You are on page 1of 95

‫ يوميات آل سبايدرويك‬:‫السلسلة‬

)‫ رس لوسيندا (الكتاب الثالث‬:‫العنوان‬


‫ توين ديرت لزي ي هويل بالك‬:‫تأليف‬
‫ هند صابر مهدي‬:‫ترجمة‬
‫ داليا محمد إبراهيم‬:‫إرش اف عام‬
Original English title: The Spiderwick Chronicles:
.Lucinda’s Secret
Arabic Language Copyright © 2009 by Nahdet
.Misr for Printing, Publishing and Distribution
Original English Language Copyright © 2003 by
.Tony Diterlizzi and Holly Black
.Book design by Tony Diterlizzi and Dan Potash
Published by Nahdet Misr for Printing, Publishing
and Distribution upon arrangement with Simon &
Schuster Books for Young Readers, an imprint of
Simon & Schuster Children’s Publishing Division.
1230 Avenue of the Americas, New York, NY
.10020, USA. All rights reserved
The Spiderwick Chronicles: Lucinda’s ‫ترجمة كتاب‬
‫ تصدرها رش كة نهضة مرص للطباعة والنرش والتوزيع‬Secret
Simon & Schuster Books for Young ‫برت خيص من رش كة‬
Readers
‫يحظر طبع أو تصوير أو تخزين أي جزء من هذا الكتاب سواء‬
‫ إال بإذن‬،‫النص أو الصور بأية وسيلة من وسائل تسجيل البيانات‬
1
‫كتايب رصيح من النارش ‪.‬‬
‫الرت قيم الدويل ‪5-1072-14-977 :‬‬
‫رقم اإليداع‪2008 / 10918 :‬‬
‫الطبعة التاسعة‪ :‬ديسمرب ‪2014‬‬
‫‪ 21‬شارع أحمد عرايب ‪ -‬المهندسني ‪ -‬الجزي ة‬
‫تليفون‪02 33472864 - 33466434 :‬‬
‫فاكس‪02 33462576 :‬‬
‫خدمة العمالء‪16766 :‬‬
‫‪Website: www.nahdetmisr.com‬‬
‫‪publishingnahdetmisr.com :E-mail‬‬

‫‪2‬‬
3
‫عزيزي القارئ‪..‬‬
‫عىل مدار سنوات صداقيت بتوين ‪ ،‬تشاركنا مًع ا نفس ولعنا‬
‫الطفويل بالجنيات‪ ،‬لكننا لم ندرك أهمية ذلك الرابط أو كيف‬
‫سنخترب ه‪.‬‬
‫ويف يوم من األيام‪ ،‬كنت أنا وتوين وعدد آخر من الكتاب يف‬
‫حفل توقيع كتاب يف إحدى المكتبات الكرب ى‪ ،‬وبعد انتهاء حفل‬
‫التوقيع‪ ،‬تباطأنا ونحن نساعد يف ترتيب الكتب ونتحدث مًع ا‪،‬‬
‫حىت اقرت ب منا أحد الموظفني وقال‪ :‬إن أحدهم قد ترك لنا‬
‫خطاًب ا‪ .‬وعندما سألته‪ :‬لمن منا الخطاب؟ فاجأتنا إجابته‪.‬‬
‫فقد قال الموظف‪ :‬لـ«كليكما»‪.‬‬
‫بالضبط كما يظهر يف الصفحة المقابلة‪ ،‬وقد‬ ‫الخطاب اًل‬ ‫لقد كان‬
‫ًت‬
‫قىض توين وق ا طوي يحدق إىل النسخة اليت جاءت مع‬
‫الخطاب‪ ،‬ثم تعجب يف صوت خافت من بايق المخطوطة‪.‬‬
‫وبرسعة‪ ،‬كتبنا ملحوظة‪ ،‬وأدخلنا المخطوطة يف الظرف وطلبنا‬
‫من الموظف أن يرسلها إىل أطفال جريس‪.‬‬
‫وبعد مدة قصري ة‪ ،‬وصل مكتيب طرد مربوط برش يط أحمر‪ .‬وبعد‬
‫ذلك بعدة أيام‪ ،‬قرع ثالثة أطفال جرس الباب وقصوا عَّيل هذه‬
‫القصة‪.‬‬
‫وما حدث منذ ذلك الوقت ال يمكن وصفه‪ ،‬فقد انغمسنا أنا‬
‫وتوين يف عالم لم نصدق وجوده‪ .‬واآلن‪ ،‬لم تعد الجنيات بالنسبة‬
‫لنا مجرد قصص من الطفولة‪ ،‬فنحن محاطون بعالم غري مريئ ‪،‬‬
‫ونتمىن أن تفتح عينيك قاريئ العزيز؛ لرت ى هذا العالم‪.‬‬

‫‪4‬‬
5
6
‫الفصل األول‬

‫وفيه تنقلب أشياء كثري ة‬


‫رأًس ا عىل عقب‬

‫تناول چارد جريس قميًص ا أحمر اللون وقلب الجزء الداخيل منه‬
‫إىل الخارج ثم ارتداه مقلوًب ا عىل هذا النحو‪ ،‬وحاول أن يفعل نفس‬
‫اليش ء عند ارتداء بنطاله الچيزن إال أنه لم يفلح‪ .‬كان دليل آرثر‬
‫سبايدرويك السحري للعالم الخيايل من حولك قابًع ا عىل‬
‫وسادته‪ ،‬مفتوًح ا عىل صفحة تسدي إىل القارئ بعض النصائح‬
‫الوقائية لحمايته‪ ..‬راجع چارد الكتاب بإمعان من دون أن يكون‬
‫واثًق ا إن كانت أٌّي من تلك النصائح ستفيده فيما يواجهه أم ال‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫فمنذ صباح ذلك اليوم الذي عاد فيه أبناء جريس أدراجهم إىل‬
‫ًد‬ ‫ني‬ ‫ني‬ ‫زن‬
‫الم ل مصطحب معهم الجريف ‪ ،‬لم يدخر ثيمبلتاك جه ا يف‬
‫االنتقام من چارد ومضايقته‪ ..‬كان يتناىه إىل مسامع الفىت بني‬
‫الفينة واألخرى أصوات حركة الجين الصغري داخل الحائط‪ ،‬ويف‬
‫أوقات أخرى كان يخَّي ل إىل چارد أنه لمحه بطرف عينه‪ ،‬وكان نتاج‬
‫ذلك االنتقام حىت اآلن هو استيقاظ چارد يف أحد األيام واكتشافه‬
‫ُق‬
‫أن رموشه قد صت‪ ،‬أو أن يكتشف يف يوم آخر أن حذاءه قد‬
‫ًئ‬
‫ُم َئِل بالوحل والطني ‪ ،‬أو أن شي ا قد تبول عىل وسادته يف أحيان‬
‫ُه‬
‫أخرى‪ ،‬وقد ألقت أمه يف الواقعة األخري ة باللوم عىل رْي رة سايمون‬
‫الجديدة‪ ،‬ولكن چارد كان يعلم من هو الملوم الحقييق عىل تلك‬
‫الفعلة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫بيد أن مالوري لم تكن متعاطفة معه عىل اإلطالق؛ فقد داومت‬
‫عىل ترديد عبارة‪« :‬اآلن تعرف اإلحساس الذي تولده مثل هذه‬
‫األمور»‪ ..‬سايمون وحده هو الذي بدا مهتًّم ا بشدة‪ ،‬وهذا ما كان‬
‫متوقًع ا منه أن يفعله؛ فلو لم يضطر چارد إىل إجبار ثيمبلتاك عىل‬
‫ًد‬
‫التخيل عن العدسة السحرية بالقوة لوجد سايمون نفسه ممد ا‬
‫عىل سيخ شواء يف أحد مخيمات الغيالن‪.‬‬
‫جور ا مقلوًب ا‪،‬‬
‫ًب‬ ‫عقد چارد أربطة حذائه الموحل بعد أن ارتدى‬
‫ًال‬
‫وتمىن لو كان بوسعه أن يجد سبي يك يعتذر إىل الجين ‪ ..‬حاول‬
‫أن يعيد العدسة إليه إال أن األخري فقد رغبته فيها‪ ،‬وكان چارد‬
‫يعلم أنه لو حدثت كل تلك األمور مرة أخرى لترصف عىل نفس‬
‫النحو الذي ترصف به آنذاك‪ .‬فمجرد التفكري يف أن سايمون كان‬
‫ًن‬ ‫ًن‬
‫سجي ا لدى الغيالن بينما وقف ثيمبلتاك ساك ا بال حراك يتحدث‬
‫باأللغاز قد أثار غضبه إىل درجة جعلته عىل وشك تمزيق أربطة‬
‫حذائه من فرط قوة العقدة اليت كان يربطها‪.‬‬
‫نادته مالوري من الطابق السفيل ‪« :‬چارد‪ ،‬فلتأت إىل هنا‬
‫لدقيقة»‪.‬‬
‫ًف‬
‫هب الفىت واق ا وهو يدس الكتاب السحري تحت إبطه‪ ،‬ثم تقدم‬
‫خطوة تجاه درج السلم‪ ،‬ولم يكد يتحرك حىت سقط من فوره‬
‫وارتطمت يده وركبته باألرضية الخشبية‪ ..‬فبطريقة أو بأخرى‬
‫كانت أربطة حذاء چارد مربوطة مًع ا‪.‬‬
‫كانت مالوري واقفة بالمطبخ يف الطابق السفيل ويه تحمل كوًب ا‬
‫زجاجًّي ا أمام النافذة‪ ،‬حيث انعكس ضوء الشمس عىل ماء الكوب‬
‫وألىق بظالل ألوان قوس قزح عىل الحائط‪ ..‬كان سايمون جالًس ا‬
‫بجوار مالوري‪ ،‬وكالهما يبدو متحجًر ا يف مكانه‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫هتف چارد‪« :‬ماذا؟»‪ ،‬كان األخري يشعر بالعصبية واالستياء‬
‫يعتمالن يف نفسه بسبب سقطته واأللم الذي اعرت ى ركبته‪ ،‬وفكر‬
‫لو أن كل ما أراد أخواه أن يرياه هو كيف يبدو رائًع ا ذلك الكوب‬
‫الغيب لقام بتحطيم أي يش ء عىل الفور‪.‬‬
‫قالت مالوري ويه تناوله الكوب‪« :‬فلتأخذ رشفة»‪.‬‬
‫ًال‬
‫تطلع چارد إىل الكوب يف شك متسائ إن كانا قد قاما بالبصق‬
‫فيه‪ .‬لماذا تريده مالوري أن يرش ب ماء؟‬
‫قال سايمون‪« :‬هيا يا چارد‪ ،‬لقد جربناه من قبل»‪.‬‬
‫أصدر جهاز المايكروويف صفًري ا فهب سايمون من مكانه‬
‫إلخراج كومة هائلة من رش ائح اللحم المقطع‪ ،‬كان الجزء العلوي‬

‫‪10‬‬
‫من اللحم يميل إىل اللون الرمادي الباهت أما بقيته فقد كانت ال‬
‫تزال مجمدة‪.‬‬
‫سأل چارد وهو يحدق إىل رش ائح اللحم‪« :‬ما هذا؟»‪.‬‬
‫أجاب سايمون وهو يضع اللحم يف وعاء كبري ويضيف إليه‬
‫رقائق الذرة‪« :‬إنه من أجل بايرن‪ ..‬البد أنه يتعاىف ؛ فهو جائع‬
‫دوًم ا»‪.‬‬
‫ابتسم چارد وهو يفكر أن أي شخص آخر كان سيتوىخ‬
‫ًع‬ ‫ًق‬ ‫يف‬
‫الحذر عندما يكون األمر متعل ا بجريفني يكاد يتضور جو ا‬
‫ومقيًم ا يف البيت الصغري عىل مقربة من مزن له‪ ،‬ولكن ذلك‬
‫الشخص لن يكون سايمون بكل تأكيد‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬هيا‪ ،‬ارش ب الماء»‪.‬‬
‫ًق‬
‫تناول چارد رشفة الماء ثم انتابته رش قة؛ فقد كان الماء حار ا‬
‫عىل فمه‪ ،‬فما كان منه إال أن بصق نصفه عىل أرضية المطبخ‪ ،‬أما‬
‫الكمية المتبقية فقد نزلت يف حلقه كالنري ان‪.‬‬
‫صاح چارد بني نوبات السعال اليت انتابته‪« :‬هل فقدتما‬
‫عقليكما؟ ما هذا؟»‪.‬‬
‫ُت‬
‫أوضحت مالوري‪« :‬إنه ماء من الصنبور‪ ،‬وجميع الصنابري خرج‬
‫ماًء له نفس المذاق والطعم»‪.‬‬
‫سألها چارد‪« :‬ولماذا إذن جعلتين أتذوقه؟»‪.‬‬
‫عقدت مالوري ذراعيها ويه تجيبه‪« :‬لماذا تحدث لنا كل تلك‬
‫األمور يف اعتقادك؟»‪.‬‬
‫سأل چارد‪« :‬ماذا تقصدين؟»‪.‬‬
‫ردت‪« :‬أقصد أن أشياء غريبة بدأت تحدث منذ أن عرث نا عىل‬
‫ذلك الكتاب‪ ،‬ولن تتوقف إال إذا تخلصنا منه»‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫اعرت ض چارد‪« :‬لقد كانت األشياء الغريبة تحدث حىت قبل أن‬
‫نعرث عليه!»‪.‬‬

‫قالت مالوري‪« :‬هذا ال يهم»‪.‬‬


‫وأضافت‪« :‬لقد أراد هؤالء الغيالن الكتاب السحري وأعتقد أنه‬
‫ينبيغ علينا أن نعطيه لهم»‪.‬‬
‫عم السكون الغرفة لبضع ثوان‪ ،‬ثم قطعه چارد بقوله‪« :‬ماذا؟»‪.‬‬
‫كررت مالوري عبارتها‪« :‬يجب علينا أن نتخلص من ذلك‬
‫الكتاب الغيب »‪ ..‬ثم استطردت قائلة‪« :‬قبل أن يتأذى أحد أو يقع‬
‫أمر أسوأ من ذلك»‪.‬‬
‫قال چارد‪« :‬نحن ال نعرف حىت ما أصاب الماء» وحدق إىل‬
‫حوض المطبخ وشعر بالغضب يتملكه‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬ومن يبايل ؟ هل تذكر ما قاله لنا ثيمبلتاك؟‬
‫إن كتاب آرثر السحري خطري للغاية!»‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫َّد ًال‬
‫لم يرغب چارد التفكري يف ثيمبلتاك ور قائ «نحن يف حاجة‬
‫إىل الكتاب‪ ،‬فلواله لم نكن لنعرف أن هناك جنًّي ا يف المزن ل‪،‬‬
‫أو الوحش العمالق أو الغيالن أو أي يش ء آخر»‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬ولم يكن هؤالء ليعلموا بوجودنا أيًض ا»‪.‬‬
‫قال چارد‪« :‬إنه مليك أنا»‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫ُك‬
‫صاحت مالوري فيه‪ « :‬ف عن هذه األنانية!»‪.‬‬
‫جز چارد عىل أسنانه من الغضب؛ إذ كيف تجرؤ عىل وصفه‬
‫باألناين ‪ ..‬إنها أجنب من أن تحتفظ به‪.‬‬
‫«أنا من يقرر كيفية الترصف يف الكتاب‪ ،‬وهذا أمر نهايئ ال‬
‫رجعة فيه!»‪.‬‬
‫ردت مالوري‪« :‬سأريك ما هو اليش ء النهايئ »‪ ،‬وتقدمت خطوة‬
‫نحوه قائلة‪« :‬لو لم أكن موجودة لكنت أنت اآلن يف عداد‬
‫الموىت !»‪.‬‬
‫ًض‬ ‫ًد‬ ‫ًّق‬
‫«أح ا؟ ولو لم أكن أنا موجو ا لكنت أنِت أي ا يف عداد‬
‫الموىت !»‪.‬‬
‫ُخ‬ ‫ًق‬
‫سحبت مالوري نفًس ا عمي ا‪ ،‬حىت يل لچارد أنه سري ى بخاًر ا‬
‫يخرج من أنفها‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬هذا بالضبط ما أقصده‪ ،‬فبسبب هذا الكتاب‬
‫كنا سنموت جميًع ا»‪.‬‬
‫تطلع ثالثتهم إىل الكتاب المتديل من يد چارد اليرسى‪ ،‬ثم‬
‫استدار األخري نحو أخيه يف غضب هائل وهو يقول‪« :‬أتصور أنك‬
‫موافق عىل ما تقوله مالوري»‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫هز سايمون كتفيه يف ضيق وهو يقول‪« :‬لقد ساعدنا الكتاب يف‬
‫أن نعرف معلومات عن ثيمبلتاك والعدسة السحرية اليت جعلتك‬
‫تمتلك القدرة عىل رؤية الجنيات»‪.‬‬
‫ابتسم چارد ابتسامة المنترص‪.‬‬
‫استدرك سايمون حديثه فتغري ت أمارات الظفر عىل وجه أخيه‬
‫التوءم‪« :‬ولكن‪ ،‬ماذا إن كان هناك المزيد من الغيالن؟ لست‬
‫ًد‬
‫متأك ا حينئٍذ إن كان باستطاعتنا إيقافهم أو منعهم‪ ،‬وماذا‬
‫سنفعل إن تمكنوا من دخول المزن ل‪ ،‬أو اختطاف أمنا؟»‪.‬‬
‫هز چارد رأسه وهو يفكر؛ لو قامت مالوري وسايمون بتدمري‬
‫‪:‬‬ ‫!‬ ‫ُس ًد‬
‫الكتاب فإن كل ما فعلوه يكون قد ذهب ى فقال «وماذا لو‬
‫سلمنا لهم الكتاب ولم يتوقفوا عن مالحقتنا؟»‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫سألته مالوري‪« :‬ولماذا سيفعلون ذلك؟»‪.‬‬
‫قال چارد‪« :‬إنهم يعلمون أننا نعرف بأمر الكتاب وأن الجنيات‬
‫كائنات حقيقية‪ ،‬وقد يظنون أننا سنؤلف كتاًب ا آخر»‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬سأحرص عىل عدم قيامك بذلك»‪.‬‬
‫استدار چارد نحو سايمون الذي كان يستخدم ملعقة خشبية‬
‫كبري ة يف مزج خليط اللحم نصف المجمد مع رقائق الذرة وقال‪:‬‬
‫ًض‬
‫«وماذا عن الجريفني ؟ لقد أراد الغيالن بايرن أي ا‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫فهل سنتخىل عنه هو أيًض ا؟»‪.‬‬
‫هتف سايمون وهو ينظر عرب الستائر الشاحبة يف اتجاه ساحة‬
‫المزن ل الخارجية‪« :‬ال‪ ..‬ال يمكننا أن نتخىل عن بايرن‪ ،‬فهو لم‬
‫يسرت د عافيته بعد»‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬ال أحد يبحث عن بايرن‪ .‬ليس هذا كذاك‬
‫بالمرة»‪.‬‬
‫إلقناعهما؛ يش ء يثبت لهما أنهما يف‬ ‫حاول چارد التفكري يف يش ء‬
‫حاجة إىل الكتاب‪ .‬لم يجعله الكتاب أكرث فهًم ا لعالم الجنيات من‬
‫ًال‬
‫أخويه‪ ،‬بل لم يكن يعرف أص السبب وراء رغبة الجنيات يف‬
‫استعادة الكتاب السحري رغم أن ما يحتويه ويتضمنه هو‬
‫معلومات عنهم هم‪ .‬هل يرغبون بكل بساطة أال يراهم الناس؟‬
‫إن الشخص الوحيد الذي يعرف اإلجابة هو آرثر الذي رحل عن‬
‫الدنيا منذ أمد بعيد‪ ،‬ثم توقف چارد عن التفكري ‪.‬‬
‫قال چارد‪« :‬حسًن ا‪ ،‬هناك شخص واحد فقط يمكننا أن نستعني‬
‫به؛ شخص قد يعرف حًّق ا ما الذي يتعني علينا فعله»‪.‬‬
‫سأله سايمون ومالوري يف نفس واحد‪« :‬من؟»‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫علم چارد أنه قد كسب هذه المعركة مع أخويه وأن الكتاب قد‬
‫أصبح آمًن ا‪ ..‬عىل األقل يف الوقت الراهن‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫ًال‬
‫رسم چارد عىل وجهه ابتسامة متكلفة وهو يجيب قائ «الخالة‬
‫لوسيندا»‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الفصل الثاين‬

‫وفيه أناس كرث غاضبون‬

‫قالت أمهم ويه تبتسم النعكاس صورة ابنيها چارد وسايمون يف‬
‫مرآة السيارة‪« :‬إنها بادرة لطيفة منكم أيها األوالد أن ترغبوا يف‬
‫زيارة خاليت ‪ ،‬وأنا واثقة من أنها ستحب الكعك الذي صنعتماه من‬
‫أجلها»‪.‬‬
‫خلفت األشجار خارج نافذة السيارة أرساًب ا من أوراقها الصفراء‬
‫والحمراء لتتدفق بني األغصان العارية‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬إنهما لم يصنعا الكعك‪ ،‬كل ما فعاله هو رص‬
‫العجني المجمد عىل الصينية» فركل چارد مقعدها من الخلف‬
‫بشدة‪.‬‬
‫قالت مالوري ويه تستدير نحو أخوْي ها محاولة جذبهما من‬
‫مالبسهما‪« :‬أيها ال‪ .»...‬أطلق چارد وسايمون ضحكات شبه‬
‫مكتومة عندما لم تستطع أختهما اإلمساك بهما بسبب حزام‬
‫األمان المثبت عىل مقعدها‪.‬‬
‫َف َع ْل‬ ‫قالت أمهم‪« :‬حسًن ا‪ ،‬كان هذا أكرث‬
‫ِت‬‫ل‬‫ز‬‫ما‬ ‫فأنت‬ ‫أنت‪،‬‬ ‫ِت ِه‬ ‫مما‬
‫معاقبة أيتها اآلنسة الصغري ة‪ .‬ومازال باقًي ا لكم أنتم الثالثة أسبوع‬
‫آخر من العقاب»‪.‬‬
‫قالت مالوري ويه تنخفض يف جلستها وعيناها تدوران يف قلق‪:‬‬
‫«كنت يف تدريب المبارزة»‪ ،‬ولكن بدا لچارد أن أذنيها بدتا‬
‫غريبتني وشابهما لون وردي عندما كانت تقول عبارتها‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وبحركة الشعورية تحسس چارد الحقيبة المعلقة عىل ظهره؛‬
‫ًن‬
‫للتأكد من وجود الكتاب السحري بداخلها وأنه سليم ويقبع آم ا‬
‫فيها‪ .‬فما دام يحافظ عليه معه فلن يكون بمقدور مالوري أن‬
‫تتخلص منه أو أن تضع الجنيات يدها عليه‪ ،‬كما أنه من المحتمل‬
‫أن تكون الخالة لوسيندا عىل علم بذلك الكتاب‪ ،‬بل ربما كانت‬
‫يه من أخفاه يف قاع الصندوق الزائف إىل أن عرث هو عليه‪.‬‬
‫وإن صح ذلك‪ ،‬ربما يمكنها أن تقنع أخاه وأخته بأن الكتاب عىل‬
‫درجة من األهمية تستوجب االحتفاظ به‪.‬‬
‫ًق‬
‫كان المشىف الذي تقيم فيه الخالة مبىًن عمال ا‪.‬‬

‫كان يبدو أقرب إىل القرص أكرث من كونه مشىف لألمراض العقلية‪،‬‬
‫رش‬ ‫ًن‬
‫وكان مكو ا من جدران ضخمة يغطيها القرميد األحمر وع ات‬
‫النوافذ ونجيل مشذب بشكل متقن‪ .‬وتجىل أمامهم ممٌّر من‬

‫ُّف‬
‫‪18‬‬
‫ُّف‬
‫األحجار البيضاء تح ه أحجار برونزية وحمراء‪ ،‬ويؤدي إىل مدخل‬
‫للبناية اليت عال سقفها األسود ما ال يقل عن عرش مداخن‪.‬‬
‫قال سايمون‪« :‬يا له من مكان! إنه يبدو أقدم من مزن لنا»‪.‬‬
‫زن‬ ‫ًك‬
‫ردت مالوري‪« :‬إنه أقدم‪ ،‬لكنه ليس متهال ا كم لنا»‪.‬‬
‫قالت أمهم بلهجة محذرة‪« :‬مالوري!»‪.‬‬
‫سحقت إطارات السيارة اليت كانت تقلهم مجموعة من الحىص‬
‫ويه تتوقف يف الحزي المخصص‪ ..‬ركنت أمهم السيارة بجوار‬
‫سيارة خرض اء وأوقفت محركها‪.‬‬
‫سأل سايمون‪« :‬هل تعلم الخالة لويس أننا قادمون لزيارتها؟»‪.‬‬
‫قالت السيدة جريس ويه تفتح باب السيارة وتمد يدها لتناول‬
‫حقيبتها‪« :‬لقد اتصلُت قبل قدومنا‪ ،‬لكنين ال أعلم إن كانوا‬
‫أخرب وها أم ال؛ لذا ال تشعروا بخيبة أمل إن كانت ال تتوقع‬
‫قدومنا»‪.‬‬
‫قال چارد‪« :‬أكاد أجزم بأننا أول زائرين تستقبلهم منذ وقت‬
‫طويل»‪.‬‬
‫ًال‬
‫رمقته أمه بنظرة ذات مغزى‪« :‬أو وقبل أي يش ء‪ ،‬ليس من‬
‫اللياقة قول يش ء كهذا‪ .‬وثانًي ا‪ ،‬لماذا ترتدي قميصك مقلوًب ا؟»‪.‬‬
‫نظر چارد إىل األرض وهز كتفيه‪.‬‬
‫سألتها مالوري‪« :‬إن جدتنا تأيت لزيارتها‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫أومأت أمهم برأسها ويه تجيب قائلة‪« :‬بىل تأيت لزيارتها‪ ،‬إال أنه‬
‫ًت‬
‫من الصعب عليها أن تراها هكذا؛ فقد كانت لويس أخ ا بالنسبة‬
‫لها ال مجرد ابنة عمها‪ .‬وعندما بدأت حالة الخالة لوسيندا يف ‪ ...‬يف‬
‫التدهور‪ ،‬كانت جدتكم يه من تعنَّي عليها تويل األمور»‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫أراد چارد أن يسأل عما عنته أمه بذلك‪ ،‬إال‬
‫أن شيًئ ا ما جعله يرت دد يف طرح هذا السؤال‪.‬‬
‫عرب وا جميًع ا من األبواب البيضاء‬
‫المصنوعة من خشب الجوز‪ ،‬ووجدوا يف‬
‫البهو مكتًب ا يجلس إليه رجل يقرأ صحيفة‬
‫ًد‬
‫ويرتدي ًّيز ا موح ا للعامل يف المش تطلع‬
‫‪.‬‬ ‫ىف‬ ‫ني‬
‫ًف‬
‫إليهم وتناول هات ا داكن اللون وهو يقول‬
‫لهم‪« :‬برجاء التوقيع هنا»‪ ،‬أشار إىل دفرت من‬
‫األوراق وسأل‪« :‬من الذي أتيتم لزيارته؟»‪.‬‬
‫قالت أمهم ويه تنحين عىل الطاولة لتدوين‬
‫أسمائهم‪« :‬لوسيندا سبايدرويك»‪.‬‬
‫قطب الرجل جبينه عند سماعه االسم‪،‬‬
‫وقرر چارد عىل الفور أن هذا الرجل ال يروق له بالمرة‪.‬‬
‫يف الدقائق اليت تلت ذلك‪ ،‬ظهرت أمامهم ممرضة ترتدي قميًص ا‬
‫وردي اللون منقًط ا وقادتهم عرب متاهة من الممرات المطلية‬
‫باألبيض غري الناصع مفعمة بالهواء العطن وتفوح منها رائحة‬
‫اليود‪.‬‬
‫مروا جميًع ا عرب غرفة خاوية بها تلفاز يومض مع تعاقب صوره‪،‬‬
‫وتناىه إىل مسامعهم صوت ضحكة الهية أتت من مكان عىل‬
‫مقربة منهم‪ .‬بدأ چارد يفكر يف مستشفيات األمراض العقلية اليت‬
‫اعتاد رؤيتها يف األفالم السينمائية والح أمامه تخُّي ل أناٍس يرتدون‬
‫سرت ات المجانني ويحدقون بعيون مسعورة وهم يعضون عىل‬
‫ال‬ ‫النوافذ‬ ‫ذات‬ ‫األبواب‬ ‫إىل‬ ‫يحدق‬ ‫أربطة سرت اتهم‪ .‬كان الفىت‬
‫يت‬
‫مروا بها‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫كان هناك شاب يف إحدى الغرف مرتدًي ا ثوب الحمام ويقهقه‬
‫بصوت عاٍل ناظًر ا إىل كتاب يمسك به مقلوًب ا‪ ،‬ويف غرفة أخرى‬
‫كانت امرأة تقف بجوار النافذة ويه تنشج‪.‬‬
‫ًد‬
‫حاول چارد أن يشيح بنظره بعي ا عن الباب التايل ‪ ،‬إال أنه سمع‬
‫ًال‬
‫شخًص ا يهتف قائ «وصلت من ستشاركين يف الرقص » عندما‬
‫‪.‬‬ ‫!‬ ‫‪:‬‬
‫نظر الفىت وجد شخًص ا أشعث الشعر وجهه ملتصٌق بزجاج نافذة‬
‫الباب‪.‬‬
‫تقدمت الممرضة يف المسافة الفاصلة بني چارد والباب‪ :‬سيد‬
‫«بري ن!»‪.‬‬
‫قال الرجل عىل نحو أظهر أسنانه الصفراء‪« :‬إنه خطؤك أنت»‪.‬‬
‫سألت مالوري‪« :‬هل أنت بخري ؟»‪.‬‬
‫ًال‬
‫أومأ چارد برأسه محاو التظاهر‬
‫بأنه لم يكن يرتجف‪.‬‬
‫سألت السيدة جريس‪« :‬هل‬
‫يحدث ذلك بشكل متكرر؟»‪.‬‬
‫ًّد‬
‫قالت الممرضة‪« :‬ال‪ ،‬أنا آسفة ج ا‬
‫ًئ‬
‫فهو عادة ما يكون هاد ا للغاية»‪.‬‬
‫وقبل أن تسنح لچارد فرصة ألن‬
‫يقرر ما إذا كانت هذه الزيارة فكرة‬
‫طيبة أم ال‪ ،‬توقفت الممرضة أمام‬
‫باب مغلق وطرقته مرتني ‪ ،‬ثم فتحته‬
‫دون أن تنتظر رًّد ا عىل َط ْر قها‪.‬‬
‫كانت الغرفة صغري ة ولها نفس اللون العايج الذي طليت به‬
‫جدران ممرات المشىف ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫معد‬ ‫لوح‬ ‫مقدمته‬ ‫ثبت‬ ‫الذي‬ ‫منتصف رسير المشىف‬
‫ين‬ ‫رث‬ ‫يف‬ ‫يف‬
‫كانت هناك امرأة جالسة يغيط قدميها لحاف وكانت أك شخٍص‬
‫طاعٍن يف السن رآه چارد يف حياته؛ شعرها الطويل أبيض كالسكر‪،‬‬
‫وبرش تها شاحبة وكأنها شفافة‪ ،‬وكان لها ظهر أحدب مائٌل إىل‬
‫جانب واحد‪ ،‬وبجوار فراشها كان يوجد حامل معدين معلق به‬
‫كيس يحتوي عىل سائل صاف وبه أنبوب طويل متصل بحقنة‬
‫مثبتة يف أوردة ذراعها‪ ،‬وبرقت عيناها بلمعة واضحة عندما وقعتا‬
‫عىل چارد‪.‬‬
‫سألتها الممرضة ويه تتحرك بجوار وحدة أدراج تحمل فوقها‬
‫صوًر ا وحلًّي ا صغري ة أثرية‪« :‬لم ال تسمحني بغلق هذه النافذة يا‬
‫سيدة إس؟ فقد تصابني بالرب د»‪.‬‬
‫صاحت لوسيندا‪« :‬ال!»‪ ،‬فتوقفت الممرضة يف منتصف‬
‫طريقها‪ ،‬ثم استأنفت خالتهم بصوت أكرث رقة ويه تقول‪:‬‬
‫«اتركيها كما يه ‪ ،‬فأنا أحتاج إىل هواء نيق »‪.‬‬
‫‪..‬‬ ‫‪ً :‬ال‬
‫قالت أمهم يف تردد «أه يا خاليت لويس هل تتذكرينين ؟ أنا‬
‫هيلني »‪.‬‬
‫أومأت المرأة العجوز برأسها يف رفق ويه تبدو كمن يستعيد‬
‫هدوءه‪« :‬بالطبع‪ ،‬أنت ابنة ميلفينا‪ ..‬يا إليه ! لقد أصبحِت أ كرب‬
‫قليًال مما أتذكرك»‪.‬‬
‫الحظ چارد أن تلك المالحظة اليت أبدتها لويس لم تسعد أمه‪.‬‬
‫قالت أمهم‪« :‬هذان ولداي چارد وسايمون‪ ،‬وهذه ابنيت مالوري‪..‬‬
‫لقد أصبحنا نقيم يف مزن لك وأراد أبنايئ أن يقابلوِك »‪.‬‬
‫عبست الخالة لويس ويه تقول‪« :‬مزن يل ؟ إن بقاءكم يف ذلك‬
‫المزن ل ليس آمًن ا»‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ردت‪« :‬لقد أحرض ت بعض األشخاص إلجراء بعض اإلصالحات‬
‫فيه‪ .‬انظري‪ ،‬لقد أحرض لِك األوالد بعض الكعك»‪.‬‬
‫قالت‪« :‬رائع»‪ ،‬ونظرت المرأة العجوز إىل الصحن وكأنه كان‬
‫ًئ‬
‫ممتل ا بالرصاصري ال الكعك‪ ..‬تبادل چارد وسايمون ومالوري‬
‫النظرات فيما بينهم‪.‬‬

‫ًة‬
‫قالت الممرضة مخاطب السيدة جريس دون أن تعبأ بأن الخالة‬
‫لويس قد تسمعها‪« :‬ال يوجد يش ء بوسعك فعله؛ فيه لن تأكل‬
‫أي يش ء ونحن نراقبها»‪.‬‬
‫ضاقت عينا الخالة لويس ويه تقول‪« :‬أنا لست صماء كما‬
‫تعلمني »‪.‬‬
‫سألتها أمهم ويه تكشف عن كعك السكر وتمده نحو الخالة‬
‫لوسيندا‪« :‬ألن تتذويق واحدة؟»‪.‬‬
‫قالت المرأة العجوز‪« :‬أخىش أنين لن أفعل‪ ..‬أنا مرتاحة هكذا»‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫همست أمهم إىل الممرضة‪« :‬ربما يمكننا أن نتحدث يف الرواق‪..‬‬
‫لم يكن عندي أدىن فكرة أن األمور مازالت بهذا السوء»‪ .‬وضعت‬
‫أمهم الصحن عىل المائدة الجانبية وارتسمت عىل وجهها نظرة‬
‫قلقة‪ ،‬ثم غادرت الغرفة بصحبة الممرضة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ابتسم چارد لسايمون ابتسامة عريضة؛ فقد جرت األمور عىل‬
‫نحو أفضل مما كانوا يأملون‪ ،‬وبإمكانهم اآلن أن يضمنوا بضع‬
‫دقائق بمفردهم مع الخالة لويس ‪.‬‬
‫َّذ‬
‫قالت مالوري برسعة‪« :‬خاليت لويس ‪ ،‬عندما ح رِت أيم من أن‬
‫ًن‬
‫المزن ل ليس آم ا‪ ،‬لم تكوين تتحدثني عن متانة البناء‪ ،‬أليس‬
‫كذلك؟»‪.‬‬
‫قال سايمون‪« :‬كنت تقصدين الجنيات؟»‪.‬‬
‫أضاف چارد‪« :‬يمكنك أن تخرب ينا‪ ،‬فقد رأيناها»‪.‬‬
‫فابتسمت لهم ولكن أتت ابتسامتها حزينة وقالت‪« :‬ما قصدته‬
‫بالضبط هو الجنيات»‪ ،‬ثم قالت ويه تربت عىل الفراش بجانبها‪:‬‬
‫«تعالوا واجلسوا بجانيب ‪ ..‬أخرب وين ماذا حدث»‪.‬‬

‫‪25‬‬
26
‫الفصل الثالث‬
‫ُت‬
‫وفيه روى عدة حكايات‬
‫ُت َت‬
‫و ك شف واقعة رسقة‬

‫أخرب چارد الخالة لويس يف شغف وهم يجلسون بالرت تيب عىل‬
‫ًق‬ ‫ًش‬ ‫ًن‬
‫حافة رسيرها بالمشىف ‪« :‬رأينا غيال ا ووح ا عمال ا وجريف »‪،‬‬
‫ني‬
‫غمر چارد شعور بالراحة عندما وجد من يصدقه‪ .‬واآلن عندما‬
‫ترش ح لهما مدى أهمية الكتاب؛ سيصبح كل يش ء عىل ما يرام‪.‬‬
‫أضافت مالوري ويه تلتقط كعكة وتقضمها‪« :‬وثيمبلتاك‪ ..‬لقد‬
‫رأيناه‪ ،‬رغم أننا ال نعلم إن كان يعترب جنًّي ا أم بعبًع ا»‪.‬‬
‫قال چارد‪« :‬صحيح ولكننا نحتاج إىل أن نسألِك عن أمر مهم»‪.‬‬
‫سألتهم الخالة لوسيندا ويه تربت عىل يد مالوري‪« :‬ثيمبلتاك؟‬
‫لم أره منذ أمد بعيد‪ ،‬كيف حاله؟ البد أنه كما هو‪ ،‬فهم جميًع ا‬
‫يظلون عىل نفس حالهم‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫ردت مالوري‪« :‬أنا‪ ...‬أنا ال أعلم»‪.‬‬
‫مدت الخالة لويس يدها نحو الدرج الموجود يف الطاولة الجانبية‬
‫ًز‬
‫وأخرجت منه جراًب ا من القماش البايل أخرض اللون مطر ا بنجوم‬
‫وقالت‪« :‬كثًري ا ما أحبها ثيمبلتاك»‪.‬‬
‫ًق‬
‫أخذ چارد الجراب القمايش محد ا لما بداخله فوجد تماثيل‬
‫فضية صغري ة إىل جانب بيل مصنوع من الصلصال يلمع داخل‬
‫الجراب وسأل‪« :‬هل هذه األشياء تخصه؟»‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫قالت لويس ‪« :‬آه‪ ،‬ال‪ ..‬إنها يل أنا‪ ،‬أو كانت كذلك عندما كنت‬
‫صغري ة ألعب بمثل هذه األشياء‪ ،‬ولكنين أود أن يأخذها هو؛ فهذا‬
‫زن‬ ‫ًد‬
‫المسكني ظل وحي ا يعيش بمفرده يف ذلك الم ل القديم‪ ،‬البد‬
‫أنه شعر بسعادة كبري ة عندما انتقلتم إليه»‪.‬‬
‫لم يعتقد چارد أن ثيمبلتاك كان عىل هذه الدرجة من السعادة‪،‬‬
‫ولكنه لم يعلق بيش ء‪.‬‬
‫سألها سايمون‪« :‬هل كان آرثر والدك؟»‪.‬‬
‫قالت الخالة لويس ويه تطلق تنهيدة‪« :‬نعم‪ ،‬نعم كان والدي‪..‬‬
‫هل رأيتم لوحاته الزيتية يف المزن ل؟»‪.‬‬
‫أومأ أبناء جريس برءوسهم‪.‬‬
‫ًن‬
‫قالت‪« :‬لقد كان فنا ا قديًر ا‪ ..‬اعتاد أن يرسم اللوحات اإلعالنية‬
‫ىًم‬ ‫ُد‬
‫ورقية يل‬ ‫لمرش وب الصودا والجوارب النسائية‪ ،‬كما كان يصنع‬
‫ولميلفينا‪ .‬كان لدينا حافظة خاصة لتلك الدىم بفساتينها‬
‫ُت‬
‫المختلفة‪ ،‬حسب كل موسم‪ ..‬رى‪ ،‬ماذا حدث لتلك األشياء؟»‪.‬‬
‫هز چارد كتفيه وهو يقول‪« :‬ربما توجد يف علية المزن ل»‪.‬‬
‫قالت‪« :‬هذا أمر ال يهم اآلن‪ ..‬لقد رحل أيب منذ فرت ة طويلة‬
‫ولست واثقة من أنين أود أن أرى تلك األشياء مرة أخرى»‪.‬‬
‫سألها سايمون‪« :‬لماذا؟»‪.‬‬
‫فقالت له الخالة لويس ‪« :‬إنها تجعلين أجرت الذكريات‪ .‬لقد تركنا‬
‫ًة‬
‫ورحل كما تعلمون أشاحت ببرصها إىل أسفل ناظر إىل يديها‬

‫‪28‬‬
‫كانتا ترتعشان لقد خرج ليتمىش ذات يوم لكنه لم‬ ‫النحيلتني اللتني‬
‫إنها كانت تعلم أنه سري حل يف أحد األيام لمدة‬ ‫يعد‪ ..‬قالت أيم‬
‫طويلة»‪.‬‬
‫ًق‬
‫فاجأت كلماتها چارد؛ فهو لم يفكر مطل ا من قبل كيف كان‬
‫الخال آرثر يبدو‪ ..‬تذكر وجهه العابس النحيل الذي جسدته‬
‫اللوحة الزيتية المعلقة يف غرفة المكتبة‪ ،‬وأراد يف قرارة نفسه أن‬
‫يعجب بخاله الكبري الذي كان باستطاعته رسم ورؤية الجنيات‪.‬‬
‫ولكن إن كان ما قالته عنه لوسيندا صحيًح ا‪ ،‬فلن يكون‬
‫باستطاعته حينئذ أن يعجب به عىل اإلطالق‪.‬‬
‫قال چارد‪« :‬لقد غادر أبونا نحن أيًض ا»‪.‬‬

‫قالت لوسيندا و تشيح بوجهها بعيًد ا عنهم‪« :‬ليت أعلم لَم‬


‫ين‬ ‫ًع‬ ‫ُه‬ ‫يه‬
‫فعل ذلك»‪ ،‬ولكن ئي لچارد أنه يرى دمو ا تتألأل يف عينيها‪،‬‬
‫وضغطت لوسيندا يديها مًع ا؛ يك توقف ارتعاشهما‪.‬‬
‫قال سايمون مقرت ًح ا‪« :‬ربما تعني عليه أن ينتقل من أجل‬
‫عمله‪،‬كما حدث مع أبينا»‪.‬‬
‫ًّق‬
‫قال چارد‪« :‬آه‪ ،‬باهلل عليك يا سايمون‪ ..‬إنك ال تصدق ح ا هذا‬
‫الهراء»‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ترمقهما بنظرة مؤنبة‪« :‬اصمتا أيها‬ ‫قالت مالوري ويه‬
‫األحمقان»‪.‬‬
‫سألت مالوري‪« :‬لماذا أنِت يف هذا المستشىف يا خاليت لويس ؟‬
‫أعين أنِت لست مجنونة»‪.‬‬
‫أجفل چارد من السؤال وتوقع أن يثري غضب الخالة لويس ‪،‬‬
‫إال أن األخري ة قابلته بضحكة أزالت قلقه وقالت‪:‬‬
‫«بعد أن رحل أيب ‪ ،‬انتقلت أنا وأيم إىل مدينة أخرى للعيش مع‬
‫أخيه‪ ،‬فرت عرعت مع ابنة خايل ميلفينا جدتكم وأخرب تها عن‬
‫ًق‬
‫ثيمبلتاك واألشباح الصغري ة‪ ،‬ولكنها لم تصدقين مطل ا‪ ،‬وتوفيت‬
‫أيم وأنا مازلت يف السادسة عرش ة من عمري‪ ..‬وبعد عام ُع دت إىل‬
‫العزبة حاولت أن أستخدم المال القليل المتبيق يل يف إصالح‬
‫المزن ل‪ ،‬وكان ثيمبلتاك مازال يعيش هناك بطبيعة الحال‪ ،‬ولكن‬
‫ًال‬ ‫ًض‬
‫كانت هناك أشياء أخرى أي ا؛ فقد كنت أرى أشكا تتجول‬
‫وتختئب يف الظالم‪ ،‬ثم توقفت يف أحد األيام عن االختباء؛ فقد‬
‫ظنوا أنين أحتفظ بكتاب أيب ‪ .‬كانوا يقومون بقريص ولكزي وأرصوا‬
‫عىل أن أتنازل لهم عن الكتاب‪ ،‬لكنه لم يكن بحوزيت ؛ فقد أخذه‬
‫والدي معه فلم يكن يرت كه يغيب عن ناظريه قُّط »‪.‬‬
‫غارقة‬ ‫بدت‬ ‫خالته‬ ‫أن‬ ‫إال‬ ‫الحديث‬ ‫يبدأ‬ ‫أن‬ ‫چارد‬ ‫هَّم‬
‫يف‬ ‫يف‬
‫ذكرياتها وكأنها ال تالحظهم‪.‬‬
‫وأردفت‪« :‬ذات ليلة أحرض ت يل الجنيات ثمرة فاكهة مجرد ثمرة‬
‫صغري ة بحجم ثمرة عنب وكانت حمراء كالزهرة‪ ،‬ووعدنين بأن‬
‫يتوقفن عن إيذايئ بعد ذلك‪ ..‬كنت فتاة غبية فقد تناولت ثمرة‬
‫الفاكهة وكتبت بذلك قدري»‪.‬‬
‫سألها چارد وهو يفكر يف سنووايت وثمرة التفاح‪« :‬هل كانت‬
‫سامة؟»‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫قالت ويه تبتسم ابتسامة غريبة‪« :‬نوًع ا ما‪ ..‬كان طعمها أحىل‬
‫من أي طعام آخر تذوقته يف حيايت ‪ ..‬كان مذاقها كما تخيلت‬
‫كمذاق الزهور‪ ،‬كانت كاألغنية اليت ال تستطيع إطالق اسم عليها‪.‬‬
‫الطبي‬ ‫العادي‬ ‫الطعام‬ ‫وبعد ذلك أصبح مذاق طعام البرش‬
‫يع‬
‫كنشارة الخشب والرماد‪ ،‬ولم أستطع إجبار نفيس عىل أكله‪ ،‬كنت‬
‫أتضور جوًع ا»‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬ولكنِك لم تتضوري جوًع ا»‪.‬‬
‫ردت‪« :‬كان هذا بفضل األشباح الذين كنت ألعب معهم وأنا‬
‫طفلة‪ ..‬كانوا يقومون بإطعايم ويحافظون عىل سالميت »‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ابتسمت الخالة لويس يف سعادة ومدت إحدى يديها ويه تقول‪:‬‬
‫«دعوين أقدمكم لهم‪ ...‬تعالوا يا أعزايئ لرؤية أقاريب »‪.‬‬
‫كان هناك طنني خارج النافذة المفتوحة‪ ،‬وما كان يبدو وكأنه‬
‫غبار طائر يف ضوء الشمس تحول إىل كائنات بحجم ثمار الجوز‬
‫ويه تحدث أزيًز ا بأجنحتها المتلونة بألوان قوس قزح‪ ..‬حامت‬
‫‪32‬‬
‫الكائنات الصغري ة حول المرأة العجوز ويه تشتبك يف شعرها‬
‫األبيض وتزحف أعىل رأسها‪.‬‬
‫سألتهم خالتهم‪« :‬أترون كم يه فاتنة؟ أصدقايئ الصغار‬
‫األعزاء»‪.‬‬
‫عرف چارد أنها أشباح‪ ،‬كتلك اليت رآها يف الغابة‪ ،‬إال أن ذلك لم‬
‫يقلل من غرابة رؤيتها‪ ،‬تحوم حول خالته‪ ،‬يف حني تجمد سايمون‬
‫يف مكانه‪.‬‬
‫وأخًري ا تحدثت مالوري لكرس الصمت الذي غلف المكان‪:‬‬
‫«مازلُت ال أفهم من الذي وضعك هنا يف هذا المستشىف »‪.‬‬
‫قالت الخالة لويس ‪« :‬آه نعم‪ ،‬المستشىف »‪.‬‬
‫لقد أصبحت جدتكم ميلفينا عىل ثقة من أنين لم أكن بصحة‬
‫رت‬ ‫ًال‬
‫ذهنية جيدة؛ فقد رأت أو الكدمات‪ ،‬ثم اس ىع انتباهها فقداين‬
‫شهييت ‪ ،‬ثم حدث يش ء ما‪ ..‬أنا ال أريد إخافتكم‪ ..‬ال‪ ،‬هذا ليس‬
‫صحيًح ا تماًم ا‪ ،‬فأنا أريدكم أن تخافوا وأن تفهموا أنه من الرض وري‬
‫للغاية أن تغادروا ذلك المزن ل‪.‬‬
‫قالت المرأة العجوز ويه تمد إحدى ذراعيها النحيلتني ‪« :‬هل‬
‫ترون هذه العالمات؟» كانت ذراعها مليئة بالندوب العميقة‪« .‬يف‬
‫وقت متأخر من إحدى الليايل أتت الوحوش؛ أشياء صغري ة‬
‫ًض‬
‫خرض اء اللون لها أسنان مخيفة ومرعبة قامت بطريح أر ا بينما‬
‫قام كائن آخر عمالق باستجوايب ‪ ..‬قاومتها فغرزت مخالبها‬
‫أ‬ ‫وأن‬ ‫كتاب‪،‬‬ ‫أي‬ ‫وبراثنها ذراَّيع وساَّيق ‪ .‬أخ تها بأنه ليس لدَّي‬
‫يب‬ ‫رب‬ ‫يف‬
‫ُي‬
‫قد أخذه معه‪ ،‬ولكن لم حدث ما قلته أي اختالف أو تأثري ‪ ،‬وكان‬
‫ظهري قبل تلك الليلة مستقيًم ا‪ ،‬ثم أصبحت أميش بعدها بظهر‬
‫أحدب»‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫«كانت تلك الندوب يه القشة األخري ة اليت قصمت ظهر البعري‬
‫‪..‬‬ ‫ْت‬
‫بالنسبة لميلفينا‪ ،‬لقد اعتقد أنين كنت أجرح نفيس لم يكن‬
‫بإمكانها أن تفهم؛ لذا أرسلتين إىل هنا»‪.‬‬
‫طارت إحدى الجنيات اليت كانت تحمل جراًب ا أخرض به نتوءات‬
‫عىل مقربة منهم وألقت ثمرة فاكهة عىل الدثار قريًب ا من سايمون‪،‬‬
‫ًم‬ ‫ًق‬
‫رمشت عينا چارد فقد كان مستغر ا تما ا يف القصة اليت كانت‬
‫ترويها خالته لويس لدرجة أنه نيس وجود الجنيات‪ .‬فاحت من‬
‫ثمرة الفاكهة رائحة العشب األخرض والعسل وكان يغلفها قرش ة‬
‫ُّل‬
‫رقيقة كالورق‪ ،‬لكن أسفل القرش ة رأى چارد ال ب األحمر‪ ،‬حدقت‬
‫الخالة لوسيندا إليها وبدأت شفتاها ترتعشان‪.‬‬
‫قالت الجنية الصغري ة ويه تهمس لها‪« :‬إنها لِك »‪ .‬التقط‬
‫سايمون ثمرة الفاكهة وأمسكها بني أصابعه‪.‬‬
‫سأله چارد وشعر أن مجرد النظر إىل تلك الثمرة جعل لعابه‬
‫يسيل‪« :‬أنت لن تأكلها‪ ،‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫رد سايمون‪« :‬بالطبع»‪ ،‬ولكَّن عينيه كانتا تلمعان يف رش اهة‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬ال تفعل»‪.‬‬
‫قرب سايمون ثمرة الجنيات إىل فمه وهو مازال يقلبها بني‬
‫إصبعيه‪ ،‬ثم قال برفق‪« :‬إن قضمة واحدة لمجرد تذوقها لن‬
‫تسبب أي رض ر»‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫مدت الخالة لوسيندا يدها فأبعدت الثمرة عن إصبيع سايمون ثم‬
‫ألقتها يف فمها ثم أغمضت عينيها‪.‬‬
‫قال سايمون يف سخط وهو يقفز من جلسته‪« :‬هاا»‪ ،‬ثم أدار‬
‫ًك‬
‫برصه حوله وهو يبدو مرتب ا كشخص فقد الشعور بالمكان‬
‫والزمان من حوله‪ ،‬واستطرد‪« :‬ما الذي حدث اآلن؟»‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫وهما‬ ‫نظر چارد إىل خالتهم‪ ..‬كانت يداها ترتعشان حىت‬
‫متشابكتان مًع ا‪.‬‬
‫قالت لويس ‪« :‬إنهن ال يقصدن أي رض ر‪ ،‬هن فقط ال يفهمن‬
‫تلك الرغبة الملحة‪ ،‬فبالنسبة لهن هذا مجرد طعام»‪.‬‬
‫نظر چارد إىل الجنيات الصغري ة دون أن يدري ما يعلمنه‬
‫أو ال يعلمنه‪.‬‬
‫أنتم تعرفون اآلن مبلغ خطورة بقائكم يف المزن ل أيها األوالد‪..‬‬
‫ًض‬
‫يجب عليكم أن تجعلوا أمكم تتفهم ذلك يه أي ا وأن تجعلوها‬
‫تغادره‪ .‬إذا علمن أنكم تقيمون هناك‪ ،‬فسيعتقدن أن الكتاب‬
‫بحوزتكم‪ ،‬وعندها لن يرت كنكم تنعمون بأي سالم أبًد ا»‪.‬‬
‫قال چارد‪« :‬ولكن الكتاب يف حوزتنا بالفعل‪ ..‬وهذا ما جئنا‬
‫لنسألك عنه»‪.‬‬
‫شهقت الخالة لويس قائلة‪« :‬ال يمكنكم أبًد ا»‪.‬‬
‫قال چارد مفًرس ا‪« :‬لقد تتبعنا مفاتيح اللغز يف غرفة المكتبة»‪.‬‬
‫ًال‬
‫قالت مالوري‪« :‬أرأيت؟ إنها ترى فع أنه ينبيغ علينا التخلص‬
‫من الكتاب!»‪.‬‬
‫نظرت الخالة لوسيندا إليه يف رعب قائلة‪« :‬غرفة المكتبة؟ إن‬
‫هذا يعين أن‪ ...‬إذا كان الكتاب السحري معكم فينبيغ عليكم‬
‫مغادرة المزن ل عىل الفور! هل تفهمونين ؟»‪.‬‬
‫قال چارد وهو يحل أحزمة حقيبة ظهره ويخرج الكتاب المغلف‬
‫بإحدى المناشف‪« :‬إن الكتاب هنا ميع »‪ ،‬لكنه عندما قام بحل‬
‫المنشفة لم يجد الكتاب بداخلها‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫كانوا جميًع ا ينظرون إىل كتاب قديم وباٍل عن فن الطيه عنوانه‬
‫«سحر الطيه يف المايكروويف»‪.‬‬
‫استدار چارد نحو مالوري وهو يقول‪« :‬أنِت ! أنِت من رسق‬
‫الكتاب!» وألىق حقيبة ظهره عىل األرض وتوجه نحو أخته ضاًّم ا‬
‫كلتا قبضتيه‪.‬‬

‫‪37‬‬
38
‫الفصل الرابع‬

‫وفيه يبحث اإلخوة جريس عن صديق‬

‫اتجه چارد بوجهه قبالة نافذة السيارة وحاول أن يتظاهر بأنه لم‬
‫رت‬ ‫ًة‬
‫يكن يبيك ‪ ،‬إال أن دموعه خانته وسالت ساخن عىل خديه‪ ،‬ف كها‬
‫تتدفق عىل النافذة الزجاجية الباردة‪.‬‬
‫يف الحقيقة لم يرض ب چارد مالوري فقد جذبه سايمون من‬
‫ذراعيه بينما كانت مالوري ترص عىل أنها لم تأخذ الكتاب‬
‫السحري‪ ،‬وقد تعاىل صياحهم إىل حد جعل أمهم ترت ك الممرضة‬
‫وتدخل الغرفة لجر أبنائها خارجها ويه تعتذر يف خجل إىل‬
‫الممرضة والخالة لويس ‪.‬‬
‫ويف طريقهم إىل السيارة‪ ،‬أخرب ت السيدة جريس ولدها أنه كان‬
‫ىف‬ ‫ني‬ ‫ًظ‬
‫محظو ا؛ ألن القائم عىل المش لم يقوموا باحتجازه فيه هو‬
‫أيًض ا‪.‬‬
‫نادى سايمون هامًس ا وهو يضع يديه عىل ظهر أخيه التوءم‪:‬‬
‫«چارد»‪ .‬فَه ْم َه م چارد دون أن يلتفت إىل أخيه‪« :‬ماذا؟»‪.‬‬
‫«ربما ثيمبلتاك هو من أخذه؟»‪.‬‬
‫تململ چارد يف جلسته وهو يشعر بتوتر كل عضالت جسده‪،‬‬
‫ًال‬
‫وأدرك بمجرد أن سمع عبارة أخيه أن ذلك هو ما حدث فع ؛‬
‫ففعلة كتلك ستكون بمثابة آخر مزحة من مزحات ثيمبلتاك‬
‫وأفضل سبيل لالنتقام‪.‬‬
‫شعر الفىت كأن أحشاءه كانت تنضح بمياه مثلجة؛ فلماذا لم‬
‫يتوصل إىل ذلك االستنتاج بنفسه؟ علم أن الغضب كان يعيم‬
‫‪39‬‬
‫ال‬ ‫عضالته‬ ‫ك‬ ‫بص ته إىل درجة أخافته‪ ،‬كان يمحو عقله ويرت‬
‫يه يت‬ ‫ري‬
‫تسيطر عىل الموقف‪.‬‬
‫عندما وصلوا جميًع ا إىل المزن ل‪ ،‬انزلق چارد خارج السيارة‬
‫ًال‬
‫وجلس عىل الساللم الخلفية بد من دخول المزن ل مع أمه‪،‬‬
‫فجلست مالوري بجواره‪.‬‬
‫وقالت‪« :‬لم أرسق الكتاب‪ .‬هل تتذكر عندما صدقناك أنا‬
‫وسايمون؟ اآلن يجدر بك أن تصدقين أنا أيًض ا»‪.‬‬
‫رد عليها چارد وهو شاخص ببرصه إىل أسفل‪« :‬أعلم ذلك‪.‬‬
‫أعتقد أن ثيمبلتاك هو من أخذه‪ .‬أنا‪ ...‬أنا آسف»‪.‬‬
‫سألته مالوري‪« :‬هل تعتقد أن ثيمبلتاك هو من رسق الكتاب‬
‫السحري؟»‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫ًال‬
‫فرد عليها چارد قائ «لقد استنتج سايمون هذا‪ ،‬وأعتقد أنه‬
‫استنتاج منطيق ؛ فقد ظل ثيمبلتاك يدبر المقالب يل إال أن هذه‬
‫المرة يه األسوأ حىت اآلن»‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫ًال‬
‫جلس سايمون بجوار چارد عىل الدرج وطمأنه قائ ‪« :‬ستكون‬
‫األمور عىل ما يرام‪ ..‬سنجد الكتاب»‪.‬‬
‫قالت مالوري ويه تجذب خيًط ا من حاشية سرت تها‪« :‬اسمع‪،‬‬
‫ربما ما حدث هو خري لنا»‪.‬‬
‫ًري‬ ‫‪..‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ًال‬
‫رد چارد قائ «ال ليس خ ا لنا‪ ،‬ويجب عليك إدراك ذلك‪،‬‬
‫!‬ ‫ًال‬
‫فنحن لن يمكننا إعادة يش ء ليس يف حوزتنا أص إن الجنيات لم‬
‫تصدق الخالة لوسيندا عندما قالت لهن إن الكتاب ليس معها‪،‬‬
‫َف‬
‫ِل َم سيصدقننا نحن؟»‪.‬‬
‫ُت‬
‫قطبت مالوري جبينها ولم جب‪.‬‬
‫فقال سايمون‪« :‬لقد كنت أفكر فيما قالته الخالة لويس من أن‬
‫هجرهم‪ ،‬أليس كذلك؟ ولكن إذا كان الكتاب السحري‬ ‫ًأ‬ ‫أباها قد‬
‫مازال مخب يف المزن ل‪ ،‬فربما لم يرت كهم أبوها متعمًد ا أو باختياره‪.‬‬
‫لقد قالت إنه لم يكن ليغادر قُّط بدون أن يأخذ الكتاب معه»‪.‬‬
‫ًال‬
‫تساءل چارد قائ ‪« :‬ولكن‪ ،‬لماذا ظل الكتاب مخبأ؟ لو كانت‬
‫الجنيات قد أرسته‪ ،‬لكان أخرب هن بمكانه»‪.‬‬
‫ردت مالوري‪« :‬ربما غادر قبل أن تمسك به الجنيات‪ ،‬وترك‬
‫لويس وحدها تواجه كل العواقب‪ .‬وربما كان يعلم بأمر الكائن‬
‫العمالق»‪.‬‬
‫ًئ‬
‫تساءل يف‬ ‫قال چارد‪« :‬لم يكن آرثر ليفعل شي ا كهذا»‪ ،‬ثم‬
‫نفسه بمجرد أن نطق هذه العبارة إن كان ظنه هذا صحيًح ا أم ال‪.‬‬
‫قال سايمون‪« :‬لن يكون بمقدورنا مطلًق ا معرفة حقيقة األمر‪.‬‬
‫هيا‪ ،‬فلنذهب لتفقد بايرن‪ .‬ربما جاع ثانية‪ ،‬كما أنه سيرصف‬
‫تفكري نا قليًال عن الكتاب السحري»‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ردت مالوري‪« :‬صحيح‪ ،‬إن زيارة جريفني ‪ ،‬يقيم يف الحظري ة‬
‫الملحقة بمزن لنا‪ ،‬ستجعلنا بكل تأكيد ننىس أمر كتاب الكائنات‬
‫الخرافية»‪.‬‬
‫ارتسم شبح ابتسامة عىل وجه چارد دون أن يستطيع أن يرصف‬
‫تفكري ه عن الكتاب والخالة لويس وآرثر وعن نفسه ومالوري وعن‬
‫الغضب المشتعل داخله الذي لم يعلم كيف يترصف حياله‪.‬‬
‫نظر چارد إىل أخته وقال‪« :‬أنا آسف؛ ألنين حاولت رض بك»‪.‬‬
‫قامت مالوري من جلستها ويه تليق بشعرها إىل الوراء وقالت‪:‬‬
‫«ال عليك‪ ،‬إنك ترض ب كالفتيات عىل أية حال»‪.‬‬
‫قال چارد وهو يقف بدوره ويتبعها إىل داخل المزن ل هو‬
‫وسايمون الذي كان يبتسم ابتسامة عريضة‪« :‬أنا ال أفعل ذلك»‪.‬‬
‫وجد الثالثة قصاصة ورق صفراء عىل طاولة المطبخ‪ ..‬دنا چارد‬
‫من الطاولة فوجد قصيدة مدونة عىل القصاصة الصفراء‪ ،‬فهتف‬
‫قائًال ‪« :‬ثيمبلتاك»‪.‬‬
‫الفىت المترسع الذي يظن نفسه ذكًّي ا‬
‫هل تتساءل ماذا حدث للكتاب؟‬
‫ربما أقوم بتمزيقه أو أخفيه‬
‫يف مكان لن تبحث فيه‬
‫قال سايمون‪« :‬رائع‪ ،‬إنه غاضب فعًال »‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ني‬ ‫ًق‬
‫كان چارد ممز ا ب اإلحساس باالرتياح والذعر؛ فقد كان الكتاب‬
‫ًال‬
‫بحوزة ثيمبلتاك‪ ،‬ولكن ما الذي فعله به؟ هل ُم زق فع ؟‬
‫اقرت حت مالوري بصوت يغلفه األمل‪« :‬أنا أعلم ما ينبيغ علينا‬
‫فعله‪ ..‬يمكننا أن نرت ك له بيل الخالة لويس وتحفها»‪.‬‬
‫قال سايمون وهو يقلب القصاصة الورقية ويخط يف عجلٍة نًّص ا‬
‫عىل ظهرها‪« :‬وأنا سأكتب له ورقة بذلك»‪.‬‬
‫سألته مالوري‪« :‬ما الذي ستكتبه؟»‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫كان بايرن نائًم ا‬
‫قرأ سايمون ما كتبه‪« :‬نحن آسفون»‪.‬‬
‫ًق‬
‫رمق چارد القصاصة يف شك وهو يقول‪« :‬لست واث ا إن كان‬
‫اعتذارنا هذا وحفنة أخرى من األلعاب والدىم القديمة يكفيانه»‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫هز سايمون كتفيه وهو يقول‪« :‬ال يمكنه أن يظل غاضًب ا‬
‫لألبد»‪.‬‬
‫إال أن چارد خيش أن يكون ذلك هو ما يعزت مه الجين فعًال ‪.‬‬

‫كان بايرن نائًم ا عندما قدم ثالثتهم لالطمئنان عليه‪ ،‬وعلت‬


‫أجنحته يف كل نفس كان يستنشقه‪ ،‬وتحركت عيناه لألمام‬
‫وللخلف من وراء جفنيه المغمضني ‪ ..‬ورأى سايمون أنه من‬
‫ًئ‬ ‫ًن‬
‫األفضل أال يوقظوه؛ لذا تركوا له صح ا آخر ملي ا باللحم عىل‬
‫مالوري‬ ‫حت‬ ‫مقربة من منقاره وخرجوا عائدين إىل المزن ل‪ ..‬اقرت‬
‫يف‬
‫طريق عودتهم أن يلعبوا لعبة‪ ،‬إال أن چارد من فرط توتره لم‬
‫يستطع فعل أي يش ء آخر سوى محاولة التوصل للمكان الذي‬
‫قد يكون ثيمبلتاك قد أخىف فيه الكتاب‪ ،‬وذرع حجرة المعيشة‬
‫ًة‬
‫جيئ وذهاًب ا محاوًال التفكري ‪.‬‬
‫ينطوي عىل حله‪ .‬فكر چارد يف‬ ‫ربما كان األمر أشبه بلغز‬
‫القصاصة الورقية مرة أخرى باحًث ا عن مفتاح لحل اللغز بني‬
‫طياتها‪.‬‬
‫قالت مالوري ويه تجلس القرفصاء عىل أريكة الغرفة‪« :‬ال يمكن‬
‫أن يكون الكتاب داخل جدران المزن ل؛ فهو كبري للغاية‪ ..‬كيف‬
‫يمكنه أن ُي دخله إىل هناك؟»‪.‬‬
‫رد سايمون وهو يجلس إىل جوارها‪« :‬هناك العديد من الغرف‬
‫اليت لم ندخلها أو نبحث فيها مطلًق ا»‪.‬‬
‫ًة‬
‫توقف چارد عن ذرع الحجرة جيئ وذهاًب ا وهو يقول‪« :‬انتظرا‪.‬‬
‫ماذا لو كان الكتاب عىل مرأى من أعيننا؟»‪.‬‬
‫سأله سايمون‪« :‬ماذا؟»‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫رد‪« :‬يف غرفة مكتب آرثر! حيث يوجد العديد من الكتب هناك‬
‫ولن نلحظه أبًد ا ضمنها»‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬نعم‪ ،‬هذا صحيح»‪.‬‬
‫وأَّم ن سايمون‪« :‬نعم‪ ،‬وحىت وإن لم نجد الكتاب هناك‪ ،‬فال أحد‬
‫يعرف ما الذي قد نعرث عليه يف تلك الغرفة»‪.‬‬
‫صعد ثالثتهم وفتحوا خزانة المالبس‪ ..‬انحىن چارد ألسفل‬
‫وزحف عرب الممر الرسي القابع تحت الرف السفيل يف الخزانة‪،‬‬
‫وشق طريقه إىل غرفة مكتب آرثر‪ ..‬اصطفت عىل جدران الغرفة‬
‫أرفف تعج بالعديد من الكتب‪ ،‬باستثناء جدار واحد علقت عليه‬
‫لوحة ضخمة تجسد خالهم األ كرب ‪ .‬وعىل الرغم من زياراتهم‬
‫المتعددة لتلك المكتبة كان الغبار ال يزال يغيط غالبية األرفف؛‬
‫داللة عىل قلة المرات اليت قاموا فيها بتفقد الكتب بإمعان‪.‬‬
‫زحفت مالوري وسايمون يف أعقاب چارد وسأل سايمون وهو‬
‫يجول ببرصه يف الغرفة‪« :‬من أين نبدأ؟»‪.‬‬
‫قالت مالوري ويه توزع المهام‪« :‬قم أنت بفحص المكتب‪،‬‬
‫ولتتوَّل أنت يا چارد أمر هذا الرف وسأتوىل أنا الرف اآلخر‬
‫هناك»‪.‬‬
‫أومأ چارد برأسه وحاول إزالة بعض الغبار الذي يغيط الرف‬
‫األول‪ ..‬كانت عناوين الكتب غريبة للغاية كما كان يتذكرها من‬
‫زياراته السابقة لغرفة المكتب‪ :‬فسيولوجيا األجنحة‪ ،‬تأثري القشور‬
‫اليت تغيط العضالت‪ ،‬سموم العالم‪ ،‬ومعلومات تفصيلية عن‬
‫التنانني ‪ ..‬عندما رأى چارد تلك الكتب أول مرة رست يف أوصاله‬
‫رعدة‪ ،‬إال أنه ال يشعر بها اآلن‪ ..‬شعر وكأنه ال يبايل بيش ء‪ ،‬فقد‬
‫اختىف الكتاب‪ ،‬وكرهه ثيمبلتاك‪ ،‬ولم يعد آرثر هو الشخص الذي‬
‫ا‬ ‫تخيله؛ كل ذلك السحر ما هو إال غٌّش ‪ ..‬كان أمًر ا عظيًم ا ورائًع‬
‫يف‬
‫‪46‬‬
‫ظاهره ولكن لم ينطِو يف حقيقته إال عىل خيبة األمل‪ ،‬مثله يف‬
‫ذلك مثل أي يش ء آخر‪.‬‬
‫ألىق چارد نظرة إىل لوحة آرثر المعلقة عىل الجدار‪ ،‬ورأى أنه ال‬
‫يبدو له لطيًف ا‪ ،‬فآرثر الذي تجسده اللوحة بشفتيه الرفيعتني‬
‫والخط المتغضن بني حاجبيه صار مصدر إزعاج له؛ فربما كان‬
‫يفكر آنذاك يف هجر أرسته‪.‬‬
‫غامت الرؤية أمام عيين چارد وشعر بحرقة الدموع فيهما‪.‬‬
‫كان يعلم أنه من الحماقة أن يبيك بسبب شخص لم يقابله يف‬
‫حياته‪ ،‬ولكن األمر لم يكن بيده‪.‬‬
‫سأله سايمون من جهة المكتب‪« :‬هل رسمت هذه؟»‪.‬‬
‫ُك‬
‫مسح چارد وجهه ب مه وهو يأمل أال يلحظ أخوه التوءم دموعه‬
‫المنهمرة وصاح‪« :‬فلتمزقها فحسب»‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫قال سايمون‪« :‬ال‪ ،‬إنه حًّق ا رسم جميل‪ ،‬ويشبه أبانا فعًال »‪.‬‬
‫لقد كان قيامه بتعلم الرسم فكرة أخرى تتسم بالغباء؛ فكل‬
‫ما جلبته له كان المشكالت يف المدرسة‪ ،‬عندما تسىل برسم عابث‬
‫ًض‬
‫عو ا عن اإلصغاء إىل الدرس‪ .‬تقدم چارد نحو المكتب وقام‬

‫‪48‬‬
‫بتمزيق رسمته إىل نصفني وتجعيدها بني قبضته وهو يقول‪:‬‬
‫«فلتمزقها فحسب»‪.‬‬
‫هتفت مالوري‪« :‬تعاال إىل هنا يا فتيان»‪.‬‬
‫كانت مالوري تحمل عدة أوراق ملفوفة وأسطوانتني معدنيتني‬
‫طويلتني ‪ ،‬وقالت ويه تجثو عىل ركبتيها وترش ع يف بسط األوراق‬
‫عىل أرضية الغرفة‪« :‬انظرا»‪.‬‬
‫انحىن الفتيان إىل جانبها‪ ،‬فوجدا خريطة مرسومة بالقلم‬
‫الرصاص وملونة بألوان مائية توضح اليح الذي يقطنان فيه‪.‬‬
‫ُد‬
‫لم تب بعض األماكن صحيحة كما يه بوضعها الحايل ؛ حيث تم‬
‫تشييد المزيد من المنازل وإنشاء طرق أخرى‪ ،‬بيد أنه أمكنهما‬
‫تميزي العديد من األماكن األخرى‪ ،‬وكانت الملحوظات المدونة‬
‫عىل الخريطة يه ما فاجأهم‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫كان هناك دائرة رفيعة تحيط بامتداد غابة تقع خلف مزن لهم‪،‬‬
‫ومكتوب بداخلها‪« :‬منطقة الصيد الخاصة بالوحش العمالق»‬
‫قرأ سايمون العبارة‪ ،‬فَه ْم َه مت مالوري يف استنكار‪« :‬ليتنا كنا‬
‫نعرف بأمر تلك المنطقة من قبل!»‪.‬‬
‫بينما دون عىل امتداد إحدى الطرق بالقرب من المحجر القديم‬
‫«أقزام!»‪ ،‬وكتب عىل شجرة تقع عىل مقربة من المزن ل كلمة‬
‫«أشباح»‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫إال أن أغرب ملحوظة كانت المكتوبة عىل حافة التالل بالقرب من‬
‫مزن لهم؛ فقد بدت وكأنها دونت عىل عجل بخط غري مرتب وكان‬
‫نصها كما ييل ‪« :‬الرابع عرش من شهر سبتمرب ‪ ،‬يف تمام الساعة‬
‫الخامسة‪ ،‬أحرض بقايا الكتاب»‪.‬‬
‫سأل سايمون‪« :‬ماذا تعين هذه الملحوظة يف اعتقادكما؟»‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫ًال‬
‫رد چارد متسائ بصوت عاٍل ‪« :‬هل يمكن أن يقصد بكلمة‬
‫(الكتاب) الكتاب السحري؟»‪.‬‬
‫هزت مالوري رأسها ويه تقول‪« :‬ربما‪ ،‬ولكن الكتاب السحري‬
‫كان ال يزال هنا»‪.‬‬
‫تبادلوا النظرات لوهلة والصمت يغلف المكان من حولهم‪.‬‬
‫وأخًري ا قطع چارد ذلك السكون بقوله‪« :‬مىت اختىف آرثر؟»‪.‬‬
‫ًال‬
‫هز سايمون كتفيه قائ ‪« :‬ربما تكون الخالة لويس يه وحدها‬
‫من يتذكر ذلك التوقيت»‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬إذن‪ ،‬إما أن آرثر ذهب إىل االجتماع ولم يعد‬
‫منه‪ ،‬وإما أنه رحل دون أن يذهب إىل ذلك االجتماع مطلًق ا»‪.‬‬
‫هتف چارد‪« :‬يجب أن نعرض هذه الخريطة عىل الخالة‬
‫لوسيندا!»‪.‬‬
‫هزت أخته رأسها ويه تقول‪« :‬إن هذا لن يثبت أي يش ء‪ ،‬بل‬
‫سيتسبب ذلك يف زيادة ضيقها وانزعاجها»‪.‬‬
‫رد چارد بقوله‪« :‬ولكن ربما لم يرحل آرثر عن عمد‪ ..‬أال‬
‫تعتقدون أنها تستحق أن تعرف ذلك؟»‪.‬‬
‫قال سايمون‪« :‬فلنذهب إىل هناك ونليق نظرة عىل المكان‬
‫بأنفسنا‪ ..‬يمكننا تتبع الخريطة يك نرى إىل أين تقودنا؛ فربما‬
‫نتوصل إىل بعض الحقائق عما حدث فعًال »‪.‬‬
‫ورغم أن چارد كان يرغب يف الذهاب إىل هناك‪ ،‬وكاد يقرت ح ذلك‬
‫بنفسه عندما سبقه سايمون بعبارته السابقة فإنه شعر بالرت دد‬
‫ًّخ‬
‫يعتمل يف نفسه‪ ،‬وتساءل عما إذا كانوا سيجدون ف ا ما يف‬
‫انتظارهم هناك‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬إن قيامنا بتتبع الخريطة سيكون أمًر ا يف غاية‬
‫الحماقة‪ ،‬خاصة إذا كنا نعتقد أن أمًر ا ما قد حدث له هناك»‪.‬‬
‫رد سايمون عليها‪« :‬إن هذه الخريطة تعود إىل زمن بعيد‬
‫يا مالوري‪ ..‬فما الذي يمكن أن يحدث؟»‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬الكلمات األخري ة الشهري ة»‪ ،‬إال أنها تتبعت‬
‫بأصابعها التالل المرسومة عىل الخريطة ويه مستغرقة يف‬
‫التفكري ‪.‬‬
‫قال چارد‪« :‬إنها الطريقة الوحيدة حىت نكتشف أي يش ء عما‬
‫حدث»‪.‬‬
‫تنهدت مالوري ويه تقول‪« :‬أعتقد أنه يمكننا أن نليق نظرة عىل‬
‫المكان‪ ،‬عىل أن نقوم بذلك أثناء النهار‪ ،‬وأن نعود فور ظهور أي‬
‫يش ء مريب‪ ،‬موافقان؟»‪.‬‬
‫رد چارد عليها بابتسامة‪« :‬موافق»‪.‬‬
‫وتاله سايمون قائًال ‪« :‬موافق»‪ ،‬ثم بدأ يف يط الخريطة‪.‬‬

‫‪53‬‬
54
‫الفصل الخامس‬

‫وفيه تثار ألغاز عديدة‬


‫ولكن حلول قليلة‬

‫فوئج چارد بسماح أمهم لهم بالذهاب يف نزهة قصري ة‪ ،‬فقد‬


‫أعزت المشاجرات اليت تنشب بينهم باستمرار عىل أتفه األمور إىل‬
‫كونهم محبوسني داخل المزن ل‪ ،‬إال أنها رمقت چارد بنظرة صارمة‬
‫جعلت ثالثتهم يعدونها بالعودة إىل المزن ل قبل حلول الظالم‪.‬‬
‫اصطحبت مالوري معها سيف المبارزة الخاص بها‪ ،‬وأخذ چارد‬
‫ًد‬
‫حقيبة ظهره ودفرت مالحظات جدي ا‪ ،‬بينما أحرض سايمون شبكة‬
‫الصطياد الفراشات وجدها يف غرفة المكتبة‪.‬‬
‫فسألته مالوري مستفرسة بينما كانوا يعرب ون طريق «دوالك»‬
‫ًق‬
‫وف ا للموضح يف الخريطة‪« :‬ما الغرض من إحضار هذه‬
‫الشبكة؟»‪.‬‬
‫أجابها سايمون دون أن يواجهها بنظرات مبارش ة‪« :‬الصطياد‬
‫أشياء شىت »‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬أي نوع من األشياء تقصد؟ أليس لديك بالفعل‬
‫حيوانات كافية؟»‪.‬‬
‫َه َّز سايمون كتفيه‪.‬‬
‫ًن‬
‫فأردفت‪« :‬إذا اصطحبت معك إىل البيت حيوا ا آخر فسأقدمه‬
‫طعاًم ا إىل بايرن»‪.‬‬
‫قاطعهما چارد بقوله‪« :‬أي اتجاه سنسلك؟»‪.‬‬
‫فحص سايمون الخريطة‪ ،‬ثم أشار إىل أحد االتجاهات‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫شق سايمون ومالوري وچارد طريقهم فوق جانب التل المنحدر‪.‬‬
‫تناثرت األشجار من حولهم عىل نحو متفرق ونمت سيقانها‬
‫وجذوعها مائلة بني مساحات من الحشائش والصخور الضخمة‬
‫اليت تغطيها الطحالب‪ ..‬ظل ثالثتهم يتسلقون المنحدر لفرت ة‬
‫طويلة دون أن يتبادلوا الكثري من األحاديث‪ ،‬وفكر چارد يف أن هذا‬
‫المكان يبدو مناسًب ا إلحضار دفرت الرسم الخاص به يف وقت ما‪،‬‬
‫بيد أنه عاد وتذكر أنه قرر التخيل عن فكرة تعلم الرسم‪.‬‬
‫ومع اقرت ابهم من قمة التل‪ ،‬انبسطت األرض أمامهم وازدادت‬
‫كثافة األشجار من حولهم‪ ،‬استدار سايمون بشكل مباغت وبدأ‬
‫يقودهم عائًد ا مرة أخرى يف اتجاه أسفل التل‪.‬‬
‫سأله چارد‪« :‬إىل أين نحن ذاهبون؟»‪.‬‬
‫أشار سايمون إىل الخريطة وهو يقول‪« :‬هذا هو الطريق الذي‬
‫ينبيغ علينا أن نسلكه»‪.‬‬
‫أومأت مالوري برأسها وكأنها لم تستغرب فكرة رجوعهم من‬
‫حيث أتوا‪.‬‬
‫سأله چارد‪« :‬هل أنت متأكد؟ فأنا ال أعتقد ذلك»‪.‬‬
‫أجابه سايمون مؤكًد ا‪« :‬أنا متأكد»‪.‬‬
‫ُخ‬
‫وعندئذ هب عليهم نسيم رياح صيفية غمرت التل‪ ،‬و يل‬
‫لچارد أنه سمع ضحكات آتية من أسفل أقدامهم فتعرث وكاد يفقد‬
‫توازنه ويقع‪.‬‬
‫قال چارد‪« :‬هل سمعت ذلك؟»‪.‬‬
‫سأله سايمون وهو يتلفت حوله يف توتر‪« :‬ماذا؟»‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫ًئ‬ ‫ًد‬
‫هز چارد كتفيه‪ ،‬إال أنه كان متأك ا من أنه سمع شي ا ما‪ ،‬ثم عم‬
‫السكون من حولهم‪.‬‬
‫ًال‬
‫غرَّي سايمون اتجاههم مرة أخرى بعدما هبطوا قلي يف اتجاه‬
‫ًد‬
‫أسفل التل‪ ،‬ثم بدأ يسري صوب أعىل التل مجد ا متوجًه ا نحو‬
‫اليمني ‪ ،‬وتبعته مالوري يف وداعة وهدوء‪.‬‬
‫سأله چارد‪« :‬إىل أين نحن ذاهبون اآلن؟»‪ .‬كانوا متوجهني إىل‬
‫َر‬ ‫ًر ًد‬
‫أعىل التل مرة أخرى وهو ما كان سيعد أم ا جي ا لو لم ي چارد‬
‫أن اتباعهم تلك الزاوية لم يكن يقربهم بأي شكل من النقطة‬
‫المنشودة وفق الموضح بالخريطة‪.‬‬
‫قال سايمون‪« :‬أنا أعلم تماًم ا ما أفعله»‪ .‬تبعته مالوري دون أن‬
‫تطرح أي أسئلة‪ ،‬األمر الذي أزعج چارد‪ ،‬تماًم ا مثل الطريق‬
‫المتعرج الذي كان يتبعه سايمون‪ ،‬وتمىن لو كان الكتاب السحري‬
‫ذهنه‪،‬‬ ‫الكتاب‬ ‫صفحات‬ ‫جاع‬ ‫ال يزال بحوزته‪ ..‬حاول اسرت‬
‫يف‬ ‫يف‬
‫محاولة منه للبحث عن بعض التفسري ات واإلجابات‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫ًئ‬
‫وتذكر أن الكتاب أورد شي ا عن أشخاص يتوهون حىت وهم عىل‬
‫مسافة قريبة من منازلهم!‬
‫بدأ چارد ينخس بحذائه العشب أسفل قدميه‪ ..‬ركض عىل‬
‫جانب الطريق فوق حزمة من األعشاب الطويلة الضارة‪« .‬تائهون‬
‫عن منازلهم!» تذكر چارد عنوان أحد أبواب الكتاب‪ ،‬وفجأة أدرك‬
‫أنه من المنطيق أنه كان الوحيد الذي الحظ أنهم كانوا يسلكون‬
‫اتجاًه ا غري صحيح‪.‬‬

‫فصاح فجأة‪« :‬سايمون! مالوري! اقلبا قميصيكما اآلن مثيل !»‪.‬‬


‫ًال‬
‫إال أن سايمون رد قائ ‪« :‬ال‪ ،‬أنا أعرف الطريق‪ .‬لماذا تريد دائًم ا‬
‫أن تكون قائدي وتصدر أوامرك يل ؟»‪.‬‬
‫ٌّخ‬
‫صاح چارد‪« :‬إنه ف نصبته الجنيات لنا!»‪.‬‬
‫«لن ننصاع لك‪ .‬فلتتبعين أنا هذه المرة عىل سبيل التغيري !»‪.‬‬
‫قال چارد‪« :‬فلتنفذ ما أقول فحسب يا سايمون!»‪.‬‬
‫«ال! ألم تسمع ما قلته لك؟ ال!»‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫انتىه الحديث بني چارد وأخيه إىل‬
‫مشادة كالمية فيما بينهما أعقبها‬
‫تشابك باأليدي وطرح كل منهما‬
‫ًض‬
‫اآلخر أر ا‪ .‬حاول چارد أن يزن ع‬
‫سرت ة سايمون عن جسده إال أن‬
‫ذرايع سايمون تشبثتا كل منهما‬
‫باألخرى‪.‬‬
‫ًّال‬
‫تدخلت مالوري ودفعت ك منهما‬
‫‪:‬‬ ‫ًد‬
‫بعي ا عن اآلخر ويه تصيح «توقفا‬
‫أنتما االثنان!»‪.‬‬
‫ثم فاجأت چارد عندما بركت عىل‬
‫سايمون وقامت بزن ع سرت ته عنه بالقوة‪ ،‬والحظ چارد عىل الفور‬
‫أنها قامت بالفعل بقلب سرت تها‪.‬‬
‫ارتسم عىل وجه سايمون تعبري غريب وهو يدفع وجهه يف‬
‫البلوڤر الصوف مرة أخرى بقوة ويقول‪« :‬رائع‪ ،‬أين نحن؟»‪.‬‬
‫دوى رنني ضحكة عالية آتية من أعىل رءوسهم‪.‬‬
‫«أغلب الناس ال يصلون إىل هذا الحد أو إىل هذه المسافة‬
‫القريبة‪ ،‬حسب األحوال» جاءت هذه العبارة عىل لسان كائن‬
‫غريب كان قابًع ا فوق إحدى األشجار‪ ،‬وله جسد قرد يغطيه فرو‬
‫قصري أرقط ذو لون بين مائل إىل السواد‪ ،‬وكان له ذيٌل طويٌل التف‬
‫حول الغصن الذي كان يجثم فوقه‪ ،‬وطوق رقبته فرو كثيف‪ ،‬إال‬
‫أن وجهه كان يشبه وجه األرنب تعلوه أذنان طويلتان ويتدىل‬
‫شاربان من وجهه‪.‬‬
‫سأله چارد وهو غري واثق إن كان يجب عليه أن يأخذ ذلك‬
‫الكائن عىل أنه مزحة أم أن يشعر بالخوف منه‪« :‬أية أحوال؟»‪،‬‬
‫‪59‬‬
‫وفجأة قام ذلك الكائن بإدارة رأسه يف وضع مقلوب حىت مست‬
‫أذناه بطنه وأصبح ذقنه يف اتجاه السماء‪ ،‬ثم قال‪« :‬حسبما‬
‫يترصف األذكياء»‪ .‬وثب چارد من مكانه بينما حركت مالوري‬
‫سيفها أمام وجهها ويه تأمر الكائن قائلة‪« :‬قف حيث أنت وال‬
‫تتحرك!»‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫ًف‬
‫هتف الكائن بصوت كالفحيح‪« :‬يا إليه ! وحش يحمل سي ا»‪ ،‬ثم‬
‫أعاد رأسه إىل وضعه الطبييع مرة أخرى ورمش بعينيه مرتني ‪ ،‬ثم‬
‫قال‪« :‬أتساءل إن كان ذلك الوحش غاضًب ا‪ ،‬فالسيوف لم تعد‬
‫الموضة السائدة منذ عصور بعيدة!»‪.‬‬
‫هتف چارد مدافًع ا‪« :‬لسنا وحوًش ا»‪.‬‬
‫فسأله الكائن‪« :‬من تكونون إذن؟»‪.‬‬
‫أجابه چارد‪« :‬أنا صيب ‪ ،‬وهذه‪ ...‬حسًن ا هذه أخيت ويه فتاة»‪.‬‬
‫رد‪« :‬إنها ليست فتاة‪ ،‬أين فستانها؟»‪.‬‬
‫قالت مالوري بابتسامة ساخرة‪« :‬لم تعد الفساتني موضة سائدة‬
‫منذ عصور بعيدة!»‪.‬‬
‫ًن‬
‫قال چارد‪« :‬حس ا‪ ،‬لقد أجبنا عن أسئلتك‪ ،‬واآلن حان دورك للرد‬
‫عىل أسئلتنا‪ ..‬من أنت؟»‪.‬‬
‫أجاب الكائن يف فخر قبل أن يلف رأسه مرة أخرى وهو يتطلع‬
‫إليهم بعني واحدة مفتوحة‪« :‬أنا كلب الليل األسود»‪.‬‬
‫ثم أردف‪« :‬ربما أكون حماًر ا أو مجرد جين صغري »‪.‬‬
‫هتفت مالوري‪« :‬ما الذي يعنيه هذا؟ يا له من غيب !»‪.‬‬
‫إال أن چارد رد موضًح ا‪« :‬أعتقد أنه فوكا! نعم‪ ،‬أنا أتذكر اآلن؛‬
‫إنها كائنات لديها القدرة عىل تغيري هيئتها واتخاذ أشكال أخرى»‪.‬‬
‫سأله سايمون‪« :‬هل يه خطري ة؟»‪.‬‬
‫رد الفوكا قائًال وهو يوئم برأسه بقوة‪« :‬للغاية!»‪.‬‬
‫ًد‬
‫همهم چارد بصوت خفيض‪« :‬لست متأك ا من ذلك»‪ ،‬ثم‬
‫تنحنح وهو يقول مخاطًب ا كائن الفوكا‪« :‬نحن نبحث عن آثار‬
‫خالنا األ كرب »‪.‬‬
‫رد‪« :‬هل ضيعتم خالكم؟ يا لكم من مهملني !»‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫ًن‬
‫تنهد چارد وهو يحاول أن يعرف إن كان كائن الفوكا هذا مجنو ا‬
‫ًن‬ ‫‪:‬‬ ‫ًّق‬
‫ح ا كما يبدو عليه‪ ،‬ثم قال «حس ا‪ ،‬لقدًم رحل منذ أمد بعيد يف‬
‫واقع األمر‪ ،‬منذ ما يقرب من سبعني عا ا‪ ،‬وكنا نأمل فقط أن‬
‫نكتشف ما حدث له»‪.‬‬
‫رد الكائن‪« :‬باستطاعة أي شخص أن يعيش لهذه الفرت ة‬
‫الطويلة‪ ..‬كل ما عليه فعله هو االبتعاد عن الموت‪ ،‬ولكنين أعرف‬
‫ًت‬
‫أن البرش يعيشون وق ا أطول وهم أرسى أكرث من الوقت الذي‬
‫يعيشونه وهم طلقاء يف الرب ية»‪.‬‬
‫سأله چارد‪« :‬ماذا؟»‪.‬‬
‫ًال‬
‫رد عليه الفوكا قائ ‪« :‬عندما يبحث المرء عن يش ء يجب عليه‬
‫أن يكون واثًق ا من أنه يرغب حًّق ا يف العثور عليه»‪.‬‬
‫هتفت مالوري‪« :‬آه‪ ،‬ال عليك! هيا فلنواصل سري نا»‪.‬‬
‫ًال‬
‫إال أن سايمون رد عليها قائ ‪« :‬دعينا نسأله عىل األقل عما‬
‫يوجد بالوادي يف األعىل»‪.‬‬
‫قالت مالوري ويه تدير عينيها بنفاد صرب ‪« :‬آه نعم‪ ،‬كما لو أن‬
‫ذلك الكائن سيقول شيًئ ا له معىن »‪.‬‬
‫ًال‬
‫تجاهلها سايمون وهو يسأل الفوكا قائ ‪« :‬هال تخرب نا من‬
‫فضلك ما الذي يوجد أعىل الطريق أمامنا؟ لقد كنا نتتبع هذه‬
‫الخريطة إىل أن اكتشفنا أننا ندور حول أنفسنا بسبب العشب‬
‫المتحرك»‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫ًال‬
‫العشب يستطيع أن يتحرك؛ فهذا يعين‬ ‫رد الفوكا قائ «إذا كان‬
‫أن الفىت يمكنه أن يجد نفسه مثبًت ا مكانه بالجذور»‪.‬‬
‫صاحت مالوري‪« :‬أرجوك أرجوك‪ ،‬توقف عن تشجيع ذلك‬
‫اليش ء»‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫ىَّق‬
‫استأنف الفوكا كالمه وهو يرمق مالوري بنظرة َم ن تل إهانة‬
‫منها لتوه‪« :‬األقزام‪ ..‬هل سأكون مباًرش ا إن وجهتكم مبارش ة إىل‬
‫طريق األقزام؟»‪.‬‬
‫سأله چارد‪« :‬ما الذي يريدونه؟»‪.‬‬
‫رد الفوكا‪« :‬إن لديهم ما تريده‪ ،‬ويريدون ما لديك»‪.‬‬
‫همهمت مالوري يف سخرية مسموعة وقالت ويه تشري إىل‬
‫الفوكا بسيفها‪« :‬اتفقنا عىل أن نعود أدراجنا عندما نلحظ أي أمر‬
‫غريب األطوار»‪ ،‬ثم استطردت قائلة‪« :‬وأرى أن األمور لن تصل‬
‫إىل ما هو أغرب من هذا اليش ء»‪.‬‬
‫قال چارد وهو ينظر صوب التالل‪« :‬ولكنها ليست سيئة‪،‬‬
‫فلنتحرك لمسافة أبعد قليًال »‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬ال أعلم‪ ..‬ماذا عن تلك األعشاب واحتمال أن‬
‫نضل طريقنا؟»‪.‬‬
‫رد‪« :‬لقد قال الفوكا إن األقزام يريدون شيًئ ا بحوزتنا»‪.‬‬
‫أومأ سايمون برأسه وهو يقول‪« :‬نحن قريبون بالفعل يا مال»‪.‬‬
‫أطلقت مالوري تنهيدة‪ ،‬ثم قالت‪« :‬رغم أنين ال يعجبين ما‬
‫يحدث‪ ،‬إال أنين أحبذ أن نكون نحن من يتسلل إليهم خلسة‬
‫ويفاجئهم»‪.‬‬
‫رش عوا يف السري هابطني التل مبتعدين عن الطريق‪.‬‬
‫صاح الفوكا منادًي ا إياهم‪« :‬انتظروا! ارجعوا! هناك يش ء يجب‬
‫عَّيل أن أخرب كم به»‪.‬‬
‫استدار ثالثتهم عائدين نحوه وسأله چارد‪« :‬وما هو؟»‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫قال الفوكا يف إيقاع بدا شديد اإلحكام والدقة‪« :‬بوين نوين بوين »‪.‬‬
‫«هل هذا هو ما أردت أن تقوله لنا؟»‪.‬‬
‫«ال‪ ،‬ليس ذلك أبًد ا»‪.‬‬
‫سأله چارد‪« :‬حسًن ا‪ ،‬ماذا إذن؟»‪.‬‬

‫رد‪« :‬ما ال يعرفه المؤلف يمكن أن يمأل كتاًب ا»‪ ..‬قال الفوكا جملته‬
‫ثم عدا أعىل الشجرة إىل أن توارى عن األنظار‪.‬‬
‫شق الثالثة طريقهم عىل مهل أسفل الجانب اآلخر من التل‪..‬‬
‫ازدادت كثافة األشجار من حولهم مرة أخرى‪ ،‬واسرت ىع انتباههم‬
‫السكون الذي أصبح يلف الغابة‪ ..‬توقف شدو الطيور عىل‬
‫األشجار‪ ،‬ولم يتبق سوى حفيف األعشاب وصوت تكرس‬
‫األغصان الهشة تحت أقدامهم‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫توقفوا وسط مرج أخرض تطوقه األشجار‪ ،‬وقبع يف المنتصف‬
‫شجرة وحيدة طويلة تملؤها األشواك تحيط بها نباتات عيش‬
‫غراب تجمع بني اللونني األبيض واألحمر‪.‬‬
‫قال چارد‪« :‬ياااه!»‪.‬‬
‫ردت مالوري قائلة‪« :‬أرأيت؟ أمر مريب! فلنخرج من هنا»‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫وبينما كانوا يهمون بالمغادرة‪ ،‬التحمت األشجار مع بعضها‬
‫البعض وتضافرت فروعها وأغصانها ويه ترت ابط مًع ا مكونة‬
‫سياًج ا من أوراقها امتد حىت أرض الغابة‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬آه‪ ،‬يا إليه !»‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الفصل السادس‬

‫وفيه يحقق چارد نبوءة الفوكا‬


‫تباعدت األغصان عن بعضها فظهر ثالثة كائنات خرجوا من بني‬
‫األشجار‪ ..‬كانوا يف حجم مالوري ويعلو وجوههم نمش بين اللون‬
‫بفعل ضوء الشمس؛ أول كائن منهم كان امرأة ذات عينني‬
‫خرض اوْي ن وثوب أخرض المع يمتد من كتفيها حىت أخمص قدميها‬
‫وتشابكت أوراق الشجر يف شعرها األشعث‪ ،‬أما الكائن الثاين فكان‬
‫ًال‬
‫رج يعلو جبينه ما يشبه قرنني صغري ين‪ ،‬وتلونت برش ته بلون‬
‫أخرض داكن أكرث من برش ة المرأة الكائن األول وكان يحمل يف يديه‬
‫عكاًز ا تملؤه التعاريج‪.‬‬
‫ًم‬ ‫ْز‬ ‫َق‬
‫وكان الكائن الثالث ا ذا شعر أحمر يتشابك فيه توت أحمر‪،‬‬
‫مثبت عىل جانيب رأسه ورقتا شجر كبري تان‪ ،‬كانت برش ته بنية‬
‫اللون تملؤها البقع الحمراء حىت حلقومه‪.‬‬
‫سأل سايمون‪« :‬هل هؤالء جنيات؟»‪.‬‬
‫قالت الجنية ذات العينني الخرض اوْي ن وكأنها لم تسمع جملة‬
‫سايمون‪« :‬لم يسلك أحد هذا الدرب منذ فرت ة طويلة‪ ،‬فكل من‬
‫حاولوا ذلك انتىه بهم المآل إىل أنهم ضلوا طريقهم‪ ،‬ولكنكم‬
‫نجحتم يف الوصول إىل هنا‪ ..‬يا له من أمر مثري لالهتمام!»‪.‬‬
‫كانت تتكلم ورأسها مرفوع إىل أعىل كمن اعتاد أن يحىظ بطاعة‬
‫كل من حوله‪.‬‬
‫همس چارد إىل أخيه‪« :‬العشب»‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫ًن‬
‫قال الجين ذو الشعر األحمر معل ا إىل رفاقه‪« :‬البد أنه‬
‫بحوزتهم‪ ،‬وإال فكيف تسىن لهم القدوم إىل هنا؟ كيف عرفوا‬
‫سبل االستمرار يف تعقب الطريق الصحيح؟»‪ ،‬ثم استدار نحو‬
‫‪:‬‬ ‫ًال‬
‫يف‬ ‫نرغب‬ ‫ونحن‬ ‫ينجورم‪،‬‬
‫ر‬ ‫لو‬ ‫«أنا‬ ‫األطفال الثالثة وخاطبهم قائ‬
‫عقد صفقة مقايضة معكم»‪.‬‬
‫سأله چارد وهو يأمل أال يخونه صوته مفصًح ا عن االرتعاش‬
‫الذي انتابه‪« :‬مقابل ماذا؟»‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫كانت الجنيات الثالث جميالت ورائعات‪ ،‬إال أن چارد لم يستطع‬
‫استشعار أي انفعاالت عىل وجوههن سوى توق شديد وغريب‬
‫إىل يش ء ما‪ ،‬وهو األمر الذي أثار أعصابه‪.‬‬
‫قال الجين الذي عال وجهه ما يشبه القرنني ثم رسعان ما‬
‫اكتشف چارد أنهما عبارة عن أوراق شجر حقيقية‪« :‬أنتم تريدون‬
‫‪69‬‬
‫حريتكم‪ ،‬ونحن نريد كتاب آرثر»‪.‬‬
‫سألت مالوري‪« :‬حريتنا من ماذا؟»‪.‬‬
‫أشار الجين ذو القرون المصنوعة من ورق‬
‫األشجار ًعبإحدى يديه إىل األشجار اليت‬
‫شكلت م ا تخًم ا للمنطقة من حولهم ثم‬
‫ارتسمت عىل وجهه ابتسامة قاسية وهو‬
‫يقول‪« :‬سنستضيفكم إىل أن تملوا من‬
‫ضيافتنا»‪.‬‬
‫رد چارد وهو يأمل أال يكتشفوا أنه كان‬
‫يخمن ما قاله‪« :‬إن آرثر لم يعطكم الكتاب‪ ،‬فلماذا يجب علينا‬
‫نحن أن نفعل هذا؟»‪.‬‬
‫قال الجين ذو القرون الورقية‪« :‬لطالما عرفنا أن البرش كائنات‬
‫وحشية قاسية‪ ،‬ولكن عىل األقل كنتم فيما سبق تجهلون وجودنا‪،‬‬
‫أما اآلن فيتعني علينا أن نحافظ عىل رسية وجودنا وأن نمنعكم‬
‫من اكتشافه يك نحيم أنفسنا»‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫أنتم كائنات ال يمكن الوثوق بها‪ ،‬أنتم تدمرون الغابات‪ ،‬وتسممون‬
‫األنهار‪ ،‬وتصطادون حيوانات الجريفني من السماء‪ ،‬واألفايع من‬
‫البحور‪ .‬فتصوروا ما الذي قد تفعلونه إن أعلمتكم بسائر نقاط‬
‫ضعفنا»‪.‬‬
‫ٍّي‬ ‫ُّط‬ ‫ًال‬
‫رد سايمون قائ ‪« :‬ولكننا لم نقم ق بأ من تلك األشياء!»‪.‬‬
‫فأضاف چارد‪« :‬كما أنه ال يوجد أحد يؤمن بالجنيات»‪ ،‬ثم تذكر‬
‫لوسيندا فاستطرد قائًال ‪:‬‬
‫«ال أحد عاقل عىل أية حال»‪.‬‬
‫أطلق لورينجورم ضحكة جوفاء‪ ،‬ثم قال‪« :‬مازال يتبىق عدد‬
‫كاف من الجنيات لإليمان بوجودهن‪ ..‬نحن نتخذ من الغابات‬
‫ًت‬
‫القليلة المتبقية بيو ا لنا ولكن قريًب ا ستختيف هذه الغابات»‪.‬‬
‫رفع الجين ذو العينني الخرض اوْي ن إحدى يديه صوب الجدار‬
‫المنسوج من أغصان الشجر‪ ،‬ثم قال‪« :‬دعوين أريكم»‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الحظ چارد وجود جنيات‬
‫مختلفة األنواع ومتعددة األشكال‬
‫كانت تجلس يف دائرة األشجار‬
‫تحدق من خالل الفتحات‬
‫الموجودة إىل األخشاب‪ ،‬كانت‬
‫عيونها السوداء تومض وأجنحتها‬
‫ترفرف وأفواهها تتحرك دون أن‬
‫يدخل أي منها إىل قلب األجمة‬
‫الدائري‪ ،‬كان األمر أشبه بمحاكمة‬
‫منعقدة تضطلع فيها الجنيات‬
‫ني‬
‫بدور القايض وهيئة المحلف يف‬
‫الوقت ذاته‪ ،‬ثم انحلت بعض األغصان وظهر يش ء من بينها؛ كان‬
‫ًن‬
‫يف‬ ‫عنقه‬ ‫شعر‬ ‫وتدىل‬ ‫يج‬ ‫عا‬ ‫فرو‬ ‫وذا‬ ‫ال‪،‬‬
‫ز‬ ‫غ‬ ‫بحجم‬ ‫أبيض‬ ‫ا‬ ‫كائ‬
‫ًئ‬
‫جدائل من الخيوط المتشابكة‪ ،‬أما قرنه الذي كان نات ا من جبهته‬
‫فقد اتخذ شكًال لولبًّي ا وانساب حىت نهاية بدت حادة وماضية‪..‬‬
‫رفع الكائن أنفه الرطب تشمم الهواء من حوله‪ ،‬وعندما دنا منهم‬
‫عم الهدوء الوادي بشكل هائل حىت إن خطوات ذلك الكائن كانت‬
‫بال صوت‪ ،‬لكنه كان يبدو أبعد ما يكون عن كونه أليًف ا أو وديًع ا‪.‬‬
‫تقدمت مالوري بالقرب منه ويه تمد يدها نحوه‪.‬‬
‫هتف چارد‪« :‬مالوري‪ ..‬ال تفعيل ‪.»...‬‬
‫إال أن مالوري بدت وكأنها ال تسمع تحذير چارد لها ومدت‬
‫ًئ‬
‫أصابعها وربتت عىل خرص ذلك الكائن العجيب الذي ظل هاد ا‬
‫ًف‬
‫يف مكانه‪ .‬كان چارد خائ ا حىت انحبس نفسه عندما وقفت‬
‫مالوري بجانب الكائن وحيد القرن وتخللت أصابعها شعر عنقه‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫لمس قرن الكائن الصغري جبهة مالوري اليت أغمضت عينيها‪ ،‬ثم‬
‫بدأ جسمها كله يرتعش‪.‬‬
‫صاح چارد‪« :‬مالوري!»‪.‬‬
‫ني‬ ‫ًب‬ ‫ًة‬
‫تحركت عينا مالوري جيئ وذها ا خلف جفنيها المغلق كما لو‬
‫كانت ترى حلًم ا‪ ،‬ثم جثت عىل ركبتيها‪.‬‬
‫ركض چارد نحوها لجذبها وتبعه سايمون تفصله عنه خطوة‬
‫واحدة‪ ،‬إال أن چارد عندما لمس مالوري سحبته نفس الرؤية اليت‬
‫انتابت أخته‪.‬‬
‫كان كل يش ء يغلفه السكون‪..‬‬

‫‪73‬‬
‫ُع َج ُر أشجار التوت األسود‪ .‬رجال يمتطون صهوات جياد‪.‬‬
‫كالب عجاف لها ألسنة حمراء‪ .‬وميض أبيض‪ ،‬والكائن ذو القرن‬
‫يظهر من بني الصخور‪ ،‬سيقانه يغطيها الوحل الداكن‪ .‬سهاٌم‬
‫تتطاير لتغرز نفسها يف الجسد األبيض‪ .‬ارتفع صوت الكائن‬
‫أحادي القرن وانحىن ألسفل وسط كومة من أوراق األشجار‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫ًن‬
‫كالب مسعورة تمزق جلده‪ .‬رجل يحمل سكي ا يطعن قرن الكائن‬
‫بينما األخري مازال يتحرك‪.‬‬
‫ًال‬
‫تعاقبت الصور أرسع من ذي قبل وأصبحت أقل اتصا ببعضها‬
‫البعض‪.‬‬
‫فتاة ترتدي رداًء عديم اللون يدفعها صيادون بقوة‪ ،‬تقوم‬
‫باستقطاب الفرس يك يقرت ب‪ .‬سهم طائش يصيبها ويطرحها أرًض ا‪.‬‬
‫ذراع شاحبة تتدىل عىل أحد الجوانب‪ .‬كالهما يف مكانه‪ ،‬ثم مئات‬
‫من القرون الملطخة بالدماء اتخذت هيئة كئوس وأقداح‪،‬‬
‫وتسحق إىل أن تتحول إىل مسحوق‪ .‬جلود حيوانات بيضاء‬
‫مخضبة بالدماء ومكدسة يف كومة يحوم حولها ذباب أسود‬
‫يصدر طنيًن ا‪.‬‬
‫حرر چارد نفسه من الحلم وشعر بغثيان ينتابه‪ ..‬ولدهشته‪،‬‬
‫فوئج بأن مالوري كانت تبيك ‪ ،‬فتنهمر عرب اتها عىل الفرو األبيض‬
‫ًن‬ ‫ًن‬
‫وتضيف لو ا داك ا عليه‪ .‬وضع سايمون يده عىل جانب الكائن‬
‫أحادي القرن‪ ،‬فأمال األخري رأسه لألمام وهو يداعب شعر مالوري‬
‫بشفتيه‪.‬‬
‫قال سايمون وهو يبدو مزن عًج ا إىل حد ما‪ ،‬فلطالما سكنت‬
‫الحيوانات إليه هو‪« :‬إنه معجب بك فعًال »‪.‬‬
‫هزت مالوري كتفيها ويه تقول‪« :‬أنا فتاة»‪.‬‬
‫قال الجين ذو القرون المكونة من أوراق الشجر‪« :‬نحن نعرف ما‬
‫رأيتموه‪ ..‬أعطونا الكتاب السحري‪ .‬البد أن ندمره»‪.‬‬
‫قال چارد سائًال ‪« :‬ماذا عن الغيالن؟»‪.‬‬
‫عالمكم»‪ ،‬ثم‬
‫ًأ‬ ‫رد لورينجورم‪« :‬ماذا عنهم؟ إن الغيالن يحبون‬
‫ًذ‬ ‫ًال‬
‫استطرد قائ «لقد أصبحت آالتكم وسمومكم ملج ومال ا‬ ‫‪:‬‬

‫‪75‬‬
‫ألمثالهم»‪.‬‬
‫قال چارد‪« :‬لم يبد أنه يسوءكم استخدامهم يف محاولة لالستيالء‬
‫عىل الكتاب منا»‪.‬‬
‫سألت الجنية ذات العينني الخرض اوين‪ ،‬ويه تحدق بعينيها وتزم‬
‫فمها يف رصامة‪« :‬نحن؟ هل تعتقد أننا قد نقدم عىل إرسال هؤالء‬
‫الحراس؟ إنهم يأتمرون بأوامر مولجاراث»‪.‬‬
‫اعتدلت مالوري واقفة ويه تربت عىل ظهر الكائن أحادي القرن‬
‫بال ويع قائلة‪« :‬ومن يكون مولجاراث؟»‪.‬‬

‫قال لورينجورم موضًح ا‪« :‬إنه غول؛ يقوم منذ فرت ة طويلة‬
‫باستقطاب الغيالن نحوه وعقد معاهدات ومواثيق مع األقزام‪،‬‬
‫ونحن نعتقد أنه يرغب الحصول عىل كتاب آرثر سبايدرويك‬
‫لنفسه»‪.‬‬
‫سأله چارد‪« :‬لماذا؟ أال تعرفون بالفعل كل يش ء يتضمنه ذلك‬
‫الكتاب؟»‪.‬‬
‫تبادلت الجنيات نظرات مزن عجة فيما بينهن‪ ،‬ثم تكلم أخًري ا‬
‫الجين ذو القرون المتكونة من أوراق الشجر وقال‪« :‬نحن فنانون‪،‬‬
‫‪76‬‬
‫وال نرى أن هناك حاجة لقطع األشياء إىل أجزاء يك نرى ما‬
‫صنعت منه‪..‬‬
‫إن ما فعله آرثر سبايدرويك لم يكن أٌّي منا ليفعله»‪.‬‬
‫وضعت الجنية ذات العينني الخرض اوين إحدى يديها عىل كتف‬
‫الجين اآلخر‪« :‬ما يعنيه هو أن الكتاب قد يتضمن أشياء ال‬
‫نعرفها»‪.‬‬
‫ًّق‬
‫فكر چارد لوهلة‪ ،‬ثم قال‪« :‬إذن‪ ،‬أنتم ال تأبهون ح ا الستيالء‬
‫البرش عىل كتاب آرثر السحري‪ ..‬كل ما تريدونه هو أال يضع‬
‫مولجاراث يديه عليه!»‪.‬‬
‫ري‬‫ط‬‫خ‬ ‫الكتاب‬ ‫«هذا‬ ‫‪:‬‬ ‫اوين‬ ‫قالت الجنية ذات العينني الخرض‬
‫يف‬
‫يد أي شخص؛ إنه يحتوي عىل معلومات أكرث من الالزم‪ ..‬سلمه‬
‫لنا وبذلك ندمره ونكافئك»‪.‬‬
‫بسط چارد يديه وهو يقول‪« :‬إنه ليس معنا‪ ،‬ولن يكون بوسعنا‬
‫أن نعيده لكم حىت وإن رغبنا يف ذلك»‪.‬‬
‫هز الجين ذو القرون الورقية رأسه ورض ب عكازه عىل األرض‬
‫بقوة وهو يصيح‪« :‬أنت تكذب!»‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬إنه ليس بحوزتنا فعًال ‪ ،‬أقسم لك»‪.‬‬
‫رفع لورينجورم أحد حاجبيه األحمرين وهو يقول‪« :‬أين هو‬
‫إذن؟»‪.‬‬
‫أجاب سايمون‪« :‬نحن نعتقد أن الجين األسمر الموجود بالمزن ل‬
‫هو من أخذه‪ ..‬ولكننا لسنا واثقني من ذلك»‪.‬‬
‫شهقت الجنية ذات العينني الخرض اوين قائلة‪« :‬هل‬
‫أضعتموه؟»‪.‬‬
‫قال چارد بصوت خفيض‪« :‬ربما كان يف حوزة ثيمبلتاك اآلن»‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫قال الجين ذو القرون الورقية‪« :‬لقد حاولنا أن نكون عقالء‬
‫معكم ولكن البرش جنس خائن»‪.‬‬
‫ردد چارد‪« :‬خائن؟ كيف نعرف أنه يمكننا الوثوق بكم؟»‪.‬‬
‫واختطف الخريطة من بني يدي سايمون وبسطها أمام الجنيات‬
‫إللقاء نظرة عليها‪ ،‬ثم قال‪« :‬لقد عرث نا عىل هذه الخريطة‪ ..‬كانت‬
‫ىت‬ ‫ًك‬
‫مل ا آلرثر‪ ،‬وعىل ما يبدو فقد أ إىل هنا وأعتقد أنه التقاكم‪ ،‬وأريد‬
‫أن أعرف ما الذي فعلتموه له»‪.‬‬
‫أجاب الجين ذو القرون الورقية‪« :‬لقد تحدثنا معه‪ ،‬وفكر يف أن‬
‫يخدعنا‪ ،‬لقد أقسم لنا إنه سيدمر الكتاب‪ ،‬وحرض إىل اجتماعنا‬
‫مصطحًب ا معه حقيبة مليئة بورق متفحم ورماد‪ ،‬لكنه كان يكذب‬
‫إذ أحرق كتاًب ا آخر‪ ،‬وظل الكتاب السحري سليًم ا لم يمسسه‬
‫سوء»‪.‬‬
‫قالت الجنية ذات العينني الخرض اوْي ن‪« :‬نحن أناس نحرت م‬
‫ًن‬
‫كلمتنا‪ ،‬ورغم أن ذلك قد يؤلمنا أحيا ا فإننا نيف دوًم ا بوعودنا‪ ،‬وال‬
‫نشعر بأي تعاطف إزاء من يفكرون يف خديعتنا»‪.‬‬
‫سأل چارد‪« :‬ماذا فعلتم؟»‪.‬‬
‫قالت الجنية ذات العينني الخرض اوْي ن‪« :‬لقد منعناه من إحداث‬
‫المزيد من الرض ر»‪.‬‬
‫ثم قال الجين ذو القرون الورقية‪« :‬ولقد أتيتم أنتم اآلن‪ ،‬وسوف‬
‫تحرض ون لنا الكتاب السحري»‪.‬‬
‫أشار لورينجورم بيده فزحفت جذور شاحبة ببطء من األرض‪.‬‬
‫رصخ چارد عالًي ا لكن صوته ضاع وسط أصوات تكرُّس األغصان‬
‫وتشابك األوراق‪ ،‬ثم انفصلت األشجار مبتعدة عن بعضها البعض‬
‫وبدأت أغصانها تعود إىل أشكالها الطبيعية‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ولكن بزغت جذور قذرة ومشعرة وتسلقت ملتفة حول قديم‬
‫چارد وأمسكته‪.‬‬
‫قال الج ذو القرون الورقية‪« :‬أحرض لنا الكتاب وإال فسيبىق‬
‫ًز‬ ‫ين‬
‫أخوك محتج ا هنا إىل األبد يف أرض الجنيات»‪.‬‬
‫ولم يساور چارد الشك يف أن الجين كان يعين ما قاله‪.‬‬

‫‪79‬‬
80
‫الفصل السابع‬

‫وفيه يشعر چارد أخًري ا‬


‫بقيمة أخيه التوءم‬

‫قفزت مالوري لألمام ويه تلوح مهددة بسيفها‪ ،‬بينما أمسك‬


‫سايمون الشبكة اليت كان يحملها محاكًي ا أخته يف ارتباك‪ .‬هز‬
‫الكائن أحادي القرن رأسه وتطاير شعر عنقه وهو يعدو برسعة‬
‫ًث‬
‫محد ا ضجيًج ا عالًي ا قبل أن يتوارى يف أعماق الغابة‪.‬‬
‫الحقي‬ ‫الوجه‬ ‫ى‬ ‫قال الج ذو القرون الورقية‪« :‬آه ال! اآلن سرن‬
‫يق‬ ‫ين‬
‫للبرش !»‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬دع أيخ وشأنه‪ .‬إليك عنه!»‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫ًال‬
‫وفجأة خطرت فكرة عىل ذهن چارد فهتف قائ «النجدة‬
‫يا چارد!» قالها وهو يأمل أن يدرك سايمون ومالوري ما يريم إليه‪.‬‬
‫تطلع إليه سايمون يف حري ة‪.‬‬
‫فاستطرد چارد قائًال ‪« :‬چارد‪ ،‬أرجوك ساعدين »‪.‬‬
‫ابتسم سايمون ألخيه ولمعت عيناه عندما أدرك حيلة چارد‬
‫فسأله قائًال ‪« :‬هل أنت بخري يا سايمون؟»‪.‬‬
‫حاول بكل ما أويت من قوة أن يجذب چارد ساقه من بني الجذور‬
‫اليت أمسكت به بقوة‪ ،‬ثم قال‪« :‬أنا بخري يا چارد‪ ،‬ولكنين عاجز‬
‫عن الحراك»‪.‬‬
‫رد سايمون‪« :‬سنعود إليك ومعنا الكتاب السحري يا سايمون‪،‬‬
‫وعندها سيتعني عليهم أن يطلقوا رساحك»‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫قال چارد‪« :‬ال‪ ،‬إذا عدتم أدراجكم إىل هنا فقد يحتجزوننا جميًع ا‬
‫كرهائن لديهم‪ .‬البد أن تجعلهم يتعهدون لك!»‪.‬‬
‫هتفت الجنية ذات العينني الخرض اوْي ن‪« :‬إن كلمتنا ميثاقنا»‪.‬‬
‫ردت مالوري ويه تتطلع إىل أخويها يف قلق وانزعاج‪« :‬ولكنكم‬
‫لم تعدونا بعد»‪.‬‬
‫أضاف چارد‪« :‬فلتتعهدوا لنا بأن چارد ومالوري يمكنهما أن‬
‫يغادرا هذا البستان‪ ،‬وأنهما إذا عادا إليه‪ ،‬فلن يتم احتجازهما ضد‬
‫إرادتهما»‪.‬‬
‫همت مالوري باالعرت اض ولكنها آثرت الصمت‪.‬‬
‫تطلعت الجنيات إىل اإلخوة الثالثة يف تردد‪ ،‬ثم أومأ لورينجورم‬
‫برأسه أخًري ا وقال‪« :‬فليكن ما تريدون‪ .‬يمكن لچارد ومالوري أن‬
‫يغادرا هذا البستان‪ .‬ولن يتم احتجازهما دون مشيئتهما سواء اآلن‬
‫أو فيما بعد‪ .‬ولكن إذا لم يحرض ا الكتاب السحري معهما‪،‬‬
‫فسنحتفظ بأخيهما سايمون إىل األبد‪ .‬وسيظل معنا خلف التل‬
‫دون أن يهرم أو تصيبه الشيخوخة لمدة مائة عام مرض وبة يف مائة‬
‫عام أخرى‪ .‬وإذا فكر ولو مرة يف الفرار‪ ،‬فخطوة واحدة يطؤها عىل‬
‫األرض كفيلة بأن تعيد إليه يف لحظة آثار كل السنوات اليت لم‬
‫تصبه»‪.‬‬
‫رست رجفة يف جسد سايمون الحقييق وتقدم خطوة مقرت ًب ا من‬
‫مالوري‪.‬‬
‫قال الجين ‪« :‬اذهبا برسعة»‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫ألقت مالوري نظرة ثاقبة عىل چارد‪ .‬كانت حافة سيفها قد‬
‫انخفضت إال أنها كانت ال تزال ممسكة به أمامها دون أن تتحرك‬
‫من مكانها لمغادرة البستان‪.‬‬
‫حاول چارد أن يرسم عىل وجهه ابتسامة مشجعة‪ ،‬إال أن الخوف‬
‫قد تملكه‪ ،‬وعلم أن خوفه كان بادًي ا عىل وجهه‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫هزت مالوري رأسها ثم تبعت سايمون‪ .‬وبعد أن مشيا بضع‬
‫خطوات‪ ،‬استدارا وألقيا نظرة أخرى عليه‪ ،‬ثم بدآ يف تسلق التل‬
‫المنحدر‪ ،‬وبعد مرور بضع دقائق كان األخوان قد تواريا بني أوراق‬
‫األشجار الكثيفة‪.‬‬
‫تحدث چارد قائًال ‪« :‬يجب عليكم أن ترت كوين أرحل»‪.‬‬
‫سأله الجين ذو القرون‪« :‬ولماذا يتعني علينا ذلك؟ لقد سمعت‬
‫بنفسك وعدنا ألخويك‪ ،‬لن نطلق رساحك إىل أن ُي حرض أخوك‬
‫وأختك الكتاب السحري إلينا»‪.‬‬
‫هز چارد رأسه وهو يقول‪« :‬لقد قلتم إنكم ستطلقون رساح‬
‫سايمون‪ .‬أنا چارد»‪.‬‬
‫هتف لورينجورم‪« :‬ماذا؟»‪.‬‬
‫تقدم الجين ذو القرون خطوة مقرت ًب ا من چارد وهو يعقص يديه‬
‫كالمخالب‪.‬‬
‫وجد چارد صعوبة يف أن يزدرد لعابه‪ ،‬ثم قال‪« :‬إن كلمتكم بمثابة‬
‫ميثاق؛ لذا ينبيغ عليكم أن تدعوين أرحل»‪.‬‬
‫قالت الجنية ذات العينني الخرض اوْي ن ويه تزم شفتيها‪:‬‬
‫«فلتثبت كالمك أيها الفىت »‪.‬‬
‫قال چارد وهو يجاهد النزت اع حقيبته المعلقة عىل ظهره‬
‫ويمسكها بيدين مرتعشتني ‪« :‬انظري»‪ .‬كان يوجد أعىل‬
‫الحقيبةثالثة حروف مدونة بخط أحمر عليها‪ :‬ج‪ .‬إ‪ .‬ج‪« .‬أرأيت؟‬
‫إنها تعين چارد إيفان جريس»‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫قال الجين ذو القرون يف نغمة بدت وكأنه يليق لعنة‪« :‬فلتذهب‪.‬‬
‫فلنأمل أن تنفعك حريتك إذا وقعت أنت أو أخواك المخادعان‬
‫بني أيدينا مرة أخرى»‪.‬‬
‫ًد‬
‫وبعد أن نطق الجين ًدجملته‪ ،‬انفرجت الجذور بعي ا عن سايق‬
‫چارد الذي ركض مبتع ا عن البستان بأقىص رسعة يستطيعها‪،‬‬
‫وظل يركض دون أن ينظر وراءه ثانية‪.‬‬
‫ثم تناهت إىل مسامعه ضحكة عالية عندما وصل إىل قمة التل‪.‬‬
‫جال ببرصه يف األشجار القريبة منه إال أنه لم يجد أي أثر للفوكا‪.‬‬
‫ًف‬
‫ولكن چارد لم ُي فاجأ عندما سمع صوت الفوكا الذي أصبح مألو ا‬
‫وهو يقول‪« :‬أرى أنك لم تعرث عىل خالك‪ .‬يا له من أمر مؤسف!‬
‫ربما لو كنت أقل ذكاًء لحالفك الحظ»‪.‬‬
‫ًض‬
‫ارتعد چارد واندفع راك ا نحو الجانب اآلخر من التل‪ ،‬كان‬
‫يعدو برسعة هائلة لدرجة أنه وجد صعوبة يف التوقف يف منتصف‬
‫الطريق‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫عرب الفىت الشارع‪ ،‬ثم جرى عرب البوابات الحديدية إىل أن وصل‬
‫إىل باحة المزن ل األمامية وهو يلهث‪.‬‬
‫كانت مالوري وسايمون جالسني عىل درج السلم يف انتظاره‪ .‬لم‬
‫تنبس مالوري بأي كلمة لكنها قامت وعانقته عىل نحو لم يعهده‬
‫منها من قبل فرت ك أخته الكبري ة تحتضنه‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫ًك‬
‫قال سايمون ضاح ا‪« :‬لم أكن أفهم ما الذي كنت تنوي فعله‪،‬‬
‫ولكنها كانت حيلة رائعة»‪.‬‬
‫ابتسامة عريضة‪« :‬أشكرك عىل مجارايت‬ ‫رد چارد وهو يبتسم‬
‫فيها‪ .‬لقد قال يل الفوكا شيًئ ا وأنا يف طريق عوديت »‪.‬‬
‫سألته مالوري‪« :‬هل قال شيًئ ا له معىن ؟»‪.‬‬
‫ًن‬
‫قال چارد‪« :‬حس ا‪ ،‬هل تتذكران ما قالته الجنيات عن أنهن‬
‫سيحتجزنين إىل األبد يف عالمهن؟»‪.‬‬
‫قال سايمون‪« :‬يحتجزنك؟ لقد قلن إنهن سيحتجزن سايمون»‪.‬‬
‫«نعم‪ ،‬ولكن فكر فيما كَّن يعزت من فعله‪ .‬كَّن ينوين احتجازي‬
‫هناك إىل األبد‪ .‬دون أن تصيبين عالمات الشيخوخة‪ ،‬أتتذكر؟ إىل‬
‫األبد»‪.‬‬
‫قالت مالوري ببطء‪« :‬إذن هل تعتقد‪...‬؟»‪.‬‬
‫«عندما كنت أغادر المكان‪ ،‬قال الفوكا إن لو كنت أقل ذكاًء‬
‫ين‬ ‫يل‬
‫لحالفين الحظ يف العثور عىل خايل »‪.‬‬
‫سأله سايمون وهم يصعدون الدرج لدخول المزن ل‪« :‬هل تقصد‬
‫أن آرثر قد يكون محتجًز ا لدى الجنيات؟»‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫قال چارد‪« :‬أعتقد ذلك»‪.‬‬
‫قالت مالوري‪« :‬إذن فهو ال يزال حًّي ا»‪.‬‬
‫فتح چارد الباب الخليف ودلف إىل الحجرة الطينية‪ ..‬كان مازال‬
‫يرتعش من تجربته المرعبة مع الجنيات إال أن ابتسامة عريضة‬
‫ارتسمت عىل وجهه‪ .‬ربما لم يفر آرثر أو يهجر عائلته‪ .‬ربما كان‬
‫ًن‬
‫سجي ا لدى الجنيات‪ .‬وربما لو كان چارد ذكًّي ا بما يكيف ألمكنه‬
‫إنقاذه‪.‬‬
‫ًق‬
‫وبينما كان چارد غار ا يف أحالم اليقظة حول إنقاذ آرثر‪ ،‬لم‬
‫ًض‬
‫يلحظ الوميض الفيض تحت قدميه قبل أن يسقط أر ا‪ ،‬ثم‬
‫أعقبه سقوط يش ء آخر ثقيل عىل ردفيه ويده الممتدة عىل‬
‫ًض‬
‫األرض‪ .‬كان سايمون الذي تعرث وسقط هو أي ا فوق چارد‪ ،‬ثم‬
‫أعقبتهما مالوري اليت كانت تبعد عنهما خطوتني فحسب وانتىه‬
‫ًة‬
‫بها المآل جاثم فوق أخويها‪.‬‬
‫صاح چارد وهو ينظر حوله‪« :‬اللعنة!»‪.‬‬
‫كانت الكرات المرمرية متناثرة عىل األرض من حولهم‪.‬‬
‫ًال‬
‫قال سايمون‪« :‬آه‪ ..‬ابتعدي عين يا مال» محاو أن يتملص من‬
‫تحتها‪.‬‬
‫ردت مالوري ويه تعتدل واقفة عىل قدميها‪« :‬بل ابتعد أنت»‪،‬‬
‫ثم استطردت قائلة‪« :‬سأقتل ذلك الجين الصغري عندما أضع‬
‫يدي عليه»‪ ،‬ثم أضافت‪« :‬أتعلم يا چارد؟ إذا عرث نا عىل كتاب‬
‫آرثر‪ ،‬أرى أن نحتفظ به»‪.‬‬
‫استدار چارد إليها قائًال ‪« :‬هل تعتقدين ذلك؟»‪.‬‬
‫أومأت برأسها ويه تقول‪« :‬أنا ال أعلم ما تفكران فيه‪ ،‬ولكنين لن‬
‫أتحمل أن تتحكم َّيف الجنيات بعد اآلن»‪.‬‬

‫‪88‬‬
89
‫عن توين ديرت لزي ي‪...‬‬
‫مؤلف حاصل عىل لقب أفضل الكتاب بيًع ا من النيويورك تايمز‪،‬‬
‫ابتكر قصة «تيد» اليت فازت بجائزة زينا زس رالند‪ ،‬كما ابتكر‬
‫ًد‬
‫مغامرة «جييم زانجو عىل القمر بعي ا عن هذا العالم»‪ ،‬وكذلك‬
‫أبدع رسوم سلسلة «الفضايئ واألبوسوم للمبتدئني » اليت كتبها‬
‫توين جونستون‪ .‬كما حصلت معالجته السينمائية الرائعة لقصة‬
‫ماري هاويت الكالسيكية «العنكبوت والذبابة» عىل جائزة‬
‫كالديكوت‪ ،‬وباإلضافة لذلك‪ ،‬فقد زينت رسومه أعمال مشاهري‬
‫كتاب الخيال مثل يج آر آر تولكني وآن ماكافري وبيرت إس بيجل‬
‫وجريج بري ‪ ،‬كذلك ساهم برسم سحرة ساحل السحر يف «اجتماع‬
‫السحرة»‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫وهــولـي بــالك‬
‫هويل بالك جامعة نهمة ألعمال الفلكلور الشعيب ‪ ،‬فقد قضت‬
‫سين عمرها األوىل يف بيت عتيق مبين عىل الطراز الفكتوري كانت‬
‫أمها تطعمها فيه وجبة يومية من قصص األشباح وكتب الجنيات‪،‬‬
‫وبالتبعية كانت روايتها األوىل «تايث‪ :‬قصة أشباح حديثة» لمحة‬
‫قوطية بارعة يف عالم الجنيات‪ .‬وعند نرش ها يف خريف عام ‪2002‬‬
‫امتدحها النقاد وحصلت عىل لقب أفضل كتاب للنشء من اتحاد‬
‫المكتبات األمريكية‪.‬‬
‫ًر‬ ‫ًال‬
‫وحالًّي ا يكافح توين وهويل لي ونها ا لصد هجوم الجنيات‬
‫والغيالن الغاضبة ألنهما كتبا قصة اإلخوة جريس لكم‪.‬‬

‫‪91‬‬
92
93
‫المحتويات‬

‫عزيزي القارئ‪..‬‬
‫الفصل األول‬
‫الفصل الثاين‬
‫الفصل الثالث‬
‫الفصل الرابع‬
‫الفصل الخامس‬
‫الفصل السادس‬
‫الفصل السابع‬
‫المحتويات‬

‫‪94‬‬

You might also like