You are on page 1of 643

1

2
3
‫يمنع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا‬
‫الكتاب بأي وسيلة تصويرية أو الكترونية أو‬
‫ميكانيكية بما فيه التسجيل الفوتوغرافي‪.‬‬
‫والتسجيل على أشرطة أو اقراص قرائية‬
‫أو أي وسيلة نشر أخرى أو حفظ‬
‫المعلومات‪ ،‬واسترجاعها دون إذن خطي‬
‫من الناشر‬

‫‪ISBN 9953-29-623-5‬‬

‫الطبعة الولى‬
‫‪ 1425‬هـ ‪ 2004 -‬م‬

‫محفوظة‬
‫جميع الحقوق َ‬
‫َ‬

‫عين التينة‪ ،‬شارع ساقية الجنزير‪ ،‬بناية الريم‬


‫هاتف‪860138 - 785108 - 785107 (1-961) :‬‬
‫فاكس‪ 786230 (1-961) :‬ص‪.‬ب‪ - 5574-13 :‬بيروت ‪ -‬لبنان‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪asp@asp.com.lb‬‬ ‫البريد اللكتروني‪:‬‬


‫‪http://www.asp.com.lb‬‬ ‫الموقع على شبكة النترنت‪:‬‬
‫التنضيد وفرز اللوان‪ :‬أبجد غرافيكس‪ ،‬بيروت ‪ -‬هاتف )‪785107 (9611‬‬
‫الطباعة‪ :‬مطابع الدار العربية للعلوم‪ ،‬بيروت ‪ -‬هاتف )‪786233 (9611‬‬
‫إهدا‬
‫الهداء‬
‫ء‬
‫إلى رسولنا الحبيب محمد‪ ،‬صييلى اللييه عليييه‬
‫وسييلم‪ ،‬الييذي عّلمنييا أن عزتنييا وقوتنييا فييي‬
‫تمسكنا بكتيياب اللييه تعييالى‪ ،‬فقييال‪ :‬إن اللييه‬
‫يرفع بهذا الكتاب أقواما ً ويضع به آخرين‪..‬‬
‫إلى الصييحابي الجليييل زيييد بيين ثييابت‪ ،‬الييذي‬
‫جمع القرآن‪ ،‬واؤتمن على أعظم مهميية فييي‬
‫التاريخ وهو في ريعان الشباب…‬
‫إلى شباب السلم‪ ،‬أحفاد الصييحابة الكييرام‪،‬‬
‫الييذين كييان ينييادى بهييم فييي المعييارك عنييد‬
‫اشتداد الزمات‪ :‬يا أهل القرآن‪ ،‬زينوا القرآن‬
‫بالفعال‬
‫إلييى أهييل القييرآن‪ ،‬الييذين هييم أهييل اللييه‬
‫وخاصته‪،‬‬
‫أهديكم خواطر قرآنية‬
‫نظرات في أهداف سور القرآن‬
‫‪6‬‬
‫‪7‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫عمرو خالد‬
‫لمسة وفياء‬
‫إليييى العلمييياء الجلء والسيييادة الفاضيييل‬
‫والجنييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييود‬
‫المجهولين الذين شيياركوا فييي تحضييير هييذه‬
‫المييييييييييييييييييييادة القرآنييييييييييييييييييييية‪،‬‬
‫ولم يبخلوا بعلم ول جهد ول وقييت‪ ،‬فجزاهييم‬
‫اللييييييييييييييه عنييييييييييييييي وعيييييييييييييين‬
‫أمة القرآن خير الجزاء‬

‫عمرو خالد‬

‫‪8‬‬
‫خوا‬ ‫اسم السورةهدفها‬
‫الصفحة‬
‫طر‬
‫‪15‬‬ ‫سورة الفاتحة‪ :‬حاوية أهداف القرآن‬
‫قرآنية‬ ‫سورة البقرة‪ :‬أنت مسؤول عن الرض‬
‫‪24‬‬
‫الثبات على المنهج‬ ‫سورة آل عمران‪:‬‬
‫‪45‬‬
‫سورة النساء‪ :‬العدل والرحمة خاصة مع الضعفاء‬
‫‪65‬‬
‫‪80‬‬ ‫سورة المائدة‪ :‬أوفوا بالعقود‬
‫سورة النعام‪ :‬توحيد الله تعالى في العتقاد والتطبيق‬
‫‪98‬‬
‫احسم موقفك في الصراع بين الحق والباطل‬ ‫سورة العراف‪:‬‬
‫‪111‬‬
‫سورة النفال‪ :‬قوانين النصر مادية وربانية‬
‫‪125‬‬
‫سورة التوبة‪ :‬التوبة‬
‫‪137‬‬
‫سورة يونس‪ :‬اليمان بالقضاء والقدر‬
‫‪148‬‬
‫سورة هود‪ :‬التوازن في الثبات على الحق دون ركون أو تهور‬
‫‪159‬‬
‫سورة يوسف‪ :‬ثق بتدبير الله‪ ،‬واصبر ول تيأس‬
‫‪171‬‬
‫سورة الرعد‪ :‬قوة الحق وضعف الباطل‬
‫‪177‬‬
‫سورة إبراهيم‪ :‬نعمة اليمان ونقمة الكفر‬
‫‪184‬‬
‫‪9‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪10‬‬

‫سورة الحجر‪ :‬حفظ الله لدينه‬


‫‪190‬‬
‫سورة النحل‪ :‬نعم الله تعالى‬
‫‪196‬‬
‫استشعر قيمة القرآن‬ ‫سورة السراء‪:‬‬
‫‪208‬‬
‫سورة الكهف‪ :‬العصمة من الفتن‬
‫‪218‬‬
‫سورة مريم‪ :‬توريث الدين للبناء‬
‫‪230‬‬
‫السلم منهج السعادة‬ ‫سورة طه‪:‬‬
‫‪237‬‬
‫سورة النبياء‪ :‬دور النبياء في تذكرة البشرية‬
‫‪243‬‬
‫سورة الحج‪ :‬دور الحج في بناء المة‬
‫‪247‬‬
‫صفات المؤمنين‬ ‫المؤمنون‪:‬‬
‫‪251‬‬
‫سورة النور‪ :‬شرع الله نور المجتمع‬
‫‪255‬‬
‫التحذير من سوء عاقبة المكذبين‬ ‫سورة الفرقان‪:‬‬
‫‪268‬‬
‫دور العلم في توصيل رسالة السلم‬ ‫سورة الشعراء‪:‬‬
‫‪274‬‬

‫اسم السورةهدفها‬
‫الصفحة‬
‫سورة النمل‪ :‬أهمية التفوق الحضاري‬
‫‪279‬‬
‫الثقة بوعد الله‬ ‫سورة القصص‪:‬‬
‫‪290‬‬
‫احذر من الفتن‬ ‫سورة العنكبوت‪:‬‬
‫‪300‬‬
‫سورة الروم‪ :‬آيات الله ظاهرة وواضحة‪ ،‬فكيف ل تؤمنون‬
‫‪11‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪305‬‬
‫سورة لقمان‪ :‬تربية البناء‬
‫‪309‬‬
‫الخضوع لله تعالى‬ ‫سورة السجدة‪:‬‬
‫‪315‬‬
‫سور الستسلم لله‬
‫‪317‬‬
‫‪ -‬سورة الحزاب‪ :‬الستسلم لله في المواقف الحرجة‬
‫‪ -‬سورة سبأ‪ : :‬الستسلم لله سبيل بقاء الحضارات‬
‫‪ -‬سورة فاطر‪ :‬الستسلم لله سبيل العزة‬
‫‪ -‬سورة يس‪ :‬الستسلم لله بالصرار على الدعوة حتى لو يئست‬
‫من النتيجة‬
‫‪ -‬سورة الصافات‪ :‬الستسلم لله وإن لم تفهم الحكمة من أوامره‬
‫‪ -‬سورة ص‪ :‬الستسلم لله بالعودة إلى الحق دون عناد‬
‫سورة الزمر‪ :‬الخلص لله تعالى‬
‫‪334‬‬
‫سورة غافر‪ :‬أهمية الدعوة إلى الله وتفويض المر إليه‬
‫‪340‬‬
‫واجبات ومحاذير للمة المسؤولة عن الرض‬
‫‪346‬‬
‫‪ -‬سورة فصلت‪ :‬حسن الستقبال لوامر الله تعالى‬
‫‪ -‬سورة الشورى‪ :‬التحذير من الفرقة‪ ،‬والمر بالشورى‬
‫‪ -‬سورة الزخرف‪ :‬التحذير من النبهار بالمظاهر المادية‬
‫‪ -‬سورة الدخان‪ :‬التحذير من النبهار بالسلطة والتمكين‬
‫‪ -‬سورة الجاثية‪ :‬التحذير من التكبر والتعالي‬
‫‪ -‬سورة الحقاف‪ :‬نماذج لمن أجاب ولمن رفض أوامر الله‬
‫سور محمد‪ :‬طاعة النبي صلى الله عليه وسلم مقياس قبول العمال‬
‫‪361‬‬
‫سور الفتح‪ :‬سورة الفتوحات والتجليات الربانية‬
‫‪361‬‬
‫أدب العلقات‬ ‫سورة الحجرات‪:‬‬
‫‪361‬‬
‫سور الختيار‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪12‬‬

‫‪373‬‬
‫‪ -‬سورة ق‪ :‬الختيار بين الهدى والضلل‬
‫‪ -‬سورة الذاريات‪ :‬العطاء والمنع بيد الله ففروا إلى الله‬
‫‪ -‬سورة الطور‪ :‬الختيار بين طريق الجنة وطريق النار‬
‫‪ -‬سورة النجم‪ :‬اختر مصدر معلوماتك‬
‫‪ -‬سورة القمر‪ :‬التعرف على الله تعالى من خلل نقمه‬
‫اسم السورةهدفها‬
‫الصفحة‬
‫القمر‪ :‬التعرف على الله تعالى من خلل نعمه‬ ‫‪ -‬سورة‬
‫الواقعة‪ :‬وكنتم أزواجا ً ثلثة‬
‫‪ -‬سورة‬
‫الحديد‪ :‬التوازن بين المادية والروحانية‬ ‫‪ -‬سورة‬
‫للسلم‬ ‫سور النتماء‬
‫‪393‬‬
‫‪ -‬سورة المجادلة‪ :‬التبرؤ من المناهج الخرى والتصال بالسلم‬
‫‪ -‬سورة الحشر‪ :‬مواقف مختلفة من النتماء لدين الله‬
‫‪ -‬سورة الممتحنة‪ :‬امتحانات النتماء‬
‫‪ -‬سورة الصف‪ :‬أهمية وحدة الصف‬
‫‪ -‬سورة الجمعة‪ :‬دور صلة الجمعة في النتماء‬
‫‪ -‬سورة المنافقون‪ :‬خطر النفاق‬
‫‪ -‬سورة التغابن‪ :‬مشاغل اجتماعية تضيع النتماء‬
‫‪ -‬سورة الطلق‪ :‬ل للخلف‬
‫‪ -‬سورة التحريم‪ :‬دور المرأة في تحقيق النتماء لدين الله‬
‫سور الجزء التاسع والعشرين‪ :‬الدعوة إلى الله‬
‫‪414‬‬
‫سور الجزء الثلثين‪ :‬ختام المنهج الرباني‬
‫‪425‬‬
13
‫مقد‬
‫مة‬
‫الحمد لله الييذي أنييزل علييى عبييده الكتيياب ولييم‬
‫يجعل له عوجًا‪،‬‬
‫الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لول أن‬
‫هدانا الله‬
‫هذا الكتاب ليييس كتياب تفسييير‪ ،‬ول يهيدف إليى‬
‫تفسييير آيييات القييرآن بالتفصيييل‪ ،‬وميين أراد ذلييك‬
‫فليرجع إلى أمهييات الكتييب فييي التفسييير‪ ،‬كتفسييير‬
‫الطبري وابن كثير وغيرها من كتييب التفاسييير الييتي‬
‫تمتلئ بها مكتبتنا السلمية‪ ...‬لكن فكرة هذا الكتاب‬
‫مختلفة‪ ،‬وهدفه مختلف‪.‬‬
‫فكرة هذا الكتياب تراودنيي منيذ عشير سينوات‪،‬‬
‫تحدييييدا ً رمضيييان مييين كيييل عيييام‪ ...‬حييييث يقبيييل‬
‫المسلمون فييي كييل العييالم السييلمي علييى قييراءة‬
‫القرآن وختميه فيي شيهر رمضييان المبيارك‪ .‬لكننيي‬
‫كنت أحزن كثيرا ً عنييدما أجييد هييذه الرغبيية الصييادقة‬
‫لقييراءة القييرآن دون أن يرتبييط بهييا فهييم واضييح‬
‫لهييداف هييذه السييورة‪ ،‬ولميياذا نزلييت‪ ،‬ومييا هييي‬
‫جهها لنا هذه السورة‪ .‬وبالتالي كنت‬ ‫الرسالة التي تو ّ‬
‫أجد الناس يقرأون القرآن ويستشعرون فييي قييرارة‬
‫‪14‬‬
‫‪15‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫أنفسهم أن معاني القرآن غريبة عنهم‪ ،‬بل قد ينظيير‬


‫لها البعيض عليى أنهيا طلسيم غيير مفهومية‪ ،‬يجيب‬
‫علينا قراءتها دون إدراك مغزاها وأهدافها‪ .‬وقد يفهم‬
‫البعض معاني كلمات اليات‪ ،‬ولكنه يشييعر أن آيييات‬
‫كييل سييورة متنيياثرة‪ ،‬ليييس لهييا أييية علقيية تربطهييا‬
‫ببعضها‪ ،‬وأنه ل يوجد هدف واحد للسورة تنتظم فيه‬
‫جميع آياتها‪ .‬ومن هنا بدأت الفكرة‪ :‬أن نقييوم بعمييل‬
‫متواضع في سبيل كسر الحواجز بييين شييباب الميية‬
‫وبين كتاب الله‪.‬‬
‫هذا الكتاب يؤكد لقارئ القيرآن أن اليترابط بيين‬
‫آيات كل سورة ترابييط وثيييق‪ ،‬و أن كييل سييورة لهييا‬
‫موضوع واحد وأهداف محددة‪ ،‬وأن آيات السورة قد‬

‫تبدو لول وهلة متناثرة غييير مترابطيية؛ لكنييك إن‬


‫أمعنت النظر‪ ،‬وعرفت هييدف السييورة وموضييوعها‪،‬‬
‫عرفييت أن آيييات السييورة متصييلة اتصييال ً عجيبييًا‪،‬‬
‫يوصلك بقوة لدراك هدف السورة‪ ،‬مما يزيدك حبا ً‬
‫و‬ ‫وَلــ ْ‬
‫لكتاب الله وإيمانا ً بأنه تنزيل من حكيم خبير ‪َ ‬‬
‫خت ِل َ ٰـــفا ً‬
‫ه ٱ ْ‬ ‫دوا ْ ِ‬
‫في ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ر ٱلله ل َ َ‬
‫و َ‬ ‫د َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫عن ِ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫ك َِثيرا ً‪ ‬وبذلك نرى أن كل سورة من سور القييرآن‬
‫هي عبارة عن وحدة متكاملة‪ ،‬تحقييق هييدفا ً واضييحًا‪،‬‬
‫وكل آية تخدم هذا الهدف ميين طريييق واحييد أو ميين‬
‫عييدة طييرق‪ .‬وحييتى اسييم السييورة لييه علقيية بهييذا‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪16‬‬

‫الهدف ) ومن هنا نفهم سبب تسمية سييور القييرآن‪،‬‬


‫كالبقرة وآل عمران ويونس والنمييل‪ (...‬وليييس هييذا‬
‫فحسب‪ ،‬بل أن كل سورة لها علقة قوية بمييا قبلهييا‬
‫وما بعدها من السور‪ ،‬لن ترتيييب سييور القييرآن هييو‬
‫أيضا ً وحي من عند الله‪ ،‬وبييذلك نسييتخلص أن سييور‬
‫القرآن كلهييا عبييارة عيين سلسييلة واحييدة مترابطيية‪،‬‬
‫بحيييث انييك لييو فهمييت هييدف أو اهييداف السييور‬
‫القرآنية‪ ،‬ستجد أنك قد فهمت مييراد ربنييا ميين هييذه‬
‫السور وماذا يريد منك الله في هذا الكتاب‪ ،‬حتى لو‬
‫لم تفهم معنى كل آية وكل كلمة علييى حييدى‪ ،‬لنييك‬
‫إذا فهمت الهداف الكلية للسور فتكون قييد فهمييت‬
‫القرآن كله‪ ،‬وبذلك يكون هذا الكتيياب مفيييدا ً للعاميية‬
‫والبسيييطاء‪ ،‬ليعطيهيييم المبيييادئ الساسيييية لفهيييم‬
‫جهييا ً لحفظيية‬ ‫القرآن‪ ،‬كما يكون في نفس الوقت مو ّ‬
‫القرآن والمهتمين بعلم التفسير‪ ،‬كمحاولة متواضعة‬
‫مني لعرض المحاور والموضوعات الساسية لسييور‬
‫القرآن‪ ،‬وبهذا سيكون منهجنييا فيي عيرض الخييواطر‬
‫القرآنية على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪ -‬تحديد هدف السورة‬
‫‪ -‬عرض اليات المؤكدة لهذا الهدف‬
‫‪ -‬بيان علقة اسم السورة بهدفها‬
‫‪ -‬اظهار علقة السورة بما قبلها وما بعدها‬
‫‪ -‬اختيار بعض اليات للتعليق عليها‬
‫‪17‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ول بييد ميين التأكيييد علييى أن هييذا الكتيياب ليييس‬


‫تفسيرًا‪ ،‬فكل ما فيه هو اجتهاد ومحاوليية لمسيياعدة‬
‫الشباب نحو المزيد من الفهم والتدبر ليات القييرآن‬
‫وترابييط سييوره‪ .‬وليييس لحييد الكلميية الخيييرة فييي‬
‫القيييرآن‪ .‬وإن الوصيييول إليييى الموضيييوع والمحيييور‬
‫الساسييي للسييورة القرآنييية ليييس بييالمر السييهل‪،‬‬
‫لبلغة كلم الله وعمق ودقة وتجدد معانيه من جهة‪،‬‬
‫ولمكانياتي المحدودة والقاصرة ميين جهيية أخييرى‪...‬‬
‫فهو اجتهاد مني وميين فريييق العمييل والبحييث الييذي‬
‫قام مشكورا ً بإعداد هذه المادة‪ ،‬فما أصبنا وأحسيينا‪،‬‬
‫فمن الله‪ ،‬وما أخطأنييا وزللنييا‪ ،‬فميين أنفسيينا‪ ..‬وهنييا‬
‫يحضرني قول العماد الصييفهاني‪ :‬إنييي رأيييت أنييه ل‬
‫يكتب إنسان كتابا ً من يومه إل قال في غده‪ :‬لو غير‬
‫هذا لكان أحسن‪ ،‬ولو زيد لكان يستحسن‪ ،‬ولو قييدم‬
‫هذا لكان أفضل‪ ،‬ولو تييرك هييذا لكييان أجمييل‪ ،‬وهييذا‬
‫مييييييين أعظيييييييم العيييييييبر‪ ،‬وهيييييييو دلييييييييل‬
‫على استيلء النقص عند البشيير بعييد هييذه المقدميية‬
‫المختصييرة‪ ،‬أدعييوك أخييي الكريييم إلييى أن تفتييح‬
‫مصحفك معنا‪ ،‬وتشيياركنا جلسيياتنا القرآنييية الهادفيية‬
‫ميييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييع‬
‫هذا الكتاب‪..‬‬
18
‫سورة الفاتحة‬

‫سو‬ ‫سورة الفاتحة )مكية(‪ ،‬وعييدد آياتهييا سييبع آيييات‪،‬‬


‫رة‬ ‫وهي خامس سورة من حيث التنزيل‪...‬‬
‫الفاتحة‬ ‫مييا هييو سيير سييورة الفاتحيية؟ لميياذا افتتييح بهييا‬
‫المصيييحف؟ ميييا سييير تسيييميتها بيييأم الكتييياب‪ ،‬وأم‬
‫القرآن‪..‬؟ لماذا نقرأها في اليوم والليلة سبع عشرة‬
‫مرة على القل؟ لماذا ل تصح الصلة ال بقراءتها؟‬
‫أهميتها‬
‫وأكثر من ذلك كله‪ ،‬يقول النبي ‪ ‬لحد الصحابة‬
‫»لعلمّنك أعظم سورة في القرآن« فقال ما‬
‫هي يييا رسييول اللييه؟ فقييرأ عليييه الصييلة والسييلم‪:‬‬
‫»الحمــــد للــــه رب العــــالمين‪ ...‬الرحمــــن‬
‫الرحيم‪ ...‬إلــى آخــر الســورة«‪.‬حييين بي ّيين اللييه‬
‫تعالى في سورة الحجر عظمة القرآن قييال تعييالى‪:‬‬
‫مَثـــاِني‬ ‫ن ٱل ْ َ‬
‫مـــ َ‬
‫عا ّ‬
‫ســـب ْ ً‬‫ك َ‬ ‫قـــدْ ءات َي ْن َ ٰــــ َ‬ ‫‪َ‬‬‫ول َ‬
‫َ‬
‫م‪ ‬والسييبع المثيياني هييي‬ ‫ظيــ َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬
‫ع ِ‬ ‫قــْرءا َ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬‫َ‬
‫الفاتحة‪ ،‬وقد سميت بالمثاني لكثرة تكرارها‪...‬‬
‫يقييول النييبي ‪» :‬والـذي نفسـي بيـده مـا‬
‫أنزل الله في التوراة ول النجيل ول الزبور‬
‫‪19‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪20‬‬

‫ول الفرقان مثلها إنها السبع المثاني« رواه‬


‫المام أحمد‪.‬‬
‫أسماؤها‬
‫ولفضلها وشرفها‪ ،‬سميت هييذه السييورة بأسييماء‬
‫كثيرة‪ ،‬فهي أم القييرآن‪ ،‬والسييبع المثيياني‪ ،‬والوافييية‬
‫والكافييية‪ ،‬لكفايتهييا عيين غيرهييا وحاجيية غيرهييا اليهييا‬
‫واكتفاؤه منها‪ .‬فهي تفيض على المؤمن نورا ً يضيء‬
‫حياته‪ ،‬وخيرا ً الهيا ً يغلق عنه أبواب الفتيين ويفتييح لييه‬
‫أبواب الرحمات‪.‬‬
‫أي سر؟ وأي عظمة لهذه السييورة الييتي يقرأهييا‬
‫الكييثير ميين المسييلمون ميين دون أن يفقهييوا هييذه‬
‫المعاني وهذه الرسائل؟‬
‫حاوية أهداف القرآن‬
‫ن سر الفاتحة يكمن في اشييتمالها علييى جميييع‬ ‫إ ّ‬
‫معاني القرآن‪ ،‬فكييل معنيى فيي القييرآن تجييده فييي‬
‫الفاتحة‪ ،‬وكل أهداف القرآن جمعت في هذه اليات‬
‫السبع‪.‬‬
‫كيف هذا؟ تعال معي لنعيش لحظييات رائعية مييع‬
‫أول سورة في القرآن‪:‬‬
‫محاور القرآن‬
‫يدور حديث كتاب الله حييول ثلثيية معييان يطلبهييا‬
‫من المؤمنين به والقارئين له‪:‬‬
‫‪21‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪ .1‬عقائد )فيمن نعتقد(‬


‫‪ .2‬عبادات )كيف نعبد من نعتقد فيه(‬
‫‪ .3‬مناهج الحياة )المنهج الذي أراده الله تعالى لنا(‬
‫فييالقرآن يييدعو أول ً للعقيييدة الصييحيحة‪ ،‬أي أن‬
‫تؤمن بالله تعالى إيمانا ً صحيحا ً على أسس سييليمة‪.‬‬
‫وهو ثانيا ً يييدعو للعبييادة الصييحيحة وإقاميية الشييعائر‪،‬‬
‫ن السلم منهج‬ ‫ولكن العبادة ليست كافية لوحدها ل ّ‬
‫حياة شامل ومتكامل‪.‬‬
‫وسورة الفاتحة قد اشتملت على هييذه الهييداف‬
‫الثلثيية‪ ،‬ففييي محييور العقيييدة تقييرأ قييوله تعييالى‪:‬‬
‫ن‬ ‫م ٰــــ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ٱلّر ْ‬ ‫ن ‪‬‬
‫مي َ‬ ‫ع ٰــــل َ ِ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫مـــدُ للـــه َر ّ‬ ‫ح ْ‬‫‪‬ل ْ َ‬ ‫ٱ‬
‫حيم ِ‪ .‬فالتوحيييد واليمييان بيياليوم الخيير همييا‬ ‫ٱلّر ِ‬
‫أساس عقيدة المسييلم‪ .‬وفييي محييور العبييادة تقييرأ‪:‬‬
‫ن ‪ .‬وفي منهييج حييياة‬ ‫عي ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫ك نَ ْ‬ ‫وإ ِّيا َ‬ ‫عب ُدُ َ‬‫ك نَ ْ‬ ‫‪‬إ ِّيا َ‬
‫م‬
‫قي َ‬‫س ـت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ٱل ْ ُ‬ ‫ص ـَرا َ‬ ‫دَنا ٱل ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫المسلم تقرأ‪  :‬ٱ ْ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ضو ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ر ٱل ْ َ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ع ْ‬‫ن أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬‫ط ٱل ّ ِ‬ ‫صَرا َ‬ ‫ِ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ول َ ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ َ‬
‫علي ْ ِ‬
‫والقرآن كلييه بعييد سييورة الفاتحيية إمييا أن يكييون‬
‫سرا ً معنى الحمد لله رب العييالمين‬ ‫مبّينا ً للعقائد‪ ،‬مف ّ‬
‫ومعنى الرحمن الرحيم ومعنى مالك يوم الييدين‪ ..‬أو‬
‫ك‬‫وإ ِي ّــا َ‬
‫عب ُـدُ َ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫مبّينا ً كيييف نعبييد اللييه تعييالى ‪‬إ ِّيا َ‬
‫ن ‪ .‬أو يخبر عن المناهج في الرض وطرق‬ ‫عي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫الظييالمين والهييالكين وطييرق النيياجين‪ ،‬فنجييد آيييات‬
‫صـــَرا َ‬
‫ط‬ ‫دَنا ٱل ّ‬ ‫هـــ ِ‬ ‫كييييثيرة تشييييرح معنييييى ‪ ‬ٱ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪22‬‬

‫قيم ‪.‬‬
‫ست َ ِ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫أساسيات السلم‬
‫وتذكرنا سورة الفاتحة بأساسيات الدين ومعييانيه‬
‫العظيمة‪:‬‬
‫ب‬
‫م ـدُ للــه َر ّ‬ ‫‪ِ .1‬نعييم اللييه تبييارك وتعييالى ‪ ‬ٱل ْ َ‬
‫ح ْ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫مي َ‬‫ع ٰـل َ ِ‬
‫ٱل ْ َ‬
‫د ‪ .‬أي نفييردك‬ ‫عُبــ ُ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫‪ .2‬الخلص بكلميية ‪‬إ ِّيــا َ‬
‫وحييدك يييا ربنييا بالعبييادة‪ ،‬فل نعبييد إل أنييت‪ ،‬ول‬
‫ن ‪.‬‬ ‫عي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫وإ ِّيا َ‬‫نستعين بأحد إل أنت ‪َ ‬‬
‫صـَرا َ‬
‫ط‬ ‫دَنا ٱل ّ‬ ‫هـ ِ‬ ‫‪ .3‬طلييب الصييحبة الصييالحة ‪ ‬ٱ ْ‬
‫ت َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫هــ ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ع ْ‬‫ن أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ط ٱل ّ ِ‬‫صَرا َ‬ ‫م‪ِ ‬‬
‫قي َ‬‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫‪.‬‬
‫ب‬ ‫ضــو ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫م ْ‬‫ر ٱل ْ َ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫‪ .4‬التحذير من أصحاب السوء ‪َ ‬‬
‫ن ‪.‬‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ول َ ٱل ّ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ َ‬
‫علي ْ ِ‬
‫‪ .5‬أسماء الله الحسنى‪ ،‬مع التركيز على أسماء اللييه‬
‫حي ـم ِ‪ .‬فأصييل علقيية ربنييا‬ ‫ن ٱلّر ِ‬‫م ٰـ ِ‬ ‫‪‬ٱلّر ْ‬
‫ح َ‬
‫بالبشيير هييي الرحميية ولييذلك ورد قييوله الرحميين‬
‫الرحيم مرتين‪.‬‬
‫م‬‫قي َ‬‫س ـت َ ِ‬ ‫ط ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ص ـَرا َ‬
‫دَنا ٱل ّ‬ ‫‪ .6‬السييتقامة ‪ ‬ٱ ْ‬
‫ه ِ‬
‫‪.‬‬
‫ن ‪،‬‬
‫دي ِ‬
‫وم ِ ٱلــ ّ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫م ٰـل ِ ِ‬‫‪ .7‬الخرة والستعداد لها ‪َ ‬‬
‫م ‪.‬‬
‫قي َ‬‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ط ٱل ْ ُ‬‫صَرا َ‬
‫دَنا ٱل ّ‬ ‫و‪‬ٱ ْ‬
‫ه ِ‬
‫‪ .8‬أهمية الدعاء وأدب الدعاء‪ ،‬فالسورة قد اختتمييت‬
‫‪23‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫بالدعاء‪.‬‬
‫ن كل ألفاظ‬ ‫‪ .9‬أمتنا أمة واحدة‪ ..‬ولذلك فإّنك تجد بأ ّ‬
‫المخاطبيية والييدعاء فييي سييورة الفاتحيية جيياءت‬
‫بصيغة الجمع فحتى لو كان المييرء يصييلي وحيييدا ً‬
‫في غرفته ل تصح صيلته بيأن يقيول "اييياك اعبيد‬
‫واياك استعين" أو "اهيدني الصيراط المسيتقيم"‪،‬‬
‫د‪‬‬ ‫عب ُـ ُ‬ ‫دَنا ‪ ‬و ‪‬إ ِي ّــا َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫فل بد ان يقول ‪ ‬ٱ ْ‬
‫هـ ِ‬
‫ن ‪ ،‬وكلها بصيغة الجمع‪ ،‬حتى‬ ‫عي ُ‬
‫ست َ ِ‬ ‫وإ ِّيا َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫يعرف المييرء انييه ضييمن أميية واحييدة وأنييه ليييس‬
‫وحيدا في هذا الكون‪.‬‬
‫الدب مع الله‬
‫وبالضافة إلى ما سبق‪ ،‬فإن السورة تعّلم العبييد‬
‫سييمة إلييى نصييفين‪ ،‬النصييف‬ ‫الدب مع ربه‪ ،‬فهي مق ّ‬
‫الول ثنيياء علييى اللييه والنصييف الثيياني دعيياء اليييه‪.‬‬
‫م ـدُ للــه‬ ‫ح ْ‬‫فالثناء على الله يتجلى في اليات‪  :‬ٱل ْ َ‬
‫ك‬ ‫م ٰـــل ِ ِ‬ ‫حيــم ِ ‪َ ‬‬ ‫ن ٱلّر ِ‬ ‫م ٰـــ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ‪‬ٱلّر ْ‬ ‫مي َ‬‫ع ٰـــل َ ِ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫َر ّ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫عي ُ‬ ‫سـت َ ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫وإ ِي ّــا َ‬‫عب ُـدُ َ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ن ‪ ‬إ ِي ّــا َ‬‫دي ِ‬ ‫وم ِ ٱل ـ ّ‬ ‫ي َـ ْ‬
‫صــــَرا َ‬
‫ط‬ ‫دَنا ٱل ّ‬ ‫هــــ ِ‬ ‫وبعييييد ذلييييك الييييدعاء‪  :‬ٱ ْ‬
‫ت َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫هـ ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫مـ َ‬ ‫ع ْ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ط ٱل ّـ ِ‬ ‫ص ـَرا َ‬ ‫م‪ِ ‬‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ول َ ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ضو ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫م ْ‬‫ر ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫غي ْ ِ‬
‫واللطيف أن عدد أحرف الثناء في النصف الول‬
‫مسيياوية تمامييا ً لعييدد أحييرف الييدعاء فييي النصييف‬
‫الثاني‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪24‬‬

‫فالسورة تعّلم المرء كيف يتعامل مع اللييه‪ ،‬فييإن‬


‫حب لييه أن يثنييي علييى اللييه أول ً‬ ‫أراد الييدعاء فيسييت ّ‬
‫)فيبدأ بحمد اللييه تعييالى وتمجيييده ثييم الصييلة علييى‬
‫ن دعيياءه‬‫رسوله ‪ ،(‬وبعد ذلك يدعو بمييا يشيياء فييإ ّ‬
‫يستجاب بإذن الله‪.‬‬
‫الحوار مع الله‬
‫إن تلوة سورة الفاتحة تفتييح لييك أعظييم أبييواب‬
‫الشرف وهو الحوار مييع اللييه تبييارك وتعييالى‪ .‬ولهييذا‬
‫جاء في الحديث القدسي‪" :‬قسمت الصلة بيني‬
‫وبين عبدي قسمين فإذا قــال العبــد الحمــد‬
‫لله رب العالمين‪ ،‬قال اللــه حمــدني عبــدي‪،‬‬
‫فإذا قال العبــد الرحمــن الرحيــم قــال اللــه‬
‫أثنى علي عبدي‪ ،‬فإذا قال العبد مالــك يــوم‬
‫جــدني عبــدي‪ ،‬فــإذا قــال‬ ‫الدين قــال اللــه م ّ‬
‫العبد إياك نعبد وإياك نستعين قال الله هــذا‬
‫بينــي وبيــن عبــدي‪ ،‬فــإذا قــال العبــد إهــدنا‬
‫الصــراط المســتقيم صــراط الــذين أنعمــت‬
‫عليهم غير المغضــوب عليهــم ول الضــالين‪،‬‬
‫قال الله هذا بيني وبيــن عبــدي ولعبــدي مــا‬
‫سأل"‪.‬‬
‫ن اللييه‬
‫فتستشعر أنك كلما تقرأ سورة الفاتحة فييإ ّ‬
‫تعييالى يجيبييك‪ .‬أي شييرف هييذا فييي حييوار يكييرر رب‬
‫العزة ذكرك فيه بالعبودية ويكافئك بالجابيية مييع أنييك‬
‫لم تأت بجديد وليم تتفضيل بشيييء مين عنييدك‪ ،‬فهييو‬
‫‪25‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫سبحانه أهل الثناء كما تقول وخيرا ً مما تقول‪.‬‬


‫حساسية عمر‬
‫لذلك كان عمر بن عبييد العزيييز رضييي اللييه عنييه‬
‫كان يقرأ الفاتحة آية آية ويسكت بين الية والخرى‪،‬‬
‫وحين سئل عن سبب سييكوته قييال‪" :‬لسييتمتع بييرد‬
‫ربي"‪.‬‬
‫فلو أن قلب المرء استشعر بييأن ربييه يييرد عليييه‬
‫حين يقرأ كل آية من سورة الفاتحة لطار من كييثرة‬
‫الفرح‪...‬‬
‫جوامع خير الدهر‬
‫هل أحسست معي بأهمية السورة؟ لكل ما ذكر‬
‫يقول ابن القيم‪ :‬ان الله تعالى قد أنزل )‪ (104‬كتب‪،‬‬
‫جمييع معانيهييا فييي ثلثيية كتييب‪ :‬التييوراة والنجيييل‬
‫والقييرآن‪ ،‬وجمييع معيياني هييذه الكتييب الثلثيية فييي‬
‫القرآن‪ ،‬وجمع معيياني القييرآن فييي الفاتحيية‪ ،‬وجمييع‬
‫ن‬ ‫عي ُ‬‫سـت َ ِ‬ ‫وإ ِي ّــا َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫عب ُدُ َ‬ ‫معاني الفاتحة في ‪‬إ ِّيا َ‬
‫ك نَ ْ‬
‫‪.‬‬
‫وهييذه الييية مقسييومة إلييى قسييمين‪ ،‬كلهمييا‬
‫ضروري في السلم‪ :‬عبادة الله تعالى أي ممارسيية‬
‫د ‪ ،‬والستعانة بما خلييق اللييه‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫الشعائر ‪‬إ ِّيا َ‬
‫ك نَ ْ‬
‫فييي هييذه الرض وتسييخيرها للنجيياح فييي الحييياة‬
‫ولدارة الرض وفييق منهييج اللييه )كمييا سيينرى فييي‬
‫سورة البقرة(‪ .‬ولن الصحابة فهموا هذه الية جيييدا ً‬
‫وطّبقوهييا ‪ -‬بمحوريهييا ‪ -‬فييي حييياتهم‪ ،‬قييادوا الرض‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪26‬‬

‫ونجحوا في الدنيا والخرة‪.‬‬


‫وإننا نرى في عصرنا الحاضيير‪ ،‬بعييض المسييلمين‬
‫د ‪ ‬فيقتصيير فهمهييم للسييلم‬ ‫عب ُ ُ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫يطّبقون ‪‬إ ِّيا َ‬
‫علييى التييدين فقييط‪ ،‬وللسييف نييرى الغييرب يطبييق‬
‫خر ميييا فيييي الرض‬ ‫ن ‪ ‬فيسييي ّ‬‫عي ُ‬ ‫ســت َ ِ‬‫ك نَ ْ‬‫وإ ِّيــا َ‬
‫‪َ ‬‬
‫لدارتها وعمارتها‪ .‬لكن السييلم يييأمر بييالتوازن بييين‬
‫المرين‪ ،‬وهذا ما تبّينه سورة الفاتحة بوضوح‪.‬‬
‫مفتاح القرآن‬
‫فلماذا سييميت بالفاتحيية؟ هنيياك معنيييان للسييم‪،‬‬
‫أحدهما قريب‪ ،‬وهو لنه افتتح بها المصييحف‪ ،‬ولكيين‬
‫المعنييى البعيييد هييو أنهييا سييميت بييذلك لنهييا مفتيياح‬
‫القييرآن )أي لمعييانيه(‪ ،‬فبهييا تفتتييح كييل سييورة ميين‬
‫سييوره‪ .‬فكييل كنييوز القييرآن فيهييا‪ ،‬ولييو فهييم المييرء‬
‫الفاتحة فسيفهم كل سور القرآن التي بعدها‪.‬‬
‫ن كيييل سيييور القيييرآن‬ ‫ومييين روعييية السيييورة أ ّ‬
‫متسلسييلة فييي معانيهييا وأهييدافها ورسييائلها‪ ،‬فهييي‬
‫مرتبطيية بمييا قبلهييا ول يصييح أن تربييط ال بالسييورة‬
‫الييتي جيياءت قبلهييا بييترتيب المصييحف ال سييورة‬
‫الفاتحة‪ ،‬فلو جاءت قبل أية سيورة لوجيدت المعنيى‬
‫متص يل ً بييل متكييامل ً أيض يًا‪ .‬لييذلك فإننييا نبييدأ صييلتنا‬
‫بالفاتحة ثييم نقييرأ أي سييورة بعييدها ويبقييى المعنييى‬
‫متصل ً مهما كانت السورة‪.‬‬
‫سورتان لكلمتين‬
‫‪27‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ينبغييي أن نلحييظ علقيية الفاتحيية بالسييور الييتي‬


‫جاءت بعدها وفق ترتيب المصحف وهي البقرة وآل‬
‫دَنا‬
‫ه ِ‬‫عمران‪ .‬فلقييد جيياء فييي سييورة الفاتحيية ‪ ‬ٱ ْ‬
‫م ‪.‬‬‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬‫ط ٱل ْ ُ‬‫صَرا َ‬‫ٱل ّ‬
‫ب لَ‬ ‫ك ٱل ْك ِت َــا ُ‬ ‫‪‬ذل ِـ َ‬‫وفي بداية سييورة البقييرة ٰ‬
‫ن ‪ .‬وذلك إشارة إلى أن‬ ‫قي َ‬‫مت ّ ِ‬‫دى ل ّل ْ ُ‬ ‫ه ً‬
‫ه ُ‬‫في ِ‬
‫ب ِ‬‫َري ْ َ‬
‫م‪‬‬ ‫قي َ‬‫س ـت َ ِ‬ ‫ط ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ص ـَرا َ‬
‫دَنا ٱل ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫قوله تعالى ‪ ‬ٱ ْ‬
‫سيشرح في سورة البقرة‪..‬‬
‫ر‬
‫غْيــ ِ‬‫كيييف هييذا؟ اقييرأ قييول اللييه تعييالى ‪َ ‬‬
‫ن ‪.‬‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ول َ ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ضو ِ‬
‫غ ُ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫م ْ‬
‫فالمغضييوب عليهييم والضييالين‪ ،‬صييفات لنيياس‬
‫اسييتحقوا غضييب اللييه‪ ،‬أو ضييلوا عيين صييراط اللييه‪،‬‬
‫م‬‫هـ ْ‬ ‫ب َ َ‬ ‫ر ٱل ْ َ‬ ‫فسورة البقرة تشرح ‪َ ‬‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ضو ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫غي ْ ِ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫ضــاّلي َ‬ ‫‪ ‬وسييورة آل عمييران تشييرح ‪ ‬ٱل ّ‬
‫سورة كاملة عييدد آياتهييا ‪ 268‬آييية تشييرح كلميية فيي‬
‫م ‪ ‬وسييورة‬ ‫هـ ْ‬ ‫ب َ َ‬ ‫ر ٱل ْ َ‬ ‫الفاتحيية ‪َ ‬‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ضـو ِ‬ ‫غ ُ‬
‫م ْ‬ ‫غْيـ ِ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫ضاّلي َ‬‫ول َ ٱل ّ‬ ‫كاملة وهي آل عمران تشرح ‪َ ‬‬
‫ترابط رائع في الهداف والمواضيييع سيينحس بييه‬
‫ونعيش معه أكثر عندما نتناول السورتين بالتفصيل‪.‬‬
‫رحمة للعالمين‬
‫حي ـم ِ‪ ‬قييد‬ ‫ن ٱلّر ِ‬
‫م ٰـ ِ‬ ‫نلحظ أن كلمة ‪‬ٱلّر ْ‬
‫ح َ‬
‫تكيييررت مرتيييين فيييي السيييورة ‪‬ب ِ ْ‬
‫ســـم ِ اللـــه‬
‫حيـــــم ِ‪ ‬وقيييييوله تعيييييالى‬ ‫ن ٱلّر ِ‬
‫ٰــــــ ِ‬ ‫م‬
‫ح َ‬
‫ٱلّر ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪28‬‬

‫حيـم ِ‪ .‬وهييذا يشييعرنا برحميية‬ ‫ن ٱلّر ِ‬ ‫م ٰـ ِ‬ ‫‪‬ٱلّر ْ‬


‫ح َ‬
‫ربنا التي شملت الدنيا والخرة‪..‬‬
‫د‬
‫م ُ‬ ‫فلفظ الرحمن الرحيم الول جاء بعد ‪ ‬ٱل ْ َ‬
‫ح ْ‬
‫ن ‪ ،‬فالعييالمين والييدنيا كلهييا‬
‫مي َ‬‫ع ٰـــل َ ِ‬‫ب ٱل ْ َ‬ ‫للــه َر ّ‬
‫حيم ِ‪ ‬جيياء‬‫ن ٱلّر ِ‬
‫م ٰـ ِ‬
‫ح َ‬‫تسير برحمة ربنا‪ ،‬و ‪‬ٱلّر ْ‬
‫ن ‪ ‬للشييارة أن اليييوم‬ ‫دي ِ‬‫وم ِ ٱل ـ ّ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫بعدها ‪َ ‬‬
‫م ٰـل ِ ِ‬
‫الخر أيضا ً يسير برحمة الله‪.‬‬
‫فهييذه السييورة تطمئن المييرء بييأن الصييل فييي‬
‫الكون هو رحمة الله‪ ،‬وأن أصييل علقيية اللييه بعبيياده‬
‫هي الرحمة‪.‬‬
‫العالمين‪ ...‬الناس‬
‫ن ‪ ‬تدل على معنى لطيف‪،‬‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰـل َ ِ‬
‫ولفظة ‪‬ٱل ْ َ‬
‫فالفاتحة ‪ -‬وهي أول سييور القييرآن ‪ -‬قييد ابتييدأت بي ي‬
‫ن ‪ ،‬بينمييا آخيير‬ ‫ع ٰـــل َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫مــدُ للــه َر ّ‬ ‫‪‬ل ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ٱ‬
‫سورة في القرآن )سورة الناس( قييد انتهييت بقييوله‬
‫س ‪.‬‬
‫و ٱلّنا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ن ٱل ْ ِ‬
‫جن ّ ِ‬ ‫تعالى ‪ِ ‬‬
‫م َ‬
‫فالمصييحف ابتييدأ بكلميية العييالمين وختييم بكلميية‬
‫النييياس‪ ،‬وكيييأن المعنيييى أن هيييذا القيييرآن لييييس‬
‫للمسييلمين فقييط بييل إن هييذا القييرآن هييو لهداييية‬
‫البشرية كلها‪.‬‬
‫غنيمة سهلة‬
‫ولسييورة الفاتحيية خصوصييية تميزهييا‪ ،‬وهييي أنهييا‬
‫خالية مين كيل أحكيام التجوييد الصيعبة وذليك لكيي‬
‫‪29‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫تيسر للقراءة للجميع حتى لمن ل يتحدث بالعربية‪.‬‬


‫فالفاتحية هيي جيواز سيفر الميرء لفهيم القيرآن‬
‫والبطاقة الشخصية للدخول إلى مناجاة الله والنس‬
‫برحابه‪ .‬فكيف نخشع في صييلتنا ونستشيعر كيل مييا‬
‫سبق من المعاني؟‬
‫ميزان الخشوع‬
‫يقول النبي ‪) :‬ليس للعبد مــن صــلته ال‬
‫ما عقل منها(‪ ،‬فهل ترضى أن تغادر صييلتك وقييد‬
‫كتب لك نصييفها أو ربعهييا أو ثمنهييا؟ تعييال معييي إذا ً‬
‫لنقرأ سورة الفاتحة سويا ً ونتدبر في آياتها ومعانيها‪.‬‬
‫لو أردت يوما ً أن تصلي وشعرت بعدم الخشييوع‪،‬‬
‫فاعلم أن هناك نعمة لم تتذكرها‪ ،‬ولو عرفييت كيييف‬
‫مدُ لله ‪ ‬جيدا ً لكان تييذكر كييل نعميية‬ ‫تقول ‪ ‬ٱل ْ َ‬
‫ح ْ‬
‫من نعم الله يجعلك تخشع في صييلتك‪ .‬اجعييل لكييل‬
‫ركعة ميين الركعييات نعميية تتفكيير بهييا وتشييكر ربييك‬
‫عليها‪ ،‬من نعمة السلم واليمان‪ ،‬إلى نعمة القرآن‪،‬‬
‫إلى ارسال النبي ‪ ،‬إلى المال والصحة‪ ،‬إلى نعمة‬
‫ة ٱللــه ل َ‬‫مـ َ‬
‫ع َ‬‫دوا ْ ن ِ ْ‬
‫عـ ّ‬‫وِإن ت َ ُ‬‫النظيير والسييمع‪َ  ...‬‬
‫ها ‪.‬‬ ‫صو َ‬
‫ح ُ‬
‫تُ ْ‬
‫حي ـم ِ‪ ‬تتييذكر‬‫ن ٱلّر ِ‬ ‫م ٰـ ِ‬ ‫وحييين تقييرأ ‪‬ٱلّر ْ‬
‫ح َ‬
‫رحميية اللييه بعبيياده‪ ،‬والييتي شييملت الييدنيا والخييرة‪،‬‬
‫فتطلب منه الرحمة وتخشع بصلتك‪.‬‬
‫ن ‪ ‬تتييذكر يييوم‬
‫دي ِ‬
‫وم ِ ٱل ّ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫وحين تقرأ ‪َ ‬‬
‫م ٰـل ِ ِ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪30‬‬

‫القيامة وأهواله‪ ،‬وتطلييب ميين ربنييا أن يخفييف عنييك‬


‫تعب ذلك اليوم‪ ،‬فتخشع في صلتك‪.‬‬
‫ن ‪،‬‬‫عي ُ‬
‫ســت َ ِ‬ ‫وإ ِّيــا َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫عب ُدُ َ‬
‫ك نَ ْ‬‫وكلما تقرأ‪ :‬إ ِّيا َ‬
‫ك ‪ ‬أن الخلص يتجييدد فييي‬ ‫تشعر عند كلمة ‪‬إ ِّيا َ‬
‫قلبك كل يوم‪ ،‬أنه ل معبود ال الله ول معين ال الله‪،‬‬
‫فتخشع في صلتك‪.‬‬
‫إن هذه الية قييد جمعييت معيياني كييل كتييب اللييه‬
‫المنزلة ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬فل تمر عليهييا مييرور الكييرام‬
‫بل اجعلها عنوان حياتك وجدد معانيها في قلبك كلما‬
‫تقرأها‬
‫م‬‫قي َ‬
‫س ـت َ ِ‬ ‫ط ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ص ـَرا َ‬
‫دَنا ٱل ّ‬ ‫وحين تقرأ ‪ ‬ٱ ْ‬
‫ه ِ‬
‫‪ ‬تشعر أنه ليس لك من يهديك إلى صييراط الييدنيا‬
‫ويثبتييك عليييه ال اللييه‪ ،‬وليييس لييك ميين يهييديك إلييى‬
‫صراط الخرة ويثبت قييدمك عليييه لتجتييازه ال اللييه‪،‬‬
‫فيزيد قربك منه ورجاؤك لرحمته وخوفك من عذابه‬
‫فتخشع في صلتك‪.‬‬
‫قف بجوارهم‬
‫ت َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫هـ ْ‬‫علي ْ ِ‬ ‫مـ َ‬
‫ع ْ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫ط ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صَرا َ‬
‫وكلما تقرأ ‪ِ ‬‬
‫‪ ،‬تذكر من أنعم الله عليهم من قبلك‪ ،‬فمثل ً تييذكر‬
‫في الركعة الولى سيدنا إبراهيم عليه السييلم وآدم‬
‫ونوح وخاتم النبيين محمييد ‪ ،‬وادع اللييه تعييالى أن‬
‫يهديك إلى طريقهم‪ .‬واجعييل الركعيية الثانييية لرجييال‬
‫عظام كأبي بكر وعمر وباقي الصحابة رضييوان اللييه‬
‫‪31‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫كر في الركعة الثالثة صلح الدين وغيييره‬ ‫عليهم‪ ،‬وتذ ّ‬


‫ميين أبطييال السييلم‪ ،‬وفييي الركعيية الرابعيية تفكيير‬
‫بالمؤمنين الذين يعيشييون معييك وصييحبتك الصييالحة‬
‫وادع الليه تعيالى أن يثّبتييك عليهيا‪ .‬وفيي هيذا تكيون‬
‫ت َ َ‬ ‫َ‬
‫م ‪ ‬أمام عينيييك‪.‬‬ ‫ه ْ‬‫علي ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫ع ْ‬‫ن أن ْ َ‬ ‫ط ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صَرا َ‬‫‪ِ ‬‬
‫ول َ‬‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ب َ َ‬ ‫ر ٱل ْ َ‬ ‫أمييا حييين تقييرأ ‪َ ‬‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ضــو ِ‬‫غ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫غي ْ ِ‬
‫ن ‪ ،‬فتذكرك بأعداء السلم والكفار عييبر‬ ‫ضاّلي َ‬
‫ٱل ّ‬
‫الزمييان‪ ،‬الييذين حييادوا عيين هييذا الصييراط فضييّلوا‬
‫وغضب الله عليهم‪.‬‬
‫هذا الكم الهائل من المعاني المتجددة في ختييام‬
‫السورة يطبع في ذهيين قييارئ القييرآن آلف الصييور‬
‫عن القدوات الصالحة‪ ،‬الماضييية والمعاصيرة‪ ،‬وآلف‬
‫الصور عين القيدوات السييئة‪ ،‬ممييا يعطييه خشييوعا ً‬
‫رائعا ً وزيادة فيي القيرب مين الليه واليتزام شيرعه‪،‬‬
‫صلة بعد صلة‪ ،‬وبذلك تصبح صلتنا حية‪.‬‬
‫مفتاح فهم القرآن‬
‫هذه هي سورة الفاتحة‪ ،‬بطاقتك الشخصييية أيهييا‬
‫المسلم‪ ،‬وجواز سفرك لفهم القرآن‪.‬‬
‫فبعد أن تأملنا بعض جوانب عظمة هذه السورة‪،‬‬
‫وفهمنا مفتاح الدخول إلى معاني القرآن‪ ،‬تعال معنا‬
‫إلى كتيياب اللييه تعييالى‪ ،‬لنعيييش مييع آييياته وأحكييامه‬
‫ونتعلم من ترابط آياته وسوره‪.‬‬
‫سورة البقرة‬

‫سو‬ ‫تعريف بالسورة‬


‫رة‬ ‫سورة البقرة )مدنية( وهي أول ما نزل بالمدينيية‬
‫البقرة‬ ‫بعد الهجرة وبقيت تنزل على مدى المرحلة المدنييية‬
‫كلها تقريبا ً أي أّنها رافقت تكوين المجتمع السلمي‬
‫والمة السلمية من بدايتهما‪.‬هي أطول سييورة فييي‬
‫القرآن وعدد آياتها ‪.286‬‬
‫كيف تخاف وهي معك؟‬
‫ورد في فضييل سييورة البقييرة حييديثان‪ :‬الحييديث‬
‫الول رواه المييام مسييلم‪» :‬يؤتى يــوم القيامــة‬
‫بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملــون بــه فــي‬
‫الــدنيا تقــدمه ســورة البقــرة وآل عمــران‬
‫تحاجان عن صاحبهما« تأملوا أيهييا الحبيية كيييف‬
‫ن سورتي البقرة وآل عمران تحاجان ‪ -‬أي تدافعان‬ ‫أ ّ‬
‫‪ -‬عن صاحبهما )الييذي حفظهمييا وعمييل بهمييا وكييان‬
‫يقرأهما كثيرًا(‪.‬‬
‫وفييي رواييية »يــؤتى يــوم القيامــة بــالقرآن‬
‫وأهلــه الــذين كــانوا يعملــون بــه فــي الــدنيا‬
‫‪ 32‬وآل عمــران كأنهمــا‬ ‫تقــدمه ســورة البقــرة‬
‫‪33‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫غمامتان أو ظّلتان«‪ ...‬إ ّ‬


‫ن حّر يوم القيامة شييديد‪،‬‬
‫تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلئق‪ ،‬فتييأتي سييورة‬
‫البقيرة عليى مين حفظهيا أو عميل بهيا أو كيان كيثير‬
‫القييراءة لهييا لتظلييل عليييه‪ ...‬فتأمييل قيميية سييورة‬
‫البقرة!‪..‬‬
‫الحديث الثاني‪ :‬رواه المام البخاري رحمييه اللييه‬
‫تعالى في سورة البقرة يقول »البيت الذي تقــرأ‬
‫فيه سورة البقرة ل يدخله الشيطان«‪ .‬وفييي‬
‫رواييية »‪..‬ل يــدخله الشــيطان ثلثــة أيــام«‪.‬‬
‫ن الكثير من الناس يحرصون على قراءة‬ ‫وبالتالي فإ ّ‬
‫سورة البقرة في البيت لمنع الشيطان من دخوله‪.‬‬

‫أين أصحاب البقرة؟‬


‫ي ‪ ‬كييان ينييادي حييين‬ ‫ن النييب ّ‬
‫وأكثر من ذلك‪ ،‬فإ ّ‬
‫تشتد ّ المعركة على المسلمين ويقيول أيين أصيحاب‬
‫ن أصييحاب البقييرة أنيياس مخصوصييون‬ ‫البقييرة؟ وكييأ ّ‬
‫وحين يسمعون النداء يهّبون مباشرة لتلبية النداء‪...‬‬
‫ونحيين الن ننييادي علييى النيياس ليكونييوا ميين‬
‫أصحاب البقرة‪ ،‬حتى يكونوا في الدنيا ميين الصييفوة‬
‫ويوم القيامة من أصحاب الظّلة‪.‬‬
‫هدف السورة‪ :‬أنت مسؤول عن الرض‪.‬‬
‫الحديث عن هدف السييورة يسيياعدنا علييى فهييم‬
‫اليات بتسلسل واكتشاف الروابط بييين موضييوعاتها‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪34‬‬

‫المختلفيية‪ .‬واللطيييف أن بعييض العلميياء قييال بييأن‬


‫تسمية أقسام القرآن بالسور‪ ،‬لن كييل واحييدة منهييا‬
‫تشييتمل علييى موضييوع واحييد‪ ،‬وآيييات السييورة هييي‬
‫كالسور أو السياج الذي يحيط بهدف السورة ويييدور‬
‫حوله ويخدمه‪ .‬إذا ً لكل سورة محييور وهييدف واحييد‪،‬‬
‫فما هو هدف سورة البقرة؟ وما هييو المحييور الييذي‬
‫يجمع ‪ 286‬آية على مدى جزئين ونصف من القرآن؟‬
‫إن هييدف السييورة هييو السييتخلف فييي الرض‪،‬‬
‫وهيييذا يعنيييي ببسييياطة »يـــا مســـلمين أنتـــم‬
‫مســؤولون عــن الرض«‪ .‬يييا ميين سييوف يقييرأ‬
‫سورة البقرة إعلم أن ّييك مسييؤول عيين الرض وهييذا‬
‫منهجك‪ :‬سورة البقرة‪..‬‬
‫ن الرض هذه‬ ‫ن القرآن يخاطبنا قائل ً اعلموا أ ّ‬‫وكأ ّ‬
‫ملك لليه‪ ،‬والليه هيو ماليك الكيون خلقكيم ومّلككيم‬
‫الرض لكي ُتديروها وفقا ً لمنهج الله‪...‬‬
‫السعيد من وعظ بغيره‬
‫ن الله تعالى خلل مسيرة التاريخ قد اسييتخلف‬ ‫إ ّ‬
‫أمما ً كثيرة على الرض‪ ،‬فمنهم من نجح ومنهم ميين‬
‫فشل وقد حان الدور في نهاية المطيياف علييى هييذه‬
‫المة‪ ،‬والله تعالى ل يحابي أحد حتى ولو كييانت أميية‬
‫مييد صييلى اللييه علييي وسييلم‪ .‬فلييو فشييلت فييي‬
‫مح ّ‬
‫المسؤولية فإّنها ستستبدل كما اسييتبدلت أمييم ميين‬
‫قبلها‪..‬‬
‫‪35‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫هنا نفهم لماذا كييانت سييورة البقييرة أّول سييورة‬


‫في القرآن بعد الفاتحة فهييي الييتي سترسييم معييالم‬
‫المنهج‪ .‬ولهذا أيضا ً نفهم سييبب كييون هييذه السييورة‬
‫أول سورة أنزلت في المدينة‪ ،‬وظلييت تنييزل طييوال‬
‫ن النييبي ‪‬‬ ‫السنين التسعة من المرحلة المدنية‪ ،‬ل ّ‬
‫قييد هيياجر ميين مرحليية الستضييعاف فييي مكيية إلييى‬
‫مرحليية بنيياء الميية‪ ،‬فكييان ميين الطييبيعي أن تنييزل‬
‫السورة في مرحلة البناء لترشييد الميية كيييف تكييون‬
‫مسؤولة عن الرض‪ ...‬فينبغيي لكييل مين يقييرأ هيذه‬
‫السييورة أن يفهييم أن كييل آييية تطلييب منييه القيييام‬
‫بالمهمة الييتي خلييق ميين أجلهييا‪ :‬أنييت مسييؤول عيين‬
‫الرض لصلحها وتعميرها وهييدايتها ول بييد أن يعلييم‬
‫ن المسؤولية تحتم عليه أن ل يكون فاشل ً‬ ‫النسان أ ّ‬
‫فييي حييياته فيأخييذ بيييد النيياس‪ ،‬وينجييح فييي حييياته‬
‫وسيظهر ذلك كله خلل قراءة سورة البقرة‪.‬‬
‫أقسام سورة البقرة‬
‫سمة إلى مقدمة ثم قسمين‬
‫ن سورة البقرة مق ّ‬‫إ ّ‬
‫فخاتمة‪.‬‬
‫القسم الول هييو الجيزء الول ميين القييرآن وهييو‬
‫يعييرض نميياذج لثلث مجموعييات ميين النيياس قييد‬
‫اسييتخلفهم اللييه قبلنييا‪ .‬والقسييم الثيياني يتكييون ميين‬
‫اليات )‪ ،(283-142‬وهييو عبييارة عيين أواميير ونييواهي‬
‫يجب على المة وأفرادها أن يتبعوها ليستخلفوا‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪36‬‬

‫الجزء الول من القرآن‬


‫هذا الجزء مكون من ثمانية أرباع‪:‬‬
‫‪ -‬ربع الحزب الول‪ :‬يتكلم عن أصناف الناس وكأننا‬
‫نستعرض الصييناف الموجييودة علييى هييذه الرض‬
‫والتي سيكلف أحدها بالستخلف‪.‬‬
‫‪ -‬الربع الثاني‪ :‬أول تجربيية إسييتخلف علييى الرض‪:‬‬
‫آدم عليه السلم‪.‬‬
‫‪ -‬الربع الثالث إلى السابع‪ :‬أمة استخلفها الله علييى‬
‫هذه الرض لمدة طويلة وفشلت في المهمة‪ ،‬بنو‬
‫إسرائيل‪.‬‬
‫‪ -‬الربع الثامن والخير‪ :‬تجربة سييدنا إبراهييم علييه‬
‫السلم الناجحة في الستخلف‪.‬‬
‫تجربة سيدنا آدم تجربة تمهيدية تعليمية‪ ،‬وكييانت‬
‫المواجهيية بييين إبليييس وسيييدنا آدم عليييه السييلم‬
‫لعلن بداية مسؤولية سيدنا آدم وذريته عن الرض‪.‬‬
‫ثم بنو إسرائيل‪ :‬نموذج فاشل‪ ،‬فهم أناس حملوا‬
‫المسييؤولية وفشييلوا‪ ،‬وتسييتمر السييورة فييي ذكيير‬
‫أخطيييائهم ل لشيييتمهم ولكييين ليقيييال للمييية اليييتي‬
‫ستستخلف‪ :‬تنبهيي ميين الوقيوع فيي الخطيياء اليتي‬
‫وقعت فيها المة التي قد سبقت في الستخلف!‬
‫وآخر ربع يضرب الله به المثل بالتجربة الناجحيية‬
‫لشخص جعلييه اللييه خليفيية فييي الرض وهييو سيييدنا‬
‫إبراهيم عليه السلم‪ .‬ويكون الييترتيب هييذا منطقي يًا‪،‬‬
‫‪37‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫فبدأ َ بييآدم التجربيية الولييى وختييم بالتجربيية الناجحيية‬


‫لرفع المعنويات وبينهم التجربة الفاشلة‪ ،‬للتعلم ميين‬
‫الخطاء السابقة وأخذ الدروس والعبر‪.‬‬
‫القسم الول‪ :‬نماذج ثلثة‬
‫وأول خمس آيات من آيات المقدمة عبييارة عيين‬
‫صييفات المتقييين‪ ،‬ثييم آيتييان تتحييدثان عيين صييفات‬
‫الكفييار‪ ،‬ثييم ثلث عشييرة آييية )‪ (20-8‬عيين صييفات‬
‫المنافقين لخطورتهم‪.‬‬
‫ن المقدميية تخاطبييك قائليية‪» :‬هييذه أنييواع‬
‫وكييأ ّ‬
‫ن‬
‫دد واختر أي الصناف ترييد أن تكيون ل ّ‬ ‫الناس‪ ،‬فح ّ‬
‫واحدا ً فقط من هذه الصييناف سيييجعله اللييه تعييالى‬
‫مسؤول ً عن الرض«‪.‬‬
‫ولحظ أن أول صفة للمتقين هي "الذين يؤمنون‬
‫بالغيب"‪ .‬فأهم صفات الميية المسييؤولة عيين الرض‬
‫هي اليمان بالغيب وأخطر صفة في الميية السييابقة‬
‫هييي المادييية الشييديدة وعييدم اليمييان إل ّ بمييا تييراه‬
‫أعينهم‪ ،‬كما سيتبين معنا‪.‬‬
‫ول تجربة استخلف‪ :‬آدم عليه السلم‬
‫أ ّ‬
‫وبعييد ذلييك تبييدأ السييورة بسييرد قصيية آدم عليييه‬
‫السلم وتجد أمامك آية محورييية فييي بداييية القسييم‬
‫ل َرب ّـــ َ‬
‫ك‬ ‫قـــا َ‬‫وإ ِذْ َ‬
‫الول اليييذي يليييي المقدمييية‪َ  :‬‬
‫ة‪‬‬ ‫فـ ً‬ ‫خِلي َ‬
‫ض َ‬ ‫فــى ٱلْر ِ‬ ‫عـ ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫مل َ ٰـئ ِك َ ِ‬
‫ة إ ِن ّــي َ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫‪((30‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪38‬‬

‫فأنت أيها النسان مسؤول عن الرض وقد كييان‬


‫أبوك آدم عليه السلم مسييؤول ً عنهييا أيضيا ً فييالرض‬
‫ليسييت مسييؤولية البعيييدين عيين اللييه ول النيياكرين‬
‫ن المسؤول عنها كييان أبييو البشيير‬ ‫لمنهجه‪ .‬فالصل أ ّ‬
‫ن رد الملئكيية وسييؤالهم‬ ‫آدم عليه السلم‪ .‬ولحييظ أ ّ‬
‫ليس اعتراضا ً على حكيم اللييه )والعيياذ بيالله( لكنييه‬
‫خوفهم من السييتبدال وبيييانهم أنهييم لييم يفعلييوا مييا‬
‫يغضب الله‪ ،‬فكل أوقاتهم تسبيح وعبييادة لكيين اللييه‬
‫ن‪.‬‬ ‫مو َ‬‫عل َ ُ‬
‫ما ل َ ت َ ْ‬‫م َ‬ ‫قال لهم‪ :‬إ ِّني أ َ ْ‬
‫عل َ ُ‬
‫عّلم الله آدم تكنولوجية الحياة‬
‫م‬‫عل ّ َ‬ ‫والية التالييية هييي أيضييا ً آييية محورييية‪َ  :‬‬
‫و َ‬
‫ها‪.( (31‬‬ ‫ماء ك ُل ّ َ‬
‫س َ‬
‫م ٱل ْ‬‫ءادَ َ‬
‫وماذا يعني ذلك!‬
‫يعني أّنه تعالى عل ّييم آدم تكنولوجييية الحييياة ‪ -‬إذا‬
‫جاز التعبير ‪ -‬أي أسييماء المخلوقييات ووظائفهييا ميين‬
‫شمس وقمر وبحر وشجر وثمر‪ .‬وكان فييي المعنييى‬
‫تحييذيرا ً للمييؤمنين ميين أن يظنييوا بييأنهم سيييكونون‬
‫مسييؤولين عيين الرض بييدون أن يعرفييوا طريقيية‬
‫ع َ‬
‫ل‬ ‫ج َ‬
‫ذى َ‬ ‫إدارتها وهنا لفتة لطيفة في الية ‪  22‬ٱل ّ ِ‬
‫ماء ب َِنـاء ‪ ‬ففييي‬‫سـ َ‬ ‫فَراشـا ً َ‬
‫و ٱل ّ‬ ‫م ٱل ْْر َ‬
‫ض ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫كـ ُ‬
‫هذه الييية يييبين لنييا اللييه تعييالى أدوات السييتخلف‪:‬‬
‫تسخير الرض والسماء والزرع‪...‬‬
‫فهنا تحذير لعدم فهم السلم أن ّييه صييلة وصيييام‬
‫‪39‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫فقط‪ ،‬دون ان يفهم المؤمنون كيف يييديرون الحييياة‬


‫والرض‪ ،‬فييالله ع يّز وجييل قييد عل ّييم آدم كيييف يييدير‬
‫الرض حتى يفهمنا أن المور ل تييدار بالتييدّين فقييط‬
‫ولكن بالعلم والتكنولوجيا‪.‬‬
‫المعصية هي سبب الستبدال‬
‫وتأتي الييية التالييية ‪ 36‬لتييبّين لنييا تجربيية آدم مييع‬
‫ما‬
‫ه َ‬‫ج ُ‬ ‫فأ َ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫ها َ‬
‫عن ْ َ‬ ‫شي ْطَ ٰـ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ما ٱل ّ‬‫ه َ‬
‫ابليس ‪َ َ ‬‬
‫فأَزل ّ ُ‬
‫ه‪.( (36‬‬ ‫في ِ‬ ‫ما َ‬
‫كاَنا ِ‬ ‫م ّ‬
‫ِ‬
‫ن‬
‫ن المعصية هي سبب الستبدال‪ ،‬كأ ّ‬ ‫وهنا دللة أ ّ‬
‫الية تخاطبنا في زماننا هذا لتقييول‪ :‬يييا أميية محمييد‪،‬‬
‫لقييد بقيتييم ‪ 1300‬سيينة مسييؤولين عيين الرض ومييا‬
‫حصييل لكييم فييي المئة سيينة الخيييرة هييو بسييبب‬
‫معصيتكم كما حصل لبيكم آدم عليييه السييلم‪) ،‬مييع‬
‫ب ُْعد التشبيه بين زلة آدم عليه السلم نبي الله وبييين‬
‫المعاصييي الفادحيية الييتي تقييع بهييا الميية ليييل نهييار(‬
‫فتعلمييوا ميين الخطيياء السييابقة واجتنبييوا المعاصييي‬
‫ليعود الستخلف إليكم‪.‬‬
‫وتمضي اليات في الحديث عن قصة سيييدنا آدم‬
‫هــا‬
‫من ْ َ‬‫هب ِطُــوا ْ ِ‬‫قل َْنا ٱ ْ‬‫حتى نصل إلييى الييية ‪ُ  38‬‬
‫ع‬
‫مــن ت َب ِـ َ‬ ‫ف َ‬‫دى َ‬ ‫هـ ً‬
‫من ّــى ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫مــا ي َـأ ْت ِي َن ّ ُ‬ ‫عــا َ‬
‫فإ ِ ّ‬ ‫مي ً‬
‫ج ِ‬‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫حَزن ُــو َ‬ ‫م يَ ْ‬
‫هـ ْ‬ ‫ول َ ُ‬‫م َ‬‫هـ ْ‬ ‫ف َ َ‬ ‫فل َ َ‬ ‫ي َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫و ٌ‬ ‫خـ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬
‫‪.((38‬‬
‫ن الهدى الذي سيأتي ميين عنييد اللييه‬
‫وهنا نتذكر أ ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪40‬‬

‫تعييييييييييييييييييالى قييييييييييييييييييد ذكيييييييييييييييييير‬


‫ب‬‫ك ٱل ْك َِتــا ُ‬ ‫‪‬ذل ِ َ‬‫في أول السورة على أنه القرآن ٰ‬
‫دى‬‫هـــــــــــــ ً‬ ‫ه ُ‬‫فيـــــــــــــ ِ‬ ‫ل َ َرْيـــــــــــــ َ‬
‫ب ِ‬
‫ن ‪ ،‬ونحن ندعو الله في الفاتحة أن نسييير‬ ‫قي َ‬‫مت ّ ِ‬‫ل ّل ْ ُ‬
‫م‬
‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ط ٱل ْ ُ‬ ‫صَرا َ‬‫دَنا ٱل ّ‬ ‫على هذا الهدى ‪ ‬ٱ ْ‬
‫ه ِ‬
‫‪ ‬فهل بدأت أخييي المسييلم تستشييعر معييي حلوة‬
‫القيييييييييييييييييييييييييرآن وترابيييييييييييييييييييييييييط‬
‫آياته‪.‬‬
‫تجربة بني إسرائيل‬
‫تبدأ تجربيية بنييي إسييرائيل بالييية ‪ 40‬ميين سييورة‬
‫البقرة لتبيان فشلهم فييي امتحييان مسييؤوليتهم عيين‬
‫الرض‪.‬‬
‫باب المهمة‪ :‬تذكر النعم‪.‬‬
‫وأول آييية فييي هييذا السييياق تقييول‪ :‬ي َ‪ٰ ‬ـــب َِنى‬
‫َ‬
‫م‬‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫ع ْ‬‫ي ٱل ِّتى أن ْ َ‬ ‫مت ِ َ‬ ‫ل ٱذْك ُُروا ْ ن ِ ْ‬
‫ع َ‬ ‫س ٰرءي َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ى‬
‫وإ ِي ّ ٰـــــ َ‬ ‫م َ‬ ‫دك ُ ْ‬
‫هــــ ِ‬
‫ع ْ‬
‫ف بِ َ‬ ‫دى أو ِ‬ ‫هــــ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫فــــوا ْ ب ِ َ‬ ‫و ُ‬ ‫وأ ْ‬‫َ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫هُبو ِ‬ ‫ف ٱْر َ‬ ‫َ‬
‫فييأول آييية يخيياطب اللييه بهييا بنييي إسييرائيل‬
‫ي ‪ ‬وأول كلمة خاطبنا الله إياهييا‬ ‫مت ِ َ‬ ‫ع َ‬‫‪ ‬ٱذْك ُُروا ْ ن ِ ْ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰـ ـل َ ِ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫م ـدُ للــه َر ّ‬ ‫ح ْ‬‫ٱل ْ َ‬ ‫فييي منهجنييا ‪‬‬
‫ن بداييية مسييؤولية واسييتخلف كييل أميية تكييون‬ ‫وكييأ ّ‬
‫كر نعم الله تعالى‪.‬‬ ‫بتذ ّ‬
‫نماذج نعم الله تعالى على بني إسرائيل‬
‫‪41‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وبعد هذه الييية يبييدأ اللييه تبييارك وتعييالى بتعييداد‬


‫نميياذج ميين هييذه النعييم فيقييول لهييم فييي الييية ‪:50‬‬
‫قن َــا‬ ‫غَر ْ‬ ‫وأ َ ْ‬‫م َ‬ ‫جي ْن َ ٰـ ـك ُ ْ‬ ‫فأن َ‬
‫قَنا بك ُم ٱل ْبحر َ َ‬
‫َ ْ َ‬ ‫ِ ُ‬ ‫فَر ْ‬ ‫‪‬إ ِذْ َ‬ ‫و‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن ‪ ‬ويقول لهييم فييي‬ ‫م َتنظُُرو َ‬ ‫وأنت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ءا َ‬
‫م‬‫عل ّك ُ ْ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫د ٰ ذل ِ َ‬ ‫ع ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫عنك ُم ِ ّ‬ ‫وَنا َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫‪ّ ‬‬‫الية ‪ 52‬ث ُ‬
‫وظَل ّل َْنا‬ ‫ن ‪ ‬ويقول أيضا ً فييي الييية ‪َ  57‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن‬
‫مـــ ّ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫كـــ ُ‬ ‫وَأنَزل َْنـــا َ‬
‫عل َي ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مـــا َ‬ ‫غ َ‬‫م ٱل ْ َ‬ ‫كـــ ُ‬‫عل َي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫مــا‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫قن َ ٰـك ُ ْ‬ ‫ما َرَز ْ‬ ‫ت َ‬ ‫من طَي ّب َ ٰـ ِ‬ ‫و ٰى ك ُُلوا ْ ِ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫و ٱل ّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َظْل ِ ُ‬ ‫ه ْ‬
‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫كاُنوا ْ أن ُ‬ ‫كن َ‬ ‫ول َ ٰـ ِ‬ ‫موَنا َ‬ ‫ظَل َ ُ‬
‫آيات متتالية تتحدث عن النعم ثم تنتقل للحييديث‬
‫عن أخطاء المة السابقة‪ ،‬وكل هذا الكلم لكي ننتبه‬
‫ونتجنب الوقوع في أخطائهم‪.‬‬
‫أخطاء المة السابقة‬
‫وتبدأ اليييات الييتي تصييف أخطيياء بنييي إسييرائيل‬
‫حت ّ ٰى ن ََرى‬ ‫ك َ‬ ‫ن لَ َ‬
‫م َ‬ ‫س ٰى َلن ن ّ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َ ٰـ ُ‬‫قل ْت ُ ْ‬
‫وإ ِذْ‪ُ ‬‬
‫َ‬
‫ة‪( (55‬‬‫هَر ً‬‫ج ْ‬ ‫ٱلله َ‬
‫ن الخطأ الجسيم الذي‬ ‫لنهم أمة مادية للغاية وكأ ّ‬
‫قد تقع به أي أميية ويكييون سييببا ً فييي اسييتبدالها هييو‬
‫طغيان المادية فيهًا‪ ،‬ومعنى المادية أنهييم ل يؤمنييون‬
‫إل إذا رأوا أمييرا ً ملموسييًا‪ .‬وهنييا نتييذكر أول صييفة‬
‫ن‬
‫مُنـو َ‬ ‫ن يُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ذي َ‬‫للمتقييين فييي بداييية السييورة ‪ ‬ٱّلـ ِ‬
‫ب‪.( (2‬‬ ‫ب ِ ٱل ْ َ‬
‫غي ْ ِ‬
‫وتمضي اليييات الكييثيرة فييي الحييديث عيين بنييي‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪42‬‬

‫إسرائيل والموبقات التي ارتكبوها كقتل النبياء بغير‬


‫الحييق‪ ،‬وعصيييانهم وكفرهييم بآيييات اللييه‪ ،‬واعتييداء‬
‫أصحاب السبت وتحايلهم علييى آيييات اللييه‪ ،‬إلييى أن‬
‫تصل بنا اليات إلى القصة المحورية‪ :‬قصة البقرة‪.‬‬
‫لماذا سميت السورة بالبقرة؟‬
‫قد يتساءل البعييض لميياذا سييميت هييذه السييورة‬
‫بسورة البقرة؟‬
‫ن قصيية‬‫قد يجيب البعييض بأنهييا سييميت كييذلك ل ّ‬
‫ن هييذه‬
‫البقرة جاءت في هذه السورة‪ ،‬مع العلييم بييأ ّ‬
‫السورة قييد جيياء بهييا قصييص كييثيرة فلميياذا سييميت‬
‫السورة باسم هذه القصة دون غيرها؟‬
‫سييدت الخطيياء الساسييية‬‫ن قصة البقرة قييد ج ّ‬ ‫إ ّ‬
‫الكييبرى لبنييي إسييرائيل‪ ،‬فسييميت السييورة باسييمها‬
‫لكييي يتييذكر المسييلم المسييؤول عيين الرض هييذه‬
‫الخطاء ويتجنبها‪.‬‬
‫الجدل مفتاح الشرور‬
‫وهذه الخطاء التي ارتكبهييا بنييو إسييرائيل تظهيير‬
‫ل‬ ‫قــا َ‬ ‫وإ ِذْ َ‬‫مييين أول اليييية السيييابعة والسيييتين ‪َ ‬‬
‫حوا ْ‬ ‫قومه إن ٱللــه ي ـأ ْمرك ُ َ‬
‫م أن ت َـذْب َ ُ‬ ‫َ ُ ُ ْ‬ ‫س ٰى ل ِ َ ْ ِ ِ ِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬‫وا َ‬ ‫خذَُنا ُ‬ ‫َ‬
‫قاُلوا ْ أت َت ّ ِ‬
‫قَرةً َ‬ ‫بَ َ‬
‫ن‬ ‫عوذُ ب ِٱلله أ ْ‬ ‫لأ ُ‬ ‫هُز ً‬
‫ع ل َن َــا َرب ّـ َ‬
‫قــاُلوا ْ ٱدْ ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫هِلي َ‬ ‫ج ٰــ ِ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫مـ َ‬‫ن ِ‬ ‫أك ُــو َ‬
‫ق ـَرةٌ ل ّ‬ ‫هــا ب َ َ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬‫قو ُ‬‫ه يَ ُ‬ ‫قا َ‬
‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫ى َ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ل َّنا َ‬
‫ي ُب َي ّ َ‬
‫‪43‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫مــا‬ ‫عُلوا ْ َ‬ ‫ف َ‬‫فـ ٱ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ٰ لذِـ َ‬ ‫ن ب َي ْ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫ول َ ب ِك ٌْر َ‬ ‫ض َ‬ ‫ر ٌ‬ ‫فا ِ‬ ‫َ‬


‫مــا‬‫ك ي ُب َي ّــن ل ّن َــا َ‬ ‫ع ل َن َــا َرّبـ َ‬ ‫قــاُلوا ْ ٱدْ ُ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫مرو َ‬ ‫ؤ َ‬‫ت ُـ ْ‬
‫ع‬
‫قـ ٌ‬ ‫فا ِ‬ ‫فَراء َ‬ ‫ص ْ‬‫قَرةٌ َ‬ ‫ها ب َ َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ها َ‬ ‫ون ُ َ‬ ‫لَ ْ‬
‫ك‬ ‫ع ل َن َــا َرب ّـ َ‬ ‫قــاُلوا ْ ٱدْ ُ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫ري َ‬ ‫سّر ٱلن ّ ٰــظِ ِ‬ ‫ها ت َ ُ‬ ‫ون ُ َ‬ ‫لّ ْ‬
‫وإ ِّنــا‬ ‫عل َي َْنــا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ش ٰـب َ َ‬ ‫قَر ت َ َ‬ ‫ن ٱلب َ َ‬ ‫ى إِ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ي ُب َّين ل َّنا َ‬
‫هــا‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫قــو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬‫م ْ‬ ‫شاء ٱلله ل َ ُ‬ ‫ِإن َ‬
‫قى‬ ‫ســـ ِ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ل ت ُِثيـــُر ٱل ْْر َ‬ ‫قـــَرةٌ ل ّ ذَُلـــو ٌ‬ ‫بَ َ‬
‫ن‬‫قــاُلوا ْ ٱلئ َ ٰـ ـ َ‬ ‫هــا َ‬ ‫في َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ش ـي َ َ‬ ‫ة لّ ِ‬ ‫م ٌ‬‫سل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ث ُ‬ ‫حْر َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ن‪‬‬ ‫عل ُــو َ‬ ‫ف َ‬‫دوا ْ ي َ ْ‬ ‫ما ك َــا ُ‬ ‫و َ‬‫ها َ‬ ‫حو َ‬ ‫فذَب َ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ت ب ِٱل ْ َ‬ ‫جئ ْ َ‬ ‫ِ‬
‫‪.((67-71‬‬
‫إختارها لحكمة‬
‫ن رجل ً من بني اسرائيل قتل ولم‬ ‫وقصة البقرة أ ّ‬
‫يعرف من قتله‪ ،‬فاختلف فيه فييأوحى اللييه إليهيم أن‬
‫اذبحوا بقرة وأن يأخذوا قطعة منها ثييم يضييربوا بهييا‬
‫الميت فيحييه فيقول من الذي قتله ولقد طلب اللييه‬
‫تعالى منهم ذلك لنهم ماديون للغاييية وليريهييم بييأنه‬
‫تعالى قادر على كل شيييء وأن المييور ليسييت كمييا‬
‫ودوا عليه دائما ً فيحيي الميت بالميت فينطق‪.‬‬ ‫تع ّ‬
‫وبما أنهم لم يفهموا الحكمة وبمييا أنهييم ميياديون‬
‫سيد‬‫جدا ً فقد رفضوا تطبيق المر‪ ،‬وقصية البقيرة تج ّ‬
‫أخطاء بني إسرائيل‪ ،‬من المادية إلى الجييدل وعييدم‬
‫طاعة أنبيائهم إلى عدم طاعة اللييه تعييالى واللتييواء‬
‫فييذوا مييا أمرهييم اللييه بييه‬
‫على منهجه وحييتى حييين ن ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪44‬‬

‫مــا‬‫و َ‬
‫ها َ‬
‫حو َ‬ ‫فييذوا ذلييك مكرهييين مجييبرين ‪َ ‬‬
‫ف ـذَب َ ُ‬ ‫ن ّ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫عُلو َ‬ ‫دوا ْ ي َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫َ‬
‫كا ُ‬
‫ن قصيية البقييرة تنب ّييه ميين المادييية الشييديدة‬ ‫وكييأ ّ‬
‫وكأنها تنّبه من الجدل في دين الله تعالى‪ ،‬تنب ّييه ميين‬
‫فذ‬‫المراوغة والتحايل على شرع الله تعالى‪ ،‬أو أن تن ّ‬
‫ميت سييورة‬ ‫شرع الله تعالى وأنت كيياره لييذلك فس ي ّ‬
‫البقرة لخطورة هذه الفعال‪.‬‬
‫تمّيزوا حتى في مصطلحاتكم‬
‫وتمضي اليات إلى أن نصل إلى الية التي يييذكر‬
‫مُنــوا ْ ‪ .‬وهييذا‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬‫فيها لول مرة ‪‬ي َ ٰـأي ّ َ‬
‫مُنوا ْ ل َ‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬‫ذي َ‬‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫يتجلى في قوله تعالى ‪‬ي َ ٰـأي ّ َ‬
‫عوا ْ ‪‬‬ ‫م ُ‬‫سـ َ‬
‫وٱ ْ‬ ‫قول ُــوا ْ ٱنظُْرن َــا َ‬ ‫و ُ‬ ‫قوُلوا ْ ٰر ِ‬
‫عن َــا َ‬ ‫تَ ُ‬
‫‪.((104‬‬
‫لقد كان اليهود يخاطبون النييبي صييلى الييه عليييه‬
‫وسلم بقولهم )راعنا( ومعنى راعنا أي راعي أمورنييا‬
‫ى سيئا ً بلغتهم )إسيمع‬ ‫ولكنهم كانوا يقصدون بها معن ً‬
‫ل سمعت( أو تعني شيئا ً من الرعونة‪ .‬ومن ل يفهييم‬
‫لغتهم ول يعييرف مييا يقصييدون يظيين بييأنهم يقولييون‬
‫للنبي راعي أمورنا‪ .‬فالله جل وعل يقول للصحابة ل‬
‫تقولوا راعنا ولكن قولييوا انظرنييا والكلمتييان تحملن‬
‫المعنى نفسه ولكن ذلك تغيير في المصطلح‪..‬‬
‫وكأن المعنى‪ :‬تمّييييزوا حييتى فييي مصييطلحاتكم‪.‬‬
‫فالله تعالى يريد أن يفهمنييا بييأن الميية السييابقة قيد‬
‫وقعيييت بأخطييياء شيييديدة فل تّتبعوهيييا أو تقل ّيييدوها‪،‬‬
‫‪45‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وتمّيزوا عنها حتى في مصطلحاتكم وهنا علقيية مييع‬


‫سورة الفاتحة حين يطلب المؤمن أن ل يكون مثييل‬
‫ول َ‬‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ب َ َ‬ ‫ر ٱل ْ َ‬ ‫بنييي إسييرائيل ‪َ ‬‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ضــو ِ‬‫غ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫غي ْـ ِ‬
‫ن ‪ ‬وتأملوا شباب اليوم كيف تقل ّييد المييم‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫الخرى وكيف تقّلد الغييرب فييي أتفييه الشييياء بينمييا‬
‫الله تعالى يعّلمنا أن نتمّيز حتى في مصطلحاتنا‪.‬‬
‫ذر ميين التبعييية‪،‬‬ ‫وبعد ذلك تعددت اليات التي تح ّ‬
‫لنهييا تبييدأ بالشييياء الثانوييية وليين تنتهييي ال بييالكفر‬
‫ب ل َـ ْ‬
‫و‬ ‫ل ٱل ْك ِت َ ٰــ ِ‬‫هـ ِ‬ ‫ن أَ ْ‬‫مـ ْ‬ ‫‪‬دّ ك َِثيٌر ّ‬ ‫و‬
‫والعياذ بالله‪َ :‬‬
‫فاًرا‪( (109‬‬ ‫م كُ ّ‬ ‫م ٰـن ِك ُ ْ‬‫د ِإي َ‬‫ع ِ‬
‫من ب َ ْ‬
‫كم ِ‬ ‫دون َ ُ‬
‫ي َُر ّ‬
‫التجربة الناجحة‪ :‬إبراهيم عليه السلم‬
‫ونصل إلى الربع الخير ميين الجييزء الول والييذي‬
‫يتحييييييييييييييييدث عيييييييييييييييين تجربيييييييييييييييية‬
‫إبراهيم وهي تجربة ناجحة جيياءت فييي نهاييية الجييزء‬
‫للتحفييييييييييييييييز عليييييييييييييييى النجييييييييييييييياح‬
‫م‬ ‫‪ ‬ٱب ْت َل َ ٰى إ ِب ْ ٰر ِ‬
‫هي ـ َ‬ ‫وإ ِِذ‬
‫فييي امتحييان السييتخلف‪َ :‬‬
‫َ‬
‫قـــــــا َ‬
‫ل‬ ‫ن َ‬
‫ه ّ‬
‫م ُ‬
‫فـــــــأت َ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫ٰــــــــ ٍ‬ ‫ه ب ِك َل ِ َ‬
‫م‬ ‫َرّبـــــــ ُ‬
‫مــا‪ .( (124‬ولحييظ أن‬ ‫ما ً‬ ‫س إِ َ‬ ‫عل ُ َ‬
‫ك ِللن ّــا ِ‬ ‫ج ٰــ ِ‬ ‫إ ِن ّــى َ‬
‫سيييييييييييييييييييييييييييدنا إبراهيييييييييييييييييييييييييييم‬
‫ن‪‬‬ ‫َ‬
‫لم ينجح في المتحان نجاحييا عاديييا بييل ‪‬أت َ ّ‬
‫مه ُ ي ّ‬
‫م هييذه البتلءات‬ ‫ن خييير قيييام فلمييا أت ي ّ‬ ‫أي قييام به ي ّ‬
‫)الرمييي فييي النييار‪ ،‬الهجييرات وتييرك الولييد فييي‬
‫الصييحراء‪ ،‬ذبييح الولييد‪ .(..‬أخييبره اللييه انييه سيييجعله‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪46‬‬

‫للناس إماما ً )الستخلف( لنه قد اطيياع اللييه تعييالى‬


‫مــن ذُّري ّت ِــى‬
‫و ِ‬
‫ل َ‬ ‫فقال إبراهيم عليه السييلم ‪َ ‬‬
‫قا َ‬
‫ن‪( (124‬‬ ‫دي ٱلظّ ٰـل ِ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ه ِ‬
‫ع ْ‬ ‫ل ل َ ي ََنا ُ‬
‫ل َ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬
‫فقوله ل ينال عهدي الظالمين درس هام لنا بييأن‬
‫الليييه تعيييالى ل يحيييابي أحيييدا ً حيييتى أمييية محميييد‬
‫والسييتخلف مقييرون بالطاعيية ل بالنسييب وبهييذا‬
‫المعنى يدعو سيدنا إبراهيم أن يستخلف واحييدا ً ميين‬
‫سول ً‪.( (129‬‬‫م َر ُ‬ ‫ه ْ‬
‫في ِ‬
‫ث ِ‬
‫ع ْ‬ ‫ذريته ‪َ‬رب َّنا َ‬
‫و ٱب ْ َ‬
‫ومن المفيد هنا ملحظة بدايات القصص الثلث‪:‬‬
‫فكلهييا بييدأت بآيييات تييبّين مجييال السييتخلف وكلهييا‬
‫اشتملت على اختبارات في طاعة الله تعالى‪:‬‬
‫ل‬ ‫وإ ِذْ َ‬
‫قــا َ‬ ‫قصــة آدم‪ :‬أول آييية فييي القصيية ‪َ ‬‬
‫ة‬
‫فـ ً‬‫خِلي َ‬
‫ض َ‬ ‫فى ٱلْر ِ‬ ‫ل ِ‬‫ع ٌ‬
‫جا ِ‬ ‫مل َ ٰـئ ِك َ ِ‬
‫ة إ ِّني َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬
‫َرب ّ َ‬
‫‪) ( (30‬اختبييار آدم فييي مسييألة عييدم الكييل ميين‬
‫الشجرة(‪.‬‬
‫قصــة بنــي اســرائيل‪ :‬أول آييية فييي القصيية‪:‬‬
‫مِتــى ٱل ِّتــى‬ ‫كــُروا ْ ن ِ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ل ٱذ ْ ُ‬
‫ســ ٰرءي َ‬ ‫‪‬ـــب َِنى إ ِ ْ‬‫يَ ٰ‬
‫ن‬
‫مي َ‬‫ع ٰـل َ ِ‬
‫عَلى ٱل ْ َ‬‫م َ‬ ‫ضل ْت ُك ُ ْ‬‫ف ّ‬‫وأ َّنى َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ت َ‬
‫م ُ‬‫ع ْ‬
‫َ‬
‫أن ْ َ‬
‫‪) ( (47‬الختبييار فييي تنفيييذ أواميير اللييه المختلفيية‬
‫وشكر النعم(‪.‬‬
‫قصة إبراهيييم‪ :‬أول آييية فييي القصيية وهييي الييية‬
‫مــا ‪َ  ‬‬
‫وإ ِِذ‬ ‫ما ً‬‫س إِ َ‬ ‫ك ِللّنــا ِ‬‫عل ُ َ‬
‫ج ٰـــ ِ‬
‫نــى َ‬
‫‪ :124‬إ ِ ّ‬
‫‪‬‬
‫ن ‪) ‬تحييدي‬ ‫ٱبت َل َ ٰى إب ٰرهيم ربه بك َل ِم ٰـت َ َ‬
‫ه ّ‬ ‫م ُ‬‫فأت َ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َ ّ ُ ِ‬ ‫ِْ‬ ‫ْ‬
‫‪47‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الب ‪ -‬تحدي القوم ‪ -‬الرمييي فييي النييار – الهجييرة ‪-‬‬


‫ترك الولد والزوجة في الصحراء ‪ -‬الذبح(‪.‬‬
‫وقفات ولطائف‬
‫في الختام تأتي آية رائعة بتلخيصييها حييياة سيييدنا‬
‫م ُ‬ ‫َ‬
‫داء‬ ‫ه َ‬ ‫ش َ‬ ‫م ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫يعقوب )وإسرائيل( في أسطر ‪‬أ ْ‬
‫مــا‬ ‫ه َ‬ ‫ل ل ِب َِنيـ ِ‬ ‫قــا َ‬ ‫ت إ ِذْ َ‬ ‫و ُ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫قــو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ض ـَر ي َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫إ ِذْ َ‬
‫ه‬‫وإ ِل َ ٰـ ـ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ه َ‬ ‫عب ُـدُ إ ِل َ ٰـ ـ َ‬ ‫قــاُلوا ْ ن َ ْ‬ ‫دى َ‬ ‫عـ ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫عب ُ ُ‬‫تَ ْ‬
‫ها‬ ‫ق إ ِل َ ٰـــ ً‬ ‫ح ٰـــ َ‬ ‫س َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عي َ‬ ‫م ٰـــ ِ‬ ‫س َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هيــ َ‬ ‫ك إ ِب ْ ٰر ِ‬ ‫آَبــائ ِ َ‬
‫ن‪.( (133‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫ح ً‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫فهنييا حييرص سيييدنا يعقييوب علييى نقييل أمانيية‬
‫السييتخلف ميين آبييائه إبراهيييم واسييحق إلييى ابنييائه‬
‫وذريته بني إسرائيل‪.‬‬
‫ونلحظ أيضا ً في ختام الجزء الول وبعد أن ق ّ‬
‫ص‬
‫من ّــا‬ ‫قوُلوا ْ ءا َ‬ ‫علينييا القصييص الثلث تييأتي الييية ‪ُ ‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫هيـ َ‬ ‫ل إ ِل َــى إ ِب ْ ٰر ِ‬ ‫ز َ‬ ‫ما أنـ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ل إ ِل َي َْنا َ‬ ‫ز َ‬ ‫ما أن ِ‬ ‫و َ‬ ‫ب ِ ٱلله َ‬
‫ط‬ ‫ســَبا ِ‬ ‫و ٱل ْ‬ ‫ب َ‬ ‫قــو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ٰـــ َ‬ ‫س َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عي َ‬ ‫م ٰـــ ِ‬ ‫س َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مــا أوِتــ َ‬ ‫و َ‬ ‫ســ ٰى َ‬ ‫عي َ‬ ‫و ِ‬ ‫ســ ٰى َ‬ ‫مو َ‬ ‫ى ُ‬ ‫مــا أوِتــ َ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫م ل َ نُ َ‬
‫هـ ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫د ّ‬ ‫حـ ٍ‬ ‫نأ َ‬ ‫فّرقُ ب َي ْـ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ّرب ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ٱلن ّب ِّيو َ‬
‫ن‪.( (136‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫َ‬
‫فهييذه الييية تفصيييل للييذين أنعييم اللييه عليهييم‬
‫ط‬ ‫صَرا َ‬ ‫دَنا ٱل ّ‬ ‫ه ِ‬‫المذكورين في سورة الفاتحة ‪ ‬ٱ ْ‬
‫ت َ َ‬ ‫َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ط ٱل ّ ِ‬ ‫صَرا َ‬ ‫م‪ِ ‬‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫من فضلك اقرأ هذا الجزء بنفسييية ميين يريييد أن‬
‫يكييون مسييؤول ً عيين الرض ليسييتخلفه اللييه‪ ،‬وأن‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪48‬‬

‫يستفيد من أخطاء غيره‪ ،‬وأن يحذر المادية والجييدل‬


‫والتحايل على شرع الله ويتحرى طاعته‪.‬‬
‫يحيدد الجييزء الثياني ميين سييورة البقييرة الوامير‬
‫والنييواهي الييتي ل بييد للميية ميين الخييذ بهييا حييتى‬
‫تستخلف‪ .‬وكل هذه الوامر والنواهي ‪ -‬كما سيييتبين‬
‫معنا ‪ -‬متعلقة بثلثة أمور‪:‬‬
‫‪ .1‬طاعة الله‬
‫‪ .2‬تمّيز المة‬
‫‪ .3‬تقوى الله‬
‫إن ميين سيسييتخلف علييى الرض ل بييد لييه ميين‬
‫منهج ليسير عليه‪ ،‬هذا المنهج هو الجييزء الثيياني ميين‬
‫سورة البقرة‪.‬‬
‫تغّير القبلة‪ :‬إختيار للطاعة وأمر بالتمّيز‬
‫يبدأ الجزء الثيياني بييالتعقيب علييى الحادثيية الييتي‬
‫أمييييييير الليييييييه بهيييييييا المسيييييييلمين بتغييييييييير‬
‫القبلة من المسجد القصى إلييى الكعبيية المش يّرفة‪،‬‬
‫قو ُ‬
‫ل‬ ‫سي َ ُ‬‫وتشكيك اليهود في المدينة بهذا المييير‪َ  :‬‬
‫م‬‫هــ ُ‬ ‫عن ِ َ‬ ‫ول ّ ٰـ ُ‬ ‫س َ‬
‫قب ْلت ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما َ‬‫س َ‬‫ن ٱلّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫هاء ِ‬‫ف َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫عل َي ْ َ‬
‫ها‪.((142...‬‬ ‫كاُنوا ْ َ‬
‫ٱل ِّتى َ‬
‫وهنا سؤال يطرح‪ :‬ما علقة هذا الربع بما قبلييه؟‬
‫لقييد تنيياول الجييزء الول ثلث قصييص لدم عليييه‬
‫السلم‪ ،‬وبني إسرائيل‪ ،‬وإبراهيييم عليييه السييلم‪ .‬إن‬
‫العامل المشترك هييو أن كييل هييذه القصييص إختبييار‬
‫‪49‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫للطاعة‪ ...‬فجرى إختبار آدم عليه السلم بالكل ميين‬


‫الشييجرة‪ ،‬وبنييي إسييرائيل فييي ذبييح البقييرة وخضييع‬
‫إبراهيم عليه السلم لختبارات كثيرة في طاعة الله‬
‫ه‬
‫م َرّبــ ُ‬ ‫ٱت ََلــ ٰى إ ِب ْ ٰر ِ‬
‫هيــ َ‬ ‫‪ ‬بْ‬‫وإ ِِذ‬
‫عييز وجييل فأتمهييا َ‬
‫ن‪.( (124‬‬ ‫بك َل ِم ٰـت َ َ‬
‫ه ّ‬ ‫م ُ‬
‫فأت َ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫فبعد أن أخبرنا عن أحييوال المييم السييابقة وأراد‬
‫رسم المنهج لهذه المة‪ ،‬كانت أول مقومات المنهييج‬
‫ص علينييا‬ ‫هييي الميير بالطاعيية‪ .‬فييالله تعييالى لييم يق ي ّ‬
‫القصص إل لحكمة‪ ،‬وهي ترسيخ مفهوم الطاعة عند‬
‫المة المسييؤولة عيين الرض‪ ،‬فجيياءت حادثيية تغيييير‬
‫القبلة كإمتحان عملي‪.‬‬
‫ولذلك كانت الية ‪ 143‬واضحة جدا ً في بيان هييذا‬
‫ها‬‫عل َي ْ َ‬
‫ت َ‬ ‫كن َ‬‫ة ٱل ِّتى ُ‬ ‫قب ْل َ َ‬‫عل َْنا ٱل ْ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫المعنى ‪َ ‬‬
‫ب‬‫قل ِـ ُ‬ ‫مــن َين َ‬ ‫م ّ‬
‫ل ِ‬ ‫ســو َ‬‫ع ٱلّر ُ‬ ‫مــن ي َت ّب ِـ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ َ‬ ‫إ ِل ّ ل ِن َ ْ‬
‫ه‪.( (143‬‬ ‫قب َي ْ ِ‬‫ع ِ‬ ‫عل َ ٰى َ‬ ‫َ‬
‫وقد يظن البعض أن المسألة كييانت سييهلة لكيين‬
‫دس الكعبيية ميين‬‫الواقع غير ذلك‪ ،‬فالعرب كييانت تق ي ّ‬
‫عهييد سيييدنا إبراهيييم‪ ،‬فجعييل اللييه قبليية المسييلمين‬
‫لبيت المقدس‪ ،‬ثم جياء المير بالتجياه للكعبية ميرة‬
‫ثانية‪ ،‬طاعة لله‪.‬‬
‫لحظ معييي علقيية الربيياع السييابقة ميين الجييزء‬
‫الول بهذا الربع‪:‬‬
‫‪ -‬الربييع السييابع مّهييد لفكييرة النسييخ )وهييو تغيييير‬
‫خ مـن ءايـ َ‬
‫و‬
‫ةأ ْ‬‫َ ٍ‬ ‫سـ ْ ِ ْ‬ ‫الحكام( في بدايته ‪َ ‬‬
‫مــا َنن َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪50‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪.(‬‬ ‫مث ْل ِ َ‬
‫ها‪(106‬‬ ‫و‬
‫ها أ ْ‬
‫ِ‬ ‫من ْ َ‬‫ر ّ‬‫خي ْ ٍ‬
‫ت بِ َ‬‫ها ن َأ ِ‬ ‫س َ‬‫ُنن ِ‬
‫‪ -‬ثم ييأتي الربيع الثيامن ليتحيدث عين بنياء الكعبية‬
‫ن ٱل ْب َْيــ ِ‬
‫ت‬ ‫مــ َ‬
‫عدَ ِ‬
‫وا ِ‬
‫ق َ‬‫م ٱل ْ َ‬ ‫هي ُ‬‫ع إ ِب ْ ٰر ِ‬‫ف ُ‬ ‫‪‬إ ِذْ ي َْر َ‬
‫و‬
‫َ‬
‫‪.( (127‬‬
‫‪ -‬وكانت آخر حلقات السلسلة بيان أن نسخ الحكم‬
‫سيكون بتغيييير إتجياه القبليية‪ ،‬فيانظر إليى جميال‬
‫ترابط اليات ببعضها!‬
‫تمييز المة حتى في مصطلحاتها‬
‫ولكن الربع هذا ينّبه إلى هييدف آخيير غييير إختبييار‬
‫الطاعة‪ .‬فكمييا سييبق فييي الجييزء الول التنييبيه إلييى‬
‫أهمية التميز عن المييم الخييرى فييي المصييطلحات‪:‬‬
‫قوُلوا ْ‬ ‫قوُلوا ْ ٰر ِ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َ ُ‬ ‫يٰ َ‬
‫و ُ‬
‫عَنا َ‬ ‫ن ءا َ‬
‫ذي َ‬‫ها ٱل ّ ِ‬
‫‪‬ـأي ّ َ‬‫َ‬
‫ٱنظُْرَنا‪ ( (104‬ففي هذه الية أيض يا ً أميير بييالتميز‬
‫عن الخرين في إتجاه القبلة‪..‬‬
‫فاليهود كانوا يصّلون باتجاه بيت المقدس‪ ،‬فييأمر‬
‫المسييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييلمون‬
‫جه للكعبة‪ .‬وكأن الرسالة هنا‪ :‬كيييف‬ ‫بمخالفتهم والتو ّ‬
‫تستخلف أمة على هذه الرض وهي ليست متمّيييزة‬
‫عن غيرها؟ كيف يكون التابع والمقل ّييد مسييؤول ً عيين‬
‫الرض؟‪ ...‬فكان ل بد قبل التيييان بييأي أميير أو نهييي‬
‫في المنهج أن يأتي المر بييالتميز عيين طريييق تغيييير‬
‫اتجاه القبلة! ليتمّيز المسلمون فل يشعروا بالتقليييد‬
‫والتبعية للمم الخرى‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وسطية التميز‬
‫‪128‬‬ ‫أما الربع الثاني من هذا الجييزء فيبييدأ بالييية‬
‫فا‬ ‫صــ َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫واليييتي يقيييول الليييه تعيييالى فيهيييا ‪‬إ ِ ّ‬
‫ت‬ ‫ج ٱل ْب َي ْـ َ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ف َ‬‫ر ٱلله َ‬ ‫عائ ِ ِ‬ ‫ش َ‬‫من َ‬ ‫وةَ ِ‬ ‫مْر َ‬‫و ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مــا‪‬‬ ‫ه َ‬ ‫ف بِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه أن ي َطّ ـ ّ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫جَنا َ‬ ‫فل َ ُ‬ ‫مَر َ‬ ‫عت َ َ‬
‫و ٱ ْ‬ ‫أ ِ‬
‫‪ ((158‬بعيييض النييياس يفهيييم هيييذه اليييية أن لبيييأس‬
‫بييالطواف وأن الطييواف إختييياري‪ .‬لكيين لكييي نفهييم‬
‫معنى الية ل بد من معرفيية سييبب نزولهييا‪ ،‬فييالواقع‬
‫أن الصحابة عندما سييمعوا خطيياب القييرآن يييأمرهم‬
‫بالتمييز )سواء بتغيير المصييطلحات أو بتغيييير إتجيياه‬
‫القبلة(‪ ،‬ووجدوا أن المشركين يطوفون بييين الصييفا‬
‫والمييروة )ويضييعون صيينمين علييى جبلييي الصييفا‬
‫والمييروة )آسيياف ونائليية( وكييانوا يسييعون بينهمييا(‪،‬‬
‫عندها شعر الصحابة بحرج ميين السييعي بييين الصييفا‬
‫والمروة وأنه ينافي التميز الذي أمييروا بييه‪ ،‬فجيياءت‬
‫الية لتخبرهم أن ليس كييل مييا يفعلييه الكفييار خطييأ‪،‬‬
‫فإن أصل السييعي بييين الصييفا والمييروة أميير ربيياني‬
‫واتباع لسيدنا إبراهيم‪ .‬وبهذا تضح الرسالة‪ :‬ل بد من‬
‫التوازن في التميز لن هذه المة أمة وسييط فليييس‬
‫كل ما يفعله الكفار مرفوض‪...‬‬
‫ولذلك تأتي في هذا الربييع آييية هاميية فييي رسييم‬
‫كوُنوا ْ‬ ‫طا ل ّت َ ُ‬‫س ً‬ ‫ُ‬
‫و َ‬ ‫ة َ‬‫م ً‬‫م أ ّ‬ ‫عل ْن َ ٰـك ُ ْ‬‫ج َ‬‫ك َ‬ ‫و‪‬ك َ ٰذل ِ َ‬‫المنهج‪َ :‬‬
‫س‪.( (143‬‬ ‫داء َ َ‬ ‫ُ‬
‫على ٱلّنا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ش َ‬
‫أنت منتمييي إلييى أميية متميييزة‪ :‬تخيييل أنييك أنييت‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪52‬‬

‫ستشهد على البشرية التي تعاصرها‪ ،‬وأنت سييتقول‬


‫يوم القيامة أين الحييق وأييين الضييلل‪ ،‬فتأمييل حجييم‬
‫المسؤولية الملقاة على عاتقك يييوم القياميية‪ ،‬وتييابع‬
‫معييي قييراءة سييورة البقييرة حييتى تتييبّين معييالم‬
‫مسؤوليتك وشهادتك على المم‪.‬‬
‫السلم والصلح الشامل‬
‫فييي الربييع الثييالث تبييدأ سلسييلة ميين الواميير‬
‫الشاملة لكل نواحي الصلح في المجتمع‪.‬‬
‫ول ّــوا ْ‬ ‫َ‬
‫س ٱل ْب ِّر أن ت ُ َ‬ ‫فيبدأ بقول لله تعالى‪ :‬ل ّي ْ َ‬
‫ن‬ ‫ول َ ٰـ ـك ِ ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ر ِ‬ ‫غـ ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ر ِ‬ ‫شـ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬ ‫قب َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫هك ُ ْ‬‫جو َ‬ ‫و ُ‬ ‫ُ‬
‫ر‬ ‫خــ ِ‬ ‫وم ِ ٱل ْ ِ‬ ‫و ٱل َْيــ ْ‬ ‫ن ِبــ ٱلله َ‬ ‫مــ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫مــ ْ‬ ‫ٱِبــّر َ‬ ‫لْ‬
‫وءاَتـــى‬ ‫ن َ‬ ‫و ٱلن ّب ِّييـــ َ‬ ‫ب َ‬ ‫و ٱل ْك ِت َ ٰــــ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مَلــــئ ِك َ ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫م ٰى‬ ‫و ٱل ْي َت َ ٰـ ـ َ‬ ‫قْرب َـ ٰى َ‬ ‫ٱْ ُ‬
‫وى ل‬ ‫ه ذَ ِ‬ ‫حب ّـ ِ‬ ‫عل َ ٰى ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ما َ‬
‫ن‬
‫كي َ‬ ‫ٰــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ِ‬
‫ب‬ ‫قــا ِ‬ ‫فــي ٱلّر َ‬ ‫و ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ســائ ِِلي َ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫ل َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫و ٱب ْ َ‬ ‫َ‬
‫ٰوةَ‬ ‫كـــــ‬ ‫وءاَتـــــىلّزٱ َ‬ ‫صـــــل َ ٰوةَ َ‬ ‫م ٱل ّ‬ ‫قـــــا َ‬ ‫وأ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬ ‫صــاب ِ ِ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ع ٰـ َ‬
‫ذا َ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ه ْ‬‫د ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫فو َ‬ ‫مو ُ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫س‪ ...‬‬ ‫ن ٱلب َـأ ِ‬ ‫حيـ َ‬ ‫و ِ‬‫ضـّراء َ‬ ‫ســاء و ٱل ّ‬ ‫فى ٱل ْب َأ َ‬ ‫ِ‬
‫‪((177‬‬
‫يقول العلماء أن هذه الية شاملة للسييلم‪ ،‬فقييد‬
‫شملت العقييائد )اليمييان بييالله والملئكيية والكتيياب(‬
‫والعبادات )إقامة الصلة وإيتاء الزكيياة( والمعيياملت‬
‫)الوفاء بالعهد( والخلق‪.‬‬
‫لحظ معي التدرج الييرائع الييذي جيياءت بييه هييذه‬
‫‪53‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫السورة‪:‬‬
‫ك‬ ‫هـ َ‬ ‫ج َ‬ ‫و ْ‬‫ل َ‬ ‫و ّ‬ ‫‪ .1‬تغيييير القبليية )لتحقيييق التميييز(‪َ ‬‬
‫فـ َ‬
‫رام ِ‪.( (144‬‬ ‫ح َ‬‫د ٱل ْ َ‬‫ج ِ‬
‫س ِ‬
‫م ْ‬‫شطَْر ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪ .2‬التييوازن فييي التميييز ‪‬ل جنــاح عليكــم أن‬
‫تطوفوا بين الصفا والمروة‪.( (158‬‬
‫وّلوا ْ‬ ‫َ‬
‫س ٱل ْب ِّر أن ت ُ َ‬ ‫‪ .3‬التجاه ليس كل شيء‪ :‬ل ّي ْ َ‬
‫ب‪‬‬ ‫ر ِ‬ ‫غــ ِ‬
‫م ْ‬ ‫و ٱل ْ َ‬‫ق َ‬
‫ر ِ‬
‫شــ ِ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫قَبــ َ‬‫م ِ‬‫هك ُ ْ‬
‫جــو َ‬
‫و ُ‬ ‫ُ‬
‫‪.((177‬‬
‫فبعد ان رسخ الله تعالى لييدى الصييحابة الطاعيية‬
‫والتميز في الربع الول‪ ،‬بّين لهم أن المسألة ليست‬
‫مسألة إتجاه وإنما هي قضية إصييلح شيياملة‪ .‬فحييين‬
‫جاء الميير بيالتوجه للكعبية كييان ذلييك فقيط لختبييار‬
‫الطاعة والتميييز‪ ،‬بينمييا الصييل هييو عمييل الييبر بكييل‬
‫أشكاله التي وردت في الية ‪.177‬‬
‫مفردات الصلح الشامل‬
‫وميين أول الربييع الثييالث فييي الجييزء الثيياني تبييدأ‬
‫الوامر والنواهي للمة لترسم شمول المنهج‪:‬‬
‫مُنــوا ْ‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱّلــ ِ‬ ‫تشــريع جنــائي‪ :‬يـــأي ّ َ‬
‫قت ْل َــى‪.( (178‬‬ ‫فــي ٱل ْ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫صا ُ‬ ‫ق َ‬ ‫م ٱل ْ ِ‬
‫عل َي ْك ُ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ك ُت ِ َ‬
‫ص‬ ‫صــا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫في ٱل ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ول َك ُ ْ‬‫وبعدها يأتي قوله تعالى ‪َ ‬‬
‫ُ‬
‫ب‪.( (179‬‬ ‫حي َ ٰوةٌ يأوِلي ٱلل ْب َ ٰـ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ح ـدَك ُ ُ‬ ‫ض ـَر أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا َ‬ ‫م إِ َ‬ ‫عل َي ْك ُـ ْ‬
‫ب َ‬ ‫مواريث‪ :‬ك ُت ِ َ‬
‫ن‬ ‫صــي ّ ُ ْ‬ ‫خْيــًرا ٱل ْ َ‬ ‫ت ِإن َتــَر َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ة ل ِل ٰوِلــدَي ْ ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ك َ‬ ‫و ُ‬ ‫مــ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪54‬‬

‫‪(‬‬ ‫ن‪(180‬‬ ‫و ٱل ْ ْ‬
‫قَرِبي َ‬ ‫َ‬
‫وبعد هذا‬
‫َ‬
‫مُنــوا ْ ك ُِتــ َ‬
‫ب‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ها ٱّلــ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫تشريع تعبدي‪ :‬يأي ّ َ‬
‫مــن‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫عل َــى ٱل ّـ ِ‬‫ب َ‬ ‫ما ك ُت ِـ َ‬ ‫م كَ َ‬ ‫صَيا ُ‬‫م ٱل ّ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬‫َ‬
‫ن ‪..‬‬ ‫قو َ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬
‫م ت َت ّ ُ‬ ‫م لَ َ‬‫قب ْل ِك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫التقوى مصباح الطريق‬
‫والملحظ أن كل الحكام الواردة هنا قييد ركييزت‬
‫بشكل أساسي على تقوى الله تعالى‪ ،‬قتجد في آييية‬
‫حي َ ٰوةٌ يــُأوِلي‬ ‫ص َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫في ٱل ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫‪‬ل َك ُ ْ‬ ‫و‬
‫القصاص‪َ :‬‬
‫ن‪ ( (179‬وفيييي آييييات‬ ‫قــو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫كــ ْ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫ب لَ َ‬ ‫ٱلل ْب َ ٰـــ ِ‬
‫ن‬ ‫صـي ّ ُ ْ‬ ‫خي ْـًرا ٱل ْ َ‬ ‫إن ت ََر َ‬ ‫‪‬‬
‫ة ل ِل ٰول ِـدَي ْ ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ك َ‬ ‫المييواريث ِ‬
‫ن‬‫قيــ َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫عَلى ٱل ْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ف َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ب ِ ٱل ْ َ‬ ‫قَرِبي َ‬ ‫و ٱل ْ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫هــا ٱّلــ ِ‬ ‫‪ ( (180‬وفيييي آييييات الصييييام ‪‬يأي ّ َ‬
‫عل َــى‬ ‫ب َ‬ ‫مــا ك ُت ِ ـ َ‬ ‫م كَ َ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫م ٱل ّ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫مُنوا ْ ك ُت ِ َ‬ ‫ءا َ‬
‫ن‪ ( (183‬وفييي‬ ‫قــو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬‫م لَ َ‬ ‫قب ْل ِك ُ ْ‬ ‫من َ‬ ‫ن ِ‬‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫ه‬
‫ن ٱللــه آي َــات ِ ِ‬ ‫ك ي ُب َي ّـ ُ‬ ‫‪‬ـ ٰذل ِ َ‬ ‫ختام عرض الحكام‪ :‬ك َ‬
‫ن‪.( (187‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ي َت ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫عل ّ ُ‬‫س لَ َ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫فهذا المنهج ل بد له من أناس طائعين‪ ،‬متميزين‬
‫عن غيرهم‪ ،‬ومّتقين يريدون إرضاء الله تعالى‪ ،‬فهذه‬
‫المحيياور الثلثيية هييي سييياج يحمييي المنهييج‪ ،‬ذكييرت‬
‫بطريقة مترابطة ومدهشيية ل تشييبه طريقيية البشيير‬
‫في الشرح والعرض‪.‬‬
‫وكلما تقدمت أخي المسلم فييي قييراءة السييورة‬
‫‪55‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫تتفتح عيناك على بقية أجزاء المنهج‪ ،‬فتتضح أمامييك‬


‫شموليته‪.‬‬
‫فييالقرآن بييدأ بالتشييريع الجنييائي ثييم التشييريع‬
‫التعبدي‪ .‬وقد يتساءل البعض عن العلقة بينها‪ .‬وهنييا‬
‫ينبغي التنبيه إلى أنك حين تجييد موضييوعات متتابعيية‬
‫ولكن متفرقية فهيي إشيارة إليى أن اليدين يشيملها‬
‫كلها‪ .‬فلم يأت تشييريع العبييادات منفصيل ً عيين غيييره‬
‫من الحكام للتأكيد على شمول المنهج وتناوله لكييل‬
‫مظاهر الحياة‪.‬‬
‫دروع السلم الحصينة‬
‫نصل إلى القسم الرابع الذي يتحدث عن تشييريع‬
‫ل‬
‫س ـِبي ِ‬‫فــي َ‬ ‫ق ٰـ ـت ُِلوا ْ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫و‬
‫القتييال وأحكييام الجهيياد َ‬
‫ن ٱللــه‬ ‫دوا ْ إ ِ ّ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬
‫عَتــ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ق ٰـت ُِلون َك ُ ْ‬‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬ ‫ٱلله ٱل ّ ِ‬
‫ث‬‫حْيـــ ُ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قت ُُلـــو ُ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫دي َ‬ ‫عَتـــ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ب ٱل ْ ُ‬ ‫حـــ ّ‬ ‫ل َ يُ ِ‬
‫م‪..‬‬‫جوك ُ ْ‬‫خَر ُ‬ ‫ث أَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬‫جو ُ‬ ‫ر ُ‬‫خ ِ‬‫وأ َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫مو ُ‬ ‫فت ُ ُ‬‫ق ْ‬
‫ثَ ِ‬
‫‪.( (190-191‬‬
‫فهنييا تأكيييد أنييه ل بييد ميين القتييال للحفيياظ علييى‬
‫المنهييج‪ ،‬ول بييد ميين إنفيياق المييال عليييى الجهييياد‬
‫قـــوا ْ‬
‫ول َ ت ُل ْ ُ‬
‫ل ٱللـــه َ‬
‫ســـِبي ِ‬ ‫فـــى َ‬ ‫قـــوا ْ ِ‬‫ف ُ‬‫وَأن ِ‬
‫‪َ ‬‬
‫هل ُ َ‬ ‫َ‬
‫ة‪ ( (195‬فهييذا المنهييج‬ ‫كــ ِ‬ ‫م إ َِلــى ٱلت ّ ْ‬
‫ديك ُ ْ‬
‫ب ِأْيــ ِ‬
‫يستلزم قتال ً يحميه من أعدائه الواقفين في طريقييه‪،‬‬
‫وليس للرهاب وسفك الدماء‪ .‬وسنلحظ في القييرآن‬
‫قاعدة عاميية‪ :‬كلمييا يييذكر القييرآن القتييال يييذكر معييه‬
‫ضييوابطه‪ ،‬فهنييا مثل ً حييددت الييية قتييال المعتييدين‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪56‬‬

‫ق ٰـت ُِلون َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ل ٱلله ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫في َ‬ ‫ق ٰـت ُِلوا ْ ِ‬
‫‪َ ‬‬
‫و‬
‫َ‬
‫‪ ( (190‬كما وبّينت الخلق الحربية في القتال بعدم‬
‫العتداء )ول تعتدوا(‪.‬‬
‫الحج‪ :‬محطة وقود‬
‫وتنتقل اليييات للحييديث عيين أحكييام الحييج‪ ،‬فمييا‬
‫الذي دعا للكلم على الحج بعد القتال؟ إن الحج هييو‬
‫أول تدريب على القتال‪ ،‬والله تعالى يتيح للميية ميين‬
‫خلل الحج فرصة تدريبية )من إعداد نفسييي وبييدني‬
‫وروحي( للتدريب على الجهاد وتغيير العادات‪ ..‬تأمل‬
‫كيف أن آيات السييورة وحييدة متماسييكة رغييم تنييوع‬
‫موضوعاتها‪.‬‬
‫وهنا نتذكر دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلم في‬
‫رَنـــا‬ ‫آخييير الجيييزء الول مييين السيييورة ‪َ ...‬‬
‫وأ ِ‬
‫َ‬
‫سك ََنا‪  ...‬فكان التفصيل في أحكام الحييج فييي‬ ‫مَنا ِ‬
‫َ‬
‫اليييات )‪ (200-196‬اسييتجابة لييدعوة سيييدنا إبراهيييم‬
‫في الية )‪.(128‬‬
‫أركان السلم‬
‫ويلحيييظ أمييير هيييام‪ ،‬وهيييو أن أركيييان السيييلم‬
‫الخمسة لم تييأت مفصييلة ومجتمعيية فييي أي سييورة‬
‫من القرآن كما في سورة البقرة‪ ..‬فأحكييام الصيييام‬
‫لم ترد إل في سورة البقرة وأحكام الحج لم تفصييل‬
‫إل فييي سييورة البقييرة وكييذلك أحكييام النفيياق وأن‬
‫السلم منهج زكوي تنموي ل ربوي‪ .‬وأما الشهادتان‬
‫‪57‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫فأول آيات سورة البقرة تشييير إلييى ‪ ...‬ٱل ّ ِ‬
‫ب‪ .( (3...‬نصل إلى عماد الدين‪:‬‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ن ب ِ ٱل ْ َ‬
‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫يُ ْ‬
‫الصييلة‪ ،‬الييتي تكييررت الشييارات اليهييا ميين أول‬
‫وآُتوا ْ ٱلّزك َ ٰو َ‬ ‫وأ َ‬
‫ة‪ ( (43‬إلييى‬ ‫صل ٰوةَ َ‬ ‫موا ْ ٱل ّ‬ ‫قي ُ‬ ‫‪ِ‬‬ ‫َ‬
‫ت‬‫صـــل َ ٰو ِ‬
‫عَلـــى ٱل ّ‬ ‫ظوا ْ َ‬
‫ف ُ‬ ‫ح ‪ٰ‬ــــ ِ‬ ‫قيييوله تعيييالى َ‬
‫سطَ ٰى‪ ( (238‬وهنا الية الوحيييدة‬ ‫و ْ‬ ‫ة ٱل ْ ُ‬‫صل َ ٰو ِ‬‫و ٱل ّ‬
‫الييتي خصصييت إحييدى الصييلوات الخمسيية لهميتهييا‬
‫وهي صلة العصر‪.‬‬
‫آدخلوا في السلم كافة‬
‫وبعد أن عرضت اليات أحكاما ً مختلفة نصل إلى‬
‫مُنــوا ْ‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱّلــ ِ‬ ‫آييية محورييية هاميية ‪َ‬يـــأي ّ َ‬
‫ة‪ ( (208‬ومعنييى‬ ‫فــ ً‬‫كا ّ‬ ‫ســل ْم ِ َ‬‫فــي ٱل ّ‬ ‫خُلــوا ْ ِ‬
‫ٱد ْ ُ‬
‫السلم هنييا السييلم‪ .‬أي أن المعنييى‪ :‬يييا أيهييا الييذين‬
‫أمنوا أدخلوا في السلم الكامييل الشييامل‪ ،‬السييلم‬
‫الذي يمّثل هذا المنهج بجميييع جييوانبه‪ .‬وسييبب ورود‬
‫الييية فييي هييذا المواضيييع أن اليييات السييابقة بّينييت‬
‫معييالم المنهييج ميين تعب ّييد وتشييريع جنييائي وتركييات‬
‫وقتال وأحكام الحج والنفاق‪ .‬فتأتي هذه الية لتييأمر‬
‫بأخذ السلم بأحكامه كلها والتحييذير ميين أخييذ جييزء‬
‫ن‬ ‫من ُــو َ‬ ‫فت ُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫وتييرك جييزء آخيير كمييا فعييل اليهييود ‪‬أ َ َ‬
‫ض‪ ..( (36‬فهيييذا‬ ‫ع ٍ‬ ‫ن ب ِب َ ْ‬ ‫فُرو َ‬‫وت َك ْ ُ‬ ‫ض ٱل ْك ِت َ ٰـ ِ‬
‫ب َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ب ِب َ ْ‬
‫تنبيه لمة محمد ‪ ‬على الدخول في السلم كافيية‬
‫وإتباعه كافة فل ينبغي أن نأخذ أجزاء ونترك أجييزاء‪،‬‬
‫كالتي تصلي وتترك الحجاب أو تقييوم الليييل وتييؤذي‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪58‬‬

‫جارتها‪.‬‬
‫اكتمال المنهج‪ :‬أحكام السرة‬
‫ويستمر المنهج في تبيان أحكام السرة واليزواج‬
‫والطلق والرضيياعة والخطبيية‪ ،‬علييى مييدى ربعييين‬
‫كاملين‪ ،‬وقد يتساءل البعض عن سبب تييأخر أحكييام‬
‫السرة وعدم ورودها في الول‪ ..‬والجواب أنه ل بييد‬
‫ميين البييدء بطاعيية اللييه والتقييوى والصيييام والحييج‬
‫للعييداد‪ ،‬لن تنظيييم السييرة ميين المييور الصييعبة‪..‬‬
‫فمليييين القييوانين تعجييز عيين إصييلح نفييوس تريييد‬
‫النحراف‪ .‬لذلك أغلب آيييات هييذين الربعييين ختمييت‬
‫موا ْ‬‫عل َ ُ‬
‫وٱ ْ‬‫بتقوى الله أو التذكير بعلمه ومراقبته‪َ  :‬‬
‫م‪( (231‬‬ ‫ل َ‬‫ن ٱلله ب ِك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫عِلي ٌ‬
‫ىء َ‬
‫ش ْ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫صــيٌر ‪‬‬ ‫مُلو َ‬
‫ن بَ ِ‬ ‫ع َ‬
‫ما ت َ ْ‬
‫ن ٱلله ب ِ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬‫عل َ ُ‬
‫وٱ ْ‬‫‪َ ‬‬
‫‪((233‬‬
‫‪(‬‬ ‫ر‪(234‬‬ ‫مُلو َ‬
‫خِبي ٌ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬‫ما ت َ ْ‬ ‫و ٱلله ب ِ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫و ٰى‪( (237‬‬ ‫ب ِللت ّ ْ‬
‫ق َ‬ ‫قَر ُ‬ ‫فوا ْ أ َ ْ‬ ‫ع ُ‬‫و‪‬أن ت َ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫عَلى‬ ‫ح ّ‬
‫قا َ‬ ‫ف َ‬‫عُرو ِ‬ ‫ع ب ِ ٱل ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫مت َ ٰـ ٌ‬ ‫ت َ‬ ‫ق ٰـ ِ‬ ‫مطَل ّ َ‬ ‫‪‬ل ِل ْ ُ‬ ‫و‬
‫َ‬
‫ن‪( (241‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫وتغليف أحكام السرة بالتقوى‪ ،‬يعلمنا أن النظام‬
‫الخلقييي والنظييام العملييي فييي السييلم مرتبطييان‬
‫دائمًا‪.‬‬
‫من سيكمل إلى النهاية؟‬
‫‪59‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وتذكر اليات )‪ (252 - 246‬قصيية قتييال طييالوت‬


‫وجالوت‪ ،‬قصيية فئة ميين بنييي إسييرائيل نجحييت فييي‬
‫المهمة وفئة أخرى فشييلت لسييباب عديييدة )رفييض‬
‫أمر الله والتولي بعد أن كتب عليهييم القتييال ‪ -‬عييدم‬
‫طاعة النبي ‪ -‬الفشل في امتحان الشرب من النهيير‬
‫‪ -‬قياس النصر والهزيمة بالمقيياييس المادييية(‪ .‬هييذه‬
‫القصة اشتملت على قتال وحرب وأناس خافت من‬
‫لقاء العدو وأخرى قاتلت‪ ،‬للتأكيد على لييزوم القتييال‬
‫لحماية المنهييج‪ ،‬وأن الجبنيياء والخييائفين ل يصييلحون‬
‫لحمله وبالتالي ل يصلحون للمسؤولية على الرض‪.‬‬
‫آية الكرسي‪ :‬قدرة وعظمة الله‬
‫وتصل اليات إلييى أعظييم آييية فييي القييرآن‪ :‬آييية‬
‫الكرسييي )‪ (255‬وهييي أروع كلم عيين اللييه وصييفاته‬
‫عرفته البشرية في تاريخها‪.‬‬
‫م لَ‬ ‫قي ّــو ُ‬ ‫ى ٱل ْ َ‬ ‫حـ ّ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫هـ َ‬ ‫ه إ ِل ّ ُ‬ ‫ٱلله ل َ إ ِل َ ٰـ ـ َ‬ ‫‪‬‬
‫ت‬ ‫وا ِ‬ ‫م ٰـ ـ َ‬ ‫س َ‬ ‫فــي ٱل ّ‬ ‫مــا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م ل ّـ ُ‬ ‫و ٌ‬‫ول َ ن َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ٌ‬‫خذُهُ ِ‬ ‫ت َأ ْ ُ‬
‫ه‬
‫عن ـدَ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫شـ َ‬ ‫ذى ي َ ْ‬ ‫ذا ٱل ّـ ِ‬ ‫من َ‬ ‫ض َ‬ ‫في ٱل ْْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫خل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ول َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫دي ِ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫إ ِل ّ ب ِإ ِذْن ِ ِ‬
‫ع‬ ‫سـ َ‬‫و ِ‬ ‫شــاء َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه إ ِل ّ ب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫عل ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫يء ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫طو َ‬ ‫حي ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫ه‬
‫ؤودُ ُ‬ ‫ول َ َيـــ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫و ٱل ْْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م ٰــــ َ‬ ‫س َ‬ ‫ه ٱل ّ‬ ‫ســـي ّ ُ‬ ‫ك ُْر ِ‬
‫م‪( (255‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ى ٱل ْ َ‬ ‫عل ِ ّ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬‫فظ ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ِ‬
‫واللطيف أن بعد هذه الييية مباشييرة يييأتي قييوله‬
‫تعيييييييييييالى فيييييييييييي اليييييييييييية )‪(256‬‬
‫ن‪  ...‬وسبب هذا أن الحجة‬ ‫دي ِ‬ ‫فى ٱل ّ‬ ‫‪‬ل إ ِك َْراهَ ِ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪60‬‬

‫قد أقيمت على البشر بآية الكرسي فمن آثر الكفيير‬


‫ن‬ ‫بعيييدها فل تكرهيييوه عليييى اليميييان ‪َ ‬‬
‫قــد ت ّب َّيــ َ‬
‫ي ‪.‬‬ ‫غ ّ‬‫ن ٱل ْ َ‬
‫م َ‬‫شدُ ِ‬‫ٱلّر ْ‬
‫وسبب ورود آية الكرسي في وسييط الكلم عيين‬
‫المنهج هو أننا أثناء تطبيق هذا المنهج نحتاج إلى مييا‬
‫يثبتنا ويشعرنا بأن هذا المنهج ميين اللييه تعييالى‪ ،‬وأن‬
‫ي‬
‫ول ِـ ّ‬‫اللييه ولييي ميين يطبييق هييذا المنهييج ‪ ‬ٱلله َ‬
‫مُنوا ْ‪.‬‬‫ن ءا َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫دلئل وبراهين‬
‫ويييأتي بعييد آييية الكرسييي ثلث قصييص تعييرض‬
‫نماذج حياتية لتؤكد آية الكرسي قصة سيدنا إبراهيم‬
‫ي‬‫م َرّبــ َ‬ ‫هيــ ُ‬ ‫ل إ ِب ْ ٰر ِ‬ ‫قا َ‬‫‪‬ذْ َ‬ ‫عليه السلم مع النمرود إ ِ‬
‫ل أ ََنا أ ُحى ُ‬
‫ل‬ ‫قا َ‬ ‫ت َ‬ ‫مي ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ت َ‬ ‫مي ُ‬ ‫وي ُ ِ‬‫ى َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذى ي ُ ْ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫ن‬ ‫مــ َ‬‫س ِ‬ ‫م ِ‬ ‫شــ ْ‬ ‫ن ٱللــه َيــأ ِْتى ب ِ ٱل ّ‬ ‫فــإ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫هيــ ُ‬ ‫إ ِب ْ ٰر ِ‬
‫ش ـر ق َ ْ‬
‫ت‬ ‫هـ َ‬ ‫فب ُ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ر ِ‬ ‫غــ ِ‬‫م ْ‬‫ن ٱل ْ َ‬‫مـ َ‬ ‫هــا ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫فــأ ِ‬ ‫م ْ ِ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ر‪.( (258‬‬ ‫ف َ‬‫ذى ك َ َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫عل َـ ٰى َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫قْري َـ ٍ‬ ‫م ـّر َ‬ ‫ذى َ‬ ‫ٱ ّـ ِ‬
‫‪ ‬كَ ل‬ ‫و‬
‫وقصيية عزييير أ ْ‬
‫ه‪.( (259...‬‬ ‫عث َ ُ‬‫م بَ َ‬ ‫ة‪ ...‬ث ُ ّ‬ ‫وي َ ٌ‬ ‫خا ِ‬ ‫ى َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫رِنـى‬ ‫بأ ِ‬ ‫وقصة سيييدنا إبراهيييم وهييو يقييول ‪َ‬ر ّ‬
‫وت َ ٰى‪.( (260...‬‬ ‫م ْ‬‫ى ٱل ْ َ‬ ‫ح ِ‬‫ف تُ ْ‬ ‫ك َي ْ َ‬
‫فييأمره اللييه تعييالى أن يأخييذ عييددا ً ميين الطيييور‬
‫طعها ثم يطرقها على رؤوس الجبال ثم يدعوها‪،‬‬ ‫ويق ّ‬
‫فإذا بالريش والدم يعود كمييا كييانوا قبييل تقطيعهييم‪،‬‬
‫‪61‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫َ‬
‫‪.(‬‬ ‫م‪(260‬‬
‫زيٌز‬‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫ع ِ‬‫ن ٱلله َ‬
‫َ‬ ‫مأ ّ‬‫عل َ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫وٱ ْ‬
‫فهييذه للقصييص تؤكييد قييدرة اللييه علييى الحييياء‬
‫م‬ ‫ى ٱل ْ َ‬
‫قّيــو ُ‬ ‫و ٱل ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ه إ ِل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫والماته ‪‬ٱلله ل َ إ ِل َ ٰـ َ‬
‫‪ ( (255‬جاءت بعد كل آيات المنهييج لتقوييية إيمييان‬
‫المسلم ويقينيه بيالله فتكيون عونيا ً ليه عليى تحميل‬
‫تبعات المنهج الثقيل‪.‬‬
‫النظام المالي والقتصادي‬
‫وتظهر اليييات آخيير ملمييح المنهييج وهييو النظييام‬
‫المييالي والقتصييادي فييي السييلم‪ ،‬والييذي عنييوانه‪:‬‬
‫السييلم منهييج تنمييوي وليييس منهييج ربييوي‪ ،‬وتييأتي‬
‫ٱّْرب َـ ٰوا ْ‬ ‫ق ٱللــه ل‬ ‫ح ُ‬ ‫م َ‬ ‫‪ْ‬‬‫اليات لتحذر ميين الربييا‪ :‬ي َ‬
‫ر‬ ‫ل كَ ّ‬
‫فــا ٍ‬ ‫ب ك ُـ ّ‬ ‫حـ ّ‬ ‫و ٱلله ل َ ي ُ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق ٰـ ِ‬ ‫صدَ َ‬ ‫وي ُْرِبى ٱل ّ‬ ‫َ‬
‫ثيم ٍ‪.( (276‬‬ ‫أ ِ‬ ‫َ‬
‫وذَُروا ْ‬ ‫َ‬
‫قــوا ْ ٱللــه َ‬ ‫مُنوا ْ ٱت ّ ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫‪‬يأي ّ َ‬
‫ف ـِإن‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مـ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫كنت ُـ ْ‬ ‫ن ٱلّرب َ ٰوا ْ ِإن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ى ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ب َ ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫ه‬ ‫ســول ِ ِ‬‫وَر ُ‬ ‫ن ٱللــه َ‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫فأذَُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫عُلوا ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫لّ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مــو َ‬‫م ل َ ت َظْل ِ ُ‬ ‫م ـ ٰول ِك ُ ْ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرءو ُ‬ ‫فل َك ُـ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وِإن ُتبت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (278 - 279‬‬ ‫مو َ‬ ‫ول َ ت ُظْل َ ُ‬ ‫َ‬
‫حييتى تييأتي آييية المداينيية )وهييي أطييول آييية فييي‬
‫القييرأن( لتوضييح معييالم المنهييج فييأكثر فييي قضييايا‬
‫الديون وإثباتها جاءت لتفيد التثبت في المعاملت ‪‬‬
‫َ‬
‫فـ ٱك ْت ُُبو ُ‬
‫ه‬ ‫مى َ‬ ‫سـ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫جـ ٍ‬ ‫ن إ َِلى أ َ‬ ‫داَينُتم ب ِدَي ْ ٍ‬ ‫ذا ت َ َ‬ ‫إِ َ‬
‫‪ ( (282‬بعييد ذكيير قصيية إبراهيييم فييي التثبييت فييي‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪62‬‬

‫رن ِــى ك َي ْ ـ َ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫قــا َ‬ ‫وإ ِذْ َ‬
‫‪‬‬
‫بأ ِ‬ ‫م َر ّ‬ ‫هي ـ ُ‬‫ل إ ِب ْ ٰر ِ‬ ‫العقيييدة َ‬
‫ل ب َل َـ ٰى‬ ‫قــا َ َ‬
‫قــا َ‬ ‫من َ‬ ‫م ت ُـ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ول َـ ْ‬
‫لأ َ‬ ‫وت َ ٰى َ‬ ‫ى ٱل ْ َ‬
‫مـ ْ‬ ‫حـ ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫قل ِْبــى‪ ( (260‬لتيييوحي هاتيييان‬ ‫ن َ‬‫مئ ِ ّ‬‫كن ل ّي َطْ َ‬ ‫ول َ ٰـــ ِ‬
‫َ‬
‫اليتان في داخلييك أن التثبييت أسييلوب المسييلم فييي‬
‫حياته في كل نواحيها‪ .‬والملحظ أن آيات الربا جاءت‬
‫بين آيات النفاق والتنمية لتوضح أن السلم ل يحرم‬
‫شيئا ً إل ويأتي بالبديل الصلح‪.‬‬
‫سورة البقرة‪ :‬إشارة المارة‬
‫بعييد أن استعرضيينا سييورة البقييرة وشييموليتها‬
‫لحكام السلم نفهييم لمياذا كيان النيبي ييولي عليى‬
‫القوم من يحفظ سورة البقرة لنييه بييذلك قييد جمييع‬
‫معالم المنهج‪ .‬هذا المنهج الشامل الذي هو الصراط‬
‫المستقيم في سورة الفاتحة‪ ،‬نجده عقيييدة فيي آيية‬
‫الكرسي وعبادة في أحكام الصيام والحج ومعاملت‬
‫في النفيياق وتوثيييق الييديون وتحريييم الربييا وأحكييام‬
‫القتال‪ ،‬يغلفها جميعها محيياور ثلثيية الطاعيية‪ ،‬التميييز‬
‫بالوسطية‪ ،‬التقوى‪.‬‬
‫الختام‪ :‬سمعنا وأطعنا‬
‫تختم سييورة البقييرة بييآيتين همييا كنيٌز ميين تحييت‬
‫قــاُلوا ْ‬
‫و َ‬ ‫العييرش يمييدح اللييه بهمييا المييؤمنين‪َ  :‬‬
‫سمعَنا َ‬
‫صــيُر‬ ‫م ِ‬ ‫ك ٱل ْ َ‬
‫وإ ِل َي ْ َ‬ ‫فَران َ َ‬
‫ك َرب َّنا َ‬ ‫غ ْ‬ ‫وأطَ ْ‬
‫عَنا ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ْ‬
‫‪.( (285‬‬
‫نا‪( (93‬‬
‫ص ـي ْ َ‬
‫ع َ‬
‫و َ‬
‫َ‬ ‫عَنا‬
‫م ْ‬ ‫فبنو إسرائيل قالوا ‪َ ‬‬
‫سـ ِ‬
‫‪63‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫أما أمة السلم فليكن شعارنا ‪‬س ـمعَنا َ‬


‫عن َــا‬ ‫وأطَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ْ‬
‫‪ ‬لنبقى مسؤولين عن الرض‪ .‬ويأتي بعدها الدعاء‬
‫مــا‬ ‫هــا َ‬ ‫ها ل َ َ‬ ‫ع َ‬ ‫سـ َ‬ ‫و ْ‬ ‫ســا إ ِل ّ ُ‬ ‫ف ً‬ ‫ف ٱللــه ن َ ْ‬ ‫‪‬ل َ ي ُك َل ّـ ُ‬
‫خ ـذَْنا‬ ‫ؤا ِ‬ ‫ت َرب ّن َــا ل َ ت ُ َ‬ ‫س ـب َ ْ‬ ‫ما ٱك ْت َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫و َ‬‫ت َ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫عل َي َْنــا‬ ‫ْ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫َ‬
‫ل َ‬ ‫مــ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫خطَأَنــا َرب َّنــا َ‬ ‫ســيَنا أ ْ‬ ‫ِإن ن ّ ِ‬
‫قب ْل ِن َــا َرب ّن َــا‬ ‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ٱل ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫مل ْت َ ُ‬‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫صًرا ك َ َ‬ ‫إِ ْ‬
‫عن ّــا‬ ‫ف َ‬ ‫عـ ُ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ة ل َن َــا ب ِـ ِ‬ ‫قـ َ‬ ‫طا َ‬ ‫مــا ل َ َ‬ ‫مل َْنا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ول َ ت ُ َ‬ ‫َ‬
‫ص ـْرَنا‬ ‫ول ٰـ ـَنا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وٱ ْ‬
‫ف ٱن ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ت َ‬ ‫مَنا أن ـ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫و ٱْر َ‬ ‫فْر لَنا َ‬ ‫غ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (286‬‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫وم ِ ٱل ْك َ ٰـ ِ‬ ‫ق ْ‬‫عَلى ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫قد يخطئ النسان فييي حييياته أثنيياء قيييامه بهييذا‬
‫المنهج وقد يضعف فالصييراط المسييتقيم هييو هداييية‬
‫من الله‪ ،‬لذلك يحتيياج المسييلم إلييى العييون الربيياني‬
‫بيييييييييييييييييييييييييييييأن ييييييييييييييييييييييييييييييدعو‬
‫بالعفو والغفران والرحمة‪ .‬فإذا قييام المسييلم بقتييال‬
‫من أراد محاربة المنهج وأهله فهو يسأل الله النصيير‬
‫علييى القييوم الكييافرين‪ ،‬ولقييد إسييتجاب اللييه تعييالى‬
‫لهذه الدعوات بقوله )قد فعلت(‪.‬‬
‫سورة آل عمران‬

‫سو‬ ‫سييورة آل عمييران )مدنييية( نزلييت بعييد النفييال‬


‫رة آل‬ ‫وعدد آياتهييا ‪ 200‬آييية وهييي بعييد سييورة البقييرة فييي‬
‫عمران‬ ‫ترتيب المصحف‪.‬‬
‫علقتها مع سورة البقرة‬
‫سورة آل عمران هي شقيقة سورة البقرة بنص‬
‫أحاديث النييبي ‪ ‬وتسييميان )بييالزهراوين(‪ .‬وهنيياك‬
‫تشييابه كييبير بينهمييا‪ ،‬فكلتهمييا بييدأتا بييي ‪‬ألــم ‪،‬‬
‫واختتمتا بدعاء‪ ،‬ومن لطائف القرآن أن أول ‪ 3‬سييور‬
‫من القرآن قد اختتمت بدعاء‪:‬‬
‫م‪ ...‬‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ٱل ْ ُ‬ ‫صَرا َ‬ ‫دَنا ٱل ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫الفاتحة ‪ ‬ٱ ْ‬
‫‪.((4‬‬
‫َ‬ ‫البقيييرة ‪َ‬رب ّن َـــا ل َ ت ُ َ‬
‫و‬
‫ســـيَنا أ ْ‬ ‫خـــذَْنا ِإن ن ّ ِ‬ ‫ؤا ِ‬
‫خطَأ َْنا‪.( (255‬‬ ‫أَ ْ‬
‫فْر ل َن َــا ذُُنوب َن َــا‬ ‫فـ ٱ ْ‬
‫غ ِ‬ ‫وآل عمييران ‪َ...‬رب ّن َــا َ‬
‫ر‪.( (193‬‬ ‫ع ٱل ْب َْرا ِ‬ ‫م َ‬‫فَنا َ‬ ‫و ّ‬ ‫سي ّئ َ ٰـت َِنا َ‬
‫وت َ َ‬ ‫عّنا َ‬
‫فْر َ‬‫وك َ ّ‬
‫َ‬
‫وهذه إشارة إلى أهمية الدعاء عند المسلم ليلجأ‬
‫إليه دائمًا‪.‬‬
‫من وحي الحروف )ألم(‬
‫‪64‬‬
‫‪65‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ولعل أهييم أوجييه التشييابه هييو ابتييداء السييورتين‬


‫بالحرف المقطعة ‪‬ألم ‪ ،‬وهييي إشييارة إلييى أن‬
‫كييل آييية ميين آيييات السييورتين تحتييوي علييى هييذه‬
‫الحييرف الثلثيية‪ .‬وهنيياك سييور كييثيرة فييي القييرآن‬
‫ابتدأت بيأحرف مقطعية )مثيل أليم أو حيم(‪ ،‬فكأنهيا‬
‫مفتاح للدخول إلى معاني السييور‪ .‬وهنيياك ملحوظيية‬
‫أخرى أن كل السور التي تبدأ بنفس الحرف ترتبط‬
‫في أهدافها ومعانيها‪.‬‬
‫وقد يتساءل البعض عن المراد من ابتييداء بعييض‬
‫السييييييييور بهييييييييذه الحييييييييرف والواقييييييييع‬

‫أن هناك آراء كثيرة للعلماء في تفسيرها‪.‬‬


‫ولتبسيط الموضوع وتقريبه إلييى الذهييان نقييول‪:‬‬
‫دي‬ ‫هذه الحييرف قييد جيياءت فييي أوائل السييور لتح ي ّ‬
‫الكفار‪ ،‬وكييأنه سييبحانه يقييول للكفييار‪ :‬أليسييت هييذه‬
‫الحروف هييي حييروف لغتكييم؟ أليسييت هييي المييادة‬
‫الولية التي تستخدمونها؟ فهل تستطيعون أن تييأتوا‬
‫منها بمثل هييذا القييرآن؟ فالمييادة والييذرة قييد يصيينع‬
‫منهما النسان الكمبيوتر والسيارة‪ ،‬ولكنه ل يقدر أن‬
‫ينفخ فيهما الروح‪ .‬وكيذلك هيذه الحيروف قيد يصينع‬
‫الناس منها شعرا ً ونثرا ً لكيين هييل يقييدرون علييى أن‬
‫يأتوا بقرآن فيه روح؟‬
‫ك‬‫حي َْنا إ ِل َْيــ َ‬ ‫اسمع قول الله تعالى‪ :‬وك َذَل ِ َ َ‬
‫و َ‬
‫كأ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫رن َـــــــــــــا ‪‬‬ ‫م ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫ُروحـــــــــــــا ً ّ‬
‫مـــــــــــــ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪66‬‬

‫)الشورى‪.(52 ،‬‬
‫وليذلك فييإن أغليب السيور اليتي تبيدأ بييالحروف‬
‫المقطعة يأتي بعييدها تمجيييد للكتيياب )أو القييرآن أو‬
‫الوحي أو الذكر‪.‬‬
‫الثبات على المبدأ‬
‫إن الهدف الذي تدور حوله السورة وثيق الصييلة‬
‫بهدف سييورة البقييرة الييتي كييانت تخييبر المسييلمين‬
‫بأنهم مسؤولون عيين الرض‪ ،‬والييتي عرضييت منهييج‬
‫الستخلف‪ .‬فسييورة آل عمييران تؤكييد الثبييات عليى‬
‫هذا المنهج‪ ،‬والكثير من الشييخاص ‪ -‬بعييد أن يقييرأوا‬
‫المنهج ويتحملوا المسييؤولية ‪ -‬يزيغييون ويسييقطون‪،‬‬
‫ويبتعدون عن المنهج القويم‪ ،‬كالذي يتعبد في شييهر‬
‫رمضييان ثييم يغلييق أبييواب الطاعيية والعبييادة بعييده‪.‬‬
‫فالسورة تخاطب المتدينين منييذ أكييثر ميين ‪ 20‬سيينة‬
‫وتثبتهييم علييى الييدين‪ ،‬كمييا تخيياطب الشييباب الييذين‬
‫تييدّينوا بييالمس وتقييول لهييم أثبتييوا علييى دينكييم‬
‫ومنهجكم لتحقيق استخلف المسلم في الرض‪.‬‬
‫كيف نثبت على الحق؟‬
‫للجابة على هذا السييؤال يجييب أن نعييرف كيييف‬
‫يزيييغ النيياس‪ ،‬فالنيياس يضييللون إمييا بالفكييار الييتي‬
‫تشوش عقائدهم‪ ،‬أو يتيهون وسييط مشيياغل الحييياة‬
‫فتضعف عزائمهم‪ .‬وبالتييالي فأسييباب الهلك فكرييية‬
‫)داخليييية( أو عمليييية )خارجيييية(‪ ،‬والسيييورة تحيييث‬
‫‪67‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫المؤمن على الثبات في المجالين وتحييذره ممييا قييد‬


‫يكون سببا ً في زلته‪.‬‬
‫لذلك تقسم السورة إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ .1‬القسم الول‪ :‬اليات )‪(120 - 1‬‬
‫الثبيييات عليييى الحيييق فكرييييا ً أميييام الميييؤثرات‬
‫الخارجييية‪ ،‬ميين خلل الحييديث عيين أهييل الكتيياب‬
‫والحوار معهم‪ ،‬وهييو أول حييوار بييين العقييائد فييي‬
‫القرآن‪.‬‬
‫‪ .2‬القسم الثاني‪ :‬اليات )‪(200 - 120‬‬
‫تتحييدث عيين الثبييات علييى الحييق عمليييا ً أمييام‬
‫المؤثرات الداخلية من خلل الحييديث عيين غييزوة‬
‫أحييد‪ ،‬كنمييوذج للخطيياء الييتي قييد تقييع وكيفييية‬
‫تفاديها‪.‬‬
‫ت بالخيارج حيتى تجّهيز للمسيلم اليبيئة‬ ‫ْ‬
‫وقيد َبيد َأ ُ‬
‫المحيطة‪ ،‬وبعييد ذلييك بييدأت بييالتكلم علييى الييداخل‪.‬‬
‫والواقييع أن السييورة تنيياولت هييذين المحييورين ميين‬
‫خلل التعليق على حادثتين حصلتا علييى عهييد النييبي‬
‫‪:‬‬
‫‪ -‬الحادثة الولى‪ :‬لقاء وفد نصارى نجران مع النبي‪،‬‬
‫حين استضييافهم فيي المسييجد النبييوي وحيياورهم‬
‫لمدة ثلثة أيام‪.‬‬
‫‪ -‬الحادثييية الثانيييية‪ :‬غيييزوة أحيييد والهزيمييية أميييام‬
‫المشركين‪ ،‬فتأتي ‪ 80‬آية للتعقيب عليها‪ ،‬لن أكثر‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪68‬‬

‫المؤمنين لم يثبتوا في الغزوة ولم يطيعييوا أوامير‬


‫نبيهم ‪) ‬وخاصة الرماة(‪.‬‬
‫صحيح أن هذه اليات تعلق عليى حيوادث مضيى‬
‫عليها أكثر من ‪ 1400‬سنة‪ ،‬لكنها تخاطب المسييلمين‬
‫في كل العصور لتعلمهم كيف يثبتوا خارجيا ً وداخليًا‪،‬‬
‫فكريا ً وعمليًا‪.‬‬
‫من البداية للنهاية‬
‫بدأت السورة بما يساعد المسييلم علييى الثبييات‪،‬‬
‫وختمت أيضا ً بما يثبته على الحق‪.‬‬
‫ه إ ِل ّ‬ ‫اقرأ في بداية السورة‪ :‬الم ‪ ‬ٱلله ل إ ِل َ ٰـ َ‬
‫ب‬ ‫ك ٱل ْك ِت َ ٰـــ َ‬ ‫عل َْيــ َ‬
‫ل َ‬ ‫م َ‪‬نــّز َ‬
‫قّيــو ُ‬ ‫ى ٱل ْ َ‬ ‫حــ ّ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫هــ َ‬‫ُ‬
‫ديه‪.( (1-3‬‬ ‫ن يَ َ‬
‫ما ب َي ْ َ‬‫دقا ً ل ّ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ِ ٱل ْ َ‬
‫فإلهييك إلييه واحييد وهييو المعييين علييى الثبييات‪،‬‬
‫ق‪ ،‬وهييو طريقييك إلييى الثبييات علييى هييذا‬ ‫والكتاب ح ّ‬
‫الدين‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫والية الخيرة تقول للمؤمنين ‪َ‬يـأي ّ َ‬
‫قــوا ْ‬ ‫و ٱت ّ ُ‬ ‫وَراب ِطُــوا ْ َ‬ ‫صــاب ُِروا ْ َ‬ ‫و َ‬‫صب ُِروا ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ٱ ْ‬ ‫ءا َ‬
‫ن‪.( (200‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م تُ ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬
‫ٱلله ل َ َ‬
‫اصبروا أي اصبر نفسك‪ ،‬أما صابروا فمعناهييا أن‬
‫تساعد غيرك على الصبر‪ ،‬وأمييا رابطييوا فمعناهييا أن‬
‫يبقى المسلم مستعدا ً لمواجهة أي خطيير يييأتي ميين‬
‫الخارج‪ .‬والرباط يكون على الثغور لدفع وصد العييدو‬
‫الخييارجي سييواء كييان هييذا العييدو جيشييا ً أو فكييرة‬
‫وشبهة‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وذكر القرآن كعامل من عوامل الثبات قد تكييرر‬


‫كثيرا ً في السورة‪.‬‬
‫ل‬ ‫ذى َأن ـَز َ‬ ‫و ٱل ّـ ِ‬ ‫هـ َ‬ ‫فتييأتي الييية )‪ (7‬لتوضييح ‪ُ ‬‬
‫ُ‬
‫م‬ ‫نأ ّ‬ ‫هـ ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫م ٰــ ٌ‬ ‫حك َ َ‬ ‫م ْ‬
‫ت ّ‬ ‫ه آي َ ٰــ ٌ‬ ‫من ْـ ُ‬ ‫ب ِ‬ ‫ك ٱل ْك ِت َ ٰــ َ‬ ‫عل َي ْـ َ‬
‫َ‬
‫ش ٰـبه ٰــت َ َ‬ ‫وأ ُ َ‬
‫ن فــى‬ ‫ذي َ‬ ‫مــا ال ّـ ِ‬ ‫فأ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫مت َ َ ِ َ‬ ‫خـُر ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ٱل ْك ِت َ ٰـ ِ‬
‫غــاء‬ ‫ه ٱب ْت ِ َ‬ ‫مْنــ ُ‬‫ه ِ‬ ‫ش ٰـب َ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫في َت ّب ِ ُ‬ ‫غ َ‬ ‫م َزي ْ ٌ‬ ‫ه ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫قلوب ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه إ ِل ّ‬ ‫ويل َ ُ‬ ‫م ت َـأ ِ‬ ‫عل َـ ُ‬ ‫مــا ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ويل ِ ِ‬ ‫غاء ت َأ ِ‬ ‫و ٱب ْت ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫فت ْن َ ِ‬ ‫ٱل ْ ِ‬
‫مّنــا‬ ‫ن ءا َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫عل ْم ِ ي َ ُ‬ ‫في ٱل ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫خو َ‬ ‫س ُ‬ ‫و ٱلر ِ‬ ‫ٱلله َ‬
‫ول ُــوا ْ‬ ‫ُ‬
‫مــا ي َـذّك ُّر إ ِل ّ أ ْ‬ ‫و َ‬ ‫د َرب ّن َــا َ‬ ‫عن ـ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫ه ك ُـ ّ‬ ‫ب ِـ ِ‬
‫ب ‪.‬‬ ‫ٱلل ْب َ ٰـ ِ‬
‫فالفهم الصحيح للقرآن من أهييم عوامييل الثبييات‬
‫الفكري والكثير من الناس قد يزيغون ويقعييون فييي‬
‫الباطييل عيين طريييق اتبيياع المتشييابه ميين القييرآن‪.‬‬
‫فالسورة تحييذرنا ميين هييذا الضييلل وتحثنييا علييى أن‬
‫نكون ميين الراسيخين فيي العليم‪ ،‬وان نيدعو بيدعاء‬
‫ه ـدَي ْت ََنا‬ ‫ع ـدَ إ ِذْ َ‬ ‫قُلوب َن َــا ب َ ْ‬ ‫غ ُ‬ ‫ز ْ‬ ‫الثبييات‪َ :‬رب ّن َــا ل َ ت ُـ ِ‬
‫ة إن ّ َ َ‬
‫ب‬ ‫هــا ُ‬ ‫و ّ‬ ‫ت ٱل ْ َ‬ ‫ك أنــ َ‬ ‫م ً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ك َر ْ‬ ‫دن َ‬ ‫من ل ّ ُ‬ ‫ب ل ََنا ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫‪.( (8‬‬
‫آيات تدعو إلى الثبات‬
‫وهذه اليات كثيرة جدا ً في السورة‪ .‬فمرة يكون‬
‫ذلك عبر التذكير بأشخاص ثبتوا عند لقاء العدو‪.‬‬
‫ن‬
‫كــا َ‬ ‫قدْ َ‬ ‫)في معرض الحديث عن غزوة بدر( ‪َ ‬‬
‫فــى‬ ‫ل ِ‬ ‫ق ٰـــت ِ ُ‬‫ة تُ َ‬‫فئ َ ٌ‬
‫قَتا ِ‬ ‫ن ٱل ْت َ َ‬
‫فئ َت َي ْ ِ‬‫في ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫م ءاي َ ٌ‬
‫م‬ ‫م ّ َ‬
‫مث ْلي ْ ِ‬
‫هـ ْ‬ ‫هـ ْ‬
‫ون َ ُ‬ ‫خَر ٰى ك َــا ِ‬
‫فَرةٌ ي ََر ْ‬ ‫وأ ُ ْ‬
‫ل ٱلله َ‬ ‫سِبي ِ‬‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪70‬‬

‫ْ‬
‫ن‬ ‫من ي َ َ‬
‫شــاء إ ِ ّ‬ ‫ه َ‬‫ر ِ‬
‫ص ِ‬ ‫و ٱلله ي ُ َ‬
‫ؤي ّدُ ب ِن َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫عي ْ ِ‬‫ى ٱل ْ َ‬ ‫َرأ َ‬
‫ر‪.( (13‬‬‫ص ٰـ ِ‬‫وِلى ٱل ْب ْ َ‬ ‫عب َْرةً ل ِ ْ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫فى ٰذل ِ َ‬ ‫ِ‬
‫كرنا السورة بالحواريين حين ثبتوا علييى‬ ‫ومرة تذ ّ‬
‫نصرة دين الله تعالى وعدم الكفر به‪.‬‬
‫م ٱل ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫قــا َ‬ ‫فـَر َ‬ ‫هـ ُ‬ ‫من ْ ُ‬‫سـ ٰى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ف‪‬ل َ ّ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ح ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫رّيو َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ح َ‬‫ل ٱل ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫رى إ َِلى ٱلله َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫هدْ ب ِأّنــا‬ ‫وٱ ْ‬ ‫َ‬
‫شــ َ‬ ‫مّنــا ِبــ ٱلله َ‬ ‫للــه ءا َ‬ ‫صــاُر ٱ‬ ‫أن ْ َ‬
‫ن‪.( (52‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫كرنا الله‬ ‫وبمناسبة الحديث عن المم السابقة‪ ،‬يذ ّ‬
‫تعالى بعهد النبياء وثباتهم على نصرة السلم‪.‬‬
‫مـــا‬ ‫ن لَ َ‬ ‫ق ٱلن ّب ِي ّي ْـــ َ‬ ‫ميث َ ٰــــ َ‬ ‫خـــذَ ٱللـــه ِ‬ ‫‪ِ‬ذْ أ َ َ‬ ‫وإ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫مـــــــ ٍ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ٰــــــــ ٍ‬ ‫مـــــــن ك ِت َ‬ ‫كـــــــم ّ‬ ‫ءات َي ْت ُ ُ‬
‫ن‬ ‫من ُ ّ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ل َُتــ ْ‬ ‫كــ ْ‬ ‫ع ُ‬‫م َ‬ ‫ما َ‬ ‫صدّقٌ ل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ه‪.( (81...‬‬ ‫صُرن ّ ُ‬ ‫ول ََتن ُ‬ ‫ه َ‬ ‫بِ ِ‬
‫وفي سييورة آل عمييران تجييد آيييات تحث ّييك علييى‬
‫التقوى والثبات على الدين حتى الممات‪.‬‬
‫ٰ َ‬
‫ق‬
‫حـ ّ‬ ‫قــوا ْ ٱللــه َ‬ ‫من ُــوا ْ ٱت ّ ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّـ ِ‬ ‫‪‬يأي ّ َ‬
‫قات ِه ول َ ت َمــوت ُن إل ّ َ‬
‫ن‪( (102‬‬ ‫مو َ‬ ‫سـل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وأنت ُــم ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫تُ َ ِ َ‬
‫الية تقول لك‪ :‬إياك أن تموت إل وأنت مسلم‪.‬‬
‫ولكن كيف ونحن ل نعرف متى نموت؟ الجواب‪:‬‬
‫اتق الله واثبييت علييى طيياعته تمييوت علييى السييلم‬
‫وتضمن حسن الخاتمة إن شاء الله‪.‬‬
‫موا ْ‬
‫ص ُ‬
‫عت َ ِ‬ ‫وتأتي الية التي بعدها مباشييرة ‪َ ‬‬
‫وٱ ْ‬
‫‪71‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪.(‬‬ ‫قوا ْ‪(103‬‬ ‫ميعا ً‬


‫ول َ ت َ َ‬
‫فّر ُ‬ ‫ج ِ‬
‫ل ٱلله َ‬
‫َ‬ ‫حب ْ ِ‬
‫بِ َ‬
‫فإذا أردت الثبات علييى الحييق فاعتصييم بييالقرآن‬
‫والزم المتدينين والصحبة الصالحة وإياك والختلف‪.‬‬
‫فـوا ْ‬
‫خت َل َ ُ‬ ‫قـوا ْ َ‬
‫وٱ ْ‬ ‫فّر ُ‬
‫ن تَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫كوُنوا ْ ك َٱّلـ ِ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ت‪.((105...‬‬ ‫م ٱل ْب َي ّن َ ٰـ ُ‬ ‫ه ُ‬
‫جاء ُ‬ ‫ما َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫ِ‬
‫وتتوالى اليات في السييورة لتحييث علييى الثبييات‬
‫في مواطن مختلفة‪ .‬فتأمل معييي قييول اللييه تعييالى‬
‫في الثبات عند لقاء العدو‪:‬‬
‫ن ك َِثي ـٌر‬ ‫َ‬
‫رب ّي ّــو َ‬ ‫ه ِ‬‫عـ ُ‬ ‫م َ‬‫ل َ‬ ‫قات َ َ‬ ‫ى َ‬ ‫من ن ّب ِ ّ‬ ‫وك َأّين ّ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫مــا‬ ‫و َ‬ ‫ل ٱلله َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فى َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫هُنوا ْ ل ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫ما َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫حـــ ّ‬ ‫و ٱللـــه ي ُ ِ‬ ‫كاُنوا ْ َ‬ ‫ســـت َ َ‬ ‫مـــا ٱ ْ‬ ‫و َ‬‫فوا ْ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ضـــ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ‪.( (146‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ٰـب ِ ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫م‬ ‫هـ ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قــا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مل قول اللييه تعييالى‪  :‬ٱل ّ ِ‬ ‫وتأ ّ‬
‫عـــــوا ْ‬ ‫م ُ‬‫ج َ‬ ‫قـــــدْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ٱلّنـــــا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫ٱلّنـــــا ُ‬
‫قــاُلوا ْ‬ ‫و َ‬ ‫م ٰـــنا ً َ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫هــ ْ‬ ‫فَزادَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫شــ ْ‬ ‫خ َ‬‫فٱ ْ‬ ‫م َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫قل َُبوا ْ ب ِن ِ ْ‬ ‫ف ٱن ْ َ‬ ‫ل ‪َ ‬‬ ‫كي ُ‬ ‫و ِ‬‫م ٱل ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ون ِ ْ‬‫سب َُنا ٱلله َ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫عوا ْ‬ ‫و ٱت ّب َ ُ‬ ‫سوء َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ل لّ ْ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ف ْ‬ ‫و َ‬‫ن ٱلله َ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ظيـم ٍ‪ (173-‬‬ ‫ع ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ضـ ٍ‬ ‫ف ْ‬ ‫ذو َ‬ ‫و ٱللــه ُ‬ ‫ن ٱلله َ‬ ‫ض ٰو َ‬ ‫ر ْ‬ ‫ِ‬
‫‪.(174‬‬
‫آيييات كييثيرة تييدعو المسييلمين للثبييات وعييدم‬
‫الضعف والتخاذل تحت أي ظرف‪ .‬ولن الثبييات أميير‬
‫خطير ومصيري‪ ،‬فالسورة تحذر من عوامييل تزلييزل‬
‫إيمان المؤمن وتقّلل من مقدرته على الثبات‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪72‬‬

‫عقبات الثبات‪) :‬الشهوات والمعاصي(‬


‫س‬ ‫ن ِللن ّــا ِ‬ ‫فييي أوائل السييورة نقييرأ الييية ‪ُ‬زي ّ َ‬
‫ن‬ ‫و ٱل ْب َِنيـــ َ‬ ‫ســـاء َ‬ ‫ن ٱلن ّ َ‬ ‫مـــ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ه ٰو ِ‬ ‫شـــ َ‬ ‫ب ٱل ّ‬ ‫حـــ ّ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫ه ِ‬ ‫ن ٱلـــذّ َ‬ ‫مـــ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫طـــَر ِ‬ ‫قن َ‬ ‫م َ‬ ‫ر ٱل ْ ُ‬ ‫طي ِ‬ ‫قن َ ٰــــ ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ع ٰـــم ِ‬ ‫و ٱ لن ْ َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ِ‬ ‫و َ‬ ‫ســ ّ‬‫م َ‬ ‫ل ٱل ْ ُ‬ ‫خْيــ ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ضــ ِ‬‫ف ّ‬ ‫و ٱل ْ ِ‬ ‫َ‬
‫و ٱللــه‬ ‫ة ٱلـدّن َْيا َ‬ ‫حي َـ ٰو ِ‬ ‫ْ‬
‫ع ٱل َ‬ ‫مت َ ٰــ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ث ٰ ذل ِ َ‬ ‫حْر ِ‬ ‫ْ‬
‫و ٱل َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ب‪.( (14‬‬ ‫مأ ِ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬‫عندَهُ ُ‬ ‫ِ‬
‫فييالتعلق بمتيياع الييدنيا الييزائل وشييهوتها الفانييية‬
‫عامل خطير ضد ثبات المة‪.‬‬
‫م‬ ‫و َ‬‫م َيــ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫وا ْ ِ‬‫ول ّ ْ‬‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫ويقول تعالى‪ :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫شي ْطَ ٰـ ُ‬ ‫م ٱل ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ست ََزل ّ ُ‬ ‫ما ٱ ْ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ج ْ‬ ‫قى ٱل ْ َ‬ ‫ٱل ْت َ َ‬
‫سُبوا ْ‪.( (155‬‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ض َ‬‫ع ِ‬ ‫ب ِب َ ْ‬
‫فهذه الية تقول بيأن اليذين توليوا مين الصيحابة‬
‫يييوم غييزوة أحيد كيان عنييدهم ذنييوب فييي الماضييي‪،‬‬
‫فاستزّلهم بها الشيطان فلم يثبتوا‪.‬‬
‫ونرى آية أخرى في نفس المعنى‪:‬‬
‫ة َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مث ْل َي ْ َ‬
‫ها‬ ‫م ّ‬‫صب ْت ُ ْ‬‫قدْ أ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬‫م ِ‬‫م ّ‬ ‫ص ٰـب َت ْك ُ ْ‬‫ما أ َ‬‫و لَ ّ‬
‫‪‬أ َ‬
‫م‪‬‬ ‫س ـك ُ ْ‬‫ف ِ‬ ‫د أ َن ْ ُ‬
‫عن ـ ِ‬
‫ن ِ‬‫مـ ْ‬ ‫و ِ‬‫ه َ‬‫ل ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م أ َن ّ ٰى َ‬
‫ه ٰـ َ‬ ‫قل ْت ُ ْ‬
‫ُ‬
‫‪.((165‬‬
‫الحل‪) :‬التوبة(‬
‫لييذلك تتكييّرر اليييات الييتي تييدعو إلييى التوبيية‬
‫والمسارعة فيها‪.‬‬
‫قول ُــو َ‬
‫ن َرب ّن َــا إ ِن ّن َــا‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫فيقييول تعييالى‪  :‬ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪73‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ر‪‬‬ ‫ب ٱلّنــا ِ‬ ‫ذا َ‬‫ع َ‬


‫قَنا َ‬‫و ِ‬‫فْر ل ََنا ذُُنوب ََنا َ‬ ‫غ ِ‬‫فٱ ْ‬ ‫مّنا َ‬ ‫ءا َ‬
‫‪.((16‬‬
‫حوا ْ‬ ‫ك َ‬
‫صـل َ ُ‬‫وأ ْ‬ ‫د ٰذل ِـ َ َ‬ ‫عـ ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫ن َتاُبوا ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪‬ل ّ ٱل ّ ِ‬ ‫إِ‬
‫م‪.( (89‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫غ ُ‬‫ن ٱلله َ‬ ‫فإ ِ ّ‬‫َ‬
‫مـن‬ ‫ة ّ‬ ‫فـَر ٍ‬‫غ ِ‬‫م ْ‬ ‫عوا ْ إ َِلـ ٰى َ‬ ‫ر ُ‬‫ســا ِ‬‫و‪َ ‬‬‫وتييأتي الييية َ‬
‫ض‬ ‫و ٱل ْْر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــ ٰو ُ‬ ‫س َ‬ ‫ها ٱل ّ‬ ‫ضــ َ‬ ‫عْر ُ‬ ‫ة َ‬ ‫جّنــ ٍ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫كــ ْ‬‫ّرب ّ ُ‬
‫ن‪.( (133‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬‫عدّ ْ‬ ‫أُ ِ‬
‫فلتكن هذه الييية شييعارا ً للشييباب الييذين يقعييون‬
‫في المعاصي‪ ،‬المسارعة بالستغفار والتوبيية لنثبييت‬
‫على الحق ونضمن جنة عرضها السماوات والرض‪.‬‬
‫مما سبق تبّين لنا أن الثبات على الحق أميير مهييم‬
‫وخطييير وأن العقبييات دونييه كييثيرة ممييا يوصييلنا إلييى‬
‫السؤال المهم‪ :‬ما هي العوامييل الييتي تسيياعدنا علييى‬
‫الثبات على الحق؟‬
‫كزت عليها‪:‬‬ ‫خمسة عوامل‪ :‬أتت بها السورة ور ّ‬
‫‪ .1‬اللجوء إلى الله‪ :‬فالثبات من اللييه تعييالى وهييو‬
‫القادر على تثبيتنا على منهجه‪.‬‬
‫ث على الدعاء كثيرا ً من أولها‪:‬‬ ‫لذلك فالسورة تح ّ‬
‫ب‬ ‫هــ ْ‬‫و َ‬ ‫هــدَي ْت ََنا َ‬ ‫عــدَ إ ِذْ َ‬ ‫قُلوب ََنا ب َ ْ‬ ‫غ ُ‬ ‫ز ْ‬ ‫‪َ‬رب َّنا ل َ ت ُ ِ‬
‫ة إن ّ َ َ‬
‫ب‪.( (8‬‬ ‫ها ُ‬‫و ّ‬‫ت ٱل ْ َ‬ ‫ك أن َ‬ ‫م ً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ك َر ْ‬ ‫دن َ‬ ‫من ل ّ ُ‬ ‫ل ََنا ِ‬
‫ه‬
‫في ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫وم ٍ ل ّ َري ْ َ‬ ‫س ل ِي َ ْ‬ ‫ع ٱلّنا ِ‬ ‫م ُ‬‫جا ِ‬ ‫ك َ‬ ‫‪َ‬رب َّنا إ ِن ّ َ‬
‫د‪.( (9‬‬ ‫عا َ‬ ‫مي َ‬‫ف ٱل ْ ِ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫ن ٱلله ل َ ي ُ ْ‬ ‫إِ ّ‬
‫ك‬‫مل ْـ َ‬‫ؤِتى ٱل ْ ُ‬ ‫ك ت ُـ ْ‬ ‫مل ْـ ِ‬ ‫ك ٱل ْ ُ‬ ‫م ٰــل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ٱلله ّ‬ ‫‪ِ ‬‬‫ُ‬
‫ق‬
‫مــن‬ ‫عــّز َ‬ ‫وت ُ ِ‬‫شاء َ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ع ٱل ْ ُ‬ ‫ز ُ‬‫وَتن ِ‬ ‫شاء َ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪74‬‬

‫ٰى‬ ‫عَلـ‬ ‫ك َ‬ ‫خْيـُر إ ِّنـ َ‬ ‫ك ٱل ْ َ‬ ‫د َ‬ ‫شاء ب َِيـ ِ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ذ ّ‬ ‫وت ُ ِ‬ ‫شاء َ‬ ‫تَ َ‬
‫ديٌر‪.( (26‬‬ ‫ق ِ‬ ‫ىء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ور لنييا القييرآن نميياذج مضيييئة وكييف‬ ‫إلى أن يصي ّ‬
‫كانت تلجأ إلى الله‪.‬‬
‫ب إ ِّنـي‬ ‫فهذه زوجة عمران تدعو الله قائلة‪َ :‬ر ّ‬
‫حّرًرا‪.( (35‬‬ ‫م َ‬ ‫في ب َطِْني ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫ن َذَْر ُ‬
‫ب‬‫ل َر ّ‬ ‫قــا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ري ّــا َرب ّـ ُ‬ ‫عــا َزك َ ِ‬ ‫ك دَ َ‬ ‫هَنال ِ َ‬ ‫وزكريا ‪ُ ‬‬
‫ك ذُّرّيــــــ ً‬
‫ة‬ ‫مــــــن ّلــــــدُن ْ َ‬ ‫ب ِلــــــي ِ‬ ‫هــــــ ْ‬ ‫َ‬
‫ة‪.( (38‬‬ ‫طَي ّب َ ً‬
‫ث علييى الييدعاء‬ ‫وتمضي اليات في السورة لتح ي ّ‬
‫وترغييييييييييييييييب فيييييييييييييييييه‪ ،‬فهييييييييييييييييذا‬
‫دعيياء المييم السييابقة فييي الثبييات عنييد لقيياء العييدو‬
‫فـْر‬ ‫غ ِ‬ ‫قــاُلوا ْ رب ّن َــا ٱ ْ‬ ‫م إ ِل ّ َأن َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫قـ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مَنا‬ ‫دا َ‬ ‫قــ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫وث َب ّ ْ‬ ‫رَنا َ‬ ‫م ِ‬ ‫فى أ ْ‬ ‫فَنا ِ‬ ‫سَرا َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ل ََنا ذُُنوب ََنا َ‬
‫ن‪.( (147‬‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫وم ِ ٱل ْك َ ٰـ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫عَلى ٱل ْ َ‬ ‫صْرَنا َ‬ ‫و ٱن ُ‬
‫عَنا‬ ‫م ْ‬ ‫سـ ِ‬ ‫وهذا دعيياء أولييي اللبيياب ‪ّ‬رب َّنا إ ِن ّن َــا َ‬
‫َ‬
‫مّنا‬ ‫فـَئا َ‬ ‫م َ‬ ‫مُنوا ْ ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫ن ءا ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ٰـ ِ‬ ‫لي َ‬ ‫مَناِديا ً ي َُناِدى ل ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫سي ّئ َ ٰــت َِنا‬ ‫عّنـا َ‬ ‫فـْر َ‬ ‫وك َ ّ‬ ‫فْر ل ََنـا ذُُنوب ََنـا َ‬ ‫غ ِ‬ ‫فـ ٱ ْ‬ ‫َرب ّن َــا َ‬
‫عــدت َّنا‬ ‫و َ‬ ‫مــا َ‬ ‫وءات ِن َــا َ‬ ‫ر ‪َ ‬رب ّن َــا َ‬ ‫ع ٱل ْب ْـَرا ِ‬ ‫مـ َ‬ ‫فَنا َ‬ ‫و ّ‬ ‫وت َ َ‬ ‫َ‬
‫ك لَ‬ ‫ة إ ِن ّـ َ‬ ‫م ِ‬ ‫قي َ ٰــ َ‬ ‫م ٱل ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫زن َــا ي َـ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ول َ ت ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫عل َ ٰى ُر ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م أّنى ل َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م َرب ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫عادَ ‪َ ‬‬ ‫مي َ‬ ‫ف ٱل ْ ِ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫و ُأنث َـ ٰى‬ ‫رأ ْ‬
‫عامـل من ْك ُـم مــن ذَك َـ َ‬
‫ٍ‬ ‫ْ ّ‬ ‫ل َ ِ ٍ ّ‬ ‫مـ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ع َ‬ ‫ضــي ُ‬ ‫أ ِ‬
‫ُ‬
‫جــوا ْ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫وأ ُ ْ‬ ‫جُروا ْ َ‬ ‫ه ٰـــ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ٱل ّ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ع ٍ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ض ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫بَ ْ‬
‫ق ٰـــت َُلوا ْ‬ ‫و َ‬ ‫ســِبيِلى َ‬ ‫فــى َ‬ ‫ذوا ْ ِ‬ ‫وُأو ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫مــن ِدي َ ٰـــ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪75‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫م‬‫هـ ْ‬ ‫خل َن ّ ُ‬‫ول َدْ ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫سي ّئ َ ٰـ ـت ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫عن ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫ف ـَر ّ‬ ‫قت ُِلوا ْ لك َ ّ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫عنــ ِ‬ ‫من ِ‬ ‫وابا ً ّ‬‫ه ٰـُر ث َ َ‬ ‫ها ٱل ْن ْ َ‬ ‫حت ِ َ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫رى ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جن ّ ٰـ ٍ‬‫َ‬
‫ب‪.( (193 - 195‬‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ٱلث ّ َ‬ ‫س ُ‬‫ح ْ‬ ‫عندَهُ ُ‬ ‫و ٱلله ِ‬ ‫ٱلله َ‬
‫ما‬‫‪ .2‬العبادة‪ :‬وتقييرأ فييي ذلييك قييوله تعييالى‪ :‬ك ُل ّ َ‬
‫رّيا‪ ( (37‬فكانت السيدة مريم‬ ‫ها َزك َ ِ‬ ‫عل َي ْ َ‬‫ل َ‬ ‫خ َ‬ ‫دَ َ‬
‫عاكفة على المحراب‪ ،‬فتعلييم منهييا سيييدنا زكريييا‬
‫لييذلك عنييدما نييادته الملئكيية لتبشييره بيحيييى‪:‬‬
‫فــى‬ ‫ص ـّلى ِ‬ ‫م يُ َ‬ ‫قــائ ِ ٌ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬
‫و ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مَلـئ ِك َ ُ‬ ‫ه ٱل ْ َ‬ ‫فَنادَت ْ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ب‪.( (39‬‬ ‫حَرا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ِ‬
‫وهكذا نرى أن أجواء العبادة في السييورة كييثيرة‬
‫ونصل إلييى صييفات أولييي اللبيياب فييي آخيير السييور‬
‫قي َ ٰـما ً‬ ‫ن ٱلله ِ‬ ‫ن ي َذْك ُُرو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫لنقرأ قوله تعالى‪ :‬ٱل ّ ِ‬
‫م‪.( (191...‬‬ ‫ه ْ‬ ‫جُنوب ِ ِ‬ ‫عل َ ٰى ُ‬ ‫و َ‬ ‫عودا ً َ‬ ‫ق ُ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫‪ .3‬الدعوة إلى الله‪ :‬توجد منطقة في مخ النسييان‬
‫هي منطقة القناعات‪ ،‬وهناك منطقيية أبعييد وأقييوى‬
‫هي منطقة الهوية والنتماء‪ ،‬ولكي ننقل فكرة فييي‬
‫المييخ ميين منطقيية القناعييات إلييى منطقيية الهوييية‬
‫دث عنهييا‪ .‬فقييد يكييون المييرء‬ ‫والنتماء ل بد أن نتح ّ‬
‫مقتنعا ً بالسلم‪ ،‬لكن السلم لييم يصييبح هوييية لييه‪.‬‬
‫فإذا أراد النسان أن يكمل انتمائه إلى دينه فينبغي‬
‫أن يكييثر الحييديث عنييه‪ ،‬فيقييوى انتميياءه للفكييرة‬
‫ويثبت عليها‪ .‬فالدعوة إلييى اللييه ميين أهييم عوامييل‬
‫الثبييات لن الييداعي حييين يأخييذ بيييد النيياس فييإنه‬
‫سيكون أول من يثبت على ميا ييدعو النياس إلييه‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪76‬‬

‫لذا فإن السييورة تحتييوي علييى الكييثير ميين اليييات‬


‫ث المؤمن على الدعوة إلى الله‪:‬‬ ‫التي تح ّ‬
‫ن إ ِل َــى ٱل ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ول ْت َ ُ‬
‫ر‬‫خي ْـ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َـدْ ُ‬ ‫مـ ٌ‬ ‫مأ ّ‬ ‫من ْك ُـ ْ‬ ‫كن ّ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ْ‬
‫ر‬ ‫من ْك َـ ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫عـ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫وي َن ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ب ِ ٱل ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫وي َأ ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ن‪.( (104‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ٱل ْ ُ‬ ‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫مُرو َ‬ ‫س ت َ ـأ ُ‬ ‫ت ِللن ّــا ِ‬ ‫جـ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫م ٍ‬ ‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬
‫ن‬ ‫من ُــو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫وت ُ ْ‬‫ر َ‬ ‫من ْك َـ ِ‬‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫عـ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وت َن ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫ب ِ ٱل ْ َ‬
‫م ْ‬
‫خْيـرا ً‬ ‫ن َ‬ ‫كـا َ‬ ‫ب لَ َ‬ ‫ل ٱل ْك ِت َ ٰــ ِ‬ ‫هـ ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫و ءا َ‬ ‫وَلـ ْ‬ ‫ب ِ ٱلله َ‬
‫م ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ٰـ ـ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫وأك ْث َُر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ٱل ْ ُ‬ ‫ه ُ‬‫من ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫لّ ُ‬
‫‪.( (110‬‬
‫‪ .4‬وضوح الهدف‪ :‬وميين عوامييل الثبييات أن يكييون‬
‫لييييييييييك هييييييييييدف واضييييييييييح فييييييييييي‬
‫حياتك‪.‬‬
‫ن ٱللـــه‬ ‫ن ي َـــذْك ُُرو َ‬ ‫يقيييول تعيييالى‪  :‬ٱل ّـــ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ح ٰــن َ َ‬
‫ك‬ ‫هــذا ب َ ٰــطِل ً ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قـ َ‬ ‫قي َ ٰـمًا‪َ ...‬رب َّنا َ‬
‫ما َ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫ذا َ‬‫ع َ‬ ‫‪.(‬‬
‫قَنا َ‬ ‫َ‬
‫ف ِ‬ ‫ر‪(191‬‬
‫الّنا ِ‬
‫فل بد ّ أن نفهم أن هذا الكييون قييد أنشييئ لهييدف‬
‫ولم ينشأ عبثًا‪ ،‬والهدف هو عبادة اللييه ومعرفتييه وأن‬
‫نكييون مسييؤولين عيين الرض )كمييا وضييحت سييورة‬
‫البقرة(‪.‬‬
‫ميعـا ً‬
‫ج ِ‬
‫ل ٱللــه َ‬ ‫موا ْ ب ِ َ‬
‫حب ْـ ِ‬ ‫صـ ُ‬
‫عت َ ِ‬
‫وٱ ْ‬
‫‪ .5‬الخوة‪َ  :‬‬
‫قوا ْ‪.( (103‬‬ ‫ول َ ت َ َ‬
‫فّر ُ‬ ‫َ‬
‫فالخوة في الله تؤمن للمسلم الصحبة الصالحة‬
‫‪77‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫حُتم‬ ‫وهي من أهم نعم الله على النسييان ‪َ َ ‬‬


‫صـب َ ْ‬
‫فأ ْ‬
‫وانا ً‪.( (103‬‬ ‫خ َ‬
‫ه إِ ْ‬ ‫مت ِ ِ‬‫ع َ‬‫ب ِن ِ ْ‬
‫ذرنا السورة من تضييع الخوة والتفييرق‬ ‫لذلك تح ّ‬
‫من‬‫فوا ْ ِ‬ ‫خت َل َ ُ‬ ‫قوا ْ َ‬
‫وٱ ْ‬ ‫فّر ُ‬
‫ن تَ َ‬‫ذي َ‬ ‫كوُنوا ْ ك َٱل ّ ِ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ت‪.( (105‬‬ ‫م ٱل ْب َي ّن َ ٰـ ُ‬‫ه ُ‬‫جاء ُ‬ ‫ما َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫بَ ْ‬
‫الثبات الفكري‬
‫سبق وذكرنا أن السورة تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫والقسم الول من الية )‪ (120 - 1‬يناقش عقيدة‬
‫أهل الكتاب مناقشة راقييية وعلمييية ومؤدبيية‪ .‬إنهييا ل‬
‫تهدف إلى تسييفيه أفكييارهم بييل تهييدف إلييى تثييبيت‬
‫المؤمنين فكريا ً وتنقية أفكارهم من الشبهات‪.‬‬
‫لييذلك إذا عييدنا إلييى جييو هييذه المناقشيية‪ ،‬نجييد‬
‫أحداثها تدور في المسييجد النبييوي مييع وفييد نصييارى‬
‫نجران الذين مكثوا ثلثة أيام في المدينيية ليتحيياوروا‬
‫مع رسول الله ‪ ‬حييوارا ً هييو الول ميين نييوعه بييين‬
‫المسلمين والمسيحيين‪ .‬ومن المهييم هنييا أن نوضييح‬
‫أن الحوار والتفاهم مييع الخيير ل يعنييي أبييدا ً التنييازل‬
‫عن جزء من العقيييدة أو القيييم والمبييادئ‪ ،‬وهييذا مييا‬
‫سيينراه بوضييوح ميين خلل الحييوار الموجييود فييي‬
‫السورة وتقسيم القرآن الرائع والمنطقي لمراحله‪:‬‬
‫تقوية عقيدة المسلمين قبل النقاش‬
‫تبيييدأ السيييورة قبيييل النقييياش بتقويييية عقييييدة‬
‫المسلمين‪:‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪78‬‬

‫مل َ ٰـــئ ِك َ ُ‬ ‫َ‬


‫ة‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إ ِل ّ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ ٰـ َ‬ ‫هدَ ٱلله أن ّ ُ‬ ‫‪ِ‬‬ ‫ش‬‫َ‬
‫ُ‬
‫و‬‫هــ َ‬ ‫ه إ ِل ّ ُ‬ ‫ط ل َ إ ِل َ ٰـ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ما ً ب ِٱل ْ ِ‬ ‫قائ ِ َ‬ ‫عل ْم ِ َ‬ ‫وُلوا ْ ٱل ْ ِ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫م‪.( (18‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫زيُز ٱل َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ْ‬
‫ٱل َ‬
‫م‪.( (19‬‬ ‫سل َ ٰـ ُ‬ ‫عندَ ٱلله ٱل ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫‪‬إ ِ ّ‬
‫غون ول َـ َ‬ ‫‪‬أ َ َ‬
‫مــن‬ ‫م َ‬ ‫س ـل َ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن ٱلله ي َب ْ ُ َ َ ُ‬ ‫غي َْر ِدي ِ‬ ‫ف َ‬
‫هــا ‪‬‬ ‫وك َْر ً‬ ‫عــا َ‬ ‫و ً‬‫ض طَ ْ‬ ‫و ٱل ْْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــ ٰو ِ‬ ‫س َ‬‫فــى ٱل ّ‬ ‫ِ‬
‫‪.((83‬‬
‫ل‬ ‫قَبــ َ‬ ‫فَلن ي ُ ْ‬ ‫سل َ ٰـم ِ ِديًنا َ‬ ‫غي َْر ٱل ْ‬ ‫غ َ‬ ‫من ي َب ْت َ ِ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ‬‬
‫ه‪.( (85‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ق ْ َ‬
‫ى للــه‬ ‫هـ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ْ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫س ـل َ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ك َ‬ ‫جو َ‬ ‫حا ّ‬ ‫ن َ‬ ‫فإ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‪.( (20‬‬ ‫ع ِ‬ ‫ن ٱت ّب َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫إيجاد نقاط اتفاق‬
‫ل بد من إيجاد أرضييية مشييتركة قبييل البييدء بييأي‬
‫ل‬ ‫ق ْ‬ ‫حوار‪ ،‬وهو ما بّينه القرآن فييي قييوله تعييالى‪ُ  :‬‬
‫واء ب َي ْن َن َــا‬ ‫سـ َ‬‫ة َ‬ ‫مـ ٍ‬ ‫وا ْ إ ِل َـ ٰى ك َل ِ َ‬ ‫عال َ ْ‬‫ب تَ َ‬ ‫ل ٱل ْك ِت َ ٰـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ٰيأ َ ْ‬
‫ش ـْيئا ً‬ ‫ر َ‬ ‫ول َ ن ُ ْ‬ ‫وبين َك ُ َ‬
‫ه َ‬ ‫ك ب ِـ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫عب ُدَ إ ِل ّ ٱلله َ‬ ‫م أل ّ ن َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫ول َ ي َت ّ ِ‬
‫ن ٱللــه‬ ‫دو ِ‬ ‫مــن ُ‬ ‫ضــا أْرَباب ًــا ّ‬ ‫ع ً‬‫ضَنا ب َ ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫خذَ ب َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫مو َ‬ ‫ســل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫دوا ْ ب ِأّنا ُ‬ ‫ه ُ‬
‫ش َ‬ ‫قوُلوا ْ ٱ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫وا ْ َ‬ ‫ول ّ ْ‬ ‫فِإن ت َ َ‬ ‫َ‬
‫‪.((64‬‬
‫وتذكر السورة اليمان بأنبييياء اللييه تعييالى كلهييم‬
‫)بما في ذلك أنبياء أهل الكتاب( كنقطية أخيرى مين‬
‫النقاط المشتركة معهم‪:‬‬
‫ُ‬
‫مــا‬ ‫عل َي ْن َــا َ‬
‫و َ‬ ‫ز َ‬
‫ل َ‬ ‫مــا أنـ ِ‬
‫و َ‬
‫من ّــا ب ِـ ٱلله َ‬
‫ل ءا َ‬ ‫‪ُ‬‬
‫ق ْ‬
‫‪79‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ُ‬
‫ق‬
‫ح ٰـــ َ‬ ‫س َ‬
‫وإ ِ ْ‬‫ل َ‬ ‫عي َ‬‫م ٰـــ ِ‬ ‫س َ‬ ‫وإ ِ ْ‬
‫م َ‬ ‫هيــ َ‬ ‫عَلــ ٰى إ ِب ْ ٰر ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ز َ‬
‫أنــ ِ‬
‫ُ‬
‫ســ ٰى‬ ‫مو َ‬ ‫ى ُ‬ ‫مــا أوِتــ َ‬ ‫و َ‬‫ط َ‬ ‫ســَبا ِ‬ ‫و ٱل ْ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫قــو َ‬ ‫ع ُ‬‫وي َ ْ‬‫َ‬
‫ن‬‫ف ـّرقُ ب َي ْ ـ َ‬ ‫م ل َ نُ َ‬‫هـ ْ‬ ‫من ّرب ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫و ٱلن ّب ِّيو َ‬‫س ٰى َ‬ ‫عي َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‪.( (84‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ح ُ‬ ‫ون َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫د ّ‬
‫ح ٍ‬‫أ َ‬
‫الحجج والبراهين وسيلة القرآن للتثبيت‬
‫م‬ ‫ل ءادَ َ‬ ‫مث َـ ِ‬ ‫عن ـدَ ٱللــه ك َ َ‬ ‫س ـ ٰى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مث َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫إ ِ‪ّ ‬‬
‫ن‪‬‬ ‫في َك ُــو ُ‬ ‫ه ك ُــن َ‬ ‫ل ل َـ ُ‬ ‫قــا َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ث ُـ ّ‬ ‫من ت ُـَرا ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫‪.((59‬‬
‫ٰي أ َ‬
‫م‬ ‫هيــ َ‬ ‫فــى إ ِب ْ ٰر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫حا ّ‬ ‫م تُ َ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫ل ٱل ْك ِت َ ٰـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫‪ْ ‬‬
‫ُ‬
‫ه‬ ‫د ِ‬ ‫عـ ِ‬ ‫مــن ب َ ْ‬ ‫ل إ ِل ّ ِ‬ ‫جيـ ُ‬ ‫و ٱل ْن ْ ِ‬ ‫ت ٱلّتوَراةُ َ‬ ‫زل َ ِ‬ ‫ما أن ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (65‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫ع ِ‬ ‫فل َ ت َ ْ‬ ‫أَ َ‬
‫م‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه ٰـ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫عل ٌ‬ ‫ه ِ‬ ‫كم ب ِ ِ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ح ٰـ َ‬ ‫ؤلء َ‬ ‫م َ‬ ‫هأنت ُ ْ‬
‫م‪.( (66‬‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫ه ِ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫س ل َك ُ ْ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫حا ّ‬ ‫م تُ َ‬ ‫فل ِ َ‬ ‫َ‬
‫كن‬ ‫ول َ ِ‬ ‫صَران ِّيا َ‬ ‫ول َ ن َ ْ‬ ‫هوِدّيا َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫هي ُ‬ ‫ن إ ِب ْ ٰر ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫‪‬‬
‫ن‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫شــ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬‫ما َ‬ ‫سل ِ ً‬ ‫م ْ‬ ‫فا ّ‬ ‫حِني ً‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫‪.( (67‬‬
‫آيـــات كـــثيرة فـــي القنـــاع العقلـــي‬
‫والمنطقي‪:‬‬
‫ب‬ ‫ه ٱللــه ٱل ْك ِت َ ٰـ ـ َ‬ ‫ؤِتي ُ‬ ‫ر َأن ي ُـ ْ‬ ‫شـ ٍ‬ ‫ن ل ِب َ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪‬‬ ‫َ‬
‫كون ُــوا ْ‬ ‫س ُ‬ ‫قــو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫وةَ ث ُـ ّ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬
‫ل ِللن ّــا ِ‬ ‫و ٱلن ّب ُـ ّ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫كوُنــوا ْ‬ ‫كن ُ‬ ‫ول َ ٰـــ ِ‬ ‫ن ٱللــه َ‬ ‫دو ِ‬ ‫مــن ُ‬ ‫دا ّلــى ِ‬ ‫عَبــا ً‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫وب ِ َ‬‫ب َ‬ ‫ن ٱل ْك ِت َ ٰـ َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫م تُ َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫َرب ّ ٰـن ِّيي َ‬
‫ن‪.( (79‬‬ ‫سو َ‬ ‫ت َدُْر ُ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪80‬‬

‫مل َ ٰـــــئ ِك َ َ‬
‫ة‬ ‫ذوا ْ ٱل ْ َ‬ ‫م َأن ت َت ّ ِ‬
‫خــــ ُ‬ ‫مَرك ُ ْ‬
‫ْ‬
‫‪َ ‬يــــأ ُ‬ ‫ول َ‬‫َ‬
‫َ‬
‫عدَ إ ِذْ أنُتم‬ ‫كم ب ِٱل ْك ُ ْ‬
‫مُر ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر بَ ْ‬‫ف ِ‬ ‫ن أْرَباًبا أي َأ ُ‬ ‫و ٱلن ّب ِي ّي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (80‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫تحذير أهل الكتاب من التكذيب‬
‫وبعييييد أن عرضييييت اليييييات الدل ّيييية العقلييييية‬
‫والمنطقية‪ ،‬تنتقل إلى جانب آخر ميين النقيياش وهييو‬
‫التحذير والترهيب‪.‬‬
‫َ‬ ‫يأ َ‬
‫ت ٱللـه‬ ‫ن ب ِأي َ ٰــ ِ‬ ‫فـُرو َ‬ ‫م ت َك ْ ُ‬ ‫ل ٱل ْك ِت َ ٰـ ِ‬
‫ب لِ َ‬ ‫ه َ‬‫‪ْ‬‬
‫ن‪.( (70‬‬ ‫م تَ ْ‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ش َ‬ ‫وأنت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫حــ ّ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫ســو َ‬ ‫م ت َل ْب ِ ُ‬
‫ب ِلــ َ‬ ‫ل ٱل ْك ِت َ ٰـــ ِ‬ ‫هــ َ‬ ‫‪ْ‬‬ ‫ٰيأ‬
‫ب ٱل ْب ٰـطل وت َك ْت ُمون ٱل ْحق َ‬
‫ن‪‬‬ ‫مــو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫م تَ ْ‬
‫وأنُتــ ْ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫‪.((71‬‬
‫ه‬
‫في ـ ِ‬
‫ب ِ‬ ‫وم ٍ ل ّ َري ْـ َ‬ ‫م ل ِي َـ ْ‬
‫ه ْ‬‫عن َ ٰـ ـ ُ‬
‫م ْ‬
‫ج َ‬
‫ذا َ‬ ‫ف إِ َ‬‫‪‬ك َي ْ َ‬
‫ف‬‫َ‬
‫ن‬‫مو َ‬ ‫م ل َ ي ُظْل َ ُ‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬
‫ت َ‬ ‫سب َ ْ‬‫ما ك َ َ‬‫س ّ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫في َ ْ‬ ‫و ّ‬
‫و ُ‬
‫َ‬
‫‪.( (25‬‬
‫ثم يشتد ّ التحدي‪:‬‬
‫ن‬
‫مـ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جــاء َ‬ ‫مــا َ‬ ‫د َ‬‫ع ِ‬
‫من ب َ ْ‬ ‫ه ِ‬‫في ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ج َ‬ ‫حا ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ع أ َبَناءن َــا َ‬
‫م‬ ‫وأب ْن َــاءك ُ ْ‬‫َ‬ ‫وا ْ ن َ ـدْ ُ ْ‬‫عــال َ ْ‬ ‫ل تَ َ‬ ‫قـ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫عل ْ ـم ِ َ‬‫ٱل ْ ِ‬
‫م‬‫م ث ُـ ّ‬ ‫س ـك ُ ْ‬‫ف َ‬ ‫سـَنا وَأن ُ‬ ‫ف َ‬ ‫وَأن ُ‬
‫م َ‬ ‫ســاءك ُ ْ‬ ‫ون ِ َ‬‫ســاءَنا َ‬ ‫ون ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫ذِبي َ‬ ‫عَلى ٱل ْك َ ٰـــ ِ‬ ‫ت ٱلله َ‬ ‫عن َ ُ‬‫عل ل ّ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫فن َ ْ‬‫ل َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن َب ْت َ ِ‬
‫‪.((61‬‬
‫مى هييذه الييية بآييية المباهليية‪ :‬أي أن يجتمييع‬
‫تسي ّ‬
‫الفريقان المتناقشان ويبتهلون إليى اللييه بييأن ينصيير‬
‫‪81‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الفئة المحقة ويلعن الفئة الكاذبة‪ ،‬وطبع يا ً لييم يقبييل‬


‫نصارى نجران هذا التحدي الشديد‪.‬‬
‫العدل والتوازن في النقاش‬
‫ولن السلم دين راق جدًا‪ ،‬هييذا الحييوار ل يختييم‬
‫إل بييييييييييييييييييييييييذكر حسيييييييييييييييييييييييينات‬
‫ث المسلمين على العدل فييي‬ ‫بعض أهل الكتاب ويح ّ‬
‫النظييييييييييييييييييييييييييرة إليهييييييييييييييييييييييييييم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫ة‬
‫مـ ٌ‬ ‫قائ ِ َ‬‫ة َ‬ ‫مـ ٌ‬ ‫بأ ّ‬ ‫ل ٱل ْك ِت َ ٰـ ـ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ْ‬ ‫واء ّ‬ ‫س َ‬‫سوا ْ َ‬ ‫ل َ‪‬ي ْ ُ‬
‫ن‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫س ُ‬‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ٱلله ءاَناء ٱل ّي ْ ِ‬ ‫ن ءاي َ ٰـ ِ‬ ‫ي َت ُْلو َ‬
‫‪.( (113‬‬
‫قن ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫ر‬‫طا ٍ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ِإن ت َأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ل ٱل ْك ِت َ ٰـ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬‫‪َ‬‬
‫ر لّ‬ ‫ْ‬ ‫ه إ ِل َي ْـ َ‬ ‫ي ُـ َ‬
‫ديَنا ٍ‬ ‫ه ب ِـ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ِإن ت َـأ َ‬ ‫مـ ْ‬‫م ّ‬ ‫هـ ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫و ِ‬‫ك َ‬ ‫ؤد ّ ِ‬
‫ما‪.( (75‬‬ ‫ه َ‬
‫قائ ِ ً‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫ما دُ ْ‬ ‫ك إ ِل ّ َ‬ ‫ه إ ِل َي ْ َ‬‫ؤد ّ ِ‬‫يُ َ‬
‫فالقرآن يعّلمنا أن كونهم غييير مسييلمين ل يعنييي‬
‫أن كل تصرفاتهم خطأ وكل معاملتهم غش‪.‬‬
‫يا مسلمون تعّلموا من سورة آل عمران التوازن‬
‫في التعامل مع غير المسلمين‪.‬‬
‫والقرآن يثني أيضا ً على أنبياء أهل الكتاب‪ :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬
‫م‬‫هيــ َ‬
‫ل إ ِب ْ ٰر ِ‬‫وءا َ‬
‫حــا َ‬‫وُنو ً‬ ‫م َ‬ ‫صــطَ َ‬
‫فى آدَ َ‬ ‫ٱللــه ٱ ْ‬
‫ن‪.( (33‬‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰـل َ ِ‬
‫عَلى ٱل ْ َ‬
‫ن َ‬‫م ٰر َ‬
‫ع ْ‬ ‫وءا َ‬
‫ل ِ‬ ‫َ‬
‫ويمتييدح السيييدة مريييم باصييطفائها علييى نسيياء‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬‫مْرَيــ ُ‬‫ة ٰي َ‬ ‫مَلـــئ ِك َ ُ‬‫ت ٱل ْ َ‬
‫قــال َ ِ‬
‫وإ ِذْ َ‬
‫العييالمين‪َ  :‬‬
‫ن‪‬‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰــل َ ِ‬
‫ســاء ٱل ْ َ‬ ‫عل َـ ٰى ن ِ َ‬ ‫ك‪َ ...‬‬ ‫صط َ َ‬
‫ف ٰـ ِ‬ ‫ٱلله ٱ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪82‬‬

‫‪.((42‬‬
‫إنه مبدأ رائع في التوازن والعدل‪ ،‬فلم تأت هييذه‬
‫الييييييييييييييييييية فييييييييييييييييييي مييييييييييييييييييدح‬
‫زوجة النبي ول ابنته بل أتت في الثناء على السيييدة‬
‫مرييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييم‬
‫عليها السلم‪.‬‬
‫ل للتباع العمى‬
‫ذرنا القرآن من التباع العمى لهل‬ ‫وبالمقابل يح ّ‬
‫الكتاب بعد أن بّين لنا عقائدهم‪:‬‬
‫ٰ َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ريقا ً ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫عوا ْ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫مُنوا ْ ِإن ت ُ ِ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫‪‬يأي ّ َ‬
‫ُ‬
‫م‬ ‫م ٰــن ِك ُ ْ‬ ‫عـدَ ِإي َ‬ ‫كـم ب َ ْ‬ ‫دو ُ‬ ‫ب ي َُر ّ‬ ‫ن أوُتـوا ْ ٱل ْك ِت َ ٰــ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱّلـ ِ‬
‫ن‪.( (100‬‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك َ ٰـ ِ‬
‫عل َي ْ ُ‬ ‫م ت ُت َْلــ ٰى َ‬ ‫فــرون َ‬
‫م‬ ‫كــ ْ‬ ‫وأن ُْتــ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ف ت َك ْ ُ ُ‬ ‫وك َ‪ْ‬يــ َ‬ ‫َ‬
‫صــم‬ ‫عت َ ِ‬ ‫مــن ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ســول ُ ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫فيك ُـ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ت ٱللــه َ‬ ‫ءاي َ ٰـ ـ ُ‬
‫قيم ٍ‪.( (101‬‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫ص ٰر ٍ‬ ‫ى إ ِل َ ٰى ِ‬ ‫د َ‬ ‫ه ِ‬ ‫قدْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ب ِ ٱلله َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫حّبـــون َك ُ ْ‬ ‫ول َ ي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫حّبـــون َ ُ‬ ‫ولء ت ُ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫هـــاأنت ُ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫قــاُلوا ْ‬ ‫م َ‬ ‫قــوك ُ ْ‬ ‫ذا ل َ ُ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب ك ُل ّـ ِ‬ ‫ن ب ِٱل ْك ِت َ ٰــ ِ‬ ‫من ُــو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مـ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مـ َ‬ ‫م ٱل َْنا ِ‬ ‫عل َي ْك ُـ ُ‬ ‫ضــوا ْ َ‬ ‫ع ّ‬‫وا ْ َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫مّنا َ‬ ‫ءا َ‬
‫ظ‪.( (119‬‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫فــوا ْ‬ ‫خت َل َ ُ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫قــوا ْ َ‬ ‫فّر ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كوُنوا ْ ك َٱل ّ ِ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫هم ٱل ْبين َ ٰــت ُ‬
‫م‬ ‫هـ ْ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫وَلــئ ِ َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ّ‬ ‫جــاء ُ ُ‬ ‫مــا َ‬ ‫د َ‬ ‫عـ ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫ِ‬
‫م‪.( (105‬‬ ‫ظي ٌ‬‫ع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫والملحييظ أن محيياور هييذا النقيياش تييأتي ضييمن‬
‫‪83‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫آيات متشابكة متتالية‪ :‬ثنيياء عليهييم‪ ،‬ثييم برهييان‪ ،‬ثييم‬


‫نقطة اتفاق‪ ،‬ثم تقوية عقيدة )وهو ما يظهر بوضوح‬
‫في بعض المقاطع مثل اليات ‪.(83 - 79‬‬
‫ول ننسى في خضم هذا النقاش آل عمران هييذه‬
‫العائليية المباركيية الييتي سييمى اللييه تعييالى السييورة‬
‫باسييمها‪ .‬ميين امييرأة عمييران ودعائهييا إلييى السيييدة‬
‫مريم وتبّتلها‪ ،‬ثم زكريا ‪ ‬ودعائه‪ ،‬إلى سيدنا عيسى‬
‫ووالييدته ثييم رفعييه إلييى السييماء‪ .‬آيييات رائعيية فييي‬
‫اصطفائهم وفضلهم على العالمين‪.‬‬

‫ختام أقسام السورة بالثبات‬


‫ومن الشارات الواضحة أن يختييم القسييم الول‬
‫ضــّرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫قــوا ْ ل َ ي َ ُ‬ ‫صــب ُِروا ْ َ‬
‫وت َت ّ ُ‬ ‫وِإن ت َ ْ‬ ‫بالثبيييات ‪َ ‬‬
‫شْيئا ً‪.( (120‬‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ك َي ْدُ ُ‬
‫َ‬
‫ها‬‫كمييا ختييم القسييم الثيياني بالثبييات ‪َ ‬يـــأي ّ َ‬
‫وَراب ِطُــوا ْ‬ ‫صــاب ُِروا ْ َ‬‫و َ‬ ‫صـب ُِروا ْ َ‬
‫من ُــوا ْ ٱ ْ‬ ‫ن ءا َ‬‫ذي َ‬ ‫ٱل ّـ ِ‬
‫ن‪.( (200‬‬ ‫حو َ‬ ‫م تُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬
‫قوا ْ ٱلله ل َ َ‬ ‫و ٱت ّ ُ‬ ‫َ‬
‫الثبات العملي بعد الثبات الفكري‬
‫بعدما ثبت البناء الخارجي ضد الفكار والشبهات‬
‫ينتقييل القييرآن إلييى تثييبيت البنيياء الييداخلي‪ ،‬ويعالييج‬
‫القرآن هذا الموضييوع بييالتعقيب علييى غييزوة ُأحييد‪.‬‬
‫فالمسلمون خرجوا ميين الغييزوة منكسييرين‪ ،‬خجلييين‬
‫مييييييييين عصييييييييييان أمييييييييير النيييييييييبي ‪‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪84‬‬

‫ومن هروبهيم وخيذلنهم لرسيول الليه ‪ .‬فكيان أن‬


‫عيييييييييالجهم القيييييييييرآن علجيييييييييا ً راقييييييييييا ً‬
‫من خلل‪:‬‬
‫‪ .1‬التذكير بفضل الله عليهــم‪ :‬وأن النصيير ميين‬
‫كرهم بغزوة بدر‪:‬‬ ‫عند الله‪ ،‬فذ ّ‬
‫شل َ ‪) ‬أي‬ ‫ف َ‬ ‫م َأن ت َ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬‫ن ِ‬
‫فَتا ِ‬ ‫ت ّ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫م ْ‬
‫ه ّ‬‫‪‬إ ِذْ َ‬
‫ما‪( (122‬‬ ‫ه َ‬ ‫ول ِي ّ ُ‬‫و ٱلله َ‬ ‫أن ل تثبتا على الحق( ‪َ ‬‬
‫)هو الذي ثبتهما(‪.‬‬
‫ة‪‬‬ ‫م أ َِذل ّـ ٌ‬‫وأنت ُـ ْ‬
‫قد ن َصرك ُم ٱللــه بب ـدر َ‬
‫ِ َ ْ ٍ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ول َ َ ْ‬
‫‪َ ‬‬
‫‪.((123‬‬
‫ونرى في نفس السييياق التأكيييد علييى أن النصيير‬
‫من عند الله‪:‬‬
‫ْ‬
‫مــن‬ ‫قــوا ْ َ‬
‫وَيــأُتوك ُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫صــب ُِروا ْ َ‬
‫وت َت ّ ُ‬ ‫‪‬ب ََلــى ِإن ت َ ْ‬
‫ن‪.( (125‬‬ ‫مي َ‬ ‫و ِ‬‫س ّ‬‫م َ‬ ‫م‪ُ ...‬‬ ‫ه ْ‬
‫ر ِ‬
‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ف ْ‬
‫لحظ أن الصبر والتقييوى قييد تكييرر ذكرهمييا فييي‬
‫ختام أقسام السورة‪ ،‬كما ذكرا هنييا أيضيا ً كسييبب‬
‫لنزول الملئكة ونصر المؤمنين‪.‬‬
‫‪ .2‬المر بالتوبة والعودة إلى اللــه‪ :‬هنييا مظهيير‬
‫آخر من روعة القرآن في التربية والتثبيت‪ ،‬فقبييل‬
‫أن يييذكر أخطييائهم أو يييؤنبهم‪ ،‬يييدعوهم للعييودة‬
‫من‬ ‫ة ّ‬‫فَر ٍ‬
‫غ ِ‬ ‫عوا ْ إ ِل َ ٰى َ‬
‫م ْ‬ ‫ر ُ‬
‫سا ِ‬
‫و‪َ ‬‬
‫والنابة إلى الله‪َ :‬‬
‫ض‪‬‬ ‫و ٱل ْْر ُ‬ ‫ت َ‬
‫م ٰـ ٰو ُ‬ ‫س َ‬
‫ها ٱل ّ‬ ‫ض َ‬
‫عْر ُ‬
‫ة َ‬
‫جن ّ ٍ‬
‫و َ‬
‫م َ‬ ‫ّرب ّك ُ ْ‬
‫‪.((133‬‬
‫‪85‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫مـــوا ْ‬ ‫ش ً َ‬
‫و ظَل َ ُ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ٰــــ ِ‬ ‫عل ُـــوا ْ َ‬
‫ف َ‬‫ذا َ‬‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و‪‬ٱل ّـــ ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫غ َ‬ ‫م ذَك َُروا ْ ٱلله َ‬ ‫أن ْ ُ‬‫َ‬
‫م‬ ‫فُروا ل ِـذُُنوب ِ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫س ـت َ ْ‬
‫فٱ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬‫ف َ‬
‫صـّروا ْ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫وَلـ ْ‬ ‫ب إ ِل ّ ٱللـه َ‬ ‫فـُر ٱلـذُّنو َ‬ ‫غ ِ‬ ‫مـن ي َ ْ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫ن‪.( (135‬‬ ‫عل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫م يَ ْ‬
‫ه ْ‬‫و ُ‬ ‫عُلوا ْ َ‬‫ف َ‬‫ما َ‬ ‫عل َ ٰى َ‬ ‫َ‬
‫‪ .3‬المواساة‪ :‬رفع الييروح المعنوييية بييين الصييحابة‪،‬‬
‫آيييات رائعيية تخيياطب المسييلمين فييي كييل زمييان‬
‫ومكان لتثيبيتهم رغيم كيل اللم وكييل المصييائب‪:‬‬
‫‪‬ول َ ت َهُنوا ول َ ت َحزُنوا َ‬
‫ن ِإن‬ ‫و َ‬ ‫عَلــ ْ‬‫م ال ْ ْ‬ ‫وأنُتــ ُ‬‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (139‬‬ ‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫و َ‬
‫قـ ْ‬ ‫س ٱل ْ َ‬ ‫مـ ّ‬ ‫ق ـدْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ح َ‬
‫ق ـْر ٌ‬‫م َ‬ ‫س ـك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫‪ِ‬إن ي َ ْ‬
‫ن‬
‫ها ب َْيــ َ‬ ‫ول ُ َ‬‫دا ِ‬‫م ُنــ َ‬ ‫ك ٱل ّْيــا ُ‬ ‫وت ِْلــ َ‬‫ه َ‬ ‫مث ُْلــ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫قــْر ٌ‬ ‫َ‬
‫س‪.( (140‬‬ ‫ٱلّنا ِ‬
‫فتمسح اليات بحنان على آلم الصحابة‪ ،‬فالكفييار‬
‫قد تألموا مثلكم وفقدوا الرواح مثلكم‪.‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ســب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬
‫م َ‬‫ثم تأتي الية الرائعة في التثبيت‪ :‬أ ْ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫عل َم ِ ٱللــه ٱل ّـ ِ‬ ‫ول َ ّ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫َأن ت َدْ ُ‬
‫خُلوا ْ ٱل ْ َ‬
‫ن‪.( (142‬‬ ‫ري َ‬
‫ص ٰـب ِ ِ‬‫م ٱل ّ‬ ‫عل َ َ‬‫وي َ ْ‬‫م َ‬ ‫دوا ْ ِ‬
‫منك ُ ْ‬ ‫ه ُ‬‫ج ٰـ َ‬
‫َ‬
‫فالجنة غالية‪ ،‬ول بد لمن يطلبها أن يجاهد ويصييبر‬
‫لينالها‪.‬‬
‫‪ .4‬لوم رقيق‪ :‬بعد رفع الروح المعنوييية يبييدأ اللييوم‬
‫الرقيق‪.‬‬
‫ل َأن‬ ‫مــن َ‬
‫قْبــ ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫و َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫من ّ ْ‬‫م تَ َ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ول َ َ‬
‫قدْ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫ف َ‬‫وهُ َ‬ ‫ت َل ْ َ‬
‫مـــــــــــوهُ‬‫قـــــــــــدْ َرأي ْت ُ ُ‬ ‫قـــــــــــ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪86‬‬

‫َ‬
‫‪.(‬‬ ‫َتنظُُرو َ‬
‫ن‪(143‬‬ ‫م‬
‫وأنت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫قب ْل ِ ـ ِ‬‫مــن َ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫قدْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مدٌ إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ح ّ‬
‫م َ‬ ‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫عل َ ٰى‬ ‫َ‬ ‫ٱلرس ُ َ‬
‫م َ‬ ‫قل َب ْت ُ ْ‬ ‫ل ٱن َ‬ ‫قت ِ َ‬‫و ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل أفإ ِْين ّ‬ ‫ّ ُ‬
‫فل َــن‬ ‫ه َ‬ ‫قب َي ْـ ِ‬ ‫ع ِ‬‫عل َـ ٰى َ‬ ‫ب َ‬ ‫قل ِـ ْ‬ ‫مــن َين َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬‫ق ٰـب ِك ُ ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫ع َ‬
‫زى ٱللــــه‬ ‫ج ِ‬ ‫ســــي َ ْ‬‫و َ‬ ‫شــــْيئا ً َ‬ ‫ضــــّر ٱللــــه َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن ‪.( (144‬‬ ‫ري َ‬ ‫ش ٰـك ِ ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ن‬‫وو َ‬ ‫ول َ ت َل ْ ـ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬‫ص ِ‬‫ويلومهم لوما ً آخيير‪ :‬إ ِذْ ت ُ ْ‬
‫م‬ ‫خَراك ُـ ْ‬ ‫فى أ ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عوك ُ ْ‬ ‫ل ي َدْ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫و ٱلّر ُ‬ ‫د َ‬ ‫ح ٍ‬ ‫عل َ ٰى أ َ‬ ‫َ‬
‫‪.(‬‬ ‫‪(153‬‬
‫تخيييل هييذا المشييهد‪ :‬المسييلمون يركضييون ول‬
‫يسييتمعون لحييد والرسييول ‪ ‬ثييابت فييي أرض‬
‫كرهييم‬ ‫كرهم بييالخرة‪ .‬ثييم ذ ّ‬ ‫المعركة ينيياديهم ويييذ ّ‬
‫بأحوال السابقين وثباتهم‪:‬‬
‫ن ك َِثيـٌر‬ ‫َ‬
‫رب ّي ّــو َ‬ ‫ه ِ‬ ‫عـ ُ‬ ‫م َ‬‫ل َ‬ ‫قات َـ َ‬ ‫ى َ‬ ‫من ن ّب ِ ّ‬ ‫وك َأّين ّ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫ل ٱللــه‬ ‫س ـِبي ِ‬ ‫فــى َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫صــاب َ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫هُنوا ْ ل ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫ما َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫حـ ّ‬ ‫و ٱللــه ي ُ ِ‬ ‫كاُنوا ْ َ‬ ‫سـت َ َ‬ ‫مــا ٱ ْ‬ ‫فوا ْ َ‬
‫و َ‬ ‫ع ُ‬‫ضـ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (146‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ٰـب ِ ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫د‬
‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م َأنَز َ‬ ‫‪ .5‬عودة للمواساة‪ :‬ث ُ ّ‬
‫ش ـ ٰى َ‬ ‫عاسا ً ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫م‪‬‬ ‫من ْك ُـ ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫فـ ً‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫غ َ‬ ‫ة نّ َ‬‫من َ ً‬ ‫مأ َ‬ ‫غ ّ‬
‫‪.((154‬‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َر ْ‬ ‫فب ِ َ‬ ‫ويحنن قلب النبي ‪ ‬عليهم ‪َ ‬‬
‫و ك ُْنـــــ َ‬
‫ت‬ ‫وَلـــــ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هـــــ ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫ٱللـــــه ِلنـــــ َ‬
‫ك‬ ‫ول ِـ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ضــوا ْ ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب ل َن ْ َ‬ ‫قل ْـ ِ‬ ‫ظ ٱل ْ َ‬ ‫غِليـ َ‬ ‫فظّا ً َ‬ ‫َ‬
‫‪87‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫م‬
‫ه ْ‬
‫وْر ُ‬ ‫و َ‬
‫شــا ِ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ل َ ُ‬
‫هــ ْ‬ ‫غ ِ‬
‫ست َ ْ‬
‫وٱ ْ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫عن ْ ُ‬‫ف َ‬ ‫ع ُ‬ ‫َ‬
‫فٱ ْ‬
‫ر‪.( (159‬‬ ‫م ِ‬‫فى ٱل ْ ْ‬ ‫ِ‬
‫حيتى بعيد الهزيمية‪ ،‬تيأمر الييات النيبي ‪ ‬أن ل‬
‫يترك الشورى‪.‬‬
‫استشعر روعة هذا الدين الييذي يمييزج اللييوم مييع‬
‫الحنان والمواساة في أحلك الظروف وأصعبها‪.‬‬
‫‪ .6‬أسباب الهزيمة وعدم الثبات‪ :‬بعد كل هذا ل‬
‫بد من تبيان أسباب الهزيمة والثبات حتى يسييتفيد‬
‫المسلمون في كل زمان ومكان من الخطاء اليتي‬
‫وقعت‪:‬‬
‫د‬
‫قــــ ْ‬ ‫ول َ َ‬
‫أ‪ .‬الختلف وعــــدم الطاعــــة‪َ  :‬‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫ســــون َ ُ‬‫ح ّ‬‫عــــدَهُ إ ِذْ ت َ ُ‬
‫و ْ‬ ‫قك ُ ُ‬
‫م ٱللــــه َ‬ ‫صــــدَ َ‬
‫َ‬
‫‪.(‬‬ ‫ب ِإ ِذْن ِ ِ‬
‫ه‪(152‬‬
‫‪‬ـ ٰى‬ ‫حت ّ‬ ‫فالله تعالى قد أصدقكم وعييده بالنصيير َ‬
‫فــى‬ ‫م ِ‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫وت َن َ ٰـَز ْ‬ ‫م ‪) ‬أي لم تثبتوا( ‪َ ‬‬ ‫شل ْت ُ ْ‬‫ف ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫إِ َ‬
‫م ‪ ‬وهييذه‬ ‫ص ـي ْت ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬ ‫ر ‪) ‬أي اختلفتييم( ‪َ ‬‬ ‫مـ ِ‬ ‫ٱل ْ ْ‬
‫د‬
‫عــ ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫إشارة إلى خطورة المعصية وأثرهييا ‪ّ ‬‬
‫َ‬
‫ن ‪) ‬ميين بعييد مييا أراكييم‬ ‫حب ّــو َ‬ ‫مــا ت ُ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ما أَراك ُـ ْ‬ ‫َ‬
‫كم‬ ‫من ُ‬ ‫و ِ‬ ‫ريدُ الدّن َْيا َ‬ ‫من ي ُ ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫بشائر النصر( ‪ِ ‬‬
‫ة ‪) ‬بعضكم كييان يبغييي متيياع‬ ‫خَر َ‬ ‫ريدُ ٱل ْ ِ‬ ‫من ي ُ ِ‬ ‫ّ‬
‫الدنيا من وراء القتال‪ ،‬فكانت الهزيمة(‪.‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ن ٱّلــ ِ‬ ‫المعاصــي والــذنوب‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫ب‪.‬‬
‫مــا‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫م َ‬‫ج ْ‬ ‫قى ٱل ْ َ‬ ‫م ٱل ْت َ َ‬ ‫و َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬‫وا ْ ِ‬ ‫ول ّ ْ‬ ‫تَ َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪88‬‬

‫س ـُبوا ْ‬
‫مــا ك َ َ‬
‫ض َ‬ ‫شي ْطَ ٰـ ُ‬
‫م ٱل ّ‬ ‫ست ََزل ّ ُ‬
‫ع ِ‬
‫ن ب ِب َ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ٱ ْ‬
‫‪.( (155‬‬
‫ج‪ .‬التعلق بالشــخاص‪ :‬فعنييدما يتعلييق النيياس‬
‫بالشخاص أكثر ميين تعلقهييم بييالفكرة يضييعف‬
‫ثبيياتهم وانتميياؤهم للفكييرة نفسييها‪ ،‬فبعييض‬
‫الصحابة ألقى السلح عنييدما سييمعوا بإشيياعة‬
‫قتيييل النيييبي ‪ ‬فنزليييت الييييات تيييؤنبهم‬
‫مــن‬
‫ت ِ‬ ‫خل َـ ْ‬
‫قـدْ َ‬ ‫ل َ‬‫ســو ٌ‬ ‫مـدٌ إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ح ّ‬
‫م َ‬
‫مــا ُ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫و ُ‬ ‫َ‬ ‫قبِلــه ٱلرســ ُ َ‬
‫قِتــ َ‬
‫ل‬ ‫تأ ْ‬ ‫مــا َ‬‫ل أفــإ ِْين ّ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬
‫م‪.( (144‬‬ ‫ق ٰـب ِك ُ ْ‬ ‫عل َ ٰى أ َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫قل َب ْت ُ ْ‬‫ٱن َ‬
‫التحذير من الخلف في السورة‬
‫لحظنييا أن السييورة ركييزت علييى التحييذير ميين‬
‫الخلف لنييه ميين أكييثر العوامييل الييتي تييؤدي لعييدم‬
‫الثبات وتزلزل الصف الييداخلي سييواء أكييان الخلف‬
‫فكريا أو عمليًا‪.‬‬
‫لذلك ح ّ‬
‫ذرت السورة من‪:‬‬
‫أ‪ .‬اتباع اليات المتشابهة من الكتاب بقصــد‬
‫الفتنـــة والتأويـــل‪َ َ  :‬‬
‫ن فـــى‬ ‫ذي َ‬ ‫مـــا ال ّـــ ِ‬ ‫فأ ّ‬
‫ه‬
‫مْنــ ُ‬
‫ه ِ‬
‫ش ٰـــب َ َ‬ ‫مــا ت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عــو َ‬ ‫في َت ّب ِ ُ‬‫غ َ‬ ‫م َزْيــ ٌ‬
‫ه ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫قلــوب ِ ِ‬
‫ه‪.( (7‬‬ ‫ْ‬ ‫غاء ٱل ْ ِ‬
‫ويل ِ ِ‬
‫غاء ت َأ ِ‬ ‫و ٱب ْت ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫فت ْن َ ِ‬ ‫ٱب ْت ِ َ‬
‫ب‪ .‬التفــــرق والختلف فــــي الفــــروع‪:‬‬
‫ميعــــا ً‬
‫ج ِ‬
‫ل ٱللــــه َ‬ ‫موا ْ ب ِ َ‬
‫حب ْــــ ِ‬ ‫صــــ ُ‬
‫عت َ ِ‬
‫وٱ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫قــوا ْ ‪ .( (103‬وتحييذرنا السييورة ميين‬ ‫فّر ُ‬‫ول َ ت َ َ‬‫َ‬
‫‪89‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الخلف والتفيييييييييييرق فيييييييييييي آييييييييييييات‬


‫قـــوا ْ‬ ‫فّر ُ‬‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬‫كوُنـــوا ْ ك َ ٱّلـــ ِ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬ ‫اللييييه ‪َ ‬‬
‫ت‪‬‬ ‫م ٱل ْب َي ّن َ ٰـــ ُ‬ ‫ه ُ‬‫جاء ُ‬ ‫ما َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫فوا ْ ِ‬ ‫خت َل َ ُ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫َ‬
‫‪.((105‬‬
‫ج‪ .‬الربا‪ :‬لنييه ميين أسييباب الخلف بييين المسييلمين‬
‫مُنــوا ْ ل َ َتــأ ْك ُُلوا ْ ٱلّرَبــا‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱّلــ ِ‬
‫َ‬
‫‪ٰ ‬ـــأي ّ َ‬ ‫يَ‬
‫ة‪.( (130‬‬ ‫ف ً‬ ‫ع َ‬ ‫ض ٰـ َ‬‫م َ‬ ‫ع ٰـفا ً ّ‬ ‫ض َ‬ ‫أَ ْ‬
‫د‪ .‬التفــرد بــالرأي‪ :‬لييذلك أمييرت اليييات النييبي‬
‫ف‬ ‫ع ُ‬ ‫فـ ٱ ْ‬ ‫بالشورى رغم كل ما حدث في أحييد ‪َ ‬‬
‫فــى‬ ‫م ِ‬‫ه ْ‬
‫وْر ُ‬ ‫شــا ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫هــ ْ‬ ‫فْر ل َ ُ‬‫غ ِ‬ ‫ســت َ ْ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هــ ْ‬ ‫عن ْ ُ‬‫َ‬
‫عل َــى ٱللــه ‪‬‬ ‫ل َ‬ ‫وك ّـ ْ‬‫فت َ َ‬‫ت َ‬ ‫مـ َ‬ ‫عَز ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫ر َ‬ ‫م ِ‬‫ٱل ْ ْ‬
‫‪.((159‬‬
‫علقة القسم الول بالثاني‬
‫‪ .1‬عدم التعلق بالشخاص‪ :‬إن إشاعة قتل النبي‬
‫‪ ‬والمفاجييأة الييتي حصييلت فييي ُأحييد لخبطييت‬
‫المسلمين‪ ،‬وكذلك فان قصة رفع المسيييح فجييأة‬
‫لخبطت المسيحيين وأدت إلى مييا هييم عليييه ميين‬
‫ضييلل‪ .‬فسييورة آل عمييران توجهنييا إلييى التعلييق‬
‫بييالفكرة ل بييالفراد والشييخاص‪ ،‬فهييم يزولييون‬
‫ويموتون وتبقى الفكرة ويبقى الدين‪ ،‬فيييا شييباب‬
‫إن أردتييم الثبييات فإييياكم والتعلييق بداعييية مييا أو‬
‫بشخص ما ونسيان الفكرة والرسالة‪.‬‬
‫كزت على عدم‬ ‫‪ .2‬أهمية التباع‪ :‬مع أن السورة ر ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪90‬‬

‫التعلييق بالشييخاص لكنهييا بّينييت أهمييية التبيياع‬


‫والطاعة‪.‬‬
‫َ‬
‫س ـ ٰى‬ ‫عي َ‬‫س ِ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ف‪‬ل َ ّ‬‫‪ -‬ففييي القسييم الول‪َ :‬‬
‫ري إ ِل َــى ٱللــه‬ ‫َ‬ ‫فَر َ‬
‫قــا َ‬ ‫م ٱل ْك ُ ْ‬
‫صــا ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫مـ ْ‬‫ل َ‬ ‫ه ُ‬‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫صاُر ٱلله‪.( (52‬‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ح ُ‬‫ن نَ ْ‬
‫رّيو َ‬
‫وا ِ‬‫ح َ‬‫ل ٱل ْ َ‬‫قا َ‬ ‫َ‬
‫ضحت الغاية ‪‬إ َِلى ٱلله ‪ ‬وبّينييت‬ ‫هذه الية و ّ‬
‫ري ‪ ‬فل بييد‬ ‫َ‬
‫صــا ِ‬‫ن أن َ‬ ‫م ْ‬ ‫لهم الوسيلة والطريييق‪َ  :‬‬
‫لهم أن يكونوا من أنصار النبي‪.‬‬
‫‪ -‬ونرى فيي القسيم الثيياني آييية عامية عليى مير‬
‫العصور في اتباع النبياء‪:‬‬
‫ن ك َِثي ـٌر‬ ‫َ‬
‫رب ّي ّــو َ‬‫ه ِ‬ ‫عـ ُ‬ ‫م َ‬‫ل َ‬ ‫قات َ َ‬ ‫ى َ‬ ‫من ن ّب ِ ّ‬ ‫وك َأّين ّ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫مــا‬ ‫و َ‬
‫ل ٱلله َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فى َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫هُنوا ْ ل ِ َ‬ ‫و َ‬‫ما َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫حـــ ّ‬ ‫و ٱللـــه ي ُ ِ‬ ‫كاُنوا ْ َ‬ ‫ســـت َ َ‬ ‫مـــا ٱ ْ‬ ‫و َ‬‫فوا ْ َ‬ ‫ع ُ‬‫ضـــ ُ‬‫َ‬
‫ن ‪.( (146‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ٰـب ِ ِ‬
‫ٱل ّ‬
‫د‬
‫حـ ٍ‬‫عل َـ ٰى أ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وو َ‬ ‫ول َ ت َل ْـ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬‫ص ِ‬ ‫واليةإ ِذْ‪‬ت ُ ْ‬
‫م‪.( (153‬‬ ‫خَراك ُ ْ‬ ‫في أ ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عوك ُ ْ‬ ‫ل ي َدْ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫و ٱلّر ُ‬ ‫َ‬
‫تلوم المؤمنين عليى تقصييرهم فيي اتبياع النيبي‬
‫وطاعته في غزوة أحد‪.‬‬
‫لماذا سميت السورة بآل عمران؟‬
‫ما علقة كل ما قيل عن الثبات بآل عمييران؟ إن‬
‫الله تعالى قد اختار فييي هييذه السييورة رمزييين ميين‬
‫رموز الثبات‪ ،‬امرأة آل عمران‪ ،‬ومريم بنت عمران‪،‬‬
‫وسييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييرد‬
‫‪91‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫لنا قصتهما في ربعين كاملين من السورة‪ .‬فالسيدة‬


‫مريم ثبتت على طاعيية اللييه تعييالى وعبييادته وثبتييت‬
‫على العفة حتى استحقت أن تذكر بهذه الصفة فييي‬
‫َ‬
‫ها ‪ ‬فميين أخطيير‬ ‫ج َ‬ ‫ت َ‬
‫فْر َ‬ ‫صن َ ْ‬
‫ح َ‬‫القرآن ‪ ‬ٱل ِّتى أ ْ‬
‫المور التي تضّيع الفراد وتضّيع المجتمعات الفشييل‬
‫فييي الثبييات علييى الطاعيية وعلييى العفيية‪ .‬فكييانت‬
‫السيدة مريم عليها السلم رمزا ً للثبات عليهما‪.‬‬
‫وأما زوجة عمران فقد كان همها الول أن يكون‬
‫الجنيييييييييييييييييييييييييييين اليييييييييييييييييييييييييييذي‬
‫ب إ ِن ّــي ن َـذَْر ُ‬
‫ت‬ ‫تحمله ناصرا ً لدين الله تعييالى‪َ :‬ر ّ‬
‫مّني‪.( (53‬‬ ‫ل ِ‬ ‫فت َ َ‬
‫قب ّ ْ‬ ‫حّرًرا َ‬ ‫في ب َطِْني ُ‬
‫م َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ك َ‬‫لَ َ‬
‫مح يّررا ً أي خالص يا ً لييك فكييانت تريييده أن يحييرر‬
‫المسجد القصى من يييد الرومييان المعتييدين وبييذلك‬
‫كانت رمزا ً للثبات على فكرتها حتى بعييد أن علمييت‬
‫أن‬
‫ب‬‫ت َر ّ‬ ‫قـال َ ْ‬ ‫ها َ‬
‫عت ْ َ‬
‫ضـ َ‬
‫و َ‬ ‫مـا َ‬‫فل َ ّ‬
‫وليييدها كييان أنييثى‪َ  .‬‬
‫م‬‫عَلــــ ُ‬ ‫و ٱللــــه أ َ ْ‬ ‫ٰى َ‬ ‫ها ُأنَثــــ‬ ‫عت ُ َ‬
‫ضــــ ْ‬ ‫و َ‬‫إ ِّنــــى َ‬
‫ُ‬
‫وإ ِن ّــى‬ ‫س ٱلـذّك َُر ك َـ ٱلن ْث َ ٰى َ‬ ‫ول َي ْـ َ‬‫ت َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ضـ َ‬‫و َ‬‫مــا َ‬ ‫بِ َ‬
‫‪ (‬فتقّبيييييييل‬ ‫م‪(36...‬‬ ‫مْرَيــــــ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مي ْت ُ َ‬‫ســــــ ّ‬ ‫َ‬
‫ها‬‫قب ّل َ َ‬
‫فت َ َ‬ ‫الله تعالى من امرأة عمران صدق نيتها ‪َ ‬‬
‫قبـــــــول حســـــــن َ‬
‫هـــــــا‬ ‫وأنب َت َ َ‬
‫ٍ َ‬ ‫ٍ َ َ‬ ‫هـــــــا ب ِ َ ُ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫سًنا‪.((37...‬‬ ‫ح َ‬ ‫ن ََباًتا َ‬
‫واللطيف أن الله تعالى ذكر هذين الرمزييين فييي‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪92‬‬

‫السييورة الييتي تنيياقش أهييل الكتيياب وهييذه طريقيية‬


‫ممّيزة للقرآن في تقريب الناس كما مّر معنيا‪ .‬فميع‬
‫أنه ينكر على ما يعتقده أهل الكتاب لكنه يثني علييى‬
‫شخصيييات عظيميية يؤمنييون بهييا كزوجيية عمييران‬
‫والسيدة مريم‪.‬‬
‫قيمة المرأة في السورة‬
‫واللطيف أيض يا ً فييي السييورة الييتي تتحييدث عيين‬
‫الثبييييييييييات أن اللييييييييييه تعييييييييييالى قييييييييييد‬
‫جعل نموذج الثبات سيدتين فالسورة مييع أن اسييمها‬
‫آل عميييييييييييييييران‪ ،‬ليييييييييييييييم تيييييييييييييييذكر‬
‫عمران نفسه بل ركزت على زوجته ونيتها المخلصة‬
‫فييييييييييييي نصييييييييييييرة دييييييييييييين اللييييييييييييه‬
‫التي كانت سببا ً بعييد ذلييك فييي ولدة السيييدة مريييم‬
‫ومييييييييين بعيييييييييدها سييييييييييدنا عيسيييييييييى‪.‬‬
‫لحظ أيضا ً أن سيدنا زكريا على ما له من قيمة في‬
‫أنبياء بني إسرائيل قد تعّلم من السيدة مريم‪.‬‬
‫د‬
‫جــ َ‬‫و َ‬‫ب َ‬ ‫حــَرا َ‬ ‫م ْ‬ ‫رّيا ٱل ْ ِ‬ ‫ها َزك َ ِ‬ ‫عل َي ْ َ‬‫ل َ‬‫خ َ‬ ‫‪‬ك ُل ّ َ‬
‫ما دَ َ‬
‫قـــــــــــــا َ‬
‫ل‬ ‫قـــــــــــــا َ‬ ‫رْز ً‬ ‫ها ِ‬ ‫عنـــــــــــــدَ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫د‬
‫عن ـ ِ‬‫ن ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫و ِ‬‫هـ َ‬‫ت ُ‬ ‫قــال َ ْ‬‫ذا َ‬ ‫ه ٰـ ـ َ‬ ‫ك َ‬ ‫م أن ّ ـ ٰى ل َـ ِ‬ ‫مْري َ ـ ُ‬
‫ٰي َ‬
‫رّيـــــا‬‫عـــــا َزك َ ِ‬ ‫ك دَ َ‬ ‫هَناِلـــــ َ‬ ‫ٱللـــــه‪  ...‬و ‪ُ ‬‬
‫ه‪.( (37-38...‬‬ ‫َرب ّ ُ‬
‫فرمز الثبات في السورة هييو النسيياء‪ ،‬والسييورة‬
‫التالييييييييييييييية بعييييييييييييييد آل عمييييييييييييييران‬
‫‪93‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫هييي أيضيا ً سييورة النسيياء‪ ،‬وهييذا أوضييح دليييل علييى‬


‫تكريم السلم للمرأة ورفع قدرها‪.‬‬
‫فيييا شييباب أثبتييوا علييى الحييق فكييرا ً وعم ً‬
‫ل‪ ،‬ويييا‬
‫ل‪ ،‬وتعّلمييوا ميين‬‫فتيات أثبتن علييى الحييق فكييرا ً وعم ً‬
‫السيدتين اللييتين ذكييرت فييي هييذه السييورة‪ :‬امييرأة‬
‫عمران‪ ،‬ومريم بنت عمران‪.‬‬
‫سورة النساء‬

‫سو‬ ‫سورة النساء )مدنية( نزلت بعد سييورة الممتحنيية‬


‫رة‬ ‫وعدد آياتهييا )‪ (176‬مييائة وسييت وسييبعون آييية‪ ،‬وهييي‬
‫النساء‬ ‫السورة الرابعة في ترتيب المصييحف بعييد سييورة آل‬
‫عمران‪.‬‬
‫سورة النساء هي سورة العدل والرحميية خاصيية‬
‫ددت سورة البقرة مسييؤولية‬ ‫مع الضعفاء فبعد أن ح ّ‬
‫المسلمين عن الرض وعرضييت منهييج السييتخلف‪،‬‬
‫جيياءت سييورة آل عمييران لتييدعو إلييى الثبييات عليى‬
‫المنهج القويم وعلى المسؤولية الملقاة على عيياتق‬
‫المييؤمنين‪ .‬ثييم جيياءت سييورة النسيياء لتعلمنييا أن‬
‫المستأمن على الرض ل بد أن يكون على قدر ميين‬
‫العدل والرحمة تجاه الضعفاء الذين استؤمن عليهييم‬
‫وكييأن الصييفة الولييى الييتي تمي ّييز المسييؤولين عيين‬
‫الرض هي العدل‪ ..‬ولهذا فإن سورة النساء تتحييدث‬
‫عن حقوق الضعفاء في المجتميع‪ .‬إنهييا تتحيدث عين‬
‫اليتامى والعبيد والخدم والورثيية‪ ،‬كمييا تركييز بشييكل‬
‫أساسييي علييى النسيياء‪ .‬وكييذلك فإنهييا تتحييدث عيين‬
‫القليات غير المسلمة التي تعيش في كنف السلم‬
‫وعيييين حقوقهييييا بالضييييافة إلييييى التييييوجه إلييييى‬
‫‪94‬‬
‫‪95‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫المستضعفين أنفسهم وكيف ينبغي عليهم التصييرف‬


‫في المواقف المختلفة‪ .‬يضاف إلى كل هذا الحييديث‬
‫عيين ابيين السييبيل وعيين الوالييدين وكيييف يجييب أن‬
‫ُيعاملوا‪ ..‬فهي سورة الرحمة وسورة العدل‪ ..‬يتكييرر‬
‫في كل آية من آياتها ذكر الضعفاء والعدل والرحميية‬
‫بشكل رائع يدلنا على عظمة العجيياز القرآنييي فييي‬
‫التكرار دون أن يم ّ‬
‫ل القارئ‪.‬‬
‫سبب التسمية‪ :‬بيتك أول ً‬
‫أما سييبب تسييمية السييورة بهييذا السييم فهييو أن‬
‫المرء لييو عييدل مييع زوجتييه فييي بيتييه ورحمهييا فييإنه‬
‫سيعرف كيف سيعدل مع بقية الضعفاء‪.‬‬

‫فهي سورة المستضعفين وقييد اختييار اللييه نوعيا ً‬


‫من أنواع المستضعفين وهم النسيياء ليكونييوا اسييما ً‬
‫لهييذه السييورة‪ ..‬وكييأن اللييه يقييول لييك‪ :‬قبييل أن‬
‫أستأمنك على الرض‪ ،‬أرنييي عييدلك فييي بيتييك‪ ،‬فلييو‬
‫عدلت ورحمت في بيتك فسييتكون مسييتأمنا ً للعييدل‬
‫فييي المجتمييع‪ ،‬إن العييدل مييع النسيياء فييي الييبيوت‬
‫نمييوذج يقيياس بييه عييدل المسييلمين فييي امتحييان‬
‫الستخلف على الرض‪ ،‬فهييل سيينجد بعييد هييذا ميين‬
‫دعي بأن السلم يضطهد المرأة ول يعدل معها؟‬ ‫ي ّ‬
‫إن هذه الّدعاءات لن تنطلي على قارئ القييرآن‬
‫بعد الن وخاصة مع الذي يقرأ سورة النساء‪ ،‬فهناك‬
‫ن‪ ،‬وقبلهييا‬ ‫سورة كاملة تتناول العيدل والرحميية معهي ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪96‬‬

‫سورة آل عمران التي عرضت السيدة مريم وامرأة‬


‫عمران كنمييوذجين للثبيات )كييأن سييورة آل عمييران‬
‫تمّهد لتكريم المرأة(‪.‬‬
‫تعالوا الن أيها الخوة نخوض في رحيياب اليييات‬
‫الكريمة وننوي أثناء قراءتها أن نعدل مع كل النيياس‬
‫خاصة مع الضعفاء‪.‬‬
‫دعامة الستخلف‪ :‬العدل‬
‫تبدأ السورة بداييية واضييحة فييي توضيييح هييدفها‪:‬‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫كــ ْ‬‫ق ُ‬ ‫ذى َ‬ ‫م ٱّلــ ِ‬ ‫قوا ْ َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ٱت ّ ُ‬ ‫ها ٱلّنا ُ‬ ‫‪َ‬يـأي ّ َ‬
‫ث‬ ‫وب َـ ّ‬
‫هــا َ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬
‫هــا َز ْ‬ ‫من ْ َ‬
‫ق ِ‬ ‫خل َـ َ‬‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫ح ـدَ ٍ‬‫س ٰو ِ‬ ‫فـ ٍ‬ ‫من ن ّ ْ‬ ‫ّ‬
‫ساء‪ ( (1...‬فهييذه الييية‬ ‫ون ِ َ‬ ‫جال ً ك َِثيرا ً َ‬‫ر َ‬‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫س‬
‫فـ ٍ‬ ‫من ن ّ ْ‬ ‫تخبرنييا بييأن الصييل النسيياني واحييد ‪ّ ‬‬
‫ة ‪ ‬فلم الظلم؟؟‬ ‫حدَ ٍ‬ ‫ٰو ِ‬
‫وتيبّين اليية أن النسياء قيد خلقين مين الرجيال‪،‬‬
‫ن كمييا فييي حييديث‬ ‫وفي هذا دعوة صريحة للرأفة به ّ‬
‫النييبي‪" :‬النسيياء شييقائق الرجييال"‪ .‬والملحييظ أن‬
‫س‪‬‬ ‫َ‬
‫ها ٱلّنا ُ‬ ‫السورة بدأت بخطاب عالمي ‪َ‬يـأي ّ َ‬
‫بينمييا سيييورة المييائدة بييدأت بخطييياب الميييؤمنين‬
‫مُنــوا ْ ‪ ‬وذلييك لن العييدل‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ها ٱّلــ ِ‬‫‪َ‬يـــأي ّ َ‬
‫قانون عام للمم جميعيًا‪ ..‬فل يمكيين لميية أن تسيود‬
‫فييي الرض وهييي ظالميية‪ ..‬فالعييدل أسيياس الملييك‬
‫وأساس الستقرار وأسيياس السييتخلف‪ .‬وفييي هييذا‬
‫يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى‪:‬‬
‫‪97‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫)‪ ..‬وأمور النياس تسيتقيم ميع العيدل اليذي فييه‬


‫الشيتراك فيي أنيواع الثيم‪ ،‬أكيثر مميا تسيتقيم ميع‬
‫الظلم في الحقوق وإن لم تشترك فييي إثييم‪ ،‬ولهييذا‬
‫قيل‪ :‬إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كييانت كييافرة‪،‬‬
‫ول يقيم الظالمة وإن كييانت مسييلمة‪ ،‬ويقييال الييدنيا‬
‫تييدوم مييع العييدل والكفيير‪ ،‬ول تييدوم مييع الظلييم‬
‫والسلم‪ 28/146 (..‬مجموع الفتاوى‪.‬‬
‫ولحظ أن سورة النساء ابتييدأت بنفييس المعنييى‬
‫الذي ختمت بيه السيورة اليتي قبلهيا‪ :‬التقيوى‪ .‬فقيد‬
‫م‬‫عل ّك ُـ ْ‬
‫قــوا ْ ٱللــه ل َ َ‬‫و ٱت ّ ُ‬ ‫ختمييت آل عمييران بي ي ‪َ ‬‬
‫ن‪ ( (200‬وابتيييدأت سيييورة النسييياء بيييي‬ ‫حـــو َ‬ ‫تُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬
‫َ‬
‫م‪.( (1‬‬ ‫قوا ْ َرب ّك ُ ُ‬
‫س ٱت ّ ُ‬
‫ها ٱلّنا ُ‬‫‪َ‬يـأي ّ َ‬
‫ل تأكل النار‬
‫ذر ميين ظلييم نييوع آخيير ميين‬ ‫والييية الثانييية تحيي ّ‬
‫َ‬
‫ول َ‬ ‫م َ‬ ‫مـ ٰول َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫م ٰى أ ْ‬ ‫تـوا ْ ٱل ْي َت َ ٰــ َ‬ ‫وءا ُ‪‬‬ ‫المستضعفين‪:‬‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ت َت َب َدُّلوا ْ ٱل ْ َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬
‫مــ ٰول ُ‬ ‫ول َ ت َأك ُلوا أ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ٱطي ّ ِ‬ ‫ث بِ ل‬ ‫خِبي َ‬
‫حوبا ً ك َِبيرا ً ‪ ‬ثم بعد ذلك‬ ‫َ‬
‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬‫م ٰول ِك ُ ْ‬ ‫إ ِل َ ٰى أ ْ‬
‫فى‬ ‫طوا ْ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬‫م أ َل ّ ت ُ ْ‬
‫فت ُ ْ‬‫خ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫يأتي قوله تعالى‪َ  :‬‬
‫م ٰى ‪ ‬كييان العييرب يرب ّييون اليتيميية فينفقييون‬ ‫ٱل ْي َت َ ٰـ َ‬
‫عليها من مالها‪ ،‬فإذا كييبرت وأراد أن يتزوجهييا وليهييا‬
‫فقد يبخسها في مهرهييا‪ ،‬ول يعطيهييا مهييرا ً مثييل مييا‬
‫يعطي غيرها من النساء‪ ،‬فأتت الية لتدافع أيضا ً عن‬
‫تلك الفئة المستضعفة من النساء‪ ،‬وفييي هييذه الييية‬
‫نرى القاعدة المشهورة فييي إباحيية عييدد الزوجييات‪:‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪98‬‬

‫ن‬ ‫العييدل ثييم العييدل ثييم العييدل وإل فواحييدة‪َ  .‬‬


‫فإ ِ ْ‬
‫دُلوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫ة‪. ...‬‬
‫حدَ ً‬
‫ف ٰو ِ‬ ‫م أل ّ ت َ ْ‬
‫ع ِ‬ ‫خ ْ‬
‫فت ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫المهر‪ :‬حق الزوجة مع طّيب النفس‬
‫ثم تييأتي الييية الرابعيية لتقييرر حييق الزوجيية فييي‬
‫المهر‪ ،‬وأهمية أن يعطيها الرجل مهرهييا "نحليية" أي‬
‫ن‬‫ه ّ‬‫ق ٰـ ـت ِ ِ‬‫صدُ َ‬ ‫وءاُتوا ْ ٱلن ّ َ‬
‫ســاء َ‬ ‫‪‬‬
‫عن طيييب نفييس َ‬
‫فس ـا ً‬ ‫ه نَ ْ‬
‫من ْـ ُ‬
‫ىء ّ‬‫شـ ْ‬‫عــن َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل َك ُـ ْ‬‫فِإن طِب ْ َ‬ ‫حل َ ً‬
‫ة َ‬ ‫نِ ْ‬
‫ريئا ً‪.‬‬ ‫م ِ‬‫هِنيئا ً ّ‬
‫فك ُُلوهُ َ‬‫َ‬
‫فانظر أخي المسلم إلى هييذه الرحميية المتبادليية‬
‫سييخها السييلم فييي آييية المهيير‪.‬‬ ‫بييين الزوجييين ير ّ‬
‫فالمطلوب من الرجل طيب النفس في العطاء‪ ،‬أما‬
‫قهييا أو أن‬ ‫المييرأة فهييي مخي ّييرة بييين أن تحتفييظ بح ّ‬
‫تطيب نفسها ببعضه إكراما ً لزوجهيا‪ .‬آيية رائعية فيي‬
‫الجمييع بييين المطالبيية بحييق الزوجيية وبييين العلقيية‬
‫الحميمة المتبادلة في العطاء عن طيب النفس‪.‬‬
‫العدل حتى مع السفهاء‬
‫وتمضي اليات لتحقق العدل مييع فئات المجتمييع‬
‫ؤت ُــوا ْ‬ ‫ول َ ت ُ ْ‬‫المختلفة‪ ،‬حتى السييفهاء ميين النيياس ‪َ ‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ل ٱللــه ل َك ُـ ْ‬ ‫عـ َ‬ ‫م ٱل ّت ِــى َ‬
‫ج َ‬ ‫م ـ ٰول َك ُ ُ‬ ‫هاء أ ْ‬ ‫ف َ‬‫سـ َ‬‫ٱ ّ‬ ‫ل‬
‫قول ُــوا ْ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ٱك ْ ُ‬
‫ســو ُ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬
‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ٱْرُز ُ‬
‫قو ُ‬ ‫قي َ ٰـما ً َ‬‫ِ‬
‫عُروفا ً‪ ( (5‬والسييفهاء هييم الييذين ل‬ ‫م ْ‬‫ول ً ّ‬
‫ق ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫لَ ُ‬
‫يحسينون إدارة أميوالهم بحييث ليو أنيه تيرك معهيم‬
‫لتبدد بسرعة‪ .‬فحتى هذه الفئة ميين النيياس ل يجييوز‬
‫‪99‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ل‪ ،‬كمييا يفعييل البعييض بحجيية‬ ‫أن تظلييم أو أن تسييتغ ّ‬


‫سفاهة صاحب المال‪.‬‬
‫ثم تأتي الية السادسة أيضا ً لتقييرر حييق اليتييامى‬
‫و ٱب ْت َُلــوا ْ‬ ‫فييي مييالهم إذا بلغييوا سيين الرشييد ‪َ ‬‬
‫م‬ ‫سـت ُ ْ‬
‫ن ءان َ ْ‬ ‫ح َ‬
‫ف ـإ ِ ْ‬ ‫كا َ‬‫غوا ْ الن ّ َ‬ ‫ذا ب َل َ ُ‬ ‫حت ّ ٰى إ ِ َ‬ ‫م ٰى َ‬ ‫ٱل ْي َت َ ٰـ َ‬
‫َ‬
‫ول َ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫مــ ٰول َ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫هــ ْ‬ ‫ف ُ ْ َ‬
‫عوا إ ِلي ْ ِ‬ ‫فــ ٱدْ َ‬ ‫شــدا ً َ‬ ‫م ُر ْ‬‫هــ ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ّ‬
‫دارا ً َأن ي َك ْب َُروا ْ ‪.‬‬ ‫سَرافا ً َ‬
‫وب ِ َ‬ ‫ها إ ِ ْ‬‫ت َأ ْك ُُلو َ‬
‫والية السيابعة تقيّرر حيق الميرأة فيي المييراث‬
‫الييذي حرمهييا منييه بعييض العييرب فييي الجاهلييية‬
‫ن‬ ‫لـــ ٰد ِ‬ ‫ك ٱل ْ ٰ ِو‬ ‫مـــا َتـــَر َ‬‫م ّ‬
‫ب ّ‬ ‫ل َنصـــي ِ ٌ‬ ‫جـــا ِ‬ ‫ّلل‬
‫‪ّ‬ر َ‬
‫ك‬‫مـــا ت َـــَر َ‬ ‫م ّ‬ ‫ب ّ‬‫صـــي ٌ‬‫ســـاء ن َ ِ‬ ‫وِللن ّ َ‬‫ن َ‬ ‫قَرب ُـــو َ‬‫و ٱل ْ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫و ك َث ُـَر‬
‫هأ ْ‬ ‫من ْـ ُ‬ ‫ل ِ‬‫قـ ّ‬‫مــا َ‬ ‫م ّ‬
‫ن ِ‬
‫قَرب ُــو َ‬ ‫و ٱل ْ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ٱل ْ ٰول ِـ ٰد ِ‬
‫فُروضا ً ‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫صيبا ً ّ‬‫نَ ِ‬
‫وإ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫والية الثامنة تجمع بين العدل والحسان ‪َ ‬‬
‫قسـم َ ُ‬
‫م ٰى‬ ‫و ٱل ْي َت َ ٰــ َ‬‫قْرب َـ ٰى َ‬ ‫ول ُــوا ْ ٱل ْ ُ‬‫ةأ ْ‬ ‫ضـَر ٱل ْ ِ ْ َ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫هـ ْ‬ ‫قول ُــوا ْ ل َ ُ‬ ‫و ُ‬
‫ه َ‬‫من ْـ ُ‬
‫م ّ‬
‫ه ْ‬
‫قو ُ‬‫فـ ٱْرُز ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كي ُ‬‫س ٰـ ِ‬
‫م َ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫عُروفا ً ‪.‬‬ ‫م ْ‬‫ول ً ّ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬
‫إحفظ أولدك من بعدك بالعدل‬
‫والية التاسعة تصحح مفهوما ً سائدا ً عنييد النيياس‬
‫ة‬ ‫م ذُّري ّـ ً‬ ‫ه ْ‬ ‫خل ْ ِ‬
‫ف ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كوا ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫و ت ََر ُ‬ ‫ذي َ‬‫ش ٱل ّ ِ‬‫خ َ‬ ‫ول ْي َ ْ‬
‫‪َ ‬‬
‫قوُلوا ْ‬ ‫ول ْي َ ُ‬
‫قوا ّ ٱلله َ‬ ‫فل ْي َت ّ ُ‬
‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫فوا ْ َ َ‬ ‫ع ٰـفا ً َ‬
‫خا ُ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬
‫ديدا ً ‪ ‬كييثير ميين النيياس يييأكلون الحييرام‬ ‫ول ً َ‬
‫س ِ‬ ‫ق ْ‬‫َ‬
‫ويعتييدون علييى غيرهييم بحجيية أنهييم يخييافون علييى‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪100‬‬

‫أولدهم بعد وفاتهم‪ ،‬لكن السورة تقول لك العكس‪:‬‬


‫اعدل مع غيرك وقييل قييول ً سييديدا ً يحفييظ لييك اللييه‬
‫أولدك‪.‬‬
‫ذر من الظلييم تحييذيرا ً‬ ‫ثم تأتي الية العاشرة لتح ّ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ٱّلــــــــــــــــــ ِ‬ ‫شيييييييييييييييييييييديدا ً ‪‬إ ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫مــا ي َـأك ُُلو َ‬
‫م ٰى ظُْلمـا ً إ ِن ّ َ‬ ‫ل ٱل ْي َت َ ٰــ َ‬‫مـ ٰو َ‬‫نأ ْ‬ ‫ي َأك ُُلو َ‬
‫ن‬ ‫صــــــل َ ْ‬
‫و َ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َنــــــارا ً َ‬
‫ه ْ‬ ‫ُ‬
‫فــــــى ب ُطــــــون ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫عيرا ً‪.‬‬
‫س ِ‬‫َ‬
‫الميراث بالعدل‬
‫وبعد ذلك تييأتي أحكييام الميييراث للولد والبنييات‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ول َ ٰــ ِ‬
‫دك ُ ْ‬ ‫فـى أ ْ‬ ‫م ٱللـه ِ‬ ‫صـيك ُ ُ‬ ‫يو ِ‬‫‪‬‬‫في الية )‪ُ (11‬‬
‫ن‪  ...‬هييذا هييو العييدل‬ ‫ظ ٱل ْن ْث َي َي ْـ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬
‫ر ِ‬ ‫ِللذّك َ ِ‬
‫لن تقسيييم الرث ليييس علييى أسيياس الفضييلية‪،‬‬
‫وليس بنسبة متساوية بين الييذكر والنييثى بييل علييى‬
‫أساس الواجبات والمسييؤوليات لكييل واحييد منهمييا‪.‬‬
‫فالرجل عنده مسؤولية النفقيية علييى بيتييه وزوجتييه‪.‬‬
‫بينمييا المييرأة ليييس عليهييا أي واجييب للنفقيية وإذا‬
‫تزوجييت فعلييى زوجهييا أن ينفييق عليهييا وتبقييى لهييا‬
‫حصتها من الرث‪.‬‬
‫ثم الية )‪ (12‬تفصل الميراث بين الزوجين أيضييا ً‬
‫ف ما ت َر َ َ‬
‫م‬ ‫ن ل ّـ ْ‬‫م إِ ْ‬ ‫جك ُـ ْ‬
‫ك أْز ٰو ُ‬ ‫َ‬ ‫ص ُ َ‬ ‫م نِ ْ‬ ‫ول َك ُ ْ‬
‫‪‬‬‫بالعدل َ‬
‫د ‪ ‬فباختصييار أخييي المسييلم‪ ،‬كلمييا‬ ‫وَلـ ٌ‬‫ن َ‬ ‫ه ّ‬‫ن لّ ُ‬ ‫ي َك ُ ْ‬
‫أحسست بأن العدل قد نقص من حياتك خاصيية مييع‬
‫زوجتييك‪ ،‬بيتييك أو الضييعفاء فعليييك أن تقييرأ سييورة‬
‫‪101‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫النساء‪ :‬سورة العدل وأن تعرض نفسك على آياتها‪.‬‬


‫تلك حدود الله‬
‫ثم تييأتي آيتييان )‪ (14-13‬محوريتييان فييي الييترغيب‬
‫بالعدل والترهيب من الظلم والتعدي على حدود اللييه‬
‫سـول َ ُ‬
‫ه‬ ‫وَر ُ‬ ‫ع ٱللــه َ‬ ‫طـ ِ‬
‫مـن ي ُ ِ‬ ‫و َ‬
‫دودُ ٱلله َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫‪‬ت ِل ْ َ‬
‫ن‬‫دي َ‬ ‫خ ٰـــل ِ ِ‬ ‫هـُر َ‬ ‫ها ٱل ْن ْ َ‬ ‫حت ِ َ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫رى ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جن ّ ٰـ ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫ي ُدْ ِ‬
‫ص ٱللــه‬ ‫ع ِ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫و َ‬‫م‪َ ‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫وُز ٱل ْ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ك ٱل ْ َ‬ ‫و ٰذل ِ َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫هــا‬ ‫في َ‬ ‫خ ٰــِلدا ً ِ‬ ‫ه ن َــارا ً َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫دودَهُ ي ُدْ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫عدّ ُ‬ ‫وي َت َ َ‬‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫َ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫هي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ّ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫ه َ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫َ‬
‫فماذا لو وقع الظلم من البشر؟ تأتي الييية )‪(17‬‬
‫لتجيييب علييى السييؤال مباشييرة وتفتييح بيياب التوبيية‬
‫ن‬ ‫مل ُــو َ‬ ‫ع َ‬‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬ ‫عل َــى ٱللــه ل ِل ّـ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫وب َـ ُ‬ ‫مــا ٱلت ّ ْ‬ ‫‪‬إ ِن ّ َ‬
‫ب‬ ‫ريــ ٍ‬ ‫ق ِ‬‫مــن َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ي َُتوُبــو َ‬ ‫ة ُثــ ّ‬ ‫ه ٰـــل َ ٍ‬ ‫ج َ‬ ‫ســوء ب ِ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫عِليما ً‬ ‫ن ٱلله َ‬ ‫و َ‬ ‫ب ٱلله َ َ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫َ ُ‬
‫كا َ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫ك ي َُتو ُ‬ ‫فأ ْ‬
‫كيما ً ‪.‬‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ن بالمعروف‬
‫شعار السورة‪ :‬وعاشروه ّ‬
‫وتعود اليات إلى الحديث عن العدل مييع النسيياء‬
‫رُثــوا ْ‬ ‫ل ل َك ُ َ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ي َ ِ‬ ‫َ‬
‫م أن ت َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫‪َ‬يـأي ّ َ‬
‫ذر من إرث‬ ‫ساء ك َْرهًا‪ ( (19...‬فهذه الية تح ّ‬ ‫ٱلن ّ َ‬
‫ما‬‫ض َ‬ ‫ع ِ‬ ‫هُبوا ْ ب ِب َ ْ‬‫ن ل ِت َذْ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ضُلو ُ‬ ‫ع ُ‬‫ول َ ت َ ْ‬ ‫النساء كرها ً ‪َ ‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫مب َي ّن َـــ ٍ‬‫ة ّ‬ ‫شـــ ٍ‬ ‫ح َ‬‫فا ِ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ن إ ِل ّ أن ي َـــأِتي َ‬ ‫ه ّ‬‫مـــو ُ‬ ‫ءات َي ْت ُ ُ‬
‫ف‪ ..( (19‬فليييس معنييى‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ب ِ ٱل ْ َ‬ ‫ه ّ‬‫شُرو ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ف ‪ ‬أن ل يظلييييم‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِبـــ ٱل ْ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫شـــُرو ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫‪َ‬‬ ‫و‬
‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪102‬‬

‫الرجييل زوجتييه فحسييب‪ ،‬بييل إن العلميياء قييالوا بييأن‬


‫مييل الرجييل الذى‬ ‫المعاشرة بييالمعروف هييي أن يتح ّ‬
‫من زوجته ويصبر عليهييا ويرقييق قلبهييا حييتى يييذهب‬
‫عنها غضبها كما كان يفعل النبي ‪ :‬وتمضييي الييية‬
‫س ٰى َأن ت َك َْر ُ‬
‫هــوا ْ‬ ‫ع َ‬‫ف َ‬‫ن َ‬‫ه ّ‬‫مو ُ‬
‫هت ُ ُ‬ ‫‪ِ‬إن ك َ ِ‬
‫ر ْ‬ ‫ف‬‫لتقول َ‬
‫خْيرا ً ك َِثيرا ً‪.( (19‬‬‫ه َ‬‫في ِ‬
‫ل ٱلله ِ‬ ‫ع َ‬
‫ج َ‬
‫وي َ ْ‬‫شْيئا ً َ‬
‫َ‬
‫وأخذن منكم ميثاقا ً غليظا ً‬

‫ل‬ ‫دا َ‬ ‫َ‬


‫سـت ِب ْ َ‬ ‫م ٱ ْ‬ ‫ن أَردْت ّ ُ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫ثم تييأتي الييية )‪َ  (20‬‬
‫فل َ‬ ‫قن ْطَــارا ً َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫دا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫وءات َي ْت ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫و ٍ‬‫ن َز ْ‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬
‫ج ّ‬‫و ٍ‬‫َز ْ‬
‫مِبينــا ً‬ ‫وإ ِْثما ً ّ‬‫هت َ ٰـنا ً َ‬ ‫ه بُ ْ‬ ‫ذون َ ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫شْيئا ً أ َت َأ ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ذوا ْ ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ت َأ ْ ُ‬
‫‪ ‬هييذه اليييات تجمييع بييين العييدل والواقعييية فييي‬
‫ن بالمعروف‪ ،‬ثييم‬ ‫ل‪ :‬عاشروه ّ‬ ‫التعامل مع المرأة‪ ،‬فأو ً‬
‫لييو كرهتهييا فاصييبر فييإذا لييم تقييدر وأردت اسييتبدال‬
‫زوجة مكان زوجتك فإياك أن تأخذ من مهرها شيييئًا‪،‬‬
‫حتى لو كان قنطارا ً أي مال ً كثيرًا‪ .‬والية شديدة في‬
‫مِبينـا ً ‪.‬‬ ‫وإ ِْثمـا ً ّ‬ ‫هت َ ٰـــنا ً َ‬ ‫ه بُ ْ‬ ‫ذون َ ُ‬ ‫خ ُ‬‫‪‬ت َأ ْ ُ‬‫هذا المعنى أ َ‬
‫لماذا ذكر البهتييان هنييا؟ لن العييرب كييانوا إذا أرادوا‬
‫اسييتبدال زوجتهييم رموهييا بفاحشيية )بهتانييًا( حييتى‬
‫يدفعوها إلى رد كل ما يريدون من المهر‪ ،‬فييوّبختهم‬
‫وة‪.‬‬ ‫الية )‪ (20‬بق ّ‬
‫ثم تأتي آية من أروع اليات القرآنية فييي ترقيييق‬
‫القلوب بين الزوجين من ناحية وفي تغليظ وتعظيييم‬
‫ه‬ ‫ذون َ ُ‬ ‫خـ ُ‬ ‫ف ت َأ ْ ُ‬
‫وك َي ْ َ‬ ‫عقد الييزواج ميين ناحييية ثانييية‪َ  :‬‬
‫منك ُــم‬ ‫ن ِ‬ ‫خ ـذْ َ‬ ‫وأ َ َ‬‫ض َ‬ ‫ع ٍ‬ ‫م إ ِل َ ٰى ب َ ْ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫ض ٰى ب َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫قدْ أ َ ْ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫‪103‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫غِليظا ً‪ ( (21‬وكلميية )أفضييى( تييد ّ‬


‫ل علييى‬ ‫ميث َ ٰـقا ً َ‬
‫ّ‬
‫كر الييزوج بعشييرات‬‫عمق العلقة بين الزوجييين فتييذ ّ‬
‫الصور الجميلة قبل أن تسوء العلقة مع زوجته‪ ،‬في‬
‫الليل والنهار في غرفة النوم وفي النزهات‪.‬‬
‫وأما الميثاق الغليظ‪ ،‬فهو عقد النكاح أيها الرجييل‪،‬‬
‫ي زوجتييك وقلييت "علييى‬ ‫ت يييدك بيييد ولي ّ‬‫عندما وضييع َ‬
‫كتاب الله وسنة رسوله"‪ .‬فهنا تحذير شديد لكييل زوج‬
‫ميين أن ينقِييض هييذا العهييد الييذي ُيشييهد اللييه عليييه‪.‬‬
‫غِليظا ً ‪ ‬لم تييرد فييي‬ ‫ميث َ ٰـقا ً َ‬
‫والملفت أن عبارة ‪ّ ‬‬
‫القرآن إل ثلث مرات‪ :‬مرة مع النبييياء‪ ،‬الييذين أوفييوا‬
‫بهيييييييييييييييذا الميثييييييييييييييياق الغلييييييييييييييييظ‬
‫)سورة الحزاب‪ ،‬اليية ‪ ،(7‬وميّرة ميع بنيي إسيرائيل‪،‬‬
‫اليييييييييييييييذين نقضيييييييييييييييوا الميثييييييييييييييياق‬
‫)سورة النساء الية‪ (154 ،‬والمييرة الثالثيية هييي معييك‬
‫أيها الزوج عند عقد القران‪.‬‬
‫من صور تكريم السلم للمرأة‬
‫لقييد ظلمييت المييرأة كييثيرا ً عييبر التاريييخ فجيياء‬
‫السلم وُأنزَلت سورة النساء لترد ّ لها حقوقها‪ .‬فمن‬
‫مظاهر الظلم التي كانت موجييودة أن يييرث الرجييل‬
‫ل زوجيياته ‪ -‬إل أمييه‬ ‫كل ثروة أبيه‪ ،‬ويرث مع المال ك ّ‬
‫مــا‬ ‫حوا ْ َ‬
‫ول َ َتنك ِ ُ‬‫ن‪ ،‬فتييأتي الييية )‪َ  (22‬‬ ‫‪ -‬إذلل ً لهيي ّ‬
‫ه‬ ‫سل َ َ‬
‫ف إ ِن ّ ُ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ما َ‬‫ساء إ ِل ّ َ‬
‫ن ٱلن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬‫ؤك ُ ْ‬ ‫ح ءاَبا ُ‬‫ن َك َ َ‬
‫سِبيل ً ‪ ‬لتنهييى عيين‬ ‫ساء َ‬ ‫و َ‬‫قتا ً َ‬
‫م ْ‬‫و َ‬‫ة َ‬‫ش ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬
‫ف ٰـ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫هذه الفعلة الشنيعة‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪104‬‬

‫وتتييابع اليييات وتتحييدث عيين حيقّ آخيير هييو حييق‬


‫الزواج من العبيد فيي اليوقت اليذي ليم يكين هنياك‬
‫قانون يلتفت لحقوقهم فلييو كييان الرجييل غييير قييادر‬
‫على الزواج من المحصنات أي الحرائر وأراد الزواج‬
‫ن‬‫ن ِبــإ ِذْ ِ‬ ‫ه ّ‬‫حو ُ‬ ‫فــ ٱنك ِ ُ‬ ‫بأميية فييان الييية تقييول‪َ  ..‬‬
‫مى‬ ‫ن(‪ .‬فالقرآن سيي ّ‬ ‫ن ‪ ‬ولم تقل الية )سيده ّ‬ ‫ه ّ‬ ‫أَ ْ‬
‫هل ِ ِ‬
‫ن ويراعييي‬ ‫ث علييى الرحميية به ي ّ‬ ‫السيييد بالهييل ليح ي ّ‬
‫ن‬
‫هـــ ّ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫هل ِ ِ‬ ‫ن ِبـــإ ِذْ ِ‬ ‫ه ّ‬
‫حو ُ‬ ‫فـــ ٱنك ِ ُ‬ ‫‪‬‬‫ن َ‬ ‫مشيييياعره ّ‬
‫ُ‬
‫ف‪ ( (25‬أي‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِبـــ ٱل ْ َ‬ ‫ه ّ‬‫جـــوَر ُ‬
‫نأ ُ‬ ‫ه ّ‬
‫وءاُتـــو ُ‬ ‫َ‬
‫ادفعوا لهن مهورهن عن طيب نفس‪ ،‬ول تبخسييوهن‬
‫حقهن لكونهن إماء مملوكات‪.‬‬
‫ول متخذات أخذان‬
‫ت‬‫ذا ِ‬‫خ َ‬ ‫ول َ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫وبعد ذلك تخاطب الية النسييياء ‪َ ‬‬
‫ن ‪ ‬وتحذرهن من العلقات غير الشرعية مييع‬ ‫دا ٍ‬ ‫أَ ْ‬
‫خ َ‬
‫الرجال )تحت عنوان المصيياحبة( فالسييورة تتحييدث‬
‫عن رحمة ورأفة السيلم بييالمرأة بييأن ل يكييون لهييا‬
‫صديق عاشق لنها ستشعر بالحباط إذا تركها‪ ،‬وهييو‬
‫ما ستؤول إليه كل علقة بدأت بمعصية‪ ..‬وستتحطم‬
‫سمعتها وحياتها فييي المسييتقبل‪ .‬والنسيياء فييي هييذه‬
‫الحاليية يشييكلن نوعييا ً آخيير ميين المستضييعفين لن‬
‫قلوبهن رقيقيية وعيياطفتهن قويية‪ .‬فيييا أيتهييا البنيات‪،‬‬
‫أنتيين غاليييات عنييد اللييه تعييالى والسييلم يحمييي‬
‫مشاعركن من أن يعبث بها شاب لهٍ غير مسؤول‪.‬‬
‫تخفيف العقوبة على الضعفاء‬
‫‪105‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ما زلنا ميع اليية )‪ (25‬والييتي تنييص عليى مظهير‬


‫رائع من مظاهر عدل السلم ورحمته مع الضييعفاء‪:‬‬
‫ن‬ ‫ف َ َ‬
‫ة َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫‪‬إ َ ُ‬‫َ‬
‫هـ ّ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫ش ٍ‬ ‫ف ٰـ ـ ِ‬ ‫ن أت َي ْـ َ‬ ‫ف ـإ ِ ْ‬ ‫صـ ّ‬
‫ح ِ‬‫ذا أ ْ‬‫ف ِ‬
‫ت ‪ ‬وهييذا عكييس مييا‬ ‫صن َ ٰــ ِ‬‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫عَلى ٱل ْ ُ‬‫ما َ‬ ‫ف َ‬
‫ص ُ‬ ‫نِ ْ‬
‫نرى في القييوانين الرومانييية والهندييية القديميية فييي‬
‫تشديد العقوبة على الطبقات المتدينة وفي حين أن‬
‫السييلم يييرأف بالطبقييات الضييعيفة ويخفييف عنهييا‬
‫العقوبة‪.‬‬
‫ثم تأتي اليات )‪ (28 - 27 - 26‬لتذكر رحمة الله‬
‫ورأفته بالمة المحمدية وبالبشرية كّلها‪ .‬وهييذا أيض يا ً‬
‫ق‬ ‫خِلــ َ‬ ‫و ُ‬ ‫من باب الرحمة بالضعفاء لن الية تقول ‪َ ‬‬
‫عيفا ً‪ ‬اقرأ معي اليات وتأمل كيييف‬ ‫ض ِ‬‫ن َ‬ ‫س ٰـ ُ‬ ‫لن َ‬‫ٱ ِ‬
‫يبين لنا الله رأفته وعدله ويذكرنا بضعفنا في وسييط‬
‫د‬
‫ري ـ ُ‬ ‫اليات الكثيرة التي تدعو للرأفة بالضييعفاء ‪‬ي ُ ِ‬
‫مــن‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ـ ِ‬ ‫س ـن َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫دي َك ُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫وي َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ٱلله ل ِي ُب َي ّ َ‬
‫م‬
‫كيـ ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫عِليـ ٌ‬ ‫و ٱللــه َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُـ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫وي َت ُــو َ‬ ‫م َ‬ ‫قب ْل ِك ُـ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ري ـدُ ٱل ّـ ِ‬ ‫وي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُـ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ريدُ أن ي َت ُــو َ‬ ‫و ٱلله ي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ظيمــا ً‬ ‫مي ْل ً َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ٱل ّ‬
‫ع ِ‬ ‫ميلــوا َ‬ ‫ت أن ت َ ِ‬ ‫ه ٰو ِ‬ ‫شــ َ‬ ‫عــو َ‬ ‫ي َت ّب ِ ُ‬
‫ن‬ ‫س ٰـ ـ ُ‬ ‫لن َ‬ ‫ق ٱ ِ‬ ‫خل ِـ َ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ريدُ ٱلله َأن ي ُ َ‬ ‫يُ ِ‬
‫عيفا ً ‪.‬‬ ‫ض ِ‬ ‫َ‬
‫العدل في الموال والنفس‬
‫وبعييد أن تنيياولت اليييات مظيياهر العييدل فييي‬
‫مجالت مختلفة )المييرأة ثييم السييرة ثييم المجتمييع(‬
‫تنتقل إلى العييدل فييي التجييارة والمعيياملت المالييية‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪106‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫‪َ ‬‬


‫م‬ ‫مــ ٰول َك ُ ْ‬ ‫مُنــوا ْ ل َ َتــأك ُُلوا ْ أ ْ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ّ‬
‫لــ ِ‬
‫ٱ‬ ‫يـــأي ّ َ‬‫َ‬
‫عــن‬ ‫ج ٰـــَرةً َ‬ ‫ن تِ َ‬‫كــو َ‬ ‫ل إ ِل ّ َأن ت َ ُ‬
‫م ب ِ ٱل ْب َ ٰـــطِ ِ‬ ‫ب َي ْن َ ُ‬
‫كــ ْ‬
‫م‪ ( (29‬ثييم إلييى العييدل مييع الحييياة‬ ‫من ْك ُـ ْ‬
‫ض ّ‬ ‫ت َـَرا ٍ‬
‫قت ُل ُـــوا ْ‬
‫ول َ ت َ ْ‬ ‫البشيييرية وعيييدم سيييفك اليييدماء ‪َ ‬‬
‫حيما ً ‪.‬‬ ‫م َر ِ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫ن ٱلله َ‬
‫كا َ‬ ‫م إِ ّ‬‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َأن ُ‬
‫ل إفراط ول تفريط‬
‫ظم الضييوابط داخييل السييرة‬ ‫وتأتي الية )‪ (34‬لتن ّ‬
‫المسلمة لن الرجل قد يدفعه حرصييه علييى العييدل‬
‫مع الزوجة إلى الييتراخي وعييدم الحييزم‪ ،‬وقييد يييترك‬
‫زوجته تفعل أشياء خاطئة‪ ،‬فتعطينا الية صورة ميين‬
‫صييور التييوازن فييي السييلم‪ :‬الحييزم مييع العييدل‬
‫ضـ َ‬
‫ل‬ ‫ف ّ‬ ‫مــا َ‬ ‫ساء ب ِ َ‬ ‫عَلى ٱلن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫وا ُ‬‫ق ّ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ُ‬ ‫‪ ‬ٱلّر َ‬
‫ن‬‫مـ ْ‬ ‫قــوا ْ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫مــا َأن َ‬‫وب ِ َ‬
‫ض َ‬‫عـ ٍ‬ ‫عل َـ ٰى ب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ض ُ‬‫ع َ‬ ‫ٱلله ب َ ْ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫فظَ ٰــــ ٌ‬ ‫حـ ِ‬ ‫ت َ‬‫ق ٰـن ِت َ ٰــــ ٌ‬ ‫ت َ‬ ‫ح ٰــــ ُ‬ ‫ص ٰـل ِ َ‬ ‫ف ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ٰول ِ ِ‬ ‫مـــ‬
‫أ ْ‬
‫ن‬ ‫فو َ‬ ‫خــا ُ‬‫و ٱلل ّ ٰـ ـِتى ت َ َ‬ ‫ظ ٱللــه َ‬ ‫فـ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫مــا َ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫غي ْـ ِ‬ ‫ل ّل ْ َ‬
‫فـــى‬ ‫ن ِ‬ ‫هـــ ّ‬ ‫جُرو ُ‬ ‫ه ُ‬‫وٱ ْ‬ ‫ن َ‬‫ه ّ‬ ‫ظـــو ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫شـــوَز ُ‬ ‫نُ ُ‬
‫ن ‪ ‬فييالمرأة مييأمورة‬ ‫ه ّ‬‫رُبو ُ‬ ‫ضــ ِ‬‫وٱ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ضــا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫شرعا ً بطاعة زوجها لتسييتقيم الحييياة داخييل الييبيت‪،‬‬
‫قهييا‪ ،‬فل‬ ‫فإذا أخطأت المرأة وكييان الييزوج يعطيهييا ح ّ‬
‫ينبغي أن يتركها تفعل ما تشاء )مخافة أن يظلمهيا(‪،‬‬
‫ددت الية مراتب التييأديب‪:‬‬ ‫فل بد من الحزم هنا‪ ،‬وع ّ‬
‫الوعظ ثم الهجر في المضيياجع ثييم الضييرب وينبغييي‬
‫التنبه إلى أن الضرب ل يكون إل في حاليية النشييوز‪،‬‬
‫وهييو العصيييان الشييديد الييذي قييد يييؤدي إلييى دمييار‬
‫‪107‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫البيت‪ ،‬فالضرب إذا ً حالة نادرة ول يجوز أن يلجأ إليه‬


‫الرجييل مييتى شيياء تحييت حجيية أن القييرآن أميير بييه‬
‫دون أن ينسى أن له ضوابط عديدة والهدف منه هو‬
‫إشعار المرأة بالخطأ ل إشعارها باللم‪.‬‬
‫ولنا في رسول الله أسييوة حسيينة حيييث أنييه لييم‬
‫يضرب في حياته امرأة أو خادما ً قط‪.‬‬
‫ل تظلم نفسك‬
‫ذر‬ ‫ثم تعود آيات السورة للحديث عن العييدل فتحيي ّ‬
‫كوا ْ‬ ‫ر ُ‬ ‫شـ ِ‬ ‫ول َ ت ُ ْ‬ ‫دوا ْ ٱللــه َ‬ ‫عب ُ ُ‬
‫وٱ ْ‬ ‫من الشرك بالله ‪َ ‬‬
‫شْيئا ً‪ ( (36‬لن أعظم الظلييم الشييرك كمييا ورد‬ ‫ه َ‬ ‫بِ ِ‬
‫م‪‬‬ ‫ظيــ ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ل َظُل ْ ٌ‬ ‫شْر َ‬‫ن ٱل ّ‬ ‫في سورة لقمان ‪‬إ ِ ّ‬
‫ثييم تييوّزع الييية )‪ (36‬العييدل والحسييان علييى فئات‬
‫المجتميييع المختلفييية وخاصييية الضيييعيفة منهيييا ‪‬‬
‫سانا ً ‪ ‬أي الوالييدين عنييد الكييبر ‪‬‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ْ‬
‫وب ِٱل ٰول ِدَي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫كي ِ‬ ‫س ٰــــ ِ‬ ‫م َ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫م ٰى َ‬ ‫و ٱل ْي َت َ ٰــــ َ‬ ‫ٰى َ‬ ‫قْرَبـــ‬ ‫ذى ل ْٱ ُ‬ ‫وِبـــ ِ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫جُنـــ ِ‬ ‫ر ٱل ْ ُ‬ ‫جـــا ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬‫ٰى َ‬ ‫قْرَبـــ‬ ‫ٱ‬‫ر ِذى ل ْ ُ‬ ‫جـــا ِ‬ ‫وٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫مــا‬ ‫و َ‬ ‫ل َ‬ ‫ســِبي ِ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫وٱْبــ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫جن ْ ِ‬‫ب ِبــ ٱل َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ٰـــ ِ‬ ‫وٱل ّ‬ ‫َ‬
‫مــن َ‬ ‫َ‬ ‫مل َ َ‬
‫ن‬‫كــا َ‬ ‫ب َ‬ ‫حــ ّ‬ ‫ن ٱللــه ل َ ي ُ ِ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫م ٰـــن ُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬‫كــ ْ‬ ‫َ‬
‫خورا ً ‪ .‬أرأيت كيف تتوالى آيات السييورة‬ ‫ف ُ‬ ‫خَتال ً َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫الييتي ‪ -‬وإن اختلفييت فييي مضييمونها ‪ -‬تصييب وتخييدم‬
‫محورا ً واحدا ً وهو العدل بكل أشكاله‪.‬‬
‫عوائق العدل والرحمة‬
‫وبعد ذلك تتحدث السورة عيين صييفات مذموميية‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪108‬‬

‫ص لث ّييرت سييلبا ً فييي قييدرته علييى‬ ‫لييو وجييدت بشييخ ٍ‬


‫العدل والرحمة بالضييعفاء‪ ،‬فتبييدأ الييية ‪ 37‬بالحييديث‬
‫ْ‬
‫س‬ ‫ن ٱلّنا َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫وي َأ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ن ي َب ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عن البخل ‪ ‬ٱل ّ ِ‬
‫ه‬‫ض ـل ِ ِ‬
‫ف ْ‬ ‫من َ‬ ‫م ٱلله ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ما ءات َ ٰـ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫وي َك ْت ُ ُ‬
‫ل َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ب ِ ٱل ْب ُ ْ‬
‫‪ ‬ومييين ثيييم الريييياء وحيييب الظهيييور اليييية ‪38‬‬
‫َ‬
‫ول َ‬ ‫س َ‬ ‫رَئـاء ٱلّنا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ٰول َ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن ي ُن ْ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫‪‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مــن ي َك ُـ ِ‬‫و َ‬‫ر َ‬‫خ ِ‬‫وم ِ ٱل ْ ِ‬ ‫ول َ ب ِٱل ْي َ ْ‬ ‫ن ب ِٱلله َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫يُ ْ‬
‫رينا ً‪.‬‬ ‫ق ِ‬ ‫ساء ِ‬ ‫ف َ‬ ‫رينا ً َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫شي ْطَ ٰـ ُ‬ ‫ٱل ّ‬
‫إن الله ل يظلم مثقال ذرة‬
‫كرنا تعييالى بفضييله وكيييف‬ ‫بعد كل هذه الداب يذ ّ‬
‫أنيييييييييييييييه يعاملنيييييييييييييييا بالفضيييييييييييييييل‬
‫قبل العدل فكيف يأبى النسان أن يتعامل مع غيييره‬
‫ن ٱللـــــــــــــــــــه‬ ‫بالعييييييييييييييييييييييدل‪ .‬إ ِ ّ‬
‫ها‬ ‫ف َ‬ ‫ع ْ‬‫ض ٰـ ِ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬‫ك َ‬ ‫وِإن ت َ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ل ذَّر ٍ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬‫م ِ‬ ‫ل َ ي َظْل ِ ُ‬
‫جـــــــــرا ً‬ ‫ؤت مـــــــــن ل ّـــــــــدن ْ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫وي ُـــــــــ ْ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ظيما ‪.( (40‬‬ ‫ً‬ ‫ع ِ‬‫َ‬
‫والية التي بعييدها تييذكرنا أن النييبي ‪ ‬سيشييهد‬
‫مــن‬ ‫جئ ْن َــا ِ‬
‫ذا ِ‬ ‫ف إِ َ‬ ‫فك َي ْ َ‬ ‫على عييدلنا يييوم القياميية ‪َ ‬‬
‫شهيدا ً‬ ‫هـ ُ‬ ‫عل َ ٰى َ‬ ‫جئ َْنا ب ِ َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ؤلء َ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫و ِ‬
‫د َ‬ ‫هي ٍ‬ ‫ش ِ‬‫ة بِ َ‬ ‫م ٍ‬
‫لأ ّ‬
‫‪ ( (41‬فكييأن اللييه يقييول للظييالم‪ :‬إحييذر فسييوف‬
‫يشييهد النييبي علييى ظلمييك‪ ،‬ويقييول للعييادل‪ :‬إفييرح‪،‬‬
‫فسوف يشهد حبيبك ‪ ‬على عدلك‪.‬‬
‫ن‬ ‫ثم تأتي آية محورييية تمث ّييل قلييب السييورة ‪‬إ ِ ّ‬
‫هــا‬ ‫هل ِ َ‬‫ت إ ِل َــى أ َ ْ‬ ‫م ٰـن َ ٰـ ِ‬‫دوا ْ ٱل َ‬ ‫م أن ُتؤ ّ‬
‫ٱلله يأ ْمرك ُ َ‬
‫َ ُ ُ ْ‬
‫‪109‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫َ‬
‫ل‬ ‫موا ْ ب ِ ٱل ْ َ‬
‫ع ـدْ ِ‬ ‫حك ُ ُ‬‫س أن ت َ ْ‬ ‫ن ٱلّنا ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك َ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬‫وإ ِ َ‬‫َ‬
‫ن‬
‫كــا َ‬‫ن ٱللــه َ‬ ‫ه إِ ّ‬‫م ِبــ ِ‬ ‫عظ ُ ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫مــا ي َ ِ‬ ‫ع ّ‬‫ن ٱللــه ن ِ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫صيرا ً‪.( (58‬‬ ‫ميعا ً ب َ ِ‬‫س ِ‬ ‫َ‬
‫طاعة الله والرسول أساس العدل‬
‫وهييذا المعنييى واضييح فييي الييية )‪ (59‬التالييية‪:‬‬
‫من ُـــــــــــوا ْ‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّـــــــــــ ِ‬ ‫‪ٰ ‬ــــــــــــأي ّ َ‬ ‫يَ‬
‫ل ُ‬ ‫أ َطيعــوا ْ ٱللــه َ‬
‫وِلــى‬ ‫وأ ْ‬ ‫ســو َ َ‬ ‫عــوا ْ ٱلّر ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ ُ‬
‫ه‬
‫دو ُ‬ ‫فــُر ّ‬ ‫ىء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫فى َ‬ ‫م ِ‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫فِإن ت ََناَز ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ٱل ْ ْ‬
‫ن ب ِٱلله‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ل ِإن ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫و ٱلّر ُ‬ ‫إ َِلى ٱلله َ‬
‫ْ‬ ‫خير َ‬
‫ويل ً ‪.‬‬ ‫ن ت َأ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ك َ ْ ٌ َ‬ ‫ر ٰذل ِ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫وم ِ ٱل ْ ِ‬ ‫و ٱل ْي َ ْ‬ ‫َ‬
‫فالحتكييام إلييى شييرع اللييه ورد ّ كييل خلف إلييى‬
‫مام العييدل والرحميية‬ ‫كتاب الله وسنة رسوله هما ص ّ‬
‫في المجتمع وإن بدا فيهما غير ذلك‪ ،‬كما هو واضييح‬
‫فييي الييية )‪ ،(64‬فييإذا عصييى المييؤمن أواميير اللييه‬
‫م ِإذ‬ ‫ورسوله فيكييون قييد ظلييم نفسييه ‪‬ول َ َ‬
‫هـ ْ‬ ‫و أن ّ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫فُروا ٱللــه‬ ‫ْ‬ ‫غ َ‬ ‫س ـت َ ْ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫جــاءو َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫موا ْ َأن ُ‬ ‫ظّل َ ُ‬
‫وابا ً‬ ‫دوا ْ ٱلله ت َ ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫و َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م ٱلّر ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫فَر ل َ ُ‬ ‫غ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫َ‬
‫حيما ‪ .‬فكيف نحقق تمام العدل؟ تجيييب الييية )‬ ‫ً‬ ‫ّر ِ‬
‫حّتــ ٰى‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ك ل َ يُ ْ‬ ‫وَرب ّ َ‬ ‫‪َ َ‬‬‫فل‬ ‫‪ (65‬بوضوح شديد َ‬
‫فــى‬ ‫دوا ْ ِ‬ ‫جــ ُ‬ ‫م ل َ يَ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫جَر ب َي ْن َ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫في َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫سـِليما ً‬ ‫موا ْ ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫وي ُ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫حَرجا ً ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫َأن ُ‬
‫‪ ‬يا مسلمون‪ ،‬اعرضوا أنفسييكم علييى كتيياب اللييه‬
‫وعلى سنة النبي وس يّلموا بحكييم النييبي‪ ،‬وإييياكم أن‬
‫تترددوا أو تتحرجوا من أوامر النبي لكي يشهد النبي‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪110‬‬

‫على عدلكم في الخرة‪.‬‬


‫القتال للحفاظ على حقوق المستضعفين‬
‫وتتابع اليات إلى أن تصل إلى ربع حزب كامييل‬
‫ل‬ ‫قات ِ ْ‬ ‫فل ْي ُ َ‬ ‫دث عن القتال من أول الية )‪َ  (74‬‬ ‫يتح ّ‬
‫ة‬
‫حي َ ـ ٰو َ‬ ‫ٱْ َ‬ ‫ن ل‬ ‫ش ـُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ٱللــه ٱل ّ ـ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فى َ‬ ‫ِ‬
‫ة ‪ ‬ما علقة هذا الربييع بالعييدل؟‬ ‫خَر ِ‬ ‫ٱلدّ ن َْيا ب ِ ٱل ْ ِ‬
‫وة‬ ‫إن استمرار العدل في المجتمع يتطلب وجود قيي ّ‬
‫لتحافظ علييى حقييوق المسَتضييعفين‪ ،‬فالقتييال فييي‬
‫السلم ليس للعدوان وليس هدفا ً لذاته‪ ،‬وإنما هييو‬
‫م‬ ‫مــا ل َك ُـ ْ‬ ‫و َ‬ ‫وسيلة لهدف‪ ،‬ودليل ذلك الية )‪َ  (75‬‬
‫ل ٱللــــــه‬ ‫ســــــِبي ِ‬ ‫فــــــى َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ٰـــــــت ُِلو َ‬ ‫ل َ تُ َ‬
‫ق‬
‫ســاء‬ ‫و ٱل ن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جــا ِ‬‫ن ٱلّر َ‬ ‫مــ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫ع ِ‬‫ضــ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬‫و ٱل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مـ ْ‬ ‫جن َــا ِ‬ ‫ر ْ‬ ‫خ ِ‬‫ن َرب َّنا أ ْ‬ ‫قولو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ِ‬ ‫ول ٰد ِ‬ ‫و ٱل ِ‬ ‫َ‬
‫ل ل ّن َــا‬ ‫َ‬
‫عـ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫هــا َ‬‫هل ُ َ‬‫ة ٱلظّ ٰـ ـل ِم ِ أ ْ‬ ‫قْري َ ِ‬ ‫ه ٱل ْ َ‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ٰـ ِ‬ ‫َ‬
‫صــيرا ً‬ ‫ك نَ ِ‬ ‫من ل ّدُن ْ َ‬ ‫ل ل َّنا ِ‬ ‫ع ْ‬‫ج َ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ول ِي ّا ً َ‬ ‫ك َ‬ ‫من ل ّدُن ْ َ‬ ‫ِ‬
‫‪ .‬والملحييظ أن أكييثر أحكييام القتييال وردت فييي‬
‫ل‪،‬‬ ‫سورة النساء‪ ،‬لن النسيياء مصيينع المجاهييدين أو ً‬
‫ولن المرأة مقاتلة في بيتها‪ .‬فييالمرأة الييتي يتعبهييا‬
‫زوجها وتصبر على ظلمه تقاتل وتستشهد في بيتها‬
‫ل يوم مئة مّرة‪ .‬فكييان إيييراد أحكييام القتييال فييي‬ ‫ك ّ‬
‫السورة رسالة للمرأة لتقول لها )والله أعلم( أنييك‬
‫أيضييييا ً مقاتليييية فييييي صييييبرك علييييى زوجييييك‬
‫وحمايتك لبيتك‪.‬‬
‫‪111‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫أثر العلم على العدل‬


‫وتأتي في هييذا الربييع أيض يا ً آييية مهميية‪ ،‬تخيياطب‬
‫العلميين فييي كييل زمييان ومكييان وتشييير إلييى أثيير‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مــ َ‬‫مــٌر ّ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫جــاء ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬‫العلم علييى العييدل ‪َ ‬‬
‫دوهُ إ َِلــى‬ ‫و َر ّ‬ ‫وَلــ ْ‬ ‫عوا ْ ب ِ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ف أَ َ‬ ‫و ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬
‫خ ْ‬
‫َ‬
‫نأ ِ‬ ‫م ِ‬‫ٱل ْ ْ‬
‫ُ‬
‫ه‬ ‫مـ ُ‬‫عل ِ َ‬‫م لَ َ‬
‫هـ ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫ر ِ‬ ‫مـ ِ‬‫ول ِــى ٱل ْ ْ‬ ‫وإ ِل َـ ٰى أ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ٱّر ُ‬‫ل‬
‫م ‪ ‬فالعلم قييد يكييون‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫ه ِ‬ ‫طون َ ُ‬‫ست َن ْب ِ ُ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫بيئة مخيفة للقاضي وللرأي العام فتنقلب المفيياهيم‬
‫وتييؤثر علييى حكييم العييادل‪ ،‬لييذلك ل بييد ميين رد ّ‬
‫الشاعات إلى أولي المر وعدم التأويل والستنباط‪.‬‬
‫حصوا‬ ‫إنها رسالة واضحة للمسلمين في زماننا أن يم ّ‬
‫ويتثبتوا مما تبثه وسائل العلم‪.‬‬
‫خطر النفاق‬
‫وبعييد ذلييك يييأتي ربييع حييزب كامييل يتحييدث عيين‬
‫خطيييييييييييييييييييييييورة المنيييييييييييييييييييييييافقين‬
‫ن‬
‫قي َ‬‫ف ِ‬
‫من َ ٰـ ـ ِ‬‫فــى ٱل ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫مــا ل َك ُـ ْ‬ ‫علييى المجتمييع َ‬
‫‪َ ‬‬
‫ف‬
‫َ‬
‫مـــــــا‬
‫م بِ َ‬‫ه ْ‬ ‫و ٱللـــــــه أْرك َ َ‬
‫ســـــــ ُ‬ ‫ن َ‬‫فئ َت َي ْـــــــ ِ‬
‫ِ‬
‫سُبوا ْ‪.‬‬ ‫كَ َ‬
‫وسيييبب ذكييير المنيييافقين هيييو التنيييبيه إليييى أن‬
‫انتشييارهم فييي المجتمييع هييو أعظييم سييبب لتضييييع‬
‫العييدل وتضييييع حقييوق الضييعفاء‪ .‬فهييم يفسييدون‬
‫المجتمع ويضّيعون قيمه وخاصة قيمة العدل‪.‬‬
‫وبعد ذلك تصل بنا اليات إلى قمة العدل‪ :‬العدل‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪112‬‬

‫من ُــوا ْ إ ِ َ‬ ‫َ‬


‫ذا‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ها ٱل ّـ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حييتى أثنيياء القتييال ‪َ‬يــأي ّ َ‬
‫فت َب َي ُّنوا ْ ‪ ‬إنها الخلق‬ ‫ل ٱلله َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫فى َ‬ ‫م ِ‬ ‫ضَرب ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫الحربية التي كان السلم رائدا ً في الدعوة إليها‪.‬‬
‫كن إيجابيا ً لتنال العدل‬
‫فييي كييل اليييات السييابقة كييان القييرآن يخيياطب‬
‫القوياء والمسؤولين ويأمرهم بالعييدل مييع الضييعفاء‬
‫والرحمة بهم‪ .‬لكن القرآن في الييية ‪ 97‬يطلييب ميين‬
‫المستضييعفين اليجابييية والحركيية وعييدم الخضييوع‬
‫والهوان لكي ل يظنوا أن واجبهم في الرض يقتصيير‬
‫على انتظيار العيدل واسييتجداء الرحمية مين النياس‬
‫مى‬ ‫ة ظَ ٰــــل ِ ِ‬ ‫مَلــــئ ِك َ ُ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ف ٰــــ ُ‬ ‫و ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن‪‬ٱل ّـــ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫قـــاُلوا ْ ك ُّنـــا‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫قـــاُلوا ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫أن ُ‬ ‫َ‬
‫كنُتـــ ْ‬ ‫فيـــ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ســـ ِ‬‫ف ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫كــ ْ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫قــاْلوا ْ أَلــ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫فــى ٱل ْْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ضــ َ‬‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ك‬‫وَلــئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫هــا َ‬ ‫جُروا ْ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫َ‬
‫فأ ْ‬ ‫في َ‬ ‫ه ٰــ ِ‬ ‫فت ُ َ‬ ‫ع ً‬ ‫سـ َ‬ ‫ض ٱلله ٰو ِ‬ ‫أْر ُ‬
‫صيرا ً ‪.‬‬ ‫ْ‬
‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساء ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫هن ّ ُ‬‫ج َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫وا ُ‬ ‫مأ َ‬ ‫َ‬
‫القصر في الصلة من رحمة الله بنا‬
‫وبعييد ذلييك ينبهنييا اللييه تعييالى إلييى رحمتييه الييتي‬
‫دث‬ ‫يعامل بها خلقه وعباده‪ ،‬فتأتي الييية )‪ (101‬لنتحيي ّ‬
‫وإ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫عيين القصيير فييي الصييلة وصييلة الخييوف ‪َ ‬‬
‫ح َأن‬ ‫جَنـا ٌ‬ ‫عل َي ْك ُـ ْ‬
‫م ُ‬ ‫فل َْيـ َ‬
‫س َ‬ ‫فى ٱل ْْر ِ‬
‫ض َ‬ ‫م ِ‬ ‫ضَرب ْت ُ ْ‬‫َ‬
‫ة‪  ...‬فييالله تعييالى يلفييت‬ ‫صـل ٰو ِ‬
‫ن ٱل ّ‬‫مـ َ‬‫صُروا ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫انتباهنا في هذه الية إلى رحمته بنا لنرحم الناس‪.‬‬
‫مع القليات غير المسلمة‬
‫‪113‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وأخيييرا ً نصييل إلييى العييدل مييع القليييات غييير‬


‫المسييلمة فييي المجتمييع المسييلم‪ .‬وذلييك أن أحييد‬
‫المسلمين في عهد النييبي ‪ ‬سييرق واّتهييم يهودييًا‪.‬‬
‫عِلم مسلم آخر بييالمر وشييهد زورا ً حيتى ل يتعيّرض‬
‫المسلم للحد وذلك تحت حجة الخوة‪.‬‬
‫فنزلت اليات تخاطب المسلمين خطابييا ً شييديدا ً‬
‫ن‬ ‫حك ُ َ‬
‫م ب َي ْ ـ َ‬ ‫ق ل ِت َ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ب ب ِٱل ْ َ‬ ‫ك ٱل ْك ِت َ ٰـ َ‬ ‫‪‬إ ِّنا َأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ن‬ ‫خــائ ِِني َ‬‫ن ل ّل ْ َ‬‫ول َ ت َك ُـ ْ‬ ‫ك ٱللــه َ‬ ‫مــا أ ََرا َ‬ ‫س بِ َ‬‫ٱلن ّــا ِ‬
‫صــيما ً‪ ( (105‬ثييم تشييتد ّ اللهجيية علييى الظييالم‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫خطيئ َ ً َ‬
‫ه‬
‫م ي َـْرم ِ ب ِـ ِ‬ ‫و إ ِْثمـا ً ث ُـ ّ‬‫ةأ ْ‬ ‫ب َ ِ‬ ‫سـ ْ‬ ‫مــن ي َك ْ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫و َ‬
‫مِبينـا ً‪( (112‬‬ ‫وإ ِْثمـا ً ّ‬‫هت َ ٰـنا ً َ‬ ‫ل بُ ْ‬ ‫م َ‬‫حت َ َ‬‫د ٱ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ريئا ً َ‬
‫ف َ‬ ‫بَ ِ‬
‫فشهد الله تعييالى ميين فييوق سييبع سييماوات بييبراءة‬
‫اليهودي مما نسييب إليييه ليرسييخ فييي السييلم هييذه‬
‫القواعد الحضارية في التعامل مع الديانات الخرى‪.‬‬
‫عودة للنساء‬
‫فييي أواخيير السييورة نييرى عييودة لبعييض الحكييام‬
‫المتعلقيية بالنسيياء مييع الييتركيز علييى ضييوابط العييدل‬
‫ل ٱللــه‬ ‫ق ِ‬ ‫ساء ُ‬ ‫فى ٱلن ّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫فُتون َ َ‬
‫ست َ ْ‬ ‫والرحمة ‪َ ‬‬
‫وي َ ْ‬
‫ب‬‫فـى ٱل ْك ِت َ ٰــ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫كـ ْ‬‫عل َي ْ ُ‬
‫ما ي ُت َْلـ ٰى َ‬ ‫و َ‬‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫في ِ‬ ‫م ِ‬ ‫فِتيك ُ ْ‬
‫يُ ْ‬
‫ساء‪ ( (127‬ونرى دعوة أخرى إلى‬ ‫مى ٱلن ّ َ‬ ‫فى ي َت َ ٰـ َ‬ ‫ِ‬
‫عوا ْ َأن‬ ‫طي ُ‬ ‫س ـت َ ِ‬ ‫وَلن ت َ ْ‬ ‫العدل عند تعييدد الزوجييات ‪َ ‬‬
‫ميُلوا ْ ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫فل َ ت َ ِ‬‫م َ‬ ‫صت ُ ْ‬‫حَر ْ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫ساء َ‬ ‫ن ٱلن ّ َ‬ ‫دُلوا ْ ب َي ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ها‬‫فت َذَُرو َ‬‫ل‪ ( (129‬أي إلييى واحييدة منهييم ‪َ ‬‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ة‪ ( (129‬ل هي متزوجة ول مطّلقيية فهييذا‬ ‫ق ِ‬ ‫عل ّ َ‬ ‫ك َٱل ْ ُ‬
‫م َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪114‬‬

‫ظلييم لهييا وسييوء اسييتعمال للصييلحية الييتي فييي يييد‬


‫الرجل‪.‬‬
‫وامين بالقسط‬
‫كونوا ق ّ‬
‫لييذلك نييرى الييية )‪ (135‬تييذكرنا بهييدف السييورة‬
‫وة قبييييييييييييييييل ختامهييييييييييييييييا‪:‬‬ ‫بقيييييييييييييييي ّ‬
‫كون ُـــوا ْ َ‬ ‫من ُـــوا ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫قـــ ّ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّـــ ِ‬ ‫ي َ‪ٰ ‬ــــأي ّ َ‬
‫م‬‫س ـك ُ ْ‬‫ف ِ‬ ‫عل َــى َأن ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َـ ْ‬ ‫داء للــه َ‬ ‫ه َ‬ ‫شـ َ‬‫ط ُ‬ ‫سـ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ب ِ ٱل ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫غن ِّيــا ً أ ْ‬
‫و‬ ‫ن َ‬ ‫ن ِإن ي َ ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫قَرِبيــ َ‬ ‫و ٱل ْ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫و ٱل ٰوِلــدَي ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫أ ِ‬
‫و ٰى‬ ‫هــ َ‬‫عــوا ْ ٱل ْ َ‬ ‫فل َ ت َت ّب ِ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ٱلله أ َ ْ َ‬ ‫قيرا ً َ‬ ‫ف َ‬
‫و ل ٰى ب ِ ِ‬
‫ضــوا ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ٱللــه‬ ‫فــإ ِ ّ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫و تُ ْ‬‫ووا ْ أ ْ‬ ‫وِإن ت َل ْ ُ‬ ‫دُلوا ْ َ‬ ‫ع ِ‬‫أن ت َ ْ‬
‫خِبيرا ً ‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬‫ما ت َ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫وقوامين هي لفظة مبالغة تعني‪ :‬شديدي القيييام‬
‫ذرنا ميين اتبيياع الهييوى لنييه عامييل‬ ‫بالعدل‪ .‬والية تحي ّ‬
‫خطير في التسبب بظلم الناس‪.‬‬
‫ظلم أهل الكتاب‬
‫ثم تنتقل السورة إلى انتقيياد بعييض أخطيياء أهييل‬
‫الكتيياب المتعّلقيية بموضييوع السييورة وذلييك لتحييذير‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّـ ِ‬ ‫مـ َ‬ ‫فب ِظُل ْم ٍ ّ‬ ‫المسييلمين ميين أفعييالهم ‪َ ‬‬
‫م‪‬‬ ‫هـ ْ‬ ‫ت لَ ُ‬‫حّلـ ْ‬ ‫ت أُ ِ‬ ‫م طَي ّب َ ٰــ ٍ‬ ‫هـ ْ‬ ‫مَنـا َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫حّر ْ‬ ‫دوا ْ َ‬‫هـا ُ‬ ‫َ‬
‫‪ ((160‬بسبب ظلمهم ضّيق الله عليهم الحلل‪ .‬فميياذا‬
‫ل‬ ‫س ـِبي ِ‬ ‫عــن َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫صدّ ِ‬
‫وب ِ َ‬ ‫كييانت مظيياهر ظلمهييم ‪َ ‬‬
‫ه‬
‫عْنـ ُ‬ ‫هـوا ْ َ‬ ‫قـدْ ن ُ ُ‬ ‫و َ‬‫م ٱلّرب َــا َ‬ ‫ه ُ‬‫ذ ِ‬
‫خـ ِ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫ٱلله ك َِثيرا ً ‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪.( (161‬‬ ‫س ب ِٱل ْب َ ٰـطِ ِ‬‫ل ٱلّنا ِ‬ ‫م ٰو َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫وأك ْل ِ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫‪115‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ب لَ‬ ‫ل ٱل ْك ِت َ ٰـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫وتتناول اليتان )‪ (172-171‬يأ َ ْ‬


‫عل َــى ٱللــه إ ِل ّ‬ ‫قول ُــوا ْ َ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫فى ِدين ِك ُـ ْ‬ ‫غُلوا ْ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫م‬ ‫مْري َ ـ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ســى ٱب ْ ـ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ســي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫مــا ٱل ْ َ‬ ‫ق إ ِن ّ َ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ح‬ ‫وُرو ٌ‬ ‫م َ‬ ‫مْرَيــ َ‬ ‫ها إ ِل َ ٰى َ‬ ‫ق ٰـ َ‬ ‫ه أ َل ْ َ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫وك َل ِ َ‬ ‫ل ٱلله َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َر ُ‬
‫ة‬ ‫قول ُــوا ْ ث َل َ ٰـ ـث َ ٌ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫وُر ُ‬ ‫مُنوا ْ ب ِٱلله َ‬ ‫فـَئا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ّ‬
‫ه‬‫ح ٰـن َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬‫حدٌ ُ‬ ‫ه ٰو ِ‬ ‫ما ٱلله إ ِل َ ٰـ ٌ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫خْيرا ً ل ّك ُ ْ‬ ‫هوا ْ َ‬ ‫ٱنت َ ُ‬
‫مــا‬ ‫و َ‬ ‫م ٰـــ ٰوت َ‬ ‫س َ‬ ‫فى ٱل ّ‬ ‫ه وما ِ‬ ‫ول َدٌ ل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫َأن ي َ ُ‬
‫كيل ً ‪ ‬ل ّــــن‬ ‫و ِ‬ ‫ىــــ ٱلله َ‬ ‫ٰ بِ‬ ‫فــــ‬ ‫وك َ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ٱْر ِ‬ ‫فــــى ل ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ول َ‬ ‫عب ْــدا ً للــه َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح أن ي َك ُــو َ‬ ‫ســي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ف ٱل ْ َ‬ ‫س ـَتنك ِ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‬ ‫عــ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ســت َن ْك ِ ْ‬ ‫مــن ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫قّرُبــو َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ٱل ْ ُ‬ ‫مَلـــئ ِك َ ُ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ميعــا ً ‪‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ َِلي ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫شُر ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ست َك ْب ِْر َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عَبادَت ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أيضا ً انحراف عقيييدة النصيارى‪ .‬وإيرادهيا هنيا يخيدم‬
‫هدف السورة من ناحية أخرى‪ :‬فييإن سييبب تحريييف‬
‫دينهييم وكتييابهم هييو الستضييعاف والضييطهاد ميين‬
‫الرومان للجيل الول من النصييارى‪ .‬فكييأن الرسييالة‬
‫هنا للمؤمنين‪ :‬نصرة الدين وتقييويته ودعمييه حييتى ل‬
‫يبدل ويحّرف كما جرى مع أهل الكتب‪.‬‬
‫وتييأتي بعييدها آيتييان شييديدتان فييي التحييذير ميين‬
‫ن‬ ‫م ي َك ُـ ِ‬ ‫مــوا ْ ل َ ـ ْ‬ ‫وظَل َ ُ‬ ‫فُروا ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫الظلم ‪‬إ ِ ّ‬
‫ريق ـا ً ‪ ‬إ ِل ّ‬ ‫م طَ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫دي َ ُ‬ ‫هـ ِ‬ ‫ول َ ل ِي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ف ـَر ل َ ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫ٱللــه ل ِي َ ْ‬
‫ها‪.( (168-169...‬‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ٰـل ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هن ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ق َ‬ ‫ري َ‬ ‫طَ ِ‬
‫هذه سورة النساء‪ ،‬سييورة العييدل والرحميية مييع‬
‫كييييييييييييييييييييييييييييل طبقييييييييييييييييييييييييييييات‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪116‬‬

‫ومما تميزت به هذه السييورة أنهييا الكييثر إيييرادا ً‬


‫لسماء الليه الحسينى فيي أواخير آياتهيا )‪ 42‬ميرة(‪.‬‬
‫تشمل هذه السماء العلم والحكمة )عليم حكيم( أو‬
‫القدرة والرحمة والمغفرة‪ ،‬وكلهييا تشييير إلييى عييدل‬
‫اللييه ورحمتييه وحكمتييه فييي القييوانين الييتي سييّنها‬
‫لتحقيق العدل‪.‬‬
‫أخي المسييلم‪ ،‬اقييرأ سيورة النسيياء بنييية تطيبيق‬
‫العييدل فيي حياتييك‪ ،‬فييي بيتييك وأهلييك أول )وخاصيية‬
‫زوجتك ووالديك(‪ ،‬ومع جيرانك وكل مجتمعييك مهمييا‬
‫يكن دينهم أو طبقتهم الجتماعية‪.‬‬
‫سورة المائدة‬

‫سو‬ ‫سورة المائدة )مدنية(‪ ،‬ومنها ما نييزل فييي مكيية‬


‫رة‬ ‫)بعد حجة الوداع(‪.‬‬
‫المائدة‬ ‫نزلييت بعييد سييورة الفتييح‪ ،‬وهييي فييي ترتيييب‬
‫المصحف بعد سورة النساء‪ ،‬وعدد آياتها ‪ 120‬آية‪.‬‬
‫ن سييورة المييائدة هييي السييورة الوحيييدة فييي‬ ‫إ ّ‬
‫مُنــوْا‪...‬‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫القرآن التي ابتدأت بي ‪َ‬يـأي ّ َ‬
‫‪.‬‬
‫رر هذا النداء في القرآن كله ‪ 88‬مرة‪ ،‬منها ‪16‬‬ ‫وتك ّ‬
‫مرة في سورة المائدة لوحدها‪.‬‬
‫يقيييول عبيييد الليييه بييين مسيييعود‪" :‬إذا سيييمعت‬
‫مُنوا ْ ‪ ‬فارعهييا سييمعك فييإنه‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬‫ذي َ‬‫ها ٱل ّ ِ‬‫‪َ‬يـأي ّ َ‬
‫أميير خييير تييؤمر بييه أو شيير تنهييى عنييه"‪ .‬ومعنييى‬
‫مُنوا ْ ‪ ‬أي يا ميين آمنتيم بيالله‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬‫ذي َ‬‫ها ٱل ّ ِ‬‫‪َ‬يـأي ّ َ‬
‫حقًا‪ ،‬يا من رضيتم بييالله رب يًا‪ ،‬يييا ميين أقررتييم بييالله‬
‫معبودًا‪ ،‬اسمعوا وأطيعوا‪.‬‬
‫هدفها نداؤها‬
‫أما هدف السورة فهو واضح ميين أول نييداء جيياء‬
‫فــوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من ُــوا ْ أ ْ‬
‫و ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ها ٱل ّـ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫‪117‬‬
‫فييي السييورة ‪َ‬يـ ـأي ّ َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪118‬‬

‫قوِد ‪ ‬أي أوفوا بعهودكم‪ ،‬ل تنقضوا الميثيياق‪،‬‬ ‫ب ِ ٱل ْ ُ‬


‫ع ُ‬
‫والعقود تشمل ما عقييده النسييان‪ ،‬ميين المسييؤولية‬
‫عيين الرض واسييتخلف اللييه للنسييان‪ ،‬إلييى أمييور‬
‫الطاعات كالصلة والحجيياب‪ ،‬إلييى تييرك المحرمييات‬
‫كشرب الخمر واكل الحرام‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ها ٱل ّـ ِ‬
‫وكما ذكرنا فلييم يتكييرر نييداء ‪َ‬يـأي ّ َ‬
‫من ُــوا ْ ‪ ‬فييي أي سييورة كمييا تكييّرر فييي سييورة‬ ‫ءا َ‬
‫المائدة )‪ 16‬نداء( فسييورة البقييرة مثل ً فيهييا عشييرة‬
‫ن‬
‫نييييييييييييييييييييييييييداءات مييييييييييييييييييييييييييع أ ّ‬

‫عييدد آياتهييا أطييول‪ .‬هييذه النييداءات تشييكل محيياور‬


‫السورة‪ ،‬فكلما يييأتي نييداء منهييا تييرى بعييده محييورا ً‬
‫جديدا ً للسورة فيه تفاصيييل الواميير أو النييواهي‪16 .‬‬
‫أمييرا ً والسييورة تنقلنييا ميين أميير إلييى آخيير‪ ،‬لتأمرنييا‬
‫باليفاء بالعقود‪.‬‬
‫ن سورة‬ ‫تقول السيدة عائشة رضي الله عنها‪" :‬إ ّ‬
‫المائدة كانت آخر ما أنييزل مييا القييرآن فمييا وجييدتم‬
‫ّ‬
‫فيها من حلل فأحلوه ومييا وجييدتم فيهييا ميين حييرام ٍ‬
‫فحّرموه"‪.‬‬
‫ففي السورة نرى آخر آييية أحكييام فييي القييرآن‪:‬‬
‫م‬ ‫عل َي ْ ُ‬ ‫‪ ‬ٱل ْيوم أ َك ْمل ْت ل َك ُم دين َك ُم َ‬
‫كــ ْ‬ ‫ت َ‬
‫مــ ُ‬
‫م ْ‬
‫وأت ْ َ‬‫ْ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫م ِدينــا ً‪ ( (3‬ميين‬ ‫سل َ َ‬
‫م ٱل ْ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬‫ضي ُ‬
‫وَر ِ‬‫مِتى َ‬ ‫ع َ‬
‫نِ ْ‬
‫التي أنزلت في حجة الوداع‪.‬‬
‫‪119‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫أظن أن هدف السورة بييدأ يظهيير‪ .‬الن وقييد تييم‬


‫الييدين‪ ،‬فييالتزموا بالعهييد مييع اللييه وحييافظوا عليييه‪،‬‬
‫فييأحّلوا حللييه وحّرمييوا حرامييه‪ .‬إنهييا سييورة الحلل‬
‫والحرام في السلم‪ .‬لذلك جاء في الحديث "عّلموا‬
‫رجييالكم سييورة المييائدة‪ ،‬وعّلمييوا نسيياءكم سييورة‬
‫النور"‪.‬‬
‫محاور السورة‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ها ٱل ّـ ِ‬‫كما ذكرنييا فكلمييا يييأتي نييداء ‪َ‬يـأي ّ َ‬
‫مُنــوا ْ ‪ ‬تنتقييل بنييا السييورة إلييى محييور جديييد‬ ‫ءا َ‬
‫وأحكييام جديييدة تفصيييلية‪ .‬والملفييت أن كييل آيييات‬
‫السييورة تييدور فييي فلييك هييذه المحيياور الييتي تييبّين‬
‫أحكاما ً كثيرة في الحلل والحرام‪:‬‬
‫‪ .1‬الطعام والشراب والصيد والذبائح‪.‬‬
‫‪ .2‬السرة والزواج‪.‬‬
‫‪ .3‬اليمان والكفارات‪.‬‬
‫‪ .4‬العبادات‪.‬‬
‫‪ .5‬الحكم والقضاء والشهادات وإقامة العدل‪.‬‬
‫‪ .6‬تنظيم علقات المسلمين والديان الخرى‪ ،‬خاصة‬
‫اليهود والنصارى‪.‬‬
‫هناك تركيز فييي السييورة علييى الحلل والحييرام‬
‫فييي الطعييام والشييراب والصيييد والييذبائح‪ .‬وهييذا‬
‫يتناسب تماما ً مع اسم السورة "المائدة"‪ ،‬فالطعييام‬
‫من أهم ضروريات الحياة ومع ذلييك فيجييب مراعيياة‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪120‬‬

‫الحلل والحرام فيييه‪ ،‬فمييا بالييك بغيييره ميين شييؤون‬


‫الحييياة؟ أيض يا ً خلل هييذا الكييم الهييائل ميين أحكييام‬
‫الحلل والحرام في السورة يأتي التأكيد دائما ً علييى‬
‫أن التشييريع ملييك اللييه وحييده‪ ،‬ميين أول آييية ‪‬إ ِ ّ‬
‫ن‬
‫د ‪ ‬إلييى أن تييأتي ثلث آيييات‬ ‫ري ـ ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬‫م َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ٱلله ي َ ْ‬
‫ذر من الحكم بغييير مييا أنييزل اللييه‪ ،‬كقييوله تعييالى‬ ‫تح ّ‬
‫وَلـئ ِ َ‬ ‫ل ٱلله َ ُ‬
‫ما َأنَز َ‬
‫م‬‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ح ُ‬‫م يَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫و َ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ٱل ْك َ ٰـ ِ‬
‫تدّرج وترابط سور القرآن‬
‫وتنّبه إلى علقة سور القرآن السابقة مع سييورة‬
‫المييائدة‪ ،‬فبعييد أن أبلغييت سييورة البقييرة مسييؤولية‬
‫ث‬
‫النسان عن الرض‪ ،‬جاءت سورة آل عمران لتحيي ّ‬
‫م سورة النساء لتبلغنا أنه حييتى‬ ‫المرء على الثبات‪ ،‬ث ّ‬
‫نثبييت ل بييد ميين أن نحقييق العييدل والرحميية مييع‬
‫م تأتي بعد ذلييك سييورة‬ ‫الضعفاء خاصة مع النساء‪ ،‬ث ّ‬
‫المائدة لتأمرنا باليفاء بكل ما سبق‪...‬‬
‫سييورة المييائدة تأمرنييا إذا ً بالعييدل مييع الزوجيية‬
‫والضعفاء وكل النيياس وتأمرنييا بالثبييات والوفيياء مييع‬
‫المنهج الذي أراده الله لنا وبّينه في سورة البقرة‪...‬‬
‫لييذلك جيياءت فيهييا الييية )‪ (3‬الييتي أعلنييت ختييام‬
‫المنهج وإتمامه‪.‬‬
‫ولحييظ أيض يا ً تييدّرج سييور القييرآن الكريييم فييي‬
‫خطاب أهل الكتاب‪:‬‬
‫‪121‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫سورة البقرة‪ :‬بيان لخطاء أهل الكتاب فقييط‬


‫مع الدعوة إلى التمّيز عنهم‪.‬‬
‫سورة آل عمران‪ :‬مناقشة هادئة مع عقائدهم‬
‫وإيجاد نقاط مشتركة‪.‬‬
‫ســورة النســاء‪ :‬انتقييياد غليييو أهيييل الكتييياب‬
‫واختلفهم في عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫سورة المائدة‪ :‬مواجهة شديدة ‪‬ل ّ َ‬
‫ق ـدْ ك َ َ‬
‫ف ـَر‬
‫ة‪.( (73...‬‬ ‫ث ث َل َ ٰـث َ ٍ‬ ‫قاُلوا ْ إ ِ ّ‬
‫ن ٱلله ث َ ٰـل ِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫مما يعلمنا أن السلم منهج متييدّرج فييي خطييابه‬
‫مع الديان الخرى‪.‬‬
‫َ‬
‫قوِد(‬ ‫فوا ْ ب ِٱل ْ ُ‬
‫ع ُ‬ ‫و ُ‬
‫النداء الول )أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قوِد‬ ‫فــوا ْ ب ِـ ٱل ْ ُ‬
‫ع ُ‬ ‫من ُــوا ْ أ ْ‬
‫و ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ٱ ّـ ِ‬
‫ها ل‬ ‫‪َ‬يـ ـأي ّ َ‬
‫عام ِ‪.( (1‬‬ ‫ة ٱل ْن ْ َ‬‫م ُ‬‫هي َ‬ ‫م بَ ِ‬‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫أُ ِ‬
‫حل ّ ْ‬
‫فما علقة الوفياء بتحلييل الليه تعيالى لنيا بهيمية‬
‫النعام للذبح والطعام؟‬
‫إن أول ما ذكر بعد طلب الوفاء هو ما قييد أحييل‪،‬‬
‫ح يّرم لئل يكييون منفييرا ً فكلميية‬‫فلم يبدأ ربنا بما قييد ُ‬
‫َ‬
‫قوِد ‪ ‬تييوحي بييأن الخطيياب بعييدها‬ ‫فوا ْ ب ِٱل ْ ُ‬
‫ع ُ‬ ‫و ُ‬
‫‪‬أ ْ‬
‫م‪‬‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫شديد اللهجة‪ ،‬فتأتي مباشرة كلمة ‪‬أ ُ ِ‬
‫حل ّ ْ‬
‫وهذا من رحمة الله تعالى بهذه المة‪ ،‬وهذه طريقيية‬
‫ينبغي على الدعاة اتباعها لكسب القلوب‪ ،‬فالداعييية‬
‫ح يّرم‬‫ل يجدر به أن يبييدأ مييع ميين يييدعوهم بمييا قييد ُ‬
‫عليهم‪ ،‬لن الصل في الشياء الباحة فيبدأ بما أبيييح‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪122‬‬

‫م ينّبههم إلى المحّرمات بعد ذلك‪.‬‬ ‫أو ً‬


‫ل‪ ،‬ث ّ‬
‫وإلى جانب الرحمة واللطف في الخطاب‪ ،‬هناك‬
‫معنى لطيف في النداء الول‪ :‬أوفوا بالعقود حييتى ل‬
‫نضييّيق عليكييم دائرة الحلل‪ ،‬كمييا كييان الحييال مييع‬
‫اليهود‪.‬‬
‫والملفييت أن هييذا المعنييى أشييارت إليييه السييور‬
‫المحيطة بسورة المائدة )النساء والنعام(‪.‬‬
‫فنرى في سورة النساء قوله تعالى ‪ْ ُ َ ‬‬
‫فب ِظلــم ٍ‬
‫ت‬ ‫حل ّ ْ‬ ‫ت أُ ِ‬‫م طَي ّب َ ٰـ ٍ‬ ‫ه ْ‬ ‫مَنا َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫حّر ْ‬‫دوا ْ َ‬ ‫ها ُ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫م‪.( (160‬‬ ‫ه ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫دوا ْ‬ ‫هــا ُ‬ ‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫عل َــى ٱل ّـ ِ‬ ‫وفي سورة النعييام ‪َ ‬‬
‫و َ‬
‫ر‪.( (146...‬‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل ِذى ظُ ُ‬ ‫مَنا ك ُ ّ‬ ‫حّر ْ‬ ‫َ‬
‫هم‬ ‫جَزي ْن َ ٰـــ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫‪ ٰ ‬ذل ِ َ‬ ‫لماذا كان هذا التحريييم؟ ‪...‬‬
‫ن‪.( (146‬‬ ‫قو َ‬ ‫د ُ‬ ‫وإ ِّنا ل َ َ‬
‫ص ٰـ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬
‫غي ِ ِ‬‫ب ِب َ ْ‬
‫فهم ليم يوفيوا بعهيدهم ميع اللييه فضيّيق عليهيم‬
‫بعض الحلل عقابا ً لهم‪ ،‬فحذار أيها المسييلمون ميين‬
‫أن يصيبكم ما أصابهم‪.‬‬
‫عائ َِر ٱلله(‬ ‫حّلوا ْ َ‬
‫ش َ‬ ‫النداء الثاني )ل َ ت ُ ِ‬
‫حل ّــوا ْ َ‬
‫من ُــوا ْ ل َ ت ُ ِ‬ ‫َ‬
‫عائ َِر‬
‫شـ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ها ٱل ّـ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫‪َ‬يـ ـأي ّ َ‬
‫ٱلله‪.( (2...‬‬
‫يا مؤمنين‪ ،‬ل تغّيروا معالم ديين الليه تعيالى مين‬
‫أوامر ونواهي‪.‬‬
‫ول َ‬
‫ى َ‬ ‫ول َ ٱل ْ َ‬
‫ه ـدْ َ‬ ‫م َ‬ ‫هَر ٱل ْ َ‬
‫حَرا َ‬ ‫ول َ ٱل ّ‬
‫ش ْ‬ ‫‪َ ...‬‬
‫‪123‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ن‬ ‫غــو َ‬ ‫م ي َب ْت َ ُ‬ ‫حـَرا َ‬ ‫ت ٱل ْ َ‬ ‫ن ٱل ْب َي ْـ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ول ءا ّ‬ ‫قل َ ٰـئ ِدَ َ‬ ‫ٱل ْ َ‬


‫م‬ ‫حل َل ُْتـــ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬‫ضـــ ٰونا ً َ‬ ‫ر ْ‬ ‫و ِ‬ ‫م َ‬ ‫هـــ ْ‬ ‫مـــن ّرب ّ ِ‬ ‫ضـــل ً ّ‬ ‫ف ْ‬ ‫َ‬
‫وم ٍ َأن‬ ‫قــ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫شــَنا ُ‬ ‫م َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫من ّ ُ‬‫ر َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ول َ ي َ ْ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫صطَ ٰـــ ُ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫َ‬
‫دوا ْ‬ ‫َ‬
‫عت َـ ُ‬ ‫حـَرام ِ أن ت َ ْ‬ ‫د ٱل ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سـ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫عـ ِ‬ ‫م َ‬ ‫دوك ُ ْ‬ ‫صـ ّ‬ ‫َ‬
‫وُنوا ْ‬ ‫عــا َ‬ ‫ول َ ت َ َ‬ ‫و ٰى َ‬ ‫قـ َ‬ ‫و ٱلت ّ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫عل َــى ٱل ْــب ِ‬ ‫وُنوا ْ َ‬ ‫عا َ‬ ‫وت َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (2...‬‬ ‫وا ِ‬ ‫عدْ َ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬ ‫عَلى ٱل ِث ْم ِ َ‬ ‫َ‬
‫فالية الولى‪ :‬أقّرت ضروريات الحياة )الطعام(‪،‬‬
‫م الية الثانية‪ :‬بدأت بتقرير مبادئ إنسانية عظيمة‪:‬‬ ‫ث ّ‬
‫‪ -‬العدل )تأكيدا ً على هدف سورة النسيياء بييإقرار‬
‫دوا ْ ‪.‬‬ ‫َ‬
‫عت َ ُ‬ ‫م‪ ...‬أن ت َ ْ‬ ‫من ّك ُ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ول َ ي َ ْ‬ ‫العدل( ‪َ ‬‬
‫‪ -‬التعاون )تأكيدا ً علييى إحييدى رسييائل سييورة آل‬
‫عميييييييييييييييييييييييييران )الوحيييييييييييييييييييييييييدة‬
‫ر‬ ‫عل َــــى ٱل ْــــب ِ‬ ‫وُنوا ْ َ‬ ‫عــــا َ‬ ‫وت َ َ‬‫وعييييدم الختلف( ‪َ ‬‬
‫عَلــــــــى‬ ‫وُنوا ْ َ‬ ‫عــــــــا َ‬ ‫ول َ ت َ َ‬ ‫و ٰى َ‬ ‫قــــــــ َ‬ ‫و ٱلت ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫وا ِ‬ ‫عدْ َ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬ ‫ٱل ِث ْم ِ َ‬
‫وهييذه الييية تشييمل آلف الصييور ميين العلقييات‬
‫الجتماعية التي تندرج تحت البر والتقوى والتعاون‪.‬‬
‫د‬
‫دي ُ‬
‫شـ ِ‬‫ن ٱللــه َ‬ ‫قــوا ْ ٱللــه إ ِ ّ‬
‫و ٱت ّ ُ‬
‫‪ -‬التقوى ‪َ ‬‬
‫ب ‪.‬‬
‫قا ِ‬ ‫آل ْ ِ‬
‫ع َ‬
‫ن‪‬‬ ‫قيــ َ‬ ‫دى ل ّل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ه ً‬‫)لتذكرنا بأن هذا الكتيياب ‪ُ ‬‬
‫كما جاء في أول سورة البقرة(‪.‬‬
‫عل َي ْك ُـ ُ‬
‫م‬ ‫ت َ‬
‫م ْ‬
‫حّر َ‬
‫وبعد ذلك فييي الييية الثالثيية‪ُ  :‬‬
‫م‪. ...‬‬‫و ٱل ْدّ ُ‬
‫ة َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫مي ْت َ ُ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪124‬‬

‫فأول عقد ينبغي الوفاء به هو طيبات الطعام فل‬


‫يجوز أن يأكل المرء أكل ً فيه خبث‪...‬‬
‫م‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م أُ ِ‬ ‫و َ‬‫وبعدها في الية الخامسة‪  :‬ٱل ْي َ ْ‬
‫ُ‬
‫حــ ّ‬
‫ل‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ْ ٱل ْك ِت َ ٰـ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ٱل ّ ِ‬ ‫عا ُ‬ ‫وطَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ٱلطّي ّب َ ٰـ ُ‬
‫ن‬‫مـ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫صن َ ٰـ ـ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫و ٱل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ل لّ ُ‬‫حـ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫عا ُ‬ ‫وطَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ّك ُ ْ‬
‫ن ُأوت ُــوا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّـ ِ‬ ‫مـ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫صن َ ٰــ ُ‬ ‫ح َ‬‫م ْ‬‫و ٱل ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫من َ ٰـ ِ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ب ‪.‬‬ ‫ٱل ْك ِت َ ٰـ َ‬
‫وهنا قد أرشدت الية إلى حللين‪ :‬الطيبييات ميين‬
‫ن مؤمنييات أم‬ ‫الطعام والطيبات من النساء سواء كي ّ‬
‫ن محصيينات وذوات‬ ‫من أهل الكتيياب بشييرط أن يك ي ّ‬
‫خلق متين‪ .‬وفي هذا لفتة رائعة إلى تسامح السلم‬
‫مييع أهييل الكتيياب‪ ،‬فييي نفييس السييورة ذات اللهجيية‬
‫الشديدة في الخطاب معهم ونقض عقائدهم‪ .‬فييالله‬
‫ن مسييلمات‬ ‫تعالى أحل لنا النساء العفيفات سواء ك ّ‬
‫أو من أهل الكتاب‪.‬‬
‫م‬ ‫و َ‬ ‫وفي نفييس الييية يييأتي قييوله تعييالى‪  :‬ٱل ْي َ ْ‬
‫أ َك ْمل ْت ل َك ُـم دين َك ُـم َ‬
‫مت ِــى‬ ‫ع َ‬‫م نِ ْ‬ ‫عل َي ْك ُـ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫مـ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وأت ْ َ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ُ‬
‫م ِدينــا ً ‪ .‬هييذه الييية‬ ‫ســل َ َ‬ ‫م ٱل ْ‬ ‫كــ ُ‬‫ت لَ ُ‬ ‫ضــي ُ‬ ‫وَر ِ‬ ‫َ‬
‫محورية كونها ختام الحكام في القرآن وعلقتها مييع‬
‫موضوع السورة أنه ل وجود للعهود إل بعييد التمييام‪.‬‬
‫فبما أن الدين اكتمل‪ ،‬عاهد الله تعالى أيهييا المييؤمن‬
‫على اليفاء بعهييده واللييتزام بشييرعه‪ .‬يييا تييرى هييل‬
‫أحسسيينا يومييا ً بهييذه النعميية‪ ،‬نعميية إتمييام الييدين‬
‫‪125‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وشكرنا الله تعالى عليها؟‬


‫جاء رجل من اليهود إلى سيدنا عمر بن الخطاب‬
‫فقييال‪" :‬يييا أمييير المييؤمنين‪ ،‬إنكييم تقييرأون آييية فييي‬
‫كتابكم لييو نزلييت علينييا معشيير اليهييود لتخييذنا ذلييك‬
‫اليوم عيدًا"‪ .‬فقال عمر‪" :‬وأي آية؟" فقييرأ اليهييودي‬
‫هذه الية‪ ،‬فقال عمر‪" :‬قد علمت اليوم الذي أنزلت‬
‫والمكان الذي أنزلت فيييه‪ ،‬نزلييت فييي يييوم الجمعيية‬
‫ويوم عرفة وكلهما بحمد الله تعالى لنا عيد"‪.‬‬
‫وهنا ملحظة لطيفة أخرى‪:‬‬
‫إن أكييثر آيييات السييورة اختتمييت بشييدة وخاصيية‬
‫ب‪‬‬ ‫قــا ِ‬ ‫ديدُ ٱل ْ ِ‬
‫ع َ‬ ‫شـ ِ‬ ‫ن ٱللــه َ‬ ‫آيييات المقدميية ‪‬إ ِ ّ‬
‫ب ‪.‬‬ ‫سا ِ‬‫ح َ‬‫ع ٱل ْ ِ‬ ‫ري ُ‬
‫س ِ‬
‫ن ٱلله َ‬ ‫‪‬إ ِ ّ‬
‫إل ّ الييية الثالثيية الييتي ذكييرت حكييم الضييطرار‬
‫ة‪  ...‬فقد اختتمييت‬ ‫ص ٍ‬‫م َ‬‫خ َ‬‫م ْ‬‫فى َ‬ ‫ضطُّر ِ‬ ‫ن ٱ ْ‬
‫م ِ‬
‫ف َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫فــوٌر‬ ‫ن ٱللــه َ‬
‫غ ُ‬ ‫بسييعة رحميية اللييه تعييالى ‪َ ‬‬
‫ف ـإ ِ ّ‬
‫م ‪.‬‬‫حي ٌ‬ ‫ّر ِ‬
‫النداء الثالث )طيبات الروح(‬
‫م إ َِلــى‬ ‫مُنــوا ْ إ ِ َ‬ ‫َ‬
‫مُتــ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ها ٱّلــ ِ‬
‫‪َ‬يـــأي ّ َ‬
‫م إ ِل َــى‬ ‫هك ُم َ‬
‫دي َك ُ ْ‬
‫وأي ْـ ِ‬
‫جــو َ ْ َ‬ ‫سـُلوا ْ ُ‬
‫و ُ‬ ‫غ ِ‬‫ة فٱ ْ‬ ‫صل ٰو ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ق‪.( (6...‬‬ ‫ف ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫مَرا ِ‬
‫قد يتساءل البعض عن سبب ورود هذه الية في‬
‫وسيط الكلم عين العقييود والوفيياء بهييا‪ .‬فيالواقع أن‬
‫م طيبات الزواج وكلها‬ ‫اليات بدأت بطيبات الطعام ث ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪126‬‬

‫ملييذات الييدنيا وبعييدها انتقلييت اليييات إلييى طيبييات‬


‫الروح وطهارة الروح التي تبدأ بالوضوء‪ ،‬وبهذا تكون‬
‫السورة قد اشتملت على جميع اللذات‪ :‬لذة العبييادة‬
‫بالضافة للذائذ الطعام والزواج‪.‬‬
‫ويمكننا أن نستشعر خلل هييذه اليييات شييمولية‬
‫السلم في الحكام‪ ،‬فأحكام المعاملت قد أتت في‬
‫السورة جنبا ً إلى جنب مع أحكام العبادات‪.‬‬
‫ملحظة جميلة في سورة المائدة‪ :‬كييل ‪ 10‬آيييات‬
‫تقريبا ً تأتي آية لتذكرنا بعهد الله وميثيياقه‪ .‬لقييد ذكيير‬
‫العهييد والميثيياق فييي السييورة ‪ 11‬مييرة فييي آيييات‬
‫صريحة وواضحة كأنها تقييول للمسييلمين "الن وقييد‬
‫م المنهييج ووضييح الميثيياق‪ ،‬فهييل سييتلتزمون بييه؟"‬ ‫ت ّ‬
‫ة‬
‫مـ َ‬ ‫ع َ‬‫و ٱذْك ُـُروا ْ ن ِ ْ‬ ‫فتييأتي الييية السييابعة لتقييول ‪َ ‬‬
‫ه إ ِذْ‬‫قك ُــم ب ِـ ِ‬ ‫واث َ َ‬‫ذى َ‬ ‫ه ٱل ّـ ِ‬ ‫ميث َ ٰــ َ‬
‫ق ُ‬ ‫و ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُـ ْ‬‫ٱلله َ‬
‫َ‬
‫عَنا‪  ...‬وهنييا علقيية رائعيية مييع‬ ‫وأطَ ْ‬ ‫عَنا َ‬ ‫م ْ‬‫س ِ‬
‫م َ‬ ‫قل ْت ُ ْ‬‫ُ‬
‫سييورة البقييرة الييتي مييدحت المييؤمنين فييي ختامهييا‬
‫وإ ِل َْيــ َ‬ ‫قاُلوا ْ سمعَنا َ‬
‫ك‬ ‫ك َرب َّنا َ‬ ‫فَران َ َ‬
‫غ ْ‬‫عَنا ُ‬‫وأطَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫و َ‬‫‪َ ‬‬
‫صيُر ‪) ‬البقرة ‪ (285‬بينمييا بنييو إسييرائيل كييان‬ ‫م ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫صــي َْنا ‪) ‬البقييرة ‪ (93‬أرأيييت‬ ‫ع َ‬‫و َ‬ ‫عَنا َ‬ ‫م ْ‬
‫س ِ‬ ‫قولهم ‪َ ‬‬
‫كيييف تييترابط سييور القييرآن الكريييم وتتكامييل فييي‬
‫مواضيعها وأهدافها‪.‬‬
‫النداء الرابع )العدل(‬
‫ويستمر تتابع اليات بعد ذلك إلييى أن نصييل إلييى‬
‫النيييييييييييييييييييييييييييداء الرابيييييييييييييييييييييييييييع‬
‫‪127‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫كون ُــوا ْ َ‬ ‫من ُــوا ْ ُ‬ ‫َ‬


‫ن للــه‬ ‫مي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫قـ ّ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّـ ِ‬ ‫‪َ‬يــأي ّ َ‬
‫وم ٍ‬‫قـ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ش ـَنا ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ّك ُـ ْ‬
‫ر َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ول َ ي َ ْ‬‫ط َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫داء ب ِ ٱل ْ ِ‬ ‫ه َ‬‫ش َ‬‫ُ‬
‫و ٰى‬ ‫قـ َ‬ ‫ب ِللت ّ ْ‬ ‫ق ـَر ُ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫هـ َ‬ ‫دُلوا ْ ُ‬ ‫عـ ِ‬‫دُلوا ْ ٱ ْ‬ ‫ع ِ‬
‫َ‬
‫عَلى أل ّ ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫مل ُــو َ‬ ‫ع َ‬‫مــا ت َ ْ‬
‫خِبي ـٌر ب ِ َ‬ ‫ن ٱلله َ‬ ‫قوا ْ ٱلله إ ِ ّ‬ ‫و ٱت ّ ُ‬ ‫َ‬
‫‪.((8‬‬
‫فبعد أن تناولت اليات إيفاء العقود فييي الطعييام‬
‫والشراب والزواج والوضوء‪ ،‬انتقلت إلى عقييد مهييم‬
‫جدا ً )العدل( ولو مع الناس الذين نبغضيهم‪ ،‬وليو ميع‬
‫الناس الذين نحاربهم‪ .‬إن هذه الية قاعدة هامة من‬
‫قواعد تسامح السلم وعدله مع الفئات الخرى‪.‬‬
‫ة ٱلله(‬
‫م َ‬ ‫النداء الخامس )ٱذْك ُُروا ْ ن ِ ْ‬
‫ع َ‬
‫الييية )‪ (11‬تييذكرنا أن اللييه تعييالى قييد حفييظ‬
‫المؤمنين من غدر أعدائهم‪ ،‬فيياتقوا اللييه يييا مييؤمنين‬
‫كــُروا ْ‬ ‫مُنــوا ْ ٱذْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫وأوفوا بعهده‪َ :‬يـأي ّ َ‬
‫طوا ْ‬‫سـ ُ‬ ‫َ‬
‫م أن ي َب ْ ُ‬ ‫و ٌ‬‫قـ ْ‬‫م َ‬ ‫هـ ّ‬ ‫م إ ِذْ َ‬ ‫عل َي ْك ُـ ْ‬
‫ة ٱلله َ‬ ‫م َ‬‫ع َ‬ ‫نِ ْ‬
‫فك َ ّ َ‬ ‫إل َيك ُ َ‬
‫م ‪.‬‬ ‫عنك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫دي َ ُ‬ ‫ف أي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫دي َ ُ‬
‫م أي ْ ِ‬ ‫ِ ْ ْ‬
‫فالله تعالى يفي بعهوده معنا سبحانه‪ ،‬ومن هييذه‬
‫الوعود الربانية الرائعة مييا ذكيير فييي الييية التاسييعة‪:‬‬
‫مُلـــوا ْ‬‫ع ِ‬‫و َ‬ ‫مُنـــوا ْ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عـــدَ ٱللـــه ٱّلـــ ِ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫م‪.( (9‬‬ ‫ظي ٌ‬‫ع ِ‬ ‫جٌر َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫فَرةٌ َ‬ ‫غ ِ‬
‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫ح ٰـ ِ‬ ‫ص ٰـل ِ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫فهل سنفي بعهدنا أمام الله تعالى؟‬
‫بنو إسرائيل وعقودهم‬
‫وبعد ذلك تذكر لنا السورة في ربييع كامييل نميياذج‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪128‬‬

‫ف بعهد الله تعالى وميثيياقه‪ ،‬ولييم تنفييذ‬ ‫من فئات لم ت ِ‬


‫‪‬سمعَنا َ‬
‫عَنا ‪ ‬كما أمرها الله تعالى وهم بنييو‬ ‫وأطَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫‪‬ل َ َ‬
‫ل‬‫س ٰرءي َ‬ ‫ق ب َِنى إ ِ ْ‬ ‫ميث َ ٰـ َ‬ ‫خذَ ٱلله ِ‬ ‫قدْ أ َ‬ ‫و‬
‫إسرائيل‪َ ،‬‬
‫ل ٱللــه‬ ‫قــا َ‬ ‫و َ‬ ‫قيب ـا ً َ‬ ‫ش ـَر ن َ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ى َ‬ ‫م ٱث ْن َـ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ُ‬ ‫عث َْنا ِ‬ ‫وب َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫وءات َي ُْتــ ْ‬ ‫صــل ٰوةَ َ‬ ‫م ٱل ّ‬ ‫مُتــ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ل َئ ِ ْ‬ ‫كــ ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬ ‫إ ِّنــى َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫مـــو ُ‬ ‫عّزْرت ُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ســـِلى َ‬ ‫م ب ُِر ُ‬ ‫منُتـــ ْ‬ ‫وءا َ‬ ‫كـــ ٰوةَ َ‬ ‫ز َ‬ ‫ل ّ‬
‫ٱ‬
‫م‬ ‫كـ ْ‬ ‫عن ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫فـَر ّ‬ ‫سـنا ً لك َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫قْرضـا ً َ‬ ‫م ٱللــه َ‬ ‫ضت ُ ُ‬ ‫قَر ْ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫َ‬
‫هـا‬ ‫حت ِ َ‬ ‫مـن ت َ ْ‬ ‫رى ِ‬ ‫جـ ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جن ّ ٰــ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫كـ ْ‬ ‫خل َن ّ ُ‬ ‫ول َدْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سي ّئ َ ٰـت ِك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ضـ ّ‬
‫ل‬ ‫ق ـدْ َ‬ ‫ف َ‬‫م َ‬ ‫من ْك ُـ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫عدَ ٰذل ِـ َ‬ ‫فَر ب َ ْ‬ ‫من ك َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه ٰـُر َ‬ ‫ٱل ْن ْ َ‬
‫ل‪.( (12‬‬ ‫سِبي ِ‬ ‫واء ٱل ّ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫هم‬ ‫ضـــ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫مـــا ن َ ْ‬ ‫فمييياذا كيييانت النتيجييية؟ ‪َ ‬‬
‫فب ِ َ‬
‫ة‪‬‬ ‫سـي َ ً‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قل ُــوب َ ُ‬ ‫عل ْن َــا ُ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م َلعن ّ ٰــ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬‫ميث َ ٰـ َ‬ ‫ّ‬
‫‪ ((13‬إنها آية شديدة في التحذير من أن نكون مثلهم‬
‫فيحل علينا غضب الله ولعنته‪.‬‬
‫قصة موسى عليه السلم مع قومه‬
‫وتنتقل بنا اليات إلى قصة سيييدنا موسييى عليييه‬
‫السلم مع بني إسرائيل حين طلب منهم أن يييدخلوا‬
‫الرض المقدسة )أرض فلسييطين( الييتي كتبهييا اللييه‬
‫خل ُــوا ال ْْر َ‬
‫ض‬ ‫وم ِ اد ْ ُ‬ ‫تعالى لهم ووعدهم فيها ‪َ‬يا َ‬
‫ق ْ‬
‫دوا‬‫ول َ ت َْرت َـ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ب اللــه ل َك ُـ ْ‬ ‫ة ال ّت ِــى ك َت َـ َ‬ ‫سـ َ‬
‫قدّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ُ‬
‫قــاُلوا‬ ‫َ‬
‫ن‪َ ‬‬ ‫ري َ‬‫س ِ‬ ‫خ ٰـــ ِ‬ ‫قل ُِبــوا َ‬ ‫فت َن ْ َ‬
‫م َ‬ ‫رك ُ ْ‬‫عَلــ ٰى أدْب َ ٰـــ ِ‬ ‫َ‬
‫وإ ِن ّــا ل َــن‬‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫وم ـا ً َ‬
‫جب ّــا ِ‬ ‫ق ْ‬‫هــا َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ـ ٰى إ ِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫َيا ُ‬
‫ها‪.( (21 - 22...‬‬ ‫من ْ َ‬‫جوا ْ ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫حت ّ ٰى ي َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫خل َ َ‬
‫ن ّدْ ُ‬
‫رفضوا ونقضوا عهد اللييه تعييالى‪ ،‬فكييان العقيياب‬
‫‪129‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ن‬
‫عيــ َ‬‫م أ َْرب َ ِ‬
‫هــ ْ‬ ‫ة َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫مــ ٌ‬
‫حّر َ‬
‫م َ‬
‫ها ُ‬ ‫ل َ‬
‫فإ ِن ّ َ‬ ‫الرباني ‪َ ‬‬
‫قا َ‬
‫ض‪ ( (26‬حييّرم اللييه‬ ‫فــى ٱل ْْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫هــو َ‬‫ة ي َِتي ُ‬
‫ســن َ ً‬
‫َ‬
‫عليهم دخول الرض المقدسة أربعين سنة‪.‬‬
‫وقييد أشييرنا أن السييورة بييدأت بقييوله تعييالى بي ي‬
‫ت‬ ‫قوِد أ ُ ِ‬
‫حل ّ ْ‬ ‫فوا ْ ب ِٱل ْ ُ‬
‫ع ُ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ْ أ ْ‬‫ن ءا َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫‪َ‬يـأي ّ َ‬
‫م‪. ...‬‬ ‫عا ِ‬ ‫ة ٱل ْن ْ َ‬ ‫م ُ‬
‫هي َ‬‫م بَ ِ‬‫ل َك ُ ْ‬
‫ث على إيفاء العقود حتى ل يضّيق الله دائرة‬ ‫للح ّ‬
‫الحلل على الميية‪ ،‬وهنييا فييي القصيية نييرى أن اللييه‬
‫تعالى ضّيق على بنييي إسييرائيل لنقضييهم عهييودهم‪.‬‬
‫فالقاعييدة العاميية فييي السييورة "إذا أوفييى المييرء‬
‫سع عليه وإن نقضييها فييإنه‬ ‫بالعهود فإن الله تعالى يو ّ‬
‫تعالى يضيق عليه"‪.‬‬
‫قصة ابني آدم عليه السلم‬
‫َ‬
‫ق إ ِذْ‬
‫ح ّ‬ ‫م ِبــ ٱل ْ َ‬ ‫ى ءادَ َ‬ ‫ٱن َ ْ‬
‫م ن َب َأ ب ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫و ٱت ْ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫قب ّـ ْ‬
‫ل‬ ‫ول َـ ْ‬
‫م ي ُت َ َ‬ ‫ما َ‬‫ه َ‬‫د ِ‬
‫حـ ِ‬‫من أ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب ّ َ‬‫فت ُ ُ‬‫قْرب َ ٰـنا ً َ‬‫قّرَبا ُ‬ ‫َ‬
‫ر‪.( (27...‬‬ ‫خ ِ‬‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫فييابن آدم قتييل أخيياه متهييورا ً بسييبب الغضييب‬
‫والحسييد والغييل‪ ،‬وأمييا علقيية قصيية ابنييي آدم عليييه‬
‫السيييلم بقصييية بنيييي إسيييرائيل ودخيييولهم الرض‬
‫المقدسيية هييو أنهمييا نموذجييان لنقييض العهييود‪ :‬بنييو‬
‫إسرائيل نقضوا عهد اللييه تعييالى لجبنهييم‪ ،‬وأمييا ابيين‬
‫وره‪ ،‬فهمييا نموذجييان‬ ‫آدم فلقييد نقييض العهييد لتهيي ّ‬
‫معاكسان لبعضهما‪ ،‬وكلهما يؤدي لنقييض العهييد مييع‬
‫الله تعالى‪ .‬والسلم يأمرنا دائما ً بالوسطية في كييل‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪130‬‬

‫شؤون الحياة‪.‬‬
‫ثم تأتي الية )‪ (32‬بعييد القصيية مباشييرة للتعقيييب‬
‫َ‬
‫ل‬‫سـ ٰرءي َ‬ ‫عل َ ٰى ب َِنـى إ ِ ْ‬ ‫ك ك َت َب َْنا َ‬ ‫ل ٰذل ِ َ‬ ‫ن‪‬أ ْ‬
‫ج ِ‬ ‫عليها ْ‬
‫م‬‫ِ‬
‫فــى‬ ‫ســاٍد ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ر نَ ْ‬ ‫فسا ً ب ِ َ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫قت َ َ‬ ‫من َ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫فـ ٍ‬ ‫غي ْـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫أن ّ ُ‬
‫ٱل ْرض َ َ‬
‫ن‬ ‫مــ ْ‬ ‫ميعــا ً َ‬
‫و َ‬ ‫ج ِ‬‫س َ‬ ‫ل ٱلّنــا َ‬ ‫قَتــ َ‬ ‫مــا َ‬ ‫فك َأن ّ َ‬ ‫ْ ِ‬
‫ميعـا ً‪ ( (32‬لمييا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬‫س َ‬‫حَيـا الّنـا َ‬ ‫مـا أ ْ‬ ‫فك َأن ّ َ‬ ‫ها َ‬ ‫حي َ ٰــ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ور لنا القرآن الكريم بشاعة جريمة القتل في قصة‬ ‫ص ّ‬
‫آدم عليييه السييلم‪ ،‬أتييت اليييات الييتي بعييدها بأحكييام‬
‫شديدة للقضيياء علييى الفسيياد‪ ،‬فييبّينت حييدود الحرييية‬
‫والسرقة والفساد في الرض‪.‬‬
‫والجييدير بالييذكر أن العييالم لييم يعييرف إل فييي‬
‫عصرنا هذا موضوع الحق العام في الفقه القييانوني‪،‬‬
‫بينما نجد القييرآن قيد سييبق هيذه القيوانين بيي ‪1400‬‬
‫َ‬
‫مـن‬ ‫ه َ‬ ‫عام‪ ،‬فييالله تعييالى يييبّين بشييكل واضييح ‪‬أن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫فسا ً ب ِ َ‬
‫فــى ٱل ْْر ِ‬
‫ض‬ ‫ساٍد ِ‬ ‫ف َ‬‫و َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ر نَ ْ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫قت َ َ‬ ‫َ‬
‫ميع ـا ً‪ ( (32‬فالجريميية‬ ‫َ َ‬
‫ج ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ٱلن ّــا َ‬ ‫قت َـ َ‬ ‫ما َ‬ ‫فك َأن ّ َ‬
‫ليسييت اعتييداء علييى فييرد‪ ،‬وإنمييا هييي خطيير علييى‬
‫المجتمع‪ ،‬وهناك حق عام ل بد أن يؤخذ‪.‬‬
‫النداء السادس )الجهاد في سبيل الله تعالى(‬
‫من ُــوا ْ‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ها ٱل ّـ ِ‬ ‫يقييول اللييه تعييالى ‪َ‬يـئ َأي ّ َ‬
‫دوا ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫سيل َ َ‬ ‫ه ٱل ْ َ‬ ‫غوا ْ إ َِلي ِ‬ ‫قوا ْ ٱلله َ‬ ‫ٱت ّ ُ‬
‫ج ٰـ ِ‬
‫و َ‬
‫ة َ‬ ‫و ِ‬ ‫و ٱب ْت َ ُ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬‫ه لَ َ‬
‫سِبيل ِ ِ‬
‫فى َ‬ ‫ِ‬
‫بعد أن عرضييت اليييات السييابقة خطيير الفسيياد‪،‬‬
‫أتييت الييية )‪ (35‬لتييأمر المييؤمنين بالجهيياد ومحاربيية‬
‫‪131‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الفساد‪.‬‬
‫لحظ أنه في كل مييرة يييأتي الميير بالجهيياد فييي‬
‫القرآن يذكر سببه )كما في سورة النساء حين ذكيير‬
‫الجهاد لنصرة المستضعفين(‪:‬‬
‫ل ٱللــه‬ ‫س ـِبي ِ‬
‫فــى َ‬ ‫ق ٰـ ـت ُِلو َ‬
‫ن ِ‬ ‫م ل َ تُ َ‬ ‫ما ل َك ُـ ْ‬
‫‪َ ‬‬ ‫و‬
‫َ‬
‫ن‪)  ...‬النساء ‪.(75‬‬ ‫في َ‬ ‫ع ِ‬
‫ض َ‬‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬
‫َ‬
‫النداء ‪) :9 ،8 ،7‬ل للتقليد العمى(‬
‫وتصل بنا السورة إلى ربع جديد‪ ،‬وثلثيية نييداءات‬
‫تهدف إلى أن يكون لهذه المة هويتها المميزة‪.‬‬
‫َ‬
‫د‬
‫هــو َ‬ ‫ذوا ْ ٱل ْي َ ُ‬ ‫خــ ُ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫‪‬ي َ ٰـأي ّ َ‬
‫ول َِيــــــــــــــــــاء‬ ‫َ‬
‫ٰـــــــــــــــــــَر ٰى أ ْ‬ ‫ص‬
‫و ٱلن ّ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ف ـإ ِن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول ّ ُ‬‫من ي َت َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ض َ‬ ‫ع ٍ‬ ‫ول َِياء ب َ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫بَ ْ‬
‫ن‪‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ٱلظّ ٰـل ِ ِ‬ ‫و َ‬‫ق ْ‬ ‫دى ٱل ْ َ‬ ‫ه ِ‬‫ن ٱلله ل َ ي َ ْ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫ِ‬
‫‪.((51‬‬
‫َ‬
‫عــن‬ ‫م َ‬ ‫منك ُـ ْ‬ ‫من ي َْرت َدّ ِ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫‪‬يأي ّ َ‬
‫م‬ ‫هــ ْ‬ ‫حب ّ ُ‬ ‫وم ٍ ي ُ ِ‬ ‫قــ ْ‬ ‫ف َيــأ ِْتى ٱللــه ب ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫ســ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫ِديِنــ ِ‬
‫عل َــى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة َ‬ ‫ع ـّز ٍ‬ ‫نأ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫عل َــى ٱل ْ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ه أِذل ّـ ٍ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫وي ُ ِ‬‫َ‬
‫ن‪.( (54‬‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ٱل ْك َ ٰـ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ذوا ْ ٱل ّـ ِ‬ ‫خـ ُ‬ ‫مُنـوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّـ ِ‬ ‫‪‬ي َ ٰـأي ّ َ‬
‫ن ُأوت ُــوا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ـ ِ‬ ‫م َ‬ ‫عبا ً ّ‬ ‫ول َ ِ‬‫هُزوا ً َ‬ ‫م ُ‬ ‫ذوا ْ ِدين َك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ٱت ّ َ‬
‫َ‬ ‫و ٱل ْك ُ ّ‬
‫ول َِياء‪.( (57...‬‬ ‫فاَر أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قب ْل ِك ُ ْ‬ ‫من َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ٱل ْك ِت َ ٰـ َ‬
‫إن هييذه اليييات ل تهييدف إلييى تحقييير وتسييفيه‬
‫الديييان الخييرى‪ ،‬إنمييا تهييدف للحفيياظ علييى هوييية‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪132‬‬

‫المسلم‪ .‬فهي دعوة إلى تحقيق النتماء الكامل إلى‬


‫السلم‪ .‬فسورة المائدة ل تمنع من التعامل مع أهل‬
‫الكتاب بدليل ما سبق ميين اليييات كالييية )‪... (5‬‬
‫ُ‬
‫ب‪‬‬ ‫ن أوت ُــوا ْ ٱل ْك ِت َ ٰـ ـ َ‬ ‫ن ٱل ّ ـ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مـ َ‬
‫ت ِ‬
‫صن َ ٰـ ُ‬
‫ح َ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫التي أباحت الزواج من المحصنات من أهل الكتاب‪.‬‬
‫فالتسامح والرحمة مع أهل الكتاب أمر مطلوب‪،‬‬
‫لكنييه ل ينبغييي أن يييؤدي إلييى ضييياع هوييية المسييلم‬
‫وانتمييائه‪ .‬وهنيياك فييرق بييين الحييترام والتعيياون‬
‫اليجابي والرحمة والتسامح وبين الذوبان في الخيير‬
‫وضياع الهوية‪ .‬لذلك نرى أن النييداءات ‪ 7‬و ‪ 9‬رك ّييزت‬
‫على عدم موالة الكفار ومحبتهم بينما النداء ‪ 8‬حذر‬
‫من الرتداد عن الدين لنييه ميين أخطيير نتييائج ضييياع‬
‫الهوية‪.‬‬
‫والملحظ أن اليييات فييي الربييع السييابق ركييزت‬
‫على التحذير من الحكم بغير ما أنزل الله‪:‬‬
‫وَلـــئ ِ َ‬ ‫ل ٱللــه َ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫ك‬ ‫فأ ْ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‪.( (44‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ٱل ْك َ ٰـ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ُ‬
‫وَلـــئ ِ َ‬ ‫ل ٱللــه َ ُ‬
‫ك‬ ‫فأ ْ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‪.( (45‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ٱلظّ ٰـل ِ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ُ‬
‫وَلـــئ ِ َ‬ ‫ل ٱللــه َ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫ك‬ ‫فأ ْ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‪.( (47‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ٰـ ِ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫أ َ‪َ ‬‬
‫ن‬
‫سـ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مـ ْ‬‫و َ‬
‫ن َ‬
‫غــو َ‬ ‫ة ي َب ْ ُ‬
‫هل ِي ّ ِ‬‫ج ٰـ ـ ِ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ف ُ‬
‫ن‪.( (50‬‬ ‫قُنو َ‬ ‫وم ٍ ُيو ِ‬ ‫كما ً ل ّ َ‬
‫ق ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ٱلله ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫‪133‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وعلقة هذه اليييات بالنييداءات الثلثيية الييتي بييين‬


‫أيدينا هي أن السبب الساسي للحكم بغير ما أنييزل‬
‫الله هو التقليد العمى للغير‪.‬‬
‫فيا أيها الشباب أوفوا بييالعقود فييي تييرك التقليييد‬
‫العمييى وأوفييوا بييالعقود بالنتميياء الكامييل لييدينكم‬
‫والحتكام إلى أوامره ونواهيه‪.‬‬
‫رقة الحب‬
‫ومن لطائف القرآن في النداء الثامن‪:‬‬
‫َ‬
‫عــن‬‫م َ‬ ‫منك ُـ ْ‬ ‫من ي َْرت َدّ ِ‬ ‫مُنوا ْ َ‬
‫ن ءا َ‬‫ذي َ‬‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫‪‬يأي ّ َ‬
‫م‬
‫هــ ْ‬‫حب ّ ُ‬‫وم ٍ ي ُ ِ‬ ‫قــ ْ‬‫ف َيــأ ِْتى ٱللــه ب ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫ســ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫ِديِنــ ِ‬
‫عل َــى‬‫ة َ‬ ‫ع ـّز ٍ‬‫ن أَ ِ‬‫مِني َ‬ ‫مـ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫عل َــى ٱل ْ ُ‬
‫ة َ‬ ‫حبون َ َ‬
‫ه أِذل ّـ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وي ُ ِ ّ‬‫َ‬
‫ن‪.( (54...‬‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ٱل ْك َ ٰـ ِ‬
‫إن القرآن استعمل الرقيية والحييب فييي التحييذير‬
‫من أخطر ما يمكن أن يقييع بييه الميرء وهييو الرتيداد‬
‫عن دين الله تعالى‪.‬‬
‫فالية لم تقل "من يرتد منكم عن دينييه فسييوف‬
‫نع ّ‬
‫ذبه وندخله النار"‪.‬‬
‫إن التهديد في هييذه الييية كييان بييالحب ل بالنييار‪.‬‬
‫وهذا النداء الرقيق له تأثير ممّيز فييي النفييوس بعييد‬
‫الكلم الشديد والواميير الشييديدة الييتي زخييرت بهييا‬
‫السورة‪.‬‬
‫َ‬
‫ل ٱلله ل َك ُ ْ‬
‫م(‬ ‫ح ّ‬
‫ما أ َ‬ ‫موا ْ طَي َّبـٰ ِ‬
‫ت َ‬ ‫النداء العاشر )ل َ ت ُ َ‬
‫حّر ُ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫موا ْ طَي ّب َ ٰـ ِ‬
‫ت َ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت ُ َ‬
‫حّر ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ٰ‪‬يأي ّ َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪134‬‬

‫َ‬
‫ب‬ ‫حـ ّ‬ ‫ن ٱللــه ل َ ي ُ ِ‬ ‫دوا ْ إ ِ ّ‬
‫عَتــ ُ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ٱلله ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫أ َ‬
‫ن‪.( (87‬‬ ‫دي َ‬ ‫عت َ ِ‬
‫م ْ‬‫ٱل ْ ُ‬
‫ل الله‬ ‫هنا يأتي النداء أن ل يحّرم المؤمنون ما أح ّ‬
‫لهييم ميين الطيبييات‪ ،‬فييالتحريم والتحليييل حييق اللييه‬
‫وحده‪ ،‬والله عندما حّرم‪ ،‬لم يحّرم علينا إل الخبييائث‬
‫ل لنييا الطيبييات المفيييدة بالمقابييل‪،‬‬ ‫الضييارة‪ ،‬وأحيي ّ‬
‫م‬‫قك ُـ ُ‬‫مــا َرَز َ‬ ‫م ّ‬ ‫وك ُُلوا ْ ِ‬
‫فجيياءت الييية الييتي تليهييا ‪َ ‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ذى أنُتم ب ِ ِ‬ ‫قوا ْ ٱلله ٱل ّ ِ‬ ‫و ٱت ّ ُ‬ ‫حل َ ٰـل ً طَّيبا ً َ‬ ‫ٱلله َ‬
‫ن‪ ( (88‬لتؤكد على هذا المعنى‪.‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫والرابييط بييين هييذا النييداء والنييداء الثيياني ‪‬ل َ‬
‫عائ َِر ٱللــه ‪ ‬هييو أن تحريييم الحلل‬ ‫شــ َ‬ ‫حّلــوا ْ َ‬ ‫تُ ِ‬
‫معصييية للييه تعييالى وتغيييير لشييرعه تمام يا ً كتحليييل‬
‫الحرام‪.‬‬
‫وهكيييذا نيييرى أن معيييالم الحلل والحيييرام فيييي‬
‫السلم تتضح شيئا ً فشيئًا‪ ،‬وكل آية تضيييف مفهومييا ً‬
‫جديييدا ً لتكمييل الحكييام عنييد المسييلمين قبييل ختييام‬
‫نزول اليات‪.‬‬
‫النداء الحادي عشر )محّرمات الشراب(‬
‫بعدما تحييدثت اليييات عيين الطيبييات تنتقييل إلييى‬
‫الحديث عن الخبييائث )بنفييس الييترتيب الييذي بييدأت‬
‫فيه السورة في اليات )‪.(2 - 1‬‬
‫مـــا ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫مـــُر‬‫خ ْ‬ ‫مُنـــوا ْ إ ِن ّ َ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ها ٱّلـــ ِ‬
‫‪َ‬يــــأي ّ َ‬
‫ن‬‫مـ ْ‬‫س ّ‬ ‫جـ ٌ‬ ‫ر ْ‬
‫م ِ‬‫و ٱل ْْزل َ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫صــا ُ‬‫لن َ‬‫وٱ ْ‬‫سُر َ‬ ‫و ٱل ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫‪135‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ن‬
‫حــو َ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫عل ّك ُـ ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫جت َن ُِبوهُ ل َ َ‬ ‫ن َ‬
‫فـ ٱ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل ٱل ّ‬
‫شي ْط ٰـ ِ‬ ‫م ِ‬
‫ع َ‬
‫َ‬
‫‪.( (90‬‬
‫فالسورة بدأت بمحّرمات الطعام فل بد أن تذكر‬
‫محّرمات الشراب )فاسمها سييورة المييائدة( لتح ي ّ‬
‫ذر‬
‫المسلم من النغماس في ملييذات الحييياة المحّرميية‬
‫وليفييي بعهييده فل يييدخل فمييه قطييرة خميير لتوقييع‬
‫العداوة والبغضاء في صفوف المة‪.‬‬
‫لحظ أن الية تعياملت ميع قضيية الخمير بشيدة‬
‫فقرنييت بينييه وبييين النصيياب والزلم وهييي ميين‬
‫مخّلفات الشرك بالله وذلك للتشنيع من هذه العادة‬
‫المهلكة للمم‪.‬‬
‫والملحظيية الثانييية أن القييرآن اسييتعمل كلميية‬
‫)اجتنبوه( والتي هي أقصى درجات النهي والتحريم‪.‬‬
‫النداء الثاني عشر – الثالث عشر )احذروا البتلء‬
‫في الحلل والحرام(‬
‫من ُــوا ْ‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ها ٱل ّـ ِ‬
‫‪ٰ ‬ـ ـأي ّ َ‬ ‫يقييول اللييه تعييالى ي َ‬
‫ه‬‫د ت ََنــال ُ ُ‬‫صــي ْ ِ‬
‫ن ٱل ّ‬ ‫مــ َ‬
‫ىء ّ‬ ‫شــ ْ‬ ‫م ٱللــه ب ِ َ‬ ‫ل َي َب ُْلــ َ‬
‫ون ّك ُ ُ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ف ُ‬‫خــا ُ‬‫مــن ي َ َ‬ ‫م ٱللــه َ‬ ‫عل َ ـ َ‬
‫م ل ِي َ ْ‬‫حك ُ ْ‬
‫م ٰـ ـ ُ‬
‫ر َ‬‫و ِ‬‫م َ‬ ‫ديك ُ ْ‬‫أي ْ ـ ِ‬
‫ب‪ ( (94‬هييذه الييية تحييذر ميين البلء )أي‬ ‫غي ْ ِ‬‫ِبــ ٱل ْ َ‬
‫المتحان( الييذي قييد يقييع فيييه المسييلم ليختييبر اللييه‬
‫تعالى إيمانه وتطبيقه للحلل والحرام‪.‬‬
‫وقيييد نزليييت عنيييدما كيييان الصيييحابة محرميييين‬
‫واختييبرهم اللييه تعييالى بييأل ّ يصييطادوا مهمييا كييانت‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪136‬‬

‫الطرائد منتشرة من حولهم‪ .‬ليذلك أتيت اليية اليتي‬


‫َ‬
‫د‬ ‫قت ُُلوا ْ ٱل ّ‬
‫صي ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َ ْ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫بعدها ‪‬ي َ ٰـأي ّ َ‬
‫م‪ ( (95‬لتؤكييد علييى نفييس المعنييى‪.‬‬ ‫َ‬
‫ح ـُر ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫وأن ْت ُـ ْ‬‫َ‬
‫وهناك علقة واضحة بين أول السورة وآخرها حيييث‬
‫نرى التركيز على أحكام الصيد‪.‬‬
‫النداء الرابع عشر )ل تضّيقوا على أنفسكم(‬
‫وتستمر النداءات إلى أن نصل إلى قييوله تعييالى‬
‫ش ـَياء‬ ‫ن أَ ْ‬
‫عـ ْ‬ ‫س ـأ َُلوا ْ َ‬
‫مُنوا ْ ل َ ت َ ْ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫‪‬يأي ّ َ‬
‫ن‬
‫حيـ َ‬ ‫هــا ِ‬ ‫سـأ َُلوا ْ َ‬
‫عن ْ َ‬ ‫وِإن ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ؤك ُ ْ‬ ‫سـ ْ‬‫م تَ ُ‬ ‫ِإن ت ُب ْدَ ل َك ُ ْ‬
‫هــا‬
‫عن ْ َ‬‫فــا ٱللــه َ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ت ُب ْـدَ ل َك ُـ ْ‬ ‫ق ـْرءا ُ‬ ‫ل ٱل ْ ُ‬ ‫ي ُن َـّز ُ‬
‫م‪.( (101‬‬ ‫حِلي ٌ‬
‫فوٌر َ‬ ‫غ ُ‬‫و ٱلله َ‬ ‫َ‬
‫هذه الية ضابط من الضوابط اليتي وضيعها الليه‬
‫تعالى في قضايا الحلل والحرام‪ ،‬يخطئ الكثير ميين‬
‫الناس في فهمه‪ ،‬وهو عدم السييؤال فييي المباحييات‬
‫إلى درجة تصل إلى حد التضييق على النسان‪ ،‬ممييا‬
‫قد يؤدي إلى تييرك المييور الييتي ض يّيق بهييا السييائل‬
‫على نفسه فيقع بما قد حّرم عليه‪.‬‬
‫فهذه الية تدعو إلى التوازن فإذا كان الله تعالى‬
‫قييد أمرنييا بالوفيياء بييالعقود لكيين ذلييك ل ينبغييي أن‬
‫يوصلنا للتضييق على أنفسنا‪.‬‬
‫وفي هذه اليات ترابط عجيب مع سورة البقييرة‬
‫وقصة بقرة بني إسرائيل‪.‬‬
‫َ‬
‫مــن‬
‫م ّ‬‫و ٌ‬
‫قـ ْ‬ ‫س ـأل َ َ‬
‫ها َ‬ ‫فالييية )‪ (102‬تقييول‪َ  :‬‬
‫ق ـدْ َ‬
‫‪137‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫قبل ِك ُم ث ُ َ‬
‫ن ‪.‬‬‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫حوا ْ ب ِ َ‬
‫ها ك َٰـ ِ‬ ‫صب َ ُ‬
‫مأ ْ‬‫َ ْ ْ ّ‬
‫فييي إشييارة إلييى كييثرة سييؤال المييم السييابقة‬
‫لنبيائهم فيضيق الحكم عليهم فل يطيعون‪.‬‬
‫دوا ْ‬
‫مــا ك َــا ُ‬
‫و َ‬
‫ها َ‬ ‫فذَب َ ُ‬
‫حو َ‬ ‫فهم في قصة البقرة ‪َ ‬‬
‫ن ‪ ‬لنهم أكييثروا ميين السييؤال عيين طبيعيية‬ ‫عُلو َ‬ ‫ف َ‬‫يَ ْ‬
‫البقرة ولونها فيما لم يطلييب منهييم‪ ،‬فضيياق الحكييم‬
‫الواسييع المطلييق عليهييم‪ .‬ولنييا فييي رسييول اللييه‬
‫وأصحابه السوة الحسنة في هذا المعنى‪:‬‬
‫قال رسول الله ‪ ‬يوما ً لصحابه‪" :‬إن اللييه قييد‬
‫فرض عليكم الحج" فقال أحد الصييحابة‪" :‬أفييي كييل‬
‫عام يا رسول الله"‪.‬‬
‫فسكت رسول الله ‪ ‬ثم قييال‪" :‬لييو قلييت نعييم‬
‫ت"‪.‬‬ ‫ل َوَ ُ‬
‫جب َ ْ‬
‫ففي سورة المائدة إذا ً توازن بين التزام الواميير‬
‫والنواهي والوفاء بعهد الله وبين عدم التشديد علييى‬
‫النفس فيما لم يأمر به الله تعالى‪.‬‬
‫النداء الخامس عشر )ل تكن إمعة(‬
‫وتتوالى اليات‪ ،‬وتصل بنا إلييى النييداء ‪ 15‬والييذي‬
‫هو ضابط آخر من ضوابط الحلل والحرام‪:‬‬
‫سـك ُ ْ‬
‫م لَ‬ ‫ف َ‬‫م أ َن ْ ُ‬ ‫عل َي ْ ُ‬
‫كـ ْ‬ ‫مُنـوا ْ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫‪‬يأي ّ َ‬
‫م‪.( (105...‬‬ ‫هت َدَي ْت ُ ْ‬
‫ذا ٱ ْ‬ ‫ض ّ‬
‫ل إِ َ‬ ‫من َ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّرك ُ ْ‬
‫يَ ُ‬
‫قام أبو بكر الصديق رضي الله عنييه خطيب يا ً فييي‬
‫النيياس فقييال‪" :‬إنكييم تضييعون هييذه الييية فييي غييير‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪138‬‬

‫موضعها"‪.‬‬
‫لن الناس قد ظنوا أن معنى قييوله تعييالى ‪...‬‬
‫م ‪ ‬أي ل تأخيييذوا بأييييدي أحيييد‬ ‫ســك ُ ْ‬
‫ف َ‬‫م أ َن ْ ُ‬ ‫عل َي ْ ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫َ‬
‫للهداييية‪ ،‬فميين أراد الضييلل فليضييل‪ ،‬فييأدى فهمهييم‬
‫الخاطئ إلى ترك الدعوة إلى الله تعالى‪.‬‬
‫لكن معنى الية‪ :‬لو كل الناس من حولك غّيييرت‬
‫الحلل والحييرام وتركييت الوفيياء بييالعقود‪ ،‬فعليكييم‬
‫أنفسكم يا مييؤمنين‪ ،‬فييأثبتوا علييى الحييق ول تغيييروا‬
‫أحكام الييدين‪ ،‬وهييذا مصييداق لحييديث النييبي ‪" ‬ل‬
‫يكيين أحييدكم إمعيية إن أحسيين النيياس أحسيينت وإن‬
‫أسييياء النييياس أسيييأت‪ ،‬ولكييين إن أحسييين النييياس‬
‫فأحسنوا وإن أساؤوا فل تظلموا"‪.‬‬
‫إذا ً فالسورة ركيزت فييي النيدائين ‪ 14‬و ‪ 15‬علييى‬
‫ضييييييييييييييييييييييييابطين للواميييييييييييييييييييييييير‬
‫والنواهي‪:‬‬
‫‪ -‬ل تضّيق على نفسك‬
‫‪ -‬ل تتأثر بالناس من حولك‪.‬‬
‫النداء السادس عشر )الحلل والحرام في‬
‫الشهادات والوصية(‬
‫من ُــوا ْ َ‬ ‫تأتي الييية يـ َ‬
‫ه ٰـ ـدَةُ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ها ٱل ّـ ِ‬ ‫‪‬أي ّ َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫صي ّ ِ‬
‫و ِ‬
‫ن ٱل َ‬ ‫حي َ‬‫ت ِ‬ ‫و ُ‬
‫م ْ‬
‫م ٱل َ‬ ‫حدَك ُ ُ‬ ‫ضَر أ َ‬ ‫ح َ‬‫ذا َ‬‫م إِ َ‬‫ب َي ْن ِك ُ ْ‬
‫م‪ ( (106‬لتكمييل سلسييلة‬ ‫من ْك ُـ ْ‬‫ل ّ‬ ‫عـدْ ٍ‬ ‫وا َ‬‫ن ذَ َ‬ ‫ٱث َْنا ِ‬
‫الحكام في السورة‪ ،‬ولتثبت شمولية السييلم لكييل‬
‫شييؤون الحيياة‪ ،‬مين أميور الطعيام والشيراب‪ ،‬إليى‬
‫‪139‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الزوجييات والعلقييات السييرية إلييى أحكييام الحييدود‬


‫والعلقييات الدولييية إلييى المعيياملت والشييهادات‬
‫والوصية‪.‬‬
‫تأمييل معييي ‪ -‬مييرة أخييرى ‪ -‬آييية تمييام الييدين‬
‫وشييييييييييييييموله لكييييييييييييييل جييييييييييييييوانب‬
‫الحياة‪:‬‬
‫كــم َ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫مــ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِدين َ ُ ْ َ‬
‫وأت ْ َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫مْلــ ُ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫‪‬ٱل َْيــ ْ‬
‫و َ‬
‫م ِدينــا ً( ‪‬‬ ‫سل َ َ‬
‫م ٱل ْ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫ضي ُ‬‫وَر ِ‬ ‫مِتى َ‬ ‫ع َ‬
‫م نِ ْ‬‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫‪.(3‬‬
‫واحمد الله تعالى على النعمة الييتي أتمهييا عليييك‬
‫في هذا الدين وأحكام شريعته الغراء‪.‬‬
‫مقاصد الشريعة في السورة‬
‫ولن سورة المائدة هييي سييورة الحلل والحييرام‬
‫في السييلم‪ ،‬فهييي السييورة الوحيييدة الييتي جمعييت‬
‫مقاصد الشريعة السلمية الخمسة‪:‬‬
‫‪ .1‬حفظ الدين‬
‫‪ .2‬حفظ النفس‬
‫‪ .3‬حفظ العقل‬
‫‪ .4‬حفظ العرض‬
‫‪ .5‬حفظ المال‬
‫فهيييذه السيييورة اليييتي احتيييوت قيييوله تعيييالى‬
‫َ‬ ‫‪‬أ َ َ‬
‫ن‬
‫مـ َ‬ ‫ن ِ‬
‫سـ ُ‬
‫ح َ‬‫نأ ْ‬‫م ْ‬‫و َ‬
‫ن َ‬‫غو َ‬ ‫ة ي َب ْ ُ‬
‫هل ِي ّ ِ‬ ‫م ٱل ْ َ‬
‫ج ٰـ ِ‬ ‫حك ْ َ‬
‫ف ُ‬
‫ن ‪ ‬تريييد أن ترشييدنا‬ ‫قن ُــو َ‬ ‫وم ٍ ُيو ِ‬ ‫كما ً ل ّ َ‬
‫قـ ْ‬ ‫ح ْ‬‫ٱلله ُ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪140‬‬

‫إلى أن شرع الله تعييالى هييو أحسيين شييرع لضييمان‬


‫مصلحة البشرية في الدنيا والخرة‪ ،‬وذلك من خلل‪:‬‬
‫َ‬
‫د‬
‫من ي َْرَتــ ّ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫‪ .1‬حفظ الدين‪ :‬يأي ّ َ‬
‫م بييه‬ ‫ه‪ ( (54‬فييأول مييا تهتيي ّ‬ ‫عــن ِديِنــ ِ‬ ‫م َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫من ُ‬ ‫ِ‬
‫الشريعة هو حفظ الدين وترك الكفر‪.‬‬
‫عل َـ ٰى‬ ‫ك ك َت َب ْن َــا َ‬ ‫ل ٰ لذ ِـ َ‬ ‫‪ .2‬حفظ النفييس‪:‬من َ‬
‫جـ ِ‬ ‫‪‬أ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫ر‬ ‫فس ـا ً ب ِ َ‬ ‫ل نَ ْ‬‫قت َـ َ‬ ‫مــن َ‬ ‫بن ِــى إس ـ ٰرءي َ َ‬
‫غي ْـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل أن ّـ ُ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قت َـ َ‬ ‫مــا َ‬ ‫فك َأن ّ َ‬ ‫ض َ‬ ‫فــى ٱل ْْر ِ‬ ‫ساٍد ِ‬ ‫ف َ‬ ‫و َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫نَ ْ‬
‫ميعــا ً‪ ( (32‬وفيهيييا تحرييييم قتيييل‬ ‫ج ِ‬‫س َ‬ ‫ٱلن ّـــا َ‬
‫النفس‪.‬‬
‫ســُر‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫مــُر َ‬ ‫خ ْ‬ ‫مــا ٱل ْ َ‬ ‫‪ .3‬حفيييظ العقيييل‪ :‬إ ِن ّ َ‬
‫ب‪ ( (90...‬والغاية من تحريم الخمرة‬ ‫صا ُ‬ ‫لن َ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫َ‬
‫هي حفظ العقل‪.‬‬
‫ن‬ ‫حي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ســا ِ‬ ‫م َ‬ ‫غي ْـَر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫صِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ .4‬حفييظ العييرض‪ُ  :‬‬
‫ن‪) ( (5‬فييي تحريييم العلقيية‬ ‫دا ٍ‬ ‫خ َ‬ ‫ذى أ َ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫َ‬
‫بين الجنسين قبل الزواج(‪.‬‬
‫ة‬
‫ق ُ‬ ‫ر َ‬‫ســـا ِ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫ر قُ َ‬ ‫ســـا ِ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫‪ .5‬حفيييظ الميييال‪َ  :‬‬
‫َ‬
‫ما‪.( (38‬‬ ‫ه َ‬ ‫دي َ ُ‬ ‫عوا ْ أي ْ ِ‬ ‫قطَ ُ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫َ‬
‫فمقاصد الشريعة الخمسة قد ذكرت في سييورة‬
‫الميييييييييييييييائدة لتثبيييييييييييييييت لنيييييييييييييييا أن‬
‫الوامر والنواهي المطلوب إيفاؤها إنما هي لضييمان‬
‫مصييييييييييييييلحة النيييييييييييييياس ضييييييييييييييمن‬
‫المحاور الخمسة المذكورة‪.‬‬
‫مراجعة العقود يوم القيامة‬
‫‪141‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫متى تراجييع العقييود؟ يييوم القياميية‪ .‬ولييذلك كييان‬


‫الختام الرائع للسورة‪.‬‬
‫مــا َ‬
‫ذا‬ ‫ل َ‬ ‫في َ ُ‬
‫قــو ُ‬ ‫ل َ‬‫سـ َ‬
‫ع ٱللــه ٱلّر ُ‬ ‫م ُ‬
‫ج َ‬‫م يَ ْ‬
‫و َ‬‫‪‬ي َ ْ‬
‫عْلــم ل ََنــا إّنــ َ َ‬ ‫ُ‬
‫عل ّ ٰـــ ُ‬
‫م‬ ‫ت َ‬‫ك أنــ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫قــاُلوا ْ ل َ ِ‬‫م َ‬ ‫جب ُْتــ ْ‬
‫أ ِ‬
‫ب‪.( (109‬‬ ‫غُيو ِ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫لحظ ترابط آيات السورة‪ ،‬ففييي البداييية )أوفييوا‬
‫َ‬
‫ســو ُ‬
‫ل‬ ‫ها ٱلّر ُ‬ ‫بالعقود( وفي وسط السورة ‪َ‬يـ ـٰأي ّ َ‬
‫ك ‪) ‬من أحكام الحلل‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬‫ز َ‬ ‫ُ‬ ‫ب َل ّ ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ما أن ِ‬ ‫غ َ‬
‫ع ٱللــه‬ ‫مـ ُ‬
‫ج َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫والحرام( لتختييم السييورة بي ي ‪‬ي َ ْ‬
‫م ‪.‬‬ ‫ل ما َ ُ‬ ‫في َ ُ‬
‫ل َ‬
‫جب ْت ُ ْ‬
‫ذا أ ِ‬ ‫قو ُ َ‬ ‫س َ‬
‫ٱلّر ُ‬
‫وفي ختام السورة تأتي قصة سيدنا عيسى عليه‬
‫السييلم وتييبرؤه ميين الييذين ضييلوا عيين سييبيله ميين‬
‫النصارى‪ .‬وهذا يفيد في التبرؤ ميين التقليييد العمييى‬
‫للخرييين‪ ،‬فكيييف سييتتبعوهم يييا مسييلمين وسيييدنا‬
‫عيسى عليه السلم نفسه سيتبرأ منهم يوم القيامة‪.‬‬
‫ولهمية ذكر يوم القيامة فييي حييث النيياس علييى‬
‫اليفاء بعهودهم تأتي هنا آييية رائعيية‪َ  :‬‬
‫قا َ‬
‫ل ٱللــه‬
‫م‪.( (119...‬‬‫ه ْ‬ ‫صدْ ُ‬
‫ق ُ‬ ‫ن ِ‬
‫قي َ‬
‫د ِ‬‫ص ٰـ ِ‬
‫ع ٱل ّ‬ ‫م َين َ‬
‫ف ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ه ٰـ َ‬
‫ذا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫والصادقون هم الذين يوفون بعقييودهم مييع اللييه‬
‫ومع الناس‪.‬‬
‫لماذا سميت سورة المائدة بهذا السم‬
‫وأخيرا ً بقي أن نشير إلى سبب تسييمية السييورة‬
‫بسورة المائدة وهل هذا بسبب ذكيير قصيية الميائدة‪،‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪142‬‬

‫فالسورة تتحدث عن الوفاء بالعقود‪ ،‬فما الذي يربط‬


‫بينها وبين المائدة‪:‬‬
‫م‬ ‫مْرَيــ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى ٱب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ن يٰ ِ‬ ‫رّيو َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫‪‬إ ِذْ َ‬
‫ن‬‫مـ َ‬ ‫مـائ ِدَةً ّ‬ ‫عل َي َْنـا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ك َأن ي ُن َّز َ‬ ‫ع َرب ّ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫قوا ْ ٱلله ِإن ُ‬ ‫ل ٱت ّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫قُلوب ُن َــا‬ ‫ن ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫وت َطْ َ‬ ‫هــا َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ري ـدُ َأن ن ّأ ْك ُـ َ‬ ‫قــاُلوا ْ ن ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مــ َ‬ ‫هــا ِ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كــو َ‬ ‫ون َ ُ‬ ‫قت ََنا َ‬ ‫صــدَ ْ‬ ‫قــدْ َ‬ ‫م َأن َ‬ ‫عَلــ َ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م ٱلله ـ ّ‬ ‫مْري َ ـ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى ٱب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫دي َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ش ٰـ ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ن ل ََنــا‬ ‫َ‬
‫كو ُ‬ ‫ماء ت َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫مائ ِدَةً ّ‬ ‫عل َي َْنا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ز ْ‬ ‫َرب َّنا أن ِ‬
‫عيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدا ً‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫قن َــا َ‬ ‫و ٱْرُز ْ‬ ‫من ْـ َ‬
‫وأن ـ َ‬ ‫َ‬ ‫ك َ‬ ‫ة ّ‬ ‫وءاي َـ ً‬ ‫رن َــا َ‬ ‫خ ِ‬ ‫وءا ِ‬ ‫ول َِنا َ‬ ‫لِ ّ‬
‫هــا‬ ‫من َّزل ُ َ‬ ‫ل ٱللــه إ ِّنــى ُ‬ ‫قــا َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫قيــ َ‬ ‫ز ِ‬ ‫خْيــُر ٱلّرا ِ‬ ‫َ‬
‫عـذّب ُ ُ‬
‫ه‬ ‫فـإ ِّنى أ ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُـ ْ‬ ‫عـدُ ِ‬ ‫فـْر ب َ ْ‬ ‫مــن ي َك ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫عــــــــذّب َ‬ ‫ذابا ً ل ّ أ ُ َ‬
‫ن‬
‫مــــــــ َ‬ ‫حــــــــدا ً ّ‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫عــــــــ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (112 - 115‬‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰـل َ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ل ٱللــه‬ ‫قا َ‬ ‫فالية الخيرة هييي آييية محورييية ‪َ ‬‬
‫م‪ ...‬‬ ‫كــ ْ‬ ‫من ُ‬ ‫عدُ ِ‬ ‫فْر ب َ ْ‬ ‫من ي َك ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫من َّزل ُ َ‬ ‫إ ِّنى ُ‬
‫)أي فمن ينقض العهد بعد إنزال المائدة(‪ ،‬فارتبطت‬
‫قصة المائدة بقصة قوم طلبوا آييية ميين اللييه تعييالى‬
‫فأعطاهم ربهم ما طلبوا وأخذ عليهم عهييدا ً شييديدًا‪،‬‬
‫ذبون عذابا ً شديدًا‪.‬‬ ‫إن نقضوه فسوف يع ّ‬
‫أما بالنسبة لمتنا‪ ،‬فقد أعطاهييا اللييه تعييالى فييي‬
‫َ‬
‫مل ْـ ُ‬
‫ت‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫هييذه السييورة الييية المحورييية ‪‬ٱل ْي َ ْ‬
‫و َ‬
‫‪143‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ل َك ُم دين َك ُم َ‬
‫ت‬‫ضــي ُ‬‫وَر ِ‬
‫مت ِــى َ‬
‫ع َ‬ ‫عل َي ْك ُـ ْ‬
‫م نِ ْ‬ ‫ت َ‬
‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫وأت ْ َ‬‫ْ َ‬ ‫ْ ِ‬
‫م ِدينـا ً ‪ ‬هييذه الييية منحيية ربانييية‬ ‫س ـل َ َ‬
‫م ٱل ْ‬ ‫ل َك ُـ ُ‬
‫مشييابهة للييية الييتي أعطيهييا الحواريييون )المييائدة(‪،‬‬
‫وهييم قييد وفييوا بعهييدهم فهييل سيييفي المسييلمون‬
‫بعهدهم؟‬
‫من فضلك وأنت تقرأ سييورة المييائدة‪ ،‬استشييعر‬
‫عظييييييييييم النعميييييييييية الييييييييييتي أتمهييييييييييا‬
‫ربنا علينا بإتمام الدين‪ ،‬وجاهيد نفسيك لليفياء بعهيد‬
‫الله تعالى في كل أمور حياتك‪.‬‬
‫سورة النعام‬

‫سو‬ ‫سورة النعام )مكية( وهي أول سييورة مكييية فييي‬


‫رة‬ ‫ترتيب المصحف )سور البقرة إلى المائدة كلها سييور‬
‫النعام‬ ‫مدنية(‪ ،‬نزلت بعد سورة الحجر وعدد آياتها ‪ 165‬آية‪.‬‬
‫ليل أبيض‬
‫رافق نزول هيذه السييورة ميييزات عدييدة‪ .‬فهيي‬
‫أول ً نزلت على قلييب النييبي ‪ ‬جمليية واحييدة )فييي‬
‫ليلة واحدة(‪ ،‬بينما نلحظ أن كل السور الطوال فيي‬
‫المصييحف كييانت تتن يّزل آياتهييا متفرقيية‪ .‬ولعييل ميين‬
‫أجمل ما يمّيز هذه السورة أنها نزلت يحفها سبعون‬
‫ألف ملك لهم زجييل ‪ -‬أي صييوت رفيييع عييالي ‪ -‬ميين‬
‫التسبيح يسد الخافقين‪ ،‬وكل هذا في وقييت الليييل‪..‬‬
‫فما أروع هذا المييوكب الملئكييي المهيييب فييي جنييح‬
‫الليل وهو يرافق نزول هذه السييورة الكريميية‪ ،‬ممييا‬
‫يعطي ظلل ً رقيقة تجعلنا نترقب مضييمون السييورة‬
‫وهدفها‪.‬‬
‫هدف السورة‬
‫مدُ لله ٱل ّ ِ‬
‫ذى‬ ‫تبدأ السورة بقوله تعالى‪ :‬ٱل ْ َ‬
‫ح ْ‬
‫ض ‪ ،‬فتشيييعر أخيييي‬ ‫و ٱل ْْر َ‬
‫‪144‬‬ ‫ت َ‬
‫م ٰـــوٰ ِ‬
‫س َ‬ ‫خَلــ َ‬
‫ق ٱل ّ‬ ‫َ‬
‫‪145‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫المسيييلم مييين بدايييية السيييورة بهيييدفها ومحورهيييا‬


‫الساسييي‪ ،‬أل وهييو توحيييد اللييه عييز وجييل وعييدم‬
‫الشرك بييه أبييدًا‪ ،‬وأن ل يكييون فييي قلبييك غييير اللييه‬
‫تبارك وتعالى‪.‬‬
‫وتتكّرر مسألة توحيد الله تعالى وعدم الشرك به‬
‫‪ 49‬مرة في السورة‪ ،‬فييي ‪ 49‬آييية أي حييوالي )‪(%30‬‬
‫من مجموع السورة‪ .‬ولهذا نعلم سبب نزولهييا بهييذه‬
‫الهيبيية ولميياذا كييان يحفهييا سييبعون ألييف ملييك كمييا‬
‫و‬
‫نج ّ‬ ‫ويمكننا أن نستشعر الحكمة من نزولها لي ً‬
‫ل‪ ،‬فإ ّ‬
‫الليل يناسب هذه الروحانيات‪.‬‬

‫المخاطبون في السورة‬
‫فييي خضييم الفكييار والمييذاهب ومناهييج الحييياة‬
‫المختلفة ‪ -‬سواء أكانت هذه الفكار عبييادة للصيينام‬
‫أو لقوى الطبيعيية كمييا فييي عصيير النييبي‪ ،‬أو إلحييادا ً‬
‫وإنكارا ً لوجود الله كما فييي عصييرنا الحييديث ‪ -‬تييأتي‬
‫سورة النعام لترد على كل هؤلء من خلل الحديث‬
‫عيين قييدرة اللييه وعظمتييه فييي الكييون‪ .‬ولهييذا فييإن‬
‫ل‪ ،‬لتزيد من إيمانييك‬ ‫السورة تخاطبك أيها المؤمن أو ً‬
‫بالله وحبك له وإخلصييك فييي عبييادته‪ .‬وإلييى جييانب‬
‫ذلك فهي تعطيك مادة للرد على الميياديين ومنكييري‬
‫وجود الله‪ :‬ميين خلل الحييديث عيين قييدرة اللييه فييي‬
‫ن الطبيعيية هييي‬ ‫الكون‪ ،‬ثم نقض زعييم الملحييدين بييأ ّ‬
‫الييتي خلقييت الكييون‪ ،‬أو أن الكييون خلييق صييدفة‪،‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪146‬‬

‫فالتقان والبداع في الكون همييا أكييبر دليلييين علييى‬


‫عظمة الخالق جل وعل وتوحيده‪.‬‬
‫وتخاطب هذه السورة فريقيا ً ثالثيًا‪ ،‬وهييم النيياس‬
‫الذين يؤمنون بالله لكنهم ل يريدون أن يطّبقوا هييذا‬
‫اليمان في سلوكهم‪ .‬فتوضح لهم ‪ -‬كما سيتبين معنا‬
‫ن اليمان ل‬ ‫في آخر السورة وفي سبب تسميتها ‪ -‬أ ّ‬
‫يتجزأ‪ ،‬وأنييه يجييب أن يطب ّييق علييى العتقيياد القلييبي‬
‫وعلى السلوك معًا‪ .‬وهنا نفهييم أهمييية نزولهييا دفعيية‬
‫واحدة‪ ،‬وذلك للتأكيد على أن التوحيد متكامل جمليية‬
‫واحدة في العتقاد والتطبيق‪.‬‬
‫ترابط سور القرآن‬
‫وقبل أن نبدأ باستعراض آيات السورة‪ ،‬ل بييد أن‬
‫نلحظ تسلسيل سيور القيرآن فيي الحيوار ميع غيير‬
‫المسييلمين‪ :‬فسييور البقييرة وآل عمييران والنسيياء‬
‫والمائدة خاطبت أهل الكتيياب فييي محيياور مختلفيية‪،‬‬
‫بينمييا سييورة النعييام اختصييت بخطيياب المشييركين‬
‫)وخاصة مشركي مكة‪ ،‬لذلك كانت السورة مكية(‪.‬‬
‫وهناك ملحظيية لطيفية أخيرى فيي العلقية بيين‬
‫السييييييييييييييورة والسييييييييييييييورة الييييييييييييييتي‬
‫قبلها‪ .‬فسورة المائدة ختمييت بقييوله تعييالى‪ :‬للــه‬
‫ن ‪ ‬كأنهييا‬ ‫هـ ّ‬‫في ِ‬‫ما ِ‬ ‫و َ‬‫ض َ‬‫و ٱل ْْر ِ‬‫ت َ‬‫م ٰـوٰ ِ‬‫س َ‬‫ك ٱل ّ‬‫مل ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ذى‬ ‫مدُ للــه ٱّلــ ِ‬ ‫تمهد لبداية سورة النعييام ‪‬ٱل ْ َ‬
‫ح ْ‬
‫ض ‪.‬‬ ‫و ٱل ْْر َ‬‫ت َ‬‫م ٰـوٰ ِ‬‫س َ‬‫ق ٱل ّ‬‫خل َ َ‬‫َ‬
‫‪147‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫كلمتان تغمران القلب حبا ً )قل وهو(‪.‬‬


‫ن لسورة النعام ترتيبيا ً معينيا ً تسييير وفقيه مين‬
‫إ ّ‬
‫أول السورة إلى آخرها‪ ،‬وهو أن ترد أربييع أو خمييس‬
‫آيات تتحدث عن قييدرة اللييه تعييالى فييي الكييون ثييم‬
‫تليها بعد ذلك آيات أخرى تواجه الماديين ومن ينكيير‬
‫ن الطبيعة هييي الييتي خلقييت‬ ‫وجود الله ومن يزعم أ ّ‬
‫الكون‪ ...‬وهكذا تسير اليات ميين أول السييورة إلييى‬
‫آخرها على هذا المنوال‪.‬‬
‫وأكثر آيات السورة تبدأ بإحدى الكلمييتين‪) :‬قــل‬
‫أو هــو(‪ .‬فمييا سييبب تكرارهمييا‪..‬؟! ومييا علقتهمييا‬
‫بمحور السورة؟‬
‫إّنك عندما تقرأ كل آية تبدأ بكلمة ‪‬هو ‪ ،‬تجد‬
‫و‬
‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫أنها تتحدث عن قييدرة اللييه‪ ،‬كقييوله تعييالى ‪َ ‬‬
‫و‬‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ض‪َ  ‬‬ ‫فى ٱل ْْر ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫فى ٱل ّ‬ ‫ٱلله ِ‬
‫هُر‬ ‫قــا ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫هـ َ‬ ‫و ُ‬ ‫كم ب ِٱل ّي ْــل ‪َ  ‬‬ ‫فـ ـٰ ُ‬ ‫و ّ‬ ‫ذى ي َت َ َ‬ ‫ٱّلــ ِ‬
‫ت‬ ‫م ٰـ ـ ٰو ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ٱل ّ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذى َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫‪َ ‬‬‫ه‬
‫و ُ‬ ‫ه‪َ ‬‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫وق َ ِ‬ ‫َ‬
‫ف ْ‬
‫ض ‪ .‬وأمييا آيييات مواجهيية الكفييار ‪ -‬والييتي‬ ‫و ٱل ْْر َ‬ ‫َ‬
‫تخاطب النبي )كما تخاطب كل مؤمن( وترشده إلى‬
‫كيفية مقييارعتهم بالحجيية ‪ -‬فتبييدأ بكلميية ‪‬قل‪ :‬‬
‫د‬
‫هي ٌ‬ ‫شــ ِ‬ ‫ل ٱلله َ‬ ‫ق ِ‬ ‫هـدةً ُ‬ ‫ش َٰ‬ ‫ىء أ َك ْب َُر َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ى َ‬ ‫لأ ّ‬
‫ق ْ َ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫م‪.( (19‬‬ ‫وب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫ب ِي ِْنى َ‬
‫ت ٱل َْبــّر‬ ‫مـــٰ ِ‬ ‫مــن ظُل ُ َ‬ ‫م ّ‬ ‫كــ ْ‬ ‫جي ُ‬‫مــن ي ُن َ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫قــ ْ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫ل‬ ‫مــن ك ُـ ّ‬ ‫و ِ‬‫هــا َ‬ ‫من ْ َ‬
‫م ّ‬ ‫جيك ُـ ْ‬ ‫ل ٱللــه ي ُن َ ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ر‪ُ ‬‬ ‫ح ِ‬ ‫و ٱل ْب َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫عل َي ْك ُـ ْ‬ ‫ث َ‬ ‫عـ َ‬ ‫عل َ ٰى أن ي َب ْ َ‬ ‫قاِدُر َ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ق‪ْ ‬‬ ‫بُ‬‫ك َْر ٍ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪148‬‬

‫َ‬ ‫قك ُ َ‬
‫م‪ (63-‬‬ ‫جل ِ ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫ت أْر ُ‬
‫ح ِ‬
‫من ت َ ْ‬ ‫و ِ‬
‫مأ ْ‬ ‫و ِ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫من َ‬ ‫ذابا ً ّ‬ ‫ع َ‬
‫َ‬
‫عن َــا‬ ‫مــا ل َ َين َ‬
‫ف ُ‬ ‫ن ٱلله َ‬ ‫دو ِ‬‫من ُ‬ ‫ل أ َن َدْ ُ‬
‫عوا ْ ِ‬ ‫ق ْ‬‫‪ُ 65) ‬‬
‫ن اليييات تخيياطب القييارئ‬ ‫ضّرَنا‪ .( (71‬فكييأ ّ‬ ‫ول َ ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫قائلة‪ :‬استشعر في نفسك من هو القييادر حييتى تمل‬
‫قلبك من حبه‪ ،‬ثم انطلق في مواجهة من يشكك فيي‬
‫إيمانك بوحدانيته وعظمته‪.‬‬
‫وقتنا هذه المقدمات‪ ،‬تعال معييي أخييي‬ ‫بعد أن ش ّ‬
‫المسييلم لنعيييش مييع آيييات القييدرة والمواجهيية فييي‬
‫السورة‪.‬‬
‫بداية السورة موجة آيات القدرة‪.‬‬
‫تبدأ السورة بثلث آيات تظهر قدرة اللييه تعييالى‪:‬‬
‫ت‬ ‫م ٰــــ ٰو ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ٱل ّ‬ ‫خَلـــ َ‬ ‫ذى َ‬ ‫مـــدُ للـــه ٱّلـــ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ٱل ْ‪َ ‬‬
‫م‬ ‫و ٱلن ّـــوَر ث ْـــ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫مــــٰ ِ‬ ‫ل ٱلظّل ُ َ‬ ‫عـــ َ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬‫ض َ‬ ‫و ٱل ْْر َ‬ ‫َ‬
‫ذى‬ ‫و ٱل ّ ـ ِ‬ ‫هـ َ‬ ‫ن‪ُ ‬‬ ‫دُلو َ‬ ‫عـ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ْ‬
‫ف ـُروا ب َِرب ّ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ـ ِ‬
‫ضــى أ َجل ً َ‬ ‫م َ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬
‫ل‬‫جــ ٌ‬ ‫وأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن ُثــ ّ‬ ‫طيــ ٍ‬ ‫مــن ِ‬ ‫م ّ‬ ‫كــ ْ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫هـ َ‬ ‫و ُ‬ ‫دهُ‪ ‬وبعييدها قييوله تعييالى‪َ  :‬‬ ‫عن ـ َ‬ ‫مى ِ‬ ‫مس ـ ّ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫عل َ ـ ُ‬ ‫ض يَ ْ‬ ‫فــى ٱل ْْر ِ‬ ‫و ِ‬‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫فــى ٱل ّ‬ ‫ٱللــه ِ‬
‫ن ‪ .‬وقييوله‬ ‫سُبو َ‬ ‫ما ت َك ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬‫وي َ ْ‬‫م َ‬ ‫هَرك ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫سّرك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫جــاء ُ‬ ‫مــا َ‬ ‫ق لَ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫كــذُّبوا ْ ِبــ ٱل ْ َ‬ ‫قــدْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫تعييالى‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫فسو َ ْ‬
‫ن‬ ‫زءو َ‬ ‫ه ِ‬ ‫سـت َ ْ‬‫ه يَ ْ‬ ‫كاُنوا ْ ب ِـ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن َْباء َ‬ ‫ه ْ‬‫ف ي َأِتي ِ‬ ‫َ َ ْ‬
‫‪.( (5‬‬
‫ن يقرأهيا إليى أن يستشيعر‬ ‫مي ْ‬
‫فهذه اليات تدعو َ‬
‫قييدرة اللييه تعييالى‪ ..‬فييإذا وجييد إدبييارا ً ميين الكفييار‬
‫المنكرين‪ ،‬استشييعر عظييم جرمهييم ومييدى جرأتهييم‬
‫‪149‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وضللهم‪ ،‬وواجههم بآياتها‪.‬‬


‫الزمان‪ ..‬والمكان‬
‫ى لطيف يًا‪ ..‬فالييية )‪(12‬‬ ‫وتلحظ فييي اليييات معن ي ً‬
‫و ٱل ْْر ِ‬
‫ض‬ ‫ت َ‬‫م ٰـوٰ ِ‬‫س َ‬
‫فى ٱل ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫من ّ‬ ‫قل ل ّ َ‬ ‫تقول‪ُ  :‬‬
‫ن‬ ‫سـك َ َ‬
‫مـا َ‬ ‫ه َ‬‫وَلـ ُ‬
‫قل لله ‪ ،‬والييية )‪ (13‬تقييول‪َ  :‬‬ ‫ُ‬
‫ك‬‫ر ‪ .‬الولييى تييذكر أن ّييه مل َي َ‬ ‫هــا ِ‬‫و ٱلن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫فى ٱل ّي ْـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ‪ ‬والثانييية تييذكر‬ ‫و ٱل ْْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـوٰ ِ‬ ‫س َ‬‫المكان ‪‬ٱل ّ‬
‫هـــاَر ‪ ‬أي الزميييان‪،‬‬ ‫و ٱلن ّ َ‬
‫ل َ‬ ‫ك ‪‬ٱل ّي ْـــ َ‬ ‫أنيييه مَلييي َ‬
‫فسييبحان ميين خلييق الزمييان والمكييان وأخضييعهما‬
‫لملكه‪.‬‬
‫ما العلمة‪..‬؟!‬
‫ن الله ملك الزمان والمكان‪ ..‬فاقرأ‬ ‫فإذا عرفت أ ّ‬
‫غي ْـَر ٱللــه‬ ‫ل أَ َ‬ ‫قـ ْ‬ ‫بعد ذلك آية المواجهة الرائعة‪ُ  :‬‬
‫و‬ ‫هـ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ض َ‬ ‫و ٱل ْْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ر ٱل ّ‬ ‫فــاطِ ِ‬ ‫ول ِي ّـا ً َ‬ ‫خذُ َ‬ ‫أ َت ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ن أك ُــو َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫م ـْر ُ‬ ‫ل إ ِن ّــى أ ِ‬ ‫قـ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫عـ ُ‬ ‫ول َ ي ُطْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ُ‬‫ي ُطْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫كي َ‬ ‫ر َ‬ ‫شـ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫و َ‬ ‫أ ّ‬
‫ب‬ ‫ذا َ‬ ‫عـ َ‬ ‫ت َرب ّــى َ‬ ‫صـي ْ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫ف إِ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ل إ ِّنى أ َ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫‪ُ (14) ‬‬
‫ذ‬
‫مئ ِ ٍ‬‫و َ‬ ‫ه ي َـ ْ‬ ‫عن ْـ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫صـَر ْ‬ ‫مــن ي ُ ْ‬ ‫ظيم ٍ ‪ّ  (15) ‬‬ ‫ع ِ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‪.( (16‬‬ ‫مِبيــ ُ‬ ‫وُز ٱل ْ ُ‬ ‫فــ ْ‬‫ك ٱل ْ َ‬ ‫وذَِلــ َ‬ ‫ه َ‬ ‫مــ ُ‬‫ح َ‬ ‫قــدْ َر ِ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫فاليات تريد منك أخي المسييلم أن تتحييرر ميين كييل‬
‫مظاهر العبودية لغير الله‪ ،‬أو الخييوف ميين مخلييوق‪،‬‬
‫فتلك علمة المعرفة وثمرة التصديق‪.‬‬
‫لحظ في كل ما سبق أن كلمة )قل( تأتي دائما ً‬
‫ن المعنيى‪ :‬استشيعر مين )هيو(‬ ‫بعد كلمة )هو(‪ ،‬وكيأ ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪150‬‬

‫الله وامل قلبك بحبه‪ ،‬ثم تحرك و)قل(ميين هييو اللييه‬


‫وادع إليه وواجه كل من يشرك به‪.‬‬
‫حادثة عملية في المواجهة‬
‫ي ‪ :‬هل‬ ‫ثم تأتي جماعة من الكفار ليقولوا للنب ّ‬
‫معك دليل على رسالتك؟من يشييهد لييك أنييك نييبي؟‬
‫ن إلهك واحد؟ فلقد سألنا اليهييود عنييك‬ ‫ومن يشهد أ ّ‬
‫ليشهدوا لك فقالوا ل يوجد عندنا دليل‪ ..‬فترد عليهم‬
‫ىء‬ ‫ى َ‬ ‫ق ْ َ‬ ‫إحدى آيات المواجهة )الية ‪ُ  :(19‬‬
‫شـ ْ‬ ‫لأ ّ‬
‫م‬ ‫وب َي ْن َك ُـ ْ‬ ‫هيدٌ ب ِي ْن ِــى َ‬ ‫شـ ِ‬ ‫ل ٱللــه َ‬ ‫ق ِ‬ ‫هـدةً ُ‬ ‫ش َٰ‬ ‫أ َك ْب َُر َ‬
‫مــن‬ ‫و َ‬‫ه َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ذَرك ُ ْ‬ ‫ن ل ُن ْ ِ‬ ‫قْرءا ُ‬ ‫ذا ٱل ْ ُ‬ ‫هـٰ َ‬ ‫ى َ‬ ‫ى إ ِل َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫وُأو ِ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫هــ ً‬ ‫َ‬ ‫م ل َت َ ْ‬ ‫َ‬
‫غ أئ ِن ّ ُ‬ ‫ب ََلــ َ‬
‫ع ٱللــه ءال ِ َ‬ ‫مــ َ‬ ‫ن َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫شــ َ‬ ‫كــ ْ‬
‫د‬
‫حـ ٌ‬ ‫ه ٰو ِ‬ ‫و إ ِل َ ٰــ ٌ‬ ‫هـ َ‬ ‫مــا ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫قـ ْ‬ ‫هدُ ُ‬ ‫شـ َ‬ ‫قل ل ّ أ َ ْ‬ ‫خَر ٰى ُ‬ ‫أُ ْ‬
‫ن ‪ ‬فهييل فييي الكييون‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬‫ش ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫رىء ّ‬ ‫وإ ِن ِّنى ب َ ِ‬ ‫َ‬
‫كله أعظم من شهادة اللييه سييبحانه وتعييالى لنفسييه‬
‫ولنبيه‪.‬‬
‫وميييع أن السيييورة تيييوجهت بالخطييياب أساسيييا ً‬
‫للمشركين ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬لكنها تلمح في الييية )‪(20‬‬
‫إلى اليهييود الييذين أنكييروا وجييود الييدليل علييى نبييوة‬
‫ه‬ ‫فون َ ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬‫ب يَ ْ‬ ‫م ٱل ْك ِت َ ٰـ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن آت َي ْن َ ٰـ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬ ‫محمد ‪: ‬‬
‫م‪. ...‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ن أ َب َْناء ُ‬ ‫فو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫مشاهد حية من يوم القيامة‬
‫وأحيانييا ً تشييعرك اليييات أنييك تشيياهد مناظرهييا‬
‫وتسمع أهلها‪..‬‬
‫‪151‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫و ت َـَر ٰى إ ِذْ‬ ‫‪‬ل َـ ْ‬ ‫و‬


‫فهييا هييم يقفييون أمييام جهنييم َ‬
‫ول َ‬‫قــاُلوا ْ ٰيل َي ْت َن َــا ن ُـَردّ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ر َ‬ ‫عل َــى ٱلن ّــا ِ‬ ‫فــوا ْ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫و ِ‬
‫ُ‬
‫ن‪‬‬ ‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬ ‫مـ ْ‬‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ون َ ُ‬ ‫ت َرب َّنا َ‬ ‫ب ِبـَئاَيـٰ ِ‬ ‫ن ُك َذّ َ‬
‫‪ .((27‬ثم تنقلك اليات إلى وقفة جليلة مهيبة‪ ،‬لطالما‬
‫ذب بهييا الكفييار وأنكروهييا‪ ،‬وقفيية أمييام جبييار‬ ‫كيي ّ‬
‫عَلــ ٰى‬ ‫فــوا ْ َ‬ ‫ق ُ‬‫و ِ‬ ‫‪ ‬ت ََر ٰىإ ِذْ ُ‬ ‫ول َ ْ‬
‫و‬ ‫السماوات والرض َ‬
‫قـاُلوا ْ ب ََلـ ٰى‬ ‫قـا َ َ‬
‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ذا ِبـ ٱل ْ َ‬ ‫ه ٰــ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل أل َْيـ َ‬ ‫م‬ ‫َرب ّ ِ َ‬
‫هـ ْ‬
‫م‬ ‫مــا ُ‬
‫كنُتــ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫عــ َ‬ ‫قوا ْ ٱل َ‬ ‫ذو ُ‬ ‫فــ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫قــا َ‬ ‫وَرب َّنــا َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .( (30‬وانظييير إليييى هيييؤلء المثقليييين‬ ‫فــُرو َ‬ ‫ت َك ْ ُ‬
‫سيياق والفجييار بأحمييالهم الثقيليية‪..‬‬ ‫المتعبين ميين الف ّ‬
‫عل َـ ٰى‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫وَزاَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مل ُــو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫‪‬ـ ْ‬ ‫ه‬
‫و ُ‬‫أنظيير إليهييم َ‬
‫َ‬
‫ن‪.( (31‬‬ ‫زُرو َ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ساء َ‬ ‫م أل َ َ‬ ‫ه ْ‬‫ر ِ‬
‫هو ِ‬ ‫ظُ ُ‬
‫الصبر والتثبيت عند المواجهة‬
‫ول تكتفي اليييات بمييد النييبي ‪) ‬وبالتييالي كييل‬
‫الدعاة إلى الله( بالحجج والييردود اللزميية لمواجهيية‬
‫الكفار فحسب‪ ،‬بل أنها تثبته وتعينه على الصبر على‬
‫ل‬‫س ٍ‬ ‫زىء ب ُِر ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ست ُ ْ‬‫دٱ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ما يلقاه من التكذيب‪َ  :‬‬
‫مــا‬‫م ّ‬ ‫هـ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫خُروا ْ ِ‬ ‫سـ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حــاقَ ب ِٱل ّـ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َ‬ ‫قب ْل ِ َ‬ ‫من َ‬ ‫ّ‬
‫ن‪ ،( (10‬وتقيييول أيضيييًا‪:‬‬ ‫زءو َ‬ ‫ه ِ‬
‫ســت َ ْ‬‫ه يَ ْ‬ ‫كــاُنوا ْ ِبــ ِ‬ ‫َ‬
‫ٰى‬ ‫عَلــ‬ ‫صب َُروا ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َ‬ ‫قب ْل ِ َ‬ ‫من َ‬ ‫ل ّ‬ ‫س ٌ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫قدْ ك ُذّب َ ْ‬ ‫ول َ َ‬
‫‪‬‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صُرَنا‪.( (34...‬‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫حت ّ ٰى أت َ ٰـ ُ‬ ‫ذوا ْ َ‬ ‫وأو ُ‬ ‫ما ك ُذُّبوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫قـ ْ‬ ‫ولكن قمة التثبيت تأتي في قييوله تعييالى‪َ  :‬‬
‫م لَ‬ ‫ه ْ‬‫ف ـإ ِن ّ ُ‬‫ن َ‬ ‫قول ُــو َ‬ ‫ذى ي َ ُ‬ ‫ك ٱّلــ ِ‬ ‫حُزن ُـ َ‬ ‫ه ل َي َ ْ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ت ٱللــه‬ ‫ن ِبـَئاَيـ ـٰ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظـ ٰـل ِ ِ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫وَلـ ٰـك ِ ّ‬‫ك َ‬ ‫ي ُك َـذُّبون َ َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪152‬‬

‫ذبون‬‫ن‪ .( (33‬يييا محمييد‪ ،‬إن هييؤلء ل يك ي ّ‬ ‫دو َ‬


‫حـ ُ‬
‫ج َ‬
‫يَ ْ‬
‫ذبون اللييه وآييياته‪ ،‬فهييو وّليييك‬
‫شخصييك‪ ،‬إنهييم يكيي ّ‬
‫وناصرك من دونهم‪.‬‬
‫كلمات كالموج الهادر‬
‫وتمضي اليييات علييى نفييس السييياق‪ :‬آييية قييدرة‬
‫فآية مواجهة‪ .‬فتأتي آية رائعية فيي بيييان قيدرة الليه‬
‫تعالى‪:‬‬
‫ول َ َ‬
‫ر‬
‫طــائ ِ ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫فــى ٱل ْْر ِ‬ ‫ة ِ‬‫داّبــ ٍ‬‫مــن َ‬ ‫مــا ِ‬ ‫و َ‬‫‪َ ‬‬
‫فّرطَْنا ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فى‬ ‫ما َ‬‫م ّ‬ ‫مث َ ٰـل ُك ُ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫م ٌ‬‫ه إ ِل ّ أ َ‬
‫حي ْ ِ‬
‫جَنا َ‬
‫طيُر ب ِ َ‬ ‫يَ ِ‬
‫ىء‪.( (38‬‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ٱلك ِت َ ٰـ ِ‬
‫فييإذا جحييد هييؤلء الظييالمون بكتيياب اللييه‪ ،‬تبييدأ‬
‫اليات في الشدة بمواجهتهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قـ ْ َ َ‬
‫و‬
‫ب ٱللــه أ ْ‬ ‫ذا ُ‬‫عـ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أَتـ ـٰك ُ ْ‬
‫ل أَرأي ْت ُك ُــم إ ِ ْ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫م‬ ‫ن ِإن ُ‬
‫كنُتـ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫غْيـَر ٱللــه َتـدْ ُ‬ ‫ة أَ َ‬‫ع ُ‬ ‫سا َ‬‫م ٱل ّ‬ ‫أت َت ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‪.( (40‬‬ ‫قي َ‬‫د ِ‬‫ص ٰـ ِ‬ ‫َ‬
‫وتحييذرهم ميين التمييادي فييي المعاصييي حييتى ل‬
‫تطّبيييييييييييييييق عليهيييييييييييييييم السيييييييييييييييّنة‬
‫ما ُأوُتــوا ْ‬ ‫حوا ْ ب ِ َ‬‫ر ُ‬ ‫ذا َ‬
‫ف ِ‬ ‫‪‬ت ّ ٰى إ ِ َ‬ ‫ح‬
‫الكونية في البشر َ‬
‫ن‪.( (44‬‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬‫ذا ُ‬ ‫ة َ‬
‫فإ ِ َ‬ ‫غت َ ً‬
‫م بَ ْ‬‫ه ْ‬ ‫أَ َ‬
‫خذْن َ ٰـ ُ‬
‫وتأتي موجة جديدة من آيات المواجهة التي تبييدأ‬
‫بكلمة ‪‬قل ‪:‬‬
‫م‬ ‫عك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫ســـ ْ‬‫خـــذَ ٱللـــه َ‬ ‫ن أَ َ‬‫م إِ ْ‬
‫قـــ ْ َ َ‬
‫ل أَرأي ْت ُـــ ْ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫َ‬
‫غْيــُر‬ ‫ه َ‬‫ن إ ِل َ ٰـــ ٌ‬‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫عل َ ٰى ُ‬ ‫م َ‬ ‫خت َ َ‬‫و َ‬
‫م َ‬ ‫ص ٰـَرك ُ ْ‬
‫وأب ْ َ‬‫َ‬
‫‪153‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ه ٱن ْظُْر ك َي ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫ف ٱل ْي َ ٰـــ ِ‬ ‫صــّر ُ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫ٱلله ي َأِتيك ُ ْ‬
‫م بِ ِ‬
‫َ‬ ‫ل أ ََرأ َي ْت َ ُ‬
‫م‬ ‫ن أت َ ٰـــك ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫كــ ْ‬ ‫قــ ْ‬‫ن ‪ُ‬‬‫فو َ‬ ‫د ُ‬‫صــ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫هــ ْ‬‫م ُ‬ ‫ُثــ ّ‬
‫ك إ ِل ّ‬ ‫هَلــ ُ‬ ‫هــ ْ‬ ‫غَتــ ً َ‬ ‫عــ َ‬
‫ل يُ ْ‬ ‫ه ـَرةً َ‬ ‫ج ْ‬ ‫و َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ب ٱللــه ب َ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫َ‬
‫ن سييياق اليييات‬ ‫ن‪ .( (46-47‬إ ّ‬ ‫مو َ‬‫م ٱلظّ ٰـ ـل ِ ُ‬ ‫و ُ‬
‫ق ْ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫والكلمييات يرقييق المشيياعر ويجعييل القلييب يخشييع‬
‫ويرغب في القرب من الله‪.‬‬
‫أسلوب جديد في المواجهة‬
‫ولن الييييات تجهّيييز النيييبي ‪ ‬لييييواجه قيييومه‬
‫بالدعوة‪ ،‬فإنها تستخدم أسلوبا ً جديدا ً في الييية )‪(57‬‬
‫من ّرّبى‬ ‫ة ّ‬‫عل َ ٰى ب َي ّن َ ٍ‬
‫ل إ ِّنى َ‬ ‫ففي قوله تعالى‪ُ :‬‬
‫ق‪ْ ‬‬
‫ه‪  ...‬تأكيد على الثوابت العقائدية‪ ،‬وثقة‬ ‫وك َذّب ُْتم ب ِ ِ‬
‫َ‬
‫بييالنفس تهييز الطييرف الخيير‪ .‬وهييي طريقيية دعوييية‬
‫مفيدة نتعلمها من آيات السورة‪.‬‬
‫شمول العلم والقدرة‬
‫وتبدأ اليات في موجة جديدة من عرضها لقييدرة‬
‫الخييالق‪ ،‬فييي سييياق يهييز القلييب ويحييرك أوتيياره‪:‬‬
‫و‬
‫هــ َ‬ ‫هــا إ ِل ّ ُ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ب ل َ يَ ْ‬ ‫غْيــ ِ‬ ‫ح ٱل ْ َ‬ ‫فاِتــ ُ‬ ‫م َ‬‫عنــدَهُ َ‬ ‫و ِ‬‫‪َ ‬‬
‫مــن‬ ‫ط ِ‬‫ق ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫و َ‬‫ر َ‬ ‫ح ِ‬ ‫و ٱل ْب َ ْ‬ ‫فى ٱل ْب َّر َ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬‫وي َ ْ‬‫َ‬
‫ت‬ ‫م ٰــــ ِ‬ ‫فـــى ظُل ُ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫حب ّـــ ٍ‬ ‫ول َ َ‬ ‫هـــا َ‬ ‫م َ‬‫عل َ ُ‬‫ة إ ِل ّ ي َ ْ‬ ‫قـــ ٍ‬ ‫وَر َ‬‫َ‬
‫س إ ِل ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫فــى ك ِت َ ٰـ ـ ٍ‬ ‫ول َ ي َــاب ِ ٍ‬ ‫ب َ‬ ‫ول َ َرط ـ ٍ‬ ‫ض َ‬‫ٱل ْْر ِ‬
‫ن‪ ( (59‬وكأنك ترى الورقة وهييي تسييقط فييي‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ّ‬
‫الصحراء أو على جبل أو في قاع بحر‪..‬‬
‫و‬‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫وميين الييذي يتييوفى النفييس؟ إنييه اللييه ‪َ ‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪154‬‬

‫حت ُــم‬ ‫جَر ْ‬ ‫مــا َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َـ ُ‬ ‫وي َ ْ‬‫ل َ‬ ‫كم ب ِٱل ّي ْ ـ ِ‬ ‫فـ ـٰ ُ‬ ‫و ّ‬ ‫ذى ي َت َ َ‬ ‫ٱّلــ ِ‬
‫ر‪ ( (60‬فكيف تشركون به؟‬ ‫ها ِ‬ ‫ب ِٱلن ّ َ‬
‫ومن الذي شييمل الخلييق علميا ً وعييددًا؟إنييه اللييه‬
‫عل َي ْك ُــم‬ ‫ل َ‬ ‫سـ ُ‬ ‫وي ُْر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عب َــاِد ِ‬ ‫وق َ ِ‬ ‫هُر َ‬
‫ف ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫‪َ ‬‬
‫ة‪ ( (61‬أي ملئكيية تحفظكييم ميين الفييات‬ ‫ظــ ً‬ ‫ف َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫وتكتب أعمالكم من الحسنات والسيئات‪.‬‬
‫ومن الذي ينجي العباد من مهالييك الييبر والبحيير؟‬
‫ت ٱل ْب َـّر‬ ‫مــٰ ِ‬ ‫مــن ظُل ُ َ‬ ‫م ّ‬ ‫جيك ُ ْ‬ ‫من ي ُن َ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫إنه الله ‪ُ ‬‬
‫ر‪ .( (63‬فكيف تشركون به؟‬ ‫ح ِ‬ ‫و ٱل ْب َ ْ‬ ‫َ‬
‫كك أحييد فييي ذلييك فييإن الييية تييرد عليييه‬ ‫فإن شي ّ‬
‫َ‬
‫م‬‫عل َي ْك ُـ ْ‬
‫ث َ‬ ‫ع َ‬ ‫عل َ ٰى أن ي َب ْ َ‬ ‫قاِدُر َ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ق‪ْ ‬‬ ‫بقوة‪ُ :‬‬
‫َ‬ ‫قك ُ َ‬
‫م‪( (65‬‬ ‫كــ ْ‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫ت أْر ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫و ِ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫من َ‬ ‫ذابا ً ّ‬ ‫ع َ‬
‫َ‬
‫فمن الذي يخييرج عين قيدرته أو يغيييب عيين شييمول‬
‫علمه سبحانه وتعالى‪..‬؟!‬
‫فما هو شعور المؤمن الذي يقرأ سورة النعييام؟‬
‫إنه يشعر أن مشاعره تهتّز وهييي تنييزل علييى النييبي‬
‫ليل ً في موكب من الملئكة‪ ..‬يشعر بصوت الملئكيية‬
‫وهييم يس يّبحون اللييه لعظميية هييذه السييورة‪ ..‬فهييذه‬
‫السورة تزلزل النظرة النسييانية وتطييوف بالنسييان‬
‫لتأخييذه إلييى ملكييوت السييموات والرض والنهييار‬
‫والليييل والييبر والبحيير والشييمس والقميير والنجييوم‪..‬‬
‫تريك الجنات المعروشات‪ ..‬إنها تطلعييك علييى ملييك‬
‫الله عز وجل‪ ..‬حتى تصل إلى آيية أخيرى مين آييات‬
‫ت‬ ‫م ٰــــ ٰو ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ٱل ّ‬ ‫خَلـــ َ‬ ‫ذى َ‬ ‫و ٱّلـــ ِ‬ ‫‪‬ــ َ‬ ‫هـ‬‫و ُ‬ ‫القيييدرة َ‬
‫‪155‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ن‬‫في َك ُــو ُ‬‫ل ك ُــن َ‬ ‫قــو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫و َ‬‫وي َـ ْ‬


‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ض ب ِـ ٱل ْ َ‬ ‫و ٱل ْْر َ‬ ‫َ‬
‫فــى‬ ‫خ ِ‬ ‫فـ ُ‬ ‫م ُين َ‬
‫و َ‬‫ك ي َـ ْ‬‫مل ْ ـ ُ‬‫ه ٱل ْ ُ‬ ‫ول َ ـ ُ‬
‫ق َ‬ ‫حــ ّ‬ ‫ه ٱل ْ َ‬ ‫ول ُ ُ‬‫قـ ْ‬‫َ‬
‫و‬
‫هــ َ‬
‫و ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ه ٰـــدَ ِ‬ ‫و ٱل ّ‬
‫ش َ‬ ‫ب َ‬ ‫غْيــ ِ‬‫م ٱل ْ َ‬ ‫ع ٰـــل ِ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫و ِ‬‫صــ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫خِبيُر‪.( (73‬‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫رحلة مؤمنة‪ :‬سيدنا إبراهيم وقومه‬
‫وتبدأ السورة بعد ذلك في عرض قصيية إبراهيييم‬
‫ونظره في مظاهر قييدرة اللييه فييي الكييون‪ ..‬ليسييير‬
‫نسق اليات بين القدرة والمواجهة‪ .‬إن هييذه القصيية‬
‫ظفييت‬ ‫ليست منفصلة عن ترتيب السورة بييل إنهييا و ّ‬
‫لتخدم الهدف تمامًا‪.‬‬
‫ت‬ ‫كــو َ‬ ‫مل َ ُ‬‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫رى إ ِب ْ ٰر ِ‬ ‫ك نُ ِ‬ ‫‪‬ك َذَل ِ َ‬ ‫و‬
‫يقول تعالى‪َ :‬‬
‫ن‬
‫قِني َ‬ ‫مو ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ول ِي َ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫و ٱل ْْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫كب ـا ً َ‬ ‫عل َيه ٱل ّي ـ ُ َ‬
‫ذا‬ ‫ه ٰـ ـ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قــا َ‬ ‫و َ‬ ‫ل َرأى ك َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ما َ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫َ‬
‫ن‪ (75-‬‬ ‫فِلي ـ َ‬ ‫ب ٱل ْ ِ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ل ل أُ ِ‬ ‫قــا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ف َ‬ ‫ما أ َ َ‬‫فل َ ّ‬ ‫َرّبى َ‬
‫‪ .(76‬إنه ترتيييب السييورة نفسييه‪ ،‬فييإنه عليييه السييلم‬
‫فَلمـــا ّ َرَأى‬ ‫ينظييير فيييي قيييدرة الليييه تعيييالى‪َ  :‬‬
‫ذا أ َك ْب َـُر‬ ‫ه ٰـ ـ َ‬ ‫ذا َرب ّــى َ‬ ‫ه ٰــ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قــا َ‬ ‫ة َ‬ ‫غ ً‬ ‫ز َ‬‫س َبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ٱل ّ‬
‫مــا‬ ‫م ّ‬ ‫رىــء ّ‬ ‫وم ِ إ ِّنــى ب َ ِ‬ ‫قــ ْ‬ ‫ل ٰي َ‬ ‫قــا َ‬ ‫ت َ‬ ‫فَلــ ْ‬ ‫مــا أ َ َ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫َ‬
‫ن الله ل شييك أنييه أعظييم‬ ‫ن‪ .( (78‬نعم ل ّ‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫ى‬‫هـ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ْ‬ ‫ت َ‬ ‫هـ ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫و ّ‬‫من هذا كله ولذلك قييال‪ :‬إ ِن ّــى َ‬
‫مــا‬ ‫و َ‬‫حِنيفـا ً َ‬ ‫ض َ‬ ‫و ٱل ْْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫فطََر ٱل ّ‬ ‫ذى َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‪ .( (79‬وبعييد اسييتخدامه‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫شــ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫مــ َ‬ ‫أَنــا ْ ِ‬
‫ل‬ ‫قــا َ‬ ‫لسلوب عرض آيات القدرة تبدأ المواجهيية ‪َ ‬‬
‫داِنى‪ ( (80...‬مييع‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬‫قدْ َ‬ ‫فى ٱلله َ‬ ‫جوّنى ِ‬ ‫حا ّ‬ ‫أت ُ َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪156‬‬

‫ف‬
‫خا ُ‬ ‫ول َ أ َ َ‬‫تركيزه على نفي الشرك وتوحيد الله ‪َ ‬‬
‫شْيئا ً‪.( (80‬‬ ‫شاء َرّبى َ‬ ‫ه إ ِل ّ َأن ي َ َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫كو َ‬‫ر ُ‬‫ش ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫لذلك أثنى الله على هذا السلوب الدعوي بقوله‬
‫عل َـ ٰى‬ ‫م َ‬ ‫هيـ َ‬
‫ها إ ِب ْ ٰر ِ‬
‫جت ُن َــا ءات َي ْن َ ٰــ َ‬
‫ح ّ‬‫‪ُ ‬‬‫ك‬‫يالى‪:‬ل ْ َ‬
‫وت ِ‬ ‫تعي َ‬
‫ه‪.( (83...‬‬ ‫م ِ‬
‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬
‫ومن جمال القرآن أنك ترى قصص النبياء تتكّرر‬
‫في القرآن الكريم‪ ،‬لكنها في كل مييرة تخييدم هييدف‬
‫السورة التي تذكر فيهييا‪ ،‬بإعجيياز يعجييز البشيير عيين‬
‫التيان بمثله‪.‬‬
‫فسورة النعام مثل ً أوردت جانبا ً من قصة سييدنا‬
‫إبراهييييم واليييذي يتعليييق بنظيييره فيييي آييييات الليييه‬
‫واستخدامه أسلوب القدرة والمواجهيية فييي الييدعوة‬
‫إلى الله فلم ترد قصيية إبراهيييم عليييه السييلم حييين‬
‫ل‪ ،‬لكنها وظفت لتخدم هدف‬ ‫رماه قومه في النار مث ً‬
‫السورة وسياقها‪.‬‬
‫التحذير الشديد من الشرك‬
‫وفييي التعقيييب علييى قصيية إبراهيييم تييأتي آييية‬
‫محورية في التحذير من الشرك‪:‬‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫م ٰـــن َ ُ‬ ‫ســوا ْ ِإي َ‬‫م ي َل ْب ِ ُ‬
‫وَلــ ْ‬
‫مُنــوا ْ َ‬‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ّ‬لــ ِ‬
‫ٱ‬
‫ُ‬
‫ن‪‬‬ ‫دو َ‬ ‫هت َـ ُ‬‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫هـ ْ‬
‫و ُ‬‫ن َ‬ ‫مـ ُ‬ ‫م ٱل ْ ْ‬ ‫هـ ُ‬‫ك لَ ُ‬
‫وَلـئ ِ َ‬
‫ب ِظُل ْم ٍ أ ْ‬
‫‪.((82‬‬
‫لمييا نزلييت هييذه الييية شييق ذلييك علييى أصييحاب‬
‫رسييول الليه‪ ،‬قيالوا‪ :‬وأّينيا ليم يظليم نفسيه؟ فقييال‬
‫‪157‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫رسول الله‪ :‬ليس كمييا تظنييون‪ ،‬إنمييا هييي كمييا قييال‬


‫العبد الصييالح لبنييه)أي سيييدنا لقمييان(‪ :‬إن الشييرك‬
‫لظلم عظيم‪.‬‬
‫وحتى في الحديث عيين أحييب الخلييق إلييى اللييه‪،‬‬
‫كوا ْ‬ ‫و أَ ْ‬
‫شـَر ُ‬ ‫وَلـ ْ‬
‫وهم النبياء‪ ،‬تقول اليات بوضوح ‪َ ‬‬
‫ن‪.( (88‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ما َ‬
‫م ّ‬
‫ه ْ‬
‫عن ْ ُ‬ ‫حب ِ َ‬
‫ط َ‬ ‫لَ َ‬
‫قدرة ومواجهة في نفس الية‬
‫نصل إلى الييية )‪ (91‬والييتي اشييتملت فييي أولهييا‬
‫ق ـدَُروا ْ‬
‫ما َ‬‫و َ‬
‫علييى آييية ميين أروع آيييات القييدرة‪َ  :‬‬
‫عل َـ ٰى‬ ‫ل ٱللــه َ‬‫ما َأنَز َ‬
‫قاُلوا ْ َ‬
‫ه إ ِذْ َ‬
‫ر ِ‬ ‫ق َ‬
‫قدْ ِ‬ ‫ح ّ‬‫ٱلله َ‬
‫ىء‪.( (100...‬‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ر ّ‬ ‫بَ َ‬
‫ش ٍ‬
‫وقف النبي ‪ ‬يوما ً في أصحابه وتل هييذه الييية‪،‬‬
‫جييد اللييه نفسييه‪ ،‬يقييول‪ :‬أنييا الملييك‪ ،‬أنييا‬ ‫ثم قييال‪ :‬يم ّ‬
‫القدوس‪ ...‬وأخذ بترديد أسماء الله الحسنى‪ ،‬فنظيير‬
‫الصحابة إلى المنبر‪ ،‬وكان يرجف برسييول اللييه ميين‬
‫وقييع عظميية اللييه تعييالى‪ .‬إن الجميياد والخشييب قييد‬
‫اهتزا لجلل الله تعالى‪ ،‬بينما هناك قلوب لم تتحييرك‬
‫من خشيته أو لجلله‪ ،‬فتواجه الية في نصفها الثاني‬
‫ه‬
‫جــاء ب ِـ ِ‬
‫ذى َ‬ ‫ب ٱل ّ ِ‬‫ل ٱل ْك َِتـٰ َ‬ ‫ن َأنَز َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫هؤلء‪ُ  :‬‬
‫ق ْ‬
‫م‬‫ل ٱللــه ث ُـ ّ‬‫قـ ِ‬ ‫س‪ُ ...‬‬ ‫ّ‬ ‫سىٰ ُنورا ً َ‬
‫دى للن ّــا ِ‬ ‫ه ً‬‫و ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫ن‪.( (91‬‬ ‫عُبو َ‬ ‫م ي َل ْ َ‬
‫ه ْ‬
‫ض ِ‬‫و ِ‬ ‫خ ْ‬‫فى َ‬ ‫م ِ‬
‫ه ْ‬‫ذَْر ُ‬
‫عودة إلى آيات القدرة‪ :‬أل تشعر بحبه؟‬
‫وتبدأ مييع اليييات )‪ (103 - 95‬موجيية رائعيية ميين‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪158‬‬

‫ن‬‫إظهار قدرة الله فييي جمييال الخلييق وإبييداعه‪ :‬إ ِ ّ‬


‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ى ِ‬ ‫ح ّ‬‫ج ٱل ْ َ‬ ‫ر ُ‬‫خ ِ‬‫وىٰ ي ُ ْ‬ ‫و ٱ لن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ق ٱل ْ َ‬ ‫فال ِ ُ‬ ‫ٱلله َ‬
‫م‬ ‫ى ٰذل ِك ُـ ُ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫مـ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫مي ّـ ِ‬‫ج ٱل ْ َ‬ ‫ر ُ‬‫خـ ِ‬ ‫م ْ‬‫و ُ‬
‫ت َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫مي ّـ ِ‬
‫ح‬ ‫ص ـَبا ِ‬ ‫ق ٱل ِ ْ‬ ‫فــال ِ ُ‬ ‫ن ‪َ  (95) ‬‬ ‫كو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ؤ َ‬‫فأ َن ّ ٰى ت ُ ْ‬ ‫ٱلله َ‬
‫مــَر‬ ‫ق َ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫س َ‬‫م َ‬ ‫شــ ْ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫كنا ً َ‬‫ســ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ٱل ّْيــ َ‬ ‫عــ َ‬‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫عِليـم ِ ‪( (96‬‬ ‫ز ٱل ْ َ‬ ‫زيـ ِ‬‫ع ِ‬‫ديُر ٱل ْ َ‬ ‫قـ ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫سـَبانا ً ذٰل ِـ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ُ‬
‫يظهر الله تعالى هنييا قييدرته فييي مثييالين مختلفييين‪:‬‬
‫مرة في أنه فالق الحب والنوى على صغرهما ومرة‬
‫أخرى أنه فالق الصباح ومظهييره ميين ظلميية الليييل‬
‫على اتساعه‪.‬‬
‫إن السورة تهز الفطرة النسانية التي تعرف ربها‬
‫جييدا ً وتيدين ليه بالوحدانيية‪ ،‬لكين ركيام الشيرك قيد‬
‫يغطي هذه الفطرة في بعض الحيان‪ ،‬فتأتي السييورة‬
‫لهز هذه الفطرة وكسر مظيياهر الشييرك عنهييا لتعييود‬
‫إلى الليه وتوحييده‪ .‬ليذلك فإنهيا تخياطب المشيركين‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ض أن ّـ ٰى ي َك ُــو ُ‬ ‫وٱل ْْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـ ٰو ِ‬ ‫س َ‬
‫ع ٱل ّ‬ ‫دي ُ‬
‫‪‬‬ ‫بقولها‪ِ :‬‬
‫بَ‬
‫ىء‬ ‫شـ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كـ ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫خَلـ َ‬ ‫و َ‬‫ة َ‬ ‫حب َ ٌ‬‫ص ٰــ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ّلـ ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ول َدٌ َ‬ ‫ه َ‬ ‫لَ ُ‬
‫م‪ ( (101‬هل هناك من يجادل‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫ىء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫و ب ِك ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬
‫في هذا‪..‬؟ فمن الذي خلق وأبييدع؟! إنييه رب القييدرة‬
‫ن‬ ‫كــ ْ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ول َ ْ‬‫ول َدٌ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫‪ٰ ‬ى ي َ ُ‬ ‫وحده ل شريك له‪ :‬أ َن ّ‬
‫ىء‬ ‫شـ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫و ب ِك ُـ ّ‬‫هـ َ‬ ‫ىء و ُ‬ ‫شـ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ك ُـ ّ‬ ‫خل َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫حب َ ٌ‬ ‫ص ٰـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫لّ ُ‬
‫ل‬ ‫ق كُ ّ‬ ‫خ ٰـل ِ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إ ِل ّ ُ‬ ‫م ل إ ِل َ ٰـ َ‬ ‫م ٱلله َرب ّك ُ ْ‬ ‫عِليمٰ ‪‬ذل ِك ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ ‬لّ‬ ‫كي ٌ‬ ‫و ِ‬ ‫ىء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عل َ ٰى ك ُ ّ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫دوهُ َ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫ىء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫و‬‫هـ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ص ٰـ ـَر َ‬ ‫ك ٱل ْب ْ َ‬ ‫ر ُ‬ ‫و ي ُ ـدْ ِ‬‫هـ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ص ٰـ ـُر َ‬ ‫ه ٱل ْب ْ َ‬ ‫رك ُ ُ‬ ‫ت ُ ـدْ ِ‬
‫‪159‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫خِبيُر‪.( (101-103‬‬ ‫ف ٱل ْ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ٱ لل ّ ِ‬


‫د‬
‫ق ْ‬‫كل ذلك لتأتي الييية المحورييية رقييم ‪َ  104‬‬
‫م ‪.‬‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫صائ ُِر ِ‬ ‫م بَ َ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫لقد اتضحت مظاهر عظميية اللييه تعييالى وقييدرته‬
‫ن‬ ‫فل ِن َ ْ‬
‫صـَر َ‬ ‫َ‬ ‫وقوته في الكون ‪َ ‬‬
‫مـ ْ‬‫و َ‬
‫ه َ‬
‫سـ ِ‬
‫ف ِ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫م ْ‬‫ف َ‬
‫هــا‪ ( (104‬فميين آميين وصييدق فهييو‬ ‫عل َي ْ َ‬‫ف َ‬ ‫ى َ‬ ‫مــ َ‬ ‫ع ِ‬
‫َ‬
‫المستفيد ومن كفر فهذا هو العمى الحقيقي‪ :‬عمييى‬
‫القلب والذي هو أخطر من عمى البصر‪.‬‬
‫كان ميًتا َ َ‬ ‫َ‬
‫ه‪( (104‬‬ ‫حي َي ْن َ ٰـ ُ‬
‫فأ ْ‬ ‫من َ َ َ ْ‬ ‫و َ‬‫‪‬أ َ‬
‫ولتصييوير الفييرق بييين اليمييان والكفيير تسييتعمل‬
‫السورة أكثر من مثال وأكثر ميين تشييبيه‪ ،‬فهييي فييي‬
‫الية السابقة ‪ 104‬تشييبه الكفيير بييالعمى‪ ،‬لكنهييا فييي‬
‫الية )‪ (122‬تذهب إلى أبعد من هذا بكثير‪:‬‬
‫‪‬و مــن ك َــان ميت ًــا َ َ‬ ‫َ‬
‫عل ْن َــا ل َـ ُ‬
‫ه‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬‫حي َي ْن َ ٰــ ُ‬‫فأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫أ َ َ‬
‫فــي‬ ‫ه ِ‬ ‫مث َل ُ ـ ُ‬‫مــن ّ‬ ‫س كَ َ‬ ‫فى ٱلّنا ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫شي ب ِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ُنوًرا ي َ ْ‬
‫ن‬‫ك ُزّيــ َ‬ ‫كــذَل ِ َ‬‫هــا َ‬ ‫من ْ َ‬‫ج ّ‬ ‫ر ٍ‬‫خــا ِ‬‫س بِ َ‬ ‫ت ل َْيــ َ‬ ‫م ٰـــ ِ‬ ‫ٱلظّل ُ َ‬
‫ن‪ .‬بعد أن رأينييا كييل‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬‫ف ِ‬ ‫ل ِل ْك َ ٰـ ِ‬
‫هذه اليييات المعجييزات علييى وجييود اللييه وتوحيييده‪،‬‬
‫ماذا يكون حال ميين يكفيير؟ إنييه كييالميت‪ ،‬لكيين ميين‬
‫رحمة الله تعالى أنه يهديه‪ ،‬فيحييه من جديييد‪ ،‬ل بييل‬
‫أكثر من ذلك‪ ،‬يجعل له نور التوحيد والهداية ليمشي‬
‫به في الناس ويدّلهم علييى طريييق اللييه‪ .‬مثييال رائع‬
‫بالمقارنة مع من يقبع فييي الظلمييات ول يريييد حييتى‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪160‬‬

‫أن يفكر بالخروج منها‪ ،‬بل أن كفره وظلمييه مزّييين‬


‫له بأبهى صورة‪...‬‬
‫سبب التسمية‪ :‬توحيد في القصد والعمل‬
‫ويبقييى سييؤال أخييير وهييو‪ :‬لميياذا سييمّيت هييذه‬
‫السورة بالنعام؟‬
‫إن النعييام هييي المواشييي الييتي يقييوم النيياس‬
‫برعيها ويأكلون لحمها‪ ،‬ولكن ما العلقة بييين النعييام‬
‫وبين سورة تتحدث عن توحيد الله تعالى‪.‬‬
‫إن العلقة بينهما وثيقة جدًا‪ ،‬فإن السورة تناولت‬
‫موضوع توحيد الله تعييالى‪ ،‬وهييي تحييذر النيياس ميين‬
‫ن يقييول المييرء فييي‬ ‫ن التوحيييد يكييون بييأ ْ‬‫العتقاد بييأ ّ‬
‫حد الله وواقع حياته ل يشييهد بييذلك‪ ،‬بييل‬ ‫نفسه أنا أو ّ‬
‫حد الله اعتقادا ً وتطبيقًا‪.‬‬‫ينبغي أن يو ّ‬
‫حدون الله اعتقادا ً فهو يجزم‬ ‫فكثير من الناس يو ّ‬
‫بهذا المر ول مجال للنقيياش أو الشييك فييي توحيييده‬
‫ل ولكن إذا تأملنا واقع حياته‪ ،‬وهل يطبق‬ ‫لله عّز وج ْ‬
‫ن‬
‫شرع الله تعالى فييي كييل تصييرفاته فإننييا سيينجد أ ّ‬
‫المر مختلف‪.‬‬
‫ن توحيييد اللييه تعييالى ل يكييون فييي العتقيياد‬ ‫إ ّ‬
‫ب بييل ل بييد ميين توحيييده فييي كييل تصييرفاتنا‬
‫فحس ي ْ‬
‫وحياتنا اليومية‪...‬‬
‫ن العيرب كيانوا‬
‫وسبب تسمية السورة بالنعييام أ ّ‬
‫ينظرون للنعام على أنها ثروتهم الساسية وعصييب‬
‫‪161‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫حياتهم‪ ،‬فتعاملوا معها عليى أنهيا تخصيهم ول علقية‬


‫عُلوا ْ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫لله تعالى بها ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬يقييول تعييالى‪َ  :‬‬
‫صــيبا ً‬ ‫َ‬
‫عــام ِ ن َ ِ‬ ‫و ٱل ْن ْ َ‬ ‫ث َ‬ ‫حـْر ِ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫مـ َ‬ ‫مــا ذََرأ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫للــه ِ‬
‫كائ َِنا‬ ‫ش ـَر َ‬ ‫ذا ل ِ ُ‬ ‫ه ٰـ ـ َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ذا للــه ب َِز ْ‬ ‫ه ٰـ ـ َ‬ ‫قاُلوا ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫مــا‬ ‫و َ‬ ‫ل إ َِلى ٱلله َ‬ ‫ص ُ‬ ‫فل َ ي َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫كائ ِ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫مــا‬ ‫ســاء َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫كائ ِ ِ‬ ‫شـَر َ‬ ‫ل إ ِل َـ ٰى ُ‬ ‫صـ ُ‬ ‫و يَ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن لله َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (136‬‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ه ٰـذ َ‬
‫ث‬ ‫حْر ٌ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ٰـ ٌ‬ ‫ه أن ْ َ‬ ‫قاُلوا ْ َ ِ ِ‬ ‫‪َ ‬‬ ‫و‬‫وبعد ذلك يقول َ‬
‫عمهم َ‬
‫م‬‫ع ٰـ ٌ‬ ‫وأن ْ َ‬ ‫شاء ب َِز ْ ِ ِ ْ َ‬ ‫من ن ّ َ‬ ‫ها إ ِل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ُ‬ ‫جٌر ل ّ ي َطْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫سـ َ‬ ‫نٱ ْ‬ ‫م ل ّ ي َـذْك ُُرو َ‬ ‫عـ ـٰ ٌ‬ ‫وأن ْ َ‬ ‫هــا َ‬ ‫هوُر َ‬ ‫ت ظُ ُ‬ ‫مـ ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫ُ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ها ٱ ْ‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫زي ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫فت َِراء َ‬ ‫ٱلله َ‬
‫فى ب ُ ُ‬ ‫قاُلوا ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ع ٰـم ِ‬ ‫ه ٱ لن ْ َ‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ٰـ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫طو ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ‪َ‬‬ ‫فت َُرو َ‬
‫َ‬
‫وِإن‬ ‫جن َــا َ‬ ‫عل َـ ٰى أْز ٰو ِ‬ ‫م َ‬ ‫ح ـّر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫و ُ‬ ‫رَنا َ‬ ‫كو ِ‬ ‫ة ل ّـذُ ُ‬ ‫صـ ٌ‬ ‫خال ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫زي ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ســي َ ْ‬ ‫كاء َ‬ ‫شــَر َ‬ ‫ه ُ‬ ‫فيــ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫هــ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مي َْتــ ً‬ ‫كــن ّ‬ ‫يَ ُ‬
‫م‪.( (138 - 139‬‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ص َ‬‫و ْ‬ ‫َ‬
‫فهذا تحذير من توحيد الله اعتقادا ً فقييط دون أن‬
‫يكون لهييذا التوحيييد أثيير فييي التطييبيق‪ ..‬فإييياكم ثييم‬
‫حدوا الله تعييالى فييي العتقيياد وتخييالفوا‬ ‫إياكم أن تو ّ‬
‫ذلك في التطبيق‪ .‬لهذا اختار ربنييا نوع يا ً ميين أخطيياء‬
‫التطييبيق وسييمى بييه السييورة حييتى يخيياف المييرء‬
‫ويسأل نفسه عن التطبيق كلمييا قييرأ آيييات التوحيييد‬
‫وعدم الشرك‪.‬‬
‫طريق السلمة‬
‫ولن التوحيد يشمل العتقاد والتطبيق جاء ختييام‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪162‬‬

‫ى‬
‫حي َــا َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫كى َ‬ ‫سـ ِ‬ ‫ون ُ ُ‬ ‫ص ـل َِتى َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫السييورة ‪ُ ‬‬
‫ه‬‫ك َلــ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫شــ ِ‬ ‫ن ‪ ‬لَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰـــل َ ِ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫مــاِتى للــه َر ّ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫غي َْر‬‫لأ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ‪ُ ‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ٱل ْ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫وأن َا ْ أ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫مْر ُ‬ ‫كأ ِ‬ ‫وِبذٰل ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫س ُ‬ ‫ول َ ت َك ْ ِ‬ ‫ىء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫و َر ّ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫غى َرّبا َ‬ ‫ٱلله أب ْ ِ‬
‫ها‪.( (162 - 164‬‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫س إ ِل ّ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫كُ ّ‬
‫فمن كانت ليه هذه القدرة أحييق بييأن يكييون ليييه‬
‫التوحيييد الخييالص فييي كييل مظيياهر حياتنييا الفكرييية‬
‫والروحية والعملية‪.‬‬
‫هييذه المعيياني كلهييا تلخصييت فييي ثلث آيييات‬
‫محورية في المواجهة على مدار السورة‪:‬‬
‫ر‬ ‫فـــاطِ ِ‬ ‫ول ِي ّـــا ً َ‬‫خـــذُ َ‬ ‫غي ْـــَر ٱللـــه أ َت ّ ِ‬ ‫ل أَ َ‬ ‫قـــ ْ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫ض‪.( (14‬‬ ‫و ٱل ْْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ذى‬ ‫و ٱل ّ ـ ِ‬ ‫هـ َ‬ ‫و ُ‬‫كمـا ً َ‬ ‫ح َ‬ ‫غــى َ‬ ‫غي ْـَر ٱللــه أ َب ْت َ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫‪‬أ َ َ‬
‫ب‬
‫ٰـــــــــــــ َ‬ ‫م ٱل ْك ِت َ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُــــــــــــ ُ‬ ‫أ َن َــــــــــــَز َ‬
‫ل‪.( (114...‬‬ ‫ص ً‬ ‫ف ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫غى َرّبا‪.( (164...‬‬ ‫غي َْر ٱلله أ َب ْ ِ‬ ‫ل أَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫فهذه اليات الثلث ركزت علييى محيياور التوحيييد‬
‫الثلثة وهي التوحيد في الربوية وفييي المحبيية وفييي‬
‫الحتكام لشرع الله تعالى‪.‬‬
‫ختام السورة‪ :‬الستخلف‬
‫بعدما أكييد اللييه تعييالى ميين خلل آيييات السييورة‬
‫ملكييه للرض وإبييداعه لهييا وتصييرفه فيهييا‪ ،‬أعطانييا‬
‫م‬‫عل َك ُـ ْ‬
‫ج َ‬ ‫و ٱل ّـ ِ‬
‫ذى َ‬ ‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫الرض واسييتخلفنا عليهييا‪َ  :‬‬
‫‪163‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ض‪.( (165‬‬ ‫ف ٱل ْْر ِ‬ ‫خَلـٰئ ِ َ‬‫َ‬


‫وهنا لفتة لطيفيية فييي الربييط بييين هييدف سييورة‬
‫النعييام وهييدف سييورة البقييرة )المسييؤولية عيين‬
‫ن الختام هنييا يمهّييد لسييورة العييراف‬ ‫الرض(‪ .‬كما أ ّ‬
‫التي تناولت موضوع الصراع فيي الرض بيين الحيق‬
‫ض‬
‫عــ ٍ‬ ‫وق َ ب َ ْ‬‫فــ ْ‬ ‫ضــك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ع َ‬ ‫ع بَ ْ‬ ‫وَر َ‬
‫فــ َ‬ ‫والباطيييل‪َ ... :‬‬
‫م‪.( (165‬‬ ‫ما آت َ ٰـك ُ ْ‬ ‫فى َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ل ّي َب ْل ُ َ‬
‫وك ُ ْ‬ ‫ج ٰـ ٍ‬ ‫دََر َ‬
‫وانظر هنا لعلقة السور الرائعة مع بعضها‪:‬‬
‫ن السييور الثلث تييوجه رسييالة موحييدة‪ :‬يييا‬ ‫وكييأ ّ‬
‫مسييلمون‪ ،‬بعييد أن فهمتييم أهمييية توحيييد اللييه فييي‬
‫التطبيق كما في العتقاد )سورة النعام(‪ ،‬فييإن اللييه‬
‫قد أعطاكم هذه الرض لتطّبقوا شرعه عمليًا‪ ،‬فأنتم‬
‫يييييا أميييية محمييييد مسييييؤولون عنهييييا )سييييورة‬
‫البقرة( فأين أنتم في الصراع على السييتخلف بييين‬
‫الحق والباطل )سورة العراف(؟‬
‫سورة العراف‬

‫سو‬ ‫سورة العراف )مكييية( نزلييت بعييد سييورة )ص(‬


‫رة‬ ‫وهي في المصحف بعد سييورة النعييام وعييدد آياتهييا‬
‫‪.206‬‬
‫العيييرا‬
‫قذائف الحق على الباطل‬
‫نزلت السورة في وقييت كييان الصييراع فيييه علييى‬
‫أشده بين المسلمين والكفار‪ .‬وبالتحديييد فييي الييوقت‬
‫‪ (‬بييالجهر بالييدعوة‪ .‬إنهييا مرحليية‬‫الذي أمر به النبي )‬
‫جديدة‪ ،‬مرحلة فيهييا العلن والمواجهيية‪ ،‬وقييد يخجييل‬
‫البعييض أو يخيياف الذييية‪ ..‬أنزلييت السييورة فييي هييذا‬
‫الظرف وهذا الجو‪ ،‬لتتحدث عيين الصييراع بييين الحييق‬
‫والباطل وأن هذا الصراع سّنة كونية دائمة ومستمرة‬
‫منذ خلق الله الخلق إلى نهاية يوم القيامة‪.‬‬
‫فبدأت السورة بالصراع بين آدم وإبليس مع بييدء‬
‫الخليقة وأتبعته بالحوار بين أهل الجنيية وأهييل النييار‪،‬‬
‫وكأن المعنى‪ :‬هذه هييي نتيجيية الصييراع‪ :‬فريييق فييي‬
‫الجنة وفريق في النار‪ .‬وبعد ذلك رسمت خطا ً بيانيا ً‬
‫يظهيير الصييراع فييي تاريييخ البشييرية بييين كييل نييبي‬
‫وقييومه‪ ،‬ويظهيير أن نهاييية الصييراع دائم يا ً هييي هلك‬
‫‪164‬‬
‫‪165‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الظالمين بسبب فسادهم‪ .‬وبين كل مقطع من هييذه‬


‫المقاطع تسألك السورة‪ :‬أين أنت من هذا الصراع؟‬
‫دد موقفك‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫وهذا المحييور لمناسييب جييدا ً لجييو الصييحابة فييي‬
‫المرحلة المكية كما أنه ينعكس على النيياس جميع يا ً‬
‫فييي كييل زمييان ومكييان‪ .‬ففييي كييل عصيير سيييعيش‬
‫النيياس مواقييف صييراع بييين الحييق والباطييل علييى‬
‫مسيييتوى الييدول والمييم وعلييى مسييتوى الحييياة‬
‫الشخصية أي بين النسان ونفسه‪.‬‬

‫ربما أنت السبب‪!..‬‬


‫والهييدف الييذي تييدور حييوله أحييداث السييورة‬
‫ومعانيها هو ضرورة تحديد الموقف وسط الصييراع‪..‬‬
‫حدد موقفك ييا مسيلم‪ ..‬فيي أي الفريقيين أنيت؟ ل‬
‫تكن من المتفرجين‪.‬‬
‫وهييذا المعنييى يبييدو واضييحا ً فييي قصييص النبييياء‬
‫كزت على الفصل‬ ‫الواردة في هذه السورة‪ ،‬والتي ر ّ‬
‫بين المؤمنين الذين أنجاهم الله تعالى وبين الكفييار‪،‬‬
‫مع عدم ذكر أي فئة سييلبية أو متفرجيية‪ ،‬لن الصييل‬
‫أن يكون للنسييان موقييف محييدد فييي حييياته‪ .‬ففييي‬
‫فك َذُّبو ُ‬
‫ه‬ ‫قصة نوح مثل ً نرى أن ختام القصة كان‪َ  :‬‬
‫غَر ْ‬
‫قن َــا‬ ‫وأ َ ْ‬
‫ك َ‬ ‫فل ْ ـ ِ‬
‫في ٱل ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ع ُ‬
‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫و ٱل ّ ِ‬‫ه َ‬ ‫جي َْنـٰ ُ‬
‫َ َ‬
‫فأن َ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫وما ً َ‬
‫ع ِ‬ ‫ق ْ‬‫كاُنوا ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َذُّبوا ْ ِبـَئاي َ ٰـت َِنا إ ِن ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪166‬‬

‫‪ ( (64‬وفي قصة هود‪:‬‬


‫‪َ َ ‬‬
‫مّنــا‬ ‫ة ّ‬ ‫مــ ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ب َِر ْ‬ ‫عــ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱّلــ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫جي َْنـــٰ ُ‬ ‫فأن َ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ن ك َذُّبوا ْ ِبـَئاي َ ٰـت َِنا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫داب َِر ٱل ّ ِ‬ ‫عَنا َ‬ ‫قط َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مــا ك َــا َ‬ ‫و َ‬ ‫ن‪ .( (72‬وفييي قصيية لييوط‪َ  :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ه ِإل أن‬ ‫ب َ‬
‫م ِ‬ ‫و ِ‬ ‫قــــــــــــــــــ ْ‬ ‫وا َ‬ ‫جــــــــــــــــــ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫قــاُلوا ْ أ ْ‬
‫س‬ ‫م أن َــا ٌ‬ ‫هـ ْ‬ ‫قْري َت ِك ُـ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫مــن َ‬ ‫هم ّ‬ ‫جــو ُ‬ ‫ر ُ‬‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ٰـــــــــ ُ‬ ‫‪‬‬
‫جي ْن َ‬ ‫فَأن‬
‫)‪َ (82‬‬ ‫َ‬ ‫ن‪‬‬ ‫هــــــــُرو َ‬ ‫ي َت َطَ ّ‬
‫ل‬ ‫قــا َ‬ ‫مَرأ ََتهُ‪ .‬وفي قصة شييعيب‪َ  :‬‬ ‫ه إ ِل ّ ٱ ْ‬ ‫هل َ ُ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫َ‬
‫مل ّت َِنــا‪.( (88‬‬ ‫في ِ‬ ‫ست َك ْب َُروْا‪ِ ...‬‬ ‫نٱ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مل َ ٱل ّ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫مل َ ٱّلـــ ِ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬ ‫قـــا َ‬ ‫وفيييي قصيييية صييييالح‪َ  :‬‬
‫م‪.( (75‬‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫ن ِ‬ ‫م َ‬‫ن ءا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ست َك ْب َُروْا‪ ...‬ل ِ َ‬ ‫ٱ ْ‬
‫وكييأن المعنييى فييي هييذا كلييه إمييا أن تكييون مييع‬
‫)الذين آمنوا معه( وإما أن تكييون مييع )الييذين كييذبوا‬
‫بآياتنا( فل وجود للفئة المتفرجة في هذه القصص‪.‬‬
‫ه(‬
‫من ْ ُ‬
‫ج ّ‬
‫حَر ٌ‬ ‫ر َ‬
‫ك َ‬ ‫صد ْ ِ‬
‫فى َ‬ ‫فل َ ي َ ُ‬
‫كن ِ‬ ‫) َ‬
‫ب‬‫بداية السورة تعلن هذا المعنى بوضوح ‪‬ك ِت َ ٰـ ٌ‬
‫ه‪‬‬ ‫ر َ‬ ‫فل َ ي َ ُ‬‫ك َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬
‫ز َ‬ ‫ُ‬
‫من ْـ ُ‬ ‫ج ّ‬‫ح ـَر ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫ص ـدْ ِ‬
‫فى َ‬ ‫كن ِ‬ ‫أن ِ‬
‫‪ ((2‬مطلوب منك الجهر بتعاليم السلم‪ ،‬ل تستح من‬
‫نظيير أحييد أو انتقيياده‪ .‬فأحيان يا ً ميين قييوة الباطييل أو‬
‫انتشيياره قييد يخجييل البعييض ميين إظهييار الحييق‪ .‬ل‬
‫تخجلي من حجابك ول يخف مسييلم ميين إيييذاء أحييد‬
‫له‪ ..‬المسلم الحق يحزم أمره ويحسييم قضيياياه لن‬
‫فــى‬ ‫كن ِ‬ ‫فل َ ي َ ُ‬‫الله قال له فييي افتتيياح السييورة ‪َ ‬‬
‫ه ‪ .‬هييذه اليييات كمييا‬ ‫ذَر ب ِـ ِ‬
‫ه ل ُِتن ِ‬‫من ْ ُ‬‫ج ّ‬‫حَر ٌ‬‫ك َ‬ ‫ر َ‬‫صدْ ِ‬‫َ‬
‫‪167‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫أشييرنا سييابقا ً كييانت عنوان يا ً لبداييية مرحليية الييدعوة‬


‫الجهرية‪.‬‬
‫عــوا ْ‬ ‫الية الثالثة تلح على نفييس المعنييى‪ :‬ٱت ّب ِ ُ‬
‫ُ‬
‫ه‬
‫دوِنــ ِ‬ ‫من ُ‬ ‫عوا ْ ِ‬
‫ول َ ت َت ّب ِ ُ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫ز َ‬
‫ما أن ِ‬‫َ‬
‫ول َِياء ‪ ‬فهنا طلب جازم باتباع الحق فورا ً بل تردد‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫أو سلبية أو تطلع للطرق الخرى‪.‬‬
‫آدم وإبليس‪ :‬فدلهما بغرور‬
‫ومنذ بداية البشرية يبدأ الصراع بين آدم وإبليس‬
‫اليات )‪ ،(22 - 20‬فكيف كان إغواء إبليس لبوينييا؟‬
‫ر‪ ( (22‬أي أن طريقيية الغييواء‬ ‫غ ـُرو ٍ‬
‫ما ب ِ ُ‬ ‫فدَل ّ ٰـ ُ‬
‫ه َ‬ ‫‪َ‬‬
‫كييانت بتركهمييا فييي حيييرة وعييدم اسييتقرار‪ ،‬فكييان‬
‫استعمال كلمة )فدلهما( لتشبيهها بميين يييدلو دلييوه‬
‫في الييبئر ثييم يييتركه معلقيا ً وسييطه دون أن يحسييم‬
‫مكانه‪ .‬ولذلك فإن اليجابية وحسم المر ميين أقييوى‬
‫جند الحييق والسييلبية والييتردد طريييق المعصييية وإن‬
‫كان صاحبهما مؤمنًا‪.‬‬
‫العري‪ :‬سلح إبليس‬
‫لحظ تركيز إبليس على نوع من أنواع الفسيياد‪:‬‬
‫العري‪ ،‬وهذا واضح في اليات‪:‬‬
‫مـا‬‫ه َ‬‫ي لَ ُ‬‫د َ‬ ‫شي ْطَ ٰــ ُ‬
‫ن ل ِي ُْبـ ِ‬ ‫ما ٱل ّ‬ ‫ه َ‬ ‫س لَ ُ‬‫و َ‬ ‫س َ‬ ‫و ْ‬ ‫‪َ ‬‬‫َ‬
‫ف‬
‫مـــــــــــن‬ ‫مـــــــــــا ِ‬ ‫ه َ‬‫عن ْ ُ‬
‫ي َ‬ ‫ر َ‬ ‫وو ِ‬ ‫مـــــــــــا ُ‬ ‫َ‬
‫ذا َ‬
‫قا‬ ‫ما َ‬ ‫فل َ ّ‬‫ما‪ ( (20‬فماذا كانت النتيجة ‪َ ‬‬ ‫ه َ‬‫وءت ِ ِ‬ ‫س ْ‬
‫َ‬
‫ما‪.( (22...‬‬ ‫ه َ‬
‫وءت ُ ُ‬
‫س ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫جَرةَ ب َدَ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪168‬‬

‫لذلك كان المر اللهي بالستر والتحذير ميين كييل‬


‫ق ـدْ َأنَزل ْن َــا‬ ‫م َ‬ ‫مظاهر كشف العورات‪ :‬ي َ‪ٰ ‬ـ ـب َِنى آدَ َ‬
‫شا‪.( (26‬‬ ‫ري ً‬ ‫و ِ‬‫م َ‬ ‫وءت ِك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫رى َ‬ ‫سا ي ُ ٰو ِ‬ ‫م ل َِبا ً‬‫عل َي ْك ُ ْ‬‫َ‬
‫مــا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شي ْطَ ٰـ ـ ُ‬ ‫م ٱل ّ‬ ‫فت ِن َن ّك ُـ ُ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬ ‫‪‬ـب َِنى آدَ َ‬ ‫ي َ ٰـ‬
‫خــر َ‬ ‫َ‬
‫مــا‬ ‫ه َ‬‫عن ْ ُ‬‫ع َ‬ ‫ز ُ‬ ‫ة َينــ ِ‬ ‫جّنــ ِ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫مــ َ‬ ‫كم ّ‬ ‫وي ْ ُ‬ ‫ج أَبــ َ‬ ‫أ ْ َ َ‬
‫ما‪.( (27...‬‬ ‫ه َ‬ ‫وءت ِ ِ‬ ‫س ْ‬‫ما َ‬ ‫ه َ‬‫ري َ ُ‬ ‫ما ل ِي ُ ِ‬
‫ه َ‬ ‫س ُ‬‫ل َِبا َ‬
‫د‬
‫ج ٍ‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عندَ ك ُ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫زين َت َك ُ ْ‬ ‫خ ُ ْ‬
‫ذوا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫‪‬ي َ ٰـب َِنى ءادَ َ‬
‫‪.( (31‬‬
‫تعّلموا يا شباب من هييذه السييورة‪ ،‬أرأيتييم كييثرة‬
‫ذرة؟ تعّلمييوا سييتر العييورات وغييض‬ ‫اليييات المحيي ّ‬
‫البصار‪ ،‬تعّلموا يا فتيات العفة والحشمة‪ ،‬واحسييموا‬
‫موقفكن من الحجاب بدون تردد‪ ،‬لن العييري سييلح‬
‫إبليس منذ بدء الخليقة‪ ،‬وانتشاره يساعد على نشيير‬
‫الرذيلة وسهولة المعصية‪ ،‬لذلك كان التعقيييب علييى‬
‫ي‬‫م َرب ّـ َ‬ ‫حـّر َ‬ ‫مــا َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫قـ ْ‬ ‫قصيية آدم قييوله تعييالى‪ُ  :‬‬
‫ن‪.( (33...‬‬ ‫ما ب َطَ َ‬ ‫و َ‬
‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫هَر ِ‬ ‫ما ظَ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ٰو ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ل ثالث بينهما‬
‫وبعد ذليك تقسيم السيورة النياس إليى صينفين‪:‬‬
‫أهل الجنة وأهل النار‪ ،‬وتأخييذك السييورة بعيييدا ً إلييى‬
‫يييوم القياميية‪ ،‬حييتى كأننييا نسييمع النييداءات بييين‬
‫ب‬ ‫‪‬ـادى أ َصح ٰـ ـب ٱل ْجن ّـ َ‬
‫ح ٰـ ـ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ون َـ َ‬ ‫الطرفييين‪َ :‬‬
‫هـ ْ‬
‫ل‬ ‫ف َ‬ ‫قــا َ‬ ‫ح ّ‬‫عدََنا َرب َّنا َ‬ ‫و َ‬‫ما َ‬‫جدَْنا َ‬ ‫و َ‬‫قدْ َ‬ ‫ر َأن َ‬ ‫ٱلّنا ِ‬
‫قــاُلوا ْ ن َع ـم َ َ‬
‫ن‬‫ف ـأ ذ ّ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫قــا َ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫عدَ َرب ّك ُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ما َ‬ ‫جدّتم ّ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مي َ‬ ‫عَلــى ٱلظّ ٰـــل ِ ِ‬ ‫ة ٱلله َ‬ ‫م أن ل ّ ْ‬
‫عن َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ب َي ْن َ ُ‬‫ؤذ ّ ٌ‬ ‫م َ‬
‫ُ‬
‫‪169‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪.( (44‬‬
‫فهمييا داران ل ثييالث لهمييا‪ ،‬لييذلك تييأتي كلميية‬
‫ب ‪ ‬لتفصييل‬ ‫جا ٌ‬ ‫ح َ‬‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫وب َي ْن َ ُ‬‫حاسمة في الية ‪َ  46‬‬
‫بين الفريقين بشكل نهائي‪ .‬أمييا زلييت مييترددًا؟ ألييم‬
‫تحسييم موقفييك بعييد؟ اسييمع إذا ً نييداء السييتغاثة‪:‬‬
‫ن‬ ‫‪‬وَنادىٰ أ َصحـ ـٰب ٱلن ّــار أ َصحـ ـٰب ٱل ْجن ّ ـ َ‬
‫ةأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬ ‫أَ ِ‬
‫م ٱلله‬ ‫قك ُ ُ‬
‫ما َرَز َ‬ ‫م ّ‬‫و ِ‬ ‫ماء أ ْ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي َْنا ِ‬
‫ضوا ْ َ‬ ‫في ُ‬
‫ن‪‬‬ ‫ري َ‬‫ف ِ‬ ‫عل َــى ٱل ْك َ ٰــ ِ‬ ‫مــا َ‬ ‫ه َ‬‫م ُ‬
‫حّر َ‬‫ن ٱللــه َ‬ ‫قاُلوا ْ إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫‪ ((50‬واختر لنفسك أي المصيرين‪ ،‬وأي الدارين؟!‬
‫سبب تسمية السورة بالعراف‬
‫فلماذا سميت السورة بهييذا السييم )العييراف(؟‬
‫يقول تبارك وتعالى‪:‬‬
‫ل‬‫جــا ٌ‬ ‫ر َ‬ ‫ف ِ‬ ‫عــَرا ِ‬ ‫عَلى ٱل ْ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ب َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ح َ‬‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫وب َي ْن َ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫م‪ ( (46‬أي بيييين الجنييية‬ ‫ه ْ‬ ‫م ٰـــ ُ‬ ‫سي َ‬ ‫ن ك ُل ّ ب ِ ِ‬ ‫فــو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬
‫يَ ْ‬
‫والنييار يعرفييون أهييل كييل منهمييا فينييادون أصييحاب‬
‫نــادوا ْ أ َصح ٰـــب ٱل ْجّنــ َ‬
‫م‬ ‫سل َ ٰـــ ٌ‬ ‫ة أن َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫و َ‪ْ َ ‬‬ ‫الجنيية‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‪( (46‬‬ ‫عــو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ْ‬
‫م ي َط َ‬ ‫هــ ْ‬‫و ُ‬ ‫ها َ‬ ‫خلو َ‬ ‫ُ‬ ‫م َيــدْ ُ‬ ‫م لــ ْ‬‫َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫عل َي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ر َ‬ ‫‪‬إ ِ َ‬
‫ه ْ‬ ‫ص ٰـــُر ُ‬ ‫ت أب ْ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫صـ ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫و‬
‫ويخييافون ميين النييار َ‬
‫َ‬
‫ع‬
‫مـ َ‬ ‫عل ْن َــا َ‬ ‫ج َ‬‫قاُلوا ْ َرب َّنا ل َ ت َ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ب ٱلّنا ِ‬ ‫حـٰ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫قاء أ ْ‬ ‫ت ِل ْ َ‬
‫َ‬
‫ف‬ ‫عَرا ِ‬ ‫ب ٱل ْ ْ‬ ‫حـٰ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫دىٰ أ ْ‬ ‫وَنا َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫مي َ‬ ‫وم ِ ٱلظّ ٰـل ِ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫غن َـ ٰى‬ ‫مـا أ َ ْ‬ ‫قــاُلوا ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ٰــ ُ‬ ‫سي َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫فــون َ ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫جال ً ي َ ْ‬ ‫ر َ‬‫ِ‬
‫ن‪.( (47-48‬‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫م َ‬ ‫عنك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فمن هم أصحاب العراف؟ إنهم أنيياس تسيياوت‬
‫حسييناتهم وسيييئاتهم‪ ،‬فهييم لييم يحسييموا مييواقفهم‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪170‬‬

‫وأعمالهم في الحياة‪ .‬ولن الجزاء من جنس العمل‪،‬‬


‫ل )يسييمى‬ ‫فهم يوم القيامة يحبسون فييي مكييان عييا ٍ‬
‫العراف( بين الجنة والنار‪ ،‬ليشرفوا على المكييانين‪.‬‬
‫والمترددون يشملون أصنافا ً كثيرة من الناس )لذلك‬
‫هناك أعراف كييثر وليسييوا عرفيا ً واحييدًا(‪ ،‬فإييياك أن‬
‫تكون أحدهم‪ ..‬أخي المسلم بادر إلييى اتبيياع طريييق‬
‫الحق ول تكن اعرافيًا‪ ،‬بل احسييم موقفييك لنييك قييد‬
‫تحرم حتى من أن تكون مع أصييحاب العييراف فييي‬
‫حال سوء الخاتمة والعياذ بالله‪.‬‬
‫قصص النبياء‪ :‬رسم بياني للصراع عبر التاريخ‬
‫وللتأكيد على الرسائل التي تحملها السورة‪:‬‬
‫‪ .1‬أن الصراع بين الحق والباطل دائم ولن يتوقف‪.‬‬
‫‪ 2‬أن الباطل منهزم ل محالة‪.‬‬
‫‪ 3‬أن السبب الساسي لهزيمة الباطل هو البعد عن‬
‫اللييه والفسيياد بأشييكاله المختلفيية )الخلقييي أو‬
‫القتصادي أو الجتماعي(‪.‬‬
‫تذكر لنا السورة قصصا ً لخمسة أنبياء ميين أنبييياء‬
‫الليييه وميييواجهتهم لقيييوامهم‪ .‬والملحيييظ أن هيييذه‬
‫القصص قييد ذكييرت مييرات عييدة فييي القييرآن‪ ،‬فمييا‬
‫الذي يمّيزها هنا؟ إنها تخدم هدف السورة في حسم‬
‫الموقف من الصراع‪ ،‬من خلل‪:‬‬
‫‪ -‬إظهييار أن عناصيير المواجهيية بييين كييل النبييياء‬
‫وأقييوامهم هييي تقريبيا ً نفسييها )مييع نفييس الكلمييات‬
‫‪171‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫أحيانًا(‪ ،‬وكل هذا لثبات قييدم الصييراع وتكييراره مييع‬


‫تغّير الشخاص والمم‪.‬‬
‫وم ِ‬‫ق ْ‬‫‪ٰ ‬ـ ـ َ‬ ‫فكييانت دعييوة النبييياء كلهييا واحييدة ي َ‬
‫غي ُْرهُ‪.( (59‬‬ ‫ه َ‬‫ن إ ِل َ ٰـ ٍ‬‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫دوا ْ ٱلله َ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫ٱ ْ‬
‫ت َرّبــى‪ ( (68...‬وحييتى‬ ‫س ٰـل ٰـــ ِ‬ ‫ر َ‬ ‫م ِ‬ ‫كــ ْ‬‫غ ُ‬ ‫أ ُب َل‬
‫‪ُ ّ‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مـــن‬ ‫م ِذك ْـــٌر ّ‬ ‫جـــاءك ُ ْ‬ ‫م أن َ‬ ‫جب ْت ُـــ ْ‬
‫ع ِ‬
‫و َ‬ ‫الحجيييج ‪‬أ َ‬
‫م‪.( (69...‬‬ ‫ّرب ّك ُ ْ‬
‫فــي‬ ‫ك ِ‬ ‫‪ -‬انتهاء إلى تكييذيب الكفييار ‪‬إ ِّنا ل َن َـَرا َ‬
‫ة‬‫ه ٍ‬
‫فا َ‬ ‫ســ َ‬‫في َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ‪ (60)، ‬إ ِّنا ل َن ََرا َ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ّ‬ ‫ضل َ ٰـ ٍ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (66‬‬ ‫ذِبي َ‬ ‫ن ٱل ْك َ ٰـ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫وإ ِّنا ل َن َظُن ّ َ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬الييتركيز علييى نهاييية الباطييل‪ ،‬تحييت قاعييدة‬
‫"الجزاء من جنس العمل"‪.‬‬
‫ل‪ ،‬كانوا ينحتون من الجبييال بيوت يا ً‬
‫فقوم ثمود‪ ،‬مث ً‬
‫آمنين‪ ،‬فدعاهم أمنهم إلى الستكبار على دين اللييه‪،‬‬
‫فكان عقابهم الرجفية )واليتي يرافقهيا الخيوف‪ ،‬لن‬
‫الخوف ضد المن(‪ .‬هذه القاعدة تنطبق أيض يا ً علييى‬
‫قوم لوط الذين أسرفوا في الشييهوة الجنسييية ممييا‬
‫أدى بهم إلى مخالفيية الفطييرة النسييانية والشييذوذ‪،‬‬
‫م‬‫وسييبب ذلييك السييراف‪ ،‬كمييا بينييت الييية ‪‬إ ِن ّك ُـ ْ‬
‫ْ‬
‫ساء َبــ ْ‬
‫ل‬ ‫ن ٱل ن ّ َ‬
‫دو ِ‬
‫من ُ‬ ‫وةً ّ‬
‫ه َ‬
‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫جا َ‬‫ن ٱلّر َ‬ ‫ل َت َأُتو َ‬
‫ن‪ ،( (81‬لذلك كييان جزاؤهييم‬ ‫ر ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫فو َ‬ ‫س ِ‬
‫م ْ‬‫م ّ‬‫و ٌ‬
‫ق ْ‬ ‫أنت ُ ْ‬
‫مطرا ً من الحجارة‪.‬‬
‫‪ -‬التنبيه إليى أن سييبب هزيمية الباطيل إنميا هييو‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪172‬‬

‫الفساد‪:‬‬
‫ففييي ثمييود ‪ -‬قييوم صييالح ‪ -‬كييان فسيياد الييترف‬
‫الييييييييييزائد هييييييييييو الييييييييييذي أهلكهييييييييييم‬
‫)الية ‪(74‬‬
‫أميييا قيييوم ليييوط‪ ،‬فكيييان فسيييادهم الخلقيييي‬
‫وشذوذهم الجنسي سببا ً لهلكهم اليات )‪.(81 - 80‬‬
‫وأميييا ميييدين ‪ -‬قيييوم شيييعيب ‪ -‬فكيييان الفسييياد‬
‫القتصادي هو المستشري فيهم‪:‬‬
‫ســوا ْ‬ ‫‪َ َ ‬‬
‫خ ُ‬ ‫ول َ ت َب ْ َ‬
‫ن َ‬ ‫ميــَزا َ‬ ‫و ٱل ْ ِ‬‫ل َ‬ ‫فوا ْ ٱل ْك َي ْ َ‬ ‫و ُ‬‫فأ ْ‬
‫م‪.( (85...‬‬ ‫ه ْ‬ ‫شَياء ُ‬‫س أَ ْ‬ ‫ٱلّنا َ‬
‫‪ -‬التحذير من الستكبار‪ ،‬لنه ميين أخطيير أسييباب‬
‫الهلك‪:‬‬
‫ســت َك ْب َُروا ْ‬ ‫نٱ ْ‬ ‫ذي َ‬‫مل َ ٱّلــ ِ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬ ‫قــا َ‬ ‫فعبييارة ‪َ ‬‬
‫ه‪ ( (74...‬نراها تتكرر مع ثمييود ومييدين‪،‬‬ ‫م ِ‬‫و ِ‬ ‫ق ْ‬‫من َ‬ ‫ِ‬
‫كما نرى فييي أوائل السييورة الييتركيز علييى عبييارات‬
‫ســت َك ْب َُروا ْ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫كــذُّبوا ْ ِبـَئاَيـــٰت َِنا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ٱّلــ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫‪‬إ ِ ّ‬
‫هــا‪  ...‬اليييات )‪ 36‬و ‪ .(40‬ول يمكيين أن تتكييرر‬ ‫عن ْ َ‬
‫َ‬
‫عبييارة بحييذافيرها فييي القييرآن ميين دون أن يكييون‬
‫هناك معنى مهم جدا ً ينبهنا إليه ربنا سبحانه‪.‬‬
‫‪ -‬الييتركيز علييى نجيياة النييبي والييذين آمنييوا معييه‬
‫وهلك الكييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييافرين‪،‬‬
‫بييييدون أي ذكيييير لي فئة متفرجيييية أو محايييييدة‪.‬‬
‫ف َ‬ ‫‪َ َ ‬‬
‫ه‬
‫جي ْن َ ٰـــ ُ‬
‫‪‬أن َ‬‫ه‪َ  ...‬‬
‫عــ ُ‬
‫م َ‬
‫ن َ‬‫ذي َ‬‫و ٱّلــ ِ‬
‫ه َ‬ ‫جي َْنـــٰ ُ‬
‫فأن َ‬
‫‪173‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ن‬ ‫و ٱّلـــ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ب َ‬
‫عي ْ ُ‬ ‫ك يــــٰ ُ‬
‫ش َ‬ ‫جّنـــ َ‬
‫ر َ‬ ‫ه ‪ ‬ل َن ُ ْ‬
‫خ ِ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫هَلـــ ُ‬ ‫َ‬
‫ك‪‬‬ ‫عـــــــــــــــــــــ َ‬ ‫م َ‬ ‫مُنـــــــــــــــــــــوا ْ َ‬‫ءا َ‬
‫اليات )‪.(88 - 83 - 72 - 64‬‬
‫بعد كل هذا‪ :‬أل زلت مترددا ً‬

‫ولحظ أخي المسلم تعقيييب القييرآن علييى هييذه‬


‫القصص‪:‬‬
‫وا ْ‬ ‫من ُــوا ْ َ‬
‫و ٱت ّ َ‬
‫قـ ْ‬ ‫ل ٱل ْ ُ‬
‫ق ـَرىٰ ءا َ‬ ‫هـ َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫‪ ‬ول َ ـ َ‬
‫وأ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫هم ب ََر َ‬ ‫حَنا َ َ‬ ‫لَ َ‬
‫ض‬ ‫و ٱل ْْر ِ‬ ‫ماء َ‬ ‫ســ َ‬ ‫ن ٱل ّ‬‫م َ‬ ‫ت ّ‬ ‫كـٰ ٍ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫فت َ ْ‬
‫‪ ( (96‬فهييو يضييع كييل هييذه النميياذج ضييمن قاعييدة‬
‫كونية‪ :‬إما إيمان وحسم للموقف واتباع للنبياء‪ ،‬وإما‬
‫بأس شديد وعذاب أليم من الله‪.‬‬
‫وأنت أخي المسيلم تنيدرج تحيت هيذه القاعيدة‪،‬‬
‫فهل ما زلت مترددًا؟‬
‫إن لم تكن مع الحق فأنت مع الباطل ولو كييانت‬
‫نيتك غير ذلك‪ ،‬لنك أضعفت أهل الحق‪.‬‬
‫وإييياك أن تقييول "أنييا فييرد وليين أغييير شيييئا ً فييي‬
‫‪100‬‬ ‫معادلة الصراع"‪ .‬فلو كان الحييق ينتصيير بوجييود‬
‫صادق ناجح‪ ،‬وهم الن ‪ 99‬وقييد تكييون أنييت المتمييم‬
‫للمييائة‪ ،‬وتقاعسييت‪ ،‬فييأنت إذا ً لييم تكمييل المييؤمنين‬
‫وأنت سبب في تراجعهم‪.‬‬
‫قصة موسى عليه السلم‬
‫وتصييل اليييات إلييى قصيية سيييدنا موسييى مييع‬
‫فرعون‪ ،‬سحرة فرعون‪ ،‬وبني إسييرائيل‪ .‬قصيية ميين‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪174‬‬

‫أروع القصص في عرض نماذج الحسم والتردد‪.‬‬


‫والجدير بالذكر هنا أن قصة سيييدنا موسييى هييي‬
‫أكثر قصة مذكورة في القرآن على الطلق )ذكيرت‬
‫في ‪ 29‬جزءًا( )يقول النبي‪ :‬رحم الله أخييي موسييى‪،‬‬
‫لقييد كيياد أن يييذهب بثلييث القييرآن(‪ .‬لكيين سييورة‬
‫العييراف هييي أكييثر السييور تفصيييل ً لعلقيية موسييى‬
‫بقومه خاصة بعد خروجهم من مصر )فلم تذكر مثل ً‬
‫حادثة ولدته أو نشيأته فيي قصير فرعيون كمييا فيي‬
‫سورة القصص(‪ ،‬ولذلك بدأت بالصراع مباشرة ميين‬
‫ة‬
‫قب َ ُ‬‫ع ٰــــ ِ‬ ‫ف ك َـــا َ‬
‫ن َ‬ ‫فـــ ٱنظُْر ك َي ْـــ َ‬ ‫أول آيييية‪َ ...‬‬
‫ن‬ ‫و ُ‬ ‫ع ْ‬‫فْر َ‬‫س ٰى ٰي ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬
‫‪‬‬ ‫ن ‪َ (103) ‬‬
‫دي َ‬ ‫س ِ‬
‫ف ِ‬‫م ْ‬‫ٱل ْ ُ‬
‫ن‪ ،( (104‬كل هذا‬ ‫ع ٰـل َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫من ّر ّ‬‫ل ّ‬ ‫سو ٌ‬ ‫إ ِّنى َر ُ‬
‫لنستفيد من مواقف الحسم والتردد في القصة‪.‬‬
‫حزم بدأ بسجدة‬
‫فعندما أتى السحرة لطلب القييرب ميين فرعييون‬
‫ومواجهة موسى عليه السلم‪ ،‬رأوا الية الدالة على‬
‫رسيييالته‪ ،‬فحسيييموا ميييوقفهم خلل دقيييائق وكيييان‬
‫ق‬‫ح ّ‬ ‫ع ٱل ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫و َ‬ ‫حسمهم شديدا ً وفي منتهى القوة‪َ  :‬‬
‫ف َ‬
‫ك‬ ‫هَناِلــ َ‬‫غل ُِبــوا ْ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫مُلــو َ‬ ‫ع َ‬ ‫كــاُنوا ْ ي َ ْ‬‫مــا َ‬‫ل َ‬ ‫طــ َ‬‫وب َ َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وأل ْ ِ‬
‫ة‬
‫حَر ُ‬ ‫ســـ َ‬ ‫ى ٱل ّ‬ ‫قـــ َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫ري َ‬ ‫غ ِ‬‫ص ٰــــ ِ‬ ‫قل َُبـــوا ْ َ‬‫و ٱن َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ ( (118-120‬بييدأ إيمييانهم بهييذه السييجدة‬ ‫دي َ‬‫ج ِ‬
‫س ٰـ ـ ِ‬ ‫َ‬
‫المؤمنة وتمسكوا بهذا اليمان رغم التهديييد بييالهلك‬
‫ب‬ ‫ن ‪َ ‬ر ّ‬‫مي َ‬ ‫ع ٰـــل َ ِ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫مّنا ِبــَر ّ‬ ‫قاُلوا ْ ءا َ‬
‫والتعذيب‪َ :‬‬
‫‪‬‬
‫ه‬‫م ب ِـ ِ‬ ‫منت ُـ ْ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫و ُ‬ ‫عـ ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قــا َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫ه ٰــُرو َ‬ ‫و َ‬‫سـ ٰى َ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫‪175‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫قب َ َ‬
‫م‪.( (121-123...‬‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫ن ءاذَ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ن‬
‫عــ ّ‬ ‫قط ّ َ‬ ‫وبعييد ذلييك يقييول لهييم فرعييون ‪‬ل َ‬
‫أ َي ـديك ُم َ‬
‫م‬‫ص ـل ّب َن ّك ُ ْ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ف ثُـ ّ‬ ‫خل َ ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫جل َك ُـ ْ‬‫وأْر ُ‬ ‫ْ ِ َ ْ َ‬
‫ن‪ ( (124‬فماذا كان أثر ذلك على موقفهم؟‬ ‫َ‬
‫عي َ‬ ‫م ِ‬‫ج َ‬ ‫أ ْ‬
‫مّنــا‬ ‫م ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما َتن ِ‬ ‫و َ‬
‫ن‪َ ‬‬ ‫قل ُِبو َ‬‫من َ‬ ‫قاُلوا ْ إ ِّنا إ ِل َ ٰى َرب َّنا ُ‬ ‫‪‬‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫جاءت َْنا‪( (125-126‬‬ ‫ما َ‬ ‫ت َرب َّنا ل َ ّ‬ ‫مّنا ِبـَئاي َ ٰـ ِ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ِإل أ ْ‬
‫هكذا فييي إصييرار وعييدم تييردد رغييم تهديييد فرعييون‬
‫ووعيده‪ ،‬بل أنهم اسييتمدوا الصييبر والتمسييوا حسيين‬
‫عل َي ْن َــا‬‫غ َ‬ ‫ر ْ‬ ‫الخاتميية ميين صيياحب الحييق‪َ :‬رب َّنا أ َ ْ‬
‫فـ ِ‬
‫ن‪.( (126...‬‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فَنا ُ‬ ‫و ّ‬‫وت َ َ‬ ‫صب ًْرا َ‬ ‫َ‬
‫فساد فرعون‬
‫بعد أن رأينا في قصييص النبييياء السييابقة أنواعيا ً‬
‫مختلفة ميين الفسيياد‪ ،‬تييأتي قصيية موسييى وفرعييون‬
‫لترينا قمة في الفساد‪:‬‬
‫حِيـــى‬ ‫ست َ ْ‬‫ون َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ل أ َب َْنــاء ُ‬‫قت ّ ُ‬ ‫ســن ُ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قــا َ‬ ‫‪َ ...‬‬
‫ن‪.( (127‬‬ ‫هُرو َ‬ ‫ق ٰـ ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫و َ‬ ‫وإ ِّنا َ‬
‫ف ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ساء ُ‬ ‫نِ َ‬
‫فكييان العقيياب الربيياني متييدرجا ً لييذلك الظييالم‬
‫وقومه‪:‬‬
‫‪َ َ ‬‬
‫و ٱل ْ َ‬
‫جــَرادَ‬ ‫ن َ‬ ‫فــا َ‬ ‫طو َ‬ ‫م ٱل ّ‬ ‫هــ ُ‬ ‫ســل َْنا َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫فأْر َ‬
‫ت‬ ‫م ءاي َ ٰـــــ ٍ‬ ‫و ٱلــــدّ َ‬ ‫ع َ‬‫فاِد َ‬ ‫ضــــ َ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫ل َ‬ ‫مــــ َ‬ ‫ق ّ‬‫و ٱل ْ ُ‬
‫َ‬
‫ت‪.( (133...‬‬ ‫صل َ ٍ‬ ‫ف ّ‬ ‫م َ‬‫ّ‬
‫ن‪‬‬ ‫م َينك ُث ُــو َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫فف الله عنهم‪ ،‬لكيين ‪‬إ ِ َ‬ ‫فخ ّ‬
‫‪ ((135‬فماذا كان العقاب؟‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪176‬‬

‫فــي ٱل ْي َ ـ ّ‬
‫م‬ ‫م ِ‬‫ه ْ‬
‫قَنـٰ ُ‬‫غَر ْ‬‫فأ َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫مَنا ِ‬ ‫ف ٱن ت َ َ‬
‫ق ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫كاُنوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫فِلي َ‬ ‫هــا َ‬
‫غ ٰـ ـ ِ‬ ‫عن ْ َ‬ ‫م ك َذُّبوا ْ ِبـَئاي َ ٰـت َِنا َ‬
‫و َ‬ ‫ه ْ‬
‫ب ِأن ّ ُ‬
‫‪.((136‬‬
‫دد‬
‫بنو إسرائيل‪ :‬سلبية وتر ّ‬
‫وبالمقابل‪ ،‬ترينا اليات نموذجا ً آخير لليترّدد وهيم‬
‫عيُنوا ْ‬ ‫س ـت َ ِ‬‫بنو إسرائيل‪ ،‬فعندما قال لهم نييبّيهم ‪‬ٱ ْ‬
‫مــن‬ ‫هــا َ‬ ‫رث ُ َ‬
‫ض لله ُيو ِ‬ ‫ن ٱل ْر َ‬ ‫صب ُِروا ْ إ ِ ّ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ب ِٱلله َ‬
‫ن‪( (128‬‬ ‫قي ـ َ‬‫مت ّ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫و ٱل ْ َ‬
‫ع ٰـ ـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عب َــاِد ِ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫شاء ِ‬ ‫يَ َ‬
‫فماذا كان جوابهم؟‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫د‬
‫ع ِ‬
‫من ب َ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ل أن ت َأت ِي ََنا َ‬ ‫من َ‬
‫قب ْ ِ‬ ‫قاُلوا ْ أوِذيَنا ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫جئ ْت ََنا‪.( (129‬‬ ‫ما ِ‬
‫َ‬
‫فرد ّ عليهم موسيى ليعلمهيم حسين الظين بيالله‬
‫والذي هو أمر أساسي من متطلبات الحسم‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬‫وك ُ ْ‬
‫عــدُ ّ‬ ‫هِلــ َ‬
‫ك َ‬ ‫م أن ي ُ ْ‬ ‫ســ ٰى َرب ّ ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫ع َ‬‫ل َ‬ ‫قــا َ‬‫َ‪‬‬
‫فَين ُ‬
‫ظـــَر ك َْيـــ َ‬ ‫فك ُ ْ‬
‫ف‬ ‫ض َ‬ ‫فـــى ٱل ْْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫خل ِ َ‬
‫ســـت َ ْ‬
‫وي َ ْ‬‫َ‬
‫ن‪.( (129‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬‫تَ ْ‬
‫فاليتييان )‪ (129 - 128‬تؤكييدان علييى أن الحييزم‬
‫وعيييييييييييييييييييييييييييدم اليييييييييييييييييييييييييييتردد‬
‫أمييران أساسيييان فييي امتحييان السييتخلف علييى‬
‫الرض‪ ،‬وهذا ما لم يفهمه بنو إسرائيل‪.‬‬
‫حتى في العقيدة‬
‫ويظهر بنو إسييرائيل فييي مواقييف أخييرى تييوحي‬
‫أنهييم يعيشييون بل غاييية ول هييدى حييتى فييي أمييور‬
‫‪177‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫العقييييدة‪ .‬ففيييي اليييية ‪ 138‬نيييرى قيييوله تعيييالى‬


‫عل َـ ٰى‬ ‫وا ْ َ‬ ‫ٱ ْبحر َ َ‬
‫ف ـأت َ ْ‬ ‫ل ل َ ْ َ‬ ‫سرءي َ‬ ‫وْزَنا ب ِب َِنى إ ِ ْ‬ ‫‪ٰ ‬ـ َ‬ ‫ج‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م ‪ ‬لقد كانوا منذ‬ ‫ه ْ‬ ‫صَنام ٍ ل ّ ُ‬ ‫عل َ ٰى أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫عك ُ ُ‬‫وم ٍ ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬
‫قليييل يعييبرون البحيير‪ ،‬وقييد رأوا فرعييون وجنييده‬
‫قــاُلوا ْ‬‫وغرقهييم‪ ،‬فميياذا كييان مييوقفهم التييالي‪َ  :‬‬
‫ل‬ ‫ة َ‬
‫قــا َ‬ ‫ه ٌ‬‫م ءال ِ َ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ل ل َّنا إ ِل َ ٰـ ً‬
‫ها ك َ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ج َ‬
‫سى ٱ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ٰي ُ‬
‫م عيين‬ ‫ن ‪ .‬هذا السؤال الذي ين ّ‬ ‫هُلو َ‬ ‫ج َ‬‫م تَ ْ‬‫و ٌ‬
‫ق ْ‬‫م َ‬ ‫إ ِن ّك ُ ْ‬
‫قمة في الجهل أتى في نفس الية التي تحكي قصة‬
‫نجاتهم ليرينا الله تعالى حاليية الييتردد وعييدم الثبييات‬
‫عندهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ك ي َأ ْ ُ‬ ‫قوة ْ‬
‫ها(‬
‫سن ِ َ‬ ‫ذوا ْ ب ِأ ْ‬
‫ح َ‬ ‫خ ُ‬ ‫م َ‬
‫و َ‬ ‫مْر َ‬
‫ق ْ‬ ‫ها ب ِ ُ ّ ٍ َ‬
‫وأ ُ‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫) َ‬
‫ف ُ‬
‫ث عليى‬ ‫كانت أغلب أوامر الله لبني إسرائيل تحي ّ‬
‫تطبيق أمر الله ودينه بقوة‪.‬‬
‫قــوة ْ‬
‫مــْر‬ ‫ها ب ِ ُ ّ ٍ َ‬
‫وأ ُ‬ ‫خــذْ َ‬‫ف ُ‬‫ففييي الييية )‪َ  :(145‬‬
‫َ‬ ‫ك ي َأ ْ ُ‬
‫ها ‪.‬‬ ‫سن ِ َ‬ ‫ذوا ْ ب ِأ ْ‬
‫ح َ‬ ‫خ ُ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬‫ق ْ‬‫َ‬
‫كم‬ ‫ذوا ْ َ‬
‫مــا ءات َي َْنــا ُ‬ ‫خــ ُ‬‫وفيييي اليييية )‪ُ  :(171‬‬
‫ة‪. ...‬‬ ‫و ٍ‬‫ق ّ‬‫بِ ُ‬
‫فكيف كان أخذهم لوامر الله؟‬
‫تركهم موسى وذهب للقاء ربه‪ ،‬فماذا فعلوا؟‬
‫ن‬
‫مــ ْ‬‫ه ِ‬‫د ِ‬
‫عــ ِ‬
‫مــن ب َ ْ‬‫ســ ٰى ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫و ُ‬
‫قــ ْ‬‫خــذَ َ‬
‫و‪‬ٱت ّ َ‬‫َ‬
‫ســـــــــــدا ً ل ّـــــــــــ ُ‬
‫ه‬ ‫ج َ‬‫جل ً َ‬‫ع ْ‬‫م ِ‬ ‫هـــــــــــ ْ‬‫حل ِي ّ ِ‬
‫ُ‬
‫واٌر‪.( (148‬‬ ‫خ َ‬ ‫ُ‬
‫فتنكر عليهم اليات بشدة‪:‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪178‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬
‫دي ِ‬ ‫هــ ِ‬ ‫ول َ ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هــ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ل َ ي ُك َل ّ ُ‬ ‫وا ْ أّنــ ُ‬ ‫م َيــَر ْ‬ ‫‪‬أَلــ ْ‬
‫ط‬ ‫ق َ‬ ‫سـ ِ‬ ‫مــا ُ‬ ‫ول َ ّ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫مي َ‬ ‫كاُنوا ْ ظَ ٰـل ِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ذوهُ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫سِبيل ً ٱت ّ َ‬ ‫َ‬
‫قــاُلوا ْ ل َِئن‬ ‫ضـّلوا ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قـدْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وا ْ أن ّ ُ‬ ‫وَرأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫فى أي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مــ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كــون َ ّ‬ ‫فــْر ل ََنــا ل َن َ ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫مَنــا َرب َّنــا َ‬ ‫ح ْ‬ ‫م ي َْر َ‬ ‫ّلــ ْ‬
‫ن‪.( (148-149‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خ ٰـ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫فهييم يشييكون ميين عييدم الوضييوح والحييزم فييي‬
‫تدّينهم وعلقتهم مع الله‪.‬‬
‫وبذلك يظهر الفارق واضييحا ً بييين السييحرة وبييين‬
‫بنيييي إسيييرائيل‪ ،‬بيييين تحيييدي السيييحرة لفرعيييون‬
‫قــاُلوا ْ‬ ‫ض‪ ( (72‬وبييين ‪َ ‬‬ ‫ت َ‬ ‫َ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫قا ٍ‬ ‫ما أن َ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬
‫جئ ْت ََنا ‪‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫من َ‬ ‫ُ‬
‫ما ِ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ل أن ت َأت ِي ََنا َ‬ ‫قب ْ ِ‬ ‫أوِذيَنا ِ‬
‫‪.((129‬‬
‫ن‪( (121‬‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰـ ـل َ ِ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫من ّــا ب ِـَر ّ‬ ‫قاُلوا ْ آ َ‬ ‫‪‬‬ ‫بييين َ‬
‫ل‬ ‫ع ْ‬ ‫ج َ‬‫التي أتت دون تردد من السييحرة‪ ،‬وبييين ‪‬ٱ ْ‬
‫ة‪ ( (138‬التي صدرت من‬ ‫ه ٌ‬ ‫م ءال ِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ها ك َ َ‬ ‫ل َّنا إ ِل َ ٰـ ً‬
‫بني إسرائيل رغم المعجزات الكبيرة التي رأوها‪.‬‬
‫فَرق الثلث‬
‫ال ِ‬
‫وتأتي مباشرة بعد قصة موسى مع بني إسرائيل‬
‫قصة أصحاب السبت اليات )‪ :(167 - 163‬وملخصها‬
‫أن بعييض بنييي إسييرائيل احتييالوا علييى شييرع اللييه‬
‫فارتكبوا جرما ً شديدا ً وهييو الصيييد فييي اليييوم الييذي‬
‫حّرم الله عليهم العمل فيه )يوم السبت( فيياختبرهم‬
‫اللييه بإرسييال السييمك يييوم السييبت أمييام أعينهييم‬
‫‪179‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫بكثرة‪ ..‬فتحايلوا على المر وأخذوا يضيعون الشيباك‬


‫في الجمعة ليل ً ويجمعون ما فيها صباح الحييد‪ .‬فبييدأ‬
‫بعييض المييؤمنين اليجييابيين فييي أمرهييم بييالمعروف‬
‫ونهيهم عن المنكر‪ ،‬حتى يكون لهم حجيية عنييد لقيياء‬
‫الله بأنهم حاولوا الصلح‪ ،‬والهداية تأتي من الله‪.‬‬
‫أما بعض المؤمنين فقد وقفوا موقف يا ً سييلبيا ً بييل‬
‫أخييييييييييذوا يعتبييييييييييون علييييييييييى الييييييييييذين‬
‫وإ ِ ْ‬
‫ذ‬ ‫كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عيين المنكيير‪َ  .‬‬
‫ُ‬
‫مــا ٱللــه‬ ‫و ً‬
‫ق ْ‬‫ن َ‬ ‫عظُــو َ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫م ل ِـ َ‬ ‫هـ ْ‬‫من ْ ُ‬
‫ة ّ‬ ‫مـ ٌ‬‫تأ ّ‬ ‫قــال َ ْ‬ ‫َ‬
‫قــاُلوا ْ‬ ‫ذابا ً َ‬ ‫َ‬
‫دا َ‬
‫دي ً‬‫شــ ِ‬ ‫عــ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عــذّب ُ ُ‬ ‫م َ‬‫و ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫هــ ْ‬‫هل ِك ُ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‪.( (164‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ي َت ّ ُ‬‫ه ْ‬‫عل ّ ُ‬‫ول َ َ‬‫م َ‬ ‫ذَرةً إ ِل َ ٰى َرب ّك ُ ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫أصبح هناك فرقة عاصييية وفرقيية إيجابييية قييامت‬
‫بواجب الصلح وفرقة سلبية لم تتحرك ولم تصييلح‪،‬‬
‫فماذا كان مصير كل واحدة من هؤلء؟‬
‫نجاة‪ ..‬وعذاب‪ ..‬وإهمال‬
‫لييم يسييتجب أصييحاب السييبت لنصييح المييؤمنين‬
‫مــا ذُك ّـُروا ْ‬‫سوا ْ َ‬‫ما ن َ ُ‬‫فل َ ّ‬‫فأنزل الله بهم العقوبة‪َ  :‬‬
‫وأ َ َ‬
‫خــذَْنا‬ ‫ســوء َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ه ْ‬
‫ن ي َن ْ َ‬ ‫جي َْنا ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ب َ‬
‫ه أن َ‬ ‫ِ ِ‬
‫كــاُنوا ْ‬ ‫مــا َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫عــ َ‬‫مــوا ْ ب ِ َ‬‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ٱّلــ ِ‬
‫ب ب َِئيــ ٍ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ذي َ‬
‫ن‪.( (165‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ُ‬‫يَ ْ‬
‫الفرقة اليجابية أنجاها الله تعييالى ميين العييذاب‪،‬‬
‫والفرقة العاصية أخذها الله تعالى بعذاب بئيس أمييا‬
‫الفرقييية السيييلبية اليييتي آثيييرت موقيييف المشييياهد‬
‫المتفرج‪ ،‬فقد أهمل القرآن ذكرها واختلييف العلميياء‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪180‬‬

‫في ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬فمنهم من قال أنهييم لييم يسييتحقوا أن يييذكروا‬
‫لنهييم كييانوا سييلبيين فلييم يييذكر اللييه لهييم مصيييرا ً‬
‫وسيماهم يوم القيامة كيف يشاء‪...‬‬
‫‪ -‬والرأي الثاني يرى أنهم قد دخلوا مع الظالمين‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫وأ َ َ‬
‫خــذَْنا ٱّلــ ِ‬ ‫وهييم معنيييون بقييوله تعييالى ‪َ ‬‬
‫موا ْ ‪ ‬فهم والذين اقترفوا المعاصي سواء فييي‬ ‫ظَل َ ُ‬
‫هييذا الحكييم‪ ،‬لنهييم بقييوا حييياديين حيييال المعصييية‬
‫وسكتوا عنها فأصبحوا بذلك عصاة‪...‬‬
‫منهم الصالحون ومنهم دون ذلك‬
‫وميين روعيية القييرآن أنييه ل يحكييي قصيية لمجييرد‬
‫القصص‪ ،‬بل يختمها بعبرة وعظيية حييتى يرسييخ فييي‬
‫ذهن القارئ المعنى المراد مين القصية‪ .‬لييذلك كييان‬
‫التعقيب على قصة موسى وأصحاب السبت واضحا ً‬
‫في بيان عبرة القصة‪:‬‬
‫ُ‬
‫م‬‫هــ ُ‬
‫من ْ ُ‬
‫مــا ّ‬
‫م ً‬
‫ضأ َ‬‫فــي ٱل ْْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫قط ّ ْ‬
‫عَنـــٰ ُ‬ ‫و َ‬‫‪َ ‬‬
‫ن ٰ ذل ِ َ‬
‫ك‪.( (168...‬‬ ‫دو َ‬
‫م ُ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫و ِ‬
‫ن َ‬ ‫حو َ‬ ‫ص ٰـل ِ ُ‬
‫ٱل ّ‬
‫هييذا كييان حييال الجيييل الول ميين بنييي إسييرائيل‬
‫الذي تاه وتفرق في الرض‪ :‬منهم صييالحون ومنهييم‬
‫دون ذلك‪ ،‬لكن الجيل الثاني كان فيه أناس سييلبيون‬
‫رث ُــوا ْ‬‫و ِ‬‫ف َ‬ ‫خل ْـ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫د ِ‬ ‫عـ ِ‬‫مــن ب َ ْ‬‫ف ِ‬ ‫خل َ َ‬‫ف َ‬ ‫مييترددون ‪َ ‬‬
‫ٰى‬ ‫ٱ ْدَْنـــ‬
‫ذا ل‬‫ه ٰــــ َ‬ ‫ض َ‬ ‫عـــَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خـــ ُ‬‫ب ي َأ ْ ُ‬
‫ٱل ْك ِت َ ٰــــ َ‬
‫ْ‬
‫ه‬‫مث ْل ُـ ُ‬‫ض ّ‬‫ع ـَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫وِإن ي َأت ِ ِ‬ ‫فُر ل ََنا َ‬
‫غ َ‬ ‫سي ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وي َ ُ‬
‫َ‬
‫‪181‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ه‪.( (169...‬‬
‫ذو ُ‬ ‫ي َأ ْ ُ‬
‫خ ُ‬
‫وبالمقابل‪ ،‬تختم اليات بمثال رائع لنقتدي به في‬
‫أخذ أوامر الدين بقوة‪:‬‬
‫موا ْ‬ ‫وأ َ َ‬
‫قــا ُ‬ ‫ب َ‬‫ن ب ِ ٱل ْك ِت َ ٰـــ ِ‬‫كو َ‬‫ســ ُ‬‫م ّ‬‫ن يُ َ‬
‫ذي َ‬ ‫‪‬ٱّلــ ِ‬‫و‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن‪.( (170‬‬ ‫حي َ‬‫صل ِ ِ‬ ‫جَر ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عأ ْ‬ ‫صَلوٰةَ إ ِّنا ل َ ن ُ ِ‬
‫ضي ُ‬ ‫ٱل ّ‬
‫سييكون( كيييف أنهييا تييدل علييى‬
‫لحييظ كلميية )يم ّ‬
‫سييك شييديد بييأوامر اللييه وخاصيية الصييلة‪ ،‬هييؤلء‬
‫تم ّ‬
‫ينالون شرفا ً من الله أنهم مصلحون وليسييوا مجييرد‬
‫صيييالحين لنفسيييهم‪ ،‬إنهيييم إيجيييابيون مصيييلحون‬
‫لمجتمعهم وبلدهم وأمتهم‪.‬‬
‫كيف ل تحسم وفطرتك شهدت؟‬
‫ترجع بنا اليييات بعييد ذلييك إلييى زميين بعيييد‪ ،‬فييي‬
‫عالم الذر‪ ،‬عندما أشهدنا الله على أنفسيينا بربييوبيته‬
‫وعظمته‪.‬‬
‫مـــن‬ ‫م ِ‬ ‫مـــن ب َِنـــى ءادَ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫خـــذَ َرّبـــ َ‬ ‫وإ ِذْ أ َ َ‬‫‪َ ‬‬
‫م‬ ‫ه ْ‬
‫ســ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫عَلــى َأن ُ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫هدَ ُ‬‫ش َ‬‫وأ َ ْ‬
‫م َ‬ ‫م ذُّري ّت َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ه ْ‬‫ر ِ‬ ‫هو ِ‬ ‫ظُ ُ‬
‫قول ُــوا ْ‬ ‫هدَْنا َأن ت َ ُ‬ ‫شـ ِ‬‫قــاُلوا ْ ب َل َـ ٰى َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫س َ‬
‫َ‬
‫أل َ ْ‬
‫ن‪‬‬ ‫فِلي َ‬ ‫ذا َ‬
‫غ ٰـ ـ ِ‬ ‫ه ٰـ ـ َ‬‫ن َ‬ ‫عـ ْ‬ ‫ة إ ِن ّــا ك ُن ّــا َ‬‫م ِ‬ ‫قي َ ٰـ ـ َ‬ ‫م ٱل ْ ِ‬‫و َ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪.((172‬‬
‫فكيف ل نتحرك في نصرة ديننا والله قد أخذ علينا‬
‫العهد من بداية الخلق‪ ،‬وقبل أن نأتي إلى هذه الييدنيا‪،‬‬
‫أن نكون مع الحق وأهله‪ .‬إن حب الييدين والنميياء لييه‬
‫فطرة ربانية من عند الله‪ ،‬فلماذا ينسى بعض النيياس‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪182‬‬

‫هذا العهد وهذه الفطرة الربانية؟‬


‫مرض الغفلة‬
‫م‬ ‫و َ‬‫قوُلوا ْ ي َـ ْ‬ ‫الية السابقة تجيب بوضوح ‪َ‬أن ت َ ُ‬
‫ن‪ ،( (172‬إنها‬ ‫فِلي َ‬ ‫غ ٰـ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه ٰـ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ة إ ِّنا ك ُّنا َ‬ ‫م ِ‬ ‫قي َ ٰـ َ‬ ‫ٱل ْ ِ‬
‫الغفلة‪ ،‬أخطر مرض قد يييؤدي إلييى بييرود الحماسيية‬
‫للحق والتردد في نصرة الدين‪ .‬فما هي عوارض هذا‬
‫المرض؟ إسمع الية ‪:179‬‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫جـ ّ‬ ‫ن ٱل ْ ِ‬ ‫مـ َ‬ ‫م ك َِثي ـًرا ّ‬ ‫هن ّـ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ق ـدْ ذََرأن َــا ل ِ َ‬ ‫ول َ َ‬‫‪َ ‬‬
‫م‬ ‫هـ ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫هــا َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫هــو َ‬ ‫ق ُ‬‫ف َ‬ ‫ب ل ّ يَ ْ‬ ‫قل ُــو ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬‫س لَ ُ‬ ‫و ٱل ِن ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن لّ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م ءا َ‬ ‫هــــ ْ‬ ‫ول َ ُ‬‫هــــا َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫صــــُرو َ‬ ‫ن ل ّ ي ُب ْ ِ‬ ‫عي ُــــ ٌ‬ ‫أَ ْ‬
‫ل‬‫ضـ ّ‬ ‫م أَ َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ع ٰـم ِ ب َ ْ‬ ‫ك ك َٱلن ْ َ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ها أ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫عو َ‬ ‫م ُ‬
‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ُ‬
‫ن ‪ ...‬فالغفلة هييي السييبب‬ ‫فُلو َ‬ ‫غ ٰـ ِ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫الساسي وراء كل ترّدد وعييدم حسييم‪ ،‬لييذلك كييانت‬
‫آخر وصية لنبي اللييه قبييل ختييام السييورة )ومييع أنييه‬
‫الرسول المعصوم ‪:(‬‬
‫ة‬
‫فـ ً‬ ‫خي َ‬ ‫و ِ‬ ‫عا َ‬ ‫ض ـّر ً‬ ‫ك تَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫في ن َ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫كر ّرب ّ َ‬ ‫و ٱذ ْ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ل‬ ‫صــا ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫غ دُ ّ‬ ‫ل ب ِٱل ْ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ه ِ‬‫ج ْ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (205‬‬ ‫فِلي َ‬ ‫غ ٰـ ِ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ّ‬ ‫ول َ ت َك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فحييري بنييا‪ ،‬أتبيياع النييبي ‪ ،‬أن نتييدارك هييذا‬
‫المرض ونداويه‪ ،‬بالذكر والتضرع إلى الله‪ ،‬وبقييراءة‬
‫سورة العراف وفهم معانيها‪.‬‬
‫فمثله كمثل الكلب‬
‫وتقوم السورة قبل ختامها بحشيد عيدد كيبير مين‬
‫‪183‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ذر المييؤمنين‬ ‫المثال واليات لتخدم نفس المعنى وتح ّ‬


‫من الغفلة وعدم الحسم مع شرع الله ودينييه‪ ،‬فيييأتي‬
‫مثال رهيب‪:‬‬
‫َ‬
‫ه ءاي َ ٰــت َِنا‬ ‫ذى ءات َي ْن َ ٰــ ُ‬ ‫م ن ََبـأ ٱّلـ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ٱت ْ ُ‬ ‫و‪‬‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫هـــــــــــا َ‬ ‫ســـــــــــل َ َ‬ ‫َ‬
‫ع ُ‬
‫فـــــــــــأت ْب َ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ف ٱن ْ َ‬
‫شـئ َْنا‬ ‫و ِ‬ ‫ول َـ ْ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫وي َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬
‫غــا ِ‬ ‫مـ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فك َــا َ‬ ‫ن َ‬ ‫طـٰ ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫َ‬ ‫ه أَ ْ َ‬ ‫وَلـٰك ِن ّ ُ‬ ‫ل ََر َ‬
‫ع‬‫و ٱت ّب َـ َ‬ ‫ض َ‬ ‫خلدَ إ ِلى ٱل ْْر ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫نـ ُ‬ ‫ع َٰ‬‫ف ْ‬
‫عل َي ْـ ِ‬
‫ه‬ ‫ل َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ِإن ت َ ْ‬ ‫ل ٱل ْك َل ْـ ِ‬ ‫مث َـ ِ‬ ‫ه كَ َ‬ ‫مث َل ُـ ُ‬
‫ف َ‬ ‫واهُ َ‬ ‫ه َ‬‫َ‬
‫َ‬
‫هث‪.( (175-176...‬‬ ‫ه ي َل ْ َ‬ ‫و ت َت ُْرك ْ ُ‬ ‫ثأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ي َل ْ َ‬
‫مثييال رهيييب عيين ميين آتيياه اللييه آييياته وهييدايته‪،‬‬
‫فانسلخ منها كما تنسلخ الحية ميين جلييدها‪ .‬ولييو أنييه‬
‫بقي على تدّينه لعّزه الله ورفعه‪ ،‬لكنه آثر الييدناءة‪.‬‬
‫فهو كالكلب يتعب ويلهث سواء أكان حاله الغفلة أم‬
‫المعرفة‪ .‬مثال رهيب ل بد أن يوقظ كييل نييائم وكييل‬
‫غافل‪.‬‬
‫اسجدها‪ ...‬بهذا المعنى‬
‫وأجمل ختام للسورة آية فيها سيجدة‪ .‬وهيي أول‬
‫سييييييييييييييجدة فييييييييييييييي المصييييييييييييييحف‪،‬‬
‫حتى نذكر الحزم والحسم والعزيميية‪ ..‬نييذكر سييجدة‬
‫دوا‬
‫السييييييييييييييحرة الييييييييييييييذين تحيييييييييييييي ّ‬
‫فرعون بجبروته وظلمه‪ .‬كمييا أن الييية تييدعونا إلييى‬
‫ن حركية‬ ‫إظهار الخضوع لله تعيالى بشيكل عمليي ل ّ‬
‫السييجود تنّبييه النفييس للتطييبيق فييتزداد اسييتعدادا ً‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪184‬‬

‫لحسم موقفها في الحياة‪.‬‬


‫ك‬‫عن ـدَ َرب ّـ َ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ن ٱل ّ ِ‬‫بهذا المعنى نسجدها‪ :‬إ ِ ّ‬
‫وَلــ ُ‬
‫ه‬ ‫ه َ‬‫حون َ ُ‬‫ســب ّ ُ‬
‫وي ُ َ‬‫ه َ‬
‫عَبــادَت ِ ِ‬
‫ن ِ‬
‫عــ ْ‬ ‫ســت َك ْب ُِرو َ‬
‫ن َ‬ ‫ل َ يَ ْ‬
‫ن‪..( (206‬‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫س ُ‬‫يَ ْ‬
‫سورة النفال‬

‫سو‬ ‫سورة النفال )مدنّية(‪ ،‬نزلت بعد سورة البقييرة‪،‬‬


‫رة‬ ‫وهييي فييي ترتيييب المصييحف بعييد سييورة العييراف‪،‬‬
‫النفال‬ ‫وعدد آياتها خمس وسبعون آية‪.‬‬
‫يوم الفرقان‬
‫وقد أنزلت هذه السورة بعد غزوة بييدر للتعقيييب‬
‫عليهييا )لييذلك سييماها بعييض العلميياء سييورة بييدر(‪.‬‬
‫وغزوة بدر هييي أول معركيية فييي السييلم‪ ،‬وسييماها‬
‫الله تعييالى فييي هييذه السييورة بيييوم الفرقييان‪ ،‬لنييه‬
‫اليوم الذي فّرق الله بييه بييين الحييق والباطييل‪ ،‬يييوم‬
‫يمثل فرقا ً بين عهدين في تاريخ البشرية‪ :‬عهد كييان‬
‫السلم فيه مستضعفا ً وعهييد سيييكون فيييه السييلم‬
‫قويا ً وله أمة قوية تييدافع عنييه إلييى يومنييا هييذا‪ .‬لقييد‬
‫كان يوما ً عظيميا ً فيي تارييخ البشييرية‪ ،‬ليذلك نزلييت‬
‫السورة كلها للتعقيب على ذلك اليوم‪.‬‬
‫ولو كان النصر يقيياس بالمقيياييس المادييية‪ ،‬فييإن‬
‫المسلمين لم يكونوا لينتصروا فييي ذلييك اليييوم‪ ،‬لن‬
‫عدد المسلمين كان ثلثمائة وثلثيية عشيير رجل ً ولييم‬
‫يكونوا مهيئين نفسيا ً أو مجهزين عتييادا ً للقتييال‪ ،‬فييي‬
‫‪185‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪186‬‬

‫حين كان عدد الكفار ما يقرب من ألف مقاتل كامل‬


‫الجهوزية للحرب‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أنه كان مع المسييلمين فييي هييذه‬
‫س واحد‪ ،‬في حين كييان مييع المشييركين‬‫المعركة فر ٌ‬
‫ثلثمييائة فييرس‪ .‬فبالمقيياييس المادييية كييان ميين‬
‫المستحيل أن ينتصر المسلمين في هذه المعركة‪.‬‬
‫سيئات البرار‬
‫النفال معناها الغنائم‪ ،‬وقد سميت السورة باسم‬
‫هيييييييييييييذه الغنيييييييييييييائم ‪ -‬النفيييييييييييييال ‪.-‬‬

‫وللصحابة تعليق لطيف على سييورة النفييال‪ ،‬فييإنهم‬


‫يقولون‪ :‬فينا نحن معشر أصحاب رسول الله نزلييت‬
‫سورة النفال‪ ،‬حين اختلفنا على النفل وساءت فيييه‬
‫أخلقنا‪ .‬وليس سوء الخلق الييذي يتحييدثون عنييه هييو‬
‫الذي نعرفه اليوم‪ ،‬ولكن عبروا عن اختلفهييم بييذلك‬
‫لعظيم أدبهم وتواضعهم‪.‬‬
‫قوانين النصر مادية وربانية‬
‫إن السييورة تتحييدث عيين القييوانين الييتي يعتمييد‬
‫عليهييا النصيير‪ ،‬وهييذا مناسييب لجييو السييورة وسييبب‬
‫نزولها‪ .‬فبعد أن انتصيير المسييلمون فييي بييدر نزلييت‬
‫السورة لترسخ للمسلمين السباب الكونييية للنصيير‪،‬‬
‫فهييو ل يييأتي ميين قبيييل الصييدفة ول العبييث‪ ،‬وإنمييا‬
‫للنصر قوانين مادية وقوانين ربانية‪.‬‬
‫‪187‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وهذا يعني أن للنصر سببين هامين‪:‬‬


‫مــا‬ ‫‪ .1‬اليقين بأن النصر من عند الله عييز وجييل ‪َ ‬‬
‫و َ‬
‫د ٱلله ‪.( (101‬‬‫عن ِ‬
‫ن ِ‬ ‫صُر إ ِل ّ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ٱ لن ّ ْ‬
‫‪ .2‬الخذ بالسباب والسعي الجدي لتقريييب مييوازين‬
‫القوى مع العداء‪ ،‬بل والتفوق عليها إن كان ذلك‬
‫ممكنًا‪ ،‬ووضييع الخطييط والدراسييات وكييل مييا لييه‬
‫تأثير مادي على النصر‪.‬‬
‫فهذه السورة تحقق مفهييوم التوكييل علييى اللييه‪،‬‬
‫بأن نوقن بأن الله هييو الناصيير‪ ،‬وأن نبييذل كييل جهييد‬
‫ممكن لتحقيق هذا النصر من طاقيية مادييية‪ .‬ولييذلك‬
‫فإن السورة قد تضييمنت قييول اللييه تعييالى‪ٰ :‬ذل ِ َ‬
‫ك‬
‫عل َـ ٰى‬ ‫غيــرا ً ن ّعم ـ ً َ‬ ‫َ‬
‫هــا َ‬‫م َ‬
‫ع َ‬‫ة أن ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫م َ ّ‬
‫ك ُ‬ ‫م ي َـ ُ‬‫ن ٱلله ل َ ْ‬‫ب ِأ ّ‬
‫م‪ .( (53‬فالييية‬ ‫ه ْ‬ ‫سـ ِ‬‫ف ِ‬ ‫مــا ب ِأ َن ْ ُ‬
‫غي ُّروا ْ َ‬‫حت ّ ٰى ي ُ َ‬‫وم ٍ َ‬‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫تشير إلى أن الفعل في التأثير ليس إل للييه الواحييد‪،‬‬
‫ولكن بشرط أن تأخذ بالسباب ما أمكن‪ .‬فيجييب أن‬
‫ندرك أن النصر بين أمرين‪ :‬جهد البشر وعمل القدر‬
‫‪ -‬تدبير الله تعالى ‪.-‬‬
‫بعييض النيياس يظنييون أن النصيير معجييزة ربانييية‬
‫فقييط‪ ،‬فييتراهم يييدعون اللييه لينصييرهم وبعييد ذلييك‬
‫يتساءلون عن سبب تأخير النصيير‪ .‬فهييم حقيقيية لييم‬
‫يفهموا أن هناك أسبابا ً مادييية ينبغييي الخييذ بهييا ميين‬
‫تخطيط وجهد وبذل‪ .‬فل يكفي الدعاء واللجييوء إلييى‬
‫اللييه مييع تييرك الخييذ بالسييباب‪ ،‬لننييا بييذلك نكييون‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪188‬‬

‫مقصرين في فهمنا لطبيعيية ديننييا ولسيينن اللييه فييي‬


‫هذه الرض‪.‬‬
‫وبالمقابل‪ ،‬هنياك نييوع آخيير ميين النيياس يأخيذون‬
‫بالسباب كلها من وضع الخطييط والدراسييات وجهييد‬
‫بالليييل والنهييار وبعييد ذلييك حييين يريييدون المقابليية‬
‫والمقارنة مع قييوة الكفييار يجييدون أنفسييهم ضييعفاء‬
‫للغاية‪ ،‬فيظنون أنهم عيياجزون عيين فعييل أي شيييء‬
‫والسييبب فييي ذلييك أنهييم اعتمييدوا علييى السييباب‬
‫المادية فقط ونسوا أن النصر من عند الله‪.‬‬
‫فالسيييورة ترشيييدنا إليييى التيييوازن بيييين هيييذين‬
‫ل‪ ،‬وأن نبحييث عيين‬‫النقيضين‪ :‬أن نؤمن بتدبير الله أو ً‬
‫الشروط المادية لتحقيق النصر‪.‬‬
‫النصر من عند الله‬
‫ن‬
‫عـــ ِ‬
‫ك َ‬ ‫ســـأ َُلون َ َ‬ ‫تبيييدأ السيييورة بسيييؤال‪ :‬ي َ ْ‬
‫ل‪ ،( (1‬أي يسييألون عيين كيفييية تقسيييم‬ ‫فــا ِ‬ ‫ٱلن َ‬
‫الغنائم‪.‬‬
‫ل لله‬ ‫فا ُ‬ ‫ل ٱلن َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن ٱلن َ‬
‫فا ِ‬ ‫ع ِ‬
‫ك َ‬‫سأ َُلون َ َ‬
‫‪‬ي َ ْ‬
‫ت‬ ‫حوا ْ َ‬ ‫قوا ْ ٱللــه َ‬ ‫فــ ٱت ّ ُ‬ ‫ل َ‬
‫ذا َ‬ ‫صــل ِ ُ‬‫وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ســو ِ‬ ‫و لٱّر ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫كنُتــم‬‫ه ِإن ُ‬ ‫ســول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬‫عــوا ْ ٱللــه َ‬‫طي ُ‬
‫وأ ِ‬ ‫م َ‬ ‫كــ ْ‬‫ب ِي ْن ِ ُ‬
‫ن‪.( (1‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫وتنتقييل اليييات بعييد ذلييك إلييى سييرد صييفات‬
‫ذا ذُ ِ‬
‫كـَر‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ن ٱل ّـ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫من ُــو َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫مـا ٱل ْ ُ‬
‫المؤمنين‪ :‬إ ِن ّ َ‬
‫م‪ .( (2...‬واللطيييف أن‬ ‫ه ْ‬ ‫قُلــوب ُ ُ‬‫ت ُ‬‫جَلــ ْ‬ ‫و ِ‬
‫ٱللــه َ‬
‫‪189‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الجواب على سؤالهم عيين تقسيييم الغنييائم لييم يييأت‬


‫ة‪ ،‬إنمييا جيياء الجييواب فييي الييية‬ ‫بعد السؤال مباشيير ً‬
‫الواحدة والربعين أي بعد أربعين آييية ميين السييؤال‪:‬‬
‫شـىء َ َ‬ ‫َ‬
‫ن للــه‬ ‫ف ـأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫مــن َ‬ ‫مُتم ّ‬ ‫غن ِ ْ‬‫ما َ‬ ‫موا أن ّ َ‬‫عل َ ُ‬‫وٱ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ٰى‬ ‫ذىل ْ ُ‬
‫قٱْرب َـــــ‬ ‫ول ِـــــ ِ‬‫ل َ‬
‫ســـــو ِ‬ ‫وِللّر ُ‬‫ه َ‬ ‫ســـــ ُ‬ ‫م َ‬ ‫خ ُ‬
‫ُ‬
‫م ٰى‪. ...‬‬ ‫و ٱل ْي َت َ ٰـ َ‬ ‫َ‬
‫وسبب تأخير الجابيية أنهييم حيين سييألوا السييؤال‬
‫كانوا يريدون المكافأة الدنيوييية علييى النصيير‪ ،‬واللييه‬
‫علمهم أن النصر أول ً وآخرا ً هو بتقديره وميين عنييده‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ل‬
‫ق ِ‬ ‫فكييان الجييواب المبييدئي علييى سييؤالهم‪ُ  :‬‬
‫ل‪ ،( (1‬وليس لكم منهييا‬ ‫سو ِ‬‫و ٱلّر ُ‬ ‫ل لله َ‬ ‫فا ُ‬ ‫ٱلن َ‬
‫شيييء‪ ،‬وذلييك ميين لطييف القييرآن فييي التربييية فييي‬
‫صرف أنظارهم عن النفال لترسيييخ قييوانين النصيير‬
‫م شرح كيفية توزيييع الغنييائم إلييى‬ ‫ل‪ ،‬ثم بعد ذلك ت ّ‬ ‫أو ً‬
‫مــا‬
‫م ّ‬‫فك ُُلــوا ْ ِ‬‫أن قييال لهييم فييي آخيير السييورة ‪َ ‬‬
‫سييخ مييا‬ ‫حل َ ٰـل ً طَّيبا ً‪ .( (69‬فالله تعييالى ر ّ‬ ‫م َ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫غن ِ ْ‬
‫هو أهم وبّين أن مسألة تقسيم النفييال هييي مسييألة‬
‫فرعية لنها من المسائل الدنيوية‪.‬‬
‫إن السورة تنقسييم إلييى نصييفين‪ :‬النصييف الول‬
‫ير ّ‬
‫كز بشدة عليى أن منيّزل النصيير هييو اللييه تعييالى‪.‬‬
‫والنصف الثاني يتحدث عيين السييباب المادييية الييتي‬
‫ينبغي الخذ بها حتى ينزل النصر علينا‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪190‬‬

‫د ٱلله(‬
‫عن ِ‬
‫ن ِ‬ ‫صُر إ ِل ّ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما ٱلن ّ ْ‬
‫و َ‬
‫القسم الول ) َ‬
‫وهو يظهر منة الله تعالى وفضله على المييؤمنين‬
‫بالنصر‪ ،‬وذلك من خلل‪:‬‬
‫‪ .1‬ترتيب المعركة‬
‫ك‬ ‫مــن ب َي ْت ِـ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ك َرب ّـ َ‬ ‫جـ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫قال تعييالى‪ :‬ك َ َ‬
‫ن‬‫هو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ن ل َك َّـــ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ريقا ً ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ِ ٱل ْ َ‬
‫‪.( (5‬‬
‫فالكثير من المؤمنين لم يكونوا يريييدون القتييال‪،‬‬
‫لكن الله تعالى دّبر ذلك ليحقّ الحق‪:‬‬
‫َ‬ ‫دى ٱل ّ‬
‫هــا‬ ‫ن أن ّ َ‬ ‫فت َي ْ ِ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ٱلله إ ِ ْ‬ ‫عدُك ُ ُ‬ ‫وإ ِذْ ي َ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ة ت َك ُــو ُ‬ ‫وك َ ِ‬ ‫شـ ْ‬ ‫ت ٱل ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫غي ْـَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫دو َ‬ ‫و ّ‬ ‫وت َـ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل َك ُـ ْ‬
‫ه‬
‫م ٰـــت ِ ِ‬ ‫ق ب ِك َل ِ َ‬‫حــ ّ‬ ‫ق ال َ‬ ‫حــ ّ‬ ‫ريــدُ ٱللــه َأن ي ُ ِ‬ ‫وي ُ ِ‬‫م َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫ل‬ ‫وي ُب ْطِ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ق ٱل ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ‪ ‬ل ِي ُ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬‫داب َِر ٱل ْك َ ٰـ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫قطَ َ‬ ‫وي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن‪.( (7-8‬‬ ‫مو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫رهَ ٱل ْ ُ‬ ‫و كَ ِ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ٱل َْبـٰطِ َ‬
‫ة فيي الوضيوح‪ ،‬فيترتيب‬ ‫إن هذه اليات لهي غايي ٌ‬
‫المعركة ابتداًء كان بتقدير الله عز وجل‪.‬‬
‫‪ .2‬العداد النفسي للمعركة‬
‫س‬
‫عــا َ‬ ‫م ٱلن ّ َ‬ ‫شــيك ُ ُ‬ ‫غ ّ‬ ‫يقييول اللييه تعييالى‪ :‬إ ِذْ ي ُ َ‬
‫َ‬
‫مــاء‬ ‫ماء َ‬ ‫سـ َ‬‫مــن ٱل ّ‬ ‫عل َي ْك ُــم ّ‬ ‫ل َ‬ ‫وي ُن َـّز ُ‬
‫ه َ‬ ‫من ْـ ُ‬
‫ة ّ‬ ‫من َ ً‬‫أ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫جــَز ٱل ّ‬ ‫عنك ُ ْ‬ ‫وي ُذْ ِ‬ ‫هَرك ُ ْ‬ ‫ل ّي ُطَ ّ‬
‫شي ْط ٰـــ ِ‬ ‫ر ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َ‬‫م بِ ِ‬
‫م‪‬‬ ‫دا َ‬
‫قـ َ‬ ‫ه ٱل ْ ْ‬ ‫ت ب ِـ ِ‬‫وي ُث َب ّـ َ‬ ‫م َ‬‫قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫لى ُ‬‫ع َ ٰ‬‫ط َ‬ ‫ول ِي َْرب ِ َ‬‫َ‬
‫‪.((11‬‬
‫فأنامهم قبييل المعركيية وبعييد أن اسييتيقظوا ميين‬
‫‪191‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫نومهم أنييزل عليهييم ميين السييماء رذاذا ً ميين المطيير‬


‫لكييي يغتسييلوا ويتوضييأوا ويتنشييطوا للقتييال‪ .‬فحييتى‬
‫العداد النفسي كان بتقدير من الله عز وجل‪.‬‬
‫أحد الصحابة يصف هذا الموقف فيقول بأنه حين‬
‫كان يحرس المسلمين غلب عليه النعاس فنظر فإذا‬
‫جميع الصحابة يغطون فييي النييوم علييى الرغييم ميين‬
‫الخوف الشديد والرهبة التي كييانت تحييف الموقييف‪،‬‬
‫وذلك كله بتقدير من الله تعالى‪.‬‬
‫‪ .3‬التجهيز المعنوي للجيش‬
‫وليس العداد النفسي وترتيب المعركة كانا ميين‬
‫الله وحسب‪ ،‬بل إن الحاليية النفسييية ‪ -‬والييتي ينفييق‬
‫الجيوش عليهييا مبييالغ طائليية ‪ -‬كييانت أيض يا ً بتييدبيره‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫إن التجهيييز المعنييوي الربيياني للمسييلمين فييي‬
‫م‬ ‫ريك َ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫غزوة بييدر يتجلييى فييي قييوله تعييالى‪ :‬إ ِذْ ي ُ ِ‬
‫م ك َِثيــرا ً‬ ‫قِليل ً ول َـ َ‬
‫هـ ْ‬ ‫و أَراك َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫مـ َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫فــى َ‬ ‫ٱللــه ِ‬
‫ن ٱللــه‬ ‫وَلـــٰك ِ ّ‬ ‫ر َ‬ ‫م ِ‬ ‫فى ٱل ْ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عت ُ ْ‬‫نـَز ْ‬ ‫ول َت َ َ ٰ‬‫م َ‬ ‫شل ْت ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫لّ َ‬
‫وإ ِ ْ‬
‫ذ‬ ‫ر ‪َ  (43) ‬‬ ‫دو ِ‬ ‫صـ ُ‬ ‫ت ٱل ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ب ِـ َ‬ ‫عِلي ـ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّـ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫َ‬
‫عي ُن ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫م إ ِِذ ٱل ْت َ َ‬
‫قِليل ً‬ ‫م َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫فــى أ ْ‬ ‫م ِ‬
‫قي ُْتــ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫مــو ُ‬ ‫ريك ُ ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫َ‬
‫م‪.( (44...‬‬ ‫ه ْ‬ ‫عي ُن ِ ِ‬
‫فى أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قل ّل ُك ُ ْ‬‫وي ُ َ‬ ‫َ‬
‫فكان المسلمون يرون الكفييار قليل ً فل يخييافون‬
‫وكيييييان المشيييييركون ييييييرون المسيييييلمون قليل ً‬
‫فيستهترون‪ .‬نفس الرؤية ونفس المنظيير كانييا لهمييا‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪192‬‬

‫في وقع كل طرف أثر مختلف‪ .‬فسبحان ميين يخييرج‬


‫يء له ويعين عليه‪.‬‬
‫النصر ويه ّ‬
‫‪ .4‬نزول الملئكة‬
‫ن‬ ‫غيُثو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫وهذا واضح فييي قييوله تعييالى‪ :‬إ ِذْ ت َ ْ‬
‫َ‬ ‫ف ٱست َجاب ل َك ُ َ‬
‫ن‬ ‫مـ َ‬ ‫ف ّ‬ ‫م ب ِـأل ْ ٍ‬ ‫مدّك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م أّني ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫م َ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫ن‪.( (9‬‬ ‫في َ‬ ‫مْرِد ِ‬‫ة ُ‬ ‫مَلـئ ِك َ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫مَلـئ ِك َ ِ‬
‫ة‬ ‫ك إ َِلى ٱل ْ َ‬ ‫حى َرب ّ َ‬ ‫وكذلك قوله‪ :‬إ ِذْ ُيو ِ‬
‫فــي‬ ‫قى ِ‬ ‫سأ ُل ْ ِ‬
‫مُنوا ْ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فث َب ُّتوا ْ ٱل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫م َ‬
‫أّني َ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫و َ‬ ‫ف ْ‬ ‫رُبوا ْ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ع َ‬ ‫فُروا ْ ٱلّر ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ٱل ّ ِ‬ ‫قُلو ِ‬ ‫ُ‬
‫ن‪.( (12‬‬ ‫ل ب ََنا ٍ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬ ‫رُبوا ْ ِ‬‫ض ِ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫عَنـٰ ِ‬ ‫ٱل ْ‬
‫فمن الذي فعل كل هذا‪ ،‬من هييو المالييك للرض‬
‫الذي يفعل ما يشاء؟ وكيف ل يثق النسان بربه وأن‬
‫النصر من عنده تعالى؟ وكيف يثق المرء بغير اللييه؟‬
‫وكيف يعتمد على غيره؟‬
‫‪ .5‬مكان المعركة وزمانها‬
‫تنتقييل اليييات إلييى مييا هييو أبعييد ميين العوامييل‬
‫النفسية‪ ،‬فحتى مكان المعركة كان بترتيب من اللييه‬
‫َ‬
‫هــم‬ ‫و ُ‬
‫ة ٱلدّن َْيا َ‬ ‫و ِ‬‫عدْ َ‬‫فالية ‪ 42‬تقول‪ :‬إ ِذْ أنُتم ِبال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ة ٱل ْ ُ‬
‫م‬‫منك ُـ ْ‬ ‫ف َ‬
‫ل ِ‬ ‫سـ َ‬‫بأ ْ‬ ‫و ٱلّرك ْـ ُ‬ ‫وىٰ َ‬ ‫صـ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ب ِ ٱل ْ ُ‬
‫ع دْ َ‬
‫د‪.( (42‬‬ ‫ع ٰـ ِ‬
‫مي َ‬ ‫في ٱل ْ ِ‬ ‫م ِ‬‫فت ُ ْ‬‫خت َل َ ْ‬
‫م لَ ْ‬ ‫عدت ّ ْ‬‫وا َ‬ ‫و تَ َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫َ‬
‫فالعدوة الييدنيا ‪ -‬حيييث كييان المسييلمون ‪ -‬تتمتييع‬
‫بنوعية خاصة من التراب حيث أن المطيير كييان عنيد‬
‫نزولييه يثب ّييت الرمييال تحييت أقييدام المسييلمين ممييا‬
‫‪193‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫يسييهل حركتهييم‪ ،‬وأمييا فييي العيدوة القصييوى فكييان‬


‫المطر يسييبب سيييول ً عنييد نزولييه ممييا يعيييق حركيية‬
‫در‬
‫جنود الكفار وفرسانهم‪ .‬إنها قدرة الله تعييالى مق ي ّ‬
‫النصر وناصر المؤمنين‪.‬‬
‫م)‬ ‫ه ْ‬ ‫قت َل َ ُ‬‫ن ٱلله َ‬ ‫وَلـٰك ِ ّ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قت ُُلو ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫فل َ ْ‬ ‫‪َ ) .6‬‬
‫م‬ ‫فل َ ْ‬
‫وتتتابع اليات ونصييل إلييى قييوله تعييالى‪َ  :‬‬
‫ت إِ ْ‬
‫ذ‬ ‫مي ْـ َ‬
‫مــا َر َ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫هـ ْ‬‫قت َل َ ُ‬
‫ن ٱللــه َ‬ ‫وَلـٰك ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قت ُُلو ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫م ٰى‪ .( (17‬هذه الية توضح‬ ‫ن ٱلله َر َ‬ ‫ول َ ٰـك ِ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫مي ْ َ‬‫َر َ‬
‫نتيجة المعركة وخط سيييرها حييتى عنييد رمييي النييبي‬
‫للتراب في وجوههم وقوله "شاهت الوجوه"‪.‬‬
‫لذلك تؤكد اليات على ضرورة طلب النصر ميين‬
‫د ٱللــه ‪،( (10‬‬ ‫عن ـ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ص ـُر إ ِل ّ ِ‬ ‫ما ٱلن ّ ْ‬ ‫و َ‬ ‫الله ‪َ ‬‬
‫ولهذا كان النبي ‪ ‬يوم غزوة بدر يدعو ويدعو حتى‬
‫ظهر بياض إبطيه ووقع الرداء عن ظهره ‪ ،‬فكييان‬
‫ون عليك يا رسول‬ ‫أبو بكر رضي الله عنه يقول له ه ّ‬
‫الله‪.‬‬
‫لن النصر من عند الله فل بد أن نستجيب لنييداء‬
‫الله تعالى‪:‬‬
‫جيُبوا ْ للــه‬ ‫َ‬
‫ســت َ ِ‬ ‫مُنــوا ْ ٱ ْ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هــا ٱّلــ ِ‬ ‫‪‬يأي ّ َ‬
‫م‪.( (24‬‬ ‫حِييك ُ ْ‬‫ما ي ُ ْ‬ ‫م لِ َ‬ ‫عاك ُ ْ‬ ‫ذا دَ َ‬ ‫ل إِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫وِللّر ُ‬ ‫َ‬
‫ست َطَ ْ‬
‫عُتم(‬ ‫ما ٱ ْ‬
‫م ّ‬ ‫دوا ْ ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫وأ َ ِ‬
‫ع ّ‬ ‫القسم الثاني ) َ‬
‫‪ .1‬أهميــة الخــذ بالســباب وأثــر ذلــك علــى‬
‫النصر‪:‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪194‬‬

‫مـــا‬‫م ّ‬ ‫دوا ْ ل َ ُ‬
‫هـــ ْ‬ ‫عـــ ّ‬‫وأ َ ِ‬
‫يقيييول الليييه تعيييالى‪َ  :‬‬
‫ة‪ .( (60‬إن هذه الية واضحة‬ ‫و ٍ‬ ‫من ُ‬
‫ق ّ‬ ‫ست َطَ ْ‬
‫عُتم ّ‬ ‫ٱ ْ‬
‫جدا ً في بيان هذا المعنى‪ ،‬فنفس السورة التي تؤكد‬
‫أن النصر هو من عند الله تعالى وحييده‪ ،‬تؤكييد أيضيا ً‬
‫ضييرورة الخييذ بالسييباب‪ .‬فييالتخطيط إلييى جييانب‬
‫اللجوء إلى الله هما السببان الرئيسيان في النصيير‪،‬‬
‫وهذه السورة تتحييدث عيين مييوازين القييوى‪ ،‬وتشييير‬
‫إلى أن المعارك ل يجدي بهييا أن يقييوم فييرد ليقاتييل‬
‫منفردا ً وينتصر على الجيوش الجرارة بحجة أن اللييه‬
‫د ٱللــه ‪‬‬ ‫عن ِ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬‫صُر إ ِل ّ ِ‬‫ما ٱلن ّ ْ‬ ‫و َ‬
‫تعالى يقول‪َ  :‬‬
‫‪ .((10‬إن هذا فهم خيياطئ ونيياقص لييدين اللييه تعييالى‬
‫وسننه التي يدير بها الكون‪.‬‬
‫والملحظ أن الرهاب الذي ذكر في الية يهييدف‬
‫إلى منع القتال ل إلى سفك الدماء‪ .‬فييالمطلوب هييو‬
‫أن تكييون للمسييلمين قييوة رادعيية ترهييب أعييداءهم‬
‫فتكون النتيجة وقف القتال‪ .‬حتى فييي الحييرب نييرى‬
‫السلم يدعو إلى السلم )عكس ما يعتقد الكييثيرون‬
‫ن‬
‫ريــ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫وءا َ‬ ‫عن هذا الدين(‪ .‬فالية تقول بعد ذلك‪َ  :‬‬
‫م‪،( (60‬‬ ‫ه ْ‬‫م ُ‬‫عل َ ُ‬
‫م ٱلله ي َ ْ‬ ‫ه ُ‬‫مون َ ُ‬‫عل َ ُ‬
‫م ل َ تَ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫دون ِ ِ‬‫من ُ‬
‫ِ‬
‫فهي تشمل إظهار قوة المسلمين أمام كل أعدائهم‬
‫لردعهم عيين القتييال‪ .‬لييذلك تييأتي الييية الييتي بعييدها‬
‫مباشرة لتقول‪:‬‬
‫ل‬‫وك ّـ ْ‬‫وت َ َ‬‫هــا َ‬ ‫ح لَ َ‬ ‫ج ن َـ ْ‬ ‫سل ْم ِ َ‬
‫فٱ ْ‬ ‫حوا ْ ِلل ّ‬ ‫جن َ ُ‬
‫وِإن َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫‪195‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫عَلى ٱلله‪.( (61...‬‬


‫َ‬
‫‪ .2‬موازين القوى المادية‪:‬‬
‫صحيح أن الله يؤيد بنصره من يشيياء لكيين ل بييد‬
‫من مراعاة موازين القوة والخييذ بالسييباب المادييية‬
‫حييتى ل يقييول بعييض النيياس‪ :‬هنيياك تأييييد ربيياني‬
‫ها‬ ‫َ‬
‫بالملئكيية فلييم العييداد؟ يقييول تعييالى‪ :‬ي َ‪ٰ ‬ـــأي ّ َ‬
‫ل ِإن‬ ‫قت َــا ِ‬ ‫عل َــى ٱل ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ض ٱل ْ ُ‬ ‫حـّر ِ‬ ‫ى َ‬ ‫ٱلن ّب ِ ّ‬
‫غل ِب ُــوا ْ ِ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن‬ ‫م ـائ َت َي ْ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ص ٰـ ـب ُِرو َ‬ ‫ن َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م ِ‬ ‫كن ّ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ن ٱّلــ ِ‬ ‫مــ َ‬‫فا ّ‬ ‫غل ُِبوا ْ أ َل ْ ً‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫ما ْئ َ ٌ‬ ‫م ّ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ن ّ‬ ‫وِإن ي َك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م ل ّ يَ ْ‬
‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫كَ َ‬
‫ن ‪ (65) ‬ٱلئ َ ٰـ َ‬
‫ن‬ ‫هو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫و ٌ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫فُروا ب ِأن ّ ُ‬
‫عفا ً َ‬ ‫َ‬
‫فِإن‬ ‫ض ْ‬ ‫م َ‬ ‫فيك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مأ ّ‬ ‫عل ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫عنك ُ ْ‬ ‫ف ٱلله َ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ّ‬ ‫َ‬
‫غل ِب ُــوا ْ ِ ْ‬ ‫مـا ْئ َ ٌ‬ ‫منك ُـ ْ‬ ‫يَ ُ‬
‫وِإن‬ ‫ن َ‬ ‫مـائ َت َي ْ ِ‬ ‫صــاب َِرةٌ ي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫م ّ‬ ‫كن ّ‬
‫ن ٱللــه‬ ‫ن ب ِـإ ِذْ ِ‬ ‫في ْـ ِ‬ ‫غل ِب ُــوا ْ أ َل ْ َ‬ ‫ف يَ ْ‬ ‫م أ َل ْـ ٌ‬ ‫منك ُـ ْ‬ ‫ي َك ُــن ّ‬
‫ن‪.( (66‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ٰـب ِ ِ‬ ‫ع ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫و ٱلله َ‬ ‫َ‬
‫ن ٱلله ‪ ‬فيه إشارة إلى أن اللييه‬ ‫فقوله‪ :‬ب ِإ ِذْ ِ‬
‫تعالى هو الناصر وهو الذي يؤيد بنصييره ميين يشيياء‪،‬‬
‫ن ‪ ‬إشييارة‬ ‫ري َ‬ ‫ص ٰــب ِ ِ‬ ‫ع ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫‪‬ٱلله َ‬ ‫و‬
‫وقوله تعالى‪َ :‬‬
‫إلى أنه ل بد من الصبر لتحقيق النصر‪ .‬فسبحان من‬
‫جمع بين السببين في سورة واحدة‪.‬‬
‫‪ .3‬فقه قوانين الحرب‪:‬‬
‫وتشير اليات بعيد ذليك إليى سيبب مين أسيباب‬
‫هزيمة المشركين في المعركة‪ ،‬فإضافة إلى كييونهم‬
‫كفار فهم لم يأخذوا بالسييباب المادييية الييتي تجعييل‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪196‬‬

‫النصر حليفهم‪ ،‬وقييد أشييارت إلييى ذلييك الييية )‪:(65‬‬


‫ن‬
‫مـ َ‬ ‫غل ِب ُــوا ْ أ َل ْ ً‬
‫فــا ّ‬ ‫ة يَ ْ‬‫مـا ْئ َ ٌ‬‫م ّ‬‫منك ُـ ْ‬ ‫ن ّ‬ ‫وِإن ي َك ُـ ْ‬ ‫‪َ ...‬‬
‫َ‬
‫ن ‪ ‬أي ل‬ ‫هو َ‬ ‫ف َ‬
‫ق ُ‬ ‫م ل ّ يَ ْ‬ ‫و ٌ‬ ‫م َ‬
‫ق ْ‬ ‫ه ْ‬‫فُروا ْ ب ِأن ّ ُ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬‫ٱل ّ ِ‬
‫يفقهييون السييباب الييتي تجعييل النصيير حليفهييم ول‬
‫يملكون الحنكيية والتخطيييط الحربييي‪ .‬يييا مسييلمون‪،‬‬
‫تعلموا من سورة النفال سنن الليه تعيالى وقيوانينه‬
‫وافقهوا السباب المادية للنصر‪.‬‬
‫‪ .4‬طاعة الله والخوة في الله‪:‬‬
‫وتبّين اليات بعد ذلك أن هناك سببا ً دنيويا ً ينبغي‬
‫تحقيقييه ليتحقييق النصيير‪ ،‬وتوضييح ذلييك الييية )‪:(46‬‬
‫عوا ْ‬ ‫وأ َ‬
‫ول َ ت َن َ ٰــــَز ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ســـول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫عـــوا ْ ٱللـــه َ‬ ‫طي ُ‬ ‫‪ِ ‬‬ ‫َ‬
‫ن ٱللــه‬ ‫صب ُِروا ْ إ ِ ّ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ري ُ‬ ‫ب ِ‬ ‫ه َ‬ ‫وت َذْ َ‬‫شُلوا ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ٰـب ِ ِ‬‫ع ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫فالتكاتف وترك التنازع من أهم قوانين وأسييباب‬
‫النصر‪.‬‬
‫ك‬ ‫عو َ‬ ‫خــدَ ُ‬ ‫دوا ْ َأن ي َ ْ‬ ‫ريــ ُ‬ ‫وِإن ي ُ ِ‬ ‫ويقييول تعييالى‪َ  :‬‬
‫ه‬ ‫ر ِ‬ ‫صـ ِ‬ ‫ك ب ِن َ ْ‬ ‫ذى أ َي ّـدَ َ‬ ‫و ٱل ّـ ِ‬ ‫هـ َ‬ ‫ك ٱللــه ُ‬ ‫سـب َ َ‬‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫قـ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫و َأن َ‬ ‫م ل َـ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫قلوب ِ ِ‬
‫ن ُ ُ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫وأ َل ّ َ‬‫ن‪َ ‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫وب ِ ٱل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ما أل ّ ْ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫قلــوب ِ ِ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬‫ف َ‬ ‫ميعا ً ّ‬ ‫ج ِ‬
‫ض َ‬ ‫فى ٱل ْْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن ٱلله أل ّ َ‬
‫م‪ .( (62-63‬فييالخوة هييي‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ب َي ْن َ ُ‬ ‫وَلـٰك ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ميين السييباب الرئيسييية حييتى يحصييل هييذا النصيير‬
‫للمؤمنين‪.‬‬
‫‪ .5‬ترك الرياء والعجب‬
‫‪197‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫كون ُــوا ْ‬‫ول َ ت َ ُ‬‫وذلييك واضييح فييي قييوله تعييالى‪َ  :‬‬


‫رَئاء‬‫و ِ‬‫طــرا ً َ‬ ‫هم ب َ َ‬
‫ر ِ‬ ‫جــوا ْ ِ‬
‫مــن ِدي َ ٰـــ ِ‬ ‫خَر ُ‬
‫ن َ‬ ‫ك َٱّلــ ِ‬
‫ذي َ‬
‫س‪ ( (47...‬فهييذا عامييل مييادي آخيير إضييافي‬ ‫ٱلّنا ِ‬
‫أدى لهزيمة المشركين عندما نحروا البييل وسييكروا‬
‫وأقاموا الحتفالت قبل موعد المعركة زهوا ً ليخيفوا‬
‫كييل العييرب‪ ،‬فكييان عجبهييم بنفسييهم سييببا ً فييي‬
‫استخفافهم بعدوهم‪.‬‬
‫‪ .6‬صفات المؤمنين إيجابية وعملية‪:‬‬
‫ونجد آيات كييثيرة فييي هيذه السييورة توفّييق بييين‬
‫مفهييوم التوك ّييل ومفهييوم الخييذ بالسييباب‪ ،‬ولييذلك‬
‫نلحظ معلومة هاميية للغاييية‪ ،‬فبداييية السييورة تييذكر‬
‫صييفات المييؤمنين وبعييد ذكيير هييذه الصييفات يقييول‬
‫ق ـا ً ‪ ‬وفييي‬‫ح ّ‬
‫ن َ‬‫من ُــو َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫م ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ُ‬
‫ك ُ‬ ‫تعالى‪ُ :‬أوَلـئ ِ َ‬
‫آخر السورة أيضا ً يذكر تعالى صفات المييؤمنين فييي‬
‫الييية )‪ (74‬ويعقييب عليهييا بقييوله سييبحانه وتعييالى‪:‬‬
‫قـــا ً ‪ .‬نفيييس‬‫ح ّ‬‫ن َ‬
‫من ُـــو َ‬‫ؤ ِ‬ ‫م ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫هـــ ُ‬ ‫ك ُ‬‫‪ُ‬أوَلــــئ ِ َ‬
‫الكلمات جاءت في أول السورة وفي آخرها مع أنييه‬
‫يوجد فارق في تصنيف هذه الصفات وحقيقتها‪.‬‬
‫فالصييفات الييتي ذكييرت فييي أول السييورة كلهييا‬
‫ما‬‫و َ‬‫صفات إيمانييية‪ ،‬وهييي تناسييب قييوله تعييالى‪َ  :‬‬
‫د ٱللــه ‪ .‬فيقييول تعييالى‪:‬‬ ‫عن ـ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ص ـُر إ ِل ّ ِ‬
‫ٱلن ّ ْ‬
‫كــَر ٱللــه‬ ‫ذا ذُ ِ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱّلــ ِ‬ ‫مُنــو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬‫مــا ٱل ْ ُ‬ ‫‪‬إ ِن ّ َ‬
‫ه‬
‫م ءاي َ ٰـــت ُ ُ‬‫هــ ْ‬ ‫ت َ َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫قُلــوب ُ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫جَلــ ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ذا ت ُل َِيــ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (2‬‬ ‫وك ّل ُــو َ‬
‫م ي َت َ َ‬ ‫هـ ْ‬‫عل ـ ٰى َرب ّ ِ‬
‫و َ َ‬ ‫م ٰـنـا ً َ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫ه ْ‬‫َزادَت ْ ُ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪198‬‬

‫فهييي صييفات إيمانييية رقيقيية‪ ،‬لن هييذا الجييزء ميين‬


‫السورة يختص بالجانب اليماني من أسباب النصر‪.‬‬
‫وفي آخر السورة ‪ -‬وهو الجييزء الثيياني والمييادي‬
‫ميين أسييباب النصيير والمختييص بالخييذ بالسييباب ‪-‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫جييياءت صيييفات الميييؤمنين بيييأنهم‪ ... :‬ٱّلــ ِ‬
‫ل ٱللــه‬ ‫س ـِبي ِ‬ ‫فــي َ‬ ‫دوا ْ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫جـ ـٰ َ‬‫و َ‬ ‫جُروا ْ َ‬ ‫ها َ‬ ‫و َ‬‫مُنوا ْ َ‬ ‫ءا َ‬
‫م‬ ‫هــــ ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫صــــُروا ْ ُأوَلـــــئ ِ َ‬ ‫ون َ َ‬‫ووا ْ ّ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱّلــــ ِ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫قا‪ ( (74‬فالمؤمنون حقا هم الذين‬ ‫ً‬ ‫ح ّ‬‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ٱل ُ‬ ‫ْ‬
‫يجمعييون بييين الصييفات الييواردة فييي أول السييورة‬
‫وآخرها‪ ،‬فهم خاشعون لله عبادا ً له ومجاهييدون فييي‬
‫سييبيله وناصييرون لييدينه يعيشييون لجييل السييلم‬
‫ويأخييذون بالسييباب المادييية‪ .‬ولييذلك كييانت الييية‬
‫ها‬ ‫َ‬
‫المحورية في السييورة هييي قييوله تعييالى‪ :‬ي َ ٰـأي ّ َ‬
‫فـــ ٱث ْب ُُتوا ْ‬ ‫ة َ‬ ‫فئ َ ً‬‫م ِ‬ ‫قيُتـــ ْ‬ ‫ذا ل َ ِ‬ ‫مُنـــوا ْ إ ِ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫لـــ ِ‬ ‫ّٱ‬
‫ن‪( (45‬‬ ‫حــو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م تُ ْ‬ ‫عل ّك ُـ ْ‬‫و ٱذْك ُُروا ْ ٱلله ك َِثيــرا ً ل ّ َ‬ ‫َ‬
‫فأسييباب النصيير جيياءت مجموعيية فييي هييذه الييية‪،‬‬
‫ف ٱث ْب ُُتوا ْ ‪ ‬هييو ميين‬ ‫فييالمر بالثبييات فييي قييوله‪َ  :‬‬
‫الخيييذ بالسيييباب‪ ،‬والمييير باليييذكر فيييي قيييوله‪:‬‬
‫و ٱذْك ُُروا ْ ٱلله ك َِثيرا ً ‪ ‬هو من اللجوء إلى‬ ‫‪َ ‬‬
‫م‬ ‫كــ ْ‬ ‫عل ّ ُ‬‫اللــه صــانع النصــر‪ ،‬وختــام اليــة‪ :‬ل ّ َ‬
‫ن ‪ ‬فييالفلح يكييون نييزول النصيير‪ .‬وهييذه‬ ‫حــو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫القوانين ثابتة علييى ميير العصييور‪ ،‬وهييذا واضييح فييي‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫تكيييرار قيييوله تعيييالى‪َ  :‬‬
‫و َ‬ ‫عـــ ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ب ءا ِ‬ ‫كـــدَأ ِ‬
‫م‪ ( (52‬مرتييين للتأكيييد علييى‬ ‫ه ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫‪199‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ضييح أن سييبب الهلك كييان‬ ‫هييذا المعنييى‪ .‬فالييية تو ّ‬


‫كفرهييم بييالله )السييبب الربيياني( بينمييا الييية )‪(54‬‬
‫وك ُـ ّ‬
‫ل‬ ‫ضييح السييبب المييادي لهلكهييم‪ :‬الظلييم ‪َ ‬‬ ‫تو ّ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫كاُنوا ْ ظَ ٰـل ِ ِ‬
‫مي َ‬ ‫َ‬
‫لماذا سميت السورة بالنفال‬
‫إن النفييال وهييي الغنييائم هييي إشييارة للييدنيا‪،‬‬
‫والواقع أن المسلمين بعد غزوة بدر اختلفييوا ودبييت‬
‫بينهم الشحناء وكادت الخوة أن تضيع بسبب الدنيا‪.‬‬
‫ذر المييؤمنين‬ ‫فالله تعالى من خلل هذه السييورة يحي ّ‬
‫من التنافس على الدنيا فتكون بييذلك سييببا ً للفرقيية‬
‫وضييياع الخييوة بييين المييؤمنين‪ ،‬ممييا يضيييع اكتمييال‬
‫السباب المادييية والربانييية ويسيّبب الهزيميية‪ .‬لييذلك‬
‫ل‬‫قــ ِ‬ ‫الييييات أمرتهيييم بإهميييال النفيييال تماميييا ً ‪ُ ‬‬
‫ل ‪ ‬حيتى ترسيخ أسيباب‬ ‫سو ِ‬‫و ٱلّر ُ‬ ‫ل لله َ‬ ‫ٱلن َ‬
‫فا ُ‬
‫النصر عندهم‪ .‬فلما رسخ المعنى قسمها في الييية )‬
‫‪ (41‬إلى أن نصل إلى اليية )‪ (69‬لتوضيح أن مسييألة‬
‫مــا‬ ‫فك ُل ُــوا ْ ِ‬
‫م ّ‬ ‫النفال فرعية وتحل لهم ما أخييذوا‪َ  :‬‬
‫حل َ ٰـل ً طَّيبًا‪. ...‬‬‫م َ‬‫مت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫غن ِ ْ‬
‫وأسباب النصر كما ذكرنا هي لجوء إلى الله واخذ ٌ‬
‫بالسييباب‪ ،‬وميين الخييذ بالسييباب الخييوة الشييديدة‬
‫ووحدة الصف‪ ،‬فلو ضاعت الخوة وحّلت الفرقة فييإن‬
‫الهزيمة قادمية ل محالية‪ .‬فسيميت السييورة بالنفيال‬
‫حتى تذكرنا بما يسبب الهزيمة‪.‬‬
‫نسخ أحكام الميراث‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪200‬‬

‫وأخيرا ً ختمت السورة بنسخ حكم الميراث الذي‬


‫كان متعامل ً به بين الصحابة وهو أن الخ ييرث أخياه‬
‫في الله‪ .‬فجيياءت الييية فييي ختييام السييورة لتقييول‪:‬‬
‫َ‬ ‫وأ ُ‬
‫فــي‬ ‫ض ِ‬
‫عــ ٍ‬‫ول َ ٰى ب ِب َ ْ‬
‫مأ ْ‬‫ه ْ‬
‫ض ُ‬
‫ع ُ‬‫حام ِ ب َ ْ‬ ‫وُلوا ْ ٱلْر َ‬ ‫‪ْ ‬‬ ‫َ‬
‫ب ٱلله ‪ ( (75‬فييالتوارث بييين المتييآخين كييان‬ ‫ك َِتـٰ ِ‬
‫مرحلة مؤقتة قبل غزوة بدر لتعميق معيياني الخييوة‬
‫بين المؤمنين‪ ،‬فلما جاء النصيير وكييانت الخييوة ميين‬
‫أسييبابه تحقييق انصييهار المجتمييع لن النصيير يصييلح‬
‫مشاكل نفسية كثيرة في المجتمعات‪.‬‬
‫هذه سورة النفال‪ .‬فلنحييرص جميعيا ً علييى فهييم‬
‫قييوانين النصيير حييتى يؤيييد اللييه تعييالى هييذه الميية‪.‬‬
‫ما‬‫و َ‬
‫فلنلجييأ إلييى اللييه ولنثييق بييأنه صييانع النصيير‪َ  :‬‬
‫د ٱللــه ‪ ،‬ولنأخييذ بالسييباب‬ ‫عنـ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صُر إ ِل ّ ِ‬
‫ٱلن ّ ْ‬
‫ب للعلم وتفوق في حياتنا الجتماعية‬ ‫المادية من طل ٍ‬
‫والعملييية مييع الحييذر ميين التعلييق بالييدنيا وزينتهييا‬
‫"النفال" حتى يستجيب الله دعاءنا ويعيد العز لهييذه‬
‫المة‪.‬‬
‫ختام معالم المنهج‬
‫بعد أن انتهت أول ‪ 10‬سور من القرآن‪ ،‬نييرى أن‬
‫معالم المنهييج اللزميية للسييتخلف عليى الرض قييد‬
‫صارت واضحة‪ ،‬وأن أهداف السور ورسائلها تتكامل‬
‫أمام ناظري قارئ القرآن‪:‬‬
‫‪ -‬أنتم مسؤولون عيين هييذه الرض أيهييا المسييلمون‪،‬‬
‫‪201‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وهذا هو منهجكم )سورة البقرة(‪.‬‬


‫‪ -‬أهميييية الثبيييات عليييى هيييذا المنهيييج )سيييورة آل‬
‫عمران(‪.‬‬
‫‪ -‬العدل شرط أساسي لضمان الستخلف )سييورة‬
‫النساء(‪.‬‬
‫‪ -‬أهميية الوفياء بالمنهيج والعقيود اليتي قطعتموهيا‬
‫لتطبيقه )سورة المائدة(‪.‬‬
‫‪ -‬توحيد الله تعالى فييي العتقيياد والتطييبيق أمييران‬
‫لزمان في هذا المنهج‪.‬‬
‫‪ -‬احسم موقفك أيها المسلم تجاه هذا المنهج‪.‬‬
‫‪ -‬قوانين ربنا في النصيير مادييية وربانييية‪ ،‬وهييذا ميين‬
‫شمول المنهج وواقعيته‪.‬‬
‫أرأيييت كيييف تتكامييل هييذه السييور فييي رسييائلها‬
‫لتكون سلسلة واحدة متماسكة في موضوعاتها؟‬
‫لذلك بعد أن وضحت معالم المنهج‪ ،‬تأتي الجزاء‬
‫دم لنييا عوامييل مسيياعدة علييى‬ ‫العشييرة التالييية لتق ي ّ‬
‫تحقيق المنهج‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬التوبة‪.‬‬
‫‪ -‬استشعار نعم الله تعالى )سييورة النحييل(‪ ،‬والييتي‬
‫من أهمها نعمة اليمان )سورة إبراهيم(‪.‬‬
‫‪ -‬العتييدال والوسييطية فييي الييدعوة إلييى المنهييج‬
‫)سورة هود(‪.‬‬
‫‪ -‬الصبر والمل بنصر الله )سورة يوسف(‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪202‬‬

‫بعد أن فهمنا أين نحن من تدّبر آيات ربنا‪ ،‬تعييالوا‬


‫إلى الجزاء العشرة التالية من القرآن‪ ،‬وإلى المزيد‬
‫من روائع القرآن وإعجازه‪.‬‬
‫سورة التوبة‬

‫سو‬ ‫سورة التوبة )مدنية( نزلييت بعييد المييائدة‪ ،‬وهييي‬


‫رة‬ ‫في ترتيب المصييحف بعييد النفييال‪ .‬عييدد آياتهييا ‪129‬‬

‫التوبة‬ ‫آية‪ ،‬وهي آخر سورة كامليية أنزلييت علييى النييبي ‪‬‬
‫قبل انتقاله إلى الرفيق العلى‪...‬‬
‫لقد أنزلت هذه السورة في وقت كييان المجتمييع‬
‫السييلمي يسييتعد للخييروج برسييالة السييلم ميين‬
‫الجزيرة العربية إلى شعوب الرض كلها‪.‬‬
‫أنزلت هذه السورة بعد آخر غزوة للنييبي‪ ،‬غييزوة‬
‫تبييوك‪ ،‬وكييان عييدد المسييلمين فيهييا ثلثييين ألفييًا‪.‬‬
‫واللطيف أنها جاءت في ترتيييب المصييحف مباشييرة‬
‫بعييد النفييال الييتي تحييدثت عيين غييزوة بييدر )أولييى‬
‫غييزوات النييبي( حيييث عييدد المسييلمين فيهييا ‪313‬‬
‫شخصا ً فقط‪ .‬ولعييل الحكميية هييي أن يلحييظ قييارئ‬
‫القييرآن الفييرق بييين ظييروف الغزوتييين وأحكامهمييا‬
‫وطريقة القرآن فييي التعقيييب عليهمييا‪ .‬غييزوة تبييوك‬
‫كانت من أكثر الغزوات التي ظهر فيها أثر النفاق إذ‬
‫كان مع الجيش منافقون كثر‪ ،‬وتخلف عنها منافقون‬
‫كثر كما تخّلف عنها بعض المؤمنين بسييبب الكسييل‪.‬‬
‫‪203‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪204‬‬

‫كانت نتيجة الغزوة انتصارا ً للمسلمين‪ ،‬وأنزلت هييذه‬


‫السورة للتعليق على كل هذه المواقف‪...‬‬
‫علمة التميز‬
‫إن سورة التوبة هي السييورة الوحيييدة الييتي لييم‬
‫تبدأ بالبسملة كما هو الحال في كييل سييور القييرآن‪.‬‬
‫والمسلم عندما يقرأ القرآن ويبتييدئ بي ي )بسييم اللييه‬
‫الرحمن الرحيم( يشييعر ميين بداييية حييرف البيياء أنييه‬
‫يعبر خطا ً فاصل ً بين وضع سابق ووضع جديد‪ ،‬يشعر‬
‫أنه داخل علييى عييالم جديييد ليييترك الييدنيا ومييا فيهييا‬
‫جه بقلبيييييييييييييييييييييييييييه‬
‫ويتيييييييييييييييييييييييييييو ّ‬

‫لسماع كلم ربه والعيش مع أسماء ربه الحسنى‬


‫)الرحمن الرحيم(‪.‬‬
‫وسبب غياب البسييملة عيين أول سييورة التوبيية ‪-‬‬
‫علييى قييول أغلييب العلميياء ‪ -‬هييو أنهييا أكييثر سييورة‬
‫تكلمت عن الكفار والمنافقين‪ ،‬فحرموا من البسملة‬
‫وميين معيياني الرحميية الموجييودة فيهييا‪ ،‬ميين أولييى‬
‫ه إ َِلــى‬
‫ســول ِ ِ‬
‫وَر ُ‬‫ن ٱللــه َ‬ ‫مــ َ‬‫كلماتهييا ‪َ‬بــَراءةٌ ّ‬
‫ن‪.( (1‬‬ ‫كي َ‬
‫ر ِ‬
‫ش ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬‫م ّ‬‫هدْت ُ ْ‬
‫عا َ‬
‫ن َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ولسييورة التوبيية أسييماء أخييرى‪ ،‬فقييد سييميت‬
‫بالفاضييحة لنهييا فضييحت المشييركين‪ ،‬ففيهييا خمييس‬
‫وخمسييين صييفة ميين صييفات المنييافقين الييتي كييانوا‬
‫يمارسييونها مييع النييبي ‪ .‬وسييميت بالكاشييفة لنهييا‬
‫‪205‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫كشفت عيوب الكفار والمتخاذلين عن نصرة السلم‪،‬‬


‫وسميت بسييورة السيييف لكونهييا أكييثر سييور القييرآن‬
‫دعييوة للجهيياد وتحريض يا ً علييى القتييال وتحييذيرا ً ميين‬
‫القعود والتخياذل‪ .‬فهيي سيورة شيديدة إذًا‪ ،‬وهنيا قيد‬
‫يقول قائل‪ :‬لماذا سميت بسورة التوبة؟‬
‫سبب تسمية السورة‬
‫إن التوبة بالنسبة لنا هي غاية فييي رقيية العلقيية‬
‫مع الله‪ ،‬فهي تعني العودة إلى اللييه تعييالى واللجييوء‬
‫إليييه والقلع عيين الييذنوب والمعاصييي‪ .‬فمييا علقيية‬
‫ث علييى‬ ‫التوبة بصفات المنافقين والمشييركين والح ي ّ‬
‫الجهاد؟‬
‫إن هذه السورة هي البلغ الخير للبشييرية‪ ،‬وقييد‬
‫أنزلت قبل ختام القييرآن ووداع النييبي ‪ ،‬وبييالرغم‬
‫من أن السورة قد تضمنت التهديييد الشييديد للكفييار‬
‫والمنافقين والدعوة الشديدة للمؤمنين إلييى الييدفاع‬
‫عن دينهييم‪ ،‬لكنهييا حرصييت علييى إبقيياء بيياب التوبيية‬
‫مفتوحييا ً لجميييع النيياس قبييل الييوداع‪ .‬فرغييم كييون‬
‫السييورة تتكلييم عيين المنييافقين والكفييار إل أنهييا‬
‫تدعوهم إلى التوبة في مرات عديدة‪ ،‬فنلحظ تكرار‬
‫م ‪.‬‬ ‫خْيرا ً ل ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫فِإن ي َُتوُبوا ْ ي َ ُ‬
‫ك َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ‬‬
‫وإذا بحثنييا ورود لفظيية )التوبيية( ومشييتقاتها فييي‬
‫هذه السورة وفي القرآن كله‪ ،‬نجد أنها تكررت فييي‬
‫هييذه السييورة سييبع عشييرة مييرة وهييي أكييثر سييور‬
‫القرآن إيرادا ً لكلمة )التوبة(‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪206‬‬

‫بينما ذكرت في سييورة البقييرة مثل ً ‪ 13‬مييرة مييع‬


‫أنها أطول سورة في القرآن‪ .‬وذكرت في سورة آل‬
‫عمران ‪ 3‬مرات وفي سييورة النسيياء ‪ 12‬مييرة وفييي‬
‫المائدة ‪ 5‬مرات وفي هود ستة مرات وفييي النعييام‬
‫مرة واحدة‪.‬‬
‫دعوة الجميع إلى التوبة‬
‫إذا ً أكييثر سييورة وردت فيهييا كلميية التوبيية هييي‬
‫السورة التي بين أيدينا‪ .‬والملفت أنها لم تذكر نوع يا ً‬
‫ميين طييوائف المجتمييع إل وذكرتييه بالتوبيية‪ :‬الكفييار‬
‫والمشييركين والمرتييدين والمييترددين والمنييافقين‬
‫والعصيياة والمييؤمنين الصييالحين‪ ،‬حييتى النييبي ‪‬‬
‫والصييحابة‪ .‬فكلمييا تحييدثت السييورة عيين فئة منهييم‬
‫نراها تذكرهم بالتوبة أو تخبرهم بأن اللييه تعيالى قيد‬
‫ك‬ ‫فـِإن ي َُتوُبـوا ْ َيـ ُ‬
‫ب الله‪َ ...‬‬ ‫تاب عليهم ‪‬ل َ َ‬
‫قدْ َتا َ‬
‫م‪.( (117-118...‬‬ ‫خْيرا ً ل ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫فبالرغم من أن السورة قييد فضييحت المنييافقين‬
‫إل أنها توصل لهييم رسييالة وهييي أن كييل حيلهييم قييد‬
‫كشفت وأصييبح المؤمنيون يعرفونهييا فل سيبيل لهييم‬
‫للنجاة إل بالتوبة‪ .‬لقد فضحتهم لتلجأهم إلى التوبة‪..‬‬
‫كمن يبتليه الله ببلء ليكون سببا ً في عودته‪ .‬فسورة‬
‫التوبة تشعر المنييافقين بييأنهم محاصييرون ولييم يعييد‬
‫لهم من حجة بعييد بيييان الييدين وتوضيييحه‪ ،‬فل منفييذ‬
‫لهم إل بالتوبة‪ .‬حييتى دعييوة المييؤمنين إلييى القتييال‪،‬‬
‫تهييدف إلييى تسييلل اليييأس إلييى الكفييار ميين القتييال‬
‫‪207‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫والحرب ويتوبوا إلى الله‪...‬‬


‫علقتها بالسور التي قبلها‬
‫عنييد تقسيييم القييرآن إلييى ثلثيية أقسييام نجييد أن‬
‫القسم الول يشييتمل علييى السييور السييبع الطييوال‬
‫ويختتم بسورة التوبة‪ .‬وكأنها جاءت بعد بيان المنهييج‬
‫ووسائل القيام بالمهمة لتفتح بيياب التوبيية والرحميية‬
‫صر في حق الله‪ .‬ومن اللطيف‬ ‫دل أو غّير أو ق ّ‬‫لمن ب ّ‬
‫أنها من أواخر ما أنزل علييى النييبي ‪ ‬قبييل وفيياته‪،‬‬
‫حتى يكون ختام الوحي وختييام نييزول القييرآن بفتييح‬
‫باب التوبة‪ ..‬هل استشعرت هذا المعنى؟‬
‫بعييض النيياس حييين يقييرأ هييذه السييورة يشييعر‬
‫بشييدتها علييى الكفييار والمنييافقين‪ ،‬والبعييض الخيير‬
‫يقرأها فيشعر برحمة الله الواسعة والتي تتجلى في‬
‫قبوله التوبة ميين جميييع البشيير‪ ،‬وهييؤلء أقييرب إلييى‬
‫فهم معاني السورة لن مييا فيهييا ميين شييدة وتهديييد‬
‫ووعيييد إنمييا هييو لحمييل الكفييار والمنييافقين علييى‬
‫التوبة‪ ..‬فحتى فضييح المنييافقين كييان لحملهييم علييى‬
‫التوبيية‪ ،‬وحييتى دعييوة المييؤمنين للقتييال جيياء لحمييل‬
‫الكفار على التوبة بعد أن يئسوا من القتال‪..‬‬
‫نداءات أخيرة للتوبة‬
‫إن السورة تبدأ بداييية شييديدة وملفتيية‪ ،‬فإضييافة‬
‫إلى كونها ل تبدأ بالبسملة كبقية السييور‪ ،‬فإنهييا تبييدأ‬
‫ه إ َِلى‬
‫سول ِ ِ‬
‫وَر ُ‬
‫ن ٱلله َ‬ ‫م َ‬
‫بكلمة "براءة"‪ ..‬ب ََراءةٌ ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪208‬‬

‫حوا ْ‬ ‫ســي ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫شـ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ـدْت ُ ْ‬ ‫عا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ة أَ ْ‬ ‫َ‬
‫غي ُْر‬ ‫م َ‬ ‫موا ْ أن ّك ُ ْ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ه ٍ‬ ‫ش ُ‬ ‫ع َ‬‫ض أْرب َ َ‬ ‫فى ٱل ْْر ِ‬ ‫ِ‬
‫زي ٱلله ‪ ( (1-2‬بداية شديدة ومهلة محيددة‪.‬‬ ‫ج ِ‬‫ع ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫وأ َ‬‫َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ثييم أذان ميين اللييه ورسييوله يقييرع الذان‪َ  :‬‬
‫ج‬‫حـ ّ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫س ي َـ ْ‬ ‫ه إ ِلــى ٱلن ّــا ِ‬
‫سول ِ ِ َ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ن ٱلله َ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫شــ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫مــ َ‬ ‫رىــء ّ‬ ‫ن ٱللــه ب َ ِ‬ ‫رأ ّ‬ ‫ٱل ْك َْبــ ِ‬
‫ه‪.( (3‬‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫َ‬
‫خْيــٌر‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ُ‬ ‫م َ‬ ‫فِإن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫لماذا كل هذه الشدة؟ ‪َ ‬‬
‫َ‬
‫زى‬ ‫جــ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ْ‬ ‫غي ُْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫موا ْ أن ّك ُ ْ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ول ّي ْت ُ ْ‬‫وِإن ت َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ّك ُ ْ‬
‫ٱلله ‪ ،( (3‬فالتهديد إذا ً كان من أجل التوبة ل ميين‬
‫أجييل النتقييام والوعيييد‪ ،‬كييأن "بييراءة" و"أذان" همييا‬
‫النداء الخير للتوبة‪.‬‬
‫توبة المشركين المحاربين‬
‫ذا‬ ‫فإ ِ َ‬‫وتصييل بنييا اليييات إلييى الييية الخامسيية ‪َ ‬‬
‫قت ُُلوا ْ‬ ‫فــــ ٱ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حــــُر ُ‬ ‫هُرل ْ ُٱ‬ ‫شــــ ُ‬ ‫خ ٱل ْ‬ ‫ســــل َ َ‬ ‫ٱن َ‬
‫د‪‬‬ ‫ص ٍ‬‫مْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫م‪ ...‬ك ُ ّ‬ ‫ه ْ‬‫مو ُ‬ ‫جدت ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫وا ْ‬‫وءات َ ُ‬ ‫صل َ ٰوةَ َ‬ ‫موا ْ ٱل ّ‬ ‫قا ُ‬ ‫وأ َ َ‬ ‫فِإن َتاُبوا ْ َ‬ ‫ومع ذلك َ‬
‫‪‬‬
‫م ‪ ‬فبعييد كييل هييذا الميير‬ ‫ه ْ‬ ‫سِبيل َ ُ‬‫خّلوا ْ َ‬ ‫ف َ‬‫ٱلّزك َ ٰوةَ َ‬
‫ث الكفييار عليهييا‪..‬‬ ‫بالقتييال جيياء التييذكير بالتوبيية لح ي ّ‬
‫فبقدر ما السورة حادة في مواجهتهم بقييدر مييا هييي‬
‫حريصة على توبتهم وإنابتهم إلى الله‪..‬‬
‫وبعد ذلك تخبرنا بأنه ل بد أن تقييام الحجيية علييى‬
‫الكفار وذلك بدعوتهم وبيان الدين لهم قبييل قتييالهم‬
‫َ‬
‫ك‬‫جاَر َ‬ ‫ســـت َ َ‬
‫نٱ ْ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬‫شـــ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫مـــ َ‬ ‫حـــدٌ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫‪َ ‬‬
‫‪209‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ه‬ ‫م أ َب ْل ِ ْ‬
‫غــ ُ‬ ‫ع ك َل َ َ‬
‫م ٱللــه ُثــ ّ‬ ‫م َ‬
‫ســ َ‬
‫ى يَ ْ‬
‫حّتــ ٰ‬‫جْرهُ َ‬
‫َ َ‬
‫فــأ ِ‬
‫ه‪.( (6...‬‬ ‫ْ‬
‫من َ ُ‬‫مأ َ‬ ‫َ‬
‫وتتابع اليات علييى نفييس الييوتيرة‪ :‬تهديييد‪ ،‬وفييي‬
‫نهاية كل تهديد ووعيد وتذكير بالتوبة‪ .‬فمثل ً في الية‬
‫ن‬ ‫م ٍ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫فــى ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫قُبو َ‬ ‫العاشرة يقول تعييالى ‪‬ل َ ي َْر ُ‬
‫ة ُ‬
‫ن ‪ ‬ثييم‬ ‫دو َ‬ ‫عَتــ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ٱل ْ ُ‬ ‫هــ ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وَلـــئ ِ َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫مــ ً َ‬ ‫ول َ ِذ ّ‬ ‫إ ِل ّ َ‬
‫موا ْ‬ ‫قـا ُ‬ ‫وأ َ َ‬ ‫فـِإن َتـاُبوا ْ َ‬ ‫تقييول الييية الييتي بعييدها ‪َ ‬‬
‫فــي‬ ‫م ِ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫فــإ ِ ْ‬ ‫كــ ٰوةَ َ‬ ‫ٱّز َ‬ ‫وا ْ ل‬ ‫وءاَتــ ُ‬ ‫صــل َ ٰوةَ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ف عنهييم اليييات فحسييب بييل‬ ‫ن ‪ .‬فلييم تع ي ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫ٱل ـ ّ‬
‫أوجبت على المؤمنين محبتهم بعد توبتهم لنهييم قييد‬
‫أصبحوا إخوانا ً لنا‪.‬‬
‫ثيم عيودة للتهدييد فيي حيال إصيرار المشيركين‬
‫وِإن ن ّك َُثوا ْ‬ ‫على القتال في اليييات )‪ (12‬و)‪َ  :(14‬‬
‫عُنوا ْ ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫كــ ْ‬ ‫فى ِدين ِ ُ‬ ‫وطَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫د ِ‬ ‫ه ِ‬
‫ع ْ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫م ٰـن َ ُ‬ ‫أي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هـ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫م ٰـ ـ َ‬ ‫م ل أي ْ َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ر إ ِن ّ ُ‬‫فـ ِ‬ ‫ة ٱل ْك ُ ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫ق ٰـ ـت ُِلوا ْ أئ ِ ّ‬ ‫ف َ‬
‫َ‬
‫م ٱللــه‬ ‫ه ُ‬ ‫عــذّب ْ ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قـٰت ُِلو ُ‬ ‫ن‪ ‬و‪َ ‬‬ ‫هو َ‬ ‫م َينت َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫عل ّ ُ‬‫لَ َ‬
‫م َ َ‬ ‫َ‬
‫م‪ . ...‬ثييم‬ ‫هـ ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫صـْرك ُ ْ‬ ‫وي َن ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ز ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫وي ُ ْ‬‫م َ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ب ِأي ْ ِ‬
‫ب‬ ‫وي َُتو ُ‬ ‫عودة للتوبة مباشرة في الية )‪َ ... :(15‬‬
‫شاء‪ . ...‬إنهييا قميية فييي تييوازن‬ ‫من ي َ َ‬ ‫عل َ ٰى َ‬ ‫ٱلله َ‬
‫ووسطية السييلم بييين الرحميية والرفييق ميين جهيية‪،‬‬
‫وبين الواقعية والشدة من جهة أخرى‪.‬‬
‫فإن كان المر كذلك بالنسبة للكفار والمنافقين‪،‬‬
‫فما الحكم في المؤمنين الييذين قييد عصييوا ربهييم‪...‬‬
‫أيتوب تعالى عليهييم أم ل‪ ...‬فييإن كييان تعييالى يقييول‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪210‬‬

‫فــي‬ ‫م ِ‬‫وان ُك ُ ْ‬
‫خ َ‬ ‫فــِإن َتــاُبوْا‪َ ...‬‬
‫فــإ ِ ْ‬ ‫عيين الكفييار ‪َ ‬‬
‫ن ‪ ( (11‬فمييا بالييك بميين ارتكييب بعييض‬ ‫دي ِ‬
‫ٱلــ ّ‬
‫المعاصي من المؤمنين؟‬
‫إن سورة التوبة هي من أكثر السييور الييتي تزيييد‬
‫أمل المؤمن ورجاءه برحمة الله تعالى‪ ...‬فييإن كييان‬
‫ث الكفييار‬ ‫رب العزة بلطفه وإحسييانه تعييالى قييد ح ي ّ‬
‫والمنافقين على التوبة وكّرر ذكر كلميية التوبيية )‪(17‬‬
‫مييرة فييي السييورة‪ ،‬فكيييف ل يغفيير لميين تيياب ميين‬
‫المؤمنين العصاة!؟‬
‫توبة المؤمنين المتخاذلين عن نصرة الدين‬
‫نصييل إلييى الييية )‪ (24‬الييتي تخيياطب المييؤمنين‬
‫وتحثهم على نصرة دين الله تعالى‪ ،‬فالية ل تتحييدث‬
‫عن الجهاد بمعنى الحرب فقط بييل أن تنصيير الييدين‬
‫ويكون أغلى من كل أمور حياتك الدنيوية‪.‬‬
‫ؤك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ءاَبـــا ُ‬ ‫ل ِإن َ‬
‫كـــا َ‬ ‫قـــ ْ‬‫يقيييول تعيييالى‪ُ  :‬‬
‫م‪ ...‬ٱل ْ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ون ُك ُم َ‬ ‫وأ َب ْن َـــا ُ‬
‫م‬‫و َ‬‫قـــ ْ‬ ‫كــ ْ‬ ‫وأْزوٰ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫خــ ٰ‬
‫وإ ِ ْ‬ ‫ؤك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (24‬‬ ‫قي َ‬‫س ِ‬‫ف ٰـ ِ‬‫ٱل ْ َ‬
‫لقد ذكرت الية ثمانية أمور وكلهييا مباحيية‪ ،‬لكنهييا‬
‫حذرت من أن تكون سببا َ في البعد عن اللييه تعييالى‬
‫وترك الجهاد‪ ،‬وهذا يعني أن يكييون أميير اللييه تعييالى‬
‫أولوية في حياتييك وفييوق كييل رغباتييك‪ ،‬وإل فييانتظر‬
‫عقاب الله والعياذ بالله‪.‬‬
‫وتنتقييل السييورة للحييديث عيين نييوع جديييد ميين‬
‫‪211‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫التوبيية‪ ،‬غييير التوبيية ميين الييذنوب والمعاصييي الييتي‬


‫نعرفها والتي يقييع فيهييا النيياس دائميا ً )كييالنظر إلييى‬
‫الحرام أو تأخير الصييلة(‪ .‬إن السييورة تييدعو للتوبيية‬
‫من التخاذل عن نصييرة السييلم‪ ،‬وكأنهييا تشييير بييأن‬
‫هذا الفعل الشنيع يحتيياج إلييى توبيية شييديدة‪ .‬فتييأتي‬
‫َ‬
‫ذا‬ ‫م إِ َ‬ ‫مــا ل َك ُـ ْ‬ ‫من ُــوا ْ َ‬‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫الية )‪ :(38‬يٰأي ّ َ‬
‫م‬ ‫قل ْت ُ ْ‬
‫ل ٱللــه ٱّثــا َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فى َ‬ ‫فُروا ْ ِ‬ ‫م ٱن ِ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬‫قي َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ل ‪ ‬عتاب رقيق تعقبه لهجيية‬ ‫قِلي ٌ‬ ‫ض‪َ ...‬‬ ‫إ ِلى ٱل ْْر ِ‬
‫م‬‫عـذّب ْك ُ ْ‬ ‫فـُروا ْ ي ُ َ‬ ‫قوية في الية التي بعييدها‪ :‬إ ِل ّ َتن ِ‬
‫َ‬
‫م‪( (39...‬‬ ‫غي َْرك ُـ ْ‬ ‫مــا َ‬ ‫و ً‬‫ق ْ‬‫ل َ‬ ‫د ْ‬ ‫سـت َب ْ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ما َ‬‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫فحذار حذار ميين السييتبدال‪ ،‬لن اللييه تعييالى ينصيير‬
‫د‬
‫قـ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫صـُروهُ َ‬ ‫دينه وليس بحاجة إلييى أحييد ‪‬إ ِل ّ َتن ُ‬
‫صَرهُ ٱللــه‪ ( (40...‬إلييى أن تييأتي الييية بييالمر‬ ‫نَ َ‬
‫ف ـُروا ْ‬ ‫الشامل الكامل الذي ل يسييتثني أحييدًا‪ :‬ٱن ْ ِ‬
‫م‬ ‫س ـك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وَأن ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ٰول ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫دوا ْ ب ِـأ ْ‬‫ه ُ‬ ‫ج ٰــ ِ‬ ‫و َ‬ ‫قــال ً َ‬ ‫وث ِ َ‬‫فا َ‬ ‫فا ً‬ ‫خ َ‬
‫ِ‬
‫ل ٱللــه ‪ ( (41‬فلكييي يرتييدع الكفييار‬ ‫س ـِبي ِ‬ ‫فــى َ‬ ‫ِ‬
‫ويلجأوا إلى التوبة ل بد من جهييادهم‪ ،‬فكييأن جهييادك‬
‫أيها المسلم عون لهم على الرجييوع والتوبيية‪ ،‬وكييأن‬
‫تخاذل المسلم سبب لتمادي أهل الكفيير فييي غيهييم‬
‫وضللتهم‪ .‬فهيييا نعمييل لييديننا ونطييرق أبييواب الخييير‬
‫لنساعد أنفسنا فننجو ونساعد غيرنا فيتوب‪.‬‬
‫التوبة من عدم التوكل على الله‬
‫وخلل اليات السابقة تتحدث اليييات عيين غييزوة‬
‫حنيين وكيييف أعجيب المؤمنيون بكيثرتهم فليم تغين‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪212‬‬

‫عنهم شيئًا‪ ،‬فوقع المسلمون في خطأ العتماد على‬


‫العدد وحده ونسيان أن النصر من عند الله وحده‪.‬‬
‫ن ك َِثيــَر ٍ‬
‫ة‪...‬‬ ‫واطِ َ‬
‫م َ‬
‫فى َ‬
‫م ٱلله ِ‬ ‫صَرك ُ ُ‬
‫قدْ ن َ َ‬ ‫‪‬ل َ َ‬
‫ن‪.( (25...‬‬ ‫ري َ‬ ‫ول ّي ُْتم ّ‬
‫مدْب ِ ِ‬ ‫َ‬
‫وهذا الخطأ ل بد له أيضا ً من توبة‪ ،‬فتأتي الييية )‬
‫د‬
‫عـ ِ‬
‫مــن ب َ ْ‬
‫ب ٱللــه ِ‬ ‫‪ (27‬لتشير إلى ذلك‪ :‬ث ُ ّ‬
‫م ي َُتو ُ‬
‫م ‪.‬‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر ّر ِ‬ ‫و ٱلله َ‬
‫غ ُ‬ ‫شاء َ‬ ‫عَلىٰ َ‬
‫من ي َ َ‬ ‫ذل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫ٰ‬
‫التخاذل عن نصرة الدين‬
‫وبعييد ذلييك تنتقييل اليييات إلييى المتخيياذلين عيين‬
‫نصييرة السييلم ميين المنييافقين‪ .‬فتقييول الييية )‪:(46‬‬
‫‪‬ل َ َ‬
‫كن‬ ‫ول َ ٰـ ـ ِ‬
‫ع ـدّةً َ‬ ‫ه ُ‬ ‫دوا ْ ل َ ُ‬‫ع ّ‬ ‫جل َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫دوا ْ ٱل ْ ُ‬ ‫و أَرا ُ‬‫و ْ‬ ‫َ‬
‫م ‪ ‬لييو كييانت‬ ‫فث َب ّطَ ُ‬
‫هــ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عــاث َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫رهَ ٱللــه ٱنب ِ َ‬ ‫كــ ِ‬ ‫َ‬
‫عندهم نييية صييادقة لتحركييوا وأعييدوا لهييذا الخييروج‪،‬‬
‫ولكن لعدم صيدق نيتهييم كيره الليه خروجهيم فثبيط‬
‫ع‬ ‫دوا ْ َ‬
‫مـــ َ‬ ‫عـــ ُ‬
‫ق ُ‬‫لٱ ْ‬ ‫قيـــ َ‬ ‫و ِ‬‫م َ‬ ‫هـــ ْ‬‫فث َب ّطَ ُ‬ ‫هممهيييم ‪َ ‬‬
‫ن ‪.‬‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬
‫ق ٰـ ِ‬‫ٱل ْ َ‬
‫أل تؤلمك هذه الكلمة أخي المسلم؟ إذا حرمييت‬
‫كر أن اللييه تعييالى قييد‬ ‫من عمل الخير والييدعوة فتييذ ّ‬
‫يكون غاضبا ً منك وكارها ً لعملك‪ ...‬فمن منا يحب أن‬
‫يكره الله عمله؟ من منا يرضى بأن يكون عبئا ً على‬
‫خَبال ً‬ ‫م إ ِل ّ َ‬‫دوك ُ ْ‬ ‫ما َزا ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫في ُ‬ ‫جوا ْ ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫و َ‬ ‫الدين؟ ‪‬ل َ ْ‬
‫‪.( (47‬‬
‫واليات تتوالى في التوبيخ والتقريع‪:‬‬
‫‪213‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫فت ِن ّــى‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫ذن ل ّــي َ‬ ‫ل ٱئ ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫من ي َ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ة‬ ‫طــ ٌ‬ ‫حي َ‬ ‫م ِ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫هن ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫طوا ْ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫س َ‬ ‫ة َ‬ ‫فت ْن َ ِ‬ ‫فى ٱل ْ ِ‬ ‫َأل ِ‬
‫ن‪.( (49‬‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ب ِ ٱل ْك َ ٰـ ِ‬
‫هــم‬ ‫مــا ُ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُـ ْ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ن ب ِٱلله إ ِن ّ ُ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫م‪.( (56...‬‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خل ً‬ ‫مـدّ َ‬ ‫و ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫غ ٰــَرا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫جئا ً أ ْ‬ ‫مل ْ َ‬‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫جـ ُ‬ ‫و يَ ِ‬ ‫‪‬ـ ْ‬ ‫لَ‬
‫م‬‫هــــــــــــــ ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫وا ْ إ ِل َي ْــــــــــــــ ِ‬ ‫ول ّــــــــــــــ ْ‬ ‫لّ َ‬
‫ن‪.( (57‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫يَ ْ‬
‫واليات )‪ (87 - 81‬شديدة اللهجة فييي التهديييد‪،‬‬
‫فمثل ً نرى الية )‪.(86‬‬
‫مُنــوا ْ ِبــ ٱلله‬ ‫َ‬ ‫‪‬إ َ ُ‬
‫ن ءا ِ‬ ‫ســوَرةٌ أ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫زَلــ ْ‬ ‫ذا أن ِ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫و ِ‬ ‫وُلوا ْ ٱلطّ ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ست َأذَن َ َ‬ ‫هٱ ْ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫ع َر ُ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫جـٰ ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ق ٰـ ِ‬ ‫ع ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ّ‬ ‫قاُلوا ْ ذَْرَنا ن َك ُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫فكلميية القاعييدين مييؤثرة للغاييية‪ ،‬فميين يرضييى‬
‫لنفسييه أن يبقييى قاعييدا ً يشيياهد التلفيياز ول يكّلييف‬
‫نفسه عناء أي عمييل لنصييرة دينييه‪ ،‬وقييد يكييون ميين‬
‫المصّلين ومن المثابرين علييى صييلة الجماعيية لكنييه‬
‫سلبي ل يحّرك سيياكنا ً لخدميية السييلم‪ ،‬فهيذا النييوع‬
‫ضــوا ْ‬ ‫من الناس عليه أن يحذر من الييية )‪َ :(87‬ر ُ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫قلوب ِ ِ‬
‫عل َ ٰى ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫وطُب ِ َ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ٰول ِ ِ‬ ‫ع ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫كوُنوا ْ َ‬ ‫ب َِأن ي َ ُ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫هو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ف َ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫فكيف يستقيم لهم رأي أو عمل وهم علييى هييذه‬
‫الحال؟ وانظر إلى اليجابيين المتحركين‪.‬‬
‫ه‬ ‫عـ ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ُــوا ْ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱّلــ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ســو ُ‬ ‫ن ٱلّر ُ‬ ‫‪‬لـ ـٰك ِ ِ‬
‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪214‬‬

‫فس ـهم ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫م‬ ‫ك لَ ُ‬
‫هـ ُ‬ ‫وَلـ ـئ ِ َ‬ ‫وأن ُ ِ ِ ْ َ‬
‫وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫م‬‫ه ْ‬
‫م ٰول ِ ِ‬‫دوا ْ ب ِ ـأ ْ‬
‫ه ُ‬
‫ج ٰـ ـ َ‬
‫َ‬
‫خيرات ُ‬
‫ن‪.( (88‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ُ‬‫ُ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫ٱل ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫وأ ْ‬
‫أفراح في جهنم‬
‫م‬ ‫ه ْ‬
‫د ِ‬ ‫ع ِ‬
‫ق َ‬‫م ْ‬ ‫ن بِ َ‬‫فو َ‬ ‫خل ّ ُ‬‫م َ‬ ‫ح ٱل ْ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ف ِ‬ ‫في الية )‪َ  :(81‬‬
‫ل ٱلله‪  ...‬توبيخ شديد‪ .‬فهي توضح‬ ‫سو ِ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫خَلـٰ َ‬ ‫ِ‬
‫أن موازين الفرح والحزن غير سييوية عنييدهم‪ .‬فميين‬
‫يفرح بالخذلن؟ إنه كمن يفرح بنار جهنم عقوبة له‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫م ٰول ِ ِ‬ ‫دوا ْ ِبــــأ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ج ٰـــــ ِ‬ ‫هــــوا ْ أن ي ُ َ‬ ‫ر ُ‬ ‫‪‬ك َ ِ‬‫و‬‫‪َ ...‬‬
‫فــُروا ْ‬ ‫قاُلوا ْ ل َ َتن ِ‬ ‫و َ‬ ‫ل ٱلله َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فى َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫وأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫و ك َــاُنوا‬ ‫ح ـّرا ل ّـ ْ‬ ‫شدّ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫هن ّ َ‬‫ج َ‬ ‫ل َناُر َ‬ ‫ق ْ‬ ‫حّر ُ‬ ‫فى ٱل ْ َ‬ ‫ِ‬
‫كــوا ْ ك َِثيــًرا‬ ‫ول ْي َب ْ ُ‬‫قِليل ً َ‬ ‫كوا ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ضــ َ‬ ‫فل ْي َ ْ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫هــو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ف َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‪.( (81 - 82‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫جَزاء ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫دعوة الجميع للتوبة‬
‫كما ذكرنييا فييان كييل توبيييخ فييي السييورة يختتييم‬
‫بدعوة المخاطبين للتوبة‪ ،‬فنرى مث ً‬
‫ل‪:‬‬
‫‪ - 1‬توبة المنافقين والمرتدين‪:‬‬
‫وا‬‫ول ّـ ْ‬‫وِإن ي َت َ َ‬‫م َ‬ ‫هـ ْ‬‫خي ْــرا ً ل ّ ُ‬‫ك َ‬ ‫فِإن ي َُتوب ُــوا ْ ي َـ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫عـــ َ‬
‫فـــى ٱلـــدّن َْيا‬ ‫مـــا ِ‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫م ٱللـــه َ‬ ‫ه ُ‬‫عـــذّب ْ ُ‬‫يُ َ‬
‫ول َ‬ ‫ي َ‬ ‫ول ِ ـ ّ‬ ‫من َ‬ ‫ض ِ‬ ‫فى ٱل ْْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫ما ل َ ُ‬‫و َ‬
‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫و ٱل ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ر‪.( (74‬‬ ‫صي ٍ‬‫نَ ِ‬
‫‪ - 2‬توبة المترددين‪:‬‬
‫طــوا ْ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫عت ََر ُ‬
‫م َ‬‫ه ْ‬‫فــوا ِبــذُُنوب ِ ِ‬ ‫نٱ ْ‬ ‫خــُرو َ‬ ‫وءا َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫ســّيئا ً َ‬
‫ســى ٱللــه أن‬ ‫ع َ‬ ‫خــَر َ‬ ‫وءا َ‬ ‫صـــِٰلحا ً َ‬‫مل ً َ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫‪215‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪.(‬‬ ‫م‪(102‬‬
‫حي ٌ‬
‫ّر ِ‬
‫فوٌر‬ ‫ن ٱلله َ‬
‫غ ُ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ي َُتو َ‬
‫ث الجميع على التوبة‪:‬‬ ‫‪ - 3‬ثم ح ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫وب َـ َ‬
‫ل ٱلت ّ ْ‬ ‫و يَ ْ‬
‫قب َـ ُ‬ ‫هـ َ‬
‫ن ٱللــه ُ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م يَ ْ‬ ‫‪ ‬أل َ ْ‬
‫قـ ـٰت َ‬ ‫ص دَ َ‬ ‫وي َأ ْ ُ‬
‫و‬‫هـ َ‬‫ن ٱللــه ُ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ِ َ‬ ‫خ ـذُ ٱل ّ‬ ‫ه َ‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ع ْ‬
‫َ‬
‫م‪.( (104‬‬ ‫حي ُ‬ ‫ب ٱلّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ٱلت ّ ّ‬
‫إن شروط التوبة ثلثة‪:‬‬
‫‪ -‬ندم على الذنب‬
‫‪ -‬إقلع عن الذنب‬
‫‪ -‬عزم على عدم العودة‬
‫فبادر إليهييا أخييي المسييلم‪ ،‬وإييياك وتأخيرهييا لن‬
‫تييأخير التوبيية وتأجيلهييا هييو بحييد نفسييه معصييية للييه‬
‫تعالى‪.‬‬
‫صفات المؤمنين المستحقين للشهادة‬
‫وفييي مقابييل الحييديث عيين المنييافقين تنتقييل‬
‫السورة للكلم على صفات المؤمنين الييذين عقييدوا‬
‫ن‬ ‫مــ َ‬ ‫شت ََر ٰى ِ‬ ‫ن ٱلله ٱ ْ‬ ‫عقد بيع مع الله تعالى‪ :‬إ ِ‪ّ ‬‬
‫َ‬ ‫فســهم َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هــ ُ‬‫ن لَ ُ‬ ‫م ِبــأ ّ‬ ‫ه ْ‬‫مــ ٰول َ ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ن أن ُ َ ُ ْ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مــ ْ‬ ‫ٱُ‬ ‫لْ‬
‫ن‬ ‫قت ُل ُــو َ‬ ‫في َ ْ‬ ‫ل ٱللــه َ‬ ‫س ـِبي ِ‬ ‫فــى َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قـٰت ُِلو َ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ٱل ّ َ‬
‫ة‬‫وَرا ِ‬ ‫فــي ٱلّتــ ْ‬ ‫قــا ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َْيــ ِ‬ ‫دا َ‬‫عــ ً‬ ‫و ْ‬‫ن َ‬ ‫قت َُلــو َ‬ ‫وي ُ ْ‬‫َ‬
‫ن‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫د ِ‬‫ه ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ف ٰى ب ِ َ‬ ‫ن أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرءا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫جي ِ‬ ‫لن ِ‬ ‫وٱ ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م ب ِـ ِ‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫ذى ب َــاي َ ْ‬ ‫م ٱل ّـ ِ‬ ‫عك ُ ُ‬ ‫شُروا ْ ب ِب َي ْ ِ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫ٱلله َ‬
‫م‪.( (111‬‬ ‫ظي ُ‬‫ع ِ‬ ‫وُز ٱل ْ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫ه َ‬‫ك ُ‬ ‫وذل ِ َ‬ ‫َٰ‬
‫إن السييياق القرآنييي يجعلنييا نتشييوق لمعرفيية‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪216‬‬

‫صيييفاتهم‪ ،‬فنقليييب الصيييفحة لنقيييرأ قيييوله تعيييالى‪:‬‬


‫ن‬‫دو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ٰـــــــ ِ‬ ‫ح‬‫ن ٱل ْ َ‬ ‫دو َ‬‫ٰـــــــب ِ ُ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬
‫ع‬ ‫‪ُ‬بو َ‬ ‫ٰـــــــئ ِ‬ ‫ٱ لت ّ‬
‫ن‬ ‫مُرو َ‬ ‫ن ٱل ْ ِ‬ ‫جدو َ‬ ‫سـٰ ِ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ٱلرك ِ ُ‬ ‫حو َ‬ ‫سـٰئ ِ ُ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ر‬
‫كــــ ِ‬‫من َ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫عــــ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫هو َ‬‫و ٱلّنــــا ُ‬ ‫ف َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِبــــ ٱل ْ َ‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬ ‫مــ ْ‬ ‫ر ٱل ْ ُ‬‫ش ِ‬‫وب َ ّ‬ ‫دوِد ٱلله َ‬ ‫ح ُ‬‫ن لِ ُ‬‫ظو َ‬‫ف ُ‬ ‫حـٰ ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪.( (112‬‬
‫توبة لصفوة المة‬
‫ومن جمال التوبة وحب اللييه لهييا‪ ،‬ذكيير اللييه بهييا‬
‫نبيه ‪ ‬وصحابته الكرام‪:‬‬
‫ن‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه ٰـ ِ‬ ‫م َ‬‫و ٱل ْ ُ‬‫ى َ‬‫عل َ ٰى ٱلن ّب ِ ّ‬ ‫ب الله َ‬ ‫‪‬دْ َتا َ‬ ‫لَ َ‬
‫ق‬
‫ة‬
‫ع ِ‬ ‫ســـا َ‬ ‫فـــى َ‬ ‫عـــوهُ ِ‬ ‫ن ٱت ّب َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ر ٱّلـــ ِ‬ ‫صــــٰ ِ‬ ‫لن َ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬‫ريـ ٍ‬ ‫ف ِ‬ ‫ب َ‬ ‫قُلـو ُ‬ ‫غ ُ‬‫زيـ ُ‬ ‫كـادَ ي َ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫سَر ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫م‪‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف ّر ِ‬ ‫م َرءو ٌ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب َ َ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫ه بِ ِ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬‫ه ْ‬‫علي ْ ِ‬ ‫م َتا َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫‪.((117‬‬
‫فالتوبة ‪ -‬كما يقول العلماء ‪ -‬أول منازل العبودية‬
‫وآخرها‪ .‬فبداية اليمان تكون بالتوبيية كمييا أن التوبيية‬
‫مطلوبة في نهاية الحياة‪ .‬من هنا نفهم حديث النييبي‬
‫‪" :‬إني لستغفر الله وأتوب إليه فييي اليييوم أكييثر‬
‫من سبعين مرة"‪.‬‬
‫توبة أخيرة للثلثة المتباطئين‬
‫وأخيرا ً توبة خاصة بالثلثة المؤمنين الذين تخلفوا‬
‫عن توبة تبوك‪ ،‬فالتقاعس عن نصرة السيلم ‪ -‬كمييا‬
‫أسلفنا ‪ -‬بحاجة إلى توبة‪.‬‬
‫‪217‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ذا‬ ‫حت ّ ـ ٰى إ ِ َ‬ ‫فــوا ْ َ‬ ‫خل ّ ُ‬


‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬‫ٱـ ِ‬‫ة لّ‬ ‫‪َ‬لى ٱلث ّل َ ٰـث َ ِ‬ ‫ع‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ق ْ‬ ‫ضــا َ‬
‫و َ‬‫ت َ‬ ‫حب َـ ْ‬ ‫مــا َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫م ٱل ْر ُ‬ ‫هـ ُ‬ ‫ت َ َ‬ ‫ضا َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ٱللــه‬ ‫م َ‬‫جأ ِ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫وظَّنوا ْ أن ل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬
‫ف ُ‬ ‫م أن ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ َ‬
‫علي ْ ِ‬
‫و‬ ‫هـ َ‬ ‫ن ٱللــه ُ‬ ‫م ل ِي َُتوب ُــوا ْ إ ِ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫م َتا َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫إ ِل ّ إ ِل َي ْ ِ‬
‫م‪.( (118‬‬ ‫حي ُ‬ ‫ب ٱلّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ٱلت ّ ّ‬
‫م ل ِي َُتوب ُــوا ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫لحظ معي روعة الية‪َ :‬تا َ‬
‫‪ .‬فل بد أن يتيوب اللييه عليييك ويهييء ليك طرييق‬
‫التوبة‪ ،‬فالهداية ميين عنييد اللييه‪ ،‬وهييو وحييده المعييين‬
‫عليها‪ .‬أخي المسلم‪ ،‬الزم دائما ً هذا الييدعاء‪" :‬اللهييم‬
‫ي لتوب"‪.‬‬ ‫تب عل ّ‬
‫خير ختام لخير حياة‬
‫إن القارئ لسييورة التوبيية يحييس أن فيهييا بييراءة‬
‫وتهديد ووعيييد‪ ،‬لكنهييا تفعييل كييل ذلييك وهييي فاتحيية‬
‫ذراعيها للتوبة‪ .‬ومن لطف القرآن أن الله تعالى لييم‬
‫يغلب اسم الفاضحة عليى سيورة التوبيية لنيه يحيب‬
‫الستر‪ .‬وميين اللطييائف الخييرى أنييه بييالرغم ميين أن‬
‫السورة قد حرمت المنافقين ميين الرحميية فييي أول‬
‫السيورة )مين خلل عيدم البيدء بالبسيملة واليبراءة‬
‫منهم( لكنها أعطت جميع النيياس فييي آخيير السييورة‬
‫رحمة مهداة‪ ،‬والمتمثليية فييي النييبي ‪ ‬الييذي بعييث‬
‫رحمة للعالمين‪:‬‬
‫زي ـٌز‬
‫ع ِ‬‫م َ‬ ‫س ـك ُ ْ‬
‫ف ِ‬‫ن َأن ُ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ل ّ‬‫سو ٌ‬
‫م َر ُ‬‫جاءك ُ ْ‬ ‫قدْ َ‬ ‫‪‬ل َ َ‬
‫ن‬‫مِني َ‬ ‫م ب ِـ ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫عل َي ْك ُـ ْ‬
‫ص َ‬‫ري ـ ٌ‬‫ح ِ‬
‫م َ‬ ‫عن ِت ّـ ْ‬‫مــا َ‬‫ه َ‬ ‫عل َي ْـ ِ‬
‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪218‬‬

‫‪.(‬‬ ‫م‪(128‬‬
‫حي ٌ‬
‫ّر ِ‬ ‫ف‬
‫َرءو ٌ‬
‫وهذه الية خير ختام للسبع الطوال‪ ،‬وهييي أيض يا ً‬
‫خير ختام لحياة النبي ‪ .‬فهي آخيير سييورة أنزلييت‬
‫كاملة على رسول اللييه‪ .‬إنهييا سييورة الييوداع‪ ،‬وخييير‬
‫وداع في ديننا هو التوبة على كل النيياس‪ .‬فييإن أبييوا‬
‫التوبة فإن الية الخيرة تقول‪:‬‬
‫ى ٱلله ل إ ِل َ ٰـــ َ‬
‫ه إ ِل ّ‬ ‫سب ِ َ‬
‫ح ْ‬
‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ف ُ‬‫وا ْ َ‬‫ول ّ ْ‬
‫‪ِ‬إن ت َ َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫ظيـم ِ‬‫ع ِ‬‫ش ٱل ْ َ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬
‫عـْر ِ‬ ‫و َر ّ‬‫ه َ‬
‫و ُ‬‫ت َ‬ ‫وك ّل ْ ُ‬ ‫ه تَ َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫و َ‬‫ه َ‬
‫ُ‬
‫‪.( (129‬‬
‫أخي الكريم‪ .‬إسأل نفسييك‪ :‬هييل سييتتوب أم ل؟‬
‫فإذا كان باب التوبة مفتوحا ً لكل فئات الناس ولكييل‬
‫فئات المجتمع مهما تفاوتت درجة قربهييم أو بعييدهم‬
‫عن الدين‪ ،‬فكيف يكون حالك وأنييت مييؤمن ومحييب‬
‫لكتاب الله؟ لذلك فلنعمل للسلم ولنعييش للسييلم‬
‫ولنحذر التخاذل والقعود عن نصييرة الييدين‪ ،‬ولنييتيقن‬
‫أن الله تبارك وتعالى يتوب على من يشاء‪..‬‬
‫من لطائف القرآن‬
‫وفييي النهاييية نشييير إلييى أن سييورتي التوبيية‬
‫والنفال جاءتا متتاليتين بالضافة إلى أنهما توافقييان‬
‫الترتيب الزمني لغزوتي بدر وتبوك‪ .‬فسورة النفييال‬
‫تتحييدث عيين أول غييزوة غزاهييا النييبي بينمييا سييورة‬
‫قييب علييى آخيير غييزوة لرسييول اللييه‪ .‬وقييد‬
‫التوبيية تع ّ‬
‫جاءت السورتان متتاليتين حييتى نلحييظ الفييرق فييي‬
‫‪219‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫المجتمييع السييلمي بييين بداييية نصييرة المسييلمين‬


‫لدينهم ونهاية النتصار العظيم‪ .‬فالسييورتان تفتحييان‬
‫المجال أمام علماء الجتماع والباحثين كي يلحظييوا‬
‫الفروقييات بييين المجتمعييين ويحللييوا سيينن تطييور‬
‫المجتمعات‪ ،‬وهييذا أميير يحتيياج ميين علميياء الجتميياع‬
‫والمحللين والدارسين إلى النظر والتفكير‪.‬‬
‫سورة يونس‬

‫سو‬ ‫سورة يونس )مكية( نزلييت بعييد السييراء‪ ،‬وهييي‬


‫رة‬ ‫في المصحف بعد التوبة‪ ،‬وعدد آياتها ‪ 109‬آيات‪.‬‬
‫يونس‬ ‫هدف السورة‬
‫ن هييدف سييورة يييونس هييو اليمييان بالقضيياء‬ ‫إ ّ‬
‫والقدر‪...‬‬
‫ففي الحييديث أن جبريييل ‪ ‬جيياء إلييى النييبي ‪‬‬
‫فقال يا محمد أخبرني عن اليمان‪ ،‬فقال ليه رسول‬
‫اللييه ‪ :‬اليمييان أن تييؤمن بييالله وملئكتييه وكتبييه‬
‫ورسله واليوم الخر وتييؤمن بالقييدر خيييره وشييره‪...‬‬
‫فالسورة تعالج هذا الركن الخير من أركان اليمان‪.‬‬
‫تساؤلت وتشكيك‬
‫إن هييذه السييورة تعالييج مشييكلة عنييد أشييخاص‬
‫كثيرين‪ ،‬والتي تتجلى في تساؤلت مثل‪:‬‬
‫‪ -‬هل النسان مسّير أم مخّير؟!‬
‫‪ -‬لماذا هدى الله هذا الشخص إلى اليمان ولم يهد‬
‫ذاك؟‬
‫‪ -‬لماذا أنجى الله فلنا ً ولم ينج فلن؟!‬
‫‪ 220‬نتصييرف‪ ،‬وفييرض علينييا‬
‫‪ -‬ربنييا خلقنييا ويعلييم كيييف‬
‫‪221‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ظروف يا ً هييو الييذي صيينعها‪ ،‬فكيييف يحاسييبنا يييوم‬


‫القيامة؟‬
‫‪ -‬اللييه كتييب علييى البعييض عييدم الهداييية‪ ،‬فلميياذا‬
‫السعي إلى العبادة؟ وبعض الناس نسألهم لميياذا‬
‫ل تصلون؟ فيجيبون‪ :‬حتى يريد الله تعالى‪.‬‬

‫‪ -‬طالما أن الله تعالى قييد كتييب عنييده إن كنييا ميين‬


‫أهل الجنة أو من أهل النار‪ ،‬فلييم العمييل؟ فمهمييا‬
‫فعلنا لن يغّير هذا من المر شيئًا!‬
‫هذه السورة تعّلم قارئ القرآن كيييف يييرد علييى‬
‫هييؤلء النيياس المييترددين )أو المشييككين(‪ ،‬ويطمئن‬
‫نفسييه بالدرجيية الولييى‪ .‬فييالبعض قييد تصييل بييه‬
‫الوساوس إلى أن يتخيييل أن اللييه ظلييم فلنيا ً بكتبييه‬
‫من أهل النار )والعياذ بالله(‪.‬‬
‫ولكي نرد ّ عليهييم ل بييد ميين طييرح سييؤال‪ :‬ميياذا‬
‫يكون من يجبر شخصا ً على فعل أمر مييا ثييم يعيياقبه‬
‫عليه؟‬
‫إنه يكون ظالما ً وعابثا ً بالتأكيد‪ ،‬والله تعالى منّزه‬
‫عييييييييييييييين الظليييييييييييييييم والعبيييييييييييييييث‪..‬‬
‫لييذلك فهييذه السييورة تييرد علييى هييذه الفييتراءات‬
‫بطريقييييييييية ليييييييييم يعهيييييييييدها النييييييييياس‬
‫من قبل‪...‬‬
‫الحكيم ل يعبث‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪222‬‬

‫تعالوا إذا ً نعرف صفات ربنا سبحانه وتعالى‪ ،‬فإذا‬


‫فهمنا أنه حكيم غير ظالم‪ ،‬يريد الحق وليس العبث‪،‬‬
‫فهمنا أنه ل محل للسؤال أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫إن أفعال اللييه تعييالى فييي الكييون أفعييال حكيييم‬
‫مييدّبر‪ ،‬يرحييم النيياس‪ ،‬وليسييت أفعييال ظييالم يجييبر‬
‫الناس على أشياء ليس لهم يد فيها‪ ...‬فل يصدر عنه‬
‫سبحانه إل الحكمة والتدبير والعظمة‪.‬‬
‫والسورة تؤكد هذا المعنييى بطريقيية رائعيية‪ ،‬عيين‬
‫طريق التدبر في هذا الكون والتفكر في حكمة اللييه‬
‫فيه‪ ،‬حتى نعرف هل يصدر عن الله العبث أم ل؟ إن‬
‫السورة ستظهر لك أن كل ما فييي الكييون إنمييا هييو‬
‫من حكمة الله وتدبيره‪ ،‬فمحال أن يصدر عنه العبث‬
‫سبحانه‪ ،‬فثق بحكمته وتوكل عليه‪.‬‬
‫الكتاب الحكيم‬
‫فمن أول آيات السييورة نلحييظ وضييوح المعيياني‬
‫كيم ِ ‪.‬‬ ‫ب ٱل ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ت ٱل ْك َِتـٰ ِ‬ ‫السابقة‪ :‬ت ِل ْ َ‬
‫ك ءاَيـٰ ُ‬
‫وللقرآن أوصاف كثيرة فمييا سيير اختيييار الحكيييم‬
‫هنا؟ حتى تعلم أن قضاء الله وكلمييه ل يصييدران إل‬
‫عن حكمة بالغة وتدبير محكم‪.‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫وفي الييية الثانييية‪ :‬أ َ َ‬
‫جًبـا أ ْ‬‫ع َ‬
‫س َ‬ ‫ن ِللّنـا ِ‬ ‫كـا َ‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حي َْنــا إ َِلــ ٰ‬ ‫َ‬
‫ر ٱلّنــا َ‬ ‫ذ ِ‬‫ن أنــ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫هــ ْ‬‫من ْ ُ‬ ‫ل ّ‬‫جــ ٍ‬‫ى َر ُ‬ ‫و َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫د‬
‫عنــ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫صدْ ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫قدَ َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫مُنوا ْ أ ّ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ر ٱل ّ ِ‬‫ش ِ‬‫وب َ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مِبيـ ٌ‬‫حٌر ّ‬ ‫س ٰــ ِ‬ ‫ذا ل َ َ‬ ‫ه ٰـ َ‬‫ن َ‬ ‫ن إِ ّ‬‫فُرو َ‬ ‫ل ٱل ْك َ ٰـ ِ‬ ‫قا َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َرب ّ ِ‬
‫‪223‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪.‬‬
‫أي هل تتعجبييون ميين كييون الرسييالة قييد أنزلييت‬
‫على محمد ‪ ...‬فالله تعالى ينزل رسالته على من‬
‫يشاء وهناك حكمة وتييدبير لختيييار اللييه ‪ ‬للرسييول‬
‫الذي يحمييل الرسييالة‪ ،‬ولييذلك جيياء فييي آييية أخييرى‬
‫ه ‪) ‬النعييام‪،‬‬‫ســال َت َ ُ‬
‫ر َ‬ ‫ع ُ‬
‫ل ِ‬ ‫ج َ‬
‫ث يَ ْ‬
‫حي ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫‪‬ٱلله أ َ ْ‬
‫عل َ ُ‬
‫‪.(124‬‬
‫يدّبر المر‬
‫وبعد ذلك تنتقل اليات للحديث عن ملك الله ‪‬‬
‫للكون وتدبيره في ملكه حتى تشعر بصفاته وتييوقن‬
‫م ٱللــه‬ ‫ن َرب ّك ُـ ُ‬ ‫بهييا وتييدفع الظنييون والوهييام‪ .‬إ ِ ّ‬
‫ة‬ ‫سـت ّ ِ‬‫فــى ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫و ٱل ْْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬‫ق ٱل ّ‬ ‫خل َـ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫َ‬
‫م ـَر‬‫ش ي ُـدَب ُّر ٱل ْ ْ‬ ‫ع ـْر ِ‬ ‫عَلى ٱل ْ َ‬ ‫وىٰ َ‬ ‫ست َ َ‬‫مٱ ْ‬ ‫أّيام ٍ ث ُ ّ‬
‫م ٱللــه‬ ‫ذل ِك ُـ ُ‬‫ه ٰ‬ ‫د إ ِذْن ِـ ِ‬ ‫عـ ِ‬ ‫ع إ ِل ّ ِ‬
‫مــن ب َ ْ‬ ‫في ٍ‬ ‫شـ ِ‬ ‫من َ‬ ‫ما ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫فل َ ت َذَك ُّرو َ‬ ‫دوهُ أ َ‬ ‫عب ُ ُ‬‫فٱ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫م ـَر ‪ ‬يتكييرر كييثيرا ً‬ ‫وقييوله تعييالى‪ :‬ي ُدَب ُّر ٱل ْ ْ‬
‫خلل هييذه السييورة‪ ،‬حييتى نعلييم أنييه حكيييم ومييدبر‪،‬‬
‫فكيف نظن العبث يصدر عن حكمته سبحانه؟ كيييف‬
‫نظن الظلم في أفعيياله وأنييه جعييل النسييان مجييبرا ً‬
‫على المعصية لنه كتبه من أهل النار؟‬
‫الحق عنوانها‬

‫عك ُـ ْ‬
‫م‬ ‫ج ُ‬
‫مْر ِ‬ ‫ثييم تييأتي الييية الييتي بعييدها ‪‬إ ِل َي ْـ ِ‬
‫ه َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪224‬‬

‫قــا‪ . ...‬والحييق هييو نقيييض‬‫ح ّ‬


‫عدَ ٱللــه َ‬ ‫ميعا ً َ‬
‫و ْ‬ ‫ج ِ‬
‫َ‬
‫العبث والصدفة‪ ،‬لذلك تكررت كلمة الحق فيي هيذه‬
‫السييورة ‪ -‬الييتي تتحييدث عيين التسييليم لقضيياء اللييه‬
‫وقدره ‪ -‬ثلثا ً وعشرين مرة‪ ،‬وهي أعلى نسبة لورود‬
‫كلمة الحق فييي القييرآن‪ 23 ،‬مييرة فييي سييورة عييدد‬
‫آياتها ‪ ،109‬بينما أكثر سورة ذكرا ً للحييق بعييد سييورة‬
‫يونس هي سورة آل عمران‪ 13 ،‬مرة فييي ‪ 200‬آييية‪،‬‬
‫وبهذا يتضح الفرق الواضح فييي النسييبة‪ ،‬لن سييورة‬
‫يونس تؤكد علييى ضييرورة التسييليم للييه الحييق فييي‬
‫قضائه وتدبيره‪.‬‬
‫ونتابع مع الية )‪:(4‬‬
‫ه‬ ‫قـا إ ِّنـ ُ‬ ‫ح ّ‬‫عدَ ٱلله َ‬ ‫و ْ‬ ‫ميعا ً َ‬ ‫ج ِ‬‫م َ‬ ‫عك ُ ْ‬
‫ج ُ‬‫مْر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫‪‬إ ِل َي ْ ِ‬
‫من ُــوا ْ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ى ٱّلــ ِ‬ ‫ز َ‬ ‫ج ِ‬‫عيدُهُ ل ِي َ ْ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ق ثُ ّ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ي َب ْدَأ ُ ٱل ْ َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱّلـــ ِ‬ ‫ط َ‬ ‫ســـ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت ب ِٱل ْ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صــــٰل ِ َ‬ ‫مل ُـــوا ْ ٱل ّ‬ ‫ع ِ‬
‫و َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ب أِلي ـ ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عـ َ‬‫و َ‬ ‫مي ـم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ب ّ‬ ‫شَرا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فُروا ْ ل َ ُ‬ ‫كَ َ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َك ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫بِ َ‬
‫كك إلييى ملييك اللييه‬ ‫فلينظر كييل حييائر وكييل مشي ّ‬
‫وليتفكر في تدبيره وإدارته لملكه‪ .‬فالية حييددت أن‬
‫سبب تعذيبه لبعض البشر هو كفرهم به تعالى ‪...‬‬
‫ن ‪.‬‬
‫فُرو َ‬‫كاُنوا ْ ي َك ْ ُ‬
‫ما َ‬
‫بِ َ‬
‫والييية الييتي بعييدها تلفييت نظييرك إلييى خلقييه‬
‫وتدبيره‪:‬‬
‫ما خلق الله ذلك إل بالحق‬
‫‪225‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫مَر‬‫ق َ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫ضَياء َ‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل ٱل ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫ذى َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫‪ُ ‬‬


‫ن‬‫س ـِني َ‬ ‫ع ـدَدَ ٱل ّ‬ ‫مــوا ْ َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫ل ل ِت َ ْ‬ ‫ز َ‬ ‫من َــا ِ‬
‫ق ـدَّرهُ َ‬ ‫و َ‬ ‫ُنورا ً َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ك إ ِل ّ ب ِـ ٱل ْ َ‬ ‫ق ٱللــهذلٰ ِـ َ‬ ‫خل َـ َ‬ ‫مــا َ‬ ‫ب َ‬ ‫ســا َ‬ ‫ح َ‬ ‫و ٱل ْ ِ‬‫َ‬
‫فــى‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ‪ ‬إِ ّ‬ ‫مــو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫وم ٍ ي َ ْ‬ ‫قــ ْ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ل ٱلي َ ٰـــ ِ‬ ‫صــ ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫يُ َ‬
‫فــى‬ ‫ق ٱللــه ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ر َ‬ ‫ها ِ‬ ‫و ٱلن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ف ٱل ّي ْ ِ‬ ‫خت َِلـٰ ِ‬ ‫ٱ ْ‬
‫ن‪‬‬ ‫قــو َ‬ ‫وم ٍ ي َت ّ ُ‬‫قـ ْ‬ ‫ت لّ َ‬ ‫ض لي َ ٰـ ـ ٍ‬ ‫و ٱل ْْر ِ‬ ‫ت َ‬
‫م ٰـ ٰو ِ‬ ‫س َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫‪.((6‬‬
‫إنها دعوة للتفكر في خلق اللييه ‪ ‬وتييدبيره فييي‬
‫الليل والنهار‪ ...‬فهل يصدر مثل هييذا التييدبير إل عيين‬
‫الحق تبارك وتعييالى!‪ ...‬فالييذي يييدّبر ذلييك يسييتحيل‬
‫عليييه العبييث‪ ،‬ويسييتحيل عليييه إدخييال النيياس النييار‬
‫مجبرين‪.‬‬
‫عمن تصدر هذه التساؤلت؟‬
‫ضييح الييية السييابعة ميين السييورة نييوع النيياس‬ ‫تو ّ‬
‫الذين يعتقدون مثييل هييذه المعتقييدات الباطليية فييي‬
‫ضوا ْ‬‫وَر ُ‬ ‫قاءَنا َ‬ ‫ن لِ َ‬‫جو َ‬ ‫ن ل َ ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫حق الله‪ :‬إ َ ّ‬
‫ب ٱل ْحيوٰة ٱلدن ْيا و ٱطْ َ‬
‫م‬ ‫هــ ْ‬ ‫ن ُ‬‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫مأّنوا ْ ب ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫م ٱلن ّــاُر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ولـ ـئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ن ءاي َ ٰـت َِنا َ‬
‫ه ُ‬ ‫وا ُ‬‫م ـأ َ‬‫ك َ‬ ‫ن‪‬أ ْ‬ ‫فلو َ‬ ‫غ ٰـ ـ ِ‬ ‫ع ْ‬‫َ‬
‫ن ‪.‬‬‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َك ْ ِ‬
‫ما َ‬ ‫بِ َ‬
‫وهيذه ملحوظيية مهميية أتييت بهييا السيورة‪ :‬فمين‬
‫الذي يطرح هذه السئلة ويشكك فييي حكميية اللييه؟‬
‫إنهم غير المتدينين والبعيدين عن طاعيية اللييه‪ ،‬وهييم‬
‫يطرحون أسئلة كهذه ليريحوا أنفسييهم‪ .‬ولييم نسييمع‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪226‬‬

‫كك بأن اللييه‬‫فذ الطاعات ويش ّ‬ ‫يوما ً بشخص متدّين ين ّ‬


‫تعييالى أجييبره علييى الطاعيية‪ ،‬لييذلك فالمتييدينون ل‬
‫يطرحون أبييدا ً مثييل هييذه السييئلة‪ ..‬والييية السييابقة‬
‫تبّين لنييا أن أصييل المييرض الييذي أصيياب هييؤلء هييو‬
‫الغفلة عن آيات اللييه وعييدم استشييعار حكمتييه فييي‬
‫أوضح صورها‪.‬‬
‫حكمة الله في أفعاله‬
‫وتستمر اليات لتؤكد علييى نفييس المعنييى‪ :‬اللييه‬
‫تعالى ل يصدر عنه العبث‪ ،‬فكل أفعاله حكمة‪..‬‬
‫ض‬ ‫و ٱل ْْر ِ‬ ‫ماء َ‬ ‫ســ َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫من ي َْرُز ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫َ‬
‫ج‬ ‫ر ُ‬ ‫خـ ِ‬ ‫مــن ي ُ ْ‬ ‫و َ‬‫ص ٰـ ـَر َ‬ ‫ع و ٱل ْب ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫سـ ْ‬‫ك ٱل ّ‬ ‫مل ِـ ُ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫أ ّ‬
‫ن‬ ‫مــ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫مّيــ َ‬ ‫ج ٱل ْ َ‬ ‫ر ُ‬ ‫خــ ِ‬ ‫وي ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫مّيــ ِ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫مــ َ‬ ‫ى ِ‬ ‫حــ ّ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ن ٱللــه ‪‬‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫مَر َ‬ ‫من ي ُدَب ُّر ٱل ْ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ى َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫‪ ((31‬فلماذا الشك والريبة ما دمتم تقرون بييأن اللييه‬
‫يدبر المر؟‬
‫ن ‪ ‬اتقيييوا الليييه فيميييا‬ ‫قـــو َ‬ ‫فل َ ت َت ّ ُ‬ ‫ل أَ َ‬ ‫قـــ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ق‪ ‬و‬ ‫حــ ّ‬ ‫تقولييون‪ ...‬ونعييود لنسييمع كلمييات ‪‬ٱل ْ َ‬
‫م‬ ‫فـذَل ِك ُ ُ‬ ‫ت ‪ ‬لتزيييد ميين طمأنيية قلوبنييا‪َ  :‬‬ ‫قـ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ق إ ِل ّ‬ ‫حــ ّ‬ ‫عــدَ ٱل ْ َ‬ ‫ذا ب َ ْ‬ ‫مــا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ق َ‬ ‫حــ ّ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫كــ ُ‬‫ٱللــه َرب ّ ُ‬
‫ل َ َ‬
‫ة‬‫مــ ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫قــ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ‪ ‬ك َذَل ِ َ‬ ‫فو َ‬ ‫صَر ُ‬ ‫فأ ن ّ ٰ ى ت ُ ْ‬ ‫ضل َ ُ‬ ‫ٱل ّ‬
‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫مُنــو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ل َ يُ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫قوا ْ أن ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ٱل ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫‪.((32-33‬‬
‫م‬ ‫كائ ِك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫من ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫وبعد ذلك يقول ‪ُ : ‬‬
‫ق‬
‫حـ ّ‬ ‫دى ل ِل ْ َ‬ ‫هـ ِ‬ ‫ل ٱلله ي َ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫دى إ َِلى ٱل ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ّ‬
‫‪227‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫أ َحق َأن يت ّب َ‬ ‫أَ َ‬


‫مــن ل ّ‬
‫عأ ّ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ ّ‬ ‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫دى إ َِلى ٱل ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ف َ‬
‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫مو َ‬‫حك ُ ُ‬‫ف تَ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫م ك َي ْ َ‬ ‫ما‬‫ف َ‬ ‫هدَ ٰى َ‬ ‫دى إ ِل ّ أن ي ُ ْ‬ ‫ه ّ‬ ‫يَ ِ‬
‫‪.((34‬‬
‫فيا من تتهمون الله بتدبيره‪ ...‬أين التسييليم للييه‪،‬‬
‫كيف تحكمون! بأي طريقة تفكرون وأنتييم تعيشييون‬
‫في هذا الكون‪ ...‬اسمع هذا القسم الرائع ميين جبييار‬
‫السماوات والرض‪:‬‬
‫ه‬ ‫و ُ‬
‫ق ْ‬ ‫‪‬ويست َن ْبُئون َ َ َ‬
‫وَرب ّــى إ ِن ّـ ُ‬
‫ل ِإى َ‬ ‫ه َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫كأ َ‬ ‫َ َ ْ ِ‬
‫َ‬
‫م‬
‫مــــــــــــــا أنُتــــــــــــــ ْ‬ ‫و َ‬‫ق َ‬‫حــــــــــــــ ّ‬ ‫لَ َ‬
‫ن‪.( (53‬‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬‫ع ِ‬ ‫م ْ‬‫بِ ُ‬
‫َ‬
‫فــى‬ ‫مــا ِ‬
‫ن للــه َ‬ ‫وبعييد ذلييك يقييول ‪: ‬أل إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫حـ ّ‬ ‫ع ـدَ ٱللــه َ‬ ‫و ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ض أل َ إ ِ ّ‬ ‫و ٱل ْْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ن‪.( (55‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫م ل َ يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن أ َك ْث ََر ُ‬ ‫ول َ ٰـك ِ ّ‬ ‫َ‬
‫حشد هائل من اليات يصيب فيي نفيس المعنيى‬
‫ويركز على نفس المحور ليزيل من القلب أي شبهة‬
‫وتساؤل‪.‬‬
‫أفعالكم هي السبب‬
‫إن تركيز اليييات علييى الحييق والحكميية والتييدبير‬
‫يظهر أن ما يحييدث للعبيياد إنمييا هييو بسييبب عملهييم‬
‫وسعيهم‪.‬‬
‫فل يقييع الهلك ميين اللييه إل بعييد الظلييم ميين‬
‫م‬‫ن ٱللـــه ل َ ي َظْل ِـــ ُ‬ ‫البشييير‪ ..‬يقيييول تعيييالى‪ :‬إ ِ ّ‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫ســـ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫س َأن ُ‬
‫ن ٱلن ّـــا َ‬ ‫وَلــــٰك ِ ّ‬
‫شـــي ًْئا َ‬
‫س َ‬
‫ٱلن ّـــا َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪228‬‬

‫‪.(‬‬ ‫ن‪(13‬‬ ‫ي َظْل ِ ُ‬


‫مو َ‬
‫فالناس هم الذين يظلمون أنفسهم‪ ،‬ول يجوز أن‬
‫يتهموا الله بالظلم لما يصيبهم من عذاب ومصييائب‪،‬‬
‫بل يجب أن ينظروا ماذا فعلوا هم حتى أصابهم الله‬
‫‪ ‬بهذا العذاب‪.‬‬
‫د‬
‫قـ ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ويظهيير هييذا المعنييى جلي يا ً فييي قييوله‪َ  :‬‬
‫مــوا ْ‬ ‫مــا ظَل َ ُ‬ ‫م لَ ّ‬ ‫قب ْل ِ ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫مــن َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قــُرو َ‬ ‫هل َك َْنــا ٱل ْ ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫ت‪.( (13...‬‬ ‫هم ب ِٱل ْب َي ّن َ ٰـ ِ‬ ‫سل ُ ُ‬
‫م ُر ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫جاءت ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫متى وقع الهلك؟ عندما ظهر ظلمهم وفسادهم‪.‬‬
‫فأفعال البشر هي السبب الول لمييا يحييل بهييم ميين‬
‫العقوبات‪.‬‬
‫وتيييأتي آييييات كيييثيرة لتخيييدم نفيييس المعنيييى‪:‬‬
‫ســي ّئ َ ٍ‬
‫ة‬ ‫جــَزاءُ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ســي َّئا ِ‬ ‫ســُبوا ْ ٱل ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱّلــ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ة‪.( (27...‬‬ ‫م ِذل ّ ٌ‬ ‫ه ْ‬‫ق ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫وت َْر َ‬ ‫ها َ‬ ‫مث ْل ِ َ‬‫بِ ِ‬
‫ت‪ ...‬‬ ‫س ـل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ك ت َب ُْلوا ْ ك ُ ّ‬ ‫هَنال ِ َ‬
‫ف ْ‬ ‫مــا أ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫فـ ٍ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫‪.((30‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫عل َــى ٱل ّ ـ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ة َرب ّـ َ‬ ‫مـ ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫قـ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ك َ‬ ‫‪‬ك َـذَل ِ َ‬
‫َ‬
‫م لَ‬ ‫هــــــــــــــــــــ ْ‬ ‫قوا ْ أن ّ ُ‬ ‫ســــــــــــــــــــ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (33‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫وبالمقابييل‪ ،‬ترينييا اليييات أن المثوبيية الربانييية ل‬
‫تكييون عيين عبييث‪ ،‬بييل إنهييا رهيين بميين اسييتحقها‪:‬‬
‫َ‬
‫ة‪.( (26...‬‬‫زَيادَ ٌ‬
‫و ِ‬
‫سن َ ٰى َ‬ ‫سُنوا ْ ٱل ْ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫ذي َ‬‫ل ّل ّ‬
‫‪ِ‬‬
‫الله أعلم بعباده‬
‫‪229‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وإذا تابعنا قراءة اليات‪ ،‬وجدنا أن السورة تنتقل‬


‫إلى مفهوم جديد وسؤال مباغت‪:‬‬
‫كيف تتعجبون من قضاء الله وأفعالكم أنتم تجاه‬
‫قضاء الله وقدره أشد غرابة؟ اسمع معي اليات‪:‬‬
‫ه‬
‫جنِبــ ِ‬ ‫عاَنــا ل ِ َ‬ ‫ضّر دَ َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫سـٰ َ‬ ‫لن َ‬ ‫سٱ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مــّر‬ ‫ضّرهُ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫فَنا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫قائ ِ ً‬ ‫و َ‬ ‫دا أ ْ‬ ‫ع ً‬ ‫قا ِ‬ ‫و َ‬ ‫أ ْ‬
‫عَنا إ ِل َ ٰى ُ‬ ‫َ‬
‫ه‪ ( (12...‬هذه الية‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّر ّ‬ ‫م ي َدْ ُ‬ ‫ك َأن ل ّ ْ‬
‫تصييور لنييا مشييهدين بشييكل رائع‪ :‬مشييهد النسييان‬
‫المهموم الذي يدعو الله تعالى بييأي طريقيية )لجنبييه‬
‫أو قاعدا ً أو قائمًا( وفي هذه الصييورة تثاقييل وبطييء‪،‬‬
‫حتى إذا انتهت الزمة كان تصرفه وغفلتييه سييريعين‬
‫)مر(‪...‬كأنه ميير بيدون أن يتوقيف ليشيكر أو يلتفييت‬
‫ليتدبر‪.‬‬
‫ة‬ ‫مـ ً‬ ‫ح َ‬‫س َر ْ‬ ‫قَنا ٱلّنــا َ‬ ‫ذا أ َذَ ْ‬ ‫وإ ِ َ‬‫وفي آية أخرى‪َ  :‬‬
‫فــى‬ ‫مك ْـٌر ِ‬ ‫م ّ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ذا ل َ ُ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ـت ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ض ـّراء َ‬ ‫د َ‬ ‫عـ ِ‬ ‫مــن ب َ ْ‬ ‫ّ‬
‫مك ًْرا‪.( (21‬‬ ‫َ‬ ‫ءاَيـٰت َِنا ُ‬
‫ع َ‬ ‫سَر ُ‬ ‫ل ٱلله أ ْ‬ ‫ق ِ‬
‫فهذه الية تشرح كيف يقع القضاء والقييدر‪ ،‬فييإن‬
‫كييان بعييض البشيير مسييتغربا ً ميين قضيياء اللييه‪ ،‬فييإنه‬
‫تعالى يعلم من منكم سيشكر وميين منكييم سيييكفر‪،‬‬
‫و‬ ‫ه َ‬‫وتأتي الية التي بعدها لتوضييح المعنييى أكييثر ‪ُ ‬‬
‫ذا‬ ‫حت ّـ ٰى إ ِ َ‬ ‫ر َ‬ ‫حـ ِ‬ ‫ٱْب َ ْ‬
‫و ل‬ ‫فى ٱل ْب َـّر َ‬ ‫م ِ‬ ‫سي ُّرك ُ ْ‬ ‫ذى ي ُ َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫ة‬‫ح طَي ّب َـ ٍ‬ ‫ري ـ ٍ‬
‫هــم ب ِ ِ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫جَري ْـ َ‬ ‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫فل ْـ ِ‬ ‫فى ٱل ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ها‪.( (22...‬‬ ‫حوا ْ ب ِ َ‬ ‫ر ُ‬ ‫و َ‬
‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫ول يصفو القلب لخالقه إل عند الشييدة‪ ،‬ول يييرق‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪230‬‬

‫إل في الكوارث‪ ،‬فإذا مرت بسلم نسي اللجوء إلييى‬


‫خالقه من قبل‪ ...‬أنظر بالله عليك‪ ،‬ميياذا بعييد الريييح‬
‫الطيبة التي فرحت بها القلوب وذهلت عيين صيياحب‬
‫م‬‫ه ُ‬‫جــاء ُ‬ ‫و َ‬ ‫ف َ‬ ‫صــ ٌ‬ ‫عا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ريــ ٌ‬ ‫هــا ِ‬ ‫جاءت ْ َ‬ ‫النعميية‪َ ... :‬‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫م أُ ِ َ‬ ‫َ‬
‫وظَّنوا ْ أن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫حيط ب ِ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫جي ْت ََنــا‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫ن ل َئ ِ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ٱلــ ّ‬ ‫ن َلــ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ْ ٱلله ُ‬ ‫ع ُ‬‫دَ َ‬
‫ن‪.( (22‬‬ ‫ري َ‬ ‫ش ٰـك ِ ِ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ه ل َن َ ُ‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ٰـ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫وما يحييدث فييي أمييواج البحيير يحييدث أيضيا ً بييين‬
‫أمييواج الحييياة وتقلباتهييا‪ .‬فميياذا يكييون حييال ركيياب‬
‫السفينة عند النجاة؟‬
‫َ‬
‫فى ٱل ْْر ِ‬
‫ض‬ ‫ن ِ‬ ‫غو َ‬ ‫م ي َب ْ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جا ُ‬ ‫ما أن َ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ق ‪ ‬وتليييييييييك قمييييييييية‬ ‫حــــــــ ّ‬ ‫ر ٱل ْ َ‬ ‫غي ْــــــــ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫التناقض‪ ،‬وغاية النحراف عن الحييق‪ ،‬لن اللييه غنييي‬
‫عَلـ ٰى‬ ‫غي ُ ُ‬ ‫عن البشر ٰيأ َ‬
‫م َ‬ ‫كـ ْ‬ ‫مـا ب َ ْ‬ ‫س إ ِن ّ َ‬ ‫هـا ٱلّنـا ُ‬ ‫‪‬ي ّ َ‬
‫م إ َِليَنــا‬ ‫ة ٱلــدّن َْيا ُثــ ّ‬ ‫حَيــ وٰ ِ‬ ‫ٱ َ‬ ‫ع لْ‬ ‫مَتــا َ‬ ‫م ّ‬ ‫ســك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫َأن ُ‬
‫ن‪.( (23‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫فن ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫مْر ِ‬ ‫َ‬
‫فمييا علقيية هييذا المثييل بهييدف السييورة؟ كييأن‬
‫المعنى‪ :‬ل تعجبوا من قضاء الله فيكم لنه يعلم من‬
‫منكم سيشكر بعد رفييع البلء ويتييوب‪ ،‬وميين سيييعود‬
‫إلى جرمه ثانية!‪..‬‬
‫رسائل القدر‬
‫أحيانا يقع قضاء الله وقيدره لنيه ‪ ‬أعليم كييف‬
‫سيتصرف كل إنسييان بعييد رفييع البلء‪ ،‬لنييه ل يوجييد‬
‫‪231‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫إنسان إل وقد تعّرض لمواقييف قبييل أن يييأتيه البلء‪،‬‬


‫ويظهر من خلل المواقف كيف سيكون تصرفه بعييد‬
‫رفعه‪ .‬فالنسان يختبر بابتلءات صغيرة فيييدعو اللييه‬
‫‪ ،‬وقد يهلكه الله لنه تعالى يعلم كيييف سيتصييرف‬
‫العبد إذا ما رفع عنه البلء‪ ،‬كما تصرف في السييابق‬
‫مرات عديدة‪...‬‬
‫فالقضيياء والقييدر إنمييا هييو بحكميية ميين اللييه ‪‬‬
‫وليس عبثًا‪ ،‬وقد ندرك هذه الحكميية وقييد ل نييدركها‪،‬‬
‫وحييتى لييو لييم نييدرك الحكميية بعقولنييا البسيييطة فل‬
‫يجوز لنا أن نتهم الله ‪ ‬فييي حكمتييه‪ ،‬ولكيين ينبغييي‬
‫التسييليم والثقيية المطلقيية بييالله والتوكييل عليييه‪،‬‬
‫واليقين بأنه هو الحكيم العليم الذي ل يظلم أبدًا‪...‬‬
‫أنبياء الله والتوكل‬
‫لييذلك جيياءت قصييص النبيياء فيي هيذه السيورة‬
‫لتؤكد على معنى التوكل على الله عند دعوة النبياء‬
‫لقوامهم‪:‬‬
‫عل َي ْك ُـــ ْ‬
‫م‬ ‫ن ك َب ُـــَر َ‬ ‫وم ِ ِإن ك َـــا َ‬ ‫قـــ ْ‬ ‫نيييوح‪ٰ ... :‬ي َ‬
‫عل َــى ٱللــه‬ ‫ف َ‬‫ت ٱللــه َ‬ ‫رى ِبآي َــا ِ‬ ‫كي ِ‬‫وت َـذْ ِ‬ ‫مى َ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬‫ّ‬
‫ت‪.( (71...‬‬ ‫وك ّل ْ ُ‬‫تَ َ‬
‫م‬‫كنت ُـ ْ‬ ‫وم ِ ِإن ُ‬ ‫قـ ْ‬ ‫س ـ ٰى ٰي َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫‪‬ــا َ‬ ‫و َ‬
‫ق‬ ‫موسييى‪َ :‬‬
‫وك ُّلـــــوا ْ ِإن‬ ‫ه تَ َ‬ ‫عل َْيـــــ ِ‬ ‫ٱلله َ‬
‫ف َ‬ ‫م ِبـــــ‬ ‫من ُْتـــــ ْ‬ ‫ءا َ‬
‫وك ّل َْنا َرب َّنا‬
‫لى ٱلله ت َ َ‬ ‫ع َ ٰ‬‫قاُلوا ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬‫ك ُن ُْتم ّ‬
‫وم ِ‬‫قـــــــــــ ْ‬ ‫ة ل ّل ْ َ‬ ‫فت َْنـــــــــــ ً‬ ‫عل َْنـــــــــــا ِ‬ ‫ج َ‬‫ل َ تَ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪232‬‬

‫‪.(‬‬ ‫ن‪(84-85‬‬ ‫ٱلظّ ٰـل ِ ِ‬


‫مي َ‬
‫فرعون وقوم يونس‬
‫ونصل إلى ختام السورة حيث تذكر لنييا السييورة‬
‫قصتين لتوضيح ما سبق‪ :‬فرعون‪ ،‬وقوم يونس‪.‬‬
‫فبعد أن أوضحت السورة فييي كييثير ميين اليييات‬
‫حكميييية اللييييه ‪ ‬وتييييدبيره‪ ،‬وتصييييرفات البشيييير‬
‫حيالها‪..‬ضربت السورة مثالين‪ :‬الول لفرعون الييذي‬
‫كذب بآيات الله‪ ،‬والثيياني قييوم يييونس الييذين كييذبوا‬
‫بالله أول المر‪.‬‬
‫وفي المثلييين تجييد أن النييبيين ذهبييا إلييى البحيير‪:‬‬
‫موسى ويونس‪ .‬وظل القومان على تكييذيبهما حييتى‬
‫نزل بهم العذاب جميعًا‪ ،‬لكيين الييذي جييرى هييو هلك‬
‫فرعون وآله ونجاة قوم يونس‪...‬‬
‫حـَر‬‫ل ٱل ْب َ ْ‬
‫سـرءي َ‬
‫وْزَنا ب ِب َِنى إ ِ ْ ٰ‬
‫جا َ‬ ‫يقول ‪َ : ‬‬
‫و َ‬
‫حت ّـ ٰى‬ ‫َ َ‬
‫وا َ‬ ‫عـدْ ً‬‫و َ‬‫غي ًــا َ‬
‫جن ُــودُهُ ب َ ْ‬ ‫و ُ‬
‫ن َ‬ ‫و ُ‬ ‫ع ْ‬
‫فْر َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬‫فأت ْب َ َ‬
‫َ‬ ‫ه ٱل ْ َ‬ ‫إ َ َ‬
‫ه إ ِل ّ‬ ‫ه ل إ ِل ِ ٰـــ َ‬ ‫ت أّنــ ُ‬‫من ُ‬ ‫ل ءا َ‬ ‫قا َ‬ ‫غَرقُ َ‬ ‫ذا أدَْرك َ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مــ َ‬‫وأَنــا ْ ِ‬‫ل َ‬ ‫ســ ٰرءي َ‬ ‫ه َبنــوا ْ إ ِ ْ‬ ‫ت ِبــ ِ‬ ‫مَنــ ْ‬ ‫ذى ءا َ‬ ‫ٱّلــ ِ‬
‫ن‪ ( (90‬فيظهيير هنييا إدعيياء اليمييان‪،‬‬ ‫مي َ‬ ‫ســل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫فيأتي الرد‪:‬‬
‫ن‬ ‫مــ َ‬‫ت ِ‬ ‫كنــ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ت َ‬
‫قْبــ ُ‬ ‫صــي ْ َ‬‫ع َ‬‫قــدْ َ‬ ‫و َ‬‫ن َ‬ ‫‪‬ءالئ َ َ‬
‫ن‪.( (91‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫أما قوم يونس‪ ،‬فقصتهم شبيهة بقصيية فرعييون‪،‬‬
‫وقد نجوا فيما أهلك فرعون‪ .‬اسمع اليات‪:‬‬
‫‪233‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ها‬‫مان ُ َ‬‫ها ِإي َ‬ ‫ع َ‬ ‫فن َ َ‬


‫ف َ‬ ‫ت َ‬ ‫من َ ْ‬
‫ة ءا َ‬ ‫قْري َ ٌ‬‫ت َ‬ ‫ول َ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫فل َ ْ‬‫‪َ ‬‬
‫م‬‫هــ ْ‬ ‫عن ْ ُ‬‫فَنا َ‬ ‫شــ ْ‬ ‫مُنــوا ْ ك َ َ‬ ‫مــا ءا َ‬ ‫س لَ ّ‬‫م ُيــون ُ َ‬ ‫و َ‬‫قــ ْ‬‫إ ِل ّ َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫عَنا ُ‬ ‫مت ّ ْ‬
‫و َ‬
‫حَيوٰةَ ٱلدّن َْيا َ‬ ‫فى ٱل ْ َ‬ ‫ى ِ‬ ‫خْز ِ‬
‫ب ٱل ِ‬ ‫ع َ‬
‫ذا َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (98‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫إ ِل َ ٰى ِ‬
‫فالعذاب كان قد نزل‪ ،‬ولكيين اللييه كشييفه عنهييم‬
‫بإيمييانهم‪ ،‬فمييا الفييرق بييين فرعييون وقييوم يييونس؟‬
‫فكلهمييا قييال آمنييا! وكلهمييا تركهييم رسييلهم لنهييم‬
‫كذبوا؟ فلماذا أهلك فرعون فيما نجييا قييوم يييونس؟‬
‫هل ظلم فرعون وحييابى قييوم يييونس؟ إنهييا مسييألة‬
‫رائعة في القضاء والقدر‪...‬‬
‫أل يعلم من خلق‪...‬؟!‬
‫فالله ‪ ‬أعلم بما في الصييدور‪ ،‬ففرعييون لييو رد‬
‫جى الله ‪ ‬قوم يونس ‪‬‬ ‫لعاد لما كان عليه‪ ،‬فيما ن ّ‬
‫لنهييم لييو رّدوا لعييادوا إلييى الصييلح فاهلييك فرعييون‬
‫جى قوم يونس‪ ،‬ودليل ذلك قييوله تعييالى مخاطبيا ً‬ ‫ون ّ‬
‫فرعون‪:‬‬
‫ل‪  ...‬فهذا يعني‬ ‫ت َ‬
‫قب ْ ُ‬ ‫صي ْ َ‬‫ع َ‬ ‫و َ‬
‫قدْ َ‬ ‫‪ ...‬ءالئ َ َ‬
‫ن َ‬
‫أنه قد جاءت فرص كييثيرة لفرعييون ميين قبييل هييذا‪،‬‬
‫لكنه كان يعود إلى إفساده في كل مرة‪ .‬بل إنه رأى‬
‫آية البحر وهو ينشق للمؤمنين فتبعهييم بييدل ً ميين أن‬
‫كر في تلك الية‪ ،‬وظل يتبعهم حتى الغرق‪.‬‬ ‫يتف ّ‬
‫أما قوم يونس‪ ،‬فان الله تعالى علم منهم صييدق‬
‫العودة‪ ،‬ولنه رحيم‪ ،‬أعطاهم الفرصة‪ .‬والدليل علييى‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪234‬‬

‫ذلك أن بقائهم على اليمان هو ما حصييل فعل ً حييين‬


‫ب‬ ‫عــ َ‬
‫ذا َ‬ ‫م َ‬‫هــ ْ‬‫عن ْ ُ‬
‫فَنا َ‬ ‫نجييياهم الليييه ‪ ... ‬ك َ َ‬
‫شــ ْ‬
‫م إ َِلـ ٰى‬ ‫ه ْ‬
‫عَنـا ُ‬ ‫مت ّ ْ‬
‫و َ‬ ‫فى ٱل ْ َ‬
‫حي َ ٰوةَ ٱلـدّن َْيا َ‬ ‫ى ِ‬‫خْز ِ‬‫ٱل ِ‬
‫ن‪ ( (98...‬فلقد بقوا طائعين لله ‪ ‬مؤمنين به‪،‬‬ ‫حي ٍ‬‫ِ‬
‫فاستمتعوا بنعم الله طيلة حياتهم في الدنيا‪ ،‬ففييازوا‬
‫وسميت السورة باسم نبيهم‪.‬‬
‫لماذا سورة يونس‪...‬؟!‬
‫ذكر اسم سيدنا يونس في هذه السورة في آييية‬
‫واحدة فقط‪ ،‬وهناك سور كثيرة جيياء فيهييا ذكيير هييذا‬
‫النبي الكريم أكثر من هنا‪ .‬ولييم يييذكر سيييدنا يييونس‬
‫في السورة بل ذكر قومه فقط )لنييه تركهييم أص يل ً‬
‫وكان في بطن الحوت عند إيمانهم(‪ ،‬فما الحكمة؟‬
‫لقد سييميت هييذه السييورة بسييورة يييونس حييتى‬
‫يبقى مثل قوم يونس شاهدا ً على حكميية اللييه‪ ،‬وأن‬
‫النسان ليه دور فيما يحدث ليييه ويقييع عليييه‪ ،‬لنهييم‬
‫بعد التوبة استمروا على طريق الهداييية رغييم غييياب‬
‫نبيهم‪ ،‬كأن القصة شاهد ودليل أن حكمة الله كييانت‬
‫هيدا ً ‪.‬‬ ‫وك َ َ‬
‫فىٰ ب ِٱلله َ‬
‫ش ِ‬ ‫في محلها ‪َ ‬‬
‫وقد تقييول فييي نفسييك‪ :‬ولييم لييم يعييط فرعييون‬
‫الفرصة‪ ،‬فقد يتوب هذه المرة‪ ...‬راجع اليات )‪ 22‬و‬
‫‪ .(23‬وكأنها تقول لك‪ :‬ألم تقرأ السورة؟ ولييم تييوقن‬
‫بحكميية اللييه؟ إن اللييه هييو أعلييم بفرعييون منييك‪،‬‬
‫والقضاء والقدر ل يكونان إل بحكمة من الله تعييالى‪،‬‬
‫وليس عبثًا‪ ،‬وقد تدرك الحكمة وقد ل تييدركها‪ ،‬فثييق‬
‫‪235‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫بأن الله حكيم عليم ل يظلم أحدًا‪ ،‬وتوكل عليه‪.‬‬


‫كيف تتعامل مع قضاء الله؟‬
‫ثلثة أوامر تختتم بها السورة لتكون درسا ً عمليا ً‬
‫فيييييييييييييييي اليميييييييييييييييان بالقضييييييييييييييياء‬
‫والقدر‪:‬‬
‫سلم له ‪ -‬ل تلجأ إلى غيره ‪ -‬توكل عليه‪.‬‬
‫ن‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬ ‫فا َ‬ ‫حِني ً‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ك ِلل ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ج َ‬‫و ْ‬ ‫م َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن أَ ِ‬‫وأ ْ‬
‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫ما ل َ‬ ‫ن ٱلله َ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ول َ ت َدْ ُ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫مـ َ‬ ‫ذا ّ‬ ‫ك إِ ً‬ ‫فإ ِن ّ ـ َ‬‫ت َ‬ ‫عل ْ ـ َ‬
‫ف َ‬ ‫فِإن َ‬ ‫ك َ‬ ‫ضّر َ‬ ‫ول َ ي َ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ع َ‬ ‫ف ُ‬ ‫َين َ‬
‫ن‪.( (105-106‬‬ ‫مي َ‬ ‫ٱلظّ ٰـل ِ ِ‬
‫ول يضعف إيمانك بالقضاء والقدر مهما كييان لن‬
‫كل ما يقدره الله هو لخير العباد ورحمتهم‪:‬‬
‫ه‬‫ف ل َـ ُ‬ ‫شـ َ‬ ‫كا ِ‬ ‫فل َ َ‬ ‫ضّر َ‬ ‫ك ٱلله ب ِ ُ‬ ‫س َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫وِإن ي َ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ب‬ ‫صي ُ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ضل ِ ِ‬‫ف ْ‬ ‫فل َ َرادّ ل ِ َ‬ ‫ر َ‬ ‫خي ْ ٍ‬‫ك بِ َ‬ ‫رد ْ َ‬ ‫وِإن ي ُ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫إ ِل ّ ُ‬
‫فــوُر‬ ‫و ٱل ْ َ‬
‫غ ُ‬ ‫هــ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عَبــاِد ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مــ ْ‬ ‫شــاء ِ‬ ‫مــن ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ِبــ ِ‬
‫م‪ ( ... (107‬فسّلم لقضاء الله وقدره‪ ،‬تسلم‬ ‫حي ُ‬ ‫ٱلّر ِ‬
‫في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫سورة هود‬

‫سو‬ ‫سورة هييود )مكييية(‪ ،‬نزلييت بعييد سييورة يييونس‪،‬‬


‫رة هود‬ ‫وهي بعدها في ترتيييب المصيحف‪ .‬وعيدد آياتهييا ‪123‬‬
‫آية‪.‬‬
‫ثلث سور متتالية بأسماء النبياء‬
‫هنياك سيور عدييدة فيي القيرآن سيميت بأسيماء‬
‫أنبياء‪ ،‬ومنها ثلث سور متتالية‪ :‬يونس‪ ،‬هود‪ ،‬ويوسف‪.‬‬
‫هذه السور تجمعها روابط عديدة‪ ،‬فهي أول سور في‬
‫القرآن سميت بأسماء أنبياء‪ ،‬كمييا أنهييا نزلييت بنفييس‬
‫الترتيب الموجود في المصييحف‪ ،‬وفييي نفييس الفييترة‬
‫من المرحلة المكية‪ ،‬وهي فترة اشتداد المحنيية علييى‬
‫المسلمين وعلى النبي ‪.‬‬
‫وهنا ل بد من أن نذكر قاعدة من قواعد القييرآن‬
‫في قصييص النبييياء‪ :‬فعنييدما يكييون اسييم النييبي هييو‬
‫عنوان السورة‪ ،‬فإن هدف السورة مرتبط ل محاليية‬
‫بقصة هذا النبي )كما رأينا فييي سييورة يييونس عليييه‬
‫السييلم الييتي كييان محورهييا التسييليم لقضيياء اللييه‬
‫وقدره‪ ،‬وكييانت قصيية قييوم يييونس مثل ً رائع يا ً لفهييم‬
‫حكمة الله وتدبيره(‪.‬‬
‫‪236‬‬
‫‪237‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وهناك قاعدة قرآنية أخيرى تشيعرك بعظمية هيذا‬


‫الكتاب وروعته‪ ،‬وهي أن كل قصة نبي من أنبياء اللييه‬
‫تختتييم بآييية أو مجموعيية آيييات تييبين لييك العييبرة ميين‬
‫القصة‪ .‬فإذا أردت أن تعييرف الرسييالة الربانييية الييتي‬
‫تحملها السورة‪ ،‬فيياقرأ آخيير سييطر ميين قصيية النييبي‬
‫اليذي سيميت السيورة باسيمه‪ ،‬قاعيدة رائعية تتكيّرر‬
‫بشكل معجزة في القرآن‪.‬‬
‫زلزل البلء‬
‫نزلت السورة على النبي ‪ ‬في أحلك الوقييات‬
‫وأصعبها‪ ،‬بعد عشير سيينوات مين البعثية‪ .‬الضييطهاد‬
‫في مكة شيديد‪ ،‬والنييبي ‪ ‬أذن لصييحابه بييالهجرة‬

‫إلى الحبشة‪ ،‬وأما من بقي من الصحابة في مكة‬


‫فقد ظل يتعّرض لشتى أنييواع العييذاب‪ .‬أمييا رسييول‬
‫الله فلم تكن الظروف التي يمر بها أفضل حال ً ميين‬
‫الصييحابة‪ ،‬فلقييد مييات عمييه أبييو طييالب الييذي كييان‬
‫يحميه‪ ،‬وماتت زوجته خديجة بنت خويلد التي كييانت‬
‫تواسيه‪ ،‬وليس هذا وحسب بل إن النييبي تييوجه إلييى‬
‫الطائف لدعوة أهلها فييردوه ورمييوه بالحجييارة ولييم‬
‫يعد أحد من أهل مكة ييدخل فيي السييلم ورفضييت‬
‫كل القبائل أن تنصر النبي ‪ ‬وأن تقبل هذا الدين‪.‬‬
‫ما أشبه الليلة بالبارحة‬
‫والصييحابة‬ ‫فييالظروف الييتي ميير بهييا النييبي ‪‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪238‬‬

‫رضييوان اللييه تعييالى عليهييم شييديدة للغاييية‪ ،‬وهييي‬


‫مشييابهة كييثيرا ً لمييا نميير بييه نحيين ميين شييدة علييى‬
‫السلم والمسلمين‪ .‬فجييو السييورة هييذا مفيييد جييدا ً‬
‫للشباب المتدين‪ ،‬فافتييح معييي عقلييك وقلبييك لفهييم‬
‫مراد ربنا من هذه السورة‪.‬‬
‫فعندما يعيش البشر في الضغوطات التي مر بها‬
‫الصحابة‪ ،‬أو التي نمر بها اليييوم‪ ،‬يصيييبهم أحييد هييذه‬
‫المور الثلثة‪:‬‬
‫‪ .1‬فقييدان المييل وتضييييع الهمييم وتوقييف السييير‬
‫للصلح وترك العمل للسلم‪.‬‬
‫‪ .2‬التهييور واللجييوء إلييى العنييف والتصييرفات غييير‬
‫المحسوبة من أجل التغيير بالقوة‪.‬‬
‫‪ .3‬الركييييون للعييييداء والرتميييياء فيييي أحضييييانهم‬
‫والستسلم الكامل لهم مع العيش في ظلهم‪.‬‬
‫أل تييرى مثييل هييذه النييواع فييي مجتمعنييا؟ فمييا‬
‫الحل؟ وماذا تقول السورة لهؤلء؟‬
‫هدف سورة هود‪ :‬التوازن‬
‫السورة تعالج هييذه الظييواهر الخطيييرة فييي آييية‬
‫محورية‪ ،‬تخاطب مشاعر المتييدينين الييذين يتييألمون‬
‫لمييا يحييدث للسييلم ميين ظلييم‪ ،‬وتخيياطب الشييباب‬
‫مييس لفعييل أي شيييء لنصييرة‬ ‫ب لييدينه والمتح ّ‬‫المح ّ‬
‫السلم‪ ،‬لتقول لهم‪:‬‬
‫ُ‬
‫ول َ‬
‫ك َ‬‫ع َ‬‫م َ‬
‫ب َ‬
‫من َتا َ‬
‫و َ‬
‫ت َ‬ ‫مْر َ‬
‫ما أ ِ‬‫م كَ َ‬
‫ق ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫فٱ ْ‬
‫‪239‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ول َ ت َْرك َُنوا ْ إ َِلى‬ ‫صيٌر ‪َ ‬‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬‫ما ت َ ْ‬


‫ه بِ َ‬ ‫وا ْ إ ِن ّ ُ‬ ‫ت َطْ َ‬
‫غ ْ‬
‫مــن‬ ‫م ّ‬ ‫كــ ْ‬‫ما ل َ ُ‬
‫و َ‬‫م ٱلّناُر َ‬ ‫سك ُ ُ‬‫م ّ‬‫فت َ َ‬ ‫موا ْ َ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‪ (112 -‬‬ ‫صـُرو َ‬ ‫م ل َ ُتن َ‬ ‫ول َِياء ث ُـ ّ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ٱلله ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ُ‬
‫‪ (113‬لقد وردت هذه الية فييي آخيير السييورة بعييد أن‬
‫ذكرت كل قصص النبياء قبلها لتأمرنا بثلثة أوامر‪:‬‬
‫م ‪ ،‬هييي السييتمرار‬ ‫ق ْ‬ ‫س ـت َ ِ‬‫فٱ ْ‬ ‫أ‪ .‬الســتقامة‪َ  :‬‬
‫في الدعوة والصييبر‪ .‬فل ينبغييي علييى الداعييية أن‬
‫يتوقف عن الدعوة أو أن يفقد المييل إذا واجهتييه‬
‫المصييياعب‪ .‬واليييدعوة إليييى السيييتقامة تعاليييج‬
‫المشكلة الولى من المشاكل التي ذكرناها‪ ،‬وهي‬
‫فقدان المل وضياع الهمم والتوقف عن الصلح‪.‬‬
‫وا ْ ‪ ،‬وهييذا هييو‬ ‫ول َ ت َطْ َ‬
‫غ ْ‬ ‫ب‪ .‬عدم الطغيان‪َ  :‬‬
‫التعبير القرآني عن التهور واللجوء إلى العنف‪.‬‬
‫ول َ ت َْرك َُنــوا ْ ‪ ،‬وهييذا هييو‬
‫ج‪ .‬عــدم الركــون‪َ  :‬‬
‫التعبير الشرعي القرآني عن الركون إلى العداء‬
‫والرتماء في أحضييانهم‪ ،‬والستسييلم للحضييارات‬
‫الخييرى‪ ،‬والتقليييد العمييى‪ ،‬وأن يشييعر المييرء‬
‫بفقييدان الهوييية وعييدم النتميياء لحضييارته ودينييه‬
‫وإسلمه‪.‬‬
‫"شيبتني هود"‬
‫فهذه الوامر الثلثة هي العلج للمشكلت الثلث‬
‫التي تصيب البشر حين يواجهون الزمييات والهييزائم‬
‫والوضاع الحالكة المظلمة‪ .‬فييالتوازن مطلييوب ميين‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪240‬‬

‫المؤمن حين تواجهه الزمييات‪ ،‬دون طغيييان وتهييور‪،‬‬


‫ودون الركون للعداء‪ .‬ويتحقق التييوازن بالسييتقامة‬
‫على الحق كما أمر والستمرار فييي طريييق الييدعوة‬
‫والصلح رغم كل الظروف‪ ،‬وذلييك ميين خلل تنمييية‬
‫مجتمعه وتقديم الخير للفقراء والمساكين‪ ،‬والنجيياح‬
‫في الحياة العملية‪.‬‬
‫ولن المر بالتوازن صعب على النفس البشرية‪،‬‬
‫ل بييد للنيياس عمومييا ً وللييدعاة خصوصييا ً أن يتقييووا‬
‫بالصحبة الصالحة المعتدلة التي تعين على التييوازن‪،‬‬
‫مــن‬‫و َ‬
‫لذلك نرى في الية المحورية قوله تعييالى‪َ  :‬‬
‫ك ‪.‬‬‫ع َ‬
‫م َ‬
‫ب َ‬
‫َتا َ‬
‫قف بينهما‬
‫وللحسن البصري كلم رائع في هذه الية‪ ،‬حيييث‬
‫يقول‪) :‬سبحان الذي جعييل اعتييدال هييذا الييدين بييين‬
‫وا ْ ‪ ‬و ‪‬ل َ ت َْرك َُنــوا ْ ‪،‬‬
‫غــ ْ‬‫لءييين( وهييي ‪‬ل َ ت َطْ َ‬
‫وهي من اعتدال السلم وتوازنه فييي التعيياطي مييع‬
‫مشاكل الحياة‪.‬‬
‫إن هذه السورة تعالج الوضييع الييذي نعيشييه نحيين‬
‫اليوم تمامًا‪ ،‬وهيذا دلييل عليى صيلحية السيلم لكيل‬
‫زمييان ومكييان‪ .‬فكأنهييا تخاطبنييا نحيين لتقييول‪ :‬ل َ‬
‫م ‪...‬‬ ‫ق ْ‬
‫س ـت َ ِ‬
‫فٱ ْ‬ ‫وا ْ ‪ ... ‬ل َ ت َْرك َن ُــوا ْ ‪َ  ... ‬‬ ‫ت َطْ َ‬
‫غـ ْ‬
‫فرسالة السورة إلى المسلمين في كل زمان ومكان‬
‫هي‪ :‬اصبروا‪ ،‬واستمروا في الصلح‪ ،‬بتوازن واعتدال‪،‬‬
‫دون أي تهور أو ركون‪.‬‬
‫‪241‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫بداية السورة‪ :‬كتاب أحكمت آياته‬


‫ب‬ ‫بييدأت السييورة بقييوله تعييالى‪ :‬الــر ك َِتــا ٌ‬
‫ُ‬
‫كيـم ٍ‬‫ح ِ‬ ‫ن َ‬‫مـن ّلـدُ ْ‬‫ت ِ‬ ‫صـل َ ْ‬‫ف ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ُثـ ّ‬ ‫ت ءاي َ ٰــت ُ ُ‬ ‫مـ ْ‬‫حك ِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ر‪.( (1‬‬ ‫خِبي ٍ‬ ‫َ‬
‫ومن لطييائف ترابييط سييور القييرآن‪ ،‬أن السييورة‬
‫السييابقة )سييورة يييونس( افتتحييت أيض يا ً بالحكميية‪:‬‬
‫كي ـم ِ ‪) ‬يييونس‪:‬‬ ‫ح ِ‬‫ب ٱل ْ َ‬ ‫ت ٱل ْك َِتـٰ ِ‬ ‫ك ءاَيـٰ ُ‬ ‫‪‬الر ت ِل ْ َ‬
‫‪ .(1‬فالسورتان بدأتا بالحكمة‪ ،‬لكن ما الفرق بينهما؟‬
‫كزت على حكمة الله في قضييائه‬ ‫سورة يونس ر ّ‬
‫وقدره كما رأينا‪ ،‬أما سورة هود‪ ،‬فتحدثت عن حكمة‬
‫كز على حكمة المييؤمن فييي‬ ‫الله في كتابه وآياته لتر ّ‬
‫التعامييل مييع الواقييع الشييديد‪ ،‬ميين خلل السييتعانة‬
‫بآيات الله الحكيم‪.‬‬
‫الصرار على الدعوة بتوازن‬
‫والية الثانية تظهر بوضوح معنييى الصييرار علييى‬
‫دوا ْ إ ِل ّ ٱلله إ ِن ِّنى ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫كــ ْ‬ ‫الدعوة بتوازن ‪‬أل ّ ت َ ْ‬
‫عب ُ ُ‬
‫شيٌر ‪ .‬ثم تنتقل اليييات إلييى إظهييار‬ ‫وب َ ِ‬‫ذيٌر َ‬ ‫ه نَ ِ‬
‫من ْ ُ‬‫ّ‬
‫تكذيب العداء للنبي ‪ ‬حتى يعيييش قييارئ القييرآن‬
‫َ‬
‫م ي َث ُْنو َ‬
‫ن‬ ‫ه ْ‬‫مع الجو المحيط لنزول السورة ‪‬أل إ ِن ّ ُ‬
‫ه‪. ...‬‬ ‫فوا ْ ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫خ ُ‬
‫ست َ ْ‬‫م ل ِي َ ْ‬
‫ه ْ‬‫دوَر ُ‬ ‫ص ُ‬‫ُ‬
‫وفييي خضييم هييذه اليييات‪ ،‬تييأتي الييية السييابعة‬
‫ت‬‫م ٰـ ـ ٰو ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ٱل ّ‬ ‫خل َـ َ‬
‫ذى َ‬ ‫و ٱل ّ ـ ِ‬ ‫ه‬
‫و ُ‬
‫‪َ ‬‬ ‫بمعنى لطيف‪َ :‬‬
‫ة أ َي ّــام ٍ‪  ...‬فمييا علقيية خلييق‬ ‫سـت ّ ِ‬‫فى ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫و ٱل ْْر َ‬ ‫َ‬
‫السماوات والرض بجييو السييورة؟ إن التييدرج سيينة‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪242‬‬

‫كونية في ملك الله تعالى‪ ،‬ولييذلك خلييق السييماوات‬


‫والرض في ستة أيام مييع أنييه كييان يقييدر تعييالى أن‬
‫يفعل ذلك في لمح البصر‪ ،‬وذلك لكي يعلمنا التييدرج‬
‫في المور والصبر وعدم الستعجال‪.‬‬
‫والية ‪ 11‬تشير إلييى نفييس المعنييى أيض يًا‪ :‬إ ِل ّ‬
‫ت‪  ...‬مييع أن‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ْ ٱل ّ‬
‫ص ٰـل ِ َ‬ ‫ع ِ‬
‫و َ‬ ‫صب َُروا ْ َ‬
‫ن َ‬‫ذي َ‬‫ٱل ّ ِ‬
‫من ُــوا ْ‬
‫أكييثر آيييات القييرآن تييأتي بقييوله تعييالى‪ :‬ءا َ‬
‫ت ‪ .‬أرأيت كيييف أن وراء كييل‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ْ ٱل ّ‬
‫ص ٰـل ِ َ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬‫َ‬
‫كلمة بل كل حرف من القرآن حكمة وكيف تتكامييل‬
‫آيات السورة الواحدة حول موضييوع واحييد‪ .‬كيييف ل‬
‫ب‬ ‫واللييه تعييالى يقييول فييي أول السييورة ‪‬ك َِتــا ٌ‬
‫ه‪. ...‬‬ ‫ُ‬
‫ت ءاي َ ٰـت ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حك ِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ومن شدة التكذيب‪ ،‬تأتي الية )‪ (12‬لتقول للنبي‬
‫ك‬ ‫ح ٰى إ ِل َي ْ ـ َ‬‫مــا ي ُــو َ‬
‫ض َ‬ ‫عـ َ‬ ‫ر ٌ‬
‫ك بَ ْ‬ ‫ك ت َــا ِ‬ ‫عل ّ ـ َ‬ ‫‪‬ل َ َ‬‫ف‬ ‫‪َ : ‬‬
‫ك‪ . ...‬فهل تخّلى الرسييول عيين‬ ‫صدُْر َ‬ ‫ه َ‬ ‫ق بِ ِ‬ ‫ضائ ِ ٌ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫بعض وحي الله‪ ،‬أو ضاق صدره عيين تبليييغ الييدعوة؟‬
‫ل! وحاشييا للييه أن يحييدث هييذا‪ ...‬ولكيين هييذه الييية‬
‫تهدف إلى تثبيته ‪ ،‬وتثبيت المؤمنين من بعده في‬
‫ذبون يجييادلون‬ ‫كل زمان ومكييان‪ .‬فالمعانييدون المك ي ِ‬
‫محب لييدين اللييه‬ ‫الدعاة جدل ً بل جدوى‪ ،‬ولكن أّيها ال ُ‬
‫عل َ ٰى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫كي ٌ‬
‫ل‬ ‫و ِ‬ ‫ىء َ‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫و ٱلله َ‬ ‫ذيٌر َ‬ ‫ت نَ ِ‬ ‫ما أن َ‬ ‫‪َ‬‬‫إ ِن ّ‬
‫‪ ( (12‬فأنت تعمل أجيرا ً عند الله‪ ،‬وعليييك أن تبّلييغ‬
‫ما ُأمرت به دون أن تنظر إلى النتييائج‪ ،‬فييالله وحييده‬
‫ل‬‫عل َ ـ ٰى ك ُـ ّ‬ ‫‪‬ٱلله َ‬ ‫و‬
‫هو الذي بيده تحقيق النتييائج َ‬
‫‪243‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ل ‪.‬‬‫كي ٌ‬
‫و ِ‬
‫ىء َ‬‫ش ْ‬‫َ‬
‫وتمضييي أول ‪ 24‬آييية ميين هييذه السييورة لتكييون‬
‫رسالة واضيحة لليدعاة‪ :‬التكيذيب شييديد‪ ،‬وليه تييأثير‬
‫عليكم‪ ،‬فاثبتوا علييى دعييوتكم‪ ،‬وابييذلوا جهييدكم‪ ،‬ثييم‬
‫دعوا المر لله وتوكلوا عليه!!‬
‫نماذج للستقامة‬
‫وبعييد هييذه اليييات تسييير السييورة كلهييا بنفييس‬
‫الطريقة‪ :‬ذكيير قصييص مختلفيية لنبييياء اللييه تعييالى‪،‬‬
‫)نوح وهود وصالح وشعيب وموسى عليهم السلم(‪،‬‬
‫والتركيز في كل قصيية علييى تطييبيق النييبي للواميير‬
‫م ‪ - ‬عييدم التهييور‬ ‫ق ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫الثلثيية )السييتمرار ‪َ ‬‬
‫فٱ ْ‬
‫وا ْ ‪ - ‬عدم الركون ‪‬ل َ ت َْرك َُنوا ْ ‪.(‬‬ ‫‪‬ل َ ت َطْ َ‬
‫غ ْ‬
‫نوح عليه السلم‪ 950 :‬سنة‬
‫وأول قصة تأتي لتخدم معنى الستقامة والثبييات‬
‫هييي قصيية نييوح عليييه السييلم‪ .‬وتجييدر الشييارة أن‬
‫سورة هود تحتوي على أطول قصة لسيدنا نوح فييي‬
‫القرآن )حتى أنها أطييول ميين سييورة نييوح نفسييها(‪،‬‬
‫فلماذا؟ لن سيييدنا نييوح بقييي ‪ 950‬سيينة فييي دعييوة‬
‫قييومه دون أن يسييتجيبوا ليييه‪ ،‬فيكييون بييذلك مثييال ً‬
‫وقدوة في الستقامة وعدم اليأس‪.‬‬
‫‪َ َ َ‬‬
‫م‬ ‫ه إ ِن ّــى ل َك ُـ ْ‬
‫م ِ‬
‫و ِ‬ ‫حا إ ِل َ ٰى َ‬
‫قـ ْ‬ ‫سل َْنا ُنو ً‬ ‫قدْ أْر َ‬ ‫ول‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫دوا ْ إ ِل ّ ٱلله إ ِن ّــى أ َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫خــا ُ‬ ‫عب ُ ُ‬‫ن ‪ ‬أن ل ّ ت َ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬
‫ذيٌر ّ‬ ‫نَ ِ‬
‫وم ٍ أ َِلي ـم ٍ‪ ( (25 - 26‬فالكلمييات‬ ‫ب ي َـ ْ‬ ‫ذا َ‬‫ع َ‬
‫م َ‬‫عل َي ْك ُ ْ‬‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪244‬‬

‫جهها نوح إلى قومه هي نفسها الييتي افتتحييت‬ ‫التي و ّ‬


‫َ‬
‫دوا ْ إ ِل ّ ٱللــه إ ِن ّن ِــى ل َك ُـ ْ‬
‫م‬ ‫بهييا السييورة‪ :‬أل ّ ت َ ْ‬
‫عب ُ ُ‬
‫شــيٌر‪ ( (2‬وكأنهييا تقييول للييدعاة‪:‬‬
‫وب َ ِ‬
‫ذيٌر َ‬
‫ه نَـ ِ‬
‫من ْ ـ ُ‬
‫ّ‬
‫الرسييالة واحييدة والييدعوة واحييدة‪ ،‬والظييروف الييتي‬
‫واجهت كل النبيياء هيي نفسيها‪ ،‬فاسيتقيموا واثبتيوا‬
‫كما ثبت نوح عليه السلم‪.‬‬
‫استقامة سيدنا نوح‬
‫ونرى ثبات سيدنا نييوح واسييتمراره علييى دعييوته‬
‫جادَل ْت ََنــا‬ ‫قــاُلوا ْ ٰيُنــو ُ‬
‫ح َ‬
‫قــدْ َ‬ ‫فييي قييوله تعييالى‪َ  :‬‬
‫ن‬ ‫عـدَُنا ِإن ُ‬ ‫فأ َك ْث َرت جدال ََنا َ ْ‬ ‫َ‬
‫مـ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كنـ َ‬ ‫ما ت َ ِ‬
‫فأت َِنا ب ِ َ‬ ‫ْ َ ِ َ‬
‫ن‪.( (32‬‬ ‫قي َ‬
‫د ِ‬
‫ص ٰـ ِ‬
‫ٱل ّ‬
‫ل نيوح ييدعو قيومه مئات السينين‪ ،‬فييإذا‬ ‫فقد ظي ّ‬
‫كانت ظروفييك أيهييا الداعييية صييعبة‪ ،‬فقييارن نفسييك‬
‫بنوح عليه السلم‪ ،‬الذي ظل مستقيما ً علييى طريييق‬
‫الدعوة‪ ،‬يدعو قومه بكل الطرق دون ملييل أو كلييل‪،‬‬
‫هم منه وقالوا له‪ :‬إئِتنا بهذا العذاب الييذي‬ ‫مّلوا ُ‬
‫حتى َ‬
‫تتحدث عنه إن كنت صادقًا‪ .‬وقبل ذلك ترينييا اليييات‬
‫مواقف مختلفة من جداله لهييم والحجييج والسيياليب‬
‫المستخدمة اليات )‪.(31 - 28‬‬
‫وهكذا يظهر تطبيق سيييدنا نييوح للبنييد الول ميين‬
‫م ‪.‬‬ ‫ق ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫فٱ ْ‬ ‫السورة ‪َ ‬‬
‫البعد عن التهور في قصة نوح‬
‫إذا وضعت بنفس الظروف التي ووجه بها سيدنا‬
‫نيييييييييييييييييوح‪ ،‬وقييييييييييييييييييل ليييييييييييييييييك‪:‬‬
‫‪245‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫عــدَُنا‪ ،( (32‬ميياذا سييتفعل؟ هييل‬ ‫مــا ت َ ِ‬ ‫‪ْ َ ‬‬


‫فأت َِنــا ب ِ َ‬
‫سييتتهور؟ هييل ستضييربهم؟ ميياذا سيييكون جوابييك؟‬
‫أنظر كييف كيان خطياب نيوح ميع قيومه بعييدا ً عين‬
‫ْ‬
‫ه ٱللــه ِإن‬ ‫م ب ِـ ِ‬ ‫ما ي َأِتيك ُ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫قا َ‬ ‫التهور والعنف‪َ  :‬‬
‫َ‬
‫حى‬ ‫صــ ِ‬
‫م نُ ْ‬ ‫عك ُ ْ‬
‫ف ُ‬ ‫ول َ َين َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ع ِ‬‫م ْ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما أنت ُ ْ‬ ‫و َ‬‫شاء َ‬ ‫َ‬
‫ريدُ َأن‬‫ن ٱلله ي ُ ِ‬ ‫كا َ‬‫م ِإن َ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ن أن َ‬
‫َ‬
‫تأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أَردْ ّ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن‪.( (33 - 34‬‬ ‫عو َ‬ ‫ج ُ‬
‫ه ت ُْر َ‬ ‫وإ ِل َي ْ ِ‬‫م َ‬ ‫و َرب ّك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫وي َك ُ ْ‬ ‫غ ِ‬‫يُ ْ‬
‫ور فيهييا ول عنييف‪ ،‬فليييس‬ ‫إنها لهجة رقيقيية ل تهي ّ‬
‫بيني وبينكم مشكلة‪ ،‬لكن الله تعالى هو الذي يأتيكم‬
‫بالعذاب إن شاء‪.‬‬
‫واصنع الفلك‬
‫وتسييتمر اليييات حييتى نصييل إلييى قييوله تعييالى‪:‬‬
‫ك‬ ‫مـ َ‬ ‫مــن َ‬ ‫ه َلن ي ُـ ْ‬ ‫حى إل َ ٰى ُنو َ‬ ‫ُ‬
‫و ِ‬‫ق ْ‬ ‫ن ِ‬‫م َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ح أن ّ ُ‬‫ٍ‬ ‫و‪‬أو ِ َ ِ‬ ‫َ‬
‫مـــا ك َـــاُنوا ْ‬ ‫س بِ َ‬ ‫فل َ ت َب ْت َئ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مـــ َ‬‫قـــدْ ءا َ‬‫مـــن َ‬ ‫إ ِل ّ َ‬
‫ن‪ .( (36‬فميياذا نفعييل يييا رب؟ نييتركهم؟‬ ‫عُلــو َ‬
‫ف َ‬ ‫يَ ْ‬
‫فليغرقوا‪ ...‬ل‪ ،‬ما زال هنيياك أواميير ربانييية ومييا زال‬
‫الطريق طوي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ول َ‬ ‫حي َِنــا َ‬‫و ْ‬‫و َ‬ ‫عي ُن َِنــا َ‬ ‫ك ب ِأ َ ْ‬
‫فْلــ َ‬ ‫ع ٱل ْ ُ‬‫صــن َ ِ‬‫وٱ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‬ ‫قــو َ‬‫غَر ُ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫هـ ْ‬ ‫موا ْ إ ِن ّ ُ‬‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫فى ٱل ّ ِ‬ ‫خـٰطِب ِْنى ِ‬ ‫تُ َ‬
‫‪.( (37‬‬
‫إن صناعة الفلك تحتياج لسينين طويلية‪ ،‬فسييدنا‬
‫نوح عاش في الصحراء‪ ،‬ولكي يصيينع سييفينة كييبيرة‬
‫في وسط الصحراء‪ ،‬فهو بحاجة لزراعة الشجر أو ً‬
‫ل‪،‬‬
‫وبعييد ذلييك يأخييذ الخشييب ميين الشييجر‪ ،‬ثييم يبنييي‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪246‬‬

‫بالخشب سفينة ضخمة لتستوعب المؤمنين وتحمييل‬


‫من كل نوع من الحيوانات زوجين اثنين‪ .‬أمر صييعب‬
‫وطويل المد‪) ،‬بعض العلماء قالوا إنييه اسييتغرق مئة‬
‫عييييييييييام‪ ،‬والبعييييييييييض قييييييييييالوا مئتييييييييييي‬
‫عام‪ ،‬وآخرون قالوا ثلثمائة عام( فلماذا لييم تهلكهييم‬
‫يا رب كما أهلكت غيرهم من المكذبين؟ ولميياذا لييم‬
‫ينبت الشجر بمعجزة بييين ليليية وضييحاها؟ الجييواب‪:‬‬
‫تعلموا أيها الييدعاة الصييبر والسييتقامة علييى طاعيية‬
‫الله حتى ولو لم تروا النتائج وحتى لو كييانت النتييائج‬
‫ه ل َــن‬ ‫حى إل َـ ٰى ن ُــو َ‬ ‫‪‬‬ ‫غير متوقعة أص يل ًو ُ‬
‫ح أن ّـ ُ‬
‫ٍ‬ ‫أو ِ َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن ‪.‬‬‫م َ‬ ‫من َ‬
‫قدْ ءا َ‬ ‫ك إ ِل ّ َ‬ ‫م َ‬
‫و ِ‬‫ق ْ‬ ‫من َ‬‫ن ِ‬
‫م َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ؤ ِ‬
‫فسيييدنا نييوح علييم أن ل أحييد سييوف يييؤمن ميين‬
‫القوم‪ ،‬لكنه أطاع الله تعييالى وصييبر‪ .‬والداعييية إلييى‬
‫الله يعمل أجيييرا ً عنييده‪ ،‬يييأمره بزراعيية هييذا الحقييل‬
‫ل‪ ،‬فيزرعه‪ ،‬حتى لو كان يرى أن هييذا الحقييل ليين‬ ‫مث ً‬
‫ل‪ ...‬فييالمهم أن ينفييذ الواميير‪ ،‬ويبييذل‬ ‫ينتييج محصييو ً‬
‫جهده‪ ،‬ثم يترك النتائج لله سبحانه وتعالى‪ ...‬والمهم‬
‫في المر أيضا ً أنه سيأخذ أجره من الله تعييالى فييي‬
‫مَر الحقل أم لم ُيثمر!!!!‬ ‫النهاية سواء أث ْ َ‬
‫ل ركون حتى للولد‬
‫لعلك الن تسأل نفسك‪ :‬أيين عييدم الركييون فيي‬
‫ول َ ت َْرك َُنوا ْ‬
‫قصة نوح؟ وأين تطبيق قوله تعيييالى ‪َ ‬‬
‫‪‬؟ والجواب على ذلك في قصيية ابين نييوح‪ ،‬والييتي‬
‫لم ترد في القرآن كله إل في هذه السورة‪ ،‬فلماذا؟‬
‫‪247‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫هل ِــى‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ن ٱب ُن ِــى ِ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫لن نوح يا ً قييال‪َ :‬ر ّ‬


‫َ‬ ‫ك ٱل ْحق َ‬
‫ن‪‬‬ ‫مي َ‬ ‫ح ٰــك ِ ِ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫كـ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫وأن َ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫عدَ َ‬ ‫و ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫‪.((45‬‬
‫فماذا كان الجواب الرباني؟‬
‫ل‬‫مــ ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك إ ِّنــ ُ‬ ‫هل ِ َ‬‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬ ‫ح إ ِن ّ ُ‬‫ل ٰيُنو ُ‬ ‫قا َ‬ ‫‪َ‬‬
‫فل َ ت َ َ‬
‫م‬ ‫عْلــ ٌ‬ ‫ه ِ‬ ‫ك ِبــ ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫سأل ِْنـى َ‬ ‫ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ص ٰـل ِ ٍ‬
‫غي ُْر َ‬ ‫َ‬
‫عظُـ َ َ‬ ‫إ ِّنى أ َ ِ‬
‫ل‬ ‫قــا َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫هِلي َ‬ ‫ج ٰــ ِ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫مـ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك أن ت َك ُــو َ‬
‫ه‬
‫س ِلــى ِبــ ِ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫سأ َل َ َ‬ ‫نأ ْ‬
‫َ‬
‫كأ ْ‬
‫عوذُ ب َ َ‬
‫ِ‬ ‫ب إ ِّنى أ َ ُ‬ ‫َر ّ‬
‫ن‬ ‫مــ َ‬ ‫كــن ّ‬ ‫مِنــى أ َ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫وت َْر َ‬ ‫فــْر ِلــى َ‬ ‫وإ ِل ّ ت َ ْ‬
‫غ ِ‬ ‫م َ‬ ‫عْلــ ٌ‬ ‫ِ‬
‫ن‪.( (46، 47‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خ ٰـ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ذر من الركون لغير الحق‪ ،‬ولييذلك‬ ‫إن السورة تح ّ‬
‫تذكر لنا تبرؤ نوح من ابنه الييذي مييات علييى الكفيير‪.‬‬
‫فعاطفة البوة قد تدفع بالبعض إلى الركون لبنائهم‬
‫هِلـى‪  ...‬علييى‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ن ٱب ُن ِــى ِ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قـا َ‬ ‫ف َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫الرغييم ميين الخطيياء الييتي يقييع فيهييا البنيياء‪ ،‬فييأتت‬
‫السورة لتعلمنا أنه ل ركون للباطييل‪ ،‬ولييو كييان هييذا‬
‫الباطل معنا في عقر دارنا وبين أبنائنا الذين هم من‬
‫صلبنا‪ ،‬وكان سيدنا نوح مثال ً وقدوة فييي التييبرؤ ميين‬
‫الباطل وعدم الركون إليه‪.‬‬
‫التعقيب‪ :‬فاصبر‬
‫وكمييا ذكرنييا سييابقًا‪ ،‬فإننييا سيينقرأ فييي آخيير كييل‬
‫قصص النبياء تعليقا ً على القصة وتعقيبيا ً عليهييا فييي‬
‫آخر آية منهييا‪ .‬وفييي قصيية نييوح نقييرأ قييوله تعييالى‪:‬‬
‫ت‬ ‫ما ُ‬
‫كنــ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ها إ ِل َي ْ َ‬
‫حي َ‬
‫ب ُنو ِ‬ ‫ن أ َن َْباء ٱل ْ َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫‪‬ت ِل ْ َ‬
‫ك ِ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪248‬‬

‫َ‬
‫صب ِْر‬ ‫ذا َ‬
‫فٱ ْ‬ ‫هـٰ َ‬
‫ل َ‬ ‫من َ‬
‫قب ْ ِ‬ ‫ك ِ‬‫م َ‬‫و ُ‬
‫ق ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ها أن َ‬ ‫م َ‬‫عل َ ُ‬
‫تَ ْ‬
‫ن‪.( (49‬‬‫قي َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫قب َ َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬
‫ع ٰـ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫فالرسالة التي تحملها القصية هيي قيوله تعيالى‪:‬‬
‫صب ِْر‪ ، ...‬صبرا ً إيجابيا ً فيه عمل وإنتيياج دون‬ ‫‪َ ‬‬
‫فٱ ْ‬
‫تهور أو ركون‪.‬‬
‫أنبياء الله تعالى والتوازن‬
‫وكييل قصييص النبييياء المييذكورة فييي السييورة‬
‫)شعيب وصالح ولوط وهييود( تخييدم نفييس المعنييى‪،‬‬
‫كل تطبيقا ً عملييا ً لليية المحوريية فيي السييورة‬ ‫وتش ّ‬
‫)الية ‪ ،(112‬بمحاورها الثلثة‪:‬‬
‫ُ‬
‫ت‪.( (112...‬‬ ‫مْر َ‬ ‫م كَ َ‬
‫ما أ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫فٱ ْ‬ ‫‪َ  .1‬‬
‫وا ْ‪.( (112‬‬ ‫ول َ ت َطْ َ‬
‫غ ْ‬ ‫‪َ  2‬‬
‫موْا‪.( (113...‬‬
‫ن ظَل َ ُ‬
‫ذي َ‬‫ول َ ت َْرك َُنوا ْ إ َِلى ٱل ّ ِ‬‫‪َ  3‬‬
‫فييإذا أخييذنا مثل ً قصيية شييعيب ‪ -‬مييع العلييم أنييك‬
‫تستطيع أن تطبق هذه القواعد على كيل القصيص ‪-‬‬
‫فإننا سنرى فيها ما يلي‪:‬‬
‫ن‬ ‫الستقامة علييى الثبييات والصييلح بتييوازن ‪‬إ ِ ْ‬
‫ُ‬
‫ت‪.( (88‬‬ ‫ع ُ‬ ‫ست َطَ ْ‬‫ما ٱ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫صَلـٰ َ‬ ‫ريدُ إ ِل ّ ٱل ِ ْ‬ ‫أ ِ‬
‫وحييدة المنهييج الييذي دعييا إليهييا كييل أنبييياء اللييه‬
‫فُروا ْ‬ ‫غ ِ‬‫ست َ ْ‬ ‫وٱ ْ‬‫)وحتى استعمال نفس الكلمات(‪َ  ،‬‬
‫ه‪.( (90‬‬ ‫م ُتوُبوا ْ إ ِل َي ْ ِ‬‫م ثُ ّ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫مــا‬ ‫ب َ‬ ‫عي ْ ُ‬ ‫شـ َ‬‫قاُلوا ْ ٰي ُ‬ ‫شدة الوضييع والتكييذيب ‪َ ‬‬
‫فيَنــا‬‫ك ِ‬ ‫وإ ِّنــا ل ََنــَرا َ‬‫ل َ‬ ‫مــا ت َ ُ‬
‫قــو ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ك َِثيــًرا ّ‬ ‫قــ ُ‬‫ف َ‬ ‫نَ ْ‬
‫‪249‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ك‪.( (91...‬‬ ‫من َ ٰـ َ‬


‫ج ْ‬ ‫ك ل ََر َ‬‫هط ُ َ‬ ‫ول َ َر ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫فا َ‬ ‫عي ً‬ ‫ض ِ‬ ‫َ‬
‫هطِــى‬ ‫وم ِ أ ََر ْ‬
‫قـ ْ‬ ‫ل ٰي َ‬ ‫قا َ‬ ‫عدم التهور في الييرد ‪َ ‬‬
‫ن ٱللــه ‪ ،( (92‬والملحييظ أنييه‬ ‫مـ َ‬ ‫عل َي ْك ُــم ّ‬ ‫ع ـّز َ‬ ‫أَ َ‬
‫استخدم نفس أسلوب سيدنا نوح في رد الميير إلييى‬
‫مــا‬
‫ن َرّبــى ب ِ َ‬ ‫اللييه‪ ،‬فهييو الييذي سيحاسييبهم ‪‬إ ِ ّ‬
‫ط‪.( (92‬‬ ‫حي ٌ‬‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫تَ ْ‬
‫وبالمقابييل‪ ،‬عييدم الركييون أو المداهنيية يتجلييى‬
‫عَلــ ٰى‬ ‫مُلــوا ْ َ‬ ‫ع َ‬‫وم ِ ٱ ْ‬ ‫قــ ْ‬ ‫‪َ ‬‬ ‫واضييحا ً فييي قييوله َ‬
‫و ٰي‬
‫ل‪.( (93‬‬ ‫م ٌ‬ ‫ع ٰـ ِ‬ ‫م إ ِّنى َ‬ ‫كان َت ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫إلى أن جاءت الية )‪ (94‬بنصر للنييبي والمييؤمنين‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ـ ِ‬‫عي ًْبا َ‬‫شـ َ‬ ‫جي ْن َــا ُ‬ ‫مُرَنا ن َ ّ‬ ‫جاء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ول َ ّ‬ ‫معه ‪َ ‬‬
‫مّنا‪. ...‬‬ ‫ة ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح َ‬
‫ه ب َِر ْ‬‫ع ُ‬ ‫م َ‬‫مُنوا ْ َ‬ ‫ءا َ‬
‫فيييا شييباب‪ ،‬يييا ميين تحبييون السييلم وترغبييون‬
‫بخدمته ونصرته‪ ،‬تعلموا من هييذه السييورة الكريميية‬
‫ومن قصصها العديدة كيفية التوازن في الدعوة عند‬
‫اشتداد المحن والبتلءات‪.‬‬
‫لماذا سمّيت السورة بسورة هود؟‬
‫ويبقى سؤال أخير‪ :‬لماذا سمّيت السورة بسورة‬
‫هود‪ ،‬مع أن قصة نوح أطول من قصة هيود )عليهميا‬
‫السلم( في هذه السورة‪.‬‬
‫الجيييواب‪ :‬إن المحييياور الثلثييية فيييي السيييورة‬
‫)الستقامة وعدم الطغيان والتهييور وعييدم الركييون(‬
‫قد ظهرت في قصة هود بشييكل قييوي وواضييح أدى‬
‫إلى تسمية سورة التوازن وعدم الركون باسمه‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪250‬‬

‫فقييد قييال لقييومه بعييد أن اشييتد ّ التكييذيب‪... :‬‬


‫َ‬ ‫ل إ ِِنى أ ُ ْ‬
‫رىــء‬ ‫دوا ْ أن ّــى ب َ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫شــ َ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫هدُ ٱلل َ‬ ‫ش ِ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫عا ُثــ ّ‬ ‫مي ً‬ ‫ج ِ‬‫دوِنى َ‬ ‫كي ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دون ِ ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ن‪ِ ‬‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ّ‬
‫ن‪ .( (54 - 55‬أرأيت كلمة فييي التحييدي‬ ‫ل َ ُتنظُِرو ِ‬
‫أقوى من هذه الكلمة؟‬
‫وإلييى جييانب ذلييك تتجل ّييى اسييتقامة سيييدنا هييود‬
‫وثباته على الطريق المستقيم في قوله‪:‬‬
‫مــا‬ ‫م ّ‬ ‫وَرب ّك ُـ ْ‬ ‫عَلى ٱلله َرب ّــى َ‬ ‫ت َ‬ ‫وك ّل ْ ُ‬ ‫‪‬إ ِّنى ت َ َ‬
‫ٰى‬ ‫عَلــ‬ ‫ن َرّبى َ‬ ‫ها إ ِ ّ‬ ‫صي َت ِ َ‬‫خذٌ ب َِنا ِ‬ ‫و ءا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ة إ ِل ّ ُ‬ ‫داب ّ ٍ‬‫من َ‬ ‫ِ‬
‫قيم ٍ‪.( (56‬‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫ص ٰر ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫قدْ أ َب ْل َ ْ‬
‫ت‬ ‫س ـل ْ ُ‬ ‫مــا أْر ِ‬ ‫م ّ‬ ‫غت ُك ُـ ْ‬ ‫ف َ‬‫وا ْ َ‬‫ول ّ ْ‬ ‫فِإن ت َ َ‬ ‫ثم ‪َ ‬‬
‫ول َ‬ ‫م َ‬ ‫غي َْرك ُـ ْ‬ ‫مــا َ‬ ‫و ً‬‫ق ْ‬ ‫ف َرب ّــى َ‬ ‫خل ِ ُ‬‫س ـت َ ْ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه إ ِل َي ْك ُ ْ‬‫بِ ِ‬
‫ظ‬ ‫في ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ىء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عل َ ٰى ك ُ ّ‬ ‫ن َرّبى َ‬ ‫شي ًْئا إ ِ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ضّرون َ ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫‪ ‬وهنا يظهر عدم التهور والعنف‪.‬‬
‫فقد جمعت هذه الكلمات بقييوة محيياور السييورة‬
‫ور أو ل طغيييان‪ ،‬ل ركييون واسييتقامة‪،‬‬ ‫كلهييا‪ :‬ل تهيي ّ‬
‫ووضعت المسؤولية على كل من سيأتي بعد سيييدنا‬
‫هود في الصرار عليى اليدعوة ورفيع الظلييم وعيدم‬
‫الركييون‪ ،‬ولييذلك يقييول النييبي ‪" :‬شيييبتني هييود"‪،‬‬
‫ث علييى السييتقامة‬ ‫وذلك لقوة الكلم فيها فييي الح ي ّ‬
‫على طرييق الليه ومنهجيه‪ ،‬ولقيوة سييدنا هيود فيي‬
‫كونه مثال ً على التوازن في الستقامة دون تهور ول‬
‫ركون‪.‬‬
‫تذ ّ‬
‫كر الخرة طريق التوازن‬
‫‪251‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وقبل ختام السييورة‪ ،‬تييأتي اليييات )‪(108 - 103‬‬


‫كر بالخرة‪ ،‬لتطمئن المؤمنين بييأن الحييياة ‪ -‬ولييو‬ ‫لتذ ّ‬
‫كانت تنطوي على واقع مظلم وغير عييادل ‪ -‬ليسييت‬
‫هي الصل‪ ،‬وأن الخييرة هييي الييتي سييتحقق العييدل‬
‫اللهي‪ ،‬فاصبروا على الواقع الليم في الدنيا‪.‬‬
‫ن‬ ‫مـ ْ‬ ‫ة لّ َ‬ ‫ك لي َ ـ ً‬ ‫فى ٰذل ِـ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫‪ّ ‬‬ ‫يقول الله تعييالى‪ :‬إ ِ‬
‫ه‬ ‫ع ل ّـ ُ‬ ‫مــو ٌ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫و ٌ‬ ‫ك ي َـ ْ‬ ‫ة ٰذل ِـ َ‬ ‫خ ـَر ِ‬ ‫ب ٱل ْ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫عـ َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫َ‬
‫خُرهُ إ ِل ّ‬ ‫ؤ ّ‬ ‫مــا ن ُـ َ‬ ‫و َ‬ ‫هودٌ ‪َ ‬‬ ‫شـ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫و ٌ‬ ‫ك ي َـ ْ‬ ‫و ٰ ذل ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ٱلّنا ُ‬
‫ْ‬
‫س إ ِل ّ‬ ‫فـ ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ت ل َ ت َك َل ّـ ُ‬ ‫م ي َ ـأ ِ‬ ‫و َ‬ ‫دوٍد ‪ ‬ي َـ ْ‬ ‫عـ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫جـ ٍ‬ ‫لِ َ‬
‫عيد َ َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫مــا ٱل ّـ ِ‬ ‫فأ ّ‬ ‫ٌ ‪‬‬ ‫سـ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ى َ‬ ‫ق ّ‬ ‫شـ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ب ِـإ ِذْن ِ ِ‬
‫ق‬
‫هي ٌ‬ ‫شـ ِ‬ ‫و َ‬ ‫في ـٌر َ‬ ‫ها َز ِ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر لَ ُ‬ ‫فى ٱلّنا ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫قوا ْ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫َ‬
‫ض‬‫و ٱل ْْر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت ٱل ّ‬ ‫مــ ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خـٰل ِ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫مــا‬ ‫وأ ّ‬ ‫ريدُ ‪َ ‬‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫ل لّ َ‬ ‫عا ٌ‬ ‫ف ّ‬ ‫ك َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫شاء َرب ّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫إ ِل ّ َ‬
‫مــا‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ٰـل ِ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ ِ‬ ‫فى ٱل ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫ك‬ ‫شــاء َرب ّـ َ‬ ‫مــا َ‬ ‫ض إ ِل ّ َ‬ ‫و ٱل ْْر ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـوٰ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت ٱل ّ‬ ‫م ِ‬ ‫دا َ‬ ‫َ‬
‫ذوٍذ ‪.‬‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْ‬‫غي َْر َ‬ ‫طاء َ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫أمور تعين على الستقامة‬
‫ويأتي ختييام السييورة‪ ،‬وفيييه اليييتين المحوريييتين‬
‫اللتين ذكرناهما‪:‬‬
‫ُ‬
‫ول َ‬
‫ك َ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬‫ب َ‬ ‫من َتا َ‬ ‫و َ‬
‫ت َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ق ْ‬‫ست َ ِ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ول َ ت َْرك َُنوا ْ إ َِلى‬ ‫صيٌر ‪َ ‬‬‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ت َ ْ‬‫ه بِ َ‬ ‫وا ْ إ ِن ّ ُ‬ ‫ت َطْ َ‬
‫غ ْ‬
‫مــن‬ ‫م ّ‬ ‫كــ ْ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫و َ‬ ‫م ٱلّناُر َ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫م ّ‬
‫فت َ َ‬ ‫موا ْ َ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‪ (112-‬‬ ‫ص ـُرو َ‬ ‫م ل َ ُتن َ‬‫ول ِي َــاء ث ُـ ّ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ٱلله ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ُ‬
‫‪.(113‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪252‬‬

‫فما الذي يعين على الستقامة وعلى تنفيذ هييذه‬


‫الوامر الثلثة؟ كيف يبقى المرء ثابتا ً وصابرا ً ويأخييذ‬
‫ور ول ركون؟‬ ‫بيد الناس من غير ته ّ‬
‫ر‬
‫هــا ِ‬ ‫ى ٱلن ّ َ‬ ‫فـ ِ‬ ‫صـَلوٰةَ طََر َ‬ ‫قم ِ ٱل ّ‬ ‫وأ َ ِ‬
‫الجواب‪َ  :‬‬
‫ن‬ ‫هب ْ َ‬ ‫ت ُيــذْ ِ‬ ‫سن َ ٰـــ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن ٱل ّْيــ ِ‬ ‫مــ َ‬‫وُزَلفــا ً ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫صب ِْر َ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫ري َ‬ ‫ك ِذك َْر ٰى ِللذك ِ ِ‬ ‫ت ٰ ذل ِ َ‬ ‫سـي ّئ َ ٰـ ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ٱلله ل َ يضي َ‬
‫ن‪.( (115‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَر ٱل ْ ُ‬ ‫عأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ‬
‫م ‪:‬‬ ‫ق ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫يعينك أيها الشاب على ‪َ ‬‬
‫ة ‪.‬‬ ‫صل َ ٰو َ‬ ‫قم ِ ٱل ّ‬ ‫وأ َ ِ‬‫‪‬‬
‫العبادة َ‬
‫فإن ٱللــه ل َ يضــي َ‬
‫جــَر‬ ‫عأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِ‬ ‫صب ِْر َ ِ ّ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫الصبر ‪َ ‬‬
‫ن‪.( (115‬‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ن‬‫ما ك َــا َ‬ ‫و َ‬‫العمل والصلح والدعوة إلى اللييه ‪َ ‬‬
‫ن‬ ‫حو َ‬ ‫ص ـل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫هــا ُ‬ ‫هل ُ َ‬ ‫وأ َ ْ‬‫قَر ٰى ب ِظُل ْم ٍ َ‬ ‫ك ٱل ْ ُ‬ ‫هل ِ َ‬‫ك ل ِي ُ ْ‬‫َرب ّ َ‬
‫‪.( (117‬‬
‫والملحظة أن سورة يونس وسورة هود وسورة‬
‫يوسف نزلت سويا ً فيي فيترة واحييدة‪ ،‬وترتيبهيا فيي‬
‫المصحف هو نفس ترتيب نزولها‪ .‬نزلييت فييي محنيية‬
‫رسول اللييه ‪ ‬والصييحابة بمكيية بعييد وفيياة خديجيية‬
‫وأبو طييالب وكلهييا تعالييج مشيياكل متقاربيية‪ .‬وسييبب‬
‫اختيار اسم نبي لعنوان كل سورة من السور الثلث‬
‫هييو أن قصييته فيهييا العييبرة وهييي تصييب فيي محييور‬
‫السييورة وهييدفها‪ .‬وهييذه السييور الثلث تكلمنييا الن‬
‫لننييا فييي نفييس المرحليية ونفييس الشييدة والظلميية‬
‫فلنستقم على طاعة اللييه‪ ،‬ولنحييذر التهييور واللجييوء‬
‫‪253‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫إلى العنييف‪ ،‬ولنحييذر كييذلك الركييون إلييى حضييارات‬


‫أخييرى والرتميياء بأحضييانها ونستسييلم ونعيييش فييي‬
‫ظلها وننسى انتماءنا لسلمنا ونفقد هويتنا‪ ،‬هذا هييو‬
‫محور سورة هود‪.‬‬
‫سورة يوسف‬

‫سو‬ ‫سورة يوسف )مكية(‪ ،‬نزلت في توقيت مقييارب‬


‫رة‬ ‫لنزول السورتين اللييتين قبلهييا‪ ،‬يييونس وهييود‪ ،‬وفييي‬
‫يوسف‬ ‫نفيس الظيروف‪ .‬وهيي أطيول سيورة تحتيوي عليى‬
‫قصة فييي القييرآن‪ ،‬فقييد احتييوت علييى قصيية سيييدنا‬
‫يوسف عليه السلم من بدايتها لنهايتهييا‪ .‬عييدد آياتهييا‬
‫‪ 111‬آية‪.‬‬
‫أحسن القصص‬
‫قال عنها علماء القصص أنها احتوت علييى جميييع‬
‫فنييون القصيية وعناصييرها‪ ،‬ميين التشييويق‪ ،‬وتصييوير‬
‫الحداث‪ ،‬والترابط المنطقي‪ ،‬واستخدام الرمز‪.‬‬
‫فعلييى سييبيل المثييال‪ ،‬نجييد أن هييذه القصيية قييد‬
‫بدأت بحلم رآه سيدنا يوسف عليييه السييلم وانتهييت‬
‫بتفسير ذلك الحلم‪ .‬ونيرى أن قمييص يوسيف اليذي‬
‫اسُتخدم كأداة براءة لخوته‪ ،‬كان هييو نفسييه الييدليل‬
‫على خيانتهم‪ ...‬هذا القميص اسُتخدم بعد ذلك كأداة‬
‫براءة ليوسف نفسه‪ ،‬فبّرأه من تهميية التعييدي علييى‬
‫امرأة العزيز!!‬
‫وميين روعيية هييذه القصيية أن معانيهييا وأحييداثها‬
‫‪254‬‬
‫‪255‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫سدة أمام قارئها وكأنه يراها بالصوت والصورة‪،‬‬ ‫متج ّ‬


‫وهي من أجمل القصص التي يمكن أن تقرأها وميين‬
‫أبدع ما تتأثر به‪ .‬نحن ل نحتاج لشهادة علماء القصة‬
‫فيها‪ ،‬لن الله نفسيه هيو اليذي يشيهد عليى جودتهيا‬
‫وروعتها‪:‬‬
‫مــا‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫عل َي َ َ‬ ‫ن نَ ُ‬
‫ص بِ َ‬
‫صـ ِ‬‫ق َ‬ ‫سـ َ‬
‫ح َ‬
‫كأ ْ‬ ‫ص َ ْ‬‫ق ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫‪‬ن َ ْ‬
‫ذا‬‫ٰــــــــــــــ َ‬ ‫ه‬
‫ك َ‬‫حي َْنـــــــــــــا إ ِل َْيـــــــــــــ َ‬ ‫َ‬
‫و َ‬
‫أ ْ‬
‫ن‪.( (3‬‬ ‫قْرءا َ‬ ‫ٱل ْ ُ‬

‫لكن هذه السييورة لييم تييأت فييي القييرآن لمجييرد‬


‫رواية القصص‪ ،‬لن هييدفها يتلخيص فيي آخيير سييطر‬
‫ق‬
‫مــن ي َت ّـ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ميين القصيية وهييو قييوله تعييالى‪ :‬إ ِن ّـ ُ‬
‫فإن ٱلله ل َ يضي َ‬
‫ن‪‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫جَر ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عأ ْ‬‫ُ ِ ُ‬ ‫صب ِْر َ ِ ّ‬
‫وي ِ ْ‬
‫َ‬
‫‪.((90‬‬
‫فالمحور الساسي للقصة هو‪:‬‬
‫يعلم ول نعلم‬
‫إن هدف سورة يوسف هو إعلمنا أن تدبير اللييه‬
‫تعالى للمور يختلف عن النظرة البشرية القاصييرة‪،‬‬
‫وكأنهييا تقييول لنييا‪) :‬ث ِييق فييي تييدبير اللييه‪ ،‬واصييبر ول‬
‫تيَأس(‪.‬‬
‫إن الحداث في سورة يوسف غريبة‪ ،‬وهي تسييير‬
‫ب من والده‪ ،‬وهذا‬ ‫بعكس الظاهر‪ ،‬فيوسف ولد ٌ محبو ٌ‬
‫المر بظاهره جيد ولكن نتيجة هذه المحبيية كييانت أن‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪256‬‬

‫ألقاه إخوته في البئر‪ .‬ومع أن إلقاء يوسف فييي الييبئر‬


‫هو في ظاهره أمر سيئ‪ ،‬لكن نتيجة هذا اللقاء كانت‬
‫أن أصبح في بيت العزيييز‪ .‬ووجييود يوسييف فييي بيييت‬
‫العزيز هو أمر ظاهره جيد‪ ،‬لكنه بعد هذا اليبيت ألقيي‬
‫في السجن‪ .‬وكيذلك سييجن سييدنا يوسييف أميير فيي‬
‫غاية السوء‪ ،‬لكن نتيجة هذا السجن كانت تعيينييه فييي‬
‫منصب عزيز مصر‪...‬‬
‫فييالله سييبحانه وتعييالى يخبرنييا ميين خلل قصيية‬
‫دبر المييور‪ ،‬وقييد‬
‫يوسف عليه السلم بأنه هو الذي ي ّ‬
‫تكون نظرة المرء للحداث التي تصير معه على أنها‬
‫سيئة‪ ،‬لكن هييذه النظييرة قاصييرة عيين إدراك تقييدير‬
‫الله تعالى وحكمته في قضائه‪.‬‬
‫طريق المنحنيات‬
‫وإذا راقبنا حياة يوسييف عليييه السييلم ميين خلل‬
‫قصته نجد أن فيهييا ثلث نقيياط قميية ونقطييتين فييي‬
‫القعر‪ ،‬وباختصار يمكننا أن نختصر هذه النقيياط كمييا‬
‫يلي‪:‬‬
‫تولي منصب‬ ‫إلى بيت العزيز‬ ‫حب الب‬
‫عزيز مصر‬

‫دخول السجن‬ ‫الرمي في البئر‬

‫فكانت المراحل الصعبة في حياة سيييدنا يوسييف‬


‫تتفيييييييييييييييييييييييييييياوت فييييييييييييييييييييييييييييي‬
‫‪257‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫شدتها‪ ،‬فأيهما أصعب؟ البئر أم السجن؟ إن السجن‬


‫دام تسييييييييييييييييييييييييع سيييييييييييييييييييييييينوات‪،‬‬
‫بينما المكوث في البئر دام لثلثيية أيييام فقييط‪ .‬لكيين‬
‫هييييييييييذه اليييييييييييام الثلثيييييييييية كييييييييييانت‬
‫أصعب من سنوات السجن لنه كييان غلم يا ً صييغيرًا‪.‬‬
‫ورغييم كييل هييذه الصييعوبات‪ ،‬نييرى سيييدنا يوسييف ‪-‬‬
‫وسط هذا كله ‪ -‬ثابت الخلق ل ينحني مع منحنيييات‬
‫الحياة‪.‬‬
‫أنت عبد فيهما‬
‫فإذا مّرت عليك‪ ،‬أخي المسلم‪ ،‬فييترات ضيييق أو‬
‫بلء‪ ،‬فتعّلم من سيييدنا يوسييف عليييه السييلم‪ ،‬الييذي‬
‫كان متحليا ً بالصبر والمييل وعييدم اليييأس رغييم كييل‬
‫الظروف‪ .‬وبالمقابل‪ ،‬تعّلم منه كيييف تييواجه فييترات‬
‫الراحة والطمئنييان‪ ،‬وذلييك بالتواضييع والخلص للييه‬
‫عز وجل‪...‬‬
‫فالسورة ترشييدنا أن حييياة النسييان هييي عبييارة‬
‫عن فترات رخاء وفترات شدة‪ .‬فل يوجد إنسان قط‬
‫كانت حياته كلها فترات رخاء أو كلهييا فييترات شييدة‪،‬‬
‫وهو في الحالتين‪ ،‬الرخاء والشدة‪ُ ،‬يختبر‪.‬‬
‫وقصيية يوسييف عليييه السييلم هييي قصيية ثبييات‬
‫الخلق فييي الحييالتين‪ ،‬فنييراه فييي الشييدة صييابرا ً ل‬
‫يفقييد المييل ول ييييأس‪ ،‬ونييراه فييي فييترات الرخيياء‬
‫متواضعا ً مخلصا ً لله عز وجل‪.‬‬
‫بين السورة والسيرة‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪258‬‬

‫وكما ذكرنا سابقًا‪ ،‬فقد أنزلت سورة يوسف فييي‬


‫نفس الظروف التي أنزلت فيها سور يييونس وهييود‪،‬‬
‫أي عند اشتداد البلء على النبي ‪ ‬وصييحابته‪ .‬هييذه‬
‫الظروف كانت مشابهة لتلييك الييتي واجههييا يوسييف‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫فسيدنا يوسف ابتعد عيين أبيييه‪ ،‬والنييبي ‪ ‬حييين‬
‫نزلت هذه السورة فييي السيينة العاشييرة ميين بعثتييه‬
‫كان قد فقد عمه أبو طالب وزوجته خديجة‪ .‬سيييدنا‬
‫يوسف تييرك فلسييطين بلييد أبيييه وذهييب إلييى مصيير‬
‫وتغّرب عن أهله‪ ،‬والنبي ‪ ‬بعد سيينتين ميين نييزول‬
‫السييورة تييرك مكيية وهيياجر إلييى المدينيية‪ .‬فسييورة‬
‫م عليييه ميين‬‫يوسف كانت تؤهل النيبي لمييا هييو مقييد ٌ‬
‫محيين وابتلءات‪ ،‬وتهيييء المييؤمنين جميعييا ً لوقييات‬
‫الشدة التي سيواجهونها خلل حييياتهم‪ ،‬لييذلك يقييول‬
‫سّري عنه!!!"‪.‬‬ ‫عنها العلماء‪" :‬ما قرأها محزون إل ُ‬
‫يوسف النسان‬
‫كزت على‬ ‫ومن الملحظات المهمة أن السورة ر ّ‬
‫حياة يوسف البشييرية‪ ،‬أي علييى يوسييف النسييان ل‬
‫على يوسييف النييبي‪ .‬وتسييليط الضييوء علييى يوسييف‬
‫عليه السلم كنبي كان فيي سيورة غيافر حيين قيال‬
‫قب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫من َ‬ ‫ف ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م ُيو ُ‬ ‫جاء ُ‬
‫كـ ْ‬ ‫قدْ َ‬‫ول َ َ‬‫موسى لقومه‪َ  :‬‬
‫م‬‫كـ ـ ْ‬‫جاء ُ‬
‫مــا َ‬ ‫م ّ‬ ‫شـ ّ‬
‫ك ّ‬ ‫فــى َ‬ ‫زل ْت ُـ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما ِ‬
‫ف َ‬ ‫ب ِ ٱل ْب َي ّن َ ٰـ ِ‬
‫ت َ‬
‫ه‪ .( (34...‬فتجربة يوسف في هذه السييورة هييي‬ ‫بِ ِ‬
‫تجربة إنسانية بحتة‪ ،‬وكانت نهايتها نجاحا ً كييامل ً فييي‬
‫‪259‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وق في حياته‬ ‫الدنيا والخرة‪ :‬فلقد نجح في الدنيا وتف ّ‬


‫عندما أصبح عزيز مصر‪ ،‬ونجح في الخرة حين قاوم‬
‫امرأة العزيز وقاوم مغريات نساء المدينة‪ .‬فالسورة‬
‫هي باختصار قصيية نجيياح إنسييانية‪ .‬إنهييا قصيية نجيياح‬
‫إنسان صبر ولييم ييييأس بييالرغم ميين كييل الظييروف‬
‫التي واجهها‪ ،‬والتي لم يكن لنسان أن يتوقع نجاحه‪،‬‬
‫فميين السييجن والعبودييية وكراهييية إخييوته لييه إلييى‬
‫الغربة‪ ،‬إلى مراودة امرأة العزيز له عن نفسه‪ ،‬إلييى‬
‫مل الفتراء والتهامات الباطلة‪...‬‬ ‫تح ّ‬
‫أين المعجزات في القصة؟‬
‫وإلى جانب ذلك‪ ،‬نلحظ أن السورة لم تشر إلى‬
‫تأييده بمعجزة خلل هذه الظروف التي واجهته‪) ،‬قد‬
‫يرد البعض بأن الرؤيا هي معجزة( لكننا نقول إن أي‬
‫كزت عليه‬ ‫إنسان قد يرى رؤيا‪ ،‬ولكن الذي حصل ور ّ‬
‫السورة أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ له الظييروف‬
‫وهيأ لييه فرصيية النجيياح كمييا يهي ّييأ لكييل شييخص منييا‬
‫و‪‬ك َـ ٰذل ِ َ‬
‫ك‬ ‫)كتعليمه تفسير الرؤى كما قييال تعييالى‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫ث‪‬‬ ‫حاِدي ِ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬
‫وي ِ‬‫من ت َأ ِ‬
‫ك ِ‬ ‫عل ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫وي ُ َ‬ ‫ك َرب ّ َ‬
‫ك َ‬ ‫جت َِبي َ‬
‫يَ ْ‬
‫‪ ،(((6‬لكن نجاح سيدنا يوسف كان في الستفادة من‬
‫المؤهلت التي أعطاه الله إياها لينجح في حياته‪.‬‬
‫ح ٱلله(‬
‫و ِ‬ ‫سوا ْ ِ‬
‫من ّر ْ‬ ‫)ل َ َتاْيـئ َ ُ‬
‫إن قصة يوسف قصة نجيياح إنسييان م يّرت عليييه‬
‫ظروف صعبة‪ ،‬لم يملك فيها أي مقوم من مقومييات‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪260‬‬

‫النجاح‪ ،‬لكنه لم يترك المل وبقي صابرا ً ولم ييأس‪.‬‬


‫وآيات السورة مليئة بالمييل‪ ،‬وميين ذلييك أن يعقييوب‬
‫عليييه السييلم عنييدما فقييد ابنييه الثيياني‪ ،‬أي عنييدما‬
‫سوا ْ‬‫ول َ َتاْيـئ َ ُ‬‫صييارت المصيييبة مصيييبتين‪ ،‬قييال‪َ  :‬‬
‫ح ٱللــه‬ ‫و ِ‬‫مــن ّر ْ‬ ‫ه ل َ َياْيـ ـئ َ ُ‬
‫س ِ‬ ‫ح ٱلله إ ِن ّ ُ‬ ‫و ِ‬‫من ّر ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‪.( (87‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ٱل ْك َ ٰـ ِ‬
‫و ُ‬‫ق ْ‬‫إ ِل ّ ٱل ْ َ‬
‫هذه الية ل تعني أن اليائس كافر‪ ،‬بل إن معناها‬
‫أن الذي ييأس فيه صفة من صييفات الكفييار‪ ،‬لنييه ل‬
‫يدرك أن تدبير اللييه سييبحانه وتعييالى فييي الكييون ل‬
‫م وحكيييم فييي‬ ‫م ورحييي ٌ‬
‫يعرفييه أحييد‪ ،‬وأن اللييه كرييي ٌ‬
‫أفعاله‪.‬‬
‫النجاح من الله‬
‫ومن عظمة هذا النبي الكريم‪ ،‬أنه حين نجح فييي‬
‫حياته ووصل إلى أعلى المناصييب‪ ،‬لييم تنسييه نشييوة‬
‫النصيير التواضييع للييه ونسييبة الفضييل إليييه سييبحانه‪.‬‬
‫ن‬‫مـ َ‬ ‫قدْ ات َي ْت َن ِــى ِ‬ ‫ب َ‬ ‫فقييال فييي نهاييية القصيية‪َ :‬ر ّ‬
‫ْ‬
‫فاطَِر‬ ‫ث َ‬ ‫حاِدي ِ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬ ‫وي ِ‬‫من ت َأ ِ‬ ‫مت َِنى ِ‬ ‫عل ّ ْ‬‫و َ‬‫ك َ‬ ‫مل ْ ِ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫َ‬
‫فــى ٱل ـدّن َُيا‬ ‫ى ِ‬ ‫ول ِـ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫ض أنـ َ‬ ‫و ٱل ْْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫قِنــــى‬ ‫ح ْ‬ ‫وأ َل ْ ِ‬
‫ما َ‬ ‫ســــل ِ ً‬‫م ْ‬ ‫فِنى ُ‬ ‫و ّ‬
‫ة َتــــ َ‬‫خــــَر ِ‬ ‫و ٱل ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( ... (101‬‬ ‫حي َ‬ ‫ص ٰـل ِ ِ‬ ‫ب ِ ٱل ّ‬
‫قِنــى‬ ‫ح ْ‬‫وأ َل ْ ِ‬
‫وانظيير إلييى تواضييعه فييي قييوله ‪َ ‬‬
‫ن ‪ ،‬وكأن الصيالحين سيبقوه وهيو يرييد‬ ‫حي َ‬ ‫ص ٰـل ِ ِ‬ ‫ب ِٱل ّ‬
‫اللحاق بهم‪ .‬وهكذا نرى أن سيييدنا يوسييف نجييح فييي‬
‫امتحان السراء بشكر الله تعالى والتواضييع ليييه‪ ،‬كمييا‬
‫‪261‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫نجح في امتحان الضراء بالصبر والمل‪...‬‬


‫أنت لها‬
‫وكان التعقيب على تجربة يوسف عليييه السييلم‪،‬‬
‫آية رائعيية‪ ،‬ليطمئن قلييب النييبي ‪ ‬إلييى نصيير اللييه‬
‫ووعده‪ ،‬ولتسمعها أمته من بعده وتوقن بها‪ .‬إسمعها‬
‫معي بقلبك وروحك‪:‬‬
‫وظَّنــوا ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ســ ُ‬ ‫س ٱلّر ُ‬ ‫ست َْيـــئ َ َ‬‫ذا ٱ ْ‬ ‫ى إِ َ‬
‫حّتــ ٰ‬ ‫‪َ‬‬
‫َ‬
‫مــن‬ ‫ى َ‬ ‫جـ َ‬ ‫فن ُ ّ‬‫صـُرَنا َ‬‫م نَ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫جــاء ُ‬ ‫ذُبوا ْ َ‬ ‫قـدْ ك ُـ ِ‬ ‫م َ‬‫هـ ْ‬‫أن ّ ُ‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫مي ـ َ‬‫ر ِ‬‫ج ِ‬‫م ْ‬‫وم ِ ٱل ْ ُ‬‫قـ ْ‬‫ن ٱل ْ َ‬ ‫ع ِ‬
‫سَنا َ‬ ‫ول َ ي َُردّ ب َأ ُ‬‫شاء َ‬ ‫نّ َ‬
‫‪.( (110‬‬
‫خلصة التجربة‬
‫ونصل في نهاييية السييورة إلييى قاعييدة محورييية‪،‬‬
‫قالها سيدنا يوسف عليه السلم بعد أن انتصر وبعييد‬
‫صـب ِْر‬
‫وي ِ ْ‬
‫ق َ‬
‫مــن ي َت ّـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫أن تحققت جميع أمنياته‪ :‬إ ِن ّ ُ‬
‫فإن ٱلله ل َ يضي َ‬
‫ن‪.( (90‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫جَر ٱل ْ ُ‬ ‫عأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ‬ ‫َ ِ ّ‬
‫إن قصة يوسف تعّلمنا أن من أراد النجاح ووضع‬
‫هييدفا ً نصييب عينيييه يريييد تحقيقييه فييإنه سيييحققه ل‬
‫محالة‪ ،‬إذا استعان بالصبر والمل‪ ،‬فلم ييييأس‪ ،‬ولجييأ‬
‫ن ٱللــه ل َ‬ ‫صـب ِْر َ‬
‫ف ـإ ِ ّ‬ ‫وي ِ ْ‬ ‫ق َ‬
‫من ي َت ّـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫إلى الله ‪‬إ ِن ّ ُ‬
‫يضي َ‬
‫ن‪ .( (90‬إن سيدنا يوسييف‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬‫م ْ‬‫جَر ٱل ْ ُ‬ ‫عأ ْ‬‫ُ ِ ُ‬
‫‪ -‬في هذه الكلمات ‪ -‬يلخص لنا تجربتيه فيي الحيياة‪،‬‬
‫والتي هي كما قلنا‪ ،‬تجربة إنسانية بشرية‪.‬‬
‫فمن أراد النجاح فييي الحييياة فعليييه بتقييوى اللييه‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪262‬‬

‫ل‪ ،‬واللجيييييييييييييييييييييييوء إلييييييييييييييييييييييييه‪،‬‬ ‫أو ً‬


‫والصبر على مصائب الدنيا ل بل وتحييدي المعوقييات‬
‫من حوله والتغلب عليها‪ .‬إن الصبر المطلوب هنا هو‬
‫صبر إيجابي ومثابر‪ ،‬ل يضيع صاحبه أي فرصة لتعلم‬
‫مهارة ما‪ ،‬ل بل ينتظر كل فرصة تسنح ليه كما فعل‬
‫سيدنا يوسف عليه السلم‪) ،‬فهو استفاد من وجيوده‬
‫في بيت العزيز مثل ً في تعلييم كيفييية إدارة المييوال‪،‬‬
‫عَلــ ٰى‬ ‫عل ِْنى َ‬ ‫ج َ‬
‫ل ٱْ‬ ‫وهذا سبب قوله بعد ذلك‪َ :‬‬
‫قا َ‬
‫في ٌ‬
‫م‪.(( (55‬‬ ‫عِلي ٌ‬
‫ظ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ٱل ْْر ِ‬
‫ض إ ِّنى َ‬ ‫خَزائ ِ ِ‬
‫َ‬
‫يا شباب‪ ،‬تعّلموا من سيييدنا يوسييف النجيياح فييي‬
‫حياتكم العملية‪ ،‬والتفوق في الدنيا والخييرة‪ ،‬بييالعلم‬
‫والعمل من جهة‪ ،‬وبمقاومة الشهوات والصبر عنهييا‪،‬‬
‫لتفوزوا بإذن الله بجنة النعيم‪.‬‬
‫سورة الرعد‬

‫سو‬ ‫سورة الرعد )مدنية(‪ ،‬نزلت بعييد سييورة محمييد‪،‬‬


‫رة‬ ‫وهي في ترتيب المصحف بعد سورة يوسف‪ ،‬وعييدد‬
‫الرعد‬ ‫آياتها ‪ 43‬آية‪.‬‬
‫قوة الحق‬
‫سورة الرعد ميين أروع سييور القييرآن‪ ،‬ورسييالتها‬
‫تقول‪ :‬الحق قوي راسخ‪ ،‬وان لم يظهر أمام العين‪،‬‬
‫والباطييل مهييزوم ضييعيف‪ ،‬فهييو ‪ -‬وان كييان ظيياهرا ً‬
‫متفشيا ً ‪ -‬لكنه هش ل قيمة له‬
‫هذه الحقيقيية البسيييطة يغفييل عنهييا الكييثير ميين‬
‫النيياس‪ ،‬فينخييدعون بييبريق الباطييل الييزائف‪ .‬هييذا‬
‫الباطل قد يأخذ أشكال ً متعددة‪ ،‬من مشيياهد إباحييية‬
‫متفشية‪ ،‬أو معياص منتشيرة‪ ،‬إليى موظيف أو تياجر‬
‫يكذب ويخدع في عمله‪ ،‬إلى أمة ظالمة تعتدي على‬
‫أمة السييلم وتأخييذ حقوقهييا‪ ،‬كلهييا أشييكال مختلفيية‬
‫لقوة الباطل الهشة‪.‬‬
‫أثر الباطل في الناس‬
‫هييذه الحقييائق إذا غييابت عيين أعييين النيياس‪،‬‬
‫وانخدعوا بالباطل‪ ،‬يخافون منه‪ ،‬فيسييتخفون بييالحق‬
‫‪263‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪264‬‬

‫الييذي معهييم‪ ،‬أو يحيياولون أن يقلييدوا هييذا الباطييل‪.‬‬


‫فنرى كثيرا ً من النيياس يقولييون أن فلن يا ً ناجييح فييي‬
‫تجييارته عيين طريييق السييرقة والغييش والخيداع فيي‬
‫عملييه‪ ،‬وبمييا أن الكييل يفعييل هييذا فل ضييرر ميين‬
‫تقليدهم‪.‬‬
‫لهييذه النوعييية ميين الشييخاص‪ ،‬تييأتي السييورة‬
‫لتقييول‪ :‬أن قييوة الباطييل مهمييا ظهييرت وانتفشييت‪،‬‬
‫فهي هشة‪ ،‬ليس لهييا أي جييذور فييي الرض‪ .‬ومهمييا‬
‫توارى الحق أو اختفى من أعين الناس‪ ،‬فهييو راسييخ‬
‫متين في الرض‪.‬‬

‫الكتاب المقروء والحق‬


‫ومن أول آية تبدأ السورة بالتأكيييد علييى أن اللييه‬
‫تبارك وتعالى هو الحق‪ ،‬وأن كتابه المنزل من عنييده‬
‫هو الحق‪:‬‬
‫ُ‬
‫ل‬‫ز َ‬
‫ذى أن ـ ِ‬‫و ٱّلــ ِ‬
‫ب َ‬ ‫ت ٱل ْك َِتـ ـٰ ِ‬ ‫‪‬المر ت ِل ْ َ‬
‫ك اَيـ ٰـ ُ‬
‫َ‬
‫س لَ‬ ‫ن أك ْث َ ـَر ٱلّنــا ِ‬‫وَلـٰك ِ ّ‬ ‫ق َ‬
‫ح ّ‬‫ك ٱل ْ َ‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫ك ِ‬
‫ن ‪.‬‬‫مُنو َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫وبعد أن ذكرت أول آية كتاب الله تعييالى‪ ،‬تنتقييل‬
‫اليييات ‪ 2‬و ‪ 3‬إلييى ذكيير قييدرة اللييه عييز وجييل فييي‬
‫الكون‪ ،‬وكأنها تقول للناس جميعًا‪ :‬إن كنتييم تكييذبون‬
‫بالكتاب المقروء )القرآن(‪ ،‬فتعالوا ننظر إلييى كتيياب‬
‫الله تعالى المنظور )والييذي هييو عبييارة عيين الكييون‬
‫‪265‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫كله(‪:‬‬
‫د‬
‫مـ ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫ر َ‬ ‫غْيـ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫م ٰــ ٰو ِ‬ ‫س َ‬‫ع ٱل ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ذى َر َ‬ ‫ٱ‪‬لله ٱل ّ ِ‬
‫خَر‬ ‫سـ ّ‬ ‫و َ‬ ‫ش َ‬ ‫عـْر ِ‬ ‫عل َــى ٱل ْ َ‬ ‫وىٰ َ‬ ‫سـت َ َ‬ ‫مٱ ْ‬ ‫هــا ث ُـ ّ‬ ‫ون َ َ‬ ‫ت ََر ْ‬
‫مـــى‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫رى ل َ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫مَر ك ُ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ٱل ّ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫قاء َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ب ِل ِ َ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫ل ٱلي َ ٰـ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫مَر ي ُ َ‬ ‫ي ُدَب ُّر ٱل ْ‬
‫ن‪.( (2‬‬ ‫قُنو َ‬ ‫ُتو ِ‬
‫هــا‬ ‫عــ َ‬ ‫َ‬ ‫و ٱّلــ ِ‬
‫في َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬ ‫ض َ‬ ‫مــدّ ٱل ْر َ‬ ‫ذى َ‬ ‫هــ َ‬ ‫و ُ‬‫‪َ ‬‬
‫رواس ـى َ‬
‫ل‬‫عـ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ـ ٰر ِ‬ ‫ٱث ّ َ‬‫ل ل‬ ‫مــن ك ُـ ّ‬ ‫و ِ‬ ‫ه ٰـــرا ً َ‬ ‫وأن ْ َ‬ ‫َ َ ِ َ َ‬
‫هــاَر ‪‬‬ ‫ل ٱلن ّ َ‬ ‫شى ٱل ّي ْ ـ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ن ٱث ْن َي ْ ِ‬ ‫جي ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ها َز ْ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫‪.((3‬‬
‫فلله تعالى كتابان في الكييون‪ ،‬كلهمييا يييدل عليييه‬
‫وكلهما يقوي الخر ويدل عليه‪:‬‬
‫فالكتيياب المقييروء )القييرآن( يطييالب المسييلم‬
‫بالنظر في الكتاب المنظور )الكون(‪ ،‬من خلل آيات‬
‫كثيرة كهذه اليات‪.‬‬
‫وبالمقابل‪ ،‬فيإن الكتياب المنظيور يزييدك إيمانيا ً‬
‫بالقرآن‪.‬‬
‫الكتاب المنظور والحق‬
‫فمن هو المدّبر؟ ومن هو القادر؟ من الذي يملييك‬
‫الكون؟ أتتبعونه أم تتبعون الباطل؟‬
‫ولييذلك تتييابع السييورة حييديثها عيين كتيياب اللييه‬
‫المنظور )الكون( وكييف ييدل عليى عظميية الخيالق‬
‫جل وعل‪:‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪266‬‬

‫ت‬ ‫قطَـ ٌ‬ ‫َ‬


‫جن ّ ٰــ ٌ‬ ‫و َ‬‫ت َ‬ ‫و ٰر ٌ‬ ‫ج ٰــ ِ‬ ‫مت َ َ‬‫ع ّ‬ ‫ض ِ‬ ‫ـى ٱلْر ِ‬ ‫‪‬‬‫فـ‬
‫و ِ‬‫َ‬
‫ن‬ ‫صــن ْ ٰو ٍ‬ ‫غي ُْر ِ‬ ‫و َ‬‫ن َ‬ ‫صن ْ ٰو ٌ‬ ‫ل ِ‬ ‫خي ٌ‬‫ون َ ِ‬
‫ع َ‬ ‫وَزْر ٌ‬‫ب َ‬ ‫عن َ ٰـ ٍ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ض‬
‫عــ ٍ‬ ‫عل َ ٰى ب َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ض َ‬‫ع َ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ّ‬‫ون ُ َ‬‫د َ‬ ‫ح ٍ‬‫ماء ٰو ِ‬ ‫ق ٰى ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫يُ ْ‬
‫قُلو َ‬ ‫ت لّ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ع ِ‬‫وم ٍ ي َ ْ‬
‫ق ْ‬ ‫ك لي َ ٰـ ٍ‬ ‫فى ٰذل ِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل إِ ّ‬‫فى ٱلك ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪.( (4‬‬
‫رحلة في ملك الله‬
‫ومن روعة السورة أنها تهبط بك فييي ملييك اللييه‬
‫تعالى درجة درجة‪ ،‬لتتأمل الكييون وآييياته ميين أعلييى‬
‫إلييى أسييفل‪ .‬فلييو تأملنييا فييي اليييات ميين ‪ 2‬إلييى ‪،4‬‬
‫لوجدنا أن اليات بدأت بالسماوات‪ ،‬ثم انتقلييت إلييى‬
‫الشييمس والقميير‪ ،‬فييالرض والجبييال والنهييار‪ ،‬إلييى‬
‫تقسيم الراضي الزراعية )قطييع متجيياورات( وتنييوع‬
‫ثمارها‪ .‬كأنك تنزل بالطائرة من فوق لتحت‪ ،‬وكتيياب‬
‫الله معك كدليل يدلك على هذه اليات ويقييول لييك‪:‬‬
‫أنظر إلى ملك الله تعالى من فوق إلييى تحييت‪ ،‬ميين‬
‫رفييع السييماوات بل عمييد لغاييية تقسيييم الراضييي‪،‬‬
‫وكيف أن الماء الذي يسييقي كييل أنييواع الييزروع هييو‬
‫ماء واحد يأتي من عند الله‪.‬‬
‫فعجب قولهم‬
‫وبعد كل هذه اليات والدلئل‪ ،‬يأتي التعقيب ميين‬
‫م َأء َ‬
‫ذا‬ ‫ول ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫قـ ْ‬‫ب َ‬
‫جـ ٌ‬‫ع َ‬‫ف َ‬‫ب َ‬‫جـ ْ‬‫ع َ‬
‫وِإن ت َ ْ‬ ‫الله تعييالى‪َ  :‬‬
‫د‪.( (5..‬‬‫دي ٍ‬‫ج ِ‬
‫ق َ‬ ‫فى َ ْ‬
‫خل ٍ‬ ‫ك ُّنا ت َُراًبا َأءّنا ل َ ِ‬
‫فهل تستغربون‪ ،‬بعدما رأيتم كل هذا الملييك فييي‬
‫‪267‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الكييون‪ ،‬كيييف أن اللييه تعييالى قييادر علييى أن يحيييي‬


‫الناس بعد موتهم؟‬
‫شك في‬ ‫كيف يمكن لي صاحب عقل سليم أن ي ّ‬
‫قدرة الله تعالى؟ لذلك تنتقل اليات التي بعدها إلى‬
‫التركيز على نوع آخر من قدرته تعالى‪ ،‬وهي القدرة‬
‫على جمع المتناقضات في الكون‪.‬‬
‫ل يجمعها إل الله‬
‫تبدأ السييورة باسييتعراض المتناقضييات فييي هييذا‬
‫الكون العجيب‪ 32 ،‬ظيياهرة متناقضيية فييي طبيعتهييا‪،‬‬
‫يستحيل على أحد أن يجمع بينها‪ ،‬إل اللييه جييل وعل‪.‬‬
‫أنظيييير إليييى أسييييرار عظمتييييه ميييين خلل هيييذه‬
‫د‪.( (8‬‬ ‫دا ُ‬‫م‪ ...‬ت َْز َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ض ٱل َْر َ‬ ‫غي ُ‬ ‫المتناقضات‪ :‬ت َ ِ‬
‫و‬ ‫و َ‬ ‫سّر ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫هـ َ‬‫ن ُ‬ ‫مـ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ـَر ب ِـ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫و َ‬
‫ل َ‬ ‫قـ ْ‬ ‫‪‬أ َ‬
‫ر‪.( (10‬‬ ‫ها ِ‬‫ب ب ِٱلن ّ َ‬ ‫ر ٌ‬‫سا ِ‬‫و َ‬ ‫ل َ‬ ‫ف ب ِٱل ّي ْ ِ‬ ‫خ ٍ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫هــا ‪‬‬ ‫وك َْر ً‬ ‫عا َ‬ ‫و ً‬‫عا ‪ (12) - ‬طَ ْ‬ ‫م ً‬‫وطَ َ‬ ‫فا َ‬ ‫و ً‬‫خ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫صيُر‪...‬‬ ‫و ٱل ْب َ ِ‬ ‫مىٰ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ضّرا‪ ...‬ٱل َ ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫عا َ‬ ‫ف ً‬‫‪(15) - ‬ن َ ْ‬
‫و ٱلّنوُر‪.( (16‬‬ ‫ت َ‬ ‫مـٰ ُ‬ ‫ٱلظّل ُ َ‬
‫ط‪...‬‬ ‫ســ ُ‬ ‫ل ‪ (17) - ‬ي َب ْ ُ‬ ‫و ٱل ْب َ ٰـــطِ َ‬ ‫ق َ‬ ‫حــ ّ‬ ‫‪‬ل ْ َ‬ ‫ٱ‬
‫حــو‪...‬‬ ‫م ُ‬‫ة ‪ (26) ‬ي َ ْ‬ ‫خَر ِ‬ ‫دُر‪ ...‬ٱلدّن َْيا‪ ...‬ٱل َ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫وي َ ْ‬‫َ‬
‫ت‪.( (39‬‬ ‫وي ُث ْب ِ ُ‬ ‫َ‬
‫وكييأن هييذه اليييات الرائعيية تقييول لنييا‪ :‬كيييف ل‬
‫تسلمون لله‪ ،‬وهو الحق الكامل الييذي يملييك الكييون‬
‫بكل متناقضيياته ويجمييع بينهييا‪ ،‬لتؤكييد علييى المحييور‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪268‬‬

‫الصلي للسييورة‪ ،‬وهييو أن الحييق قييوي راسييخ‪ ،‬وأن‬


‫الباطل ضعيف إلى زوال‪.‬‬
‫السعادة الوهمية‬
‫وتمر اليات‪ ،‬إلييى أن تصييل بنييا إلييى ثلثيية أمثليية‬
‫تخدم هدف السورة بشكل رائع ومعجز‪:‬‬
‫وأولها كان هو المفتاح لفهييم السييورة واسييتنتاج‬
‫المحور الذي قلناه في أول السورة‪ .‬اقرأ معي الية‬
‫‪:14‬‬
‫ق ‪ ‬يييا شييباب‪ ،‬امشييوا فييي‬ ‫حـ ّ‬ ‫وةُ ٱل ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ه دَ ْ‬ ‫‪‬ل َ ُ‬
‫طريق الله‪ .‬لن الحق الكامل هو طريق اللييه ‪‬ل َـ ُ‬
‫ه‬
‫ق ‪ .‬فماذا عن الباطل؟ ما هو شييكله؟‬ ‫ح ّ‬ ‫وةُ ٱل ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫دَ ْ‬
‫ن‬‫جيُبو َ‬ ‫ه ل َ يَ ْ‬
‫سـت َ ِ‬ ‫دون ِـ ِ‬ ‫مــن ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َـدْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّـ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫مــاء‬ ‫ه إ ِل َــى ٱل ْ َ‬ ‫في ْـ ِ‬‫ط كَ ّ‬‫س ِ‬ ‫ىء إ ِل ّ ك ََبـ ـٰ ِ‬ ‫شـ ْ‬ ‫هــم ب ِ َ‬ ‫لَ ُ‬
‫ه ‪.‬‬ ‫غ ِ‬‫و ب َِبال ِ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫فاهُ َ‬ ‫غ َ‬ ‫ل ِي َب ْل ُ َ‬
‫والله الذي ل إله إل هو‪ ،‬ليين تجييد تصييويرا ً للحييق‬
‫والباطل أكثر جمال ً من هذا التصوير الفني القرآني‪.‬‬
‫فالناس التي تجري وراء الباطل يصوّرها لنا ربنييا‬
‫تبارك وتعالى بشخص ينظر فييي المييياه ويحيياول أن‬
‫يلتقط فمه‪ ،‬وما هو ببييالغه‪ .‬وبالتييالي فييإن كييل ميين‬
‫يمشيييي وراء الباطيييل سييييظل قلبيييه يجيييري وراء‬
‫السييعادة‪ ،‬هييذه السييعادة الواهميية الييتي يعتقييد أنهييا‬
‫كأس خمير يشيربها‪ ،‬أو أغنيية ماجنية يجيري وراءهيا‬
‫ويرددها‪ ،‬أو في مال حييرام يأخييذه‪ ...‬لكنييه ليين يبلييغ‬
‫‪269‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫السعادة تماما ً كالرجل الذي يحاول أن يلتقييط فمييه‬


‫ه‪‬‬ ‫غ ِ‬
‫و ب َِبال ِ ِ‬
‫ه َ‬
‫ما ُ‬ ‫من انعكاس صورته في الماء ‪َ ‬‬
‫و َ‬
‫‪.((14‬‬
‫يييا شييباب ل تنخييدعوا بالباطييل‪ ،‬ولييو كييان براقييا‬
‫وزاهيا‪ ،‬وليو أخيذ شيكل حفلت يجتميع بهيا الشيباب‬
‫والبنييات‪ ،‬ليسييودها الرقييص والمجييون‪ ،‬ولييو أعطيياه‬
‫البعييض اسييم الشييجاعة والتقييدم وكسيير التقاليييد‪...‬‬
‫الباطل زاهق ل محالة‪ ،‬والحق هو الصل‪.‬‬
‫الباطل‪ ...‬زبد يطفو على صفحة الماء‬
‫ويضرب لنا ربنا مثال ً رائعا ً آخيير‪ ،‬ليؤكييد علييى أن‬
‫الحق راسخ قوي وإن كان خفييًا‪ ،‬وأن الباطييل هيش‬
‫ل قيمة له‪ ،‬وإن كان على السييطح وانتفييش‪ ،‬اسييمع‬
‫ت‬ ‫سال َ ْ‬‫ف َ‬ ‫ماء َ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬
‫ن ٱل ّ‬‫م َ‬ ‫معي الية ‪ :17‬أ َن ََز َ‬
‫ل ِ‬
‫ها ‪ :‬الماء النازلة ميين السييماء تمثييل‬ ‫ر َ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫َ‬
‫قدَ ِ‬ ‫وِدي َ ٌ‬‫أ ْ‬
‫الحق والخير الييذي ينييزل مييع الييوحي ميين السييماء‪.‬‬
‫َ‬
‫ة‬
‫وِدَيــ ٌ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ســال َ ْ‬ ‫فميياذا كييان أثيير هييذا الميياء؟ ‪َ ‬‬
‫ف َ‬
‫ها ‪.‬‬ ‫ر َ‬‫قدَ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫أنظر لقوته وعظمتييه‪ ،‬وكيييف دخييل فييي الييوادي‬
‫ل‬‫م َ‬‫حت َ َ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫ليحمل الخييير للنيياس‪ ،‬فميياذا حييدث؟ ‪َ ‬‬
‫دا ّراب ًِيا‪.( (17‬‬‫ل َزب َ ً‬ ‫سي ْ ُ‬‫ٱل ّ‬
‫أي أشياء ل قيمة لها من قش وفضلت‪ ،‬تجمعت‬
‫على سطح المياه‪ ،‬فغطت الماء‪ ،‬بحيث أنهييا غطييت‬
‫المادة القيمة‪.‬‬
‫فصار الخير مغمورا ً تحت‪ ،‬والميياء الييذي سيييزرع‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪270‬‬

‫به تحت‪ .‬أما الظاهر‪ ،‬فهو القش والفضييلت الييتي ل‬


‫قيمة لها )الزبد(‪.‬‬
‫عل َي ْـ ِ‬
‫ه‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬
‫قـ ُ‬ ‫ما ُيو ِ‬
‫م ّ‬ ‫و ِ‬
‫ويأتي مثل رائع آخيير‪َ  :‬‬
‫حل ْي َ‬
‫ه‪‬‬ ‫مث ْل ُـ ُ‬
‫ع َزب َـدٌ ّ‬‫مت َ ٰــ ٍ‬‫و َ‬‫ةأ ْ‬‫غاء ِ َ ٍ‬‫ر ٱب ْت ِ َ‬
‫فى ٱلّنا ِ‬ ‫ِ‬
‫‪.((17‬‬
‫فييإذا وضييعت قطعيية ذهييب فييي النييار‪ ،‬لتختييبر‬
‫صفاءها ونقاوتها‪ ،‬فإن الشوائب في داخلها ستصييعد‬
‫إلى السطح‪ ،‬ويبقييى المعيدن النفييس تحيت‪ ،‬نفيس‬
‫مبدأ المياه‪ .‬كأن ربنا يقول لنييا‪ :‬هييذا ميياء وهييذا نييار‪،‬‬
‫لكيين المبييدأ يبقييى نفسييه‪ ،‬والحييق والباطييل تبقييى‬
‫أشكالهم واحدة وحقيقتهييم واحييدة‪ .‬فييدائما ً سيييظهر‬
‫الباطييل عليى السييطح وسييبقى الخيير تحييت‪ ،‬لكيين‬
‫الخييير راسييخ وإن لييم تييره‪ ،‬والباطييل زائل وإن عل‬
‫وطفا فوق السطح‪.‬‬
‫كذلك يضرب الله الحق والباطل‬
‫لييذلك يييأتي تعقيييب واضييح علييى هييذين المثلييين‬
‫ك‬‫‪‬ـ ٰذل ِ َ‬ ‫ليؤكييد انسييجامهما مييع هييدف السييورة‪َ :‬‬
‫كـ‬
‫ل‪ .( (17‬فميياذا‬ ‫و ٱل ْب َ ٰــطِ َ‬ ‫ق َ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ب ٱللــه ٱل ْ َ‬ ‫ر ُ‬
‫ض ِ‬
‫يَ ْ‬
‫يكون مصير الثنين؟‬
‫ع‬ ‫ما َين َ‬ ‫فاء َ‬ ‫ج َ‬ ‫في َذْ َ‬‫ما ٱلّزب َدُ َ‬ ‫‪َ َ ‬‬
‫فــ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫وأ ّ‬
‫َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫فأ ّ‬
‫ب‬ ‫ر ُ‬ ‫ض ك َـ ٰذل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫مك ُـ ُ‬ ‫س َ‬
‫ضـ ِ‬‫ك يَ ْ‬ ‫فــى ٱلْر ِ‬ ‫ث ِ‬ ‫في َ ْ‬ ‫ٱلّنا َ‬
‫ل‪.( (17‬‬ ‫مَثا َ‬‫ٱلله ٱل ْ ْ‬
‫فهيا نعيييش للحييق‪ ،‬ومييع أهلييه وأصييحابه‪ ،‬الييذين‬
‫‪271‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫جاُبوا ْ‬
‫ســت َ َ‬
‫نٱ ْ‬ ‫تحييدثت عنهييم الييية ‪ :14‬ل ِّلــ ِ‬
‫ذي َ‬
‫سن َ ٰى‪. ...‬‬ ‫م ٱل ْ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫ه ُ‬
‫ل َِرب ّ ِ‬
‫لماذا "الرعد"؟‬
‫ويبقى سبب تسمية السورة‪ ،‬فلميياذا اختييار ربنييا‬
‫الرعد ليسمي السورة باسمه؟‬
‫لن الرعييد نمييوذج للتنيياقض‪ ،‬فهييو ميين ناحييية‬
‫علمية‪ ،‬يحمل في طييياته شييحنات متناقضيية‪ ،‬سييالبة‬
‫وموجبيية‪ .‬وميين ناحييية إيمانييية‪ ،‬فهييو يظهيير الرعييب‬
‫والخوف‪ ،‬لكنه يحمل الخير والمطيير للنيياس‪ .‬صييوته‬
‫رهيب من الخييارج‪ ،‬لكيين بيياطنه يسييبح اللييه‪ ،‬اسييمع‬
‫قوله تعالى‬
‫ن‬‫مـ ْ‬‫ة ِ‬ ‫مل ْ ٰــئ ِك َ ُ‬
‫و ٱل ْ َ‬ ‫ه َ‬‫د ِ‬
‫مـ ِ‬‫ح ْ‬
‫عـدُ ب ِ َ‬
‫ح ٱلّر ْ‬ ‫سب ّ ُ‬‫‪‬ي ُ َ‬‫و‬
‫َ‬
‫مــن‬ ‫هــا َ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫صــي ُ‬ ‫في ُ ِ‬‫ق َ‬‫ع َ‬‫ص ـ ٰو ِ‬ ‫ل ٱل ّ‬ ‫س ُ‬‫وي ُْر ِ‬ ‫ه َ‬‫فت ِ ِ‬ ‫خي َ‬‫ِ‬
‫ديدُ‬
‫شـ ِ‬ ‫و َ‬ ‫هـ َ‬‫و ُ‬‫فــى ٱللــه َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دُلو َ‬‫جـ ـٰ ِ‬
‫م يُ َ‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬‫شاء َ‬ ‫يَ َ‬
‫ل‪.( (13‬‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ٱل ْ ِ‬
‫وكييأن آيييات اللييه الكونييية فييي السييورة )وعلييى‬
‫رأسها الرعد( توجه لنييا نفييس الرسييالة‪ ،‬وهييي أن ل‬
‫ننخدع بظاهر الشياء‪ ،‬بل ننظر إلى باطنها‪.‬‬
‫عظمة القرآن‬
‫وبعد أن عددت اليييات أثيير كتيياب اللييه المنظييور‬
‫)الكون( في إيضاح الحق والباطل‪ ،‬يأتي مثال أروع‪:‬‬
‫كتاب الله المقروء‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪272‬‬

‫و‬ ‫ءان ًــا س ـيرت ب ـه ٱل ْجبــا ُ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫‪‬ول َـ َ‬


‫لأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ ّ َ ْ ِ ِ‬ ‫قْر َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وت َ ٰى ب َــل‬ ‫ه ٱل ْ َ‬
‫مـ ْ‬ ‫م ب ِـ ِ‬‫و ك ُل ّـ َ‬
‫ضأ ْ‬ ‫ه ٱلْر ُ‬ ‫ت بِ ِ‬ ‫قط ّ َ‬
‫ع ْ‬ ‫ُ‬
‫عا‪.( (31...‬‬ ‫مي ً‬‫ج ِ‬ ‫مُر َ‬ ‫َ‬
‫لله ٱل ْ‬
‫ومعنى هذه الية أنه لو كان هنيياك شيييء يمكيين‬
‫أن يحرك الجبال أو يسييير الرض أو يحيييي المييوتى‪،‬‬
‫لكييان هييذا القييرآن‪ .‬وكييأن المعنييى‪ :‬أن هييذا الكييون‬
‫الرائع ل يحركيه إل هيذا القيرآن‪ .‬لمياذا؟ لنيه الحيق‬
‫الكامييل فييي الرض‪ ،‬مصييداقا ً لقييوله تعييالى ‪‬ل َـ ُ‬
‫ه‬
‫ق‪.( (14‬‬ ‫وةُ ٱل ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ع َ‬
‫دَ ْ‬
‫من فضلك‪ ،‬اقرأ سورة الرعد‪ ،‬وعش مييع الحييق‬
‫الذي ينزل من عند ربنييا‪ ،‬فيالحق هييو كلم الليه‪ ،‬هييو‬
‫القرآن‪ ،‬وهو طريق الخييير والصييلح‪ .‬وإييياك بعييد أن‬
‫قرأت هذه السورة الكريمة أن تنخدع بالباطل مهما‬
‫انتفش وعل على ظهر الحق‪ ،‬لنييه أول ً وآخييرا ً هييش‬
‫ليس له أي جذور‪.‬‬
‫سورة إبراهيم‬

‫سو‬ ‫هدف السورة‪ :‬نعمة اليمان ونقمة الكفر‬


‫رة‬ ‫كثير من الناس إذا سئل‪ :‬ما هي أعظم نعم اللييه‬
‫إبراهيم‬ ‫عليك؟ سيجيب بالمور المادية )الزوجة أو الولد أو‬
‫الييبيت أو المييال(‪ ،‬وإذا سييئل بالمقابييل عيين أعظييم‬
‫مصيبة‪ ،‬سيذكر المشيياكل الدنيوييية وخسييارة المييال‬
‫حح هييذا‬‫وضياع التجارة‪ ...‬فتأتي سورة إبراهيم لتصيي ّ‬
‫المفهوم وتوضيح أن أعظيم نعمية فيي الوجيود هيي‬
‫نعمة اليمان وأن أسوأ نعمة هي نعمة الكفر والبعييد‬
‫عن الله تعالى‪...‬‬
‫هل تستوي الظلمات والنور‪...‬‬
‫لييذلك فييإن السييورة هييي عبييارة عيين مقابليية‬
‫مستمرة بين الحق والباطل‪ ،‬بين أهل اليمان وأهييل‬
‫الكفر‪ ،‬بين النور والظلمييات‪ ..‬وبييدايتها واضييحة فييي‬
‫ه إ ِل َي ْـ َ‬ ‫َ‬
‫ج‬
‫ر َ‬‫خـ ِ‬ ‫ك ل ِت ُ ْ‬ ‫ب أنَزل ْن َ ٰـ ـ ُ‬ ‫الر ك ِت َــا ٌ‬
‫هذا المعنى‪ :‬‬
‫ن‬‫ر ِبــإ ِذْ ِ‬ ‫ت إ َِلــى ٱلّنــو ِ‬ ‫مـــٰ ِ‬‫ن ٱلظّل ُ َ‬ ‫مــ َ‬
‫س ِ‬‫ٱلّنــا َ‬
‫د‪ ( (1‬وكييأن‬ ‫مي ِ‬ ‫ح ِ‬‫ز ٱل ْ َ‬ ‫زي ِ‬‫ع ِ‬‫ط ٱل ْ َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫لى ِ‬‫م إِ َ ٰ‬
‫ه ْ‬‫َرب ّ ِ‬
‫المعنى‪ :‬أّيها النسييان أنظيير إلييى الظلمييات والنييور‪،‬‬
‫مل نعمة الله تعالى واختر بينهما‪..‬‬ ‫وتأ ّ‬
‫‪273‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪274‬‬

‫وجهان ليوم واحد‬


‫وتؤكد الييية الخامسيية علييى نفييس المعنييى فييي‬
‫ســل َْنا‬ ‫َ‬ ‫ول َ َ‬
‫قــدْ أْر َ‬ ‫قصيية موسييى عليييه السييلم‪َ  :‬‬
‫ن‬
‫مـــ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مـــ َ‬‫و َ‬‫ق ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ر ْ‬ ‫خـــ ِ‬‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬
‫ســـ ٰى ِبـَئاي َ ٰــــت َِنا أ ْ‬ ‫مو َ‬‫ُ‬
‫َ‬
‫م ب ِأي ّــام ِ ٱللــه‬ ‫هـ ْ‬ ‫وذَك ّْر ُ‬ ‫ر َ‬‫ت إ َِلى ٱلن ّــو ِ‬ ‫مـٰ ِ‬‫ٱلظّل ُ َ‬
‫ر‪ ( (5‬فما‬ ‫كو ٍ‬ ‫ش ُ‬ ‫ر َ‬ ‫صّبا ٍ‬‫ل َ‬ ‫ت ل ّك ُ ّ‬
‫ك لي َ ٰـ ٍ‬ ‫فى ٰذل ِ َ‬ ‫ن ِ‬
‫إِ ّ‬
‫علقة أيام الله بالصبر والشييكر؟ إن أيييام اللييه هييي‬
‫اليام التي أهلك الله فيهييا الظييالمين فييي كييل قييوم‬
‫جى فيها الصالحين‪ ،‬فكانت نعمة على‬ ‫من القوام ون ّ‬
‫ة علييييييييييييييى‬ ‫المييييييييييييييؤمنين ونقميييييييييييييي ً‬

‫الكافرين‪ .‬والمؤمن يتخذ من تلك اليام عييبرة تعينييه‬


‫عليى الصيبر وتحميل الذى كميا تحّثيه عليى الشيكر‬
‫ل‬ ‫ت ل ّك ُـ ّ‬ ‫ك لي َ ٰــ ٍ‬ ‫فى ٰذل ِـ َ‬ ‫‪ِ ‬‬ ‫ن‬‫على نعميية اليمييان إ ِ ّ‬
‫ر ‪.‬‬ ‫كو ٍ‬ ‫ش ُ‬ ‫ر َ‬ ‫صّبا ٍ‬ ‫َ‬
‫فمضى سيدنا موسى ليبلغ رسالة ربييه كمييا أميير‬
‫كرهم بأعظم نعم الله عليهم‪:‬‬ ‫وليذ ّ‬
‫ة‬
‫مــ َ‬ ‫ع َ‬‫كــُروا ْ ن ِ ْ‬ ‫ه ٱذ ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫و ِ‬
‫قــ ْ‬ ‫سىٰ ل ِ َ‬ ‫مو َ‬‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫وإ ِذْ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫عل َي ْ ُ‬
‫ن‬‫و َ‬ ‫عــ ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ل ِ‬‫ن ءا ِ‬ ‫مــ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫جــاك ُ ْ‬ ‫م إ ِذْ أن َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫ٱللــه َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن أب ْن َــاءك ُ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫وي ُ ـذَب ّ ُ‬‫ب َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ع َ‬‫سوء ٱل ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫مون َك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫مــن‬ ‫م َبلء ّ‬ ‫فــى ٰذل ِ ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫و ِ‬‫م َ‬ ‫ســاءك ُ ْ‬ ‫ن نِ َ‬ ‫حُيو َ‬ ‫ســت َ ْ‬ ‫وي َ ْ‬‫َ‬
‫م‪.( (6‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬ ‫ّرب ّك ُ ْ‬
‫طريييق اللييه نعميية وعييزة‪ ،‬والبييديل ل يكييون إل‬
‫صغارا ً وذل ً في الدنيا‪ ،‬كمييا بينييت الييية علييى لسييان‬
‫‪275‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫سيدنا موسى‪.‬‬
‫زيدَن ّك ُ ْ‬
‫م(‬ ‫)ل َِئن َ‬
‫شك َْرت ُ ْ‬
‫مل ِ‬
‫ثم تأتي قاعدة عامة ووعد رباني لكل من يشكر‬
‫م ل َِئن َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫شـــك َْرت ُ ْ‬ ‫ن َرب ّك ُـــ ْ‬‫وإ ِذْ ت َـــأذّ َ‬‫نعيييم الليييه ‪َ ‬‬
‫د‪‬‬ ‫دي ٌ‬‫شـ ِ‬ ‫ذاِبى ل َ َ‬ ‫عـ َ‬‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ول َِئن ك َ َ‬
‫فْرت ُ ـ ْ‬ ‫م َ‬ ‫زيدَن ّك ُ ْ‬‫ل ِ‬
‫‪.((7‬‬
‫ومع أن الييية تنطبييق علييى كييل نعييم اللييه‪ ،‬لكيين‬
‫ورودها فيي وسيط اليييات اليتي تتحيدث عين نعميية‬
‫اليمان‪ ،‬يشير إلى أهمية شكر نعمة اليمييان بشييكل‬
‫خاص‪ ،‬حتى يزيدنا اللييه ميين هييذه النعميية‪ ،‬وإل فييإن‬
‫ســى ِإن‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬‫قــا َ‬‫و َ‬ ‫اللييه غنييي عيين العييالمين‪َ  :‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ف ـإ ِ ّ‬‫عــا َ‬ ‫مي ً‬
‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫فــى ٱل ْْر ِ‬ ‫مــن ِ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫فُروا ْ أنت ُ ْ‬ ‫ت َك ْ ُ‬
‫د‪.( (8‬‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫ى َ‬ ‫غن ِ ّ‬ ‫ٱلله ل َ َ‬
‫رسالة النبياء‬
‫وتبدأ اليات بعد ذلك فييي الكلم علييى المواجهيية‬
‫بين أهل اليمان وأهل الكفر‪ ،‬ولن موضوع السييورة‬
‫هو نعمة اليمان ونقمة الكفر‪ ،‬فإنها ل تتكلم عن كل‬
‫نبي لوحده‪ ،‬وهذا يخالف منهج السور السابقة الييتي‬
‫كييانت تتحييدث عيين كييل نييبي مييع قييومه‪ ،‬أمييا هييذه‬
‫فييار‪ ،‬كمييا‬ ‫ور كل النبياء مع كييل الك ّ‬ ‫السورة فإنها تص ّ‬
‫م‪،‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ســل ُ ُ‬ ‫م ُر ُ‬‫هــ ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫قــال َ ْ‬ ‫فييي قييوله تعييالى‪َ  :‬‬
‫ت‬‫قــال َ ْ‬ ‫م‪َ . ‬‬ ‫ه ْ‬‫سـل ِ ِ‬ ‫فـُروا ْ ل ُِر ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ٱل ّ ِ‬
‫قا َ‬ ‫و َ‬‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫م ٰــ ٰو ِ‬ ‫س َ‬‫ر ٱل ّ‬ ‫فــاطِ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫شـ ّ‬ ‫فــى ٱللــه َ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ه ْ‬‫سل ُ ُ‬‫ُر ُ‬
‫م‪‬‬ ‫مــن ذُن ُــوب ِك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫فَر ل َك ُ ْ‬‫غ ِ‬‫م ل ِي َ ْ‬ ‫عوك ُ ْ‬ ‫و ٱل ْْر ِ‬
‫ض ي َدْ ُ‬ ‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪276‬‬

‫‪.((10‬‬
‫كرت يوما ً في أهمية هذه النعمة؟ ان اللييه‬ ‫هل تف ّ‬
‫تعييالى بعزتييه وجييبروته يناديييك ويييدعوك ليغفيير لييك‬
‫ذنوبك وهو الغني عنك؟‬
‫واسمع إلى تأكيد الرسل مرة ثانييية علييى أن مييا‬
‫هييييييييييييم فيييييييييييييه ميييييييييييين إيمييييييييييييان‬
‫ول َ ٰـ ـك ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ومعرفة بالله تعالى هو أعظم النعييم ‪‬‬
‫‪َ ...‬‬
‫ه‪.( (11...‬‬ ‫عَباِد ِ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫شاء ِ‬ ‫عل َ ٰى َ‬
‫من ي َ َ‬ ‫ن َ‬‫م ّ‬‫ٱلله ي َ ُ‬
‫نعم‪ ...‬ونقم‬
‫وتتوالى أنواع النعم والنقم في السورة‪:‬‬
‫م ٱل ْْر َ‬
‫ض‬ ‫سك ِن َّنــك ُ ُ‬‫ول َن ُ ْ‬
‫فيييأتي قييوله تعييالى‪َ  :‬‬
‫ف‬‫خــا َ‬
‫و َ‬
‫مى َ‬ ‫م َ‬
‫قــا ِ‬ ‫ف َ‬‫خــا َ‬ ‫ن َ‬
‫مـ ْ‬ ‫م ٰذل ِـ َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫ه ْ‬
‫د ِ‬
‫ع ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫ِ‬
‫د‪.( (14‬‬ ‫عي ِ‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫وتأتي مقابلها آيات شديدة في التحذير من نقمة‬
‫الله‪:‬‬
‫د‬
‫دي ٍ‬ ‫ص ِ‬ ‫ماء َ‬ ‫من ّ‬ ‫ق ٰى ِ‬ ‫س َ‬ ‫وي ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هن ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ه َ‬ ‫وَرائ ِ ِ‬ ‫من َ‬ ‫ّ‪‬‬
‫ْ‬
‫مــن‬ ‫ت ِ‬ ‫و ُ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ه ٱل ْ َ‬ ‫وي َـأِتي ِ‬ ‫ه َ‬ ‫غ ُ‬‫سي ُ‬ ‫كادُ ي ُ ِ‬ ‫ول َ ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ع ُ‬
‫جّر ُ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ب‬‫ذا ٌ‬ ‫عـ َ‬
‫ه َ‬ ‫وَرائ ِ ِ‬ ‫مــن َ‬ ‫و ِ‬ ‫ت َ‬ ‫مي ّـ ٍ‬ ‫و بِ َ‬ ‫هـ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا ٍ‬‫م َ‬‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫مـال ُ ُ‬ ‫ع َ‬‫م أَ ْ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ْ‬
‫فـُروا ب َِرب ّ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ٱل ّـ ِ‬ ‫مث َ ُ‬
‫ظ‪ّ ‬‬ ‫غِلي ٌ‬ ‫َ‬
‫ف‪...‬‬ ‫صـ ٍ‬ ‫عا ِ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫في ي َ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه ٱلّري ُ‬ ‫ت بِ ِ‬ ‫شت َدّ ْ‬ ‫ماٍد ٱ ْ‬ ‫ك ََر َ‬
‫‪.( (16-18‬‬
‫آيات كثيرة تتواصل‪ ،‬إلى أن تصل بنا إلى خطبيية‬
‫إبليس في جهنم‪ ،‬والتي هي بمثابة قمة نقمة الكفيير‬
‫‪277‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫على أصحابه‪.‬‬
‫خطبة إبليس‬
‫ن‬ ‫ى ٱل ْ ْ‬
‫م ـُر إ ِ ّ‬ ‫ضـ َ‬ ‫ق ِ‬‫مــا ُ‬‫ن لَ ّ‬ ‫طـٰ ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ٱل ّ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬‫‪َ ‬‬
‫ق‬
‫حـــــــ ّ‬ ‫عـــــــدَ ٱل ْ َ‬ ‫و ْ‬‫م َ‬ ‫عـــــــدَك ُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ٱللـــــــه َ‬
‫َ‬
‫مــن‬ ‫م ّ‬‫عل َي ْك ُ ْ‬‫ى َ‬ ‫ن لِ َ‬‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫فت ُك ُ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عدت ّك ُ ْ‬ ‫و َ‬‫و َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫م ل ِــى ‪‬‬ ‫جب ْت ُ ْ‬
‫ســت َ َ‬
‫فٱ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وت ُك ُ ْ‬‫عـ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ أن دَ َ‬ ‫سلطـ ـٰ ٍ‬
‫‪.((22‬‬
‫تخّيييل حسييرة ميين سيسييمع هييذا الكلم! كيييف‬
‫تستجيب له وهو سيتبرأ منك بهذه الكلمات‪...‬‬
‫مــا أ َن َـا ْ‬ ‫م ّ‬‫س ـك ُ ْ‬‫ف َ‬ ‫مــوا ْ َأن ُ‬‫وُلو ُ‬ ‫مــوِنى َ‬ ‫فل َ ت َُلو ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ى إ ِن ّــى ك َ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ف ـْر ُ‬ ‫خ ّ‬‫ر ِ‬ ‫صـ ِ‬ ‫م ْ‬‫م بِ ُ‬ ‫ما أنت ُـ ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫خك ُ ْ‬ ‫ر ِ‬‫ص ِ‬ ‫م ْ‬ ‫بِ ُ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫هــ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫مي َ‬‫ن ٱلظّ ٰـل ِ ِ‬ ‫ل إِ ّ‬‫قب ْ ُ‬‫من َ‬ ‫ن ِ‬
‫مو ِ‬ ‫شَرك ْت ُ ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬
‫م‪ ...( (22‬فهل هنالــك نقمــة أشـ ّ‬
‫د‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬‫َ‬
‫من ذلك؟!‪..‬‬
‫الكلمة الطيبة‪..‬‬
‫وتصييل اليييات إلييى آييية محورييية تشييير إلييى أن‬
‫أعظم نعمة هي نعمة اليمان‪ ،‬يضرب اللييه لنييا فيهييا‬
‫ة ‪ ‬ولقييد‬ ‫ة طَي ّب َـ ٍ‬ ‫جر ٍ‬‫ش َ‬ ‫ة كَ َ‬‫ة طَي ّب َ ً‬ ‫مث َل ً ك َل ِ َ‬
‫م ً‬ ‫مث ً‬
‫ل‪َ  :‬‬
‫ضرب الله هييذا المثييال لن النيياس يظنييون أن نعييم‬
‫الله إنما هي مادية‪ ،‬فيعلمنييا اللييه تعييالى بييأن كلميية‬
‫واحييدة‪ ،‬نعميية واحييدة‪ ،‬هييي أعظييم ميين كييل النعييم‬
‫َ‬
‫ف‬‫م ت َـَر ك َي ْـ َ‬ ‫المادي ّيية الييتي يراهييا النسييان‪ ...‬أل َـ ْ‬
‫ة طَي ّب َـ ٍ‬
‫ة‬ ‫جر ٍ‬ ‫شـ َ‬ ‫ة كَ َ‬‫ة طَي ّب َـ ً‬ ‫مـ ً‬ ‫مث َل ً ك َل ِ َ‬ ‫ب ٱلله َ‬ ‫ضَر َ‬
‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪278‬‬

‫َ‬
‫ؤِتى‬ ‫ماء ‪ ‬ت ُـ ْ‬‫سـ َ‬‫فــى ٱل ّ‬ ‫هــا ِ‬ ‫ع َ‬‫فْر ُ‬ ‫و َ‬‫ت َ‬‫ها ث َــاب ِ ٌ‬‫صـل ُ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ُ‬
‫ب ٱللــه‬ ‫ر ُ‬
‫ضـ ِ‬‫وي َ ْ‬
‫هــا َ‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن ب ِـإ ِذْ ِ‬ ‫حي ـ ٍ‬‫ل ِ‬ ‫هــا ك ُـ ّ‬ ‫أك ُل َ َ‬
‫ن‪( (24 – 25‬‬ ‫م ي َت َـذَك ُّرو َ‬‫هـ ْ‬ ‫عل ّ ُ‬
‫س لَ َ‬ ‫ل ِللّنا ِ‬ ‫مَثا َ‬ ‫ٱل ْ‬
‫ن الشجر يثمر ثمارا ً طيبة‪ ،‬فكييذلك شييجرة ل‬ ‫فكما أ ّ‬
‫إله إل ّ الله‪ ،‬الراسخة الجذور‪ ،‬العالييية الفييروع‪ ،‬تثميير‬
‫أشخاصا ً مؤمنين )كأهييل القييرآن والييدعاة إلييى اللييه‬
‫واليجييابيين وغيرهييم ميين أهييل الخييير المييؤمنين‪.(..‬‬
‫وتؤتي أكلها كل حييين بييإذن ربهييا‪ ،‬حسيينات وأعمييال ً‬
‫صالحة‪ ،‬تبقى لصاحبها صدقة جارية بعد موته‪.‬‬
‫شة‪ ،‬خبيثيية‪ ،‬ل جييذع‬ ‫وبالمقابل فإن كلمة الكفر ه ّ‬
‫ة‬
‫جَر ٍ‬
‫شـ َ‬‫ة كَ َ‬ ‫خِبيث َـ ٍ‬
‫ة َ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬
‫مـ ٍ‬ ‫مث ـ ُ‬
‫و َ‬
‫لهييا ول أصييل‪َ  :‬‬
‫مــن‬ ‫مــا ل َ َ‬
‫هــا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ٱل ْْر ِ‬ ‫و ِ‬ ‫من َ‬
‫ف ْ‬ ‫جت ُث ّ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫خِبيث َ ٍ‬
‫ةٱ ْ‬ ‫َ‬
‫ر‪.( (26‬‬ ‫قَرا ٍ‬ ‫َ‬
‫دل نعمة الله‬
‫ل تب ّ‬
‫وتمضي آيات السورة لتصب في نفس المحييور‪:‬‬
‫نعمة اليمان ونقمة الكفر‪ .‬فتأتي آية واضحة‪:‬‬
‫َ‬
‫ت ٱللــه‬ ‫مـ َ‬ ‫ع َ‬‫ن ب َـدُّلوا ْ ن ِ ْ‬ ‫م ت ََر إ ِل َــى ٱل ّـ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫‪‬أل َ ْ‬
‫داَر‬ ‫حّلـــــــــوا ْ َ‬ ‫فـــــــــرا َ‬ ‫كُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫م ُ‬ ‫و َ‬
‫قـــــــــ ْ‬ ‫وأ َ‬‫ً َ‬
‫ر‪.( (28‬‬ ‫وا ِ‬ ‫ٱل ْب َ َ‬
‫ها‬‫ون َ َ‬‫صــل َ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫هّنــ َ‬ ‫فميياذا يكييون جزاؤهييم؟ ‪َ ‬‬
‫ج َ‬
‫قَراُر‪.( (29‬‬ ‫س ٱل ْ َ‬ ‫وب ِئ ْ َ‬ ‫َ‬
‫فإياك أخي المسلم أن تفييرط فييي نعميية اليمييان‬
‫التي أعطاك الله إياها‪ ،‬وتجحييد بهييا‪ ...‬إييياك أن تكييون‬
‫‪279‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ضـّلوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫عــن‬ ‫دا ل ّي ُ ِ‬ ‫عل ُــوا ْ للــه أن ـ َ‬
‫دا ً‬ ‫ج َ‬ ‫ميين الييذين ‪َ ‬‬
‫و َ‬
‫ه‪.( (30...‬‬
‫سِبيل ِ ِ‬
‫َ‬
‫فكيف نشكر نعمة الله علينا باليمان؟‬
‫مــوا ْ‬ ‫مُنــوا ْ ي ُ ِ‬
‫قي ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ى ٱّلــ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عَبــاِد َ‬ ‫قــل ل ّ ِ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫ســـّرا‬‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫قَنـــا ُ‬ ‫مـــا َرَز ْ‬ ‫قـــوا ْ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ف ُ‬‫وي ُن ْ ِ‬‫صـــل َةَ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ة‪.( (31...‬‬ ‫علن ِي َ ً‬‫و َ‬
‫َ‬
‫ها(‬
‫صو َ‬ ‫ة ٱلله ل َ ت ُ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ْ ن ِ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ع ّ‬
‫وِإن ت َ ُ‬
‫) َ‬
‫وتعدد السورة نماذج أخرى من نعم الله‪:‬‬
‫و ٱل ْْر َ‬
‫ض‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬
‫س َ‬ ‫خل َـ َ‬
‫ق ٱل ّ‬ ‫ذى َ‬ ‫ٱلله ٱل ّـ ِ‬ ‫‪‬‬
‫م‬ ‫خَر ل َ ُ‬
‫كــ ُ‬ ‫ســ ّ‬
‫و َ‬‫ماء‪  ...‬و ‪َ ‬‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬
‫ن ٱل ّ‬ ‫م َ‬
‫ل ِ‬ ‫وَأنَز َ‬‫َ‬
‫ك‪.( (32‬‬ ‫فل ْ َ‬
‫ٱل ْ ُ‬
‫م‬ ‫خر ل َك ُـــ ُ‬ ‫ســـ ّ‬ ‫و َ‬‫ه ٰــــَر ‪َ ‬‬‫م ٱ لن ْ َ‬ ‫خَر ل َك ُـــ ُ‬‫ســـ ّ‬ ‫و‪َ ‬‬ ‫َ‬
‫ل‬‫م ٱل ّْيــ َ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬‫س ّ‬
‫و َ‬‫ن َ‬ ‫دائ َِبي َ‬
‫مَر َ‬‫ق َ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫س َ‬‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ٱل ّ‬
‫هاَر‪.( (33...‬‬ ‫و ٱل ن ّ َ‬ ‫َ‬
‫خرة تحت أيدينا‪ ،‬لميياذا؟ حييتى‬ ‫كل هذه النعم مس ّ‬
‫نعرف الله تعالى ونستشعر فضله ونسلك منهجه‪.‬‬
‫دوا ْ‬ ‫عـ ّ‬ ‫وِإن ت َ ُ‬ ‫واللطيييف أن الييية )‪ (34‬تقييول‪َ  :‬‬
‫ها ‪ .‬فلييم تقييل الييية وإن‬ ‫صــو َ‬ ‫ح ُ‬‫ة ٱللــه ل َ ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ع َ‬
‫نِ ْ‬
‫دد خصييائص‬ ‫تعدوا نعم الله‪ ،‬بل أننا لو حاولنييا أن نع ي ّ‬
‫نعمة واحدة فقط )كنعمة الشييمس مث ً‬
‫ل( لمييا قييدرنا‬
‫على إحصائها‪ ،‬فما بالك بأعظم نعمة؟ نعمة اليمييان‬
‫بالله ومعرفة منهجه؟‪...‬‬
‫نموذج إبراهيم‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪280‬‬

‫ويأتي ختام السورة‪ ،‬وهو مقارنة بييين نمييوذجين‪،‬‬


‫نموذج لنسان عاش في نعمة الله )سيييدنا إبراهيييم‬
‫عليه السييلم( واستشييعر نعميية اليمييان‪ ،‬وبالمقابييل‬
‫نمييوذج لشييخاص عاشييوا بعيييدين عيين اللييه وهييم‬
‫ظالمين لنفسهم ومجتمعاتهم التي حولهم‪...‬‬
‫فسيدنا إبراهيم كان شكره واضحا ً على النعميية‪:‬‬
‫عَلـى ٱل ْك ِب َـ ِ‬
‫ر‬ ‫ب ل ِــى َ‬‫هـ َ‬ ‫و َ‬
‫ذى َ‬ ‫مدُ لله ٱل ّـ ِ‬ ‫ح ْ‬‫‪‬ٱ ل ْ َ‬
‫عاء ‪‬‬ ‫ع ٱل د ّ َ‬
‫مي ُ‬ ‫ن َرّبى ل َ َ‬
‫س ِ‬ ‫ق إِ ّ‬
‫حـٰ َ‬ ‫س َ‬
‫وإ ِ ْ‬ ‫عي َ‬
‫ل َ‬ ‫مـٰ ِ‬‫س َ‬‫إِ ْ‬
‫‪.((39‬‬
‫فكان دعاؤه الرائع ورجاؤه إلى الله أن يتم عليه‬
‫نعمة الولد بنعمة أعظم منها وأجل‪ :‬أن يحفييظ اللييه‬
‫دينه ودين ذريته بالصلة‪:‬‬
‫مـــن‬ ‫و ِ‬
‫ة َ‬ ‫صـــل ٰو ِ‬ ‫م ٱل ّ‬ ‫قيـــ َ‬ ‫م ِ‬‫عل ْن ِـــى ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ب ٱ ْ‬ ‫‪ّ ‬‬‫َر‬
‫فـْر ل ِــى‬‫غ ِ‬‫عــاء ‪َ ‬رب ّن َــا ٱ ْ‬‫ل دُ َ‬ ‫قب ّـ ْ‬‫وت َ َ‬
‫ذُّري َت ِــى َرب ّن َــا َ‬
‫ب‪‬‬ ‫ســا ُ‬‫ح َ‬ ‫م ٱل ْ ِ‬
‫قــو ُ‬ ‫م يَ ُ‬‫و َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬ ‫ول ِل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ى َ‬‫وال ِدَ ّ‬‫ول ِ َ‬
‫َ‬
‫‪.((40 – 41‬‬
‫وانظر لهذا الحنان من أبينا إبراهيييم‪ ،‬وهييو يييدعو‬
‫لنا ولولدنا أن يثبتوا على الصلة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫) َ‬
‫ب(‬
‫ذا ُ‬ ‫م ٱل ْ َ‬
‫ع َ‬ ‫ه ُ‬
‫م ي َأِتي ِ‬
‫و َ‬
‫س يَ ْ‬
‫ر ٱلّنا َ‬
‫ذ ِ‬
‫وأن ِ‬
‫َ‬
‫وبعد ذلك تختتم السورة بأشد آيات القرآن علييى‬
‫ن ٱللــه‬ ‫سب َ ّ‬‫ح َ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫الظالمين والبعيدين عن الله ‪َ ‬‬
‫م‬‫ه ْ‬
‫خُر ُ‬‫ؤ ّ‬‫مــا ي ُـ َ‬
‫ن إ ِن ّ َ‬‫مو َ‬ ‫ل ٱلظّ ٰــل ِ ُ‬ ‫مـ ُ‬
‫ع َ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫ع ّ‬‫فل ً َ‬ ‫غ ٰـ ِ‬‫َ‬
‫ن‬
‫عيـــ َ‬‫هط ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ص ٰــــُر ‪ُ ‬‬ ‫ه ٱ لب ْ َ‬ ‫فيـــ ِ‬
‫ص ِ‬‫خ ُ‬ ‫شـــ َ‬‫وم ٍ ت َ ْ‬
‫ل ِي َـــ ْ‬
‫‪281‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫م‬‫هــ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م طَْر ُ‬ ‫هــ ْ‬ ‫َ‬


‫م ل َ ي َْرَتــدّ إ ِلي ْ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ســ ِ‬‫عــى ُرءو ِ‬ ‫قن ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫ه ُ‬‫م َيــأِتي ِ‬ ‫و َ‬‫س َيــ ْ‬ ‫ر ٱلّنــا َ‬ ‫ذ ِ‬‫وأن ِ‬ ‫واء ‪َ ‬‬ ‫ه َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫فئ ِدَت ُ ُ‬ ‫َ‬
‫خْرن َــا‬ ‫َ‬
‫مــوا َرب ّن َــا أ ّ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫في َ ُ‬
‫ب َ‬ ‫ع َ‬ ‫ْ‬
‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬‫ل ٱلــ ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ٱل َ‬
‫ســ َ‬
‫ل‬ ‫وت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫إ َ ٰ َ‬
‫ع ٱلّر ُ‬ ‫ون َت ّب ِ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ع َ‬
‫ب دَ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ب نّ ِ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ق ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫لى أ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مــن‬ ‫م ّ‬ ‫مــا ل َك ُـ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ْـ ُ‬ ‫من َ‬ ‫م ّ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫س ْ‬‫ق َ‬ ‫كوُنوا ْ أ ْ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫أ َ‬
‫ل‪.( (42-44‬‬ ‫وا ٍ‬ ‫َز َ‬
‫هل بعد هذا من نقمة ومهانة وذل؟‬
‫إن أعظم نعمة في الوجود هي أن تنجو من هييذا‬
‫الموقف‪ ،‬وأسوأ نقمة في الوجود أن تكون مييع ميين‬
‫ذ‬
‫مئ ِ ٍ‬
‫و َ‬‫ن يَـ ْ‬‫مي ـ َ‬ ‫ر ِ‬
‫ج ِ‬
‫م ْ‬ ‫وت َ ـَرى ٱل ْ ُ‬ ‫قييال اللييه فيهييم‪َ  :‬‬
‫مــن‬ ‫هم ّ‬ ‫ســَراِبيل ُ ُ‬ ‫فاِد ‪َ ‬‬ ‫صــ َ‬‫فــى ٱل ْ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م َ‬
‫قّرِنيــ َ‬ ‫ّ‬
‫م ٱلّناُر‪...( (49 – 50‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ُ‬
‫جو َ‬ ‫و ُ‬‫شى ُ‬ ‫غ َ ٰ‬
‫وت َ ْ‬
‫ن َ‬‫قطَِرا ٍ‬ ‫َ‬
‫هذه سورة إبراهيم‪ ،‬سورة نعمة اليمييان ونقميية‬
‫الكفر‪ ،‬سميت باسييم سيييدنا إبراهيييم كنمييوذج لميين‬
‫دى حييق شييكرها‪ .‬ميين‬ ‫استشعر نعمة الله الكاملة وأ ّ‬
‫فضلك اقييرأ هييذه السييورة واشييكر ربنييا علييى هييذه‬
‫النعمة العظيمة‪ ،‬لن شكرك له سيرقيك في مراتب‬
‫م‪.( (7‬‬ ‫زيدَن ّك ُ ْ‬ ‫مل ِ‬ ‫شك َْرت ُ ْ‬‫اليمان ‪‬ل َِئن َ‬
‫الحجر‬

‫سو‬ ‫سورة الحجر )مكية(‪ ،‬نزلييت بعييد يوسييف‪ .‬وهييي‬


‫رة‬ ‫في المصحف بعد سورة إبراهيم‪ .‬عدد آياتها ‪ 99‬آية‪.‬‬
‫الحجر‬ ‫للدعاة فقط‬
‫نزلت هذه السورة فييي وقييت اشييتدت فيييه كييل‬
‫أنييواع اليييذاء للنييبي ‪ ‬والمسييلمين‪ .‬أنزلييت فييي‬
‫ظرف شبيه بظروفنييا المعاصييرة‪ ،‬حيييث كييان جميييع‬
‫الناس ينظرون إلى السييلم نظييرة اتهييام وتشييكيك‬
‫واستهزاء‪.‬‬
‫والستهزاء قد يكون فييي بعييض الحيييان أصييعب‬
‫على النفس من اليذاء البدني‪ .‬أن تجييد ميين حولييك‬
‫متفوقا ً في القوة والعدد‪ ،‬يستهزئ بك مع يقينك أنك‬
‫علييى حييق‪ .‬إنييه أميير قيياس علييى النفييس البشييرية‪.‬‬
‫فأنزلت سورة الحجر لتطمئن النبي وكل أتباعه فيي‬
‫كيييل العصيييور‪ ،‬وتقيييول لهيييم‪ :‬ل تخيييافوا‪ ،‬فيييأنتم‬
‫محفوظييون‪ ،‬واللييه سييبحانه وتعييالى سيييحفظ دينييه‬
‫فتوكلوا عليييه ول تنبهييروا بقييوة أعييدائكم واسييتمروا‬
‫في الدعوة إلى الله‪...‬‬
‫إنها سورة للدعاة‪ ،‬سييورة للييذين يحبييون السييلم‬
‫‪282‬‬
‫‪283‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وينتمون إليه‪ ...‬إنهييا سييورة الحفييظ والعناييية الربانييية‬


‫للدعاة الذين يسخر النيياس منهييم لتمسييكهم بتعيياليم‬
‫دينهم‪ ،‬وسورة الحفظ للفتاة التي يسخر البعييض ميين‬
‫حجابها‪ .‬فتقول لهم‪ :‬توكلوا على الله ول تنبهروا بقييوة‬
‫أعدائكم‪ ،‬واستمروا في الدعوة إلى اللييه والخييذ بيييد‬
‫الناس إلى السلم‪.‬‬
‫هدف السورة‬
‫إذا ً فهدف السورة صيار واضيحًا‪ :‬إن الليه حيافظ‬
‫دينيييييييييه وناصيييييييييره‪ ،‬فل تنبهييييييييير أيهيييييييييا‬

‫المسييلم ميين أي حضييارة أخييرى‪ ،‬ول تلتفييت إلييى‬


‫استهزاء الخرين وتشكيكهم بل ركييز جهييودك علييى‬
‫الدعوة إلى الله وعبادته‪ .‬إنها رسالة طمأنية وتثييبيت‬
‫لكل ميين يخيياف عليى السييلم فيي الوضييع الحييالي‬
‫الذي نمر به نحن اليوم‪..‬‬
‫وهذه المعيياني واضييحة فييي آيييات السييورة منييذ‬
‫بدايتها حتى نهايتها‪:‬‬
‫عــوا ْ‬ ‫ْ‬
‫مت ّ ُ‬
‫وي َت َ َ‬‫م ي َأك ُُلوا ْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ففي بداية السورة‪ :‬ذَْر ُ‬
‫َ‬
‫ن‪.( (3‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ف يَ ْ‬‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫ف َ‬‫ل َ‬‫م ُ‬‫م ٱل َ‬ ‫ه ُ‬‫ه ِ‬
‫َ ْ‬
‫وي ُل ِ‬
‫ق‬
‫ضــي ُ‬ ‫ك يَ ِ‬ ‫م أ َّنــ َ‬ ‫عَلــ ُ‬ ‫قــدْ ن َ ْ‬ ‫ول َ َ‬‫وفييي ختامهييا‪َ  :‬‬
‫ن‬ ‫و ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫د َرّبــ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫قوُلو َ‬‫ما ي َ ُ‬
‫ك بِ َ‬‫صدُْر َ‬ ‫َ‬
‫‪.(‬‬ ‫ن‪(98‬‬
‫دي َ‬
‫ج ِ‬
‫س ٰـ ِ‬
‫ٱل ّ‬ ‫ن‬
‫م َ‬
‫ّ‬
‫فاليات تؤكد عليك أيهييا المييؤمن أل تنبهيير بقييوة‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪284‬‬

‫الغييير‪ ،‬وأن ترك ّييز علييى دينييك وعبادتييك ميين تسييبيح‬


‫وسييجود وعبييادة وتثبييت عليهييا حييتى آخيير حياتييك‬
‫ن‪.( (99‬‬‫قي ُ‬ ‫تى ي َأ ْت ِي َ َ‬
‫ك ٱل ْي َ ِ‬ ‫ح ّ ٰ‬ ‫عب ُدْ َرب ّ َ‬
‫ك َ‬ ‫وٱ ْ‬
‫‪َ ‬‬
‫آيات الحفظ في السورة‬
‫والسورة تشييير إلييى حفييظ اللييه لمييور عديييدة‪،‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫وإ ِّنا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ن َّزل َْنا ٱلذّك َْر َ‬
‫ح ُ‬
‫‪ .1‬حفظ القرآن‪ :‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫ن‪ ( (9‬هل نسيت أن الكتاب الذي هو‬ ‫ف ُ‬
‫ظو َ‬ ‫لَ َ‬
‫ح ٰـ ِ‬
‫دستور حياتك محفوظ؟ فالذي حفظ هذا الكتيياب‬
‫هو القادر على حفظ دينه ودعاته‪.‬‬
‫‪ .2‬حفظ السماوات‪ ،‬فقد حفظها الله من الشياطين‬
‫فــى‬ ‫عل ْن َــا ِ‬ ‫ج َ‬‫قـدْ َ‬ ‫ول َ َ‬‫وجعلهييا متعيية للنيياظرين‪َ  :‬‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫ها ِللن ّ ٰــــظِ ِ‬ ‫وَزي ّن ّ ٰــــ َ‬ ‫جـــا َ‬ ‫ماء ب ُُرو ً‬ ‫ســـ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ن‬ ‫جيم ٍ ‪ ‬إ ِل ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫فظْن َ ٰـ َ‬
‫مــ ِ‬ ‫ن ّر ِ‬ ‫شي ْط ٰـ ٍ‬ ‫ها ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬
‫مِبيـ ٌ‬ ‫ب ّ‬ ‫ها ٌ‬ ‫شـ َ‬‫ه ِ‬ ‫ع ُ‬
‫فـأت ْب َ َ‬ ‫م َ‬ ‫سـ ْ‬ ‫ست ََرقَ ٱل ّ‬ ‫ٱ ْ‬
‫‪...((16-18‬‬
‫قي َْنــا‬ ‫وأ َل ْ َ‬‫ها َ‬ ‫مدَدْن َ ٰـــ َ‬ ‫ض َ‬ ‫‪‬ٱلْر َ‬
‫َ‬ ‫و‬
‫‪ .3‬حفييظ الرض‪َ :‬‬
‫ىء‬ ‫ل َ‬ ‫مــن ك ُـ ّ‬ ‫َ‬
‫شـ ْ‬ ‫هــا ِ‬ ‫في َ‬‫وأن ْب َت َْنا ِ‬ ‫ي َ‬‫س َ‬ ‫ها َر ٰو ِ‬ ‫في َ‬‫ِ‬
‫ن‪ .( (19‬فإذا كييانت السييماوات والرض‬ ‫وُزو ٍ‬‫م ْ‬‫ّ‬
‫محفوظة لهذه الدرجة‪ ،‬فما ظنييك أخييي المسييلم‬
‫في حفظ الله لكتابه ودينه؟‬
‫وأ َل ْ َ‬
‫قي ْن َــا‬ ‫ها َ‬ ‫مدَدْن َ ٰـ ـ َ‬
‫ض َ‬
‫َ‬
‫‪‬ٱلْر َ‬ ‫و‬
‫‪ .4‬حفييظ الرزاق‪َ :‬‬
‫ىء‬ ‫شـ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مــن ك ُـ ّ‬ ‫هــا ِ‬ ‫وأ َن ْب َت َْنا ِ‬
‫في َ‬ ‫ي َ‬
‫س َ‬
‫ها َر ٰو ِ‬‫في َ‬‫ِ‬
‫‪285‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫مـن‬ ‫و َ‬‫ش َ‬‫ع ٰــي ِ َ‬ ‫م َ‬‫هــا َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫كـ ْ‬‫عل ْن َــا ل َ ُ‬


‫ج َ‬‫و َ‬‫ن ‪َ‬‬‫وُزو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫عندََنا‬‫ىء إ ِل ّ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫وِإن ّ‬ ‫ن ‪َ ‬‬ ‫قي َ‬ ‫ز ِ‬ ‫ه ب ِ ٰر ِ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬‫لّ ْ‬
‫عل ُــوم ٍ‪ (19-‬‬ ‫م ْ‬
‫ر ّ‬ ‫ق ـدَ ٍ‬‫ه إ ِل ّ ب ِ َ‬‫مــا ن ُن َّزل ُـ ُ‬‫و َ‬‫ه َ‬ ‫خَزائ ِن ُ ُ‬ ‫َ‬
‫‪ ..(21‬فيييالقرآن محفيييوظ والسيييماء محفوظييية‬
‫والمؤمنون محفوظون‪...‬‬
‫عَبــاِدى‬ ‫‪ .5‬حفظ المؤمنين من كيد الشيطان ‪‬إ ِ ّ‬
‫ن ِ‬
‫عـ َ‬
‫ك‬ ‫ن ٱت ّب َ َ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ك َ َ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫مـ ِ‬ ‫طـ ـٰ ٌ‬ ‫م ُ‬
‫هـ ْ‬
‫علي ْ ِ‬
‫ن‪.( (42‬‬‫وي َ‬ ‫غا ِ‬‫ن ٱل ْ َ‬‫م َ‬‫ِ‬
‫شرت المؤمنين بالجنيية‬ ‫‪ .6‬واللطيف أن اليات التي ب ّ‬
‫ذكرت أيضا ً معنى الحفظ‪:‬‬
‫ن ‪ (46)... ‬ل َ‬ ‫مِنيــ َ‬‫ســلم ٍ ءا ِ‬‫هــا ب ِ َ‬‫خُلو َ‬‫‪‬ٱ دْ ُ‬
‫ن‬‫جيــ َ‬
‫خَر ِ‬
‫م ْ‬
‫هــا ب ِ ُ‬‫من ْ َ‬
‫م ّ‬‫ه ْ‬‫ما ُ‬‫و َ‬
‫ب َ‬‫ص ٌ‬‫ها ن َ َ‬‫في َ‬
‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫س ُ‬
‫م ّ‬
‫يَ َ‬
‫‪.( (48‬‬
‫فييأنت أيهييا المييؤمن محفييوظ مييع كتيياب اللييه‬
‫والسماوات والرزاق‪ ..‬بييل إن اللييه حفييظ هييذا كلييه‬
‫لنفعك وصلح أمرك وقلبك‪.‬‬
‫إبليس وآدم‬
‫كما ذكرنا في سور سابقة‪ ،‬فإن كييل سييورة فييي‬
‫القرآن تأتي قصصها لتخييدم هييدف السييورة‪ .‬وقصيية‬
‫آدم وإبليييس تنطبييق عليهييا نفييس القاعييدة‪ .‬ففييي‬
‫القرآن عموم يا ً ترك ّييز هييذه القصيية علييى سيييدنا آدم‬
‫عليه السلم‪ .‬لكن سورة الحجر ليم تيأت عليى ذكير‬
‫كزت على إبليييس نفسييه فهييو يقييول كمييا‬ ‫آدم‪ ،‬بل ر ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪286‬‬

‫ل رب َ َ‬
‫وم ِ‬ ‫ف ـأنظِْرِنى إ ِل َـ ٰى ي َـ ْ‬ ‫ـا َ َ ّ‬ ‫قـ‪‬‬‫ذكيير تعييالى‪َ :‬‬
‫وم ِ‬ ‫نإ ِ ‪‬ل َ ٰى ي َ ْ‬
‫ري َ‬ ‫منظَ ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫فإ ِن ّ َ‬
‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن‪َ ‬‬‫عُثو َ‬ ‫ي ُب ْ َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫وي َن ّ ُ‬ ‫ك لَ ْ‬
‫غـ ِ‬ ‫عّزِتـ َ‬ ‫فب ِ ِ‬‫ل َ‬ ‫قــا َ‬ ‫عل ُــوم ِ ‪َ ‬‬ ‫م ْ‬‫ت ٱل ْ َ‬‫ق ِ‬‫و ْ‬‫ٱل ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‪ (36-‬‬ ‫خل َ ِ‬
‫صــي َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ٱل ْ ُ‬ ‫هـ ُ‬‫من ْ ُ‬‫ك ِ‬ ‫عَبادَ َ‬ ‫ن ‪ ‬إ ِل ّ ِ‬
‫عي َ‬ ‫م ِ‬‫ج َ‬ ‫أ ْ‬
‫‪...(40‬‬
‫لحظ الطريقة الساسييية الييتي سيييتبعها إبليييس‬
‫في الغواء‪ :‬تزيييين الباطييل فييي الرض عيين طريييق‬
‫إبهار الناس‪ .‬فالبهييار يغي ّيير الحييق ويقلييب المفيياهيم‬
‫وش على الكثير من ضعاف القلوب‪ .‬لكن عبيياد‬ ‫ويش ّ‬
‫الله المخلصين محفوظييون بييإذن اللييه‪ ،‬فيييأتي الييرد‬
‫على عدو الله‪:‬‬
‫ن‬‫م ‪ ‬إِ ّ‬
‫قي ٌ‬ ‫ســت َ ِ‬
‫م ْ‬‫ى ُ‬‫عَلــ ّ‬
‫ط َ‬‫صــ ٰر ٌ‬ ‫ذا ِ‬ ‫هــ َ‬‫ل َ‬ ‫قــا َ‬ ‫َ‬
‫‪‬‬
‫ن‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬
‫مــ ِ‬ ‫سل ْطَ ٰـــ ٌ‬‫م ُ‬‫هــ ْ‬ ‫ك َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫س َلــ َ‬ ‫عَبــاِدى ل َْيــ َ‬ ‫ِ‬
‫ن‪.( (41 - 42‬‬ ‫وي َ‬ ‫غا ِ‬‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ٱت ّب َ َ‬
‫إن هييذه السييورة هييي سييورة الحفييظ‪ ،‬فييأنت‬
‫محفوظ أيها النسان‪ ،‬والقرآن محفوظ كما حفظييت‬
‫السيييماوات مييين قبيييل‪ ،‬والرزاق محفوظييية فليييم‬
‫الخوف‪..‬؟ إن هذه السورة قد أنزلت في ذروة إيذاء‬
‫المشييركين للمسييلمين فييي مكيية‪ ،‬لتطمئن النييبي‬
‫وأصحابه أنهم محفوظون‪ ،‬والن تطمئن كل الييدعاة‬
‫إلى الله أنهم أيض يا ً محفوظييون‪ ...‬أنتييم محفوظييون‬
‫عب َــاِدى ل َي ْـ َ‬
‫س‬ ‫ن ِ‬‫طالما كنتم على صلة بربكييم ‪‬إ ِ ّ‬
‫ن ‪ ...‬اللييه تعييالى هييو الييذي‬ ‫سل ْطَ ٰــ ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫هـ ْ‬‫علي ْ ِ‬
‫ك َ َ‬ ‫لَ َ‬
‫يقول هذا‪ ...‬وانظر إلى لطف الية وهو يييدافع عنييك‬
‫‪287‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫أمام عدوك‪ ،‬واستشييعر بييالفخر كونييك تنييدرج تحييت‬


‫ن‬
‫وي َ‬
‫غا ِ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ع َ‬
‫ن ٱت ّب َ َ‬ ‫م ِ‬‫كلمة "عبادي" ‪ ..‬إ ِل ّ َ‬
‫‪ ‬أميييا الغييياوون‪ ،‬فهيييم اليييذين اختييياروا طرييييق‬
‫الشيطان‪ ،‬وهم محرومون من هذا الحفييظ الربيياني‪.‬‬
‫هييذه الحقييائق كلهييا يعلمهييا إبليييس‪ ،‬فهييو أمييام رب‬
‫ن ‪.‬‬ ‫صي َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫م ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫عَبادَ َ‬ ‫العزة يقول‪ :‬إ ِل ّ ِ‬
‫فطالما أننا محفوظييون‪ ،‬والحفييظ مضييمون ميين‬
‫الله تعالى‪ ،‬فلم الخوف؟؟‪...‬‬
‫أصحاب الحجر‬
‫وهنا يأتي سييؤال‪ :‬مييا سييبب تسييمية السييورة بيي‬
‫)الحجر(؟‬
‫إن الحجر هييو المكييان الييذي سييكنت فيييه قبيليية‬
‫ثمود )قييوم صييالح عليييه السييلم(‪ ،‬فمييا علقيية ذلييك‬
‫بالحفظ؟‬
‫ذبوا بآيييات اللييه ورفضييوا‬ ‫إن أصييحاب الحجيير ك ي ّ‬
‫طريق اليمان‪ ،‬فشييعروا بييأن اللييه تعييالى قييد ينييزل‬
‫عليهم عقابا ً أو عذابًا‪ ،‬فبحثوا عن مكان يشعرون بييه‬
‫صييلوا إلييى‬ ‫بالمييان فلييم يجييدوا إل الحجيير‪ .‬ولقييد تو ّ‬
‫مدنييية رائعيية وحضييارة راقييية جعلتهييم ينحتييون ميين‬
‫ب‬ ‫كـذّ َ‬‫قـدْ َ‬ ‫ول َ َ‬
‫الجبال بيوتا ً آمنين‪ ...‬تقييول اليييات ‪َ ‬‬
‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬‫وءات َي ْن َ ٰــــ ُ‬ ‫ن َ‪‬‬
‫ســـِلي َ‬
‫مْر َ‬ ‫ر ٱل ْ ُ‬ ‫جـــ ِ‬ ‫ح ْ‬
‫ب ٱل ِ‬ ‫حــــٰ ُ‬‫ص َ‬‫أ ْ‬
‫ن‬
‫حُتو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َن ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ن ‪َ ‬‬
‫ضي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ع ِ‬‫م ْ‬ ‫ها ُ‬ ‫كاُنوا ْ َ‬
‫عن ْ َ‬ ‫ف َ‬‫ءاي َ ٰـت َِنا َ‬
‫ن‪ ( (80 - 82‬لقد ظنييوا‬ ‫مِني َ‬ ‫ل ب ُُيوًتا ءا ِ‬‫جَبا ِ‬ ‫ن ٱل ْ ِ‬‫م َ‬ ‫ِ‬
‫أنهم إن سكنوا داخل الجبال سينجون ميين العييذاب‪،‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪288‬‬

‫فصاروا ينحتييون فييي الجبييال بيوت يا ً ليضييمنوا النجيياة‬


‫بعيدا ً عن الفيضييانات وتقلبييات الطبيعيية‪ ،‬فمييا الييذي‬
‫حصل لهم؟‬
‫ن‪( (83‬‬ ‫حي َ‬‫صـــب ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫ة ُ‬‫ح ُ‬
‫صـــي ْ َ‬
‫م ٱل ّ‬
‫ه ُ‬ ‫فأ َ َ‬
‫خـــذَت ْ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫فالصيحة ل يحمي منها جدار ول جبل ول غييير ذلييك‪،‬‬
‫ولقد جيياءتهم مصييبحين أي فييي الصييباح )لنييه رمييز‬
‫المان فالليل يوحي دائما ً بييالخوف(‪ ،‬وكييأن المعنييى‬
‫بييأنه ل حفييظ لييك أيهييا النسييان إل ميين عنييد اللييه‬
‫تعالى‪...‬‬
‫فل تنبهر بهم )ولذلك ذكر الله قدرته في الكييون‬
‫في أول السييورة( وكييانت طريقيية عييذابهم متفييردة‬
‫بين المم‪ :‬صيييحة )أي صييوتا ً رهيبيًا( ل يحييول دونهييا‬
‫حافظ من حائط أو ريح أو ماء أو حجارة‪.‬‬
‫لييذلك سييميت السييورة بييالحجر كرمييز لقييوة‬
‫الحضييارات الخييرى‪ ،‬لنحييذر ميين النبهييار بييالخرين‬
‫ولتؤكد أنه ل حافظ إل الله‪.‬‬
‫قصة لوط عليه السلم‬
‫وتأكيدا ً لهذه المعاني تأتي قصيية لييوط بإشييارات‬
‫واضحة‪ :‬فإن قييوم لييوط جيياءهم العييذاب وهييم فييي‬
‫فــى‬ ‫م لَ ِ‬‫هــ ْ‬‫ك إ ِن ّ ُ‬ ‫م ـُر َ‬ ‫أعلييى درجييات الشييهوة ‪‬ل َ َ‬
‫ع ْ‬
‫ن‪ ،( (72‬كما أن العييذاب أتيياهم‬ ‫هو َ‬ ‫م ُ‬
‫ع َ‬‫م يَ ْ‬‫ه ْ‬‫سك َْرت ِ ِ‬‫َ‬
‫َ‬
‫داب ِـَر‬‫ن َ‬‫م ـَر أ ّ‬ ‫ك ٱل ْ ْ‬ ‫ه ذَل ِـ َ‬‫ضـي َْنآ إ ِل َي ْـ ِ‬ ‫ق َ‬‫و َ‬ ‫صييباحا ً ‪َ ‬‬
‫م‬‫ه ُ‬ ‫فأ َ َ‬
‫خ ـذَت ْ ُ‬ ‫ن ‪َ  (66)... ‬‬ ‫حي َ‬‫صب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫طو ٌ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬‫لء َ‬ ‫ؤ ْ‬ ‫هـ ُ‬‫َ‬
‫‪289‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪.(‬‬ ‫ن‪(73‬‬
‫قي َ‬
‫ر ِ‬ ‫م ْ‬
‫ش ِ‬ ‫ُ‬ ‫ة‬
‫ح ُ‬
‫صي ْ َ‬
‫ٱل ّ‬
‫توجيهات للدعاة في كل زمان‬
‫بعييد أن استشييعر قييارئ السييورة مييدى الحفييظ‬
‫الرباني وأهميته وعدم نفع كل ما سواه‪ ،‬تأتي نصائح‬
‫مهمة للدعاة إلى الله للتعقيب على قصص السورة‬
‫ولتحقيق هدفها‪:‬‬
‫مث َـــاِني‬ ‫ن ٱل ْ َ‬‫مـــ َ‬‫عا ّ‬
‫ســـب ْ ً‬
‫ك َ‬ ‫قـــدْ ءات َي َْنــــٰ َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫‪َ  .1‬‬
‫م‪ ( (87‬في مقابل كل مييا‬ ‫ظي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫قْرءا َ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫أوتي الخرون من قوة ومظاهر مادية‪ ،‬آتيياك اللييه‬
‫سورة الفاتحة والقرآن العظيم )هل تذكر سييورة‬
‫سك بما‬ ‫الفاتحة وعظمتها ومعانيها الرائعة؟(‪ ،‬فتم ّ‬
‫آتاك الله واعتز به ول تمد ّ عينيك إلييى مييا سييواه‪،‬‬
‫لذلك تأتي الية التالية‪:‬‬
‫ك إل َ ٰى ما مت ّعن َــا ب ـ َ‬
‫جــا‬
‫وا ً‬‫ه أْز َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫عي ْن َي ْ َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مدّ ّ‬ ‫‪ ‬تَ ُ‬ ‫‪ .2‬ل َ‬
‫حـ َ‬
‫ك‬ ‫جَنا َ‬‫ض َ‬ ‫فـ ْ‬ ‫خ ِ‬
‫وٱ ْ‬‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ن َ َ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫حَز ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن‪.( (88‬‬ ‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫فل تنبهر أخي المسلم بمتاع الدنيا الذي تراه عند‬
‫الحضييارات الخييرى‪ ،‬واعييتّز بإسييلمك وتواضييع‬
‫ور‬
‫لخوانييك‪ .‬ل تغّرنييك تكنولوجييية الغييرب ول تطي ّ‬
‫عمرانه‪ ،‬فإن القاعدة الربانية الييتي طّبقييت علييى‬
‫أصحاب الحجر تنطبق عليهييم أيض يًا‪ ،‬وهييي أنييه ل‬
‫حافظ إل الله‪.‬‬
‫ن‬
‫عـــ ِ‬
‫ض َ‬‫ر ْ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫عـــ ِ‬ ‫مُر َ‬ ‫مـــا ُتـــ ْ‬
‫ؤ َ‬ ‫ع بِ َ‬
‫صـــدَ ْ‬ ‫‪َ  .3‬‬
‫فٱ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪290‬‬

‫ن‪ .( (94‬اجهر بالدعوة رغم كييل مييا‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬


‫قد تتعّرض له لن الليه تعيالى هيو الحيافظ‪ .‬هيذه‬
‫الية كانت مرحلية النتقيال بيين اليدعوة السيرية‬
‫والجهيير بالييدعوة فييي حييياة النييبي ‪ .‬وكييان‬
‫الصحابة يشييعرون بصييعوبة الميير‪ ،‬فجيياءت الييية‬
‫ليطمئنييوا بييأنهم محفوظييون رغييم السييتهزاء‪...‬‬
‫ن‬ ‫عـــ ِ‬‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫عـــ ِ‬‫وأ َ ْ‬
‫مُر َ‬ ‫مـــا ُتـــ ْ‬
‫ؤ َ‬ ‫ع بِ َ‬‫صـــدَ ْ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‪‬‬ ‫زءي َ‬ ‫ه ِ‬‫س ـت َ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ك ٱل ْ ُ‬ ‫ن ‪ ‬إ ِّنا ك َ َ‬
‫في َْنـ ـٰ َ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫‪..((94 - 95‬‬
‫مــا‬‫ك بِ َ‬ ‫صــدُْر َ‬ ‫ق َ‬ ‫ضــي ُ‬ ‫ك يَ ِ‬ ‫م أ َّنــ َ‬ ‫عَلــ ُ‬ ‫قــدْ ن َ ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫‪َ  .4‬‬
‫ن‬
‫مــ َ‬ ‫ن ّ‬ ‫كــ ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ك َ‬ ‫د َرّبــ َ‬‫مــ ِ‬ ‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬ ‫ســب ّ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫قوُلــو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ك‬‫حّتــ ٰى ي َأ ْت َِيــ َ‬ ‫ك َ‬ ‫عُبــدْ َرّبــ َ‬ ‫و ‪‬ٱ ْ‬‫نَ‬
‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ٰـــ ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ن ‪ .( (97 - 99‬فالستهزاء مزعج‪ ،‬ورغم أن‬ ‫قي ُ‬ ‫ٱل ْي َ ِ‬
‫المسلم مقتنع بحفظ الله‪ ،‬لكنه قد يمل ويتشييتت‬
‫دم الية علجيا ً للمشييكلة‪،‬‬ ‫من أقوال الخرين‪ ،‬فتق ّ‬
‫يشكل ختاما ً رائعا ً لسييورة الحفييظ )كييأنه تطييبيق‬
‫عملي لتستشيعر بيالحفظ الربياني(‪ :‬تسيبيح الليه‬
‫تعالى وعبادته حتى الممات )واليقين هو المييوت(‬
‫لنييك محفييوظ‪ ،‬ودع المسييتهزئين يقولييون مييا‬
‫يشاءون‪ ،‬فييإن مصيييرهم ليين يختلييف عيين مصييير‬
‫أصحاب الحجر‪.‬‬
‫اهتم بييدينك أيهييا المسييلم‪ ،‬وأصييلح نفسييك وادع‬
‫غيرك إلى الله‪ ،‬تنعم بحفظ الله ورعايته فييي الييدنيا‬
‫وتفز بالجنة في الخرة‪.‬‬
‫النحل‬

‫سو‬ ‫سورة النحل )مكية( نزلت بعد الكهف‪ ،‬وهي في‬


‫رة‬ ‫المصحف بعييد سييورة الحجيير‪ .‬عييدد آياتهييا ‪ 128‬آييية‪،‬‬
‫النحل‬ ‫وهي باتفاق الكثير من العلماء‪ :‬سورة النعم‪.‬‬
‫أذكرها‪ ...‬واشكرها‪..‬‬
‫لو أحضر أحدنا ورقة وقلما ً وظل يكتب نعم اللييه‬
‫عليه‪ ،‬ثم قرأ سورة النحل‪ ،‬فسيجد كل ما كتبييه ميين‬
‫نعم‪ ...‬وإذا قيرأ السييورة ودّون فيي الورقيية كيل مييا‬
‫يصادفه في آياتهييا ميين نعييم‪ ،‬سيييرى أن هييذه النعييم‬
‫تشمل كل ما قد يخطر على باله‪...‬‬
‫فهي سورة النعم‪ .‬تخيياطب قارئهييا قائليية‪ :‬أنظيير‬
‫لنعم الله تعييالى فييي الكييون! ميين النعييم الساسيّية‬
‫)ضرورّيات الحياة(‪ ،‬إلييى النعييم الخفي ّيية الييتي يغفييل‬
‫عنها المرء وينساها وحتى الييتي يجهلهييا‪ ..‬كييل أنييواع‬
‫النعم‪ ،‬وبعد عرض كل مجموعة من النعم تييأتي آييية‬
‫مــن‬ ‫كم ّ‬ ‫ما ب ِ ُ‬ ‫و َ‬‫فاصلة‪ ،‬تذكيرا ً بأن المنعم هو الله ‪َ ‬‬
‫ة‬
‫مـ َ‬ ‫دوا ْ ن ِ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ع ّ‬ ‫ن ٱلله ‪ ،( (53‬أو ‪َ ‬‬
‫وِإن ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ف ِ‬‫ة َ‬
‫م ٍ‬
‫ع َ‬
‫نّ ْ‬
‫ها‪ ،( (18‬وهناك آيات عديييدة فييي‬ ‫صو َ‬‫ح ُ‬ ‫ٱلله ل َ ت ُ ْ‬
‫ذر‬‫السورة تفصل بييين مقيياطع النعييم المختلفيية لتحي ّ‬
‫‪291‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪292‬‬

‫من سوء استخدام النعمة بأن تستعمل فييي معصييية‬


‫ث المييرء علييى شييكر نعييم‬
‫الله تعالى‪ ،‬وبالمقابل تح ّ‬
‫الله تعالى عليه وتوظيفها فيما خلقت له‪..‬‬
‫سورة إبراهيم وسورة النحل‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬إن سورة إبراهيييم تحييدثت عيين‬
‫نعم الله‪ ،‬فما علقتها بسورة النحل؟‬
‫كزت علييى نعميية واحييدة فقييط‪:‬‬ ‫سورة إبراهيم ر ّ‬
‫اليمييييييييييييان )وكييييييييييييان محورهييييييييييييا أن‬

‫نعمة اليمان أهم نعمية مين نعيم الليه(‪ .‬أميا سيورة‬


‫النحل‪ ،‬فقد اشتملت على نعم الله كلها‪ ،‬من أبسييط‬
‫أمييور الحييياة إلييى أهييم نعميية والييتي هييي اليمييان‬
‫والوحي‪ ،‬لييذلك بييدأت السييورة بنفييس النعميية الييتي‬
‫ب‬‫بييدأت فيهييا سييورة إبراهيييم‪ :‬الييوحي‪ .‬الر ك ِت َــا ٌ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫م ٰـــ ِ‬ ‫ن ٱلظّل ُ َ‬
‫مــ َ‬
‫س ِ‬‫ج ٱلّنــا َ‬ ‫ر َ‬‫خ ِ‬‫ك ل ِت ُ ْ‬ ‫ه إ ِل َي ْ َ‬‫أنَزل ْن َ ٰـ ُ‬
‫م‪ ( (1...‬وهنييا ‪‬ي ُن َـّز ُ‬
‫ل‬ ‫هـ ْ‬ ‫ن َرب ّ ِ‬‫ر ب ِإ ِذْ ِ‬ ‫إ َِلى ٱلّنو ِ‬
‫َ‬
‫شــآء‬ ‫مــن ي َ َ‬ ‫عل َـ ٰى َ‬
‫ه َ‬‫ر ِ‬
‫م ِ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ح ِ‬ ‫ٱّرو ِ‬
‫ة بِ لْ‬ ‫مل َ ٰـئ ِك َ َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ه‪.( (2‬‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫عرض مستمر‬
‫تبدأ السورة بعرض نعم الله تعالى‪:‬‬
‫• نعمييية اليييوحي وهييي أّول النعيييم فييي السيييورة‬
‫عل َ ـ ٰى‬ ‫َ‬ ‫ة بِ لْ‬
‫مل َ ٰـئ ِك َ َ‬
‫ه َ‬‫ر ِ‬
‫مـ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ح ِ‬ ‫ٱّرو ِ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬‫ز ُ‬‫‪‬‬
‫ي ُن َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫عباد َ‬
‫ه ل إ ِل َ ٰــ َ‬
‫ه‬ ‫ذُروا ْ أن ّـ ُ‬
‫ن أن ْـ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن ِ َ ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شآء ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫َ‬
‫‪293‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ن‪.( (2‬‬ ‫قو ِ‬ ‫ف ٱت ّ ُ‬ ‫ِإل أ َن َا ْ َ‬


‫خل َــــ َ‬
‫ق‬ ‫• نعميييية إيجيييياد السييييماوات والرض ‪َ ‬‬
‫مــا‬ ‫ع ٰـ ـل َ ٰى َ‬ ‫ض ب ِـ ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ع ّ‬ ‫ق تَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫و ٱلْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـ ـ ٰو ِ‬ ‫س َ‬
‫ٱل ّ‬
‫ن‪..( (3‬‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫مــن‬ ‫ن ِ‬ ‫س ٰـ ـ َ‬ ‫ق ٱل ِن ْ َ‬ ‫‪‬ل َـ َ‬ ‫خ‬‫• نعميية خلييق النسييان َ‬
‫ن‪ ..( (4‬فييالروح‬ ‫مِبي ـ ٌ‬ ‫م ّ‬ ‫صي ٌ‬ ‫خ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬‫ذا ُ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن ّطْ َ‬
‫التي بداخلك هي نعميية ميين اللييه‪ ،‬بعييد أن خلقييك‬
‫وأوجدك من العدم‪...‬‬
‫• نعميييية النعييييام للغييييذاء والملبييييس والتنقلت‬
‫ع‬ ‫ف ُ‬ ‫من َ ٰـ ِ‬ ‫و َ‬ ‫فء َ‬ ‫ها ِد ْ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ها ل َك ُ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ٰـ َ‬ ‫‪‬ٱل َن ْ َ‬ ‫و‬
‫َ‬
‫و ٱل ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫خْيـــ َ‬ ‫ن‪ ...( (5‬ثيييم ‪َ ‬‬ ‫هـــا َتـــأك ُُلو َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ق‬‫خل ُ ُ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫زين َ ً‬ ‫و ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ميَر ل ِت َْرك َُبو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫غا َ‬ ‫و ٱل ْب ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ ...( (8‬فهذه الية تشمل وسائل‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ما ل َ ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫النقل في عهد النبي ‪ ،‬وتشير إلى كييل وسييائل‬
‫ما‬ ‫ق َ‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫النقل الحديثة في عالمنا في قوله ‪َ ‬‬
‫ن ‪ ‬فهي تشمل الطائرات والسيارات‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ل َ تَ ْ‬
‫و‪ ...‬وكلها من أجل نعم الله علينا‪.‬‬
‫ذى‬ ‫و ٱل ّ ـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫• نعمة الميياء المن يّزل ميين السييماء ‪ُ ‬‬
‫ب‬ ‫شـَرا ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْـ ُ‬ ‫مــآء ل ّك ُــم ّ‬ ‫ماء َ‬ ‫سـ َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫مـ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫أ َن َْز َ‬
‫ن‪.( (10‬‬ ‫مو َ‬ ‫سي ُ‬ ‫ه تُ ِ‬ ‫في ِ‬ ‫جٌر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫ه ٱلـــّزْر َ‬ ‫م ب ِـــ ِ‬ ‫ت ل َك ُـــ ْ‬ ‫• نعمييية اليييزرع ‪ُ‬ينب ِـــ ُ‬
‫ل‬ ‫مــن ك ُـ ّ‬ ‫و ِ‬ ‫ب َ‬ ‫عن َ ٰـ َ‬ ‫و ٱل َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خي َ‬ ‫و ٱلن ّ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫و ٱلّزي ُْتو َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫كــُرو َ‬ ‫ف ّ‬ ‫وم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ة لّ َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫فى ذَل ِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫م ٰر ِ‬ ‫ٱلث ّ َ‬
‫‪.( (11‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪294‬‬

‫م‬ ‫خَر ل َك ُـ ُ‬ ‫سـ ّ‬ ‫و َ‬ ‫• نعميية تسييخير الكييون للنسييان ‪َ ‬‬


‫مـــَر‬ ‫ق َ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫شـــ ْ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫هـــاَر َ‬ ‫و ٱل ْن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ٱل ّْيـــ َ‬
‫َ‬
‫ك‬‫فــى ذَِلــ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ر ِ‬
‫م ِ‬
‫ت ِبــأ ْ‬ ‫خ ٰر ٌ‬ ‫ســ ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫جــو ُ‬ ‫و ٱل ْن ّ ُ‬‫َ‬
‫ن‪.( (12‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫ع ِ‬‫وم ٍ ي َ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت لّ َ‬ ‫لي َ ٰـ ٍ‬
‫خر لحضرتك حتى‬ ‫إن كل هذا الكون بعظمته مس ّ‬
‫تعيييش وتحقييق أمانيية السييتخلف‪ ...‬فتخّيلييه بييدون‬
‫نعميية التسييخير لحييياة النيياس‪ .‬تخي ّييل الرض بييدون‬
‫أوكسييجين‪ ،‬أو ميين غييير شييمس تعطينييا الضييوء‬
‫والدفء‪...‬‬
‫فــى‬ ‫م ِ‬ ‫كــ ْ‬‫مــا ذََرأ َ ل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫نعميية تجميييل الرض ‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ك لَيــ ً‬ ‫فــى ذَِلــ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه إِ ّ‬‫وان ُ ُ‬ ‫فــا أْلــ َ‬ ‫خت َل ِ ً‬‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ٱل ْر ِ‬
‫ن‪ ..( (13‬إنها نعمة يراها الناس كييل‬ ‫وم ٍ ي َذّك ُّرو َ‬ ‫ق ْ‬ ‫لّ َ‬
‫يوم ولكن للسييف يغفلييون عنهييا‪ .‬لقييد اعتييدنا علييى‬
‫النعييم وألفناهييا‪ ،‬فتييأتي السييورة لتهييز النفييوس ميين‬
‫جديد وتلفت نظرنا إلى آيات الله في الكون‪.‬‬
‫ساعد قلبك‬
‫ان تييذكر النعميية أميير هييام لصييلح القلييب‪ ،‬فييإذا‬
‫أصبت بمرض عدم التدبر في النعم فعليييك أن تتبييع‬
‫الوصفة التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أكتب النعم التي تعرفها بالورقة والقلم‪ ،‬وتييدّبرها‬
‫واستشعرها بقلبك‪.‬‬
‫‪ -‬اجعل لسانك رطبا ً بقولك‪ :‬الحمييد للييه‪ ،‬ولييو فييي‬
‫طريقك‬
‫‪295‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪ -‬تفك ّيير فييي نعييم ربنييا عليييك وأنييت تفتتييح صييلتك‬


‫بسورة الفاتحة‪ ،‬واجعييل لكييل ركعيية نعميية معّينيية‬
‫تتفكر بها وتشكر ربنا عليها‪.‬‬
‫كر النعمة يساعد القلب على شكر المنعم‪،‬‬ ‫ن تذ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫… فالنسان يشكر أقرانه من بني البشر لييل نهيار‪،‬‬
‫فكم مرة يشكر واهب النعم؟ وكم مّرة يقول الحمد‬
‫الله في نفس اليوم!‪..‬‬
‫مزيد من النعم‬
‫وبعد ذلك تحدثنا اليات عن نعم جديدة‪ ،‬يخرجهييا‬
‫رب العالمين من حيث ل نتصور‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫خَر‬ ‫ســ ّ‬ ‫ذى َ‬ ‫و ٱّلــ ِ‬ ‫هــ َ‬ ‫و ُ‬ ‫• نعميية تسييخير البحيير ‪َ ‬‬
‫جوا ْ‬ ‫ْ‬
‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫وت َ ْ‬‫رّيا َ‬ ‫ما طَ ِ‬ ‫ح ً‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫حَر ل ِت َأك ُُلوا ْ ِ‬ ‫ٱل ْب َ ْ‬
‫ها‪ ..( (14..‬فهل يتصور أحييد‬ ‫سون َ َ‬‫ة ت َل ْب َ ُ‬ ‫حل ْي َ ً‬
‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ِ‬
‫ن‬‫أن البحر الهادر المخيف يخرج اللحم الشهي؟ إ ّ‬
‫مشكلة النسان تكمن في أنييه قييد اعتيياد النعميية‬
‫كروا‬ ‫وألفها‪ ...‬فتأتي سورة النحل لتقول للناس تف ّ‬
‫ددوا إحساسكم بهييا‬ ‫في نعم الله تعالى عليكم وج ّ‬
‫وشكركم لله عليها‪...‬‬
‫ض‬ ‫َ‬
‫فــى ٱل ْر ِ‬ ‫ى ِ‬‫قــ ٰ‬ ‫وأ َل ْ َ‬‫• نعميية خلييق الجبييال‪َ ..‬‬
‫َ‬
‫م‪ ( (15..‬فقد جعييل اللييه‬ ‫ميدَ ب ِك ُ ْ‬ ‫ى أن ت َ ِ‬ ‫س َ‬ ‫وا ِ‬ ‫َر َ‬
‫الجبال أوتادا ً لتثبيت الرض من الزلزل كما أثبت‬
‫العلم الحديث‪.‬‬
‫م‬ ‫هـ ْ‬ ‫جم ِ ُ‬ ‫وب ِـ ٱلن ّ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫مٰ ٍ‬ ‫عل ـَ‬ ‫و َ‬‫• نعمة خلق النجوم ‪َ ‬‬
‫ن‪ ...( (16‬فهييذه النجييوم تييدلنا علييى‬ ‫دو َ‬ ‫هَتــ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪296‬‬

‫التجاهات أثناء السفر بالضافة إلى اتجاه القبلة‪.‬‬


‫ع ٰـ ـم ِ‬ ‫فــى ٱل َن ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َك ُـ ْ‬ ‫‪‬إ ِ ّ‬ ‫و‬
‫• نعمة ألبان النعام َ‬
‫ن‬ ‫مــن ب َي ْـ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫فــى ب ُطُــون ِ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ّ‬ ‫م ّ‬ ‫قيك ُ ْ‬ ‫س ِ‬
‫عب َْرةً ن ّ ْ‬ ‫لَ ِ‬
‫ن‪‬‬ ‫رِبي َ‬ ‫شــا ِ‬ ‫غا ِلل ّ‬ ‫ســآئ ِ ً‬ ‫صــا َ‬ ‫خال ِ ً‬ ‫ودَم ٍ ل ّب ًَنا َ‬ ‫ث َ‬ ‫فْر ٍ‬ ‫َ‬
‫ور أحدنا المكييان الييذي يخييرج منييه‬ ‫‪ ..((66‬فهل تص ّ‬
‫اللبن نقيا ً طيب الطعم والرائحيية‪ ،‬ميين بييين الييدم‬
‫والروث‪...‬؟ ومع ذلييك فييإّنه يخييرج خالصيا ً نقي ّيا ً ل‬
‫يوجد فيه قطرة دم واحدة ول قطرة أذى! ‪‬ل ّب ًَنا‬
‫ن ‪.‬‬ ‫رِبي َ‬ ‫شا ِ‬ ‫غا ِلل ّ‬ ‫سآئ ِ ً‬ ‫صا َ‬ ‫خال ِ ً‬ ‫َ‬
‫و ٱللـــه‬ ‫• نعمييية العليييم والسيييمع والبصيييار ‪َ ‬‬
‫ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن‬ ‫مــو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫م ل َ تَ ْ‬ ‫ه ٰـ ـت ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫مــن ب ُطُــو ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر َ‬
‫ل‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫شي ًْئا‪ ( (78‬ثم أعطانا أدوات العلييم ‪َ ‬‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫عل ّك ُـ ْ‬‫فئ ِدَةَ ل َ َ‬ ‫و ٱل َ ْ‬ ‫صـ ـَٰر َ‬
‫َ‬
‫و ٱلب ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬‫سـ ْ‬ ‫م ٱل ْ ّ‬ ‫ل َك ُ ُ‬
‫ن‪..( (78‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫• نعمييية الطيييير أ َ‬
‫ر‬‫ى ٱلطّي ْـــ ِ‬ ‫ٰ‬ ‫وا ْ إ ِل َـــ‬‫م ي َـــَر ْ‬ ‫‪‬ل َـــ ْ‬
‫ن إ ِل ّ‬ ‫ه ّ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫مآء َ‬ ‫س َ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫فى َ‬ ‫ت ِ‬ ‫خرٰ ٍ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن‪‬‬ ‫مُنــو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫وم ٍ ي ُ ْ‬ ‫قــ ْ‬ ‫ت لّ َ‬ ‫ك لي َ ٰـ ٍ‬ ‫فى ٰذل ِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ٱلله إ ِ ّ‬
‫‪((79‬‬
‫فمن منا يعتبر ويشييكر؟ وميين منييا يوظ ّييف هييذه‬
‫النعم فيما يحّبه الله ويرضاه؟‬
‫وإن تعدوا نعمة الله ل تحصوها‬

‫وبعد ذكر هيذه النعييم تييأتي آييية محورييية ‪َ ‬‬


‫وِإن‬
‫ن ٱلله ل َ َ‬
‫غ ُ‬
‫فــوٌر‬ ‫ها إ ِ ّ‬
‫صو َ‬ ‫ة ٱلله ل َ ت ُ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ْ ن ِ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ع ّ‬‫تَ ُ‬
‫م‪ ( (18‬نحصييي ميياذا؟ هييل نحصييي النعييم‬ ‫حيــ ٌ‬ ‫ّر ِ‬
‫‪297‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫المعلومة والمشاهدة؟ أم نحصي النعم الخفية؟ ولو‬


‫دد أسيييماء النعيييم‬ ‫افترضييينا أننيييا نسيييتطيع أن نعييي ّ‬
‫المشاهدة فهل نقييدر أن نحصييي مييا بييداخل النعميية‬
‫الواحييدة فقييط ميين فييوائد؟! إن اللييه تعييالى يقييول‪:‬‬
‫ها‪  ..‬ولييم‬ ‫صــو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة ٱللــه ل َ ت ُ ْ‬‫م َ‬ ‫دوا ْ ن ِ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ع ّ‬
‫وِإن ت َ ُ‬
‫‪َ ‬‬
‫م‬ ‫حي ٌ‬ ‫غ ُ‬
‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ن ٱلله ل َ َ‬ ‫يقل نعم الله‪ .‬ومع ذلك ‪‬إ ِ ّ‬
‫‪ ‬تشير إلى أن النسان ل يشكر على النعييم ولييول‬
‫ذب البشيير عييذابا ً‬ ‫أنه سبحانه وتعالى يغفر ويرحم لع ّ‬
‫شديدا ً على عدم شكرهم لنعمه الجليلة‪.‬‬
‫استعمال النعم في غير أهدافها‬
‫ولن هدف السورة ل يقتصر علييى تعييداد النعييم‪،‬‬
‫بل يركز علييى اسييتخدام هييذه النعييم وتوظيفهييا لمييا‬
‫خلقت له‪ ،‬فإننا نرى بعد كل موجيية ميين ذكيير النعييم‬
‫ذر من سوء استخدام النعميية )اليييات ‪- 19‬‬ ‫آيات تح ّ‬
‫‪.(29‬‬
‫در نعميية‬ ‫فمثل ً الييية )‪ (24‬تنكيير علييى ميين ل يق ي ّ‬
‫ل‬‫ذا َأنـَز َ‬ ‫مــا َ‬ ‫م ّ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قيـ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫وإ ِ َ‬‫ذبها‪َ  :‬‬ ‫الوحي بل يك ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪ ‬فكيييانت‬ ‫وِليــ َ‬ ‫طيُر ٱل ّ‬ ‫ســـٰ ِ‬ ‫قــاُلوا ْ أ َ‬ ‫م َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫َرب ّ ُ‬
‫مل َ ً‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫و َ‬
‫ة ي َـ ْ‬ ‫كا ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وَزاَر ُ‬ ‫مُلوا ْ أ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫عاقبتهم وخيمة ‪‬ل ِي َ ْ‬
‫َ‬
‫ر‬
‫غي ْـ ِ‬
‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ضـّلون َ ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ر ٱ ل ّـ ِ‬ ‫وَزا ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬
‫ة َ‬
‫م ِ‬ ‫قَيـٰ َ‬‫ٱل ْ ِ‬
‫م‪.( (25...‬‬ ‫ِ ْ‬
‫عل ٍ‬
‫ور لنييا مشييهدا ً رهيب يا ً لميين‬ ‫والية التي بعدها تص ي ّ‬
‫جحد بأنعم الله‪:‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪298‬‬

‫فـأ ََتى ٱللــه‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫مك ََر ٱل ّ ِ‬ ‫قدْ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ف‬‫ق ُ‬‫سـ ْ‬
‫م ٱل ّ‬ ‫هـ ُ‬ ‫خّر َ َ‬ ‫د َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ع ِ‬‫وا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب ُن َْيـٰن َ ُ‬
‫َ‬
‫ث لَ‬ ‫حي ْـ ُ‬
‫ن َ‬
‫مـ ْ‬‫ب ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫عـ َ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫ه ُ‬‫وأَتــٰ ُ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬‫ق ِ‬
‫و ِ‬ ‫فـ ْ‬‫مــن َ‬ ‫ِ‬
‫ن‪.( (26‬‬ ‫عُرو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫وبالمقابل‪ ،‬تأتي اليات التي بعدها مباشرة )‪- 30‬‬
‫قي َ‬
‫ل‬ ‫و ِ‬‫شر ميين أحسيين اسييتخدام النعييم‪َ  ،‬‬ ‫‪ (32‬لتب ّ‬
‫را‪ ...‬‬ ‫قاُلوا ْ َ‬
‫خي ْ ً‬ ‫م َ‬‫ل َرب ّك ُ ْ‬‫ذا َأنَز َ‬ ‫ما َ‬‫وا ْ َ‬ ‫ق ْ‬‫ن ٱت ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫در نعمة الوحي‬ ‫فانظر إلى هذا المدح الرباني لمن ق ّ‬
‫ذبوا بآيييات اللييه )الييية‬ ‫وعرفها في مقابييل الييذين ك ي ّ‬
‫‪ .(24‬وتأتي الية )‪:(32‬‬
‫ن‬‫ة طَي ِّبيـــ َ‬ ‫مل َ ٰــــئ ِك َ ُ‬‫م ٱل ْ َ‬ ‫ه ُ‬‫ف ٰــــ ُ‬ ‫و ّ‬‫ن ت َت َ َ‬‫ذي َ‬ ‫‪ِ‬‬ ‫ٱّلـــ‬
‫مــا‬
‫ة بِ َ‬‫جن ّـ َ‬ ‫خل ُــوا ْ ٱل ْ َ‬ ‫م ٱد ْ ُ‬ ‫عل َي ْك ُـ ُ‬
‫م َ‬ ‫سَلــٰ ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫قول ُــو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬‫م تَ ْ‬‫كنت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ه ُ‬ ‫و ّ‬
‫ف ٰـ ُ‬ ‫ن ت َت َ َ‬‫ذي َ‬ ‫أيضا ً في مقابل الية )‪ (28‬ٱل ّ ِ‬
‫س ـل َ َ‬
‫م‬ ‫وا ْ ٱ ل ّ‬ ‫ق ُ‬‫ف ـأ َل ْ َ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫سـ ِ‬ ‫مى َأن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫ة َ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫مَلـٰئ ِك َ ُ‬
‫ٱل ْ َ‬
‫سوء‪. ..‬‬ ‫من ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ُ‬
‫ع َ‬‫ما ك ُّنا ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫نعمة الرسل والهداية‬
‫مة يتكرر ذكرها في السورة‪ :‬إنهييا نعميية‬ ‫نعمة مه ّ‬
‫الرسل والهداية‪:‬‬
‫َ‬ ‫كــ ّ ُ‬
‫فــى ُ‬ ‫ول َ َ‬
‫ســول ً أ ِ‬
‫ن‬ ‫ة ّر ُ‬ ‫مــ ٍ‬
‫لأ ّ‬ ‫عث َْنــا ِ‬
‫قــدْ ب َ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ت‪( (36‬‬ ‫غو َ‬ ‫جت َن ُِبــوا ْ ٱل ْطّ ٰـــ ُ‬
‫وٱ ْ‬ ‫دوا ْ ٱللــه َ‬ ‫عُبــ ُ‬
‫ٱ ْ‬
‫فإرسال الرسل إلى البشر بشرع اللييه ومنهجييه هييو‬
‫أعظم نعمة على الناس في كل العصور‪.‬‬
‫‪299‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫َ‬
‫حى‬ ‫جــال ً ن ّــو ِ‬ ‫ر َ‬‫ك إ ِل ّ ِ‬ ‫قب ْل ِـ َ‬‫مــن َ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫مآ أْر َ‬ ‫و َ‬‫‪َ ‬‬
‫ر ِإن ك ُن ُْتــم ل َ‬ ‫ل ٱلــذّك ْ ِ‬ ‫هــ َ‬ ‫ســأ َُلوا ْ أ َ ْ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هــ ْ‬ ‫َ‬
‫إ ِلي ْ ِ‬
‫ك‬ ‫وَأنَزل َْنــا إ ِل َْيــ َ‬ ‫ر َ‬ ‫و ٱلّزُبــ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ن ‪ ‬ب ِٱل ْب َي َّنـــٰ ِ‬ ‫مــو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫تَ ْ‬
‫م‬ ‫هـ ْ‬‫عل ّ ُ‬‫ول َ َ‬
‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ما ن ُـّز َ َ‬
‫ل إ ِلي ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫ٱلذّك َْر ل ِت ُب َي ّ َ‬
‫ن‪.( (43-44‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ن بهيا الليه علييك‪،‬‬ ‫هل كتبت بيين النعيم اليتي مي ّ‬
‫إرسييييييييييييييال النييييييييييييييبي ‪ ‬إلينييييييييييييييا؟‬
‫وإنييزال القييرآن الييذي نقييرأه ونعيييش مييع آييياته‬
‫ومعيييييييييييييانيه؟‪ ...‬وهيييييييييييييل فكيييييييييييييرت‬
‫يوما ً في تطبيق أوامر القرآن وسيينة النييبي ‪ ‬بنييية‬
‫شكر ربنا على هاتين النعمتين العظيمتين؟‬
‫وما بكم من نعمة فمن الله‬
‫وبعييد ذكيير النعييم المتتالييية‪ ،‬تييأتي آييية محورييية‬
‫وفاصلة لتعقب عليها‪:‬‬
‫ن ٱلله ‪( (53‬‬ ‫م َ‬
‫ف ِ‬‫ة َ‬‫م ٍ‬
‫ع َ‬
‫من ن ّ ْ‬ ‫ما ب ِ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫و َ‬
‫‪َ ‬‬
‫لتلفت النظر إلى أن استشعار النعميية هييو بداييية‬
‫شييكر‪،‬‬ ‫دها ال ُ‬
‫التمهيييد لشييكر الخييالق‪ ،‬فالِنعميية قييي ُ‬
‫شك َْرت ُ ْ‬
‫م‬ ‫والشييكر ضييمانة لسييتمرار النعييم ‪‬ل َِئن َ‬
‫زيدَن ّك ُ ْ‬
‫م ‪) ‬إبراهيم‪.(7 ،‬‬ ‫ل ِ‬
‫فلو أرجع النسان كل مييا فييي حييياته إلييى أصييله‬
‫فييإّنه سيييجد أن ّييه ل يملييك شيييئا‪ ..‬ميين أول حاجييياته‬
‫الساسية )ميين لبيياس ومأكييل ومشييرب( إلييى آخيير‬
‫مستجدات التكنولوجيا الحديثة )من مركبات فضائية‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪300‬‬

‫وكومبيوتر وس يّيارات‪ .(..‬فكلهييا تعتمييد علييى المييواد‬


‫خرها اللييه لنييا‪ ،‬وكلهييا نتيياج العقييل‬
‫الولييية الييتي س ي ّ‬
‫البشري‪ ،‬الذي هو أعظم نعمة أعطانا إياها ربنا‪.‬‬
‫سوء استخدام النعم‬
‫ذر السورة مييرة أخيرى مين سيوء اسيتخدام‬ ‫وتح ّ‬
‫النعم‪ ،‬فتصف لنا فريقا ً ميين النيياس يييدعو اللييه عنييد‬
‫المصائب ثم يشييرك بييه فييي السييراء )اليييات ‪- 53‬‬
‫‪ ،(55‬فماذا يكون مصيرهم؟‬
‫ف‬
‫و َ‬ ‫ســ ْ‬ ‫عــوا ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫م َ‬
‫فت َ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فُروا ْ ب ِ َ‬
‫مآ ءات َي ْن َ ٰـ ُ‬ ‫‪‬ل ِي َك ْ ُ‬
‫ول نعميية اللييه عليهييم إلييى‬ ‫ن‪ .( (55‬تتحيي ّ‬ ‫مــو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫تَ ْ‬
‫استدراج وإمهال )فتمتعوا(‪ ،‬فإذا رأيت أخي المسلم‬
‫نعييم اللييه تتييوالى عليييك مييع تقصيييرك فييي شييكرها‬
‫وحسن استخدامها‪ ،‬فاحذر أن يكون ذلييك اسييتدراجا ً‬
‫من الله‪.‬‬
‫ومن أبشع صور سوء استخدام النعم‪ :‬وأد البنات‬
‫ه‬ ‫ظــ ّ‬ ‫م ِبــ ٱل ُن ْث َ ٰى َ‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬
‫ذا ب ُ ّ‬‫وإ ِ َ‬
‫هــ ُ‬‫ج ُ‬‫و ْ‬
‫ل َ‬ ‫ه ْ‬‫حــدُ ُ‬ ‫شــَر أ َ‬ ‫َ‬
‫مــن‬ ‫وم ِ ِ‬‫قـ ْ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬
‫م َ‬
‫رى ِ‬
‫وا َ ٰ‬ ‫م ‪ ‬ي َت َ َ‬
‫ظي ٌ‬ ‫و كَ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬
‫دا َ‬‫و ّ‬
‫س َ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫عل َ ٰى ُ‬ ‫شر ب َ‬
‫ه‬‫س ُ‬
‫م ي َدُ ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫هو ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ب ُ ّ َ ِ ِ‬
‫ه أي ُ ْ‬ ‫سوء َ‬ ‫ُ‬
‫ب‪ ..( (58-59...‬فكيف يسوغ للمرء بعد‬ ‫فى ٱلت َّرا ِ‬ ‫ِ‬
‫أن أعطاه الله هذه النعمة أن يستخدمها في معصية‬
‫الله تعالى وقتل نفس بريئة؟!‬
‫نعمة الرحمة والستر‬
‫ومن النعم التي وردت فييي السييورة‪ :‬حلييم اللييه‬
‫‪301‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫تعالى ورحمته بعباده وستره عليهم‬


‫مــا‬
‫م ّ‬
‫هـ ْ‬ ‫س ب ِظُل ْ ِ‬
‫م ِ‬ ‫خ ـذُ ٱللــه ٱلن ّــا َ‬ ‫ؤا ِ‬‫و يُ َ‬ ‫ول َ ْ‬‫‪َ ‬‬
‫ة‪..( (61‬‬ ‫دآب ّ ٍ‬
‫من َ‬ ‫ها ِ‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫ك َ‬ ‫ت ََر َ‬
‫تخيل لو رفع الله عنك ستره وحلمييه؟ تخي ّييل لييو‬
‫فضحك يوم يا ً واحييدًا؟ ميياذا لييو اسييتيقظت يوم يا ً مييا‬
‫ووجدت مكتوبا ً على بيياب بيتييك‪ :‬فعييل البارحيية كييذا‬
‫وكذا؟ أو لو كتب على جبينييك الييذنوب الييتي تفعلهييا‬
‫صباح مساء؟ أو لو كان لكل ذنب تفعله رائحة؟‬
‫إن من أعظم نعم الله علينا أنييه ل يظهيير منييا إل‬
‫كل حسن ومحمود ميين العمييال‪ ،‬ويسييتر كييل قبيييح‬
‫من الذنوب‪ ،‬فلله الحمد والفضل‪.‬‬
‫نعمة الوحي والمطر‬
‫ومن النعم التي تأتي متلزمة في السورة‪ :‬نعمتا‬
‫الوحي والمطر‪.‬‬
‫م‬‫هـ ُ‬‫ن لَ ُ‬ ‫ك ٱل ْك ِت َ ٰـ َ‬
‫ب إ ِل ّ ل ِت ُب َي ّـ َ‬ ‫مآ أ َن َْزل َْنا َ‬
‫عل َي ْ َ‬ ‫و َ‬
‫‪َ‬‬
‫ٍ‬ ‫وم‬ ‫قـ ْ‬ ‫ة لّ َ‬
‫مـ ً‬ ‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫دى َ‬ ‫هـ ً‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫فــوا ْ ِ‬
‫في ـ ِ‬ ‫خت َل َ ُ‬‫ذى ٱ ْ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫ن‪.( (64‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ؤ ِ‬
‫ل من ٱل ْسماء مآء َ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫حَيــا ِبــ ِ‬
‫فأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫و ٱلله أنَز َ ِ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ها‪.( (65...‬‬ ‫َ‬
‫وت ِ َ‬
‫م ْ‬
‫عدَ َ‬
‫ض بَ ْ‬
‫ٱل ْر َ‬
‫فمييا السيير فييي ذكيير هيياتين النعمييتين دائميا ً مييع‬
‫بعضهما؟‬
‫إن النعمييتين متشييابهتان‪ ،‬فييالوحي ينييزل حييامل ً‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪302‬‬

‫الخير للناس كما أن المطر حين ينزل يحيييي الرض‬


‫بعد موتها‪ ،‬وكذلك اليات التي تنزل وحيا ً فإّنها تحيي‬
‫القلوب بعد موتها‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪‬وك َذَل ِ َ َ‬
‫رن َــا ‪‬‬
‫م ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫ك ُروحـا ً ّ‬
‫مـ ْ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْـ َ‬
‫و َ‬‫كأ ْ‬ ‫َ‬
‫)الشورى‪..(52 ،‬‬
‫كــان ميًتــا َ َ‬ ‫َ‬
‫ه ‪) ‬النعييام‪،‬‬
‫حي َي ْن َ ٰـــ ُ‬
‫فأ ْ‬ ‫مــن َ َ َ ْ‬ ‫و َ‬‫أ‪َ ‬‬
‫‪..(122‬‬
‫من سوء استخدام النعم‪ :‬الخمر‬
‫وتعود اليات مرة أخرى إليى التحيذير مين سيوء‬
‫استخدام النعم‪:‬‬
‫ن‬
‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬
‫ب ت َت ّ ِ‬ ‫و ٱل َ ْ‬
‫عن َ ٰـ ِ‬ ‫ل َ‬‫خي ِ‬‫ت ٱلن ّ ِ‬ ‫م ٰر ِ‬‫من ث َ َ‬‫و‪ِ ‬‬
‫َ‬
‫سًنا‪.( (67‬‬‫ح َ‬ ‫رْز ً‬
‫قا َ‬ ‫سك ًَرا َ‬
‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫هييذه الييية نزلييت قبييل تحريييم الخميير‪ ،‬وهييي ل‬
‫تتناول الخمر من الناحية الفقهييية لكنهييا تحييذر منهييا‬
‫كمظهر من مظاهر سييوء اسييتخدام النعييم‪ .‬فييالخمر‬
‫تتكون في أصييلها ميين ثمييرات طيبيية ونعييم عظيميية‬
‫ولوهييا عيين‬ ‫أعطانا اللييه إياهييا‪ ،‬لكيين بعييض النيياس ح ّ‬
‫الغاية التي خلقت لجلها واستعانوا بهييا فييي إذهيياب‬
‫عقولهم وإذلل أنفسهم‪ ...‬مظهر خطير من مظيياهر‬
‫استخدام النعم في غير أهدافها‪.‬‬
‫النعم الجتماعية‬
‫ولعّلك تسأل نفسك‪ :‬أين نعمة السييرة والزوجيية‬
‫فييييييييييييييي السييييييييييييييورة؟ فتجيبييييييييييييييك‬
‫‪303‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الية‪:‬‬
‫ف س ـك ُ َ‬ ‫َ‬
‫جــا‬ ‫وا ً‬ ‫م أْز َ‬ ‫ْ‬ ‫ن أن ُ ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ل َك ُـ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫و ٱلله َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ة‬
‫فــدَ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ج ُ‬ ‫َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫عــ َ‬
‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫كــم ب َِنيــ َ‬ ‫ن أْز ٰو ِ‬ ‫مــ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫كــ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ت‪ ( (72‬فالسييتقرار فييي‬ ‫ن ٱلطّي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫وَرَز َ‬ ‫َ‬
‫ن بهييا اللييه‬ ‫الحياة العائلية من أفضل النعم الييتي يم ي ّ‬
‫ذر ميين كفيير‬ ‫علينييا‪ ،‬لييذلك تييأتي آييية موجعيية لتحيي ّ‬
‫ت ٱللــه‬ ‫مـ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫وب ِن ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنـو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫فب ِٱل َْبـٰطِ ِ‬ ‫النعمة ‪‬أ َ َ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫عُبــــــــــ ُ‬ ‫وي َ ْ‬
‫ن‪َ ‬‬ ‫فــــــــــُرو َ‬ ‫م ي َك ْ ُ‬ ‫هــــــــــ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫مـ َ‬ ‫قــا ّ‬ ‫رْز ً‬ ‫م ِ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫مل ِـ ُ‬ ‫مــا ل َ ي َ ْ‬ ‫ن ٱللــه َ‬ ‫دو ِ‬ ‫مــن ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫عو َ‬ ‫طي ُ‬ ‫س ـت َ ِ‬ ‫ول َ ي َ ْ‬ ‫شي ًْئا َ‬ ‫ض َ‬ ‫و ٱل ْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـوٰ ِ‬ ‫س َ‬‫ٱل ّ‬
‫‪...((72 - 73‬‬
‫م‬ ‫كــ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫عــ َ‬ ‫ج َ‬ ‫حتى البيوت التي نسكنها ‪‬والله َ‬
‫سك ًَنا‪.( (80‬‬ ‫م َ‬ ‫من ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ها‬ ‫ف َ‬‫وا ِ‬ ‫صـ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مـ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫والثاث الذي نسييتعمله ‪َ ...‬‬
‫مت َ ٰـعا ً إ ِل َـ ٰى ِ‬ ‫شعار َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫حيـ ٍ‬ ‫و َ‬ ‫ها أث َ ٰـثا ً َ‬ ‫وأ ْ َ ِ‬ ‫ر َ َ‬ ‫وَبا ِ‬ ‫وأ ْ‬‫َ‬
‫‪.((80‬‬
‫م‬ ‫كــ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫عــ َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫والملبيييس اليييتي نلبسيييها‪َ .. :‬‬
‫كــم‬ ‫قي ُ‬ ‫ل تَ ِ‬ ‫ســ ٰرِبي َ‬ ‫و َ‬ ‫حــّر َ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫كــ ُ‬ ‫قي ُ‬ ‫ل تَ ِ‬ ‫ســَراِبي َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫م‪.( (81‬‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ب َأ َ‬
‫وأبسييط ميين ذلييك كلييه‪ :‬الظييل الييذي نسييتريح‬
‫ق ظِل َ ٰـ ـل ً ‪‬‬ ‫خل َ ـ َ‬‫ما َ‬‫م ّ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫ع َ‬
‫ج َ‬
‫‪‬ٱلله َ‬
‫و‬
‫تحته‪َ ...‬‬
‫‪((81‬‬
‫ه‬
‫مت َـ ُ‬
‫ع َ‬
‫م نِ ْ‬
‫ك ي ُت ِـ ّ‬‫لذلك تييأتي آييية محورييية ‪‬ك َذَل ِ َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪304‬‬

‫‪.(‬‬ ‫ن‪(81‬‬
‫مو َ‬
‫سل ِ ُ‬
‫تُ ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م لَ َ‬
‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫خطورة سوء استخدام النعم‬
‫وكما ذكرنا تتييابع اليييات بنفييس السييياق‪ :‬موجيية‬
‫من النعم‪ ،‬ثم الحث على الشكر عليها‪ ،‬ثييم التحييذير‬
‫من سوء استخدام النعم‪.‬‬
‫هــا‬ ‫ت ٱللــه ُثــ ّ‬
‫م ُينك ُِرون َ َ‬ ‫مــ َ‬
‫ع َ‬‫ن نِ ْ‬
‫فــو َ‬ ‫ر ُ‬
‫ع ِ‬‫‪‬ي َ ْ‬
‫ن‪ ( (83‬أرأييييت كيييف أن‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ٱل ْك َ ٰـــ ِ‬ ‫هــ ُ‬ ‫وأ َك ْث َُر ُ‬
‫َ‬
‫تجاهل نعمة الله قد يؤدي بصاحبه إلييى الكفيير بييالله‬
‫والعياذ بالله؟‪...‬‬
‫وتأتي آيات شديدة في التحذير من نقييض العهييد‬
‫كوُنوا ْ‬ ‫ول َ ت َ ُ‬‫مع الله بعد أن أعطانا كل هذه النعم ‪َ ‬‬
‫ة َأنك َ ٰــًثا ‪‬‬ ‫و ٍ‬ ‫قـ ّ‬ ‫د ُ‬‫عـ ِ‬
‫من ب َ ْ‬ ‫ها ِ‬ ‫غْزل َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ك َٱل ِّتى ن َ َ‬
‫‪.((92‬‬
‫َ‬
‫ل‬‫ز ّ‬
‫فت َـ ِ‬‫م َ‬ ‫خل ً ب َي ْن َك ُـ ْ‬
‫م دَ َ‬ ‫م ٰـ ـن َك ُ ْ‬ ‫ذوا ْ أي ْ َ‬ ‫خـ ُ‬‫‪‬ل َ ت َت ّ ِ‬‫و‬
‫َ‬
‫ها‪.( (94...‬‬ ‫عدَ ث ُُبوت ِ َ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫قدَ ٌ‬‫َ‬
‫ل‪ ..‬‬ ‫قِلي ً‬ ‫منــا ً َ‬ ‫د ٱللــه ث َ َ‬ ‫هــ ِ‬‫ع ْ‬‫شــت َُروا ْ ب ِ َ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫‪.((95‬‬
‫ق‪‬‬
‫عن ـدَ ٱللــه ب َــا ٍ‬
‫مــا ِ‬
‫و َ‬
‫ف ـدُ َ‬ ‫عندَك ُ ْ‬
‫م َين َ‬ ‫ما ِ‬
‫‪َ ‬‬
‫‪.((96‬‬
‫ذر من كفران النعمة‪:‬‬ ‫ثم آيات أخرى تح ّ‬
‫ة‬
‫مَنــ ً‬ ‫ت ءا ِ‬ ‫ة َ‬
‫كــان َ ْ‬ ‫قْرَيــ ً‬‫مث َل ً َ‬
‫ب ٱللــه َ‬ ‫ضــَر َ‬‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫مطْمئ ِن ّ ً ْ‬
‫ن‬ ‫مك َــا ٍ‬
‫ل َ‬‫مــن ك ُـ ّ‬ ‫دا ّ‬ ‫غـ ً‬‫هــا َر َ‬‫ق َ‬‫رْز ُ‬
‫ها ِ‬‫ة ي َأِتي َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫س‬ ‫ذا َ‬ ‫َ‬
‫فأ َ‬ ‫عم ِ ٱللــه َ‬ ‫َ‬ ‫فك َ َ‬
‫َ‬
‫هــا ٱللــه ل ِب َــا َ‬ ‫ق َ‬ ‫ت ب ِـأن ْ ُ‬‫ف ـَر ْ‬
‫‪305‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪.(‬‬ ‫ن‪(112‬‬
‫عو َ‬
‫صن َ ُ‬
‫يَ ْ‬ ‫كاُنوا ْ‬‫ما َ‬ ‫ف بِ َ‬‫و ِ‬ ‫خ ْ‬‫و ٱل ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫جو ِ‬
‫وكان الولى بهؤلء أن يفعلييوا كمييا قييال تعييالى‪:‬‬
‫حَلـــل ً طَّيبــا ً‬ ‫م ٱللــه َ‬ ‫ق ُ‬
‫كــ ُ‬ ‫مــا َرَز َ‬ ‫م ّ‬ ‫فك ُُلــوا ْ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‬ ‫دو َ‬‫عُبــ ُ‬ ‫ت ٱلله ِإن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م إ ِّياهُ ت َ ْ‬ ‫م َ‬‫ع َ‬‫شك ُُروا ْ ن ِ ْ‬‫وٱ ْ‬ ‫َ‬
‫‪...( (114‬‬
‫إبراهيم عليه السلم‪ :‬شاكرا ً لنعمه‬
‫صة شخص شيياكر لنعييم اللييه‪،‬‬ ‫وتختم السورة بق ّ‬
‫إنييه سييّيدنا إبراهيييم عليييه السييلم‪ ،‬والملفييت أن‬
‫السورة وصفت سيدنا إبراهيييم بإحييدى أهييم صييفاته‬
‫ه‪‬‬ ‫مـ ِ‬‫ع ِ‬ ‫كرا ً ل َن ْ ُ‬ ‫الييتي تخييدم هييدف السييورة‪َ  :‬‬
‫شا ِ‬
‫‪.((121‬‬
‫ه‬
‫جت َب َ ٰــ ُ‬‫ٱ ْ‬ ‫وبعييد أن أصييبح شيياكرا ً لنعييم اللييه ‪‬‬
‫قيم ٍ‪.( (121‬‬
‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬‫ط ّ‬ ‫داهُ إ ِل َ ٰى ِ‬
‫ص ٰر ٍ‬ ‫ه َ‬
‫و َ‬
‫َ‬
‫سبب تسمية السورة‬
‫ودناكم مع كل سورة‪ ،‬يبقى سييؤال مهييم‪:‬‬ ‫وكما ع ّ‬
‫ميت هذه السورة بسييورة النحييل؟ إن هييذه‬ ‫لماذا س ّ‬
‫السورة لم تسم باسم النعم التي ملتها ولكن باسم‬
‫النحل‪ ،‬فلماذا؟‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ك إِ َ ٰ‬
‫حى َرب ّ َ‬ ‫يقول تعالى ‪َ ‬‬
‫لأ ِ‬ ‫حــ ِ‬ ‫لى ٱلن ّ ْ‬ ‫و َ ٰ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ج ِ‬ ‫شـ َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫مـ َ‬‫و ِ‬
‫ل ب ُُيوت ًــا َ‬ ‫جب َــا ِ‬ ‫ن ٱل ْ ِ‬ ‫مـ َ‬‫ذى ِ‬ ‫خـ ِ‬ ‫ٱت ّ ِ‬
‫ت‬ ‫م ـ ٰر ِ‬ ‫ل ٱلث ّ َ‬‫مــن ك ُـ ّ‬ ‫م ك ُل ِــى ِ‬ ‫ن ‪‬ث ُـ ّ‬‫شو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫هــا‬ ‫ُ‬
‫مــن ب ُطون ِ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ُ‬
‫ك ذُلل ً ي َ ْ‬ ‫ل َرب ّ ِ‬ ‫سب ُ َ‬‫كى ُ‬ ‫ُ‬
‫سل ِ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫َ‬
‫خت َل ِ ٌ َ‬
‫س‪ (68‬‬ ‫فآء ِللّنا ِ‬ ‫ش َ‬
‫ه ِ‬ ‫في ِ‬
‫ه ِ‬ ‫وان ُ ُ‬ ‫ف أل ْ َ‬ ‫م ْ‬‫ب ّ‬ ‫شَرا ٌ‬ ‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪306‬‬

‫‪.(- 69‬‬
‫أول ً إن النحل وتنظيم مملكتييه وطريقيية إخراجييه‬
‫للنحل هييي نعييم عظيميية ميين نعييم اللييه وآييياته فييي‬
‫الكون‪.‬‬
‫ثانيًا‪ ،‬إن اليات قد بدأت بقوله تعالى وأ َ‬
‫ح ٰى‬ ‫‪ْ ‬‬
‫و َ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ ،‬فهي تشير إلى اتبيياع النحييل‬ ‫ح ِ‬ ‫ك إِ َ ٰ‬
‫لى ٱلن ّ ْ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫للوحي الرباني وطاعتها للييه واسييتعمالها لرشييادات‬
‫ذى‪...‬‬ ‫الييوحي لتنفيييذ مييا كلفييت بييه بدقيية ‪‬ٱت ّ ِ‬
‫خـ ِ‬
‫كى‪. ...‬‬ ‫سل ُ ِ‬
‫فٱ ْ‬‫ك ُِلى‪َ ...‬‬
‫فكان النحل نموذجا ً لتوظيف النعمة طاعيية للييه‪،‬‬
‫فذ أوامره‪ ،‬أخرج اللييه ميين بطييونه‬ ‫فلما أطاع الله ون ّ‬
‫عسييل ً شييافيا ً ومفيييدا ً للرض كّلهييا‪ ...‬ولحييظ دقيية‬
‫ج ‪ ،‬ولم تقل الية‬ ‫التعبير القرآني في كلمة ‪‬ي َ ْ‬
‫خُر ُ‬
‫ل(‪ ،‬لنها لمييا اتبعييت الييوحي وطبقييت‬ ‫)فاخرجي عس ً‬
‫منهج ربنا خرج عسل مفيييد ونييافع‪ ،‬وكييذلك الييوحي‪،‬‬
‫ينزل على المة‪ ،‬فإن الييتزمت بييأوامر اللييه واتبعييت‬
‫الوحي‪ ،‬فسيخرج عسل الهداية والنور للمجتمع‪.‬‬
‫ومن اللطيف في مملكة النحييل‪ :‬اعتمادهييا علييى‬
‫الناث بشييكل أساسييي‪ ،‬وحييتى النييداء القرآنييي لهييا‬
‫كى‪  ..‬كان بصيغة المييؤنث‪ ،‬لن‬ ‫سل ُ ِ‬‫فٱ ْ‬ ‫‪‬ك ُِلى‪َ ..‬‬
‫الذكور ل عمل لهم إل تلقيح الملكة‪ ،‬بينما يقع الدور‬
‫الساسي في العمييل والبنيياء وإخييراج العسييل علييى‬
‫الناث‪.‬‬
‫القرآن والعسل‪ ...‬شفاء للرواح والبدان‬
‫‪307‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ومن روعة القرآن أيضًا‪ ،‬أن كلمة الشفاء لم ترد‬


‫في القرآن كله إل مرتين‪ :‬مييرة عيين العسييل ومييرة‬
‫عن القرآن‪ ...،‬فالقرآن فيه شييفاء للنيياس كالعسييل‬
‫دد علينا نعما ً‬‫تمامًا‪ ...‬والله تعالى في هذه السورة ع ّ‬
‫ذرنا مييين سيييوء‬ ‫كيييثيرة )وأهمهيييا اليييوحي( وحييي ّ‬
‫اسييتخدامها‪ ...‬فلييو أحسيينا اسييتخدام نعميية العسييل‬
‫سنا استخدام‬ ‫فسوف نشفي أبداننا‪ ،‬وبالمقابل لو أح ّ‬
‫القييرآن لكييان فييي ذلييك شييفاء للعقييول والقلييوب‬
‫والرواح‪...‬‬
‫قدم ثمن العسل‬
‫كانت هذه سورة النحل سورة النعم‪ ،‬فإذا علمت‬
‫أن سورة النحل هي سورة النعم‪ ،‬وتذكرت نعم الله‬
‫عليك ثييم لييم تشييعر بكييل جوارحييك وبكييل ذرة ميين‬
‫جسمك بأّنك بحاجة إلى أن تشكر الله‪ ...‬فينبغي أن‬
‫تراجييع نفسييك‪..‬لنييك بهييذا لييم تسييتفد ميين سييورة‬
‫النحل‪ ...‬إنها سورة الحمد‪ ،‬سورة معرفيية نعييم اللييه‬
‫وشكره‪...‬‬
‫ظفنا ِنعم‬‫وينبغي أن نسأل أنفسنا‪ ،‬هل نحن قد و ّ‬
‫الله في مرضاته‪ ،‬أم نستخدمها فييي معصييية‪ ...‬فييإذا‬
‫كان النسان يستخدم نعم الله في معصيته فليخييف‬
‫ت‬ ‫ة َ‬
‫كــان َ ْ‬ ‫قْرَيــ ً‬ ‫مث َل ً َ‬ ‫ب ٱللــه َ‬ ‫ضــَر َ‬ ‫و َ‬‫ميين الييية ‪َ ‬‬
‫مــن ك ُـ ّ‬
‫ل‬ ‫هــا َر َ‬ ‫رْز ُ‬ ‫ة مطْمئ ِن ّ ً ْ‬
‫دا ّ‬ ‫غـ ً‬ ‫ق َ‬ ‫هــا ِ‬ ‫ة ي َأِتي َ‬ ‫َ‬ ‫من َ ً ّ‬
‫ءا ِ‬
‫هــا ٱللــه‬ ‫ق َ‬‫ذا َ‬ ‫فأ َ َ‬
‫عم ِ ٱللــه َ‬ ‫َ‬
‫ت ب ِ ـأن ْ ُ‬ ‫ف ـَر ْ‬ ‫فك َ َ‬ ‫ن َ‬‫مك َــا ٍ‬
‫َ‬
‫عون ‪‬‬ ‫صن َ ُ‬‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ف بِ َ‬ ‫و ِ‬
‫خ ْ‬ ‫و ٱل ْ َ‬
‫ع َ‬ ‫جو ِ‬ ‫س ٱل ْ ُ‬ ‫ل َِبا َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪308‬‬

‫‪..((112‬‬
‫فاليييذي يعصييي الليييه تعييالى مسييتخدما ً نعميييه‬
‫فسيعيش حياةً غير آمنة وسينقص رزقه ويعيش في‬
‫فقر وجوع وخوف‪ ...‬ولذلك كان من أهييم منيين اللييه‬
‫ت‬‫ذا ٱل ْب َي ْ ِ‬‫هـٰ َ‬‫ب َ‬‫دوا ْ َر ّ‬ ‫فل ْي َ ْ‬
‫عب ُ ُ‬ ‫تعالى على قريش‪َ  :‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مــ ْ‬ ‫هــم ّ‬ ‫من َ ُ‬
‫وءا َ‬‫ع َ‬‫جــو ٍ‬‫مــن ُ‬ ‫هــم ّ‬
‫م ُ‬ ‫ذى أطْ َ‬
‫ع َ‬ ‫‪ ‬ٱّلــ ِ‬
‫ف ‪) ...‬قريش‪(4-3 ،‬‬ ‫و ٍ‬ ‫خ ْ‬
‫مشروع عملي‬
‫ما رأيكم أن نتبع قراءتنا لهذه السييورة بمشييروع‬
‫عملي‪ ،‬يزيد ميين إحساسيينا بنعييم اللييه وتفاعلنييا مييع‬
‫سورة النحل؟‬
‫اقرأ سورة النحل‪ ،‬ثم تتّبع النعم المييذكورة فيهييا‬
‫واكتبها كلها‪ ،‬وترجم هذه النعم إلييى حياتييك الخاصيية‬
‫بأمثلة محددة )كالستر مثل ً أو العائلة أو الغذاء(‪ .‬بعد‬
‫كر في كيفية توظيف كل هذه النعم فييي‬ ‫ذلك كله تف ّ‬
‫طاعة الله‪ ،‬تكون قد حققت مراد الله منك في هذه‬
‫السورة‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬
‫السراء‬

‫سو‬ ‫سورة السراء )مكية( نزلت بعد سورة القصص‪،‬‬


‫رة‬ ‫وهي في ترتيب المصحف بعد سورة النحييل‪ ،‬وعييدد‬
‫السراء‬ ‫آياتها ‪ 111‬آييية‪ .‬وتعييرف هييذه السييورة بسييورة بنييي‬
‫إسرائيل‪.‬‬
‫أعظم اجتماع‬
‫ولكي نقف علييى محييور وهييدف السييورة فنحيين‬
‫بحاجيية للرجييوع إليى قصيية السييراء نفسييها‪ ،‬عنييدما‬
‫ُأسري بالنبي ‪ ‬من المسجد الحرام إلى المسييجد‬
‫القصى‪ ،‬وبعدها كانت رحلة المعراج إلى السماوات‬
‫العلييى‪ .‬فلميياذا لييم تسييم السييورة باسييم سييورة‬
‫المعراج؟ ومييا السيير الكييامن وراء تسييمية السييورة‬
‫بهذا السم؟‬
‫لقد رافق هذا الحدث العظيم حدث آخيير بنفييس‬
‫الهمية‪ ،‬كان أعظم اجتماع في تاريخ البشييرية‪ .‬لقييد‬
‫كييان المسييجد القصييى ممتلئا ً عيين آخييره بأفضييل‬
‫الناس‪ ،‬أنبياء الله تعالى مين ليدن آدم حيتى عيسيى‬
‫عليييه السييلم‪ ،‬وكلهييم كييانوا ينتظييرون النييبي ‪،‬‬
‫ليصلي بهم إمامًا‪.‬‬
‫‪309‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪310‬‬

‫إمام الرسل والنبياء‬


‫ن صييلة النييبي بالنبييياء هييي عنييوان انتقييال‬ ‫إ ّ‬
‫الرسالة إلى هذه المة واستلم النبي ‪ ‬لواء قيادة‬
‫البشرية في هذا المكان المبارك‪ ،‬المسجد القصى‪.‬‬
‫فأنت يا محمد وأنتم يا أمة محمد أصبحتم مسؤولين‬
‫عن الكتاب‪ ،‬أي عن الرسالة التي أرسييلها اللييه إليى‬
‫البشرية والتي تنتقل من نبي إلييى نييبي‪ ،‬ابتييداء ميين‬
‫سيييدنا نييوح الييذي حمييل الرسييالة مييع أولده بعييد‬
‫الطوفيييان‪ ،‬لتصيييل إليييى إبراهييييم حاميييل الكتييياب‬
‫السييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييماوي‬

‫ومن ثم إلى موسى وعيسى عليهما السلم‪ ،‬إلى أن‬


‫وصلت أخيرا ً إلى محمد ‪ ‬وأمته‪.‬‬
‫أمانة الكتاب‬
‫كل نبي من هؤلء كان يؤمر بالحفاظ على كتاب‬
‫الله وأوامره‪ ،‬لكن قييومه ميين بعييده كييانوا يضيييعون‬
‫دلون أحكييامه‪ ،‬فييإذا‬‫المانة‪ ،‬فيحّرفون الكتيياب أو يب ي ّ‬
‫فعلوا ذلك‪ ،‬يسييتبدلهم اللييه بقييوم آخرييين ليتسييلموا‬
‫أمانة الكتاب‪ .‬وآخر أمة كانت مسؤولة عيين الكتيياب‬
‫هييم بنييو إسييرائيل الييذين أفسييدوا فييي الرض ولييم‬
‫يراعوا حق الكتاب )لذلك سميت السورة باسييمهم‪،‬‬
‫لنها تتحدث عيين انتقييال الكتيياب ميين عهييدتهم إلييى‬
‫الميية المحمدييية‪ ،‬ودلليية ذلييك أن كييل أنبييياء بنييي‬
‫إسرائيل وقفوا يصلون خلف النبي ‪ ،(‬فاسييتبدلهم‬
‫‪311‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الله بأمة محمد ‪ ،‬وكييانت حادثيية السييراء عنييوان‬


‫استلم الرسالة‪ .‬فما هو هدف السورة؟‬
‫هدف السورة‪ :‬استشعر قيمة القرآن‬
‫كيف يكون هذا هييو هييدف السييورة؟ ومييا علقيية‬
‫ذلك بالسراء؟‬
‫إن سييورة السييراء هييي أكييثر سييورة ذكيير فيهييا‬
‫القرآن والكتيياب‪ ،‬وفييي ذلييك دلليية علييى استشييعار‬
‫قيمة القرآن‪ .‬وحادثة السراء هييي الحادثيية الممثليية‬
‫لنتقال الكتاب إلى أمة محمد ‪ ،‬وكأنها تقول لنييا‪:‬‬
‫أنتم يا أمة محمد مسؤولون عيين هييذا الكتيياب‪ ،‬عيين‬
‫القرآن‪ .‬فاستشعروا قيمته‪ ،‬وإياكم أن تفرطييوا فيييه‬
‫كمييا فعلييت المييم السييابقة فيسييتبدلكم اللييه كمييا‬
‫استبدلهم‪.‬‬
‫اجعله إمامك‬
‫روى سيدنا علي بن أبي طالب حديثا ً عن رسول‬
‫الله ‪ ‬يوضح أهمية القرآن في حياتنا‪ ،‬وأنييه طييوق‬
‫نجاة لمن يتخذه إمامًا‪ .‬يقول عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫"أل إنها ستكون فتنيية" فقييال سيييدنا علييي‪ :‬فمييا‬
‫المخرج منها يا رسول الله‪.‬‬
‫قال‪" :‬كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وفيه خييبر مييا‬
‫بعدكم وحكم ما بينكم‪ .‬هو بالفصل ليس بالهزل من‬
‫تركه من جبار قصمه اللييه وميين ابتغييى الهييدى فييي‬
‫غيره أضّله الليه‪ .‬هيو حبيل الليه الميتين وهيو اليذكر‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪312‬‬

‫الحكيم وهو الصراط المستقيم‪ ،‬وهييو الييذي ل تزيييغ‬


‫بييه الهييواء ول تلتبييس بييه اللسيينة ول يشييبع منييه‬
‫العلماء ول يبلى من كثرة الييرد ول تنقضييي عجييائبه‪.‬‬
‫وهو الذي لم تنتييه الجيين إذ سييمعته إل أن قييالوا إنييا‬
‫سمعنا قرآنا ً عجبًا‪ .‬من قال به صدق وميين حكييم بييه‬
‫عدل ومن عمل بييه أجيير وميين دعييى بييه هييدي إلييى‬
‫صراط مستقيم"‪.‬‬
‫تعال معنا‪ ،‬يا قارئ القرآن‪ ،‬وبما أننييا تقريب يا ً فييي‬
‫منتصف رحلتنا مع القرآن الكريم‪ ،‬لنعيش مع سورة‬
‫القرآن ونستشعر عظمته من خلل آياتها‪.‬‬
‫انتقال الكتاب عبر المم‬
‫تبدأ السورة ‪ -‬كما هو واضح ‪ -‬بحادثة السراء‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مـ َ‬‫ه ل َي ْل ً ّ‬
‫د ِ‬
‫عب ْ ـ ِ‬
‫س ـَر ٰى ب ِ َ‬‫ذى أ ْ‬ ‫ن ٱل ّ ـ ِ‬ ‫حا َ‬‫س ـب ْ َ‬
‫ُ‬
‫‪‬‬
‫َ‬
‫صــى‬ ‫ق َ‬‫د ٱل ْ‬ ‫ج ِ‬
‫سـ ِ‬ ‫ى ٱل ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫حَرام ِ إ ِل َـ ٰ‬ ‫ٱْ َ‬
‫د ل‬‫ج ِ‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ه‪.( (1..‬‬ ‫ول َ ُ‬ ‫ذى َباَرك َْنا َ‬
‫ح ْ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫وفي الية الثانية مباشرة نرى قوله تعالى‪:‬‬
‫ب‪ .( (2‬لقييد جيياءت‬ ‫سى ٱل ْك ِت َ ٰـ َ‬ ‫مو َ‬ ‫وءات َي َْنآ ُ‬‫‪َ‬‬
‫هذه الية بعد حادثة السراء للتوضيح أن ذكر حادثيية‬
‫السراء يهدف إلى إعلن انتقال الكتيياب إلييى الميية‬
‫المحمدية‪ ،‬لذلك نييرى أن الييية الثانييية تحييدثت عيين‬
‫المة التي كان معها الكتاب من قبل‪:‬‬
‫دى‬ ‫عل ْن َــاهُ ُ‬
‫هـ ً‬ ‫ج َ‬
‫و َ‬ ‫سى ٱل ْك ِت َ ٰـ ـ َ‬
‫ب َ‬ ‫مو َ‬‫وءات َي َْنآ ُ‬ ‫‪‬‬‫َ‬
‫َ‬
‫كيل ً ‪‬‬‫و ِ‬
‫دون ِــى َ‬ ‫مــن ُ‬‫ذوا ْ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ل أل ّ ت َت ّ ِ‬ ‫س ٰرءي َ‬ ‫ل ّب َِنى إ ِ ْ‬
‫‪313‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪.((2‬‬
‫مل َْنا‬
‫ح َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫فكيف وصل الكتاب إليهم؟ ‪‬ذُّري ّ َ‬
‫ة َ‬
‫كوًرا‪.( (3‬‬ ‫ش ُ‬
‫دا َ‬‫عب ْ ً‬
‫ن َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ح إ ِن ّ ُ‬
‫ع ُنو ٍ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫وكييأن هييذه اليييات الثلث تصييوير مييادي لحركيية‬
‫انتقال الكتاب عبر المم‪.‬‬
‫فماذا فعلوا بالكتاب؟ ولماذا استبدلوا؟‬
‫ب‬ ‫فى ٱل ْك ِت َ ٰـــ ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٰرءي َ‬ ‫ض‪‬ي َْنا إ ِل َ ٰى ب َِنى إ ِ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫وا ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫علـ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫علـ ّ‬ ‫ولت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مّرت َي ْـ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫فــى ٱل ْر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫سدُ ّ‬ ‫ف ِ‬
‫ور‬ ‫ك َِبيرا ً‪ ...( (4‬وتمضييي اليييات ميين ‪ 7 - 4‬لتص ي ّ‬
‫تضييع المة السابقة لهذه المانة إلى أن نصييل إلييى‬
‫آية محورية‪ ،‬الية ‪ ،9‬لتعلن مسييؤولية أميية السييلم‪،‬‬
‫عن الكتاب‪.‬‬
‫م‬ ‫و ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ى أَ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دى ل ِل ِّتى ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن يِ ْ‬‫قْرءا َ‬ ‫ذا ٱل ْ ُ‬ ‫هـٰ َ‬ ‫ن َ‬ ‫‪‬إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫مُلــــو َ‬ ‫ع َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱّلــــ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬‫مــــ ْ‬ ‫شــــُر ٱل ْ ُ‬ ‫وي ُب َ ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱّلــ ِ‬ ‫جًرا ك َِبي ـًرا ‪ ‬وأ ّ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫تأ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص ٰـل ِ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫َ‬ ‫ة أَ ْ‬ ‫ن ب ِٱل َ ِ‬
‫ما ‪‬‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫ع َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫عت َدَْنا ل َ ُ‬ ‫خَر ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫ل َ يُ ْ‬
‫‪.((9 – 10‬‬
‫فاستمسكوا بهذا الكتاب‪ ،‬واستعصييموا بييه‪ ،‬فييإنه‬
‫يهديكم أيها المسلمون للتي هي أقوم‪...‬‬
‫كتاب الخرة‬
‫وفي معرض الحديث عيين يييوم القياميية‪ ،‬تتحيدث‬
‫اليات عن كتاب الخرة ‪ -‬كتاب العمال والحسيينات‬
‫والسيئات ‪ -‬لتبّين مصير الييذي ل يلييتزم بكتيياب اللييه‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪314‬‬

‫في الدنيا‪.‬‬
‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫قـ ِ‬ ‫عن ُ ِ‬‫فــى ُ‬ ‫طـ ـئ َِرهُ ِ‬ ‫من َ ٰـ ُ‬ ‫ن أل َْز ْ‬ ‫س ٰـ ٍ‬ ‫ل إ ِن ْ َ‬ ‫‪‬ك ُ ّ‬‫و‬
‫َ‬
‫شورا ً ‪‬‬ ‫من ْ ُ‬‫ه َ‬ ‫ق ٰـ ُ‬ ‫ة ك َِتاًبا ي َل ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫قي َ ٰـ َ‬ ‫م ٱل ْ ِ‬ ‫و َ‬‫ه يَ ْ‬ ‫ج لَ ُ‬‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬‫ون ُ ْ‬
‫َ‬
‫عل َي ْ ـ َ‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬‫ك ٱل َْيــ ْ‬ ‫سـ َ‬‫ف ِ‬ ‫ى ب ِن َ ْ‬ ‫فـ ٰ‬ ‫ك كَ َ‬ ‫قــَرأ ك َـت َـبَٰ َ‬ ‫ٱ ْ‬
‫سيًبا‪.( (13 – 14‬‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫فقضية الكتاب قضية أساسية في حياة المسلم‪،‬‬
‫فإن لم تقرأ أيها المسلم كتيياب اللييه وتفهييم معييانيه‬
‫وتطّبقهييا فييي حياتييك الييدنيا‪ ،‬فميياذا سييتفعل بكتيياب‬
‫الخرة؟‪..‬‬
‫أوامر الكتاب‬
‫ومن أول الربع الثاني تتكلم السورة عن عظميية‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬لنه يأمر بما تقتضيه كل فطرة سليمة‪،‬‬
‫فييأي صيياحب عقييل سييليم وفطييرة سييليمة غييير‬
‫وشة ل يسعه حين يقرأ هذا الكتاب إل أن يس يّلم‬ ‫مش ّ‬
‫ويعترف بعظمته‪ ...‬فمن هذه الوامر‪:‬‬
‫ض ٰ ى رب َ َ‬
‫ه‬‫دوا ْ إ ِل ّ إ ِي ّ ٰـ ُ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫ك أل ّ ت َ ْ‬ ‫َ ّ‬ ‫‪َ ‬‬ ‫و َ‬
‫ق‬ ‫‪ -‬بّر الوالدين َ‬
‫ك ٱل ْك ِب ََر‬ ‫عندَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫غ ّ‬ ‫ما ي َب ْل ُ َ‬ ‫سـنا ً إ ِ ّ‬
‫ح َٰ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وب ِٱلوٰل ِدَي ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول َ‬ ‫ف َ‬ ‫مــا أ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫قــل ل ّ ُ‬ ‫فل َ ت َ ُ‬ ‫مــا َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ك ِل َ ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫حدُ ُ‬ ‫أ َ‬
‫ض‬‫فــ ْ‬ ‫خ ِ‬‫وٱ ْ‬ ‫ما ‪َ ‬‬ ‫ري ً‬ ‫ول ً ك َ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫قل ل ّ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫هْر ُ‬ ‫ت َن ْ َ‬
‫ب‬ ‫قــل ّر ّ‬ ‫و ُ‬‫ة َ‬ ‫مـ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ٱلّر ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ح ٱلـذّ ّ‬ ‫جَنا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫لَ ُ‬
‫غيًرا‪...( (23 – 24‬‬ ‫ص ِ‬‫ما َرب َّياِنى َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ه َ‬‫م ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ٱْر َ‬
‫ذا‬ ‫ت َ‬ ‫وءا ِ‬ ‫‪ -‬اسييتعمال المييال فييي أوجييه الخييير ‪َ ‬‬
‫ل‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫و ٱب ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ٱل ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫قْرَبىٰ َ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫‪315‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ن‬
‫خ ٰو َ‬ ‫كاُنوا ْ إ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬
‫مب َذّ ِ‬ ‫ذيًرا ‪‬إ ِ ّ‬ ‫ول َ ت ُب َذّْر ت َب ْ ِ‬ ‫َ‬
‫فــوًرا‬ ‫ه كَ ُ‬ ‫ن ل َِرب ّـ ِ‬ ‫شي ْطَ ٰـ ُ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬‫ن َ‬ ‫طي ِ‬ ‫شي َ ٰـ ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫‪..( (26 - 27‬‬
‫ك‬ ‫ل ي َدَ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫‪ -‬التوازن بين البخل والسراف ‪َ ‬‬
‫ل‬‫ها ك ُـــ ّ‬ ‫ســـطْ َ‬ ‫ول َ ت َب ْ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫قـــ َ‬‫عن ُ ِ‬‫ٰى ُ‬ ‫ة إ ِل َـــ‬
‫غُلول َـــ ً‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫سورا ً‪...( (29‬‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬‫ما ّ‬ ‫مُلو ً‬ ‫عدَ َ‬ ‫ق ُ‬‫فت َ ْ‬ ‫ط َ‬ ‫س ِ‬ ‫ٱل ْب َ ْ‬
‫نداء الفطرة‬
‫كلهييا أواميير ونييواهي تخيياطب العقييل السييليم‬
‫والفطرة الحية‪ ،‬فمن يعييرض عيين هييذا الكلم؟ كيييف‬
‫نهجره وكيف ل نستمسك بييه؟ وفيييه مصييلحة البشيير‬
‫وخيرهم‪...‬‬
‫ة إِ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫حـ ُ‬‫ق نّ ْ‬‫مل ٰــ ٍ‬ ‫شـي َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ولدَك ُـ ْ‬‫قت ُل ُــوا ْ أ ْ‬
‫‪‬ل َ ت َ ْ‬ ‫و‬
‫‪َ -‬‬
‫خطًْئا‬ ‫ن ِ‬ ‫م َ‬
‫كــا َ‬ ‫هــ ْ‬ ‫قت ْل َ ُ‬‫ن َ‬ ‫كم إ ّ‬ ‫وإ ِّيــا ُ‬
‫م َ‬
‫هــ ْ‬ ‫ق ُ‬‫ن َْرُز ُ‬
‫ك َِبيًرا‪.( (31‬‬
‫ة‬
‫شــ ً‬ ‫ح َ‬‫فا ِ‬ ‫ن َ‬
‫كــا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ٱّزَنــ ٰى إ ِّنــ ُ‬ ‫قَرُبــوا ْ ل‬ ‫و‪‬ل َ ت َ ْ‬ ‫‪َ -‬‬
‫سِبيل ً‪.( (32‬‬ ‫ساء َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ولن اليات تخاطب الفطييرة‪ ،‬فقييد تكلمييت عيين‬
‫قبييح‪ ،‬وإن لييم‬ ‫ل بييالغ ال ُ‬ ‫ل" لنه ِفع ٌ‬ ‫الزنا أنه "ساء سبي ً‬
‫يلحظ بعض أصحاب النفوس الضعيفة ذلييك‪ ،‬لنييه ل‬
‫مشيييي فيييي طريقيييه إل الهلك‬ ‫ييييترتب عليييى ال َ‬
‫والكييوارث‪ ،‬مثييل قتييل النفييس‪ ،‬وضييعف الييرزق‪،‬‬
‫ظلميية الييوجه‪ ،‬واختلط النسيياب والحييياة البائسيية‬ ‫و ُ‬
‫الكئيبة‪...‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪316‬‬

‫م ٱللــه إ ِل ّ‬ ‫حّر َ‬ ‫س ٱل ِّتى َ‬ ‫ف َ‬ ‫قت ُُلوا ْ ٱلن ّ ْ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫‪َ  -‬‬


‫ق‪.( (33‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ِٱل َ‬
‫ى‬ ‫هـ َ‬ ‫ٱي َِتي ـم ِ إ ِل ّ ِبــ ٱل ِّتى ِ‬ ‫ل لْ‬‫ما َ‬ ‫قَرُبوا ْ َ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫‪َ  -‬‬
‫ن‪.( (34‬‬ ‫َ‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫وزُنــــوا ْ‬ ‫‪َ  -‬‬
‫م َ ِ‬ ‫ل ِإذا ك ِل ُْتــــ ْ‬ ‫فــــوا ٱل ْك َْيــــ َ‬ ‫و ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫م‪.( (35..‬‬ ‫قي ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬‫س ٱل ْ ُ‬ ‫سطا ِ‬
‫ق ْ َ‬ ‫ب ِ ٱل ِ‬
‫ع‬ ‫م َ‬‫س ْ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫عل ْ ٌ‬‫ه ِ‬‫ك بِ ِ‬‫س لَ َ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫‪َ  -‬‬
‫ه‬ ‫عن ْـ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ك ك َــا َ‬ ‫ل ُأول ٰـ ـئ ِ َ‬ ‫ؤادَ ك ُـ ّ‬ ‫فـ َ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬ ‫صَر َ‬ ‫و ٱل ْب َ َ‬ ‫َ‬
‫ؤول ً‪.( (36‬‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ك َلــن‬ ‫حــا إ ِّنــ َ‬ ‫َ‬
‫مَر ً‬ ‫ض َ‬‫فــى ٱل ْر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫مــ ِ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫‪َ  -‬‬
‫ل طُــول ً ‪‬‬ ‫َ‬
‫جب َــا َ‬ ‫غ ٱل ْ ِ‬ ‫وَلن ت َب ْل ُ َ‬ ‫ض َ‬ ‫رقَ ٱل ْر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫‪.((37‬‬
‫فميين يرفييض مثييل هييذا الكلم‪ ،‬وكيييف يمكيين‬
‫للمسلمين أن يهجروا هذا الكتاب‪ ،‬وهو يأمرهم بكيل‬
‫هييذا الخييير وينهيياهم عمييا فيييه ضييررهم وهلكهييم؟‬
‫هــا ‪‬‬‫مك ُْرو ً‬
‫ك َ‬ ‫عن ْـدَ َرب ّـ َ‬
‫ه ِ‬‫سـي ّئ ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ك ك َــا َ‬ ‫ل ٰذل ِ َ‬ ‫كُ ّ‬ ‫‪‬‬
‫‪.((38‬‬
‫لذلك نرى تعقيبا ً رائعا ً على كل ما سبق ‪ٰ‬ذل ِـ َ‬
‫ك‬
‫ن ٱل ْ ِ‬ ‫حى إ ِل َي ْـ َ‬ ‫َ‬
‫ة‪( (39..‬‬ ‫حك ْ َ‬
‫مـ ِ‬ ‫مـ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ك َرب ّـ َ‬ ‫و َ ٰ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫فكل ما سبق حكمة‪ ،‬وكله يؤدي بالنسان لن يعيش‬
‫حياة كريميية فييي الييدنيا والخييرة‪ ،‬فييإذا غفييل عنهييا‪:‬‬
‫فــى‬ ‫قـ ٰى ِ‬ ‫فت ُل ْ َ‬‫خَر َ‬‫ها ءا َ‬ ‫ع ٱلله إ ِل َ ٰـ ً‬ ‫م َ‬‫ل َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ل َ تَ ْ‬
‫و‪‬‬ ‫َ‬
‫حوًرا‪ .( (39‬فهل أدركنا عظميية‬ ‫مدْ ُ‬‫ما ّ‬ ‫ملو ً‬‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫هن ّ َ‬
‫ج َ‬‫َ‬
‫‪317‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫هذا القرآن؟ وربنا سبحانه وتعالى يخبرنا بييأن الخييير‬


‫كل الخير موجود في القرآن‪:‬‬
‫ن‬ ‫ذا ٱل ْ ُ‬
‫قـــْرءا ِ‬ ‫هــــٰ َ‬
‫فـــى َ‬ ‫فَنا ِ‬‫صـــّر ْ‬‫قـــدْ َ‬ ‫ول َ َ‬
‫‪َ ‬‬
‫فوًرا‪.( (41‬‬ ‫م إ ِل ّ ن ُ ُ‬
‫ه ْ‬‫زيدُ ُ‬
‫ما ي َ ِ‬ ‫ل ِي َذّك ُّروا ْ َ‬
‫و َ‬
‫قيمة القرآن‬
‫وبعييد أن بّينييت اليييات عظميية القييرآن وأهمييية‬
‫أحكامه‪ ،‬تقوم بعد ذلك بين الية والخرى بذكر مزايا‬
‫الكتيياب )فهييي أكييثر سييور القييرآن إيييرادا ً للكتيياب(‪،‬‬
‫فنرى فيها‪:‬‬
‫ن‬ ‫ت ٱل ْ ُ‬ ‫ذا َ ْ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫قــرءا َ‬ ‫قَرأ َ‬ ‫حفظ القرآن لهلييه‪َ  :‬‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬ ‫ن ب ِ ـ ٱل َ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫ن ل َ يُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱ ِ‬‫ن لّ‬ ‫وب َي ْ َ‬‫ك َ‬ ‫عل َْنا ب َي ْن َ َ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ة َأن‬ ‫م أ َك ِن ّ ً‬ ‫ه ْ‬ ‫قلوب ِ ِ‬
‫عل َ ٰى ُ ُ‬ ‫عل َْنا َ‬ ‫ج َ‬‫و‪َ ‬‬
‫سُتوًرا َ‬ ‫م ْ‬‫جاًبا ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫ت َرب ّـ َ‬ ‫ذا ذَك َْر َ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫قًرا َ‬ ‫و ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ذان ِ ِ‬ ‫فى ءا َ‬ ‫و ِ‬ ‫هوهُ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ف َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫ر ِ‬ ‫عَلــ ٰى أدْب َ ٰـــ ِ‬ ‫وا ْ َ‬ ‫وّلــ ْ‬ ‫حــدَهُ َ‬ ‫و ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قــْرءا ِ‬ ‫ٱ ُ‬ ‫فــى ل ْ‬ ‫ِ‬
‫فورا ً‪.( (45-46‬‬ ‫نُ ُ‬
‫اشتمال القرآن على أسرار التاريخ وسيينن قيييام‬
‫هــا‬ ‫كو َ‬ ‫هل ِ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة إ ِل ّ ن َ ْ‬ ‫قْري َ ٍ‬ ‫من َ‬ ‫وِإن ّ‬ ‫الحضارات‪َ  :‬‬
‫قي ٰـم َ‬
‫دا‬ ‫دي ً‬ ‫شـ ِ‬ ‫ذاًبا َ‬ ‫عـ َ‬ ‫ها َ‬ ‫عذُّبو َ‬ ‫م َ‬ ‫و ُ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫و م ِ ٱل ْ ِ َ َ ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫قب ْ َ‬ ‫َ‬
‫طوًرا‪.( (58‬‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫فى ٱل ْك ِت َ ٰـ ِ‬ ‫ن ٰذِلك ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫فالنسان حين يرى تركيييز سييورة السييراء علييى‬
‫عظميية القييرآن وهييو ل يييزال فييي منتصييف القييرآن‬
‫)الجزء ‪ ،(15‬فل بد أن يستشعر أهميته ول يمر علييى‬
‫آياته مرور الكرام‪ ،‬لن هذه اليييات سييتكون فرصيية‬
‫عظيمة له لرفع درجاته يوم القياميية‪ ،‬كمييا جيياء فييي‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪318‬‬

‫حديث النبي ‪" :‬يقال لقارئ القييرآن يييوم القياميية‬


‫ن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"‪..‬‬ ‫إقرأ وارق ورّتل فإ ّ‬
‫فعدد درجييات الجنيية يييا أخييي المسييلم هييو بعيدد‬
‫آيات القرآن‪ .‬أل تريد الجنة؟ أل تحلم بهييا وتتمناهييا؟‬
‫أل تريييد الفييردوس العلييى؟ إذا ً فييالزم قييراءة هييذا‬
‫القرآن‪ ،‬وخاصة في صلة الفجر وفي قيام الليل‪.‬‬
‫س إ َِلــ ٰى‬ ‫م ِ‬ ‫شــ ْ‬ ‫ٱ ّ‬‫ك ل‬ ‫صــل َ ٰوةَ ِلــدُُلو ِ‬ ‫‪‬م ِ ٱل ّ‬ ‫قــ‬ ‫أَ ِ‬
‫ن‬
‫قــْرءا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ر إِ ّ‬‫جــ ِ‬ ‫ف ْ‬‫ن ٱل ْ َ‬‫قــْرءا َ‬ ‫و ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ٱل ّْيــ ِ‬ ‫ســ ِ‬ ‫غ َ‬ ‫َ‬
‫دا‪.( (78‬‬ ‫هو ً‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ر َ‬
‫كا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫س ـ ٰى‬ ‫ع َ‬ ‫ك َ‬ ‫ة ل ّـ َ‬ ‫فل َـ ً‬
‫ه َنا ِ‬‫جدْ ب ِ ِ‬ ‫ه ّ‬
‫فت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ٱل ّي ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫و‪ِ ‬‬‫َ‬
‫قامـــــــــــا ً‬ ‫م َ‬ ‫ك َرّبـــــــــــ َ‬ ‫عَثـــــــــــ َ‬ ‫َ‬
‫ك َ‬ ‫أن ي َب ْ َ‬
‫‪.(‬‬ ‫دا‪(79‬‬
‫مو ً‬
‫ح ُ‬
‫م ْ‬
‫ّ‬
‫شفاء ورحمة للمؤمنين‬
‫واسمع قوله تعالى‪:‬‬
‫فاء‬ ‫شــ َ‬
‫و ِ‬ ‫هــ َ‬‫مــا ُ‬
‫ن َ‬
‫قــْرءا ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬‫مــ َ‬
‫ل ِ‬ ‫ون َُنــّز ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن إ َل ّ‬
‫مي َ‬‫زيــدُ ٱلظّ ٰـــل ِ ِ‬
‫ول َ ي َ ِ‬‫ن َ‬
‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬ ‫ة ل ّل ْ ُ‬
‫مــ ْ‬ ‫مــ ٌ‬‫ح َ‬‫وَر ْ‬
‫َ‬
‫ساًرا‪ .( (82..‬فكما قلنا فييي سييورة النحييل‪ ،‬لييم‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫ترد لفظة الشفاء في القييرآن إل للعسييل والقييرآن‪،‬‬
‫لن العسل شييفاء البييدان ميين المييراض‪ ،‬والقييرآن‬
‫شفاء للقلوب ودواء لرواح المؤمنين الذين يعرفون‬
‫قيمته‪.‬‬
‫تحدي القرآن‬
‫واليات التي تحدثت عيين عظميية القييرآن كييثيرة‬
‫‪319‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫س‬
‫لنــ ُ‬ ‫تٱ ِ‬ ‫عــ ِ‬‫م َ‬ ‫جت َ َ‬‫نٱ ْ‬ ‫ّ‬ ‫فييي السييورة‪ُ  :‬‬
‫قــل لئ ِ ِ‬
‫ذا ٱل ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ع َ ٰ َ‬
‫ن لَ‬ ‫قْرءا ِ‬ ‫هـٰ َ‬ ‫ل َ‬ ‫لى أن ي َأُتوا ْ ب ِ ِ‬
‫مث ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫و ٱل ْ ِ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫هيــًرا‬‫ضظ ِ‬ ‫عــ ٍ‬ ‫م ل ِب َ ْ‬‫ه ْ‬ ‫ض ُ‬
‫ع ُ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ول ْ‬ ‫مث ْل ِ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ن بِ ِ‬‫ي َأُتو َ‬
‫‪.( (88‬‬
‫فافتخر بهذا التحدي الذي ل يزال قائما ً إلى يييوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫ن‬ ‫ذا ٱل ْ ُ‬
‫قــْرءا ِ‬ ‫هـٰ َ‬‫فى َ‬‫س ِ‬
‫فَنا ِللّنا ِ‬ ‫صّر ْ‬
‫قدْ َ‬ ‫ول َ َ‬‫‪َ ‬‬
‫س إ ِل ّ ك ُ ُ‬ ‫فأ َ ٰ َ‬
‫فــوًرا ‪‬‬ ‫بى أك ْث َُر ٱلّنا ِ‬‫ل َ َ‬ ‫مث َ ٍ‬
‫ل َ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫ِ‬
‫‪.((89‬‬
‫فكل احتياجات الحياة الكريمة موجودة فييي هييذا‬
‫القرآن‪ ،‬لكن أكثر الناس يأبى إل الكفر والجحود‪.‬‬
‫دور القرآن‬
‫َ‬
‫مــا‬‫و َ‬‫ل َ‬ ‫ق َنــَز َ‬ ‫وِبــ ٱل ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ق أن َْزل َْنــاهُ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ٱ َ‬‫وِبــ ل ْ‬ ‫‪‬‬
‫َ‬
‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫قَنـا ُ‬ ‫فَر ْ‬ ‫قْرءان ًــا َ‬ ‫و ُ‬ ‫ذيًرا ‪َ ‬‬
‫ون َ ِ‬
‫شًرا َ‬ ‫مب َ ّ‬‫ك إ ِل ّ ُ‬ ‫أْر َ‬
‫ه‬‫ون َّزل ْن َ ٰـ ـ ُ‬
‫ث َ‬ ‫مك ْ ـ ٍ‬‫عل َ ـ ٰى ُ‬ ‫س َ‬ ‫ٱن ّــا ِ‬ ‫عل َــى ل‬ ‫ق ـَرأ َهُ َ‬ ‫ل ِت َ ْ‬
‫زيل ً‪..( (105 – 106‬‬ ‫ت َن ْ ِ‬
‫لقد سميت هذه السييورة بسييورة السييراء حييتى‬
‫نتذكر ‪-‬كلما قرأناها ‪ -‬النبي ‪ ،‬وهو يستلم الكتيياب‬
‫في رحلة السراء‪ ،‬ويسّلمه لنا من بعده‪.‬‬
‫وبما أننا تحملنا مسؤولية حمييل القيرآن‪ ،‬فينبغيي‬
‫أن نكثر من قراءته‪ ،‬ليس في رمضان فقط‪ ،‬بل في‬
‫كل الشهور‪ ،‬وينبغييي أن نتييدبره ونعمييل بييه ونعّلمييه‬
‫فذ منهجه‪...‬‬ ‫لمن حولنا وننشره ونن ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪320‬‬

‫أحّباء القرآن‬
‫وختام السورة تذكرة بأنيياس أحب ّييوا القييرآن حبيا ً‬
‫شديدًا‪ ،‬وفهموا هدف سورة السييراء‪ ،‬فتفيياعلوا مييع‬
‫و لَ‬ ‫ل ءامن ُــوا ْ بـ َ‬ ‫قـ ْ‬ ‫كتاب الله تفاعل ً صييادقًا‪ُ  :‬‬
‫هأ ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ذا‬ ‫ه إِ َ‬ ‫قب ْل ِ ـ ِ‬‫مــن َ‬ ‫م ِ‬ ‫عل ْ َ‬‫ن ُأوُتوا ْ ٱل ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫مُنوا ْ إ ِ ّ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫دا‬
‫ج ً‬ ‫ســـ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫قـــا ِ‬ ‫ن ل ِل َذْ َ‬ ‫خـــّرو َ‬ ‫م يَ ِ‬‫هـــ ْ‬ ‫ٰى َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ي ُت َْلـــ‬
‫ع ـدُ َرب ّن َــا‬ ‫و ْ‬‫ن َ‬ ‫ن َرب ّن َــا ِإن ك َــا َ‬ ‫حا َ‬ ‫س ـب ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫قول ُــو َ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫زيــدُ ُ‬ ‫وي َ ِ‬‫ن َ‬ ‫ُ‬
‫ن ي َب ْكــو َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ن ل ِلذْ َ‬ ‫خّرو َ‬ ‫عول ً ‪َ ‬‬
‫وي َ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ف ُ‬ ‫لَ َ‬
‫عا‪.( (107 – 109‬‬ ‫شو ً‬ ‫خ ُ‬ ‫ُ‬
‫والحمد لله‪ ،‬لقد أصبحنا نرى هذه اليييات تنطبيق‬
‫على بعض الشباب في المساجد‪ ،‬وخاصة في شييهر‬
‫رمضييان‪ .‬تنظيير إليهييم فييتراهم "يخييرون للذقييان‬
‫يبكون"‪ .‬وكلمييا تليييت عليهييم آيييات القييرآن تزيييدهم‬
‫خشوعًا‪ ...‬وهو أمر مطمئن‪ ،‬لن تعامل الشباب مييع‬
‫شر ببوادر خير لهذه المة‪.‬‬ ‫القرآن بهذا المستوى يب ّ‬
‫يرفع أقواما ً ويضع آخرين‬
‫فإن لييم نكيين كأحبيياء القييرآن الييذين ذكييروا فييي‬
‫اليييات السييابقة‪ ،‬فييإن نفييس اليييات تحييذرنا ميين‬
‫من ُــوا ْ ‪.‬‬ ‫و ل َ تُ ْ‬ ‫ل ءامن ُــوا ْ ب ـ َ‬ ‫السييتبدال ‪ُ ‬‬
‫قـ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫هأ ْ‬‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فالمم السابقة قد قصرت في حفظ الكتاب وتبليغه‬
‫فنزع منها إلييى الميية الييتي تليهييا فييالتي تليهييا حييتى‬
‫وصل إلينا‪ ،‬فماذا لو قصييرت هييذه الميية فييي حمييل‬
‫المانة؟‬
‫إن الحساب سيكون أشد يوم القياميية لننييا آخيير‬
‫‪321‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫أمة ستحمل هذه المانة قبل قيام الساعة‪ ،‬فل يجدر‬


‫صيير‪ ،‬بييل نجتهييد فييي حمييل هييذه المانيية‪،‬‬ ‫بنييا أن نق ّ‬
‫كييم مييا إن‬ ‫ت في ُ‬ ‫وتطييبيق حييديث النييبي ‪" :‬تركيي ُ‬
‫كتيياب اللييه‪،‬‬ ‫ضييّلوا بعييدي أبييدًا‪ِ :‬‬
‫سييكُتم بييه ليين ت ِ‬ ‫تم ّ‬
‫سييّنتي"‪ .‬فل نهضيية لمتنييا ول عييز ول خييروج ميين‬ ‫و ُ‬
‫ب‬‫الظلمييات إلييى النييور إل بهييذا الكتيياب‪ :‬ك َِتــا ٌ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫م ٰـــ ِ‬ ‫ن ٱلظّل ُ َ‬ ‫مــ َ‬
‫س ِ‬
‫ج ٱلّنــا َ‬ ‫ر َ‬
‫خ ِ‬
‫ك ل ِت ُ ْ‬ ‫ه إ ِل َي ْ َ‬
‫أنَزل ْن َ ٰـ ُ‬
‫ر ‪.‬‬ ‫إ َِلى ٱلّنو ِ‬
‫كنوز من الحسنات‬
‫استشعر وأنت تقرأ القرآن ‪ -‬إلى جيانب عظمتيه‬
‫وأهميته ‪ -‬الكم الهييائل ميين الحسيينات الييتي ترافييق‬
‫قراءة القرآن‪.‬‬
‫فالنبي ‪ ‬يقول "من قرأ حرفا ً من القييرآن فلييه‬
‫به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ل أقييول ‪‬الــم ‪‬‬
‫حرف بل ألف حرف ولم حرف وميم حرف"‪...‬‬
‫فإذا قرأت "بسييم اللييه الرحميين الرحيييم" مثل ً ‪-‬‬
‫وفيها تسعة عشر حرف يا ً ‪ -‬فإنييك تنييال مئة وتسييعين‬
‫حسنة‪.‬‬
‫إذا ً فجزء القرآن ‪ -‬الذي يكييون متوسييط حروفييه‬
‫سبعة آلف حرف ‪ -‬ينال عليه المسلم سييبعين ألييف‬
‫حسيينة فييي الوقييات العادييية‪ ،‬فمييا بالييك بالوقييات‬
‫المسييتحبة )كصييلة الفجيير أو قيييام الليييل أو شييهر‬
‫رمضان(‪.‬‬
‫آلف الحسنات في قراءة جزء ل يأخذ منييا أكييثر‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪322‬‬

‫فييذه؟ فمييا‬
‫من ثلثة أرباع الساعة‪ ،‬فما بالييك بمين ين ّ‬
‫بالك بمن يسمع اليات بنّية تنفييذها وتطبيقهيا؟ فميا‬
‫بالك بمن يفهم القرآن‪ ،‬ويعرف مييراد ربنييا ميين كييل‬
‫سورة؟ إذا ً فماذا يكون حييال ميين يشيعر أن القييرآن‬
‫أمانة في ع ُُنقه‪ ،‬فيرغ ّييب ميين حييوله بقييراءة القييرآن‬
‫سر لهم بعض معانيه الرائعة التي نعيش معها؟‬ ‫ويف ّ‬
‫ل بد للشاب المسلم الييذي قييرأ سييورة السييراء‬
‫وفهم مراد ربنا منها أن يتعامل مع القييرآن ميين الن‬
‫وصاعدا ً بجدية متناهية‪ ،‬وأن ينذر حييياته ليكييون ميين‬
‫أهل القرآن‪ ،‬الذين هم أهل الله وخاصته‪.‬‬
‫من السراء إلى الكهف‬
‫ومن الشيارات اللطيفية‪ ،‬أن نيرى الحيديث عين‬
‫القرآن يمتييد ميين ختييام سييورة السييراء إلييى بداييية‬
‫سييورة الكهييف‪ .‬فبعييد أن ختمييت سييورة السييراء‬
‫بسجدة حتى تستشعر فيها حلوة القرآن وتبكي من‬
‫خشييية اللييه‪ ،‬ثييم تحمييده علييى نعميية القييرآن‪ ،‬هييذه‬
‫النعمة العظيمة التي بدأت سورة الكهف بشكر ربنا‬
‫ه‬
‫د ِ‬ ‫عل َـ ٰى َ‬
‫عب ْـ ِ‬ ‫ذى أ َن ْـَز َ‬
‫ل َ‬ ‫ٱ ّـ ِ‬
‫مدُ لله ل‬ ‫ح ْ‬ ‫‪‬ل ْ َ‬‫عليها‪ :‬ٱ‬
‫جا‪.( (1‬‬ ‫و َ‬‫ع َ‬ ‫عل ل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ٱل ْك ِت َ ٰـ َ‬
‫الكهف‬

‫سو‬ ‫سورة الكهف )مكية(‪ ،‬نزلت بعد الغاشييية‪ ،‬وهييي‬


‫رة‬ ‫في ترتيب المصحف بعد السراء‪ ،‬وعييدد آياتهييا ‪110‬‬

‫الكهف‬ ‫آيات‪.‬‬
‫خيوط لنسيج واحد‬
‫سورة الكهف هي عبارة عن أربع قصييص‪ ،‬قصيية‬
‫أصييحاب الكهييف‪ ،‬وقصيية صيياحب الجنييتين وقصيية‬
‫موسى والخضر وقصيية ذي القرنييين‪ ،‬مييع ذكيير عييدد‬
‫من اليات بعد كل قصة للتعقيب عليهييا‪ .‬فمييا علقيية‬
‫القصييص الربييع ببعضييها؟ ولميياذا سييميت بسييورة‬
‫الكهف؟ ولماذا تقرأ كل يوم جمعة؟‬
‫فضل وثواب سورة الكهف‬
‫يقول النبي ‪" ‬من قرأ سورة الكهف ميين يييوم‬
‫الجمعة أو في يوم الجمعة أضيياء اللييه لييه نييورا ً ميين‬
‫تحت قدميه إلى عنان السماء"‪.‬‬
‫كمييا ويقييول ‪" ‬ميين قييرأ العشيير الواخيير ميين‬
‫سورة الكهف كانت له عصمة من الدجال"‪.‬‬
‫وفي حديث آخر‪" :‬من أدركه منكم ‪ -‬أي الييدجال‬
‫– فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف" رواه مسلم‪.‬‬
‫‪323‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪324‬‬

‫فما هي علقة سورة الكهف بالدجال وما علقيية‬


‫القصص الربع فييي السييورة ببعضييها؟ تعييالوا نلقييي‬
‫نظرة على هذه القصص باختصار‪.‬‬
‫كهف الرحمة‬
‫القصة الولى هي قصة شباب‪ ،‬آمنوا بالله تبارك‬
‫وتعيييييييالى ودعيييييييوا إليييييييى الليييييييه‪ ،‬رغيييييييم‬

‫أن القرية التي عاشوا فيها كانت محكومة من ملييك‬


‫ظالم غييير مييؤمن‪ .‬فعرضييوا إسييلمهم علييى النيياس‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫عَلــ ٰى ُ ُ‬ ‫‪‬ب َطَْنا َ‬
‫قلــوب ِ ِ‬ ‫وَر‬ ‫ورفض الناس دعوتهم َ‬
‫ت‬ ‫م ٰـــــ ٰو ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ٱل ّ‬ ‫قــــاُلوا ْ َرب ّن َــــا َر ّ‬ ‫ف َ‬ ‫موا ْ َ‬ ‫قــــا ُ‬ ‫إ ِذْ َ‬
‫قل َْنــا‬ ‫قــدْ ُ‬ ‫ه ِإل ٰـها ً ل ّ َ‬ ‫دون ِ ِ‬ ‫من ُ‬ ‫وا ْ ِ‬ ‫ض َلن ن ّدْ ُ‬ ‫َ‬
‫ع َ‬ ‫و ٱلْر ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫دوِنــ ِ‬ ‫مــن ُ‬ ‫ذوا ِ‬‫ْ‬ ‫خ ُ‬‫مَنا ٱت ّ َ‬ ‫و ُ‬‫ق ْ‬ ‫ؤلء َ‬ ‫هـ ُ‬ ‫شططا ‪َ ‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ذا َ‬ ‫إِ ً‬
‫عل َي ْهم ب ِ ُ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫مـ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ب َي ّـ ٍ‬ ‫سلط ٰـ ٍ‬ ‫ن َ ِ‬ ‫ول َ ي َأُتو َ‬ ‫ة لّ ْ‬ ‫ه ً‬ ‫ءال ِ َ‬
‫َ‬
‫ذًبا‪.( (14-15‬‬ ‫عَلى ٱلله ك َ ِ‬ ‫فت ََرىٰ َ‬ ‫نٱ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫أظْل َ ُ‬
‫ذبوا واضييطهدوا‪،‬‬ ‫وبييدأوا بالييدعوة إلييى اللييه فك ُي ّ‬
‫ووا ْ‬ ‫فأوحى الله إليهم أن يأووا إلى الكهف ‪ْ َ ...‬‬
‫فأ ُ‬
‫ه‬‫مت ِـ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مــن ّر ْ‬ ‫م َرب ّك ُــم ّ‬ ‫شـْر ل َك ُـ ْ‬ ‫ف ي َن ْ ُ‬ ‫هـ ِ‬ ‫إ َِلى ٱل ْك َ ْ‬
‫َ‬
‫قا‪.( (16‬‬ ‫ف ً‬ ‫مْر َ‬ ‫م ّ‬ ‫رك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫هّيىء ل َك ُ ْ‬ ‫وي ُ َ‬ ‫َ‬
‫وأيدهم الله بمعجزات عظيمة فهم قد مكثوا في‬
‫مئ َ ٍ‬
‫ة‬ ‫ث ِ‬ ‫الكهييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييف ‪َ‬ثل َ‬
‫وَتـــَرى‬ ‫عا ‪َ  (25)... ‬‬ ‫ســـ ً‬ ‫دوا ْ ت ِ ْ‬ ‫دا ُ‬ ‫و ٱْز َ‬ ‫ن َ‬ ‫ســـِني َ‬ ‫ِ‬
‫عـــــن‬ ‫وُر َ‬ ‫عـــــت ّتـــــَزا َ‬ ‫ذا طَل َ َ‬ ‫س إِ َ‬ ‫م َ‬ ‫شـــــ ْ‬ ‫ٱل ّ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ضــ ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫ق ِ‬‫غَرَبــت ت ّ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬‫ن َ‬ ‫ميــ ِ‬ ‫ت ٱل ْي َ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫كَ ْ‬
‫‪325‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ه‪ (17)......‬‬
‫من ْـ ُ‬
‫ّ‬ ‫ة‬
‫و ٍ‬
‫ج َ‬ ‫ف ْ‬‫فى َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ٱل ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫قل ّب ُ ُ‬
‫هــ ْ‬ ‫ون ُ َ‬ ‫م ُر ُ‬
‫قــودٌ َ‬ ‫هــ ْ‬‫و ُ‬ ‫قا ً‬
‫ظــا َ‬ ‫م أ َي ْ َ‬‫ه ْ‬ ‫س ـب ُ ُ‬ ‫ح َ‬‫وت َ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ل‪.( (18‬‬ ‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ٱل ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫مي ِ‬ ‫ت ٱل ي َ ِ‬ ‫ذا َ‬‫َ‬
‫فكل هذه المعجزات كييانت لجييل الحفيياظ علييى‬
‫هييؤلء الفتييية‪ ،‬إلييى أن اسييتيقظوا بعييد ‪ 309‬سيينين‪،‬‬
‫ووجدوا أن الناس جميعا ً قد آمنوا وأنهم أصبحوا في‬
‫مجتمع جديد كله إيمان‪.‬‬
‫غرور يطعن في الثوابت‬
‫والقصة الثانية قصة رجل أنعم الله عليه‪ ،‬فنسي‬
‫واهييب النعميية فطغييى وتجييرأ علييى ثييوابت اليمييان‬
‫بالطعن والشك‪:‬‬
‫عل َْنـــا‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫جلْيـــ ِ‬
‫مث َل ً ّر ُ َ‬ ‫م ّ‬ ‫هـــ ْ‬ ‫بل ُ‬ ‫ر ْ‬ ‫ضـــ ِ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ل‬ ‫خ ٍ‬ ‫ما ب ِن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫فَنا ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ح َ‬‫و َ‬ ‫ب َ‬ ‫عن َ ٰـ ٍ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫جن ّت َي ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫د ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫لَ َ‬
‫و‬ ‫هــ َ‬ ‫و ُ‬‫ه َ‬ ‫جن َّتــ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫خــ َ‬ ‫ود َ َ‬ ‫عــا‪َ ...‬‬ ‫مــا َزْر ً‬ ‫ه َ‬ ‫عل َْنــا ب َي ْن َ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ه أ ََبدا ً‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ٰـ ِ‬ ‫ن أن ت َِبيدَ َ‬ ‫َ‬
‫ما أظ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ه َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م لن َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ظال ِ ٌ‬ ‫َ‬
‫‪ ( (32 – 35‬لقد فتنه المال فنسي اللجوء إلى الليه‬
‫َ‬
‫ة‬ ‫مـ ً‬ ‫قائ ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ع َ‬ ‫ســا َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫مــا أظُ ـ ّ‬ ‫و َ‬ ‫تبييارك وتعييالى ‪َ ‬‬
‫َ‬
‫هــا‬ ‫من ْ َ‬ ‫خْيــرا ً ّ‬ ‫ن َ‬ ‫جــدَ ّ‬ ‫ت إ َِلــ ٰى َرّبــى ل ِ‬ ‫ول َِئن ّرِدد ّ‬ ‫َ‬
‫وُرهُ أك َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ف ـْر َ‬ ‫ح ٰـ ـ ِ‬ ‫و يُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫حب ُ ُ‬ ‫ص ٰـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫لل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫قلبا َ ‪‬‬ ‫من ْ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ة ث ُـ ّ‬ ‫فـ ٍ‬ ‫مــن ن ّطْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ث ُـ ّ‬ ‫من ت ُـَرا ٍ‬ ‫ك ِ‬ ‫ق َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذى َ‬ ‫ب ِ ٱل ّ ِ‬
‫جل ً‪ ...( (36 – 37‬إلييى أن كييانت نهاييية‬ ‫ك َر ُ‬ ‫وا َ‬ ‫سـ ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫حي َ‬ ‫ُ‬
‫ح‬ ‫ص ـب َ َ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫مـ ِ‬ ‫ط ب ِث َ َ‬ ‫وأ ِ‬ ‫الرجل المغرور بماله‪َ  ..‬‬
‫ة‬‫وي َـ ٌ‬ ‫خا ِ‬ ‫ى َ‬ ‫هـ َ‬ ‫و ِ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ما أ َن ْ َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ه َ‬ ‫في ْ ِ‬ ‫ب كَ ّ‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ك‬ ‫ر ْ‬ ‫شـ ِ‬ ‫م أُ ْ‬ ‫ل ٰيل َي ْت َن ِــى ل َ ـ ْ‬ ‫قــو ُ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫شـ َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫عل َ ـ ٰى ُ‬ ‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪326‬‬

‫‪.(‬‬ ‫دا‪(42‬‬
‫بربى َ‬
‫ح ً‬
‫أ َ‬ ‫ِ َ ّ‬
‫كيف نتعامل مع قدر الله‬
‫أما القصة الثالثة‪ ،‬فهييي قصيية نييبي اللييه موسييى‬
‫عليه السلم مييع الخضيير‪ ،‬عنييدما سييأله قييومه‪ :‬ميين‬
‫أعلييم أهييل الرض‪ ،‬فأجييابهم بييأنه هييو عليييه السييلم‬
‫ن بأن لديه ميين العلييم مييا‬ ‫أعلم أهل الرض‪ ،‬فلقد ظ ّ‬
‫يجعله أعلم أهل الرض خاصة وأنه من أولي العييزم‬
‫من الرسل‪ .‬فأوحى الله إليه بأنه يوجد من هو أعلم‬
‫منه‪ ،‬لذلك طلب منه أن يذهب إلى أرض معينة عنييد‬
‫مجمع البحرين‪ .‬فقطع مسافة بعيدة في سفره إلييى‬
‫د‬
‫ق ْ‬ ‫أن أدركه التعب الشديد‪ ،‬حتى أنه قال لفتاه ‪‬ل َ َ‬
‫صــبا ً‪ ..( (62‬فتعييب‬ ‫ذا ن َ َ‬‫ه ٰــ َ‬ ‫رَنا َ‬
‫ف ِ‬ ‫سـ َ‬‫مــن َ‬ ‫قين َــا ِ‬‫لَ ِ‬
‫كثيرا ً إلى أن التقى بالرجل الصالح الذي يملك علما ً‬
‫مهما ً ل يملكه الكثير من الناس وهو علم الثقة بقدر‬
‫الله تعالى‪ ،‬وأن لله تعالى فييي قضييائه حكميية تحتييم‬
‫عليك أن توقن بتدبيره وإدارته لشؤون الحياة‪ ،‬وهييذا‬
‫العلم هو باختصار‪ ،‬علم معرفة الله حق المعرفة‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فقبل أن يصيياحب سيييدنا موسييى الخضيير‬
‫عليهميييييييييييييييييييييييييا السيييييييييييييييييييييييييلم‪،‬‬
‫عــن‬ ‫ســأ َْلنى َ‬ ‫فل َ ت َ ْ‬ ‫يشييترط عليييه الخضيير ‪َ ...‬‬
‫ه‬ ‫ث ل َــــــ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫من ْــــــ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫د َ‬ ‫حــــــ ِ‬ ‫ٰى أ ْ‬ ‫حت ّــــــ‬
‫شــــــىء َ‬
‫جدُِنى ِإن‬ ‫ِذك ْــرا ً‪ .( (70‬فقييال لييه موسييى ‪َ ‬‬
‫سـت َ ِ‬
‫مرا ً‪.( (69‬‬ ‫كأ ْ‬ ‫صى ل َ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ول َ أ َ ْ‬ ‫صاب ًِرا َ‬‫شاء ٱلله َ‬ ‫َ‬
‫وتخلل الصحبة ثلثة مواقف‪ ،‬كانت فييي ظاهرهييا‬
‫‪327‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫سوءا ً أو ظلمًا‪:‬‬
‫‪ .1‬السفينة التي خرقها الخضر عليييه السييلم‪ ،‬وكييان‬
‫سبب ذلك وجود ملييك ظييالم يسييلب كييل سييفينة‬
‫صالحة يراها‪.‬‬
‫‪ .2‬الغلم الذي قتله الخضيير‪ ،‬وكييان سييبب ذلييك أنييه‬
‫كان يرهق أبويه المؤمنين لعصيانه وعقوقه‪.‬‬
‫‪ .3‬الجييدار الييذي أقييامه الخضيير ميين دون أجيير فييي‬
‫مدينة طرده أهلها منها‪ ،‬والسبب أنه كان لغلمين‬
‫يتيمين وكان تحته كنز مدفون لهمييا ولييو لييم يقييم‬
‫الجدار لما حفظ لهما كنزهما‪..‬‬
‫ويجمع بين كل هييذه المييور عييدم ظهييور حكميية‬
‫الله تعالى فيها‪ ،‬لن ظاهرها غير مبرر‪ .‬وذلك ليتعلم‬
‫المؤمن أن الله تعالى يقدر أمورا ً قد ل نعلم الحكمة‬
‫منها والخير المقدر فيهييا‪ .‬وهييذا هييو العلييم )الييذي ل‬
‫نراه في الكتييب( يعلمييه اللييه تعييالى لموسييى عليييه‬
‫السلم ويعلمنا إياه أيضًا‪..‬‬
‫إنا م ّ‬
‫كنا له في الرض‬
‫وآخر قصة هي قصة ذي القرنين‪ ،‬الملك العييادل‬
‫الذي ينشر الحق والعدل والخير فييي الرض ويملييك‬
‫كل السييباب المادييية )ميين علييم وتكنولوجيييا( الييتي‬
‫تسهل له التمكين والنجاح في الحياة‪.‬‬
‫َ‬
‫من ُ‬
‫كــ ّ‬
‫ل‬ ‫ه ِ‬
‫وات َي ْن َ ٰـ ُ‬
‫ض َ‬
‫فى ٱلْر ِ‬ ‫مك ّّنا ل َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫‪ِّ ‬نا َ‬
‫إ‬
‫س ـَببا ً‪ ( (84‬فكييان يطييوف بييالرض ميين‬ ‫ىء َ‬ ‫َ‬
‫شـ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪328‬‬

‫شرقها إلى غربها لينشر الهداية للناس ويمل الرض‬


‫بالعدل والحسان‪ ،‬إلى أن وصل إلى قوم ل يكييادون‬
‫ن‬‫قْرن َي ْـ ِ‬ ‫ذا ٱل ْ َ‬ ‫قــاُلوا ْ يـٰ َ‬‫ل‪ ،‬فقالوا لييه‪َ  :‬‬ ‫يفقهون قو ً‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫إن ي ـأ ْجوج و ْ‬
‫فــى ٱل ْر ِ‬ ‫ن ِ‬‫دو َ‬ ‫سـ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫جو َ‬‫م ـأ ُ‬ ‫ِ ّ َ ُ َ َ َ‬
‫َ‬
‫ل ب َي ْن َن َــا‬‫عـ َ‬ ‫ج َ‬‫عل َـ ٰى أن ت َ ْ‬ ‫خْرجـا ً َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل ل َـ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬
‫دا‪...( (94‬‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وب َي ْن َ ُ‬‫َ‬
‫وبالرغم من امتلكه للسباب إل أنه طليب منهيم‬
‫عيُنوِنى‬ ‫ف ـأ َ ِ‬
‫أن يعينوه حتى يعلمهم اليجابييية ‪َ ...‬‬
‫قو َ‬
‫مــا‪ .( (95‬وبنييى‬ ‫م َردْ ً‬ ‫هـ ْ‬‫وب َي ْن َ ُ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ج َ‬
‫ةأ ْ‬ ‫بِ ُ ّ ٍ‬
‫الجدار الذي ل يزال قائما ً إلى الن‪ ،‬والذي بسييببه ل‬
‫نعلم مكان وجود يأجوج ومأجوج حتى تقوم السيياعة‬
‫فيخرجوا‪..‬‬
‫علقة القصص الربع‬
‫ل بد أن نتذكر أن القرآن ل يسييرد علينييا قصص يا ً‬
‫متنييييييييييييييييياثرة‪ ،‬بيييييييييييييييييل أنهيييييييييييييييييا‬
‫ى معينيًا‪ .‬فقصيية‬ ‫كلها تكون بناًء متكامل ً وتخييدم معني ً‬
‫سييييييييييييييييييييييييدنا موسيييييييييييييييييييييييى مثل ً‬
‫ت على ذكر فرعون أو معجزة العصا وذلك لن‬ ‫لم تأ ِ‬
‫إيييييييييييييييييراد القصيييييييييييييييية يخييييييييييييييييدم‬
‫هنا هدفا ً معينا ً ل يوجد في قصة فرعون مع موسييى‬
‫علييييييييييييه السيييييييييييلم‪ .‬فميييييييييييا هيييييييييييو‬
‫الخيط الذي يربط القصص الربع ببعضها؟‬
‫ن هذه القصص تحدثت عن الفتن الساسية في‬ ‫إ ّ‬
‫حياة الناس‪:‬‬
‫‪329‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪ .1‬فتنة الدين‪ :‬أن يفتن المييرء بييدينه ويبتعييد عنييه‪،‬‬


‫سواء بسبب الذية والتعييذيب‪ ،‬أو الخييوف‪ .‬وهييذه‬
‫كانت فتنة أهل الكهف الذين نجحوا فيها‪.‬‬
‫‪ .2‬فتنة المال‪ :‬وهييي فتنيية صيياحب الجنييتين الييذي‬
‫ما‬ ‫و َ‬ ‫أغراه ماله فأودى بييه إلييى إنكييار الخييرة ‪َ ‬‬
‫ت إ ِل َ ٰى َرّبى‬ ‫َ‬
‫ول َِئن ّرِدد ّ‬‫ة َ‬ ‫م ً‬‫قائ ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ع َ‬‫سا َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫أظُ ّ‬
‫قَلبا ً‪.( (36‬‬ ‫َ‬
‫من ْ َ‬ ‫ها ُ‬ ‫من ْ َ‬ ‫خْيرا ً ّ‬ ‫ن َ‬ ‫جدَ ّ‬ ‫ل ِ‬
‫‪ .3‬فتنة العلم‪ :‬بأن يعجب المرء بعلمييه‪ ،‬ويظيين أن‬
‫أحدا ً لييم يسييبقه فييي العلييم فينسييى التواضييع‪ ،‬أو‬
‫يتعليم علميا ً ل فييائدة للمجتميع منييه‪ ،‬أو يسيتخدم‬
‫علمه فيما يضر المجتمع‪ .‬وهذه الفتنة تتجسد في‬
‫قصة موسى مع الخضر‪ ،‬الذي سها فظن أنييه‬
‫ليس هناك من هو أعلييم منييه‪ ،‬لكنييه عنييدما علييم‬
‫بذلك قطع إليييه المسييافات الطييوال ليتعلييم منييه‬
‫ه‬‫ل ل َـ ُ‬ ‫قــا َ‬‫ويتواضييع إليييه تواضييع طلب العلييم ‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫هـ ْ َ‬
‫مــا‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫مـ ِ‬ ‫عل ّ َ‬
‫عل َـ ٰى أن ت ُ َ‬ ‫ك َ‬ ‫عـ َ‬ ‫ل أت ّب ِ ُ‬ ‫سـ ٰى َ‬ ‫مو َ‬‫ُ‬
‫شدا ً‪.( (66‬‬ ‫ت ُر ْ‬ ‫م َ‬‫عل ّ ْ‬ ‫ُ‬
‫‪ .4‬فتنة السلطة‪ :‬بأن يؤتى المرء حضييارة وتقنييية‬
‫عظيميية‪ ،‬ونفييوذا ً وسييلطة عظيمييين‪ ،‬فيييؤدي بييه‬
‫الميير إلييى العتييداد بقييوته والكفيير بربييه وظلييم‬
‫النيياس‪ .‬لكيين قصيية ذي القرنييين ترينييا العكييس‬
‫تمامًا‪ :‬سلطان عادل‪ ،‬يعييدل مييع النيياس وينسييب‬
‫من‬ ‫قا َ َ‬ ‫الفضل في قوته إلى الله وحده‪َ  :‬‬
‫ما َ‬ ‫لأ ّ‬
‫م ُيــَردّ إ َِلــ ٰى َرّبــ ِ‬
‫ه‬ ‫ه ُثــ ّ‬ ‫عــذّب ُ ُ‬ ‫ف نُ َ‬ ‫و َ‬‫ســ ْ‬‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫ظََلــ َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪330‬‬

‫َ‬
‫ل‬‫مــ َ‬‫ع ِ‬‫و َ‬
‫ن َ‬ ‫مــ َ‬ ‫ءا َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ما َ‬
‫وأ ّ‬ ‫كرا ً ‪َ ‬‬ ‫ذابا ً ن ّ ْ‬‫ع َ‬‫ه َ‬ ‫عذّب ُ ُ‬ ‫َ‬
‫في ُ َ‬
‫ل ل َـ ُ‬
‫ه‬ ‫قو ُ‬ ‫س ـن َ ُ‬
‫و َ‬‫س ـن َ ٰى َ‬
‫ح ْ‬ ‫ج ـَزآءً ٱل ْ ُ‬ ‫ه َ‬‫فل َ ُ‬ ‫ص ٰـِلحا ً َ‬ ‫َ‬
‫سرا ً‪.( (87 – 88‬‬ ‫َ‬
‫رَنا ي ُ ْ‬‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫من ّرّبى‪.( (98‬‬ ‫ة ّ‬ ‫م ٌ‬
‫ح َ‬ ‫ذا َر ْ‬ ‫ه ٰـ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫‪َ‬‬
‫محرك خيوط الفتنة‬
‫هذه الفتن الربعيية الساسييية هييي الخيييط الييذي‬
‫يجمييع القصييص الربييع فييي السييورة‪ .‬وفييي وسييط‬
‫السورة تقريبا ً بين أول قصتين وآخر قصتين‪ ،‬تخبرنييا‬
‫الييية ‪ 50‬عيين المحييرك الساسييي لخيييوط الفتنيية‬
‫ه‬ ‫خـ ُ‬
‫ذون َ ُ‬ ‫الربعيية‪ :‬إنييه عييدو اللييه إبليييس ‪ ...‬أ َ َ‬
‫فت َت ّ ِ‬
‫وذُريت َ َ‬
‫س‬‫و ب ِئ ْ َ‬
‫عــدُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ل َك ُ ْ‬
‫ه ْ‬
‫و ُ‬
‫دوِنى َ‬ ‫من ُ‬ ‫ول َِياء ِ‬‫هأ ْ‬ ‫َ ّ ّ ُ‬
‫ن ب َـدَل ً ‪ ‬هييل ميين المعقييول أن تتخييذوا‬ ‫مي َ‬ ‫ِللظّ ٰـل ِ ِ‬
‫عدو الله وعدوكم وليًا؟ )‪.(50‬‬
‫العصمة من الفتن‬
‫فالجو العام للسورة إذا ً هو العصمة ميين الفتيين‪،‬‬
‫ولذلك جاء في الحديث أنها تنجييي ميين أعظييم فتنيية‬
‫في تاريخ البشرية من لدن آدم إلييى قيييام السيياعة‪،‬‬
‫وهييي فتنيية المسيييح الييدجال‪ ،‬يقييول عليييه الصييلة‬
‫والسلم "ما بين خلق آدم إلى قيــام الســاعة‬
‫فتنة أعظم من الدجال" رواه الحاكم‪.‬‬
‫فمييا علقيية فتنيية المسيييح الييدجال بييالفتن الربييع‬
‫المييذكورة؟ إن الييدجال سيييظهر قبييل يييوم القياميية‬
‫بالفتن الربع‪ :‬فهو يفتيين النيياس فييي دينهييم‪ ،‬ويطلييب‬
‫‪331‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫منهم عبادته من دون اللييه‪ ،‬ويفتنهييم بمييا يجريييه اللييه‬


‫على يديه من خيوارق )كيأن يحييي أبيا الرجيب وأميه‬
‫على أن يكفر بالله والعياذ بالله( فيفتنوا إل مين رحيم‬
‫الله‪ ..‬ومعه فتنة المال‪ ،‬بييأن يييأمر السييماء أن تمطيير‬
‫علييى أرض معينيية وينبييت فيهييا الييزرع‪ ،‬أو أن يحييول‬
‫صحراء قاحلة إلى جنة خضراء‪ .‬كمييا أنييه يحمييل فتنية‬
‫العلم‪ ،‬بأن يبهر الناس بما يحمليه مين أخبيار فيؤمنيوا‬
‫به‪ .‬وآخر فتنة سيحملها الدجال هيي السيلطة‪ ،‬فيقهير‬
‫الناس بقوته وسيطرته على أجزاء كييثيرة ميين الرض‬
‫)عدا مكة والمدينة(‪ .‬فتن شديدة ل بد للمسلمين في‬
‫كل زمان ومكان أن يتنبهوا منها‪ ،‬وذلك بقراءة سييورة‬
‫الكهف والتدبر في معانيها‪ ،‬وخاصة القصص الربع مع‬
‫التعقيب الرباني عليها‪.‬‬
‫هدف السورة‪ :‬العصمة من الفتن‬
‫عنييدما ذكييرت السييورة القصييص الربعيية الييتي‬
‫يجمعها خييط الفتنية‪ ،‬كيانت تعقيب عليى كيل قصية‬
‫تعقيبا ً يحمل العبرة من هذه القصة‪ ،‬ويرشييدنا كيييف‬
‫نقي أنفسنا من هذه الفتنة‪ .‬وهذا من روعيية القييرآن‬
‫في عدم سرد القصص لمجرد السرد ولكن لتحقيييق‬
‫هدف السورة ‪ -‬وهو العصييمة ميين الفتيين ‪ -‬والتأكيييد‬
‫عليه بعد كل قصة‪ .‬وهكذا تتضح لنييا معييالم السييورة‬
‫ورسييالتها‪ :‬النجيياة ميين الفتيين‪ ،‬بأشييكالها المختلفيية‪.‬‬
‫فكيف ننجو من الفتن التي ذكرتها القصص؟‬
‫قوارب النجاة‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪332‬‬

‫‪ .1‬الصحبة الصالحة‪:‬‬
‫كانت الفتنة الولى هي فتنة الدين في قصة أهل‬
‫الكهييف‪ ،‬وللثبييات علييى الييدين والعصييمة ميين هييذه‬
‫الفتنة ترشدك سورة الكهف إلى‪:‬‬
‫ع‬
‫مــ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ســ َ‬ ‫ف َ‬ ‫صــب ِْر ن َ ْ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫أ‪ .‬الصيييحبة الصيييالحة‪َ  :‬‬
‫ة‬
‫دا ِ‬‫غـــــ َ‬ ‫هـــــم ب ِٱل ْ َ‬ ‫ن َرب ّ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ن َيـــــدْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱّلـــــ ِ‬
‫ك‬‫عي ْن َــا َ‬‫ع ـدُ َ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬‫ه َ‬ ‫هـ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و ْ‬‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ـ ُ‬
‫ى يُ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬‫َ‬
‫ة‬‫ٰو ِ‬ ‫يــــــ‬ ‫ح َٱ‬ ‫زيَنــــــل ْ َ‬
‫ةَ‬ ‫ريــــــدُ ِ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫هــــــ ْ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫َ‬
‫ٱلدّن َْيا‪.( (28‬‬
‫فالصحبة الصالحة والصبر عليهييا هييي خييير معييين‬
‫للمرء في الحفاظ على التزامه‪...‬‬
‫ب‪ .‬تييذكر الخييرة‪ :‬ومصييير المييؤمنين والكييافرين‪،‬‬
‫فهي الييدواء النييافع للعصييمة ميين الفتيين الكييثيرة‬
‫ن‬ ‫مي َ‬
‫ظــال ِ ِ‬ ‫التي يمر بها المسلم ‪‬إ ِّنا أ َ ْ‬
‫عَتــدَْنا ِلل ّ‬
‫غيُثوا ْ‬ ‫س ـت َ ِ‬ ‫س ـَراِد ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وِإن ي َ ْ‬
‫ها َ‬ ‫ق َ‬ ‫م ُ‬ ‫هـ ْ‬‫حــاط ب ِ ِ‬ ‫َناًرا أ َ‬
‫س‬ ‫جوهَ ب ِئ ْ َ‬ ‫وى ٱْلو ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ه ِ‬‫م ْ‬‫ماء ك َٱل ْ ُ‬ ‫غاُثوا ْ ب ِ َ‬‫يُ َ‬
‫قا‪.( (29‬‬ ‫ف ً‬ ‫مْرت َ َ‬
‫ت ُ‬ ‫ساء ْ‬ ‫و َ‬ ‫ب َ‬ ‫ش َرا ُ‬ ‫ٱل ّ‬
‫‪ .2‬عدم التعلق بالدنيا‪:‬‬
‫وللعصمة من فتنة المال التي وقع فيهييا صيياحب‬
‫الجنتين‪ ،‬هناك أمران يأتيان مباشرة بعد القصة‪:‬‬
‫‪ .1‬فهم حقيقة الدنيا‪ :‬وهذا ما نراه بوضييوح فييي أول‬
‫آيييييييييييييييية أتيييييييييييييييت مباشيييييييييييييييرة‬
‫مَثــ َ‬
‫ل‬ ‫هــم ّ‬ ‫ب لَ ُ‬
‫ر ْ‬
‫ضــ ِ‬ ‫بعييد انتهيياء القصيية ‪َ ‬‬
‫وٱ ْ‬
‫‪333‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ة ٱلـــــدّن َْيا ‪ ‬أنظييييييروا بييييييالله‬ ‫وٰ ِ‬ ‫حٱَيـــــ‬‫لْ َ‬


‫عليكييم إلييى هييذه الييدنيا الييتي تركضييون وراءهييا‬
‫َ‬
‫ماء ‪ ‬فميياذا جييرى‬ ‫سـ َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫م َ‬‫ه ِ‬‫ماء أن َْزل َْنـٰ ُ‬ ‫‪‬ك َ َ‬
‫ض ‪ ‬هكييذا‬ ‫َ‬ ‫خت َل َ َ‬ ‫لييه؟ ‪َ ‬‬
‫ت ٱل ْر ِ‬ ‫ه ن َب َــا ُ‬
‫ط ب ِـ ِ‬ ‫فٱ ْ‬
‫وبسرعة‪ ...‬ثم ماذا ‪َ َ ‬‬
‫ما َتــذُْرو ُ‬
‫ه‬ ‫شــي ً‬ ‫ه ِ‬
‫ح َ‬ ‫صب َ َ‬‫فأ ْ‬
‫دًرا‬ ‫م ْ‬
‫قت َ ِ‬ ‫ىء ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عل َ ٰى ك ُ ّ‬ ‫ن ٱلله َ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬‫ح َ‬ ‫ٱلّريا ُ‬
‫‪ .( (45‬فالييية تصييور لنييا ومضييات سييريعة ميين‬
‫بداييية الحييياة إلييى وسييطها إلييى نهايتهييا‪ ،‬مراحييل‬
‫ط‪...‬‬ ‫خت َل َ َ‬
‫فٱ ْ‬ ‫سريعة يربطها حييرف الفيياء ‪َ ...‬‬
‫ح ‪ ‬الذي يفيد التعقيب السريع‪ .‬هذه الدنيا‬ ‫َ َ‬
‫صب َ َ‬‫فأ ْ‬
‫فانية‪ ،‬سريعة النقضاء‪ ،‬فل تتعلق بها أيها المؤمن‬
‫لتنجو من الفتن‪.‬‬
‫ب‪ .‬تذكر الخرة‪ :‬وخاصيية موقييف العييرض علييى‬
‫الجبييييييييييييييار‪ ،‬وكييييييييييييييأن تييييييييييييييذكر‬
‫الخرة قضية أساسية في العصمة من الفتن كلها‬
‫)من فتنة الدين ثم من فتنة المال(‪:‬‬
‫َ‬
‫ة‬
‫رَز ً‬ ‫ض َبا ِ‬ ‫وت ََرى ٱل ْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫جَبا َ‬ ‫سي ُّر ٱل ْ ِ‬ ‫م نُ َ‬ ‫و َ‬‫وي َ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫حدًا‪.( (47...‬‬ ‫َ‬
‫مأ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫غاِدْر ِ‬ ‫م نُ َ‬ ‫فل َ ْ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫شْرن َ ٰـ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫مون َــا‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬
‫قـدْ ِ‬ ‫فا ل ّ َ‬ ‫صـ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫عل َـ ٰى َرب ّـ َ‬ ‫ضوا ْ َ‬ ‫ر ُ‬ ‫‪ِ ‬‬ ‫ع‬
‫و ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ة‪.( (48...‬‬ ‫مّر ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫و َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫قن َ ٰـك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫كَ َ‬
‫ن‬‫ميـــ َ‬ ‫ر ِ‬‫ج ِ‬ ‫م ْ‬‫فت َـــَرى ٱل ْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ع ٱل ْك َِتــــٰ ُ‬ ‫ضـــ َ‬ ‫و ِ‬ ‫و ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ذا‬‫ه ٰـ َ‬‫ما ل ِ َ‬ ‫وي ْل َت ََنا َ‬
‫ن ٰي َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وي َ ُ‬‫ه َ‬ ‫في ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ّ‬
‫ن ِ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬
‫ول َ ك َِبيـــَرةً إ ِل ّ‬ ‫غيَرةً َ‬ ‫صـــ ِ‬ ‫غـــاِدُر َ‬ ‫ب ل َ يُ َ‬ ‫ٱل ْك ِت َ ٰــــ ِ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪334‬‬

‫َ‬
‫ول َ ي َظْل ِ ـ ُ‬
‫م‬ ‫ض ـًرا َ‬ ‫مُلوا ْ َ‬
‫حا ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫دوا ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫ج ُ‬
‫و َ‬
‫و َ‬
‫ها َ‬ ‫صا َ‬‫ح َ‬‫أ ْ‬
‫دا‪.( (49‬‬ ‫رب َ َ‬
‫ح ً‬
‫كأ َ‬ ‫َ ّ‬
‫‪ - 3‬التواضع‬
‫وللعصمة من فتنة العلم والغترار به‪ ،‬ل بييد ميين‬
‫ل‪ ،‬ثم للمعلم‪ .‬وهذا ما يظهر في الية‬ ‫التواضع لله أو ً‬
‫ول َ‬
‫صاب ًِرا َ‬
‫شاء ٱلله َ‬ ‫جدُِنى ِإن َ‬‫ست َ ِ‬‫ل َ‬‫قا َ‬ ‫‪َ  :69‬‬
‫مرا ً ‪ .‬مع أنه نبي ورسول من أولييي‬ ‫صى ل َ َ‬
‫كأ ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫العزم بالضافة إلى كونه كليم الله تعالى‪ .‬فإييياك أن‬
‫تغييّرك الشييهادات الجامعييية‪ ،‬أو علمييك الواسييع‪ ،‬أو‬
‫حتى حفظك للقرآن الكريم‪ ،‬ويفتنيوك عين التواضيع‬
‫لله تعالى‪.‬‬
‫‪ - 4‬الخلص‪:‬‬
‫وفتنة السلطان علجهييا الخلص‪ ،‬والتواضييع للييه‬
‫تعالى‪ ،‬ورد كل الفضل في القوة والتمكين إلى اللييه‬
‫من ّرّبى‪. ..‬‬ ‫ة ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا َر ْ‬ ‫ه ٰـ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫‪َ‬‬
‫ولييذلك حييذرت السييورة مميين يشييرك بييالله ول‬
‫يخليييييييييييص فيييييييييييي عمليييييييييييه ليييييييييييه‬
‫سبحانه‪:‬‬
‫م ٰـ ـل ً‬ ‫ع َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫سـ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ل ن ُن َب ّئ ُك ُــم ب ِٱل َ ْ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫‪‬ـ ْ‬ ‫ُ‬
‫ق‬
‫ة ٱل ـدّن َْيا‬ ‫حي َـ وٰ ِ‬ ‫ٱْ َ‬
‫فــى ل‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫عي ُ ُ‬
‫سـ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ضـ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ـ ِ‬
‫وَلـــئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫عا ‪ ‬أ ْ‬ ‫صــن ْ ً‬ ‫ن ُ‬ ‫سُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن أن ّ ُ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫حب ِطَـ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫قائ ِ ِ‬ ‫ول ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت َرب ّ ِ‬ ‫فُروا ْ ِبـَئاي َ ٰـ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫وْزنا ً ‪‬‬ ‫ة َ‬ ‫م ِ‬ ‫قي َ ٰـ َ‬ ‫م ٱل ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫قي ُ‬ ‫فل َ ن ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫أَ ْ‬
‫‪335‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪.((103 – 105‬‬
‫وهذه الية تختص بالمشركين وتحذر من الشرك‬
‫بييالله‪ ،‬وبالمقابييل ختمييت السييورة بييأمر المييؤمنين‬
‫بالخلص في العبادة لله تعالى وحده‪.‬‬
‫مـ ْ‬
‫ل‬ ‫فل ْي َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ه َ‬ ‫جــو ل ِ َ‬
‫قــاء َرب ّـ ِ‬ ‫ن ي َْر ُ‬‫من ك َــا َ‬ ‫ف َ‬‫‪َ ..‬‬
‫عبــادة رب ـ َ‬
‫دا‪‬‬‫حـ َ‬ ‫هأ َ‬ ‫ك بِ ِ َ َ ِ َ ّ ِ‬ ‫ر ْ‬‫شـ ِ‬‫ول َ ي ُ ْ‬‫ص ٰـ ـِلحا ً َ‬
‫مل ً َ‬
‫ع َ‬
‫َ‬
‫‪.((110‬‬
‫فميين أراد أن يقبلييه اللييه تعييالى قبييول ً كييامل ً‬
‫ويرضى عنه في الخرة‪ ،‬ل بد له من تحقيق أمرييين‪:‬‬
‫أن يكون عمل ً صحيحا ً )أي موفقا ً للسنة(‪ ،‬وأن يكون‬
‫خالصا ً لوجه الله تعييالى‪ ،‬وهيذان المييران ذكيرا فيي‬
‫الية الخيرة من سورة الكهف‪.‬‬
‫من روائع السورة‬
‫ومن خلل آيات السورة‪ ،‬نرى ملحظييات عديييدة‬
‫ولفتات رائعة‪ ،‬تزيدنا حبا ً وتعلقا ً بهيذا القيرآن وبهيذه‬
‫السييورة‪ ،‬وتصييب كلهييا فييي خدميية هييدف السييورة‬
‫ومحورها‪.‬‬
‫كثرة الحركة واليجابية‬
‫نلحظ في السورة كثرة الحركة بشييكل ملفييت‪،‬‬
‫فالسورة كلها عبييارة عيين قصييص لنيياس يتحركييون‬
‫بإيجابية‪ ،‬من أهل الكهف الذين تركوا الهييل والييديار‬
‫وأووا إلى الكهف ‪ْ َ ‬‬
‫ف ‪ ،‬إلييى‬ ‫ووا ْ إ َِلى ٱل ْك َ ْ‬
‫هـ ِ‬ ‫فأ ُ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪336‬‬

‫سيدنا موسى عليه السلم الييذي ذهييب إلييى مجمييع‬


‫د‬
‫قــ ْ‬ ‫البحرين وتجاوزه حتى أدركه التعب الشديد ‪‬ل َ َ‬
‫صبا ً ‪ .‬وأثنيياء مرافقتييه‬ ‫ذا ن َ َ‬ ‫ه ٰـ َ‬
‫رَنا َ‬ ‫ف ِ‬ ‫س َ‬ ‫من َ‬ ‫قيَنا ِ‬ ‫لَ ِ‬
‫للخضيييير عليييييه السييييلم‪ ،‬نييييرى كيييثرة الحركيييية‬
‫ة‬‫فين َ ِ‬ ‫ســ ِ‬ ‫فــى ٱل ّ‬ ‫ذا َرك ِب َــا ِ‬ ‫حت ّــى إ ِ َ‬ ‫قــا َ‬ ‫ف ٱن ْطَل َ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫مــا‬ ‫غل َ ً‬ ‫قَيــا ُ‬ ‫ذا ل َ ِ‬ ‫حّتــ ٰى إ ِ َ‬ ‫قــا َ‬‫ٱطَل َ َ‬ ‫َ‬
‫هــا‪ ...‬ن ْ‬
‫ف‬ ‫ق َ‬‫خَر َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫قْري َـ ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫هـ َ‬ ‫ذا أ َت َي َــا أ َ ْ‬ ‫حت ّ ٰى إ ِ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ه‪ ...‬ٱنطَل َ َ‬ ‫ف‬‫قت َل َ ُ َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ها‪.( (71-77...‬‬ ‫هل َ َ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ست َطْ َ‬ ‫ٱ ْ‬
‫ا‪ ...‬‬ ‫سيَبب ً‬ ‫وكذلك في قصة ذي القرنين ‪‬ث ُ َ‬
‫م أت ْب َعَ َ‬ ‫ّ‬
‫‪ ((85‬وليس هذا فحسب‪ ،‬بييل إنييه طيياف الرض كلهييا‬
‫مط ِْليي َ‬
‫ع‬ ‫تيي ٰى إ َِذا ب ََلييغَ َ‬ ‫‪‬‬ ‫ح ّ‬‫ميين شييرقها إلييى غربهييا َ‬
‫ن‪.( (93‬‬ ‫سد ّي ْ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫‪‬ت ّ ٰى إ َِذا ب َل َغَ ب َي ْ َ‬ ‫ح‬
‫س ‪َ (90) ‬‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬‫ٱل ّ‬
‫وكييان ميين إرشيياداته للقييوم الييذين يسيياعدهم‪:‬‬
‫ة‪( (95‬‬ ‫و ٍ‬ ‫قــــــــــ ّ‬ ‫عيُنوِنى ب ِ ُ‬ ‫فــــــــــأ َ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫فل يتفرجييون عليييه خلل بنييائه للسييد‪ ،‬ولكيين يجييب‬
‫عليهيييييييييييييييييييييييم أن يتحركيييييييييييييييييييييييوا‬
‫ويشاركوا‪.‬‬
‫وهذا كله يشير إلى أن العواصم من الفتن تكون‬
‫بالحركيية واليجابييية وليييس بالسييكون والستسييلم‬
‫والسلبية‪ .‬فإن أوذي المرء في مكان فليتحييرك إلييى‬
‫مكان آخر يمكنه ميين إقاميية شييعائر دينييه والحفيياظ‬
‫علييه‪ ،‬وليذلك شيرعت الهجيرة فيي السيلم فيرارا ً‬
‫بالدين وأشارت السورة إليها من خلل الحديث عيين‬
‫‪337‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫هجرة أهل الكهف‪.‬‬


‫وميين اللطيييف أن هييذه السييورة تقييرأ فييي يييوم‬
‫الجمعة‪ ،‬الذي هو يوم إجازة عند المسييلمين‪ ،‬فبييدل ً‬
‫من السييكون والخمييول فييي هييذا اليييوم‪ ،‬عليهييم أن‬
‫يقرأوا سورة الكهف ويعتييبروا بمييا فيهييا ميين حركيية‬
‫وإيجابية لينطلقوا بالعمل اليجابي ويعصموا أنفسهم‬
‫من الفتن‪ ،‬لن الساكن يسهل صيده‪.‬‬
‫القرآن والعصمة من الفتن‬
‫ومن الملحظ أن السورة بدأت بذكر القرآن كما‬
‫اختتمييييييييييييييييييييييييييت بييييييييييييييييييييييييييذكر‬
‫القرآن‪ ،‬لنييه هييو العاصييم الساسييي ميين الفتيين إن‬
‫قرأناه وفهمنا محاور سوره وأهدافها‪...‬‬
‫ه‬
‫د ِ‬ ‫عَلــ ٰى َ‬
‫عْبــ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ذى أ َْنــَز َ‬ ‫مــدُ للــه ّ‬
‫ٱلــ ِ‬ ‫ح ْ‬‫‪‬ل ْ َ‬
‫ٱ‬
‫جا‪.( (1‬‬ ‫و َ‬‫ع َ‬‫ه ِ‬ ‫عل ل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ٱل ْك ِت َ ٰـ َ‬
‫ت َرب ّــى‬ ‫دادا ً ل ّك َل ِ َ‬
‫م ٰـ ـ ِ‬ ‫مـ َ‬‫حُر ِ‬ ‫ن ٱل ْب َ ْ‬‫كا َ‬ ‫قل ل ّ ْ‬
‫و َ‬ ‫‪‬‬‫ُ‬
‫رب ّــى‪ ..‬‬‫ت َ‬‫م ٰـ ـ ُ‬ ‫ف ـدَ ك َل ِ َ‬‫ل َأن َتن َ‬ ‫حُر َ‬
‫قب ْـ َ‬ ‫فدَ ٱل ْب َ ْ‬
‫ل َن َ ِ‬
‫‪ .((109‬أي أن مييراد اللييه وحكمتييه ل يحييدهما شيييء‪،‬‬
‫فالمعين الول على النجاة والعصمة هو هذا الكتاب‪،‬‬
‫فقد ذكر قبل الفتن وبعدها‪.‬‬
‫الدعوة إلى الله والعصمة من الفتن‬
‫وميين الملحظييات اللطيفيية فييي السييورة‪ ،‬أن‬
‫قصصييها الربييع اشييتملت علييى جميييع مسييتويات‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪338‬‬

‫الدعوة إلى الله تعالى‪:‬‬


‫‪ .1‬فتية يدعون الملك‪) .‬أهل الكهف(‪.‬‬
‫‪ .2‬رجل يدعو صاحبه )صاحب الجنتين(‪.‬‬
‫‪ .3‬معلييم يييدعو تلميييذه )الخضيير وموسييى عليهمييا‬
‫السلم(‪.‬‬
‫‪ .4‬قائد يدعو رعيته )ذو القرنين(‬
‫وهذا يشير إلى معنى هام جييدًا‪ ،‬أن الييدعوة إلييى‬
‫الله هي ‪ -‬إلى جانب التمسك بالقرآن ‪ -‬عامييل مهييم‬
‫من عوامل العصمة من الفتن‪...‬‬
‫اليمان بالغيب‬
‫نلحييظ أن الغيييب والمييور الغيبييية تحييف أجييزاء‬
‫كثيرة من قصص السورة‪ .‬فهناك بعض الغموض في‬
‫قصة أصحاب الكهف )كم لبثييوا‪ ،‬وأييين يقييع كهفهييم‪،‬‬
‫وما عددهم( حتى أن آييية كامليية )الييية ‪ (22‬تنيياولت‬
‫الحديث عن الختلف في عددهم‪ ،‬فلماذا؟‬
‫وهنيياك غمييوض فييي مكييان السييد اليذي بنيياه ذو‬
‫القرنييين‪ ،‬ومكييان وجييود يييأجوج ومييأجوج‪ ...‬كمييا أن‬
‫هناك الكثير من الغميوض فيي أفعيال الخضيير عليييه‬
‫السلم وتساؤلت موسى عنها‪ ،‬فما العبرة ميين كييل‬
‫هذا؟‬
‫فكأن السورة تقول لنييا‪ :‬افهمييوا‪ ،‬أن الغيييب للييه‬
‫وحيييييييييييييييده‪ ،‬وأحيانيييييييييييييييا ً يظهييييييييييييييير‬
‫المر على عكس حقيقته فسلموا لله وثقوا به‪ ،‬لكي‬
‫‪339‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫تضمنون العصمة من الفتن إن شاء الله‪.‬‬


‫كهف الدعوة‬
‫ويبقى سؤال أخير‪ ،‬وهو‪ :‬لميياذا سييميت السييورة‬
‫بسورة الكهف؟‬
‫إن المرء حييين يسييمع بييالكهف‪ ،‬يشييعر بييالخوف‬
‫والظلم والرعييب‪ ،‬وعنييدما يسييمع ميين يقييول لييه‪:‬‬
‫)فأووا إلى الكهف‪ .(.‬يخيياف ميين المجهييول والظلم‬
‫اللذان يلفييان الكهييف‪ ،‬لكين اللييه تعيالى جعلييه أمنيا ً‬
‫ورحمة ‪ْ َ ‬‬
‫كم‬ ‫شْر ل َك ُ ْ‬
‫م َرب ّ ُ‬ ‫ف ي َن ْ ُ‬ ‫ووا ْ إ َِلى ٱل ْك َ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫فأ ُ‬
‫ه‪( ... (16‬‬ ‫مت ِ ِ‬
‫ح َ‬ ‫من ّر ْ‬‫ّ‬
‫والله تعالى يقدر من الغيب ما ل يعلمه النسييان‬
‫ويخافه )تماما ً كالكهف المجهول الذي دخله الفتية(‪،‬‬
‫فسمّيت سورة الكهف بهذا السييم لتشييعر النسييان‬
‫بجهله بأمور الغيييب ولتقييول للمسييلم‪ :‬سيّلم الغيييب‬
‫كل عليه‪ ،‬فكما لجأوا هم للكهف ونشر اللييه‬ ‫لله‪ ،‬وتو ّ‬
‫لهم من رحمته‪ ،‬فالجأ إلى كهف الدعوة وسّلم المر‬
‫يييء لييك ميين أمييرك‬ ‫لله‪ ،‬ينشيير لييك ميين رحمتييه ويه ّ‬
‫مرفقًا‪...‬‬
‫سورة مريم‬

‫سو‬ ‫سورة مريم )مكييية(‪ ،‬نزلييت بعييد سييورة فيياطر‪،‬‬


‫رة‬ ‫وهي في المصحف بعد سورة الكهف‪ .‬عدد آياتها ‪98‬‬

‫مريم‬ ‫آية‪.‬‬
‫زينة الحياة الدنيا‬
‫كييل إنسييان يحييب النسييل والذرييية‪ .‬فييإذا رزق‬
‫ل‪ ،‬ينشغل تفكيره في تأمين ما يلييزم لهييم ميين‬ ‫أطفا ً‬
‫حاجيييات‪ ،‬فيكييون انشييغاله وهييو شيياب فييي إنجيياب‬
‫الولد وتنشئتهم وتييأمين الغييذاء والتعليييم والطبابيية‪،‬‬
‫بينما يكون انشغاله عند اقتراب أجله في توريثهم‪..‬‬
‫ومسييألة حييب الولد فطييرة بشييرية فطيير اللييه‬
‫تعالى الناس عليها‪ ،‬وسييورة مريييم ترك ّييز علييى هييذا‬
‫الموضييوع بشييكل أساسييي‪ ،‬لكنهييا تسييأل كييل والييد‬
‫ووالدة‪ :‬لميياذا تريييدون النجيياب؟ أميين أجييل التمتييع‬
‫بالولد فقييط؟ وميياذا سييتوّرثونهم؟ أمييوال ً وعقييارات‬
‫فقط؟!!!‬
‫توريث الدين للبناء‬
‫إن في سورة مريييم سييببا ً أرقييى للنجيياب‪ ،‬وهييو‬
‫خلل توريثه لجيال قادمة‬ ‫‪340‬‬‫المحافظة على الدين من‬
‫‪341‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫تحافظ عليه وتتمسك به‪ ،‬وهذا أفضل ما يرثه الولد‬


‫قبل حطام الدنيا ومتاع الدنيا‪ .‬وكأن المسييلم يس يّلم‬
‫شعلة الدين لبنه‪ ،‬وابنه يسيّلمها ميين بعييده للحفيييد‪،‬‬
‫وهكذا!! فل يصييح أن يييذهب جيييل متييدين ثييم تييأتي‬
‫بعييده أجيييال ل تعييرف دييين ربهييا أو تعرفييه معرفيية‬
‫سطحية‪ ،‬فتعم الشيهوات والفيواحش فيي المجتميع‬
‫بسييبب تربييية البيياء لبنييائهم علييى غييير دييين اللييه‬
‫والهتمام بتوريثهم المال فقط‪.‬‬

‫فمحور سورة مريم إذا ً هو‪ :‬الولد ووراثيية الييدين‪.‬‬


‫ولذلك فإن السورة هي من أكثر السور الييتي تكييرر‬
‫فيها ذكر "الولد" و"الوراثة"‪.‬‬
‫عائلت ربانية‬
‫ولييذلك‪ ،‬تحييدثنا السييورة عيين نميياذج لشييخاص‬
‫أنجبوا أبناء بنّية تسليمهم أمانة هذا الدين‪ .‬فنجد في‬
‫السورة زكريييا ويحيييى‪ ،‬ومريييم ابنيية عمييران وابنهييا‬
‫عيسى‪ ،‬ثم إبراهيييم وإسييماعيل وإسييحاق ويعقييوب‪،‬‬
‫عليهم السلم جميعًا‪ ...‬وكييأن السييورة تخيياطب كيل‬
‫البياء وكيل المهيات لتسيألهم‪ :‬هيل أنتيم حريصيون‬
‫على تربية أبنائكم تربييية توصييلهم إلييى معرفيية اللييه‬
‫تعالى؟ هل أنتم حريصون على توريث أولدكم دييين‬
‫الله وتربيتهم على السلم؟‬
‫زكريا ويحيى عليهما السلم‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪342‬‬

‫ومن أول السورة‪ ،‬نلحظ رغبة سيدنا زكريا فييي‬


‫الولد‪:‬‬
‫رّيــا‬ ‫عْبــدَهُ َزك َ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ت َرب ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫‪‬كهيعص ‪ِ ‬ذك ُْر َر ْ‬
‫ن‬
‫هـ َ‬ ‫و َ‬ ‫ب إ ِن ّــى َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قــا َ‬ ‫في ّـا ً ‪َ ‬‬ ‫خ ِ‬ ‫داء َ‬ ‫ه نِ َ‬ ‫إ ِذْ َنادَ ٰى َرب ّ ُ‬
‫ْ‬
‫م‬ ‫ول َـ ْ‬ ‫شـْيبا ً َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ٱل ـّرأ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ش ـت َ َ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫مّنى َ‬ ‫م ِ‬ ‫عظ ْ ُ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ت‬ ‫فـــ ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫وإ ِّنـــي ِ‬ ‫قي ّا ً ‪َ ‬‬ ‫شـــ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ك َر ّ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن ِبـــدُ َ‬ ‫كـــ ْ‬ ‫أَ ُ‬
‫قًرا‬ ‫عـا ِ‬ ‫مَرأ َت ِــى َ‬ ‫تٱ ْ‬ ‫كان َ ِ‬ ‫و َ‬ ‫وَراِئى َ‬ ‫من َ‬ ‫ى ِ‬ ‫وال ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ن‬‫مـ ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫ر ُ‬ ‫وي َـ ِ‬ ‫رث ُن ِــى َ‬ ‫ول ِي ّـا ً ‪ ‬ي َ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫من ل ّدُن ْ َ‬ ‫ب ِلى ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ري ّــا إ ِن ّــا‬ ‫ضـي ّا ً ‪ٰ ‬يَزك َ ِ‬ ‫ب َر ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫عل ْـ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫قو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ءا ِ‬
‫مــن‬ ‫ه ِ‬ ‫عل ل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫حي َ ٰى ل َ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫غل َ ٰـم ٍ ٱ ْ‬ ‫ك بِ ُ‬ ‫شُر َ‬ ‫ن ُب َ ّ‬
‫مي ّا ً‪.( (1-7‬‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫َ‬
‫وكأن لسان حال سيدنا زكريا يقول‪" :‬يييا رب أنييا‬
‫ل أجد أحدا ً ليحمل مسؤولية الدين‪ ،‬وامرأتيي عياقر‪،‬‬
‫ول أمل لي بالنجيياب‪ ،‬ولكنييي أخيياف علييى الييدين"‪.‬‬
‫غيرة رائعة على دين الله‪ ،‬فقد كان زكريا خائف يا ً لن‬
‫الجيال الموجودة من بني إسرائيل ل تصييلح لحمييل‬
‫الرسالة‪ ،‬فطلب الولييد ليييورثه الييدين‪ ،‬ولنييه صييادق‬
‫رّيا إ ِن ّــا‬ ‫النية في طلبييه‪ ،‬أتيياه الييرد الربيياني‪ٰ :‬يَزك َ ِ‬
‫مــن‬ ‫ه ِ‬ ‫عل ل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫حي َ ٰى ل َ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫غل َ ٰـم ٍ ٱ ْ‬ ‫ك بِ ُ‬ ‫شُر َ‬ ‫ن ُب َ ّ‬
‫مي ّا ً ‪...‬‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫َ‬
‫فكيييف نشييأ يحيييى بعييد ذلييك؟ وكيييف تربييى؟‬
‫م‬ ‫حك ْـ َ‬ ‫وات َي ْن َــاهُ ٱل ْ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫و ٍ‬‫قـ ّ‬ ‫ب بِ ُ‬ ‫ذ ٱل ْك َِتـٰ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫حَيىٰ ُ‬ ‫‪ٰ ‬يي َ ْ‬
‫صب ِي ّا ً‪.( (12‬‬ ‫َ‬
‫فميييع أن حيييب إنجييياب الولد والخيييوف عليييى‬
‫‪343‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫مستقبلهم هما فطرة طبيعييية قييد فطيير اللييه عليهييا‬


‫البشر‪ ،‬لكننا يجب أن نسييتغل هييذه الفطييرة لطاعيية‬
‫اللييه تعييالى‪ ،‬فنربييي أبناءنييا بنفييس الخييوف ونفييس‬
‫الحرص على أن يطيعييوا اللييه تعييالى ويحملييوا لييواء‬
‫دينه‪..‬‬
‫مريم وعيسى عليهما السلم‬
‫وقصة مريم عليهييا السييلم ل تختلييف عيين قصيية‬
‫زكريييا‪ ،‬فقييد نييذرتها أمهييا )امييرأة عمييران( لتحرييير‬
‫المسجد القصى من يد الرومان‪ ،‬قبل أن تعلم أنهييا‬
‫فــي ب َطْن ِــي‬
‫مــا ِ‬
‫ك َ‬‫ت ل َـ َ‬ ‫أنييثى ‪َ‬ر ّ‬
‫ب إ ِن ّــي ن َـذَْر ُ‬
‫حّرًرا ‪) ‬آل عمران‪ .(35 ،‬أما فييي سييورة مريييم‪،‬‬ ‫م َ‬‫ُ‬
‫فإننا نجدها تورث هذه المانة لبنها‪.‬‬
‫فعنييدما أتييت قومهييا وهييي تحمييل عيسييى عليييه‬
‫فــى‬ ‫ن ِ‬ ‫مــن ك َــا َ‬ ‫م َ‬ ‫ف ن ُك َل ّ ُ‬ ‫قاُلوا ْ ك َي ْ َ‬ ‫السلم‪َ ... ،‬‬
‫صب ِي ّا ً‪ ( (29‬ول يدرون أن صبي المهد هذا‬ ‫د َ‬ ‫ه ِ‬
‫م ْ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫قد ورث الرسالة صغيرا ً وحمل أمانة الدعوة‪.‬‬
‫ب‬‫ى ٱل ْك ِت َ ٰـ ـ َ‬ ‫عب ْ ـدُ ٱللــه ءات َــان ِ َ‬ ‫ل إ ِن ّــى َ‬ ‫‪‬ــا َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫عل َِنــــــــــى‬ ‫ج َ‬
‫و َ‬ ‫عل َِنــــــــــى ن َب ِّيــــــــــا ً ‪َ ‬‬ ‫ج َ‬‫و َ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صــل َ ٰو ِ‬
‫ة‬ ‫صــاِنى ب ِ ٱل ّ‬ ‫و َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫كنــ ُ‬ ‫مــا ُ‬ ‫ن َ‬‫مَباَركــا ً أْيــ َ‬ ‫ُ‬
‫تى‪ (30 –..‬‬ ‫وال ِدَ ِ‬‫وب َّرا ً ب ِ َ‬ ‫حي ّا ً ‪َ ‬‬
‫ت َ‬ ‫م ُ‬‫ما دُ ْ‬
‫ة َ‬ ‫و ٱلّزك َ ٰو ِ‬ ‫َ‬
‫‪.(32‬‬
‫بر البناء‬
‫وسورة مريم هي من أكييثر السييور الييتي ركييزت‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪344‬‬

‫على الِبيّر‪ ،‬ليذلك نيرى أن أهيم صيفات يحييى علييه‬


‫‪‬ب َّرا ب ِ ٰول ِدَي ْ ِ‬
‫ه‪.( (14..‬‬ ‫و‬
‫السلم كانت َ‬
‫وَبــّرا ً‬
‫أميييا عيسيييى علييييه السيييلم فيقيييول ‪َ ‬‬
‫وال ِدَِتى‪.( (32‬‬
‫بِ َ‬
‫ومعلوم أن بر الوالدين ل يكون ميين الولييد إل إذا‬
‫نشييأ فييي بيئة صييالحة‪ ،‬كييأن السييورة تقييول للبيياء‬
‫والمهييات‪ :‬ربييوا أبنيياءكم علييى حمييل أمانيية الييدين‪،‬‬
‫لتنصروا دين الله تعالى‪ ،‬فتنيالوا الجيير العظييم فيي‬
‫الخرة‪ ،‬وترزقوا بر أولدكم وطاعتهم لكم‪.‬‬
‫إبراهيم عليه السلم مع أبيه‬
‫وبعد ذلك تحدثنا اليات عن نموذج معاكس تماما ً‬
‫لما سبق‪ :‬ابن مؤمن يأخذ بيد أبيييه الكييافر‪ ،‬إبراهيييم‬
‫عليه السلم مع أبيه‪ .‬ومن رفقه بأبيه وشفقته عليه‪،‬‬
‫أخذ يدعوه إلى الله بكل شفقة وحنان ومحبيية‪.. :‬‬
‫ول َ ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫غِنى‬ ‫صُر َ‬‫ول َ ي ُب ْ ِ‬
‫ع َ‬ ‫م ُ‬‫س َ‬ ‫ما ل َ ي َ ْ‬ ‫عب ُدُ َ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ٰيأب َ ِ‬
‫ن ٱل ْ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫علــم ِ‬ ‫مــ َ‬‫جاءِنى ِ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ت إ ِّنى َ‬ ‫شْيئا ً ‪ ‬يٰأب َ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫عن َ‬ ‫َ‬
‫وي ّا ً ‪‬‬ ‫سـ ِ‬ ‫ص ـَراطا ً َ‬ ‫ك ِ‬ ‫د َ‬ ‫ه ِ‬‫عِنى أ َ ْ‬ ‫ف ٱت ّب ِ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫م ي َأ ْت ِ َ‬
‫ما ل َ ْ‬ ‫َ‬
‫‪.((42-43‬‬
‫يا شباب‪ ،‬تعلموا من إبراهيييم عليييه السييلم أدب‬
‫الدعوة مع الكبر سيينًا‪ ،‬خاصيية إذا كييان ميين الهييل‪،‬‬
‫فييإن أكييثر مييا ينفيير النيياس ميين الييدين هييو الشيياب‬
‫المتدين السيء الخلق‪ ،‬الذي ل يخاطب الناس بأدب‬
‫أثناء دعوتهم‪ .‬أنظر ماذا يقول لبيه‪:‬‬
‫‪345‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫َ‬
‫ن‬‫شي ْطَ ٰـــ َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫شي ْطَ ٰـــ َ‬ ‫د ٱل ّ‬ ‫عب ُ ِ‬ ‫ت ل َ تَ ْ‬ ‫ٰيأب َ‪ِ ‬‬
‫ف َأن‬ ‫خــا ُ‬ ‫ت إ ِن ّــى أ َ َ‬ ‫َ‬
‫صـي ّا ً ‪ٰ ‬يـ أب َ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ٰــ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِللّر ْ‬ ‫ك َــا َ‬
‫ن‬ ‫كـــو َ‬ ‫فت َ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ٰــــ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ٱلّر ْ‬ ‫مـــ َ‬ ‫ب ّ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عـــ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ســـ َ‬ ‫م ّ‬ ‫يَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫شي ْطَ ٰـــ َ‬ ‫د ٱل ّ‬ ‫عُبــ ِ‬ ‫ت ل َ تَ ْ‬ ‫ول ِي ّ ٰا ًي ‪‬أب َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫شي ْط ٰـ ِ‬ ‫ِلل ّ‬
‫َ‬
‫ت إ ِن ّــى‬ ‫صـي ّا ً ‪ٰ ‬يـ أب َ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ٰــ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِللّر ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫شي ْطَ ٰـ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ن‬ ‫فت َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ع َ‬ ‫س َ‬ ‫خا ُ َ‬ ‫أَ َ‬
‫كو َ‬ ‫م ٰـ ِ‬ ‫ح َ‬‫ن ٱلّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫م ّ‬ ‫ف أن ي َ َ‬
‫ول ِي ّا ً‪.( (44 – 45‬‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫شي ْط ٰـ ِ‬ ‫ِلل ّ‬
‫ولما كان على هذه الدرجة من الدب والبر بأبيه‬
‫علييى كفييره وضييلله‪ ،‬أكرمييه اللييه تعييالى بييأولده‬
‫ن ٱلله‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عت ََزل َ ُ‬ ‫ما ٱ ْ‬ ‫فل َ ّ‬‫‪َ ‬‬
‫عل ْن َــا ن َب ِي ّـا ً‬ ‫ج َ‬ ‫وك ُل ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫قــو َ‬ ‫ع ُ‬‫وي َ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ٰــ َ‬ ‫س َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫هب َْنا ل َ ُ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫سـا َ‬ ‫م لِ َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫عل َْنـا ل َ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫مت َِنـا َ‬ ‫ح َ‬ ‫من ّر ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫هب َْنا ل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫عل ِي ّا ً‪.( (49-50‬‬ ‫ق َ‬ ‫صدْ ٍ‬ ‫ِ‬
‫فكأن ِبره بأبيه كان سببا ً ليرزق اثنين من الذ ُّرية‬
‫الصالحة التي تقر بها عينه‪ ،‬وتحمل الدين وتوّرُثه‪.‬‬
‫إسماعيل‪ :‬وكان يأمر أهله بالصلة والزكاة‬
‫وتمر الجيال تلو الجيال‪ ،‬ويسلم كييل جيييل هييذه‬
‫المانة لمن بعده‪:‬‬
‫فتذكر اليات إسماعيل عليه السلم‪ ،‬وتقول عنه‬
‫ة‬ ‫و ٱلّز َ‬
‫كـــ ٰو ِ‬ ‫صـــل َ ٰو ِ‬
‫ة َ‬ ‫ه ب ِ ٱل ّ‬ ‫مُر أ َ ْ‬
‫هَلــ ُ‬
‫ْ‬
‫ن َيــأ ُ‬ ‫و‪َ ‬‬
‫كــا َ‬ ‫َ‬
‫ضــي ّا ً‪ ...( (55‬فواضييح أن‬ ‫مْر ِ‬ ‫ه َ‬‫عنــدَ َرّبــ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫و َ‬
‫كــا َ‬ ‫َ‬
‫الجيال كانت تسلم بعضها لواء الدعوة إلى الله‪...‬‬
‫وتيأتي الييات عليى ذكير موسيى علييه السيلم‪،‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪346‬‬

‫فتركز على نفس المعنى‪:‬‬


‫ن ن َب ِي ّـا ً‬
‫ه ٰــُرو َ‬ ‫مت َِنا أ َ َ‬
‫خاهُ َ‬ ‫ح َ‬
‫من ّر ْ‬ ‫هب َْنا ل َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫و َ‬ ‫و‬
‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫‪.( (53‬‬
‫وبعييد كييل هييذه المثليية المضيييئة فييي تاريييخ‬
‫البشرية‪ ،‬يييأتي تعقيييب رائع فييي الثنيياء علييى الييذين‬
‫يورثون أبناءهم شعلة الدين‪:‬‬
‫م ٱللــه َ َ‬ ‫َ‬ ‫‪ُ‬أوَلـئ ِ َ‬
‫ن‬
‫مـ َ‬ ‫هــم ّ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫عـ َ‬‫ن أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ٱل ّ ـ ِ‬
‫ح‬‫ع ُنو ٍ‬ ‫م َ‬‫مل َْنا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫م ّ‬
‫و ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ءادَ َ‬ ‫من ذُّري ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ٱلن ّب ِي ّي ْ َ‬
‫هـدَي َْنا‬
‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫م ّ‬‫و ِ‬
‫ل َ‬ ‫سـ ٰرءي َ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫م َ‬ ‫هيـ َ‬ ‫من ذُّري ّـ ِ‬
‫ة إ ِب ْ ٰر ِ‬ ‫و ِ‬‫َ‬
‫ن‬ ‫ذا ت ُت ْل َ ٰى َ َ‬ ‫جت َب َي َْنا إ ِ َ‬
‫م ٰـ ـ ِ‬ ‫ح َ‬‫ت ٱلّر ْ‬ ‫م ءاي َ ٰـ ـ ُ‬ ‫هـ ْ‬‫علي ْ ِ‬ ‫وٱ ْ‬
‫َ‬
‫وب ُك ِي ّا ً‪.( (58‬‬ ‫جدا ً َ‬ ‫س ّ‬ ‫خّروا ْ ُ‬ ‫َ‬
‫فخلف من بعدهم خلف‬
‫كان تييوارث الجيييال للييواء الييدعوة واضييحا ً عنييد‬
‫أنبياء الله تعييالى منييذ بداييية اسييتخلف اللييه للنيياس‬
‫م ‪ ،‬ولكييين‬ ‫ة ءادَ َ‬‫مـــن ذُّري ّـــ ِ‬ ‫عليييى الرض ‪ِ ...‬‬
‫للسف جاءت بعد ذلك أجيال كل همها تربييية الولد‬
‫على الدنيا والشهوات وتييوريثهم المييوال‪ ..‬فهييم لييم‬
‫يتييدبروا سييورة مريييم ولييم يفهمييوا أهمييية تييوريث‬
‫اليييدين‪ ،‬فضيييّيع أولدهيييم الصيييلة واتبعيييوا طرييييق‬
‫الشهوات‪...‬‬
‫عوا ْ‬
‫ضـــا ُ‬ ‫ف أَ َ‬‫خل ْـــ ٌ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫د ِ‬
‫عـــ ِ‬
‫مـــن ب َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫خل َـــ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ف َ‬
‫ن‬‫قو َ‬‫ف ي َل ْ َ‬‫و َ‬‫س ْ‬ ‫ت َ‬
‫ف َ‬ ‫ه ٰو ِ‬ ‫ش َ‬‫عوا ْ ٱل ّ‬ ‫و ٱت ّب َ ُ‬‫صَلـ ٰوةَ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫غي ّا ً‪...( (59‬‬‫َ‬
‫‪347‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫أخي المسلم‪ ،‬اختر لنفسك أنت وعائلتك‪ :‬مع أي‬


‫َ‬
‫م ٱللــه‬ ‫عـ َ‬‫ن أن ْ َ‬ ‫فئة تحييب أن تحشيير؟ مييع )ٱل ّ ـ ِ‬
‫ذي َ‬
‫صَلــــ ٰو َ‬
‫ة‬ ‫عوا ْ ٱل ّ‬ ‫ضـــا ُ‬ ‫هـــم( أم ميييع اليييذين أ َ) َ‬ ‫َ َ‬
‫علي ْ ِ‬
‫ت(؟‬‫ه ٰو ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عوا ْ ٱل ّ‬ ‫و ٱت ّب َ ُ‬ ‫َ‬
‫فإن كنت من النوع الول‪ ،‬فافرح بالية الكريمة‪:‬‬
‫مــن‬ ‫عَباِدن َــا َ‬ ‫ن ِ‬‫مـ ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫ر ُ‬ ‫ة ٱل ّت ِــى ن ُــو ِ‬ ‫ك ٱل ْ َ‬
‫جن ّ ُ‬ ‫‪‬ت ِل ْ َ‬
‫قي ّـا ً‪ ( (63‬لن الجييزاء ميين جنييس العمييل‪،‬‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫فوّرث الدين لبنائك‪ ،‬يورثك الله الجنيية أنييت وإييياهم‬
‫إن شاء الله‪.‬‬
‫احذر أن تكون منهم‬
‫أما إن كنت من النوع الثيياني‪ ،‬فاحييذر قييول اللييه‬
‫تبارك وتعالى‪:‬‬
‫‪َ ‬‬‫أَ َ‬
‫ل‬ ‫و َ‬
‫قــا َ‬ ‫فــَر ِبـَئاي َ ٰـــت َِنا َ‬ ‫ت ٱّلــ ِ‬
‫ذى ك َ َ‬ ‫فَرأْيــ َ‬
‫وَلدا ً‪.( (77‬‬ ‫ُ‬
‫مال ً َ‬
‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫لوت َي َ ّ‬
‫فالولد قد يكون رحمة وذكرا ً حسنا ً وصدق جارية‬
‫لهله‪ ،‬وقد يكييون بالمقابييل سييببا ً لكفرهييم وصييدهم‬
‫عن سبيل الله‪ ،‬كما ذكرت الية‪ .‬السورة تؤكد دائما ً‬
‫على نفييس المعنييى‪ :‬ليييس المهييم أن تتمنييى البييوة‬
‫العادية‪ ،‬ول بد من طلب البوة لمصلحة الدين‪.‬‬
‫سبحانه وتعالى عما يقولون‬
‫وبمناسبة الحديث عن الولد‪ ،‬تنتقل اليييات إلييى‬
‫معنى آخر‪.‬‬
‫فأنتم أيها البشر محتاجون للولد‪ ،‬أما اللييه تعييالى‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪348‬‬

‫فهو غني عن الولد سبحانه وتعالى‪.‬‬


‫فتنكر السورة علييى القييائلين بييأن اللييه سييبحانه‬
‫اتخييذ ولييدا ً ‪ -‬تعييالى اللييه عيين ذلييك علييوا ً كييبيرًا‪:‬‬
‫م‬ ‫جئ ْت ُـ ْ‬ ‫قـدْ ِ‬ ‫ول َــدا ً ‪ ‬ل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ٰــ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫خـذَ ٱلّر ْ‬ ‫قاُلوا ْ ٱت ّ َ‬ ‫‪َ ‬‬‫و‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫مْنــ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫فطــْر َ‬ ‫ّ‬ ‫ت ي َت َ َ‬ ‫م ٰـــ ٰو ُ‬ ‫س َ‬ ‫كــادُ ٱل ّ‬ ‫ً‬
‫دّا َ ‪‬‬ ‫ً‬
‫شــْيئا إ ِت َ‬ ‫َ‬
‫وا‬ ‫عــ ْ‬‫هدّا ً ‪َ ‬أن دَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫خّر ٱل ْ ِ‬ ‫وت َ ِ‬‫ض َ‬ ‫ق ٱل ْر ُ‬
‫َ‬
‫ش ّ‬ ‫وَتن َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫خــذَ‬ ‫ن أن ي َت ّ ِ‬ ‫م ٰـ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫غى ِللّر ْ‬ ‫ما َينب َ ِ‬ ‫و َ‬‫وَلدا ً ‪َ ‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ٰـ ِ‬ ‫ح َ‬‫ِللّر ْ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫وَلدا ً ‪ِ‬إن ك ُـ ّ‬
‫و ٱلْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫فــى ٱل ّ‬ ‫مــن ِ‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫عْبــدا ًل ّ ‪َ ‬‬ ‫إ ِل ّ َ‬
‫ه ْ‬ ‫ص ٰـــ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قــدْ أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ٰـــ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ءاِتــى ٱلّر ْ‬
‫فْردا ً‬ ‫ة َ‬ ‫م ِ‬‫قي َ ٰـ َ‬ ‫م ٱل ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫م ءاِتي ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫وك ُل ّ ُ‬ ‫عدّا ً ‪َ ‬‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عدّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫‪.( (88 – 95‬‬
‫ففييي نفييس السييورة الييتي تحييدثت عيين الولييد‪،‬‬
‫أشارت اليات إلى حاجيية النسييان الشييديدة لتخيياذ‬
‫الولد ونفت ذلك بشدة عن الله سييبحانه وتعييالى فل‬
‫يحتاج إلى البن لنه حي ل يميوت‪ ،‬أميا البشيير فهييم‬
‫محتاجون للولد لنهم يكبرون ويموتون ويورثون‪.‬‬
‫نسمات وأمواج‬
‫ونلحظ أن القسم الول من السورة تحدث عيين‬
‫حاجة النسييان إليى الولييد والطفيال والذريية فجياء‬
‫عب ْـدَهُ‬ ‫ت َرب ّـ َ‬
‫ك َ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬‫خطاب اليات رقيقًا‪ِ ...‬ذك ُْر َر ْ‬
‫مــن‬‫حَناًنا ّ‬
‫و َ‬ ‫في ًّا‪َ ...‬‬‫خ ِ‬
‫داء َ‬ ‫ه نِ َ‬ ‫َزك َ ِ‬
‫رّيا‪ ...‬إ ِذْ َنادَ ٰى َرب ّ ُ‬
‫ل ّدُّنا‪  ..‬فالمقاطع شديدة في آخرها‪.‬‬
‫والسورة بالمناسبة من أكثر السور إيرادا ً للفظة‬
‫‪349‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الرحميية واسييم اللييه الرحميين‪ ،‬فقييد ذكييرت لفظيية‬


‫الرحمة ومشتقاتها في السورة ‪ 20‬مرة‪.‬‬
‫أما النصف الثاني من السورة والذي ينفييي عيين‬
‫الله اتخاذه للولد‪ ،‬فلقد جاء خطييابه شييديدا ً مقرع يًا‪،‬‬
‫ليناسب الفتراء الشييديد الييذي ادعيياه البعييض علييى‬
‫الله وهو ادعاء الولد ليه سيبحانه‪ .‬فجمعيت السيورة‬
‫بين الرقة والشدة في الخطيياب ميين غييير أن تتغييير‬
‫حركة السورة وإحساس القارئ بالسييورة ل يتغييير‪..‬‬
‫وهذا من إعجاز القرآن‪..‬‬
‫لماذا سميت السورة بـ )مريم(‬
‫هنيياك الكييثيرون مميين ورث أبنيياءه الييدين فييي‬
‫السورة )إبراهيييم أو إسييماعيل أو زكريييا(‪ .‬فمييا هييو‬
‫السر وراء تسمية السورة باسم السيدة مريم؟‬
‫لن الم هي الموّرثة الحقيقية للدين‪ ،‬وهي الييتي‬
‫مَيت‬
‫سي ّ‬
‫تربييي وترعييى الطفييل حييتى يبلييغ ُرشييده‪ ،‬ف ُ‬
‫السييورة باسييم سيييدة نسيياء العييالمين‪ ،‬لهمييية دور‬
‫المرأة بشكل عييام فييي تييوريث الييدين للبنيياء‪ ،‬ولن‬
‫السيدة مريم نفسها كانت نموذجا ً رائعا ً لميين ورثييت‬
‫الدين عن أهلها )آل عمران( وورثته لبنها‪..‬‬
‫سورة طه‬

‫سو‬ ‫سورة طه مكية‪ ،‬نزلت بعد سييورة مريييم‪ ،‬وهييي‬


‫رة طه‬ ‫بعدها أيضا ً في ترتيب المصحف‪ .‬عدد آياتها ‪ 135‬آية‪.‬‬
‫ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى‬
‫مــا‬‫وهدف سورة طه نعرفه من بدايتها‪ :‬طه ‪َ ‬‬
‫قى‪...( (1-2‬‬ ‫ش َ‬ ‫ن ل ِت َ ْ‬ ‫ك ٱل ْ ُ‬
‫قْرءا َ‬ ‫أ َن ََزل َْنا َ‬
‫عل َي ْ َ‬
‫ومعنييى ذلييك أن هييذا الييدين وهييذا المنهييج ليسييا‬
‫لشقاء الناس‪ ،‬بل إن السلم هو منهج السييعادة‪ .‬فل‬
‫شقاء مع السيلم‪ ،‬رغيم كيل الظيروف والصيعوبات‬
‫التي تواجه المتدينين‪ ،‬لكن الشقاء يكييون فييي تييرك‬
‫ن‬
‫قْرءا َ‬ ‫ك ٱل ْ ُ‬ ‫ما أ َن ََزل َْنا َ‬
‫عل َي ْ َ‬ ‫طريق الله تعالى ‪َ ..‬‬
‫ق ٰى ‪...‬‬ ‫ش َ‬ ‫ل ِت َ ْ‬
‫ن أكييثر ميين يسييتفيد برسييالة هييذه السييورة هييم‬ ‫إ ّ‬
‫الشييباب البعيييدين عيين التييدين‪ ،‬أو الييذين يريييدون‬
‫اللتزام‪ ،‬لكنهم يخافون ميين أن الييتزامهم بمنهييج اللييه‬
‫تعيالى سيوف يمنعهيم مين السيعادة‪ ،‬ويجليب عليهيم‬
‫الكآبيية ويحرمهييم ميين متييع الحييياة وأسييباب اللهييو‬
‫والييترفيه‪ ..‬هييذا المفهييوم خيياطئ جييدًا‪ ،‬لييذلك تييأتي‬
‫السورة لتؤكد لنا أن السلم هييو منهيج السييعادة‪ ،‬وأن‬
‫‪350‬‬
‫‪351‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫من حاد عن هذا المنهج سيشقى فيي اليدنيا والخيرة‪.‬‬


‫معنى رائع ومفهوم جميل‪ .‬كيف ترينا سيورة طيه هيذا‬
‫المعنى؟ تعال معنا لنعيش مع آيات السورة من أولها‪.‬‬
‫كيف تشقى مع الرحمن؟‬
‫تبييدأ السييورة بمقدميية رائعيية تأسيير القلييوب‬
‫ن‬ ‫ك ٱل ْ ُ‬
‫ق ـْرءا َ‬ ‫مــا أ َن ََزل ْن َــا َ‬
‫عل َي ْ ـ َ‬ ‫بكلماتهييا‪ :‬طــه ‪َ ‬‬
‫ش ٰى‪.( (1-3‬‬ ‫خ َ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ق ٰىإ ِ ‪‬ل ّ ت َذْك َِرةً ل ّ َ‬
‫ش َ‬
‫ل ِت َ ْ‬

‫فالقرآن لن يكون شقاًء لكم يا مسلمين‪ ،‬بل إنييه‬


‫سيكون تذكرة لكم‪ ،‬وهذه التذكرة هي التي ستكون‬
‫سببا ً لسعادتكم‪.‬‬
‫َ‬
‫خَلــــــق ٱل ْر َ‬
‫ض‬ ‫ن َ‬ ‫مــــــ ْ‬‫م ّ‬‫زيل ً ّ‬ ‫‪َ ...‬تنــــــ ِ‬
‫عَلـــى‬ ‫ن َ‬‫م ٰــــ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫عَلـــى‬
‫ٱ ‪‬لّر ْ‬ ‫ت ٱل ْ ُ‬ ‫م ٰــــوٰ ِ‬ ‫س َ‬
‫و ٱل ّ‬ ‫َ‬
‫و ٰى‪.( (54‬‬ ‫ست َ َ‬‫ش ٱ ْ‬ ‫عْر ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫واسييمعوا هييذا المنهييج ينييزل ميين عنييد ميين؟‬
‫الرحميين‪ ،‬وجيياء ذكيير اسييم اللييه الرحميين بعييد ذكيير‬
‫الشييقاء ليعلييم النيياس بييأنه ل يمكيين أن يكييون دييين‬
‫الرحمن هو سبب للشييقاء‪ ،‬فكيييف يشييقى النسييان‬
‫بمنهج الله تعالى وهو الذي له السماء الحسنى كلها‬
‫ماء ٱل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ســن َ ٰى‬ ‫ح ْ‬ ‫س َ‬‫ه ٱل ْ‬ ‫و لَ ُ‬ ‫ه َ‬‫ه إ ِل ّ ُ‬ ‫لله ل إ ِل َ ٰـ َ‬‫ٱ‪‬‬
‫‪.( (8‬‬
‫موسى والسعادة مع منهج الله‬
‫وتعرض السورة بعييد ذلييك نموذج يا ً كلنييا نعرفييه‪:‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪352‬‬

‫سيييدنا موسييى عليييه السييلم‪ :‬نمييوذج للصييعوبات‬


‫الشييديدة أثنيياء الييدعوة‪ ،‬لكنهييا محاطيية بعناييية اللييه‬
‫ورعايته‪ .‬وكأن هذه القصة تقول لنا‪ :‬ليس معنييى أن‬
‫القييرآن منهييج الراحيية والسييعادة‪ ،‬أن الحييياة كلهييا‬
‫سييتكون وردييية بل مشيياكل ول أحييزان‪ ...‬إن الحييياة‬
‫مليئة بالعقبات‪ ،‬خاصة إذا كنييت أيهييا المييؤمن مميين‬
‫يحملييون هييذا المنهييج ويييدعون إليييه‪ ...‬إل أن هييذه‬
‫الصييعوبات ل تسييبب الشييقاء )والمقصييود بالشييقاء‪:‬‬
‫النكييد والكآبيية‪ ،‬والهييم والغييم‪ ،‬وضيييق الصييدر( لن‬
‫المؤمن مهما واجه من صعوبات فهو موصول بربييه‪،‬‬
‫ض‬ ‫ً‬
‫مستعين به فييي كييل أحييواله‪...‬لييذا فهييو دائميا را ٍ‬
‫ومطمئن‪.‬‬
‫كلمات من نور‬
‫وقصة موسى تحمل في آياتها ملمح رحمة ربنييا‬
‫في وسييط صييعوبة الحييياة وشييدتها‪ .‬وحييتى طريقيية‬
‫عرض القصة واختيييار الكلمييات يتميييزان عيين بيياقي‬
‫مواضع قصة موسى فييي القييرآن‪ .‬وميين ذلييك قييوله‬
‫مك ُُثوا ْ إ ِّنى‬ ‫ه ٱ ْ‬ ‫هل ِ ِ‬‫ل لَ ْ‬ ‫تعالى‪ :‬إ ِذْ َرَأى َنارا ً َ‬
‫ف َ‬
‫قا َ‬
‫ت َنارا ً‪.( (10‬‬ ‫س ُ‬
‫ءان َ ْ‬
‫ولن الرسيالة شيديدة وحملهيا ثقييل‪ ،‬ولن سييدنا‬
‫موسى كان يشييعر بهيبيية الموقييف‪ ،‬تبييدأ معييه اليييات‬
‫مين ِـ َ‬
‫ك‬ ‫ما ت ِل ْ َ‬
‫ك ب ِي َ ِ‬ ‫و َ‬‫بسؤال لطيف وسهل للمؤانسة ‪َ ‬‬
‫س ٰى‪.( (17‬‬ ‫مو َ‬ ‫ٰي ُ‬
‫وعندما دعا سيدنا موسييى ربييه‪ ،‬دعييا بمييا يعلمييه‬
‫‪353‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫عيين هييذا المنهييج ميين سييعادة وطمأنينيية وتيسييير‪:‬‬


‫سـْر ل ِــى‬ ‫وي َ ّ‬ ‫رى ‪َ ‬‬ ‫صـدْ ِ‬ ‫ح ل ِــى َ‬ ‫ش ـَر ْ‬ ‫بٱ ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قــا َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫ساِنى‪..( (25 – 27‬‬ ‫من ل ّ َ‬ ‫قدَةً ّ‬ ‫ع ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫حل ُ ْ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫رى ‪َ ‬‬ ‫م ِ‬ ‫أ ْ‬
‫لذلك تأتي آيات أخرى تحمل نفس الرقة ونفييس‬
‫الحنان‪.‬‬
‫ك‬‫ؤل َ َ‬‫س ْ‬ ‫ف ‪ُ َ  (21) ‬‬ ‫ول َ ت َ َ‬ ‫خذْ َ‬
‫ت ُ‬ ‫قدْ أوِتي َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫خ ـَر ٰى‬ ‫ُ‬
‫مّرةً أ ْ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫‪‬ل َ َ‬
‫ك َ‬ ‫من َّنا َ‬ ‫قدْ َ‬ ‫و‬
‫س ٰى ‪َ (36) ‬‬ ‫مو َ‬ ‫ٰي ُ‬
‫ع‬
‫ص ـن َ َ‬‫ول ِت ُ ْ‬ ‫من ّــى َ‬ ‫ة ّ‬ ‫حب ّـ ً‬ ‫م َ‬
‫ك َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫قي ْ ُ‬‫وأ َل ْ َ‬ ‫‪َ  (37) ‬‬
‫عي ِْنى‪..( (39‬‬ ‫عل َ ٰى َ‬ ‫َ‬
‫م)‪ (40‬‬ ‫غــ ّ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جي َْنـٰ َ‬ ‫فن َ ّ‬‫فسا ً َ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫قت َل ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫فا إ ِن ِّنى‬ ‫خا َ‬ ‫سى ‪ (41) ‬ل َ ت َ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫عت ُ َ‬ ‫صطَن َ ْ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ف إن ّ َ َ‬ ‫وأ ََر ٰى ‪ (46) ‬ل َ ت َ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ك أن َ‬ ‫خ ْ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫عك ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫عل َ ٰى‪ ( (68‬أريت كم مرة تكييررت كلمييتي‪" :‬ل‬ ‫ٱل ْ ْ‬
‫خف"؟!! وكأن هذا نموذج حيي لُنصييرة اللييه تعييالى‬ ‫ت َ‬
‫لعباده المؤمنين‪ ...‬وكأن هيذا نتيجية ثقية أم موسيى‬
‫في وعد الله وطاعتهييا لييه سييبحانه‪ ،‬بإلقائهييا وليييدها‬
‫في البحر‪ ...‬وكأن هذا تعويضا ً لموسييى الييذي ُألقييي‬
‫مظلييم‬ ‫بأمر اللييه وهييو حييديث الييولدة فييي صييندوق ُ‬
‫تتقيياذفه المييواج‪ ...‬نعييم‪ ،‬لقييد تعبييت أم موسييى‬
‫وجاهدت نفسها‪ ،‬وتعب موسى في مواجهة فرعون‪،‬‬
‫لكن طمأنة الله لهما كانت رائعة‪ ...‬وهكذا المييؤمن‪،‬‬
‫مهما مرت به المحن‪ ،‬تجده سعيدا ً راضيييا ً تمل قلبييه‬
‫سكينة‪...‬‬ ‫ال ّ‬
‫فلماذا نضع الحواجز بيننا وبييين التييدّين؟ ونخييافه‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪354‬‬

‫ونرهبييييييييييييييييه وهييييييييييييييييو بيييييييييييييييياب‬


‫سعادتنا؟‬
‫من لطائف العناية الربانية‬
‫ومن لطف القرآن مع النييبي ‪ ‬أن اللييه تعييالى‬
‫منهييا لموسييى عليييه‬ ‫أمن له الكثير من المور الييتي أ ّ‬
‫رى ‪‬‬ ‫صــدْ ِ‬ ‫ح ِلــى َ‬ ‫شــَر ْ‬ ‫بٱ ْ‬ ‫السييلم‪ ،‬فييدعاء ‪َ‬ر ّ‬
‫ح ل َـ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ش ـَر ْ‬ ‫م نَ ْ‬‫يقابله قول اللييه تعييالى للنييبي ‪‬أل َ ْ‬
‫عي ْن ِــى‬ ‫عل َـ ٰى َ‬ ‫ع َ‬ ‫‪ْ ُ‬‬
‫صن َ َ‬ ‫ك ‪ .‬وقوله تعالى َ‬
‫ول ِت‬ ‫صدَْر َ‬
‫َ‬
‫‪ ‬لسيدنا موسى جاء بنفس الكلمات لخاتم النبياء‬
‫ك ب ِأ َ ْ‬
‫عي ُن ِن َــا ‪‬‬ ‫فإ ِن ّـ َ‬‫ك َ‬ ‫حك ْـم ِ َرب ّـ َ‬‫ص ـب ِْر ل ِ ُ‬
‫وٱ ْ‬‫‪َ : ‬‬
‫)الطور ‪.(48‬‬
‫وكييأن هييذه اليييات وعلقاتهييا مييع بعضييها تقييول‬
‫للنبي ‪ :‬لقد تمت هذه المور لك يا محمد‪.‬‬
‫ذاق السحرة طعم السعادة‬
‫ونصل إلى موقف السحرة مع فرعون‪ ،‬فهم قييد‬
‫تعرضوا لليذاء الشديد من فرعون‪ ،‬ومع ذلك فييإنهم‬
‫لم يكونوا فييي شييقاء أبييدًا‪ ،‬فقييد قييال لهييم فرعييون‬
‫متوعدًا‪:‬‬
‫قطّعن أ َي ـديك ُم َ‬ ‫فل ُ َ‬
‫ف‬‫خل َ ٍ‬ ‫ن ِ‬‫مـ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫جل َك ُـ ْ‬‫وأْر ُ‬ ‫َ ّ ْ ِ َ ْ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن أ َي َّنــا‬ ‫عل َ ُ‬
‫مــ ّ‬ ‫ول َت َ ْ‬‫ل َ‬ ‫خ ِ‬‫ع ٱل ن ّ ْ‬ ‫ذو ِ‬‫ج ُ‬
‫فى ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صل ّب َن ّك ُ ْ‬
‫ُ‬
‫ول َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫أَ َ‬
‫ق ٰى‪.( (71‬‬ ‫وأب ْ َ‬ ‫ذابا ً َ‬ ‫ع َ‬‫شدّ َ‬
‫فماذا كان جوابهم؟‬
‫ن‬
‫مـ َ‬ ‫جاءن َــا ِ‬ ‫مــا َ‬ ‫عل َـ ٰى َ‬ ‫ك َ‬ ‫ـاُلوا ْ ل َــن ن ّـ ْ‬
‫ؤث َِر َ‬ ‫قـ‪‬‬ ‫َ‬
‫‪355‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫َ‬ ‫فطََرن َــا َ‬


‫ت‬‫مــا أن ـ َ‬ ‫ض َ‬‫ق ِ‬ ‫فـ ٱ ْ‬ ‫ذى َ‬ ‫ٱّ ـ ِ‬‫ول‬ ‫ت َ‬ ‫ٱل ْب َي َّنـ ـٰ ِ‬
‫حي َـ وٰةَ ٱل ـدّن َْيا ‪ ‬إ ِن ّــا‬ ‫ٱْ َ‬
‫ه ل‬ ‫ذ ِ‬‫هـ ِ‬
‫ضى َ ٰ‬ ‫ق ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ض إ ِن ّ َ‬‫قا ٍ‬ ‫َ‬
‫هت َن َــا‬‫مــا أ َك َْر ْ‬ ‫خطَ ٰـي َ ٰـ ـَنا َ‬
‫و َ‬ ‫فَر ل َن َــا َ‬ ‫غ ِ‬ ‫مّنا ب َِرب َّنا ل ِي َ ْ‬ ‫ءا َ‬ ‫َ‬
‫ق ٰى‪.( (73‬‬ ‫وأ َب ْ َ‬
‫خي ٌْر َ‬
‫و ٱلله َ‬ ‫ر َ‬ ‫ح ِ‬‫س ْ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫م َ‬‫ه ِ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫َ‬
‫كلمييات فييي منتهييى الروعيية‪ ،‬تصييدر عيين أنيياس‬
‫أسلموا منذ ثوان‪ ،‬ليبينوا مين هيو الشيقي ومين هييو‬
‫ْ‬
‫ه‬‫ن ل َـ ُ‬ ‫رم ـا ً َ‬
‫ف ـإ ِ ّ‬ ‫ج ِ‬‫م ْ‬
‫ه ُ‬ ‫ت َرب ّـ ُ‬ ‫مــن ي َـأ ِ‬ ‫ه َ‬
‫السعيد‪ :‬إ ِن ّ ُ‬
‫ْ‬
‫ه‬
‫مــن ي َـأت ِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫حي َـ ٰى ‪َ ‬‬ ‫ول َ ي َ ْ‬ ‫هــا َ‬ ‫في َ‬ ‫ت ِ‬ ‫مــو ُ‬ ‫م ل َ يَ ُ‬ ‫هن ّ َ‬‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫م‬ ‫هـ ُ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫وَلــئ ِ َ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ح ٰــ ِ‬ ‫ص ٰـل ِ َ‬ ‫ل ٱل ّ‬ ‫مـ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫قـدْ َ‬ ‫منـا ً َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫مـن‬ ‫رى ِ‬ ‫جـ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫عـدْ ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫جن ّ ٰــ ُ‬ ‫عَلـ ٰى ‪َ ‬‬ ‫ت ٱل ْ ُ‬ ‫ج ٰــ ُ‬ ‫ٱلدَّر َ‬
‫مــن‬ ‫و ٰ ذل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ج ـَزاء َ‬ ‫ك َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ٰـل ِ ِ‬ ‫ه ٰـُر َ‬ ‫ها ٱلن ْ َ‬ ‫حت ِ َ‬‫تَ ْ‬
‫ت ََزك ّ ٰى‪.( (74 – 76‬‬
‫إنها سعادة غامرة تفيض ميين الخييرة علييى أيييام‬
‫الدنيا‪ ،‬فيقف بها المؤمن أمام طييواغيت الرض دون‬
‫أن تهيييتز منيييه شيييعرة‪ ،‬لنيييه ذاق طعيييم السيييعادة‬
‫الحقيقية‪.‬‬
‫الشقاء مع ترك منهج الله‬
‫وفي نفس القصة‪ ،‬نرى نموذجا ً معاكسا ً للسحرة‪:‬‬
‫إنه السامري‪ ،‬الذي أضل بني إسرائيل بعبادة العجل‪،‬‬
‫فكانت آخير آيية فيي قصية موسيى تيبين شيقاء هيذا‬
‫الرجل‪:‬‬
‫ة َأن‬‫حي َـ ٰو ِ‬ ‫فــى ٱل ْ َ‬‫ك ِ‬‫ن َلـ َ‬‫فإ ِ ّ‬‫ب َ‬ ‫ل َ‬
‫ف ٱذ ْ َ‬
‫ه ْ‬ ‫قا َ‬‫َ‬
‫‪‬‬
‫ه‪‬‬ ‫ف ُ‬‫خل َ َ‬
‫عدا ً ّلن ت ُ ْ‬
‫و ِ‬
‫م ْ‬
‫ك َ‬ ‫ن لَ َ‬‫وإ ِ ّ‬‫س َ‬
‫سا َ‬ ‫ل لَ ِ‬
‫م َ‬ ‫تَ ُ‬
‫قو َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪356‬‬

‫‪.((97‬‬
‫ولهذا تأتي بعد هييذه القصيية آيييات تعقييب عليهييا‪،‬‬
‫لتؤكييد علييى هييدف السييورة‪ ،‬أن السييعادة فييي هييذا‬
‫الدين وفي اتباعه‪ ،‬وأن الشقاء كل الشقاء في البعد‬
‫د‬ ‫مــا َ‬ ‫َ‬ ‫عل َي ْـ َ‬ ‫ك نَ ُ‬ ‫‪ٰ َ ‬ذل ِ َ‬
‫قـ ْ‬ ‫ن أن ْب َــاء َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ص َ‬ ‫قـ ّ‬ ‫عنييه ك‬
‫َ‬
‫ض‬‫عــَر َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫كرا ً ‪ّ ‬‬ ‫من ل ّدُّنا ِذ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ءات َي ْن َ ٰـ َ‬ ‫قدْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ق َ‬ ‫سب َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫دي َ‬ ‫خ ٰـــل ِ ِ‬ ‫زرا ً َ ‪‬‬ ‫و ْ‬‫ة ِ‬ ‫م ِ‬ ‫قي َ ٰـ َ‬ ‫م ٱل ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه يَ ْ‬‫فإ ِن ّ ُ‬‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫مل ً‪.( (99-101‬‬ ‫ح ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ِ‬ ‫قي َ ٰـ َ‬‫م ٱل ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ساء ل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫في ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم يقول تعالى عن سعادة وشقاوة أهل الخييرة‪:‬‬
‫ب‬ ‫خــا َ‬ ‫ق ـدْ َ‬ ‫و َ‬ ‫قّيــوم ِ َ‬ ‫ى ٱل ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫جوهُ ل ِل ْ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ت ٱل ْ ُ‬ ‫عن َ ِ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ت‬ ‫ح ٰـ ـ ِ‬ ‫ص ٰـل ِ َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫مـ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬‫من ي َ ْ‬ ‫ل ظُْلما ً َ‬
‫و‪َ ‬‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ضما ً‪ (111-‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ف ظُْلما ً َ‬ ‫خا ُ‬ ‫فل َ ي َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ٌ‬
‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬
‫َ‬
‫‪.(112‬‬
‫سيدنا آدم والسعادة‬
‫وحييين وصييلت السييورة إلييى قصيية آدم وحييواء‪،‬‬
‫قل َْنا‬ ‫ف ُ‬ ‫ركييزت ميين خللهييا علييى هييدف السييورة‪َ  :‬‬
‫فل َ‬ ‫ك َ‬ ‫جـــ َ‬‫و ِ‬
‫ول َِز ْ‬ ‫ك َ‬ ‫و ّلـــ َ‬ ‫عـــدُ ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه ٰــــ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ٰيــــَئادَ ُ‬
‫ق ٰى‪ .( (117‬فييترك‬ ‫شـ َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ ِ‬‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما ِ‬ ‫جن ّك ُ َ‬
‫ر َ‬
‫خ ِ‬
‫يُ ْ‬
‫منهج الله تعالى واتباع إبليس هما سبب الشقاء في‬
‫الخرة‪ .‬لذلك تتابع اليات ببيان أنييواع السييعادة فييي‬
‫ك‬ ‫وأ َن ّ َ‬‫عَر ٰى ‪َ ‬‬ ‫ول َ ت َ ْ‬‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ع ِ‬ ‫جو َ‬ ‫ن لَ َ َ‬
‫ك أل ّ ت َ ُ‬ ‫الجنة‪ :‬إ ِ‪ّ ‬‬
‫ح ٰى‪.( (118 - 119‬‬ ‫ض َ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬‫ؤا ِ‬ ‫م ُ‬‫ل َ ت َظْ َ‬
‫وهذه القاعدة تطبق على أدم وذريتييه حييتى بعييد‬
‫ميع ـا ً‬ ‫ج ِ‬ ‫هــا َ‬ ‫هب ِطَــا ِ‬
‫من ْ َ‬ ‫لٱ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫الخروج من الجنة ‪َ ‬‬
‫‪357‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫دى‬
‫هـ ً‬
‫من ّــى ُ‬‫كم ّ‬ ‫ما ي َـأ ْت ِي َن ّ ُ‬ ‫و َ‬
‫فإ ِ ّ‬ ‫عدُ ّ‬
‫ض َ‬ ‫ع ٍ‬ ‫م ل ِب َ ْ‬‫ضك ُ ْ‬‫ع ُ‬‫بَ ْ‬
‫ق ٰى ‪‬‬‫شــ َ‬ ‫ول َ ي َ ْ‬‫ل َ‬ ‫ضــ ّ‬ ‫فل َ ي َ ِ‬ ‫ى َ‬ ‫دا َ‬‫هــ َ‬
‫ع ُ‬ ‫ن ٱت َّبــ َ‬ ‫مــ ِ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬
‫‪.((123‬‬
‫الشقاء الحقيقي‬
‫لقد تكررت كلمة الشقاء ومشتقاتها ثلث مييرات‬
‫في السورة‪:‬‬
‫فل َ‬ ‫ق ٰى‪َ ...‬‬ ‫ش َ‬ ‫ن ل ِت َ ْ‬ ‫قْرءا َ‬ ‫ك ٱل ْ ُ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫‪ ‬أ َن ََزل َْنا َ‬ ‫ما‬ ‫َ‬
‫ع‬‫ن ٱت َّبــ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ف َ‬ ‫قى‪َ ...‬‬ ‫ش َ ٰ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ ِ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما ِ‬ ‫جن ّك ُ َ‬ ‫ر َ‬ ‫خ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫ق ٰى ‪ ‬حتى ل يخاف أحد‬ ‫ش َ‬ ‫ول َ ي َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫فل َ ي َ ِ‬ ‫ى َ‬ ‫دا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬
‫من التدّين واتباع منهج الله‪ ،‬فالسعادة كل السييعادة‬
‫مع التمسك بدين الله تعييالى‪ ،‬أمييا ميين أعييرض عيين‬
‫هذا المنهج‪ ،‬فتأتي آيات رهيبيية فييي تصييوير شييقاوته‬
‫رى‬ ‫عــن ِذك ْـ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫عـَر َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫مـ ْ‬ ‫و َ‬‫في الدنيا والخييرة‪َ  :‬‬
‫ضنكا ً ‪ ‬هذا في الدنيا فماذا عيين‬ ‫ة َ‬ ‫ش ً‬ ‫عي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا َ‬ ‫م ٰى ‪َ ‬‬ ‫ع َ‬ ‫ة أَ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قي ٰـ َ‬ ‫م ٱل ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫شُرهُ ي َ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫‪ْ‬‬ ‫ون َ‬ ‫الخرة؟ َ‬
‫صــيرا ً‬ ‫ق ـدْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬
‫ت بَ ِ‬ ‫كن ـ ُ‬ ‫م ـ ٰى َ‬ ‫ع َ‬ ‫ش ـْرت َِنى أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫َر ّ‬
‫ك‬ ‫كــ ٰذل ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫ســيت َ َ‬ ‫فن َ ِ‬ ‫ك اي َ ٰــت ُـَنا َ‬ ‫ك أ َت َْتــ َ‬ ‫كــ ٰذل ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬
‫قــا َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ول َ ْ‬‫ف َ‬ ‫سَر َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫زى َ‬ ‫ج ِ‬‫ك نَ ْ‬ ‫وك َ ٰذل ِ َ‬ ‫س ٰى ‪َ ‬‬ ‫م ت ُن ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ٱل ْي َ ْ‬
‫د‬
‫شـ ّ‬ ‫ة أَ َ‬‫خــَر ِ‬ ‫ب ٱل َ ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫عـ َ‬ ‫ول َ َ‬
‫ه َ‬ ‫ت َرب ّ ـ ِ‬ ‫من ِبـَئاَيـ ـٰ ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫يُـ ْ‬
‫ق ٰى‪.( (124 – 127‬‬ ‫وأ َب ْ َ‬ ‫َ‬
‫أعلى مقامات السعادة‬
‫وقميية السييعادة أن ترضييى عيين نفسييك وعيين‬
‫حياتك‪ ،‬وترضى عن ربك وتحييس برضيياه‪ ..‬وهييذا مييا‬
‫قوُلو َ‬
‫ن‬ ‫عل َ ٰى َ‬
‫ما ي َ ُ‬ ‫صب ِْر َ‬ ‫يؤكده ختام السورة‪َ :‬‬
‫ف‪‬ٱ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪358‬‬

‫و َ‬
‫قب ْ َ‬
‫ل‬ ‫س َ‬ ‫ع ٱل ّ‬ ‫قب ْ َ ُ ُ‬‫ك َ‬ ‫د َرب ّ َ‬
‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل طلو ِ‬ ‫م ِ‬‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫وأطْـَرا َ‬
‫ف‬ ‫ح َ‬ ‫س ـب ّ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ءان َــاء ٱل ّي ْـ ِ‬ ‫مـ ْ‬‫و ِ‬‫ها َ‬ ‫غُروب ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ر‪.( (130‬‬ ‫ها ِ‬ ‫ٱلن ّ َ‬
‫ض ـ ٰى ‪‬‬ ‫ك ت َْر َ‬ ‫‪‬ل ّ َ‬
‫كل هييذا إلييى أييين يييؤدي؟ ل َ َ‬
‫ع‬
‫‪.((130‬‬
‫فتسبيح الله تعالى وذكره وطيياعته همييا السييبيل‬
‫المؤدي لعلى درجات السعادة‪ ،‬أل وهي الرضا‪ ،‬وما‬
‫هي السعادة سييوى الشييعور بالرضييى؟ الييذي حييرم‬
‫منه الكثيرون مهما تمتعوا بشهوات الدنيا ميين نسيياء‬
‫وأموال وقصور وسيارات‪ ...‬فهم قد حرمييوا الرضييا‪،‬‬
‫الذي يؤتاه المؤمن بتسبيح الله تعالى وطاعته‬
‫إلى كل من يبحييث عيين السييعادة‪ ،‬إلييى الشييباب‬
‫الذين طرقييوا أبييواب المعاصييي بحثيا ً عيين السييعادة‬
‫وعادوا خائبين‪ ،‬من فضلكم‪ ،‬اقرأوا سورة طه‪:‬‬
‫ق ٰى‬ ‫شـ َ‬
‫ن ل ِت َ ْ‬ ‫ك ٱل ْ ُ‬
‫قـْرءا َ‬ ‫ما أ َن ََزل َْنا َ‬
‫عل َْيـ َ‬ ‫‪‬طه َ ‪‬‬

‫‪.(‬‬ ‫‪(1‬‬
‫سورة النبياء‬

‫سو‬ ‫سورة النبياء مكية‪ ،‬نزلييت بعييد سييورة إبراهيييم‪،‬‬


‫رة‬ ‫وهي في المصحف بعد سورة طه وآياتها مائة واثنييا‬
‫النبياء‬ ‫عشرة آية‪.‬‬
‫دور النبياء في تذكرة البشرية‬
‫والسييورة تتنيياول قصييص أنبييياء اللييه تعييالى‪،‬‬
‫ودورهم في تذكرة البشرية‪ .‬هؤلء النبياء هم أفضل‬
‫خلييق اللييه‪ ،‬وهييم الييذين قييادوا الرض إلييى الخييير‬
‫والسعادة‪ .‬وسورة النبييياء تسييير علييى نمييط واحييد‪،‬‬
‫فهي ترينا كيف كان خطيياب النييبي ودعييوته لقييومه‪،‬‬
‫وكيف كانت عبادته وتبتله لربه‪ ،‬لتوصلنا فييي النهاييية‬
‫إلى إثبات وحييدة رسييالة كييل النبييياء‪ ،‬كمييا سيييتبين‬
‫معنا‪.‬‬
‫خطورة الغفلة‬
‫وأول مهمة ميين مهمييات أنبييياء اللييه تعييالى هييي‬
‫إزالة الغفلة‪ ،‬لنها سبب ضلل الناس في كل زمييان‬
‫ومكييان‪ ،‬ولنهييا سييبب ضييياع الرسييالت السييابقة‪.‬‬
‫مرض خطييير يصيييب الفييراد والمجتمعييات فيبعييدها‬
‫‪359‬‬
‫عن طريق الله‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪360‬‬

‫فالنيياس إمييا أن يكونييوا عبييادا ً أتقييياء‪ ،‬وإمييا أن‬


‫يكونوا عصاة فجار‪ ،‬لكن الخطورة تتجلى في النييوع‬
‫الييذي يقييع بينهمييا‪ ،‬وهييو الصيينف الغافييل اللهييي‬
‫البعيد عن طاعيية اللييه‪ ،‬لييذلك بييدأت سييورة النبييياء‬
‫بداييييييييييية شييييييييييديدة فييييييييييي التحييييييييييذير‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫س ٰــب ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫س ِ‬ ‫ب ِللن ّــا ِ‬ ‫قت ََر َ‬‫ٱ ْ‬‫ميين هييذا المييرض‪ :‬‬
‫ْ‬
‫من ِذك ْ ٍ‬
‫ر‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ي َأِتي ِ‬‫ن‪َ ‬‬ ‫ضو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬
‫م ْ‬
‫ة ّ‬ ‫فل َ ٍ‬‫غ ْ‬ ‫فى َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬
‫َ‬
‫ن ‪‬‬ ‫عُبو َ‬ ‫م ي َل ْ َ‬‫ه ْ‬
‫و ُ‬ ‫عوهُ َ‬ ‫م ُ‬‫ست َ َ‬‫ث إ ِل ّ ٱ ْ‬ ‫حدَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬
‫من ّرب ّ ِ‬ ‫ّ‬
‫م‪ ..( (1-3..‬ثلث آيات متتالية تحييذر‬ ‫ه ْ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬‫ة ُ‬ ‫لَ ِ‬
‫هي َ ً‬
‫من هذا المرض وعوارضه‪.‬‬

‫ن‪...‬‬ ‫م ي َل ْ َ‬
‫عب ُــو َ‬ ‫هـ ْ‬
‫و ُ‬
‫ن‪َ ..‬‬
‫ضــو َ‬
‫ر ُ‬
‫ع ِ‬
‫م ْ‬ ‫فل َـ ٍ‬
‫ة ّ‬ ‫غ ْ‬‫فى َ‬ ‫‪ِ ‬‬
‫م ‪.‬‬‫ه ْ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬
‫ة ُ‬ ‫لَ ِ‬
‫هي َ ً‬
‫قدوتك في العبادة والحركة‬
‫وميين أهييم أهييداف السييورة‪ ،‬أن تسييألك أخييي‬
‫المسلم‪ :‬بمن تقتييدي فييي حياتييك؟ ميين هييو قييدوتك‬
‫الساسية؟ ولو سألنا أكثر شباب اليوم عن قدوتهم‪،‬‬
‫يييا تييرى كييم واحييد سيييجيب أن سيييدنا إبراهيييم هييو‬
‫قدوته؟ وكييم واحييد سيييجيب أن سيييدنا يوسييف هييو‬
‫مثاله العلى؟ وكم واحييد سيييقول أن النييبي ‪ ‬هييو‬
‫قييدوته؟ وكييم واحيد سيييقول أن المغنييي الفلنييي أو‬
‫الممثييل الفلنييي هييو قييدوته؟ ويييا تييرى كييم واحييد‬
‫ل‪...‬؟‬‫سيجيب بأنه ليس عنده قدوة أص ً‬
‫‪361‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫لييذلك تييدور سييورة النبييياء حييول هييذا المعنييى‪،‬‬


‫وتركز على نيياحيتين مضيييئتين ميين حييياة كييل نييبي‪:‬‬
‫طاعته وعبادته وخشيته لله‪ ،‬ثم دعوته وإصلحه فيي‬
‫قومه‪ ،‬وكأنها تقول لك‪ :‬هؤلء هم مثلك العلييى فييي‬
‫حسيين التعامييل مييع اللييه وفييي حسيين التعامييل مييع‬
‫الناس‪ ،‬أي في العبادة والدعوة إلى الله‪.‬‬
‫وحدة اللفاظ بين الدعاء والستجابة‬
‫فترى في السورة آيات كثيرة تصف دعاء النبياء‬
‫وكيف استجاب لهم ربهم‪.‬‬
‫‪ُ‬نوحا ً إ ِذْ َنــادَ ٰى‬ ‫و‬
‫من سيدنا نوح عليه السلم َ‬
‫ل‪ ( (76..‬إلى أيوب و َ‬ ‫من َ‬
‫ب إ ِذْ َنــادَ ٰى‬ ‫‪‬أّيو َ‬ ‫َ‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ه‪ ( (83‬إلى يونس )ذا النون( الذي دعا ربه وهو‬ ‫َرب ّ ُ‬
‫ت‪‬‬ ‫م ٰـــ ِ‬ ‫فى ٱلظّل ُ َ‬ ‫‪َ‬نادَ ٰى ِ‬‫ف‬‫في بطن الحوت‪َ ..‬‬
‫ب ل َ ت َـذَْرِنى‬ ‫‪َ ‬نادَ ٰى َرب ّـ ُ‬
‫ه َر ّ‬ ‫‪ ..((87‬إلى زكريا إ ِذْ‬
‫فْردا ً‪.( (89‬‬ ‫َ‬
‫هذه الجواء الرائعيية ميين مناجيياة النبييياء لربهييم‬
‫كان يعقبها على الفور كلمة واحدة مشتركة بين كل‬
‫ه‪ ، ...‬ولحييييظ‬ ‫جب َْنا َلـــ ُ‬
‫ســـت َ َ‬ ‫النبييييياء‪َ ... :‬‬
‫فٱ ْ‬
‫اسييتعمال القييرآن لحييرف الفيياء )فاسييتجبنا( لتفيييد‬
‫التعقيب السريع وسرعة استجابة الله تعييالى لييدعاء‬
‫النبياء‪.‬‬
‫وكذلك ننجي المؤمنين‬
‫وهنا ل بد ميين التوقييف عنييد أحييد النبييياء الييذين‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪362‬‬

‫ذكييروا فييي السييورة‪ ،‬سيييدنا يييونس عليييه السييلم‪،‬‬


‫ن‬
‫مــ َ‬
‫ه ِ‬‫جي ْن َ ٰـــ ُ‬
‫ون َ ّ‬‫ه َ‬ ‫جب َْنا َلــ ُ‬‫ســت َ َ‬
‫‪‬ٱ ْ‬ ‫ف‬‫فالييية تقييول‪َ :‬‬
‫ن‪ ،( (88‬فلييم‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫جـــى ٱل ْ ُ‬ ‫ك ُنن ِ‬ ‫و َ‬
‫كذٰل ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫غ ّ‬
‫تقتصر على ذكر استجابة الله لدعائه‪ ،‬لكنها عممييت‬
‫هذه الجابة على كل المييؤمنين إذا دعييوا ربهييم جييل‬
‫ن ‪ ...‬أخييي‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬‫مــ ْ‬ ‫جـــى ٱل ْ ُ‬ ‫ك ُنن ِ‬ ‫و َ‬
‫كــ ذٰل ِ َ‬ ‫وعل ‪َ ‬‬
‫المسلم‪ ،‬ادع الله تعالى بخضوع النبياء وخشييوعهم‪،‬‬
‫يستجاب دعاؤك إن شاء الله‪.‬‬
‫بناء واحد‬
‫ووحدة دعيياء النبييياء واسييتعمالهم نفييس اللفيياظ‬
‫يؤكيد عليى وحيدة رسيالتهم وتكاميل دعيواتهم‪ .‬إقيرأ‬
‫وأ َن َـا ْ‬
‫حـدَةً َ‬
‫وا ِ‬
‫ة َ‬‫مـ ً‬ ‫ُ‬
‫مأ ّ‬ ‫مت ُك ُـ ْ‬
‫ه ٰـذ ُ‬
‫هأ ّ‬‫ن َ ِ ِ‬ ‫قوله تعالى ‪‬إ ِ ّ‬
‫ن‪ .( (92‬فأمة النبييياء أميية واحييدة‪،‬‬ ‫دو ِ‬ ‫عب ُ ُ‬
‫فٱ ْ‬‫م َ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫وكل نيبي كيان ليه دور فيي بنياء اليدين‪ ،‬لييأتي خياتم‬
‫النبياء والمرسيلين ويكميل بنياء اليدين‪ ،‬اسيمع معيي‬
‫حديثا ً رائعا ً للنبي ‪ ‬في بيان هذا المعنى‪:‬‬
‫"مثلي ومثل النبياء‪ ،‬كمثل رجل بنى دارا ً فأتمهييا‬
‫وأكملهييا إل موضييع لبنيية‪ ،‬فجعييل النيياس يييدخلونها‬
‫ويتعجبون منها‪ ،‬ويقولون‪ :‬لول موضييع اللبنيية‪ ".‬وبعييد‬
‫ذلك يقول عليييه الصييلة والسييلم‪ :‬فأنييا اللبنيية‪ ،‬وأنييا‬
‫خاتم النبيين‪ .‬صلى الله على محمد‪... ،‬‬
‫ولييذلك ركييزت السييورة أن كييل نييبي بعييث إلييى‬
‫قومه خاصة‪ ،‬أما عند ذكر سيدنا محمييد فقييد قييالت‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‪ .( (107‬أي‬ ‫مي َ‬‫ع ٰـل َ ِ‬
‫ة ل ّل ْ َ‬
‫م ً‬ ‫ك إ ِل ّ َر ْ‬
‫ح َ‬ ‫سل ْن َ ٰـ َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫‪َ ‬‬‫و‬
‫َ‬
‫‪363‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫للناس كافة‪ ،‬ل بل لعوالم أخرى كالجن‪.‬‬


‫لماذا ل تقتدي به؟ لماذا تصر علييى عييدم اتخيياذه‬
‫قدوة في حياتك؟ وهو رحمة للعالمين؟‬
‫ختام يهز القلوب‬
‫ولن السورة بدأت بخطورة مرض الغفلة‪ ،‬كانت‬
‫آياتها في الختام شديدة‪ ،‬تهز القلييوب لتوقظهييا ميين‬
‫غفلتها‪ .‬وكأنهييا تقييول للنيياس‪ :‬إن لييم تقتييدوا بهييؤلء‬
‫النبياء‪ ،‬فاعلموا أن الميرد والمرجيع إليى الليه‪ ،‬فيي‬
‫ماء ك َطَ ّ‬
‫ى‬ ‫س َ‬
‫وى ٱل ّ‬ ‫م ن َطْ ِ‬ ‫يوم شديد وصعب ‪‬ي َ ْ‬
‫و َ‬
‫ب‪ ،( (104‬تخيييل هييول هييذا اليييوم‪،‬‬ ‫ل ل ِل ْك ُت ُ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫س ِ‬‫ٱل ّ‬
‫تخيل صوت السماء وهي تنطوي كمييا يطييوي أحييدنا‬
‫ما ب َـدَأ َْنا‬‫كتابه‪ ...‬وانظيير إلييى التأكيييد الربيياني ‪‬ك َ َ‬
‫ن‪‬‬ ‫عل َي َْنا إ ِّنا ك ُّنا َ‬‫عدا ً َ‬ ‫ل َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫عِلي َ‬‫ف ٰـــ ِ‬ ‫و ْ‬
‫عيدُهُ َ‬ ‫ق نّ ِ‬‫خل ٍ‬ ‫أ ّ‬
‫‪.((104‬‬
‫الرض أرضهم‬
‫فمن سار على خطى النبياء فهييو المنتصيير فييي‬
‫الدنيا والفييائز فييي الخييرة‪ ،‬لييذلك تقييرأ بعييد اليييات‬
‫د‬
‫قـ ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫الشديدة في وصف القياميية قييوله تعييالى‪َ  :‬‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫فى ٱلزبور من بعد ٱلذّك ْ َ‬ ‫ك َت َب َْنا ِ‬
‫ن ٱل ْر َ‬ ‫رأ ّ‬‫ِ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ّ ُ ِ ِ‬
‫ن‪.( (105‬‬‫حو َ‬
‫ص ٰـل ِ ُ‬
‫ى ٱل ّ‬
‫عَباِد َ‬‫ها ِ‬‫رث ُ َ‬ ‫يَ ِ‬
‫وكييان هييذه اليييات تقييول لتبيياع النبييياء جميعيًا‪:‬‬
‫اقتدوا بأنبياء الله تعييالى‪ ،‬لييترثوا الرض وتسييتخلفوا‬
‫فى‬ ‫ن ِ‬ ‫عليهييا‪ .‬والييية الييتي بعييدها توضييح أكييثر ‪‬إ ِ ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪364‬‬

‫ن‪ ،( (106‬وكأنهييا تحييدد‬‫دي َ‬‫ع ٰـب ِ ِ‬


‫وم ٍ َ‬ ‫ذا ل َب َل َ ٰـغا ً ل ّ َ‬
‫ق ْ‬ ‫ه ٰـ َ‬
‫َ‬
‫لك وجه القتداء‪ :‬أن اعبد الله تعالى كعبادة النبييياء‪،‬‬
‫لتنييال شييرف وراثيية النبييياء فييي السييتخلف علييى‬
‫الرض‪...‬‬
‫فإلى قارئ القرآن‪ ،‬بعييد أن أتتييك رسييائل كييثيرة‬
‫مبّينة في هذا المنهج الرباني‪ ،‬ها هييي اليييوم سييورة‬
‫النبييياء‪ ،‬تييدعوك إلييى القتييداء بأنبييياء اللييه تعييالى‪،‬‬
‫وبإمامهم محمد ‪ ،‬في عبادتهم وتبتلهم لله تعالى‪،‬‬
‫وفي غيرتهم على دين اللييه وعملهييم الييدؤوب علييى‬
‫نشره وتبليغه‪ ،‬حتى تكون من عبيياد اللييه الصييالحين‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ن ٱل ْر َ‬ ‫وتيييرث الرض وفقيييا ً لمنهيييج الليييه ‪‬أ ّ‬
‫ن‪.( (105‬‬ ‫حو َ‬ ‫ص ٰـل ِ ُ‬
‫ى ٱل ّ‬
‫عَباِد َ‬ ‫رث ُ َ‬
‫ها ِ‬ ‫يَ ِ‬
‫سورة الحج‬

‫سو‬ ‫سييورة الحييج مدنييية وبعضييها مكييي‪ ،‬نزلييت بعييد‬


‫رة‬ ‫سورة النور‪ ،‬وهي في ترتيب المصييحف بعييد سييورة‬
‫الحج‬ ‫النبياء‪ ،‬وعدد آياتها ‪ 78‬آية‪.‬‬
‫من أعاجيب السور‬
‫لماذا؟ لن فيها آيات نزلت في مكة وآيات نزلت‬
‫في المدينة‪ ،‬آيات نزلت ليل ً وآيات نزلت نهارًا‪ ،‬آيات‬
‫نزلت في الحضر وآيات نزلييت فييي السييفر‪ .‬وليييس‬
‫هذا فحسب‪ ،‬بل أن السورة قد احتوت على ميييزات‬
‫أخرى‪ ،‬فهييي السييورة الوحيييدة الييتي سييميت باسييم‬
‫ركن من أركان السلم‪ .‬ومن هنييا تييبرز قيميية الحييج‬
‫لن الموضوع الساسي للسورة ‪ -‬كمييا هييو واضييح ‪-‬‬
‫هييو الحييديث عيين هييذا الركيين العظيييم ميين أركييان‬
‫السلم‪.‬‬
‫الحج مفتاح معانيها‬
‫لكننيا إذا قرأنيا سيورة الحيج مين أولهيا لوجيدناها‬
‫تتكلم عن يوم القيامة‪ ،‬من أول آية نرى التركيز علييى‬
‫القيامة والبعث والنشور‪ ،‬إلييى أن تنتقييل اليييات إلييى‬
‫‪365‬ثييم العبودييية والخضييوع‬‫الجهيياد فييي سييبيل اللييه‪،‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪366‬‬

‫الشديدين لله تبارك وتعالى‪ ،‬وأن الله تعالى يسجد له‬


‫من في السماوات والرض‪ ...‬فما علقة هييذه المييور‬
‫ببعضها؟ وما علقتها بالحج؟‬
‫إن المسلم عندما يؤدي هذه العبادة العظيمة‪ ،‬أو‬
‫يعيش مع الحجاج ويتخيل نفسه معهم‪ ،‬سيفهم مراد‬
‫ربنا من السورة‪ ،‬لن الحيج عبيادة لهيا دور أساسيي‬
‫في بناء المة‪ .‬وكأن السورة تقييول لقارئيهييا‪ :‬حجييوا‬
‫حجة صحيحة‪ ،‬مثل حجة النييبي ‪ ،‬لتبنييوا أنفسييكم‬
‫وتييدربوها علييى معيياني رائعيية وأساسييية‪ ،‬وبالتييالي‬
‫تكيييييييييييييييييييييييييييييون هيييييييييييييييييييييييييييييذه‬

‫المعيياني عييامل ً أساسيييا ً لبنيياء الفييراد والمجتمعييات‬


‫وبالتالي المة كلها‪...‬‬
‫تذكرة عملية‬
‫بدأت السورة بداييية شييديدة فييي تييذكيرها بيييوم‬
‫ها‬ ‫َ‬
‫القيامة‪ .‬فميين أول آييية نقييرأ قييوله تعييالى‪ٰ :‬يأي ّ َ‬
‫ة‬
‫ع ِ‬‫ســا َ‬ ‫ة ٱل ّ‬‫ن َزل َْزَلــ َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫قــوا ْ َرب ّ ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫س ٱت ّ ُ‬‫ٱلّنــا ُ‬
‫م ‪ ‬فما علقة الحج بيوم القيامة؟‬ ‫ظي ٌ‬‫ع ِ‬‫ىء َ‬
‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫كرك بيييوم القياميية‪،‬‬ ‫إن مناسك الحج في أغلبها تذ ّ‬
‫لييذلك أطلييب ميين الخ القييارئ‪ ،‬ولييو لييم تسيينح لييه‬
‫الفرصة بالذهاب إلى الحج‪ ،‬أن يعيش معنا لقطة ميين‬
‫لقطات الحج‪ :‬ونحيين ننييزل ميين عرفيية‪ ،‬ذاهييبين إلييى‬
‫مزدلفيية لرمييي الجمييرات‪ ،‬والحيير شييديد‪ ،‬والزحييام‬
‫‪367‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫خانق‪ ،‬والنتظار طويل‪ .‬كل البشيير يتضييرع إلييى اللييه‬


‫بالدعاء‪ ،‬وينييادي‪" :‬لبيييك اللهييم لبيييك"‪ ،‬ولبيياس الحييج‬
‫كر بالكفن الذي يلبسه الموتى‪ ...‬كييل هييذا‬ ‫البسيط يذ ّ‬
‫كر بعري يوم القيامة‪ ،‬وزحمة وحر وعرق وشييمس‬ ‫يذ ّ‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫الحج ومشاهد الخرة‬
‫ثم تبدأ اليات بعييد ذلييك فييي وصييف أهييوال ذلييك‬
‫اليوم كأنك تراها أمام عينيك‪:‬‬
‫مــا‬
‫ع ّ‬‫ة َ‬‫ع ٍ‬‫ضــ َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫كــ ّ‬
‫ل ُ‬ ‫ل ُ‬‫ه ُ‬ ‫هــا َتــذْ َ‬ ‫ون َ َ‬ ‫م ت ََر ْ‬
‫و َ‬‫‪َ‬يــ ْ‬
‫وت َـَرى‬‫هــا َ‬ ‫مل َ َ‬
‫ح ْ‬
‫ل َ‬ ‫مـ ٍ‬
‫ح ْ‬‫ت َ‬‫ذا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ع ك ُـ ّ‬ ‫ضـ ُ‬ ‫وت َ َ‬‫ت َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ض َ‬‫أ َْر َ‬
‫ب‬‫ذا َ‬‫ع َ‬
‫ن َ‬ ‫ول َ ٰـك ِ ّ‬
‫سك َ ٰـَر ٰى َ‬ ‫هم ب ِ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫سك َ ٰـَر ٰى َ‬ ‫س ُ‬ ‫ٱلّنا َ‬
‫‪.(‬‬ ‫د‪(2‬‬
‫دي ٌ‬ ‫َ‬
‫ش ِ‬ ‫ٱلله‬
‫ثم تنتقل اليات إلى البعث‪ ،‬والخروج من القبور‪،‬‬
‫عنييدما يخييرج النيياس ميين قبييورهم والييتراب يعلييو‬
‫وجوههم وأجسادهم‪ ،‬لييذلك تييذكرنا أن أصييل النيياس‬
‫َ‬
‫س ِإن‬‫ها ٱلن ّــا ُ‬ ‫كلهييم إنمييا هييو ميين الييتراب ‪‬يٰأي ّ َ‬
‫من‬ ‫م ّ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قن َ ٰـك ُ ْ‬ ‫فإ ِّنا َ‬‫ث َ‬ ‫ن ٱل ْب َ ْ‬
‫ع ِ‬ ‫م َ‬
‫ب ّ‬
‫فى َري ْ ٍ‬
‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫ب‪.( (5...‬‬‫ت َُرا ٍ‬
‫وفي الحج أيضًا‪ ،‬عندما تنظر لنفسك بعد يييومين‬
‫من ارتداء ملبس الحرام‪ ،‬ترى أنييك أصييبحت كتليية‬
‫من التراب‪ .‬والكييثر ميين ذلييك‪ ،‬هييو أن تحييج كحجيية‬
‫النبي ‪ ‬تمامًا‪ .‬فإذا نويت المبيت في مزدلفة‪ ،‬ترى‬
‫الكثير من الناس تعبيا ً ل بيل ميتيا ً مين التعيب‪ ،‬كيأنه‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪368‬‬

‫ل‪ .‬فييإذا أتييى وقييت الفجيير يسييتيقظ النيياس‬ ‫ميت فع ً‬


‫كأنهم يبعثون من القبور‪ :‬الكل يلبس الثييياب الييبيض‬
‫ويتحرك لرمي الجمرات‪ ...‬لذلك تأتي الية ‪ 7‬لتييذكر‬
‫بالبعث من القبور‪َ  :‬‬
‫ة ل ّ َري ْ َ‬
‫ب‬ ‫ة ءات ِي َ ٌ‬ ‫ع َ‬
‫سا َ‬
‫ن ٱل ّ‬
‫وأ ّ‬‫َ‬
‫ر‪.( (7‬‬ ‫فى ٱل ْ ُ‬ ‫فيها َ‬
‫قُبو ِ‬ ‫من ِ‬
‫ث َ‬ ‫ع ُ‬‫ن ٱلله ي َب ْ َ‬
‫وأ ّ‬
‫ِ َ َ‬
‫وهكيذا نييرى أول أثير مين آثيار الحيج فيي تربييية‬
‫المة‪ :‬تربيتها على اليوم الخير والسييتعداد ليه‪ ،‬بيأن‬
‫يعيش أفراد المة بعض لحظاته ومعالمه أثناء الحج‪.‬‬
‫مناسك الحج‪ :‬غاية الطاعة لله تعالى‬
‫ثم تنتقل اليات )‪ (37 - 26‬إلى ذكر مناسك الحج‬
‫من‬ ‫و َ‬
‫ك َ‬ ‫المختلفة‪ ،‬لتأتي خللها الية المحورية‪ٰ :‬ذل ِ َ‬
‫ب‬‫قُلو ِ‬‫وى ٱل ْ ُ‬ ‫من ت َ ْ‬
‫ق َ‬ ‫ها ِ‬ ‫عـٰئ َِر ٱلله َ‬
‫فإ ِن ّ َ‬ ‫م َ‬
‫ش َ‬ ‫عظ ّ ْ‬
‫يُ َ‬
‫‪.( (32‬‬
‫فمييا السيير فييي هييذه المناسييك العظيميية الييتي‬
‫شرعها لنا الله تعالى؟‬
‫إنك في خلل الحج‪ ،‬تنفذ أوامر وتعليمات محددة‬
‫ذها بدقيية تفسييد‬ ‫ومشددة من الله تعالى‪ ،‬إن لم تنفي ّ‬
‫الحج‪ .‬فالمسلم في الحج يطوف سييبع مييرات حييول‬
‫حجر‪ ،‬ويسعى سبع مرات بين حجرين‪ ،‬ثم عند رمي‬
‫الجمرات‪ ،‬فهو يرمي بحجر على حجر‪ ...‬فهو يطّبييق‬
‫مناسك عديدة قد ل يفهم الحكمة من ورائهييا‪ ،‬لكنييه‬
‫ينفذها فقط طاعيية للييه تعييالى‪ ،‬واستسييلما ً لمييره‪،‬‬
‫وفييي هييذا قميية العبودييية والطاعيية للييه تعييالى‪،‬‬
‫والتدريب على فريضة أخرى ميين فييرائض السييلم‪:‬‬
‫‪369‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الجهاد في سبيل الله‪.‬‬


‫الحج والجهاد‬
‫لذلك تأتي بعد آيات الحج مباشييرة آيييات الجهيياد‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ن ٱل ّـ ِ‬ ‫عـ ِ‬‫ع َ‬
‫ف ُ‬
‫دا ِ‬
‫ن ٱللــه ي ُـ َ‬ ‫في سبيل الله‪ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ن ل ِل ّـ ِ‬ ‫مُنوْا‪ ( (38...‬ثييم قييوله تعييالى‪ :‬أِذ َ‬ ‫ءا َ‬
‫عل َـــ‬ ‫َ‬
‫ٰى‬ ‫للـــه َ‬‫ن ٱ‬‫وإ ِ ّ‬‫مـــوا ْ َ‬
‫م ظُل ِ ُ‬ ‫ه ْ‬
‫ن ب ِـــأن ّ ُ‬‫ق ٰــــت َُلو َ‬
‫يُ َ‬
‫ديٌر‪.( (39‬‬ ‫ق ِ‬‫م لَ َ‬‫ه ْ‬‫ر ِ‬
‫ص ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫كييأن المعنييى‪ :‬أن الحييج تييدريب أساسييي علييى‬
‫الجهاد في سبيل الله‪ ،‬لنه عبارة عيين حركيية شيياقة‬
‫وانتقييال ميين مكييان إلييى آخيير‪ ،‬والحيياج ‪ -‬كالمجاهييد‬
‫تماما ً ‪ -‬كثير الرتحييال بييين الميياكن والمناسييك دون‬
‫أن يعييرف السييتقرار‪ .‬باختصييار‪ ،‬إن الحييج هييو ميين‬
‫أسمى العبادات التي يترك فيها المسييلم كييثيرا ً ميين‬
‫ود عليهييا فييي بيتييه‪ ،‬ليبنييي نفسييه‬ ‫عيياداته الييتي تعيي ّ‬
‫ودها على الجدية واقتحام الصعاب‪.‬‬ ‫ويع ّ‬
‫الحج والخضوع لله‬
‫ومن روعة الحج أنه يجعلك تستشييعر أن الكييون‬
‫كليه عبيد لليه‪ .‬ففيي ييوم عرفية تشيعر أنيك لسيت‬
‫وحدك من يسجد لله فييي هييذا الكييون ويييدعوه‪ ،‬بييل‬
‫تشعر أن الخيمية سياجدة ٌ هيي الخيرى‪ ،‬وأن الجبيل‬
‫نفسيه سياجد‪ ،‬بيل الكيون كليه‪ ،‬فتنضيم أنيت ‪ -‬أيهيا‬
‫النسان الضعيف ‪ -‬إلى هييذه المخلوقييات وتشيياركها‬
‫في سجودها وخضييوعها للييه تعييالى‪ .‬وهييذا مييا نييراه‬
‫بوضوح في الية ‪:18‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪370‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫فــى‬ ‫مــن ِ‬ ‫ه َ‬ ‫جدُ َلــ ُ‬ ‫ســ ُ‬ ‫ن ٱللــه ي َ ْ‬ ‫م َتــَر أ ّ‬ ‫‪‬أَلــ ْ‬
‫س‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫َ‬
‫م ُ‬ ‫شــ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫فــى ٱل ْر ِ‬ ‫مــن ِ‬ ‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬‫ٱل ّ‬
‫جُر‬ ‫شـــ َ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫ل َ‬ ‫جب َـــا ُ‬ ‫و ٱل ْ ِ‬‫م َ‬‫جـــو ُ‬ ‫و ٱلن ّ ُ‬ ‫مـــُر َ‬ ‫ق َ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫عل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬‫وك َِثيٌر َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ٱلّنا ِ‬ ‫م َ‬‫وك َِثيٌر ّ‬ ‫ب َ‬ ‫وا ّ‬ ‫و ٱل د ّ َ‬ ‫َ‬
‫رم ٍ‬ ‫مك ْـ ِ‬‫مــن ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫مــا ل َـ ُ‬ ‫ف َ‬‫ن ٱلله َ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ي ُ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ع َ‬‫ٱل ْ َ‬
‫شاء ‪.‬‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ع ُ‬‫ف َ‬ ‫ن ٱلله ي َ ْ‬ ‫إِ ّ‬
‫حياة المة‪ ...‬بين سجدتين‬
‫واللطيف أن أول سورة نزلييت فيهييا سييجدة مييع‬
‫بداية البعثة كانت سورة العلق‪ ،‬التي جاء فيها قييوله‬
‫رب ‪،‬‬ ‫وٱ ْ‬
‫قت َ ـ ِ‬ ‫ج دْ َ‬ ‫سـ ُ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عـ ُ‬‫تعييالى‪ :‬ك َل ّ ل َ ت ُطِ ْ‬
‫بينما آخيير سييورة نزلييت فيهييا سييجدة كييانت سييورة‬
‫الحج‪ ،‬التي نزلت مع نهاية البعثيية‪ ،‬والييتي تييرى فيهييا‬
‫عــوا ْ‬ ‫َ‬
‫من ُــوا ْ ٱْر ك َ ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّ ـ ِ‬ ‫قييوله تعييالى‪ :‬يأي ّ َ‬
‫خي ْـَر‬‫عل ُــوا ْ ٱل ْ َ‬ ‫وٱ ْ‬
‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ْ َرب ّك ُـ ْ‬ ‫عب ُـ ُ‬ ‫دوا ْ َ‬
‫وا ْ‬ ‫ج ُ‬
‫س ُ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (77‬‬ ‫حو َ‬ ‫م تُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬
‫لَ َ‬
‫والفيرق بيين السيجدتين يظهير النقلية العظيمية‬
‫التي انتقلتهيا المية‪ ،‬مين السيجدة الوليى الموجهية‬
‫للنييبي ‪ ‬وحييده فييي سييورة العلييق‪ ،‬إلييى السييجدة‬
‫الخيرة التي وجهييت للميية كلهييا فييي سييورة الحييج‪.‬‬
‫فهي نقلة نوعية في فترة محدودة‪ ،‬من النبي وحييده‬
‫في غار حراء‪ ،‬إلى أمة عابدة مجاهدة‪..‬‬
‫من فضيلك‪ ،‬إنييو أداء هيذه الفريضية العظيميية‪ ،‬أو‬
‫على القل العمرة‪ ،‬لتعد ّ نفسك وترّبيها على المعيياني‬
‫‪371‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫التي أتت فييي هييذه السييورة الكريميية‪ .‬واقييرأ سييورة‬


‫الحييج بني ّيية ميين يريييد أن يسييتفيد ميين دروس الحييج‬
‫ومعانيه‪ ،‬حتى لو لم تتح له الفرصة بعد‪...‬‬
‫المؤمنون‬

‫سو‬ ‫سورة المؤمنون مكية‪ ،‬نزلت بعد سورة النبييياء‪،‬‬


‫رة‬ ‫وهي في ترتيب المصحف بعييد سييورة الحييج‪ ،‬وعييدد‬
‫المؤمنيي‬ ‫آياتها مائة وثمانية عشر آية‪.‬‬
‫كيف أنت من صفاتهم‪..‬؟‬
‫تذكر هذه السورة أهم صفات المييؤمنين‪ ،‬وتضييع‬
‫أمامها مصير المكذبين‪ .‬وكأنها تسأل قييارئ القييرآن‪،‬‬
‫وتقول لييه‪ :‬أييين أنييت ميين صييفات هييؤلء المييؤمنين‬
‫المفلحين الذين عرضت عليك صييفاتهم‪..‬؟ كمييا أنهييا‬
‫تلفت نظرك إلى معنى مهم‪ ،‬وهو أن هييذه الصييفات‬
‫تجمع ما بين الخلق والعبادات‪ ،‬فترى أول صفة هي‬
‫صفة عبادة‪ ،‬ثييم الييتي بعييدها صييفة خلييق‪ ،‬وهكييذا‪...‬‬
‫فاعرض نفسك على الصفات التالية‪ ،‬وضييع لنفسييك‬
‫علمة أمام كل واحدة‪:‬‬
‫استقصاء اليمان‬
‫ح‬ ‫قـــدْ أ َ ْ‬
‫فل َـــ َ‬ ‫تبيييدأ السيييورة بقيييوله تعيييالى‪َ  :‬‬
‫ن‪ .( (1‬فمن هم؟ وكيف نكييون منهييم؟‬ ‫مُنو َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬‫ٱل ْ ُ‬
‫ابدأ معنا في الجابة على محاور الستقصاء‪:‬‬
‫ن‪:( (2‬‬ ‫عو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫خ ٰـــ ِ‬
‫م َ‬ ‫صل َت ِ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫فى َ‬
‫م ِ‬‫ه ْ‬
‫ن ُ‬‫ذي َ‬ ‫‪‬ل ّ ِ‬
‫‪ -‬ٱ‬
‫‪372‬‬
‫‪373‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫كيييييييييييييييييييييييييييف تييييييييييييييييييييييييييؤدي‬
‫صلتك؟ هل تخشع فيها أم ل؟ كييم نقطيية تعطييي‬
‫نفسييييييييييييييييك عيييييييييييييييين هييييييييييييييييذا‬
‫السؤال؟‬
‫ن‪:( (3‬‬ ‫ضــو َ‬‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬
‫م ْ‬
‫و ّ‬ ‫ن ٱل ل ّ ْ‬
‫غـ ِ‬ ‫ع ِ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬‫و ٱل ّ ِ‬
‫‪َ  -‬‬
‫هل تغتاب مسلما ً أو تقع في النميمة؟ هل تمسك‬
‫لسانك عما ل يفيد ميين الكلم؟ هييل تعييرض عيين‬
‫مجالس الغيبة وتمتنع عن سماعها؟‬

‫ن‪:( (5‬‬ ‫ظو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح ٰـــ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هــ ْ‬ ‫م لِ ُ‬ ‫‪‬ٱل ّ ِ‬


‫ج ِ‬ ‫فُرو ِ‬ ‫ه ْ‬‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫و‬
‫‪َ -‬‬
‫كيف أنت مع غض البصر؟ والعفة والبعد عن كييل‬
‫ما يؤدي إلى الزنا؟‬
‫ن‬
‫عــو َ‬‫م ٰر ُ‬ ‫َ‬ ‫‪‬ل ّ ِ‬
‫ه ْ‬‫د ِ‬‫هـ ِ‬‫ع ْ‬
‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫م ٰـن َ ٰــت ِ ِ‬
‫مل َ‬ ‫ه ْ‬
‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وٱ‬ ‫‪َ -‬‬
‫‪ :( (8‬كيف حفظك للمانة؟ من أبسط المانات‬
‫)الشريط أو الكتاب الذي استعرته من صييديقك(‪،‬‬
‫إلى أمانة الدين وحفظه ونشره بين الناس؟‬
‫ن‪‬‬ ‫ظو َ‬‫ف ُ‬‫ح ٰـــ ِ‬ ‫م يُ َ‬‫ه ْ‬ ‫عل َ ٰى َ َ‬ ‫و‪-‬ٱل ّ ِ‬
‫صل ٰوت ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪‬‬ ‫َ‬
‫‪ :((9‬هييل تحييافظ علييى الصييلة فييي أول وقتهييا؟‬
‫وتحافظ على الجماعة؟ كم نقطة تعطييي نفسييك‬
‫على أداء الصلة والحفاظ عليها؟‬
‫إذا نجحت‪ ...‬مبروك‬
‫فييإذا كييانت نسييبة تحقييق هييذه الصييفات عالييية‬
‫وَلـــئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫هــ ُ‬
‫ك ُ‬ ‫عنييدك‪ ،‬فاستبشيير بقييوله تعييالى ‪‬أ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪374‬‬

‫م‬
‫هـ ْ‬‫س ُ‬ ‫و َ‬ ‫ن ٱل ْ ِ‬
‫فــْردَ ْ‬ ‫رث ُــو َ‬
‫ن يَ ِ‬ ‫ن ‪ ‬ٱّلــ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫رث ُــو َ‬ ‫ٱل ْ ٰو ِ‬
‫ن ‪ .‬مبروك‪ ،‬لقد حزت جييائزة ربانييية‬ ‫دو َ‬ ‫خ ٰـل ِ ُ‬
‫ها َ‬‫في َ‬ ‫ِ‬
‫عالية‪ ،‬وشهادة ربانية في اليات )‪ (11 - 10‬تؤهلييك‬
‫لكي ترث الرض في الدنيا‪ ،‬وتنال الفردوس العلى‬
‫في الخرة‪.‬‬
‫تاريخ المؤمنين‪ ...‬ومصير المكذبين‬
‫ثم تنتقل الييات إليى ذكير تارييخ الميؤمنين عليى‬
‫هذه الرض‪ ،‬فتذكر قصص عديدة لنبييياء اللييه تعييالى‪،‬‬
‫مع التركيز على وراثيية كييل جيييل ميين النبييياء لصييفة‬
‫اليمان‪.‬‬
‫ن‪‬‬ ‫قْرن ـا ً ءا َ‬‫م َ‬ ‫‪‬ث ُم َأن َ ْ‬
‫ري ـ َ‬‫خ ِ‬ ‫ه ْ‬‫د ِ‬‫عـ ِ‬‫مــن ب َ ْ‬
‫شأَنا ِ‬ ‫ّ‬
‫قُرونا ً ءا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬ ‫ه ْ‬‫د ِ‬‫ع ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫شأَنا ِ‬ ‫م أن َ‬‫‪(31).. ‬ث ُ ّ‬
‫‪.((42‬‬
‫وبين هييذه اليييات‪ ،‬يييأتي ذكيير لمصييير المكييذبين‬
‫بآيييات اللييه تعييالى‪ ،‬وكأنهييا تقييول للمييؤمنين الييذين‬
‫عرضوا صفاتهم على الستقصيياء الموجييود فيي أول‬
‫السييورة‪ :‬إييياكم والبعييد عيين طريييق اليمييان‪ ،‬إييياكم‬
‫وترك الصلة‪ ،‬فتنالوا المصير الذي ناله هؤلء‪:‬‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫عل ْن َ ٰـ ـ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ف َ‬ ‫ق َ‬‫ح ّ‬ ‫ة ب ِـ ٱل ْ َ‬‫ح ُ‬‫ص ـي ْ َ‬ ‫م ٱل ّ‬ ‫خ ـذَت ْ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫‪‬أ َ َ‬
‫ف‬‫َ‬
‫وم ِ‬ ‫قــــــــــــ ْ‬ ‫عــــــــــــدا ً ل ّل ْ َ‬ ‫فب ُ ْ‬‫غَثــــــــــــاء َ‬ ‫ُ‬
‫ن‪.( (41‬‬ ‫مي َ‬ ‫ٱلظّ ٰـل ِ ِ‬
‫عن َــا‬ ‫ة رســول ُها ك َـذّبوه َ َ‬ ‫ُ‬ ‫‪‬ك ُ ّ‬
‫فأت ْب َ ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫م ً ّ ُ‬ ‫جاء أ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬
‫عدا ً ل ّ َ‬ ‫َ‬
‫وم ٍ‬ ‫ق ْ‬ ‫ث َ‬
‫فب ُ ْ‬ ‫حاِدي َ‬ ‫م أ َ‬
‫ه ْ‬‫عل ْن َ ٰـ ُ‬‫ج َ‬ ‫و َ‬‫عضا ً َ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫ض ُ‬‫ع َ‬ ‫بَ ْ‬
‫‪375‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪.(‬‬ ‫ن‪(44‬‬
‫مُنو َ‬ ‫ل ّ يُ ْ‬
‫ؤ ِ‬
‫أرأيييت كيييف يكييون البعييد عيين اليمييان سييببا ً‬
‫للهلك‪...‬‬
‫صفات أرقى وأعلى‬
‫وبعيييد ذليييك‪ ،‬تعيييرض الييييات صيييفات أخيييرى‬
‫للمؤمنين‪ ،‬هي بمثابيية مسييتوى أعلييى ميين الصييفات‬
‫السابقة‪ :‬إقرأ معي اليات ‪:61 - 57‬‬
‫م‬‫هـــ ْ‬‫ة َرب ّ ِ‬ ‫شـــي ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مـــ ْ‬ ‫هـــم ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱّلـــ ِ‬ ‫‪‬إ ِ ّ‬
‫ن‪ :( (57‬ففي أول السورة كان الخشوع‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬
‫ّ‬
‫صفة مطلوبة في الصلة‪ ،‬أما هنا فالمستوى أعلييى‪:‬‬
‫أن تصاحبك خشية الله تعالى في كييل أمييور حياتييك‬
‫وعند كل عمل‪.‬‬
‫ن‬
‫مُنــو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م يُ ْ‬ ‫هــ ْ‬‫ت َرب ّ ِ‬ ‫هــم ِبـَئاي َ ٰـــ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪‬ٱّلــ ِ‬ ‫و‬
‫َ‬
‫ن‪ .( (58-59‬فل‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬‫شـ ِ‬‫م ل َ يُ ْ‬ ‫هـ ْ‬‫هم ب َِرب ّ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫يشركون مع الله أحدا ً في عبادتهم‪ ،‬سواء كييان هييذا‬
‫الشرك شركا ً أكبر )كأن يدعو مع الله إلهييا ً آخيير( أو‬
‫شركا ً أصغر وهو الرياء‪ .‬فإياك أن تبتغي ميين عملييك‬
‫شيئا ً سوى الجر والثواب من الله‪.‬‬
‫جل َـ ٌ‬
‫ة‬ ‫و ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ما ءاَتوا ْ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ؤُتو َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‪.( (60‬‬ ‫ه ْ َ‬ ‫َ‬
‫عو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ٰر ِ‬ ‫ه ْ‬‫م إ ِل ٰى َرب ّ ِ‬ ‫أن ّ ُ‬
‫وهنا نصل إلى قمة في صفات المييؤمنين‪ ،‬وهييي‬
‫أن تعبد الله تعالى وتنفذ أوامره ثم تخاف‪ ،‬مم؟ من‬
‫عييدم قبييول العمييل‪ .‬وقييد سييألت السيييدة عائشيية‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪376‬‬

‫رسول الله ‪ ‬عن هذه الية‪ ،‬فقييالت‪ :‬أهييو الرجييل‬


‫يسييرق ويزنييي ويخشييى اللييه؟ فقييال‪ :‬ل يييا ابنيية‬
‫ن‬
‫شييو َ‬‫ديق‪ ،‬إنما هم الذين يعبدون رب ُّهم‪ ،‬وهم يخ َ‬ ‫ص ّ‬
‫ال ّ‬
‫ل منهم "‬‫أل يتقب ّ َ‬
‫شهادة ربانية‬
‫ولكل هييذه الصييفات‪ ،‬اسييتحق هييؤلء المؤمنييون‬
‫شييييييييييييييييهادة أخييييييييييييييييرى ميييييييييييييييين‬
‫ت‬ ‫فــى ل ْ‬ ‫‪َ‬لـئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫خْيــ ٰر ِ‬ ‫ٱ َ‬ ‫ن ِ‬
‫عو َ‬‫ر ُ‬‫س ٰـ ِ‬
‫ك يُ َ‬ ‫و‬
‫الله تعالى‪ :‬أ ْ‬
‫ن‪ .( (61‬فهم ل ييتركون فرصية‬ ‫قو َ‬ ‫س ٰـب ِ ُ‬ ‫م لَ َ‬
‫ها َ‬ ‫ه ْ‬
‫و ُ‬
‫َ‬
‫لتحصيل الجر والثواب إل وسيارعوا إليهيا وتسيابقوا‬
‫عليها‪...‬‬
‫بعد العمل‪ ...‬الدعاء‬
‫وكان أجمل ختام لسورة المؤمنون‪ ،‬تعليمنا دعاء‬
‫رائعًا‪:‬‬
‫خْيــُر‬
‫ت َ‬
‫وأنــ َ‬
‫م َ‬
‫حــ ْ‬
‫و ٱْر َ‬
‫فــْر َ‬ ‫بٱ ْ‬
‫غ ِ‬ ‫و ُ‬
‫قــل ّر ّ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‪.( (118‬‬‫مي َ‬‫ح ِ‬ ‫ٱلر ِ‬
‫ما سر ختام السورة بهذا الدعاء؟ لن المييؤمنين‬
‫الذين نجحوا في الصفات التي ذكرت فييي السييورة‪،‬‬
‫قد يخطئون بعدها أو يقصرون في المحافظة علييى‬
‫المستوى اليماني الذي جاءت به السييورة‪ ،‬فكييان ل‬
‫بد من الختام بآية ترشدك إلى طريق الستغفار من‬
‫الذنوب والتقصييير الييذي قييد تقييع بييه‪ ،‬لن ذلييك ميين‬
‫طبيعة البشر‪...‬‬
‫‪377‬‬ ‫سورة البقرة‬
‫سورة النور‬

‫سو‬ ‫سورة النور )مدنية(‪ ،‬نزلت بعييد سييورة الحشيير‪،‬‬


‫رة‬ ‫وهي في ترتيييب المصييحف بعييد سييورة المؤمنييون‪،‬‬
‫النور‬ ‫وعدد آياتها ‪ 64‬آية‪.‬‬
‫منازل من نور‬
‫سورة النور هي سييورة الداب الجتماعييية‪ ،‬إنهييا‬
‫سورة تعنى بشؤون الناس داخل بيوتهم‪ ،‬إنهييا تعنييى‬
‫بكيفييية الحفيياظ علييى أدب العلقييات بييين أفييراد‬
‫المجتمييع‪ ،‬وكيييف نصييل إلييى حاليية ميين النسييجام‬
‫والفضييلة فيي مجتمعنييا‪ ،‬وكييف ننقييه مين الفسياد‬
‫والرذيلة‪.‬‬
‫ألسنة الفتنة‬
‫لقد نزلت سييورة النييور فيي مناسييبة مييا أشيياعه‬
‫المنافقون حول السيدة عائشة رضي الله عنها فييي‬
‫حادثة الفك‪ ،‬واتهامهم إّياها بالزنا وهي المبرأة ميين‬
‫فوق سبع سماوات‪ .‬وما جرى في هيذه الحادثيية هييو‬
‫أن السيدة عائشة خرجت مع النييبي ‪ ‬فييي غييزوة‬
‫المصطلق‪ ،‬فتوقف الجيش للراحة‪ .‬ففقدت السيييدة‬
‫‪378‬تبحث عنه‪ ،‬جيياء الرجييال‬
‫عائشة عقدها‪ ،‬وفيما كانت‬
‫‪379‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وحملوا الهودج الذي كانت فيه دون أن يحسوا بعدم‬


‫وجودهييا فيييه لصييغر حجمهييا ووزنهييا‪ ...‬ولمييا عييادت‬
‫السيدة عائشة وجدت أن الجيش قد سار وأصييبحت‬
‫وحيدة في الصحراء‪...‬‬
‫وكان من عادة النبي صييلى اللييه علييه وسييلم أن‬
‫يبقييي رجل ً خلييف الجيييش‪ ،‬فييإذا مييا تييأخر أحييد عيين‬
‫الجيش يرشده‪ .‬فجاء صفوان بن المعطل الذي كان‬
‫يسير متأخرا ً عن الجيش وهي وحيدة فوضعها علييى‬
‫الناقيييية‪ ،‬ولييييم يكلمهييييا ولييييم يحييييدثها ولييييم‬

‫ينظر إليهييا إلييى أن دخييل إليهييا المدينيية‪ ...‬فاسييتغل‬


‫المنافقون هذا المر وبدأوا بإشيياعة الفتنيية وإشيياعة‬
‫المر بأن الفاحشة ‪ -‬والعياذ بالله ‪ -‬قد حصييلت بييين‬
‫السيييدة عائشيية وصييفوان بيين المعطييل‪ ...‬وبييدأ‬
‫المجتمييع يلييوك هييذا الكلم الباطييل‪ ،‬ووقييع بعييض‬
‫المؤمنين في هذا الخطأ‪ ،‬وصاروا يقولييون‪ :‬ل يمكيين‬
‫أن يوجيييد دخيييان بيييدون نيييار‪ .‬واختلفيييت أحيييوال‬
‫المسلمين حول هذا الميير‪ ،‬فمنهيم مين كييان حييائرا ً‬
‫ومنهم من لم يصدق الكلم إطلقًا‪ ،‬ومنهم من ظيين‬
‫وقوع الفاحشة‪ ...‬وانقطع الوحي مدة شهر كامييل‪...‬‬
‫وكان ذلك اختبارا ً للمجتمع السلمي بأسره‪...‬‬
‫براءة ربانية‬
‫وظل الوحي محبوسا ً عن النبي ‪ ‬حييتى يخييرج‬
‫المجتمع ما عنده‪ ،‬وكان اختبييارا ً صييعبًا‪ ،‬حييتى نزلييت‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪380‬‬

‫آيات سورة النور لتعلن براءة السيدة عائشة رضييي‬


‫الله عنها من فوق سبع سماوات‪:‬‬
‫م لَ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ة ّ‬ ‫صب َ ٌ‬
‫ع ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫جاءوا ب ِٱل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫‪‬إ ِ ّ‬
‫ل‬‫م ل ِك ُـ ّ‬ ‫خي ْـٌر ل ّك ُـ ْ‬
‫و َ‬ ‫هـ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ب َـ ْ‬ ‫شـّرا ً ل ّك ُـ ْ‬ ‫سـُبوهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ذى‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫ن ٱلث ْم ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫س َ‬‫ما ٱك ْت َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫رىء ّ‬ ‫م ِ‬
‫ٱ ْ‬
‫م‪...( (11‬‬ ‫ظي ٌ‬‫ع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬
‫ه َ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫ول ّ ٰى ك ِب َْرهُ ِ‬ ‫تَ َ‬
‫فهذه الية تعلن بمنتهى الصراحة تييبرئة السيييدة‬
‫عائشة‪ ،‬وأن ما حصل إنما هو إفييك أي كييذب شييديد‬
‫وافتراء شديد ل برهان عليه‪ ،‬وكييل ميين ينشيير مثييل‬
‫هذه الكاذيب في المجتمع )وعلى رأسهم عبييد اللييه‬
‫بيين أبييي بيين سييلول زعيييم المنييافقين( لهييم عييذاب‬
‫عظيم‪...‬‬
‫ل تحسبوه شرا ً لكم‬
‫والية السابقة تعلق على حادثة الفك وانتشارها‬
‫شــّرا ً‬‫سُبوهُ َ‬ ‫بين المسلمين بشكل عجيب‪ :‬ل َ ت َ ْ‬
‫ح َ‬
‫م‪ ،( (11...‬فييأين الخييير فييي‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬
‫و َ‬
‫ه َ‬
‫ل ُ‬ ‫ل ّك ُ ْ‬
‫م بَ ْ‬
‫ذلك؟‬
‫إن المجتمع السلمي في المدينيية كلييه سيييتعلم‬
‫ميين هييذه الحادثيية‪ ،‬ونحيين أيض يا ً سيينتعلم ميين هييذه‬
‫الحادثة‪ ،‬وسلسلة الحكام والداب الجتماعييية الييتي‬
‫رافقت نزول السورة ستكون خيرا ً للمسييلمين فييي‬
‫مشارق الرض ومغاربهييا إلييى أن يييرث اللييه الرض‬
‫خي ْـٌر‬‫و َ‬‫هـ َ‬ ‫ومن عليها‪ ،‬مصداقا ً لقوله تعييالى ‪‬ب َـ ْ‬
‫ل ُ‬
‫م ‪.‬‬ ‫ل ّك ُ ْ‬
‫‪381‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ظنوا بأنفسهم خيرا ً‬


‫وأول تعقيب بعد حادثة الفك كييان قييوله تعييالى‪:‬‬
‫ن‬‫من ُــــو َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫موهُ ظَــــ ّ‬ ‫عت ُ ُ‬‫م ْ‬‫ســــ ِ‬ ‫ول إ ِذْ َ‬ ‫‪‬ل ّــــ ْ‬
‫ك‬ ‫ف ٌ‬
‫ذا إ ِ ْ‬ ‫قاُلوا ْ َ‬
‫ه ٰـ َ‬ ‫خْيرا ً َ‬
‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت ب َِأن ُ‬‫من َ ٰـ ُ‬
‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .( (12‬آية رائعة تعلمنا كيفييية التصييرف عنييد‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ّ‬
‫إشاعة الفتن والكلم في أعراض الناس‪ .‬هييذه الييية‬
‫نزلت في أبي أيوب النصاري حين سأل زوجته‪ :‬لييو‬
‫كنت مكان عائشة أكنت فعلت مييا قيييل‪ ،‬فقييالت ل‪،‬‬
‫فقال عائشة خير منك‪ .‬فقييالت لييه‪ :‬لييو كنييت مكييان‬
‫صفوان بن المعطل أكنت فعلت مييا قيييل‪ ،‬فقييال ل‪،‬‬
‫فقييالت صييفوان خييير منييك‪ ...‬فنزلييت الييية فيهييم‬
‫لتمتدح فعلهم الرائع وليكونييوا نموذج يا ً وقييدوة لكييل‬
‫المسييلمين‪ .‬وميين لطييف الييية أنهييا قييالت ‪‬ظَـ ّ‬
‫ن‬
‫خْيرا ً‪ ‬مع‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫س ِ‬
‫ف ِ‬ ‫ت ب َِأن ُ‬‫من َ ٰـ ُ‬‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫و ٱل ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫أنهم "ظنوا بإخوانهم خيرًا"‪ ،‬كأنهييا تقييول للمسييلمين‪:‬‬
‫ظنوا بإخوانكم كما تظنون بأنفسيكم‪ ،‬فيأنتم مؤمنيون‬
‫كييإخوانكم‪ ،‬واتركييوا المنييافقين يظنييون فيهييم كمييا‬
‫يشيياؤون‪ .‬وكييأن اليييات تييوحي إلينييا أن طعنييك أيهييا‬
‫المسلم في أعراض النيياس هييو طعيين فييي عرضييك‪،‬‬
‫وأن دفاعك عن عرض أخيييك وحسين ظنيك فيييه هيو‬
‫دفاع عن نفسك‪.‬‬
‫إياكم والعراض‬
‫فاحييذر أيهييا المسيلم مين الخييوض فيي أعييراض‬
‫النيياس‪ ،‬وخاصيية النسيياء‪ .‬واحييذر قبييول وسيياوس‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪382‬‬

‫الشيطان في أعراضهم‪ ،‬واحييذر الترويييج لمييا يشيياع‬


‫في الجيرائد مين فضيائح وإشياعات فتسييء الظيين‬
‫بالنيياس ظلم يا ً وتقييع فييي كييبيرة ميين الكبييائر الييتي‬
‫حذرت منها السورة‪ :‬قذف المحصنات‪.‬‬
‫فالييذين أشيياعوا الفييك ميين المنييافقين‪ ،‬والييذين‬
‫قبلوه من المؤمنين لم يأتوا بشهداء أو بينة‪:‬‬
‫َ‬
‫ف ـإ ِذْ ل َـ ْ‬
‫م‬ ‫داء َ‬ ‫ه َ‬ ‫ة ُ‬
‫شـ َ‬ ‫عـ ِ‬
‫ه ب ِأْرب َ َ‬‫عل َي ْ ِ‬
‫جاءو َ‬‫ول َ َ‬‫‪‬ل ّ ْ‬
‫وَلـــئ ِ َ‬ ‫شــهداء َ ُ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫هــ ُ‬‫عنــدَ ٱللــه ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫فأ ْ‬ ‫َيــأُتوا ْ ِبال ّ َ َ‬
‫ن‪.( (13‬‬ ‫ذُبو َ‬ ‫ٱل ْك َ ٰـ ِ‬
‫لكيين فضييل اللييه تعييالى ورحمتييه سييبقا غضييبه‬
‫فــى‬ ‫ه ِ‬‫مت ُ ـ ُ‬‫ح َ‬
‫وَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُـ ْ‬
‫ل ٱللــه َ‬ ‫ضـ ُ‬‫ف ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ول َ ـ ْ‬
‫‪َ ‬‬
‫ه‬
‫فيــ ِ‬‫م ِ‬‫ضت ُ ْ‬‫ف ْ‬ ‫ما أ َ َ‬‫فى َ‬ ‫م ِ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م ّ‬‫ة لَ َ‬ ‫و ٱل َ ِ‬
‫خَر ِ‬ ‫ٱلدّن َْيا َ‬
‫م‪.( (14‬‬ ‫ظي ٌ‬‫ع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬
‫َ‬
‫وتحسبونه هّينا ً وهو عند الله عظيم‬
‫ثم تعود اليات إلى وصف خطورة الموضوع‪:‬‬
‫م‬ ‫هك ُ ْ‬‫ف ٰو ِ‬ ‫ن ب ِ ـأ َ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سن َت ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ه ب ِأل ْ ِ‬ ‫ون َ ُ‬ ‫ق ْ‬‫‪‬ذْ ت َل َ ّ‬‫إِ‬
‫و‬ ‫هـ َ‬ ‫و ُ‬ ‫هّينـا ً َ‬ ‫ه َ‬ ‫سـُبون َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وت َ ْ‬
‫م َ‬ ‫عل ْـ ٌ‬ ‫ه ِ‬‫م ب ِـ ِ‬ ‫س ل َك ُ ْ‬ ‫ما ل ّي ْ َ‬ ‫ّ‬
‫ما‬ ‫م ّ‬ ‫قل ْت ُ ْ‬
‫موهُ ُ‬ ‫عت ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ول إ ِذْ َ‬
‫س ِ‬ ‫ول َ ْ‬‫م‪َ ‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫عندَ ٱلله َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫هت َ ٰـ ٌ‬ ‫ذا ب ُ ْ‬ ‫ه ٰـ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ح ٰـن َ َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ذا ُ‬ ‫ه ٰـ َ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن ل ََنا أن ن ّت َك َل ّ َ‬ ‫كو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ه أ َب َــدا ً‬ ‫مث ْل ِـ ِ‬‫دوا ْ ل ِ ِ‬ ‫عــو ُ‬
‫َ‬
‫م ٱللــه أن ت َ ُ‬ ‫عظُك ُ ُ‬ ‫م ‪ ‬يَ ِ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬‫َ‬
‫ن‪.( (15 – 17‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ِإن ُ‬
‫كل هذه اليات كانت تعليقا ً علييى حادثيية الفييك‪،‬‬
‫فكييانت تعليمييا ً للصييحابة وللميية ميين بعييدهم أن ل‬
‫‪383‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫يخوضييوا فييي أعييراض النسيياء‪ ،‬وقييد يقييع بييه بعييض‬


‫الشباب بكلمة أو إشارة أو إيماءة‪ ،‬وقد يقولونه ميين‬
‫باب المزاح دون قصد اليذاء‪ ،‬لكن اليييات تحييذرهم‬
‫عنــدَ ٱللــه‬
‫و ِ‬ ‫هــ َ‬
‫و ُ‬ ‫هّينــا ً َ‬ ‫ه َ‬‫ســُبون َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫بشييدة‪َ  :‬‬
‫م‪( (15‬‬ ‫ظي ٌ‬‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫م ٱللــه َأن‬ ‫عظُك ُ ُ‬ ‫وتنهاهم أن يعودوا لمثلييه ‪‬ي َ ِ‬
‫ن‪.( (17‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ه أ ََبدا ً ِإن ُ‬‫مث ْل ِ ِ‬‫دوا ْ ل ِ ِ‬‫عو ُ‬‫تَ ُ‬
‫وهكييذا نييرى أن قصيية الفييك حملييت ميين الخييير‬
‫لمجتمع المدينة ولكل المجتمعييات السييلمية الخييير‬
‫الكثير‪ ،‬فتعالوا معا ً إخواني نستعرض آيييات السييورة‬
‫ونفهم سويا ً مراد ربنا من هذه السورة‪.‬‬
‫بداية شديدة لجريمة شديدة‬
‫فكيييف بييدأت السييورة؟ لقييد بييدأت بداييية غييير‬
‫ة‬
‫ســوَر ٌ‬
‫معهودة فيما قبلها ميين السييور القرآنييية‪ُ  :‬‬
‫َ‬
‫ها‪ .( (1...‬وهي بداية شييديدة‪،‬‬ ‫ضن َ ٰـ َ‬‫فَر ْ‬ ‫و َ‬
‫ها َ‬ ‫أنَزل ْن َ ٰـ َ‬
‫ولكن كل سور القرآن أنزلت وفرضت‪ ،‬فلماذا بدأت‬
‫السورة بتلك البداية؟ وكييأن هييذه السييورة تريييد أن‬
‫تضع سياجا ً شديدا ً لحماية المجتمع‪ ،‬فكان ل بد لهييذا‬
‫دمة قوية للفييت النظييار إلييى أهمييية‬ ‫السياج من مق ّ‬
‫الحكام القادمة‪.‬‬
‫هــا‬ ‫وَأنَزل ْن َــا ِ‬
‫في َ‬ ‫ها َ‬
‫ضن َ ٰـ َ‬ ‫و َ‬
‫فَر ْ‬ ‫ها َ‬
‫َ‬
‫سوَرةٌ أنَزل ْن َ ٰـ َ‬ ‫‪ُ‬‬
‫ن ‪.‬‬ ‫عل ّك ُ ْ‬
‫م ت َذَك ُّرو َ‬ ‫ت لّ َ‬ ‫ت ب َي ّن َ ٰـ ٍ‬‫ءاي َ ٰـ ٍ‬
‫فماذا كان أول هذه الحكام؟‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪384‬‬

‫د‬
‫حــ ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫كــ ّ‬ ‫دوا ْ ُ‬ ‫جِلــ ُ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫و ٱلّزاِنى َ‬ ‫ة َ‬ ‫‪‬ٱلّزان ِي َ ُ‬
‫فــى‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ما َرأ ْ َ‬ ‫ه َ‬‫م بِ ِ‬ ‫خذْك ُ ْ‬ ‫ول َ ت َأ ْ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫جل ْدَ ٍ‬ ‫ة َ‬ ‫ما ْئ َ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ّ‬
‫وم ِ‬‫و ٱل َْيــ ْ‬ ‫ن ِبــ ٱلله َ‬ ‫مُنــو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن ٱلله ِإن ُ‬ ‫ِدي ِ‬
‫ن‬ ‫مـــ َ‬ ‫ة ّ‬ ‫فـــ ٌ‬ ‫طائ ِ َ‬‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ذاب َ ُ‬ ‫عـــ َ‬ ‫هدْ َ‬ ‫شـــ َ‬ ‫ول ْي َ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫خـــ ِ‬ ‫ٱل َ ِ‬
‫ن‪.( (2‬‬ ‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ومع أن الصييل فييي ديننييا هييو الرحميية والرأفيية‪،‬‬
‫فــى‬ ‫ة ِ‬ ‫فـ ٌ‬ ‫مــا َرأ ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫خذْك ُ ْ‬ ‫ول َ ت َأ ْ ُ‬ ‫لكن الية قالت ‪َ ‬‬
‫ن ٱلله ‪.‬‬ ‫ِدي ِ‬
‫ومع أن السلم يحثنا على الستر‪ ،‬لن الله تعالى‬
‫ستار يحب الستر‪ ،‬لكيين فيي حيد الزنيا تقيول الييية‪:‬‬
‫ن ‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫ف ٌ‬‫طائ ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ذاب َ ُ‬‫ع َ‬‫هدْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ول ْي َ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫رد شبهة‬
‫وهنا يبدأ أعداء السييلم فييي انتقيياد هييذا الييدين‪،‬‬
‫ووصييفه بالتشييدد والوحشييية فييي تطييبيق الحكييام‪،‬‬
‫وللسف يستحي بعض المؤمنين من الرد على هييذه‬
‫الشبهات‪ ،‬أو يصدقونها في بعض الحيان‪ .‬وإلى كييل‬
‫هييؤلء نقييول‪ :‬ل تحكمييوا علييى السييلم إل بعييد أن‬
‫تقرأوا سورة النور كلها وتفهموا روعة السييلم فييي‬
‫حل مشاكل المجتمع‪.‬‬
‫وسائل الوقاية‬
‫وسبب هذه البداية الشديدة‪ ،‬أن السورة وضعت‬
‫ضمانات قوية لعدم وقوع الزنى‪ ،‬فلو وقيع أحيد ٌ فيي‬
‫هذه الجريمة بعد كل هذه الضمانات والضوابط التي‬
‫‪385‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ذكييرت فييي السييورة‪ ،‬فمعنييى ذلييك أن فطرتييه قييد‬


‫شذت شذوذا ً شديدًا‪ ،‬فل بد له من عقوبة رادعة‪.‬‬
‫سبع خطييوات وضييوابط تضييمنتها السييورة‪ ،‬هييي‬
‫كالسياج الذي يحفظ المسلم‪ ،‬تحمي المجتمع وأهله‬
‫ميين الوقييوع فييي الفاحشيية‪ ،‬وتحييافظ علييى نقيياوة‬
‫المجتميييع وطهيييارته وعفتيييه‪ ...‬فتقيييرأ فيهيييا آداب‬
‫الستئذان وتزويج الشباب ومنع البغاء وغييض البصيير‬
‫والحجيياب وعييدم الخييوض فييي العييراض ظلم يا ً بل‬
‫شهود‪ ،‬ثم يأتي تطبيق الحد في مكانه المناسب من‬
‫هذه الضوابط ليكون رحمة للمجتمع وردع يا ً للشييواذ‬
‫الجامحين في شييهوتهم وإفسييادهم‪ .‬فمييا هييي هييذه‬
‫الشروط؟‬
‫آداب تنور المجتمع‬

‫‪ .1‬الستئذان‪:‬‬
‫فل يدخل رجل علييى امييرأة بمفردهييا فييي بيتهييا‪،‬‬
‫وخاصة لو كان أخا ً للييزوج أو قريبييه‪ .‬ول يخلييو رجييل‬
‫بامرأة يحل له الييزواج منهييا‪ ،‬ول يييدخل الولد علييى‬
‫أبويهم فييي أي وقييت يشيياؤون بل اسييتئذان وكييذلك‬
‫الخدم‪ .‬يقول تعالى‪:‬‬
‫خُلوا ْ ب ُُيوتا ً َ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َدْ ُ‬ ‫َ‬
‫غْيــَر‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫‪‬يأي ّ َ‬
‫هــا‬‫هل ِ َ‬‫عل َ ٰى أ َ ْ‬ ‫موا ْ َ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫سوا ْ َ‬
‫وت ُ َ‬
‫ْ‬
‫ست َأن ِ ُ‬ ‫حت ّ ٰى ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُُيوت ِك ُ ْ‬
‫دوا ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫فِإن ل ّ ْ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫م ت َذَك ُّرو َ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬‫م لَ َ‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫ٰذل ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫وِإن‬ ‫م َ‬ ‫ن ل َك ُـ ُ‬
‫ؤذ َ َ‬‫حت ّ ٰى ي ُـ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫فل َ ت َدْ ُ‬ ‫حدا ً َ‬ ‫ها أ َ‬ ‫في َ‬‫ِ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪386‬‬

‫ٰى ل َك ُـ ْ‬
‫م‬ ‫و أ َْزك َـ‬ ‫هـ َ‬ ‫عوا ْ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ف ٱْر ِ‬ ‫عوا ْ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ٱْر ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫ِ‬
‫م‪.( (27 – 28‬‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫و ٱلله ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫هــا ٱل ّـ ِ‬ ‫وبعييد ذلييك يقييول اللييه تعييالى ‪ٰ ‬يأي ّ َ‬
‫َ‬ ‫مل َ َ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫م ٰـــن ُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ٱّلــ ِ‬ ‫ســت َأِذنك ُ ُ‬ ‫مُنــوا ْ ل ِي َ ْ‬ ‫ءا َ‬
‫ت‪‬‬ ‫مـّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫م ث َل َ َ‬ ‫كـ ْ‬ ‫من ُ‬ ‫م ِ‬ ‫حل ُ َ‬ ‫غوا ْ ٱل ْ ُ‬ ‫م ي َب ْل ُ ُ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وٱل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫‪ ((58‬هييذه اليييات هييي قواعييد المييرور داخييل الييبيت‬
‫المسلم‪ ،‬للطفال والخدم‪ .‬اسمع معييي هييذه القواعييد‬
‫والنظمة‪:‬‬
‫ن‬ ‫عو َ‬ ‫ضــ ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫حيــ َ‬ ‫و ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ة ٱل ْ َ‬ ‫صـَلوٰ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ْ ِ‬ ‫من َ‬ ‫‪ّ ‬‬
‫صــل َ ٰو ِ‬
‫ة‬ ‫د َ‬ ‫عــ ِ‬ ‫مــن ب َ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ة َ‬ ‫هيــَر ِ‬ ‫ّ‬
‫ن ٱلظ ِ‬ ‫مــ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ث ِي َ ٰـــب َك ُ ْ‬
‫ول َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُـ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م ل َي ْ ـ َ‬ ‫ت ل ّك ُـ ْ‬ ‫وَرا ٍ‬ ‫ع ْ‬‫ث َ‬ ‫شاء ث َل َ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ٱل ْ ِ‬
‫ن‪ ( (58...‬وهي الوقات التي‬ ‫ه ّ‬ ‫عدَ ُ‬ ‫ح بَ ْ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ َ‬
‫علي ْ ِ‬
‫يتخفييف فيهييا المسييلم ميين ثيييابه لينييام أو ليرتييدي‬
‫غيرها‪ .‬ثم تقول اليات‪:‬‬
‫م‬ ‫حُلـــ َ‬ ‫م ٱل ْ ُ‬ ‫كـــ ُ‬ ‫من ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫فـــا ُ‬ ‫غ ٱل َطْ َ‬ ‫ذا ب ََلـــ َ‬ ‫وإ ِ َ‬‫‪َ ‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫هــ ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫ست َأذَ َ‬ ‫ما ٱ ْ‬ ‫ست َأِذُنوا ْ ك َ َ‬ ‫فل ْي َ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫عِلي ـ ٌ‬ ‫و ٱللــه َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ءاَيـ ـٰت ِ ِ‬ ‫ن ٱللــه ل َك ُـ ْ‬ ‫ك ي ُب َي ّـ ُ‬ ‫كذٰل ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‪...( (58 – 59‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ما هذا الدين العظيم‪ ،‬الييذي يييدخل مييع المسييلم‬
‫إلى داخل بيته‪ ،‬لينظم له حركة البيت بما يضمن لييه‬
‫السعادة والوقاية من الفات والشرور‪!!...‬‬
‫‪.2‬غض البصر‪:‬‬
‫وللحفاظ على المجتمع مما يؤدي إلى الفاحشة‪،‬‬
‫‪387‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫تجد قوله تعالى‪:‬‬


‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬
‫ر ِ‬
‫ص ٰـــ ِ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫مــ ْ‬‫ضــوا ْ ِ‬‫غ ّ‬ ‫ن يَ ُ‬‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مــ ْ‬ ‫ل ل ّل ْ ُ‬ ‫قــ ْ‬ ‫‪‬‬‫ُ‬
‫ن ٱللــه‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك أ َْز َ ٰ‬
‫كى ل َ ُ‬ ‫ذل ِ َ‬‫م ٰ‬‫ه ْ‬ ‫ج ُ‬
‫فُرو َ‬ ‫ظوا ْ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (30‬‬ ‫عو َ‬ ‫صن َ ُ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫والمر بغض البصر والعفيية ليييس فقييط للرجييال‬
‫والشباب‪ ،‬لكنه موجه أيضا ً للنسيياء بنفييس الكلمييات‬
‫والوامر‪:‬‬
‫ن‬
‫مــــ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضــــ َ‬ ‫ض ْ‬ ‫غ ُ‬‫ت يَ ْ‬‫من َ ٰـــــ ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قــــل ل ّل ْ ُ‬ ‫و ُ‪‬‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (31...‬‬ ‫َ‬
‫ه ّ‬ ‫ر ِ‬
‫ص ٰـ ِ‬ ‫أب ْ َ‬
‫‪ .3‬تزويج الشباب‪:‬‬
‫فل يمكن إقامة حد الزنى إذا كييان الشييباب غييير‬
‫قادرين على الزواج‪ .‬ولذلك كان من أهم الضييمانات‬
‫التي قدمتها السورة الكريميية‪) :‬الحييث علييى تزويييج‬
‫م‬ ‫من ْ ُ‬
‫كــــ ْ‬ ‫م ٰى ِ‬ ‫َ‬
‫حــــوا ْ ٱلي َ ٰـــــ َ‬ ‫وأ َن ْ‬
‫ييييباب(‪:‬ك ِ ُ‬
‫‪‬‬ ‫َ‬ ‫الشي‬
‫كوُنــوا ْ‬ ‫م ِإن ي َ ُ‬
‫وِإمائ ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫عَباِدك ُ ْ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫حي َ‬ ‫ص ٰـل ِ ِ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫َ‬
‫ع‬ ‫ســ ٌ‬
‫وا ِ‬ ‫و ٱللــه َ‬ ‫ه َ‬ ‫ضل ِ ِ‬
‫ف ْ‬‫من َ‬ ‫م ٱلله ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫غن ِ ِ‬ ‫قَراء ي ُ ْ‬‫ف َ‬ ‫ُ‬
‫م‪.( (32‬‬ ‫عِلي ٌ‬
‫َ‬
‫وذلك لسد طريق الفواحش أمام الشباب الييذين‬
‫ل يستطيعون الزواج لضيق ذات اليد‪ ،‬فتدعو اليييات‬
‫إلى تزويجهم والتوكل علييى اللييه أنييه سيييغنيهم ميين‬
‫فضله‪.‬‬
‫‪ .4‬منع البغاء‪:‬‬
‫كما شييددت اليييات علييى أولييياء المييور )وعلييى‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪388‬‬

‫المجتمعييات( الييذين يييدفعون فتييياتهم إلييى الزنييى‬


‫عَلــى‬
‫م َ‬ ‫فت َي َ ٰـت ِك ُ ْ‬ ‫هوا ْ َ‬ ‫ر ُ‬‫ول َ ت ُك ْ ِ‬‫ليربحوا من وراءها ‪َ ‬‬
‫ض‬ ‫غـــوا ْ َ‬ ‫صـــنا ً ل ّت َب ْت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ٱل ْب ِ َ‬
‫عـــَر َ‬ ‫ح ّ‬‫ن تَ َ‬‫ن أَردْ َ‬ ‫غـــاء إ ِ ْ‬
‫مــن‬
‫ن ٱلله ِ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫ره ُ‬ ‫من ي ُك ْ ِ‬ ‫و َ‬‫ة ٱلدّن َْيا َ‬ ‫حَيوٰ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫م‪.( (33‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ن َ‬
‫غ ُ‬ ‫ه ّ‬ ‫ه ِ‬‫د إ ِك َْرا ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫بَ ْ‬
‫فالسييورة بأحكامهييا الشييديدة‪ ،‬تحمييي المييرأة‪،‬‬
‫وتحذر من المتاجرة بجسدها وعرضها‪ ،‬لن في ذلك‬
‫هضم لحقوقها‪ ،‬وإفساد وتمييع للمجتمع كله‪...‬‬
‫‪ .5‬الحجاب‪:‬‬
‫وبعييد الميير بالسييتئذان وغييض البصيير وتزويييج‬
‫الشباب ومنع البغاء‪ ،‬كان ل بد من الميير بالحجيياب‪،‬‬
‫كأحد أهم الوسائل التي تمنع وقوع الشباب العييزاب‬
‫والمييتزوجين فييي الفاحشيية‪ ،‬نتيجيية مييا يرونييه ميين‬
‫مشاهد مثيرة للغرائز في الشارع أو علييى صييفحات‬
‫الجييييرائد أو فييييي الفضييييائيات ووسييييائل العلم‪.‬‬
‫فالحجاب من جهة‪ ،‬وغض البصار ميين جهيية أخييرى‪،‬‬
‫هما ضمانة أكيدة لحماية المجتمييع وطهييارته‪ .‬اسييمع‬
‫معي اليات‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ه ّ‬‫ر ِ‬‫ص ٰــ ِ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫مـ ْ‬‫ن ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ض ْ‬ ‫غ ُ‬ ‫ت يَ ْ‬‫من َ ٰـ ِ‬
‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قل ل ّل ْ ُ‬ ‫و‪ُ ‬‬‫َ‬
‫مــا‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬‫ه ّ‬ ‫زين َت َ ُ‬‫ن ِ‬ ‫دي َ‬‫ول َ ي ُب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ّ‬‫ج ُ‬
‫فُرو َ‬ ‫ن ُ‬ ‫فظ ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ٰى‬ ‫عَلـــ‬
‫ن َ‬ ‫هـــ ّ‬‫ر ِ‬‫م ِ‬‫خ ُ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫رب ْ َ‬
‫ضـــ ِ‬ ‫ول ْي َ ْ‬ ‫هـــا َ‬ ‫من ْ َ‬‫هـــَر ِ‬ ‫ظَ َ‬
‫ن‪.( (31...‬‬ ‫ه ّ‬ ‫جُيوب ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ول َ‬‫فالية أوضحت ‪ -‬ميين خلل تكييرار عبييارة ‪َ ‬‬
‫ن ‪ ‬مرتييين فييي آييية واحييدة ‪ -‬أن‬ ‫هــ ّ‬ ‫زين َت َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫ي ُْبــ ِ‬
‫‪389‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫المرأة كلها زينة‪ ،‬فل يجوز أن تبدي من زينتها إل مييا‬


‫ظهر منها‪ ،‬وهما الوجه والكفين كما بّين النبي ‪.‬‬
‫صييلته‬‫واليات لييم تييأمر بالحجيياب فحسييب بييل ف ّ‬
‫ل‪ ،‬فقد وصييفت بشييكل دقيييق شييكل الحجيياب‬ ‫تفصي ً‬
‫عَلــ ٰى‬ ‫ن َ‬‫ه ّ‬ ‫ر ِ‬ ‫م ِ‬‫خ ُ‬
‫ن بِ ُ‬‫رب ْ َ‬‫ض ِ‬ ‫‪ْ ‬‬ ‫ول ْي َ‬
‫وشروطه الشرعية‪َ :‬‬
‫ن ‪ ‬أي ل بد لغطاء الييرأس أن ينييزل تحييت‬ ‫ه ّ‬ ‫جُيوب ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫فتحيية الصييدر والرقبيية‪ .‬كمييا أنهييا حييددت للمييرأة‬
‫المسلمة لمن تكشف زينتها‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫نأ ْ‬ ‫ه ّ‬‫عـــولت ِ ِ‬ ‫ن إ ِل ّ ل ِب ُ ُ‬
‫هـــ ّ‬ ‫زين َت َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ول َ ي ُْبـــ ِ‬
‫دي َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‪.( (31..‬‬ ‫و ءاَباء ب ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ه ّ‬ ‫عولت ِ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ه ّ‬ ‫ءاَبائ ِ ِ‬
‫فكيف يأتي بعد كل هذا التفصيل‪ ،‬ميين يقييول أن‬
‫الحجاب فيي السيلم ليييس فرضيًا؟ إن الييات فيي‬
‫هذه السورة وفي سييورة الحييزاب فصييلت فرضييية‬
‫الحجاب وشكله بشكل غير قابل للنقاش‪.‬‬
‫‪ .6‬منع إشاعة الفواحش‪:‬‬
‫لقييد منييع السييلم ميين إشيياعة الفاحشيية فييي‬
‫ن َأن‬ ‫حب ّــو َ‬ ‫ن يُ ِ‬‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ـ ِ‬ ‫المجتمع‪ ...‬فقال تعالى ‪‬إ ِ ّ‬
‫م‬
‫هـ ْ‬ ‫من ُــوا ْ ل َ ُ‬‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فــى ٱل ّ ـ ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫ح َ‬
‫ش ُ‬ ‫فـ ـٰ ِ‬‫ع ٱل ْ َ‬ ‫شــي َ‬ ‫تَ ِ‬
‫و ٱل َ ِ‬ ‫َ‬
‫م‬‫عل َ ُ‬
‫و ٱلله ي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫فى ٱلدّن َْيا َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ن‪.( (19‬‬ ‫مو َ‬‫عل َ ُ‬‫م ل َ تَ ْ‬ ‫وأن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فإلى كييل وسييائل العلم الييتي تنشيير الفاحشيية‬
‫والرذيلة والعري في المجتمع‪ ،‬وإلى كييل ميين يييرّوج‬
‫لخبار الفضائح ويخوض فييي العييراض‪ ،‬اسييمع هييذه‬
‫اليييات واتييق اللييه فييي شييباب الميية‪ .‬اسييمع قييوله‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪390‬‬

‫تعالى‪:‬‬
‫ت‬ ‫ٰــــــ ِ‬ ‫صن َ‬‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫مـــــو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن‪‬ٱّلـــــ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫فــى ٱلــدّن َْيا‬ ‫عُنــوا ْ ِ‬ ‫ت لُ ِ‬ ‫منـــٰ ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬‫ت ٱل ْ ُ‬ ‫فَلـــٰ ِ‬ ‫غـٰ ِ‬‫ٱل ْ َ‬
‫د‬
‫ه ُ‬ ‫شـ َ‬‫م تَ ْ‬‫و َ‬‫م ‪ ‬ي َـ ْ‬ ‫ظيـ ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عـ َ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ول َ ُ‬‫ة َ‬ ‫خـَر ِ‬ ‫و ٱل َ ِ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جل ُ ُ‬ ‫وأْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫دي ِ‬
‫وأي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫سن َت ُ ُ‬‫م أل ْ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ َ‬
‫علي ْ ِ‬
‫ن‪..( (23 – 24‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ل بد من أربعة شهود‬
‫وهكييذا نييرى أن السييلم أميير بتطييبيق كييل هييذه‬
‫الضييوابط‪ ،‬ليضييمن خلييو المجتمييع ميين كييل مييا قييد‬
‫سييرًا‪،‬‬‫يسبب وقوع الفاحشة‪ ...‬فييإذا كييان الييزواج مي ّ‬
‫والحجيياب منتشييرًا‪ ،‬والييتزم النيياس بغييض البصيير‬
‫واختفت العلنات الرذيلة ومنع البغاء‪ ،‬ومع هذا كله‪،‬‬
‫زنييى شييخص مييا‪ ،‬فهييل يكييون مسييتحقا ً للحييد؟‪...‬‬
‫والجواب طبعًا‪ :‬ل‪ ،‬لنه ل يكون مستحقا ً للحييد إل إن‬
‫شهد عليه أربعة شهداء‪ ،‬ول يطّبق عليييه حييد الرجييم‬
‫أو الجلد إل إذا شهد عليه أربعيية شييهداء عييدول )أي‬
‫أمناء موثوق في شهادتهم ومعروفييون بخلقهييم فييي‬
‫المجتمع( أو اعترف هو بنفسه‪ .‬اسمع قوله تعالى‪:‬‬
‫م ي َأ ُْتوا ْ‬‫م لَ ْ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫صن َ ٰـ ِ‬ ‫ح َ‬‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫‪َ‬‬
‫َ‬
‫ول َ‬ ‫جل ْـدَةً َ‬ ‫ن َ‬ ‫مــاِني َ‬ ‫م ثَ َ‬ ‫ه ْ‬‫دو ُ‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫داء َ‬ ‫ه َ‬ ‫ش َ‬ ‫ة ُ‬ ‫ع ِ‬‫ب ِأْرب َ َ‬
‫وَلــــئ ِ َ‬ ‫شـــهادةً أ َبـــدا ً ُ‬
‫م‬ ‫هـــ ُ‬‫ك ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫م َ‬ ‫هـــ ْ‬ ‫قب َل ُـــوا ْ ل َ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ك‬ ‫د ٰذل ِـ َ‬ ‫عـ ِ‬‫مــن ب َ ْ‬ ‫ن ت َــاُبوا ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ‪‬إ ِل ّ ٱل ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬
‫ف ٰـ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫حوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‪..( (4 – 5‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ن ٱلله َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫صل َ ُ‬‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫لهذا استحق العقوبة‬
‫‪391‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ولما طلبت اليات شييرط الربعيية شييهود لقاميية‬


‫الحد‪ ،‬فإنها قد وضعت شرطا ً صعبا ً أمام تطبيق حييد‬
‫الزنى‪ ،‬وذلك من رحمة الله بعبيياده‪ ...‬فهييذا الحييد ل‬
‫يطب ّييق إل علييى ميين تخطييى جميييع الضييوابط الييتي‬
‫وضعتها السورة وأقدم علييى فعييل الفاحشيية‪ ،‬ليييس‬
‫وليس ذلك وحسب‪ ،‬بل إنييه فعييل ذلييك أمييام أربعيية‬
‫أشخاص‪ ،‬مما يعني أنه كان مجاهرا ً بالزنى!‪ ...‬وميين‬
‫يفعل ذلك ل يستحق الرأفة من المجتمع‪ ،‬ول بد من‬
‫القسوة عليييه‪ ،‬وميين هنييا نفهييم شييدة السييورة فييي‬
‫ن‬
‫فــى ِدي ـ ِ‬‫ة ِ‬ ‫مــا َرأ ْ َ‬
‫فـ ٌ‬ ‫ه َ‬
‫م بِ ِ‬ ‫ول َ ت َأ ْ ُ‬
‫خ ـذْك ُ ْ‬ ‫بييدايتها‪َ  :‬‬
‫ٱلله ‪ ‬لنه يسعى إلى إفساد المجتمييع علييى نحييو‬
‫خطير‪.‬‬
‫ومن روعة السلم وعظمته أنه لو كييان الشييهود‬
‫ثلثة‪ ،‬أو لو كانوا أربعة وتراجع أحدهم عيين شييهادته‪،‬‬
‫فييإن هييؤلء الثلثيية هييم الييذين يجلييدون‪ ،‬لن السييتر‬
‫والحفاظ على سمعة الناس هو الولى وهييو الصييل‬
‫في السلم‪.‬‬
‫السلم ل يتعطش لقامة الحدود‬
‫إن ما سبق يدل على أن السلم ليس متعطش يا ً‬
‫لقامة الحدود‪ ،‬ولنا في أصحاب رسييول اللييه أسييوة‬
‫حسنة في فهمهم لتطبيق أحكييام السييلم‪ :‬فسيييدنا‬
‫عمر بن الخطاب شاهد ‪ -‬عندما كان أميرا ً للمؤمنين‬
‫‪ -‬حادثة زنى‪ ،‬دون أن يكون معه شهود‪ .‬فرجييع إلييى‬
‫المسلمين غاضبا ً وقال‪ :‬سمعت بأذني ورأيت بعيني‪،‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪392‬‬

‫وسأطّبق عليهم الحد‪ .‬فقال له علي بن أبي طييالب‪:‬‬


‫"يا أمير المؤمنين أمعك شييهداء؟!" فقييال عميير‪" :‬ل‬
‫ولكني أمير المؤمنين ورأيت وسمعت"‪ .‬فقال علي‪:‬‬
‫"يا أمير المؤمنين تأتي بأربعة شهداء وإل إن نطقت‬
‫باسمهما حد ٌ في ظهرك"!! فميين ذا الييذي يسييتطيع‬
‫القييول بعييد ذلييك بييأن هييذا الييدين متعطييش للييدماء‬
‫وإقامة الحدود!!‪...‬‬
‫التوبة‬
‫وكل الحدود التي جيياءت فييي أول السييورة هييي‬
‫الييدواء النهييائي فيمييا لييو وضييعت جميييع الضييمانات‬
‫السابقة لعدم وقوع المجتميع فيي الفاحشية‪ ...‬فيإذا‬
‫وقع شاب أو فتاة في الفاحشة‪ ،‬وكان البلد ل يطبق‬
‫حدود الله‪ ،‬أو لو كانت هييذه الضييوابط غييير مكتمليية‬
‫فييي المجتمييع‪) ،‬كصييعوبة الييزواج وانتشييار الرذيليية‬
‫وغياب الحجاب في المجتمع( فماذا يفعييل ميين وقييع‬
‫في الزنى والعياذ بالله؟‬
‫إن حد الزنى ل يقام عليه أو ً‬
‫ل‪ ،‬ول بد لييه ميين أن‬
‫يتييوب إلييى اللييه تعييالى فييورا ً ويسييتر علييى نفسييه‪،‬‬
‫ولذلك فإننا نرى من روعة هييذه السييورة أننييا نراهييا‬
‫تفتح باب التوبة بعد كييل مقطييع يتحييدث عيين حييدود‬
‫الله‪:‬‬
‫حوا ْ‬ ‫ك َ‬
‫صـل َ ُ‬ ‫د ٰذل ِـ َ َ‬
‫وأ ْ‬ ‫عـ ِ‬ ‫ن َتاُبوا ْ ِ‬
‫من ب َ ْ‬ ‫‪‬ل ّ ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ‬
‫‪.(‬‬ ‫‪(5‬‬
‫‪393‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫عل َيك ُـم ورحمت ُـه َ‬


‫ن‬
‫وأ ّ‬ ‫ْ َ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ل ٱللــه َ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫م‪.( (10‬‬‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ٱلله ت َ ّ‬
‫عل َيك ُـم ورحمت ُـه َ‬
‫ن‬‫وأ ّ‬ ‫ْ َ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ل ٱللــه َ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫م‪.( (20‬‬‫حي ٌ‬ ‫ف ّر ِ‬ ‫ٱلله َرءو ٌ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مُنــو َ‬‫ؤ ِ‬ ‫ه ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ميعا ً أي ّ َ‬‫ج ِ‬‫وُتوُبوا ْ إ َِلى ٱلله َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‪.( (31‬‬ ‫حو َ‬ ‫م تُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬
‫لَ َ‬
‫فالتوبة هي طريق النجيياة للمجتمعييات الييتي لييم‬
‫تكتمل فيها ضمانات منييع الفاحشيية‪ ،‬أو المجتمعييات‬
‫التي ل تقام فيها الحدود لسبب من السباب‪...‬‬
‫إلى النور‬
‫ويبقى سؤال مهم‪ ،‬وهو‪ :‬لميياذا سييميت السييورة‬
‫بسييورة النييور؟ قييد يجيييب البعييض‪ :‬لن فييي هييذه‬
‫ت‬
‫م ٰــ ٰو ِ‬ ‫‪‬للــه ن ُــوُر ٱل ّ‬
‫س َ‬ ‫السييورة قييوله تعييالى ٱ‬
‫ض‪...( (35...‬‬ ‫َ‬
‫و ٱل ْر ِ‬
‫َ‬
‫وهييو جييواب بييديهي‪ ،‬لكيين مييا علقيية هييذه الييية‬
‫بالداب الجتماعية التي حفلت بها السييورة؟ ولميياذا‬
‫ليييم يطليييق عليييى السيييورة اسيييم سيييورة الداب‬
‫الجتماعية مثل ً أو أي اسم مماثل؟‪..‬‬
‫إن في هذا دللة علييى أن العمييل بهييذه التعيياليم‬
‫والحكام يضيء المجتمع بنورها‪ .‬فشرع الله هو نور‬
‫المجتمع‪ ،‬والبديل عن ذلييك هييو التخبييط فييي الظلم‬
‫والضلل‪ ،‬كما يحصل في الكثير من المجتمعات في‬
‫عصرنا الحاضر‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪394‬‬

‫هنيياك بيييوت كييثيرة تعيييش فييي ظلميية‪ ،‬وهنيياك‬


‫مجتمعات عديدة تفتقد إلى النور لعدم قييراءة أهلهييا‬
‫لسورة النور‪ ،‬فحين ابتعييدت هييذه المجتمعييات عيين‬
‫شييرع اللييه‪ ،‬شيياعت فيهييا الفاحشيية‪ ،‬وكييثرت فيهييا‬
‫المراض والمشيياكل‪ ...‬لهييذا كلييه‪ ،‬سييميت السييورة‬
‫بسييورة النييور‪ ،‬لنهييا النييور الييذي يحفييظ النفييوس‬
‫وينقيها من الغرائز‪ ،‬ويحفظ العراض ويحرسها ميين‬
‫ألسنة الناس‪ ،‬ويضيء الطريق إلى الله‪.‬‬
‫الله نور السماوات والرض‬
‫فما هو مصدر هذا النور؟ إنه الله تبارك وتعييالى‪:‬‬
‫ض‪ ( (35...‬ونور‬ ‫َ‬
‫و ٱلْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫‪‬ٱلله ُنوُر ٱل ّ‬
‫الله هو شرعه وهدايته‪...‬‬
‫ن ٱللــه‬ ‫َ‬ ‫فأين ينزل هذا النور؟ ‪ِ ‬‬
‫ت أِذ َ‬ ‫فى ب ُُيو ٍ‬
‫هـــــــــــا‬ ‫في َ‬ ‫وُيـــــــــــذْك ََر ِ‬ ‫ع َ‬ ‫فـــــــــــ َ‬ ‫َأن ت ُْر َ‬
‫ه‪.( (36...‬‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ٱ ْ‬
‫ل لّ‬ ‫جــا ٌ‬ ‫ر َ‬‫وعلييى ميين ينييزل هييذا النييور‪ِ  ...‬‬
‫ر ٱلله‪.( (37...‬‬ ‫عن ِذك ْ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ول َ ب َي ْ ٌ‬ ‫جـَٰرةٌ َ‬ ‫م تِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ْ‬
‫هي ِ‬ ‫ت ُل ِ‬
‫فُروا ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫وأما من حاد عن هذا النور‪َ  :‬‬
‫ن‬ ‫مــا ُ‬ ‫ه ٱلظّ ْ‬ ‫سـب ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫عـ ٍ‬ ‫قي َ‬ ‫ب بِ ِ‬ ‫سـَرا ٍ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ه ْ‬‫مـ ـٰل ُ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ماء‪ ( (39..‬لنه لم يمييش علييى نييور ربنييا سييبحانه‬ ‫َ‬
‫وتعالى‪ ،‬وآثر التخبط في الظلمات‪:‬‬
‫َ‬
‫ج‬‫و ٌ‬ ‫مــ ْ‬ ‫ه َ‬‫ش ٰـــ ُ‬ ‫غ َ‬ ‫ى يَ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ر لّ ّ‬ ‫ح ٍ‬‫فى ب َ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ٰـ ٍ‬‫‪ ‬ك َظُل ُ َ‬ ‫و‬
‫أ ْ‬
‫ت‬ ‫م ٰـ ـ ٌ‬ ‫ب ظُل ُ َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫سـ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ق ِ‬ ‫و ِ‬ ‫فـ ْ‬ ‫مــن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫و ٌ‬‫مـ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ق ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ف ْ‬‫من َ‬ ‫ّ‬
‫‪395‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ها‬‫م ي َك َدْ ي ََرا َ‬ ‫ج ي َدَهُ ل َ ْ‬ ‫ذا أ َ ْ‬


‫خَر َ‬ ‫ض إِ َ‬
‫ع ٍ‬
‫وق َ ب َ ْ‬ ‫ها َ‬
‫ف ْ‬ ‫ض َ‬
‫ع ُ‬‫بَ ْ‬
‫ر‬
‫مــن ن ُــو ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه ُنورا ً َ‬
‫ف َ‬ ‫ل ٱلله ل َ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ج َ‬ ‫من ل ّ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫‪.( (40‬‬
‫أرأيتم ترك النور الرباني؟ أرأيتييم كيييف أن تييرك‬
‫الحجيييياب وإشيييياعة الفضييييائح يجعلن الفييييراد‬
‫والمجتمعات ل بل البشرية كلها تتخبط في ظلمييات‬
‫الضلل والفواحش؟‬
‫مقتضيات النور الرباني‬
‫اسييمع معييي مييرة أخييرى الييية المحورييية فييي‬
‫السورة‪ ،‬آية النور‪:‬‬
‫ل‬ ‫مَثــ ُ‬ ‫َ‬
‫ض َ‬ ‫و ٱل ْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫‪‬للــه ُنــوُر ٱل ّ‬ ‫ٱ‬
‫هــــــــــــا‬ ‫في َ‬ ‫ة ِ‬ ‫كا ٍ‬ ‫شــــــــــــ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه كَ ِ‬ ‫ر ِ‬
‫ن ُــــــــــــو ِ‬
‫فى زجاجة ٱلزجاج ُ َ‬
‫ها‬ ‫ة ك َأن ّ َ‬ ‫ّ َ َ‬ ‫ُ َ َ ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫صَبا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ٱل ْ ِ‬ ‫صَبا ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ة‬
‫ة َزي ُْتون َ ـ ٍ‬ ‫مب َ ٰـ ـَرك َ ٍ‬ ‫ة ّ‬ ‫جَر ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫من َ‬ ‫قدُ ِ‬ ‫ى ُيو َ‬ ‫ب دُّر ّ‬ ‫وك َ ٌ‬ ‫كَ ْ‬
‫و‬‫وَلــ ْ‬ ‫ضــىء َ‬ ‫هــا ي ُ ِ‬ ‫كادُ َزي ْت ُ َ‬ ‫ة يَ َ‬ ‫غْرب ِي ّ ٍ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ة َ‬ ‫قي ّ ٍ‬‫شْر ِ‬ ‫لّ َ‬
‫دى ٱللــه‬ ‫هـ ِ‬ ‫ر يَ ْ‬
‫ى ن ُــو ٍ‬ ‫عل َـ ٰ‬ ‫ه َناٌر ن ّــوٌر َ‬ ‫س ُ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م تَ ْ‬‫لَ ْ‬
‫ل‬ ‫مَثــا َ‬ ‫َ‬ ‫مــن ي َ َ‬
‫ب ٱللــه ٱل ْ‬ ‫ر ُ‬ ‫ضــ ِ‬‫وي َ ْ‬ ‫شــاء َ‬ ‫ه َ‬ ‫ر ِ‬
‫ل ُِنــو ِ‬
‫م‪.( (35‬‬ ‫عل َي ِ ٌ‬‫ىء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫و ٱلله ب ِك ُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫والمشكاة هي عبييارة عيين تجويييف فييي الحييائط‬
‫يحيط بالمصباح‪ ،‬ويحافظ عليييه‪ .‬فلكييي يبقييى النييور‬
‫متوقدًا‪ ،‬ل بد له من زجاجة تحيط به وتحافظ عليييه‪.‬‬
‫فذوا شييرع‬ ‫وكأن هذه الية الرائعة تقول للمؤمنين‪ :‬ن ّ‬
‫الله تعالى‪ ،‬الذي هو نور المجتمييع‪ ،‬وحييافظوا عليييه‪،‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪396‬‬

‫واجعلييوا قلييوبكم كالزجاجيية الييتي تحيييط بييالنور‪،‬‬


‫لتضمن بقاءه متوهجا ً في حياتكم وحياة النيياس ميين‬
‫حولكم‪.‬‬
‫ول بيد لهيذا النيور مين فتييل حيتى يشيعله‪ ،‬هيذا‬
‫الفتيييل هييو عملييك وإيجابيتييك أيهييا المييؤمن‪ ،‬فكييأن‬
‫الييييات تقيييول ليييك‪" :‬أشيييعل الفتييييل حيييتى تنيييور‬
‫المجتمييع"‪ ،‬ولييذلك كييانت بداييية السييورة شييديدة‬
‫َ‬
‫ها‪ ،( (1...‬لنها تدعو‬ ‫ضن َ ٰـ َ‬ ‫و َ‬
‫فَر ْ‬ ‫سوَرةٌ أنَزل ْن َ ٰـ َ‬
‫ها َ‬ ‫‪ُ‬‬
‫إلى التحرك بإيجابية وإشعال الفتيل الذي ينشر نييور‬
‫الله في الرض‪.‬‬
‫آيات مبينات‬
‫كز على استعمال كلمة‬ ‫ومن لطائف القرآن أنه ر ّ‬
‫النور لوصف شرع الله تعالى‪ ،‬فما هي أهم خصائص‬
‫النيييور؟ يمكننيييا أن نلخصيييها فيييي ثلث كلميييات‪:‬‬
‫الهداية ‪ -‬البّينة ‪ -‬الكشف‪.‬‬
‫فالنور يكشف الحقييائق ويبّينهييا‪ ،‬ولييذلك تكييررت‬
‫لفظة "بينات" و"آيييات مبينييات" فييي السييورة تسييع‬
‫وَأنَزل ْن َــا‬
‫مرات‪ .‬فالسورة بدأت بقييوله تعييالى‪َ .. :‬‬
‫ت‪ ،( (1‬وبعيد الحيديث عيين كيل‬ ‫ت ب َي ّن َ ٰـ ٍ‬ ‫ها ءاي َ ٰـ ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫مجموعة ميين الداب الجتماعييية يييأتي قييوله تعييالى‬
‫ت‪ ( (18‬أو قييوله‬ ‫م ٱل َي َ ٰـــ ِ‬ ‫ن ٱللــه ل َ ُ‬
‫كــ ُ‬ ‫‪‬ي ُب َّيــ ُ‬ ‫و‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ت‪( (34...‬‬ ‫مب َي ّن َ ٰـــ ٍ‬
‫ت ّ‬ ‫م ءاي َ ٰـــ ٍ‬ ‫قدْ أن َْزل َْنا إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ول َ‪َ ‬‬
‫َ‬
‫لن هذه الحكام هييي الييتي ترشييد المييؤمنين وتييبين‬
‫‪397‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫لهم طريق الحق‪.‬‬


‫ولييذلك كييانت السييورة الييتي نزلييت فيهييا تييبرئة‬
‫السيدة عائشة هي سورة النييور‪ ،‬لن النييور يكشييف‬
‫الحقائق ويبينها‪...‬‬
‫ولذلك أيضا ً اشترطت السورة وجود أربع شييهود‬
‫لقامة حد الزنى‪ ،‬لكي يكون هناك بّينة‪ ،‬هييذه البينيية‬
‫هي الكاشفة وهي النور‪..‬‬
‫ميين فضيلك‪ ،‬اجعييل هيذه السييورة والداب الييتي‬
‫تضمنتها نورا ً لك فييي أسييرتك‪ ،‬وحييافظ علييى شييرع‬
‫ور به مجتمعك‪ ،‬وتحّرك به إلى النيياس‬ ‫الله تعالى لتن ّ‬
‫كلهم لتنشر النور في البشرية كلها‪.‬‬
‫سورة الفرقان‬

‫سو‬ ‫سورة الفرقان )مكية(‪ ،‬نزلت بعييد سييورة يييس‪،‬‬


‫رة‬ ‫وهي بعد سورة النييور فييي ترتيييب المصييحف وعييدد‬
‫الفرقيييا‬ ‫آياتها سبع وسبعون آية‪.‬‬
‫هدف سورة الفرقان‬
‫إن سورة الفرقان تتحدث عن سييوء عاقبيية ميين‬
‫يكذب بالله ورسوله وكتابه‪ ،‬وليذلك فإننييا نييرى فيهييا‬
‫ثلثة محاور أساسية‪:‬‬
‫‪ -‬أنواع التكذيب التي لقيها النبي ‪‬‬
‫‪ -‬التحذير من سوء عاقبة التكذيب‬
‫وأصحابه‪.‬‬ ‫‪ -‬تثبيت النبي ‪‬‬
‫وكييل آيييات السييورة تييدور حييول هييذه المحيياور‬
‫الثلث بشييكل واضييح‪ ،‬وميين هنييا سييبب تسييميتها‬
‫بالفرقييان‪ ،‬لنهييا توضييح ‪ -‬ميين خلل هييذه المحيياور‬
‫الثلثة ‪ -‬كيف أن الدين والقييرآن همييا الفرقييان بييين‬
‫الحق والباطل‪.‬‬
‫تكذيب وتثبيت‬
‫نزلييت هييذه السييورة الكريميية فييي وقييت كييان‬
‫‪398‬‬
‫‪399‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫المشركون قييد تمييادوا فييي اسييتهزائهم بييالنبي ‪.‬‬


‫فجيياءت آياتهييا تثبييت النييبي وأصييحابه‪ ،‬وتكييذب ميين‬
‫يكذبونه‪..‬‬
‫ليييذلك نيييرى فيييي أول السيييورة قيييوله تعيييالى‬
‫ك‬ ‫فــ ٌ‬‫ذا إ ِل ّ إ ِ ْ‬
‫ه ٰـــ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فــُروا ْ إ ِ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ٱّلــ ِ‬ ‫قــا َ‬ ‫‪َ‬‬ ‫و‬
‫َ‬
‫َ‬
‫د‬
‫قــ ْ‬‫ف َ‬ ‫ن َ‬ ‫خــُرو َ‬ ‫م ءا َ‬‫و ٌ‬‫قــ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َْيــ ِ‬‫ه َ‬‫عــان َ ُ‬ ‫وأ َ‬ ‫فَتــَراهُ َ‬ ‫ٱ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫وِلي َ‬ ‫طيُر ٱل ّ‬ ‫سـٰ ِ‬‫قاُلوا ْ أ َ‬ ‫وُزورا ً ‪َ ‬‬
‫و َ‬ ‫جاءوا ظُْلما ً َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫صيل ً‪ (4 -‬‬ ‫وأ ِ‬ ‫ه ب ُك َْرةً َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫مل َ ٰى َ‬ ‫ى تُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ها َ‬
‫ف ِ‬ ‫ٱك ْت َت َب َ َ‬
‫‪.(5‬‬

‫أنواع مختلفة من التكذيب‪ ،‬ميين تكييذيب القييرآن‬


‫ن ‪ ‬إلييى تكييذيب‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وِلي َ‬ ‫طيُر ٱل ّ‬ ‫سـٰ ِ‬ ‫ووصفه بأنه ‪‬أ َ‬
‫النبي ‪:‬‬
‫ل‬ ‫كـــ ُ‬ ‫ل ي َأ ْ ُ‬‫ســـو ِ‬ ‫ذا ٱلّر ُ‬ ‫هــــٰ َ‬ ‫مـــا ل ِ َ‬ ‫قـــاُلوا ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ز َ‬ ‫ول أن ـ ِ‬ ‫ق ل َـ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫سـ َ‬ ‫فى ٱل ْ‬ ‫شى ِ‬ ‫م ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عا َ‬ ‫ٱلطّ َ‬
‫َ‬
‫قـ ٰى إ ِل َْيـ ِ‬
‫ه‬ ‫و ‪ ‬ي ُل ْ َ‬
‫ذيرأا ً ْ‬ ‫ه َنـ ِ‬ ‫عـ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫في َك ُــو َ‬ ‫ك َ‬ ‫مل َ ٌ‬ ‫إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬
‫ل‬ ‫قــا َ‬ ‫و َ‬ ‫هــا َ‬ ‫من ْ َ‬‫ل ِ‬ ‫كــ ُ‬ ‫ة ي َأ ْ ُ‬ ‫جّنــ ٌ‬‫ه َ‬ ‫ن َلــ ُ‬ ‫كــو ُ‬ ‫و تَ ُ‬ ‫َ‬
‫ك َْنــٌز أ ْ‬
‫حورا ً ‪‬‬ ‫ســ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جل ً ّ‬ ‫ن إ ِل ّ َر ُ‬ ‫عــو َ‬ ‫ن ِإن ت َت ّب ِ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ٱلظّ ٰـــل ِ ُ‬
‫فل َ‬ ‫ضـّلوا ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث َ ٰــ َ‬ ‫َ‬ ‫ضَرُبوا ْ َلـ َ‬ ‫ٱنظُْر ك َي ْ َ‬
‫ك ٱل ْ‬ ‫ف َ‬
‫سِبيل ً‪.( (7 - 9‬‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫طي ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫يَ ْ‬
‫وبعد هذه النيواع المختلفية مين التكيذيب‪ ،‬ييأتي‬
‫شــاء‬ ‫ذى ِإن َ‬ ‫ك ٱل ّـ ِ‬ ‫تثييبيت رائع للنييبي ‪ ‬ت َب َــاَر َ‬
‫مــن‬ ‫رى ِ‬ ‫جـ ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جن ّ ٰــ ٍ‬ ‫ك َ‬ ‫مــن ٰذل ِـ َ‬ ‫خي ْــرا ً ّ‬ ‫ك َ‬ ‫ل ل َـ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬
‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪400‬‬

‫‪.(‬‬ ‫صورا ً‪(10‬‬ ‫ُ‬ ‫عل ل ّ َ‬ ‫َ‬


‫ق ُ‬ ‫ك‬ ‫ج َ‬ ‫وي َ ْ‬
‫ه ٰـُر َ‬ ‫ها ٱلن ْ َ‬ ‫حت ِ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ذبين‪:‬‬ ‫ثييم اليييات الييتي بعييدها تييبّين عاقبيية المك ي ّ‬
‫ب‬ ‫مــن ك َـذّ َ‬ ‫عت َـدَْنا ل ِ َ‬ ‫وأ َ ْ‬‫ة َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ســا َ‬ ‫ل ك َـذُّبوا ْ ب ِٱل ّ‬ ‫‪‬ب َـ ْ‬
‫َ‬ ‫عيرا ً ‪ ‬إ ِ َ‬
‫د‬‫عي ـ ٍ‬ ‫ن بَ ِ‬‫مك َــا ٍ‬ ‫مــن ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ذا َرأت ْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ع ِ‬
‫سا َ‬ ‫ب ِ ٱل ّ‬
‫هـا‬ ‫من ْ َ‬‫قـوا ْ ِ‬ ‫ذا أ ُل ْ ُ‬‫وإ َ َ‬
‫فيـرا ً ‪َ ‬‬ ‫وَز ِ‬‫غّيظـا ً َ‬ ‫ها ت َ َ‬ ‫عوا ْ ل َ َ‬ ‫م ُ‬‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ك ث ُب ُــورا ً ‪ ‬ل ّ‬ ‫هَنال ِـ َ‬ ‫وا ْ ُ‬‫عـ ْ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫قّرِني ـ َ‬ ‫م َ‬ ‫ضّيقا ً ّ‬ ‫كانا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫عــوا ْ ث ُُبــورا ً‬ ‫و ٱد ْ ُ‬ ‫حــدا ً َ‬ ‫م ث ُُبــورا ً وٰ ِ‬ ‫و َ‬ ‫عوا ْ ٱل َْيــ ْ‬ ‫َتــدْ ُ‬
‫ك َِثيرا ً‪.( (11 - 14‬‬
‫خذلهم شياطين النس والجن‬
‫وبعد ذلك تبين اليييات نوع يا ً أقبييح ميين التكييذيب‬
‫ُ‬
‫ل‬ ‫ول َ أن ـ ِ‬
‫ز َ‬ ‫قاءن َــا ل َـ ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫جو َ‬ ‫ن ل َ ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ٱل ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬
‫‪َ ‬‬
‫ســت َك ْب َُروا ْ‬ ‫رى َرب َّنا ل َ َ‬ ‫عل َيَنا ٱل ْمَلـئ ِك َ ُ َ‬
‫دٱ ْ‬ ‫قـ ِ‬ ‫و نَ َ ٰ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫وا ً ك َِبيرا ً‪.( (21‬‬ ‫عت ُ ّ‬‫وا ُ‬ ‫عت َ ْ‬‫و َ‬‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬‫فى َأن ُ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫عـــ ّ‬ ‫م يَ َ‬
‫و َ‬‫وي َـــ ْ‬‫فمييياذا سيييتكون عييياقبتهم؟ ‪َ ‬‬
‫ع‬ ‫مـ َ‬‫ت َ‬ ‫ل يٰل َي ْت َِنى ٱت ّ َ‬
‫خ ذْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬‫عَلىٰ ي َدَي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ظـٰل ِ ُ‬‫ٱل ّ‬
‫لنـا ً‬
‫ف َ‬ ‫خـذْ ُ‬ ‫م أ َت ّ ِ‬
‫وي ْل ََتا ل َي ْت َِنى ل َ ْ‬
‫سِبيل ً ‪ٰ ‬ي َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ٱلّر ُ‬
‫جــاءِنى‬ ‫ع ـدَ إ ِذْ َ‬ ‫ر بَ ْ‬‫ن ٱل ذ ّ ك ْ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ضل ِّنى َ‬ ‫قدْ أ َ َ‬ ‫خِليل ً ‪ ‬ل ّ َ‬
‫َ‬
‫ذول ً‪.( (27 - 29‬‬ ‫خ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫س ٰـ ِ‬
‫ن ل ِل ِن ْ َ‬ ‫شي ْطَ ٰـ ُ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫نعم‪ ،‬لقد خذلهم أصييدقاء السييوء‪ ،‬وتخلييى عنهييم‬
‫الشيطان الذي كان يحركهم‪...‬‬
‫وتماما ً كالمثال السييابق‪ ،‬يييأتي بييين اليييات الييتي‬
‫تبين نوع التكذيب واليات التي تبين عاقبته نوع ميين‬
‫قّرا ً‬ ‫َ‬
‫ست َ َ‬
‫م ْ‬
‫خي ٌْر ّ‬
‫ذ َ‬
‫مئ ِ ٍ‬
‫و َ‬
‫ة يَ ْ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬
‫جن ّ ِ‬ ‫حـٰ ُ‬ ‫الطمأنة ‪‬أ ْ‬
‫ص َ‬
‫‪401‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪.(‬‬ ‫قيل ً‪(24‬‬


‫م ِ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫وأ ْ‬‫َ‬
‫احذر هجر القرآن‬
‫ثم تأتي بعد ذلييك شييكوى خطيييرة ميين كييل ميين‬
‫ن‬
‫ب إِ ّ‬
‫يــ َر ّ‬
‫ل ٰ‬ ‫ســو ُ‬ ‫ل ٱلّر ُ‬ ‫قــا َ‬ ‫و‪َ ‬‬
‫يهجييير القيييرآن‪َ :‬‬
‫جــورا ً ‪‬‬
‫ه ُ‬
‫م ْ‬ ‫ق ـْرءا َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ذا ٱل ْ ُ‬ ‫ذوا ْ َ‬
‫هـ ـٰ َ‬ ‫خـ ُ‬
‫مى ٱت ّ َ‬‫و ِ‬
‫قـ ْ‬‫َ‬
‫‪.((30‬‬
‫فحذار حذار من هجر القرآن‪ ،‬لنييه طريقييك إلييى‬
‫الفرقان بين الحق والباطل‪ ،‬بييين الظلمييات والنييور‪،‬‬
‫وبين اليمان والتكذيب‪.‬‬
‫وتكذيب المشركين ليس له حييدود‪ ،‬فهييم يبحثييون‬
‫عن أي سبب ممكن للتكذيب‪ ،‬فها هييم الن يطعنييون‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬‫ل ٱل ّـ ِ‬‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫في تنزيييل القييرآن علييى دفعييات‪َ  :‬‬
‫ة‪‬‬ ‫حـدَ ً‬ ‫ة ٰو ِ‬ ‫مل َ ً‬ ‫ج ْ‬‫ن ُ‬‫قْرءا ُ‬‫ه ٱل ْ ُ‬‫عل َي ْ ِ‬‫ل َ‬ ‫ول َ ن ُّز َ‬ ‫فُروا ْ ل َ ْ‬
‫كَ َ‬
‫‪ ،((32‬فيرد عليهم المولى بأروع طريقة‪:‬‬
‫وَرت ّل ْن َــاهُ ت َـْرِتيل ً‬‫ك َ‬‫ؤادَ َ‬‫فـ َ‬‫ه ُ‬ ‫ت ب ِـ ِ‬ ‫ك ل ِن ُث َب ّ َ‬‫‪‬ك َذَل ِ َ‬
‫‪ ...‬فجمعت هذه الية بين الرد على دعوى الكفار‬
‫وتكذيبها‪ ،‬وبين تثبيت قلب النبي ‪ ،‬وكل ذلك فييي‬
‫آية واحدة‪...‬‬
‫وتستمر اليات بنفس الطريقة التي سبق بيانها‪:‬‬
‫ذكر نوع من أنواع التكييذيب‪ ،‬ثييم ذكيير عيياقبته وبييين‬
‫ذلك طمأنة للنبي ‪:‬‬
‫ك ِإن‬‫و َ‬ ‫َ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫ذا َرأ ْ‬ ‫فمييييين أنيييييواع التكيييييذيب‪َ  :‬‬
‫ث ٱللــه‬ ‫عـ َ‬
‫ذى ب َ َ‬ ‫ذا ٱل ّـ ِ‬ ‫ه ـُزوا ً أ َ َ‬
‫هـ ـٰ َ‬ ‫ك إ ِل ّ ُ‬
‫ذون َ َ‬
‫خ ُ‬
‫ي َت ّ ِ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪402‬‬

‫سول ً‪.( (41‬‬ ‫َر ُ‬


‫لذلك تثبت اليييات النييبي ‪ ‬وتعييده بالمسيياعدة‬
‫ك‬ ‫جئ ْن َ ٰــ َ‬ ‫ل إ ِل ّ ِ‬‫مَثـ ٍ‬ ‫‪‬ل َ ي َأ ُْتوَنـ َ‬
‫ك بِ َ‬ ‫و‬
‫وإقاميية الحجيية‪َ :‬‬
‫سيرا ً‪.( (33‬‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ب ٱل ْحق َ‬
‫ف ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫وأ ْ‬
‫َ ّ َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ثييم تحييذر ميين مصييير الكييافرين‪ :‬ٱّلــ ِ‬
‫وَلـ ـئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫مأ ْ‬ ‫هن ّـ َ‬
‫ج َ‬‫م إ ِل َـ ٰى َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جو ِ‬ ‫و ُ‬‫عل َ ٰى ُ‬ ‫ن َ‬‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬
‫يُ ْ‬
‫سِبيل ً‪.( (34‬‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫وأ َ َ‬
‫كانا ً َ‬
‫م َ‬‫شّر ّ‬‫َ‬
‫السبب الرئيسي للتكذيب‬
‫وقد يتساءل البعض‪ :‬لماذا كل هذا التكذيب وهذا‬
‫الفتراء؟ فتأتي الية ‪ - 42‬وهي آية محورية ‪ -‬لتجيب‬
‫بأن سبب التكذيب هو اتبيياع الهييوى‪ ،‬فييإن ميين يتبييع‬
‫هييواه ل يقيير بخطئه‪ ،‬لكنييه يرمييي الخيير بالخطييأ‬
‫هواه أ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ت ت َك ُــو ُ‬
‫ن‬ ‫فـأن َ‬ ‫ه َ َ ُ‬ ‫خذَ إ ِل َ ٰـ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ن ٱت ّ َ‬
‫م ِ‬
‫ت َ‬ ‫‪‬أَرءي ْ َ‬
‫كيل ً‪.( (42‬‬‫و ِ‬‫ه َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫َ‬
‫فماذا تملك لمثل هييذا النييوع ميين النيياس‪ ،‬الييذي‬
‫عبييد هييواه ميين دون اللييه‪ ،‬فييألغى عقلييه وأفسييد‬
‫ل"؟؟‬‫فطرته؟ فعل ً "أفأنت تكون عليه وكي ً‬
‫ألم تر إلى ربك كيف مد الظل‬
‫وتستمر السورة على نفس السياق‪) ،‬بيان أنييواع‬
‫تكذيب المشركين‪ ،‬ثم ذكر عاقبته‪ ،‬ثم طمأنيية النييبي‬
‫عليه الصلة والسلم وتثبيته(‪ ،‬إلى أن تصل السييورة‬
‫إلى ذكر اليات الكونية لله تعالى في الكون‪.‬‬
‫ومن روعة القرآن أن السييورة إذا احتييوت علييى‬
‫‪403‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ذكر ليات كونية‪ ،‬تتحدث عن قدرة اللييه تعييالى فييي‬


‫الكون‪ ،‬فإنها ل تكييون آيييات متنيياثرة‪ ،‬لكنهييا تناسييب‬
‫الجييو العييام للسييورة‪ ،‬تماميا ً كمييا قلنييا عيين قصييص‬
‫النبياء التي تأتي في السورة لتخدم هدفها‪.‬‬
‫فماذا نرى في سييورة الفرقييان؟ إن الجييو العييام‬
‫للسورة هو تكذيب النبي ‪ ،‬والسييورة تهيدف إليى‬
‫تثبيت النبي وطمأنيية قلبييه‪ ،‬فتييأتي آييية كونييية رائعيية‬
‫مـدّ‬‫ف َ‬ ‫م ت ََر إ ِل َ ٰى َرب ّ َ‬
‫ك ك َي ْـ َ‬ ‫‪ْ‬‬ ‫لتخدم هذا المعنى‪ :‬أ َل َ‬
‫كنا ً‪ ،( (45‬وهييي‬ ‫ســا ِ‬ ‫عل َـ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ج َ‬‫شــاء ل َ َ‬ ‫ول َـ ْ‬
‫و َ‬ ‫ٱلظّ ّ‬
‫ل َ‬
‫إشارة على أن من مد الظل رحمة بعباده هييو قييادر‬
‫علييى أن يظلهييم برحمتييه‪ ،‬ويييرّوح عنهييم تكييذيب‬
‫ذبين‪ .‬ففييي امتييداد الظييل سييكون واسييتقرار‬ ‫المكيي ّ‬
‫للقلوب‪ ،‬لركونها إليى الخييالق اليذي أبيدع كيل هيذه‬
‫اليات‪.‬‬
‫ليل الرحمة‬
‫م‬‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫ع َ‬
‫ج َ‬
‫ذى َ‬ ‫و ال ّ ِ‬
‫ه َ‬‫و ُ‬‫وبعد ذلك يقول تعالى ‪َ ‬‬
‫هــاَر‬ ‫ل ٱلن ّ َ‬ ‫عـ َ‬
‫ج َ‬‫و َ‬ ‫سـَباتا ً َ‬
‫م ُ‬
‫و َ‬ ‫ل ل َِباسـا ً َ‬
‫و ٱلن ّـ ْ‬ ‫ٱل ّي ْ َ‬
‫شورا ً‪.( (47‬‬ ‫نُ ُ‬
‫واختيييار الليييل هنييا يلقييي بظلل ميين السييكون‬
‫والرحمة‪ ،‬ثم يقول تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ح بُ ْ‬
‫ش ـَرى ب َي ْ ـ َ‬ ‫ل ٱلّري َ ٰـــ َ‬‫س َ‬
‫ذى أْر َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و‬
‫‪ُ ‬‬
‫َ‬
‫هورا ‪ً‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ماء ط ُ‬‫ماء َ‬ ‫س َ‬‫ن ٱل ّ‬ ‫م َ‬
‫وأنَزلَنا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫مت ِ ِ‬‫ح َ‬‫ى َر ْ‬ ‫ي َدَ ْ‬
‫مْيتًا‪.( (48 - 49..‬‬
‫ه ب َل ْدَةً ّ‬‫ى بِ ِ‬ ‫حي ِ َ‬‫ل ّن ُ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪404‬‬

‫فنرى أن اليات الكونية من رياح وأمطييار تب ّ‬


‫شيير‬
‫المييؤمنين برحميية اللييه وتطّهرهييم وتحيييي قلييوبهم‪،‬‬
‫فف عنهم شدة الستهزاء والتكييذيب الييذي‬ ‫وكلها لتخ ّ‬
‫يعانون منه‪.‬‬
‫قمة التكذيب‬
‫وبعد تكذيب الكفييار بييالنبي وبييالقرآن‪ ،‬تصييل بنييا‬
‫اليات قبل الختام إلى نوع شديد من أنواع تكذيبهم‪:‬‬
‫كذبون بالرحمن‬ ‫إنهم ي ّ‬
‫قــاُلوا ْ‬
‫ن َ‬ ‫دوا ْ ِللّر ْ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫قي َ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫م ٰـ ِ‬
‫ح َ‬ ‫ج ُ‬‫س ُ‬
‫م ٱ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫‪َ‬‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫هـ ْ‬
‫وَزادَ ُ‬‫مُرَنـا َ‬ ‫مــا ت َأ ُ‬
‫جدُ ل ِ َ‬‫سـ ُ‬
‫ن أن َ ْ‬ ‫م ٰــ ُ‬
‫ح َ‬‫مـا ٱلّر ْ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫فورا ‪.( (60‬‬ ‫ً‬ ‫نُ ُ‬
‫وهي قمة في سوء الدب مع اللييه تعييالى‪ ،‬فييترد‬
‫عليهم اليييات بطريقيية رائعيية‪ :‬ل بإخبييارهم ميين هييو‬
‫ن ‪.‬‬ ‫م ٰـ ِ‬
‫ح َ‬‫عَبادُ ٱلّر ْ‬ ‫و ِ‬‫الرحمن‪ ،‬بل بوصف عباده‪َ  :‬‬
‫حتى يعرفوا الرحمن من صفاتهم‪ ،‬وهذا من تشريف‬
‫الله تعالى وتثبيته لهييم‪ ،‬وكييأنه يقييول لهييؤلء الكفييار‬
‫المعاندين‪ :‬اسألوا هؤلء عن الرحمن‪...‬‬
‫عملهم من وصفه‬
‫والرد على المشركين بهذه الطريقيية هييو أعظييم‬
‫تشريف لعباد الرحمن‪ ،‬لنهييم يييدلون علييى الرحميين‬
‫من خلل صفاتهم‪.‬‬
‫عل َـ ٰى‬ ‫ن َ‬ ‫شــو َ‬ ‫م ُ‬
‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬‫ٱّـ ِ‬ ‫ن ل‬‫م ٰـ ِ‬
‫ح َ‬ ‫‪َ‬بادُ ٱلّر ْ‬
‫ع‬
‫و ِ‬
‫َ‬
‫قــاُلوا ْ‬ ‫هُلو َ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫ج ٰـــ ِ‬‫م ال َ‬‫ه ُ‬‫خاطَب َ ُ‬‫ذا َ‬ ‫ونا ً َ‬
‫وإ ِ َ‬ ‫ه ْ‬
‫ض َ‬
‫ٱلْر ِ‬
‫‪405‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫قي َ ٰـــما ً‬ ‫و ِ‬ ‫جدا ً َ‬ ‫س ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫لما ً َ ‪‬‬ ‫س َ‬


‫ن ل َِرب ّ ِ‬ ‫ن ي ِِبيُتو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ذا َ‬ ‫عـ َ‬ ‫عن ّــا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ر ْ‬ ‫صـ ِ‬ ‫ن َرب ّن َــا ٱ ْ‬ ‫قول ُــو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ـ ِ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ســاء ْ‬ ‫هــا َ‬ ‫غَرام ـا ً ‪ ‬إ ِن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ها ك َــا َ‬ ‫ذاب َ َ‬ ‫عـ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫هن ّـ َ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫قــوا ْ َلــ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ذا َأن َ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱّلــ ِ‬ ‫قامــا ً ‪َ ‬‬ ‫م َ‬ ‫و ُ‬ ‫قّرا ً َ‬ ‫ســت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫وام ـا ً ‪‬‬ ‫ق َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذَل ِـ َ‬ ‫ن ب َي ْـ َ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫قت ُُروا ْ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫فوا ْ َ‬ ‫ر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫ول َ‬ ‫خــَر َ‬ ‫ها ءا َ‬ ‫ع ٱللــه إ ِل َ ٰـــ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ل َ ي َدْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ق‬‫ح ّ‬ ‫م ٱلله إ ِل ّ ب ِٱل ْ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫س ٱل ِّتى َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن ٱلن ّ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ق أ ََثامــا ً‬ ‫ك ي َْلــ َ‬ ‫ل ٰذِلــ َ‬ ‫عــ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مــن ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫ول َ ي َْزُنــو َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫في ِ‬ ‫خل ُدْ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫م ِ‬ ‫قي ٰـ َ‬ ‫م ٱل ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ب يَ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ه ٱل ْ َ‬ ‫ف لَ ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ض ٰـ َ‬ ‫يُ َ‬
‫ص ٰـِلحا ً‬ ‫مل ً َ‬ ‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫وءا َ‬ ‫ب َ‬ ‫من َتا َ‬ ‫هانا ً ‪ ‬إ ِل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫وَلـئ ِ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ن‬ ‫وك َــا َ‬ ‫ت َ‬ ‫سن َ ٰــ ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫سي َّئات ِ ِ‬ ‫ل ٱلله َ‬ ‫ك ي ُب َدّ ُ‬ ‫فأ ْ‬
‫ص ٰـــِلحا ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫ب َ‬ ‫من َتا َ‬ ‫و َ‬ ‫حيما ً َ ‪‬‬ ‫فورا ً ّر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ٱلله َ‬
‫ن لَ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱّلــ ِ‬ ‫متابــا ً ‪َ ‬‬ ‫ب إ َِلــى ٱللــه َ‬ ‫ه ي َُتــو ُ‬ ‫فــإ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫كراما ً ‪‬‬ ‫مّروا ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫غ ِ‬ ‫مّروا ْ ِبالل ّ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫ن الّزوَر َ‬ ‫دو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ش َ‬ ‫يَ ْ‬
‫خـّروا ْ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫م ل َـ ْ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ذا ذُك ّـُروا ْ ِبـَئاي َ ٰــ ِ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ت َرب ّ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّن َــا‬ ‫قول ُــو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ـ ِ‬ ‫مَيانـا ً ‪َ ‬‬ ‫ع ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ما ً َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ها ُ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫عُيــ ٍ‬ ‫قــّرةَ أ َ ْ‬ ‫وذُّري ّ ٰـــت َِنا ُ‬ ‫جَنــا َ‬ ‫ن أْز ٰو ِ‬
‫َ‬
‫مــ ْ‬ ‫ب ل ََنــا ِ‬ ‫هــ ْ‬ ‫َ‬
‫مامــا ً‪ ،( (63 - 74‬وآييية‬ ‫ن إِ َ‬ ‫قيــ َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫عل َْنــا ل ِل ْ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫َ‬
‫مام ـا ً ‪ ‬تفيييد أن تمنييي‬ ‫ن إِ َ‬ ‫قي ـ َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫عل ْن َــا ل ِل ْ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫المسلم للقيييادة أميير مطلييوب ومحمييود ‪ -‬ميين غييير‬
‫حب للرئاسة أو طمع بالدنيا ‪ -‬فييي سييبيل أن يكييون‬
‫إماما ً للمتقين وقائدا ً ومعينا ً لهم على تقوى الله‪.‬‬
‫وق‬‫ومن روعة اليات السابقة أنها وازنت بين تفيي ّ‬
‫عبيياد الرحميين فييي العبييادة‪ ،‬وبييين حسيين أخلقهييم‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪406‬‬

‫فترى فيها تسلسيل ً واضييحًا‪ :‬صييفة عبييادة ثييم صييفة‬


‫خلق‪ ،‬وهكذا إلى آخر السورة‪ ،‬لتوحي أن المييؤمنين‬
‫الذين يسييتحقون صييفة عبيياد الرحميين هييم الييذين ل‬
‫يفصلون بين العبادة والخلق‪.‬‬
‫أما أنتم يا من كييذبتم بييالرحمن‪ ،‬فاسييمعوا قييول‬
‫الليييييييييييه تعيييييييييييالى فيييييييييييي ختيييييييييييام‬
‫م‬ ‫ؤك ُ ْ‬
‫عا ُ‬ ‫م َرّبى ل َ ْ‬
‫ول َ د ُ َ‬ ‫ؤا ب ِك ُ ْ‬
‫عب َ ُ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫السورة‪ُ  :‬‬
‫ق ْ‬
‫ل َ‬
‫ف‬‫و َ‬ ‫ســــــــــــ ْ‬ ‫م َ‬
‫ف َ‬ ‫قــــــــــــدْ ك َــــــــــــذّب ْت ُ ْ‬
‫ف َ‬‫َ‬
‫ن ل َِزاما ً‪.( (77‬‬
‫كو ُ‬‫يَ ُ‬
‫وهكذا نجد آيييات سيورة الفرقييان دائميًا‪ :‬فرقانيا ً‬
‫بين الحق وأهله وبين الباطييل وحزبييه‪ .‬وفرقانيا ً بييين‬
‫نعيم المؤمنين وتثبيت الله تعييالى لهييم وبييين جحيييم‬
‫المكذبين وتهديدهم بنزول العذاب الليم‪.‬‬
‫سورة الشعراء‬

‫سو‬ ‫سورة الشعراء )مكية(‪ ،‬نزلت بعد الواقعة‪ ،‬وهي‬


‫رة‬ ‫في ترتيب المصحف بعد سورة الفرقان وعدد آياتها‬
‫الشعرا‬ ‫مئتان وسبع وعشرون آية‪.‬‬
‫بّلغوا عني ولو آية‬
‫وتييدور سييورة الشييعراء حييول أهمييية توصيييل‬
‫الرسالة إلى الناس بأحسن الوسائل المؤثرة‪ .‬ففييي‬
‫عهد سيدنا موسى كانت هذه الوسيلة هييي السييحر‪،‬‬
‫وفي عهد النبي ‪ ‬كييانت الشييعر والشييعراء )وميين‬
‫هنا اسم السورة(‪.‬‬
‫نزليييت هيييذه السيييورة فيييي أكيييثر وقيييت كيييان‬
‫المسلمون فيه بحاجة إلى تعّلم فن العلم وتوصيل‬
‫الفكار‪ :‬مع بداية مرحليية الييدعوة الجهرييية‪ ،‬وخاصيية‬
‫بعد وقوف النبي علييى جبييل الصييفا وإعلن السييلم‬
‫لول مرة فييي مكيية كييدعوة علنييية‪ ...‬وبييذلك تكييون‬
‫رسييالة السييورة واضييحة فييي بيييان أهمييية العلم‬
‫وحسن توصيل الفكار في نشر الدعوة‪.‬‬
‫خطورة الكلمة المسموعة‬
‫والعلم سييلح ذو حييدين‪ ،‬فهييو إمييا أن يسييتخدم‬
‫‪407‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪408‬‬

‫في تضليل النيياس وإمييا أن يسييتخدم فييي هييدايتهم‪،‬‬


‫ولذلك ختمت السورة بقوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫م ت َـَر‬‫ن ‪ ‬أل َـ ْ‬ ‫وو َ‬ ‫غــا ُ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫هـ ُ‬ ‫ع ُ‬
‫عَراء ي َت ّب ِ ُ‬ ‫شـ َ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن َ‬‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬‫ه ْ‬ ‫وأن ّ ُ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫مو َ‬ ‫هي ُ‬ ‫واٍد ي َ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫فى ك ُ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫أن ّ ُ‬
‫مُلـــوا ْ‬‫ع ِ‬ ‫و َ‬‫مُنـــوا ْ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ‪ ‬إ ِل ّ ٱّلـــ ِ‬ ‫عُلـــو َ‬ ‫ل َ يَ ْ‬
‫ف َ‬
‫صـُروا ْ‬ ‫و ٱن ت َ َ‬ ‫وذَك َـُروا ْ ٱللــه ك َِثيــرا ً َ‬ ‫ت َ‬ ‫حـٰ ِ‬‫صـٰل ِ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫َ‬
‫ى‬‫موا ْ أ ّ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ٱل ّ ِ‬ ‫عل َ ْ‬‫سي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫موا ْ َ‬ ‫ما ظُل ِ ُ‬ ‫د َ‬‫ع ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‪.( (224 - 227‬‬ ‫قل ُِبو َ‬ ‫ب َين َ‬ ‫قل َ ٍ‬ ‫من َ‬ ‫ُ‬

‫فالشعراء فييي عصيير النييبي ‪ - ‬أو العلميييون‬


‫دهم‬ ‫بلغة العصر ‪ -‬قد يكونون سببا ً لغواء الناس وص ّ‬
‫عن سبيل الله‪ ،‬وقد يكونييون منييابر للهييدى وإيصييال‬
‫كلمة الحق إلى الناس‪ .‬ولذلك ل بد للدعاة إلى اللييه‬
‫أن يمتلكوا هيذه الداة المهمية فيي توصييل الفكيار‬
‫)والتي تتغير بحسب مقتضيات العصر( ويستخدموها‬
‫لنشر السلم بأفضل الطرق‪.‬‬
‫مفاتيح القلوب‬
‫وكما رأينييا فييي كييل سييور القييرآن‪ ،‬فييإن قصييص‬
‫النبياء الواردة فييي السييورة تخييدم هييدف السييورة‪.‬‬
‫فحييين تحييدثت السييورة عيين سيييدنا موسييى عليييه‬
‫السلم‪ ،‬بينت كيف كان يخشى أل يييؤثر فييي النيياس‬
‫ول َ َينطَل ِ ُ‬
‫ق‬ ‫رى َ‬‫صدْ ِ‬
‫ق َ‬
‫ضي ُ‬ ‫بصورة جيدة فقال ‪َ ‬‬
‫وي َ ِ‬
‫ن‪ .( (13‬وكييل‬ ‫ل إ َِلــ ٰى َ‬‫ســ ْ‬ ‫ل ِســاِنى َ َ‬
‫ه ٰـــُرو َ‬ ‫فأْر ِ‬ ‫َ‬
‫‪409‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫قصص النبياء التي جاءت في السييورة كييانت ترك ّييز‬


‫على حوار النبي مع قومه‪.‬‬
‫وهذا ما نجده في قصص موسى وإبراهيم ونييوح‬
‫وهود وصالح ولييوط وشييعيب عليهييم السييلم‪ ،‬حيييث‬
‫نرى التركيز على "قال وقييالوا"‪ ...‬آيييات رائعيية فييي‬
‫أسلوب الحوار لتهيء النييبي عليييه الصييلة والسييلم‬
‫لبداية مرحليية الييدعوة الجهرييية‪ ،‬الييتي أعلنييت عنهييا‬
‫ن‬ ‫ك ٱل َ ْ‬
‫شيَرت َ َ‬ ‫الية ‪ 214‬بوضوح‪َ  :‬‬
‫قَرِبيــ َ‬ ‫ع ِ‬
‫ذْر َ‬
‫وأن ِ‬
‫َ‬
‫‪.‬‬
‫من روائع الحوارات العلمية‬
‫وعلييى سييبيل المثييال‪ ،‬نييرى فييي حييوار سيييدنا‬
‫موسى مع فرعون أساليب رائعة للحوار‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫ن‪‬أ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰـــل َ ِ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ســو ُ‬ ‫قــول إ ِّنــا َر ُ‬ ‫‪ُ‬‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫قــا َ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م ن َُرب ّـ َ‬ ‫ل أل َـ ْ‬ ‫ل‪َ ‬‬ ‫سـ ٰرءي َ‬ ‫عن َــا ب َن ِــى إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫س ْ‬ ‫أْر ِ‬
‫ن ‪‬‬ ‫سـِني َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ر َ‬ ‫مـ ِ‬‫ع ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫مـ ْ‬ ‫فين َــا ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫ول َب ِث ْـ َ‬‫وِليــدا ً َ‬ ‫فيَنا َ‬ ‫ِ‬
‫فعْلــت َ‬
‫ن‬ ‫مــ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫وأنــ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ك ٱل ِّتــى َ َ‬ ‫عل ََتــ َ‬ ‫ت َ‬
‫ف ْ‬ ‫عْلــ َ‬ ‫و َ‬
‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ ( (16-19‬تهمة صييعبة يوجههييا فرعييون‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ٱل ْك َ ٰـ ِ‬
‫إلى موسى‪ ،‬فماذا يكون جواب الدعاة إلى الله فييي‬
‫فعل ْت ُها إذا ً َ‬
‫ن‬‫مــ َ‬ ‫وأن َا ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ل َ َ َ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫مثل هذه الظروف؟ ‪َ ‬‬
‫ب‬ ‫ه َ‬ ‫و َ‬ ‫فــ َ‬ ‫م َ‬ ‫فت ُك ُ ْ‬‫خ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م لَ ّ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫فَرْر ُ‬ ‫ف َ‬‫ن‪َ ‬‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ن‪ (20-‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫م َ‬‫عل َِنى ِ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬‫كما ً َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ِلى َرّبى ُ‬
‫‪.(21‬‬
‫فأغلق باب التهمة بما حصييل فييي الماضييي‪ ،‬ثييم‬
‫وت ِل ْ َ‬
‫ك‬ ‫انتقل من الدفاع إلييى الهجييوم فييي قييوله‪َ  :‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪410‬‬

‫َ‬
‫ل‪‬‬
‫س ـ ٰرءي َ‬
‫ت ب َن ِــى إ ِ ْ‬
‫عب ّــد ّ‬
‫ن َ‬
‫ىأ ْ‬‫عل َ ّ‬
‫ها َ‬
‫من ّ َ‬
‫ة تَ ُ‬
‫م ٌ‬
‫ع َ‬
‫نِ ْ‬
‫‪.((22‬‬
‫وينتهي تبييادل التهامييات ليبييدأ الحييوار الييدعوي‪.‬‬
‫اسمع معي اليات‪:‬‬
‫قـا َ‬
‫ل‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰــل َ ِ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫مـا َر ّ‬ ‫و َ‬‫ن َ‬ ‫و ُ‬‫عـ ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قا َ‬ ‫‪‬‬‫َ‬
‫م‬ ‫ما ِإن ُ‬ ‫َ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ب َي ْن َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ض َ‬ ‫و ٱلْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـوٰ ِ‬ ‫س َ‬‫ب ٱل ّ‬ ‫َر ّ‬
‫ن‪.( (23-24‬‬ ‫قِني َ‬ ‫مو ِ‬ ‫ّ‬
‫ل ل ِمــن حــول َ َ‬
‫ل‬‫قــا َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫عو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ســت َ ِ‬ ‫ه أل َ ت َ ْ‬ ‫قــا َ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫ن‪.( (25-26‬‬ ‫وِلي َ‬ ‫م ٱل ّ‬ ‫ب ءاَبائ ِك ُ ُ‬ ‫وَر ّ‬ ‫م َ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫ُ‬
‫م‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُـ ْ‬ ‫سـ َ‬ ‫ذى أْر ِ‬ ‫م ٱّلــ ِ‬ ‫ســول َك ُ ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫مــا‬ ‫و َ‬ ‫ب َ‬ ‫ر ِ‬ ‫غ ِ‬‫م ْ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫لَ َ‬
‫ن‪.( (27-28‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫ع ِ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ما ِإن ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ب َي ْن َ ُ‬
‫فنرى أن سيدنا موسييى استرسييل فييي الجييواب‬
‫ن‪ ( (23‬للتييأثير‬ ‫ع ٰـ ـل َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ما َر ّ‬ ‫و‬
‫على سؤال َ‬
‫علييى المسييتمعين دون أن يبييالي بالتفاهييات الييتي‬
‫صدرت من فرعون بعد السؤال الول‪.‬‬
‫العلم في قصة موسى‬
‫وفي نفس القصيية‪ ،‬نييرى حييرص سيييدنا موسييى‬
‫علييى التييأثير علييى النيياس بأفضييل طريقيية ممكنيية‪،‬‬
‫فيقول لفرعون‪:‬‬
‫قا َ َ‬
‫ن‪.( (30‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫جئ ْت ُ َ‬
‫ك بِ َ‬
‫شىء ّ‬ ‫ول َ ْ‬
‫و ِ‬ ‫لأ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫فماذا كيانت هيذه الوسيييلة؟ إنهييا السييحر‪ ،‬اليذي‬
‫كان أفضل وسيلة للتأثير في الناس في عهد سيييدنا‬
‫‪411‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫موسى كما قلنا )تماما ً كدور الشعراء في عهد النبي‬


‫‪ ‬أو كدور العلميين في عصرنا(‪.‬‬
‫ونرى تركيز الباطل أيضا ً )فرعون وجنوده( علييى‬
‫إعلم اليييييييييييييييييييييييرأي العيييييييييييييييييييييييام‬
‫ث‬
‫عـ ْ‬ ‫و ٱب ْ َ‬ ‫وأ َ َ‬
‫خــاهُ َ‬ ‫ه َ‬‫جـ ْ‬
‫َ‬
‫قاُلوا ْ أْر ِ‬‫في قوله تعييالى ‪َ ‬‬
‫ن‪( (36‬‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬‫ٰـــــــ ِ‬ ‫ح‬
‫ن َ‬ ‫دائ ِ ِ‬ ‫فــــــى ٱل ْ َ‬
‫مــــــ َ‬ ‫ِ‬
‫فهيييم يرييييدون لهيييذه المواجهييية أن تكيييون علنيييية‬
‫هـــــــ ْ َ‬
‫م‬
‫ل أنُتـــــــ ْ‬ ‫س َ‬‫ل ِللّنـــــــا ِ‬ ‫قيـــــــ َ‬ ‫و ِ‬‫‪َ ‬‬
‫ن‪.( (39‬‬ ‫عو َ‬ ‫م ُ‬‫جت َ ِ‬‫م ْ‬
‫ّ‬
‫سيدنا إبراهيم والحوار الدعوي‬
‫وفي قصة سيدنا إبراهيم‪ ،‬نرى أسييلوبا ً آخيير فييي‬
‫الحوار تعلمنا إياه السورة‪ .‬فهو بدأ بالحوار العقلني‬
‫في مواجهتهم في قوله‪.‬‬
‫َ‬
‫و‬
‫ن‪‬أ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫م إ ِذْ ت َـــدْ ُ‬ ‫عون َك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ســـ َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫هـــ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قـــا َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫فعـــــــــــــــون َك ُ َ‬
‫ن‪‬‬ ‫ضـــــــــــــــّرو َ‬ ‫و يَ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َين َ ُ‬
‫ل‬‫قــا َ‬ ‫)‪ .(72-73‬فلمييا كييان ردهييم ضييعيفا ً قييال‪َ  :‬‬
‫َ‬ ‫أَ َ‬
‫م‬ ‫ؤك ُ ُ‬
‫وءاب َــا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ‪ ‬أنت ُـ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫عب ُـ ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫مــا ك ُن ْت ُـ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫فَرءي ْت ُـ ْ‬
‫ب‬ ‫و ِلــــى إ ِل ّ َر ّ‬ ‫عــــدُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فــــإ ِن ّ ُ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫مو َ‬ ‫قــــدَ ُ‬ ‫ٱل َ ْ‬
‫ن‪( (75-77‬‬ ‫مي َ‬ ‫ٰـــــــــــــــــــل َ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ع‬
‫وعندما يذكر سيدنا إبراهيم ربه جل وعل‪ ،‬يسييتفيض‬
‫قن ِــى‬ ‫خل َ َ‬‫ذى َ‬ ‫فييي ذكيير صييفات اللييه تعييالى‪ ،‬ٱل ّ ِ‬
‫ن‬
‫قي ِ‬ ‫ســ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫مِنى َ‬ ‫ع ُ‬ ‫و ي ُطْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ذى ُ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫دي ِ‬ ‫ه ِ‬‫و يَ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫ميت ُن ِــى‬ ‫ذى ي ُ ِ‬ ‫و ٱل ّ ـ ِ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫في ِ‬ ‫شـ ِ‬ ‫و يَ ْ‬ ‫هـ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ر ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فــَر ِلــى‬ ‫غ ِ‬‫ع أن ي َ ْ‬ ‫مــ ُ‬ ‫ذى أطْ َ‬ ‫و ٱّلــ ِ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫حِييــ ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ُثــ ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪412‬‬

‫‪.(‬‬ ‫ن ‪(78-82‬‬
‫دي ِ‬
‫ٱل ِ‬ ‫م‬ ‫طيئ َِتى ي َ ْ‬
‫و َ‬ ‫خ ِ‬
‫َ‬
‫بيان القرآن‬
‫ولن القرآن هو محور دعوة النبي ‪ ،‬فإننا نرى‬
‫اليات التي تحدثت عن القييرآن فييي السييورة تركييز‬
‫على بيان القرآن وأهميتييه فييي التييأثير فييي النيياس‪.‬‬
‫ت‬‫ك ءاي َ ٰـــ ُ‬ ‫‪ْ‬لــ َ‬
‫فميين البداييية نييرى قييوله تعييالى ت ِ‬
‫ن‪.( (2‬‬ ‫مِبي ِ‬‫ب ٱل ْ ُ‬ ‫ٱل ْك َِتـٰ ِ‬
‫وفي أواخر السورة‪ ،‬وبعد قصييص النبييياء‪ ،‬يييأتي‬
‫ن‪.( (195‬‬ ‫مِبي ٍ‬‫ى ّ‬‫عَرب ِ ّ‬
‫ن َ‬‫سا ٍ‬ ‫قوله تعالى‪ :‬ب ِل ِ َ‬
‫ول بييد للغيية الخطيياب والتييأثير أن تكييون ملئميية‬
‫للجو الذي يعيش فيييه النيياس‪ ،‬مهمييا كييانت قيمتهييا‪،‬‬
‫و ن َّزل ْن َ ٰـ ـ ُ‬
‫ه‬ ‫‪‬ل َ ْ‬
‫و‬
‫لذلك نرى في السورة قوله تعييالى‪َ :‬‬
‫مــا‬‫هــم ّ‬ ‫ق ـَرأ َهُ َ َ‬ ‫ف َ‬‫ن‪َ ‬‬ ‫ض ٱل َ ْ‬ ‫عل َـ ٰ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫مي ـ َ‬‫ج ِ‬‫ع َ‬ ‫عـ ِ‬ ‫ى بَ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (198-199‬‬ ‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ه ُ‬‫كاُنوا ب ِ ِ‬ ‫َ‬
‫فآيات السورة واضحة أشد الوضوح فييي إرشيياد‬
‫المسلمين والدعاة إلى الله‪ ،‬في كل زمييان ومكييان‪،‬‬
‫إلييى اسييتخدام أفضييل السيياليب وأوضييحها فييي‬
‫الدعوة‪.‬‬
‫العلم الرباني‬
‫فعندما تقرأ أخي المسلم سورة الشعراء‪ ،‬تييذكر‬
‫دائما ً أن العلم ينبغي أن يكون من وسائل الييدعوة‬
‫إلييى اللييه‪ ،‬ل أن يسييتخدم فييي الترويييج للمعاصييي‬
‫والفتيين والفييواحش‪ .‬هييذه هييي رسييالة السييورة‬
‫‪413‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫للعلميين‪ .‬وأما الرسالة الثانييية‪ ،‬فهييي للميية كلهييا‪،‬‬


‫وخاصة الدعاة إلى الله‪ ،‬ليتعلموا البحث عن أفضييل‬
‫الطرق التي يييؤثرون بهييا فيي النيياس‪ ،‬مقتييدين فييي‬
‫ذلك بالحوار الراقي لنبييياء اللييه مييع أقييوامهم خلل‬
‫السورة‪.‬‬
‫وسميت السورة باسم الشعراء‪ ،‬لكييي نسييتخدم‬
‫أفضل وسائل نشر الدعوة‪ ،‬ولئل نسييتخدم الوسييائل‬
‫ذات الحييدين فييي معصييية اللييه بييل نسييتخدمها فييي‬
‫طاعته ومن ذلك العلم‪ ...‬وليكون قدوتنا فييي ذلييك‬
‫النبييياء سيييدنا إبراهيييم وموسييى عليهمييا السييلم‪.‬‬
‫وسيدنا محمد صلى الله عليه فييي طريقيية حييوارهم‬
‫الراقية المؤثرة في هداية الناس‪..‬‬
‫سورة النمل‬

‫سو‬ ‫سورة النمل )مكية(‪ ،‬نزلت بعد سورة الشييعراء‪،‬‬


‫رة‬ ‫وهي بعدها أيضا ً في ترتيب المصحف‪ .‬عدد آياتها ‪93‬‬

‫النمل‬ ‫آية‪.‬‬
‫سورة التفوق الحضاري‬
‫سييورة النمييل تتحييدث عيين التفييوق الحضيياري‪،‬‬
‫وأهمية أن يمتلك المسلمون معالم حضارية قوية من‬
‫العلم والتكنولوجيا والقوة المادية والقييوة العسييكرية‪،‬‬
‫ليستخدموها في نصرة دين الله تعالى‪ .‬فهذه السورة‬
‫تخاطب الذين يفهمون السلم على أنه صلة ركعتين‬
‫وبكاء العينين وحفظ القييرآن فقييط‪ ...‬هييذه الشييياء ‪-‬‬
‫على أهميتها ‪ -‬ل بد أن تقترن بأسييباب قيييادة الييدنيا‬
‫وإدارة الرض وفق منهج الله‪ .‬وليس هييذا فحسييب‪،‬‬
‫بل إن تفوق المسلمين الحضاري وتقييدمهم العلمييي‬
‫والتكنولوجي يفيد فييي الييدعوة ويييؤثر فييي الخرييين‬
‫أضعاف أضعاف ما يؤثر فيهم كلم شخص عييادي أو‬
‫فاشل في حياته العملية أو راسب فييي امتحانيياته‪...‬‬
‫هذه السورة تقول لنا باختصيار‪ :‬ييا أمية محميد‪ ،‬لين‬
‫يكييون لكييم احييترام ودور مميييز بييين المييم دون أن‬
‫‪414‬‬
‫‪415‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫يكييون لكييم تميييز حضيياري‪ ،‬ودون أن تحيطييوا بكييل‬


‫علوم عصركم وتبرعوا بها‪.‬‬
‫جه رسييالة واضييحة‬ ‫وهكذا نرى أن كل سييورة تييو ّ‬
‫للمسلمين لتكمل سور القرآن فييي عرضييها للمنهييج‬
‫الرباني‪ ،‬مما يشعرنا بترابط القرآن وتماسك سوره‪.‬‬
‫فبعييد أن كييانت رسييالة سييورة الشييعراء‪" :‬اهتمييوا‬
‫بالعلم"‪ ،‬أتت سورة النمييل لتييوجه رسييالة مماثليية‪:‬‬
‫"اهتموا بييالتفوق الحضيياري"‪ ،‬وكلهمييا يخييدم نفييس‬
‫الهدف‪ :‬أهمية التفوق والخذ بالسباب الدنيوية فييي‬
‫تميز المسلمين وتأثيرهم على الخرين‪..‬‬

‫المؤسسة الناجحة‬
‫وكان رمز التفوق الحضيياري فييي هيذه السييورة‪:‬‬
‫سيدنا سليمان عليه السلم‪ ،‬ومملكتييه الييتي جمعييت‬
‫بين اليمان والنجاح في الحياة‪ ،‬هذه المؤسسة هييي‬
‫أشبه ما تكون بلغيية اليييوم‪ :‬شييركة عالمييية متعييددة‬
‫الجنسيات‪ ،‬توظف ضييمن جهازهييا الداري جنسيييات‬
‫مختلفييية‪ ،‬مييين الجييين والنيييس والطيييير والنميييل‬
‫والوحوش‪ ...‬فلنتأمل عناصر التفوق الحضيياري فييي‬
‫مملكة سيييدنا سييليمان‪ ،‬وكيييف أن تفاصيييل القصيية‬
‫وجزئياتها تعطينا معنى مهما ً وأبعادا ً جديييدة للتفييوق‬
‫الحضاري والنجاح في الحياة‪:‬‬
‫‪ .1‬استشعار قيمة العلم‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪416‬‬

‫عْلم ـ ً‬
‫ا‪ ...‬‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫م ٰـ ـ َ‬‫سل َي ْ َ‬ ‫و ُ‬‫وودَ َ‬ ‫دا ُ‬‫قدْ ءات َي ْن َــا َ‬‫‪‬ل َ َ‬‫و‬
‫َ‬
‫‪ ((15‬فل تفييوق ميين غييير علييم‪ ،‬ول يمكيين للطييالب‬
‫المسلم أن يخييدم السييلم إل إذا كييان متفوق يا ً فييي‬
‫مدرسته وجامعته‪ ،‬لن ذلك من صميم السلم‪.‬‬
‫عَلـ ٰى‬ ‫ضـل ََنا َ‬
‫ف ّ‬ ‫ذى َ‬ ‫مـدُ للـه ٱّلـ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫قـال َ ٱل ْ َ‬ ‫و‪َ ‬‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (15‬‬ ‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬ ‫ه ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ر ّ‬ ‫ك َِثي ٍ‬
‫فضلهم بماذا؟ طبعا ً بالعلم‪ ،‬ورزقهم ميييزة هاميية‬
‫أخرى‪ ،‬وهي العتزاز بييه وإدراك قيميية هييذه النعميية‬
‫وحمييد اللييه عليهييا‪ .‬فالميية الييتي يغييش طلبهييا فييي‬
‫المتحانات ويكون كل همهم نيل الشهادات ل تدرك‬
‫قيمة العلم‪ ،‬ول يمكن لهكذا أمة أن تنهييض وتنييافس‬
‫باقي المم‪..‬‬
‫‪ .2‬توريث الجيال‬
‫د‪ ،( (16‬حتى ل يقف‬ ‫وو َ‬‫دا ُ‬
‫ن َ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫م ٰـ ُ‬ ‫ث ُ‬
‫ر َ‬
‫و ِ‬
‫و َ‬
‫‪َ‬‬
‫النجاح عند جيل معين‪ .‬ول بد من وجود أجيال تييرث‬
‫النجيياح وتحييافظ عليييه لضييمان اسييتمرار التفييوق‬
‫وتراكم الخبرات داخل المؤسسة الواحدة‪.‬‬
‫‪ .3‬إتقان اللغات‬
‫قــا َ َ‬
‫ق‬
‫منطِ ـ َ‬ ‫عل ّ ْ‬
‫من َــا َ‬ ‫س ُ‬
‫هــا ٱلن ّــا ُ‬
‫ل يٰأي ّ َ‬ ‫و َ‬
‫‪َ ...‬‬
‫ر‪ ( (16...‬وهذه الميييزة تتيييح التعامييل مييع‬ ‫ٱلطّي ْ ِ‬
‫الخرين والتفاعل معهم‪.‬‬
‫‪ .4‬توفر المكانيات‬
‫‪ُ ...‬‬
‫و‬ ‫ذا ل َ ُ‬
‫هــ َ‬ ‫ه ٰـــ َ‬
‫ن َ‬
‫ىء إ ِ ّ‬
‫شــ ْ‬ ‫من ك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫وأوِتيَنا ِ‬
‫‪َ ‬‬
‫‪417‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ن‪.( (16‬‬ ‫ل ٱل ْ ُ‬
‫مِبي ُ‬ ‫ض ُ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ف ْ‬
‫فيييأوتيت هيييذه المملكييية المكانييييات والميييوارد‬
‫الطبيعييية والبشييرية‪ ،‬ولييم تقتصيير علييى ذلييك بييل‬
‫اجتهدت في الحفاظ على هذه الموارد وتطويرها‪.‬‬
‫‪ .5‬حسن الدارة‬
‫ه‪ ( (17...‬تخيييل‬ ‫جن ُــودُ ُ‬
‫ن ُ‬‫م ٰــ َ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫شـَر ل ِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫و‬
‫‪ُ ‬‬
‫َ‬
‫هذه المملكة العظيمة‪ ،‬شركة متعددة الجنسيات‪ ،‬أو‬
‫متعددة الكائنات‪ ،‬فيها الجيين والنييس‪ ،‬فيهييا الطيييور‬
‫ن‬
‫جــ ّ‬ ‫ن ٱل ْ ِ‬ ‫والوحوش‪ ،‬فيها من كل المخلوقات ‪ِ ‬‬
‫م َ‬
‫ن‪ .( (17‬وكلمة‬ ‫عو َ‬ ‫م ُيوَز ُ‬‫ه ْ‬‫ف ُ‬‫ر َ‬‫و ٱلطّي ْ ِ‬ ‫و ٱل ِْنس َ‬‫َ‬
‫"حشر" هنا تبين عييدد الجنييود الكييبير وتنييوعهم‪ .‬أمييا‬
‫التنظيييم الييدقيق وتوزيييع العمييال فنييراه فييي قييوله‬
‫ن‪ ،( (17‬فالكل يؤدي عمله‬ ‫عو َ‬‫م ُيوَز ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫تعالى ‪َ ‬‬
‫ف ُ‬
‫المطلوب منه‪ ،‬الذي هو ضمن اختصاصه وإمكاناته‪.‬‬
‫‪ .6‬التدريب‬
‫ل‪( (19...‬‬ ‫ع َ ٰ‬ ‫تى إ َ َ‬
‫م ِ‬
‫واِدى ٱلن ّ ْ‬
‫لى َ‬ ‫وا َ‬‫ذا أت َ ْ‬‫ح ّ ٰ ِ‬
‫‪َ ‬‬
‫مييا علقيية هييذه الرحليية إلييى وادي النمييل بسييليمان‬
‫وجنوده وتنظيم مملكتهم؟‬
‫إن هذه الشييركة تيدرب أفرادهييا‪ ،‬حيييث يأخيذهم‬
‫سليمان ليدربهم ويتنقل بهييم فييي الرض‪ ،‬فكييان أن‬
‫وصفت لنا الية الكريمة جانبيا ً ميين تييدريبهم‪ ،‬عنييدما‬
‫وصلوا خلل جولتهم إلى وادي النمل‪ ،‬وحصل ما هو‬
‫مل َ ٌ‬
‫ة‬ ‫قال َ ْ‬
‫ت نَ ْ‬ ‫معلوم من حوار النملة مع قومها‪َ .. :‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪418‬‬

‫َ‬
‫م‬ ‫من ّ ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫حطِ َ‬ ‫س ٰـك ِن َك ُ ْ‬
‫م ل َ يَ ْ‬ ‫خُلوا ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ل ٱد ْ ُ‬‫م ُ‬‫ها ٱلن ّ ْ‬ ‫يأي ّ َ‬
‫ن‪.( (18‬‬ ‫عُرو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬‫ه ْ‬‫و ُ‬
‫جُنودُهُ َ‬
‫و ُ‬‫ن َ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫م ٰـ ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ .7‬النضباط والحزم‬
‫ونتيييابع ميييع قصييية سيييليمان‪ ،‬لنلحيييظ تنظييييم‬
‫المؤسسة الدقيق والحزم في التعامييل مييع الفييراد‪.‬‬
‫فخلل كييل اجتميياع‪ ،‬يتييم تفقييد الحضييور والغييياب‪:‬‬
‫َ‬
‫د‬
‫ه َ‬ ‫ي ل َ أَرى ٱل ْ ُ‬
‫ه دْ ُ‬ ‫مال ِ َ‬ ‫قا َ‬
‫ل َ‬ ‫قدَ ٱلطّي َْر َ‬
‫ف َ‬ ‫ف ّ‬‫وت َ َ‬
‫‪َ ‬‬
‫ديدا ً‬ ‫ذابا ً َ‬‫عـ َ‬ ‫ن ‪ ‬لُ َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫شـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عذّب َن ّ ُ‬ ‫غائ ِِبي َ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن‪ (20-‬‬ ‫و ل َي َـأ ْت ِي َّنى ب ِ ُ ْ َ‬ ‫أ َو ل َذْبحن ّ َ‬
‫مِبي ـ ٍ‬‫ن ّ‬ ‫سلط ٰـ ـ ٍ‬ ‫هأ ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫‪ (21‬فسليمان عليه السييلم لييم يسييأل عيين الهدهييد‬
‫قيده‪ ،‬مميا ييدل عليى دقية النظيام فيي‬ ‫فقط بيل تف ّ‬
‫المملكة‪ .‬ومع أن الهدهد جندي صغير ولن يؤثر فييي‬
‫قوة الجيش‪ ،‬لكن غيابه يخييل بالنضييباط وينبغييي أن‬
‫يقابل بالحزم‪.‬‬
‫‪ .8‬انتماء الفراد للرسالة‬
‫ويظهر في قصة سييليمان انتميياء أفييراد الشييركة‬
‫وموظفيهيييا للرسيييالة وشيييعورهم بقضييييتها تماميييا ً‬
‫كالقييائد‪ .‬فالهدهييد طييار ميين فلسييطين إلييى اليميين‬
‫ليحضر معلومات عين مملكيية تسيجد للشييمس ميين‬
‫دون الله‪ ،‬ليقف أمام الملك دون خجييل ويقييول لييه‪:‬‬
‫حـ ْ‬ ‫َ‬
‫ه‪ ( (22...‬وقييد درس‬ ‫ط ب ِـ ِ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫ت بِ َ‬‫حط ُ‬ ‫‪‬أ َ‬
‫الموقف جيدا ً وأحضر معلومات يقينية ودقيقة‪... :‬‬
‫ن‪.( (22‬‬ ‫قي ٍ‬ ‫سب َإ ٍ ب ِن َب َإ ٍ ي َ ِ‬‫من َ‬ ‫ك ِ‬‫جئ ْت ُ َ‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫‪419‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ويتابع الحديث عن المملكة التي رآها‪:‬‬


‫مــن‬ ‫‪‬إّنى وجدت ٱم رأ َةً ت َمل ِك ُهم ُ‬
‫ت ِ‬ ‫وأوت ِي َ ْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ّ‬ ‫ِ‬
‫ها‬ ‫جــدت ّ َ‬ ‫و َ‬ ‫م‪َ ‬‬ ‫ظيــ ٌ‬
‫ع ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عــْر ٌ‬ ‫هــا َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ىء َ‬ ‫شــ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كــ ّ‬ ‫ُ‬
‫ن ٱللــه‬ ‫دو ِ‬ ‫مــن ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م ِ‬ ‫شـ ْ‬ ‫ن ِلل ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫سـ ُ‬ ‫ها ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ٱل ّ‬ ‫َ‬
‫عــ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صدّ ُ‬‫ف َ‬ ‫ه ْ‬
‫م ٰـل ُ‬ ‫ع َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫شي ْط ٰـ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫نل ُ‬ ‫وَزي ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ ( (23-24‬فهييو لييم‬ ‫دو َ‬ ‫هَتــ ُ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬ ‫هــ ْ‬ ‫ف ُ‬‫ل َ‬ ‫ســِبي ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫يتصرف كموظف عادي بل أحس أنييه مسييؤول عيين‬
‫مهمة الشركة وقضيتها وهدفها‪ ،‬إلييى أن يقييول بكييل‬
‫دوا ْ لله‪.( (25..‬‬ ‫َ‬
‫ج ُ‬ ‫س ُ‬‫غيرة وألم‪ :‬أل ّ ي َ ْ‬
‫ش‬‫عْر ٌ‬ ‫ثم يتذكر أنه قال عيين الملكيية أن لهييا ‪َ ‬‬
‫م ‪ ،‬فيستدرك كلمه ويقول ‪‬ٱلله ل َ إ ِل َ ٰـ َ‬
‫ه‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫ظيم ِ‪.( (26‬‬ ‫ع ِ‬ ‫ش ٱل ْ َ‬ ‫عْر ِ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫و َر ّ‬ ‫ه َ‬ ‫إ ِل ّ ُ‬
‫يا ليت لو أن عندنا في أميية محمييد ألييف هدهييد‪،‬‬
‫فييي إيجييابيته وانتمييائه لمتييه وشييعوره بالمسييؤولية‬
‫تجاهها‪...‬‬
‫‪ .9‬الدقة في نقل الخبار والتحقق منها‬
‫وتتابع اليات لتنقل لنا حوار سليمان الممتييع مييع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مـ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن ـ َ‬ ‫م ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫سَننظُُر أ َ‬
‫ص ـدَ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫الهدهد‪َ  :‬‬
‫قا َ‬
‫ن‪ .( (27..‬أي أن الخبار التي تأتي تؤخييذ‬ ‫ٱل ْك َ ٰـ ِ‬
‫ذِبي َ‬
‫للتحليييل والختبييار‪ ،‬مييع أن الهدهييد قييال لسيييدنا‬
‫ن‬‫قي ـ ٍ‬
‫سب َإ ٍ ب ِن َب َـإ ٍ ي َ ِ‬
‫من َ‬ ‫ك ِ‬‫جئ ْت ُ َ‬
‫و ِ‬
‫سليمان قبل هذا‪َ  :‬‬
‫‪ ،‬لكييين ل بيييد للشيييركة الناجحييية مييين تصيييفية‬
‫المعلومييات والتأكييد ميين صييحتها قبييل أخييذ القييرار‪:‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪420‬‬

‫و ّ‬
‫ل‬ ‫م ث ُـ ّ‬
‫م ت َـ َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ق ْ َ‬
‫ه إ ِلي ْ ِ‬ ‫فأ َل ْ ِ‬
‫ذا َ‬ ‫ه ٰـ َ‬‫هب ب ّك َِتاِبى َ‬ ‫‪‬ٱذْ َ‬
‫ن‪ ( (28..‬فيقييوم‬ ‫عــو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذا ي َْر ِ‬ ‫ف ـ ٱن ْظُْر َ‬
‫مــا َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫عن ْ ُ‬
‫َ‬
‫سيدنا سليمان بتجربة مع هييؤلء القييوم‪ ...‬أي علييوم‬
‫هذه؟ وأي تنظيييم هييذا؟ يييا أميية محمييد تعلمييوا ميين‬
‫مملكة سليمان كيف يكون النجاح‪...‬‬
‫الشورى وقود التفوق‬
‫وفييي الناحييية المقابليية‪ ،‬نييرى مؤسسيية متفوقيية‬
‫أيضًا‪ :‬مملكة بلقيس‪ .‬وسييبب نجاحهييا هييو اسييتخدام‬
‫الشورى بين قومها‪ ،‬فهي ل تقييوم بييأي خطييوة قبييل‬
‫أن تشاركهم في أخذ القرار‪:‬‬
‫َ‬ ‫مل ُ أ َ ْ‬ ‫َ‬
‫مــا‬ ‫رى َ‬ ‫م ِ‬‫فى أ ْ‬ ‫فُتوِنى ِ‬ ‫ها ٱل ْ َ‬ ‫ت يٰأي ّ َ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ق ٰـطع ً َ‬
‫ن‪.( (32‬‬ ‫دو ِ‬ ‫ه ُ‬
‫ش َ‬ ‫حت ّ ٰى ت َ ْ‬ ‫مرا ً َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ُ‬
‫كن ُ‬
‫ورغم أن الملكة لم تكن عليى ديين الليه تعيالى‪،‬‬
‫لكنهييييييييييييييا اسييييييييييييييتعملت عييييييييييييييامل ً‬
‫مهمييا ً ميين عوامييل النجيياح الداري‪ ،‬وهييو الشييورى‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫وتقبل الرأي الخيير‪ ...‬فميياذا قييالوا لهييا؟ ‪ ..‬ن َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ة َ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫م ـُر إ ِل َي ْـ ِ‬ ‫و ٱل ْ‬ ‫د َ‬ ‫دي ٍ‬‫شـ ِ‬ ‫س َ‬ ‫وأولوا ب َأ ٍ‬ ‫و ٍ‬‫ق ّ‬ ‫وُلوا ْ ُ‬‫أ ْ‬
‫ْ‬
‫ن‪.( (33‬‬ ‫ري َ‬ ‫م ِ‬‫ذا ت َأ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫رى َ‬ ‫ف ٱنظُ ِ‬ ‫َ‬
‫فليس لهم رأي‪ ،‬وهم بخلف الهدهييد الييذي كييان‬
‫له رأي يعتز به وقضية يجادل من أجلها‪ .‬قارن بييالله‬
‫َ‬
‫م‬ ‫مــا َلــ ْ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫حط ُ‬ ‫عليك بين جيش فيه من يقول ‪‬أ َ‬
‫ه‪  ..‬والتي هييي أسيياس الشييورى وأسيياس‬ ‫ط بِ ِ‬ ‫ح ْ‬‫تُ ِ‬
‫مُر إ ِل َْيــ ِ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫و ٱل ْ‬ ‫النصر‪ ،‬وبين جيش فيه من يقول ‪َ ‬‬
‫ْ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫م ِ‬‫ذا ت َأ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫رى َ‬ ‫ف ٱنظُ ِ‬ ‫َ‬
‫‪421‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫حضارة ربانية‬
‫وتحاول ملكة سبأ أن تختبر صييدق سييليمان فييي‬
‫ة‬ ‫ة َ‬
‫فن َــاظَِر ٌ‬ ‫دي ّـ ٍ‬
‫ه ِ‬
‫م بِ َ‬
‫ه ْ‬ ‫سل َ ٌ َ‬ ‫دعوته‪َ  ،‬‬
‫ة إ ِلي ْ ِ‬ ‫مْر ِ‬‫وإ ِّنى ُ‬
‫ن‪ ( (35‬لكنه غضييب وقييال‪:‬‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ع ٱل ْ ُ‬ ‫ج ُ‬
‫م ي َْر ِ‬ ‫بِ َ‬
‫مــا‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬
‫م ّ‬
‫خي ْـٌر ّ‬‫ما ءاَتـِٰنى ٱللــه َ‬ ‫ف َ‬ ‫ما ٍ‬
‫ن بِ َ‬ ‫دون َ ِ‬‫م ّ‬ ‫‪‬أت ُ ِ‬
‫م‪.( (36‬‬ ‫ءات َ ٰـك ُ ْ‬
‫لنه صاحب رسالة ربانية ل يريد جمع المال ميين‬
‫ورائهييا‪ ،‬وليييس أخييذه بأسييباب النجيياح والتفييوق‬
‫الحضاري من أجل إخضاع المم ونهب ثرواتهييا‪ ،‬بييل‬
‫هييدفه ميين وراء ذلييك كلييه هييو إيصييال رسييالة اللييه‬
‫للناس كلها‪...‬‬
‫التفوق التكنولوجي‬
‫ومملكة سليمان تملك قوة عسكرية ل مثيل لهييا‬
‫‪‬ٱر جع إل َيهم َ ْ‬
‫م‬‫هـ ْ‬‫ل لَ ُ‬ ‫جُنوٍد ل ّ ِ‬
‫قب َ َ‬ ‫هم ب ِ ُ‬‫فل َن َأت ِي َن ّ ُ‬ ‫ْ ِ ْ ِ ْ ِ ْ‬
‫ن‪‬‬ ‫غُرو َ‬ ‫ص ٰــ ِ‬‫م َ‬ ‫هـ ْ‬‫و ُ‬ ‫ها أ َِذل ّـ ً‬
‫ة َ‬ ‫من ْ َ‬
‫هم ّ‬ ‫جن ّ ُ‬
‫ر َ‬ ‫ول َن ُ ْ‬
‫خ ِ‬ ‫ها َ‬
‫بِ َ‬
‫‪ ..((37‬نستشييعر فييي هييذه الييية عناصيير التفييوق‬
‫الحضاري التي تميزت بها مملكة سليمان‪ ،‬من إدارة‬
‫عالية وعلوم وقوة عسكرية‪ ،‬إضافة إلى عامل مهييم‬
‫جييدًا‪ ،‬وهييو العامييل الييذي س يّبب النبهييار الحضيياري‬
‫وإسلم ملكة سبأ‪...‬‬
‫سبقها عرشها‬
‫عندما علم سليمان بقدوم الملكة للتفاوض معه‪،‬‬
‫هــا‬ ‫قا َ َ‬
‫طلييب ميين جنييوده التيييان بعرشييها ‪َ ‬‬
‫ل يأي ّ َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪422‬‬

‫ل َأن َيــأ ُْتوِنى‬ ‫قْبــ َ‬‫ها َ‬


‫ش َ‬
‫عْر ِ‬
‫ْ‬
‫م ي َأِتيِنى ب ِ َ‬
‫ُ َ‬
‫مل أي ّك ُ ْ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ن‪ ،( (38‬ويقوم جنييديان ميين هييذا الجيييش‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫الييرائع‪ :‬عفريييت ميين الجيين‪ ،‬ورجييل أوتييي علمييا ً‬
‫بالكتاب‪ ،‬وكلهما يتنافس في سرعة إحضار العرش‬
‫إلى الملك‪ .‬أي تكنولوجيا وأي علييم وأي أداء مبهيير؟‬
‫لقد سيطرت هييذه المملكيية المؤمنيية بتفوقهييا علييى‬
‫الرض كلها‪...‬‬
‫ذا‬ ‫ه َ‬
‫كــ َ‬ ‫وتييدخل ملكيية سييبأ لتفاجييأ بسييؤال‪ :‬أ َ َ‬
‫َ‬
‫و‪‬‬ ‫ه َ‬‫ه ُ‬ ‫قال َ ْ‬
‫ت ك َأن ّ ُ‬ ‫ك‪ ( (42‬فتجيب بذكاء‪َ  :‬‬ ‫ش ِ‬ ‫عْر ُ‬ ‫َ‬
‫‪ ((42‬بشكل دبلوماسي ومبهم‪ ،‬لكي ل تقول أنهييا لييم‬
‫تعييرف عرشييها الييذي تغييير عليهييا بعييض الشيييء‪،‬‬
‫وبالمقابل كي ل تجزم أنييه عرشييها فتكييذب‪ ...‬وهنييا‬
‫بدأت الدهشيية والعجيياب يييؤثران فييي قلبهييا تييأثيرا ً‬
‫بالغا ً فأصبحت مهيأة لقبول اليمان‪.‬‬
‫أسلمت بسلطان العلم‬
‫ونصل إلى آية محورية )‪ ،(44‬هييي آخيير آييية فييي‬
‫قصة سليمان‪ ،‬وتلخص لنا هييذه الييية محييور القصيية‬
‫وهدفها‪ ..‬اسمعها معي وعشها بقلبك وعقلك‪:‬‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫فل َ ّ‬
‫مــا َرأت ْـ ُ‬ ‫ح َ‬
‫ص ـْر َ‬ ‫خل ِــى ٱل ّ‬
‫هــا ٱدْ ُ‬‫ل لَ َ‬‫قي ـ َ‬‫‪ِ ‬‬
‫ها ‪.‬‬ ‫سا َ‬
‫قي ْ َ‬ ‫عن َ‬
‫ت َ‬ ‫ف ْ‬ ‫وك َ َ‬
‫ش َ‬ ‫ة َ‬ ‫ه لُ ّ‬
‫ج ً‬ ‫سب َت ْ ُ‬
‫ح ِ‬
‫َ‬
‫فقييد كييان القصيير علييى الميياء‪ ،‬ومييدخله مغطييى‬
‫بالزجاج الشفاف‪ ،‬فرفعت ثيابها خوفا ً من البلل‪.‬‬
‫ريَر ‪ ‬إنهييا‬ ‫مــن َ‬
‫قــوا ِ‬ ‫مّردٌ ّ‬
‫م َ‬
‫ح ّ‬
‫صْر ٌ‬
‫ه َ‬
‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫قا َ‬
‫‪423‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫تكنولوجيييا غييير عادييية‪ ،‬أوصييلتهم إلييى بنيياء قصيير‬


‫زجياجي فيوق المياء‪ ،‬متنيياهي الدقيية بحييث يعتقييده‬
‫النيياس ميياًء‪ .‬فلمييا أعجزهييا هييذا التفييوق الحضيياري‬
‫ب إ ِّنــى‬
‫ت َر ّ‬‫قــال َ ْ‬ ‫والعلمييي‪ ،‬أعلنييت إسييلمها‪َ  :‬‬
‫فسى َ‬
‫ب‬
‫ن لله َر ّ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫م ٰـ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬
‫ت َ‬ ‫سل َ ْ‬
‫م ُ‬ ‫وأ ْ‬
‫َ‬ ‫ت نَ ْ ِ‬ ‫م ُ‬‫ظَل َ ْ‬
‫ن ‪.‬‬
‫مي َ‬‫ع ٰـل َ ِ‬
‫ٱل ْ َ‬
‫فرعون والنبهار الحضاري‬
‫والملحظ أن قصة موسى أتييت بشييكل مختصيير‬
‫في سبع آيات قبل قصيية سيليمان‪ ،‬ونيرى فيي هيذه‬
‫اليات تكذيب فرعون وقومه لرسييالة موسييى عليييه‬
‫قــاُلوا ْ‬
‫صـَرةً َ‬‫مب ْ ِ‬
‫م ءاي َ ٰــت َُنا ُ‬
‫ه ْ‬
‫جاءت ْ ُ‬‫ما َ‬‫‪‬ل َ ّ‬
‫السلم‪َ :‬‬
‫ف‬
‫ن‪.( (13‬‬ ‫مِبي ٌ‬
‫حٌر ّ‬ ‫س ْ‬ ‫ه ٰـ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫َ‬
‫فرفضوا الرسالة لن سيدنا موسى لم يكن معييه‬
‫عناصر التفوق الحضيياري الييذي كييان متاح يا ً لسيييدنا‬
‫سليمان‪ ،‬وفي ذلك إشارة إلى انبهار الناس بالتفوق‬
‫والعلييم‪ ،‬وسيييرهم وراء ميين يملييك أسييس التفييوق‬
‫الحضاري والقوة العلمية‪.‬‬
‫عناصر التفوق الحضاري‬
‫فييإذا أردنييا تلخيييص عناصيير وأسييباب التفييوق‬
‫الحضاري في السورة‪ ،‬يمكننا أن نذكر ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الهدف السامي‪ :‬وهذا ما نراه بوضييوح فييي قييول‬
‫مت َ ـ َ‬
‫ك‬ ‫ع َ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫ش ـك َُر ن ِ ْ‬
‫َ‬
‫عن ِــى أ ْ‬
‫ز ْ‬
‫ِ‬ ‫و‬
‫ْ‬
‫سييليمان ‪‬رب أ َ‬
‫َ ّ‬
‫َ‬
‫‪ٰ ‬ــ َ‬
‫ذا‬ ‫ى‪ ،( (19‬وقييوله‪َ :‬‬
‫ه‬ ‫عل َـ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫مـ َ‬ ‫ٱل ّت ِــى أن ْ َ‬
‫ع ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪424‬‬

‫فـُر‬ ‫م أ َك ْ ُ‬ ‫َ‬
‫شـك ُُر أ ْ‬ ‫وِنى َأء ْ‬ ‫ل َرب ّــى ل ِي َب ْل ُـ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫من َ‬ ‫ِ‬
‫‪ .‬وكان شكر سيدنا سيليمان عليى هيذه النعيم‬
‫بتسخيرها لنشر اليمان في الرض كلها‪..‬‬
‫عْلمـا ً‬ ‫ن ِ‬ ‫م ٰــ َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫و ُ‬ ‫وودَ َ‬ ‫دا ُ‬ ‫قدْ ءات َي َْنا َ‬ ‫‪‬ل َ َ‬‫و‬
‫‪ -‬العلم‪َ :‬‬
‫‪ ( (15‬ول حضييارة بغييير علييم وتفييوق علمييي‬
‫والهم من ذلك‪ ،‬استشعار قيمة العلم‪...‬‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫مــا َرأت ْـ ُ‬ ‫فل َ ّ‬
‫‪ -‬التكنولوجيا المتطييورة والمبهييرة‪َ  :‬‬
‫ه‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ها َ‬ ‫قي ْ َ‬ ‫سا َ‬ ‫عن َ‬ ‫ت َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ش َ‬ ‫وك َ َ‬
‫ة َ‬ ‫ه لُ ّ‬
‫ج ً‬ ‫سب َت ْ ُ‬‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ريَر‪.( (44..‬‬ ‫قوا ِ‬ ‫من َ‬ ‫مّردٌ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ح ّ‬ ‫صْر ٌ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هــ ْ‬ ‫جــ ْ َ‬
‫ع إ ِلي ْ ِ‬ ‫‪ -‬القييوة العسييكرية الشييديدة‪ :‬ٱْر ِ‬
‫َ ْ‬
‫ها‪.( (37..‬‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬‫ل لَ ُ‬
‫قب َ َ‬‫جُنوٍد ل ّ ِ‬ ‫هم ب ِ ُ‬ ‫فل َن َأت ِي َن ّ ُ‬
‫‪ -‬شعور الفراد بالمسؤولية‪ :‬وهذا قد ظهر واضييحا ً‬
‫في موقف الهدهد ورحلتييه الدعوييية إلييى مملكيية‬
‫سبأ‪.‬‬
‫كم وسيلة تمتلك أمتنا من هذه الوسييائل؟ وأييين‬
‫هو دورك يييا قييارئ القييرآن حييتى تبنييي أميية ناجحيية‬
‫ومتفوقة كأمة سليمان‪...‬؟‬
‫سلطان الله أعظم‬
‫وميين روعيية القييرآن فييي عييرض سيينن التفييوق‬
‫الحضاري‪ ،‬أن سييورة النمييل ‪ -‬برغييم تركيزهييا علييى‬
‫المقومات والسباب المادية للنصيير ‪ -‬قييد اسييتعانت‬
‫بأمثلة كلها معجزات‪ :‬من هدهد يتكلم ويجييادل‪ ،‬إلييى‬
‫نمليية حكيميية تييوجه قومهييا‪ ،‬وخلل ذلييك كلييه قييول‬
‫‪425‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫سيدنا سليمان‪" :‬علمنا منطق الطير"‪ ...‬وحييتى فييي‬


‫ع‬
‫قــ َ‬‫و َ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫آخييير السيييورة تيييرى قيييوله تعيييالى ‪َ ‬‬
‫ض‬ ‫َ‬
‫ن ٱل ْر ِ‬ ‫م َ‬‫ة ّ‬
‫داب ّ ً‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جَنا ل َ ُ‬
‫خَر ْ‬‫هم أ َ ْ‬ ‫ل َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ق ْ‬‫ٱل ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫قُنــو َ‬‫كاُنوا ِبـَئاي َ ٰـت َِنا ل َ ُيو ِ‬ ‫س َ‬‫ن ٱلّنا َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ه ْ‬‫م ُ‬‫ت ُك َل ّ ُ‬
‫‪.( (82‬‬
‫وهكييذا يتواصييل الحييديث عيين المعجييزات فييي‬
‫السورة‪ ،‬لماذا؟‬
‫حييتى ل نكييون ميياديين فييي تعاطينييا مييع أسييباب‬
‫التقدم والتفوق الحضاري‪ .‬وكأن السورة تقييول لنييا‪:‬‬
‫إياكم أن ينسيكم التفوق الحضيياري إرتبيياطكم بييالله‬
‫تعييالى ويقينكييم أنييه هييو صييانع النصيير‪ ،‬وأن هنيياك‬
‫مقومات إيمانية وغيبية للتفوق غييير الييتي أتييت فييي‬
‫السورة‪.‬‬
‫أإله مع الله‪...‬؟‬
‫ثم تنتقل السورة فجأة من الحديث عيين التفييوق‬
‫الحضاري إلى الحديث عين قيدرة الليه فيي الكيون‪،‬‬
‫حتى ل نغتر بحضارتنا فننسييى ربنييا ونعيييش حضييارة‬
‫مادية بل روح كحضييارة الغييرب‪ .‬فتييأتي آيييات رائعيية‬
‫تخيياطب القلييب البشييري وتهييزه ليفيييق ميين غفلتييه‬
‫ويتعرف على ربه‪:‬‬
‫ه‬
‫عَبــاِد ِ‬ ‫عَلــ ٰى ِ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ ٰـــ ٌ‬
‫و َ‬ ‫مــدُ للــه َ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫قــ‪ِ ‬‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ص طَ َ‬
‫ن‬‫كو َ‬ ‫ر ُ‬‫شـ ِ‬‫مــا ي ُ ْ‬
‫خي ْـٌر أ ّ‬ ‫فى ءاللــه َ‬ ‫نٱ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫م‬‫ل ل َك ُـ ْ‬ ‫وَأنـَز َ‬‫ض َ‬
‫َ‬
‫و ٱل ْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬
‫س َ‬‫ق ٱل ّ‬ ‫خل َـ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫أ ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪426‬‬

‫ة‬ ‫ق َ‬ ‫من ٱلس ماء ماء َ َ‬


‫ج ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫ت بَ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫دائ ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َ‬ ‫فأنب َت َْنا ب ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع ٱللــه‬ ‫م َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ها أإ َِلـٰ ٌ‬ ‫جَر َ‬ ‫ش َ‬ ‫م أن ُتنب ُِتوا ْ َ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ّ‬
‫ن‪ .( (59-60‬الجمال والتنظييم‬ ‫دُلو َ‬ ‫ع ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫و ٌ‬ ‫ق ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫بَ ْ‬
‫من‬ ‫َ‬
‫في خلق الكون يفوقان أي تفوق حضاري‪ ...‬أ ّ‬
‫هــارا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هــا أن ْ َ‬ ‫خل َل َ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫عــ َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ـَرارا ً َ‬ ‫ض َ‬ ‫ل ٱل ْر َ‬ ‫عــ َ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫حَري ْـ ِ‬ ‫ن ٱل ْب َ ْ‬ ‫ل ب َي ْـ َ‬ ‫عـ َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ى َ‬ ‫سـ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫هــا َر َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫عـ َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مــو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ل أك ْث َُر ُ‬ ‫ع ٱلله ب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ّ‬ ‫جزا ً أءلـٰ ٌ‬ ‫حا ِ‬ ‫َ‬
‫‪.( (61‬‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫جي ُ‬ ‫من ي ُ ِ‬ ‫وحتى ل تغتر بقوتك أيها النسان‪ :‬أ ّ‬
‫ســــوء‬ ‫ف ٱل ّ‬ ‫شــــ ُ‬ ‫وي َك ْ ِ‬ ‫عــــاهُ َ‬ ‫ذا دَ َ‬ ‫ضــــطَّر إ ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قِليل ً‬ ‫ع ٱلله َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ض أءَلـٰ ٌ‬ ‫فاء ٱل ْر ِ‬ ‫حل َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫عل ُك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (62‬‬ ‫ما ت َذَك ُّرو َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ر‬ ‫حــ ِ‬ ‫و ٱل ْب َ ْ‬ ‫ت ٱل ْب َّر َ‬ ‫مـٰ ِ‬ ‫فى ظُل ُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫‪‬أ ّ‬
‫ه‬‫مت ِ ـ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ى َر ْ‬ ‫ن ي َ ـدَ ْ‬ ‫شًرا َ ب َي ْ ـ َ‬ ‫ح بُ ْ‬ ‫ل ٱلّرَيا َ‬ ‫س ُ‬ ‫من ي ُْر ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫عــاَلى ٱللــه َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫شـ ِ‬ ‫مــا ي ُ ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫ع ٱللــه ت َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ّ‬ ‫أءَلـٰ ٌ‬
‫ن‬ ‫مــ َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫من ي َْرُز ُ‬ ‫و َ‬ ‫م ُيعيدُهُ َ‬ ‫ق ثُ ّ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫من ي َب ْدَأ ُ ٱل ْ َ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫هــاُتوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل َ‬ ‫قــ ْ‬ ‫ع ٱلله ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ض أءَلـٰ ٌ‬ ‫ماء وٱلْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ن‪.( (63-64‬‬ ‫قي َ‬ ‫د ِ‬ ‫ص ٰـ ِ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫ه ٰـن َك ُ ْ‬ ‫ب ُْر َ‬
‫وبييذلك يتحقييق التييوازن بييين التفييوق الحضيياري‬
‫وبين اليمان بمالك الكون وصاحب القدرة‪.‬‬
‫لماذا "النمل"؟‬
‫ومع أن النمل ذكر في السييورة فييي آييية واحييدة‬
‫فقييط‪ ،‬لكيين سييورة التفييوق الحضيياري كييان اسييمها‬
‫سورة النمل‪ ،‬فلماذا؟‬
‫‪427‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫إن مملكة النمل هي نموذج للتفوق حضاري فييي‬


‫أمة من أمم الحشييرات‪ ،‬فهييم يملكييون كييل أسييباب‬
‫التطور‪ ،‬من بناء بيوت المؤن‪ ،‬إليى تنظييم الجييوش‬
‫وتقسيييم أبييواب الييدخول والخييروج‪ ،‬حييتى أنهييم‬
‫يستعملون التكييف المركزي داخل مساكنهم‪ ...‬أمة‬
‫منظميية تفييوقت علييى أقرانهييا بييالعلم والتكنولوجيييا‬
‫حتى استحقت أن تذكر في القرآن الكريييم كنمييوذج‬
‫يحتذى في التفوق الحضاري‪..‬‬
‫والناس عادة يستصييغرون النمييل‪ ،‬لييذلك ضييرب‬
‫ل‪ ،‬وأمرنا أن نقتدي بهييم‪ ،‬حييتى يييتردد‬ ‫الله لنا بهم مث ً‬
‫في ذهنييك كلمييا قييرأت السييورة‪ ،‬أن هييذه الحشييرة‬
‫الصغيرة الضعيفة قد وصلت إلى هذا التطور‪ ،‬وحتى‬
‫تتييذكر أن النمليية قييد تفييوقت علييى غيرهييا ميين‬
‫الحشييرات‪ ،‬فلييم تييترك أيهييا المسييلم غيييرك ميين‬
‫الحضارات يتفوق عليك؟‬
‫حكمة النملة وإيجابيتها‬
‫وميين لطييائف القييرآن‪ ،‬أن الييية المحورييية فييي‬
‫السييورة )أي الييية الييتي ذكيير فيهييا خطيياب النمليية‬
‫لقومها( احتوت على إشارات حضارية رائعة‪ ...‬كلهييا‬
‫نتعلمها من النملة الصغيرة‪.‬‬
‫تــ ‪ٰ ‬ىإ َ َ‬
‫واِدى‬ ‫عَلــ ٰى َ‬ ‫وا َ‬ ‫ذا أَتــ ْ‬ ‫ِ‬ ‫تعييالى‪:‬‬
‫ح ّ‬‫َ‬ ‫يقييول‬
‫هـــــــا‬ ‫قـــــــال َت ن َمَلـــــــ ٌ َ‬ ‫ل َ‬
‫ة يأي ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫مـــــــ ِ‬‫ٱلن ّ ْ‬
‫م‬‫من ّك ُـــ ْ‬
‫حط ِ َ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬ ‫س ٰــــك ِن َك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫خل ُـــوا ْ َ‬‫ل ٱدْ ُ‬‫مـــ ُ‬ ‫ٱلن ّ ْ‬
‫م لَ‬ ‫هــــــــــ ْ‬ ‫و ُ‬ ‫جن ُــــــــــودُهُ َ‬ ‫و ُ‬‫ن َ‬ ‫ٰـــــــــــ ُ‬ ‫م‬‫سل َي ْ َ‬
‫ُ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪428‬‬

‫ن‪.( (18‬‬ ‫عُرو َ‬ ‫يَ ْ‬


‫ش ُ‬
‫فهي قد وقفيت تخياطب الجميوع يإيجابييية‪ ،‬وليم‬
‫تهرب مع أنها عرضييت نفسييها لخطيير المييوت تحييت‬
‫أقدام الجنييود‪ ،‬وكييان حرصييها وغيرتهييا علييى قومهييا‬
‫أولى عندها من حياتها‪ .‬وليس هييذا فحسييب‪ ،‬بييل إن‬
‫خطابها احتوى على إشارات رائعة فييي فيين القيييادة‬
‫والدارة‪ ،‬فهي قد‪:‬‬
‫‪ -‬وجهييت التصييرف الصييحيح قبييل التحييذير وبيييان‬
‫خُلوا ْ‬ ‫الخطر حتى ل تتخبط الجموع ببعضها ‪‬ٱدْ ُ‬
‫س ٰـك ِن َك ُ ْ‬
‫م ‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫‪ -‬ثيييم عرضيييت المشيييكلة وبينيييت الخطييير ‪‬ل َ‬
‫ه ‪ ‬والنيياس فييي‬ ‫جن ُــودُ ُ‬
‫و ُ‬
‫ن َ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫م ٰـ ُ‬ ‫م ُ‬‫من ّك ُ ْ‬‫حطِ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ساعات الخطيير يتصييرفون بغيير تفكيير‪ ،‬ممييا قيد‬
‫يؤدي إلى المزيد من الضرار‪ .‬فكان ل بييد للقييائد‬
‫الناجييح ميين إعطيياء الحييل والمخييرج قبييل بيييان‬
‫المشكلة‪ ،‬حتى يسمع الناس توجيهيياته وهييم فييي‬
‫حالة نفسية تسمح لهم بتلقي الوامر وتنفيذها‪..‬‬
‫‪ -‬حذرتهم ميين خطييورة الييتراخي بييأن يييأمنوا علييى‬
‫أنفسهم من سليمان‪ ،‬لنهم يعرفون صفاته‪ ،‬ولن‬
‫سمعته عند النمل حسيينة‪ .‬لييذلك أكييدت علييى أن‬
‫المؤمنين ل يمكن أن يظلموا أو يعتدوا عن قصد‪،‬‬
‫ن ‪.‬‬‫عُرو َ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬
‫ش ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫وهذا ما نراه في قولها ‪َ ‬‬
‫و ُ‬
‫أرأيييت الن لميياذا تبسييم سييليمان ضيياحكا ً ميين‬
‫‪429‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫قولها؟ ولماذا كانت هذه النملة الصغيرة مثل ً يحتذى‬


‫فييي فيين القيييادة عنييد الزمييات‪ ،‬والييذي هييو عنييوان‬
‫التفوق الحضاري‪...‬؟‬
‫سورة القصص‬

‫سو‬ ‫سييورة القصييص )مكييية(‪ ،‬وبعضييها نييزل أثنيياء‬


‫الهجرة‪ ،‬نزلت بعد سورة النمييل‪ ،‬وهيي بعييدها أيضيا ً‬
‫رة‬
‫القصيييي‬ ‫في ترتيب المصحف‪ .‬وعدد آياتها ‪ 88‬آية‪.‬‬
‫لحظاتها حرجة‬
‫نزلت بعض آيات السورة في الوقت الييذي كييان‬
‫النبي ‪ ‬مهاجرا ً من مكة إلييى المدينيية‪ ،‬الييذي كييان‬
‫حزينا ً لفراق مكة حتى أنه خرج منها وعيناه تدمعان‪،‬‬
‫ب البلد إلــى‬ ‫ك أحـ ّ‬ ‫ه يعلــم أن ّـ ِ‬
‫وهييو يقييول‪" :‬الل ُ‬
‫ك أخرجـــوني مـــا‬ ‫قلـــبي‪ ،‬ولـــول أن قومـــ ِ‬
‫خرجت"‪.‬‬
‫في مثل هييذه الظييروف‪ ،‬نزلييت السييورة لتييوجه‬
‫للنبي والمؤمنين من بعده رسائل دعوية هامة‪.‬‬
‫تجربة نبي‬
‫إن المحور الساسي في سورة القصص هو قصة‬
‫موسى عليه السلم‪ ،‬والييتركيز علييى جييوانب محييددة‬
‫من قصته‪ :‬مولده‪ ،‬رميه في البحر‪ ،‬نشييأته فييي قصيير‬
‫فرعون‪ ،‬خروجه من مصر إلى مدين وزواجه من ابنة‬
‫‪430‬بعد عشر سنين وانتصاره‬ ‫شعيب‪ ،‬ثم عودته إلى بلده‬
‫‪431‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫على فرعون‪ .‬والسورة كلها تعليق على هذه القصص‬


‫وعلى قصة أخيييرة هييي قصيية قييارون‪ .‬والملحييظ أن‬
‫سورة القصص هي السورة الوحيدة في القرآن التي‬
‫كزت على مولد موسى ونشأته وخروجه إلى مدين‪،‬‬ ‫ر ّ‬
‫بينمييا لييم تركييز علييى بنييي إسييرائيل ومشيياكلهم مييع‬
‫موسى كما في باقي السور‪ .‬فما هو هدف السييورة؟‬
‫وميا علقية هيذه الحيداث مين قصية سييدنا موسيى‬
‫بهجرة سيدنا محمد ‪‬؟‬

‫إنا رادوه إليك‪ ...‬لرادك إلى معاد‬


‫إن السورة تقول للنبي ‪ ،‬وهو ل يييزال خارجيا ً‬
‫من مكة‪ ،‬أنك ستعود إليها يا رسول الله منتصرا ً بعد‬
‫أن خرجت منها متخفيًا‪.‬‬
‫وفي السييورة مقابليية بييين وعييد اللييه تعييالى لم‬
‫عُلوهُ‬
‫ج ٰـ ِ‬‫و َ‬‫ك َ‬‫دوهُ إ ِل َي ْ ِ‬‫موسى في الية )‪ :(7‬إ ِّنا َرا ّ‬
‫ن ‪) ‬القصص ‪ (7‬ووعد اللييه تعييالى‬ ‫سِلي َ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫م َ‬‫ِ‬
‫ن‬‫ق ـْرءا َ‬‫ك ٱل ْ ُ‬‫عل َي ْـ َ‬ ‫ض َ‬
‫فَر َ‬ ‫ذى َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫للنبي ‪: ‬إ ِ ّ‬
‫عاٍد ‪) ‬القصص ‪ ..(85‬فقصة موسى‬ ‫م َ‬‫ك إ ِل َ ٰى َ‬ ‫ل ََرادّ َ‬
‫عليه السلم في السورة تبدأ من الية ‪ 7‬بوعييد اللييه‬
‫تعالى لم موسى الذي تحقق في آخر القصة‪ ،‬ليأتي‬
‫وعد رباني آخر من الله تعالى أنه سيعيد النبي عليه‬
‫الصلة والسلم إلى مكة منتصرا ً رغم أنه خرج منها‬
‫مهيياجرا ً متخفي يًا‪ ،‬مييع اسييتعمال نفييس الكلميية فييي‬
‫الوعد‪) :‬لرادك(‪ .‬وكأن المعنى‪ :‬أن الذي صدق وعده‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪432‬‬

‫مع موسى وأمه‪ ،‬سيعيدك إلى مكة فاتحا ً منتصرًا‪.‬‬


‫فهييدف سييورة القصييص هييو الثقيية بوعييد اللييه‪،‬‬
‫واليقين بأنه متحقق ل محالة‪ ،‬مهما طالت المييدة أو‬
‫صعبت الظروف‪.‬‬
‫وعد بوعد‬
‫ونشييير هنييا إليى ملحوظيية هاميية جييدًا‪ ،‬وهيي أن‬
‫سيدنا موسى عليه السلم ترك مصير ثمياني سينين‬
‫وزادهييا سيينتين ميين عنييده )بعييد أن تييزوج ميين ابنيية‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ري ـدُ أ ْ‬ ‫شعيب في مييدين الييذي قييال لييه ‪‬إ ِّنى أ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جَرِنى‬ ‫عل َ ٰى أن َتــأ ُ‬ ‫ن َ‬‫هات َي ْ ِ‬‫ى َ‬ ‫دى ٱب ْن َت َ ّ‬ ‫ح َ‬‫ك إِ ْ‬‫ح َ‬‫أنك ِ َ‬
‫د َ‬ ‫شــرا ً َ‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬
‫ك‬ ‫عنـ ِ‬‫ن ِ‬ ‫مـ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ع ْ‬‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫م ْ‬
‫ن أت ْ َ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫ج ٍ‬
‫ح َ‬‫ى ِ‬ ‫ثَ َ‬
‫مان ِ َ‬
‫‪ .(( (27‬فأكمل بذلك عشر سنين ليعود إلييى مصيير‬
‫ثانية‪.‬‬
‫والنبي ‪ ‬دخل مكة فاتح يا ً منتصييرا ً بعييد ثميياني‬
‫سنوات من الهجرة‪ ،‬بينما نرى أن الرسالة تمت في‬
‫السنة العاشييرة‪ ..‬إنهييا نفييس الوعييود‪ ،‬تحققييت فييي‬
‫نفس المدة تمامًا‪ ،‬وتحت نفييس الظييروف الصييعبة‪.‬‬
‫ب‪‬‬ ‫ق ُ‬‫خاِئفا ً ي َت ََر ّ‬ ‫فسيدنا موسى خرج من مصر ‪َ ‬‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫مُرو َ‬‫مل َ ي َأت َ ِ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬‫وقال له أحد أهييل المدينيية ‪‬إ ِ ّ‬
‫ك ‪ ،‬وسيدنا محمد ‪ ‬خرج ميين مكيية‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫بِ َ‬
‫ك ل ِي َ ْ‬
‫مهاجرا ً في الليل‪ ،‬بعد أن ائتمر به الكفار ليقتلوه‪.‬‬
‫إن تشابه الحداث يضعنا تحت سؤال‪ :‬هييل نحيين‬
‫واثقون بنصر الله؟ فييالله تعييالى قييد وعييدنا بالنصيير‬
‫من ُــوا ْ ِ‬
‫من ْك ُـ ْ‬
‫م‬ ‫ن ءا َ‬ ‫عـدَ ٱللــه ٱل ّـ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫و َ‬
‫والتمكين‪َ  :‬‬
‫‪433‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫فـــى‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫خل ِ َ‬
‫فن ّ ُ‬ ‫ســـت َ ْ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص ٰــــل ِ َ‬ ‫مُلـــوا ْ ٱل ّ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫ف ٱل ّـ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هـ ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬‫مـن َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫سـت َ ْ‬ ‫مـا ٱ ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ٱل ْر ِ‬
‫م‬ ‫هـ ْ‬‫ضـ ٰى ل َ ُ‬ ‫ذى ٱْرت َ َ‬ ‫م ٱّلـ ِ‬ ‫هـ ُ‬ ‫م ِدين َ ُ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫مك َّنـ ّ‬ ‫ول َي ُ َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫دون َِنى ل َ‬ ‫عُبــ ُ‬ ‫منا ً ي َ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬‫و ِ‬‫خ ْ‬‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬‫ول َي ُب َدّل َن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫شْيئا ً ‪) ‬النور‪ .(55 ،‬هذا الييية وعييد‬ ‫ن ِبى َ‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬
‫ش ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫ه‬
‫دو ُ‬ ‫ميين وعييود اللييه تعييالى‪ ،‬تشييبه تمام يا ً ‪‬إ ِّنا َرا ّ‬
‫ك‬‫عل َْيـــ َ‬ ‫ض َ‬ ‫فـــَر َ‬ ‫ذى َ‬ ‫ن ٱّلـــ ِ‬ ‫ك‪ ( (7‬و ‪‬إ ِ ّ‬ ‫إ ِل َْيـــ ِ‬
‫عاٍد‪ ( (85‬في كونها من‬ ‫م َ‬‫ك إ ِل َ ٰى َ‬ ‫ن ل ََرادّ َ‬ ‫قْرءا َ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫عند الله‪ ،‬وأنها متحققة ل محاليية كمييا تحققييت هييذه‬
‫الوعود‪) ،‬وإن طالت المدة لثماني أو عشر سنين أو‬
‫أكثر(‪ .‬فهل ستمتلئ قلوبنييا بوعييد اللييه بعييد قراءتنييا‬
‫لسورة القصص؟‬
‫ضريبة الدعوة‬
‫لكيين تحقييق وعييد اللييه تعييالى مرتبييط بتضييحية‬
‫ومجاهييدة ميين الييدعاة أنفسييهم‪ ،‬ولييذلك أشييارت‬
‫السورة إلى انتقييال مكييان الييدعوة‪ ،‬كمييا فييي قصيية‬
‫موسى عليه السلم وسيرة النبي ‪ ،‬ويتجلى ذلييك‬
‫ع‬ ‫و َ ُ ْ‬ ‫بوضييوح فييي قييوله تعييالى ‪َ ‬‬
‫قــالوا ِإن ن ّت ِّبــ ِ‬
‫َ‬ ‫خط ّ ْ‬
‫ضَنا‪.( (57‬‬
‫ن أْر ِ‬
‫م ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ع َ‬
‫ك ن ُت َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫هدَ ٰى َ‬
‫ل‪ ،‬لنييه‬ ‫فطريق الدعوة إلى الله ليس طريقا ً سه ً‬
‫مليء بالتضحيات وترك الوطييان‪ ،‬لكيين آخييره نصيير‬
‫وعزة إن شاء الله‪.‬‬
‫إرادة الباطل وإرادة الله‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪434‬‬

‫تعالوا نعيييش سييويا ً مييع سييورة القصييص لنتعلييم‬


‫الثقة بوعد الله‪ :‬في الية الثالثيية كييان الحيديث إليى‬
‫المؤمنين فقط لنهم هييم الييذين يثقييون بوعييد اللييه‪:‬‬
‫ن‬ ‫و َ‬ ‫عــ ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫و ِ‬ ‫ســ ٰى َ‬ ‫مو َ‬ ‫مــن ن َّبــإ ِ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫عل َْيــ َ‬ ‫‪ُ‬لــوا ْ َ‬ ‫ن َت ْ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وم ٍ ي ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ق لِ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ِٱل ْ َ‬
‫وفي الييية الرابعيية نجييد أن الوضييع كييان شييديدا ً‬
‫على سيدنا موسى والذين آمنوا معه‪ ،‬كمييا كييان مييع‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫عل َ ِ‬ ‫محميييد ‪: ‬إ ِ ّ‬
‫فـــى ٱل ْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫عـــ ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ن ِ‬
‫م‬ ‫هـ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ة ّ‬ ‫فـ ً‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ضـ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫شَيعا ً ي َ ْ‬ ‫ها ِ‬ ‫هل َ َ‬ ‫ل أَ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مـ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ه ْ‬‫ساء ُ‬ ‫ى نِ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ح أب َْناء ُ‬ ‫ي ُذَب ّ ُ‬
‫ن ‪ ‬تصييوير رهيييب فييي كلمييات قليليية‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫لمييدى قييوة فرعييون وضييعف بنييي إسييرائيل‪ ،‬لتييأتي‬
‫بعدها الية الخامسة بالوعد الرائع‪:‬‬
‫فوا ْ‬ ‫َ‬
‫ع ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫ن ٱ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ٱل ّ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ّ‬ ‫ريدُ أن ن ّ ُ‬ ‫ون ُ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هـــ ُ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫مـــ ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫هـــ ْ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫فـــى ٱل ْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫رِثي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ن‬ ‫كــ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ون ُ َ‬ ‫ويأتي وعد أعظم من ذلك‪ :‬التمكين‪َ  :‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ٰـــ َ‬ ‫ه ٰـ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫عــ ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ى ِ‬ ‫ر َ‬ ‫وُنــ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫فــى ٱلْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫هــ ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫ن‪( (6‬‬ ‫ذرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫جُنودَ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫فتلييك كييانت إرادة فرعييون‪ ،‬وهييذه إرادة اللييه‪...‬‬
‫فهل سيتحقق وعده سبحانه؟‬
‫أم موسى والتغيير‬
‫ورت ظلم فرعييون وجنييوده‪،‬‬ ‫وبعد اليات التي ص ّ‬
‫وآيات الوعد الرباني بالنصيير والتمكييين‪ ،‬تأتينييا الييية‬
‫‪435‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ُ‬ ‫و َ‬
‫ســ ٰى‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫حي َْنا إ ِل َ ٰى أ ّ‬ ‫و‪َ ‬‬
‫عجيب‪:‬أ ْ‬
‫َ‬ ‫السابعة بأمر‬
‫ه‪ ( (7‬فكأن هذه الية هي بداية تحقيق‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عي ِ‬‫ض ِ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫أ ْ‬
‫الوعد‪ ،‬كيف؟‬
‫فالسييورة ‪ -‬بعييد أن أشييارت إلييى علييو فرعييون‬
‫وتجّبره وإلى حتمية التغيير ‪ -‬انتقلت إلى جو مختلف‬
‫تماميًا‪ :‬أم ترضييع ابنهييا‪ .‬فمييا العلقيية؟ إن فييي ذلييك‬
‫إشييارة بييأن النصيير يبييدأ بأمهييات تربييي أطفالهييا‪،‬‬
‫وترضعهم ‪ -‬مع الحليب ‪ -‬التمسك بهذا الدين‪ ،‬والثقة‬
‫بوعد الله‪ .‬واللطيييف أن الييية لييم تقييل لم موسييى‬
‫)فإذا خفت عليه فخييبئيه( أو )فاحضيينيه(‪ ،‬بييل قييالت‬
‫م‪‬‬ ‫فــى ٱلي َ ـ ّ‬ ‫ه ِ‬‫قي ِ‬ ‫ف ـأ َل ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫عل َي ْـ ِ‬‫ت َ‬ ‫خ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫فإ ِ َ‬‫لها ‪َ ‬‬
‫‪ ،((7‬وكأن المعنى‪ :‬إلقيه في اليم وثقييي بوعييد اللييه‪،‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫عُلوهُ ِ‬ ‫ج ٰـ ِ‬
‫و َ‬‫ك َ‬ ‫دوهُ إ ِل َي ْ ِ‬ ‫لماذا؟ لنه يقول ‪‬إ ِّنا َرا ّ‬
‫ن‪ .( (7‬قصة مولييد أميية‪ ،‬بييدأت بطفييل‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫يرمى في البحر‪ ،‬وأم واثقة من وعد الله لها‪.‬‬
‫دور المرأة في نصرة الدين‬
‫وسييورة القصييص تسييلط الضييوء بشييكل واضييح‬
‫على دور المييرأة فيي نصييرة هييذا الييدين‪ .‬فالمحيياور‬
‫الرئيسية في السورة والشخاص الساسيون الييذين‬
‫ن‬‫ساعدوا موسييى عليييه السييلم فييي تأدييية دوره كي ّ‬
‫ُ‬ ‫أربع نساء‪ ،‬أولهيين أم موسييىوأ َ‬
‫م‬ ‫حي َْنا إ ِل َـ ٰى أ ّ‬
‫و َ‬‫‪ْ‬‬ ‫َ‬
‫س ٰى ‪ .‬التي حمته بتصييرفها الواثييق بوعييد اللييه‬ ‫مو َ‬‫ُ‬
‫لها‪..‬‬
‫ه‬
‫صــي ِ‬ ‫ه ُ‬
‫ق ّ‬ ‫ت لُ ْ‬
‫خِتــ ِ‬ ‫قال َ ْ‬‫و َ‬
‫ثم دور أخت موسى ‪َ ‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪436‬‬

‫‪‬‬ ‫ن‬ ‫عُرو َ‬ ‫شــ ُ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬ ‫هــ ْ‬ ‫و ُ‬‫ب َ‬ ‫جُنــ ٍ‬ ‫عــن ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ت ِبــ ِ‬ ‫صــَر ْ‬ ‫فب َ ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ه ْ‬ ‫ت َ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫من َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ض َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ه ٱل ْ َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫مَنا َ‬ ‫حّر ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م لـ ُ‬ ‫هـ ْ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه لك ُـ ْ‬ ‫فلون َ ُ‬ ‫ت ي َك ْ ُ‬ ‫ل ب َي ْ ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫عل ٰى أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أدُل ّك ُ ْ‬
‫ُ‬
‫ه‪ .( (11 – 13‬إنه دور‬ ‫م ِ‬ ‫ه إ ِل َ ٰى أ ّ‬ ‫ف ‪َ‬ردَدْن َ ٰـ ُ‬ ‫نَ‬
‫حو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن َ ٰـ ِ‬
‫الخت التي أعادت موسى عليييه السييلم إلييى أمييه‪.‬‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫م ـَرأ ُ‬ ‫تٱ ْ‬ ‫قــال َ ِ‬ ‫و َ‬ ‫والثالثيية هييي زوجيية فرعييون ‪َ ‬‬
‫ســ ٰى‬ ‫ع َ‬ ‫قت ُُلــوهُ َ‬ ‫ك ل َ تَ ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ن ّلى َ‬ ‫عي ْ ٍ‬ ‫قّرةُ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫و َ‬ ‫ع ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ِ‬
‫ول َــدا ً‪ .( (9‬والرابعيية هييي‬ ‫َ‬ ‫َأن ي َن ْ َ‬
‫خ ـذَهُ َ‬ ‫و ن َت ّ ِ‬ ‫عَنا أ ْ‬ ‫ف َ‬
‫ما‬ ‫ه َ‬ ‫دا ُ‬ ‫حـ َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫جــاءت ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫بنييت شييعيب الييتي تزوجهييا‪َ  :‬‬
‫ك‬ ‫عو َ‬ ‫ن أ َِبى َيــدْ ُ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫حَياء َ‬ ‫ست ِ ْ‬ ‫عَلى ٱ ْ‬ ‫شى َ‬ ‫م ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ت ل ََنا‪ .( (25‬ل بل أنها هي‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫زي َ َ‬
‫قي ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫جَر َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫ما‬ ‫ه َ‬ ‫دا ُ‬ ‫حــ َ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫التي أوحت لبيها بهذه الفكييرة ‪َ ‬‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫جْر َ‬ ‫سَتـــ َ‬ ‫نٱ ْ‬ ‫مــ ِ‬ ‫خْيــَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫جْرهُ إ ِ ّ‬ ‫سَتـــ ِ‬ ‫تٱ ْ‬ ‫يــٰأب َ ِ‬
‫ن‪ ..( (26‬إنهيين أربييع نسيياء كييان‬ ‫ميـ ُ‬ ‫ى ٱل َ ِ‬ ‫و ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫لهيين دور محييوري فييي حييياة سيييدنا موسييى عليييه‬
‫السلم بعون وتوفيق من الله تعالى‪..‬‬
‫وإن كان هناك أربع نساء ساعدن سيدنا موسييى‬
‫في حياته وفي دعوته‪ ،‬فإننييا نييرى فييي حييياة سيييدنا‬
‫محمييد أدوارا ً مهميية للعديييد ميين النسيياء‪ ،‬كالسيييدة‬
‫خديجيية رضييي اللييه عنهييا الييتي كييانت تييدعم النييبي‬
‫بنفسييها ومالهييا‪ ،‬بالضييافة إلييى أم سييلمة وعائشيية‬
‫وغيرهن من أمهات المؤمنين‪ .‬ول ننسى أول شهيدة‬
‫في السلم‪ ،‬السيدة سييمية‪ ،‬والسيييدة فاطميية بنييت‬
‫النبي ‪ ‬وسييدة نسياء العيالمين‪ ..‬أرأييت المقابلية‬
‫‪437‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الشديدة بين حياة النبيين الكريمين؟ فالسورة كلهييا‬


‫تركييز علييى أن وضييع سيييدنا موسييى وحييياته يشييبه‬
‫ظروف السيرة النبوييية الكريميية كمييا يشييبه وضييعنا‬
‫اليوم‪ ،‬لتؤكد على نفس المعنييى‪ :‬يييا مسييلمون ثقييوا‬
‫بوعد الله‪...‬‬
‫الوعد وتحقق الوعد‬
‫تتضمن سورة القصص سبع وعييود فلنتأمييل هييذه‬
‫الوعود وهل تحققت أم ل؟‪..‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وأ َ‬
‫ن‬‫س ـ ٰى أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫‪‬ي ْن َــا إ ِل َـ ٰى أ ّ‬ ‫ح‬
‫و َ‬ ‫تعالى ْ‬
‫َ‬ ‫يقول‬
‫م‬ ‫فـى ٱلي َـ ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫قي ِ‬ ‫فـأ َل ْ ِ‬ ‫عل َْيـ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ت َ‬ ‫ف ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫ه َ‬
‫عي ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫أْر ِ‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫دوهُ إ ِل َْيـــ ِ‬ ‫حَزِنـــى إ ِّنـــا َرا ّ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫فى َ‬ ‫ول َ ت َ َ‬
‫خـــا ِ‬ ‫َ‬
‫ن‪( (7‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫ن ٱل ُ‬ ‫م َ‬ ‫علوهُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫جـٰ ِ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫دوهُ‬ ‫هذه الييية تتضييمن وعييدين‪ ،‬الول‪ :‬إ ِّنا َرا ّ‬
‫ن‬‫س ـِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫عُلوهُ ِ‬‫جـ ـٰ ِ‬ ‫و َ‬‫ك ‪ ‬والثيياني‪َ  :‬‬ ‫إ ِل َي ْ ِ‬
‫‪..‬‬
‫أما الوعد الول‪ ،‬فقد تحقييق‪ ،‬وأخييبر اللييه تعييالى‬
‫ُ‬
‫ه ك َـ ْ‬
‫ى‬ ‫مـ ِ‬‫ه إ ِل َ ٰى أ ّ‬ ‫‪‬دَدْن َ ٰـ ُ‬‫فَر‬ ‫عن ذلك في الية ‪َ :13‬‬
‫َ‬
‫ع ـدَ ٱللــه‬ ‫و ْ‬‫ن َ‬‫مأ ّ‬ ‫عل َـ َ‬‫ول ِت َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ح ـَز َ‬‫ول َ ت َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫عي ْن ُ َ‬
‫قّر َ‬‫تَ َ‬
‫ن‪ ..( (13‬أي‬ ‫مــو َ‬‫عل َ ُ‬‫م ل َ يَ ْ‬ ‫هــ ْ‬‫ن أ َك ْث ََر ُ‬
‫ول َ ٰـــك ِ ّ‬ ‫ق َ‬
‫حــ ّ‬ ‫َ‬
‫ولتعلم أم موسى‪ ،‬وتعلم يا محمد‪ ،‬وتعلييم أنييت وأنييا‬
‫والمة كلها أن وعد الله حق‪ ،‬وأن هذا الدين منصور‬
‫ل محالييية‪ ،‬لكييين أيييين النييياس اليييذين سييييتحركون‬
‫ويضحون لنصرة هذا الدين كمييا تحركييت أم موسييى‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪438‬‬

‫وكما تحرك النبي؟‬


‫ن‬ ‫مــــ َ‬ ‫عُلوهُ ِ‬ ‫‪ٰ ‬ـــــ ِ‬ ‫ج‬ ‫و َ‬ ‫وأمييييا الوعييييد الثيييياني َ‬
‫ما‬ ‫فل َ ّ‬‫ن ‪ ،‬فقد تحقق في الية )‪َ  :(30‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مـ ِ‬ ‫واِدى ٱل ي ْ َ‬ ‫طىء ٱل ْـ َ‬ ‫شــا ِ‬ ‫مــن َ‬ ‫ى ِ‬ ‫ها ن ُــوِد َ‬ ‫أَتـٰ َ‬
‫ة َأن‬ ‫جَر ِ‬ ‫شــ َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫مــ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫كــ ِ‬ ‫مَباَر َ‬ ‫ة ٱل ْ ُ‬ ‫عــ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫فــى ٱل ْب ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰـل َ ِ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫س ٰى إ ِّنى أَنا ٱلله َر ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ٰي ُ‬
‫وليس هذا فحسب‪ ،‬بل إننا نييرى وعيدا ً ثالثيا ً فيي‬
‫ك‬ ‫خيــ َ‬ ‫ك ب ِأ َ ِ‬ ‫ضــدَ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫شــدّ َ‬ ‫سن َ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫قــا َ‬ ‫قييوله تعييالى ‪َ ‬‬
‫مــا‬ ‫ن إ ِل َي ْك ُ َ‬ ‫صــُلو َ‬ ‫فل َ ي َ ِ‬ ‫سل ْطَ ٰـــنا ً َ‬ ‫مــا ُ‬ ‫ل ل َك ُ َ‬ ‫عــ ُ‬ ‫ج َ‬‫ون َ ْ‬ ‫َ‬
‫ما ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (35‬‬ ‫غ ٰـــل ُِبو َ‬ ‫عك ُ َ‬‫ن ٱت ّب َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫و َ‬‫ما َ‬ ‫ِبـاي َ ٰـت َِنا أنت ُ َ‬
‫ما ‪ ‬قييد‬ ‫ن إ ِل َي ْك ُ َ‬ ‫صُلو َ‬ ‫فل َ ي َ ِ‬ ‫هذه الضمانة الربانية ‪َ ‬‬
‫ه‬
‫جن ُــودَ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫خذْن َ ٰـ ـ ُ‬ ‫‪‬أ َ َ‬ ‫تحققييت فييي قييوله تعييالى‪َ :‬‬
‫ف‬
‫ة‬‫قب َ ُ‬ ‫ع ٰـ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ف ٱنظُْر ك َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫فى ٱل ْي َ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫فن َب َذْن َ ٰـ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‪ ..( (40‬ونلحظ دائم يا ً أن هنيياك فييترة‬ ‫مي َ‬ ‫ٱلظّ ٰـل ِ ِ‬
‫بين الوعد وتحقق الوعد‪ .‬هذه الفترة قد تتراوح بييين‬
‫عشر سنين‪ ،‬أو أربعين سنة‪ ،‬وقد تطول وقد تقصيير‪،‬‬
‫بمشيئة الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫أذان التمكين عند فتح مكة‬
‫وقد وعد الله تعالى النبي ‪ ‬بفتح مكة‪ ،‬وتحقق‬
‫وعد الله‪ ،‬وعيياد النييبي ‪ ‬إليهييا‪ ،‬وصييعد بلل رضييي‬
‫الله عنه وأّذن‪ ..‬وتحقق وعد الله‪ ،‬وتكسرت الصنام‬
‫ل‬‫قـ ْ‬‫و ُ‬ ‫وأصبح الصحابة يرددون قييول اللييه تعييالى ‪َ ‬‬
‫ن‬
‫كــا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ٱل ْب َ ٰـطِ َ‬ ‫ق ٱل ْب َ ٰـطِ ُ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫ه َ‬
‫وَز َ‬
‫ق َ‬ ‫جاء ٱل ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫حَنــا‬ ‫قا ‪) ‬السراء ‪ (81‬وقوله تعالى ‪‬إ ِّنا َ‬
‫فت َ ْ‬ ‫هو ً‬
‫َز ُ‬
‫‪439‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫مِبينا ً ‪) ‬الفتح ‪.(1‬‬


‫فْتحا ً ّ‬ ‫لَ َ‬
‫ك َ‬
‫وتحقق وعد الله تعييالى بالنتصييار علييى الفييرس‬
‫م‬ ‫من ْ ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫مُنــوا ْ ِ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عــدَ ٱللــه ٱّلــ ِ‬ ‫و َ‬ ‫والييروم ‪َ ‬‬
‫فـــى‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫خل ِ َ‬
‫فن ّ ُ‬ ‫ســـت َ ْ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص ٰــــل ِ َ‬ ‫مُلـــوا ْ ٱل ّ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫ف ٱل ّـ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هـ ْ‬ ‫مـن َ‬
‫قب ْل ِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫سـت َ ْ‬ ‫مـا ٱ ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ٱل ْر ِ‬
‫م‬‫هـ ْ‬ ‫ضـ ٰى ل َ ُ‬ ‫ذى ٱْرت َ َ‬ ‫م ٱّلـ ِ‬ ‫هـ ُ‬ ‫م ِدين َ ُ‬‫هـ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫مك َّنـ ّ‬ ‫ول َي ُ َ‬
‫َ‬
‫دون َِنى ل َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عُبــ ُ‬ ‫منا ي َ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬‫و ِ‬‫خ ْ‬‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬‫ولي ُب َدّلن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫شْيئا ً ‪) ‬النور ‪..(55‬‬ ‫ن ِبى َ‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬
‫ش ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫عمار بن ياسر ووعد الله‬
‫وتحقييق وعييد اللييه سييبحانه تعييالى فييي الييية‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬‫عل َــى ٱل ّـ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ّ‬ ‫ريـدُ أن ن ّ ُ‬ ‫الخامسة أيضا ً ‪َ ‬‬
‫ون ُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫مــ ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫عل َ ُ‬
‫هــ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ون َ ْ‬‫ض َ‬ ‫فــى ٱل ْر ِ‬ ‫فوا ْ ِ‬‫ع ُ‬ ‫ضــ ِ‬‫ست ُ ْ‬‫ٱ ْ‬
‫ن ‪ ،‬ليييس لبنييي إسييرائيل‬ ‫رِثي َ‬‫وا ِ‬ ‫م ٱْلــ َ‬ ‫هــ ُ‬‫عل َ ُ‬
‫ج َ‬‫ون َ ْ‬ ‫َ‬
‫فقط‪ ،‬بل لصحابي جليل‪ ،‬وهو عمار بن ياسر‪ .‬كيف؟‬
‫فقييد قييال سيييدنا عميير رضييي اللييه عنييه لعمييار‪:‬‬
‫"إذهييب لقييد وليتييك إمييارة العييراق" وأرسييل معييه‬
‫مساعدا ً في وليتييه‪ ،‬وبقييي عمييار فييي المييارة مييدة‬
‫شهر ‪ -‬مع أن مؤهلته القيادية ل تصلح ليكون واليا ً ‪-‬‬
‫إلى أن اسييتدعاه عميير بيين الخطيياب إلييى المدينيية‪.‬‬
‫وحين سئل أمييير المييؤمنين عيين سييبب ذلييك‪ ،‬قييال‪:‬‬
‫"لقد نظرت في كتيياب اللييه ووجييدت أن كييل وعييود‬
‫الله تبارك وتعالى قد تحققييت لنييا ولميية النييبي ‪،‬‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫مـ ّ‬ ‫ري ـدُ أن ن ّ ُ‬ ‫ون ُ ِ‬
‫ورأيت قول الله تبارك وتعالى " ‪َ ‬‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫فوا ْ ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫عَلـــى ٱّلـــ ِ‬
‫فـــى ٱل ْر ِ‬ ‫ضـــ ِ‬ ‫ست ُ ْ‬‫نٱ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪440‬‬

‫َ‬
‫ن‪( (58‬‬ ‫رِثي َ‬
‫وا ِ‬‫م ٱْلــ َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫هــ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ون َ ْ‬‫ة َ‬ ‫مــ ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫عل َ ُ‬
‫هــ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫َ‬
‫وأنييت يييا عمييار ميين الييذين استضييعفوا فييي الرض‪،‬‬
‫فأردت يا عمار أن أري الناس وعد الله وهو يتحقق‪،‬‬
‫اذهب فقد وليتك العييراق لمييدة شييهر ليييرى النيياس‬
‫ريدُ َأن‬ ‫وعد اللييه وهييو يتحقييق أمييام أعينهييم ‪َ ‬‬
‫ون ُ ِ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫فوا ْ ِ‬‫ع ُ‬ ‫عَلى ٱل ّـ ِ‬
‫فــى ٱل ْر ِ‬ ‫ضـ ِ‬‫ست ُ ْ‬ ‫نٱ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ّ‬ ‫نّ ُ‬
‫َ‬
‫ن ‪.‬‬‫رِثي َ‬ ‫م ٱل ْ َ‬
‫وا ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫عل َ ُ‬‫ج َ‬‫ون َ ْ‬‫ة َ‬ ‫م ً‬‫م أئ ِ ّ‬ ‫ه ْ‬‫عل َ ُ‬‫ج َ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫َ‬
‫سراقة بن مالك وسواري كسرى‬
‫وتتجلى ثقة النبي بوعييد اللييه تعييالى فييي حادثيية‬
‫الهجرة أيضًا‪ ،‬حين كان ‪ ‬مطاردا ً وجاء سراقة بيين‬
‫مالييك ليقتلييه أو يأسييره وينييال جييائزته ميين قريييش‬
‫)وهي ‪ 100‬ناقة(‪ ..‬لكنييه كلمييا حيياول القييتراب منييه‬
‫وقع عن فرسه بل سييبب مييع كييونه فارس يا ً مغييوارًا‪،‬‬
‫فيقول سراقة "فعلمت بأن الرجييل ممنييوع"‪ .‬أي أن‬
‫هناك ما يمنعه‪ ،‬فقال يا محمد أعطني المان‪ ،‬فقييال‬
‫النبي ‪ ‬لك المان‪ ،‬فقال سراقة‪ :‬يييا محمييد أردت‬
‫أن آخذك فلم أسييتطع وكنييت أرييد جييائزة فيأعطني‬
‫أنت شيئًا‪ ،‬فقال له النبي ‪ ‬أعدك سواري كسرى‪،‬‬
‫فقال سراقة‪ :‬كسرى من؟ فقال النبي ‪ :‬كسييرى‬
‫ملك الفيرس فقيال سيراقة‪ :‬أتكتيب ليي كتابيا ً بهيذا‬
‫فقال النبي يا أبا بكر أكتب له كتابا ً بهذا‪.‬‬
‫يا رسول اللييه‪ ،‬لميياذا لييم تعييده بأوقييية بلييح ميين‬
‫المدينة؟ أو بمبلغ من المال؟ لماذا سواري كسرى؟‬
‫إنها الثقة من النبي ‪ ‬بوعد الله تبارك وتعالى‪...‬‬
‫‪441‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وقد احتفظ سراقة بالكتاب قبل أن يسلم‪ ،‬وبقي‬


‫يحتفظ بالكتاب إلى خلفة عميير‪ ،‬عنييدما فتحييت بلد‬
‫فارس ودخل المسلمون المييدائن عاصييمة الفييرس‪.‬‬
‫وغنيييم المسيييلمون كنيييوز كسيييرى ووضيييعت فيييي‬
‫المسجد‪ ،‬وعندها صعد عمر بن الخطاب رضي اللييه‬
‫عنه المنبر ونادى‪ :‬أين سراقة بن مالك‪ .‬فيأتي رجيل‬
‫عجوز ويقييول ميياذا يييا أمييير المييؤمنين؟ فيقييول‪ :‬يييا‬
‫سراقة هذه سواري كسرى قسمة موعودة قسييمها‬
‫لك النبي ‪ ‬قبل أن يموت‪ .‬فبكييى جميييع ميين فييي‬
‫المسجد ونظروا إلى بيت النبي وقالوا صدق صاحب‬
‫هييذا المقييام‪ ...‬صييلى اللييه علييى محمييد ‪ .‬يييا‬
‫مسلمون‪ ،‬ثقوا بوعد الله كما فعل نبيكم‪...‬‬
‫إن الله زوى لي الرض‬
‫وكمييا وعييد النييبي سييراقة بيين مالييك بسييواري‬
‫كسرى‪ ،‬فقد وعدنا عليه الصلة والسلم وعدا ً رائعًا‪:‬‬
‫"إن اللييه زوى لييي الرض فوجييدت ملييك أمييتي‬
‫سيبلغ ما زوى لي منهييا"‪ .‬لكيين ليتحقييق هييذا الوعييد‬
‫نرى أن سورة القصص ترشدنا إلى كيفييية تحقيقييه‪:‬‬
‫ن لَ‬ ‫ذي َ‬‫هـــا ل ِل ّـــ ِ‬
‫عل ُ َ‬
‫ج َ‬
‫خـــَرةُ ن َ ْ‬‫داُر ٱل َ ِ‬ ‫ك ٱلـــ ّ‬ ‫‪‬ت ِل ْـــ َ‬
‫ســـادا ً‬ ‫َ‬ ‫وا ً ِ‬
‫ف َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ض َ‬ ‫فـــى ٱل ْر ِ‬ ‫عُلـــ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ريـــ ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫ن ‪) ‬القصييص ‪ (83‬فالييذين‬ ‫قيــ َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫قب َ ُ‬
‫ع ٰـــ ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬‫َ‬
‫يستحقون وعد الليه بالنصيير والتمكيين والملييك فيي‬
‫الرض وقيادة البشرية هم الذين ل يريدون علوا ً في‬
‫ة‬‫قب َ ُ‬
‫ع ٰـــ ِ‬ ‫‪‬ٱل ْ َ‬‫الرض ول فسيييادًا‪ ،‬وقيييوله تعيييالى َ‬
‫و‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪442‬‬

‫ن ‪ ‬يعنييي أن نهاييية النصيير ل تكييون إل‬


‫قيــ َ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬
‫للمتقين‪..‬‬
‫قارون‪ :‬عل في الرض‪ ،‬فعلته الرض‬
‫خـَرةُ‬ ‫داُر ٱل َ ِ‬ ‫ك ٱل ـ ّ‬ ‫وهييذه الييية السييابقة ‪‬ت ِل ْ َ‬
‫َ‬ ‫وا ً ِ‬
‫ض‬
‫فــى ٱل ْر ِ‬ ‫عل ُـ ّ‬‫ن ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ريـ ُ‬ ‫ن ل َ يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ل ِل ّـ ِ‬
‫عل ُ َ‬
‫ج َ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن ‪ ‬أتييت تعقيب يا ً‬ ‫قيـ َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬‫قب َ ُ‬ ‫ع ٰــ ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫سادا ً َ‬ ‫ف َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫َ‬
‫علييى قصيية قييارون‪ ،‬للشييارة بييأن السييلطة والجيياه‬
‫الذي كان قارون يعيش فيهما كانييا ميين قبيييل العلييو‬
‫والفساد‪ ،‬وكانت النتيجة أن خسييف اللييه بييه وبييداره‬
‫ض‪.( (81..‬‬ ‫َ‬ ‫س ْ‬ ‫الرض ‪َ ‬‬
‫ه ٱل ْر َ‬ ‫ر ِ‬‫دا ِ‬ ‫وب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫فَنا ب ِ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ف َ‬
‫فالسورة تتحدث عن تحقق وعد اللييه للمييؤمنين‬
‫الصادقين )بني إسرائيل وأم موسى وموسى(‪ .‬ميين‬
‫فــى‬ ‫وا ً ِ‬‫عل ُ ّ‬
‫ن ُ‬‫دو َ‬ ‫ري ُ‬‫ن ل َ يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫هم أولئك يا رب؟ ‪‬ل ِل ّ ِ‬
‫ســادا ً‪ ( (83‬لييذلك جيياءت قصيية‬ ‫ول َ َ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫ض َ‬ ‫ٱل ْر ِ‬
‫قييارون كنمييوذج للييذين يريييدون علييوا ً فييي الرض‬
‫وفسادًا‪ ،‬ولتحذرنا منهم‪.‬‬
‫سبب تسمية السورة‬
‫وكالعادة‪ ،‬يبقى سؤال مهييم وهييو‪ :‬لميياذا سييميت‬
‫السورة بسورة القصص؟‬
‫إن المعنى اللغوي للقصص هو تتبييع أثيير الشيييء‬
‫ت‬‫قال َ ْ‬
‫و َ‬
‫حتى نهييايته كمييا جيياء فييي قييوله تعييالى ‪َ ‬‬
‫ه‪ .( (11‬أي تتبعي آخر الخبييار وقييوله‬ ‫صي ِ‬ ‫ق ّ‬‫ه ُ‬ ‫لُ ْ‬
‫خت ِ ِ‬
‫ص‪‬‬ ‫صـ َ‬ ‫ه ٱل ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫عل َي ْـ ِ‬
‫ص َ‬ ‫و َ‬
‫قـ ّ‬ ‫جاءهُ َ‬
‫ما َ‬‫فل َ ّ‬‫تعالى ‪َ ‬‬
‫‪ ((25‬أي حييدثه عيين الموضييوع ميين أولييه لخييره‪،‬‬
‫‪443‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫فالقصص هو تتبع أثر الشيء حتى نهايته‪..‬‬


‫وقد سييميت بسييورة القصييص لترشييدنا بأننييا لييو‬
‫تتّبعنا القصص فييي السييورة إلييى نهايتهييا لوجييدنا أن‬
‫وعد الله في كل واحدة منها قد تحقق‪ ،‬وأن العاقبيية‬
‫للمتقين‪ ...‬ولكن المشكلة عند كثير من النيياس هييي‬
‫في عدم تتبعهم للقصص‪ ،‬فالبعض ينظر إلييى حلقيية‬
‫واحدة في الصراع بين الحييق والباطييل هييي هزيميية‬
‫الحق‪ ،‬فيظن بأن وعد الله لن يتحقق‪...‬‬
‫فميين الن وصيياعدًا‪ ،‬كلمييا تقييرأ كلميية القصييص‪،‬‬
‫كر أن‬ ‫تذكر نهاية قصص هذه السورة الكريميية‪ ،‬وتييذ ّ‬
‫وعد الله بالنصر والتمكييين متحقييق ل محاليية‪ ،‬مهمييا‬
‫طالت المدة أو تأخرت‪.‬‬
‫سيدنا موسى بين سورتي القصص والكهف‬
‫وهناك مقابلة لطيفة بين قصة سيدنا موسى في‬
‫سورة الكهف مع قصته في سورة القصص‪.‬‬
‫ففي سورة الكهف استغرب موسييى فييي قصييته‬
‫مع الخضر عليهمييا السييلم ممييا فعلييه الخضيير‪ ،‬ميين‬
‫إغراق السفينة وقتل الغلم وإكرام القوم الذين لييم‬
‫يستضيفوهما‪.‬‬
‫واللطيف أن هذه المور الثلثيية قييد حصييلت مييع‬
‫موسى كما أخبرت سورة القصص‪ ،‬فلقد ألقتييه أمييه‬
‫في البحر‪ ،‬ولقد قتل رجل ً ميين جنيود فرعييون خطييأ‪،‬‬
‫وكييذلك فييإن أبييا المرأتييين استضييافه لمييدة عشيير‬
‫سنين‪..‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪444‬‬

‫فوعود الله تبارك وتعالى تحققت في السييورتين‬


‫رغم صعوبة الظروف‪ ،‬لن الله يفعل ما يشاء‪ .‬وقييد‬
‫يحدث أن تتكرر المور في حياة النسان‪ ،‬فما كنييت‬
‫مسييتغربا ً منييه بييالمس فقييد يحصييل لييك اليييوم‬
‫خت َــاُر ‪ ...‬فثييق بييأن‬
‫وي َ ْ‬ ‫ما ي َ َ‬
‫شاء َ‬ ‫ق َ‬‫خل ُ ُ‬ ‫وَرب ّ َ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫الله هو القدير وهو مالك الملك وهو المتصرف فييي‬
‫ملكه كيف يشاء‪.‬‬
‫سل‬
‫ن أكييثَر الن ّييا ِ‬
‫ب علييى أمييره ولك ي ّ‬
‫ه غييال ِ ٌ‬
‫والل ي ُ‬
‫يعلمون"!!!!‬
‫سورة العنكبوت‬

‫سو‬ ‫سييورة العنكبييوت )مكييية(‪ ،‬نزلييت بعييد سييورة‬


‫رة‬ ‫الييروم‪ ،‬وهييي فييي ترتيييب المصييحف بعييد سييورة‬
‫العنكبو‬ ‫القصص‪ ،‬وعدد آياتها ‪ 69‬آية‪.‬‬
‫سورة الفتن‬
‫وهييدف سييورة العنكبييوت يظهيير واضييحا ً ميين‬
‫س َأن ي ُت َْرك ُــوا ْ َأن‬
‫ب ٱلّنــا ُ‬ ‫س َ‬‫ح ِ‬
‫َ‬
‫بدايتها‪ :‬الـم ‪ ‬أ َ‬
‫ن‪" .( (1-2‬أيهييا‬ ‫م ل َ يُ ْ‬
‫فت َن ُــو َ‬ ‫هـ ْ‬
‫و ُ‬ ‫قول ُــوا ْ ءا َ‬
‫من ّــا َ‬ ‫يَ ُ‬
‫الميؤمن‪ ،‬جاهيد الفتين‪ ،‬واصيبر عليهيا‪ .‬فهيي سيورة‬
‫الفتن‪...‬‬
‫هذه الفتن أمر محتوم في حييياة المسييلم‪ ،‬وهييي‬
‫سنة كونية وقاعدة ربانية كتبها الله على هذه الدنيا‪.‬‬
‫وقد يسأل البعض‪ :‬لماذا هذه الفتن؟ ألييم يكيين ميين‬
‫الفضل أن نعيش حياة هادئة‪ ،‬فنصّلي ونصوم ونعبد‬
‫الله تعالى دون أي فتنة أو مصيبة‪ .‬ميين يسييأل هييذه‬
‫السئلة لم يفهم حكمة الله تعالى ومراده ميين هييذه‬
‫الدنيا‪ ،‬التي جعلها دار امتحان للخرة‪ .‬فبييدون فتيين‪،‬‬
‫ل يمكن أن يتميييز النيياس فييي الجنيية‪ ،‬ول يمكيين أن‬
‫نفييرق بييين ميين يسييتحق الفييردوس العلييى‪ ،‬وميين‬
‫‪445‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪446‬‬

‫يستحق أدنى درجات الجنة‪ ،‬ومن ل يستحق دخولهييا‬


‫إل بعد أن يميير بالعييذاب‪ ...‬إن ميين مقتضيييات عييدل‬
‫الله تعالى أن يعرض عباده للفتن حتى يميز الخبيث‬
‫من الطيب‪.‬‬
‫سنة كونية‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫سـ َ‬ ‫ح ِ‬‫لييذلك كييانت بداييية السييورة‪ :‬الـــم ‪ ‬أ َ‬
‫س‪  ..‬هل ميين المعقييول؟ ‪َ ..‬أن ي ُت َْرك ُــوا ْ‬ ‫ٱلّنا ُ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫م ل َ يُ ْ‬
‫فت َُنو َ‬ ‫ه ْ‬
‫و ُ‬ ‫قوُلوا ْ ءا َ‬
‫مّنا َ‬ ‫َأن ي َ ُ‬
‫هييل ميين المعقييول أن تعتقييدوا أنكييم مؤمنييون‬
‫لمجيييييرد أنكيييييم قلتيييييم "آمنيييييا" بيييييأفواهكم؟‬

‫حييتى ولييو كنتييم صييادقين فييي قولهييا‪ ،‬ل بييد ميين‬


‫ن ‪...‬‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م ل َ يُ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬‫المتحان‪َ ... .‬‬
‫ن أبييدا ً أّيهييا‬‫والصييل أن المييؤمن ُيبتلييى‪ ،‬فل تظني ّ‬
‫المييؤمن أن البتلء يأتيييك وحييدك‪ ،‬لن الييية الثالثيية‬
‫فت َن ّــا‬‫قـدْ َ‬‫ول َ َ‬
‫تقييرر أن هييذه الفتنيية س يّنة كونييية‪َ  :‬‬
‫م ‪ ‬لماذا يييا رب؟ تييأتي الجابيية‬ ‫ه ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ٱللــه ٱّلــ ِ‬ ‫مــ ّ‬ ‫عل َ َ‬
‫فل َي َ ْ‬
‫فييي الييية نفسييها‪َ  :‬‬
‫ن ‪ ‬أي ليظهييير‬ ‫ن ٱل ْك َ ٰــــ ِ‬
‫ذِبي َ‬ ‫مـــ ّ‬ ‫عل َ َ‬
‫ول َي َ ْ‬ ‫قوا ْ َ‬‫صـــدَ ُ‬‫َ‬
‫دعي اليمان‪ ...‬لذلك تأتي الييية‬ ‫م ّ‬ ‫المؤمن الحقّ من ُ‬
‫منوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ه الذي َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫)‪ (11‬بنفس المعنى‪" :‬ولَيعل َ‬
‫ن المنافقين"‪.‬‬ ‫م ّ‬‫ول ََيعل َ َ‬
‫وهنا قد يتبادر سؤال إلى الذهن‪ :‬أل يعلييم ربنييا ‪-‬‬
‫‪447‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وهو علم الغيوب ‪ -‬من سييينجح فييي الفتيين ويصييبر‪،‬‬


‫ومن سيقع ويضل‪...‬؟ فلم الفتيين إذًا؟ والجييواب‪ :‬أن‬
‫الله تعالى يرسل هييذه المتحانييات حييتى تعلييم أنييت‬
‫أيها النسان أمام نفسييك‪ ،‬وتكييون حجيية عليييك يييوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫كان يكفي أن يقول لك الله تبييارك وتعييالى يييوم‬
‫القياميييييييييييييييية‪" :‬أنييييييييييييييييا أعلييييييييييييييييم‬
‫أنك لو وضييعت فييي الموقييف الفلنييي سييتفعل كييذا‬
‫وكيييييييييذا‪ ..‬اذهيييييييييب وادخيييييييييل النيييييييييار"‬
‫لكن الله تعالى بحكمته ورحمتييه وعييدله يرسييل لييك‬
‫الختبييارات فييي الييدنيا‪ ،‬ويحاسييبك علييى أفعالييك‬
‫ن‬ ‫ن ٱللــه ٱّلــ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ّ‬‫عل َ َ‬
‫فل َي َ ْ‬‫الحقيقية في الخييرة‪َ  .‬‬
‫ن‪.( (3‬‬ ‫ذِبي َ‬ ‫ن ٱل ْك َ ٰـ ِ‬ ‫عل َ َ‬
‫م ّ‬ ‫ول َي َ ْ‬
‫قوا ْ َ‬
‫صدَ ُ‬
‫َ‬
‫من كان يرجو لقاء الله‬
‫ول تظنن أخي المسلم أن الدنيا سهلة خالية من‬
‫المشيياكل‪ ،‬حييتى لييو كنييت مؤمن يًا‪ ،‬لن اليمييان ليين‬
‫يخلصك من فتن الدنيا‪ ،‬والمرء يبتلى على قدر دينه‪.‬‬
‫لييذلك تقييول لييك سييورة العنكبييوت‪ :‬إن كنييت ترجييو‬
‫ثواب الله‪ ،‬فاصبر على مجاهدة الفتن والختبييارات‪،‬‬
‫حتى تلقييى ربييك فيجازيييك‪ ،‬لن لقيياء اللييه قريييب ل‬
‫جــ َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫قاء ٱلله َ‬ ‫جو ل ِ َ‬ ‫من َ‬
‫نأ َ‬‫فــإ ِ ّ‬ ‫ن ي َْر ُ‬‫كا َ‬ ‫محالة‪َ  .‬‬
‫م‪ ( (5‬ول‬ ‫ع ٱل ْ َ‬
‫عِليــ ُ‬ ‫مي ُ‬‫ســ ِ‬‫و ٱل ّ‬ ‫هــ َ‬
‫و ُ‬‫ت َ‬
‫ٱللــه ل ٍ‬
‫يتبادر إلى ذهنييك ‪ -‬وسييط الحييديث عيين الفتيين ‪ -‬أن‬
‫الله محتاج إلى مجاهدتك لها‪ ،‬بل أن جهادك وصبرك‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪448‬‬

‫ي عيين عملنييا‬ ‫هما من أجلييك وحييدك‪ ...‬لن اللييه غ َن ِي ّ‬


‫مين‪ ،‬ونحيين الفقييراء‬ ‫وعن عبادتنييا‪ ،‬وغنييي عيين العييال َ ِ‬
‫والمحتاجون إليه في كل شيء‪.‬‬
‫ن ٱلله‬ ‫ه إِ ّ‬
‫س ِ‬‫ف ِ‬‫هدُ ل ِن َ ْ‬ ‫جـٰ ِ‬
‫ما ي ُ َ‬ ‫هدَ َ‬
‫فإ ِن ّ َ‬ ‫جا َ‬ ‫من َ‬ ‫و َ‬‫‪َ ‬‬
‫ن‪( (6‬‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰـل َ ِ‬
‫ن ٱل ْ َ‬
‫ع ِ‬ ‫ى َ‬ ‫لَ َ‬
‫غن ِ ّ‬
‫أذى‪ ..‬ل عذاب‬
‫ومن أخطر الفتيين الييتي تعرضييها السييورة‪ ،‬فتنيية‬
‫الدين‪ ،‬بأن يتعرض المسلم للذى بهدف إبعيياده عيين‬
‫دين الله‪ .‬والسورة تؤكد أنه أذى وليس عييذابًا‪ ،‬لكيين‬
‫الموازين عندما تختل‪ ،‬يظن العبد الضعيف أن إيييذاء‬
‫النيياس لييه هييو العييذاب بعينييه‪ .‬لييذلك تييأتي السييورة‬
‫لتؤكد أن هذا ليس صحيحًا‪ ،‬لن العذاب ل يملكييه إل‬
‫ل‬‫قــو ُ‬ ‫مــن ي ِ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن ٱلّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫و ِ‬
‫الله سبحانه وتعالى‪َ  :‬‬
‫فإ َ ُ‬
‫ة‬
‫فت َْنــ َ‬‫ل ِ‬ ‫عــ َ‬ ‫ج َ‬‫فى ٱلله َ‬ ‫ى ِ‬ ‫ذا أوِذ َ‬ ‫مّنا ب ِٱلله َ ِ‬ ‫ءا َ‬
‫ك‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫صٌر ّ‬ ‫جاء ن َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ول َئ ِ ْ‬ ‫ب ٱلله َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫س كَ َ‬
‫ع َ‬ ‫ٱلّنا ِ‬
‫ما‬ ‫م بِ َ‬ ‫عل َ َ‬‫س ٱلله ب ِأ َ ْ‬ ‫ول َي ْ َ‬
‫َ‬
‫م أ َ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫ن إ ِّنا ك ُّنا َ‬
‫م َ‬ ‫قول ُ ّ‬
‫ل َي َ ُ‬
‫ن‪.( (10‬‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰـل َ ِ‬‫ر ٱل ْ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ص ُ‬
‫فى ُ‬ ‫ِ‬
‫من أصعب الفتن‬
‫وتمضي آيات السورة لتدور حول نفس المحييور‪:‬‬
‫الفتيين هييي الييتي ستكشييف إيمييان النيياس وتختييبر‬
‫معادنهم‪ ،‬وتظهيير صييدقهم ميين زيفهييم‪ .‬لييذلك تأتينييا‬
‫بفتنة أخرى‪ ،‬بأن يضغط الوالدان علييى ابنهمييا حييتى‬
‫يبعداه عن طاعة الله‪ ،‬إما خوفا ً عليه أو عنييادا ً لييدين‬
‫‪449‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وِإن‬ ‫سـنا ً َ‬‫ح ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫واِلـدَي ْ ِ‬ ‫ن بِ َ‬


‫س ٰــ َ‬ ‫صي َْنا ٱل ِن ْ َ‬ ‫و ّ‬‫‪َ ‬‬ ‫و‬‫الله‪َ :‬‬
‫فل َ‬‫م َ‬ ‫عْلــ ٌ‬
‫ه ِ‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ك ِبى َ‬ ‫ر َ‬ ‫ك ل ِت ُ ْ‬
‫ش ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ج ٰـ َ‬‫َ‬
‫م‬ ‫مــا ُ‬
‫كنت ُـ ْ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ف ـأ ُن َب ِئ ُ ُ‬
‫م َ‬ ‫عك ُـ ْ‬‫ج ُ‬‫مْر ِ‬ ‫ى َ‬‫مــا إ ِل َـ ّ‬ ‫ه َ‬‫ع ُ‬‫ت ُطِ ْ‬
‫ن‪.( (8‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬
‫تَ ْ‬
‫فتنة شييديدة وصييعبة‪ ،‬هييل سيييثبت علييى الييدين‪،‬‬
‫وهل سيبقى على بر أبويه رغم كفرهما؟‬
‫سبل النجاة من الفتن‬
‫وميين لطييائف السييورة‪ ،‬أنهييا ابتييدأت بتقرييير أن‬
‫الفتنة موجودة في حياة الناس وأنها شديدة وصعبة‪:‬‬
‫قول ُــوا ْ‬ ‫س َأن ي ُت َْرك ُــوا ْ َأن ي َ ُ‬ ‫ب ٱلن ّــا ُ‬ ‫سـ َ‬ ‫ح ِ‬
‫َ‬
‫‪‬أ َ‬
‫ن‪ ،( (2‬بينما ختمت السورة‬ ‫فت َُنو َ‬‫م ل َ يُ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫مّنا َ‬ ‫ءا َ‬
‫بآييية جميليية‪ ،‬تثبييت لنييا أن الفتنيية سييهلة وأن اللييه‬
‫سيهدينا ويساعدنا في اجتيازها إن جاهدنا‪:‬‬
‫سـب ُل ََنا‬
‫م ُ‬ ‫ه ْ‬
‫دي َن ّ ُ‬ ‫فيَنـا ل َن َ ْ‬
‫هـ ِ‬ ‫دوا ْ ِ‬ ‫ه ُ‬‫ج ٰــ َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ ‬ٱل ّ ِ‬ ‫و‬
‫َ‬
‫ن‪ ،( (69‬هييذه الييية‬ ‫سـِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫ع ٱل ْ ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫ن ٱلله ل َ َ‬ ‫وإ ِ ّ‬
‫َ‬
‫تتحدث عن جهيياد النفييس والفتيين‪ ،‬لنهييا نزلييت فييي‬
‫مكة حين لم يكيين الجهيياد بالسيييف قييد فييرض بعييد‪،‬‬
‫وكأنها تقول لنا‪ :‬جاهييدوا أنفسييكم وانتصييروا عليهييا‪،‬‬
‫تضيييمنوا النتصيييار عليييى العيييدو اليييداخلي والعيييدو‬
‫الخارجي‪...‬‬
‫أئمة المجاهدين‬
‫ثم تستعرض السورة كيف واجه أنبياء الله تعالى‬
‫‪ -‬نييوح وإبراهيييم ولييوط وشييعيب وموسييى ‪ -‬الفتيين‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪450‬‬

‫وجاهدوها‪ .‬فإذا نظرنا إلى قصة نوح التي وردت في‬


‫السورة‪ ،‬وجدنا أنهييا السييورة الوحيييدة الييتي ذكييرت‬
‫ث‬ ‫فل َب ِ َ‬‫مدة دعوة سيدنا نوح لقييومه )‪ (950‬سيينة‪َ  :‬‬
‫عاما ً ‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫سي َ‬‫م ِ‬
‫خ ْ‬ ‫ة إ ِل ّ َ‬
‫سن َ ٍ‬‫ف َ‬ ‫م أ َل ْ َ‬ ‫ه ْ‬
‫في ِ‬
‫ِ‬
‫حتى يعرف المؤمنييون‪ ،‬عييبر الجيييال‪ ،‬أن الفتيين‬
‫حتمية الوقوع‪ ،‬فحتى النبياء لم يسلموا منها‪.‬‬
‫ولنعرف مقدار المجاهدة والصبر اللييذان بييذلهما‬
‫مل مييا قييد‬ ‫سيدنا نوح‪ ،‬فيكون ذلك معينا ً لنا على تح ّ‬
‫نواجه من فتن‪ ،‬والتي هي طبعا ً أقل من فتنته بكثير‬
‫وبعد ذلك فتنة أخرى‪ :‬سيييدنا إبراهيييم وصييبره علييى‬
‫قــوه َ َ‬ ‫َ‬
‫جــاهُ‬ ‫فأن ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫حّر ُ‬‫و َ‬‫قت ُُلوهُ أ ْ‬‫قومه لمييا قييالوا‪ :‬ٱ ْ‬
‫ر‪ ( (24‬لتثبت لنا بشكل عملي أن‬ ‫ن ٱلّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ٱلله ِ‬
‫الله تعالى يعيننا على مواجهة الفتن‪ ،‬لكن المطلوب‬
‫دوا ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ج ٰــ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫‪‬ٱّلـ ِ‬ ‫و‬‫هو أن نبييادر إلييى مجاهييدتها َ‬
‫سب ُل ََنا‪.( (69‬‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬
‫دي َن ّ ُ‬
‫ه ِ‬‫فيَنا ل َن َ ْ‬ ‫ِ‬
‫لماذا العنكبوت؟‬
‫وبقييي أن نتحييدث عيين سييبب تسييميتها باسييم‬
‫"العنكبوت"‪ ،‬فعندما يضرب لنا ربنا مثل ً بمخلوق ما‪،‬‬
‫فإن هييدف السييورة مرتبييط ل محاليية بهييذا المثييال‪.‬‬
‫ل‪ ،‬سورة النمل‪ ،‬كانت سورة التفوق الحضيياري‪،‬‬ ‫فمث ً‬
‫فكان رمز هذا التفييوق‪ ،‬أميية النميل‪ ،‬الييتي هيي أمية‬
‫فائقة التنظيم والخييذ بمقومييات الحضييارة‪ .‬وسييورة‬
‫النحييل‪ ،‬الييتي كييان هييدفها‪" :‬الشييكر علييى النعييم"‪،‬‬
‫أظهرت لنا كيف أن هييذه المخلوقييات‪ ،‬حييين اتبعييت‬
‫‪451‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫أوامر الله‪ ،‬خرج منها عسل شهي ومفيد‪ ،‬فيه شفاء‬


‫للنيياس‪ ،‬لتثبييت لنييا أننييا إذا اتبعنييا أواميير الشييرع‪،‬‬
‫فسيييخرج نييور الهداييية الييذي هييو شييفاء للنيياس‪،‬‬
‫كالعسل تمامًا‪.‬‬
‫ويعود السؤال ميين جديييد‪ :‬لميياذا سييميت سييورة‬
‫الفتن باسم العنكبوت؟‬
‫شبيهة بخيوطها‬
‫ويعود ذلييك إلييى أن تييداخل الفتيين يشييبه خيييوط‬
‫العنكبوت‪ .‬فطبيعة الفتيين أنهييا متشييابكة ومتداخليية‪،‬‬
‫فل تقييدر أن تميييز فتنيية دون سييواها‪ ،‬وهييي كييثيرة‬
‫ومعقدة‪ ،‬تغطي تفاصيل حياة المرء‪ ..‬لكنها بالمقابل‬
‫هشيية وضييعيفة‪ ،‬إذا اسييتعنت بييالله فييي مواجهتهييا‪:‬‬
‫َ‬
‫و‬‫ت ل َـ ْ‬‫عنك َب ُــو ِ‬ ‫ت ٱل ْ َ‬ ‫ت ل َب َي ْـ ُ‬‫ن ٱل ْب ُي ُــو ِ‬ ‫هـ َ‬ ‫و َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫وإ ِ ّ‬‫‪َ ‬‬
‫ن‪.( (41‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫والنسان عادةً إذا أصيب بفتنة‪ ،‬انقلب على وجهه‬
‫وجييرى يبحييث عيين ملجييأ‪ .‬وفييي الغييالب )للسييف(‬
‫يستعين بغييير اللييه تعييالى‪ ،‬ويلجييأ إلييى البشيير‪ .‬لييذلك‬
‫تقيول لنيا السيورة‪ :‬إذا لجيأتم إليى البشير هربيا ً مين‬
‫الفتيين‪ ،‬فسييتكونون كميين هييرب ولجييأ إلييى بيييت‬
‫العنكبييوت‪ ،‬بيييت ضييعيف هييش ل يقييي صيياحبه ول‬
‫ن ٱللــه‬ ‫دو ِ‬ ‫مــن ُ‬ ‫ذوا ْ ِ‬ ‫خـ ُ‬ ‫ن ٱت ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ٱل ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫يستره‪َ  :‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ت ب َْيتــا ً َ‬
‫وإ ِ ّ‬ ‫خــذَ ْ‬ ‫ت ٱت ّ َ‬ ‫عنك َُبــو ِ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬ ‫مَثــ ِ‬ ‫ول َِيــاء ك َ َ‬ ‫أ ْ‬
‫كــاُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫و َ‬ ‫ت َلــ ْ‬ ‫عنك َُبــو ِ‬ ‫ت ٱل ْ َ‬ ‫ت ل َب َْيــ ُ‬ ‫ن ٱل ْب ُُيــو ِ‬ ‫هــ َ‬ ‫و َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن‪ .( (41‬وكييأن المعنييى‪ :‬ميين أشييد الفتيين‬ ‫مــو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪452‬‬

‫وأخطرها‪ ،‬أن ترضييي النيياس علييى حسيياب دينييك‪ ،‬أو‬


‫تستعين بغير الله أو تتوكل على غيره‪.‬‬
‫أوهن البيوت‬
‫وبيييت العنكبييوت واهيين بسييبب ضييعف خيييوطه‪،‬‬
‫ذكر‬ ‫ومن الناحية الجتماعية أيضًا‪ .‬فبعييد أن يل ّ‬
‫قييح ال ي ّ‬
‫النثى تقوم بقتله والقائه خارج البيت‪ ...‬وحين يكييبر‬
‫قتييل الم وإلقائهييا خييارج‬ ‫الولد‪ ،‬يقومون هم أيض يا ً ب َ‬
‫الييبيت‪ ...‬بيييت عجيييب‪ ،‬ميين أسييوأ الييبيوت علييى‬
‫الطلق‪.‬‬
‫لذلك ضربت لنا السورة مثل العنكبيوت‪ ،‬لتعلمنيا‬
‫أن خيوط العنكبوت الكثيفة‪ ،‬وان كانت معقدة‪ ،‬فهي‬
‫تشبه الفتن في أنها واهية‪ .‬ولتصور لنا أن اسييتعانتنا‬
‫عند الفتن بغير الله تعالى‪ ،‬هي تماما ً كمن يلجأ لهذا‬
‫البيت الواهي فييي علقيياته وفييي أسسييه‪ .‬فسييبحان‬
‫الله على اختيار هذا السم لسورة الفتن‪ ،‬حتى يحذر‬
‫النيياس ميين تقليييد هييذه الحشييرة فييي حياتهييا وميين‬
‫التشبه بأفعالها‪.‬‬
‫سورة الروم‬

‫سو‬ ‫سورة الروم )مكية(‪ ،‬نزلت بعد سورة النشقاق‪،‬‬


‫رة‬ ‫وهي فييي ترتيييب المصييحف بعييد سييورة العنكبييوت‪.‬‬
‫الروم‬ ‫عدد آياتها ‪ 60‬آية‪.‬‬
‫آيات الله واضحة بينة‬
‫هذه السورة هي أكثر سور القرآن إيييرادا ً لقييوله‬
‫ه ‪ ،‬ممييا يييدلنا علييى هييدف‬ ‫ن ءاي َ ٰـ ـت ِ ِ‬ ‫‪ِ ‬‬
‫م ْ‬ ‫و‬
‫تعييالى َ‬
‫السيييورة‪" :‬آييييات الليييه واضيييحة وبينييية‪ ،‬فكييييف ل‬
‫تؤمنون؟"‪.‬‬
‫لذلك تنتقل بنا اليات في أرجيياء ملييك اللييه فييي‬
‫الكون‪ ،‬وتذكر لنا آياته الواضحة البينة‪ ،‬لتزيدنا إيمان يا ً‬
‫ه‬
‫ن ءاي َ ٰـ ـت ِ ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫‪ِ ‬‬‫و‬
‫بعظمته وقدرته‪ .‬اقرأ معي اليات‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫خل َ َ‬
‫ق ُ‬ ‫َ‬
‫شــٌر‬ ‫م بَ َ‬ ‫ذا أنُتــ ْ‬ ‫ب ُثــ ّ‬
‫م إِ َ‬ ‫مــن ُتــَرا ٍ‬ ‫م ّ‬ ‫كــ ْ‬ ‫ن َ‬‫أ ْ‬
‫ق لَ ُ‬ ‫َتنت َشــرونومــن ءاي ٰـــت ِ َ‬
‫ن‬‫مــ ْ‬ ‫كــم ّ‬ ‫خَلــ َ‬ ‫ن َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ‪ْ ِ َ‬‬ ‫ِ ُ‬
‫فسك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ل ب َي ْن َك ُــم‬‫عـ َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬‫هــا َ‬ ‫سك ُُنوا ْ إ ِل َي ْ َ‬ ‫م أْز ٰوجا ً ل ّت َ ْ‬ ‫أن ُ ِ ْ‬
‫ة‪.( (20-21‬‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬‫وَر ْ‬‫ودّةً َ‬
‫م َ‬‫ّ‬
‫وكأن هذه اليات تذكرنا بمعنى رائع‪ ،‬وهو أن لله‬
‫تعالى في ملكه كتابان‪ :‬كتاب الله المنظور الذي هو‬
‫الكون‪ ،‬وكتاب الله المقروء الذي هو القييرآن‪ .‬وميين‬
‫‪453‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪454‬‬

‫روعة الكتابين أنهمييا يييدلن علييى بعضييهما‪ .‬فسييورة‬


‫ل‪ ،‬سورة مقروءة‪ .‬لكنها تأخذ عينيك وتقول‬ ‫الروم مث ً‬
‫لك‪ :‬أنظر إلييى كتيياب اللييه المنظييور لتسييتدل علييى‬
‫الله‪ .‬وكلما نظرت في الكون أكييثر‪ ،‬وجييدته يحملييك‬
‫على أن ترجع لكتيياب اللييه المقييروء‪ .‬فسييبحان ميين‬
‫جعل لكل نوع من الناس ‪ -‬أميييين ومتعلمييين‪ ،‬عرب يا ً‬
‫وعجمًا‪ ،‬كبارا ً وصغارا ً ‪ -‬كتبا ً يقرأونها ويسييتدلون بهييا‬
‫على الله‪..‬‬
‫ومن آياته‪ ...‬ومن آياته‬
‫وتمضي اليات فيي عيرض متواصيل لييات الليه‬
‫الواضييييييييييييييحة فييييييييييييييي الكييييييييييييييون‪:‬‬

‫َ‬
‫ض‬‫و ٱلْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ٱل ّ‬ ‫خْلــ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ءاَيـــٰت ِ ِ‬ ‫مــ ْ‬ ‫و‪ِ ‬‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫فــى ٰذل ِـ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫وأل ْـ ٰون ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫س ـن َت ِك ُ ْ‬ ‫ف أل ْ ِ‬ ‫خت ِل َ ٰـ ـ ُ‬ ‫وٱ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫كم ب ِٱل ّْيــ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مَنــا ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ءاَيـٰت ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬‫ن‪َ ‬‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰـل َ ِ‬ ‫ت ل ّل ْ َ‬ ‫لي َ ٰـ ٍ‬
‫ه‪ (22-23) -...‬‬ ‫ضـل ِ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫مـن َ‬ ‫م ّ‬ ‫ؤك ُ ْ‬‫غا ُ‬ ‫و ٱب ْت ِ َ‬ ‫ر َ‬ ‫ها ِ‬ ‫و ٱلن ّ َ‬ ‫َ‬
‫معـا ً‬ ‫وطَ َ‬ ‫وفـا ً َ‬ ‫خ ْ‬ ‫م ٱل ْب َـْرقَ َ‬ ‫ريك ُـ ُ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن ءاَيــٰت ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬‫‪َ ‬‬
‫ض‪‬‬ ‫َ‬ ‫ماء َ‬ ‫وي ُن َّز ُ‬
‫ه ٱل ْر َ‬ ‫ى ِبــ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫في ُ ْ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫َ‬
‫ماء‬ ‫ه أن ت َ ُ‬ ‫َ‬
‫ســـ َ‬ ‫م ٱل ّ‬ ‫قـــو َ‬ ‫ن ءاَيــــٰت ِ ِ‬ ‫مـــ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫‪َ (24) - ‬‬
‫ه‪.( (25‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ض ب ِأ ْ‬ ‫و ٱل ْر ُ‬ ‫َ‬
‫هذه السورة ‪ 60‬آية‪ ،‬من فضييلك أنظيير بنفسييك‪،‬‬
‫كم مرة وردت كلمة ‪‬آيات ‪ ‬في هييذه السييورة؟‬
‫لييذلك بعييد أن تقييرأ السييورة‪ ،‬أخييرج إلييى الطبيعيية‬
‫وتفكر في خلق الله لمدة ‪ 5‬دقائق‪ ،‬من الييذي خلييق‬
‫‪455‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫هذا الكون وأبدعه؟ من الذي جعل فيه هييذه اليييات‬


‫العظيميية؟ ميين الييذي أصييلح علقييات الزواج مييع‬
‫أزواجهم‪ ،‬وجعل بينهم مودة ورحمة؟‬
‫وننتقل إلى الية ‪ 46‬لنييرى آييية أخييرى ميين آيييات‬
‫ت‬ ‫مب َ ّ‬ ‫س َ‬ ‫‪‬ن ءاي ٰـت ِ َ‬
‫ش ٰر ٍ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل ٱلّري َ ٰـ َ‬ ‫ه أن ي ُْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫الله َ‬
‫ه ‪ .‬وتييأتي آييية أخييرى‬ ‫مِتــ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مــن ّر ْ‬ ‫م ّ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ول ُِيــ ِ‬ ‫َ‬
‫حابا ً‬ ‫سـ َ‬ ‫فت ُِثيـُر َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ٱلّري َ ٰــ َ‬ ‫سـ ُ‬ ‫ذى ي ُْر ِ‬ ‫ٱلله ٱل ّ ِ‬ ‫‪‬‬
‫عل ُـ ُ‬
‫ه‬ ‫ج َ‬ ‫وي َ ْ‬‫شــاء َ‬ ‫ف يَ َ‬ ‫ماء ك َي ْـ َ‬ ‫سـ َ‬ ‫فى ٱل ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫سط ُ ُ‬ ‫في َب ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ه‪.( (48‬‬ ‫خل َِلــ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫و د ْق َ ي َ ْ‬ ‫فت ََرى ٱل ْ َ‬ ‫سفا ً َ‬ ‫كِ َ‬
‫م‬‫قك ُـ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذى َ‬ ‫وحتى في خلييق النيياس‪ :‬ٱلله ٱل ّ ـ ِ‬
‫م‬ ‫ة ث ُـ ّ‬ ‫و ٍ‬ ‫قـ ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫ع ٍ‬ ‫ضـ ْ‬ ‫د َ‬ ‫عـ ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬‫م َ‬ ‫ف ثُ ّ‬ ‫ع ٍ‬ ‫ض ْ‬ ‫من َ‬ ‫ّ‬
‫ة‪.( (54‬‬ ‫شي ْب َ ً‬‫و َ‬‫عفا ً َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ة َ‬ ‫و ٍ‬ ‫ق ّ‬ ‫د ُ‬‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ع َ‬‫ج َ‬‫َ‬
‫وكييأن هييذه السييورة تييدلك علييى كتيياب اللييه‬
‫المنظييور‪ ،‬وتقييول لييك‪ :‬أنظيير إلييى آيييات اللييه كييف‬
‫تحيييط بييك ميين كييل جييانب‪ ،‬فكيييف ل يييؤمن بهييا‬
‫المكييذبون الجاحييدون؟ كيييف يشييك بعييض النيياس‬
‫بقدرة الله تعالى؟‬
‫الروم‪ :‬آية تاريخية‬
‫لكن يبقييى سييؤال‪ :‬لميياذا سييميت هييذه السييورة‬
‫بسورة الروم؟ ستقول‪ :‬لن فييي أولهييا قييوله تعييالى‬
‫م ‪ .‬سأقول لك‪ :‬حاضر‪ ...‬لكن مييا‬ ‫ت ٱلّرو ُ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫غل ِب َ ِ‬
‫علقة الروم بهدف السورة؟ ولميياذا لييم تسييم هييذه‬
‫السورة بسورة اليات؟‬
‫إن التسييمية بهييذا السييم تحمييل دلليية تاريخييية‪،‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪456‬‬

‫ففييي عهييد النييبي ‪ ،‬قييامت حييرب بييين الفييرس‬


‫والروم‪ ،‬فانتصر الفرس على الروم انتصارا ً سيياحقا ً‬
‫لييم تقييم الييروم ميين بعييده‪ ..‬فنزلييت اليييات تخييبر‬
‫المؤمنين أن الروم سينتصييرون علييى الفييرس خلل‬
‫بضع سنين )أي من ثلث إلى تسع سنوات(‪.‬‬
‫فالسييورة تتحييدث عيين آيييات اللييه المبهييرة فييي‬
‫الكون‪ ،‬وكأنها تقول لكييل ميين يكييذب ويعانييد‪ :‬إن لييم‬
‫تروا هذه اليات وتؤمنوا بها‪ ،‬فانظروا إلى آييية مادييية‪،‬‬
‫ترونها أمام عينيكم‪ ،‬وهي انتصار الروم عليى الفيرس‬
‫في أقل من عشر سنين‪ ...‬وهذه الية موجهة لنا فييي‬
‫عصرنا الحديث كما هييي موجهيية للولييين‪ ،‬فمييا الييذي‬
‫أدرى النيييبي اليييذي يسيييكن فيييي مكييية أن اليييروم‬
‫سينتصرون على عدوهم‪..‬؟ اسمع معي اليات‪:‬‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪‬الـم ‪ُ ‬‬
‫فــى أدَْنــى ٱل ْر ِ‬ ‫م‪ِ ‬‬ ‫ت ٱلّرو ُ‬ ‫غل ِب َ ِ‬
‫ع‬ ‫د َ َ‬
‫ضـ ِ‬‫فــى ب ِ ْ‬ ‫ن‪ِ ‬‬ ‫غل ُِبو َ‬
‫سـي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫غلب ِ ِ‬ ‫عـ ِ‬ ‫مــن ب َ ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫ذ‬‫مئ ِ ٍ‬ ‫قب ْ ُ‬‫من َ‬ ‫َ‬
‫و َ‬‫وَيــ ْ‬
‫عــدُ َ‬‫من ب َ ْ‬ ‫و ِ‬‫ل َ‬ ‫مُر ِ‬ ‫ن لله ٱل ْ‬ ‫سِني َ‬ ‫ِ‬
‫مــن‬ ‫ص ـُر َ‬ ‫ر ٱللــه َين ُ‬ ‫صـ ِ‬ ‫ن ‪ ‬ب ِن َ ْ‬‫من ُــو َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ح ٱل ْ ُ‬ ‫ف ـَر ُ‬‫يَ ْ‬
‫م‪.( (1-5‬‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز ٱلّر ِ‬ ‫ع ِ‬‫و ٱل ْ َ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬
‫شاء َ‬ ‫يَ َ‬
‫آية كونية‬
‫وتحققت النبوءة القرآنية تماما ً بعد تسييع سيينين‪.‬‬
‫وسميت السورة بسورة الروم‪ ،‬حتى تلفت نظر كل‬
‫كافر إلى هذه الييية المادييية لييو لييم يصييدق باليييات‬
‫المنظورة في الكون‪ .‬ل بل أن هناك آية أخييرى فييي‬
‫هييذه الحادثيية‪ ،‬لييم يفهمهييا الوائل ولييم ينتبهييوا لهييا‪،‬‬
‫‪457‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫تزيدنا إيمانا ً بهذا الكتاب المبّين وآياته المبهرة‪...‬‬


‫فالسورة تقييول عيين المعركيية أنهييا حصييلت فييي‬
‫فـــى أ َدْن َـــى‬ ‫م‪ِ ‬‬‫ت ٱلـــّرو ُ‬ ‫أدنيييى الرض ‪ُ ‬‬
‫غل ِب َـــ ِ‬
‫ن ‪..‬‬ ‫غل ُِبو َ‬
‫س ـي َ ْ‬ ‫د َ َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫هــ ْ‬
‫غلب ِ ِ‬ ‫عـ ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫هم ّ‬
‫و ُ‬
‫ض َ‬
‫ٱل ْر ِ‬
‫وهذه الية ل يستطيع أحد من عصرنا إنكارهييا‪ ،‬فقييد‬
‫دل العلييم الحييديث أن المكييان الييذي حييدثت فيييه‬
‫المعركة‪ ،‬المعروف بحوض البحر الميييت حالي يًا‪ ،‬هييو‬
‫أدنى منطقة على الكرة الرضية‪) ..‬وارجع إلى كتب‬
‫العجاز العلمي في القييرآن للمزيييد ميين التفاصيييل(‬
‫ذب قيديما ً أو حيديثا ً بعيد هيذه‬ ‫فميياذا يملييك كيل مكي ّ‬
‫اليات‪..‬؟‬
‫آية اقتصادية‬
‫وتمضي السورة لتذكر لنا آية أخييرى‪ ،‬آييية مادييية‬
‫نراهييا فييي الييدنيا‪ ...‬ليسييت آييية علمييية بييل آييية‬
‫مــن‬ ‫م ّ‬ ‫ما ءات َي ْت ُـ ْ‬
‫و َ‬ ‫اقتصادية‪ ...‬اسمع قوله تعالى‪َ  :‬‬
‫فل َ ي َْرب ُــوا ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫وا ْ ِ‬
‫د‬
‫عن ـ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ٱلّنا ِ‬ ‫وا ِ‬
‫م َ‬‫فى أ ْ‬ ‫ربا ً ل ّي َْرب ُ َ‬ ‫ِ‬
‫ه ٱلله‬ ‫ج َ‬
‫و ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬‫ري ُ‬ ‫ة تُ ِ‬ ‫من َز َ‬
‫كوٰ ٍ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ءات َي ْت ُ ْ‬ ‫و َ‬‫ٱلله َ‬
‫َ ُ‬
‫ن‪ .( (39‬والمعنييى أن‬ ‫فو َ‬ ‫ع ُ‬
‫ضــ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ٱل ْ ُ‬ ‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫فأ ْ‬
‫الربا ل يزيد المال بل ينقصه‪ ،‬ويييأتي علييم القتصيياد‬
‫الحييديث فيثبييت أن أفضييل وسيييلة تجعييل القتصيياد‬
‫مستقرا ً هي أن تكون نسييبة الفييائدة صييفرا ً بييالمئة‪،‬‬
‫أي بإلغاء الفوائد كليًا‪ .‬ثم يثبت علييم القتصيياد أيضيا ً‬
‫أن الزكاة هي من أفضل أساليب التنموية‪..‬‬
‫فما الذي جيياء بآييية الربييا ضييمن سييورة اليييات؟‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪458‬‬

‫سبحان الله‪ ،‬كأن السورة تقييول للنيياس كلهييم‪ ،‬فييي‬


‫كييل العصييور‪ :‬أنظييروا إلييى آيييات اللييه فييي كييل‬
‫المجالت‪ :‬فيي التارييخ‪ ،‬والكييون‪ ،‬وعليم الجيولوجييا‬
‫وعلييم القتصيياد‪ ...‬الزكيياة أسييلوب تنمييوي‪ ،‬والربييا‬
‫أسلوب لقلل الموال وخسارة القتصاد‬
‫وقبل الختام‪ ،‬هناك عدة ملحظات ل بد أن نشير‬
‫إليها‪:‬‬
‫ظاهر اليات وباطنها‬
‫ن‬‫مــو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫أتى في أوائل السورة قوله تعييالى‪ :‬ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬‫ن ٱل ِ‬ ‫ع ِ‬
‫م َ‬‫ه ْ‬
‫و ُ‬
‫ة ٱلدّن َْيا َ‬
‫حَيوٰ ِ‬ ‫هرا ً ّ‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ظا ِ‬
‫ن‪.( (7‬‬ ‫فُلو َ‬ ‫م َ‬
‫غ ٰـ ِ‬ ‫ه ْ‬
‫ُ‬
‫فهييذه الييية أتييت فييي سييورة مليئة بآيييات اللييه‬
‫تعيييييييييييييالى‪ ،‬لتخبرنيييييييييييييا أن هنييييييييييييياك‬
‫الكييثير ميين اليييات والييدلئل قييد ل نراهييا ول نفهييم‬
‫الحكمة منها‪ ،‬لكنها في الواقع غير ما نراه‪.‬‬
‫فظيياهر الييروم هزيميية وانكسييار‪ ،‬لكيين البيياطن‬
‫والنتيجة كانا انتصارا ً على عدوهم فييي مييدة قصيييرة‬
‫جدًا‪ .‬وظاهر الربا الزيادة‪ ،‬وظاهر الزكيياة النقصييان‪،‬‬
‫لكن السورة تثبت غير ذلك‪ ،‬أن الربا يؤدي إلى دمار‬
‫اقتصادي‪ ،‬بعكس الزكيياة الييتي تييؤدي إلييى التنمييية‪..‬‬
‫وكأن المعنى‪ :‬ثقوا أيها المؤمنون بوعد اللييه‪ ،‬وثقييوا‬
‫بحكمته وتدبيره في الكون‪...‬‬
‫سورة لقمان‬

‫سو‬ ‫سيييورة لقميييان )مكيييية(‪ ،‬نزليييت بعيييد سيييورة‬


‫رة‬ ‫الصافات‪ ،‬وهييي فييي المصييحف بعييد سييورة الييروم‪،‬‬
‫لقمان‬ ‫آياتها ‪ 34‬آية‪.‬‬
‫سورة تربية البناء‬
‫نفهم هدف السورة من اسمها‪ ،‬الذي يييدل علييى‬
‫تربية لقمان لبنه ووصيته التي جيياءت بهييا السييورة‪.‬‬
‫فهي سورة تربية البناء‪ ،‬تحمييل فييي آياتهييا أسيياليب‬
‫رائعة لتربيتهم على منهج الله تعييالى‪ ،‬تربييية شيياملة‬
‫لكييل مييا يحتيياجه البنيياء فييي دينهييم ودنييياهم‪ .‬هييذه‬
‫التربية تشمل المحاور التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬توحيد الله تعالى‬
‫‪ .2‬بر الوالدين‬
‫‪ .3‬أهمية العبادة واليجابية‬
‫‪ .4‬فهم حقيقة الدنيا‬
‫‪ .5‬الذوق والدب‬
‫‪ .6‬التخطيط للحياة‬
‫سبحان الله‪ .‬كل هذا موجود فييي السييورة؟ كييل‬
‫‪459‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪460‬‬

‫هذا في ‪ 34‬آية فقط؟‬


‫هذه السورة ل بد أن تدرس فييي مدارسيينا‪ ،‬وأن‬
‫يقرأهيييييييييييييييييييييييييييا أبناؤنيييييييييييييييييييييييييييا‬
‫ويحفظوها لينشأوا على التوجيهات التي ربى لقمان‬
‫ابنه عليها‪ .‬وليس هذا فحسب‪ ،‬بل إن الباء يجب أن‬
‫يتعلموها قبل البناء‪ ،‬ليتعرفييوا ميين هييذه المدرسيية‬

‫القرآنييية‪ ،‬مدرسيية لقمييان‪ ،‬علييى أصييول التربييية‬


‫السلمية والدنيوية‪.‬‬
‫محاور تربية لقمان‬

‫‪ .1‬عدم الشراك بالله‬


‫وهذا المحور نراه واضحا ً في السييورة كلهييا‪ ،‬لن‬
‫أول ما يجب أن ننشئ أطفالنا عليه هييو توحيييد اللييه‬
‫تعالى وعدم الشرك بييه‪ .‬فكيييف نييزرع هييذا المعنييى‬
‫في أطفالنا؟ ل بد أن نريهم ملييك اللييه فييي الكييون‪،‬‬
‫ونخرج معهييم فييي النزهييات والييرحلت‪ ،‬حييتى يييروا‬
‫المنيياظر الطبيعييية‪ ،‬فيتعلمييوا منهييا إتقييان اللييه فييي‬
‫خلقه‪ ،‬ويتعرفوا على عظمة الخالق سبحانه وتعييالى‬
‫من عظم مخلوقاته‪.‬‬
‫ك‬‫ر ْ‬‫شـ ِ‬ ‫ى ل َ تُ ْ‬ ‫أنظر كيف ربى لقمان ابنه‪ٰ :‬يب ُن َـ ّ‬
‫م‪ ( (13‬فبييدأ‬ ‫ظيـ ٌ‬ ‫ع ِ‬‫م َ‬‫ك ل َظُل ْـ ٌ‬
‫شْر َ‬‫ن ٱل ّ‬
‫ب ِٱلله إ ِ ّ‬
‫بالدرس النظري في التحذير الشييديد ميين الشييرك‪،‬‬
‫هــا‬
‫ى إ ِن ّ َ‬‫ثم بعد آيتين انتقل للييدرس العملييي‪ٰ :‬يب ُن َ ّ‬
‫‪461‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫فــى‬ ‫ن ِ‬‫فت َك ُـ ْ‬
‫ل َ‬ ‫خـْردَ ٍ‬‫ن َ‬‫مـ ْ‬ ‫ة ّ‬‫حب ّـ ٍ‬
‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫قــا َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ِإن ت َـ ُ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خر َ‬
‫فــى ٱل ْر ِ‬ ‫و ِ‬ ‫تأ ْ‬‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬‫فــى ٱل ّ‬ ‫و ِ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫صــ ْ َ ٍ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫خِبيــٌر‪.( (16‬‬ ‫ف َ‬ ‫طيــ ٌ‬ ‫ن ٱللــه ل َ ِ‬ ‫ها ٱلله إ ِ ّ‬ ‫ت بِ َ‬‫ي َأ ِ‬
‫ومن روعة هذه الية أنها ضييربت مثل ً يفهمييه الولد‬
‫الصغار‪ ،‬بينما تحمل معنى عظيما ً يلئم الكبييار أيض يا ً‬
‫ويجعلهييم يشييعرون بقييدرة اللييه تعييالى وإحيياطته‬
‫وعلمه‪.‬‬
‫‪ .2‬بر الوالدين‪ ،‬وتعريف البناء بفضل البــاء‬
‫عليهم‪ ،‬حتى يعرفوا معنى الشكر‪ ،‬شكر الله‬
‫وشكر الوالدين‪.‬‬
‫ه‬ ‫‪‬ص ـيَنا ٱلن ْس ٰـ ـن ب ٰول ِـديه حمل َت ْـ ُ‬
‫مـ ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ِ َ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫و ّ ْ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫نأ ِ‬ ‫مي ْ ِ‬
‫عــا َ‬‫فــى َ‬ ‫ه ِ‬ ‫صــال ُ ُ‬ ‫ف َ‬‫و ِ‬ ‫ن َ‬ ‫هـ ٍ‬ ‫و ْ‬‫عَلــ ٰى َ‬ ‫هن ـا ً َ‬
‫و ْ‬
‫َ‬
‫صيُر‪.( (14‬‬ ‫م ِ‬ ‫ى ٱل ْ َ‬ ‫ك إ ِل َ ّ‬ ‫شك ُْر ِلى َ‬
‫وِلوٰل ِدَي ْ َ‬ ‫ٱ ْ‬
‫وحتى عند المر ببر الوالدين‪ ،‬يأتي التذكير بعييدم‬
‫الشرك حتى لو كان ذلييك طاعيية للوالييدين‪ ،‬ليعلمنييا‬
‫القيييرآن أن المريييين ل ينبغيييي أن يتعارضيييا ميييع‬
‫ر َ‬
‫ك ب ِــى‬ ‫عل َـ ٰى َأن ت ُ ْ‬
‫شـ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫دا َ‬ ‫ه َ‬‫ج ٰـ َ‬ ‫إن َ‬ ‫‪‬‬ ‫و ِ‬
‫بعضهما‪َ ..‬‬
‫مــا‪ ( (15‬وتييأتي‬ ‫ه َ‬ ‫فل َ ت ُطِ ْ‬
‫ع ُ‬ ‫م َ‬ ‫عل ْ ٌ‬‫ه ِ‬ ‫ك بِ ِ‬‫س لَ َ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫قاعدة هامة في التوازن بين البر وبين ترك الشرك‪:‬‬
‫عُروفا ً‪.( (15‬‬ ‫م ْ‬
‫فى ٱلدّن َْيا َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬‫حب ْ ُ‬‫صـٰ ِ‬
‫و َ‬‫‪َ ‬‬
‫‪ .3‬أهمية العبادة واليجابية في الحياة‪.‬‬
‫قـم ٱلص ـل َو ٰةَ ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫عُرو ِ‬ ‫مـْر ب ِـ ٱل ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫وأ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ىأ ِ ِ‬ ‫‪ٰ ‬يب ُن َـ ّ‬
‫ر‪.( (17‬‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬
‫من ْك َ ِ‬ ‫ع ِ‬
‫ه َ‬ ‫و ٱن ْ َ‬
‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪462‬‬

‫فليسييت التربييية أن تييؤمن لطفالييك الطعييام‬


‫والشراب والمسكن والملبييس والييدواء‪ ..‬هييذه كلهييا‬
‫إداريات اليبيت‪ ،‬والتربيية ينبغيي أن تنشيئ الطفييال‬
‫على عبادة الله تعالى‪ .‬ول تقتصر التربية على تعليم‬
‫الطفال أداء الصلة‪ ،‬كمييا يعتقييد الكييثير ميين البيياء‪،‬‬
‫لننييا يجييب أن نغييرس فييي قلييوبهم اليجابييية فييي‬
‫مجتمعهم وبين إخوانهم‪ ،‬فيأمروا بالمعروف وينهييون‬
‫عن المنكر ويأخذوا بأيدي الناس للهداية‪.‬‬
‫‪ .4‬التعريف بحقيقة الدنيا‬
‫هناك آباء يرّبون أبنيياءهم علييى الييترف والنفيياق‬
‫والعتمييييييييييييييياد عليييييييييييييييى ميييييييييييييييال‬
‫آبييائهم‪ ،‬ظنيا ً منهييم أنهييم يؤمنييون لولدهييم كييل مييا‬
‫تتطلبييييييييييييييييه الييييييييييييييييدنيا‪ .‬لكيييييييييييييييين‬
‫المطلوب هو تعريف البناء بحقيقة الدنيا وسياسييتها‬
‫المتقلبيية‪ ،‬وأن الييدنيا ليين تييدوم لبييائهم‪ ،‬وأنييه ل بييد‬
‫للبناء من العتماد على أنفسهم‪ .‬فيقول لقمان فييي‬
‫َ‬
‫ك‬‫ن ذَِلــ َ‬ ‫صاب َ َ‬
‫ك إِ ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫عل َ ٰى َ‬ ‫صب ِْر َ‬ ‫و‪‬ٱ ْ‬ ‫الية )‪َ :(17‬‬
‫ر ‪ .‬وبييالخص إذا تربييى الولييد‬ ‫ُ‬
‫مــو ِ‬ ‫ع ـْزم ِ ٱل ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫مـــْر‬‫وأ ُ‬‫عليييى اليجابيييية فيييي اليييية السيييابقة ‪َ ‬‬
‫ر ‪ ،‬فييإنه يحتيياج‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬
‫من ْ َ‬
‫كـ ِ‬ ‫ع ِ‬‫ه َ‬ ‫و ٱن ْ َ‬ ‫ف َ‬‫عُرو ِ‬ ‫ب ِٱل ْ َ‬
‫م ْ‬
‫كثيرا ً إلى المر بالصبر‪ ،‬لن طريق اليجابية والدعوة‬
‫إلى الله مقترن بالمشاكل والصعاب‪.‬‬
‫‪ .6‬الدب والذوق‬
‫‪463‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫فــى‬ ‫ش ِ‬ ‫مـ ِ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ك ِللن ّــا ِ‬ ‫خـدّ َ‬‫عْر َ‬ ‫صـ ّ‬ ‫ول َ ت ُ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ل‬ ‫ب ك ُـ ّ‬ ‫ن ٱللــه ل َ ي ُ ِ‬ ‫مَرحا ً إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫خت َــا ٍ‬
‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ض َ‬ ‫ٱل ْر ِ‬
‫مــن‬ ‫ض ِ‬ ‫ضـ ْ‬ ‫غ ُ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ش ـي ِ َ‬‫م ْ‬‫فــى َ‬ ‫ص دْ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ر‪َ ‬‬ ‫خو ٍ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‪‬‬ ‫ميــ ِ‬ ‫ح ِ‬‫ت ٱل ْ َ‬ ‫و ُ‬ ‫صــ ْ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫صوٰ ِ‬‫ن أنك ََر ٱل ْ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫وت ِ َ‬ ‫ص ْ‬‫َ‬
‫‪،((18-19‬ـ ل بد ميين التعامييل مييع النيياس بييأدب وذوق‬
‫حتى في أدق التفاصيل‪ ،‬فييي المشييي والصييوت‪ .‬فل‬
‫يرفع المرء خييده اسييتعلًء علييى النيياس‪ ،‬ول يمشييي‬
‫د‬
‫صــ ْ‬‫ق ِ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫بالخيلء بين الناس بل يقتصد في ذلك ‪َ ‬‬
‫ك ‪ ،‬ول يرفع صوته أكثر مما يحتاج إليييه‬ ‫شي ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فى َ‬ ‫ِ‬
‫السامع‪.‬‬
‫‪ .7‬تحديــد الهــدف فــي الحيــاة والتخطيــط‬
‫للمستقبل‬
‫ومن روعة السورة أنها شملت هذا المعنى أيضا ً‬
‫فييي التربييية‪ .‬وذلييك مييا نييراه فييي قييوله تعييالى‪:‬‬
‫ك ‪ ‬فهييذه الييية قييد تكييون‬ ‫شي ِ َ‬
‫م ْ‬
‫فى َ‬
‫ص دْ ِ‬
‫ق ِ‬‫وٱ ْ‬
‫‪َ ‬‬
‫إتماما ً لسلسلة الذوقيات والخلق التي تحدثت عنها‬
‫السييورة‪ ،‬فيكييون المعنييى أن تمشييي علييى الرض‬
‫بوقييار ودون أي عجييب أو خيلء‪ .‬وقييد تعنييي "اقصييد‬
‫في مشيك"‪ :‬أن تضع قصدا ً وهدفا ً وراء كييل خطييوة‬
‫تمشيها‪ ،‬فل تعيييش فييي الحييياة زائدا ً عليهييا دون أن‬
‫يكون لك أي هدف فيها‪...‬‬
‫العاطفة بريد التربية‬
‫ونلحظ في السورة أن هذا الكم من التوجيهييات‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪464‬‬

‫قد غّلفه الب بالحنان والعاطفيية الشييديدين‪ .‬وكييأني‬


‫عندما أقرأ هذه اليات‪ ،‬أشعر بلقمييان‪ ،‬ذلييك الرجييل‬
‫الهادئ‪ ،‬الذي يعييظ ابنييه برقيية ويقييول لييه قبييل كييل‬
‫ى ‪ ،‬فالسورة تقول للبيياء‪:‬‬ ‫ى‪ٰ ..‬يب ُن َ ّ‬
‫موعظة‪ٰ :‬يب ُن َ ّ‬
‫صيياحب أولدك واكسييب مييودتهم قبييل أن تعظهييم‪.‬‬
‫كّلمهم أخي المسلم عن نفسك وتجاربييك وأخطييائك‬
‫في الحياة‪ ،‬واستعمل الصداقة معهم لتنصحهم قبييل‬
‫استعمال المر والنهييي بشييدة‪ ...‬هيذه السييورة هييي‬
‫فعل ً من أروع المناهج التربوية في القرآن‪.‬‬
‫علم الله وقدرته‬
‫ولن توحيد اللييه هييو محييور أساسييي فييي تربييية‬
‫البناء‪ ،‬نييرى أن السييورة رك ّييزت علييى التوحيييد ميين‬
‫خلل العديد من اليييات الييتي يجييب أن نلفييت نظيير‬
‫أبنائنا إليها أثناء تربيتنا لهم‪:‬‬
‫ففي أول ‪ 11‬آية‪ ،‬نرى تركيزا ً على هييذا المعنييى‪،‬‬
‫ر‬
‫غْيــ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫م ٰـــ ٰو ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ٱل ّ‬ ‫‪َ ‬‬ ‫خل َ‬
‫خاصة في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ى َأن‬ ‫ســ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ض َر َ‬
‫َ‬
‫فى ٱل ْر ِ‬ ‫قى ِ‬‫وأ َل ْ َ ٰ‬ ‫ها َ‬ ‫ون َ َ‬ ‫د ت ََر ْ‬‫م ٍ‬
‫ع َ‬ ‫َ‬
‫م‪ ( (10...‬هذه السورة تعطيك أيهييا الب‬ ‫ميدَ ب ِك ُ ْ‬ ‫تَ ِ‬
‫مادة مهمة لييزرع توحيييد اللييه فييي قلييوب أبنييائك‪...‬‬
‫ق ٱللــه‬ ‫خل ْـ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫هـٰ َ‬‫حتى تصل بنا إلى قوله تعالى ‪َ ‬‬
‫َ َ‬
‫ه‪.( (11‬‬ ‫دون ِ ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ق ٱل ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ما َ‬ ‫فأُروِنى َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫وا ْ أ ّ‬ ‫م ت َـَر ْ‬ ‫وتأتي آيات كثيرة بنفس المعنى‪ :‬أل َ ْ‬
‫فــى‬ ‫مــا ِ‬ ‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـ ـ ٰو ِ‬ ‫س َ‬
‫فــى ٱل ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ّ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬
‫ٱلله َ‬
‫م ُ َ‬ ‫ٱل َرض َ‬
‫ة‪..‬‬ ‫وَباطِن َـ ً‬ ‫هَرةً َ‬ ‫ه ظ ٰــ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫م نِ َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫غ َ‬ ‫سب َ َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ْ ِ َ‬
‫‪465‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪ ( (20‬إلى أن نصل إليى مثيال رائع عين عليم الليه‬


‫ة‬ ‫مــن َ‬ ‫َ‬ ‫تعييالى‪ :‬ول َ ـ َ‬
‫جَر ٍ‬‫شـ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫فــى ٱلْر ِ‬ ‫مــا ِ‬
‫و أن ّ َ‬‫َ ْ‬
‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫مـا‬‫ر ّ‬ ‫حـ ٍ‬ ‫ة أب ْ ُ‬‫ع ُ‬‫سـب ْ َ‬
‫ه َ‬ ‫د ِ‬‫عـ ِ‬
‫من ب َ ْ‬‫مدّهُ ِ‬‫حُر ي َ ُ‬‫وٱل ْب َ ْ‬ ‫م َ‬‫قل َ ٌ‬
‫م‪ (27‬‬ ‫كيــ ٌ‬ ‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ع ِ‬
‫ن ٱلله َ‬ ‫ت ٱلله إ ِ ّ‬ ‫مـ ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ ٰ‬
‫فدَ ْ‬ ‫نَ ِ‬
‫(‪ .‬هذه الية تشكل مثال ً رائعا ً في اسييتخدام عناصيير‬
‫الطبيعة التي يراها الناس أمام أعينهم‪ ،‬كبارا ً وصغارًا‪،‬‬
‫وتربيتهم على علم الله وإحاطته بالخلئق جميعًا‪..‬‬
‫عدم التباع العمى‬
‫كز السورة على خطييورة تربييية البنيياء علييى‬ ‫وتر ّ‬
‫التباع العمى دون فهم لمعتقدات الباء‪ ،‬فهييي ميين‬
‫ناحييية‪ ،‬بّينييت أن الحنيان والعاطفية ل بيد أن يسييودا‬
‫علقة الباء بأبنائهم حييتى يييتربى البيين عيين قناعيية‪،‬‬
‫وبالمقابل تنكر على البناء الذين يقلدون آباءهم في‬
‫ل‬‫مــا َأن ـَز َ‬ ‫عــوا ْ َ‬ ‫م ٱت ّب ِ ُ‬‫هـ ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫عقييائدهم‪َ  :‬‬
‫ه ءاَباءن َــا ‪‬‬ ‫عل َي ْـ ِ‬ ‫جدَْنا َ‬ ‫و َ‬‫ما َ‬ ‫ع َ‬ ‫ل ن َت ّب ِ ُ‬ ‫قاُلوا ْ ب َ ْ‬ ‫ٱلله َ‬
‫‪.((21‬‬
‫وتييبين اليييات بوضييوح أن كل ً ميين الب والبيين‬
‫مسؤول عن عملييه يييوم القياميية‪ ،‬فليين ينفييع الوالييد‬
‫قــوا ْ َرب ّ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫كــ ْ‬ ‫س ٱت ّ ُ‬ ‫هــا ٱلّنــا ُ‬ ‫وليييده أبيييدًا‪ :‬يٰأي ّ َ‬
‫ول َ‬ ‫ه َ‬ ‫د ِ‬ ‫ول َـ ِ‬
‫عــن َ‬ ‫وال ِـدٌ َ‬ ‫زى َ‬ ‫جـ ِ‬ ‫وما ً ل ّ ي َ ْ‬ ‫وا ْ ي َ ْ‬
‫ش ْ‬ ‫خ َ‬
‫وٱ ْ‬ ‫َ‬
‫شــْيئا ‪ ( (33‬فل بييد‬ ‫ً‬ ‫ه َ‬ ‫د ِ‬‫وال ِ ِ‬ ‫عن َ‬ ‫ز َ‬ ‫ُ‬
‫جا ٍ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ولودٌ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫من تربيتهم على اليمان الصحيح والعقيدة السييليمة‬
‫والخلق الحسن‪...‬‬
‫ختام السورة‪ :‬علم الله تعالى‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪466‬‬

‫وكما بييدأت السييورة بتوحيييد اللييه‪ ،‬فإنهييا ختمييت‬


‫بالتركيز على علم الله وقييدرته اللييه‪ ،‬وعجييز الخلييق‬
‫ه‬
‫عن ـدَ ُ‬‫ن ٱلله ِ‬ ‫عن الحاطة بشيييء ميين غيبييه‪ :‬إ ِ ّ‬
‫فــى‬ ‫مــا ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل َـ ُ‬‫وي َ ْ‬‫ث َ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬
‫غي ْ َ‬ ‫وي ُن َّز ُ‬
‫ة َ‬ ‫ع ِ‬ ‫سا َ‬ ‫م ٱل ّ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫غــدا ً‬‫ب َ‬ ‫سـ ُ‬ ‫ذا ت َك ْ ِ‬ ‫مــا َ‬ ‫رى ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫س ّ‬ ‫فـ ٌ‬ ‫ما ت َدْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫حام ِ َ‬ ‫ٱل ْر َ‬
‫ن ٱللــه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫رى ن َ ْ‬
‫ت إِ ّ‬ ‫مــو ُ‬ ‫ض تَ ُ‬‫ى أْر ٍ‬ ‫س ب ِـأ ّ‬ ‫فـ ٌ‬ ‫ما ت َدْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫خِبيٌر‪ .( (34‬وهي خمس غيبيييات ل يعلمهييا‬ ‫م َ‬ ‫عَلي ٌ‬ ‫َ‬
‫إل الله‪ :‬موعد القيامة‪ ،‬ووقييت نييزول المطيير‪ ،‬ونييوع‬
‫الجنين قبل التكوين‪ ،‬وأحداث المستقبل‪ ،‬وأين نهاية‬
‫الجل ومكيان اليدفن‪ ...‬ييا مسيلمون‪ ،‬ربيوا أبنياءكم‬
‫على اليمان بالله وتوحيده بهذه الطريقة‪...‬‬
‫ولقد آتينا لقمان الحكمة‬
‫ومن لطائف السورة‪ ،‬أنها ركييزت علييى الحكميية‬
‫بشكل أساسي‪ ،‬فقييد بييدأت بقييوله تعييالى ‪‬الـم‬
‫كيم ِ‪.( (1‬‬ ‫ب ٱل ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ت ٱل ْك َِتـٰ ِ‬
‫ك ءا ََيـٰ ُ‬
‫ت ِل ْ َ‬
‫وحتى عندما أنكرت علييى ميين يصييد عيين سييبيل‬
‫رى‬ ‫ش ـت َ ِ‬‫مــن ي َ ْ‬
‫س َ‬‫ن ٱلّنا ِ‬‫م َ‬‫و ِ‬‫الله‪ ،‬قالت اليات‪َ  :‬‬
‫ر‬
‫غي ْـ ِ‬‫ل ٱللــه ب ِ َ‬ ‫سـِبي ِ‬
‫عــن َ‬‫ل َ‬ ‫ضـ ّ‬
‫ث ل ِي ُ ِ‬
‫دي ِ‬ ‫و ٱل ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫ه َ‬
‫عل ْم ٍ‪ .( (6‬ولهو الحديث هو عكس الحكمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وليس هذا فحسب‪ ،‬بل أن أول آية ذكرت لقمان‬
‫ن‬
‫مــا َ‬ ‫ق ـدْ ءات َي ْن َــا ل ُ ْ‬
‫ق َ‬ ‫ول َ َ‬
‫جيياء فيهييا قييوله تعييالى‪َ  :‬‬
‫حك ْم ـ َ َ‬
‫شــك ُْر للــه‪ ،( (12‬وكييأن وصييايا‬ ‫نٱ ْ‬ ‫ةأ ِ‬ ‫ٱل ْ ِ َ‬
‫لقمان لبنه اليتي جيياءت فيي السيورة هيي عصيارة‬
‫حكمته وتجاربه في الحياة‪ ،‬ينقلها لمن يأتي بعده‪...‬‬
‫‪467‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫فهل ستقتدي بلقمان وحكمته في تربيتييه لبنييه؟‬


‫وهل سجلت النقاط والمحاور الييتي سييتربي أبنيياءك‬
‫عليها؟ نسأل الله تعالى أن يعيننا علييى تربييية أبنائنييا‬
‫وفقا ً لمنهجه وقرآنه وشريعته‪..‬‬
‫سورة السجدة‬

‫سو‬ ‫ونصل إلى سورة السجدة‪ ،‬والتي نعرف محورها‬


‫رة‬ ‫من اسمها‪" :‬السييجدة"‪ ،‬فهييي سييورة الخضييوع للييه‬
‫السييجد‬ ‫سبحانه وتعالى‪ ،‬لذلك حملت اسما ً هو رمز الخضوع‬
‫والتسليم‪ :‬السجود‪ .‬كان رسول اللييه ‪ ‬يقييرأ هييذه‬
‫السورة في صلة الفجر كل يييوم جمعيية‪ ،‬الييذي هييو‬
‫يوم إجازة ويوم عيد عند المسلمين‪ ،‬ليبدأ هذا اليييوم‬
‫المبارك بتلك البداية الخاشعة والخاضعة لله تعالى‪.‬‬
‫لماذا ل تكون منهم؟‬
‫فنرى في السورة مييدحا ً ربانييا ً للمييؤمنين اليذين‬
‫يخضييعون للييه تعييالى‪ ،‬وذلييك فييي الييية الييتي فيهييا‬
‫سجدة‪:‬‬
‫ها‬‫ذا ذُك ُّروا ْ ب ِ َ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ِبـَئاَيـٰت َِنا ٱل ّ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫‪‬إ ِن ّ َ‬
‫م لَ‬ ‫هـ ْ‬‫و ُ‬‫م َ‬ ‫هـ ْ‬‫د َرب ّ ِ‬‫مـ ِ‬‫ح ْ‬‫حوا ْ ب ِ َ‬ ‫سـب ّ ُ‬ ‫جدا ً َ‬
‫و َ‬ ‫سـ ّ‬‫خـّروا ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (15‬‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫يَ ْ‬
‫لذلك عندما تقرأ هذه الية أخي المسييلم‪ ،‬سييارع‬
‫إلييييييييييى السييييييييييجود للييييييييييه تعييييييييييالى‬
‫حتى تكون مع هؤلء الخاضييعين وتقتييدي بهييم‪ ...‬ثييم‬
‫ن‬‫عــ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫جُنــوب ُ ُ‬ ‫ف ٰى ُ‬ ‫جا َ‬ ‫‪َ ‬‬‫تمر على صورة أخرى‪ :‬ت َت َ‬
‫‪468‬‬
‫‪469‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫مــا‬
‫م ّ‬ ‫معــا ً َ‬
‫و ِ‬ ‫وطَ َ‬
‫وفا ً َ‬
‫خ ْ‬
‫م َ‬‫ه ْ‬
‫ن َرب ّ ُ‬
‫عو َ‬‫ع ي َدْ ُ‬
‫ج ِ‬
‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ن‪ .( (16‬وحييتى عنييدما يلجييأون‬ ‫قو َ‬‫ف ُ‬
‫م ُين ِ‬ ‫ه ْ‬
‫قن َ ٰـ ُ‬‫َرَز ْ‬
‫إلييى النييوم‪ ،‬ترفضييه أجسييامهم‪ .‬وانظيير إلييى عبييارة‬
‫"تتجافى جنوبهم عن المضاجع" ما أروعها‪ ...‬فييالنوم‬
‫والسرير يمثلن بالنسبة لكييثير ميين النيياس الراحيية‪،‬‬
‫أما الخاضعون‪ ،‬فهم يرفضون النوم لما يحملونه من‬
‫حب للعبادة وخوف من النار وطمعا ً بالجنة‪.‬‬
‫وانظر كيف يكييرم اللييه ميين خضييع لييه ميين بنييي‬
‫إسييييييرائيل‪ ،‬ويعييييييزه فييييييي الييييييدنيا قبييييييل‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫رَنا ل َ ّ‬
‫ما‬ ‫م ِ‬
‫ن ب ِأ ْ‬
‫دو َ‬
‫ه ُ‬‫ة يَ ْ‬
‫م ً‬‫أئ ِ ّ‬ ‫م‬
‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫عل َْنا ِ‬ ‫ج َ‬
‫و َ‬
‫الخرة‪َ  :‬‬
‫ن‪.( (24‬‬ ‫قُنو َ‬ ‫ُيو ِ‬ ‫كاُنوا ْ ِبـَئاي َ ٰـت َِنا‬ ‫صب َُروا ْ َ‬
‫و َ‬ ‫َ‬
‫إياك أن تكون منهم‬
‫وأما من لم يخضييع فييي الييدنيا بييإرادته‪ ،‬فسييوف‬
‫يخضع في الخرة قهرا ً بل أجر‪ ،‬بل بعذاب أليم‪:‬‬
‫ســـوا ْ‬ ‫ن َناك ِ ُ‬ ‫مـــو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ج ِ‬‫م ْ‬‫رى إ ِِذ ٱل ْ ُ‬ ‫و َتـــ َ ٰ‬ ‫وَلـــ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫عَنا‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫سـ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ص ـْرَنا َ‬ ‫م َرب ّن َــا أب ْ َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫عن ـدَ َرب ّ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫سـ ِ‬ ‫ُرءو ِ‬
‫ن ‪ ‬وتييأتي‬ ‫قن ُــو َ‬ ‫مو ِ‬ ‫ص ٰـِلحا ً إ ِن ّــا ُ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬‫ع َ‬ ‫عَنا ن َ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ف ٱْر ِ‬‫َ‬
‫آية أخرى لترينيا كييف أن الخضيوع فيي الخيرة لين‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ع ٱل ّ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح ل َ َين َ‬ ‫فت ْ ِ‬‫م ٱل ْ َ‬ ‫و َ‬‫ل يَ ْ‬ ‫ق ْ‬‫يفيد أصحابه ‪ُ ‬‬
‫ن‪.( (29‬‬ ‫م ُينظَُرو َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬‫م ٰـن ُ ُ‬ ‫فُروا ْ إ ِي َ َ‬‫كَ َ‬
‫لكيين اللييه تعييالى يمهييل أولئك المتكييبرين حييتى‬
‫يعودوا إليه‪ ،‬ويرسل لهييم بعييض البتلءات والعييذاب‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫قن ّ ُ‬‫ذي َ‬‫ول َن ُـ ِ‬
‫عساهم يخضعون لربهييم جييل وعل‪َ  :‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪470‬‬

‫َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫ب ٱل َدَْنــ ىٰ ُ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬
‫ر‬‫ب ٱل ك َْبــ ِ‬‫ذا ِ‬‫عــ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ذا ِ‬‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ن‪.( (21‬‬ ‫عو َ‬
‫ج ُ‬‫م ي َْر ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫عل ُ‬‫ّ‬ ‫لَ َ‬
‫وكأن السورة تعرض لك النموذجين وتسألك‪ :‬مع‬
‫أي الفريقين أنت؟‬
‫ســقا ً ل ّ‬ ‫فا ِ‬‫ن َ‬
‫كــا َ‬ ‫مــن َ‬ ‫منا ً ك َ َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫‪‬أ َ َ‬
‫ن‪.( (18‬‬ ‫وو َ‬ ‫ست َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫الموت حق‬
‫ولنها سورة الخضييوع‪ ،‬يييأتي فيهييا ذكيير المييوت‪،‬‬
‫حتى يفيق الغافلون من غفلتهم ويخضعوا لله‪:‬‬
‫وك ّـ َ‬
‫ل‬ ‫ذى ُ‬ ‫ت ٱل ّـ ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ك ٱل ْ َ‬
‫مـ ْ‬ ‫مل َ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫فـٰ ُ‬ ‫و ّ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫ق ْ‬
‫ل ي َت َ َ‬
‫ن‪..( (11‬‬ ‫عو َ‬‫ج ُ‬ ‫م إ ِل َ ٰى َرب ّك ُ ْ‬
‫م ت ُْر َ‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬
‫لكل هذه المعاني الرقيقة والخاشعة‪ ،‬كان النييبي‬
‫‪ ‬يقرأ هذه السييورة فجيير كييل جمعيية‪ ،‬ليجييدد نييية‬
‫الخشوع والخضوع لله في الدنيا قبل العييرض علييى‬
‫الله‪.‬‬
‫فإذا أحسست أخي المسلم بفتييور فيي عبادتييك‪،‬‬
‫وأردت أن تقوي همتك وتجدد خشيوعك لليه تعيالى‪،‬‬
‫إقييرأ سييورة السييجدة واطلييب ميين اللييه تعييالى أن‬
‫يعينك على ذلك الجزءان )‪.(23 – 22‬‬
‫سور الحزاب وسبأ وفاطر‬
‫ويس والصافات وص‬

‫‪22‬‬ ‫ونصل مع خواطرنا القرآنية هذه إلى الجزئين‬


‫و ‪ ،23‬واللذين يشيملن سيت سيور‪ :‬الحيزاب وسيبأ‬
‫وفاطر ويس والصييافات وص‪ .‬هييذه السييور يجمعهييا‬
‫محور واحييد وهييدف واحييد‪ ،‬وهييو الستسلم للــه‬
‫تعالى‪.‬‬
‫معنى السلم‬
‫فبعد أن قرأنا ‪ 22‬جزءا ً من كتاب الله‪ ،‬واتضييحت‬
‫المعالم الساسية للقرآن‪ ،‬ل بد لنا أن نسأل أنفسنا‪:‬‬
‫ما هو شكل علقتنا بالله تعالى؟ ما هو عنوان ديننا؟‬
‫ل؟‬ ‫ما هو معنى كلمة السلم أص ً‬
‫فإذا رجعنا إلى المعاجم‪ ،‬وجييدنا أن معنييى كلميية‬
‫السلم هو الستسلم لله تعالى‪ ،‬وهذا ما نفهمه من‬
‫ه‬ ‫ل َلــ ُ‬
‫ه َرّبــ ُ‬ ‫قا َ‬‫قوله تعالى عن سيدنا إبراهيم‪ :‬إ ِذْ َ‬
‫قا َ َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪) ‬البقرة‪،‬‬ ‫مي َ‬‫ع ٰـل َ ِ‬
‫ب ٱل ْ َ‬‫ت ل َِر ّ‬ ‫سل َ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ل أ ْ‬ ‫م َ‬
‫سل ِ ْ‬
‫أ ْ‬
‫‪ (131‬أي استسلمت لرب العالمين وسييلمت نفسييي‬
‫لله تعالى‪...‬‬
‫ولذلك فإن هذه السييور السييت تسييألك‪ :‬أمييا آن‬
‫‪471‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪472‬‬

‫لك أن تستسلم وتخضع لربك جييل وعل؟ والملحييظ‬


‫أن القييرآن لييم يييأمرك بالستسييلم للييه إل بعييد أن‬
‫عرض المنهج الرباني فييي ‪ 22‬جييزء‪ ،‬وكييأن المعنييى‪:‬‬
‫بعييد أن فهمييت حكميية الشييرع وعظمتييه‪ ،‬وبعييد أن‬
‫استشعرت روعة آيات الله ودلئل قييدرته‪ ،‬استسييلم‬
‫لربك‪ ،‬حتى لو لم يعجبك أمر تفصيييلي فييي جزئيتييه‪،‬‬
‫وحتى لو لم ترتح إلى أميير معييين‪ ،‬لن عنييوان دينييك‬
‫هو الستسلم‪.‬‬

‫محاور الستسلم‬
‫وهذه السور الست تدور حول محور واحد‪ ،‬وهييو‬
‫الستسلم لله تعالى في كل شؤون الحياة‪:‬‬
‫سورة الحزاب‪ :‬الستسلم لله فييي المواقييف‬
‫الحرجة‬
‫ســورة ســبأ‪ :‬الستسيييلم لليييه سيييبيل بقييياء‬
‫الحضارات‬
‫سورة فاطر‪ :‬الستسلم لله سبيل العزة‬
‫ســورة يــس‪ :‬الستسييلم للييه بالصييرار علييى‬
‫الدعوة حتى لو يئست من النتيجة‬
‫سورة الصافات‪ :‬الستسلم لله وإن لم تفهييم‬
‫الحكمة من الوامر‬
‫سورة ص‪ :‬الستسلم لله بالعودة إلى الحق بل‬
‫عناد‬
‫‪473‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ومن هنا نفهم سبب مجيئها بعييد عييرض المنهييج‪،‬‬


‫لننا في الجزء ‪ 22‬أدركنا هذا المعنى وفهمنيا عنيوان‬
‫ديننا وما يريده الله منا‪ ،‬وآن الوان أن نستسييلم لييه‬
‫تعالى‪.‬‬
‫ونحن نؤكييد أن هييذا اجتهيياد بسيييط‪ ،‬يهييدف إلييى‬
‫تيسير قراءة القرآن على الشييباب المسييلم وزيييادة‬
‫تفيياعلهم معييه‪ .‬ول نقييول أن هييذا هييو المحييور وهييو‬
‫الكلم الخير في المسألة‪ .‬وبالتأكييد هنياك مين هيم‬
‫أعلم منا بتفسير القرآن ول بييد أن يييأتي ميين يربييط‬
‫هذه السور ببعضها أكثر ويفهم مراد ربنا‪ ،‬لن عمييق‬
‫القرآن ليس له آخر‪ ...‬بعد هذه المقدميية السييريعة‪،‬‬
‫تعال معا ً لنعيش مع سور الستسلم لله تعالى‪.‬‬

‫سورة الحزاب‬
‫سو‬ ‫الستسلم لله في المواقف الحرجة‪:‬‬
‫رة‬ ‫وهييذه السييورة هييي بالمناسييبة ميين أكييثر سييور‬
‫الحيييزا‬ ‫القرآن تصويرا ً لمواقف حرجة قد يمر بهييا النسييان‪.‬‬
‫فحادثيية الحييزاب )أو غييزوة الخنييدق( هييي نفسييها‬
‫مــن‬ ‫م ّ‬ ‫جــاءوك ُ ْ‬ ‫صورة لموقف بغاية الصييعوبة ‪‬إ ِذْ َ‬
‫من ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫غـــ ِ‬‫وإ ِذْ َزا َ‬ ‫م َ‬ ‫كـــ ْ‬ ‫ل ِ‬‫ف َ‬‫ســـ َ‬‫نأ ْ‬ ‫مـــ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫م َ‬ ‫قك ُ ْ‬‫و ِ‬ ‫َ‬
‫فـــ ْ‬
‫وت َظُن ّــو َ‬
‫ن‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ت ٱل ْ ُ‬ ‫وب َل َ َ‬ ‫َ‬
‫جَر َ‬ ‫حَنا ِ‬ ‫غ ِ‬ ‫صـُٰر َ‬ ‫ٱل ب ْ َ‬
‫ن‬‫من ُــو َ‬‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ى ٱل ْ ُ‬ ‫ك ٱب ْت ُل ِـ َ‬ ‫هَنال ِـ َ‬‫ب ِٱلله ٱلظُّنون َـا ْ ‪ُ ‬‬
‫ديدا ً‪.( (10 – 11‬‬ ‫ش ِ‬ ‫زل َْزال ً َ‬ ‫وُزل ْ ِ ُ ْ‬
‫زلوا ِ‬ ‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪474‬‬

‫فتر ّ‬
‫كز السورة فيي كيل آياتهيا عليى طاعيية اللييه‬
‫والستسلم له في هذه المواقف‪.‬‬
‫مواقف اجتماعية‬
‫وبعد ذلك كان موقف محرج آخر وهو طلق زيييد‬
‫رضي الله عنه ميين زينييب بنييت جحييش رضييي اللييه‬
‫ضــ ٰى‬ ‫ما َ‬
‫ق َ‬ ‫عنها ومن ثم زواج النبي ‪ ‬بهييا‪َ ...‬‬
‫ف‪‬ل َ ّ‬
‫ها‪...( (37‬‬ ‫جن َ ٰـك َ َ‬ ‫طرا ً َز ّ‬
‫و ْ‬ ‫و َ‬
‫ها َ‬
‫من ْ َ‬
‫َزي ْدٌ ّ‬
‫ثم تحريم التبني وإلغاء هذه العدة المتأصلة فييي‬
‫م‪ ...( (5‬وهذه‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬ ‫م لَبائ ِ ِ‬ ‫ه ْ‬‫عو ُ‬ ‫نفوس العرب‪ :‬ٱدْ ُ‬
‫القاعييدة الييتي بييدأت مييع سيييدنا محمييد ‪ ،‬عنييدما‬
‫ألغي تبنيه لزيد‪ ،‬وعاد اسم زيد بن حارثيية إليييه بييدل ً‬
‫من زيد بن محمد‪ ...‬موقييف محييرج لزيييد وللنييبي‪...‬‬
‫ما‬ ‫لذلك تقول اليات تعقيبييا ً علييى هييذه الحادثيية ‪ّ ‬‬
‫ض ٱللــه‬ ‫فـَر َ‬ ‫ما َ‬ ‫في َ‬ ‫ج ِ‬ ‫حَر ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ى ِ‬ ‫عَلى ٱلن ّب ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ه‪.( (38‬‬ ‫لَ ُ‬
‫ويأتي موقف صعب‪ :‬نسيياء النييبي يطلبيين زيييادة‬
‫فييي النفقيية‪ .‬وليييس هييذا ترفييا ً منهيين‪ ،‬لن الوضييع‬
‫القتصادي الذي كانوا عليييه كييان غاييية فييي الشييدة‪.‬‬
‫لكن الله تعالى أراد اختبارهن بامتحان صعب‪ ،‬لنهن‬
‫َ‬
‫ى‬‫ها ٱلن ّب ِ ّ‬‫أمهات المؤمنين‪ ،‬لذلك تقول الية ‪‬يٰأي ّ َ‬
‫حي َـ وٰةَ ٱلـدّن َْيا‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫رد ْ َ‬ ‫ك ِإن ُ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ُتـ ِ‬‫كنت ُ ّ‬ ‫قل لْزوٰ ِ‬
‫س ـَراحا ً‬ ‫فت َعال َين أ ُمت ّعك ُن ُ‬
‫ن َ‬ ‫حك ُ ّ‬ ‫س ـّر ْ‬ ‫وأ َ‬ ‫ها َ َ ْ َ َ ْ ّ َ‬ ‫زين َت َ َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ســـول َ ُ‬
‫ه‬ ‫وَر ُ‬ ‫ن ٱللـــه َ‬ ‫ردْ َ‬ ‫ن ُتـــ ِ‬ ‫كنُتـــ ّ‬ ‫وِإن ُ‬ ‫ميل ً ‪َ ‬‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫‪475‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ت‬
‫سن َ ٰـ ـ ِ‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ٱللــه أ َ َ‬
‫ع ـدّ ل ِل ْ ُ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫داَر ٱل َ ِ‬
‫خَرةَ َ‬ ‫و ٱل ّ‬
‫َ‬
‫ظيما ً‪.( (28-29‬‬ ‫جرا ً َ‬ ‫َ‬
‫ع ِ‬ ‫نأ ْ‬‫منك ُ ّ‬‫ِ‬
‫حجابك قمة استسلمك‬
‫وهكييذا نييرى أن السييورة تضييمنت الكييثير ميين‬
‫المواقف الحرجة والصعبة التي قد يمر بها المسلم‪،‬‬
‫إلى أن تصل بنا إلى أمر صعب علييى النسيياء‪ ،‬لكنييه‬
‫اختبار قوي لمدى استسلمهن لوامر الله‪ :‬الحجاب‪.‬‬
‫ســاء‬ ‫وب َن َ ٰـ ـت ِ َ‬ ‫جـ َ‬ ‫َ‬ ‫ى ُ‬ ‫َ‬
‫ون ِ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ك َ‬ ‫قــل لْز ٰو ِ‬ ‫ها ٱلن ّب ِ ّ‬ ‫‪َ‬‬‫يأي ّ‬
‫ن‪‬‬ ‫ه ّ‬ ‫مــن َ َ‬ ‫ن َ َ‬ ‫مـ ْ‬‫ٱل ْ ُ‬
‫جل ٰــِبيب ِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫هـ ّ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫ن ي ُـدِْني َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬
‫‪.((59‬‬
‫وهذه الية ‪ -‬بالضافة إلى الية )‪ (31‬ميين سييورة‬
‫النور ‪ -‬قد ذكرت تفاصيييل حجيياب المييرأة المسييلمة‬
‫بشكل دقيق‪ .‬ففي سورة النور‪ ،‬أتى تفصيييل الجييزء‬
‫عل َـ ٰى‬ ‫ن َ‬ ‫هـ ّ‬ ‫ر ِ‬
‫م ِ‬‫خ ُ‬ ‫ن بِ ُ‬‫رب ْ َ‬
‫ض ِ‬ ‫‪‬ي َ ْ‬ ‫ول ْ‬
‫العلوي من اللباس َ‬
‫ن ‪ ‬أما في سييورة الحييزاب‪ ،‬فقييد وصييفت‬ ‫ه ّ‬‫جُيوب ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫هـ ّ‬ ‫ن َ َ‬ ‫الية لباس المسلمة ميين تحييت ‪‬ي ُـدِْني َ‬
‫علي ْ ِ‬
‫ن ‪ .‬فهييل ستستسييلمي للييه تعييالى‬ ‫ه ّ‬ ‫من َ َ‬
‫جل ٰــِبيب ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أيتها الخت المسلمة‪ ،‬وترضخي لحكم الحجيياب؟ أم‬
‫أننا سنظل نسمع من يقول‪ :‬أنا لييم أقتنييع بالحجيياب‬
‫بعد‪...‬‬
‫استسلم بل تردد‬
‫فييإذا أصيير البعييض علييى عييدم تطييبيق الحكييام‬
‫الشرعية إل بعد فهم الحكميية منهييا‪ ،‬فاسييمعي أيتهييا‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪476‬‬

‫الفتاة واسمع أيها الشاب الييية المحورييية والقاعييدة‬


‫الهامة في الستسلم لله تعالى‪:‬‬
‫ضــى‬ ‫ق َ‬ ‫ذا َ‬‫ة إِ َ‬‫من َـ ٍ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ول َ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬
‫م ٍ‬‫ؤ ِ‬‫مـ ْ‬
‫ن لِ ُ‬ ‫ما ك َــا َ‬ ‫و َ‬
‫‪َ ‬‬
‫م ٱل ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ٱلله ورسول ُ َ‬
‫ة‬
‫خي َـَر ُ‬ ‫هـ ُ‬‫ن لَ ُ‬‫مــرا ً أن ي َك ُــو َ‬‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫م‪.( (36‬‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬‫ر ِ‬‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬‫م ْ‬
‫ِ‬
‫فل يجوز أن يأمرك الله أمرا ً ثم تعترض وتقييول‪:‬‬
‫ل‪ .‬يييا شييباب‪ ،‬ويييا بنييات‪ ،‬إستسييلموا للييه‬ ‫أقنعنييي أو ً‬
‫تعالى‪ ،‬فقد ظلت اليات على مييدى عشييرين جييزءا ً‬
‫تبين لك حكمة الله وتدبيره في خلقه وإعجييازه فييي‬
‫تشريعه )مما يثبت أن ديننا ليس فيه اتباع أعمييى أو‬
‫دعوة لتعطيل العقييل(‪ .‬أمييا الن‪ ،‬فقييد آن الوان أن‬
‫تستسلم‪..‬‬
‫وكأن المعنى‪ :‬أن الله تعالى يتعبدنا بنييوعين ميين‬
‫الواميير‪ :‬أواميير تييأتي مقرونيية بالسييبب والحكميية‪،‬‬
‫كتحريم الخمر وأكييل لحييم الميتيية ومييا إلييى هنالييك‪،‬‬
‫فيطّبقها المؤمنون ويزدادوا معها إيمانا ً بحكميية اللييه‬
‫في شرعه‪ .‬وهناك أوامر أخرى ل تييذكر معهييا العليية‬
‫أو السبب‪ ،‬فيريدنا الله من خللهييا أن نطيعييه سييواء‬
‫فهمنا الحكمة من ذلييك أم لييم نفهييم‪ ،‬حييتى يمتحيين‬
‫استسلمنا له من غير شروط ومن غير تردد‪.‬‬
‫طاعة الله في السورة‬
‫ولن محييور السييورة هييو طاعيية اللييه سييبحانه‬
‫وتعالى والستسييلم لمييره‪ ،‬نييرى أن كلميية الطاعيية‬
‫‪477‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪8‬‬ ‫ذكرت فييي السييورة ‪ 7‬مييرات‪ ،‬والصييدق مييع اللييه‬


‫مرات‪ .‬وليس هذا فحسب‪ ،‬فإن أول آية في السورة‬
‫أمرت النبي بالطاعة الخالصة لله دون سواه‪:‬‬
‫َ‬
‫ول َ ت ُطِـــ ِ‬
‫ع‬ ‫ق ٱللـــه َ‬ ‫ى ٱت ّـــ ِ‬ ‫هـــا ٱلن ّب ِـــ ّ‬ ‫‪‬يٰأي ّ َ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫من َ ٰـ ِ‬‫و ٱل ْ ُ‬‫ن َ‬‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ٱل ْك َ ٰـ ِ‬
‫ع‬‫ول َ ت ُطِ ِ‬ ‫وأتت آيييات كييثيرة بنفييس المعنييى‪َ  :‬‬
‫ل‬ ‫و ّ‬
‫كـــ ْ‬ ‫وت َ َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع أَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫ود َ ْ‬‫ن َ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫من َ ٰـ ِ‬‫و ٱل ْ ُ‬‫ن َ‬‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ٱل ْك َ ٰـ ِ‬
‫عَلى ٱلله ‪.( (48‬‬ ‫َ‬
‫والية الرابعة تركز على إخلص الطاعة لله دون‬
‫فــى‬ ‫ن ِ‬ ‫مــن َ ْ‬ ‫ع َ‬
‫قلب َي ْـ ِ‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ل ٱلله ل َِر ُ‬ ‫ج َ‬‫ما َ‬ ‫غيره‪ّ  :‬‬
‫ه ‪ ‬لن من يطيع العباد من دون الله‪ ،‬فسوف‬ ‫ف ِ‬ ‫و ِ‬‫ج ْ‬‫َ‬
‫قاُلوا ْ‬ ‫و َ‬ ‫يكون مصيره في الخرة مع ميين يقييول‪َ  :‬‬
‫ضــّلوَنا‬ ‫فأ َ َ‬ ‫وك ُب ََراءَنــا َ‬ ‫ســادَت ََنا َ‬ ‫عَنــا َ‬
‫َ‬
‫َرب َّنــا إ ِّنــا أطَ ْ‬
‫سِبيل ْ‪.( (67‬‬ ‫ٱل ّ‬
‫وتثبت لنا السورة أن هذا المر لم يكيين مختصييا ً‬
‫بالنبي وحده‪ ،‬بل شمل كل النبياء‪:‬‬
‫ك‬ ‫مْنـ َ‬ ‫و ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ميَثـا َ‬‫ن ِ‬ ‫ن ٱلن ّب ِي ّي ْـ َ‬ ‫م َ‬ ‫خذَْنا ِ‬ ‫وإ ِذْ أ َ َ‬
‫‪َ ‬‬
‫ن‬ ‫ســى ٱب ْـ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫و ِ‬‫ـى َ‬
‫سـ ٰ‬ ‫مو َ‬ ‫و ُ‬‫م َ‬ ‫هيـ َ‬ ‫وإ ِْبرٰ ِ‬‫ح َ‬ ‫من ّنو ٍ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫غِليظا ً‪.( (7‬‬ ‫قا َ‬ ‫ميَثا ً‬ ‫َ‬
‫م ّ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬‫خذَْنا ِ‬ ‫وأ َ‬ ‫م َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫َ‬
‫استسلم السماوات والرض‬
‫وتختم السورة بمعنى لطيف‪ ،‬وهو قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫م ٰـــ ٰو ِ‬ ‫س َ‬ ‫عَلــى ٱل ّ‬ ‫ة َ‬ ‫ماَنــ َ‬
‫ضــَنا ٱل َ‬ ‫عَر ْ‬
‫ـا َ‬ ‫إ ِّنـ‬
‫‪‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مل ْن َ َ‬
‫هــــا‬ ‫ح ِ‬
‫ن أن ي َ ْ‬ ‫ل َ‬
‫فــــأب َي ْ َ‬ ‫و ٱل ْ ِ‬
‫جَبــــا ِ‬ ‫ض َ‬‫و ٱل ْر ِ‬ ‫َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪478‬‬

‫ن‬ ‫ه َ‬
‫كـا َ‬ ‫ن إ ِن ّـ ُ‬
‫س ٰــ ُ‬ ‫مل َ َ‬
‫هــا ٱل ِن ْ َ‬ ‫ح َ‬
‫و َ‬
‫هــا َ‬
‫من ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ق َ‬‫ف ْ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫ش َ‬ ‫َ‬
‫هول ً‪.( (72‬‬ ‫ج ُ‬ ‫ظَُلوما ً َ‬
‫فالستسلم لله تعالى نوعييان‪ :‬إمييا أن تستسييلم‬
‫لربك جييل وعل باختيييارك وبإرادتييك‪ ،‬وإمييا أن تكييون‬
‫عبييدا ً لييه دون أي اختيييار‪ ...‬والنييوع الول هييو الييذي‬
‫أشييفقت منييه السييماوات والرض لمييا يعلميين ميين‬
‫صعوبة حمل المانة‪ ،‬أمانة التكليييف‪ ،‬ولييذلك فضييلن‬
‫النوع الثاني من الستسلم‪ ،‬وهو الخضوع لله تعالى‬
‫دون أن يكونوا مخيرين في فعل الطاعات‪..‬‬
‫ن‬ ‫ه ك َــا َ‬‫أما النسان‪ ،‬فقد حمل هذه المانة ‪‬إ ِن ّـ ُ‬
‫هول ً ‪ ،‬والية ل تعنييي أنييه كييان ظلوميا ً‬ ‫ج ُ‬ ‫ظَُلوما ً َ‬
‫جهول ً لنه حمييل المانيية‪ ،‬لكنييه يكييون كييذلك إذا لييم‬
‫يستسلم لله بعد حمله لهذه المانة‪.‬‬
‫لذلك كان ختييام سييورة الحييزاب‪ :‬استسييلم للييه‬
‫تعالى‪ ،‬واعلم أن الله تعالى استأمنك على مسؤولية‬
‫كبيرة‪ ،‬خافت منها مخلوقات عظيمة ميين مخلوقييات‬
‫الله‪ ،‬وفضلت الستسييلم للييه دون أن يكييون عنيدها‬
‫خيار في ذلك‪...‬‬
‫سبب تسمية السورة‪:‬‬
‫ونصل إلييى سييبب تسييمية السييورة‪ ،‬وهييو طبع يا ً‬
‫يرجييع إلييى غييزوة الخنييدق‪ ،‬حييين أحيياط الحييزاب‬
‫بالمدينة من كل جانب‪ ...‬فماذا كان قول المسلمين‬
‫مـــا َرَأى‬ ‫ول َ ّ‬
‫فييييي هييييذا الموقييييف الصييييعب؟ ‪َ ‬‬
‫‪479‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ع ـدََنا‬ ‫و َ‬ ‫مــا َ‬‫ذا َ‬ ‫ه ٰـ ـ َ‬ ‫قــاُلوا ْ َ‬ ‫ب َ‬ ‫حَزا َ‬ ‫ن ٱل َ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬


‫مــا‬‫و َ‬‫ه َ‬ ‫ســول ُ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫صـدَقَ ٱللــه َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ســول ُ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ٱللــه َ‬
‫سِليما ً‪.( (22‬‬ ‫وت َ ْ‬ ‫ماًنا َ‬ ‫م إ ِل ّ ِإي َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َزادَ ُ‬
‫أرأيت كيف أن التسليم لله يتكرر دائما ً معنا فييي‬
‫هذه السورة؟‬
‫لكن هنيياك سييببا ً آخيير لهييذا السييم بالييذات غييير‬
‫أحزاب الخارج‪ .‬فالمدينة المنورة قييد انقسييمت ميين‬
‫الداخل أيضا ً إلى أحزاب‪ :‬من حزب المنافقين‪ ،‬إلييى‬
‫حزب المترددين الخائفين‪ ،‬إلى حزب ثييالث ل يجييب‬
‫أن ننساه‪ ،‬وهو حزب النساء اللواتي نصرن السلم‪،‬‬
‫ن‬‫ولهذا أتت آيات كثيرة عنهيين‪ ،‬مثييل الييية ‪ :35‬إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مــــ ْ‬‫و ٱل ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫مـــــٰ ِ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫ســــل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ت‪ . ...‬وهناك حزب المؤمنين الواثقين‬ ‫من َ ٰـ ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫بالله‪ ،‬والذين نالوا شهادة رائعة من الله تعييالى فييي‬
‫ما‬ ‫قوا ْ َ‬ ‫صدَ ُ‬
‫ل َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ر َ‬‫ن ِ‬ ‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫استسلمهم‪ّ  :‬‬
‫ه‬
‫حب َـ ُ‬ ‫ض ـ ٰى ن َ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫مــن َ‬ ‫م ّ‬ ‫هـ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ف ِ‬‫ه َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫دوا ْ ٱلله َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ع ٰـ َ‬
‫َ‬
‫ديل ً‪.( (23‬‬ ‫ما ب َدُّلوا ْ ت َب ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫من َينت َظُِر َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫أصلح الحزاب‪ ...‬لتقوم الحضارة‬
‫لقييد سييميت السييورة بييالحزاب بسييبب كييثرة‬
‫الحزاب خارج المدينة وداخلهيا‪ .‬ول ريييب أن إصيلح‬
‫أحزاب الييداخل والنتصييار عليهييا أصييعب بكييثير ميين‬
‫النتصار على أحييزاب الخييارج‪ .‬فييالولى قضييى اللييه‬
‫م‬ ‫سـل َْنا َ َ‬ ‫عليهييا بريييح أرسييلها عليهييم‪َ َ  ،‬‬
‫هـ ْ‬‫علي ْ ِ‬ ‫فأْر َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪480‬‬

‫هــا‪ .( (9‬وأمييا أحييزاب‬ ‫و َ‬ ‫جُنــودا ً ّلــ ْ‬


‫م ت ََر ْ‬ ‫ريحــا ً َ‬
‫و ُ‬ ‫ِ‬
‫الييداخل‪ ،‬فييإن تييم إصييلحها‪ ،‬فستصييبح أمتنييا ذات‬
‫حضييارة قوييية‪ ،‬كحضييارة سييبأ الييتي تحييدثت عنهييا‬
‫السورة التالية‪ ،‬وكأن العلقة بين السيورتين تختصير‬
‫بالرسيييالة التاليييية‪ :‬ييييا أحيييزاب اليييداخل انصيييهروا‬
‫واستسلموا لله‪ ،‬لن انصهار الداخل واستسييلمه لييه‬
‫تعالى هو سبيل بقاء الحضارات‬

‫سورة سبأ‬
‫سو‬ ‫استسلم الحضارات لله‬
‫رة سبأ‬ ‫سورة سبأ من السور التي تتناول قضية التفييوق‬
‫الحضاري‪ ،‬كسورة النمل‪ ،‬لكنها تأتي مكملة لها فييي‬
‫المعنييى ; فبينمييا ركييزت سييورة النمييل علييى الخييذ‬
‫بمقومييات الحضييارة‪ ،‬ميين علييم وتفييوق تكنولييوجي‬
‫وإدارة‪ ،‬تأتي سورة سبأ لتسأل كل من يريد بناء أمة‬
‫وحضييارة‪ :‬علييى أي شييي ء تقييوم هييذه الحضييارة؟‬
‫وعلييى أي أسييس؟ فهييدف السيييورة هييو‪ :‬حاجيية‬
‫الحضارة لليمان‬
‫والسيييورة تتحيييدث عييين نميييوذجين متناقضيييين‬
‫للحضييارات‪ :‬حضييارة مؤمنيية مستسييلمة للييه‪ ،‬وهييي‬
‫حضييارة داوود وسييليمان عليهمييا السييلم‪ ،‬وحضييارة‬
‫عاصية رافضة لطريق الله وهي حضارة سبأ‪.‬‬
‫ومجيء هذه السورة في ترتيييب المصييحف بعييد‬
‫‪481‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫سورة الحزاب يشير ‪ -‬كمييا ذكرنييا ‪ -‬إلييى أن إصييلح‬


‫أحزاب الييداخل باليمييان هييو السييبيل لبنيياء حضييارة‬
‫قوية‪.‬‬
‫حضارتان في الميزان‪:‬‬
‫فالنموذج الول‪ ،‬والذي يتمثل بالحضارة المؤمنة‪،‬‬
‫هو نبي الله داوود الذي آتاه الله الملك‪:‬‬
‫وِبى‬ ‫ضل ً ٰيجبا ُ َ‬ ‫مّنا َ‬ ‫ول َ َ‬
‫لأ ّ‬ ‫ِ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫وودَ ِ‬ ‫دا ُ‬ ‫قدْ ءات َي َْنا َ‬ ‫‪َ‬‬
‫معه و ٱلطّيـر َ‬
‫د‪ ،( (10‬فلمييا‬ ‫ديـ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه ٱل ْ َ‬ ‫وأل َن ّــا ل َـ ُ‬‫ْ َ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫وع الله لييه‬ ‫استسلم لله تعالى وعبده حق عبادته‪ ،‬ط ّ‬
‫خر ليييه الكيييون كليييه بيييين ييييديه‪:‬‬ ‫الحدييييد‪ ،‬وسييي ّ‬
‫هــا‬‫ح َ‬ ‫وا ُ‬ ‫وَر َ‬‫هٌر َ‬ ‫شـ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫و َ‬‫غ ـدُ ّ‬‫ح ُ‬ ‫ن ٱلّري ـ َ‬ ‫مـٰ َ‬ ‫سل َي ْ َ‬‫ول ِ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫شه ر َ‬
‫ر‪ .( (12‬لحييظ‬ ‫قط ْ ـ ِ‬ ‫ن ٱل ْ ِ‬ ‫عي ْـ َ‬‫ه َ‬ ‫سل َْنا ل َ ُ‬‫وأ َ‬ ‫َ ْ ٌ َ‬
‫كلمات ‪‬أ َوبى ‪ ‬و ‪‬وأ َل َّنا ‪ ‬و ‪َ ‬‬
‫ه ‪،‬‬ ‫سل َْنا ل َ ُ‬ ‫وأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ ِ‬
‫خر الله تعالى الكون كلييه لهييذه‬ ‫فكلها تصور كيف س ّ‬
‫الحضيييييييييييييارة المؤمنييييييييييييية‪ .‬ليييييييييييييذلك‬
‫فإننا نرى في سورة أخرى من سور الستسلم لله‪،‬‬
‫سييورة "ص"‪ ،‬كيييف ثبييت اللييه ملييك سيييدنا داوود‪:‬‬
‫ل ل ّـ َ‬
‫شـدَدَْنا‬ ‫و َ‬ ‫ب‪َ ‬‬ ‫وا ٌ‬ ‫هأ ّ‬ ‫ُ‬ ‫شــوَرةً ك ُـ ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫و ٱلطّي َْر َ‬
‫م ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ه‪)  ...‬ص‪.(20 – 19 :‬‬ ‫مل ْك َ ُ‬
‫ُ‬
‫أمييا النمييوذج الثيياني‪ ،‬فهييي الحضييارة الييتي لييم‬
‫تستسييلم للييه فعييوقبت وانتهييت‪ ،‬وسييميت السييورة‬
‫سـب َإ ٍ‬ ‫قدْ ك َــا َ‬
‫ن لِ َ‬ ‫باسمها لتكون عبرة لمن يعتبر‪ :‬ل َ َ‬
‫ل‬ ‫ما ٍ‬ ‫شـ َ‬‫و ِ‬‫ن َ‬ ‫ميـ ٍ‬ ‫عن ي َ ِ‬‫ن َ‬‫جن َّتا ِ‬
‫ة َ‬
‫م ءاي َ ٌ‬ ‫سك َن ِ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫م ْ‬
‫فى َ‬
‫ِ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪482‬‬

‫ه ب َل ْدَةٌ طَي ّب َ ـ ٌ‬
‫ة‬ ‫شك ُُروا ْ ل َ ُ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ق َرب ّك ُ ْ‬ ‫من ّرْز ِ‬ ‫ك ُُلوا ْ ِ‬
‫ل‬‫س ـي ْ َ‬ ‫سل َْنا َ َ‬ ‫ضوا ْ َ َ‬ ‫فأ َ ْ‬‫فوٌر ‪َ ‬‬ ‫غ ُ‬ ‫ب َ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫فأْر َ‬ ‫عَر ُ‬ ‫وَر ّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ى أك ُـ ٍ‬ ‫وات َ ْ‬‫ن ذَ َ‬ ‫جن ّت َي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جن ّ ٰـت ِ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وب َدّلن َ ٰـ ُ‬ ‫رم ِ َ‬ ‫ع ِ‬
‫ٱل َ‬
‫ل ‪ ‬ذَل ِـ َ‬ ‫ر َ‬ ‫خم ـط َ‬
‫ك‬ ‫قِليـ ٍ‬ ‫سـدْ ٍ‬ ‫مــن ِ‬ ‫ىء ّ‬ ‫شـ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ل َ‬ ‫وأث ْـ ٍ‬ ‫َ ْ ٍ َ‬
‫فــوَر‬ ‫زى إ ِل ّ ٱل ْك َ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل نُ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و َ‬‫فُروا ْ َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جَزي َْنـٰ ُ‬‫َ‬
‫‪.( (15 – 17‬‬
‫الجن في السورة‬
‫وبين هاتين الحضارتين‪ ،‬تأتي السورة علييى ذكيير‬
‫الجييييييييييييييييييييييييييين‪ ،‬وكييييييييييييييييييييييييييييف‬
‫كييانت حضييارتهم مستسييلمة إلييى حضييارة سييليمان‬
‫ن‬
‫جـــــــ ّ‬ ‫ن ٱل ْ ِ‬ ‫مـــــــ َ‬ ‫و ِ‬ ‫بشييييييييكل كامييييييييل‪َ  :‬‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫غ ِ‬ ‫ز ْ‬ ‫من ي َ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َرب ّ ِ‬ ‫ه ب ِإ ِذْ ِ‬ ‫ن ي َدَي ْ ِ‬ ‫ل ب َي ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ع َ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ر‪.( (12‬‬ ‫عـ َ‬ ‫ذ ْ‬ ‫َ‬
‫عي ِ‬ ‫سـ ِ‬‫ب ٱل ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫رَنا ن ُـ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫هذه الحضيارة ليم تيؤت قيوة ول سيلطانا ً ول علميًا‪،‬‬
‫ت‬ ‫و َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ه ٱل ْ َ‬ ‫عل َي ْـ ِ‬ ‫ضي َْنا َ‬ ‫ق َ‬ ‫ما َ‬ ‫فل َ ّ‬‫بدليل قوله تعالى ‪َ ‬‬
‫ل‬‫ض ت َأ ْك ُـ ُ‬ ‫ة الْر ِ‬
‫َ‬ ‫داب ّـ ُ‬ ‫ه إ ِل ّ َ‬ ‫وت ِ ِ‬‫مـ ْ‬ ‫عل َـ ٰى َ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫مــا دَل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫و ك َــاُنوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أن ل ّـ ْ‬ ‫جـ ّ‬ ‫ت ٱل ْ ِ‬ ‫خّر ت َب َي ّن َ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫فل َ ّ‬
‫ه َ‬ ‫سأت َ ُ‬ ‫من َ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ذا ِ‬ ‫عــ َ‬‫فــى ٱل ْ َ‬ ‫مــا ل َب ُِثــوا ْ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫غْيــ َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫مــو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‪.( (14‬‬ ‫هي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫فهم كانوا يعملون بجد خوفا ً ميين سييليمان الييذي‬
‫كان يراقبهم‪ ،‬لكنه ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬مات وهو متكييئ‬
‫على كرسيه دون أن يلحظ الجن ذلك‪ ،‬ولم يعرفييوا‬
‫هذه الحقيقة إل بعد أن أكلييت حشييرات الرض ميين‬
‫عصا سليمان‪ ...‬حادثة بسيطة تظهر هييذه الحضييارة‬
‫‪483‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫المستسلمة لكن دون أي علم أو معرفة‪...‬‬


‫سنة كونية‬
‫وتصييل بنييا السييورة‪ ،‬بعييد عييرض المثييالين‪ ،‬إلييى‬
‫تعميم القاعدة بأن تكذيب الحضارات وكفرهييا بييالله‬
‫مــن‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّـ ِ‬‫وك َـذّ َ‬ ‫تعييالى هييو سييبب هلكهييا‪َ  :‬‬
‫كــذُّبوا ْ‬
‫ف َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ءات َي ْن َ ٰـ ُ‬
‫شاَر َ‬ ‫ع َ‬‫م ْ‬‫غوا ْ ِ‬‫ما ب َل َ ُ‬
‫و َ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫قبل ِ ِ‬
‫ر‪ ( (45‬فبعييد الحييديث‬ ‫كي ـ ِ‬
‫ن نَ ِ‬‫ف ك َــا َ‬‫فك َي ْ َ‬ ‫سِلى َ‬ ‫ُر ُ‬
‫عن المم الغابرة‪ ،‬بينت السورة أن هناك أمما ً كانت‬
‫أقوى عشر مرات من قريش‪ ،‬ومع ذلك فقد انتهييت‬
‫حضارتها لن القاعدة العامة قد جرت عليها‪.‬‬
‫ولذلك تأتي موعظيية شييديدة لكييل ميين يريييد أن‬
‫ينشأ حضارة أو يبني أمة‪ ،‬افهموها يا مسلمين‪،‬‬
‫واحفظوها يا من تريدون بناء مجد السلم‪:‬‬
‫مــوا ْ للــه‬ ‫قو ُ‬ ‫ة َأن ت َ ُ‬‫حدَ ٍ‬‫م ب ِ ٰو ِ‬‫عظُك ُ ْ‬ ‫ما أ َ ِ‬ ‫ق ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ُ‬
‫‪‬‬
‫مــن‬‫م ّ‬ ‫حب ِك ُ ْ‬
‫ص ٰـ ـ ِ‬‫ما ب ِ َ‬‫فك ُّروا ْ َ‬
‫م ت َت َ َ‬
‫فَرادَ ٰى ث ُ ّ‬ ‫و ُ‬ ‫مث ْن َ ٰى َ‬
‫َ‬
‫ة‪.( (46‬‬ ‫جن ّ ٍ‬
‫ِ‬

‫سورة فاطر‬
‫سو‬ ‫الستسلم سبيل العّزة‪:‬‬
‫رة‬ ‫وتكمل سورة فاطر محور الستسلم لله تعالى‪.‬‬
‫فاطر‬ ‫فبعد أن رأينا في سورة سبأ أن الستسلم للييه هييو‬
‫سبيل بقاء الحضارات‪ ،‬تأتي سورة فاطر لتقول‪ :‬بيل‬
‫أكثر من ذلك‪ ،‬فهو سبيل العزة والرفعة فييي الييدنيا‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪484‬‬

‫فبعيييض النييياس يعتقيييدون أن استسيييلمهم ليييرب‬


‫العيياملين وخضييوعهم لييه هييو مذليية وانتقيياص ميين‬
‫قدرهم‪ ،‬لكن السييورة توضييح أن العييزة الحقيقييية ل‬
‫فللــه‬ ‫ريـدُ ٱل ْ ِ‬
‫ع ـّزةَ َ‬ ‫ن يُ ِ‬‫كا َ‬‫من َ‬ ‫تأتي إل من الله‪َ  :‬‬
‫م ٱلطّي ّـ ُ‬
‫ب‬ ‫عدُ ٱل ْك َل ِـ ُ‬‫صـ َ‬ ‫ميع ـا ً إ ِل َي ْـ ِ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ج ِ‬
‫ع ـّزةُ َ‬‫ٱل ْ ِ‬
‫ه‪.( (10‬‬ ‫ع ُ‬ ‫ح ي َْر َ‬
‫ف ُ‬ ‫ص ٰـل ِ ُ‬ ‫ل ٱل ّ‬‫م ُ‬ ‫و ٱل ْ َ‬
‫ع َ‬ ‫َ‬
‫كيف ل تستسلم؟‬
‫ثم تنتقل السورة إلييى مييا هييو أقييوى ميين ذلييك‪:‬‬
‫كيييف ل تستسييلمون للييه وأنتييم فقييراء إليييه فقييرا ً‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ها‬ ‫مطلقًا‪ ،‬وهو الغنييي عنكييم وعيين العييالمين‪ٰ :‬يأي ّ َ‬
‫َ‬
‫و‬ ‫هــ َ‬ ‫و ٱللــه ُ‬ ‫قَراء إ َِلى ٱلله َ‬ ‫ف َ‬‫م ٱل ْ ُ‬ ‫س أنت ُ ُ‬ ‫ٱلّنا ُ‬
‫ت بِ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫خل ٍ‬ ‫وي َأ ِ‬ ‫م َ‬ ‫كـ ْ‬‫هب ْ ُ‬‫شأ ي ُذْ ِ‬ ‫ميدُ ‪ِ ‬إن ي َ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ى ٱل ْ َ‬ ‫غن ِ ّ‬‫ٱل ْ َ‬
‫ز‪.( (15 - 17‬‬ ‫زي ٍ‬ ‫ع ِ‬ ‫عَلى ٱلله ب ِ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ما ذَل ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫د‪َ ‬‬ ‫دي ٍ‬ ‫ج ِ‬‫َ‬
‫والسورة ابتدأت أصل ً بذكر الملئكة‪ ،‬وأنهم رغييم‬
‫عظم خلقهم وقوتهم‪ ،‬خاضعون لله مستسلمون لييه‬
‫ر‬‫فـــاطِ ِ‬ ‫مـــدُ للـــه َ‬ ‫ح ْ‬ ‫فيييي كيييل أميييورهم ‪‬ٱل ْ َ‬
‫مل َ ٰـــئ ِك َ ِ‬ ‫َ‬
‫ســل ً‬ ‫ة ُر ُ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫و ٱلْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـ ٰو ِ‬ ‫س َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫وث ُل َ ٰـ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ع‪.( (1‬‬ ‫وُرب َ ٰـ َ‬ ‫ث َ‬ ‫مث ْن َ ٰى َ‬ ‫ة ّ‬ ‫ح ٍ‬ ‫جن ِ َ‬‫وِلى أ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫فاطر السماوات والرض‬
‫فلمييياذا سيييميت السيييورة بأحيييد أسيييماء الليييه‬
‫الحسنى‪" ،‬فاطر"؟‬
‫إن سورة فاطر ترينا آيات الله فييي كييونه‪ ،‬حييتى‬
‫نعرفه حق المعرفيية‪ ،‬ونييوقن أن العييزة للييه جميعيًا‪،‬‬
‫‪485‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫فنستسلم له ول نخضع لسواه‪ .‬فلماذا كييان الييتركيز‬


‫على اسم الله "فاطر"؟‬
‫إن مييرادف كلميية "فيياطر" هييي كلميية "خييالق"‪.‬‬
‫وفييي اللغيية‪ ،‬نقييول "فطيير الشيييء" أي شييقه إلييى‬
‫نصفين‪ .‬لذلك فإن اليات الكونية في السورة تركييز‬
‫على عظمة الله من خلل ازدواجية الكون‪:‬‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫مدُ لله َ‬ ‫‪‬ل ْ َ‬
‫و ٱل ْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ر ٱل ّ‬ ‫فاطِ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ٱ‬
‫ك‬ ‫سـ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فل َ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مـ ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫مــن ّر ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ٱلله ِللّنا ِ‬ ‫فت َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ّ‬
‫ه‪ (1-‬‬ ‫د ِ‬ ‫عـ ِ‬ ‫مــن ب َ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫س َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫فل َ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫لَ َ‬
‫ت‬ ‫فَرا ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫عذْ ٌ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه ٰـ َ‬ ‫ن َ‬ ‫حَرا ِ‬ ‫وى ٱل ْب َ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ 2)، ‬‬
‫َ‬ ‫ذا مل ْ ُ‬
‫م ت ََر‬ ‫ج ‪ (12)، ‬أل َ ْ‬ ‫جا ٌ‬ ‫حأ َ‬ ‫ه ٰـ َ ِ ٌ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫شَراب ُ ُ‬ ‫غ َ‬ ‫سائ ِ ٌ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫جَنــا ِبــ ِ‬ ‫خَر ْ‬ ‫فأ َ ْ‬ ‫ماء َ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن ٱلله أن ََز َ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫د‬
‫ج ـدَ ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫جب َــا ِ‬ ‫ن ٱل ْ ِ‬ ‫مـ َ‬ ‫و ِ‬ ‫هــا َ‬ ‫وان ُ َ‬ ‫خت َِلف ـا ً أل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ّ‬ ‫مَرا ٍ‬ ‫ثَ َ‬
‫خت َل ِـ ٌ َ‬
‫ســودٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫غَراِبيـ ُ‬ ‫و َ‬ ‫هــا َ‬ ‫ف أل ْ ٰون ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مٌر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ِبي ٌ‬
‫ف‬ ‫خت َِلـ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ع ٰــم ِ ُ‬ ‫و ٱل َن ْ َ‬ ‫ب َ‬ ‫وا ّ‬ ‫و ٱلـدّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ٱلّنـا ِ‬ ‫مـ َ‬ ‫و ِ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ك‪ .( (27-28‬وتأتي آيات أخرى بذكر‬ ‫ه ك َذَل ِ َ‬ ‫أل ْ ٰون ُ ُ‬
‫صــيُر‬ ‫و ٱل ْب َ ِ‬ ‫مــ ىٰ َ‬ ‫ع َ‬‫وى ٱل َ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫الضداد‪َ  :‬‬
‫ول َ‬ ‫ل َ‬ ‫ول َ ٱلظّـــ ّ‬ ‫ول َ ٱلن ّـــوُر ‪َ ‬‬ ‫ت َ‬ ‫مـــا ُ‬ ‫ول َ ٱلظّل ُ َ‬ ‫َ‬
‫ول َ‬ ‫َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫حَيــــاء َ‬ ‫وى ٱل ْ‬ ‫ســــت َ ِ‬ ‫مــــا ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫حــــُروُر ‪َ ‬‬
‫ت‪.( (19-22...‬‬ ‫َ‬
‫وا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ٱل ْ‬
‫وكأنها تقييول لنييا‪ :‬ميين يسييتطيع أن يقيييم الكييون‬
‫على هذه الضداد إل الله؟ فاخضعوا له واستسييلموا‬
‫لعظمته‪...‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪486‬‬

‫لذلك ترينيا السيورة فيي أكيثر آياتهيا قيدرة الليه‬


‫تعالى فيي الكيون‪ ،‬حيتى نعيرف ربنيا حيق المعرفية‬
‫ونوقن أن العزة لله جميعًا‪ ،‬ومنها قوله تعالى ‪‬إ ِ ّ‬
‫ن‬
‫ٱللــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه‬
‫ول َِئن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض أن َتـُزول َ َ‬ ‫و ٱلْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬
‫ك ٱل ّ‬ ‫سـ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪.( (41‬‬ ‫د ِ‬
‫ع ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫د ّ‬
‫ح ٍ‬ ‫نأ َ‬‫م ْ‬‫ما ِ‬ ‫سك َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬‫َزال ََتا إ ِ ْ‬

‫سورة يس‬
‫سو‬ ‫الستسلم في الدعوة إلى الله‪:‬‬
‫رة يس‬ ‫وسييورة يييس تظهيير أن هنيياك نوعييا ً آخيير ميين‬
‫الستسييلم ل بييد للمسييلم ميين القيييام بييه‪ ،‬وهييو‬
‫الستسييلم للييه تعييالى وتفييويض الميير إليييه أثنيياء‬
‫الييدعوة إلييى اللييه‪ ،‬بييأن يبقييى المييرء مصييرا ً علييى‬
‫الدعوة إلى الله سواء اهتدى النيياس أم لييم يهتييدوا‪،‬‬
‫لن الدعوة إلى الله عبيادة لليه‪ ،‬وأنيت تتقييرب إليى‬
‫الله بهذه العبادة سواء أرأيت النتييائج أمامييك أم لييم‬
‫ترها‪...‬‬
‫ور لنييا نمييوذجين ميين‬ ‫ولذلك فإن سورة يس تصي ّ‬
‫النيياس‪ :‬نمييوذج لشييخاص مييا تييزال قلييوبهم تنبييض‬
‫بالحياة‪ ،‬ونموذج آخر لشخاص ميياتت قلييوبهم‪ .‬ولن‬
‫المرء ل يعلم ميا فيي قليوب النياس فهيو بالتيالي ل‬
‫يعلم من يرجى هدايته مميين ل يرجييى فييوجب عليييه‬
‫دعوة الجميع سواء اهتدوا أو لم يهتدوا‪.‬‬
‫سبب نزول السورة‪:‬‬
‫‪487‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫فتبييدأ السييورة بييذكر الييذين ل ترجييى هييدايتهم‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫م لَ‬ ‫ه ْ‬ ‫ذْر ُ‬ ‫م ُتنـ ِ‬ ‫م ل َـ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫م أءنذَْرت َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫وآء َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫س َ‬‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‪ ( (10‬ثم مباشرة تذكر من ترجى هييدايته‬ ‫مُنو َ‬ ‫ُيؤ ِ‬
‫ى‬ ‫شــ َ‬ ‫وخ ِ‬ ‫ذك َْر َ‬ ‫ع ٱلــ ِ‬ ‫ن ٱت َّبــ َ‬ ‫مــ ِ‬ ‫ذُر َ‬ ‫مــا ُتنــ ِ‬ ‫‪‬إ ِن ّ َ‬
‫ر‬ ‫ف ـرة َ‬ ‫فب َ ّ‬‫ب َ‬ ‫ن ب ِـ ٱل ْ َ‬
‫جـ ٍ‬ ‫وأ ْ‬ ‫غ ِ َ ٍ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ش ـْرهُ ب ِ َ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫مـ ٰ َ‬ ‫حـ‬ ‫ٱلّر ْ‬
‫ور الفئتييين كمييا ذكرنييا‪،‬‬ ‫ريم ٍ‪ .( (11‬فالسورة تصي ّ‬ ‫كَ ِ‬
‫ممييا يوضييح لنييا سييبب نزولهييا عليى النييبي ‪ ‬قبييل‬
‫الهجرة مباشرة‪ ،‬عندما توقف انتشييار السييلم وبييدأ‬
‫المسلمون يشعرون باليأس من دعوتهم‪ .‬لذلك نرى‬
‫آيييات كييثيرة تثبييت النييبي بييأنه علييى الحييق وتقييوي‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫عزيمته للستمرار في طريق الدعوة‪ :.‬إ ِن ّ َ‬
‫ل‬‫زي ـ َ‬ ‫قيم ٍ ‪َ ‬تن ِ‬ ‫س ـت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫ص ـ ٰر ٍ‬ ‫نـ ‪ٰ ‬ى ِ‬ ‫عل َ َ‬‫س ـِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ذَر‬ ‫مــا أنــ ِ‬ ‫ومــا ً ّ‬ ‫ذَر َ‬
‫ق ْ‬ ‫حيــم ِ ‪ ‬ل ُِتنــ ِ‬ ‫ز ٱلّر ِ‬ ‫زيــ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ن‪.( (3 – 6‬‬ ‫فُلو َ‬ ‫غ ٰـ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ؤ ُ‬ ‫ءاَبا ُ‬
‫فالسورة تسأل الدعاة إلى اللييه‪ ،‬وتسييألنا أيضيًا‪:‬‬
‫هييل سييتطيعون اللييه وتستسييلمون لييه وتسييتمرون‬
‫بدعوتكم؟ فالله وحده هو الذي يعلم ما فييي صييدور‬
‫الناس‪ ،‬ولذا وجب عليكم الستمرار بالدعوة حتى لو‬
‫شر بالخير‪.‬‬ ‫كان ظاهر الناس ل يب ّ‬
‫نموذج للستسلم‪:‬‬
‫ونرى في هذه السييورة القصيية الشييهيرة‪ ،‬قصيية‬
‫القريييييييية اليييييييتي أرسيييييييل الليييييييه لهيييييييا‬
‫مث َل ً‬
‫م ّ‬ ‫ب لَ ُ‬
‫هــ ْ‬ ‫ر ْ‬‫ضــ ِ‬
‫وٱ ْ‬‫ثلثييية مييين المرسيييلين ‪َ ‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪488‬‬

‫ب ٱل َ‬ ‫َ‬
‫هـــــــــا‬ ‫جاء َ‬ ‫ة إ ِذْ َ‬ ‫قْرَيـــــــــ ِ‬ ‫حــــــــــٰ َ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ٱث ْن َي ْــــ ِ‬ ‫هــــ ُ‬ ‫ســــلَنا إ ِلي ْ ِ‬ ‫ن ‪ ‬إ ِذْ أْر َ‬ ‫ســــُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫م‬‫قــاُلوا ْ إ ِن ّــا إ ِل َي ْك ُـ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ث َ‬ ‫عّزْزن َــا ب ِث َــال ِ ٍ‬ ‫ما َ‬
‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫فك َذُّبو ُ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .( (13 – 14‬فهذه القرية قد أرسل إليها‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ّ‬
‫ثلثة أنبياء‪ ،‬لكن هنيياك رجل ً أحييس بمسييؤوليته عيين‬
‫هذا الدين وكان موقفه رائعًا‪:‬‬
‫ع ٰى‬ ‫ســ َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫جــ ٌ‬ ‫ة َر ُ‬ ‫دين َ ِ‬ ‫م ِ‬‫صى ٱل ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جاء ِ‬ ‫و‪َ ‬‬‫َ‬
‫من ل ّ‬ ‫عوا ْ َ‬ ‫ن ‪ ‬ٱت ّب ِ ُ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫عوا ْ ٱل ْ ُ‬ ‫وم ِ ٱت ّب ِ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ل ٰي َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫د‬ ‫ى ل َ أَ ْ‬
‫عب ُ ُ‬ ‫ما ل ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫جرا ً َ‬
‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫سـئ َل ُك ُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‪ ( (20 – 22‬إنهييا‬ ‫عو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ه ت ُْر َ‬ ‫وإ ِل َي ْ ِ‬‫فطََرِنى َ‬ ‫ذى َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫قصة رجل لييم يقييف مكتييوف اليييدين دون أن يييدعو‬
‫إلى الله‪ ،‬بحجة وجود النبياء في هذه القرييية‪ ،‬لكنييه‬
‫أصر على الستمرار في دعوة قومه رغييم أنهييم لييم‬
‫يسييتجيبوا للنبييياء الييذين هييم أفضييل منييه بكييثير‪...‬‬
‫وهكذا نرى أن هذه القصة تصب في محور السييورة‬
‫مباشرة‪ :‬إياك واليأس من دعوة الناس إلى الله‪.‬‬
‫اليات الكونية ونهاياتها‬
‫وقد ركزت السورة على المييوت والبعييث‪ ،‬حييتى‬
‫نتذكر أننا جميعا ً سنموت‪ ،‬مؤمنين وكافرين‪ ،‬طائعين‬
‫وعاصين‪ ..‬لذلك ينبغي الستمرار في الييدعوة‪ ،‬لعييل‬
‫الله تعالى يحيي قلب رجل عاص قبل الموت‪ .‬وهييذا‬
‫المحور يأتي مقرونا ً باليات الكونييية المييذكورة فييي‬
‫السورة‪ ،‬الييتي ركييزت علييى نهايييات المييور‪ ،‬وكأنهييا‬
‫‪489‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫تييذكر الكييافرين بييالموت الييذي هييو نهاييية التكييذيب‬


‫ونهاييييية كييييل الخلئق‪ .‬إسييييمع قييييوله تعييييالى‪:‬‬
‫ديُر‬‫قـ ِ‬ ‫هـا ذَل ِ َ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫قّر ل ّ َ‬‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫رى ل ِ ُ‬ ‫ج ِ‬
‫س تَ ْ‬‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ل‬‫ز َ‬
‫مَنــا ِ‬
‫ه َ‬‫قدّْرن َ ٰـــ ُ‬ ‫مــَر َ‬ ‫ق َ‬‫و ٱل ْ َ‬‫عِليــم ِ ‪َ ‬‬‫ز ٱل ْ َ‬‫زيــ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ع ِ‬
‫ديم ِ ‪ .( (38 – 39‬أي‬ ‫ق ِ‬‫ن ٱل ْ َ‬ ‫جو ِ‬ ‫عر ُ‬ ‫عادَ ك َٱل ُ‬ ‫حّتىٰ َ‬ ‫َ‬
‫أن للشمس والقمر نهاية‪ ،‬كما لكل المخلوقات‪.‬‬
‫إقرأوا يس على موتاكم‪:‬‬
‫ومن هنا نفهم حديث النبي ‪" :‬إقرؤا يس على‬
‫موتاكم"‪ .‬وليس المقصود من الحديث أن تقييرأ فييي‬
‫المقابر كما يفعييل الكييثير ميين النيياس‪ ،‬بييل أن تقييرأ‬
‫على الميت حال احتضاره‪ .‬وكأن المعنى‪ :‬إقرأ هييذه‬
‫السورة على كل حييي‪ ،‬حييتى أولئك الييذين يلفظييون‬
‫أنفاسهم الخيرة‪ ،‬لن الحياة ل تزال موجييودة فيهييم‬
‫فإذا ً ل بييد ميين تييوجيه الييدعوة إليهييم وعييدم اليييأس‬
‫منهم‪ ...‬معنى جميل ومهم لكل الدعاة إلى الله‪.‬‬

‫سورة الصافات‬
‫سو‬ ‫سورة الصافات تسّلط الضوء على معنى واحييد‪:‬‬
‫رة‬ ‫استسلم لوامر الله حتى لو لم تدرك الحكمة منهييا‪.‬‬
‫الصييافا‬ ‫لذلك تأتي السورة بمثييل رائع‪ :‬سيييدنا إبراهيييم‪ ،‬لمييا‬
‫طلب منه ذبح ابنه إسماعيل‪ ،‬فتلقييى الميير دون أي‬
‫تردد أو سؤال عن الحكمة والغاية من هييذا الطلييب‪،‬‬
‫وكأن السورة تقول لنا‪ :‬سيأتيكم يييا مسييلمون عييدد‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪490‬‬

‫من الوامر التي لن تفهمييوا الحكميية منهييا‪ ،‬فاقتييدوا‬


‫بسيدنا إبراهيم في تنفيذه للوامر الربانية‪...‬‬
‫استسلم الب والبن‪:‬‬
‫وبالعودة لسيدنا إبراهيم‪ ،‬فإننييا نييرى فييي قصييته‬
‫استسلما ً كامل ً لله تعالى‪.‬‬
‫فهو قد ترك قومه وهاجر إلى الغربة فييي سييبيل‬
‫ن‪‬‬ ‫دي ِ‬
‫ه ِ‬ ‫ب إ ِل َ ٰى َرّبى َ‬
‫ســي َ ْ‬ ‫ه ٌ‬
‫ذا ِ‬ ‫‪َ‬‬
‫قا َ‬
‫ل إ ِّنى َ‬ ‫و‬‫الله َ‬
‫‪.((99‬‬
‫ور لنييا السييورة اشييتياقه وحيياجته للولييد‪:‬‬ ‫ثييم تصي ّ‬
‫ن‪.( (100‬‬ ‫حي ِ‬ ‫ص ٰـل ِ ِ‬
‫ن ٱل ّ‬
‫م َ‬‫ب ِلى ِ‬ ‫ه ْ‬
‫ب َ‬ ‫‪َ‬ر ّ‬
‫ه بِ ُ َ‬ ‫فب َ‪ّ ‬‬‫فاسييتجاب اللييه لييدعائه َ‬
‫غل ٰـــم ٍ‬ ‫شْرن َ ٰـــ ُ‬
‫حِليم ٍ‪.( (101‬‬‫َ‬
‫تخيل فرحيية قلبييه‪ !...‬رجييل كييبير عجييوز مهيياجر‬
‫وبعيد عن بلده‪ ...‬تخّيل تعّلقه بهذا الولد‪ ،‬الذي ليييس‬
‫غلما ً عاديًا‪ ،‬بل أنه "غلم حليم"‪ ...‬فماذا بعييد؟ نييرى‬
‫في الية )‪.(102‬‬
‫ى ‪ ‬لمييا كييبر الولييد‬ ‫ع َ‬
‫ســ ْ‬
‫ه ٱل ّ‬ ‫ع ُ‬
‫م َ‬
‫غ َ‬ ‫ما ب َل َ َ‬ ‫فل َ ّ‬‫‪َ ‬‬
‫أمام عيني والده‪ ،‬رأى إبراهيم في منامه رؤيا صعبة‬
‫من َــام ِ ‪ ‬ليييس‬‫فــى ٱل ْ َ‬ ‫ى إ ِن ّــى أ َ َ ٰ‬
‫رى ِ‬ ‫ل يٰب ُن َ ّ‬ ‫قا َ‬‫‪َ ‬‬
‫أمرا ً مباشرا ً من الله أو عن طريق جبريل‪ ،‬بييل عيين‬
‫طريق الرؤيا‪ .‬ومع ذلك لم يتذرع إبراهيم بذلك‪ ،‬لنه‬
‫يعلم أن رؤيا النبياء حق‪...‬‬
‫ولييم يطلييب إبراهيييم معرفيية الحكميية ميين هييذا‬
‫‪491‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ل‪ ،‬لكنه قيال لبنيه بكيل‬ ‫الطلب‪ ،‬بل لم يسأل عنها أص ً‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫استسلم‪ :‬إ ِّنى أ َ َ ٰ‬
‫ك‬‫حـ َ‬ ‫من َــام ِ أن ّــى أذْب َ ُ‬ ‫فى ٱل ْ َ‬ ‫رى ِ‬
‫ذا ت ََر ٰى ‪ ‬وهذا السؤال ليس ترددا ً لنييه‬ ‫ما َ‬‫ف ٱنظُْر َ‬ ‫َ‬
‫ل‪ ،‬لكيين إبراهيييم‪ ،‬ذاك النييبي المستسييلم‬ ‫سيذبحه أص ً‬
‫لله تعالى في كل أوامييره‪ ،‬أراد أن يشييارك ابنييه فييي‬
‫الجر‪ .‬فماذا قال إسماعيل؟ إن أباه تركه وهييو طفييل‬
‫في صحراء قاحلة‪ ،‬ويأتي اليوم ليخبره أنه سيذبحه‪..‬‬
‫جدُِنى ِإن‬ ‫ع ْ‬ ‫تٱ ْ‬ ‫قا َ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫س ـت َ ِ‬
‫مُر َ‬ ‫ما ت ُــؤ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ف َ‬ ‫ل يٰأب َ ِ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫ري َ‬‫ص ٰـب ِ ِ‬‫ن ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫شاء ٱلله ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫وت َّلــ ُ‬
‫ه‬ ‫ما َ‬ ‫سل َ َ‬‫ما أ ْ‬ ‫فل َ ّ‬
‫وهنا تأتي الية المحورية‪َ  :‬‬
‫ن‪ ،( (103‬وهنييا يييأتي سييؤال‪ :‬ألييم يكونييا‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫جِبيــ ِ‬
‫َ‬
‫ما ‪‬‬ ‫س ـل َ َ‬‫مسلمين قبل هذا الطلب؟ طبعًا‪ ،‬لكن ‪‬أ ْ‬
‫هنا تصور معنى السلم الكامل‪ ،‬وهو الستسلم لله‬
‫تعالى دون أي تردد‪...‬‬
‫لماذا سميت السورة بالصافات؟‬
‫ما هي الصافات؟ هي الملئكة التي تصطف بين‬
‫يدي الله تعالى استسلما ً لييه‪ .‬لييذلك بييدأت السييورة‬
‫بداية رائعة بذكر هؤلء العباد المخلصين‪.‬‬
‫وإننييا نلحييظ فييي القييرآن أن بييدء كييل سييورة‬
‫بالحديث عن الملئكة يعني أن محييور هييذه السييورة‬
‫يتعلق بالستسلم لله أو الخضييوع لييه‪ ،‬لن الملئكيية‬
‫هم قدوة ورمز في هذا المعنى‪.‬‬
‫الستسلم لله طوعا ً أو كرهًا‪:‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪492‬‬

‫فييإذا أبييى المييرء الستسييلم فييي الييدنيا‪ ،‬فييإن‬


‫م‬
‫ه ْ‬‫فو ُ‬‫ق ُ‬‫و ِ‬
‫السورة تحذرنا من هول يوم القيامييية‪َ  :‬‬
‫م‬‫هـ ُ‬‫ل ُ‬‫ن ‪ ‬بَ ْ‬
‫صُرو َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م ل َ ت َن َ ٰـ َ‬ ‫ن‪َ ‬‬‫سُئوُلو َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫ن‪.( (24 – 26‬‬ ‫مو َ‬‫سل ِ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬‫م ُ‬ ‫ٱل ْي َ ْ‬
‫و َ‬
‫كأنها تقول‪ :‬استسلم فييي الييدنيا طوعييا قبييل أن‬
‫تستسلم في الخرة كرها‪..‬‬
‫أرأيت كيف أنييك ستسييتلم للييه رغميا ً عنييك يييوم‬
‫القيامة دون أن يفيدك ذلك في شيء؟‬
‫فاخضع له بإرادتك في الدنيا‪ ،‬واستسلم لحكامه‬
‫وشرعه حتى لو لييم تعلييم الحكميية منهييا‪ .‬فل ينبغييي‬
‫لحد أن يمتنع عن تنفيذ حكم مييا إل إذا اقتنييع أو ً‬
‫ل‪...‬‬
‫ومع ذلك فإن من كرم الله أنه جعل للغالبية الكبرى‬
‫من أوامره تعليلت وحكم مقنعة‪ ،‬لكنييه أبقييى بعييض‬
‫الوامر دون أن يطلعنا على الحكمة منها‪ ،‬حتى يعلم‬
‫من سيطيع ويستسلم ومن سيعصي ويتكبر‪...‬‬

‫سورة ص‬
‫سو‬ ‫‪ 22‬و ‪23‬‬ ‫وبعييد أن عرضييت كييل سييور الجزئييين‬
‫رة ص‬ ‫محورا ً واحدا ً وهو الستسلم لله تعييالى‪ ،‬تييأتي سييورة‬
‫ص بمعنى جميل‪ :‬رغيم أنيك أيهيا المسيلم مستسيلم‬
‫لوامر الله‪ ،‬لكنك قد تخطئ وتعصييي‪ ،‬والسييؤال هييو‪:‬‬
‫هل سييتعود إلييى اللييه؟ أم أنييك سييتتكبر وتصيير علييى‬
‫رأيك‪ ..‬وهكذا يكيون محيور السيورة‪ :‬الستسيلم لليه‬
‫بالعودة إلى الحق دون عناد‪.‬‬
‫‪493‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫العودة إلى الحق بل عناد‬


‫ولذلك تتحدث السورة عن ثلثيية أنبييياء‪ ،‬حصييلت‬
‫أمامهم خصومات أو تسيّرعوا فييي اتخيياذ قراراتهييم‪،‬‬
‫لكنهم عادوا إلى الحق بسييرعة‪ .‬وهييذه العييودة إلييى‬
‫اللييه ميين أهييم أنييواع الستسييلم للييه تعييالى‪ ،‬لن‬
‫المتكبر ل يعود إلى الحق‪ ،‬وإذا رأى نفسه على خطأ‬
‫فسوف يصر على مييوقفه عنييادا ً واسييتكبارًا‪ .‬ولييذلك‬
‫فإننا نرى في ختام السورة قصة إبليس‪ ،‬الذي كييان‬
‫رمزا ً للستكبار والعناد وعدم العودة إلى الله‪.‬‬
‫عودة داوود‬
‫وأول قصة ذكرت في السورة هييي قصيية سيييدنا‬
‫داوود حين اختصم أمييامه خصييمان‪ ،‬وقييال لييه‪... :‬‬
‫دَنا‬‫هـ ِ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ط َ‬ ‫ش ـط ِ ْ‬ ‫ول َ ت ُ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ب َي ْن َن َــا ب ِـ ٱل ْ َ‬‫حك ُ ْ‬‫فـ ٱ ْ‬ ‫َ‬
‫جييل سيييدنا داوود‬ ‫ط‪ ( (22‬فتع ّ‬ ‫صـ ٰر ِ‬ ‫واء ٱل ّ‬ ‫س َ‬‫إ ِل َ ٰى َ‬
‫فييي الفتييوى وحكييم لحييدهما‪ .‬لكيين عييودته كييانت‬
‫َ‬
‫فَر‬‫غ َ‬ ‫س ـت َ ْ‬
‫فٱ ْ‬ ‫ه َ‬‫فت َّنــٰ ُ‬‫مــا َ‬ ‫وودُ أن ّ َ‬ ‫دا ُ‬ ‫وظَ ّ‬
‫ن َ‬ ‫سريعة ‪َ ‬‬
‫خر راكعا ً َ‬
‫ن‬‫وإ ِ ّ‬
‫ك َ‬ ‫ه ٰ ذل ِ ـ َ‬‫فْرن َــا ل َـ ُ‬ ‫غ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ب‪َ‬‬ ‫وأَنا َ‬ ‫َ‬ ‫و َ ّ َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫َرب ّ ُ‬
‫ب‪.( (24 – 25‬‬ ‫مـَئا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح ْ‬ ‫و ُ‬‫ف ٰى َ‬ ‫عندََنا ل َُزل ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫عودة سليمان‬
‫والقصيية الثانييية هييي قصيية سييليمان بيين داوود‬
‫م‬‫عـ َ‬
‫ن نِ ْ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫م ٰـ ـ َ‬ ‫وودَ ُ‬
‫دا ُ‬
‫هب َْنا ل ِ َ‬
‫و َ‬ ‫و‬
‫عليهما السلم‪َ :‬‬
‫‪َ ‬‬
‫ب‪.( (30‬‬ ‫ٱل ْعبد إن ّ َ‬
‫وا ٌ‬
‫هأ ّ‬‫َ ْ ُ ِ ُ‬
‫ض‬
‫ر َ‬ ‫ع ِ‬‫وترينييا اليييات أيض يا ً سييرعة إنييابته‪ :‬إ ِذْ ُ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪494‬‬

‫ل‬ ‫ف َ‬
‫قــا َ‬ ‫جي َــادُ ‪َ ‬‬‫ت ٱل ْ ِ‬ ‫فَنـ ـٰ ُ‬
‫صـٰ ِ‬ ‫ى ٱل ّ‬ ‫شـ ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه ب ِ ٱل ْ َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫َ‬
‫حّتـ ٰى‬ ‫عـن ِذ ْ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ر َرِبـى َ‬ ‫كـ ِ‬ ‫ر َ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫حب َب ْ ُ‬ ‫إ ِّنى أ ْ‬
‫ب‪ ( (31-32‬فلمييا رأى أن الخيييل‬ ‫جا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت ب ِٱل ْ ِ‬ ‫واَر ْ‬ ‫تَ َ‬
‫ألهتييه عيين ذكيير اللييه حييتى غييابت الشييمس‪ ،‬قييال‪:‬‬
‫ق‬ ‫ســحا ً ب ِٱل ّ‬
‫ســـو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ق َ‬ ‫فــ َ‬ ‫فطَ ِ‬ ‫ى َ‬ ‫عَلــ ّ‬ ‫هــا َ‬ ‫دو َ‬ ‫‪ُ‬ر ّ‬
‫ق‪ ( (33‬فقييرر ذبييح الخيييل كلهييا لهييذا‬ ‫عن َــا ِ‬ ‫و ٱل َ ْ‬ ‫َ‬
‫السبب‪.‬‬
‫وترينا اليات مشهدا ً آخر من مشاهد إنابته عليييه‬
‫عل َـ ٰى‬ ‫قي ْن َــا َ‬‫وأ َل ْ َ‬‫ن َ‬ ‫م ٰــ َ‬‫سل َي ْ َ‬‫فت َن ّــا ُ‬ ‫‪‬دْ َ‬ ‫ق‬‫ول َ َ‬
‫السييلم‪َ:‬‬
‫َ‬
‫ب‪.( (34‬‬ ‫م أَنا َ‬ ‫سدا ً ث ُ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ه َ‬ ‫سي ّ ِ‬‫ك ُْر ِ‬
‫عودة أيوب‪:‬‬
‫وأخيرا ً قصة أيييوب عليييه السييلم حييين أقسييم أن‬
‫ك‬‫د َ‬
‫خـذْ ب َِيـ ِ‬ ‫يضرب زوجته مئة ضربة فقال تعالى ‪َ ‬‬
‫و ُ‬
‫ث‪ ( (44...‬فعيياد إلييى‬ ‫ول َ ت َ ْ‬
‫حن َ ْ‬ ‫ه َ‬
‫رب ب ّ ِ‬
‫ض ِ‬
‫فٱ ْ‬‫غثا ً َ‬
‫ض ْ‬
‫ِ‬
‫الحق‪ ،‬وأوجد اللييه تعييالى لييه مخرجيا ً لكييي ل يحنييث‪،‬‬
‫وأمره أن يأخذ مئة عود وأن يضرب بها زوجته ضييربا ً‬
‫خفيفا ً حتى يبر بقسمه دون أن يمنعه ذلك من العودة‬
‫إلى الحق‪.‬‬
‫والملحظ أن قصييص النبييياء فييي هييذه السييورة‬
‫كزت على عبودية النبياء وإنابتهم لله تعالى‪:‬‬ ‫ر ّ‬
‫ه‬ ‫ذا ٱل َْيــ ِ‬
‫د إ ِّنــ ُ‬ ‫وودَ َ‬
‫دا ُ‬ ‫و ٱذْك ُْر َ‬
‫عْبــدََنا َ‬ ‫‪ -‬داوود ‪َ ‬‬
‫ب‪ ( (17‬أي كثير الرجوع إلييى اللييه وسييريع‬ ‫َ‬
‫وا ٌ‬
‫أ ّ‬
‫العودة إلى الحق‪.‬‬
‫‪495‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪.(‬‬ ‫‪ -‬سليمان‪ :‬ن ِعم ٱل ْعبد إن ّه َ‬


‫ب‪(30‬‬
‫وا ٌ‬
‫أ ّ‬
‫َ ْ ُ ِ ُ‬ ‫ْ َ‬
‫ب‪.( (44‬‬ ‫‪ -‬أيوب‪ :‬ن ِعم ٱل ْعبد إن ّ َ‬
‫وا ٌ‬‫هأ ّ‬‫َ ْ ُ ِ ُ‬ ‫ْ َ‬
‫وهكذا نلحظ أن معاني العبودية لله والنابة إليييه‬
‫قد تكررت في السورة بشكل واضح‪...‬‬
‫إبليس والستكبار‬
‫وفي مقابل النبيياء اليذين أنيابوا لربهيم‪ ،‬تعيرض‬
‫السورة نموذجا ً عكسيا ً لبليس‪:‬‬
‫َ‬
‫ن ‪ ‬إ ِل ّ‬
‫عــو َ‬
‫م ُ‬‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫كـ ـل ّ ُ‬ ‫مَلـ ـئ ِك َ ُ‬
‫ة ُ‬ ‫جدَ ٱل ْ َ‬ ‫سـ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ف َ‬
‫ن‪ (73-‬‬ ‫ري َ‬‫ف ِ‬‫ن ٱل ْك َ ٰــ ِ‬ ‫مـ َ‬‫ن ِ‬ ‫كـا َ‬ ‫و َ‬ ‫ست َك ْب ََر َ‬
‫س ٱ ْ‬ ‫إ ِب ِْلي َ‬
‫‪ (74‬فكييان اسييتكبار إبليييس هييو السييبب الساسييي‬
‫لكفييره وضييلله‪ .‬لييذلك يييواجهه رب العييزة بييذلك‪:‬‬
‫ت‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ل ٰيإبِليس ما من َع َ َ‬ ‫قا َ‬ ‫‪َ‬‬
‫ق ُ‬ ‫ما َ‬‫جدَ ل ِ َ‬
‫س ُ‬ ‫ك أن ت َ ْ‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫ِْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (75‬‬ ‫ع ٰـــِلي َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫كن َ‬‫م ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ست َك ْب َْر َ‬‫ىأ ْ‬ ‫ب ِي َدَ ّ‬
‫ج‬‫خُر ْ‬ ‫فــ ٱ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬‫فماذا كانت نتيجة ذلك المتكييبر؟ ‪َ ‬‬
‫وم ِ‬ ‫عن َِتى إ ِل َ ٰى ي َـ ْ‬ ‫ك لَ ْ‬
‫عل َي ْ َ‬
‫ن َ‬ ‫و ‪‬إ ِ ّ‬
‫مَ‬
‫جي ٌ‬ ‫ك َر ِ‬‫فإ ِن ّ َ‬‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬
‫ِ‬
‫ن ‪.( (77-78‬‬ ‫دي ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫هذا النموذج الرهيب لبليس أتى في ختام سورة‬
‫"ص"‪ ،‬وفي ختام سور الستسلم للييه تعييالى‪ ،‬حييتى‬
‫نقارن بين من كان قدوة في الستسيلم لليه‪ ،‬وبيين‬
‫إبليس عدو الله الييذي قيياده تكييبره وعييدم خضييوعه‬
‫إلى الكفر والطرد من رحمة الله‪...‬‬
‫سورة الزمر‬

‫سو‬ ‫سورة الزمر )مكية(‪ ،‬نزلت بعد سورة سبأ‪ ،‬وهي‬


‫رة‬ ‫في ترتيب المصحف بعد سييورة )ص(‪ ،‬وعييدد آياتهييا‬
‫الزمر‬ ‫‪ 75‬آية‪.‬‬
‫سر بين العبد وربه‬
‫سورة الزمر من أجمل السور الييتي يحبهييا أهييل‬
‫القرآن ويحفظونهيا‪ ،‬لميا تتضيمنه مين معيان وآييات‬
‫رائعة‪ .‬هدفها واضييح جييدًا‪ :‬أهمييية الخلص للييه‪ ،‬وأن‬
‫نبتغي بأعمالنا وجه الله تعييالى‪ ،‬ونبتعييد عيين الرييياء‪.‬‬
‫فمن أراد أن يختبر نفسه ويعرف مدى إخلصييه فييي‬
‫عمله‪ ،‬وهل يييدخل الرييياء )أو الشييرك الخفييي( فييي‬
‫عمله أم ل‪ ...‬فعليه أن يقرأ سييورة الزميير‪ ،‬ويعييرض‬
‫قلبه على آياتها‪...‬‬
‫ميزان الخلص‬
‫إياك أن يكون في عملك نية لغير اللييه‪ .‬إييياك أن‬
‫تقول‪ :‬فلن يراني‪ ،‬والناس تشيير إليي وتقيول‪ :‬هيذا‬
‫يحفيييظ القيييرآن‪ ،‬هيييذا ييييداوم عليييى الصيييلة فيييي‬
‫المسجد‪ ...‬أخلص لله تعييالى فييي عبادتييك‪ .‬أخلصييي‬
‫لله تعالى في إرضائك لزوجك وطاعتك له‪ .‬أخلصييوا‬
‫‪496‬‬
‫‪497‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫أيها الباء والمهات في تربييية أولدكييم علييى طاعيية‬


‫الله تعييالى ونصييرة السييلم‪ ..‬أخلصييوا فييي حييياتكم‬
‫كلها لله‪ ،‬تضمنوا زمرة المؤمنين في الجنة‪ ،‬وتكونوا‬
‫قييق مييراد ربنييا ميين هييذه‬
‫ممن فهم سورة الزمر وح ّ‬
‫السورة‪.‬‬
‫أل لله الدين الخالص‬
‫ومن أول آيات السورة نرى هذا المحييور واضييحًا‪:‬‬
‫د ٱللــه‬ ‫عب ُ ِ‬
‫فٱ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ب ب ِٱل ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ك ٱل ْك ِ َ ٰ‬
‫تـ َ‬ ‫‪‬إ ِّنا َأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ن ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ص‪ ...‬‬‫خال ِ ُ‬ ‫دي ُ‬‫ن ‪ ‬أل َ لله ٱل ّ‬ ‫دي ِ‬‫ه ٱل ّ‬ ‫خِلصا ً ل ّ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬
‫‪.((2 – 3‬‬

‫وتتوالى كلمات الخلص واليات التي تشير إليييه‬


‫بشكل متواصل‪...‬‬
‫د‬
‫عُبــ َ‬‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬
‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬
‫ُ‬
‫ل إ ِّنى أ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫فنقرأ قوله تعالى‪ُ  :‬‬
‫ن‬‫كـو َ‬ ‫ن أَ ُ‬‫ت لَ ْ‬ ‫مـْر ُ‬
‫ُ‬
‫وأ ِ‬ ‫ن‪َ ‬‬‫دي َ‬ ‫ه ٱلـ ّ‬ ‫خِلصـا ً ل ّـ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱلله ُ‬
‫ن‬ ‫ف إِ ْ‬‫خــا ُ‬ ‫ل إ ِّنــى أ َ َ‬ ‫قــ ْ‬ ‫ن‪ُ  ‬‬ ‫مي َ‬ ‫ســل ِ ِ‬‫م ْ‬‫ل ٱل ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫ب‬‫ذا َ‬ ‫عــــــــــــ َ‬ ‫ت َرّبــــــــــــى َ‬ ‫صــــــــــــي ْ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫ه ِدين ِــى‬ ‫خِلصا ً ل ّـ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عب ُدُ ُ‬ ‫ل ٱلله أ َ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ظيم ٍ ‪ُ ‬‬ ‫ع ِ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ه‪.( (11 – 15...‬‬ ‫دون ِ ِ‬ ‫من ُ‬ ‫شئ ْت ُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫عب ُ ُ‬
‫فٱ ْ‬ ‫َ‬
‫فتؤكييد اليييات علييى نفييس المعنييى‪ :‬الخلص‬
‫الكامل لله تعالى في العبادة والعمل‪.‬‬
‫ليكن عملك خالصا ً كاللبن‬
‫ومن روعة القرآن فييي توضيييح معنييى الخلص‪،‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪498‬‬

‫آية في سورة النحل‪ ،‬حيث يقول تعالى‪:‬‬


‫قيك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سـ ِ‬‫عب ْ ـَرةً ن ّ ْ‬‫ع ٰـ ـم ِ ل َ ِ‬ ‫فى ٱل َن ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫‪‬إ ِ ّ‬
‫و‬
‫َ‬
‫ودَم ٍ ل ّب َن ًــا‬
‫ث َ‬ ‫ف ـْر ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫مــن ب َي ْ ـ ِ‬ ‫ه ِ‬‫فــى ب ُطُــون ِ ِ‬ ‫مــا ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ّ‬
‫ن‪.( (66‬‬ ‫رِبي َ‬ ‫شا ِ‬‫غا ِلل ّ‬‫سآئ ِ ً‬ ‫صا َ‬ ‫خال ِ ً‬‫َ‬
‫فهييذا اللبيين البيييض‪ ،‬يخييرج ميين بييين الفضييلت‬
‫والدم‪ ،‬لبنا ً نقييا ً خالصيًا‪ ،‬ولييو أن قطييرة واحييدة ميين‬
‫الدم وقعت فيه لفسييد‪ ...‬هييل تقييدر أن تخلييص فييي‬
‫عبادتك وتنقيها من الشوائب؟ هل تستطيع أن تجعل‬
‫كييل سييكنة وكييل همسيية فييي حياتييك خالصيية للييه‬
‫تعالى‪ ...‬وأنت تكلم الناس في الدين‪ ،‬وأنت تصييلي‪،‬‬
‫وأنت تقرأ القرآن‪ ،‬وأنا عندما أكتب هذا الكتاب‪ ...‬ل‬
‫بد من الخلص الشديد لله‪ ،‬حتى يتقبل منا أعمالنا‪..‬‬
‫أيهما أصلح لك؟‬
‫وبعييد ذلييك يضييرب اللييه لنييا مثل ً جميل ً يناسييب‬
‫معنى الخلص‪:‬‬
‫كاء‬ ‫شـــَر َ‬ ‫ه ُ‬ ‫فيـــ ِ‬ ‫جل ً ِ‬ ‫مث َل ً ّر ُ‬ ‫ب ٱللـــه َ‬ ‫ضـــَر َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‬‫وَيا ِ‬‫ست َ ِ‬
‫ل يَ ْ‬‫ه ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫سَلما ً ل َّر ُ‬ ‫جل ً َ‬ ‫وَر ُ‬
‫ن َ‬‫سو َ‬ ‫مت َ َ‬
‫ش ٰـك ِ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ن‪.( (29‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م ل َ يَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫ل أك ْث َُر ُ‬ ‫مدُ لله ب َ ْ‬ ‫مث َل ً ٱل ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫فهييل يسييتوي ميين يعمييل عنييد سيييد واحيد ومين‬
‫يعمل عند عدة أسياد؟ وهييل يكييون الموظييف الييذي‬
‫عنده مدير واحد كالموظف الذي يتلقى أوامره ميين‬
‫عدة مدراء‪ ،‬بآراء ووظائف مختلفة؟‬
‫د‬
‫م ُ‬‫ح ْ‬‫لذلك تأتي بعييد هييذا المثييل مباشييرة ‪‬ٱل ْ َ‬
‫‪499‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫لله ‪ ،‬لن التوحيد نعمة تريح القلب وتصييون العبييد‬


‫من الزلل‪ .‬الحمد لله على نعميية التوحيييد‪ ،‬وأنييه إلييه‬
‫واحييد‪ ،‬لن إخلص العمييل للييه أنفييع لقلبييك وأجمييع‬
‫لهمتك وأدعى لقبول العمل‪ ،‬تعود عليييك بركتييه فييي‬
‫الدنيا‪ ،‬وأجره مضاعفا ً في الخرة‪.‬‬
‫أنواع الخلص‬
‫وقد تنيياولت آيييات السييورة كييل أنييواع الخلص‪،‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫وأولها إخلص العبييادة‪ ،‬حيييث يقييول تعييالى ‪‬أ ّ‬
‫حـذَُر‬ ‫قاِئمـا ً ي َ ْ‬‫و َ‬ ‫جدا ً َ‬ ‫س ٰــ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ءان َــاء ٱل ّي ْـ ِ‬ ‫قان ِ ٌ‬ ‫و َ‬
‫ه َ‬‫ُ‬
‫وى‬ ‫سـت َ ِ‬ ‫ل يَ ْ‬‫هـ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قـ ْ‬‫ه ُ‬ ‫ة َرب ّ ِ‬ ‫م َ‬
‫ح َ‬ ‫جوا ْ َر ْ‬ ‫وي َْر ُ‬‫خَرةَ َ‬ ‫ٱل َ ِ‬
‫مــا‬‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫مــو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫ن ل َ يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱّلــ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مــو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ٱّلــ ِ‬
‫ُ‬
‫ب‪...( (9‬‬ ‫وُلو ٱل ْل ْب َ ٰـ ِ‬ ‫ي َت َذَك ُّر أ ْ‬
‫نموذج مضيء‪ ،‬لنسان مخلييص فييي عبييادته للييه‬
‫تعالى‪ ،‬ل تهمه إشارات الناس له بالطاعيية ومييدحهم‬
‫إياه بالعبادة‪ ،‬ولذلك فإنه يستعين في إخلصه بقيييام‬
‫الليييل‪ ،‬ويجتهييد فييي العبييادة حييين ل يييراه أحييد ميين‬
‫الناس‪...‬‬
‫ويأتي نوع آخر من أنواع الخلص‪ ،‬أهم من الول‬
‫بكثير‪ :‬الخلص في التوبة‪ ،‬حتى وأنت تعود إلى الله‬
‫وتتوب إليه‪:‬‬
‫عل َـــ‬
‫فوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫ٰى‬ ‫ســـَر ُ‬‫نأ ْ‬ ‫ى ل ّٱـــ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عب َـــاِد َ‬
‫ل ٰي ِ‬ ‫‪ْ ‬‬‫قـــ‬‫ُ‬
‫ن ٱللــه‬ ‫ة ٱلله إ ِ ّ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬‫من ّر ْ‬ ‫طوا ْ ِ‬ ‫قن َ ُ‬
‫م ل َ تَ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫َأن ُ‬
‫و ٱل ْ َ‬
‫غ ُ‬
‫فــوُر‬ ‫هــ َ‬‫ه ُ‬‫ميعــا ً إ ِّنــ ُ‬‫ج ِ‬ ‫ب َ‬ ‫فــُر ٱلــذُّنو َ‬ ‫غ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪500‬‬

‫حيموأ َِنـيبوا ْ إل َ ٰى ربك ُم َ‬


‫مــن‬ ‫موا ْ ل َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫وأ ْ‬
‫َ ّ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‪‬‬ ‫ٱلّر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪ (53‬‬‫صــُرو َ‬ ‫م ل َ ُتن َ‬
‫ب ثُ ّ‬ ‫ع َ‬
‫ذا ُ‬ ‫م ٱل ْ َ‬
‫ل أن ي َأت ِي َك ُ ُ‬ ‫َ‬
‫قب ْ ِ‬
‫‪...(– 54‬‬
‫وأ َِنـيُبوا ْ ‪ ‬ما أروعها‪ ...‬فهي‬ ‫أنظر إلى كلمة ‪َ ‬‬
‫تمثل سرعة العودة إلى الله والتوبة إليه‪...‬‬
‫وهكييذا نييرى أن الخلص يعييين علييى السييتمرار‬
‫في الطاعة‪ ،‬كما يعين على التوبة من الذنوب وميين‬
‫التقصير‪...‬‬
‫لو استعانوا لعانهم‬
‫وفييي أواخيير السييورة تعييود اليييات لتحييدثنا عيين‬
‫ل‬ ‫ق ْ‬ ‫الخلص وتحذرنا من الشييراك بييالله تعييالى ‪ُ ‬‬
‫َ‬ ‫مُروّنى أ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫أَ َ‬
‫ن ‪‬‬ ‫هُلو َ‬ ‫ج ٰــ ِ‬ ‫هــا ٱل ْ َ‬ ‫عب ُـدُ أي ّ َ‬ ‫غي َْر ٱلله ت َأ ُ‬ ‫ف َ‬
‫ول َ َ ُ‬
‫ن‬ ‫ك ل َئ ِ ْ‬ ‫قب ْل ِ َ‬ ‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫وإ َِلى ٱل ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ى إ ِل َي ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫و ِ‬ ‫قدْ أ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مـــ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ول َت َك ُـــون َ ّ‬‫ك َ‬ ‫مل ُـــ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫حب َطَـــ ّ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫شـــَرك ْ َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن‬ ‫مــ َ‬‫كــن ّ‬ ‫و ُ‬ ‫عُبــدْ َ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫ل ٱللــه َ‬ ‫ن ‪َ ‬بــ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خ ٰـــ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ن‪...( (64 – 66‬‬ ‫ري َ‬ ‫ش ٰـك ِ ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫فكييييف ل يخليييص الميييرء لليييه؟ وليييه ميييا فيييي‬
‫السماوات وما في الرض‪...‬‬
‫إن الشييرك بييالله وعييدم الخلص لييه إنمييا هييو‬
‫إساءة في تقدير حق اللييه وعظمتييه‪ ،‬والعييياذ بييالله‪.‬‬
‫قــدَُروا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬‫ولهذا جاء في الية التالية مباشييرة ‪َ ‬‬
‫ه‬ ‫ميعـ ـا ً َ‬ ‫َ‬ ‫ق َ‬
‫ضـ ـت ُ ُ‬ ‫قب ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫و ٱل ْر ُ‬ ‫ه َ‬‫ر ِ‬ ‫ق ـدْ ِ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ٱللــه َ‬
‫ه‬‫مين ِـ ِ‬ ‫ت ب ِي َ ِ‬ ‫وي ّ ٰـ ـ ٌ‬ ‫مطْ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـ ـ ٰو ُ‬ ‫س َ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫ة َ‬ ‫م ِ‬ ‫قي َ ٰـ َ‬‫م ٱل ْ ِ‬ ‫و َ‬
‫يَ ْ‬
‫‪501‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ن‪ ،( (67‬فكل من‬ ‫ر ُ‬


‫كو َ‬ ‫ما ي ُ ْ‬
‫ش ِ‬ ‫عال َ ٰى َ‬
‫ع ّ‬ ‫وت َ َ‬
‫ه َ‬
‫ح ٰـن َ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫ُ‬
‫يشرك بالله تعالى ‪ -‬سواء أكان هذا الشرك ظيياهرا ً‬
‫أم خفيا ً ‪ -‬فإنه ل يعلم قدره سبحانه وتعالى‪...‬‬
‫ختام يشحذ الهمم‬
‫ونصل إلى آيات خاشعة‪ ،‬تهز القلوب‪ ،‬وتنقل لهييا‬
‫مشاهد من يوم القياميية‪ ،‬وأحييوال أهييل النييار وأهييل‬
‫الجنة‪ .‬هذه اليات تنقيك من الشييرك والرييياء تنقييية‬
‫تامة‪ ،‬وتزيدك خوفا ً من الله ورهبة منه ورغبيية إليييه‪،‬‬
‫وبالتالي تعينك على كل ميين إخلص التوبيية وإخلص‬
‫العبادة‪...‬‬
‫فــى‬ ‫مــن ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ع َ‬ ‫صــ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ر َ‬‫صــو ِ‬ ‫فــى ٱل ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫فــ َ‬ ‫ون ُ ِ‬
‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫شــاء‬ ‫مــن َ‬ ‫ض إ ِل ّ َ‬ ‫فــى ٱل ْر ِ‬ ‫مــن ِ‬ ‫و َ‬‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ٱلله‪.( (68..‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ق ٱل ّ ـ ِ‬‫ســي َ‬ ‫و ِ‬ ‫ويييأتي بعييدها قييوله تعييالى‪َ  :‬‬
‫مرا ً‪.( (71...‬‬ ‫م ُز َ‬ ‫هن ّ َ‬‫ج َ‬ ‫فُروا ْ إ ِل َ ٰى َ‬ ‫َ‬
‫كـ َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ق ٱل ّـ ِ‬ ‫سـي َ‬ ‫و ِ‬ ‫وبالمقابييل نييرى أهييل الجنيية ‪َ ‬‬
‫مرًا‪.( (73...‬‬ ‫ة ُز َ‬
‫جن ّ ِ‬‫م إ َِلى ٱل ّ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وا ْ َرب ّ ُ‬
‫ق ْ‬ ‫ٱت ّ َ‬
‫إنه فييرق كييبير بييين مصييير المشييركين الكييافرين‬
‫وبين مصير المؤمنين المخلصين‪...‬‬
‫ها‪. ..‬‬ ‫َ‬ ‫و ُ‬ ‫ت أ َب ْ ٰوب َُها‪  ..‬و ‪‬‬ ‫بين ‪‬‬
‫‪ُ ..‬‬
‫ت أب ْ ٰوب ُ َ‬
‫ح ْ‬
‫فت ِ َ‬ ‫‪َ ..‬‬ ‫ح ْ‬
‫فت ِ َ‬
‫ومن روعة القرآن‪ ،‬أن اليات عّبرت عيين الفييرق‬
‫الرهيب بين أصييحاب الجنيية وأصييحاب النييار بحييرف‬
‫واحد‪ :‬الواو‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪502‬‬

‫فكل الفريقين يساق إلى مصيره الذي أعده الله‬


‫تعييالى لييه‪ ،‬وكلهمييا يسيياق مييع الزمييرة أي مييع‬
‫ق‬
‫سي َ‬ ‫و ِ‬‫المجموعيية الييتي كييان معهييا فييي الييدنيا ‪َ ‬‬
‫ق‬‫سـي َ‬ ‫و ِ‬ ‫مـرًا‪َ ...‬‬ ‫م ُز َ‬ ‫هن ّـ َ‬ ‫ج َ‬‫فُروا ْ إ َِلـ ٰى َ‬ ‫كــ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱّلـ ِ‬
‫مــرا ً‪ (71-‬‬ ‫ة ُز َ‬
‫جّنــ ِ‬ ‫م إ َِلى ٱل ّ َ‬ ‫ه ْ‬‫وا ْ َرب ّ ُ‬‫ق ْ‬‫ن ٱت ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫‪ .(73‬لكننييا نييرى فييي مصييير الكفييار قييوله تعييالى‪:‬‬
‫ها‪.( (73‬‬ ‫َ‬ ‫ها ُ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬
‫ت أب ْ ٰوب ُ َ‬ ‫ح ْ‬
‫فت ِ َ‬ ‫جاءو َ‬ ‫ذا َ‬ ‫َ‬
‫‪‬‬
‫ذا‬‫ح‪‬ت ّ ٰى إ ِ َ‬‫بينما عن المييؤمنين‪ ،‬تقييول اليييات‪َ :‬‬
‫هـــا ‪ ،‬ومثييييل هييييذه‬ ‫َ‬ ‫و ُ‬
‫ت أب ْ ٰوب ُ َ‬ ‫حـــ ْ‬ ‫فت ِ َ‬ ‫هـــا َ‬ ‫جاءو َ‬ ‫َ‬
‫الملحظييات الدقيقيية واللطيفيية ل يتنبييه لهييا إل ميين‬
‫يهتم بحفظ القرآن‪ ...‬فما الفرق بين اليتين؟‬
‫فالكفييار يسيياقون إلييى جهنييم خييائفين‪ ،‬دون أن‬
‫يعرفييوا إلييى أييين تقييودهم خطيياهم وفجييأة‪ ،‬تفتييح‬
‫أمامهم أبواب جهنم والعياذ بالله‪ ،‬ويفيياجئون بعييذاب‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫أما المؤمنون‪ ،‬فهم يسيييرون فييي مييوكب واحييد‪،‬‬
‫زمرا ً أيضًا‪ ،‬مطمئنين إلى مصيرهم‪ ،‬يييترقبون الجنيية‬
‫وينظرون إليها ميين بعيييد وهييي تفتييح أبوابهييا )لييذلك‬
‫قالت الية وفّتحت أبوابها(‪...‬‬
‫رم الكفار من الواو لهييول المفاجييأة ووطأتهييا‬ ‫ح ِ‬‫ف ُ‬
‫عليهم‪ ،‬بينما أعطى الله حرف الواو للمؤمنين حييتى‬
‫يستمتعوا بمراقبة أبواب الجنة وهي تفتييح‪ ...‬تصييوير‬
‫رائع ومعاني رائعة فقط من حرف واحد من أحييرف‬
‫القرآن‪ ،‬إذ ل يوجد أي حرف زائد في القييرآن‪ ،‬وهييذا‬
‫‪503‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫من إعجازه البياني‪..‬‬


‫أل تريد اللحاق بهم؟‬
‫وتختييم السييورة بييأروع مييا يكييون‪ ،‬آيييات رقيقيية‬
‫وقه لطلب الجنة‪...‬‬ ‫ترّقق القلب وتش ّ‬
‫ة‬‫جن ّـ ِ‬ ‫م إ ِل َــى ٱل ّ َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫وا ْ َرب ّ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ٱت ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ق ٱل ّ ِ‬ ‫سي َ‬ ‫و ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫قـا َ‬ ‫و َ‬‫هـا َ‬ ‫ت أب ْ ٰوب ُ َ‬ ‫حـ ْ‬ ‫فت ِ َ‬ ‫و ُ‬ ‫هـا َ‬ ‫جاءو َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتـ ٰى إ ِ َ‬ ‫مرا ً َ‬ ‫ُز َ‬
‫هــا‬ ‫خُلو َ‬ ‫ف ٱد ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م طِب ْت ُـ ْ‬ ‫كــ ْ‬ ‫عل َي ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سَلــٰ ٌ‬ ‫ها َ‬ ‫خَزن َت ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫قَنا‬ ‫صـدَ َ‬ ‫ذى َ‬ ‫مدُ للــه ٱل ّـ ِ‬ ‫حــ ْ‬ ‫قـــاُلوا ْ ٱل ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫دي َ‬ ‫خ ٰـل ِ ِ‬ ‫َ‬
‫عده وأ َورث ََنا ٱل َرض ن َت َب ُ‬
‫ث‬ ‫حي ْـ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّـ ِ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫مـ َ‬ ‫وأ ِ‬ ‫َ ّ‬ ‫ْ َ‬ ‫و ْ َ ُ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫مل َ ٰـ ـئ ِك َ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫وت َـَرى ٱل ْ َ‬ ‫ن ‪َ‬‬
‫مِلي َ‬ ‫ع ٰـ ـ ِ‬ ‫جـُر ٱل ْ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫فن ِ ْ‬ ‫شاء َ‬ ‫نَ َ‬
‫د‬
‫مـ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫س ـب ّ ُ‬‫ش يُ َ‬ ‫ع ـْر ِ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫حـ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫حــا ّ‬ ‫َ‬
‫مدُ للــه‬ ‫ح ْ‬‫ل ٱل ْ َ‬ ‫قي َ‬ ‫و ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ب ِٱل ْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ى ب َي ْن َ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َرب ّ ِ‬
‫ن‪.( (73 – 75‬‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰـل َ ِ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫َر ّ‬
‫لماذا )الزمر(؟‬
‫وكالعادة‪ ،‬يبقى سييؤال مهييم‪ :‬وهييو الحكميية ميين‬
‫تسمية سورة الخلص لله باسم سورة الزمر‪...‬‬
‫والسبب ‪ -‬واللييه أعلييم ‪ -‬هييو أن أكييثر مييا يعينييك‬
‫على إخلص العمل لله تعالى‪ ،‬أن تكييون فييي زمييرة‬
‫صييالحة‪ ،‬أي صييحبة صييالحة‪ .‬وبالمقابييل‪ ،‬فييإن جييزاء‬
‫الخلص أن تنييال صييحبة المييؤمنين‪ .‬وكمييا يقييول‬
‫العلماء‪ ،‬يأبى اللييه أن يييدخل النيياس الجنيية فييرادى‪،‬‬
‫فكييل زمييرة وكييل صييحبة يييدخلون الجنيية زمييرة أي‬
‫سوية‪...‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪504‬‬

‫فسيييمّيت السيييورة بهيييذا السيييم حيييتى تتيييذكر‬


‫الزمرتين‪ ،‬زمرة أهل الجنة وزمرة أهييل النييار‪ ،‬كلمييا‬
‫قييرأت السييورة‪ ،‬وتختييار بنفسييك ميين يعينييك علييى‬
‫الخلص ويكون رفيقا ً لك فييي الييدنيا‪ ،‬ومرافق يا ً لييك‬
‫عند دخول الجنة‪.‬‬
‫سورة غافر‬

‫سو‬ ‫سورة غييافر )مكيية(‪ ،‬نزلييت بعيد سييورة الزمير‪،‬‬


‫رة‬ ‫وهي بعدها أيضا ً في ترتيب المصحف‪ ،‬عدد آياتها ‪85‬‬

‫غافر‬ ‫آية‪..‬‬
‫أدع إلى الله وفوض المر إليه‬
‫إن المحور الساسيي اليذي تتحيدث عنيه سييورة‬
‫غافر هو أهمية الدعوة إلى الله وتفييويض الميير للييه‬
‫أثناء الدعوة‪ ...‬فما علقة الدعوة بتفويض المر إلى‬
‫الله؟‪...‬‬
‫إن الييداعي إلييى اللييه تعييالى سيييواجه مشيياكل‬
‫ومصاعب خلل دعوته‪ ،‬فييإذا أردت أخييي المسييلم أن‬
‫تختييار طريييق الييدعوة إلييى اللييه‪ ،‬طريييق أنبييياء اللييه‬
‫تعالى‪ ،‬فاعلم أن هناك عقبات كثيرة فيييه‪ ،‬وعليييك أن‬
‫تفوض المر كله لله وتتوكل عليه‪ .‬لذلك جاء في هذه‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫وٱّلــ ِ‬ ‫سل ََنا َ‬‫صُر ُر ُ‬ ‫السورة آية محورية‪ ،‬إ ِّنا ل ََنن ُ‬
‫م‬ ‫قــو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫و َ‬
‫وَيــ ْ‬‫ة ٱلــدّن َْيا َ‬ ‫و ِ‬‫حَيــ ٰ‬ ‫فــى ل ْ‬
‫ٱ َ‬ ‫مُنــوا ْ ِ‬ ‫ءا َ‬
‫د‪ .( (51‬هييذه الييية موجهيية إليييك أخييي‬ ‫ه ٰـــ ُ‬‫ش َ‬‫ٱل َ ْ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫وٱل ّـ ِ‬ ‫سـل ََنا َ‬ ‫المسلم كما هي موجهة للنبياء ‪ُ‬ر ُ‬
‫مُنوا ْ ‪ ،‬وتعييدك بالنصيير الربيياني فييي الييدنيا قبييل‬ ‫ءا َ‬
‫‪505‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪506‬‬

‫م‬
‫قــو ُ‬‫م يَ ُ‬
‫و َ‬
‫وَيــ ْ‬
‫ة ٱلــدّن َْيا َ‬
‫و ِ‬
‫حَيــ ٰ‬ ‫فــى ل ْ‬
‫ٱ َ‬ ‫الخييرة ‪ِ ‬‬
‫د ‪ ،‬فتوكل على الله‪ ،‬وفوض المر إليه‪...‬‬ ‫ه ٰـ ُ‬ ‫ٱل َ ْ‬
‫ش َ‬
‫خير القول وخير العمل‬
‫وسورة غافر تنضم إلى سور كثيرة فييي القييرآن‬
‫في حثها على أشرف مهمة في التاريخ‪ :‬الدعوة إلى‬
‫اللييه‪ ،‬لنهييا طريييق النبييياء والمرسييلين‪ ،‬فل بييد أن‬
‫يحرص النسان عليهييا ويهتييم بهييا ل بييل ينييذر حييياته‬
‫كلها ليصال الخير إلى الناس‪.‬‬
‫واليدعوة ليسيت صيعبة‪ ،‬إذ ل يشيترط أن يكيون‬
‫المرء ع ّ‬
‫لمة حتى يدعو إلى الله تعالى‪.‬‬

‫دث أصدقاءك عن السييلم وعظمتييه ورحمتييه‪،‬‬ ‫ح ّ‬


‫أو على القييل انشيير الشييريط السييلمي المفيييد أو‬
‫الكتب النافعة التي تعّلم الناس أمور دينهم وتقّربهم‬
‫دثي رفيقاتييك عيين الحييياء والعفيية بييأي‬
‫إلى الله‪ ..‬حي ّ‬
‫وسيلة تؤثر فيي القلييب‪ .‬وليييس عليكييم النظيير إليى‬
‫النتائج‪ ،‬إذ أن المطلوب منا هو العمييل فقييط‪ ،‬واللييه‬
‫وحده هو الذي يهدي من يشاء‪...‬‬
‫إني عذت بربي وربكم‬
‫ولن السورة تحدثنا عن الييدعوة وتفيويض الميير‬
‫إلييييييييييييى اللييييييييييييه‪ ،‬فإننييييييييييييا نييييييييييييرى‬
‫هذه المعاني مرتين في قصة موسى عليييه السييلم‪:‬‬
‫ول ْي َـدْ ُ‬
‫ع‬ ‫س ـ ٰى َ‬
‫مو َ‬ ‫ل ُ‬‫قت ُ ْ‬‫ن ذَُروِنى أ َ ْ‬
‫و ُ‬‫ع ْ‬
‫فْر َ‬ ‫قا َ‬
‫ل ِ‬ ‫و‪َ ‬‬‫َ‬
‫‪507‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ْ‬ ‫كــم أ َ َ‬ ‫ف َأن ي ُب َدّ َ‬ ‫ه إ ِّنى أ َ َ‬


‫هـَر‬
‫و أن ي ُظ ِ‬ ‫ل ِدين َ ُ ْ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫َرب ّ ُ‬
‫د‪.( (26‬‬ ‫سا َ‬ ‫ض ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫فى ٱل ْر ِ‬ ‫ِ‬
‫وحين وصل الميير إلييى التهديييد بالقتييل‪ ،‬اسييتمر‬
‫موسى عليه السلم بالييدعوة إلييى دييين اللييه تعييالى‬
‫سـ ٰى‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬‫و‪َ ‬‬
‫وض أمييره إلييى اللييه تعييالى‪َ :‬‬ ‫وف ي ّ‬
‫ر لّ‬‫مت َك َب ّـ ٍ‬
‫ل ُ‬‫مــن ك ُـ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫وَرب ّ ُ‬
‫كـ ـ ْ‬ ‫ت ب َِرب ّــى َ‬ ‫عذْ ُ‬ ‫إ ِّنى ُ‬
‫ب‪.( (27‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫وم ِ ٱل ْ ِ‬ ‫ن ب ِي َ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫وأفوض أمري إلى الله‬
‫ونموذج التفيويض الثياني‪ ،‬لرجيل ميؤمن مين آل‬
‫فرعون‪ ،‬كان يكتم إيمانه‪ ،‬لكنه حييين رآهييم يكيييدون‬
‫قو َ‬
‫ل‬ ‫جل ً َأن ي َ ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫لموسى ليقتلوه‪ ،‬قال‪ :‬أ َت َ ْ‬
‫ى ٱلله‪ ،( (28...‬فكييانت صييدمة لفرعييون أن‬ ‫َرب ّ َ‬
‫يقف رجل من حاشيييته ويييدافع عيين موسييى‪ ،‬وكييان‬
‫مؤكدا ً عنييد الجميييع أن فرعييون سيييبطش بييه‪ ،‬لكيين‬
‫المؤمن الصادق انتقل ميين الييدعوة إلييى التفييويض‪:‬‬
‫َ‬ ‫وأ ُ َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ما أ َ ُ‬
‫رى‬ ‫مـ ِ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫و ُ‬‫فـ ّ‬ ‫م َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ست َذْك ُُرو َ‬‫ف َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫عَباِد‪.( (44‬‬ ‫صيٌر ب ِٱل ْ ِ‬ ‫ن ٱلله ب َ ِ‬ ‫إ َِلى ٱلله إ ِ ّ‬
‫ت‬‫سي َّئا ِ‬‫قاهُ ٱلله َ‬ ‫فو َ‬ ‫فماذا حدث بعد ذلك؟ ‪َ ‬‬
‫كـُروا ْ‪..( (45‬‬ ‫م َ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫وكييأن المعنييى‪ :‬أدع أيهييا المسييلم إلييى اللييه‪ ،‬ول‬
‫تخش في الله لومة لئم‪ .‬وتوكل على ميين يحفظييك‬
‫وفوض أمييرك إليييه‪ ،‬ليحميييك ميين أعييدائك‪ .‬واسييتعذ‬
‫دوما ً بالله تعالى‪ ،‬كمييا قييال سيييدنا موسييى‪ :‬إ ِّنى‬
‫م‪.( (27‬‬ ‫كـ ْ‬‫وَرب ّ ُ‬‫ت ب َِرّبى َ‬ ‫عذْ ُ‬ ‫ُ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪508‬‬

‫عقبات على الطريق‬


‫طرييييق اليييدعوة صيييعب وملييييء بالمشييياق‬
‫والمتاعب‪ ،‬لكنها ستكون أخف بكثير ميين تلييك الييتي‬
‫واجهت موسييى عليييه السييلم ومييؤمن آل فرعييون‪،‬‬
‫كييأن يسييتهزأ بييك أحييد‪ ،‬أو يشييتمك أو يضيييق عليييك‬
‫حياتييك‪ ...‬لهييذا‪ ،‬عليييك أن تفييوض أمييرك إلييى اللييه‬
‫وتسييتمر فييي الييدعوة‪ ،‬لن الميية المحمدييية كلهييا‬
‫مطالبة بالدعوة‪ ،‬كمييا جيياء فييي سييورة آل عمييران‪:‬‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ة أُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫مُرو َ‬ ‫س ت َ ـأ ُ‬‫ت ِللّنــا ِ‬ ‫جـ ْ‬‫ر َ‬
‫خ ِ‬ ‫مـ ٍ‬ ‫خْيــَر أ ّ‬
‫م َ‬ ‫كنُتــ ْ‬
‫ن‬‫من ُــو َ‬‫ؤ ِ‬‫وت ُ ْ‬
‫ر َ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬
‫من ْك َـ ِ‬ ‫عـ ِ‬‫ن َ‬ ‫و َ‬‫ه ْ‬
‫وت َن ْ َ‬
‫ف َ‬
‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ ٱل ْ َ‬
‫ب ِٱلله‪)  ..‬آل عمران‪ .(110 :‬فما الذي جعلنييا خييير‬
‫أمة أخرجت للناس؟ الميير بييالمعروف والنهييي عيين‬
‫ل‪ ،‬ثم اليمان بالله‪ ،‬إشارة إلى أهمية هييذه‬ ‫المنكر أو ً‬
‫الفريضة العظيمة في تميزنا عن باقي المم‪...‬‬
‫أقصر طريق إلى القلوب‬
‫والسورة ل تحث المؤمنين على الدعوة إلى الله‬
‫وحسب‪ ،‬بل إنها ترشييدنا إلييى أفضييل الوسييائل فييي‬
‫الخذ بيد الناس‪ .‬وهذا ما نراه فييي قصيية مييؤمن آل‬
‫فرعون‪ ،‬وعرض السورة للوسييائل الييتي اسييتخدمها‬
‫هذا الداعي الرباني في دعييوته لقييومه‪ .‬تعييالوا مع يا ً‬
‫أيها الدعاة‪ ،‬لنتعلم دروسا ً قرآنية رائعة فييي الييدعوة‬
‫إلى الله‪:‬‬
‫القناع العقلي‬

‫ن ي َك ُْتــ ُ‬
‫م‬ ‫و َ‬
‫ع ْ‬
‫فْر َ‬
‫ل ِ‬
‫ن ءا ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ّ‬
‫م ٌ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ج ٌ‬
‫ل ّ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫و َ‬
‫قا َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫‪509‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫قــدْ‬ ‫و َ‬
‫ى ٱلله َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫قو َ‬ ‫جل ً َأن ي َ ُ‬‫ن َر ُ‬‫قت ُُلو َ‬ ‫ه أ َت َ ْ‬
‫مـن َ ُ‬‫ِإي َ ٰ‬
‫ذبا ً‬
‫ك ك َ ٰـ ـ ِ‬ ‫وِإن ي َ ـ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مــن ّرب ّك ُـ ْ‬‫ت ِ‬ ‫م ب ِٱل ْب َي ّن َ ٰـ ـ ِ‬ ‫جــاءك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫عــ ُ‬ ‫صــب ْك ُ ْ‬
‫م بَ ْ‬ ‫دقا ً ي ُ ِ‬‫ص ٰـــ ِ‬ ‫ك َ‬‫وِإن َيــ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ذب ُ ُ‬‫كــ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َْيــ ِ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬
‫م‪ ..( (28...‬فهو يقول لهم‪" :‬اسييمعوه‬ ‫عدُك ُ ْ‬ ‫ذى ي َ ِ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫وبعد ذلك قرروا القبول أو الرفض‪ .‬مع العلم أن كذبه‬
‫سيرتد عليه وحده‪ ،‬أما صدقه فيرتد عليكم ويهلككم"‪.‬‬
‫كلم عاقييل وهييادف‪ ،‬يعتمييد علييى تبسيييط المييور‬
‫والحقائق‪.‬‬
‫التواضع مع الناس‬
‫وبعد أن أنهى المنهج العقلي‪ ،‬انتقل هذا المييؤمن‬
‫إليييييييييييى منهيييييييييييج آخييييييييييير‪ ،‬فقيييييييييييال‪:‬‬
‫فــى‬‫ن ِ‬ ‫ري َ‬
‫ه ِ‬ ‫و َ َ‬ ‫ك ٱل ْي َـ ْ‬‫مل ْـ ُ‬
‫م ٱل ْ ُ‬ ‫قــوم ِ ل َك ُـ ُ‬‫ٰي‪َ ‬‬
‫م ظ ٰــ ِ‬
‫س ٱللــه ِإن‬ ‫ْ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬
‫مــن َبــأ ِ‬ ‫صــُرَنا ِ‬ ‫مــن َين ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ٱل ْر ِ‬
‫جاءَنا‪.( (29...‬‬ ‫َ‬
‫لحييظ الييذكاء وحسيين اختيييار اللفيياظ‪ :‬فحييين‬
‫ظمهييم‬‫ك ‪ ‬فع ّ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م ٱل ْ ُ‬‫تحدث عن الملك قال‪ :‬ل َك ُ ُ‬
‫وأنزلهم منازلهم‪ ،‬لكنه حين أراد تحذيرهم من عذاب‬
‫صُرَنا ‪ ،‬فأدخل نفسه معهييم‬ ‫من َين ُ‬ ‫ف َ‬‫الله‪ ،‬قال‪َ  :‬‬
‫حييتى يشييعرهم أنييه واحييد منهييم‪ ،‬ل يتكّبيير عليهييم‬
‫بالتزامه وتدّينه‪ ،‬وأنه يخاف عليهم كمييا يخيياف علييى‬
‫نفسه‪.‬‬
‫وهكذا نتعلم درسين في الدعوة إلى الله من آية‬
‫واحدة‪:‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪510‬‬

‫‪ -‬إنزال الناس منازلهم‪ ،‬ومخاطبتهم بما يحبون مين‬


‫فــى‬
‫ن ِ‬
‫ري َ‬
‫ه ِ‬ ‫و َ َ‬
‫ك ٱل ْي َ ْ‬
‫مل ْ ُ‬
‫م ٱل ْ ُ‬
‫اللقاب ‪‬ل َك ُ ُ‬
‫م ظ ٰـ ِ‬
‫ض ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ٱل ْر ِ‬
‫‪ -‬عييدم التكييبر علييى المييدعوين‪ ،‬وإحساسييهم أن‬
‫صُرَنا ‪.‬‬
‫من َين ُ‬ ‫الداعي واحد منهم ‪َ ‬‬
‫ف َ‬
‫صدق العاطفة‬
‫وبعد ذلك ينتقل الييداعي إلييى الناحييية العاطفييية‬
‫م‬ ‫و َ‬ ‫عل َي ْك ُـ ْ‬
‫م ي َـ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫وم ِ إ ِن ّــى أ َ َ‬
‫خــا ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫و ٰي َ‬ ‫في الدعوة ‪َ ‬‬
‫ٱلت َّنــاِد‪ ( (32‬فييإذا أردت أن تييؤثر فييي النيياس‪،‬‬
‫فعلييييك أن تحيييب النييياس وتشيييعرهم بحبيييك لهيييم‬
‫وم ِ‬ ‫ورحمتك بهم وخوفك عليهم من العذاب‪ٰ ...‬ي َ‬
‫ق ْ‬
‫ب‪.( (30‬‬ ‫حَزا ِ‬ ‫وم ِ ٱل َ ْ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫ف َ‬ ‫إ ِّنى أ َ َ‬
‫خا ُ‬
‫استخدام التاريخ في الدعوة‬
‫وبعيييد السيييتعانة بالمنهيييج العقليييي والمنهيييج‬
‫العاطفي‪ ،‬يأتي الستشهاد بالتاريخ في الييدعوة إلييى‬
‫الله‪:‬‬
‫وم ِ‬ ‫ل َيــ ْ‬‫مْثــ َ‬‫م ّ‬ ‫عل َي ْ ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫ف َ‬‫خــا ُ‬ ‫وم ِ إ ِّنــى أ َ َ‬ ‫‪ٰ‬ي َ‬
‫قــ ْ‬
‫ب َ‬ ‫ٱل َحزاب مث ْ َ ْ‬
‫مــودَ‬ ‫وث َ ُ‬
‫عــاٍد َ‬ ‫و َ‬‫ح َ‬ ‫وم ِ ن ُــو ٍ‬ ‫قـ ْ‬ ‫ل دَأ ِ‬ ‫ْ َ ِ ‪ِ ‬‬
‫ريـدُ ظُْلمـا ً‬ ‫مـا ٱللــه ي ُ ِ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫د ِ‬‫عـ ِ‬
‫مــن ب َ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫و ٱل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫عَباِد‪.( (30-31‬‬ ‫ل ّل ْ ِ‬
‫فالداعيييية إليييى الليييه تعيييالى ل بيييد أن يكيييون‬
‫موسييوعي الثقافيية والمعرفيية‪ ،‬علييى علييم بالتاريييخ‪،‬‬
‫وبأحوال المم السابقة‪ ،‬ليحث الناس علييى العتبييار‬
‫‪511‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ممن سبقوهم‪.‬‬
‫التذكير بيوم القيامة‬
‫وأخيرًا‪ ،‬بدأ يتحدث عن يوم القيامة‪ ،‬لن التييذكير‬
‫باليوم الخر هو من أقوى الوسائل التي يجييب علييى‬
‫الييدعاة أن يسييتعينوا بهييا فييي دعييوتهم إلييى اللييه‪:‬‬
‫م ٱلت َّناِد‪( (32‬‬ ‫و َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خا ُ‬ ‫وم ِ إ ِّنى أ َ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ويٰ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫م‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫مدْب ِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫وّلو َ‬ ‫م تُ َ‬ ‫و َ‬ ‫‪ -‬أي يوم القيامة ‪ -‬ي َ ْ‬
‫ه‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ل ٱلله َ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫صم ٍ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ٱلله ِ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫هاٍد‪.( (33‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫كــ ْ‬ ‫جاء ُ‬ ‫قـدْ َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ثم يعود بعد ذلك إلى التاريخ ‪َ ‬‬
‫ت‪ ( (34...‬ثييم إلييى‬ ‫ل ب ِٱل ْب َي ّن َ ٰــ ِ‬ ‫قب ْـ ُ‬ ‫مــن َ‬ ‫ف ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ُيو ُ‬
‫م‬ ‫د ُ‬ ‫َ‬ ‫اسييتخدام العاطفيية ‪‬يٰ َ‬
‫كـ ـ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫عــو ِ‬ ‫وم ِ ٱت ّب ِ ُ‬ ‫قـ ْ‬
‫شـاِد‪ .( (38‬ثم التذكير بيوم القيامة‬ ‫ل ٱلّر َ‬ ‫سِبيـ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ع َ‬ ‫مت َ ٰـــ ٌ‬ ‫حي َ ٰوةُ ٱلدّن َْيا َ‬ ‫ه ٱل ْ َ‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ٰـ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫‪‬م ِ إ ِن ّ َ‬ ‫و‬
‫ق ْ‬ ‫ٰي َ‬
‫ر‪ ( (39‬ثييم المنهييج‬ ‫قــَرا ِ‬ ‫داُر ٱل ْ َ‬ ‫ى َ‬ ‫هـ َ‬ ‫خـَرةَ ِ‬ ‫ٱل َ ِ‬
‫ة‬ ‫ج ٰو ِ‬ ‫م إ َِلى ٱلن ّ َ‬ ‫كـ ْ‬ ‫عو ُ‬ ‫ما ِلى أ َدْ ُ‬ ‫وم ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫‪‬ي َ‬ ‫وٰ‬ ‫العقلي َ‬
‫فَر‬ ‫كـــ ُ‬ ‫عون َِنى ل َ ْ‬ ‫ر ‪َ ‬تــدْ ُ‬ ‫عون َِنى إ َِلــى ٱلّنــا ِ‬ ‫وَتــدْ ُ‬ ‫َ‬
‫وأن َـا ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ر َ‬ ‫ُ‬
‫وأ ْ‬
‫م َ‬ ‫عل ـ ٌ‬ ‫ه ِ‬ ‫س ل ِــى ب ِـ ِ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب ِٱلله َ‬
‫ر‪.( (41 – 42‬‬ ‫فا ِ‬ ‫غ ّ‬ ‫ز ٱل ْ َ‬ ‫زي ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫م إ َِلى ٱل ْ َ‬ ‫عوك ُ ْ‬ ‫أ َدْ ُ‬
‫ويختم دعوته لقومه بتفويض المر إلى اللييه كمييا‬
‫ض‬ ‫و ُ‬ ‫فـ ّ‬ ‫وأ ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫كـ ـ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قــو ُ‬ ‫ما أ َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ست َذْك ُُرو َ‬ ‫ف َ‬ ‫ذكرنا ‪َ ‬‬
‫رى إ َِلى ٱلله ‪...( (44‬‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫أ ْ‬
‫موقف رائع‪ ،‬وحجة باهرة‪ ،‬يستعملها هذا الييداعي‬
‫إلى الله‪ ،‬الذي ليس بنبي مرسل‪ ،‬لكن غيرتييه علييى‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪512‬‬

‫دين الله وحبه للسلم‪ ،‬كانا سببا ً فييي أن يييذكر فييي‬


‫كتيياب اللييه تعييالى‪ ،‬ويكييون قييدوة للييدعاة إلييى يييوم‬
‫القيامة‪ ،‬فييي اسييتخدام الوسييائل المناسييبة للييدعوة‬
‫إلى الله‪.‬‬
‫الدعاء عنوان التفويض‬
‫والدعاء هو من أهم مظيياهر تفييويض الميير إلييى‬
‫الله‪ ،‬لذلك ركزت السورة كثيرا ً على الييدعاء‪ ،‬فنييرى‬
‫أن السيييورة فيييي بيييدايتها ذكيييرت دعييياء الملئكييية‬
‫ن‬ ‫مـ ْ‬ ‫و َ‬‫ش َ‬ ‫عـْر َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫مل ُــو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫للمييؤمنين‪ :‬ٱل ّـ ِ‬
‫ه‬
‫ن ِبــ ِ‬ ‫مُنــو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وي ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هــ ْ‬ ‫د َرب ّ ِ‬ ‫مــ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫ســب ّ ُ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫حــ ْ‬‫َ‬
‫ل‬ ‫كـ ـ ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫ع َ‬ ‫سـ ْ‬ ‫و ِ‬ ‫مُنوا ْ َرب َّنا َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫غ ِ‬‫ست َ ْ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن َتــاُبوا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫فْر ل ِّلــ ِ‬ ‫غ ِ‬ ‫فــ ٱ ْ‬ ‫عْلمــا ً َ‬ ‫و ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مــ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ىء ّر ْ‬ ‫شــ ْ‬ ‫َ‬
‫حيم ِ‪.( (7‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ك َ‬ ‫سِبيل َ َ‬ ‫عوا ْ َ‬ ‫و ٱت ّب َ ُ‬ ‫َ‬
‫وختمت السورة بالية المشهورة في الحث على‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ب ل َك ُـ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫س ـت َ ِ‬ ‫عوِنى أ ْ‬ ‫م ٱد ْ ُ‬ ‫كـ ْ‬ ‫ل َرب ّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫الدعاء‪َ  :‬‬
‫ن‬ ‫خُلو َ‬ ‫سي َدْ ُ‬ ‫عَبادَِتى َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ع ْ‬‫ن َ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن‪.( (60‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م ٰد ِ‬ ‫هن ّ َ‬‫ج َ‬ ‫َ‬
‫وخلل السييورة‪ ،‬وردت آيييات كييثيرة فييي نفييس‬
‫ن‬ ‫دي َ‬ ‫ه ٱلــ ّ‬ ‫ن َلــ ُ‬ ‫صي َ‬‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عوا ْ ٱلله ُ‬ ‫ف ٱد ْ ُ‬ ‫المعنى‪َ  :‬‬
‫‪.( (14‬‬
‫ومن لم يدع ربييه فييي الييدنيا سيييندم علييى ذلييك‬
‫م‬‫عن ّــا ب َــل ل ّـ ْ‬
‫ضــّلوا ْ َ‬
‫قـاُلوا ْ َ‬
‫كثيرا ً فييي الخييرة ‪َ ‬‬
‫شـْيئا ً‪ .( (74‬فيحيياولون‬ ‫ل َ‬ ‫عوا ْ ِ‬
‫مــن َ‬
‫قب ْـ ُ‬ ‫ن َك ُ ْ‬
‫ن ن ّـدْ ُ‬
‫الدعاء‪ ،‬لكن ذلك ليين يفيييدهم شيييئًا‪ ،‬بعييد أن تركييوا‬
‫‪513‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫عــاء‬
‫مــا دُ َ‬ ‫عوا ْ َ‬
‫و َ‬ ‫قاُلوا ْ َ‬
‫ف ـ ٱد ْ ُ‬ ‫الدعاء فييي الييدنيا ‪َ ‬‬
‫ل‪.( (50‬‬ ‫ضل َ ٰـ ٍ‬
‫فى َ‬ ‫ن إ ِل ّ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ٱل ْك َ ٰـ ِ‬
‫ف ِ‬
‫فيييإذا أردت العيييون خلل دعوتيييك إليييى الليييه‪،‬‬
‫والتفويض والتسليم إليه سبحانه فييي هييذا الطريييق‪،‬‬
‫فاقرأ سورة اليدعوة والتفييويض‪ ،‬اقييرأ سييورة غييافر‬
‫بهذه النية‪.‬‬
‫سور فصلت والشورى‬
‫والزخرف‬
‫والدخان والجاثية والحقاف‬

‫هذه السور الست تجمعها خصائص عديدة‪ ،‬أولها‬


‫أنها تبدأ بي )حم(‪ ،‬ولذلك تعرف بالحواميم‪.‬‬
‫حم‪ ...‬والحرف المقطعة‬
‫هذه السور تبدأ جميعا ً بي ‪‬حـم ‪ .‬فمييا المييراد‬
‫من هذه الحروف؟ سبق وقلنا في سورة آل عمران‬
‫أن اللييه تعييالى يتحييدى العييرب فييي هييذه الحييروف‬
‫المقطعة‪ .‬وكأن المعنى‪ :‬هذه الحييروف هييي المييادة‬
‫ظمون منهييا‬ ‫الولية التي تستعملونها في الكتابة‪ ،‬فتن ّ‬
‫نييثرا ً وشييعرًا‪ ...‬وأنتييم فييي حييياتكم العادييية تأخييذون‬
‫المييواد الولييية الساسييية فييي الكييون )ميين حديييد‬
‫ومعيييادن وخشيييب‪ .(..‬وتصييينعون منهيييا سييييارات‬
‫ومفروشات ومبان‪ ...‬لكن التحدي هو‪ :‬هييل تقييدرون‬
‫أن تصنعوا من هذه المنتجات إنسانا ً فيه روح؟‬
‫وبالتالي‪ ،‬يكون التحدي في الحييروف المقطعيية‪:‬‬
‫هذه هي المادة الولية للغتكم‪ ،‬فهل تسييتطيعون أن‬
‫تأخذوا هذه المادة الولية وتأتوا منهييا بقييرآن‪ ...‬هييل‬
‫‪514‬‬
‫‪515‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫تسييتطيعون أن تنفخييوا الييروح فييي هييذه الحييروف؟‬


‫حي َْنــا‬ ‫اسمع قوله تعالى عيين القييرآن ‪‬وك َذَل ِ َ َ‬
‫و َ‬
‫كأ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫رن َــا ‪) ‬الشييورى‪ ،(52 ،‬فهييل‬ ‫م ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫ك ُروح ـا ً ّ‬
‫مـ ْ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫تقييدرون علييى أن تييأتوا بمثييل هييذا القييرآن‪) ،‬وميين‬
‫اللطائف أن هذه الية أيضا ً موجودة في الحواميم(‪.‬‬
‫مفتاح واحد لهدف واحد‬
‫ن السور التي تبدأ بنفييس الحييرف المقطعيية ل‬ ‫إ ّ‬
‫بيييييييييييييييد أن يجمعهيييييييييييييييا قضيييييييييييييييّية‬

‫مشتركة‪ ...‬وكأن ‪‬الم ‪ ‬أو ‪‬حـم ‪ ‬همييا رمييز‬


‫)أو ‪ (code‬لموضوع السورة وفكرتها المحورية‪ .‬وكييل‬
‫السور التي تبدأ بهذا الرمييز ترتبييط مييع بعضييها فييي‬
‫مواضيعها وأهدافها )كما رأينا في سييور البقييرة وآل‬
‫عمران والعنكبوت(‪.‬‬
‫وسور الحواميم ‪ -‬كما هو واضح ‪ -‬ابتدأت جميعها‬
‫طعة ‪‬حـم ‪ ‬لن هناك هدف‬ ‫بنفس الحروف المق ّ‬
‫مشترك يجمعها‪ ،‬وحتى نعرف هذا الهييدف‪ ،‬ل بييد أن‬
‫نستعرض النقاط المشتركة التي تجمع هذه السور‪:‬‬
‫‪ .1‬كلها سور مكية‬
‫‪ .2‬كلها تبدأ ببيان قيمة القرآن وعظمته‪.‬‬
‫‪ .3‬تذكر قصة موسى عليه السلم مع بني إسرائيل‪.‬‬
‫‪ .4‬تبّين انتقال الرسالة من بنييي إسييرائيل إلييى أميية‬
‫محمد‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪516‬‬

‫‪.5‬تحث على الوحدة والتحذير من الفرقة‪..‬‬


‫‪.6‬تختتم بالصفح والمهال‪...‬‬
‫ولنبدأ بملحظة هذه المعاني‪ ،‬ونربييط بينهييا‪ ،‬فييي‬
‫طريقنا لفهم مراد ربنا من هذه السور الكريمة‪.‬‬
‫‪ .1‬قيمة القرآن‪:‬‬
‫تبدأ هذه السور جميعا ً بالحديث عن قيمة القرآن‬
‫وعظمته‪:‬‬
‫ن‬‫مــ َ‬ ‫ل ّ‬ ‫زيــ ٌ‬ ‫صييلت‪ :‬حـــم ‪َ ‬تن ِ‬ ‫ففييي سييورة ف ّ‬
‫حيم ِ‪.( (1 – 2‬‬ ‫ن ٱلّر ِ‬ ‫م ٰـ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ٱلّر ْ‬
‫حى‬ ‫ك ُيــو ِ‬ ‫كــذَل ِ َ‬ ‫وفي الشورى‪ :‬حـم ‪ ‬عسق ‪َ ‬‬
‫زي ـُز‬ ‫ع ِ‬‫ك ٱللــه ٱل ْ َ‬ ‫قب ْل ِـ َ‬ ‫مــن َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫وإ َِلى ٱل ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫م‪.( (1-2-3‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ب‬ ‫و ٱل ْك ِت َ ٰـــ ِ‬ ‫وفييي سييورة الّزخييرف‪ :‬حـــم ‪َ‬‬
‫ن‪.( (1 – 2‬‬ ‫مِبي ِ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ن‪‬‬ ‫مِبيـ ِ‬ ‫ب ٱل ْ ُ‬ ‫و ٱل ْك ِت َ ٰـ ِ‬ ‫دخان‪ :‬حم ‪َ ‬‬ ‫وسورة ال ّ‬
‫‪.((1 – 2‬‬
‫ن‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ل ٱل ْك ِت َ ٰـ ـ ِ‬ ‫زي ـ ُ‬ ‫وسورة الجاثية‪ :‬حم ‪َ‬تن ِ‬
‫ز‬
‫زيــــــــــــــــــــــ ِ‬ ‫ع ِ‬‫ٱللــــــــــــــــــــــه ٱل ْ َ‬
‫كيم ِ‪.( (1 – 2‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ل ٱل ْك ِت َ ٰـ ِ‬ ‫زي ُ‬ ‫وسورة الحقاف‪ :‬حـم ‪َ ‬تن ِ‬
‫كيم ِ‪.( (1 – 2‬‬ ‫ح ِ‬‫ز ٱل ْ َ‬ ‫زي ِ‬ ‫ٱلله ٱل ْ َ‬
‫ع ِ‬
‫‪ .2‬موسى عليه السلم وبنو إسرائيل‪:‬‬
‫ســـ ٰى‬
‫مو َ‬ ‫‪َ َ‬‬
‫قـــدْ ءات َي ْن َـــا ُ‬ ‫ول‬
‫صيييلت‪َ :‬‬
‫سيييورة ف ّ‬
‫‪517‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ف‬
‫خت ُل ِ َ‬
‫ٱ ْ‬ ‫فــــــــــــــــــ‬ ‫ب َ‬
‫ـــــــــــــــــــ‬ ‫ٰ َ‬ ‫ٱل ْك ِت َ‬
‫ه‪.( (45...‬‬ ‫في ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ســ ٰى‬ ‫مو َ‬ ‫ســل َْنا ُ‬ ‫قــدْ أْر َ‬ ‫‪َ َ‬‬
‫ول‬ ‫سييورة الّزخييرف‪َ :‬‬
‫ن‬
‫و َ‬ ‫عـــــــــــ ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ٰى ِ‬ ‫لـــــــــــ‬ ‫ٰ ت َِنا إ ِ َ‬
‫ــــــــــــ‬ ‫ِبـَئاي َ‬
‫ه‪.( (46‬‬ ‫ملئي ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫و َ‬ ‫قـ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫قب ْل َ ُ‬‫فت َن ّــا َ‬ ‫قـدْ َ‬ ‫ول َ َ‬‫سييورة الييدخان‪َ  :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دوا ْ إ ِل َ ـ ّ‬
‫ى‬ ‫نأ ّ‬ ‫م‪‬أ ْ‬ ‫ري ـ ٌ‬ ‫ل كَ ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ه ْ‬
‫جاء ُ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ع ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ِ‬
‫عَبادَ ٱلله‪.( (17-18‬‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ذا ِ‬ ‫عـ َ‬‫ن ٱل ْ َ‬ ‫مـ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ســ ٰرءي َ‬ ‫جي َْنا ب َِنى إ ِ ْ‬ ‫قدْ ن َ ّ‬ ‫‪‬ل َ َ‬ ‫و‬
‫َ‬
‫ن‪.( (31‬‬ ‫هي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ل‬‫س ـ ٰرءي َ‬ ‫قدْ ءات َي ْن َــا ب َن ِــى إ ِ ْ‬ ‫‪‬ل َ َ‬
‫و‬
‫سورة الجاثية‪َ :‬‬
‫م‬‫حك ْـــــــــــــــــــ َ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ٰــــــــــــــــــــ َ‬ ‫ٱل ْك ِت َ‬
‫ة‪.( (16...‬‬ ‫و َ‬ ‫و ٱلن ّب ُ ّ‬ ‫َ‬
‫س ـ ٰى‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ه ك ِت َ ٰـ ـ ُ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫من َ‬ ‫و ِ‪‬‬ ‫الحقاف‪:‬‬
‫َ‬ ‫سورة‬
‫مامـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ً‬ ‫إِ َ‬
‫ة‪.( (12‬‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫َ‬
‫وأكثر قصص النبياء تكرارا ً فييي القييرآن الكريييم‬
‫هييييييييييييييييي قصيييييييييييييييية موسييييييييييييييييى‬
‫عليه السلم‪ ،‬لدرجة أننا نرى حديثا ً لطيفا ً للنييبي ‪‬‬
‫فيييييييييييييييي المسيييييييييييييييألة‪ ،‬حييييييييييييييييث‬
‫يقول‪" :‬رحم الله أخي موسى لقد كاد يييذهب بثلييث‬
‫القييييييييييييييرآن"‪ .‬فمييييييييييييييا الحكميييييييييييييية‬
‫من ذلك؟‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪518‬‬

‫لن قصييية موسيييى احتيييوت عليييى محيييورين‬


‫أساسيين‪ :‬علقة موسى مييع فرعييون )والييتي كييانت‬
‫ميين أقييوى المواجهييات فييي صييراع الخييير والشيير(‪،‬‬
‫وعلقة موسى مع بني إسرائيل‪ ،‬التي كانت آخر أمة‬
‫قييادت الرض قبييل أميية محمييد ‪ ،‬فكييانت هييذه‬
‫التجربيية مهميية للميية المسييلمة حييتى يتعلمييوا ميين‬
‫أخطائها في استخلفهم وقيادتهم للرض‪...‬‬
‫‪ .3‬انتقال الكتاب مــن المــة الســابقة )بنــي‬
‫إسرائيل( إلى أمة محمد ‪:‬‬
‫ه ُنوحــا ً‬ ‫ص ٰى ب ِ ِ‬ ‫و ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫ع لَ ُ‬ ‫َ‬
‫دي ِ‬‫ن ٱل ِ ِ‬ ‫م َ‬‫كم ّ‬ ‫‪َ‬ر َ‬‫ش‬
‫حي ْن َــــــــــــا إ ِل َي ْــــــــــــ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫و َ‬‫ذى أ ْ‬ ‫و ٱل ّــــــــــــ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫س ـ ٰى أ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫و ِ‬ ‫س ـ ٰى َ‬ ‫مو َ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬‫ه إ ِب َْرا ِ‬
‫صي َْنا ب ِ ِ‬‫و ّ‬ ‫ما َ‬
‫و َ‬
‫َ‬
‫قــــــــوا ْ‬ ‫َ‬
‫فّر ُ‬‫ول َ ت َت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫دي َ‬‫مــــــــوا ْ ٱلــــــــ ّ‬ ‫قي ُ‬ ‫أ ِ‬
‫ن‬ ‫دي َ‬ ‫موا ْ ٱل ّ‬ ‫قي ُ‬ ‫ه ‪) ‬الشورى‪ (13 ،‬هذه الية ‪‬أ َ ِ‬ ‫في ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ‬هيييييييي آيييييييية محوريييييييية بيييييييين كيييييييل‬
‫سور الحواميم‪ ،‬كيف؟ هذا ميا سينراه بعيد أن نفهيم‬
‫أهييداف السييور‪ .‬وهنيياك آيييات أخييرى تفيييد نفييس‬
‫المعنى‪:‬‬
‫َ‬ ‫عَلــ ٰى َ‬ ‫عل ْن َ ٰـــ َ‬
‫ر‬‫مــ ِ‬ ‫ن ٱل ْ‬ ‫مــ َ‬‫ة ّ‬ ‫ع ٍ‬‫ري َ‬‫شــ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ج َ‬
‫‪َ ‬‬ ‫م‬‫ُثــ ّ‬
‫ها‪) ‬الجاثية‪.(18 :‬‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫ف ٱت ّب ِ ْ‬
‫ف‬
‫و َ‬
‫ســـ ْ‬
‫و َ‬ ‫مـــ َ‬
‫ك َ‬ ‫و ِ‬ ‫ول ِ َ‬
‫ق ْ‬ ‫ك َ‬‫ذك ٌْر ّلـــ َ‬
‫ه َلـــ ِ‬
‫وإ ِّنـــ ُ‬‫‪َ ‬‬
‫ن ‪) ‬الزخرف‪.(44 :‬‬ ‫سـئ َُلو َ‬ ‫تُ ْ‬
‫ة‬
‫مـ ً‬
‫ح َ‬ ‫مام ـا ً َ‬
‫وَر ْ‬ ‫س ـ ٰى إ ِ َ‬
‫مو َ‬
‫ب ُ‬
‫ه ك ِت َ ٰـ ُ‬ ‫من َ‬
‫قب ْل ِ ِ‬ ‫و ِ‬
‫‪‬‬ ‫َ‬
‫‪519‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫عَرب ِّيـــ ً‬
‫ا‪ ...‬‬ ‫َ‬ ‫ســـانا ً‬
‫صـــدّقٌ ل ّ َ‬
‫م َ‬
‫ب ّ‬ ‫ٰــــ َ‬
‫ذا ك ِت َ ٰــــ ٌ‬ ‫ه‬
‫و َ‬
‫َ‬
‫)الحقاف‪.(12 ،‬‬
‫‪ .4‬الوحدة وخطورة الفرقة‪:‬‬
‫ســـى‬ ‫مو َ‬ ‫قـــدْ ءات َي ْن َـــا ُ‬ ‫ول َ َ‬ ‫صيييلت‪َ  :‬‬ ‫سيييورة ف ّ‬
‫ف‬
‫خت ُل ِ َ‬ ‫ٱ ْ‬ ‫فــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــ‬ ‫ب َ‬ ‫ٰ َ‬ ‫ٱل ْك ِت َ‬
‫ه‪.( (45...‬‬ ‫في ِ‬ ‫ِ‬
‫مــا‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ن ٱل ِ ـ ِ‬ ‫م َ‬‫كم ّ‬ ‫ع لَ ُ‬ ‫شَر َ‬ ‫سورة الشورى‪َ  :‬‬
‫حي ْن َــا إ ِل َي ْ ـ َ‬ ‫َ‬
‫مــا‬ ‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫و َ‬‫ذى أ ْ‬ ‫و ٱل ّ ـ ِ‬ ‫ه ُنوح ـا ً َ‬ ‫ص ـ ٰى ب ِ ـ ِ‬ ‫و ّ‬‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ســ ٰى أ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫و ِ‬ ‫ســ ٰى َ‬ ‫مو َ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫هيــ َ‬ ‫ه إ ِب َْرا ِ‬ ‫صــي َْنا ِبــ ِ‬ ‫و ّ‬
‫َ‬
‫قــــــــوا ْ‬ ‫َ‬
‫فّر ُ‬ ‫ول َ ت َت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫دي َ‬ ‫مــــــــوا ْ ٱلــــــــ ّ‬ ‫قي ُ‬ ‫أ ِ‬
‫م‬ ‫ه ُ‬ ‫جــاء ُ‬ ‫مــا َ‬ ‫د َ‬ ‫عـ ِ‬ ‫مــن ب َ ْ‬ ‫قــوا ْ إ ِل ّ ِ‬ ‫فّر ُ‬ ‫مــا ت َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ه‪َ ‬‬ ‫في ـ ِ‬ ‫ِ‬
‫م‪.( (13-14..‬‬ ‫ه ْ‬ ‫غيا ً ب َي ْن َ ُ‬‫م بَ ْ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫ٱل ْ ِ‬
‫مــن‬ ‫ب ِ‬ ‫حــَزا ُ‬ ‫ف ٱل َ ْ‬ ‫خت َل َ َ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫سورة الزخرف‪َ  :‬‬
‫وم ٍ‬ ‫ب ي َـ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫عـ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫مــوا ْ ِ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ّل ّـ ِ‬ ‫وي ْ ٌ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب َي ْن ِ ِ‬
‫أ َِليم ٍ‪.( (65‬‬
‫ن‬
‫مــ َ‬‫ت ّ‬ ‫هم ب َي ّن َ ٰـــ ٍ‬ ‫‪‬ي ْن َ ٰـــ ُ‬
‫وءات َ‬
‫يية‪:‬‬
‫سيييورة الجاثيي َ‬
‫م‬ ‫فوا ْ إ ِل ّ ِ‬‫خت َل َ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫َ‬
‫ه ُ‬
‫جــاء ُ‬‫مــا َ‬
‫د َ‬‫عـ ِ‬ ‫مــن ب َ ْ‬ ‫ما ٱ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫م ِ‬‫ٱل ْ‬
‫م‪.( (17...‬‬ ‫ه ْ‬ ‫غيا ً ب َي ْن َ ُ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫م بَ ْ‬ ‫ٱل ْ ِ‬
‫‪ .5‬الصفح والمهال‬
‫والجميل أن كل هذه السور قييد اختتمييت بييالعفو‬
‫والصفح والمر بالصبر‪:‬‬
‫جرا ً‬ ‫عل َي َ‬ ‫َ‬
‫هأ ْ‬ ‫سـئ َل ُك ُ ْ‬
‫م َ ْ ِ‬ ‫قل ل ّ أ ْ‬
‫سورة الشورى‪ُ  :‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪520‬‬

‫فــــــــــــــــــــى‬ ‫ودّةَ ِ‬ ‫مــــــــــــــــــــ َ‬ ‫إ ِل ّ ٱل ْ َ‬


‫قْرب َ ٰى‪.( (23...‬‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ع ـْزم ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫ن ذَل ِـ َ‬ ‫ف ـَر إ ِ ّ‬ ‫غ َ‬‫و َ‬ ‫ص ـب ََر َ‬ ‫من َ‬ ‫ول َ َ‬‫‪َ ‬‬
‫ر‪.( (43‬‬ ‫ُ‬
‫مو ِ‬ ‫ٱل ُ‬
‫ل‬ ‫قــ ْ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫هــ ْ‬ ‫عن ْ ُ‬‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫صــ َ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫سييورة الزخييرف‪َ  :‬‬
‫ن‪.( (89‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫ف يَ ْ‬
‫و َ‬‫س ْ‬‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ ٰـ ٌ‬‫َ‬
‫ن‬ ‫قُبــو َ‬ ‫مْرت َ ِ‬‫م ّ‬ ‫هــ ْ‬
‫ب إ ِن ّ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ف ٱْرت َ ِ‬ ‫سورة الدخان‪َ  :‬‬
‫‪.( (59‬‬
‫ول ُــوا ْ‬ ‫ُ‬
‫ص ـب ََر أ ْ‬ ‫مــا َ‬ ‫صب ِْر ك َ َ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫سورة الحقاف‪َ  :‬‬
‫ل‪.( (35‬‬ ‫س ِ‬ ‫ن ٱلّر ُ‬ ‫م َ‬‫عْزم ِ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫بعييد أن عرضيينا العوامييل المشييتركة بييين هييذه‬
‫السييور‪ ،‬يبقييى السييؤال‪ :‬مييا هييو الهييدف والمحييور‬
‫المشترك بين هذه السور؟‬
‫بين الدعوة والمواجهة‬
‫هذه السور موجيودة فيي المصيحف بعيد سيورة‬
‫غييييييييييافر وقبييييييييييل سييييييييييورة محمييييييييييد‪،‬‬
‫وهو نفس ترتيب نزول هيذه السيور )إذ أنهيا جميعيا ً‬
‫سيييييييييييور مكيييييييييييية نزليييييييييييت بعيييييييييييد‬
‫غافر‪ ،‬وطبعا ً كلها نزلت قبل سورة محمد التي هييي‬
‫سورة مدنية(‪ .‬وإذا تأملنييا أهييداف السييورتين اللتييان‬
‫تحيطييان بسييور الحييواميم‪ ،‬وجييدنا أن سييورة غييافر‬
‫دعوة إليى الليه‪ ،‬بينمييا سيورة‬ ‫دث عين أهميية الي ّ‬ ‫تتح ّ‬
‫دث عيين أهمييية القتييال فييي سييبيل اللييه‬ ‫محمييد تتحي ّ‬
‫‪521‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫سييور بمجملهييا هييي‬ ‫دين‪ ...‬أي أن هييذه ال ّ‬ ‫ونصييرة الي ّ‬


‫دعوة والمواجهة‪.‬‬ ‫بمثابة مرحلة انتقالية بين ال ّ‬
‫فما علقة ذلك بالمحيياور الربعيية الييتي ذكرناهييا‪،‬‬
‫والتي تشمل قيميية القييرآن وبنييي إسييرائيل ووراثيية‬
‫الكتاب منهم وأهمية الوحدة والصفح والمهال؟‬
‫واجبات ومحاذير‬
‫ميية إلييى أّنهييا‬
‫إن محور هذه السييور هييو تنييبيه ال ّ‬
‫أصييييييييييييييييييييييييبحت مسييييييييييييييييييييييييؤولة‬
‫عن القرآن‪ ،‬عن منهج الله تعالى عليى هيذه الرض‪،‬‬
‫وبالتييييييييييييييييييييييييييالي هنيييييييييييييييييييييييييياك‬
‫واجبات ومحيياذير‪ ،‬وهنيياك نقيياط أساسييية وخطيييرة‬
‫تؤهلك لتكون مسؤول ً عن هذه الرض‪...‬‬
‫ولهذا بدأت كل السور بالحييديث عيين قيميية هييذا‬
‫دثت عيين موسييى وبنييي إسييرائيل‬ ‫القييرآن‪ ،‬كمييا تح ي ّ‬
‫وانتقال الكتاب منهم إلى أمة محمد ‪.‬‬
‫سييور تحييدثت عيين‬
‫وكذلك‪ ،‬كل سورة من هذه ال ّ‬
‫ن ضييياع بنييي إسييرائيل‬ ‫الوحييدة وعييدم الفرقيية‪ ،‬ل ّ‬
‫والميم السييابقة كييان سييببه الفرقيية‪ .‬وتحيدثت عيين‬
‫الصييفح والمهييال لّنهييا فييي مرحليية عييرض الكتيياب‬
‫سك بالكتاب‪) ،‬بين الدعوة والمواجهيية(‪ ،‬فكييان‬ ‫والّتم ّ‬
‫الصييفح عيين الخرييين مطلوبيا ً حييتى يعييرض عليهييم‬
‫الكتاب عرضا ً صحيحًا‪...‬‬
‫بعييد أن استعرضيينا المحيياور العاميية والهييداف‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪522‬‬

‫المشتركة لسييور الحييواميم‪ ،‬تعييالوا نعيييش مييع كييل‬


‫سورة من هذه السور‪ ،‬لنرى كيف تخدم كل واحييدة‬
‫منها الهدف المشترك‪:‬‬
‫"أنتم مسؤولون عن هذه الرض‪ ،‬فهنــاك‬
‫واجبات ومحاذير"‪.‬‬

‫صلت‬ ‫سورة ف ّ‬
‫سو‬ ‫وأول هيييذه الواجبيييات المطلوبييية مييين المييية‬
‫رة‬ ‫المحمدية‪ :‬أن تعي هذا القرآن‪ ،‬وأن تتلقيياه بييالحفظ‬
‫صلت‬
‫ف ّ‬ ‫والرعاية والفهم‪ ...‬فما علقة هذه السييورة بالهييدف‬
‫العام الذي ذكرناه؟‬
‫إن سييور الحييواميم ‪ -‬كمييا رأينييا ‪ -‬تمث ّييل مرحليية‬
‫انتقالية من الدعوة إلى المواجهة‪ ،‬ولذلك كانت أول‬
‫سورة في هذه السلسييلة تييبّين وضييوح رسييالة اللييه‬
‫تعييالى إلييى البشييرية‪ ،‬وتفصيييلها وتيسيييرها للنيياس‪.‬‬
‫ت ‪،‬‬ ‫صـل َ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫وهذا ما نستنتجه من اسييم السييورة ‪ُ ‬‬
‫الذي أشارت إليه الية المحورية في بداية السييورة‪:‬‬
‫وم ٍ‬‫قـ ْ‬‫عَرب ِّيـا ً ل ّ َ‬
‫قْرءانـا ً َ‬
‫ه ُ‬ ‫صـل َ ْ‬
‫ت ءاي َ ٰــت ُ ُ‬ ‫ب ُ‬
‫ف ّ‬ ‫ك ِت َ‪ٰ ‬ــ ٌ‬
‫ن‪.( (3‬‬ ‫مو َ‬‫عل َ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫حسن الستقبال‬
‫صييلت تتحييدث عيين أهمييية السييتقبال‬ ‫سييورة ف ّ‬
‫السليم لوامر الله تعييالى‪ .‬فلكييي تنتقييل أي رسييالة‬
‫إلى مستمعيها بشكل سليم‪ ،‬ل بد من سلمة جهازي‬
‫الرسييال والسييتقبال‪ ،‬بالضييافة إلييى وضييوح اللغيية‬
‫‪523‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫المستخدمة‪ .‬وهذا ما بينته الية الولى من السييورة‪:‬‬


‫ه ‪.‬‬ ‫ت ءاي َ ٰـت ُ ُ‬ ‫صل َ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب ُ‬ ‫‪‬ت َ ٰـ ٌ‬ ‫كِ‬
‫ونرى هذا المعنى واضحا ً في قوله تعييالى )الييية‬
‫ول َ‬ ‫قاُلوا ْ ل َ ْ‬ ‫مي ّا ً ل ّ َ‬‫ج ِ‬ ‫ع َ‬‫قْرءانا ً أ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫عل ْن َ ٰـ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫‪َ  :(44‬‬
‫ى ‪ ...‬لتوضح لنييا‬ ‫عَرب ِ ّ‬ ‫و َ‬ ‫ى َ‬ ‫م ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ه ءا ْ‬ ‫ت ءاي َ ٰـت ُ ُ‬ ‫صل َ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫ُ‬
‫و‬‫هـ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قـ ْ‬ ‫السورة من سيستفيد من هذا القييرآن‪ُ  :‬‬
‫فاء ‪ .‬وكأنهييا تقييول‬ ‫شـ َ‬ ‫و ِ‬ ‫دى َ‬ ‫هـ ً‬ ‫من ُــوا ْ ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّـ ِ‬
‫للكفار‪ :‬أل تفهمييون أن المشييكلة فيكييم وفييي جهيياز‬
‫م‬ ‫هــ ْ‬ ‫ذان ِ ِ‬ ‫فى ءا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫ن ل َ يُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫استقبالكم ‪َ ‬‬
‫مى ‪.‬‬ ‫ع ً‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و َ َ‬ ‫و ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬ ‫قٌر َ‬ ‫َ‬
‫لذلك تأتينا السورة بعد ذلييك بصييفات المسييتقبل‬
‫قــاُلوا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫السييليم لواميير اللييه تعييالى ‪‬إ ِ ّ‬
‫م‬ ‫هــ ُ‬ ‫ل َ َ‬ ‫موا ْ ت َت ََنــّز ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫َرب َّنــا ٱللــه ُثــ ّ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ق ٰـــ ُ‬ ‫م ٱ ْ‬
‫حَزُنوا ْ‪ ( (30‬فحسيين‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫فوا ْ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ة أ َل ّ ت َ َ‬ ‫مَلـئ ِك َ ُ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫الستقبال يتطلب إيمانا ً بالله أول ً ثم اسييتقامة علييى‬
‫طيياعته ويعينييك علييى حسيين اسييتقبال أواميير اللييه‪،‬‬
‫الدعوة إلى الله والخذ بيد الناس إلى طريق الله‪:‬‬
‫عــا إ ِل َــى ٱللــه‬ ‫َ‬
‫مــن دَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ول ً ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‪‬‬ ‫مي َ‬ ‫سـل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫ل إ ِن ِّنى ِ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬‫صـِٰلحا ً َ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫‪.((33‬‬
‫سوء استقبال الوحي‬
‫وبالمقابل‪ ،‬ترينا السورة كيف أن الكثير من الناس‬
‫يهتمون لمصلحتهم فقط‪ ،‬حتى في علقتهييم مييع اللييه‬
‫تعييالى‪ ،‬وهييذا ميين أخطيير المييور الييتي تصييرف عيين‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪524‬‬

‫الستقبال السييليم ليييات اللييه وقضييائه وقييدره‪ :‬ل ّ‬


‫ه‬‫سـ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫وِإن ّ‬ ‫ر َ‬‫خي ْـ ِ‬ ‫عـاء ٱل ْ َ‬ ‫مـن دُ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫سـ ُ‬‫م ٱل ِن ْ َ ٰ‬ ‫سـئ َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫مّنـا‬ ‫ة ّ‬ ‫مـ ً‬ ‫ح َ‬‫ه َر ْ‬‫قن َ ٰـ ُ‬ ‫ن أ َذَ ْ‬ ‫ول َئ ِ ْ‬
‫ط‪َ ‬‬ ‫قُنو ٌ‬ ‫س َ‬ ‫في َُئو ٌ‬ ‫شّر َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ذا ل ِــى‪ (49-...‬‬ ‫ه ٰـ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قول َ ّ‬ ‫ه ل َي َ ُ‬
‫ست ْ ُ‬‫م ّ‬ ‫ضّراء َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون َـأى‬ ‫ض َ‬ ‫ع ـَر َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫س ٰـ ِ‬ ‫لن َ‬ ‫عَلى ٱ ِ‬ ‫مَنا َ‬ ‫ع ْ‬‫ذا أن ْ َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫‪َ 50) ‬‬
‫ه‪.( (51..‬‬ ‫جان ِب ِ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ورغم كل هذه الشييواغل الييتي هييي ميين طبيعيية‬
‫البشر‪ ،‬سيبقى جهاز الرسال سليمًا‪ ،‬وستبقى آيييات‬
‫الله الدالة على عظمته واضحة للعين‪ ،‬فتييأتي الييية‬
‫فـى‬ ‫م ءاي َ ٰــت َِنا ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫سن ُ ِ‬‫الرائعيية فييي بيييان ذلييك ‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫فى َأن ُ‬ ‫ٱل َ َ‬
‫ه‬ ‫م أن ّـ ُ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬‫حت ّ ٰى ي َت َب َي ّـ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ق َ‬ ‫فا ِ‬
‫ق‪ .( (53..‬من فضلك‪ ،‬قبل أن تكمييل قييراءة‬ ‫ح ّ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫سور الحواميم‪ ،‬أصلح نفسك وجهاز استقبالك‪ ،‬حييتى‬
‫تستفيد من هذه الواجبات والمحيياذير الييتي تحتاجهييا‬
‫خلل مسؤوليتك عن أرض الله‪...‬‬

‫سورة الشورى‬
‫سو‬ ‫فييي سييورة الشييورى‪ ،‬نييرى أن المحظييور هييو‬
‫رة‬ ‫الخلف والفرقة‪ ،‬والواجب الذي يحمي ميين الوقييوع‬
‫الشييور‬ ‫شييورى‪ .‬هييذا هييو محييور سييورة‬‫فييي الخلف هييو ال ّ‬
‫الشورى ببساطة شديدة‪...‬‬
‫نعم للختلف‪ ...‬ل للخلف‬
‫ومن لطف السييورة‪ ،‬أنهييا تحييدثت عيين الختلف‬
‫ن الصيييل فيييي النييياس أنهيييم‬
‫بواقعيييية‪ ،‬وقيييرّرت أ ّ‬
‫‪525‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫سيختلفون ول مشكلة في ذلك‪ ،‬كما نرى فييي قييوله‬


‫ه‬
‫م ُ‬‫حك ْ ُ‬‫ف ُ‬‫ىء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ه ِ‬‫في ِ‬ ‫م ِ‬ ‫خت َل َ ْ‬
‫فت ُ ْ‬ ‫ما ٱ ْ‬ ‫و َ‬ ‫تعالى‪َ  :‬‬
‫دثت عن الفرقة‪،‬‬ ‫إ َِلى ٱلله ‪ ...( (10‬لكنها حين تح ّ‬
‫ول َ‬ ‫ن َ‬ ‫دي َ‬ ‫مــوا ْ ٱلــ ّ‬ ‫قي ُ‬‫ن أَ ِ‬ ‫َ‬
‫حييذرت منهييا بشييدة ‪‬أ ْ‬
‫ه‪ ( (13‬وعابت على من وقع فيها من‬ ‫في ِ‬ ‫قوا ْ ِ‬ ‫فّر ُ‬
‫ت َت َ َ‬
‫مــا‬ ‫د َ‬ ‫عـ ِ‬ ‫قــوا ْ إ ِل ّ ِ‬
‫مــن ب َ ْ‬ ‫فّر ُ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫المم السييابقة ‪َ ‬‬
‫و َ‬
‫م‪.( (14‬‬ ‫ه ْ‬‫غيا ً ب َي ْن َ ُ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫م بَ ْ‬ ‫م ٱل ْ ِ‬ ‫ه ُ‬‫جاء ُ‬ ‫َ‬
‫سورة تقّرر أن الخلف أمر طبيعي ومنطقييي‬ ‫فال ّ‬
‫لنه من المستحيل أن يجتمع الناس على رأي واحييد‬
‫ل المسييائل‪ ،‬لكيين المرفييوض هييو الفرقيية‬ ‫فييي كيي ّ‬
‫والّنزاع‪) ،‬لذلك تكرر ذكر كلمة الفرقة فييي السييورة‬
‫أربع مرات(‪ .‬فما هو الحل لضمان الوحدة رغم تعدد‬
‫الراء؟ إنها الشورى‪ ،‬التي إن حافظنا عليها في كييل‬
‫أمور حياتنا‪ ،‬فيي بيوتنييا وميع أولدنيا‪ ،‬وفيي شيركاتنا‬
‫ومؤسسيياتنا‪ ،‬حافظنييا علييى أمتنييا ميين التفييرق كمييا‬
‫جرى مع المم السابقة‪..‬‬

‫سورة الزخرف‬
‫كد على المعاني الساسية في‬ ‫سورة الزخرف تؤ ّ‬
‫سو‬
‫رة‬ ‫الحييواميم‪ ،‬وتنبييه ميين أحييد المحيياذير الييتي تضيييع‬
‫الزخييير‬ ‫مسؤولّية الحفاظ على الكتاب‪ .‬هذا المحظور واضح‬
‫ميين اسييم السييورة‪ :‬الزخييرف‪ ،‬أو الغييترار بزخييرف‬
‫دنيا ومظاهرها الخادعة‪...‬‬ ‫ال ّ‬
‫ضييوء علييى المظيياهر‬‫لييذلك فالسييورة تس يّلط ال ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪526‬‬

‫ديييييييييية وعليييييييييى النييييييييياس اليييييييييذين‬


‫الما ّ‬
‫ينبهيييرون بهيييا‪ ،‬لنهيييا مييين أخطييير أسيييباب ضيييياع‬
‫الّرسيييالة‪ ...‬وبالمقابيييل تؤكيييد عليييى أن الزخيييرف‬
‫الحقيقي والنعيم الحقيقي ليس في الييدنيا‪ ،‬بييل فييي‬
‫الجنة التي وعد بها المتقون‪.‬‬
‫متاع الحياة الدنيا‬
‫ولذلك تكّرر فييي السييورة ذكيير الييذهب والفضيية‬
‫أكثر من أي سورة أخرى‪ .‬هييذه المظيياهر لييو كييانت‬
‫تسيياوي عنييد اللييه جنيياح بعوضيية لحييرم منهييا أهييل‬
‫الكفر‪ ...‬لكن لهوانها على الله كان ميين الممكيين أن‬
‫يمنح أهل الكفر منها الكثير‪ ،‬لكن الله لم يفعل ذلييك‬
‫لكي ل يفتن المييؤمن بهييم ويسييلك سييبيلهم‪ .‬اسييمع‬
‫معي اليات‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ول َ َأن ي َ ُ‬
‫حــدَةً‬ ‫ة ٰو ِ‬ ‫مــ ً‬ ‫سأ ّ‬ ‫ن ٱلّنــا ُ‬ ‫كــو َ‬ ‫وَلــ ْ‬ ‫‪‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫ٰـــــــ ِ‬ ‫م‬‫ح َ‬ ‫فــــــُر ب ِٱلّر ْ‬ ‫مــــــن ي َك ْ ُ‬ ‫عل َْنــــــا ل ِ َ‬ ‫لّ َ‬
‫ج َ‬
‫هــا‬ ‫عل َي ْ َ‬‫ج َ‬ ‫ر َ‬ ‫عــا ِ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬‫ضــ ٍ‬
‫ف ّ‬‫مــن ِ‬ ‫قفا ً ّ‬ ‫ســ ُ‬
‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل ِب ُُيــوت ِ ِ‬
‫َ‬
‫هــا‬ ‫عل َي ْ َ‬‫ســُررا ً َ‬ ‫و ُ‬ ‫م أب ْ ٰوبــا ً َ‬ ‫ه ْ‬
‫ول ِب ُُيــوت ِ ِ‬‫ن‪َ‬‬‫هــُرو َ‬ ‫ي َظْ َ‬
‫ع‬
‫مت َ ٰـــ ُ‬ ‫مــا َ‬ ‫ك لَ ّ‬ ‫ل ذَِلــ َ‬ ‫كــ ّ‬‫وِإن ُ‬ ‫خُرفــا ً َ‬ ‫وُز ْ‬ ‫ن ‪َ‬‬ ‫ي َت ّك ُِئو َ‬
‫ن‬ ‫قي ـ َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ك ل ِل ْ ُ‬‫عندَ َرب ّـ َ‬ ‫خَرةُ ِ‬ ‫و ٱل َ ِ‬ ‫ة ٱلدّن َْيا َ‬ ‫حَيوٰ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫‪.( (33 – 35‬‬
‫الزخرف الحقيقي‬
‫وفييي مقابييل حييديث السييورة عيين متيياع الييدنيا‬
‫وتزهييييد النييياس منهيييا‪ ،‬تيييأتي السيييورة بيييالزخرف‬
‫‪527‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الحقيقييي‪ :‬الجنيية ومييا أعييد اللييه فيهييا للمتقييين‪:‬‬


‫ة َأنت ُـم َ‬
‫ن‬
‫حب َـُرو َ‬ ‫جك ُـ ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫وأْز ٰو ُ‬‫ْ َ‬ ‫جن ّـ َ‬ ‫خل ُــوا ْ ٱل ْ َ‬ ‫ٱد ْ ُ‬ ‫‪‬‬
‫َ‬ ‫ف َ َ‬ ‫ي ُطَــا ُ‬
‫ب‬‫وأك ْـ ٰو ٍ‬ ‫ب َ‬ ‫هـ ٍ‬ ‫مــن ذَ َ‬‫ف ّ‬ ‫ح ٰـ ـ ٍ‬‫ص َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫هـ ْ‬
‫علي ْ ِ‬
‫ن‬ ‫وت ََلـذّ ٱل َ ْ‬
‫عي ُـ ُ‬ ‫س َ‬ ‫فـ ُ‬‫ه ٱل َن ْ ُ‬ ‫هي ِ‬‫شـت َ ِ‬ ‫مـا ت َ ْ‬ ‫هـا َ‬ ‫في َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (70 – 71‬‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫خ ٰـل ِ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫وأنت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫وكأن المعنى‪ :‬ل تنبهروا يييا مييؤمنين بزينيية الييدنيا‬
‫ول تنخدعوا بمتاعهييا‪ ،‬لن متيياع الخييرة الييذي أعييده‬
‫الله للمتقين أهم وأعظم‪.‬‬
‫قصور النظر‬
‫وتمضي السورة في انتقادها لمن يقيييس المييور‬
‫اعتمييادا ً علييى الشييكال والمظيياهر‪ ،‬فتقييول عيين‬
‫ن‬ ‫ذا ٱل ْ ُ‬
‫ق ـْرءا ُ‬ ‫هـ ـٰ َ‬
‫ل َ‬ ‫ول َ ن ُّز َ‬ ‫قاُلوا ْ ل َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫المشركين‪َ  :‬‬
‫ظيـم ٍ‪ ( (31‬فهييم‬ ‫ع ِ‬‫ن َ‬ ‫قْري َت َي ْـ ِ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬‫ل ّ‬
‫ج ٍ‬ ‫ع َ ٰ‬
‫لى َر ُ‬ ‫َ‬
‫رفضييوا القييرآن ل لييذاته وإنمييا لنييه لييم ينييزل علييى‬
‫الشراف الغنياء وأصحاب الجاه‪ ،‬لييذلك تييرد عليهييم‬
‫ك‪ ...‬‬‫ة َرب ّـ َ‬
‫مـ َ‬‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سـ ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫الية التالية‪ :‬أ َ ُ‬
‫‪((32‬‬
‫وللسف نرى كثيرا ً من الناس يسييتعملون نفييس‬
‫المنطق الذي اسييتعمله الكفييار فييي الييية السييابقة‪،‬‬
‫فيرفضون التدّين خوفيا ً علييى بعييض المظيياهر الييتي‬
‫اعتادوا عليها‪ ،‬أو يأنفون من التعامل مع المتدينين‪...‬‬
‫لكل هؤلء نقول‪ :‬إقرأوا سورة الزخرف‪ ،‬ول تجعلييوا‬
‫زخرف الدنيا حاجزا ً بينكم وبين التدين‪...‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪528‬‬

‫من‬ ‫َ‬
‫و َ‬ ‫وتمضي اليات في عرضها لمتاع الدنيا‪ :‬أ َ‬
‫غي ْـُر‬ ‫صــام ِ َ‬ ‫خ َ‬‫فــى ٱل ْ ِ‬ ‫و ِ‬
‫هـ َ‬
‫و ُ‬‫ة َ‬ ‫حل ْي َـ ِ‬
‫فى ٱل ْ ِ‬ ‫شأ ُ ِ‬ ‫ي ُن َ ّ‬
‫عل ُــوا ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن‪ ( (18‬ثييم الييية الييتي بعييدها‪َ  :‬‬
‫و َ‬ ‫مِبي ـ ٍ‬ ‫ُ‬
‫ن إ ِن َ ٰـــثا ً‪‬‬ ‫م ٰــ ِ‬ ‫ح َ‬
‫عَبادُ ٱلّر ْ‬‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ٱل ّ ِ‬
‫مَلـئ ِك َ َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫‪ ((19‬والناث هي إشييارة إلييى المييور المادي ّيية الييتي‬
‫يسعى المرء وراءها‪...‬‬
‫فرعون والمظاهر المادية‬
‫سييلم‪،‬‬ ‫وهذا فرعون‪ ،‬أراد تكذيب موسى عليييه ال ّ‬
‫فييييييييييييييياغتر بقيييييييييييييييوته الماديييييييييييييييية‬
‫َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫رى‬ ‫جــ ِ‬‫ه ٰـُر ت َ ْ‬
‫ه ٱلن ْ َ‬ ‫ذ ِ‬‫ه ٰـ ِ‬ ‫و َ‬‫صَر َ‬‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫س ِلى ُ‬ ‫أ‪‬ل َي ْ َ‬
‫ن‪ .( (51‬وكييانت نظرتييه‬ ‫صـُرو َ‬ ‫فل َ ت ُب ْ ِ‬ ‫حِتى أ َ َ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مـ ْ‬ ‫خي ْـٌر ّ‬ ‫م أَنا َ‬ ‫إلى سيدنا موسى نظرة مادّية ‪‬أ ْ‬
‫ول َ‬‫فل َـ ْ‬‫ن‪َ ‬‬ ‫ول َ ي َك َــادُ ي ُِبيـ ُ‬ ‫ن َ‬‫هيـ ٌ‬ ‫م ِ‬‫و َ‬ ‫ه َ‬‫ذى ُ‬ ‫ذا ٱل ّ ِ‬ ‫هـٰ َ‬‫َ‬
‫ب‪)  ...‬الزخرف‪52 :‬‬ ‫من ذَ َ‬ ‫عل َي َ‬ ‫أ ُل ْ ِ‬
‫ه ٍ‬ ‫وَرةٌ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ى َ ْ ِ‬ ‫ق َ‬
‫– ‪.(53‬‬
‫فلقد غرق فرعون فييي المظيياهر المادي ّيية‪ ،‬حت ّييى‬
‫أنه طلب أن يييأتيه موسييى بأسييورةٍ ميين ذهييب ميين‬
‫ن هذه السورة هي التي ستجعله يؤمن‬ ‫سماء‪ ،‬وكأ ّ‬‫ال ّ‬
‫بالله‪...‬‬
‫عيسى بن مريم‪ :‬رمز الزهد‬
‫وفي مقابل نمييوذج فرعييون‪ ،‬ذلييك الرجييل الييذي‬
‫أعمته الحياة الييدنيا بماديتهييا‪ ،‬يييأتي نمييوذج معيياكس‬
‫ب‬
‫ر َ‬
‫ضـ ِ‬‫ما ُ‬‫ول َ ّ‬
‫تمامًا‪ ،‬سيدنا عيسى عليييه السييلم‪َ  :‬‬
‫‪529‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ن‪‬‬ ‫دو َ‬ ‫صـ ّ‬ ‫ه يَ ِ‬ ‫من ْـ ُ‬‫ك ِ‬ ‫مـ َ‬‫و ُ‬


‫ق ْ‬‫ذا َ‬ ‫مث َل ً إ ِ َ‬‫م َ‬ ‫مْري َـ َ‬‫ن َ‬ ‫ٱْبــ ُ‬
‫‪.((57‬‬
‫كان هذا النبي الكريييم قييدوة لبنييي إسييرائيل فييي‬
‫الزهيييييييييد والتخفيييييييييف مييييييييين زخيييييييييرف‬
‫الدنيا‪:‬‬
‫َ‬
‫مث َل ً‬ ‫ه َ‬‫عل ْن َ ٰـ ُ‬
‫ج َ‬‫و َ‬‫ه َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫مَنا َ‬ ‫ع ْ‬
‫عب ْدٌ أن ْ َ‬ ‫و إ ِل ّ َ‬‫ه َ‬ ‫ن ُ‬ ‫‪‬إ ِ ْ‬
‫ل‪.( (59‬‬ ‫س ٰرءي َ‬ ‫ل ّب َِنى إ ِ ْ‬
‫فمياذا كيانت رسيالته؟ نلحيظ أن هيذه الرسيالة‬
‫شملت محورين متعلقين بسور الحواميم‪:‬‬
‫د‬
‫قــ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قــا َ‬ ‫ت َ‬ ‫ســ ٰى ب ِٱل ْب َي ّن َ ٰـــ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫جــاء ِ‬ ‫مــا َ‬ ‫ول َ ّ‬
‫‪‬‬ ‫‪َ-‬‬
‫ة‪ ( (63...‬هييذه الحكميية هييي‬ ‫مـ ِ‬ ‫حك ْ َ‬‫كم ب ِٱل ْ ِ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬‫ِ‬
‫البديل عن كييل هييذه المظيياهر الييتي كييان قييومه‬
‫يهتمون بها‪) .‬موافقة لهدف سورة الزخرف(‪.‬‬
‫ه‪‬‬ ‫في ِ‬
‫ن ِ‬‫فو َ‬‫خت َل ِ ُ‬ ‫ض ٱل ّ ِ‬
‫ذى ت َ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫‪ُ  -‬‬
‫ع َ‬
‫كم ب َ ْ‬ ‫ولب َي ّ َ‬‫َ‬
‫‪) ((63‬موافقة لهدف سورة الشييورى فييي الوحييدة‬
‫وعدم التفرق(‪.‬‬
‫حذار من الزخرف‬
‫ن سورة الّزخرف ‪ -‬من خلل إرشاد المسييلمين‬ ‫إ ّ‬
‫إليييييييييييييييى مسيييييييييييييييؤولّيتهم عييييييييييييييين‬
‫ذرهم ميين أّنهييم لييو تعّلقييوا بالمظيياهر‬ ‫القييرآن ‪ -‬تح ي ّ‬
‫متنييا فييي هييذا‬ ‫الماد ّّية فلن يفلحوا‪ ...‬وهييل تخّلفييت أ ّ‬
‫العصر إل ّ بسييبب تعّلقهييا بالمظيياهر الماد ّي ّيية وانبهييار‬
‫أفرادها بحضارة الغرب المادّية!‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪530‬‬

‫وتحذر السورة أيضا ً كل من يختار أصدقائه وفقا ً‬


‫م‬ ‫ه ْ‬‫ضــ ُ‬
‫ع ُ‬
‫ذ بَ ْ‬
‫مئ ِ ٍ‬
‫و َ‬
‫خلء َيــ ْ‬ ‫للمظييياهر المادي ّييية‪ :‬ٱل َ ِ‬
‫ن‪.( (67‬‬ ‫قي َ‬ ‫و إ ِل ّ ٱل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫عدُ ّ‬‫ض َ‬‫ع ٍ‬ ‫ل ِب َ ْ‬
‫ل هذه اليات بقييوله تعييالى‬ ‫ويأتي التعقيب بعد ك ّ‬
‫ك‬‫ذك ٌْر ّلـــــــــــــ َ‬ ‫ه َلـــــــــــــ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫وإ ِّنـــــــــــــ ُ‬
‫ن‪ .( (44‬فهييذا هييو‬ ‫سـ ـئ َُلو َ‬‫ف تُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫سـ ْ‬
‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫مـ َ‬‫و ِ‬
‫ق ْ‬‫ول ِ َ‬ ‫َ‬
‫الشييييييييييييييييييييييييرف الحقيقييييييييييييييييييييييييي‬
‫والعز الرباني‪ ،‬إنييه فييي التمسييك بييالقرآن وبالعمييل‬
‫بتعيييييييييييييياليم السييييييييييييييلم‪ .‬وهييييييييييييييذه‬
‫الية ترينا تماما ً كيف ينضوي هدف سييورة الزخييرف‬
‫تحت الهدف العام للحواميم‪" :‬إييياكم وطلييب العييزة‬
‫بالمظاهر المادييية‪ ،‬واستمسييكوا بييالقرآن الييذي هييو‬
‫رفعتكم وعزتكم"‪.‬‬

‫سورة الدخان‬
‫سو‬ ‫بعد أن حذرت سورة الزخرف من متاع المظاهر‬
‫رة‬ ‫المادية‪ ،‬وخطورة النبهيار بيه عليى مسيؤولية الميية‬
‫الدخان‬ ‫عن القرآن وعن الدين‪ ،‬تأتي سورة الييدخان بمعنييى‬
‫مماثل‪ :‬التحذير من المظاهر المادّية‪ ،‬لكن من ناحية‬
‫سلطة والتمكين‪..‬‬
‫ال ّ‬
‫فناء الظالمين في الدنيا‬
‫فييترى فيهييا آيييات شييديدة‪ ،‬تعقييب علييى فنيياء‬
‫الظالمين وكل من سار سيرهم‪:‬‬
‫‪531‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ع‬‫وُزُرو ٍ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫عي ُــو ٍ‬‫و ُ‬‫ت َ‬ ‫جن ّ ٰـ ـ ٍ‬


‫مــن َ‬ ‫م ت ََرك ُــوا ْ ِ‬ ‫‪‬ـ ْ‬‫كَ‬
‫ن ‪‬‬ ‫هي َ‬ ‫ف ٰـ ـك ِ ِ‬ ‫هــا َ‬ ‫في َ‬‫ة ك َــاُنوا ْ ِ‬ ‫مـ ٍ‬‫ع َ‬
‫ون َ ْ‬ ‫قام ٍ ك َ ِ‬
‫ري ـم ٍ ‪َ ‬‬ ‫م َ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫مــا ب َك َـ ْ‬‫ف َ‬‫ن‪َ ‬‬ ‫ري ـ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫وم ـا ءا َ‬ ‫ق ْ‬‫ها َ‬ ‫وَرث ْن َ ٰـ ـ َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ك َـذَل ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫منظَ ِ‬ ‫كاُنوا ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ض َ‬
‫و ٱلْر ُ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬
‫م ٱل ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ َ‬
‫علي ْ ِ‬
‫‪.( (25 - 29‬‬
‫وبينمييا بّينييت سييورة الزخيرف أن سييبب تكيذيب‬
‫فرعون كان المظاهر المادية‪ ،‬حددت سورة الدخان‬
‫سببا ً آخر لتكذيبه‪ :‬اعتميياده علييى الجيياه والسييلطة‪،‬‬
‫ن‪.( (31‬‬ ‫في َ‬
‫ر ِ‬
‫س ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عاِليا ً ّ‬
‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫‪‬إ ِن ّ ُ‬
‫عذاب الظالمين في الخرة‬
‫ور لنييا السييورة مشييهدا ً رهيبيا ً ميين مشيياهد‬ ‫وتصي ّ‬
‫القياميية‪ :‬عييذاب كييل ميين ألهتييه القييوة والسييلطة‬
‫م‬ ‫قوم ِ ‪ ‬طَ َ‬
‫عا ُ‬ ‫جَرةَ ٱلّز ّ‬ ‫ش َ‬‫ن َ‬‫فأنسته طاعة الله‪ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫غل ْـ ِ‬
‫ى‬ ‫ن ‪ ‬كَ َ‬
‫طو ِ‬ ‫فى ٱل ْب ُ ُ‬‫غِلى ِ‬ ‫ل يَ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ٱل ِثيم ِ ‪ ‬ك َٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫م‪.( (46..‬‬ ‫مي ِ‬ ‫ح ِ‬‫ٱل ْ َ‬
‫ت‬ ‫إلى أن نصل إلى قوله تعالى‪ :‬ذُقْ إن ّـ َ َ‬
‫ك أن ـ َ‬ ‫ِ‬
‫م‪ ،( (49‬آية رهيبيية تحييدد بوضييوح‬ ‫ري ُ‬‫زيُز ٱل ْك َ ِ‬ ‫ع ِ‬‫ٱل ْ َ‬
‫أن هذا العذاب هييو لميين اعييتز بقييوته وجييبروته فييي‬
‫الدنيا وحاد عن طريق الله‪.‬‬

‫سورة الجاثية‬
‫سو‬ ‫ثم تأتي سورة الجاثية إلى المسييلم الييذي حمييل‬
‫رة‬ ‫المانة وحمل القرآن‪ ،‬لتح ّ‬
‫ذره من التكبر والتعالي‪.‬‬
‫الجاثية‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪532‬‬

‫ت ٱللــه‬ ‫َ‬ ‫ل أَ ّ‬ ‫ل ل ّك ُ ّ‬ ‫وي ْ ٌ‬


‫ع ءاَيـٰ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫ك أِثيم ٍ ‪ ‬ي َ ْ‬ ‫فا ٍ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫ها‬ ‫ع َ‬‫م ْ‬‫س َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ست َك ِْبرا ً ك َأن ل ّ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صّر ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫ت ُت ْل َ ٰى َ‬
‫ن ءاي َ ٰــت َِنا‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫عـ َ‬ ‫فب َ ّ‬ ‫َ‬
‫مـ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عل ِـ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ب أِليـم ٍ ‪َ ‬‬ ‫ذا ٍ‬ ‫شـْرهُ ب ِ َ‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫هيــ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ّ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫هُزوا ً أ ْ‬ ‫ها ُ‬ ‫خ ذَ َ‬ ‫شْيئا ً ٱت ّ َ‬ ‫َ‬
‫‪.( (7 – 9‬‬
‫فالتكبر يضيع الرسالة في الدنيا‪ ،‬ويحييرم صيياحبه‬
‫ميييييييييييييييييييييييييييين التعييييييييييييييييييييييييييييرف‬
‫على الحق‪:‬‬
‫ن ءاي َ ٰــِتى‬ ‫كـ ْ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫فَلـ ْ‬ ‫فـُروا ْ أ َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ٱّلـ ِ‬
‫و َ‬
‫‪‬أ ّ‬ ‫َ‬
‫ومــا ً‬ ‫ق ْ‬ ‫م َ‬ ‫كنُتــ ْ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ســـت َك ْب َْرت ُ ْ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫م َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫عل َي ْ ُ‬‫ت ُت َْلــ ىٰ َ‬
‫ن‪.( (31‬‬ ‫مي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫لذلك يقول النبي ‪" :‬ل يدخل الجنيية ميين كييان‬
‫في قلبه مثقال ذرة من كبر"‪.‬‬
‫ولذلك سميت السورة بسييورة الجاثييية‪ ،‬لتييذكرنا‬
‫بييالمم الييتي اسييتكبرت فييي الييدنيا‪ ،‬والييتي تعلقييت‬
‫بالمظاهر والتي اعترت بالسييلطة‪ ،‬وتصييف لنييا ذلهييا‬
‫ة‬ ‫ة ك ُـ ّ‬ ‫يوم القيامة‪ :‬و‪‬ت َر ٰى ك ُـ ّ ُ‬
‫مـ ٍ‬ ‫لأ ّ‬ ‫جاث ِي َـ ً‬ ‫ة َ‬ ‫مـ ٍ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َ َ‬
‫م‬ ‫كنت ُـ ْ‬ ‫مــا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ج ـَز ْ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ها ٱل ْي َـ ْ‬ ‫لى ك َِتـ ـٰب ِ َ‬ ‫عى إ ِ َ ٰ‬ ‫ت ُدْ َ ٰ‬
‫ن‪.( (28‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬‫تَ ْ‬
‫ولن المتكييبر ينييازع اللييه تعييالى فييي صييفة ميين‬
‫صفاته‪ ،‬تختم السورة بآية تهّز كل من في قلبه هييذه‬
‫فـــى‬ ‫رَيـــاء ِ‬ ‫ه ٱل ْك ِب ْ ِ‬ ‫وَلـــ ُ‬ ‫الصييييفة الخطيييييرة‪َ  :‬‬
‫م‪‬‬ ‫زيُز ٱل ْ َ‬ ‫و ٱل ْ ِ‬ ‫َ‬
‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ض َ‬ ‫و ٱل ْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫‪.((37‬‬
‫‪533‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫سورة الحقاف‬
‫سو‬ ‫وتأتي سورة الحقاف لتختييم الحييواميم بطريقيية‬
‫رة‬ ‫رائعة‪:‬‬
‫الحقيييا‬ ‫فبعد أن عرضت السور السابقة المنهج القرآني‪،‬‬
‫تأتي سورة الحقاف لتقول أن هناك من سيستجيب‬
‫لهذا المنهج‪ ،‬وهنيياك ميين سيييرفض‪ .‬فتعييرض نميياذج‬
‫متناقضة‪:‬‬
‫فهناك أناس لم يستجيبوا لله تعييالى‪ ،‬وهييم قييوم‬
‫ه‬
‫م ُ‬ ‫و َ‬ ‫قـــ ْ‬ ‫عـــاٍد إ ِذْ َأنـــذََر َ‬ ‫خـــا َ‬ ‫كـــْر أ َ َ‬
‫و ٱذْ ُ‬ ‫عييياد ‪َ ‬‬
‫ف‪.( (21..‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِ ٱل َ ْ‬
‫فك َن َــا‬‫جئ ْت َن َــا ل ِت َأ ْ ِ‬ ‫َ‬
‫قاُلوا ْ أ ِ‬
‫فكان تكذيبهم شديدا ً ‪َ ‬‬
‫هت َِنـــــــــــــــــــــــا‬ ‫ن ءال ِ َ‬‫عـــــــــــــــــــــــ ْ‬ ‫َ‬
‫عدَُنا‪ ( (22...‬وحتى لما رأوا العييذاب‪:‬‬ ‫ما ت َ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫فأت َِنا ب ِ َ‬
‫مطُِرَنا‪.( (24‬‬ ‫م ْ‬
‫ض ّ‬ ‫ر ٌ‬ ‫عا ِ‬
‫ذا َ‬ ‫ه ٰـ َ‬‫قاُلوا ْ َ‬ ‫‪َ‬‬
‫حتى الجن‪ ...‬استجابوا‬
‫أمييا الييذين سييمعوا النييداء واسييتجابوا لييه‪ ،‬فهييم‬
‫وإ ِ ْ‬
‫ذ‬ ‫ليسييوا حييتى ميين البشيير‪ ،‬إنهييم ميين الجيين‪َ  :‬‬
‫ن‬
‫عو َ‬ ‫م ُ‬‫ســت َ ِ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫جــ ّ‬ ‫ن ٱل ْ ِ‬‫مــ َ‬‫فــرا ً ّ‬ ‫فَنا إ ِل َْيــ َ‬
‫ك نَ َ‬ ‫صــَر ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪ ( (29‬أمر عجيب‪ ،‬يعلمنييا أن السييتجابة‬ ‫قْرءا َ‬ ‫ْ‬
‫ٱل ُ‬
‫والهداية ليست بيد أحد من البشر‪ ،‬إنما هي من الله‬
‫تعالى‪ .‬فماذا قالوا لما سمعوا النداء؟‬
‫َ‬
‫مــا‬ ‫فل َ ّ‬‫صــُتوا ْ َ‬ ‫قــاُلوا ْ أن ِ‬ ‫ضــُروهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫مــا َ‬‫فل َ ّ‬‫‪َ ...‬‬
‫ن‪ ( (29‬ثييم‬ ‫ري َ‬ ‫ذ ِ‬
‫من ـ ِ‬‫هم ّ‬ ‫م ِ‬‫و ِ‬ ‫وا ْ إ ِل َـ ٰى َ‬
‫قـ ْ‬ ‫ول ّ ْ‬
‫ى َ‬ ‫ض َ‬ ‫ُ‬
‫ق ِ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪534‬‬

‫ُ‬
‫د‬
‫ع ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ز َ‬‫عَنا ك ِت َ ٰـبا ً أن ِ‬ ‫م ْ‬
‫س ِ‬
‫مَنا إ ِّنا َ‬‫و َ‬‫ق ْ‬ ‫قاُلوا ْ ٰي َ‬‫َ‬
‫‪‬‬
‫س ٰى‪ ( (30...‬حتى الجن أتوا على ذكر موسى‪،‬‬ ‫مو َ‬
‫ُ‬
‫وأكييدوا علييى قيميية القييرآن ووراثيية المسييلمين لييه‪،‬‬
‫)أرأيت الترابط بين السور؟(‪.‬‬
‫َ‬
‫ى‬‫عــ َ‬ ‫جيُبــوا ْ َ‬
‫دا ِ‬ ‫مَنــا أ ِ‬ ‫و َ‬‫ق ْ‬‫ثييم يقييول الجيين‪ٰ :‬ي َ‬
‫ٱلله‪ ،( (31..‬بعد المهال والمر بالصفح فيي كيل‬
‫سور الحييواميم‪ ،‬تييأتي سييورة الحقيياف فييي ختامهييا‬
‫َ‬
‫ى ٱلله ‪.‬‬ ‫ع َ‬ ‫دا ِ‬‫جيُبوا ْ َ‬
‫مَنا أ ِ‬‫و َ‬‫ق ْ‬ ‫لتقول‪ٰ  :‬ي َ‬
‫الستجابة للوالدين‬
‫وتعرض السورة نموذجين لنييوع آخيير ميين أنييواع‬
‫الستجابة‪ :‬بر الوالدين‪ .‬فنرى نموذجا ً صالحًا‪:‬‬
‫ة‬
‫ســن َ ً‬
‫ن َ‬‫عي َ‬ ‫غ أ َْرب َ ِ‬ ‫وب َل َ َ‬
‫شدّهُ َ‬‫غ أَ ُ‬
‫ذا ب َل َ َ‬‫حت ّ ٰى إ ِ َ‬ ‫‪َ ‬‬ ‫‪..‬‬
‫ك ٱل ّت ِــى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مت َـ َ‬‫ع َ‬ ‫ن أش ـك َُر ن ِ ْ‬ ‫عن ِــى أ ْ‬ ‫ز ْ‬ ‫و ِ‬
‫بأ ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قــا َ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ى‪ ( (15...‬وبالمقابييل‪،‬‬ ‫عل َ ٰى ٰول ِـدَ ّ‬ ‫و َ‬ ‫ى َ‬‫عل َ ّ‬
‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ْ‬
‫أن ْ َ‬
‫يييييييييييييييييييييييييييييأتي نمييييييييييييييييييييييييييييوذج‬
‫قــا َ‬
‫ل‬ ‫ذى َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬‫رهيب للعقييوق وعييدم السييتجابة ‪َ ‬‬
‫ت‬‫خل َ ِ‬
‫قدْ َ‬‫و َ‬‫ج َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫َ‬
‫دان ِِنى أ ْ‬ ‫ما أ َت َ ِ‬
‫ع َ‬ ‫ف ل ّك ُ َ‬ ‫ه أُ ّ‬‫ل ِ ٰول ِدَي ْ ِ‬
‫ن ٱللــه‬ ‫غيَثا ِ‬ ‫سـت َ ِ‬‫مــا ي َ ْ‬‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫قب ْل ِــى َ‬ ‫مــن َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قُرو ُ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ق‪.( (17‬‬ ‫ح ّ‬ ‫عدَ ٱلله َ‬ ‫و ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ءا ِ‬ ‫وي ْل َ َ‬
‫َ‬
‫تدرج السور وعلقتها ببعضها‬
‫فييي الختييام‪ ،‬ل بييد ميين التأكيييد علييى المهييال‬
‫والصفح في سور الحواميم‪.‬‬
‫‪535‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫فهذه السور ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬أتييت بييين سييورة غييافر‬


‫اليتي ركيزت عليى اليدعوة إليى الليه‪ ،‬وبيين سيورة‬
‫محمد التي هي سورة القتييال‪ ،‬لييذلك نييرى أن آيييات‬
‫الصبر والمهال تزداد فيي السيور كلميا اقتربنيا مين‬
‫نهايتها‪.‬‬
‫فسيييورة الزخيييرف كيييان فيهيييا قيييوله تعيييالى‪:‬‬
‫ف‬
‫و َ‬ ‫ســـ ْ‬
‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ ٰــــ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫قـــ ْ‬ ‫و ُ‬‫م َ‬ ‫هـــ ْ‬‫عن ْ ُ‬
‫ح َ‬ ‫ف ْ‬‫صـــ َ‬
‫ف‪‬ٱ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪،( (89‬ـ بينمييا نييرى المعنييى أوضييح فييي‬ ‫مــو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫م‬‫و َ‬
‫ب ي َـ ْ‬‫ق ْ‬
‫ف ـ ٱْرت َ ِ‬ ‫سييورة الييدخان‪ ،‬ففييي بييدايتها‪َ  :‬‬
‫ن‪ ( (10‬بينمييا فييي‬ ‫ْ‬
‫مِبيـ ٍ‬ ‫ن ّ‬ ‫خا ٍ‬ ‫ماء ب ِـدُ َ‬ ‫س َ‬
‫ت َأِتى ٱل ّ‬
‫ن‪.( (59‬‬ ‫قُبو َ‬ ‫مْرت َ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ه ْ‬
‫ب إ ِن ّ ُ‬ ‫ق ْ‬‫ف ٱْرت َ ِ‬ ‫نهايتها‪َ  :‬‬
‫صبر‪ ...‬مواجهة‪ ...‬ثم فتح وانتصار‬
‫وكأن الحواميم كانت آخر سور المهال للكافرين‬
‫جرا ً‬ ‫عل َي َ‬ ‫َ‬
‫هأ ْ‬‫م َ ْ ِ‬‫سـئ َل ُك ُ ْ‬
‫قل ل ّ أ ْ‬ ‫ن ‪ُ  ... ‬‬ ‫زُلو ِ‬ ‫عت َ ِ‬
‫فٱ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫قْرَبــ ٰى ‪) ‬الشييورى‪...(23 ،‬‬ ‫ٱ ُ‬‫فى ل ْ‬ ‫ودّةَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫إ ِل ّ ٱل ْ َ‬
‫َ‬
‫ى ٱلله ‪.( (31‬‬ ‫ع َ‬ ‫جيُبوا ْ َ‬
‫دا ِ‬ ‫مَنا أ ِ‬ ‫و َ‬‫ق ْ‬ ‫‪‬يٰ َ‬
‫إلييى أن تييأتي آخيير آييية فييي سييورة الحقيياف‪:‬‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫مــ َ‬ ‫وُلــوا ْ ٱل ْ َ‬
‫عــْزم ِ ِ‬ ‫صــب ََر أ ْ‬
‫مــا َ‬ ‫صــب ِْر ك َ َ‬
‫فٱ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫م‪ ( (35‬الييتي كييانت‬ ‫هـ ْ‬ ‫جل ل ّ ُ‬‫ع ِ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬
‫س ـت َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫س ِ‬‫ٱلّر ُ‬
‫آخر أمر بالتحمل‪.‬‬
‫ثم السورة التي تييأتي بعييدها هييي سييورة محمييد‬
‫التي تعرف بسييورة القتييال‪ ،‬ثييم تييأتي سييورة الفتييح‬
‫فْتحـا ً‬
‫ك َ‬‫حَنا ل َـ َ‬ ‫لتقول‪ :‬أتى النتصار أخيرًا‪ :‬إ ِّنا َ‬
‫فت َ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪536‬‬

‫مِبينا ً ‪.‬‬
‫ّ‬
‫نسأل الله تعالى أن يكون قراء القرآن قد أحبييوا‬
‫هييذه السييور السييت‪ ،‬سييور الحييواميم‪ ،‬وأن يبييدأوا‬
‫بحفظها وملحظة ترابط آياتها وأهدافها‪...‬‬
‫سور محمد‪ ،‬الفتح‪ ،‬الحجرات‬

‫هذه السور الثلث‪ ،‬سور مدنية‪ ،‬تدور كلهييا حييول‬


‫محييور واحييد‪ ،‬هييو النييبي ‪ ...‬اليمييان بييه وطيياعته‬
‫والدب معه عليه الصلة والسلم‪.‬‬

‫سورة محمد‬
‫سو‬ ‫عدد آيات هذه السييورة الكريميية ‪ 38‬آييية‪ ،‬يتكييرر‬
‫رة‬ ‫الحديث عن قبول العمل أو إحباط العمل اثنا عشيير‬
‫محمد‬ ‫مرة‪ ،‬وفي كل مرة من هذه المييرات‪ ،‬تربييط اليييات‬
‫هذا المعنييى بطاعيية اللييه وطاعيية الرسييول‪ ،‬كقييوله‬
‫عــوا ْ اللــه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من ُــوا ْ أ ِ‬
‫طي ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هــا ٱّلــ ِ‬‫تعييالى ‪‬يٰأي ّ َ‬
‫م‪ ...‬‬‫م ٰـ ـل َك ُ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ول َ ت ُب ْطِل ُــوا ْ أ َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سو َ‬‫عوا ْ ٱلّر ُ‬ ‫طي ُ‬
‫َ‬
‫وأ ِ‬‫َ‬
‫‪.((33‬‬
‫ومن هنا نستخلص محور السورة‪" :‬طاعة النييبي‬
‫‪ ‬واتباعه هما مقياس قبييول العمييال وإحباطهييا"‪.‬‬
‫معنييى غييالي ومهييم‪ ،‬استشييعره وأنييت تقييرأ هييذه‬
‫السورة الكريمة‪ ،‬واسأل نفسك‪ :‬أييين أنييا ميين سيينة‬
‫النبي ‪ ‬وعبادته وأخلقه‪...‬‬
‫الطاعة ميزان التباع‬
‫‪537‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪538‬‬

‫ولهذا سميت السورة باسم النبي ‪ ،‬حتى تعلم‬


‫أيها المسلم أن اتباعك لسيد الخلييق محمييد ‪ ‬هييو‬
‫مقياس قبول العمال أو ردها‪ ،‬لن كييل طريييق غييير‬
‫طريق النبي ‪) ‬أي غير سنته( مغلقٌ ومظلم‪ .‬فييإذا‬
‫أحببت الطمئنان على عملك‪ ،‬فاختبر طاعتك للنييبي‬
‫‪ ‬واتباعك لسنته‪ ،‬لن هذا هو ميزان التباع‪.‬‬
‫تعالوا نعيش مع آيات السورة‪ ،‬ونتعلم اتباع نبينييا‬
‫‪...‬‬
‫ل ٱللــه‬ ‫سـِبي ِ‬
‫عــن َ‬ ‫دوا ْ َ‬
‫ص ّ‬‫و َ‬‫فُروا ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫‪‬ٱل ّ ِ‬
‫مُنـــــوا ْ‬
‫ن ءا َ‬ ‫و ٱّلـــــ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬‫مــــــٰل َ ُ‬ ‫ل أَ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ضـــــ ّ‬‫أَ َ‬

‫عل َـ ٰى‬ ‫ل َ‬ ‫مــا ن ُـّز َ‬ ‫من ُــوا ْ ب ِ َ‬ ‫وءا َ‬ ‫ت َ‬ ‫ح ٰـ ِ‬ ‫ص ٰـل ِ َ‬ ‫مُلوا ْ ٱل ّ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬
‫َ‬
‫مــــــــن‬ ‫ق ِ‬ ‫حــــــــ ّ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫هــــــــ َ‬ ‫و ُ‬ ‫د َ‬ ‫مــــــــ ٍ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫م ‪‬‬ ‫ه ْ‬‫ح ب َــال َ ُ‬ ‫ص ـل َ َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫سي ّئ َ ٰـ ـت ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ف ـَر َ‬ ‫م كَ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ّرب ّ ِ‬
‫ل َ‬ ‫ذَل ِ َ َ‬
‫ن‬ ‫وأ ّ‬ ‫عوا ْ ٱل ْب َ ٰــطِ َ َ‬ ‫فُروا ْ ٱت ّب َ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬
‫ك‬ ‫م ك َذَل ِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ّرب ّ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫عوا ْ ٱل ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ٱت ّب َ ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫َ‬
‫م‪...( (1 – 3‬‬ ‫ه ْ‬ ‫مث َ ٰـل َ ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ب ٱلله ِللّنا ِ‬ ‫ر ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ل‬ ‫ضـ ّ‬ ‫وأ َ َ‬
‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫عس ـا ً ل ّ ُ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫فُروا ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫ثم‪َ  :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ل ٱللــه‬ ‫مــا أن ـَز َ‬ ‫هــوا ْ َ‬ ‫م كَ ِ‬
‫ر ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك ب ِأن ّ ُ‬ ‫م ‪ ‬ذَل ِ َ‬ ‫ه ْ‬‫م ٰـل َ ُ‬ ‫ع َ‬
‫م‪...( (8 – 9‬‬ ‫ه ْ‬ ‫م ٰـل َ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ط أَ ْ‬ ‫حب َ َ‬ ‫فأ ْ‬
‫َ َ‬
‫أرأيت الترابط والتلزم بين المعنيين؟‬
‫َ‬
‫ه إ ِل ّ‬ ‫ه ل َ إ ِل َ ٰـ ـ َ‬ ‫م أن ّـ ُ‬ ‫عل َ ْ‬ ‫‪‬ٱ ْ‬ ‫ف‬ ‫ويأتي قوله تعييالى‪َ :‬‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬ ‫مــــ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ول ِل ْ ُ‬
‫ك َ‬ ‫ذنب ِ َ‬ ‫فْر ِلــــ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ســــت َ ْ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ٱللــــه َ‬
‫‪539‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ت‪ ( (19‬لن الستغفار وكلمة التوحيد‬ ‫من َ ٰـ ِ‬


‫ؤ ِ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫)ل إله إل الله( هما ضييمان قبييول العمييال إن شيياء‬
‫الله‪.‬‬
‫فأولى لهم طاعة وقول معروف‬
‫لذلك تأتي آية محورية في وسط السييورة‪... :‬‬
‫م‪َ ‬‬ ‫َ َ‬
‫ف‪ (20 –...‬‬ ‫ع ـُرو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫و ٌ‬ ‫ق ْ‬ ‫و َ‬
‫ة َ‬ ‫ع ٌ‬‫طا َ‬ ‫ول َ ٰى ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫فأ ْ‬
‫‪ ،(21‬فييأولى لهييؤلء الكفييار ‪ -‬حييتى تقبييل أعمييالهم ‪-‬‬
‫طاعة النبي ‪ ،‬والقول المعروف‪.‬‬
‫خ َ‬ ‫َ‬ ‫ثم‪ :‬ذَل ِ َ َ‬
‫ط ٱللــه‬ ‫سـ َ‬
‫مــا أ ْ‬ ‫عوا ْ َ‬ ‫م ٱت ّب َ ُ‬ ‫ه ُ‬‫ك ب ِأن ّ ُ‬
‫م‪...( (28‬‬ ‫ه ْ‬ ‫م ٰـل َ ُ‬‫ع َ‬‫ط أَ ْ‬ ‫حب َ َ‬ ‫ضوان َه َ َ‬
‫فأ ْ‬ ‫ر ْ َ ُ‬ ‫هوا ْ ِ‬ ‫وك َ ِ‬
‫ر ُ‬ ‫َ‬
‫وتأتي آيات كثيرة لتكرر نفس المعنى‪:‬‬
‫فل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ول َـ‬
‫هــــم‬ ‫فت َ ُ‬‫عَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫شــــاء لَري ْن َ ٰـــــك َ ُ‬ ‫و نَ َ‬ ‫‪‬ـــ ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫و ِ‬ ‫قــ ْ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫حــ ِ‬ ‫فــى ل َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫هــ ْ‬‫فن ّ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ع ِ‬‫ول َت َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مـــٰ ُ‬ ‫سي َ‬ ‫بِ ِ‬
‫م‪...( (30‬‬ ‫م ٰـل َك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫و ٱلله ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫عـــوا ْ اللـــه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طي ُ‬ ‫مُنـــوا ْ أ ِ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هـــا ٱّلـــ ِ‬ ‫‪‬يٰأي ّ َ‬
‫ول َ ت ُب ْطُِلـــــــوا ْ‬ ‫َ‬
‫ل َ‬ ‫ســـــــو َ‬ ‫عـــــــوا ْ ٱلّر ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫َ‬
‫م‪.( (33‬‬ ‫م ٰـل َك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫أَ ْ‬
‫عوا ْ إل َــى ٱلس ـل ْم َ‬
‫م‬ ‫وأنت ُـ ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫وت َـدْ ُ‬ ‫هن ُــوا ْ َ‬ ‫فل َ ت َ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫م‬‫م ٰـ ـل َك ُ ْ‬ ‫م أَ ْ‬
‫ع َ‬ ‫وَلن ي َت َِرك ُـ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫و ٱلله َ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫عل َ ْ‬‫ٱل َ ْ‬
‫‪...( (35‬‬
‫فكأن السورة تقول لنا‪ :‬يا أمة محمد‪ ،‬اعلموا أن‬
‫كل طريق غير طريق محمييد ‪ ‬هييو ضييلل‪ .‬يقييول‬
‫المام أحمد بن حنبل‪" :‬نظرت في القييرآن‪ ،‬فرأيييت‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪540‬‬

‫أن طاعة الرسول قد أتت في القرآن ‪ 33‬مرة"‪ .‬ثييم‬


‫ن‬‫ع ْ‬ ‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ٰـل ِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ر ٱل ّ ِ‬ ‫حذَ ِ‬ ‫فل ْي َ ْ‬‫قرأ قوله تعالى‪َ  :‬‬
‫ب‬ ‫عــ َ‬ ‫فت َْنــ ٌ َ‬ ‫أ َمــر َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صــيب َ ُ‬ ‫و يُ ِ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫صــيب َ ُ‬ ‫ه أن ت ُ ِ‬ ‫ْ ِ ِ‬
‫م ‪.‬‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬
‫ن‬ ‫م ٍ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مــ ْ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كــا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬‫أين أنت من قوله تعالى‪َ  :‬‬
‫مــرا ً َأن‬ ‫هأ ْ‬
‫ضى ٱلله ورســول ُ َ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ة إِ َ‬ ‫من َ ٍ‬‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫م ٱل ْ ِ‬
‫م‪)  ...‬الحييزاب‪،‬‬ ‫ه ْ‬‫ر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ََرةُ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ك لَ‬ ‫وَرّبـ َ‬ ‫فل َ َ‬ ‫‪ (36‬أييين أنييت ميين قييوله تعييالى‪َ  :‬‬
‫م‬ ‫م ث ُـ ّ‬ ‫هـ ْ‬ ‫جَر ب َي ْن َ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫في َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫حت ّ ٰى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫يُ ْ‬
‫ت‬ ‫ض ـي ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫مــا َ‬ ‫م ّ‬ ‫حَرج ـا ً ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫سـ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫فــى َأن ُ‬ ‫دوا ْ ِ‬ ‫جـ ُ‬ ‫ل َ يَ ِ‬
‫سِليما ً ‪) ‬النساء‪.(65 ،‬‬ ‫موا ْ ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫وي ُ َ‬ ‫َ‬
‫وهكيذا نيرى أن آييات سيورة محميد تنضيم إليى‬
‫الكثير غيرها من آيات القرآن في تأكيد إتبيياع النييبي‬
‫‪...‬‬
‫الطاعة في الجهاد‬
‫هييذه السييورة الكريميية سييميت بسييورة القتييال‪،‬‬
‫لذكر القتال فيها‪ ،‬فما علقة ذلك بهدف السورة؟‬
‫إن أصعب مييا يطيياع فيييه النييبي ‪ ‬هييو القتييال‪،‬‬
‫وكأن السورة تؤكد أن الجهاد في سبيل الله هو من‬
‫أهم دلئل التباع‪ ...‬وليس هذا فحسب‪ ،‬بل أن المر‬
‫م‬ ‫ول َن َب ُْلــ َ‬
‫ون ّك ُ ْ‬ ‫بالقتييال هييو ابتلء وامتحييان ربيياني ‪َ ‬‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫ص ٰـ ـب ِ ِ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫منك ُـ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬
‫دي َ‬
‫ه ِ‬
‫ج ٰـ ـ ِ‬‫م َ‬‫م ٱل ْ ُ‬ ‫عل َـ َ‬
‫حت ّ ٰى ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‪ .( (31‬لييذلك تييذكر لنييا مواقييف‬ ‫خب َ ٰـ ـَرك ُ ْ‬‫وأ ْ‬ ‫ون َب ْل ُ َ‬
‫َ‬
‫‪541‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫مختلفيية )المييؤمنين والمنييافقين( ميين هييذا البتلء‪:‬‬


‫ة‬
‫ســوَر ٌ‬ ‫ت ُ‬ ‫ول َ ن ُّزل َـ ْ‬ ‫من ُــوا ْ ل َـ ْ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ٱل ّـ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫فــإ َ ُ‬
‫هــا‬ ‫في َ‬‫كــَر ِ‬ ‫وذُ ِ‬‫ة َ‬ ‫مــ ٌ‬‫حك َ َ‬ ‫م ْ‬
‫ســوَرةٌ ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫زَلــ ْ‬ ‫ذا أن ِ‬ ‫َ ِ‬
‫فــى ُ ُ‬ ‫قت َــا ُ َ‬
‫ض‬‫مـَر ٌ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫قلــوب ِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ٱل ّـ ِ‬‫ل َرأي ْـ َ‬ ‫ٱل ْ ِ‬
‫ن‬ ‫مــ َ‬‫ه ِ‬ ‫عل َْيــ ِ‬‫ى َ‬ ‫شــ ّ‬ ‫غ ِ‬ ‫م ْ‬‫ظــَر ٱل ْ َ‬ ‫ك نَ َ‬‫ن إ ِل َْيــ َ‬
‫ظــُرو َ‬ ‫َين ُ‬
‫ت‪.( (20‬‬ ‫و ِ‬‫م ْ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫الطاعة في النفاق‬
‫وهكذا تكون رسالة السييورة واضيحة‪ :‬اتبيع نبيييك‬
‫‪ ‬في كل أمور حياتييك‪ ،‬خاصيية الجهيياد فييي سييبيل‬
‫اللييه‪ .‬سييواء أكييان هييذا الجهيياد قتييال ً فييي سيياحة‬
‫المعركيية‪ ،‬أو جهييادا ً للنفييس فييي سييبيل إصييلحها‬
‫ومحاربة شهواتها‪.‬‬
‫ولن النفاق هو من أول متطلبات الجهيياد‪ ،‬نييرى‬
‫أن آخر آية في السورة تحييث علييى النفيياق وتحييذر‬
‫ؤ َ‬
‫لء‬ ‫هـــ ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫هــا أنُتــ ْ‬ ‫ميين البخييل بشييكل شييديد‪َ  :‬‬
‫مــن‬ ‫كم ّ‬ ‫من ُ‬‫ف ِ‬‫ل ٱلله َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فى َ‬ ‫قوا ْ ِ‬ ‫ف ُ‬
‫ن ل ُِتن ِ‬
‫و َ‬ ‫ع ْ‬
‫ت ُدْ َ‬
‫ه‬
‫سـ ِ‬‫ف ِ‬ ‫عــن ن ّ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خـ ُ‬
‫مــا ي َب ْ َ‬ ‫ل َ‬
‫فإ ِن ّ َ‬ ‫خـ ْ‬ ‫مــن ي َب ْ َ‬ ‫و َ‬‫ل َ‬ ‫خـ ُ‬ ‫ي َب ْ َ‬
‫م ٱل ْ ُ‬ ‫غن ِى َ‬
‫قَراء‪.( (38‬‬ ‫ف َ‬ ‫وأنت ُ ُ‬‫و ٱلله ٱل ْ َ ّ َ‬ ‫َ‬
‫الختام‪ :‬إياكم والستبدال‬
‫جهت السورة للكفار كلم يا ً شييديدا ً فييي‬‫بعد أن و ّ‬
‫تحذيرهم من عصيان أميير النييبي‪ ،‬اختتمييت بخطيياب‬
‫المؤمنين‪ ،‬فماذا قالت لهم؟‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪542‬‬

‫وجهييت لهييم خطابيا ً مختصييرا ً لكنييه صييعب علييى‬


‫وم ـا ً‬ ‫ل َ‬
‫ق ْ‬ ‫د ْ‬ ‫وا ْ ي َ ْ‬
‫س ـت َب ْ ِ‬ ‫ول ّ ْ‬‫وِإن ت َت َ َ‬‫النفوس المؤمنيية ‪َ ‬‬
‫مث َ ٰـل َ ُ‬ ‫َ‬
‫كم‪.( (38‬‬ ‫كوُنوا ْ أ ْ‬
‫م ل َ يَ ُ‬ ‫غي َْرك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫َ‬
‫هذا القانون هييو ميين أخطيير القييوانين وأقسيياها‪،‬‬
‫فإن تولى المؤمنون عن نصرة النبي واتباع أوامييره‪،‬‬
‫فإن العقاب شديد‪ ،‬والنتيجة خطيرة‪" :‬السييتبدال"‪،‬‬
‫فيأتي الله تعالى بقوم آخرييين لينصييروا هييذا الييدين‪،‬‬
‫وتكونوا قد خسرتم خسرانا ً كبيرًا‪ .‬هؤلء ليين يكونييوا‬
‫م لَ‬ ‫مثلكييم‪ ،‬بييل سيييكونوا أفضييل منكييم ‪ ...‬ث ُ ـ ّ‬
‫مث َ ٰـل َ ُ‬ ‫َ‬
‫كم‪.( (38‬‬ ‫كوُنوا ْ أ ْ‬
‫يَ ُ‬

‫سورة الفتح‬
‫سو‬ ‫سد سورة الفتح هذا التباع‪ ،‬فهي نزلييت بعييد‬
‫وتج ّ‬
‫رة‬ ‫صلح الحديبية‪ ،‬في ظروف إحباط شديد للصحابة‪.‬‬
‫الفتح‬ ‫نزلت والنفوس جريحة‬
‫ففي السنة السابعة‪ ،‬وبعد غيزوة الحيزاب‪ ،‬كيان‬
‫الصراع على أشده بين المسلمين والمشركين‪.‬‬
‫ورأى النييبي فييي الرؤيييا أنييه يييدخل المسييجد‬
‫الحييرام‪ ،‬فتجّهييز مييع الصييحابة للييذهاب إلييى مكيية‬
‫معتمرييين غييير مقيياتلين‪ .‬لكنهييم لمييا وصييلوا إلييى‬
‫الحديبية‪ ،‬رفض المشييركون السييماح لهييم بالييدخول‬
‫إلى مكة‪ ،‬فقرر النييبي ‪ ‬عقييد صييلح مييع مشييركي‬
‫مكة‪ ،‬والذي عرف فيما بعد بصلح الحديبية‪.‬‬
‫‪543‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫لكيين بنييود هييذا الصييلح كييانت مجحفيية بحييق‬


‫المسلمين‪ ،‬فحزن الصحابة حزنا ً شديدا ً لقبول النبي‬
‫بها‪ ،‬وزاد من حزنهم أنهييم منعييوا ميين دخييول الييبيت‬
‫الحرام لداء العمرة‪ ،‬ومنعوا من قتال المشركين‪..‬‬
‫وشعروا أنهيم يعطيون الدنيية فيي دينهيم‪ ...‬فيي‬
‫مثل هذا الوقت العصيب‪ ،‬نزلت سورة الفتح‪...‬‬
‫تخّيييل نفسييك مكييان الصييحابة‪ ..‬تمّنييي النفييس‬
‫بالعمرة‪...‬‬
‫سعادة النبي بها‬
‫وهدف السورة نعرفه ميين اسييمها‪ ،‬فهييي سييورة‬
‫الفتوحات والتجليات الربانية والكييرم الربيياني علييى‬
‫هذه المة‪ ،‬نزلت لتعدد الفتوحات التي سيييفتح اللييه‬
‫بها على المسلمين‪ ...‬حتى أن النبي فرح بهييا فرح يا ً‬
‫ي سورة هي خير عندي ميين‬ ‫كبيرًا‪ ،‬وقال‪" :‬نزلت عل ّ‬
‫الدنيا بما عليهييا"‪ .‬قييالوا‪ :‬ومييا هييي يييا رسييول اللييه؟‬
‫قال‪" :‬سورة الفتح"‪ ...‬تعال معنا لنقرأ هذه السييورة‬
‫ونفرح بها كما فرح حبيبنا محمد ‪.‬‬
‫سورة الفتوحات الربانية‬
‫سورة الفتح هي عبييارة عيين ‪ 29‬آييية‪ ،‬لكيين عييدد‬
‫الفتوحييات الربانييية الييتي جيياءت فييي السييورة كييبير‬
‫بالمقارنة مع عدد آياتهييا‪ ،‬إحييدى عشيير فتحيا ً ونعميية‬
‫ن اللييه بهييا علييى المييؤمنين فييي هييذه‬ ‫وفضييل ً يميي ّ‬
‫السورة‪:‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪544‬‬

‫مِبينـا ً ‪‬‬
‫فْتحا ً ّ‬ ‫ك َ‬ ‫حَنا ل َ َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫‪ .1‬مغفرة الذنوب‪ :‬إ ِّنا َ‬
‫مـا‬
‫و َ‬ ‫ذنب ِـ َ‬
‫ك َ‬ ‫مــن َ‬ ‫م ِ‬ ‫قدّ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ك ٱلله َ‬ ‫فَر ل َ َ‬ ‫‪‬ل ّي َ ْ‬
‫غ ِ‬
‫خَر‪.( (1 – 2...‬‬ ‫ت َأ َ ّ‬
‫ك‪.( (2...‬‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫ه َ‬ ‫مت َ ُ‬
‫ع َ‬ ‫م نِ ْ‬ ‫وي ُت ِ ّ‬
‫‪ .2‬إتمام النعمة‪َ ... :‬‬
‫قيما ً ‪‬‬‫ســت َ ِ‬‫م ْ‬‫صــ ٰرطا ً ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫دي َ َ‬
‫ه ِ‬‫وي َ ْ‬‫‪َ ...‬‬
‫‪ .3‬الهداييية‪ :‬‬
‫‪.((2‬‬
‫زيـزا ً‪( (3‬‬ ‫ع ِ‬‫صـرا ً َ‬
‫ك ٱللــه ن َ ْ‬ ‫صَر َ‬ ‫وَين ُ‬
‫‪ .4‬النصر‪َ  :‬‬
‫)فأتت المغفرة قبل النصر(‪.‬‬
‫ل‬ ‫‪ .5‬إنزال السكينة في قلوب الميييؤمنين‪َ ... :‬أنَز َ‬
‫دوا ْ‬ ‫دا ُ‬ ‫ن ل َِيــْز َ‬ ‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬ ‫مــ ْ‬ ‫ب ٱل ْ ُ‬ ‫قُلو ِ‬ ‫فى ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫كين َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫م‪.( (4...‬‬ ‫ه ْ‬
‫م ٰـن ِ ِ‬ ‫ع ِإي َ‬ ‫م َ‬ ‫م ٰـنا ً ّ‬ ‫ِإي َ‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مــــ ْ‬ ‫ل ٱل ْ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫‪ .6‬دخيييييول الجنييييية‪ :‬ل ُّيــــدْ ِ‬
‫هــا‬ ‫حت ِ َ‬ ‫مــن ت َ ْ‬ ‫رى ِ‬ ‫جــ ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جن ّ ٰـــ ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫من َ ٰـــ ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬
‫َ‬
‫ها‪( (5...‬‬ ‫َ‬
‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خ ٰـل ِ ِ‬ ‫ه ٰـُر َ‬ ‫ٱلن ْ َ‬
‫ب‬ ‫عذّ َ‬ ‫وي ُ َ‬ ‫‪ .7‬فضح المنافقين والمشركين وتعذيبهم‪َ  :‬‬
‫ن‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫شــ ِ‬ ‫م ْ‬‫و ٱل ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫قـــٰ ِ‬ ‫ف َ‬‫مَنـٰ ِ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫مَنـــٰ ِ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ن‬ ‫ظـــ ّ‬ ‫ن ِبـــ ٱلله َ‬ ‫ظـــاّني َ‬ ‫ت لٱ ّ‬ ‫كــــٰ ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫وء‪.( (6...‬‬ ‫س ْ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ي ٱللــه‬ ‫ضــ َ‬ ‫قدْ َر ِ‬ ‫‪ .8‬رضى الله على المؤمنين‪ :‬ل ّ َ‬
‫ن‪.( (18...‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫م ك َِثيــَر ً‬
‫ة‬ ‫غــان ِ َ‬ ‫م َ‬‫م ٱللــه َ‬ ‫عــدَك ُ ُ‬ ‫و َ‬ ‫‪ .9‬المغيييانم‪َ  :‬‬
‫ها‪.( (20...‬‬ ‫ذون َ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ت َأ ْ ُ‬
‫ق‬
‫صـدَ َ‬ ‫قـدْ َ‬ ‫‪ .10‬الوعد بدخول المسجد الحرام‪ :‬ل ّ َ‬
‫‪545‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ن‬‫خل ُ ّ‬‫ق ل ََتــدْ ُ‬


‫ح ّ‬ ‫ؤَيــا ِبــ ٱل ْ َ‬ ‫ٱّر ْ‬‫ه ل‬‫ســول َ ُ‬ ‫ٱللــه َر ُ‬
‫ن‪...‬‬ ‫مِني َ‬ ‫شاء ٱلله ءا ِ‬ ‫م ِإن َ‬ ‫حَرا َ‬‫جد َ ٱ ل ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫‪.( (27‬‬
‫ن‪.( (27‬‬ ‫فو َ‬ ‫‪ .11‬المن والسلم َ‪‬ل َ ت َ َ‬
‫خا ُ‬
‫َ‬
‫ســول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬‫ذي أْر َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫ه َ‬‫‪ .12‬إظهار السلم‪ُ  :‬‬
‫عَلــى‬ ‫هــَرهُ َ‬ ‫ْ‬
‫ق ل ِي ُظ ِ‬
‫حــ ّ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫وِديــ ِ‬ ‫دىٰ َ‬ ‫هــ َ‬‫ب ِ ٱل ْ ُ‬
‫ه‪.( (28...‬‬ ‫ن ك ُل ّ ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫وهذه البشارة الخيرة لم يب ّ‬
‫شر بها الصحابة ميين‬
‫قبل‪ ،‬فكانت سورة الفتح هي التي حملييت البشييرى‬
‫الغالييية علييى المييؤمنين‪ ،‬أن السييلم سيييظهر علييى‬
‫الرض كلها ويقود الدنيا كلها‬
‫الثناء على الصحابة‬
‫وهذه السورة هي أكثر سييور القييرآن ثنيياًء علييى‬
‫الصحابة رضوان الله عليهم‪ ،‬بالرغم ممييا بيدر منهييم‬
‫من عدم الرضا على صلح الحديبية في بييادئ الميير‪،‬‬
‫لكن الله تعالى علم أن غضبهم لييم يكيين لنفسييهم‪،‬‬
‫لكنه كان غضبا ً لله ولدينه‪.‬‬
‫عون َـ َ‬
‫ك‬ ‫ن ي َُباي ِ ُ‬‫ذي َ‬‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫إسييمع معييي اليييات‪ :‬إ ِ ّ‬
‫م‪ ...‬‬
‫َ‬ ‫ن ٱلله ي َدُ ٱلله َ‬
‫ه ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫وقَ أْيــ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫عو َ‬
‫ما ي َُباي ِ ُ‬
‫إ ِن ّ َ‬
‫‪.((10‬‬
‫فلم استحق الصحابة كييل هييذه الفتوحييات وهييذا‬
‫الثناء؟‬
‫ي‬
‫ضــ َ‬ ‫تجيب الية ‪ 18‬عن هذا السييؤال‪ :‬ل ّ َ‬
‫قدْ َر ِ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪546‬‬

‫ت‬ ‫حــ َ‬ ‫عوَنــ َ‬


‫ك تَ ْ‬ ‫ن إ ِذْ ي َُباي ِ ُ‬‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬
‫مــ ْ‬ ‫عــ ِ‬‫ٱللــه َ‬
‫ل‬ ‫فــأنَز َ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫فــى ُ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫قلــوب ِ ِ‬ ‫مــا ِ‬ ‫م َ‬ ‫عِلــ َ‬
‫ف َ‬ ‫جَر ِ‬ ‫شــ َ‬
‫ريبا ً‪...( (18‬‬ ‫فْتحا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َيهم َ‬
‫ق ِ‬ ‫ه ْ‬‫وأث َ ٰـب َ ُ‬‫ة َ ْ ِ ْ َ‬ ‫كين َ َ‬
‫س ِ‬‫ٱل ّ‬
‫وذلك أنه حين أشيع مقتل سيدنا عثمان رضييي اللييه‬
‫عنه‪ ،‬أخذ النبي البيعة من أصحابه على القتييال ثييأرا ً‬
‫لييه‪ ،‬فبييايعوا علييى المييوت فييي سييبيل اللييه‪ .‬فحييين‬
‫وصلوا إلى هذا الخلص بأن يقييدموا أرواحهييم فييداءً‬
‫لدين الله‪ ،‬أنزل الله عليهم فتحا ً قريبًا‪.‬‬
‫من صور الفتح‬
‫وإذا تأملنا في كلمات السييورة‪ ،‬نييرى ملحظييات‬
‫عديدة‪ .‬فالية السابقة سييمت صييلح الحديبييية فتحيًا‪،‬‬
‫مع أن ظاهره كان غير ذلك‪ ،‬لدرجة أن سيييدنا عميير‬
‫بن الخطاب سأل عنييد نييزول السييورة‪" :‬أفتييح هييو؟‬
‫فأجيب‪" :‬يا عمر‪ ،‬إنه لفتح"‪ .‬وأعجييب ميين ذلييك‪ ،‬أن‬
‫القرآن لم يسييم غييزوة بييدر بأنهييا فتييح‪ ..‬بييل سييمى‬
‫الصلح فتحًا‪..‬‬
‫وفوق ذلك كله‪ ،‬تكررت كلمة الفتح في السييورة‬
‫أربع مرات )لتكون هذه السورة أكييثر سييور القييرآن‬
‫ذكرا ً لكلمة الفتح‪ ،‬رغم أن عدد آياتها ‪ 29‬آية فقط(‬
‫وليس هذا فحسب‪ ،‬فقد وصييف بصييفات أخييرى‪:‬‬
‫ريبــا ً‬ ‫فْتحا ً َ‬
‫ق ِ‬ ‫زيزا ً ‪ ‬وسماه مرتييين‪َ  :‬‬ ‫صرا ً َ‬
‫ع ِ‬ ‫‪‬ن َ ْ‬
‫‪.‬‬
‫ولييم تقتصيير اليييات علييى الفتييح‪ ،‬بييل أعقبتييه بيي‬
‫‪547‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ة ‪ ‬حيييث ذكييرت هييذه المغييانم‬ ‫م ك َِثيــَر ً‬


‫غــان ِ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫م َ‬
‫مرتين‪.‬‬
‫أرى أنك بدأت تييردد نفييس سييؤال سيييدنا عميير‪:‬‬
‫أين هو الفتح؟‬
‫كان هذا الفتح زيادة انتشار السلم بشكل قوي‪،‬‬
‫لن عدد الذين دخلوا في السلم بعد صلح الحديبييية‬
‫)في عامين فقط( كان أضعاف عدد الييذين أسييلموا‬
‫قبل الفتح طوال عشرين سنة من الدعوة‪.‬‬
‫فمع أن الصحابة أرادوا القتال واستعدوا له‪ ،‬لكن‬
‫اليييات أظهييرت أن الفتييح الحقيقييي كييان انتشييار‬
‫السلم في الجزيييرة العربييية‪ ،‬لن أكييثر جييو ينتشيير‬
‫فيه السلم ويقتنع فيه الناس كلهم هو جييو السييلم‪،‬‬
‫وهذا من عظمة هذا الدين‪ ،‬ومن شهادة التاريييخ لييه‬
‫بأنه دين السييلم‪ ،‬وأن أكييثر فييترات انتشيياره كييانت‬
‫فترات السلم ل الحرب‪ ،‬ومن هنا نفهم تكييرر كلميية‬
‫"السكينة" في السورة ثلث مرات‪...‬‬
‫صفات أهل الفتح‬
‫وتأتي آخر آية في السورة‪ ،‬لتخبرنا صفات أولئك‬
‫الذين استحقوا نزول الفتح الرباني‬
‫داء‬ ‫ل ٱلله و ٱل ّذين مع َ‬ ‫سو ُ‬
‫شــ ّ‬ ‫هأ ِ‬ ‫ِ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫مدٌ ّر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫‪ّ ‬‬
‫كعــا ً‬ ‫م ُر ّ‬ ‫هــ ْ‬ ‫م ت ََرا ُ‬‫هــ ْ‬ ‫مــاء ب َي ْن َ ُ‬‫ح َ‬ ‫ر ُر َ‬ ‫عَلــى ٱل ْك ُ ّ‬
‫فــا ِ‬ ‫َ‬
‫وانا ً‬ ‫ضــ َ‬‫ر ْ‬ ‫و ِ‬‫ن ٱللــه َ‬ ‫مــ َ‬ ‫ضــل ً ّ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن َ‬ ‫غــو َ‬ ‫جدا ً ي َب ْت َ ُ‬ ‫ســ ّ‬
‫ُ‬
‫جوِد ذَل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫س ُ‬‫ر ٱل ّ‬ ‫ن أث َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬
‫ه ِ‬ ‫جو ِ‬ ‫و ُ‬‫فى ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫مـٰ ُ‬‫سي َ‬ ‫ِ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪548‬‬

‫ل‬ ‫جيـ ِ‬ ‫فــى ٱلن ِ‬ ‫م ِ‬ ‫هـ ْ‬‫مث َل ُ ُ‬‫و َ‬


‫ة َ‬ ‫وَرا ِ‬ ‫فى ٱلت ّـ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫مث َل ُ ُ‬ ‫َ‬
‫غل َ َ‬ ‫َ‬
‫شـــطْأهُ َ‬ ‫َ‬
‫ظ‬ ‫ســـت َ ْ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫فـــآَزَرهُ َ‬ ‫ج َ‬ ‫خـــَر َ‬ ‫عأ ْ‬ ‫ك َـــَزْر ٍ‬
‫ظ‬ ‫غيــ َ‬ ‫ع ل ِي َ ِ‬
‫ب ٱلّزّرا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ق ِ‬‫سو ِ‬ ‫لى ُ‬ ‫ع َ ٰ‬ ‫وىٰ َ‬ ‫ست َ َ‬‫فٱ ْ‬ ‫َ‬
‫مُنــوا ْ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عــدَ ٱللــه ٱّلــ ِ‬ ‫و َ‬ ‫فــاَر َ‬ ‫م ٱل ْك ُ ّ‬ ‫هــ ُ‬ ‫بِ ِ‬
‫جــرا ً‬ ‫فــرةً َ‬
‫وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫غ ِ َ‬ ‫م ْ‬‫هــم ّ‬ ‫من ْ ُ‬‫ت ِ‬ ‫ح ٰـــ ِ‬ ‫ص ٰـل ِ َ‬‫مُلــوا ْ ٱل ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫ظيما ً‪.( (29‬‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫وميين أهمييية الييية أنهييا عنييدما ذكييرت الييذين‬
‫يستحقون الفتح في التوراة‪ ،‬مييدحتهم بعبييادتهم للييه‬
‫َ‬
‫ر‬‫ن أث َ ـ ِ‬
‫مـ ْ‬
‫م ّ‬
‫ه ْ‬
‫ه ِ‬
‫جــو ِ‬
‫و ُ‬
‫فــى ُ‬
‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫م ٰـ ُ‬ ‫تعالى ‪ِ ...‬‬
‫سي َ‬
‫جوِد‪ . ...‬أما في النجيل‪ ،‬فهييم أولئك الييذين‬ ‫س ُ‬‫ٱل ّ‬
‫يجتهييدون فييي العمييل وينجحييون فييي الحييياة ‪...‬‬
‫َ‬ ‫ع أَ ْ‬
‫ه‪ . ...‬وذلييك لن اليهييود قييد‬ ‫شـطْأ ُ‬ ‫ج َ‬‫خـَر َ‬ ‫ك ََزْر ٍ‬
‫غلبوا الجانب المييادي علييى الجييانب الروحييي‪ ،‬بينمييا‬
‫غّلب النصارى أمور الروح على المييادة‪ .‬فييأتت هييذه‬
‫الية لتظهر أن المة التي تستحق الفتح الرباني هي‬
‫التي تجمع الجانبين الروحي والمادي ول تغّلب جانبا ً‬
‫على آخر‪ ،‬وبهذه الصفات استحق الصحابة الفتح‪...‬‬
‫ومن روعيية سييورة الفتييح‪ ،‬أن النييبي قرأهييا عنييد‬
‫دخوله مكة فاتحا ً منتصيرًا‪ ،‬إليى أن وصيل إلييى آخير‬
‫آية‪ ،‬فقرأها فرحا ً بنصر اللييه‪ ،‬وقرأهييا معييه الصييحابة‬
‫وهم يبكون‪ ،‬لما رأوه من تحقييق نصيير اللييه ووعييده‬
‫لهييم بالنصيير والتمكييين‪ ...‬سييورة رائعيية ميين أروع‬
‫السور‪ ،‬تجعلنا نعيش مع النبي ومع الصحابة لحظات‬
‫فتح مكة‪ ،‬ونستبشر بنصر الله لنا‪ ،‬إذا اتبعنييا محمييدا ً‬
‫‪549‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪ ‬وأصيييحابه بصيييفاتهم اليييتي ذكيييرت فيييي اليييية‬


‫الخيرة‪...‬‬
‫بين سورتي محمد والفتح‬
‫هييذه السييورة ‪ -‬كمييا ذكرنييا ‪ -‬هييي تتميية طبيعييية‬
‫لسورة القتال )سورة محمييد(‪ ،‬إذ أنهييا تحييدثت عيين‬
‫النصر والتمكين‪ ،‬اللذان همييا نتيجيية القتييال والجهيياد‬
‫فييي سييبيل اللييه‪ .‬واللطيييف أننييا إذا تأملنييا ختييام‬
‫السورتين فإننا سنجد ترابطا ً رائعًا‪:‬‬
‫وِإن‬ ‫فسورة محمد ختمييت بقييوله تعييالى‪َ ... :‬‬
‫كون ُــوا ْ‬‫م ل َ يَ ُ‬ ‫م ث ُـ ّ‬ ‫ومـا ً َ‬
‫غي َْرك ُـ ْ‬ ‫ق ْ‬‫ل َ‬‫د ْ‬ ‫وا ْ ي َ ْ‬
‫سـت َب ْ ِ‬ ‫ول ّ ْ‬‫ت َت َ َ‬
‫كم‪ ،( (38‬فما هي مواصفاتهم؟ تأتي الجابيية‬ ‫مث َ ٰـل َ ُ‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫ل ٱللــه‬ ‫سـو ُ‬ ‫مدٌ ّر ُ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬
‫فييي ختييام سييورة الفتييح‪ّ  :‬‬
‫مــاء‬ ‫عل َــى ٱل ْك ُ ّ‬ ‫و ٱل ّـذين معـ َ‬
‫ح َ‬
‫ر ُر َ‬ ‫فــا ِ‬ ‫داء َ‬‫شـ ّ‬‫هأ ِ‬ ‫ِ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫م‪.( (29...‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ب َي ْن َ ُ‬
‫وهكذا‪ ،‬نرى أن سورة محمييد تحييدثت عيين إتبيياع‬
‫النبي‪ ،‬بينما سورة الفتح بّينت صفات أتباع النبي‪...‬‬

‫سورة الحجرات‬
‫سو‬ ‫تحييدثت سييورة الحجييرات عيين أدب العلقييات‪،‬‬
‫رة‬ ‫وخاصة أدب العلقة مع النبي ‪.‬‬
‫الحجييرا‬ ‫وهكذا نفهم تسلسل السور الثلث وعلقتهييا مييع‬
‫بعضها‪ ،‬وكيف أن النبي ‪ ‬هو محورها‪:‬‬
‫ن إّتباع النبي هو دليل قبول‬
‫مد تبّين أ ّ‬
‫فسورة مح ّ‬
‫العمال‪ ،‬وسييورة الفتييح‪ :‬مواصييفات الييذين سييينزل‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪550‬‬

‫ن‬
‫ذي َ‬‫و ٱل ّ ِ‬ ‫سو ُ‬
‫ل ٱلله َ‬ ‫مدٌ ّر ُ‬
‫ح ّ‬
‫م َ‬
‫الله عليهم الفتح‪ّ  :‬‬
‫ه‪. ...‬‬
‫ع ُ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫وسورة الحجرات‪ :‬يا ميين سييينزل عليهييم الفتييح‪،‬‬
‫تأّدبوا بالداب الجتماعية‪ ،‬خاصة مع النبي ‪.‬‬
‫وكأن الصفات التي ذكرت في آخر سورة الفتح‪،‬‬
‫من تضحية وجهاد‪ ،‬وتوازن بين العبادة والنجيياح فييي‬
‫الحييياة‪ ،‬لهييا تكمليية فييي سييورة الحجييرات‪ ،‬وهييي‬
‫الصيييفات الدبيييية الخلقيييية اليييتي ذكرتهيييا سيييورة‬
‫الحجرات‪.‬‬
‫مع الشرع‪:‬‬
‫إذا ً سورة الحجرات هي سورة الذوق والدب مع‬
‫كل الطراف‪ :‬وأول هذه الدبيات هو مع شييرع اللييه‬
‫سبحانه وتعالى‪...‬‬
‫َ‬
‫ى‬ ‫موا ْ ب َي ْ َ‬
‫ن َيــدَ ِ‬ ‫قدّ ُ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت ُ َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ها ٱل ّ ِ‬‫‪‬يٰأي ّ َ‬
‫ع‬
‫مي ٌ‬‫ســ ِ‬‫ن ٱلله َ‬ ‫قوا ْ ٱلله إ ِ ّ‬ ‫و ٱت ّ ُ‬‫ه َ‬‫سول ِ ِ‬
‫وَر ُ‬ ‫ٱلله َ‬
‫م‪.( (1‬‬ ‫عِلي ٌ‬
‫َ‬
‫فهذه الييية تقييول للصييحابة‪ :‬ل تسييتعجلوا نييزول‬
‫الوحي‪ ،‬وتأدبوا مع الشرع ومع الله ورسوله‪.‬‬
‫وتطييبيق الييية فييي حياتنييا يقتضيي منييا الخضييوع‬
‫لشرع الله وسنة نبيه ‪ ‬ول نتجاوزهما‪.‬‬
‫مع النبي‬
‫َ‬ ‫‪ٰ .1‬ي َ‬
‫م‬‫صـ ٰوت َك ُ ْ‬ ‫عــوا ْ أ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫من ُــوا ْ ل َ ت َْر َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫هــا ٱل ّـ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫‪‬أي ّ َ‬
‫ل‬
‫و ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه ب ِ ـ ٱل ْ َ‬
‫هُروا ْ ل َـ ُ‬ ‫ج َ‬‫ول َ ت َ ْ‬
‫ى َ‬ ‫ٱن ّب ِ ّ‬
‫ت ل‬ ‫و ِ‬ ‫ص ْ‬
‫وقَ َ‬ ‫ف ْ‬‫َ‬
‫‪551‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫م‬‫م ٰـ ـل ُك ُ ْ‬ ‫ط أَ ْ‬
‫ع َ‬ ‫حب َ ـ َ‬ ‫ض أن ت َ ْ‬
‫َ‬
‫عـ ٍ‬ ‫م ل ِب َ ْ‬ ‫ض ـك ُ ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫ر بَ ْ‬ ‫هـ ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫كَ َ‬
‫ن‪.( (2‬‬ ‫م ل َ تَ ْ‬ ‫َ‬
‫عُرو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫وأنت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫ســو ِ‬ ‫عن ـدَ َر ُ‬ ‫م ِ‬‫ه ْ‬ ‫ص ٰوت َ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫غ ّ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫‪ّ ‬‬ ‫‪ .2‬إ ِ‬
‫ُ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫قُلوب َ ُ‬
‫ن ٱلله ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬‫ن ٱ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ٱل ّ ِ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫ٱلله أ ْ‬
‫و ٰى‪.( (3...‬‬ ‫ق َ‬ ‫ِللت ّ ْ‬
‫ت‬ ‫جــ ٰر ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫وَراء ل ْ‬
‫ٱ ُ‬ ‫مــن َ‬ ‫ك ِ‬ ‫دون َ َ‬ ‫ن ي َُنا ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫‪ّ ‬‬ ‫إَ‬
‫نل َـ َ‬ ‫أ َك ْث َُر ُ‬
‫حت ّـ ٰى‬ ‫ص ـب َُروا ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫و أن ّ ُ‬ ‫و ‪ْ ‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫م‪.( (4 – 5‬‬ ‫ه ْ‬‫خْيرا ً ل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫خُر َ َ‬
‫ج إ ِلي ْ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫مع الخبار‬
‫وذلك بعدم نقلها وترديدها وبنيياء أحكييام مسييبقة‬
‫عليها قبل التأكد منها‪:‬‬
‫َ‬
‫ق‬‫سـ ُ‬ ‫فا ِ‬‫م َ‬ ‫جــاءك ُ ْ‬‫من ُــوا ْ ِإن َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّـ ِ‬ ‫‪‬يٰأي ّ َ‬
‫َ‬
‫هاَلـــ ٍ‬
‫ة‬ ‫ج َ‬‫مـــا ب ِ َ‬‫و َ‬ ‫صـــيبُبوا ْ َ‬
‫ق ْ‬ ‫فت َب َي ُّنـــوا ْ أن ت ُ ِ‬‫ب ِن ََبـــإ ٍ َ‬
‫ن‪.( (6‬‬ ‫مي َ‬ ‫د ِ‬ ‫عل ْت ُ ْ‬
‫م ن َ ٰـ ِ‬ ‫ما َ‬
‫ف َ‬ ‫عل َ ٰى َ‬ ‫حوا ْ َ‬ ‫صب ِ ُ‬ ‫َ‬
‫فت ُ ْ‬
‫مع المؤمنين‬
‫ة‪ ( (10...‬فييأخوة‬ ‫و ٌ‬
‫خــ َ‬
‫ن إِ ْ‬
‫مُنــو َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫مــا ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫‪‬إ ِن ّ َ‬
‫اليمان تقوي روابط الناس مع بعضهم وتوثقهييا كمييا‬
‫تقييوي اليمييان‪ ،‬وبغيرهييا تحصييل الخلفييات وينقييص‬
‫اليمان‪..‬‬
‫إصلح ذات البين‬
‫قت َت َُلــوا ْ‬
‫نٱ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مــ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫طائ ِ َ‬
‫فَتا ِ‬ ‫وِإن َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫عل َـ ٰى‬ ‫َ َ‬
‫ما َ‬
‫ه َ‬‫دا ُ‬
‫حـ َ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫غـ ْ‬ ‫مــا َ‬
‫فـِإن ب َ َ‬ ‫ه َ‬‫حوا ْ ب َي ْن َ ُ‬‫صـل ِ ُ‬
‫فأ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪552‬‬

‫فىــء‬
‫ٰى ت َ ِ‬ ‫حت ّـ‬ ‫ق ٰــت ُِلوا ْ ٱل ّت ِــى ت َب ْ ِ‬
‫غــى َ‬ ‫ف َ‬‫خَر ٰى َ‬ ‫ٱل ُ ْ‬
‫ر ٱلله‪.( (9...‬‬ ‫إ َ ٰ َ‬
‫م ِ‬‫لى أ ْ‬ ‫ِ‬
‫مع العلقات الجتماعية‬
‫َ‬
‫مــن‬ ‫م ّ‬ ‫و ٌ‬ ‫قـ ْ‬ ‫خْر َ‬ ‫سـ َ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ي َ ْ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫‪‬يٰأي ّ َ‬
‫ســاء‬ ‫ول َ ن ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫خي ْــرا ً ّ‬ ‫كوُنوا ْ َ‬ ‫س ٰى َأن ي َ ُ‬ ‫ع َ‬‫وم ٍ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ول َ‬ ‫ن َ‬ ‫هـ ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫خي ْــرا ً ّ‬ ‫ن َ‬ ‫س ـ ٰى أن ي َك ُـ ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ســاء َ‬ ‫مــن ن ّ َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ول َ ت ََنــاب َُزوا ْ ب ِٱلل ْ َ‬ ‫مُزوا ْ أن ُ‬ ‫َ‬
‫س‬‫ب ب ِئ ْ َ‬ ‫ق ٰـ ـ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ت َل ْ ِ‬
‫ب‬ ‫م ي َت ُ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫عدَ ٱ ِ‬ ‫سوقُ ب َ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ٱل ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ٱل ْ‬
‫َ ُ‬
‫ن‪.( (11‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ٱلظّ ٰـل ِ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫فأ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مــ َ‬ ‫جت َن ُِبوا ْ ك َِثيــرا ً ّ‬ ‫مُنوا ْ ٱ ْ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫‪‬يٰأي ّ َ‬
‫ول َ‬ ‫سوا ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫ول َ ت َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن إ ِث ْ ٌ‬ ‫ض ٱ لظ ّ ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫ٱلظّ ّ‬
‫عضًا‪.( (12...‬‬ ‫كم ب َ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫غَتب ب ّ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫مع النسانية كلها‬
‫ر‬ ‫مــن ذَ َ‬ ‫قن َ ٰـــ ُ‬‫خل َ ْ‬ ‫يأ َ‬
‫كــ ٍ‬ ‫كم ّ‬ ‫س إ ِّنــا َ‬ ‫هــا ٱلّنــا ُ‬ ‫‪‬ي ّ َ‬
‫ُ‬
‫ن‬‫فوا ْ إ ِ ّ‬
‫ع ٰـَر ُ‬
‫ل ل ِت َ َ‬‫قَبائ ِ َ‬‫و َ‬‫عوبا ً َ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ُ‬‫عل ْن َ ٰـك ُ ْ‬
‫ج َ‬
‫و َ‬‫وأن ْث َ ٰى َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪.( (13...‬‬ ‫ق ٰـك ُ ْ‬
‫عندَ ٱلله أت ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫أك َْر َ‬
‫امتلئوا حتى تفيضوا‬
‫والملحظ أن أدب التعامييل مييع النسييانية تييأخر‪،‬‬
‫مييع أنييه أعييم وأشييمل ميين الداب الولييى‪ .‬وكييأن‬
‫المعنى‪ :‬بعد أن تصلحوا أنفسكم وتضبطوا علقتكييم‬
‫مييع نييبيكم ومييع إخييوانكم‪ ،‬أخرجييوا إلييى العييالم‬
‫الخارجي‪ ،‬وانطلقوا إلى الرض كلها وعرفوهييا علييى‬
‫أخلقكييم‪ ،‬لنكييم بييذلك تنييالوا احييترام النيياس بهييذه‬
‫‪553‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الصييفات وهييذه الخلق الييتي امتلتييم بهييا ففاضييت‬


‫على غيركم‪.‬‬
‫أدب التعامل مع الله‬
‫وهييو آخيير آداب السييورة‪ ..‬ويتحقييق باستشييعار‬
‫نعمة اليمان وأنه عطاء ومنحية ميين الليه‪ ،‬فل يظيين‬
‫أحييد أن إيمييانه تفضييل منييه علييى ربييه‪ ،‬بييل أن اللييه‬
‫عل َْيــ َ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬ ‫مّنو َ‬ ‫تعالى هو صاحب الفضل والمنيية‪ :‬ي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫م ب َـ ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫سل َ ٰــ َ‬ ‫عل َـ ّ‬
‫ى إِ ْ‬ ‫من ّــوا ْ َ‬
‫قل ل ّ ت َ ُ‬ ‫موا ْ ُ‬ ‫سل َ ُ‬‫نأ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ن إِ ُ‬‫م ٰـ ِ‬ ‫لي َ‬
‫مل ِ‬ ‫هداك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ّ‬‫ٱلله ي َ ُ‬
‫ن‪.( (17‬‬ ‫قي َ‬ ‫د ِ‬‫ص ٰـ ِ‬
‫َ‬
‫لماذا سميت السورة بالحجرات؟‬
‫لن بعييض النيياس كييانوا ينييادون النييبي ميين وراء‬
‫الحجرات‪ ،‬وهذا من سوء الدب مع رسول الليه ‪.‬‬
‫وبما أن أهييم محيور فيي الداب السييابقة هييو النييبي‬
‫‪ ،‬سيييميت السيييورة بهيييذا السيييم‪ ،‬حيييتى يعليييم‬
‫المسلمون أنهم ل يقييدرون أن يخرجييوا إلييى العييالم‬
‫كله بأخلقهم ويتعارفوا مع بيياقي الشييعوب قبييل أن‬
‫يتأدبوا مع نبيهم‪..‬‬
‫لذلك بدأت السورة بالدب مع النبي ‪ ،‬وانتهت‬
‫بالدب مع الله‪ ،‬وكييأن المعنييى‪ :‬تييأدبوا مييع الرسييول‬
‫وأطيعوه‪ ،‬فتكون النتيجة أن يعينكم الله تعالى علييى‬
‫ميييا بينهميييا مييين آداب‪ ،‬لتخرجيييوا بيييأخلق سيييورة‬
‫الحجرات وذوقياتها إلى الدنيا كلها‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪554‬‬

‫إذا أردت أن تقوي صلتك برسول الله ‪ ،‬فاقرأ‬


‫هذه السور الثلث‪ ،‬محمد والفتح والحجرات‪ ،‬واسأل‬
‫الله تعالى أن يمن عليك ويفتح لك بالمعاني الرائعة‬
‫التي احتوتها هذه السور‪.‬‬
‫سور ق‬
‫وسور الجزء السابع والعشرين‬

‫هذه السور هي بداية المفصل من القييرآن‪ ،‬ميين‬


‫أول سورة ق وحتى نهاية المصحف‪...‬‬
‫ونلحظ أن الجزاء الربعة الخيرة من المصحف‬
‫تركز على إحياء اليمان في نفييوس المييؤمنين‪ ،‬ممييا‬
‫يساعدنا على فهم تسلسل السور في القرآن‪ .‬ففي‬
‫البداية‪ ،‬عرض القرآن هذا المنهج الربيياني‪ ،‬ميين أول‬
‫سورة البقرة إلى سورة النفال‪ .‬وبعد ذلييك‪ ،‬رك ّييزت‬
‫السور على الدوات التي ل بد للمسييلم ميين القيييام‬
‫بها حتى يحافظ على هذا المنهج‪ ،‬من الخذ بأسييباب‬
‫التقدم والتطور‪ ،‬إلييى التخلييق بييأخلق النبييياء‪ ،‬إلييى‬
‫الستسلم لله تعالى‪ ...‬وأما ختام سور القرآن‪ ،‬فقد‬
‫ركييز ‪ -‬بشييكل عييام ‪ -‬علييى تقوييية إيمييان المييؤمنين‬
‫وإصلح قلوبهم وتذكيرهم باليوم الخر حييتى يعينهييم‬
‫علييى الثبييات علييى هييذا المنهييج والنهييوض بأعبييائه‬
‫وحملها إلى البشرية كلها‪..‬‬
‫إختر بين هذين الطريقين‬
‫وسور الجزء ‪ 27‬من القرآن‪ ،‬بالضافة إلى سورة‬
‫‪555‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪556‬‬

‫ق‪ ،‬تجمعها قضية الختيار‪ ،‬بين الهدى والضلل‪ ،‬وبين‬


‫الجنيية والنييار‪ .‬لييذلك تييرى فييي كييل السييور عرض يا ً‬
‫للطريقين‪ ،‬ودعييوة إلييى الختيييار بييين طريييق الجنيية‬
‫وطريق النار‪ ،‬بين النعم والنقم‪ ،‬بين الييرزق وعطيياء‬
‫الله أو أن يحرمييك اللييه‪ ،‬بييين الغلييو فييي المادييية أو‬
‫الروحانييية أو التييوازن بينهمييا‪ ...‬فكييل هييذه الطييرق‬
‫وهذه المتباينات التي ذكرناها تمثل سورة من سييور‬
‫هذا الجزء‪...‬‬

‫سورة ق )اليوم المشهود(‬


‫سو‬ ‫وأول سورة بييين هييذه السييور‪ ،‬سييورة ق‪ ،‬تركييز‬
‫رة ق‬ ‫على الخرة والبعث تركيزا ً شديدًا‪ ،‬من الموت الذي‬
‫ت‬‫و ِ‬
‫مــ ْ‬‫ســك َْرةُ ال ْ َ‬
‫ت َ‬ ‫جاء ْ‬ ‫و َ‬‫هو أول منازل الخرة‪َ  :‬‬
‫د‪ ( (19‬إلى النفييخ‬ ‫حي ُ‬‫ه تَ ِ‬‫من ْ ُ‬‫ت ِ‬ ‫كن َ‬‫ما ُ‬ ‫ك َ‬‫ق ذَل ِ َ‬‫ح ّ‬‫ِبال ْ َ‬
‫فــى‬ ‫خ ِ‬ ‫فـ َ‬ ‫فييي الصييور‪ ،‬وهييول هييذه النفخيية ‪َ ‬‬
‫ون ُ ِ‬
‫س‬
‫فــ ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫جاء ْ‬
‫و َ‬ ‫د‪َ ‬‬‫عي ِ‬ ‫و ِ‬‫م ٱل ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ر ذَل ِ َ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫صو ِ‬‫ٱل ّ‬
‫د‪.( (20-21‬‬ ‫هي ٌ‬‫ش ِ‬‫و َ‬ ‫ق َ‬‫سائ ِ ٌ‬‫ها َ‬ ‫ع َ‬
‫م َ‬‫ّ‬
‫ونرى مشاهد رهيبة من هذا اليوم ومييا فيييه ميين‬
‫جدال بين المفسدين وقرنائهم من الشياطين‪:‬‬
‫عِتي ـدٌ ‪ ‬أ َل ْ ِ‬
‫قي َــا‬ ‫مــا ل َـدَ ّ‬
‫ى َ‬ ‫ذا َ‬‫ه ٰـ َ‬
‫ه َ‬‫رين ُ ُ‬ ‫ل َ‬
‫ق ِ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬‫‪َ‬‬
‫د‪.( (24-25‬‬ ‫عِني ٍ‬
‫ر َ‬ ‫ل كَ ّ‬
‫فا ٍ‬ ‫م كُ ّ‬
‫هن ّ َ‬
‫ج َ‬‫فى َ‬‫ِ‬
‫اليات الكونية‪ :‬كذلك الخروج‬
‫‪557‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وحتى اليات الكونية فييي السييورة تخييدم معنييى‬


‫البعيييييييييييييييييييييييييث والخيييييييييييييييييييييييييروج‬
‫إلييى أرض المحشيير بوضييوح‪ ...‬ومنهييا قييوله تعييالى‬
‫ه‬ ‫‪‬ون َزل َْنا من ٱلسماء ماء مب ٰـركا ً َ َ‬
‫فأنب َت َْنــا ِبــ ِ‬ ‫ّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ّ‬
‫هــا‬ ‫ت لّ َ‬‫ق ٰـ ٍ‬ ‫س َ‬‫ل ب َ ٰـ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫و ٱلن ّ ْ‬ ‫د ‪َ‬‬
‫صي ِ‬‫ح ِ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬‫ح ّ‬‫و َ‬‫ت َ‬‫جّنـٰ ٍ‬ ‫َ‬
‫مْيتــا ً‬ ‫عباد َ‬
‫ه ب َل ْدَةً ّ‬‫حي َي َْنا ب ِ ِ‬‫وأ ْ‬ ‫ضيدٌ ‪ّ ‬رْزقا ً ل ّل ْ ِ َ ِ َ‬‫ع نّ ِ‬‫طَل ْ ٌ‬
‫‪ ( (9-11‬لماذا كل هذه اليات؟ حتى نوقن أن الذي‬
‫أحيا الرض بعد موتها قييادر علييى أن يبعييث المييوتى‬
‫ج ‪.‬‬ ‫خُرو ُ‬ ‫ك ٱل ْ ُ‬ ‫كذٰل ِ َ‬‫من قبورهم ‪َ ‬‬
‫لصفاء قلبك‬
‫فإذا أردت أخي المسلم أن ترقّييق قلبييك‪ ،‬فيياقرأ‬
‫كر بالخرة‪ ،‬ولذلك كييان رسييول‬ ‫هذه السورة لنها تذ ّ‬
‫اللييه ‪ ‬يخطييب بهييا الجمعيية وحييدها دون أن يزيييد‬
‫عليها أي كلمة‪ ،‬ثم ينزل عن المنبر‪ ،‬بعد أن يتأثر بها‬
‫الصحابة تأثرا شديدا‪ ،‬حتى أنهم كانوا ينتظرونها منه‬
‫من وقت لخر‪ ...‬ليتنا نرى هييذه السيينة النبوييية فييي‬
‫خطبة الجمعة تتكرر في مساجدنا‪...‬‬
‫مشاهد الفريقين‬
‫وبعد الحديث عن البعييث وهييول القياميية وخطيير‬
‫النار‪ ،‬ترينا السورة مصير الفريقييين‪ ،‬لن هييدفها هييو‬
‫ل‬
‫هــ ِ‬‫م َ‬‫هّنــ َ‬
‫ج َ‬‫ل لِ َ‬ ‫م نَ ُ‬
‫قــو ُ‬ ‫و َ‬‫الختييييار بينهميييا‪َ :‬يــ ْ‬
‫د‪ .( (30‬آييية‬ ‫زيــ ٍ‬‫م ِ‬‫مــن ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫هــ ْ‬‫ل َ‬‫قــو ُ‬‫وت َ ُ‬
‫ت َ‬
‫مَتل ِ‬‫ٱ ْ‬
‫خطيرة‪ ،‬فهل ترضى لنفسك أخي المسلم أن تسمع‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪558‬‬

‫هذه الكلمات وتكون ميين مزيييد جهنييم؟ ثييم تعييرض‬


‫اليييية اليييتي تليهيييا مباشيييرة المشيييهد المقابيييل‪:‬‬
‫د‪.( (31‬‬ ‫عيـ ٍ‬ ‫ن َ‬
‫غي ْـَر ب َ ِ‬ ‫قيـ َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ت ٱل ْ َ‬
‫جن ّ ُ‬ ‫وأ ُْزل ِ َ‬
‫ف ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫انتقال رائع‪ ،‬من صييورة جهنييم وهييي تطلييب المزيييد‬
‫من أهلها‪ ،‬إلى الجنة التي تقييترب ميين أهلهييا وتتهيييأ‬
‫لهم وتتزين لستقبالهم‪ ...‬لذلك يتردد السييؤال مييرة‬
‫أخرى‪ :‬مع أي الفريقين تحب أن تكون؟‬
‫أسباب النحراف‬
‫وإذا تأملنا آيات السورة‪ ،‬نلحظ أنها ركزت علييى‬
‫النوازع الثلثة التي تؤدي إلى النحراف حتى نتجنبها‬
‫ونضمن بقاء قلوبنا سليمة إن شاء الله‪:‬‬
‫‪ .1‬وسوسة النفس‬
‫مـــا‬
‫م َ‬ ‫عَلـــ ُ‬ ‫ون َ ْ‬‫ن َ‬‫س ٰــــ َ‬‫لن َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَنـــا ٱ ِ‬ ‫قـــدْ َ‬ ‫‪َ ‬‬‫ول َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مـ ْ‬ ‫ب إ ِل َي ْـ ِ‬
‫ه ِ‬ ‫نأ ْ‬
‫ق ـَر ُ‬ ‫حـ ُ‬‫ون َ ْ‬
‫ه َ‬‫سـ ُ‬ ‫ه نَ ْ‬
‫ف ُ‬ ‫س ب ِـ ِ‬‫و ُ‬ ‫س ِ‬ ‫و ْ‬‫تُ َ‬
‫د‪.( (16‬‬ ‫ري ِ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬
‫و ِ‬ ‫حب ْ ِ‬‫َ‬
‫‪ .2‬القرين )الشيطان(‬
‫ن‬ ‫ول َ ٰــ ِ‬
‫كن ك َــا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ما أ َطْ َ‬
‫غي ْت ُـ ُ‬ ‫ه َرب َّنا َ‬‫رين ُ ُ‬‫لق ِ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫‪‬‬
‫د‪.( (27‬‬ ‫عي ٍ‬ ‫ل بَ ِ‬‫ضل َ ٰـ ٍ‬
‫فى َ‬
‫ِ‬
‫‪ .3‬الغفلة‬
‫شـ ْ‬
‫فَنا‬ ‫فك َ َ‬
‫ذا َ‬
‫ه ٰـ ـ َ‬
‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫فل َ ٍ‬
‫ة ّ‬ ‫فى َ‬
‫غ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫قدْ ُ‬
‫كن َ‬ ‫ل ّ‪َ ‬‬
‫د‪.( (22‬‬ ‫دي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬‫و َ‬‫ك ٱل ْي َ ْ‬ ‫صُر َ‬ ‫ك َ‬
‫فب َ َ‬ ‫طاء َ‬‫غ َ‬
‫ك ِ‬ ‫عن َ‬
‫َ‬
‫القلب المسلم‬
‫‪559‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫لييذلك تركييز السييورة فييي ختامهييا علييى سييلمة‬


‫القلب مين هيذه الميراض‪ .‬فتيأتي مثل ً كلمية )أواب‬
‫ى‬‫ش َ‬ ‫خ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حفيظ(‪ ،‬من هو هذا الواب الحفيظ؟ ‪ّ ‬‬
‫ب‪..( (33‬‬ ‫مِني ـ ٍ‬
‫ب ّ‬ ‫قل ْ ٍ‬
‫جاء ب ِ َ‬ ‫و َ‬
‫ب َ‬ ‫ن ب ِٱل ْ َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫مـٰ َ‬‫ح َ‬‫ٱلّر ْ‬
‫ذك َْر ٰى‬ ‫ك ل َـ ِ‬‫فى ٰذل ِـ َ‬ ‫‪ِ ‬‬ ‫ن‬‫وتشير إليه مييرة أخييرى‪:‬إ ِ ّ‬
‫و‬
‫هـ َ‬‫و ُ‬‫ع َ‬‫م َ‬ ‫سـ ْ‬ ‫قـى ٱل ّ‬ ‫و أ َل ْ َ‬ ‫َ‬
‫بأ ْ‬ ‫قْلـ ٌ‬
‫ه َ‬ ‫ن َلـ ُ‬‫كـا َ‬‫مـن َ‬ ‫لِ َ‬
‫د‪.( (37‬‬ ‫هي ٌ‬‫ش ِ‬‫َ‬
‫أرأيت أهمية سلمة القلييب فييي سييلمة الختيييار‬
‫بين الطريقين؟‬
‫وتختم السورة بأفضل وسيييلة مسيياعدة لصييلح‬
‫مــن‬‫ن َ‬ ‫فذَك ّْر ب ِٱل ْ ُ‬
‫قْرءا ِ‬ ‫القلب والختيار‪ :‬القرآن‪َ  :‬‬
‫د‪ ( (45‬فهذا القرآن‪ ،‬وبييالخص سييورة‬ ‫عي ِ‬
‫و ِ‬
‫ف َ‬
‫خا ُ‬
‫يَ َ‬
‫)ق( والسور الييتي تييأتي بعييدها‪ ،‬هييو طريييق سييلمة‬
‫القلب‪ ...‬فاقرأ أخي المسلم هييذه السييور واحفظهييا‬
‫بنية سلمة القلب‪.‬‬
‫وميين هنييا نفهييم لميياذا بييدأت السييورة بالقسييم‬
‫بالقرآن‪ ،‬لنه أكبر معين على سلمة القلب وبالتالي‬
‫حسن الختيار بين الطريقين‪ .‬وبالمناسييبة‪ ،‬ل بييد أن‬
‫نذكر أن سور ق والذاريات والطور والنجم قد بدأت‬
‫كلهييا بالقسييم‪ ،‬واللطيييف أن أهييداف هييذه السييور‬
‫متعلقة باليات التي فيها قسم‪ ،‬كما رأينا في سييورة‬
‫ق‪...‬‬

‫سورة الذاريات )ففروا إلى الله(‬


‫سورة البقرة‬ ‫‪560‬‬

‫سو‬ ‫وتركز سورة الذاريات على أن اليرزق بييد الليه‪،‬‬


‫رة‬ ‫وأن العطاء والمنع بأمر من اللييه‪ ،‬وذلييك فييي الييدنيا‬
‫الييذاريا‬ ‫والخرة‪ ..‬فإذا انحرفييت عيين طريييق اللييه وطيياعته‪،‬‬
‫فيييأين سيييتذهب؟ أي أرض سيييتقلك؟ وأي سيييماء‬
‫سييتظلك؟‪ ..‬لييذلك نييرى فييي بداييية السييورة قسييما ً‬
‫بأربعة أمور‪:‬‬
‫والذاريات ذروًا‪ :‬وهي الرياح الشديدة التي تفتت‬
‫السحاب فتمنع نزول المطر‬
‫فالحاملت وقرًا‪ :‬هي رييياح شييديدة أيض يًا‪ ،‬لكنهييا‬
‫تجمع السحاب فتسبب نييزول المطيير‪ ،‬فهييي عكييس‬
‫الييذاريات تمامييًا‪ .‬وهكييذا نييرى أن السييورة ابتييدأت‬
‫بييآيتين‪ ،‬تمثلن العطيياء والمنييع فييي الييرزق‪ ،‬وكأنهييا‬
‫تقول لك أيضًا‪ :‬اختر بينهما‪...‬‬
‫ففييي سييورة ق‪ ،‬كييانت رسييالة السييورة‪ :‬الجنيية‬
‫اقتربت‪ ،‬والنار تنادي على أهلها‪ ،‬فاختر بينهما‪.‬‬
‫أمييا فييي سييورة الييذاريات فالرسييالة واضييحة‪:‬‬
‫العطاء والمنع بيد الله تعالى‪ ،‬لذلك سميت السييورة‬
‫بهييذا السييم حييتى تتييذكر أن اللييه تعييالى سيييمنعك‬
‫الييرزق ويرسييل عليييك الييذاريات إن أعرضييت عيين‬
‫طريق الله‪ ..‬أرأيت روعة القرآن ووضوح آياته؟‬
‫ونتابع مع القسم الذي ذكر في بداية السورة‪:‬‬
‫فالجاريات يسرًا‪ :‬هييي السييفن الييتي تجييري فييي‬
‫البحر بأرزاق العباد‬
‫‪561‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫فالمقسييمات أمييرًا‪ :‬هييي الملئكيية الييتي تقسييم‬


‫الرزق بين العباد‬
‫وكأن هذا القسم يسألك أيهييا النسييان‪ :‬ميين هييو‬
‫المعطي والنافع؟ ومن هو النافع والضييار؟ إن الييذي‬
‫أمر الملئكة بتقسيم الرزاق‪ ،‬وأمر الرياح أن تجمييع‬
‫السييييحب أو أن تفتتهييييا‪ ،‬ودب ّيييير للعبيييياد أقييييواتهم‬
‫وحييوائجهم‪ ،‬هييو أولييى بييأن نختييار طريقييه علييى مييا‬
‫سواه‪ ،‬لن وعييده حييق‪ ،‬ولقيياءه حييق‪ ،‬والجنيية حييق‪،‬‬
‫ت‬ ‫مل َ ٰـــ ِ‬‫ح ٰـ ِ‬ ‫ف ‪‬ٱل ْ َ‬
‫ت ذَْروا ً َ‬ ‫ري َ ٰـــ ِ‬ ‫‪‬ٱلذ ِ‬ ‫و‬‫والنييار حييق‪َ :‬‬
‫مرا ً‬ ‫َ‬
‫تأ ْ‬ ‫م ٰـ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ّ‬ ‫م َ‬ ‫ف ٱل ْ ُ‬‫سرا ً ‪َ ‬‬‫ت يُ ْ‬ ‫ري َ ٰـ ِ‬ ‫ف ٱل ْ َ‬
‫ج ٰـ ِ‬ ‫قرا ً ‪َ ‬‬‫و ْ‬ ‫ِ‬
‫ع‪‬‬ ‫قـ ٌ‬‫وا ِ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫دي َ‬‫ن ٱل ـ ّ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫دق ٌ ‪َ ‬‬
‫ص ٰـ ِ‬‫ن لَ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬‫ما ُتو َ‬ ‫‪‬إ ِن ّ َ‬
‫‪..((1-6‬‬
‫ففروا إلى الله‬
‫وكما بدأت السورة بذكر أسباب الرزق التي هي‬
‫بيد اللييه تعييالى‪ ،‬فإنهييا تطمئن المييؤمنين أن رزقهييم‬
‫فى‬ ‫و ِ‬ ‫محفييوظ فييي السييماء وليين يضيييع منهييم‪َ  ،‬‬
‫ب‬ ‫وَر ّ‬ ‫فـــ َ‬ ‫ن‪َ ‬‬‫دو َ‬ ‫عـــ ُ‬‫مـــا ُتو َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫قك ُـــ ْ‬ ‫رْز ُ‬ ‫ماء ِ‬ ‫ســـ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫مــا أن ّك ُـ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْـ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ض إ ِن ّـ ُ‬ ‫و ٱلْر ِ‬ ‫ماء َ‬ ‫سـ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ن‪ ..( (22-23‬ألم تصدق بعد‪...‬حتى بعد كييل‬ ‫قو َ‬ ‫َتنطِ ُ‬
‫هييذا القسييم ميين اللييه تعييالى؟ اسييمع إذا ً الييية‬
‫َ‬
‫ن‬
‫عو َ‬ ‫ســ ُ‬
‫مو ِ‬ ‫وإ ِّنــا ل َ ُ‬‫د َ‬ ‫ها ب ِأْيــ ٍ‬ ‫ماء ب َن َي ْن َ ٰـــ َ‬ ‫ســ َ‬ ‫‪‬ٱل ّ‬ ‫و‬
‫َ‬
‫مــن‬ ‫و ِ‬ ‫ْ‬ ‫ها َ‬ ‫فَر ْ‬‫ض َ‬ ‫َ‬
‫ن‪َ ‬‬ ‫دو َ‬ ‫ه ُ‬‫م ٰـ ـ ِ‬ ‫م ٱل َ‬ ‫عـ َ‬ ‫فن ِ ْ‬ ‫شن َ ٰـ َ‬ ‫و ٱلْر َ‬ ‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫م ت َـذَك ُّرو َ‬ ‫عل ّك ُـ ْ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫جي ْـ ِ‬ ‫و َ‬ ‫قن َــا َز ْ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ىء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫‪ ...((47-49‬بعد أن أيقنت أن العطاء والمنييع بيييد اللييه‪،‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪562‬‬

‫ن‬‫مِبي ـ ٌ‬
‫ذيٌر ّ‬ ‫ه ن َـ ِ‬‫من ْ ُ‬‫م ّ‬ ‫فّروا ْ إ َِلى ٱلله إ ِّنى ل َك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫‪ ( (50‬آية رائعة ومحورية في السورة‪ ...‬فروا إلييى‬
‫الله يا مؤمنين‪ ..‬إلجأوا إليه واختاروا طريقه‪..‬‬
‫ما‬‫و َ‬
‫لذلك تييأتي آيييات كييثيرة بنفييس المعنييى‪َ  :‬‬
‫ن‪ ( (56‬هذا‬ ‫دو ِ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫س إ ِل ّ ل ِي َ ْ‬ ‫لن َ‬ ‫وٱ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ٱل ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬
‫َ‬
‫هو الهدف الساسييي ميين خلقييك‪ ،‬أن تختييار طريييق‬
‫ُ‬
‫مــن‬ ‫هــم ّ‬‫من ْ ُ‬‫ريدُ ِ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫العبودييية للييه‪ .‬وبعييد ذلييك ‪َ ‬‬
‫و‬
‫هــ َ‬‫ن ٱللــه ُ‬ ‫ن ‪ ‬إِ ّ‬ ‫مــو ِ‬ ‫ع ُ‬‫ريــدُ َأن ي ُطْ ِ‬ ‫ُ‬
‫مــا أ ِ‬ ‫و َ‬
‫ق َ‬ ‫ّرْز ٍ‬
‫ن‪.( (58‬‬ ‫مِتي ُ‬ ‫ة ٱل ْ َ‬‫و ِ‬ ‫ذو ٱل ْ ُ‬
‫ق ّ‬ ‫ٱلّرّزاقُ ُ‬
‫أرأيت كيف تدور سورة الذاريات فييي كييل آياتهييا‬
‫حول نفس المحور‪ :‬اخييتر طريييق اللييه لن اللييه هييو‬
‫الرزاق‪...‬‬
‫كرم إبراهيم لثقته بكرم الله‬
‫وحييتى قصيية إبراهيييم الييتي أتييت فييي السييورة‬
‫مناسبة لجو الرزق‪ .‬ففي هذه القصيية‪ ،‬نييرى بشييارة‬
‫الملئكة لزوجته ‪ -‬رغييم كييبر سيينها وعقمهييا ‪ -‬بييرزق‬
‫من نييوع جديييد‪ :‬الولييد‪ .‬وكييأن السييورة تحييدثت عيين‬
‫الييرزق ميين جميييع جييوانبه‪ ،‬اسييمع قييوله تعييالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫فأ َ ْ‬
‫هــا‬ ‫ه َ‬‫ج َ‬‫و ْ‬ ‫صــك ّ ْ‬
‫ت َ‬ ‫ف َ‬‫ة َ‬ ‫صّر ٍ‬
‫فى َ‬ ‫ه ِ‬ ‫مَرأت ُ ُ‬ ‫تٱ ْ‬ ‫قب َل َ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫م‪ ( (29‬فتعجبت أن تلييد فييي‬ ‫قي ٌ‬‫ع ِ‬ ‫جوٌز َ‬ ‫ع ُ‬‫ت َ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫هذه الظييروف‪ ،‬لكيين الملئكيية قييالت لهييا‪ :‬ك َذَل ِ ِ‬
‫م‪.( (30‬‬ ‫عِلي ُ‬‫م ٱل ْ َ‬ ‫كي ُ‬ ‫و ٱل ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك إ ِن ّ ُ‬ ‫ل َرب ّ ِ‬ ‫قا َ‬‫َ‬
‫وحتى كلمات القصة نفسها تخييدم هييذا المعنييى‪،‬‬
‫‪563‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫فنرى فيها كرم سيدنا إبراهيم‬


‫م‬ ‫هيـــ َ‬ ‫ف إ ِب ْ ٰر ِ‬‫ضـــي ْ ِ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ُ‬ ‫حـــ ِ‬
‫ك َ‬ ‫ل أ ََتـــا َ‬ ‫هـــ ْ‬ ‫‪َ‬‬
‫سل َ ٰـــما ً‬ ‫قــاُلوا ْ َ‬ ‫ف َ‬‫ه َ‬‫عل َي ْـ ِ‬
‫خل ُــوا ْ َ‬
‫نإ ‪ِ ‬ذْ دَ َ‬
‫مي ـ َ‬ ‫مك َْر ِ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ه‬ ‫غ إ ِل َـ ٰى أ َ ْ‬
‫هل ِـ ِ‬ ‫منك َـُرو َ‬
‫نـ‪َ‬را َ‬
‫ف‬ ‫م ّ‬ ‫و ٌ‬‫قـ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ ٰـ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ ( (24-26‬فتلحييظ ميين هييذه‬ ‫مي ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ع ْ‬ ‫جاء ب ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬
‫الية سرعة إبراهيم في إعييداد الضيييافة ‪‬فَ يَراغَ ‪‬‬
‫ن‪‬‬ ‫مي ٍ‬ ‫سي ِ‬
‫ل َ‬ ‫جي ٍ‬‫بالضافة إلييى كرمييه فييي كلميية ‪‬ب ِعِ ْ‬
‫التي لم تأت في القرآن إل هنا‪ ...‬فكأن المعنى‪ :‬ثييق‬
‫بييأن اللييه هييو الييرزاق‪ ،‬وثييق بييالكرم اللهييي‪ ،‬وكيين‬
‫كريمًا‪...‬‬

‫سورة الطور )كل امرئ بما كسب رهين(‬


‫سو‬ ‫وامتدادا ً لقضية الختيار‪ ،‬تركز سورة الطور على‬
‫رة‬ ‫أن مصير كل إنسييان فييي الخييرة رهيين بمييا كسييب‬
‫الطور‬ ‫وعمل في الدنيا‪ ،‬لييذلك كييانت الييية المحورييية فيهييا‬
‫ن‬‫هي ٌ‬ ‫ب َر َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫رىء ب ِ َ‬ ‫م ِ‬‫لٱ ْ‬ ‫هي قوله تعالى‪ :‬ك ُ ّ‬
‫‪.( (21‬‬
‫ذ‬
‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬ ‫ل ي َـ ْ‬ ‫وي ْ ٌ‬ ‫ف َ‬‫فالمكذبون سيلقون مصيرهم‪َ  :‬‬
‫ن‬‫عب ُــو َ‬ ‫ض ي َل ْ َ‬ ‫و ٍ‬ ‫خـ ْ‬‫فــى َ‬ ‫م ِ‬ ‫هـ ْ‬‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ‪ ‬ٱل ّـ ِ‬‫مك َذِّبي َ‬ ‫ل ّل ْ ُ‬
‫ه ٱلّنــاُر‬ ‫ذ ِ‬ ‫هـــٰ ِ‬ ‫عا ‪َ ‬‬ ‫م دَ ّ‬ ‫هن ّ َ‬‫ج َ‬‫ر َ‬ ‫ن إ ِل َ ٰى َنا ِ‬ ‫عو َ‬ ‫م ي ُدَ ّ‬ ‫و َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ه ٰــ َ َ‬ ‫نأ‪َ َ ‬‬ ‫ٱل ّت ِــى ُ‬
‫م‬ ‫ذا أ ْ‬ ‫حٌر َ‬ ‫سـ ْ‬‫ف ِ‬ ‫هــا ت ُك َـذُّبو َ‬ ‫كنت ُــم ب ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫و لَ‬ ‫ص ـب ُِروا ْ أ ْ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫و َ‬‫ص ـل َ ْ‬ ‫ن‪‬ٱ ْ‬ ‫صـُرو َ‬ ‫م ل َ ت ُب ْ ِ‬‫أنت ُـ ْ‬
‫م‪.( (11-16‬‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫واء َ‬ ‫س َ‬‫صب ُِروا ْ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن‬ ‫قي َ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫وبالمقابل نرى مصير المتقين ‪‬إ ِ ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪564‬‬

‫م‬ ‫هـ ْ‬
‫م َرب ّ ُ‬‫ه ْ‬‫ما ءات َ ٰـ ـ ُ‬ ‫ن بِ َ‬
‫هي َ‬ ‫عيم ٍ َ‬
‫ف ‪ٰ ‬ـك ِ ِ‬ ‫ون َ ِ‬‫ت َ‬ ‫جن ّ ٰـ ٍ‬
‫فى َ‬ ‫ِ‬
‫حيـــم ‪ ‬ك ُُلـــوا ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫عـــ َ‬ ‫م َ‬ ‫هـــ ْ‬ ‫م َرب ّ ُ‬ ‫ه ْ‬‫قــــٰ ُ‬‫و َ‬
‫و َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ن‪.( (17-19‬‬ ‫ُ‬
‫ملــو َ‬ ‫ع َ‬‫م تَ ْ‬‫كنت ُـ ْ‬‫مــا ُ‬ ‫ً‬
‫هِنيئ َا ب ِ َ‬ ‫ْ‬
‫شَرُبوا َ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫َ‬
‫عكس صفات المييؤمنين تماميًا‪ ،‬لتقييول لييك اليييات‪:‬‬
‫اختر لنفسك بينهما‪...‬‬
‫وهذه المقابلة المستمرة بين الفريقين في سور‬
‫القرآن‪ ،‬لها في نفوس المؤمنين وقييع شييديد‪ ،‬وهييي‬
‫من أسرار تييأثير آيييات القييرآن علييى المييؤمنين‪ .‬ثييم‬
‫ترينا اليات لماذا فاز أولئك المؤمنون‪:‬‬
‫ن‬‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫شـ ِ‬ ‫م ْ‬‫هل ِن َــا ُ‬‫فى أ َ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫قاُلوا ْ إ ِّنا ك ُّنا َ‬
‫‪َ ‬‬
‫موم ِ ‪ ‬إ ِّنــا‬ ‫س ُ‬‫ب ٱل ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫ع َ‬‫قـَٰنا َ‬ ‫و َ‬‫و َ‬‫عل َي َْنا َ‬
‫ن ٱلله َ‬ ‫م ّ‬
‫ف َ‬ ‫َ‬
‫م‪‬‬ ‫حي ـ ُ‬ ‫و ٱل ْب َـّر ٱلّر ِ‬ ‫ه َ‬
‫ه ُ‬‫عوهُ إ ِن ّ ُ‬‫ل ن َدْ ُ‬ ‫قب ْ ُ‬‫من َ‬ ‫ك ُّنا ِ‬
‫‪ ((26-28‬ألييم تخييتر بعييد‪...‬؟ ألييم تتشييوق لتكييون مييع‬
‫هؤلء‪...‬؟‬
‫سور تسّلم بعضها‬
‫ومن لطائف القرآن‪ ،‬أن سورة الطور ختمت بما‬
‫يتناسب مع بدايتها وبداية السورة الييتي تليهييا‪ .‬ففييي‬
‫وإ ِدْب َ ٰـــَر‬
‫ه َ‬
‫ح ُ‬
‫ســب ّ ْ‬‫ف َ‬ ‫ن ٱل ّْيــ ِ‬
‫ل َ‬ ‫‪ِ‬‬
‫مــ َ‬‫و‬‫قييوله تعييالى َ‬
‫جوم ِ‪ ( (49‬جو من التسييبيح فييي الليييل‪ ،‬الييذي‬ ‫ٱلن ّ ُ‬
‫ر ‪ ‬وهييو الجبييل‬ ‫و ٱلطّــو ِ‬‫يناسب بداية السييورة ‪َ ‬‬
‫الذي كلم الله به موسى ليل ً وكلفه بالرسالة‪...‬‬
‫وختام سورة الطييور كييان فييي قييوله ‪َ ‬‬
‫وإ ِدْب َ ٰـَر‬
‫جــوم ِ‪ ‬بينمييا نييرى فييي بداييية سييورة النجييم‪:‬‬‫ٱلن ّ ُ‬
‫‪565‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫و ٰى ‪ ‬وكأن سيور القيرآن تسيّلم‬


‫ه َ‬ ‫جم ِ إ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫و‪‬ٱلن ّ ْ‬
‫َ‬
‫بعضها البعض‪.‬‬

‫سورة النجم )العلم والمعرفة من الله(‬


‫سو‬ ‫وتتحدث سورة النجم عن الختيار أيضًا‪ ،‬لكن بين‬
‫رة‬ ‫مصيييييييييييييييييييييييييييدرين مييييييييييييييييييييييييييين‬
‫النجم‬ ‫مصادر العلم والمعرفة‪ :‬بين ميا هيو وحيي مين عنيد‬
‫الله تعالى‪ ،‬وبين ما هو شكوك وأوهام‪..‬‬
‫وما ينطق عن الهوى‬
‫وأوثق علم وأحكم معرفة هو ما كييان وحي يا ً ميين‬
‫الله إلييى رسييوله الكريييم‪ ،‬لييذلك تقييول اليييات عيين‬
‫و‬
‫هــ َ‬
‫ن ُ‬ ‫و ٰى ‪ ‬إ ِ ْ‬ ‫هــ َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬‫ع ِ‬‫ق َ‬‫ما َينطِ ُ‬ ‫‪َ‬‬
‫و‬
‫رسول الله َ‬
‫و ٰى‪( (3-5‬‬ ‫قــ َ‬‫ديدُ ٱل ْ ُ‬ ‫شــ ِ‬‫ه َ‬ ‫عل ّ َ‬
‫م ُ‬ ‫ح ٰى ‪َ ‬‬‫ى ُيو َ‬
‫ح ٌ‬ ‫إ ِل ّ َ‬
‫و ْ‬
‫فطريق الوحي الييذي ينقلييه جبريييل عيين رب العييزة‬
‫جل وعل هو أوثق الطرق للعلم والمعرفة‪...‬‬
‫ثم تعييرض السييورة طرفيا ً ميين حادثيية المعييراج‪،‬‬
‫لنها حادثة كان فيها معرفة ورؤييية حقيقييية وليسييت‬
‫مقتصرة على الخبار والنقل‬
‫ق‬‫ف ِ‬ ‫و ِبـــ ٱل ُ ُ‬ ‫هـــ َ‬ ‫و ُ‬
‫و ٰى َ ‪‬‬ ‫ســـت َ َ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫ة َ‬‫مـــّر ٍ‬ ‫ذو ِ‬ ‫ُ‪‬‬
‫ن‬ ‫ســي ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ب َ‬
‫ق ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬‫فت َدَل ّ ٰى ‪َ ‬‬ ‫م دََنا َ‬ ‫عل َ ٰىث ُ ‪ّ ‬‬ ‫ٱل َ ْ‬
‫مــا‬ ‫َ‬ ‫ح ٰىإ ِل َـ ٰى َ‬ ‫أ َو أ َدن َ َ َ‬
‫ح ـ ٰى ‪َ ‬‬ ‫و َ‬ ‫مــا أ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫د ِ‬
‫عب ْـ ِ‬ ‫ى َ‪‬‬ ‫و‬
‫فـ ٰأ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫مــا‬ ‫عل َـ ٰى َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ٰــُرون َ ُ‬ ‫ىت‪َ ُ ‬‬‫مــا َرأ َ ٰأ َ َ‬
‫ف‬ ‫ؤادُ َ‬‫فـ َ‬ ‫ب ٱل ْ ُ‬ ‫ك َذَ َ‬
‫ة‬
‫س ـدَْر ِ‬ ‫عن ـدَ ِ‬ ‫خ ـَر ٰى ‪ِ ‬‬ ‫ة أُ ْ‬ ‫ق ـدْ َرءاهُ ن َْزل َ ـ ً‬ ‫ول َ َ‬‫ر ٰى َ‪‬‬ ‫يَـ َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪566‬‬

‫ه ٰى‪.( (6-14...‬‬ ‫منت َ َ‬‫ٱل ْ ُ‬


‫وكأنها تقول للكافرين‪ :‬كيف تكذبون رسول الله‪،‬‬
‫وقد رأى فييي هييذه الحادثيية ميين آيييات ربييه الكييبرى‬
‫َ‬ ‫غـ ٰىل َ ‪َ ‬‬
‫مــا طَ َ‬
‫ن‬ ‫مـ ْ‬
‫قـدْ َرأ ٰى ِ‬ ‫و َ‬ ‫غ ٱل ْب َ َ‬
‫صـُر َ‬ ‫‪َ ‬زا َ‬ ‫ما‬‫َ‬
‫ه ٱل ْك ُب َْر ٰى‪ .( (17-18‬كيف تكذبون رجل ً‬ ‫ت َرب ّ ِ‬ ‫ءاي َ ٰـ ِ‬
‫مصييييدر علمييييه ومعرفتييييه رب العييييزة سييييبحانه‬
‫وتعالى‪...‬؟!‬
‫ختام المنهج‪ :‬العلم والتثبت سمة المنهج‬
‫علمهم أوهام‬
‫ويتكييرر ذكيير العلييم فييي سييورة النجييم بشييكل‬
‫واضيييييييييح‪ ،‬وأهميييييييييية التثبيييييييييت فييييييييييه‬
‫وأخذه عن مصادره الصلية‪ .‬فالسورة تعرض أمامنيا‬
‫طريقيييييييييييييين‪ :‬طرييييييييييييييق اليييييييييييييوحي‬
‫الذي رأيناه في أول السييورة‪ ،‬وطريييق أولئك الييذين‬
‫يتبعيييييييييييييون الظييييييييييييين والوهيييييييييييييام‪:‬‬
‫س‬ ‫ن إل ّ ٱلظّـن ومـا ت َهـوى ٱ َ‬
‫لن ُ‬
‫فـ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ َ َ‬ ‫عو َ ِ‬ ‫‪ِ‬إن ي َت ّب ِ ُ‬
‫ه ـدَ ٰى‪ .( (23‬فييأي‬ ‫م ٱل ْ ُ‬‫هـ ُ‬
‫مــن ّرب ّ ِ‬ ‫هم ّ‬‫جــاء ُ‬ ‫ول َ َ‬
‫قدْ َ‬ ‫َ‬
‫دليل أمام هؤلء؟! إنهم يعتمدون على مصادر واهية‬
‫جييييييييييييييييييييييييييدًا‪ ،‬كييييييييييييييييييييييييييالتمني‬
‫من ّ ٰى‪.( (24‬‬ ‫َ‬
‫ما ت َ َ‬
‫ن َ‬‫س ٰـ ِ‬ ‫‪ِ ‬للن َ‬ ‫م‬
‫أ ْ‬
‫وتمضي السورة فييي ذكيير تخبطهييم وشييكوكهم‪:‬‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫ة ل َي ُ َ‬
‫سـ ّ‬ ‫ن ب ِ ـ ٱل َ ِ‬
‫خَر ِ‬ ‫من ُــو َ‬ ‫ن ل َ يُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ّ‬
‫ٱلــ ِ‬ ‫‪‬إ ِ ّ‬
‫ة ٱ ُ‬ ‫مل َ ٰـئ ِك َ َ‬
‫لنث َ ٰى‪ .( (27‬فهم يتخبطون‬ ‫مي َ َ‬
‫س ِ‬‫ة تَ ْ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫‪567‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ن‬
‫وإ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ظــ ّ‬ ‫ن إ ِل ّ ٱل ّ‬ ‫عو َ‬ ‫في ريبهم وظنهم ‪ِ‬إن ي َت ّب ِ ُ‬
‫ش ـْيئا ً‪ ،( (28‬ـ إلييى‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫غِنى ِ‬ ‫ن ل َ يُ ْ‬ ‫ٱلظّ ّ‬
‫أن تصل بنا السورة إلى إثبات سطحيتهم ومعرفتهم‬
‫ك‬‫ن َرب ّـ َ‬ ‫عل ْـم ِ إ ِ ّ‬‫ن ٱل ْ ِ‬ ‫مـ َ‬‫م ّ‬ ‫هـ ْ‬‫غ ُ‬ ‫مب ْل َ ُ‬ ‫الضئيلة‪ :‬ذَل ِ َ‬
‫ك َ‬
‫م‬ ‫و أَ ْ‬
‫عل َـ ُ‬ ‫هـ َ‬ ‫و ُ‬‫ه َ‬ ‫س ـِبيل ِ ِ‬
‫عــن َ‬ ‫ل َ‬‫ضـ ّ‬ ‫مــن َ‬ ‫م بِ َ‬‫عل َ ُ‬‫و أَ ْ‬
‫ه َ‬‫ُ‬
‫هت َدَ ٰى‪..( (3‬‬ ‫ن ٱ ْ‬ ‫م ِ‬‫بِ َ‬
‫وكأن رسالة هذه السييورة‪ :‬وثييق مصييادرك قبييل‬
‫الحديث عن العلم وقبل إعطاء الحكام‪.‬‬
‫لماذا النجم؟‬
‫ويييأتي سييؤال‪ :‬لميياذا سييميت السييورة بسييورة‬
‫و ٰى‬ ‫ه َ‬
‫ذا َ‬ ‫‪‬ٱلن ّ ْ‬
‫جم ِ إ ِ َ‬ ‫و‬
‫النجم؟ ولماذا بدأت بالقسم َ‬
‫‪( (1‬؟ وما علقة ذلك بالعلم؟‬
‫إن القسيييم بيييالنجم ييييوحي أن النجيييم يهيييوي‬
‫‪ (‬أتييى بمنهييج ل يهييوي ول‬ ‫ويسقط‪ ،‬لكن صاحبكم )‬
‫حب ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ص ٰـــ ِ‬‫ل َ‬ ‫ض ّ‬
‫ما َ‬
‫‪‬‬‫يسقط أبدًا‪ ،‬لذلك قال تعالى‪َ :‬‬
‫و ٰى‪ ..( (2‬فهذا المنهج هو من عند الله وهو‬ ‫ما َ‬
‫غ َ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫أقيييوى مييين السيييماوات والرض‪ ،‬مقابلييية عظيمييية‬
‫ومعنى رائع‪ ،‬أن هذا الدين وهييذا الييوحي أقييوى ميين‬
‫الشمس وأرسخ من النجوم التي نراها بأعيننا‪.‬‬
‫نعمة العلم الموثوق‬
‫ول يشعر بنعمة تلقي العلم عن الوحي والقييرآن‬
‫إل ميين جييالس أناسيا ً ميين الغييرب‪ ،‬مميين اقتصييرت‬
‫مصادر علمهم على المور المادية‪ ...‬فيرى أفكارهم‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪568‬‬

‫وشيية وتخّبطهييم فييي أيسيير القضييايا وأبسييط‬ ‫المش ّ‬


‫المسلمات التي أجاب عنها السييلم‪ ...‬لييذلك عليييك‬
‫أخي المسلم‪ ،‬بعد أن قرأت سورة النجم‪ ،‬أن تختييار‬
‫مصدر معلوماتك‪ ،‬وأن تبني علمك وعملك على هييذا‬
‫المصدر‪ ،‬حتى يجزيك الله عيين ذلييك خييير الجييزاء‪...‬‬
‫ض‬ ‫َ‬
‫فــى ٱل ْر ِ‬ ‫مــا ِ‬‫و َ‬
‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫فى ٱل ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ولله َ‬ ‫‪‬‬‫َ‬
‫َ‬
‫زى‬ ‫جـ ِ‬ ‫مل ُــوا ْ َ‬
‫وي ِ ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫ســاءوا ْ ب ِ َ‬
‫مــا َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ذي َ‬‫ى ٱل ّ ـ ِ‬ ‫ز َ‬ ‫جـ ِ‬‫ل ِي َ ْ‬
‫َ‬
‫سَنى‪.( (31‬‬ ‫سُنوا ْ ب ِٱل ْ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ٱل ّ ِ‬
‫ترابط السور‬
‫دوا ْ للـــه‬ ‫ج ُ‬
‫ســـ ُ‬
‫فٱ ْ‬ ‫وتختيييم سيييورة النجيييم ‪َ ‬‬
‫دوا ْ‪ ( (62‬بمييا يتناسييب مييع بداييية سييورة‬ ‫عب ُ ـ ُ‬
‫وٱ ْ‬
‫َ‬
‫مُر ‪‬‬‫ق َ‬ ‫ْ‬
‫ق ٱل َ‬ ‫ش ّ‬ ‫و ٱن َ‬‫ة َ‬
‫ع ُ‬
‫سا َ‬‫ت ٱل ّ‬ ‫القمر ‪‬ٱ ْ‬
‫قت ََرب َ ِ‬
‫‪ .((1‬وكأن العلقة بينهمييا‪ :‬أسييجدوا لربكييم واعبييدوه‪،‬‬
‫استعدادا ً لليوم الخر وقدوم الساعة الييتي دل علييى‬
‫اقترابها نزول سورة القمر‪..‬‬
‫النعم‪ ...‬والنقم‬
‫وتأتي فييي الجييزء ‪ 27‬سييورتان‪ ،‬تكملن بعضييهما‬
‫البعض بين سور الختيار‪ ...‬سورتا القميير والرحميين‪.‬‬
‫فسورة القمر هدفها‪" :‬تع يّرف علييى اللييه ميين خلل‬
‫النقم" بينما سورة الرحمن "تع يّرف علييى اللييه ميين‬
‫خلل النعم"‪.‬‬

‫سورة القمر‬
‫‪569‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫سو‬ ‫ورسيييالة هيييذه السيييورة أيضيييًا‪ :‬اخيييتر بيييين‬


‫رة‬ ‫الطريقين‪ ...‬أنظر إلى نقمة الله على المم الكافرة‬
‫من قبلك واختر أن تتبع طريقهم أو أن تبتعد عنه‪...‬‬
‫القمر‬
‫ح‬ ‫م ن ُــو ٍ‬ ‫و ُ‬ ‫قـ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫قب ْل َ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫فقييوم نييوح مثل ً ‪‬ك َذّب َ ْ‬
‫جَر‪،( (9..‬‬ ‫و ٱْزدُ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫قاُلوا ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫عب ْدََنا َ‬ ‫فك َذُّبوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫عا رب َ‬
‫ب‬ ‫غل ُــو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ه أّنى َ‬ ‫فدَ َ َ ّ ُ‬ ‫فدعا عليهم سيدنا نوح‪َ  :‬‬
‫حَنا‬ ‫فت َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫صْر‪ ( (10‬فماذا كانت النتيجيية؟ ‪َ ‬‬ ‫ف ٱنت َ ِ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫جْرَنــا ٱل ْر َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ر‪َ ‬‬ ‫م ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ َ‬‫ماء ّ‬ ‫ماء ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ٱل ّ‬ ‫أْبوٰ َ‬
‫َ‬
‫دَر ‪‬‬ ‫قـ ِ‬ ‫ق ـدْ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫مـ ٍ‬ ‫عل َـ ٰى أ ْ‬ ‫مــاء َ‬ ‫ٱ َ‬‫قى ل‬ ‫فال ْت َ َ‬ ‫عُيونا ً َ‬ ‫ُ‬
‫‪.((12‬‬
‫ثم ننتقل إلى صورة أخرى من صييور نقميية اللييه‬
‫ن‬ ‫ف ك َــا َ‬ ‫فك َي ْـ َ‬ ‫عــادٌ َ‬ ‫ت َ‬ ‫تعالى على المكذبين‪ :‬ك َذّب َ ْ‬
‫صرا ً‬ ‫َ‬
‫صْر َ‬ ‫ريحا ً َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫سل َْنا َ َ‬ ‫ر ‪ ‬إ ِّنا أْر َ‬ ‫ون ُذُ ِ‬ ‫ذاِبى َ‬ ‫ع َ‬‫َ‬
‫مّر‪.( (18-19‬‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ح ٍ‬ ‫وم ِ ن َ ْ‬ ‫فى ي َ ْ‬ ‫ِ‬
‫ر‪( (23‬‬ ‫مــودُ ب ِٱلن ّـذُ ِ‬ ‫ت ثَ ُ‬ ‫أما قوم ثمييود ‪‬ك َذّب َ ْ‬
‫ســل َْنا‬ ‫َ‬
‫فكييانت عاقبيية تكييذيبهم شييديدة ‪‬إ ِّنــا أْر َ‬
‫شـــيم ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫كـــاُنوا ْ ك َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫حـــدَةً َ‬ ‫ة ٰو ِ‬ ‫ح ً‬ ‫صـــي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫هـــ ْ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫َ َ‬
‫ر‪.( (31‬‬ ‫حت َظِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ر ‪ ‬إ ِن ّــا‬ ‫ط ب ِٱلن ّـذُ ِ‬ ‫م ل ُــو ٍ‬ ‫و ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت َ‬ ‫وقوم لوط ‪‬ك َذّب َ ْ‬
‫َ‬
‫هم‬ ‫جي ْن َ ٰـ ـ ُ‬ ‫ط نّ ّ‬ ‫ل ل ُــو ٍ‬ ‫صبا ً إ ِل ّ آ َ‬ ‫ح ٰـ ـ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫سل َْنا َ َ‬ ‫أْر َ‬
‫ر‪.( (34‬‬ ‫ح ٍ‬ ‫س َ‬ ‫بِ َ‬
‫ن‬ ‫و َ‬ ‫عــ ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ل ِ‬ ‫جــاء ءا َ‬ ‫قــدْ َ‬ ‫ول َ َ‬‫وقييوم فرعييون ‪َ ‬‬
‫خـ َ‬
‫ذ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫خذْن َ ٰـ ـ ُ‬ ‫فأ َ َ‬ ‫هــا َ‬ ‫ٱلن ّذُك َُرذّ‪ُ‬بوا ْ ِبـَئاي َ ٰـ ـت َِنا ك ُل ّ َ‬
‫ر‪.( (41-42‬‬ ‫د ٍ‬ ‫قت َ ِ‬ ‫م ْ‬‫ز ّ‬ ‫زي ٍ‬ ‫ع ِ‬ ‫ِ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪570‬‬

‫ولقد تركناها آية فهل من مدكر‬


‫ونلحظ في هذه اليييات الييتي تظهيير نقميية اللييه‬
‫تعالى على المم السابقة عوامل مشتركة‪:‬‬
‫أن تكذيب الكافرين هو سبب هلكهم‪ ،‬لذلك نرى‬
‫د‪...‬‬
‫عا ٌ‬‫ت َ‬‫أن ذكر العذاب كان مقرونا ً بكلمة ‪‬ك َذّب َ ْ‬
‫د‪ . ..‬وحييتى كفييار مكيية قييالت عنهييم‬ ‫مــو ُ‬ ‫ت ثَ ُ‬‫ك َذّب َ ْ‬
‫م‪...( (3‬‬ ‫ه ْ‬‫واء ُ‬ ‫عوا ْ أ َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫و ٱت ّب َ ُ‬‫وك َذُّبوا ْ َ‬ ‫اليات ‪َ ‬‬
‫أن كل قوم يكذبون الله ورسله دون أن يتييدبروا‬
‫آيييييييييييييييييييييييييييياته‪ ،‬ييييييييييييييييييييييييييييأتيهم‬
‫العييذاب ويصيييرون هييم أنفسييهم آييية لقييوم آخرييين‬
‫ر‪.( (15‬‬ ‫مدّك ِ ٍ‬‫من ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ة َ‬
‫ف َ‬ ‫ها ءاي َ ً‬ ‫قدْ ت َّرك ْن َ ٰـ َ‬‫ول َ َ‬
‫‪َ‬‬
‫لذلك نرى أن السورة ركزت في بدايتها على آية‬
‫ة‬
‫ع ُ‬‫ســـا َ‬ ‫ت ٱل ّ‬ ‫قت ََرب َـــ ِ‬ ‫قيييد رآهيييا كفيييار مكييية ‪‬ٱ ْ‬
‫مُر‪ ( (1‬وكأنها تقول لهييم‪ :‬بعييد أن‬ ‫ق َ‬‫ق ٱل ْ َ‬ ‫ش ّ‬ ‫و ٱن َ‬ ‫َ‬
‫رأيتييم هييذه الييية العظيميية‪ ،‬إييياكم أن تكييذبوا بهييا‬
‫فتصيروا أنتم آية لمن يعتبر‪ ،‬لكنهم أعرضوا وكييذبوا‪:‬‬
‫حٌر‬ ‫ســ ْ‬ ‫قوُلــوا ْ ِ‬ ‫وي َ ُ‬‫ضــوا ْ َ‬
‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬‫ة يُ ْ‬‫وا ْ ءاَيــ ً‬ ‫وِإن َيــَر ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫مّر‪.( (2‬‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫أن التعقييب عليى كيل قصية مين قصيص الميم‬
‫ف‬ ‫فك َي ْـ َ‬‫السابقة قد احتوى على نفييس الكلمييات ‪َ ‬‬
‫ن‬‫ق ـْرءا َ‬ ‫سـْرَنا ٱل ْ ُ‬ ‫قـدْ ي َ ّ‬‫ول َ َ‬‫ر‪َ ‬‬ ‫ون ُـذُ ِ‬
‫ذاِبى َ‬ ‫عـ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ك َــا َ‬
‫ر‪.( (21-22‬‬ ‫مدّك ِ ٍ‬ ‫من ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف َ‬‫ر َ‬ ‫ِللذّك ْ ِ‬
‫سنة كونية‬
‫‪571‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ثم تعقب السييورة علييى قصييص المييم السييابقة‬


‫بالشارة أن كفييار مكيية ليسييوا أفضييل ميين القييوام‬
‫م ل َك ُــم‬ ‫خير من أ ُوَلـ ـئ ِك ُ َ‬ ‫السابقة‪ :‬أ َك ُ ّ‬
‫مأ ْ‬‫ْ‬ ‫م َ ْ ٌ ّ ْ ْ‬ ‫ف ٰـُرك ُ ْ‬
‫ر‪ ( (43‬فالقاعييدة واحييدة‪ ،‬لكييل‬ ‫فى ٱلّز ب ُ ِ‬ ‫ب ََراءةٌ ِ‬
‫د‬
‫ق ْ‬ ‫ول َ َ‬
‫من كذب واستكبر‪ ،‬كما فييي قييوله تعييالى‪َ  :‬‬
‫ر‪.( (51‬‬ ‫مدّك ِ ٍ‬ ‫من ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه ْ‬
‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫شي َ ٰـ َ‬ ‫هل َك َْنا أ َ ْ‬
‫أَ ْ‬
‫فإن لم تكفهم تلك اليييات‪ ،‬ميين انشييقاق القميير‬
‫إلييى قصييص المييم السييابقة‪ ،‬فهنيياك آييية أخييرى‬
‫ن ٱل ـدّب َُر ‪‬‬ ‫ول ّــو َ‬‫وي ُ َ‬‫ع َ‬ ‫م ُ‬
‫ج ْ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫هَز ُ‬ ‫سي ُ ْ‬ ‫تتوعدهم ‪َ ‬‬
‫‪ .((45‬إنذار رهيب من الله تعييالى‪ ،‬يشييير إلييى غييزوة‬
‫بدر‪ ،‬وما سيرافقها من هزيمة منكرة لكفار قريييش‪،‬‬
‫ثم إنذار أشد من بدر وميين كييل مييا فييي الييدنيا ميين‬
‫ة‬
‫ع ُ‬
‫ســا َ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬‫ع ـدُ ُ‬ ‫و ِ‬‫م ْ‬‫ة َ‬ ‫ع ُ‬‫ســا َ‬‫ل ٱل ّ‬ ‫مصييائب ‪‬ب َ ِ‬
‫مّر‪.( (46‬‬ ‫ه ٰى َ‬ ‫أ َدْ َ‬
‫وأ َ‬ ‫َ‬
‫ولقد يسرنا القرآن للذكر‬
‫والسورة‪ ،‬أثناء الحديث عن هلك المكذبين‪ ،‬تبّين‬
‫أن القرآن هو السبيل للنجاة من العييذاب‪ ،‬وأن هييذا‬
‫سر للنيياس‪ ،‬حييتى يتييدبروا آييياته ويتعلمييوا‬ ‫القرآن مي ّ‬
‫من‬ ‫ل ِ‬‫ه ْ‬‫ف َ‬ ‫ن ِللذّك ْ ِ‬
‫ر َ‬ ‫سْرَنا ٱل ْ ُ‬
‫قْرءا َ‬ ‫ول َ َ‬
‫قدْ ي َ ّ‬ ‫منها‪َ  .‬‬
‫ر‪ ( (17‬وكأن المعنى‪ :‬إلزم طريق الله‪ ،‬وتعّهد‬ ‫مدّك ِ ٍ‬
‫ّ‬
‫هذا القرآن بالحفظ والرعاية والتييدبر‪ ،‬حييتى تتعييرف‬
‫على الله وتأمن عذابه وتختار طريق الرشاد‪...‬‬

‫سورة الرحمن‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪572‬‬

‫سو‬ ‫وسورة الرحمن تكمل محور سييورة القميير فييي‬


‫رة‬ ‫التعرف على الليه تعيالى مين خلل نعميه‪ ،‬وبالتييالي‬
‫اختيار طريق اليمان‪.‬‬
‫الرحمييي‬
‫هم إخوانك في التكليف‬
‫هذه السورة احتوت على معنى جديد بييين سييور‬
‫القرآن‪ ،‬وهو إشراك الجن مييع النييس فييي التكليييف‬
‫وفي توجيه الخطاب‪ ..‬لذلك نرى فيها خطابا ً مباشرا ً‬
‫َ‬ ‫غ لَ ُ‬‫فُر ُ‬‫ســن َ ْ‬
‫هــا‬ ‫م أي ّ َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫للجيين فييي قييوله تعييالى ‪َ ‬‬
‫ن‪ ..( (31‬وكأنهيييا تقيييول للجييين أيضيييًا‪:‬‬ ‫قل َ ِ‬ ‫ٱلث ّ َ‬
‫"اختاروا"‪ ،‬فقد وضح المنهج وهذه معالمه وآياته بين‬
‫أيديكم‪.‬‬
‫ويييأتي بعييد ذلييك خطيياب آخيير مييوجه للثقلييين‪:‬‬
‫م َأن‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫ســت َطَ ْ‬ ‫نٱ ْ‬ ‫س إِ ِ‬ ‫و ٱلن ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫شَر ٱل ْ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪‬يٰ َ‬
‫ض‬ ‫و ٱل ْر ِ‬
‫َ‬
‫ت َ‬ ‫م ٰــــوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ر ٱل ّ‬ ‫ق َ ٰ‬
‫طـــ ِ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫مــ ْ‬ ‫ذوا ْ ِ‬ ‫َتن ُ‬
‫فـــ ُ‬
‫ن‪.( (32‬‬ ‫ن إ ِل ّ ب ِ ُ ْ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ذوا ْ ل َ َتن ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ف ٱن ُ‬ ‫َ‬
‫سلط ٰـ ٍ‬ ‫ذو َ‬
‫ى‬ ‫وحتى أكييثر آييية تييرددت فييي السييورة ‪َ َ ‬‬
‫فب ِأ ّ‬
‫ن ‪ ‬تخاطب النس والجن على‬ ‫ما ت ُك َذَّبا ِ‬ ‫ءالء َرب ّك ُ َ‬
‫ما ‪ ،‬وتييأمر كلهمييا أن يشييكروا نعييم‬ ‫سواء ‪َ‬رب ّك ُ َ‬
‫الله تعالى ول يكذبوها‪ .‬لذلك عندما نزلت هذه الييية‬
‫قييال عليييه الصييلة والسييلم‪" :‬مييا لييي ل أسييمعكم‬
‫تقولون كما قالت الجن؟"‪ .‬قالوا‪ :‬وما قييالت الجيين؟‬
‫فماذا كان قولهم‪" :‬ل بشيء من نعمك ربنييا نكييذب‪،‬‬
‫فلييك الحمييد"‪ ..‬معنييى رائع وجييواب لطيييف علييى‬
‫مــا ت ُ َ‬ ‫سييؤال‪َ َ  :‬‬
‫ن ‪ .‬ميين‬ ‫كــذَّبا ِ‬ ‫ى ءالء َرب ّك ُ َ‬ ‫فِبــأ ّ‬
‫‪573‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫فضلك‪ ،‬تفكر فيها كلما قرأت سييورة الرحميين وامل‬


‫قلبك وكيانك بنعم الله تعالى وشكرها‪.‬‬
‫لذلك من السنة أن تقول كما‬
‫نعم الله تعالى‬
‫وتمضي السورة في تعداد هييذه النعييم العظيميية‬
‫اليييتي نعييييش معهيييا دون أن نستشيييعر قيمتهيييا‬
‫ن ‪ ‬أ َل ّ‬ ‫ميــَزا َ‬ ‫ع ٱل ْ ِ‬ ‫ضــ َ‬ ‫و َ‬ ‫و َ‬‫هــا َ‬ ‫ع َ‬ ‫ف َ‬‫ماء َر َ‬ ‫ســ َ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‬‫وْز َ‬ ‫مــوا ْ ٱْلــ َ‬ ‫قي ُ‬ ‫وأ َ ِ‬
‫ن‪َ ‬‬ ‫ميــَزا ِ‬ ‫فــى ٱل ْ ِ‬ ‫وا ْ ِ‬ ‫غــ ْ‬ ‫ت َطْ َ‬
‫ن‪.( (7-9‬‬ ‫ميَزا َ‬ ‫سُروا ْ ٱل ْ ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫ول َ ت ُ ْ‬ ‫ط َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ب ِ ٱل ْ ِ‬
‫فميين أهييم نعييم اللييه تعييالى أنييه وضييع ميزانييا ً‬
‫للسماوات والرض وكل المخلوقات‪ ،‬لكيين النسييان‬
‫لما بعييد عيين هييذا الميييزان وطغييى‪ ،‬امتلت بييالظلم‬
‫والفساد‪...‬‬
‫ن‬ ‫قَيا ِ‬‫ن ي َل ْت َ ِ‬
‫حَري ْ ِ‬ ‫ج ٱل ْب َ ْ‬ ‫مَر َ‬ ‫ثم تأتي نعم أخرى ‪َ ‬‬
‫ن‪ ( (19-20‬ووسييط كييل‬ ‫خ ل ّ ي َب ْ ِ‬
‫غي َــا ِ‬ ‫ما ب َـْرَز ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫‪ ‬ب َي ْن َ ُ‬
‫ى ءالء‬ ‫هييذه النعييم يتكييرر نفييس السييؤال‪َ َ  :‬‬
‫فب ِـأ ّ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫ما ت ُك َذَّبا ِ‬ ‫َرب ّك ُ َ‬
‫إختر بينهما‬
‫وبنفس طريقة سور الجزء ‪ 27‬في الختيييار بييين‬
‫الطريقين‪ ،‬يأتي عرض لفئتين ميين النيياس‪ .‬فأولهمييا‬
‫ذ لّ‬ ‫مئ ِ ٍ‬
‫و َ‬
‫فَيــ ْ‬‫هييي الفئة الييتي كييذبت بنعييم اللييه ‪َ ‬‬
‫ذنبـه إنـس ول َ جــان َ َ‬ ‫سـئ َ ُ‬
‫ى ءالء‬ ‫فب ِـأ ّ‬ ‫ّ ‪‬‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ‬ ‫عن َ ِ ِ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫يُ ْ‬
‫م‬‫ه ْ‬
‫م ٰـ ـ ُ‬ ‫سي َ‬ ‫ن بِ ِ‬‫مــو َ‬‫ر ُ‬
‫ج ِ‬ ‫ف ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عَر ُ‬ ‫ما ت ُك َذَّبا ِ‬
‫ني ُ‪ْ ‬‬ ‫َرب ّك ُ َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪574‬‬

‫دام ِ ‪ ‬مشييهد رهيييب‬ ‫ق َ‬‫و ٱل َ ْ‬ ‫صى َ‬ ‫وا ِ‬‫خذُ ب ِٱلن ّ َ‬ ‫ؤ َ‬ ‫َ‬


‫في ُ ْ‬
‫ن‬
‫مــو َ‬
‫ر ُ‬
‫ج ِ‬ ‫هــا ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ب بِ َ‬‫م ٱل ِّتى ي ُك َذّ ُ‬ ‫هن ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ه َ‬‫ذ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫هـٰ ِ‬
‫ن‪.( (39-44‬‬ ‫ميم ٍ ءا ٍ‬ ‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫وب َي ْ َ‬
‫ها َ‬
‫ن ب َي ْن َ َ‬‫فو َ‬ ‫طو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ثم يأتي ذكر أهل الجنيية مباشييرة حييتى يقييع أثيير‬
‫هذه اليات في القلب بشيدة فيسيارع إليى الختييار‬
‫قام ربه جن َّتان َ َ‬
‫ى‬
‫فب ِأ ّ‬ ‫ِ ‪‬‬ ‫م َ َ َ ّ ِ َ‬‫ف َ‬‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ول ِ َ‬
‫السليم‪َ  :‬‬
‫ن‪.( (46-47‬‬‫ما ت ُك َذَّبا ِ‬ ‫ءالء َرب ّك ُ َ‬
‫وللحقيقة هذه السورة ميين أجمييل السييور الييتي‬
‫يتعرف المسلم على نعم ربه بها‪ ،‬فتكون معينا ً على‬
‫اختيار طريق الحق والثبات عليه‪...‬‬

‫واجا ً ث َل َ ٰـث َ ً‬
‫ة(‬ ‫َ‬ ‫و ُ‬
‫م أْز َ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫سورة الواقعة ) َ‬
‫سو‬ ‫وسييورة الواقعيية هييدفها بوضييوح‪ :‬اختيياروا أن‬
‫رة‬ ‫تكونوا بين أحد هذه الصناف الثلثة‪:‬‬
‫الواقعة‬ ‫‪ .1‬السابقون المقّربون‬
‫‪ .2‬أصحاب اليمين‬
‫‪ .3‬أصحاب الشمال‬
‫هذه هي السورة باختصار شديد‪ .‬لذلك نرى فييي‬
‫بدايتها‪:‬‬
‫ة َ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫مَنــ ِ‬‫مي ْ َ‬‫ب ٱل ْ َ‬ ‫حـٰ ُ‬
‫ص َ‬ ‫فأ ْ‬ ‫واجا ً ث َل َ ٰـث َ ً ‪‬‬ ‫م أْز َ‬ ‫و ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫‪َ‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ة َ‬‫م ِ‬ ‫شـئ َ َ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫حـٰ ُ‬ ‫ص َ‬‫وأ ْ‬ ‫ة‪َ ‬‬ ‫من َ ِ‬ ‫مي ْ َ‬‫ب ٱل ْ َ‬ ‫حـٰ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫قو َ‬ ‫ٰـــــــب ِ ُ‬ ‫س‬‫ٱ ‪‬ل ّ‬‫ة‬
‫م ِ‬ ‫شـــــــئ َ َ‬
‫وَ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ٱل ْ َ‬ ‫حـــــــٰ ُ‬ ‫ص َ‬‫أ ْ‬
‫‪.(‬‬ ‫ن‪(7-10‬‬ ‫س ٰـب ِ ُ‬
‫قو َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫‪575‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ثم تمضي السورة في الحديث عنهم وعن مصير‬


‫كل واحد منهم‪ ،‬إلى أن تختتم أيضا ً بنفييس الصييناف‬
‫الثلثة‪َ َ  :‬‬
‫ح‬ ‫و ٌ‬ ‫فــَر ْ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫قّرِبي َ‬ ‫م َ‬‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما ِإن َ‬ ‫فأ ّ‬
‫ن‬ ‫مــا ِإن َ‬ ‫َ‬
‫مــ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كــا َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫عيــم ٍ ‪َ ‬‬ ‫ت نَ ِ‬ ‫جن ّ ٰـــ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫حــا ٌ‬ ‫وَري ْ َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫م ّلـ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ح ٰــ ِ‬ ‫ص َ‬‫نأ ْ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫سل َ ٰــ ٌ‬ ‫ف‪َ ‬‬‫ميـ ِ َ‬
‫ن‬ ‫ب ٱل ْي َ ِ‬ ‫حــٰ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مك َـــذِّبي َ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫مـــ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مـــا ِإن ك َـــا َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫ميـــ ِ‬ ‫ٱل ْي َ ِ‬
‫حيـم ٍ‬ ‫ج ِ‬
‫ة َ‬ ‫صـل ِي َ ُ‬‫وت َ ْ‬‫ميـم ٍ ‪َ ‬‬ ‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫فن ُُز ٌ‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫‪.( (88 - 94‬‬
‫تف ّ‬
‫كر في ملكه واختار‬
‫وبعد أن ذكرت لك السورة مصير كل فريق ميين‬
‫الفرق الثلثة‪ ،‬تدعوك أن تتفكر في خلق اللييه حييتى‬
‫تراجع قلبك وإيمانك وتحسن الختيييار‪ .‬وهييذا التفكيير‬
‫يشمل كل ما أنعم الله بييه علييى النسييان‪ :‬ميين أول‬
‫مــا‬‫م ّ‬ ‫فَرءي ْت ُ ْ‬ ‫خلقه والنطفة التي خلقه الله منها ‪‬أ َ َ‬
‫ن‪‬‬ ‫خ ٰـل ِ ُ‬‫ن ٱل ْ َ‬ ‫قون َ َ‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫َ‬
‫قو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ه أم ن َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن ‪ ‬أءنت ُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫تُ ْ‬
‫مـــا‬ ‫فَرءي ْت ُـــم ّ‬ ‫‪ ((58-59‬إليييى الحيييرث واليييزرع ‪‬أ َ َ‬
‫عـون َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫عــو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ن ٱلز ِ‬ ‫حـ ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫م ت َْزَر ُ‬ ‫ن ‪ ‬أءنت ُ ْ‬ ‫حُرُثو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫‪.( (63-64‬‬
‫مــاء‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫فَرءي ْت ُـ ُ‬ ‫إلييى الميياء الييذي نشييربه ‪‬أ َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مــْز ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫موهُ ِ‬ ‫م أنَزل ْت ُ ُ‬ ‫ن ‪ ‬أءنت ُ ْ‬ ‫شَرُبو َ‬ ‫ذى ت َ ْ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‪.( (68-69‬‬ ‫زُلو َ‬ ‫من ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫م ٱلن ّــاَر ٱل ّت ِــى ت ُــوُرو َ‬
‫ن‬ ‫فَرءي ْت ُ ُ‬ ‫إلى النار ‪‬أ َ َ‬
‫َ‬ ‫َأءنت ُم َأن َ ْ‬
‫ن‪‬‬ ‫شُئو َ‬ ‫من ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ها أ ْ‬ ‫جَرت َ َ‬ ‫ش َ‬ ‫م َ‬ ‫شأت ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪576‬‬

‫‪.((71-72‬‬
‫فإذا تذكرت أخي المسلم كل هذه النعم‪ ،‬ورأيت‬
‫أنها كلها بأمر الله وليس لك منها شيء‪ ،‬فبييادر إلييى‬
‫ظيــم ِ‪( (74‬‬ ‫ك ٱل ْ َ‬
‫ع ِ‬ ‫سم ِ َرب ّ َ‬
‫ح ب ِٱ ْ‬
‫سب ّ ْ‬ ‫التسبيح ‪َ ‬‬
‫ف َ‬
‫سبحان ربي العظيم‪..‬‬
‫إختر قبل الموت‬
‫ثم يأتي قبل الختام تييذكير بييالموت‪ ،‬حييتى تختييار‬
‫أخي المسلم قبل أن يأتيك الجل وتغادر هذه الدنيا‪،‬‬
‫َ‬ ‫حل ْ ُ‬
‫ذ‬‫حين َئ ِ ٍ‬
‫م ِ‬ ‫وأنُتــ ْ‬ ‫م‪َ ‬‬ ‫قــو َ‬ ‫ت ٱل ْ ُ‬ ‫ذا ب َل َ َ‬
‫غــ ِ‬ ‫ول َ إ ِ َ‬ ‫فَلــ ْ‬‫‪َ ‬‬
‫كن ل ّ‬ ‫ول َ ٰـ ـ ِ‬
‫م َ‬ ‫منك ُـ ْ‬‫ه ِ‬‫ب إ ِل َي ْـ ِ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫قَر ُ‬ ‫ح ُ‬
‫ون َ ْ‬‫ن ‪َ‬‬‫َتنظُُرو َ‬
‫ن‪ .( (83-85‬لحظات صييعبة وشيديدة‪ ،‬ميين‬ ‫صُرو َ‬ ‫ت ُب ْ ِ‬
‫منييا سيييكون ميين المقّربييين‪ ،‬فتخفييف عنييه تلييك‬
‫اللحظات‪ ،‬ومن منييا سيييكون ميين أصييحاب اليمييين‪،‬‬
‫ومن سيختم له بالشقاء والعياذ بالله‪...‬‬
‫تذكرة بين تسبيحتين‬
‫ح‬
‫سـب ّ ْ‬
‫ف َ‬ ‫وتختم سييورة الواقعيية بقييوله تعييالى‪َ  :‬‬
‫ظي ـم ِ‪ ،( (96‬بمييا يتناسييب مييع‬ ‫ع ِ‬‫ك ٱل ْ َ‬‫سم ِ َرب ّ َ‬ ‫ب ِٱ ْ‬
‫ل‬‫ن ٱل ّْيــ ِ‬ ‫مــ َ‬ ‫ختييام سييورة الطييور بالتسييبيح ‪َ ‬‬
‫و ِ‬
‫جوم ِ ‪ ‬وختييام سييورة النجييم‬ ‫وإ ِدَْبـَٰر ٱلن ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ح ُ‬
‫سب ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬
‫دوا ْ ‪.‬‬ ‫عُبـــ ُ‬
‫وٱ ْ‬ ‫دوا ْ للـــه َ‬
‫ج ُ‬
‫ســـ ُ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫بالسيييجود ‪َ ‬‬
‫فالتسييبيح والعبييادة همييا أكييبر معينييين علييى اختيييار‬
‫طريق الحق والثبات عليه إن شاء الله‪.‬‬
‫وكما كانت السييور السييابقة تس يّلم بعضييها‪ ،‬بييأن‬
‫‪577‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫يكون هناك علقة بين ختييام سييورة وبداييية السييورة‬


‫التي تليها‪ ،‬نلحظ أن سورة الواقعة ختمت بالتسبيح‬
‫ظيم ِ ‪ ‬لتبييدأ سييورة‬ ‫ع ِ‬ ‫ك ٱل ْ َ‬‫سم ِ َرب ّ َ‬
‫ح ب ِٱ ْ‬
‫سب ّ ْ‬
‫ف َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫فــى‬ ‫مــا ِ‬ ‫ح للــه َ‬ ‫الحديييد أيضييا ً بالتسييبيح ‪َ ‬‬
‫ســب ّ َ‬
‫م‬ ‫زي ـُز ٱل ْ َ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫كي ـ ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫هـ َ‬ ‫و ُ‬
‫ض َ‬‫و ٱل ْر ِ‬ ‫ت َ‬
‫م ٰـوٰ ِ‬ ‫س َ‬
‫ٱل ّ‬
‫‪.‬‬

‫سورة الحديد )التوازن بين الروحانية‬


‫والمادية(‬
‫سو‬ ‫وسورة الحديييد تتحييدث أيض يا ً عيين الختيييار بييين‬
‫رة‬ ‫المادية والروحانية‪ ،‬لكنها ل تقول لييك‪ :‬اخييتر بينهمييا‪،‬‬
‫الحديد‬ ‫لكنها تقول‪ :‬وازن بينهما‪...‬‬
‫أمة السلم والحديد‬
‫وقبل أن نبدأ مييع آيييات السييورة‪ ،‬ل بييد أن نييذكر‬
‫حقيقة محزنة‪ ،‬أن أمتنا التي تقييرأ فييي كتابهييا وفييي‬
‫دسيييتورها سيييورة الحدييييد ل تعيييرف كييييف تصييينع‬
‫الحديد‪ ...‬أن هناك آييية محورييية فييي السييورة لكنهييا‬
‫غائبة عيين حياتنييا وعيين أمتنييا‪َ  :‬‬
‫د‬
‫دي ـ َ‬ ‫وأنْزل َْنا ٱل ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫س‪.( (25‬‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬
‫ع ِللّنا ِ‬
‫ف ُ‬
‫من َ ٰـ ِ‬‫و َ‬
‫ديدٌ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه ب َأ ٌ‬ ‫في ِ‬
‫ِ‬
‫فالحديييد هييو ‪ -‬بلغيية اليييوم ‪ -‬رمييز للصييناعات‬
‫الثقيلة‪ .‬واستخدام هذه الصناعات كما بينت الية هو‬
‫د ‪ ‬أي الصييييناعات الحربييييية‪،‬‬ ‫ْ‬
‫دي ٌ‬‫شــــ ِ‬ ‫س َ‬‫‪‬ب َــــأ ٌ‬
‫س ‪ ‬أي الصييناعات التكنولوجييية‬ ‫ع ِللن ّــا ِ‬
‫ف ُ‬‫من َ ٰـ ِ‬ ‫‪َ‬‬
‫و َ‬
‫والمتطورة‪ ..‬فهو محور أساسي في صناعات المييم‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪578‬‬

‫في حالتي الحيرب والسيلم‪ ..‬أيين نحين مين سيورة‬


‫الحديد‪ ،‬وأين نحيين ميين التطييور العلمييي والصييناعي‬
‫والتكنولوجي؟‬
‫بعد هذه الحقيقة الصعبة‪ ،‬تعالوا نفهم مييراد ربنييا‬
‫من هذه السورة‪ ،‬حتى نفهم توازن السلم وشموله‬
‫ونمضي في ركب التطور والحضارة‪.‬‬
‫التوازن‬
‫فمييا هييو هييدف السييورة؟ إن السييورة تييدعوك‬
‫للختيار بين المادية والروحييية‪ ...‬فهييي تتحييدث عيين‬
‫أناس تفرغوا للعبادة تمامًا‪ ،‬وفي المقابل عن أنيياس‬
‫قست قلوبهم من كثرة انصرافهم للعمل وانشغالهم‬
‫بالدنيا على حساب الطاعة‪ .‬والسورة توضييح أن كل‬
‫الفريقين على خطأ‪ ،‬وكلهما قد بعد عن طريق الله‬
‫ومنهجه‪.‬‬
‫الغلو في المادية‬
‫وبالحديث عن النوع الول‪ ،‬نييرى آييية رائعيية تهييز‬
‫القلوب القاسية وتذكرها بربها جل وعل‪:‬‬
‫م‬ ‫قُلوب ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫ش َ‬‫خ َ‬ ‫مُنوا ْ َأن ت َ ْ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬
‫ْ‬
‫م ي َأ ِ‬
‫َ‬
‫‪‬أل َ ْ‬
‫كون ُــوا ْ‬ ‫ول َ ي َ ُ‬ ‫ق َ‬‫حـ ّ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫مـ َ‬‫ل ِ‬‫ما ن َـَز َ‬ ‫و َ‬‫ر ٱلله َ‬ ‫ذك ْ ِ‬ ‫لِ ِ‬
‫ف َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬‫طــا َ‬ ‫ل َ‬ ‫قْبــ ُ‬‫مــن َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتــوا ْ ٱل ْك ِت َ ٰـــ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك َٱّلــ ِ‬
‫د‪  ..‬أخييذتهم الييدنيا‪ ،‬فكييانت النتيجيية‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫م ٱل َ‬ ‫ه ُ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫ن‪‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ٰـ ـ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫وك َِثيٌر ّ‬
‫من ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ق َ‬ ‫‪َ ‬‬‫ف‬‫َ‬
‫‪.((16‬‬
‫‪579‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫عتاب رقيق من رب العييزة جييل وعل‪ ،‬أحييس بييه‬


‫الصحابة مع أنهم مين أكيثر النياس خشييوعًا‪ ،‬فقييالوا‬
‫في هذه الية‪" :‬لما نزلت عاتبنا ربنا فيهييا لن قلوبنييا‬
‫قست"‪...‬‬
‫موا ْ‬ ‫عل َ ُ‬
‫والية التي بعدها هييي قييوله تعييالى‪ :‬ٱ ْ‬
‫هــا‪ ( (17‬فمييا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وت ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ع ـدَ َ‬
‫ض بَ ْ‬
‫ى ٱل ْر َ‬
‫ح ِ‬
‫ن ٱلله ي ُ ْ‬
‫أ ّ‬
‫علقة قسوة القلوب بالمطر؟ إن الذي يحيي الرض‬
‫بييالمطر بعييد أن أجييدبت وميياتت‪ ،‬قييادر أن يحيييي‬
‫القلوب بذكره مهما قست وبعدت عن طريقه‪...‬‬
‫الغلو في الروحانية‬
‫وأما النوع الثاني من النيياس‪ ،‬فهييم الييذين غييالوا‬
‫في الروحانية والبعييد عيين الييدنيا‪ ،‬اسييمع قييول اللييه‬
‫ســل َِنا‬ ‫هم ب ُِر ُ‬ ‫ر ِ‬ ‫عَلــ ٰى ءاث َ ٰـــ ِ‬ ‫في َْنــا َ‬ ‫ق ّ‬ ‫م‪َ ‬‬ ‫ُثــ‬
‫تعييالى ّ‬
‫ل‬ ‫جي َ‬ ‫ه ٱلن ِ‬ ‫وءات َي َْنـٰ ُ‬ ‫م َ‬‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫سى ٱب ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫في َْنا ب ِ ِ‬ ‫ق ّ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ة‬‫فــ ً‬ ‫عــوهُ َرأ َ‬ ‫ن ٱت ّب َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ٱّلــ ِ‬ ‫قُلــو ِ‬ ‫فــى ُ‬ ‫عل َْنــا ِ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫ة‪ ( (27‬حتى الن كل هييذا جيييد ومطلييوب‪،‬‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫َ‬
‫لكن ماذا بعد؟‬
‫م‬ ‫هـ ْ‬ ‫ها َ َ‬ ‫مــا ك َت َب ْن َ ٰـ ـ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ٱبت َدَ ُ‬ ‫هَبان ِي ّ ً‬ ‫‪َ‬ر ْ‬ ‫و‬
‫َ‬
‫ق‬
‫حــ ّ‬ ‫هــا َ‬ ‫و َ‬
‫ع ْ‬ ‫مــا َر َ‬ ‫ف َ‬‫ن ٱللــه َ‬ ‫ضــوٰ ِ‬‫ر ْ‬ ‫غــاء ِ‬ ‫إ ِل ّ ٱب ْت ِ َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫هــ ْ‬ ‫جَر ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫مُنوا ْ ِ‬‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فـَئات َي َْنا ٱل ّ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫عاي َت ِ َ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬
‫ن‪ .( (27‬والملفييت أن‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫ف ٰـــ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هــ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫وك َِثيــٌر ّ‬ ‫َ‬
‫اليتين اللتين تحدثتا عن الغلو سواء فييي المادييية أو‬
‫وك َِثيٌر‬ ‫في الروحانييية قييد ختمتييا بنفييس العبييارة ‪َ ‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪580‬‬

‫ن ‪ .‬لماذا؟ لن الفسق هو الخروج‬ ‫س ُ‬


‫قو َ‬ ‫م َ‬
‫ف ٰـ ِ‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫ّ‬
‫عن المنهج‪) .‬وفي اللغة‪ :‬فسقت النييواة أي خرجييت‬
‫عن قشرتها(‪ .‬والخروج عن المنهج الرباني في البعد‬
‫عن الدنيا والتفرغ للعبادة هو تماميا ً كقسييوة القلييب‬
‫والبعد عن الروحانية‪ ،‬فسق بفسق‪...‬‬
‫أمة وسط‬
‫وكأن السورة تقول لنا‪ :‬أنتم يا أمة محمد لسييتم‬
‫أحد هذين النوعين‪ ،‬أنتم أميية متوازنيية‪ ،‬وأميية وسييط‬
‫بييين رقيية القلييب والصييلة بييالله وبييين النجيياح فييي‬
‫الحياة‪ .‬لذلك تأتي الية المحورية في السورة ‪ -‬الية‬
‫‪ - 25‬لتبين هذا المعنى بشكل رائع‪:‬‬
‫َ‬
‫ت ‪ ‬أي‬ ‫ســـل ََنا ب ِ ٱل ْب َي ّن َ ٰــــ ِ‬‫ســـل َْنا ُر ُ‬ ‫‪‬ـــدْ أْر َ‬ ‫ق‬ ‫لَ َ‬
‫ب‬‫م ٱل ْك ِت َ ٰـــــ َ‬ ‫هــــ ُ‬ ‫ع ُ‬‫م َ‬ ‫وَأن‬
‫‪َ‬زل َْنــــا َ‬ ‫اليمانييييييات‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫وأنْزل ْن َــا‬ ‫س ب ِ ٱل ْ ِ‬
‫ط َ‬ ‫سـ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫م ٱلّنا ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ل ِي َ ُ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫و ٱل ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫س ‪.‬‬ ‫ع ِللّنــا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫من َ ٰـــ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ديدٌ َ‬ ‫س َ‬
‫شــ ِ‬ ‫ه ب َأ ٌ‬ ‫في ِ‬ ‫ديدَ ِ‬ ‫ح ِ‬‫ٱل ْ َ‬
‫وهنا تأكيد على الجانب المادي والنجيياح فييي الحييياة‬
‫ب‪‬‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ه ب ِٱل ْ َ‬
‫سل َ ُ‬‫وُر ُ‬ ‫صُرهُ َ‬ ‫من َين ُ‬ ‫م ٱلله َ‬ ‫عل َ َ‬
‫ول ِي َ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫وهكذا نفهم أن هذا هو استخدام الحديد‪ ،‬نصرة دييين‬
‫الله بالصناعات الحربية والصناعات التكنولوجية‪..‬‬
‫والسييورة تييبين أن هييذه القاعييدة ل تتغييير عييبر‬
‫عل َْنــا‬ ‫‪‬ل َ َ َ‬
‫ج َ‬
‫و َ‬
‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫سل َْنا ُنوحا ً َ‬
‫وإ ِب ْ ٰر ِ‬ ‫قدْ أْر َ‬ ‫و‬
‫الجيال َ‬
‫د‬
‫هت َـ ٍ‬‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫هـ ْ‬‫من ْ ُ‬
‫ف ِ‬‫ب َ‬‫و ٱل ْك ِت َ ٰـ َ‬
‫وةَ َ‬ ‫ما ٱلن ّب ُ ّ‬
‫ه َ‬ ‫فى ذُّري ّت ِ ِ‬
‫ِ‬
‫‪ ( (26‬وهم اليذين فهميوا ديين الليه وعرفيوا كييف‬
‫‪581‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫م‬
‫هـ ْ‬ ‫وك َِثيٌر ّ‬
‫من ْ ُ‬ ‫يوازنون بييين المادييية والروحانييية ‪َ ‬‬
‫ن‪.( (26‬‬ ‫قو َ‬‫س ُ‬ ‫َ‬
‫ف ٰـ ِ‬
‫التوازن مفتاح النور‬
‫وهناك ملحوظة لطيفة في السورة‪ ،‬أن النور قد‬
‫ذكر فيها ‪ 3‬مرات‪ ،‬بشكل يفهمنا حقيقة التوازن فييي‬
‫السلم‪:‬‬
‫قــوا ْ‬ ‫من ُــوا ْ ٱت ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هــا ٱل ّـ ِ‬ ‫‪ -‬فييي الييدنيا‪ :‬يٰأي ّ َ‬
‫مــن‬ ‫ن ِ‬ ‫م كِ ْ َ‬ ‫ؤت ِك ُ ْ‬‫ه ي ُـ ْ‬ ‫مُنوا ْ ب َِر ُ‬
‫فلي ْـ ِ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫وءا ِ‬ ‫ٱلله َ‬
‫ه‪.( (28‬‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫شو َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ُنورا ً ت َ ْ‬ ‫عل ل ّك ُ ْ‬ ‫ج َ‬‫وي َ ْ‬‫ه َ‬ ‫مت ِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ّر ْ‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مـــ ْ‬ ‫م ت َـــَرى ٱل ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫‪ -‬عليييى الصيييراط‪ :‬ي َـــ ْ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ن أي ْـ ِ‬ ‫هم ب َي ْـ َ‬ ‫ع ٰى ن ُــوُر ُ‬ ‫سـ َ‬ ‫ت يَ ْ‬ ‫من َ ٰــ ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫هم‪.( (12‬‬ ‫َ‬
‫م ٰـن ِ ِ‬ ‫وب ِأي ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هـ ْ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫هـ ْ‬ ‫عن ـدَ َرب ّ ِ‬ ‫داء ِ‬ ‫ه َ‬ ‫شـ َ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫‪ -‬فييي الجنيية‪َ  :‬‬
‫م‪.( (19‬‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬ ‫وُنوُر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جُر ُ‬ ‫أ ْ‬
‫أنظر بالله عليك إلى روعة هييذا الييدين وتييوازنه‪،‬‬
‫فالسورة تثبت لك أن التزامك بطاعة اللييه سيييجعل‬
‫لك نورا ً في الدنيا وفي حركيية حياتييك مثلمييا سييينور‬
‫طريقك عند اجتييياز الصييراط فييي الخييرة‪ ...‬وليييس‬
‫هذا فحسب‪ ،‬بل أن السورة ذكرت نييورا ً خاص يا ً بفئة‬
‫م‬ ‫هــ ْ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫هــ ْ‬ ‫عنــدَ َرب ّ ِ‬ ‫داء ِ‬ ‫ه َ‬ ‫شــ َ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫ميين النيياس‪َ  :‬‬
‫م‪ .( (19‬لميياذا؟ لنهييم هييم الييذين‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬ ‫وُنوُر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جُر ُ‬ ‫أ ْ‬
‫استخدموا الحديد في الصناعات الحربية فكانوا قمة‬
‫في النجاح في الحياة ونصييرة ديين اللييه‪ .‬وبالمقابييل‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪582‬‬

‫ضييحوا بحييياتهم فييي سييبيل اللييه فكييانوا قميية فييي‬


‫الروحانييية والصييلة بييالله‪ .‬تييوازن رائع وواضييح فييي‬
‫سورة الحديد‪...‬‬
‫التوازن في ملك الله‬
‫وحتى بداية السورة فهي ترينا بوضييوح كيييف أن‬
‫اللييه تعييالى يحكييم الكييون بتييوازن عجيييب‪ ،‬ففيهييا‬
‫خـــُر‬ ‫و ٱل َ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫و ٱل ّ‬ ‫هـــ َ‬ ‫متناقضييييات عديييييدة‪ُ  :‬‬
‫م‪‬‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫ىء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫و ب ِك ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ن َ‬ ‫و ٱل ْب َ ٰـطِ ُ‬‫هُر َ‬ ‫ّ‬
‫و ٱلظ ٰـ ِ‬ ‫َ‬
‫‪.((3‬‬
‫َ‬
‫ض‪...‬‬ ‫و ٱل ْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ٱل ّ‬ ‫خل َـ َ‬
‫ذى َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫‪َ ‬‬‫ه‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫و َ‬
‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ض َ‬ ‫فى ٱل ْر ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ما ي َل ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫هــا)‪ (4‬‬ ‫في َ‬ ‫ج ِ‬ ‫عــُر ُ‬ ‫مــا ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ماء َ‬ ‫ســ َ‬
‫ن ٱل ّ‬ ‫مــ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ز ُ‬ ‫َينــ ِ‬
‫فــى‬ ‫هاَر ِ‬ ‫ج ٱل ن ّ َ‬ ‫وُيول ِ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ها ِ‬ ‫فى ٱلن ّ َ‬ ‫ل ِ‬‫ج ٱل ّي ْ َ‬ ‫‪ُ‬يول ِ ُ‬
‫ل‪.( (6‬‬ ‫ٱل ّي ْ ِ‬
‫وكأن المعنى‪ :‬أنه ل يجمع بين هذه المتقابلت إل‬
‫الله تعالى‪ .‬فسبحان من ملك الكون وجعله متوازنًا‪،‬‬
‫وأمر خلقه بالتوازن في حياتهم‪ ،‬حماية لقلوبهم ميين‬
‫القسييوة والبعييد عيين اللييه‪ ،‬وحماييية لنفسييهم ميين‬
‫التطرف في الحياة‪..‬‬
‫ألم تختر بعد‪...‬‬
‫هذا كان الجزء السابع والعشرين‪ ،‬وسييوره الييتي‬
‫تحثك على الختيار‪ ...‬وتسألك‪:‬‬
‫تختار طريق الجنيية أم طريييق النييار؟ )سييورة ق‬
‫‪583‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وسورة الطور(‬
‫تختار أن تكون من السييابقين وأصييحاب اليمييين‪،‬‬
‫ذبين؟ )سورة الواقعة(‬ ‫أم أن تكون من المك ّ‬
‫تختيييار النعيييم أم النقيييم‪.‬؟ )سيييورتي الرحمييين‬
‫والقمر(‬
‫قييى علمييك ميين طريييق الييوحي أم‬
‫تختييار أن تتل ّ‬
‫طريق الشك والظن؟ )سورة النجم(‬
‫تختييار رزق اللييه وعطيياءه أم حرمييانه؟ )سييورة‬
‫الذاريات(‬
‫تختييار المادييية أو الروحانييية والغلييو بأحييدهما أم‬
‫تتوازن بينهما؟ )سورة الحديد(‬
‫نسأل الله تعالى أن يعيننا على هذه الختيييارات‪،‬‬
‫وأن ينفعنييا بمييا قرأنييا ميين آيييات الجييزء السييابع‬
‫والعشرين‪..‬‬
‫سور الجزء الثامن والعشرين‬

‫ونصل مع خواطرنا القرآنييية إلييى الجييزء الثييامن‬


‫والعشرين‪ ،‬الذي تدور سوره كلها حول محور واحد‪،‬‬
‫كما رأينا في الجزء السابق‪.‬‬
‫جزء النتماء للسلم‬
‫فبعد أن عرضت سور القرآن هذا المنهج الرباني‬
‫بأدق تفاصيله ‪ -‬ميين مبييادئ الخلق الجتماعييية فييي‬
‫سورة الحجرات إلى قوانين التفييوق الحضيياري فييي‬
‫سورة النمل‪ - ،‬جيياء الجييزء ‪ 27‬ليضييع أمامنييا قضييية‬
‫الختيييار‪ ،‬كمييا رأينييا‪ ،‬بييين الجنيية والنييار وبييين أهييل‬
‫اليمييان وأهييل الكفيير‪ ...‬أمييا الجييزء ‪ ،28‬فمحييوره‬
‫الساسي‪ :‬النتماء لهذا الدين‪.‬‬
‫وكأن المعنى‪ :‬بعد أن عرفتم أيها المسلمون هذا‬
‫القرآن‪ ،‬وفهمتم المحاور الساسية لدين اللييه‪ ،‬ل بييد‬
‫أن تنتموا إليه‪ .‬وقد يقول البعض‪ :‬أنا منتييم للسييلم‪،‬‬
‫فأنييا أصييلي وأصييوم وأؤدي الفييرائض‪ ...‬لكيين هييذا‬
‫الفهم قاصر جدًا‪ ،‬وهناك فرق كبير بين "أنييا أصييلي"‬
‫أو "أنا أصوم" و"أنا منتم للسلم"‪.‬‬
‫فالنتماء للسلم يعني أن أحب الله ورسييوله ول‬
‫‪584‬‬
‫‪585‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫أؤثر شيئا ً على أمرهمييا‪ ،‬وأن أحييب المييؤمنين لنهييم‬


‫منتمين مثلي لهذا الدين‪ ...‬والنتماء يعني أن ل أنبهر‬
‫بحضارة أخرى لنني أعتز بانتمائي لهذا الدين‪...‬‬
‫إذا ً الجزء ‪ 28‬هو باختصار‪ :‬جزء النتميياء للسييلم‬
‫والتبرؤ ميين الحضييارات الخييرى ول يجييب أن يفهييم‬
‫من كلمنا أن المطلوب هو العييداوة للخرييين‪ ،‬لكيين‬
‫المطلوب هو أن تكييون لنييا هويتنييا وأفكارنييا وقيمنييا‬
‫المسييييييييييييييييتقلة‪ ،‬دون أي عييييييييييييييييداء لي‬

‫طرف آخر‪ ...‬ومن روعيية هيذا الجيزء أنييه يييبّين هيذا‬


‫المفهييوم ‪ -‬التييوازن بييين النتميياء والعييداء ‪ -‬بشييكل‬
‫واضح‪.‬‬
‫سلسلة النتماء‬
‫وهذا الجزء يحتوي على تسع سور‪ ،‬كلهييا مدنييية‪،‬‬
‫وكلها تدور حول قضية النتميياء‪ .‬وإذا تأملنييا عنيياوين‬
‫السور‪ ،‬رأينا أنها تكون سلسلة مترابطة يجمييع بينهييا‬
‫النتماء‪:‬‬
‫‪ .1‬سور الجمعة والصييف الحشيير‪ :‬وكلهييا تييدعو إلييى‬
‫الوحدة والترابط والتجمع كما نرى في أسمائها‪.‬‬
‫‪ .2‬سورة الممتحنة‪ :‬امتحان النتماء )أناس يمتحنييون‬
‫في انتمائهم(‪.‬‬
‫‪ .3‬سورة المنافقون‪ :‬التحذير من مرض النفاق الذي‬
‫يضيع وحدة المة ويضيع النتماء‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪586‬‬

‫‪ .4‬سييور التحريييم والطلق والتغييابن‪ :‬التحييذير ميين‬


‫شواغل النتماء‪ ،‬والتعلق بزينة الحييياة الييدنيا ميين‬
‫الولد والزوجات والموال‪...‬‬
‫والسور تركز على أهمية السرة وترابطهييا‪ ،‬كمييا‬
‫في سور الطلق والتحريم‪ ،‬للدللة على أن السييرة‬
‫المسييلمة هييي بداييية النتميياء‪ ،‬وهييي بداييية الييترابط‬
‫المطلوب بين أفراد المجتمع‪..‬‬
‫فبداييية النتميياء أسييرة قوييية متماسييكة‪ ،‬ونهييايته‬
‫وحيييييييييييييييييدة قويييييييييييييييييية بيييييييييييييييييين‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫دور المرأة في النتماء‬
‫ومن اللطائف في هذا الجزء أنييه ابتييدأ بالحييديث‬
‫عن امرأة اشتكت من سوء معاملة زوجها لها ‪ -‬فييي‬
‫سييورة المجادليية ‪ -‬واختتييم بسييورة التحريييم‪ ،‬الييتي‬
‫ضييرب اللييه مثل ً فييي آخرهييا للييذين آمنييوا‪ :‬امييرأة‬
‫فرعون ومريم بنت عمران‪.‬‬
‫والرابط بين هذه المعيياني أن المييرأة هييي الييتي‬
‫تصنع الرجال وهي التي تربي أبناءها علييى النتميياء‪.‬‬
‫فلييو عرفييت المييرأة قيمتهييا فييي السييلم وتكريييم‬
‫السلم لها‪ ،‬فستنتمي إلى السلم بصدق‪ ،‬وسيكون‬
‫لها دور أساسي في بناء النتماء للسلم في نفوس‬
‫المة‪.‬‬
‫ومن هنا نفهم لميياذا بييدأ الجييزء بإعطيياء المييرأة‬
‫‪587‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫حقهييا فييي سييورة المجادليية‪ ،‬ولميياذا انتهييى الجييزء‬


‫بضرب المثل بالمرأة‪ ،‬حتى تلتفت نسيياء الميية إلييى‬
‫حقوقهن ودورهيين فييي هييذا الييدين‪ ،‬فيحصييل منهيين‬
‫النتماء الكامل للدين‪ ،‬ومن ثييم توزيييع هييذا النتميياء‬
‫علييى النيياس وبنيياؤه فييي الجيييال القادميية فتحقييق‬
‫أهداف الجزء ‪...28‬‬
‫المرأة في سور القرآن‬
‫وقبل هذا الجزء‪ ،‬رأينا كيف أن أكثر سور القرآن‬
‫ركزت علييى المييرأة فييي محورهييا الساسييي‪ .‬ففييي‬
‫سورة آل عمران )الييتي كييان هييدفها الثبييات( كييانت‬
‫مريم عليهييا السييلم وامييرأة عمييران رمييزا ً للثبييات‪.‬‬
‫وفي سورة النسيياء )سييورة العييدل( كييان ميين أهييم‬
‫شروط العدل مع الناس أن تعدل أخي المسلم فييي‬
‫بيتك ومع النساء‪ ...‬ورأينييا فييي سييورة النمييل‪ ،‬الييتي‬
‫تحدثت عن التفوق الحضاري‪ ،‬كيف أن ملكة بلقيس‬
‫حكمت قومهييا بالعييدل وقييادتهم إلييى اليمييان بييالله‬
‫تعالى‪...‬‬
‫أرأيييت اهتمييام السييلم بييالمرأة وكيييف جعلهييا‬
‫القييرآن محييورا ً فييي العديييد ميين سييوره وأهييدافه‪..‬‬
‫وللسف فإننا نجد بعد ذلك من يشكك ويقييول‪ :‬أييين‬
‫نجييد الهتمييام بييالمرأة فييي القييرآن؟ ولميياذا نييرى‬
‫الخطاب القرآني دائما ً موجه للرجال؟ ودائما ً بصيغة‬
‫المذكر؟‬
‫وإلى هؤلء نقول‪ :‬إذا كانت اللغة العربية تقتضي‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪588‬‬

‫أن يكيييييييييييييييييييييييون الخطييييييييييييييييييييييياب‬


‫موجها ً لطرف واحد وهو الييذكر‪ ،‬فل يجييب أن تكييون‬
‫كييل كلميية فييي القييرآن موجهيية لطرفييين‪ ،‬للييذكر‬
‫والنثى‪ .‬فاللغة العربية تقتضيي ذليك‪ ،‬والقيرآن كليم‬
‫الطرفييين بصيييغة التييذكير‪ ،‬مييع التأكيييد دوم يا ً أنهمييا‬
‫شريكان في المسؤولية عن الدين‪ ،‬ل بل أن المييرأة‬
‫لها دور خاص‪ ،‬لنهييا صييانعة النتميياء للمجتمييع‪ ،‬كمييا‬
‫سنرى في الجزء ‪.28‬‬

‫سورة المجادلة‬
‫سو‬ ‫بداية النتماء‪ :‬حق المرأة‬
‫رة‬ ‫وسييورة المجادليية هييدفها‪ :‬التييبرؤ ميين المناهييج‬
‫المجادل‬ ‫الخرى والتصال بالسلم‪ .‬فكيف كانت بدايتها؟‬
‫تبدأ هذه السورة ويبدأ الجزء الثييامن والعشييرين‬
‫بقضية أسرة معرضة للتفكيك‪ :‬رجيل خاصيم زوجتيه‬
‫وقال لها‪" :‬أنت علي كظهر أمييي"‪ ،‬ممييا يييؤدي إلييى‬
‫أن تحرم عليييه فل يقربهييا فييي الفييراش ول يعطيهييا‬
‫حقها‪ ..‬ظلم شديد للمرأة وعادة ميين أقبييح العييادات‬
‫الجاهلية الييتي كييانت ل تييزال موجييودة فييي مجتمييع‬
‫المدينيية المنييورة‪ ...‬فنزلييت آيييات السييورة لتعطييي‬
‫ع‬
‫م َ‬‫ســ ِ‬ ‫قدْ َ‬ ‫للمرأة حقها من فوق سبع سييماوات‪َ  :‬‬
‫هــا‬ ‫ج َ‬‫و ِ‬
‫فــى َز ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاِدُلــ َ‬
‫ل ٱل ِّتــى ت ُ َ‬‫و َ‬ ‫ٱللــه َ‬
‫قــ ْ‬
‫كمــا‬ ‫وَر ُ‬
‫حا ُ‬‫ع تَ َ‬
‫م ُ‬‫ســ َ‬
‫و ٱلله ي َ ْ‬ ‫كى إ َِلى ٱلله َ‬ ‫وت َ ْ‬
‫شت َ ِ‬ ‫َ‬
‫صيٌر‪.( (1‬‬ ‫ع بَ ِ‬‫مي ٌ‬‫س ِ‬‫ن ٱلله َ‬ ‫إِ ّ‬
‫‪589‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫تخّيل قيميية المييرأة فييي السييلم‪ :‬امييرأة تجييادل‬


‫رسول الله ‪ -‬ل بل أن السورة سميت باسمها وهييي‬
‫تجادله ‪ -‬وينزل حكم الله ميين فييوق سييبع سييماوات‬
‫ليعطيها حقها‪ ...‬فما علقة ذلك بالنتماء؟‬
‫إن الجزء الثامن والعشرين ابتييدأ بحماييية أسييرة‬
‫كانت معرضة للتفكييك والييزوال‪ ،‬ودافييع عيين امييرأة‬
‫كيييانت تتعيييرض للظليييم والتعسيييف فيييي أخيييص‬
‫خصوصيات حياتها الزوجية‪ ،‬وذلك لمرين هامين‪:‬‬
‫‪ -‬أن أول مقتضيات النتماء‪ :‬أسرة متماسكة وقوية‬
‫تحافظ على تعلق أفراد المجتمع بالدين‬
‫‪ -‬أن إعطاء المرأة قيمتها وحقها يقوي فييي نفسييها‬
‫حب السلم والنتماء إليه‪ ،‬وبالتالي يشجعها على‬
‫نقل هذا النتماء وهذا الحب إلى المجتمع كله‬
‫لذلك جاءت الية الخامسة ‪ -‬مباشييرة بعييد آيييات‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫حا ّ‬‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫الظهار ‪ -‬لتبين هذا المعنى‪ :‬إ ِ ّ‬
‫مــن‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ٱل ّـ ِ‬ ‫ه ك ُب ِت ُــوا ْ ك َ َ‬
‫مــا ك ُب ِـ َ‬ ‫سول َ ُ‬
‫وَر ُ‬‫ٱلله َ‬
‫م ‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫قب ْل ِ ِ‬
‫ن‬‫وقبل نهاية السورة أيضا ً بنفييس الكلمييات‪ :‬إ ِ ّ‬
‫فــى‬ ‫ك ِ‬ ‫وَلــئ ِ َ‬ ‫ال ّـذين يحــادون ٱللــه ورســول َ ُ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ِ َ ُ َ ّ َ‬
‫َ‬
‫ن‪.( (20‬‬ ‫ٱل ذَّلي َ‬
‫وكأن السورة تسألك‪ :‬أنت مع من؟ وميين تييوالي‬
‫وميين تحييب؟ مييع الشيييطان وحزبييه أو مييع الحييق‬
‫ب‬ ‫وَلــــئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫حـــْز ُ‬
‫ك ِ‬ ‫وجنييييده؟ فتييييأتي المقابليييية‪ :‬أ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪590‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫م‬ ‫هـــ ُ‬
‫ن ُ‬‫شي ْط ٰــــ ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حـــْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن أل َ إ ِ ّ‬ ‫شي ْط ٰــــ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ب ٱلله أ َل َ‬ ‫حْز ُ‬
‫ك ِ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‪ ( (19‬ثم ‪‬أ ْ‬ ‫سُرو َ‬‫خ ٰـ ِ‬‫ال َ‬
‫ن‪ .( (22‬وحييتى‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫م ٱل ْ ُ‬
‫ه ُ‬‫ب ٱلله ُ‬ ‫حْز َ‬‫ن ِ‬‫إِ ّ‬
‫اسيتعمال كلمية "حيزب" هنيا‪ ،‬ييوحي أن المطليوب‬
‫ليس العبادة والصلة والصييوم‪ .‬فل بييد ميين التحييزب‬
‫والنتميياء الكامييل لحييزب اللييه‪ ،‬والتييبرؤ الشييديد‬
‫والصريح ميين حييزب الشيييطان‪ ،‬حييتى نحقييق هييدف‬
‫السورة ونكون من المفلحين إن شاء الله‪..‬‬
‫خطر النفاق‬
‫ولن المطلييوب هييو إعلن الييولء الصييريح للييه‬
‫والتيييييييييبرؤ الصيييييييييريح مييييييييين الكفيييييييييار‪،‬‬
‫فإن السورة تحذر ممن يظهر أمام الناس بييوجهين‪،‬‬
‫وهييييييييييييييم المنييييييييييييييافقون‪ ،‬لنهييييييييييييييم‬
‫أخطيير مييا قييد يييدمر النتميياء ويضيييع الوحييدة بييين‬
‫ومــا ً‬ ‫وا ْ َ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬ ‫وّلــ ْ‬‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ٱّلــ ِ‬ ‫المسلمين‪ :‬أل َ ْ‬
‫م‬ ‫هـ ْ‬
‫من ْ ُ‬‫ول َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُـ ْ‬ ‫هــم ّ‬ ‫مــا ُ‬‫هم ّ‬ ‫ب ٱلله َ َ‬ ‫َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫غ ِ‬
‫ن‪( (14‬‬ ‫مــو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م يَ ْ‬ ‫هــ ْ‬‫و ُ‬‫ب َ‬‫ذ ِ‬ ‫عَلى ٱل ْك َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫فييأول مشييكلة عنييد هييؤلء المنييافقين هييي وليتهييم‬
‫عدّ ٱللــه‬ ‫وتعلقهييم بأعييداء اللييه تعييالى‪ ،‬لييذلك ‪‬أ َ َ‬
‫ن‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ساء َ‬ ‫م َ‬ ‫ديدا ً إ ِن ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ذابا ً َ‬
‫ع َ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫‪.( (15‬‬
‫وتفضحهم آيات السييورة بمييا يجييول فييي قييرارة‬
‫قوُلـــــــــــــــــو َ‬
‫ن‬ ‫وي َ ُ‬
‫أنفسييييييييييييييييييييهم‪َ  :‬‬
‫‪591‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫قــو ُ‬
‫ل‬ ‫مــا ن َ ُ‬‫ع ـذّب َُنا ٱللــه ب ِ َ‬ ‫م ل َـ ْ‬
‫ول َ ي ُ َ‬ ‫ه ْ‬‫سـ ِ‬‫ف ِ‬ ‫فى َأن ُ‬ ‫ِ‬
‫فب ِئ ْ َ‬
‫س‬ ‫ها َ‬ ‫ون َ َ‬‫صـــــــل َ ْ‬
‫م يَ ْ‬
‫هن ّـــــــ ُ‬‫ج َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ســـــــب ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫صيُر‪.( (8‬‬ ‫م ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫من مظاهر النفاق‬
‫وحتى سبب نزول السورة‪ ،‬وهو الظهييار وتحييذير‬
‫المييؤمنين ميين هييذه الظيياهرة‪ ،‬يعييود إلييى أن هييذا‬
‫المرض هو نوع من أنواع النفاق الجتميياعي‪ ،‬فكييان‬
‫ل بد من معالجة هذه الظاهرة وأكييثر ميين ذلييك‪ ،‬إن‬
‫النجوى هي أيض يا ً ميين العييوارض الخطيييرة للنفيياق‪،‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّ ـ ِ‬ ‫لذلك حذرت السورة منهييا أيضييًا‪ ،‬يٰأي ّ َ‬
‫جٰ ْ ْ‬ ‫فل َ ت َت َن َ‬‫م َ‬ ‫مُنـــوا ْ إ ِ َ‬
‫وا ِبـــ ٱلث ْم ِ‬ ‫ــــ َ‬ ‫جي ْت ُ ْ‬‫ذا ت ََنـــا َ‬ ‫ءا َ‬
‫وا ْ ب ِٱل ْب ِّر‬ ‫ج ْ‬‫وت ََنـٰ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ة ٱلّر ُ‬ ‫صي َ ِ‬‫ع ِ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬
‫ن َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ع دْ َ‬‫و ٱل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫و ٰى‬ ‫جـ َ‬ ‫مــا ٱلن ّ ْ‬ ‫‪َ ‬‬‫و ٰى‪ ( (9‬وقوله تعييالى إ ِن ّ‬ ‫ق َ‬‫و ٱلت ّ ْ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ول َي ْـ َ‬ ‫من ُــوا ْ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬‫حُز َ‬ ‫ن ل ِي َ ْ‬ ‫َ‬
‫شي ْطـٰ ِ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن ٱلله ‪.( (10‬‬ ‫شْيئا ً إ ِل ّ ب ِإ ِذْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ضاّر ِ‬ ‫بِ َ‬
‫قد سمع الله‬
‫ومن هنا نفهم سبب تركيييز آيييات السييورة علييى‬
‫علييم اللييه وإحيياطته بكييل شيييء‪ ،‬حييتى تعلييم أخييي‬
‫المسلم أن الله تعالى يعلييم السيير وأخفييى‪ ،‬فتمتنييع‬
‫عن موالة غير المسلمين ولو في قرارة نفسك‪:‬‬
‫ع‬
‫م َ‬‫ســ ِ‬
‫قدْ َ‬ ‫فالسورة بدأت أصل ً بقوله تعييالى‪َ  :‬‬
‫ها ‪.‬‬ ‫ج َ‬‫و ِ‬‫فى َز ْ‬ ‫جاِدل ُ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ل ٱل ِّتى ت ُ َ‬
‫و َ‬ ‫ٱلله َ‬
‫ق ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ٱلله‬ ‫م ت ََر أ ّ‬‫ونرى فيها أيضا ً قوله تعالى ‪‬أل َ ْ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪592‬‬

‫َ‬
‫مــا‬
‫ض َ‬
‫فــى ٱل ْر ِ‬ ‫ما ِ‬‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫فى ٱل ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫م‪.( (7...‬‬ ‫ه ْ‬‫ع ُ‬‫و َراب ِ ُ‬‫ه َ‬‫ة إ ِل ّ ُ‬ ‫و ٰى ث َل َ ٰـث َ ٍ‬ ‫ج َ‬ ‫من ن ّ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ولذلك نييرى أن أسييماء اللييه الحسيينى المختصيية‬
‫بالعلم والحاطة قد تكررت بشكل ملفت‪:‬‬
‫مل ُــو َ‬
‫ن‬ ‫ع َ‬‫مــا ت َ ْ‬ ‫و ٱللــه ب ِ َ‬ ‫صــيٌر‪َ (1)...‬‬ ‫ع بَ ِ‬ ‫مي ٌ‬ ‫س ِ‬‫‪َ ‬‬
‫د‪(6)...‬‬ ‫هي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫ىء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عل َ ٰى ك ُ ّ‬ ‫و ٱلله َ‬ ‫خِبيٌر‪(َ 3)...‬‬ ‫َ‬
‫م‪.( (7‬‬ ‫عِلي ٌ‬
‫يء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫ن ٱلله ب ِك ُ ّ‬ ‫إِ ّ‬
‫إعلن الولء‬
‫وتختم سورة المجادلة بآييية محورييية فييي الييولء‬
‫الكامل لله والتبرؤ من أعدائه‪:‬‬
‫وم ِ‬ ‫و ٱل َْيــ ْ‬ ‫ن ِبــ ٱلله َ‬ ‫من ُــو َ‬
‫ؤ ِ‬‫وم ـا ً ي ُ ْ‬‫ق ْ‬ ‫ج ـدُ َ‬ ‫‪‬ل ّ ت َ ِ‬
‫و‬‫ول َـ ْ‬‫ه َ‬ ‫ســول َ ُ‬
‫وَر ُ‬‫حــادّ ٱللــه َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫وا ّ‬‫ر يُ َ‬ ‫خ ِ‬‫ٱل َ ِ‬
‫و‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و أ َب َْنــاء ُ‬ ‫َ‬ ‫ك َـــاُنوا ْ ءاَبــاء ُ‬
‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬‫خـــ ٰون َ ُ‬ ‫و إِ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫م‪ ( (22‬كلم شديد ولهجيية لييم نسييمعها‬ ‫ه ْ‬ ‫شيَرت َ ُ‬ ‫ع ِ‬
‫َ‬
‫من قبل‪ ...‬إييياك أن تحييب ميين يعييادي دينييك‪ ،‬الميير‬
‫ليييس فقييط متعلق يا ً بأفعالييك‪ ،‬بييل حييتى بمشيياعرك‬
‫القلبية‪ ...‬ول بد من التذكير أن الحديث هنييا مختييص‬
‫بالمناهج والحضارات التي تعادي السلم‪ ،‬فلو كييانوا‬
‫غير مؤذين أو محاربين فل بأس من التعامل معهييم‪،‬‬
‫كمييا سيينرى فييي سييورة الممتحنيية‪ ...‬أمييا إذا كييانوا‬
‫يعادون الله ورسوله‪ ،‬ويحييادون اللييه ورسييوله‪ ،‬ولييو‬
‫كانوا من القارب أو الهل أو الصحاب‪ ،‬فييالمطلوب‬
‫هو التبرؤ الشديد منهم والنتماء الحقيقييي للسييلم‪.‬‬
‫‪593‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ك‬ ‫وَلـ ـئ ِ َ‬ ‫ُ‬


‫فإذا فعلت ذلك‪ ،‬فاستبشر بقوله تعييالى‪ :‬أ ْ‬
‫ه‬‫من ْ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫م ب ُِرو ٍ‬ ‫ه ْ‬‫وأ َي ّدَ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ٰـ َ‬‫م ٱلي َ‬ ‫ه ُ‬ ‫فى ُ ُ‬
‫قلوب ِ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫ك َت َ َ‬
‫َ‬
‫ه ٰـ ـُر‬ ‫هــا ٱلن ْ َ‬ ‫حت ِ َ‬
‫مــن ت َ ْ‬ ‫رى ِ‬ ‫جـ ِ‬‫ت تَ ْ‬‫جن ّ ٰـ ـ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫وي ُدْ ِ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫عْنــ ُ‬ ‫ضــوا ْ َ‬ ‫وَر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬‫ى ٱلله َ‬ ‫ض َ‬ ‫ها َر ِ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خـٰل ِ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫وَلـ ـئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫هـ ُ‬‫ب ٱللــه ُ‬ ‫ح ـْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب ٱللــه أل َ إ ِ ّ‬ ‫حـْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ن‪.( (22‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫هذه كانت سورة المجادلة‪ ،‬التي بدأت مع امييرأة‬
‫تشكي زوجها لرسول الله‪ ،‬وكيييف أعطاهييا السييلم‬
‫حقها‪ ،‬وانتهييت لتسييألك يييا قييارئ القييرآن‪ :‬أنييت مييع‬
‫ميين‪ ...‬نسييأل اللييه تعييالى أن يحقييق فينييا النتميياء‬
‫الكامل لدينه‪..‬‬

‫سورة الحشر‬
‫سو‬ ‫تتحييدث سييورة الحشيير عيين يهييود بنييي النضييير‬
‫رة‬ ‫وحادثة إجلئهم عن المدينة بعد إخللهييم بالعهييد مييع‬
‫الحشر‬ ‫رسول الله‪ .‬هذه الحادثة التي ظهر فيها نوعان ميين‬
‫الناس‪ :‬نوع ساعد أعداء الله ووقفييوا بجييانبهم وهييم‬
‫المنيييافقون‪ ،‬ونيييوع تيييبرأ مييين أعيييداء الليييه وهيييم‬
‫المؤمنون‪ ...‬أرأيت كيف أن النتماء يسير معنييا فييي‬
‫سور هذا الجزء‪ ...‬هيا بنا نسييتعرض هييذين النييوعين‬
‫اللذان كشفت حقيقتهم في تلك الحادثة‪.‬‬
‫المنافقون‪ :‬ضعف النتماء‬
‫أن يجلي بنييي النضييير‪ ،‬سييارع‬ ‫لما أراد النبي ‪‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪594‬‬

‫المنافقون إلى القيام بالمفاوضات مع اليهود‪ ،‬لييذلك‬


‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫م ت َـَر إ ِل َــى ٱل ّـ ِ‬ ‫نزلت اليييات لتفضييحهم‪ :‬أل َ ْ‬
‫ن‬
‫مــ ْ‬ ‫فُروا ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ٱل ّ ِ‬ ‫ه ُ‬‫وان ِ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ن لِ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫قوا ْ ي َ ُ‬‫ف ُ‬‫َنـٰ َ‬
‫ول َ‬ ‫م َ‬ ‫عك ُ ْ‬‫م َ‬
‫ن َ‬ ‫ج ّ‬‫خُر َ‬ ‫م ل َن َ ْ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫ر ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫ب ل َئ ِ ْ‬ ‫ل ٱل ْك ِت َ ٰـ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫أَ ْ‬
‫َ‬ ‫ن ُطيع فيك ُ َ‬
‫م‬ ‫ص ـَرن ّك ُ ْ‬ ‫م ل ََنن ُ‬‫قوت ِل ْت ُ ْ‬ ‫وِإن ُ‬ ‫حدا ً أَبدا ً َ‬ ‫مأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ُ‬
‫ن‪ ( (11‬أرأيييت‬ ‫ذُبو َ‬ ‫م ل َك َ ٰـــ ِ‬ ‫هــ ْ‬ ‫هدُ إ ِن ّ ُ‬‫شــ َ‬ ‫و ٱللــه ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫م ‪ ،‬فالمنافقون ليسوا‬ ‫ه ُ‬‫وان ِ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫استعمال كلمة ‪‬ل ِ ْ‬
‫إخوانا ً للمؤمنين‪ ،‬لنهم ينتمييون للمشييركين‪ ...‬وكييأن‬
‫اليات تسألك‪ :‬أنت مع من؟ وتنتمي لمن؟‬
‫وتمضي اليات في كشف كذبهم وخداعهم‪:‬‬
‫ول َِئن‬ ‫م َ‬ ‫هــ ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫جــو َ‬ ‫جــوا ْ ل َ ي َ ْ‬
‫خُر ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫‪‬ل َئ ِ ْ‬
‫ن‬‫ول ّ ّ‬‫م ل َي ُـ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ص ـُرو ُ‬ ‫ول َِئن ن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ص ـُرون َ ُ‬ ‫قوت ُِلوا ْ ل َ َين ُ‬ ‫ُ‬
‫فــى‬ ‫ة ِ‬ ‫هب َ ً‬
‫شدّ َر ْ‬ ‫م أَ َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪ ‬لنت ُ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل َ ُين َ‬ ‫ٱلدْب َ ٰـَر ث ُ ّ‬
‫َ‬
‫م لّ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ن ٱللــه ذَِلــ َ‬
‫و ٌ‬ ‫قــ ْ‬ ‫ه ْ‬‫ك ِبــأن ّ ُ‬ ‫مــ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫صــ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‪.( (12 – 13‬‬ ‫هو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ف َ‬ ‫يَ ْ‬
‫هييؤلء الكفييار ليين ينصييروا بعضييهم‪ ،‬فليييس لهييم‬
‫وحدة أو انتماء يجمعهييم‪ ،‬وميين الطييبيعي أن يتييبرأوا‬
‫ميين بعضييهم كمييا سيييتبرأ الشيييطان ميين أتبيياعه‪:‬‬
‫فــْر‬ ‫ن ٱك ْ ُ‬ ‫قــا َ‬‫ن إ ِذْ َ‬ ‫َ‬ ‫ل ٱل ّ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫‪‬ك َ َ‬
‫ســـٰ ِ‬ ‫لن َ‬ ‫ل لِ ِ‬ ‫شي ْطـٰ ِ‬
‫ف‬ ‫خــا ُ‬ ‫ك إ ِن ّــى أ َ َ‬ ‫منـ َ‬ ‫رىــء ّ‬ ‫ل إ ِن ّــى ب َ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫فَر َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (16‬‬ ‫مي َ‬ ‫ع ٰـل َ ِ‬
‫ب ٱل ْ َ‬ ‫ٱلله َر ّ‬
‫المؤمنون‪ :‬النتماء الكامل‬
‫فما البديل عن النتماء لهييؤلء؟ النتميياء الكامييل‬
‫‪595‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫للسلم‪:‬‬
‫مــن‬ ‫جــوا ْ ِ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه ٰـ ِ‬ ‫م َ‬ ‫قَراء ال ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫‪‬ل ِل ْ ُ‬
‫دـيـ ٰرهم َ‬
‫ن ٱللــه‬ ‫مـ َ‬ ‫ضـل ً ّ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن َ‬ ‫غــو َ‬ ‫م ي َب ْت َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫مـ وٰل ِ ِ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ِ َ ِ ِ ْ َ‬
‫م‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫ضونا ً وينصرون ٱلله ورسول َ ُ‬
‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫ه أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ ُ ُ َ‬ ‫ر ْ ٰ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ن‪ ( (8‬أرأيت قمة النتماء لهيذا اليدين‪،‬‬ ‫قو َ‬ ‫د ُ‬‫ص ٰـ ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ليس بالكلم‪ ،‬وإنما بالعمل والتضحية‪..‬‬
‫مـن‬ ‫ن ِ‬ ‫م ٰــ َ‬ ‫و ٱلي َ‬ ‫داَر َ‬ ‫وءوا ٱلـ ّ‬ ‫ن ت ََبـ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪‬ٱّلـ ِ‬ ‫و‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫دو َ‬ ‫جـ ُ‬ ‫ول َ ي َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جَر إ ِلي ْ ِ‬ ‫هــا َ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬
‫عل َ ٰى‬ ‫ُ‬
‫ن َ‬ ‫ؤث ُِرو َ‬ ‫وي ُ ْ‬ ‫ما أوُتوا ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ة ّ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫فى ُ‬ ‫ِ‬
‫ق‬
‫مــن ي ُــو َ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫صـ ٌ‬ ‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫َأن ُ‬
‫فسه َ ُ‬
‫ن‪.( (9‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ٱل ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ح نَ ْ ِ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ُ‬
‫فالمهاجرون انتموا لهذا الدين بصييدق‪ ،‬والنصييار‬
‫أحبييوا الييذين هيياجروا إليهييم‪ ،‬ل بييل آثروهييم علييى‬
‫أنفسهم رغم ضيق حالتهم المادية‪ .‬ومع أن هجييرات‬
‫البشر عبر التاريييخ يعقبهييا كراهييية شييديدة وحييروب‬
‫ومشيياكل بييين الوافييدين وأهييل البلييد‪ ،‬لكيين هجييرة‬
‫النصييار إلييى المهيياجرين كييانت بخلف ذلييك‪ ،‬حييب‬
‫وإيثار وتضحية‪ ...‬وتأتي بعد ذلك آية رائعة‪ ،‬تصف لنا‬
‫وحدة المة عبر الجيال‪:‬‬
‫ن َرب َّنــا‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫د ِ‬ ‫ع ِ‬‫من ب َ ْ‬ ‫جاءوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫خوٰن ِن َـــــــا ٱل ّـــــــ ِ‬ ‫ول ِ ْ‬ ‫فـــــــْر ل َن َـــــــا َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ٱ ْ‬
‫غل ّ‬ ‫قُلوب ِن َــا ِ‬ ‫فــى ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ٰـ ِ‬ ‫لي َ‬ ‫قوَنا ب ِ ٱ َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫َ‬
‫م‪.( (10...‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف ّر ِ‬ ‫ك َرءو ٌ‬ ‫مُنوا ْ َرب َّنا إ ِن ّ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ّل ّ ِ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪596‬‬

‫أرأيت روعة اليات في وصييف المييؤمنين؟ كيييف‬


‫أن أجيال المة كلهييا تنتمييي لنفييس الفكييرة ونفييس‬
‫المنهج‪ ...‬وحتى في حييال الخلف الييذي قييد يحصييل‬
‫بييين أفييراد الميية‪ ،‬فييإن السييورة ترينييا كيييف أن‬
‫المنتمين لهذا اليدين ل يطعنيون بمين قبلهيم‪ ،‬وإنميا‬
‫ن‬ ‫غل ّ ل ّل ّـ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قُلوب ِن َــا ِ‬
‫فــى ُ‬ ‫عـ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬
‫ج َ‬ ‫يقولييون‪َ  :‬‬
‫مُنوا ْ‪.( (10‬‬
‫ءا َ‬
‫أرأيييت الفييرق الهييائل بييين الفريقييين؟ بييين ميين‬
‫ينتمي للمؤمنين ويضحي لجل انتمائه وإخوانه‪ ،‬وبين‬
‫من ينتمي لعييداء اللييه لجييل الييدنيا‪ ،‬ويخييونهم فييي‬
‫أقرب فرصة‪...‬‬
‫لو أنزلنا هذا القرآن على جبل‬
‫ثم تأتي آية رائعة‪ ،‬تهز القلييوب ميين خشييية اللييه‬
‫ل‬ ‫عل َ ـ ٰى َ‬
‫جب َ ـ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ق ـْرءا َ‬ ‫ذا ل ْ‬
‫ٱ ُ‬ ‫ه ٰـ َ‬‫و‪َ‬أنَزل َْنا َ‬
‫تعالى‪:‬ل َ ْ‬
‫َ‬
‫ة ٱللــه‪ ...‬‬ ‫خ ْ‬
‫شــي َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دعا ً ّ‬
‫م ْ‬ ‫ص ّ‬‫مت َ َ‬‫شعا ً ّ‬‫خـٰ ِ‬‫ه َ‬ ‫ل َّرأي ْت َ ُ‬
‫‪.((21‬‬
‫فمييا علقيية هييذه الييية بغييزوة بنييي النضييير؟ إن‬
‫اليهييود اعتقييدوا أن حصييونهم سييتمنعهم ميين اللييه‬
‫ما‬‫وتحميهم من المؤمنين‪ ،‬كما في قييوله تعييالى ‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫م َأن ي َ ْ‬
‫م‬‫ه ْ‬‫عت ُ ُ‬
‫مــان ِ َ‬
‫م ّ‬ ‫وظَّنــوا ْ أن ّ ُ‬
‫هــ ْ‬ ‫جــوا ْ َ‬
‫خُر ُ‬ ‫ظََننُتــ ْ‬
‫ن ٱلله ‪ ( (2‬فييأتت الييية ‪ 21‬وكأنهييا‬ ‫م َ‬ ‫هم ّ‬‫صون ُ ُ‬‫ح ُ‬ ‫ُ‬
‫تقول لهم‪ :‬كيف تظنون أن هييذه الحصييون مييانعتكم‬
‫من الله‪ .‬هييذا القييرآن يصييدع الجبييال العظيميية فمييا‬
‫‪597‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫بالييك بالحصييون المتهاوييية؟ اعلمييوا أن ل ناصيير ول‬


‫معين إل الله تبارك وتعالى‪.‬‬
‫هو الله‬
‫وفي الختام‪ ،‬تأتي ثلث آيييات رائعيية فييي أسييماء‬
‫الله الحسنى‪ ،‬كلها أسماء العظمة والقوة والجلل‪:‬‬
‫م‬ ‫عــال ِ ُ‬ ‫و َ‬ ‫هــ َ‬ ‫ه إ ِل ّ ُ‬ ‫ذى ل َ إ ِل َ ٰـــ َ‬ ‫و ٱللــه ٱّلــ ِ‬ ‫هــ َ‬ ‫‪‬‬‫ُ‬
‫م ‪‬‬ ‫حيـ ُ‬ ‫ن ٱلّر ِ‬ ‫مــٰ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫و ٱلّر ْ‬ ‫هـ َ‬‫ة ُ‬ ‫هـٰدَ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫ب َ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ك‬ ‫مِلــ ُ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫هــ َ‬ ‫ه إ ِل ّ ُ‬ ‫ذى ل َ إ َِلـــٰ َ‬ ‫و ٱللــه ٱل ّـــ ِ‬ ‫هــ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫مـــ ُ‬ ‫هي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مـــ ْ‬ ‫م ٱل ْ ُ‬ ‫سَلــــٰ ُ‬ ‫س ٱل ّ‬ ‫دو ُ‬ ‫قـــ ّ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫مــا‬ ‫ع ّ‬ ‫ن ٱللــه َ‬ ‫حـٰ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫مت َك َب ُّر ُ‬ ‫جّباُر ٱل ْ ُ‬ ‫زيُز ٱل ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫رىء‬ ‫ق ٱل ْب َـــا ِ‬ ‫خــــٰل ِ ُ‬ ‫و ٱللـــه ٱل ْ َ‬ ‫هـــ َ‬ ‫ن‪ُ ‬‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫شـــ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬
‫مــا‬ ‫ه َ‬ ‫ح لَ ُ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫سن َ ٰى ي ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ماء ٱل ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ه ٱل ْ‬ ‫وُر ل َ ُ‬ ‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫زيـــُز‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ع ِ‬ ‫هـــ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ض َ‬ ‫و ٱلْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰــــوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫فـــى ٱل ّ‬ ‫ِ‬
‫م‪.( (22 – 24‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫وكمييا بييدأت السييورة بتسييبيح اللييه وتعظيمييه‬
‫فــى‬ ‫مــا ِ‬ ‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـــ ٰو ِ‬ ‫س َ‬ ‫فــى ٱل ّ‬ ‫مــا ِ‬ ‫ح للــه َ‬ ‫‪‬ـب ّ َ‬ ‫سـ‬ ‫َ‬
‫م‪ ( (1‬فهييي‬ ‫زيــُز ٱل ْ َ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫كيــ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫هــ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ٱل ْر ِ‬
‫فى‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ح لَ ُ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫تنتهي أيضا ً بالتسبيح والتعظيم ‪‬ي ُ َ‬
‫م‪‬‬ ‫زيُز ٱل ْ َ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫ض َ‬ ‫و ٱل ْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ٰـوٰ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫‪.((24‬‬
‫وكأن ختام السورة يؤكد على معنى واحد‪ :‬كيييف‬
‫ل تنتمون إلى الله‪ ،‬وهو الذي لييه السييماء الحسيينى‬
‫التي كلها عظمة‪ ..‬انتموا إليه ول تنتموا إلى غيره‪...‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪598‬‬

‫سورة الممتحنة‬
‫سو‬ ‫وسورة الممتحنة نرى هدفها واضحا ً من أول آييية‬
‫ذوا ْ َ‬ ‫من ُــوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫َ‬
‫رة‬ ‫وى‬ ‫ع ـدُ ّ‬ ‫خـ ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فيها ‪‬يٰأي ّ َ‬
‫ول َِيــاء‪  ...‬أرأييييت كييييف أن اليييولء‬ ‫عــدوك ُ َ‬
‫الممتحن‬ ‫مأ ْ‬ ‫و َ ُ ّ ْ‬ ‫َ‬
‫للمسلمين والتبرؤ من الكافرين واضحان فييي سييور‬
‫الجزء كلها‪ ...‬لذلك تأتينييا السييورة بأربعيية امتحانييات‬
‫للنتماء‪:‬‬
‫‪ .1‬امتحان حاطب بن أبي بلتعة‬
‫‪ .2‬امتحان المؤمنات المهاجرات‬
‫‪ .3‬امتحان التوازن في الولء والبراء‬
‫‪ .4‬امتحان النساء قبل مبايعتهن‬
‫تعييالوا معييا ً لنسييتعرض هييذه المتحانييات الييتي‬
‫أوردتها السورة الكريمة‪ ،‬سورة الممتحنة‪.‬‬
‫حاطب بن أبي بلتعة وإفشاء السرار‬
‫كييان رسييول الليه ‪ ‬يجهييز الجيييوش قبيل فتيح‬
‫مكة‪ ،‬حتى يفاجئ الكفييار بيدخول مكيية فيستسيلموا‬
‫دون أن يحدث أي قتييال أو إراقيية دم فييي الحييرم‪...‬‬
‫لكن أحييد الصييحابة ‪ -‬وهييو حيياطب بيين أبييي بلتعيية ‪-‬‬
‫أرسييل لهلييه فييي مكيية حييتى يحييذرهم ميين مجيييء‬
‫المسييلمين‪ ..‬فكييان امتحانييا ً لييولء ذلييك الصييحابي‬
‫الجليل‪ ،‬الذي أخطأ في تصييرفه هييذا‪ ،‬ولييذلك نزلييت‬
‫آيات السورة تعاتبه على ذلك‪:‬‬
‫‪599‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ذوا ْ َ‬ ‫من ُــوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫َ‬


‫وى‬ ‫ع ـدُ ّ‬ ‫خـ ُ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هــا ٱل ّ ـ ِ‬ ‫‪‬يٰأي ّ َ‬
‫عدوك ُ َ‬
‫قــدْ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫و دّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِبــ ٱل ْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قو َ َ‬
‫ن إ ِلي ْ ِ‬ ‫ول َِياء ت ُل ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫و َ ُ ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫جــو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬‫ق يُ ْ‬ ‫حــ ّ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫مــ َ‬ ‫م ّ‬ ‫جــاءك ُ ْ‬ ‫مــا َ‬ ‫فــُروا ْ ب ِ َ‬ ‫كَ َ‬
‫م ِإن‬ ‫مُنوا ْ ِبــ ٱلله َرب ّك ُـ ْ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م َأن ت ُ ْ‬ ‫وإ ِـي ّ ٰك ُ ْ‬‫ل َ‬ ‫سو َ‬ ‫ٱلّر ُ‬
‫غــاء‬ ‫و ٱب ْت ِ َ‬ ‫س ـِبيِلى َ‬ ‫فــى َ‬ ‫هــادا ً ِ‬ ‫ج َ‬ ‫م ِ‬ ‫جت ُـ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُـ ْ‬ ‫ُ‬
‫ضاِتى ‪ ‬ثم يأتي تحييذير ميين مييودة ميين عييادى‬ ‫مْر َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫وأن َـا ْ‬ ‫ة َ‬ ‫و دّ ِ‬ ‫م َ‬‫م ب ِـ ٱل ْ َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫سـّرو َ َ‬
‫ن إ ِلي ْ ِ‬ ‫الله ورسوله ‪‬ت ُ ِ‬
‫م ‪.‬‬ ‫عَلنت ُ ْ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫في ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عل َ ُ‬‫أَ ْ‬
‫لكن الملفت في الية أنها عاتبت سيييدنا حيياطب‬
‫عتابا ً رقيقًا‪ ،‬فهي أكدت أنييه ل يييزال مييع المييؤمنين‪،‬‬
‫من ُــوا ْ ‪،‬‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هــا ٱل ّـ ِ‬ ‫ميين خلل البييدء بييي‪ :‬يٰأي ّ َ‬
‫ذوا ْ‬ ‫خـ ُ‬ ‫وأكدت أن أعداء الله هييم أعييداؤه ‪ ..‬ل َ ت َت ّ ِ‬
‫م‪ ، ..‬وليييس هييذا فحسييب‪ ،‬بييل‬ ‫وك ُ ْ‬ ‫ع ـدُ ّ‬ ‫و َ‬ ‫وى َ‬ ‫ع ـدُ ّ‬ ‫َ‬
‫هــادا ً‬ ‫ج َ‬ ‫م ِ‬ ‫جت ُـ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُـ ْ‬ ‫ذكرته بمرضاة اللييه ‪ِ‬إن ُ‬
‫ضاِتى ‪ .‬أرأيييت كيييف‬ ‫مْر َ‬ ‫غاء َ‬ ‫و ٱب ْت ِ َ‬ ‫سِبيِلى َ‬ ‫فى َ‬ ‫ِ‬
‫عالج القرآن تلك المشكلة ‪ -‬التي تعتبر في المنطق‬
‫العسييكري خيانيية عظمييى ‪ -‬بأسييلوب تربييوي رائع‪،‬‬
‫وذلك باللطف والتحبب في الخطاب‪.‬‬
‫إبراهيم والذين معه‪ :‬إنا براء منكم‬
‫ثم تعرض لنا السورة موقفا ً واضحا ً فييي النتميياء‬
‫الكامييل لييدين اللييه والتييبرؤ الشييديد ميين المناهييج‬
‫الخرى‪:‬‬
‫م‬ ‫كان َت ل َك ُ ُ‬
‫قدْ َ‬
‫َ‬
‫هيـ َ‬‫فــى إ ِب ْ ٰر ِ‬
‫ة ِ‬
‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬
‫وةٌ َ‬
‫س َ‬
‫مأ ْ‬‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪600‬‬

‫م إ ِّنـا ُبـَرءاؤا ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫قـاُلوا ْ ل ِ َ‬ ‫ه إ ِذْ َ‬ ‫و ٱل ّـ ِ‬


‫م ِ‬ ‫و ِ‬ ‫قـ ْ‬ ‫عـ ُ‬‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫فْرَنـا‬ ‫ن ٱللــه ك َ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫مـن ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫عُبـ ُ‬ ‫مـا ت َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫و ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫كـ ْ‬ ‫ّ‬
‫ضــاء‬ ‫غ َ‬ ‫و ٱل ْب َ ْ‬ ‫وةُ َ‬‫دا َ‬ ‫عـ َ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫وب َي ْن َك ُـ ُ‬‫دا ب َي ْن َن َــا َ‬ ‫وب َ َ‬‫م َ‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫و َ‬‫قــ ْ‬ ‫حــدَهُ إ ِل ّ َ‬ ‫و ْ‬ ‫مُنــوا ْ ِبــ ٱلله َ‬ ‫ؤ ِ‬‫حّتــى ٰت ُ ْ‬ ‫أَبــدا ً َ‬
‫ك‬ ‫ك ل َـ َ‬ ‫مل ِـ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َلـ َ‬ ‫هيم ل َبي ِ َ‬
‫مــا أ ْ‬‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫فَر ّ‬ ‫غ ِ‬ ‫سـت َ ْ‬ ‫هل ْ‬ ‫ِ‬ ‫إ ِب ْ ٰر ِ َ‬
‫ىء‪.( (4...‬‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ن ٱلله ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫أرأيت كيف أن الجزء الثامن والعشييرين بييأكمله‪،‬‬
‫هو عبييارة عيين عييرض نميياذج المنتمييين لييدين اللييه‪،‬‬
‫وبالمقابييل للخرييين الضييعيفين فييي انتمييائهم‪ ...‬يييا‬
‫شباب‪ ،‬قبل أن تختمييوا المصييحف‪ ،‬وقبييل أن تنتهييوا‬
‫من قراءة منهييج اللييه تعييالى‪ ،‬تعّلمييوا هييذا المعنييى‪،‬‬
‫الولء للمؤمنين والتبرؤ من الكافرين‪...‬‬
‫إمتحان مبايعة النساء‬
‫وهذا المتحان هو سيبب تسيمية السيورة بسيورة‬
‫الممتحنيييييييييييييييييييييييية‪ ...‬اسييييييييييييييييييييييييمع‬
‫قول الله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫من َ ٰـ ُ‬
‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫م ٱل ْ ُ‬ ‫جاءك ُ ُ‬ ‫مُنوا ْ إ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫ٰ‪‬يأي ّ َ‬
‫ن‬
‫ه ّ‬‫م ٰ ـ ـن ِ ِ‬ ‫م ب ِِإي َ‬ ‫ن ٱللــه أ َ ْ‬
‫عل َـ ُ‬ ‫ه ّ‬‫حُنو ُ‬‫مت َ ِ‬‫فـ ٱ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ج ٰر ٍ‬ ‫ه ٰـ ِ‬‫م َ‬
‫ُ‬
‫ن إ َِلـى‬ ‫ه ّ‬‫عـو ُ‬ ‫فل َ ت َْر ِ‬
‫ج ُ‬ ‫ت َ‬ ‫من َ ٰــ ٍ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬
‫ن ُ‬‫ه ّ‬ ‫مـو ُ‬‫مت ُ ُ‬‫عل ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫فإ ِ ْ‬
‫ر‪.( (10...‬‬ ‫فا ِ‬ ‫ٱل ْك ُ ّ‬
‫هذه الية تتحدث عن معنى مهم جدا ً للمجتمعات‬
‫التي تريد أن تحافظ على انتمائها للسييلم‪ .‬إمتحنييوا‬
‫النساء قبل أن تدخل إلى مجتمعاتكم‪ ،‬حييتى نضييمن‬
‫‪601‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫عدم دخول المشككين والمفسدين لمجتمعاتنييا‪ ،‬لن‬


‫المرأة هي ضمان المجتمع‪ ،‬وهي التي تحفظ انتميياء‬
‫أفراده لدينهم وتحفييظ وحييدتهم وتماسييكهم‪ .‬أرأيييت‬
‫قيمة المرأة ومكانتها في المجتمع المسلم‪ ...‬أرأيت‬
‫دور المرأة في الحفاظ على انتميياء المجتمييع لييدين‬
‫الله‪ ،‬من سورة المجادلة إلى سورة الممتحنة‪...‬‬
‫إمتحان العدل مع غير المسلمين‬
‫وحييتى ل يفهييم الييولء والييبراء علييى أنييه العييداء‬
‫الكامييل لغييير المسييلمين‪ ،‬والتييبرؤ ميين كييل أهييل‬
‫الكتاب‪ ،‬حييتى الييذين ل يحاربوننييا ول يعادوننييا‪ ،‬تييأتي‬
‫سورة الممتحنة بقاعدة هامة في التعامييل مييع غييير‬
‫المسلمين‪:‬‬
‫م‬ ‫ق ٰـت ُِلوك ُ ْ‬ ‫م يُ َ‬‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ٱلله َ‬ ‫ه ٰـك ُ ُ‬ ‫ل ّ ي َن ْ َ‬‫‪‬‬
‫م َأن‬ ‫رك ُ ْ‬
‫مــن ِدي َ ٰـ ـ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫جــوك ُ ْ‬ ‫ر ُ‬
‫خ ِ‬
‫م يُ ْ‬ ‫ول َ ـ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫فى ٱل ّ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫حــ ّ‬ ‫ن ٱللــه ي ُ ِ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫هــ ْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫وت ُ ْ‬
‫ســطوا إ ِلي ْ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م َ‬ ‫هــ ْ‬ ‫ت َب َّرو ُ‬
‫ن‪.( (9‬‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫أنظر لروعة القرآن‪ :‬ففييي نفييس السييورة الييتي‬
‫ول ِي َــاء ‪‬‬ ‫عدوك ُ َ‬ ‫ذوا ْ َ‬ ‫خ ُ‬‫جاء فيها ‪‬ل َ ت َت ّ ِ‬
‫مأ ْ‬ ‫و َ ُ ّ ْ‬ ‫وى َ‬ ‫عدُ ّ‬
‫م‬‫هـــ ْ‬ ‫‪ ((1‬نيييرى فيهيييا قيييوله تعيييالى ‪َ‬أن ت َب َّرو ُ‬
‫م‪ .( (9‬فالسييلم يطالبنييا بييالبر‬ ‫هـ ْ‬ ‫ق ِ ُ ْ َ‬ ‫وت ُ ْ‬
‫سطوا إ ِلي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫حـ ّ‬
‫ن ٱللــه ي ُ ِ‬ ‫والحسان إليهم والعدل معهييم ‪‬إ ِ ّ‬
‫ن ‪ ‬فلمن النهي؟ ولمن المعاداة؟‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ق ٰــت َُلوك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّـ ِ‬ ‫عـ ِ‬ ‫م ٱلله َ‬ ‫ه ٰـك ُ ُ‬ ‫ما ي َن ْ َ‬ ‫‪َ‬‬ ‫إ ِن ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪602‬‬

‫هُروا ْ‬ ‫وظَ ٰـ َ‬ ‫رك ُ ْ‬


‫م َ‬ ‫من ِدي َ ٰـ ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫جو ُ‬ ‫خَر ُ‬‫وأ َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫دي ِ‬‫فى ٱل ّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ول ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫مــن ي ََتــ َ‬ ‫و َ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وّلــ ْ‬
‫و ُ‬ ‫م أن ت َ َ‬ ‫كــ ْ‬‫ج ُ‬ ‫خ ٰر ِ‬ ‫عَلــ ٰى إ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ن‪.( (8‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ٱلظّ ٰـل ِ ُ‬ ‫ه ُ‬
‫ك ُ‬ ‫وَلـئ ِ َ‬
‫فأ ْ‬‫َ‬
‫وحتى عن الكافرين المعادين‪ ،‬فإن اليات تظهيير‬
‫عـ َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫التوازن فييي التعامييل ‪َ ‬‬
‫ج َ‬
‫سى ٱللــه أن ي َ ْ‬ ‫ع َ‬
‫ة‪ ...‬‬ ‫ود ّ ً‬
‫مــ َ‬ ‫هــم ّ‬
‫من ْ ُ‬
‫عادَي ُْتم ّ‬
‫ن َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وب َي ْ َ‬ ‫ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫‪.((7‬‬
‫وهكذا نرى أن السورة عرضت توازنا ً دقيق فييي‬
‫النتماء‪ ،‬بين التبرؤ من الكفار الذين يحاربوننييا وبييين‬
‫العدل والتسامح مع من يعيشون معنا بسييلم‪ ،‬حييتى‬
‫ل يسيييء المسييلمون فهييم هييذا الصييل المهييم ميين‬
‫أصول ديننا الرائعة‪.‬‬
‫أييين أنييت ميين هيذه المتحانييات؟ ومييا هييو مييدى‬
‫ولئك لدين الله وتبرؤك ميين المناهييج الغربييية الييتي‬
‫تتعييارض مييع هييذا الييدين؟ وهييل هنيياك تييوازن فييي‬
‫نظرتك إلى هذا النتماء‪ ،‬أم أن نظرتك تقتصر علييى‬
‫التبرؤ من كل الكفييار‪ ،‬دون التفريييق بييين المعييادين‬
‫والمسالمين‪...‬‬
‫من فضلك‪ ،‬اسأل نفسك هذه السئلة بعد قراءة‬
‫سورة الممتحنة‪..‬‬

‫سورة الصف‬
‫سو‬ ‫وهييدف سييورة الصييف واضييح ميين اسييمها‪" :‬يييا‬
‫رة‬ ‫مسييلمون‪ ،‬ويييا ميين انتمييى لهييذا الييدين‪ ،‬وحييدوا‬
‫الصف‬
‫‪603‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫صفوفكم في سبيل نصرة دين الله"‪ ،‬فتأتي فيها آية‬


‫ب‬
‫حــ ّ‬ ‫ن ٱللــه ي ُ ِ‬ ‫محورييية وهييي قييوله تعييالى‪ :‬إ ِ ّ‬
‫فا ً َ َ‬
‫هم‬‫كــأن ّ ُ‬ ‫صــ ّ‬
‫ه َ‬‫ســِبيل ِ ِ‬
‫فــى َ‬ ‫ق ٰـــت ُِلو َ‬
‫ن ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ٱّلــ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ص‪.( (4‬‬‫صو ٌ‬ ‫مْر ُ‬‫ن ّ‬‫ب ُن ْي َ ٰـ ٌ‬
‫بنو إسرائيل والنتماء‬
‫لذلك تعرض لنا السورة نموذجا ً لبنييي إسييرائيل‪،‬‬
‫الذين أتعبوا سيدنا موسى كثيرًا‪ ،‬لن انتماءهم لييدين‬
‫ه‬
‫م ِ‬ ‫و ِ‬ ‫قـ ْ‬ ‫س ـ ٰى ل ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قــا َ‬ ‫‪ِ‬ذْ َ‬ ‫وإ‬‫اللييه كييان ضييعيفا ً َ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ســو ُ‬ ‫ن أن ّــى َر ُ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫قد ت ّ ْ‬ ‫و َ‬‫ذون َِنى َ‬ ‫ؤ ُ‬‫م تُ ْ‬ ‫وم ِ ل ِ َ‬‫ق ْ‬ ‫ٰي َ‬
‫مــا‬ ‫فل َ ّ‬ ‫م‪ ( (5‬فميياذا كييانت النتيجيية ‪َ ‬‬ ‫ٱلله إ ِل َي ْك ُـ ْ‬
‫م‪.( (5‬‬ ‫ه ْ‬‫قُلوب َ ُ‬ ‫غ ٱلله ُ‬ ‫غوا ْ أ ََزا َ‬ ‫َزا ُ‬
‫ويييأتي سيييدنا عيسييى إلييى نفييس القييوم بنفييس‬
‫م ٰيب َن ِــى‬ ‫مْري َـ َ‬
‫ن َ‬ ‫سى ٱب ْـ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قا َ‬ ‫وإ ِذْ َ‬ ‫الرسالة ‪َ ‬‬
‫مــا‬ ‫دقا ً ل ّ َ‬ ‫ص ّ‬‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل ٱلله إ ِل َي ْ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل إ ِّنى َر ُ‬ ‫سرءي َ‬ ‫إِ ْ ٰ‬
‫ل َيــأ ِْتى‬ ‫سو ٍ‬ ‫شرا ً ب َِر ُ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫و ُ‬ ‫ة َ‬ ‫وَرا ِ‬ ‫ن ٱل ت ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ى ِ‬ ‫ن ي َدَ ّ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫د‪.( (6‬‬ ‫من بعدى ٱسم َ‬
‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫لكن ضعف النتميياء عنييد بنييي إسييرائيل ل يييزال‬
‫ذا‬‫ه ٰـ ـ َ‬ ‫قــاُلوا ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫هم ب ِ ٱل ْب َي ّن َ ٰـ ـ ِ‬ ‫جاء ُ‬‫ما َ‬ ‫فل َ‬
‫‪ّ‬‬ ‫موجودا ً َ‬
‫ن‪.( (6‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ّ‬ ‫س ْ‬ ‫ِ‬
‫كيف ل توحدون صفوفكم؟‬
‫وبعد أن حثتنا اليات على توحيد الصييفوف تييأتي‬
‫آية خطيرة‪:‬‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫ه ِ‬ ‫فُئوا ْ ن ُــوَر ٱللــه ب ِ ـأ َ ْ‬
‫ف ٰو ِ‬ ‫ن ل ِي ُطْ ِ‬
‫دو َ‬
‫ري ـ ُ‬‫يُ‬
‫‪ِ‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪604‬‬

‫رهَ‬ ‫ول َــــــ ْ‬


‫و ك َــــــ ِ‬ ‫ه َ‬
‫ر ِ‬
‫م ن ُــــــو ِ‬
‫مت ِــــــ ّ‬
‫و ٱللــــــه ُ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (8‬‬ ‫ٱل ْك َ ٰـ ِ‬
‫فُرو َ‬
‫وكأن المعنى‪ :‬توحييدوا أيهييا المؤمنييون‪ ،‬وانصييروا‬
‫هذا اليدين‪ ،‬لن أعيداء الليه يرييدون أن يطفئوا هيذا‬
‫الدين‪ .‬وكيف يكون عندكم ضعف في النتماء وأنتييم‬
‫تعلمييون أن اللييه تعييالى سيييتم نييوره ولييو كييره‬
‫الكافرون‪ ..‬لذلك تعقب هذه الية بشارة أخييرى ميين‬
‫َ‬
‫هدَ ٰى‬ ‫ه ب ِ ٱل ْ ُ‬‫سول َ ُ‬‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬
‫ذى أْر َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫‪َ‬‬ ‫ه‬
‫الله تعالى‪ُ :‬‬
‫ول َ ـ ْ‬
‫و‬ ‫ن ك ُل ّـ ِ‬
‫ه َ‬ ‫دي ِ‬ ‫عَلى ٱل ـ ّ‬ ‫هَرهُ َ‬ ‫ْ‬
‫ق ل ِي ُظ ِ‬ ‫ح ّ‬‫ن ٱل ْ َ‬‫وِدي ِ‬‫َ‬
‫ن‪ ( (9‬هييذا الييدين منصييور بييإذن‬ ‫ر ُ‬
‫كو َ‬ ‫ش ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫كَ ِ‬
‫رهَ ٱل ُ‬
‫اللييه‪ ،‬وسيييظهر علييى الديييان كلهييا وينتصيير علييى‬
‫المناهج الخرى‪ ،‬فسارع بالنضمام تحت لوائه حييتى‬
‫تكون من الفائزين إن شاء الله‪...‬‬
‫كونوا أنصار الله‬
‫وتختم سورة الصف بنداء للمؤمنين جميعًا‪ ،‬حتى‬
‫من ُــوا ْ‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬‫ذي َ‬ ‫ها ٱّلــ ِ‬‫يثبتوا انتماءهم للسييلم‪ :‬يأي ّ َ‬
‫َ‬
‫صـــَٰر ٱللــه ‪ ( (14‬فل تكفييي الصييلة‬ ‫كوُنــوا ْ أن َ‬ ‫ُ‬
‫والصيام‪ ،‬ول تكفي قراءة القرآن‪ ،‬حتى تكون منتميا ً‬
‫لهذا الدين‪ ..‬ل بد ميين أن تكييون ميين أنصييار اللييه‪...‬‬
‫هذه القاعدة ليست مقتصرة علييى أميية محمييد ‪،‬‬
‫بل كانت مطلوبة أيضا ً من أتبيياع النبييياء السييابقين‪،‬‬
‫من ُــوا ْ‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬‫ذي َ‬ ‫هــا ٱل ّـ ِ‬‫كعيسييى عليييه السييلم‪ :‬يأي ّ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ســى ٱب ْـ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬‫قــا َ‬‫مــا َ‬ ‫كوُنوا ْ أن َ‬
‫صـ ـَٰر ٱللــه ك َ َ‬ ‫ُ‬
‫‪605‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫رى إ َِلى ٱلله َ‬ ‫َ‬


‫ل‬‫قــا َ‬ ‫صـٰ ِ‬
‫ن أن ّ َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫رّيي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م ل ِل ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫َ‬
‫مَنت ّ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ف ٌ‬‫طائ ِ َ‬ ‫فـَئا َ‬‫صـُٰر ٱلله َ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ح ُ‬‫ن نَ ْ‬ ‫رّيو َ‬ ‫حوٰ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫فأ َي ّ ـدَْنا‬
‫ة َ‬‫فـ ٌ‬ ‫ف ـَرت ّ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫وك َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫س ـ ٰرءي َ‬ ‫مــن ب َن ِــى إ ِ ْ‬ ‫ّ‬
‫حوا ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َـــ‬‫من ُـــوا ْ َ‬ ‫ل ّـ‬
‫صـــب َ ُ‬‫فأ ْ‬ ‫ه ْ‬‫و ِ‬‫عـــدُ ّ‬‫ٰى َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱــ ِ‬
‫ن‪.( (14‬‬ ‫ري َ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫ظ ٰـ ِ‬
‫سورة الجمعة‬
‫سو‬ ‫إن هييدف سييورة الجمعيية هييو ببسيياطة‪ :‬اجتميياع‬
‫رة‬ ‫المسلمين ووحدتهم‪ ...‬فصلة الجمعة هي رمز اتحاد‬
‫الجمعة‬ ‫المسلمين ورمييز وحييدة أهييل الحييي الواحييد‪ ،‬وأهييل‬
‫البلييد الواحييد‪ ،‬يلتقييون فيهييا بشييكل أسييبوعي حييتى‬
‫يسمعوا خطبة الجمعة ويزيدوا الروابييط الجتماعييية‬
‫فيمييا بينهييم‪ ...‬لميياذا نييرى هييذا المعنييى غائب يا ً فييي‬
‫مساجدنا؟ لماذا ضيعنا مراد ربنا من هذه الفريضيية‪،‬‬
‫ولميياذا أفسييدنا هييذه الصييلة المباركيية؟ ليتنييا نييرى‬
‫خطبيياء الجمعيية يراجعييون أنفسييهم فييي المعنييى‬
‫المطلوب الساسي من خطبة الجمعيية‪ ،‬وليتنييا نييرى‬
‫المصلين أنفسهم‪ ،‬من الشييباب والرجييال والطفييال‬
‫وحتى النساء‪ ،‬يذهبون إلييى الصييلة كييل جمعيية بنييية‬
‫تجديد انتمائهم وصلتهم بإخوانهم المسلمين‪...‬‬
‫عناصر خطبة الجمعة‬
‫ومن المعاني الجميلة فييي السييورة أنهييا ابتييدأت‬
‫بالعناصر المطلوبة في خطبيية الجمعيية‪ .‬كيييف هييذا؟‬
‫اسمع قول الله تبارك وتعالى‪:‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪606‬‬

‫ســول ً‬ ‫ُ‬ ‫و ٱل ّ ـ ِ‬
‫ن َر ُ‬ ‫مّيي ـ َ‬ ‫فــى ٱل ّ‬ ‫ث ِ‬ ‫عـ َ‬ ‫ذى ب َ َ‬ ‫ه َ‬‫‪ُ ‬‬
‫م‪ ،( (2‬ما هي مهمة هييذا الرسييول؟ وبالتييالي‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫ما هي مهمة من ينييوب عنييه ويخطييب الجمعيية فييي‬
‫م‬‫هـــ ْ‬ ‫وي َُز ّ‬ ‫‪‬ل ُـــو َ َ‬
‫كي ِ‬ ‫ه َ‬‫م ءاي َ ٰــــت ِ ِ‬ ‫هـــ ْ‬‫علي ْ ِ‬ ‫النييياس؟ ي َت ْ‬
‫ة‪ ...( (2‬فعناصيير‬ ‫مـ َ‬ ‫و ٱل ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫ب َ‬ ‫م ٱل ْك َِتــٰ َ‬ ‫ه ُ‬‫م ُ‬‫عل ّ ُ‬‫وي ُ َ‬
‫َ‬
‫خطبة الجمعة هي‪ :‬تلوة القرآن والتعايش مييع آييياته‬
‫وأحكامه‪ ،‬تزكية النفييوس وإصييلحها‪ ،‬وتعليييم النيياس‬
‫سّنة النبي ‪ ‬وأحاديثه‪...‬‬
‫فاسعوا إلى ذكر الله‬
‫وتختم السيورة بيأهم ميا يجيب عليى المسيلم أن‬
‫يفعله حتى يثبت انتماءه لله تعالى‪:‬‬
‫ٰي َ‬
‫ة‬ ‫ص ـل َ ٰو ِ‬‫ى ِلل ّ‬ ‫ذا ن ُــوِد َ‬ ‫من ُــوا ْ إ ِ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّـ ِ‬ ‫‪‬أي ّ َ‬
‫ر ٱللــه‬ ‫ى ِذك ْـ ِ‬ ‫وا ْ إ ِل َـ ٰ‬ ‫ع ْ‬ ‫سـ َ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫عـ ِ‬ ‫م َ‬‫ج ُ‬ ‫وم ِ ٱل ْ ُ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ِ‬
‫ع‪.( (9‬‬ ‫وذَُروا ْ ٱل ْب َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫فمن دلئل انتمائك أن تسارع إلى المسجد حييتى‬
‫تتوحييد مييع المسييلمين فييي الحييي‪ ،‬وأن تضييع الييدنيا‬
‫خلف ظهرك دون أن تلهيييك عيين انتمييائك وعبادتييك‬
‫ن‪.( (9‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م تَ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫‪‬ذَل ِك ُ ْ‬
‫وتذكر لنا السورة حادثة أخطأ فيها صحابة رسييول‬
‫الله‪ ،‬عندما تركييوا رسييول اللييه يخطييب علييى المنييبر‬
‫وسييارعوا إلييى ملقيياة إحييدى القوافييل وهييي تييدخل‬
‫ضــوا ْ‬ ‫هــوا ً ٱن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف ّ‬ ‫و لَ ْ‬‫جـــَٰرةً أ ْ‬ ‫وا ْ ت ِ َ‬
‫ذا َرأ ْ‬ ‫وإ ِ َ‬‫المدينيية ‪َ ‬‬
‫ن‬ ‫مــ َ‬‫خي ٌْر ّ‬ ‫عندَ ٱلله َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل َ‬‫ق ْ‬ ‫قاِئما ً ُ‬ ‫ك َ‬ ‫كو َ‬ ‫وت ََر ُ‬‫ها َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫ن‪‬‬ ‫قي َ‬‫ز ِ‬ ‫خي ُْر ٱلّرا ِ‬ ‫وٱلله َ‬ ‫ة َ‬ ‫جـَر ِ‬ ‫ن ٱل ت ّ َ ٰ‬ ‫م َ‬ ‫و ِ‬‫و َ‬ ‫ٱلله ِ‬
‫‪607‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪ .((11‬هذه الحادثة تثبت لنييا أن الصييحابة ‪ -‬علييى رغييم‬


‫فضلهم ومكانتهم ‪ -‬بشيير مثلنييا‪ ،‬وقييد يتشيياغلون عيين‬
‫النتماء والولء في لحظيية فقيير أو ضيييق‪ ..‬لكيين أهييم‬
‫صفة فيهم هي سرعة العودة والنابة إلى الله‪.‬‬
‫كمثل الحمار يحمل أسفارا ً‬
‫وفي مقابل الصحابة رضيوان الليه عليهيم‪ ،‬تأتينييا‬
‫السورة بمثل رهيب عن ضعيفي النتماء‪:‬‬
‫م‬ ‫م َلــ ْ‬‫وَراةَ ُثــ ّ‬ ‫مُلــوا ْ ٱلّتــ ْ‬ ‫ح ّ‬‫ن ُ‬‫ذي َ‬ ‫ل ٱّلــ ِ‬ ‫مَثــ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫مـــــ ُ‬
‫ل‬ ‫ح ِ‬‫ر يَ ْ‬‫مـــــا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ٱل ْ ِ‬ ‫مَثـــــ ِ‬ ‫هـــــا ك َ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ح ِ‬‫يَ ْ‬
‫كــذُّبوا ْ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وم ِ ٱّلــ ِ‬ ‫قــ ْ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬ ‫مَثــ ُ‬
‫س َ‬ ‫فارا ً ب ِئ ْ َ‬ ‫ســ َ‬‫أ ْ‬
‫م‬ ‫و َ‬
‫قـــ ْ‬‫دى ٱل ْ َ‬ ‫هـــ ِ‬ ‫و ٱللـــه ل َ ي َ ْ‬ ‫ت ٱللـــه َ‬ ‫ِبـَئاَيــــٰ ِ‬
‫ن‪.( (5‬‬ ‫مي َ‬ ‫ٱلظّ ٰـل ِ ِ‬
‫إياك أن تكون منهم‪ ...‬إياك أن تذهب إلى الخطبة‬
‫وأن تحمييل هييذا الييدين مثييل ميين يضييع علييى كتفييه‬
‫معلومات دون أن يفهم منها شيئا ً أو يطّبقهييا ويجعلهييا‬
‫منهجا ً له في حياته‪ ...‬إنتم إلى السلم بصدق‪ ،‬وأظهر‬
‫هييذا الييولء وهييذا النتميياء ميين خلل صييلة الجمعيية‬
‫وتفاعلييك مييع المييؤمنين‪ ،‬هييذه هييي رسييالة سييورة‬
‫الجمعة‪ ،‬نسأل الله تعالى أن تتجدد هذه المعاني فييي‬
‫نفوس الشباب كل أسبوع وفي كل خطبة جمعة‪...‬‬

‫سورة المنافقون‬
‫سو‬ ‫وسييورة المنييافقون تحييذر ميين هييذا المييرض‬
‫رة‬ ‫الييداخلي الييذي يهييدد انتميياء الميية ويضيييع وحييدة‬
‫المنافق‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪608‬‬

‫أفرادها‪ ،‬لذلك تبدأ السورة من أول آييية فييي وصييف‬


‫قاُلوا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ك ٱل ْ ُ‬
‫من َ ٰـ ِ‬ ‫جاء َ‬ ‫ذا َ‬‫كذبهم وخداعهم‪ :‬إ ِ َ‬
‫ك‬ ‫م إ ِن ّـ َ‬‫عل َـ ُ‬
‫و ٱللــه ي َ ْ‬ ‫ل ٱللــه َ‬ ‫ســو ُ‬ ‫ك ل ََر ُ‬
‫هدُ إ ِن ّ َ‬‫ش َ‬‫نَ ْ‬
‫ن‬‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫من َ ٰــــ ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫هدُ إ ِ ّ‬ ‫و ٱللـــه ي َ ْ‬
‫شـــ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ســـول ُ ُ‬ ‫ل ََر ُ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫ذُبو َ‬ ‫ل َك َ ٰـ ِ‬
‫والله يعلم إنك لرسوله‬
‫وفي الية الولى إعجاز لغوي لطيف‪ ،‬فقد يظيين‬
‫و ٱللــه‬ ‫البعض أن هناك تكرارا ً في قييوله تعييالى ‪َ ‬‬
‫ن‬ ‫هدُ إ ِ ّ‬ ‫شـــ َ‬ ‫و ٱللـــه ي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ســـول ُ ُ‬ ‫ك ل ََر ُ‬ ‫م إ ِّنـــ َ‬ ‫عَلـــ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن ‪ ...‬لكننا في اللغة العربية‬ ‫ذُبو َ‬ ‫ن ل َك َ ٰـ ِ‬‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫من َ ٰـ ِ‬‫ٱل ْ ُ‬
‫إذا أردنا أن نعرف القيمة البلغية لجملة ما‪ ،‬نحييذفها‬
‫لنرى مدى أهميتها وتأثيرها على المعنى‪ .‬فإذا فعلنييا‬
‫د‬
‫ه ُ‬ ‫شـ َ‬ ‫قــاُلوا ْ ن َ ْ‬‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫من َ ٰـ ـ ِ‬‫ك ٱل ْ ُ‬ ‫جــاء َ‬ ‫ذا َ‬ ‫‪َ‬‬‫ذلييك إ ِ‬
‫ه‬ ‫ســول ُ ُ‬ ‫ك ل ََر ُ‬ ‫م إ ِّنــ َ‬‫عل َ ُ‬ ‫و ٱلله ي َ ْ‬ ‫ل ٱلله َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ك ل ََر ُ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ن‪‬‬ ‫ذُبو َ‬ ‫ن ل َك َ ٰـــ ِ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫من َ ٰـــ ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫هدُ إ ِ ّ‬ ‫شــ َ‬‫و ٱللــه ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫وحذفنا الكلمات التي تحتها خييط‪ ،‬يصييير المعنييى أن‬
‫الله يشهد أن المنافقين كاذبون بادعائهم أن محمدا ً‬
‫رسييول اللييه‪ ،‬والعييياذ بييالله‪ ...‬سييبحان اللييه‪ ،‬ميين‬
‫المسييتحيل أن نييرى أي كلميية بييل أي حييرف فييي‬
‫القيييرآن دون أن يكيييون ليييه أهميتيييه فيييي توضييييح‬
‫المعنى‪...‬‬
‫الخطر على الولء‬
‫وانظر إلى معييالم النفيياق فييي حييياة هييؤلء فييي‬
‫‪609‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫ذا رأ َيت َهم ت ُعجب َ َ‬


‫وِإن‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ُ‬‫س ٰـ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ك أ ْ‬ ‫وإ ِ َ َ ْ ُ ْ ْ ِ ُ‬ ‫الية )‪َ  (4‬‬
‫َ‬
‫ة‬
‫سـن ّدَ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫شـ ٌ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ك َأن ّ ُ‬ ‫ه ْ‬‫ول ِ ِ‬
‫ق ْ‬ ‫ع لِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫قوُلوا ْ ت َ ْ‬ ‫يَ ُ‬
‫‪ ( (7‬فهييم يتمتعييون ميين الخييارج بمظيياهر براقيية‬
‫ل‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ح َ‬ ‫وملمح خادعة‪ ،‬لكنهم من الداخل ‪‬ي َ ْ‬
‫و‬
‫عـــدُ ّ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫هـــ ُ‬ ‫م ‪ ‬لييييذلك ‪ُ ‬‬ ‫هـــ ْ‬ ‫ة َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ح ٍ‬‫صـــي ْ َ‬ ‫َ‬
‫م ‪.‬‬ ‫ه ْ‬‫حذَْر ُ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫َ‬
‫وترينا الية )‪ (5‬مدى تكّبرهم على السلم وعلى‬
‫فْر‬ ‫غ ِ‬ ‫سـت َ ْ‬ ‫وا ْ ي َ ْ‬‫عــال َ ْ‬ ‫م تَ َ‬‫هـ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قيـ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫رسول الله‪َ  :‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫هـ ْ‬ ‫وَرأي ْت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫سـ ُ‬ ‫وا ْ ُرءو َ‬ ‫و ْ‬‫ل ٱللــه ل َـ ّ‬ ‫ســو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ن ‪.‬‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫و ُ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫يَ ُ‬
‫ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين‬
‫حتى أن الحال وصل بزعيمهم ‪ -‬عبد الله بن أبي‬
‫بييين سيييلول ‪ -‬إليييى النييييل مييين رسيييول الليييه ‪‬‬
‫ن‬‫جــ ّ‬‫ر َ‬‫خ ِ‬ ‫ة ل َي ُ ْ‬
‫دين َ ِ‬ ‫م ِ‬‫عَنا إ َِلى ٱل ْ َ‬ ‫ن ل َِئن ّر َ‬
‫ج ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫‪‬ي َ ُ‬
‫ل‪ ( (8‬فهييو يقصييد أنييه هييو‬ ‫هــا ٱل َذَ ّ‬ ‫من ْ َ‬‫ع ـّز ِ‬ ‫ٱل َ َ‬
‫العييز‪ ،‬وأن رسييول اللييه ‪ - ‬والعييياذ بييالله ‪ -‬هييو‬
‫ة‬
‫ع ـّز ُ‬‫وللــه ٱل ْ ِ‬ ‫الذل‪ ،‬فترد عليه نفس الية بقوة ‪َ ‬‬
‫ن لَ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬‫من َ ٰـــ ِ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬ ‫ول َ ٰـــك ِ ّ‬
‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ول ِل ْ ُ‬
‫ه َ‬‫سول ِ ِ‬ ‫ول َِر ُ‬
‫َ‬
‫ن ‪ .‬آية خطرة‪ ،‬آية في منتهييى القييوة‪ ...‬إذا‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫عل ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫لم تشعر بالعزة في انتمائك لهذا الييدين‪ ،‬فاحييذر أن‬
‫تكون فيك خصلة ميين خصييال النفيياق‪ .‬وتييذكر قييول‬
‫الفاروق عمر بن الخطيياب رضييي اللييه عنييه‪" :‬نحيين‬
‫قييوم أعزنييا اللييه بالسييلم فييإذا ابتغينييا العييزة بغييير‬
‫السلم أذلنا الله"‪.‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪610‬‬

‫ل تلهكم أموالكم‬
‫وتختتم السييورة بييذكر شييواغل النتميياء‪ ،‬تمهيييدا ً‬
‫لسور التغييابن والطلق والتحريييم‪ ،‬الييتي تتكلييم عيين‬
‫مُنوا ْ ل َ‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫هذا الموضوع بالتفصيل‪ :‬يٰأي ّ َ‬
‫َ‬ ‫ت ُل ْهك ُ َ‬
‫ر ٱللــه‬ ‫عــن ِذك ْـ ِ‬ ‫وَلـ ـٰدُك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ول َ أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ول ُك ُ ْ‬
‫مـ ٰ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫ن‪‬‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫ول َ ٰـئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬
‫ع ْ‬ ‫من ي َ ْ‬
‫سُرو َ‬ ‫خ ٰــ ِ‬ ‫هـ ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫‪.((9‬‬
‫فالموال والولد كييانت هييي مشييكلة المنييافقين‬
‫الساسييية‪ ،‬فاحييذر أخييي المسييلم أن تشييغلك هييذه‬
‫المور عن ذكر الله وعن انتمائك للمؤمنين‪ ،‬فتكييون‬
‫بذلك معرضا ً لخطر النفاق الشديد‪ ..‬فمييا الحييل إذًا؟‬
‫مــا‬‫مــن ّ‬ ‫قــوا ْ ِ‬ ‫ف ُ‬‫وَأن ِ‬ ‫بالنفيياق فييي سييبيل اللييه ‪َ ‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫و ُ‬‫مــ ْ‬‫م ٱل ْ َ‬ ‫ح ـدَك ُ ُ‬ ‫ىأ َ‬ ‫ل أن ي َ ـأت ِ َ‬‫قب ْ ِ‬ ‫من َ‬ ‫م ّ‬ ‫قَنـٰك ُ ْ‬‫َرَز ْ‬
‫َ‬ ‫ول أ َ ّ‬
‫ب‬‫ريـ ٍ‬ ‫ق ِ‬ ‫ل َ‬ ‫جـ ٍ‬ ‫خْرت َِنـى إ َِلـ ٰى أ َ‬ ‫ب َلـ ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قـو ُ‬ ‫في َ ُ‬
‫َ‬
‫ن‪ ( (10‬لن‬ ‫حي َ‬ ‫ص ٰـــل ِ ِ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫مــ َ‬ ‫كــن ّ‬ ‫وأ َ ُ‬
‫صــدّقَ َ‬ ‫فأ ّ‬
‫َ َ‬
‫النفاق هو أفضل وقاية للقلوب من مييرض النفيياق‪،‬‬
‫ومن شواغل النتماء‪...‬‬
‫سور التغابن والطلق والتحريم‬
‫سو‬ ‫هييذه السييور تتحييدث ‪ -‬كمييا ذكرنييا سييابقا ً ‪ -‬عيين‬
‫ر‬ ‫المحاذير التي تضّيع النتميياء عنييد المسييلمين‪ .‬وميين‬
‫التغييابن‬ ‫عناوين السور‪ ،‬نلحظ أنها كلها مشاغل اجتماعية‪.‬‬
‫فالمشييغول بالمييال والزوجيية والولييد عيين اللييه‬
‫تعالى وعن دينه‪ ،‬هييو إنسييان مغبييون )أي مخييدوع(‪،‬‬
‫‪611‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وسيعاني كثيرا ً عندما يكتشف هذه الحقيقة في يوم‬


‫م‬
‫و ُ‬ ‫ع ذَل ِ َ‬
‫ك ي َـ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫و م ِ ٱل ْ َ‬
‫ج ْ‬ ‫عك ُ ْ‬
‫م ل ِي َ ْ‬ ‫م ُ‬
‫ج َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫التغابن ‪‬ي َ ْ‬
‫و َ‬
‫ن‪.( (9‬‬ ‫غاب ُ ِ‬
‫ٱلت ّ َ‬
‫إنما أموالكم وأولدكم فتنة‬
‫لذلك تكشف لنا السييورة هييذه الحقيقيية حييتى ل‬
‫ننخدع في الييدنيا بهييذه المظيياهر‪ ،‬فيييأتي قييول اللييه‬
‫َ‬ ‫تعالى ي َ‬
‫م‬‫جك ُ ـ ْ‬‫ن أْز ٰو ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مُنوا ْ إ ِ ّ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ٱل ّ ِ‬ ‫‪‬أي ّ َ‬
‫َ‬
‫م‪ ( (14‬ثييم‬ ‫ه ْ‬ ‫حـذَُرو ُ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وا ً ل ّك ُـ ْ‬ ‫عـدُ ّ‬
‫م َ‬ ‫دك ُ ْ‬‫ولـٰ ِ‬‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫فت َْنــ ٌ‬ ‫ول َ ٰـدُك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫وأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ٰول ُك ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫‪َ‬‬ ‫الية التي بعدها إ ِن ّ‬
‫م‪.( (15‬‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫جٌر َ‬ ‫عن ْدَهُ أ ْ‬ ‫و ٱلله ِ‬ ‫َ‬
‫والملحييظ أن الييية الولييى لمييا ذكييرت الزواج‬
‫والولد‪ ،‬جيياءت بحييرف "ميين" اليذي يفيييد التبعيييض‬
‫َ‬
‫م ‪ ،‬أي أن بعض أزواجكم عييدو‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫ن أْز ٰو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫‪ّ ‬‬ ‫إِ‬
‫لكم وليسوا كلهم كذلك‪ ،‬لكن الييية الثانييية تثبييت أن‬
‫كلهم فتنة‪ ،‬وأن من سيييتخطى هييذه الفتنيية لييه أجيير‬
‫عظيم إن شاء الله‪...‬‬
‫وكما رأينا في سييورة المنييافقون‪ ،‬فييإن الحييديث‬
‫عن الفتنة يعقبه المر بالنفاق‪:‬‬
‫عوا ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ســ َ‬
‫وٱ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عت ُ ْ‬‫ست َطَ ْ‬ ‫ما ٱ ْ‬ ‫قوا ْ ٱلله َ‬ ‫ف ٱت ّ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫م‪ ( (16...‬ثم‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫لن ُ‬ ‫خْيرا ً َ‬‫قوا ْ َ‬
‫ف ُ‬ ‫وأ َن ْ ِ‬
‫عوا ْ َ‬ ‫طي ُ‬
‫َ‬
‫وأ ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ع ْ‬
‫ف ُ‬ ‫ض ٰـ ـ ِ‬ ‫ً‬
‫ســنا ي ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ً‬
‫قْرض ـا َ‬ ‫ضــوا ٱللــه َ‬ ‫ْ‬ ‫ر ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫إن ت ُ ْ‬‫‪‬‬ ‫ِ‬
‫م‪.( (17‬‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫كوٌر َ‬ ‫ش ُ‬ ‫و ٱلله َ‬ ‫م َ‬‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫غ ِ‬‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬‫ل َك ُ ْ‬
‫فأنفق في سبيل الله أخي المسييلم‪ ،‬حييتى تثبييت‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪612‬‬

‫انتمائك لدينك ومنهجك‪ ،‬وحتى تقي قلبك من التعلق‬


‫بزينة الحياة الدنيا‪.‬‬
‫ل تترك زوجتك‬
‫وحتى ل يسيء أحد فهم سييورة التغييابن‪ ،‬ويفهييم‬
‫أن المطليييييييييييييوب هيييييييييييييو عيييييييييييييداوة‬
‫أهلييه وزوجتييه وأولده وتركهييم حييتى يتفييرغ لعبييادة‬
‫الليييييييييه‪ ،‬تيييييييييأتي سييييييييييورة التحرييييييييييم‬
‫قـــوا ْ‬‫مُنـــوا ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هـــا ٱّلـــ ِ‬ ‫بمعنيييى رائع‪ :‬يأي ّ َ‬
‫س‬‫هــا ٱلّنــا ُ‬ ‫قودُ َ‬ ‫و ُ‬ ‫م َنــارا ً َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫هِلي ُ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫ســك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫َأن ُ‬
‫دادٌ ل ّ‬‫شـــ َ‬
‫ظ ِ‬ ‫غل َ ٌ‬ ‫ة ِ‬ ‫مَلــــئ ِك َ ٌ‬ ‫هـــا َ‬‫عل َي ْ َ‬
‫جـــاَرةُ َ‬ ‫و ٱل ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫مــا‬ ‫ن َ‬ ‫عُلــو َ‬‫ف َ‬‫وي َ ْ‬
‫م َ‬ ‫هــ ْ‬ ‫مَر ُ‬‫مــا أ َ‬ ‫ن ٱللــه َ‬ ‫صــو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‪.( (6‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ؤ َ‬‫يُ ْ‬
‫ل تهجر أولدك‪ ،‬ول تترك زوجتك تفعل ما تشيياء‪.‬‬
‫خذ بيدهم للهداية ودلهم إلى طريق الله حييتى تنجييو‬
‫وإياهم من العذاب‪...‬‬

‫سورة الطلق )ل للخلف(‬


‫وسورة الطلق تؤكد ‪ -‬مع أن اسمها بحد ذاته هو‬
‫من مظاهر الفرقة الجتماعية‪ -‬علييى أنييه ل بييد ميين‬
‫المحافظة على وحدة المجتمع وعييدم الخلف حييتى‬
‫خلل الطلق‪ .‬فييترى فيهييا آيييات كييثيرة تركييز علييى‬
‫تقوى الله‪:‬‬
‫م‪.( (1...‬‬ ‫قوا ْ ٱلله َرب ّك ُ ْ‬
‫و ٱت ّ ُ‬
‫‪َ ... -‬‬
‫‪613‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫خَرج ـ ً‬
‫ا‪ ...‬‬ ‫م ْ‬ ‫عل ل ّـ ُ‬
‫ه‬ ‫ج َ‬‫ق ٱلله ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫من ي َت ّ ِ‬‫و َ‬‫‪َ ... -‬‬
‫‪.((2‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ر ِ‬
‫مـ ِ‬
‫نأ ْ‬‫مـ ْ‬ ‫عــل ل ّـ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ج َ‬‫ق ٱللــه ي َ ْ‬
‫من ي َت ّ ِ‬‫و َ‬‫‪َ ... -‬‬
‫سرًا‪.( (4...‬‬ ‫يُ ْ‬
‫سي ّئ َ ٰـ ـت ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ه َ‬
‫عن ْـ ُ‬ ‫ق ٱللــه ي ُك َ ّ‬
‫فـْر َ‬ ‫مــن ي َت ّـ ِ‬
‫و َ‬
‫‪َ ...‬‬
‫‪ -‬‬
‫جرا ً‪.( (5‬‬ ‫ويعظم ل َ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫َ ُ ْ ِ ْ ُ‬
‫وكأن السورة تبين لنا آداب المفارقيية فييي حييياة‬
‫السرة المسلمة‪ ،‬والتي تتلخص بكلمة واحدة‪ :‬تقوى‬
‫الله‪ ،‬لن عدم التقوى في هذه الظييروف ليين يييؤدي‬
‫إلى انهيييار أسييرة واحييدة فقييط‪ ،‬بييل إن ضييرر ذلييك‬
‫سيتعدى إلى المجتمع كله‪...‬‬

‫سورة التحريم )دور المرأة في النتماء(‬


‫ويختم الجزء الثامن والعشرون ‪ -‬كما بدأ ‪ -‬بييذكر‬
‫المرأة ودورها في النتماء‪ ،‬وكيييف أنهييا إن لييم تنتييم‬
‫لهذا الدين‪ ،‬فإنها ستضييل الكييثير ميين النيياس بييذلك‪،‬‬
‫ولن ينفعهييا حينئذ انتميياء زوجهييا مهمييا كييان صييالحا ً‬
‫وحتى لو كان نبيًا‪ ،‬لن النتماء واجييب مطلييوب ميين‬
‫كل فرد بذاته‪ .‬فنييرى مثل ً امييرأة نييوح وامييرأة لييوط‬
‫ن‬‫حي ْ ِ‬
‫ص ٰـ ـل ِ َ‬
‫عَباِدن َــا َ‬‫ن ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عب ْ ـدَي ْ ِ‬
‫ت َ‬ ‫حـ َ‬ ‫كان َت َــا ت َ ْ‬‫َ‬
‫‪‬‬
‫شـْيئا ً‬ ‫ن ٱللــه َ‬ ‫م َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬
‫عن ْ ُ‬
‫غِنيَنا َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫فل َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫ه َ‬‫خان ََتا ُ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (10‬‬ ‫خِلي َ‬ ‫ع ٱلد ِ‬ ‫خل َ ٱلّناَر َ‬
‫م َ‬ ‫ل ٱد ْ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ونييرى فييي المقابييل نموذجييا ً معاكسييًا‪ :‬امييرأة‬
‫فرعييون الييذي هييو أشييد النيياس كفييرًا‪ ،‬وكيييف كييان‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪614‬‬

‫انتماؤهييا للسييلم قوي يا ً رغييم كفيير زوجهييا وطغيييانه‬


‫م ـَرأ َ َ‬
‫ة‬ ‫من ُــوا ْ ٱ ْ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مث َل ً ل ّل ّـ ِ‬ ‫ب ٱللــه َ‬ ‫ض ـَر َ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫فى‬ ‫ك ب َْيتا ً ِ‬ ‫عندَ َ‬ ‫ن ِلى ِ‬ ‫ب ٱب ْ ِ‬ ‫ت َر ّ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫ن إ ِذْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ع ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ِ‬
‫جِنـى‬ ‫ون َ ّ‬‫ه َ‬‫مِلـ ِ‬ ‫ع َ‬‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬‫عـ ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫مـن ِ‬ ‫جِنـى ِ‬ ‫ون َ ّ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ ِ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫ن‪.( (11‬‬ ‫مي َ‬ ‫وم ِ ٱلظّ ٰـل ِ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ثم مريم ابنة عمران‪ ،‬الييتي تجلييى انتماؤهييا فييي‬
‫عفتهيييا وحيائهيييا وعبادتهيييا المخلصييية لليييه تعيييالى‬
‫َ‬
‫ها‬‫ج َ‬ ‫فْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫صن َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ٱل ِّتى أ ْ‬ ‫مَرا َ‬ ‫ع ْ‬
‫ة ِ‬ ‫م ٱب ْن َ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ها‬ ‫ت َرب ّ َ‬ ‫م ٰـ ِ‬‫ت ب ِك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬‫صدّ َ‬ ‫و َ‬ ‫حَنا َ‬ ‫من ّرو ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫في ِ‬ ‫خَنا ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫فن َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.( (12‬‬ ‫ق ٰـن ِِتي َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫وك ُت ُب ِ ِ‬ ‫َ‬
‫نسأل الله تعييالى أن يرزقنييا مثييل هييذه النميياذج‬
‫المضيئة في حياتنا‪ ،‬حتى يكن عون يا ً للمييؤمنين علييى‬
‫انتمائهم للسلم وثبيياتهم علييى هييذا الييدين‪ ،‬ونسييأل‬
‫الله تعالى أن يعين شباب المة علييى قييراءة الجييزء‬
‫الثييامن والعشييرين وفهييم معييانيه والنتميياء لييدينهم‬
‫وقرآنهم‪..‬‬
‫سور الجزء التاسع والعشرين‬

‫فريضة شرعية‬
‫هذا الجزء يحمل الوصية ما قبل الخيرة للقييرآن‬
‫الكريم‪ ..‬وهييي فريضيية الييدعوة إلييى اللييه وضييرورة‬
‫حمل منهج السييلم للرض كلهييا‪ ..‬فبعييد أن عرفييت‬
‫أخي المسلم‪ ،‬في الجييزء الثييامن والعشييرين‪ ،‬قيميية‬
‫النتماء للسلم وأحسست بحلوة الولء لدين اللييه‪،‬‬
‫ل بد لك أن تتحرك بالسلم وتدعو الناس إليييه بكييل‬
‫ما أوتيت من قوة وجهد وحكمة‪..‬‬
‫وفريضة الدعوة إلى الله واجبة على كل مسييلم‬
‫ومسلمة‪ ،‬مهما كانت معلوماتهم الدينية قليليية‪ ،‬فقييد‬
‫قال رسول الله‪" :‬بّلغوا عني ولو آييية"‪ .‬لييذلك يقييول‬
‫المام أحمد بن حنبل‪ :‬ميين علييم مسييألة فهييو عييالم‬
‫بها‪ .‬ولنا فيي سييدنا أبيي بكير قيدوة حسينة‪ ،‬عنيدما‬
‫أسلم على يديه ستة من كبار الصييحابة الكييرام فييي‬
‫أول يوم من إسلمه‪ ،‬رغم أن معلوميياته فييي الييدين‬
‫كانت أقل بكثير من معلوماتك أخي المسلم‪...‬‬
‫دث النيياس فييي‬ ‫فإذا علمت أن الصلة واجبة فحي ّ‬
‫الصلة‪ ...‬كّلمهم في حب ربنا وحلوة الجنة وأهييوال‬
‫سييهلة ل تحتيياج للكييثير ميين‬
‫الخييرة‪ ...‬هييذه أمييور ‪615‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪616‬‬

‫المعلومات المعقدة والصعبة‪ ،‬وسييتجد المييادة الييتي‬


‫تعينك عليها في جزء تبارك‪.‬‬

‫سورة الملك )تعرف إلى من ستدعو(‬


‫سو‬ ‫وأول سييورة فييي هييذا الجييزء تعرفييك‪ :‬إلييى ميين‬
‫رة‬ ‫ستدعو‪ .‬فقبل ان تباشر بدعوة الناس‪ ،‬تع يّرف علييى‬
‫الله الذي ستدعو الناس إلى دينه‪:‬‬
‫الملك‬

‫ذى‬ ‫ك ٱل ّ ـ ِ‬ ‫تع يّرف علييى ملكييه وعظمتييه ‪‬ت ََباَر َ‬


‫ديٌر‪.( (1‬‬ ‫ق ِ‬ ‫ىء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عل َ ٰى ك ُ ّ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬
‫ك َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ٱل ْ ُ‬ ‫د ِ‬‫ب ِي َ ِ‬
‫صــَر‬‫ع ٱل ْب َ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ف ٱْر ِ‬‫تعّرف إلى إتقانه في كونه ‪َ ‬‬
‫ن‬‫ص ـَر ك َّرت َي ْ ـ ِ‬ ‫ع الب َ َ‬ ‫ج ِ‬‫م ْار ِ‬ ‫ر ‪ ‬ثُ ّ‬
‫طو ٍ‬ ‫ف ُ‬ ‫من ُ‬ ‫ل ت ََر ٰى ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫سيٌر‪.( (3-4‬‬ ‫ح ِ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫سًئا َ‬ ‫خا ِ‬ ‫صُر َ‬ ‫ك الب َ َ‬ ‫ب إ ِل َي ْ َ‬ ‫َين َ‬
‫قل ِ ْ‬
‫أنظر إلييى الطيييور ميين فوقييك وإلييى الميياء ميين‬
‫تحتك واسأل نفسك من الييذي يتحكييم بهييذه المييور‬
‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬
‫ق ُ‬‫و َ‬‫فـ ْ‬‫ر َ‬ ‫وا إ َِلى ٱلطّي ْـ ِ‬ ‫م ي ََر ْ‬ ‫ول َ ْ‬‫كلها إل الله‪ :‬أ َ‬
‫ن‬
‫م ٰــ ُ‬ ‫ن إ ِل ّ ٱلّر ْ‬
‫ح َ‬ ‫سك ُ ُ‬
‫ه ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ض َ‬ ‫قب ِ ْ‬‫وي َ ْ‬‫ت َ‬ ‫ف ٰـ ٍ‬ ‫صـ ٰـ ّ‬ ‫َ‬
‫صيٌر‪.( (19‬‬ ‫ىء ب َ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬‫إ ِن ّ ُ‬
‫ورا ً َ‬ ‫َ‬ ‫ق ْ َ‬
‫مـن‬ ‫ف َ‬ ‫غـ ْ‬‫م َ‬ ‫ؤك ُ ْ‬
‫ما ُ‬‫ح َ‬ ‫صب َ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرءي ْت ُ ْ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫ْ‬
‫ن‪.( (30‬‬ ‫عي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ماء ّ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ي َأِتيك ُ ْ‬
‫فكل هذه المعاني تمّهد لك أيهييا الداعييية طريييق‬
‫الدعوة إلى الله‪ ،‬لتمل قلبك بحب الله قبل أن تخرج‬
‫بالدعوة إلى الناس‬
‫‪617‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫سورة القلم )أخلق الدعاة(‬


‫سو‬ ‫وترشدنا سورة )ن( إليى المبيادئ الخلقيية اليتي‬
‫رة‬ ‫يجيييييييييب أن يتحليييييييييى بهيييييييييا اليييييييييدعاة‬
‫القلم‬ ‫إلييى اللييه‪ .‬فتعييرض نمييوذجين ميين الخلق‪ :‬قييدوة‬
‫الييييييييييييدعاة ‪ ،‬وخلقييييييييييييه العظيييييييييييييم‬
‫ظيـم ٍ‪ .( (4‬وبالمقابييل‪،‬‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬ ‫عل َـ ٰى ُ ُ‬ ‫ك لَ َ‬‫‪‬ـ َ‬
‫خل ـ ٍ‬ ‫وإ ِن ّ‬
‫َ‬
‫نييييييييييييرى فيهييييييييييييا أصييييييييييييحاب الخلق‬
‫السيئة‪ ،‬لن أولئك هم أبعد ما يكونون عن الستفادة‬
‫ز‬‫مــا ٍ‬ ‫ه ّ‬‫ن‪َ ‬‬ ‫هي ٍ‬ ‫م ِ‬
‫ف ّ‬ ‫حل ّ ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ع كُ ّ‬ ‫ول َ ت ُطِ ْ‬ ‫من الدعوة ‪َ ‬‬
‫د‬
‫ع َ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫د أ َِثيم ٍ ‪ُ ‬‬
‫عت ُ ٍ‬ ‫عت َ ٍ‬
‫م ْ‬‫ر ُ‬ ‫خي ْ ِ‬‫ع ل ّل ْ َ‬‫مّنا ٍ‬
‫ميم ٍ ‪ّ ‬‬
‫شاء ب ِن َ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ّ‬
‫ن‪.( (10-14...‬‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ك َزِنيم ٍ ‪ ‬أن َ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫وب َِني َ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ذا َ‬ ‫كا َ‬
‫وتأتي السورة علييى ذكيير قصيية أصييحاب الجنيية‪،‬‬
‫الييذين أدى بخلهييم الشييديد إلييى كييره النيياس لهييم‬
‫وحرمييانهم ميين الييرزق‪ .‬وكأنهييا تقييول لنييا‪ :‬إييياكم‬
‫والبخييل‪ ،‬لنييه ميين أسييوأ الخلق الييتي قييد تصيييب‬
‫الدعاة فتمنع وصول الرسالة إلى الناس‪...‬‬
‫ول بييد للداعييية ميين أن يتعلييم مبييادئ السييلم‬
‫البسيطة‪ ،‬وأن يوّثق علمه بالقراءة المستمرة‪ .‬ومن‬
‫هنييا نفهييم سييبب تسييمية السييورة بسييورة القلييم‪،‬‬
‫وندرك لماذا كانت هذه السورة ثيياني سييور القييرآن‬
‫نزول ً بعد سورة العلق‪ ،‬الييتي كييانت أول كلميية فيهييا‬
‫قَرأ ْ ‪ .‬أيها الدعاة‪ ،‬كيف ننتمي إلى أميية إقييرأ‬ ‫‪‬ٱ ْ‬
‫وكيييف نييدعو النيياس إليهييا إذا لييم نلييتزم بييالقراءة‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪618‬‬

‫المستمرة وتدوين العلوم وتوثيقها؟‬

‫سورة الحاقة )يوم القيامة(‬


‫سو‬ ‫وبين سور الييدعوة إلييى اللييه‪ ،‬تقييدم لييك سييورة‬
‫رة‬ ‫الحاقة زادا ً لك أخي المسييلم فييي دعوتييك لخوانييك‬
‫الحاقة‬ ‫والناس من حولك‪ ...‬فالحاقيية هييو ميين أسييماء يييوم‬
‫القيامة‪ ،‬والتذكير بهذا اليوم هييو ميين أهييم الوسييائل‬
‫اليييييييتي يجيييييييب أن نسيييييييتخدمها ليييييييترقيق‬
‫قلوب الخرين وإيقاظهم من غفلتهييم‪ ...‬فييترى فيهييا‬
‫ن لَ‬ ‫ضــو َ‬ ‫عَر ُ‬ ‫ذ تُ ْ‬ ‫مئ ِ ٍ‬ ‫و َ‬ ‫هول العرض علييى الجبييار‪ :‬ي َ ْ‬
‫ة‪ ،( (18‬وتنتقل بك اليات بعد‬ ‫في َ ٌ‬‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ف ٰى ِ‬ ‫خ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫مــا‬ ‫ذلك إلى مصير الناس بعد تطاير الصييحف‪َ َ  :‬‬
‫فأ ّ‬
‫ؤا ْ‬ ‫قــَر ُ‬ ‫مٱ ْ‬ ‫ها ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫في َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬
‫ؤ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫مين ِ ِ‬ ‫ه ب ِي َ ِ‬ ‫ى ك َِتـٰب َ ُ‬ ‫ن أوت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫ه‪َ ‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هـ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ســاب ِي َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ق ِ‬ ‫مل ٰــ ٍ‬ ‫ت أّنى ُ‬ ‫هإ‪ِّ ‬نى ظَنن ُ‬ ‫ك ِت َ ٰـبي َ ْ‬
‫ة‪.( (19-22..‬‬ ‫عال ِي َ ٍ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ ٍ‬‫فى َ‬ ‫ة‪ِ ‬‬ ‫ضي َ ٍ‬ ‫ة ّرا ِ‬ ‫ش ٍ‬ ‫عي َ‬ ‫فى ِ‬ ‫ِ‬
‫أرأيت فرحته‪ ...‬أسمعت نداء الفوز والفلح منه؟‬
‫فلماذا ل تكون مثله؟ ولماذا ل تدعو النيياس ليكونييوا‬
‫مثله‪..‬‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫وفييي المقابييل‪ :‬و َ‬
‫ى ك ِت َ ٰـــب َ ُ‬ ‫ن أوِتــ َ‬ ‫مــ ْ‬ ‫مــا َ‬ ‫‪‬أ ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ول ـ ْ‬ ‫ه‪َ ‬‬ ‫ت ك ِت َ ٰـ ـب ِي َ ْ‬ ‫م أو َ‬ ‫ل ٰيل َي ْت َِنى ل ْ‬
‫َ‬ ‫قو ُ‬ ‫في َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫مال ِ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫بِ ِ‬
‫ت ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫مــا‬ ‫ة‪َ ‬‬ ‫ض ـي َ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫هــا ك َــان َ ِ‬ ‫ه ‪ ‬يٰل َي ْت َ َ‬ ‫ساب ِي َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ر َ‬ ‫أد ْ ِ‬
‫ه‬
‫ذو ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه‪ُ ‬‬ ‫سل ْطَ ٰـن ِي َ ْ‬ ‫عّنى ُ‬ ‫ك َ‬ ‫هل َ َ‬ ‫ه‪َ ‬‬ ‫مال ِي َ ْ‬ ‫عّنى َ‬ ‫غن َ ٰى َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ة‬‫س ـل َ ٍ‬ ‫سل ْ ِ‬ ‫فــى ِ‬ ‫م ِ‬ ‫صّلوهُ ‪ ‬ث ُـ ّ‬ ‫م َ‬ ‫حي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫غّلوهُ ‪ ‬ث ُ ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫ه‪.( (25-32‬‬ ‫كو ُ‬ ‫سل ُ ُ‬ ‫فا ْ ْ‬ ‫ن ِذَراعا ً َ‬ ‫عو َ‬ ‫سب ْ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫ع َ‬ ‫ذَْر ُ‬
‫‪619‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫آيات رائعة‪ ،‬ومقابلة رهيبة‪ ...‬ولحظ أن السييورة‬


‫ابتدأت بأهل الجنة قبييل أهييل النييار‪ ،‬وكييأن المعنييى‪:‬‬
‫حب ّييب النيياس بالجنيية قبييل تخييويفهم ميين النييار‪ ،‬لن‬
‫الترغيب يؤثر في النفوس بشييكل أقييوى بكييثير ميين‬
‫الترهيب‪..‬‬

‫سورة المعارج )أهمية العبادة إلى جانب‬


‫الخلق(‬
‫سو‬ ‫وكما تحييدثت سييورة القلييم عيين أخلق الداعييية‪،‬‬
‫رة‬ ‫تتنيياول سييورة المعييارج الجييانب الخيير ميين صييفات‬
‫المعييار‬ ‫الدعاة‪ ،‬وهو العبادة‪ ،‬حييتى يجمييع الييدعاة بينهمييا ول‬
‫يفرطوا بأحدهما عليى حسياب الخيير‪ ..‬فتيأتي آيييات‬
‫رائعييييية فيييييي وصيييييف المصيييييلين المتقيييييين‬
‫ش ـّر‬ ‫ه ٱل ّ‬ ‫سـ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫هُلوعا ً ‪ ‬إ ِ َ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ِ َ‬‫ن ُ‬ ‫س ٰـ َ‬ ‫ن ٱلن َ‬ ‫‪ّ ِ‬‬ ‫إ‬
‫مُنوعــــا ً ‪ ‬إ ِل ّ‬ ‫خي ْــــُر َ‬ ‫ه ٱل ْ َ‬ ‫ســــ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬‫جُزوعــــا ً ‪َ ‬‬ ‫َ‬
‫ن ‪‬‬ ‫مو َ‬ ‫دائ ِ ُ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صل َت ِ ِ‬ ‫عل َ ٰى َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫ن ‪‬‬ ‫صّلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ســائ ِ ِ‬‫م ‪ّ ‬لل ّ‬ ‫عل ُــو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ق ّ‬ ‫حـ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫مـ ٰول ِ ِ‬ ‫فــى أ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫و ٱل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫وم ِ‬ ‫ن ب َِيـــ ْ‬‫قو َ‬ ‫صـــدّ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫و ٱل ّــــ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حـــُروم ِ ‪َ ‬‬ ‫م ْ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫َ‬
‫وَلـئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‪ (19-‬‬ ‫مــو َ‬ ‫مك َْر ُ‬ ‫ت ّ‬ ‫جن ّ ٰـ ـ ٍ‬ ‫فــى َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن‪ ...‬أ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫‪.(35‬‬
‫والملحييظ أن هييذه الصييفات هييي نفسييها الييتي‬
‫وردت في سورة المؤمنون‪ ،‬وكأن المعنى‪ :‬أين أنييت‬
‫أيها الداعية من المؤمنين؟ وأين أنت من الستقصاء‬
‫الذي قمت به في الجزء الثامن والعشرين‪...‬؟‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪620‬‬

‫هييل قييويت إيمانياتييك وعبادتييك قبييل أن تييدعو‬


‫الناس إلى الله؟‬
‫لكن بالمقابل‪ ،‬إياك أن تفهييم ميين هييذه السييورة‬
‫أنك ل تقدر أن تدعو إلى الله إل بعد اكتمال اليمان‪.‬‬
‫لذلك يقول ابن تيمية رحمييه اللييه كلميية جميليية فييي‬
‫هذه المسألة‪" :‬ل يقولن أحدكم ل أدعو حتى يكتمييل‬
‫إيماني‪ ،‬فإنه بين أمرين‪ ،‬فإمييا أن يييأتي يييوم ويقييول‬
‫قد اكتمييل إيميياني فقييد ضييل‪ ،‬وإمييا أن يمييوت ولييم‬
‫يكتمل إيمانه‪."..‬‬
‫خي ْـَر‬
‫م َ‬‫كنت ُـ ْ‬‫فما الحل إذًا؟ اسمع قوله تعالى ‪ُ ‬‬
‫ْ‬ ‫ة أُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ف‬‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِبــ ٱل ْ َ‬‫مُرو َ‬ ‫س َتــأ ُ‬ ‫ت ِللّنــا ِ‬ ‫جــ ْ‬
‫ر َ‬‫خ ِ‬ ‫مــ ٍ‬ ‫أ ّ‬
‫ن ب ِـ ٱلله ‪) ‬آل‬ ‫من ُــو َ‬‫ؤ ِ‬ ‫وت ُ ْ‬
‫ر َ‬ ‫ن ٱل ْ ُ‬
‫من ْك َـ ِ‬ ‫ع ِ‬
‫ن َ‬ ‫و َ‬‫ه ْ‬‫وت َن ْ َ‬
‫َ‬
‫عمييييييييييييييييييييييييييران‪.(110 ،‬‬
‫الحل هو أن تدعو إلى اللييه وتحسيين أخلقييك وتزيييد‬
‫من إيمانك‪ ،‬وكل هذا ل يتعارض مييع الييدعوة والخييذ‬
‫بيد الناس‪ ،‬لنهما يعينانك أصل ً على العبادة والخلييق‬
‫الحسن‪...‬‬
‫وهكذا‪ ،‬نرى أن السور الربعة الولى مين الجيزء‬
‫قد عددت صفات الداعية إلى الله‪ ،‬من معرفية قيدر‬
‫الله‪ ،‬إلى حسن الخلق‪ ،‬إلييى العلييم والمعرفيية‪ ،‬إلييى‬
‫اليمان بالخرة واستعمال ذلييك فييي الييترغيب قبييل‬
‫الترهيب‪ ،‬بالضافة إلى الزاد اليماني ميين العبييادات‬
‫والخلق‪ ..‬بعييد هييذه المقدميية الييتي اشييتملت علييى‬
‫‪621‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫الصفات‪ ،‬ننتقل إلييى سييورة نييوح‪ ،‬الييتي تعييرض لنييا‬


‫نموذجا ً للداعية الناجح في دعوته‪.‬‬

‫سورة نوح )تقرير داعية(‬


‫سو‬ ‫تبييدأ السييورة بييالتكليف الربيياني لهييذا الداعييية‬
‫َ‬ ‫قـوم َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫رة نوح‬ ‫ذْر‬
‫ن أنـ ِ‬
‫هأ ْ‬ ‫سل َْنا ُنوحا ً إ ِل َ ٰى َ ْ ِ ِ‬ ‫نا أْر َ‬
‫العظيم إ ِ ّ‬
‫م‪.( (1‬‬ ‫َ‬ ‫عـ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫من َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ب أِليـ ٌ‬‫ذا ٌ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬
‫ل أن ي َأت ِي َ ُ‬
‫قب ْ ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫و َ‬
‫ق ْ‬
‫ثم تنقلنا بعد ذلك إلى عرض تقرير بحياة سيدنا نوح‬
‫الدعوية‪...‬‬
‫فهيا بنا أخي المسييلم نقرأهييا سييويا ً ونتعلييم ميين‬
‫هذا النبي الكريم غيرته على دين الله‪ ،‬ونقييف علييى‬
‫فنون الدعوة إلى الله وأصولها‪:‬‬
‫تفاني الداعية‬
‫هذا التقرير يظهر فيه تفاني الداعية فييي دعييوته‬
‫هــارا ً ‪‬‬ ‫مى ل َي ْل ً َ‬
‫ون َ َ‬ ‫و ِ‬
‫قـ ْ‬‫ت َ‬‫و ُ‬‫ع ْ‬ ‫ب إ ِّنى دَ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قا َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫‪.((5‬‬
‫لماذا جاء ذكر الليل قبل النهار؟ وهل هنيياك أحييد‬
‫ل؟ إن هذه الية ترينا كيف أنه عليييه السييلم‬ ‫يدعو لي ً‬
‫كان يصل الليل بالنهار في الدعوة إلى الله‪ ،‬دون أن‬
‫يفرق بينهما‪ ،‬فهيو مسييتمر فيي اليدعوة عليى مييدار‬
‫السيياعات الربييع والعشييرين‪ ...‬لكيين تكييذيبهم كييان‬
‫فـَرارا ً‪( (6‬‬ ‫عــاِئى إ ِل ّ ِ‬
‫م دُ َ‬
‫هـ ْ‬ ‫زد ْ ُ‬ ‫م يَ ِ‬‫فل َـ ْ‬ ‫شديدا ً ‪َ ‬‬
‫مـا‬‫وإ ِن ّــى ك ُل ّ َ‬
‫ومع ذلك لم يتوقييف عيين الييدعوة‪َ  ،‬‬
‫م‪ - ( (7...‬أرأيت كلمة "كلما"‬ ‫ه ْ‬ ‫فَر ل َ ُ‬‫غ ِ‬‫م ل ِت َ ْ‬‫ه ْ‬‫وت ُ ُ‬
‫ع ْ‬‫دَ َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪622‬‬

‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫وت ُ ُ‬
‫عـ ْ‬ ‫مــا دَ َ‬ ‫وإ ِن ّــى ك ُل ّ َ‬ ‫كيييف تفيييد المداوميية ‪َ  -‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫هــ ْ‬‫فــى ءا ٰذن ِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬‫ص ٰـــب ِ َ‬ ‫عُلــوا ْ أ َ‬
‫ج َ‬ ‫م َ‬ ‫هــ ْ‬‫فــَر ل َ ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫ل ِت َ ْ‬
‫ســت َك ْب َُروا ْ‬ ‫شــوا ْ ث ِيــابهم َ‬
‫وٱ ْ‬ ‫صــّروا ْ َ‬ ‫وأ َ‬ ‫َ َ ُ ْ َ‬ ‫غ َ ْ‬ ‫ست َ ْ‬‫وٱ ْ‬ ‫َ‬
‫ست ِك َْبارا ً‪.( (7‬‬ ‫ٱ ْ‬
‫ورغم كييل هييذه الصييعوبات وكييل هييذا التكييذيب‪،‬‬
‫نلمييس ميين السييورة إصييراره الشييديد علييى تبليييغ‬
‫م إ ِن ّــى‬ ‫ه ٰـــرا ً ‪ ‬ث ُـ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫وت ُ ُ‬
‫عـ ْ‬‫م إ ِن ّــى دَ َ‬ ‫الرسالة‪ :‬ث ُ‬
‫‪ّ‬‬
‫س ـَرارا ً‪( (8-9‬‬ ‫عل َن ْـت ل َه ـم َ‬ ‫أَ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫س ـَرْر ُ‬ ‫وأ ْ‬
‫ُ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫فكييأنه يقييول‪ :‬لقييد جّربييت كييل الوسييائل الممكنيية‪،‬‬
‫أخذت كل واحد وكّلمتييه لوحييده‪ ،‬وأقمييت مييؤتمرات‬
‫حييتى أشييرح فكرتييي للنيياس‪ ،‬وخيياطبت الفييراد‬
‫ه إ ِل ّ‬ ‫عـ ُ‬‫م َ‬‫ن َ‬ ‫مـ َ‬ ‫ما ءا َ‬ ‫و َ‬ ‫والجماعييات‪ ...‬ومييع ذلييك ‪َ ‬‬
‫ل ‪ ‬كمييا جيياء فييي سييورة هييود‪ ،‬آميين معييه ‪60‬‬ ‫قِلي ٌ‬ ‫َ‬
‫واحد فقط على إحدى الروايات‪ ..‬تخي ّييل‪ ...‬أي رجييل‬
‫واحد يؤمن كل ‪ 15‬سنة‪ ...‬ما هذا التكذيب الشييديد‪..‬‬
‫وما هذا الصرار والتفاني على الدعوة‪...‬؟‬
‫فسورة نوح‪ ،‬كما رأينييا‪ ،‬تؤكييد علييى معنييى مهييم‬
‫جدا ً في جزء الدعوة إلى الله‪ :‬اسييتمر فييي الييدعوة‬
‫حتى لو لييم يسييتجب لييك أحييد‪ ،‬واجعييل سيييدنا نييوح‬
‫قدوتك في ذلك‪.‬‬
‫فن الدعوة‬
‫ويمضييي التقرييير فييي وصييف أسيياليب الييدعوة‬
‫المستعملة‪:‬‬
‫فارا ً‬ ‫ن َ‬
‫غ ّ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫فُروا ْ َرب ّك ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫غ ِ‬
‫ست َ ْ‬ ‫قل ْ ُ‬
‫ت ٱ ْ‬ ‫ف ُ‬
‫‪َ ‬‬
‫‪623‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫م‬‫كــــــــــ ْ‬‫عل َي ْ ُ‬
‫ماء َ‬ ‫ســــــــــ َ‬ ‫ل ٱل ّ‬ ‫ســــــــــ ِ‬ ‫ي ُْر ِ‬
‫َ‬
‫عــل ل ّك ُـ ْ‬
‫م‬ ‫ج َ‬‫وي َ ْ‬‫ن َ‬‫وب َِني َ‬
‫ل َ‬
‫م ٰو ٍ‬ ‫م ب ِأ ْ‬‫ددْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫مدَْرارا ً ‪َ ‬‬
‫وي ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫كــــــــــــ ْ‬ ‫عــــــــــــل ل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫وي َ ْ‬
‫ت َ‬ ‫ٰـــــــــــــ ٍ‬ ‫جن ّ‬
‫َ‬
‫هارا ً‪.( (10-12‬‬ ‫َ‬
‫أن ْ َ‬
‫فهو يبشرهم أن استجابتهم لوامر اللييه سييتكون‬
‫خيرا ً لهم في الدنيا قبل الخييرة‪ ،‬وكييأنه يقييول لهييم‪:‬‬
‫ألم تحبوا الدنيا؟ ألم تتعلقوا بهييا؟ فاسيتغفروا ربكيم‬
‫حتى تتحسن دنياكم وتزدهر‪...‬‬
‫ثم ينتقل إلى أسلوب آخر‪ :‬قدرة الله في الكييون‬
‫م‬‫قك ُـ ْ‬‫خل َ َ‬‫قـدْ َ‬‫و َ‬ ‫قــارا ً ‪َ ‬‬
‫و َ‬‫ن لله َ‬ ‫جو َ‬ ‫م ل َ ت َْر ُ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫‪ّ ‬‬
‫وارا ً‪.( (13-14‬‬ ‫َ‬
‫أطْ َ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫م ٰــ ٰو ٍ‬ ‫س َ‬
‫ع َ‬ ‫سـب ْ َ‬
‫ق ٱلله َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫وا ْ ك َي ْ َ‬‫م ت ََر ْ‬ ‫أل َ‪ْ ‬‬
‫عـ َ‬
‫ل‬ ‫ج َ‬‫و َ‬ ‫ن ن ُــورا ً َ‬ ‫هـ ّ‬
‫في ِ‬‫م ـَر ِ‬
‫ق َ‬‫ل ٱل ْ َ‬ ‫عـ َ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬‫طَِباق ـا ً ‪َ ‬‬
‫سَراجا ً‪.( (15-16‬‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ٱل ّ‬
‫أسييمعك الن تقييول فييي نفسييك‪ :‬إنهييا سييورة‬
‫الملك‪ ،‬وأهمية التعرف على الله وتوقيره حتى ندعو‬
‫إليه‪ ...‬ترابط رائع بين سور الجزء‪ ...‬وماذا بعد؟‬
‫ض ن ََباتــا ً ‪ُ ‬ثــ ّ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ن ٱلْر ِ‬ ‫مــ َ‬‫م ّ‬ ‫وٱللــه َأنب َت َ ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫خَراجــا ً‪...( (17-18‬‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ج ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫ر ُ‬
‫خ ِ‬‫وي ُ ْ‬
‫هــا َ‬ ‫في َ‬ ‫عيــدُك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫يُ ِ‬
‫تييذكرة بييالموت‪ ،‬وبيياليوم الخيير‪ .‬إنييه محييور سييورة‬
‫الحاقة‪ ...‬أن زاد الداعيية إليى الليه هيو الحيديث عين‬
‫اليوم الخر‪ ...‬أرأيت كييف تيترابط سيور هيذا الجيزء‪،‬‬
‫وكيييف ترينييا سييورة نييوح تطبيقييا ً عمليييا ً للمعيياني‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪624‬‬

‫المذكورة في السور السابقة‪...‬‬


‫سبب الهلك‬
‫ويوضح سيدنا نوح ‪ -‬في تقريره ‪ -‬سييبب تكييذيب‬
‫هؤلء القوم‪:‬‬
‫عــوا ْ‬ ‫و ٱت ّب َ ُ‬‫وِنىٰ َ‬ ‫صـ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫ب إ ِن ّ ُ‬ ‫ح ّر ّ‬ ‫ل ن ُــو ٌ‬‫قــا َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫سارا ً ‪.‬‬ ‫خ َ‬ ‫ول َدُهُ إ ِل ّ َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫زدْهُ َ‬ ‫من ل ّ ْ‬
‫م يَ ِ‬ ‫َ‬
‫فالمشييكلة واحييدة‪ ،‬وهييي النشييغال بييالموال‬
‫والولد‪ ...‬هذه المشكلة هي نفسها التي رأيناها في‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مـ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫من ُــوا ْ إ ِ ّ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ها ٱل ّـ ِ‬ ‫سورة التغييابن‪ :‬يأي ّ َ‬
‫أ َزوٰجك ُم َ‬
‫م‪‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ح ـذَُرو ُ‬ ‫فٱ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وا ً ل ّك ُـ ْ‬‫عدُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫دك ُ ْ‬ ‫ولـٰ ِ‬
‫وأ ْ‬ ‫ْ ِ ْ َ‬
‫‪.((14‬‬
‫وتختم السييورة بييدعاء‪ ،‬حييتى تعلمنييا أن الداعييية‬
‫إلييى اللييه ل بييد أن يقييرن جهييده الشخصييي وأخييذه‬
‫بالسباب‪ ،‬بالدعاء والتوجه إلى الله لن الهداية ميين‬
‫عنده تعالى‪...‬‬
‫ى‬‫ل ب َي ْت ِ َ‬‫خ َ‬‫من دَ َ‬ ‫ول ِ َ‬‫ى َ‬
‫ول ِ ٰول ِدَ ّ‬
‫فْر ِلى َ‬ ‫ب ٱ ْ‬
‫غ ِ‬ ‫‪ّ ‬‬‫ّر‬
‫زِد‬‫ول َ ت َـــ ِ‬‫ت َ‬ ‫من َ ٰــــ ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫و ٱل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬‫مِني َ‬ ‫مـــ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ول ِل ْ ُ‬‫منـــا ً َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن إ ِل ّ ت ََبارا ً‪ ( (28‬أرأيييت كيييف تتوسييع‬ ‫مي َ‬ ‫ٱلظّ ٰـل ِ ِ‬
‫ل‪ ،‬إليييى الواليييدين‬ ‫دوائر اليييدعاء‪ ،‬مييين النفيييس أو ً‬
‫والخوان‪ ،‬إلى المؤمنين والمؤمنات‪ ...‬سورة رائعية‪،‬‬
‫وتقرير مهم لكل الدعاة إلى اللييه‪ ،‬ليستخلصييوا منييه‬
‫الدروس والعبر المفيدة‪.‬‬

‫سورة الجن )دعاة إلى الله من عالم آخر(‬


‫‪625‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫سو‬ ‫ثم ينقلنا الجزء ‪ 29‬إلى نمييوذج آخيير ميين الييدعاة‬


‫رة‬ ‫إلييى اللييه‪ ،‬الجيين‪ ...‬نمييوذج عجيييب‪ ،‬تعرضييه سييورة‬
‫الجن‬ ‫الجن وكأنها تسألك‪ :‬أل تغار منهم؟‪ ..‬كيف يسييتجيب‬
‫الجيين للييدعوة ويحملونهييا‪ ،‬وأنييت غافييل عنهييا وغييير‬
‫منتم إليها‪ ...‬اسمع قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫ل ُأو ِ‬
‫ن‬
‫مـ َ‬ ‫فـٌر ّ‬ ‫ع نَ َ‬ ‫م َ‬‫س ـت َ َ‬
‫هٱ ْ‬ ‫ى أن ّـ ُ‬ ‫ى إ ِل َـ ّ‬
‫حـ َ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫ق ْ‬
‫دى‬ ‫هــ ِ‬ ‫جبا ً ‪ ‬ي َ ْ‬‫ع َ‬‫قْرءان َا ً َ‬‫عَنا ُ‬ ‫م ْ‬
‫س ِ‬‫قاُلوا ْ إ ِّنا َ‬ ‫ف َ‬
‫ن َ‬ ‫ٱل ْ ِ‬
‫ج ّ‬
‫ك ب َِرب ّن َــا‬ ‫ر َ‬ ‫ول َــن ّنش ـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫مّنا ب ِـ ِ‬ ‫د َ‬
‫فـ ـَئا َ‬ ‫شـ ِ‬ ‫إ َِلى ٱلّر ْ‬
‫حدا ً‪.( (1-2‬‬ ‫َ‬
‫أ َ‬
‫لماذا ل تكون مثلهم؟ لماذا ل تقتدي بييالجن أيهييا‬
‫الداعي إلى الله؟‬
‫أنظر إلى تحديهم للكفار من قييومهم )وبييالخص‬
‫عَلى ٱللــه‬ ‫هَنا َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫إبليس( ‪َ ‬‬
‫في ُ‬ ‫س ِ‬
‫ل َ‬ ‫كا َ‬ ‫وأن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ططا ً‪ ( (4‬وانظر إلييى إنكييارهم للمنكيير الييذي‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ه َ‬ ‫كان يقوم به الجن والنس على سواء‪َ  :‬‬
‫كا َ‬ ‫وأن ّ ُ‬‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ٱل ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫م َ‬‫ل ّ‬‫جا ٍ‬
‫ر َ‬‫ن بِ ِ‬‫ذو َ‬‫عو ُ‬
‫س يَ ُ‬‫لن ِ‬ ‫ن ٱ ِ‬ ‫م َ‬‫ل ّ‬ ‫جا ٌ‬‫ر َ‬ ‫ِ‬
‫هقا ً‪ .( (6‬آية مهميية‪ ،‬تحييذر كييل ميين‬ ‫م َر َ‬ ‫ه ْ‬‫فَزادو ُ‬ ‫َ‬
‫يلجأ إلى الجن‪ ،‬بأنه سيييزداد تعاسيية إلييى تعاسييته‪...‬‬
‫اسمعوا هذا التحذير أيها الناس من الجيين أنفسييهم‪،‬‬
‫كيف يحذرونكم من التعامل مع بني قومهم واللجوء‬
‫إليهم‪...‬‬
‫وتتوالى آيات كييثيرة لترينييا حكميية هييؤلء النيياس‬
‫وفهمهم لحقيقة الدعوة وأهميتها‪:‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪626‬‬

‫َ‬
‫مــن‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫مّنــا ِبــ ِ‬ ‫هدَ ٰى ءا َ‬ ‫عَنا ٱل ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫و‪‬أّنا ل َ ّ‬ ‫َ‬
‫هقا ً‪.( (13‬‬ ‫ول َ َر َ‬ ‫خسا ً َ‬ ‫ف بَ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫فل َ ي َ َ‬ ‫ه َ‬‫من ب َِرب ّ ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫س ُ‬ ‫مّنا ٱل ْ َ‬ ‫وأ َ‬
‫ن‬‫طو َ‬ ‫ق ٰـــ ِ‬ ‫و ِ‬
‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫مّنا ٱل ْ ُ‬ ‫‪ّ‬نا ِ‬ ‫َ‬
‫‪.( (14‬‬
‫ثم نرى كلما ً مشابها ً لكلم نوح عليه السلم‪ ،‬بييأن‬
‫اليمان يفيد صاحبه في الييدنيا قبييل الخييرة‪َ  :‬‬
‫وأّلـ ِ‬
‫و‬ ‫َ‬
‫قـ ِ َ‬
‫مـاء‬ ‫هم ّ‬ ‫قي ْن َ ٰــ ُ‬‫س َ‬ ‫ةل ْ‬ ‫ري َ‬ ‫عَلـى ٱلطّ ِ‬ ‫موا ْ َ‬ ‫ق ٰــ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ٱ ْ‬
‫دقا ً‪.( (16‬‬ ‫غ َ‬ ‫َ‬
‫فالسورتان واضحتان في علقتهما مييع بعضييهما‪،‬‬
‫وفي تعليمنا فقه الدعوة وأهميتها وأساليبها‪..‬‬

‫سورة المزمل )زادك أيها الداعية(‬


‫هــا‬ ‫َ‬
‫سو‬ ‫وهدف هذه السورة واضح من بييدايتها‪ :‬يأي ّ َ‬
‫رة‬ ‫قِليل ً‪ .( (1-2‬زادك‬ ‫ل إ ِل ّ َ‬ ‫ق ـم ِ ٱل ّي ْـ َ‬ ‫ل‪ُ ‬‬ ‫مـ ُ‬ ‫مّز ّ‬‫ٱل ْ ُ‬
‫المزمل‬ ‫أيها الداعية‪ :‬قييام اللييل‪ ،‬لمياذا؟ لن حميل اليدعوة‬
‫ول ً‬ ‫قـ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫عل َي ْـ َ‬‫قى َ‬ ‫سـن ُل ْ ِ‬‫أميير شيياق وصييعب ‪‬إ ِّنا َ‬
‫فمييييا علقيييية القيييييام بييييذلك؟‬ ‫قيل ً‪( (5‬‬ ‫ثَ ِ‬
‫قيل ً‬ ‫م ِ‬ ‫و ُ‬‫قـ َ‬‫وأ َ ْ‬ ‫ً‬
‫وطْأ َ‬ ‫شدّ َ‬ ‫ى أَ َ‬‫ه َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ة ٱل ّي ْ ِ‬ ‫شئ َ َ‬‫ن َنا ِ‬ ‫‪‬إ ِ ّ‬
‫‪ ( (6‬إن صلة الليل هي التي تبني الرجال‪ ،‬وتبني‬
‫الييدعاة الييذين يقسييمون برنييامجهم اليييومي إلييى‬
‫ن‬ ‫قسمين‪ :‬دعوة في النهار‪ ،‬وعبادة فييي الليييل‪ :‬إ ِ ّ‬
‫م‬ ‫ســ َ‬ ‫رٱ ْ‬ ‫و ٱذ ْ ُ‬
‫كــ ِ‬ ‫ويل ً ‪َ ‬‬ ‫حا ً ط َ ِ‬‫سب ْ َ‬‫ر َ‬ ‫ها ِ‬ ‫فى ٱلن ّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫لَ َ‬
‫ه ت َب ِْتيل ً‪.( (7-8‬‬ ‫ل إ ِل َي ْ ِ‬ ‫وت َب َت ّ ْ‬‫ك َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫وتأتي السورة على ذكر موسى وفرعيييون ‪‬إ ِّنا‬
‫‪627‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫عل َي ْ ُ‬
‫هدا ً َ‬ ‫ســل َْنا إ ِل َي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫مــا‬‫م كَ َ‬‫كــ ْ‬ ‫ش ٰـــ ِ‬ ‫ســول ً َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫كــ ْ‬ ‫أْر َ‬
‫ن‬ ‫سول ً َ‬ ‫سل َْنا إ ِل َ ٰى ِ‬ ‫َ‬
‫و ُ‬‫عــ ْ‬‫فْر َ‬‫ص ٰى ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ف‪َ ‬‬ ‫ن َر ُ‬ ‫و َ‬
‫ع ْ‬
‫فْر َ‬ ‫أْر َ‬
‫وِبيل ً‪ ( (15-16‬فمييا‬ ‫خــذا ً َ‬‫ه أَ ْ‬
‫خذْن َ ٰــ ُ‬‫فأ َ َ‬
‫ل َ‬ ‫ســو َ‬ ‫ٱلّر ُ‬
‫علقة موسى وفرعون بمحور السورة؟‬
‫إن قيييام الليييل هييو المعييين الول علييى مواجهيية‬
‫الطغاة والجبابرة والمكييذبين‪ ،‬كمييا كييان الحييال مييع‬
‫سيدنا موسى عليه السلم‪ ...‬وكأنها تقول لييك‪ :‬أيهييا‬
‫الداعية‪ ،‬صل في الليل حتى تكون أقوى على دعييوة‬
‫النيياس فييي النهييار‪ ...‬معادليية واضييحة تقييدمها إلينييا‬
‫سورة المزمل‪.‬‬
‫ن َرب ّـــ َ‬
‫ك‬ ‫وتختتيييم السيييورة بقيييوله تعيييالى ‪‬إ ِ ّ‬
‫م‪ ( (20...‬إلى آخر الية‪.‬‬ ‫عل َ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫فقيام الليل كان فرضا ً على المسلمين في بداية‬
‫الدعوة السرية‪ ،‬وبقي كذلك لمدة سنة كاملة‪ .‬لكيين‬
‫المر شق على الصحابة‪ ،‬فنزلت الييية الخيييرة ميين‬
‫السورة حتى تخفف الحكييم علييى الصييحابة‪ ،‬وتقييول‬
‫ن‬
‫مــ َ‬‫ســَر ِ‬ ‫قَرءوا ْ َ‬
‫مــا ت َي َ ّ‬ ‫فــ ٱ ْ‬ ‫لهيييم بالمقابيييل‪َ :‬‬
‫‪‬‬
‫ن ‪ .‬والملفت أننا نييرى فيهييا قييوله تعييالى‬ ‫قْرءا ِ‬‫ٱل ْ ُ‬
‫ل ٱلله ‪ .‬فمع‬ ‫سِبي ِ‬
‫فى َ‬ ‫قـٰت ُِلو َ‬
‫ن ِ‬ ‫ن يُ َ‬
‫خُرو َ‬‫وءا َ‬‫‪َ ‬‬
‫أن السورة مكييية ونزلييت فييي أوائل العهييد المكييي‪،‬‬
‫لكنها ذكرت الجهاد في سبيل اللييه‪ ،‬لن قيييام الليييل‬
‫هو من مقومات الستعداد للجهيياد فييي سييبيل اللييه‪،‬‬
‫فاستعينوا به أيها الييدعاة‪ ،‬حييتى تتهيييأوا للجهيياد فييي‬
‫المستقبل‪..‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪628‬‬

‫سورة المدثر )قم فأنذر(‬


‫سو‬ ‫أيهييا الييداعي إلييى اللييه‪ ،‬بعييد أن أخييذت زادك‪،‬‬
‫رة‬ ‫وتعرفت على من ستدعو إليه‪ ،‬ورأيت نماذج مضيئة‬
‫المدثر‬ ‫من الدعاة إلى الله‪ ،‬وأيقنت بالخرة وتعلميت عنهيا‬
‫حييتى تحييدث النيياس بهييا‪ ...‬ميياذا أنييت فاعييل فييي‬
‫مكانييييييييك؟ لميييييييياذا ل تييييييييزال سيييييييياكنًا‪...‬‬
‫قم َ َ‬
‫ذْر‪ .( (2‬فهي سورة الحركيية والنهييوض‬ ‫فأن ِ‬ ‫‪ْ ُ ‬‬
‫بالدعوة إلى الله‪..‬‬
‫قم َ َ‬ ‫َ‬
‫فك َب ّـْر‪...‬‬ ‫ك َ‬ ‫وَرب ّ َ‬‫ذْر ‪َ ‬‬ ‫فأن ِ‬ ‫مدّث ُّر ‪ْ ُ ‬‬ ‫ها ٱل ْ ُ‬ ‫‪‬يأي ّ َ‬
‫‪ .( (1-3‬هذه الية ل تعني أن تقول بلسييانك‪" :‬اللييه‬
‫أكبر" وحسب‪ ...‬عّرف كييل النيياس علييى قييدر اللييه‪،‬‬
‫واجعل الرض كلها تكبر الله‪ ...‬لتكن أوامر الله أكبر‬
‫من أي شيء في حياتك‪.‬‬
‫وميين الملفييت فييي السييورة‪ ،‬أن آياتهييا سييريعة‬
‫الحركة‪ ،‬سريعة الوقع والتأثير‪ .‬ففي سورة المزمل‪،‬‬
‫كانت اليات خفيفة وبطيئة‪ ،‬تناسب جييو قيييام الليييل‬
‫َ‬
‫قــم ِ‬ ‫ل‪ُ ‬‬ ‫م ُ‬ ‫مّز ّ‬‫ها ٱل ْ ُ‬ ‫الذي تحدثت عنه السورة ‪‬يأي ّ َ‬
‫ل‬‫وت َب َت ّـ ْ‬
‫ك َ‬ ‫م َرب ّـ َ‬ ‫سـ َ‬
‫رٱ ْ‬ ‫و ٱ ذْ ك ُ ِ‬
‫ل‪َ ...‬‬ ‫قِلي ً‬ ‫ل إ ِل ّ َ‬ ‫ٱل ّي ْ َ‬
‫ل‪.( (1-8...‬‬ ‫ه ت َب ِْتي ً‬‫إ ِل َي ْ ِ‬
‫أما سورة المدثر‪ ،‬فإن حركة آياتهييا تتناسييب مييع‬
‫سييرعة حركيية الداعييية إلييى اللييه‪ ،‬اليذي يمل الرض‬
‫م‬ ‫قــ ْ‬ ‫حركة ونشاطا ً بإيجابيته وتفاعله مع الخرين ‪ُ ‬‬
‫َ َ‬
‫جـَز‬ ‫و ٱلّر ْ‬ ‫هـْر ‪َ ‬‬ ‫فط َ ّ‬‫ك َ‬ ‫وث َِياب َ َ‬‫فك َب ّْر ‪َ ‬‬‫ك َ‬ ‫وَرب ّ َ‬ ‫ذْر ‪َ ‬‬ ‫فأن ِ‬
‫‪629‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫جْر‪.( (2-5...‬‬ ‫ه ُ‬‫فٱ ْ‬ ‫َ‬


‫ذ‬
‫مئ ِ ٍ‬
‫و َ‬‫ك ي َـ ْ‬‫ف ـذَل ِ َ‬‫ر‪َ ‬‬ ‫قو ِ‬‫فــى ٱلن ّــا ُ‬ ‫ق ـَر ِ‬
‫ذا ن ُ ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫فإ ِ َ‬
‫ر‪ (8-‬‬ ‫ســي ٍ‬ ‫ن َ‬
‫غي ْـُر ي َ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫عَلى ٱل ْك َ ٰـ ِ‬ ‫سيٌر ‪َ ‬‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬ ‫و ٌ‬‫يَ ْ‬
‫‪ (10‬وهذا من روعة القرآن‪ ،‬أن حركة اليات نفسييها‬
‫تتناسب مع هدف السورة ومحورها‪..‬‬
‫مــٌر‬ ‫انظيير مثل ً إلييى قييوله تعييالى ‪َ َ ‬‬
‫ح ُ‬‫م ُ‬ ‫ه ْ‬‫كــأن ّ ُ‬
‫ة‪ ( (50-51‬فنييرى‬ ‫وَر ٍ‬
‫سـ َ‬‫ق ْ‬ ‫مـن َ‬ ‫ت ِ‬‫فـّر ْ‬‫فَرةٌ ‪َ ‬‬ ‫سـَتن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫فيها تشبيها ً للكافرين وكأنهم يفرون من الهداية‪ ،‬فرار‬
‫الحمير الوحشية من السد المفترس‪ ..‬تشبيه رهيييب‪،‬‬
‫يتناسب مع سرعة آيات السورة وحركتها‪..‬‬

‫سورة القيامة‬
‫كر بيييوم القياميية‪،‬‬ ‫وهذه السورة‪ ،‬من اسييمها‪ ،‬تييذ ّ‬
‫سو‬
‫رة‬ ‫لتقف إلى جييانب سييورة الحاقيية فيي تزوييد اليدعاة‬
‫القيامة‬ ‫بالميادة الساسيية خلل أخيذهم بأييدي النياس إليى‬
‫الله‪ ،‬وخاصة من خلل التذكير بأول مراحل الخييرة‪،‬‬
‫ل‬‫قي ـ َ‬
‫و ِ‬ ‫ى‪َ ‬‬ ‫قـ َ‬‫ت ٱلت َّرا ِ‬ ‫غـ ِ‬ ‫ذا ب َل َ َ‬‫وهو الموت‪ :‬ك َل ّ إ ِ َ‬
‫ت‬ ‫و ٱل ْت َ ّ‬ ‫ه ٱل ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬
‫فــ ِ‬ ‫فــَراقُ ‪َ ‬‬ ‫ن أّنــ ُ‬ ‫ظــ ّ‬ ‫ق‪َ ‬‬‫ن َرا ٍ‬
‫مــ ْ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫ســا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ذ ٱل ْ َ‬‫مئ ِ ٍ‬
‫و َ‬‫ك ي َـ ْ‬‫لى َرب ّ َ‬‫ق ‪ ‬إِ َ ٰ‬ ‫سا ِ‬ ‫ساقُ ب ِٱل ّ‬ ‫ٱل ّ‬
‫‪.( (26-30‬‬

‫سورة النسان‬
‫سو‬ ‫هذه السورة توضح أحد أهم المفاهيم التي يجب‬
‫رة‬ ‫على الدعاة إلى الله أن يوقنوا بها‪:‬‬
‫النسيييا‬ ‫"المطلوب منييك هييو الييدعوة فقييط‪ ،‬أمييا النتييائج‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪630‬‬

‫فهي على الله"‪ .‬لذلك ترى فيها قييوله تعييالى ‪‬إ ِّنا‬
‫فورا ً‪( (3‬‬ ‫ما ك َ ُ‬ ‫كرا ً َ‬
‫وإ ِ ّ‬ ‫شا ِ‬‫ما َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ه ٱل ّ‬ ‫هدَي َْنـٰ ُ‬ ‫َ‬
‫فكأنها تقييول للييدعاة‪ ،‬وتقييول لنييبيهم ‪ :‬ل تيأسييوا‬
‫من تكذيب النيياس لكييم‪ ،‬لن اللييه تعييالى هييو الييذي‬
‫ع‬ ‫ول َ ت ُ ِ‬
‫طــ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫حك ْم ِ َرب ّ َ‬ ‫صب ِْر ل ِ ُ‬
‫فٱ ْ‬ ‫يهدي من يشاء ‪َ ‬‬
‫َ‬
‫لء‬ ‫ؤ َ‬‫ه ٰـــ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫‪ّ‬‬ ‫فــورا ً ‪ (24) ‬إ ِ‬ ‫و كَ ُ‬ ‫م ءاِثمــا ً أ ْ‬ ‫هــ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫قيل ً‬ ‫ومــا ً ث َ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫وَراء ُ‬ ‫ن َ‬ ‫وي َذَُرو َ‬‫ة َ‬ ‫جل َ َ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬
‫عا ِ‬ ‫حّبو َ‬ ‫يُ ِ‬
‫‪.( (27‬‬

‫سورة المرسلت‬
‫سو‬ ‫وبعد أن خاطبت سورة النسان الييدعاة‪ ،‬حييتى ل‬
‫رة‬ ‫يتأثروا بتكذيب الناس‪ ،‬نصل إلى سورة المرسييلت‪،‬‬
‫الييتي نييرى فيهييا خطابييا ً موجهييا ً وتحييذيرا ً مباشييرا ً‬
‫المرسيي‬
‫ن‪‬‬ ‫ذ ل ّل ْ ُ‬
‫مك َـذِّبي َ‬ ‫مئ ِ ٍ‬
‫و َ‬ ‫للمكييذبين أنفسييهم ‪َ ‬‬
‫وي ْ ٌ‬
‫ل ي َـ ْ‬
‫‪.((15‬‬
‫وتقييول للييدعاة فييي نفييس الييوقت‪ :‬ل تتحسييروا‬
‫عليهم‪ ،‬وخييذوا بالسييباب واتركييوا النتييائج علييى رب‬
‫ن ‪.‬‬ ‫عدَهُ ي ُ ْ‬ ‫العالمين ‪َ َ ‬‬
‫مُنو َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ث بَ ْ‬
‫دي ٍ‬
‫ح ِ‬
‫ي َ‬
‫فب ِأ ّ‬
‫سور رائعة في ترابطها وحديثها عن الدعوة إلييى‬
‫الله‪ .‬وميع أننيا ليم نتنياول كيل ميا فيهيا مين أصيول‬
‫الييدعوة ومعانيهييا‪ ،‬إل أننييا حاولنييا أن نسييلط الضييوء‬
‫علييى المفاتيييح والمعيياني الساسييية فيهييا‪ ،‬لنييترك‬
‫المجييال أمييام قييارئ القييرآن حييتى يعيييش مييع هيذه‬
‫السور‪ ،‬ويتعرف على اللفتات اللطيفة اليتي ل يخلييو‬
‫‪631‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫القرآن منها‪ ،‬والتي ل تنقضي‪ ،‬مصداقا ً لحديث النبي‬


‫‪" :‬ل تنقضي عجائبه"‪..‬‬
‫سور الجزء الثلثين‬

‫ختام المنهج‬
‫هييذا الجييزء هييو ختييام القييرآن‪ ،‬وختييام منهييج‬
‫الستخلف الذي وضعه اللييه تعييالى للبشيير‪ ...‬فبعييد‬
‫الحكييام والتشييريعات‪ ،‬وبعييد ذكيير أخبييار السييابقين‬
‫وأخذ العبرة منهم‪ ،‬وبعييد ذكيير مقومييات السييتخلف‬
‫فييي سييور وأجييزاء بأكملهييا‪ ،‬يأتينييا الجييزء الثلثييون‪،‬‬
‫بسوره القصيرة المؤثرة‪ ،‬حتى يؤكييد علييى المعيياني‬
‫التي تساعد قارئ القرآن علييى حمييل هييذا المنهييج‪.‬‬
‫هذه المعاني تبييدأ ميين اليمييان بعظميية اللييه تعييالى‬
‫وقدرته‪ ،‬إلى التييذكير بلقيياء اللييه والعييودة إليييه فييي‬
‫الخرة‪ ،‬إلى التأكيد على ذكر الله تعالى وشكره‪...‬‬

‫سورة عبس )عتاب في سبيل الله(‬


‫سو‬ ‫ونقرأ في سورة "عبس" العتاب الرباني الرقيق‬
‫رة‬ ‫لرسول الله ‪ ،‬عندما أعرض عيين العمييى )الييذي‬
‫عبس‬ ‫هو عبد الله بن أم مكتييوم( الييذي جيياءه يسييأله فييي‬
‫أسئلة معينة ‪ -‬وكان مسلما ً ‪ -‬لكن النبي أعرض عنه‬
‫لنه كان يحدث بعض زعماء قريش‪ ...‬فنزلييت آيييات‬
‫جــاءهُ ٱل َ ْ‬ ‫َ‬
‫م ـ ٰى‬ ‫ع َ‬ ‫ول ّ ٰى ‪‬‬
‫أن َ‬ ‫وت َـ َ‬
‫س َ‬
‫ع‪‬ب َ َ‬
‫السورة‪َ :‬‬
‫‪632‬‬
‫‪633‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫َ‬
‫ه‬
‫عــ ُ‬
‫ف َ‬ ‫و َيــذّك ُّر َ‬
‫فَتن َ‬ ‫كــ ٰى ‪ ‬أ ْ‬ ‫عّلــ ُ‬
‫ه ي َّز ّ‬ ‫ك لَ َ‬‫ري َ‬
‫مــا ُيــدْ ِ‬
‫و َ‬
‫َ‬
‫ٱلــذّك َْر ٰى‪ ( (1-4‬حييتى تعّلمنييا أن الييدعوة حييق‬
‫للناس كلهم وليست لفئة محددة‪ ،‬ونعلم أن المقبييل‬
‫علييى الييدعوة هييو أولييى بهييا مهمييا كييان مسييتواه‬
‫الجتماعي‪..‬‬
‫والجدير بالذكر أن اهتمام النبي ‪ ‬بأكابر القوم‬
‫لم يكن تعظيما ً لمستواهم الجتماعي وانتقاصيا ً ميين‬
‫قدر العمى الذي أعييرض عنييه‪ ،‬وإنمييا لنييه ‪ ‬رأى‬
‫أنهييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييم‬

‫أكثر نفعيا ً للسييلم فطمييع فييي إسييلمهم ميين أجييل‬


‫الدين ل من أجل غناهم‪ ..‬لذلك نزل العتاب الربيياني‬
‫حتى ل يهمل أي شخص مقبل على السيلم‪ ،‬وحيتى‬
‫يتعلييم الييدعاة إلييى اللييه أن يهتمييوا بالنيياس كلهييم‪،‬‬
‫غنيهييم وفقيرهييم‪ ،‬كييبيرهم وصييغيرهم‪ ،‬فل يميييزوا‬
‫بالدعوة إنسانا ً على آخر‪.‬‬

‫سورة الطارق )له الخلق والمر(‬


‫سو‬ ‫وفيي سيورة الطيارق دعيوة إليى تيذكر حقيقتنيا‬
‫رة‬ ‫ق‬
‫خل ِـ َ‬‫ق‪ُ ‬‬
‫خل ِـ َ‬‫م ُ‬ ‫مـ ّ‬ ‫ن ِ‬‫س ٰـ ـ ُ‬ ‫لن َ‬‫ر ٱ ِ‬ ‫‪‬ل َْينظُ ِ‬ ‫وأصلنا‪َ :‬‬
‫ف‬
‫الطارق‬ ‫ب‬‫صــل ْ ِ‬
‫ن ٱل ّ‬ ‫مــن ب َْيــ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫خــُر ُ‬ ‫ق ‪ ‬يَ ْ‬
‫فــ ٍ‬ ‫دا ِ‬‫مــاء َ‬ ‫مــن ّ‬ ‫ِ‬
‫قاِدٌر‪ ( (5-8‬يخلق‬ ‫ه لَ َ‬‫ع ِ‬
‫ج ِ‬ ‫عل َ ٰى َر ْ‬ ‫ه َ‬ ‫بإ ِ ‪‬ن ّ ُ‬
‫و ٱلت َّرائ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫النسييان ميين نقطيية ميياء بسيييطة‪ ،‬تخييرج ميين‬
‫صلب الذكر وترائب النثى‪ ،‬مثل نقطة المطيير الييتي‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪634‬‬

‫ت‬ ‫ماء َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ســـ َ‬‫و ٱل ّ‬‫تخيييرج اليييزرع مييين الرض ‪َ ‬‬
‫ع‪( (11-12‬‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬
‫صــــدْ ِ‬
‫ت ٱل ّ‬
‫ذا ِ‬ ‫و ٱلْر ِ‬ ‫ع‪َ ‬‬ ‫جــــ ِ‬‫ٱلّر ْ‬
‫فخييالق النسييان وخييالق الكييون إلييه واحييد‪ ،‬خلييق‬
‫النسان كمييا يخلييق الييزرع ميين ميياء أودع فيييه سيير‬
‫الحياة‪.‬‬

‫سورة الشمس )قدرك عند خالقك(‬


‫سو‬ ‫وفي سورة الشمس رصد لظواهر كونية سخرها‬
‫رة‬ ‫الله لخدمة النسان‪ ،‬الذي هو أهم تلييك المخلوقييات‬
‫الشييييم‬ ‫وأكرمها‪:‬‬
‫ها‬‫ذا َتل ٰـ َ‬ ‫ر إِ َ‬ ‫م ِ‬
‫ق َ‬‫و ٱل ْ َ‬ ‫ها ‪َ ‬‬ ‫ٰ‬
‫حـ َ‬ ‫ض َ‬‫و ُ‬ ‫س َ‬‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ذا‬‫ر إِ َ‬ ‫هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ِ‬ ‫و ٱل ن ّ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫مــا‬ ‫و َ‬ ‫ماء َ‬ ‫ســ َ‬ ‫و ٱل ّ‬ ‫ها ‪َ ‬‬ ‫ش ٰـــ َ‬ ‫غ َ‬‫ذا ي َ ْ‬ ‫ل إِ َ‬ ‫و ٱل ّي ْ ِ‬ ‫ها ‪َ ‬‬ ‫جل ّ ٰـ َ‬
‫َ‬
‫مــا‬ ‫ون َ ْ‬ ‫مــا طَ َ‬ ‫َ‬
‫و َ‬ ‫س َ‬ ‫فـ ٍ‬ ‫ها ‪َ ‬‬ ‫ح ٰـ ـ َ‬ ‫و َ‬‫ض َ‬ ‫و ٱل ْر ِ‬ ‫ها ‪َ ‬‬ ‫ب َن َ ٰـ ـ َ‬
‫ها‪ ( (1-7‬فتمر هذه اليات الكونية ثم تقييف‬ ‫وا َ‬ ‫س ّ‬‫َ‬
‫السورة عند النفس لتفصل فيهييا وتوضييح أهميتهييا‪:‬‬
‫مــن‬ ‫ح َ‬ ‫فَلــ َ‬‫ق دْ أ َ ْ‬‫ها ‪َ ‬‬ ‫وا َ‬ ‫ق َ‬ ‫وت َ ْ‬‫ها َ‬ ‫جوَر َ‬ ‫ف ُ‬‫ها ُ‬ ‫م َ‬‫ه َ‬ ‫فأل ْ َ‬
‫‪َ َ ‬‬
‫ها ‪ ( (8-10‬فييإذا‬ ‫س ٰـ ـ َ‬ ‫مــن دَ ّ‬ ‫ب َ‬ ‫خــا َ‬ ‫ق دْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ها ‪َ ‬‬ ‫َزك ّ ٰـ َ‬
‫أدرك النسان قدره عند خالقه‪ ،‬سارع إلييى طيياعته‬
‫والنابة إليه‪ ،‬ليبادل ربه ودا ً بود وحبا ً بحب‪.‬‬

‫سورة الضحى )محبته عند ربه(‬


‫سو‬ ‫ونييرى فييي نفييس الجييزء سييورة مقابليية للعتيياب‬
‫رة‬ ‫الربييييييييييييياني‪ :‬سيييييييييييييورة الضيييييييييييييحى‬
‫الضحى‬
‫‪635‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫اليتي تظهير حيب ربنيا تبيارك وتعيالى لنيبيه محميد‪:‬‬


‫ك‬ ‫عـ َ‬
‫ودّ َ‬
‫مــا َ‬‫ج ٰى ‪َ ‬‬ ‫سـ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ل إِ َ‬‫و ‪‬ٱل ّي ْـ ِ‬
‫ح ٰى َ‬ ‫ضـ َ‬ ‫و‪‬ٱل ّ‬ ‫َ‬
‫قل ٰى‪ ( (1-3‬فل تظن ييا محميد أن ربيك‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫تاركييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييك‬
‫أو كارهك‪:‬‬
‫ضــال ّ‬
‫ك َ‬ ‫جـدَ َ‬‫و َ‬
‫و َ‬
‫و ٰى ‪َ ‬‬ ‫فــآ َ‬ ‫ك ي َِتيمـا ً َ‬ ‫جـدْ َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫‪ْ ‬‬ ‫أ َل َ‬
‫غن َ ٰى‪ ( (6-8‬كلمييات‬ ‫ف ـأ َ ْ‬‫عــائ ِل ً َ‬‫ك َ‬‫ج ـدَ َ‬ ‫و َ‬ ‫و‪َ ‬‬
‫هدَ ٰى َ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬
‫رقيقة تشع بالحب الرباني لرسول الله‪..‬‬
‫وميين اللطيييف فييي السييورة أن رب العييزة جييل‬
‫وعل أقسم في بداية السورة بوقتين هادئين رقيقين‬
‫على النفس‪ :‬الضحى‪ ،‬والليل‪ ،‬فحييب اللييه لنييبيه لييم‬
‫يقتصر على اللفاظ فقييط‪ ،‬وإنمييا تعييداها إلييى الجييو‬
‫النفسي للفاظ السورة وآياتها‪..‬‬

‫سورة التين )أنت أفضلهم‪..‬بشرط‪(..‬‬


‫سو‬ ‫ونرى نفس المعنى مييذكورا ً فييي سييورة الييتين‪:‬‬
‫ه ٰـ َ‬
‫ذا‬ ‫و َ‬
‫ن ‪َ ‬‬
‫سيِني َ‬
‫ر ِ‬‫طو ِ‬‫و ُ‬ ‫ن ‪َ ‬‬ ‫و ٱلّز ي ُْتو ِ‬ ‫ن َ‬
‫رة‬ ‫و ٱلّتي ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫التين‬ ‫فــى‬ ‫ن ِ‬ ‫س ٰـ ـ َ‬
‫لن َ‬
‫قن َــا ٱ ِ‬‫خل َ ْ‬
‫ق ـدْ َ‬ ‫نل ‪َ َ‬‬
‫مي ِ‬‫د ٱل َ ِ‬ ‫ٱ ل ْب َل َ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫ويم ٍ ‪ ..( (1-4‬فما علقة اليات الثلثة الولييى‬ ‫ق ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫التي أقسم الله بها بخلق النسان؟ إن هذه اليييات‬
‫قد عددت ثلثة أماكن مباركة أقسم الله بها‪ :‬أرض‬
‫التين والزيتون وهي بيييت المقييدس‪ ،‬وطييور سيييناء‬
‫الذي كلم الله موسى عنده‪ ،‬والبلييد الحييرام مكيية‪..‬‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪636‬‬

‫وكلها أماكن لها حرمتها وبركتهييا وقدسيييتها‪ ..‬وبعييد‬


‫ذلك تذكر السورة خلق النسان في أحسيين حييال‪،‬‬
‫وكأن المعنى‪ :‬أن حرمة النفس البشرية على اللييه‬
‫تعالى وكرامتها هي بحرميية هييذه الميياكن‪ ،‬فييأكرم‬
‫نفسك أيها النسان بالطاعة شكرا ً لله الذي خلقك‬
‫م‬ ‫فييي أحسيين تقييويم‪ ،‬فييإن لييم تفعييل ذلييك‪ ...‬ث ُ ّ‬
‫ن ‪ ( (5‬وليين ينجيييك ميين‬ ‫ف َ‬‫س َ‬ ‫رددن َ ٰـ َ‬
‫فِلي َ‬ ‫س ٰـ ِ‬
‫ل َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫هييذا إل اليمييان والعمييل الصييالح‪ :‬إ ِل ّ ٱّلــ ِ‬
‫َ‬
‫غْيــُر‬ ‫جــٌر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫فل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ت َ‬
‫ح ٰـ ِ‬ ‫مُلوا ْ ٱل ّ‬
‫ص ٰـل ِ َ‬ ‫ع ِ‬
‫و َ‬‫مُنوا ْ َ‬‫ءا َ‬
‫ن ‪) ‬التين‪.(6 :‬‬ ‫مُنو ٍ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬

‫سورة العلق )حفظ العمل(‬


‫سو‬ ‫نرى في هذا الجزء سورتين‪ :‬إحداهما فييي بداييية‬
‫ك‬ ‫س ـم ِ َرب ّـ َ‬ ‫الرسالة "سييورة العلييق"‪ ،‬ٱ ْ ْ‬
‫رة‬ ‫قَرأ ب ِٱ ْ‬
‫ق ـر أ ْ‬ ‫ن َ َ‬
‫العلق‬ ‫ق‪‬ٱ ْ َ‬ ‫عل ـ ٍ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫س ٰـ َ‬ ‫لن َ‬ ‫ق ٱ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ق‪َ ‬‬ ‫خل َ َ‬‫ذى َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫عل ّـ َ‬
‫قل َم ِ ‪َ ‬‬ ‫م ب ِـ ٱل ْ َ‬ ‫عل ّـ َ‬‫ذى َ‬ ‫ٱ ّـ ِ‬ ‫م‪ ‬ل‬ ‫ك ٱل ك ْـَر ُ‬ ‫وَرب ّـ َ‬ ‫َ‬
‫م‪ ( (1-5‬والخرى هييي نعييي‬ ‫عل َ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫س ٰـ َ‬ ‫لن َ‬ ‫ٱ ِ‬
‫النييبي فييي سييورة "النصيير"‪ ..‬وهييي بمثابيية ختييام‬
‫ح ‪ .‬هييذه‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫و ٱل ْ َ‬ ‫صُر ٱلله َ‬ ‫جاء ن َ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫الرسالة‪ :‬إ ِ َ‬
‫شييره بمييا‬ ‫السييورة نزلييت قبييل وفيياة النييبي ‪ ،‬لتب ّ‬
‫س‬ ‫َ‬
‫ت ٱلّنا َ‬ ‫وَرأي ْ َ‬ ‫سيراه من عز وانتصار للسلم‪َ  :‬‬
‫د‬‫مـ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬
‫سـب ّ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ف ٰوجـا ً ‪َ ‬‬ ‫ن ٱلله أ َ ْ‬ ‫فى ِدي ِ‬ ‫ن ِ‬‫خُلو َ‬ ‫ي َدْ ُ‬
‫واب َـا ً‪ .( (2-3‬فمييا‬ ‫ن تَ ّ‬ ‫ه ك َــا َ‬ ‫فْرهُ إ ِن ّ ُ‬ ‫غ ِ‬‫ست َ ْ‬ ‫وٱ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫علقة الستغفار بما في السورة من نصرة السييلم‬
‫‪637‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫وعز المسلمين؟‪ ..‬إن النسييان المنتصيير قييد يشييعر‬


‫بشيء من العجب والكبر‪ ،‬كما رأينا فييي الكييثير ميين‬
‫القادة الفاتحين عبر الزمييان‪ ،‬لييذلك كييان ل بييد ميين‬
‫الحميييد عليييى النعمييية تيييذكيرا ً بواهبهيييا ومانحهيييا‪،‬‬
‫والستغفار من التقصير في شكر المنعييم‪ ...‬وهييذان‬
‫المييران ل يحفظييان العمييل فقييط ميين الضييياع بييل‬
‫يحفظان قلب العبد من الكبر والطغيان‪.‬‬
‫شعار المخلصين‬
‫ولذلك نجد أن الستغفار في السلم يأتي دائمييا ً‬
‫بعد العمال العظيمة‪ ،‬فبعد الصييلة نقييول‪ :‬اسييتغفر‬
‫الله الذي ل إله إل هييو الحييي القيييوم وأتييوب إليييه‪..‬‬
‫ويعّلمنا ربنا من خلل هذه السييورة أن نييرد الفضييل‬
‫إليه دائما ً ونّتهم أنفسيينا بالتقصييير فنسييتغفره علييى‬
‫ب العييزة‬‫تقصيييرنا‪ ..‬فليين يسييتطيع أحييد أن يييوّفي ر ّ‬
‫قه وقدره‪.‬‬ ‫ح ّ‬

‫سورة التكاثر )التوازن بين المادة والروح(‬


‫سو‬ ‫وتأتينا سورة التكيياثر بمعنييى مهييم‪ :‬أن ل نعيييش‬
‫رة‬ ‫لجسادنا فقط‪ ..‬ل نعيش من أجل الطعييام والنزهيية‬
‫التكاثر‬ ‫والزواج فقط‪ ..‬فل بد من النتباه إلى الروح‪ ،‬والحذر‬
‫من أن يلهينييا المييال والولييد عين ذكير اللييه‪ ،‬فنفاجيأ‬
‫َ‬
‫ح ‪‬ت ّـ ٰى‬
‫ر‬‫م ٱلت ّك ّــاث ُ ُ َ‬ ‫بييالموت ولقيياء اللييه‪ ،‬أل ْ َ‬
‫هـٰك ُ ُ‬
‫قاب َِر‪ ( (1-2‬ثم تبدأ السورة فييي توعييد‬ ‫م ٱل ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ُزْرت ُ ُ‬
‫كل من يعيش لملييذاته ومتيياع جسييده فقييط‪ :‬ك َل ّ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪638‬‬

‫ن ‪ ‬ك َل ّ ل َ ْ‬
‫و‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫ف تَ ْ‬‫و َ‬ ‫س ْ‬‫م ك َل ّ َ‬ ‫ن ‪ ‬ثُ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ف تَ ْ‬‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫َ‬
‫م‪ (3-‬‬ ‫حي ـ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫و ّ‬ ‫ن ‪ ‬ل َت َـَر ُ‬‫قي ِ‬‫م ٱل ْي َ ِ‬ ‫عل ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫تَ ْ‬
‫‪ .(6‬إياك أن تكون منهم‪ ...‬إن في داخلك روحا ً تحتاج‬
‫إلى غذائها من الطاعيية والسييتغفار والحفيياظ علييى‬
‫الصلة وقيام الليل‪ ...‬فإن لم تستجب لهييذا التحييذير‬
‫فاسمع الية الرهيبة في تصوير رؤييية جهنييم والعييياذ‬
‫ن‬‫سـئ َل ُ ّ‬‫م ل َت ُ ْ‬ ‫ن ‪ ‬ثُ ّ‬ ‫قي ِ‬ ‫ن ٱل ْي َ ِ‬ ‫عي ْ َ‬
‫ها َ‬ ‫ون ّ َ‬ ‫م ل َت ََر ُ‬ ‫بالله‪ :‬ث ُ ّ‬
‫عيم ِ‪ ( (7-8‬فالله تعييالى سيسييألنا‬ ‫ن ٱلن ّ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ذ َ‬ ‫مئ ِ ٍ‬‫و َ‬‫يَ ْ‬
‫عن كل نعمة صغيرة أو كبيرة أنعم بها علينا‪ ،‬والييتي‬
‫ميين أهمهييا هييذا الجسييد الييذي رزقنييا اللييه إييياه‪،‬‬
‫فاسييتعمله البعييض فييي معصيييته ناسييين أرواحهييم‬
‫وغذاءها وتحضيرها للخرة‪..‬‬

‫سورة العصر )البنيان المرصوص(‬


‫سو‬ ‫ونصل إلى سورة العصر‪ ،‬التي قال عنهييا المييام‬
‫رة‬ ‫الشافعي رضي الله عنه‪ :‬لييو لييم ينييزل ميين القييرآن‬
‫العصر‬ ‫غيرها لكفت الناس وهي سورة العصر‪ ،‬فقد جمعت‬
‫هذه السورة كل معييالم السييلم فييي قييوله تعييالى‪:‬‬
‫ت‪،( (3‬‬ ‫ح ٰـ ِ‬ ‫مُلوا ْ ٱل ّ‬
‫ص ٰـل ِ َ‬ ‫ع ِ‬
‫و َ‬‫مُنوا ْ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪‬ل ّ ٱل ّ ِ‬ ‫إِ‬
‫ثم أشارت إلى أهمية اتحاد المؤمنين وتعاونهم على‬
‫نصييرة هييذا الييدين والصييبر علييى مييا يجييدونه فييي‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫وا ْ ب ِـــ ٱل ْ َ‬ ‫صـــ ْ‬
‫وا َ‬ ‫‪‬ت َ َ‬
‫و‬
‫طريقهيييم مييين عقبيييات‪َ :‬‬
‫ر‪ .( (3‬وكل ميين ل يسييير علييى‬ ‫وا ْ ب ِٱل ّ‬
‫صب ْ ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬
‫وت َ َ‬‫َ‬
‫ن‬‫هيييذا النهيييج وهيييذا الطرييييق فهيييو خاسييير ‪‬إ ِ ّ‬
‫ا‪ ...‬‬ ‫من ُــو ْ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ر ‪ ‬إ ِل ّ ٱّلــ ِ‬
‫س ٍ‬‫خ ْ‬ ‫فى ُ‬ ‫ن لَ ِ‬‫س ٰـ َ‬ ‫لن َ‬‫ٱ ِ‬
‫‪639‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫‪ .((2-3‬هذا النهج وهييذا الطريييق هييو نفسييه الصييراط‬


‫المسييتقيم الييذي نييدعو اللييه بييه فييي كييل ركعيية‬
‫صـــَرا َ‬
‫ط‬ ‫م‪ِ ‬‬‫قي َ‬‫ســـت َ ِ‬ ‫م ْ‬‫ط ٱل ْ ُ‬‫صـــَرا َ‬ ‫دَنا ٱل ّ‬ ‫‪‬ٱ ْ‬
‫هـــ ِ‬
‫ب َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ضو ِ‬‫غ ُ‬ ‫م ْ‬‫ر ٱل ْ َ‬ ‫م َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫م َ‬‫ع ْ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬‫ٱل ّ ِ‬
‫ن ‪) ‬الفاتحة‪ (7-6 ،‬فالمغضوب عليهم‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ول َ ٱل ّ‬ ‫َ‬
‫خاسييرون والضييالون أيضييا ً خاسييرون‪ ..‬أمييا الييذين‬
‫تواصوا بالحق والصبر فقد أنعييم اللييه عليهييم بنعميية‬
‫الهداية إلى الصراط المستقيم‪.‬‬
‫بناء المم والحضارات‬
‫وترى في سورة العصر معييان هاميية جييدًا‪ ،‬فهييي‬
‫قيييييييييييييييد جمعيييييييييييييييت مقوميييييييييييييييات‬
‫بناء الحضارة والمة‪ ،‬مثل الهتمام بييالوقت والزميين‬
‫ر ‪ ،‬وأهميييييييييييييييييييية‬ ‫صــــــــــــــــ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫و ٱل ْ َ‬
‫‪َ ‬‬
‫مُنوا ْ‬‫أن نشغل وقتنا في العمل الصالح المفيد ‪‬ءا َ‬
‫ت ‪ ،‬بالضييافة إلييى العمييل‬ ‫ح ٰـــ ِ‬ ‫مُلــوا ْ ٱل ّ‬
‫ص ٰـل ِ َ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬
‫َ‬
‫وا ْ‬
‫صـ ْ‬‫وا َ‬ ‫ضمن فريق وروحية العمل الجميياعي ‪َ ‬‬
‫وت َ َ‬
‫ر ‪ .‬فييإذا وعييت الميية‬ ‫صـب ْ ِ‬‫وا ْ ب ِٱل ّ‬
‫ص ْ‬‫وا َ‬ ‫وت َ َ‬‫ق َ‬ ‫ح ّ‬‫ب ِٱل ْ َ‬
‫سييورة العصيير ارتقييى وعيهييا ونضييجت مقومييات‬
‫حضارتها‪.‬‬

‫سورة الفيل )كيد الباطل ضعيف(‬


‫سو‬ ‫وسورة الفييل تخبرنيا أن الكيون كليه مليك الليه‬
‫رة‬ ‫تعالى‪ ،‬وأنه تعالى قادر على إنزال العذاب على كييل‬
‫َ‬
‫الفيل‬ ‫ف‬ ‫ظالم‪ ،‬في كل عصيير وكييل حييين‪ :‬أل َ ْ‬
‫م ت َـَر ك َي ْـ َ‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪640‬‬

‫َ‬ ‫ل رب َ َ‬
‫م‬ ‫ل ك َي ْدَ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ع ْ‬‫ج َ‬‫م يَ ْ‬‫ل ‪ ‬أل َ ْ‬‫في ِ‬ ‫ب ٱل ْ ِ‬ ‫حـٰ ِ‬‫ص َ‬ ‫ك ب ِأ ْ‬ ‫ع َ َ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ .‬إن كيد أعداء اللييه ضييعيف ل يييؤثر‬ ‫ضِلي ٍ‬ ‫فى ت َ ْ‬ ‫ِ‬
‫ول يدوم‪ ،‬لنه ضييال‪ ،‬ولن قييدرة اللييه الغالبيية تقييف‬
‫هــم‬ ‫مي ِ‬ ‫ل ‪ ‬ت َْر ِ‬‫م طَْيرا ً أ ََباِبيـ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫دونه‪َ  :‬‬
‫وأْر َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫ل‬
‫كو ِ‬ ‫مــأ ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ص ٍ‬ ‫ع ْ‬‫م كَ َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ج َ‬‫ف َ‬‫ل‪َ ‬‬ ‫جي ٍ‬ ‫س ّ‬ ‫من ِ‬ ‫ة ّ‬ ‫جاَر ٍ‬ ‫ح َ‬‫بِ ِ‬
‫‪ ‬فاستعينوا بالله على عدوه وعدوكم‪.‬‬

‫سورة قريش )احذر إلف النعمة(‬


‫سو‬ ‫ونأتي إلييى سييورة قريييش‪ ،‬الييتي تعالييج مشييكلة‬
‫رة‬ ‫خطيرة عند الكييثير ميين النيياس‪ ،‬وهييي إلييف النعميية‬
‫قريش‬ ‫والتعود عليهييا إلييى أن تصييل بهييم الحييال إلييى عييدم‬
‫ش‬
‫قَرْيــ ٍ‬ ‫ف ُ‬ ‫ليل َ ٰـ ِ‬‫الشعور بها ونسيان شييكرها‪ِ  ...‬‬
‫ف‪ ( (1-2‬لقييد‬ ‫صــي ْ ِ‬‫و ٱل ّ‬ ‫شَتاء َ‬ ‫حل َ َ‬
‫ة ٱل ّ‬ ‫ر ْ‬‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِإيَلـٰ ِ‬
‫ف ِ‬
‫ألفت قريش تلك النعمة العظيمة‪ ،‬بأن مهد الله لهم‬
‫طريقا ً آمنا ً ليقومييوا برحليتين تجيياريتين‪ ،‬علييى مييدار‬
‫فصلي الشتاء والصيف‪ ..‬هذه النعييم ل بييد أن تقابييل‬
‫ه ٰـــ َ‬
‫ذا‬ ‫ب َ‬ ‫دوا ْ َر ّ‬ ‫‪‬ل ْي َ ْ‬
‫عُبــ ُ‬ ‫بشييكر المنعييم وعبييادته‪َ :‬‬
‫ف‬
‫َ‬
‫هــم‬ ‫من َ ُ‬
‫وءا َ‬ ‫ع َ‬ ‫جــو ٍ‬ ‫مــن ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ذى أطْ َ‬
‫ع َ‬ ‫ت ‪ ‬ٱل ّ ِ‬ ‫ٱل ْب َي ْ ِ‬
‫ف‪ ( (3-4‬فييأعظم نعييم اللييه تعييالى علييى‬ ‫و ٍ‬ ‫نخ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫الطلق‪ ،‬وأهم حاجيات النسان الساسييية‪ :‬الطعييام‬
‫والمن‪ ..‬سورة قريييش تقييول لهييل القييرآن‪ :‬أحيييوا‬
‫كر النعميية واحييذروا اللييف الييذي يميييت‬ ‫قلوبكم بتييذ ّ‬
‫القلب ويصرفه عن شكر المنعم‪.‬‬
‫‪641‬‬ ‫سورة البقرة‬
‫سورة البقرة‬ ‫‪642‬‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬


‫‪643‬‬ ‫سورة البقرة‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬ ‫خـــواطر قرآنيـــة‬

‫خواطر قرآنية‬ ‫خواطر قرآنية‬

You might also like