محمد ﷺ؛
فاختلفوا فيه بين مك ٰذب ومصدٰق ،من قال هو ساحر ،من قال هو مجنون.
يم" هو القرآن؛ "ق ُ ْل ُه َو نَبَأ ٌ َع ِظي ٌم ،أَنتُ ْم َعنْهُ ُم ْع ِر ُ
ضو َن" ص ،68-67:بين من اتهم أن القرآن وقيل" :النَّبَ ِإ ال ْ َع ِظ ِ
هذا أساطير األولين ،أو أن الرسول ﷺ تعلمه من بشر ،لكن أكثر المفسرين على أن "النَّبَ ِإ ال ْ َع ِظ ِ
يم" -
وذلك لداللة السياق -أنه البعث ،وهو يوم القيامة والنشور والقيام إلى الل سبحانه وتعالى للحساب.
ختَلِ ُفو َنَ ،ك ََّل َسيَعْلَ ُمو َن ،ث ُ َّم َك ََّل َسيَ ْعلَ ُمو َنَ " ،ك ََّل" أداة زجر
يم ،ال َّ ِذي ُه ْم فِي ِه مُ ْ
" َع َّم يَت ََساءَلُو َنَ ،ع ِن النَّبَ ِإ ال ْ َع ِظ ِ
"سيَعْلَ ُمو َن" حقيقة هذا التكذيب،
"سيَعْلَ ُمو َن" عاقبة تكذيبهمَ ،
ونهي ،وتدل على الوعيد والتهديدَ ،
"سيَعْلَ ُمو َن" صدق ما جاء به من اإلخبار بالبعث والقيامة والنشور.
"سيَعْلَ ُمو َن" كذلك صدق النبي ﷺ ،و َ
و َ
" َك ََّل َسيَعْلَ ُمو َن ،ث ُ َّم َك ََّل َسيَعْلَ ُمو َن".
بعض العلماء قال :أن هذا التكرار للتأكيد ،ولكن في الحقيقة "ث ُ َّم" حرف عطف يفيد الترتيب
والتراخي والمغايرة ،لو أراد الل سبحانه وتعالى التأكيد لقالَ " :ك هال َسيَعْلَ ُمو َن * َك هال َسيَعْلَ ُمو َن" ،وإنما
قالَ " :ك ََّل َسيَعْلَ ُمو َن ،ث ُ َّم َك ََّل َسيَعْلَ ُمو َن" ،فهناك مغايرة بين العلم األول والعلم الثاني .قال العلماءَ " :ك ََّل
"سيَعْلَ ُمو َن" أن يوم القيامة حق،
"سيَعْلَ ُمو َن" صدق النبي ﷺ ،و َ
َسيَعْلَ ُمو َن" عند وفاتهم ،عند نزع أرواحهمَ ،
كثير في القرآن الكريم؛ أن اإلنسان عندما تأتيه مالئكة الموت يعلم علم
وأن البعث والنشور حق ،وهذا ٌ
اليقين بأن الل سبحانه وتعالى حق ،وأن القيامة حق ،وأن الرسول ﷺ حق " َحت ََّٰى إِذَا َجاءَ أ َ َح َد ُه ُم ال ْ َم ْو ُ
ت
ت َك ََّل إِن َّ َها َكلِ َمةٌ ُه َو قَائِلُ َها َو ِمن َو َرائِ ِهم ب َ ْر َز ٌخ إِل َ َٰى يَ ْو ِم
حا فِي َما ت َ َر ْك ُ ُون * لَعَلِّي أ َ ْع َم ُل َ
صا ل ِ ً قَا َل َر ِّ
ب ا ْرجِ ع ِ
يُبْ َعثُو َن" المؤمنون ،100 _99:ألنه يعلم علم اليقين.
5
تفسير سورة النبأ المحاضرة ()1 مادة التفسير
عباده بهذه النعم ،وهذه اآليات الكونية العظيمة؛ التي ينبغي على كل عاقل عندما يتأمل فيها يعلم أن الل
سبحانه وتعالى هو المتفضل ،وأنها تن ُ ُم وتدل على حكمة الل وعلى قدرته البالغة الذي أنعم عليكم بهذه
النعم ،والذي منحكم هذه النعم ،والذي أحكم هذا اإلحكام وأتقن هذا اإلتقان ،أليس هو بقاد ٍر على أن
يبعثكم بعد موتكم؟!
جع َِل ْاْل َ ْرضَ ِم َهادًا" أي أما أنعمنا عليكم بهذه النعم الجليلة؟ فجعلنا
فقال الل سبحانه وتعالى" :أَل َ ْم ن َ ْ
لكم األرض مهادًا؛ أي ممهدة مذللة لكم ولمصالحكم ،كالمهد يكون للطفل الصغير ،يكون مرتب
وممهد ومذلل ومناسب لهذا الطفل.
فالل سبحانه وتعالى جعل هذه األرض " ِم َهادًا" أي مذللة لنا ،بسطها الل سبحانه وتعالى ،أودع فيها
جع َِل ْاْل َ ْرضَ ِم َهادًا * َوالْجِ بَا َل أ َ ْوتَادًا" ،هذه نعمة
من المنافع سبحانه وتعالى ما ينتفع به اإلنسان "أَل َ ْم ن َ ْ
عظيمة ،أن الل سبحانه وتعالى جعل الجبال أوتاد لهذه األرض ،لئال تميد ولئال تضطرب ،نحن نسير على
هذه األرض ونمشي عليها وهي مستقرة ،وال نستشعر بهذه النعمة العظيمة من الل سبحانه وتعالى.
6
تفسير سورة النبأ المحاضرة ()1 مادة التفسير
الل سبحانه وتعالى أودع في هذه األرض هذه الجبال التي جعلها أوتاد ،األوتاد جمع "وتد" ،والوتد هو ما
تثبت به الخيمة ،بيوت العرب من الخيام ،تكون لها أعمدة لكن البد لها من أوتاد يثبتون بها هذه الخيام
حتى ال تطير ،وحتى ال تضطرب مع وجود الريح ،فالل سبحانه وتعالى جعل لنا هذه الجبال أوتاد ،أي
كاألوتاد ،وهذا تشبيهٌ بليغ فعندما حذف الل سبحانه وتعالى أداة التشبيه فلم يقل الجبال كاألوتاد؛ وإنما
قال الل سبحانه وتعالىَ " :والْجِ بَا َل أ َ ْوتَادًا" ،فهذا تشبيه بليغ ،الجبال أوتاد لهذه األرض ،تثبت األرض لئال
تميد.
جنس واحد ليسكن كل واح ٍد إلى اآلخر ،فتكون الحياة
ٍ " َو َخلَ ْقن َا ُك ْم أ َ ْز َوا ًجا" :أي ذكورا وإناثا ،من
التي ملؤها الرحمة ،والمودة بين الزوجين وتنشأ الذرية ،وهذا امتنان من الل سبحانه وتعالى ،عندما جعل
الل سبحانه وتعالى لنا أزواج ،فهذه ِمنهة وآية من الل سبحانه وتعالى.
نعمة النوم
" َو َجعَلْنَا ن َ ْو َم ُك ْم ُسبَاتًا" ،أي راحة لكم وقط ًعا ْلشغالكم ،وهذه والل من أعظم النعم ،التي يُنعم الل
وكثير منا ال يستشعر بهذه
ٌ سبحانه وتعالى بها على اإلنسان تستوجب الشكر واالمتنان لل سبحانه وتعالى،
النعمة ،النوم نعمة عظيمة ،ال يدرك قيمة هذه النعمة إال من ُحرم ،من ابتلي باألرق وهو عدم النوم ،هناك
بعض الناس يأتي ويقول :أنا سوف أجن ،سيطير عقلي من قلة النوم ،سبحان الل العظيم.
الل سبحانه وتعالى جعل هذا النوم راحةً لهذه األبدان ،وجعل هذا النوم قطعًا لالنشغاالت حتى
يستعيد اإلنسان قواه ،عندما يبذل اإلنسان ويسعى في األرض ويعمل ،يصيبه الفتور ،ويصيبه الوهن
والتعب ،فعندما يدخل في النوم -سبحان الل العظيم -يقوم ويكأن لم يكن قد تعب قبل ذلك ،يعود بعد
حا مستجمعًا لقواه ،حتى يُعَاود العمل مرةً أخرى؛ نعمة عظيمة.
نومه مستري ً
ولذلك شرع لنا الرسول ﷺ حينما يستيقظ اإلنسان من نومه ،أن يقول" :الحمد هلل" ،يشكر الل
أموت وأحيا ،الحم ُد هلل الذي أحيانا بعد ما أماتَنا وإليه النُّشو ُر" صححه األلباني،
ُ سبحانه وتعالى" ،باسمك اهللُ
يشكر الل ويحمد الل سبحانه وتعالى على هذه النعمة العظيمة ،النوم نعمة جليلة؛ ينبغي على اإلنسان أن
يستشعرها وأن يستحضرها وأن يشكر الل سبحانه وتعالى عليها.
بالفعل مرض األرق وقلة النوم أمر صعب جدًا ،يعاني منه بعض الناس ،يكاد يُجن اإلنسان إذا لم
يرزقه الل ويمتن عليه بالنوم ،نعمة عظيمة تستوجب الشكر ،لذلك قال الل سبحانه وتعالىَ " :و َجعَلْنَا
7
تفسير سورة النبأ المحاضرة ()1 مادة التفسير
ن َ ْومَ ُك ْم ُسبَاتًا" أي راحةً لكم ،وقطعًا ألشغالكم التي متى تمادت بكم واستمرت؛ أضرت بأبدانكم فجعل
الل سبحانه وتعالى الليل والنوم يغشى الناس ،لتسكن حركاتهم الضارة وتحصل راحتهم التامة.
نعمة الليل والنهار
8
تفسير سورة النبأ المحاضرة ()1 مادة التفسير
ما أحوج اإلنسان أن يتأمل في هذه السماء ،هو خلق واحد من خلق ٰه
الل سبحانه وتعالى ،هذه
السماوات العظيمة حتى اآلن وحتى قيام الساعة ،ال يستطيع اإلنسان مهما تقدم بعلمه ال يستطيع أن
يحيط بهذا المخلوق ،ال يستطيع اإلنسان أن ينتهي إلى أطراف السماوات ،إلى أين تنتهي؟ وكيف تكون؟
الل سبحانه وتعالى ،وهذا خل ٌق واح ٌد من خلق ٰه
الل سبحانه وتعالى ،فما بالكم بالخالق ال يعلم ذلك إال ٰه
خ ِر َج بِ ِه َحبًّا َونَبَاتًا" لنخرج بهذا الماء الحبوب ،كالبر والشعير ،والذرة واألرز ،وغير ذلك مما
"لِن ُ ْ
يأكله اإلنسان ،ونباتًا يشمل جميع النباتات التي ينتفع بها اإلنسان ،وكذلك تكون عشبًا للحيوان.
ات أَل ْ َفافًا" جمع جنة وهي البستان :جنات ،بساتين؛ "أَل ْ َفافًا" :ملتفة ،مجتمعة
خ ِر َج بِ ِه َحبًّا َونَبَاتًا * َو َجن َّ ٍ
"لِن ُ ْ
فيها جميع أصناف الفواكه اللذيذة ،فالذي أنعم بهذه النعم العظيمة الجليلة ،التي ال يقدر قدرها ،وال
9
تفسير سورة النبأ المحاضرة ()1 مادة التفسير
يحصي عددها أحدٌ ،كيف تكفرون به؟! وكيف تعرضون عن آياته؟! وكيف ال تشكرونه سبحانه
ه
وتعالى؟! كيف تتعنتون وتكذبون البعث والنشور؟! ٰه
والل سبحانه وتعالى الذي خلق هذه اآليات ،وأنعم
على إعادتكم للحساب والجزاء يوم القيامة.
على بعثكم ،وقاد ٌر ه
بهذه النعم قاد ٌر ه
يوم القيامة
الصو ِر فَتَأْتُو َن أَف ْ َوا ًجا الل سبحانه وتعالى بعد ذلك" :إِ َّن يَ ْومَ ال ْ َف ْ
ص ِل َكا َن ِمي َقاتًا * يَ ْومَ يُن ْ َف ُخ فِي ُّ ثم قال ٰه
كانت كالسراب يراه اإلنسان ماء وما هو بماء ،فكذلك اإلنسان يرى وينظر إلى الجبال كأنها شيء،
وليست بشيءٰ ،ه
الل سبحانه وتعالى ينسفها نس ًفا ،يجعلها هباءً منثو ًرا.
10
تفسير سورة النبأ المحاضرة ()1 مادة التفسير
عاقبة الطاغين
ت ِم ْر َ
صادًا" ،الرصد هو :الترقب واَلستعداد ،فجهنم مترقبة ت الْجِ بَا ُل ف َ َكان َ ْ
ت َس َرابًا * إِ َّن َج َهن َّ َم َكان َ ْ " َو ُسيِّ َر ِ
ومعدة لهؤالء المشركين ،ينبغي علينا عندما نسمع ذلك؛ أن يلجأ المسلم إلى ربه ،ويستعيذ من جهنم،
لذلك شرع لنا رسولنا ﷺ اَلستعاذة من عذاب جهنم في دبر كل صَلة بعد التشهد ،يستعيذ المسلم من
جهنم.
"إِ َّن َج َهن َّ َم َكان َ ْ
ت ِم ْر َ
صادًا" مرصدة ترقب المشركين ،ومعدة لهم تنتظر متى تلتهمهم وتلتقمهم؟ نعوذ
ً
ومآال لهؤالء الطاغين ،الطغيان: صادًا * لِل َّطا ِغي َن مَآَبًا" مآبًا :أي مرجعًا ٰه
بالل من جهنم" ،إِ َّن َج َهن َّ َم َكان َ ْ
ت ِم ْر َ
من طغى أي جاوز الحد ،فالطغاة هم من جاوزوا حد العبودية ،فعلوا ما حرم ٰه
الل سبحانه وتعالى ،وتركوا
الل سبحانه وتعالى ،جاوزوا حدود العبودية ٰهلل سبحانه وتعالى ،فلذلك هم طغاة.
ما أوجب ٰه
فيها أحقابًا ،أحقابًا جمع " ُحقب" بالضم ،أما " ِحقب" بالكسر جمعها ِح َقب ،الحقب عند أكثر أهل التفسير
"َلبِثِي َن فِي َها أ َ ْح َقابًا" كلما انتهى
حقب بالضم جمعه أحقاب ًاَ ، ِ
والحقب بالكسر هو سنة ،ال ُ هو ثمانين سنة،
حقب أتى آخر ،أي ال يخرجون منها أب ًدا ،بعض األفاضل فهم من هذه اآلية وما شابهها أن النار تنتهي في
يوم من األيام وتفنى ،وهذا يعني قول ضعيف ،خالف به جماهير أهل السنة ،عامة أهل السنة على أن النار
َل تفنى أبداً ،وأن المشركين والكافرين خالدين مخلدين فيها.
"َلبِثِي َن فِي َها أ َ ْح َقابًا" قال العلماء فيهاَ :لبثين أي أحقاباً َل تنتهي ،كلما مضى حقب أتى آخر ،هذا
َ
"َلبِثِي َن فِي َها أ َ ْح َقابًا * ََل يَ ُذوقُو َن فِي َها ب َ ْردًا َو ََل َش َرابًا" بمعنى أن
قول ،وقو ٌل آخر :أنها متعلقة بما بعدهاَ ،
هناك أحقاب متعددة في النار ال يذوقون فيها بردًا ،فإذا انتهت هذه األحقاب ،يأتي نوع أخر ،ولون أخر
من ألوان العذاب ،فهم يلبثون ويمكثون في النار أحقاب ًا متعددة ،بهذا الشكل وبهذا اللون من العذابَ ،
"َل
يَ ُذوقُو َن فِي َها ب َ ْردًا َو ََل َش َرابًا".
"َلبِثِي َن فِي َها أ َ ْح َقابًا * ََل يَ ُذوقُو َن فِي َها ب َ ْردًا َو ََل َش َرابًا" ال يذوقون فيها بردًا ،البرد :ما يبرد جلودهم ،وما
َ
يدفع ظمأهم ،وال يجدون فيها بردًا أي رو ًحا ،راحة ،ليس لهم فيها راحة ،ال يجدون فيها "ب َ ْردًا" أي ليس
فيها نو ًما كما قال بعض العلماء ،ألن البرد بمعنى النوم ،كما يقال" :أذهب البردُ البردَ" أي اذهب البرد
11
تفسير سورة النبأ المحاضرة ()1 مادة التفسير
النوم ،فالكفار ال ينامون في النار وال يستريحون وال يجدون ما يبرد جلودهم ،نسأل الل سبحانه وتعالى
العفو والعافية.
" ََل يَ ُذوقُو َن فِي َها ب َ ْردًا َو ََل َش َرابًا * إ ََِّل َح ِمي ًما َو َغ َّساقًا" الحميم :هو الماء الحار ،الذي يشوي البطون،
نسأل الل سبحانه وتعالى العفو والعافية ،والغساق :هو صديد أهل النار ،الذي هو في غاية النتن
والكراهة ،هذا هو شرابهم.
"َل يَ ُذوقُو َن فِي َها ب َ ْردًا َو ََل َش َرابًا * إ ََِّل َح ِمي ًما َو َغ َّساقًا" هذه العقوبات وهذا الجزاء " َجزَاءً ِوفَاقًا" أي
َ
مواف ًقا ْلعمالهم ،هذا الجزاء وفاق ًا لهم على ما عملوا من األعمال ،من الشرك والظلم والفجور والكفر
والعصيان.
اهلل سبحانه وتعالى هو أعدل العادلين ،اهلل سبحانه وتعالى هو أحكم الحاكمين ،اهلل سبحانه وتعالى َل
يظلم الناس شيئًا ،ولكن الناس أنفسهم يظلمون ،الل سبحانه وتعالى جعل هذا الجزاء وفاقًا أي موافق
ألعمالهم ،وهذا من رحمته ،وهذا من عدله سبحانه وتعالى وحكمته أنه يجزي على الحسنة بعشر
أمثالها ،وال يجزي على السيئة إال بمثلها ،فضل وعدل من الل سبحانه وتعالى ،فالل سبحانه وتعالى ال
يظلم مثقال ذرة ،ال يظلم مثقال ذرة.
" َجزَاءً ِوفَاقًا" أي هذا العذاب وهذا الجزاء موافق تمامًا ألعمالهم ،التي عملوها في هذه الحياة" ،إِن َّ ُه ْم
َكانُوا ََل يَ ْر ُجو َن ِح َسابًا" ال يخافون من الحساب ،ال يخافون يوم القيامة ،ال يؤمنون بالبعث وال أن الل
سبحانه وتعالى سيجازي الخلق بالخير والشر ،فلذلك أهملوا العمل لآلخرة ،وهذا هو حال كثير من
الناس؛ عندما يغفل اإلنسان عن الحساب وعن البعث والنشور ،عندما يغفل اإلنسان عن الموت وعن
القبر ،عن الجنة وعن النار ،فإنه يبعد عن ربه سبحانه وتعالى ،ويسهل عليه فعل الذنوب والمعاصي ،لكن
كلما علم اإلنسان وكلما تيقن اإلنسان ،وأيقن أن هناك جزاء ،وأن هناك حساب ،وأن هناك جنة و نار،
فإنه يكون دائم الوصال مع الل سبحانه وتعالى ،دائم االنقياد ألوامر الل سبحانه وتعالى ،دائم الخوف من
الل سبحانه وتعالى" ،إِن َّ ُه ْم" هؤالء " َكانُوا ََل يَ ْر ُجو َن ِح َسابًا".
" َو َك َّذبُوا بِآيَاتِنَا ِك َّذابًا" كذبوا بهذه اآليات ،هذه المعجزات التي أتى بها رسل الل سبحانه وتعالى،
حا ،جاءتهم البينات واآليات والمعجزات فعاندوها" ،وكل شي ٍء
حا صري ً
كذبوا بها تكذيبًا شدي ًدا واض ً
12
تفسير سورة النبأ المحاضرة ()1 مادة التفسير
أحصيناهُ ِكتابًا" كل شيء من قليل وكثير ،من خير وشر ،حتى الكلمة يحصيها الل سبحانه وتعالى" ،وكل
رقيب عتيد" ق.١٨.:
ٌ شي ٍء أحصيناه كتابًا"" ،ما يلفظ من ٍ
قول إَل لديه
"كل شي ٍء أحصيناهُ ِكتابا" أي مكتوبًا ،قيل :مكتوب في اللوح المحفوظ ،كل شيء أحصاه الل سبحانه
وتعالى في اللوح المحفوظ ،في هذا الكتاب ،وقيل" :وكل شي ٍء أحصيناه كتابًا" أي تكتبه المَلئكة ،كل
شي ٍء يفعله اإلنسان أو يقوله ،ذهابه ومجيئه ،أقواله ،أفعاله ،تُحصيها عليك أيها المسلم مالئكة الل
سبحانه وتعالى الكرام الكاتبين ،حتى إذا ما جئت يوم القيامة ووقفت أمام الل سبحانه وتعالى ،الل
سبحانه وتعالى يأمرك أن تأخذ هذا الكتاب ،وتقرأ ما جاء فيه كما قال الل سبحانه وتعالى" :و ُو ِض َع
الكتاب َل يُغاد ُر صغيرةً وَل كبيرةً إَل
ِ َاب فَترى ال ُمجرمي َن مُش ِفقي َن ِمما في ِه ويقولو َن يا ويْلَتَنَا ِ
مال هذا ِ
الكت ُ
اضرا وَل يَظل ُم رب ُّ َ َ
ك أحدًا" الكهف .٤٩:انظر عبد الل ماذا ستجعل في هذا أحصاها وو َجدوا ما َع ِملوا َح ً
الكتاب؟ ماذا ستجده؟ انظر ماذا تحب أن تجده يوم القيامة من األعمال ،من األقوال ،وأودعه في هذا
يوم ال
الكتاب ،واعلم أن ما تفعله من شر سواء فعل أو قول ستجده يوم القيامة ،إياك أن تتحسر وتندم في ٍ
ينفع فيه الندم ،وتقول :يا ليتني ما فعلت كذا ،يا ليتني ما قلت كذا.
"و ُك َّل شي ٍء أَحصيناهُ ِكتابًا فذوقوا فلن نَزيدَكم إَل عَذابًا" هذه اآلية هي أشد اآليات على المشركين،
كما نُقل ذلك عن عبدالل بن عمر وغيره من الصحابة ،هي أشد آية في عذاب الكفار "فذوقوا فلن نزيدكم
اَل عذابًا"ً ،وهي ً
أيضا من اآليات التي تدل على مذهب أهل السنة والجماعة في خلود أهل النار في النار،
إنهم ال يخرجون منها أبدًا ،ألن القول بفناء أهل النار أو بفناء النار هذا يستوجب أنهم لم يزيدوا في
العذاب بل يُخفف ويزول العذاب ،قال الل سبحانه وتعالى" :فذوقوا فلن نَزيدَكم إَل عَذابًا" فهم في
عذاب دائ ٍم متزايد ،نسأل الل سبحانه وتعالى العفو والعافية.
ٍ
عاقبة المتقين
وكأسا ِدهاقًا *
ً واعب أَترابًا *
َ ثم ذكر الل سبحانه وتعالى" :إ َّن لِلْ ُمتَّ ِقي َن مَفا ًزا * حدائ َق وأعنابًا * و َك
َل يَسمعو َن فيها ل َ ْغ ًوا وَل ِك َّذابًا * َجزَاءً ِم ْن َرب ِّ َ
ك َع َطاءً ِح َسابًا" النبأ ،٣٦-٣١:لما ذكر الل سبحانه وتعالى حال
المجرمين ،ذكر مآل المتقين ،فقال سبحانه وتعالى" :إ َّن لِلْ ُمتَّ ِقي َن مَفا ًزا" المتقون :الذين اتقوا غضب اهلل
سبحانه وتعالى وسخطه ،الذين جعلوا بينهم وبين عذاب اهلل وقاية ،الذين ائتمروا بما أمر اهلل وانتهوا عما
نهى اهلل سبحانه وتعالى ،الذين يعملون بطاعة الل على نو ٍر من الل ،يرجون ثواب الل وينتهون عن معصية
13
تفسير سورة النبأ المحاضرة ()1 مادة التفسير
الل على نو ٍر من الل ،يخافون عقاب الل سبحانه وتعالي ،هؤالء الذين أُعدت لهم الجنة "تلك الجنةُ التي
مريم. ٦٣: ث ِمن عبادنا مَن كا َن تَقيًا"
نُو ِر ُ
"إ َّن للمتقي َن مَفا ًزا" لهم فوز لهم مفازا ،لما ذكر الل حال المجرمين ذكر مآل المتقين ،فقال" :إ َّن
للمتقي َن مَفا ًزا" الذين اتقوا سخط ربهم بالتمسك بطاعته واالنكفاف عن معصيته ،لهم "مَفا ًزا" فوز عظيم
جا وبُعد عن النار ،وفي هذا المفاز لهم "حدائ َق وأعناب ًا" الحدائق هي البساتين الجا ِمعَة ألصناف
ومن ً
وخص من هذه األشجار األعناب ،خص العنب لشرفه وكثرته في هذه
ه األشجار الزاهية واألنهار،
الحدائق ،ولما فيها من النفع الذي ينتفع به ِمن الزبيب واألكل الطيب ونحو ذلك" ،حدائ َق وأعنابًا" تنفجر
خالل هذه البساتين األنهار.
واعب أَترابًا" ،كواعب جمع "كاعب" ،وهن النواهد،
َ ثم قال سبحانه وتعالى" :حدائ َق وأعنابًا * و َك
التي لم تنكسر ثديهن ،لنضارتهن وشبابهن وقوتهن ،أترابًا أي في س ٍن واحدة ،ومن عادة األتراب أنهن
يكن متآلفات ،متحابات ،مقتربات بعضهن من بعض ،في سن واحدة ،وأكثر العلماء على أنه هو سن
وكأسا دهاقًا" كأس خمر" ،دهاقًا" مملوءة مترعة من الرحيق ومن
ً "وكواعب أترابًا
َ الثالث وثالثين سنة.
الشراب اللذيذَ" ،ل يَسمعو َن فيها ل َ ْغ ًوا وَل ِك َّذابًا" ال يسمعون فيها اللغو ،هو الكالم الباطل" ،وَل كذابًا" ال
الواقعه إثم ،ليس فيها إثم كما قال سبحانه وتعالىََ " :ل يَ ْس َمعُو َن فِي َها ل َ ْغ ًوا َو ََل تَأْثِي ًما * إ ََِّل قِ ً
يَل َس ََلمًا َس ََلمًا"
.25:٢٦
الجنة ليس فيها شيء يضر اإلنسان ،حتى األمور المعنوية ،وهذا إشارة على أن اإلنسان عندما
يصاحب أهل الباطل وأهل الفجور الذين يكثرون من السب والشتم والقذف هذا والل عذاب ،هذا عذاب
لإلنسان ،عذاب معنوي ،لذلك كان من نعيم أهل الجنة "َل يَسمعو َن فيها ل َ ْغ ًوا وَل ِك َّذابًا" هذا " َجزَاءً ِم ْن
ك َع َطاءً ِح َسابًا".
َرب ِّ َ
ك َع َطاءً ِح َسابًا"
الل عز وجل أعطاهم هذا الشراب الجزيل وهذا الفضل وهذا اإلحسان " َجزَاءً ِم ْن َرب ِّ َ
أي بسبب أعمالهم التي وفقهم الل سبحانه وتعالى لها ،عطاءً كافيا كما يقال :أعطاني فأحسبني ،أي
اهللُ" اإلنفال ،62:أي كافيك اللَ "،ع َطاءً ِح َسابًا" أي كافيا ،ال يتطلعون إلى شي ٍء
ك َّأعطاني فأكفاني" ،ف َ ِإ َّن َح ْسبَ َ
بعده.
14
تفسير سورة النبأ المحاضرة ()1 مادة التفسير
ات َو ْاْل َ ْر ِ
ض" سبحانه وتعالى الذي خلقها ودبرها سبحانه وتعالى، الس َما َو ِ
ب َّرب السماوات واألرضَّ " ،ر ِّ
الر ْح ََٰم ِن" الذي رحمته وسعت كل شيء ،ونالحظ أن هذا االسم تكرر في هذه السورة ،تكرر مرتين ،الل
" َّ
سبحانه وتعالى هو الرحمن؛ الذي رحم عباده والرحمة العامة ،وهو بعباده المؤمنين رحيم ،الرحمة
الخاصة سبحانه وتعالى.
ومن دالئل رحمته التي ذكرها الل سبحانه وتعالى في أول السورة أنه جعل لنا األرض مهادا والجبال
ً
معاشا ،هذا كله والل من رحمة الل سبحانه لباسا والنهار
أوتادًا ،والل سبحانه وتعالى جعل لنا الليل ً
وتعالى بعباده ،الرحمن الذي رحمته وسعت كل شيء ،فرباهم ورحمهم ولطف بهم سبحانه وتعالى
حتى أدركوا ما أدركوا.
عظمة اهلل وملكه يوم القيامة
ثم ذكر الل سبحانه وتعالى عظمته وملكه العظيم يوم القيامة ،وأن جميع الخلق كلهم ساكتون في هذا
َ
اليوم ال يتكلمون" ،إ ََِّل مَ ْن أ ِذ َن لَهُ َّ
الر ْح ََٰم ُن َوقَا َل َ
ص َوابًا" َل يتكلم أحد إَل بهذين الشرطين ،يأذن له اهلل
سبحانه وتعالى ،ويكون ما يقول صواب حق ليس فيه باطل.
ك الْيَ ْومُ ال ْ َ
ح ُّق" هذا اليوم يوم يقوم الروح ك الْيَ ْومُ ال ْ َ
حقُّ" الذي َل مرية فيه ،ال يروج فيه الباطل" ،ذََٰل ِ َ "ذََٰل ِ َ
وهو جبريل عليه السالم والمالئكة -عموم المالئكة – ص ًفا ،خاضعين ذليلين لل سبحانه وتعالى ،وهذا
يدل على عظمة الل ،وعلى عظمة هذا اليوم.
اَلستعداد لآلخرة
َ
ص ًّفا ََّل يَتَ َكلَّ ُمو َن إ ََِّل مَ ْن أ ِذ َن لَهُ َّ
الر ْح ََٰم ُن وح َوال ْ َم ََلئِ َكةُ َ فلما رغب الل سبحانه وتعالى" :يَ ْومَ يَ ُقومُ ُّ
الر ُ
حا ،مرجعًا خ َذ إِل َ َٰى َرب ِّ ِه َمآبًا" فمن شاء اتخذ إلى ربه ً
عمال صال ً ك الْيَ ْو ُم ال ْ َ
ح ُّق ف َ َمن َشاءَ ات َّ َ ص َوابًا * ذََٰل ِ َ
َوقَا َل َ
15
تفسير سورة النبأ المحاضرة ()1 مادة التفسير
ً
سبيال وطري ًقا يوصله إلى الل ،يرضى الل سبحانه وتعالى به يرجع به إلى الل سبحانه وتعالى ،اتخذ إلى ربه
عنه.
"ف َ َمن َشاءَ" هذا دلي ٌل على أن العبد له مشيئة وله إرادة بها يقع فعله ،وهذا َل ينافي مشيئة اهلل سبحانه
وتعالى الشاملة ،كما قال الل سبحانه وتعالى" :ل ِ َم ْن َشاءَ ِمن ْ ُك ْم أ َ ْن يَ ْستَ ِقي َم * َومَا ت َ َشاءُو َن إَِل أ َ ْن يَ َشاءَ َّ
اهللُ
ب الْعَال َ ِمي َن" التكوير ،٢٩-٢٨:فأنت لك إرادة ولك مشيئة بها يقع فعلك ،لذلك تحاسب عن هذه األفعال يوم َر ُّ
القيامة.
خ َذ إِل َ َٰى َرب ِّ ِه مَآبًا" ألن كل ما هو ٍ
آت قريب ،فالل سبحانه وتعالى أنذرنا "ف َ َمن َشاءَ" منكم" ،ف َ َمن َشاءَ ات َّ َ
وخوفنا وحذرنا من يوم القيامة" ،إِنَّآ أَن َذ ْرنَا ُك ْم َع َذاباً ق َ ِريباً" ،كما قال الل سبحانه وتعالى" :اقْت ََر َ
ب لِلن ّ ِ
اس
آت قريب ،فيوم القيامة ضو َن" األنبياء ١:وقال" :أَت َ َٰى أ َ ْم ُر َّ ِ
اهلل" النحل ، 1:فكل ما هو ٍ ِح َساب ُ ُه ْم َو ُه ْم فِي َغ ْفلَ ٍة ّم ْع ِر ُ
قريب ،لذلك قال الناظم:
يا من بدنيــاه انشغــــل وغـــــــــــــــره طــــول األمــل
المــــــــــــــــوت يأتـــي بغتـــــة والقبر صندوق العمــــل
ت يَدَاهُ َويَ ُقو ُل ال ْ َكافِ ُر يَا
الل سبحانه وتعالى أنذرنا هذا العذابَ " :ع َذاب ًا ق َ ِريبًا * يَ ْو َم يَن ُظ ُر ال ْ َم ْرءُ َما ق َ َّد َم ْ
لَيْتَني ُك ُ
نت ت ُ َراب ًا" ينظر المرء ويرى ما قدمت يداه ،هذا الذي يهمه ويفزعه ،ينظر في هذه الدار اإلنسان ماذا
قدم لهذا اليوم؛ ليوم المعاد؟ "يَ ْو َم يَن ُظ ُر ال ْ َم ْرءُ َما ق َ َّد َم ْ
ت يَدَاهُ" فانظر يا عبد الل ماذا قدمت لهذا اليوم؟
اهللَ إِ َّن َّ
اهللَ ت ل ِ َغ ٍد َوات َّ ُقوا َّ
س مَّا ق َ َّدمَ ْ لذلك قال الل سبحانه وتعالى" :يَا أَيُّ َها ال َّ ِذي َن آمَنُوا ات َّ ُقوا َّ
اهللَ َولْتَن ُظ ْر ن َ ْف ٌ
الحشر. ١٨: ير بِ َما ت َ ْع َملُو َن"
َخبِ ٌ
" َويَ ُقو ُل ال ْ َكافِ ُر يَا لَيْتَني ُك ُ
نت ت ُ َراب ًا" يتمنى الكافر يوم القيامة أن يكون ترابًا ،ألن الل سبحانه وتعالى
كما جاء في الحديث الصحيح ،يقضي بين البهائم ،فيقاد للشاه الجماء من الشاة القرناء ،ثم يأمرهم الل
سبحانه وتعالى أن يكونوا تراب ًا ،فيتمنى الكافر أن يكون كالبهائم ،لذلك يقول" :يَا لَيْتَني ُك ُ
نت ت ُ َرابًا" .
ينبغي للمسلم أن يعمل لهذا اليوم ،وينظر ما قدمت يداه ،ويحذر أشد الحذر من الندم في هذا اليوم
الذي َل ينفع فيه الندم.
تم بفضل الل سبحانه وتعالى تفسير سورة النبأ والل سبحانه وتعالى الموفق ،أقول قولي هذا ،واستغفر الل
خيرا.
لي ولكم ،وجزاكم الل ً
16