You are on page 1of 173

‫جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف‬

‫كلية العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيري‬

‫مطبوعــة يف مقي ــاس‪:‬‬

‫م ـ ـ ــدخـ ـ ــل لإلقـت ـص ـ ـ ـ ـ ــاد‬


‫إعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداد‪:‬‬

‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلــش‬


‫أستاذ حماضر قسم أ جبامعة الشلف اجلزائر‬

‫موجهة إىل‪:‬‬

‫طلبة السنة أوىل ليسانس جذع مشرتك علوم اقتصادية وجتارية وعلوم‬
‫التسيري‬

‫‪2021/2020‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬

‫بسم هللا الرمحن الرحمي‬


‫قال هللا تعـ ـاىل‪:‬‬

‫سماوات وما ييف ْاْل ْر ي‬


‫ض‬ ‫اَّلل س هخر ل ُكم هما ييف ال ه‬
‫﴿أَلْ تـرْوا أ ّن ه‬
‫اد ُل ييف‬ ‫اهرًة وَب يطن ًة ويمن الن ي‬
‫هاس من ُُي ي‬ ‫وأسبغ علي ُكم نيعمه ظ ي‬
‫ْ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫اَّلل بيغ ْيري يعل ٍْم وال ُه ًدى وال كيتاب ُّمني ٍري ﴾‬
‫هي‬
‫[لقمان‪]20 :‬‬

‫‪3‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬

‫اهداء‬
‫اىل الوادلين وفاء واحرتاما‬
‫اىل اكفة ا ألهل وا ألقارب‬
‫اىل لك طلبة العمل وا ألساتذة احملرتمني‬
‫اىل مجيع املسلمني‬
‫أأهدي معيل هذا راجيا من هللا عز وجل أأن‬
‫جيعهل يف مزيان احلس نات‬

‫‪4‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬

‫فهرس احملتوايت‬
‫‪-‬‬ ‫اإلهداء‬
‫‪-‬‬ ‫فهرس احملتوايت‬
‫‪09‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪12‬‬ ‫الفصل اْلول‪ :‬املدخل املعريف‬
‫‪13‬‬ ‫أوال‪ :‬مفهوم علم االقتصاد‬
‫‪17‬‬ ‫اثنيا‪ :‬أهداف علم االقتصاد‪:‬‬
‫‪19‬‬ ‫اثلثا‪ :‬منهج علم االقتصاد‬
‫‪21‬‬ ‫رابعا‪ :‬موضوع علم االقتصاد‬
‫‪23‬‬ ‫علم الثروة‬
‫‪24‬‬ ‫علم املبادلة‬
‫‪24‬‬ ‫علم الندرة‬
‫‪25‬‬ ‫علم الرفاهية‬
‫‪25‬‬ ‫علم االختيارات الفعالة‬
‫‪26‬‬ ‫علم العالقات االجتماعية يف اطار اإلنتاج‬
‫‪26‬‬ ‫خامسا‪ :‬فروع علم االقتصاد‪:‬‬
‫‪26‬‬ ‫النظرية االقتصادية اجلزئية‬
‫‪27‬‬ ‫النظرية االقتصادية الكلية‬
‫‪27‬‬ ‫سادسا‪ :‬عالقة علم االقتصاد َبلعلوم اْلخرى‬
‫‪34‬‬ ‫سابعا‪ :‬تطور علم االقتصاد‬

‫‪5‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪48‬‬ ‫اثمنا‪ :‬استخدام وتطبيق علم االقتصاد‬
‫‪50‬‬ ‫اتسعا‪ :‬املشكلة االقتصادية‬
‫‪51‬‬ ‫تعريف املشكلة االقتصادية‬
‫‪54‬‬ ‫عناصر املشكلة االقتصادية‬
‫‪63‬‬ ‫معاجلة املشكلة االقتصادية‬
‫‪65‬‬ ‫مستوايت املشكلة االقتصادية‬
‫‪67‬‬ ‫عاشرا‪ :‬اخلريات‬
‫‪67‬‬ ‫تقسيم السلع‬
‫‪69‬‬ ‫خصائص اخلريات‬
‫‪71‬‬ ‫إحدى عاشر‪ :‬احلاجات والرغبات‬
‫‪71‬‬ ‫تقسيم احلاجات‬
‫‪72‬‬ ‫خصائص احلاجات اإلنسانية‬
‫‪73‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬املدخل النظري‬
‫‪74‬‬ ‫أوال‪ :‬نشاط اإلنتاج‬
‫‪75‬‬ ‫مفهوم اإلنتاج‬
‫‪80‬‬ ‫أساليب اإلنتاج‬
‫‪82‬‬ ‫أشكال وأنواع اإلنتاج‬
‫‪83‬‬ ‫عوامل اإلنتاج‬
‫‪87‬‬ ‫عوائد عوامل اإلنتاج‬
‫‪88‬‬ ‫خصائص عوامل اإلنتاج‬
‫‪91‬‬ ‫اثنيا‪ :‬نشاط التبادل التجاري‬

‫‪6‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪92‬‬ ‫عناصر التبادل‬
‫‪94‬‬ ‫بعض األنشطة املرتبطة ابلتبادل التجاري‬
‫‪96‬‬ ‫العوامل املؤثرة يف التبادل التجاري‬
‫‪98‬‬ ‫اثلثا‪ :‬االستهالك‬
‫‪98‬‬ ‫تعريف االستهالك‬
‫‪99‬‬ ‫أنواع وأشكال االستهالك‬
‫‪101‬‬ ‫العوامل املؤثرة يف االستهالك‬
‫‪104‬‬ ‫ثقافة االستهالك‬
‫‪107‬‬ ‫العالقة بني االستهالك والدخل‬
‫‪107‬‬ ‫دالة االستهالك‬
‫‪109‬‬ ‫رابعا‪ :‬توزيع وإعادة توزيع الدخل‬
‫‪109‬‬ ‫مفهوم الدخل‬
‫‪110‬‬ ‫أنواع الدخل‬
‫‪111‬‬ ‫نظرية توزيع الدخل‬
‫‪113‬‬ ‫أسباب التفاوت يف توزيع الثروة والدخل‬
‫‪117‬‬ ‫خامسا‪ :‬االدخار‬
‫‪118‬‬ ‫أنواع االدخار‬
‫‪120‬‬ ‫العوامل املؤثرة يف االدخار‬
‫‪124‬‬ ‫مصادر االدخار‬
‫‪126‬‬ ‫سادسا‪ :‬االستثمار‬
‫‪126‬‬ ‫تعريف االستثمار‬

‫‪7‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪127‬‬ ‫أهداف االستثمار‬
‫‪128‬‬ ‫أنواع وأشكال االستثمار‬
‫‪130‬‬ ‫العوامل املؤثرة يف االستثمار‬
‫‪131‬‬ ‫خماطر االستثمار‬
‫‪132‬‬ ‫العالقة بني درجة املخاطرة والعائد املتوقع من االستثمار‬
‫‪133‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬املدخل النظامي‬
‫‪135‬‬ ‫أوال‪ :‬مفهوم النظام والتنظيم االقتصادي‬
‫‪138‬‬ ‫خصائص النظام االقتصادي‬
‫‪139‬‬ ‫أهداف النظام االقتصادي‬
‫‪140‬‬ ‫اثنيا‪ :‬اْلنظمة االقتصادية‬
‫‪141‬‬ ‫النظام االقتصادي الرأمسايل‬
‫‪147‬‬ ‫النظام االقتصادي االشرتاكي‬
‫‪152‬‬ ‫النظام االقتصادي املختلط‬
‫‪153‬‬ ‫النظام االقتصادي اإلسالمي‬
‫‪167‬‬ ‫اخلامتة‬
‫‪168‬‬ ‫املراجع‬
‫‪172‬‬ ‫مواضيع امتحاانت سابقة‬

‫‪8‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫مقدمة‬
‫يعتمد بقاء اإلنسان كفرد وكجماعة أو جمتمع واستمراره يف احلياة على تلبية حاجاته املختلفة‪،‬‬
‫اليت تتطلب احلصول على جمموعة من الوسائل‪ ،‬وألجل هذا جيد اإلنسان نفسه جمرب على القيام‬
‫مبجموعة من األنشطة واألعمال من اجل تكييف املوارد الطبيعية مع حاجاته ورغباته‪ ،‬وخاصة ان‬
‫وسائل تلبية تلك احلاجات حتتاج إىل جمهودات من اجل تكييفها مع متطلبات اإلنسان‪ ،‬فهو ال جيد‬
‫كل ما يرغب فيه وحيتاجه جاهزا يف الطبيعة‪ ،‬ولكنه يضطر إىل إعادة تكييفه وحتويله ونقله إما من‬
‫حيث الشكل أو املكان أو الزمن‪ ،‬األمر الذي جيعله يسلك سلوكا معينا وإقامة عالقات كثرية تتمثل‬
‫بشكل أساسي يف عالقاته مع الطبيعية وعالقاته مع أخيه اإلنسان‪.‬‬

‫فالتصرفات والسلوكات اليت يضطر اإلنسان للقيام هبا يف سبيل تلبية حاجاته ورغباته انطالقا‬
‫من املوارد النادرة تشكل لنا ما يعرف ابلنشاط االقتصادي‪ ،‬الذي يعرب عن خمتلف الظواهر واألنشطة‬
‫اخلاصة بتلبية احلاجات والرغبات‪ ،‬وخمتلف العالقات والظواهر اليت ميكن ان تظهر يف هذا اإلطار‪،‬‬
‫كأنشطة اإلنتاج والتوزيع واالستهالك‪.‬‬

‫إال ان تلك األنشطة والعالقات االقتصادية قد عرفت تطورات وتغريات تبعا لتطور حياة‬
‫اإلنسان االجتماعية واملادية‪ ،‬منذ ظهور أوىل العالقات البسيطة بني اإلنسان والطبيعة واملتمثلة يف‬
‫إشباع احلاجات ابالعتماد على عناصر الطبيعة بشكل مباشر‪ ،‬ومل يكن حباجة إىل أنشطة اإلنتاج كما‬
‫هي عليه اليوم من تعقيدات وتشابك سواء بني األفراد واجملتمعات أو بني اإلنسان والطبيعية‪.‬‬

‫وألجل تطوير وحتسني تلك العالقات والسلوكات فقد حظيت ابلعديد من الدراسات واجلهود‬
‫العلمية من طرف خنبة من الباحثني واملفكرين‪ ،‬واليت ولدت الكثري من النظرايت والنماذج عرب مسرية‬
‫اتريخ الفكر االقتصادي مشكلة بذلك ما يعرف بعلم االقتصاد‪ ،‬الذي يهتم بدراسة الظواهر‬
‫االقتصادية حماوال الوصول إىل حلول افضل للمشاكل اليت تعرتض اإلنسان يف هذا اإلطار سواء كفرد‬
‫أو مؤسسة أو دولة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫سنحاول من خالل هذا املقياس التعرف على اهم املواضيع املشكلة لعلم االقتصاد واليت يهتم‬
‫بدراستها‪ ،‬من خالل التطرق إىل مفهومه وموضوعاته األساسية وفروعه‪ ،‬التعرف على طبيعة املشكلة‬
‫االقتصادية كما يراها مفكرو األنظمة االقتصادية‪ ،‬خمتلف األنشطة االقتصادية املتمثلة يف اإلنتاج‪،‬‬
‫التوزيع‪ ،‬االستهالك‪ ،‬االدخار‪ ،‬واالستثمار‪ ،‬التطرق إىل مفهوم النظام االقتصادي وحتليل مفهوم‬
‫األنظمة االقتصادية السائدة وخصائصها ومبادئها‪ ،‬وطريقة معاجلتها للمشكلة االقتصادية‪.‬‬

‫أمهية دراسة مقياس مدخل لالقتصاد‪:‬‬

‫يعترب مقياس مدخل االقتصاد من املقاييس املهمة واألساسية ابلنسبة لطالب العلوم‬
‫االقتصادية‪ ،‬إذ ميكنه من التعرف ولو بشكل عام على خمتلف املواضيع والظواهر اليت تندرج ضمن‬
‫ختصصه‪ ،‬واليت يهتم علم االقتصاد بدراستها‪ ،‬ابإلضافة إىل انه يعطيه نظرة عن األدوات والطرق‬
‫املستخدمة يف دراسة تلك الظواهر وما يرتبط هبا من عالقات‪ ،‬وذلك من منطلق ان اهلدف األساسي‬
‫هلذا املقياس يتمحور حول تعريف الطالب مباهية ميدان العلوم االقتصادية مبختلف فروعها وختصصاهتا‬
‫يف اتصاهلا التارخيي أبصول علم االقتصاد‪ ،‬وعلى هذا األساس فان دراسة مقياس مدخل لعلم‬
‫االقتصاد متكن الطالب من‪:‬‬

‫‪ -‬التعرف على شعبة العلوم االقتصادية وختصصاهتا املختلفة‪ ،‬وأمهية دراستها واآلفاق‬
‫املستقبلية اليت تفتحها أمام الطالب‪.‬‬

‫‪ -‬متكني الطالب من االندماج يف ميدان العلوم االقتصادية‬

‫‪ -‬التعرف على السلوك االقتصادي اخلاص ابملستهلك واملنتج والدولة‪.‬‬

‫‪ -‬التعرف على خمتلف املواضيع والقضااي اليت تندرج ضمن اهتمامات علم االقتصاد‪ ،‬ومن مث‬
‫فهو يعطي للطالب القدرة على فهم وتفسري ما حييط به وما يواجهه من ظواهر وعالقات اقتصادية‬
‫كالتضخم‪ ،‬البطالة‪ ،‬الفقر‪ ،‬التشغيل والنمو االقتصادي‪.‬‬

‫‪ -‬التعرف على طرق ومبادئ دراسة القضااي يف علم االقتصاد‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬التعرف على اهم األنشطة االقتصادية وخصائصها وأبعادها‪ ،‬كالنشاط اإلنتاجي والتوزيع‬
‫واالستهالك‪ ،‬واالدخار واالستثمار‪.‬‬

‫‪ -‬التعرف على اهم األنظمة االقتصادية السائدة وطريقة معاجلتها للمشكلة االقتصادية‬

‫‪ -‬التعرف على اهم السياسات االقتصادية وكيفية استخدامها‪ ،‬كالسياسة النقدية واملالية‬
‫والتجارية‪.‬‬

‫‪ -‬فهم وتفسري العالقات االجتماعية يف اطار اإلنتاج‬

‫‪ -‬فهم وتفسري أسباب التباين يف توزيع الدخل والثروة بني األفراد واجملتمعات‪.‬‬

‫وميكن لطلبة العلوم االقتصادية توسيع وتعميق مداركهم النظرية حول مواضيع هذا املقياس‪،‬‬
‫من خالل قراءة املراجع يف هذا الشأن واليت يتمحور عنواهنا حول مبادئ علم االقتصاد‪ ،‬مدخل‬
‫لالقتصاد‪ ،‬أساسيات حول علم االقتصاد‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬أو تلك اليت تتناول احد جوانب‬
‫مواضيع هذا املقياس‪ ،‬مثل‪ :‬التنمية والنمو االقتصادي‪ ،‬األزمات االقتصادية‪ ،‬األنظمة االقتصادية‪،‬‬
‫اإلنتاج‪ ،‬االستثمار‪ ،‬االستهالك واالدخار‪ ،‬النقود‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬

‫المدخل المعرفي‬

‫الفصل األول‬

‫‪12‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫الفصل اْلول‪ :‬املدخل املعريف‬
‫ان فهم طبيعة علم ما وكيفية استخدامه وتوظيفه يف عملية تفسري الظواهر والقضااي اليت يدرسها‪،‬‬
‫يدفعنا إىل حبث وحتديد خصائصه وأبعاده وموضوعاته األساسية‪ ،‬وانطالقا من هذه احلقيقة سنحاول‬
‫من خالل هذا الفصل التعرض إىل مفهوم علم االقتصاد وخصائصه وأدواته وعالقته مع العلوم‬
‫األخرى‪ ،‬إضافة إىل حتليل املوضوع األساسي الذي تتمحور حوله كل قضااي هذا العلم واملتمثل يف‬
‫املشكلة االقتصادية مبختلف عناصرها وأبعادها‪ ،‬وهبذا ميكننا فهم طريقة دراسته وتفسريه للظواهر‬
‫والعالقات االقتصادية املختلفة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم علم االقتصاد‬

‫لقد تعددت واختلفت التعاريف اليت أعطيت ملفهوم علم االقتصاد‪ ،‬تبعا الختالف التوجهات العلمية‬
‫واالنتماءات اإليديولوجية واملذهبية للمفكرين االقتصاديني الذين تعرضوا له‪ ،‬إضافة إىل اختالف‬
‫األنظمة االقتصادية والعالقات االجتماعية والسمات والتطورات الثقافية والعلمية والتكنولوجية‬
‫السائدة يف كل مرحلة اترخيية‪ ،‬وهلذا فان املتتبع لتطور مفهوم علم االقتصاد يصطدم حقيقة بذلك‬
‫التنوع والثراء املذهل يف تعريف هذا العلم‪ ،‬وكيف كانت تفسرياته وماهيته ختتلف اختالفات جذرية‬
‫من مرحلة إىل أخرى ومن مدرسة فكرية إىل أخرى‪ ،‬وان كانوا امجعوا كلهم على انه العلم الذي يهتم‬
‫بدراسة الظواهر االقتصادية‪ ،‬وسنستعرض من خالل هذا العنصر اهم التعاريف ونبني كيف كانت‬
‫االختالفات املتباينة يف تعريف علم االقتصاد حبسب املدارس الفكرية واإليديولوجية واملراحل الزمنية‬
‫لتعرب عن تطور مفهوم هذا العلم من جهة وعن اتساع موضوعاته وتعدد جماالته من جهة أخرى‪:‬‬
‫حسب آدم مسيث‪ :‬هو العلم الذي يهتم بكيفية إغناء األمة أي كيف تغتنم األمة‪ ،‬حيث يركز‬ ‫‪‬‬

‫آدم مسيث يف تعريفه لعلم االقتصاد على الطريقة اليت متكن األمة من تعظيم الثروة‪ ،‬من خالل‬
‫البحث عن املوارد واحلفاظ عليها وتوزيعها ابلطريقة املثلى على خمتلف االستخدامات‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫حسب جون ستوارث ميل‪ :‬يرى ان املشكلة تتمثل يف إنتاج وتوزيع الوسائل‪ ،‬يقول أن علم‬ ‫‪‬‬

‫االقتصاد يهتم بتلك القوانني املتعلقة إبنتاج وتوزيع الوسائل املستخدمة يف إشباع حاجات‬
‫ورغبات األفراد الالزمة ملعيشتهم‪ ،‬أي انه يدرس القوانني اليت حتكم عمل اإلنسان يف سبيل إنتاج‬
‫الثروة‪ ،‬وكيفية توزيعها على خمتلف استخداماهتا املتنوعة‪.‬‬
‫ربومبار‪ :‬يقول ان علم االقتصاد هو علم يدرس تسيري املوارد النادرة وأشكال حتويل هذه املوارد‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫وهو علم يبني السبل اليت يتبعها األفراد واجملتمعات ملواجهة احلاجات العديدة‪ ،‬واليت ال حصر هلا‬
‫ابستعماهلم وسائل حمدودة‪.‬‬
‫ميلتون فريدمان‪ :‬عرف علم االقتصاد على انه العلم الذي يبحث يف الطرق اليت متكن اجملتمع من‬ ‫‪‬‬

‫حل مشاكله االقتصادية‪ ،1‬وعليه فان مجيع املسائل والقضااي االقتصادية تعترب من صميم‬
‫اهتمامات علم االقتصاد‪ ،‬الذي يبحث يف ماهية وأسباب املشكلة االقتصادية على خمتلف‬
‫مستوايهتا‪ ،‬وكيفية معاجلتها‪.‬‬
‫بول سامويلسون‪ :‬يهتم علم االقتصاد بدراسة كيفية اختيار األفراد واجملتمع واستخدام املوارد يف‬ ‫‪‬‬

‫إنتاج خمتلف البضائع عرب الزمن‪ ،‬ومن مث توزيعها على االستهالك احلايل واملستقبلي وبني خمتلف‬
‫األفراد واجلماعات يف اجملتمع‪ ،2‬فهذا التعريف يثري إشكاليات مهمة أمام علم االقتصاد واليت‬
‫جيب معاجلتها وتتمثل يف‪:‬‬
‫‪ -‬كيفية توفري واختيار املوارد الضرورية لعمليات اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ -‬الطريقة املثلى املتبعة يف استخدام تلك املوارد من أجل إنتاج وسائل تلبية احلاجات‬
‫والرغبات‪.‬‬
‫‪ -‬طريقة التوزيع األمثل للموارد على خمتلف االستخدامات احلالية واملستقبلية‪ ،‬أي انه يبحث‬
‫يف كيفية توزيع املوارد بني الفرتات الزمنية‪.‬‬
‫‪ -‬التوزيع العادل للثورة بني خمتلف األفراد واجلماعات‪.‬‬

‫‪ -1‬السيد حممد امحد السرييت‪ ،‬أسس علم االقتصاد‪ ،‬دار التعليم اجلامعي للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2014 ،‬ص‪.18‬‬
‫‪ -2‬متوكل بن عباس حممد مهلهل‪ ،‬مبادئ االقتصاد‪ -‬مدخل عام‪ ،‬دار املريخ للنشر‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،2009 ،‬ص‪.20‬‬

‫‪14‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫عرف علم االقتصاد على أنه علم من العلوم االجتماعية‪ ،‬الذي يهتم بدراسة مشكلة إدارة‬ ‫‪‬‬

‫واستعمال املوارد النادرة أو احملدودة نسبيا‪ ،‬بشكل يسمح ابحلصول على اقصى إشباع حلاجات‬
‫اجملتمع الالمتناهية‪ ،‬أي ان املوضوع األساسي لعلم االقتصاد يتمحور حول إشكالية إجياد الطريقة‬
‫املناسبة والفعالة اليت متكن من حتقيق اكرب إشباع ممكن يف حدود املوارد املتاحة‪ ،‬كما أنه يعترب‬
‫علم من العلوم االجتماعية كونه يهتم بدراسة احد جوانب سلوك اإلنسان‪.‬‬
‫عرف االقتصاد على انه حاصل جمموعة النشاطات اليت يقوم هبا اإلنسان‪ ،‬واليت من شاهنا‬ ‫‪‬‬

‫إشباع حاجاته ورغباته ورفع مستوى معيشته‪ ،‬وأمام تزايد احلاجات وندرة املوارد يسعى علم‬
‫االقتصاد للوصول إىل املستوى األمثل يف اإلنتاج السلعي واخلدمي وتوزيعه ابلطريقة املثلى على‬
‫خمتلف االحتياجات والرغبات‪.‬‬
‫هو ذلك الفرع من العلوم االجتماعية الذي حياول دراسة السلوك اإلنساين‪ ،‬من حيث حماولة‬ ‫‪‬‬

‫توزيع املوارد النادرة ذات االستعماالت املختلفة‪ ،‬وكونه من العلوم االجتماعية فانه يركز‬
‫دراساته على الظواهر اإلنسانية املتجسدة يف خمتلف العالقات والسلوكات اليت تتحدد يف‬
‫اطار األنشطة االقتصادية من اإلنتاج إىل التوزيع والتبادل واالستهالك‪.‬‬
‫علم االقتصاد هو أحد العلوم االجتماعية أو اإلنسانية الذي خيتص بدراسة كيفية توظيف‬ ‫‪‬‬

‫املوارد االقتصادية أو عناصر اإلنتاج (العمل‪ ،‬راس املال‪ ،‬املوارد الطبيعية) إلنتاج السلع‬
‫واخلدمات اليت تشبع حاجات أفراد اجملتمع املتعددة‪.3‬‬
‫‪ ‬التعريف عند االشرتاكيني ‪:‬‬

‫يركز االشرتاكيني يف نظرهتم لعلم االقتصاد على اجلوانب االجتماعية هلذا العلم‪ ،‬القائمة على العدالة‬
‫وتنظيم العالقات االجتماعية اليت تنتج عن عمليات إنتاج السلع وإشباع احلاجات‪ ،‬وهذا بناء على‬
‫تفسريهم للنشاط االقتصادي على انه حمصلة تفاعل األفراد فيما بينهم وبني الطبيعة واليت تنتج نوعني‬

‫‪ -3‬بسام حجار‪ ،‬علم االقتصاد والتحليل االقتصادي‪ ،‬دار املنهل اللبناين‪ ،‬بيوت‪ ،2010 ،‬ص‪05‬‬

‫‪15‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫من العالقات‪ ،‬عالقة اإلنسان ابإلنسان يف اإلطار اإلنتاجي وعالقة اإلنسان ابلطبيعة‪ ،‬ومن ابرز‬
‫التعاريف يف هذا اإلطار جند‪:‬‬
‫تعريف كارل ماركس‪ :‬ينظر إليه على انه العلم الذي يهتم بدراسة النشاط االقتصادي ضمن‬ ‫‪‬‬

‫تدخل األفراد يف عالقات اجتماعية‪ ،‬واليت تربطهم مبيدان اإلنتاج والتوزيع واالستهالك‪ .‬أي انه‬
‫يركز على العالقات اليت تنتج عن ممارسة األنشطة االقتصادية األساسية واملتمثلة يف اإلنتاج‬
‫والتوزيع واالستهالك‪.‬‬
‫لنني‪ :‬يعرفه على انه علم ال يهتم ابإلنتاج بل بعالقات األفراد االجتماعية والناجتة عن اإلنتاج‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫أي داخل الكيان االجتماعي لإلنتاج‪ ،‬فهو علم التطور التارخيي لكيان اإلنتاج االجتماعي‪،‬‬
‫مبعىن انه يدرس القوانني اليت حتكم اإلنتاج وتوزيع اخلريات املادية على أفراد اجملتمع وذلك يف‬
‫خمتلف مراحل تطور اإلنتاج‪.‬‬
‫من خالل ما سبق ميكن تعريف علم االقتصاد على انه ذلك العلم الذي يدرس النشاط االقتصادي‬
‫لإلنسان وخمتلف العالقات والظواهر اليت تنتج عنه‪ ،‬سواء بني اإلنسان واإلنسان أو بني اإلنسان‬
‫والطبيعة‪ ،‬وكذا العالقات الناشئة بني خمتلف متغريات وعناصر النشاط االقتصادي‪ ،‬فهو ذلك الفرع‬
‫من العلوم االجتماعية الذي يهتم بدراسة الظواهر والسلوكات االقتصادية املختلفة‬

‫االقتصاد كعلم‪:‬‬

‫حىت ميكن لنا القول عن أي جمال معريف مهما كان انه علم‪ ،‬جيب ان تتوفر فيه جمموعة من اخلصائص‬
‫والشروط واليت متيزه عن ابقي جماالت املعرفة اإلنسانية‪ ،‬ومن بني هذه الشروط واخلصائص ما يلي‪:‬‬

‫ان تكون له قواعد ونظرايت عامة واثبتة وقابلة للتطبيق‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ان يكون له موضوع خاص به‬ ‫‪‬‬

‫ان يستخدم احد طرق البحث العلمي‬ ‫‪‬‬

‫ان يستعمل بعضا من العلوم وتستعمله تلك العلوم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪16‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫ولكون ان خمتلف الدراسات يف جمال االقتصاد ختتص بدراسة السلوك االقتصادي لإلنسان سواء كان‬
‫كفرد أو كجماعة أو كمجتمع‪ ،‬كما أهنا تعتمد على املنهج العلمي‪ ،‬إضافة إىل ان تلك الدراسات‬
‫تعتمد على خمرجات العلوم األخرى كالرايضيات‪ ،‬علم النفس‪ ،‬علم االجتماعي‪ ،‬واإلحصاء‪ ،‬وسنعمل‬
‫من خالل هذا الفصل على حبث هذه النقاط من اجل توضيح خصائص وأبعاد علم االقتصاد‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬أهداف علم االقتصاد‪:‬‬

‫تسعى العلوم بشكل عام إىل حتقيق ثالث أهداف أساسية‪ ،‬مرتبطة بتلبية حاجات اإلنسان للمعرفة‬
‫وتطلعه لفهم وتفسري قضااي املستقبل وما ميكن ان يواجهه‪ ،‬وكيفية مواجهة ذلك املستقبل مبا حيمله‬
‫من خماطر وهتديدات‪ ،‬وهلذا أتت العلوم من اجل حل أو اإلجابة عن هذه التساؤالت واملخاوف اليت‬
‫تواجه اإلنسان بشكل يومي‪.‬‬

‫فتعمل العلوم على حتليل وفهم القضااي واملشكالت اليت تواجه اإلنسان يف حياته أو تلك اليت تدور‬
‫يف خميلته‪ ،‬وهذا يقوده إىل معرفة سلوك تلك الظواهر والقضااي املستقبلية‪ ،‬ومن مث امتالك القدرة على‬
‫معاجلتها أو جتنبها‪ ،‬وبناء على ذلك فان علم االقتصاد شأنه شأن ابقي العلوم يهدف إىل حتقيق‬
‫ثالث غاايت أساسية وهي‪:‬‬

‫فهم وتفسري الظواهر والقضااي االقتصادية وحتليلها وفق منهج علمي صحيح ودقيق‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫التنبؤ بسلوك الظواهر واملتغريات االقتصادية املستقبلي‪ ،‬سواء على املستوى الكلي أو اجلزئي‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫فهدف علم االقتصاد كغريه من العلوم هو حماولة معرفة الواقع والظروف االقتصادية يف‬
‫املستقبل‪ ،‬بناء على طرق ومناذج معينة متكنه من التنبؤ مبا ستكون عليه حالة تلك املتغريات‬
‫مستقبال‪ ،‬وذلك من خالل معرفة اجتاه ومعدل تطور ومنو تلك الظواهر وحتليل الظروف‬
‫احمليطة هبا والعوامل املؤثرة فيها‪ ،‬ومن بني األساليب املستخدمة يف ذلك جند مثال حتليل‬
‫السالسل الزمنية‪ ،‬حتليل االحندار‪ ،‬معامالت االرتباط وغريها‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫ضبط والتحكم يف الظواهر االقتصادية املختلفة‪ ،‬أي تغيري معدل واجتاه منو الظواهر أو القضاء‬ ‫‪‬‬

‫عليها ومنعها من الظهور اذا كانت يف غري صاحل اإلنسان كاألزمات االقتصادية‪ ،‬أو‬
‫تشجيعها وتنميتها اذا كانت ظاهرة إجيابية كالنمو االقتصادي‪ ،‬ويتم الضبط والتحكم يف‬
‫الظواهر االقتصادية من خالل التحكم يف العوامل املؤثرة يف الظاهرة‪ ،‬فمثال اذا اردان ختفيض‬
‫معدل التضخم جيب التأثري يف احد العوامل املؤثرة فيه كاألجور أو الطلب وغريها‪.‬‬
‫فاألمم على اختالف أنواعها تواجه مشاكل وحتدايت متعددة ذات صبغة اقتصادية‪ ،‬اذا فانه من‬
‫األمهية مبكان التعرف على طبيعة هذه املشاكل وتقييمها والعمل على معاجلتها‪ ،‬ومن أبرز تلك‬
‫املشاكل نذكر البطالة والتضخم والركود االقتصادي والفقر والتخلف وغريها من املشاكل واألزمات‬
‫االقتصادية اليت عانت ومازالت تعاين منها البشرية‪ ،‬ولقد اهتم املفكرون والباحثني يف جمال االقتصاد‬
‫هبذه القضااي‪ ،‬وحاولوا معاجلتها وإجياد هلا احللول املناسبة كما سعوا إىل فهم وتفسري السلوك‬
‫االقتصادي لإلنسان‪ .‬ومن هذا املنطلق ميكن اعتبار جوهر اهتمام علم االقتصاد هو حماولة إجياد‬
‫حلول مناسبة هلذه املشاكل‪ ،‬والسعي لتجنب الوقوع فيها‪ ،‬وعليه تظهر جماالت وجوانب دراسته‬
‫للظواهر على النحو االيت‪:‬‬
‫فهم وتفسري السلوك االقتصادي والتنبؤ به‪ ،‬أي ذلك السلوك اخلاص بسعيه لتلبية حاجاته‬ ‫‪‬‬

‫ورغباته انطالقا من املوارد النادرة نسبيا‪.‬‬


‫التعرف على املشكلة االقتصادية ومعاجلتها (التخفيف من حدهتا)‪ ،‬أي البحث عن األساليب‬ ‫‪‬‬

‫والطرق املثلى ملعاجلة تلك املشكلة‪.‬‬


‫فهم وتفسري العالقات االقتصادية بني اإلنسان واإلنسان وبني اإلنسان والطبيعة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫البحث يف سبل التنمية االقتصادية وعوامل حتقيقها وطرق حتسني مستوايت املعيشة‬ ‫‪‬‬

‫للمجتمع‪.‬‬
‫التعرف على العالقات السببية القائمة بني خمتلف الظواهر وتفسريها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫فهم وتفسري املشكالت واألزمات االقتصادية وحلها ومعاجلتها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪18‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫وعموما يسعى علم االقتصاد إىل دراسة السلوك االقتصادي مبا يتضمنه من ظواهر جزئية وكلية‬
‫ومشكالت كما هي يف الواقع وكما ينبغي ان تكون عليه‪ ،‬والذي يرتبط بدراسة الكفاءة االقتصادية‬
‫يف استغالل وتوزيع املوارد االقتصادية النادرة بشكل عقالين‪ ،‬دراسة النمو االقتصادي أي الزايدة يف‬
‫كمية اإلنتاج املبين على تطوير القدرات اإلنتاجية‪ ،‬االستقرار االقتصادي أي ثبات األسعار واحلد من‬
‫ارتفاعها بشكل غري طبيعي‪ ،‬كما يدرس العدالة يف توزيع الدخل سواء كان قبل اإلنتاج أو بعده‪ ،‬مبا‬
‫يضمن حتقيق العدالة وجيعله حمفزا على النشاط وبذل جهد اكثر‪.‬‬

‫اثلثا‪ :‬منهج علم االقتصاد‬

‫على اعتبار ان املعارف يف جمال االقتصادي متثل علم قائم بذاته‪ ،‬فيتطلب ذلك استخدام مناهج‬
‫البحث العلمي‪ ،‬اليت متكن الباحثني من دارسة وتفسري الظواهر والقضااي املختلفة دراسة علمية دقيقة‪،‬‬
‫منتجا معارف وأحكام اثبتة وموضوعية‪.‬‬
‫حيث يعتمد علم االقتصاد بشكل أساسي على طريقني أو منهجني يف التحليل ودراسة القضااي‬
‫والظواهر االقتصادية املختلفة‪ ،‬ومها املنهج االستنباطي واملنهج االستقرائي‪.‬‬
‫املنهج االستنباطي‪ :‬ويهتم بتلك العمليات اليت تتجه إىل تفسري واقع معني انطالقا من أفكار‬ ‫‪‬‬

‫وقواعد عامة‪ ،‬أي هو ذلك النوع من التفكري الذي يتخذ حركة انزلة‪ ،‬ينطلق من العام ويتجه إىل‬
‫اخلاص وهذا ابالعتماد على فرضيات ومقدمات يسلم بصحتها ليستخرج منها قوانني وأحكام‬
‫ختص حاالت معينة‪ ،‬إذ تشكل هذه الفرضيات منطلقات عامة ال تناقش يف مدى اتصاهلا‬
‫ابلواقع‪ ،‬أما األحكام الصادرة فهي مستخرجات اثنوية ختضع للمنطق البشري‪ ،‬كأن يتم دراسة‬
‫أزمة اقتصادية ما خالل فرتة زمنية ابالستناد إىل قانون العرض والطلب‪ ،‬حيث ينطلق هنا‬
‫الباحث من هذا القانون ليحاول تفسري واقع الظاهرة املدروسة‪.‬‬
‫املنهج االستقرائي‪ :‬ويهتم بتلك العمليات اليت تتجه حنو تعميم أحكام وتصورات‪ ،‬بناء على‬ ‫‪‬‬

‫دراسة جزئية حمددة من حيث الزمان واملكان‪ ،‬أي البحث عن القواعد والقوانني العامة اليت تندرج‬

‫‪19‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫ضمنها الظواهر املدروسة‪ .‬فهو بذلك ينطلق من احلقائق الواقعية واليت يتم احلصول عليها‬
‫ابالعتماد على مشاهدة أكرب قدر ممكن من الوقائع‪.‬‬
‫تكمن أمهية التحليل االقتصادي يف إجياد األدوات والوسائل البحثية العلمية اليت متكن من فهم العالقة‬
‫بني الظواهر االقتصادية‪ ،‬وهناك نوعان من التحليل االقتصادي حتليل على املستوى اجلزئي أي حتليل‬
‫الوحدات االقتصادية بشكل انفرادي‪ ،‬وحتليل اقتصادي كلي أو جتميعي‪ ،‬أي حتليل الظواهر‬
‫والسلوكات االقتصادية بشكل عام وكلي‪ ،‬كما ميكن التمييز بني األدوات اليت يعتمد عليها علم‬
‫‪4‬‬
‫االقتصاد يف التحليل حبسب عدة معايري وهي‪:‬‬
‫‪ -‬حسب معيار الشمول‪ :‬منيز بني أدوات التحليل اجلزئي وأدوات التحليل الكلي‬
‫‪ -‬حسب معيار الزمن‪ :‬ومنيز بني أدوات التحليل الساكن‪ ،‬وأدوات التحليل املقارن‪ ،‬وأدوات التحليل‬
‫الديناميكي أي حسب الفرتات الزمنية‪.‬‬
‫‪ -‬معيار الصياغة‪ :‬ومنيز بني أدوات التحليل الوصفي وأدوات التحليل الرايضي وأدوات التحليل‬
‫القياسي‪.‬‬
‫والدراسات والبحوث يف جمال العلوم االقتصادية تتبع ثالث طرق وهي‪:‬‬
‫االقتصاد الوصفي‪ :‬ويهتم بدراسة وحتليل أبعاد وخصائص الظاهرة وظروف نشأهتا وتواجدها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫االقتصاد النظري‪ :‬والذي يهتم بتحليل وتفسري الظواهر والعالقات االقتصادية‪ ،‬فهما نظراي‬ ‫‪‬‬

‫جمردا عن الواقع وبغض النظر عن املنافع واملزااي ترتبط بتلك النظرايت واألحكام املتوصل‬
‫إليها‪.‬‬
‫االقتصاد التطبيقي‪ :‬ويهتم بتطبيق النظرايت والقوانني العامة اليت تفسر ظاهرة أو حتل إشكالية‬ ‫‪‬‬

‫اقتصادية معينة على ضوء املعلومات املأخوذة من الواقع‪.‬‬

‫‪ -4‬بسام حجار‪ ،‬علم االقتصاد والتحليل االقتصادي‪ ،‬دار املنهل اللبناين‪ ،‬بيوت‪ ،2010 ،‬ص‪05‬‬

‫‪20‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫رابعا‪ :‬موضوع علم االقتصاد‬

‫يهتم علم االقتصاد بدراسة السلوك االقتصادي لألفراد واجملتمعات واملؤسسات‪ ،‬أي دراسة سلوك‬
‫اإلنسان يف سعيه لتلبية حاجاته ورغباته انطالقا من املوارد احملدودة والنادرة‪ ،‬واليت حتتاج إىل تدبر‬
‫وجهد من اجل توفريها واستغالهلا يف تلبية احلاجات والرغبات‪ ،‬وألجل ذلك يضطر اإلنسان إىل‬
‫ممارسة جمموعة من األنشطة كاإلنتاج واالستهالك والتبادل واالدخار والتوزيع‪.‬‬
‫فعلم االقتصاد خيتص بدراسة املشكالت اليت تواجه اإلنسان أثناء سعيه لتلبية حاجاته ورغباته املتعددة‬
‫انطالقا من املوارد احملدودة‪ ،‬وما ينتج عن ذلك من ظواهر وعالقات‪ ،‬واليت ميكن تلخصيها يف‬
‫اجلوانب اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬البحث يف نوع وطبيعة السلع واخلدمات اليت جيب إنتاجها‪ :‬حيث يبحث علم االقتصاد يف نوع‬
‫السلع واخلدمات اليت تساهم يف سد حاجات األفراد واجملتمع‪ ،‬بناء على فكرة ختصيص املوارد ومدى‬
‫حتقيق اكرب إشباع ممكن‪ ،‬وهذا األمر يعترب من صلب اهتمامات علماء االقتصاد ومن اإلشكاالت‬
‫اليت أاثرت اختالفات كبرية وخاصة بني انصار الرأمسالية واالشرتاكية‪ ،‬حيث حيدد كل منهم طريقة‬
‫مثلى يف معاجلة هذه اإلشكالية من وجهة نظر معينة‪.‬‬
‫‪ -‬طريقة وكيفية إنتاج السلع واخلدمات‪ :‬حيث تعترب طريقة اإلنتاج يف غاية األمهية ومن بني‬
‫االهتمامات األساسية لعلم االقتصاد‪ ،‬الذي يبحث من خالهلا نوعية وكمية املوارد الواجب‬
‫استخدامها وطريقة معاجلتها للحصول على افضل املخرجات‪.‬‬
‫‪ -‬كيفية توزيع اإلنتاج على األفراد‪ :‬وتعترب من املسائل املهمة يف جمال االقتصاد‪ ،‬لكوهنا ترتبط بقضية‬
‫العدالة يف توزيع الدخل والتنمية‪ ،‬سواء ابلنسبة للمناطق أو القطاعات أو أفراد اجملتمع‪ ،‬وعلى هذا‬
‫األساس فقد شغلت هذه املسألة ابل املفكرين االقتصاديني كثريا وأاثرت بينهم الكثري من اخلالفات‪.‬‬
‫‪ -‬توزيع وختصيص املوارد على احلاجات والرغبات‪ :‬وهي األخرى تعترب من اهتمامات علم االقتصاد‪،‬‬
‫حيث يبحث من خالهلا معايري التوزيع األمثل للموارد مبا حيقق اكرب إشباع ممكن وحيافظ على املوارد‬

‫‪21‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫االقتصادية‪ ،‬حيث تطرح مسألة التوزيع بني احلاجات والرغبات الضرورية وغري وضرورية‪ ،‬بني‬
‫القطاعات املختلفة‪ ،‬وبني األجيال احلالية واملستقبلية‪.‬‬
‫‪ -‬الكفاءة يف استخدام املوارد‪ :‬حيث يبحث علم االقتصاد يف مسألة كفاءة استخدام املوارد‪ ،‬واليت‬
‫متكن اإلنسان من حتقيق االستخدام األمثل للموارد االقتصادية‪ ،‬أي البحث عن الطريقة الصحيحة‬
‫الستعمال املوارد املختلفة واليت تضمن حتقيق افضل املخرجات‪.‬‬
‫‪ -‬طرق تنمية وتطوير القدرات اإلنتاجية للمجتمع واملؤسسات‪ :‬ان علم االقتصاد مبختلف فروعه‬
‫يبحث عن مسألة تنمية وتوسيع الطاقة اإلنتاجية للمجتمع‪ ،‬سواء من خالل بناء وحدات إنتاجية‬
‫جديدة وفق عمليات االستثمار‪ ،‬أو من خالل توظيف التقنية العالية يف عملية اإلنتاج أي التطور‬
‫التكنولوجي‪ ،‬أو من خالل تنمية قدرات ومهارات األفراد‪.‬‬
‫يتمثل موضوع علم االقتصاد يف دراسة كل ما يتعلق ابلنشاط االقتصادي لإلنسان‪ ،‬والذي يتكون من‬
‫اإلنتاج والتوزيع واالستهالك‪ ،‬أثناء ممارسة الفرد للنشاط االقتصادي تظهر نوعني من العالقات‪:‬‬
‫عالقة اإلنسان ابلطبيعة‪ ،‬وعالقة اإلنسان ابإلنسان‪ ،‬وبناء على ذلك فان هذا العلم خيتص بدراسة‬
‫سلوك اإلنسان كعالقة بني األهداف والوسائل النادرة ذات االستعماالت املختلفة‪.‬‬
‫كما ان علم االقتصاد يتناول القضااي والظواهر االقتصادية اجلزئية والكلية‪ ،‬إذ ان موضوعه يتمحور‬
‫حول كل ما يتعلق ابلنشاط االقتصادي لإلنسان كاإلنتاج والتوزيع واالستهالك والتبادل التجاري بني‬
‫األفراد وبني الدول‪ ،‬وعلى هذا األساس ميكن النظر إىل علم االقتصاد من عدة زوااي طبقا‬
‫للموضوعات اليت يعاجلها‪ :‬كعلم الثروة الذي يتناول طريقة تكوين وتوزيع الثروة واستخدامها‪ ،‬علم‬
‫الرفاهية‪ ،‬علم االختيارات‪ ،‬وعلم العالقات االجتماعية يف اإلطار اإلنتاجي واليت نبينها من خالل ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ ‬علم الثروة‪:‬‬

‫وفقا هلذا التوجه فان علم االقتصاد ميثل ذلك العلم الذي خيتص بدراسة طريقة تكوين وتوزيع‬
‫واستهالك الثروات‪ ،‬اليت متثل غاية النشاط االقتصادي لإلنسان اهلادف إىل تقدمي منافع‪ ،‬ولقد‬

‫‪22‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫اختلف االقتصاديني يف تعريفهم ملفهوم الثروة‪ ،‬فمنهم من كان حيصر مفهومها يف إنتاج الوسائل املادية‬
‫فقط‪ ،‬ومنهم من كان يوسع مفهومها ليشمل كل األشياء اليت متكن اإلنسان من إشباع حاجاته‬
‫ورغباته سواء كانت مادية أو غري مادية‪ ،‬كما عرفت أيضا على أهنا‪ :‬أي شيء له قيمة وقابل للمبادلة‬
‫بنقود أو بسلع‪ .5‬وقد ساد هذا املفهوم لعلم االقتصاد خالل النصف الثاين من القرن الثامن عشر‪،‬‬
‫ويف هذا اإلطار كان اهتمام علماء االقتصاد منصب حول البحث عن الوسائل اليت متكن من جتميع‬
‫الثروة وتنميتها واحملافظة عليها‪ ،‬ابعتبارها وسيلة إلشباع احلاجات والرغبات‪ ،‬حيث تتميز هذه األخرية‬
‫خبصائص ميكن تلخيصها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬القابلية للتداول‪ :‬أي قابلة لالنتقال بني األفراد واجلماعات واجملتمعات البشرية‪ ،‬وهذا ما ميكن‬
‫حتقيقه من خالل النشاط االقتصادي املتمثل يف التبادل التجاري‪ ،‬الذي يظهر على عدة مستوايت‪،‬‬
‫فنالحظ عمليات املبادلة اليت تتم بني األفراد وبني املؤسسات وبني اجملتمعات‪.‬‬

‫‪ -‬احملدودية أو الندرة النسبية مقارنة ابلطلب عليها‪ :‬فمن خصائص الثروة أهنا اندرة ابلنسبة للطلب‬
‫عليها‪ ،‬وبذلك ال ميكن اعتبار أي شيء على انه ثروة إال إذا كان حمدود الكمية أو اندر ابلنسبة‬
‫للطلب عليه‪ ،‬فمثال اهلواء ال يعترب ثروة ألنه متوفر ويستطيع اإلنسان أن حيصل عليه يف أي وقت‬
‫ومكان وبسهولة اتمة‪ ،‬أما ابلنسبة للغذاء واللباس واملعادن على اختالف أنواعها‪ ،‬فهي متواجدة يف‬
‫الطبيعة بكميات حمدودة ويف أماكن وأزمنة حمددة وأبشكال تتطلب من اإلنسان بذل جهد من اجل‬
‫االنتفاع هبا‪.‬‬

‫‪ -‬تتضن قيمة أو منفعة لإلنسان‪ :‬واليت تعترب الدافع األساسي لإلنسان للحصول عليها‪ ،‬ويقصد هبذه‬
‫اخلاصية أن الثروة وسيلة إلشباع حاجات ورغبات األفراد واجملتمعات‪ ،‬حيث ميثل مقدار هذا اإلشباع‬
‫مستوى قيمتها ومنفعتها‪ ،‬وابلتايل تعترب الثروة أي شيء يساهم يف تلبية حاجات ورغبات اإلنسان‬

‫‪ -5‬جميد خليل حسني‪ ،‬مبادئ علم االقتصاد‪ ،‬دار زهران للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،2012 ،6‬ص‪04‬‬

‫‪23‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫سواء كانت سلع مادية أو اخلدمات‪ ،‬ومن مث فإن كل األنشطة االقتصادية هتدف إىل حتقيق منفعة‬
‫لإلنسان سواء كانت حالية أو مستقبلية‪.6‬‬

‫‪ ‬علم املبادلة‪:‬‬

‫على أساس هذا املفهوم فان علم االقتصاد يهتم بدراسة عمليات التبادل اليت تتم بني البشر‪ ،‬أي‬
‫دراسة العالقات والعمليات اليت تنشأ بني البشر سواء يف شكل أفراد أو مجاعات أو دول‪ ،‬اليت متكن‬
‫اجملموعات البشرية من احلصول على ما حتتاجه من سلع وخدمات مقابل التنازل على ما لديها من‬
‫فائض عن حاجاهتا‪ ،‬ويقوم هذا املفهوم على خلفية مبدا التخصص وتقسيم العمل‪ ،‬الذي يفرض على‬
‫كل جمتمع التخصص يف إنتاج وبيع منتج معني ميلك احد مقوماته أو يستطيع إنتاجه بكفاءة اكرب‬
‫من غريه‪ ،‬كما أن اإلنسان مهما كان فال ميكنه إنتاج كل ما حيتاجه بل عليه االستعانة مبا لدى الغري‬
‫من خالل نشاط التبادل الذي عرف تطورات عرب اتريخ البشرية‪ .‬ويؤخذ على هذا االجتاه يف تعريف‬
‫علم االقتصاد قصوره يف ضم بعض املظاهر والقضااي االقتصادية كاالقتصاد العائلي واالقتصاد‬
‫اإلقطاعي‪ ،‬ابإلضافة إىل ان مبدا التخصص يف حد ذاته يشوبه الكثري من الغموض والتناقض‪.‬‬

‫‪ ‬علم الندرة‪:‬‬

‫ويتأسس هذا املفهوم لعلم االقتصاد على خلفية االعتقاد بوجود تباين بني املوارد االقتصادية اليت تتميز‬
‫ابلندرة النسبية مقابل احلاجات والرغبات اإلنسانية املتزايدة والالمتناهية‪ ،‬وعلى هذا األساس يتمحور‬
‫موضوع علم االقتصاد الذي حياول دوما معاجلة هذه اإلشكالية من زواايها املختلفة‪ ،‬أي ان هذا العلم‬
‫يهتم بدراسة العالقة بني األهداف والوسائل النادرة‪ ،‬وحياول حبث الطرق واألساليب الفعالة يف إدارة‬
‫هذه العالقات مهما كان مستواها‪ ،‬سواء كانت على مستوى املستهلك أو املنتج أو اجملتمع‪.‬‬

‫‪ -6‬رواء زكي الطويل‪ ،‬حماضرات يف االقتصاد السياسي‪ ،‬دار زهران للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،2013 ،‬ص‪. 24‬‬

‫‪24‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ ‬علم الرفاهية‪:‬‬

‫وفقا هلذا التوجه فان االقتصاديون يركزون يف حتديدهم ملفهوم علم االقتصاد على الطرق اليت متكن‬
‫اإلنسان من حتسني ظروف معيشته‪ ،‬أي دراسة طرق وأساليب تنمية الثروة وكيفية استخدامها يف‬
‫حتقيق اكرب إشباع ممكن حلاجات ورغبات اإلنسان‪ ،‬من خالل إاتحة خيارات وفرص متعددة أمام‬
‫اإلنسان يف حتقيق ذلك الغرض‪ ،‬حيث يركز على دراسة اجلوانب االقتصادية واالجتماعية وكيفية‬
‫حتسني املؤشرات املرتبطة هبا‪ .‬وتعترب الرفاهية مقدار املتعة والسعادة اليت يشعر هبا الفرد خالل فرتة‬
‫زمنية معينة‪ ،‬ومن الناحية االجتماعية تعتمد على مستوايت القناعة والرضى جلميع الناس‪ ،‬فهي متثل‬
‫دالة يف املنافع احملققة لدى مجيع األشخاص داخل اجملتمع‪ ،7‬أما على املستوى الفردي فهي متثل شعور‬
‫إجيايب ينتج عن اإلشباع للحاجات والرغبات من جراء استهالك جمموعة من السلع واخلدمات‪،8‬‬
‫وعليه فان رفاهية اإلنسان تتحدد مبستوى اإلشباع احملقق للحاجات والرغبات من جهة‪ ،‬وعدد‬
‫احلاجات والرغبات املشبعة من جهة أخرى‪ ،‬إال ان مفهوم الرفاهية أيخذ بعدين‪ :‬بعد اقتصادي وآخر‬
‫اجتماعي‪ ،‬حيث يرتبط األول مبفهوم الكفاءة يف استخدام املوارد وتوزيعها‪ ،‬أما الثاين فيتعلق ابملساواة‪،‬‬
‫أي ان حتسني حالة فرد معني وزايدة إشباع حاجاته ال يتم إال من خالل اإلضرار ابآلخرين أي‬
‫بتخفيض اإلشباع لدى اآلخرين‪.9‬‬

‫‪ ‬علم االختيارات الفعالة‪:‬‬

‫ابلنظر إىل حمدودية وندرة املوارد االقتصادية أمام احلاجات والرغبات اإلنسانية املتعددة واملتنامية من‬
‫جهة‪ ،‬وابلنظر إىل االستخدامات املتعددة للموارد من جهة أخرى‪ ،‬تطرح أمام اإلنسان إشكالية حول‬
‫طريقة توزيع وختصيص تلك املوارد النادرة ذات االستخدامات املتعددة‪ ،‬على احلاجات والرغبات‬

‫‪ -7‬ضياء جميد املوسوي‪ ،‬النظرية االقتصادية ‪ :‬التحليل االقتصادي اجلزئي‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1990 ،‬ص‪.382‬‬
‫‪ -8‬أمحد حممود مندور‪ ،‬مقدمة يف االقتصاد‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪ ،2004 ،‬ص‪84‬‬
‫‪ -9‬ضياء جميد املوسوي‪ ،‬النظرية االقتصادية ‪ :‬التحليل االقتصادي اجلزئي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.371‬‬

‫‪25‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫املختلفة‪ ،‬حيث خيتص علم االقتصاد بدراسة هذا اجلانب أي طريقة التوزيع املثلى للموارد اليت تقتضي‬
‫إشباع حاجات معنية والتضحية أبخرى‪.‬‬

‫‪ ‬علم العالقات االجتماعية يف اطار اإلنتاج‪:‬‬

‫يدرس علم االقتصاد وفق هذا االجتاه نوعني من العالقات‪ ،‬عالقة اإلنسان ابإلنسان يف اطار عمليات‬
‫اإلنتاج‪ ،‬وعالقة اإلنسان ابلطبيعة أي بوسائل اإلنتاج وكيفية توظيفها‪ ،‬وهنا يبىن مفهوم علم االقتصاد‬
‫على دراسة وحتليل تلك العالقات من خالل حبث طرق وأساليب تفعيلها والوصول إىل اعلى كفاءة‬
‫يف استخدام املوارد واحلصول على افضل املنتجات‪ ،‬أي انه يبحث يف القوانني واألسس اليت حتكم‬
‫السلوك والعالقات االقتصادية واالجتماعية يف إطار عمليات إنتاج السلع واخلدمات‪.‬‬

‫مخسا‪ :‬فروع علم االقتصاد‪:‬‬

‫خيتص علم االقتصاد بدراسة السلوك االقتصادي ملختلف الوحدات االقتصادية سواء كفرد أو‬
‫كجماعة‪ ،‬والذي يتكون من جمموعة من النظرايت‪ ،‬وبقدر تعدد تلك النظرايت تتعدد فروع علم‬
‫االقتصاد‪ ،‬ومن بني تلك النظرايت ما ختتص بتفسري التجارة اخلارجية‪ ،‬وأخرى اقتصادايت العمل‪،10‬‬
‫وأخرى ختتص ابملؤسسة االقتصادية‪ ،‬وبعضها ختتص بعالقة النشاط االقتصادي ابلبيئة‪ .‬وعلى هذا‬
‫األساس ميكن تقسيم دراسات ومعارف هذا العلم إىل فرعني أساسيني كما يلي‪:‬‬

‫النظرية االقتصادية اجلزئية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وختتص بدراسة السلوك االقتصادي للوحدات االقتصادية منفردة‪ ،‬ومن بني املوضوعات اليت يدرسها‬
‫هذا الفرع ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬سلوك املستهلك‪ :‬والذي يبحث من خالله الطريقة اليت يعتمدها املستهلك يف معاجلة املشكلة‬
‫االقتصادية‪ ،‬أي حبث طريقة توزيع وختصيص الدخل احملدود على خمتلف احلاجات والرغبات املتعددة‬

‫‪ -10‬البشري عبد الكرمي‪ ،‬االقتصاد اجلزئي‪ -‬دروس ومتارين‪ ،‬مؤسسة النشر والتوزيع ابلشلف‪ ،‬اجلزائر‪ ،2007 ،‬ص‪.18‬‬

‫‪26‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫واملتنامية بشكل حيقق له اكرب إشباع ممكن‪ ،‬كما تبحث أيضا العوامل املؤثرة يف سلوك املستهلك‬
‫واآلليات اليت ميكن االعتماد عليها يف التأثري عليه‪.‬‬
‫‪ -‬سلوك املنتج‪ :‬والذي يبحث من خالله الطريقة اليت يتبعها املنتج يف معاجلة املشكلة االقتصادية‬
‫اليت يواجهها‪ ،‬أي حبث الطرق املتبعة يف توزيع واستخدام املوارد املختلفة املتاحة كاملوارد البشرية واملالية‬
‫واملادية‪ ،‬اليت تتميز ابلندرة النسبية يف حتقيق أعلى مستوى ممكن من األهداف املسطرة‪ ،‬املتجسدة‬
‫بشكل أساسي يف تعظيم الربح أو اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ -‬توازن السوق‪ :‬والذي يدرس حاالت السوق والعوامل احملددة هلا‪ ،‬وكيفية حتقيق التوازن أي التوازن‬
‫بني العرض والطلب والعوامل املؤثرة يف ذلك‪.‬‬
‫النظرية االقتصادية الكلية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وخيتص هذا الفرع بدراسة املشكلة االقتصادية على مستوى اجملتمع‪ ،‬أي الطريقة اليت يتبعها اجملتمع يف‬
‫استخدام وتوزيع املوارد االقتصادية احملدودة على خمتلف االحتياجات‪ ،‬ومن مث فهو يدرس الظواهر‬
‫االقتصادية الكلية على املستوى الوطين‪ ،‬كاالستثمار‪ ،‬االدخار‪ ،‬الطلب الكلي‪ ،‬النمو والتنمية‬
‫االقتصادية‪ ،‬األزمات االقتصادية‪ ،‬والتجارة الدولية‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬عالقة علم االقتصاد َبلعلوم اْلخرى‬

‫بشكل عام ميكن النظر إىل العلم على انه جمموعة املعارف اإلنسانية املنظمة واملرتبة‪ ،‬واليت ختتص‬
‫بتفسري ظواهر وقضااي معينة‪ ،‬تعني اإلنسان على التفاعل والتعامل بشكل إجيايب مع تلك القضااي‪،‬‬
‫حبيث تكون تلك املعارف متكاملة وختضع للمنهج العلمي‪ ،‬وهلذا جند ان العلوم ترتابط فيما بينها‬
‫وتكمل بعضها البعض‪ ،‬حبيث ان كل علم أيخذ من غريه من العلوم‪ ،‬كما ان بقية العلوم أتخذ منه‪،‬‬
‫وعلى هذا األساس جند ان علم االقتصاد تربطه عالقات ببقية العلوم ميكن توضيحها من خالل ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫عالقة علم االقتصاد َبلنمذجة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫والنموذج هو متثيل مبسط للواقع‪ ،‬ويعتمد علم االقتصاد كثريا على النماذج املختلفة‪ ،‬من اجل تبسيط‬
‫وإعادة متثيل الواقع املعقد ملختلف القضااي والعالقات واملتغريات‪ ،‬وجعلها اكثر بساطة وفهما للعقل‬
‫البشري وسهلة الدراسة والتحليل والتفسري‪.‬‬
‫وعليه ميكن اعتبار النموذج االقتصادي على انه إعادة متثيل للواقع االقتصادي والعالقات اليت تربط‬
‫ظواهره وأحداثه بشكل مبسط‪ ،‬قد يكون يف شكل منحىن بياين‪ ،‬جداول إحصائية‪ ،‬معادالت‬
‫رايضية‪ ،‬ونظرا ألمهية ودور النماذج اإلحصائية ودقتها يف التعبري عن األحكام واملعارف العلمية‬
‫املتوصل إليها‪ ،‬أصبحت معظم الدراسات والبحوث االقتصادية اليوم تعتمد على هذه النماذج يف‬
‫التعبري عن نتائجها‪.‬‬
‫عالقة علم االقتصاد بعلم الرايضيات‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫ابلنظر إىل الدقة واملوضوعية اليت تتمتع هبا األساليب والعالقات الرايضية يف التعبري عن املعارف‬
‫العلمية‪ ،‬فقد أصبحت موضع اهتمام كافة العلوم‪ ،‬بل أصبحت درجة تقدم وتطور أي علم تقاس‬
‫مبدى استخدامه للرايضيات‪ ،‬وهلذا جند أن علم االقتصاد شأنه شأن ابقي العلوم أصبح يستخدم‬
‫املعادالت والنماذج الرايضية يف التعبري عن القوانني واملعارف االقتصادية املختلفة‪ ،‬بل حىت استخدام‬
‫أساليب وطرق التحليل يف االستدالل والربهان على صحة القوانني واألحكام املتوصل إليها‪ ،‬األمر‬
‫الذي أدى إىل ظهور فروع يف علم االقتصاد تعىن فقط بكيفية استخدام األدوات الرايضية يف التحليل‬
‫االقتصادي وهو ما يسمى ابالقتصاد التطبيقي أو القياسي‪ ،‬فللرايضيات دور كبري يف زايدة درجة دقة‬
‫وموضوعية املعارف االقتصادية‪ ،‬خاصة وأهنا من العلوم االجتماعية اليت تتصف بضعف الدقة‪ ،‬ولكن‬
‫إدخال األساليب والنماذج الرايضية عليها جعلها اكثر دقة‪ ،‬ورفع من قدرهتا على التنبؤ ابلسلوك‬
‫املستقبلي للظواهر اإلنسانية اليت طاملا اعتربت من اعقد الظواهر دراسة‪ ،‬ومن مث رفع قدرهتا على‬
‫الضبط والتحكم فيها‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫عالقة علم االقتصاد بعلم اإلحصاء‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يرتبط علم االقتصاد ارتباطا وثيقا بعلم اإلحصاء‪ ،‬وذلك ان حتديد ودراسة الظواهر االقتصادية يرتكز‬
‫على بياانت وإحصائيات تتعلق بواقع تلك الظواهر املدروسة‪ ،‬وهذا ما يتطلب أدوات وأساليب‬
‫إحصائية جلمعها وتبويبها وحتليلها‪ ،‬كاستخدام املنوال واملتوسطات احلسابية وغريها‪ ،‬وعلم اإلحصاء‬
‫اصبح شائع االستخدام يف وسط العلوم االجتماعية وحىت الطبيعية كالطب‪ ،‬وذلك كونه خيتص‬
‫بدراسة أساليب مجع البياانت ومعاجلتها وحتويلها إىل معلومات دقيقة قابلة لالستخدام‪ ،‬وهنا تكمن‬
‫أمهيته يف كونه ميد ابقي العلوم ابألساليب والطرق واألدوات اليت تساعد على مجع البياانت وحتليلها‬
‫بطرق رايضية لتصبح اكثر دقة وموضوعية وواقعية‪.‬‬
‫عالقة علم االقتصاد بعلم االجتماع‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يعترب علم االقتصاد فرع من فروع العلوم االجتماعية‪ ،‬الختصاصه بدراسة السلوك االقتصادي لإلنسان‬
‫الساعي إىل تلبية حاجاته ورغباته انطالقا من املوارد االقتصادية املتاحة‪ ،‬وعليه فان دراساته وحدوده‬
‫تتداخل مع علم االجتماع ابلنظر إىل أن كل منهما يدرس الظاهرة اإلنسانية ولكن من زوااي وجوانب‬
‫خمتلفة‪ ،‬حيث ان علم االجتماع خيتص بدراسة الظواهر االجتماعية يف حركتها الكلية يف الواقع وما‬
‫متتاز به من خصائص نوعية وواقعية‪ ،11‬أما علم االقتصاد فيختص بدراسة احد جوانبها‪ ،‬واملتمثلة يف‬
‫اجلانب االقتصادي‪ ،‬ومن مث فان العالقة بني الظواهر االقتصادية اليت خيتص علم االقتصاد بدراستها‬
‫والظواهر االجتماعية اليت خيتص علم االجتماع بدراستها هي عالقة الكل ابجلزء‪ ،‬وهلذا جند تشابه إىل‬
‫حد بعيد بني الظاهرتني‪ ،‬ومن مث فان آليات ومناهج وأساليب دراستهما تتشابه إىل حد ما‪ ،‬كما ان‬
‫القوانني واألحكام والقواعد اليت تفسر الكل ميكن ان تنطبق على اجلزء يف بعض األحيان والعكس‬
‫أيضا‪ ،‬وهلذا جند ان علم االقتصاد يعتمد كثريا على القوانني واملعارف العلمية املعتمدة يف علم‬
‫االجتماع من اجل تفسري بعض الظواهر واالستدالل هبا‪ ،‬كتفسري سلوك املستهلك والسلوك التنظيمي‬
‫وغريها‪ ،‬كما أن علم االجتماع يستند إىل الدراسات والقوانني املتوصل إليها يف علم االقتصاد من‬

‫‪ -11‬معمر داود‪ ،‬مدخل إىل علم االجتماع‪ ،‬دار طليطلة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،2010‬ص‪.49‬‬

‫‪29‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫جهة أخرى‪ ،‬يف تفسري بعض الظواهر االجتماعية اليت غالبا ما تتأثر بدوافع وحمفزات اقتصادية‬
‫كظاهرة اإلجرام مثال‪ ،‬أو االحتجاجات االجتماعية وغريها‪ .‬وعلى هذا جند ان هناك عالقة تكامل‬
‫بني العلمني ابلنظر إىل تداخل الظواهر املدروسة وتشابكها من عدة أوجه‪.‬‬
‫عالقة علم االقتصاد بعلم القانون‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يهدف القانون مبختلف قواعده وتشريعاته إىل تنظيم األنشطة والسلوكات والعالقات اإلنسانية بشكل‬
‫عام‪ ،‬سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية‪ ،‬ومن هذا املنطلق فان الظواهر‬
‫واألنشطة االقتصادية لإلنسان كفرد أو كجماعة أو كمؤسسة أو جمتمع فإهنا تتحدد يف اطار القانون‬
‫السائد يف اجملتمع واملنظم لشؤونه العامة واخلاصة‪ ،‬حيث ختضع تلك الظواهر إىل القواعد والضوابط‬
‫القانونية العامة ابعتبارها سلوك إنساين‪ ،‬كتلك املندرجة يف القانون العام والقانون املدين‪ ،‬كما أهنا‬
‫ختضع ألحكام القانون اخلاص مثل القانون التجاري وقانون الصفقات العمومية وقانون االستثمار‬
‫وغريها‪ ،‬ومن جهة أخرى فان علم القانون ومن اجل وصوله إىل نتائج وأحكام واقعية وموضوعية قابلة‬
‫للتطبيق‪ ،‬جيب أن يستند إىل تفسري موضوعي وواقعي للظواهر والسلوكات االقتصادية‪ ،‬حىت ميكنه‬
‫إجياد اطار تشريعي حمكم هلا‪ ،‬كسن قوانني االستثمار واملبادالت التجارية وغريها‪ ،‬وهلذا يستند القانوين‬
‫على الدراسات االقتصادية والنتائج املتوصل إليها يف ذلك‪ ،‬فبالنظر إىل التداخل بني الظاهرة القانونية‬
‫والظاهرة االقتصادية جند أن كل علم يعتمد على قوانني ونظرايت اآلخر يف تفسري ظواهره‪ ،‬فال ميكن‬
‫لالقتصادي جتاوز االطار التشريعي والقانوين الضابط للظواهر االقتصادية عند حماولته دراستها‪ ،‬وهلذا‬
‫جند الكثري من الدراسات االقتصادية تتناول اجلانب واالطار القانوين عند تفسري ودراسة الظواهر‬
‫االقتصادية‪ ،‬كدراسة االستثمار يف بلد ما والتجارة الدولية‪ ،‬كما ان الدراسات القانونية للظواهر تعتمد‬
‫على األحكام والنتائج االقتصادية من اجل دراسة أي ظاهرة ذات معامل اقتصادية‪ ،‬فمن خالل ما‬
‫سبق يتضح جليا الرتابط الوثيق بني علم القانون وعلم االقتصاد‪ ،‬فالقانون ينظم العالقات االقتصادية‬
‫بني األفراد واجلماعات والدول‪ ،‬كما أن املشرع يراعي اجلوانب االقتصادية من أهداف وآاثر اليت تنتج‬
‫من جراء تطبيق هذا القانون‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫عالقة علم االقتصاد بعلم السياسة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يف حقيقة األمر من الصعب فصل االقتصاد عن السياسة‪ ،‬أوال لكون كالمها من العلوم االجتماعية‬
‫واإلنسانية اليت تدرس سلوك اإلنسان‪ ،‬والثاين يعود للتداخل بني الظواهر واألدوات واألهداف‪ ،‬فكثري‬
‫ما تستخدم األدوات االقتصادية لتحقيق أهداف سياسية‪ ،‬كما انه تستخدم األدوات السياسية‬
‫لتحقيق أهداف اقتصادية‪ ،‬وهلذا يعترب علم السياسة من أكثر العلوم ارتباطا بعلم االقتصاد‪ ،‬إىل احلد‬
‫الذي انشأ فرع اقتصادي حتت مسمى االقتصاد السياسي‪ ،‬والواقع يشهد على التداخل بني اجملالني‪،‬‬
‫كأنشطة وممارسات وكعلم‪ ،‬فعلى املستوى الدويل مثال جند الصراع القائم بني الدول هي صراعات يف‬
‫معظمها اقتصادية وتستخدم األدوات السياسية‪ ،‬كما هو احلال يف مسألة تنظيم احلياة الدولية وإقامة‬
‫التكتالت االقتصادية ومناطق التجارة احلرة ومسألة االستثمار األجنيب وغريها‪ ،‬وعلى املستوى الوطين‬
‫جند كثريا ما تستخدم األدوات االقتصادية يف احلمالت االنتخابية كوعود التشغيل وحتسني مستوايت‬
‫املعيشة وغريها‪ ،‬وعلى هذا األساس نالحظ تداخل كبري بني السياسة واالقتصاد إىل احلد يصعب معه‬
‫يف بعض األحيان الفصل والتمييز بينهما‪ ،‬وعليه فان الدراسات االقتصادية يستحيل ان تتم مبعزل عن‬
‫املعطيات واألحداث السياسية‪ ،‬كما ان الدراسات السياسية يستحيل ان تتم بدون مراعات‬
‫االعتبارات االقتصادية يف أي مشروع سياسي كان‪ ،‬وذلك نتيجة للرتابط والتداخل الكبري بني الظاهرة‬
‫السياسية والظاهرة االقتصادية‪ ،‬كما هو احلال ابلنسبة لالستقرار السياسي واملستوى املعيشي لألفراد‪،‬‬
‫واالستثمار‪.‬‬
‫عالقة علم االقتصاد بعلم النفس‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يبحث علم االقتصاد يف سلوكات األفراد اخلاصة بتلبية حاجاهتم ورغباهتم انطالقا من املوارد‬
‫االقتصادية‪ ،‬إال ان هذا السلوك على مستوى األفراد خيضع لعدة اعتبارات وعوامل داخلية جيعله من‬
‫اعقد الظواهر‪ ،‬فمن هذه الناحية يشرتك مع علم النفس يف دراسة هذه الظاهرة حبكم ان علم النفس‬
‫خيتص بدراسة مكوانت الشخصية لألفراد‪ ،‬واثرها على السلوك وما يصدر عنه من أفعال ونشاط‬

‫‪31‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫عقلي‪ ،‬كاإلدراك والتذكر والتخيل والتفكري والتعلم واالبتكار‪ ،12‬وعليه فان سلوك األفراد مبا فيه‬
‫االقتصادي انتج عن عوامل ودوافع تتنوع بني النفسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية‪ ،‬ومن هذا‬
‫املنطق يعمل االقتصادي على دراسة الظواهر وتفسريها يف ضوء املبادئ والقواعد العامة اليت حتكم‬
‫الظواهر النفسية بشكل عام‪ ،‬كما ان عامل النفس يستند على األحكام والقوانني االقتصادية يف تفسري‬
‫معظم الظواهر النفسية املدروسة‪ ،‬ومن هذا تظهر عالقة االعتمادية والتداخل بني الدراسات النفسية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬بشكل جيعل كل من علم النفس وعلم االقتصاد أيخذ كل منهما من اآلخر‪ ،‬وجند هذا‬
‫التقاطع يظهر جليا يف الفروع اليت تكونت كمجال مشرتك بينهما مثل‪ :‬علم النفس الصناعي‪ ،‬علم‬
‫النفس التنظيمي‪ ،‬علم النفس التجاري‪.‬‬
‫عالقة علم االقتصاد بعلم التاريخ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يعتمد علم االقتصاد كثريا يف دراسته وحتليله للواقع االقتصادي على الدراسات التارخيية اليت ختص‬
‫تطور الظواهر االقتصادية عرب التاريخ‪ ،‬وهلذا جاء اتريخ الوقائع االقتصادية من اجل هذا الغرض‪ ،‬على‬
‫أساس ان الفهم احلقيقي والكامل والدقيق للظواهر ال ميكن ان يكتمل إال من خالل دراسة الظاهرة‬
‫يف سياقها التارخيي‪ ،‬كما أن علم التاريخ هو نفسه عندما يدرس البشرية أو أمم معينة يلجأ إىل علم‬
‫االقتصاد مبا حيتويه من نظرايت وقوانني من اجل فهم السلوكات والظواهر اليت ميزت أو طبعت فئات‬
‫بشرية أو شخصيات معينة خالل حقبة اترخيية معينة‪ ،‬وهلذا جند ان علم االقتصاد أيخذ من علم‬
‫التاريخ عند دراسته وحماولة فهم الظواهر االقتصادية اليت تتطلب استقراء لتاريخ الواقع والظواهر يف‬
‫سياقها التارخيي من اجل فهم وتفسري الظواهر احلالية‪ ،‬يف حني ان علم التاريخ يعتمد على علم‬
‫االقتصاد من اجل فهم كامل للطبيعة االقتصادية ألمم أو جمتمعات معينة يف فرتة اترخيية معينة يكون‬
‫بصدد دراستها‪.‬‬

‫‪ -12‬عبد الرمحن الوايف‪ ،‬مدخل إىل علم النفس‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،2006 ،‬ص‪.29‬‬

‫‪32‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫عالقة علم االقتصاد بعلم املنطق‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫ال ميكن ألي علم مهما كان االستغناء عن املنطق‪ ،‬ألن هذا األخري يعترب معيار مهم يف احلكم على‬
‫صحة ومدى معقولية األفكار واألحكام املتوصل إليها يف اطار أي علم من العلوم‪ ،‬وعليه فإن علم‬
‫االقتصاد يعتمد على علم املنطق يف كونه يزوده مبنهج البحث وطريقة التفكري ودراسة الظواهر السليمة‬
‫اليت تؤدي إىل أحكام موضوعية منطقية‪ ،‬ويف نفس الوقت ميده مبعايري للحكم على مدى صحة‬
‫ومعقولية النتائج واألحكام املتوصل إليها من خالل الدراسات‪.‬‬
‫عالقة علم االقتصاد َبلدميغرافيا‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫لكون ان علم االقتصاد خيتص بدراسة املواضيع والقضااي املتعلقة ابإلنسان من جانبها االقتصادي‪،‬‬
‫فهو حباجة إىل معلومات وبياانت خاصة ابلسكان من اجل دراسة وحتليل تلك الظواهر وحتديد‬
‫معدالت منوها وتطورها يف املستقبل‪ ،‬كالنمو االقتصادي‪ ،‬معدل التضخم‪ ،‬البطالة‪ ،‬والتشغيل إىل‬
‫آخره‪ ،‬ولكون ان علم الدميغرافيا خيتص بدراسة وإحصاء السكان من حيث معدل النمو والنشاط‬
‫والتوزيع السكاين وغريها‪ ،‬فانه يعترب مصدر هام للدراسات االقتصادية من هذا اجلانب‪.‬‬

‫عالقة علم االقتصاد َبجلغرافيا‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫هتتم اجلغرافيا بدراسة العامل وكيفية توزيعه على سطح األرض مبا حتتويه هذه األخرية من مواقع‬
‫وتضاريس وغاابت ومسطحات مائية وموارد وغريها‪ ،‬وهذا ما يساعد االقتصادي يف فهم اثر تلك‬
‫العناصر على األنشطة االقتصادية‪ ،‬إضافة إىل معرفة طريقة توزع وانتشار املوارد االقتصادية‪ ،‬كما ميكن‬
‫من دراسة طريقة أتثر الظواهر االقتصادية ابخلصائص والعوامل اجلغرافية للعامل‪ ،‬ونظرا للتداخل املوجود‬
‫بني العلمني فقد نشأ فرع جديد خيتص ابجلغرافيا االقتصادية اليت هتتم بدراسة القوى احملركة واملوارد‬
‫‪13‬‬
‫الطبيعية واالقتصادية يف بلد ما‪.‬‬
‫بناء على الدراسة التحليلية السابقة ملاهية علم االقتصاد واليت تضمنت موضوعه ومنهجه وعالقاته‬
‫مبختلف العلوم األخرى‪ ،‬يتضح جليا الشروط اليت تتوفر يف هذا امليدان املعريف وتؤهله ليكون علم قائم‬

‫‪ -13‬شطييب حنان‪ ،‬حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،2018 ،3 -‬ص‪.10‬‬

‫‪33‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫ومستقل عن ابقي ميادين املعرفة‪ ،‬وله موضوعه اخلاص ويستخدم مناهج البحث العلمي‪ ،‬كما هو‬
‫موضح فيما يلي‪:‬‬

‫متثل جمموعة املعارف والدراسات االقتصادية قواعد اثبتة ونظرايت عامة قابلة للتطبيق‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫له موضوع خاص‪ :‬والذي يتمثل يف دراسة الظواهر والعالقات االقتصادية املختلفة بينها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يستخدم احد طرق ومناهج البحث العلمي‪ :‬حيث أن الدراسات االقتصادية تستعمل مثال‬ ‫‪‬‬

‫الطريقة االستقرائية‪ ،‬وهي طريقة تعتمد على مشاهدة اكرب عدد ممكن من الوقائع‪ ،‬ليتم‬
‫استخراج األحكام وتعميمها يف شكل قوانني‪ ،‬كما يتم استخدام الطريقة االستنباطية اليت من‬
‫خالهلا يتم إسقاط نتائج دراسات وأحكام عامة على واقع معني‪ ،‬بغرض تفسري ظاهرة أو‬
‫أحداث يف اطار زماين ومكاين معني‪.‬‬
‫له قوانني ونظرايت اثبتة وصاحلة‪ :‬كقانون العرض والطلب‪ ،‬حيث ان حجم الطلب على‬ ‫‪‬‬

‫سلعة معينة ينخفض كلما ارتفع سعرها‪ ،‬إال انه ينبغي ان نذكر ان تلك القوانني تبقى رهينة‬
‫جملموعة من الفرضيات أو جمموعة من الشروط‪ ،‬فقد ال تتحقق تلك القوانني اذا مل تتوفر تلك‬
‫الفرضيات أو الشروط‪ ،‬وهذا ما يدعو دوما إىل االعتماد على ما يسمى فرضية بقاء العوامل‬
‫األخرى على حاهلا‪.‬‬
‫يستعمل بعضا من العلوم وتستعمله تلك العلوم كما مت توضيحه سابقا فيما خيص عالقته‬ ‫‪‬‬

‫ابلنمذجة والرايضيات واإلحصاء وعلم االجتماع وغريها من العلوم‪.‬‬


‫سابعا‪ :‬تطور علم االقتصاد‬

‫عرف الفكر االقتصادي على غرار الفكر يف جماالت العلوم املختلفة تطورات وتغريات كبرية‪ ،‬كان‬
‫نتيجتها بروز وسيادة جمموعة من األفكار والنظرايت املفسرة للعالقات والظواهر االقتصادية والسلوك‬
‫اإلنساين يف هذا اجملال‪ ،‬حيث تشكل تلك األفكار والنظرايت فكرا اقتصاداي يتناسب ويتناغم مع‬
‫الظروف املميزة لتلك الفرتة‪ ،‬وصانعة بذلك مدرسة فكرية تعرب عن انتماءات وتوجهات روادها‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫فاملتتبع واملتصفح لتاريخ الفكر االقتصادي وتطوراته عرب خمتلف الفرتات الزمنية‪ ،‬مييز وبشكل واضح‬
‫ان تلك األفكار والنظرايت اليت تبين الفكر االقتصادي خالل حقبة زمنية معنية‪ ،‬أهنا فعال انبعة من‬
‫التوجهات واألحداث املميزة لتلك الفرتة من مجيع النواحي‪ :‬االجتماعية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬االقتصادية‪،‬‬
‫السياسية واإليديولوجية‪ ،‬وهذا ما يوحي ان الفكر االقتصادي ما هو إال إعادة تصوير للواقع‬
‫االقتصادي السائد أو ملا ينبغي ان يكون عليه هذا الواقع‪.‬‬

‫ويعود أصل كلمة االقتصاد إىل الكلمة اليواننية ‪ eko nomis‬واليت تعين تدبري شؤون املنزل‪ ،‬وقد‬
‫اتسع استخدامها ليشمل إدارة شؤون املدينة‪ ،‬وبعد ذلك وبسبب تطور احلياة اإلنسانية أصبح علم‬
‫االقتصاد مفهوم شامل وعام‪ ،‬وأصبح يطبق على مستوايت خمتلفة حىت صار يف عصران احلايل يشكل‬
‫املؤشر الرئيسي لنجاح أو فشل أي دولة ومؤسساهتا‪.‬‬

‫فقد ظهر علم االقتصاد ضمن كتاابت قدامى املفكرين والفالسفة كجزء من الفلسفة والسياسة‬
‫واألخالق‪ ،‬ومل يكن فرع مستقل من فروع املعرفة‪ ،‬إذ ورد يف الفكر االقتصادي اليوانين كإسهامات‬
‫أفالطون (‪ 427‬ق‪.‬م‪ 347 -‬ق‪.‬م) والذي ادرج ضمن الفالسفة وقلما اعترب اقتصادي‪ ،‬ولكن‬
‫النظرة املتأنية لكتابه املعروف ابجلمهورية جتعله مفكرا اقتصاداي ابمتياز‪ ،‬والذي حبث فيه موضوع‬
‫املدينة الفاضلة‪ .‬وقد عاجل من خالله بعض القضااي واملسائل املتعلقة ابالقتصاد مثل‪ :‬توزيع اجملتمع‬
‫لثالث طبقات متمثلة يف طبقة احلكام والفالسفة وطبقة احملاربني وطبقة الصناع‪ ،‬وكما بني دور النقود‬
‫يف تلك املدينة وغريها‪ ،‬وحسب رايه انه جيب حترمي امللكية على طبقة احلكام واحملاربني دون طبقة‬
‫الصناع‪.14‬‬

‫إال أن أول من استعمل كلمة اقتصاد هو أرس ــطو‪ ،‬حيث تناول موضوع امللكية‪ ،‬وانتقد اآلراء اليت‬
‫كانت تنادي إبلغاء امللكية اخلاصة وإحالهلا بنظام امللكية اجلماعية أو الشيوعية‪ ،‬ورأى ان نظام‬
‫امللكية اجلماعية يؤدي إىل منازعات بني األفراد حول توزيع اإلنتاج فيما بينهم‪ .‬وكما تناول قضية الرق‬
‫وهامجها ورأى عدم عدالتها‪ .‬ومن أهم املوضوعات االقتصادية اليت تناوهلا أيضا موضوع القيمة وميز‬

‫‪ -14‬صالح الدين انمق‪ ،‬قادة الفكر االقتصادي‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،1978 ،‬ص‪.09‬‬

‫‪35‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫فيها بني نوعني من القيمة ومها‪ :‬قيمة االستعمال وقيمة املبادلة‪ ،‬إضافة إىل موضوع نشأة النقود‬
‫ودورها يف االقتصاد‪.‬‬

‫حيث شهدت أورواب إابن القرون الوسطى نظام اإلقطاع والذي يقوم على وجود عالقات متبادلة بني‬
‫السيد والفالحني‪ .‬فاألرض من الناحية النظرية اتبعة لإلمرباطور‪ ،‬ولكن ملكيتها احلقيقية لألسياد‬
‫اإلقطاعيني وهم احلكام ‪.‬وتزامن عهد اإلقطاع يف أوراب مع ظهور اإلسالم‪ ،‬والذي احدث تغيري‬
‫جذري يف القضااي االقتصادية‪ ،‬بناء على تصحيح فكري عميق‪ ،‬أدى إىل تغيري النظرة املتعلقة‬
‫ابلعمل‪ ،‬ملكية املوارد‪ ،‬ونظام السوق‪ .‬يف هذا الصدد قد جمد اإلسالم العمل وحث عليه‪ ،‬وأخذ‬
‫ابمللكية الفردية وأقرها ووضع أصوهلا‪ ،‬حرم الفائدة على القروض وهنى عن االحتكار وأقر املنافسة‬
‫وآلية العرض والطلب يف حتديد األسعار‪ .‬ويف اطار أحكام وتوجيهات الشريعة اإلسالمية اجتهد‬
‫الكثري من املفكرين املسلمني من أمثال‪ :‬الفارايب‪ ،‬ابن سينا‪ ،‬وابن خلدون الذين أسهموا يف طرح‬
‫ومناقشة وحتليل بعض القضااي االقتصادية‪ .‬ومن أمثلتها ما طرحه ابن خلدون يف كتابه املقدمة شارحاً‬
‫املشكلة االقتصادية‪ ،‬كما قام بتقسيم السلع إىل سلع ضرورية وكمالية‪ ،‬وبني أن طلب على هذه السلع‬
‫إمنا يتوقف على درجة العمران والتقدم‪ .‬متوصال إىل ان كثرة األفراد تؤدي إىل زايدة األرزاق وال تسبب‬
‫املشكلة كما ذهب إليه املفكرين الرأمساليني‪ ،‬وذلك أن زايدة السكان تؤدي لتقسيم العمل‪ ،‬وتقسيم‬
‫العمل يزيد اإلنتاج‪ ،‬فيزيد الدخل‪ ،‬ومن مث يزيد الطلب على السلع فتنشأ صناعات جديدة‪ ،‬وحتصل‬
‫زايدة أخرى للدخل‪.15‬‬

‫وقد ظهرت إسهامات الكثري من املفكرين والكتاب يف حماوالت لتفسري وتعليل الكثري من السلوكات‬
‫والظواهر االقتصادية‪ ،‬حيث كان أول من أشار إىل هذا العلم الفيلسوف االسكتلندي آدم‬
‫مسيث(‪ )1790-1723‬يف كتابه الشهري 'ثروة األمم' عام ‪ ، 1776‬معتربا إايه العلم الذي خيتص‬
‫بدراسة الوسائل اليت ميكن لالمة بواسطتها ان تغتين ماداي)‪ ،‬وذلك لكونه ّأول من عاجل الظواهر‬

‫‪ -15‬يعقوب علي جانقي‪ ،‬مبادئ االقتصاد‪ -‬نشأة وتطور علم االقتصاد‪ ،‬املرجع اإللكرتوين للمعلوماتية‪،‬‬
‫‪.16- 01- 2018 ،https://almerja.com/reading.php?idm=94353‬‬

‫‪36‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫االقتصادية بطرق علمية ذات مبادئ وأسس واضحة وكان ذلك يف فرتة ما قبل الثورة الصناعية‪ ،‬كما‬
‫يعترب أب علم االقتصاد ألنه أول من وضع منوذج اقتصادي تبنته الدولة وطبقته وعملت به‪.16‬‬

‫وقد كثرت وتنوعت األفكار واإلسهامات يف اجملال االقتصادي‪ ،‬واليت تبلورت يف شكل مدارس‬
‫اقتصادية فكرية عديدة‪ ،‬ميكن الرتكيز هنا على بعض تلك املدارس اليت كان هلا دور هام يف بروز‬
‫وظهور علم االقتصاد احلديث‪ ،‬واليت شكلت جذورا أساسية له‪ ،‬ومن أمهها ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬املدرسة التجارية والطبيعية‪ :‬وكانت نظرهتا نقدية وطنية ختيلية‪.‬‬

‫فبعد اهنيار النظام اإلقطاعي خالل القرن اخلامس عشر‪ ،‬أاتح الفرصة إلعادة التفكري يف تنظيم احلياة‬
‫االقتصادية وما ينتج عنها من عالقات وظواهر‪ ،‬مما أدى إىل بروز تيارات فكرية يف اجملال االقتصادي‪،‬‬
‫وكان من أمهها تلك اليت جتسدت يف املدرسة التجارية والطبيعية‪ ،‬فقد سادت أفكار التجاريني خالل‬
‫الفرتة من القرن اخلامس عشر إىل منتصف القرن الثامن عشر‪ ،‬إذ كان يرى التجاريني أن العامل‬
‫األساسي للقوة وبسط النفوذ هو كسب اكرب قدر من الثروة‪ ،‬واليت تتمثل يف املعادن النفيسة (‬
‫الذهب والفضة)‪ ،‬وكون ان كمية هذه املعادن اثبتة فان املصدر الوحيد لتعظيم الثروة يكمن يف التجارة‬
‫اخلارجية‪ ،‬أي من خالل زايدة الصادرات وتقليل الواردات‪ ،‬وهلذا كانوا ينادون بتشجيع الصادرات‬
‫واحلد من الواردات‪ ،‬الن الدولة جيب ان تكون قوية بثرواهتا‪ ،‬وقد ترتب على فكرهم هذا جمموعة من‬
‫األفكار واألحكام منها‪ :‬اعتبار ان ما تكسبه دولة من هذه الثروة إمنا يكون على حساب دول‬
‫أخرى‪ ،‬وكانوا يرون ان الدولة هي الوحيدة القادرة على حتقيق املصلحة العامة للمجتمع على حساب‬
‫املصاحل الشخصية املتناقضة‪ ،‬وهلذا جيب ان تتدخل يف فتح أسواق جديدة لتسويق اإلنتاج ومحاية‬
‫االقتصاد الوطين بكل الوسائل‪ ،‬داخليا وخارجيا‪ ،‬وكان امليزان التجاري من وجهة نظرهم تعبريا عن‬
‫‪17‬‬
‫مدى قوة الدولة‪.‬‬

‫‪ -16‬متوكل بن عباس حممد مهلهل‪ ،‬مبادئ االقتصاد‪ -‬مدخل عام‪ ،‬دار املريخ للنشر‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،2009 ،‬ص‪.17‬‬
‫‪17‬‬
‫)‪- (www.uobabylon.edu.iq‬‬

‫‪37‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫وبعد التناقضات واملشاكل اليت جنمت عن تطبيق الفكر التجاري‪ ،‬برز الفكر الطبيعي أو كما يسمى‬
‫أيضا ابلفكر الفيزوقراطي بفرنسا‪ ،‬وقد أتسس هذا املذهب على يد فرانسوا كيسناي (‪-1694‬‬
‫‪ )1774‬طبيب لويس اخلامس عشر آنذاك‪ ،‬ومن بني اهم أفكاره‪ :‬ضرورة إصالح اجملتمع الذي كان‬
‫ال يزال يعاين من التسلط والتمييز والطبقية املقيتة‪ ،‬اليت كان ميارسها أصحاب األراضي والرأمسالني‬
‫والقوى الصناعية الصاعدة‪ ،‬االلتزام مبفهوم القانون الطبيعي ألن يف رأيهم هو القانون الذي كان من‬
‫الناحية اجلوهرية حيكم السلوك االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬والذي يتماشى مع حرية التجارة‪ ،‬ولضمان‬
‫ذلك البد من ترك األمور تسري فيها وفقا للبواعث والقيود الطبيعية دون أي تدخل من طرف الدولة‪،‬‬
‫وقد وضع فرنسوا ما يسمى ابجلدول االقتصادي‪ ،‬الذي وضح من خالله كيفية تدفق املنتجات من‬
‫الفالح إىل مالك األرض ومنهم إىل التجار وأصحاب املصانع وغريهم‪ ،‬وكيف تتدفق النقود عرب‬
‫‪18‬‬
‫مسالك متعددة عائدة إىل الفالح‪.‬‬

‫‪ ‬املدرسة الكالسيكية‪:‬‬

‫فاألحداث والتطورات االجتماعية والثقافية والسياسية اليت سادت فرتة ظهور الثورة الصناعية‪ ،‬وما‬
‫أدت إليه من زايدة تراكمات راس املال كان هلا األثر البالغ يف بروز الفكر االقتصادي الكالسيكي‪،‬‬
‫وما يقوم عليه من فرضيات وتصورات حتاول من جهة تفسري الظواهر والسلوكات االقتصادية كما هي‬
‫عليه يف الواقع‪ ،‬ومن جهة أخرى تساهم يف حتسني احلالة االقتصادية للمجتمعات ونقلها إىل ما هو‬
‫افضل‪ ،‬خصوصا وان تلك الفرتة تعترب فرتة انتقال وحتول نوعي وكبري‪ ،‬أي ان األنظمة والنظرايت‬
‫االقتصادية السابقة مل تعد تصلح وترقى إىل طموحات الشعوب واجملتمعات‪ ،‬اليت كانت تطمح إىل‬
‫زايدة الثروة ورفع معدالت النمو االقتصادي وزايدة الرفاهية االقتصادية وحتسني املستوى املعيشي‬
‫خصوصا مع تنامي الوعي لدى األفراد‪.‬‬

‫فالفكر االقتصادي الكالسيكي رغم النقائص والتناقضات اليت محلها يف طياته‪ ،‬إال انه استطاع ولفرتة‬
‫من الزمن ان يفسر وينظّر وينظم احلياة االقتصادية وينجح يف تفسري الكثري من القضااي االقتصادية‪،‬‬

‫‪ -18‬جون كينيث جالربيت ترمجة أمحد فؤاد بلبع ‪ ،‬اتريخ الفكر االقتصادي ‪ ،‬دار عامل املعرفة ‪ ،‬الكويت‪ ،‬ص‪.61‬‬

‫‪38‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫كما ان الكثري من النظرايت والقوانني الكالسيكية ال تزال قائمة والكثري منها كان حجر األساس أو‬
‫موجه لبناء الفكر االقتصادي احلديث‪.‬‬

‫يكاد جيزم الدارس للنظرايت واجملاالت االقتصادية املختلفة‪ ،‬أن دراسة وفهم الفكر االقتصادي‬
‫الكالسيكي ضرورة ملحة لفهم وتفسري القضااي واملشكالت االقتصادية على اختالف أنواعها‪،‬‬
‫وخاصة دراستها وفق متطلبات الفكر االقتصادي احلديث‪ ،‬وذلك أنه يعترب يف كثري من األحيان‬
‫أساس لبناء وتطور هذا الفكر‪ ،‬كما انه يعرب ويصور كيفية فهم اإلنسان للظواهر االقتصادية وتفسريها‬
‫كمرحلة من مراحل التفكري العلمي للقضااي احمليطة به‪ ،‬وانطالقا من هذا جيدر بنا هنا دراسة نشأة‬
‫وظهور هذا الفكر وكيفية تصوره وتفسريه للقضااي االقتصادية املختلفة‪.‬‬

‫فقد ظهر الفكر االقتصادي الكالسيكي يف اجنليرتا هناية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫كنتيجة الجتهادات جمموعة من املفكرين والعلماء الذين تناولوا من خالل دراساهتم القضااي والظواهر‬
‫االقتصادية بغية تفسريها وحل املشكالت املرتبطة هبا‪ ،‬ما أدى إىل تكوين اطار فكري لتلك الوقائع‬
‫والظواهر واإلحاطة مبفاهيمها‪ ،‬حيث أهنا ركزت تركيزا مفرطا على اإلنسان الناجح والذي يدعى‬
‫ابلرجل االقتصادي أو العقالين‪.‬‬

‫إذ تعترب فكرة الرجل االقتصادي أساس تكوين وبناء نظرايت وأفكار املدرسة الكالسيكية‪ ،‬ويشري هذا‬
‫املفهوم إىل أن اإلنسان كوحدة اقتصادية رشيد بطبعه‪ ،‬أي انه دائما يسعى يف حدود دخله إىل حتقيق‬
‫اعظم إشباع ممكن حلاجاته ورغباته‪ ،‬فهو يتصرف يف دخله ويقسمه بني االستهالك واالدخار كمرحلة‬
‫أولية‪ ،‬مبا حيقق له اعظم عائد ممكن‪ ،‬وينفق الباقي كمرحلة اثنية مبا حيقق له اعظم إشباع بعدما‬
‫يفاضل بني السلع واخلدمات املتاحة‪ ،‬وعلى أساس هذه الفكرة بنيت التوجهات والتصورات اخلاصة‬
‫بتفسري وحتليل الظواهر والعالقات االقتصادية للفكر االقتصادي الكالسيكي‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫ظروف وعوامل نشأة الفكر االقتصادي الكالسيكي‬

‫كما هو احلال ابلنسبة جلميع النظرايت واألفكار االقتصادية منذ ظهور أوىل بوادر التنظري للنشاطات‬
‫االقتصادية‪ ،‬فان ظهور ونشأة الفكر االقتصادي الكالسيكي ولد نتيجة ملسامهات وجهود جمموعة‬
‫من املفكرين والباحثني‪ ،‬كمحاولة منهم لتصوير الواقع االقتصادي مبا فيه من ظواهر وقضااي‬
‫وعالقات‪ ،‬مع بذل اجلهد من اجل حتسني حياة الناس ومعاجلة خمتلف املشاكل االقتصادية اليت‬
‫تواجههم‪ ،‬وبطبيعة احلال هذا الفكر مل يكن طفرة فكرية يف اتريخ األفكار االقتصادية بل انبثق وتطور‬
‫من األسس اليت وضعها الطبيعيون‪ ،‬حيث تطور يف اجنليرتا نتيجة التوسع االقتصادي الذي عرفته فرتة‬
‫أواخر القرن الثامن عشر‪ ،‬وخاصة ان اهلدف الرئيسي الذي اعتمدته املدرسة الكالسيكية هو تغيري‬
‫أداء النظام الليربايل‪ ،‬مما ساعد على تشكيل نظرية اقتصادية متكاملة هي األوىل يف اتريخ الفكر‬
‫االقتصادي‪ ،‬حبيث تعترب أول حماولة لتفسري متكامل وواضح لنظام معقد من العالقات االجتماعية‬
‫مبين على فكرة احلرية املطلقة‪.‬‬

‫فالظروف االقتصادية واالجتماعية وغريها سامهت وساعدت كثريا على ظهور هذا الفكر‪ ،‬ودفع رواده‬
‫إىل تبين أفكارا وتوجهات هي اليت رمست معامل وشكلت جوهر الفكر االقتصادي الكالسيكي‪ ،‬واهم‬
‫عامل ساعد يف منو وانتشار هذا الفكر هو دفاعه املطلق على النظام الليربايل وتبين أفكارا تدافع عن‬
‫الرأمسالية اليت ختدم أصحاب رؤوس األموال املؤثرين يف القرارات يف خمتلف اجملاالت‪ ،‬إىل جانب ذلك‬
‫حماولته لتحسني املستوى املعيشي وزايدة رفاهية الناس ومعاجلة خمتلف املشاكل االقتصادية اليت كانت‬
‫تعاين منها اجملتمعات أان ذاك‪ ،‬مثل تفشي الفقر واالستغالل الطبقي مبا ولد صراعات حادة بدأت‬
‫تظهر معاملها واليت تتمحور بشكل أساس حول الصراع بني املالك والعمال‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫وقد نشأ الفكر االقتصادي الكالسيكي حتت أتثري ظروف متيزت بظهور الصناعة وتزايد‬
‫االخرتاعات‪ ،19‬مما أدى إىل والدة ما يعرف ابلرأمسالية الصناعية‪ ،‬اليت كانت حباجة إىل تنظري جديد‬
‫يرسم معامل العالقات بني خمتلف األنشطة والوحدات االقتصادية‪.‬‬

‫وبناء على ذلك فالفكر االقتصادي الكالسيكي هو منوذج فكري حاول تفسري وتصوير األنشطة‬
‫والعالقات االقتصادية من كافة اجلوانب‪ ،‬سواء على املستوى اجلزئي أو الكلي أو على مستوى‬
‫التجارة اخلارجية‪ ،‬وقد بنيت تلك األفكار على فرضيات اقل ما يقال عنها أهنا غري واقعية كفكرة‬
‫الرجل االقتصادي‪ ،‬التشغيل الكامل‪ ،‬والتوازن الدائم وغريها‪ ،‬ولكون هذا الفكر كان انعكاسا‬
‫ألحداث وتغريات واقعية‪ ،‬فقد ملسنا ان بروز عوامل وظروف معينة هي اليت سامهت يف نشأته كظهور‬
‫الثورة الصناعة‪ ،‬وتنامي رؤوس األموال وحاجة أصحاهبا إىل دعائم نظرية تربر موقفهم‪ ،‬إضافة إىل‬
‫الظروف غري املناسبة اليت كانت تتخبط فيها الشعوب كالفقر والتسلط‪.‬‬

‫ان بزوغ ونشوء هذا الفكر كان نتيجة إلسهامات العديد من املفكرين الذين يعتربون رواد هلذا الفكر‬
‫ومؤسسون له‪ ،‬ورغم اهنم كانوا خمتلفني يف بعض األفكار كما هو احلال يف أي جمال من جماالت‬
‫العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬إال اهنم يلتقون يف بعض النقاط املشرتكة واليت تعترب منطلق األفكار‬
‫‪20‬‬
‫الكالسيكية وجوهر تكوينها‪ ،‬ومن بني هذه األفكار نذكر ما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬اعتبار الفرد يف نظر الفكر الكالسيكي الوحدة األساسية اليت ترتبط هبا كل القيم‪ ،‬ومن مث‬
‫فهو وحدة التحليل األساسية للواقع االقتصادي‪.‬‬

‫‪ .2‬اهتمام الفكر الكالسيكي ابلتصرفات اجلزئية الرتباطها ابملصاحل الفردية كمشكلة القيمة‬
‫واألسعار‪ ،‬وذلك الن حتقيق املصاحل اجلماعية هو حمصلة لتحقيق املصاحل الفردية‪.‬‬

‫‪ -19‬الطيب داودي‪ ،‬مدخل لعلم االقتصاد يف الفكر الرأمسايل واالشرتاكي واإلسالمي‪ ،‬مكتبة اجملتمع العريب للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪ ،2010‬ص‪.219‬‬
‫‪ -20‬نفس املرجع ‪ ،‬ص‪.220‬‬

‫‪41‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ .3‬انطالق الفكر الكالسيكي من تصور واقع سكوين معني مع اهتمامها مبشاكل التطور وحركية‬
‫السكان وتراكم رؤوس األموال‪.‬‬

‫‪ .4‬وكنتيجة لفكرة العقالنية واالرتباط املباشر بني حتقيق املصلحة اخلاصة وحتقيق املصلحة العامة‬
‫كرابطة سببية‪ ،‬اعتقد الكالسيك احلرية االقتصادية لتصبح مبدأ من مبادئ هذا الفكر‪.‬‬
‫وابلتايل يتم تفويض هدف حتقيق التوازن ومعاجلة أي خلل يطرأ إىل ما يعرف ابليد اخلفية‬
‫وآليات السوق‪ .‬ومن مث ال جمال لتدخل الدولة يف احلياة االقتصادية أبي شكل من األشكال‪،‬‬
‫سوى فيما يتعلق بتحقيق األمن والعدل والقيام ابألعمال واألنشطة الكربى اليت ال ميكن‬
‫للقطاع اخلاص القيام هبا‪.‬‬

‫‪ .5‬اعتبار العمل مصدر كل نشاط اقتصادي‪ ،‬أي ان العمل هو أساس خلق الثروة وتكوينها‪،‬‬
‫الن أساس إنتاج السلع واخلدمات اليت تعترب وسائل إلشباع احلاجات والرغبات هو العمل‪،‬‬
‫فرغم مشاركة مجيع عناصر اإلنتاج يف هذا النشاط إال ان ذلك يبقى غري جمدي من دون‬
‫العمل‪.‬‬

‫‪ .6‬املصلحة الذاتية أو اليد اخلفية كمحرك للنشاط االقتصادي‪ :‬يركز كثريا رواد الفكر الكالسيكي‬
‫على احلرية االقتصادية‪ ،‬وعدم تدخل الدولة يف النشاط االقتصادي‪ ،‬انطالقا من فكرة‬
‫االرتباط بني املصلحة الفردية واملصلحة اجلماعية‪ ،‬وابلتايل تصبح املصلحة أو األهداف الفردية‬
‫هي احملرك األساسي للنشاط االقتصادي واملوجه له‪ ،‬ومن مث تنتهي يف األخري إىل فكرة‬
‫الرشادة أو العقالنية‪ ،‬اليت جتعل كل فرد يسعى إىل حتقيق مصاحله وأهدافه انطالقا من موارده‬
‫احملدودة‪ ،‬واليت تؤدي ابلضرورة إىل حتقيق مصاحل اجلماعة وترشيد استخدام املوارد العامة‪.‬‬

‫بناء على ما سبق يظهر ان الفكر االقتصادي الكالسيكي نشأ ومنا من خالل إسهامات وجهود‬
‫جمموعة من املفكرين‪ ،‬وانعكاسا إلحداث وتطورات واقعية وتصورات فكرية انطلقت أساسا من فكرة‬

‫‪42‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫الرشادة االقتصادية كموجه للسلوك الفردي واملصلحة الذاتية ودافع له‪ ،‬والعالقة السببية بني املصلحة‬
‫الفردية واجلماعية وآلية السوق كأساس لتحقيق التوازن ومعاجلة االختالالت‪.‬‬

‫خصائص الفكر االقتصادي كالسيكي‪:‬‬

‫ويعترب هذا الفكر جمموعة من النظرايت واألفكار املكونة واملفسرة للظواهر االقتصادية والعالقات فيما‬
‫بينها‪ ،‬واليت أسست لتكوين علم االقتصاد وفق النظرة احلديثة من حيث‪ :‬املوضوع‪ ،‬الطريقة‪ ،‬املنهج‬
‫واألدوات‪ ،‬واملبادئ العامة والقوانني اليت حتكم الظواهر االقتصادية‪ ،‬كما أهنا بنيت على جمموعة من‬
‫االفرتاضات واملسلمات اليت كثريا ما اعتربها منتقدو هذا الفكر أبهنا غري واقعية‪ .‬وقد متيز هذا‬
‫مبجموعة من اخلصائص ميكن إبرازها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬مبدا احلرية االقتصادية‪ :‬إن اهم ركيزة وخاصية يف الفكر االقتصادي الكالسيكي‪ ،‬تتمثل يف‬
‫فكرة احلرية االقتصادية الفردية وان تكون األسواق حرة مع سيادة املنافسة الكاملة‪ ،‬وعدم‬
‫تدخل الدولة يف اجملرى الطبيعي لسري النشاط االقتصادي‪ ،‬ويرى انصار هذا الفكر ان احلرية‬
‫عامل مهم لتكوين ثروة األمم وتفعيل األنشطة االقتصادية‪ .‬وهي شرط ضروري لعمل آلية‬
‫السوق واليد اخلفية‪.‬‬

‫‪ .2‬األخذ بفكرة العرض خيلق الطلب املساوي له‪ ،‬أي ان العرض هو أساس حتديد مثن السلعة‬
‫وان الطلب اتبع له‪ ،‬وهبذا ينعدم الفائض يف اإلنتاج ويتحقق التوازن بني العرض والطلب‪.‬‬

‫‪ .3‬كما اتصف الفكر الكالسيكي يف حتليله للقضااي والظواهر االقتصادية ابعتماده على الطريقة‬
‫اجلزئية وهذا ما يظهر من خالل دراسة األسعار والسوق‪ ،‬ومن انحية أخرى اعتمد رواد هذا‬
‫الفكر على الطريقة الكلية يف توزيع الدخل اإلمجايل على خمتلف الطبقات االجتماعية‪.‬‬

‫‪ .4‬كما متيز رواد الفكر الكالسيكي يف تفكريهم حيال القضااي والظواهر االقتصادية ابعتمادهم‬
‫على الطريقة التجريبية االستنباطية‪ ،‬حيث تظهر الطريقة التجريبية يف تصوير الواقع االجتماعي‬

‫‪43‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫واالستنباطية يف استنتاجهم القوانني العامة من مبدا عام‪ ،‬اخلاص بفكرة الرجل االقتصادي‬
‫الذي يسعى دوما لتحقيق مصلحته اخلاصة‪.‬‬

‫‪ .5‬كما متيز الفكر الكالسيكي أيضا ابعتماده فكرة التشغيل أو االستخدام التام لعناصر اإلنتاج‬
‫مبا فيها العمالة استخداما كامال وابلتايل انعدام البطالة اإلجبارية‪.‬‬

‫‪ .6‬كما يتميز هذا الفكر ابعتماد فكرة ان سوق السلع والعمل تسودها املنافسة الكاملة‪ ،‬ما‬
‫يدفع األطراف املتنافسة إىل السعي لتعظيم األرابح الكلية يف ظل هذه املنافسة عن طريق‬
‫ختفيض التكاليف مقارنة مع زايدة الناتج احلدي‪ ،‬ومن مث السعي للتحسني املستمر‪.‬‬

‫‪ .7‬املرونة الكاملة لكل من األجور النقدية وأسعار السلع سواء كان ابلنقصان أو ابلزايدة‪ ،‬مما‬
‫يوفر السرعة يف معاجلة أي خلل ميكن أن يظهر يف توازن كل من سوق السلع وسوق العمل‪.‬‬

‫‪ .8‬كما يتميز هذا الفكر ابعتماده على فكرة االرتباط بني املصلحة اخلاصة واملصلحة العامة‪،‬‬
‫وهي الفكرة اليت تتجسد وتتحقق من خالل قوى اليد اخلفية‪ ،‬واليت على أساسها يتحقق‬
‫التوازن االقتصادي والتشغيل الكامل‪.‬‬

‫‪ .9‬كما يرى الكالسيكيون أن ختفيض األجور يؤدي إىل ختفيض تكاليف اإلنتاج‪ ،‬وابلتايل‬
‫ختفيض أسعار بيع السلع‪ ،‬مما ينتج عنه زايدة الطلب على هذه السلع ويشجع على زايدة‬
‫اإلنتاج ومن خالله يزيد الطلب‪.‬‬

‫‪ .10‬كما متيزت هذه املدرسة بتفسريها لالختالف يف الريع الذي ميثل املقابل الذي يدفع ملالك‬
‫األرض من اجل استغالهلا يف اإلنتاج‪ ،‬حسب اختالف درجة خصوبة األرض وموقعها‪.‬‬

‫كما متيز رواد هذا الفكر ابعتمادهم على فكرة اليد اخلفية اليت تظهر من خالل جهاز‬ ‫‪.11‬‬
‫األمثان أو قوى العرض والطلب‪ ،‬واليت تعمل على حتقيق التوازن يف السوق‪ ،‬األمر الذي أدى‬
‫هبم إىل تبين فكرة عدم تدخل الدولة يف النشاط االقتصادي‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ .12‬كما متيز رواد هذا الفكر بتبين فكرة تشاؤمية اجتاه تفسري العالقة بني عدد السكان والنمو‬
‫االقتصادي‪ ،‬حيث يرون ان عدد السكان يتزايد وفق متوالية هندسية بينما يتزايد اإلنتاج وفق‬
‫متوالية حسابية‪ ،‬وتكون النتيجة حمدودية اإلنتاج واملوارد ابلنسبة للسكان‬

‫‪ .13‬كما كان ينادي أصحاب هذا الفكرة بضرورة تقسيم العمل والتخصص ألنه يرتتب عنه‬
‫زايدة يف اإلنتاج وكفاءة يف العمل‪.‬‬

‫‪ .14‬وفيما خيص التجارة اخلارجية فقد اندى رواد الفكر الكالسيكي بضرورة حترير التجارة‬
‫اخلارجية وعدم فرض الرسوم اجلمركية وغري مجركية على الصادرات والواردات‪.‬‬

‫‪ .15‬أما فيما خيص القيمة فريى أصحاب هذا الفكر أهنا تتحدد من جانب العرض أو من‬
‫جانب اإلنتاج أي فكرة القيمة املبنية على التكلفة‪ ،‬وال ميكن ان تتحدد القيمة من جانب‬
‫الطلب أو املستهلك‪.‬‬

‫‪ .16‬كانت ترى املدرسة الكالسيكية حبيادية النقود‪ ،‬أي ان النقود ال تنتج أي قيمة وما هي إال‬
‫أداة لقياس القيمة‬

‫آدم مسيث ودوره يف نشأة الفكر االقتصادي الكالسيكي‬

‫لقد اشران سابقا إىل ان ظهور ونشأة الفكر االقتصادي الكالسيكي‪ ،‬كان نتيجة إلسهامات‬
‫واجتهادات جمموعة من املفكرين والعلماء‪ ،‬الذين درسوا وحبثوا يف القضااي االقتصادية وعملوا على‬
‫تفسريها وحتليلها وبنوا تصورات وتوجهات معينة شكلت فكرا قائما بذاته له خصائص ومميزات معينة‪،‬‬
‫ولقد كان هناك جمموعة من هؤالء املفكرين هلم ابع كبري يف ظهور وتطور هذا الفكر كأمثال أدام‬
‫مسيث ودافيد ركاردو‪.‬‬

‫أييت أدام مسيث يف طليعة االقتصاديني الكالسيكيني من حيث التنظري والبحث يف خمتلف املشكالت‬
‫والقضااي االقتصادية املتعلقة بسعادة الفرد واجملتمع‪ ،‬فقد درس يف كتابه طبيعة وأسباب ثروة األمم‬

‫‪45‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫مشكلة التنمية االقتصادية‪ ،‬إال انه مل يقدم نظرية متكاملة يف النمو االقتصادي‪ .‬وان كان االقتصاديون‬
‫‪21‬‬
‫الالحقون قد شكلوا نظرية موروثة عنه‪ ،‬ومن مساهتا‪:‬‬

‫‪ -‬القانون الطبيعي‪ :‬اعتقد ادم مسيث إمكانية تطبيق القانون الطبيعي يف األمور االقتصادية‪ ،‬ومن مث‬
‫فانه يعترب كل فرد مسؤوال عن سلوكه‪ ،‬أي انه األفضل الذي حيكم على مصاحله وان هناك يد خفية‬
‫تقود كل فرد وترشده واليت تتمثل يف آلية السوق‪ ،‬وهكذا كان آدم مسيث ضد تدخل الدولة يف‬
‫الصناعة والتجارة‪.‬‬

‫‪ -‬تقسيم العمل‪ :‬يعد نقطة البداية يف نظرية النمو االقتصادي لدى ادم مسيث‪ ،‬حيث تؤدي إىل‬
‫اعظم النتائج وحسن استخدام القوى املنتجة للعمل‪.‬‬

‫‪ -‬تراكم راس املال‪ :‬يعترب مسيث الرتاكم الرأمسايل شرط ضروري للتنمية االقتصادية وجيب ان يسبق‬
‫تقسيم العمل‪.‬‬

‫‪ -‬دوافع الرأمساليني لالستثمار‪ :‬طبقا ألفكار مسيث فان تفسري االستثمار يرجع إىل توقع الرأمساليني‬
‫حول األرابح املمكن حتقيقها‪ ،‬وان التوقعات املستقبلية فيما يتعلق ابألرابح تعتمد على مناخ‬
‫االستثمار السائد إضافة إىل األرابح الفعلية احملققة‪.‬‬

‫‪ -‬عناصر النمو‪ :‬وفقا ألدم مسيث تتمثل عناصر النمو يف كل من املنتجني واملزارعني ورجال االعمال‪،‬‬
‫ويساعد على ذلك ان حرية التجارة والعمل واملنافسة تقود هؤالء إىل توسيع أعماهلم مما يؤدي إىل رفع‬
‫وترية التنمية االقتصادية‪.‬‬

‫النظرية الكنزية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫ان التناقضات اليت وقع فيها الكالسيك يف حتليلهم للواقع االقتصادي واليت انطلقت من نظرة‬
‫وافرتاضات خيالية ومثالية حول اإلنسان وسلوكه االقتصادي‪ ،‬واليت ال متت أبي صلة ابلواقع‪ ،‬يف‬
‫حماولتهم لتفسري هذا الواقع‪ ،‬قد أدى هبم إىل االصطدام بعقبات ميدانية يصعب تفسريها‪ ،‬األمر الذي‬

‫‪ -21‬عادل امحد حشيش‪ ،‬اتريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬دار النهضة العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.1995 ،‬‬

‫‪46‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫ولد نظرة فكرية جديدة ارتبطت بظهور ماينارد كينز (‪ ،)1946-1883‬الذي نقض أفكار ومبادئ‬
‫النظرايت الكالسيكية‪ ،‬ونقل األحباث االقتصادية من االقتصاد اجلزئي إىل االقتصاد الكلي ‪ ،‬حيث‬
‫قوضت النظرية االقتصادية الكنزية كل مبادئ وأفكار الكالسيك‪ ،‬والفكرة األساسية اليت جاءت هبا‬
‫نظرية كينز هي ربط احلجم الكلي للتوظيف ابلطلب الكلي على االستثمار واالستهالك معا‪ ،‬ومعىن‬
‫ذلك أن البطالة ترتبط ابلنقص الذي يطرأ على هذا الطلب ‪ ،‬وطاملا أن الطلب الكلي يتعادل وحجم‬
‫التوظيف والدخل القومي‪ ،‬فان معىن ذلك أن الزايدة اليت تطرأ على حجم التوظيف تؤدي إىل الزايدة‬
‫يف الدخل القومي‪ ،‬وحىت تصل احلكومات إىل هدف التوظيف الكامل يف اجملتمع البد من مباشرهتا‬
‫لبعض أعمال اإلشراف والرقابة يف أوجه النشاط االقتصادي االستثماري دون أن تتحول هذه الرقابة‬
‫إىل أتميم‪ 22،‬وقد بىن كينز فكره االقتصادي على جمموعة من االعتبارات واملبادئ ومن أمهها ما‬
‫‪23‬‬
‫يلي‪:‬‬

‫بىن كينز فكره ونظرايته على التفسري والتحليل الكلي والعام للمتغريات االقتصادية‪ ،‬املتمثلة يف‬ ‫‪‬‬

‫الدخل احلقيقي والعوامل احملددة له‪ ،‬وعالقاهتا ابلنشاط النقدي واثرها على مستوايت‬
‫األسعار‪.‬‬
‫مل تبحث النظرية يف العالقة بني النقود والدخل من خالل األسعار‪ ،‬وإمنا العالقة بني اإلنفاق‬ ‫‪‬‬

‫وبني التغريات يف الدخل احلقيقي والتشغيل‪.‬‬


‫اعترب كينز ان للنقود دور إجيايب فهي ليست حمايدة يف أتثريها على النشاط االقتصادي‪ ،‬وهي‬ ‫‪‬‬

‫تطلب لذاهتا كوهنا متثل أصال كامل السيولة‪ ،‬وبذلك تكون النظرية االقتصادية قد اعرتفت‬
‫بتأثري النقود على التوازن الكلي وعلى حمددات الدخل‪.‬‬

‫‪ -22‬صالح الدين انمق ‪ ،‬قادة الفكر االقتصادي ‪ ،‬دار املعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،1978،‬ص ‪39‬‬
‫‪ -23‬بسام احلجار‪ ،‬علم االقتصاد والتحليل االقتصادي‪ ،‬دار املنهل اللبناين‪ ،‬بيوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،2010‬ص‪.10‬‬

‫‪47‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫توصل كنز إىل حقيقة ان الطلب هو الذي خيلق العرض‪ ،‬وليس كما كان يفرتض قانون ساي‬ ‫‪‬‬

‫لألسواق‪ ،‬القائل ابن كل عرض خيلق طلبا موازاي له يف القيمة‪ ،‬وقد قسم كينز اإلنفاق الكلي‬
‫إىل انفاق على االستهالك وانفاق على االستثمار‪.‬‬
‫ولقد تطور الفكر االقتصادي املعاصر وتوسع‪ ،‬وخاصة بعد ظهور املدرسة االقتصادية النيو‬
‫كالسيكية‪ ،‬اليت أعادت إحياء وجتديد أفكار املدرسة االقتصادية الكالسيكية ولكن بثوب جديد‪،‬‬
‫حيث ظهرت العديد من اجملاالت والدراسات اليت ختتص بدراسة ظواهر أو جوانب أو قضااي بشكل‬
‫منفرد وخاص‪ ،‬كتلك اليت هتتم ابلنمو والتنمية االقتصادية‪ ،‬وأخرى تعىن ابلتجارة اخلارجية‪ ،‬ومنها ما‬
‫يتعلق ابلعمل والتشغيل‪ ،‬وبعضها خيتص ابملؤسسة واملستهلك والسوق وغريها من الدراسات‬
‫والنظرايت االقتصادية اليت ولدت عدة ختصصات وفروع يف ميدان العلوم االقتصادية‪ ،‬وخاصة من‬
‫خالل امتزاج هذا العلم ببعض العلوم األخرى‪ ،‬كما هو احلال ابلنسبة للرايضيات‪ ،‬اإلحصاء‪ ،‬علم‬
‫النفس‪ ،‬علم االجتماع وغريها من العلوم ذات الصلة بعلم االقتصاد‪.‬‬

‫اثمنا‪ :‬استخدام وتطبيق علم االقتصاد‪:‬‬

‫يعترب علم االقتصاد أحد أهم فروع العلوم االجتماعية‪ ،‬لكونه يدرس سلوكات األفراد يف سعيهم لتلبية‬
‫حاجاهتا ورغباهتم انطالقا من املوارد النادرة‪ ،‬أي يقوم ابألساس على دراسة ومعاجلة املشكلة‬
‫االقتصادية املوجودة مع وجود اإلنسان ذاته‪ ،‬فهو يهتم بدراسة االختيارات اليت يقوم هبا الناس‪ ،‬لذا‬
‫يعترب الفرد وحدة التحليل يف علم االقتصاد‪ ،‬وعلى ذلك األساس تطورت النظرية االقتصادية من‬
‫االفرتاضات األساسية حول الكيفية اليت يسلكها اإلنسان كفرد يف مواجهة مشكلة الندرة من انحية‪،‬‬
‫ويف استجابته للتغريات اليت تواجهه من انحية أخرى‪.24‬‬

‫وهلذا فان هذا العلم يبحث يف كل املواضيع اليت تتعلق هبذه املشكلة‪ ،‬مبختلف فروعها وأشكاهلا‪ ،‬فهو‬
‫يدرس املشكلة االقتصادية على املستوى الفردي وعلى مستوى الكياانت اجلماعية كاملؤسسات‪،‬‬
‫وعلى مستوى اجملتمع والعالقات الدولية‪.‬‬

‫‪ -24‬جيمس جوارتين‪ ،‬ريتشاد سرتوب‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد عبد الصبور حممد علي‪ ،‬دار املريخ للنشر‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،2010 ،‬ص‪.14‬‬

‫‪48‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫وهلذا فقد برزت العديد من اجملاالت والتطبيقات اخلاصة بعلم االقتصاد‪ ،‬اليت تسعى يف جمملها إىل‬
‫معاجلة القضااي االقتصادية الكربى لإلنسان وما يتعلق هبا‪ ،‬ومن بني اهم تطبيقات علم االقتصاد جند‪:‬‬
‫موضوع التنمية والنمو االقتصادي‪ ،‬الدخل الفردي‪ ،‬التوازن واالستقرار االقتصادي‪ ،‬توازن ميزانية‬
‫الدولة‪ ،‬توازن ميزان املدفوعات‪ ،‬االقتصاد البيئي‪ ،‬االقتصاد القياسي‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬توازن‬
‫األسواق‪ ،‬توازن املنتج واملستهلك‪ ،‬معاجلة األزمات االقتصادية‪ ،‬االقتصاد النقدي‪ ،‬املؤسسة‬
‫االقتصادية‪ ،‬إضافة إىل االقتصاد اإللكرتوين‪ ،‬واقتصاد املعرفة‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫ويعتمد علم االقتصاد على جمموعة من األدوات منها‪:‬‬

‫‪ -‬تكلفة الفرصة البديلة‪ :‬واليت تساعدان على فهم طريقة االختيار اليت يتبعها األشخاص عند مواجهة‬
‫عدة بدائل‪ ،‬فاختيار شيء ما يعين التنازل عن أشياء أخرى‪ ،‬كان من املمكن ان يقع االختيار عليها‪،‬‬
‫وابلتايل فان تكلفة الفرصة البديلة هي التضحية ابختيار ذي القيمة األعلى كنتيجة الختيار بديل ما‪،‬‬
‫وقد واعتربت ذلك العائد املضحى به نتيجة لعدم استخدام املوارد بدال من تلك اليت استخدمت يف‬
‫إنتاج سلعة أو خدمة ما‪ ،26‬وخيتلف مفهومها على حسب املستوايت الذي تدرس فيها‪ ،‬ابلنسبة‬
‫للمستهلك واملنتج واجملتمع‪ ،‬مثل اختيار سلعة ما هي اقل منفعة من سعة أخرى‪ ،‬أو شراء آلة إنتاجية‬
‫اقل جودة من آلة أخرى‪.‬‬

‫‪ -‬منحىن إمكاانت اإلنتاج‪ :‬يبني منحىن إمكاانت اإلنتاج اكرب كمية ميكن إنتاجها من منتجني‬
‫ابستخدام كمية اثبتة من املوارد‪ ،‬أو هو املنحىن الذي يبني كل التوليفات املمكنة من اإلنتاج الذي‬
‫ميكن حتقيقه ابفرتاض ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬استخدام كمية حمدودة من املوارد املتاحة‬

‫‪ -‬االستخدام الكامل والكفء هلذه املوارد‬

‫‪ -‬مستوى معني من املعرفة التكنولوجية‬

‫‪ -25‬جيمس جوارتين‪ ،‬ريتشاد سرتوب‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد عبد الصبور حممد علي‪ ،‬دار املريخ للنشر‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،2010 ،‬ص‪.43‬‬
‫‪26‬‬
‫‪ -‬طارق عبد الفتاح الشريعي‪ ،‬مبادئ علم االقتصاد‪ ،‬مؤسسة حورس الدولية للنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2006 ،‬ص‪.141‬‬

‫‪49‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫اتسعا‪ :‬املشكلة االقتصادية‬

‫يهتم علم االقتصاد أساسا بدراسة السلوك اإلنساين اهلادف إىل إشباع حاجاته ورغباته انطالقا من‬
‫املوارد املتاحة النادرة‪ ،‬والواضح أن تلك احلاجات والرغبات متعددة ومتنامية‪ ،‬فهناك العديد من‬
‫احلاجات اليت يرغب األفراد أو اجملتمعات يف تلبيتها‪ ،‬فضال عن أهنا متجددة ومتطورة ابستمرار‪ ،‬إذ ما‬
‫إن تشبع حاجة معينة حىت تظهر حاجة أو حاجات أخرى‪ ،‬كما ان هذه احلاجات والرغبات‬
‫متداخلة أي الواحدة منها تؤدي إىل األخرى ( إشباع الواحدة ال يتحقق إال من خالل إشباع‬
‫األخرى)‪ .‬كما ان اإلنسان عادة ما يواجه إشكاليات من هذا النوع‪:‬‬

‫إشباع حاجات يتم انطالقا من عدة موارد‬ ‫‪‬‬

‫كما ان املورد الواحد ميكن ان يكون له عدة استعماالت متفاوتة العوائد (املنافع)‬ ‫‪‬‬

‫إذن فان احلاجات ميكن إشباعها انطالقا من جمموعة من املوارد أي ان استخدام مورد أو عدة موارد‬
‫إلشباع احلاجة واحدة‪ ،‬وابلتايل يتم املفاضلة بني تلك املوارد على حسب قدرهتا أو مستواها يف إشباع‬
‫احلاجات والرغبات (حتقيق املنافع)‪ ،‬الذي ميثل أساس توزيع وختصيص املوارد على خمتلف‬
‫االحتياجات واالستخدامات‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى أن تلك املوارد قد تكون حمدودة واندرة نسبيا ابملقارنة مع تلك االحتياجات‬
‫واالستخدامات من حيث الكمية والنوعية والزمان واملكان‪.‬‬

‫ومن هنا تنبع املشكلة االقتصادية أببعادها املختلفة‪.‬‬

‫واذا كانت تلك املوارد اندرة وحمدودة ابلنسبة للحاجات‪ ،‬فال بد من التفكري اجليد والعقالين يف ترشيد‬
‫استخدام تلك املوارد وتوزيعها على االحتياجات بشكل حيقق اعظم إشباع ممكن‪ ،‬من ابب املفاضلة‬
‫بني احلاجات الضرورية واألساسية من جهة‪ ،‬وبني مستوايت اإلشباع احملققة‪ ،‬وهذا ما حياول علم‬
‫االقتصاد معاجلته ودراسته( أي ان املشكلة االقتصادية متثل صلب اهتمام علم االقتصاد يف خمتلف‬
‫مستوايهتا)‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫إذن املشكلة االقتصادية قائمة على أساس ندرة وحمدودية املوارد من جهة وتعدد وتنامي احلاجات‬
‫والرغبات من جهة أخرى‪ ،‬واليت هي مشكلة أزلية ارتبطت بوجود اإلنسان على وجه األرض‪ ،‬سواء‬
‫خالل حياته البدائية والفردية أو يف حياته اجلماعية واحلضارية‪ ،‬فهي تبقى دائما مطروحة ابلنسبة للفرد‬
‫واملؤسسة واجملتمع‪ ،‬وجيتهد اإلنسان بتطوره الفكري والعلمي إىل التخفيف من حدة هذه املشكلة‪ ،‬أي‬
‫حماولة التقريب بني مستوى املوارد املتاحة واحلاجات املتعددة انطالقا من التوزيع واالستخدام األمثل‬
‫لتلك املوارد‪ ،‬وهذا ما يلخصه الشكل التايل‪:‬‬

‫الشكل (‪ :)01‬معاجلة املشكلة االقتصادية‬

‫املعاجلة‪ ،‬التوزيع‪ ،‬االختيار‬


‫ترويض وهتذيب احلاجات اإلنسانية‬ ‫االستخدام األمثل للمواد‬

‫تعريف املشكلة االقتصادية‪:‬‬

‫تعترب املشكلة االقتصادية ظاهرة مرتبطة بندرة املوارد االقتصادية وحمدوديتها ابلنسبة للحاجات‬
‫والرغبات اإلنسانية املتعددة واملتجددة‪ ،‬إذ أهنا مشكلة مقرتنة بوجود اإلنسان على وجه األرض‪ ،‬يف‬
‫أي زمن أو مكان كان فيه‪ ،‬ومهما كان مستواه وطبيعته‪ ،‬وعلى هذا األساس فان هذه املشكلة‬
‫تتصف ابلعمومية من حيث املكان والزمن‪ ،‬فهي تواجه اإلنسان منذ ان وجد ويف مجيع األماكن‪،‬‬
‫ومهما كان مستوى تطوره وتقدمه احلضاري‪ ،‬ومهما كان مستوى غناه ورفاهيته‪ ،‬كما أهنا تواجه‬
‫اإلنسان كفرد‪ ،‬كجماعة‪ ،‬وكمجتمع‪ ،‬وعلى هذا األساس فان التطور والتقدم احلضاري الذي بلغته‬
‫البشرية ومستوى الغىن الذي توصلت إليه بعض الشعوب ال ميكن ان يقضي على هذه املشكلة‪ ،‬إال‬
‫انه ميكن التخفيف من حدهتا‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫وقد عرفت املشكلة االقتصادية على أهنا‪" :‬عدم قدرة اجملتمع على تلبية حاجات أفراده اليت تتميّز أبهنا‬
‫غري حمدودة ومتزايدة ومتجددة ومتداخلة‪ ،‬وذلك بسبب الندرة النسبية للموارد االقتصادية"‪ ،27‬فهذا‬
‫التعريف للمشكلة االقتصادية يتطابق مع مفهوم الرأمسايل هلا‪ ،‬الذي يفسرها على أهنا مشكلة التباين‬
‫بني احلاجات والرغبات اإلنسانية املتزايدة واملتعددة بسبب النمو السكاين من جهة‪ ،‬وندرة املوارد‬
‫وحمدوديتها من جهة أخرى‪ ،‬إال أن النظرة االشرتاكية ختتلف يف تفسريها للمشكلة االقتصادية‪ ،‬فهي‬
‫ال ترى أهنا تكمن يف ندرة املوارد‪ ،‬بل يف التوزيع غري العادل للثروة وملكية وسائل اإلنتاج‪ ،‬وخاصة‬
‫فيما يتعلق بعدم التوافق بني قوى العمل وعالقات التوزيع‪ ،‬حيث ترى النظرية االشرتاكية أن اجملتمع‬
‫ينقسم إىل طبقات‪ ،‬ولكل طبقة مصاحلها اخلاصة اليت تتميّز هبا عن غريها من الطبقات األخرى‪،‬‬
‫فبعض الطبقات مالكة لوسائل اإلنتاج ومستهلكة لفائض القيمة‪ ،‬الذي تنتجه طبقات أخرى‬
‫مضطهدة مظلومة وحمرومة من فائض القيمة الذي هي من تنتجه‪ ،‬وعلى هذا األساس فان الطبقة‬
‫املالكة واملتسلطة ال تعاين من املشكلة‪ ،‬بينما الطبقة املضطهدة واملتمثلة يف طبقة العمال هي اليت‬
‫تعاين من املشكلة االقتصادية بشكل حاد‪.‬‬

‫وعليه ميكن اعتبار املشكلة االقتصادية تلك الصعوبة اليت تواجه اإلنسان أثناء تلبية حاجاته ورغباته‬
‫املتعددة واملختلفة انطالقا من املوارد االقتصادية املتاحة‪ ،‬واملتواجدة بشكل يتطلب بذل جهد من‬
‫طرف اإلنسان من اجل إعادة تكييفها مع متطلبات إشباع حاجاته ورغباته من حيث زمن ومكان‬
‫التواجد ونوعية وكمية تلك املوارد املتوفرة‪ ،‬أي ان هذه املوارد حباجة إىل معاجلة كمية (زايدة كمية‬
‫املوارد املتاحة)‪ ،‬معاجلة نوعية (تغيري طبيعة وشكل املوارد)‪ ،‬معاجلة مكانية (نقل املوارد من مكان إىل‬
‫أماكن االستخدام)‪ ،‬ومعاجلة زمنية (ختزين املوارد يف زمن الوفرة واالحتفاظ هبا إىل زمن الندرة)‪.‬‬

‫انطالقا مما سبق يتضح أن املشكلة االقتصادية تتصف مبجموعة من اخلصائص ميكن إبرازها فيما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ 27‬حممد عبد هللا شاهني حممد‪ ،‬أصول علم االقتصاد واحلل األمثل للمشكلة االقتصادية من منظور إسالمي‪ ،‬دار األكادمييون للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪ ،2017‬ص ‪283‬‬

‫‪52‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬تتصف املشكلة االقتصادية ابهنا عامة وشاملة‪ :‬من حيث الزمن واملكان والفئات البشرية‪ ،‬أي أهنا‬
‫تواجه كل األفراد واجملتمعات البشرية مهما كان مكان تواجدهم ومهما كانت انتماءاهتم االجتماعية‪،‬‬
‫فاإلنسان يواجه املشكلة االقتصادية عرب اتريخ وجوده منذ أن وجد على وجه األرض ويف مجيع‬
‫األوقات‪ ،‬كما أهنا موجودة يف كل مكان جغرايف أينما تواجد اإلنسان فهو يعاين من هذه املشكلة‪،‬‬
‫كما أن خمتلف الفئات واألفراد وجمتمعات البشرية تواجه هذه املشكلة على اختالف ثقافاهتا‬
‫ومستوايهتا من التطور والتقدم‪.‬‬

‫‪ -‬تتصف املشكلة االقتصادية ابهنا أزلية‪ :‬أي أهنا مرتبطة بوجود اإلنسان على وجه األرض وليست‬
‫هي وليدة عصر أو فرتة اترخيية معينة‪ ،‬فهي مقرتنة بتاريخ الوجود اإلنساين‪.‬‬

‫‪ -‬تتصف املشكلة االقتصادية ابالستمرارية‪ :‬أي هي مشكلة تواجه اإلنسان يف مجيع أوقات ومراحل‬
‫حياته‪ ،‬سواء كان فرد أو مجاعة أو جمتمع‪ ،‬فهي ليست وليدة ظروف اجتماعية أو اقتصادية طارئة‪ ،‬أو‬
‫حالة استثنائية كما هو احلال ابلنسبة لالزمات االقتصادية‪ ،‬فهي ظاهرة دائمة ومستمرة عرب حياة‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫‪ -‬تتميز املشكلة االقتصادية ابلتنوع واالختالف‪ :‬وذلك ابختالف الطبقات االجتماعية واألفراد‬
‫واجملتمعات واألماكن اجلغرافية والتطور االجتماعي والتكنولوجي لإلنسان‪ ،‬حيث جند ان طبيعة‬
‫املشكلة االقتصادية خمتلفة من جمتمع إىل آخر ومن فرد إىل آخر ومن طبقة اجتماعية إىل أخرى‪،‬‬
‫وذلك ان املشكلة االقتصادية متعددة ومتنوعة‪ ،‬فمثال من األفراد من يعاين من صعوبة تلبية احلاجات‬
‫الفيزيولوجية ومنهم من يعاين من صعوبة تلبية احلاجات االجتماعية واألمن وغريها‪ ،‬وخاصة‬
‫االختالف يف املشكلة بني اجملتمعات البشرية والطبقات االجتماعية‪.‬‬

‫‪ -‬تتميز املشكلة االقتصادية ابن هلا درجة شدة معينة‪ :‬أي ان املشكلة االقتصادية ختتلف يف شدهتا‬
‫وحدهتا حسب اختالف نوعها وزمنها وانتماءات األفراد االجتماعية‪ ،‬فمن األفراد والفئات البشرية من‬

‫‪53‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫يعاين من مشكلة حادة بينما آخرين يواجهون مشكالت اقتصادية خفيفة‪ ،‬كما هو احلالة ابلنسبة‬
‫لألغنياء والفقراء‪.‬‬

‫عناصر املشكلة االقتصادية‪:‬‬

‫اعتبارا من ان املشكلة االقتصادية متثل صعوبة تلبية احلاجات والرغبات اإلنسانية انطالقا من املوارد‬
‫االقتصادية املتاحة‪ ،‬فيتضح أهنا تتحدد بثالث عناصر أساسية واملتمثلة يف‪ :‬الندرة النسبية للموارد‬
‫االقتصادية‪ ،‬تعدد وتنامي احلاجات اإلنسانية‪ ،‬إضافة إىل مسألة التخصيص واالختيار‪ ،‬واليت ميكن‬
‫توضيحها من خالل الشكل اآليت‪::‬‬

‫الشكل (‪ :)2‬عناصر املشكلة االقتصادية‬

‫املشكلة االقتصادية‬

‫تعدد احلاجات والرغبات‬ ‫الندرة النسبية للموارد‬

‫التضحية واالختيار‬ ‫التخصيص والتوزيع‬

‫تكلفة الفرصة البديلة‬

‫املصدر‪ :‬حممد عبد هللا شاهني حممد‪ ،‬أصول علم االقتصاد واحلل األمثل للمشكلة االقتصادية من منظور إسالمي‪ ،‬دار‬
‫األكادمييون للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،2017‬ص‪.285‬‬
‫فنتيجة للتباين واالختالف املوجود بني املوارد االقتصادية املتاحة أمام اإلنسان‪ ،‬ومتطلبات تلبية‬
‫حاجاته ورغباته املختلفة واملتنوعة‪ ،‬تنشأ املشكلة االقتصادية‪ ،‬اليت تتطلب من اإلنسان بذل جهد من‬
‫اجل إعادة تكييف تلك املوارد مع حاجاته ورغباته من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى جيب عليه أيضا بذل‬
‫جهد من اجل االختيار املناسب للحاجات اليت جيب تلبيتها واحلاجات اليت جيب التضحية هبا‪ ،‬كما‬
‫جيب عليه أيضا حبث مسألة ختصيص وتوزيع تلك املوارد ذات االستخدامات املتعددة‪ ،‬وعلى هذا‬

‫‪54‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫األساس يظهر العنصر الثالث للمشكلة االقتصادية‪ ،‬إضافة على العنصرين السابقني‪ ،‬واليت ميكن‬
‫شرحها على النحو اآليت‪:‬‬

‫‪ .1‬الندرة النسبية للموارد االقتصادية‪:‬‬

‫يعترب عامل الندرة من أهم أبعاد املشكلة االقتصادية‪ ،‬والندرة ابملفهوم االقتصادي ال تعين عدم وجود‬
‫املوارد‪ ،‬وإمنا تعين عدم كفاية املوارد وعدم تناسبها مع متطلبات تلبية احلاجات والرغبات اإلنسانية‪،‬‬
‫وذلك مرده إىل ان املوارد موجودة يف الطبيعة بكميات كبرية ومع ذلك ما ينتج منها ويتم حتويله يبقى‬
‫دون احلاجة إليها على الرغم من ضخامة اإلنتاج (مثال الغاز واملعادن)‪ ،‬وستظل كمية عرض املتاح من‬
‫املوارد أقل بنسبة معيّنة من مستوى اإلشباع املطلوب حلاجات اجملتمع ككل‪ ،28‬فاملوارد االقتصادية‬
‫اليت حيتاجها اإلنسان اندرة وحمدودة مقارنة مع احلاجات والرغبات اإلنسانية‪ ،‬وهذه الندرة أتخذ عدة‬
‫أبعاد منها‪:‬‬

‫‪ -‬البعد الكمي‪ :‬حيث ان تلك املوارد االقتصادية املتاحة أمام اإلنسان‪ ،‬واليت تعترب من متطلبات تلبية‬
‫احلاجات والرغبات‪ ،‬عادة ما تكون بكميات حمدودة تتطلب تنمية وزايدة بشكل جيعلها كافية لتلبية‬
‫احلاجات والرغبات اإلنسانية‪ ،‬وهذا يتطلب من اإلنسان بذل جهد لتحقيق ذلك الغرض كتحسني‬
‫إنتاجية عوامل اإلنتاج‪ ،‬التطوير التكنولوجي‪.‬‬

‫‪ -‬البعد الكيفي أو النوعي‪ :‬ففي معظم األحيان ال تتوافر املوارد ابلنوعية املطلوبة واملناسبة لتلبية‬
‫حاجات ورغبات األفراد‪ ،‬فيتطلب من اإلنسان القيام أبنشطة معينة لتحقيق ذلك الغرض‪ ،‬واملتمثل‬
‫يف نشاط اإلنتاج‪ ،‬الذي يعمل على تغيري شكل املوارد من اجل جعلها صاحلة لتلبية احلاجات‬
‫والرغبات‪ ،‬ومثال على ذلك املعادن‪ ،‬اخلشب‪ ،‬اجللود‪ ،‬القمح والقطن‪ ،‬كلها موارد حتتاج إىل حتويل‬
‫وتكييف من اجل جعلها صاحلة لالستخدام‪.‬‬

‫‪ -28‬أمحد جالل‪ ،‬األبعاد االقتصادية للمشاكل البيئية وأثر التنمية املستدامة‪ ،‬دار خالد للنشر والتوزيع‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،2017‬ص‪45‬‬

‫‪55‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬البعد الزماين‪ :‬ويشري هذا البعد إىل ندرة املوارد يف وقت احلاجة إليها رغم توفرها يف أوقات أخرى‪،‬‬
‫أو توفرها يف أوقات بكميات كبرية وندرهتا يف أوقات أخرى‪ ،‬مثال جند وفرة يف املوارد الزراعية يف‬
‫مواسم جنيها وعدم توفرها يف مواسم أخرى‪ ،‬وهذا ما يتطلب من اإلنسان االحتفاظ بتلك املوارد من‬
‫وقت الوفرة إىل وقت آخر تظهر احلاجة إليها فيه‪.‬‬

‫‪ -‬البعد املكاين‪ :‬ويرتبط هذا البعد ابلتوزيع غري متكافئ للموارد بني املناطق واألماكن اجلغرافية‪ ،‬مما‬
‫يولد ندرهتا يف أماكن معينة رغم وفرهتا يف أماكن أخرى‪ ،‬مثال جند وفرة النفط والطاقة يف بعض الدول‬
‫وعدم وجودها يف دول أخرى‪ ،‬جند هناك وفرة يف األمساك يف املناطق الساحلية وعدم وجودها يف‬
‫املناطق الداخلية وغريها‪ ،‬العديد من املوارد اليت تتواجد بكثرة يف أماكن اإلنتاج وتكون اندرة يف أماكن‬
‫االستهالك واالستخدام‪ ،‬مما يتطلب إعادة توزيع تلك املوارد على املناطق حسب احلاجة إليها‪.‬‬

‫‪ -‬البعد احليازي‪ :‬ويشري إىل التوزيع غري متكافئ بني خمتلف األفراد واجلماعات واجملتمعات البشرية‪،‬‬
‫مما جيعل تلك املوارد اندرة ابلنسبة لبعض األفراد والفئات واجملتمعات البشرية رغم وفرهتا ابلنسبة‬
‫ألشخاص آخرين‪ ،‬وهذا يتطلب من اإلنسان بذل جهد من اجل إعادة توزيع تلك املوارد بطرق‬
‫وآليات ختتلف حسب نوعيتها‪ ،‬كالتبادل التجاري‪.‬‬

‫ومما سبق يتضح ان علم االقتصاد يقوم على معاجلة املشكلة االقتصادية انطالقا من معاجلة ندرة‬
‫املوارد أببعادها األربعة من جهة‪ ،‬وتوزيعها واستخدامها استخداما عقالنيا ومثاليا من خالل عدة‬
‫أساليب ومناهج (كالتخزين‪ ،‬النقل‪ ،‬اإلنتاج‪ ،‬التبادل ‪ ،)...‬كما ان ندرة املوارد مفهوم نسيب يرتبط‬
‫بعدم القدرة على توظيفها بشكل فعال يف تلبية حاجات ورغبات اإلنسان‪ ،‬واليت تعود ابألساس إىل‬
‫عوامل مرتبطة بتصرفات اإلنسان اجتاه تلك املوارد واليت تتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬سوء استخدام وتوزيع املوارد‪ :‬فاإلنسان عادة ما يسيئ استخدام املوارد الطبيعية املتاحة‪ ،‬مبا‬
‫يؤدي إىل فسادها وتبذيرها أو اإلسراف فيها‪ ،‬أو يستخدمها بشكل غري مناسب لتلبية حاجاته‬
‫ورغباته‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬ضعف فعالية وكفاءة طريقة وكيفية استخدام املوارد وكذا ضعف قدرة اإلنسان على ادراك‬
‫أماكن وأوقات تواجدها‪ ،‬وطبيعة املنافع واملزااي اليت حتققها‪.‬‬

‫‪ -‬التوزيع غري متكافئ للموارد من حيث األزمنة واألمكنة‪ ،‬وبني خمتلف األفراد واجملموعات‬
‫واجملتمعات البشرية‪ ،‬إضافة إىل الظلم واالستغالل الذي يسلطه بعض األفراد واجملتمعات على ابقي‬
‫البشر‪ ،‬كما هو حاصل ابلنسبة للتسلط الطبقي‪.‬‬

‫‪ -‬ضعف أداء وعدم فعالية اإلنسان يف استخدام املوارد وحتويلها‪ ،‬وذلك الن تلك املوارد ال‬
‫تتواجد يف الطبيعة بشكل يناسب تلبية احلاجات والرغبات بل حتتاج إىل عميلة حتويل وتغيري‪ ،‬وهذا‬
‫يتطلب من اإلنسان بذل جهد وأداء أنشطة معينة سواء ذهنية أو بدنية‪ ،‬وتنظيمها يف شكل‬
‫تنظيمات ووحدات معينة‪ ،‬حيث تتنوع تلك األنشطة بني اإلنتاج والتوزيع والنقل والتخزين والتبادل‪،‬‬
‫فقصور وعدم رغبة اإلنسان يف أداء تلك األنشطة بفعالية‪ ،‬يسبب ندرة وشح يف خمتلف الوسائل‬
‫املعتمدة يف تلبية احلاجات اإلنسانية‪ ،‬كما هو احلال يف معظم الدول واجملتمعات النامية اليت مل تتمكن‬
‫من تلبية حاجاهتا ورغباهتا رغم توفرها على الكثري من املوارد الطبيعية‪ ،‬كاحملروقات‪ ،‬املعادن‪ ،‬املياه‪،‬‬
‫األراضي‪.‬‬

‫وانطالقا من هذا العنصر يقع على عاتق االقتصادي إشكالية البحث عن الطرق اليت متكنه من‬
‫التغلب على الندرة النسبية للموارد‪ ،‬من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬حبث طرق توفريها وزايدة كميتها‪.‬‬
‫‪ -‬حبث الطرق اليت متكن من االستخدام األمثل هلا مبا حيافظ على تلك املوارد من الضياع واإلسراف‪.‬‬
‫‪ -‬حبث طرق التوزيع األمثل لتلك املوارد على خمتلف االحتياجات والفئات واملناطق‪.‬‬
‫‪ -‬حبث طرق ختزين تلك املوارد مبا يضمن شروط احلفظ والسالمة هلا‪.‬‬
‫‪ -‬حبث طرق التحويل الفعالة لتلك املوارد بشكل جيعلها تتناسب مع استخداماهتا يف تلبية حاجات‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -2‬تعدد وتنامي احلاجات‪:‬‬

‫تعدد وتنامي احلاجات اإلنسانية تعترب الركن الثاين يف املشكلة االقتصادية‪ ،‬وذلك ان مشكلة اإلنسان‬
‫تتمحور حول تلبية حاجاته ورغباته املتعددة واملتنامية مبختلف الوسائل املمكنة‪ ،‬وتعرف احلاجة على‬
‫معني‪ ،‬ويرافق هذا الشعور عادة إحساس‬ ‫أهنا‪" :‬شعور شخصي ابلرغبة يف احلصول على شيء ّ‬
‫‪29‬‬
‫ابحلرمان والنقص أو األمل‪ ،‬األمر الذي يدفع بصاحب احلاجة إىل تلبيتها"‬

‫أما اقتصاداي فتعترب احلاجة كل ما يرغب اإلنسان يف احلصول عليه‪ ،‬ويشكل له دافع للبحث عن‬
‫وسائل لتلبية ذلك الشعور‪ ،‬وال يوجد هناك اختالف جوهري بني األنظمة االقتصادية املختلفة يف‬
‫حتديد مفهوم احلاجة وال يف طريقة تصنيفها والتمييز فيما بينها‪ ،‬وتبقى جمرد شعور نفسي ابحلرمان‬
‫اجتاه شيء معني يكون مبثابة دافع لإلنسان الختاذ سلوك معني يف سبيل القضاء على ذلك الشعور‪.‬‬

‫وتتصف احلاجات والرغبات اإلنسانية ابلتنوع والتعدد والتنامي املستمر عرب الزمن‪ ،‬إىل درجة أهنا‬
‫توصف أبهنا الهنائية وغري حمدودة‪ ،‬ويعود هذا التعدد والتنامي يف احلاجات اإلنسانية إىل جمموع من‬
‫العوامل كما هي مبينة فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬النمو السكاين‪ :‬فزايدة عدد السكان والذي يظهر من خالل الفرق بني عدد املواليد وعدد‬
‫الوفيات‪ ،‬سيؤدي إىل زايدة عدد وحجم احلاجات والرغبات اإلنسانية‪ ،‬ويساهم هذا العامل اكثر يف‬
‫تفاقم املشكلة االقتصادية عندما يكون اكرب من معدل النمو االقتصادي‪.‬‬

‫‪ -‬تكرار وجتدد احلاجات‪ :‬ويعين ذلك ان احلاجات عند تلبيتها ستعود للظهور وفق دورة زمنية معينة‬
‫منتظمة أو غري منتظمة‪ ،‬واليت ختتلف حسب نوع احلاجات فمثال احلاجة إىل الغذاء جندها تتكرر‬
‫يوميا‪ ،‬أما احلاجة إىل اللباس والدواء فهي أتخذ مدة زمنية أطول‪.‬‬

‫‪ -‬التطور التقين والتكنولوجي لإلنسان‪ :‬إن التطور التقين والتكنولوجي ساهم يف تزايد وتنوع احلاجات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ففي العصر احلايل وبفعل هذا التطور ظهرت حاجات جديدة لدى اإلنسان مل تكن‬

‫‪ 29‬حممد عبد هللا شاهني حممد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪289‬‬

‫‪58‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫موجودة من قبل‪ ،‬مثل‪ :‬احلاجة إىل اهلاتف النقال‪ ،‬احلاجة إىل شبكة األنرتنت‪ ،‬احلاجة إىل التلفاز‬
‫وغريها من احلاجات اليت مل يكن يعرفها اإلنسان يف عصور سابقة‪.‬‬

‫‪ -‬التطور والتغري االجتماعي والثقايف‪ :‬فالتطور االجتماعي لإلنسان اظهر حاجات جديدة‪ ،‬حيث ان‬
‫أمناط احلياة وأساليبها اليت تفرضها ثقافة اجملتمع واليت على أساسها ميكن لإلنسان تلبية حاجاته‬
‫االجتماعية‪ ،‬أدت إىل ظهور الكثري من احلاجات والرغبات‪ ،‬كاحلاجة إىل املعرفة‪ ،‬واحلاجة إىل لباس‬
‫مقبول وحمرتم‪ ،‬واحلاجة إىل مسكن واألاثث وغريها من احلاجات اليت تتطلبها احلياة االجتماعية‬
‫لإلنسان‪ ،‬وتلك اليت تفرضها ثقافة اجملتمع مبا حتتويه من رموز وعادات وقيم على خمتلف األفراد‬
‫واجلماعات نتيجة انتمائهم للمجتمع واتصافهم خبصائصها‪.‬‬

‫‪ -‬تنوع وتعدد احلاجات اإلنسانية‪ :‬حيث ان حياة اإلنسان مبختلف أبعادها‪ ،‬تقوم على تلبية عدة‬
‫حاجات ورغباته‪ ،‬منها احلاجات الفسيولوجية واالجتماعية النفسية‪ ،‬فهو حباجة إىل الغذاء‪ ،‬املاء‪،‬‬
‫اهلواء‪ ،‬اللباس‪ ،‬املأوى‪ ،‬التعلم‪ ،‬الدواء وغريها‪ ،‬هذا ما جيعل حاجات اإلنسان متعددة ومتنوعة‪ ،‬فهو‬
‫ليس له حاجة واحدة فقط بل حيتاج إىل أمور عديدة‪ ،‬جيب عليه تلبيتها‪.‬‬

‫تعدد احلاجات والرغبات حسب الوحدات االقتصادية‪:‬‬

‫إن مسألة تعدد احلاجات والرغبات تطرح على مستوى كل وحدة اقتصادية‪ ،‬أي أن كل وحدة‬
‫اقتصادية سواء كانت املستهلك أو املنتج أو اجملتمع‪ ،‬تواجه تعدد وتزايد احلاجات والرغبات‪ ،‬وميكن‬
‫توضيحها على النحو اآليت‪:‬‬

‫‪ -‬على مستوى املستهلك‪ :‬يواجه اإلنسان الفرد مهما كان نوعه ومستواه ودرجة حتضره‪ ،‬يوميا‬
‫جمموعة من احلاجات والرغبات واليت يسعى دوما إىل تلبيتها‪ ،‬كاحلاجة إىل الغذاء‪ ،‬اللباس‪ ،‬العالج‬
‫والتعليم‪ ،‬وهذا ما يهتم به االقتصاد اجلزئي‪ ،‬أي حبث حاجات اإلنسان من حيث‪ :‬ماهيتها‬
‫وخصائصها‪ ،‬كيفية ظهورها‪ ،‬العوامل املتحكمة فيها‪ ،‬وآليات إشباعها وإاثرهتا‪ ،‬والسلوك املتبع من‬
‫طرف املستهلك يف سبيل إشباعها‪ .‬حيث تتزايد وتتعدد حاجات املستهلك تبعا لتغري جمموعة من‬

‫‪59‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫العوامل منها‪ :‬السن‪ ،‬العادات والتقاليد‪ ،‬الطبقة االجتماعية‪ ،‬التطور والتقدم التكنولوجي واالجتماعي‪،‬‬
‫تغري األذواق‪ ،‬مستوى الدخل‪.‬‬

‫‪ -‬على مستوى املنتج أو املؤسسة‪ :‬فاملنتج كوحدة اقتصادية هلا جمموعة من األهداف والغاايت اليت‬
‫تسعى إىل حتقيقها وهي أيضا غري حمدودة ومتجددة‪ ،‬وهنا علم االقتصاد أيضا يبحث يف مسألة تكون‬
‫تلك احلاجات والرغبات وكيفية حتقيقها‪ ،‬واآلليات الناجعة لتحقيق ذلك‪ ،‬والسلوك أو التصرف املثايل‬
‫الذي ميكن املنتج من حتقيق تلك األهداف والغاايت (علما ان سلوك املنتج يعترب اكثر عقالنية‬
‫وموضوعية من سلوك املستهلك)‪ .‬كما تتأثر حاجات ورغبات املنتج حسب عدة عوامل منها‪ :‬نوعية‬
‫وحجم املوارد املتاحة‪ ،‬خربة وثقافة مسري املؤسسة‪ ،‬الظروف البيئية واالجتماعية واالقتصادية احمليطة‪،‬‬
‫إضافة إىل حاجات ورغبات اجملتمع‪.‬‬

‫‪ -‬على مستوى اجملتمع أو الدولة‪ :‬ان اجملتمع كوحدة اقتصادية له جمموعة من الغاايت واحلاجات اليت‬
‫يسعى دوما إىل حتقيقها‪ ،‬كتحسني مستوايت املعيشة‪ ،‬رفع معدالت النمو االقتصادي‪ ،‬زايدة نسبة‬
‫التشغيل‪ ،‬تلبية بعض املتطلبات االجتماعية كالعالج والتعليم وإنشاء البىن التحتية‪ ،‬الغذاء وغريها‪.‬‬
‫وهنا علم االقتصاد يهتم هبذه املسائل ويبحث يف الطرق واآلليات اليت متكن اجملتمع من تلبية‬
‫حاجياته بشكل اكثر فعالية‪ .‬وتتأثر حاجات ورغبات اجملتمع بعدة عوامل منها‪ :‬عدد السكان‪،‬‬
‫الظروف البيئية‪ ،‬مستوى التطور الثقايف واالجتماعي‪ ،‬احلاجات والرغبات الفردية‪.‬‬

‫بناء على هذا العنصر والبعد احملدد للمشكلة االقتصادية‪ ،‬يتعني على االقتصادي ويف سبيل معاجلة‬
‫تلك املشكلة دراسة طبيعة احلاجات اإلنسانية وحبث أسباب تزايدها ابلشكل الذي ميكنه من حتديد‬
‫الطرق املثلى لتلبيتها وإشباعها واملفاضلة فيما بينها‪.‬‬

‫‪ -3‬االختيار والتخصيص‪:‬‬

‫ابلنظر إىل اخلصائص اليت تتميز هبا كل من احلاجات من جهة واملوارد االقتصادية من جهة أخرى‪،‬‬
‫حيث انه ميكن تلبية حاجة معينة انطالقا من عدة موارد‪ ،‬كما ان املورد الواحد قد جند له عدة‬

‫‪60‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫استخدامات‪ ،‬هذا يطرح مشكلة وحتدي من نوع آخر أمام االقتصادي‪ ،‬يكمن يف ضرورة البحث عن‬
‫التخصيص األمثل للموارد على احلاجات والرغبات اليت جيب املفاضلة بينها من اجل اختيار بعضا‬
‫منها والتضحية ابلبعض اآلخر‪.‬‬

‫فاالختيار هو عبارة عن حماولة حتديد احلاجات اليت ينبغي على اإلنسان تلبيتها‪ ،‬أي اختيار اإلنسان‬
‫للحاجات امللحة والضرورية اليت جيب عليه إشباعها أوال واحلاجات اليت يضحي هبا أو يؤخر‬
‫إشباعها‪ ،‬أما ابلنسبة للتخصيص فيكمن يف عملية توزيع وختصيص املوارد االقتصادية النادرة على‬
‫خمتلف استخداماهتا بشكل حيقق اكرب إشباع ممكن‪ ،‬وتطرح هنا إشكالية التخصيص ابلنسبة‬
‫للحاجات والرغبات احلالية وطريقة توزيع املوارد عليها سواء على مستوى الفرد الواحد أو على‬
‫مستوى اجملتمع ككل‪ ،‬أو التخصيص واملفاضلة بني احلاجات احلالية واحلاجات املستقبلية‪ ،‬ويتم هذا‬
‫على أساس معايري يسعى االقتصاديون إىل حتديدها ودراستها‪ ،‬ويتم اختيار احلاجات اليت جيب تلبيتها‬
‫واحلاجات اليت يتم التضحية هبا أو أتجيلها إىل وقت آخر على أساس درجة اإلحلاح‪ ،‬فكلما كانت‬
‫احلاجة اشد إحلاحا يتم اختيارها لإلشباع‪ ،‬أما األقل إحلاحا يتم أتجيلها أو التضحية هبا‪.‬‬

‫أما مسألة التخصيص فتعين كيفية ختصيص وتوزيع املوارد االقتصادية النادرة نسبيا على خمتلف‬
‫االستخدامات واحلاجات اإلنسانية‪ ،‬ويتم هذا التخصيص وفق نوع املنفعة أو مستوى اإلشباع الكلي‬
‫احملقق‪ ،‬وميكن دراسة هذه املسألة على مستوى كل وحدة اقتصادية كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬ختصيص وتوزيع املوارد االقتصادية على مستوى املستهلك‪ :‬حيث ان املستهلك يواجه يوميا‬
‫إشكالية ختصيص وتوزيع دخله احملدود على خمتلف حاجاته ورغباته‪ ،‬أي يبحث الطريقة املثلى اليت‬
‫يتم من خالهلا توزيع وانفاق دخله على خمتلف السلع واخلدمات واليت حتقق له اكرب إشباع ممكن‪،‬‬
‫ويتم ذلك بناء على معيار مستوى اإلشباع احملقق‪ ،‬وهذا ما تبحثه النظرية االقتصادية اجلزئية أي‬
‫مسألة توازن املستهلك‪ ،‬كما ان التوزيع والتخصيص للدخل يطرح حول احلاجات احلالية واحلاجات‬
‫املستقبلية للمستهلك‪ ،‬أي كيفية توزيع الدخل بني االستهالك واالدخار وكيف يتم ذلك وعلى أي‬

‫‪61‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫أساس يتم‪ ،‬حيث جند أن هناك اختالف يف تفسري ذلك بني املدرسة الكالسيكية واملدرسة الكنزية‬
‫كما سنتناوله الحقا‪.‬‬

‫‪ -‬ختصيص وتوزيع املوارد االقتصادية على مستوى املنتج‪ :‬كما ان املنتج أيضا يسعى إىل حبث الطرق‬
‫املثلى لتوزيع املوارد املختلفة (مالية‪ ،‬بشرية‪ ،‬مادية‪ ،‬معنوية) على خمتلف االستخدامات بشكل حيقق له‬
‫أهدافه وغاايته أبكثر فعالية‪ ،‬واليت عادة ما تتمثل يف تعظيم الثروة‪ ،‬تعظيم األرابح‪ ،‬تعظيم معدل‬
‫العائد على األموال املستثمرة‪ ،‬تعظيم اإلنتاج‪ ،‬تعظيم املبيعات‪ ،‬وهذه املسألة كذلك تبحثها النظرية‬
‫االقتصادية اجلزئية‪ ،‬وفق ما يسمى بتوازن املنتج‪.‬‬

‫‪ -‬ختصيص وتوزيع املوارد االقتصادية على مستوى اجملتمع‪ :‬حيث يسعى اجملتمع ممثال يف احلكومة إىل‬
‫حتقيق توزيع عادل وفعال للثروة واملوارد االقتصادية املتاحة‪ ،‬وأول مشكلة تظهر يف هذا اخلصوص هي‬
‫التوزيع بني احلاجات احلالية واحلاجات املستقبلية‪ ،‬أو حاجات األجيال احلالية واألجيال املستقبلية‪،‬‬
‫وهذا يف اطار التنمية املستدامة‪ ،‬اليت تبحث هذه اإلشكالية أي املوازنة بني االستخدام احلايل‬
‫واملستقبلي للموارد االقتصادية‪ ،‬كما تظهر إشكالية التوزيع والتخصيص أيضا بني القطاعات املختلفة‬
‫كقطاع التعليم‪ ،‬الفالحة‪ ،‬الصحة‪ ،‬الصناعة‪ ،‬الرتبية‪ ،‬الثقافة‪ ،‬واألمن وغريها‪ ،‬وهلذا تعمل احلكومات‬
‫سنواي على إعداد ميزانية توضح من خالهلا كيفية توفري املوارد وابألخص املالية ومن مث توزيعها على‬
‫خمتلف القطاعات‪ ،‬كما تناقش هذه املسألة فيما يسمى ابلتنمية القطاعية املتوازنة أو غري املتوازنة‪ ،‬أي‬
‫تلك اليت تستهدف تنمية قطاعات معينة على حساب قطاعات أخرى‪ ،‬كما ان مسألة توزيع‬
‫وختصيص املوارد االقتصادية تظهر بني املناطق واألقاليم اجلغرافية‪ ،‬أي كم خيصص لكل إقليم ومنطقة‬
‫جغرافية من املوارد وعلى أي أساس يتم ذلك التوزيع‪ ،‬كما تظهر إشكالية التوزيع بني أفراد اجملتمع‪ ،‬أي‬
‫كيفية توزيع الثروة والدخل على خمتلف شرائح اجملتمع‪ ،‬وهنا يظهر نوعني من التوزيع قبل اإلنتاج وبعد‬
‫اإلنتاج كما سيتم مناقشته يف اجلزء اخلاص بتوزيع وإعادة توزيع الدخل‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫معاجلة املشكلة االقتصادية‪:‬‬

‫ابعتبار ان املشكلة االقتصادية تكمن يف الصعوبة اليت يواجهها اإلنسان يف تلبية حاجاته ورغباته‬
‫انطالقا من املوارد االقتصادية املتاحة‪ ،‬والناجتة عن التباين واإلختالف القائم بني املوارد االقتصادية‬
‫النادرة واحلاجات والرغبات اإلنسانية املتعددة من حيث الكيف والكم واملكان والزمان‪ ،‬فمعاجلتها‬
‫والتخفيف من حدهتا تعين حماولة التقليل من هذا التفاوت والتباين‪.‬‬

‫أي حماولة التقريب بني كمية وزمن ومكان وشكل املوارد االقتصادية املتاحة ومتطلبات تلبية احلاجات‬
‫والرغبات اإلنسانية‪ ،‬وهذا يتأسس على االستخدام الفعال والرشيد للموارد املتاحة من جهة‪ ،‬وهتذيب‬
‫واحلد من احلاجات والرغبات اإلنسانية من جهة أخرى‪ ،‬أي دراسة كيفية التغلب على الندرة أببعادها‬
‫األربع‪ ،‬وكيفية توزيع واستخدام املوارد بطريقة وأبسلوب امثل لتلبية تلك احلاجات والرغبات حمققا‬
‫بذلك أكرب إشباع ممكن هلا‪ ،‬فاملعاجلة للمشكلة االقتصادية إذن تقوم على العناصر التالية‪:‬‬

‫دراسة طرق توفري املوارد واستخدامها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫معاجلة ندرة املوارد االقتصادية من حيث الزمان واملكان والكم والكيف‬ ‫‪‬‬

‫توزيع وختصيص املوارد على خمتلف احلاجات والرغبات‪ ،‬والذي أيخذ بعدين أساسيني ومها‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫التوزيع على احلاجات الضرورية وغري ضرورية‪ -‬التوزيع النسيب واحملدود على احلاجات‬
‫للتخفيف من آاثرها السلبية أي التخفيف من حدة اإلحلاح‬
‫دراسة احلاجات اإلنسانية وتصنيفها ومعرفة كيفية تلبيتها أو التأثري يف تطورها وتناميها والتنبؤ‬ ‫‪‬‬

‫هبا من حيث التنوع والكم والزمن واملكان‪ ،‬حىت ميكن توجيه املوارد اليها بشكل عقالين‬
‫وصحيح‪.‬‬
‫وانطالقا مما سبق يتضح ان معاجلة املشكلة االقتصادية تقتضي اإلجابة على األسئلة املتشعبة التالية‪:‬‬

‫‪ -‬ما نوع وما كمية السلع واخلدمات اليت جيب إنتاجها؟‬


‫‪ -‬من الذي يقوم ابإلنتاج وأين ومىت؟‬

‫‪63‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬ما هي املوارد اليت جيب استخدامها وكيف يتم توفريها؟‬
‫‪ -‬ما هي أساليب وطرق ووسائل اإلنتاج املتبعة؟‬
‫‪ -‬ملن تنتج هذه السلع واخلدمات؟‬
‫‪ -‬ما هي احلاجات والرغبات الواجب إشباعها؟‬
‫‪ -‬كيف يتم توزيع هذا الناتج؟‬
‫‪ -‬كيف يتم توزيع مداخيل العملية اإلنتاجية؟‬
‫‪ -‬كيف يتم توزيع الثروات واملوارد على أجيال األمة؟‬
‫وختتلف اجملتمعات اإلنسانية يف طريقة معاجلتها للمشكلة االقتصادية‪ ،‬كما ختتلف األنظمة االقتصادية‬
‫يف نظرهتا هلا‪:‬‬

‫معاجلة املشكلة االقتصادية يف النظام الرأمسايل‪:‬‬

‫يقوم النظام الرأمسايل على امللكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج‪ ،‬واملنافسة احلرة‪ ،‬واحلرية الفردية‪ ،‬وعلى هذا‬
‫األساس فان حل املشكلة االقتصادية يتم بطريقة تلقائية‪ ،‬أي عن طريق آلية السعر ونظام السوق‪،‬‬
‫الذي يعمل على توزيع وختصيص املوارد بني خمتلف استخداماهتا املتنافسة‪ ،‬وترشيد تلك‬
‫االستخدامات مؤداي إىل احملافظة على املوارد من جهة واىل تعظيم العوائد من جهة أخرى‪ ،‬حمققا‬
‫اقصى إشباع ممكن للحاجات والرغبات يف ظل املوارد املتاحة‪.‬‬

‫معاجلة املشكلة االقتصادية يف النظام االقتصادي االشرتاكي‪:‬‬

‫والذي يقوم على امللكية العامة لوسائل اإلنتاج‪ ،‬وابلنظر إىل غياب حافز امللكية ونظام السوق‪ ،‬فان‬
‫معاجلة املشكلة االقتصادية وفق هذا النظام تتم عن طريق التخطيط املركزي الذي تتواله اللجنة املركزية‬
‫للتخطيط‪ ،‬اليت حتدد األولوايت ووسائل اإلنتاج مث توزيع املوارد على خمتلف االستخدامات‬
‫والقطاعات واملناطق بشكل هادف وعادل‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫معاجلة املشكلة االقتصادية يف النظام االقتصادي املختلط‪:‬‬

‫وهو نظام وسط جيمع بني نظام امللكية الفردية واجلماعية لوسائل اإلنتاج‪ ،‬وبني نظام السوق وتدخل‬
‫الدولة يف النشاط االقتصادي‪ ،‬إذ تعاجل املشكلة االقتصادية عن طريق نظام السوق وآلية السعر من‬
‫جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى بتدخل الدولة لتوجيه القوى واألنشطة وتعديل ومعاجلة االختالالت واألزمات‬
‫املختلفة‪ ،‬خاصة وان االقتصادايت الرأمسالية تعرف أزمات دورية تتطلب تدخل ومعاجلة من طرف‬
‫الدولة‪.‬‬

‫مستوايت املشكلة االقتصادية‪:‬‬

‫ان مجيع الوحدات االقتصادية مهما كانت يف شكل فردي أو مجاعي تواجه املشكلة االقتصادية‪،‬‬
‫مبا يف ذلك املستهلك‪ ،‬املنتج‪ ،‬واجملتمع‪ ،‬ومن هذا يتضح ان للمشكلة االقتصادية مستوايت تقع‬
‫حسب الوحدة االقتصادية وميكن شرحها من خالل ما أييت‪:‬‬

‫‪ -‬على مستوى املستهلك‪ :‬يواجه املستهلك بشكل دائم ومستمر مشكلة صعوبة إشباع حاجاته‬
‫ورغباته املتعددة واملتنامية انطالقا من استهالكه للسلع واخلدمات املتاحة‪ ،‬واليت ميكن احلصول عليها‬
‫بواسطة دخله احملدود‪ ،‬فمن هنا تتحدد املشكلة االقتصادية على هذا املستوي يف كيفية انفاق الدخل‬
‫على اقتناء السلع واخلدمات بشكل حيقق اكرب إشباع ممكن للحاجات والرغبات‪.‬‬

‫‪ -‬على مستوى املنتج‪ :‬يسعى املنتج دائما إىل تعظيم الربح والعوائد االقتصادية بناء على ترشيد‬
‫النشاط اإلنتاجي أي استخدام املوارد استخداما عقالنيا وفعاال‪ .‬حيث تتحدد املشكلة االقتصادية‬
‫هنا من خالل مواجهة حتدي اختيار وسائل االستخدام األمثل للموارد االقتصادية النادرة املتاحة‪،‬‬
‫وختصيصها على خمتلف االستخدامات واألنشطة مبا حيقق اكرب عائد اقتصادي‪.‬‬

‫‪ -‬املشكلة االقتصادية على مستوى الدولة أو اجملتمع‪ :‬تسعى الدول واجملتمعات إىل حتقيق التنمية‬
‫والنمو االقتصادي والقضاء على خمتلف األزمات بغرض حتقيق الرفاهية االقتصادية وسعادة األفراد‪،‬‬
‫أي السعي إىل حتقيق االستقرار والتوازن االقتصادي واحلد من االختالالت واألزمات‪ ،‬فتتمثل املشكلة‬

‫‪65‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫االقتصادية على هذا املستوى يف كيفية استخدام وتوزيع موارد اجملتمع بني خمتلف االستخدامات‬
‫والقطاعات والفئات من اجل حتقيق تنمية اقتصادية‪ ،‬ومن مث الرفاهية االقتصادية من جهة واحلد من‬
‫الظواهر السلبية كاألزمات االقتصادية والتضخم والبطالة والفقر والركود وغريها‪.‬‬

‫فما هي اآلليات والطرق والنظرايت اليت تكفل لنا توزيع واستخدام موارد اجملتمع بغرض حتقيق التنمية‬
‫والنمو االقتصادي وحتقيق اإلشباع املناسب للحاجات والرغبات (مستوى التطور والتقدم االقتصادي‬
‫املرغوب)‪.‬‬

‫فانطالقا مما سبق يظهر ان املشكلة االقتصادية مبختلف أبعادها‪ ،‬ال متثل سوى‪ :‬عامل ودافع لإلنسان‬
‫من اجل السعي والعمل والنشاط إلشباع حاجاته ورغباته‪ ،‬عامل مهم لبناء وتعزيز العالقات بني‬
‫خمتلف األفراد واجلماعات واجملتمعات البشرية‪ ،‬عامل مهم لبحث واكتشاف الطبيعة وما حييط‬
‫ابإلنسان من ظواهر وقضااي‪ ،‬عامل مهم لدفع اإلنسان من اجل حبث ماهيته النفسية واجلسمية‬
‫وكشف أسرارها‪ ،‬عامل مهم حىت يعرف اإلنسان قيمة املوارد وحيافظ عليها‪ ،‬عامل مهم لضبط سلوك‬
‫اإلنسان واحلد من احنرافه وفساده‪.‬‬

‫اتسعا‪ :‬اخلريات‪:‬‬

‫ويقصد هبا الوسيلة اليت يستخدمها اإلنسان يف إشباع حاجاته ورغباته‪ ،‬واليت تسمى ابلسلع‬
‫واخلدمات‪ ،‬وميكن تعريف هذه األخرية على أهنا كل شيء يعود ابملنفعة على اإلنسان ويعترب كوسيلة‬
‫إلشباع حاجاته ورغباته‪.‬‬

‫تقسيم السلع‪:‬‬

‫يف الواقع جند عدة أنواع وأصناف من السلع واخلدمات‪ ،‬وذلك حبسب املعايري املعتمدة يف عملية‬
‫التصنيف‪ ،‬اعتبارا من ان السلع واخلدمات هي الوسائل اليت يستعملها اإلنسان يف إشباع حاجاته‬
‫ورغباته‪ ،‬وهي كما يلي‪:‬‬

‫‪66‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -1‬السلع احلرة والسلع االقتصادية‪ :‬أي حسب درجة وطبيعة توفرها وتوجدها يف الطبيعة‪ ،‬وهنا‬
‫ميكن التمييز بني نوعني من السلع كما هو موضح فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬السلع احلرة‪ :‬هي تلك السلع اليت توجد يف الطبيعة بكميات وفرية تكفي لتلبية كل االحتياجات‬
‫مثل اهلواء‪...‬اخل‪ ،‬وهي ال تثري أي مشكلة اقتصادية ألهنا ال تتميز ابلندرة وال تتطلب عمليات‬
‫التحويل والبحث‪ ،‬أي أهنا ال تكلف اإلنسان أي جهد من اجل احلصول عليها واستخدامها يف‬
‫عمليات اإلشباع‪.‬‬

‫‪ -‬السلع االقتصادية‪ :‬وهي تلك السلع اليت ال توجد يف الطبيعة بكميات كافية ملقابلة الطلب عليها‬
‫أو ال توجد بصورة مناسبة لتلبية احلاجات‪ ،‬ومن مث فالبد لإلنسان ان يبذل جهد للحصول عليها‬
‫واستخدامها يف تلبية حاجاته‪ ،‬وهذا إما من أجل تغيري شكلها‪ ،‬وطبيعتها أو زايدة كميتها‪ ،‬أو نقلها‬
‫من مكان إىل مكان أو من زمان إىل آخر‪ ،‬وهنا جيد اإلنسان نفسه جمرب على القيام بعدة أنشطة‬
‫اقتصادية كاإلنتاج والتوزيع واملبادلة‪.‬‬

‫‪ -2‬السلع االستهالكية والسلع اإلنتاجية‪ :‬وهنا يتم التمييز بينها حسب الغرض من االستخدام ان‬
‫كانت موجهة لالستهالك أو موجهة لإلنتاج‪ ،‬وميكن التمييز بني النوعني اآلتيني‪:‬‬

‫‪ -‬السلع االستهالكية‪ :‬هي تلك السلع اليت تستخدم يف تلبية احلاجات والرغبات بطريقة مباشرة‪،‬‬
‫كالغذاء واللباس أي تلك املوجهة لالستهالك النهائي‪.‬‬

‫‪ -‬السلع اإلنتاجية أو الرأمسالية‪ :‬وهي تلك السلع اليت تستخدم يف العلمية اإلنتاجية أو موجهة‬
‫إلعادة اإلنتاج وال تستخدم يف تلبية احلاجات بطريقة مباشرة‪ ،‬بل تستخدم إلنتاج سلع أخرى أي‬
‫االستهالك اإلنتاجي الوسيط‪.‬‬

‫ال ميكن التمييز بني السلع اإلنتاجية واالستهالكية إال من خالل الغرض من االستخدام‪ ،‬ألن ال‬
‫يوجد سلع إنتاجية وسلع استهالكية بطبيعتها‪ ،‬فنفس السلع ميكن استخدامها يف االستهالك مباشرة‬
‫كما ميكن استخدامها يف عمليات اإلنتاج‪ ،‬كما هو احلال ابلنسبة ملادة السكر ميكن استخدامه من‬

‫‪67‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫طرف العائالت يف تلبية احلاجات مباشرة‪ ،‬كما ميكن استخدامها يف إنتاج سلع أخرى كإنتاج‬
‫احللوايت واملشروابت وغريها‪.‬‬

‫‪ -3‬السلع املعمرة وغري معمرة‪ :‬أي حسب عدد مرات االستخدام يف تلبية احلاجات والرغبات‬
‫وميكن التمييز بني النوعني اآلتيني‪:‬‬

‫‪ -‬السلع املعمرة‪ :‬وهي تلك السلع اليت ميكن استخدامها عدة مرات يف تلبية احلاجات والرغبات‪،‬‬
‫أي ملدة زمنية طويلة كالسيارات والطاوالت والتلفاز‪ ،‬فهي ال تفىن مبجرد استخدامها ألول مرة‪.‬‬

‫‪ -‬السلع غري معمرة‪ :‬وهي تلك السلع اليت تفىن مبجرد استخدامها يف تلبية احلاجات والرغبات ألول‬
‫مرة‪ ،‬أي تلك اليت ال ميكن استخدامها اكثر من مرة‪ ،‬كالغذاء‪ ،‬حيث تفىن مبجرد االستخدام األول‬
‫هلا‪.‬‬

‫‪ -4‬السلع الكمالية والسلع الضرورية‪ :‬وهنا يتم التمييز بني السلع حسب أمهيتها ابلنسبة لإلنسان‪،‬‬
‫أو حسب درجة إحلاحها‪ ،‬وميكن التمييز بني النوعني اآلتيني‪:‬‬

‫‪ -‬السلع الضرورية‪ :‬وهي تلك السلع اليت ال ميكن لإلنسان االستغناء عنها‪ ،‬ألهنا مرتبطة بتلبية‬
‫حاجات أساسية‪ ،‬كاخلبز واملاء واملالبس‪.‬‬

‫‪ -‬السلع الكمالية‪ :‬وهي تلك السلع اليت ميكن لإلنسان االستغناء عنها‪ ،‬ألهنا ترتبط بتلبية حاجات‬
‫غري أساسية‪ ،‬كالتلفاز واملشروابت الغازية‪.‬‬

‫مع العلم ان عملية حتديد السلع الضرورية والكمالية ابلنسبة لإلنسان‪ ،‬ختتلف تبعا لعدة عوامل منها‬
‫درجة الرفاهية ودخل اإلنسان والعصر الذي يعيش فيه‪ ،‬والظروف البيئية احمليطة‪.‬‬

‫خصائص اخلريات‪:‬‬

‫تتصف اخلريات مبجموعة من اخلصائص ميكن إبرازها فيما يلي‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬التبديل‪ :‬تتميز اخلريات أبهنا قابلة لالستبدال‪ ،‬أي ميكن ان حتل حمل بعضها البعض يف تلبية بعض‬
‫احلاجات‪ ،‬وهذه اخلاصية انبعة من كون ان بعض السلع ميكن ان تليب نفس الرغبة واحلاجة‪ ،‬كما انه‬
‫ميكن لسلعة واحدة ان تليب عدة حاجات‪ ،‬مثل القهوة والشاي‪.‬‬

‫‪ -‬التكامل‪ :‬وهي ضرورة اشرتاك سلعتني أو اكثر يف تلبية حاجة معينة‪ ،‬كما هو احلال ابلنسبة للوقود‬
‫والسيارة‪ ،‬السكر والقهوة‪.‬‬

‫‪ -‬احملدودية والندرة‪ :‬وهي ان السلع واخلدمات ال تتواجد يف الطبيعة بشكل وفري واملناسب لتلبية‬
‫احلاجات والرغبات‪ ،‬فهي تتطلب جمهود من اإلنسان إما من اجل تكييفها من حيث الكيف والكم‬
‫أو من حيث املكان والزمان مع حاجاته ورغباته‪.‬‬

‫‪ -‬قابلة للتداول واالنتقال‪ :‬أي قابلة لالنتقال من شخص إىل آخر‪ ،‬من خالل نشاط التبادل الذي‬
‫يتم بني األفراد واجملتمعات‪ .‬كما ميكن نقلها من مكان إىل آخر من خالل نشاط النقل‪ ،‬ومن احلاضر‬
‫إىل املستقبل من خالل نشاط التخزين‪.‬‬

‫‪ -‬هلا منفعة‪ :‬حيث ان أمهية السلع واخلدمات تكمن يف املنفعة اليت حتققها‪ ،‬أي مقدار ونوع اإلشباع‬
‫الذي حتققه لإلنسان والذي ميكنه من إشباع حاجاته ورغباته‪ ،‬فهي ال تطلب لذاهتا ولكن تطلب‬
‫ابلنظر إىل املنفعة اليت ميكن ان حيصل عليها اإلنسان من جراء استخدامه لتلك السلع‪ ،‬وهذه املنفعة‬
‫ما يطلق عليها مصطلح القيمة االستعمالية للسلعة‪.‬‬

‫‪ -‬هلا مثن‪ :‬ابلنظر إىل ندرة السلع واملنفعة اليت حتققها‪ ،‬يصبح على اإلنسان دفع مثن مقابل احلصول‬
‫عليها‪ ،‬ومن مث فان مثن السلع واخلدمات يتحدد بناء على درجة ندرهتا ( أي العرض يف مقابل الطلب‬
‫عليها)‪ ،‬وقيمتها ابلنسبة لإلنسان ومدى استعداده للحصول عليها والتضحية مبقدار من جهده وماله‬
‫يف مقابل ذلك‪ ،‬وهذا ما يصطلح عليه ابسم سعر السلعة أو القيمة التبادلية للسلعة‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫وانطالقا من اخلصائص السابقة املميزة للثروة ميكن اعتبارها على أهنا أي شيء له قيمة وقابل للمبادلة‬
‫بنقود أو سلع‪ ،30‬حيث ان الثروة مبا متثله من سلع واخلدمات تتميز أبن هلا قيمة استعمالية‪ ،‬واليت‬
‫تتمثل يف جمموع املنافع اليت يتحصل عليها اإلنسان من جراء استخدام تلك السلعة‪ ،‬وقيمة تبادلية‬
‫اليت تتحدد من خالل عمليات التبادل‪ ،‬أي من خالل كمية العرض والطلب على هذه السلعة‪،‬‬
‫وقيمة السلعة يف ذاهتا واليت تعكس اجلهد واألعباء اليت يتكبدها اإلنسان يف سبيل إنتاج تلك السلع‬
‫وجعلها صاحلة إلشباع احلاجات والرغبات‪.‬‬

‫عاشرا‪ :‬احلاجات والرغبات‬

‫تعرف احلاجة على أهنا شعور وإحساس داخلي يعمل مبثابة حمفز أو دافع للفرد للسعي يف سبيل‬
‫حصوله على الوسائل اليت متكنه من القضاء على ذلك الشعور‪ .‬فقد عرفت على أهنا "شعور شخصي‬
‫معني‪ ،‬ويرافق هذا الشعور عادة إحساس ابحلرمان والنقص أو األمل‪،‬‬
‫ابلرغبة يف احلصول على شيء ّ‬
‫األمر الذي يدفع بصاحب احلاجة إىل تلبيتها‪"31‬‬

‫فهي شعور نفسي داخلي ابحلرمان اجتاه شيء معني جيعل اإلنسان يف حالة قلق وتوتر وعدم التوازن‬
‫النفسي ليكون له دافع وحمفز يدفعه حنو البحث عن الوسائل اليت متكنه من إعادة حالة التوازن أو‬
‫القضاء على ذلك الشعور‪ ،‬وهو ضروري للمحافظة على بقاء اإلنسان واستمراره يف احلياة‪.‬‬

‫واقتصاداي ميكن اعتبارها حالة نفسية تدفع اإلنسان الستهالك سلعة أو خدمة معينة اليت حتقق له‬
‫منافع تتجسد يف مقدار معني من اإلشباع لتلك احلاجة‪ ،‬وختتلف احلاجات اإلنسانية حسب طبيعتها‬
‫ودرجة إحلاحها وطريقة تلبيتها‪.‬‬

‫‪ -30‬جميد خليل حسني‪ ،‬مبادئ علم االقتصاد‪ ،‬دار زهران للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،2012 ،‬ص‪.04‬‬
‫‪ -31‬حممد عبد هللا شاهني حممد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪289‬‬

‫‪70‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫تقسيم احلاجات‪:‬‬

‫ميكن التمييز بني عدة أصناف وأنواع من احلاجات اإلنسانية وذلك حبسب عدة معايري على النحو‬
‫اآليت‪:‬‬

‫‪ ‬حسب طبيعتها‪ :‬ميكن التمييز هنا بني مخس حاجات كما بينها ورتبها ماسلو‪ :‬احلاجات‬
‫الفيزيولوجية‪ ،‬حاجات األمن‪ ،‬حاجات الصداقة والعالقات االجتماعية‪ ،‬حاجات التقدير واالحرتام‪،‬‬
‫وحاجات حتقيق الذات‪ ،‬وقد رتبها ماسلو حبسب األولوية يف اإلشباع والظهور‪.‬‬

‫‪ ‬حسب درجة إحلاحها‪ :‬ميكن التمييز بني نوعني من احلاجات وهي‪:‬‬

‫‪ -‬احلاجات الضرورية ‪ :‬وهي تلك احلاجات اليت جيد اإلنسان نفسه جمربا على تلبيتها وال حتتمل‬
‫التأجيل ألن حياته وصحته تتوقف عليها‪ ،‬أي أهنا تؤثر على حياته وصحته‪ ،‬كاحلاجة إىل الغذاء‬
‫واملاء‪.‬‬

‫‪ -‬احلاجات الكمالية‪ :‬وهي تلك احلاجات اليت يكون من السهل على اإلنسان االستغناء عنها‬
‫والتضحية هبا‪ ،‬ألهنا أقل إحلاحا وال تتعلق حبياة وصحة الشخص‪ ،‬ولكنها أتثر يف درجة رفاهيته‬
‫وسعادته‪.‬‬

‫‪ ‬احلاجات الفردية واحلاجات اجلماعية‪ :‬وهنا يتم التمييز بني احلاجات حسب طريقة تلبيتها‬
‫وإشباعها‪ ،‬ان كانت تتم بشكل فردي أم مجاعي‪:‬‬

‫‪ -‬احلاجات الفردية أتخذ نزعة فردية يف إشباعها كاحلاجة إىل الغذاء واللباس‪.‬‬

‫‪ -‬احلاجات اجلماعية‪ :‬وهي اليت ال تشبع إال يف اإلطار اجلماعي‪ ،‬أي أتخذ نزعة مجاعية يف عملية‬
‫إشباعها‪ ،‬كاحلاجة إىل الطرق واألمن‪.‬‬

‫خصائص احلاجات اإلنسانية‪:‬‬

‫تتميز احلاجات اإلنسانية مبجموعة من اخلصائص ميكن تلخيصها فيما يلي‪:‬‬

‫‪71‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬احلاجات اإلنسانية متزايدة ومتنامية‪ :‬أي ان احلاجات اإلنسانية تتزايد بشكل مستمر عرب الزمن‪،‬‬
‫من حيث الكم والشدة‪ ،‬وذلك تبعا لعدة عوامل منها‪ :‬الزايدة السريعة يف عدد السكان‪ ،‬سرعة التطور‬
‫والتقدم التكنولوجي‪ ،‬التغري االجتماعي والثقايف‪ ،‬تقدم عمر اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬قابلية احلاجات اإلنسانية للتكرار والتجدد خالل دورات وفرتات زمنية منتظمة وغري منتظمة‪.‬‬
‫‪ -‬احلاجات اإلنسانية متعددة ومتنوعة‬
‫‪ -‬احلاجات اإلنسانية قابلة لإلحالل‬
‫‪ -‬احلاجات اإلنسانية قابلة لالنقسام والقياس‬
‫‪ -‬احلاجات اإلنسانية قابلة لإلشباع‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬

‫المدخل النظري‬

‫الفصل الثاني‬

‫‪73‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫الفصل الثاين‪ :‬املدخل النظري‬

‫يتمثل السلوك االقتصادي لإلنسان يف ذلك السلوك الذي يضمن من خالله تلبية حاجاته ورغباته‬
‫انطالقا من املوارد االقتصادية املتاحة‪ ،‬ومن مث فهو ميثل خمتلف األنشطة االقتصادية اليت يقوم هبا‬
‫اإلنسان من اجل تلبية حاجاته ورغباته‪ ،‬من خالل معاجلته للموارد االقتصادية وإعادة تكييفها كميا‪،‬‬
‫كيفيا‪ ،‬مكانيا وزمانيا‪.‬‬

‫وعلى ذلك فان االقتصاد هو حاصل جمموعة من األنشطة اليت يقوم هبا اإلنسان‪ ،‬واليت تساهم يف‬
‫إشباع حاجاته ورغباته ورفع مستوى معيشته‪ ،‬وأمام تزايد حاجاته ورغباته وندرة املوارد يضطر إىل‬
‫ممارسة جمموعة من األنشطة للوصول إىل املستوى األمثل من اإلشباع للحاجات والرغبات‪ ،‬إذ تتمثل‬
‫تلك األنشطة يف‪ :‬اإلنتاج‪ ،‬التوزيع‪ ،‬التبادل‪ ،‬االدخار‪ ،‬االستهالك‪ ،‬االستثمار‪ .‬وهذا ما سنحاول‬
‫توضيحه من خالل هذا الفصل‪ ،‬انطالقا من التعريف بكل نشاط وتبيان خصائصه وأبعاده‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫أوال‪ :‬نشاط اإلنتاج‬

‫يعترب اإلنتاج من أهم األنشطة االقتصادية املوجدة للقيمة واملنفعة‪ ،‬كونه املسؤول عن عمليات التحويل‬
‫والتغيري الواجب إجراؤها على املوارد املختلفة‪ ،‬بغرض جعلها صاحلة إلشباع احلاجات والرغبات‪ ،‬وهلذا‬
‫يكون من املهم جدا التطرق إىل مفهوم وماهية هذا النشاط االقتصادي وحتليل خمتلف أبعاده وعناصره‬
‫األساسية‪.‬‬

‫مفهوم اإلنتاج‬

‫يعترب نشاط اإلنتاج شكال من أشكال الصراع القائم بني اإلنسان والطبيعة‪ ،‬والذي ميكنه من تكييف‬
‫خمتلف املوارد وتغيريها ابلشكل الذي جيعلها صاحلة لتلبية حاجاته ورغباته‪ ،‬فهو يعرب عن العالقات‬
‫اليت تنشأ بني اإلنسان واإلنسان أو بني اإلنسان والطبيعة يف اطار سعيه إلجياد الوسائل املناسبة لتلبية‬
‫حاجاته ورغباته‪.‬‬

‫واعتبارا من ذلك فهو نشاط اقتصادي مهم وأساسي‪ ،‬قد مكن اإلنسان خالل مسرية اتريخ وجوده‬
‫من البقاء والتكيف مع خمتلف التغريات والتطورات‪ ،‬ونتيجة لذلك عرف تطورا وتوسعا خالل هذه‬
‫املسرية‪ ،‬انتقل من الصيد والزراعة إىل إقامة املشاريع اإلنتاجية الضخمة‪ ،‬كما انه عرف تطورا تقنيا من‬
‫خالل تطور أساليب وأدوات اإلنتاج‪.‬‬

‫‪ .1‬تعريف اإلنتاج‪:‬‬
‫لقد اختلف االقتصاديون يف تعريفهم لإلنتاج وقد تباينت وجهات نظرهم حول ماهيته‪ ،‬حبسب‬
‫اختالف املدارس االقتصادية والتوجهات الفكرية واإليديولوجية للمفكرين‪ ،‬ومن بني التعاريف اليت‬
‫أعطيت هلذا املفهوم ما يلي‪:‬‬

‫‪75‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬عرف اإلنتاج على انه خمتلف العمليات اليت متكن من إجياد منفعة أو إضافة منفعة ألي سلعة‬
‫لتصبح مالئمة وقابلة إلشباع حاجة معينة‪ ،‬أو هو عملية إجياد استعماالت جديدة للسلعة مل تكن‬
‫موجودة من قبل لتصبح جاهزة ومالئمة إلشباع رغبات وحاجات معينة للمستهلكني‪.32‬‬
‫‪ -‬كما عرف على انه اجلهد اإلنساين الواعي واهلادف الذي يبذل جلعل املوارد صاحلة إلشباع‬
‫احلاجات اإلنسانية‪ ،‬سواء عن طريق إجياد املنفعة اليت تشبع هبا هذه احلاجات‪ ،‬أو بزايدة هذه املنفعة‬
‫يف السلعة اليت تصبح اكثر صالحية إلشباع احلاجات‪.33‬‬
‫‪ -‬كما عرف على انه النشاط الذي يتضمن إضافة قيمة للموارد من خالل حتويل مدخالت معينة‬
‫(مواد خام‪ ،‬أموال‪ ،‬جهود بشرية‪ ،‬جتهيزات‪ )...‬إىل خمرجات قابلة لالستخدام يف تلبية احلاجات‪،‬‬
‫تتمثل تلك املخرجات يف املنتجات اليت قد تكون مادية ملموسة كالسيارات والطائرات واملواد‬
‫الغذائية‪ ،‬أو خدمية كخدمات العالج والنقل والتعليم‪.34‬‬
‫‪ -‬التعريف عند الطبيعيني‪ :‬يف أواخر القرن السابع عشر سادت أفكار الطبيعيون حول اإلنتاج الذين‬
‫كانوا يرون انه عملية إجياد وخلق للمادة‪ ،‬وأن األرض الزراعية هي املصدر الوحيد لإلنتاج‪ ،‬أي اعتبار‬
‫النشاط الزراعي هو النشاط الوحيد املنتج‪ ،‬أما ابقي عناصر اإلنتاج فهي تعمل على حتويل لشكل‬
‫املادة‪.35‬‬
‫‪ -‬عند االشرتاكيني‪ :‬يعرفه مفكري هذا النظام ابنه تلك الكميات من السلع امللموسة فقط‪ ،‬حبيث‬
‫يستثىن خمتلف أنواع اخلدمات‪ ،‬إذ يقول كارل ماركس‪" :‬اإلنتاج ال يشمل إال السلع املادية واخلدمات‬
‫اليت هلا صلة حقيقية ابإلنتاج املادي‪ ،‬أما خدمات التجارة وغريها كالتعليم والصحة ال ميكن اعتبارها‬
‫من ضمن عملية اإلنتاج‪.‬‬

‫‪ -32‬حممود حسني الواد‪ ،‬إبراهيم حممد خريس‪ ،‬نضال علي‪ ،‬مبادئ علم االقتصاد‪ ،‬دار املسرية للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،2010 ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ -33‬زينب حسني عوض هللا‪ ،‬جمدي حممود شهاب‪ ،‬أسامة حممد الفوىل‪ ،‬أصول االقتصاد السياسي‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪،2000 ،‬‬
‫ص‪.49‬‬
‫‪ -34‬اإلدارة العامة لتصميم وتطوير املناهج‪ ،‬إدارة اإلنتاج‪ ،‬املؤسسة العامة للتدريب التقين واملهين‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬طبعة ‪ ،2008‬ص‪.02‬‬
‫‪ -35‬حممود حسني الواد‪ ،‬إبراهيم حممد خريس‪ ،‬نضال علي‪ ،‬مبادئ علم االقتصاد‪ ،‬دار املسرية للنش والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،2010 ،‬ص‪.51‬‬

‫‪76‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬عند الرأمساليني‪ :‬يعرف اإلنتاج عند الرأمساليني على عكس تعريف مفكري النظام االشرتاكي‪،‬‬
‫حبيث يضم ويشمل كل أنواع املنتجات سواء كانت يف شكل مادي ملموس أو غري ملموس‪ ،‬فكل‬
‫نشاط يساهم يف إشباع حاجات ورغبات األفراد يعترب نشاط إنتاجي‪.‬‬
‫‪ -‬تعريف احلديني‪ :‬يعترب اإلنتاج وفق احلديني خمتلف املنتجات اليت حتقق منفعة لدى الفرد سواء‬
‫امللموسة أو غري ملموسة‪.‬‬
‫‪ -‬تعريف مبفهوم املنفعة‪ :‬يتفق خمتلف االقتصاديني مبا فيهم االشرتاكيني والرأمساليون يف مفهوم‬
‫اإلنتاج (على أهنا خلق املنفعة ) اإلنتاج حسبها يشمل كافة السلع املادية واخلدمات مبا فيها خدمات‬
‫الصحة والسياحة‪ ...‬وهذا لكوهنا حتقق منفعة‬
‫‪ -‬املفهوم التقين لإلنتاج‪ :‬هو عملية حتويل املوارد من شكل إىل آخر قابل لالستغالل من خالل‬
‫إخضاعها لعمليات خمتلفة من اجل خلق منافع معينة‪.‬‬
‫‪ -‬املفهوم االقتصادي‪ :‬يقوم مفهوم اإلنتاج على فكرة توظيف عناصر اإلنتاج يف مكان وزمان ما‬
‫هبدف احلصول على اإلنتاج وإجياد قيمة اقتصادية‪ ،‬وهو يعرب عن ذلك اجلهد املبذول من طرف‬
‫اإلنسان من اجل تطوير املوارد الطبيعية وحتويلها إىل منتجات صاحلة إلشباع حاجات ورغبات‬
‫املستهلك‪ ،‬فهو إذن كل نشاط يطبق على املوارد الطبيعية جلعلها صاحلة إلشباع حاجات ورغبات‬
‫معينة‪.‬‬
‫‪ -‬املفهوم االجتماعي لإلنتاج‪ :‬يرتكز املفهوم االجتماعي لإلنتاج على اإليديولوجية السياسية‬
‫السائدة يف اجملتمع‪ ،‬كما انه يقوم على الربط بني النشاط اإلنتاجي والتنمية االقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫كما يقوم أيضا على فكرة اعتبار اإلنتاج إدارة للتأثري والسيطرة على املشكالت االقتصادية والسند‬
‫احلقيقي للنظام االقتصادي القوي‪ ،‬وعلى ذلك منيز يف هذا االطار بني مفهومني لإلنتاج وفق هذه‬
‫الرؤية كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬املفهوم االجتماعي اخلالص‪ :‬وعلى هذا األساس يتكون اإلنتاج من عمليات تفاعل طبيعي بني‬
‫املوارد البشرية وغري بشرية جملتمع ما‪ ،‬تتسبب يف إحداث تغيريات جذرية واسعة يف اهليكل االقتصادي‬

‫‪77‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫واالجتماعي هلذا اجملتمع‪ ،‬أي ان النشاط اإلنتاجي هو عمليات التفاعل الطبيعي بني عناصر اإلنتاج‪،‬‬
‫اليت تساهم بشكل تلقائي وغري مقصود يف تغيري وتوجيه التطورات والعالقات االجتماعية واالقتصادية‬
‫يف اجملتمع‪.‬‬
‫‪ -‬املفهوم االجتماعي ذو الطابع السياسي‪ :‬ووفق هذا املفهوم يتكون نشاط اإلنتاج من العمليات‬
‫التنموية الطويلة أو القصرية األجل املستمرة أو املؤقتة‪ ،‬اليت تستخدم فيها املوارد االقتصادية‬
‫واالجتماعية جملتمع ما‪ ،‬وتوظيفها وفق رؤية وخطط معينة ومقصودة للتأثري يف اهليكل االقتصادي‬
‫واالجتماعي والسياسي‪ ،‬أي هي عملية تدخل مقصود وممنهج لتنظيم وتوجيه عمليات توظيف‬
‫عناصر اإلنتاج يف اهليكل االقتصادي واالجتماعي للمجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬املفهوم الواسع لإلنتاج‪ :‬يرى الفكر االقتصادي احلديث ان اإلنتاج ليس خلق املادة وإمنا هو إجياد‬
‫املنفعة أو إضافة منفعة جديدة‪ ،36‬مبعىن إجياد استعماالت جديدة مل تكن موجودة من قبل‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل إحداث أثر على تلك املوارد سواء بتغيري شكلها أو مكان تواجدها أو ملكيتها أو‬
‫االحتفاظ هبا إىل زمن احلاجة إليها‪ ،‬ويظهر من ذلك ان اإلنتاج وفق املفهوم املوسع له حيقق اربع‬
‫‪37‬‬
‫منافع أساسية وتتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬املنفعة الشكلية‪ :‬وهي حمصلة العمليات التصنيعية والتحويلية اليت تؤدي إىل تغيري شكل وطبيعة‬
‫املوارد بغرض إجياد أو إضافة منافع جديدة أو تغيري منافعها‪ ،‬أي تكييف املوارد مع حاجات ورغبات‬
‫اإلنسان‪ ،‬ويتم ذلك من خالل عمليات خمتلفة كاإلذابة ‪ ،‬املزج‪ ،‬الرتكيب‪ ،‬التفكيك‪ ،‬والتجميد‬
‫‪...‬اخل‪ ،‬وتنتج هذه املنافع من خالل حتويل املادة من شكل إىل آخر‪ ،‬مثل حتويل الصوف إىل‬
‫مالبس‪ ،‬واخلشب إىل أاثث‪ ،‬والنفط إىل وقود‪ ،‬واحلديد إىل سيارة‪.‬‬
‫‪ -‬املنفعة املكانية‪ :‬واليت ميكن احلصول عليها من جراء عمليات النقل (أي نقل املواد من مكان تكون‬
‫فيه أقل قيمة ومنفعة إىل مكان آخر تكون ذات منفعة اكرب من السابق)‪ ،‬أو نقلها من أماكن إنتاجها‬
‫إىل أماكن استهالكها‪ .‬أو من األماكن اليت يقل الطلب عليها فيه إىل األماكن اليت يكثر الطلب‬

‫‪ - 36‬كاسر نصر املنصور‪ ،‬إدارة اإلنتاج و العمليـات‪ ،‬دار حامد للنشر و التوزيع‪ ،‬عمـان‪ ،2000 ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ -37‬حممود حسني الواد‪ ،‬إبراهيم حممد خريس‪ ،‬نضال علي‪ ،‬مبادئ علم االقتصاد‪ ،‬دار املسرية للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،2010 ،‬ص‪.51‬‬

‫‪78‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫عليها فيه‪ ،‬كنقل املواد الزراعية من املزارع إىل األسواق أو إىل املدن‪ ،‬نقل املعادن من املناجم إىل‬
‫املصانع‪ ،‬نقل األمساك من املوانئ إىل حماالت البيع‪....‬اخل‪.‬‬
‫‪ -‬املنفعة الزمنية‪ :‬واليت تتحقق من خالل عملية االحتفاظ ابملواد من وقت إىل وقت آخر‪ ،‬أي نتيجة‬
‫عمليات التخزين اليت متكن من حفظ املواد ضمن شروط السالمة إىل غاية أن حيني وقت استخدامها‬
‫أو تظهر احلاجة إليها‪ ،‬أي ختزين املواد يف زمن الوفرة والوقت الذي تقل فيه قيمتها واالحتفاظ هبا إىل‬
‫الوقت الذي تكون قيمتها عالية‪ ،‬كاالحتفاظ ابملنتجات الزراعية املومسية يف وقت إنتاجها أين تكون‬
‫متوفرة بكثرة إىل غاية املواسم اليت تكون فيها اندرة‪ ،‬وهكذا ميكن نشاط التخزين من التوزيع الزمين‬
‫للمواد حمققا بذلك منفعة ويضيفها تلك املواد‪.‬‬
‫وتتقاطع هنا وظيفة نشاط التخزين مع وظيفة نشاط اإلنتاج‪ ،‬وذلك ان اإلنتاج يف بعض األحيان‬
‫يستهدف إطالة مدة صالحية املواد‪ ،‬على سبيل املثال مشتقات احلليب واألمساك واللحوم‪ ،‬حبيث يتم‬
‫إضافة مواد حافظة تساهم يف زايدة مدة صالحية املواد‪.‬‬
‫‪ -‬املنفعة احليازية أو التبادلية‪ :‬وتنتج عن عمليات نقل ملكية املواد من أشخاص يكونوا اقل حاجة‬
‫إليها إىل أشخاص هم حباجة إليها أكثر‪ ،‬أي من املنتجني إىل املستهلكني أو من البائعني الذين‬
‫ميلكون كميات من مادة معينة أكثر من حاجتهم إىل املشرتين الذين يكونوا حباجة إليها‪ ،‬وبذلك‬
‫تصبح تلك املواد ذات قيمة عند األشخاص اجلدد بعدما كانت غري انفعة عند البائعني‪ ،‬وهذه‬
‫اإلضافة يف املنفعة للمواد نتجت عن عملية التبادل بني طرفني‪.‬‬
‫ومن خالل ما سبق ميكن تعريف نشاط اإلنتاج على انه ذلك اجلهد اإلنساين املنظم والواعي الذي‬
‫يبذل جلعل املوارد االقتصادية صاحلة إلشباع احلاجات والرغبات اإلنسانية عن طريق إضفاء املنفعة‬
‫على السلعة اليت تصبح اكثر صالحية لتلبية احلاجات‪.‬‬
‫أساليب اإلنتاج‪:‬‬
‫يعرب مفهوم أسلوب اإلنتاج عن الطريقة والكيفية اليت حتدد عناصر اإلنتاج وخمتلف العالقات‬
‫االجتماعية يف اإلطار اإلنتاجي‪ ،‬ويعكس أسلوب اإلنتاج طبيعة احلياة االجتماعية واالقتصادية العامة‬

‫‪79‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫للمجتمع وطبيعة ملكية وسائل اإلنتاج‪ ،‬ووفق كارل ماكس فان هناك عالقة جدلية اترخيية تربط بني‬
‫أسلوب اإلنتاج والتطور االجتماعي واالقتصادي للمجتمعات‪ ،‬ووفقا لذلك فقد عرفت البشرية عدة‬
‫أمناط من أساليب اإلنتاج عرب املراحل التارخيية لتطورها االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬بدءا من األسلوب‬
‫البدائي لإلنتاج مرورا أبسلوب الرق أو العبودي‪ ،‬مث أسلوب اإلقطاعي‪ ،‬مث األسلوب الرأمسايل‪ ،‬وفيما‬
‫‪38‬‬
‫يلي شرح خمتصر لكل منها‪:‬‬
‫‪ -‬أسلوب اإلنتاج البدائي‪ :‬يتميز هذا النمط اإلنتاجي انه تعاوين مجاعي نتيجة الضعف واالنعزال‬
‫الفردي‪ ،‬ومن مرتكزاته‪ :‬العمل اجلماعي واملساعدة املشرتكة القائمة على امللكية املشاعة‪ ،‬امللكية‬
‫االجتماعية وتوزيع املنتجات املشرتكة‪ ،‬كانت العمليات اإلنتاجية ضمنه تتمثل يف تربية احليواانت‪،‬‬
‫الصيد‪ ،‬مجع الثمار والنبااتت‪ ،‬الزراعة‪ ،‬وكان يعتمد فقط على اإلنتاج اليدوي‪ ،‬كما انه يتميز خبلوه من‬
‫الطبقات االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬األسلوب اإلنتاجي املعتمد على الرق (العبودي)‪ :‬لقد أدى التطور االجتماعي وما نتج عنه من‬
‫التخصص وتقسيم العمل إىل بروز ظاهرة الطبقية‪ ،‬واملتمثلة يف طبقتني‪ :‬األوىل طبقة األسياد وهم‬
‫املستغِلون‪ ،‬وطبقة العبيد وهم املستغَلون‪ ،‬ومن مرتكزات هذا األسلوب‪ :‬امللكية الفردية للعبيد ووسائل‬
‫اإلنتاج‪ ،‬انقسام اجملتمع إىل طبقات متناحرة‪ ،‬االستحواذ على فائض اإلنتاج الناتج عن جهد العبيد‬
‫من طرف طبقة األسياد‪ ،‬وذلك من خالل اإلكراه االقتصادي والبدين‪ ،‬وكان يعتمد هذا النمط‬
‫اإلنتاجي على اإلنتاج السلعي البسيط من خالل أنشطة الزراعة‪ ،‬تربية احليواانت‪ ،‬احلرف اليدوية‪ ،‬كما‬
‫عرف أيضا أعمال التجارة‪ ،‬ويتميز بوجود الطبقية اليت تتمثل يف ثالث طبقات‪ :‬الطبقة األوىل تتمثل‬
‫يف طبقة املالك واألسياد‪ ،‬والثانية طبقة العبيد‪ ،‬إضافة إىل طبقة اثلثة تتمثل يف املنتجون األحرار وهم‬
‫منتجو السلع الصغار مثل الفالحني واحلرفيني‪.‬‬
‫‪ -‬أسلوب اإلنتاج اإلقطاعي‪ :‬يقوم جوهر هذا األسلوب على أساس ان ملكية األراضي تعود إىل‬
‫املالك اإلقطاعي ابإلضافة إىل تبعية الفالح إىل األرض‪ ،‬حيث يتم ختصيص جزء منها للفالح‪،‬‬

‫‪ -38‬صامويل عبود‪ ،‬االقتصاد السياسي للرأمسالية‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1990 ،‬ص‪.07‬‬

‫‪80‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫هبدف إمداد اإلقطاعي ابليد العاملة‪ ،‬ومن أهم مرتكزات هذا األسلوب‪ :‬ملكية األسياد اإلقطاعيني‬
‫لوسائل اإلنتاج‪ ،‬تبعية الفالحني الشخصية لإلقطاعيني‪ ،‬انقسام اجملتمع إىل طبقات متناقضة‪ ،‬استحواذ‬
‫اإلقطاعيني على فائض اإلنتاج املتحصل من الفالحني وحىت ذلك املتحصل من طرف احلرفيني يف‬
‫بعض األحيان‪ ،‬واستخدام أساليب اإلكراه االقتصادي والبدين املمارس من قبل اإلقطاعيني‪.‬‬
‫‪ -‬أسلوب اإلنتاج الرأمسايل‪ :‬يقوم جوهر هذا األسلوب على امللكية الفردية لوسائل اإلنتاج واليت تعود‬
‫إىل الرأمسايل‪ ،‬الذي يستحوذ على فائض القيمة‪ ،‬إال ان هذا األسلوب ال يعتمد على اإلكراه‪ ،‬ولكن‬
‫على عالقات إنتاجية تتسم ابلرضا وتبادل املنافع بني الطرفني‪ ،‬وقد ظهر هذا األسلوب كنتيجة‬
‫للتناقضات واملشاكل اليت عرفها األسلوب اإلقطاعي‪ ،‬كما تزامن مع ظهور املصانع والشركات‬
‫الضخمة اليت حتتاج إىل يد عاملة كبرية‪ ،‬كما ان أسلوب اإلنتاج يف ظل هذا النظام قد تطور وحتسن‬
‫ابستمرار وخاصة مع التطور التكنولوجي واالقتصادي الذي عرفته البشرية‪ ،‬ابجتاه االهتمام ابنشغاالت‬
‫العمال واحتياجاهتم الفيزيولوجية والنفسية واالجتماعية‪ ،‬وخاصة مع تطور الفكر اإلداري واالقتصادي‬
‫ومنو الوعي لدى اجلماهري‪ ،‬مما أدى إىل بروز عدة اهتمامات يف جمال اإلنتاج‪ ،‬من بينها‪ :‬االهتمام‬
‫اكثر ابلعنصر البشري يف النظام اإلنتاجي‪ ،‬االهتمام بعالقة النشاط اإلنتاجي ابلبيئة واملوارد الطبيعية‪،‬‬
‫االهتمام ابإلبداع واالبتكار‪ ،‬تبعية النشاط اإلنتاجي لالستهالك (سيادة املستهلك)‪.‬‬
‫‪ -‬أسلوب اإلنتاج االشرتاكي‪ :‬يقوم هذا األسلوب على امللكية اجلماعية لوسائل اإلنتاج‪ ،‬ومن مث‬
‫التشارك يف اقتسام الناتج‪ ،‬حيث يركز كثريا على عالقات العمل املكونة للنشاط اإلنتاجي‪ ،‬سواء‬
‫ابلنسبة لعالقة اإلنسان ابإلنسان‪ ،‬أو عالقة اإلنسان بوسائل اإلنتاج‪ ،‬ويتميز ابن عملية اختاذ القرار‬
‫اخلاصة ابإلنتاج من حيث الكمية والنوعية وطريقة التوزيع يكون بيد السلطة املركزية للتخطيط‪،‬‬
‫وابلتايل تكون الوحدة اإلنتاجية جمردة من مسؤولية اختاذ القرار وتصبح جمرد وحدة للتنفيذ‪ ،‬كما انه‬
‫يتميز بعدم وجود الطبقية‪ ،‬واالهتمام اكثر ابلعمال وبتحسني ظروف عملهم‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫أشكال وأنواع اإلنتاج‪:‬‬
‫تتعدد وتتنوع أساليب وأشكال اإلنتاج حبسب املعايري املستخدمة يف عملية التمييز والتصنيف‪ ،‬ولذلك‬
‫جند عدة أشكال منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬حسب الغرض من االستخدام‪ :‬ومنيز هنا بني نوعني من اإلنتاج ومها‪:‬‬
‫‪ -‬إنتاج وسائل اإلنتاج‪ :‬وهي تلك العمليات اإلنتاجية اليت تستهدف إنتاج املواد اليت تستخدم يف‬
‫عمليات إنتاجية أخرى‪ ،‬كإنتاج اآلالت والتجهيزات اإلنتاجية واملواد األولية وغريها من املواد اليت‬
‫تتطلبها العمليات اإلنتاجية‪.‬‬
‫‪ -‬إنتاج وسائل االستهالك‪ :‬ويتمثل يف إنتاج املواد اليت توجه مباشرة إىل االستهالك النهائي‪ ،‬أي املواد‬
‫اليت تستخدم يف إشباع احلاجات والرغبات‪.‬‬
‫‪ .2‬حسب طبيعة املنتج‪ :‬وهنا منيز بني نوعني من األنشطة اإلنتاجية وهي‪:‬‬
‫‪ -‬إنتاج السلع‪ :‬ويتمثل يف عمليات إنتاج سلع مادية ملموسة‪ ،‬كاملواد الغذائية والسيارات والكراسي‬
‫وغريها‪.‬‬
‫‪ -‬إنتاج اخلدمات‪ :‬ويتمثل يف إنتاج منتجات غري ملموسة كخدمات الصحة والتعليم والصيانة‪...‬اخل‪.‬‬
‫إعادة اإلنتاج‪:‬‬

‫ويقصد هبا تلك األنشطة اليت تضمن استمرارية الدورة اإلنتاجية‪ ،‬واليت تنقسم إىل نوعني‪:‬‬

‫‪ -‬إعادة اإلنتاج البسيط‪ :‬وتتمثل يف إعادة اإلنتاج بنفس حجم اإلنتاج وبنفس الطاقة اإلنتاجية‬

‫‪ -‬إعادة اإلنتاج املوسع‪ :‬وتتضمن إعادة اإلنتاج مع زايدة الطاقة اإلنتاجية وحجم اإلنتاج‪.‬‬

‫عوامل اإلنتاج‪:‬‬

‫تقوم عملية اإلنتاج على مقومات وعناصر أساسية ال بد من توفرها حىت تتم هذه العملية‪ ،‬واليت يطلق‬
‫عليها بعناصر اإلنتاج‪ ،‬وهي كل العناصر الداخلة يف العملية اإلنتاجية‪ ،‬واليت هي ضرورية للحصول‬
‫على املنتجات النهائية‪ ،‬إذ تعترب مدخالت للنظام اإلنتاجي‪ ،‬فقد عرفت على أهنا جممل العناصر‬

‫‪82‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫املادية واإلنسانية لعملية اإلنتاج واليت تتفاعل معا يف نشاط حيوي متبادل وموجه لتكييف املوارد‬
‫الطبيعية وحيازة موجوداهتا وفق متطلبات اإلنسان‪ ،39‬إذ تصنف إىل أربعة أصناف أساسية كما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬العامل البشري‪ :‬يتثمل يف جهد اإلنسان سواء العضلي أو الفكري الذي يقوم به الفرد من أجل‬
‫اإلنتاج أو للقيام بنشاط معني مقابل أجر معني‪ ،40‬كما عرف على أنه نشاط هادف لإلنسان من‬
‫أجل خلق قيم استعمالية توفر له الشروط العامة لتأمني الطاقة الضرورية لنشاطاته ولتعويض املندثر‬
‫منها‪ ،‬وذلك يف اطار عالقة اإلنسان ابلطبيعة‪ ،‬فهو يعترب عملية فاعلة تظهر عالقات إنتاجية اترخيية‬
‫تشكل بدورها تطور قوى اإلنتاج‪ ،‬فكل عالقة عمل تتضمن يف الوقت ذاته عالقات اجتماعية للناس‬
‫فيما بينهم تعكس يف حمتواها عالقات إنتاجية‪ ،41‬ويعترب من أهم عناصر اإلنتاج وأساسها‪ ،‬فالعمل‬
‫هو ذلك النشاط الذي يبذله الفرد بشكل هادف وواعي أثناء العملية اإلنتاجية أو من اجل إنتاج‬
‫سلع وخدمات‪ ،‬ويظهر من خالل ما سبق أن مفهوم العمل يقوم على العناصر التالية‪:‬‬

‫‪ -‬أنه جمهود بشري هادف وواعي‪.‬‬

‫‪ -‬يتحدد يف اطار العملية اإلنتاجية وليس خارجها‪.‬‬

‫‪ -‬ان يتضمن تضحية ابلوقت واجلهد وحتمل األمل‪ ،‬وهلذا يتطلب تعويض ومقابل لذلك‪.‬‬

‫‪ -‬يتضمن أمهية اقتصادية تتمثل يف القيمة املضافة اليت حيدثها على األشياء‪.‬‬

‫فالعمل ميثل كل جمهود بشري يبذل بشكل هادف وواعي يف اطار العملية اإلنتاجية‪ ،‬وعلى هذا‬
‫األساس ميكن التمييز بني نوعني من العمل كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬العمل البدين‪ :‬وهو ذلك اجملهود العضلي الذي يبذله اإلنسان يف اطار العملية اإلنتاجية‪ ،‬ويتحقق‬
‫ابالتصال املباشر بني العامل ووسائل اإلنتاج‪.‬‬

‫‪ -39‬صامويل عبود‪ ،‬االقتصاد السياسي للرأمسالية‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1990 ،‬ص‪.05‬‬
‫‪ -40‬متوكل بن عباس حممد مهلهل‪ ،‬مبادئ االقتصاد‪ -‬مدخل عام‪ ،‬دار املريخ للنشر‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،2009 ،‬ص‪.21‬‬
‫‪ -41‬صامويل عبود‪ ،‬االقتصاد السياسي للرأمسالية‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1990 ،‬ص‪.05‬‬

‫‪83‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬العمل الذهين ‪ :‬وميثل ذلك اجملهود الفكري الذي يبذله اإلنسان يف اطار العملية اإلنتاجية من اجل‬
‫احلصول على سلع وخدمات‪ ،‬ومن أشكاله‪ :‬التصميم‪ ،‬اإلبداع واالبتكار‪ ،‬تقدمي االستشارات‪،‬‬
‫التحليل‪...‬إخل‪.‬‬

‫‪ .2‬العامل الطبيعي‪ :‬هو كافة املوارد الطبيعية املتاحة يف اجملتمع اليت تساعد اإلنسان على إنتاج السلع‬
‫واخلدمات‪ ،‬كما انه ميثل خمتلف العناصر الطبيعية اليت مل يتدخل اإلنسان يف صنعها‪ ،‬سواء كانت فوق‬
‫األرض أو حتتها‪ ،‬كاملياه‪ ،‬اخلشب‪ ،‬املعادن‪ ،‬األرض‪ ،‬املناخ‪ ،‬املوقع اجلغرايف‪ ،‬الطاقة الشمسية‪...‬إخل‪.‬‬
‫وميكن تقسيم هذه العناصر إىل ثالث أنواع كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬املواد األولية‪ :‬ومتثل خمتلف املواد اليت حيصل عليها اإلنسان من الطبيعة دون ان يتدخل يف صنعها‬
‫أو يغري شكلها ويقتصر دوره فقط يف مجعها من أماكنها املختلفة‪ ،‬استخراجها من ابطن األرض‪،‬‬
‫حيث حتتاج تلك املواد إىل معاجلة وإعادة تكييف وتغيري ألهنا ال تصلح إلشباع احلاجات والرغبات‬
‫بشكلها الطبيعي‪ ،‬وعلى هذا فإهنا متثل عنصر أساسي يف العملية اإلنتاجية ألهنا هي من يقع عليه‬
‫التغيري والتحويل والرتكيب وغريها‪ ،‬ومن األمثلة على تلك املواد جند‪ :‬املعادن مبختلف أنواعها‪،‬‬
‫اخلشب‪ ،‬املياه‪...‬اخل‬

‫‪ -‬القوى احملركة للعملية اإلنتاجية‪ :‬وتتمثل يف خمتلف العناصر اليت تستخدم كقوى دافعة وحمركة‬
‫لإلنتاج‪ ،‬أي تلك املواد اليت تستخدم يف تشغيل اآلالت واألجهزة اإلنتاجية‪ ،‬ولكن مل ختضع ألي‬
‫عملية حتويل أو تغيري من طرف اإلنسان ومن األمثلة على ذلك جند‪ :‬الطاقة الشمسية‪ ،‬الرايح‪...‬‬

‫‪ -‬األرض‪ :‬تعترب األرض قاعدة مهمة ملمارسة النشاط اإلنتاجي مهما كان نوعه‪ ،‬سواء زراعي أو‬
‫صناعي أو خدمي‪ ،‬فال ميكن ممارسة تلك األنشطة من دون وجود مساحات أرضية كافية خمصصة‬
‫لذلك الغرض‪ ،‬وسواء كان ذلك على اليابسة أو على مستوى املسطحات املائية‪ ،‬كما ميكن ان‬
‫تشمل أيضا املناخ واملوقع اجلغرايف‪ ،‬ويرى ريكاردو أن عرض األرض اثبت ال ميكن زايدته لكوهنا انبعة‬
‫من الطبيعة بشكل حمدود‪ ،‬وعلى هذا األساس ميكن التمييز بني نوعني من العرض ومها‪ :‬العرض‬

‫‪84‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫املادي لألرض وهو إمجايل املساحة الكلية من األراضي املتاحة لدولة ما وهذا النوع من العرض اثبت‬
‫ال ميكن زايدته‪ ،‬والعرض االقتصادي لألرض وهو متغري ويتوقف على معدل إدخال أراضي جديدة يف‬
‫االستخدام من خالل استصالحها‪ ،‬أو رفع إنتاجيتها من خالل استخدام األمسدة وغريها‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فان عرض األرض يعكس الوفرة أو الندرة النسبية لألراضي الصاحلة لالستخدام ومدى قابليتها‬
‫لالستصالح وقدرهتا على الوفاء ابألغراض‪.42‬‬

‫‪ .3‬عامل رأس املال‪ :‬وهو أهم قسم يف العملية اإلنتاجية‪ ،‬إذ ميثل جمموع املواد اليت سبق إنتاجها من‬
‫طرف اإلنسان‪ ،‬واليت تستخدم يف عمليات اإلنتاج املختلفة لتوفري السلع واخلدمات اليت حتقق إشباع‬
‫حاجات اإلنسان وزايدة إنتاجية العمل‪ ،‬أو هو خمتلف األجهزة والعناصر املستخدمة يف العملية‬
‫اإلنتاجية‪ ،‬وميكن التميز بني عدة أنواع من رأس املال وفق عدة معايري كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬رأس املال الثابت واملتغري‪ :‬ويتم التمييز هنا على أساس إمكانية إعادة استخدام تلك العناصر من‬
‫عدمها‪ ،‬ووفق هذا املعيار نفرق بني نوعني من رأس املال ومها‪:‬‬

‫‪ o‬رأس مال اثبت‪ :‬ويقصد به تلك األصول اليت ال تنتهي مبجرد استخدامها ألول مرة‪ ،‬أي هو‬
‫ذلك الذي يستخدم يف العملية اإلنتاجية لعدة مرات مثل املباين واألجهزة واآلالت‪ ،‬ويتميز‬
‫أبنه قابل لإلهتالك‪ ،‬أي تدهور قيمته وجودته مع مرور الزمن أو من خالل املشاركة يف‬
‫العملية اإلنتاجية‪.‬‬
‫‪ o‬رأس مال متغري‪ :‬وهو تلك املواد اليت تنتهي مبجرد استخدامها ألول مرة‪ ،‬أي هو خمتلف‬
‫العناصر واملواد اليت تستخدم مرة واحدة يف العملية اإلنتاجية مثل املواد األولية‪ ،‬الطاقة‪.‬‬
‫‪ -‬رأس املال النقدي والعيين‪ :‬ومنيز هنا على أساس سيولة األصول‪:‬‬

‫‪ o‬رأس املال العيين‪ :‬ويشمل خمتلف األصول املادية اليت تستخدم يف العملية اإلنتاجية‬
‫كاآلالت واملعدات اإلنتاجية‪ ،‬املباين‪ ،‬التجهيزات اإلنتاجية املختلفة‪.‬‬

‫‪ -42‬ضياء جميد املوسوي‪ ،‬النظرية االقتصادية‪ :‬التحليل االقتصادي اجلزئي‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1990 ،‬ص‪.351‬‬

‫‪85‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ o‬رأس املال النقدي‪ :‬ويتمثل يف األموال السائلة اليت يتطلبها النشاط اإلنتاجي‪ ،‬كاألسهم‬
‫والسندات والنقدية‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫‪ -‬حسب طبيعتها‪ :‬ومنيز بني‪ :‬رأس املال املادي ورأس املال االجتماعي‪:‬‬

‫‪ o‬رأس املال املادي‪ :‬هو خمتلف العناصر املادية اليت أوجدها اإلنسان وتستخدم يف العملية‬
‫اإلنتاجية كاملعدات واآلالت واملواد اخلام‪.‬‬
‫‪ o‬رأس املال االجتماعي‪ :‬يتمثل يف كافة العناصر والتجهيزات اجلماعية اليت ميلكها اجملتمع‬
‫مثل‪ :‬الطرق‪ ،‬اجلسور‪ ،‬املستشفيات‪ ،‬املدارس ‪...‬إخل‪.‬‬
‫‪ .4‬عامل التنظيم‪ :‬وهو عبارة عن نشاط مبذول يعمل على تنظيم وتوجيه وتنسيق العمليات‬
‫اإلنتاجية وجهود األفراد‪ ،‬ودفعها حنو حتقيق األهداف املسطرة‪ ،‬أي يوجه التفاعل القائم بني عناصر‬
‫اإلنتاج األخرى‪ ،‬ويتحمل على عاتقه نتيجة املخاطرة‪ ،‬أي أن نتيجته غري حمددة ومعروفة مسبقا فقد‬
‫تكون خسارة أو ربح‪ .‬حيث يعمل التنظيم على حتقيق ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬توفري عناصر اإلنتاج‬


‫‪ -‬توظيف عناصر اإلنتاج واجلمع بينها‬
‫‪ -‬توجيه العملية اإلنتاجية وضمان استمراريتها‬
‫‪ -‬التوفيق بني متطلبات وحاجات األفراد والعملية اإلنتاجية‬
‫‪ -‬حتديد العمليات اإلنتاجية والتخطيط هلا‪.‬‬
‫عوائد عوامل اإلنتاج‪:‬‬

‫ان لعوامل اإلنتاج مقابل نتيجة مشاركتها ومسامهتها يف العملية اإلنتاجية‪ ،‬وهذا املقابل هو الذي‬
‫يطلق عليه عوائد عوامل اإلنتاج‪ ،‬وهو ضروري من أجل ضمان ودفع تلك العوامل على املشاركة يف‬
‫العملية اإلنتاجية‪ ،‬إذ يتمثل يف ذلك الكسب املادي الذي يتحصل عليه أصحاب عوامل اإلنتاج‬
‫مقابل املشاركة يف العلمية اإلنتاجية‪ ،‬وتتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -43‬السيد حممد امحد السرييت‪ ،‬أسس علم االقتصاد‪ ،‬دار التعليم اجلامعي للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2014 ،‬ص‪.233‬‬

‫‪86‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬عائد العامل الطبيعي يتمثل يف الريع‪ :‬والذي ميثل جمموع املدفوعات اليت تدفع ملالك عناصر اإلنتاج‬
‫ذات العرض غري مرن بدرجة عالية‪ ،‬وحسب ريكاردو فإن الريع هو عائد الستخدام القوى الطبيعية‬
‫اليت ال هتتلك‪ ،44‬وحسبه فإن عدم مرونة عرض العوامل الطبيعية انتج عن كوهنا انبعة من الطبيعة‬
‫بشكل حمدود ال يقبل الزايدة‪ ،‬وعلى ذلك فان املكافأة املعطاة لقلة استخدام األرض تتحدد ابلطلب‬
‫عليها‪ ،45‬أي أن قيمة الريع الذي ميثل املقابل الذي أيخذه مالك العوامل الطبيعية يتحدد تبعا حلجم‬
‫الطلب عليه‪ ،‬فكلما كان الطلب عليه عايل ارتفع سعرها والعكس عندما ينخفض الطلب عليها‪.‬‬

‫‪ -‬عائد عامل رأس املال يتمثل يف الفائدة‪ :‬وهو ذلك العائد الذي حيصل عليه صاحب رأس املال‬
‫نتيجة مشاركته يف العملية اإلنتاجية والتضحية ابالنتفاع به يف الوقت احلاضر‪ ،‬ومن وجهة النظر‬
‫اإلنتاجية يتمثل يف تلك التكلفة اليت تتحملها املؤسسة من أجل احلصول على رأس املال الالزم للقيام‬
‫ابلعملية اإلنتاجية‪.46‬‬

‫‪ -‬عائد العمل يتمثل يف األجر‪ :‬وتعترب األجور ذلك التعويض الذي حيصل عليه العامل نتيجة‬
‫مشاركته يف العملية اإلنتاجية‪ ،‬وينظر إليه من وجه نظر اإلنتاج على أنه تكلفة العمل عن كل وحدة‬
‫زمنية من العمل أو عن كل وحدة من اإلنتاج‪.47‬‬

‫‪-‬عائد التنظيم يتمثل يف الربح‪ :‬ويقصد ابلربح ذلك العائد الذي حيصل عليه املنظم نتيجة مشاركته‬
‫وحتمل مسؤولية التنظيم والتوجيه والتنسيق بني عناصر اإلنتاج‪ ،‬فقد عرف على أنه الفرق بني اإليراد‬
‫والتكاليف‪ ،‬وتتضمن فكرة الربح االختيار املنظم بني عدة بدائل من األحجام اليت تعطي كل منها‬
‫مستوى معني من األرابح‪ ،‬وكونه دائما يتجه إىل حتقيق أعلى مستوى من الربح فإنه حيمله ذلك‬
‫خماطرة متعلقة ابملعلومات حول املستقبل غري الواضحة‪.48‬‬

‫‪ -44‬حممد مدحت مصطفى‪ ،‬اقتصادايت األراضي الزراعية‪ :‬األسس والنظرايت والتطبيق‪ ،‬مكتبة اإلشعاع الفنية للطباع والنشر والتوزيع‪،1998 ،‬‬
‫ص‪.137،139‬‬
‫‪45‬‬
‫‪ -‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.351‬‬
‫‪46‬‬
‫‪ -‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.363‬‬
‫‪ :‬التحليل االقتصادي اجلزئي‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1990 ،‬ص‪.331‬‬ ‫‪ -47‬ضياء جميد املوسوي‪ ،‬النظرية االقتصادية‬
‫‪48‬‬
‫‪ -‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.359‬‬

‫‪87‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫ويرى بعض االقتصاديني أنه ال توجد سوى نوعني من املداخيل لعوامل اإلنتاج ومها‪ :‬عوائد على‬
‫امللكية واليت تتمثل يف الريع والربح والفائدة‪ ،‬وعوائد العمل املتمثل يف األجر‪ ،‬وذلك أن الربح والفائدة‬
‫والريع ختتلف عن األجور بكوهنا متثل عائدات على امللكية‪.49‬‬

‫خصائص عوامل اإلنتاج‪:‬‬

‫تعرب عوامل اإلنتاج عن خمتلف العناصر املادية وغري مادية الضرورية إلمتام العملية اإلنتاجية‪ ،‬فال ميكن‬
‫قيام هذه األخرية من دون وجود تلك العناصر‪ ،‬واليت تتميز مبجموعة من اخلصائص ميكن إبرازها فيما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ -‬القابلية لإلحالل‪ :‬أي ميكن لعامل معني من عوامل اإلنتاج أن حيل حمل عامل آخر يف العملية‬
‫اإلنتاجية سواء بشكل جزئي أو بشكل كامل ‪،‬كما هو احلال ابلنسبة لعنصر العمل ورأس املال‪.‬‬

‫‪ -‬القابلية للتجزئة والقياس‪ :‬أي ميكن جتزئة عوامل اإلنتاج إىل أجزاء ووحدات كما ميكن قياسها‪.‬‬

‫‪ -‬القابلية للتكامل‪ :‬أي تكامل عوامل اإلنتاج فيما بينها إلمتام عملية إنتاج سلعة معينة‪ ،‬كاستخدام‬
‫احلديد واإلمسنت لبناء منزل‪.‬‬

‫‪ -‬هلا مثن‪ :‬وهي خاصية تتمتع هبا كل املوارد االقتصادية‪ ،‬وذلك ابلنظر إىل ندرهتا وأمهيتها يف العملية‬
‫اإلنتاجية‪ ،‬أي ال ميكن إمتام هذه األخرية من دون استخدام تلك العوامل‪ ،‬ويتمثل مثن عناصر اإلنتاج‬
‫يف ذلك العائد الذي حيصل عليه كل عامل من تلك العوامل‪ ،‬والذي يتحدد حسب مستوى العرض‬
‫والطلب عليها‪ ،‬فاذا كان مستوى الطلب عليها أعلى من مستوى العرض منها يؤدي إىل ارتفاع‬
‫أسعارها‪ ،‬والعكس عندما يرتفع العرض منها على الطلب‪ ،‬كما جند أيضا عالقة بني أسعار عوامل‬
‫اإلنتاج وأسعار املنتجات النهائية‪ ،‬وذلك أن أسعار عوامل اإلنتاج متثل تكاليف إلنتاج املنتجات‬
‫النهائية‪ ،‬كما أن الطلب على عناصر اإلنتاج يرتبط ابلطلب على املنتجات النهائية‪ ،‬حيث ان زايدة‬

‫‪ -49‬ضياء جميد املوسوي‪ ،‬النظرية االقتصادية‪ :‬التحليل االقتصادي اجلزئي‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1990 ،‬ص‪.351‬‬

‫‪88‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫الطلب على املنتجات النهائية يؤدي إىل زايدة الطلب على عوامل اإلنتاج‪ ،‬ومن مث ارتفاع أسعارها إذا‬
‫مل يقابله زايدة يف العرض منها‪.‬‬

‫نظام اإلنتاج‪:‬‬

‫النظام اإلنتاجي هو الطريقة والكيفية اليت جتمع هبا عوامل وعناصر اإلنتاج من أجل احلصول‬
‫على سلعة أو خدمة معينة‪ ،‬واليت أتخذ شكل مدخالت وعمليات وخمرجات‪ ،‬وأنظمة اإلنتاج عديدة‬
‫‪50‬‬
‫ومتنوعة‪ ،‬فهناك أنظمة اإلنتاج ملنظمة صناعية وأنظمة إنتاج ملنظمة خدمية وذلك كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬النظـام اإلنتاجي الصناعي‪ :‬وهو عبارة عن النظام الذي يتضمن العمليات اإلنتاجية اهلادفة‬
‫إىل احلصول على سلع مادية ملموسة‪ ،‬وميثل الصيغة التنظيمية إلدارة اإلنتاج‪.‬‬

‫‪ -‬النظام اإلنتـاجي اخلدمـي‪ :‬وعبارة عن النظام الذي يتضمن العمليات اإلنتاجية اهلادفة إىل‬
‫إنتاج اخلدمات‪ ،‬وميثل الصيغة التنظيمية إلدارة العمليات‪.‬‬

‫العملية اإلنتاجية‪:‬‬

‫هي العملية اليت مبقتضاها يتم مزج عناصر اإلنتاج من أجل احلصول على السلع واخلدمات اليت‬
‫حيتاجها أفراد اجملتمع‪ ،51‬فهي متثل خمتلف العمليات املرتبة واملنظمة بشكل هادف ومناسب وخمطط‬
‫له من أجل احلصول على منتجات من نوع معني‪ ،‬واليت تتطلب جمموعة من العناصر املادية كاآلالت‬
‫واملواد األولية‪ ،‬والعناصر البشرية‪ ،‬إضافة إىل العناصر غري مادية كاملعارف ومناذج التصميم‬
‫والتكنولوجيا‪ ،‬والعناصر البيئية‪.‬‬

‫اإلنتاجية‪:‬‬
‫هي مؤشر من مؤشرات قياس أداء عناصر اإلنتاج‪ ،‬وهي تعبري عن مدى مسامهة وكفاءة تلك العناصر‬
‫يف العملية اإلنتاجية‪ ،‬فقد عرفت على أهنا مقياس للعالقة بني املخرجات واملدخالت‪ ،‬واليت تعرب عن‬

‫‪ - 50‬كاسر نصر املنصور‪ ،‬إدارة اإلنتاج والعمليـات‪ ،‬دار حامد للنشر والتوزيع‪ ،‬عمـان‪ ،2000 ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ -51‬السيد حممد امحد السرييت‪ ،‬أسس علم االقتصاد‪ ،‬دار التعليم اجلامعي للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2014 ،‬ص‪.231‬‬

‫‪89‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫القدرة على تكوين الناتج ابستخدام عناصر إنتاج حمددة‪ ،‬وبذلك فهي متثل مقياس حلسن استخدام‬
‫وتوظيف عناصر اإلنتاج يف النشاط اإلنتاجي‪ ،52‬وميكن حساهبا بطريقة التالية‪:‬‬
‫كمية االنتاج احملصل عليها خالل فرتة زمنية معينة‬
‫االنتاجية =‬
‫كمية عوامل االنتاج املستخدمة يف احلصول على ذلك االنتاج‬

‫وميكن التمييز هنا بني‪ :‬إنتاجية العمل‪ ،‬وإنتاجية رأس املال‪ ،‬وإنتاجية األرض‪ .‬كما ميكن حساهبا‬
‫ابلكمية أو ابلقيمة‪.‬‬
‫وتتأثر اإلنتاجية بعدة عوامل منها‪ :‬قدرات ومهارات األفراد ورغبتهم يف العمل‪ ،‬التكنولوجيا املستخدمة‬
‫يف العملية اإلنتاجية‪ ،‬نوعية وكفاءة اآلالت‪ ،‬والظروف احمليطة ابلعملية اإلنتاجية‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬نشاط التبادل التجاري‪:‬‬

‫يقصد ابملبادلة تنازل شخص عن شيء ما لشخص مقابل شيء آخر مياثله ويعادله يف القيمة من‬
‫وجهة نظر أطراف التبادل‪ ،‬أي هو عملية تبادل املنافع بني األشخاص‪ ،‬وحىت تتم عملية التبادل بني‬
‫األشخاص البد من وجود اختالف يف األشياء اليت ميلكها الطرفان‪ ،‬إضافة إىل الرغبة لكال الطرفان‬
‫يف القيام بعملية املبادلة‪ ،‬ونشاط التبادل ميثل حلقة مهمة تصل بني اإلنتاج واالستهالك‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫األساس يعترب من األنشطة األساسية للمجتمعات منذ القدم‪ ،‬سواء كانت يف شكل مقايضة أو‬
‫ابستعمال النقود اليت لعبت دورا أساسيا يف تطور واتساع هذا النشاط‪.53‬‬

‫إن تقسيم العمل واالجتاه حنو التخصص هو الذي ولد وفرض التبادل التجاري بني األشخاص وبني‬
‫اجملتمعات‪ ،‬حيث ال يستطيع الشخص أن ينتج كل حيتاجه وهذا ما يؤدي به إىل التخصص يف إنتاج‬
‫نوع معني‪ ،‬وهذا حيتم عليه مبادلة ما لديه من فائض مبا لدى اآلخرين من فوائض‪ ،‬ومن هنا تظهر‬

‫‪ -52‬غسان قسام دواد الالمي‪ ،‬أمية شكرويل البيايت‪ ،‬إدارة اإلنتاج والعمليات‪ :‬مرتكزات معرفية‪ ،‬دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪،2008 ،‬‬
‫ص‪.39‬‬
‫‪ -53‬نصيب رجم‪ ،‬إدارة أنظمة التوزيع‪ -‬تطبيقات ودراسة حالة‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬عنابة‪ ،‬اجلزائر‪ ،2006 ،‬ص‪.10‬‬

‫‪90‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫ضرورة التجارة يف حتقيق مبدأ التخصص‪ ،‬وعليه ميكن القول أن كال من التخصص والتجارة متكاملني‬
‫وال ميكن ألحدمها أن يقوم من دون اآلخر‪.‬‬

‫وقد عرف هذا النشاط تطورات مهمة تبعا لتطور نشاط اإلنتاج واألنظمة االقتصادية واالجتماعية‬
‫للبشرية‪ ،‬فقد ظهر بداية كنتيجة للتخصص وتقسيم العمل بني األشخاص يف شكل نظام املقايضة‬
‫اليت تقوم على مبادلة سلعة بسلعة أخرى‪ ،‬ليتطور بعدها وحتت ضغط اتساع املبادالت التجارية‬
‫وتنوعها وتعدد احلاجات البشرية إىل نظام البيع والشراء ابالعتماد على وسيط التبادل الذي حيظى‬
‫بقبول لدى مجيع األطراف‪ ،‬ليطرأ عليه هو اآلخر تطورات وحتوالت انتقل على اثرها من النظام‬
‫السلعي القائم على اعتماد سلعة ذات قيمة كوسيط للتبادل إىل استخدام املعادن النفيسة ابعتبارها‬
‫حتظى بقبول عام‪ ،‬لتظهر بعدها النقود املعدنية مث النقود االئتمانية وأخريا وسائل الدفع اإللكرتونية‪.‬‬

‫عناصر التبادل‪:‬‬
‫إن نشاط التبادل التجاري يتطلب وجود شخصني أو اكثر‪ ،‬مع وجود حيز ميكن طريف التبادل (البائع‬
‫واملشرتي) من القيام بعميلة التبادل‪ ،‬مع وجود أشياء ذات قيمة لدى الطرفني يرغب كل منهما يف‬
‫مبادلتها ابلشيء الذي حبوزة اآلخر‪ ،‬وانطالقا من هذا فإن عملية التبادل تقوم على جمموعة من‬
‫العناصر ميكن إيضاحها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬أطراف التبادل‪ :‬فأي عملية تبادل جتاري ال بد أن تتم بني طرفني اثنني يرغب كل منهما يف التنازل‬
‫عن شيء ميلكه مقابل احلصول على شيء آخر هو ملك للطرف اآلخر‪ ،‬يعتقد انه مناسب لتلبية‬
‫حاجاته ورغباته‪ ،‬ويسمى الطرفان ابلبائع واملشرتي‪ .‬حيث يعترب البائع الشخص الذي ميلك الشيء‬
‫الذي يرغب يف التنازل عليه مقابل شيء آخر‪ ،‬أما املشرتي فهو الشخص الذين يرغب يف شراء شيء‬
‫موضوع التبادل مقابل دفع قيمته للبائع‪.‬‬
‫‪ ‬حمل التبادل‪ :‬أو موضوع التبادل وهو الشيء الذي ميلكه البائع ويرغب يف التنازل عليه للمشرتي‬
‫مقابل شيء آخر‪ ،‬وهو حيمل منفعة معينة لدى املشرتي وهلذا يكون مستعد للحصول عليه مقابل مثن‬
‫معني‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ ‬وسيط التبادل‪ :‬وهو الشيء الذي حبوزة املشرتي والذي يرغب يف دفعه للبائع مقابل احلصول على‬
‫الشيء اآلخر‪ ،‬حيث ميثل مقياس لقيمة الشيء املراد احلصول عليه‪ ،‬وقد طورت البشرية هذا املقياس‬
‫والوسيط ليصبح يف وقتنا احلاضر يتمثل يف النقود على اختالف أنواعها وأشكاهلا‪.‬‬
‫‪ ‬حيز التبادل ‪ :‬الذي يعرف على أنه اإلطار الذي ميكن من خالله للبائع بيع منتجاته للمشرتي‪،‬‬
‫أي هو احليز الذي ميكن من القيام بعملية البيع والشراء بني البائع واملشرتي وتتم يف إطاره علمية‬
‫التبادل‪ ،‬والذي يصطلح على تسميته ابلسوق‪ ،‬سواء كانت تتمثل يف مكان معني‪ ،‬أو وسائل اتصال‬
‫معينة تستخدم لعملية عرض املنتجات وإمتام عملية البيع والشراء كمواقع التواصل االجتماعي واهلاتف‬
‫وغريها‪ .‬وقد عرفت السوق على أهنا نقطة التقاء البائع ابملشرتي أو عبارة عن تالقي بني عرض‬
‫وطلب يسمح بتبادل السلع واخلدمات مبقابل‪ ،54‬كما عرفت على أهنا قوى العرض والطلب على‬
‫سلعة معينة‪ ،55‬وعرفت أيضا على أهنا احليز أو الوسيلة اليت تتفاعل فيها قوى العرض والطلب لتحديد‬
‫سعر البضاعة ونقل ملكيتها أو االستفادة من خدمة معينة‪ .56‬وتؤدي السوق ثالث وظائف أساسية‬
‫‪57‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ -‬وظيفة التوصيل‪ :‬حيث تعمل السوق على إيصال املعلومات ملتخذي القرار سواء كانوا مشرتين‬
‫(مستهلكني) أو ابئعني (منتجني)‪ ،‬فبالنسبة للمشرتين متكنهم من معرفة أنواع السلع وحجم املعروض‬
‫وزمن ومكان تواجد السلع وأسعارها‪ ،‬أما ابلنسبة للبائعني فتمكنهم من معرفة حجم الطلب ونوعه‬
‫واجتاهاته املستقبلية واليت على أساسها يتم اختاذ قرارات اإلنتاج والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -‬وظيفية التنسيق‪ :‬حيث تعمل األسواق على حتقيق التنسيق بني البائعني واملشرتين من حيث نوعية‬
‫السلع املعروضة وكميتها‪ ،‬أي حتقيق الشروط والظروف اليت تؤدي إىل التوازن بني العرض والطلب‪،‬‬
‫فالسوق توفر املعلومات اليت متكن من حتقيق التوافق بني أهداف البائعني واحتياجات املستهلكني‪.‬‬

‫‪ -54‬نصيب رجم‪ ،‬دراسة السوق‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬عنابة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،2004‬ص‪.29‬‬
‫‪ -55‬منري نوري‪ ،‬التسويق مدخل املعلومات واالسرتاتيجيات‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،2007 ،‬ص‪.215‬‬
‫‪56‬‬
‫‪- stanton william, fundamentals of marketing, 4th édition, MCGRAW- HILL, 1995. p49.‬‬
‫‪ -57‬جيمس جوارتين‪ ،‬ريتشاد سرتوب‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد عبد الصبور حممد علي‪ ،‬دار املريخ للنشر‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،2010 ،‬ص‪.96‬‬

‫‪92‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬وظيفة توفري احلوافز‪ :‬وذلك من خالل األسعار واملنافسة واألرابح‪ ،‬حيث تعمل على توفري آلية‬
‫األسعار اليت تعترب قاعدة أساسية لتحقيق التوازن بني األطراف يف السوق‪ ،‬هدف تعظيم األرابح‬
‫ابملنسبة للمنتجني‪ ،‬وهدف حتقيق اكرب إشباع ممكن أبقل تكلفة ابلنسبة للمستهلني‪ ،‬ومن مث يتحقق‬
‫التوازن عند مستوى معني من األسعار الذي يدعى بسعر توازن السوق‪ ،‬الذي يتحدد من خالل‬
‫عوامل السوق بعيدا عن أتثري منتج أو ابئع معني‪ ،‬ويصبح السعر معطى للمنتج‪ ،‬وعليه فان تعظيم‬
‫الربح يتحدد بناء على حتسني اجلهود وختفيض التكاليف‪.‬‬
‫ولقد تطور مفهوم ومضمون التبادل التجاري يف العصر احلايل من شكله البسيط القائم على عمليات‬
‫البيع والشراء‪ ،‬إىل مفهوم جد معقد يقوم على جمموعة من األنشطة والعمليات‪ ،‬اليت من خالهلا‬
‫يستطيع البائع بيع وتصريف ما حبوزته من بضاعة مقابل احلصول على فائض قيمة أو أرابح‪ ،‬ومن‬
‫تلك األنشطة جند عمليات الرتويج والتسعري والتوزيع‪ ،‬النقل التخزين‪.‬‬
‫بعض اْلنشطة املرتبطة َبلتبادل التجاري‪:‬‬
‫ان عملية التبادل التجاري أصبحت من أهم األنشطة االقتصادية ابلنظر إىل الدور الذي تلعبه يف‬
‫ضمان استمرارية الدورة اإلنتاجية‪ ،‬واملوقع الذي حتتله كحلقة أساسية بني اإلنتاج واالستهالك‪ ،‬فال‬
‫ميكن استمرار الدورة اإلنتاجية ما مل تتم عملية تصريف املنتجات‪ ،‬وهذه العملية اليت يضمنها نشاط‬
‫التبادل التجاري‪ ،‬وخاصة يف ظل التطورات االجتماعية واالقتصادية اليت عرفتها البشرية اليوم‪ ،‬أين‬
‫مست هذا النشاط تطورات هامة واصبح حيتوي العديد من األنشطة املعقدة‪ ،‬واليت ميكن إبراز أمهها‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫البيع‪ :‬هو العملية اليت متكن البائع من التنازل وتصريف ما لديه من سلع وخدمات مبا يقابلها من‬
‫أمثان يرى أهنا تكافؤها يف القيمة‪ ،‬وابلنظر إىل التطورات اليت حلقت هبذا النشاط من ضخامة‬
‫الكميات وتنوعها وتطور املصانع اإلنتاجية من الناحية اإلدارية والتقنية‪ ،‬فقد أصبحت هذه العملية‬
‫تتطلب أنشطة عديدة تندرج ضمن وظيفة التسويق‪.‬‬
‫الشراء‪ :‬وهو العملية اليت متكن املشرتي من احلصول على السلع واخلدمات اليت يرغب يف شرائها‪،‬‬
‫وذلك من خالل اتصاله ابلبائع ودفع ما يقابل تلك السلع‪ ،‬وهلذا يرى االقتصاديون أن هناك شرطني‬
‫ضروريني إلمتام علمية الشراء ومها الرغبة والقدرة الشرائية‪ ،‬حيث تشري األوىل إىل رغبة واستعداد‬
‫‪93‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫املشرتي للحصول على شيء معني مقابل التضحية ابلثمن احملدد له‪ ،‬أما القدرة الشرائية فهي امتالك‬
‫املشرتي للمقابل احملدد للشيء الذي يرغب فيه‪ ،‬أي امتالك مثنه سواء كان نقدا أو عينا أو جمهود‪،‬‬
‫وختتلف عملية الشراء ابختالف طبيعة املشرتي ان كان جمرد شخص طبيعي يسعى لتلبية حاجاته‬
‫ورغباته‪ ،‬أو كان مؤسسة تشرتي متطلبات نشاطها‪ ،‬أو هيأة حكومية‪ ،‬فلكل منهم سلوكه اخلاص‬
‫يتحدد يف اطار عوامل واعتبارات خاصة ومتميزة عن ابقي السلوكات األخرى‪.‬‬
‫النقل‪ :‬يقصد به احلركة املادية للمواد‪ ،‬اليت متكن من نقل املواد من مكان إىل مكان آخر‪ ،‬أي نقلها‬
‫من مواطن اإلنتاج إىل مواطن االستهالك واالستخدام‪ ،‬فقد عرف على انه عملية حتريك املواد من‬
‫مكان إنتاجها أو بيعها إىل نقاط استهالكها ابلكمية املطلوبة والوقت احملدد وبتكلفة معقولة‪.58‬‬
‫التخزين‪ :‬وهو عملية االحتفاظ ابملواد ضمن شروط السالمة إىل غاية ان حيني وقت استخدامها‪ ،‬أي‬
‫هو خمتلف العمليات اليت متكن شخص أو مؤسسة ما ابالحتفاظ ابملواد مع توفري هلا شروط وظروف‬
‫التخزين املثلى إىل غاية وقت استخدامها‪ ،‬ومن هذا املنطلق فان التخزين حيقق ثالث وظائف وهي‪:‬‬
‫‪ -‬حفظ املواد ضمن شروط السالمة‪.‬‬
‫‪ -‬حتقيق االستمرارية يف الزمن للمواد‪ ،‬من خالل متديد مدة صالحيتها‪.‬‬
‫‪ -‬تعديل التدفق الزمين للمواد‪ :‬أي من خالهلا ميكن توزيع كمية املواد عرب الزمن‪.‬‬
‫التسويق‪ :‬هو خمتلف األنشطة واجلهود اليت يبذهلا البائع من أجل بيع وتصريف ما لديه من منتجات‪،‬‬
‫ويشمل التسويق على أنشطة تسمى بعناصر املزيج التسويقي واملتمثلة يف‪ :‬سياسة اإلنتاج‪ ،‬التسعري‪،‬‬
‫الرتويج والتوزيع‪.‬‬
‫العرض والطلب‪ :‬يقصد ابلعرض الكمية من سلعة ما املعروضة يف السوق خالل فرتة زمنية معينة‪،‬‬
‫وهو ميثل الوجه املقابل للطلب‪ ،‬وترتبط فكرة العرض عموما مبشكلة الندرة‪ ،‬ذلك ان إنتاج سلعة ما ال‬
‫يتم إال بتظافر جمموعة من عناصر اإلنتاج اليت تتميز ابلندرة النسبية‪ ،59‬أما الطلب فهو كمية الطلب‬

‫‪58‬‬
‫‪- philips charles.f ducan delbert.j, marketing principles and methods, 6 th edition, irwin ontzrio, 1968, p489.‬‬
‫‪ -59‬زينب حسني عوض هللا‪ ،‬جمدي حممود شهاب‪ ،‬أسامة حممد الفوىل‪ ،‬أصول االقتصاد السياسي‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪،2000 ،‬‬
‫ص‪.209‬‬

‫‪94‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫على سلعة ما خالل فرتة زمنية معينة‪ ،‬شريطة ان يقرتن ذلك بوجود الرغبة والقدرة على الشراء‪ .‬وميكن‬
‫التمييز بني العرض والطلب الفردي والعرض والطلب الوطين أو يف السوق‪ ،‬حيث ميثل الطلب‬
‫والعرض الكلي جمموع الطلبات والعروض الفردية على سلعة معينة وعند مستوايت خمتلفة للسعر يف‬
‫فرتة زمنية معينة‪ ،‬ويتحدد العرض الكلي بنفس العوامل اليت حتدد العرض الفردي ابإلضافة إىل عدد‬
‫املنتجني‪ ،‬والطلب الكلي أيضا يتحدد بنفس العوامل احملددة للطلب الفردي ابإلضافة إىل عدد‬
‫املستهلكني‪.60‬‬
‫قنوات التوزيع‪ :‬يشري التوزيع إىل تلك األنشطة اليت تضمن إيصال املنتجات من أيدي املنتجني إىل‬
‫أيدي املستهلكني‪ ،‬أما قناة التوزيع فهي تلك املسالك واحملطات اليت متر هبا البضاعة من املنتج إىل‬
‫املستهلك النهائي هلا‪ ،‬حيث توجد عدة أشكال منها وهي‪:‬‬
‫‪ -‬من املنتج إىل املستهلك مباشرة‪.‬‬
‫‪ -‬من املنتج إىل اتجر اجلملة إىل املستهلك‬
‫‪ -‬من املنتج إىل اتجر اجلملة إىل اتجر التجزئة إىل املستهلك‬
‫‪ -‬من املنتج إىل الوكيل إىل اتجر التجزئة إىل املستهلك‪.‬‬
‫‪ -‬من املنتج إىل الوكيل إىل اتجر اجلملة إىل اتجر التجزئة إىل املستهلك‬
‫العوامل املؤثرة يف التبادل التجاري‪:‬‬
‫ختضع عمليات التبادل التجاري إىل جمموعة من املعطيات والعوامل‪ ،‬اليت ميكن ان تؤثر يف عناصرها‬
‫وأركاهنا من أهم تلك العوامل ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الرغبة‪ :‬واليت تتحدد مبجموعة من العناصر منها األذواق والعادات والتقاليد واحلاجات‪ ،‬وهي شرط‬
‫أساسي يف إمتام عملية التبادل‪ ،‬سواء ابلنسبة للبائع أو ابلنسبة للمشرتي‪.‬‬
‫‪ -‬األسعار‪ :‬وتعترب عامل مهم يف التبادل التجاري‪ ،‬فهي تعبري عن قيمة األشياء حمل التبادل‪ ،‬فهي من‬
‫وجهة نظر البائع تعويض عن الشيء الذي تنازل عنه‪ ،‬أما ابلنسبة للمشرتي فهي تكلفة وعبئ مقابل‬
‫حصوله على الشيء الذي يرغب فيه‪ ،‬أي تكلفة املنافع اليت حصل عليها‪.‬‬

‫‪ -60‬ضياء جميد املوسوي‪ ،‬النظرية االقتصادية ‪ :‬التحليل االقتصادي اجلزئي‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،1990 ،‬ص‪.38 ،27‬‬

‫‪95‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬نوعية السلعة‪ :‬فنوع السلع يلعب دورا يف إمتام التبادل‪ ،‬ألن املشرتي يرغب دائما يف احلصول على‬
‫نوع حمدد من السلع اليت يراها مناسبة لتحقيق أهدافه‪.‬‬
‫‪ -‬العوامل االجتماعية‪ :‬مبا فيها العادات والتقاليد والقيم السائدة يف اجملتمع‪.‬‬
‫‪ -‬القوانني والتشريعات يف اجملتمع‪ :‬فالقوانني واألحكام التشريعية تلعب دورا يف تنظيم عمليات التبادل‬
‫التجاري‪ ،‬ففي إطارها حتدد عادة األسعار ونوعية السلع املسموح هبا وتلك املمنوعة من التبادل‬
‫وطريقة التبادل وغريها‪.‬‬
‫‪ -‬الظروف الطبيعية‪ :‬مبا فيها املناخ السائد‪ ،‬وخمتلف احلوادث الطبيعية‪ ،‬فإهنا تلعب دور هام يف إمتام‬
‫وتوجيه عمليات التبادل التجاري‪.‬‬
‫كما ميكن التمييز بني عمليات التبادل التجاري اليت تتم بني األفراد داخل الدولة‪ ،‬وتلك اليت تتم بني‬
‫الدول واجملتمعات‪ ،‬وهذا ما يسمى ابلتجارة الدولية أو التبادل التجاري الدويل‪ ،‬والذي يعرب عن تبادل‬
‫السلع واخلدمات بني الدول وفق شروط وأساليب معينة‪ ،‬أي هي املبادالت التجارية بني اطراف من‬
‫دول خمتلفة‪ ،‬ختضع جملموعة من املعطيات والعوامل أمهها‪:‬‬
‫‪ -‬أسعار صرف العمالت‪ :‬وهي عدد الوحدات من العمالت األجنبية املقابلة لوحدة واحدة من‬
‫العملة الوطنية‪.‬‬
‫‪ -‬أسعار يف األسواق احمللية ويف األسواق اخلارجية‪.‬‬
‫‪ -‬تكاليف اإلنتاج‬
‫‪ -‬الرسوم والقيود اجلمركية‬
‫‪ -‬املنافسة األجنبية‪.‬‬
‫‪ -‬تكلفة نقل البضاعة والتخزين‬
‫وتكمن أمهية التجارة الدولية فيما يلي‪:‬‬
‫توسيع القدرة التسويقية أي فتح أسواق جديدة أمام املنتجات احمللية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫زايدة رفاهية األفراد من خالل حتقيق السعر العادل واجلودة العالية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تنويع اخليارات أمام األفراد‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫توسيع فرص النمو والتنمية من خالل توفري متطلبات اإلنتاج ونقل التكنولوجيا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪96‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬حتقيق مبدأ التخصص وتقسيم العمل واالستفادة من مزاايه‪.‬‬
‫‪ -‬تقوية العالقات بني الدول يف جوانبها اإلقتصادية والسياسية‪.‬‬
‫‪ -‬توفري احتياجات األفراد واجملتمع‬
‫اثلثا‪ :‬االستهالك‬

‫يعترب االستهالك استعمال السلع واخلدمات يف إشباع احلاجات والرغبات‪ ،‬وهو ضروري حلماية وجود‬
‫اإلنسان وبقائه على وجه األرض‪ ،‬وحتقيق رفاهيته وسعادته‪ ،‬كما يعاكس االستهالك مفهوم االدخار‬
‫اعتبارا من أن األول ميثل استهالكا حاضرا والثاين يعترب أتجيال لالستهالك إىل وقت آخر‪ ،‬وذلك ان‬
‫الدخل يقسم إىل قسمني قسم خمصص لالستهالك وقسم خمصص لالدخار‬

‫أي ان الدخل يساوي االستهالك زائد االدخار‪ ،‬وقد اختلف االقتصاديني بني املدرسة الكالسيكية‬
‫واملدرسة الكنزية يف من حيدد أوال واملعايري اليت على أساسها يتم حتديد نسبة االستهالك ونسبة‬
‫االدخار‪.‬‬

‫تعريف االستهالك‪:‬‬

‫االستهالك هو استخدام سلع وخدمات يف تلبية احلاجات والرغبات‪ ،‬وذلك من خالل االستفادة من‬
‫املنافع اليت حتققها تلك السلع واخلدمات‪ .‬وميكن النظر إىل االستهالك على أنه اهلدف أو الغاية‬
‫األساسية لكل النشاطات االقتصادية‪ ،‬فكل اجلهود اليت يبذهلا اإلنسان وأنشطته اليت يقوم هبا تصب‬
‫يف إشباع حاجاته ورغباته املختلفة‪ ،‬كما يكتسي االستهالك أمهية كبرية من الناحية االقتصادية‬
‫واالجتماعية تكمن يف تنشيط الدورة االقتصادية من االستثمار واإلنتاج والتوزيع وغريها‪ ،‬وجتديد‬
‫الطاقة اإلنتاجية‪.‬‬

‫وقد عرف على أنه‪" :‬الفعل املتحقق من قبل الفرد يف شراء أو استخدام أو االنتفاع من منتج أو‬
‫خدمة متضمنة عدد من العمليات الذهنية واالجتماعية اليت تقود إىل حتقيق ذلك الفعل‪ ،‬ويعرف‬

‫‪97‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫أيضا أبنه "ذلك الفعل الشخصي الذي يقوم يف جوهره على االنتفاع واالستخدام االقتصادي للسلع‬
‫واخلدمات متضمنا عدد من العمليات املرتتبة على حتقيق القرار لذلك الفعل‪".61‬‬

‫وعليه فإن االستهالك هو االستخدام النهائي للسلع واخلدمات بغرض إشباع احلاجات والرغبات‪،‬‬
‫ومن زاوية الدخل يعترب ذلك اجلزء من الدخل الذي يوجه القتناء سلع وخدمات من أجل إشباع‬
‫احلاجات والرغبات احلالية‪ ،‬وبناء على ما سبق يظهر ان مفهوم االستهالك أيخذ عدة دالالت‬
‫وخصائص ميكن تلخيصها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬يعترب االستهالك جزء من الدخل‬

‫‪-‬يرتبط االستهالك بوجود اإلنسان واستمراريته يف احلياة‬

‫‪ -‬يتمثل االستهالك يف اإلشباع احلايل للحاجات والرغبات‬

‫‪ -‬االستهالك هو الغاية النهائية من األنشطة االقتصادية‬

‫‪ -‬يرتبط االستهالك بشكل عضوي ابإلنتاج وهو ضروري الستمرارية الدورة اإلنتاجية‬

‫‪ -‬يعترب االستهالك أحد مكوانت الدخل القومي‪.‬‬

‫‪ -‬يعترب مفهوم منافس لالدخار‬

‫أنواع وأشكال االستهالك‪:‬‬

‫ميكن التمييز بني عدة أنواع من االستهالك ابلنظر إىل املعايري اليت تستخدم يف ذلك‪ ،‬كمدى اعتماده‬
‫على الدخل‪ ،‬الغرض من االستهالك‪ ،‬طريقة إشباع احلاجات والرغبات‪ ،‬ومن بني تلك األنواع ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ -‬من حيث اعتماده على الدخل‪ :‬ميكن التمييز هنا بني نوعني من االستهالك كما يلي‪:‬‬

‫دار احلامد‪ ،‬عمان‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،2006‬ص‪.168‬‬ ‫‪ -61‬اثمر البكري‪ ،‬االتصاالت التسويقية والرتويج‪،‬‬

‫‪98‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬االستهالك املستقل عن مستوى الدخل‪ :‬ويدعى ابالستهالك التلقائي‪ ،‬وهو ذلك اجلزء من‬
‫االستهالك الذي ال يرتبط ابلدخل الشخصي للمستهلك‪ ،‬والذي ال بد ان حيصل عليه الفرد حىت‬
‫وان كان دخله معدوما‪ ،‬وذلك إما ابلسحب من مدخراته ان وجدت أو ابالقرتاض‪ ،‬أي ميثل احلد‬
‫األدىن من االستهالك الضروري لبقاء الشخص على قيد احلياة‪.‬‬

‫‪ -‬االستهالك املعتمد على مستوى الدخل‪ :‬وهو ذلك اجلزء من االستهالك الذي يرتبط بدخل‬
‫املستهلك‪ ،‬فكلما زاد دخله زاد مستوى االستهالك‪ ،‬والعكس اذا اخنفض الدخل ينخفض مستوى‬
‫االستهالك‪ ،‬فهو أيخذ عالقة طردية مع الدخل‪.‬‬

‫‪ -‬حسب الغرض من االستخدام‪ :‬وميكن التمييز بني االستهالك النهائي واالستهالك الوسيط‪:‬‬

‫‪ -‬االستهالك النهائي‪ :‬وهو استخدام السلع واخلدمات إلشباع احلاجات والرغبات بشكل مباشر‪،‬‬
‫أي االستهالك غري إنتاجي كاللباس واألكل‪.‬‬

‫‪ -‬االستهالك الوسيط‪ :‬وهو إعادة استخدام جزء من السلع واخلدمات يف العملية اإلنتاجية‪ ،‬أي‬
‫استعمال السلع واخلدمات إلنتاج منتجات أخرى‪ ،‬فهو استهالك غري مباشر‪ ،‬كاستهالك املواد‬
‫نصف مصنعة يف إنتاج سلعة أخرى‪ ،‬استخدام الفاكهة يف صناعة املرىب والعصائر وغريها‪.‬‬

‫‪ -‬االستهالك اجلماعي واالستهالك الفردي‪ :‬وميكن التمييز بني االستهالك اخلاص واالستهالك‬
‫العام‪ ،‬على أساس طريقة إشباع احلاجات والرغبات ان كانت تتم بشكل فردي أو مجاعي‪:‬‬

‫‪ -‬االستهالك العائلي أو الفردي‪ :‬وهو استهالك القطاع العائلي‪ ،‬أو هو ذلك اجلزء من اإلنفاق الذي‬
‫خيصص لالستهالك العائلي أو الفردي‪ ،‬أي هو ذلك االستهالك الذي يتعلق بعملية إشباع احلاجات‬
‫والرغبات اخلاصة ابألفراد والعائالت واملؤسسات‪ ،‬حيث أيخذ النزعة الفردية يف إشباع احلاجات‬
‫والرغبات‪ ،‬كالغذاء‪ ،‬واللباس‪.‬‬

‫‪ -‬االستهالك العام‪ :‬وهو استخدام أفراد اجملتمع للخدمات اليت يقدمها القطاع احلكومي مبقابل أو‬
‫بدون مقابل‪ ،‬أي هو ذلك النوع من االستهالك الذي خيص اجلماعات أو اجملتمع ككل بشكل عام‪،‬‬

‫‪99‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫فهو يتعلق بعملية إشباع احلاجات والرغبات العامة اخلاصة ابجملتمع ككل‪ ،‬حيث تشرتك فئة كبرية أو‬
‫مجيع أفراد اجملتمع يف هذا النوع من االستهالك‪ ،‬مثل األمن‪ ،‬الصحة‪ ،‬والتعليم وغريها‪.‬‬

‫املستهلك‪ :‬هو أي شخص ينفق جزء من دخله على السلع واخلدمات بغرض إشباع حاجاته ورغباته‬
‫بشكل مباشر‪ ،‬سواء متثل ذلك اإلنفاق يف شراء سلع غري معمرة كالغذاء‪ ،‬أو يف شراء سلع معمرة‬
‫كالسيارة والتلفاز واألاثث املنزيل‪ ،‬فقد عرف على أنه كافة األفراد والعائالت الذين يقومون بشراء أو‬
‫اقتناء السلع واخلدمات بغرض اإلشباع املباشر حلاجاهتم ورغباهتم الشخصية‪ 62.‬ويتشابه عمل‬
‫املستهلك مع املنتج يف كون أن املنتج أيضا يعمل على إفناء السلع واخلدامات ولكن بغرض إعادة‬
‫إنتاج منتجات أخرى‪ ،‬بينما املستهلك يستعملها إلشباع حاجاته ورغباته بشكل مباشر‪.‬‬
‫العوامل املؤثرة يف االستهالك‪:‬‬

‫تعترب ظاهرة االستهالك من اعقد الظواهر االقتصادية‪ ،‬ابلنظر إىل حجم العوامل واملتغريات املؤثرة‬
‫فيها‪ ،‬واليت تتسم ابلتداخل والتغري املستمر‪ ،‬حبيث يكون من الصعب التنبؤ هبا ومعرفة اجتاهاهتا‬
‫ومعدالت تغريها املستقبلية‪ ،‬وحىت طريقة أتثري تلك العوامل على االستهالك وحجمه يكون من‬
‫الصعب التنبؤ به‪ ،‬إال أن تلك العوامل تؤثر على االستهالك من حيث أهنا تؤثر على عاملني أساسيني‬
‫يف االستهالك‪ ،‬ويعتربان من احملددات األساسية له‪ ،‬ومها الرغبة والقدرة الشرائية للمستهلك‪.‬‬

‫حيث تشري الرغبة إىل ميول واستعداد الفرد الستهالك سلعة أو خدمة معينة من اجل إشباع حاجاته‪،‬‬
‫أما القدرة فهي امتالك الشخص املقابل املادي الذي ميكنه من اقتناء السلع واخلدمات اليت يرغب‬
‫فيها‪ ،‬وهذان العامالن مهمان لقيام االستهالك‪ ،‬ويشرتط توفرمها معا‪ .‬وميكن إبراز أهم العوامل املؤثرة‬
‫يف االستهالك فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬الثروة‪ :‬وتعرب عن الفرق بني املمتلكات وااللتزامات‪ ،‬وهي ختتلف عن الدخل يف كوهنا مفهوما‬
‫تراكميا بينما الدخل فهو مفهوم تدفقي‪ ،‬وللثروة أتثري إجيايب على االستهالك‪ ،‬أي أهنا كلما زادت‬
‫الثروة زاد االستهالك‪.‬‬

‫‪ -62‬عبد الناصر جرادات‪ ،‬تكنولوجيا معلومات اإلعالن وأثرها على والء املستهلك للمنتج‪ ،‬جملة العلوم اإلدارية واالقتصادية‪ ،‬اليمن‪ ، 2009،‬ص‪.63‬‬

‫‪100‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬التوقعات‪ :‬يعتمد االستهالك أيضا على توقعات األفراد املستقبلية حيال ثروهتم ودخوهلم‪ ،‬فأي‬
‫تغري يف مستوى التوقعات سينجم عنه تغري يف مستوى االستهالك‪ .‬وتتعلق تلك الوقعات ابلدخل‬
‫وأسعار املواد واألحداث والظروف املستقبلية اليت يتعرض هلا األشخاص‪.‬‬

‫‪ -‬الضرائب‪ :‬وهلا أتثري سليب على االستهالك من حيث أهنا أتثر على ثروة ودخل األشخاص مما يؤثر‬
‫بشكل مباشر أو غري مباشر على القدرة الشرائية للفرد ‪ ،‬وتنقسم إىل قسمني‪ :‬ضرائب على‬
‫االستهالك وهي اثبتة‪ ،‬وضرائب على الدخل اليت تزداد بتزايد الدخل‪.‬‬

‫‪ -‬درجة التحضر والتمدن‪ :‬فاملعلوم انه كلما زادت درجة التطور التكنولوجي واحلضاري لإلنسان كلما‬
‫تغريت أمناطه وميوالته االستهالكية‪ ،‬ونالحظ كيف تتغري نوعية وأشكال السلع االستهالكية سنواي‪،‬‬
‫حيث تظهر املوضات والنماذج اجلديدة يف اللباس والغذاء واألاثث املنزيل وغريها‪ ،‬فما كان ابألمس‬
‫يعترب عصري وراقي يصبح اليوم قدمي وغري مقبول لدى الكثري‪.‬‬

‫‪ -‬التغري يف عمر اإلنسان‪ :‬فاالستهالك يتغري مع تغري عمر اإلنسان‪ ،‬فاألمناط االستهالكية وامليوالت‬
‫واالجتاهات والرغبات واحلاجات ختتلف من مرحلة الرضاعة إىل مرحلة الطفولة ومرحلة الشباب‬
‫والشيخوخة‪ ،‬وعلى هذا األساس فان متوسط عمر السكان لدى جمتمع معني له اثر ابلغ على‬
‫االستهالك من حيث الكمية والنوعية‪ ،‬فاجملتمعات اليت يغلب عليها فئة الشباب خيتلف فيها‬
‫االستهالك عن اجملتمعات اليت تغلب فيها فئة الشيوخ‪.‬‬

‫‪ -‬احلالة الصحية لإلنسان‪ :‬مبا فيها الصحة البدنية والنفسية‪ ،‬فتغري حالته الصحية يؤثر على منط‬
‫ونوعية استهالكه للمواد‪ ،‬ويفرض عليه يف بعض األحيان استهالك نوع معني وحمدد من املواد‪ ،‬كالذين‬
‫يتبعون محية معينة‪ ،‬أو لباس معني العتبارات صحية‪.‬‬

‫‪ -‬ظهور سلع استهالكية جديدة‪ :‬كلما ظهرت سلع جديدة كلما حفزت األشخاص على االستهالك‬
‫أو إعادة االستهالك‪ ،‬وحيدث ذلك كثريا ابلنسبة للمالبس واألاثث املنزيل‪ ،‬وخاصة عند أولئك الذين‬

‫‪101‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫يتمتعون بثقافة استهالكية عالية أي امليل إىل االستهالك‪ ،‬حيث حتفز السلع اجلديدة رغبتهم يف‬
‫الشراء‪ ،‬وهذا ما تعمل عليه الكثري من الشركات من اجل االستثمار يف بيع املنتجات‪.‬‬

‫‪ -‬حجم وخصائص األسرة‪ :‬تلعب األسرة مبا تتميز به من خصائص ومميزات دورا هاما يف التأثري على‬
‫االستهالك‪ ،‬كعدد أفراد األسرة‪ ،‬عمر أفراد األسرة‪ ،‬ميول أفراد األسرة وهواايهتم‪ ،‬واملستوى املعيشي‬
‫لألسرة‪.‬‬

‫‪ -‬املستوى العام لألسعار‪ :‬يؤثر املستوى العام لألسعار على القدرة الشرائية للمستهلك‪ ،‬وابلتايل على‬
‫االستهالك‪ ،‬فكلما زاد املستوى العام لألسعار كلما قل مستوى االستهالك‪ ،‬كما ان سعر سلعة معينة‬
‫يؤثر بشكل عام على استهالك هذه السلعة‪ ،‬إال ان نوع التأثري وقوته تتحدد حبسب طبيعة السلعة‬
‫واملستوى املعيشي للمستهلك‪ ،‬حيث ميكن التمييز هنا بني السلع ضرورية والسلع الكمالية‪ ،‬وسلع‬
‫التفاخر والسلع الدنيا‪.‬‬

‫‪ -‬العادات والتقاليد‪ :‬ختضع عملية االستهالك إىل العادات والتقاليد السائدة يف اجملتمع‪ ،‬فنالحظ‬
‫اختالف استهالك املواد من حيث النوعية والكمية حبسب عادات وتقاليد اجملتمع‪ ،‬وخاصة تلك اليت‬
‫حتمل رموزا ثقافية أو دينية معينة‪ ،‬كما هو احلال ابلنسبة لنوع اللباس‪.‬‬

‫‪ -‬األذواق‪ :‬تعترب األذواق ميول وحكم انبع من الذاتية واالنتماء االجتماعي للشخص‪ ،‬حيث جيعله‬
‫يفضل استهالك سلعة ما دون األخرى‪ ،‬فكلما كانت األذواق لصاحل سلعة معينة فسيزيد استهالك‬
‫هذه السلعة والعكس اذا كانت األذواق يف غري صاحلها‪ ،‬واملعلوم ان األذواق ختتلف من شخص‬
‫آلخر‪ ،‬كما أهنا تتغري من فرتة زمنية إىل أخرى تبعا لتغري عدة عوامل‪ .‬ويرتبط مفهوم الذوق ابملكانة‬
‫االجتماعية‪ ،‬حيث انه يعترب يف بعض األحيان معيار للحكم عن مدى حتضر ورقي الشخص ومهارته‬
‫يف االختيار السليم‪ ،‬كما استخدم للتعبري عن صفة حسنة يتمتع هبا شخص ما أثناء عمليات‬
‫االختيار اليت تواجهه يف حياته‪ ،‬كاختيار املالبس أو األغذية أو سيارة وغريها‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬تغري الظروف االجتماعية والطبيعية واالقتصادية احمليطة ابإلنسان‪ :‬كظهور األزمات الصحية‪،‬‬
‫الكوارث الطبيعية وتغري املناخ وحالة الطقس‪ ،‬ظهور األزمات االقتصادية والسياسية وغريها‪.‬‬

‫وابلنسبة لالستهالك الكلي أي على مستوى اجملتمع فانه يتأثر ابإلضافة إىل العوامل السابقة بعدد‬
‫السكان ومتوسط االستهالك الفردي‪ ،‬حيث أنه كلما زاد عدد السكان ومتوسط االستهالك الفردي‬
‫يرتفع حجم االستهالك والعكس عندما ينخفضان‪.‬‬

‫ثقافة االستهالك‪:‬‬

‫يقصد ابلثقافة خمتلف أساليب وأمناط احلياة اليت تتضمن معاين ودالالت يعيش مبقتضاها الناس‬
‫ويتشبثون هبا ويتواصلون من خالهلا‪ ،‬يف حني ان االستهالك يدل على االستخدام النهائي للسلع‬
‫واخلدمات بغرض إشباع احلاجات والرغبات‪ ،‬وانطالقا من هذا فان ثقافة االستهالك ما هي إال‬
‫جمموع املعاين والرموز والصور الذهنية املصاحبة لعملية االستهالك‪ ،‬بدءا من ظهور الرغبة يف‬
‫االستهالك مرورا ابالستهالك الفعلي انتهاء مبا بعد االستهالك وما ختلفه من سلوكات وشعور‪ ،‬كما‬
‫تعين أيضا كافة املعاين واألحاسيس والتصورات الدافعة لالستهالك واملصاحبة له والناجتة عنه‪ ،‬من‬
‫خالل متاثلها يف وعي املستهلكني وإدراكهم ألنفسهم وعالقاهتم بغريهم من خالهلا‪ ،‬حيث أنه كلما‬
‫كانت تلك العناصر املكونة لثقافة االستهالك قوية سواء الدافعة أو املصاحبة أو الناجتة عن‬
‫االستهالك كلما كانت هذه الثقافة قوية‪ ،‬ومن مث يكون ميل األفراد لالستهالك قوي‪ ،‬وهذا يعين امليل‬
‫احلدي لالستهالك قوي‪ .63‬وتتميز ثقافة االستهالك مبجموعة من اخلصائص ميكن إبرازها فيما‬
‫‪64‬‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ -‬أهنا جمموعة من الرموز والتصورات الذهنية اليت تلتف حول استهالك السلع املادية‪.‬‬

‫‪ -‬أهنا ترتبط مبعاين وخربات وصور ذهنية لعمليات االستهالك مشكلة مصدرا للمتعة البصرية‪.‬‬

‫‪ -63‬سعيد املصري‪ ،‬ثقافة االستهالك يف اجملتمع املصري‪ ،‬املركز الدويل للدراسات املستقبلية واالسرتاتيجية‪ ،‬مصر‪ ،‬العدد‪ ،2006 ،19‬ص‪.06‬‬
‫‪ -64‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪.07‬‬

‫‪103‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬أتخذ أسلوب أو نزعة فردية لدى مستهلك السلعة‬

‫‪ -‬تتسم ابلتحول والتغري السريع من خالل العناصر التقليدية اليت أتخذ معاين جديدة‬

‫‪ -‬حتمل يف طياهتا تناقض الذي ختلفه يف أذهان الناس أي بني الواقع والتوقعات‪ ،‬اليت تعد هبا الناس‬
‫من خالل شرائهم للسلع‪ ،‬حيث يتصور املستهلك دوما ان اقتناء سلعة معينة سيغري حياته أو‬
‫سيجعله سعيدا‪ ،‬أو يصنفه يف طبقة اجتماعية ارقى‪.‬‬

‫‪ -‬تتأسس ثقافة االستهالك على اإلنتاج املستمر للعالقات والرموز اخلاصة بتواصل املستهلكني مع‬
‫غريهم‪.‬‬

‫‪ -‬تتصف ابلطابع القهري ألهنا تدفع الناس دوما إىل االستهالك لتقليد غريهم وذلك حتاشيا للشعور‬
‫ابلنقص‪.‬‬

‫فثقافة االستهالك متثل جمموعة من اخلصائص واملعاين اليت متيز التصورات واألحكام الذهنية‬
‫لألشخاص حول األشياء اليت يرغبون يف شرائها‪ ،‬واليت تلعب دورا هاما يف التأثري على عملية شرائهم‬
‫للمنتجات كميا وزمنيا ونوعيا‪ ،‬كما أهنا تتميز ابلتغري والتطور املستمر حتت أتثري عوامل متعددة منها‬
‫التغريات الثقافية واالجتماعية للمجتمع‪ ،‬وللمحيط االجتماعي والعالقات اليت تربط الفرد بباقي‬
‫األفراد كاألصدقاء والزمالء واألسرة ‪ ،‬ونتيجة لذلك فإهنا قابلة للتأثري أي ميكن التأثري فيها وتوجيهها‬
‫ابستخدام جمموعة من اآلليات واألدوات التسويقية اليت تستخدمها املؤسسات اإلنتاجية من أجل‬
‫إاثرة الطلب أو احتياجات الناس ودفعهم حنو الشراء‪ .‬وينتج عن هذه الثقافة جمموعة من اآلاثر ميكن‬
‫‪65‬‬
‫عرضها من خالل ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬تؤدي إىل إنشاء معايري طبقية جديدة متيز أسلوب احلياة العصري القائم على التميز والتفرد‪،‬‬
‫وتتمثل اغلب تلك املعايري يف اكتساب األذواق احلديثة اليت توجه السلوك االستهالكي للسلع‬
‫واخلدمات‪.‬‬

‫‪ -65‬سعيد املصري‪ ،‬ثقافة االستهالك يف اجملتمع املصري‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.07‬‬

‫‪104‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬تغليب النزعة االستهالكية‪ ،‬حيث عملت املؤسسات االقتصادية وهبدف تصريف ما لديها من‬
‫منتجات وضمان استمرارية وجودها على إاثرة وخلق حاجات ورغبات جديدة‪ ،‬وهذا من خالل‬
‫برامج وأنشطة تسويقية تستهدف تغيري الذوق العام للمجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬تؤثر ثقافة االستهالك على عملية االستهالك وتدفعها لتأخذ طابعا شعائراي‪ ،‬وينطبق ذلك كثريا‬
‫على الطريقة اليت حيتفل هبا الناس يف األفراح واملناسبات‪ ،‬من خالل احلرص على ان يصاحب عملية‬
‫االستهالك ترتيبات وتفاصيل دقيقة ترفع من تكلفة وأعباء املناسبة إضافة إىل ما يرافقها من قلق‬
‫وتوتر‪.‬‬

‫‪ -‬لقد غزت وتوغلت ثقافة االستهالك كل اجملتمعات والثقافات‪ ،‬وأصبحت مصدرا للتعاسة والشقاء‬
‫واستنزاف املوارد والتلوث نتيجة اإلفراط يف االستهالك‪ ،‬إضافة إىل أهنا زادت من الفوارق االجتماعية‬
‫نتيجة تضخيم نفقات االستهالك اليت تعود كأرابح ضخمة للمنتجني‪ ،‬يف حني يبقى عامة الناس يف‬
‫دوامة االستهالك‪ ،‬ما يستنزف مدخراهتم‪ ،‬وحىت مداخيلهم املستقبلية مل تسلم من ذلك وأصبحت‬
‫تستنزف نتيجة قروض االستهالك اليت جلأت إليها املؤسسات االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -‬سامهت كثريا يف رفع مستوى طموحات الناس وتوقعاهتم من الدولة يف حتسني مستوايت املعيشة‬
‫والرفاهية االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -‬كما أهنا سامهت يف تعزيز وغرس روح االتكال على الغري‪ ،‬وذلك من خالل جعل الفرد ال يبذل‬
‫أي جهد يف إنتاج وتصليح املنتجات فكل شيء يلقاه جاهزا حىت األطعمة‪ ،‬وهذا ما نلمسه من‬
‫امتناع بعض الناس عن القيام ببعض األنشطة املنزلية كاخلياطة وغريها واللجوء إىل حمالت متخصصة‬
‫لذلك‪ ،‬مما أدى إىل اختفاء العديد من األنشطة املنزلية اليت كان الناس يقومون هبا‪.‬‬

‫مما سبق يتضح ان ثقافة االستهالك سامهت يف حتويل الناس إىل قوى مستهلكة غري منتجة‪ ،‬كما أهنا‬
‫سامهت يف زايدة معدالت االستهالك على حساب االدخار مما يؤثر على القوة اإلنتاجية للمجتمع‬

‫‪105‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫وإمكانية جتديدها وتوسيعها‪ ،‬وقوضت روح العمل واملبادرة واالجتهاد وعززت يف املقابل روح االتكال‬
‫والتكاسل‪ ،‬وهذا كان له آاثر سلبية على املوارد والبيئة‪.‬‬

‫العالقة بني االستهالك والدخل‪:‬‬

‫يرتبط االستهالك بعالقة عضوية مع الدخل‪ ،‬وذلك أن االستهالك يتوقف ابلدرجة األوىل على‬
‫الدخل الذي يعترب من الناحية املالية جزء منه‪ ،‬فالدخل هو العامل الرئيسي املؤثر على االستهالك؛‬
‫حيث عندما يرتفع الدخل فإن االستهالك بدوره يرتفع والعكس صحيح‪ ،‬إذ تتحدد العالقة بني‬
‫الدخل واالستهالك من خالل مؤشرين ومها‪:‬‬

‫‪ -‬امليل املتوسط لالستهالك‪ :‬وهو النسبة اليت ميثلها االستهالك من الدخل‬

‫‪ -‬امليل احلدي لالستهالك‪ :‬هو التغري الذي يطرأ على االستهالك نتيجة للتغري الذي حدث يف‬
‫الدخل‪ ،‬أي متثل نسبة الزايدة يف االستهالك الناجتة عن زايدة الدخل بوحدة واحدة‪ ،‬أو هو النسبة بني‬
‫التغري يف االستهالك والتغري يف الدخل‪.‬‬

‫فهناك عالقة مباشرة بني الدخل واالستهالك سواء على مستوى الفرد الواحد أو على مستوى اجملتمع‬
‫ككل‪ ،‬ومن الناحية الرايضية ميكن التعبري عن هذه العالقة من خالل دالة االستهالك‪.‬‬

‫دالة االستهالك‪:‬‬

‫وتشري إىل العالقة الرايضية بني الدخل واالستهالك‪ ،‬واليت متثل اجلزء من الدخل املوجه لإلنفاق على‬
‫السلع واخلدمات اليت تستخدم يف إشباع احلاجات والرغبات‪ ،‬عند مستوى معني من الدخل‪ ،‬وتعطى‬
‫يف شكلها البسيط وفق املعادلة التالية‪:‬‬

‫𝛄𝛃 ‪∁= 𝛛 +‬‬

‫‪106‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫حيث أن‪:‬‬

‫متثل الدخل‬ ‫‪y‬‬

‫مستوى االستهالك‬ ‫‪C‬‬


‫‪Δ‬‬
‫ميل احلدي لالستهالك ويساوي إىل‬ ‫‪B‬‬
‫‪ΔY‬‬

‫متثل مستوى االستهالك التابع للدخل‬ ‫‪𝛄γ‬‬


‫هو اجلزء من االستهالك املستقل عن الدخل‬ ‫‪a‬‬

‫وأتخذ دالة االستهالك الشكل البياين التايل‪:‬‬

‫االستهالك‬
‫‪1,2‬‬
‫‪1‬‬
‫‪0,8‬‬
‫‪0,6‬‬ ‫االستهالك‬
‫‪0,4‬‬
‫‪B‬‬
‫‪0,2a‬‬
‫‪0‬‬ ‫الدخل‬

‫حيث تتميز دالة االستهالك أبهنا عالقة طردية‪ ،‬وأهنا تستخدم القيم احلقيقية‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫رابعا‪ :‬توزيع وإعادة توزيع الدخل‪:‬‬

‫تعترب ظاهرة توزيع الدخل والثروة من بني أهم القضااي واملسائل االقتصادية اليت شغلت ابل املفكرين‬
‫والباحثني منذ زمن بعيد‪ ،‬وذلك ابلنظر إىل أتثرياهتا املتعددة‪ ،‬اليت أتخذ األبعاد االجتماعية‬
‫واالقتصادية والسياسية‪ ،‬فهي من املواضيع احلساسة جدا واملهمة يف نفس الوقت إذ ترتبط بغريزة حب‬
‫التملك‪ ،‬ونتيجة لذلك فقد أاثرت خالفات وصراعات كبرية بني خمتلف األفراد والطبقات‬
‫االجتماعية‪ ،‬ويظهر ذلك جليا عرب التاريخ االقتصادي للبشرية‪ ،‬بدءا من العهد العبودي إىل‬
‫اإلقطاعي وصوال إىل العهد الرأمسايل‪ ،‬كل هذه األنظمة تتضمن صراعات بني الطبقات واألفراد من‬
‫أجل توزيع الدخل والناتج‪ ،‬وهلذا فقد حظيت هذه املسألة ابلكثري من االهتمام سواء ابلنسبة‬
‫للمفكرين أو السياسيني‪ ،‬على اعتبار أهنا متثل تلك العمليات اليت يقوم هبا اإلنسان من اجل توزيع‬
‫الثروة والدخل بني خمتلف أفراد اجملتمع‪ ،‬سواء بني الذين شاركوا يف العملية اإلنتاجية أو بني خمتلف‬
‫فئات اجملتمع‪ .‬وقبل التطرق إىل مسألة توزيع الدخل جيب اإلشارة أوال إىل مفهوم الدخل وأنواعه‪.‬‬

‫مفهوم الدخل‪:‬‬

‫يعترب الدخل مسألة أساسية يف احلياة االقتصادية لألفراد واجملتمعات‪ ،‬فمن خالله ميكن للفرد أو‬
‫اجملتمع أن يؤمن احتياجاته ومتطلباته احلالية واملستقبلية‪ ،‬ابعتباره الوسيلة الوحيدة لذلك‪ ،‬لذا اعترب‬
‫مصدرا ملختلف القيم واملنافع اليت حيصل عليها الفرد خالل فرتة زمنية معينة‪ ،‬وعلى هذا األساس‬
‫ميكن التمييز بينه وبني مفهوم الثروة على اعتبار أنه أيخذ مفهوم تدفقي‪ ،‬يف حني أن الثروة أتخذ‬
‫مفهوم تراكمي‪ ،‬واليت تشري إىل كل ما ميلكه الفرد من أموال وأصول عينية‪ ،‬أما الدخل فيشري إىل‬
‫املداخيل اليت حيصل عليها خالل فرتة زمنية معينة‪ ،‬وميكن تعريف الدخل من زاويتني أساسيتني‪:‬‬

‫‪ .1‬من زاوية اإلنتاج‪ :‬وهو مجلة ما ينتجه اجملتمع من سلع وخدمات خالل فرتة زمنية معينة‪ ،‬ويتمثل‬
‫يف املخزون من السلع واخلدمات اليت يستفيد منها األفراد‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ .2‬من زاوية التوزيع‪ :‬يتمثل يف التدفق النقدي الذي حيصل عليه أصحاب عوامل اإلنتاج خالل فرتة‬
‫زمنية معينة مقابل اشرتاكهم يف العملية اإلنتاجية‪ ،‬أو هو العائد الذي حيصل عليه صاحب العنصر‬
‫اإلنتاجي مقابل مسامهته يف العملية اإلنتاجية‪.‬‬

‫أنواع الدخل‪:‬‬
‫‪66‬‬
‫ميكن التمييز بني نوعني من الدخل ومها‪:‬‬

‫‪ -‬الدخل النقدي‪ :‬وهو عبارة عن التدفق النقدي الذي حيصل عليه األفراد خالل فرتة زمنية معينة‪،‬‬
‫معربا عنه بكمية النقود اليت حيصل عليها أصحاب عناصر اإلنتاج يف جمتمع معني‪.‬‬

‫الدخل احلقيقي‪ :‬وميثل القوة الشرائية للدخل النقدي‪ ،‬أي كمية السلع واخلدمات اليت ميكن احلصول‬
‫عليها من خالل الدخل النقدي‪ ،‬وهو يتناسب عكسيا مع املستوى العام لألسعار‪ ،‬كما يتناسب‬
‫طرداي مع الدخل النقدي‪ ،‬وميكن أن حتصل زايدة يف الدخل احلقيقي إذا كانت نسبة االرتفاع يف‬
‫الدخل النقدي أكرب من نسبة االرتفاع يف املستوى العام لألسعار‪ ،‬والعكس حيدث إذا ما كانت نسبة‬
‫االرتفاع يف الدخل النقدي أقل من نسبة االرتفاع يف املستوى العام لألسعار‪.‬‬

‫كما ميكن أيضا التمييز بني أنواع الدخل حبسب مصدرها إىل أربع أنواع وهي كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬الدخل الناتج عن العمل‪ :‬هو نتيجة اجلهد الذي يبذله الشخص يف العلمية اإلنتاجية‪ ،‬والذي‬
‫يتمثل يف األجر‪.‬‬

‫‪ -‬الدخل الناتج عن استغالل العوامل الطبيعية‪ :‬ويتمثل يف الدخل الذي يتحصل عليه شخص ما‬
‫نتيجة الستغالل العوامل الطبيعية يف العلمية اإلنتاجية‪ ،‬والذي يتمثل يف الريع‪.‬‬

‫‪ -‬الدخل الناتج عن توظيف راس املال‪ :‬وهو العائد الذي يتلقاه صاحب رؤوس األموال نتيجة‬
‫لتوظيف أمواله يف العمليات االستثمارية ‪ ،‬ويتمثل يف الفائدة‪.‬‬

‫‪ -66‬صاحل صاحلي‪ ،‬توزيع الثروة و الدخل يف االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬جملة العلوم االقتصادية وعلوم التسيري‪ ،‬العدد‪ ،2009 ،09‬ص‪.02‬‬

‫‪109‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬الدخل الناتج عن التنظيم‪ :‬وهو يقابل تلك القيمة املضافة اليت ينتجها املنظم واملسري للعملية‬
‫اإلنتاجية‪ ،‬من خالل أعمال التوجيه والتنسيق بني عوامل اإلنتاج‪ ،‬والذي يعطي قيمة أكرب من القيمة‬
‫املوظفة‪ ،‬ويتمثل عائده يف الربح‪.‬‬

‫كما ميكن أيضا التمييز بني الدخل الفردي والدخل الوطين أو اإلمجايل‪ ،‬على أساس أن األول خيتص‬
‫بدخل فرد واحد نتيجة مسامهته يف العملية اإلنتاجية سواء كان أجرا أو ريعا أو رحبا أو فائدة‪ ،‬أما‬
‫الدخل الوطين فهو يشري إىل إمجايل الناتج الوطين واملداخل اليت تتحصل عليها عوامل اإلنتاج مبا فيها‬
‫األجور والريوع والفوائد واألرابح‪.‬‬

‫نظرية توزيع الدخل‪:‬‬

‫يقصد ابلتوزيع تقسيم وتوزيع القيمة الكلية للسلع واخلدمات املنتجة داخل اجملتمع خالل فرتة زمنية‬
‫معينة بني أولئك الذين سامهوا يف العملية اإلنتاجية‪ ،‬أي كيف يتم توزيع الدخل القومي بني عناصر‬
‫اإلنتاج‪ ،‬فعلى أي أساس يتم حتديد عوائد عوامل اإلنتاج‪.‬‬

‫كيفية توزيع الدخل القومي‪:‬‬

‫تتحدد طريقة توزيع الدخل بني األفراد وفق طبيعة ملكية وسائل اإلنتاج السائدة يف اجملتمع‪ ،‬إذ يتحقق‬
‫التوزيع ابلدرجة األوىل لصاحل أولئك الذين شاركوا يف العملية اإلنتاجية أي أصحاب عوامل اإلنتاج‪،‬‬
‫وهذا يتحقق من خالل حتديد عوائد عوامل اإلنتاج‪ ،‬وقد يكون التوزيع األويل للدخل غري عادل من‬
‫وجهة نظر اجملتمع مما يتطلب إعادة التوزيع مرة أخرى‪ ،‬وهلذا منيز بني نوعني من التوزيع ومها‪:‬‬

‫‪ -‬التوزيع الوظيفي للدخل‪ :‬التوزيع األول الذي حيدث للدخل‪ ،‬يتمثل يف ذلك التوزيع الذي يتم‬
‫عندما تتحصل كل عناصر اإلنتاج املختلفة املشاركة يف العملية اإلنتاجية على عوائدها‪ ،‬ويتمثل يف‬
‫حتديد النسب املئوية من الناتج اإلمجايل لكل من األجور‪ ،‬األرابح‪ ،‬الفوائد‪ ،‬والريوع‪.‬‬

‫‪ -‬التوزيع الشخصي للدخل‪ :‬أو ما يسمى إبعادة توزيع الدخل‪ ،‬وهو انتج عن تدخل الدولة يف‬
‫االقتصاد‪ ،‬إذ يعرب عن توزيع الدخل بني أفراد اجملتمع وبني األسر عند كل فئة من فئات الدخل وعند‬

‫‪110‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫املقارنة بني نصيب كل جمموعة من األفراد واألسر‪ ،‬وتتحدد طرق وآليات التوزيع هنا حسب األهداف‬
‫االقتصادية واالجتماعية للمجتمع‪ ،‬وطبيعة النظام االقتصادي والسياسي السائد‪ ،‬ومن بني اآلليات‬
‫اليت تستخدم عادة جند الضرائب واالقتطاعات االجتماعية‪ ،‬التأميم‪ ،‬املصادرة‪ ،‬تنظيم األسعار‪ ،‬الزكاة‪،‬‬
‫االعمال اخلريية وغريها من النفقات احلكومية املختلفة اليت تساهم يف إنتاج خدمات يستفيد منها‬
‫املواطنني بشكل عام أو فئات معينة من اجملتمع‪ ،‬فهذا النوع من التوزيع عادة ما أيخذ االعتبارات‬
‫االقتصادية واالجتماعية والسياسية يف احلسبان‪.‬‬

‫كما ميكن التميز أيضا بني ثالث أنواع من التوزيع وهي‪:‬‬

‫‪ -‬قبل اإلنتاج‪ :‬أو ما يسمى ابلتوزيع األويل‪ ،‬وحيدث هذا النوع من التوزيع عندما تتحدد كمية‬
‫عناصر اإلنتاج املشاركة يف العملية اإلنتاجية من امللكية والعمل‪.‬‬
‫‪ -‬بعد اإلنتاج‪ :‬ويسمى ابلتوزيع العملي‪ ،‬ويتمثل يف توزيع الناتج على عناصر اإلنتاج من األجر‬
‫والربح والفائدة والريع‪.‬‬
‫‪ -‬إعادة التوزيع أو التوزيع التوازين‪ :‬ويتمثل يف استخدام آليات معينة تتحدد حسب أهداف اجملتمع‪،‬‬
‫كالضرائب والرسوم‪ ،‬وذلك من أجل اقتطاع جزء من مداخيل أصحاب عناصر اإلنتاج وإعادة‬
‫توزيعها على ابقي أفراد اجملتمع من خالل النفقات العامة للدولة‪ ،‬وهلذا تستخدم آليتني هنا من أجل‬
‫حتقيق التوزيع‪ ،‬آليات خاصة ابالقتطاع من مداخيل أصحاب عوامل اإلنتاج‪ ،‬وآليات خاصة بتوزيع‬
‫تلك االقتطاعات على ابقي أفراد اجملتمع‪ ،‬وأييت هذا النوع من التوزيع والذي حيدث عادة من خالل‬
‫تدخل الدولة من أجل ضبط وحماولة تقليص الفجوة يف توزيع الثروة والدخل بني أفراد اجملتمع‪ ،‬وحماولة‬
‫احلد من اإلفراط يف استغالل الطبقة الرأمسالية القليلة لباقي فئات اجملتمع الواسعة‪.‬‬
‫أسباب التفاوت يف توزيع الثروة والدخل‪:‬‬

‫يشهد الواقع االقتصادي وطوال اتريخ البشرية على التفاوت الشديد يف توزيع الثروات والدخول بني‬
‫األفراد واجلماعات واجملتمعات البشرية‪ ،‬والذي تسبب يف كثري من األحيان يف حدوث صراعات‬
‫واضطراابت اجتماعية واستغالل وتسلط فئة من البشر على فئة أخرى وقهرها‪ ،‬ورغم التطور والتقدم‬
‫‪111‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫االقتصادي والتكنولوجي واحلضاري اليت وصلت إليه اإلنسانية مل يعطي حال لذلك‪ ،‬بل زاد من حدة‬
‫وشدة التباين والتفاوت يف التوزيع (فنجد تباين يف امتالك الثروات والدخل بني خمتلف دول العامل وبني‬
‫خمتلف الطبقات االجتماعية يف اجملتمع الواحد وبني األفراد)‪ ،‬ومل تستطع أاي من األنظمة واملدارس‬
‫والنظرايت االقتصادية املختلفة اليت تعاقبت على البشرية إجياد آليات فعالة تضمن التوزيع األمثل‬
‫والعادل للثروة‪ ،‬وحىت مفكري النظام االقتصادي االشرتاكي فشلوا يف حتقيق وجتسيد مبدأ العدالة‬
‫واملساواة يف توزيع الدخل‪ ،‬الذي اندوا به رغم أنه كان ميثل املبدأ األساسي الذي قام عليه فكرهم‪،‬‬
‫ألن ذلك سيؤدي إىل التضحية ابألهداف والغاايت االقتصادية‪ ،‬وأمام هذا التعارض القائم بني هدف‬
‫القضاء على التباين يف توزيع الدخل من جهة‪ ،‬وهدف الفعالية االقتصادية من جهة أخرى (التعارض‬
‫بني األهداف االجتماعية واألهداف االقتصادية)‪ ،‬دفع ببعض املفكرين وخاصة الرأمساليني منهم إىل‬
‫القول بضرورة التسليم هبذه الظاهرة على أهنا ظاهرة طبيعية ال ميكن القضاء عليها‪ ،‬وابلتايل ضرورة‬
‫عدم االهتمام هبا والرتكيز عليها يف أي خطط تنموية مهما كانت‪ ،‬بل تعترب آلية ومدخل مهم لتحفيز‬
‫ودفع األفراد حنو العمل وبذل أقصى جهد ممكن‪ ،‬من أجل حتسني الوضعية واملكانة االجتماعية اليت‬
‫ترتبط يف كثري من األحيان حبجم الثروة اليت ميلكها الفرد مقارنة بباقي أفراد اجملتمع‪ ،‬وقد مت اختاذ عدة‬
‫‪67‬‬
‫مداخل لدراسة هذه الظاهرة ومعاجلتها من بينها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬املدخل الوظيفي يف توزيع الدخل‪ :‬وهو املدخل الذي يقوم على أساس اعتماد عوائد عوامل‬
‫اإلنتاج كمعيار لتوزيع الثروة والدخل‪ ،‬أي على أساس نسبة املسامهة يف العملية اإلنتاجية‪ ،‬والذي‬
‫يتجسد يف مبدأ التوزيع حسب نسبة املسامهة‪ ،‬وقد مت تبين هذا املدخل من طرف املدرسة‬
‫االقتصادية النيوكالسيكية‪.‬‬
‫‪ -‬املدخل الرايضي‪ :‬ويقوم هذا املدخل على افرتاض أن عملية التوزيع ظاهرة طبيعية‪ ،‬تسري وفق‬
‫قانون طبيعي اثبت ومنتظم ميكن التعبري عنه وفق عالقة رايضية تعرب عن واقع التوزيع يف مجيع‬

‫‪ -67‬أمحد مجال الدين موسى‪ ،‬مبادئ االقتصاد السياسي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪.2006 ،‬‬

‫‪112‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫دول العامل‪ ،‬وهذا ما تبناه بعض االقتصاديني الرايضيني واإلحصائيني وأمههم االقتصادي اإليطايل‬
‫فيلفريدو ابريتو‪.‬‬
‫‪ -‬املدخل االجتماعي االقتصادي‪ :‬وحياول تفسري ظاهرة توزيع الدخل يف إطار املؤثرات‬
‫االجتماعية واالقتصادية والسياسية اليت تصنعها توجهات الدول‪ ،‬وذلك من خالل تدخل‬
‫احلكومة يف النشاط االقتصادي‪ ،‬يف حماولتها جتسيد مبدأ العدالة يف التوزيع وإذابة الفوارق بني‬
‫خمتلف الطبقات واألشخاص واملناطق‪ .‬ومن رواد هذا التوجه االقتصادية األمريكية إرما‪.‬‬
‫‪ -‬املدخل متعدد األبعاد‪ :‬وهذا املدخل حياول معاجلة ظاهرة توزيع الدخل من زواايها املختلفة‬
‫ومن خالل نظرة متكاملة ملختلف األبعاد واملتغريات احملددة هلذه الظاهرة‪ ،‬واليت تعتمد يف ذلك‬
‫على أربع مستوايت متمثلة يف املستوى اإلقليمي والقطاعي والعائلة والفرد‪ ،‬وقد تبىن هذا املدخل‬
‫الباحث املصري أمحد مجال الدين موسى‪.‬‬
‫وأمام هذا الواقع املعقد لظاهرة توزيع الدخل‪ ،‬اليت تعترب من أشد الظواهر حساسية ابلنظر إىل‬
‫ارتباطاهتا املتشعبة واملتداخلة‪ ،‬وامتداداهتا النفسية واالجتماعية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬حيث يصعب‬
‫معها جتسيد مبدأ العدالة أو املساواة يف التوزيع‪ ،‬ما يسعنا هنا إال البحث عن األسباب احلقيقية اليت‬
‫تقف وراء هذا التباين يف التوزيع والذي ميكن إرجاعه إىل عدة عوامل كما هي موضحة فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬تباين واختالف الفرص املتاحة أمام األفراد‪ :‬وتتمثل يف خمتلف الفرص املتاحة أمام بعض األفراد وال‬
‫تتاح أمام غريهم‪ ،‬واليت متكنهم من احلصول على قسم أعلى من الدخل وتنمية ثروهتم‪ ،‬كالفرص‬
‫االستثمارية‪ ،‬املرياث وغريها من الصدف اليت متكن البعض من كسب دخل إضايف أو زايدة ثروهتم‪.‬‬

‫‪ -‬التفاوت يف توزيع القوى االقتصادية املنتجة للثروة والدخل‪ :‬أي تفاوت يف امتالك الوسائل‬
‫واإلمكانيات املنتجة للدخل‪ ،‬كامتالك األراضي والثروات احليوانية ورؤوس األموال وغريها‪.‬‬

‫‪ -‬عدم عدالة أنظمة التوزيع والقوانني‪ :‬حيث تساهم أنظمة التوزيع وإعادة التوزيع املتبعة يف جمتمع‬
‫معني يف إاثرة الفوارق بني األفراد‪ ،‬كمنح الدعم املايل لبعض الفئات يف اطار سياسة تشجيع‬
‫االستثمار‪ ،‬إخضاع مجيع فئات الدخل إىل نفس مستوى الضريبة‪ ،‬إضافة إىل السمات اليت تتميز هبا‬

‫‪113‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫يف بعض األحيان‪ ،‬كالفساد اإلداري واملايل‪ ،‬وضعفها يف السيطرة على الظواهر االقتصادية السلبية‬
‫كالسوق السوداء‪ ،‬واالحتكار‪ ،‬والغش الضرييب وغريها‪.‬‬

‫‪ -‬اختالف قدرات ومهارات األفراد الذهنية والبدنية‪ :‬من خالل اختالف مستوايت التعليم والتكوين‬
‫واخلصائص النفسية والبدنية اليت ميتلكها األفراد‪ ،‬واليت جتعلهم أكثر قدرة على ممارسة أنشطة اقتصادية‬
‫مدرة للدخل‪.‬‬

‫كما أنه ميكن اإلقرار بصعوبة حتقيق املساواة والعدالة يف توزيع الثروة والدخل من منطلق ان ذلك‬
‫سيؤثر على الفعالية االقتصادية يف اجملتمع‪ ،‬ويعطل احلوافز االقتصادية وروح املبادرة‪ ،‬وهلذا جيب‬
‫البحث عن اآلليات اليت تكفل التوزيع العادل ويف نفس الوقت تعمل كمحفز ودافع لألفراد من أجل‬
‫العمل والتحسني واإلبداع وغريها‪ ،‬وحىت ال تكون الثروة متداولة بني فئة حمدودة من اجملتمع جيب‬
‫العمل على تقليص التباين والتفاوت إىل أدىن حد ممكن‪ ،‬ويضمن احلد األدىن الضروري لعيش الفرد‬
‫واحلفاظ على حياته‪ ،‬ورغم أن تلك اآلليات ختتلف وتتنوع حبسب اختالف اجملتمعات وتوجهاهتا‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬إال أنه ميكن اإلشارة هنا بشكل عام إىل أهم تلك اآلليات‬
‫واملداخل اليت ميكن استخدامها لتحقيق هذا الغرض على النحو اآليت‪:‬‬

‫‪ -‬اعتماد سياسات التنمية البشرية بشكل واسع وعادل‪ :‬مبا فيها إاتحة فرص التعليم والتكوين أمام‬
‫مجيع أفراد اجملتمع والتشجيع على ذلك‪ ،‬مبا يوسع اخليارات أمام الفرد يف احلصول على فرص العمل‬
‫ومواجهة متطلبات احلياة‪.‬‬

‫‪ -‬إاتحة فرص الدعم والفرص االستثمارية أمام مجيع أفراد اجملتمع بشكل عادل وموضوعي بعيدا عن‬
‫الفساد اإلداري واملايل‪.‬‬

‫‪ -‬إقرار سياسات ومعايري فعالة وعادلة يف التوزيع الوظيفي للدخل‪ ،‬من خالل حتديد نسبة األجور‬
‫واألرابح والريوع والفوائد‪ ،‬وإخضاعها لسياسة ضريبية عادلة‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬تبين آليات فعالة إلعادة توزيع الدخل‪ ،‬سواء فيما يتعلق بسياسات االقتطاع كالضرائب والرسوم‬
‫واملصادرات‪ ،‬أو فيما خيص سياسات التوزيع كالنفقات مبا فيها املنح وإنشاء اخلدمات العامة وشروط‬
‫االستفادة منها‪.‬‬

‫‪ -‬تبين سياسات اقتصادية فعالة مبا فيها السياسة النقدية واملالية والتجارية‪ ،‬اليت حتد من الثراء‬
‫الفاحش لبعض الفئات‪ ،‬وانقاض الفئات معدومة الدخل يف اجملتمع‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬االدخار‬

‫يعترب االدخار نشاط اقتصادي مهم لضمان استمرارية الدروة االقتصادية‪ ،‬وهو ظاهرة مرتبطة ابلدخل‬
‫واالستهالك‪ ،‬ابعتباره اقتطاع جزء من الدخل ليوجه حنو حتقيق منافع مستقبلية بدال من االنتفاع به‬
‫حاليا‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫وقد عرف على أنه اقتطاع جزء من الدخل احلايل وعدم إنفاقه حاليا من أجل استخدامه مستقبال‪،‬‬
‫ويوجه إما لالستثمار أو ملوجهة طوارئ معينة‪ ،‬أي أن االدخار يتضمن فقط أتجيل لالنتفاع ابألموال‬
‫دون ارتباط ذلك ابلزايدة أو النقصان يف حجم املنافع املضحى هبا حاليا‪.‬‬
‫كما عرف أيضا على أنه استهالك مؤجل يتخلى من خالله الفرد أو اجلماعة عن إشباع رغبة معينة‬
‫حاضرة بقصد أتمني األموال الالزمة لتحقيق إشباع رغبة حمتملة يف املستقبل‪ ،‬وذلك دون االستعداد‬
‫لتحمل أدىن درجة من املخاطرة‪ .69‬فاالدخار هو االمتناع عن االستهالك احلايل والتمتع ابألموال يف‬
‫احلاضر وأتجيل ذلك إىل املستقبل‪ ،‬سواء كان بغرض زايدة املنافع أو فقط االحتفاظ هبا كما هي‬
‫بغرض االحتياط للمستقبل‪ ،‬وهلذا فإن وجود االستعداد لتحمل املخاطرة من عدمه ليس شرط‪ ،‬فهو‬
‫يتضمن كل أتجيل لالستمتاع بكل أو زجزء من الدخل إىل املستقبل‪ ،‬فإذا كان ذلك التأجيل بغرض‬
‫تنمية املنافع‪ ،‬يتحول هنا االدخار إىل استثمار وعادة ما يرافق هذه العملية حتمل درجة معينة من‬

‫‪68‬‬
‫‪- Isabel dauner gardiol, mobilizing savings, swiss agency for development and cooperation , 2004, p03.‬‬
‫‪69‬‬
‫‪ -‬شقيري نوري موسى‪ ،‬صالح طاهر الزرقان‪ ،‬وآخرون‪ ،‬إدارة االستثمار‪ ،‬دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ ،2012‬ص‪.19‬‬

‫‪115‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫املخاطرة‪ ،‬وعلى هذا األساس فإن اشرتاط عدم وجود االستعداد لتحمل املخاطرة غري مؤسس‪ ،‬ألن‬
‫االدخار هو كل أتجيل لالنتفاع سواء بتحمل أو عدم حتمل املخاطرة‪ ،‬وكما أن االدخار يعد املصدر‬
‫الوحيد لتمويل االستثمار‪ ،‬وهذا املفهوم يعاكسه تعريف آخر لالدخار الذي يراه على أنه اقتطاع جزء‬
‫من الدخل مع شرط أن يوجه إىل االستثمار‪ ،70‬فاشرتاط توظيف األموال ووجود املخاطرة جيعل‬
‫االستثمار واالدخار شيء واحد‪ ،‬بينما هناك فرق بني املفهومني من الناحية االقتصادية‪ ،‬ألن ليس كل‬
‫عملية ادخار تؤدي إىل عملية االستثمار‪.‬‬
‫وعليه فإن االدخار يقصد به أتجيل االنتفاع ابلدخل أو زجزء منه إىل املستقبل‪ ،‬فهو يرتبط ابلتضحية‬
‫ولكن ليس ابلضرورة يرتبط ابملخاطرة‪ ،‬وبناء على هذا تتضح املعامل االقتصادية لالدخار على النحو‬
‫اآليت‪:‬‬
‫‪ -‬االدخار عملية اقتصادية تضمن استمرارية الدروة االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬االدخار جزء من الدخل‪.‬‬
‫‪ -‬االدخار يوجه لتحقيق منافع مستقبلية وهو بذلك يتضمن التضحية ابالستهالك احلايل‪.‬‬
‫‪ -‬االدخار ظاهرة مرتبطة ابلدخل واالستهالك‪ ،‬حيث أنه منافس ملفهوم االستهالك‪ ،‬مبعىن زايدة‬
‫االدخار يكون على حساب االستهالك والعكس‪.‬‬

‫‪ -‬االدخار ال يتضمن ابلضرورة خماطرة حول إمكانية فقدان املنافع املستقبلية‪.‬‬

‫‪ -‬االدخار مصدر أساسي لتمويل االستثمار‪.‬‬

‫أنواع االدخار‪:‬‬

‫ميكن التمييز بني عدة أنواع من االدخار وذلك حبسب املعايري املستخدمة يف ذلك وهي‪:‬‬

‫‪ -70‬فاحل بن عبد هللا بن حممد احلقباين‪ ،‬االدخار العائلي وآثره يف التنمية االقتصادية من منظور إسالمي مع دراسة تطبيقية على اململكة العربية‬
‫السعودية ‪ 1415-1396‬ه‪ ،‬أطروحة دكتوراه يف االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬السعودية‪،1999 ،‬‬
‫ص‪.12‬‬

‫‪116‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ .1‬من حيث مشروعيته‪ :‬ويتم التمييز هنا على أساس االدخار الذي يكون له منفعة للمجتمع‬
‫واألشخاص‪ ،‬وذلك الذي حيمل آاثر اقتصادية واجتماعية سلبية‪ ،‬وعليه ميكن التمييز بني االدخار‬
‫املرغوب وغري مرغوب فيه وميكن توضيحهما على النحو اآليت‪:‬‬

‫‪ -‬االدخار املرغوب فيه‪ :‬وهو ذلك االدخار الذي يكون مرغوب من طرف اجملتمع ابلنظر إىل أمهيته‬
‫ودوره يف التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬أي يتمثل يف االدخار الذي يوجه إىل االستثمار‪ ،‬والذي‬
‫بفضله حيافظ اجملتمع على استمرارية الدورة اإلنتاجية وتوسيع طاقتها‪ ،‬ومن مث املسامهة يف التشغيل‬
‫واحلد من البطالة وزايدة الدخل والناتج الوطين اإلمجايل‪.‬‬
‫‪ -‬االدخار غري مرغوب‪ :‬هو االدخار املوجه حنو االكتناز‪ ،‬أي احتجاز األموال دون توظيفها يف‬
‫عمليات إنتاجية‪ ،‬ولكونه غري إجيايب وغري مفيد للمجتمع‪ ،‬بل يكون دوره سليب ألنه يعطل األموال‪،‬‬
‫فهو يعترب ظاهرة سلبية حتارهبا الدول من خالل إقرار عدة آليات لذلك‪.‬‬
‫‪ .2‬من حيث شخصية املدخر‪ :‬ومنيز بني ثالث أنواع من االدخار وهي‪:‬‬

‫‪ -‬ادخار األفراد‪ :‬وميثل املدخرات اخلاصة بقطاع العائالت واألفراد‪ ،‬الذين خيصصون ويقتطعون جزء‬
‫من دخلهم‪ ،‬بغرض االنتفاع هبا مستقبال أو ملواجهة طوارئ وظروف معينة‪ ،‬كتلك اليت تتم يف اطار‬
‫االقتطاعات االجتماعية‪ ،‬أو ودائع لدى البنوك من طرف األفراد‪ ،‬أو شراء أوراق مالية‪ ،‬أو االحتفاظ‬
‫أبرصدة مالية أو عينية يف بيوهتم‪ ،‬وغريها من عمليات االدخار اليت يقوم هبا األفراد‪.‬‬

‫‪ -‬ادخار الشركات‪ :‬وهو ذلك االدخار الذي تقوم به الشركات‪ ،‬والذي ميثل اقتطاع جزء من أرابحها‬
‫واالحتفاظ هبا واالمتناع عن توزيعها‪ ،‬وذلك إما من أجل إعادة استثمارها يف توسيع أصوهلا‪ ،‬أو‬
‫ختصيصها كاحتياطات ملواجهة طوارئ ما‪.‬‬

‫‪ -‬االدخار احلكومي‪ :‬وهو املدخرات اخلاصة ابلقطاع احلكومي‪ ،‬أي ذلك االدخار الذي تقوم به‬
‫اهليئات واملؤسسات احلكومية‪ ،‬سواء كان من اجل توظيفه يف مشاريع استثمارية ذات طابع اقتصادي‬

‫‪117‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫أو اجتماعي‪ ،‬أو يف شكل ودائع لدى البنوك وغريها من االعمال اليت متكن احلكومة من االدخار‬
‫ملواجهة طوارئ مستقبلية أو القيام بعمليات استثمارية‪.‬‬

‫‪ .3‬حسب طبيعة املدخرات‪ :‬وميكن التمييز حسب طبيعة املدخرات بني االدخار االختياري‬
‫‪71‬‬
‫واالدخار اإلجباري‪ ،‬وفيما يلي شرح لكل منهما‪:‬‬

‫‪ -‬االدخار االختياري‪ :‬وهو ذلك االدخار الذي يتم بشكل طوعي واختياري من طرف األفراد‪ ،‬من‬
‫أجل االستثمار أو من أجل مواجهة طوارئ مستقبلية‪ ،‬وذلك لقناعته أبمهية االدخار أو رغبته يف‬
‫تنمية ثروته أو من أجل االحتياط لظروف مستقبلية‪.‬‬
‫‪ -‬االدخار اإلجباري‪ :‬هذا النوع من االدخار جيد الشخص نفسه جمربا على القيام به‪ ،‬كفائض‬
‫امليزانية العامة‪ ،‬دفع الضرائب‪ ،‬فائض قطاع االعمال‪ ،‬التأمينات االجتماعية واملعاشات‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫‪ .4‬من حيث الشكل الذي يتخذه‪ :‬ومنيز بني نوعني من االدخار على النحو اآليت‪:‬‬

‫‪ -‬ادخار يف شكل أصول نقدية‪ :‬أي تكون املدخرات يف صورة أصول نقدية‪ ،‬أي أموال سائلة‪ ،‬ومن‬
‫األمثلة على ذلك الودائع اجلارية لدى املؤسسات املالية‪ ،‬األوراق املالية كاألسهم والسندات‪ ،‬أو‬
‫االحتفاظ أبرصدة نقدية‪.‬‬

‫‪ -‬ادخار يف شكل أصول مادية‪ :‬أي أيخذ شكل أصل عيين مادي‪ ،‬مثل اآلالت والسلع‪ ،‬واملعادن‬
‫النفيسة كالذهب والفضة‪.‬‬

‫العوامل املؤثرة يف االدخار‪:‬‬

‫يرتبط االدخار بعاملني أساسني ومها الدخل واالستهالك‪ ،‬أما عالقته ابلدخل فهي عالقة عضوية‪،‬‬
‫لكون أن االدخار هو اقتطاع جزء من الدخل‪ ،‬من أجل االنتفاع به مستقبال‪ ،‬أما عالقته ابالستهالك‬

‫‪ -71‬زينب حسني عوض هللا‪ ،‬جمدي حممود شهاب‪ ،‬أسامة حممد الفوىل‪ ،‬أصول االقتصاد السياسي‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪،2000 ،‬‬
‫ص‪.192‬‬
‫‪ -72‬عبد القادر زيتوين‪ ،‬حمددات ادخار القطاع العائلي يف اجلزائر دراسة قياسية للفرتة ‪ ،2008 -1970‬مذكرة خترج تدخل ضمن متطلبات نيل‬
‫شهادة املاجيستري يف العلوم االقتصادية‪ ،‬ختصص نقود وبنوك‪ ،‬كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيري‪ ،‬جامعة الشلف‪ ،‬ص‪.08‬‬

‫‪118‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫فهي عالقة تنافسية‪ ،‬أي زايدة أحدمها يكون على حساب اآلخر ابعتبار أن كل منهما ميثل جزء من‬
‫الدخل‪ ،‬ويعرب عن تلك العالقة وفق املعادلة الرايضية اآلتية‪:‬‬

‫𝑺‪𝛃=∁+‬‬
‫حيث أن‪:‬‬

‫‪ :y‬متثل الدخل‬

‫‪ :C‬متثل االستهالك‬

‫‪ :S‬متثل االدخار‬

‫وكون أن الدخل يقسم إىل جزأين‪ ،‬جزء يوجه لالستهالك احلايل وجزء يوجه إىل االدخار‪ ،‬فإن العوامل‬
‫املؤثرة على االدخار هي تلك العوامل املتحكمة يف العالقة بني الدخل واالدخار وبني هذا األخري‬
‫واالستهالك‪ ،‬ولذلك فإن عملية االدخار ختضع إىل أتثري جمموعة من العوامل واليت تدفعها إما للزايدة‬
‫أو االخنفاض حبسب طبيعة كل عامل‪ ،‬وميكن تصنيفها إىل ثالث جمموعات أساسية كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬عوامل موضوعية‪ :‬وهي العوامل اليت ترتبط ابالدخار وفق عالقة رايضية اثبتة‪ ،‬بشكل موضوعي‬
‫وتتمثل يف العناصر التالية‪:‬‬

‫‪ -‬الدخل‪ :‬يرتبط االدخار بشكل كلي ابلدخل ألنه يعترب جزء منه‪ ،‬حيث يعرب عادة عن تلك العالقة‬
‫يف شكلها البسيط ابملعادلة الرايضية اآلتية‪:‬‬
‫𝛾𝛽 ‪𝑠 = 𝜕 +‬‬
‫حيث‪:‬‬
‫متثل الدخل‬ ‫‪y‬‬

‫مستوى االدخار‬ ‫‪s‬‬


‫‪Δs‬‬
‫ميل احلدي لالدخار ويساوي إىل‬ ‫‪B‬‬
‫‪ΔY‬‬

‫‪119‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫متثل مستوى االدخار التابع للدخل‬ ‫‪𝛄γ‬‬
‫هو اجلزء من االدخار عندما يكون الدخل معدوم‬ ‫‪a‬‬

‫مع العلم أن امليل احلدي لالدخار يساوي إىل‪ :‬الواحد انقص امليل احلدي لالستهالك‬
‫وهلذا فإن زايدة االستهالك تكون على حساب االدخار‪ ،‬والعكس زايدة االدخار تكون على حساب‬
‫االستهالك مع افرتاض بقاء الدخل على حاله‪.‬‬
‫حيث أن عالقة االدخار ابلدخل هي عالقة طردية‪ ،‬أي كلما زاد الدخل يرتفع االدخار‪ ،‬والعكس‬
‫عندما ينقص ينخفض مستوى االدخار‪ ،‬وتظهر قوة أتثري الدخل يف االدخار من خالل امليل احلدي‬
‫لالدخار‪ ،‬الذي حيدد نسبة االقتطاع من الدخل واملوجه لالدخار‪ ،‬حيث يتأثر هذا امليل بعوامل‬
‫موضوعية كمستوى الدخل الفردي‪ ،‬عوامل ذاتية نفسية‪ ،‬وعوامل اجتماعية تتعلق بطبيعة التنشئة‬
‫االجتماعية والثقافة واحمليط األسري واالجتماعي‪.‬‬
‫‪ -‬سعر الفائدة‪ :‬يلعب سعر الفائدة دورا اثنواي يف التأثري على االدخار‪ ،‬وذلك وفق التحليل الكنزي‪،‬‬
‫بعكس التحليل الكالسيكي الذي يعطيه دور أساسي وأويل يف التأثري على حجم االدخار‪ ،‬بناء على‬
‫فكرة ان التخصيص يبدأ ابالدخار قبل االستهالك‪ ،‬وهلذا فان العامل احلاسم احملدد لالدخار وفق هذا‬
‫الفكر هو سعر الفائدة‪ ،‬حيث أنه كلما كان معدل العائد على األموال املدخرة (املستثمرة) مرتفع‬
‫كلما زاد إغراء األفراد على االدخار والعكس‪.‬‬
‫‪ -‬عوامل ذاتية أو شخصية‪ :‬وهي مرتبطة بعوامل ذاتية انبعة من شخصية الفرد‪ ،‬حيث يكون من‬
‫الصعب التنبؤ هبا وحتديد اجتاهاهتا وقوهتا يف التأثري على االدخار‪ ،‬وميكن إبراز أهم هذه العوامل من‬
‫خالل ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬حاجات ورغبات الفرد‪ :‬فكلما كانت حاجات ورغبات األفراد متعددة وواسعة كلما زادت نزعتهم‬
‫حنو االستهالك وقل ميوهلم حنو االدخار‪ ،‬من منطلق أن اإلنسان ينفق من أجل إشباع حاجاته‬
‫ورغباته أوال‪ ،‬وما تبقى عن ذلك يوجه إىل االدخار‪ ،‬وهلذا فإن أتثري احلاجات والرغبات على االدخار‬

‫‪120‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫يكون وفق عالقة عكسية‪ ،‬فكلما زاد عدد احلاجات وتنوعت أو ظهرت حاجات جديدة كلما قل‬
‫حجم االدخار الفردي والكلي‪.‬‬
‫‪ -‬دافع اقتناء السلع اجلديدة‪ :‬ويقصد به ميل الفرد إىل اقتناء السلع اجلديدة (املوضة)‪ ،‬والرغبة يف‬
‫جتديد ما لديه منها ابستمرار‪ ،‬وهذا الدافع يؤثر سلبا على االدخار‪ ،‬حيث يضطر الفرد يف كل مرة‬
‫إىل اإلنفاق على االستهالك بدال من توجيه ذلك إىل االدخار‪.‬‬
‫‪ -‬دافع التقليد واحملاكاة‪ :‬يتمتع الكثري من األفراد حبب التقليد واحملاكاة لآلخرين‪ ،‬وهذا العامل قد‬
‫يكون سليب وقد يكون إجيايب يف أتثريه على االدخار‪ ،‬فإذا كان التقليد واحملاكاة ألشخاص مييلون‬
‫لالدخار واالستثمار‪ ،‬فسيعمل هذا األمر على تشجيع االدخار‪ ،‬أما إذا كان التقليد ألشخاص مييلون‬
‫إىل اإلنفاق االستهالكي أكثر من خالل تتبع املوضات والكماليات‪ ،‬فإن التقليد هنا يؤثر سلبا على‬
‫االدخار‪.‬‬
‫‪ -‬خصائص شخصية الفرد‪ :‬ختتلف تركيبة وخصائص الشخصية من فرد آلخر‪ ،‬وذلك أهنا ختضع‬
‫لعوامل عديدة يف تركيبتها‪ ،‬ومن بني تلك العوامل واخلصائص الشخصية احملددة واملؤثرة على االدخار‬
‫جند‪ :‬امليل لالدخار أو لالستهالك‪ ،‬التوقعات‪ ،‬املستوى التعليمي والثقايف‪ ،‬الذكاء‪ ،‬طريقة التفكري‬
‫ومعاجلة املشكالت واملواقف‪.‬‬
‫‪ -‬عوامل اجتماعية وثقافية‪ :‬وتتمثل يف كافة العوامل احمليطة ابلفرد واليت تؤثر على موقفه وقراراته‬
‫اخلاصة ابالدخار‪ ،‬حيث تؤثر تلك العوامل بشكل حاسم على عالقة االدخار ابلدخل واالستهالك‪،‬‬
‫ومن بني هذه العوامل جند‪:‬‬
‫‪ -‬عدد أفراد األسرة‪ :‬ان عدد أفراد األسرة سيؤثر سلبا على مستوى االدخار هلذه األسرة‪ ،‬إذ يساهم‬
‫يف زايدة اإلنفاق االستهالكي على حساب االدخار‪.‬‬
‫‪ -‬طبيعة التعليم‪ :‬يلعب نوع التعليم الذي يتلقاه الفرد دورا أساسيا يف التأثري على اجتاهاته وميوالته‬
‫لالدخار‪ ،‬فإذا ما كانت برامج التعليم موجهة حنو الرتغيب يف االدخار واالستثمار‪ ،‬فيمكن أن تساهم‬

‫‪121‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫يف بناء ثقافة عامة حتفز األفراد على االدخار‪ ،‬والعكس إذا ما كانت تنفر من االدخار وتعاجله على‬
‫أنه ظاهرة سلبية غري مرغوب فيها‪.‬‬
‫‪ -‬ثقافة اجملتمع‪ :‬مبا تتضمنه من عادات وتقاليد‪ ،‬وهي األخرى تلعب دورا هاما يف التأثري على موقف‬
‫الفرد من االدخار‪ ،‬لكون أن هذه األخرية حتمل قيم متكن األفراد من احلكم على األشياء واختاذ‬
‫القرارات املناسبة عند املواقف اليت تواجههم‪ ،‬فبعض الثقافات تنظر إىل االدخار على أنه ظاهرة سلبية‬
‫وتربطه (ابلبخل)‪ ،‬يف حني أخرى تنظر إىل االستهالك املفرط على أنه إسراف وتبذير‪.‬‬
‫‪ -‬النظام االجتماعي واالقتصادي السائد يف اجملتمع‪ :‬حيث تلعب األنظمة االقتصادية واالجتماعية‬
‫السائدة دورا هاما يف حتفيز وتشجيع األفراد على االدخار‪ ،‬مبا تتضمنه من قوانني ومؤسسات‬
‫وسياسات وغريها‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق مبدى انسجامها مع ثقافة اجملتمع واستجابتها ملتطلباته‪ ،‬ومدى‬
‫جناعتها وفعاليتها يف تعاملها مع األفراد وخلوها من الفساد اإلداري‪ ،‬فهي من بني العوامل اليت‬
‫تضعف الثقة بني األفراد واملؤسسات واألنظمة‪ ،‬ومن مث فهي تلعب دورا هاما يف توجيه رغبة األفراد‬
‫وسلوكهم حنو االدخار‪ ،‬وخاصة تلك اليت تكون يف شكل ودائع لدى املؤسسات املالية‪.‬‬
‫مصادر االدخار‪:‬‬

‫ختتلف مصادر االدخار إذا فرقنا بني االدخار الفردي واالدخار الوطين أو القومي‪ ،‬فعلى مستوى‬
‫الفرد‪ ،‬فإن املصدر الوحيد لالدخار هو دخله الذي ينبع من عدة مصادر كاألجور واألرابح والفوائد‬
‫والريوع‪ ،‬أما على املستوى الكلي فان مصادره متنوعة وخمتلفة‪ ،‬إال انه ميكن إمجاهلا يف مصدرين‬
‫‪73‬‬
‫أساسيني ومها‪:‬‬

‫‪ .1‬املصدر الداخلي‪ :‬والذي يتمثل يف كل املنابع احمللية اليت ميكن أن متثل مصدرا لتمويل االدخار‪،‬‬
‫واليت أساسها عوائد عناصر اإلنتاج احمللية‪ ،‬واليت ختتلف حبسب اجلهة اليت تقوم ابالدخار‪ ،‬حيث‬
‫ميكن التمييز بني املصادر الداخلية التالية‪:‬‬

‫‪ -73‬عبد القادر زيتوين‪ ،‬حمددات ادخار القطاع العائلي يف اجلزائر دراسة قياسية للفرتة ‪ ،2008 -1970‬مذكرة خترج تدخل ضمن متطلبات نيل‬
‫شهادة املاجيستري يف العلوم االقتصادية‪ ،‬ختصص نقود وبنوك‪ ،‬كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيري‪ ،‬جامعة الشلف‪ ،‬ص‪.08‬‬

‫‪122‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬مدخرات القطاع العائلي‪ :‬وميثل كل املدخرات اليت يقوم هبا األفراد لغرض إعادة االستثمار أو‬
‫لغرض االحتياط للمستقبل‪ ،‬وعادة ما تكون يف شكل ودائع لدى البنوك‪ ،‬وميكن التعبري عنها ابلفرق‬
‫بني الدخل واالستهالك‪ .‬حيث يتحدد هذا النوع من االدخار ابمليل احلدي لالدخار وحاجات‬
‫األفراد ومستوى الدخل‪.74‬‬

‫‪ -‬مدخرات قطاع األعمال‪ :‬وتتمثل يف كافة أشكال املدخرات اليت تنتجها الشركات واملؤسسات‬
‫على إختالف أنواعها وأحجامها وميادين نشاطها سواء كانت مؤسسات خاصة أو عامة‪ ،‬حيث‬
‫أيخذ هذا النوع من االدخار عدة أشكال كاألصول الثابتة‪ ،‬األوراق املالية‪ ،‬أو اقتطاع جزء من‬
‫األرابح كمخصصات لطوارئ معينة‪ ،‬ابإلضافة إىل املسامهة يف دفع الضرائب والتأمني االجتماعي‬
‫وغريها‪.‬‬

‫‪ -‬االدخار احلكومي‪ :‬وتتمثل مصادر هذا االدخار يف الفرق بني اإليرادات والنفقات احلكومية‪ ،‬واليت‬
‫عادة ما يتم توظيفها يف شكل استثمارات حقيقية أو مالية‪.‬‬

‫‪ .2‬املصدر اخلارجي‪ :‬ويتمثل يف كافة صور املدخرات اليت تكون صادرة عن أطراف أجنبية سواء‬
‫كانت رمسية صادرة من جهات حكومية معينة‪ ،‬أو صادرة من أعوان خواص اليت ميكن أن تكون يف‬
‫شكل ودائع لدى املؤسسات احمللية أو استثمارات أجنبة مباشرة‪.‬‬

‫‪ -74‬حممود الوادي‪ ،‬األساس يف علم االقتصاد‪ ،‬دار اليازوري العلمية‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،2007‬ص‪.266‬‬

‫‪123‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫سادسا‪ :‬االستثمار‬

‫يعترب االستثمار نشاط اقتصادي مهم يف استحداث وتوسيع القدرات اإلنتاجية للبلد‪ ،‬وقدرته على‬
‫إنتاج وسائل إشباع احلاجات والرغبات املختلفة‪ ،‬فهو النشاط الذي ميكن من توظيف فوائض األموال‬
‫واملدخرات يف أنشطة منشئة للقيمة‪.‬‬

‫تعريف االستثمار‪:‬‬

‫حيمل مفهوم االستثمار عدة دالالت ومعاين ابلنظر إىل تعدد أبعاده وحمدداته‪ ،‬وعلى هذا األساس‬
‫نصادف عدة تعاريف له ميكن إبرازها من خالل ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬هو عبارة عن تلك املصاريف اليت من خالهلا يتحصل الشخص على أرابح مستقبلية‪.‬‬

‫‪ -‬هو تلك األموال اليت يدفعها الشخص حاليا مقابل احلصول على أرابح مستقبلية‪.75‬‬

‫‪ -‬عرفه كنز على أنه ارتفاع التجهيزات يف رأس املال الثابت واملتداول‬

‫‪ -‬هو التضحية مبنفعة حالية ميكن حتقيقها من خالل استهالك حايل‪ ،‬بقصد احلصول على منفعة‬
‫‪76‬‬
‫مستقبلية أكرب منها‪.‬‬

‫‪ -‬املفهوم االقتصادي‪ :‬يقصد به توظيف األموال واملدخرات بغرض حتقيق عوائد وأرابح مستقبلية مبا‬
‫يؤدي إىل زايدة الثروة وتلبية حاجات اجملتمع واستمرارية الدورة اإلنتاجية‪.‬‬

‫‪ -‬حماسبيا‪ :‬يتمثل يف النفقات احلالية اليت تنتج إيرادات مستقبلية‬

‫‪ -75‬حممد صاحل احلناوي‪ ،‬طارق مصطفى الشهاوى‪ ،‬مبادئ وأساسيات االستثمار‪ ،‬دار التعليم اجلامعي للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ ،2013‬ص‪.17‬‬
‫‪ -76‬شقريي نوري موسى‪ ،‬صاحل طاهر الزرقان‪ ،‬وآخرون‪ ،‬إدارة االستثمار‪ ،‬دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل ‪،2012‬‬
‫ص‪.18‬‬

‫‪124‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫وبناء على ما سبق فإن مفهوم االستثمار يعرب عن عملية اقتصادية مهمة تشرتك مع عملية االدخار‬
‫يف عنصر التضحية وختتلف عنه من حيث التوظيف واملخاطرة‪ ،‬فهي تتجسد يف عملية توظيف‬
‫األموال اقتصاداي‪ ،‬ولذلك فإن االستثمار يرتبط ابلعناصر التالية‪:‬‬

‫‪ -‬االدخار‪ :‬والذي ميثل مصدره األساسي‪ ،‬ويف معظم األحيان االدخار يكون هو نفسه االستثمار‬
‫من حيث القيمة‪.‬‬

‫‪ -‬التضحية‪ :‬أي التضحية ابملنافع احلالية واليت أتخذ بعني االعتبار املدة الزمنية املخصصة لالستثمار‪.‬‬

‫‪ -‬املخاطرة‪ :‬واليت تتجسد يف الغموض الذي حييط مبستقبل االستثمار‪.‬‬

‫‪ -‬العائد املتوقع‪ :‬الذي يعوض أعباء التضحية واملخاطرة اليت يتحملها املستثمر‪.‬‬

‫أهداف االستثمار‪:‬‬

‫ختتلف أهداف االستثمار حبسب اختالف نوعه واجلهات القائمة به والظروف السائدة‪ ،‬وميكن‬
‫تلخيص أهداف االستثمار فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬حتقيق عائد أو ربح‪ :‬حيث يعترب اهلدف األساسي ملعظم عمليات االستثمار اليت يقوم هبا القطاع‬
‫اخلاص‪ ،‬إذ يعترب احملفز والدافع األساسي لعملية االستثمار‪ ،‬والذي يتمثل يف قيمة االرتفاع يف أموال‬
‫أو ثروة الشخص نتيجة توظيفها يف عمليات االستثمار‪ ،‬إال أن تلك الزايدة واالرتفاع يتحدد ابلقيمة‬
‫الزمنية لألموال املستثمرة‪ ،‬أي أيخذ بعني االعتبار املدة الزمنية اليت قضاها املستثمر كتضحية مبنفعة‬
‫حالية‪ ،‬ابإلضافة إىل عامل املخاطرة اليت يتحملها واليت عادة تكون مرتبطة ابلعائد املتوقع على تلك‬
‫األموال املستثمرة‪.‬‬

‫‪ -‬أتمني حاجات اجملتمع‪ ،‬من خالل توظيف األموال يف عمليات إنتاج السلع واخلدمات أو إقامة‬
‫مشاريع معينة ذات منفعة عامة أو خاصة‪ ،‬كإنشاء الطرق واجلسور وبناء املدارس واملستشفيات‬
‫وغريها‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬احملافظة على رأس املال وتنميته‪ :‬عادة ما هتدف عمليات االستثمار إىل احملافظة على األموال‬
‫وتنميتها‪ ،‬من خالل استهداف عائد من وراء تلك العمليات والذي يساهم يف تنمية ثروة األشخاص‬
‫واجملتمع‪ ،‬كما أن ترك األموال على حاهلا دون استثمار سيعرضها إىل التدهور واهنيار قيمتها‪ ،‬فإذا‬
‫كانت يف شكل أصول نقدية فستتدهور بفعل التضخم الذي يعمل على إضعاف القدرة الشرائية‬
‫للنقود‪ ،‬أما إذا كانت يف شكل أصول عينية كاملباين واآلالت واألجهزة وخمتلف السلع األخرى‪،‬‬
‫فستتعرض إىل تدهور قيمتها السوقية بفعل التقادم واهنيار األسعار وغريها من العوامل السوقية املؤثرة‬
‫على أسعارها وقيمة املواد‪ ،‬إضافة إىل حتمل تكاليف التخزين واالحتفاظ بتلك املواد كمصاريف‬
‫التأمني واحلراسة وكراء املخازن وغريها من املخاطر‪.‬‬

‫‪ -‬توفري مناصب الشغل‪ :‬ألن االستثمارات تساهم يف تعبئة وتوظيف املدخرات العامة واخلاصة يف‬
‫إنشاء مشاريع استثمارية حتتاج إىل عمالة ومن مث املسامهة يف التشغيل‪.‬‬

‫‪ -‬توفري العملة الصعبة‪ :‬حيث تساهم كثريا عمليات االستثمار يف توفري العملة الصعبة‪ ،‬ذلك كوهنا‬
‫متثل مدخل مهم لتوسيع ورفع القدرة اإلنتاجية للبلد‪ ،‬مبا يؤدي إىل زايدة القدرة على التصدير ومن مث‬
‫دخول العملة الصعبة‪ ،‬كما تعمل أيضا االستثمارات اليت يقوم هبا املواطنني يف اخلارج على دخول‬
‫العملة الصعبة‪.‬‬

‫‪ -‬التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ :‬من خالل زايدة اإلنتاج وتوفري اخلدمات يف خمتلف القطاعات‬
‫كالسكك احلديدية والطرقات واملدارس واملصانع وغريها‪.‬‬

‫أنواع وأشكال االستثمار‪:‬‬

‫ميكن التمييز بني عدة أنواع من االستثمارات وذلك حسب عدة معايري كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬االستثمارات احمللية واألجنبية‪ :‬وميكن التفريق بينهما هنا حسب جنسية األموال املستثمرة ان كانت‬
‫حملية أو أجنبية‪ ،‬حيث أن االستثمارات احمللية تعود إىل أشخاص يقيمون داخل الدولة‪ ،‬أما‬
‫االستثمارات األجنبية فتعود إىل أشخاص يقيمون يف دول أجنبية‪ ،‬وميكن التمييز هنا بني نوعني من‬

‫‪126‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫االستثمارات وهي‪ :‬االستثمارات األجنبية املباشرة‪ ،‬واالستثمارات األجنبية غري مباشرة‪ ،‬ورغم أن املزااي‬
‫اليت تتمتع هبا االستثمارات األجنبية يف كوهنا تساهم يف تلبية حاجات ورغبات األفراد واجملتمع‬
‫والتشغيل‪ ،‬إضافة إىل دورها يف استقطاب رؤوس األموال والعملة الصعبة يف املدى القصري ونقل‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬إال أن دورها يف األجل الطويل يساهم يف استنزاف العملة الصعبة ابلنظر إىل التحويالت‬
‫اليت تتم يف هذا االطار واليت تؤدي إىل خروج رؤوس األموال إىل بلدان إقامة أصحاب االستثمارات‪،‬‬
‫إضافة إىل أن الواقع أثبت عدم مسامهة هذه االستثمارات يف نقل التكنولوجيا وبدال من ذلك جتعل‬
‫الدول املستضيفة لتلك االستثمارات جمرد مستهلك هلا‪ ،‬واتبعة للدول األجنبية‪ ،‬وهلذا فإن أحسن‬
‫وسيلة للتنمية هي االستثمارات احمللية رغم حمدوديتها يف بعض األحيان وضعف فعاليتها بسبب‬
‫اخنفاض رؤوس األموال احمللية‪.‬‬

‫‪ -‬استثمار حقيقي واستثمار مايل‪ :‬حيث يتضمن األول أصوال مادية ملموسة مثل األراضي واآلالت‬
‫واملصانع‪ ،‬أما الثاين فيتضمن عقود مكتوبة مثل األسهم والسندات‪.77‬‬

‫‪ -‬استثمارات اسرتاتيجية واستثمارات توسعية‪ :‬حيث تشري االستثمارات االسرتاتيجية إىل تلك‬
‫االستثمارات اليت متس قطاعات حساسة ومهمة يف البلد وذات األثر البالغ على الدولة ويف‬
‫استحداث وتنمية القدرة اإلنتاجية للمجتمع‪ ،‬أما االستثمارات التوسعية فهي تساهم يف توسيع القدرة‬
‫اإلنتاجية احلالية من خالل اقتناء جتهيزات جديدة‪.‬‬

‫‪ -‬حسب مدة االستثمار‪ :‬ومنيز بني االستثمارات قصرية األجل (سنة أو سنتني)‪ ،‬استثمارات‬
‫متوسطة األجل (سنة إىل سبع سنوات)‪ ،‬استثمارات طويلة األجل (تفوق سبع سنوات)‪.‬‬

‫كما ميكن التمييز أيضا بني االستمارات اخلاصة والعامة‪ ،‬حيث يشري األول إىل تلك االستثمارات‬
‫الصادرة عن القطاع اخلاص كالعائالت والشركات اخلاصة‪ ،‬ويكون هدفه غالبا اقتصادي أي تعظيم‬
‫الثروة من خالل حتقيق األرابح‪ ،‬أما االستثمارات العامة فتشري إىل تلك االستثمارات الصادرة عن‬

‫‪ -77‬حممد صاحل احلناوي‪ ،‬طارق مصطفى الشهاوى‪ ،‬مبادئ وأساسيات االستثمار‪ ،‬دار التعليم اجلامعي للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ ،2013‬ص‪.17‬‬

‫‪127‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫القطاع العام أي الدولة مبختلف مؤسساهتا وأجهزهتا‪ ،‬كإنشاء املطارات والطرق وبناء املدارس وغريها‪،‬‬
‫وغالبا ما يكون هدفه اجتماعي أي توفري خدمة أو منفعة عامة للمواطنني‪.‬‬

‫وميكن أيضا التمييز بني االستثمارات حسب طبيعتها إىل‪ :‬استثمارات اقتصادية أي تلك اليت تسعى‬
‫إىل حتقيق هدف اقتصادي أو إجياد مشروع اقتصادي معني‪ ،‬واستثمارات اجتماعية وهي تلك اليت‬
‫تسعى إىل حتقيق أهداف اجتماعية كاالستثمارات الصحية والثقافية‪ ،‬واستثمارات يف العنصر البشري‬
‫وهي تلك اليت تسعى إىل حتقيق التنمية البشرية من خالل أنشطة التعليم والتدريب والتكوين‪.‬‬

‫العوامل املؤثرة يف االستثمار‪:‬‬

‫خيضع االستثمار بشكل رئيسي إىل حجم الدخل واالدخار‪ ،‬ألنه هو جزء أو كل من هذا األخري‪ ،‬إال‬
‫أن هناك عوامل متعددة تتحكم يف توجيه األموال حنو استثمارات بعينها وتصرفها عن أخرى‪ ،‬وميكن‬
‫‪78‬‬
‫تلخيص أهم العوامل املؤثرة على االستثمار يف النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬معدل العائد على األموال املستثمرة ودرجة املخاطرة‪ :‬يؤثر معدل العائد املتوقع على األموال‬
‫املستثمرة على االستثمار بشكل إجيايب‪ ،‬ومن جهة أخرى تؤثر درجة املخاطرة بشكل سليب‪ ،‬ولكالمها‬
‫دور يف توجيه األموال حنو أنواع معينة من االستثمارات‪ ،‬اذا كان هناك اختالفات بني هذه األخرية‬
‫من حيث درجة املخاطرة ومعدل العائد املتوقع‪.‬‬

‫‪ -‬أسعار الفائدة‪ :‬فغالبا ما تساهم أسعار الفائدة يف رفع تكلفة األموال املستثمرة‪ ،‬وهلذا فان رفع هذه‬
‫األسعار له اثر سليب على االستثمارات ويساهم يف انتقاهلا إىل اخلارج‪.‬‬

‫‪ -‬الدخل واالدخار‪ :‬يعترب الدخل مصدرا مهما وأساسيا لتمويل االستثمارات‪ ،‬وهلذا فإنه كلما ارتفع‬
‫مستوى الدخل أدى إىل زايدة حجم االستثمارات‪ ،‬كما تعترب املدخرات سواء احلالية أو السابقة عامل‬
‫مهم لتمويل االستثمارات‪.‬‬

‫‪ -78‬هندي منري إبراهيم‪ ،‬أساسيات االستثمار يف األوراق املالية‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1999 ،‬ص‪.15‬‬

‫‪128‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬الظروف السياسية واالجتماعية السائدة‪ :‬وتلعب دورا كبريا يف التأثري على درجة املخاطرة‪ ،‬ومن مث‬
‫على االستثمار‪ ،‬ومن بني العوامل هنا جند درجة االستقرار السياسي والعالقات اخلارجية للدولة وثقافة‬
‫اجملتمع واملستوى التعليمي وغريها‪.‬‬

‫‪ -‬الظروف االقتصادية‪ :‬كمعدل التضخم‪ ،‬املستوى املعيشي‪ ،‬التوازن االقتصادي الداخلي واخلارجي‬
‫للبلد‪ ،‬مناخ االستثمار‪ ،‬طبيعة املؤسسات واألنظمة والقوانني اخلاصة بتنظيم االستثمارات يف البلد‪،‬‬
‫وما تتصف به من فساد إداري ومايل‪ ،‬وبريوقراطية‪.‬‬

‫‪ -‬السياسات االقتصادية‪ :‬مبا فيها السياسة النقدية والسياسة املالية‪ ،‬حيث تلعب دورا يف تشجيع‬
‫االستثمار‪ ،‬فهي تؤثر على سعر الفائدة وعلى العائد املتوقع من االستثمار‪ ،‬ومن تلك العوامل جند‬
‫التحفيزات والتسهيالت االستثمارية والضريبية واجلمركية اليت تقرها الدولة‪ ،‬الدعم املايل‪ ،‬إضافة إىل‬
‫أدوات السياسة النقدية كالتأثري على سعر الفائدة‪ ،‬والكتلة النقدية‪.‬‬

‫‪ -‬رؤوس األموال املتوفرة‪ :‬فكلما توفرت رؤوس األموال تزيد القدرة على االستثمار‪ ،‬وخاصة‬
‫االستثمارات احلقيقية اليت غالبا ما تتطلب رؤوس أموال كبرية‪.‬‬

‫‪ -‬البنية التحتية‪ :‬كالطرقات واجلسور إضافة إىل خمتلف اخلدمات املساعدة على إقامة مشاريع‬
‫استثمارية كتوفري شبكة املياه والكهرابء‪.‬‬

‫خماطر االستثمار‪:‬‬
‫تلعب درجة املخاطرة دورا مهما يف توجيه والتأثري على االستثمارات‪ ،‬واليت تعين عدم التأكد من‬
‫حتقيق العائد املتوقع على األموال املستثمرة‪ ،‬وهناك عدة عوامل حتدد درجة املخاطرة هذه‪ ،‬واليت ميكن‬
‫إبرازها يف جمموعتني أساسيتني ومها‪:‬‬
‫‪ -‬خماطر نظامية‪ :‬هي اليت ال تتعلق بنوع معني من االستثمارات‪ ،‬أي أن أتثريها عام يشمل كافة‬
‫االستثمارات مهما كان جماهلا والقطاع الذي تنتمي إليه‪ ،‬مثل خماطر طبيعية وسياسية وأمنية‪ .‬وهذا‬

‫‪129‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫النوع من العوامل له أثر كبري على جاذبية دولة ما لالستثمارات وقدرهتا على تعبئة وتوظيف املدخرات‬
‫يف شكل استثمارات‪.‬‬
‫‪ -‬خماطر غري نظامية‪ :‬هي تلك املخاطر اليت تصيب نوع معني من االستثمارات‪ ،‬أي ختتص يف‬
‫أتثريها على استثمارات بعينها وال تؤثر على أنواع أخرى ومن بينها خماطر العمل‪ ،‬خماطر السوق‪،‬‬
‫خماطر مالية‪...‬اخل‪ .‬وهلذا النوع من العوامل دور هام يف توجيه االستثمارات إىل قطاعات معينة دون‬
‫أخرى‪ ،‬ألهنا تربز الفوارق واالختالفات يف املخاطر بني القطاعات وأنواع االستثمارات‪.‬‬
‫العالقة بني درجة املخاطرة والعائد املتوقع من االستثمار‪:‬‬
‫وهي عالقة طردية‪ ،‬فكلما زادت درجة املخاطرة زاد العائد املتوقع من االستثمار‪.‬‬
‫وابلطبع دائما املستثمرين يفضلون االستثمار يف امليادين أين يكون العائد مرتفع ودرجة املخاطرة‬
‫منخفضة‪ ،‬ولكون أن هناك عالقة طردية بني معدل العائد املتوقع على االستثمارات ودرجة املخاطرة‪،‬‬
‫أي أن اجملال الذي يكون فيه العائد مرتفع تكون درجة املخاطرة عالية‪ ،‬فيبقى التوجه حسب شخصية‬
‫ورغبة املستثمر ان كان مييل إىل حتمل املخاطرة فيتجه إىل امليادين ذات العائد املرتفع‪ ،‬وإذا كان ال‬
‫يتحمل املخاطرة فيتجه إىل االستثمارات ذات درجة خماطرة منخفضة ولكن العائد منخفض‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬

‫المدخل النظامي‬

‫الفصل الثالث‬

‫‪131‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املدخل النظامي‬

‫منذ أن وجد اإلنسان على وجه األرض وهو ويصارع من أجل البقاء املبين على تلبية حاجاته ورغباته‬
‫املختلفة انطالقا من املوارد االقتصادية املتاحة‪ ،‬وألجل ذلك قد عمد إىل تطوير وسائل تلبية تلك‬
‫احلاجات والرغبات واألنشطة اخلاصة هبا‪ ،‬اليت تطورت معها خمتلف العالقات وآليات تنظيمها‬
‫وتنوعت واختلفت من زمن إىل آخر ومن جمتمع إىل آخر‪ ،‬حبسب اختالف وتنوع السلوك اإلنساين‬
‫اخلاص ابستغالل املوارد وتلبية احلاجات‪ ،‬وألجل إجياد تصور مثايل يضمن من خالله اإلنسان فعالية‬
‫تلك األنشطة‪ ،‬فقد ظهرت بعض األفكار واآلليات واملبادئ اليت حتاول تنظيم وحتديد العالقات‬
‫والسلوكات االقتصادية لإلنسان‪ ،‬وهذا ما أدى إىل ظهور فكرة األنظمة االقتصادية وآليات عملها‪،‬‬
‫واليت اختلفت حبسب اختالف النظم الفكرية واإليديولوجية وخصائص وطبيعة اجملتمعات‪ ،‬حيث‬
‫تساهم يف تطبيق السياسات االقتصادية وحتقيق األهداف املرتبطة هبا احملددة وفق رؤية معينة‪ ،‬وتنظيم‬
‫خمتلف العالقات واألنشطة االقتصادية وفق آلية معينة حتدد من خالهلا تلك العالقات واألنشطة‬
‫وطريقة ممارستها‪ ،‬إذ ختتلف املداخل والتوجهات اليت ميكن من خالهلا تبين الرؤية اخلاصة بتنظيم تلك‬
‫العناصر‪ ،‬وانطالقا من هذا تظهر عدة أنواع من األنظمة االقتصادية اليت تستخدم آليات وطرق خمتلفة‬
‫لتنظيم وحتديد تلك األنشطة والعالقات‪.‬‬

‫وهلذا يكون من اجلدير دراسة وحتليل مفهوم النظم االقتصادية وأهدافها وخصائصها‪ ،‬ابإلضافة إىل‬
‫تتبع خمتلف النظم االقتصادية اليت عرفتها البشرية‪ ،‬وحتديد املبادئ واألفكار اليت قامت عليها‪ ،‬ومدى‬
‫جناعتها وفعاليتها يف معاجلة املشكلة االقتصادية‪ ،‬ودورها يف حتقيق التنمية االقتصادية ومعاجلة خمتلف‬
‫األزمات يف هذا اإلطار‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫أوال‪ :‬مفهوم النظام والتنظيم االقتصادي‬

‫من وجهة النظر العامة يعرب مفهوم النظام عن جمموعة من العناصر املادية والبشرية واملعنوية اليت جتتمع‬
‫وفق تنظيم حمدد لتحقيق أهداف عامة هلا‪ ،‬وعادة ما أتخذ شكل مدخالت‪ ،‬عمليات‪ ،‬خمرجات‪،‬‬
‫فقد عرف النظام على أنه كيان عام تتداخل عناصره ومكوانته على حنو يتفاعل ويتبلور يف النهاية‬
‫لتحقيق األهداف العامة للنظام‪ ،‬حيث هتتم نظرايت النظم بدراسة الطريقة والكيفية اليت ترتابط هبا‬
‫تلك املكوانت والعناصر‪ .79‬وجند يف حياة اإلنسان العديد من النظم املختلفة واملتعددة واليت أتخذ‬
‫أبعاد وخصائص متنوعة يكون من الصعب الوقوف عليها‪ ،‬وخاصة أن كل نظام ميثل نظام فرعي من‬
‫نظام أكرب منه‪ ،‬وهو بدوره يتكون من جمموعة من النظم الفرعية اليت تتناسق فيما بينها لتحقيق‬
‫أهداف النظام األكرب‪ ،‬كما ميكن التمييز بني عدة نظم اليت هتتم بتنظيم العالقات واألنشطة املميزة‬
‫للحياة االجتماعية واجلماعية لإلنسان‪ ،‬كالنظم االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬وسنركز هنا على‬
‫إبراز أهم التعاريف اليت أعطيت ملفهوم النظم االقتصادية‪ ،‬واليت عرفت اختالفات كبرية يف حتديد‬
‫ماهيتها‪ ،‬وذلك ابلنظر إىل االختالفات الفكرية واإليديولوجية‪ ،‬فمن املفكرين من يربطه ابلواقع‬
‫االجتماعي واالقتصادي والسياسي الذي تعيشه اجملتمعات‪ ،‬معتمدا يف ذلك على األساليب النظرية‬
‫والفكرية اليت تصور العمليات االقتصادية واألساليب واألدوات وخمتلف األنشطة ‪ ،‬فيما يربطه البعض‬
‫اآلخر ابلتحليل النظري والفكري للوقائع واألنشطة االقتصادية‪ ،‬ابلرتكيز على منط وعالقات وقوى‬
‫اإلنتاج اليت تشكل البناء احلقيقي والنسيج الواقعي للمجتمع‪ .80‬وفيما يلي أهم تلك التعاريف‪:‬‬

‫‪ -‬عرف النظام االقتصادي على أنه جمموعة اآلليات واملؤسسات الصانعة واملنفذة للقرارات املتعلقة‬
‫ابإلنتاج والتوزيع واالستهالك يف جمتمع معني‪ ،81‬أي أن النظام االقتصادي ميكن النظر إليه على أنه‬
‫جمموعة من العناصر اليت هتتم بصناعة القرارات االقتصادية يف جمتمع معني‪ ،‬اليت ختتص ابإلجابة عن‬

‫‪ -79‬مظهر إمساعيل صربي‪ ،‬نظرايت السياسة الدولية دراسة حتليلية مقارنة‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،1982‬ص‪.105‬‬
‫‪ -80‬حممد محد القطاطشة‪ ،‬النظام االقتصادي السياسي الدويل‪ ،‬دار وائل للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،2013‬ص‪.16‬‬
‫‪ -81‬بول جرجيوري ‪ ،‬روبرت ستيورت‪ ،‬النظم االقتصادية املقارنة‪ ،‬ترمجة‪ :‬طه عبد هللا منصور‪ ،‬دار املريخ للنشر‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪،1994 ،‬‬
‫ص‪.33‬‬

‫‪133‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫األسئلة املتعلقة مبعاجلة املشكلة االقتصادية مبختلف أبعادها‪ ،‬فهي تشكل اإلطار العام الذي يساعد‬
‫ويوجه التفكري وطريقة التصرف حيال العالقات واألنشطة االقتصادية املختلفة للمجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬كما عرف أيضا على أنه النسق الفكري الذي حيكم التفاعالت والعالقات األساسية للثروة يف‬
‫اجملتمع‪ ،‬من حيث طريقة اإلنتاج والتوزيع والتداول واالستهالك سواء على املستوى احمللي أو القومي‬
‫أو الدويل‪ ،82‬فالنظام االقتصادي تعبري عن الطريقة واآللية اليت من خالهلا يتم إدارة خمتلف األنشطة‬
‫والعالقات االقتصادية مبا فيها عالقة اإلنسان ابإلنسان يف اإلطار اإلنتاجي وعالقته بوسائل اإلنتاج‪،‬‬
‫واألنشطة اليت ميارسها يف سبيل تلبية حاجاته ورغباته انطالقا من استغالل املوارد االقتصادية‪.‬‬

‫من خالل استعاض اهم التعاريف السابقة ميكن اعتبار النظام االقتصادي على أنه اإلطار الفكري‬
‫والتنظيمي اليت يتضمن جمموع العالقات واملؤسسات والضوابط اليت متيز وتنظم احلياة االقتصادية‬
‫جملتمع ما يف زمان ومكان معني‪ ،‬أي الطريقة أو اآللية املتبعة يف عالج املشكلة االقتصادية‪.‬‬

‫وتشرتك األنظمة االقتصادية يف هدفها العام واخلاص مبحاولة معاجلة املشكلة االقتصادية‪ ،‬أي حماول‬
‫حتقيق االستغالل والتوزيع األمثل للموارد االقتصادية‪ ،‬مبا حيقق افضل إشباع ممكن لإلنسان ويؤدي إىل‬
‫حتسني مستوى معيشته‪ ،‬إال أهنا ختتلف يف الطرق والوسائل واآلليات املتبعة يف ذلك‪ ،‬كما أن بقاء‬
‫النظام االقتصادي واستمراريته مرهونة بنجاعته وفعاليته يف معاجلة املشكلة االقتصادية‪ ،‬وهذا ما يفسر‬
‫تغري وتطور األنظمة االقتصادية عرب اتريخ البشرية‪ ،‬إذ تعاقبت عدة أنظمة موازاة مع التطور الفكري‬
‫واحلضاري لإلنسان‪ ،‬فأي نظام يثبت فشله يف معاجلة املشكلة االقتصادية ينهار ويزول وخيلفه نظام‬
‫آخر يطرح أفكار وآمال جديدة تتضمن آليات وأساليب ساعيا من خالهلا إىل معاجلة تلك املشكلة‬
‫بشكل فعال‪ ،‬إال أن تلك األفكار واآلليات تتحدد دوما يف إطار التوجهات الفكرية واإليديولوجية‬
‫ألصحاهبا واخلصائص االجتماعية والثقافية للمجتمعات اليت ظهرت فيها‪.‬‬

‫‪ -82‬حممد محد القطاطشة‪ ،‬النظام االقتصادي السياسي الدويل‪ ،‬دار وائل للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،2013‬ص‪.16‬‬

‫‪134‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫مفهوم التنظيم االقتصادي‪:‬‬

‫هو الوسيلة أو الطريقة اليت يعتمدها النظام االقتصادي لتنظيم النشاطات والعالقات والفعاليات‬
‫االقتصادية يف جمتمع ما‪ ،‬واليت يتميز هبا عن غريه من األنظمة االقتصادية‪ ،‬فمثال جند أن‪:‬‬

‫‪ -‬النظام االقتصادي الرأمسايل يعتمد على التنظيم االقتصادي احلر يف معاجلة املشكلة االقتصادية‬

‫‪ -‬النظام االقتصادي االشرتاكي يعتمد على التنظيم االقتصادي املوجه‬

‫وميكن التمييز بني األنظمة االقتصادية بطريقتني‪ ،‬طريقة تعتمد على معيار واحد والذي يتمثل يف‬
‫شكل ملكية وسائل اإلنتاج‪ ،‬وفق هذه الطريقة يعترب العامل الوحيد للتفريق بني األنظمة االقتصادية‬
‫هو شكل امللكية فقط‪ ،‬إذ ميكن التمييز وفق هذا املعيار بني ثالث أنظمة اقتصادية وهي‪ :‬النظام‬
‫االقتصادي القائم على امللكية اجلماعية‪ ،‬النظام االقتصادي القائم على امللكية الفردية لوسائل‬
‫اإلنتاج‪ ،‬والنظام االقتصادي املختلط‪ ،‬أي الذي ميزج بني امللكية اجلماعية وامللكية اخلاصة لوسائل‬
‫اإلنتاج‪.‬‬

‫أما الطريقة الثانية املعتمدة يف التمييز بني األنظمة االقتصادية‪ ،‬فهي أتخذ بعني االعتبار عدة معايري‬
‫ومؤشرات كشكل امللكية‪ ،‬نظام العمل‪ ،‬دور الدولة‪ ،‬احلرية االقتصادية وغريها‪.‬‬

‫وقد عرفت البشرية عدة أنظمة اقتصادية تعاقبت عرب التاريخ االقتصادي‪ ،‬وميز كل منها فرتة زمنية‬
‫معينة عكس منط حياة اإلنسان واخلصائص احلضارية واالجتماعية والفكرية لتلك اجملتمعات‪ ،‬ومن‬
‫األنظمة االقتصادية جند‪ :‬النظام االقتصادي البدائي‪ ،‬النظام االقتصادي العبودي (القائم على الرق)‪،‬‬
‫النظام االقتصادي اإلقطاعي‪ ،‬النظام االقتصادي الرأمسايل‪ ،‬النظام االقتصادي االشرتاكي‪ ،‬النظام‬
‫االقتصادي املختلط‪ ،‬النظام االقتصادي اإلسالمي‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫خصائص النظام االقتصادي‬

‫على اعتبار أن النظام االقتصادي يشري إىل األطر الفكرية احملددة لآلليات والطرق املتبعة يف معاجلة‬
‫املشكلة االقتصادية وحتسني املستوى املعيشي لألفراد‪ ،‬فإنه ينبغي أن يتصف بشكل عام مبجموعة من‬
‫اخلصائص ميكن ذكرها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬يتميز النظام االقتصادي أبنه يستهدف دوما معاجلة املشكلة االقتصادية بشكل فعال‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫األساس يتحدد مربر وجوده واستمراريته يف تنظيم احلياة االقتصادية للمجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬أن حيتوي جمموعة من اآلليات والطرق اليت متكن من تنظيم والتحكم يف العالقات واألنشطة‬
‫االقتصادية وإدارهتا‪ ،‬وتضبط دور كل وحدة اقتصادية كنظام فرعي وعالقته ابلنظام الكلي‪.‬‬

‫‪ -‬يتضمن جمموعة من املبادئ والقواعد العامة اليت متيزه عن ابقي األنظمة يف طريقة تنظيم العالقات‬
‫واألنشطة االقتصادية ومعاجلة املشكلة االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -‬االنسجام مع األبعاد احلضارية واالجتماعية والسياسية للمجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬أن يبىن على أفكار ومبادئ تتالءم مع املنطق االقتصادي السائد والقواعد والقوانني اليت حتكم‬
‫العالقات والسلوكات االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -‬توضيح آليات وترتيبات القرار االقتصادي‪ ،‬اخلاصة ابإلجابة على تساؤالت املشكلة االقتصادية‬
‫واملتمثلة يف طريقة توفري املوارد االقتصادية واستخدامها وختصيصها على خمتلف االحتياجات والرغبات‬
‫اإلنسانية‪.‬‬

‫‪ -‬يوفر اآلليات والطرق اليت متكن اجملتمع من التوزيع الفعال للثروة واملوارد االقتصادية املختلفة على‬
‫خمتلف احلاجيات واألجيال والفئات البشرية والقطاعات االقتصادية املختلفة‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫أهداف النظام االقتصادي‪:‬‬

‫يكمن اهلدف األساسي ألي نظام اقتصادي يف حماولته معاجلة املشكلة االقتصادية بطريقة أكثر كفاءة‬
‫وفعالية‪ ،‬وعلى هذا األساس يقاس مدى جناحه ومن مث يكتسب مربر وجوده واستمراريته يف تنظيم‬
‫احلياة االقتصادية للمجتمع‪ ،‬ويف هذا اإلطار تندرج العديد من األهداف والغاايت الفرعية للنظام‬
‫االقتصادي واليت تصب مبجملها يف معاجلة املشكلة االقتصادية‪ ،‬وإن كانت تلك األهداف ختتلف‬
‫من نظام إىل آخر‪ ،‬حبسب اختالف دوافع كل نظام وخلفيته اإليديولوجية واالجتماعية اليت قام يف‬
‫ضوئها‪ ،‬ولكن هنا ميكن التطرق إىل أهم املداخل العامة اليت حتكم تلك األهداف واليت يف ضوئها‬
‫تسطر الغاايت واملبادئ اخلاصة بكل نظام اقتصادي‪ ،‬وميكن تلخيص أمهها يف النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬حتقيق االستغالل األمثل للموارد‪ :‬ابلنظر إىل حمدودية املوارد االقتصادية املتاحة يف اجملتمع‪ ،‬فيتعني‬
‫على أي نظام اقتصادي توفري األطر الفكرية الالزمة اليت متكن األمة من احلفاظ على املوارد‬
‫واستغالهلا أحسن استغالل‪ ،‬وجند أن األنظمة االقتصادية اليت سادت خالل فرتة زمنية معينة قد تبنت‬
‫آليات خمتلفة يف هذا الشأن‪ ،‬فمثال أن النظام االقتصادي الرأمسايل يعتمد يف ذلك على نظام السوق‬
‫واملنافسة املثلى وحافز الربح‪ ،‬كآليات تعمل على توجيه ودفع األفراد حنو حتسني األداء املبين على‬
‫احملافظة على املوارد واختيار اجنع الطرق الستغالهلا وتوظيفها‪ ،‬أما النظام االقتصادي االشرتاكي‬
‫فيعتمد يف ذلك على آلية التخطيط املركزي الذي من خالله يتم حتديد طريقة استغالل وتوزيع املوارد‬
‫بشكل حيافظ عليها وحيقق أكرب إشباع ممكن حلاجات األفراد واجملتمع‪.‬‬

‫‪ -‬تلبية احلاجات والرغبات الفردية واجلماعية‪ :‬أي أن النظام االقتصادي من مسؤولياته توضيح الطرق‬
‫واألنشطة االقتصادية اليت تساهم يف تلبية حاجات ورغبات األفراد واجملتمع‪ ،‬واليت تتحدد يف املسالك‬
‫اليت تسلكها وسائل إشباع احلاجات والرغبات من مواطن اإلنتاج إىل مواطن االستهالك‪.‬‬

‫‪ -‬التخصيص والتوزيع الفعال والكفء للموارد االقتصادية على خمتلف االستخدامات واألنشطة‬
‫والقطاعات واألجيال واملناطق‪ ،‬وذلك من خالل توفري قواعد وأحكام معينة خاصة بذلك‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬حتقيق التوزيع العادل للثروة والدخل بني خمتلف الفئات البشرية وحماولة تقليص التباين واالختالف‬
‫يف التوزيع إىل اقصى حد ممكن‪ ،‬وذلك من خالل توفري األدوات واألسس املناسبة لتوزيع الدخل‬
‫وتلك اخلاصة إبعادة التوزيع‪ ،‬ويف هذا الشأن سعت األنظمة االقتصادية املختلفة إىل هذا اهلدف‪،‬‬
‫وقد تباينت مساعيها يف حتقيق ذلك‪ ،‬وخاصة ابلنسبة للنظام االقتصادي االشرتاكي والنظام‬
‫االقتصادي الرأمسايل‪ ،‬فاألول بين أساسا على مبدأ العدالة يف توزيع الثروة والدخل والقضاء على‬
‫الطبقية‪ ،‬أما الثاين فلم يعطيها أمهية كبرية بقدر تركيزه على الفعالية االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -‬تنظيم وتوجيه األنشطة االقتصادية‪ :‬فالبد على النظام االقتصادي أن يوفر الطرق واآلليات املناسبة‬
‫لتنظيم األنشطة االقتصادية املختلفة‪ ،‬بدءا من نشاط اإلنتاج إىل نشاط االستهالك‪ ،‬وحتديد األسس‬
‫املناسبة لضبطها وتفعيلها‪ ،‬أي‪ :‬ما هي اآلليات اليت تضمن فعالية األنشطة االقتصادية ؟‬

‫‪ -‬تنظيم العالقات االقتصادية بني الناس وبني عناصر اإلنتاج كأفراد‪ ،‬كجماعات‪ ،‬كمؤسسات‬
‫وجمتمعات‪ ،‬واليت تتضح من خالل منط ملكية وسائل اإلنتاج‪ ،‬العالقات االجتماعية داخل العملية‬
‫اإلنتاجية‪ ،‬عالقة اإلنسان ابلطبيعة‪ ،‬عالقات التبادل والتوزيع‪.‬‬

‫‪ -‬إجياد اآلليات املناسبة لتحقيق التنسيق الفعال بني خمتلف الفعاليات والعناصر املكونة للنشاط‬
‫االقتصادي‪ ،‬وربط كل ذلك ابهلدف االقتصادي العام للمجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬العمل على حتقيق االستقرار والتوازن االقتصادي‪ :‬وذلك من خالل القضاء على خمتلف‬
‫االختالالت واألزمات االقتصادية اليت تصيب اجملتمعات‪.‬‬

‫‪ -‬السعي إىل حتقيق التنمية االقتصادية والنمو االقتصادي‪ :‬والذي يتجسد من خالل حتسني‬
‫املؤشرات اخلاصة بـ‪ :‬التشغيل‪ ،‬الدخل والناتج اإلمجايل‪ ،‬مستوايت املعيشة لألفراد‪ ،‬تلبية متطلبات‬
‫اجملتمع‪ ،‬األمن الغذائي‪...‬إخل‬

‫‪138‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫اثنيا‪ :‬اْلنظمة االقتصادية‬

‫عرفت البشرية عدة أنظمة اقتصادية كل منها ميز فرتة زمنية معينة‪ ،‬حماوال إجياد منط عيش أفضل‬
‫ألفراد اجملتمع‪ ،‬ويعود ظهور معظمها إىل التطورات والتفاعالت االجتماعية اليت كانت تصيب‬
‫اجملتمعات خالل فرتات معينة‪ ،‬وإىل إسهامات الكثري من املفكرين والباحثني يف الشأن االقتصادي‬
‫لألمم‪ ،‬وهلذا كان النظام االقتصادي يعكس منط احلياة البشرية ذات األبعاد املختلفة وابألخص‬
‫عالقات اإلنسان ابإلنسان وعالقته ابلطبيعة وما تتميز به من موارد ومناخ وموقع جغرايف وغريها‪،‬‬
‫واملتتبع للتاريخ االقتصادي يالحظ كيف ظهرت أنظمة اقتصادية خالل حقب اترخيية معينة مث‬
‫اختفت‪ ،‬حيث كان ذلك االختفاء والظهور نتيجة لربوز عوامل وظروف معينة‪ ،‬وابلنظر إىل تعدد‬
‫األنظمة االقتصادية اليت عرفتها البشرية عرب اترخيها‪ ،‬فقد انتقلت البشرية من النظام االقتصادي‬
‫البدائي القائم على الصيد واجلمع‪ ،‬إىل النظام القائم على الرق والعبودية‪ ،‬إىل النظام اإلقطاعي‪ ،‬مث‬
‫النظام الرأمسايل‪ ،‬واالشرتاكي والنظام االقتصادي املختلط‪ ،‬والنظام االقتصادي اإلسالمي‪.‬‬

‫سنكتفي من خالل هذا العنصر بدراسة فقط أهم تلك األنظمة اليت سادت يف جمتمعات معينة‬
‫وخالل فرتة زمنية معينة‪.‬‬

‫‪ .1‬النظام االقتصادي الرأمسايل‪:‬‬

‫يعترب النظام االقتصادي الرأمسايل نظام قائم على امللكية الفردية لوسائل اإلنتاج وحرية األفراد يف‬
‫ممارسة األنشطة االقتصادية والتنافس فيما بينهم لتحقيق مصاحلهم اخلاصة‪ ،‬على اعتبار أن حتقيق هذه‬
‫املصلحة يصب يف حتقيق املصلحة العامة لوجود ارتباط بينهما‪ ،‬ويعود ظهور هذا النظام ابلدرجة‬
‫األوىل إىل آدم مسيث الذي ارجع املشاكل االقتصادية واالجتماعية اليت كانت تعاين منها اجملتمعات‬
‫خالل الفرتة اليت ساد فيها النظام االقتصادي التجاري إىل تدخل الدولة يف احلياة االقتصادية‪ ،‬إذ يرى‬
‫أن االزدهار االقتصادي ال ميكن حتقيقه إال من خالل احلرية الفردية يف ممارسة األنشطة االقتصادية‬
‫وامللكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج‪ ،‬حتت شعار "دعه يعمل اتركه مير"‪ ،‬فحسبه أن احلياة االقتصادية‬

‫‪139‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫تسري وفق نظام طبيعي يتجاوز إرادة اإلنسان‪ ،‬أي أهنا ختضع لقوانني طبيعية اثبتة مماثلة لتلك اليت‬
‫تتحكم يف الظواهر الطبيعية‪ ،‬وعليه فان كل عمليات التدخل من طرف الدولة تعترب خرقا لقوانني‬
‫الطبيعة ومن مث ستؤدي إىل عرقلة مسار اجملتمع يف التنمية‪ ،‬يف حني يرى البعض ان هذا النظام هو‬
‫إعادة تشكيل وصياغة النظام االقتصادي اإلقطاعي‪ ،‬أي إعادة تصوير املفاهيم واألمناط والعالقات‬
‫اليت كانت سائدة إابن النظام اإلقطاعي حبلة جديدة‪ ،‬من اجل تربير وضمان استمرارية تسلط وسيطرة‬
‫الطبقة املالكة لوسائل اإلنتاج ‪.‬‬

‫خصائص ومبادئ النظام االقتصادي الرأمسايل‪:‬‬

‫يتصف النظام االقتصادي الرأمسايل مبجموعة من اخلصائص‪ ،‬متميزا بذلك عن ابقي األنظمة‬
‫االقتصادية األخرى‪ ،‬إذ تعكس تلك اخلصائص التوجهات الفكرية واإليديولوجية ملفكريه‪ ،‬وتتالءم مع‬
‫األبعاد احلضارية واالجتماعية لبعض اجملتمعات اليت نبعت منها‪ ،‬كما تتوافق مع املصاحل االقتصادية‬
‫لبعض الفئات والطبقات من اجملتمع وابألخص طبقة الرأمساليني‪ ،‬وهذا يفسر جناحه واستمراره لفرتة‬
‫طويلة من الزمن‪ ،‬وانتشاره على نطاق واسع يف العامل‪ ،‬فأصحاب هذا النظام يرون أن احلركة‬
‫االقتصادية تزدهر من خالل احلرية التامة للفرد يف ممارسة األنشطة االقتصادية وامتالك وسائل اإلنتاج‪،‬‬
‫اليت تشكل حافز ودافع مهم للعمل‪ ،‬وانطالقا من هذه الفكرة نبعت مبادئ وخصائص هذا النظام‪،‬‬
‫واليت ميكن تلخيصها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬امللكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج‪ :‬يقوم النظام االقتصادي الرأمسايل على امللكية الفردية لوسائل‬
‫اإلنتاج‪ ،‬اليت تستجيب إىل غريزة حب التملك لدى اإلنسان‪ ،‬وبذلك يتوافق مع القوانني الطبيعية اليت‬
‫حتكم الظواهر االقتصادية كما يرى أنصاره‪ ،‬ومن مث فإن امللكية اجلماعية هي نقض وخرق هلذا‬
‫القانون‪ ،‬حيث تعمل امللكية الفردية كحافز اقتصادي يدفع األفراد حنو العمل وحتسني األداء‪ ،‬يف‬
‫سعيهم لتحقيق املصلحة اخلاصة اليت تصب يف حتقيق املصلحة العامة‪.‬‬

‫‪ -‬احلرية االقتصادية املطلقة يف امتالك وسائل اإلنتاج وممارسة األنشطة االقتصادية كالعمل‪ ،‬اإلنتاج‪،‬‬
‫التوزيع‪ ،‬االستهالك‪ ،‬االستثمار‪ ،‬االدخار‪ ،...‬وهذا من أجل ترك اجملال أمام األفراد ملزاولة أنشطتهم‬

‫‪140‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫وتعظيم مكاسبهم‪ ،‬حيث تغري مفهوم احلرية يف ظل هذا النظام بعد األزمة االقتصادية العاملية سنة‬
‫‪ ،1929‬إذ أصبحت مقرتنة بتدخل حمدود للدولة من خالل أعمال اإلشراف والرقابة‪.‬‬

‫‪ -‬حافز الربح‪ :‬والذي يتمثل يف تلك املكاسب املادية اليت يتحصل عليها أصحاب عوامل اإلنتاج‪،‬‬
‫يرى الرأمساليون أن هدف حتقيق الربح يعترب حافز فعال يف تنشيط احلركة االقتصادية‪ ،‬فهذا احلافز هو‬
‫الذي يدفع األفراد حنو العمل وحتسني األداء والذي يؤدي ابلضرورة إىل احملافظة على املوارد‬
‫االقتصادية وحتقيق االستغالل األمثل هلا‪ ،‬كما يؤدي إىل إشباع حاجات ورغبات األفراد واجملتمع‪،‬‬
‫ومن مث حتسني مستوايت النمو االقتصادي من خالل رفع مستوى الدخل والناتج اإلمجايل‪.‬‬

‫‪ -‬املنافسة احلرة‪ :‬وذلك من خالل فتح اجملال أمام األعوان االقتصاديني من أجل اإلنتاج والتوزيع‬
‫واالستثمار‪ ،‬مما ينجم عنه منافسة تدفع األفراد حنو حتسني األداء وبذل اقصى جمهود ممكن‪ ،‬ويف هذا‬
‫الصدد يعتمد النظام االقتصادي الرأمسايل على آلية السعر ونظام السوق يف املوازنة بني العرض‬
‫والطلب‪ ،‬اليت تساهم يف حتديد نوعية وكمية اإلنتاج واستخدام املوارد االقتصادية وتوزيعها على خمتلف‬
‫االستخدامات‪.‬‬

‫‪ -‬االستناد إىل نظام السوق يف معاجلة املشكلة االقتصادية‪ ،‬مبا تتضمنه من آلية األسعار‪ ،‬اليت تساهم‬
‫يف حتقيق التوازن بني العرض والطلب على السلع واخلدمات‪.‬‬

‫‪ -‬مبدأ سيادة املستهلك‪ :‬أي أن حاجات ورغبات املستهلك هي من حتدد نوعية وكمية اإلنتاج‬
‫وطريقة توزيعه‪.‬‬

‫إُيابيات النظام االقتصادي الرأمسايل‪:‬‬

‫يرى انصار النظام االقتصادي الرأمسايل أن هذا النظام يعكس الطبيعة البشرية وجيسد القوانني الطبيعية‬
‫اليت حتكم السلوكات والعالقات اإلنسانية‪ ،‬وهلذا فهو النظام املثايل القادر على البقاء واالستمرارية‬
‫ابلنظر إىل فعاليته وجناعته يف معاجلة املشكلة االقتصادية‪ ،‬وخاصة أن هذا النظام هو الذي استطاع‬
‫الصمود واالستمرار يف الوجود ملدة طويلة وال يزال قائما‪ ،‬إضافة إىل انتشاره الواسع عرب دول العامل‪،‬‬

‫‪141‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫بعكس بعض األنظمة االقتصادية األخرى اليت مل تعمر طويال وسرعان ما تراجعت واهنارت‪ ،‬وهذا من‬
‫األدلة على جناعة وفعالية هذا النظام يف معاجلة املشكلة االقتصادية واالستجابة ملتطلبات األفراد‬
‫واجملتمعات‪ ،‬كما أن هذا النظام يستطيع تطوير وجتديد وتصحيح نفسه تكيفا واستجابة ملختلف‬
‫التطورات والتغريات احلضارية واالجتماعية كما يراه أنصاره‪ (،‬كما حدث عندما مسح بتدخل حمدود‬
‫للدولة يف النشاط االقتصادي من أجل تفادي األزمات االقتصادية‪ ،‬واالستجابة ملتطلبات العمال‬
‫وتطوير عالقتهم ابملؤسسة)‪ ،‬وعليه ميكن إبراز أهم إجيابيات هذا النظام يف النقاط اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬يعترب النظام االقتصادي األجنح يف معاجلة املشكلة االقتصادية وحتقيق الرفاهية االقتصادية‪ ،‬وذلك‬
‫الحتوائه على حوافز ودوافع قوية ملزاولة األنشطة االقتصادية‪ ،‬اليت تعمل بشكل آيل ومستمر يف حتفيز‬
‫ودفع األفراد حنو التحسني والتطوير املستمر لكافة األنشطة‪ ،‬حيث تتمثل تلك احلوافز يف احلرية‬
‫االقتصادية وهدف حتقيق الربح‪.‬‬

‫‪ -‬يساهم وبشكل كبري يف حتسني اإلنتاج كما وكيفا من خالل مبدأ املنافسة املبنية على حتسني األداء‬
‫كشرط لتعظيم الربح‪.‬‬

‫‪ -‬حتقيق الرخاء والرفاهية االقتصادية من خالل ختفيض األسعار نتيجة املنافسة احلرة‪ ،‬ما يؤدي إىل‬
‫رفع القدرة الشرائية لألفراد‪.‬‬

‫‪ -‬يساهم يف ارتفاع الدخل القومي والفردي الناتج عن حتسني الطاقة اإلنتاجية‪.‬‬

‫‪ -‬حتقيق االستغالل األمثل للموارد االقتصادية‪ ،‬والذي ميكن حتقيقه من خالل آلية السعر ونظام‬
‫السوق‪.‬‬

‫‪ -‬جتسيد مبدأ تقسيم العمل والتخصص الدويل لإلنتاج واالستفادة من مزاايه‪.‬‬

‫‪ -‬حتقيق التطور التقين والتكنولوجي من خالل سعي األفراد حنو التحسني والتجديد املدفوع ابملنافسة‬
‫والسعي حنو تعظيم الربح‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬املسامهة يف إشباع حاجات ورغبات األفراد‪ :‬حيث يعترب النظام املثايل يف االستجابة والتكيف مع‬
‫تطور وتغري حاجات ورغبات األفراد واجملتمع‪.‬‬

‫‪ -‬أن هذا النظام قادر على التطور والتجديد املستمر تبعا للتغريات واملستجدات االقتصادية‬
‫واالجتماعية‪.‬‬

‫سلبيات النظام االقتصادي الرأمسايل‪:‬‬

‫رغم اإلجيابيات اليت يتضمنها النظام االقتصادي الرأمسايل من الناحية النظرية اليت حددها أنصاره‪ ،‬إال‬
‫أنه محل من الناحية التطبيقية الكثري من السلبيات واليت ظهرت يف شكل أزمات ضربت اجملتمعات‬
‫الرأمسالية‪ ،‬إضافة إىل مشاكل اجتماعية ارتبطت بطبيعة وجود هذا النظام‪ ،‬متثلت يف ظهور الطبقية‬
‫والتباين احلاد يف توزيع الثروات بني اجملتمعات واجلماعات واألفراد‪.‬‬

‫فتطبيق هذا النظام على أرض الواقع أابن عن الكثري من املشاكل والعيوب‪ ،‬اليت ميكن تصنيفها يف‬
‫ثالث جمموعات أساسية وهي‪ :‬اجملموعة األوىل تتعلق بصعوبة حتقيق شروطه يف الواقع‪ ،‬واجملموعة‬
‫الثانية انجتة عن القصور والتجاوز يف عملية التطبيق وخاصة تلك التجاوزات اليت تصدر من األعوان‬
‫االقتصاديني‪ ،‬واجملموعة الثالثة لصيقة بطبيعة وجوهر هذا النظام وخاصة أنه أتى ليعرب عن مصاحل‬
‫طبقة الرأمسالية وأنه ميثل امتداد ملفهوم الطبقية اليت تولد عنها‪ ،‬ومن بني هذه املشاكل والعيوب اليت‬
‫أوجدها هذا النظام ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬إن مبدأ املنافسة احلرة والنزيهة صعب التحقيق والتجسيد على أرض الواقع‪ ،‬مما جيعل هذا النظام‬
‫ضعيف الفعالية يف معاجلة املشكلة االقتصادية‪ ،‬بل ويؤدي يف كثري من األحيان إىل خلق مشاكل‬
‫ومعوقات لألنشطة االقتصادية انجتة عن االحتكار‪ ،‬ما أدى إىل بروز عدد حمدود من الشركات‬
‫االحتكارية اليت تسيطر على أنشطة اإلنتاج‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬كما أن عدم حتقيق املنافسة املثلى سيجعل النظام الرأمسايل يفقد اآللية والوسيلة األساسية اليت‬
‫ميلكها يف توزيع واستخدام املوارد االقتصادية وهي آلية السعر ونظام السوق‪ ،‬مما يفقد مبدأ حافز‬
‫الربح فعاليته يف تنشيط احلركة االقتصادية للمجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬احتكار رؤوس األموال بيد فئة قليلة من اجملتمع اليت تصبح فيما بعد تسيطر على خمتلف القرارات‬
‫واألنشطة السياسية واالجتماعية واالقتصادية للبلد‪.‬‬

‫‪ -‬تفاقم الفجوة يف توزيع الثروة والدخل بني الطبقات االجتماعية‪ ،‬مما يدل على افتقار هذا النظام إىل‬
‫اآلليات الفعالة والعادلة يف توزيع الثروة‪.‬‬

‫‪ -‬أثبتت التجارب امليدانية هلذا النظام فشله يف حتقيق التنمية وحتسني مستوايت املعيشة وظهرت بدال‬
‫من ذلك مشاكل لصيقة هبذا النظام متثلت يف عجزه عن القضاء على البطالة والتضخم‪.‬‬

‫‪ -‬ظهور أزمات واضطراابت اقتصادية هيكلية حادة دورية وغري دورية‪ ،‬كالركود واالنكماش‬
‫االقتصادي‪.‬‬

‫‪ -‬لقد تسبب مبدأ احلرية وحافز الربح يف ظهور العديد من األنشطة االقتصادية ذات الربح السريع‬
‫على حساب األنشطة الضرورية للمجتمع‪ ،‬كربوز األنشطة غري حقيقية أي غري منتجة للقيمة‪ ،‬مثل‬
‫املتاجرة يف القروض ورؤوس األموال‪ ،‬كما سعت وتفننت الشركات يف تطوير أساليب إاثرة الطلب من‬
‫خالل حتفيز الرغبة واحلاجة لدى املستهلك بغرض دفعه للشراء‪ ،‬ويتحول بذلك الغرض األساسي‬
‫للنظام االقتصادي من تلبية حاجات اجملتمع إىل حتقيق مصاحل الرأمساليني حىت ولو كان ذلك على‬
‫حساب املوارد االقتصادية النادرة‪.‬‬

‫هذه العيوب واملشاكل اليت متخضت عن تطبيق هذا النظام دفع أبنصاره واجملتمعات اليت تبنته إىل‬
‫إحداث العديد من التغيريات والتعديالت على مبادئه وقيمه‪ ،‬األمر الذي أوجد نظام اقتصادي جديد‬
‫حياول االستفادة من مزااي هذا النظام ومزااي النظام االشرتاكي‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ .2‬النظام االقتصادي االشرتاكي‪:‬‬

‫يف حماولة لتجاوز ومعاجلة التناقضات والعيوب اليت حيملها النظام االقتصادي الرأمسايل‪ ،‬قام النظام‬
‫االقتصادي االشرتاكي من خالل إسهامات عدد من املفكرين وعلى رأسهم كارل ماركس (‪-1818‬‬
‫‪ ،)1883‬والذي يقوم على فكرة اإلنتاج عن طريق وحدات عامة أي وحدات متلكها الدولة وتدار‬
‫هلدف إشباع حاجات اجملتمع‪ .83‬وقد حاولوا معاجلة أكرب مشكلة تواجه النظام الرأمسايل واملتمثلة يف‬
‫التباين واالستغالل الطبقي‪ ،‬مما جعل مبادئ هذا النظام تناقض بشكل جذري مبادئ النظام‬
‫الرأمسايل‪ ،‬وذلك كمحاولة إلجياد نظام اقتصادي أكثر عدال يف توزيع الثروة وأكثر فعالية يف معاجلة‬
‫املشكلة االقتصادية‪.‬‬

‫وقد طالب رواد النظام االشرتاكي من الناحية االجتماعية بتحقيق املساواة بني األفراد أي إلغاء‬
‫الفوارق بني الطبقات‪ ،‬كما ينادي من الناحية االقتصادية ابلقضاء على الرأمسالية وإلغاء امللكية الفردية‬
‫لوسائل اإلنتاج واستبعاد املنافسة‪ ،‬على اعتبار أن السبب الرئيسي لعدم عدالة توزيع الدخل‬
‫واالستغالل الطبقي هو امللكية اخلاصة‪ ،‬وعلى ذلك رأوا ضرورة إحالل امللكية اخلاصة ابمللكية‬
‫‪84‬‬
‫العامة‪ ،‬حىت ال يستغل أصحاب رؤوس األموال جهود العمال‪.‬‬

‫فقد اعتمد ماركس نظرية التطور يف علم االقتصاد ووضع مذهبا يقوم على املنهج اجلديل‪ ،‬والتفسري‬
‫املادي للتاريخ‪ ،‬فجعل القوى املادية هي املتحكم يف نشاط اإلنسان‪ ،‬واعترب القيم األخالقية انعكاس‬
‫للوضع االقتصادي‪ ،‬لذا قامت الفلسفة االشرتاكية على أساس فكرة الصراع واالستغالل‪ 85.‬وتعتمد‬
‫املادية التارخيية اليت أتى هبا كارل ماركس على تفسري التطور ابالستناد إىل عاملني أساسيني ومها‪:‬‬

‫‪ -‬العامل احملرك لعملية التطور التارخيي‪ :‬وهو ما يسمى ابلعالقة بني اإلنتاج ووسائل اإلنتاج‪ ،‬واليت‬
‫يسميه ابلبنية التحتية‪.‬‬

‫‪ -83‬متوكل بن عباس حممد مهلهل‪ ،‬مبادئ االقتصاد‪ -‬مدخل عام‪ ،‬دار املريخ للنشر‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،2009 ،‬ص‪.49‬‬
‫‪ -84‬حممد حلمي مراد‪ ،‬أصول االقتصاد‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبعة هنضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،1961 ،‬ص‪96‬‬
‫‪ -85‬مخيس حممد هرون أبو بكر‪ ،‬العدالة االجتماعية كأهم ركائز البنيان املايل يف الشريعة اإلسالمية ويف األنظمة الوضعية املعاصرة مع اإلشارة إىل‬
‫مصر‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬غري منشورة‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،2007 ،‬ص‪28‬‬

‫‪145‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬العامل املتأثر أو التابع‪ :‬وهو عامل األفكار والنظام السياسي والقوانني والقيم األخالقية والعالقات‬
‫االجتماعية‪ ،‬أي املظاهر الثقافية‪ ،‬واليت يسميها ابلبنية الفوقية‪.‬‬

‫ويرى كارل ماركس أن البنية الفوقية املتمثلة يف املظاهر الثقافية هي عامل اتبع وهو نتيجة حتمية للبنية‬
‫التحتية‪ ،‬أما يف اجملال االقتصادي ال يتحقق أسلوب اإلنتاج االشرتاكي إال عندما يتحقق ما يلي‪:‬‬
‫ملكية وسائل اإلنتاج عامة أي للدولة‪ ،‬يهدف اإلنتاج إىل تلبية حاجات ورغبات اجملتمع‪ ،‬العمل‬
‫واجب ومتوفر للكل‪ ،‬ومن مث فإن ممارسة األنشطة االقتصادية كاإلنتاج والتوزيع واالستهالك يتم وفق‬
‫التخطيط املركزي الذي تتواله اهليئة املركزية للتخطيط‪ ،‬ويتم توزيع الناتج وفق قانون التوزيع االشرتاكي‬
‫‪86‬‬
‫أي لكل حسب عمله‪.‬‬

‫مبادئ النظام االقتصادي االشرتاكي‪:‬‬

‫قام النظام االقتصادي االشرتاكي على مبدأ املساواة والعدالة يف توزيع الدخل‪ ،‬هبدف جتاوز الظلم‬
‫الذي أحدثته الطبقية واالستغالل املسلط من طرف الرأمسايل على العمال‪ ،‬واليت يرى أن سببها‬
‫الرئيسي يكمن يف امللكية اخلاصة‪ ،‬وهلذا فقد حارب مفكرو هذا النظام كل أشكال امللكية اخلاصة‬
‫لوسائل اإلنتاج‪ ،‬وألجل حتقيق ذلك الغرض فقد اعتمد املبادئ التالية‪:‬‬

‫‪ -‬امللكية العامة لوسائل اإلنتاج‪ :‬يهدف النظام االقتصادي االشرتاكي إىل إزالة كل أشكال الفروق‬
‫االجتماعية وحماربة الطبقية الناجتة عن الرأمسالية‪ ،‬واليت يرى أصحاب هذا النظام بضرورة إحالهلا‬
‫ابمللكية العامة‪ ،‬اليت تعترب أهم مبدأ من مبادئ هذا النظام‪ ،‬والقاعدة األساسية له‪ ،‬أي ضرورة أن‬
‫تكون ملكية وسائل اإلنتاج بيد الدولة‪ ،‬حسب مقتضيات التنمية االقتصادية واالجتماعية واألهداف‬
‫املسطرة‪ ،‬وعلى ذلك األساس ميكن التمييز يف ظل هذا النظام بني ثالث أنواع من امللكية اليت يسمح‬
‫هبا وهي‪:‬‬

‫‪ o‬ملكية الدولة‪ :‬تعين أن الدولة تكون مالكة لوسائل اإلنتاج‪.‬‬

‫‪ -86‬سعد عبد احلسني نعمة‪ ،‬العدالة االجتماعية يف الشريعة اإلسالمية والنظم الوضعية (العراق منوذجا)‪ ،‬املؤمتر الوطين حول االعتدال يف الدين‬
‫والسياسة‪ ،‬يومي‪ 22 :‬و‪ 23‬آذار ‪ ،2017‬مؤسسة النبأ للثقافة واإلعالم ومركز الدراسات االسرتاتيجية يف جامعة كربالء‪ ،‬العراق‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ o‬امللكية التعاونية‪ :‬أي أن تكون امللكية بيد مجاعة دون األفراد‪.‬‬
‫‪ o‬امللكية اخلاصة‪ :‬وتعين أن تسمح ابمللكية اخلاصة الزراعية احملدودة لألفراد يف حدود ما تقره‬
‫الدولة‪.‬‬
‫‪ -‬العدالة يف توزيع الثروة والدخل‪ :‬يعترب مبدأ العدالة االجتماعية من األهداف والغاايت األساسية‬
‫للنظام االقتصادي االشرتاكي‪ ،‬ويتجسد ذلك من خالل امللكية العامة لوسائل اإلنتاج اليت تعوض‬
‫امللكية اخلاصة‪ ،‬وتوزيع الناتج حسب مسامهة كل شخص يف العلمية اإلنتاجية‪ ،‬وفق شعار كل‬
‫حسب طاقته ولكل حسب عمله‪ ،‬وهبذا ال ينبغي أن تكون امللكية مربر الستغالل العمال‬
‫واالستحواذ على فائض القيمة‪.‬‬

‫‪ -‬التخطيط املركزي‪ :‬إن اهلدف األساسي للنظام االقتصادي االشرتاكي يكمن يف القضاء على‬
‫الطبقية واستغالل اإلنسان إلنسان آخر‪ ،‬األمر الذي أوجب إلغاء امللكية اخلاصة ومن مث فقدان آلية‬
‫السوق يف التحفيز وتوزيع املوارد وحتقيق أمثل استغالل هلا‪ ،‬ويرى مفكرو هذا النظام ضرورة تعويضها‬
‫ابلتخطيط املركزي‪ ،‬كآلية بيد الدولة لتجسيد أهداف التنمية االقتصادية واالجتماعية الشاملة واملتوازنة‬
‫وحتقيق مستوايت معيشة أفضل للجميع دون متييز‪ ،‬حبيث أيخذ بعني االعتبار التوزيع العادل لكافة‬
‫األفراد والفئات واملناطق والقطاعات‪.‬‬

‫فالتخطيط املركزي يف اجملتمعات االشرتاكية يكون شامل حبيث ميس كافة النواحي االقتصادية‬
‫واالجتماعية واملناطق وحاجات اجملتمع‪ ،‬معتمدا على حتديد األهداف والوسائل الالزمة لتحقيق ذلك‬
‫والطرق واخلطوات املوصلة إىل تلك األهداف‪ ،‬كما ينبغي أن يتضمن طريقة توزيع الناتج بني‬
‫االستهالك وإعادة اإلنتاج من جهة وبني فئات اجملتمع من جهة أخرى‪ ،‬وبني قطاعات الدولة‬
‫واملناطق اجلغرافية‪ ،‬فاهلدف األساسي للدولة يف ظل النظام االشرتاكي يكمن يف إشباع حاجات‬
‫األفراد وفقا لألولوية اليت يتم وضعها يف اخلطة‪ ،‬ووفق مبدأ العدالة االجتماعية عكس الرأمسايل الذي‬
‫يهدف دوما إىل حتقيق أكرب كسب ممكن‪ ،‬أي تعظيم الثروة وتكديسها حىت ولو كان ذلك على‬
‫حساب حاجات اجملتمع واملصلحة العامة‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫إُيابيات النظام االقتصادي االشرتاكي‪:‬‬

‫مبدئيا قام النظام االقتصادي االشرتاكي كمحاولة ملعاجلة التناقضات والسلبيات اليت أتى هبا النظام‬
‫االقتصادي الرأمسايل‪ ،‬وعلى رأسها االستغالل الطبقي‪ ،‬وعلى هذا األساس يتجسد هدفه الرئيسي يف‬
‫حتقيق العدالة االجتماعية من خالل القضاء على الطبقية وامللكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج وإحالل‬
‫مكاهنا امللكية العامة‪ ،‬كما أنه يهدف إىل معاجلة املشكلة االقتصادية بطريقة فعالة بناء على حتقيق‬
‫اإلشباع العادل حلاجات ورغبات األفراد واالستغالل والتوزيع األمثل للموارد االقتصادية من خالل‬
‫التخطيط املركزي بدال من آلية السعر ونظام السوق‪ ،‬أي أنه يهدف إىل املوازنة بني هدف حتقيق‬
‫الرفاهية والتنمية االقتصادية من جهة وهدف حتقيق العدالة االجتماعية من جهة أخرى‪ ،‬وعلى هذا‬
‫األساس ميكن حتديد إجيابيات ومزااي هذا النظام على النحو اآليت‪:‬‬

‫‪ -‬حتقيق العدالة االجتماعية‪ :‬إن اهلدف األساسي للنظام االشرتاكي يكمن يف جتسيد العدالة‬
‫االجتماعية‪ ،‬من خالل القضاء على الصراع والتناقض الطبقي واالستغالل والتسلط الذي حتدثه‬
‫الرأمسالية على طبقة العمال‪ ،‬والذي هو نتيجة حتمية للملكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج‪ ،‬وهلذا فقد‬
‫حارب أنصار هذا الفكر امللكية اخلاصة واندوا بضرورة إحالهلا ابمللكية العامة لوسائل اإلنتاج اليت هي‬
‫اآللية الوحيد اليت حتقق املساواة بني األفراد‪.‬‬

‫‪ -‬السعي لتحقيق التنمية العادلة واملتوازنة بني خمتلف األفراد والفئات والقطاعات واملناطق يف اجملتمع‪.‬‬

‫‪ -‬املساعدة يف كشف مساوئ وعيوب الرأمسالية ومعاجلتها‪.‬‬

‫‪ -‬حتقيق االستغالل األمثل للموارد والتوزيع العادل هلا‪ ،‬من خالل آلية التخطيط املركزي‪ ،‬اعتبارا من‬
‫أن املصلحة العامة ال ميكن حتقيقها من خالل املصلحة اخلاصة اليت تتميز ابألاننية‪.‬‬

‫سلبيات ومساوئ النظام االقتصادي االشرتاكي‪:‬‬

‫نتيجة لطبيعة النظام االقتصادي االشرتاكي‪ ،‬وخاصة أنه نشأ كفكر بعيد عن الواقع وليس نتيجة‬
‫لتطورات وأحداث واقعية‪ ،‬لذا فقد كانت أفكاره ومبادئه وأهدافه غري واقعية‪ ،‬وهذا ما اثبته الواقع‬

‫‪148‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫فمعظم اجملتمعات والدول اليت تبنت هذا النظام مل تستطيع حتقيق االستمرارية واحملافظة على هذا‬
‫النظام‪ ،‬فقد عرفت الكثري من املشاكل واالضطراابت‪ ،‬أدت مبعظمها إىل التخلي عن تطبيق هذا‬
‫النظام واالنتقال إىل نظام اقتصاد السوق‪ ،‬وهذا ابلنظر لكون أن هذا النظام حيمل الكثري من املساوئ‬
‫والتناقضات رغم أنه حاول معاجلة تناقضات النظام الرأمسايل‪ ،‬واليت كانت سببا يف فشله‪ ،‬وخاصة أنه‬
‫قائم على مناقضة الفطرة البشرية‪ ،‬وهي امللكية الفردية اليت تعترب دافع وحافز مهم للعمل والنشاط‬
‫االقتصادي‪ ،‬وميكن إبراز أهم تلك العيوب والتناقضات من خالل ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬انعدام احلافز والدافع للعمل ولتحسني األداء وبذل اجلهد‪ ،‬وهذا نتيجة القضاء على امللكية اخلاصة‬
‫واحلافز االقتصادي‪ ،‬وهذا ما أدى إىل ضعف األداء االقتصادي على مستوى الوحدات اإلنتاجية‬
‫وعلى املستوى الكلي‪ ،‬وأضعف قدرة الدولة على الوفاء مبتطلبات اجملتمع‪.‬‬

‫‪ -‬ظهور بعض الظواهر االقتصادية السلبية كالبريوقراطية‪ ،‬األسواق املوازية‪ ،‬تدين مستوايت املعيشة‪.‬‬

‫‪ -‬عجز الدولة واحلكومة على القيام بشؤون االقتصاد من اإلدارة والتمويل والتموين‪ ،‬وتوفري‬
‫التكنولوجيا واملوارد وغريها‪.‬‬

‫‪ -‬سوء تسيري املؤسسات بسبب غياب احلافز والدافع لبذل اجلهد وحتسني األداء‪ ،‬مما تسبب يف ركود‬
‫املؤسسات وتدين مستوايت األداء هبا‪.‬‬

‫‪ -‬اخنفاض معدالت التطور التكنولوجي والعلمي‬

‫وبسبب فشل النظام االقتصادي االشرتاكي يف حتقيق األهداف والغاايت منه‪ ،‬وفشله يف حتقيق‬
‫الرفاهية االقتصادية وحتسني مستوايت املعيشة‪ ،‬بل أنه تسبب يف ظهور العديد من املشاكل‬
‫االقتصادية واالجتماعية ابلنظر إىل التناقضات والعيوب اليت حيملها يف طياته‪ ،‬ما دفع مبعظم الدول‬
‫إىل التخلي عنه‪ ،‬وإحالله بنظام جديد ميزج بني بعض مبادئ هذا النظام ومبادئ نظام اقتصاد‬
‫السوق‪ ،‬كما سوف نرى يف العنصر املوايل‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ .3‬النظام االقتصادي املختلط‪:‬‬

‫ابلنظر إىل السلبيات والتناقضات اليت حيملها كل من النظام االقتصادي الرأمسايل والنظام االقتصادي‬
‫االشرتاكي من جهة‪ ،‬واإلجيابيات واملزااي اليت يتمتع هبا كل منهما يف نفس الوقت‪ ،‬األمر الذي دفع‬
‫ببعض املفكرين إىل التفكري يف املزج بني بعض مبادئ وآليات كل من النظامني‪ ،‬من أجل االستفادة‬
‫من املزااي اليت يتمتع كل من االقتصاد املخطط واملزااي اليت يتمتع هبا اقتصاد السوق من جهة أخرى‪،‬‬
‫لينتج بذلك ما يسمى ابلنظام االقتصادي املختلط (يرى البعض أنه نشأ على أيدي قادة دول عدم‬
‫االحنياز ليجمع بني نظام السوق من الناحية االقتصادية ونظام احلزب الواحد من الناحية‬
‫السياسية)‪ .87‬وعليه ميكن تعريف النظام االقتصادي املختلط على أنه نظام جيمع بني بعض معامل‬
‫وجوانب النظام الرأمسايل والنظام االشرتاكي‪ ،‬حيث أنه يبقي على امللكية اخلاصة ويسمح مبستوى من‬
‫احلرية يف ممارسة األنشطة االقتصادية‪ ،‬ويف نفس الوقت يسمح بتدخل احلكومة يف األنشطة‬
‫االقتصادية من خالل آليات التوجيه واملمارسة هبدف حتقيق أهداف تنموية معينة‪ ،‬كما يعترب أيضا‬
‫نظام اقتصادي جيمع بني آلية نظام السوق احلرة وآلية تدخل احلكومة يف االقتصاد‪ ،‬حيث توجد‬
‫عناصر من النظام االقتصادي الرأمسايل كامللكية الفردية واحلرية االقتصادية‪ ،‬وعناصر من النظام‬
‫االقتصادي االشرتاكي كتدخل احلكومة يف االقتصاد من خالل أعمال التوجيه والتنظيم‪ ،‬حيث ختتلف‬
‫نسبة االعتماد ونوعيته على هذه العناصر من بلد إىل آخر حسب اخلطط التنموية والتوجهات‬
‫االجتماعية والسياسية للبلد‪ ،‬ولكن إنه من الصعب أن جند دول ما تستطيع أن تطبق نظام اقتصادي‬
‫رأمسايل أو اشرتاكي خالص‪ ،‬إذ ميكن القول أن هذا النوع من األنظمة االقتصادية هو السائد يف‬
‫العامل‪ ،‬فهناك العديد من اقتصادات عامل اليوم هي أمثلة على االقتصاد املختلط‪ .‬ويرجع سبب اجتاه‬
‫معظم الدول إىل هذا النوع من األنظمة أي املختلطة إىل املزااي واملنافع اليت حيققها‪ ،‬وخاصة أنه يعطي‬
‫هامش أوسع للدول من اجل تنظيم واختاذ القرارات االقتصادية يف إطار اخلطط التنموية‪ ،‬حيث أنه‬
‫ميكن من االحتفاظ ابمللكية اخلاصة واحلرية االقتصادية‪ ،‬ويف نفس الوقت يقر بتدخل الدولة من أجل‬

‫‪ -87‬متوكل بن عباس حممد مهلهل‪ ،‬مبادئ االقتصاد‪ -‬مدخل عام‪ ،‬دار املريخ للنشر‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،2009 ،‬ص‪.55‬‬

‫‪150‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫توجيه وتنظيم العالقات واألنشطة االقتصادية‪ ،‬وخاصة عند ظهور أزمات وظروف معينة تستدعي‬
‫تدخل الدولة‪ ،‬كما يسمح هذا النظام للحكومات إبنشاء صناعات ومشاريع اقتصادية حمددة حبسب‬
‫االسرتاتيجيات التنموية املسطرة‪.‬‬

‫‪ .4‬النظام االقتصادي اإلسالمي‪:‬‬

‫إن الصبغة اإلسالمية يف التفكري مبا يتضمنه من الطرق واألدوات واألحكام والصور الفكرية‬
‫وخالصتها‪ ،‬يف خمتلف جماالت حياة اإلنسان‪ ،‬لتعطي تصور حقيقي ومقارابت لواقع اإلنسان املثايل‬
‫سواء كان ذلك يف اجملاالت الطبيعية أو االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬وهذه الصناعة الذهنية هي وليدة‬
‫التشريع اإلالهي احلكيم الذي ركز كثريا يف تنشيط وحتفيز العقل البشري على التفكري وفق أسس‬
‫ومبادئ منهجية حمكمة‪ .‬وعلى هذا األساس فإن التطور والتقدم االقتصادي يف أي جمال كان للبالد‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ال يتأتى إال من خالل التحرر اجلذري من التبعية الفكرية والثقافية للعامل الغريب‪ ،‬ومن مث‬
‫التحرر من االنبطاح واالهنزام أمام الغري وكسب الثقة ابلنفس‪ ،‬ونالحظ أن مالك بن نيب قد ربط بني‬
‫عامل األفكار وعامل األشياء على أساس أنه ال ميكن هلذا األخري أن يقوم بدون سالمة وصحة العامل‬
‫األول‪.88‬‬

‫وأتسيسا على ذلك فإن األحكام اإلسالمية يف جمال االقتصاد كانت تعكس حبق الطبيعة البشرية‬
‫والواقعية‪ ،‬وكيفية توظيف السنن والقوانني الكونية العادلة والصحيحة يف توجيه هذه التصرفات‬
‫والعالقات البشرية‪ ،‬اليت غالبا ما اذا تركت على حاهلا احنرفت واكتست حبلة الظلم والطغيان‪ ،‬وهذا ما‬
‫يولد اهلالك والفساد‪.‬‬

‫وقد سن اإلسالم احلنيف معامل التصرفات ونظم تلك العالقات االقتصادية تنظيما حمكما عادال‪،‬‬
‫خايل من أشكال الظلم موازان بني املصلحة العامة واملصلحة اخلاصة‪ ،‬كتحرميه للراب والتطفيف يف‬
‫امليزان والغش وغريها‪ .‬ورغم جهد احلاقدين على اإلسالم وأهله يف حماولة منهم حملاربته وتشويه صورته‬

‫‪ -88‬مالك بن نيب‪ ،‬مشكالت احلضارة‪ -‬فكرة كمنويلث إسالمي‪ ،‬ترمجة‪ :‬الطيب الشريف‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،2002 ،‬ص‪.52‬‬

‫‪151‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫وإبعاده عن تنظيم حياة اإلنسان‪ ،‬إال أن العامل اإلسالمي عرف هنضة وانفتاح‪ ،‬هلذا بدأت الكثري من‬
‫الدراسات النابعة من مبادئ وتعاليم هذا الدين يف اجملال االقتصادي‪ ،‬مما ساهم يف بزوغ وتتبلور معامل‬
‫النظام االقتصادي اإلسالمي مبختلف تشعباته‪ ،‬مبا يف ذلك املالية اإلسالمية‪ ،‬اإلدارة اإلسالمية‪،‬‬
‫التعامالت التجارية اإلسالمية وغريها من اجملاالت اليت استندت يف ظهورها على األحكام املتضمنة‬
‫يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬واملستلهمة من القران الكرمي والسنة النبوية الشريفة وأفعال الصحابة والتابعني‪.‬‬
‫وعلى ذلك تستمد أحكام وقوانني النظام االقتصادي اإلسالمي من الشريعة اإلسالمية‪ ،‬واليت تظهر‬
‫يف مصادر التشريع املعروفة واملتمثلة يف القرآن الكرمي والسنة النبوية الشريفة‪ ،‬آاثر الصحابة والتابعني‪،‬‬
‫اجتهادات الفقهاء‪.‬‬

‫ونتيجة لبعد وغفل املسلمني على دراسة أحكام الشريعة دراسة علمية واقعية‪ ،‬تركهم يقعون يف كثري‬
‫من التضليل واألخطاء واليت كثريا ما كانت تناقض الفهم اإلسالمي الصحيح‪ ،‬وهذا ما يشري إليه‬
‫املفكر مالك بن نيب حينما قال‪" :‬حنن ندرك أن الوعي اإلسالمي قد اصبح ممزقا منذئذ‪ ،‬بني الرغبة يف‬
‫استدراك أتخر يعرف شدة وقعه يف اجملال السياسي‪ -‬ونعين به على الصعيد االجتماعي‪ -‬وبني الرغبة‬
‫يف إنقاذ أتثر أخالقي يعرف مدى قيمته‪.....‬قد انتج هذا التمزق تناقضا صرحيا يف التطور احلقيقي‬
‫املتبع من طرف البالد اإلسالمية‪ ،‬فقد مزق وعي اإلنسان املسلم يف يومنا هذا من جراء التناقض‪ .‬وقد‬
‫ترتب على ذلك يف الفكر اإلسالمي تقاطب مزدوج ‪ ،89"...‬فهذا الواقع الذي يعيشه الفرد املسلم‬
‫والذي حيدد األشياء وعامل الفكر وحيدد التصرفات دفع الكثري من املفكرين إىل تبين أفكار غريبة عن‬
‫املعتقد اإلسالمي‪ ،‬ومن وابرز هذه املواضيع واملسائل ما يسمى ابملشكلة االقتصادية اليت فسرها كثري‬
‫من املفكرين على أهنا نتيجة لشح أو خبل الطبيعة‪ ،‬وهذا الفهم يناقض متاما الفهم اإلسالمي بل ال‬
‫ينبغي على املسلم االعتقاد به‪ ،‬وذلك أن النظرة اإلسالمية للطبيعة ال ينبغي أن تقوم على فكرة أهنا‬
‫تتصرف بذاهتا‪ ،‬ولكن هناك متصرف ومدبر لشؤون الكون مبا فيه من كائنات وموجودات‪ ،‬وهو‬
‫اَّلل هو ال هرزها ُق ذُو الْ ُق هوةي‬
‫اخلالق العظيم (رب السموات واألرض) وهو الرازق مصداقا لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬إي هن ه ُ‬

‫‪ - 89‬مالك بن نيب‪ ،‬مشكالت احلضارة‪ -‬فكرة كمنويلث إسالمي‪ ،‬ترمجة‪ :‬الطيب الشريف‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،2002 ،‬ص‪.25‬‬

‫‪152‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫الْمتي ُني﴾ الذارايت‪ ،58:‬فهذا الفهم والوصف يوقعنا يف جتين على هللا تعاىل سبحانه ويوقعنا يف‬
‫ت الْيـهود ي ُد هي‬
‫ت أيْ يدي يه ْم ولُ يعنُوا يمبا قالُوا ۘ ب ْل يداهُ‬ ‫اَّلل م ْغلُولةٌ ۚ غُله ْ‬ ‫أحكام اآلية الكرمية اليت تقول‪﴿ :‬وقال ي ُ ُ‬
‫ريا يّم ْنـ ُهم هما أُن يزل إيل ْيك يمن هربيّك طُ ْغي ًاان وُك ْف ًرا ۚ وألْق ْيـنا بـ ْيـنـ ُه ُم الْعداوة‬‫ي‬ ‫ي ي‬
‫سوطتان يُنف ُق ك ْيف يشاءُ ۚ ولي يزيد هن كث ً‬ ‫م ْب ُ‬
‫ب‬‫اَّللُ ال ُيُي ُّ‬
‫ادا ۚ و ه‬ ‫ض فس ً‬ ‫اَّللُ ۚ وي ْسع ْون ييف ْاْل ْر ي‬ ‫ب أطْفأها ه‬ ‫والْبـغْضاء إي ٰىل يـ ْويم ال يْقيام ية ۚ ُكلهما أ ْوق ُدوا ان ًرا ليّلْح ْر ي‬

‫ال ُْم ْف يس يدين﴾ املائدة (‪ ، )64‬وما يناقض وينفي ذلك االعتقاد والفهم والتفسري للمشكلة االقتصادية‬
‫قوله تعاىل أيضا‪ ﴿ :‬إي هان ُك هل ش ْي ٍء خل ْقناهُ بيقد ٍر ﴾ القمر (‪ .)49‬فإذا كان هللا سبحانه وتعاىل خلق كل‬
‫شيء بقدر‪ ،‬فكيف يكون له أن جيعل تباين بني احلاجات وبني املوارد املستخدمة يف تلبيتها‪ ،‬وما‬
‫الء يم ْن عط ياء ربيّك‬
‫الء وه ُؤ ي‬
‫يؤكد أيضا بطالن ذلك االعتقاد قوله عز وجل يف هذه اآلية‪ُ ﴿ :‬كال ُُني ُّد ه ُؤ ي‬

‫ورا﴾ اإلسراء (‪ )20‬أي منقوصا‪.‬‬ ‫ي‬


‫وما كان عطاءُ ربّك ْحمظُ ً‬

‫فمفهوم املشكلة االقتصادية من وجهة النظر اإلسالمية ختتلف جذراي عن وجهة النظر الرأمسالية‬
‫واالشرتاكية‪ ،‬إذ تشري إىل صعوبة تلبية احلاجات والرغبات اإلنسانية الناجتة عن التوزيع غري متكافئ‬
‫للموارد االقتصادية واالستخدام غري كفء هلا‪ ،‬وهذا ما يوجب على اإلنسان مزاولة األنشطة‬
‫االقتصادية املختلفة كالتبادل التجاري واإلنتاج والتوزيع‪ .‬واآلية الكرمية التالية تبني كيف أن هللا خلق‬
‫األرض لإلنسان وسخرها له‪ ،‬ولكن ذلك يتطلب منه أن يسعى من أجل احلصول على الرزق والقوة‬
‫ال أن يبقى وينتظر كل شيء أيتيه جاهز‪ ،‬فهو مطالب ابلقيام بعملية حتويل املوارد وختزينها ونقلها من‬
‫مكان إىل آخر ابإلضافة إىل أنه مطالب بتنميتها والقيام ابملبادلة‪ ،‬حيث يقول عز وجل‪ُ ﴿ :‬هو اله يذي‬
‫ور﴾ امللك (‪)15‬‬
‫شُ‬ ‫شوا ييف مناكيبيها وُكلُوا يمن ّيرْزقي يه ۖ وإيل ْي يه النُّ ُ‬
‫وال ف ْام ُ‬
‫جعل ل ُك ُم ْاْل ْرض ذلُ ً‬

‫وهذا يعين أن املشكلة االقتصادية مبا تعنيه من صعوبة يف تلبية احلاجات والرغبات تتطلب بذل جهد‬
‫والسعي والبحث يف األرض‪ ،‬فهي ليست مشكلة ابملعىن القائم على الندرة النسبية‪ ،‬بل مرتبطة‬
‫ابلتصرف والسلوك املنحرف لإلنسان يف إطار عالقاته مع املوارد وأخيه اإلنسان‪ ،‬كما جند هلا أدوار‬
‫وأمهية يف حياة اإلنسان إذ تشكل له حافز ودافع للعمل والكتشاف نفسه والكون‪ ،‬وملعرفة أمهية‬

‫‪153‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫املوارد واحملافظة عليها‪ ،‬فال ينبغي ان تكون مربر للصراعات والظلم والطغيان‪ ،‬كما اختذها بعض‬
‫املفكرين لتفسري طغيان بعض الفئات واجملتمعات البشرية‪.‬‬

‫ومسألة ندرة املوارد أصبحت فكرة ال أساس هلا‪ ،‬فبالنظر إىل اجملاالت والتطورات اليت عرفها االقتصاد‬
‫يف العصر احلديث‪ ،‬كاالقتصاد الرقمي واقتصاد املعرفة واقتصاد الطاقة (الطاقات املتجددة مبا فيها‬
‫الطاقة الشمسية‪ ،‬طاقة الرايح‪ ،‬املياه‪ ،‬الكهرابء) ابإلضافة إىل ظهور موارد ال تنضب ابالستخدام‪ ،‬بل‬
‫على عكس ذلك تنمو وتزداد كاملوارد البشرية والذهنية وغريها‪ ،‬مما جعل فكرة ندرة املوارد من املاضي‬
‫وال ميكن االعتداد هبا يف تفسري املشكلة االقتصادية‪ ،‬وأصبح األمر ينتقل إىل طريقة املعاجلة والتعامل‬
‫مع املوارد وكيفية توظيفها يف تلبية احلاجات اإلنسانية‪.‬‬

‫وقد اثبت اتريخ البشرية وابألخص االقتصادي منه بطالن فكرة أن منو السكاين أكرب من منو املوارد‬
‫االقتصادية أو معدل منو إنتاج وسائل إشباع احلاجات اإلنسانية‪ ،‬فهذه الفكرة مل تعد قائمة‪ ،‬ولنالحظ‬
‫كيف أصبح اإلنتاج اليوم أكرب من االستهالك يف خمتلف اجملاالت وأصبحت املشكلة أمام املنتجني‬
‫تكمن يف كيفية تصريف اإلنتاج وليس العكس‪ ،‬وهذا بفعل تطور تقنيات ووسائل اإلنتاج‪ ،‬سواء تلك‬
‫الناجتة عن الزراعة أو الصناعة أو اخلدمات‪ ،‬فمن الغريب اليوم تفسري املشكلة االقتصادية على أساس‬
‫ندرة املوارد االقتصادية وتزايد احلاجات اإلنسانية‪ ،‬فالواقع يثبت أن تزايد اإلنتاج أكرب من تزايد‬
‫احلاجات‪( ،‬تصور لو أن عدد البشر املوجدين حاليا على األرض كان هو نفسه يف عصور سابقة‪،‬‬
‫ابلطبع ال ميكن تلبية حاجاهتم ابلطرق التقليدية‪ ،‬فحقيقة ستكون مشكلة يف تلبية احلاجات ولكن ما‬
‫الذي حصل اليوم‪ ،‬ان تطور عدد البشر كان متناغما مع التطور يف وسائل اإلنتاج وكمية وسائل تلبية‬
‫احلاجات‪ ،‬وعلى هذا فان تطور عدد البشر يكون اتبع لتطور وسائل اإلنتاج أو معدل النمو‬
‫االقتصادي) وهذا ابلضبط ما ذهب إليه ابن خلدون يف قوله ان‪ " :‬األرزاق تكثر كلما كثر أفراد‬
‫اجملتمع وتوسع العمران‪ ،‬وذلك راجع إىل كثرة األيدي العاملة اليت جتلب الرزق يف العمران الواسع‪،90‬‬
‫وهذا عكس متاما ما يراه املفكرين الرأمساليني ان تزايد السكان يسبب املشكلة االقتصادية‪ ،‬وابلتايل‬

‫‪ -90‬إدريس خضري‪ ،‬التفكري االجتماعي اخللدوين واثره يف علم االجتماع احلديث‪ ،‬موفم للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،2003 ،‬ص‪.197‬‬

‫‪154‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫نلمس هناك توازن بني النمو والتزايد احلاصل يف احلاجات والرغبات اإلنسانية ووسائل تلبيتها وفق‬
‫حكمة إالهية جتسد معىن قوله تعاىل‪﴿ :‬وييف ال هسم ياء يرْزقُ ُك ْم وما تُوع ُدون﴾ الذارايت (‪ ، )22‬وقوله‬
‫اَّلل يرْزقُـها ويـ ْعلم ُم ْستـق هرها وُم ْستـ ْودعها ۚ ُكلٌّ ييف كيت ٍ‬
‫اب ُمبي ٍني ﴾‬ ‫ُ‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬وما يم ْن دابهٍة ييف ْاْل ْر ي‬
‫ض إيهال على هي‬

‫هود(‪)6‬وعليه فان املشكلة والصعوبة يف تلبية احلاجات اإلنسانية تقوم على أساس سوء توزيع املوارد‬
‫والثروات وختصيصها واختيار احلاجات وطريقة االستخدام‪.‬‬

‫كيف جند اليوم ان الكثري من اجلهود واألعمال توجه إلنتاج منتجات كمالية كمستحضرات التجميل‬
‫واملشروابت الغازية والعصائر واحللوايت واأللعاب مبختلف أنواعها‪ ،‬إضافة إىل األسلحة‪ ،‬فإن وجدت‬
‫جمتمعات أو فئات بشرية أو أفراد عجزوا عن تلبية حاجاهتم األساسية‪ ،‬فذلك مرده إىل أن فئات‬
‫أخرى أفرطت يف تلبية احلاجات الكمالية أو أساءت استخدام املوارد االقتصادية (اإلسراف والتبذير)‪،‬‬
‫وهذا يشري إىل طغيان اجملتمعات والفئات اليت حتتكر يف يدها القسط األعظم من الثروة والدخل‪،‬‬
‫وأتىب مقامسته مع الفئات البشرية األخرى وفق اآلليات اليت أقرها اإلسالم‪ ،‬وهذا ما يؤكده تقرير‬
‫التنمية البشرية الصادر عن برانمج األمم املتحدة اإلمنائي‪ :‬حيث يشري إىل أن ما نسبة ‪ %80‬من‬
‫سكان العامل يستخدمون ‪ %6‬فقط من الثروة العاملية بينما يستأثر ‪ %20‬من أثرايء العامل بباقي‬
‫الثروة‪.91‬‬

‫فتفسري هذه املشكلة على أساس ندرة املوارد غري عقالين وغري مقبول من الناحية الشرعية اإلسالمية‬
‫ومن الناحية العلمية والعقلية‪ ،‬فال ميكن تربير جترب وطغيان فئة قليلة من البشر اليت استحوذت على‬
‫اعظم اخلريات والثروات البشرية حارمة الفئة األعظم من ابسط متطلبات العيش‪ ،‬مث نرد ذلك احلرمان‬
‫اليت تتخبط فيه تلك الفئات إىل ندرة املوارد‪.‬‬

‫‪ -‬تقرير التنمية البشرية لسنة ‪ ،2015‬برانمج األمم املتحدة اإلمنائي (‪https://www.un.org/ar/esa/hdr/hdr15.shtml ،)u.n.d.p‬‬
‫‪91‬‬

‫‪155‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫معاجلة املشكلة االقتصادية يف النظام االقتصادي اإلسالمي‪:‬‬

‫إن ما يسمى ابملشكلة االقتصادية من وجهة النظر اإلسالمية أو صعوبة تلبية احلاجات والرغبات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ال يرجع إىل التباين بني املوارد االقتصادية واحلاجات اإلنسانية‪ ،‬فاهلل عز وجل خلق كل‬
‫شيء مبقدار وتقدير دقيق‪ ،‬ولكن يرجع ذلك ابألساس إىل ظلم اإلنسان وجتنيه وطغيانه‪ ،‬سواء يف حق‬
‫هللا عز وجل‪ ،‬أو يف حق أخيه اإلنسان (وهذا ما نشاهده من الظلم الذي أييت بني األفراد وبني‬
‫اجملتمعات واجلماعات)‪ ،‬وإىل ظلم وتعدي اإلنسان على ابقي املخلوقات واملوجودات‪ ،‬أي اإلسراف‬
‫والتعدي يف التعامل معها‪ ،‬كاالستخدام املفرط والتبذير يف موارد الطاقة والغاابت واحليواانت وغريها‪،‬‬
‫ادهي لبـغ ْوا ييف اْل ْر ي‬
‫ض ول يك ْن يـُنـ ّيز ُل‬ ‫الرْزق لي يعب ي‬ ‫واآلية الكرمية تبني هذا املعىن يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ول ْو بسط ه‬
‫اَّللُ ّي‬

‫بيقد ٍر ما يشاءُ إينههُ بي يعب يادهي خبيريٌ ب يصريٌ﴾ الشورى (‪ ،)27‬وتظهر حكمة هللا عز وجل يف جعل كل شيء‬
‫مبقدار وحبسبان‪ ،‬كما قال‪ ﴿:‬وخلق كل شيء فقدره تقديرا ﴾ الفرقان (‪ )2‬حىت ال يطغى اإلنسان وال‬
‫يتجرب ويبغي يف األرض‪ ،‬وأن يشعر ابفتقاره إىل هللا تعاىل‪ ،‬فيلجأ إليه ويتوكل عليه ويستعني به ‪.‬‬

‫وهلذا فإن املشكلة ال تكمن يف ندرة املوارد وتزايد احلاجات كما يظنه اآلخرين‪ ،‬ولكن تكمن دائما يف‬
‫تصرفات وطغيان اإلنسان‪ ،‬والعربة يف ذلك من صاحب اجلنتني وقارون وأهل سبأ‪ ،‬كيف كانوا يف رغد‬
‫من العيش ووفرة من الرزق واملال‪ ،‬فدفعهم ذلك إىل البغي والكفر واجلحود فاستحقوا اهلالك‬
‫والعذاب‪ ،‬وكلما التزم اإلنسان كلما اقرتب من حل املشكلة االقتصادية وأتمل قوله تعاىل‪﴿ :‬وإي ْذ َتذهن‬
‫ربُّ ُك ْم لئين شك ْرُُْت ْل يزيدنه ُك ْم ۖ ولئين كف ْرُُْت إي هن عذ ياِب لش يدي ٌد﴾ إبراهيم (‪ ،)7‬أي أن بسط الرزق والنعمة‬
‫مقرتن بشكر النعمة واحملافظة عليها وحسن استغالهلا واستخدامها‪ ،‬وطاعة هللا عز وجل‪ ،‬أي االلتزام‬
‫أبمره واالبتعاد عما هنى‪ ،‬فاذا وجد شح وندرة يف املوارد فذلك سببه طغيان وظلم اإلنسان‪ ،‬وميكن‬
‫معاجلة ذلك من خالل االستقامة وااللتزام ابلشرع‪.‬‬

‫املطهر‪ ،‬وما‬
‫حيث يقول الدكتور خالد بن عبد الرمحن الشايع "انه ما من خري إال يف اتباع هذا الشرع َّ‬
‫الغراء‪ ،‬ومن مجلة ما نظَّمته الشريعة ما يتعلق‬
‫من نقص وال ضر إال بسبب خمالفة هذه الشريعة َّ‬
‫ابلنفقات‪ ،‬فإن الناس يتفاوتون يف هذا األمر يف بذل األموال وإمساكها‪ ،‬فجاءت الشريعة لتمنع‬
‫‪156‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫التوجهات املبنية على األهواء‪ ،‬أو على مسالك خاطئة وتصورات مضرة‬
‫التصورات اخلاطئة و ُّ‬
‫ابجملتمعات‪ ،‬واملال هو قوام احلياة وهو عصبها‪ ،‬والتصرف فيه ليس ابألهواء وال ابجتهادات الناس‪،‬‬
‫ولكنه مضبوط مبعايري وقواعد واضحة‪ ،‬فال ميكن أن يقبل من أحد أن خيالف هذه األسس والقواعد‬
‫اليت ترتب وتنظم معايش الناس‪ ،‬ومتنع ظلم بعضهم لبعض‪ ،‬ومتنع ما يؤدي إىل اختالل املوازين‪ ،‬فإن‬
‫هللا سبحانه قد تكفل أبرزاق العباد‪ ،‬ويف األرض ما يكفي كل خملوق يف رزقه ومعاشه‪ ،‬ولكنما‬
‫املشكلة هي تصرفات اآلدميني اليت أضرت هبم فيما بينهم‪ ،‬فوجد الفقراء واجلوعى‪ ،‬ووجد من يتوىف‬
‫بسبب اجلوع‪ ،‬ووجد نقص الثمرات‪ ،‬ووجد اإلخالل ابلثوابت البيئية اليت تطغى على بين آدم؛‬
‫هاس لييُ يذيق ُه ْم بـ ْعض اله يذي ع يملُوا‬
‫ت أيْ يدي الن ي‬
‫اد ييف الْبـ ّير والْب ْح ير يمبا كسب ْ‬
‫مصداقا لقوله تعاىل‪ ﴿:‬ظهر الْفس ُ‬
‫لعله ُه ْم يـ ْريجعُون ﴾ [الروم‪ 92".]41 :‬فسبب املشكلة االقتصادية هو االبتعاد عن األحكام الشرعية‬
‫بشكل أساسي‪ ،‬ومن مث الظلم والطغيان يف املعامالت والعالقات املختلفة‪ ،‬وألجل ذلك شرع اإلسالم‬
‫الضوابط واآلليات اليت تكفل معاجلة هذه املشكلة‪ ،‬ميكن توضيحها من خالل ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬طاعة هللا عز وجل مبا تقتضيه تعاليم شريعة اإلسالم السمحة من عبادات‪ ،‬واالمتثال لألوامر‬
‫واالبتعاد عن النواهي املبينة يف القران الكرمي والسنة النبوية الشريفة‪ ،‬والشكر لنعمه عز وجل‪ ،‬وهذا ما‬
‫تؤكده اآلايت التالية‪:‬‬

‫سم ياء و ْاْل ْر ي‬


‫ض ﴾ األعراف‪.)96( :‬‬ ‫ات يمن ال ه‬
‫﴿ ولو أ هن أ ْهل الْ ُقرى آمنُوا واتهـقوا لفت ْحنا عل ْي يهم بـرك ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬

‫سماء عل ْي ُكم يّم ْدر ًارا وي يز ْد ُك ْم قُـ هو ًة إي ٰىل قُـ هوتي ُك ْم وال تـتـوله ْوا‬ ‫ي‬
‫استـ ْغ يف ُروا ربه ُك ْم ُثُه تُوبُوا إيل ْي يه يـُ ْر يس يل ال ه‬
‫﴿واي قـ ْوم ْ‬
‫ُُْم يريمني﴾ هود (‪)52‬‬

‫سماء عل ْي ُكم يّم ْدر ًارا (‪ )11‬وميُْ يد ْد ُكم يِب ْمو ٍال وبنيني‬
‫استـغْ يف ُروا ربه ُك ْم إينههُ كان غ هف ًارا (‪ )10‬يـُ ْر يس يل ال ه‬ ‫﴿فـ ُقل ُ‬
‫ْت ْ‬
‫هات و ُْيعل له ُك ْم أنْـه ًارا﴾ نوح (‪)12‬‬ ‫و ُْيعل له ُكم جن ٍ‬
‫ْ‬

‫‪ -92‬خالد بن عبدالرمحن الشايع‪ ،‬خطر اإلسراف والتبذير‪ ،‬وقول هللا تعاىل‪( :‬وكلوا واشربوا وال تسرفوا إنه ال حيب املسرفني)‪ ،‬موقع الدكتور خالد بن‬
‫عبدالرمحن الشايع‪ ،2016-02-04 ،‬رابط املوضوع‪:‬‬
‫‪https://www.alukah.net/web/khalidshaya/0/98479/#ixzz6iNr4JWak‬‬

‫‪157‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬عدم اإلسراف والتبذير للموارد االقتصادية واالقتصاد يف استخدامها‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل يقول‪:‬‬
‫﴿اي ب يين آدم ُخ ُذوا يزينـت ُك ْم يعند ُك يّل م ْس يج ٍد وُكلُوا وا ْشربُوا وال تُ ْس يرفُوا ۚ إينههُ ال ُيُي ُّ‬
‫ب ال ُْم ْس يرفيني﴾ األعراف‬
‫(‪ )31‬ويقول أيضا‪ ﴿ :‬واله يذين إيذا أنْـف ُقوا َلْ يُ ْس يرفُوا وَلْ يـ ْقتُـ ُروا وكان بـ ْني ذليك قـو ًاما ﴾ الفرقان‪ 67 :‬ويف‬
‫هذا الشأن يقول الدكتور خالد بن عبد الرمحن الشايع‪" :‬اإلسراف مظهر من مظاهر اإلفساد اليت‬
‫تؤدي إىل اختالل املعايري‪ ،‬والعود ابلضرر على اإلنسان املسرف‪ ،‬وعلى َمن حوله وعلى جمتمعه"‪.93‬‬
‫وهذا احلكم هو مظهر من مظاهر تنظيم عالقات اإلنسان ابملوارد الطبيعية‪ ،‬وضبطها وفق أحكام‬
‫شرعية حتد من طغيان اإلنسان وتعدي حدوده يف استغالهلا وتبذيرها‪ ،‬وإال يكون مصريه اهلالك كما‬
‫بني ذلك سبحانه وتعاىل‪ُ ﴿ :‬كلُوا يمن طيب ي‬
‫ات ما رزقـْنا ُك ْم وال تطْغ ْوا في ييه فـي يح هل عل ْي ُك ْم غضيِب ۖ ومن ُْيلي ْل‬ ‫ّ‬
‫عل ْي يه غضيِب فـق ْد هو ٰى﴾ طه (‪)81‬‬

‫‪ -‬التوزيع العادل للثروة والدخل‪ :‬أي تنظيم العالقات االقتصادية بني اإلنسان واخيه اإلنسان سواء‬
‫كانوا يف شكل أفراد أو مجاعات أو جمتمعات‪ ،‬فال يسمح حبدوث ظلم أو تنامي ثروة فئة على‬
‫اَّللُ عل ٰى ر ُسولي يه يم ْن‬
‫حساب فئة أخرى‪ ،‬كما يبني ذلك القران الكرمي من خالل هذه اآلية‪ ﴿ :‬هما أفاء ه‬
‫يل ك ْي ال ي ُكون ُدولةً بـ ْني ْاْل ْغنيي ياء‬ ‫سبي ي‬ ‫ول ولي يذي الْ ُق ْر َٰب والْيـتام ٰى والْمساكي ي‬
‫ني وابْ ين ال ه‬ ‫أ ْه يل الْ ُقر ٰى ف يلله يه وليل هر ُس ي‬

‫اب﴾ احلشر (‪.)7‬‬ ‫اَّلل ش يدي ُد ال يْعق ي‬


‫اَّلل ۖ إي هن ه‬ ‫يمن ُك ْم ۚ وما آات ُك ُم ال هر ُس ُ‬
‫ول ف ُخ ُذوهُ وما نـها ُك ْم ع ْنهُ فانتـ ُهوا ۚ واتهـ ُقوا ه‬
‫فمحل الشاهد قوله تعاىل حىت ال تكون دولة بني األغنياء منكم‪ ،‬أي هني عن جعل الثروة بيد فئة‬
‫األغنياء فقط دون الفئات األخرى‪ .‬وقد اقر هللا سبحانه وتعاىل جمموعة من اآلليات والطرق اليت‬
‫تضمن التوزيع العادل للثروة والدخل منها‪ :‬الزكاة‪ ،‬الصدقات‪ ،‬اإلحسان للغري‪ ،‬الوقف‪ ،‬التكافل‬
‫والتعاون االجتماعي‪ ،‬وغريها‪ .‬حيث تبني اآلية التالية بعض طرق وآليات توزيع الثروة والدخل‪﴿ :‬إي هُنا‬
‫يل هي‬
‫اَّلل وابْ ين‬ ‫اب والْغا يريمني وييف سبي ي‬
‫الرق ي‬ ‫ات لي ْل ُفقر ياء والْمساكي ي‬
‫ني والْع يامليني عل ْيـها وال ُْمؤلهف ية قُـلُوبـُ ُه ْم وييف ّي‬ ‫صدق ُ‬ ‫ال ه‬
‫يم﴾ التوبة (‪.)60‬‬ ‫ي‬ ‫يل ۖ ف يريضةً يمن هي‬
‫اَّلل ۗ و ه ي‬ ‫سبي ي‬
‫يم حك ٌ‬ ‫اَّللُ عل ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ال ه‬

‫‪ -93‬خالد بن عبدالرمحن الشايع‪ ،‬خطر اإلسراف والتبذير‪ ،‬وقول هللا تعاىل‪( :‬وكلوا واشربوا وال تسرفوا إنه ال حيب املسرفني)‪ ،‬موقع الدكتور خالد بن‬
‫عبدالرمحن الشايع‪ ،2016-02-04 ،‬رابط املوضوع‪https://www.alukah.net/web/khalidshaya/0/98479/#ixzz6iNr4JWak :‬‬

‫‪158‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫﴿واله يذين يـُ ْؤتُون ما آتوا هوقُـلُوبـُ ُه ْم و يجلةٌ أنـه ُه ْم إي ٰىل رّّبيي ْم ر ياج ُعون ﴾املؤمنون(‪)60‬‬

‫اَّلل يـ ْعل ُمهُ ۗ وما ليلظهالي يمني يم ْن أنصا ٍر )‪ (270‬إين تُـ ْب ُدوا‬ ‫﴿ وما أنف ْقتُم يّمن نـهفق ٍة أ ْو نذ ْرُُت يّمن نه ْذ ٍر فيإ هن ه‬
‫ات فني يع هما يهي ۖ وإين ُُتْ ُفوها وتُـ ْؤتُوها الْ ُفقراء فـ ُهو خ ْيـ ٌر له ُك ْم ۚ ويُك ّيف ُر عن ُكم يّمن سيّئاتي ُك ْم ۗ و ه‬
‫اَّللُ يمبا‬ ‫صدق ي‬ ‫ال ه‬
‫اَّلل يـ ْه يدي من يشاءُ ۗ وما تُ ينف ُقوا يم ْن خ ٍْري فيِلن ُف يس ُك ْم ۚ وما‬‫اه ْم وٰل يك هن ه‬‫ري )‪ ۞ (271‬لهْيس عل ْيك ُهد ُ‬ ‫ي‬
‫تـ ْعملُون خب ٌ‬
‫ُح ي‬ ‫ي ي ي‬ ‫اَّلل ۚ وما تُ ينف ُقوا يم ْن خ ٍْري يـُو ه‬
‫تُ ينف ُقون إيهال ابتيغاء وج يه هي‬
‫ص ُروا‬ ‫ف إيل ْي ُك ْم وأنتُ ْم ال تُظْل ُمون )‪ (272‬ل ْل ُفقراء الهذين أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اه ْم ال ي ْسألُون‬ ‫ي‬
‫ف تـ ْع يرفُـ ُهم بيسيم ُ‬ ‫اهل أ ْغنيياء يمن التـهع ُّف ي‬
‫ي‬ ‫يل هي‬
‫اَّلل ال ي ْست يطيعُون ض ْرًَب ييف ْاْل ْر ي‬ ‫ييف سبي ي‬
‫ض ُْيسبُـ ُه ُم ا ْجل ُ‬
‫يم )‪ (273‬اله يذين يُ ينف ُقون أ ْمواَلُم يَبللهْي يل والنـهها ير يس ًّرا وعالنييةً‬ ‫النهاس إي ْحلافًا ۗ وما تُ ينف ُقوا يمن خ ٍْري فيإ هن ه ي ي ي‬
‫اَّلل به عل ٌ‬ ‫ْ‬
‫ف عل ْي يه ْم وال ُه ْم ُْيزنُون ﴾ البقرة (‪)274‬‬ ‫فـل ُه ْم أ ْج ُرُه ْم يعند رّّبيي ْم وال خ ْو ٌ‬

‫ب ال ُْم ْح يسنيني﴾ آل‬


‫اَّللُ ُيُي ُّ‬ ‫ض هر ياء والْك ي‬
‫اظ يمني الْغ ْيظ والْعافيني ع ين الن ي‬
‫هاس ۗ و ه‬ ‫س هر ياء وال ه‬
‫﴿اله يذين يُ ينف ُقون ييف ال ه‬
‫عمران(‪)134‬‬

‫وهناك الكثري من اآلايت واالحاديث اليت حتث وترغب يف التوزيع العادل للثروة والدخل وفق األطر‬
‫الشرعية اليت بينها الشرع احلكيم‪.‬‬

‫‪ -‬السعي وإتقان العمل‪ :‬أي على اإلنسان ممارسة األنشطة املختلفة من أجل تلبية حاجاته ورغباته‪،‬‬
‫فعليه ابلعمل واإلنتاج مبا يف ذلك العمل يف الزراعة‪ ،‬الصناعة والتجارة وغريها من األنشطة اليت تساهم‬
‫يف إعمار األرض‪ ،‬شرط أن تكون مباحة غري حمرمة وال ينتج عنها مضرة للفرد أو اجملتمع‪ ،‬كما يرى‬
‫ابن خلدون أن املوارد مسخرة لإلنسان فعليه أن يتحرك حنوها وميد يده إليها ويستغلها‪ ،‬وال يكون‬
‫ذلك إال ابلعمل والسعي‪ ،‬ألن هذه املوجودات هي مشرتكة بني مجيع أفراد اإلنسانية فمن سعى إىل‬
‫شيء وحصل عليه فهو رزق له وحق من حقوقه‪ ،‬كما بني أن الطبيعة ميكن أن تساعد اإلنسان يف‬
‫إجياد الرزق من خالل املطر والينابيع والنبااتت واحليواانت‪ ،‬إال أن ذلك وحده ال يكفي بل البد من‬
‫العمل وبذل اجلهد‪ .94‬حيث رغب اإلسالم يف العمل والسعي يف طلب الرزق‪ ،‬من خالل مزاولة‬
‫خمتلف األنشطة االقتصادية كاإلنتاج‪ ،‬التجارة‪ ،‬واالستثمار وغريها‪ ،‬وهذا ما تدل عليه اآلية الكرمية‬

‫علم االجتماع احلديث‪ ،‬موفم للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،2003 ،‬ص‪.195‬‬ ‫‪ -94‬إدريس خضري‪ ،‬التفكري االجتماعي اخللدوين واثره يف‬

‫‪159‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫ور﴾‬
‫شُ‬ ‫شوا ييف مناكيبيها وُكلُوا يمن ّيرْزيق يه ۖ وإيل ْي يه النُّ ُ‬ ‫التالية‪ُ ﴿ :‬هو اله يذي جعل ل ُك ُم ْاْل ْرض ذلُ ً‬
‫وال ف ْام ُ‬
‫امللك(‪ )15‬أي ‪ :‬فاسعوا حيث شئتم يف أقطارها وأقاليمها وأرجائها يف أنواع املكاسب والتجارات‬
‫واألعمال‪ ،‬فاإلنسان هنا مطالب ابلسعي من أجل تلبية حاجاته ورغباته رغم أن هللا سخر لإلنسان‬
‫كل شيء‪ ،‬وكل ما حيتاجه ويرغب فيه موجود على األرض غري منقوص‪ ،‬إال أنه مطالب ببذل اجلهد‬
‫والسعي يف الكسب‪ ،‬إما من خالل العمل اإلنتاجي أو النقل والتخزين أو التبادل التجاري‪ ،‬إال أن‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم (إي هن هللا‬
‫ذلك السعي والعمل جيب ان يؤدى إبتقان وتفان‪ ،‬كما يقول الرسول َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪( :‬ما يم ْن‬ ‫س قَ َال‪ :‬قَ َال رس ُ ِ‬
‫ب إذا ع يمل أح ُد ُكم عمال أ ْن يـُْت يقنه)‪.‬و َع ْن أَنَ ٍ‬ ‫ي‬
‫ول هللا ‪َ -‬‬ ‫َُ‬ ‫ُُي ُ‬
‫س غ ْر ًسا‪ ،‬أ ْو يـ ْزرعُ زْر ًعا‪ ،‬فـيأْ ُك ُل يم ْنهُ ط ْيـ ٌر‪ ،‬أ ْو إينْسا ٌن‪ ،‬أو ّبييمةٌ‪ ،‬إيهال كان لهُ بي يه صدقةٌ)‪ ،‬فال يكفي‬ ‫ي‬
‫ُم ْسل ٍم يـغْ ير ُ‬
‫من اإلنسان عبادةُ هللا عز وجل وترك العمل‪ ،‬بل عليه ابلعمل زجد ونشاط ومهة‪.‬‬

‫ويف األخري ميكن القول لو أن اإلنسان يتقيد بتلك األحكام والقواعد الشرعية اليت أقرها اإلسالم‪ ،‬يف‬
‫تنظيم عالقات اإلنسان خبالقه وأبخيه اإلنسان وعالقته ابلطبيعة وما حتتويه من موارد وأرزاق‪،‬‬
‫لتحققت العدالة على األرض واستطاع اإلنسان أن يليب حاجاته بيسر وسهولة‪ ،‬مصداقا لقوله تعاىل‪:‬‬
‫سم ياء و ْاْل ْر ي‬
‫ض ﴾ اْلعراف‪.)96( :‬‬ ‫ات يمن ال ه‬
‫﴿ ولو أ هن أ ْهل الْ ُقرى آمنُوا واتهـقوا لفت ْحنا عل ْي يهم بـرك ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬

‫مبادئ النظام االقتصادي اإلسالمي‪:‬‬

‫يتميز النظام االقتصادي اإلسالمي ابالعتدال والتوازن يف أمور احلياة كلها‪ ،‬فقد جاء لينظم ويرتب‬
‫حياة اإلنسان وحيقق الغاية من وجوده‪ ،‬ويوازن بني املصلحة الدينية واملصلحة الدنيوية‪ ،‬إذ انه ال يفرط‬
‫يف متجيد املصلحة اخلاصة على حساب املصلحة العامة‪ ،‬وال ميجد احلرية املطلقة بل يقيدها وفق‬
‫قواعد وضوابط معينة‪ ،‬كما انه يرتكز على وجود إميان وعقيدة وإخالص حقيقي لدى األفراد‪ ،‬ولقد‬
‫اختلف العلماء يف حتديد مفهوم االقتصاد اإلسالمي إىل ثالث اجتاهات‪ ،‬األول ينظر إليه كفكر‬
‫بشري متناثر املواضيع واجملاالت استنبطت من جماالت علمية أخرى كالفقه والعلوم الشرعية‪ ،‬وأخرى‬
‫تنظر إليه على أنه نظام وهيكل مبين على مكوانت جزئية تتعلق بنظام تطبيقي مستهدف‪ ،‬وأما‬
‫االجتاه الثالث وهم العلماء املتخصصني يرونه ذلك العلم النموذجي الذي حيتوي على قواعد علمية‬
‫‪160‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫اثبتة ابستنادها إىل نصوص الشريعة‪ ،‬والحتوائه على مناهج البحث والتحليل‪ ،‬إذ ان النظام‬
‫االقتصادي اإلسالمي وفق هذه النظرة يتضمن شقني‪ ،‬جزء من األحكام والقواعد اثبت ال يتغري‬
‫التصاله مبصادر التشريع اإلهلي‪ ،‬والثاين متغري العتماده على التحليل واالجتهاد البشري‪ ،95‬وتبعا ملا‬
‫سبق ميكن حتديد أهم املبادئ اليت يقوم عليها النظام االقتصادي اإلسالمي وفق ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬االعتماد على العقيدة اإلسالميّة‪ :‬إذ يعتمد النظام االقتصادي اإلسالمي يف صياغة مبادئه وقوانينه‬
‫اخلاصة به على الشريعة اإلسالمية‪ ،‬كما ينبغي ان يكون اجملتمع مسلم يؤمن‬
‫وكافّة القواعد والتشريعات ّ‬
‫ابهلل تعاىل وأنه هو املتصرف واملدبر لشؤون الكون‪ ،‬ويلتزم ابألحكام الشرعية الواردة يف الكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬

‫‪ -‬امللكية االقتصادية احملدودة وليس مطلقة‪ ،‬أي ان يكون حق امللكية قائم ما دام االنتفاع قائم‪ ،‬وإذا‬
‫انتفى شرط االنتفاع يسقط حق امللكية‪ ،‬كما أن ملكية اإلنسان هي ملكية استخالف‪ ،‬وعلى‬
‫َّلل ور ُسولي يه وأ ينف ُقوا يِمها جعل ُكم‬ ‫ي‬
‫آمنوا يَب هي‬
‫اإلنسان أن يعلم فضل هللا تعاىل عليه‪ ،‬حيث يقول عز وجل‪ُ ﴿ :‬‬
‫ُّم ْست ْخل يفني في ييه ۖ فاله يذين آمنُوا يمن ُك ْم وأنف ُقوا َلُ ْم أ ْج ٌر كبيريٌ﴾ احلديد (‪ .)7‬وعلى ذلك األساس ينبغي ان‬
‫يعلم ان تصرفه يف ما ميلك مقيد أبحكام وتعاليم الشرع احلكيم‪ ،‬كما ان طرق كسب الرزق حمددة ال‬
‫ينبغي لإلنسان ان يتجاوز احلدود فيها‪ ،‬كتجنب الراب والسرقة والغش والرشوة وغريها من األمور احملرمة‬
‫واملنهي عنها شرعا‪.‬‬

‫‪ -‬احلرية االقتصادية احملدودة واملقيدة ابلشرع‪ :‬مبعىن ال توجد يف اإلسالم حرية مطلقة يف التصرف‬
‫والكسب والعمل‪ ،‬بل هناك قيود وأحكام تضبط وتنظم تصرفات الناس وعالقاهتم فيما بينهم أو بينهم‬
‫وبني وسائل العمل واإلنتاج‪ ،‬ال يسمح من خالهلا لألفراد ان يتجاوزوا احلدود‪ ،‬بل حىت يف امللكية ال‬

‫حيق للفرد أن يتصرف إال يف احلدود اليت رمسها الشرع مصداقا لقوله تعاىل‪﴿ :‬قالُوا اي ُشع ْي ُ‬
‫ب أصالتُك‬
‫يم ال هر يشي ُد﴾ هود (‪.)87‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫َت ُْم ُرك أن نـه ْتـ ُرك ما يـ ْعبُ ُد آَب ُؤان أ ْو أن نـه ْفعل ييف أ ْموالنا ما نشاءُ ۖ إنهك ْلنت ا ْحلل ُ‬
‫وهنا إشارة إىل أنه ال حيق للفرد التصرف يف ملكيته إال يف حدود الشرع‪.‬‬
‫‪ -95‬زينب صاحل األشوح‪ ،‬االقتصاد اإلسالمي بني البحث والنظرية والتطبيق‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،2004 ،‬ص‪.30‬‬

‫‪161‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫وهذا املنهج احلكيم الذي أقره اإلسالم يف ضبط وجتسيد حدود احلرية هلو األمثل على اإلطالق (فال‬
‫ميكن ألحد أن جيد له بديال)‪ ،‬فلما نراجع حقيقة املدارس واألنظمة االقتصادية الوضعية على‬
‫اختالف أنواعها وأشكاهلا‪ ،‬جندها مل تستطع حتقيق مبدأ احلرية رغم ادعائها ومناداهتا بذلك‪ ،‬فبدال من‬
‫حترير اإلنسان كما زعم روادها أوقعته يف عبودية من نوع آخر هي أشد من األوىل‪ ،‬فالدعوة إىل احلرية‬
‫الفردية املطلقة وفتح اجملال أمام اإلنسان للعمل حتت دافع حب التملك والكسب املفرط‪ ،96‬قد أوقع‬
‫اإلنسان حتت أسر عبودية املال واألشخاص‪ ،‬ومبعىن أوسع حب الذات واالنشغال بتحقيق املصاحل‬
‫املادية واجلسدية‪ ،‬ما أوقع اإلنسان يف فراغ روحي رهيب‪ ،‬بينما اإلسالم سعى إىل حتقيق توازن دقيق‬
‫بني احلاجات الروحية واجلسدية من خالل توجيه وإرشاد اإلنسان إىل آليات وطرق فعالة لذلك‪ ،‬ملا‬
‫حييد عنها سيخرج حتما عن هامش احلرية األمثل احملدد شرعا‪ ،‬واملتصفح ألحكام الشريعة اإلسالمية‬
‫الواردة يف القران احلكيم والسنة النبوية الشريفة‪ ،‬يلمس حقيقة ان اإلسالم كما حرص واكد على حترير‬
‫اإلنسان من عبودية األصنام والعباد ابجتاه عبادة اخلالق الواحد ذو الفضل على العاملني كخطوة أوىل‪،‬‬
‫أكد وحرص أيضا على حتريره من عبادة املال واملادة بصفة عامة‪ ،‬من خالل إضعاف الروابط النفسية‬
‫ات‬ ‫صي‬
‫احل ُ‬ ‫ات ال ه‬ ‫ال والْبـنُون يزينةُ ا ْحلي ياة ُّ‬
‫الدنْـيا ۖ والْباقيي ُ‬ ‫لإلنسان ابملال وحبه له‪ ،‬كما ورد يف قوله تعاىل‪﴿ :‬الْم ُ‬
‫خ ْيـ ٌر يعند ربيّك ثـو ًاَب وخ ْيـ ٌر أم ًال﴾ الكهف (‪ ،)46‬وهذا توجيه لإلنسان من أجل إضعاف ميله وحبه‬
‫للمال ويف الوقت نفسه ترغيبه يف الباقيات الصاحلات‪ ،‬وما تشريع هللا سبحانه وتعاىل (وهو الرازق‬
‫واخلالق واملتصرف يف شؤون العباد واجلماد) للزكاة والصدقات واإلحسان وغريها من أعمال اخلري‪ ،‬إال‬
‫حتقيقا هلذا الغرض‪ ،‬وإال ما حاجة هللا ألموال العباد فهي كلها من فضله‪ ،‬وانظر قوله تعاىل‪ ﴿ :‬لن‬
‫ش ير‬ ‫ومها وال يدما ُؤها وٰل يكن يـنالُهُ التهـ ْقو ٰى يمن ُك ْم ۚ ك ٰذليك سخهرها ل ُك ْم ليتُكيّّبُوا ه‬
‫اَّلل عل ٰى ما هدا ُك ْم ۗ وب يّ‬ ‫يـنال ه‬
‫اَّلل ُحلُ ُ‬
‫ال ُْم ْح يسنيني﴾ احلج (‪ ،)37‬فهذه اآلية تبني احلكمة من تشريع األضحية بصفة خاصة والصدقات‬
‫بشكل عام‪ ،‬فتشريع حكم الزكاة والصدقات وان كان له اثر اجتماعي واقتصادي عظيم يف اجملتمع‪،‬‬
‫إال أن اثره على نفس املتصدق أعظم‪ ،‬فإهنا تعمل على حترير اإلنسان من أسر حب املال وتعلقه به‪،‬‬
‫وتدريبه على تقوى هللا عز وجل‪ ،‬وهذا ال يعين أن سعي اإلنسان وراء الكسب منهي عنه على‬

‫‪ -96‬وان كان نظراي مستحيل حتقيق احلرية كما يريدها دعاهتا‪ ،‬الن ذلك يعين ان يسمح لإلنسان التصرف كما يشاء‪ ،‬وهذا يوقع الفوضى داخل اجملتمع‬
‫نتيجة تعارض املصاحل وتداخل احلدود بني احلقوق والواجبات‪ ،‬مما يساهم يف نشر الظلم‪ ،‬وال ميكن حتقيق ذلك إال من خالل إجياد قوانني وضوابط حتد‬
‫من حرية األفراد يف العمل والتملك والتصرف‪ ،‬وهذا جيعلنا نعود مرة أخرى إىل احلديث عن تقييد احلرية‪ ،‬مبعىن شعار احلرية االقتصادية املطلقة مستحيل‬
‫حتقيقه على ارض الواقع‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫إطالقه‪ ،‬بل هو حمبب ومرغب فيه ولكن وفق الضوابط الشرعية (ال إفراط وال تفريط)‪ ،‬فالسعي‬
‫واالجتهاد والعمل وإعمار األرض مطلوب كما بينا سابقا‪.‬‬
‫‪ -‬مبدأ العدالة االجتماعية‪ :‬لقد حرص اإلسالم على جتسيد العدالة يف مجيع جماالت حياة اإلنسان‬
‫وعالقاته املختلفة‪ ،‬وابملقابل حرم كل أشكال الظلم والبغي والتعدي على حقوق الغري‪ ،‬وحتقيقا هلذا‬
‫املبدأ الذي يعترب مقصدا من مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فقد وردت أحكام وقواعد من الناحية‬
‫االقتصادية‪ ،‬من بينها التقسيم والتوزيع العادل للثروة‪ ،‬كتلك اخلاصة أبحكام املرياث‪ ،‬وحتديد األرابح‬
‫واألسعار‪ ،‬وحترمي املضاربة والراب‪ ،‬وتلك اليت توضح كيفية حتديد الزكاة وتوزيعها على خمتلف فئات‬
‫اجملتمع‪ ،‬فالنظام اإلسالمي حيارب الطبقية واستغالل اإلنسان ألخيه اإلنسان‪ ،‬كما ورد يف نص اآلية‬
‫املذكورة سابقا (‪...‬حىت ال تكون دولة بني اْلغنياء منكم‪ ،)...‬وهلذا رغب اإلسالم يف خمتلف اآلليات‬
‫والطرق اليت تكفل توزيع وإعادة توزيع الدخل بشكل عادل‪ ،‬كالزكاة والصدقات والوقف ومجيع مظاهر‬
‫اإلحسان للغري والتعاون‪.‬‬
‫‪ -‬التوازن واالعتدال يف اإلنفاق واالستهالك والتوازن بني احلقوق والواجبات وبني املصلحة العامة‬
‫واملصلحة اخلاصة‪ ،‬فعلى خالف ما ينادي به مفكري النظام الرأمسايل من متجيد للمصلحة اخلاصة‬
‫على حساب املصلحة العامة أتى اإلسالم ليوازن بني املصلحتني فال إفراط وال تفريط‪.‬‬
‫‪ -‬أساس التوزيع العمل واحلاجة‪ :‬حيث اقر اإلسالم أبن املبدأ األساسي يف توزيع الثروة والدخل هو‬
‫العمل‪ ،‬وهلذا حث ورغب كثريا يف العمل وإتقانه واألخذ أبسبابه‪ ،‬ونبذ االتكال على الغري يف طلب‬
‫الرزق‪ ،‬حيث يقول عليه الصالة والسالم‪( :‬الي ُد العليا خري من اليد السفلى)‪ ،‬فاليد العليا هي املنفقة‬
‫واليت تعمل وجتتهد‪ ،‬واليد السفلى هي اليت تعتمد على غريها يف تلبية حاجاهتا‪ ،‬كما أقر ابملبدأ الثاين‬
‫وهو مكمل لألول والذي يتمثل يف احلاجة‪ ،‬ألنه ليس دائما يستطيع اإلنسان ان يضمن حاجاته‬
‫ابلعمل‪ ،‬وهلذا اقر آليات أخرى لتوزيع الدخل واليت تتمثل يف الزكاة والصدقات واإلحسان وغريها‪.‬‬
‫‪ -‬أن تبىن املعامالت على عقيدة إسالمية صحيحة‪ ،‬أي اإلخالص هلل تعاىل‪ ،‬ونتيجة لذلك فان‬
‫العمل النافع ليس ابلضرورة هو الذي حيقق الربح‪ ،‬كما أن أي عمل اقتصادي أو اجتماعي يقرتن‬
‫إبخالص النية هلل عز وجل فهو عبادة حىت ولو كان بغرض إشباع حاجاته اخلاصة‪.‬‬
‫‪ -‬اإلقرار أبخالق املعامالت والسلوكات االقتصادية كمحاربة الغش والتطفيف يف امليزان والسرقة‬
‫والراب‪ ،‬مصداقا لقوله عليه الصالة والسالم‪( :‬إُنا بعثت ْلمتم مكارم اْلخالق)‪ ،‬وعلى هذا جند الكثري‬

‫‪163‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫من اآلايت واألحاديث اليت تضبط سلوكات وعالقات الناس وفق قيم أخالقية راقية ونذكر على سبيل‬
‫ْمط ّيف يفني [‪ ]1‬اله يذين إيذا ا ْكتالُوا على الن ي‬
‫هاس ي ْستـ ْوفُون [‪ ]2‬وإيذا‬ ‫ي‬
‫املثال ال احلصر قوله تعاىل‪﴿ :‬ويْ ٌل لل ُ‬
‫ُولئيك أنـههم مبـعوثُون [‪ ]4‬لييـوٍم ع يظ ٍيم [‪ ]5‬يـوم يـ ُقوم الن ي‬
‫كالُوهم أو وزنُوهم ُُيْ يسرون [‪ ]3‬أال يظُ ُّن أ ٰ‬
‫هاس لر يّ‬
‫ب‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ ُْ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫ُْ ْ‬
‫الْعال يمني [‪( ﴾ ]6‬املطففون‪.)6-1:‬‬
‫ويف األخري ميكن القول أن النظام االقتصادي اإلسالمي يعرب عن جمموع األحكام والقواعد الشرعية‬
‫اليت تنظم السلوكات والعالقات االقتصادية بني الناس وحتدد نشاطاهتم بشكل عادل وفعال‪ ،‬واليت هي‬
‫مستنبطة من مصادر التشريع اإلسالمي واملتمثلة بشكل أساسي يف القرآن والسنة النبوية واجتهادات‬
‫الصحابة والتابعني والفقهاء‪ ،‬ونتيجة جلهود الكثري من املفكرين والباحثني يف هذا اجملال فقد مت حتديد‬
‫وصياغة أسس ومبادئ هذا النظام االقتصادي‪ ،‬جمسدا بذلك األحكام والتعليمات الشرعية اإلسالمية‬
‫يف جوانبها االقتصادية‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫خامتة‬
‫يعترب علم االقتصاد فرع من فروع العلوم االجتماعية‪ ،‬يهتم بدراسة السلوك االقتصادي‬
‫لإلنسان‪ ،‬أي ذلك السلوك والنشاط الذي ميكن اإلنسان من تلبية حاجاته ورغباته املتعددة واملتنامية‬
‫انطالقا من املوارد االقتصادية املتاحة‪ ،‬فهذا العلم حياول حبث احللول واآلليات اليت متكن اإلنسان من‬
‫مواجهة املشكلة االقتصادية القائمة على صعوبة تلبية احلاجات والرغبات انطالقا من املوارد‬
‫االقتصادية املتاحة املتوزعة توزيعا متباينا عرب املناطق اجلغرافية والفئات واجملتمعات البشرية‪ ،‬وهذا من‬
‫خالل حبث ماهية وأبعاد األنشطة االقتصادية اليت هتتم مبعاجلة املشكلة االقتصادية مبختلف أنواعها‪،‬‬
‫واليت تتمثل ابألساس يف نشاط اإلنتاج والتوزيع واالستهالك إضافة إىل االدخار والتبادل واالستثمار‪.‬‬

‫ونتيجة جلهود الكثري من الباحثني يف اطار هذا العلم تولدت العديد من النظرايت واملدارس‬
‫االقتصادية بدءا من املدرسة التجارية مرورا ابملدرسة الكالسيكية والكنزية والنيوكالسيكية‪ ،‬إىل‬
‫النظرايت واألفكار احلديثة‪ ،‬وقد عرف الفكر االقتصادي خالل ذلك تطورات تبعا للتطور‬
‫االجتماعي والتكنولوجي واألنشطة االقتصادية‪ ،‬كما تبلورت أنظمة اقتصادية كالنظام االقتصادي‬
‫الرأمسايل‪ ،‬النظام االقتصادي االشرتاكي‪ ،‬والنظام االقتصادي اإلسالمي‪ ،‬اليت كل منها حياول معاجلة‬
‫املشكلة االقتصادية بطرق وآليات معينة تعكس التوجهات اإليديولوجية لكل نظام وحسب املناهج‬
‫املتبعة فيها‪.‬‬

‫ويف األخري ميكن القول ان دراسة علم االقتصاد تبقى من الضرورايت اليت متكن اإلنسان من‬
‫فهم طبيعة السلوكيات والظواهر االقتصادية ومعاجلة االختالالت واألزمات اليت تظهر من الفينة إىل‬
‫أخرى‪ ،‬إال ان هذه الدراسات جيب ان تنبع من الواقع احملدد إبطاره الزمين واملكاين ومبا يتميز به من‬
‫خصائص اجتماعية واقتصادية‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫املراجع‪:‬‬
‫‪ -‬أمحد جالل‪ ،‬األبعاد االقتصادية للمشاكل البيئية وأثر التنمية املستدامة‪ ،‬دار خالد للنشر والتوزيع‪ ،‬السعودية‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪.2017‬‬
‫‪ -‬أمحد مجال الدين موسى‪ ،‬مبادئ االقتصاد السياسي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪.2006 ،‬‬
‫‪ -‬أمحد حممود مندور‪ ،‬مقدمة يف االقتصاد‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.2004 ،‬‬
‫‪ -‬إدريس خضري‪ ،‬التفكري االجتماعي اخللدوين واثره يف علم االجتماع احلديث‪ ،‬موفم للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪.2003‬‬
‫‪ -‬اإلدارة العامة لتصميم وتطوير املناهج‪ ،‬إدارة اإلنتاج‪ ،‬املؤسسة العامة للتدريب التقين واملهين‪ ،‬اململكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬طبعة ‪.2008‬‬
‫‪ -‬البشري عبد الكرمي‪ ،‬االقتصاد اجلزئي‪ -‬دروس ومتارين‪ ،‬مؤسسة النشر والتوزيع ابلشلف‪ ،‬اجلزائر‪.2007 ،‬‬
‫‪ -‬السيد حممد امحد السرييت‪ ،‬أسس علم االقتصاد‪ ،‬دار التعليم اجلامعي للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪.2014‬‬
‫‪ -‬الطيب داودي‪ ،‬مدخل لعلم االقتصاد يف الفكر الرأمسايل‪ -‬االشرتاكي‪ ،‬واإلسالمي‪ ،‬مكتبة اجملتمع العريب للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬األردن‪.2010 ،‬‬
‫‪ -‬بسام حجار‪ ،‬علم االقتصاد والتحليل االقتصادي‪ ،‬دار املنهل اللبناين‪ ،‬بيوت‪2010 ،‬‬
‫‪ -‬بول جرجيوري‪ ،‬روبرت ستيورت‪ ،‬النظم االقتصادية املقارنة‪ ،‬ترمجة‪ :‬طه عبد هللا منصور‪ ،‬دار املريخ للنشر‪،‬‬
‫اململكة العربية السعودية‪.1994 ،‬‬
‫‪ -‬اثمر البكري‪ ،‬االتصاالت التسويقية والرتويج‪ ،‬دار احلامد‪ ،‬عمان‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.2006‬‬
‫‪ -‬جون كينيث جالربيت ترمجة أمحد فؤاد بلبع ‪ ،‬اتريخ الفكر االقتصادي ‪ ،‬دار عامل املعرفة ‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬جيمس جوارتين‪ ،‬ريتشاد سرتوب‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد عبد الصبور حممد علي‪ ،‬دار املريخ للنشر‪ ،‬اململكة العربية‬
‫السعودية‪.2010 ،‬‬
‫‪ -‬رواء زكي الطويل‪ ،‬حماضرات يف االقتصاد السياسي‪ ،‬دار زهران للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪.2013 ،‬‬
‫‪ -‬زينب حسني عوض هللا‪ ،‬جمدي حممود شهاب‪ ،‬أسامة حممد الفوىل‪ ،‬أصول االقتصاد السياسي‪ ،‬دار اجلامعة‬
‫اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪.2000 ،‬‬

‫‪166‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬زينب صاحل األشوح‪ ،‬االقتصاد اإلسالمي بني البحث والنظرية والتطبيق‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫القاهرة‪.2004 ،‬‬
‫‪ -‬سعيد املصري‪ ،‬ث قافة االستهالك يف اجملتمع املصري‪ ،‬املركز الدويل للدراسات املستقبلية واالسرتاتيجية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫العدد‪.2006 ،19‬‬
‫‪ -‬شطييب حنان‪ ،‬حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‪ ،‬جامعة اجلزائر‪.2018 ،3 -‬‬
‫‪ -‬شقريي نوري موسى‪ ،‬صاحل طاهر الزرقان‪ ،‬وآخرون‪ ،‬إدارة االستثمار‪ ،‬دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.2012‬‬
‫‪ -‬صامويل عبود‪ ،‬االقتصاد السياسي للرأمسالية‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪.1990 ،‬‬
‫‪ -‬صالح الدين انمق‪ ،‬قادة الفكر االقتصادي‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪.1978 ،‬‬
‫‪ -‬ضياء جميد املوسوي‪ ،‬النظرية االقتصادية ‪ :‬التحليل االقتصادي اجلزئي‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪.1990‬‬
‫‪ -‬طارق عبد الفتاح الشريعي‪ ،‬مبادئ علم االقتصاد‪ ،‬مؤسسة حورس الدولية للنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪.2006‬‬
‫‪ -‬عادل امحد حشيش‪ ،‬اتريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬دار النهضة العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.1995 ،‬‬
‫‪ -‬عبد الرمحن الوايف‪ ،‬مدخل إىل علم النفس‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪.2006 ،‬‬
‫‪ -‬غسان قسام دواد الالمي‪ ،‬أمية شكرويل البيايت‪ ،‬إدارة اإلنتاج والعمليات‪ :‬مرتكزات معرفية‪ ،‬دار اليازوري العلمية‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪.2008 ،‬‬
‫‪ -‬كاسر نصر املنصور‪ ،‬إدارة اإلنتاج و العمليـات‪ ،‬دار حامد للنشر و التوزيع‪ ،‬عمـان‪.2000 ،‬‬
‫‪ -‬مالك بن نيب‪ ،‬مشكالت احلضارة‪ -‬فكرة كمنويلث إسالمي‪ ،‬ترمجة‪ :‬الطيب الشريف‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫سوراي‪.2002 ،‬‬
‫‪ -‬متوكل بن عباس حممد مهلهل‪ ،‬مبادئ االقتصاد‪ -‬مدخل عام‪ ،‬دار املريخ للنشر‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪،‬‬
‫‪.2009‬‬
‫‪ -‬جميد خليل حسني‪ ،‬مبادئ علم االقتصاد‪ ،‬دار زهران للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.2012 ،6‬‬
‫‪ -‬حممد حلمي مراد‪ ،‬أصول االقتصاد‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبعة هنضة مصر‪ ،‬القاهرة‪.1961 ،‬‬

‫‪167‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬حممد محد القطاطشة‪ ،‬النظام االقتصادي السياسي الدويل‪ ،‬دار وائل للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪.2013‬‬
‫‪ -‬حممد صاحل احلناوي‪ ،‬طارق مصطفى الشهاوى‪ ،‬مبادئ وأساسيات االستثمار‪ ،‬دار التعليم اجلامعي للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪.2013 ،‬‬
‫‪ -‬حممد عبد هللا شاهني حممد‪ ،‬أصول علم االقتصاد واحلل األمثل للمشكلة االقتصادية من منظور إسالمي‪ ،‬دار‬
‫األكادمييون للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.2017‬‬
‫‪ -‬حممد مدحت مصطفى‪ ،‬اقتصادايت األراضي الزراعية‪ :‬األسس والنظرايت والتطبيق‪ ،‬مكتبة اإلشعاع الفنية‬
‫للطباع والنشر والتوزيع‪.1998 ،‬‬
‫‪ -‬حممود الوادي‪ ،‬األساس يف علم االقتصاد‪ ،‬دار اليازوري العلمية‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.2007‬‬
‫‪ -‬حممود حسني الواد‪ ،‬إبراهيم حممد خريس‪ ،‬نضال علي‪ ،‬مبادئ علم االقتصاد‪ ،‬دار املسرية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫عمان‪.2010 ،‬‬
‫‪ -‬مظهر إمساعيل صربي‪ ،‬نظرايت السياسة الدولية دراسة حتليلية مقارنة‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.1982‬‬
‫‪ -‬معمر داود‪ ،‬مدخل إىل علم االجتماع‪ ،‬دار طليطلة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.2010‬‬
‫‪ -‬منري نوري‪ ،‬التسويق مدخل املعلومات واالسرتاتيجيات‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪.2007 ،‬‬
‫‪ -‬نصيب رجم‪ ،‬إدارة أنظمة التوزيع‪ -‬تطبيقات ودراسة حالة‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬عنابة‪ ،‬اجلزائر‪.2006 ،‬‬
‫‪ -‬هندي منري إبراهيم‪ ،‬أساسيات االستثمار يف األوراق املالية‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪.1999 ،‬‬
‫‪ -‬مخيس حممد هرون أبو بكر‪ ،‬العدالة االجتماعية كأهم ركائز البنيان املايل يف الشريعة اإلسالمية ويف األنظمة‬
‫الوضعية املعاصرة مع اإلشارة إىل مصر‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬غري منشورة‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪2007 ،‬‬
‫‪ -‬عبد القادر زيتوين‪ ،‬حمددات ادخار القطاع العائلي يف اجلزائر دراسة قياسية للفرتة ‪ ،2008 -1970‬مذكرة‬
‫خترج تدخل ضمن متطلبات نيل شهادة املاجيستري يف العلوم االقتصادية‪ ،‬ختصص نقود وبنوك‪ ،‬كلية العلوم‬
‫االقتصادية وعلوم التسيري‪ ،‬جامعة الشلف‪.‬‬
‫‪ -‬فاحل بن عبد هللا بن حممد احلقباين‪ ،‬االدخار العائلي وآثره يف التنمية االقتصادية من منظور إسالمي مع دراسة‬
‫تطبيقية على اململكة العربية السعودية ‪ 1415-1396‬ه‪ ،‬أطروحة دكتوراه يف االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬كلية الشريعة‬
‫والدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬السعودية‪1999 ،‬‬

‫‪168‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪ -‬صاحل صاحلي‪ ،‬توزيع الثروة و الدخل يف االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬جملة العلوم االقتصادية وعلوم التسيري‪ ،‬العدد‪،09‬‬
‫‪.2009‬‬
‫‪ -‬عبد الناصر جرادات‪ ،‬تكنولوجيا معلومات اإلعالن وأثرها على والء املستهلك للمنتج‪ ،‬جملة العلوم اإلدارية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬اليمن‪.2009 ،‬‬
‫‪ -‬سعد عبد احلسني نع مة‪ ،‬العدالة االجتماعية يف الشريعة اإلسالمية والنظم الوضعية (العراق منوذجا)‪ ،‬املؤمتر‬
‫الوطين حول االعتدال يف الدين والسياسة‪ ،‬يومي‪ 22 :‬و‪ 23‬آذار ‪ ،2017‬مؤسسة النبأ للثقافة واإلعالم ومركز‬
‫الدراسات االسرتاتيجية يف جامعة كربالء‪ ،‬العراق‬
‫‪ -‬يعقوب علي جانقي‪ ،‬مبادئ االقتصاد‪ -‬نشأة وتطور علم االقتصاد‪ ،‬املرجع اإللكرتوين للمعلوماتية‪،‬‬
‫‪.16- 01- 2018 ،https://almerja.com/reading.php?idm=94353‬‬
‫خالد بن عبدالرمحن الشايع‪ ،‬خطر اإلسراف والتبذير‪ ،‬وقول هللا تعاىل‪( :‬وكلوا واشربوا وال تسرفوا إنه ال حيب‬
‫املسرفني)‪ ،‬موقع الدكتور خالد بن عبدالرمحن الشايع‪ ،2016-02-04 ،‬رابط املوضوع‪:‬‬
‫‪https://www.alukah.net/web/khalidshaya/0/98479/#ixzz6iNr4JWak‬‬
‫‪)www.uobabylon.edu.iq( -‬‬
‫‪ -‬تقرير التنمية البشرية لسنة ‪ ،2015‬برانمج األمم املتحدة اإلمنائي‪:‬‬
‫()‪https://www.un.org/ar/esa/hdr/hdr15.shtml ،u.n.d.p‬‬
‫‪- stanton william, fundamentals of marketing, 4th édition, MCGRAW- HILL,‬‬
‫‪1995‬‬
‫‪- philips charles.f ducan delbert.j, marketing principles and methods, 6th edition,‬‬
‫‪irwin ontzrio, 1968‬‬
‫‪- Isabel dauner gardiol, mobilizing savings, swiss agency for development and‬‬
‫‪cooperation , 2004,‬‬

‫‪169‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬

‫‪170‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪2021/2020‬‬ ‫جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف‬
‫كلية العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيري‬

‫السنة أوىل ليسانس‪/‬جذع مشرتك‬


‫مقياس‪ :‬مدخل لالقتصاد‬
‫امتحان السداسي اْلول‬

‫اجلزء اْلول‪ :‬امِل اجلداول أدانه َبلكلمات املناسبة يف كل حالة‪:‬‬


‫‪" .1‬هواء"‪" -‬ملح"‪" -‬ماء"‪" -‬ضوء الشمس"‬
‫سلعة اقتصادية‬ ‫سلعة حرة‬
‫‪...................‬‬ ‫‪..................‬‬
‫‪............‬‬ ‫‪....................‬‬
‫‪" .2‬نقل البضائع" – "مالبس أطفال" – "آالت" – "نقل مسافرين"‬
‫خدمة‬ ‫سلعة‬
‫‪...............‬‬ ‫‪...............‬‬ ‫إنتاجية‬
‫‪..............‬‬ ‫‪.............‬‬ ‫استهالكية‬
‫‪ .3‬حدد نوعية العالقة بني املتغريات التالية بوضع كلمة "طردية" أو "عكسية"‪:‬‬
‫االدخار‬ ‫الدخل‬ ‫مستوى العام لِلسعار‬
‫‪..............‬‬ ‫‪................‬‬ ‫‪................‬‬ ‫االستهالك‬
‫‪...............‬‬ ‫‪...............‬‬ ‫‪.............‬‬ ‫االستثمار‬
‫ماهي الفرضية الواجب وضعها ملِل اجلدول‪:‬‬
‫‪....................................................‬‬
‫اجلزء الثاين‪ :‬صحح العبارات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬يقوم النظام االقتصادي الرأمسايل على ملكية الدولة لوسائل اإلنتاج‬
‫‪.................................................................................................‬‬
‫‪ -‬تقوم عملية إعادة اإلنتاج على توجيه جزء من السلع إلشباع احلاجات والرغبات‬
‫‪.................................................................................................‬‬
‫‪ -‬التوزيع الوظيفي للدخل هو تقسيم الدخل بني األفراد واألسر بشكل متساوي‬

‫‪171‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫‪.................................................................................................‬‬
‫‪ -‬حيقق نشاط التخزين منافع شكلية تنتج عن نقل ملكية السلع‪.‬‬
‫‪.................................................................................................‬‬
‫اجلزء الثالث‪ :‬ضع عالمة ‪ X‬أمام إجابة واحدة فقط من بني اإلجاابت املقرتحة لكل سؤال‪:‬‬
‫تتحقق املنفعة الشكلية للمواد عند‪:‬‬
‫من بني اهتمامات علم االقتصاد‪:‬‬
‫‪ ‬نقل املواد من مكان إىل آخر‬
‫‪ ‬دراسة توزيع ومنو السكان‬
‫‪ ‬نقل ملكية املواد من شخص إىل آخر‬
‫‪ ‬دراسة كيفية توزيع الثروة‬
‫‪ ‬نتيجة عمليات التصنيع والتحويل‬
‫‪ ‬دراسة السلوك االجتماعي لإلنسان‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت السابقة صحيحة‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت السابقة صحيحة‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت خاطئة‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت خاطئة‬
‫احلد اْلدىن لالستهالك يعتّب‪:‬‬
‫من أهداف علم االقتصاد‪:‬‬
‫‪ ‬استهالك مستقل عن الدخل‬
‫‪ ‬فهم وتفسري الظواهر االقتصادية‬
‫‪ ‬استهالك مرتبط ابلدخل‬
‫‪ ‬التنبؤ ابلظواهر االقتصادية‬
‫‪ ‬استهالك مستقبلي‬
‫‪ ‬التحكم يف الظواهر االقتصادية‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت السابقة صحيحة‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت السابقة صحيحة‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت خاطئة‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت خاطئة‬
‫هتتم النظرية االقتصادية اجلزئية بـدراسة‪:‬‬
‫تكمن املشكلة االقتصادية حسب الرأمساليني يف‪:‬‬
‫‪ ‬كيفية حتقيق الربح للمنتج‬
‫‪ ‬االستغالل الطبقي‬
‫‪ ‬كيفية توازن السوق‬
‫‪ ‬التباين يف توزيع الدخل‬
‫‪ ‬كيفية تعظيم اإلشباع للمستهلك‬
‫‪ ‬التباين بني املوارد واحلاجات‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت السابقة صحيحة‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت السابقة صحيحة‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت خاطئة‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت خاطئة‬
‫مفهوم اإلنتاج عند االشرتاكيني ‪:‬‬
‫وسيط التبادل من عناصر ‪:‬‬
‫‪ ‬كل نشاط حيقق منفعة‬
‫‪ ‬االستثمار‬
‫‪ ‬يشمل فقط السلع املادية وما يرتبط هبا‬
‫‪ ‬اإلنتاج‬
‫‪ ‬يضم فقط النشاط الزراعي‬
‫‪ ‬االستهالك‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت السابقة صحيحة‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت السابقة صحيحة‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت خاطئة‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت خاطئة‬
‫‪172‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬

‫االدخار يتضمن َبلضرورة‪:‬‬ ‫تؤثر املخاطر غري النظامية لالستثمار على‪:‬‬


‫‪ ‬حتمل املخاطرة‬ ‫‪ ‬جاذبية الدولة لالستثمارات‬
‫‪ ‬هدف حتقيق عائد متوقع‬ ‫‪ ‬توجه االستثمارات حنو قطاعات معينة‬
‫‪ ‬التضحية مبنافع حالية‬ ‫‪ ‬قدرة الدولة على تعبئة االستثمارات‬
‫‪ ‬كلكل اإلجاابت خاطئة اإلجاابت‬ ‫‪ ‬كل اإلجاابت السابقة صحيحة‬
‫السابقة صحيحة‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت خاطئة‬ ‫يتميز رأس املال الثابت ِبنه‪:‬‬
‫فعالية آلية السعر تتطلب‪:‬‬ ‫‪ ‬قابل لالهتالك والتدهور‬
‫‪ ‬حتقيق مبدأ املنافسة احلرة‬ ‫‪ ‬يستخدم مرة واحدة يف اإلنتاج‬
‫‪ ‬حتقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية‬ ‫‪ ‬يكون يف شكل أموال سائلة‬
‫‪ ‬التوزيع العادل للدخل والثروة‬ ‫‪ ‬كل اإلجاابت السابقة صحيحة‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت السابقة صحيحة‬ ‫‪ ‬كل اإلجاابت خاطئة‬
‫‪ ‬كل اإلجاابت خاطئة‬

‫امتحان السداسي اْلول(تعويضي)‬


‫اجلزء اْلول‪ :‬اشرح املصطلحات التالية‪:‬‬
‫علم االقتصاد‪ -‬اإلنتاج‪ -‬الدخل االمسي‪ -‬توزيع الدخل‪ -‬االدخار‪.‬‬
‫اجلزء الثاين‪ :‬صحح العبارات التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬يهتم نشاط النقل بتحقيق منافع زمنية‪.‬‬
‫‪ .2‬هتتم النظرية االقتصادية الكلية بدراسة إشكالية توازن السوق‪.‬‬
‫‪ .3‬تعاجل املشكلة االقتصادية يف اطار النظام االقتصادي االشرتاكي من خالل آلية السعر وامللكية الفردية‬
‫لوسائل اإلنتاج‬
‫اجلزء الثالث‪ :‬اشرح ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬الفرق بني السلع اإلنتاجية والسلع االستهالكية‪.‬‬
‫‪ .2‬أسباب تزايد وتنامي احلاجات اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ .3‬العالقة بني العائد ودرجة املخاطرة‪.‬‬
‫‪ .4‬العالقة بني االدخار واالستهالك‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫الدكتور‪ :‬عبد هللا قلش‬ ‫حماضرات يف مقياس مدخل لالقتصاد‬
‫اجلزء الرابع‪:‬‬
‫‪ .1‬حدد عناصر اإلنتاج وعوائدها؟‬
‫‪ .2‬ما هي أسباب التباين يف توزيع الدخل بني األفراد ؟‬
‫‪ .3‬بني خصائص النظام االقتصادي املختلط؟‬

‫‪174‬‬

You might also like