Professional Documents
Culture Documents
مطبوعة مدخل للاقتصاد
مطبوعة مدخل للاقتصاد
موجهة إىل:
طلبة السنة أوىل ليسانس جذع مشرتك علوم اقتصادية وجتارية وعلوم
التسيري
2021/2020
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
3
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
اهداء
اىل الوادلين وفاء واحرتاما
اىل اكفة ا ألهل وا ألقارب
اىل لك طلبة العمل وا ألساتذة احملرتمني
اىل مجيع املسلمني
أأهدي معيل هذا راجيا من هللا عز وجل أأن
جيعهل يف مزيان احلس نات
4
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
فهرس احملتوايت
- اإلهداء
- فهرس احملتوايت
09 مقدمة
12 الفصل اْلول :املدخل املعريف
13 أوال :مفهوم علم االقتصاد
17 اثنيا :أهداف علم االقتصاد:
19 اثلثا :منهج علم االقتصاد
21 رابعا :موضوع علم االقتصاد
23 علم الثروة
24 علم املبادلة
24 علم الندرة
25 علم الرفاهية
25 علم االختيارات الفعالة
26 علم العالقات االجتماعية يف اطار اإلنتاج
26 خامسا :فروع علم االقتصاد:
26 النظرية االقتصادية اجلزئية
27 النظرية االقتصادية الكلية
27 سادسا :عالقة علم االقتصاد َبلعلوم اْلخرى
34 سابعا :تطور علم االقتصاد
5
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
48 اثمنا :استخدام وتطبيق علم االقتصاد
50 اتسعا :املشكلة االقتصادية
51 تعريف املشكلة االقتصادية
54 عناصر املشكلة االقتصادية
63 معاجلة املشكلة االقتصادية
65 مستوايت املشكلة االقتصادية
67 عاشرا :اخلريات
67 تقسيم السلع
69 خصائص اخلريات
71 إحدى عاشر :احلاجات والرغبات
71 تقسيم احلاجات
72 خصائص احلاجات اإلنسانية
73 الفصل الثاين :املدخل النظري
74 أوال :نشاط اإلنتاج
75 مفهوم اإلنتاج
80 أساليب اإلنتاج
82 أشكال وأنواع اإلنتاج
83 عوامل اإلنتاج
87 عوائد عوامل اإلنتاج
88 خصائص عوامل اإلنتاج
91 اثنيا :نشاط التبادل التجاري
6
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
92 عناصر التبادل
94 بعض األنشطة املرتبطة ابلتبادل التجاري
96 العوامل املؤثرة يف التبادل التجاري
98 اثلثا :االستهالك
98 تعريف االستهالك
99 أنواع وأشكال االستهالك
101 العوامل املؤثرة يف االستهالك
104 ثقافة االستهالك
107 العالقة بني االستهالك والدخل
107 دالة االستهالك
109 رابعا :توزيع وإعادة توزيع الدخل
109 مفهوم الدخل
110 أنواع الدخل
111 نظرية توزيع الدخل
113 أسباب التفاوت يف توزيع الثروة والدخل
117 خامسا :االدخار
118 أنواع االدخار
120 العوامل املؤثرة يف االدخار
124 مصادر االدخار
126 سادسا :االستثمار
126 تعريف االستثمار
7
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
127 أهداف االستثمار
128 أنواع وأشكال االستثمار
130 العوامل املؤثرة يف االستثمار
131 خماطر االستثمار
132 العالقة بني درجة املخاطرة والعائد املتوقع من االستثمار
133 الفصل الثالث :املدخل النظامي
135 أوال :مفهوم النظام والتنظيم االقتصادي
138 خصائص النظام االقتصادي
139 أهداف النظام االقتصادي
140 اثنيا :اْلنظمة االقتصادية
141 النظام االقتصادي الرأمسايل
147 النظام االقتصادي االشرتاكي
152 النظام االقتصادي املختلط
153 النظام االقتصادي اإلسالمي
167 اخلامتة
168 املراجع
172 مواضيع امتحاانت سابقة
8
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
مقدمة
يعتمد بقاء اإلنسان كفرد وكجماعة أو جمتمع واستمراره يف احلياة على تلبية حاجاته املختلفة،
اليت تتطلب احلصول على جمموعة من الوسائل ،وألجل هذا جيد اإلنسان نفسه جمرب على القيام
مبجموعة من األنشطة واألعمال من اجل تكييف املوارد الطبيعية مع حاجاته ورغباته ،وخاصة ان
وسائل تلبية تلك احلاجات حتتاج إىل جمهودات من اجل تكييفها مع متطلبات اإلنسان ،فهو ال جيد
كل ما يرغب فيه وحيتاجه جاهزا يف الطبيعة ،ولكنه يضطر إىل إعادة تكييفه وحتويله ونقله إما من
حيث الشكل أو املكان أو الزمن ،األمر الذي جيعله يسلك سلوكا معينا وإقامة عالقات كثرية تتمثل
بشكل أساسي يف عالقاته مع الطبيعية وعالقاته مع أخيه اإلنسان.
فالتصرفات والسلوكات اليت يضطر اإلنسان للقيام هبا يف سبيل تلبية حاجاته ورغباته انطالقا
من املوارد النادرة تشكل لنا ما يعرف ابلنشاط االقتصادي ،الذي يعرب عن خمتلف الظواهر واألنشطة
اخلاصة بتلبية احلاجات والرغبات ،وخمتلف العالقات والظواهر اليت ميكن ان تظهر يف هذا اإلطار،
كأنشطة اإلنتاج والتوزيع واالستهالك.
إال ان تلك األنشطة والعالقات االقتصادية قد عرفت تطورات وتغريات تبعا لتطور حياة
اإلنسان االجتماعية واملادية ،منذ ظهور أوىل العالقات البسيطة بني اإلنسان والطبيعة واملتمثلة يف
إشباع احلاجات ابالعتماد على عناصر الطبيعة بشكل مباشر ،ومل يكن حباجة إىل أنشطة اإلنتاج كما
هي عليه اليوم من تعقيدات وتشابك سواء بني األفراد واجملتمعات أو بني اإلنسان والطبيعية.
وألجل تطوير وحتسني تلك العالقات والسلوكات فقد حظيت ابلعديد من الدراسات واجلهود
العلمية من طرف خنبة من الباحثني واملفكرين ،واليت ولدت الكثري من النظرايت والنماذج عرب مسرية
اتريخ الفكر االقتصادي مشكلة بذلك ما يعرف بعلم االقتصاد ،الذي يهتم بدراسة الظواهر
االقتصادية حماوال الوصول إىل حلول افضل للمشاكل اليت تعرتض اإلنسان يف هذا اإلطار سواء كفرد
أو مؤسسة أو دولة.
9
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
سنحاول من خالل هذا املقياس التعرف على اهم املواضيع املشكلة لعلم االقتصاد واليت يهتم
بدراستها ،من خالل التطرق إىل مفهومه وموضوعاته األساسية وفروعه ،التعرف على طبيعة املشكلة
االقتصادية كما يراها مفكرو األنظمة االقتصادية ،خمتلف األنشطة االقتصادية املتمثلة يف اإلنتاج،
التوزيع ،االستهالك ،االدخار ،واالستثمار ،التطرق إىل مفهوم النظام االقتصادي وحتليل مفهوم
األنظمة االقتصادية السائدة وخصائصها ومبادئها ،وطريقة معاجلتها للمشكلة االقتصادية.
يعترب مقياس مدخل االقتصاد من املقاييس املهمة واألساسية ابلنسبة لطالب العلوم
االقتصادية ،إذ ميكنه من التعرف ولو بشكل عام على خمتلف املواضيع والظواهر اليت تندرج ضمن
ختصصه ،واليت يهتم علم االقتصاد بدراستها ،ابإلضافة إىل انه يعطيه نظرة عن األدوات والطرق
املستخدمة يف دراسة تلك الظواهر وما يرتبط هبا من عالقات ،وذلك من منطلق ان اهلدف األساسي
هلذا املقياس يتمحور حول تعريف الطالب مباهية ميدان العلوم االقتصادية مبختلف فروعها وختصصاهتا
يف اتصاهلا التارخيي أبصول علم االقتصاد ،وعلى هذا األساس فان دراسة مقياس مدخل لعلم
االقتصاد متكن الطالب من:
-التعرف على شعبة العلوم االقتصادية وختصصاهتا املختلفة ،وأمهية دراستها واآلفاق
املستقبلية اليت تفتحها أمام الطالب.
-التعرف على خمتلف املواضيع والقضااي اليت تندرج ضمن اهتمامات علم االقتصاد ،ومن مث
فهو يعطي للطالب القدرة على فهم وتفسري ما حييط به وما يواجهه من ظواهر وعالقات اقتصادية
كالتضخم ،البطالة ،الفقر ،التشغيل والنمو االقتصادي.
10
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-التعرف على اهم األنشطة االقتصادية وخصائصها وأبعادها ،كالنشاط اإلنتاجي والتوزيع
واالستهالك ،واالدخار واالستثمار.
-التعرف على اهم األنظمة االقتصادية السائدة وطريقة معاجلتها للمشكلة االقتصادية
-التعرف على اهم السياسات االقتصادية وكيفية استخدامها ،كالسياسة النقدية واملالية
والتجارية.
-فهم وتفسري أسباب التباين يف توزيع الدخل والثروة بني األفراد واجملتمعات.
وميكن لطلبة العلوم االقتصادية توسيع وتعميق مداركهم النظرية حول مواضيع هذا املقياس،
من خالل قراءة املراجع يف هذا الشأن واليت يتمحور عنواهنا حول مبادئ علم االقتصاد ،مدخل
لالقتصاد ،أساسيات حول علم االقتصاد ،االقتصاد السياسي ،أو تلك اليت تتناول احد جوانب
مواضيع هذا املقياس ،مثل :التنمية والنمو االقتصادي ،األزمات االقتصادية ،األنظمة االقتصادية،
اإلنتاج ،االستثمار ،االستهالك واالدخار ،النقود.
11
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
المدخل المعرفي
الفصل األول
12
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
الفصل اْلول :املدخل املعريف
ان فهم طبيعة علم ما وكيفية استخدامه وتوظيفه يف عملية تفسري الظواهر والقضااي اليت يدرسها،
يدفعنا إىل حبث وحتديد خصائصه وأبعاده وموضوعاته األساسية ،وانطالقا من هذه احلقيقة سنحاول
من خالل هذا الفصل التعرض إىل مفهوم علم االقتصاد وخصائصه وأدواته وعالقته مع العلوم
األخرى ،إضافة إىل حتليل املوضوع األساسي الذي تتمحور حوله كل قضااي هذا العلم واملتمثل يف
املشكلة االقتصادية مبختلف عناصرها وأبعادها ،وهبذا ميكننا فهم طريقة دراسته وتفسريه للظواهر
والعالقات االقتصادية املختلفة.
لقد تعددت واختلفت التعاريف اليت أعطيت ملفهوم علم االقتصاد ،تبعا الختالف التوجهات العلمية
واالنتماءات اإليديولوجية واملذهبية للمفكرين االقتصاديني الذين تعرضوا له ،إضافة إىل اختالف
األنظمة االقتصادية والعالقات االجتماعية والسمات والتطورات الثقافية والعلمية والتكنولوجية
السائدة يف كل مرحلة اترخيية ،وهلذا فان املتتبع لتطور مفهوم علم االقتصاد يصطدم حقيقة بذلك
التنوع والثراء املذهل يف تعريف هذا العلم ،وكيف كانت تفسرياته وماهيته ختتلف اختالفات جذرية
من مرحلة إىل أخرى ومن مدرسة فكرية إىل أخرى ،وان كانوا امجعوا كلهم على انه العلم الذي يهتم
بدراسة الظواهر االقتصادية ،وسنستعرض من خالل هذا العنصر اهم التعاريف ونبني كيف كانت
االختالفات املتباينة يف تعريف علم االقتصاد حبسب املدارس الفكرية واإليديولوجية واملراحل الزمنية
لتعرب عن تطور مفهوم هذا العلم من جهة وعن اتساع موضوعاته وتعدد جماالته من جهة أخرى:
حسب آدم مسيث :هو العلم الذي يهتم بكيفية إغناء األمة أي كيف تغتنم األمة ،حيث يركز
آدم مسيث يف تعريفه لعلم االقتصاد على الطريقة اليت متكن األمة من تعظيم الثروة ،من خالل
البحث عن املوارد واحلفاظ عليها وتوزيعها ابلطريقة املثلى على خمتلف االستخدامات.
13
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
حسب جون ستوارث ميل :يرى ان املشكلة تتمثل يف إنتاج وتوزيع الوسائل ،يقول أن علم
االقتصاد يهتم بتلك القوانني املتعلقة إبنتاج وتوزيع الوسائل املستخدمة يف إشباع حاجات
ورغبات األفراد الالزمة ملعيشتهم ،أي انه يدرس القوانني اليت حتكم عمل اإلنسان يف سبيل إنتاج
الثروة ،وكيفية توزيعها على خمتلف استخداماهتا املتنوعة.
ربومبار :يقول ان علم االقتصاد هو علم يدرس تسيري املوارد النادرة وأشكال حتويل هذه املوارد،
وهو علم يبني السبل اليت يتبعها األفراد واجملتمعات ملواجهة احلاجات العديدة ،واليت ال حصر هلا
ابستعماهلم وسائل حمدودة.
ميلتون فريدمان :عرف علم االقتصاد على انه العلم الذي يبحث يف الطرق اليت متكن اجملتمع من
حل مشاكله االقتصادية ،1وعليه فان مجيع املسائل والقضااي االقتصادية تعترب من صميم
اهتمامات علم االقتصاد ،الذي يبحث يف ماهية وأسباب املشكلة االقتصادية على خمتلف
مستوايهتا ،وكيفية معاجلتها.
بول سامويلسون :يهتم علم االقتصاد بدراسة كيفية اختيار األفراد واجملتمع واستخدام املوارد يف
إنتاج خمتلف البضائع عرب الزمن ،ومن مث توزيعها على االستهالك احلايل واملستقبلي وبني خمتلف
األفراد واجلماعات يف اجملتمع ،2فهذا التعريف يثري إشكاليات مهمة أمام علم االقتصاد واليت
جيب معاجلتها وتتمثل يف:
-كيفية توفري واختيار املوارد الضرورية لعمليات اإلنتاج.
-الطريقة املثلى املتبعة يف استخدام تلك املوارد من أجل إنتاج وسائل تلبية احلاجات
والرغبات.
-طريقة التوزيع األمثل للموارد على خمتلف االستخدامات احلالية واملستقبلية ،أي انه يبحث
يف كيفية توزيع املوارد بني الفرتات الزمنية.
-التوزيع العادل للثورة بني خمتلف األفراد واجلماعات.
-1السيد حممد امحد السرييت ،أسس علم االقتصاد ،دار التعليم اجلامعي للطباعة والنشر والتوزيع ،اإلسكندرية ،2014 ،ص.18
-2متوكل بن عباس حممد مهلهل ،مبادئ االقتصاد -مدخل عام ،دار املريخ للنشر ،اململكة العربية السعودية ،2009 ،ص.20
14
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
عرف علم االقتصاد على أنه علم من العلوم االجتماعية ،الذي يهتم بدراسة مشكلة إدارة
واستعمال املوارد النادرة أو احملدودة نسبيا ،بشكل يسمح ابحلصول على اقصى إشباع حلاجات
اجملتمع الالمتناهية ،أي ان املوضوع األساسي لعلم االقتصاد يتمحور حول إشكالية إجياد الطريقة
املناسبة والفعالة اليت متكن من حتقيق اكرب إشباع ممكن يف حدود املوارد املتاحة ،كما أنه يعترب
علم من العلوم االجتماعية كونه يهتم بدراسة احد جوانب سلوك اإلنسان.
عرف االقتصاد على انه حاصل جمموعة النشاطات اليت يقوم هبا اإلنسان ،واليت من شاهنا
إشباع حاجاته ورغباته ورفع مستوى معيشته ،وأمام تزايد احلاجات وندرة املوارد يسعى علم
االقتصاد للوصول إىل املستوى األمثل يف اإلنتاج السلعي واخلدمي وتوزيعه ابلطريقة املثلى على
خمتلف االحتياجات والرغبات.
هو ذلك الفرع من العلوم االجتماعية الذي حياول دراسة السلوك اإلنساين ،من حيث حماولة
توزيع املوارد النادرة ذات االستعماالت املختلفة ،وكونه من العلوم االجتماعية فانه يركز
دراساته على الظواهر اإلنسانية املتجسدة يف خمتلف العالقات والسلوكات اليت تتحدد يف
اطار األنشطة االقتصادية من اإلنتاج إىل التوزيع والتبادل واالستهالك.
علم االقتصاد هو أحد العلوم االجتماعية أو اإلنسانية الذي خيتص بدراسة كيفية توظيف
املوارد االقتصادية أو عناصر اإلنتاج (العمل ،راس املال ،املوارد الطبيعية) إلنتاج السلع
واخلدمات اليت تشبع حاجات أفراد اجملتمع املتعددة.3
التعريف عند االشرتاكيني :
يركز االشرتاكيني يف نظرهتم لعلم االقتصاد على اجلوانب االجتماعية هلذا العلم ،القائمة على العدالة
وتنظيم العالقات االجتماعية اليت تنتج عن عمليات إنتاج السلع وإشباع احلاجات ،وهذا بناء على
تفسريهم للنشاط االقتصادي على انه حمصلة تفاعل األفراد فيما بينهم وبني الطبيعة واليت تنتج نوعني
-3بسام حجار ،علم االقتصاد والتحليل االقتصادي ،دار املنهل اللبناين ،بيوت ،2010 ،ص05
15
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
من العالقات ،عالقة اإلنسان ابإلنسان يف اإلطار اإلنتاجي وعالقة اإلنسان ابلطبيعة ،ومن ابرز
التعاريف يف هذا اإلطار جند:
تعريف كارل ماركس :ينظر إليه على انه العلم الذي يهتم بدراسة النشاط االقتصادي ضمن
تدخل األفراد يف عالقات اجتماعية ،واليت تربطهم مبيدان اإلنتاج والتوزيع واالستهالك .أي انه
يركز على العالقات اليت تنتج عن ممارسة األنشطة االقتصادية األساسية واملتمثلة يف اإلنتاج
والتوزيع واالستهالك.
لنني :يعرفه على انه علم ال يهتم ابإلنتاج بل بعالقات األفراد االجتماعية والناجتة عن اإلنتاج،
أي داخل الكيان االجتماعي لإلنتاج ،فهو علم التطور التارخيي لكيان اإلنتاج االجتماعي،
مبعىن انه يدرس القوانني اليت حتكم اإلنتاج وتوزيع اخلريات املادية على أفراد اجملتمع وذلك يف
خمتلف مراحل تطور اإلنتاج.
من خالل ما سبق ميكن تعريف علم االقتصاد على انه ذلك العلم الذي يدرس النشاط االقتصادي
لإلنسان وخمتلف العالقات والظواهر اليت تنتج عنه ،سواء بني اإلنسان واإلنسان أو بني اإلنسان
والطبيعة ،وكذا العالقات الناشئة بني خمتلف متغريات وعناصر النشاط االقتصادي ،فهو ذلك الفرع
من العلوم االجتماعية الذي يهتم بدراسة الظواهر والسلوكات االقتصادية املختلفة
االقتصاد كعلم:
حىت ميكن لنا القول عن أي جمال معريف مهما كان انه علم ،جيب ان تتوفر فيه جمموعة من اخلصائص
والشروط واليت متيزه عن ابقي جماالت املعرفة اإلنسانية ،ومن بني هذه الشروط واخلصائص ما يلي:
16
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
ولكون ان خمتلف الدراسات يف جمال االقتصاد ختتص بدراسة السلوك االقتصادي لإلنسان سواء كان
كفرد أو كجماعة أو كمجتمع ،كما أهنا تعتمد على املنهج العلمي ،إضافة إىل ان تلك الدراسات
تعتمد على خمرجات العلوم األخرى كالرايضيات ،علم النفس ،علم االجتماعي ،واإلحصاء ،وسنعمل
من خالل هذا الفصل على حبث هذه النقاط من اجل توضيح خصائص وأبعاد علم االقتصاد.
تسعى العلوم بشكل عام إىل حتقيق ثالث أهداف أساسية ،مرتبطة بتلبية حاجات اإلنسان للمعرفة
وتطلعه لفهم وتفسري قضااي املستقبل وما ميكن ان يواجهه ،وكيفية مواجهة ذلك املستقبل مبا حيمله
من خماطر وهتديدات ،وهلذا أتت العلوم من اجل حل أو اإلجابة عن هذه التساؤالت واملخاوف اليت
تواجه اإلنسان بشكل يومي.
فتعمل العلوم على حتليل وفهم القضااي واملشكالت اليت تواجه اإلنسان يف حياته أو تلك اليت تدور
يف خميلته ،وهذا يقوده إىل معرفة سلوك تلك الظواهر والقضااي املستقبلية ،ومن مث امتالك القدرة على
معاجلتها أو جتنبها ،وبناء على ذلك فان علم االقتصاد شأنه شأن ابقي العلوم يهدف إىل حتقيق
ثالث غاايت أساسية وهي:
فهم وتفسري الظواهر والقضااي االقتصادية وحتليلها وفق منهج علمي صحيح ودقيق.
التنبؤ بسلوك الظواهر واملتغريات االقتصادية املستقبلي ،سواء على املستوى الكلي أو اجلزئي،
فهدف علم االقتصاد كغريه من العلوم هو حماولة معرفة الواقع والظروف االقتصادية يف
املستقبل ،بناء على طرق ومناذج معينة متكنه من التنبؤ مبا ستكون عليه حالة تلك املتغريات
مستقبال ،وذلك من خالل معرفة اجتاه ومعدل تطور ومنو تلك الظواهر وحتليل الظروف
احمليطة هبا والعوامل املؤثرة فيها ،ومن بني األساليب املستخدمة يف ذلك جند مثال حتليل
السالسل الزمنية ،حتليل االحندار ،معامالت االرتباط وغريها.
17
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
ضبط والتحكم يف الظواهر االقتصادية املختلفة ،أي تغيري معدل واجتاه منو الظواهر أو القضاء
عليها ومنعها من الظهور اذا كانت يف غري صاحل اإلنسان كاألزمات االقتصادية ،أو
تشجيعها وتنميتها اذا كانت ظاهرة إجيابية كالنمو االقتصادي ،ويتم الضبط والتحكم يف
الظواهر االقتصادية من خالل التحكم يف العوامل املؤثرة يف الظاهرة ،فمثال اذا اردان ختفيض
معدل التضخم جيب التأثري يف احد العوامل املؤثرة فيه كاألجور أو الطلب وغريها.
فاألمم على اختالف أنواعها تواجه مشاكل وحتدايت متعددة ذات صبغة اقتصادية ،اذا فانه من
األمهية مبكان التعرف على طبيعة هذه املشاكل وتقييمها والعمل على معاجلتها ،ومن أبرز تلك
املشاكل نذكر البطالة والتضخم والركود االقتصادي والفقر والتخلف وغريها من املشاكل واألزمات
االقتصادية اليت عانت ومازالت تعاين منها البشرية ،ولقد اهتم املفكرون والباحثني يف جمال االقتصاد
هبذه القضااي ،وحاولوا معاجلتها وإجياد هلا احللول املناسبة كما سعوا إىل فهم وتفسري السلوك
االقتصادي لإلنسان .ومن هذا املنطلق ميكن اعتبار جوهر اهتمام علم االقتصاد هو حماولة إجياد
حلول مناسبة هلذه املشاكل ،والسعي لتجنب الوقوع فيها ،وعليه تظهر جماالت وجوانب دراسته
للظواهر على النحو االيت:
فهم وتفسري السلوك االقتصادي والتنبؤ به ،أي ذلك السلوك اخلاص بسعيه لتلبية حاجاته
البحث يف سبل التنمية االقتصادية وعوامل حتقيقها وطرق حتسني مستوايت املعيشة
للمجتمع.
التعرف على العالقات السببية القائمة بني خمتلف الظواهر وتفسريها.
18
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
وعموما يسعى علم االقتصاد إىل دراسة السلوك االقتصادي مبا يتضمنه من ظواهر جزئية وكلية
ومشكالت كما هي يف الواقع وكما ينبغي ان تكون عليه ،والذي يرتبط بدراسة الكفاءة االقتصادية
يف استغالل وتوزيع املوارد االقتصادية النادرة بشكل عقالين ،دراسة النمو االقتصادي أي الزايدة يف
كمية اإلنتاج املبين على تطوير القدرات اإلنتاجية ،االستقرار االقتصادي أي ثبات األسعار واحلد من
ارتفاعها بشكل غري طبيعي ،كما يدرس العدالة يف توزيع الدخل سواء كان قبل اإلنتاج أو بعده ،مبا
يضمن حتقيق العدالة وجيعله حمفزا على النشاط وبذل جهد اكثر.
على اعتبار ان املعارف يف جمال االقتصادي متثل علم قائم بذاته ،فيتطلب ذلك استخدام مناهج
البحث العلمي ،اليت متكن الباحثني من دارسة وتفسري الظواهر والقضااي املختلفة دراسة علمية دقيقة،
منتجا معارف وأحكام اثبتة وموضوعية.
حيث يعتمد علم االقتصاد بشكل أساسي على طريقني أو منهجني يف التحليل ودراسة القضااي
والظواهر االقتصادية املختلفة ،ومها املنهج االستنباطي واملنهج االستقرائي.
املنهج االستنباطي :ويهتم بتلك العمليات اليت تتجه إىل تفسري واقع معني انطالقا من أفكار
وقواعد عامة ،أي هو ذلك النوع من التفكري الذي يتخذ حركة انزلة ،ينطلق من العام ويتجه إىل
اخلاص وهذا ابالعتماد على فرضيات ومقدمات يسلم بصحتها ليستخرج منها قوانني وأحكام
ختص حاالت معينة ،إذ تشكل هذه الفرضيات منطلقات عامة ال تناقش يف مدى اتصاهلا
ابلواقع ،أما األحكام الصادرة فهي مستخرجات اثنوية ختضع للمنطق البشري ،كأن يتم دراسة
أزمة اقتصادية ما خالل فرتة زمنية ابالستناد إىل قانون العرض والطلب ،حيث ينطلق هنا
الباحث من هذا القانون ليحاول تفسري واقع الظاهرة املدروسة.
املنهج االستقرائي :ويهتم بتلك العمليات اليت تتجه حنو تعميم أحكام وتصورات ،بناء على
دراسة جزئية حمددة من حيث الزمان واملكان ،أي البحث عن القواعد والقوانني العامة اليت تندرج
19
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
ضمنها الظواهر املدروسة .فهو بذلك ينطلق من احلقائق الواقعية واليت يتم احلصول عليها
ابالعتماد على مشاهدة أكرب قدر ممكن من الوقائع.
تكمن أمهية التحليل االقتصادي يف إجياد األدوات والوسائل البحثية العلمية اليت متكن من فهم العالقة
بني الظواهر االقتصادية ،وهناك نوعان من التحليل االقتصادي حتليل على املستوى اجلزئي أي حتليل
الوحدات االقتصادية بشكل انفرادي ،وحتليل اقتصادي كلي أو جتميعي ،أي حتليل الظواهر
والسلوكات االقتصادية بشكل عام وكلي ،كما ميكن التمييز بني األدوات اليت يعتمد عليها علم
4
االقتصاد يف التحليل حبسب عدة معايري وهي:
-حسب معيار الشمول :منيز بني أدوات التحليل اجلزئي وأدوات التحليل الكلي
-حسب معيار الزمن :ومنيز بني أدوات التحليل الساكن ،وأدوات التحليل املقارن ،وأدوات التحليل
الديناميكي أي حسب الفرتات الزمنية.
-معيار الصياغة :ومنيز بني أدوات التحليل الوصفي وأدوات التحليل الرايضي وأدوات التحليل
القياسي.
والدراسات والبحوث يف جمال العلوم االقتصادية تتبع ثالث طرق وهي:
االقتصاد الوصفي :ويهتم بدراسة وحتليل أبعاد وخصائص الظاهرة وظروف نشأهتا وتواجدها.
االقتصاد النظري :والذي يهتم بتحليل وتفسري الظواهر والعالقات االقتصادية ،فهما نظراي
جمردا عن الواقع وبغض النظر عن املنافع واملزااي ترتبط بتلك النظرايت واألحكام املتوصل
إليها.
االقتصاد التطبيقي :ويهتم بتطبيق النظرايت والقوانني العامة اليت تفسر ظاهرة أو حتل إشكالية
-4بسام حجار ،علم االقتصاد والتحليل االقتصادي ،دار املنهل اللبناين ،بيوت ،2010 ،ص05
20
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
رابعا :موضوع علم االقتصاد
يهتم علم االقتصاد بدراسة السلوك االقتصادي لألفراد واجملتمعات واملؤسسات ،أي دراسة سلوك
اإلنسان يف سعيه لتلبية حاجاته ورغباته انطالقا من املوارد احملدودة والنادرة ،واليت حتتاج إىل تدبر
وجهد من اجل توفريها واستغالهلا يف تلبية احلاجات والرغبات ،وألجل ذلك يضطر اإلنسان إىل
ممارسة جمموعة من األنشطة كاإلنتاج واالستهالك والتبادل واالدخار والتوزيع.
فعلم االقتصاد خيتص بدراسة املشكالت اليت تواجه اإلنسان أثناء سعيه لتلبية حاجاته ورغباته املتعددة
انطالقا من املوارد احملدودة ،وما ينتج عن ذلك من ظواهر وعالقات ،واليت ميكن تلخصيها يف
اجلوانب اآلتية:
-البحث يف نوع وطبيعة السلع واخلدمات اليت جيب إنتاجها :حيث يبحث علم االقتصاد يف نوع
السلع واخلدمات اليت تساهم يف سد حاجات األفراد واجملتمع ،بناء على فكرة ختصيص املوارد ومدى
حتقيق اكرب إشباع ممكن ،وهذا األمر يعترب من صلب اهتمامات علماء االقتصاد ومن اإلشكاالت
اليت أاثرت اختالفات كبرية وخاصة بني انصار الرأمسالية واالشرتاكية ،حيث حيدد كل منهم طريقة
مثلى يف معاجلة هذه اإلشكالية من وجهة نظر معينة.
-طريقة وكيفية إنتاج السلع واخلدمات :حيث تعترب طريقة اإلنتاج يف غاية األمهية ومن بني
االهتمامات األساسية لعلم االقتصاد ،الذي يبحث من خالهلا نوعية وكمية املوارد الواجب
استخدامها وطريقة معاجلتها للحصول على افضل املخرجات.
-كيفية توزيع اإلنتاج على األفراد :وتعترب من املسائل املهمة يف جمال االقتصاد ،لكوهنا ترتبط بقضية
العدالة يف توزيع الدخل والتنمية ،سواء ابلنسبة للمناطق أو القطاعات أو أفراد اجملتمع ،وعلى هذا
األساس فقد شغلت هذه املسألة ابل املفكرين االقتصاديني كثريا وأاثرت بينهم الكثري من اخلالفات.
-توزيع وختصيص املوارد على احلاجات والرغبات :وهي األخرى تعترب من اهتمامات علم االقتصاد،
حيث يبحث من خالهلا معايري التوزيع األمثل للموارد مبا حيقق اكرب إشباع ممكن وحيافظ على املوارد
21
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
االقتصادية ،حيث تطرح مسألة التوزيع بني احلاجات والرغبات الضرورية وغري وضرورية ،بني
القطاعات املختلفة ،وبني األجيال احلالية واملستقبلية.
-الكفاءة يف استخدام املوارد :حيث يبحث علم االقتصاد يف مسألة كفاءة استخدام املوارد ،واليت
متكن اإلنسان من حتقيق االستخدام األمثل للموارد االقتصادية ،أي البحث عن الطريقة الصحيحة
الستعمال املوارد املختلفة واليت تضمن حتقيق افضل املخرجات.
-طرق تنمية وتطوير القدرات اإلنتاجية للمجتمع واملؤسسات :ان علم االقتصاد مبختلف فروعه
يبحث عن مسألة تنمية وتوسيع الطاقة اإلنتاجية للمجتمع ،سواء من خالل بناء وحدات إنتاجية
جديدة وفق عمليات االستثمار ،أو من خالل توظيف التقنية العالية يف عملية اإلنتاج أي التطور
التكنولوجي ،أو من خالل تنمية قدرات ومهارات األفراد.
يتمثل موضوع علم االقتصاد يف دراسة كل ما يتعلق ابلنشاط االقتصادي لإلنسان ،والذي يتكون من
اإلنتاج والتوزيع واالستهالك ،أثناء ممارسة الفرد للنشاط االقتصادي تظهر نوعني من العالقات:
عالقة اإلنسان ابلطبيعة ،وعالقة اإلنسان ابإلنسان ،وبناء على ذلك فان هذا العلم خيتص بدراسة
سلوك اإلنسان كعالقة بني األهداف والوسائل النادرة ذات االستعماالت املختلفة.
كما ان علم االقتصاد يتناول القضااي والظواهر االقتصادية اجلزئية والكلية ،إذ ان موضوعه يتمحور
حول كل ما يتعلق ابلنشاط االقتصادي لإلنسان كاإلنتاج والتوزيع واالستهالك والتبادل التجاري بني
األفراد وبني الدول ،وعلى هذا األساس ميكن النظر إىل علم االقتصاد من عدة زوااي طبقا
للموضوعات اليت يعاجلها :كعلم الثروة الذي يتناول طريقة تكوين وتوزيع الثروة واستخدامها ،علم
الرفاهية ،علم االختيارات ،وعلم العالقات االجتماعية يف اإلطار اإلنتاجي واليت نبينها من خالل ما
يلي:
علم الثروة:
وفقا هلذا التوجه فان علم االقتصاد ميثل ذلك العلم الذي خيتص بدراسة طريقة تكوين وتوزيع
واستهالك الثروات ،اليت متثل غاية النشاط االقتصادي لإلنسان اهلادف إىل تقدمي منافع ،ولقد
22
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
اختلف االقتصاديني يف تعريفهم ملفهوم الثروة ،فمنهم من كان حيصر مفهومها يف إنتاج الوسائل املادية
فقط ،ومنهم من كان يوسع مفهومها ليشمل كل األشياء اليت متكن اإلنسان من إشباع حاجاته
ورغباته سواء كانت مادية أو غري مادية ،كما عرفت أيضا على أهنا :أي شيء له قيمة وقابل للمبادلة
بنقود أو بسلع .5وقد ساد هذا املفهوم لعلم االقتصاد خالل النصف الثاين من القرن الثامن عشر،
ويف هذا اإلطار كان اهتمام علماء االقتصاد منصب حول البحث عن الوسائل اليت متكن من جتميع
الثروة وتنميتها واحملافظة عليها ،ابعتبارها وسيلة إلشباع احلاجات والرغبات ،حيث تتميز هذه األخرية
خبصائص ميكن تلخيصها فيما يلي:
-القابلية للتداول :أي قابلة لالنتقال بني األفراد واجلماعات واجملتمعات البشرية ،وهذا ما ميكن
حتقيقه من خالل النشاط االقتصادي املتمثل يف التبادل التجاري ،الذي يظهر على عدة مستوايت،
فنالحظ عمليات املبادلة اليت تتم بني األفراد وبني املؤسسات وبني اجملتمعات.
-احملدودية أو الندرة النسبية مقارنة ابلطلب عليها :فمن خصائص الثروة أهنا اندرة ابلنسبة للطلب
عليها ،وبذلك ال ميكن اعتبار أي شيء على انه ثروة إال إذا كان حمدود الكمية أو اندر ابلنسبة
للطلب عليه ،فمثال اهلواء ال يعترب ثروة ألنه متوفر ويستطيع اإلنسان أن حيصل عليه يف أي وقت
ومكان وبسهولة اتمة ،أما ابلنسبة للغذاء واللباس واملعادن على اختالف أنواعها ،فهي متواجدة يف
الطبيعة بكميات حمدودة ويف أماكن وأزمنة حمددة وأبشكال تتطلب من اإلنسان بذل جهد من اجل
االنتفاع هبا.
-تتضن قيمة أو منفعة لإلنسان :واليت تعترب الدافع األساسي لإلنسان للحصول عليها ،ويقصد هبذه
اخلاصية أن الثروة وسيلة إلشباع حاجات ورغبات األفراد واجملتمعات ،حيث ميثل مقدار هذا اإلشباع
مستوى قيمتها ومنفعتها ،وابلتايل تعترب الثروة أي شيء يساهم يف تلبية حاجات ورغبات اإلنسان
-5جميد خليل حسني ،مبادئ علم االقتصاد ،دار زهران للنشر والتوزيع ،ط ،2012 ،6ص04
23
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
سواء كانت سلع مادية أو اخلدمات ،ومن مث فإن كل األنشطة االقتصادية هتدف إىل حتقيق منفعة
لإلنسان سواء كانت حالية أو مستقبلية.6
علم املبادلة:
على أساس هذا املفهوم فان علم االقتصاد يهتم بدراسة عمليات التبادل اليت تتم بني البشر ،أي
دراسة العالقات والعمليات اليت تنشأ بني البشر سواء يف شكل أفراد أو مجاعات أو دول ،اليت متكن
اجملموعات البشرية من احلصول على ما حتتاجه من سلع وخدمات مقابل التنازل على ما لديها من
فائض عن حاجاهتا ،ويقوم هذا املفهوم على خلفية مبدا التخصص وتقسيم العمل ،الذي يفرض على
كل جمتمع التخصص يف إنتاج وبيع منتج معني ميلك احد مقوماته أو يستطيع إنتاجه بكفاءة اكرب
من غريه ،كما أن اإلنسان مهما كان فال ميكنه إنتاج كل ما حيتاجه بل عليه االستعانة مبا لدى الغري
من خالل نشاط التبادل الذي عرف تطورات عرب اتريخ البشرية .ويؤخذ على هذا االجتاه يف تعريف
علم االقتصاد قصوره يف ضم بعض املظاهر والقضااي االقتصادية كاالقتصاد العائلي واالقتصاد
اإلقطاعي ،ابإلضافة إىل ان مبدا التخصص يف حد ذاته يشوبه الكثري من الغموض والتناقض.
علم الندرة:
ويتأسس هذا املفهوم لعلم االقتصاد على خلفية االعتقاد بوجود تباين بني املوارد االقتصادية اليت تتميز
ابلندرة النسبية مقابل احلاجات والرغبات اإلنسانية املتزايدة والالمتناهية ،وعلى هذا األساس يتمحور
موضوع علم االقتصاد الذي حياول دوما معاجلة هذه اإلشكالية من زواايها املختلفة ،أي ان هذا العلم
يهتم بدراسة العالقة بني األهداف والوسائل النادرة ،وحياول حبث الطرق واألساليب الفعالة يف إدارة
هذه العالقات مهما كان مستواها ،سواء كانت على مستوى املستهلك أو املنتج أو اجملتمع.
-6رواء زكي الطويل ،حماضرات يف االقتصاد السياسي ،دار زهران للنشر والتوزيع ،األردن ،2013 ،ص. 24
24
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
علم الرفاهية:
وفقا هلذا التوجه فان االقتصاديون يركزون يف حتديدهم ملفهوم علم االقتصاد على الطرق اليت متكن
اإلنسان من حتسني ظروف معيشته ،أي دراسة طرق وأساليب تنمية الثروة وكيفية استخدامها يف
حتقيق اكرب إشباع ممكن حلاجات ورغبات اإلنسان ،من خالل إاتحة خيارات وفرص متعددة أمام
اإلنسان يف حتقيق ذلك الغرض ،حيث يركز على دراسة اجلوانب االقتصادية واالجتماعية وكيفية
حتسني املؤشرات املرتبطة هبا .وتعترب الرفاهية مقدار املتعة والسعادة اليت يشعر هبا الفرد خالل فرتة
زمنية معينة ،ومن الناحية االجتماعية تعتمد على مستوايت القناعة والرضى جلميع الناس ،فهي متثل
دالة يف املنافع احملققة لدى مجيع األشخاص داخل اجملتمع ،7أما على املستوى الفردي فهي متثل شعور
إجيايب ينتج عن اإلشباع للحاجات والرغبات من جراء استهالك جمموعة من السلع واخلدمات،8
وعليه فان رفاهية اإلنسان تتحدد مبستوى اإلشباع احملقق للحاجات والرغبات من جهة ،وعدد
احلاجات والرغبات املشبعة من جهة أخرى ،إال ان مفهوم الرفاهية أيخذ بعدين :بعد اقتصادي وآخر
اجتماعي ،حيث يرتبط األول مبفهوم الكفاءة يف استخدام املوارد وتوزيعها ،أما الثاين فيتعلق ابملساواة،
أي ان حتسني حالة فرد معني وزايدة إشباع حاجاته ال يتم إال من خالل اإلضرار ابآلخرين أي
بتخفيض اإلشباع لدى اآلخرين.9
ابلنظر إىل حمدودية وندرة املوارد االقتصادية أمام احلاجات والرغبات اإلنسانية املتعددة واملتنامية من
جهة ،وابلنظر إىل االستخدامات املتعددة للموارد من جهة أخرى ،تطرح أمام اإلنسان إشكالية حول
طريقة توزيع وختصيص تلك املوارد النادرة ذات االستخدامات املتعددة ،على احلاجات والرغبات
-7ضياء جميد املوسوي ،النظرية االقتصادية :التحليل االقتصادي اجلزئي ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1990 ،ص.382
-8أمحد حممود مندور ،مقدمة يف االقتصاد ،جامعة اإلسكندرية ،2004 ،ص84
-9ضياء جميد املوسوي ،النظرية االقتصادية :التحليل االقتصادي اجلزئي ،مرجع سبق ذكره ،ص.371
25
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
املختلفة ،حيث خيتص علم االقتصاد بدراسة هذا اجلانب أي طريقة التوزيع املثلى للموارد اليت تقتضي
إشباع حاجات معنية والتضحية أبخرى.
يدرس علم االقتصاد وفق هذا االجتاه نوعني من العالقات ،عالقة اإلنسان ابإلنسان يف اطار عمليات
اإلنتاج ،وعالقة اإلنسان ابلطبيعة أي بوسائل اإلنتاج وكيفية توظيفها ،وهنا يبىن مفهوم علم االقتصاد
على دراسة وحتليل تلك العالقات من خالل حبث طرق وأساليب تفعيلها والوصول إىل اعلى كفاءة
يف استخدام املوارد واحلصول على افضل املنتجات ،أي انه يبحث يف القوانني واألسس اليت حتكم
السلوك والعالقات االقتصادية واالجتماعية يف إطار عمليات إنتاج السلع واخلدمات.
خيتص علم االقتصاد بدراسة السلوك االقتصادي ملختلف الوحدات االقتصادية سواء كفرد أو
كجماعة ،والذي يتكون من جمموعة من النظرايت ،وبقدر تعدد تلك النظرايت تتعدد فروع علم
االقتصاد ،ومن بني تلك النظرايت ما ختتص بتفسري التجارة اخلارجية ،وأخرى اقتصادايت العمل،10
وأخرى ختتص ابملؤسسة االقتصادية ،وبعضها ختتص بعالقة النشاط االقتصادي ابلبيئة .وعلى هذا
األساس ميكن تقسيم دراسات ومعارف هذا العلم إىل فرعني أساسيني كما يلي:
وختتص بدراسة السلوك االقتصادي للوحدات االقتصادية منفردة ،ومن بني املوضوعات اليت يدرسها
هذا الفرع ما يلي:
-سلوك املستهلك :والذي يبحث من خالله الطريقة اليت يعتمدها املستهلك يف معاجلة املشكلة
االقتصادية ،أي حبث طريقة توزيع وختصيص الدخل احملدود على خمتلف احلاجات والرغبات املتعددة
-10البشري عبد الكرمي ،االقتصاد اجلزئي -دروس ومتارين ،مؤسسة النشر والتوزيع ابلشلف ،اجلزائر ،2007 ،ص.18
26
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
واملتنامية بشكل حيقق له اكرب إشباع ممكن ،كما تبحث أيضا العوامل املؤثرة يف سلوك املستهلك
واآلليات اليت ميكن االعتماد عليها يف التأثري عليه.
-سلوك املنتج :والذي يبحث من خالله الطريقة اليت يتبعها املنتج يف معاجلة املشكلة االقتصادية
اليت يواجهها ،أي حبث الطرق املتبعة يف توزيع واستخدام املوارد املختلفة املتاحة كاملوارد البشرية واملالية
واملادية ،اليت تتميز ابلندرة النسبية يف حتقيق أعلى مستوى ممكن من األهداف املسطرة ،املتجسدة
بشكل أساسي يف تعظيم الربح أو اإلنتاج.
-توازن السوق :والذي يدرس حاالت السوق والعوامل احملددة هلا ،وكيفية حتقيق التوازن أي التوازن
بني العرض والطلب والعوامل املؤثرة يف ذلك.
النظرية االقتصادية الكلية:
وخيتص هذا الفرع بدراسة املشكلة االقتصادية على مستوى اجملتمع ،أي الطريقة اليت يتبعها اجملتمع يف
استخدام وتوزيع املوارد االقتصادية احملدودة على خمتلف االحتياجات ،ومن مث فهو يدرس الظواهر
االقتصادية الكلية على املستوى الوطين ،كاالستثمار ،االدخار ،الطلب الكلي ،النمو والتنمية
االقتصادية ،األزمات االقتصادية ،والتجارة الدولية.
سادسا :عالقة علم االقتصاد َبلعلوم اْلخرى
بشكل عام ميكن النظر إىل العلم على انه جمموعة املعارف اإلنسانية املنظمة واملرتبة ،واليت ختتص
بتفسري ظواهر وقضااي معينة ،تعني اإلنسان على التفاعل والتعامل بشكل إجيايب مع تلك القضااي،
حبيث تكون تلك املعارف متكاملة وختضع للمنهج العلمي ،وهلذا جند ان العلوم ترتابط فيما بينها
وتكمل بعضها البعض ،حبيث ان كل علم أيخذ من غريه من العلوم ،كما ان بقية العلوم أتخذ منه،
وعلى هذا األساس جند ان علم االقتصاد تربطه عالقات ببقية العلوم ميكن توضيحها من خالل ما
يلي:
27
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
عالقة علم االقتصاد َبلنمذجة:
والنموذج هو متثيل مبسط للواقع ،ويعتمد علم االقتصاد كثريا على النماذج املختلفة ،من اجل تبسيط
وإعادة متثيل الواقع املعقد ملختلف القضااي والعالقات واملتغريات ،وجعلها اكثر بساطة وفهما للعقل
البشري وسهلة الدراسة والتحليل والتفسري.
وعليه ميكن اعتبار النموذج االقتصادي على انه إعادة متثيل للواقع االقتصادي والعالقات اليت تربط
ظواهره وأحداثه بشكل مبسط ،قد يكون يف شكل منحىن بياين ،جداول إحصائية ،معادالت
رايضية ،ونظرا ألمهية ودور النماذج اإلحصائية ودقتها يف التعبري عن األحكام واملعارف العلمية
املتوصل إليها ،أصبحت معظم الدراسات والبحوث االقتصادية اليوم تعتمد على هذه النماذج يف
التعبري عن نتائجها.
عالقة علم االقتصاد بعلم الرايضيات:
ابلنظر إىل الدقة واملوضوعية اليت تتمتع هبا األساليب والعالقات الرايضية يف التعبري عن املعارف
العلمية ،فقد أصبحت موضع اهتمام كافة العلوم ،بل أصبحت درجة تقدم وتطور أي علم تقاس
مبدى استخدامه للرايضيات ،وهلذا جند أن علم االقتصاد شأنه شأن ابقي العلوم أصبح يستخدم
املعادالت والنماذج الرايضية يف التعبري عن القوانني واملعارف االقتصادية املختلفة ،بل حىت استخدام
أساليب وطرق التحليل يف االستدالل والربهان على صحة القوانني واألحكام املتوصل إليها ،األمر
الذي أدى إىل ظهور فروع يف علم االقتصاد تعىن فقط بكيفية استخدام األدوات الرايضية يف التحليل
االقتصادي وهو ما يسمى ابالقتصاد التطبيقي أو القياسي ،فللرايضيات دور كبري يف زايدة درجة دقة
وموضوعية املعارف االقتصادية ،خاصة وأهنا من العلوم االجتماعية اليت تتصف بضعف الدقة ،ولكن
إدخال األساليب والنماذج الرايضية عليها جعلها اكثر دقة ،ورفع من قدرهتا على التنبؤ ابلسلوك
املستقبلي للظواهر اإلنسانية اليت طاملا اعتربت من اعقد الظواهر دراسة ،ومن مث رفع قدرهتا على
الضبط والتحكم فيها.
28
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
عالقة علم االقتصاد بعلم اإلحصاء:
يرتبط علم االقتصاد ارتباطا وثيقا بعلم اإلحصاء ،وذلك ان حتديد ودراسة الظواهر االقتصادية يرتكز
على بياانت وإحصائيات تتعلق بواقع تلك الظواهر املدروسة ،وهذا ما يتطلب أدوات وأساليب
إحصائية جلمعها وتبويبها وحتليلها ،كاستخدام املنوال واملتوسطات احلسابية وغريها ،وعلم اإلحصاء
اصبح شائع االستخدام يف وسط العلوم االجتماعية وحىت الطبيعية كالطب ،وذلك كونه خيتص
بدراسة أساليب مجع البياانت ومعاجلتها وحتويلها إىل معلومات دقيقة قابلة لالستخدام ،وهنا تكمن
أمهيته يف كونه ميد ابقي العلوم ابألساليب والطرق واألدوات اليت تساعد على مجع البياانت وحتليلها
بطرق رايضية لتصبح اكثر دقة وموضوعية وواقعية.
عالقة علم االقتصاد بعلم االجتماع:
يعترب علم االقتصاد فرع من فروع العلوم االجتماعية ،الختصاصه بدراسة السلوك االقتصادي لإلنسان
الساعي إىل تلبية حاجاته ورغباته انطالقا من املوارد االقتصادية املتاحة ،وعليه فان دراساته وحدوده
تتداخل مع علم االجتماع ابلنظر إىل أن كل منهما يدرس الظاهرة اإلنسانية ولكن من زوااي وجوانب
خمتلفة ،حيث ان علم االجتماع خيتص بدراسة الظواهر االجتماعية يف حركتها الكلية يف الواقع وما
متتاز به من خصائص نوعية وواقعية ،11أما علم االقتصاد فيختص بدراسة احد جوانبها ،واملتمثلة يف
اجلانب االقتصادي ،ومن مث فان العالقة بني الظواهر االقتصادية اليت خيتص علم االقتصاد بدراستها
والظواهر االجتماعية اليت خيتص علم االجتماع بدراستها هي عالقة الكل ابجلزء ،وهلذا جند تشابه إىل
حد بعيد بني الظاهرتني ،ومن مث فان آليات ومناهج وأساليب دراستهما تتشابه إىل حد ما ،كما ان
القوانني واألحكام والقواعد اليت تفسر الكل ميكن ان تنطبق على اجلزء يف بعض األحيان والعكس
أيضا ،وهلذا جند ان علم االقتصاد يعتمد كثريا على القوانني واملعارف العلمية املعتمدة يف علم
االجتماع من اجل تفسري بعض الظواهر واالستدالل هبا ،كتفسري سلوك املستهلك والسلوك التنظيمي
وغريها ،كما أن علم االجتماع يستند إىل الدراسات والقوانني املتوصل إليها يف علم االقتصاد من
-11معمر داود ،مدخل إىل علم االجتماع ،دار طليطلة ،اجلزائر ،الطبعة األوىل ،2010ص.49
29
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
جهة أخرى ،يف تفسري بعض الظواهر االجتماعية اليت غالبا ما تتأثر بدوافع وحمفزات اقتصادية
كظاهرة اإلجرام مثال ،أو االحتجاجات االجتماعية وغريها .وعلى هذا جند ان هناك عالقة تكامل
بني العلمني ابلنظر إىل تداخل الظواهر املدروسة وتشابكها من عدة أوجه.
عالقة علم االقتصاد بعلم القانون:
يهدف القانون مبختلف قواعده وتشريعاته إىل تنظيم األنشطة والسلوكات والعالقات اإلنسانية بشكل
عام ،سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية ،ومن هذا املنطلق فان الظواهر
واألنشطة االقتصادية لإلنسان كفرد أو كجماعة أو كمؤسسة أو جمتمع فإهنا تتحدد يف اطار القانون
السائد يف اجملتمع واملنظم لشؤونه العامة واخلاصة ،حيث ختضع تلك الظواهر إىل القواعد والضوابط
القانونية العامة ابعتبارها سلوك إنساين ،كتلك املندرجة يف القانون العام والقانون املدين ،كما أهنا
ختضع ألحكام القانون اخلاص مثل القانون التجاري وقانون الصفقات العمومية وقانون االستثمار
وغريها ،ومن جهة أخرى فان علم القانون ومن اجل وصوله إىل نتائج وأحكام واقعية وموضوعية قابلة
للتطبيق ،جيب أن يستند إىل تفسري موضوعي وواقعي للظواهر والسلوكات االقتصادية ،حىت ميكنه
إجياد اطار تشريعي حمكم هلا ،كسن قوانني االستثمار واملبادالت التجارية وغريها ،وهلذا يستند القانوين
على الدراسات االقتصادية والنتائج املتوصل إليها يف ذلك ،فبالنظر إىل التداخل بني الظاهرة القانونية
والظاهرة االقتصادية جند أن كل علم يعتمد على قوانني ونظرايت اآلخر يف تفسري ظواهره ،فال ميكن
لالقتصادي جتاوز االطار التشريعي والقانوين الضابط للظواهر االقتصادية عند حماولته دراستها ،وهلذا
جند الكثري من الدراسات االقتصادية تتناول اجلانب واالطار القانوين عند تفسري ودراسة الظواهر
االقتصادية ،كدراسة االستثمار يف بلد ما والتجارة الدولية ،كما ان الدراسات القانونية للظواهر تعتمد
على األحكام والنتائج االقتصادية من اجل دراسة أي ظاهرة ذات معامل اقتصادية ،فمن خالل ما
سبق يتضح جليا الرتابط الوثيق بني علم القانون وعلم االقتصاد ،فالقانون ينظم العالقات االقتصادية
بني األفراد واجلماعات والدول ،كما أن املشرع يراعي اجلوانب االقتصادية من أهداف وآاثر اليت تنتج
من جراء تطبيق هذا القانون.
30
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
عالقة علم االقتصاد بعلم السياسة:
يف حقيقة األمر من الصعب فصل االقتصاد عن السياسة ،أوال لكون كالمها من العلوم االجتماعية
واإلنسانية اليت تدرس سلوك اإلنسان ،والثاين يعود للتداخل بني الظواهر واألدوات واألهداف ،فكثري
ما تستخدم األدوات االقتصادية لتحقيق أهداف سياسية ،كما انه تستخدم األدوات السياسية
لتحقيق أهداف اقتصادية ،وهلذا يعترب علم السياسة من أكثر العلوم ارتباطا بعلم االقتصاد ،إىل احلد
الذي انشأ فرع اقتصادي حتت مسمى االقتصاد السياسي ،والواقع يشهد على التداخل بني اجملالني،
كأنشطة وممارسات وكعلم ،فعلى املستوى الدويل مثال جند الصراع القائم بني الدول هي صراعات يف
معظمها اقتصادية وتستخدم األدوات السياسية ،كما هو احلال يف مسألة تنظيم احلياة الدولية وإقامة
التكتالت االقتصادية ومناطق التجارة احلرة ومسألة االستثمار األجنيب وغريها ،وعلى املستوى الوطين
جند كثريا ما تستخدم األدوات االقتصادية يف احلمالت االنتخابية كوعود التشغيل وحتسني مستوايت
املعيشة وغريها ،وعلى هذا األساس نالحظ تداخل كبري بني السياسة واالقتصاد إىل احلد يصعب معه
يف بعض األحيان الفصل والتمييز بينهما ،وعليه فان الدراسات االقتصادية يستحيل ان تتم مبعزل عن
املعطيات واألحداث السياسية ،كما ان الدراسات السياسية يستحيل ان تتم بدون مراعات
االعتبارات االقتصادية يف أي مشروع سياسي كان ،وذلك نتيجة للرتابط والتداخل الكبري بني الظاهرة
السياسية والظاهرة االقتصادية ،كما هو احلال ابلنسبة لالستقرار السياسي واملستوى املعيشي لألفراد،
واالستثمار.
عالقة علم االقتصاد بعلم النفس:
يبحث علم االقتصاد يف سلوكات األفراد اخلاصة بتلبية حاجاهتم ورغباهتم انطالقا من املوارد
االقتصادية ،إال ان هذا السلوك على مستوى األفراد خيضع لعدة اعتبارات وعوامل داخلية جيعله من
اعقد الظواهر ،فمن هذه الناحية يشرتك مع علم النفس يف دراسة هذه الظاهرة حبكم ان علم النفس
خيتص بدراسة مكوانت الشخصية لألفراد ،واثرها على السلوك وما يصدر عنه من أفعال ونشاط
31
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
عقلي ،كاإلدراك والتذكر والتخيل والتفكري والتعلم واالبتكار ،12وعليه فان سلوك األفراد مبا فيه
االقتصادي انتج عن عوامل ودوافع تتنوع بني النفسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية ،ومن هذا
املنطق يعمل االقتصادي على دراسة الظواهر وتفسريها يف ضوء املبادئ والقواعد العامة اليت حتكم
الظواهر النفسية بشكل عام ،كما ان عامل النفس يستند على األحكام والقوانني االقتصادية يف تفسري
معظم الظواهر النفسية املدروسة ،ومن هذا تظهر عالقة االعتمادية والتداخل بني الدراسات النفسية
واالقتصادية ،بشكل جيعل كل من علم النفس وعلم االقتصاد أيخذ كل منهما من اآلخر ،وجند هذا
التقاطع يظهر جليا يف الفروع اليت تكونت كمجال مشرتك بينهما مثل :علم النفس الصناعي ،علم
النفس التنظيمي ،علم النفس التجاري.
عالقة علم االقتصاد بعلم التاريخ:
يعتمد علم االقتصاد كثريا يف دراسته وحتليله للواقع االقتصادي على الدراسات التارخيية اليت ختص
تطور الظواهر االقتصادية عرب التاريخ ،وهلذا جاء اتريخ الوقائع االقتصادية من اجل هذا الغرض ،على
أساس ان الفهم احلقيقي والكامل والدقيق للظواهر ال ميكن ان يكتمل إال من خالل دراسة الظاهرة
يف سياقها التارخيي ،كما أن علم التاريخ هو نفسه عندما يدرس البشرية أو أمم معينة يلجأ إىل علم
االقتصاد مبا حيتويه من نظرايت وقوانني من اجل فهم السلوكات والظواهر اليت ميزت أو طبعت فئات
بشرية أو شخصيات معينة خالل حقبة اترخيية معينة ،وهلذا جند ان علم االقتصاد أيخذ من علم
التاريخ عند دراسته وحماولة فهم الظواهر االقتصادية اليت تتطلب استقراء لتاريخ الواقع والظواهر يف
سياقها التارخيي من اجل فهم وتفسري الظواهر احلالية ،يف حني ان علم التاريخ يعتمد على علم
االقتصاد من اجل فهم كامل للطبيعة االقتصادية ألمم أو جمتمعات معينة يف فرتة اترخيية معينة يكون
بصدد دراستها.
-12عبد الرمحن الوايف ،مدخل إىل علم النفس ،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،اجلزائر ،2006 ،ص.29
32
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
عالقة علم االقتصاد بعلم املنطق:
ال ميكن ألي علم مهما كان االستغناء عن املنطق ،ألن هذا األخري يعترب معيار مهم يف احلكم على
صحة ومدى معقولية األفكار واألحكام املتوصل إليها يف اطار أي علم من العلوم ،وعليه فإن علم
االقتصاد يعتمد على علم املنطق يف كونه يزوده مبنهج البحث وطريقة التفكري ودراسة الظواهر السليمة
اليت تؤدي إىل أحكام موضوعية منطقية ،ويف نفس الوقت ميده مبعايري للحكم على مدى صحة
ومعقولية النتائج واألحكام املتوصل إليها من خالل الدراسات.
عالقة علم االقتصاد َبلدميغرافيا:
لكون ان علم االقتصاد خيتص بدراسة املواضيع والقضااي املتعلقة ابإلنسان من جانبها االقتصادي،
فهو حباجة إىل معلومات وبياانت خاصة ابلسكان من اجل دراسة وحتليل تلك الظواهر وحتديد
معدالت منوها وتطورها يف املستقبل ،كالنمو االقتصادي ،معدل التضخم ،البطالة ،والتشغيل إىل
آخره ،ولكون ان علم الدميغرافيا خيتص بدراسة وإحصاء السكان من حيث معدل النمو والنشاط
والتوزيع السكاين وغريها ،فانه يعترب مصدر هام للدراسات االقتصادية من هذا اجلانب.
هتتم اجلغرافيا بدراسة العامل وكيفية توزيعه على سطح األرض مبا حتتويه هذه األخرية من مواقع
وتضاريس وغاابت ومسطحات مائية وموارد وغريها ،وهذا ما يساعد االقتصادي يف فهم اثر تلك
العناصر على األنشطة االقتصادية ،إضافة إىل معرفة طريقة توزع وانتشار املوارد االقتصادية ،كما ميكن
من دراسة طريقة أتثر الظواهر االقتصادية ابخلصائص والعوامل اجلغرافية للعامل ،ونظرا للتداخل املوجود
بني العلمني فقد نشأ فرع جديد خيتص ابجلغرافيا االقتصادية اليت هتتم بدراسة القوى احملركة واملوارد
13
الطبيعية واالقتصادية يف بلد ما.
بناء على الدراسة التحليلية السابقة ملاهية علم االقتصاد واليت تضمنت موضوعه ومنهجه وعالقاته
مبختلف العلوم األخرى ،يتضح جليا الشروط اليت تتوفر يف هذا امليدان املعريف وتؤهله ليكون علم قائم
-13شطييب حنان ،حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد ،جامعة اجلزائر ،2018 ،3 -ص.10
33
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
ومستقل عن ابقي ميادين املعرفة ،وله موضوعه اخلاص ويستخدم مناهج البحث العلمي ،كما هو
موضح فيما يلي:
متثل جمموعة املعارف والدراسات االقتصادية قواعد اثبتة ونظرايت عامة قابلة للتطبيق.
له موضوع خاص :والذي يتمثل يف دراسة الظواهر والعالقات االقتصادية املختلفة بينها.
يستخدم احد طرق ومناهج البحث العلمي :حيث أن الدراسات االقتصادية تستعمل مثال
الطريقة االستقرائية ،وهي طريقة تعتمد على مشاهدة اكرب عدد ممكن من الوقائع ،ليتم
استخراج األحكام وتعميمها يف شكل قوانني ،كما يتم استخدام الطريقة االستنباطية اليت من
خالهلا يتم إسقاط نتائج دراسات وأحكام عامة على واقع معني ،بغرض تفسري ظاهرة أو
أحداث يف اطار زماين ومكاين معني.
له قوانني ونظرايت اثبتة وصاحلة :كقانون العرض والطلب ،حيث ان حجم الطلب على
سلعة معينة ينخفض كلما ارتفع سعرها ،إال انه ينبغي ان نذكر ان تلك القوانني تبقى رهينة
جملموعة من الفرضيات أو جمموعة من الشروط ،فقد ال تتحقق تلك القوانني اذا مل تتوفر تلك
الفرضيات أو الشروط ،وهذا ما يدعو دوما إىل االعتماد على ما يسمى فرضية بقاء العوامل
األخرى على حاهلا.
يستعمل بعضا من العلوم وتستعمله تلك العلوم كما مت توضيحه سابقا فيما خيص عالقته
عرف الفكر االقتصادي على غرار الفكر يف جماالت العلوم املختلفة تطورات وتغريات كبرية ،كان
نتيجتها بروز وسيادة جمموعة من األفكار والنظرايت املفسرة للعالقات والظواهر االقتصادية والسلوك
اإلنساين يف هذا اجملال ،حيث تشكل تلك األفكار والنظرايت فكرا اقتصاداي يتناسب ويتناغم مع
الظروف املميزة لتلك الفرتة ،وصانعة بذلك مدرسة فكرية تعرب عن انتماءات وتوجهات روادها.
34
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
فاملتتبع واملتصفح لتاريخ الفكر االقتصادي وتطوراته عرب خمتلف الفرتات الزمنية ،مييز وبشكل واضح
ان تلك األفكار والنظرايت اليت تبين الفكر االقتصادي خالل حقبة زمنية معنية ،أهنا فعال انبعة من
التوجهات واألحداث املميزة لتلك الفرتة من مجيع النواحي :االجتماعية ،الثقافية ،االقتصادية،
السياسية واإليديولوجية ،وهذا ما يوحي ان الفكر االقتصادي ما هو إال إعادة تصوير للواقع
االقتصادي السائد أو ملا ينبغي ان يكون عليه هذا الواقع.
ويعود أصل كلمة االقتصاد إىل الكلمة اليواننية eko nomisواليت تعين تدبري شؤون املنزل ،وقد
اتسع استخدامها ليشمل إدارة شؤون املدينة ،وبعد ذلك وبسبب تطور احلياة اإلنسانية أصبح علم
االقتصاد مفهوم شامل وعام ،وأصبح يطبق على مستوايت خمتلفة حىت صار يف عصران احلايل يشكل
املؤشر الرئيسي لنجاح أو فشل أي دولة ومؤسساهتا.
فقد ظهر علم االقتصاد ضمن كتاابت قدامى املفكرين والفالسفة كجزء من الفلسفة والسياسة
واألخالق ،ومل يكن فرع مستقل من فروع املعرفة ،إذ ورد يف الفكر االقتصادي اليوانين كإسهامات
أفالطون ( 427ق.م 347 -ق.م) والذي ادرج ضمن الفالسفة وقلما اعترب اقتصادي ،ولكن
النظرة املتأنية لكتابه املعروف ابجلمهورية جتعله مفكرا اقتصاداي ابمتياز ،والذي حبث فيه موضوع
املدينة الفاضلة .وقد عاجل من خالله بعض القضااي واملسائل املتعلقة ابالقتصاد مثل :توزيع اجملتمع
لثالث طبقات متمثلة يف طبقة احلكام والفالسفة وطبقة احملاربني وطبقة الصناع ،وكما بني دور النقود
يف تلك املدينة وغريها ،وحسب رايه انه جيب حترمي امللكية على طبقة احلكام واحملاربني دون طبقة
الصناع.14
إال أن أول من استعمل كلمة اقتصاد هو أرس ــطو ،حيث تناول موضوع امللكية ،وانتقد اآلراء اليت
كانت تنادي إبلغاء امللكية اخلاصة وإحالهلا بنظام امللكية اجلماعية أو الشيوعية ،ورأى ان نظام
امللكية اجلماعية يؤدي إىل منازعات بني األفراد حول توزيع اإلنتاج فيما بينهم .وكما تناول قضية الرق
وهامجها ورأى عدم عدالتها .ومن أهم املوضوعات االقتصادية اليت تناوهلا أيضا موضوع القيمة وميز
-14صالح الدين انمق ،قادة الفكر االقتصادي ،دار املعارف ،القاهرة ،1978 ،ص.09
35
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
فيها بني نوعني من القيمة ومها :قيمة االستعمال وقيمة املبادلة ،إضافة إىل موضوع نشأة النقود
ودورها يف االقتصاد.
حيث شهدت أورواب إابن القرون الوسطى نظام اإلقطاع والذي يقوم على وجود عالقات متبادلة بني
السيد والفالحني .فاألرض من الناحية النظرية اتبعة لإلمرباطور ،ولكن ملكيتها احلقيقية لألسياد
اإلقطاعيني وهم احلكام .وتزامن عهد اإلقطاع يف أوراب مع ظهور اإلسالم ،والذي احدث تغيري
جذري يف القضااي االقتصادية ،بناء على تصحيح فكري عميق ،أدى إىل تغيري النظرة املتعلقة
ابلعمل ،ملكية املوارد ،ونظام السوق .يف هذا الصدد قد جمد اإلسالم العمل وحث عليه ،وأخذ
ابمللكية الفردية وأقرها ووضع أصوهلا ،حرم الفائدة على القروض وهنى عن االحتكار وأقر املنافسة
وآلية العرض والطلب يف حتديد األسعار .ويف اطار أحكام وتوجيهات الشريعة اإلسالمية اجتهد
الكثري من املفكرين املسلمني من أمثال :الفارايب ،ابن سينا ،وابن خلدون الذين أسهموا يف طرح
ومناقشة وحتليل بعض القضااي االقتصادية .ومن أمثلتها ما طرحه ابن خلدون يف كتابه املقدمة شارحاً
املشكلة االقتصادية ،كما قام بتقسيم السلع إىل سلع ضرورية وكمالية ،وبني أن طلب على هذه السلع
إمنا يتوقف على درجة العمران والتقدم .متوصال إىل ان كثرة األفراد تؤدي إىل زايدة األرزاق وال تسبب
املشكلة كما ذهب إليه املفكرين الرأمساليني ،وذلك أن زايدة السكان تؤدي لتقسيم العمل ،وتقسيم
العمل يزيد اإلنتاج ،فيزيد الدخل ،ومن مث يزيد الطلب على السلع فتنشأ صناعات جديدة ،وحتصل
زايدة أخرى للدخل.15
وقد ظهرت إسهامات الكثري من املفكرين والكتاب يف حماوالت لتفسري وتعليل الكثري من السلوكات
والظواهر االقتصادية ،حيث كان أول من أشار إىل هذا العلم الفيلسوف االسكتلندي آدم
مسيث( )1790-1723يف كتابه الشهري 'ثروة األمم' عام ، 1776معتربا إايه العلم الذي خيتص
بدراسة الوسائل اليت ميكن لالمة بواسطتها ان تغتين ماداي) ،وذلك لكونه ّأول من عاجل الظواهر
-15يعقوب علي جانقي ،مبادئ االقتصاد -نشأة وتطور علم االقتصاد ،املرجع اإللكرتوين للمعلوماتية،
.16- 01- 2018 ،https://almerja.com/reading.php?idm=94353
36
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
االقتصادية بطرق علمية ذات مبادئ وأسس واضحة وكان ذلك يف فرتة ما قبل الثورة الصناعية ،كما
يعترب أب علم االقتصاد ألنه أول من وضع منوذج اقتصادي تبنته الدولة وطبقته وعملت به.16
وقد كثرت وتنوعت األفكار واإلسهامات يف اجملال االقتصادي ،واليت تبلورت يف شكل مدارس
اقتصادية فكرية عديدة ،ميكن الرتكيز هنا على بعض تلك املدارس اليت كان هلا دور هام يف بروز
وظهور علم االقتصاد احلديث ،واليت شكلت جذورا أساسية له ،ومن أمهها ما يلي:
فبعد اهنيار النظام اإلقطاعي خالل القرن اخلامس عشر ،أاتح الفرصة إلعادة التفكري يف تنظيم احلياة
االقتصادية وما ينتج عنها من عالقات وظواهر ،مما أدى إىل بروز تيارات فكرية يف اجملال االقتصادي،
وكان من أمهها تلك اليت جتسدت يف املدرسة التجارية والطبيعية ،فقد سادت أفكار التجاريني خالل
الفرتة من القرن اخلامس عشر إىل منتصف القرن الثامن عشر ،إذ كان يرى التجاريني أن العامل
األساسي للقوة وبسط النفوذ هو كسب اكرب قدر من الثروة ،واليت تتمثل يف املعادن النفيسة (
الذهب والفضة) ،وكون ان كمية هذه املعادن اثبتة فان املصدر الوحيد لتعظيم الثروة يكمن يف التجارة
اخلارجية ،أي من خالل زايدة الصادرات وتقليل الواردات ،وهلذا كانوا ينادون بتشجيع الصادرات
واحلد من الواردات ،الن الدولة جيب ان تكون قوية بثرواهتا ،وقد ترتب على فكرهم هذا جمموعة من
األفكار واألحكام منها :اعتبار ان ما تكسبه دولة من هذه الثروة إمنا يكون على حساب دول
أخرى ،وكانوا يرون ان الدولة هي الوحيدة القادرة على حتقيق املصلحة العامة للمجتمع على حساب
املصاحل الشخصية املتناقضة ،وهلذا جيب ان تتدخل يف فتح أسواق جديدة لتسويق اإلنتاج ومحاية
االقتصاد الوطين بكل الوسائل ،داخليا وخارجيا ،وكان امليزان التجاري من وجهة نظرهم تعبريا عن
17
مدى قوة الدولة.
-16متوكل بن عباس حممد مهلهل ،مبادئ االقتصاد -مدخل عام ،دار املريخ للنشر ،اململكة العربية السعودية ،2009 ،ص.17
17
)- (www.uobabylon.edu.iq
37
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
وبعد التناقضات واملشاكل اليت جنمت عن تطبيق الفكر التجاري ،برز الفكر الطبيعي أو كما يسمى
أيضا ابلفكر الفيزوقراطي بفرنسا ،وقد أتسس هذا املذهب على يد فرانسوا كيسناي (-1694
)1774طبيب لويس اخلامس عشر آنذاك ،ومن بني اهم أفكاره :ضرورة إصالح اجملتمع الذي كان
ال يزال يعاين من التسلط والتمييز والطبقية املقيتة ،اليت كان ميارسها أصحاب األراضي والرأمسالني
والقوى الصناعية الصاعدة ،االلتزام مبفهوم القانون الطبيعي ألن يف رأيهم هو القانون الذي كان من
الناحية اجلوهرية حيكم السلوك االقتصادي واالجتماعي ،والذي يتماشى مع حرية التجارة ،ولضمان
ذلك البد من ترك األمور تسري فيها وفقا للبواعث والقيود الطبيعية دون أي تدخل من طرف الدولة،
وقد وضع فرنسوا ما يسمى ابجلدول االقتصادي ،الذي وضح من خالله كيفية تدفق املنتجات من
الفالح إىل مالك األرض ومنهم إىل التجار وأصحاب املصانع وغريهم ،وكيف تتدفق النقود عرب
18
مسالك متعددة عائدة إىل الفالح.
املدرسة الكالسيكية:
فاألحداث والتطورات االجتماعية والثقافية والسياسية اليت سادت فرتة ظهور الثورة الصناعية ،وما
أدت إليه من زايدة تراكمات راس املال كان هلا األثر البالغ يف بروز الفكر االقتصادي الكالسيكي،
وما يقوم عليه من فرضيات وتصورات حتاول من جهة تفسري الظواهر والسلوكات االقتصادية كما هي
عليه يف الواقع ،ومن جهة أخرى تساهم يف حتسني احلالة االقتصادية للمجتمعات ونقلها إىل ما هو
افضل ،خصوصا وان تلك الفرتة تعترب فرتة انتقال وحتول نوعي وكبري ،أي ان األنظمة والنظرايت
االقتصادية السابقة مل تعد تصلح وترقى إىل طموحات الشعوب واجملتمعات ،اليت كانت تطمح إىل
زايدة الثروة ورفع معدالت النمو االقتصادي وزايدة الرفاهية االقتصادية وحتسني املستوى املعيشي
خصوصا مع تنامي الوعي لدى األفراد.
فالفكر االقتصادي الكالسيكي رغم النقائص والتناقضات اليت محلها يف طياته ،إال انه استطاع ولفرتة
من الزمن ان يفسر وينظّر وينظم احلياة االقتصادية وينجح يف تفسري الكثري من القضااي االقتصادية،
-18جون كينيث جالربيت ترمجة أمحد فؤاد بلبع ،اتريخ الفكر االقتصادي ،دار عامل املعرفة ،الكويت ،ص.61
38
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
كما ان الكثري من النظرايت والقوانني الكالسيكية ال تزال قائمة والكثري منها كان حجر األساس أو
موجه لبناء الفكر االقتصادي احلديث.
يكاد جيزم الدارس للنظرايت واجملاالت االقتصادية املختلفة ،أن دراسة وفهم الفكر االقتصادي
الكالسيكي ضرورة ملحة لفهم وتفسري القضااي واملشكالت االقتصادية على اختالف أنواعها،
وخاصة دراستها وفق متطلبات الفكر االقتصادي احلديث ،وذلك أنه يعترب يف كثري من األحيان
أساس لبناء وتطور هذا الفكر ،كما انه يعرب ويصور كيفية فهم اإلنسان للظواهر االقتصادية وتفسريها
كمرحلة من مراحل التفكري العلمي للقضااي احمليطة به ،وانطالقا من هذا جيدر بنا هنا دراسة نشأة
وظهور هذا الفكر وكيفية تصوره وتفسريه للقضااي االقتصادية املختلفة.
فقد ظهر الفكر االقتصادي الكالسيكي يف اجنليرتا هناية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر،
كنتيجة الجتهادات جمموعة من املفكرين والعلماء الذين تناولوا من خالل دراساهتم القضااي والظواهر
االقتصادية بغية تفسريها وحل املشكالت املرتبطة هبا ،ما أدى إىل تكوين اطار فكري لتلك الوقائع
والظواهر واإلحاطة مبفاهيمها ،حيث أهنا ركزت تركيزا مفرطا على اإلنسان الناجح والذي يدعى
ابلرجل االقتصادي أو العقالين.
إذ تعترب فكرة الرجل االقتصادي أساس تكوين وبناء نظرايت وأفكار املدرسة الكالسيكية ،ويشري هذا
املفهوم إىل أن اإلنسان كوحدة اقتصادية رشيد بطبعه ،أي انه دائما يسعى يف حدود دخله إىل حتقيق
اعظم إشباع ممكن حلاجاته ورغباته ،فهو يتصرف يف دخله ويقسمه بني االستهالك واالدخار كمرحلة
أولية ،مبا حيقق له اعظم عائد ممكن ،وينفق الباقي كمرحلة اثنية مبا حيقق له اعظم إشباع بعدما
يفاضل بني السلع واخلدمات املتاحة ،وعلى أساس هذه الفكرة بنيت التوجهات والتصورات اخلاصة
بتفسري وحتليل الظواهر والعالقات االقتصادية للفكر االقتصادي الكالسيكي.
39
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
ظروف وعوامل نشأة الفكر االقتصادي الكالسيكي
كما هو احلال ابلنسبة جلميع النظرايت واألفكار االقتصادية منذ ظهور أوىل بوادر التنظري للنشاطات
االقتصادية ،فان ظهور ونشأة الفكر االقتصادي الكالسيكي ولد نتيجة ملسامهات وجهود جمموعة
من املفكرين والباحثني ،كمحاولة منهم لتصوير الواقع االقتصادي مبا فيه من ظواهر وقضااي
وعالقات ،مع بذل اجلهد من اجل حتسني حياة الناس ومعاجلة خمتلف املشاكل االقتصادية اليت
تواجههم ،وبطبيعة احلال هذا الفكر مل يكن طفرة فكرية يف اتريخ األفكار االقتصادية بل انبثق وتطور
من األسس اليت وضعها الطبيعيون ،حيث تطور يف اجنليرتا نتيجة التوسع االقتصادي الذي عرفته فرتة
أواخر القرن الثامن عشر ،وخاصة ان اهلدف الرئيسي الذي اعتمدته املدرسة الكالسيكية هو تغيري
أداء النظام الليربايل ،مما ساعد على تشكيل نظرية اقتصادية متكاملة هي األوىل يف اتريخ الفكر
االقتصادي ،حبيث تعترب أول حماولة لتفسري متكامل وواضح لنظام معقد من العالقات االجتماعية
مبين على فكرة احلرية املطلقة.
فالظروف االقتصادية واالجتماعية وغريها سامهت وساعدت كثريا على ظهور هذا الفكر ،ودفع رواده
إىل تبين أفكارا وتوجهات هي اليت رمست معامل وشكلت جوهر الفكر االقتصادي الكالسيكي ،واهم
عامل ساعد يف منو وانتشار هذا الفكر هو دفاعه املطلق على النظام الليربايل وتبين أفكارا تدافع عن
الرأمسالية اليت ختدم أصحاب رؤوس األموال املؤثرين يف القرارات يف خمتلف اجملاالت ،إىل جانب ذلك
حماولته لتحسني املستوى املعيشي وزايدة رفاهية الناس ومعاجلة خمتلف املشاكل االقتصادية اليت كانت
تعاين منها اجملتمعات أان ذاك ،مثل تفشي الفقر واالستغالل الطبقي مبا ولد صراعات حادة بدأت
تظهر معاملها واليت تتمحور بشكل أساس حول الصراع بني املالك والعمال.
40
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
وقد نشأ الفكر االقتصادي الكالسيكي حتت أتثري ظروف متيزت بظهور الصناعة وتزايد
االخرتاعات ،19مما أدى إىل والدة ما يعرف ابلرأمسالية الصناعية ،اليت كانت حباجة إىل تنظري جديد
يرسم معامل العالقات بني خمتلف األنشطة والوحدات االقتصادية.
وبناء على ذلك فالفكر االقتصادي الكالسيكي هو منوذج فكري حاول تفسري وتصوير األنشطة
والعالقات االقتصادية من كافة اجلوانب ،سواء على املستوى اجلزئي أو الكلي أو على مستوى
التجارة اخلارجية ،وقد بنيت تلك األفكار على فرضيات اقل ما يقال عنها أهنا غري واقعية كفكرة
الرجل االقتصادي ،التشغيل الكامل ،والتوازن الدائم وغريها ،ولكون هذا الفكر كان انعكاسا
ألحداث وتغريات واقعية ،فقد ملسنا ان بروز عوامل وظروف معينة هي اليت سامهت يف نشأته كظهور
الثورة الصناعة ،وتنامي رؤوس األموال وحاجة أصحاهبا إىل دعائم نظرية تربر موقفهم ،إضافة إىل
الظروف غري املناسبة اليت كانت تتخبط فيها الشعوب كالفقر والتسلط.
ان بزوغ ونشوء هذا الفكر كان نتيجة إلسهامات العديد من املفكرين الذين يعتربون رواد هلذا الفكر
ومؤسسون له ،ورغم اهنم كانوا خمتلفني يف بعض األفكار كما هو احلال يف أي جمال من جماالت
العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،إال اهنم يلتقون يف بعض النقاط املشرتكة واليت تعترب منطلق األفكار
20
الكالسيكية وجوهر تكوينها ،ومن بني هذه األفكار نذكر ما يلي:
.1اعتبار الفرد يف نظر الفكر الكالسيكي الوحدة األساسية اليت ترتبط هبا كل القيم ،ومن مث
فهو وحدة التحليل األساسية للواقع االقتصادي.
.2اهتمام الفكر الكالسيكي ابلتصرفات اجلزئية الرتباطها ابملصاحل الفردية كمشكلة القيمة
واألسعار ،وذلك الن حتقيق املصاحل اجلماعية هو حمصلة لتحقيق املصاحل الفردية.
-19الطيب داودي ،مدخل لعلم االقتصاد يف الفكر الرأمسايل واالشرتاكي واإلسالمي ،مكتبة اجملتمع العريب للنشر والتوزيع ،األردن ،الطبعة األوىل
،2010ص.219
-20نفس املرجع ،ص.220
41
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
.3انطالق الفكر الكالسيكي من تصور واقع سكوين معني مع اهتمامها مبشاكل التطور وحركية
السكان وتراكم رؤوس األموال.
.4وكنتيجة لفكرة العقالنية واالرتباط املباشر بني حتقيق املصلحة اخلاصة وحتقيق املصلحة العامة
كرابطة سببية ،اعتقد الكالسيك احلرية االقتصادية لتصبح مبدأ من مبادئ هذا الفكر.
وابلتايل يتم تفويض هدف حتقيق التوازن ومعاجلة أي خلل يطرأ إىل ما يعرف ابليد اخلفية
وآليات السوق .ومن مث ال جمال لتدخل الدولة يف احلياة االقتصادية أبي شكل من األشكال،
سوى فيما يتعلق بتحقيق األمن والعدل والقيام ابألعمال واألنشطة الكربى اليت ال ميكن
للقطاع اخلاص القيام هبا.
.5اعتبار العمل مصدر كل نشاط اقتصادي ،أي ان العمل هو أساس خلق الثروة وتكوينها،
الن أساس إنتاج السلع واخلدمات اليت تعترب وسائل إلشباع احلاجات والرغبات هو العمل،
فرغم مشاركة مجيع عناصر اإلنتاج يف هذا النشاط إال ان ذلك يبقى غري جمدي من دون
العمل.
.6املصلحة الذاتية أو اليد اخلفية كمحرك للنشاط االقتصادي :يركز كثريا رواد الفكر الكالسيكي
على احلرية االقتصادية ،وعدم تدخل الدولة يف النشاط االقتصادي ،انطالقا من فكرة
االرتباط بني املصلحة الفردية واملصلحة اجلماعية ،وابلتايل تصبح املصلحة أو األهداف الفردية
هي احملرك األساسي للنشاط االقتصادي واملوجه له ،ومن مث تنتهي يف األخري إىل فكرة
الرشادة أو العقالنية ،اليت جتعل كل فرد يسعى إىل حتقيق مصاحله وأهدافه انطالقا من موارده
احملدودة ،واليت تؤدي ابلضرورة إىل حتقيق مصاحل اجلماعة وترشيد استخدام املوارد العامة.
بناء على ما سبق يظهر ان الفكر االقتصادي الكالسيكي نشأ ومنا من خالل إسهامات وجهود
جمموعة من املفكرين ،وانعكاسا إلحداث وتطورات واقعية وتصورات فكرية انطلقت أساسا من فكرة
42
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
الرشادة االقتصادية كموجه للسلوك الفردي واملصلحة الذاتية ودافع له ،والعالقة السببية بني املصلحة
الفردية واجلماعية وآلية السوق كأساس لتحقيق التوازن ومعاجلة االختالالت.
ويعترب هذا الفكر جمموعة من النظرايت واألفكار املكونة واملفسرة للظواهر االقتصادية والعالقات فيما
بينها ،واليت أسست لتكوين علم االقتصاد وفق النظرة احلديثة من حيث :املوضوع ،الطريقة ،املنهج
واألدوات ،واملبادئ العامة والقوانني اليت حتكم الظواهر االقتصادية ،كما أهنا بنيت على جمموعة من
االفرتاضات واملسلمات اليت كثريا ما اعتربها منتقدو هذا الفكر أبهنا غري واقعية .وقد متيز هذا
مبجموعة من اخلصائص ميكن إبرازها فيما يلي:
.1مبدا احلرية االقتصادية :إن اهم ركيزة وخاصية يف الفكر االقتصادي الكالسيكي ،تتمثل يف
فكرة احلرية االقتصادية الفردية وان تكون األسواق حرة مع سيادة املنافسة الكاملة ،وعدم
تدخل الدولة يف اجملرى الطبيعي لسري النشاط االقتصادي ،ويرى انصار هذا الفكر ان احلرية
عامل مهم لتكوين ثروة األمم وتفعيل األنشطة االقتصادية .وهي شرط ضروري لعمل آلية
السوق واليد اخلفية.
.2األخذ بفكرة العرض خيلق الطلب املساوي له ،أي ان العرض هو أساس حتديد مثن السلعة
وان الطلب اتبع له ،وهبذا ينعدم الفائض يف اإلنتاج ويتحقق التوازن بني العرض والطلب.
.3كما اتصف الفكر الكالسيكي يف حتليله للقضااي والظواهر االقتصادية ابعتماده على الطريقة
اجلزئية وهذا ما يظهر من خالل دراسة األسعار والسوق ،ومن انحية أخرى اعتمد رواد هذا
الفكر على الطريقة الكلية يف توزيع الدخل اإلمجايل على خمتلف الطبقات االجتماعية.
.4كما متيز رواد الفكر الكالسيكي يف تفكريهم حيال القضااي والظواهر االقتصادية ابعتمادهم
على الطريقة التجريبية االستنباطية ،حيث تظهر الطريقة التجريبية يف تصوير الواقع االجتماعي
43
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
واالستنباطية يف استنتاجهم القوانني العامة من مبدا عام ،اخلاص بفكرة الرجل االقتصادي
الذي يسعى دوما لتحقيق مصلحته اخلاصة.
.5كما متيز الفكر الكالسيكي أيضا ابعتماده فكرة التشغيل أو االستخدام التام لعناصر اإلنتاج
مبا فيها العمالة استخداما كامال وابلتايل انعدام البطالة اإلجبارية.
.6كما يتميز هذا الفكر ابعتماد فكرة ان سوق السلع والعمل تسودها املنافسة الكاملة ،ما
يدفع األطراف املتنافسة إىل السعي لتعظيم األرابح الكلية يف ظل هذه املنافسة عن طريق
ختفيض التكاليف مقارنة مع زايدة الناتج احلدي ،ومن مث السعي للتحسني املستمر.
.7املرونة الكاملة لكل من األجور النقدية وأسعار السلع سواء كان ابلنقصان أو ابلزايدة ،مما
يوفر السرعة يف معاجلة أي خلل ميكن أن يظهر يف توازن كل من سوق السلع وسوق العمل.
.8كما يتميز هذا الفكر ابعتماده على فكرة االرتباط بني املصلحة اخلاصة واملصلحة العامة،
وهي الفكرة اليت تتجسد وتتحقق من خالل قوى اليد اخلفية ،واليت على أساسها يتحقق
التوازن االقتصادي والتشغيل الكامل.
.9كما يرى الكالسيكيون أن ختفيض األجور يؤدي إىل ختفيض تكاليف اإلنتاج ،وابلتايل
ختفيض أسعار بيع السلع ،مما ينتج عنه زايدة الطلب على هذه السلع ويشجع على زايدة
اإلنتاج ومن خالله يزيد الطلب.
.10كما متيزت هذه املدرسة بتفسريها لالختالف يف الريع الذي ميثل املقابل الذي يدفع ملالك
األرض من اجل استغالهلا يف اإلنتاج ،حسب اختالف درجة خصوبة األرض وموقعها.
كما متيز رواد هذا الفكر ابعتمادهم على فكرة اليد اخلفية اليت تظهر من خالل جهاز .11
األمثان أو قوى العرض والطلب ،واليت تعمل على حتقيق التوازن يف السوق ،األمر الذي أدى
هبم إىل تبين فكرة عدم تدخل الدولة يف النشاط االقتصادي.
44
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
.12كما متيز رواد هذا الفكر بتبين فكرة تشاؤمية اجتاه تفسري العالقة بني عدد السكان والنمو
االقتصادي ،حيث يرون ان عدد السكان يتزايد وفق متوالية هندسية بينما يتزايد اإلنتاج وفق
متوالية حسابية ،وتكون النتيجة حمدودية اإلنتاج واملوارد ابلنسبة للسكان
.13كما كان ينادي أصحاب هذا الفكرة بضرورة تقسيم العمل والتخصص ألنه يرتتب عنه
زايدة يف اإلنتاج وكفاءة يف العمل.
.14وفيما خيص التجارة اخلارجية فقد اندى رواد الفكر الكالسيكي بضرورة حترير التجارة
اخلارجية وعدم فرض الرسوم اجلمركية وغري مجركية على الصادرات والواردات.
.15أما فيما خيص القيمة فريى أصحاب هذا الفكر أهنا تتحدد من جانب العرض أو من
جانب اإلنتاج أي فكرة القيمة املبنية على التكلفة ،وال ميكن ان تتحدد القيمة من جانب
الطلب أو املستهلك.
.16كانت ترى املدرسة الكالسيكية حبيادية النقود ،أي ان النقود ال تنتج أي قيمة وما هي إال
أداة لقياس القيمة
لقد اشران سابقا إىل ان ظهور ونشأة الفكر االقتصادي الكالسيكي ،كان نتيجة إلسهامات
واجتهادات جمموعة من املفكرين والعلماء ،الذين درسوا وحبثوا يف القضااي االقتصادية وعملوا على
تفسريها وحتليلها وبنوا تصورات وتوجهات معينة شكلت فكرا قائما بذاته له خصائص ومميزات معينة،
ولقد كان هناك جمموعة من هؤالء املفكرين هلم ابع كبري يف ظهور وتطور هذا الفكر كأمثال أدام
مسيث ودافيد ركاردو.
أييت أدام مسيث يف طليعة االقتصاديني الكالسيكيني من حيث التنظري والبحث يف خمتلف املشكالت
والقضااي االقتصادية املتعلقة بسعادة الفرد واجملتمع ،فقد درس يف كتابه طبيعة وأسباب ثروة األمم
45
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
مشكلة التنمية االقتصادية ،إال انه مل يقدم نظرية متكاملة يف النمو االقتصادي .وان كان االقتصاديون
21
الالحقون قد شكلوا نظرية موروثة عنه ،ومن مساهتا:
-القانون الطبيعي :اعتقد ادم مسيث إمكانية تطبيق القانون الطبيعي يف األمور االقتصادية ،ومن مث
فانه يعترب كل فرد مسؤوال عن سلوكه ،أي انه األفضل الذي حيكم على مصاحله وان هناك يد خفية
تقود كل فرد وترشده واليت تتمثل يف آلية السوق ،وهكذا كان آدم مسيث ضد تدخل الدولة يف
الصناعة والتجارة.
-تقسيم العمل :يعد نقطة البداية يف نظرية النمو االقتصادي لدى ادم مسيث ،حيث تؤدي إىل
اعظم النتائج وحسن استخدام القوى املنتجة للعمل.
-تراكم راس املال :يعترب مسيث الرتاكم الرأمسايل شرط ضروري للتنمية االقتصادية وجيب ان يسبق
تقسيم العمل.
-دوافع الرأمساليني لالستثمار :طبقا ألفكار مسيث فان تفسري االستثمار يرجع إىل توقع الرأمساليني
حول األرابح املمكن حتقيقها ،وان التوقعات املستقبلية فيما يتعلق ابألرابح تعتمد على مناخ
االستثمار السائد إضافة إىل األرابح الفعلية احملققة.
-عناصر النمو :وفقا ألدم مسيث تتمثل عناصر النمو يف كل من املنتجني واملزارعني ورجال االعمال،
ويساعد على ذلك ان حرية التجارة والعمل واملنافسة تقود هؤالء إىل توسيع أعماهلم مما يؤدي إىل رفع
وترية التنمية االقتصادية.
ان التناقضات اليت وقع فيها الكالسيك يف حتليلهم للواقع االقتصادي واليت انطلقت من نظرة
وافرتاضات خيالية ومثالية حول اإلنسان وسلوكه االقتصادي ،واليت ال متت أبي صلة ابلواقع ،يف
حماولتهم لتفسري هذا الواقع ،قد أدى هبم إىل االصطدام بعقبات ميدانية يصعب تفسريها ،األمر الذي
-21عادل امحد حشيش ،اتريخ الفكر االقتصادي ،دار النهضة العربية للنشر والتوزيع ،القاهرة.1995 ،
46
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
ولد نظرة فكرية جديدة ارتبطت بظهور ماينارد كينز ( ،)1946-1883الذي نقض أفكار ومبادئ
النظرايت الكالسيكية ،ونقل األحباث االقتصادية من االقتصاد اجلزئي إىل االقتصاد الكلي ،حيث
قوضت النظرية االقتصادية الكنزية كل مبادئ وأفكار الكالسيك ،والفكرة األساسية اليت جاءت هبا
نظرية كينز هي ربط احلجم الكلي للتوظيف ابلطلب الكلي على االستثمار واالستهالك معا ،ومعىن
ذلك أن البطالة ترتبط ابلنقص الذي يطرأ على هذا الطلب ،وطاملا أن الطلب الكلي يتعادل وحجم
التوظيف والدخل القومي ،فان معىن ذلك أن الزايدة اليت تطرأ على حجم التوظيف تؤدي إىل الزايدة
يف الدخل القومي ،وحىت تصل احلكومات إىل هدف التوظيف الكامل يف اجملتمع البد من مباشرهتا
لبعض أعمال اإلشراف والرقابة يف أوجه النشاط االقتصادي االستثماري دون أن تتحول هذه الرقابة
إىل أتميم 22،وقد بىن كينز فكره االقتصادي على جمموعة من االعتبارات واملبادئ ومن أمهها ما
23
يلي:
بىن كينز فكره ونظرايته على التفسري والتحليل الكلي والعام للمتغريات االقتصادية ،املتمثلة يف
الدخل احلقيقي والعوامل احملددة له ،وعالقاهتا ابلنشاط النقدي واثرها على مستوايت
األسعار.
مل تبحث النظرية يف العالقة بني النقود والدخل من خالل األسعار ،وإمنا العالقة بني اإلنفاق
تطلب لذاهتا كوهنا متثل أصال كامل السيولة ،وبذلك تكون النظرية االقتصادية قد اعرتفت
بتأثري النقود على التوازن الكلي وعلى حمددات الدخل.
-22صالح الدين انمق ،قادة الفكر االقتصادي ،دار املعارف ،القاهرة ،1978،ص 39
-23بسام احلجار ،علم االقتصاد والتحليل االقتصادي ،دار املنهل اللبناين ،بيوت ،الطبعة األوىل ،2010ص.10
47
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
توصل كنز إىل حقيقة ان الطلب هو الذي خيلق العرض ،وليس كما كان يفرتض قانون ساي
لألسواق ،القائل ابن كل عرض خيلق طلبا موازاي له يف القيمة ،وقد قسم كينز اإلنفاق الكلي
إىل انفاق على االستهالك وانفاق على االستثمار.
ولقد تطور الفكر االقتصادي املعاصر وتوسع ،وخاصة بعد ظهور املدرسة االقتصادية النيو
كالسيكية ،اليت أعادت إحياء وجتديد أفكار املدرسة االقتصادية الكالسيكية ولكن بثوب جديد،
حيث ظهرت العديد من اجملاالت والدراسات اليت ختتص بدراسة ظواهر أو جوانب أو قضااي بشكل
منفرد وخاص ،كتلك اليت هتتم ابلنمو والتنمية االقتصادية ،وأخرى تعىن ابلتجارة اخلارجية ،ومنها ما
يتعلق ابلعمل والتشغيل ،وبعضها خيتص ابملؤسسة واملستهلك والسوق وغريها من الدراسات
والنظرايت االقتصادية اليت ولدت عدة ختصصات وفروع يف ميدان العلوم االقتصادية ،وخاصة من
خالل امتزاج هذا العلم ببعض العلوم األخرى ،كما هو احلال ابلنسبة للرايضيات ،اإلحصاء ،علم
النفس ،علم االجتماع وغريها من العلوم ذات الصلة بعلم االقتصاد.
يعترب علم االقتصاد أحد أهم فروع العلوم االجتماعية ،لكونه يدرس سلوكات األفراد يف سعيهم لتلبية
حاجاهتا ورغباهتم انطالقا من املوارد النادرة ،أي يقوم ابألساس على دراسة ومعاجلة املشكلة
االقتصادية املوجودة مع وجود اإلنسان ذاته ،فهو يهتم بدراسة االختيارات اليت يقوم هبا الناس ،لذا
يعترب الفرد وحدة التحليل يف علم االقتصاد ،وعلى ذلك األساس تطورت النظرية االقتصادية من
االفرتاضات األساسية حول الكيفية اليت يسلكها اإلنسان كفرد يف مواجهة مشكلة الندرة من انحية،
ويف استجابته للتغريات اليت تواجهه من انحية أخرى.24
وهلذا فان هذا العلم يبحث يف كل املواضيع اليت تتعلق هبذه املشكلة ،مبختلف فروعها وأشكاهلا ،فهو
يدرس املشكلة االقتصادية على املستوى الفردي وعلى مستوى الكياانت اجلماعية كاملؤسسات،
وعلى مستوى اجملتمع والعالقات الدولية.
-24جيمس جوارتين ،ريتشاد سرتوب ،ترمجة :حممد عبد الصبور حممد علي ،دار املريخ للنشر ،اململكة العربية السعودية ،2010 ،ص.14
48
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
وهلذا فقد برزت العديد من اجملاالت والتطبيقات اخلاصة بعلم االقتصاد ،اليت تسعى يف جمملها إىل
معاجلة القضااي االقتصادية الكربى لإلنسان وما يتعلق هبا ،ومن بني اهم تطبيقات علم االقتصاد جند:
موضوع التنمية والنمو االقتصادي ،الدخل الفردي ،التوازن واالستقرار االقتصادي ،توازن ميزانية
الدولة ،توازن ميزان املدفوعات ،االقتصاد البيئي ،االقتصاد القياسي ،االقتصاد السياسي ،توازن
األسواق ،توازن املنتج واملستهلك ،معاجلة األزمات االقتصادية ،االقتصاد النقدي ،املؤسسة
االقتصادية ،إضافة إىل االقتصاد اإللكرتوين ،واقتصاد املعرفة.
25
ويعتمد علم االقتصاد على جمموعة من األدوات منها:
-تكلفة الفرصة البديلة :واليت تساعدان على فهم طريقة االختيار اليت يتبعها األشخاص عند مواجهة
عدة بدائل ،فاختيار شيء ما يعين التنازل عن أشياء أخرى ،كان من املمكن ان يقع االختيار عليها،
وابلتايل فان تكلفة الفرصة البديلة هي التضحية ابختيار ذي القيمة األعلى كنتيجة الختيار بديل ما،
وقد واعتربت ذلك العائد املضحى به نتيجة لعدم استخدام املوارد بدال من تلك اليت استخدمت يف
إنتاج سلعة أو خدمة ما ،26وخيتلف مفهومها على حسب املستوايت الذي تدرس فيها ،ابلنسبة
للمستهلك واملنتج واجملتمع ،مثل اختيار سلعة ما هي اقل منفعة من سعة أخرى ،أو شراء آلة إنتاجية
اقل جودة من آلة أخرى.
-منحىن إمكاانت اإلنتاج :يبني منحىن إمكاانت اإلنتاج اكرب كمية ميكن إنتاجها من منتجني
ابستخدام كمية اثبتة من املوارد ،أو هو املنحىن الذي يبني كل التوليفات املمكنة من اإلنتاج الذي
ميكن حتقيقه ابفرتاض ما يلي:
-25جيمس جوارتين ،ريتشاد سرتوب ،ترمجة :حممد عبد الصبور حممد علي ،دار املريخ للنشر ،اململكة العربية السعودية ،2010 ،ص.43
26
-طارق عبد الفتاح الشريعي ،مبادئ علم االقتصاد ،مؤسسة حورس الدولية للنشر والتوزيع ،اإلسكندرية ،2006 ،ص.141
49
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
اتسعا :املشكلة االقتصادية
يهتم علم االقتصاد أساسا بدراسة السلوك اإلنساين اهلادف إىل إشباع حاجاته ورغباته انطالقا من
املوارد املتاحة النادرة ،والواضح أن تلك احلاجات والرغبات متعددة ومتنامية ،فهناك العديد من
احلاجات اليت يرغب األفراد أو اجملتمعات يف تلبيتها ،فضال عن أهنا متجددة ومتطورة ابستمرار ،إذ ما
إن تشبع حاجة معينة حىت تظهر حاجة أو حاجات أخرى ،كما ان هذه احلاجات والرغبات
متداخلة أي الواحدة منها تؤدي إىل األخرى ( إشباع الواحدة ال يتحقق إال من خالل إشباع
األخرى) .كما ان اإلنسان عادة ما يواجه إشكاليات من هذا النوع:
كما ان املورد الواحد ميكن ان يكون له عدة استعماالت متفاوتة العوائد (املنافع)
إذن فان احلاجات ميكن إشباعها انطالقا من جمموعة من املوارد أي ان استخدام مورد أو عدة موارد
إلشباع احلاجة واحدة ،وابلتايل يتم املفاضلة بني تلك املوارد على حسب قدرهتا أو مستواها يف إشباع
احلاجات والرغبات (حتقيق املنافع) ،الذي ميثل أساس توزيع وختصيص املوارد على خمتلف
االحتياجات واالستخدامات.
ومن جهة أخرى أن تلك املوارد قد تكون حمدودة واندرة نسبيا ابملقارنة مع تلك االحتياجات
واالستخدامات من حيث الكمية والنوعية والزمان واملكان.
واذا كانت تلك املوارد اندرة وحمدودة ابلنسبة للحاجات ،فال بد من التفكري اجليد والعقالين يف ترشيد
استخدام تلك املوارد وتوزيعها على االحتياجات بشكل حيقق اعظم إشباع ممكن ،من ابب املفاضلة
بني احلاجات الضرورية واألساسية من جهة ،وبني مستوايت اإلشباع احملققة ،وهذا ما حياول علم
االقتصاد معاجلته ودراسته( أي ان املشكلة االقتصادية متثل صلب اهتمام علم االقتصاد يف خمتلف
مستوايهتا).
50
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
إذن املشكلة االقتصادية قائمة على أساس ندرة وحمدودية املوارد من جهة وتعدد وتنامي احلاجات
والرغبات من جهة أخرى ،واليت هي مشكلة أزلية ارتبطت بوجود اإلنسان على وجه األرض ،سواء
خالل حياته البدائية والفردية أو يف حياته اجلماعية واحلضارية ،فهي تبقى دائما مطروحة ابلنسبة للفرد
واملؤسسة واجملتمع ،وجيتهد اإلنسان بتطوره الفكري والعلمي إىل التخفيف من حدة هذه املشكلة ،أي
حماولة التقريب بني مستوى املوارد املتاحة واحلاجات املتعددة انطالقا من التوزيع واالستخدام األمثل
لتلك املوارد ،وهذا ما يلخصه الشكل التايل:
تعترب املشكلة االقتصادية ظاهرة مرتبطة بندرة املوارد االقتصادية وحمدوديتها ابلنسبة للحاجات
والرغبات اإلنسانية املتعددة واملتجددة ،إذ أهنا مشكلة مقرتنة بوجود اإلنسان على وجه األرض ،يف
أي زمن أو مكان كان فيه ،ومهما كان مستواه وطبيعته ،وعلى هذا األساس فان هذه املشكلة
تتصف ابلعمومية من حيث املكان والزمن ،فهي تواجه اإلنسان منذ ان وجد ويف مجيع األماكن،
ومهما كان مستوى تطوره وتقدمه احلضاري ،ومهما كان مستوى غناه ورفاهيته ،كما أهنا تواجه
اإلنسان كفرد ،كجماعة ،وكمجتمع ،وعلى هذا األساس فان التطور والتقدم احلضاري الذي بلغته
البشرية ومستوى الغىن الذي توصلت إليه بعض الشعوب ال ميكن ان يقضي على هذه املشكلة ،إال
انه ميكن التخفيف من حدهتا.
51
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
وقد عرفت املشكلة االقتصادية على أهنا" :عدم قدرة اجملتمع على تلبية حاجات أفراده اليت تتميّز أبهنا
غري حمدودة ومتزايدة ومتجددة ومتداخلة ،وذلك بسبب الندرة النسبية للموارد االقتصادية" ،27فهذا
التعريف للمشكلة االقتصادية يتطابق مع مفهوم الرأمسايل هلا ،الذي يفسرها على أهنا مشكلة التباين
بني احلاجات والرغبات اإلنسانية املتزايدة واملتعددة بسبب النمو السكاين من جهة ،وندرة املوارد
وحمدوديتها من جهة أخرى ،إال أن النظرة االشرتاكية ختتلف يف تفسريها للمشكلة االقتصادية ،فهي
ال ترى أهنا تكمن يف ندرة املوارد ،بل يف التوزيع غري العادل للثروة وملكية وسائل اإلنتاج ،وخاصة
فيما يتعلق بعدم التوافق بني قوى العمل وعالقات التوزيع ،حيث ترى النظرية االشرتاكية أن اجملتمع
ينقسم إىل طبقات ،ولكل طبقة مصاحلها اخلاصة اليت تتميّز هبا عن غريها من الطبقات األخرى،
فبعض الطبقات مالكة لوسائل اإلنتاج ومستهلكة لفائض القيمة ،الذي تنتجه طبقات أخرى
مضطهدة مظلومة وحمرومة من فائض القيمة الذي هي من تنتجه ،وعلى هذا األساس فان الطبقة
املالكة واملتسلطة ال تعاين من املشكلة ،بينما الطبقة املضطهدة واملتمثلة يف طبقة العمال هي اليت
تعاين من املشكلة االقتصادية بشكل حاد.
وعليه ميكن اعتبار املشكلة االقتصادية تلك الصعوبة اليت تواجه اإلنسان أثناء تلبية حاجاته ورغباته
املتعددة واملختلفة انطالقا من املوارد االقتصادية املتاحة ،واملتواجدة بشكل يتطلب بذل جهد من
طرف اإلنسان من اجل إعادة تكييفها مع متطلبات إشباع حاجاته ورغباته من حيث زمن ومكان
التواجد ونوعية وكمية تلك املوارد املتوفرة ،أي ان هذه املوارد حباجة إىل معاجلة كمية (زايدة كمية
املوارد املتاحة) ،معاجلة نوعية (تغيري طبيعة وشكل املوارد) ،معاجلة مكانية (نقل املوارد من مكان إىل
أماكن االستخدام) ،ومعاجلة زمنية (ختزين املوارد يف زمن الوفرة واالحتفاظ هبا إىل زمن الندرة).
انطالقا مما سبق يتضح أن املشكلة االقتصادية تتصف مبجموعة من اخلصائص ميكن إبرازها فيما
يلي:
27حممد عبد هللا شاهني حممد ،أصول علم االقتصاد واحلل األمثل للمشكلة االقتصادية من منظور إسالمي ،دار األكادمييون للنشر والتوزيع ،األردن،
الطبعة األوىل ،2017ص 283
52
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-تتصف املشكلة االقتصادية ابهنا عامة وشاملة :من حيث الزمن واملكان والفئات البشرية ،أي أهنا
تواجه كل األفراد واجملتمعات البشرية مهما كان مكان تواجدهم ومهما كانت انتماءاهتم االجتماعية،
فاإلنسان يواجه املشكلة االقتصادية عرب اتريخ وجوده منذ أن وجد على وجه األرض ويف مجيع
األوقات ،كما أهنا موجودة يف كل مكان جغرايف أينما تواجد اإلنسان فهو يعاين من هذه املشكلة،
كما أن خمتلف الفئات واألفراد وجمتمعات البشرية تواجه هذه املشكلة على اختالف ثقافاهتا
ومستوايهتا من التطور والتقدم.
-تتصف املشكلة االقتصادية ابهنا أزلية :أي أهنا مرتبطة بوجود اإلنسان على وجه األرض وليست
هي وليدة عصر أو فرتة اترخيية معينة ،فهي مقرتنة بتاريخ الوجود اإلنساين.
-تتصف املشكلة االقتصادية ابالستمرارية :أي هي مشكلة تواجه اإلنسان يف مجيع أوقات ومراحل
حياته ،سواء كان فرد أو مجاعة أو جمتمع ،فهي ليست وليدة ظروف اجتماعية أو اقتصادية طارئة ،أو
حالة استثنائية كما هو احلال ابلنسبة لالزمات االقتصادية ،فهي ظاهرة دائمة ومستمرة عرب حياة
اإلنسان.
-تتميز املشكلة االقتصادية ابلتنوع واالختالف :وذلك ابختالف الطبقات االجتماعية واألفراد
واجملتمعات واألماكن اجلغرافية والتطور االجتماعي والتكنولوجي لإلنسان ،حيث جند ان طبيعة
املشكلة االقتصادية خمتلفة من جمتمع إىل آخر ومن فرد إىل آخر ومن طبقة اجتماعية إىل أخرى،
وذلك ان املشكلة االقتصادية متعددة ومتنوعة ،فمثال من األفراد من يعاين من صعوبة تلبية احلاجات
الفيزيولوجية ومنهم من يعاين من صعوبة تلبية احلاجات االجتماعية واألمن وغريها ،وخاصة
االختالف يف املشكلة بني اجملتمعات البشرية والطبقات االجتماعية.
-تتميز املشكلة االقتصادية ابن هلا درجة شدة معينة :أي ان املشكلة االقتصادية ختتلف يف شدهتا
وحدهتا حسب اختالف نوعها وزمنها وانتماءات األفراد االجتماعية ،فمن األفراد والفئات البشرية من
53
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
يعاين من مشكلة حادة بينما آخرين يواجهون مشكالت اقتصادية خفيفة ،كما هو احلالة ابلنسبة
لألغنياء والفقراء.
اعتبارا من ان املشكلة االقتصادية متثل صعوبة تلبية احلاجات والرغبات اإلنسانية انطالقا من املوارد
االقتصادية املتاحة ،فيتضح أهنا تتحدد بثالث عناصر أساسية واملتمثلة يف :الندرة النسبية للموارد
االقتصادية ،تعدد وتنامي احلاجات اإلنسانية ،إضافة إىل مسألة التخصيص واالختيار ،واليت ميكن
توضيحها من خالل الشكل اآليت::
املشكلة االقتصادية
املصدر :حممد عبد هللا شاهني حممد ،أصول علم االقتصاد واحلل األمثل للمشكلة االقتصادية من منظور إسالمي ،دار
األكادمييون للنشر والتوزيع ،األردن ،الطبعة األوىل ،2017ص.285
فنتيجة للتباين واالختالف املوجود بني املوارد االقتصادية املتاحة أمام اإلنسان ،ومتطلبات تلبية
حاجاته ورغباته املختلفة واملتنوعة ،تنشأ املشكلة االقتصادية ،اليت تتطلب من اإلنسان بذل جهد من
اجل إعادة تكييف تلك املوارد مع حاجاته ورغباته من جهة ،ومن جهة أخرى جيب عليه أيضا بذل
جهد من اجل االختيار املناسب للحاجات اليت جيب تلبيتها واحلاجات اليت جيب التضحية هبا ،كما
جيب عليه أيضا حبث مسألة ختصيص وتوزيع تلك املوارد ذات االستخدامات املتعددة ،وعلى هذا
54
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
األساس يظهر العنصر الثالث للمشكلة االقتصادية ،إضافة على العنصرين السابقني ،واليت ميكن
شرحها على النحو اآليت:
يعترب عامل الندرة من أهم أبعاد املشكلة االقتصادية ،والندرة ابملفهوم االقتصادي ال تعين عدم وجود
املوارد ،وإمنا تعين عدم كفاية املوارد وعدم تناسبها مع متطلبات تلبية احلاجات والرغبات اإلنسانية،
وذلك مرده إىل ان املوارد موجودة يف الطبيعة بكميات كبرية ومع ذلك ما ينتج منها ويتم حتويله يبقى
دون احلاجة إليها على الرغم من ضخامة اإلنتاج (مثال الغاز واملعادن) ،وستظل كمية عرض املتاح من
املوارد أقل بنسبة معيّنة من مستوى اإلشباع املطلوب حلاجات اجملتمع ككل ،28فاملوارد االقتصادية
اليت حيتاجها اإلنسان اندرة وحمدودة مقارنة مع احلاجات والرغبات اإلنسانية ،وهذه الندرة أتخذ عدة
أبعاد منها:
-البعد الكمي :حيث ان تلك املوارد االقتصادية املتاحة أمام اإلنسان ،واليت تعترب من متطلبات تلبية
احلاجات والرغبات ،عادة ما تكون بكميات حمدودة تتطلب تنمية وزايدة بشكل جيعلها كافية لتلبية
احلاجات والرغبات اإلنسانية ،وهذا يتطلب من اإلنسان بذل جهد لتحقيق ذلك الغرض كتحسني
إنتاجية عوامل اإلنتاج ،التطوير التكنولوجي.
-البعد الكيفي أو النوعي :ففي معظم األحيان ال تتوافر املوارد ابلنوعية املطلوبة واملناسبة لتلبية
حاجات ورغبات األفراد ،فيتطلب من اإلنسان القيام أبنشطة معينة لتحقيق ذلك الغرض ،واملتمثل
يف نشاط اإلنتاج ،الذي يعمل على تغيري شكل املوارد من اجل جعلها صاحلة لتلبية احلاجات
والرغبات ،ومثال على ذلك املعادن ،اخلشب ،اجللود ،القمح والقطن ،كلها موارد حتتاج إىل حتويل
وتكييف من اجل جعلها صاحلة لالستخدام.
-28أمحد جالل ،األبعاد االقتصادية للمشاكل البيئية وأثر التنمية املستدامة ،دار خالد للنشر والتوزيع ،السعودية ،الطبعة األوىل ،2017ص45
55
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-البعد الزماين :ويشري هذا البعد إىل ندرة املوارد يف وقت احلاجة إليها رغم توفرها يف أوقات أخرى،
أو توفرها يف أوقات بكميات كبرية وندرهتا يف أوقات أخرى ،مثال جند وفرة يف املوارد الزراعية يف
مواسم جنيها وعدم توفرها يف مواسم أخرى ،وهذا ما يتطلب من اإلنسان االحتفاظ بتلك املوارد من
وقت الوفرة إىل وقت آخر تظهر احلاجة إليها فيه.
-البعد املكاين :ويرتبط هذا البعد ابلتوزيع غري متكافئ للموارد بني املناطق واألماكن اجلغرافية ،مما
يولد ندرهتا يف أماكن معينة رغم وفرهتا يف أماكن أخرى ،مثال جند وفرة النفط والطاقة يف بعض الدول
وعدم وجودها يف دول أخرى ،جند هناك وفرة يف األمساك يف املناطق الساحلية وعدم وجودها يف
املناطق الداخلية وغريها ،العديد من املوارد اليت تتواجد بكثرة يف أماكن اإلنتاج وتكون اندرة يف أماكن
االستهالك واالستخدام ،مما يتطلب إعادة توزيع تلك املوارد على املناطق حسب احلاجة إليها.
-البعد احليازي :ويشري إىل التوزيع غري متكافئ بني خمتلف األفراد واجلماعات واجملتمعات البشرية،
مما جيعل تلك املوارد اندرة ابلنسبة لبعض األفراد والفئات واجملتمعات البشرية رغم وفرهتا ابلنسبة
ألشخاص آخرين ،وهذا يتطلب من اإلنسان بذل جهد من اجل إعادة توزيع تلك املوارد بطرق
وآليات ختتلف حسب نوعيتها ،كالتبادل التجاري.
ومما سبق يتضح ان علم االقتصاد يقوم على معاجلة املشكلة االقتصادية انطالقا من معاجلة ندرة
املوارد أببعادها األربعة من جهة ،وتوزيعها واستخدامها استخداما عقالنيا ومثاليا من خالل عدة
أساليب ومناهج (كالتخزين ،النقل ،اإلنتاج ،التبادل ،)...كما ان ندرة املوارد مفهوم نسيب يرتبط
بعدم القدرة على توظيفها بشكل فعال يف تلبية حاجات ورغبات اإلنسان ،واليت تعود ابألساس إىل
عوامل مرتبطة بتصرفات اإلنسان اجتاه تلك املوارد واليت تتمثل فيما يلي:
-سوء استخدام وتوزيع املوارد :فاإلنسان عادة ما يسيئ استخدام املوارد الطبيعية املتاحة ،مبا
يؤدي إىل فسادها وتبذيرها أو اإلسراف فيها ،أو يستخدمها بشكل غري مناسب لتلبية حاجاته
ورغباته.
56
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-ضعف فعالية وكفاءة طريقة وكيفية استخدام املوارد وكذا ضعف قدرة اإلنسان على ادراك
أماكن وأوقات تواجدها ،وطبيعة املنافع واملزااي اليت حتققها.
-التوزيع غري متكافئ للموارد من حيث األزمنة واألمكنة ،وبني خمتلف األفراد واجملموعات
واجملتمعات البشرية ،إضافة إىل الظلم واالستغالل الذي يسلطه بعض األفراد واجملتمعات على ابقي
البشر ،كما هو حاصل ابلنسبة للتسلط الطبقي.
-ضعف أداء وعدم فعالية اإلنسان يف استخدام املوارد وحتويلها ،وذلك الن تلك املوارد ال
تتواجد يف الطبيعة بشكل يناسب تلبية احلاجات والرغبات بل حتتاج إىل عميلة حتويل وتغيري ،وهذا
يتطلب من اإلنسان بذل جهد وأداء أنشطة معينة سواء ذهنية أو بدنية ،وتنظيمها يف شكل
تنظيمات ووحدات معينة ،حيث تتنوع تلك األنشطة بني اإلنتاج والتوزيع والنقل والتخزين والتبادل،
فقصور وعدم رغبة اإلنسان يف أداء تلك األنشطة بفعالية ،يسبب ندرة وشح يف خمتلف الوسائل
املعتمدة يف تلبية احلاجات اإلنسانية ،كما هو احلال يف معظم الدول واجملتمعات النامية اليت مل تتمكن
من تلبية حاجاهتا ورغباهتا رغم توفرها على الكثري من املوارد الطبيعية ،كاحملروقات ،املعادن ،املياه،
األراضي.
وانطالقا من هذا العنصر يقع على عاتق االقتصادي إشكالية البحث عن الطرق اليت متكنه من
التغلب على الندرة النسبية للموارد ،من خالل:
-حبث طرق توفريها وزايدة كميتها.
-حبث الطرق اليت متكن من االستخدام األمثل هلا مبا حيافظ على تلك املوارد من الضياع واإلسراف.
-حبث طرق التوزيع األمثل لتلك املوارد على خمتلف االحتياجات والفئات واملناطق.
-حبث طرق ختزين تلك املوارد مبا يضمن شروط احلفظ والسالمة هلا.
-حبث طرق التحويل الفعالة لتلك املوارد بشكل جيعلها تتناسب مع استخداماهتا يف تلبية حاجات
اإلنسان.
57
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-2تعدد وتنامي احلاجات:
تعدد وتنامي احلاجات اإلنسانية تعترب الركن الثاين يف املشكلة االقتصادية ،وذلك ان مشكلة اإلنسان
تتمحور حول تلبية حاجاته ورغباته املتعددة واملتنامية مبختلف الوسائل املمكنة ،وتعرف احلاجة على
معني ،ويرافق هذا الشعور عادة إحساس أهنا" :شعور شخصي ابلرغبة يف احلصول على شيء ّ
29
ابحلرمان والنقص أو األمل ،األمر الذي يدفع بصاحب احلاجة إىل تلبيتها"
أما اقتصاداي فتعترب احلاجة كل ما يرغب اإلنسان يف احلصول عليه ،ويشكل له دافع للبحث عن
وسائل لتلبية ذلك الشعور ،وال يوجد هناك اختالف جوهري بني األنظمة االقتصادية املختلفة يف
حتديد مفهوم احلاجة وال يف طريقة تصنيفها والتمييز فيما بينها ،وتبقى جمرد شعور نفسي ابحلرمان
اجتاه شيء معني يكون مبثابة دافع لإلنسان الختاذ سلوك معني يف سبيل القضاء على ذلك الشعور.
وتتصف احلاجات والرغبات اإلنسانية ابلتنوع والتعدد والتنامي املستمر عرب الزمن ،إىل درجة أهنا
توصف أبهنا الهنائية وغري حمدودة ،ويعود هذا التعدد والتنامي يف احلاجات اإلنسانية إىل جمموع من
العوامل كما هي مبينة فيما يلي:
-النمو السكاين :فزايدة عدد السكان والذي يظهر من خالل الفرق بني عدد املواليد وعدد
الوفيات ،سيؤدي إىل زايدة عدد وحجم احلاجات والرغبات اإلنسانية ،ويساهم هذا العامل اكثر يف
تفاقم املشكلة االقتصادية عندما يكون اكرب من معدل النمو االقتصادي.
-تكرار وجتدد احلاجات :ويعين ذلك ان احلاجات عند تلبيتها ستعود للظهور وفق دورة زمنية معينة
منتظمة أو غري منتظمة ،واليت ختتلف حسب نوع احلاجات فمثال احلاجة إىل الغذاء جندها تتكرر
يوميا ،أما احلاجة إىل اللباس والدواء فهي أتخذ مدة زمنية أطول.
-التطور التقين والتكنولوجي لإلنسان :إن التطور التقين والتكنولوجي ساهم يف تزايد وتنوع احلاجات
اإلنسانية ،ففي العصر احلايل وبفعل هذا التطور ظهرت حاجات جديدة لدى اإلنسان مل تكن
29حممد عبد هللا شاهني حممد ،مصدر سبق ذكره ،ص 289
58
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
موجودة من قبل ،مثل :احلاجة إىل اهلاتف النقال ،احلاجة إىل شبكة األنرتنت ،احلاجة إىل التلفاز
وغريها من احلاجات اليت مل يكن يعرفها اإلنسان يف عصور سابقة.
-التطور والتغري االجتماعي والثقايف :فالتطور االجتماعي لإلنسان اظهر حاجات جديدة ،حيث ان
أمناط احلياة وأساليبها اليت تفرضها ثقافة اجملتمع واليت على أساسها ميكن لإلنسان تلبية حاجاته
االجتماعية ،أدت إىل ظهور الكثري من احلاجات والرغبات ،كاحلاجة إىل املعرفة ،واحلاجة إىل لباس
مقبول وحمرتم ،واحلاجة إىل مسكن واألاثث وغريها من احلاجات اليت تتطلبها احلياة االجتماعية
لإلنسان ،وتلك اليت تفرضها ثقافة اجملتمع مبا حتتويه من رموز وعادات وقيم على خمتلف األفراد
واجلماعات نتيجة انتمائهم للمجتمع واتصافهم خبصائصها.
-تنوع وتعدد احلاجات اإلنسانية :حيث ان حياة اإلنسان مبختلف أبعادها ،تقوم على تلبية عدة
حاجات ورغباته ،منها احلاجات الفسيولوجية واالجتماعية النفسية ،فهو حباجة إىل الغذاء ،املاء،
اهلواء ،اللباس ،املأوى ،التعلم ،الدواء وغريها ،هذا ما جيعل حاجات اإلنسان متعددة ومتنوعة ،فهو
ليس له حاجة واحدة فقط بل حيتاج إىل أمور عديدة ،جيب عليه تلبيتها.
إن مسألة تعدد احلاجات والرغبات تطرح على مستوى كل وحدة اقتصادية ،أي أن كل وحدة
اقتصادية سواء كانت املستهلك أو املنتج أو اجملتمع ،تواجه تعدد وتزايد احلاجات والرغبات ،وميكن
توضيحها على النحو اآليت:
-على مستوى املستهلك :يواجه اإلنسان الفرد مهما كان نوعه ومستواه ودرجة حتضره ،يوميا
جمموعة من احلاجات والرغبات واليت يسعى دوما إىل تلبيتها ،كاحلاجة إىل الغذاء ،اللباس ،العالج
والتعليم ،وهذا ما يهتم به االقتصاد اجلزئي ،أي حبث حاجات اإلنسان من حيث :ماهيتها
وخصائصها ،كيفية ظهورها ،العوامل املتحكمة فيها ،وآليات إشباعها وإاثرهتا ،والسلوك املتبع من
طرف املستهلك يف سبيل إشباعها .حيث تتزايد وتتعدد حاجات املستهلك تبعا لتغري جمموعة من
59
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
العوامل منها :السن ،العادات والتقاليد ،الطبقة االجتماعية ،التطور والتقدم التكنولوجي واالجتماعي،
تغري األذواق ،مستوى الدخل.
-على مستوى املنتج أو املؤسسة :فاملنتج كوحدة اقتصادية هلا جمموعة من األهداف والغاايت اليت
تسعى إىل حتقيقها وهي أيضا غري حمدودة ومتجددة ،وهنا علم االقتصاد أيضا يبحث يف مسألة تكون
تلك احلاجات والرغبات وكيفية حتقيقها ،واآلليات الناجعة لتحقيق ذلك ،والسلوك أو التصرف املثايل
الذي ميكن املنتج من حتقيق تلك األهداف والغاايت (علما ان سلوك املنتج يعترب اكثر عقالنية
وموضوعية من سلوك املستهلك) .كما تتأثر حاجات ورغبات املنتج حسب عدة عوامل منها :نوعية
وحجم املوارد املتاحة ،خربة وثقافة مسري املؤسسة ،الظروف البيئية واالجتماعية واالقتصادية احمليطة،
إضافة إىل حاجات ورغبات اجملتمع.
-على مستوى اجملتمع أو الدولة :ان اجملتمع كوحدة اقتصادية له جمموعة من الغاايت واحلاجات اليت
يسعى دوما إىل حتقيقها ،كتحسني مستوايت املعيشة ،رفع معدالت النمو االقتصادي ،زايدة نسبة
التشغيل ،تلبية بعض املتطلبات االجتماعية كالعالج والتعليم وإنشاء البىن التحتية ،الغذاء وغريها.
وهنا علم االقتصاد يهتم هبذه املسائل ويبحث يف الطرق واآلليات اليت متكن اجملتمع من تلبية
حاجياته بشكل اكثر فعالية .وتتأثر حاجات ورغبات اجملتمع بعدة عوامل منها :عدد السكان،
الظروف البيئية ،مستوى التطور الثقايف واالجتماعي ،احلاجات والرغبات الفردية.
بناء على هذا العنصر والبعد احملدد للمشكلة االقتصادية ،يتعني على االقتصادي ويف سبيل معاجلة
تلك املشكلة دراسة طبيعة احلاجات اإلنسانية وحبث أسباب تزايدها ابلشكل الذي ميكنه من حتديد
الطرق املثلى لتلبيتها وإشباعها واملفاضلة فيما بينها.
-3االختيار والتخصيص:
ابلنظر إىل اخلصائص اليت تتميز هبا كل من احلاجات من جهة واملوارد االقتصادية من جهة أخرى،
حيث انه ميكن تلبية حاجة معينة انطالقا من عدة موارد ،كما ان املورد الواحد قد جند له عدة
60
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
استخدامات ،هذا يطرح مشكلة وحتدي من نوع آخر أمام االقتصادي ،يكمن يف ضرورة البحث عن
التخصيص األمثل للموارد على احلاجات والرغبات اليت جيب املفاضلة بينها من اجل اختيار بعضا
منها والتضحية ابلبعض اآلخر.
فاالختيار هو عبارة عن حماولة حتديد احلاجات اليت ينبغي على اإلنسان تلبيتها ،أي اختيار اإلنسان
للحاجات امللحة والضرورية اليت جيب عليه إشباعها أوال واحلاجات اليت يضحي هبا أو يؤخر
إشباعها ،أما ابلنسبة للتخصيص فيكمن يف عملية توزيع وختصيص املوارد االقتصادية النادرة على
خمتلف استخداماهتا بشكل حيقق اكرب إشباع ممكن ،وتطرح هنا إشكالية التخصيص ابلنسبة
للحاجات والرغبات احلالية وطريقة توزيع املوارد عليها سواء على مستوى الفرد الواحد أو على
مستوى اجملتمع ككل ،أو التخصيص واملفاضلة بني احلاجات احلالية واحلاجات املستقبلية ،ويتم هذا
على أساس معايري يسعى االقتصاديون إىل حتديدها ودراستها ،ويتم اختيار احلاجات اليت جيب تلبيتها
واحلاجات اليت يتم التضحية هبا أو أتجيلها إىل وقت آخر على أساس درجة اإلحلاح ،فكلما كانت
احلاجة اشد إحلاحا يتم اختيارها لإلشباع ،أما األقل إحلاحا يتم أتجيلها أو التضحية هبا.
أما مسألة التخصيص فتعين كيفية ختصيص وتوزيع املوارد االقتصادية النادرة نسبيا على خمتلف
االستخدامات واحلاجات اإلنسانية ،ويتم هذا التخصيص وفق نوع املنفعة أو مستوى اإلشباع الكلي
احملقق ،وميكن دراسة هذه املسألة على مستوى كل وحدة اقتصادية كما يلي:
-ختصيص وتوزيع املوارد االقتصادية على مستوى املستهلك :حيث ان املستهلك يواجه يوميا
إشكالية ختصيص وتوزيع دخله احملدود على خمتلف حاجاته ورغباته ،أي يبحث الطريقة املثلى اليت
يتم من خالهلا توزيع وانفاق دخله على خمتلف السلع واخلدمات واليت حتقق له اكرب إشباع ممكن،
ويتم ذلك بناء على معيار مستوى اإلشباع احملقق ،وهذا ما تبحثه النظرية االقتصادية اجلزئية أي
مسألة توازن املستهلك ،كما ان التوزيع والتخصيص للدخل يطرح حول احلاجات احلالية واحلاجات
املستقبلية للمستهلك ،أي كيفية توزيع الدخل بني االستهالك واالدخار وكيف يتم ذلك وعلى أي
61
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
أساس يتم ،حيث جند أن هناك اختالف يف تفسري ذلك بني املدرسة الكالسيكية واملدرسة الكنزية
كما سنتناوله الحقا.
-ختصيص وتوزيع املوارد االقتصادية على مستوى املنتج :كما ان املنتج أيضا يسعى إىل حبث الطرق
املثلى لتوزيع املوارد املختلفة (مالية ،بشرية ،مادية ،معنوية) على خمتلف االستخدامات بشكل حيقق له
أهدافه وغاايته أبكثر فعالية ،واليت عادة ما تتمثل يف تعظيم الثروة ،تعظيم األرابح ،تعظيم معدل
العائد على األموال املستثمرة ،تعظيم اإلنتاج ،تعظيم املبيعات ،وهذه املسألة كذلك تبحثها النظرية
االقتصادية اجلزئية ،وفق ما يسمى بتوازن املنتج.
-ختصيص وتوزيع املوارد االقتصادية على مستوى اجملتمع :حيث يسعى اجملتمع ممثال يف احلكومة إىل
حتقيق توزيع عادل وفعال للثروة واملوارد االقتصادية املتاحة ،وأول مشكلة تظهر يف هذا اخلصوص هي
التوزيع بني احلاجات احلالية واحلاجات املستقبلية ،أو حاجات األجيال احلالية واألجيال املستقبلية،
وهذا يف اطار التنمية املستدامة ،اليت تبحث هذه اإلشكالية أي املوازنة بني االستخدام احلايل
واملستقبلي للموارد االقتصادية ،كما تظهر إشكالية التوزيع والتخصيص أيضا بني القطاعات املختلفة
كقطاع التعليم ،الفالحة ،الصحة ،الصناعة ،الرتبية ،الثقافة ،واألمن وغريها ،وهلذا تعمل احلكومات
سنواي على إعداد ميزانية توضح من خالهلا كيفية توفري املوارد وابألخص املالية ومن مث توزيعها على
خمتلف القطاعات ،كما تناقش هذه املسألة فيما يسمى ابلتنمية القطاعية املتوازنة أو غري املتوازنة ،أي
تلك اليت تستهدف تنمية قطاعات معينة على حساب قطاعات أخرى ،كما ان مسألة توزيع
وختصيص املوارد االقتصادية تظهر بني املناطق واألقاليم اجلغرافية ،أي كم خيصص لكل إقليم ومنطقة
جغرافية من املوارد وعلى أي أساس يتم ذلك التوزيع ،كما تظهر إشكالية التوزيع بني أفراد اجملتمع ،أي
كيفية توزيع الثروة والدخل على خمتلف شرائح اجملتمع ،وهنا يظهر نوعني من التوزيع قبل اإلنتاج وبعد
اإلنتاج كما سيتم مناقشته يف اجلزء اخلاص بتوزيع وإعادة توزيع الدخل.
62
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
معاجلة املشكلة االقتصادية:
ابعتبار ان املشكلة االقتصادية تكمن يف الصعوبة اليت يواجهها اإلنسان يف تلبية حاجاته ورغباته
انطالقا من املوارد االقتصادية املتاحة ،والناجتة عن التباين واإلختالف القائم بني املوارد االقتصادية
النادرة واحلاجات والرغبات اإلنسانية املتعددة من حيث الكيف والكم واملكان والزمان ،فمعاجلتها
والتخفيف من حدهتا تعين حماولة التقليل من هذا التفاوت والتباين.
أي حماولة التقريب بني كمية وزمن ومكان وشكل املوارد االقتصادية املتاحة ومتطلبات تلبية احلاجات
والرغبات اإلنسانية ،وهذا يتأسس على االستخدام الفعال والرشيد للموارد املتاحة من جهة ،وهتذيب
واحلد من احلاجات والرغبات اإلنسانية من جهة أخرى ،أي دراسة كيفية التغلب على الندرة أببعادها
األربع ،وكيفية توزيع واستخدام املوارد بطريقة وأبسلوب امثل لتلبية تلك احلاجات والرغبات حمققا
بذلك أكرب إشباع ممكن هلا ،فاملعاجلة للمشكلة االقتصادية إذن تقوم على العناصر التالية:
معاجلة ندرة املوارد االقتصادية من حيث الزمان واملكان والكم والكيف
توزيع وختصيص املوارد على خمتلف احلاجات والرغبات ،والذي أيخذ بعدين أساسيني ومها:
التوزيع على احلاجات الضرورية وغري ضرورية -التوزيع النسيب واحملدود على احلاجات
للتخفيف من آاثرها السلبية أي التخفيف من حدة اإلحلاح
دراسة احلاجات اإلنسانية وتصنيفها ومعرفة كيفية تلبيتها أو التأثري يف تطورها وتناميها والتنبؤ
هبا من حيث التنوع والكم والزمن واملكان ،حىت ميكن توجيه املوارد اليها بشكل عقالين
وصحيح.
وانطالقا مما سبق يتضح ان معاجلة املشكلة االقتصادية تقتضي اإلجابة على األسئلة املتشعبة التالية:
63
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-ما هي املوارد اليت جيب استخدامها وكيف يتم توفريها؟
-ما هي أساليب وطرق ووسائل اإلنتاج املتبعة؟
-ملن تنتج هذه السلع واخلدمات؟
-ما هي احلاجات والرغبات الواجب إشباعها؟
-كيف يتم توزيع هذا الناتج؟
-كيف يتم توزيع مداخيل العملية اإلنتاجية؟
-كيف يتم توزيع الثروات واملوارد على أجيال األمة؟
وختتلف اجملتمعات اإلنسانية يف طريقة معاجلتها للمشكلة االقتصادية ،كما ختتلف األنظمة االقتصادية
يف نظرهتا هلا:
يقوم النظام الرأمسايل على امللكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج ،واملنافسة احلرة ،واحلرية الفردية ،وعلى هذا
األساس فان حل املشكلة االقتصادية يتم بطريقة تلقائية ،أي عن طريق آلية السعر ونظام السوق،
الذي يعمل على توزيع وختصيص املوارد بني خمتلف استخداماهتا املتنافسة ،وترشيد تلك
االستخدامات مؤداي إىل احملافظة على املوارد من جهة واىل تعظيم العوائد من جهة أخرى ،حمققا
اقصى إشباع ممكن للحاجات والرغبات يف ظل املوارد املتاحة.
والذي يقوم على امللكية العامة لوسائل اإلنتاج ،وابلنظر إىل غياب حافز امللكية ونظام السوق ،فان
معاجلة املشكلة االقتصادية وفق هذا النظام تتم عن طريق التخطيط املركزي الذي تتواله اللجنة املركزية
للتخطيط ،اليت حتدد األولوايت ووسائل اإلنتاج مث توزيع املوارد على خمتلف االستخدامات
والقطاعات واملناطق بشكل هادف وعادل.
64
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
معاجلة املشكلة االقتصادية يف النظام االقتصادي املختلط:
وهو نظام وسط جيمع بني نظام امللكية الفردية واجلماعية لوسائل اإلنتاج ،وبني نظام السوق وتدخل
الدولة يف النشاط االقتصادي ،إذ تعاجل املشكلة االقتصادية عن طريق نظام السوق وآلية السعر من
جهة ،ومن جهة أخرى بتدخل الدولة لتوجيه القوى واألنشطة وتعديل ومعاجلة االختالالت واألزمات
املختلفة ،خاصة وان االقتصادايت الرأمسالية تعرف أزمات دورية تتطلب تدخل ومعاجلة من طرف
الدولة.
ان مجيع الوحدات االقتصادية مهما كانت يف شكل فردي أو مجاعي تواجه املشكلة االقتصادية،
مبا يف ذلك املستهلك ،املنتج ،واجملتمع ،ومن هذا يتضح ان للمشكلة االقتصادية مستوايت تقع
حسب الوحدة االقتصادية وميكن شرحها من خالل ما أييت:
-على مستوى املستهلك :يواجه املستهلك بشكل دائم ومستمر مشكلة صعوبة إشباع حاجاته
ورغباته املتعددة واملتنامية انطالقا من استهالكه للسلع واخلدمات املتاحة ،واليت ميكن احلصول عليها
بواسطة دخله احملدود ،فمن هنا تتحدد املشكلة االقتصادية على هذا املستوي يف كيفية انفاق الدخل
على اقتناء السلع واخلدمات بشكل حيقق اكرب إشباع ممكن للحاجات والرغبات.
-على مستوى املنتج :يسعى املنتج دائما إىل تعظيم الربح والعوائد االقتصادية بناء على ترشيد
النشاط اإلنتاجي أي استخدام املوارد استخداما عقالنيا وفعاال .حيث تتحدد املشكلة االقتصادية
هنا من خالل مواجهة حتدي اختيار وسائل االستخدام األمثل للموارد االقتصادية النادرة املتاحة،
وختصيصها على خمتلف االستخدامات واألنشطة مبا حيقق اكرب عائد اقتصادي.
-املشكلة االقتصادية على مستوى الدولة أو اجملتمع :تسعى الدول واجملتمعات إىل حتقيق التنمية
والنمو االقتصادي والقضاء على خمتلف األزمات بغرض حتقيق الرفاهية االقتصادية وسعادة األفراد،
أي السعي إىل حتقيق االستقرار والتوازن االقتصادي واحلد من االختالالت واألزمات ،فتتمثل املشكلة
65
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
االقتصادية على هذا املستوى يف كيفية استخدام وتوزيع موارد اجملتمع بني خمتلف االستخدامات
والقطاعات والفئات من اجل حتقيق تنمية اقتصادية ،ومن مث الرفاهية االقتصادية من جهة واحلد من
الظواهر السلبية كاألزمات االقتصادية والتضخم والبطالة والفقر والركود وغريها.
فما هي اآلليات والطرق والنظرايت اليت تكفل لنا توزيع واستخدام موارد اجملتمع بغرض حتقيق التنمية
والنمو االقتصادي وحتقيق اإلشباع املناسب للحاجات والرغبات (مستوى التطور والتقدم االقتصادي
املرغوب).
فانطالقا مما سبق يظهر ان املشكلة االقتصادية مبختلف أبعادها ،ال متثل سوى :عامل ودافع لإلنسان
من اجل السعي والعمل والنشاط إلشباع حاجاته ورغباته ،عامل مهم لبناء وتعزيز العالقات بني
خمتلف األفراد واجلماعات واجملتمعات البشرية ،عامل مهم لبحث واكتشاف الطبيعة وما حييط
ابإلنسان من ظواهر وقضااي ،عامل مهم لدفع اإلنسان من اجل حبث ماهيته النفسية واجلسمية
وكشف أسرارها ،عامل مهم حىت يعرف اإلنسان قيمة املوارد وحيافظ عليها ،عامل مهم لضبط سلوك
اإلنسان واحلد من احنرافه وفساده.
اتسعا :اخلريات:
ويقصد هبا الوسيلة اليت يستخدمها اإلنسان يف إشباع حاجاته ورغباته ،واليت تسمى ابلسلع
واخلدمات ،وميكن تعريف هذه األخرية على أهنا كل شيء يعود ابملنفعة على اإلنسان ويعترب كوسيلة
إلشباع حاجاته ورغباته.
تقسيم السلع:
يف الواقع جند عدة أنواع وأصناف من السلع واخلدمات ،وذلك حبسب املعايري املعتمدة يف عملية
التصنيف ،اعتبارا من ان السلع واخلدمات هي الوسائل اليت يستعملها اإلنسان يف إشباع حاجاته
ورغباته ،وهي كما يلي:
66
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-1السلع احلرة والسلع االقتصادية :أي حسب درجة وطبيعة توفرها وتوجدها يف الطبيعة ،وهنا
ميكن التمييز بني نوعني من السلع كما هو موضح فيما يلي:
-السلع احلرة :هي تلك السلع اليت توجد يف الطبيعة بكميات وفرية تكفي لتلبية كل االحتياجات
مثل اهلواء...اخل ،وهي ال تثري أي مشكلة اقتصادية ألهنا ال تتميز ابلندرة وال تتطلب عمليات
التحويل والبحث ،أي أهنا ال تكلف اإلنسان أي جهد من اجل احلصول عليها واستخدامها يف
عمليات اإلشباع.
-السلع االقتصادية :وهي تلك السلع اليت ال توجد يف الطبيعة بكميات كافية ملقابلة الطلب عليها
أو ال توجد بصورة مناسبة لتلبية احلاجات ،ومن مث فالبد لإلنسان ان يبذل جهد للحصول عليها
واستخدامها يف تلبية حاجاته ،وهذا إما من أجل تغيري شكلها ،وطبيعتها أو زايدة كميتها ،أو نقلها
من مكان إىل مكان أو من زمان إىل آخر ،وهنا جيد اإلنسان نفسه جمرب على القيام بعدة أنشطة
اقتصادية كاإلنتاج والتوزيع واملبادلة.
-2السلع االستهالكية والسلع اإلنتاجية :وهنا يتم التمييز بينها حسب الغرض من االستخدام ان
كانت موجهة لالستهالك أو موجهة لإلنتاج ،وميكن التمييز بني النوعني اآلتيني:
-السلع االستهالكية :هي تلك السلع اليت تستخدم يف تلبية احلاجات والرغبات بطريقة مباشرة،
كالغذاء واللباس أي تلك املوجهة لالستهالك النهائي.
-السلع اإلنتاجية أو الرأمسالية :وهي تلك السلع اليت تستخدم يف العلمية اإلنتاجية أو موجهة
إلعادة اإلنتاج وال تستخدم يف تلبية احلاجات بطريقة مباشرة ،بل تستخدم إلنتاج سلع أخرى أي
االستهالك اإلنتاجي الوسيط.
ال ميكن التمييز بني السلع اإلنتاجية واالستهالكية إال من خالل الغرض من االستخدام ،ألن ال
يوجد سلع إنتاجية وسلع استهالكية بطبيعتها ،فنفس السلع ميكن استخدامها يف االستهالك مباشرة
كما ميكن استخدامها يف عمليات اإلنتاج ،كما هو احلال ابلنسبة ملادة السكر ميكن استخدامه من
67
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
طرف العائالت يف تلبية احلاجات مباشرة ،كما ميكن استخدامها يف إنتاج سلع أخرى كإنتاج
احللوايت واملشروابت وغريها.
-3السلع املعمرة وغري معمرة :أي حسب عدد مرات االستخدام يف تلبية احلاجات والرغبات
وميكن التمييز بني النوعني اآلتيني:
-السلع املعمرة :وهي تلك السلع اليت ميكن استخدامها عدة مرات يف تلبية احلاجات والرغبات،
أي ملدة زمنية طويلة كالسيارات والطاوالت والتلفاز ،فهي ال تفىن مبجرد استخدامها ألول مرة.
-السلع غري معمرة :وهي تلك السلع اليت تفىن مبجرد استخدامها يف تلبية احلاجات والرغبات ألول
مرة ،أي تلك اليت ال ميكن استخدامها اكثر من مرة ،كالغذاء ،حيث تفىن مبجرد االستخدام األول
هلا.
-4السلع الكمالية والسلع الضرورية :وهنا يتم التمييز بني السلع حسب أمهيتها ابلنسبة لإلنسان،
أو حسب درجة إحلاحها ،وميكن التمييز بني النوعني اآلتيني:
-السلع الضرورية :وهي تلك السلع اليت ال ميكن لإلنسان االستغناء عنها ،ألهنا مرتبطة بتلبية
حاجات أساسية ،كاخلبز واملاء واملالبس.
-السلع الكمالية :وهي تلك السلع اليت ميكن لإلنسان االستغناء عنها ،ألهنا ترتبط بتلبية حاجات
غري أساسية ،كالتلفاز واملشروابت الغازية.
مع العلم ان عملية حتديد السلع الضرورية والكمالية ابلنسبة لإلنسان ،ختتلف تبعا لعدة عوامل منها
درجة الرفاهية ودخل اإلنسان والعصر الذي يعيش فيه ،والظروف البيئية احمليطة.
خصائص اخلريات:
68
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-التبديل :تتميز اخلريات أبهنا قابلة لالستبدال ،أي ميكن ان حتل حمل بعضها البعض يف تلبية بعض
احلاجات ،وهذه اخلاصية انبعة من كون ان بعض السلع ميكن ان تليب نفس الرغبة واحلاجة ،كما انه
ميكن لسلعة واحدة ان تليب عدة حاجات ،مثل القهوة والشاي.
-التكامل :وهي ضرورة اشرتاك سلعتني أو اكثر يف تلبية حاجة معينة ،كما هو احلال ابلنسبة للوقود
والسيارة ،السكر والقهوة.
-احملدودية والندرة :وهي ان السلع واخلدمات ال تتواجد يف الطبيعة بشكل وفري واملناسب لتلبية
احلاجات والرغبات ،فهي تتطلب جمهود من اإلنسان إما من اجل تكييفها من حيث الكيف والكم
أو من حيث املكان والزمان مع حاجاته ورغباته.
-قابلة للتداول واالنتقال :أي قابلة لالنتقال من شخص إىل آخر ،من خالل نشاط التبادل الذي
يتم بني األفراد واجملتمعات .كما ميكن نقلها من مكان إىل آخر من خالل نشاط النقل ،ومن احلاضر
إىل املستقبل من خالل نشاط التخزين.
-هلا منفعة :حيث ان أمهية السلع واخلدمات تكمن يف املنفعة اليت حتققها ،أي مقدار ونوع اإلشباع
الذي حتققه لإلنسان والذي ميكنه من إشباع حاجاته ورغباته ،فهي ال تطلب لذاهتا ولكن تطلب
ابلنظر إىل املنفعة اليت ميكن ان حيصل عليها اإلنسان من جراء استخدامه لتلك السلع ،وهذه املنفعة
ما يطلق عليها مصطلح القيمة االستعمالية للسلعة.
-هلا مثن :ابلنظر إىل ندرة السلع واملنفعة اليت حتققها ،يصبح على اإلنسان دفع مثن مقابل احلصول
عليها ،ومن مث فان مثن السلع واخلدمات يتحدد بناء على درجة ندرهتا ( أي العرض يف مقابل الطلب
عليها) ،وقيمتها ابلنسبة لإلنسان ومدى استعداده للحصول عليها والتضحية مبقدار من جهده وماله
يف مقابل ذلك ،وهذا ما يصطلح عليه ابسم سعر السلعة أو القيمة التبادلية للسلعة.
69
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
وانطالقا من اخلصائص السابقة املميزة للثروة ميكن اعتبارها على أهنا أي شيء له قيمة وقابل للمبادلة
بنقود أو سلع ،30حيث ان الثروة مبا متثله من سلع واخلدمات تتميز أبن هلا قيمة استعمالية ،واليت
تتمثل يف جمموع املنافع اليت يتحصل عليها اإلنسان من جراء استخدام تلك السلعة ،وقيمة تبادلية
اليت تتحدد من خالل عمليات التبادل ،أي من خالل كمية العرض والطلب على هذه السلعة،
وقيمة السلعة يف ذاهتا واليت تعكس اجلهد واألعباء اليت يتكبدها اإلنسان يف سبيل إنتاج تلك السلع
وجعلها صاحلة إلشباع احلاجات والرغبات.
تعرف احلاجة على أهنا شعور وإحساس داخلي يعمل مبثابة حمفز أو دافع للفرد للسعي يف سبيل
حصوله على الوسائل اليت متكنه من القضاء على ذلك الشعور .فقد عرفت على أهنا "شعور شخصي
معني ،ويرافق هذا الشعور عادة إحساس ابحلرمان والنقص أو األمل،
ابلرغبة يف احلصول على شيء ّ
األمر الذي يدفع بصاحب احلاجة إىل تلبيتها"31
فهي شعور نفسي داخلي ابحلرمان اجتاه شيء معني جيعل اإلنسان يف حالة قلق وتوتر وعدم التوازن
النفسي ليكون له دافع وحمفز يدفعه حنو البحث عن الوسائل اليت متكنه من إعادة حالة التوازن أو
القضاء على ذلك الشعور ،وهو ضروري للمحافظة على بقاء اإلنسان واستمراره يف احلياة.
واقتصاداي ميكن اعتبارها حالة نفسية تدفع اإلنسان الستهالك سلعة أو خدمة معينة اليت حتقق له
منافع تتجسد يف مقدار معني من اإلشباع لتلك احلاجة ،وختتلف احلاجات اإلنسانية حسب طبيعتها
ودرجة إحلاحها وطريقة تلبيتها.
-30جميد خليل حسني ،مبادئ علم االقتصاد ،دار زهران للنشر والتوزيع ،األردن ،2012 ،ص.04
-31حممد عبد هللا شاهني حممد ،مصدر سبق ذكره ،ص 289
70
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
تقسيم احلاجات:
ميكن التمييز بني عدة أصناف وأنواع من احلاجات اإلنسانية وذلك حبسب عدة معايري على النحو
اآليت:
حسب طبيعتها :ميكن التمييز هنا بني مخس حاجات كما بينها ورتبها ماسلو :احلاجات
الفيزيولوجية ،حاجات األمن ،حاجات الصداقة والعالقات االجتماعية ،حاجات التقدير واالحرتام،
وحاجات حتقيق الذات ،وقد رتبها ماسلو حبسب األولوية يف اإلشباع والظهور.
-احلاجات الضرورية :وهي تلك احلاجات اليت جيد اإلنسان نفسه جمربا على تلبيتها وال حتتمل
التأجيل ألن حياته وصحته تتوقف عليها ،أي أهنا تؤثر على حياته وصحته ،كاحلاجة إىل الغذاء
واملاء.
-احلاجات الكمالية :وهي تلك احلاجات اليت يكون من السهل على اإلنسان االستغناء عنها
والتضحية هبا ،ألهنا أقل إحلاحا وال تتعلق حبياة وصحة الشخص ،ولكنها أتثر يف درجة رفاهيته
وسعادته.
احلاجات الفردية واحلاجات اجلماعية :وهنا يتم التمييز بني احلاجات حسب طريقة تلبيتها
وإشباعها ،ان كانت تتم بشكل فردي أم مجاعي:
-احلاجات الفردية أتخذ نزعة فردية يف إشباعها كاحلاجة إىل الغذاء واللباس.
-احلاجات اجلماعية :وهي اليت ال تشبع إال يف اإلطار اجلماعي ،أي أتخذ نزعة مجاعية يف عملية
إشباعها ،كاحلاجة إىل الطرق واألمن.
71
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-احلاجات اإلنسانية متزايدة ومتنامية :أي ان احلاجات اإلنسانية تتزايد بشكل مستمر عرب الزمن،
من حيث الكم والشدة ،وذلك تبعا لعدة عوامل منها :الزايدة السريعة يف عدد السكان ،سرعة التطور
والتقدم التكنولوجي ،التغري االجتماعي والثقايف ،تقدم عمر اإلنسان.
-قابلية احلاجات اإلنسانية للتكرار والتجدد خالل دورات وفرتات زمنية منتظمة وغري منتظمة.
-احلاجات اإلنسانية متعددة ومتنوعة
-احلاجات اإلنسانية قابلة لإلحالل
-احلاجات اإلنسانية قابلة لالنقسام والقياس
-احلاجات اإلنسانية قابلة لإلشباع.
72
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
المدخل النظري
الفصل الثاني
73
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
الفصل الثاين :املدخل النظري
يتمثل السلوك االقتصادي لإلنسان يف ذلك السلوك الذي يضمن من خالله تلبية حاجاته ورغباته
انطالقا من املوارد االقتصادية املتاحة ،ومن مث فهو ميثل خمتلف األنشطة االقتصادية اليت يقوم هبا
اإلنسان من اجل تلبية حاجاته ورغباته ،من خالل معاجلته للموارد االقتصادية وإعادة تكييفها كميا،
كيفيا ،مكانيا وزمانيا.
وعلى ذلك فان االقتصاد هو حاصل جمموعة من األنشطة اليت يقوم هبا اإلنسان ،واليت تساهم يف
إشباع حاجاته ورغباته ورفع مستوى معيشته ،وأمام تزايد حاجاته ورغباته وندرة املوارد يضطر إىل
ممارسة جمموعة من األنشطة للوصول إىل املستوى األمثل من اإلشباع للحاجات والرغبات ،إذ تتمثل
تلك األنشطة يف :اإلنتاج ،التوزيع ،التبادل ،االدخار ،االستهالك ،االستثمار .وهذا ما سنحاول
توضيحه من خالل هذا الفصل ،انطالقا من التعريف بكل نشاط وتبيان خصائصه وأبعاده.
74
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
أوال :نشاط اإلنتاج
يعترب اإلنتاج من أهم األنشطة االقتصادية املوجدة للقيمة واملنفعة ،كونه املسؤول عن عمليات التحويل
والتغيري الواجب إجراؤها على املوارد املختلفة ،بغرض جعلها صاحلة إلشباع احلاجات والرغبات ،وهلذا
يكون من املهم جدا التطرق إىل مفهوم وماهية هذا النشاط االقتصادي وحتليل خمتلف أبعاده وعناصره
األساسية.
مفهوم اإلنتاج
يعترب نشاط اإلنتاج شكال من أشكال الصراع القائم بني اإلنسان والطبيعة ،والذي ميكنه من تكييف
خمتلف املوارد وتغيريها ابلشكل الذي جيعلها صاحلة لتلبية حاجاته ورغباته ،فهو يعرب عن العالقات
اليت تنشأ بني اإلنسان واإلنسان أو بني اإلنسان والطبيعة يف اطار سعيه إلجياد الوسائل املناسبة لتلبية
حاجاته ورغباته.
واعتبارا من ذلك فهو نشاط اقتصادي مهم وأساسي ،قد مكن اإلنسان خالل مسرية اتريخ وجوده
من البقاء والتكيف مع خمتلف التغريات والتطورات ،ونتيجة لذلك عرف تطورا وتوسعا خالل هذه
املسرية ،انتقل من الصيد والزراعة إىل إقامة املشاريع اإلنتاجية الضخمة ،كما انه عرف تطورا تقنيا من
خالل تطور أساليب وأدوات اإلنتاج.
.1تعريف اإلنتاج:
لقد اختلف االقتصاديون يف تعريفهم لإلنتاج وقد تباينت وجهات نظرهم حول ماهيته ،حبسب
اختالف املدارس االقتصادية والتوجهات الفكرية واإليديولوجية للمفكرين ،ومن بني التعاريف اليت
أعطيت هلذا املفهوم ما يلي:
75
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-عرف اإلنتاج على انه خمتلف العمليات اليت متكن من إجياد منفعة أو إضافة منفعة ألي سلعة
لتصبح مالئمة وقابلة إلشباع حاجة معينة ،أو هو عملية إجياد استعماالت جديدة للسلعة مل تكن
موجودة من قبل لتصبح جاهزة ومالئمة إلشباع رغبات وحاجات معينة للمستهلكني.32
-كما عرف على انه اجلهد اإلنساين الواعي واهلادف الذي يبذل جلعل املوارد صاحلة إلشباع
احلاجات اإلنسانية ،سواء عن طريق إجياد املنفعة اليت تشبع هبا هذه احلاجات ،أو بزايدة هذه املنفعة
يف السلعة اليت تصبح اكثر صالحية إلشباع احلاجات.33
-كما عرف على انه النشاط الذي يتضمن إضافة قيمة للموارد من خالل حتويل مدخالت معينة
(مواد خام ،أموال ،جهود بشرية ،جتهيزات )...إىل خمرجات قابلة لالستخدام يف تلبية احلاجات،
تتمثل تلك املخرجات يف املنتجات اليت قد تكون مادية ملموسة كالسيارات والطائرات واملواد
الغذائية ،أو خدمية كخدمات العالج والنقل والتعليم.34
-التعريف عند الطبيعيني :يف أواخر القرن السابع عشر سادت أفكار الطبيعيون حول اإلنتاج الذين
كانوا يرون انه عملية إجياد وخلق للمادة ،وأن األرض الزراعية هي املصدر الوحيد لإلنتاج ،أي اعتبار
النشاط الزراعي هو النشاط الوحيد املنتج ،أما ابقي عناصر اإلنتاج فهي تعمل على حتويل لشكل
املادة.35
-عند االشرتاكيني :يعرفه مفكري هذا النظام ابنه تلك الكميات من السلع امللموسة فقط ،حبيث
يستثىن خمتلف أنواع اخلدمات ،إذ يقول كارل ماركس" :اإلنتاج ال يشمل إال السلع املادية واخلدمات
اليت هلا صلة حقيقية ابإلنتاج املادي ،أما خدمات التجارة وغريها كالتعليم والصحة ال ميكن اعتبارها
من ضمن عملية اإلنتاج.
-32حممود حسني الواد ،إبراهيم حممد خريس ،نضال علي ،مبادئ علم االقتصاد ،دار املسرية للنشر والتوزيع ،عمان ،2010 ،ص.51
-33زينب حسني عوض هللا ،جمدي حممود شهاب ،أسامة حممد الفوىل ،أصول االقتصاد السياسي ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية،2000 ،
ص.49
-34اإلدارة العامة لتصميم وتطوير املناهج ،إدارة اإلنتاج ،املؤسسة العامة للتدريب التقين واملهين ،اململكة العربية السعودية ،طبعة ،2008ص.02
-35حممود حسني الواد ،إبراهيم حممد خريس ،نضال علي ،مبادئ علم االقتصاد ،دار املسرية للنش والتوزيع ،عمان ،2010 ،ص.51
76
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-عند الرأمساليني :يعرف اإلنتاج عند الرأمساليني على عكس تعريف مفكري النظام االشرتاكي،
حبيث يضم ويشمل كل أنواع املنتجات سواء كانت يف شكل مادي ملموس أو غري ملموس ،فكل
نشاط يساهم يف إشباع حاجات ورغبات األفراد يعترب نشاط إنتاجي.
-تعريف احلديني :يعترب اإلنتاج وفق احلديني خمتلف املنتجات اليت حتقق منفعة لدى الفرد سواء
امللموسة أو غري ملموسة.
-تعريف مبفهوم املنفعة :يتفق خمتلف االقتصاديني مبا فيهم االشرتاكيني والرأمساليون يف مفهوم
اإلنتاج (على أهنا خلق املنفعة ) اإلنتاج حسبها يشمل كافة السلع املادية واخلدمات مبا فيها خدمات
الصحة والسياحة ...وهذا لكوهنا حتقق منفعة
-املفهوم التقين لإلنتاج :هو عملية حتويل املوارد من شكل إىل آخر قابل لالستغالل من خالل
إخضاعها لعمليات خمتلفة من اجل خلق منافع معينة.
-املفهوم االقتصادي :يقوم مفهوم اإلنتاج على فكرة توظيف عناصر اإلنتاج يف مكان وزمان ما
هبدف احلصول على اإلنتاج وإجياد قيمة اقتصادية ،وهو يعرب عن ذلك اجلهد املبذول من طرف
اإلنسان من اجل تطوير املوارد الطبيعية وحتويلها إىل منتجات صاحلة إلشباع حاجات ورغبات
املستهلك ،فهو إذن كل نشاط يطبق على املوارد الطبيعية جلعلها صاحلة إلشباع حاجات ورغبات
معينة.
-املفهوم االجتماعي لإلنتاج :يرتكز املفهوم االجتماعي لإلنتاج على اإليديولوجية السياسية
السائدة يف اجملتمع ،كما انه يقوم على الربط بني النشاط اإلنتاجي والتنمية االقتصادية واالجتماعية،
كما يقوم أيضا على فكرة اعتبار اإلنتاج إدارة للتأثري والسيطرة على املشكالت االقتصادية والسند
احلقيقي للنظام االقتصادي القوي ،وعلى ذلك منيز يف هذا االطار بني مفهومني لإلنتاج وفق هذه
الرؤية كما يلي:
-املفهوم االجتماعي اخلالص :وعلى هذا األساس يتكون اإلنتاج من عمليات تفاعل طبيعي بني
املوارد البشرية وغري بشرية جملتمع ما ،تتسبب يف إحداث تغيريات جذرية واسعة يف اهليكل االقتصادي
77
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
واالجتماعي هلذا اجملتمع ،أي ان النشاط اإلنتاجي هو عمليات التفاعل الطبيعي بني عناصر اإلنتاج،
اليت تساهم بشكل تلقائي وغري مقصود يف تغيري وتوجيه التطورات والعالقات االجتماعية واالقتصادية
يف اجملتمع.
-املفهوم االجتماعي ذو الطابع السياسي :ووفق هذا املفهوم يتكون نشاط اإلنتاج من العمليات
التنموية الطويلة أو القصرية األجل املستمرة أو املؤقتة ،اليت تستخدم فيها املوارد االقتصادية
واالجتماعية جملتمع ما ،وتوظيفها وفق رؤية وخطط معينة ومقصودة للتأثري يف اهليكل االقتصادي
واالجتماعي والسياسي ،أي هي عملية تدخل مقصود وممنهج لتنظيم وتوجيه عمليات توظيف
عناصر اإلنتاج يف اهليكل االقتصادي واالجتماعي للمجتمع.
-املفهوم الواسع لإلنتاج :يرى الفكر االقتصادي احلديث ان اإلنتاج ليس خلق املادة وإمنا هو إجياد
املنفعة أو إضافة منفعة جديدة ،36مبعىن إجياد استعماالت جديدة مل تكن موجودة من قبل ،وذلك
من خالل إحداث أثر على تلك املوارد سواء بتغيري شكلها أو مكان تواجدها أو ملكيتها أو
االحتفاظ هبا إىل زمن احلاجة إليها ،ويظهر من ذلك ان اإلنتاج وفق املفهوم املوسع له حيقق اربع
37
منافع أساسية وتتمثل فيما يلي:
-املنفعة الشكلية :وهي حمصلة العمليات التصنيعية والتحويلية اليت تؤدي إىل تغيري شكل وطبيعة
املوارد بغرض إجياد أو إضافة منافع جديدة أو تغيري منافعها ،أي تكييف املوارد مع حاجات ورغبات
اإلنسان ،ويتم ذلك من خالل عمليات خمتلفة كاإلذابة ،املزج ،الرتكيب ،التفكيك ،والتجميد
...اخل ،وتنتج هذه املنافع من خالل حتويل املادة من شكل إىل آخر ،مثل حتويل الصوف إىل
مالبس ،واخلشب إىل أاثث ،والنفط إىل وقود ،واحلديد إىل سيارة.
-املنفعة املكانية :واليت ميكن احلصول عليها من جراء عمليات النقل (أي نقل املواد من مكان تكون
فيه أقل قيمة ومنفعة إىل مكان آخر تكون ذات منفعة اكرب من السابق) ،أو نقلها من أماكن إنتاجها
إىل أماكن استهالكها .أو من األماكن اليت يقل الطلب عليها فيه إىل األماكن اليت يكثر الطلب
- 36كاسر نصر املنصور ،إدارة اإلنتاج و العمليـات ،دار حامد للنشر و التوزيع ،عمـان ،2000 ،ص .25
-37حممود حسني الواد ،إبراهيم حممد خريس ،نضال علي ،مبادئ علم االقتصاد ،دار املسرية للنشر والتوزيع ،عمان ،2010 ،ص.51
78
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
عليها فيه ،كنقل املواد الزراعية من املزارع إىل األسواق أو إىل املدن ،نقل املعادن من املناجم إىل
املصانع ،نقل األمساك من املوانئ إىل حماالت البيع....اخل.
-املنفعة الزمنية :واليت تتحقق من خالل عملية االحتفاظ ابملواد من وقت إىل وقت آخر ،أي نتيجة
عمليات التخزين اليت متكن من حفظ املواد ضمن شروط السالمة إىل غاية أن حيني وقت استخدامها
أو تظهر احلاجة إليها ،أي ختزين املواد يف زمن الوفرة والوقت الذي تقل فيه قيمتها واالحتفاظ هبا إىل
الوقت الذي تكون قيمتها عالية ،كاالحتفاظ ابملنتجات الزراعية املومسية يف وقت إنتاجها أين تكون
متوفرة بكثرة إىل غاية املواسم اليت تكون فيها اندرة ،وهكذا ميكن نشاط التخزين من التوزيع الزمين
للمواد حمققا بذلك منفعة ويضيفها تلك املواد.
وتتقاطع هنا وظيفة نشاط التخزين مع وظيفة نشاط اإلنتاج ،وذلك ان اإلنتاج يف بعض األحيان
يستهدف إطالة مدة صالحية املواد ،على سبيل املثال مشتقات احلليب واألمساك واللحوم ،حبيث يتم
إضافة مواد حافظة تساهم يف زايدة مدة صالحية املواد.
-املنفعة احليازية أو التبادلية :وتنتج عن عمليات نقل ملكية املواد من أشخاص يكونوا اقل حاجة
إليها إىل أشخاص هم حباجة إليها أكثر ،أي من املنتجني إىل املستهلكني أو من البائعني الذين
ميلكون كميات من مادة معينة أكثر من حاجتهم إىل املشرتين الذين يكونوا حباجة إليها ،وبذلك
تصبح تلك املواد ذات قيمة عند األشخاص اجلدد بعدما كانت غري انفعة عند البائعني ،وهذه
اإلضافة يف املنفعة للمواد نتجت عن عملية التبادل بني طرفني.
ومن خالل ما سبق ميكن تعريف نشاط اإلنتاج على انه ذلك اجلهد اإلنساين املنظم والواعي الذي
يبذل جلعل املوارد االقتصادية صاحلة إلشباع احلاجات والرغبات اإلنسانية عن طريق إضفاء املنفعة
على السلعة اليت تصبح اكثر صالحية لتلبية احلاجات.
أساليب اإلنتاج:
يعرب مفهوم أسلوب اإلنتاج عن الطريقة والكيفية اليت حتدد عناصر اإلنتاج وخمتلف العالقات
االجتماعية يف اإلطار اإلنتاجي ،ويعكس أسلوب اإلنتاج طبيعة احلياة االجتماعية واالقتصادية العامة
79
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
للمجتمع وطبيعة ملكية وسائل اإلنتاج ،ووفق كارل ماكس فان هناك عالقة جدلية اترخيية تربط بني
أسلوب اإلنتاج والتطور االجتماعي واالقتصادي للمجتمعات ،ووفقا لذلك فقد عرفت البشرية عدة
أمناط من أساليب اإلنتاج عرب املراحل التارخيية لتطورها االجتماعي واالقتصادي ،بدءا من األسلوب
البدائي لإلنتاج مرورا أبسلوب الرق أو العبودي ،مث أسلوب اإلقطاعي ،مث األسلوب الرأمسايل ،وفيما
38
يلي شرح خمتصر لكل منها:
-أسلوب اإلنتاج البدائي :يتميز هذا النمط اإلنتاجي انه تعاوين مجاعي نتيجة الضعف واالنعزال
الفردي ،ومن مرتكزاته :العمل اجلماعي واملساعدة املشرتكة القائمة على امللكية املشاعة ،امللكية
االجتماعية وتوزيع املنتجات املشرتكة ،كانت العمليات اإلنتاجية ضمنه تتمثل يف تربية احليواانت،
الصيد ،مجع الثمار والنبااتت ،الزراعة ،وكان يعتمد فقط على اإلنتاج اليدوي ،كما انه يتميز خبلوه من
الطبقات االجتماعية.
-األسلوب اإلنتاجي املعتمد على الرق (العبودي) :لقد أدى التطور االجتماعي وما نتج عنه من
التخصص وتقسيم العمل إىل بروز ظاهرة الطبقية ،واملتمثلة يف طبقتني :األوىل طبقة األسياد وهم
املستغِلون ،وطبقة العبيد وهم املستغَلون ،ومن مرتكزات هذا األسلوب :امللكية الفردية للعبيد ووسائل
اإلنتاج ،انقسام اجملتمع إىل طبقات متناحرة ،االستحواذ على فائض اإلنتاج الناتج عن جهد العبيد
من طرف طبقة األسياد ،وذلك من خالل اإلكراه االقتصادي والبدين ،وكان يعتمد هذا النمط
اإلنتاجي على اإلنتاج السلعي البسيط من خالل أنشطة الزراعة ،تربية احليواانت ،احلرف اليدوية ،كما
عرف أيضا أعمال التجارة ،ويتميز بوجود الطبقية اليت تتمثل يف ثالث طبقات :الطبقة األوىل تتمثل
يف طبقة املالك واألسياد ،والثانية طبقة العبيد ،إضافة إىل طبقة اثلثة تتمثل يف املنتجون األحرار وهم
منتجو السلع الصغار مثل الفالحني واحلرفيني.
-أسلوب اإلنتاج اإلقطاعي :يقوم جوهر هذا األسلوب على أساس ان ملكية األراضي تعود إىل
املالك اإلقطاعي ابإلضافة إىل تبعية الفالح إىل األرض ،حيث يتم ختصيص جزء منها للفالح،
-38صامويل عبود ،االقتصاد السياسي للرأمسالية ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1990 ،ص.07
80
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
هبدف إمداد اإلقطاعي ابليد العاملة ،ومن أهم مرتكزات هذا األسلوب :ملكية األسياد اإلقطاعيني
لوسائل اإلنتاج ،تبعية الفالحني الشخصية لإلقطاعيني ،انقسام اجملتمع إىل طبقات متناقضة ،استحواذ
اإلقطاعيني على فائض اإلنتاج املتحصل من الفالحني وحىت ذلك املتحصل من طرف احلرفيني يف
بعض األحيان ،واستخدام أساليب اإلكراه االقتصادي والبدين املمارس من قبل اإلقطاعيني.
-أسلوب اإلنتاج الرأمسايل :يقوم جوهر هذا األسلوب على امللكية الفردية لوسائل اإلنتاج واليت تعود
إىل الرأمسايل ،الذي يستحوذ على فائض القيمة ،إال ان هذا األسلوب ال يعتمد على اإلكراه ،ولكن
على عالقات إنتاجية تتسم ابلرضا وتبادل املنافع بني الطرفني ،وقد ظهر هذا األسلوب كنتيجة
للتناقضات واملشاكل اليت عرفها األسلوب اإلقطاعي ،كما تزامن مع ظهور املصانع والشركات
الضخمة اليت حتتاج إىل يد عاملة كبرية ،كما ان أسلوب اإلنتاج يف ظل هذا النظام قد تطور وحتسن
ابستمرار وخاصة مع التطور التكنولوجي واالقتصادي الذي عرفته البشرية ،ابجتاه االهتمام ابنشغاالت
العمال واحتياجاهتم الفيزيولوجية والنفسية واالجتماعية ،وخاصة مع تطور الفكر اإلداري واالقتصادي
ومنو الوعي لدى اجلماهري ،مما أدى إىل بروز عدة اهتمامات يف جمال اإلنتاج ،من بينها :االهتمام
اكثر ابلعنصر البشري يف النظام اإلنتاجي ،االهتمام بعالقة النشاط اإلنتاجي ابلبيئة واملوارد الطبيعية،
االهتمام ابإلبداع واالبتكار ،تبعية النشاط اإلنتاجي لالستهالك (سيادة املستهلك).
-أسلوب اإلنتاج االشرتاكي :يقوم هذا األسلوب على امللكية اجلماعية لوسائل اإلنتاج ،ومن مث
التشارك يف اقتسام الناتج ،حيث يركز كثريا على عالقات العمل املكونة للنشاط اإلنتاجي ،سواء
ابلنسبة لعالقة اإلنسان ابإلنسان ،أو عالقة اإلنسان بوسائل اإلنتاج ،ويتميز ابن عملية اختاذ القرار
اخلاصة ابإلنتاج من حيث الكمية والنوعية وطريقة التوزيع يكون بيد السلطة املركزية للتخطيط،
وابلتايل تكون الوحدة اإلنتاجية جمردة من مسؤولية اختاذ القرار وتصبح جمرد وحدة للتنفيذ ،كما انه
يتميز بعدم وجود الطبقية ،واالهتمام اكثر ابلعمال وبتحسني ظروف عملهم.
81
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
أشكال وأنواع اإلنتاج:
تتعدد وتتنوع أساليب وأشكال اإلنتاج حبسب املعايري املستخدمة يف عملية التمييز والتصنيف ،ولذلك
جند عدة أشكال منها ما يلي:
.1حسب الغرض من االستخدام :ومنيز هنا بني نوعني من اإلنتاج ومها:
-إنتاج وسائل اإلنتاج :وهي تلك العمليات اإلنتاجية اليت تستهدف إنتاج املواد اليت تستخدم يف
عمليات إنتاجية أخرى ،كإنتاج اآلالت والتجهيزات اإلنتاجية واملواد األولية وغريها من املواد اليت
تتطلبها العمليات اإلنتاجية.
-إنتاج وسائل االستهالك :ويتمثل يف إنتاج املواد اليت توجه مباشرة إىل االستهالك النهائي ،أي املواد
اليت تستخدم يف إشباع احلاجات والرغبات.
.2حسب طبيعة املنتج :وهنا منيز بني نوعني من األنشطة اإلنتاجية وهي:
-إنتاج السلع :ويتمثل يف عمليات إنتاج سلع مادية ملموسة ،كاملواد الغذائية والسيارات والكراسي
وغريها.
-إنتاج اخلدمات :ويتمثل يف إنتاج منتجات غري ملموسة كخدمات الصحة والتعليم والصيانة...اخل.
إعادة اإلنتاج:
ويقصد هبا تلك األنشطة اليت تضمن استمرارية الدورة اإلنتاجية ،واليت تنقسم إىل نوعني:
-إعادة اإلنتاج البسيط :وتتمثل يف إعادة اإلنتاج بنفس حجم اإلنتاج وبنفس الطاقة اإلنتاجية
-إعادة اإلنتاج املوسع :وتتضمن إعادة اإلنتاج مع زايدة الطاقة اإلنتاجية وحجم اإلنتاج.
عوامل اإلنتاج:
تقوم عملية اإلنتاج على مقومات وعناصر أساسية ال بد من توفرها حىت تتم هذه العملية ،واليت يطلق
عليها بعناصر اإلنتاج ،وهي كل العناصر الداخلة يف العملية اإلنتاجية ،واليت هي ضرورية للحصول
على املنتجات النهائية ،إذ تعترب مدخالت للنظام اإلنتاجي ،فقد عرفت على أهنا جممل العناصر
82
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
املادية واإلنسانية لعملية اإلنتاج واليت تتفاعل معا يف نشاط حيوي متبادل وموجه لتكييف املوارد
الطبيعية وحيازة موجوداهتا وفق متطلبات اإلنسان ،39إذ تصنف إىل أربعة أصناف أساسية كما يلي:
.1العامل البشري :يتثمل يف جهد اإلنسان سواء العضلي أو الفكري الذي يقوم به الفرد من أجل
اإلنتاج أو للقيام بنشاط معني مقابل أجر معني ،40كما عرف على أنه نشاط هادف لإلنسان من
أجل خلق قيم استعمالية توفر له الشروط العامة لتأمني الطاقة الضرورية لنشاطاته ولتعويض املندثر
منها ،وذلك يف اطار عالقة اإلنسان ابلطبيعة ،فهو يعترب عملية فاعلة تظهر عالقات إنتاجية اترخيية
تشكل بدورها تطور قوى اإلنتاج ،فكل عالقة عمل تتضمن يف الوقت ذاته عالقات اجتماعية للناس
فيما بينهم تعكس يف حمتواها عالقات إنتاجية ،41ويعترب من أهم عناصر اإلنتاج وأساسها ،فالعمل
هو ذلك النشاط الذي يبذله الفرد بشكل هادف وواعي أثناء العملية اإلنتاجية أو من اجل إنتاج
سلع وخدمات ،ويظهر من خالل ما سبق أن مفهوم العمل يقوم على العناصر التالية:
-ان يتضمن تضحية ابلوقت واجلهد وحتمل األمل ،وهلذا يتطلب تعويض ومقابل لذلك.
-يتضمن أمهية اقتصادية تتمثل يف القيمة املضافة اليت حيدثها على األشياء.
فالعمل ميثل كل جمهود بشري يبذل بشكل هادف وواعي يف اطار العملية اإلنتاجية ،وعلى هذا
األساس ميكن التمييز بني نوعني من العمل كما يلي:
-العمل البدين :وهو ذلك اجملهود العضلي الذي يبذله اإلنسان يف اطار العملية اإلنتاجية ،ويتحقق
ابالتصال املباشر بني العامل ووسائل اإلنتاج.
-39صامويل عبود ،االقتصاد السياسي للرأمسالية ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1990 ،ص.05
-40متوكل بن عباس حممد مهلهل ،مبادئ االقتصاد -مدخل عام ،دار املريخ للنشر ،اململكة العربية السعودية ،2009 ،ص.21
-41صامويل عبود ،االقتصاد السياسي للرأمسالية ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1990 ،ص.05
83
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-العمل الذهين :وميثل ذلك اجملهود الفكري الذي يبذله اإلنسان يف اطار العملية اإلنتاجية من اجل
احلصول على سلع وخدمات ،ومن أشكاله :التصميم ،اإلبداع واالبتكار ،تقدمي االستشارات،
التحليل...إخل.
.2العامل الطبيعي :هو كافة املوارد الطبيعية املتاحة يف اجملتمع اليت تساعد اإلنسان على إنتاج السلع
واخلدمات ،كما انه ميثل خمتلف العناصر الطبيعية اليت مل يتدخل اإلنسان يف صنعها ،سواء كانت فوق
األرض أو حتتها ،كاملياه ،اخلشب ،املعادن ،األرض ،املناخ ،املوقع اجلغرايف ،الطاقة الشمسية...إخل.
وميكن تقسيم هذه العناصر إىل ثالث أنواع كما يلي:
-املواد األولية :ومتثل خمتلف املواد اليت حيصل عليها اإلنسان من الطبيعة دون ان يتدخل يف صنعها
أو يغري شكلها ويقتصر دوره فقط يف مجعها من أماكنها املختلفة ،استخراجها من ابطن األرض،
حيث حتتاج تلك املواد إىل معاجلة وإعادة تكييف وتغيري ألهنا ال تصلح إلشباع احلاجات والرغبات
بشكلها الطبيعي ،وعلى هذا فإهنا متثل عنصر أساسي يف العملية اإلنتاجية ألهنا هي من يقع عليه
التغيري والتحويل والرتكيب وغريها ،ومن األمثلة على تلك املواد جند :املعادن مبختلف أنواعها،
اخلشب ،املياه...اخل
-القوى احملركة للعملية اإلنتاجية :وتتمثل يف خمتلف العناصر اليت تستخدم كقوى دافعة وحمركة
لإلنتاج ،أي تلك املواد اليت تستخدم يف تشغيل اآلالت واألجهزة اإلنتاجية ،ولكن مل ختضع ألي
عملية حتويل أو تغيري من طرف اإلنسان ومن األمثلة على ذلك جند :الطاقة الشمسية ،الرايح...
-األرض :تعترب األرض قاعدة مهمة ملمارسة النشاط اإلنتاجي مهما كان نوعه ،سواء زراعي أو
صناعي أو خدمي ،فال ميكن ممارسة تلك األنشطة من دون وجود مساحات أرضية كافية خمصصة
لذلك الغرض ،وسواء كان ذلك على اليابسة أو على مستوى املسطحات املائية ،كما ميكن ان
تشمل أيضا املناخ واملوقع اجلغرايف ،ويرى ريكاردو أن عرض األرض اثبت ال ميكن زايدته لكوهنا انبعة
من الطبيعة بشكل حمدود ،وعلى هذا األساس ميكن التمييز بني نوعني من العرض ومها :العرض
84
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
املادي لألرض وهو إمجايل املساحة الكلية من األراضي املتاحة لدولة ما وهذا النوع من العرض اثبت
ال ميكن زايدته ،والعرض االقتصادي لألرض وهو متغري ويتوقف على معدل إدخال أراضي جديدة يف
االستخدام من خالل استصالحها ،أو رفع إنتاجيتها من خالل استخدام األمسدة وغريها ،وعلى هذا
فان عرض األرض يعكس الوفرة أو الندرة النسبية لألراضي الصاحلة لالستخدام ومدى قابليتها
لالستصالح وقدرهتا على الوفاء ابألغراض.42
.3عامل رأس املال :وهو أهم قسم يف العملية اإلنتاجية ،إذ ميثل جمموع املواد اليت سبق إنتاجها من
طرف اإلنسان ،واليت تستخدم يف عمليات اإلنتاج املختلفة لتوفري السلع واخلدمات اليت حتقق إشباع
حاجات اإلنسان وزايدة إنتاجية العمل ،أو هو خمتلف األجهزة والعناصر املستخدمة يف العملية
اإلنتاجية ،وميكن التميز بني عدة أنواع من رأس املال وفق عدة معايري كما يلي:
-رأس املال الثابت واملتغري :ويتم التمييز هنا على أساس إمكانية إعادة استخدام تلك العناصر من
عدمها ،ووفق هذا املعيار نفرق بني نوعني من رأس املال ومها:
oرأس مال اثبت :ويقصد به تلك األصول اليت ال تنتهي مبجرد استخدامها ألول مرة ،أي هو
ذلك الذي يستخدم يف العملية اإلنتاجية لعدة مرات مثل املباين واألجهزة واآلالت ،ويتميز
أبنه قابل لإلهتالك ،أي تدهور قيمته وجودته مع مرور الزمن أو من خالل املشاركة يف
العملية اإلنتاجية.
oرأس مال متغري :وهو تلك املواد اليت تنتهي مبجرد استخدامها ألول مرة ،أي هو خمتلف
العناصر واملواد اليت تستخدم مرة واحدة يف العملية اإلنتاجية مثل املواد األولية ،الطاقة.
-رأس املال النقدي والعيين :ومنيز هنا على أساس سيولة األصول:
oرأس املال العيين :ويشمل خمتلف األصول املادية اليت تستخدم يف العملية اإلنتاجية
كاآلالت واملعدات اإلنتاجية ،املباين ،التجهيزات اإلنتاجية املختلفة.
-42ضياء جميد املوسوي ،النظرية االقتصادية :التحليل االقتصادي اجلزئي ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1990 ،ص.351
85
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
oرأس املال النقدي :ويتمثل يف األموال السائلة اليت يتطلبها النشاط اإلنتاجي ،كاألسهم
والسندات والنقدية.
43
-حسب طبيعتها :ومنيز بني :رأس املال املادي ورأس املال االجتماعي:
oرأس املال املادي :هو خمتلف العناصر املادية اليت أوجدها اإلنسان وتستخدم يف العملية
اإلنتاجية كاملعدات واآلالت واملواد اخلام.
oرأس املال االجتماعي :يتمثل يف كافة العناصر والتجهيزات اجلماعية اليت ميلكها اجملتمع
مثل :الطرق ،اجلسور ،املستشفيات ،املدارس ...إخل.
.4عامل التنظيم :وهو عبارة عن نشاط مبذول يعمل على تنظيم وتوجيه وتنسيق العمليات
اإلنتاجية وجهود األفراد ،ودفعها حنو حتقيق األهداف املسطرة ،أي يوجه التفاعل القائم بني عناصر
اإلنتاج األخرى ،ويتحمل على عاتقه نتيجة املخاطرة ،أي أن نتيجته غري حمددة ومعروفة مسبقا فقد
تكون خسارة أو ربح .حيث يعمل التنظيم على حتقيق ما يلي:
ان لعوامل اإلنتاج مقابل نتيجة مشاركتها ومسامهتها يف العملية اإلنتاجية ،وهذا املقابل هو الذي
يطلق عليه عوائد عوامل اإلنتاج ،وهو ضروري من أجل ضمان ودفع تلك العوامل على املشاركة يف
العملية اإلنتاجية ،إذ يتمثل يف ذلك الكسب املادي الذي يتحصل عليه أصحاب عوامل اإلنتاج
مقابل املشاركة يف العلمية اإلنتاجية ،وتتمثل فيما يلي:
-43السيد حممد امحد السرييت ،أسس علم االقتصاد ،دار التعليم اجلامعي للطباعة والنشر والتوزيع ،اإلسكندرية ،2014 ،ص.233
86
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-عائد العامل الطبيعي يتمثل يف الريع :والذي ميثل جمموع املدفوعات اليت تدفع ملالك عناصر اإلنتاج
ذات العرض غري مرن بدرجة عالية ،وحسب ريكاردو فإن الريع هو عائد الستخدام القوى الطبيعية
اليت ال هتتلك ،44وحسبه فإن عدم مرونة عرض العوامل الطبيعية انتج عن كوهنا انبعة من الطبيعة
بشكل حمدود ال يقبل الزايدة ،وعلى ذلك فان املكافأة املعطاة لقلة استخدام األرض تتحدد ابلطلب
عليها ،45أي أن قيمة الريع الذي ميثل املقابل الذي أيخذه مالك العوامل الطبيعية يتحدد تبعا حلجم
الطلب عليه ،فكلما كان الطلب عليه عايل ارتفع سعرها والعكس عندما ينخفض الطلب عليها.
-عائد عامل رأس املال يتمثل يف الفائدة :وهو ذلك العائد الذي حيصل عليه صاحب رأس املال
نتيجة مشاركته يف العملية اإلنتاجية والتضحية ابالنتفاع به يف الوقت احلاضر ،ومن وجهة النظر
اإلنتاجية يتمثل يف تلك التكلفة اليت تتحملها املؤسسة من أجل احلصول على رأس املال الالزم للقيام
ابلعملية اإلنتاجية.46
-عائد العمل يتمثل يف األجر :وتعترب األجور ذلك التعويض الذي حيصل عليه العامل نتيجة
مشاركته يف العملية اإلنتاجية ،وينظر إليه من وجه نظر اإلنتاج على أنه تكلفة العمل عن كل وحدة
زمنية من العمل أو عن كل وحدة من اإلنتاج.47
-عائد التنظيم يتمثل يف الربح :ويقصد ابلربح ذلك العائد الذي حيصل عليه املنظم نتيجة مشاركته
وحتمل مسؤولية التنظيم والتوجيه والتنسيق بني عناصر اإلنتاج ،فقد عرف على أنه الفرق بني اإليراد
والتكاليف ،وتتضمن فكرة الربح االختيار املنظم بني عدة بدائل من األحجام اليت تعطي كل منها
مستوى معني من األرابح ،وكونه دائما يتجه إىل حتقيق أعلى مستوى من الربح فإنه حيمله ذلك
خماطرة متعلقة ابملعلومات حول املستقبل غري الواضحة.48
-44حممد مدحت مصطفى ،اقتصادايت األراضي الزراعية :األسس والنظرايت والتطبيق ،مكتبة اإلشعاع الفنية للطباع والنشر والتوزيع،1998 ،
ص.137،139
45
-نفس المرجع السابق ،ص.351
46
-نفس المرجع ،ص.363
:التحليل االقتصادي اجلزئي ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1990 ،ص.331 -47ضياء جميد املوسوي ،النظرية االقتصادية
48
-نفس المرجع ،ص.359
87
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
ويرى بعض االقتصاديني أنه ال توجد سوى نوعني من املداخيل لعوامل اإلنتاج ومها :عوائد على
امللكية واليت تتمثل يف الريع والربح والفائدة ،وعوائد العمل املتمثل يف األجر ،وذلك أن الربح والفائدة
والريع ختتلف عن األجور بكوهنا متثل عائدات على امللكية.49
تعرب عوامل اإلنتاج عن خمتلف العناصر املادية وغري مادية الضرورية إلمتام العملية اإلنتاجية ،فال ميكن
قيام هذه األخرية من دون وجود تلك العناصر ،واليت تتميز مبجموعة من اخلصائص ميكن إبرازها فيما
يلي:
-القابلية لإلحالل :أي ميكن لعامل معني من عوامل اإلنتاج أن حيل حمل عامل آخر يف العملية
اإلنتاجية سواء بشكل جزئي أو بشكل كامل ،كما هو احلال ابلنسبة لعنصر العمل ورأس املال.
-القابلية للتجزئة والقياس :أي ميكن جتزئة عوامل اإلنتاج إىل أجزاء ووحدات كما ميكن قياسها.
-القابلية للتكامل :أي تكامل عوامل اإلنتاج فيما بينها إلمتام عملية إنتاج سلعة معينة ،كاستخدام
احلديد واإلمسنت لبناء منزل.
-هلا مثن :وهي خاصية تتمتع هبا كل املوارد االقتصادية ،وذلك ابلنظر إىل ندرهتا وأمهيتها يف العملية
اإلنتاجية ،أي ال ميكن إمتام هذه األخرية من دون استخدام تلك العوامل ،ويتمثل مثن عناصر اإلنتاج
يف ذلك العائد الذي حيصل عليه كل عامل من تلك العوامل ،والذي يتحدد حسب مستوى العرض
والطلب عليها ،فاذا كان مستوى الطلب عليها أعلى من مستوى العرض منها يؤدي إىل ارتفاع
أسعارها ،والعكس عندما يرتفع العرض منها على الطلب ،كما جند أيضا عالقة بني أسعار عوامل
اإلنتاج وأسعار املنتجات النهائية ،وذلك أن أسعار عوامل اإلنتاج متثل تكاليف إلنتاج املنتجات
النهائية ،كما أن الطلب على عناصر اإلنتاج يرتبط ابلطلب على املنتجات النهائية ،حيث ان زايدة
-49ضياء جميد املوسوي ،النظرية االقتصادية :التحليل االقتصادي اجلزئي ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1990 ،ص.351
88
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
الطلب على املنتجات النهائية يؤدي إىل زايدة الطلب على عوامل اإلنتاج ،ومن مث ارتفاع أسعارها إذا
مل يقابله زايدة يف العرض منها.
نظام اإلنتاج:
النظام اإلنتاجي هو الطريقة والكيفية اليت جتمع هبا عوامل وعناصر اإلنتاج من أجل احلصول
على سلعة أو خدمة معينة ،واليت أتخذ شكل مدخالت وعمليات وخمرجات ،وأنظمة اإلنتاج عديدة
50
ومتنوعة ،فهناك أنظمة اإلنتاج ملنظمة صناعية وأنظمة إنتاج ملنظمة خدمية وذلك كما يلي:
-النظـام اإلنتاجي الصناعي :وهو عبارة عن النظام الذي يتضمن العمليات اإلنتاجية اهلادفة
إىل احلصول على سلع مادية ملموسة ،وميثل الصيغة التنظيمية إلدارة اإلنتاج.
-النظام اإلنتـاجي اخلدمـي :وعبارة عن النظام الذي يتضمن العمليات اإلنتاجية اهلادفة إىل
إنتاج اخلدمات ،وميثل الصيغة التنظيمية إلدارة العمليات.
العملية اإلنتاجية:
هي العملية اليت مبقتضاها يتم مزج عناصر اإلنتاج من أجل احلصول على السلع واخلدمات اليت
حيتاجها أفراد اجملتمع ،51فهي متثل خمتلف العمليات املرتبة واملنظمة بشكل هادف ومناسب وخمطط
له من أجل احلصول على منتجات من نوع معني ،واليت تتطلب جمموعة من العناصر املادية كاآلالت
واملواد األولية ،والعناصر البشرية ،إضافة إىل العناصر غري مادية كاملعارف ومناذج التصميم
والتكنولوجيا ،والعناصر البيئية.
اإلنتاجية:
هي مؤشر من مؤشرات قياس أداء عناصر اإلنتاج ،وهي تعبري عن مدى مسامهة وكفاءة تلك العناصر
يف العملية اإلنتاجية ،فقد عرفت على أهنا مقياس للعالقة بني املخرجات واملدخالت ،واليت تعرب عن
- 50كاسر نصر املنصور ،إدارة اإلنتاج والعمليـات ،دار حامد للنشر والتوزيع ،عمـان ،2000 ،ص .26
-51السيد حممد امحد السرييت ،أسس علم االقتصاد ،دار التعليم اجلامعي للطباعة والنشر والتوزيع ،اإلسكندرية ،2014 ،ص.231
89
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
القدرة على تكوين الناتج ابستخدام عناصر إنتاج حمددة ،وبذلك فهي متثل مقياس حلسن استخدام
وتوظيف عناصر اإلنتاج يف النشاط اإلنتاجي ،52وميكن حساهبا بطريقة التالية:
كمية االنتاج احملصل عليها خالل فرتة زمنية معينة
االنتاجية =
كمية عوامل االنتاج املستخدمة يف احلصول على ذلك االنتاج
وميكن التمييز هنا بني :إنتاجية العمل ،وإنتاجية رأس املال ،وإنتاجية األرض .كما ميكن حساهبا
ابلكمية أو ابلقيمة.
وتتأثر اإلنتاجية بعدة عوامل منها :قدرات ومهارات األفراد ورغبتهم يف العمل ،التكنولوجيا املستخدمة
يف العملية اإلنتاجية ،نوعية وكفاءة اآلالت ،والظروف احمليطة ابلعملية اإلنتاجية.
يقصد ابملبادلة تنازل شخص عن شيء ما لشخص مقابل شيء آخر مياثله ويعادله يف القيمة من
وجهة نظر أطراف التبادل ،أي هو عملية تبادل املنافع بني األشخاص ،وحىت تتم عملية التبادل بني
األشخاص البد من وجود اختالف يف األشياء اليت ميلكها الطرفان ،إضافة إىل الرغبة لكال الطرفان
يف القيام بعملية املبادلة ،ونشاط التبادل ميثل حلقة مهمة تصل بني اإلنتاج واالستهالك ،وعلى ذلك
األساس يعترب من األنشطة األساسية للمجتمعات منذ القدم ،سواء كانت يف شكل مقايضة أو
ابستعمال النقود اليت لعبت دورا أساسيا يف تطور واتساع هذا النشاط.53
إن تقسيم العمل واالجتاه حنو التخصص هو الذي ولد وفرض التبادل التجاري بني األشخاص وبني
اجملتمعات ،حيث ال يستطيع الشخص أن ينتج كل حيتاجه وهذا ما يؤدي به إىل التخصص يف إنتاج
نوع معني ،وهذا حيتم عليه مبادلة ما لديه من فائض مبا لدى اآلخرين من فوائض ،ومن هنا تظهر
-52غسان قسام دواد الالمي ،أمية شكرويل البيايت ،إدارة اإلنتاج والعمليات :مرتكزات معرفية ،دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع ،األردن،2008 ،
ص.39
-53نصيب رجم ،إدارة أنظمة التوزيع -تطبيقات ودراسة حالة ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،عنابة ،اجلزائر ،2006 ،ص.10
90
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
ضرورة التجارة يف حتقيق مبدأ التخصص ،وعليه ميكن القول أن كال من التخصص والتجارة متكاملني
وال ميكن ألحدمها أن يقوم من دون اآلخر.
وقد عرف هذا النشاط تطورات مهمة تبعا لتطور نشاط اإلنتاج واألنظمة االقتصادية واالجتماعية
للبشرية ،فقد ظهر بداية كنتيجة للتخصص وتقسيم العمل بني األشخاص يف شكل نظام املقايضة
اليت تقوم على مبادلة سلعة بسلعة أخرى ،ليتطور بعدها وحتت ضغط اتساع املبادالت التجارية
وتنوعها وتعدد احلاجات البشرية إىل نظام البيع والشراء ابالعتماد على وسيط التبادل الذي حيظى
بقبول لدى مجيع األطراف ،ليطرأ عليه هو اآلخر تطورات وحتوالت انتقل على اثرها من النظام
السلعي القائم على اعتماد سلعة ذات قيمة كوسيط للتبادل إىل استخدام املعادن النفيسة ابعتبارها
حتظى بقبول عام ،لتظهر بعدها النقود املعدنية مث النقود االئتمانية وأخريا وسائل الدفع اإللكرتونية.
عناصر التبادل:
إن نشاط التبادل التجاري يتطلب وجود شخصني أو اكثر ،مع وجود حيز ميكن طريف التبادل (البائع
واملشرتي) من القيام بعميلة التبادل ،مع وجود أشياء ذات قيمة لدى الطرفني يرغب كل منهما يف
مبادلتها ابلشيء الذي حبوزة اآلخر ،وانطالقا من هذا فإن عملية التبادل تقوم على جمموعة من
العناصر ميكن إيضاحها فيما يلي:
أطراف التبادل :فأي عملية تبادل جتاري ال بد أن تتم بني طرفني اثنني يرغب كل منهما يف التنازل
عن شيء ميلكه مقابل احلصول على شيء آخر هو ملك للطرف اآلخر ،يعتقد انه مناسب لتلبية
حاجاته ورغباته ،ويسمى الطرفان ابلبائع واملشرتي .حيث يعترب البائع الشخص الذي ميلك الشيء
الذي يرغب يف التنازل عليه مقابل شيء آخر ،أما املشرتي فهو الشخص الذين يرغب يف شراء شيء
موضوع التبادل مقابل دفع قيمته للبائع.
حمل التبادل :أو موضوع التبادل وهو الشيء الذي ميلكه البائع ويرغب يف التنازل عليه للمشرتي
مقابل شيء آخر ،وهو حيمل منفعة معينة لدى املشرتي وهلذا يكون مستعد للحصول عليه مقابل مثن
معني.
91
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
وسيط التبادل :وهو الشيء الذي حبوزة املشرتي والذي يرغب يف دفعه للبائع مقابل احلصول على
الشيء اآلخر ،حيث ميثل مقياس لقيمة الشيء املراد احلصول عليه ،وقد طورت البشرية هذا املقياس
والوسيط ليصبح يف وقتنا احلاضر يتمثل يف النقود على اختالف أنواعها وأشكاهلا.
حيز التبادل :الذي يعرف على أنه اإلطار الذي ميكن من خالله للبائع بيع منتجاته للمشرتي،
أي هو احليز الذي ميكن من القيام بعملية البيع والشراء بني البائع واملشرتي وتتم يف إطاره علمية
التبادل ،والذي يصطلح على تسميته ابلسوق ،سواء كانت تتمثل يف مكان معني ،أو وسائل اتصال
معينة تستخدم لعملية عرض املنتجات وإمتام عملية البيع والشراء كمواقع التواصل االجتماعي واهلاتف
وغريها .وقد عرفت السوق على أهنا نقطة التقاء البائع ابملشرتي أو عبارة عن تالقي بني عرض
وطلب يسمح بتبادل السلع واخلدمات مبقابل ،54كما عرفت على أهنا قوى العرض والطلب على
سلعة معينة ،55وعرفت أيضا على أهنا احليز أو الوسيلة اليت تتفاعل فيها قوى العرض والطلب لتحديد
سعر البضاعة ونقل ملكيتها أو االستفادة من خدمة معينة .56وتؤدي السوق ثالث وظائف أساسية
57
وهي:
-وظيفة التوصيل :حيث تعمل السوق على إيصال املعلومات ملتخذي القرار سواء كانوا مشرتين
(مستهلكني) أو ابئعني (منتجني) ،فبالنسبة للمشرتين متكنهم من معرفة أنواع السلع وحجم املعروض
وزمن ومكان تواجد السلع وأسعارها ،أما ابلنسبة للبائعني فتمكنهم من معرفة حجم الطلب ونوعه
واجتاهاته املستقبلية واليت على أساسها يتم اختاذ قرارات اإلنتاج والتوزيع.
-وظيفية التنسيق :حيث تعمل األسواق على حتقيق التنسيق بني البائعني واملشرتين من حيث نوعية
السلع املعروضة وكميتها ،أي حتقيق الشروط والظروف اليت تؤدي إىل التوازن بني العرض والطلب،
فالسوق توفر املعلومات اليت متكن من حتقيق التوافق بني أهداف البائعني واحتياجات املستهلكني.
-54نصيب رجم ،دراسة السوق ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،عنابة ،اجلزائر ،الطبعة الثانية ،2004ص.29
-55منري نوري ،التسويق مدخل املعلومات واالسرتاتيجيات ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،2007 ،ص.215
56
- stanton william, fundamentals of marketing, 4th édition, MCGRAW- HILL, 1995. p49.
-57جيمس جوارتين ،ريتشاد سرتوب ،ترمجة :حممد عبد الصبور حممد علي ،دار املريخ للنشر ،اململكة العربية السعودية ،2010 ،ص.96
92
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-وظيفة توفري احلوافز :وذلك من خالل األسعار واملنافسة واألرابح ،حيث تعمل على توفري آلية
األسعار اليت تعترب قاعدة أساسية لتحقيق التوازن بني األطراف يف السوق ،هدف تعظيم األرابح
ابملنسبة للمنتجني ،وهدف حتقيق اكرب إشباع ممكن أبقل تكلفة ابلنسبة للمستهلني ،ومن مث يتحقق
التوازن عند مستوى معني من األسعار الذي يدعى بسعر توازن السوق ،الذي يتحدد من خالل
عوامل السوق بعيدا عن أتثري منتج أو ابئع معني ،ويصبح السعر معطى للمنتج ،وعليه فان تعظيم
الربح يتحدد بناء على حتسني اجلهود وختفيض التكاليف.
ولقد تطور مفهوم ومضمون التبادل التجاري يف العصر احلايل من شكله البسيط القائم على عمليات
البيع والشراء ،إىل مفهوم جد معقد يقوم على جمموعة من األنشطة والعمليات ،اليت من خالهلا
يستطيع البائع بيع وتصريف ما حبوزته من بضاعة مقابل احلصول على فائض قيمة أو أرابح ،ومن
تلك األنشطة جند عمليات الرتويج والتسعري والتوزيع ،النقل التخزين.
بعض اْلنشطة املرتبطة َبلتبادل التجاري:
ان عملية التبادل التجاري أصبحت من أهم األنشطة االقتصادية ابلنظر إىل الدور الذي تلعبه يف
ضمان استمرارية الدورة اإلنتاجية ،واملوقع الذي حتتله كحلقة أساسية بني اإلنتاج واالستهالك ،فال
ميكن استمرار الدورة اإلنتاجية ما مل تتم عملية تصريف املنتجات ،وهذه العملية اليت يضمنها نشاط
التبادل التجاري ،وخاصة يف ظل التطورات االجتماعية واالقتصادية اليت عرفتها البشرية اليوم ،أين
مست هذا النشاط تطورات هامة واصبح حيتوي العديد من األنشطة املعقدة ،واليت ميكن إبراز أمهها
فيما يلي:
البيع :هو العملية اليت متكن البائع من التنازل وتصريف ما لديه من سلع وخدمات مبا يقابلها من
أمثان يرى أهنا تكافؤها يف القيمة ،وابلنظر إىل التطورات اليت حلقت هبذا النشاط من ضخامة
الكميات وتنوعها وتطور املصانع اإلنتاجية من الناحية اإلدارية والتقنية ،فقد أصبحت هذه العملية
تتطلب أنشطة عديدة تندرج ضمن وظيفة التسويق.
الشراء :وهو العملية اليت متكن املشرتي من احلصول على السلع واخلدمات اليت يرغب يف شرائها،
وذلك من خالل اتصاله ابلبائع ودفع ما يقابل تلك السلع ،وهلذا يرى االقتصاديون أن هناك شرطني
ضروريني إلمتام علمية الشراء ومها الرغبة والقدرة الشرائية ،حيث تشري األوىل إىل رغبة واستعداد
93
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
املشرتي للحصول على شيء معني مقابل التضحية ابلثمن احملدد له ،أما القدرة الشرائية فهي امتالك
املشرتي للمقابل احملدد للشيء الذي يرغب فيه ،أي امتالك مثنه سواء كان نقدا أو عينا أو جمهود،
وختتلف عملية الشراء ابختالف طبيعة املشرتي ان كان جمرد شخص طبيعي يسعى لتلبية حاجاته
ورغباته ،أو كان مؤسسة تشرتي متطلبات نشاطها ،أو هيأة حكومية ،فلكل منهم سلوكه اخلاص
يتحدد يف اطار عوامل واعتبارات خاصة ومتميزة عن ابقي السلوكات األخرى.
النقل :يقصد به احلركة املادية للمواد ،اليت متكن من نقل املواد من مكان إىل مكان آخر ،أي نقلها
من مواطن اإلنتاج إىل مواطن االستهالك واالستخدام ،فقد عرف على انه عملية حتريك املواد من
مكان إنتاجها أو بيعها إىل نقاط استهالكها ابلكمية املطلوبة والوقت احملدد وبتكلفة معقولة.58
التخزين :وهو عملية االحتفاظ ابملواد ضمن شروط السالمة إىل غاية ان حيني وقت استخدامها ،أي
هو خمتلف العمليات اليت متكن شخص أو مؤسسة ما ابالحتفاظ ابملواد مع توفري هلا شروط وظروف
التخزين املثلى إىل غاية وقت استخدامها ،ومن هذا املنطلق فان التخزين حيقق ثالث وظائف وهي:
-حفظ املواد ضمن شروط السالمة.
-حتقيق االستمرارية يف الزمن للمواد ،من خالل متديد مدة صالحيتها.
-تعديل التدفق الزمين للمواد :أي من خالهلا ميكن توزيع كمية املواد عرب الزمن.
التسويق :هو خمتلف األنشطة واجلهود اليت يبذهلا البائع من أجل بيع وتصريف ما لديه من منتجات،
ويشمل التسويق على أنشطة تسمى بعناصر املزيج التسويقي واملتمثلة يف :سياسة اإلنتاج ،التسعري،
الرتويج والتوزيع.
العرض والطلب :يقصد ابلعرض الكمية من سلعة ما املعروضة يف السوق خالل فرتة زمنية معينة،
وهو ميثل الوجه املقابل للطلب ،وترتبط فكرة العرض عموما مبشكلة الندرة ،ذلك ان إنتاج سلعة ما ال
يتم إال بتظافر جمموعة من عناصر اإلنتاج اليت تتميز ابلندرة النسبية ،59أما الطلب فهو كمية الطلب
58
- philips charles.f ducan delbert.j, marketing principles and methods, 6 th edition, irwin ontzrio, 1968, p489.
-59زينب حسني عوض هللا ،جمدي حممود شهاب ،أسامة حممد الفوىل ،أصول االقتصاد السياسي ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية،2000 ،
ص.209
94
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
على سلعة ما خالل فرتة زمنية معينة ،شريطة ان يقرتن ذلك بوجود الرغبة والقدرة على الشراء .وميكن
التمييز بني العرض والطلب الفردي والعرض والطلب الوطين أو يف السوق ،حيث ميثل الطلب
والعرض الكلي جمموع الطلبات والعروض الفردية على سلعة معينة وعند مستوايت خمتلفة للسعر يف
فرتة زمنية معينة ،ويتحدد العرض الكلي بنفس العوامل اليت حتدد العرض الفردي ابإلضافة إىل عدد
املنتجني ،والطلب الكلي أيضا يتحدد بنفس العوامل احملددة للطلب الفردي ابإلضافة إىل عدد
املستهلكني.60
قنوات التوزيع :يشري التوزيع إىل تلك األنشطة اليت تضمن إيصال املنتجات من أيدي املنتجني إىل
أيدي املستهلكني ،أما قناة التوزيع فهي تلك املسالك واحملطات اليت متر هبا البضاعة من املنتج إىل
املستهلك النهائي هلا ،حيث توجد عدة أشكال منها وهي:
-من املنتج إىل املستهلك مباشرة.
-من املنتج إىل اتجر اجلملة إىل املستهلك
-من املنتج إىل اتجر اجلملة إىل اتجر التجزئة إىل املستهلك
-من املنتج إىل الوكيل إىل اتجر التجزئة إىل املستهلك.
-من املنتج إىل الوكيل إىل اتجر اجلملة إىل اتجر التجزئة إىل املستهلك
العوامل املؤثرة يف التبادل التجاري:
ختضع عمليات التبادل التجاري إىل جمموعة من املعطيات والعوامل ،اليت ميكن ان تؤثر يف عناصرها
وأركاهنا من أهم تلك العوامل ما يلي:
-الرغبة :واليت تتحدد مبجموعة من العناصر منها األذواق والعادات والتقاليد واحلاجات ،وهي شرط
أساسي يف إمتام عملية التبادل ،سواء ابلنسبة للبائع أو ابلنسبة للمشرتي.
-األسعار :وتعترب عامل مهم يف التبادل التجاري ،فهي تعبري عن قيمة األشياء حمل التبادل ،فهي من
وجهة نظر البائع تعويض عن الشيء الذي تنازل عنه ،أما ابلنسبة للمشرتي فهي تكلفة وعبئ مقابل
حصوله على الشيء الذي يرغب فيه ،أي تكلفة املنافع اليت حصل عليها.
-60ضياء جميد املوسوي ،النظرية االقتصادية :التحليل االقتصادي اجلزئي ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1990 ،ص.38 ،27
95
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-نوعية السلعة :فنوع السلع يلعب دورا يف إمتام التبادل ،ألن املشرتي يرغب دائما يف احلصول على
نوع حمدد من السلع اليت يراها مناسبة لتحقيق أهدافه.
-العوامل االجتماعية :مبا فيها العادات والتقاليد والقيم السائدة يف اجملتمع.
-القوانني والتشريعات يف اجملتمع :فالقوانني واألحكام التشريعية تلعب دورا يف تنظيم عمليات التبادل
التجاري ،ففي إطارها حتدد عادة األسعار ونوعية السلع املسموح هبا وتلك املمنوعة من التبادل
وطريقة التبادل وغريها.
-الظروف الطبيعية :مبا فيها املناخ السائد ،وخمتلف احلوادث الطبيعية ،فإهنا تلعب دور هام يف إمتام
وتوجيه عمليات التبادل التجاري.
كما ميكن التمييز بني عمليات التبادل التجاري اليت تتم بني األفراد داخل الدولة ،وتلك اليت تتم بني
الدول واجملتمعات ،وهذا ما يسمى ابلتجارة الدولية أو التبادل التجاري الدويل ،والذي يعرب عن تبادل
السلع واخلدمات بني الدول وفق شروط وأساليب معينة ،أي هي املبادالت التجارية بني اطراف من
دول خمتلفة ،ختضع جملموعة من املعطيات والعوامل أمهها:
-أسعار صرف العمالت :وهي عدد الوحدات من العمالت األجنبية املقابلة لوحدة واحدة من
العملة الوطنية.
-أسعار يف األسواق احمللية ويف األسواق اخلارجية.
-تكاليف اإلنتاج
-الرسوم والقيود اجلمركية
-املنافسة األجنبية.
-تكلفة نقل البضاعة والتخزين
وتكمن أمهية التجارة الدولية فيما يلي:
توسيع القدرة التسويقية أي فتح أسواق جديدة أمام املنتجات احمللية. -
زايدة رفاهية األفراد من خالل حتقيق السعر العادل واجلودة العالية. -
تنويع اخليارات أمام األفراد. -
توسيع فرص النمو والتنمية من خالل توفري متطلبات اإلنتاج ونقل التكنولوجيا. -
96
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-حتقيق مبدأ التخصص وتقسيم العمل واالستفادة من مزاايه.
-تقوية العالقات بني الدول يف جوانبها اإلقتصادية والسياسية.
-توفري احتياجات األفراد واجملتمع
اثلثا :االستهالك
يعترب االستهالك استعمال السلع واخلدمات يف إشباع احلاجات والرغبات ،وهو ضروري حلماية وجود
اإلنسان وبقائه على وجه األرض ،وحتقيق رفاهيته وسعادته ،كما يعاكس االستهالك مفهوم االدخار
اعتبارا من أن األول ميثل استهالكا حاضرا والثاين يعترب أتجيال لالستهالك إىل وقت آخر ،وذلك ان
الدخل يقسم إىل قسمني قسم خمصص لالستهالك وقسم خمصص لالدخار
أي ان الدخل يساوي االستهالك زائد االدخار ،وقد اختلف االقتصاديني بني املدرسة الكالسيكية
واملدرسة الكنزية يف من حيدد أوال واملعايري اليت على أساسها يتم حتديد نسبة االستهالك ونسبة
االدخار.
تعريف االستهالك:
االستهالك هو استخدام سلع وخدمات يف تلبية احلاجات والرغبات ،وذلك من خالل االستفادة من
املنافع اليت حتققها تلك السلع واخلدمات .وميكن النظر إىل االستهالك على أنه اهلدف أو الغاية
األساسية لكل النشاطات االقتصادية ،فكل اجلهود اليت يبذهلا اإلنسان وأنشطته اليت يقوم هبا تصب
يف إشباع حاجاته ورغباته املختلفة ،كما يكتسي االستهالك أمهية كبرية من الناحية االقتصادية
واالجتماعية تكمن يف تنشيط الدورة االقتصادية من االستثمار واإلنتاج والتوزيع وغريها ،وجتديد
الطاقة اإلنتاجية.
وقد عرف على أنه" :الفعل املتحقق من قبل الفرد يف شراء أو استخدام أو االنتفاع من منتج أو
خدمة متضمنة عدد من العمليات الذهنية واالجتماعية اليت تقود إىل حتقيق ذلك الفعل ،ويعرف
97
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
أيضا أبنه "ذلك الفعل الشخصي الذي يقوم يف جوهره على االنتفاع واالستخدام االقتصادي للسلع
واخلدمات متضمنا عدد من العمليات املرتتبة على حتقيق القرار لذلك الفعل".61
وعليه فإن االستهالك هو االستخدام النهائي للسلع واخلدمات بغرض إشباع احلاجات والرغبات،
ومن زاوية الدخل يعترب ذلك اجلزء من الدخل الذي يوجه القتناء سلع وخدمات من أجل إشباع
احلاجات والرغبات احلالية ،وبناء على ما سبق يظهر ان مفهوم االستهالك أيخذ عدة دالالت
وخصائص ميكن تلخيصها فيما يلي:
-يرتبط االستهالك بشكل عضوي ابإلنتاج وهو ضروري الستمرارية الدورة اإلنتاجية
ميكن التمييز بني عدة أنواع من االستهالك ابلنظر إىل املعايري اليت تستخدم يف ذلك ،كمدى اعتماده
على الدخل ،الغرض من االستهالك ،طريقة إشباع احلاجات والرغبات ،ومن بني تلك األنواع ما
يلي:
-من حيث اعتماده على الدخل :ميكن التمييز هنا بني نوعني من االستهالك كما يلي:
دار احلامد ،عمان ،الطبعة األوىل ،2006ص.168 -61اثمر البكري ،االتصاالت التسويقية والرتويج،
98
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-االستهالك املستقل عن مستوى الدخل :ويدعى ابالستهالك التلقائي ،وهو ذلك اجلزء من
االستهالك الذي ال يرتبط ابلدخل الشخصي للمستهلك ،والذي ال بد ان حيصل عليه الفرد حىت
وان كان دخله معدوما ،وذلك إما ابلسحب من مدخراته ان وجدت أو ابالقرتاض ،أي ميثل احلد
األدىن من االستهالك الضروري لبقاء الشخص على قيد احلياة.
-االستهالك املعتمد على مستوى الدخل :وهو ذلك اجلزء من االستهالك الذي يرتبط بدخل
املستهلك ،فكلما زاد دخله زاد مستوى االستهالك ،والعكس اذا اخنفض الدخل ينخفض مستوى
االستهالك ،فهو أيخذ عالقة طردية مع الدخل.
-حسب الغرض من االستخدام :وميكن التمييز بني االستهالك النهائي واالستهالك الوسيط:
-االستهالك النهائي :وهو استخدام السلع واخلدمات إلشباع احلاجات والرغبات بشكل مباشر،
أي االستهالك غري إنتاجي كاللباس واألكل.
-االستهالك الوسيط :وهو إعادة استخدام جزء من السلع واخلدمات يف العملية اإلنتاجية ،أي
استعمال السلع واخلدمات إلنتاج منتجات أخرى ،فهو استهالك غري مباشر ،كاستهالك املواد
نصف مصنعة يف إنتاج سلعة أخرى ،استخدام الفاكهة يف صناعة املرىب والعصائر وغريها.
-االستهالك اجلماعي واالستهالك الفردي :وميكن التمييز بني االستهالك اخلاص واالستهالك
العام ،على أساس طريقة إشباع احلاجات والرغبات ان كانت تتم بشكل فردي أو مجاعي:
-االستهالك العائلي أو الفردي :وهو استهالك القطاع العائلي ،أو هو ذلك اجلزء من اإلنفاق الذي
خيصص لالستهالك العائلي أو الفردي ،أي هو ذلك االستهالك الذي يتعلق بعملية إشباع احلاجات
والرغبات اخلاصة ابألفراد والعائالت واملؤسسات ،حيث أيخذ النزعة الفردية يف إشباع احلاجات
والرغبات ،كالغذاء ،واللباس.
-االستهالك العام :وهو استخدام أفراد اجملتمع للخدمات اليت يقدمها القطاع احلكومي مبقابل أو
بدون مقابل ،أي هو ذلك النوع من االستهالك الذي خيص اجلماعات أو اجملتمع ككل بشكل عام،
99
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
فهو يتعلق بعملية إشباع احلاجات والرغبات العامة اخلاصة ابجملتمع ككل ،حيث تشرتك فئة كبرية أو
مجيع أفراد اجملتمع يف هذا النوع من االستهالك ،مثل األمن ،الصحة ،والتعليم وغريها.
املستهلك :هو أي شخص ينفق جزء من دخله على السلع واخلدمات بغرض إشباع حاجاته ورغباته
بشكل مباشر ،سواء متثل ذلك اإلنفاق يف شراء سلع غري معمرة كالغذاء ،أو يف شراء سلع معمرة
كالسيارة والتلفاز واألاثث املنزيل ،فقد عرف على أنه كافة األفراد والعائالت الذين يقومون بشراء أو
اقتناء السلع واخلدمات بغرض اإلشباع املباشر حلاجاهتم ورغباهتم الشخصية 62.ويتشابه عمل
املستهلك مع املنتج يف كون أن املنتج أيضا يعمل على إفناء السلع واخلدامات ولكن بغرض إعادة
إنتاج منتجات أخرى ،بينما املستهلك يستعملها إلشباع حاجاته ورغباته بشكل مباشر.
العوامل املؤثرة يف االستهالك:
تعترب ظاهرة االستهالك من اعقد الظواهر االقتصادية ،ابلنظر إىل حجم العوامل واملتغريات املؤثرة
فيها ،واليت تتسم ابلتداخل والتغري املستمر ،حبيث يكون من الصعب التنبؤ هبا ومعرفة اجتاهاهتا
ومعدالت تغريها املستقبلية ،وحىت طريقة أتثري تلك العوامل على االستهالك وحجمه يكون من
الصعب التنبؤ به ،إال أن تلك العوامل تؤثر على االستهالك من حيث أهنا تؤثر على عاملني أساسيني
يف االستهالك ،ويعتربان من احملددات األساسية له ،ومها الرغبة والقدرة الشرائية للمستهلك.
حيث تشري الرغبة إىل ميول واستعداد الفرد الستهالك سلعة أو خدمة معينة من اجل إشباع حاجاته،
أما القدرة فهي امتالك الشخص املقابل املادي الذي ميكنه من اقتناء السلع واخلدمات اليت يرغب
فيها ،وهذان العامالن مهمان لقيام االستهالك ،ويشرتط توفرمها معا .وميكن إبراز أهم العوامل املؤثرة
يف االستهالك فيما يلي:
-الثروة :وتعرب عن الفرق بني املمتلكات وااللتزامات ،وهي ختتلف عن الدخل يف كوهنا مفهوما
تراكميا بينما الدخل فهو مفهوم تدفقي ،وللثروة أتثري إجيايب على االستهالك ،أي أهنا كلما زادت
الثروة زاد االستهالك.
-62عبد الناصر جرادات ،تكنولوجيا معلومات اإلعالن وأثرها على والء املستهلك للمنتج ،جملة العلوم اإلدارية واالقتصادية ،اليمن ، 2009،ص.63
100
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-التوقعات :يعتمد االستهالك أيضا على توقعات األفراد املستقبلية حيال ثروهتم ودخوهلم ،فأي
تغري يف مستوى التوقعات سينجم عنه تغري يف مستوى االستهالك .وتتعلق تلك الوقعات ابلدخل
وأسعار املواد واألحداث والظروف املستقبلية اليت يتعرض هلا األشخاص.
-الضرائب :وهلا أتثري سليب على االستهالك من حيث أهنا أتثر على ثروة ودخل األشخاص مما يؤثر
بشكل مباشر أو غري مباشر على القدرة الشرائية للفرد ،وتنقسم إىل قسمني :ضرائب على
االستهالك وهي اثبتة ،وضرائب على الدخل اليت تزداد بتزايد الدخل.
-درجة التحضر والتمدن :فاملعلوم انه كلما زادت درجة التطور التكنولوجي واحلضاري لإلنسان كلما
تغريت أمناطه وميوالته االستهالكية ،ونالحظ كيف تتغري نوعية وأشكال السلع االستهالكية سنواي،
حيث تظهر املوضات والنماذج اجلديدة يف اللباس والغذاء واألاثث املنزيل وغريها ،فما كان ابألمس
يعترب عصري وراقي يصبح اليوم قدمي وغري مقبول لدى الكثري.
-التغري يف عمر اإلنسان :فاالستهالك يتغري مع تغري عمر اإلنسان ،فاألمناط االستهالكية وامليوالت
واالجتاهات والرغبات واحلاجات ختتلف من مرحلة الرضاعة إىل مرحلة الطفولة ومرحلة الشباب
والشيخوخة ،وعلى هذا األساس فان متوسط عمر السكان لدى جمتمع معني له اثر ابلغ على
االستهالك من حيث الكمية والنوعية ،فاجملتمعات اليت يغلب عليها فئة الشباب خيتلف فيها
االستهالك عن اجملتمعات اليت تغلب فيها فئة الشيوخ.
-احلالة الصحية لإلنسان :مبا فيها الصحة البدنية والنفسية ،فتغري حالته الصحية يؤثر على منط
ونوعية استهالكه للمواد ،ويفرض عليه يف بعض األحيان استهالك نوع معني وحمدد من املواد ،كالذين
يتبعون محية معينة ،أو لباس معني العتبارات صحية.
-ظهور سلع استهالكية جديدة :كلما ظهرت سلع جديدة كلما حفزت األشخاص على االستهالك
أو إعادة االستهالك ،وحيدث ذلك كثريا ابلنسبة للمالبس واألاثث املنزيل ،وخاصة عند أولئك الذين
101
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
يتمتعون بثقافة استهالكية عالية أي امليل إىل االستهالك ،حيث حتفز السلع اجلديدة رغبتهم يف
الشراء ،وهذا ما تعمل عليه الكثري من الشركات من اجل االستثمار يف بيع املنتجات.
-حجم وخصائص األسرة :تلعب األسرة مبا تتميز به من خصائص ومميزات دورا هاما يف التأثري على
االستهالك ،كعدد أفراد األسرة ،عمر أفراد األسرة ،ميول أفراد األسرة وهواايهتم ،واملستوى املعيشي
لألسرة.
-املستوى العام لألسعار :يؤثر املستوى العام لألسعار على القدرة الشرائية للمستهلك ،وابلتايل على
االستهالك ،فكلما زاد املستوى العام لألسعار كلما قل مستوى االستهالك ،كما ان سعر سلعة معينة
يؤثر بشكل عام على استهالك هذه السلعة ،إال ان نوع التأثري وقوته تتحدد حبسب طبيعة السلعة
واملستوى املعيشي للمستهلك ،حيث ميكن التمييز هنا بني السلع ضرورية والسلع الكمالية ،وسلع
التفاخر والسلع الدنيا.
-العادات والتقاليد :ختضع عملية االستهالك إىل العادات والتقاليد السائدة يف اجملتمع ،فنالحظ
اختالف استهالك املواد من حيث النوعية والكمية حبسب عادات وتقاليد اجملتمع ،وخاصة تلك اليت
حتمل رموزا ثقافية أو دينية معينة ،كما هو احلال ابلنسبة لنوع اللباس.
-األذواق :تعترب األذواق ميول وحكم انبع من الذاتية واالنتماء االجتماعي للشخص ،حيث جيعله
يفضل استهالك سلعة ما دون األخرى ،فكلما كانت األذواق لصاحل سلعة معينة فسيزيد استهالك
هذه السلعة والعكس اذا كانت األذواق يف غري صاحلها ،واملعلوم ان األذواق ختتلف من شخص
آلخر ،كما أهنا تتغري من فرتة زمنية إىل أخرى تبعا لتغري عدة عوامل .ويرتبط مفهوم الذوق ابملكانة
االجتماعية ،حيث انه يعترب يف بعض األحيان معيار للحكم عن مدى حتضر ورقي الشخص ومهارته
يف االختيار السليم ،كما استخدم للتعبري عن صفة حسنة يتمتع هبا شخص ما أثناء عمليات
االختيار اليت تواجهه يف حياته ،كاختيار املالبس أو األغذية أو سيارة وغريها.
102
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-تغري الظروف االجتماعية والطبيعية واالقتصادية احمليطة ابإلنسان :كظهور األزمات الصحية،
الكوارث الطبيعية وتغري املناخ وحالة الطقس ،ظهور األزمات االقتصادية والسياسية وغريها.
وابلنسبة لالستهالك الكلي أي على مستوى اجملتمع فانه يتأثر ابإلضافة إىل العوامل السابقة بعدد
السكان ومتوسط االستهالك الفردي ،حيث أنه كلما زاد عدد السكان ومتوسط االستهالك الفردي
يرتفع حجم االستهالك والعكس عندما ينخفضان.
ثقافة االستهالك:
يقصد ابلثقافة خمتلف أساليب وأمناط احلياة اليت تتضمن معاين ودالالت يعيش مبقتضاها الناس
ويتشبثون هبا ويتواصلون من خالهلا ،يف حني ان االستهالك يدل على االستخدام النهائي للسلع
واخلدمات بغرض إشباع احلاجات والرغبات ،وانطالقا من هذا فان ثقافة االستهالك ما هي إال
جمموع املعاين والرموز والصور الذهنية املصاحبة لعملية االستهالك ،بدءا من ظهور الرغبة يف
االستهالك مرورا ابالستهالك الفعلي انتهاء مبا بعد االستهالك وما ختلفه من سلوكات وشعور ،كما
تعين أيضا كافة املعاين واألحاسيس والتصورات الدافعة لالستهالك واملصاحبة له والناجتة عنه ،من
خالل متاثلها يف وعي املستهلكني وإدراكهم ألنفسهم وعالقاهتم بغريهم من خالهلا ،حيث أنه كلما
كانت تلك العناصر املكونة لثقافة االستهالك قوية سواء الدافعة أو املصاحبة أو الناجتة عن
االستهالك كلما كانت هذه الثقافة قوية ،ومن مث يكون ميل األفراد لالستهالك قوي ،وهذا يعين امليل
احلدي لالستهالك قوي .63وتتميز ثقافة االستهالك مبجموعة من اخلصائص ميكن إبرازها فيما
64
يلي:
-أهنا جمموعة من الرموز والتصورات الذهنية اليت تلتف حول استهالك السلع املادية.
-أهنا ترتبط مبعاين وخربات وصور ذهنية لعمليات االستهالك مشكلة مصدرا للمتعة البصرية.
-63سعيد املصري ،ثقافة االستهالك يف اجملتمع املصري ،املركز الدويل للدراسات املستقبلية واالسرتاتيجية ،مصر ،العدد ،2006 ،19ص.06
-64نفس املرجع السابق ،ص.07
103
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-أتخذ أسلوب أو نزعة فردية لدى مستهلك السلعة
-تتسم ابلتحول والتغري السريع من خالل العناصر التقليدية اليت أتخذ معاين جديدة
-حتمل يف طياهتا تناقض الذي ختلفه يف أذهان الناس أي بني الواقع والتوقعات ،اليت تعد هبا الناس
من خالل شرائهم للسلع ،حيث يتصور املستهلك دوما ان اقتناء سلعة معينة سيغري حياته أو
سيجعله سعيدا ،أو يصنفه يف طبقة اجتماعية ارقى.
-تتأسس ثقافة االستهالك على اإلنتاج املستمر للعالقات والرموز اخلاصة بتواصل املستهلكني مع
غريهم.
-تتصف ابلطابع القهري ألهنا تدفع الناس دوما إىل االستهالك لتقليد غريهم وذلك حتاشيا للشعور
ابلنقص.
فثقافة االستهالك متثل جمموعة من اخلصائص واملعاين اليت متيز التصورات واألحكام الذهنية
لألشخاص حول األشياء اليت يرغبون يف شرائها ،واليت تلعب دورا هاما يف التأثري على عملية شرائهم
للمنتجات كميا وزمنيا ونوعيا ،كما أهنا تتميز ابلتغري والتطور املستمر حتت أتثري عوامل متعددة منها
التغريات الثقافية واالجتماعية للمجتمع ،وللمحيط االجتماعي والعالقات اليت تربط الفرد بباقي
األفراد كاألصدقاء والزمالء واألسرة ،ونتيجة لذلك فإهنا قابلة للتأثري أي ميكن التأثري فيها وتوجيهها
ابستخدام جمموعة من اآلليات واألدوات التسويقية اليت تستخدمها املؤسسات اإلنتاجية من أجل
إاثرة الطلب أو احتياجات الناس ودفعهم حنو الشراء .وينتج عن هذه الثقافة جمموعة من اآلاثر ميكن
65
عرضها من خالل ما يلي:
-تؤدي إىل إنشاء معايري طبقية جديدة متيز أسلوب احلياة العصري القائم على التميز والتفرد،
وتتمثل اغلب تلك املعايري يف اكتساب األذواق احلديثة اليت توجه السلوك االستهالكي للسلع
واخلدمات.
-65سعيد املصري ،ثقافة االستهالك يف اجملتمع املصري ،مرجع سبق ذكره ،ص.07
104
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-تغليب النزعة االستهالكية ،حيث عملت املؤسسات االقتصادية وهبدف تصريف ما لديها من
منتجات وضمان استمرارية وجودها على إاثرة وخلق حاجات ورغبات جديدة ،وهذا من خالل
برامج وأنشطة تسويقية تستهدف تغيري الذوق العام للمجتمع.
-تؤثر ثقافة االستهالك على عملية االستهالك وتدفعها لتأخذ طابعا شعائراي ،وينطبق ذلك كثريا
على الطريقة اليت حيتفل هبا الناس يف األفراح واملناسبات ،من خالل احلرص على ان يصاحب عملية
االستهالك ترتيبات وتفاصيل دقيقة ترفع من تكلفة وأعباء املناسبة إضافة إىل ما يرافقها من قلق
وتوتر.
-لقد غزت وتوغلت ثقافة االستهالك كل اجملتمعات والثقافات ،وأصبحت مصدرا للتعاسة والشقاء
واستنزاف املوارد والتلوث نتيجة اإلفراط يف االستهالك ،إضافة إىل أهنا زادت من الفوارق االجتماعية
نتيجة تضخيم نفقات االستهالك اليت تعود كأرابح ضخمة للمنتجني ،يف حني يبقى عامة الناس يف
دوامة االستهالك ،ما يستنزف مدخراهتم ،وحىت مداخيلهم املستقبلية مل تسلم من ذلك وأصبحت
تستنزف نتيجة قروض االستهالك اليت جلأت إليها املؤسسات االقتصادية.
-سامهت كثريا يف رفع مستوى طموحات الناس وتوقعاهتم من الدولة يف حتسني مستوايت املعيشة
والرفاهية االقتصادية.
-كما أهنا سامهت يف تعزيز وغرس روح االتكال على الغري ،وذلك من خالل جعل الفرد ال يبذل
أي جهد يف إنتاج وتصليح املنتجات فكل شيء يلقاه جاهزا حىت األطعمة ،وهذا ما نلمسه من
امتناع بعض الناس عن القيام ببعض األنشطة املنزلية كاخلياطة وغريها واللجوء إىل حمالت متخصصة
لذلك ،مما أدى إىل اختفاء العديد من األنشطة املنزلية اليت كان الناس يقومون هبا.
مما سبق يتضح ان ثقافة االستهالك سامهت يف حتويل الناس إىل قوى مستهلكة غري منتجة ،كما أهنا
سامهت يف زايدة معدالت االستهالك على حساب االدخار مما يؤثر على القوة اإلنتاجية للمجتمع
105
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
وإمكانية جتديدها وتوسيعها ،وقوضت روح العمل واملبادرة واالجتهاد وعززت يف املقابل روح االتكال
والتكاسل ،وهذا كان له آاثر سلبية على املوارد والبيئة.
يرتبط االستهالك بعالقة عضوية مع الدخل ،وذلك أن االستهالك يتوقف ابلدرجة األوىل على
الدخل الذي يعترب من الناحية املالية جزء منه ،فالدخل هو العامل الرئيسي املؤثر على االستهالك؛
حيث عندما يرتفع الدخل فإن االستهالك بدوره يرتفع والعكس صحيح ،إذ تتحدد العالقة بني
الدخل واالستهالك من خالل مؤشرين ومها:
-امليل احلدي لالستهالك :هو التغري الذي يطرأ على االستهالك نتيجة للتغري الذي حدث يف
الدخل ،أي متثل نسبة الزايدة يف االستهالك الناجتة عن زايدة الدخل بوحدة واحدة ،أو هو النسبة بني
التغري يف االستهالك والتغري يف الدخل.
فهناك عالقة مباشرة بني الدخل واالستهالك سواء على مستوى الفرد الواحد أو على مستوى اجملتمع
ككل ،ومن الناحية الرايضية ميكن التعبري عن هذه العالقة من خالل دالة االستهالك.
دالة االستهالك:
وتشري إىل العالقة الرايضية بني الدخل واالستهالك ،واليت متثل اجلزء من الدخل املوجه لإلنفاق على
السلع واخلدمات اليت تستخدم يف إشباع احلاجات والرغبات ،عند مستوى معني من الدخل ،وتعطى
يف شكلها البسيط وفق املعادلة التالية:
106
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
حيث أن:
االستهالك
1,2
1
0,8
0,6 االستهالك
0,4
B
0,2a
0 الدخل
حيث تتميز دالة االستهالك أبهنا عالقة طردية ،وأهنا تستخدم القيم احلقيقية.
107
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
رابعا :توزيع وإعادة توزيع الدخل:
تعترب ظاهرة توزيع الدخل والثروة من بني أهم القضااي واملسائل االقتصادية اليت شغلت ابل املفكرين
والباحثني منذ زمن بعيد ،وذلك ابلنظر إىل أتثرياهتا املتعددة ،اليت أتخذ األبعاد االجتماعية
واالقتصادية والسياسية ،فهي من املواضيع احلساسة جدا واملهمة يف نفس الوقت إذ ترتبط بغريزة حب
التملك ،ونتيجة لذلك فقد أاثرت خالفات وصراعات كبرية بني خمتلف األفراد والطبقات
االجتماعية ،ويظهر ذلك جليا عرب التاريخ االقتصادي للبشرية ،بدءا من العهد العبودي إىل
اإلقطاعي وصوال إىل العهد الرأمسايل ،كل هذه األنظمة تتضمن صراعات بني الطبقات واألفراد من
أجل توزيع الدخل والناتج ،وهلذا فقد حظيت هذه املسألة ابلكثري من االهتمام سواء ابلنسبة
للمفكرين أو السياسيني ،على اعتبار أهنا متثل تلك العمليات اليت يقوم هبا اإلنسان من اجل توزيع
الثروة والدخل بني خمتلف أفراد اجملتمع ،سواء بني الذين شاركوا يف العملية اإلنتاجية أو بني خمتلف
فئات اجملتمع .وقبل التطرق إىل مسألة توزيع الدخل جيب اإلشارة أوال إىل مفهوم الدخل وأنواعه.
مفهوم الدخل:
يعترب الدخل مسألة أساسية يف احلياة االقتصادية لألفراد واجملتمعات ،فمن خالله ميكن للفرد أو
اجملتمع أن يؤمن احتياجاته ومتطلباته احلالية واملستقبلية ،ابعتباره الوسيلة الوحيدة لذلك ،لذا اعترب
مصدرا ملختلف القيم واملنافع اليت حيصل عليها الفرد خالل فرتة زمنية معينة ،وعلى هذا األساس
ميكن التمييز بينه وبني مفهوم الثروة على اعتبار أنه أيخذ مفهوم تدفقي ،يف حني أن الثروة أتخذ
مفهوم تراكمي ،واليت تشري إىل كل ما ميلكه الفرد من أموال وأصول عينية ،أما الدخل فيشري إىل
املداخيل اليت حيصل عليها خالل فرتة زمنية معينة ،وميكن تعريف الدخل من زاويتني أساسيتني:
.1من زاوية اإلنتاج :وهو مجلة ما ينتجه اجملتمع من سلع وخدمات خالل فرتة زمنية معينة ،ويتمثل
يف املخزون من السلع واخلدمات اليت يستفيد منها األفراد.
108
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
.2من زاوية التوزيع :يتمثل يف التدفق النقدي الذي حيصل عليه أصحاب عوامل اإلنتاج خالل فرتة
زمنية معينة مقابل اشرتاكهم يف العملية اإلنتاجية ،أو هو العائد الذي حيصل عليه صاحب العنصر
اإلنتاجي مقابل مسامهته يف العملية اإلنتاجية.
أنواع الدخل:
66
ميكن التمييز بني نوعني من الدخل ومها:
-الدخل النقدي :وهو عبارة عن التدفق النقدي الذي حيصل عليه األفراد خالل فرتة زمنية معينة،
معربا عنه بكمية النقود اليت حيصل عليها أصحاب عناصر اإلنتاج يف جمتمع معني.
الدخل احلقيقي :وميثل القوة الشرائية للدخل النقدي ،أي كمية السلع واخلدمات اليت ميكن احلصول
عليها من خالل الدخل النقدي ،وهو يتناسب عكسيا مع املستوى العام لألسعار ،كما يتناسب
طرداي مع الدخل النقدي ،وميكن أن حتصل زايدة يف الدخل احلقيقي إذا كانت نسبة االرتفاع يف
الدخل النقدي أكرب من نسبة االرتفاع يف املستوى العام لألسعار ،والعكس حيدث إذا ما كانت نسبة
االرتفاع يف الدخل النقدي أقل من نسبة االرتفاع يف املستوى العام لألسعار.
كما ميكن أيضا التمييز بني أنواع الدخل حبسب مصدرها إىل أربع أنواع وهي كما يلي:
-الدخل الناتج عن العمل :هو نتيجة اجلهد الذي يبذله الشخص يف العلمية اإلنتاجية ،والذي
يتمثل يف األجر.
-الدخل الناتج عن استغالل العوامل الطبيعية :ويتمثل يف الدخل الذي يتحصل عليه شخص ما
نتيجة الستغالل العوامل الطبيعية يف العلمية اإلنتاجية ،والذي يتمثل يف الريع.
-الدخل الناتج عن توظيف راس املال :وهو العائد الذي يتلقاه صاحب رؤوس األموال نتيجة
لتوظيف أمواله يف العمليات االستثمارية ،ويتمثل يف الفائدة.
-66صاحل صاحلي ،توزيع الثروة و الدخل يف االقتصاد اإلسالمي ،جملة العلوم االقتصادية وعلوم التسيري ،العدد ،2009 ،09ص.02
109
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-الدخل الناتج عن التنظيم :وهو يقابل تلك القيمة املضافة اليت ينتجها املنظم واملسري للعملية
اإلنتاجية ،من خالل أعمال التوجيه والتنسيق بني عوامل اإلنتاج ،والذي يعطي قيمة أكرب من القيمة
املوظفة ،ويتمثل عائده يف الربح.
كما ميكن أيضا التمييز بني الدخل الفردي والدخل الوطين أو اإلمجايل ،على أساس أن األول خيتص
بدخل فرد واحد نتيجة مسامهته يف العملية اإلنتاجية سواء كان أجرا أو ريعا أو رحبا أو فائدة ،أما
الدخل الوطين فهو يشري إىل إمجايل الناتج الوطين واملداخل اليت تتحصل عليها عوامل اإلنتاج مبا فيها
األجور والريوع والفوائد واألرابح.
يقصد ابلتوزيع تقسيم وتوزيع القيمة الكلية للسلع واخلدمات املنتجة داخل اجملتمع خالل فرتة زمنية
معينة بني أولئك الذين سامهوا يف العملية اإلنتاجية ،أي كيف يتم توزيع الدخل القومي بني عناصر
اإلنتاج ،فعلى أي أساس يتم حتديد عوائد عوامل اإلنتاج.
تتحدد طريقة توزيع الدخل بني األفراد وفق طبيعة ملكية وسائل اإلنتاج السائدة يف اجملتمع ،إذ يتحقق
التوزيع ابلدرجة األوىل لصاحل أولئك الذين شاركوا يف العملية اإلنتاجية أي أصحاب عوامل اإلنتاج،
وهذا يتحقق من خالل حتديد عوائد عوامل اإلنتاج ،وقد يكون التوزيع األويل للدخل غري عادل من
وجهة نظر اجملتمع مما يتطلب إعادة التوزيع مرة أخرى ،وهلذا منيز بني نوعني من التوزيع ومها:
-التوزيع الوظيفي للدخل :التوزيع األول الذي حيدث للدخل ،يتمثل يف ذلك التوزيع الذي يتم
عندما تتحصل كل عناصر اإلنتاج املختلفة املشاركة يف العملية اإلنتاجية على عوائدها ،ويتمثل يف
حتديد النسب املئوية من الناتج اإلمجايل لكل من األجور ،األرابح ،الفوائد ،والريوع.
-التوزيع الشخصي للدخل :أو ما يسمى إبعادة توزيع الدخل ،وهو انتج عن تدخل الدولة يف
االقتصاد ،إذ يعرب عن توزيع الدخل بني أفراد اجملتمع وبني األسر عند كل فئة من فئات الدخل وعند
110
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
املقارنة بني نصيب كل جمموعة من األفراد واألسر ،وتتحدد طرق وآليات التوزيع هنا حسب األهداف
االقتصادية واالجتماعية للمجتمع ،وطبيعة النظام االقتصادي والسياسي السائد ،ومن بني اآلليات
اليت تستخدم عادة جند الضرائب واالقتطاعات االجتماعية ،التأميم ،املصادرة ،تنظيم األسعار ،الزكاة،
االعمال اخلريية وغريها من النفقات احلكومية املختلفة اليت تساهم يف إنتاج خدمات يستفيد منها
املواطنني بشكل عام أو فئات معينة من اجملتمع ،فهذا النوع من التوزيع عادة ما أيخذ االعتبارات
االقتصادية واالجتماعية والسياسية يف احلسبان.
-قبل اإلنتاج :أو ما يسمى ابلتوزيع األويل ،وحيدث هذا النوع من التوزيع عندما تتحدد كمية
عناصر اإلنتاج املشاركة يف العملية اإلنتاجية من امللكية والعمل.
-بعد اإلنتاج :ويسمى ابلتوزيع العملي ،ويتمثل يف توزيع الناتج على عناصر اإلنتاج من األجر
والربح والفائدة والريع.
-إعادة التوزيع أو التوزيع التوازين :ويتمثل يف استخدام آليات معينة تتحدد حسب أهداف اجملتمع،
كالضرائب والرسوم ،وذلك من أجل اقتطاع جزء من مداخيل أصحاب عناصر اإلنتاج وإعادة
توزيعها على ابقي أفراد اجملتمع من خالل النفقات العامة للدولة ،وهلذا تستخدم آليتني هنا من أجل
حتقيق التوزيع ،آليات خاصة ابالقتطاع من مداخيل أصحاب عوامل اإلنتاج ،وآليات خاصة بتوزيع
تلك االقتطاعات على ابقي أفراد اجملتمع ،وأييت هذا النوع من التوزيع والذي حيدث عادة من خالل
تدخل الدولة من أجل ضبط وحماولة تقليص الفجوة يف توزيع الثروة والدخل بني أفراد اجملتمع ،وحماولة
احلد من اإلفراط يف استغالل الطبقة الرأمسالية القليلة لباقي فئات اجملتمع الواسعة.
أسباب التفاوت يف توزيع الثروة والدخل:
يشهد الواقع االقتصادي وطوال اتريخ البشرية على التفاوت الشديد يف توزيع الثروات والدخول بني
األفراد واجلماعات واجملتمعات البشرية ،والذي تسبب يف كثري من األحيان يف حدوث صراعات
واضطراابت اجتماعية واستغالل وتسلط فئة من البشر على فئة أخرى وقهرها ،ورغم التطور والتقدم
111
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
االقتصادي والتكنولوجي واحلضاري اليت وصلت إليه اإلنسانية مل يعطي حال لذلك ،بل زاد من حدة
وشدة التباين والتفاوت يف التوزيع (فنجد تباين يف امتالك الثروات والدخل بني خمتلف دول العامل وبني
خمتلف الطبقات االجتماعية يف اجملتمع الواحد وبني األفراد) ،ومل تستطع أاي من األنظمة واملدارس
والنظرايت االقتصادية املختلفة اليت تعاقبت على البشرية إجياد آليات فعالة تضمن التوزيع األمثل
والعادل للثروة ،وحىت مفكري النظام االقتصادي االشرتاكي فشلوا يف حتقيق وجتسيد مبدأ العدالة
واملساواة يف توزيع الدخل ،الذي اندوا به رغم أنه كان ميثل املبدأ األساسي الذي قام عليه فكرهم،
ألن ذلك سيؤدي إىل التضحية ابألهداف والغاايت االقتصادية ،وأمام هذا التعارض القائم بني هدف
القضاء على التباين يف توزيع الدخل من جهة ،وهدف الفعالية االقتصادية من جهة أخرى (التعارض
بني األهداف االجتماعية واألهداف االقتصادية) ،دفع ببعض املفكرين وخاصة الرأمساليني منهم إىل
القول بضرورة التسليم هبذه الظاهرة على أهنا ظاهرة طبيعية ال ميكن القضاء عليها ،وابلتايل ضرورة
عدم االهتمام هبا والرتكيز عليها يف أي خطط تنموية مهما كانت ،بل تعترب آلية ومدخل مهم لتحفيز
ودفع األفراد حنو العمل وبذل أقصى جهد ممكن ،من أجل حتسني الوضعية واملكانة االجتماعية اليت
ترتبط يف كثري من األحيان حبجم الثروة اليت ميلكها الفرد مقارنة بباقي أفراد اجملتمع ،وقد مت اختاذ عدة
67
مداخل لدراسة هذه الظاهرة ومعاجلتها من بينها ما يلي:
-املدخل الوظيفي يف توزيع الدخل :وهو املدخل الذي يقوم على أساس اعتماد عوائد عوامل
اإلنتاج كمعيار لتوزيع الثروة والدخل ،أي على أساس نسبة املسامهة يف العملية اإلنتاجية ،والذي
يتجسد يف مبدأ التوزيع حسب نسبة املسامهة ،وقد مت تبين هذا املدخل من طرف املدرسة
االقتصادية النيوكالسيكية.
-املدخل الرايضي :ويقوم هذا املدخل على افرتاض أن عملية التوزيع ظاهرة طبيعية ،تسري وفق
قانون طبيعي اثبت ومنتظم ميكن التعبري عنه وفق عالقة رايضية تعرب عن واقع التوزيع يف مجيع
-67أمحد مجال الدين موسى ،مبادئ االقتصاد السياسي ،القاهرة ،دار النهضة العربية.2006 ،
112
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
دول العامل ،وهذا ما تبناه بعض االقتصاديني الرايضيني واإلحصائيني وأمههم االقتصادي اإليطايل
فيلفريدو ابريتو.
-املدخل االجتماعي االقتصادي :وحياول تفسري ظاهرة توزيع الدخل يف إطار املؤثرات
االجتماعية واالقتصادية والسياسية اليت تصنعها توجهات الدول ،وذلك من خالل تدخل
احلكومة يف النشاط االقتصادي ،يف حماولتها جتسيد مبدأ العدالة يف التوزيع وإذابة الفوارق بني
خمتلف الطبقات واألشخاص واملناطق .ومن رواد هذا التوجه االقتصادية األمريكية إرما.
-املدخل متعدد األبعاد :وهذا املدخل حياول معاجلة ظاهرة توزيع الدخل من زواايها املختلفة
ومن خالل نظرة متكاملة ملختلف األبعاد واملتغريات احملددة هلذه الظاهرة ،واليت تعتمد يف ذلك
على أربع مستوايت متمثلة يف املستوى اإلقليمي والقطاعي والعائلة والفرد ،وقد تبىن هذا املدخل
الباحث املصري أمحد مجال الدين موسى.
وأمام هذا الواقع املعقد لظاهرة توزيع الدخل ،اليت تعترب من أشد الظواهر حساسية ابلنظر إىل
ارتباطاهتا املتشعبة واملتداخلة ،وامتداداهتا النفسية واالجتماعية والسياسية واالقتصادية ،حيث يصعب
معها جتسيد مبدأ العدالة أو املساواة يف التوزيع ،ما يسعنا هنا إال البحث عن األسباب احلقيقية اليت
تقف وراء هذا التباين يف التوزيع والذي ميكن إرجاعه إىل عدة عوامل كما هي موضحة فيما يلي:
-تباين واختالف الفرص املتاحة أمام األفراد :وتتمثل يف خمتلف الفرص املتاحة أمام بعض األفراد وال
تتاح أمام غريهم ،واليت متكنهم من احلصول على قسم أعلى من الدخل وتنمية ثروهتم ،كالفرص
االستثمارية ،املرياث وغريها من الصدف اليت متكن البعض من كسب دخل إضايف أو زايدة ثروهتم.
-التفاوت يف توزيع القوى االقتصادية املنتجة للثروة والدخل :أي تفاوت يف امتالك الوسائل
واإلمكانيات املنتجة للدخل ،كامتالك األراضي والثروات احليوانية ورؤوس األموال وغريها.
-عدم عدالة أنظمة التوزيع والقوانني :حيث تساهم أنظمة التوزيع وإعادة التوزيع املتبعة يف جمتمع
معني يف إاثرة الفوارق بني األفراد ،كمنح الدعم املايل لبعض الفئات يف اطار سياسة تشجيع
االستثمار ،إخضاع مجيع فئات الدخل إىل نفس مستوى الضريبة ،إضافة إىل السمات اليت تتميز هبا
113
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
يف بعض األحيان ،كالفساد اإلداري واملايل ،وضعفها يف السيطرة على الظواهر االقتصادية السلبية
كالسوق السوداء ،واالحتكار ،والغش الضرييب وغريها.
-اختالف قدرات ومهارات األفراد الذهنية والبدنية :من خالل اختالف مستوايت التعليم والتكوين
واخلصائص النفسية والبدنية اليت ميتلكها األفراد ،واليت جتعلهم أكثر قدرة على ممارسة أنشطة اقتصادية
مدرة للدخل.
كما أنه ميكن اإلقرار بصعوبة حتقيق املساواة والعدالة يف توزيع الثروة والدخل من منطلق ان ذلك
سيؤثر على الفعالية االقتصادية يف اجملتمع ،ويعطل احلوافز االقتصادية وروح املبادرة ،وهلذا جيب
البحث عن اآلليات اليت تكفل التوزيع العادل ويف نفس الوقت تعمل كمحفز ودافع لألفراد من أجل
العمل والتحسني واإلبداع وغريها ،وحىت ال تكون الثروة متداولة بني فئة حمدودة من اجملتمع جيب
العمل على تقليص التباين والتفاوت إىل أدىن حد ممكن ،ويضمن احلد األدىن الضروري لعيش الفرد
واحلفاظ على حياته ،ورغم أن تلك اآلليات ختتلف وتتنوع حبسب اختالف اجملتمعات وتوجهاهتا
السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،إال أنه ميكن اإلشارة هنا بشكل عام إىل أهم تلك اآلليات
واملداخل اليت ميكن استخدامها لتحقيق هذا الغرض على النحو اآليت:
-اعتماد سياسات التنمية البشرية بشكل واسع وعادل :مبا فيها إاتحة فرص التعليم والتكوين أمام
مجيع أفراد اجملتمع والتشجيع على ذلك ،مبا يوسع اخليارات أمام الفرد يف احلصول على فرص العمل
ومواجهة متطلبات احلياة.
-إاتحة فرص الدعم والفرص االستثمارية أمام مجيع أفراد اجملتمع بشكل عادل وموضوعي بعيدا عن
الفساد اإلداري واملايل.
-إقرار سياسات ومعايري فعالة وعادلة يف التوزيع الوظيفي للدخل ،من خالل حتديد نسبة األجور
واألرابح والريوع والفوائد ،وإخضاعها لسياسة ضريبية عادلة.
114
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-تبين آليات فعالة إلعادة توزيع الدخل ،سواء فيما يتعلق بسياسات االقتطاع كالضرائب والرسوم
واملصادرات ،أو فيما خيص سياسات التوزيع كالنفقات مبا فيها املنح وإنشاء اخلدمات العامة وشروط
االستفادة منها.
-تبين سياسات اقتصادية فعالة مبا فيها السياسة النقدية واملالية والتجارية ،اليت حتد من الثراء
الفاحش لبعض الفئات ،وانقاض الفئات معدومة الدخل يف اجملتمع.
خامسا :االدخار
يعترب االدخار نشاط اقتصادي مهم لضمان استمرارية الدروة االقتصادية ،وهو ظاهرة مرتبطة ابلدخل
واالستهالك ،ابعتباره اقتطاع جزء من الدخل ليوجه حنو حتقيق منافع مستقبلية بدال من االنتفاع به
حاليا.
68
وقد عرف على أنه اقتطاع جزء من الدخل احلايل وعدم إنفاقه حاليا من أجل استخدامه مستقبال،
ويوجه إما لالستثمار أو ملوجهة طوارئ معينة ،أي أن االدخار يتضمن فقط أتجيل لالنتفاع ابألموال
دون ارتباط ذلك ابلزايدة أو النقصان يف حجم املنافع املضحى هبا حاليا.
كما عرف أيضا على أنه استهالك مؤجل يتخلى من خالله الفرد أو اجلماعة عن إشباع رغبة معينة
حاضرة بقصد أتمني األموال الالزمة لتحقيق إشباع رغبة حمتملة يف املستقبل ،وذلك دون االستعداد
لتحمل أدىن درجة من املخاطرة .69فاالدخار هو االمتناع عن االستهالك احلايل والتمتع ابألموال يف
احلاضر وأتجيل ذلك إىل املستقبل ،سواء كان بغرض زايدة املنافع أو فقط االحتفاظ هبا كما هي
بغرض االحتياط للمستقبل ،وهلذا فإن وجود االستعداد لتحمل املخاطرة من عدمه ليس شرط ،فهو
يتضمن كل أتجيل لالستمتاع بكل أو زجزء من الدخل إىل املستقبل ،فإذا كان ذلك التأجيل بغرض
تنمية املنافع ،يتحول هنا االدخار إىل استثمار وعادة ما يرافق هذه العملية حتمل درجة معينة من
68
- Isabel dauner gardiol, mobilizing savings, swiss agency for development and cooperation , 2004, p03.
69
-شقيري نوري موسى ،صالح طاهر الزرقان ،وآخرون ،إدارة االستثمار ،دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة ،األردن ،الطبعة األولى
،2012ص.19
115
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
املخاطرة ،وعلى هذا األساس فإن اشرتاط عدم وجود االستعداد لتحمل املخاطرة غري مؤسس ،ألن
االدخار هو كل أتجيل لالنتفاع سواء بتحمل أو عدم حتمل املخاطرة ،وكما أن االدخار يعد املصدر
الوحيد لتمويل االستثمار ،وهذا املفهوم يعاكسه تعريف آخر لالدخار الذي يراه على أنه اقتطاع جزء
من الدخل مع شرط أن يوجه إىل االستثمار ،70فاشرتاط توظيف األموال ووجود املخاطرة جيعل
االستثمار واالدخار شيء واحد ،بينما هناك فرق بني املفهومني من الناحية االقتصادية ،ألن ليس كل
عملية ادخار تؤدي إىل عملية االستثمار.
وعليه فإن االدخار يقصد به أتجيل االنتفاع ابلدخل أو زجزء منه إىل املستقبل ،فهو يرتبط ابلتضحية
ولكن ليس ابلضرورة يرتبط ابملخاطرة ،وبناء على هذا تتضح املعامل االقتصادية لالدخار على النحو
اآليت:
-االدخار عملية اقتصادية تضمن استمرارية الدروة االقتصادية.
-االدخار جزء من الدخل.
-االدخار يوجه لتحقيق منافع مستقبلية وهو بذلك يتضمن التضحية ابالستهالك احلايل.
-االدخار ظاهرة مرتبطة ابلدخل واالستهالك ،حيث أنه منافس ملفهوم االستهالك ،مبعىن زايدة
االدخار يكون على حساب االستهالك والعكس.
أنواع االدخار:
ميكن التمييز بني عدة أنواع من االدخار وذلك حبسب املعايري املستخدمة يف ذلك وهي:
-70فاحل بن عبد هللا بن حممد احلقباين ،االدخار العائلي وآثره يف التنمية االقتصادية من منظور إسالمي مع دراسة تطبيقية على اململكة العربية
السعودية 1415-1396ه ،أطروحة دكتوراه يف االقتصاد اإلسالمي ،كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية ،جامعة أم القرى ،السعودية،1999 ،
ص.12
116
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
.1من حيث مشروعيته :ويتم التمييز هنا على أساس االدخار الذي يكون له منفعة للمجتمع
واألشخاص ،وذلك الذي حيمل آاثر اقتصادية واجتماعية سلبية ،وعليه ميكن التمييز بني االدخار
املرغوب وغري مرغوب فيه وميكن توضيحهما على النحو اآليت:
-االدخار املرغوب فيه :وهو ذلك االدخار الذي يكون مرغوب من طرف اجملتمع ابلنظر إىل أمهيته
ودوره يف التنمية االقتصادية واالجتماعية ،أي يتمثل يف االدخار الذي يوجه إىل االستثمار ،والذي
بفضله حيافظ اجملتمع على استمرارية الدورة اإلنتاجية وتوسيع طاقتها ،ومن مث املسامهة يف التشغيل
واحلد من البطالة وزايدة الدخل والناتج الوطين اإلمجايل.
-االدخار غري مرغوب :هو االدخار املوجه حنو االكتناز ،أي احتجاز األموال دون توظيفها يف
عمليات إنتاجية ،ولكونه غري إجيايب وغري مفيد للمجتمع ،بل يكون دوره سليب ألنه يعطل األموال،
فهو يعترب ظاهرة سلبية حتارهبا الدول من خالل إقرار عدة آليات لذلك.
.2من حيث شخصية املدخر :ومنيز بني ثالث أنواع من االدخار وهي:
-ادخار األفراد :وميثل املدخرات اخلاصة بقطاع العائالت واألفراد ،الذين خيصصون ويقتطعون جزء
من دخلهم ،بغرض االنتفاع هبا مستقبال أو ملواجهة طوارئ وظروف معينة ،كتلك اليت تتم يف اطار
االقتطاعات االجتماعية ،أو ودائع لدى البنوك من طرف األفراد ،أو شراء أوراق مالية ،أو االحتفاظ
أبرصدة مالية أو عينية يف بيوهتم ،وغريها من عمليات االدخار اليت يقوم هبا األفراد.
-ادخار الشركات :وهو ذلك االدخار الذي تقوم به الشركات ،والذي ميثل اقتطاع جزء من أرابحها
واالحتفاظ هبا واالمتناع عن توزيعها ،وذلك إما من أجل إعادة استثمارها يف توسيع أصوهلا ،أو
ختصيصها كاحتياطات ملواجهة طوارئ ما.
-االدخار احلكومي :وهو املدخرات اخلاصة ابلقطاع احلكومي ،أي ذلك االدخار الذي تقوم به
اهليئات واملؤسسات احلكومية ،سواء كان من اجل توظيفه يف مشاريع استثمارية ذات طابع اقتصادي
117
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
أو اجتماعي ،أو يف شكل ودائع لدى البنوك وغريها من االعمال اليت متكن احلكومة من االدخار
ملواجهة طوارئ مستقبلية أو القيام بعمليات استثمارية.
.3حسب طبيعة املدخرات :وميكن التمييز حسب طبيعة املدخرات بني االدخار االختياري
71
واالدخار اإلجباري ،وفيما يلي شرح لكل منهما:
-االدخار االختياري :وهو ذلك االدخار الذي يتم بشكل طوعي واختياري من طرف األفراد ،من
أجل االستثمار أو من أجل مواجهة طوارئ مستقبلية ،وذلك لقناعته أبمهية االدخار أو رغبته يف
تنمية ثروته أو من أجل االحتياط لظروف مستقبلية.
-االدخار اإلجباري :هذا النوع من االدخار جيد الشخص نفسه جمربا على القيام به ،كفائض
امليزانية العامة ،دفع الضرائب ،فائض قطاع االعمال ،التأمينات االجتماعية واملعاشات.
72
.4من حيث الشكل الذي يتخذه :ومنيز بني نوعني من االدخار على النحو اآليت:
-ادخار يف شكل أصول نقدية :أي تكون املدخرات يف صورة أصول نقدية ،أي أموال سائلة ،ومن
األمثلة على ذلك الودائع اجلارية لدى املؤسسات املالية ،األوراق املالية كاألسهم والسندات ،أو
االحتفاظ أبرصدة نقدية.
-ادخار يف شكل أصول مادية :أي أيخذ شكل أصل عيين مادي ،مثل اآلالت والسلع ،واملعادن
النفيسة كالذهب والفضة.
يرتبط االدخار بعاملني أساسني ومها الدخل واالستهالك ،أما عالقته ابلدخل فهي عالقة عضوية،
لكون أن االدخار هو اقتطاع جزء من الدخل ،من أجل االنتفاع به مستقبال ،أما عالقته ابالستهالك
-71زينب حسني عوض هللا ،جمدي حممود شهاب ،أسامة حممد الفوىل ،أصول االقتصاد السياسي ،دار اجلامعة اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية،2000 ،
ص.192
-72عبد القادر زيتوين ،حمددات ادخار القطاع العائلي يف اجلزائر دراسة قياسية للفرتة ،2008 -1970مذكرة خترج تدخل ضمن متطلبات نيل
شهادة املاجيستري يف العلوم االقتصادية ،ختصص نقود وبنوك ،كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيري ،جامعة الشلف ،ص.08
118
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
فهي عالقة تنافسية ،أي زايدة أحدمها يكون على حساب اآلخر ابعتبار أن كل منهما ميثل جزء من
الدخل ،ويعرب عن تلك العالقة وفق املعادلة الرايضية اآلتية:
𝑺𝛃=∁+
حيث أن:
:yمتثل الدخل
:Cمتثل االستهالك
:Sمتثل االدخار
وكون أن الدخل يقسم إىل جزأين ،جزء يوجه لالستهالك احلايل وجزء يوجه إىل االدخار ،فإن العوامل
املؤثرة على االدخار هي تلك العوامل املتحكمة يف العالقة بني الدخل واالدخار وبني هذا األخري
واالستهالك ،ولذلك فإن عملية االدخار ختضع إىل أتثري جمموعة من العوامل واليت تدفعها إما للزايدة
أو االخنفاض حبسب طبيعة كل عامل ،وميكن تصنيفها إىل ثالث جمموعات أساسية كما يلي:
-عوامل موضوعية :وهي العوامل اليت ترتبط ابالدخار وفق عالقة رايضية اثبتة ،بشكل موضوعي
وتتمثل يف العناصر التالية:
-الدخل :يرتبط االدخار بشكل كلي ابلدخل ألنه يعترب جزء منه ،حيث يعرب عادة عن تلك العالقة
يف شكلها البسيط ابملعادلة الرايضية اآلتية:
𝛾𝛽 𝑠 = 𝜕 +
حيث:
متثل الدخل y
119
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
متثل مستوى االدخار التابع للدخل 𝛄γ
هو اجلزء من االدخار عندما يكون الدخل معدوم a
مع العلم أن امليل احلدي لالدخار يساوي إىل :الواحد انقص امليل احلدي لالستهالك
وهلذا فإن زايدة االستهالك تكون على حساب االدخار ،والعكس زايدة االدخار تكون على حساب
االستهالك مع افرتاض بقاء الدخل على حاله.
حيث أن عالقة االدخار ابلدخل هي عالقة طردية ،أي كلما زاد الدخل يرتفع االدخار ،والعكس
عندما ينقص ينخفض مستوى االدخار ،وتظهر قوة أتثري الدخل يف االدخار من خالل امليل احلدي
لالدخار ،الذي حيدد نسبة االقتطاع من الدخل واملوجه لالدخار ،حيث يتأثر هذا امليل بعوامل
موضوعية كمستوى الدخل الفردي ،عوامل ذاتية نفسية ،وعوامل اجتماعية تتعلق بطبيعة التنشئة
االجتماعية والثقافة واحمليط األسري واالجتماعي.
-سعر الفائدة :يلعب سعر الفائدة دورا اثنواي يف التأثري على االدخار ،وذلك وفق التحليل الكنزي،
بعكس التحليل الكالسيكي الذي يعطيه دور أساسي وأويل يف التأثري على حجم االدخار ،بناء على
فكرة ان التخصيص يبدأ ابالدخار قبل االستهالك ،وهلذا فان العامل احلاسم احملدد لالدخار وفق هذا
الفكر هو سعر الفائدة ،حيث أنه كلما كان معدل العائد على األموال املدخرة (املستثمرة) مرتفع
كلما زاد إغراء األفراد على االدخار والعكس.
-عوامل ذاتية أو شخصية :وهي مرتبطة بعوامل ذاتية انبعة من شخصية الفرد ،حيث يكون من
الصعب التنبؤ هبا وحتديد اجتاهاهتا وقوهتا يف التأثري على االدخار ،وميكن إبراز أهم هذه العوامل من
خالل ما يلي:
-حاجات ورغبات الفرد :فكلما كانت حاجات ورغبات األفراد متعددة وواسعة كلما زادت نزعتهم
حنو االستهالك وقل ميوهلم حنو االدخار ،من منطلق أن اإلنسان ينفق من أجل إشباع حاجاته
ورغباته أوال ،وما تبقى عن ذلك يوجه إىل االدخار ،وهلذا فإن أتثري احلاجات والرغبات على االدخار
120
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
يكون وفق عالقة عكسية ،فكلما زاد عدد احلاجات وتنوعت أو ظهرت حاجات جديدة كلما قل
حجم االدخار الفردي والكلي.
-دافع اقتناء السلع اجلديدة :ويقصد به ميل الفرد إىل اقتناء السلع اجلديدة (املوضة) ،والرغبة يف
جتديد ما لديه منها ابستمرار ،وهذا الدافع يؤثر سلبا على االدخار ،حيث يضطر الفرد يف كل مرة
إىل اإلنفاق على االستهالك بدال من توجيه ذلك إىل االدخار.
-دافع التقليد واحملاكاة :يتمتع الكثري من األفراد حبب التقليد واحملاكاة لآلخرين ،وهذا العامل قد
يكون سليب وقد يكون إجيايب يف أتثريه على االدخار ،فإذا كان التقليد واحملاكاة ألشخاص مييلون
لالدخار واالستثمار ،فسيعمل هذا األمر على تشجيع االدخار ،أما إذا كان التقليد ألشخاص مييلون
إىل اإلنفاق االستهالكي أكثر من خالل تتبع املوضات والكماليات ،فإن التقليد هنا يؤثر سلبا على
االدخار.
-خصائص شخصية الفرد :ختتلف تركيبة وخصائص الشخصية من فرد آلخر ،وذلك أهنا ختضع
لعوامل عديدة يف تركيبتها ،ومن بني تلك العوامل واخلصائص الشخصية احملددة واملؤثرة على االدخار
جند :امليل لالدخار أو لالستهالك ،التوقعات ،املستوى التعليمي والثقايف ،الذكاء ،طريقة التفكري
ومعاجلة املشكالت واملواقف.
-عوامل اجتماعية وثقافية :وتتمثل يف كافة العوامل احمليطة ابلفرد واليت تؤثر على موقفه وقراراته
اخلاصة ابالدخار ،حيث تؤثر تلك العوامل بشكل حاسم على عالقة االدخار ابلدخل واالستهالك،
ومن بني هذه العوامل جند:
-عدد أفراد األسرة :ان عدد أفراد األسرة سيؤثر سلبا على مستوى االدخار هلذه األسرة ،إذ يساهم
يف زايدة اإلنفاق االستهالكي على حساب االدخار.
-طبيعة التعليم :يلعب نوع التعليم الذي يتلقاه الفرد دورا أساسيا يف التأثري على اجتاهاته وميوالته
لالدخار ،فإذا ما كانت برامج التعليم موجهة حنو الرتغيب يف االدخار واالستثمار ،فيمكن أن تساهم
121
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
يف بناء ثقافة عامة حتفز األفراد على االدخار ،والعكس إذا ما كانت تنفر من االدخار وتعاجله على
أنه ظاهرة سلبية غري مرغوب فيها.
-ثقافة اجملتمع :مبا تتضمنه من عادات وتقاليد ،وهي األخرى تلعب دورا هاما يف التأثري على موقف
الفرد من االدخار ،لكون أن هذه األخرية حتمل قيم متكن األفراد من احلكم على األشياء واختاذ
القرارات املناسبة عند املواقف اليت تواجههم ،فبعض الثقافات تنظر إىل االدخار على أنه ظاهرة سلبية
وتربطه (ابلبخل) ،يف حني أخرى تنظر إىل االستهالك املفرط على أنه إسراف وتبذير.
-النظام االجتماعي واالقتصادي السائد يف اجملتمع :حيث تلعب األنظمة االقتصادية واالجتماعية
السائدة دورا هاما يف حتفيز وتشجيع األفراد على االدخار ،مبا تتضمنه من قوانني ومؤسسات
وسياسات وغريها ،وخاصة فيما يتعلق مبدى انسجامها مع ثقافة اجملتمع واستجابتها ملتطلباته ،ومدى
جناعتها وفعاليتها يف تعاملها مع األفراد وخلوها من الفساد اإلداري ،فهي من بني العوامل اليت
تضعف الثقة بني األفراد واملؤسسات واألنظمة ،ومن مث فهي تلعب دورا هاما يف توجيه رغبة األفراد
وسلوكهم حنو االدخار ،وخاصة تلك اليت تكون يف شكل ودائع لدى املؤسسات املالية.
مصادر االدخار:
ختتلف مصادر االدخار إذا فرقنا بني االدخار الفردي واالدخار الوطين أو القومي ،فعلى مستوى
الفرد ،فإن املصدر الوحيد لالدخار هو دخله الذي ينبع من عدة مصادر كاألجور واألرابح والفوائد
والريوع ،أما على املستوى الكلي فان مصادره متنوعة وخمتلفة ،إال انه ميكن إمجاهلا يف مصدرين
73
أساسيني ومها:
.1املصدر الداخلي :والذي يتمثل يف كل املنابع احمللية اليت ميكن أن متثل مصدرا لتمويل االدخار،
واليت أساسها عوائد عناصر اإلنتاج احمللية ،واليت ختتلف حبسب اجلهة اليت تقوم ابالدخار ،حيث
ميكن التمييز بني املصادر الداخلية التالية:
-73عبد القادر زيتوين ،حمددات ادخار القطاع العائلي يف اجلزائر دراسة قياسية للفرتة ،2008 -1970مذكرة خترج تدخل ضمن متطلبات نيل
شهادة املاجيستري يف العلوم االقتصادية ،ختصص نقود وبنوك ،كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيري ،جامعة الشلف ،ص.08
122
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-مدخرات القطاع العائلي :وميثل كل املدخرات اليت يقوم هبا األفراد لغرض إعادة االستثمار أو
لغرض االحتياط للمستقبل ،وعادة ما تكون يف شكل ودائع لدى البنوك ،وميكن التعبري عنها ابلفرق
بني الدخل واالستهالك .حيث يتحدد هذا النوع من االدخار ابمليل احلدي لالدخار وحاجات
األفراد ومستوى الدخل.74
-مدخرات قطاع األعمال :وتتمثل يف كافة أشكال املدخرات اليت تنتجها الشركات واملؤسسات
على إختالف أنواعها وأحجامها وميادين نشاطها سواء كانت مؤسسات خاصة أو عامة ،حيث
أيخذ هذا النوع من االدخار عدة أشكال كاألصول الثابتة ،األوراق املالية ،أو اقتطاع جزء من
األرابح كمخصصات لطوارئ معينة ،ابإلضافة إىل املسامهة يف دفع الضرائب والتأمني االجتماعي
وغريها.
-االدخار احلكومي :وتتمثل مصادر هذا االدخار يف الفرق بني اإليرادات والنفقات احلكومية ،واليت
عادة ما يتم توظيفها يف شكل استثمارات حقيقية أو مالية.
.2املصدر اخلارجي :ويتمثل يف كافة صور املدخرات اليت تكون صادرة عن أطراف أجنبية سواء
كانت رمسية صادرة من جهات حكومية معينة ،أو صادرة من أعوان خواص اليت ميكن أن تكون يف
شكل ودائع لدى املؤسسات احمللية أو استثمارات أجنبة مباشرة.
-74حممود الوادي ،األساس يف علم االقتصاد ،دار اليازوري العلمية ،األردن ،الطبعة األوىل ،2007ص.266
123
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
سادسا :االستثمار
يعترب االستثمار نشاط اقتصادي مهم يف استحداث وتوسيع القدرات اإلنتاجية للبلد ،وقدرته على
إنتاج وسائل إشباع احلاجات والرغبات املختلفة ،فهو النشاط الذي ميكن من توظيف فوائض األموال
واملدخرات يف أنشطة منشئة للقيمة.
تعريف االستثمار:
حيمل مفهوم االستثمار عدة دالالت ومعاين ابلنظر إىل تعدد أبعاده وحمدداته ،وعلى هذا األساس
نصادف عدة تعاريف له ميكن إبرازها من خالل ما يلي:
-هو عبارة عن تلك املصاريف اليت من خالهلا يتحصل الشخص على أرابح مستقبلية.
-هو تلك األموال اليت يدفعها الشخص حاليا مقابل احلصول على أرابح مستقبلية.75
-عرفه كنز على أنه ارتفاع التجهيزات يف رأس املال الثابت واملتداول
-هو التضحية مبنفعة حالية ميكن حتقيقها من خالل استهالك حايل ،بقصد احلصول على منفعة
76
مستقبلية أكرب منها.
-املفهوم االقتصادي :يقصد به توظيف األموال واملدخرات بغرض حتقيق عوائد وأرابح مستقبلية مبا
يؤدي إىل زايدة الثروة وتلبية حاجات اجملتمع واستمرارية الدورة اإلنتاجية.
-75حممد صاحل احلناوي ،طارق مصطفى الشهاوى ،مبادئ وأساسيات االستثمار ،دار التعليم اجلامعي للطباعة والنشر والتوزيع ،اإلسكندرية،
،2013ص.17
-76شقريي نوري موسى ،صاحل طاهر الزرقان ،وآخرون ،إدارة االستثمار ،دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة ،األردن ،الطبعة األوىل ،2012
ص.18
124
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
وبناء على ما سبق فإن مفهوم االستثمار يعرب عن عملية اقتصادية مهمة تشرتك مع عملية االدخار
يف عنصر التضحية وختتلف عنه من حيث التوظيف واملخاطرة ،فهي تتجسد يف عملية توظيف
األموال اقتصاداي ،ولذلك فإن االستثمار يرتبط ابلعناصر التالية:
-االدخار :والذي ميثل مصدره األساسي ،ويف معظم األحيان االدخار يكون هو نفسه االستثمار
من حيث القيمة.
-التضحية :أي التضحية ابملنافع احلالية واليت أتخذ بعني االعتبار املدة الزمنية املخصصة لالستثمار.
-العائد املتوقع :الذي يعوض أعباء التضحية واملخاطرة اليت يتحملها املستثمر.
أهداف االستثمار:
ختتلف أهداف االستثمار حبسب اختالف نوعه واجلهات القائمة به والظروف السائدة ،وميكن
تلخيص أهداف االستثمار فيما يلي:
-حتقيق عائد أو ربح :حيث يعترب اهلدف األساسي ملعظم عمليات االستثمار اليت يقوم هبا القطاع
اخلاص ،إذ يعترب احملفز والدافع األساسي لعملية االستثمار ،والذي يتمثل يف قيمة االرتفاع يف أموال
أو ثروة الشخص نتيجة توظيفها يف عمليات االستثمار ،إال أن تلك الزايدة واالرتفاع يتحدد ابلقيمة
الزمنية لألموال املستثمرة ،أي أيخذ بعني االعتبار املدة الزمنية اليت قضاها املستثمر كتضحية مبنفعة
حالية ،ابإلضافة إىل عامل املخاطرة اليت يتحملها واليت عادة تكون مرتبطة ابلعائد املتوقع على تلك
األموال املستثمرة.
-أتمني حاجات اجملتمع ،من خالل توظيف األموال يف عمليات إنتاج السلع واخلدمات أو إقامة
مشاريع معينة ذات منفعة عامة أو خاصة ،كإنشاء الطرق واجلسور وبناء املدارس واملستشفيات
وغريها.
125
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-احملافظة على رأس املال وتنميته :عادة ما هتدف عمليات االستثمار إىل احملافظة على األموال
وتنميتها ،من خالل استهداف عائد من وراء تلك العمليات والذي يساهم يف تنمية ثروة األشخاص
واجملتمع ،كما أن ترك األموال على حاهلا دون استثمار سيعرضها إىل التدهور واهنيار قيمتها ،فإذا
كانت يف شكل أصول نقدية فستتدهور بفعل التضخم الذي يعمل على إضعاف القدرة الشرائية
للنقود ،أما إذا كانت يف شكل أصول عينية كاملباين واآلالت واألجهزة وخمتلف السلع األخرى،
فستتعرض إىل تدهور قيمتها السوقية بفعل التقادم واهنيار األسعار وغريها من العوامل السوقية املؤثرة
على أسعارها وقيمة املواد ،إضافة إىل حتمل تكاليف التخزين واالحتفاظ بتلك املواد كمصاريف
التأمني واحلراسة وكراء املخازن وغريها من املخاطر.
-توفري مناصب الشغل :ألن االستثمارات تساهم يف تعبئة وتوظيف املدخرات العامة واخلاصة يف
إنشاء مشاريع استثمارية حتتاج إىل عمالة ومن مث املسامهة يف التشغيل.
-توفري العملة الصعبة :حيث تساهم كثريا عمليات االستثمار يف توفري العملة الصعبة ،ذلك كوهنا
متثل مدخل مهم لتوسيع ورفع القدرة اإلنتاجية للبلد ،مبا يؤدي إىل زايدة القدرة على التصدير ومن مث
دخول العملة الصعبة ،كما تعمل أيضا االستثمارات اليت يقوم هبا املواطنني يف اخلارج على دخول
العملة الصعبة.
-التنمية االقتصادية واالجتماعية :من خالل زايدة اإلنتاج وتوفري اخلدمات يف خمتلف القطاعات
كالسكك احلديدية والطرقات واملدارس واملصانع وغريها.
ميكن التمييز بني عدة أنواع من االستثمارات وذلك حسب عدة معايري كما يلي:
-االستثمارات احمللية واألجنبية :وميكن التفريق بينهما هنا حسب جنسية األموال املستثمرة ان كانت
حملية أو أجنبية ،حيث أن االستثمارات احمللية تعود إىل أشخاص يقيمون داخل الدولة ،أما
االستثمارات األجنبية فتعود إىل أشخاص يقيمون يف دول أجنبية ،وميكن التمييز هنا بني نوعني من
126
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
االستثمارات وهي :االستثمارات األجنبية املباشرة ،واالستثمارات األجنبية غري مباشرة ،ورغم أن املزااي
اليت تتمتع هبا االستثمارات األجنبية يف كوهنا تساهم يف تلبية حاجات ورغبات األفراد واجملتمع
والتشغيل ،إضافة إىل دورها يف استقطاب رؤوس األموال والعملة الصعبة يف املدى القصري ونقل
التكنولوجيا ،إال أن دورها يف األجل الطويل يساهم يف استنزاف العملة الصعبة ابلنظر إىل التحويالت
اليت تتم يف هذا االطار واليت تؤدي إىل خروج رؤوس األموال إىل بلدان إقامة أصحاب االستثمارات،
إضافة إىل أن الواقع أثبت عدم مسامهة هذه االستثمارات يف نقل التكنولوجيا وبدال من ذلك جتعل
الدول املستضيفة لتلك االستثمارات جمرد مستهلك هلا ،واتبعة للدول األجنبية ،وهلذا فإن أحسن
وسيلة للتنمية هي االستثمارات احمللية رغم حمدوديتها يف بعض األحيان وضعف فعاليتها بسبب
اخنفاض رؤوس األموال احمللية.
-استثمار حقيقي واستثمار مايل :حيث يتضمن األول أصوال مادية ملموسة مثل األراضي واآلالت
واملصانع ،أما الثاين فيتضمن عقود مكتوبة مثل األسهم والسندات.77
-استثمارات اسرتاتيجية واستثمارات توسعية :حيث تشري االستثمارات االسرتاتيجية إىل تلك
االستثمارات اليت متس قطاعات حساسة ومهمة يف البلد وذات األثر البالغ على الدولة ويف
استحداث وتنمية القدرة اإلنتاجية للمجتمع ،أما االستثمارات التوسعية فهي تساهم يف توسيع القدرة
اإلنتاجية احلالية من خالل اقتناء جتهيزات جديدة.
-حسب مدة االستثمار :ومنيز بني االستثمارات قصرية األجل (سنة أو سنتني) ،استثمارات
متوسطة األجل (سنة إىل سبع سنوات) ،استثمارات طويلة األجل (تفوق سبع سنوات).
كما ميكن التمييز أيضا بني االستمارات اخلاصة والعامة ،حيث يشري األول إىل تلك االستثمارات
الصادرة عن القطاع اخلاص كالعائالت والشركات اخلاصة ،ويكون هدفه غالبا اقتصادي أي تعظيم
الثروة من خالل حتقيق األرابح ،أما االستثمارات العامة فتشري إىل تلك االستثمارات الصادرة عن
-77حممد صاحل احلناوي ،طارق مصطفى الشهاوى ،مبادئ وأساسيات االستثمار ،دار التعليم اجلامعي للطباعة والنشر والتوزيع ،اإلسكندرية،
،2013ص.17
127
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
القطاع العام أي الدولة مبختلف مؤسساهتا وأجهزهتا ،كإنشاء املطارات والطرق وبناء املدارس وغريها،
وغالبا ما يكون هدفه اجتماعي أي توفري خدمة أو منفعة عامة للمواطنني.
وميكن أيضا التمييز بني االستثمارات حسب طبيعتها إىل :استثمارات اقتصادية أي تلك اليت تسعى
إىل حتقيق هدف اقتصادي أو إجياد مشروع اقتصادي معني ،واستثمارات اجتماعية وهي تلك اليت
تسعى إىل حتقيق أهداف اجتماعية كاالستثمارات الصحية والثقافية ،واستثمارات يف العنصر البشري
وهي تلك اليت تسعى إىل حتقيق التنمية البشرية من خالل أنشطة التعليم والتدريب والتكوين.
خيضع االستثمار بشكل رئيسي إىل حجم الدخل واالدخار ،ألنه هو جزء أو كل من هذا األخري ،إال
أن هناك عوامل متعددة تتحكم يف توجيه األموال حنو استثمارات بعينها وتصرفها عن أخرى ،وميكن
78
تلخيص أهم العوامل املؤثرة على االستثمار يف النقاط التالية:
-معدل العائد على األموال املستثمرة ودرجة املخاطرة :يؤثر معدل العائد املتوقع على األموال
املستثمرة على االستثمار بشكل إجيايب ،ومن جهة أخرى تؤثر درجة املخاطرة بشكل سليب ،ولكالمها
دور يف توجيه األموال حنو أنواع معينة من االستثمارات ،اذا كان هناك اختالفات بني هذه األخرية
من حيث درجة املخاطرة ومعدل العائد املتوقع.
-أسعار الفائدة :فغالبا ما تساهم أسعار الفائدة يف رفع تكلفة األموال املستثمرة ،وهلذا فان رفع هذه
األسعار له اثر سليب على االستثمارات ويساهم يف انتقاهلا إىل اخلارج.
-الدخل واالدخار :يعترب الدخل مصدرا مهما وأساسيا لتمويل االستثمارات ،وهلذا فإنه كلما ارتفع
مستوى الدخل أدى إىل زايدة حجم االستثمارات ،كما تعترب املدخرات سواء احلالية أو السابقة عامل
مهم لتمويل االستثمارات.
-78هندي منري إبراهيم ،أساسيات االستثمار يف األوراق املالية ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،1999 ،ص.15
128
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-الظروف السياسية واالجتماعية السائدة :وتلعب دورا كبريا يف التأثري على درجة املخاطرة ،ومن مث
على االستثمار ،ومن بني العوامل هنا جند درجة االستقرار السياسي والعالقات اخلارجية للدولة وثقافة
اجملتمع واملستوى التعليمي وغريها.
-الظروف االقتصادية :كمعدل التضخم ،املستوى املعيشي ،التوازن االقتصادي الداخلي واخلارجي
للبلد ،مناخ االستثمار ،طبيعة املؤسسات واألنظمة والقوانني اخلاصة بتنظيم االستثمارات يف البلد،
وما تتصف به من فساد إداري ومايل ،وبريوقراطية.
-السياسات االقتصادية :مبا فيها السياسة النقدية والسياسة املالية ،حيث تلعب دورا يف تشجيع
االستثمار ،فهي تؤثر على سعر الفائدة وعلى العائد املتوقع من االستثمار ،ومن تلك العوامل جند
التحفيزات والتسهيالت االستثمارية والضريبية واجلمركية اليت تقرها الدولة ،الدعم املايل ،إضافة إىل
أدوات السياسة النقدية كالتأثري على سعر الفائدة ،والكتلة النقدية.
-رؤوس األموال املتوفرة :فكلما توفرت رؤوس األموال تزيد القدرة على االستثمار ،وخاصة
االستثمارات احلقيقية اليت غالبا ما تتطلب رؤوس أموال كبرية.
-البنية التحتية :كالطرقات واجلسور إضافة إىل خمتلف اخلدمات املساعدة على إقامة مشاريع
استثمارية كتوفري شبكة املياه والكهرابء.
خماطر االستثمار:
تلعب درجة املخاطرة دورا مهما يف توجيه والتأثري على االستثمارات ،واليت تعين عدم التأكد من
حتقيق العائد املتوقع على األموال املستثمرة ،وهناك عدة عوامل حتدد درجة املخاطرة هذه ،واليت ميكن
إبرازها يف جمموعتني أساسيتني ومها:
-خماطر نظامية :هي اليت ال تتعلق بنوع معني من االستثمارات ،أي أن أتثريها عام يشمل كافة
االستثمارات مهما كان جماهلا والقطاع الذي تنتمي إليه ،مثل خماطر طبيعية وسياسية وأمنية .وهذا
129
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
النوع من العوامل له أثر كبري على جاذبية دولة ما لالستثمارات وقدرهتا على تعبئة وتوظيف املدخرات
يف شكل استثمارات.
-خماطر غري نظامية :هي تلك املخاطر اليت تصيب نوع معني من االستثمارات ،أي ختتص يف
أتثريها على استثمارات بعينها وال تؤثر على أنواع أخرى ومن بينها خماطر العمل ،خماطر السوق،
خماطر مالية...اخل .وهلذا النوع من العوامل دور هام يف توجيه االستثمارات إىل قطاعات معينة دون
أخرى ،ألهنا تربز الفوارق واالختالفات يف املخاطر بني القطاعات وأنواع االستثمارات.
العالقة بني درجة املخاطرة والعائد املتوقع من االستثمار:
وهي عالقة طردية ،فكلما زادت درجة املخاطرة زاد العائد املتوقع من االستثمار.
وابلطبع دائما املستثمرين يفضلون االستثمار يف امليادين أين يكون العائد مرتفع ودرجة املخاطرة
منخفضة ،ولكون أن هناك عالقة طردية بني معدل العائد املتوقع على االستثمارات ودرجة املخاطرة،
أي أن اجملال الذي يكون فيه العائد مرتفع تكون درجة املخاطرة عالية ،فيبقى التوجه حسب شخصية
ورغبة املستثمر ان كان مييل إىل حتمل املخاطرة فيتجه إىل امليادين ذات العائد املرتفع ،وإذا كان ال
يتحمل املخاطرة فيتجه إىل االستثمارات ذات درجة خماطرة منخفضة ولكن العائد منخفض.
130
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
المدخل النظامي
الفصل الثالث
131
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
الفصل الثالث :املدخل النظامي
منذ أن وجد اإلنسان على وجه األرض وهو ويصارع من أجل البقاء املبين على تلبية حاجاته ورغباته
املختلفة انطالقا من املوارد االقتصادية املتاحة ،وألجل ذلك قد عمد إىل تطوير وسائل تلبية تلك
احلاجات والرغبات واألنشطة اخلاصة هبا ،اليت تطورت معها خمتلف العالقات وآليات تنظيمها
وتنوعت واختلفت من زمن إىل آخر ومن جمتمع إىل آخر ،حبسب اختالف وتنوع السلوك اإلنساين
اخلاص ابستغالل املوارد وتلبية احلاجات ،وألجل إجياد تصور مثايل يضمن من خالله اإلنسان فعالية
تلك األنشطة ،فقد ظهرت بعض األفكار واآلليات واملبادئ اليت حتاول تنظيم وحتديد العالقات
والسلوكات االقتصادية لإلنسان ،وهذا ما أدى إىل ظهور فكرة األنظمة االقتصادية وآليات عملها،
واليت اختلفت حبسب اختالف النظم الفكرية واإليديولوجية وخصائص وطبيعة اجملتمعات ،حيث
تساهم يف تطبيق السياسات االقتصادية وحتقيق األهداف املرتبطة هبا احملددة وفق رؤية معينة ،وتنظيم
خمتلف العالقات واألنشطة االقتصادية وفق آلية معينة حتدد من خالهلا تلك العالقات واألنشطة
وطريقة ممارستها ،إذ ختتلف املداخل والتوجهات اليت ميكن من خالهلا تبين الرؤية اخلاصة بتنظيم تلك
العناصر ،وانطالقا من هذا تظهر عدة أنواع من األنظمة االقتصادية اليت تستخدم آليات وطرق خمتلفة
لتنظيم وحتديد تلك األنشطة والعالقات.
وهلذا يكون من اجلدير دراسة وحتليل مفهوم النظم االقتصادية وأهدافها وخصائصها ،ابإلضافة إىل
تتبع خمتلف النظم االقتصادية اليت عرفتها البشرية ،وحتديد املبادئ واألفكار اليت قامت عليها ،ومدى
جناعتها وفعاليتها يف معاجلة املشكلة االقتصادية ،ودورها يف حتقيق التنمية االقتصادية ومعاجلة خمتلف
األزمات يف هذا اإلطار.
132
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
أوال :مفهوم النظام والتنظيم االقتصادي
من وجهة النظر العامة يعرب مفهوم النظام عن جمموعة من العناصر املادية والبشرية واملعنوية اليت جتتمع
وفق تنظيم حمدد لتحقيق أهداف عامة هلا ،وعادة ما أتخذ شكل مدخالت ،عمليات ،خمرجات،
فقد عرف النظام على أنه كيان عام تتداخل عناصره ومكوانته على حنو يتفاعل ويتبلور يف النهاية
لتحقيق األهداف العامة للنظام ،حيث هتتم نظرايت النظم بدراسة الطريقة والكيفية اليت ترتابط هبا
تلك املكوانت والعناصر .79وجند يف حياة اإلنسان العديد من النظم املختلفة واملتعددة واليت أتخذ
أبعاد وخصائص متنوعة يكون من الصعب الوقوف عليها ،وخاصة أن كل نظام ميثل نظام فرعي من
نظام أكرب منه ،وهو بدوره يتكون من جمموعة من النظم الفرعية اليت تتناسق فيما بينها لتحقيق
أهداف النظام األكرب ،كما ميكن التمييز بني عدة نظم اليت هتتم بتنظيم العالقات واألنشطة املميزة
للحياة االجتماعية واجلماعية لإلنسان ،كالنظم االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،وسنركز هنا على
إبراز أهم التعاريف اليت أعطيت ملفهوم النظم االقتصادية ،واليت عرفت اختالفات كبرية يف حتديد
ماهيتها ،وذلك ابلنظر إىل االختالفات الفكرية واإليديولوجية ،فمن املفكرين من يربطه ابلواقع
االجتماعي واالقتصادي والسياسي الذي تعيشه اجملتمعات ،معتمدا يف ذلك على األساليب النظرية
والفكرية اليت تصور العمليات االقتصادية واألساليب واألدوات وخمتلف األنشطة ،فيما يربطه البعض
اآلخر ابلتحليل النظري والفكري للوقائع واألنشطة االقتصادية ،ابلرتكيز على منط وعالقات وقوى
اإلنتاج اليت تشكل البناء احلقيقي والنسيج الواقعي للمجتمع .80وفيما يلي أهم تلك التعاريف:
-عرف النظام االقتصادي على أنه جمموعة اآلليات واملؤسسات الصانعة واملنفذة للقرارات املتعلقة
ابإلنتاج والتوزيع واالستهالك يف جمتمع معني ،81أي أن النظام االقتصادي ميكن النظر إليه على أنه
جمموعة من العناصر اليت هتتم بصناعة القرارات االقتصادية يف جمتمع معني ،اليت ختتص ابإلجابة عن
-79مظهر إمساعيل صربي ،نظرايت السياسة الدولية دراسة حتليلية مقارنة ،جامعة الكويت ،الطبعة األوىل ،1982ص.105
-80حممد محد القطاطشة ،النظام االقتصادي السياسي الدويل ،دار وائل للنشر والتوزيع ،األردن ،الطبعة األوىل ،2013ص.16
-81بول جرجيوري ،روبرت ستيورت ،النظم االقتصادية املقارنة ،ترمجة :طه عبد هللا منصور ،دار املريخ للنشر ،اململكة العربية السعودية،1994 ،
ص.33
133
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
األسئلة املتعلقة مبعاجلة املشكلة االقتصادية مبختلف أبعادها ،فهي تشكل اإلطار العام الذي يساعد
ويوجه التفكري وطريقة التصرف حيال العالقات واألنشطة االقتصادية املختلفة للمجتمع.
-كما عرف أيضا على أنه النسق الفكري الذي حيكم التفاعالت والعالقات األساسية للثروة يف
اجملتمع ،من حيث طريقة اإلنتاج والتوزيع والتداول واالستهالك سواء على املستوى احمللي أو القومي
أو الدويل ،82فالنظام االقتصادي تعبري عن الطريقة واآللية اليت من خالهلا يتم إدارة خمتلف األنشطة
والعالقات االقتصادية مبا فيها عالقة اإلنسان ابإلنسان يف اإلطار اإلنتاجي وعالقته بوسائل اإلنتاج،
واألنشطة اليت ميارسها يف سبيل تلبية حاجاته ورغباته انطالقا من استغالل املوارد االقتصادية.
من خالل استعاض اهم التعاريف السابقة ميكن اعتبار النظام االقتصادي على أنه اإلطار الفكري
والتنظيمي اليت يتضمن جمموع العالقات واملؤسسات والضوابط اليت متيز وتنظم احلياة االقتصادية
جملتمع ما يف زمان ومكان معني ،أي الطريقة أو اآللية املتبعة يف عالج املشكلة االقتصادية.
وتشرتك األنظمة االقتصادية يف هدفها العام واخلاص مبحاولة معاجلة املشكلة االقتصادية ،أي حماول
حتقيق االستغالل والتوزيع األمثل للموارد االقتصادية ،مبا حيقق افضل إشباع ممكن لإلنسان ويؤدي إىل
حتسني مستوى معيشته ،إال أهنا ختتلف يف الطرق والوسائل واآلليات املتبعة يف ذلك ،كما أن بقاء
النظام االقتصادي واستمراريته مرهونة بنجاعته وفعاليته يف معاجلة املشكلة االقتصادية ،وهذا ما يفسر
تغري وتطور األنظمة االقتصادية عرب اتريخ البشرية ،إذ تعاقبت عدة أنظمة موازاة مع التطور الفكري
واحلضاري لإلنسان ،فأي نظام يثبت فشله يف معاجلة املشكلة االقتصادية ينهار ويزول وخيلفه نظام
آخر يطرح أفكار وآمال جديدة تتضمن آليات وأساليب ساعيا من خالهلا إىل معاجلة تلك املشكلة
بشكل فعال ،إال أن تلك األفكار واآلليات تتحدد دوما يف إطار التوجهات الفكرية واإليديولوجية
ألصحاهبا واخلصائص االجتماعية والثقافية للمجتمعات اليت ظهرت فيها.
-82حممد محد القطاطشة ،النظام االقتصادي السياسي الدويل ،دار وائل للنشر والتوزيع ،األردن ،الطبعة األوىل ،2013ص.16
134
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
مفهوم التنظيم االقتصادي:
هو الوسيلة أو الطريقة اليت يعتمدها النظام االقتصادي لتنظيم النشاطات والعالقات والفعاليات
االقتصادية يف جمتمع ما ،واليت يتميز هبا عن غريه من األنظمة االقتصادية ،فمثال جند أن:
-النظام االقتصادي الرأمسايل يعتمد على التنظيم االقتصادي احلر يف معاجلة املشكلة االقتصادية
وميكن التمييز بني األنظمة االقتصادية بطريقتني ،طريقة تعتمد على معيار واحد والذي يتمثل يف
شكل ملكية وسائل اإلنتاج ،وفق هذه الطريقة يعترب العامل الوحيد للتفريق بني األنظمة االقتصادية
هو شكل امللكية فقط ،إذ ميكن التمييز وفق هذا املعيار بني ثالث أنظمة اقتصادية وهي :النظام
االقتصادي القائم على امللكية اجلماعية ،النظام االقتصادي القائم على امللكية الفردية لوسائل
اإلنتاج ،والنظام االقتصادي املختلط ،أي الذي ميزج بني امللكية اجلماعية وامللكية اخلاصة لوسائل
اإلنتاج.
أما الطريقة الثانية املعتمدة يف التمييز بني األنظمة االقتصادية ،فهي أتخذ بعني االعتبار عدة معايري
ومؤشرات كشكل امللكية ،نظام العمل ،دور الدولة ،احلرية االقتصادية وغريها.
وقد عرفت البشرية عدة أنظمة اقتصادية تعاقبت عرب التاريخ االقتصادي ،وميز كل منها فرتة زمنية
معينة عكس منط حياة اإلنسان واخلصائص احلضارية واالجتماعية والفكرية لتلك اجملتمعات ،ومن
األنظمة االقتصادية جند :النظام االقتصادي البدائي ،النظام االقتصادي العبودي (القائم على الرق)،
النظام االقتصادي اإلقطاعي ،النظام االقتصادي الرأمسايل ،النظام االقتصادي االشرتاكي ،النظام
االقتصادي املختلط ،النظام االقتصادي اإلسالمي.
135
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
خصائص النظام االقتصادي
على اعتبار أن النظام االقتصادي يشري إىل األطر الفكرية احملددة لآلليات والطرق املتبعة يف معاجلة
املشكلة االقتصادية وحتسني املستوى املعيشي لألفراد ،فإنه ينبغي أن يتصف بشكل عام مبجموعة من
اخلصائص ميكن ذكرها فيما يلي:
-يتميز النظام االقتصادي أبنه يستهدف دوما معاجلة املشكلة االقتصادية بشكل فعال ،وعلى ذلك
األساس يتحدد مربر وجوده واستمراريته يف تنظيم احلياة االقتصادية للمجتمع.
-أن حيتوي جمموعة من اآلليات والطرق اليت متكن من تنظيم والتحكم يف العالقات واألنشطة
االقتصادية وإدارهتا ،وتضبط دور كل وحدة اقتصادية كنظام فرعي وعالقته ابلنظام الكلي.
-يتضمن جمموعة من املبادئ والقواعد العامة اليت متيزه عن ابقي األنظمة يف طريقة تنظيم العالقات
واألنشطة االقتصادية ومعاجلة املشكلة االقتصادية.
-أن يبىن على أفكار ومبادئ تتالءم مع املنطق االقتصادي السائد والقواعد والقوانني اليت حتكم
العالقات والسلوكات االقتصادية.
-توضيح آليات وترتيبات القرار االقتصادي ،اخلاصة ابإلجابة على تساؤالت املشكلة االقتصادية
واملتمثلة يف طريقة توفري املوارد االقتصادية واستخدامها وختصيصها على خمتلف االحتياجات والرغبات
اإلنسانية.
-يوفر اآلليات والطرق اليت متكن اجملتمع من التوزيع الفعال للثروة واملوارد االقتصادية املختلفة على
خمتلف احلاجيات واألجيال والفئات البشرية والقطاعات االقتصادية املختلفة.
136
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
أهداف النظام االقتصادي:
يكمن اهلدف األساسي ألي نظام اقتصادي يف حماولته معاجلة املشكلة االقتصادية بطريقة أكثر كفاءة
وفعالية ،وعلى هذا األساس يقاس مدى جناحه ومن مث يكتسب مربر وجوده واستمراريته يف تنظيم
احلياة االقتصادية للمجتمع ،ويف هذا اإلطار تندرج العديد من األهداف والغاايت الفرعية للنظام
االقتصادي واليت تصب مبجملها يف معاجلة املشكلة االقتصادية ،وإن كانت تلك األهداف ختتلف
من نظام إىل آخر ،حبسب اختالف دوافع كل نظام وخلفيته اإليديولوجية واالجتماعية اليت قام يف
ضوئها ،ولكن هنا ميكن التطرق إىل أهم املداخل العامة اليت حتكم تلك األهداف واليت يف ضوئها
تسطر الغاايت واملبادئ اخلاصة بكل نظام اقتصادي ،وميكن تلخيص أمهها يف النقاط التالية:
-حتقيق االستغالل األمثل للموارد :ابلنظر إىل حمدودية املوارد االقتصادية املتاحة يف اجملتمع ،فيتعني
على أي نظام اقتصادي توفري األطر الفكرية الالزمة اليت متكن األمة من احلفاظ على املوارد
واستغالهلا أحسن استغالل ،وجند أن األنظمة االقتصادية اليت سادت خالل فرتة زمنية معينة قد تبنت
آليات خمتلفة يف هذا الشأن ،فمثال أن النظام االقتصادي الرأمسايل يعتمد يف ذلك على نظام السوق
واملنافسة املثلى وحافز الربح ،كآليات تعمل على توجيه ودفع األفراد حنو حتسني األداء املبين على
احملافظة على املوارد واختيار اجنع الطرق الستغالهلا وتوظيفها ،أما النظام االقتصادي االشرتاكي
فيعتمد يف ذلك على آلية التخطيط املركزي الذي من خالله يتم حتديد طريقة استغالل وتوزيع املوارد
بشكل حيافظ عليها وحيقق أكرب إشباع ممكن حلاجات األفراد واجملتمع.
-تلبية احلاجات والرغبات الفردية واجلماعية :أي أن النظام االقتصادي من مسؤولياته توضيح الطرق
واألنشطة االقتصادية اليت تساهم يف تلبية حاجات ورغبات األفراد واجملتمع ،واليت تتحدد يف املسالك
اليت تسلكها وسائل إشباع احلاجات والرغبات من مواطن اإلنتاج إىل مواطن االستهالك.
-التخصيص والتوزيع الفعال والكفء للموارد االقتصادية على خمتلف االستخدامات واألنشطة
والقطاعات واألجيال واملناطق ،وذلك من خالل توفري قواعد وأحكام معينة خاصة بذلك.
137
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-حتقيق التوزيع العادل للثروة والدخل بني خمتلف الفئات البشرية وحماولة تقليص التباين واالختالف
يف التوزيع إىل اقصى حد ممكن ،وذلك من خالل توفري األدوات واألسس املناسبة لتوزيع الدخل
وتلك اخلاصة إبعادة التوزيع ،ويف هذا الشأن سعت األنظمة االقتصادية املختلفة إىل هذا اهلدف،
وقد تباينت مساعيها يف حتقيق ذلك ،وخاصة ابلنسبة للنظام االقتصادي االشرتاكي والنظام
االقتصادي الرأمسايل ،فاألول بين أساسا على مبدأ العدالة يف توزيع الثروة والدخل والقضاء على
الطبقية ،أما الثاين فلم يعطيها أمهية كبرية بقدر تركيزه على الفعالية االقتصادية.
-تنظيم وتوجيه األنشطة االقتصادية :فالبد على النظام االقتصادي أن يوفر الطرق واآلليات املناسبة
لتنظيم األنشطة االقتصادية املختلفة ،بدءا من نشاط اإلنتاج إىل نشاط االستهالك ،وحتديد األسس
املناسبة لضبطها وتفعيلها ،أي :ما هي اآلليات اليت تضمن فعالية األنشطة االقتصادية ؟
-تنظيم العالقات االقتصادية بني الناس وبني عناصر اإلنتاج كأفراد ،كجماعات ،كمؤسسات
وجمتمعات ،واليت تتضح من خالل منط ملكية وسائل اإلنتاج ،العالقات االجتماعية داخل العملية
اإلنتاجية ،عالقة اإلنسان ابلطبيعة ،عالقات التبادل والتوزيع.
-إجياد اآلليات املناسبة لتحقيق التنسيق الفعال بني خمتلف الفعاليات والعناصر املكونة للنشاط
االقتصادي ،وربط كل ذلك ابهلدف االقتصادي العام للمجتمع.
-العمل على حتقيق االستقرار والتوازن االقتصادي :وذلك من خالل القضاء على خمتلف
االختالالت واألزمات االقتصادية اليت تصيب اجملتمعات.
-السعي إىل حتقيق التنمية االقتصادية والنمو االقتصادي :والذي يتجسد من خالل حتسني
املؤشرات اخلاصة بـ :التشغيل ،الدخل والناتج اإلمجايل ،مستوايت املعيشة لألفراد ،تلبية متطلبات
اجملتمع ،األمن الغذائي...إخل
138
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
اثنيا :اْلنظمة االقتصادية
عرفت البشرية عدة أنظمة اقتصادية كل منها ميز فرتة زمنية معينة ،حماوال إجياد منط عيش أفضل
ألفراد اجملتمع ،ويعود ظهور معظمها إىل التطورات والتفاعالت االجتماعية اليت كانت تصيب
اجملتمعات خالل فرتات معينة ،وإىل إسهامات الكثري من املفكرين والباحثني يف الشأن االقتصادي
لألمم ،وهلذا كان النظام االقتصادي يعكس منط احلياة البشرية ذات األبعاد املختلفة وابألخص
عالقات اإلنسان ابإلنسان وعالقته ابلطبيعة وما تتميز به من موارد ومناخ وموقع جغرايف وغريها،
واملتتبع للتاريخ االقتصادي يالحظ كيف ظهرت أنظمة اقتصادية خالل حقب اترخيية معينة مث
اختفت ،حيث كان ذلك االختفاء والظهور نتيجة لربوز عوامل وظروف معينة ،وابلنظر إىل تعدد
األنظمة االقتصادية اليت عرفتها البشرية عرب اترخيها ،فقد انتقلت البشرية من النظام االقتصادي
البدائي القائم على الصيد واجلمع ،إىل النظام القائم على الرق والعبودية ،إىل النظام اإلقطاعي ،مث
النظام الرأمسايل ،واالشرتاكي والنظام االقتصادي املختلط ،والنظام االقتصادي اإلسالمي.
سنكتفي من خالل هذا العنصر بدراسة فقط أهم تلك األنظمة اليت سادت يف جمتمعات معينة
وخالل فرتة زمنية معينة.
يعترب النظام االقتصادي الرأمسايل نظام قائم على امللكية الفردية لوسائل اإلنتاج وحرية األفراد يف
ممارسة األنشطة االقتصادية والتنافس فيما بينهم لتحقيق مصاحلهم اخلاصة ،على اعتبار أن حتقيق هذه
املصلحة يصب يف حتقيق املصلحة العامة لوجود ارتباط بينهما ،ويعود ظهور هذا النظام ابلدرجة
األوىل إىل آدم مسيث الذي ارجع املشاكل االقتصادية واالجتماعية اليت كانت تعاين منها اجملتمعات
خالل الفرتة اليت ساد فيها النظام االقتصادي التجاري إىل تدخل الدولة يف احلياة االقتصادية ،إذ يرى
أن االزدهار االقتصادي ال ميكن حتقيقه إال من خالل احلرية الفردية يف ممارسة األنشطة االقتصادية
وامللكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج ،حتت شعار "دعه يعمل اتركه مير" ،فحسبه أن احلياة االقتصادية
139
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
تسري وفق نظام طبيعي يتجاوز إرادة اإلنسان ،أي أهنا ختضع لقوانني طبيعية اثبتة مماثلة لتلك اليت
تتحكم يف الظواهر الطبيعية ،وعليه فان كل عمليات التدخل من طرف الدولة تعترب خرقا لقوانني
الطبيعة ومن مث ستؤدي إىل عرقلة مسار اجملتمع يف التنمية ،يف حني يرى البعض ان هذا النظام هو
إعادة تشكيل وصياغة النظام االقتصادي اإلقطاعي ،أي إعادة تصوير املفاهيم واألمناط والعالقات
اليت كانت سائدة إابن النظام اإلقطاعي حبلة جديدة ،من اجل تربير وضمان استمرارية تسلط وسيطرة
الطبقة املالكة لوسائل اإلنتاج .
يتصف النظام االقتصادي الرأمسايل مبجموعة من اخلصائص ،متميزا بذلك عن ابقي األنظمة
االقتصادية األخرى ،إذ تعكس تلك اخلصائص التوجهات الفكرية واإليديولوجية ملفكريه ،وتتالءم مع
األبعاد احلضارية واالجتماعية لبعض اجملتمعات اليت نبعت منها ،كما تتوافق مع املصاحل االقتصادية
لبعض الفئات والطبقات من اجملتمع وابألخص طبقة الرأمساليني ،وهذا يفسر جناحه واستمراره لفرتة
طويلة من الزمن ،وانتشاره على نطاق واسع يف العامل ،فأصحاب هذا النظام يرون أن احلركة
االقتصادية تزدهر من خالل احلرية التامة للفرد يف ممارسة األنشطة االقتصادية وامتالك وسائل اإلنتاج،
اليت تشكل حافز ودافع مهم للعمل ،وانطالقا من هذه الفكرة نبعت مبادئ وخصائص هذا النظام،
واليت ميكن تلخيصها فيما يلي:
-امللكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج :يقوم النظام االقتصادي الرأمسايل على امللكية الفردية لوسائل
اإلنتاج ،اليت تستجيب إىل غريزة حب التملك لدى اإلنسان ،وبذلك يتوافق مع القوانني الطبيعية اليت
حتكم الظواهر االقتصادية كما يرى أنصاره ،ومن مث فإن امللكية اجلماعية هي نقض وخرق هلذا
القانون ،حيث تعمل امللكية الفردية كحافز اقتصادي يدفع األفراد حنو العمل وحتسني األداء ،يف
سعيهم لتحقيق املصلحة اخلاصة اليت تصب يف حتقيق املصلحة العامة.
-احلرية االقتصادية املطلقة يف امتالك وسائل اإلنتاج وممارسة األنشطة االقتصادية كالعمل ،اإلنتاج،
التوزيع ،االستهالك ،االستثمار ،االدخار ،...وهذا من أجل ترك اجملال أمام األفراد ملزاولة أنشطتهم
140
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
وتعظيم مكاسبهم ،حيث تغري مفهوم احلرية يف ظل هذا النظام بعد األزمة االقتصادية العاملية سنة
،1929إذ أصبحت مقرتنة بتدخل حمدود للدولة من خالل أعمال اإلشراف والرقابة.
-حافز الربح :والذي يتمثل يف تلك املكاسب املادية اليت يتحصل عليها أصحاب عوامل اإلنتاج،
يرى الرأمساليون أن هدف حتقيق الربح يعترب حافز فعال يف تنشيط احلركة االقتصادية ،فهذا احلافز هو
الذي يدفع األفراد حنو العمل وحتسني األداء والذي يؤدي ابلضرورة إىل احملافظة على املوارد
االقتصادية وحتقيق االستغالل األمثل هلا ،كما يؤدي إىل إشباع حاجات ورغبات األفراد واجملتمع،
ومن مث حتسني مستوايت النمو االقتصادي من خالل رفع مستوى الدخل والناتج اإلمجايل.
-املنافسة احلرة :وذلك من خالل فتح اجملال أمام األعوان االقتصاديني من أجل اإلنتاج والتوزيع
واالستثمار ،مما ينجم عنه منافسة تدفع األفراد حنو حتسني األداء وبذل اقصى جمهود ممكن ،ويف هذا
الصدد يعتمد النظام االقتصادي الرأمسايل على آلية السعر ونظام السوق يف املوازنة بني العرض
والطلب ،اليت تساهم يف حتديد نوعية وكمية اإلنتاج واستخدام املوارد االقتصادية وتوزيعها على خمتلف
االستخدامات.
-االستناد إىل نظام السوق يف معاجلة املشكلة االقتصادية ،مبا تتضمنه من آلية األسعار ،اليت تساهم
يف حتقيق التوازن بني العرض والطلب على السلع واخلدمات.
-مبدأ سيادة املستهلك :أي أن حاجات ورغبات املستهلك هي من حتدد نوعية وكمية اإلنتاج
وطريقة توزيعه.
يرى انصار النظام االقتصادي الرأمسايل أن هذا النظام يعكس الطبيعة البشرية وجيسد القوانني الطبيعية
اليت حتكم السلوكات والعالقات اإلنسانية ،وهلذا فهو النظام املثايل القادر على البقاء واالستمرارية
ابلنظر إىل فعاليته وجناعته يف معاجلة املشكلة االقتصادية ،وخاصة أن هذا النظام هو الذي استطاع
الصمود واالستمرار يف الوجود ملدة طويلة وال يزال قائما ،إضافة إىل انتشاره الواسع عرب دول العامل،
141
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
بعكس بعض األنظمة االقتصادية األخرى اليت مل تعمر طويال وسرعان ما تراجعت واهنارت ،وهذا من
األدلة على جناعة وفعالية هذا النظام يف معاجلة املشكلة االقتصادية واالستجابة ملتطلبات األفراد
واجملتمعات ،كما أن هذا النظام يستطيع تطوير وجتديد وتصحيح نفسه تكيفا واستجابة ملختلف
التطورات والتغريات احلضارية واالجتماعية كما يراه أنصاره (،كما حدث عندما مسح بتدخل حمدود
للدولة يف النشاط االقتصادي من أجل تفادي األزمات االقتصادية ،واالستجابة ملتطلبات العمال
وتطوير عالقتهم ابملؤسسة) ،وعليه ميكن إبراز أهم إجيابيات هذا النظام يف النقاط اآلتية:
-يعترب النظام االقتصادي األجنح يف معاجلة املشكلة االقتصادية وحتقيق الرفاهية االقتصادية ،وذلك
الحتوائه على حوافز ودوافع قوية ملزاولة األنشطة االقتصادية ،اليت تعمل بشكل آيل ومستمر يف حتفيز
ودفع األفراد حنو التحسني والتطوير املستمر لكافة األنشطة ،حيث تتمثل تلك احلوافز يف احلرية
االقتصادية وهدف حتقيق الربح.
-يساهم وبشكل كبري يف حتسني اإلنتاج كما وكيفا من خالل مبدأ املنافسة املبنية على حتسني األداء
كشرط لتعظيم الربح.
-حتقيق الرخاء والرفاهية االقتصادية من خالل ختفيض األسعار نتيجة املنافسة احلرة ،ما يؤدي إىل
رفع القدرة الشرائية لألفراد.
-حتقيق االستغالل األمثل للموارد االقتصادية ،والذي ميكن حتقيقه من خالل آلية السعر ونظام
السوق.
-حتقيق التطور التقين والتكنولوجي من خالل سعي األفراد حنو التحسني والتجديد املدفوع ابملنافسة
والسعي حنو تعظيم الربح.
142
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-املسامهة يف إشباع حاجات ورغبات األفراد :حيث يعترب النظام املثايل يف االستجابة والتكيف مع
تطور وتغري حاجات ورغبات األفراد واجملتمع.
-أن هذا النظام قادر على التطور والتجديد املستمر تبعا للتغريات واملستجدات االقتصادية
واالجتماعية.
رغم اإلجيابيات اليت يتضمنها النظام االقتصادي الرأمسايل من الناحية النظرية اليت حددها أنصاره ،إال
أنه محل من الناحية التطبيقية الكثري من السلبيات واليت ظهرت يف شكل أزمات ضربت اجملتمعات
الرأمسالية ،إضافة إىل مشاكل اجتماعية ارتبطت بطبيعة وجود هذا النظام ،متثلت يف ظهور الطبقية
والتباين احلاد يف توزيع الثروات بني اجملتمعات واجلماعات واألفراد.
فتطبيق هذا النظام على أرض الواقع أابن عن الكثري من املشاكل والعيوب ،اليت ميكن تصنيفها يف
ثالث جمموعات أساسية وهي :اجملموعة األوىل تتعلق بصعوبة حتقيق شروطه يف الواقع ،واجملموعة
الثانية انجتة عن القصور والتجاوز يف عملية التطبيق وخاصة تلك التجاوزات اليت تصدر من األعوان
االقتصاديني ،واجملموعة الثالثة لصيقة بطبيعة وجوهر هذا النظام وخاصة أنه أتى ليعرب عن مصاحل
طبقة الرأمسالية وأنه ميثل امتداد ملفهوم الطبقية اليت تولد عنها ،ومن بني هذه املشاكل والعيوب اليت
أوجدها هذا النظام ما يلي:
-إن مبدأ املنافسة احلرة والنزيهة صعب التحقيق والتجسيد على أرض الواقع ،مما جيعل هذا النظام
ضعيف الفعالية يف معاجلة املشكلة االقتصادية ،بل ويؤدي يف كثري من األحيان إىل خلق مشاكل
ومعوقات لألنشطة االقتصادية انجتة عن االحتكار ،ما أدى إىل بروز عدد حمدود من الشركات
االحتكارية اليت تسيطر على أنشطة اإلنتاج.
143
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-كما أن عدم حتقيق املنافسة املثلى سيجعل النظام الرأمسايل يفقد اآللية والوسيلة األساسية اليت
ميلكها يف توزيع واستخدام املوارد االقتصادية وهي آلية السعر ونظام السوق ،مما يفقد مبدأ حافز
الربح فعاليته يف تنشيط احلركة االقتصادية للمجتمع.
-احتكار رؤوس األموال بيد فئة قليلة من اجملتمع اليت تصبح فيما بعد تسيطر على خمتلف القرارات
واألنشطة السياسية واالجتماعية واالقتصادية للبلد.
-تفاقم الفجوة يف توزيع الثروة والدخل بني الطبقات االجتماعية ،مما يدل على افتقار هذا النظام إىل
اآلليات الفعالة والعادلة يف توزيع الثروة.
-أثبتت التجارب امليدانية هلذا النظام فشله يف حتقيق التنمية وحتسني مستوايت املعيشة وظهرت بدال
من ذلك مشاكل لصيقة هبذا النظام متثلت يف عجزه عن القضاء على البطالة والتضخم.
-ظهور أزمات واضطراابت اقتصادية هيكلية حادة دورية وغري دورية ،كالركود واالنكماش
االقتصادي.
-لقد تسبب مبدأ احلرية وحافز الربح يف ظهور العديد من األنشطة االقتصادية ذات الربح السريع
على حساب األنشطة الضرورية للمجتمع ،كربوز األنشطة غري حقيقية أي غري منتجة للقيمة ،مثل
املتاجرة يف القروض ورؤوس األموال ،كما سعت وتفننت الشركات يف تطوير أساليب إاثرة الطلب من
خالل حتفيز الرغبة واحلاجة لدى املستهلك بغرض دفعه للشراء ،ويتحول بذلك الغرض األساسي
للنظام االقتصادي من تلبية حاجات اجملتمع إىل حتقيق مصاحل الرأمساليني حىت ولو كان ذلك على
حساب املوارد االقتصادية النادرة.
هذه العيوب واملشاكل اليت متخضت عن تطبيق هذا النظام دفع أبنصاره واجملتمعات اليت تبنته إىل
إحداث العديد من التغيريات والتعديالت على مبادئه وقيمه ،األمر الذي أوجد نظام اقتصادي جديد
حياول االستفادة من مزااي هذا النظام ومزااي النظام االشرتاكي.
144
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
.2النظام االقتصادي االشرتاكي:
يف حماولة لتجاوز ومعاجلة التناقضات والعيوب اليت حيملها النظام االقتصادي الرأمسايل ،قام النظام
االقتصادي االشرتاكي من خالل إسهامات عدد من املفكرين وعلى رأسهم كارل ماركس (-1818
،)1883والذي يقوم على فكرة اإلنتاج عن طريق وحدات عامة أي وحدات متلكها الدولة وتدار
هلدف إشباع حاجات اجملتمع .83وقد حاولوا معاجلة أكرب مشكلة تواجه النظام الرأمسايل واملتمثلة يف
التباين واالستغالل الطبقي ،مما جعل مبادئ هذا النظام تناقض بشكل جذري مبادئ النظام
الرأمسايل ،وذلك كمحاولة إلجياد نظام اقتصادي أكثر عدال يف توزيع الثروة وأكثر فعالية يف معاجلة
املشكلة االقتصادية.
وقد طالب رواد النظام االشرتاكي من الناحية االجتماعية بتحقيق املساواة بني األفراد أي إلغاء
الفوارق بني الطبقات ،كما ينادي من الناحية االقتصادية ابلقضاء على الرأمسالية وإلغاء امللكية الفردية
لوسائل اإلنتاج واستبعاد املنافسة ،على اعتبار أن السبب الرئيسي لعدم عدالة توزيع الدخل
واالستغالل الطبقي هو امللكية اخلاصة ،وعلى ذلك رأوا ضرورة إحالل امللكية اخلاصة ابمللكية
84
العامة ،حىت ال يستغل أصحاب رؤوس األموال جهود العمال.
فقد اعتمد ماركس نظرية التطور يف علم االقتصاد ووضع مذهبا يقوم على املنهج اجلديل ،والتفسري
املادي للتاريخ ،فجعل القوى املادية هي املتحكم يف نشاط اإلنسان ،واعترب القيم األخالقية انعكاس
للوضع االقتصادي ،لذا قامت الفلسفة االشرتاكية على أساس فكرة الصراع واالستغالل 85.وتعتمد
املادية التارخيية اليت أتى هبا كارل ماركس على تفسري التطور ابالستناد إىل عاملني أساسيني ومها:
-العامل احملرك لعملية التطور التارخيي :وهو ما يسمى ابلعالقة بني اإلنتاج ووسائل اإلنتاج ،واليت
يسميه ابلبنية التحتية.
-83متوكل بن عباس حممد مهلهل ،مبادئ االقتصاد -مدخل عام ،دار املريخ للنشر ،اململكة العربية السعودية ،2009 ،ص.49
-84حممد حلمي مراد ،أصول االقتصاد ،ج ،1مطبعة هنضة مصر ،القاهرة ،1961 ،ص96
-85مخيس حممد هرون أبو بكر ،العدالة االجتماعية كأهم ركائز البنيان املايل يف الشريعة اإلسالمية ويف األنظمة الوضعية املعاصرة مع اإلشارة إىل
مصر ،أطروحة دكتوراه ،غري منشورة ،كلية احلقوق ،جامعة القاهرة ،2007 ،ص28
145
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-العامل املتأثر أو التابع :وهو عامل األفكار والنظام السياسي والقوانني والقيم األخالقية والعالقات
االجتماعية ،أي املظاهر الثقافية ،واليت يسميها ابلبنية الفوقية.
ويرى كارل ماركس أن البنية الفوقية املتمثلة يف املظاهر الثقافية هي عامل اتبع وهو نتيجة حتمية للبنية
التحتية ،أما يف اجملال االقتصادي ال يتحقق أسلوب اإلنتاج االشرتاكي إال عندما يتحقق ما يلي:
ملكية وسائل اإلنتاج عامة أي للدولة ،يهدف اإلنتاج إىل تلبية حاجات ورغبات اجملتمع ،العمل
واجب ومتوفر للكل ،ومن مث فإن ممارسة األنشطة االقتصادية كاإلنتاج والتوزيع واالستهالك يتم وفق
التخطيط املركزي الذي تتواله اهليئة املركزية للتخطيط ،ويتم توزيع الناتج وفق قانون التوزيع االشرتاكي
86
أي لكل حسب عمله.
قام النظام االقتصادي االشرتاكي على مبدأ املساواة والعدالة يف توزيع الدخل ،هبدف جتاوز الظلم
الذي أحدثته الطبقية واالستغالل املسلط من طرف الرأمسايل على العمال ،واليت يرى أن سببها
الرئيسي يكمن يف امللكية اخلاصة ،وهلذا فقد حارب مفكرو هذا النظام كل أشكال امللكية اخلاصة
لوسائل اإلنتاج ،وألجل حتقيق ذلك الغرض فقد اعتمد املبادئ التالية:
-امللكية العامة لوسائل اإلنتاج :يهدف النظام االقتصادي االشرتاكي إىل إزالة كل أشكال الفروق
االجتماعية وحماربة الطبقية الناجتة عن الرأمسالية ،واليت يرى أصحاب هذا النظام بضرورة إحالهلا
ابمللكية العامة ،اليت تعترب أهم مبدأ من مبادئ هذا النظام ،والقاعدة األساسية له ،أي ضرورة أن
تكون ملكية وسائل اإلنتاج بيد الدولة ،حسب مقتضيات التنمية االقتصادية واالجتماعية واألهداف
املسطرة ،وعلى ذلك األساس ميكن التمييز يف ظل هذا النظام بني ثالث أنواع من امللكية اليت يسمح
هبا وهي:
-86سعد عبد احلسني نعمة ،العدالة االجتماعية يف الشريعة اإلسالمية والنظم الوضعية (العراق منوذجا) ،املؤمتر الوطين حول االعتدال يف الدين
والسياسة ،يومي 22 :و 23آذار ،2017مؤسسة النبأ للثقافة واإلعالم ومركز الدراسات االسرتاتيجية يف جامعة كربالء ،العراق.
146
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
oامللكية التعاونية :أي أن تكون امللكية بيد مجاعة دون األفراد.
oامللكية اخلاصة :وتعين أن تسمح ابمللكية اخلاصة الزراعية احملدودة لألفراد يف حدود ما تقره
الدولة.
-العدالة يف توزيع الثروة والدخل :يعترب مبدأ العدالة االجتماعية من األهداف والغاايت األساسية
للنظام االقتصادي االشرتاكي ،ويتجسد ذلك من خالل امللكية العامة لوسائل اإلنتاج اليت تعوض
امللكية اخلاصة ،وتوزيع الناتج حسب مسامهة كل شخص يف العلمية اإلنتاجية ،وفق شعار كل
حسب طاقته ولكل حسب عمله ،وهبذا ال ينبغي أن تكون امللكية مربر الستغالل العمال
واالستحواذ على فائض القيمة.
-التخطيط املركزي :إن اهلدف األساسي للنظام االقتصادي االشرتاكي يكمن يف القضاء على
الطبقية واستغالل اإلنسان إلنسان آخر ،األمر الذي أوجب إلغاء امللكية اخلاصة ومن مث فقدان آلية
السوق يف التحفيز وتوزيع املوارد وحتقيق أمثل استغالل هلا ،ويرى مفكرو هذا النظام ضرورة تعويضها
ابلتخطيط املركزي ،كآلية بيد الدولة لتجسيد أهداف التنمية االقتصادية واالجتماعية الشاملة واملتوازنة
وحتقيق مستوايت معيشة أفضل للجميع دون متييز ،حبيث أيخذ بعني االعتبار التوزيع العادل لكافة
األفراد والفئات واملناطق والقطاعات.
فالتخطيط املركزي يف اجملتمعات االشرتاكية يكون شامل حبيث ميس كافة النواحي االقتصادية
واالجتماعية واملناطق وحاجات اجملتمع ،معتمدا على حتديد األهداف والوسائل الالزمة لتحقيق ذلك
والطرق واخلطوات املوصلة إىل تلك األهداف ،كما ينبغي أن يتضمن طريقة توزيع الناتج بني
االستهالك وإعادة اإلنتاج من جهة وبني فئات اجملتمع من جهة أخرى ،وبني قطاعات الدولة
واملناطق اجلغرافية ،فاهلدف األساسي للدولة يف ظل النظام االشرتاكي يكمن يف إشباع حاجات
األفراد وفقا لألولوية اليت يتم وضعها يف اخلطة ،ووفق مبدأ العدالة االجتماعية عكس الرأمسايل الذي
يهدف دوما إىل حتقيق أكرب كسب ممكن ،أي تعظيم الثروة وتكديسها حىت ولو كان ذلك على
حساب حاجات اجملتمع واملصلحة العامة.
147
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
إُيابيات النظام االقتصادي االشرتاكي:
مبدئيا قام النظام االقتصادي االشرتاكي كمحاولة ملعاجلة التناقضات والسلبيات اليت أتى هبا النظام
االقتصادي الرأمسايل ،وعلى رأسها االستغالل الطبقي ،وعلى هذا األساس يتجسد هدفه الرئيسي يف
حتقيق العدالة االجتماعية من خالل القضاء على الطبقية وامللكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج وإحالل
مكاهنا امللكية العامة ،كما أنه يهدف إىل معاجلة املشكلة االقتصادية بطريقة فعالة بناء على حتقيق
اإلشباع العادل حلاجات ورغبات األفراد واالستغالل والتوزيع األمثل للموارد االقتصادية من خالل
التخطيط املركزي بدال من آلية السعر ونظام السوق ،أي أنه يهدف إىل املوازنة بني هدف حتقيق
الرفاهية والتنمية االقتصادية من جهة وهدف حتقيق العدالة االجتماعية من جهة أخرى ،وعلى هذا
األساس ميكن حتديد إجيابيات ومزااي هذا النظام على النحو اآليت:
-حتقيق العدالة االجتماعية :إن اهلدف األساسي للنظام االشرتاكي يكمن يف جتسيد العدالة
االجتماعية ،من خالل القضاء على الصراع والتناقض الطبقي واالستغالل والتسلط الذي حتدثه
الرأمسالية على طبقة العمال ،والذي هو نتيجة حتمية للملكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج ،وهلذا فقد
حارب أنصار هذا الفكر امللكية اخلاصة واندوا بضرورة إحالهلا ابمللكية العامة لوسائل اإلنتاج اليت هي
اآللية الوحيد اليت حتقق املساواة بني األفراد.
-السعي لتحقيق التنمية العادلة واملتوازنة بني خمتلف األفراد والفئات والقطاعات واملناطق يف اجملتمع.
-حتقيق االستغالل األمثل للموارد والتوزيع العادل هلا ،من خالل آلية التخطيط املركزي ،اعتبارا من
أن املصلحة العامة ال ميكن حتقيقها من خالل املصلحة اخلاصة اليت تتميز ابألاننية.
نتيجة لطبيعة النظام االقتصادي االشرتاكي ،وخاصة أنه نشأ كفكر بعيد عن الواقع وليس نتيجة
لتطورات وأحداث واقعية ،لذا فقد كانت أفكاره ومبادئه وأهدافه غري واقعية ،وهذا ما اثبته الواقع
148
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
فمعظم اجملتمعات والدول اليت تبنت هذا النظام مل تستطيع حتقيق االستمرارية واحملافظة على هذا
النظام ،فقد عرفت الكثري من املشاكل واالضطراابت ،أدت مبعظمها إىل التخلي عن تطبيق هذا
النظام واالنتقال إىل نظام اقتصاد السوق ،وهذا ابلنظر لكون أن هذا النظام حيمل الكثري من املساوئ
والتناقضات رغم أنه حاول معاجلة تناقضات النظام الرأمسايل ،واليت كانت سببا يف فشله ،وخاصة أنه
قائم على مناقضة الفطرة البشرية ،وهي امللكية الفردية اليت تعترب دافع وحافز مهم للعمل والنشاط
االقتصادي ،وميكن إبراز أهم تلك العيوب والتناقضات من خالل ما يلي:
-انعدام احلافز والدافع للعمل ولتحسني األداء وبذل اجلهد ،وهذا نتيجة القضاء على امللكية اخلاصة
واحلافز االقتصادي ،وهذا ما أدى إىل ضعف األداء االقتصادي على مستوى الوحدات اإلنتاجية
وعلى املستوى الكلي ،وأضعف قدرة الدولة على الوفاء مبتطلبات اجملتمع.
-ظهور بعض الظواهر االقتصادية السلبية كالبريوقراطية ،األسواق املوازية ،تدين مستوايت املعيشة.
-عجز الدولة واحلكومة على القيام بشؤون االقتصاد من اإلدارة والتمويل والتموين ،وتوفري
التكنولوجيا واملوارد وغريها.
-سوء تسيري املؤسسات بسبب غياب احلافز والدافع لبذل اجلهد وحتسني األداء ،مما تسبب يف ركود
املؤسسات وتدين مستوايت األداء هبا.
وبسبب فشل النظام االقتصادي االشرتاكي يف حتقيق األهداف والغاايت منه ،وفشله يف حتقيق
الرفاهية االقتصادية وحتسني مستوايت املعيشة ،بل أنه تسبب يف ظهور العديد من املشاكل
االقتصادية واالجتماعية ابلنظر إىل التناقضات والعيوب اليت حيملها يف طياته ،ما دفع مبعظم الدول
إىل التخلي عنه ،وإحالله بنظام جديد ميزج بني بعض مبادئ هذا النظام ومبادئ نظام اقتصاد
السوق ،كما سوف نرى يف العنصر املوايل.
149
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
.3النظام االقتصادي املختلط:
ابلنظر إىل السلبيات والتناقضات اليت حيملها كل من النظام االقتصادي الرأمسايل والنظام االقتصادي
االشرتاكي من جهة ،واإلجيابيات واملزااي اليت يتمتع هبا كل منهما يف نفس الوقت ،األمر الذي دفع
ببعض املفكرين إىل التفكري يف املزج بني بعض مبادئ وآليات كل من النظامني ،من أجل االستفادة
من املزااي اليت يتمتع كل من االقتصاد املخطط واملزااي اليت يتمتع هبا اقتصاد السوق من جهة أخرى،
لينتج بذلك ما يسمى ابلنظام االقتصادي املختلط (يرى البعض أنه نشأ على أيدي قادة دول عدم
االحنياز ليجمع بني نظام السوق من الناحية االقتصادية ونظام احلزب الواحد من الناحية
السياسية) .87وعليه ميكن تعريف النظام االقتصادي املختلط على أنه نظام جيمع بني بعض معامل
وجوانب النظام الرأمسايل والنظام االشرتاكي ،حيث أنه يبقي على امللكية اخلاصة ويسمح مبستوى من
احلرية يف ممارسة األنشطة االقتصادية ،ويف نفس الوقت يسمح بتدخل احلكومة يف األنشطة
االقتصادية من خالل آليات التوجيه واملمارسة هبدف حتقيق أهداف تنموية معينة ،كما يعترب أيضا
نظام اقتصادي جيمع بني آلية نظام السوق احلرة وآلية تدخل احلكومة يف االقتصاد ،حيث توجد
عناصر من النظام االقتصادي الرأمسايل كامللكية الفردية واحلرية االقتصادية ،وعناصر من النظام
االقتصادي االشرتاكي كتدخل احلكومة يف االقتصاد من خالل أعمال التوجيه والتنظيم ،حيث ختتلف
نسبة االعتماد ونوعيته على هذه العناصر من بلد إىل آخر حسب اخلطط التنموية والتوجهات
االجتماعية والسياسية للبلد ،ولكن إنه من الصعب أن جند دول ما تستطيع أن تطبق نظام اقتصادي
رأمسايل أو اشرتاكي خالص ،إذ ميكن القول أن هذا النوع من األنظمة االقتصادية هو السائد يف
العامل ،فهناك العديد من اقتصادات عامل اليوم هي أمثلة على االقتصاد املختلط .ويرجع سبب اجتاه
معظم الدول إىل هذا النوع من األنظمة أي املختلطة إىل املزااي واملنافع اليت حيققها ،وخاصة أنه يعطي
هامش أوسع للدول من اجل تنظيم واختاذ القرارات االقتصادية يف إطار اخلطط التنموية ،حيث أنه
ميكن من االحتفاظ ابمللكية اخلاصة واحلرية االقتصادية ،ويف نفس الوقت يقر بتدخل الدولة من أجل
-87متوكل بن عباس حممد مهلهل ،مبادئ االقتصاد -مدخل عام ،دار املريخ للنشر ،اململكة العربية السعودية ،2009 ،ص.55
150
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
توجيه وتنظيم العالقات واألنشطة االقتصادية ،وخاصة عند ظهور أزمات وظروف معينة تستدعي
تدخل الدولة ،كما يسمح هذا النظام للحكومات إبنشاء صناعات ومشاريع اقتصادية حمددة حبسب
االسرتاتيجيات التنموية املسطرة.
إن الصبغة اإلسالمية يف التفكري مبا يتضمنه من الطرق واألدوات واألحكام والصور الفكرية
وخالصتها ،يف خمتلف جماالت حياة اإلنسان ،لتعطي تصور حقيقي ومقارابت لواقع اإلنسان املثايل
سواء كان ذلك يف اجملاالت الطبيعية أو االجتماعية واإلنسانية ،وهذه الصناعة الذهنية هي وليدة
التشريع اإلالهي احلكيم الذي ركز كثريا يف تنشيط وحتفيز العقل البشري على التفكري وفق أسس
ومبادئ منهجية حمكمة .وعلى هذا األساس فإن التطور والتقدم االقتصادي يف أي جمال كان للبالد
اإلسالمية ،ال يتأتى إال من خالل التحرر اجلذري من التبعية الفكرية والثقافية للعامل الغريب ،ومن مث
التحرر من االنبطاح واالهنزام أمام الغري وكسب الثقة ابلنفس ،ونالحظ أن مالك بن نيب قد ربط بني
عامل األفكار وعامل األشياء على أساس أنه ال ميكن هلذا األخري أن يقوم بدون سالمة وصحة العامل
األول.88
وأتسيسا على ذلك فإن األحكام اإلسالمية يف جمال االقتصاد كانت تعكس حبق الطبيعة البشرية
والواقعية ،وكيفية توظيف السنن والقوانني الكونية العادلة والصحيحة يف توجيه هذه التصرفات
والعالقات البشرية ،اليت غالبا ما اذا تركت على حاهلا احنرفت واكتست حبلة الظلم والطغيان ،وهذا ما
يولد اهلالك والفساد.
وقد سن اإلسالم احلنيف معامل التصرفات ونظم تلك العالقات االقتصادية تنظيما حمكما عادال،
خايل من أشكال الظلم موازان بني املصلحة العامة واملصلحة اخلاصة ،كتحرميه للراب والتطفيف يف
امليزان والغش وغريها .ورغم جهد احلاقدين على اإلسالم وأهله يف حماولة منهم حملاربته وتشويه صورته
-88مالك بن نيب ،مشكالت احلضارة -فكرة كمنويلث إسالمي ،ترمجة :الطيب الشريف ،دار الفكر ،دمشق ،سوراي ،2002 ،ص.52
151
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
وإبعاده عن تنظيم حياة اإلنسان ،إال أن العامل اإلسالمي عرف هنضة وانفتاح ،هلذا بدأت الكثري من
الدراسات النابعة من مبادئ وتعاليم هذا الدين يف اجملال االقتصادي ،مما ساهم يف بزوغ وتتبلور معامل
النظام االقتصادي اإلسالمي مبختلف تشعباته ،مبا يف ذلك املالية اإلسالمية ،اإلدارة اإلسالمية،
التعامالت التجارية اإلسالمية وغريها من اجملاالت اليت استندت يف ظهورها على األحكام املتضمنة
يف الشريعة اإلسالمية ،واملستلهمة من القران الكرمي والسنة النبوية الشريفة وأفعال الصحابة والتابعني.
وعلى ذلك تستمد أحكام وقوانني النظام االقتصادي اإلسالمي من الشريعة اإلسالمية ،واليت تظهر
يف مصادر التشريع املعروفة واملتمثلة يف القرآن الكرمي والسنة النبوية الشريفة ،آاثر الصحابة والتابعني،
اجتهادات الفقهاء.
ونتيجة لبعد وغفل املسلمني على دراسة أحكام الشريعة دراسة علمية واقعية ،تركهم يقعون يف كثري
من التضليل واألخطاء واليت كثريا ما كانت تناقض الفهم اإلسالمي الصحيح ،وهذا ما يشري إليه
املفكر مالك بن نيب حينما قال" :حنن ندرك أن الوعي اإلسالمي قد اصبح ممزقا منذئذ ،بني الرغبة يف
استدراك أتخر يعرف شدة وقعه يف اجملال السياسي -ونعين به على الصعيد االجتماعي -وبني الرغبة
يف إنقاذ أتثر أخالقي يعرف مدى قيمته.....قد انتج هذا التمزق تناقضا صرحيا يف التطور احلقيقي
املتبع من طرف البالد اإلسالمية ،فقد مزق وعي اإلنسان املسلم يف يومنا هذا من جراء التناقض .وقد
ترتب على ذلك يف الفكر اإلسالمي تقاطب مزدوج ،89"...فهذا الواقع الذي يعيشه الفرد املسلم
والذي حيدد األشياء وعامل الفكر وحيدد التصرفات دفع الكثري من املفكرين إىل تبين أفكار غريبة عن
املعتقد اإلسالمي ،ومن وابرز هذه املواضيع واملسائل ما يسمى ابملشكلة االقتصادية اليت فسرها كثري
من املفكرين على أهنا نتيجة لشح أو خبل الطبيعة ،وهذا الفهم يناقض متاما الفهم اإلسالمي بل ال
ينبغي على املسلم االعتقاد به ،وذلك أن النظرة اإلسالمية للطبيعة ال ينبغي أن تقوم على فكرة أهنا
تتصرف بذاهتا ،ولكن هناك متصرف ومدبر لشؤون الكون مبا فيه من كائنات وموجودات ،وهو
اَّلل هو ال هرزها ُق ذُو الْ ُق هوةي
اخلالق العظيم (رب السموات واألرض) وهو الرازق مصداقا لقوله تعاىل ﴿ :إي هن ه ُ
- 89مالك بن نيب ،مشكالت احلضارة -فكرة كمنويلث إسالمي ،ترمجة :الطيب الشريف ،دار الفكر ،دمشق ،سوراي ،2002 ،ص.25
152
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
الْمتي ُني﴾ الذارايت ،58:فهذا الفهم والوصف يوقعنا يف جتين على هللا تعاىل سبحانه ويوقعنا يف
ت الْيـهود ي ُد هي
ت أيْ يدي يه ْم ولُ يعنُوا يمبا قالُوا ۘ ب ْل يداهُ اَّلل م ْغلُولةٌ ۚ غُله ْ أحكام اآلية الكرمية اليت تقول﴿ :وقال ي ُ ُ
ريا يّم ْنـ ُهم هما أُن يزل إيل ْيك يمن هربيّك طُ ْغي ًاان وُك ْف ًرا ۚ وألْق ْيـنا بـ ْيـنـ ُه ُم الْعداوةي ي ي
سوطتان يُنف ُق ك ْيف يشاءُ ۚ ولي يزيد هن كث ً م ْب ُ
باَّللُ ال ُيُي ُّ
ادا ۚ و ه ض فس ً اَّللُ ۚ وي ْسع ْون ييف ْاْل ْر ي ب أطْفأها ه والْبـغْضاء إي ٰىل يـ ْويم ال يْقيام ية ۚ ُكلهما أ ْوق ُدوا ان ًرا ليّلْح ْر ي
ال ُْم ْف يس يدين﴾ املائدة ( ، )64وما يناقض وينفي ذلك االعتقاد والفهم والتفسري للمشكلة االقتصادية
قوله تعاىل أيضا ﴿ :إي هان ُك هل ش ْي ٍء خل ْقناهُ بيقد ٍر ﴾ القمر ( .)49فإذا كان هللا سبحانه وتعاىل خلق كل
شيء بقدر ،فكيف يكون له أن جيعل تباين بني احلاجات وبني املوارد املستخدمة يف تلبيتها ،وما
الء يم ْن عط ياء ربيّك
الء وه ُؤ ي
يؤكد أيضا بطالن ذلك االعتقاد قوله عز وجل يف هذه اآليةُ ﴿ :كال ُُني ُّد ه ُؤ ي
فمفهوم املشكلة االقتصادية من وجهة النظر اإلسالمية ختتلف جذراي عن وجهة النظر الرأمسالية
واالشرتاكية ،إذ تشري إىل صعوبة تلبية احلاجات والرغبات اإلنسانية الناجتة عن التوزيع غري متكافئ
للموارد االقتصادية واالستخدام غري كفء هلا ،وهذا ما يوجب على اإلنسان مزاولة األنشطة
االقتصادية املختلفة كالتبادل التجاري واإلنتاج والتوزيع .واآلية الكرمية التالية تبني كيف أن هللا خلق
األرض لإلنسان وسخرها له ،ولكن ذلك يتطلب منه أن يسعى من أجل احلصول على الرزق والقوة
ال أن يبقى وينتظر كل شيء أيتيه جاهز ،فهو مطالب ابلقيام بعملية حتويل املوارد وختزينها ونقلها من
مكان إىل آخر ابإلضافة إىل أنه مطالب بتنميتها والقيام ابملبادلة ،حيث يقول عز وجلُ ﴿ :هو اله يذي
ور﴾ امللك ()15
شُ شوا ييف مناكيبيها وُكلُوا يمن ّيرْزقي يه ۖ وإيل ْي يه النُّ ُ
وال ف ْام ُ
جعل ل ُك ُم ْاْل ْرض ذلُ ً
وهذا يعين أن املشكلة االقتصادية مبا تعنيه من صعوبة يف تلبية احلاجات والرغبات تتطلب بذل جهد
والسعي والبحث يف األرض ،فهي ليست مشكلة ابملعىن القائم على الندرة النسبية ،بل مرتبطة
ابلتصرف والسلوك املنحرف لإلنسان يف إطار عالقاته مع املوارد وأخيه اإلنسان ،كما جند هلا أدوار
وأمهية يف حياة اإلنسان إذ تشكل له حافز ودافع للعمل والكتشاف نفسه والكون ،وملعرفة أمهية
153
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
املوارد واحملافظة عليها ،فال ينبغي ان تكون مربر للصراعات والظلم والطغيان ،كما اختذها بعض
املفكرين لتفسري طغيان بعض الفئات واجملتمعات البشرية.
ومسألة ندرة املوارد أصبحت فكرة ال أساس هلا ،فبالنظر إىل اجملاالت والتطورات اليت عرفها االقتصاد
يف العصر احلديث ،كاالقتصاد الرقمي واقتصاد املعرفة واقتصاد الطاقة (الطاقات املتجددة مبا فيها
الطاقة الشمسية ،طاقة الرايح ،املياه ،الكهرابء) ابإلضافة إىل ظهور موارد ال تنضب ابالستخدام ،بل
على عكس ذلك تنمو وتزداد كاملوارد البشرية والذهنية وغريها ،مما جعل فكرة ندرة املوارد من املاضي
وال ميكن االعتداد هبا يف تفسري املشكلة االقتصادية ،وأصبح األمر ينتقل إىل طريقة املعاجلة والتعامل
مع املوارد وكيفية توظيفها يف تلبية احلاجات اإلنسانية.
وقد اثبت اتريخ البشرية وابألخص االقتصادي منه بطالن فكرة أن منو السكاين أكرب من منو املوارد
االقتصادية أو معدل منو إنتاج وسائل إشباع احلاجات اإلنسانية ،فهذه الفكرة مل تعد قائمة ،ولنالحظ
كيف أصبح اإلنتاج اليوم أكرب من االستهالك يف خمتلف اجملاالت وأصبحت املشكلة أمام املنتجني
تكمن يف كيفية تصريف اإلنتاج وليس العكس ،وهذا بفعل تطور تقنيات ووسائل اإلنتاج ،سواء تلك
الناجتة عن الزراعة أو الصناعة أو اخلدمات ،فمن الغريب اليوم تفسري املشكلة االقتصادية على أساس
ندرة املوارد االقتصادية وتزايد احلاجات اإلنسانية ،فالواقع يثبت أن تزايد اإلنتاج أكرب من تزايد
احلاجات( ،تصور لو أن عدد البشر املوجدين حاليا على األرض كان هو نفسه يف عصور سابقة،
ابلطبع ال ميكن تلبية حاجاهتم ابلطرق التقليدية ،فحقيقة ستكون مشكلة يف تلبية احلاجات ولكن ما
الذي حصل اليوم ،ان تطور عدد البشر كان متناغما مع التطور يف وسائل اإلنتاج وكمية وسائل تلبية
احلاجات ،وعلى هذا فان تطور عدد البشر يكون اتبع لتطور وسائل اإلنتاج أو معدل النمو
االقتصادي) وهذا ابلضبط ما ذهب إليه ابن خلدون يف قوله ان " :األرزاق تكثر كلما كثر أفراد
اجملتمع وتوسع العمران ،وذلك راجع إىل كثرة األيدي العاملة اليت جتلب الرزق يف العمران الواسع،90
وهذا عكس متاما ما يراه املفكرين الرأمساليني ان تزايد السكان يسبب املشكلة االقتصادية ،وابلتايل
-90إدريس خضري ،التفكري االجتماعي اخللدوين واثره يف علم االجتماع احلديث ،موفم للنشر والتوزيع ،اجلزائر ،2003 ،ص.197
154
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
نلمس هناك توازن بني النمو والتزايد احلاصل يف احلاجات والرغبات اإلنسانية ووسائل تلبيتها وفق
حكمة إالهية جتسد معىن قوله تعاىل﴿ :وييف ال هسم ياء يرْزقُ ُك ْم وما تُوع ُدون﴾ الذارايت ( ، )22وقوله
اَّلل يرْزقُـها ويـ ْعلم ُم ْستـق هرها وُم ْستـ ْودعها ۚ ُكلٌّ ييف كيت ٍ
اب ُمبي ٍني ﴾ ُ تعاىل﴿ :وما يم ْن دابهٍة ييف ْاْل ْر ي
ض إيهال على هي
هود()6وعليه فان املشكلة والصعوبة يف تلبية احلاجات اإلنسانية تقوم على أساس سوء توزيع املوارد
والثروات وختصيصها واختيار احلاجات وطريقة االستخدام.
كيف جند اليوم ان الكثري من اجلهود واألعمال توجه إلنتاج منتجات كمالية كمستحضرات التجميل
واملشروابت الغازية والعصائر واحللوايت واأللعاب مبختلف أنواعها ،إضافة إىل األسلحة ،فإن وجدت
جمتمعات أو فئات بشرية أو أفراد عجزوا عن تلبية حاجاهتم األساسية ،فذلك مرده إىل أن فئات
أخرى أفرطت يف تلبية احلاجات الكمالية أو أساءت استخدام املوارد االقتصادية (اإلسراف والتبذير)،
وهذا يشري إىل طغيان اجملتمعات والفئات اليت حتتكر يف يدها القسط األعظم من الثروة والدخل،
وأتىب مقامسته مع الفئات البشرية األخرى وفق اآلليات اليت أقرها اإلسالم ،وهذا ما يؤكده تقرير
التنمية البشرية الصادر عن برانمج األمم املتحدة اإلمنائي :حيث يشري إىل أن ما نسبة %80من
سكان العامل يستخدمون %6فقط من الثروة العاملية بينما يستأثر %20من أثرايء العامل بباقي
الثروة.91
فتفسري هذه املشكلة على أساس ندرة املوارد غري عقالين وغري مقبول من الناحية الشرعية اإلسالمية
ومن الناحية العلمية والعقلية ،فال ميكن تربير جترب وطغيان فئة قليلة من البشر اليت استحوذت على
اعظم اخلريات والثروات البشرية حارمة الفئة األعظم من ابسط متطلبات العيش ،مث نرد ذلك احلرمان
اليت تتخبط فيه تلك الفئات إىل ندرة املوارد.
-تقرير التنمية البشرية لسنة ،2015برانمج األمم املتحدة اإلمنائي (https://www.un.org/ar/esa/hdr/hdr15.shtml ،)u.n.d.p
91
155
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
معاجلة املشكلة االقتصادية يف النظام االقتصادي اإلسالمي:
إن ما يسمى ابملشكلة االقتصادية من وجهة النظر اإلسالمية أو صعوبة تلبية احلاجات والرغبات
اإلنسانية ،ال يرجع إىل التباين بني املوارد االقتصادية واحلاجات اإلنسانية ،فاهلل عز وجل خلق كل
شيء مبقدار وتقدير دقيق ،ولكن يرجع ذلك ابألساس إىل ظلم اإلنسان وجتنيه وطغيانه ،سواء يف حق
هللا عز وجل ،أو يف حق أخيه اإلنسان (وهذا ما نشاهده من الظلم الذي أييت بني األفراد وبني
اجملتمعات واجلماعات) ،وإىل ظلم وتعدي اإلنسان على ابقي املخلوقات واملوجودات ،أي اإلسراف
والتعدي يف التعامل معها ،كاالستخدام املفرط والتبذير يف موارد الطاقة والغاابت واحليواانت وغريها،
ادهي لبـغ ْوا ييف اْل ْر ي
ض ول يك ْن يـُنـ ّيز ُل الرْزق لي يعب ي واآلية الكرمية تبني هذا املعىن يف قوله تعاىل﴿ :ول ْو بسط ه
اَّللُ ّي
بيقد ٍر ما يشاءُ إينههُ بي يعب يادهي خبيريٌ ب يصريٌ﴾ الشورى ( ،)27وتظهر حكمة هللا عز وجل يف جعل كل شيء
مبقدار وحبسبان ،كما قال ﴿:وخلق كل شيء فقدره تقديرا ﴾ الفرقان ( )2حىت ال يطغى اإلنسان وال
يتجرب ويبغي يف األرض ،وأن يشعر ابفتقاره إىل هللا تعاىل ،فيلجأ إليه ويتوكل عليه ويستعني به .
وهلذا فإن املشكلة ال تكمن يف ندرة املوارد وتزايد احلاجات كما يظنه اآلخرين ،ولكن تكمن دائما يف
تصرفات وطغيان اإلنسان ،والعربة يف ذلك من صاحب اجلنتني وقارون وأهل سبأ ،كيف كانوا يف رغد
من العيش ووفرة من الرزق واملال ،فدفعهم ذلك إىل البغي والكفر واجلحود فاستحقوا اهلالك
والعذاب ،وكلما التزم اإلنسان كلما اقرتب من حل املشكلة االقتصادية وأتمل قوله تعاىل﴿ :وإي ْذ َتذهن
ربُّ ُك ْم لئين شك ْرُُْت ْل يزيدنه ُك ْم ۖ ولئين كف ْرُُْت إي هن عذ ياِب لش يدي ٌد﴾ إبراهيم ( ،)7أي أن بسط الرزق والنعمة
مقرتن بشكر النعمة واحملافظة عليها وحسن استغالهلا واستخدامها ،وطاعة هللا عز وجل ،أي االلتزام
أبمره واالبتعاد عما هنى ،فاذا وجد شح وندرة يف املوارد فذلك سببه طغيان وظلم اإلنسان ،وميكن
معاجلة ذلك من خالل االستقامة وااللتزام ابلشرع.
املطهر ،وما
حيث يقول الدكتور خالد بن عبد الرمحن الشايع "انه ما من خري إال يف اتباع هذا الشرع َّ
الغراء ،ومن مجلة ما نظَّمته الشريعة ما يتعلق
من نقص وال ضر إال بسبب خمالفة هذه الشريعة َّ
ابلنفقات ،فإن الناس يتفاوتون يف هذا األمر يف بذل األموال وإمساكها ،فجاءت الشريعة لتمنع
156
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
التوجهات املبنية على األهواء ،أو على مسالك خاطئة وتصورات مضرة
التصورات اخلاطئة و ُّ
ابجملتمعات ،واملال هو قوام احلياة وهو عصبها ،والتصرف فيه ليس ابألهواء وال ابجتهادات الناس،
ولكنه مضبوط مبعايري وقواعد واضحة ،فال ميكن أن يقبل من أحد أن خيالف هذه األسس والقواعد
اليت ترتب وتنظم معايش الناس ،ومتنع ظلم بعضهم لبعض ،ومتنع ما يؤدي إىل اختالل املوازين ،فإن
هللا سبحانه قد تكفل أبرزاق العباد ،ويف األرض ما يكفي كل خملوق يف رزقه ومعاشه ،ولكنما
املشكلة هي تصرفات اآلدميني اليت أضرت هبم فيما بينهم ،فوجد الفقراء واجلوعى ،ووجد من يتوىف
بسبب اجلوع ،ووجد نقص الثمرات ،ووجد اإلخالل ابلثوابت البيئية اليت تطغى على بين آدم؛
هاس لييُ يذيق ُه ْم بـ ْعض اله يذي ع يملُوا
ت أيْ يدي الن ي
اد ييف الْبـ ّير والْب ْح ير يمبا كسب ْ
مصداقا لقوله تعاىل ﴿:ظهر الْفس ُ
لعله ُه ْم يـ ْريجعُون ﴾ [الروم 92".]41 :فسبب املشكلة االقتصادية هو االبتعاد عن األحكام الشرعية
بشكل أساسي ،ومن مث الظلم والطغيان يف املعامالت والعالقات املختلفة ،وألجل ذلك شرع اإلسالم
الضوابط واآلليات اليت تكفل معاجلة هذه املشكلة ،ميكن توضيحها من خالل ما يلي:
-طاعة هللا عز وجل مبا تقتضيه تعاليم شريعة اإلسالم السمحة من عبادات ،واالمتثال لألوامر
واالبتعاد عن النواهي املبينة يف القران الكرمي والسنة النبوية الشريفة ،والشكر لنعمه عز وجل ،وهذا ما
تؤكده اآلايت التالية:
سماء عل ْي ُكم يّم ْدر ًارا وي يز ْد ُك ْم قُـ هو ًة إي ٰىل قُـ هوتي ُك ْم وال تـتـوله ْوا ي
استـ ْغ يف ُروا ربه ُك ْم ُثُه تُوبُوا إيل ْي يه يـُ ْر يس يل ال ه
﴿واي قـ ْوم ْ
ُُْم يريمني﴾ هود ()52
سماء عل ْي ُكم يّم ْدر ًارا ( )11وميُْ يد ْد ُكم يِب ْمو ٍال وبنيني
استـغْ يف ُروا ربه ُك ْم إينههُ كان غ هف ًارا ( )10يـُ ْر يس يل ال ه ﴿فـ ُقل ُ
ْت ْ
هات و ُْيعل له ُك ْم أنْـه ًارا﴾ نوح ()12 و ُْيعل له ُكم جن ٍ
ْ
-92خالد بن عبدالرمحن الشايع ،خطر اإلسراف والتبذير ،وقول هللا تعاىل( :وكلوا واشربوا وال تسرفوا إنه ال حيب املسرفني) ،موقع الدكتور خالد بن
عبدالرمحن الشايع ،2016-02-04 ،رابط املوضوع:
https://www.alukah.net/web/khalidshaya/0/98479/#ixzz6iNr4JWak
157
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-عدم اإلسراف والتبذير للموارد االقتصادية واالقتصاد يف استخدامها ،فاهلل سبحانه وتعاىل يقول:
﴿اي ب يين آدم ُخ ُذوا يزينـت ُك ْم يعند ُك يّل م ْس يج ٍد وُكلُوا وا ْشربُوا وال تُ ْس يرفُوا ۚ إينههُ ال ُيُي ُّ
ب ال ُْم ْس يرفيني﴾ األعراف
( )31ويقول أيضا ﴿ :واله يذين إيذا أنْـف ُقوا َلْ يُ ْس يرفُوا وَلْ يـ ْقتُـ ُروا وكان بـ ْني ذليك قـو ًاما ﴾ الفرقان 67 :ويف
هذا الشأن يقول الدكتور خالد بن عبد الرمحن الشايع" :اإلسراف مظهر من مظاهر اإلفساد اليت
تؤدي إىل اختالل املعايري ،والعود ابلضرر على اإلنسان املسرف ،وعلى َمن حوله وعلى جمتمعه".93
وهذا احلكم هو مظهر من مظاهر تنظيم عالقات اإلنسان ابملوارد الطبيعية ،وضبطها وفق أحكام
شرعية حتد من طغيان اإلنسان وتعدي حدوده يف استغالهلا وتبذيرها ،وإال يكون مصريه اهلالك كما
بني ذلك سبحانه وتعاىلُ ﴿ :كلُوا يمن طيب ي
ات ما رزقـْنا ُك ْم وال تطْغ ْوا في ييه فـي يح هل عل ْي ُك ْم غضيِب ۖ ومن ُْيلي ْل ّ
عل ْي يه غضيِب فـق ْد هو ٰى﴾ طه ()81
-التوزيع العادل للثروة والدخل :أي تنظيم العالقات االقتصادية بني اإلنسان واخيه اإلنسان سواء
كانوا يف شكل أفراد أو مجاعات أو جمتمعات ،فال يسمح حبدوث ظلم أو تنامي ثروة فئة على
اَّللُ عل ٰى ر ُسولي يه يم ْن
حساب فئة أخرى ،كما يبني ذلك القران الكرمي من خالل هذه اآلية ﴿ :هما أفاء ه
يل ك ْي ال ي ُكون ُدولةً بـ ْني ْاْل ْغنيي ياء سبي ي ول ولي يذي الْ ُق ْر َٰب والْيـتام ٰى والْمساكي ي
ني وابْ ين ال ه أ ْه يل الْ ُقر ٰى ف يلله يه وليل هر ُس ي
-93خالد بن عبدالرمحن الشايع ،خطر اإلسراف والتبذير ،وقول هللا تعاىل( :وكلوا واشربوا وال تسرفوا إنه ال حيب املسرفني) ،موقع الدكتور خالد بن
عبدالرمحن الشايع ،2016-02-04 ،رابط املوضوعhttps://www.alukah.net/web/khalidshaya/0/98479/#ixzz6iNr4JWak :
158
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
﴿واله يذين يـُ ْؤتُون ما آتوا هوقُـلُوبـُ ُه ْم و يجلةٌ أنـه ُه ْم إي ٰىل رّّبيي ْم ر ياج ُعون ﴾املؤمنون()60
اَّلل يـ ْعل ُمهُ ۗ وما ليلظهالي يمني يم ْن أنصا ٍر ) (270إين تُـ ْب ُدوا ﴿ وما أنف ْقتُم يّمن نـهفق ٍة أ ْو نذ ْرُُت يّمن نه ْذ ٍر فيإ هن ه
ات فني يع هما يهي ۖ وإين ُُتْ ُفوها وتُـ ْؤتُوها الْ ُفقراء فـ ُهو خ ْيـ ٌر له ُك ْم ۚ ويُك ّيف ُر عن ُكم يّمن سيّئاتي ُك ْم ۗ و ه
اَّللُ يمبا صدق ي ال ه
اَّلل يـ ْه يدي من يشاءُ ۗ وما تُ ينف ُقوا يم ْن خ ٍْري فيِلن ُف يس ُك ْم ۚ ومااه ْم وٰل يك هن هري ) ۞ (271لهْيس عل ْيك ُهد ُ ي
تـ ْعملُون خب ٌ
ُح ي ي ي ي اَّلل ۚ وما تُ ينف ُقوا يم ْن خ ٍْري يـُو ه
تُ ينف ُقون إيهال ابتيغاء وج يه هي
ص ُروا ف إيل ْي ُك ْم وأنتُ ْم ال تُظْل ُمون ) (272ل ْل ُفقراء الهذين أ ْ ْ ْ
اه ْم ال ي ْسألُون ي
ف تـ ْع يرفُـ ُهم بيسيم ُ اهل أ ْغنيياء يمن التـهع ُّف ي
ي يل هي
اَّلل ال ي ْست يطيعُون ض ْرًَب ييف ْاْل ْر ي ييف سبي ي
ض ُْيسبُـ ُه ُم ا ْجل ُ
يم ) (273اله يذين يُ ينف ُقون أ ْمواَلُم يَبللهْي يل والنـهها ير يس ًّرا وعالنييةً النهاس إي ْحلافًا ۗ وما تُ ينف ُقوا يمن خ ٍْري فيإ هن ه ي ي ي
اَّلل به عل ٌ ْ
ف عل ْي يه ْم وال ُه ْم ُْيزنُون ﴾ البقرة ()274 فـل ُه ْم أ ْج ُرُه ْم يعند رّّبيي ْم وال خ ْو ٌ
وهناك الكثري من اآلايت واالحاديث اليت حتث وترغب يف التوزيع العادل للثروة والدخل وفق األطر
الشرعية اليت بينها الشرع احلكيم.
-السعي وإتقان العمل :أي على اإلنسان ممارسة األنشطة املختلفة من أجل تلبية حاجاته ورغباته،
فعليه ابلعمل واإلنتاج مبا يف ذلك العمل يف الزراعة ،الصناعة والتجارة وغريها من األنشطة اليت تساهم
يف إعمار األرض ،شرط أن تكون مباحة غري حمرمة وال ينتج عنها مضرة للفرد أو اجملتمع ،كما يرى
ابن خلدون أن املوارد مسخرة لإلنسان فعليه أن يتحرك حنوها وميد يده إليها ويستغلها ،وال يكون
ذلك إال ابلعمل والسعي ،ألن هذه املوجودات هي مشرتكة بني مجيع أفراد اإلنسانية فمن سعى إىل
شيء وحصل عليه فهو رزق له وحق من حقوقه ،كما بني أن الطبيعة ميكن أن تساعد اإلنسان يف
إجياد الرزق من خالل املطر والينابيع والنبااتت واحليواانت ،إال أن ذلك وحده ال يكفي بل البد من
العمل وبذل اجلهد .94حيث رغب اإلسالم يف العمل والسعي يف طلب الرزق ،من خالل مزاولة
خمتلف األنشطة االقتصادية كاإلنتاج ،التجارة ،واالستثمار وغريها ،وهذا ما تدل عليه اآلية الكرمية
علم االجتماع احلديث ،موفم للنشر والتوزيع ،اجلزائر ،2003 ،ص.195 -94إدريس خضري ،التفكري االجتماعي اخللدوين واثره يف
159
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
ور﴾
شُ شوا ييف مناكيبيها وُكلُوا يمن ّيرْزيق يه ۖ وإيل ْي يه النُّ ُ التاليةُ ﴿ :هو اله يذي جعل ل ُك ُم ْاْل ْرض ذلُ ً
وال ف ْام ُ
امللك( )15أي :فاسعوا حيث شئتم يف أقطارها وأقاليمها وأرجائها يف أنواع املكاسب والتجارات
واألعمال ،فاإلنسان هنا مطالب ابلسعي من أجل تلبية حاجاته ورغباته رغم أن هللا سخر لإلنسان
كل شيء ،وكل ما حيتاجه ويرغب فيه موجود على األرض غري منقوص ،إال أنه مطالب ببذل اجلهد
والسعي يف الكسب ،إما من خالل العمل اإلنتاجي أو النقل والتخزين أو التبادل التجاري ،إال أن
صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم (إي هن هللا
ذلك السعي والعمل جيب ان يؤدى إبتقان وتفان ،كما يقول الرسول َ
صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم( :ما يم ْن س قَ َال :قَ َال رس ُ ِ
ب إذا ع يمل أح ُد ُكم عمال أ ْن يـُْت يقنه).و َع ْن أَنَ ٍ ي
ول هللا َ - َُ ُُي ُ
س غ ْر ًسا ،أ ْو يـ ْزرعُ زْر ًعا ،فـيأْ ُك ُل يم ْنهُ ط ْيـ ٌر ،أ ْو إينْسا ٌن ،أو ّبييمةٌ ،إيهال كان لهُ بي يه صدقةٌ) ،فال يكفي ي
ُم ْسل ٍم يـغْ ير ُ
من اإلنسان عبادةُ هللا عز وجل وترك العمل ،بل عليه ابلعمل زجد ونشاط ومهة.
ويف األخري ميكن القول لو أن اإلنسان يتقيد بتلك األحكام والقواعد الشرعية اليت أقرها اإلسالم ،يف
تنظيم عالقات اإلنسان خبالقه وأبخيه اإلنسان وعالقته ابلطبيعة وما حتتويه من موارد وأرزاق،
لتحققت العدالة على األرض واستطاع اإلنسان أن يليب حاجاته بيسر وسهولة ،مصداقا لقوله تعاىل:
سم ياء و ْاْل ْر ي
ض ﴾ اْلعراف.)96( : ات يمن ال ه
﴿ ولو أ هن أ ْهل الْ ُقرى آمنُوا واتهـقوا لفت ْحنا عل ْي يهم بـرك ٍ
ْ ْ ْ
يتميز النظام االقتصادي اإلسالمي ابالعتدال والتوازن يف أمور احلياة كلها ،فقد جاء لينظم ويرتب
حياة اإلنسان وحيقق الغاية من وجوده ،ويوازن بني املصلحة الدينية واملصلحة الدنيوية ،إذ انه ال يفرط
يف متجيد املصلحة اخلاصة على حساب املصلحة العامة ،وال ميجد احلرية املطلقة بل يقيدها وفق
قواعد وضوابط معينة ،كما انه يرتكز على وجود إميان وعقيدة وإخالص حقيقي لدى األفراد ،ولقد
اختلف العلماء يف حتديد مفهوم االقتصاد اإلسالمي إىل ثالث اجتاهات ،األول ينظر إليه كفكر
بشري متناثر املواضيع واجملاالت استنبطت من جماالت علمية أخرى كالفقه والعلوم الشرعية ،وأخرى
تنظر إليه على أنه نظام وهيكل مبين على مكوانت جزئية تتعلق بنظام تطبيقي مستهدف ،وأما
االجتاه الثالث وهم العلماء املتخصصني يرونه ذلك العلم النموذجي الذي حيتوي على قواعد علمية
160
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
اثبتة ابستنادها إىل نصوص الشريعة ،والحتوائه على مناهج البحث والتحليل ،إذ ان النظام
االقتصادي اإلسالمي وفق هذه النظرة يتضمن شقني ،جزء من األحكام والقواعد اثبت ال يتغري
التصاله مبصادر التشريع اإلهلي ،والثاين متغري العتماده على التحليل واالجتهاد البشري ،95وتبعا ملا
سبق ميكن حتديد أهم املبادئ اليت يقوم عليها النظام االقتصادي اإلسالمي وفق ما يلي:
-االعتماد على العقيدة اإلسالميّة :إذ يعتمد النظام االقتصادي اإلسالمي يف صياغة مبادئه وقوانينه
اخلاصة به على الشريعة اإلسالمية ،كما ينبغي ان يكون اجملتمع مسلم يؤمن
وكافّة القواعد والتشريعات ّ
ابهلل تعاىل وأنه هو املتصرف واملدبر لشؤون الكون ،ويلتزم ابألحكام الشرعية الواردة يف الكتاب
والسنة.
-امللكية االقتصادية احملدودة وليس مطلقة ،أي ان يكون حق امللكية قائم ما دام االنتفاع قائم ،وإذا
انتفى شرط االنتفاع يسقط حق امللكية ،كما أن ملكية اإلنسان هي ملكية استخالف ،وعلى
َّلل ور ُسولي يه وأ ينف ُقوا يِمها جعل ُكم ي
آمنوا يَب هي
اإلنسان أن يعلم فضل هللا تعاىل عليه ،حيث يقول عز وجلُ ﴿ :
ُّم ْست ْخل يفني في ييه ۖ فاله يذين آمنُوا يمن ُك ْم وأنف ُقوا َلُ ْم أ ْج ٌر كبيريٌ﴾ احلديد ( .)7وعلى ذلك األساس ينبغي ان
يعلم ان تصرفه يف ما ميلك مقيد أبحكام وتعاليم الشرع احلكيم ،كما ان طرق كسب الرزق حمددة ال
ينبغي لإلنسان ان يتجاوز احلدود فيها ،كتجنب الراب والسرقة والغش والرشوة وغريها من األمور احملرمة
واملنهي عنها شرعا.
-احلرية االقتصادية احملدودة واملقيدة ابلشرع :مبعىن ال توجد يف اإلسالم حرية مطلقة يف التصرف
والكسب والعمل ،بل هناك قيود وأحكام تضبط وتنظم تصرفات الناس وعالقاهتم فيما بينهم أو بينهم
وبني وسائل العمل واإلنتاج ،ال يسمح من خالهلا لألفراد ان يتجاوزوا احلدود ،بل حىت يف امللكية ال
حيق للفرد أن يتصرف إال يف احلدود اليت رمسها الشرع مصداقا لقوله تعاىل﴿ :قالُوا اي ُشع ْي ُ
ب أصالتُك
يم ال هر يشي ُد﴾ هود (.)87 ي ي ي
َت ُْم ُرك أن نـه ْتـ ُرك ما يـ ْعبُ ُد آَب ُؤان أ ْو أن نـه ْفعل ييف أ ْموالنا ما نشاءُ ۖ إنهك ْلنت ا ْحلل ُ
وهنا إشارة إىل أنه ال حيق للفرد التصرف يف ملكيته إال يف حدود الشرع.
-95زينب صاحل األشوح ،االقتصاد اإلسالمي بني البحث والنظرية والتطبيق ،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة ،2004 ،ص.30
161
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
وهذا املنهج احلكيم الذي أقره اإلسالم يف ضبط وجتسيد حدود احلرية هلو األمثل على اإلطالق (فال
ميكن ألحد أن جيد له بديال) ،فلما نراجع حقيقة املدارس واألنظمة االقتصادية الوضعية على
اختالف أنواعها وأشكاهلا ،جندها مل تستطع حتقيق مبدأ احلرية رغم ادعائها ومناداهتا بذلك ،فبدال من
حترير اإلنسان كما زعم روادها أوقعته يف عبودية من نوع آخر هي أشد من األوىل ،فالدعوة إىل احلرية
الفردية املطلقة وفتح اجملال أمام اإلنسان للعمل حتت دافع حب التملك والكسب املفرط ،96قد أوقع
اإلنسان حتت أسر عبودية املال واألشخاص ،ومبعىن أوسع حب الذات واالنشغال بتحقيق املصاحل
املادية واجلسدية ،ما أوقع اإلنسان يف فراغ روحي رهيب ،بينما اإلسالم سعى إىل حتقيق توازن دقيق
بني احلاجات الروحية واجلسدية من خالل توجيه وإرشاد اإلنسان إىل آليات وطرق فعالة لذلك ،ملا
حييد عنها سيخرج حتما عن هامش احلرية األمثل احملدد شرعا ،واملتصفح ألحكام الشريعة اإلسالمية
الواردة يف القران احلكيم والسنة النبوية الشريفة ،يلمس حقيقة ان اإلسالم كما حرص واكد على حترير
اإلنسان من عبودية األصنام والعباد ابجتاه عبادة اخلالق الواحد ذو الفضل على العاملني كخطوة أوىل،
أكد وحرص أيضا على حتريره من عبادة املال واملادة بصفة عامة ،من خالل إضعاف الروابط النفسية
ات صي
احل ُ ات ال ه ال والْبـنُون يزينةُ ا ْحلي ياة ُّ
الدنْـيا ۖ والْباقيي ُ لإلنسان ابملال وحبه له ،كما ورد يف قوله تعاىل﴿ :الْم ُ
خ ْيـ ٌر يعند ربيّك ثـو ًاَب وخ ْيـ ٌر أم ًال﴾ الكهف ( ،)46وهذا توجيه لإلنسان من أجل إضعاف ميله وحبه
للمال ويف الوقت نفسه ترغيبه يف الباقيات الصاحلات ،وما تشريع هللا سبحانه وتعاىل (وهو الرازق
واخلالق واملتصرف يف شؤون العباد واجلماد) للزكاة والصدقات واإلحسان وغريها من أعمال اخلري ،إال
حتقيقا هلذا الغرض ،وإال ما حاجة هللا ألموال العباد فهي كلها من فضله ،وانظر قوله تعاىل ﴿ :لن
ش ير ومها وال يدما ُؤها وٰل يكن يـنالُهُ التهـ ْقو ٰى يمن ُك ْم ۚ ك ٰذليك سخهرها ل ُك ْم ليتُكيّّبُوا ه
اَّلل عل ٰى ما هدا ُك ْم ۗ وب يّ يـنال ه
اَّلل ُحلُ ُ
ال ُْم ْح يسنيني﴾ احلج ( ،)37فهذه اآلية تبني احلكمة من تشريع األضحية بصفة خاصة والصدقات
بشكل عام ،فتشريع حكم الزكاة والصدقات وان كان له اثر اجتماعي واقتصادي عظيم يف اجملتمع،
إال أن اثره على نفس املتصدق أعظم ،فإهنا تعمل على حترير اإلنسان من أسر حب املال وتعلقه به،
وتدريبه على تقوى هللا عز وجل ،وهذا ال يعين أن سعي اإلنسان وراء الكسب منهي عنه على
-96وان كان نظراي مستحيل حتقيق احلرية كما يريدها دعاهتا ،الن ذلك يعين ان يسمح لإلنسان التصرف كما يشاء ،وهذا يوقع الفوضى داخل اجملتمع
نتيجة تعارض املصاحل وتداخل احلدود بني احلقوق والواجبات ،مما يساهم يف نشر الظلم ،وال ميكن حتقيق ذلك إال من خالل إجياد قوانني وضوابط حتد
من حرية األفراد يف العمل والتملك والتصرف ،وهذا جيعلنا نعود مرة أخرى إىل احلديث عن تقييد احلرية ،مبعىن شعار احلرية االقتصادية املطلقة مستحيل
حتقيقه على ارض الواقع.
162
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
إطالقه ،بل هو حمبب ومرغب فيه ولكن وفق الضوابط الشرعية (ال إفراط وال تفريط) ،فالسعي
واالجتهاد والعمل وإعمار األرض مطلوب كما بينا سابقا.
-مبدأ العدالة االجتماعية :لقد حرص اإلسالم على جتسيد العدالة يف مجيع جماالت حياة اإلنسان
وعالقاته املختلفة ،وابملقابل حرم كل أشكال الظلم والبغي والتعدي على حقوق الغري ،وحتقيقا هلذا
املبدأ الذي يعترب مقصدا من مقاصد الشريعة اإلسالمية ،فقد وردت أحكام وقواعد من الناحية
االقتصادية ،من بينها التقسيم والتوزيع العادل للثروة ،كتلك اخلاصة أبحكام املرياث ،وحتديد األرابح
واألسعار ،وحترمي املضاربة والراب ،وتلك اليت توضح كيفية حتديد الزكاة وتوزيعها على خمتلف فئات
اجملتمع ،فالنظام اإلسالمي حيارب الطبقية واستغالل اإلنسان ألخيه اإلنسان ،كما ورد يف نص اآلية
املذكورة سابقا (...حىت ال تكون دولة بني اْلغنياء منكم ،)...وهلذا رغب اإلسالم يف خمتلف اآلليات
والطرق اليت تكفل توزيع وإعادة توزيع الدخل بشكل عادل ،كالزكاة والصدقات والوقف ومجيع مظاهر
اإلحسان للغري والتعاون.
-التوازن واالعتدال يف اإلنفاق واالستهالك والتوازن بني احلقوق والواجبات وبني املصلحة العامة
واملصلحة اخلاصة ،فعلى خالف ما ينادي به مفكري النظام الرأمسايل من متجيد للمصلحة اخلاصة
على حساب املصلحة العامة أتى اإلسالم ليوازن بني املصلحتني فال إفراط وال تفريط.
-أساس التوزيع العمل واحلاجة :حيث اقر اإلسالم أبن املبدأ األساسي يف توزيع الثروة والدخل هو
العمل ،وهلذا حث ورغب كثريا يف العمل وإتقانه واألخذ أبسبابه ،ونبذ االتكال على الغري يف طلب
الرزق ،حيث يقول عليه الصالة والسالم( :الي ُد العليا خري من اليد السفلى) ،فاليد العليا هي املنفقة
واليت تعمل وجتتهد ،واليد السفلى هي اليت تعتمد على غريها يف تلبية حاجاهتا ،كما أقر ابملبدأ الثاين
وهو مكمل لألول والذي يتمثل يف احلاجة ،ألنه ليس دائما يستطيع اإلنسان ان يضمن حاجاته
ابلعمل ،وهلذا اقر آليات أخرى لتوزيع الدخل واليت تتمثل يف الزكاة والصدقات واإلحسان وغريها.
-أن تبىن املعامالت على عقيدة إسالمية صحيحة ،أي اإلخالص هلل تعاىل ،ونتيجة لذلك فان
العمل النافع ليس ابلضرورة هو الذي حيقق الربح ،كما أن أي عمل اقتصادي أو اجتماعي يقرتن
إبخالص النية هلل عز وجل فهو عبادة حىت ولو كان بغرض إشباع حاجاته اخلاصة.
-اإلقرار أبخالق املعامالت والسلوكات االقتصادية كمحاربة الغش والتطفيف يف امليزان والسرقة
والراب ،مصداقا لقوله عليه الصالة والسالم( :إُنا بعثت ْلمتم مكارم اْلخالق) ،وعلى هذا جند الكثري
163
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
من اآلايت واألحاديث اليت تضبط سلوكات وعالقات الناس وفق قيم أخالقية راقية ونذكر على سبيل
ْمط ّيف يفني [ ]1اله يذين إيذا ا ْكتالُوا على الن ي
هاس ي ْستـ ْوفُون [ ]2وإيذا ي
املثال ال احلصر قوله تعاىل﴿ :ويْ ٌل لل ُ
ُولئيك أنـههم مبـعوثُون [ ]4لييـوٍم ع يظ ٍيم [ ]5يـوم يـ ُقوم الن ي
كالُوهم أو وزنُوهم ُُيْ يسرون [ ]3أال يظُ ُّن أ ٰ
هاس لر يّ
ب ُ ُ ْ ْ ُْ ُْ ُْ ُ ُْ ْ
الْعال يمني [( ﴾ ]6املطففون.)6-1:
ويف األخري ميكن القول أن النظام االقتصادي اإلسالمي يعرب عن جمموع األحكام والقواعد الشرعية
اليت تنظم السلوكات والعالقات االقتصادية بني الناس وحتدد نشاطاهتم بشكل عادل وفعال ،واليت هي
مستنبطة من مصادر التشريع اإلسالمي واملتمثلة بشكل أساسي يف القرآن والسنة النبوية واجتهادات
الصحابة والتابعني والفقهاء ،ونتيجة جلهود الكثري من املفكرين والباحثني يف هذا اجملال فقد مت حتديد
وصياغة أسس ومبادئ هذا النظام االقتصادي ،جمسدا بذلك األحكام والتعليمات الشرعية اإلسالمية
يف جوانبها االقتصادية.
164
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
خامتة
يعترب علم االقتصاد فرع من فروع العلوم االجتماعية ،يهتم بدراسة السلوك االقتصادي
لإلنسان ،أي ذلك السلوك والنشاط الذي ميكن اإلنسان من تلبية حاجاته ورغباته املتعددة واملتنامية
انطالقا من املوارد االقتصادية املتاحة ،فهذا العلم حياول حبث احللول واآلليات اليت متكن اإلنسان من
مواجهة املشكلة االقتصادية القائمة على صعوبة تلبية احلاجات والرغبات انطالقا من املوارد
االقتصادية املتاحة املتوزعة توزيعا متباينا عرب املناطق اجلغرافية والفئات واجملتمعات البشرية ،وهذا من
خالل حبث ماهية وأبعاد األنشطة االقتصادية اليت هتتم مبعاجلة املشكلة االقتصادية مبختلف أنواعها،
واليت تتمثل ابألساس يف نشاط اإلنتاج والتوزيع واالستهالك إضافة إىل االدخار والتبادل واالستثمار.
ونتيجة جلهود الكثري من الباحثني يف اطار هذا العلم تولدت العديد من النظرايت واملدارس
االقتصادية بدءا من املدرسة التجارية مرورا ابملدرسة الكالسيكية والكنزية والنيوكالسيكية ،إىل
النظرايت واألفكار احلديثة ،وقد عرف الفكر االقتصادي خالل ذلك تطورات تبعا للتطور
االجتماعي والتكنولوجي واألنشطة االقتصادية ،كما تبلورت أنظمة اقتصادية كالنظام االقتصادي
الرأمسايل ،النظام االقتصادي االشرتاكي ،والنظام االقتصادي اإلسالمي ،اليت كل منها حياول معاجلة
املشكلة االقتصادية بطرق وآليات معينة تعكس التوجهات اإليديولوجية لكل نظام وحسب املناهج
املتبعة فيها.
ويف األخري ميكن القول ان دراسة علم االقتصاد تبقى من الضرورايت اليت متكن اإلنسان من
فهم طبيعة السلوكيات والظواهر االقتصادية ومعاجلة االختالالت واألزمات اليت تظهر من الفينة إىل
أخرى ،إال ان هذه الدراسات جيب ان تنبع من الواقع احملدد إبطاره الزمين واملكاين ومبا يتميز به من
خصائص اجتماعية واقتصادية.
165
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
املراجع:
-أمحد جالل ،األبعاد االقتصادية للمشاكل البيئية وأثر التنمية املستدامة ،دار خالد للنشر والتوزيع ،السعودية،
الطبعة األوىل .2017
-أمحد مجال الدين موسى ،مبادئ االقتصاد السياسي ،القاهرة ،دار النهضة العربية.2006 ،
-أمحد حممود مندور ،مقدمة يف االقتصاد ،جامعة اإلسكندرية.2004 ،
-إدريس خضري ،التفكري االجتماعي اخللدوين واثره يف علم االجتماع احلديث ،موفم للنشر والتوزيع ،اجلزائر،
.2003
-اإلدارة العامة لتصميم وتطوير املناهج ،إدارة اإلنتاج ،املؤسسة العامة للتدريب التقين واملهين ،اململكة العربية
السعودية ،طبعة .2008
-البشري عبد الكرمي ،االقتصاد اجلزئي -دروس ومتارين ،مؤسسة النشر والتوزيع ابلشلف ،اجلزائر.2007 ،
-السيد حممد امحد السرييت ،أسس علم االقتصاد ،دار التعليم اجلامعي للطباعة والنشر والتوزيع ،اإلسكندرية،
.2014
-الطيب داودي ،مدخل لعلم االقتصاد يف الفكر الرأمسايل -االشرتاكي ،واإلسالمي ،مكتبة اجملتمع العريب للنشر
والتوزيع ،األردن.2010 ،
-بسام حجار ،علم االقتصاد والتحليل االقتصادي ،دار املنهل اللبناين ،بيوت2010 ،
-بول جرجيوري ،روبرت ستيورت ،النظم االقتصادية املقارنة ،ترمجة :طه عبد هللا منصور ،دار املريخ للنشر،
اململكة العربية السعودية.1994 ،
-اثمر البكري ،االتصاالت التسويقية والرتويج ،دار احلامد ،عمان ،الطبعة األوىل .2006
-جون كينيث جالربيت ترمجة أمحد فؤاد بلبع ،اتريخ الفكر االقتصادي ،دار عامل املعرفة ،الكويت.
-جيمس جوارتين ،ريتشاد سرتوب ،ترمجة :حممد عبد الصبور حممد علي ،دار املريخ للنشر ،اململكة العربية
السعودية.2010 ،
-رواء زكي الطويل ،حماضرات يف االقتصاد السياسي ،دار زهران للنشر والتوزيع ،األردن.2013 ،
-زينب حسني عوض هللا ،جمدي حممود شهاب ،أسامة حممد الفوىل ،أصول االقتصاد السياسي ،دار اجلامعة
اجلديدة للنشر ،اإلسكندرية.2000 ،
166
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-زينب صاحل األشوح ،االقتصاد اإلسالمي بني البحث والنظرية والتطبيق ،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع،
القاهرة.2004 ،
-سعيد املصري ،ث قافة االستهالك يف اجملتمع املصري ،املركز الدويل للدراسات املستقبلية واالسرتاتيجية ،مصر،
العدد.2006 ،19
-شطييب حنان ،حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد ،جامعة اجلزائر.2018 ،3 -
-شقريي نوري موسى ،صاحل طاهر الزرقان ،وآخرون ،إدارة االستثمار ،دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة،
األردن ،الطبعة األوىل .2012
-صامويل عبود ،االقتصاد السياسي للرأمسالية ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر.1990 ،
-صالح الدين انمق ،قادة الفكر االقتصادي ،دار املعارف ،القاهرة.1978 ،
-ضياء جميد املوسوي ،النظرية االقتصادية :التحليل االقتصادي اجلزئي ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر،
.1990
-طارق عبد الفتاح الشريعي ،مبادئ علم االقتصاد ،مؤسسة حورس الدولية للنشر والتوزيع ،اإلسكندرية،
.2006
-عادل امحد حشيش ،اتريخ الفكر االقتصادي ،دار النهضة العربية للنشر والتوزيع ،القاهرة.1995 ،
-عبد الرمحن الوايف ،مدخل إىل علم النفس ،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،اجلزائر.2006 ،
-غسان قسام دواد الالمي ،أمية شكرويل البيايت ،إدارة اإلنتاج والعمليات :مرتكزات معرفية ،دار اليازوري العلمية
للنشر والتوزيع ،األردن.2008 ،
-كاسر نصر املنصور ،إدارة اإلنتاج و العمليـات ،دار حامد للنشر و التوزيع ،عمـان.2000 ،
-مالك بن نيب ،مشكالت احلضارة -فكرة كمنويلث إسالمي ،ترمجة :الطيب الشريف ،دار الفكر ،دمشق،
سوراي.2002 ،
-متوكل بن عباس حممد مهلهل ،مبادئ االقتصاد -مدخل عام ،دار املريخ للنشر ،اململكة العربية السعودية،
.2009
-جميد خليل حسني ،مبادئ علم االقتصاد ،دار زهران للنشر والتوزيع ،ط.2012 ،6
-حممد حلمي مراد ،أصول االقتصاد ،ج ،1مطبعة هنضة مصر ،القاهرة.1961 ،
167
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-حممد محد القطاطشة ،النظام االقتصادي السياسي الدويل ،دار وائل للنشر والتوزيع ،األردن ،الطبعة األوىل
.2013
-حممد صاحل احلناوي ،طارق مصطفى الشهاوى ،مبادئ وأساسيات االستثمار ،دار التعليم اجلامعي للطباعة
والنشر والتوزيع ،اإلسكندرية.2013 ،
-حممد عبد هللا شاهني حممد ،أصول علم االقتصاد واحلل األمثل للمشكلة االقتصادية من منظور إسالمي ،دار
األكادمييون للنشر والتوزيع ،الطبعة األوىل .2017
-حممد مدحت مصطفى ،اقتصادايت األراضي الزراعية :األسس والنظرايت والتطبيق ،مكتبة اإلشعاع الفنية
للطباع والنشر والتوزيع.1998 ،
-حممود الوادي ،األساس يف علم االقتصاد ،دار اليازوري العلمية ،األردن ،الطبعة األوىل .2007
-حممود حسني الواد ،إبراهيم حممد خريس ،نضال علي ،مبادئ علم االقتصاد ،دار املسرية للنشر والتوزيع،
عمان.2010 ،
-مظهر إمساعيل صربي ،نظرايت السياسة الدولية دراسة حتليلية مقارنة ،جامعة الكويت ،الطبعة األوىل .1982
-معمر داود ،مدخل إىل علم االجتماع ،دار طليطلة ،اجلزائر ،الطبعة األوىل .2010
-منري نوري ،التسويق مدخل املعلومات واالسرتاتيجيات ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر.2007 ،
-نصيب رجم ،إدارة أنظمة التوزيع -تطبيقات ودراسة حالة ،دار العلوم للنشر والتوزيع ،عنابة ،اجلزائر.2006 ،
-هندي منري إبراهيم ،أساسيات االستثمار يف األوراق املالية ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية.1999 ،
-مخيس حممد هرون أبو بكر ،العدالة االجتماعية كأهم ركائز البنيان املايل يف الشريعة اإلسالمية ويف األنظمة
الوضعية املعاصرة مع اإلشارة إىل مصر ،أطروحة دكتوراه ،غري منشورة ،كلية احلقوق ،جامعة القاهرة2007 ،
-عبد القادر زيتوين ،حمددات ادخار القطاع العائلي يف اجلزائر دراسة قياسية للفرتة ،2008 -1970مذكرة
خترج تدخل ضمن متطلبات نيل شهادة املاجيستري يف العلوم االقتصادية ،ختصص نقود وبنوك ،كلية العلوم
االقتصادية وعلوم التسيري ،جامعة الشلف.
-فاحل بن عبد هللا بن حممد احلقباين ،االدخار العائلي وآثره يف التنمية االقتصادية من منظور إسالمي مع دراسة
تطبيقية على اململكة العربية السعودية 1415-1396ه ،أطروحة دكتوراه يف االقتصاد اإلسالمي ،كلية الشريعة
والدراسات اإلسالمية ،جامعة أم القرى ،السعودية1999 ،
168
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
-صاحل صاحلي ،توزيع الثروة و الدخل يف االقتصاد اإلسالمي ،جملة العلوم االقتصادية وعلوم التسيري ،العدد،09
.2009
-عبد الناصر جرادات ،تكنولوجيا معلومات اإلعالن وأثرها على والء املستهلك للمنتج ،جملة العلوم اإلدارية
واالقتصادية ،اليمن.2009 ،
-سعد عبد احلسني نع مة ،العدالة االجتماعية يف الشريعة اإلسالمية والنظم الوضعية (العراق منوذجا) ،املؤمتر
الوطين حول االعتدال يف الدين والسياسة ،يومي 22 :و 23آذار ،2017مؤسسة النبأ للثقافة واإلعالم ومركز
الدراسات االسرتاتيجية يف جامعة كربالء ،العراق
-يعقوب علي جانقي ،مبادئ االقتصاد -نشأة وتطور علم االقتصاد ،املرجع اإللكرتوين للمعلوماتية،
.16- 01- 2018 ،https://almerja.com/reading.php?idm=94353
خالد بن عبدالرمحن الشايع ،خطر اإلسراف والتبذير ،وقول هللا تعاىل( :وكلوا واشربوا وال تسرفوا إنه ال حيب
املسرفني) ،موقع الدكتور خالد بن عبدالرمحن الشايع ،2016-02-04 ،رابط املوضوع:
https://www.alukah.net/web/khalidshaya/0/98479/#ixzz6iNr4JWak
)www.uobabylon.edu.iq( -
-تقرير التنمية البشرية لسنة ،2015برانمج األمم املتحدة اإلمنائي:
()https://www.un.org/ar/esa/hdr/hdr15.shtml ،u.n.d.p
- stanton william, fundamentals of marketing, 4th édition, MCGRAW- HILL,
1995
- philips charles.f ducan delbert.j, marketing principles and methods, 6th edition,
irwin ontzrio, 1968
- Isabel dauner gardiol, mobilizing savings, swiss agency for development and
cooperation , 2004,
169
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
170
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
2021/2020 جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف
كلية العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيري
171
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
.................................................................................................
-حيقق نشاط التخزين منافع شكلية تنتج عن نقل ملكية السلع.
.................................................................................................
اجلزء الثالث :ضع عالمة Xأمام إجابة واحدة فقط من بني اإلجاابت املقرتحة لكل سؤال:
تتحقق املنفعة الشكلية للمواد عند:
من بني اهتمامات علم االقتصاد:
نقل املواد من مكان إىل آخر
دراسة توزيع ومنو السكان
نقل ملكية املواد من شخص إىل آخر
دراسة كيفية توزيع الثروة
نتيجة عمليات التصنيع والتحويل
دراسة السلوك االجتماعي لإلنسان
كل اإلجاابت السابقة صحيحة
كل اإلجاابت السابقة صحيحة
كل اإلجاابت خاطئة
كل اإلجاابت خاطئة
احلد اْلدىن لالستهالك يعتّب:
من أهداف علم االقتصاد:
استهالك مستقل عن الدخل
فهم وتفسري الظواهر االقتصادية
استهالك مرتبط ابلدخل
التنبؤ ابلظواهر االقتصادية
استهالك مستقبلي
التحكم يف الظواهر االقتصادية
كل اإلجاابت السابقة صحيحة
كل اإلجاابت السابقة صحيحة
كل اإلجاابت خاطئة
كل اإلجاابت خاطئة
هتتم النظرية االقتصادية اجلزئية بـدراسة:
تكمن املشكلة االقتصادية حسب الرأمساليني يف:
كيفية حتقيق الربح للمنتج
االستغالل الطبقي
كيفية توازن السوق
التباين يف توزيع الدخل
كيفية تعظيم اإلشباع للمستهلك
التباين بني املوارد واحلاجات
كل اإلجاابت السابقة صحيحة
كل اإلجاابت السابقة صحيحة
كل اإلجاابت خاطئة
كل اإلجاابت خاطئة
مفهوم اإلنتاج عند االشرتاكيني :
وسيط التبادل من عناصر :
كل نشاط حيقق منفعة
االستثمار
يشمل فقط السلع املادية وما يرتبط هبا
اإلنتاج
يضم فقط النشاط الزراعي
االستهالك
كل اإلجاابت السابقة صحيحة
كل اإلجاابت السابقة صحيحة
كل اإلجاابت خاطئة
كل اإلجاابت خاطئة
172
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
173
الدكتور :عبد هللا قلش حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد
اجلزء الرابع:
.1حدد عناصر اإلنتاج وعوائدها؟
.2ما هي أسباب التباين يف توزيع الدخل بني األفراد ؟
.3بني خصائص النظام االقتصادي املختلط؟
174