You are on page 1of 17

‫المحاضرة (‪)6‬‬

‫مادة الفقه‬

‫الفهرس‬

‫‪4‬‬ ‫أقسام النجاسات‬

‫‪5‬‬ ‫النجاسات‬

‫‪5‬‬ ‫‪ .1‬نجاسة بَول اآلدمي‪ ،‬وعَذرة األدمي‬

‫‪6‬‬ ‫‪.2‬بول وغائط الحيوانات غير مأكولة اللحم‬

‫‪7‬‬ ‫‪.3‬قيء اآلدمي‬

‫‪8‬‬ ‫‪ .4‬الدم المسفوح‬

‫‪10‬‬ ‫‪.5‬الميتة‬

‫‪11‬‬ ‫‪ .6‬المذي والودى‬

‫‪12‬‬ ‫‪.7‬دم الحيض‬

‫‪12‬‬ ‫‪.8‬الخمر‬

‫‪15‬‬ ‫كيفية تطهير النجاسة‬

‫‪3‬‬
‫أكاديمية الفرقان‬

‫البــاب الثامــن مــن أبــواب الطهــارة فــي النجاســات‪ ،‬النجاســة كمــا ذكرنــا‬
‫عيـ� ٌن مسـ�تقذرة تمنـ�ع مـ�ن الصـلاة ونحوهـ�ا‪.‬‬
‫أقسام النجاسات‬
‫والنجاســة ثالثــة أقســام‪.١ :‬نجاســة مخففــة‪.٢ ،‬نجاســة متوســطة‪،‬‬
‫‪.٣‬نجاسـ�ة مغلظـ�ة‪.‬‬
‫‪.1‬النجاســة المتوســطة‪ :‬التــي هــي معظــم النجاســات عليهــا‪ ،‬نجاســة‬
‫متوسـ�طة يجـ�ب أن تُغسـ�ل حتـ�ى تـ�زول عيـ�ن النجاسـ�ة ويذهـ�ب أثر النجاسـ�ة‪،‬‬
‫ً‬
‫مثــا‪ :‬نجاســة البــول‪ ،‬البــول إذا أصــاب البــدن البــد أن يُغســل الموضــع‬
‫الــذي أصابــه البــول حتــي يــزول أثــره‪ ،‬هــذه النجاســة المتوســطة‪ ،‬التــي هــي‬
‫العاديـ�ة‪.‬‬
‫قليــا‪ :‬الشــرع غلــظ فيهــا ‪،‬كنجاســة‬ ‫ً‬ ‫‪.2‬لكــن هنــاك نجاســات أغلــظ‬
‫الكلــب فــي إنــا ِء أ َ َح ِدكــم‬
‫ُ‬ ‫لُعــاب الكلــب فــي اإلنــاء‪ ،‬الكلــب‪« :‬إذا َولَــ َغ‬
‫ـراب» (((‪ ،‬فهــذه نجاســة غلــظ الشــرع فــي‬ ‫ات إِ ْحدَا ُهـ َّن بالتـ ِ‬ ‫فلْيَ ْغ ِســلْهُ َسـبْ َع َمـ َّ‬
‫ـر ٍ‬
‫شـ�أنها‪.‬‬
‫ً‬
‫مثــا‪ :‬نجاســة المــذي‪،‬‬ ‫مــر معنــا‬
‫‪.3‬وهنــاك نجاســات مخففــة ‪:‬كمــا َّ‬
‫المــذي إذا أصــاب الثيــاب ال يلــزم غســله‪ ،‬بــل يكفــي أن يــرش عليــه مــن‬
‫المـ�اء‪ ،‬يُنضـ�ح بشـ�يء مـ�ن المـ�اء‪.‬‬
‫يكون لدينا النجاسات ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫‪.1‬النجاسة المتوسطة‪ :‬هي العادية‪ ،‬التي معظم النجاسات عليها‪.‬‬
‫‪.2‬النجاسة المغلظة‪،‬‬
‫‪.3‬النجاسة المخففة‪ :‬يتكلم الكتاب عن بعضها‪.‬‬

‫((( صححه األلباني‬

‫‪4‬‬
‫مادة الفقه‬

‫النجاسات‬
‫فــي المســألة الثانيــة مــن الكتــاب‪ ،‬يتكلــم عــن بعــض األشــياء التــي ثبتــت‬
‫نجاستها ش��رعًا‪.‬‬
‫وعذرة األدمي‬
‫‪ .1‬نجاسة َبول اآلدمي‪َ ،‬‬
‫البــول والعــذرة‪ ،‬العــذرة هــي الرجيــع‪ ،‬وهــو الغائــط‪ ،‬أي يــأكل ثــم يرجع‬
‫منــه شــيء‪ ،‬فالبــول والغائــط نجاســتهما نجاســة متوســطة مــاذا يعنــي؟ مــا‬
‫أصــاب البــدن منــه البــد أن يُغســل‪ ،‬لكــن ُخفــف فــي نجاســة البــول‪ ،‬والغائط‬
‫علــى الســبيلين فقــط ‪ -‬علــى ال ُقبــل والدبــر ‪ -‬يمكــن أن يُغســل بالمــاء‪،‬‬
‫ويمكــن أن يســتجمر بالحجــر ونحــوه‪ ،‬لكــن عمو ًمــا لــو البــول أو الغائــط‬
‫أصــاب البــدن أو أصــاب الثيــاب البــد مــن غســل الموضــع الــذي أصابــه‪.‬‬
‫أي أن أحـدًا أصابــه غائــط علــى قد ِمــه أو علــى يــده‪ ،‬ال يمكــن أن يأتــي بحجر‬
‫مثــاً ويســتجمر علــى يــده‪ ،‬أو علــى قدمــه‪ ،‬بــل البــد أن يأتــي بمــاء‪ ،‬وأن‬
‫يُغســل هــذه النجاســة ‪..‬هــذا الغائــط‪ ،‬وكذلــك البــول لــو وقــع علــى البــدن‬
‫أو علــى الثيــاب البــد مــن غســله بالمــاء‪ ،‬ال يلــزم غســل جميــع الثــوب‪ ،‬بــل‬
‫يكفـ�ي غسـ�ل الموضـ�ع الـ�ذي أصابتـ�ه النجاسـ�ة فقـ�ط‪.‬‬
‫إذًا بــول اآلدمــي وغائــط اآلدمــي نجــس‪ ،‬ويســتثنى مــن ذلــك بــول‬
‫الصبــي الصغيــر الــذي لــم يــأكل الطعــام‪ ،‬الطفــل الصغيــر الــذي ال يعتمــد‬
‫علــى أكل الطعــام‪ ،‬الــذي هــو فــي حــدود أقــل مــن ســتة أشــهر‪ ،‬هــذا بولــه‬
‫نجــس نجاســة مخففــة‪ ،‬أي يكفــي أن يــرش بالمــاء‪ ،‬يكفــي أن يُنضــح بالمــاء‪،‬‬
‫ـح ‪،‬‬
‫نضـ ُ‬ ‫ـرا؛ لقــول النبــي ﷺ‪« :‬بــو ُل ال ُغـ ِ‬
‫ـام يُ َ‬ ‫لكــن شــرط أن يكــون صبيًّــا ذكـ ً‬
‫غس ـ ُل» (((‪ ،‬وكذلـ�ك قـ�ول ﷺ أو فعـ�ل النبـ�ي ﷺ‪.‬‬ ‫وب ـ ْو ُل الجاري ـ ِة يُ َ‬
‫لمــا أتــت أم قيــس بنــت ُم ِحصــن بابــن لهــا صغيــر لــم يــأكل الطعــام‬

‫((( صححه األلباني ‪ ،‬كما في السنن‬

‫‪5‬‬
‫أكاديمية الفرقان‬

‫إلــى النبــي ﷺ‪ ،‬فأجلســه ﷺ علــى حج ـ ِره‪ ،‬فبــال عليــه‪ ،‬الصبــي بــال علــى‬
‫حــهُ ولــم ِ‬
‫يغســلهُ‪ ،((( .‬فبفعــل وبقــول‬ ‫ثــوب النبــي ﷺ‪ ،‬فدعــا بمــا ٍء فنض َ‬
‫النبــي ﷺ‪ ،‬فهمنــا ذلــك أن بــول الصبــي الصغيــر الــذي لــم يــأكل الطعــام‬
‫يعفــى عنــه‪ ،‬أي يكــون نجــس نجاســة مخففــة‪ ،‬يكفــي أن يُــرش بالمــاء‪.‬‬
‫إذًا لمــاذا َّ‬
‫فــرق الشــرع مــا بيــن بــول الصبــي وبــول الجاريــة؟ قيــل‪:‬‬
‫الحكمــة فــي ذلــك للتخفيــف؛ ألن بــول الغــام يُصيــب النــاس‬
‫كثيــرا‪ ،‬والغــام فــي الغالــب يُحمــل‪ ،‬ويخــرج بــه مــن البيــت أكثــر‬
‫ً‬
‫مــن الجاريــة – أكثــر مــن البنــت‪ -‬فإصابــة بولــه لثيــاب النــاس‬
‫كثيــرة؛ فتخفي ًفــا مــن الشــرع خفــف الغســل إلــى الــرش أو النضــح‪.‬‬
‫وقيــل‪ :‬ألن احتماليــة إصابــة البنــات فــي الســن المبكــرة بالتهابــات مجــرى‬
‫البــول أكبــر‪ ،‬لوجــود فتحــة البــول بجــوار فتحة الغائــط‪ ،‬وكثــرة إصابــة الغائط‬
‫بمــا فيــه مــن بكتريــا لمجــرى البــول؛ فيحصــل التهابــات بوليــة متكــررة عنــد‬
‫البنــات؛ فيكــون بولهــا أنتــن مــن بــول األوالد الصبيــان؛ فالحاصــل أن البــول‬
‫والغائــط كالهمــا نجــس‪ ،‬لكــن بــول الصبــي الصغيــر الــذي لــم يــأكل الطعــام‬
‫يخفــف فــي تطهيــره‪.‬‬
‫‪.2‬بول وغائط الحيوانات غير مأكولة اللحم‬
‫كذلـك نجـس‪ ،‬أي أن كذلـك مـن النجاسـات بـول وغائـط أو روث‬
‫الحيـوان غيـر مأكـول اللحـم‪ ،‬مثـل‪ :‬األسـد‪ ،‬والذئـب‪ ،‬والثعلـب‪ ،‬هـذه‬
‫حيوانـات غيـر مأكولـة اللحـم‪ ،‬بولهـا وروثهـا نجـس‪ ،‬ألن النبـي ﷺ لما ُسـئل‬
‫عـن الميـاه التـي تكـون فـي الفلاة‪ ،‬ومـا ينوبهـا مـن السـباع ‪ -‬ميـاه تكـون فـي‬
‫الصحـراء‪ -‬وتأتـي عليهـا السـباع؛ السـباع لمـا تأتـي تشـرب منهـا‪ ،‬وربمـا ينزل‬

‫((( صححه األلباني‬

‫‪6‬‬
‫مادة الفقه‬
‫منهـا لعـاب‪ ،‬وربمـا تتبـول أو تتغـوط فـي الميـاه؛ فقـال النبـي ﷺ‪« :‬إذا بلـغ‬
‫كثيـرا فـي‬ ‫ً‬ ‫ـث» ((( ‪ ،‬أي أن المـاء الكثيـر إذا كان‬ ‫ـل ال َ‬
‫خبَ َ‬ ‫المـاءُ قُلَّتَيـ ِن لـم ي ْ‬
‫ح ِم ِ‬
‫الغالـب ال ينجـس‪ ،‬لـو كانـت هـذه األشـياء التـي هـي فضلات السـباع غيـر‬
‫نجسـة لقـال النبـي ﷺ أنهـا ليسـت نجسـة‪ ،‬لكـن قـال‪« :‬إذا بلـغ المـاءُ قُلَّتَيـ ِن‬
‫ـث»‪ ،‬فـدل ذلـك علـى أن فضالت السـباع غيـر مأكولـة اللحم‪.‬‬ ‫ـل ال َ‬
‫خبَ َ‬ ‫ح ِم ِ‬ ‫لـم ي ْ‬
‫ـباع‪((( .‬؛ فـدل ذلـك على‬ ‫الس ِ‬ ‫أكل ُك ِّل ِذي ٍ‬
‫نـاب مـن ِّ‬ ‫ألن الرسـول ﷺ ن َ َهـى عـن ِ‬
‫أن فضلات السـباع أي بولهـا وروثها‪ ،‬وعلى الراجـح أن لُعابها‪ -‬لُعاب السـباع‬
‫‪ -‬علـى الراجـح نجـس؛ ألن الرسـول ﷺ ُسـئل عـن مياه الفلاة ومـا يَنوبُها من‬
‫السـباع؛ يمكـن أن يأتـي السـبع ويشـرب فقـط؛ فـدل أن لعابِـه يلـوث الميـاه‪.‬‬
‫ليسـت‬
‫ْ‬ ‫أيضـا مـن حديـث النبـي ﷺ فـي الهـرة لمـا قـال‪« :‬إنَّهـا‬ ‫ويُسـتفاد ذلـك ً‬
‫افـات»(((‪ ،‬الهرة إذا شـربت مـن اإلناء‬ ‫ـس‪ ،‬إنَّهـا ِمـن الط َّوافيـ َن عليكم والط َّو ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫بن َ َ‬
‫وشـربها من‬ ‫لُعابهـا طاهـر‪ ،‬ألنهـا ليسـت بنجـس لمـاذا؟ يُكثـر دخولها البيـت‪ُ ،‬‬
‫آنيـة البيـت‪ ،‬ويَ ُشـق التحرز منهـا‪ ،‬فبمفهوم المخالفـة يُفهم أن غيرها من السـباع‬
‫مأكولـة اللحـم لعابها نجـس‪ ،‬فاألرجح من أقوال العلماء أن لعـاب الحيوان غير‬
‫مأكـول اللحـم نجـس‪ ،‬أما الحيـوان مأكول اللحـم فلعابـه وبوله وروثـه فطاهر‪.‬‬
‫‪.3‬قيء اآلدمي‬
‫نجاســة قــيء اآلدمــي جمهــور أهل العلــم علــى نجاســته‪ ،‬وإن كان ال يوجد‬
‫علــى ذلــك دليــل صحيــح صريــح‪ ،‬أي ليــس هنــاك دليــل صريــح صحيــح على‬
‫نجاســة قــيء اآلدمــي‪ ،‬فاالحتيــاط أن يعامله اإلنســان كنجس‪ ،‬ويغســله‪ ،‬يغســل‬
‫مــا أصــاب البــدن منــه‪ ،‬ويغســل مــا أصــاب الثيــاب منــه‪ ،‬لكــن كمــا ذكرنــا هذه‬
‫�ح صريح‪.‬‬‫المسـ�ألة نجاسـ�ة قـ�يء اآلدمـ�ي ليـ�س عليها دلي�ـ ٌل صحيـ ٌ‬
‫((( صححه األلباني‬
‫((( صححه األلباني‬
‫((( صححه األلباني‬

‫‪7‬‬
‫أكاديمية الفرقان‬

‫‪ .4‬الدم المسفوح‬
‫مــن النجاســات كذلــك‪ :‬نجاس�ةـ ال��دم المس�فـوح‪ .‬الــدم الباقــي فــي‬
‫العــروق طاهــر عنــد عامــة أهــل العلــم‪ ،‬فلــو اإلنســان ذبــح دجاجــة أو ذبــح‬
‫ماعــز أو ذبــح خروفًــا أو ذبــح بقــرة‪ ،‬بعدمــا يســفح الــدم وينــزل‪ ،‬هنــاك‬
‫دم يبقــى فــي العــروق‪ ،‬فعندمــا تطبــخ طعــام – اللحــم – مــن الممكــن أن‬
‫يظهــر هــذا الــدم‪ ..‬الــدم الباقــي فــي العــروق‪ ،‬فهــذا طاهــر عنــد عامــة أهــل‬
‫العلــم‪ ،‬لكــن الــدم المســفوح النــازل هــذا دم نجــس عنــد عامــة أهــل العلــم‪.‬‬
‫بــل هــو إجمــاع‪ ،‬نقــل هــذا اإلجمــاع ‪ -‬إجمــاع الســلف ‪ -‬علــى نجاســة الــدم‬
‫ِعــدة مــن أهــل العلــم‪ ،‬منهــم اإلمــام أحمــد‪ ،‬لمــا ُســئل عــن القيــح‪ ،‬والــدم‪:‬‬
‫هــل همــا ســواء؟ قــال‪« :‬ال‪ ،‬الــدم لــم يختلــف النــاس فيــه‪ ،‬أمــا القيــح فقــد‬
‫اختلـ�ف النـ�اس فيـ�ه»‪ ،‬أي أن الـ�دم نجـ�س باإلجمـ�اع‪ ،‬لكـ�ن القيـ�ح فيـ�ه خالف‪.‬‬
‫كذلــك نقــل اإلجمــاع علــى نجاســة الــدم ابــن حــزم‪ ،‬وكذلــك نقــل‬
‫إجمــاع نجاســة الــدم الطحــاوي‪ ،‬ونقــل اإلجمــاع علــى نجاســة الــدم ابــن‬
‫رشــد‪ ،‬ونقــل إجمــاع نجاســة الدم‪ :‬النــووي وابــن حجــر والقرطبــي‪ ،‬وغيرهم‬
‫م��ن أه��ل العل��م ‪.‬‬
‫فنجاســة الــدم أمــر مســتقر عنــد الســلف‪ ،‬بعــض العلمــاء المتأخريــن‬
‫خالفــوا فــي هــذه المســألة كالشــوكاني وبعــض العلمــاء المعاصريــن‪ ،‬وقالــوا‬
‫بطهــارة الــدم إذا كان مــن اإلنســان‪ ،‬أو مــن الحيــوان مأكــول اللحــم‪ ،‬لكــن‬
‫كمـ�ا ذكرنـ�ا عامـ�ة العلمـ�اء علـ�ى نجاسـ�ة الـ�دم‪.‬‬
‫ومــن قالــوا بطهــارة الــدم‪ ،‬قالــوا ذلــك لمــاذا؟ قالــوا ألنــه ثبــت عــن‬
‫بعــض الســلف أنهــم كانــوا يصلــون رغــم نــزول الــدم مــن جراحهــم‪ ،‬أي‬
‫ـرةً فــي صالتــه وأكمــل الصــاة‪ ،‬وعمــر بــن الخطــاب ‪‬‬
‫ابــن عمــر عصــر بَثْـ َ‬

‫‪8‬‬
‫مادة الفقه‬
‫َ�بـ د ًم��ا‪ ،‬والحس��ن البصرــي ق��ال‪« :‬ال ي ـزَا َل ال ْ ُم ْس ـ ِل ُمو َن‬
‫صل��ى وجرح��ه يَثْع ُ‬
‫صلُّــو َن فِــي جِ َرا َحاته ـ ْم”‬
‫يُ َ‬
‫صيــب بســه ٍم فنزعــه وأكمــل صالتــه‪،‬‬ ‫وقصــة الصحابــي الــذي أ ُ ِ‬
‫صيــب ونزعــه وأكمــل‬ ‫صيــب بســه ٍم ونزعــه وأكمــل صالتــه‪ ،‬وأ ُ ِ‬
‫وأ ُ ِ‬
‫صالتــه‪ ،‬وهــو يحــرس المســلمين ويُ ِقيــم الليــل‪ ،‬فهــذه كلهــا‬
‫قصــص تــدل علــى أن الصحابــة كانــوا يتعاملــون مــع الــدم علــى‬
‫أنــه طاهــر؛ فلذلــك قــال بعــض العلمــاء المعاصريــن بطهــارة الــدم‪.‬‬
‫لكــن كمــا ذكرنــا نفهــم الكتــاب والســنة بفهــم ســلف األمــة‪ ،‬هــؤالء الســلف‬
‫تصرفــوا هــذه التصرفــات‪ ،‬لكــن هــل نقــل عنهــم أنهــم قالــوا أن الــدم طاهــر؟‬
‫لــم ينقــل عنهـ�م ذلـ�ك‪ ،‬بـ�ل نقـ�ل ِع��دة إجماعــات علىــ نجاسـ�ة الدــم‪ ،‬فمــا‬
‫تفســير هــذه التصرفــات منهــم؟ هــذه التصرفــات تفســر بشــي ٍء مــن اثنيــن‪:‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬أن يكــون الــدم قليـ ً‬
‫ـا‪ ،‬فيعفــى عــن يســيره‪ ،‬وهــذا الصحيــح فــي نجاســة‬
‫ـيرا نقطــة ونقطتيــن يُعفــى عنهــا‪ ،‬يعفــى عــن يســيره‬
‫الــدم‪ :‬أن الــدم إذا كان يسـ ً‬
‫‪،‬كالبثــرة التــي يعصرهــا‪ ،‬فيخــرج منهــا شــيء قليــل مــن الــدم‪ ،‬فهــذا يعفــى‬
‫عنـ�ه‪.‬‬
‫كثيــرا فهــو نجــس‪ ،‬والبــد مــن تطهيــره‪ ،‬لكــن إن كان‬
‫ً‬ ‫ثانيًــا‪ :‬وإن كان‬
‫ـتمرا فهــذا مــن بــاب مــن نجســه دائــم‪ ،‬أي أن اإلنســان ينــزف وهــو يصلي‪،‬‬
‫مسـ ً‬
‫هنــاك نجاســة‪ ،‬لــو قطــع صالتــه سيســتمر الــدم بالنــزول مــرة ثانيــة‪ ،‬ولــو‬
‫غســله ســينزف مــرة ثالثــة‪ ،‬ولــو اســتمر فــي الغســل ســينزف‪ ،‬فهــذا يســمى‬
‫إنســان «نجســه دائــم» كمــن حدثــه دائــم‪ ،‬فيوجــد إنســان مــن الممكــن أن‬
‫ـتمرا‪،‬‬
‫ـتمرا‪ ،‬مــن الممكــن أن يكــون نجســه دائ ًمــا مسـ ً‬
‫يكــون حدثــه دائ ًمــا مسـ ً‬
‫مــن الممكــن أن يكــون االثنيــن‪ :‬الحــدث والنجــس كالهمــا دائــم مســتمر‪.‬‬
‫ـال‪.1 :‬أ َ َح ـ ٌد عنــده ســلس البــول‪ ،‬ســلس البــول هــذا حــدث‬
‫نضــرب مثـ ً‬

‫‪9‬‬
‫أكاديمية الفرقان‬

‫ونجــس دائــم‪ ،‬االثنيــن مــع بعضهمــا البعــض‪ ..‬حــدث دائــم ونجــس دائــم‪.‬‬
‫‪.2‬أ َ َح ٌد عنده انفالت ريح‪ ..‬هذا حدث دائم‪ ،‬لكن ليس ً‬
‫نجسا دائ ًما‪.‬‬
‫‪.3‬أ َ َحـ ٌد عنــده نزيــف ‪ -‬دم ينــزل ‪ -‬مــن يــده باســتمرار‪ ،‬أي مجــروح وال‬
‫يوجــد خياطــة للجــرح‪ ،‬فالــدم يظــل ينــزف‪ ،‬إمــا يــوم أو ســاعة أو ســاعتين أو‬
‫ثـلاث أو أربـ�ع سـ�اعات إلـ�ى أن ينقطـ�ع‪ ..‬فهـ�ذا اسـ�مه نجسـ�ه دائـ�م‪.‬‬
‫فلذلــك اســتمروا فــي الصــاة؛ ألن النجاســة دائمــة‪ ،‬وال يمكــن إزالتهــا‬
‫بالكليــة‪ ،‬ولــو ُغســلت ســينزل الــدم مــرة أخــرى‪ ،‬فهــذا هــو تفســير تصرفــات‬
‫الســلف؛ لذلــك الصحيح قول عامــة أهل العلم وهو أن الدم المســفوح نجس‪.‬‬
‫ع‬
‫َ ٓ ُ َ َ َّ ُ َ‬
‫م َّر ًمــا َ َ ٰ‬ ‫وح إِل‬ ‫ـد ِف مــا أ ِ‬‫دليــل نجاســة الــدم‪ :‬قــول اهلل ‪{ :‬قُــل َّلٓ أَجـ ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ــة أَ ۡو َد ٗمــا َّم ۡســف ً‬
‫ُ‬ ‫َ ۡ َ ُ ُ ٓ َّ ٓ َ َ ُ َ َ ۡ َ ً‬
‫يــر‬ ‫ِزن‬‫خ‬ ‫ل َ‬
‫ــم‬ ‫وحا أ ۡو ۡ‬ ‫ِــم يطعمــهۥ إِل أن يكــون ميت‬ ‫َ‬
‫ِ ٖ‬ ‫طاع ٖ‬
‫ـس}(((‪ ،‬عامــة العلمــاء علــى «ف َ ِإنَّــه» تعــود علــى جميــع مــا ســبق‪،‬‬ ‫فَإنَّـ ُ‬
‫ـهۥ ر ۡجـ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمـ�ا فيهـ�ا الـ�دم‪.‬‬
‫‪.5‬الميتة‬
‫َّ ٓ َ َ ُ َ َ ۡ َ ً َۡ‬
‫كذل��ك م��ن النجاس��ات ال َميْتَةــ؛ فال َميْتَــة نجســة {إِل أن يكــون ميتــة أو‬
‫َ ٗ َّ ۡ ُ ً َ‬
‫ـس} (((‪ ،‬والنبــي ﷺ قــال‪« :‬أيُّمــا‬ ‫ـم خِزنيــر فَإنَّـ ُ‬
‫ـهۥ ر ۡجـ ٌ‬ ‫وحا أ ۡو َ ۡ‬
‫لـ َ‬ ‫دمــا مســف‬
‫ِ‬ ‫ِ ٖ ِ‬
‫ـاب دُبِــغ‪ ،‬ف َ َقــد َط ُهــر»(((‪ ،‬فــدل علــى أن جِ لــد الميتــة قبــل أن يُدبــغ يكــون‬
‫إِ َهـ ٍ‬
‫نجســا «ف َ َقــد َط ُهــر»‪ ،‬فالميتــة نجســة‪ ،‬ويُســتثنى مــن نجاســة الميتــة ‪ 4‬ميتـ�ات‪:‬‬ ‫ً‬
‫�ر معنـ�ا فـ�ي الحديـ�ث‪:‬‬
‫‪ .١‬ميتــة اآلدمــي‪ :‬إذا مـ�ات فليـ�س بنجـ�س‪ ،‬كمـ�ا مـ َّ‬
‫�س‪.‬‬ ‫«فـ�إ َّن َميِّتِكـ�م ليـ َ‬
‫�س بنَجـ ٍ‬
‫حديث قيل بتصحيح مرفوعًا إلى النبي ﷺ‪ ،‬وصح موقوفًا كذلك‪.‬‬

‫((( األنعام‪145 :‬‬


‫((( األنعام‪145:‬‬
‫((( صححه األلباني‬

‫‪10‬‬
‫مادة الفقه‬
‫‪ .2‬يسـ�تثنى كذلـ�ك مـ�ن نجاسـ�ة الميتـ�ة‪ :‬ميتــة البحــر‪ :‬حيوانــات البحــر‬
‫كلهــا الســمك‪ ،‬وغيــر الســمك مــن الحيوانــات المائيــة الخالصــة التــي ال‬
‫تعي��ش إال ف��ي الم��اء‪ ،‬ولي��س البرمائي��ات‪ ،‬فحيوان��ات البح��ر ميتته��ا طاه��رة‪.‬‬
‫النبي ﷺ قال في البحر‪ُ « :‬ه َو ال َّط ُهو ُر مَا ُؤهُ‪ ،‬ال ْ ِح ُّل مَيْتَتُهُ»(((‪.‬‬
‫‪٣‬ـ وكذلــك الجــراد‪« :‬أ ُ ِحـ َّل لنــا ميتتــان‪ ،‬ودمــان‪ ،‬فأمــا الميتتــان‪ :‬الســمك‪،‬‬
‫والجراد» (((‪.‬‬
‫‪ .4‬وكذلــك مــا ال نفــس لــه ســائلة‪ :‬الحشــرات الصغيــرة التــي ال نفس لها‬
‫ســائلة‪ ،‬أي ال تنــزف إذا ذُبِحــت أو إذا ف ُ ِعصــت أو قُتِلــت‪ ،‬الدليــل علــى ذلــك‬
‫ـاب فِــي إنــا ِء أ َح ِد ُك ـ ْم‪ ،‬فَلْيَ ْغ ِم ْس ـهُ كلَّ ـهُ‬
‫النبــي ﷺ أمــر‪ ،‬فقــال‪« :‬إذَا وق َـ َع ال ُّذبـ ُ‬
‫ث ُـ َّم ليَ ْط َر ْح ـ ُه‪ ،‬فــإ َّن فِــي أ ْح ـ َد َجنا َحيْـ ِه داءً‪َ ،‬وفِــي اآل َخ ـ ِر ِشــفاء»(((‪ ،‬فاإلنســان‬
‫خصوصــا لــو كان اإلنــاء‬
‫ً‬ ‫إذا غمــس الذبــاب فــي اإلنــاء ســيموت الذبــاب‪،‬‬
‫تنجيســا‬
‫ً‬ ‫فيــه ســائل ســاخن‪ ،‬ســيموت الذبــاب فــي اإلنــاء‪ ،‬وهــذا ليــس فيــه‬
‫ُ‬
‫لإلنــاء؛ ألن النبــي ‪ ‬أ ِمـ َ‬
‫�ر بذلـ�ك‪.‬‬
‫ـا‪ :‬تمــر وفيــه‬‫فالميتــات مثــل‪ :‬الحشــرات الصغيــرة ليســت نجســة‪ ،‬مثـ ً‬
‫ســوس‪ ،‬هــذا الســوس إذا ابتلعــه اإلنســان‪ ،‬أو إذا كان ميتًــا فــي التمــر‪ ..‬ال‬
‫ينجــس التمــر‪ ،‬ربمــا يقــال بالمنــع منــه مــن أجــل الضــرر الطبــي‪ ،‬لكــن ليــس‬
‫ألنــه ميتــة نجســة‪ ،‬هــذه مــن الميتــات المســتثنى فــي نجاســتها‪.‬‬
‫‪ .6‬المذي والودى‬
‫كذل��ك مـ�ن النجاس��ات‪ :‬الم��ذي وال��ودى‪ ،‬وقدــ م�رـ معن��ا ذل��ك‪ .‬المــذي‪:‬‬
‫نجـ�س‪ ،‬ولكـ�ن نجاسـ�ته مخففـ�ة إذا أصـ�اب‪.‬‬

‫((( صححه األلباني‬


‫((( صححه األلباني‬
‫((( رواه البخاري‬

‫‪11‬‬
‫أكاديمية الفرقان‬

‫«توضــأْ» يــدل‬
‫َّ‬ ‫واغسـ ْل ذ َكـ َ‬
‫ـرك» (((‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫«توضــأ ْ‬
‫َّ‬ ‫النبــي ﷺ فــي المــذي قــال‪:‬‬
‫ـرك» يــدل علــى أنــه نجاســة لكــن النجاســة‬ ‫«واغس ـ ْل ذ َكـ َ‬
‫ِ‬ ‫علــى أنــه حــدث‪،‬‬
‫ـك أ ْن‬
‫مخففــة‪ ،‬ألن فــي حديــث ســهل بــن حنيــف ‪ :‬قــال النبــي ﷺ‪« :‬يكفيـ َ‬
‫ـرى أن َّـهُ أصـ َ‬
‫ـاب ِمن ْـهُ»‪ ،‬فــدل‬ ‫ـح بِـ ِه ثوبَـ َ‬
‫ـك حيـ ُ‬
‫ـث تـ َ‬ ‫تأ ُخ ـ َذ ك ًّفــا ِم ـ ْن مــا ٍء َ‬
‫فتنضـ َ‬
‫ذلــك علــى أن نجاســة المــذي ومثلــه الــودي نجاســة مخففــة‪ ،‬أمــا المنــي‬
‫فهـ�و طاهـ�ر‪ ،‬كمـ�ا ذكرنـ�ا أوضـ�ح أقـ�وال العلمـ�اء أنـ�ه طاهـ�ر‪.‬‬
‫‪.7‬دم الحيض‬
‫خصوصــا ال يختلــف النــاس فيــه؛ حتــى بعــض المعاصريــن الذيــن قالــوا‬
‫ً‬
‫خصوصــا بنجاســته‪ ،‬ألنــه‬
‫ً‬ ‫بطهــارة الــدم المســفوح‪ ،‬قالــوا فــي دم الحيــض‬
‫ورد فيـ�ه حديـ�ث صريـ�ح أن النبـ�ي ﷺ أمـ�ر بغسـ�له‪ ،‬حديـ�ث أسـ�ماء ‪ :‬لمـ�ا‬
‫اللُ عليـ ِه وســلَّ َم‪ ،‬فقالــت‪ :‬إ َّن إحدانــا يصيـ ُ‬
‫ـب‬ ‫ـي صلَّــى َّ‬
‫ـاءت امــرأةٌ إلــى النَّبـ ِّ‬
‫جـ ِ‬
‫صــه بالمــا ِء‪،‬‬ ‫دم الحيضـ ِة‪ ،‬كيـ َ‬
‫ـف تصنـ ُع بِــه ؟ قــا َل‪« :‬تحتُّـهُ‪ ،‬ثـ َّم ُ‬
‫تقر ُ‬ ‫ثوبَهــا مــن ِ‬
‫حــه ث ـ َّم تصلِّــي فيــه» (((‪« .‬تحتُّـهُ» أي تحكــه‪« ،‬ثـ�م تقرصـ�ه بالمـ�اء»‬ ‫ث ـ َّم ت َ َ‬
‫نض ُ‬
‫حه ث َّم تصلِّي فيه»‪.‬‬ ‫أي تصب الماء عليه من الدلك «ث َّم ت َ َ‬
‫نض ُ‬
‫‪.8‬الخمر‬
‫كذلــك مــن النجاســات عنــد جمهــور أهــل العلــم الخمــر‪ ،‬وكثيــر مــن‬
‫العلمــاء بــل جمهــور المذاهــب األربعــة نجاســة الخمر اســتدلوا بقــول اهلل عز‬
‫َ‬ ‫ـر َو ۡٱلَ َ‬ ‫ـوا ْ إ َّن َمــا ۡ َ‬ ‫َ َ‬
‫ـاب َو ۡٱل ۡز َلٰــمُ‬
‫نصـ ُ‬ ‫ـر َوٱل ۡ َم ۡيـ ِ ُ‬
‫ٱل ۡمـ ُ‬ ‫{يأ ُّي َهــا َّٱلِيـ َ‬
‫ـن َء َام ُنـ ٓ‬ ‫وجــل‪ٰٓ :‬‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ۡ َ ٰ َ ۡ َ ُ ُ َ َ َّ ُ ۡ ُ ۡ‬ ‫ۡ ‪َ َ ۡ ّ ٞ‬‬
‫ـم تفل ُِحــون ‪ ،(((}٩٠‬وذهــب‬ ‫ـل ٱلشــيط ِن فٱجتنِبــوه لعلكـ‬ ‫رِجــس ِمــن عمـ ِ‬
‫بعــض العلمــاء إلــى أن‪ :‬نجاســة الخمــر نجاســة معنويــة ال حســية‪ ،‬ممــن‬

‫((( صححه األلباني‬


‫((( رواه البخاري‬
‫((( المائدة‪90 :‬‬

‫‪12‬‬
‫مادة الفقه‬
‫ذهــب إلــى ذلــك‪ :‬ربيعــة شــيخ اإلمــام مالــك‪ ،‬والمزنــي تلميــذ الشــافعي‪،‬‬
‫والليــث بــن ســعد فقيــه مصــر‪ ،‬وابــن حــزم‪ ،‬وبعــض العلمــاء المعاصريــن‬
‫حســا‪ ،‬ولكنهــا نجســة نجاســة معنويــة‪ ،‬واســتدلوا‬
‫قالــوا‪ :‬بــأن الخمــر طاهــرة ً‬
‫علــى ذلــك بــأن‪ :‬الميســر واألنصــاب واألزالم فــي اآليــة نجاســتهم نجاســة‬
‫نجســا حســيًّا بــل نجاســته‬ ‫معنويــة‪ ،‬وليس��ت حســية‪ ،‬أي أن الصنــم ليــس ً‬
‫َّ‬ ‫ـن َع َ‬ ‫نجاســة معنويــة‪ ،‬بدليــل قــول اهلل ‪{ :‬ر ۡجـ ‪ٞ‬‬
‫ـس ّمِـ ۡ‬
‫(((‬
‫ـي َطٰ ِن}‬
‫ٱلشـ ۡ‬ ‫ـل‬
‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ـل»‪ :‬فهــذه األشــياء أعمالهــا هــي شــرب النجاســة‪ ،‬عبــادة األوثــان‪،‬‬ ‫« َع َمـ ِ‬
‫االستقســام بــاألزالم‪ ،‬لعــب الميســر األعمــال هــذه أعمــال نجســة لقــول‬
‫ـون َنَـ ‪ٞ‬‬
‫ـس} (((‪ ،‬نجاستــهم نجاســة معنويـ�ة نجاســة‬
‫َّ َ ۡ ُ ۡ ُ َ‬
‫شك ـ‬
‫اهلل ‪{ :‬إِنمــا ٱلم ِ‬
‫االعتقــاد‪ ،‬والعمــل ليســت بــه نجاســة حســية‪ ،‬فأبــدان المشــركين ليســت‬
‫نجســة‪.‬‬
‫حســا‪ ،‬ولكــن‬
‫فبعــض العلمــاء كمــا ذكرنــا قالــوا بطهــارة الخمــر ً‬
‫حســا‪ ،‬مــاذا نســتفيد مــن ذلــك؟ بالطبــع الخمــر‬
‫الجمهــور علــى نجاســتها ً‬
‫السـ ْكر‪ ،‬الغــول‬
‫المــادة الفعالــة فيــه أو المــادة المســكرة التــي فيــه هــي ســبب َ‬
‫الــذى فــي الخمــر الــذى يغتــال العقــول‪ ،‬والغــول الــذى يغتــال العقــول هــو‬
‫الكحــول اإليثيلــي‪ ،‬معظــم الخمــور فــي العالــم هــو الكحــول اإليثيلــي المادة‬
‫المسـ�كرة تكـ�ون فيـ�ه‪.‬‬
‫لدينــا الكحــول الميثيلــى لكنــه ســام يقتــل قبــل أن يُ ْس ِ‬
‫ــكر‪ ،‬ولذلــك‬
‫ـرا‪ ،‬أي ال يأخــذ حكــم الخمــر‪ ،‬كذلــك‬ ‫األظهــر ‪ -‬واهلل أعلــم ‪ -‬أنــه ليــس خمـ ً‬
‫الكحــول البروبيلــي‪ ،‬ونفــس الفكــرة ً‬
‫أيضــا يقتــل قبــل أن يســكر‪ ،‬ال يعتبــر‬
‫ـرا علــى الراجــح‪.‬‬
‫خمـ ً‬
‫((( [سورة المائدة‪]90:‬‬
‫((([سورة التوبة‪]28:‬‬

‫‪13‬‬
‫أكاديمية الفرقان‬

‫لكــن الكحــول اإليثيلــي هــو المشــكلة مــن يــرى بنجاســته‪ ،‬بالطبــع‬


‫الكحــول اإليثيلــي يدخــل فــي مطهــرات‪ ،‬يدخــل فــى عطــورات‪ ،‬يدخــل‬
‫فــي أشــياء كثيــرة‪ ،‬فمــن يــرى بنجاســته ال يجــوز لــه أن يســتعمله علــى‬
‫ً‬
‫مثــا‬ ‫بدنــه‪ ،‬ألن النجاســة ال يجــوز مباشــرتها بــا حاجــة‪ ،‬فلــو إنســان‬
‫يســتعمل العطــور التــي فيهــا الكحــول اإليثيلــي ال يجــوز لــه ذلــك‪.‬‬
‫أمــا مــن يــرى بطهارتــه‪ ،‬فــإذا كان محصـ ً‬
‫ـا عنــده‪ ،‬أي عنــده موجــود بالفعــل‪،‬‬
‫ففــي هــذه الحالــة يمكــن أن يســتعمله بنيــة إتالفــه‪ ،‬يمكــن أن يســتعمله بنيــة‬
‫ـرم حتــى لو اســتعمله‬
‫حـ َّ‬
‫اإلتــاف‪ ،‬لكــن ال يشــتريه‪ ،‬ألن بيــع وشــراء الخمــر مُ َ‬
‫ـرم ثمنــه» ((( ‪ ،‬وقــال‪:‬‬ ‫فــي أمــر مبــاح‪ ،‬قــال النبــي ﷺ‪« :‬إن اهلل إذا حـ َّ‬
‫ـرم شــيئًا َحـ َّ‬
‫حــرم الخمــر‪ ،‬واألصنــام‪ ،‬والخنزيــر‪ ،‬والميتــة» فلمــا ُســئِل النبــي‬ ‫َّ‬ ‫«إن اهلل‬
‫ﷺ‪ :‬أرأيــت شــحوم الميتــة؟ فإنهــا يُس ـت ََضاء بهــا أو يســتصلح بهــا النــاس‪،‬‬
‫وت ُ َطلــى بهــا الســفن‪ ،‬وتطعــم الــكالب‪ ،‬فقــال النبــي ﷺ‪« :‬ال‪ ،‬هــو حــرام»‬
‫فحتــى لــو َست ُْس ـتَعمل فــي اســتعماالت مباحــة لكــن البيــع والشــراء حــرام‪.‬‬
‫فــا يجــوز بيــع وال شــراء الخمــر‪ ،‬وال بيــع وال شــراء الكحــول اإليثيلــى‪،‬‬
‫ـا ورثهــا‪ ،‬أو كان أهــداه إليــه شــخص‬ ‫ولــو اإلنســان وجدهــا عنــده‪ ،‬أي مثـ ً‬
‫مــا‪ ،‬أو اشــتراها قبــل أن يعْلَــم بالتحريــم‪ ،‬أو كان يعمــل فــي مــكان مثـ ً‬
‫ـا فــي‬
‫مستشــفى‪ ،‬وهــى موجــودة فيــه‪ ،‬المهــم أنهــا موجــودة ابتــداءً بــا بيــع وال‬
‫شــراء منــه‪ ،‬ففــي هــذه الحالــة إن كان ممــن يأخــذ بقــول الجمهــور بنجاســة‬
‫الخمــر‪ ،‬فــا يجــوز لــه أن يســتعملها‪ ،‬وإن كان ممــن يأخــذ بالقــول اآلخــر‬
‫أال هــو طهــارة الخمــر‪ ،‬فيجــوز لــه أن يســتعملها بنيــة اإلتــاف أي بنيــة أن‬
‫تتلــف‪.‬‬
‫واألفضــل عمو ًمــا علــى اإلنســان يبتعــد عــن اســتعمال مــا فيــه الكحــول‬
‫((( صححه األلباني‬

‫‪14‬‬
‫مادة الفقه‬
‫اإليثيلــي‪ ،‬أي مــن الممكــن أن يســتعمل العطــور الخــام فــي بــاب العطــور‪،‬‬
‫أو أن يســتعمل المطهــرات األخــرى غيــر المحتويــة علــى الكحــول‪ ،‬كغســل‬
‫اليــد بالمــاء والصابــون‪ ،‬واســتعمال الكلــور المخفــف فــى تطهيــر األســطح‪،‬‬
‫اســتعمال الســافلون‪ ،‬اســتعمال برمنجنــات‪ ،‬اســتعمال صبغــه اليــود البيتادين‪،‬‬
‫أي بدائــل أخــرى فــي بــاب التطهيــر والعطــور الخــام غيــر المحتويــة علــى‬
‫الكحـ�ول فـ�ى بـ�اب العطـ�ور‪.‬‬
‫كيفية تطهير النجاسة‬
‫المســالة الثالثــة مــن البــاب‪ :‬كيفيــة تطهيــر النجاســة‪ ،‬كيــف ن ُ َط ِّهــر‬
‫النجاســة؟ قلنــا أننــا عندنــا هنــاك نجاســة مغلظــة‪ ،‬وهنــاك نجاســة متوســطة‪،‬‬
‫وهن��اك نجاس��ة مخفف��ة‪.‬‬
‫‪.1‬النجاســة المغلظــة‪ :‬هــي لعــاب الكلــب فــي اإلنــاء‪ ،‬النبــي ﷺ قــال‪:‬‬
‫ـب فــي إِنَــا ِء أ َ َح ِد ُكــم فليَ ْغ ِســلهُ َس ـبْع َمــرات» ((( ‪ ،‬فــي روايــة‪:‬‬ ‫«إِذَا َول َـ َغ الكلـ ُ‬
‫ـراب» ((( ‪ ،‬وفــي روايــة‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ـراب» ‪ ،‬وفــي روايــة‪« :‬أوالهــن بالتُّـ َ‬ ‫«إحداهــن بالتُّـ َ‬
‫(((‬

‫ُّــراب» (((‪ ،‬فالبــد أن تكــون إحــدى هــذه المــرات‬ ‫ــروهُ الثَّا ِمنَــةَ بالت َ‬‫« َو َع ِّف ُ‬
‫ب أن تكــون هــي المــرة األولــى كمــا فــي روايــة «أُوالهــن‬ ‫ح ُّ‬
‫بالتــراب‪ ،‬ويُ ْسـتَ َ‬
‫ُّــراب» ليــس المقصــود آخــر مــرة‪،‬‬ ‫ــروهُ الثَّا ِمنَــ َة بالت َ‬‫ُّــراب» ‪ ،‬أمــا « َو َع ِّف ُ‬‫بالت َ‬
‫المفتــرض ســبع مــرات بالتــراب‪ ،‬وفــي المــرة الثامنــة التــي هــي غيــر الســبعة‬
‫س�تـبقى بالترــاب‪ ،‬المــرة التــي هــي غيــر المــرات الســبعة ‪ -‬التــي هــي مــرة‬
‫بالتــراب ‪ -‬أي واحــدة «إحداهــن»‪ ،‬واألفضــل أن تكــون األولــى «أوالهــن»‪.‬‬
‫هــل يُقــاس علــى نجاســة الكلــب فــي اإلنــاء غيــر ذلــك؟ الظاهــر ال‪ ،‬هذه‬

‫((( صححه األلباني‬


‫((( صححه األلباني‬
‫((( صححه األلباني‬
‫((( صححه األلباني‬

‫‪15‬‬
‫أكاديمية الفرقان‬

‫نجاســة ُمغلظــة تعبديــة ال يقــاس عليهــا غيرهــا‪ ،‬أي أن ســائر النجاســات ال‬
‫يَل��زم أن تُغس��ل سـ�بع مــرات‪ ،‬كنجاس��ة الكلـ�ب‪ .‬بعــض األبحــاث المعاصــرة‬
‫الطبيــة فــي خطــورة لُعــاب الكلــب‪ ،‬ودوره فــي نقــل الجراثيــم‪ ،‬ودور التــراب‬
‫فـ�ي تطهيـ�ر ذلـ�ك‪ ،‬المهـ�م أنـ�ه أمـ�ر تعبـ�دي ال يقـ�اس عليـ�ه غيـ�ره‪.‬‬
‫‪.2‬ســائر النجاســات تُغســل‪ ،‬التــي هــي النجاســات المتوســطة‪ :‬تُغســل‬
‫غس��لة واح��دة‪ ،‬أو اثنتي��ن‪ ،‬أو ث�لاث‪ ،‬أو أربعــ‪ ،‬أو مائــة غسلــة‪ .‬المهــم أنهــا‬
‫ت�زـول بعيـ�ن النجاسـ�ة‪ ،‬الغســات هــذه فــي النهايــة تزيــل عيــن النجاســة‪ ،‬البد‬
‫أن تغســل بحيــث تزيــل عيــن النجاســة‪ ،‬لقــول النبــي ‪« :‬و َه ِري ُقــوا علَــى‬
‫ج ًل ِمــن َمــا ٍء‪ ،‬أ ْو ذَنُوبًــا ِمــن َمــا ٍء»(((‪ ،‬فيكفــي مــرة إن أزالــت عيــن‬
‫ب َ ْول ِـ ِه َس ـ ْ‬
‫النجاســة‪ ،‬وإن لــم تــزل عيــن النجاســة فمرتيــن‪ ،‬ثالثــة‪ ،‬أربعــة‪ ،‬إلــى أن تزيــل‬
‫عيــن النجاسـ�ة‪ ،‬ال يشــترط عــدد معيــن مــن الغســات‪ ،‬فلــو أن إنســانًا مثـ ً‬
‫ـا‬
‫أصــاب بدنــه‪ ،‬أو ثوبــه‪ ،‬أو المــكان الــذي فيــه نجاســة عاديــة مــن النجاســات‬
‫المتوسـ�طة‪ ،‬فالبـ�د أن تغسـ�ل النجاسـ�ة حتـ�ى يَـ�زول عيـ�ن النجاسـ�ة‪.‬‬
‫‪.3‬أما النجاسات المخففة‪ :‬التي ورد الشرع بالتخفيف في التطهير منها‪:‬‬
‫‪ .1‬كبول الصبي الصغير الذي لم يأكل الطعام يرش‪.‬‬
‫‪ .2‬وكالمذي والودي على الثياب يُرش‪.‬‬
‫‪ .3‬وكذيــل المــرأة‪ :‬النبــي ﷺ‪ ،‬قــال‪ « :‬ي َط ِّهـ ُ‬
‫ـرهُ مــا بع ـ َدهُ»‪ ،‬ذيــل المــرأة‬
‫الــذي هــو مــا يطــول مــن ثيــاب المــرأة بحيــث يمــس األرض‪ ،‬ربمــا مــرت‬
‫أرض طاهــرة «ي َط ِّهـ ُ‬
‫ـرهُ»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫علــى نجاســات‪ ،‬فــإذا مــرت بعــده علــى‬
‫‪ .4‬النع��ل‪ -:‬نع�لـ اإلنســان‪ -‬إذا وص��ل إل��ى المس��جد‪ ،‬قــال النبــي ﷺ‪:‬‬
‫«إِذا َجــاءَ أ َ َح ُد ُكــم إِلِــى المســجد فَلْيُ َقلِّــب نَعْلَيْــه‪َ ،‬ولْيَن ُظــر فِي ِه َمــا فَــإِن َرأَى‬
‫((( رواه البخاري‬

‫‪16‬‬
‫مادة الفقه‬

‫ُخبْثًــا‪ ،‬فَلْيَ ْم َســحهُ بــاألرض‪ ،‬ثُــ َّم ليُ َ‬


‫صــ ِّل فِي ِه َمــا» (((‪ ،‬يكــون مســح النعــل‬
‫بـ�األرض هكـ�ذا فقـ�ط يطهـ�ره‪.‬‬
‫‪ .5‬مــن النجاســات المخففــة كذلــك البــول والغائــط‪ :‬علــى ال ُقبــل‬
‫والدُّبــر‪ ،‬علــى موضــع قضــاء الحاجــة‪ُ ،‬خ ِّفـ َ‬
‫ـف فــي تطهيــره يمكــن أن يطهــر‬
‫بالمــاء‪ ،‬ويمكــن أن يُســتجمر فيــه بالحجــر‪ ،‬لكــن البــول والغائــط لــو أصــاب‬
‫البـ�دن‪ ،‬البـ�د مـ�ن غسـ�له‪.‬‬
‫فكل هذه نجاسات خفف في تطهيرها شرعًا‪.‬‬

‫((( األلباني‪ :‬إسناده صحيح على شرط مسلم‬

‫‪17‬‬

You might also like