You are on page 1of 21

WWW.FIKER.

OR ‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير‬


240‫ ص‬220‫ ص‬: ‫العدد الثامن‬ 2097-2709:ISSN
2021 ‫ مارس‬8

-‫منطقة الغرب أنموذجا‬- ‫طقوس الماء في المتخيل الشعبي المغربي‬


‫دراسة انثروبولوجية‬
Water rituals in the Moroccan popular imagination - the western region
as a model-Anthropological study

‫ إدريس لخضر‬.‫د‬
‫أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي‬
-‫باحث بمختبر التراث الثقافي؛ جامعة ابن طفيل بالقنيطرة – المغرب‬
driss.lakhdar@gmail.com
Dr. Driss Lakhdar
Professor of qualifying secondary education
Researcher at the Cultural Heritage Laboratory. Ibn Tufail University of
Kenitra - Morocco-
driss.lakhdar@gmail.com

220
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫ملخص البحث‪:‬‬
‫لعل "الماء" كتيمة ذات حموالت فكرية ورمزية في ذهن اإلنسان الشعبي المغربي‪ ،‬كان وال زال‬
‫بالنسبة له رم از للخير والخصب والطهر تارة‪ ،‬ومصد ار للخوف والرعب عند كثرته التي تتحول إلى طوفان‬
‫ُّ‬
‫يقض مضجعه تارة أخرى‪ .‬لقد شكل الماء على الدوام قوة قهر اإلنسان الغرباوي ونقطة ضعفه‪ ،‬ومن‬
‫خالل ذلك استمدت هذه المادة الحيوية قدسيتها ودورها البارز في صناعة المجال الحيوي لألولياء‬
‫عد الكرامة المائية أحد ثوابت المعتقدات االجتماعية وبنياتها العميقة‪،‬‬
‫والصالحين بمنطقة الغرب‪ ...‬إذ تُ ّ‬
‫القدسي الذي أكسبها الديمومة واالستمرار في دينامية الفكر الديني الشعبي‬
‫ّ‬ ‫التي استمدت فعاليتها من‬
‫الذي يطغى عليه اإليمان بالخوارق‪ ،‬لتصبح الخرافة ذات موقع راسخ‪ ،‬وتحقق الوالية الترقي إلى واقع‬
‫حد األلوهية‪ ..‬فارتباط الماء بالكرامة جعله رم از للحياة والخلود والطهارة والتواضع والعلم‪،‬‬
‫أسمى ارتبط إلى ّ‬
‫فيما صار الثاني رم از للكمال والقدرات الخارقة التي يفتقدها اإلنسان العادي‪..‬‬
‫من هنا جاءت دراستي لموضوع "طقوس الماء في التراث الشعبي المغربي منطقة الغرب نموذجا"‪ ،‬فرصة‬
‫للنبش في الطابوهات المحظورة‪ ،‬والبحث في المعرفة المائية لإلنسان الشعبي ببعديها الوجودي‬
‫واألنثروبولوجي‪ ،‬جاعال من الماء "واقعة ثقافية" متعددة الدالالت والرموز‪ ،‬ومفتاحا لقراءة وفهم عقلية هذا‬
‫اإلنسان الشعبي‪ .‬فهي في عمقها دراسة تبحث عن العالقة الطقوسية التي تجمع بين اإلنسان والماء‪ ،‬تلك‬
‫العالقة التي أنتجت ثقافة مائية انعكست بشكل مباشر في إبداعاته الشعبية‪ ،‬ونحتت عقليته وأطرت‬
‫سلوكاته‪..‬‬
‫الكلمات المفتاح‪:‬‬
‫رمزية الماء؛ التراث الشعبي المغربي؛ المتخيل الشعبي المغربي؛ الطقوس الشعبية المغربية‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪Perhaps "water" is impermeable, with intellectual and symbolic loads in the mind‬‬
‫‪of the Moroccan popular person. It was and still is for him a symbol of goodness,‬‬
‫‪fertility and purity at times, and a source of fear and terror when its abundance‬‬
‫‪turns into a deluge that haunts him at other times. Water has always been the‬‬
‫‪oppressive force and weakness of the Western human being, and through that this‬‬
‫‪vital substance derived its sanctity and prominent role in making the vital field for‬‬
‫‪the saints and righteous people in the western region ... as water dignity is one of‬‬

‫‪221‬‬
WWW.FIKER.OR ‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير‬
240‫ ص‬220‫ ص‬: ‫العدد الثامن‬ 2097-2709:ISSN
2021 ‫ مارس‬8

the constants of social beliefs and its deep structures, whose effectiveness is derived
from the sacred who This earned it permanence and continuity in the dynamic
of popular religious thought dominated by belief in the supernatural, so that the
superstition becomes firmly established, and the state achieves promotion to a
higher reality linked to the level of divinity .. So the connection of water with
dignity made it a symbol of life, immortality, purity, humility and knowledge,
while the second became a symbol of perfection and supernatural abilities That
the average person misses ..
Hence, my study of the topic "Water rituals in the Moroccan folklore, the western
region as a model" came as an opportunity to dig into the forbidden taboos, and
to research the water knowledge of the popular human being in its existential and
anthropological dimensions, making water a "cultural event" with multiple
connotations and symbols, and a key to reading and understanding this human
mentality Pdf. In its depth, it is a study that searches for the ritual relationship
between man and water, that relationship that produced a water culture that was
directly reflected in his popular creations, carved his mindset and framed his
behavior.
Key words:
Symbolism of water; Moroccan folklore; Moroccan folk imaginative Moroccan
folk rituals.

222
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫إن من أهم ما خلق اهلل في هذا الكون هو الماء‪ ،‬وقد خلقه قبل أن يخلق السماوات واألرض‪،‬‬
‫ووضع عليه عرشه‪ ،‬مما يدل على أهمية هذه النعمة وحب الخالق لها قبل أن يحبها المخلوق‪َّ .‬‬
‫فحق للماء‬
‫إذا‪ ،‬أن يكون سبب الحياة واستم ارريتها‪ .‬ولذلك نجده قد استأثر بمكانة متميزة في الخطاب القرآني واقترن‬
‫بصور غاية في اإلعجاز اإللهي‪ ،‬وارتبط بمعجزات نبوية عظيمة‪ ،‬أجلّها معجزات رسولنا محمد صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وبكرامات شهيرة في التاريخ اإلنساني عامة واإلسالمي خاصة‪ ،‬أصحابها شخصيات خارجة‬
‫عن المألوف وقريبة من اهلل الرؤوف‪ ،‬في طليعتهم الصحابة وأكابر السلف‪ .‬فال غرابة إذن إذا تتبعنا‬
‫مواطن كل الحضارات السابقة التي ُعرفت بعظمتها وبروزها في جميع الميادين‪ ،‬نجدها ظهرت في بادئ‬
‫األمر بالقرب من الماء وعلى ضفاف األنهار‪ ،‬باعتبار أن مواطن استقرار اإلنسان منذ األزل كانت‬
‫بالقرب من منابع الماء‪ ،‬فال حياة بدون ماء‪ ،‬لذلك ال نستغرب أيضا أن تكون األنهار الموجودة بالمغرب‬
‫وبمنطقة الغرب خاصة قد اجتذبت اإلنسان منذ عصور‪ ،‬لتكون موطنا له يستقر بقربها‪ ،‬وينعم بالخيرات‬
‫التي تغدقه بها‪ ،‬وذلك التساع سهول هذه المنطقة وخصوبة أراضيها‪ ..‬لقد كان اإلنسان الغرباوي يرى‬
‫وجود الماء بالمنطقة نعمة من نعم اهلل التي ال تقدر بثمن وال يوفها الشكر حقها‪ ،‬ألن مقامها فوق كل‬
‫مقام‪ .‬لذلك كان أشد االرتباط بالماء في أفراحه وأتراحه‪ ،‬فتعددت بذلك دالالت الماء في المخيال الشعبي‪،‬‬
‫وظهر هذا السائل السحري بشكل جلي في مأثوراته الشفهية وطقوسه الشعبية‪ ،‬التي من خاللها نالمس‬
‫الواقع البدوي الغرباوي في جانب من صوره‪ .‬رغم أن هذا التراث ال زال لحد اآلن لم يحض باهتمام كبير‬
‫من طرف الدارسين (‪ ، )...‬خصوصا وأننا أمام منطقة كما قال عنها األستاذ محمد مرجان ال زالت‬
‫الشفاه هي الكتاب والوثيقة‪ " ،‬فال زالت جموع غفيرة تفتقد آليات القراءة والكتابة حتى يومنا الحاضر"‪. 1‬‬
‫ويعد التراث الشفهي بمنطقة الغرب كنظيره بباقي التراب الوطني للمملكة المغربية‪ ،‬كان وال زال بمثابة‬
‫بطاقة تعريف جماعية تحدد معالم العالقات داخل المجتمع‪ ،‬فهو بطاقة المرور التي يحملها اإلنسان‬
‫الشعبي الغرباوي في ذاكرته ليثبت بها انتماءه لعشيرته‪ ،‬وهي البرهان القاطع للحصول على عضوية‬
‫كاملة المعالم‪ ،‬والتمتع بها داخل المنظومة التي تمنحه تزكية أفرادها ومباركتهم‪..‬‬
‫أهمية البحث‪:‬‬

‫‪ 1‬محمد مرجان‪" ،‬الماء بمنطقة الغرب من خالل المأثور الشعبي"‪ ،‬ضمن مجلة "الثقافة الشفهية والتنوع اللغوي في المغرب"‪،‬‬
‫منشورات مختبر اللغة والمجتمع بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية القنيطرة ‪ ،2009،‬ص ‪.51‬‬
‫‪223‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫وتأتي دراستي هذه في إطار التقصي عن الذاكرة الشعبية المغربية والتركيبة الخرافية والقصصية المشكلة‬
‫حول الماء‪ ،‬لمحاولة تبيان أبعادها االجتماعية وأصولها الدينية‪ ،‬معتمدين على قراءات ودراسات مختلفة‬
‫منها ما هو تاريخي ومنها ما هو عقدي ديني ومنها ما هو موروث أدبي شفهي جادت به علينا الذاكرة‬
‫الشعبية عبر األجيال‪ ،‬ولعل كلمة "الماء" كتيمة ذات حموالت فكرية ورمزية في ذهن اإلنسان الشعبي‬
‫الغرباوي‪ ،‬يحمل دالالت رمزية دالة على الخير والخصب والطهر‪ .‬ويعد مصد ار للخوف والرعب عند‬
‫كثرته التي تتحول إلى طوفان ُّ‬
‫يقض مضجعه‪ .‬لكن رغم ذلك نجد االنسان الغرباوي قد عشق األنهار‬
‫والوديان‪ ،‬فجاورها وسكن على جنباتها‪ ،‬وأحسها إحساس الروح والنفس‪ ،‬أكثر منه إحساس الفم واللسان‪.‬‬
‫سخر لها طقوس وعادات وتغنى بها على ضفاف األنهار‪ ،‬وألّف عنها حكايات وأمثال وألغاز ما زالت‬
‫متداولة عند الكبار والصغار‪ ...‬وقد جاءت هذه الطقوس والعادات والفنون القولية التلقائية معبرة عن‬
‫مشاعره وأحاسيسه‪ ،‬فتوارثتها عنه األجيال جيال بعد جيل‪ ...‬فكانت ميزتها التلقائية والعفوية‪ ،‬ووظيفتها‬
‫تعليمية واجتماعية‪...‬‬
‫إشكالية البحث‪:‬‬
‫على ضوء ما تقدم‪ ،‬يظهر لنا أن هذا السائل الطبيعي يحظى بدالالت رمزية جعلته يتبوأ مكانة‬
‫مهمة في المتخيل الشعبي المغربي؛ وعليه‪ ،‬يمكن أن نصوغ مجموعة من اإلشكاليات المحددة لبحثنا‬
‫نلخصها في اآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬ما هي أهم الدالالت الرمزية للماء داخل أنساق الثقافة الشعبية المغربية؟‬
‫‪ -‬ما الطقوس المرتبطة بهذه المادة السحرية؟‬
‫‪ -‬وهل فعال الماء منشط أنثربولوجي إلنتاج الطقوس بالمغرب؟‬
‫‪ -‬ما العناصر التركيبة الخرافية والقصصية المشكلة حول الماء؟‬
‫المنهج العلمي‪:‬‬
‫دراستنا هذه سنحاول من خاللها استقصاء خبايا الثقافة الشعبية المغربية من خالل كشف رمزية الماء في‬
‫المتخيل الشعبي المغربي وكذا الدالالت التي يحملها هذا السائل السحري‪ ،‬اعتمادا على المنهج‬
‫األنثروبولوجي لدراسة بعض الظواهر االجتماعية والثقافية التي تحاك حول الماء مما جعله يتبوأ أهمية‬
‫خاصة في مجتمعنا المغربي‪ ،‬كما هو الحال في جميع المجتمعات اإلنسانية‪ .‬إلى جانب الوقوف على‬
‫حضوره في التفكير والوعي الشعبي الذي تطبعه بعض الخصوصيات المحلية بمنطقة الغرب والتي وجدت‬

‫‪224‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫لها أساسا في المتخيل الشعبي المحلي والفكر الديني واالعتقاد الخرافي والتفسير الغيبي لألشياء‪ ،‬مما‬
‫رسم لنا معالم لبنية ذهنية مغربية زاوجت بين الواقع والمتخيل‪ ،‬وبين المقدس والمدنس‪.‬‬
‫فالماء إذن في الثقافة الشعبية المغربية عنصر طبيعي يضمن قوته وغناه الرمزي انطالقا من حاجة‬
‫اإلنسان إليه كعنصر ضروري للعيش‪ ،‬مما يحيطه بوضع رمزي وحيوي غاية في األهمية‪.‬‬
‫أهداف البحث‪:‬‬
‫بيد أن اهتمامنا اآلن‪ ،‬ليس البحث عن الجذور التاريخية للماء‪ ،‬أو كيفية بدايته بقدر ما يهمنا حضوره‬
‫الرمزي في المتخيل الشعبي المغربي وطريقة تعبيره عن تعدد الروافد الثقافية والحضارية داخل نسق الثقافة‬
‫الشعبية المغربية‪ .‬وحتى ال أسقط في النمطية‪ ،‬ارتأيت البحث في الطقوس المرتبطة بالماء وكراماته وكذا‬
‫الخرافات والقصص المترسخة في ذهنية اإلنسان المغربي وذاكرته عن طريق ما تناقله الناس شفهيا جيال‬
‫بعد جيل‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫ومن بين الدراسات الرسينة التي اهتمت بالتنقيب في طقوس الماء في المتخيل الشعبي نجد‪:‬‬
‫‪- L’eau au maghreb antique entre le sacré et le profane, Dr. Abdelaziz‬‬
‫‪Bel faida.‬‬
‫‪ -‬دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب‪ ،‬الدين والمجتمع للدكتور عبد الغني منديب‪.‬‬
‫‪ -‬الداللة الرمزية لرش ماء عاشوراء في الثقافة المغربية‪ ،‬للدكتور عبد الفتاح الفاتحي‪.‬‬
‫‪ -‬الضحية وأقنعتها‪ ،‬بحث في الذبيحة والمسخرة بالمغارب للدكتور عبد اهلل حمودي ترجمة‪ :‬عبد‬
‫الكبير الشرقاوي‪.‬‬
‫‪ -‬المقدس والمجتمع‪ ،‬للدكتور نور الدين الزاهي‪.‬‬
‫‪ -‬الداللة الرمزية لرش "ماء عاشوراء" في الثقافة المغربية‪ ،‬للدكتور الفاتح عبد الفتاح‪.‬‬
‫‪ -‬الماء بمنطقة الغرب من خالل المأثور الشعبي‪ ،‬دراسة للدكتور محمد مرجان‪.‬‬
‫الضحية وأقنعتها‪ ،‬بحث في الذبيحة والمسخرة بالمغارب‪ ،‬للدكتور عبد اهلل حمودي‪ ،‬ترجمة عبد‬ ‫‪-‬‬
‫الكبير الشرقاوي‪.‬‬
‫‪... -‬‬
‫ظاهرة االستمطار أو االستسقاء‪:‬‬

‫‪225‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫الماء مادة الحياة‪ ،‬فهو األساس في الكون الذي ال يمكن االستغناء عنه‪ ،‬ألن حياة اإلنسان‬
‫والحيوان والنبات متوقفة عليه‪ ،‬ومرتبطة به أشد االرتباط‪ ،‬وقد كان مثار اهتمام الناس منذ ِ‬
‫الق َدم لقيمته‬
‫وأهميته في الحياة‪ ،‬حتى أن بعض الشعوب ألَّهته وعبدته‪ ،‬فكان اإلنسان يبذل ما في وسعه للحصول‬
‫عليه‪ ،‬ألن انعدامه كان في تصورهم سببه ُّ‬
‫تدخل قوى غيبية خفية تتحكم فيه‪ ،‬فكانوا يسترضونها من خالل‬
‫ممارسة الطقوس‪ ،‬وتقديم القرابين لتغيثهم‪ ..‬فأسباب "سقوط المطر والرعد والبرق وتغير الفصول‪ ،‬وأوجه‬
‫القمر‪ ...‬كلها أشياء استثارت وال شك دهشة هؤالء الفالسفة األولين"‪.2‬‬
‫وفي مجتمع البحث (منطقة الغرب) نجد بقايا آثار هذه الطقوس ما زالت حاضرة وبقوة‪ ،‬وان كانت بصورة‬
‫مغايرة عما كانت قديما‪ .‬لذلك سنقوم من خالل هذا البحث النبش في الطابوهات المحظورة‪ ،‬والبحث في‬
‫المعرفة المائية لإلنسان الشعبي ببعديها الوجودي واألنتروبولوجي‪ ،‬جاعال من الماء "واقعة ثقافية" متعددة‬
‫الدالالت والرموز‪ ،‬ومفتاحا لقراءة وفهم عقلية هذا اإلنسان الشعبي‪ .‬فهي في عمقها دراسة تبحث عن‬
‫العالقة الطقوسية التي تجمع بين اإلنسان والماء‪ ،‬تلك العالقة التي أنتجت ثقافة مائية انعكست بشكل‬
‫مباشر في إبداعاته الشعبية‪ ،‬ونحتت عقليته وأطرت سلوكاته‪...‬‬
‫مفهوم الطقس‪:‬‬
‫تكرر الجدر (ط‪.‬ق‪.‬س) في العديد من قواميس اللغة وغيرها‪ ،‬حيث ظهر بشكلين‪ ،‬أحدهما بمعنى‬
‫الجذر(طسق)‪ ،‬وهذا ما يوجد في معاجم اللغة القديمة‪ ،‬واآلخر بمعنى (طقس)‪ ،‬وغالبا ما نجده في‬
‫طسق) عند بطرس البستاني في "محيط المحيط" ‪ ،‬بالفتح‪،‬‬ ‫القواميس والمعاجم اللغوية الحديثة‪ .‬ف‪َ ( :‬‬
‫يلحنه البغاددة فيكسرون‪ ،‬وهو مكيال‪ ،‬أو ما يوضع من الخراج على الجربان‪ ،‬أو شبه ضريبة معلومة‪،‬‬
‫وكأنه مولَّد‪ ،‬أو َّ‬
‫معرب"‪ .3‬وقد كرر هذا التفسير الفيروز أبادي في " القاموس المحيط"‪ ،4‬وجاء هذا التفسير‬
‫أيضا في "لسان العرب"‪ 5‬البن منظور الذي ذهب إلى أنه فارسي‪ ،‬وقال‪ :‬كتب عمر إلى عثمان بن حنيف‬
‫الطسق من أراضيهما‪ .‬وفي التهذيب‪،‬‬
‫َ‬ ‫وخذ‬
‫في رجلين من أهل الذمة أسلما‪ :‬ارفع الجزية عن رؤوسهما‪ُ ،‬‬
‫الطسق‪ :‬مكيال معروف‪.‬‬
‫الطسق شبه الخراج‪ ،‬له مقدار معلوم‪ ،‬وليس بعربي خالص‪ ،‬و َ‬
‫َ‬

‫سير جيمس فريزر‪ ،‬الغصن الذهبي‪ ،‬ص‪248-247.‬‬ ‫‪2‬‬

‫البستاني‪ ،‬بطرس المعلم‪ ،‬محيط المحيط‪ ،‬مطبعة تبيويرس‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2،1987‬ص ‪.258‬‬ ‫‪3‬‬

‫طقَس)‪ ،‬المؤسسة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬دار‬


‫‪ 4‬الفيروز أبادي‪ ،‬مجد الدين محمد بن يعقوب‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬مادة( َ‬
‫الجليل‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.267‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪( ،‬مادة طقس)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪225‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪226‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫أما الط ْقس‪ ،‬عند الجوهري في صحاحه "حالة الجو من ضغط وح اررة ورطوبة ورياح وتساقط‪ ،‬ودرجة‬
‫سطوع الشمس في يوم أو أيام قليلة"‪ ،6‬ونجده في "المعجم الوسيط"‪ ،‬بمعنى النظام أو الترتيب‪ ،7‬وتكرر‬
‫هذا في "القاموس المحيط" للفيروزأبادي‪ ،8‬وجاء عند البستاني في قاموسه "محيط المحيط"‪ ،‬أنه عند‬
‫معرب لكلمة "تكسيس" باليونانية‪ ،‬ومعناها نظام‬
‫النصارى يطلق على شعائر الديانة واحتفاالتها‪ ،‬وهو ّ‬
‫وترتيب‪ ،‬والجمع طقوس‪ ،‬والطقيساء‪ ،‬والطقيسة مكان صغير خارج دار الحريم‪ ،‬يستقبل فيه األضياف‪.9‬‬
‫والطقس في االنجليزية (‪ )ritual‬بمعنى شعائر‪ .10‬وعند مقارنة طَ َسق وطَقَس‪ ،‬نجد أن المعنيان يلتقيان‬
‫مر معنا لقاء‬‫في أنهما نوع من الضريبة أو الفرض‪ ،‬لقاء مقابل معين‪ .‬فالطسق نوع من الضريبة كما ّ‬
‫العليا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحماية وتقديم بعض الخدمات كالجزية‪ .‬والطقس نوع من الممارسة المفروضة أيضا لقاء الحماية ُ‬
‫فاإلنسان يمارس الطقس بحذافيره خوفا من غضب اآللهة‪ ،‬وكسب محبتها‪ ،‬ومحاولة استرضائها‪ .‬لذا فكال‬
‫الحم َاية‪ ،‬بحيث يكون ِّ‬
‫المقدم أو المضحي‬ ‫ٍ‬
‫محدد هو َ‬
‫مطلب ّ‬ ‫الدفع‪ ،‬مقابل‬
‫المعنيين يجمع نوعا من التقديم و ّ‬
‫ضحَّى إليه بشكل ّبي ٍن واضح‪ .‬ففي حالة طسق َّ‬
‫المقدم له واضح وهو الدولة‪،‬‬ ‫الم َ‬ ‫الم َّ‬
‫قدم له‪ ،‬أو ُ‬ ‫أضعف من ُ‬
‫أما في حالة طقس فهو غير واضح ألنه غيبي خفي‪ " .‬لقد كانت الصالة في المعابد وانشاد التراتيل‪،‬‬
‫أبرز مظاهر الطقس المنظم قديما‪ .‬وبشكل عام يمكن القول بأن أية صورة ذهنية ال تخرج من عالم الفكر‬
‫إلى عالم الفعل‪ ،‬هي صورة معرضة للتحجر أو التالشي والزوال"‪.11‬‬
‫مفهوم االستسقاء‪:‬‬
‫االستسقاء من فعل استسقى الذي يعني طلب السقي‪ " ،‬طلب السقيا أي إنزال الغيث على البالد‬
‫والعباد‪ .‬يقال استسقى وسقى اهلل عباده الغيث وأسقاهم"‪ .12‬وصالة االستسقاء هي صالة يقيمها المسلمون‬
‫طلبا للغيث عند انقطاعه‪ .‬تشبه صالة العيدين وتتكون من ركعتين جهريتين ويستقبل اإلمام الناس في‬

‫الجوهري‪ ،‬الصحاح في اللغة والعلوم‪( ،‬مادة طقس)‪ ،‬تحقيق نديم مرعشلي‪ ،‬دار النقاش‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ ،1‬ص‪.675‬‬ ‫‪6‬‬

‫أنيس‪ ،‬إبراهيم وآخرون‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬ط ‪ ،2‬ص‪.587.‬‬ ‫‪7‬‬

‫الفيروز أبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص‪.256.‬‬ ‫‪8‬‬

‫البستاني‪ ،‬محيط المحيط‪ ،‬ص ‪.553‬‬ ‫‪9‬‬

‫كرامي‪ ،‬حسان‪ ،‬المغني األكبر‪ ،‬مطبعة لبنان‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1988 ،1‬ص‪1167.‬‬ ‫‪10‬‬

‫فراس السواح‪ ،‬دين اإلنسان‪ ،‬دار عالء‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ ،1994 ،1‬ص‪53‬‬ ‫‪11‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة (سقي)‪ ،‬دار صادر بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1990‬م‪ ،‬ص‪393 .‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪227‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫الخطبة األولى والقبلة في الخطبة الثانية ويقلب ثوبه‪ ،13‬ويقلده الناس وتركز على تذكيرهم بذنوبهم لحد‬
‫التوبيخ وحثهم على التقوى والورع واالستغفار من الذنوب وترك البخل وافشاء الصدقات‪ ،14‬وتتم الصالة‬
‫عادة ما بين دجنبر وماي‪.‬‬
‫ظاهرة االستسقاء بمنطقة الغرب‪:‬‬
‫برمته بما فيه من إنسان‬
‫يعتبر الماء أول مكون للبيئة‪ ،‬وأهم عنصر في إيجاد الحياة‪ ،‬بهذا الكون ُ‬
‫وحيوان ونبات‪ .‬وهو كذلك أساس بقاء هذه الحياة بالنسبة للكائنات التي يتوقف استمرارها على ما يتوافر‬
‫لها منه‪ ،‬للشرب والتطهر والسقي؛ إضافة إلى استعماله في منافع أخرى كثيرة‪ ،‬مع اإلشارة إلى استعماله‬
‫في الكهانة والسحر‪ ،‬وفي االستشفاء‪.‬‬
‫وحيثما يوجد الماء توجد الحياة‪ ،‬تنتعش النفوس بالخصب‪ ،‬وتلبس األرض حلتها الخضراء الزاهية‪ ،‬لتنبئ‬
‫بموسم فالحي جيد على األبواب‪ ،‬لكن في بعض األحيان قد يقل المطر‪ ،‬ويؤدي ذلك إلى الجفاف‬
‫والهالك‪ ،‬فيتأثر بذلك كل كائن حي على وجه األرض‪ .‬فيسود في المعتقد الشعبي أن السماء غاضبة‬
‫بسبب كثرة شرور البشر في األرض‪ ،‬وكثرة الظلم والطغيان‪ ..‬وهذه الظاهرة قديمة قدم اإلنسان‪ ،‬فكلما‬
‫دل ذلك على أن السماء راضية‪ ،‬فيعيش الناس حياة طبيعة‪ ،‬وينعمون بالخير الوفير والرزق‬‫وجد الغيث َّ‬
‫ُ‬
‫الجاهلية األولى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المعتقداتية مثل االستسقاء‪ ،‬منذ‬
‫ّ‬ ‫تحدث الكثير عن عالقة الماء بالطقوس‬
‫الكثير‪" ..‬وقد ّ‬
‫وما كان يصطحب ذلك من ممارسات لم تلبث أن اغتدت كالطقوس الوثنية لدى قدماء العرب‪ .15"..‬حين‬
‫لح الجدب‪ ،‬فيصيب الناس روع وهلع‪ ،‬واشفاق وقلق‪..‬‬
‫وي ّ‬
‫تشح السماء‪ُ ،‬‬
‫ّ‬
‫ويعد طقس االستمطار أو استجداء الغيث من أشهر الطقوس المعروفة بالمغرب بمختلف أنحائه ومناطقه‬
‫سواء منها الناطقة بالعربية أو األمازيغية‪ ..‬يهدف إلى استمطار السماء‪ ،‬حين تكون األرض والمحاصيل‬
‫مهددة بالجفاف والتلف وشح المياه‪ .‬ف"منذ عهود قديمة عرف المجتمع المغربي طقوسا لالستسقاء‪ ،‬وذلك‬
‫حين يشح المطر وتهدد المزروعات بالجفاف‪ ،‬فتقام مراسم متنوعة للتضرع لآللهة أو لمن ترجى شفاعته‪،‬‬
‫وقد حورت الديانات السماوية من جعلتها هذه العادات الوثنية في الدعوة لصالت االستسقاء''‪.16‬‬

‫اإلمام مالك "الموطأ " دار إحياء العلوم العربية‪ ،1994،‬ص‪.152‬‬ ‫‪13‬‬

‫القاضي عياض‪ ،‬ترتيب المدارك "‪ ،‬فضالة المحمدية ‪ ،1968،‬ج‪ ،3‬ص‪.117‬‬ ‫‪14‬‬

‫الجاهلي‪ ،‬بيروت‪.1987 ،‬‬


‫ّ‬ ‫‪ 15‬أنور أبو سليم‪ ،‬المطر في الشعر‬
‫‪Emile. laouste: mots et choses berbères, Paris 1920, P88.16‬‬
‫‪228‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫والمالحظ هو التشابه الكبير في ممارسة هذا الطقس في مختلف المناطق المغربية‪ .‬اللهم بعض‬
‫االختالفات البسيطة والشكلية فيما بينها‪ ،‬إضافة إلى تسمية هذا الطقس عند األمازيغ بمسميات مثل‬
‫"تغنجا‪ ،‬أو تسليت أونزار‪ ،‬أي عروس المطر‪ ."..‬ف "منذ قديم الزمان‪ ،‬فكر األمازيغ في منح أنزار‬
‫خطيبة‪ ،‬وذلك إلحداث الرغبة الجنسية وخلق الشروط المناسبة للحصول على الماء الناتج عن التخصيب‪.‬‬
‫"األفارقة ضاعفوا الطقوس واالحتفاالت السحرية للحصول على المطر والتي استمرت إلى مرحلة متأخرة‪،‬‬
‫وأشهرها "خطيبة أنزار" أو "تسليت أمان"‪ :‬خطيبة الماء‪ .‬أنزار هو عنصر الخير الذي يقوي الخضروات‬
‫ويعطي المحصول"‪ .17‬وهو حدث من تنظيم النساء ومشاركة األطفال‪ ،‬ويتضمن أغاني وأهازيج‪...‬‬
‫وتغنجا‪ :‬هي دمية من خشب ترتدي أجزاء من القماش‪ ،‬على شكل شابة متزوجة حديثا‪ ،‬وساعداها عبارة‬
‫‪18‬‬
‫‪.‬ويعد "تغنجا" من‬ ‫عن ملعقتين موجهتين رمزيا الستقبال الماء‪ ،‬أعطوها اسم "تاغنجا" أو " أم طانو" "‬
‫وعم الجفاف في فترات تاريخية متعاقبة‪ ،‬تقرب المغاربة‬ ‫الطقوس القديمة في المغرب حيث "حينما َّ‬
‫قل الماء َّ‬
‫في مناطق متعددة من البالد من معبودات عدة طلبا للغيث‪" .‬من المؤكد أن له أصوال وثنية ربما تتعلق‬
‫‪19‬‬
‫‪.‬ومن ذلك تقديم تمثال لعروس‬ ‫بإله "كاليستيس"‪ ،‬من سماته إعطاء المطر الذي يعد به الكهان(‪")...‬‬
‫لإلله آمون لتهييجه‪ ،‬وبالتالي إنزال مطر غزير‪ .‬وال تكمن الغاية من طواف السكان بتمثال ''تغنجا'' في‬
‫‪20‬‬
‫ويهدف أيضا من الطواف جمع الحبوب والطعام إلعداد‬
‫تحقيق نوع من التحرش الجنسي باإلله أمون" ‪َ .‬‬
‫حفل االستسقاء‪ ،‬الذي ينظم في القرية‪ .‬وفي هذا السياق فإن اقتران ''تغنجا''‪ ،‬بالفتاة العروس التي تطوف‬
‫بها‪ ،‬والتركيز يقع على الفتاة أكثر مما يقع على ''تغنجا'' يعزز االفتراض بأن ''تغنجا'' ربما تكون مجرد‬
‫صورة أو تمثال يراد منه أن يحل محل عروس حقيقية يمثلها‪ ،‬وتقدم إلى إله المطر كما يؤكد ِ‬
‫الميث‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وحسب العرض المفصل الذي قدمه عنها ''إميل الووست ‪ ''Emile laoust‬في مؤلفه‪Mots et :‬‬
‫‪ ،choses berbères‬حيث أفرد قسما مهما من هذا الكتاب لكيفية أداء شعائر (تغنجا) عبر بلدان‬
‫َّ‬
‫"إساكن" بنواحي سوس‬ ‫وقبائل شمال أفريقيا‪ ،‬حسب هذا الكاتب "تعتمد مناطق أخرى كما هو الحال في‬

‫‪ 17‬ترجمتها من كتاب‪Abdelaziz Bel faida, L’eau au maghreb antique entre le sacré et le profane, :‬‬
‫‪65-64.rabat net Maroc, avril 2011, p‬‬
‫‪Abdelaziz Bel faida, L’eau au maghreb antique entre le sacré et le profane, rabat net‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪Maroc, avril 2011, p.64‬‬


‫‪Ipid, p:6519‬‬
‫أوسوس محمد‪ ،‬دراسات في الفكر الميثي األمازيغي‪ ،‬الرباط ‪ ،2007‬ص‪.15‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪229‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫مثال على توظيف فتاة حقيقية في شعائر االستمطار‪ ،‬حيت يتم االستعاضة عن المغرفة بما تمثله أي‬
‫صبية يتيمة‪ ،‬فيتم التجوال بها محلولة الشعر‪ ،‬ومقيدة اليدين خلف ظهرها‪ ،‬إذ تتقدم بها النساء‪ ،‬وتعملن‬
‫على إبكائها كما بكت العروس في ِ‬
‫الميث الستثارة المطر‪. 21"...‬وقد تأثرت "تغنجا" بالدين اإلسالمي‪،‬‬
‫فب ِّدل لفظ اهلل الواحد األحد عوض اإلله أمون‪ ،‬تقول بعض‬
‫فأدخلت إليها بعض األذكار واألدعية‪ُ ،‬‬
‫الترنيمات النسائية‪:‬‬
‫اللي عند اهلل راه جاء‬ ‫~~~‬ ‫تغنجا يا مرجة‬
‫لقد "كان التشفع بالصالحين أم ار مألوفا منذ عهد عمر بن الخطاب حينما استشفع بالعباس عم الرسول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم عام الرمادة"‪ .22‬و في مراكش كان أبو العباس السبتي يدعو بعض شيوخ الصوفية‬
‫لالستسقاء بالناس‪ ،‬ويطلب حينئذ من الحاضرين التصدق بما معهم''‪ .23‬وتزخر كتب المناقب والكرامات‬
‫الصوفية بعدة حكايات حول الماء‪ ،‬ودور رجال التصوف في طلب االستسقاء‪ .‬فقد جاء في ترجمة الولي‬
‫أبي الفضل النحوي على لسان الولي ابن حرزهم أن هذا األخير دخل منزل أبي الفضل‪ ،‬فوجده يتوضأ‬
‫فلما فرغ من وضوئه نظر ابن حرزهم إلى اإلناء فوجده وكأنه لم ينقص منه شيء‪.24‬‬
‫فظاهرة االستسقاء تحضر حينما يشتد القحط‪ ،‬وتمسك السماء ماءها‪ ،‬وتجف األرض‪ ،‬وتنتشر األوبئة‪،‬‬
‫فيعتقد سكان العديد من مناطق المغرب أنها عقابا إلهيا‪ ،‬لذلك تكثر طقوس التقرب والتضرع إلى اهلل‬
‫سبحانه‪ ،‬لعل اهلل يجود عليهم بالمطر‪ ،‬ومن ذلك تنظيم خرجات جماعية يشارك فيها الصغير والكبير‪،‬‬
‫رجاال ونساء‪ ،‬رافعين أكفّهم للعلي القدير حتى يعطف على اإلنسان والحيوان والنبات بالمطر‪ .‬ألن كارثة‬
‫الجفاف تتخذ في المعتقدات المحلية طابعا غيبيا تجسد عقابا من اهلل بسبب خطايا بني آدم وأعمالهم‪.‬‬
‫لذلك فإن القلق األساسي الذي ينتاب الناس خالل فترة الجفاف وانحباس المطر تُجسَّد في طقوس دينية‬
‫حيث تقام صالة االستسقاء جماعات فيخرج الناس إلى أرض فالة‪ ،‬ويصلي بهم اإلمام ركعتين‪ ،‬وهي‬
‫مثل صالة العيد تماما‪ ،‬حيث يكبر فيها سبعا في الركعة األولى وخمسا في الثانية‪ .‬وبعد الصالة يبدأ‬
‫التضرع إلى اهلل بمشاركة عدد كبير من الصلحاء والفقهاء ورجال التصوف والشرفاء‪ ،‬وتردد أدعية منها‪:‬‬

‫‪Emile. laouste: mots et choses berbères, Paris 1920, P8821‬‬


‫ابن األحمر‪ ،‬بيوتات فاس الكبرى‪ ،‬دار المنصور‪ ،‬الرباط ‪ 1972‬عبد الوهاب بن منصور‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫‪22‬‬

‫ابن الزيات‪ ،‬التشوف إلى رجال التصوف‪ ،‬البيضاء ‪ ،1994‬تحقيق أحمد التوفيق‪ ،‬ص ‪.39‬‬ ‫‪23‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.97‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪230‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫«اللهم اسق عبادك وبهيمتك‪ ،‬وانشر رحمتك‪ ،‬واحي بلدك الميت‪ ،‬اللهم اسقنا الغيث وال تجعلنا من‬
‫اك ْو ْعلَى َب َاب ْك‬
‫ض ْ‬‫النا َن ْس َع ْو ِر َ‬
‫«مو َ‬
‫القانطين»‪ ،‬وفي بعض القرى يقوم األطفال بالطواف جماعات مرددين ُ‬
‫اح ِم ْ‬
‫ين»‪.‬‬ ‫الر ِ‬ ‫ين‪ ،‬الَ َم ْن َي ْر َح ْمَنا ِس َو ْ‬
‫اك َيا أ َْر َح ْم َّ‬ ‫َو ِاق ِف ْ‬
‫وتتميز صالة االستسقاء بمنطقة الغرب كغيرها من مناطق المغرب‪ ،‬بكون السكان يقومون بطقوس أخرى‬
‫إضافية غير الصالة‪ ،‬حيث يقوم كل رجل بتغيير طريقة لباسه‪ .‬وتفيد بعض الروايات الشفوية إلى ما‬
‫كان يقوم به الغرباويون من طقوس طلبا لالستسقاء كلما ضاقت بهم األحوال‪ ،‬وطالت فترة الجفاف في‬
‫القديم‪ ،‬حيث كانوا يطوفون جماعات َفي ْقلِب الرجال جالبيبهم‪ ،‬ويحملون أحذيتهم (البلغة) في أيديهم‬
‫ويمشون حفاة كرمز للتذلل واالستغاثة هلل تعالى‪ ..‬وبعد الصالة والتضرع هلل والطواف الجماعي المصحوب‬
‫باألهازيج والمرددات يقومون بعمل (الوزيعة)‪ ،‬وهو عمل جماعي يتمثل في ذبح خرفان أو بقرة‪...‬‬
‫فيذبحونها ويتقاسمون لحومها بالتساوي‪ ..‬وهو عمل يهدف في عمقه إلى الوحدة والتضامن والتماسك بين‬
‫أفراد المجتمع‪ .‬وفي منطقة أخرى مثل (تاونات) يمارس نفس الطقس لكن بتسمية مغايرة حيث يسمى‬
‫عندهم ب "موت األرض" وتقام له كذلك ما يسمى بالوزيعة‪ .‬أما النساء فيقمن بصنع وجبات الكسكس‬
‫لتضرع الناس وصالتهم‪ ،‬تظهر أولى‬
‫ّ‬ ‫اللذيذة ألكلها في جماعات‪ ...‬وبعد أن يستجيب اهلل سبحانه وتعالى‬
‫تباشير الخير بهطول الزخات األولى من المطر‪ ،‬فيستبشر الناس بها فرحا‪ ،‬ويخرج األطفال مهللين‬
‫فرحين‪َ ،‬ي ْج ُرون وهم يرددون‪:‬‬
‫ات اْل َح َّارثَه‬ ‫أ َْولِ َ‬
‫يد ْ‬ ‫آ ْشتَا تَاتَا تَاتَا‬
‫َّب لِي ُخ ْب ِزي َب ْك ِري‬ ‫طَي ْ‬ ‫وزْك ِري‬ ‫آْل ْم َعلَّ ْم ُب َ‬
‫ضي‬‫يداتِي ع ْن ْد اْلقاَ ِ‬ ‫ْولِ َ‬ ‫يداتِي‬
‫اش ْن َع ِّشي ْوِل َ‬ ‫َب ْ‬
‫َ‬
‫ات اْلفَ ْار‬ ‫ام َراتُو َوْل َد ْ‬ ‫اخَب ْار‬
‫اق ْ‬ ‫اس ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َواْلقَاضي َم َ‬
‫َّار‬
‫ْو َس َّماتُوا َع ْب ْد اْل َجب ْ‬ ‫اب َّ‬
‫الد ْار‬ ‫َعلّْقَاتُو ِفي َب ْ‬
‫إن الفرح بالمطر يكون على شكل إيقاع يحاكي تساقط قطرات المطر بلطف‪ ،‬كما يظهر في األغنية التي‬
‫يرددها األطفال بشكل جماعي فرحا بتهاطل المطر‪" :‬آشتا تاتا تاتا تاتا"‪ ،‬كنداءات موجهة إلى الفالحين‬
‫ك أن الجوع‪ ،‬والطلب على‬
‫"آوليدات الحراثة" ليستعدوا لحرث األرض التي جعلها المطر طيِّعة‪ ،‬وال ش ّ‬
‫طيب لي خبزي بكري"‪ ،‬إلى‬
‫الخبز سيتزايد‪ ،‬فينادون المعلم الذي يطبخ الخبز بالفرن "آلمعلم بوزكري" ّ‬
‫درجة أن ْم َعلَّم الفران عليه أن ينضجه بسرعة كي ّ‬
‫يسد األب جوع أبنائه‪...‬‬

‫‪231‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫إن طقس االستسقاء بالرغم من أنه حاز على اهتمام العديد من الباحثين األجانب والمغاربة‪ ،‬فإنه يصعب‬
‫وضعه في سياق تاريخي معين‪ ،‬باعتباره أحد الطقوس القديمة السائدة في المغرب الكبير والذي يمتد إلى‬
‫ما قبل اإلسالم‪ .‬فهو قضية أثارت انتباه كبار علماء االجتماع منذ "النغ" حتى "مالينوفسكي"‪ ،‬مرو ار‬
‫ب"دوركايم" و"برول" و"فان درولي" وقدموا بشأنها وجهات نظر مختلفة(‪ .)...‬لذلك يبقى طقس االستسقاء‬
‫مرتبطا بنسق رمزي واحد ومتشابه‪ ،‬مستندا إلى خلفية ميثية قديمة‪ِ ،‬‬
‫ورؤية كونية واحدة لعالقة اإلنسان‬
‫بالماء كمادة الحياة‪ ،‬ومادة الخصب الستسقاء األرض العذراء بالسائل المطري‪.‬‬
‫ظاهرة ''رش الماء'' في عاشوراء‪:‬‬
‫تعد عاشوراء من بين أهم الطقوس االحتفالية المتوارثة عند جميع المغاربة‪ ،‬توارثها الخلف عن‬
‫ّ‬
‫السلف‪ ،‬يتداخل فيه الديني اإلسالمي كالصيام والصدقة‪ ،‬والبدائي كلباس األقنعة ورش المياه‪ ،‬والمجوسي‬
‫كإشعال النار‪ ،‬والنصراني كتقديس الماء‪ ،‬إلى جانب طقوس ذات أصول يهودية‪ .‬فهو يجمع بين متناقضات‬
‫عدة كالفرح والحزن‪ ،‬والماء والنار‪ ،‬العبادة والشعوذة‪ ،‬االلتزام والحرية‪ ،‬السنة والشيعة‪...‬‬
‫أصل التسمية‪:‬‬
‫يوم عاشوراء هو عاشر المحرم‪ ،‬وهو اسم إسالمي‪ ،‬وجاء عشوراء بالمد مع حذف األلف التي بعد‬
‫العين‪ . 25‬كلمة عاشوراء تعني العاشر في اللغة العربية‪ ،‬ومن هنا تأتي التسمية‪ .‬واذا ما تم ترجمة الكلمة‬
‫ترجمة حرفية فهي تعني "في اليوم العاشر"‪ .‬أي اليوم الواقع في العاشر من شهر "محرم"‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫من أن بعض علماء المسلمين لديهم عرض مختلف لسبب تسمية هذا اليوم بعاشوراء إال أنهم يتفقون في‬
‫أهمية هذا اليوم‪.26‬‬
‫طقوس عاشوراء بين الماء والنار بمنطقة الغرب‪:‬‬
‫وليوم عاشوراء عند المغاربة عامة كما هو عند المجتمع الغرباوي خاصة مكانة خاصة‪ ،‬فهو يوم العاشر‬
‫من شهر محرم الحرام الذي له داللة خاصة نظ ار لما لهذا اليوم من رمزية دينية قيِّمة‪ ،‬فهو اليوم الذي‬
‫تاب اهلل فيه على آدم‪ ،‬وهو اليوم الذي نجَّى اهلل فيه نوحا وأنزله من السفينة‪ ،‬وفيه أنقذ اهلل نبيَّه إبراهيم‬
‫من النمرود‪ ،‬وفيه َّ‬
‫رد اهلل يوسف إلى يعقوب‪ ،‬وهو اليوم الذي أغرق اهلل فيه فرعون وجنوده ونجى موسى‬
‫نبي اهلل يونس من بطن‬
‫وبني إسرائيل‪ ،‬وفيه غفر اهلل لنبيه داوود‪ ،‬وفيه وهب سليمان ملكه‪ ،‬وفيه أخرج َّ‬

‫فخر الدين بن محمد الطريحي‪ ،‬مجمع البحرين‪.4053 :‬‬ ‫‪25‬‬

‫ويكيبيديا‪ ،‬الموسوعة الحرة‪ :‬عاشوراء‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫‪232‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫الحوت‪ ،‬وفيه رفع اهلل عن أيوب البالء‪ .‬وهو اليوم الذي قُتل فيه حفيد النبي وثالث أئمة آهل البيت اإلمام‬
‫حسين بن علي في كربالء‪...‬‬
‫رش الماء أو ما تسمى باللسان المغربي الدارج‬‫ومن بين العادات األكثر شعبية في هذا اليوم‪ ،‬هي عادة ّ‬
‫(التّْزمزيمة)‪ ،‬وعادة إشعال النار تسمى (ال ّشعالة)‪ .‬وترجع العديد من الدراسات األنثروبولوجية والتاريخية‬
‫وجود عادات عاشوراء في الثقافة المغربية إلى فلول المذهب الشيعي المنتشر بالمغرب خالل القرن ‪11‬‬
‫ميالدي‪ ،‬حين كانوا يحتفلون بيوم عاشوراء‪ ،‬أو ذكرى مقتل الحسين بن علي في كربالء‪ .‬وصارت مناسبة‬
‫‪27‬‬
‫‪ ،‬وعلى الرغم من االعتقاد السائد في بعض مناطق المغرب بأن‬ ‫لأللم والحزن وربما البكاء والتحسر‬
‫عاشوراء حداد على مقتل أبناء علي بن أبي طالب‪ ،‬وأحيانا على موت الرسول‪ ،‬وعلى الرغم من توقيتها‬
‫الذي يصادف اليوم الثاني من محرم وهو الشهر األول للسنة الهجرية المحمدية‪ ،‬فإنها طقس شمالي‬
‫إفريقي ال ينتمي إلى اإلسالم وال إلى الوثنية العربية‪ .28‬يستند "وستر مارك" في هذا اإلقرار حسب د‪ .‬عبد‬
‫الغني منديب على مسألتين اثنتين أولهما أن الشرق العربي ال يعرف "مهرجان عاشوراء"‪ ،‬وثانيهما الشبه‬
‫الكبير الموجود بين هذا "المهرجان" وطقس "منتصف الصيف" الذي كان سائدا عند البرابرة القدماء قبل‬
‫مجيء اإلسالم‪" :‬وما يؤكد هذه المسألة هو أن القبائل التي تحتفل "بعاشوراء" ال تحتفل بمنتصف الصيف"‬
‫والعكس صحيح‪ ،‬أما القبائل التي تمارسهما معا فتعطي أهمية ألحدهما على حساب اآلخر"‪ .29‬ولإلشارة‬
‫فإن "إدوارد وستر مارك" هذا هو الذي جاء إلى المغرب من فنلندا في بداية القرن العشرين قصد دراسة‬
‫نمط تفكير وتدين المغاربة‪ ،‬وتتحدث أطروحته حول أنماط االعتقاد الديني بالمجتمع المغربين وتتكون من‬
‫ثالثة محاور أساسية‪:‬‬
‫‪ -‬اختالف "الدين الشعبي" عن "الدين األرثوذكسي" الفقهي‪.‬‬
‫‪ -‬التداخل بين الديني والسحري داخل الطقوس الدينية للمغاربة‪.‬‬
‫‪ -‬الحضور القوي للبقايا الوثنية داخل المعتقدات الدينية للمغاربة والممارسات المرتبطة بها "‪. 30‬‬

‫عبد الفتاح الفاتح‪ ،‬الداللة الرمزية لرش "ماء عاشوراء" في الثقافة المغربية‪ ،‬هسبريس ‪.2009‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪ 28‬عبد الغني منديب‪ ،‬الدين والمجتمع دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،2010 ،‬ص‪،23.‬‬
‫نقال عن‪Edward Westermarck : Les survivances païennes dans la civilisation mahométane. :‬‬
‫‪21: Payot , Paris, 1935, p‬‬
‫عبد الغني منديب‪ ،‬الدين والمجتمع دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.23.‬‬ ‫‪29‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص‪.18.‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪233‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫فالدين الشعبي" حسب "وستر مارك" يختلف عن "الدين الرسمي" لكون مجموعة من الممارسات التي يقوم‬
‫بها المغاربة كالتمسح باألضرحة غير مشروعة في اإلسالم الرسمي‪ ،‬لكن رغم ذلك فهذه الطقوس‬
‫والممارسات مازالت حاضرة بكل ثقلها في الواقع اليومي للمغاربة‪ .‬فالمغاربة مازالوا يقدسون بعض األماكن‬
‫ويشدون الرحال إلى األضرحة ويقيمون لها ما يسمى (بالعادات) ويذبحون على أعتابها األضاحي‪...‬‬
‫يرى "وستر مارك" أن عاشوراء هي طقس شمال إفريقي ال ينتمي إلى اإلسالم وال إلى الوثنية العربية‪،‬‬
‫ويتضمن طقوسا مائية ونارية هي باألساس طقوس وقائية وتطهيرية يدوم مفعولها سنة بكاملها‪ ...‬وعلى‬
‫أي فإن عاشوراء ترتبط أشد االرتباط بعملية إشعال النار ليلة ‪ 9‬محرم الهجري وينتهي بعملية االستحمام‬ ‫ّ‬
‫بالماء البارد‪ ،‬ورش الماء في اليوم الموالي‪ ،‬وهي عادة وتقليد عميق في الثقافة الشعبية المغربية‪ .‬ففي ليلة‬
‫تاسعاء يكون األطفال على موعد مع (ال َشعَّالَة) الكبرى يتم فيها جمع الحطب واألغصان اليابسة وغيرها‪...‬‬
‫ُ‬
‫إال أنه تم استبدال أغصان األشجار في وقتنا الحالي بعجالت السيارات المتَ َخلَّى عنها‪ ،‬الغرض من ذلك‬
‫التباهي بأكبر َشعَّالَة‪ ،‬مما عاد سلبا على تلوث البيئة والشوارع واألزقة‪ ..‬كان الجميع يخرج لالستمتاع‬
‫مغنيات ِ‬
‫فرحات بالحدث العظيم‬ ‫بال َشعَّالَة‪ ،‬النساء يحملن الدفوف (الطعاريج والبنادير) ويأتين من كل حذب ِّ‬
‫يرددن‪:‬‬
‫وهن ّ‬
‫ال أَالَلَّة‬
‫الر َج ْ‬
‫وه ّْ‬ ‫يد اْل ِميلُ ْ‬
‫ود َك ْي َح ْك ُم ْ‬ ‫ور َما ْعلِ َينا اْل ْح َك ْام أ ََاللَّة‪ْ ،‬و ِس ْ‬ ‫ادا َعا ُش ْ‬
‫‪َ -‬ه َ‬
‫طلَ ْق ْش ُع ِ‬
‫وري‬ ‫اعلِ ْ‬
‫يه َن ْ‬ ‫وري َو ْ‬ ‫وري َع ْاي ُش ِ‬ ‫‪َ -‬ع ْاي ُش ِ‬
‫اهلل إِالَ َشعَّالَة‬‫‪َ -‬شعَّالَة َبعَّالة َو ْ‬
‫‪ -‬قديدة مرمية على األعواد‪...‬‬
‫في إشارة إلى لحم ِّ‬
‫القديد الذي احتفظن به من أضحية عيد األضحى (العيد الكبير)‪ ،‬لشوائه في هذه‬
‫الليلة‪ ،‬تبعا العتقادهن بأنه يمنح الذرية للمرأة العاقر‪ ،‬ويهب الزوج لغير المتزوجة‪ ...‬عند ذلك يقوم‬
‫األطفال واليافعون بالتباهي بالقفز فوق (ال َشعَّالَة) سبع مرات لكل واحد‪ .‬فهي مناسبة إلظهار شجاعتهم‬
‫وفتوتهم أمام الفتيات‪ ..‬مع العمل على إطالتها مشتعلة أكبر مدة ممكنة حتى يضمنوا استمرار السَّمر‬
‫بقربها إلى وقت متأخر من الليل‪.‬‬
‫ف "الشعالة"‪ ،‬وما يرتبط بها من احتفاالت وأهازيج شعبية‪ ،‬تحمل دالالت رمزية تدل على لحظة التحرر‬
‫ويس َرحن في مختلف‬
‫بالنسبة للنساء‪ ،‬ألنهن يتحررن من قيود سلطة الرجال عليهن‪ ،‬فيطلقن شعورهن ْ‬
‫الدروب ليستقطبن أكبر عدد من النسوة‪ ،‬ليتشاركن قرع الدفوف والرقص‪ ..‬إن إيقاد النار ورش الماء‬

‫‪234‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫يشكالن مظه ار احتفاليا عند المغاربة‪ ،‬ألنها تسمح بما ال يسمح به لهن في الحاالت العادية‪ ،‬وهو خروج‬
‫النساء ومشاركتهن في جو المرح واألهازيج مع الرجال‪.‬‬
‫وبالبحث عن أصل عادة إشعال النار أو ما تسمى ب (ال َشعَّالَة) نجد من يرجع أصلها إلى األمازيغ في‬
‫عهودهم البدائية حين كانوا يعبدون النار‪ ،‬وهناك من يعتبرها امتدادا لعادات يهودية أدخلها يهود المغرب‬
‫خالل استقرارهم بالجنوب المغربي‪ .31...‬كما أن النار في هذه الطقوس حسب المخيال الشعبي الغرباوي‬
‫ترتبط بقصة إلقاء سيدنا إبراهيم عليه السالم في النار‪ ،‬وكيف نجاه اهلل منها‪ .‬يقول اهلل تعالى في كتابه‬
‫العزيز‪ (:‬قلنا يا نار كوني بردا وسالما على إبراهيم)‪ ، 32‬وربما هذا ما يفسر شجاعة الشباب الذين يقفزون‬
‫فوقها دون الخوف من السقوط فيها‪ .‬فرمزية عادة إشعال نار "الشعالة" والقفز عليها يدل على التخلص‬
‫من الذنوب‪ ،‬ومن التعاسة وسوء الحظ‪ ...‬كما أن نار(ال َشعَّالَة) في المعتقد الشعبي لبعض النساء‬
‫الغرباويات تكون مناسبة ذهبية للقيام ببعض أعمال السحر والشعوذة المحظورة‪ .‬يقول الدكتور تركي‬
‫العطيان‪" :‬إن األسباب التي تؤدي إلى لجوء عدد من ضعاف النفوس للسحرة والمشعوذين تتجلى باألساس‬
‫في عجز الطب الحديث واألطباء في الوصول إلى عالج لبعض األمراض النفسية إضافة إلى التأثير‬
‫في الشخصية ( كالسذاجة والحقد واالنتقام‪ ،)...‬وأيضا الجهل بتعاليم الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وتغليب العاطفة‬
‫على العقل‪ ،‬فيغفل الفرد عن دينه ويتبع هوى نفسه ليحصل على مراده"‪.33‬‬
‫وعندما عندما تخبو نيران المباهج في ساعات متأخرة من ليلة عاشوراء‪ ،‬تنتهي في رمادها طقوس النار‬
‫لتبدأ طقوس الماء‪ ،‬أو ما تسميه العامة في المغرب "اتزمزيمة"‪ ،‬حيث أنه في صباح اليوم الموالي ينقلب‬
‫األمهات على إيقاظ أطفالهن لتبدأ‬ ‫تع َمد َّ‬
‫الوضع تماما‪ ،‬من النار (ال َشعَّالَة) إلى الماء (التزمزيمة)‪ .‬حيث ْ‬
‫عملية االستحمام بالماء البارد في الصباح الباكر ليوم عاشوراء‪ ،‬حتى تكون َسَنتُهُم مليئة بالخير وبالحيوية‬
‫والنشاط‪ ،‬وفي حالة عدم استيقاظ الفتيات باك ار كانت تلجأ األمهات إلى رشهن بالماء في فراشهن حتى‬
‫يضطررن لالستيقاظ‪ .‬وهذا الطقس تقوم به النساء الغرباويات إيمانا منهن أن ماء زمزم يقوم بطرد النحس‬
‫واألرواح الشريرة‪ ،‬ويعتبرن أن استحمام الصغار في صباح اليوم الباكر من عاشوراء‪ُ ،‬ي َي ّسر نموهم بعيدا‬
‫عن األرواح الشريرة‪.‬‬

‫حسب بعض الروايات الشفوية لألهالي‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.69‬‬ ‫‪32‬‬

‫تركي العطيان‪ ،‬أسباب تفشي ظاهرة السحر‪ ،‬الوطن السعودية‪ ،‬العدد ‪ ،2005 ،1798‬ص‪.17‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪235‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫يبدأ التراشق بالماء داخل األسر‪ ،‬أو بين الجيران في بادئ األمر‪ ،‬لتنتقل الحرب المائية بكل األزقة‬
‫والدروب‪ ،‬فترى المياه تصب على المارة من فوق السطوح أو من النوافذ‪" ..‬المغاربة يسمون يوم عاشوراء‪،‬‬
‫تبركا‪ .‬ويحاول التجار‬
‫بيوم زمزم‪ .‬وفي هذا اليوم‪ ،‬يقومون برش الماء على بعضهم البعض وعلى مقتنياتهم ُّ‬
‫بيع كل بضائعهم‪ .‬ويعقب عاشوراء "ليلة الشعالة" حيث يجتمعون حول نار وهم يرددون أهازيج‪ ،‬بعضها‬
‫يحكي قصة مقتل الحسن والحسين‪ ،‬تتخللها نياحة وأهازيج أخرى‪ ،‬وتقدم األسر الزكاة أو عشر أموالها‬
‫التي دار عليها الحول للفقراء"‪.34‬‬
‫لقد ارتبطت داللة الماء بالحياة والبركة والرزق والخصوبة‪ ،‬ومنه فظاهرة رش الماء ارتبطت برمزية‬
‫الخصب والتطهير التي تعقب نزول الغيث (الماء)‪ .‬وجعل اهلل نزول الماء من السماء سببا في الرزق‪،‬‬
‫حين يقول عز وجل‪( :‬الذي جعل لكم األرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من‬
‫‪35‬‬
‫"الم ْبحوثات" أن يغتسل الناس بالماء‪ ،‬ومن لم يستطع‬
‫الثمرات رزقا لكم) ‪ .‬وقد جرت العادة كما تقول أحد َ‬
‫ش بالماء‪ ،‬كما ُي ُّ‬
‫رش كل ما في البيت من أثاث وأشياء بالماء لتنزل البركة فيها‪ .‬وأن كل من‬ ‫االغتسال ُي َر ّ‬
‫ظانا أن البركة قد حفت به واكتنفته‪ ...‬أما في‬
‫رش غيره‪ ،‬أو رشه غيره يتفاءل بذلك ويقبل على عمله ّ‬
‫البوادي يقوم السكان قبل طلوع الشمس برش ممتلكاتهم الفالحية من قبيل الحقول ومحاصيل الحبوب‬
‫واآلالت الزراعية وقطعان الماشية‪ ،‬بغية جلب الحظ للحصول على سنة فالحية خصبة‪...‬‬
‫يمة" أو يوم زمزم كمرادف لعملية رش الماء‪ ،‬العتقادهم أن مياه األرض تكون‬ ‫ويرجع سبب تسمية "التَّْزْم ِز َ‬
‫زمزمية يوم عاشوراء‪ .‬فمعظم المغاربة يعتقدون منذ القدم في أن اآلبار واألنهار تكتسب قبل طلوع اليوم‬
‫الموالي لليلة االحتفال خاصية سحرية‪ ،‬ألنها تصير لفترة قصيرة محملة ببركة بئر زمزم‪ .‬حيث يعتقدون‬
‫بأن كل اآلبار وعيون الماء والغدران والبحيرات بالمغرب تصير متصلة خالل المناسبة بمياه البئر المكية‪.‬‬
‫لذلك اعتادت النسوة في بعض المناطق على النزول إلى مناطق التزود بالماء القريبة‪ ،‬قبيل طلوع شمس‬
‫اليوم الحادي عشر من محرم من اجل تعبئة أوان يحفظن فيها شيئا من ذلك الماء العجيب‪ ،‬وهم في‬
‫ممارستهم لهذه الطقوس‪ ،‬يسعون لجلب البركة والتطهر‪ ،‬لذلك تكون المأكوالت بهذه المناسبة استثنائية‬
‫وتتشكل في غالبها من الفواكه الجافة‪ ،‬التي يتصدق ببعضها أثناء زيارة المقابر للترحم على األموات‪...‬‬

‫ويكيبيديا‪ ،‬الموسوعة الحرة‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪34‬‬

‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪236‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫الزيادة‪ .‬بحيث أن‬


‫الزَكا) بمعنى ّ‬
‫يقسم إلى نصفين‪ ،‬الفترة الصباحية يسمونها (فترة ّْ‬ ‫كما أن يوم "التَّْزْم ِز َ‬
‫يمة" ّ‬
‫بقص خصلة من شعرهن اعتقادا منهن أن هذا العمل سيقوم بالزيادة في طوله وحجمه‪ ،‬كما‬‫الفتيات يقمن ّ‬
‫الرَبا)‪ ،‬بحيث ينقطع التجار‬
‫(اله َبا و ّْ‬
‫أن الرجال يزّكون بأموالهم كي تزيد وتكثر‪ ...‬والفترة المسائية تسمى ب ْ‬
‫عن أي لون من النشاط التجاري‪ ،‬معتبرين أي ربح هو ِرَبا َو َهَباء ال بركة فيه‪ ،‬لتنشط التجارة باعتبار‬
‫المتاجرة فيه تأتي بالبركة‪ ،‬ال سيما شراء أشكال الحلوى والمكسرات وألعاب األطفال وما شابه‪..‬‬
‫لقد اتخذ الماء رمزيته في عاشوراء من روافد تاريخية ودينية‪ ،‬فارتبطت رمزيته في كل الثقافات والحضارات‬
‫بالتطهير من الذنوب‪ ،‬واعالن عن والدة جديدة‪ .‬فشرط الدخول في اإلسالم هو الوضوء األكبر‪ ،‬ووضوء‬
‫الصالة هو إعالن عن القطع مع تبعات الذنوب والخطايا في مرحلة الكفر والشرك‪ .‬وفي هذا يأتي سياق‬
‫اآلية الكريمة‪( :‬إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز‬
‫الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبِّت به األقدام)‪ .36‬فالماء رمز الحياة وأساس وجودها‪ ،‬حيث جاء في‬
‫القرآن الكريم قوله تعالى‪( :‬وجعلنا من الماء كل شيء حي)‪ ،37‬ومعلوم أن الكون قبل خمسة عشر ألف‬
‫مليون عام كان ماء سديما‪ ،‬قبل أن يتشكل على هيأته الحالية‪ ،‬في ذلك قوله تعالى‪ ( :‬وكان عرشه على‬
‫الماء)‪.38‬‬
‫وتبقى هذه المناسبة عند المغاربة قاطبة تشكل يوم فرح وبهجة‪ ،‬ال يهتمون فيها بالخلفيات اليهودية أو‬
‫الشيعية التي تتخلل هذه االحتفاالت‪ .‬فرش الماء وايقاد النيران‪ ،‬وما يتصل بهما من أهازيج‪ ،‬يشكالن‬
‫ويجسد نوعا من‬
‫ّ‬ ‫مظه ار احتفاليا يعبِّر عن متخيل جماعي شعبي حاضر بقوة في ثقافتنا الشعبية المغربية‪،‬‬
‫التالحم والتآزر اإلنساني بين أفراد المجتمع‪..‬‬
‫خاتمـ ــة‪:‬‬
‫تقدم الذاكرة الشعبية في "منطقة الغرب" رؤية حية لواقعها المعيش‪ ،‬تارة من خالل التوسل بتراثها‬
‫الشفهي‪ ،‬وتارة أخرى عبر طقوسها االحتفالية أو حكاياتها الخرافية في ارتباط وثيق بهويتها األصيلة‬
‫المستمدة من منظومة القيم الدينية وأبعادها األخالقية‪ ،‬وهو األمر الذي يفرض على الباحثين استلهام هذه‬
‫الجوانب المتجذرة في واقع الشعوب للكشف عن تجلياتها ودالالتها المختلفة‪ .‬لقد كان للماء في‬

‫سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬ ‫‪36‬‬

‫سورة األنبياء‪ ،‬اآلية‪.30 :‬‬ ‫‪37‬‬

‫سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬ ‫‪38‬‬

‫‪237‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫الرؤية اإلسالمية موقعا متمي از‪ ،‬يلخصه القرآن الكريم ويجليه مفصال وبشكل واضح في قوله عز وجل‪:‬‬
‫فح َّ‬
‫ق للماء إذا‪ ،‬أن يكون سبب الحياة واستم ارريتها‪ .‬ولذلك نجده‬ ‫‪39‬‬
‫﴿وجعلنا من الماء كل شيء حي ﴾‪ُ .‬‬
‫قد استأثر بمكانة متميزة في الخطاب القرآني واقترن بصور غاية في اإلعجاز اإللهي‪ ،‬وارتبط بمعجزات‬
‫نبوية عظيمة‪ ،‬أجلّها معجزات رسولنا محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وبكرامات شهيرة في التاريخ اإلنساني‬
‫عامة واإلسالمي خاصة‪ ،‬أصحابها شخصيات خارجة عن المألوف وقريبة من اهلل الرؤوف‪ ،‬في طليعتهم‬
‫الصحابة وأكابر السلف‪ .‬ومن خالل دراستنا للتراث الشعبي الغرباوي‪ ،‬تبين لنا بالملموس أن التراث‬
‫الشعبي بمنطقة الغرب كنظيره بباقي التراب الوطني للمملكة‪ ،‬كان وال زال بمثابة بطاقة تعريف جماعية‬
‫تحدد معالم العالقات داخل المجتمع‪ .‬فهو بطاقة المرور التي يحملها اإلنسان الشعبي الغرباوي في ذاكرته‬
‫ليثبت بها انتماءه لعشيرته‪ ،‬وهي البرهان القاطع للحصول على عضوية كاملة المعالم‪ ،‬والتمتع بها داخل‬
‫المنظومة التي تمنحه تزكية أفرادها ومباركتهم‪..‬‬
‫استنادا إلى ما سبق فإن النتيجة التي يخرج بها كل باحث في الثقافة الشعبية المغربية أنها تمتح من‬
‫تداخل الروافد التي تؤثث المشهد الثقافي المغربي (العربي واألمازيغي والحساني واليهودي)‪ ،‬والتي امتزجت‬
‫فيما بينها لتكون معطى ثقافيا وأنثروبولوجيا اسمه الثقافة الشعبية المغربية‪.‬‬
‫وأن الماء احتل قيمة رمزية وطقسية متميزة داخل سلوكيات اإلنسان المغربي‪ ،‬شكل في المتخيل الشعبي‬
‫المغربي خزانا طبيعيا لمجموعة من المعتقدات التي يتداخل فيها الواقعي بالمتخيل والمرئي بالالمرئي‪،‬‬
‫والتاريخي باألسطوري‪ ،‬والمعقول بالخرافي‪.‬‬
‫لقد كان حضور الماء في ذاكرة اإلنسان الشعبي الغرباوي بمختلف تمظهراته تجسيدا لحقيقتين‪ ،‬األولى‬
‫هي أن وجود الماء بالتراث الشعبي الغرباوي يعكس لنا تأثر الشعب به‪ ،‬أما الثانية فتكمن في اعتباره‬
‫أكثر نقاوة‪ ،‬ذلك أنه يعد رم از طبيعيا للطهارة والحلم والتجدد‪ .‬فاإلنسان الشعبي الغرباوي كان يرى وجود‬
‫الماء بالمنطقة نعمة من نعم اهلل التي ال تقدر بثمن وال يوفها الشكر حقها‪ ،‬ألن مقامها فوق كل مقام‪.‬‬
‫لذلك كان أشد االرتباط بالماء في أفراحه وأتراحه‪ ،‬فتعددت بذلك دالالت الماء في المخيال الشعبي‪ ،‬وظهر‬
‫هذا السائل السحري بشكل جلي في مأثوراته الشفهية‪ ،‬التي من خاللها نكشف عن تمثالته للماء‪ ،‬هذه‬
‫التمثالت التي وجدناها نابعة من عالقة التعارض بين الواقعي والمتخيل‪ ،‬العادي والخارق مما أنتج لنا‬
‫تبادال رمزيا بينهما‪ ،‬يتداخل أحدهما في اآلخر‪ .‬فالماء الذي عهدناه رم از لألمن واألمان والطهارة‬

‫سورة األنبياء –اآلية‪30 :‬‬ ‫‪39‬‬

‫‪238‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫واالستشفاء والكرامة‪ ...‬وكل ما يملكه من خصائص طبيعية ميزه اهلل بها‪ ،‬نجده مرة أخرى رم از للقوة‬
‫والشر والرهبة والخوف‪ ...‬لذلك طغى عامل التناقض في تجسيد هذه المادة التي جعل اهلل منها كل شيء‬
‫حي‪ .‬فمخيال اإلنسان الشعبي الغرباوي من خالل موروثه الشفاهي المليء بالرموز والتمثالت يعبر عن‬ ‫ّ‬
‫عقلية الواعي عند تعامله مع بيئته‪ ،‬وتصرفاته إزاء الحياة اليومية‪ ،‬وعن تقديسه للماء كقوة مجسدة للخير‬
‫والشر معا‪ ،‬إذ به صالح البالد والعباد عندما يكون مصد ار للخير‪ ،‬وبه هالك الحرث والنسل‪ ،‬عندما‬
‫يصبح مصد ار للشر والباليا‪ ...‬فهو يجمع بين المقدس والمدنس تارة‪ ،‬ويروم إلى الواقعية والخيال تارة‬
‫أخرى‪ .‬يتداخل فيه الديني بالدنيوي‪ ،‬والالهوت بالناسوت‪ ،..‬فال حدود لمعنى المقدس في تمثالت اإلنسان‬
‫الشعبي للماء‪ ،‬لذلك لم يكن بمقدوره إال نسج أدب شعبي يحاكي مخياله الخرافي ويربط مصيره بقوى‬
‫خارقة سواء من اإلنس أو من الجن‪..‬‬
‫إن المجتمع الشعبي المغربي عامة والذي بمنطقة الغرب خاصة كان والزال معقال للعادات والتقاليد‪ ،‬وهو‬
‫حق لنا أن نفتخر به ألنه إفراز لما لهذا المجتمع من قدرات خالقة تكشف عن تفاعل اإلنسان‬ ‫أمر ّ‬
‫عد الكرامة المائية أحد‬
‫الغرباوي مع واقعه ومعتقداته وتصوراته لبيئته التي يعيش بها ويتعايش معها‪ .‬إذ تُ ّ‬
‫القدسي الذي أكسبها الديمومة‬
‫ّ‬ ‫ثوابت المعتقدات االجتماعية وبنياتها العميقة‪ ،‬التي استمدت فعاليتها من‬
‫واالستمرار في دينامية الفكر الديني الشعبي الذي يطغى عليه اإليمان بالخوارق‪ ،‬لتصبح الخرافة ذات‬
‫حد األلوهية‪ ..‬فارتباط الماء بالكرامة جعله‬‫موقع راسخ‪ ،‬وتحقق الوالية الترقي إلى واقع أسمى‪ ،‬ارتبط إلى ّ‬
‫رم از للحياة والخلود والطهارة والتواضع والعلم‪ ،‬فيما صار الثاني رم از للكمال والقدرات الخارقة التي يفتقدها‬
‫اإلنسان العادي‪ ..‬فسيادة الطابع الخرافي داخل المتون الشعبية ارتبطت بالبنية المتخلفة للواقع الغرباوي‬
‫الذي عانى من قهر الطبيعة عليه المتمثلة في الفيضانات والجفاف واألوبئة‪ ...‬ليقف عاج از عن تفسير‬
‫هذه الظواهر التي تقض مضجعه‪ ،‬فتعزيها الذاكرة الشعبية الغرباوية إلى قوى غيبية خارقة‪" ،‬كعيشة موالت‬
‫الواد وموالي بوسلهام كواد البحر‪ ...‬الخ"‪ُ ،‬بغية تحقيق االستقرار الوجودي‪ ،‬وتجاوز مخاوفه وقلقه الناجمين‬
‫عن الجهل واألمية الطاغية على ساكنة هذه المنطقة‪..‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬
‫‪ -‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر بيروت‪ ،‬الطبعة األولى ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ -‬إبراهيم أنيس وآخرون‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬ط ‪.2‬‬
‫‪ -‬ابن األحمر‪ ،‬بيوتات فاس الكبرى‪ ،‬دار المنصور‪ ،‬الرباط ‪ 1972‬عبد الوهاب بن منصور‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫مجلة ريحان للنشر العلمي تصدر عن مركز فِكر للدراسات والتطوير ‪WWW.FIKER.OR‬‬
‫العدد الثامن ‪ :‬ص‪ 220‬ص‪240‬‬ ‫‪2097-2709:ISSN‬‬
‫‪ 8‬مارس ‪2021‬‬

‫‪ -‬ابن الزيات‪ ،‬التشوف إلى رجال التصوف‪ ،‬البيضاء ‪ ،1994‬تحقيق أحمد التوفيق‪.‬‬
‫الجاهلي‪ ،‬بيروت‪.1987 ،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬أبو سليم أنور‪ ،‬المطر في الشعر‬
‫‪ -‬اإلمام مالك "الموطأ " دار إحياء العلوم العربية‪.1994،‬‬
‫‪ -‬أوسوس محمد‪ ،‬دراسات في الفكر الميثي األمازيغي‪ ،‬الرباط ‪.2007‬‬
‫‪ -‬البستاني‪ ،‬بطرس المعلم‪ ،‬محيط المحيط‪ ،‬مطبعة تبيويرس‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.2،1987‬‬
‫‪ -‬الجوهري‪ ،‬الصحاح في اللغة والعلوم‪( ،‬مادة طقس)‪ ،‬تحقيق نديم مرعشلي‪ ،‬دار النقاش‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪.1‬‬
‫‪ -‬جيمس فريزر سير‪ ،‬الغصن الذهبي‪.‬‬
‫‪ -‬السواح فراس‪ ،‬دين اإلنسان‪ ،‬دار عالء‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪.1994 ،1‬‬
‫‪ -‬العطيان تركي‪ ،‬أسباب تفشي ظاهرة السحر‪ ،‬الوطن السعودية‪ ،‬العدد ‪.2005 ،1798‬‬
‫‪ -‬الفاتح عبد الفتاح‪ ،‬الداللة الرمزية لرش "ماء عاشوراء" في الثقافة المغربية‪ ،‬هسبريس ‪.2009‬‬
‫‪ -‬فخر الدين بن محمد الطريحي‪ ،‬مجمع البحرين‪.4053 :‬‬
‫‪ -‬الفيروز أبادي‪ ،‬مجد الدين محمد بن يعقوب‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬مادة(طَقَس)‪ ،‬المؤسسة العربية للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬دار الجليل‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج ‪.3‬‬
‫‪ -‬القاضي عياض‪ ،‬ترتيب المدارك "‪ ،‬فضالة المحمدية ‪ ،1968،‬ج‪.3‬‬
‫‪ -‬كرامي‪ ،‬حسان‪ ،‬المغني األكبر‪ ،‬مطبعة لبنان‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1988 ،1‬‬
‫‪ -‬مرجان محمد‪" ،‬الماء بمنطقة الغرب من خالل المأثور الشعبي"‪ ،‬ضمن مجلة "الثقافة الشفهية والتنوع اللغوي‬
‫في المغرب"‪ ،‬منشورات مختبر اللغة والمجتمع بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية القنيطرة ‪.2009،‬‬
‫‪ -‬منديب عبد الغني‪ ،‬الدين والمجتمع دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الطبعة الثانية‪،2010 ،‬‬
‫‪ -‬ويكيبيديا‪ ،‬الموسوعة الحرة‪ :‬عاشوراء‪.‬‬
‫‪- Abdelaziz Bel faida, L’eau au maghreb antique entre le sacré et le profane, rabat net‬‬
‫‪Maroc, avril 2011.‬‬
‫‪- Edward Westermarck : Les survivances païennes dans la civilisation mahométane.‬‬
‫‪Payot, Paris, 1935.‬‬
‫‪- Emile. laouste: Mots et Choses Berbères, Notes de linguistique et d’Ethnographie‬‬
‫‪dialectes du Maroc , Librairie maritime et coloniale, Paris 1920.‬‬

‫‪240‬‬

You might also like