Professional Documents
Culture Documents
Sa7eralkutub 4528
Sa7eralkutub 4528
2
3
عزيزي القارئ..
عىل مدار سنوات صداقيت بتوين ،تشاركنا مًع ا نفس ولعنا
الطفويل بالجنيات ،لكننا لم ندرك أهمية ذلك الرابط أو كيف
سنخترب ه.
ويف يوم من األيام ،كنت أنا وتوين وعدد آخر من الكتاب يف
حفل توقيع كتاب يف إحدى المكتبات الكرب ى ،وبعد انتهاء حفل
التوقيع ،تباطأنا ونحن نساعد يف ترتيب الكتب ونتحدث مًع ا،
حىت اقرت ب منا أحد الموظفني وقال :إن أحدهم قد ترك لنا
خطاًب ا .وعندما سألته :لمن منا الخطاب؟ فاجأتنا إجابته.
فقد قال الموظف :لـ«كليكما».
بالضبط كما يظهر يف الصفحة المقابلة ،وقد الخطاب اًل لقد كان
ًت
قىض توين وق ا طوي يحدق إىل النسخة اليت جاءت مع
الخطاب ،ثم تعجب يف صوت خافت من بايق المخطوطة.
وبرسعة ،كتبنا ملحوظة ،وأدخلنا المخطوطة يف الظرف وطلبنا
من الموظف أن يرسلها إىل أطفال جريس.
وبعد مدة قصري ة ،وصل مكتيب طرد مربوط برش يط أحمر .وبعد
ذلك بعدة أيام ،قرع ثالثة أطفال جرس الباب وقصوا عَّيل هذه
القصة.
وما حدث منذ ذلك الوقت ال يمكن وصفه ،فقد انغمسنا أنا
وتوين يف عالم لم نصدق وجوده .واآلن ،لم تعد الجنيات بالنسبة
لنا مجرد قصص من الطفولة ،فنحن محاطون بعالم غري مريئ ،
ونتمىن أن تفتح عينيك قاريئ العزيز؛ لرت ى هذا العالم.
4
5
6
الفصل األول
تناول چارد جريس قميًص ا أحمر اللون وقلب الجزء الداخيل منه
إىل الخارج ثم ارتداه مقلوًب ا عىل هذا النحو ،وحاول أن يفعل نفس
اليش ء عند ارتداء بنطاله الچيزن إال أنه لم يفلح .كان دليل آرثر
سبايدرويك السحري للعالم الخيايل من حولك قابًع ا عىل
وسادته ،مفتوًح ا عىل صفحة تسدي إىل القارئ بعض النصائح
الوقائية لحمايته ..راجع چارد الكتاب بإمعان من دون أن يكون
واثًق ا إن كانت أٌّي من تلك النصائح ستفيده فيما يواجهه أم ال.
7
فمنذ صباح ذلك اليوم الذي عاد فيه أبناء جريس أدراجهم إىل
ًد ني ني زن
الم ل مصطحب معهم الجريف ،لم يدخر ثيمبلتاك جه ا يف
االنتقام من چارد ومضايقته ..كان يتناىه إىل مسامع الفىت بني
الفينة واألخرى أصوات حركة الجين الصغري داخل الحائط ،ويف
أوقات أخرى كان يخَّي ل إىل چارد أنه لمحه بطرف عينه ،وكان نتاج
ذلك االنتقام حىت اآلن هو استيقاظ چارد يف أحد األيام واكتشافه
ُق
أن رموشه قد صت ،أو أن يكتشف يف يوم آخر أن حذاءه قد
ًئ
ُم َئِل بالوحل والطني ،أو أن شي ا قد تبول عىل وسادته يف أحيان
ُه
أخرى ،وقد ألقت أمه يف الواقعة األخري ة باللوم عىل رْي رة سايمون
الجديدة ،ولكن چارد كان يعلم من هو الملوم الحقييق عىل تلك
الفعلة.
8
بيد أن مالوري لم تكن متعاطفة معه عىل اإلطالق؛ فقد داومت
عىل ترديد عبارة« :اآلن تعرف اإلحساس الذي تولده مثل هذه
األمور» ..سايمون وحده هو الذي بدا مهتًّم ا بشدة ،وهذا ما كان
متوقًع ا منه أن يفعله؛ فلو لم يضطر چارد إىل إجبار ثيمبلتاك عىل
ًد
التخيل عن العدسة السحرية بالقوة لوجد سايمون نفسه ممد ا
عىل سيخ شواء يف أحد مخيمات الغيالن.
جور ا مقلوًب ا،
ًب عقد چارد أربطة حذائه الموحل بعد أن ارتدى
ًال
وتمىن لو كان بوسعه أن يجد سبي يك يعتذر إىل الجين ..حاول
أن يعيد العدسة إليه إال أن األخري فقد رغبته فيها ،وكان چارد
يعلم أنه لو حدثت كل تلك األمور مرة أخرى لترصف عىل نفس
النحو الذي ترصف به آنذاك .فمجرد التفكري يف أن سايمون كان
ًن ًن
سجي ا لدى الغيالن بينما وقف ثيمبلتاك ساك ا بال حراك يتحدث
باأللغاز قد أثار غضبه إىل درجة جعلته عىل وشك تمزيق أربطة
حذائه من فرط قوة العقدة اليت كان يربطها.
نادته مالوري من الطابق السفيل « :چارد ،فلتأت إىل هنا
لدقيقة».
ًف
هب الفىت واق ا وهو يدس الكتاب السحري تحت إبطه ،ثم تقدم
خطوة تجاه درج السلم ،ولم يكد يتحرك حىت سقط من فوره
وارتطمت يده وركبته باألرضية الخشبية ..فبطريقة أو بأخرى
كانت أربطة حذاء چارد مربوطة مًع ا.
كانت مالوري واقفة بالمطبخ يف الطابق السفيل ويه تحمل كوًب ا
زجاجًّي ا أمام النافذة ،حيث انعكس ضوء الشمس عىل ماء الكوب
وألىق بظالل ألوان قوس قزح عىل الحائط ..كان سايمون جالًس ا
بجوار مالوري ،وكالهما يبدو متحجًر ا يف مكانه.
9
هتف چارد« :ماذا؟» ،كان األخري يشعر بالعصبية واالستياء
يعتمالن يف نفسه بسبب سقطته واأللم الذي اعرت ى ركبته ،وفكر
لو أن كل ما أراد أخواه أن يرياه هو كيف يبدو رائًع ا ذلك الكوب
الغيب لقام بتحطيم أي يش ء عىل الفور.
قالت مالوري ويه تناوله الكوب« :فلتأخذ رشفة».
ًال
تطلع چارد إىل الكوب يف شك متسائ إن كانا قد قاما بالبصق
فيه .لماذا تريده مالوري أن يرش ب ماء؟
قال سايمون« :هيا يا چارد ،لقد جربناه من قبل».
أصدر جهاز المايكروويف صفًري ا فهب سايمون من مكانه
إلخراج كومة هائلة من رش ائح اللحم المقطع ،كان الجزء العلوي
10
من اللحم يميل إىل اللون الرمادي الباهت أما بقيته فقد كانت ال
تزال مجمدة.
سأل چارد وهو يحدق إىل رش ائح اللحم« :ما هذا؟».
أجاب سايمون وهو يضع اللحم يف وعاء كبري ويضيف إليه
رقائق الذرة« :إنه من أجل بايرن ..البد أنه يتعاىف ؛ فهو جائع
دوًم ا».
ابتسم چارد وهو يفكر أن أي شخص آخر كان سيتوىخ
ًع ًق يف
الحذر عندما يكون األمر متعل ا بجريفني يكاد يتضور جو ا
ومقيًم ا يف البيت الصغري عىل مقربة من مزن له ،ولكن ذلك
الشخص لن يكون سايمون بكل تأكيد.
قالت مالوري« :هيا ،ارش ب الماء».
ًق
تناول چارد رشفة الماء ثم انتابته رش قة؛ فقد كان الماء حار ا
عىل فمه ،فما كان منه إال أن بصق نصفه عىل أرضية المطبخ ،أما
الكمية المتبقية فقد نزلت يف حلقه كالنري ان.
صاح چارد بني نوبات السعال اليت انتابته« :هل فقدتما
عقليكما؟ ما هذا؟».
ُت
أوضحت مالوري« :إنه ماء من الصنبور ،وجميع الصنابري خرج
ماًء له نفس المذاق والطعم».
سألها چارد« :ولماذا إذن جعلتين أتذوقه؟».
عقدت مالوري ذراعيها ويه تجيبه« :لماذا تحدث لنا كل تلك
األمور يف اعتقادك؟».
سأل چارد« :ماذا تقصدين؟».
ردت« :أقصد أن أشياء غريبة بدأت تحدث منذ أن عرث نا عىل
ذلك الكتاب ،ولن تتوقف إال إذا تخلصنا منه».
11
اعرت ض چارد« :لقد كانت األشياء الغريبة تحدث حىت قبل أن
نعرث عليه!».
13
هز سايمون كتفيه يف ضيق وهو يقول« :لقد ساعدنا الكتاب يف
أن نعرف معلومات عن ثيمبلتاك والعدسة السحرية اليت جعلتك
تمتلك القدرة عىل رؤية الجنيات».
ابتسم چارد ابتسامة المنترص.
استدرك سايمون حديثه فتغري ت أمارات الظفر عىل وجه أخيه
التوءم« :ولكن ،ماذا إن كان هناك المزيد من الغيالن؟ لست
ًد
متأك ا حينئٍذ إن كان باستطاعتنا إيقافهم أو منعهم ،وماذا
سنفعل إن تمكنوا من دخول المزن ل ،أو اختطاف أمنا؟».
هز چارد رأسه وهو يفكر؛ لو قامت مالوري وسايمون بتدمري
: ! ُس ًد
الكتاب فإن كل ما فعلوه يكون قد ذهب ى فقال «وماذا لو
سلمنا لهم الكتاب ولم يتوقفوا عن مالحقتنا؟».
14
سألته مالوري« :ولماذا سيفعلون ذلك؟».
قال چارد« :إنهم يعلمون أننا نعرف بأمر الكتاب وأن الجنيات
كائنات حقيقية ،وقد يظنون أننا سنؤلف كتاًب ا آخر».
قالت مالوري« :سأحرص عىل عدم قيامك بذلك».
استدار چارد نحو سايمون الذي كان يستخدم ملعقة خشبية
كبري ة يف مزج خليط اللحم نصف المجمد مع رقائق الذرة وقال:
ًض
«وماذا عن الجريفني ؟ لقد أراد الغيالن بايرن أي ا ،أليس كذلك؟
فهل سنتخىل عنه هو أيًض ا؟».
هتف سايمون وهو ينظر عرب الستائر الشاحبة يف اتجاه ساحة
المزن ل الخارجية« :ال ..ال يمكننا أن نتخىل عن بايرن ،فهو لم
يسرت د عافيته بعد».
قالت مالوري« :ال أحد يبحث عن بايرن .ليس هذا كذاك
بالمرة».
إلقناعهما؛ يش ء يثبت لهما أنهما يف حاول چارد التفكري يف يش ء
حاجة إىل الكتاب .لم يجعله الكتاب أكرث فهًم ا لعالم الجنيات من
ًال
أخويه ،بل لم يكن يعرف أص السبب وراء رغبة الجنيات يف
استعادة الكتاب السحري رغم أن ما يحتويه ويتضمنه هو
معلومات عنهم هم .هل يرغبون بكل بساطة أال يراهم الناس؟
إن الشخص الوحيد الذي يعرف اإلجابة هو آرثر الذي رحل عن
الدنيا منذ أمد بعيد ،ثم توقف چارد عن التفكري .
قال چارد« :حسًن ا ،هناك شخص واحد فقط يمكننا أن نستعني
به؛ شخص قد يعرف حًّق ا ما الذي يتعني علينا فعله».
سأله سايمون ومالوري يف نفس واحد« :من؟».
15
علم چارد أنه قد كسب هذه المعركة مع أخويه وأن الكتاب قد
أصبح آمًن ا ..عىل األقل يف الوقت الراهن.
: ًال
رسم چارد عىل وجهه ابتسامة متكلفة وهو يجيب قائ «الخالة
لوسيندا».
16
الفصل الثاين
قالت أمهم ويه تبتسم النعكاس صورة ابنيها چارد وسايمون يف
مرآة السيارة« :إنها بادرة لطيفة منكم أيها األوالد أن ترغبوا يف
زيارة خاليت ،وأنا واثقة من أنها ستحب الكعك الذي صنعتماه من
أجلها».
خلفت األشجار خارج نافذة السيارة أرساًب ا من أوراقها الصفراء
والحمراء لتتدفق بني األغصان العارية.
قالت مالوري« :إنهما لم يصنعا الكعك ،كل ما فعاله هو رص
العجني المجمد عىل الصينية» فركل چارد مقعدها من الخلف
بشدة.
قالت مالوري ويه تستدير نحو أخوْي ها محاولة جذبهما من
مالبسهما« :أيها ال .»...أطلق چارد وسايمون ضحكات شبه
مكتومة عندما لم تستطع أختهما اإلمساك بهما بسبب حزام
األمان المثبت عىل مقعدها.
َف َع ْل قالت أمهم« :حسًن ا ،كان هذا أكرث
ِتلزما فأنت أنت، ِت ِه مما
معاقبة أيتها اآلنسة الصغري ة .ومازال باقًي ا لكم أنتم الثالثة أسبوع
آخر من العقاب».
قالت مالوري ويه تنخفض يف جلستها وعيناها تدوران يف قلق:
«كنت يف تدريب المبارزة» ،ولكن بدا لچارد أن أذنيها بدتا
غريبتني وشابهما لون وردي عندما كانت تقول عبارتها.
17
وبحركة الشعورية تحسس چارد الحقيبة المعلقة عىل ظهره؛
ًن
للتأكد من وجود الكتاب السحري بداخلها وأنه سليم ويقبع آم ا
فيها .فما دام يحافظ عليه معه فلن يكون بمقدور مالوري أن
تتخلص منه أو أن تضع الجنيات يدها عليه ،كما أنه من المحتمل
أن تكون الخالة لوسيندا عىل علم بذلك الكتاب ،بل ربما كانت
يه من أخفاه يف قاع الصندوق الزائف إىل أن عرث هو عليه.
وإن صح ذلك ،ربما يمكنها أن تقنع أخاه وأخته بأن الكتاب عىل
درجة من األهمية تستوجب االحتفاظ به.
ًق
كان المشىف الذي تقيم فيه الخالة مبىًن عمال ا.
كان يبدو أقرب إىل القرص أكرث من كونه مشىف لألمراض العقلية،
رش ًن
وكان مكو ا من جدران ضخمة يغطيها القرميد األحمر وع ات
النوافذ ونجيل مشذب بشكل متقن .وتجىل أمامهم ممٌّر من
ُّف
18
ُّف
األحجار البيضاء تح ه أحجار برونزية وحمراء ،ويؤدي إىل مدخل
للبناية اليت عال سقفها األسود ما ال يقل عن عرش مداخن.
قال سايمون« :يا له من مكان! إنه يبدو أقدم من مزن لنا».
زن ًك
ردت مالوري« :إنه أقدم ،لكنه ليس متهال ا كم لنا».
قالت أمهم بلهجة محذرة« :مالوري!».
سحقت إطارات السيارة اليت كانت تقلهم مجموعة من الحىص
ويه تتوقف يف الحزي المخصص ..ركنت أمهم السيارة بجوار
سيارة خرض اء وأوقفت محركها.
سأل سايمون« :هل تعلم الخالة لويس أننا قادمون لزيارتها؟».
قالت السيدة جريس ويه تفتح باب السيارة وتمد يدها لتناول
حقيبتها« :لقد اتصلُت قبل قدومنا ،لكنين ال أعلم إن كانوا
أخرب وها أم ال؛ لذا ال تشعروا بخيبة أمل إن كانت ال تتوقع
قدومنا».
قال چارد« :أكاد أجزم بأننا أول زائرين تستقبلهم منذ وقت
طويل».
ًال
رمقته أمه بنظرة ذات مغزى« :أو وقبل أي يش ء ،ليس من
اللياقة قول يش ء كهذا .وثانًي ا ،لماذا ترتدي قميصك مقلوًب ا؟».
نظر چارد إىل األرض وهز كتفيه.
سألتها مالوري« :إن جدتنا تأيت لزيارتها ،أليس كذلك؟».
أومأت أمهم برأسها ويه تجيب قائلة« :بىل تأيت لزيارتها ،إال أنه
ًت
من الصعب عليها أن تراها هكذا؛ فقد كانت لويس أخ ا بالنسبة
لها ال مجرد ابنة عمها .وعندما بدأت حالة الخالة لوسيندا يف ...يف
التدهور ،كانت جدتكم يه من تعنَّي عليها تويل األمور».
19
أراد چارد أن يسأل عما عنته أمه بذلك ،إال
أن شيًئ ا ما جعله يرت دد يف طرح هذا السؤال.
عرب وا جميًع ا من األبواب البيضاء
المصنوعة من خشب الجوز ،ووجدوا يف
البهو مكتًب ا يجلس إليه رجل يقرأ صحيفة
ًد
ويرتدي ًّيز ا موح ا للعامل يف المش تطلع
. ىف ني
ًف
إليهم وتناول هات ا داكن اللون وهو يقول
لهم« :برجاء التوقيع هنا» ،أشار إىل دفرت من
األوراق وسأل« :من الذي أتيتم لزيارته؟».
قالت أمهم ويه تنحين عىل الطاولة لتدوين
أسمائهم« :لوسيندا سبايدرويك».
قطب الرجل جبينه عند سماعه االسم،
وقرر چارد عىل الفور أن هذا الرجل ال يروق له بالمرة.
يف الدقائق اليت تلت ذلك ،ظهرت أمامهم ممرضة ترتدي قميًص ا
وردي اللون منقًط ا وقادتهم عرب متاهة من الممرات المطلية
باألبيض غري الناصع مفعمة بالهواء العطن وتفوح منها رائحة
اليود.
مروا جميًع ا عرب غرفة خاوية بها تلفاز يومض مع تعاقب صوره،
وتناىه إىل مسامعهم صوت ضحكة الهية أتت من مكان عىل
مقربة منهم .بدأ چارد يفكر يف مستشفيات األمراض العقلية اليت
اعتاد رؤيتها يف األفالم السينمائية والح أمامه تخُّي ل أناٍس يرتدون
سرت ات المجانني ويحدقون بعيون مسعورة وهم يعضون عىل
ال النوافذ ذات األبواب إىل يحدق أربطة سرت اتهم .كان الفىت
يت
مروا بها.
20
كان هناك شاب يف إحدى الغرف مرتدًي ا ثوب الحمام ويقهقه
بصوت عاٍل ناظًر ا إىل كتاب يمسك به مقلوًب ا ،ويف غرفة أخرى
كانت امرأة تقف بجوار النافذة ويه تنشج.
ًد
حاول چارد أن يشيح بنظره بعي ا عن الباب التايل ،إال أنه سمع
ًال
شخًص ا يهتف قائ «وصلت من ستشاركين يف الرقص » عندما
. ! :
نظر الفىت وجد شخًص ا أشعث الشعر وجهه ملتصٌق بزجاج نافذة
الباب.
تقدمت الممرضة يف المسافة الفاصلة بني چارد والباب :سيد
«بري ن!».
قال الرجل عىل نحو أظهر أسنانه الصفراء« :إنه خطؤك أنت».
سألت مالوري« :هل أنت بخري ؟».
ًال
أومأ چارد برأسه محاو التظاهر
بأنه لم يكن يرتجف.
سألت السيدة جريس« :هل
يحدث ذلك بشكل متكرر؟».
ًّد
قالت الممرضة« :ال ،أنا آسفة ج ا
ًئ
فهو عادة ما يكون هاد ا للغاية».
وقبل أن تسنح لچارد فرصة ألن
يقرر ما إذا كانت هذه الزيارة فكرة
طيبة أم ال ،توقفت الممرضة أمام
باب مغلق وطرقته مرتني ،ثم فتحته
دون أن تنتظر رًّد ا عىل َط ْر قها.
كانت الغرفة صغري ة ولها نفس اللون العايج الذي طليت به
جدران ممرات المشىف .
21
معد لوح مقدمته ثبت الذي منتصف رسير المشىف
ين رث يف يف
كانت هناك امرأة جالسة يغيط قدميها لحاف وكانت أك شخٍص
طاعٍن يف السن رآه چارد يف حياته؛ شعرها الطويل أبيض كالسكر،
وبرش تها شاحبة وكأنها شفافة ،وكان لها ظهر أحدب مائٌل إىل
جانب واحد ،وبجوار فراشها كان يوجد حامل معدين معلق به
كيس يحتوي عىل سائل صاف وبه أنبوب طويل متصل بحقنة
مثبتة يف أوردة ذراعها ،وبرقت عيناها بلمعة واضحة عندما وقعتا
عىل چارد.
سألتها الممرضة ويه تتحرك بجوار وحدة أدراج تحمل فوقها
صوًر ا وحلًّي ا صغري ة أثرية« :لم ال تسمحني بغلق هذه النافذة يا
سيدة إس؟ فقد تصابني بالرب د».
صاحت لوسيندا« :ال!» ،فتوقفت الممرضة يف منتصف
طريقها ،ثم استأنفت خالتهم بصوت أكرث رقة ويه تقول:
«اتركيها كما يه ،فأنا أحتاج إىل هواء نيق ».
.. ً :ال
قالت أمهم يف تردد «أه يا خاليت لويس هل تتذكرينين ؟ أنا
هيلني ».
أومأت المرأة العجوز برأسها يف رفق ويه تبدو كمن يستعيد
هدوءه« :بالطبع ،أنت ابنة ميلفينا ..يا إليه ! لقد أصبحِت أ كرب
قليًال مما أتذكرك».
الحظ چارد أن تلك المالحظة اليت أبدتها لويس لم تسعد أمه.
قالت أمهم« :هذان ولداي چارد وسايمون ،وهذه ابنيت مالوري..
لقد أصبحنا نقيم يف مزن لك وأراد أبنايئ أن يقابلوِك ».
عبست الخالة لويس ويه تقول« :مزن يل ؟ إن بقاءكم يف ذلك
المزن ل ليس آمًن ا».
22
ردت« :لقد أحرض ت بعض األشخاص إلجراء بعض اإلصالحات
فيه .انظري ،لقد أحرض لِك األوالد بعض الكعك».
قالت« :رائع» ،ونظرت المرأة العجوز إىل الصحن وكأنه كان
ًئ
ممتل ا بالرصاصري ال الكعك ..تبادل چارد وسايمون ومالوري
النظرات فيما بينهم.
ًة
قالت الممرضة مخاطب السيدة جريس دون أن تعبأ بأن الخالة
لويس قد تسمعها« :ال يوجد يش ء بوسعك فعله؛ فيه لن تأكل
أي يش ء ونحن نراقبها».
ضاقت عينا الخالة لويس ويه تقول« :أنا لست صماء كما
تعلمني ».
سألتها أمهم ويه تكشف عن كعك السكر وتمده نحو الخالة
لوسيندا« :ألن تتذويق واحدة؟».
قالت المرأة العجوز« :أخىش أنين لن أفعل ..أنا مرتاحة هكذا».
23
همست أمهم إىل الممرضة« :ربما يمكننا أن نتحدث يف الرواق..
لم يكن عندي أدىن فكرة أن األمور مازالت بهذا السوء» .وضعت
أمهم الصحن عىل المائدة الجانبية وارتسمت عىل وجهها نظرة
قلقة ،ثم غادرت الغرفة بصحبة الممرضة.
24
ابتسم چارد لسايمون ابتسامة عريضة؛ فقد جرت األمور عىل
نحو أفضل مما كانوا يأملون ،وبإمكانهم اآلن أن يضمنوا بضع
دقائق بمفردهم مع الخالة لويس .
َّذ
قالت مالوري برسعة« :خاليت لويس ،عندما ح رِت أيم من أن
ًن
المزن ل ليس آم ا ،لم تكوين تتحدثني عن متانة البناء ،أليس
كذلك؟».
قال سايمون« :كنت تقصدين الجنيات؟».
أضاف چارد« :يمكنك أن تخرب ينا ،فقد رأيناها».
فابتسمت لهم ولكن أتت ابتسامتها حزينة وقالت« :ما قصدته
بالضبط هو الجنيات» ،ثم قالت ويه تربت عىل الفراش بجانبها:
«تعالوا واجلسوا بجانيب ..أخرب وين ماذا حدث».
25
26
الفصل الثالث
ُت
وفيه روى عدة حكايات
ُت َت
و ك شف واقعة رسقة
أخرب چارد الخالة لويس يف شغف وهم يجلسون بالرت تيب عىل
ًق ًش ًن
حافة رسيرها بالمشىف « :رأينا غيال ا ووح ا عمال ا وجريف »،
ني
غمر چارد شعور بالراحة عندما وجد من يصدقه .واآلن عندما
ترش ح لهما مدى أهمية الكتاب؛ سيصبح كل يش ء عىل ما يرام.
أضافت مالوري ويه تلتقط كعكة وتقضمها« :وثيمبلتاك ..لقد
رأيناه ،رغم أننا ال نعلم إن كان يعترب جنًّي ا أم بعبًع ا».
قال چارد« :صحيح ولكننا نحتاج إىل أن نسألِك عن أمر مهم».
سألتهم الخالة لوسيندا ويه تربت عىل يد مالوري« :ثيمبلتاك؟
لم أره منذ أمد بعيد ،كيف حاله؟ البد أنه كما هو ،فهم جميًع ا
يظلون عىل نفس حالهم ،أليس كذلك؟».
ردت مالوري« :أنا ...أنا ال أعلم».
مدت الخالة لويس يدها نحو الدرج الموجود يف الطاولة الجانبية
ًز
وأخرجت منه جراًب ا من القماش البايل أخرض اللون مطر ا بنجوم
وقالت« :كثًري ا ما أحبها ثيمبلتاك».
ًق
أخذ چارد الجراب القمايش محد ا لما بداخله فوجد تماثيل
فضية صغري ة إىل جانب بيل مصنوع من الصلصال يلمع داخل
الجراب وسأل« :هل هذه األشياء تخصه؟».
27
قالت لويس « :آه ،ال ..إنها يل أنا ،أو كانت كذلك عندما كنت
صغري ة ألعب بمثل هذه األشياء ،ولكنين أود أن يأخذها هو؛ فهذا
زن ًد
المسكني ظل وحي ا يعيش بمفرده يف ذلك الم ل القديم ،البد
أنه شعر بسعادة كبري ة عندما انتقلتم إليه».
لم يعتقد چارد أن ثيمبلتاك كان عىل هذه الدرجة من السعادة،
ولكنه لم يعلق بيش ء.
سألها سايمون« :هل كان آرثر والدك؟».
قالت الخالة لويس ويه تطلق تنهيدة« :نعم ،نعم كان والدي..
هل رأيتم لوحاته الزيتية يف المزن ل؟».
أومأ أبناء جريس برءوسهم.
ًن
قالت« :لقد كان فنا ا قديًر ا ..اعتاد أن يرسم اللوحات اإلعالنية
ىًم ُد
ورقية يل لمرش وب الصودا والجوارب النسائية ،كما كان يصنع
ولميلفينا .كان لدينا حافظة خاصة لتلك الدىم بفساتينها
ُت
المختلفة ،حسب كل موسم ..رى ،ماذا حدث لتلك األشياء؟».
هز چارد كتفيه وهو يقول« :ربما توجد يف علية المزن ل».
قالت« :هذا أمر ال يهم اآلن ..لقد رحل أيب منذ فرت ة طويلة
ولست واثقة من أنين أود أن أرى تلك األشياء مرة أخرى».
سألها سايمون« :لماذا؟».
فقالت له الخالة لويس « :إنها تجعلين أجرت الذكريات .لقد تركنا
ًة
ورحل كما تعلمون أشاحت ببرصها إىل أسفل ناظر إىل يديها
28
كانتا ترتعشان لقد خرج ليتمىش ذات يوم لكنه لم النحيلتني اللتني
إنها كانت تعلم أنه سري حل يف أحد األيام لمدة يعد ..قالت أيم
طويلة».
ًق
فاجأت كلماتها چارد؛ فهو لم يفكر مطل ا من قبل كيف كان
الخال آرثر يبدو ..تذكر وجهه العابس النحيل الذي جسدته
اللوحة الزيتية المعلقة يف غرفة المكتبة ،وأراد يف قرارة نفسه أن
يعجب بخاله الكبري الذي كان باستطاعته رسم ورؤية الجنيات.
ولكن إن كان ما قالته عنه لوسيندا صحيًح ا ،فلن يكون
باستطاعته حينئذ أن يعجب به عىل اإلطالق.
قال چارد« :لقد غادر أبونا نحن أيًض ا».
29
ترمقهما بنظرة مؤنبة« :اصمتا أيها قالت مالوري ويه
األحمقان».
سألت مالوري« :لماذا أنِت يف هذا المستشىف يا خاليت لويس ؟
أعين أنِت لست مجنونة».
أجفل چارد من السؤال وتوقع أن يثري غضب الخالة لويس ،
إال أن األخري ة قابلته بضحكة أزالت قلقه وقالت:
«بعد أن رحل أيب ،انتقلت أنا وأيم إىل مدينة أخرى للعيش مع
أخيه ،فرت عرعت مع ابنة خايل ميلفينا جدتكم وأخرب تها عن
ًق
ثيمبلتاك واألشباح الصغري ة ،ولكنها لم تصدقين مطل ا ،وتوفيت
أيم وأنا مازلت يف السادسة عرش ة من عمري ..وبعد عام ُع دت إىل
العزبة حاولت أن أستخدم المال القليل المتبيق يل يف إصالح
المزن ل ،وكان ثيمبلتاك مازال يعيش هناك بطبيعة الحال ،ولكن
ًال ًض
كانت هناك أشياء أخرى أي ا؛ فقد كنت أرى أشكا تتجول
وتختئب يف الظالم ،ثم توقفت يف أحد األيام عن االختباء؛ فقد
ظنوا أنين أحتفظ بكتاب أيب .كانوا يقومون بقريص ولكزي وأرصوا
عىل أن أتنازل لهم عن الكتاب ،لكنه لم يكن بحوزيت ؛ فقد أخذه
والدي معه فلم يكن يرت كه يغيب عن ناظريه قُّط ».
غارقة بدت خالته أن إال الحديث يبدأ أن چارد هَّم
يف يف
ذكرياتها وكأنها ال تالحظهم.
وأردفت« :ذات ليلة أحرض ت يل الجنيات ثمرة فاكهة مجرد ثمرة
صغري ة بحجم ثمرة عنب وكانت حمراء كالزهرة ،ووعدنين بأن
يتوقفن عن إيذايئ بعد ذلك ..كنت فتاة غبية فقد تناولت ثمرة
الفاكهة وكتبت بذلك قدري».
سألها چارد وهو يفكر يف سنووايت وثمرة التفاح« :هل كانت
سامة؟».
30
قالت ويه تبتسم ابتسامة غريبة« :نوًع ا ما ..كان طعمها أحىل
من أي طعام آخر تذوقته يف حيايت ..كان مذاقها كما تخيلت
كمذاق الزهور ،كانت كاألغنية اليت ال تستطيع إطالق اسم عليها.
الطبي العادي الطعام وبعد ذلك أصبح مذاق طعام البرش
يع
كنشارة الخشب والرماد ،ولم أستطع إجبار نفيس عىل أكله ،كنت
أتضور جوًع ا».
قالت مالوري« :ولكنِك لم تتضوري جوًع ا».
ردت« :كان هذا بفضل األشباح الذين كنت ألعب معهم وأنا
طفلة ..كانوا يقومون بإطعايم ويحافظون عىل سالميت ».
31
ابتسمت الخالة لويس يف سعادة ومدت إحدى يديها ويه تقول:
«دعوين أقدمكم لهم ...تعالوا يا أعزايئ لرؤية أقاريب ».
كان هناك طنني خارج النافذة المفتوحة ،وما كان يبدو وكأنه
غبار طائر يف ضوء الشمس تحول إىل كائنات بحجم ثمار الجوز
ويه تحدث أزيًز ا بأجنحتها المتلونة بألوان قوس قزح ..حامت
32
الكائنات الصغري ة حول المرأة العجوز ويه تشتبك يف شعرها
األبيض وتزحف أعىل رأسها.
سألتهم خالتهم« :أترون كم يه فاتنة؟ أصدقايئ الصغار
األعزاء».
عرف چارد أنها أشباح ،كتلك اليت رآها يف الغابة ،إال أن ذلك لم
يقلل من غرابة رؤيتها ،تحوم حول خالته ،يف حني تجمد سايمون
يف مكانه.
وأخًري ا تحدثت مالوري لكرس الصمت الذي غلف المكان:
«مازلُت ال أفهم من الذي وضعك هنا يف هذا المستشىف ».
قالت الخالة لويس « :آه نعم ،المستشىف ».
لقد أصبحت جدتكم ميلفينا عىل ثقة من أنين لم أكن بصحة
رت ًال
ذهنية جيدة؛ فقد رأت أو الكدمات ،ثم اس ىع انتباهها فقداين
شهييت ،ثم حدث يش ء ما ..أنا ال أريد إخافتكم ..ال ،هذا ليس
صحيًح ا تماًم ا ،فأنا أريدكم أن تخافوا وأن تفهموا أنه من الرض وري
للغاية أن تغادروا ذلك المزن ل.
قالت المرأة العجوز ويه تمد إحدى ذراعيها النحيلتني « :هل
ترون هذه العالمات؟» كانت ذراعها مليئة بالندوب العميقة« .يف
وقت متأخر من إحدى الليايل أتت الوحوش؛ أشياء صغري ة
ًض
خرض اء اللون لها أسنان مخيفة ومرعبة قامت بطريح أر ا بينما
قام كائن آخر عمالق باستجوايب ..قاومتها فغرزت مخالبها
أ وأن كتاب، أي وبراثنها ذراَّيع وساَّيق .أخ تها بأنه ليس لدَّي
يب رب يف
ُي
قد أخذه معه ،ولكن لم حدث ما قلته أي اختالف أو تأثري ،وكان
ظهري قبل تلك الليلة مستقيًم ا ،ثم أصبحت أميش بعدها بظهر
أحدب».
33
«كانت تلك الندوب يه القشة األخري ة اليت قصمت ظهر البعري
.. ْت
بالنسبة لميلفينا ،لقد اعتقد أنين كنت أجرح نفيس لم يكن
بإمكانها أن تفهم؛ لذا أرسلتين إىل هنا».
طارت إحدى الجنيات اليت كانت تحمل جراًب ا أخرض به نتوءات
عىل مقربة منهم وألقت ثمرة فاكهة عىل الدثار قريًب ا من سايمون،
ًم ًق
رمشت عينا چارد فقد كان مستغر ا تما ا يف القصة اليت كانت
ترويها خالته لويس لدرجة أنه نيس وجود الجنيات .فاحت من
ثمرة الفاكهة رائحة العشب األخرض والعسل وكان يغلفها قرش ة
ُّل
رقيقة كالورق ،لكن أسفل القرش ة رأى چارد ال ب األحمر ،حدقت
الخالة لوسيندا إليها وبدأت شفتاها ترتعشان.
قالت الجنية الصغري ة ويه تهمس لها« :إنها لِك » .التقط
سايمون ثمرة الفاكهة وأمسكها بني أصابعه.
سأله چارد وشعر أن مجرد النظر إىل تلك الثمرة جعل لعابه
يسيل« :أنت لن تأكلها ،أليس كذلك؟».
رد سايمون« :بالطبع» ،ولكَّن عينيه كانتا تلمعان يف رش اهة.
قالت مالوري« :ال تفعل».
قرب سايمون ثمرة الجنيات إىل فمه وهو مازال يقلبها بني
إصبعيه ،ثم قال برفق« :إن قضمة واحدة لمجرد تذوقها لن
تسبب أي رض ر».
34
مدت الخالة لوسيندا يدها فأبعدت الثمرة عن إصبيع سايمون ثم
ألقتها يف فمها ثم أغمضت عينيها.
قال سايمون يف سخط وهو يقفز من جلسته« :هاا» ،ثم أدار
ًك
برصه حوله وهو يبدو مرتب ا كشخص فقد الشعور بالمكان
والزمان من حوله ،واستطرد« :ما الذي حدث اآلن؟».
35
وهما نظر چارد إىل خالتهم ..كانت يداها ترتعشان حىت
متشابكتان مًع ا.
قالت لويس « :إنهن ال يقصدن أي رض ر ،هن فقط ال يفهمن
تلك الرغبة الملحة ،فبالنسبة لهن هذا مجرد طعام».
نظر چارد إىل الجنيات الصغري ة دون أن يدري ما يعلمنه
أو ال يعلمنه.
أنتم تعرفون اآلن مبلغ خطورة بقائكم يف المزن ل أيها األوالد..
ًض
يجب عليكم أن تجعلوا أمكم تتفهم ذلك يه أي ا وأن تجعلوها
تغادره .إذا علمن أنكم تقيمون هناك ،فسيعتقدن أن الكتاب
بحوزتكم ،وعندها لن يرت كنكم تنعمون بأي سالم أبًد ا».
قال چارد« :ولكن الكتاب يف حوزتنا بالفعل ..وهذا ما جئنا
لنسألك عنه».
شهقت الخالة لويس قائلة« :ال يمكنكم أبًد ا».
قال چارد مفًرس ا« :لقد تتبعنا مفاتيح اللغز يف غرفة المكتبة».
ًال
قالت مالوري« :أرأيت؟ إنها ترى فع أنه ينبيغ علينا التخلص
من الكتاب!».
نظرت الخالة لوسيندا إليه يف رعب قائلة« :غرفة المكتبة؟ إن
هذا يعين أن ...إذا كان الكتاب السحري معكم فينبيغ عليكم
مغادرة المزن ل عىل الفور! هل تفهمونين ؟».
قال چارد وهو يحل أحزمة حقيبة ظهره ويخرج الكتاب المغلف
بإحدى المناشف« :إن الكتاب هنا ميع » ،لكنه عندما قام بحل
المنشفة لم يجد الكتاب بداخلها.
36
كانوا جميًع ا ينظرون إىل كتاب قديم وباٍل عن فن الطيه عنوانه
«سحر الطيه يف المايكروويف».
استدار چارد نحو مالوري وهو يقول« :أنِت ! أنِت من رسق
الكتاب!» وألىق حقيبة ظهره عىل األرض وتوجه نحو أخته ضاًّم ا
كلتا قبضتيه.
37
38
الفصل الرابع
اتجه چارد بوجهه قبالة نافذة السيارة وحاول أن يتظاهر بأنه لم
رت ًة
يكن يبيك ،إال أن دموعه خانته وسالت ساخن عىل خديه ،ف كها
تتدفق عىل النافذة الزجاجية الباردة.
يف الحقيقة لم يرض ب چارد مالوري فقد جذبه سايمون من
ذراعيه بينما كانت مالوري ترص عىل أنها لم تأخذ الكتاب
السحري ،وقد تعاىل صياحهم إىل حد جعل أمهم ترت ك الممرضة
وتدخل الغرفة لجر أبنائها خارجها ويه تعتذر يف خجل إىل
الممرضة والخالة لويس .
ويف طريقهم إىل السيارة ،أخرب ت السيدة جريس ولدها أنه كان
ىف ني ًظ
محظو ا؛ ألن القائم عىل المش لم يقوموا باحتجازه فيه هو
أيًض ا.
نادى سايمون هامًس ا وهو يضع يديه عىل ظهر أخيه التوءم:
«چارد» .فَه ْم َه م چارد دون أن يلتفت إىل أخيه« :ماذا؟».
«ربما ثيمبلتاك هو من أخذه؟».
تململ چارد يف جلسته وهو يشعر بتوتر كل عضالت جسده،
ًال
وأدرك بمجرد أن سمع عبارة أخيه أن ذلك هو ما حدث فع ؛
ففعلة كتلك ستكون بمثابة آخر مزحة من مزحات ثيمبلتاك
وأفضل سبيل لالنتقام.
شعر الفىت كأن أحشاءه كانت تنضح بمياه مثلجة؛ فلماذا لم
يتوصل إىل ذلك االستنتاج بنفسه؟ علم أن الغضب كان يعيم
39
ال عضالته ك بص ته إىل درجة أخافته ،كان يمحو عقله ويرت
يه يت ري
تسيطر عىل الموقف.
عندما وصلوا جميًع ا إىل المزن ل ،انزلق چارد خارج السيارة
ًال
وجلس عىل الساللم الخلفية بد من دخول المزن ل مع أمه،
فجلست مالوري بجواره.
وقالت« :لم أرسق الكتاب .هل تتذكر عندما صدقناك أنا
وسايمون؟ اآلن يجدر بك أن تصدقين أنا أيًض ا».
رد عليها چارد وهو شاخص ببرصه إىل أسفل« :أعلم ذلك.
أعتقد أن ثيمبلتاك هو من أخذه .أنا ...أنا آسف».
سألته مالوري« :هل تعتقد أن ثيمبلتاك هو من رسق الكتاب
السحري؟».
: ًال
فرد عليها چارد قائ «لقد استنتج سايمون هذا ،وأعتقد أنه
استنتاج منطيق ؛ فقد ظل ثيمبلتاك يدبر المقالب يل إال أن هذه
المرة يه األسوأ حىت اآلن».
40
ًال
جلس سايمون بجوار چارد عىل الدرج وطمأنه قائ « :ستكون
األمور عىل ما يرام ..سنجد الكتاب».
قالت مالوري ويه تجذب خيًط ا من حاشية سرت تها« :اسمع،
ربما ما حدث هو خري لنا».
ًري .. : ًال
رد چارد قائ «ال ليس خ ا لنا ،ويجب عليك إدراك ذلك،
! ًال
فنحن لن يمكننا إعادة يش ء ليس يف حوزتنا أص إن الجنيات لم
تصدق الخالة لوسيندا عندما قالت لهن إن الكتاب ليس معها،
َف
ِل َم سيصدقننا نحن؟».
ُت
قطبت مالوري جبينها ولم جب.
فقال سايمون« :لقد كنت أفكر فيما قالته الخالة لويس من أن
هجرهم ،أليس كذلك؟ ولكن إذا كان الكتاب السحري ًأ أباها قد
مازال مخب يف المزن ل ،فربما لم يرت كهم أبوها متعمًد ا أو باختياره.
لقد قالت إنه لم يكن ليغادر قُّط بدون أن يأخذ الكتاب معه».
ًال
تساءل چارد قائ « :ولكن ،لماذا ظل الكتاب مخبأ؟ لو كانت
الجنيات قد أرسته ،لكان أخرب هن بمكانه».
ردت مالوري« :ربما غادر قبل أن تمسك به الجنيات ،وترك
لويس وحدها تواجه كل العواقب .وربما كان يعلم بأمر الكائن
العمالق».
ًئ
تساءل يف قال چارد« :لم يكن آرثر ليفعل شي ا كهذا» ،ثم
نفسه بمجرد أن نطق هذه العبارة إن كان ظنه هذا صحيًح ا أم ال.
قال سايمون« :لن يكون بمقدورنا مطلًق ا معرفة حقيقة األمر.
هيا ،فلنذهب لتفقد بايرن .ربما جاع ثانية ،كما أنه سيرصف
تفكري نا قليًال عن الكتاب السحري».
41
ردت مالوري« :صحيح ،إن زيارة جريفني ،يقيم يف الحظري ة
الملحقة بمزن لنا ،ستجعلنا بكل تأكيد ننىس أمر كتاب الكائنات
الخرافية».
ارتسم شبح ابتسامة عىل وجه چارد دون أن يستطيع أن يرصف
تفكري ه عن الكتاب والخالة لويس وآرثر وعن نفسه ومالوري وعن
الغضب المشتعل داخله الذي لم يعلم كيف يترصف حياله.
نظر چارد إىل أخته وقال« :أنا آسف؛ ألنين حاولت رض بك».
قامت مالوري من جلستها ويه تليق بشعرها إىل الوراء وقالت:
«ال عليك ،إنك ترض ب كالفتيات عىل أية حال».
قال چارد وهو يقف بدوره ويتبعها إىل داخل المزن ل هو
وسايمون الذي كان يبتسم ابتسامة عريضة« :أنا ال أفعل ذلك».
وجد الثالثة قصاصة ورق صفراء عىل طاولة المطبخ ..دنا چارد
من الطاولة فوجد قصيدة مدونة عىل القصاصة الصفراء ،فهتف
قائًال « :ثيمبلتاك».
الفىت المترسع الذي يظن نفسه ذكًّي ا
هل تتساءل ماذا حدث للكتاب؟
ربما أقوم بتمزيقه أو أخفيه
يف مكان لن تبحث فيه
قال سايمون« :رائع ،إنه غاضب فعًال ».
42
ني ًق
كان چارد ممز ا ب اإلحساس باالرتياح والذعر؛ فقد كان الكتاب
ًال
بحوزة ثيمبلتاك ،ولكن ما الذي فعله به؟ هل ُم زق فع ؟
اقرت حت مالوري بصوت يغلفه األمل« :أنا أعلم ما ينبيغ علينا
فعله ..يمكننا أن نرت ك له بيل الخالة لويس وتحفها».
قال سايمون وهو يقلب القصاصة الورقية ويخط يف عجلٍة نًّص ا
عىل ظهرها« :وأنا سأكتب له ورقة بذلك».
سألته مالوري« :ما الذي ستكتبه؟».
43
كان بايرن نائًم ا
قرأ سايمون ما كتبه« :نحن آسفون».
ًق
رمق چارد القصاصة يف شك وهو يقول« :لست واث ا إن كان
اعتذارنا هذا وحفنة أخرى من األلعاب والدىم القديمة يكفيانه».
44
هز سايمون كتفيه وهو يقول« :ال يمكنه أن يظل غاضًب ا
لألبد».
إال أن چارد خيش أن يكون ذلك هو ما يعزت مه الجين فعًال .
45
رد« :يف غرفة مكتب آرثر! حيث يوجد العديد من الكتب هناك
ولن نلحظه أبًد ا ضمنها».
قالت مالوري« :نعم ،هذا صحيح».
وأَّم ن سايمون« :نعم ،وحىت وإن لم نجد الكتاب هناك ،فال أحد
يعرف ما الذي قد نعرث عليه يف تلك الغرفة».
صعد ثالثتهم وفتحوا خزانة المالبس ..انحىن چارد ألسفل
وزحف عرب الممر الرسي القابع تحت الرف السفيل يف الخزانة،
وشق طريقه إىل غرفة مكتب آرثر ..اصطفت عىل جدران الغرفة
أرفف تعج بالعديد من الكتب ،باستثناء جدار واحد علقت عليه
لوحة ضخمة تجسد خالهم األ كرب .وعىل الرغم من زياراتهم
المتعددة لتلك المكتبة كان الغبار ال يزال يغيط غالبية األرفف؛
داللة عىل قلة المرات اليت قاموا فيها بتفقد الكتب بإمعان.
زحفت مالوري وسايمون يف أعقاب چارد وسأل سايمون وهو
يجول ببرصه يف الغرفة« :من أين نبدأ؟».
قالت مالوري ويه توزع المهام« :قم أنت بفحص المكتب،
ولتتوَّل أنت يا چارد أمر هذا الرف وسأتوىل أنا الرف اآلخر
هناك».
أومأ چارد برأسه وحاول إزالة بعض الغبار الذي يغيط الرف
األول ..كانت عناوين الكتب غريبة للغاية كما كان يتذكرها من
زياراته السابقة لغرفة المكتب :فسيولوجيا األجنحة ،تأثري القشور
اليت تغيط العضالت ،سموم العالم ،ومعلومات تفصيلية عن
التنانني ..عندما رأى چارد تلك الكتب أول مرة رست يف أوصاله
رعدة ،إال أنه ال يشعر بها اآلن ..شعر وكأنه ال يبايل بيش ء ،فقد
اختىف الكتاب ،وكرهه ثيمبلتاك ،ولم يعد آرثر هو الشخص الذي
ا تخيله؛ كل ذلك السحر ما هو إال غٌّش ..كان أمًر ا عظيًم ا ورائًع
يف
46
ظاهره ولكن لم ينطِو يف حقيقته إال عىل خيبة األمل ،مثله يف
ذلك مثل أي يش ء آخر.
ألىق چارد نظرة إىل لوحة آرثر المعلقة عىل الجدار ،ورأى أنه ال
يبدو له لطيًف ا ،فآرثر الذي تجسده اللوحة بشفتيه الرفيعتني
والخط المتغضن بني حاجبيه صار مصدر إزعاج له؛ فربما كان
يفكر آنذاك يف هجر أرسته.
غامت الرؤية أمام عيين چارد وشعر بحرقة الدموع فيهما.
كان يعلم أنه من الحماقة أن يبيك بسبب شخص لم يقابله يف
حياته ،ولكن األمر لم يكن بيده.
سأله سايمون من جهة المكتب« :هل رسمت هذه؟».
ُك
مسح چارد وجهه ب مه وهو يأمل أال يلحظ أخوه التوءم دموعه
المنهمرة وصاح« :فلتمزقها فحسب».
47
قال سايمون« :ال ،إنه حًّق ا رسم جميل ،ويشبه أبانا فعًال ».
لقد كان قيامه بتعلم الرسم فكرة أخرى تتسم بالغباء؛ فكل
ما جلبته له كان المشكالت يف المدرسة ،عندما تسىل برسم عابث
ًض
عو ا عن اإلصغاء إىل الدرس .تقدم چارد نحو المكتب وقام
48
بتمزيق رسمته إىل نصفني وتجعيدها بني قبضته وهو يقول:
«فلتمزقها فحسب».
هتفت مالوري« :تعاال إىل هنا يا فتيان».
كانت مالوري تحمل عدة أوراق ملفوفة وأسطوانتني معدنيتني
طويلتني ،وقالت ويه تجثو عىل ركبتيها وترش ع يف بسط األوراق
عىل أرضية الغرفة« :انظرا».
انحىن الفتيان إىل جانبها ،فوجدا خريطة مرسومة بالقلم
الرصاص وملونة بألوان مائية توضح اليح الذي يقطنان فيه.
ُد
لم تب بعض األماكن صحيحة كما يه بوضعها الحايل ؛ حيث تم
تشييد المزيد من المنازل وإنشاء طرق أخرى ،بيد أنه أمكنهما
تميزي العديد من األماكن األخرى ،وكانت الملحوظات المدونة
عىل الخريطة يه ما فاجأهم.
49
كان هناك دائرة رفيعة تحيط بامتداد غابة تقع خلف مزن لهم،
ومكتوب بداخلها« :منطقة الصيد الخاصة بالوحش العمالق»
قرأ سايمون العبارة ،فَه ْم َه مت مالوري يف استنكار« :ليتنا كنا
نعرف بأمر تلك المنطقة من قبل!».
بينما دون عىل امتداد إحدى الطرق بالقرب من المحجر القديم
«أقزام!» ،وكتب عىل شجرة تقع عىل مقربة من المزن ل كلمة
«أشباح».
50
إال أن أغرب ملحوظة كانت المكتوبة عىل حافة التالل بالقرب من
مزن لهم؛ فقد بدت وكأنها دونت عىل عجل بخط غري مرتب وكان
نصها كما ييل « :الرابع عرش من شهر سبتمرب ،يف تمام الساعة
الخامسة ،أحرض بقايا الكتاب».
سأل سايمون« :ماذا تعين هذه الملحوظة يف اعتقادكما؟».
51
ًال
رد چارد متسائ بصوت عاٍل « :هل يمكن أن يقصد بكلمة
(الكتاب) الكتاب السحري؟».
هزت مالوري رأسها ويه تقول« :ربما ،ولكن الكتاب السحري
كان ال يزال هنا».
تبادلوا النظرات لوهلة والصمت يغلف المكان من حولهم.
وأخًري ا قطع چارد ذلك السكون بقوله« :مىت اختىف آرثر؟».
ًال
هز سايمون كتفيه قائ « :ربما تكون الخالة لويس يه وحدها
من يتذكر ذلك التوقيت».
قالت مالوري« :إذن ،إما أن آرثر ذهب إىل االجتماع ولم يعد
منه ،وإما أنه رحل دون أن يذهب إىل ذلك االجتماع مطلًق ا».
هتف چارد« :يجب أن نعرض هذه الخريطة عىل الخالة
لوسيندا!».
هزت أخته رأسها ويه تقول« :إن هذا لن يثبت أي يش ء ،بل
سيتسبب ذلك يف زيادة ضيقها وانزعاجها».
رد چارد بقوله« :ولكن ربما لم يرحل آرثر عن عمد ..أال
تعتقدون أنها تستحق أن تعرف ذلك؟».
قال سايمون« :فلنذهب إىل هناك ونليق نظرة عىل المكان
بأنفسنا ..يمكننا تتبع الخريطة يك نرى إىل أين تقودنا؛ فربما
نتوصل إىل بعض الحقائق عما حدث فعًال ».
ورغم أن چارد كان يرغب يف الذهاب إىل هناك ،وكاد يقرت ح ذلك
بنفسه عندما سبقه سايمون بعبارته السابقة فإنه شعر بالرت دد
ًّخ
يعتمل يف نفسه ،وتساءل عما إذا كانوا سيجدون ف ا ما يف
انتظارهم هناك.
52
قالت مالوري« :إن قيامنا بتتبع الخريطة سيكون أمًر ا يف غاية
الحماقة ،خاصة إذا كنا نعتقد أن أمًر ا ما قد حدث له هناك».
رد سايمون عليها« :إن هذه الخريطة تعود إىل زمن بعيد
يا مالوري ..فما الذي يمكن أن يحدث؟».
قالت مالوري« :الكلمات األخري ة الشهري ة» ،إال أنها تتبعت
بأصابعها التالل المرسومة عىل الخريطة ويه مستغرقة يف
التفكري .
قال چارد« :إنها الطريقة الوحيدة حىت نكتشف أي يش ء عما
حدث».
تنهدت مالوري ويه تقول« :أعتقد أنه يمكننا أن نليق نظرة عىل
المكان ،عىل أن نقوم بذلك أثناء النهار ،وأن نعود فور ظهور أي
يش ء مريب ،موافقان؟».
رد چارد عليها بابتسامة« :موافق».
وتاله سايمون قائًال « :موافق» ،ثم بدأ يف يط الخريطة.
53
54
الفصل الخامس
56
ًئ ًد
هز چارد كتفيه ،إال أنه كان متأك ا من أنه سمع شي ا ما ،ثم عم
السكون من حولهم.
ًال
غرَّي سايمون اتجاههم مرة أخرى بعدما هبطوا قلي يف اتجاه
ًد
أسفل التل ،ثم بدأ يسري صوب أعىل التل مجد ا متوجًه ا نحو
اليمني ،وتبعته مالوري يف وداعة وهدوء.
سأله چارد« :إىل أين نحن ذاهبون اآلن؟» .كانوا متوجهني إىل
َر ًر ًد
أعىل التل مرة أخرى وهو ما كان سيعد أم ا جي ا لو لم ي چارد
أن اتباعهم تلك الزاوية لم يكن يقربهم بأي شكل من النقطة
المنشودة وفق الموضح بالخريطة.
قال سايمون« :أنا أعلم تماًم ا ما أفعله» .تبعته مالوري دون أن
تطرح أي أسئلة ،األمر الذي أزعج چارد ،تماًم ا مثل الطريق
المتعرج الذي كان يتبعه سايمون ،وتمىن لو كان الكتاب السحري
ذهنه، الكتاب صفحات جاع ال يزال بحوزته ..حاول اسرت
يف يف
محاولة منه للبحث عن بعض التفسري ات واإلجابات.
57
ًئ
وتذكر أن الكتاب أورد شي ا عن أشخاص يتوهون حىت وهم عىل
مسافة قريبة من منازلهم!
بدأ چارد ينخس بحذائه العشب أسفل قدميه ..ركض عىل
جانب الطريق فوق حزمة من األعشاب الطويلة الضارة« .تائهون
عن منازلهم!» تذكر چارد عنوان أحد أبواب الكتاب ،وفجأة أدرك
أنه من المنطيق أنه كان الوحيد الذي الحظ أنهم كانوا يسلكون
اتجاًه ا غري صحيح.
58
انتىه الحديث بني چارد وأخيه إىل
مشادة كالمية فيما بينهما أعقبها
تشابك باأليدي وطرح كل منهما
ًض
اآلخر أر ا .حاول چارد أن يزن ع
سرت ة سايمون عن جسده إال أن
ذرايع سايمون تشبثتا كل منهما
باألخرى.
ًّال
تدخلت مالوري ودفعت ك منهما
: ًد
بعي ا عن اآلخر ويه تصيح «توقفا
أنتما االثنان!».
ثم فاجأت چارد عندما بركت عىل
سايمون وقامت بزن ع سرت ته عنه بالقوة ،والحظ چارد عىل الفور
أنها قامت بالفعل بقلب سرت تها.
ارتسم عىل وجه سايمون تعبري غريب وهو يدفع وجهه يف
البلوڤر الصوف مرة أخرى بقوة ويقول« :رائع ،أين نحن؟».
دوى رنني ضحكة عالية آتية من أعىل رءوسهم.
«أغلب الناس ال يصلون إىل هذا الحد أو إىل هذه المسافة
القريبة ،حسب األحوال» جاءت هذه العبارة عىل لسان كائن
غريب كان قابًع ا فوق إحدى األشجار ،وله جسد قرد يغطيه فرو
قصري أرقط ذو لون بين مائل إىل السواد ،وكان له ذيٌل طويٌل التف
حول الغصن الذي كان يجثم فوقه ،وطوق رقبته فرو كثيف ،إال
أن وجهه كان يشبه وجه األرنب تعلوه أذنان طويلتان ويتدىل
شاربان من وجهه.
سأله چارد وهو غري واثق إن كان يجب عليه أن يأخذ ذلك
الكائن عىل أنه مزحة أم أن يشعر بالخوف منه« :أية أحوال؟»،
59
وفجأة قام ذلك الكائن بإدارة رأسه يف وضع مقلوب حىت مست
أذناه بطنه وأصبح ذقنه يف اتجاه السماء ،ثم قال« :حسبما
يترصف األذكياء» .وثب چارد من مكانه بينما حركت مالوري
سيفها أمام وجهها ويه تأمر الكائن قائلة« :قف حيث أنت وال
تتحرك!».
60
ًف
هتف الكائن بصوت كالفحيح« :يا إليه ! وحش يحمل سي ا» ،ثم
أعاد رأسه إىل وضعه الطبييع مرة أخرى ورمش بعينيه مرتني ،ثم
قال« :أتساءل إن كان ذلك الوحش غاضًب ا ،فالسيوف لم تعد
الموضة السائدة منذ عصور بعيدة!».
هتف چارد مدافًع ا« :لسنا وحوًش ا».
فسأله الكائن« :من تكونون إذن؟».
أجابه چارد« :أنا صيب ،وهذه ...حسًن ا هذه أخيت ويه فتاة».
رد« :إنها ليست فتاة ،أين فستانها؟».
قالت مالوري بابتسامة ساخرة« :لم تعد الفساتني موضة سائدة
منذ عصور بعيدة!».
ًن
قال چارد« :حس ا ،لقد أجبنا عن أسئلتك ،واآلن حان دورك للرد
عىل أسئلتنا ..من أنت؟».
أجاب الكائن يف فخر قبل أن يلف رأسه مرة أخرى وهو يتطلع
إليهم بعني واحدة مفتوحة« :أنا كلب الليل األسود».
ثم أردف« :ربما أكون حماًر ا أو مجرد جين صغري ».
هتفت مالوري« :ما الذي يعنيه هذا؟ يا له من غيب !».
إال أن چارد رد موضًح ا« :أعتقد أنه فوكا! نعم ،أنا أتذكر اآلن؛
إنها كائنات لديها القدرة عىل تغيري هيئتها واتخاذ أشكال أخرى».
سأله سايمون« :هل يه خطري ة؟».
رد الفوكا قائًال وهو يوئم برأسه بقوة« :للغاية!».
ًد
همهم چارد بصوت خفيض« :لست متأك ا من ذلك» ،ثم
تنحنح وهو يقول مخاطًب ا كائن الفوكا« :نحن نبحث عن آثار
خالنا األ كرب ».
رد« :هل ضيعتم خالكم؟ يا لكم من مهملني !».
61
ًن
تنهد چارد وهو يحاول أن يعرف إن كان كائن الفوكا هذا مجنو ا
ًن : ًّق
ح ا كما يبدو عليه ،ثم قال «حس ا ،لقدًم رحل منذ أمد بعيد يف
واقع األمر ،منذ ما يقرب من سبعني عا ا ،وكنا نأمل فقط أن
نكتشف ما حدث له».
رد الكائن« :باستطاعة أي شخص أن يعيش لهذه الفرت ة
الطويلة ..كل ما عليه فعله هو االبتعاد عن الموت ،ولكنين أعرف
ًت
أن البرش يعيشون وق ا أطول وهم أرسى أكرث من الوقت الذي
يعيشونه وهم طلقاء يف الرب ية».
سأله چارد« :ماذا؟».
ًال
رد عليه الفوكا قائ « :عندما يبحث المرء عن يش ء يجب عليه
أن يكون واثًق ا من أنه يرغب حًّق ا يف العثور عليه».
هتفت مالوري« :آه ،ال عليك! هيا فلنواصل سري نا».
ًال
إال أن سايمون رد عليها قائ « :دعينا نسأله عىل األقل عما
يوجد بالوادي يف األعىل».
قالت مالوري ويه تدير عينيها بنفاد صرب « :آه نعم ،كما لو أن
ذلك الكائن سيقول شيًئ ا له معىن ».
ًال
تجاهلها سايمون وهو يسأل الفوكا قائ « :هال تخرب نا من
فضلك ما الذي يوجد أعىل الطريق أمامنا؟ لقد كنا نتتبع هذه
الخريطة إىل أن اكتشفنا أننا ندور حول أنفسنا بسبب العشب
المتحرك».
: ًال
العشب يستطيع أن يتحرك؛ فهذا يعين رد الفوكا قائ «إذا كان
أن الفىت يمكنه أن يجد نفسه مثبًت ا مكانه بالجذور».
صاحت مالوري« :أرجوك أرجوك ،توقف عن تشجيع ذلك
اليش ء».
62
ىَّق
استأنف الفوكا كالمه وهو يرمق مالوري بنظرة َم ن تل إهانة
منها لتوه« :األقزام ..هل سأكون مباًرش ا إن وجهتكم مبارش ة إىل
طريق األقزام؟».
سأله چارد« :ما الذي يريدونه؟».
رد الفوكا« :إن لديهم ما تريده ،ويريدون ما لديك».
همهمت مالوري يف سخرية مسموعة وقالت ويه تشري إىل
الفوكا بسيفها« :اتفقنا عىل أن نعود أدراجنا عندما نلحظ أي أمر
غريب األطوار» ،ثم استطردت قائلة« :وأرى أن األمور لن تصل
إىل ما هو أغرب من هذا اليش ء».
قال چارد وهو ينظر صوب التالل« :ولكنها ليست سيئة،
فلنتحرك لمسافة أبعد قليًال ».
قالت مالوري« :ال أعلم ..ماذا عن تلك األعشاب واحتمال أن
نضل طريقنا؟».
رد« :لقد قال الفوكا إن األقزام يريدون شيًئ ا بحوزتنا».
أومأ سايمون برأسه وهو يقول« :نحن قريبون بالفعل يا مال».
أطلقت مالوري تنهيدة ،ثم قالت« :رغم أنين ال يعجبين ما
يحدث ،إال أنين أحبذ أن نكون نحن من يتسلل إليهم خلسة
ويفاجئهم».
رش عوا يف السري هابطني التل مبتعدين عن الطريق.
صاح الفوكا منادًي ا إياهم« :انتظروا! ارجعوا! هناك يش ء يجب
عَّيل أن أخرب كم به».
استدار ثالثتهم عائدين نحوه وسأله چارد« :وما هو؟».
63
قال الفوكا يف إيقاع بدا شديد اإلحكام والدقة« :بوين نوين بوين ».
«هل هذا هو ما أردت أن تقوله لنا؟».
«ال ،ليس ذلك أبًد ا».
سأله چارد« :حسًن ا ،ماذا إذن؟».
رد« :ما ال يعرفه المؤلف يمكن أن يمأل كتاًب ا» ..قال الفوكا جملته
ثم عدا أعىل الشجرة إىل أن توارى عن األنظار.
شق الثالثة طريقهم عىل مهل أسفل الجانب اآلخر من التل..
ازدادت كثافة األشجار من حولهم مرة أخرى ،واسرت ىع انتباههم
السكون الذي أصبح يلف الغابة ..توقف شدو الطيور عىل
األشجار ،ولم يتبق سوى حفيف األعشاب وصوت تكرس
األغصان الهشة تحت أقدامهم.
64
توقفوا وسط مرج أخرض تطوقه األشجار ،وقبع يف المنتصف
شجرة وحيدة طويلة تملؤها األشواك تحيط بها نباتات عيش
غراب تجمع بني اللونني األبيض واألحمر.
قال چارد« :ياااه!».
ردت مالوري قائلة« :أرأيت؟ أمر مريب! فلنخرج من هنا».
65
وبينما كانوا يهمون بالمغادرة ،التحمت األشجار مع بعضها
البعض وتضافرت فروعها وأغصانها ويه ترت ابط مًع ا مكونة
سياًج ا من أوراقها امتد حىت أرض الغابة.
قالت مالوري« :آه ،يا إليه !».
66
الفصل السادس
67
ًن
قال الجين ذو الشعر األحمر معل ا إىل رفاقه« :البد أنه
بحوزتهم ،وإال فكيف تسىن لهم القدوم إىل هنا؟ كيف عرفوا
سبل االستمرار يف تعقب الطريق الصحيح؟» ،ثم استدار نحو
: ًال
يف نرغب ونحن ينجورم،
ر لو «أنا األطفال الثالثة وخاطبهم قائ
عقد صفقة مقايضة معكم».
سأله چارد وهو يأمل أال يخونه صوته مفصًح ا عن االرتعاش
الذي انتابه« :مقابل ماذا؟».
68
كانت الجنيات الثالث جميالت ورائعات ،إال أن چارد لم يستطع
استشعار أي انفعاالت عىل وجوههن سوى توق شديد وغريب
إىل يش ء ما ،وهو األمر الذي أثار أعصابه.
قال الجين الذي عال وجهه ما يشبه القرنني ثم رسعان ما
اكتشف چارد أنهما عبارة عن أوراق شجر حقيقية« :أنتم تريدون
69
حريتكم ،ونحن نريد كتاب آرثر».
سألت مالوري« :حريتنا من ماذا؟».
أشار الجين ذو القرون المصنوعة من ورق
األشجار ًعبإحدى يديه إىل األشجار اليت
شكلت م ا تخًم ا للمنطقة من حولهم ثم
ارتسمت عىل وجهه ابتسامة قاسية وهو
يقول« :سنستضيفكم إىل أن تملوا من
ضيافتنا».
رد چارد وهو يأمل أال يكتشفوا أنه كان
يخمن ما قاله« :إن آرثر لم يعطكم الكتاب ،فلماذا يجب علينا
نحن أن نفعل هذا؟».
قال الجين ذو القرون الورقية« :لطالما عرفنا أن البرش كائنات
وحشية قاسية ،ولكن عىل األقل كنتم فيما سبق تجهلون وجودنا،
أما اآلن فيتعني علينا أن نحافظ عىل رسية وجودنا وأن نمنعكم
من اكتشافه يك نحيم أنفسنا».
70
أنتم كائنات ال يمكن الوثوق بها ،أنتم تدمرون الغابات ،وتسممون
األنهار ،وتصطادون حيوانات الجريفني من السماء ،واألفايع من
البحور .فتصوروا ما الذي قد تفعلونه إن أعلمتكم بسائر نقاط
ضعفنا».
ٍّي ُّط ًال
رد سايمون قائ « :ولكننا لم نقم ق بأ من تلك األشياء!».
فأضاف چارد« :كما أنه ال يوجد أحد يؤمن بالجنيات» ،ثم تذكر
لوسيندا فاستطرد قائًال :
«ال أحد عاقل عىل أية حال».
أطلق لورينجورم ضحكة جوفاء ،ثم قال« :مازال يتبىق عدد
كاف من الجنيات لإليمان بوجودهن ..نحن نتخذ من الغابات
ًت
القليلة المتبقية بيو ا لنا ولكن قريًب ا ستختيف هذه الغابات».
رفع الجين ذو العينني الخرض اوْي ن إحدى يديه صوب الجدار
المنسوج من أغصان الشجر ،ثم قال« :دعوين أريكم».
71
الحظ چارد وجود جنيات
مختلفة األنواع ومتعددة األشكال
كانت تجلس يف دائرة األشجار
تحدق من خالل الفتحات
الموجودة إىل األخشاب ،كانت
عيونها السوداء تومض وأجنحتها
ترفرف وأفواهها تتحرك دون أن
يدخل أي منها إىل قلب األجمة
الدائري ،كان األمر أشبه بمحاكمة
منعقدة تضطلع فيها الجنيات
ني
بدور القايض وهيئة المحلف يف
الوقت ذاته ،ثم انحلت بعض األغصان وظهر يش ء من بينها؛ كان
ًن
يف عنقه شعر وتدىل يج عا فرو وذا ال،
ز غ بحجم أبيض ا كائ
ًئ
جدائل من الخيوط المتشابكة ،أما قرنه الذي كان نات ا من جبهته
فقد اتخذ شكًال لولبًّي ا وانساب حىت نهاية بدت حادة وماضية..
رفع الكائن أنفه الرطب تشمم الهواء من حوله ،وعندما دنا منهم
عم الهدوء الوادي بشكل هائل حىت إن خطوات ذلك الكائن كانت
بال صوت ،لكنه كان يبدو أبعد ما يكون عن كونه أليًف ا أو وديًع ا.
تقدمت مالوري بالقرب منه ويه تمد يدها نحوه.
هتف چارد« :مالوري ..ال تفعيل .»...
إال أن مالوري بدت وكأنها ال تسمع تحذير چارد لها ومدت
ًئ
أصابعها وربتت عىل خرص ذلك الكائن العجيب الذي ظل هاد ا
ًف
يف مكانه .كان چارد خائ ا حىت انحبس نفسه عندما وقفت
مالوري بجانب الكائن وحيد القرن وتخللت أصابعها شعر عنقه.
72
لمس قرن الكائن الصغري جبهة مالوري اليت أغمضت عينيها ،ثم
بدأ جسمها كله يرتعش.
صاح چارد« :مالوري!».
ني ًب ًة
تحركت عينا مالوري جيئ وذها ا خلف جفنيها المغلق كما لو
كانت ترى حلًم ا ،ثم جثت عىل ركبتيها.
ركض چارد نحوها لجذبها وتبعه سايمون تفصله عنه خطوة
واحدة ،إال أن چارد عندما لمس مالوري سحبته نفس الرؤية اليت
انتابت أخته.
كان كل يش ء يغلفه السكون..
73
ُع َج ُر أشجار التوت األسود .رجال يمتطون صهوات جياد.
كالب عجاف لها ألسنة حمراء .وميض أبيض ،والكائن ذو القرن
يظهر من بني الصخور ،سيقانه يغطيها الوحل الداكن .سهاٌم
تتطاير لتغرز نفسها يف الجسد األبيض .ارتفع صوت الكائن
أحادي القرن وانحىن ألسفل وسط كومة من أوراق األشجار.
74
ًن
كالب مسعورة تمزق جلده .رجل يحمل سكي ا يطعن قرن الكائن
بينما األخري مازال يتحرك.
ًال
تعاقبت الصور أرسع من ذي قبل وأصبحت أقل اتصا ببعضها
البعض.
فتاة ترتدي رداًء عديم اللون يدفعها صيادون بقوة ،تقوم
باستقطاب الفرس يك يقرت ب .سهم طائش يصيبها ويطرحها أرًض ا.
ذراع شاحبة تتدىل عىل أحد الجوانب .كالهما يف مكانه ،ثم مئات
من القرون الملطخة بالدماء اتخذت هيئة كئوس وأقداح،
وتسحق إىل أن تتحول إىل مسحوق .جلود حيوانات بيضاء
مخضبة بالدماء ومكدسة يف كومة يحوم حولها ذباب أسود
يصدر طنيًن ا.
حرر چارد نفسه من الحلم وشعر بغثيان ينتابه ..ولدهشته،
فوئج بأن مالوري كانت تبيك ،فتنهمر عرب اتها عىل الفرو األبيض
ًن ًن
وتضيف لو ا داك ا عليه .وضع سايمون يده عىل جانب الكائن
أحادي القرن ،فأمال األخري رأسه لألمام وهو يداعب شعر مالوري
بشفتيه.
قال سايمون وهو يبدو مزن عًج ا إىل حد ما ،فلطالما سكنت
الحيوانات إليه هو« :إنه معجب بك فعًال ».
هزت مالوري كتفيها ويه تقول« :أنا فتاة».
قال الجين ذو القرون المكونة من أوراق الشجر« :نحن نعرف ما
رأيتموه ..أعطونا الكتاب السحري .البد أن ندمره».
قال چارد سائًال « :ماذا عن الغيالن؟».
عالمكم» ،ثم
ًأ رد لورينجورم« :ماذا عنهم؟ إن الغيالن يحبون
ًذ ًال
استطرد قائ «لقد أصبحت آالتكم وسمومكم ملج ومال ا :
75
ألمثالهم».
قال چارد« :لم يبد أنه يسوءكم استخدامهم يف محاولة لالستيالء
عىل الكتاب منا».
سألت الجنية ذات العينني الخرض اوين ،ويه تحدق بعينيها وتزم
فمها يف رصامة« :نحن؟ هل تعتقد أننا قد نقدم عىل إرسال هؤالء
الحراس؟ إنهم يأتمرون بأوامر مولجاراث».
اعتدلت مالوري واقفة ويه تربت عىل ظهر الكائن أحادي القرن
بال ويع قائلة« :ومن يكون مولجاراث؟».
قال لورينجورم موضًح ا« :إنه غول؛ يقوم منذ فرت ة طويلة
باستقطاب الغيالن نحوه وعقد معاهدات ومواثيق مع األقزام،
ونحن نعتقد أنه يرغب الحصول عىل كتاب آرثر سبايدرويك
لنفسه».
سأله چارد« :لماذا؟ أال تعرفون بالفعل كل يش ء يتضمنه ذلك
الكتاب؟».
تبادلت الجنيات نظرات مزن عجة فيما بينهن ،ثم تكلم أخًري ا
الجين ذو القرون المتكونة من أوراق الشجر وقال« :نحن فنانون،
76
وال نرى أن هناك حاجة لقطع األشياء إىل أجزاء يك نرى ما
صنعت منه..
إن ما فعله آرثر سبايدرويك لم يكن أٌّي منا ليفعله».
وضعت الجنية ذات العينني الخرض اوين إحدى يديها عىل كتف
الجين اآلخر« :ما يعنيه هو أن الكتاب قد يتضمن أشياء ال
نعرفها».
ًّق
فكر چارد لوهلة ،ثم قال« :إذن ،أنتم ال تأبهون ح ا الستيالء
البرش عىل كتاب آرثر السحري ..كل ما تريدونه هو أال يضع
مولجاراث يديه عليه!».
ريطخ الكتاب «هذا : اوين قالت الجنية ذات العينني الخرض
يف
يد أي شخص؛ إنه يحتوي عىل معلومات أكرث من الالزم ..سلمه
لنا وبذلك ندمره ونكافئك».
بسط چارد يديه وهو يقول« :إنه ليس معنا ،ولن يكون بوسعنا
أن نعيده لكم حىت وإن رغبنا يف ذلك».
هز الجين ذو القرون الورقية رأسه ورض ب عكازه عىل األرض
بقوة وهو يصيح« :أنت تكذب!».
قالت مالوري« :إنه ليس بحوزتنا فعًال ،أقسم لك».
رفع لورينجورم أحد حاجبيه األحمرين وهو يقول« :أين هو
إذن؟».
أجاب سايمون« :نحن نعتقد أن الجين األسمر الموجود بالمزن ل
هو من أخذه ..ولكننا لسنا واثقني من ذلك».
شهقت الجنية ذات العينني الخرض اوين قائلة« :هل
أضعتموه؟».
قال چارد بصوت خفيض« :ربما كان يف حوزة ثيمبلتاك اآلن».
77
قال الجين ذو القرون الورقية« :لقد حاولنا أن نكون عقالء
معكم ولكن البرش جنس خائن».
ردد چارد« :خائن؟ كيف نعرف أنه يمكننا الوثوق بكم؟».
واختطف الخريطة من بني يدي سايمون وبسطها أمام الجنيات
إللقاء نظرة عليها ،ثم قال« :لقد عرث نا عىل هذه الخريطة ..كانت
ىت ًك
مل ا آلرثر ،وعىل ما يبدو فقد أ إىل هنا وأعتقد أنه التقاكم ،وأريد
أن أعرف ما الذي فعلتموه له».
أجاب الجين ذو القرون الورقية« :لقد تحدثنا معه ،وفكر يف أن
يخدعنا ،لقد أقسم لنا إنه سيدمر الكتاب ،وحرض إىل اجتماعنا
مصطحًب ا معه حقيبة مليئة بورق متفحم ورماد ،لكنه كان يكذب
إذ أحرق كتاًب ا آخر ،وظل الكتاب السحري سليًم ا لم يمسسه
سوء».
قالت الجنية ذات العينني الخرض اوْي ن« :نحن أناس نحرت م
ًن
كلمتنا ،ورغم أن ذلك قد يؤلمنا أحيا ا فإننا نيف دوًم ا بوعودنا ،وال
نشعر بأي تعاطف إزاء من يفكرون يف خديعتنا».
سأل چارد« :ماذا فعلتم؟».
قالت الجنية ذات العينني الخرض اوْي ن« :لقد منعناه من إحداث
المزيد من الرض ر».
ثم قال الجين ذو القرون الورقية« :ولقد أتيتم أنتم اآلن ،وسوف
تحرض ون لنا الكتاب السحري».
أشار لورينجورم بيده فزحفت جذور شاحبة ببطء من األرض.
رصخ چارد عالًي ا لكن صوته ضاع وسط أصوات تكرُّس األغصان
وتشابك األوراق ،ثم انفصلت األشجار مبتعدة عن بعضها البعض
وبدأت أغصانها تعود إىل أشكالها الطبيعية.
78
ولكن بزغت جذور قذرة ومشعرة وتسلقت ملتفة حول قديم
چارد وأمسكته.
قال الج ذو القرون الورقية« :أحرض لنا الكتاب وإال فسيبىق
ًز ين
أخوك محتج ا هنا إىل األبد يف أرض الجنيات».
ولم يساور چارد الشك يف أن الجين كان يعين ما قاله.
79
80
الفصل السابع
81
قال چارد« :ال ،إذا عدتم أدراجكم إىل هنا فقد يحتجزوننا جميًع ا
كرهائن لديهم .البد أن تجعلهم يتعهدون لك!».
هتفت الجنية ذات العينني الخرض اوْي ن« :إن كلمتنا ميثاقنا».
ردت مالوري ويه تتطلع إىل أخويها يف قلق وانزعاج« :ولكنكم
لم تعدونا بعد».
أضاف چارد« :فلتتعهدوا لنا بأن چارد ومالوري يمكنهما أن
يغادرا هذا البستان ،وأنهما إذا عادا إليه ،فلن يتم احتجازهما ضد
إرادتهما».
همت مالوري باالعرت اض ولكنها آثرت الصمت.
تطلعت الجنيات إىل اإلخوة الثالثة يف تردد ،ثم أومأ لورينجورم
برأسه أخًري ا وقال« :فليكن ما تريدون .يمكن لچارد ومالوري أن
يغادرا هذا البستان .ولن يتم احتجازهما دون مشيئتهما سواء اآلن
أو فيما بعد .ولكن إذا لم يحرض ا الكتاب السحري معهما،
فسنحتفظ بأخيهما سايمون إىل األبد .وسيظل معنا خلف التل
دون أن يهرم أو تصيبه الشيخوخة لمدة مائة عام مرض وبة يف مائة
عام أخرى .وإذا فكر ولو مرة يف الفرار ،فخطوة واحدة يطؤها عىل
األرض كفيلة بأن تعيد إليه يف لحظة آثار كل السنوات اليت لم
تصبه».
رست رجفة يف جسد سايمون الحقييق وتقدم خطوة مقرت ًب ا من
مالوري.
قال الجين « :اذهبا برسعة».
82
ألقت مالوري نظرة ثاقبة عىل چارد .كانت حافة سيفها قد
انخفضت إال أنها كانت ال تزال ممسكة به أمامها دون أن تتحرك
من مكانها لمغادرة البستان.
حاول چارد أن يرسم عىل وجهه ابتسامة مشجعة ،إال أن الخوف
قد تملكه ،وعلم أن خوفه كان بادًي ا عىل وجهه.
83
هزت مالوري رأسها ثم تبعت سايمون .وبعد أن مشيا بضع
خطوات ،استدارا وألقيا نظرة أخرى عليه ،ثم بدآ يف تسلق التل
المنحدر ،وبعد مرور بضع دقائق كان األخوان قد تواريا بني أوراق
األشجار الكثيفة.
تحدث چارد قائًال « :يجب عليكم أن ترت كوين أرحل».
سأله الجين ذو القرون« :ولماذا يتعني علينا ذلك؟ لقد سمعت
بنفسك وعدنا ألخويك ،لن نطلق رساحك إىل أن ُي حرض أخوك
وأختك الكتاب السحري إلينا».
هز چارد رأسه وهو يقول« :لقد قلتم إنكم ستطلقون رساح
سايمون .أنا چارد».
هتف لورينجورم« :ماذا؟».
تقدم الجين ذو القرون خطوة مقرت ًب ا من چارد وهو يعقص يديه
كالمخالب.
وجد چارد صعوبة يف أن يزدرد لعابه ،ثم قال« :إن كلمتكم بمثابة
ميثاق؛ لذا ينبيغ عليكم أن تدعوين أرحل».
قالت الجنية ذات العينني الخرض اوْي ن ويه تزم شفتيها:
«فلتثبت كالمك أيها الفىت ».
قال چارد وهو يجاهد النزت اع حقيبته المعلقة عىل ظهره
ويمسكها بيدين مرتعشتني « :انظري» .كان يوجد أعىل
الحقيبةثالثة حروف مدونة بخط أحمر عليها :ج .إ .ج« .أرأيت؟
إنها تعين چارد إيفان جريس».
84
قال الجين ذو القرون يف نغمة بدت وكأنه يليق لعنة« :فلتذهب.
فلنأمل أن تنفعك حريتك إذا وقعت أنت أو أخواك المخادعان
بني أيدينا مرة أخرى».
ًد
وبعد أن نطق الجين ًدجملته ،انفرجت الجذور بعي ا عن سايق
چارد الذي ركض مبتع ا عن البستان بأقىص رسعة يستطيعها،
وظل يركض دون أن ينظر وراءه ثانية.
ثم تناهت إىل مسامعه ضحكة عالية عندما وصل إىل قمة التل.
جال ببرصه يف األشجار القريبة منه إال أنه لم يجد أي أثر للفوكا.
ًف
ولكن چارد لم ُي فاجأ عندما سمع صوت الفوكا الذي أصبح مألو ا
وهو يقول« :أرى أنك لم تعرث عىل خالك .يا له من أمر مؤسف!
ربما لو كنت أقل ذكاًء لحالفك الحظ».
ًض
ارتعد چارد واندفع راك ا نحو الجانب اآلخر من التل ،كان
يعدو برسعة هائلة لدرجة أنه وجد صعوبة يف التوقف يف منتصف
الطريق.
85
عرب الفىت الشارع ،ثم جرى عرب البوابات الحديدية إىل أن وصل
إىل باحة المزن ل األمامية وهو يلهث.
كانت مالوري وسايمون جالسني عىل درج السلم يف انتظاره .لم
تنبس مالوري بأي كلمة لكنها قامت وعانقته عىل نحو لم يعهده
منها من قبل فرت ك أخته الكبري ة تحتضنه.
86
ًك
قال سايمون ضاح ا« :لم أكن أفهم ما الذي كنت تنوي فعله،
ولكنها كانت حيلة رائعة».
ابتسامة عريضة« :أشكرك عىل مجارايت رد چارد وهو يبتسم
فيها .لقد قال يل الفوكا شيًئ ا وأنا يف طريق عوديت ».
سألته مالوري« :هل قال شيًئ ا له معىن ؟».
ًن
قال چارد« :حس ا ،هل تتذكران ما قالته الجنيات عن أنهن
سيحتجزنين إىل األبد يف عالمهن؟».
قال سايمون« :يحتجزنك؟ لقد قلن إنهن سيحتجزن سايمون».
«نعم ،ولكن فكر فيما كَّن يعزت من فعله .كَّن ينوين احتجازي
هناك إىل األبد .دون أن تصيبين عالمات الشيخوخة ،أتتذكر؟ إىل
األبد».
قالت مالوري ببطء« :إذن هل تعتقد...؟».
«عندما كنت أغادر المكان ،قال الفوكا إن لو كنت أقل ذكاًء
ين يل
لحالفين الحظ يف العثور عىل خايل ».
سأله سايمون وهم يصعدون الدرج لدخول المزن ل« :هل تقصد
أن آرثر قد يكون محتجًز ا لدى الجنيات؟».
87
قال چارد« :أعتقد ذلك».
قالت مالوري« :إذن فهو ال يزال حًّي ا».
فتح چارد الباب الخليف ودلف إىل الحجرة الطينية ..كان مازال
يرتعش من تجربته المرعبة مع الجنيات إال أن ابتسامة عريضة
ارتسمت عىل وجهه .ربما لم يفر آرثر أو يهجر عائلته .ربما كان
ًن
سجي ا لدى الجنيات .وربما لو كان چارد ذكًّي ا بما يكيف ألمكنه
إنقاذه.
ًق
وبينما كان چارد غار ا يف أحالم اليقظة حول إنقاذ آرثر ،لم
ًض
يلحظ الوميض الفيض تحت قدميه قبل أن يسقط أر ا ،ثم
أعقبه سقوط يش ء آخر ثقيل عىل ردفيه ويده الممتدة عىل
ًض
األرض .كان سايمون الذي تعرث وسقط هو أي ا فوق چارد ،ثم
أعقبتهما مالوري اليت كانت تبعد عنهما خطوتني فحسب وانتىه
ًة
بها المآل جاثم فوق أخويها.
صاح چارد وهو ينظر حوله« :اللعنة!».
كانت الكرات المرمرية متناثرة عىل األرض من حولهم.
ًال
قال سايمون« :آه ..ابتعدي عين يا مال» محاو أن يتملص من
تحتها.
ردت مالوري ويه تعتدل واقفة عىل قدميها« :بل ابتعد أنت»،
ثم استطردت قائلة« :سأقتل ذلك الجين الصغري عندما أضع
يدي عليه» ،ثم أضافت« :أتعلم يا چارد؟ إذا عرث نا عىل كتاب
آرثر ،أرى أن نحتفظ به».
استدار چارد إليها قائًال « :هل تعتقدين ذلك؟».
أومأت برأسها ويه تقول« :أنا ال أعلم ما تفكران فيه ،ولكنين لن
أتحمل أن تتحكم َّيف الجنيات بعد اآلن».
88
89
عن توين ديرت لزي ي...
مؤلف حاصل عىل لقب أفضل الكتاب بيًع ا من النيويورك تايمز،
ابتكر قصة «تيد» اليت فازت بجائزة زينا زس رالند ،كما ابتكر
ًد
مغامرة «جييم زانجو عىل القمر بعي ا عن هذا العالم» ،وكذلك
أبدع رسوم سلسلة «الفضايئ واألبوسوم للمبتدئني » اليت كتبها
توين جونستون .كما حصلت معالجته السينمائية الرائعة لقصة
ماري هاويت الكالسيكية «العنكبوت والذبابة» عىل جائزة
كالديكوت ،وباإلضافة لذلك ،فقد زينت رسومه أعمال مشاهري
كتاب الخيال مثل يج آر آر تولكني وآن ماكافري وبيرت إس بيجل
وجريج بري ،كذلك ساهم برسم سحرة ساحل السحر يف «اجتماع
السحرة».
90
وهــولـي بــالك
هويل بالك جامعة نهمة ألعمال الفلكلور الشعيب ،فقد قضت
سين عمرها األوىل يف بيت عتيق مبين عىل الطراز الفكتوري كانت
أمها تطعمها فيه وجبة يومية من قصص األشباح وكتب الجنيات،
وبالتبعية كانت روايتها األوىل «تايث :قصة أشباح حديثة» لمحة
قوطية بارعة يف عالم الجنيات .وعند نرش ها يف خريف عام 2002
امتدحها النقاد وحصلت عىل لقب أفضل كتاب للنشء من اتحاد
المكتبات األمريكية.
ًر ًال
وحالًّي ا يكافح توين وهويل لي ونها ا لصد هجوم الجنيات
والغيالن الغاضبة ألنهما كتبا قصة اإلخوة جريس لكم.
91
92
93
المحتويات
عزيزي القارئ..
الفصل األول
الفصل الثاين
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
المحتويات
94