You are on page 1of 94

‫الشرف المؤبد لل محمد‬

‫صّلى ال عليه وآله وسّلم‬


‫‪:‬تأليف‬
‫القاضي يوسف بن إسماعيل النبهاني‬

‫‪ :‬قال المؤلف رحمه ال تعالى‬


‫آل طه ياآل خير نبى‬
‫جدكم خيرة وأنتم خيـــار‬
‫أذهب ال عنكم الرجس أهل ال‬
‫بيت قدما فأنتم الطهـــار‬
‫لم يسل جدكم على الدين أجرا‬
‫غير ود القربى ونعم الجــار‬
‫حبكم جنة لكل فؤاد‬
‫فيه حب الصحاب والبغض نار‬
‫رضى ال عنكم وأنتم الن‬
‫ور فيكم وإن أبى الكفـــار‬
‫" المؤلف "‬
‫* * * *‬
‫ن الرحيم‬
‫ل الرحم ِ‬
‫سم ا ِ‬
‫بْ‬

‫وصلى ال تبارك وتعالى على سيدنا ومولنا محمد وآله وصحبه فى كل لمحة ونفس‬
‫‪ .‬عدد ما وسعه علم ال‬
‫الحمد ل الذى طهر أهل بيت نبينا من كل رجس وآتاهم من لدنه فضل كبيرا ‪ ,‬فقال‬
‫‪ :‬تعالى‬
‫طِهيًرا‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫س َأْهلَ اْلَبْي ِ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫)‪ِ ) .‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬

‫والصلة والسلم على سيدنا محمد المبعوت من أفضل قبيلة وأكرم فصيلة ‪ ,‬وعلى آله‬
‫‪ .‬الشراف السادة ‪ ,‬وأصحابه الئمة القادة‬
‫إن من أهم المور الدينية ‪ ,‬وآكد العقائد‪:‬فيقول الفقير إلى ربه يوسف بن إسماعيل‬
‫النبهانى عفا ال تعالى عنه ‪:‬أما بعد السلمية اعتقاد أن سيدنا محمد صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم أفضل من كل ملك ورسول وأصوله وفروعه أشرف فروع وأصول كيف ل‬
‫وقد اتصلت بنسبه أنسابهم ‪ ,‬وارتبطت بحسبه أحسابهم ‪ ,‬فهم منه وإليه ‪ ,‬وأقرب الناس‬
‫لديه ‪ ,‬ول ريب في أن محبته صلى ال عليه وآله وسلم فرض على كل موحد ‪ ,‬مجتهد‬
‫أو مقلد ‪ ,‬وبحسب زيادتها ونقصانها تكون زيادة اليمان ونقصانه ‪ ,‬ومن ادعى اليمان‬
‫بدونها فقد عظم نفاقه وبهتانه ‪ ,‬ومن محبته عليه الصلة والسلم محبة من اتصلوا به ‪,‬‬
‫‪ .‬ورجعت أنسابهم كآبائه وأبنائه إلى نسبه‬
‫أما آباؤه فقد انقضت أعصارهم ‪ ,‬وبقيت أخبارهم ‪ ,‬فمن ادعى محبتهم لجله فل تثريب‬
‫عليه ‪ ,‬وتسلم دعواه إليه ‪ ,‬إذ ل دليل على بطلن دعواه ‪ ,‬ويوكل أمر باطنه إلى ال ‪,‬‬
‫وأما أبناؤه فهم بركة هذه المة ‪ ,‬الكاشفون عنها من غياهب الكون كل غمة ‪ ,‬فل بد‬
‫وأن يوجد فى كل عصر طائفة منهم يدفع ال بها عن الناس البلء ‪ ,‬فإنهم أمان لهل‬
‫الرض كما أن النجوم أمان لهل السماء فمن عاصرهم وادعى محبتهم بزخارف أقواله‬
‫‪ ,‬ولم يقم على دعواه البراهين من محاسن أفعاله فدعواه فاسدة باطلة ‪ ,‬ومن حلى الصحة‬
‫عاطلة ‪ ,‬هذا إذا لم يؤذهم بقلم ول لسان ‪ ,‬ولم يشر إلى تنقيصهم بعين ول بنان‪ ,‬أما من‬
‫‪ .‬فعل ذلك وادعى محبتهم فل أحسبه إل مجنونا ‪ ,‬وبدينه مفتونا‬
‫ومن هذا القبيل ما وقع فى عصرنا فى القسطنطينية سنة سبع وتسعين ومائتين وألف‬
‫هجرية من قوم جهال ‪ ,‬غرقوا من أحوال البغضاء لل محمد فى أوحال فأخذوا يتأولون‬
‫بجهلهم ماورد من اليات والخبار فى فضل أهل بيت النبوة ‪ ,‬ومعدن الرسالة ‪ ,‬ومهبط‬
‫الوحى ‪ ,‬ومنبع الحكمة ‪ ,‬ويخرجونها عن ظواهرها بأفهامهم السقيمة ‪ ,‬وآرائهم الذميمة ‪,‬‬
‫من أهل المحبة والوداد ولم يعلموا أنهم‬ ‫ومع ذلك فقد زعموا ‪ ,‬أنهم لهل البيت‬
‫هائمون من الخذلن فى كل واد ولما أراد ال سبحانه تمام غوايتهم قدر لهم الطلع‬
‫على كتاب نوادر الصول للحكيم الترمذى وقد أتى فيه رضى ال عنه بتفسير قوله‬
‫‪ :‬تعالى‬

‫طِهيًرا (‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫) ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫وقوله عليه الصلة والسلم ‪ " :‬إنى تارك فبكم الثقلين ‪ :‬كتاب ال ‪ ,‬وأهل بيتى عترتى "‬
‫‪ .‬الحديث‬
‫‪ :‬وقوله صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬النجوم أمان لهل السماء ‪ ,‬وأهل بيتى أمان لهل الرض "‬
‫بأقاويل ظاهرها مخالف لما عليه جمهور العلماء ‪ ,‬فزعم أن الية الكريمة خاصة‬
‫بالزوجات الطاهرات أمهات المؤمنين ‪ ,‬وشنع على من ذهب إلى غير ذلك من‬
‫‪ .‬المفسرين‬
‫وأغرب من هذا دعواه فى الحديث الول حديث الثقلين أن المراد من أهل البيت فيه‬
‫‪ .‬الئمة ‪ ,‬وفقهاء المة‬
‫ومثله غرابة أو أغرب زعمه فى الحديث الثانى أن أهل بيته صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫فيه هم البدال ل الذرية ‪ ,‬ومنع أن تكون فى العنصر الطاهر هذه المزية ‪ ,‬وإنى على‬
‫يقين من أنه رحمه ال على تقدير ثبوت ذلك عنه ‪ ,‬وتحقق صدوره منه ‪ ,‬مع استبعاد‬
‫صحة نسبته إليه وقرب احتمال دسه عليه ‪,‬لم يقصد به إل إحقاق الحق على وجه‬
‫السداد ‪ ,‬بحسب ما أداه إليه الجتهاد وأرجو أن ل يلحقه بذلك عتاب ‪ ,‬وأن ل يفوته على‬
‫نيته الثواب ‪ ,‬فإنه نفعنا ال به من مشاهير الئمة ومصابيح هذه المة ‪ ,‬ولعله كان فيما‬
‫‪ .‬أتي به معذورا ‪ ,‬وقد كان ذلك فى الكتاب مسطورا‬
‫وعلى كل الحال فقد تم العمل ‪ ,‬وسبق السيف العدل ‪ ,‬فأخذ أولئك المخذولون عبارته‬
‫رحمه ال وصاروا يروجون بها بضاعتهم الكاسدة ‪ ,‬ويصلحون بها عقائدهم الفاسدة ‪,‬‬
‫ويتمشدقون بها فى مجالس إخوانهم العوام ‪ ,‬ويفهمونهم ان ل فرق بين العترة الطاهرة‬
‫وبين أحد من أهل السلم ‪ ,‬فلما شاع أمرهم المذموم ‪ ,‬وفشا سر ضللتهم المكتوم ‪,‬‬
‫حملنى على تزييف مدعاهم الباطل الفاسد ‪ ,‬وهدم ما استندوا إليه من واهيات القواعد ‪,‬‬
‫أمر شريف صدر من أحد أجلء العصابة المصطفوية ‪ ,‬وافق منى بواعث قلبية ‪,‬‬
‫ومدعاهم وإن كان بديهى البطلن ‪ ،‬ل يرتاب فيه أحد ممن شم رائحة اليمان ‪ ,‬وقد يقال‬
‫‪ :‬ل حاجة إلي إبطال الباطل وما هو إل من قبيل تحصيل الحاصل ‪ ,‬فهو منكر وإنكار‬
‫‪ .‬المنكر واجب ‪ ,‬وإماطة البدعة عن المسلمين ضربة لزب‬
‫فجمعت هذا الكتاب من كتب الئمة العلم ‪ ,‬ونقلت فيه أنموذجا من الكتاب والسنة‬
‫والثار فى فضل آله عليه الصلة والسلم ‪ ,‬ولم أقصره على رد تلك القاويل الفاسدة ‪,‬‬
‫‪ .‬لتتم به الفائدة ‪ ,‬وسميته ‪ :‬الشرف المؤبد لل محمد‬
‫وأسأل ال العظيم رب العرش الكريم ‪ ,‬أن ينفعنى به والمسلمين ‪ ,‬ويحشرنى تحت لواء‬
‫سيد المرسلين فى زمرة المحبين له ولله الطاهرين ‪ ,‬وأرجو من أهل العلم والفهم أن‬
‫يعذرونى فى عدم استيفاء الكلم ‪ ,‬ويغتفروا لى زلة القلم إن عثروا عليها فقلما سلم أحد‬
‫‪ .‬من زلة القلم ‪ ,‬ورتبته على ثلثة مقاصد وخاتمة‬
‫ل ( وحديثى " إنى تارك فيكم‬ ‫المقصد الول ‪ :‬فى الكلم على آية ‪ِ ) :‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫‪ " .‬الثقلين ‪ ...‬وأهل بيتى أمان لمتى‬
‫‪ .‬المقصد الثانى ‪ :‬فى الكلم على شرفهم ومزاياهم وما اختصهم ال به دون من عداهم‬
‫المقصد الثالث ‪ :‬فى الكلم على ما فى حبهم وتوابعه من الفوز العظيم ‪ ,‬وما فى بغضهم‬
‫‪ .‬وتوابعه من المرتع الوخيم‬
‫الخاتمة ‪ :‬فى بيان فضل الصحابة وأن محبة آل البيت ل تجدى نفعا إذا خالطها بغض‬
‫‪ .‬أحد من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫* * * *‬

‫" " المقصد الول‬


‫ل ( وحديثي ‪ " :‬إنى‬ ‫وهو الحامل على جمع الكتاب فى الكلم على آية ‪ِ ) :‬إّنَما ُيِريُد ا ّ‬
‫‪ .‬تارك فيكم الثقلين ‪ ...‬وأهل بيتى أمان لمتى‬
‫طِهيًرا‬ ‫طّهَرُكْم َت ْ‬‫ت َوُي َ‬
‫ل اْلَبْي ِ‬‫س َأْه َ‬
‫ج َ‬ ‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬‫ل ِلُيْذِه َ‬ ‫‪ ) .‬قال ال تعالى ‪ِ ) :‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫‪ :‬قال المام أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى فى تفسيره‬
‫عْنُكُم السوء والفحشاء ياأهل محمد ويطهركم من‬ ‫ب َ‬‫ل ِلُيْذِه َ‬‫يقول ال تعالى ‪ِ :‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫‪ .‬الدنس الذى يكون فى معاصى ال تطهيرا‬
‫‪ .‬وروى عن أبى زيد أن الرجس ههنا الشيطان‬
‫عْنُكُم‬
‫ب َ‬ ‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫وذكر الطبرى بسنده إلى سعيد بن قتادة أنه قال قوله ‪ِ ) :‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫طِهيًرا‬‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬ ‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬‫ج َ‬ ‫) الّر ْ‬
‫‪ .‬فهم أهل بيت طهرهم ال من السوء وخصهم برحمة منه‬
‫وقال بن عطية ‪ :‬والرجس اسم بقع على الثم والعذاب ‪ ,‬وعلى النجاسات والنقائص ‪,‬‬
‫فأذهب ال جميع ذلك عن أهل البيت‬
‫‪ .‬وقال المام النووى ‪ :‬قيل هو الشك ‪ ,‬وقيل العذاب ‪ ,‬وقيل الثم‬
‫‪ .‬قال الزهرى ‪ :‬الرجس اسم لكل مستقذر من العمل وغيره‬
‫* * * *‬
‫من هم أهل البيت ؟‬
‫واختلف المفسرون فى أهل البيت فى هذه الية ‪ ,‬فذهبت طائفة منهم أبو سعيد الخدرى‬
‫وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة ‪ ,‬وغيرهم كما نقله المام البغوى وابن الخازن‬
‫وكثير من المفسرين إلى أنهم هنا أهل العباء وهم ‪ :‬سيدنا رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫‪ .‬وسلم وعلى وفاطمة والحسن والحسين رضى ال تعالى عنهم‬
‫وذهب جماعة منهم العباس وابن عكرمة إلى أنهم أزواجه الطاهرات صلى ال عليه‬
‫ن ا َّ‬
‫ل‬ ‫ك( إلى قوله )ِإ ّ‬ ‫جَ‬ ‫ل لْزَوا ِ‬ ‫وآله وسلم ؛ قال هؤلء اليات كلها من ‪َ) :‬يا َأّيَها الّنِبيّ ُق ْ‬
‫خِبيًرا( قوله ‪ :‬من سوق بعضها على بعض فكيف صار فى الوسط كلم‬ ‫طيًفا َ‬ ‫ن َل ِ‬
‫َكا َ‬
‫لغيرهن وأجاب عن هذا القائلون بأن المراد أهل العباء بأن الكلم العربى يدخله‬
‫الستطراد والعتراض وهو تخلل الجملة الجنبية بين الكلم المتناسق كقوله تعالى‬
‫سَلٌة(‬‫ن َوِإّني ُمْر ِ‬ ‫ك َيْفَعُلو َ‬‫عّزَة َأْهِلَها َأِذّلًة َوَكَذِل َ‬‫جَعُلوا َأ ِ‬ ‫سُدوَها َو َ‬ ‫خُلوا َقْرَيًة َأْف َ‬ ‫ك ِإَذا َد َ‬
‫ن اْلُمُلو َ‬
‫ِإ ّ‬
‫)ِإَلْيِهْم ِبَهِدّيٍة‬
‫ن( جملة معترضة من جهة ال تعالى بين كلم بلقيس‬ ‫ك َيْفَعُلو َ‬‫فقوله )َوَكَذِل َ‬
‫ن َكِريٌم(‬‫ظيٌم ِإّنُه َلُقْرآ ٌ‬ ‫عِ‬‫ن َ‬ ‫سٌم َلْو َتْعَلُمو َ‬ ‫جوِم َوِإّنُه َلَق َ‬‫سُم ِبَمَواِقِع الّن ُ‬‫)َفل ُأْق ِ‬
‫أى فل أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن وما بينهما اعتراض على اعتراض وهو كثير فى‬
‫القرآن وغيره من كلم العرب وقد ثبت من طرق عديدة صحيحة أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم جاء ومعه على وفاطمة وحسن وحسين قد أخذ كل واحد منهما بيد‬
‫حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة وأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد على‬
‫س َأْه َ‬
‫ل‬ ‫ج َ‬‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬ ‫ل ِلُيْذِه َ‬ ‫كساء ثم تل هذه الية ‪ِ " :‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬ ‫فخذه ثم لف عليهما‬
‫طِهيًرا‬ ‫طّهَرُكْم َت ْ‬ ‫ت َوُي َ‬ ‫" اْلَبْي ِ‬
‫وفى رواية " اللهم هؤلء أهل بيتى فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " قالت أم‬
‫سلمة فرفعت الكساء لدخل معهم فجذبه من يدى فقلت وأنا معكم يا رسول ال فقال إنك‬
‫" ‪ " .‬من أزواج النبى صلى ال عليه وسلم على خير‬
‫وروى أحمد والطبرانى عن أبى سعيد الخدرى قال‬
‫ى وفى عل ّ‬
‫ى‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أنزلت هذه الية فى خمسة ف ّ‬
‫وحسن وحسين وفاطمة‬
‫وروى من طرق عديدة حسنة وصحيحة عن أنس رضى ال تعالى عنه‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم كان بعد نزول هذه الية يمر ببيت فاطمة إذا "‬
‫س َأْه َ‬
‫ل‬ ‫ج َ‬ ‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬ ‫ل ِلُيْذِه َ‬ ‫خرج إلى صلة الفجر يقول الصلة أهل البيت ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫طِهيًرا‬ ‫طّهَرُكْم َت ْ‬ ‫ت َوُي َ‬ ‫" اْلَبْي ِ‬
‫وعن أبى سعيد الخدرى أنه صلى ال عليه وآله وسلم جاء أربعين صباحا يعنى بعد‬
‫نزول هذه الية إلى باب فاطمة يقول السلم عليكم أهل البيت ورحمة ال وبركاته‬
‫طِهيًرا‬
‫طّهَرُكمْ َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬‫ج َ‬ ‫عْنُكُم الّر ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫الصلة رحمكم ال ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫وعن ابن عباس سبعة أشهر وهذا نص منه صلى ال عليه وآله وسلم على أن المراد من‬
‫‪ :‬أهل البيت فى هذه الية هم الخمسة ‪ ,‬قالوا ولو كان أراد الزوجات الطاهرات لما قال‬
‫طّهَرُكْم(‬‫س _ َوُي َ‬ ‫ج َ‬ ‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬ ‫) ِلُيْذِه َ‬
‫بضمير جمع الذكور ‪ ,‬بل كان اللزم أن يقال ليذهب عنكن ويطهركن ‪ ,‬فأجابوا عن هذا‬
‫‪ :‬بأن التذكير باعتبار لفظ الهل فإن لفظه مذكر ولهذا قال‬
‫طّهَرُكْم(‬ ‫عْنُكُم _ َوُي َ‬‫) َ‬
‫والجمهور على أن المراد من أهل البيت فى الية ما يشمل الفريقين معا عمل بجميع‬
‫‪ :‬الدلة ‪ ,‬قال المقريزى ‪ :‬ومن حجة الجمهور قوله‬
‫طّهَرُكْم‬ ‫عْنُكُم _ َوُي َ‬ ‫) بالميم ‪َ ).‬‬
‫ولو كان المراد النساء خاصة لكان عنكن ويطهركن ‪ ,‬وقال بن عطية ‪ :‬والذى يظهر لى‬
‫‪ .‬أن زوجاته ل يخرجن عن ذلك ألبتة فأهل البيت زوجاته وبنته وبنوها وزوجها‬
‫وقال النسفى ‪ :‬وفيه دليل على أن نساءه من أهل بيته وقال ‪ ):‬عنكم( لنه أراد الرجال‬
‫والنساء من آله بدللة‬
‫طِهيًرا (‬ ‫طّهَرُكْم َت ْ‬‫) َوُي َ‬
‫وعليه الزمخشرى والبيضاوى وأبو السعود ‪ ,‬وهو كذلك فى معالم التنزيل للمام البغوى‬
‫وفى الرواية التى ذكرها عن أم سلمة‬
‫" فقلت ألست منهم يا رسول ال ؟ قال بلى "‬
‫وقال الفخر الرازى بعد الكلم ثم إن ال تعالى ترك خطاب المؤنثات وخاطب بخطاب‬
‫ج َ‬
‫س‬ ‫عْنُكُم الّر ْ‬ ‫ب َ‬ ‫"المذكرين بقوله " ِلُيْذِه َ‬
‫‪ .‬ليدخل فيه نساء أهل بيته ورجالهم‬
‫واختلفت القوال فى أهل البيت ‪ ,‬والولى أن يقال هم أولده وأزواجه ‪ ,‬والحسن‬
‫ى منهم ‪ ,‬لنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته بنت النبى صلى ال‬ ‫والحسين منهم ‪ ,‬وعل ّ‬
‫‪ .‬عليه وآله وسلم وملزمته له اهـ‬
‫وذكر بن جرير فى تفسيره خمس عشرة رواية بأسانيد مختلفة ‪ ,‬فى أن أهل البيت فى‬
‫ى وفاطمة وحسن وحسين ‪ ,‬ثم أعقبها‬ ‫الية ‪ ,‬هم النبى صلى ال عليه وآله وسلم وعل ّ‬
‫‪ .‬برواية واحدة فى أن المراد زوجاته الطاهرات صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫ورأيت المام الجليل خاتمة الحفاظ جلل الدين السيوطى فى تفسيره الدر المنثور قد‬
‫صدر الكلم عند تفسير هذه الية بثلث روايات ‪ ,‬فى أن أهل البيت فيهم هم أزواجه‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ؛ وأعقبها بعشرين رواية من طرق مختلفة ‪ ,‬فى أن المراد‬
‫ى وفاطمة والحسن والحسين ‪ ,‬منها ما أخرجها‬ ‫منهم النبى صلى ال عليه وآله وسلم وعل ّ‬
‫ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه عن أم سلمة زوج النبى‬
‫سّلَم كان فى بيتها على مقامة‬ ‫عَلْيِه َو َ‬‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ن رسول ال َ‬ ‫صلى ال عليه وآله وسلم " َأ ّ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬‫خِريَزة ‪َ ،‬فَقا َ‬ ‫طَمُة ببرمة فيها َ‬ ‫ي َفجاءت َفا ِ‬ ‫خْيَبِر ّ‬ ‫ساٌء َ‬ ‫له ‪ ,‬عليه ِك َ‬
‫عُتُهْم ‪ ،‬فبينما هم يأكلون اذ نزلت‬ ‫ك حسنًا وحسينًا ‪َ،‬فَد َْ‬ ‫ك َواْبَْن ِ‬ ‫جِ‬‫عى َزْو ُ‬ ‫سّلَم اْد ِ‬
‫عَلْيِه وآله َو َ‬ ‫َ‬
‫ل اْلَبْي ِ‬
‫ت‬ ‫س َأْه َ‬ ‫ج َ‬ ‫عْنُكُم الّر ْ‬ ‫ب َ‬ ‫لُ ِلُيْذِه َ‬‫سّلَم " ِإّنَما ُيِريُد ا ّ‬ ‫عَلْيِه وآله َو َ‬ ‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫على النبى َ‬
‫سّلَم بفضلة فغشاهم إياها ثم أخرج‬ ‫عَلْيِه وآله َو َ‬ ‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬ ‫طِهيًرا " فأخذ النبى َ‬ ‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫َوُي َ‬
‫حاَمِتي‬ ‫ل َبْيِتي َو َ‬ ‫ل ‪ :‬اللهم َهُؤلِء َأْه ُ‬ ‫‪ " .‬يده من الكساء وألوى بها إلى السماء ُثّم َقا َ‬
‫طِهيًرا ‪ ,‬قالها ثلث مرات ‪,‬‬ ‫طّهْرُهْم َت ْ‬ ‫س َو َ‬ ‫ج َ‬ ‫عْنُهُم الّر ْ‬‫ب َ‬ ‫وفى رواية ‪ " :‬وخاصتى َفَأْذِه ْ‬
‫قالت أم سلمة فأدخلت رأسى فى الستر فقلت يا رسول ال أنا معكم ‪ ,‬فقال إنك إلى خير‬
‫‪ " .‬مرتين‬
‫ومنها ما أخرجه ابن أبى شيبة وأحمد ومسلم وابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم عن‬
‫‪ :‬عائشة أم المؤمنين رضى ال تعالى عنها قالت‬
‫خرج النبى صلى ال عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود ‪ ,‬فجاء "‬
‫ى فأدخله‬ ‫الحسن والحسين فأدخلهما معه ‪ ,‬ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ثم جاء عل ّ‬
‫طِهيًرا‬ ‫طّهَرُكْم َت ْ‬ ‫ت َوُي َ‬ ‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬‫ج َ‬ ‫عْنُكُم الّر ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ل ِلُيْذِه َ‬‫‪ " .‬معهم ‪ ,‬ثم قال ‪ِ " :‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫ومنها ما أخرجه ابن أبى شيبة وأحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى‬
‫صّلى الُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬‫سو ُ‬ ‫والحاكم وصححه والبيهقى فى سننه عن واثلة بن السقع قال ‪":‬جاء َر ُ‬
‫ى وحسن وحسين ‪ ,‬حتى دخل فأدنى علّيا وفاطمة‬ ‫سّلَم إلى فاطمة ومعه عل ّ‬ ‫عَلْيِه وآله َو َ‬
‫َ‬
‫وأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه‬
‫طِهيًرا ( وقال‬ ‫طّهَرُكْم َت ْ‬ ‫ت َوُي َ‬‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬ ‫ج َ‬ ‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬ ‫ل ِلُيْذِه َ‬ ‫ثم تل هذه الية )ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ل‬ ‫سو َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫اللهم هؤلء أهل بيتى ‪ ,‬اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ‪ُ ,‬قْل ُ‬
‫جوُه‬‫جى َما َأْر ُ‬ ‫لْر َ‬ ‫ل َواِثَلُة ‪ِ :‬إّنُه َ‬ ‫ن َأْهِلي " َقا َ‬ ‫ت ِم ْ‬ ‫ل ‪َ " :‬وَأْن َ‬ ‫ك ؟ َقا َ‬ ‫ن َأْهِل َ‬
‫‪َ .‬وَأَنا ِم ْ‬

‫وذكر المام الواحدى فى كتابه أسباب النزول الخلف ‪ ,‬وذكر فى كل روايتين غير أن‬
‫‪ :‬صدر الكلم بقوله عن عطية عن أبى سعيد‬
‫طِهيًرا(‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫‪ِ ) .‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫أنزلت فى خمسة ‪ :‬فى النبى صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وعلى وفاطمة والحسن‬
‫‪ :‬والحسين ‪ ,‬وثنى بقوله عن أبى رباح قال‬
‫حدثنى من سمع أم سلمة تذكر وسرد الرواية التى تقدمت عن الدر المنثور ثم ذكر‬
‫الروايتين الخريين فى أنها نزلت فى الزوجات الطاهرات ‪ ,‬وجعل فى تفسيره الية‬
‫شاملة للفريقين جمعا بين الروايات وكذا النيسابورى ذكر فى تفسيره شمولها للفريقين ‪,‬‬
‫‪ :‬وذكر فى كل روايات غير أن فى روايته عن أم سلمة‬
‫‪ " .‬فقلت وأنا منهم ؟ فقال نعم"‬
‫ثم قال ‪ :‬قال مقاتل ‪ :‬أزواج النبى صلى ال عليه وآله وسلم داخلت فى حكم هذه الية ‪,‬‬
‫‪ :‬وإذا اجتمع المذكر والمؤنث فى موضع غلب المذكر على المؤنث ولهذا قال‬
‫) عنكم ‪ -‬ويطهركم (‬
‫وقال المقريزى ‪ :‬والذى يظهر من الية أنها عامة فى جميع أهل البيت من الزواج‬
‫وغيرهم ‪ ,‬وإنما قال )ويطهركم ( لن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وعليا‬
‫وحسنا وحسينا كانوا داخلين فيهم ‪ ,‬وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر ‪ ,‬فاقتضت‬
‫‪ .‬الية أن الزوجات من أهل البيت يدل عليه سياق الكلم‬
‫‪ :‬ثم قال ويروى حديث أم سلمة‬
‫‪ " .‬أدخلت رأسى فى الكساء وقلت وأنا منهم ؟ فقال نعم "‬
‫وقال المحقق ابن حجر فى الصواعق ‪ :‬إن المراد بالبيت فى الية ما يشمل بيت النبى‬
‫‪ .‬صلى ال عليه وآله وسلم وبيت سكناه فتشمل الية أزواجه عليه الصلة والسلم‬
‫وقال الثعلبى ‪ :‬قيل هم بنو هاشم ‪ ,‬فهذا يؤول على أن البيت المراد به بيت النسب ‪,‬‬
‫فيكون العباس وأعمامه وبنوأعمامه منهم ‪ ,‬وهو قول زيد بن أرقم كما فى الخازن‬
‫‪ .‬وغيره‬
‫وأعم من هذا ما ذكره العلمة الخطيب فى تفسيره فقال ‪ :‬وأختلف فى أهل البيت‬
‫والولى فيهم ما قاله البقاعى أنهم كل من يكون من ألزام النبى صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫من الرجال والنساء والزواج والماء والقارب ‪ ,‬وكلما كان النسان منهم أقرب‬
‫‪ .‬وبالنبى صلى ال عليه وآله وسلم أخص وألزم كان بالرادة أحق وأقدر اهـ‬
‫إذا علمت هذا تعلم أن مذهب جمهور المفسرين شمول الية للفريقين أهل العباء وأمهات‬
‫‪ .‬المؤمنين رضوان ال تعالى عليهم أجمعين‬
‫وقال شيخ الصوفية ‪ ,‬وإمام العارفين الشيخ الكبر سيدى محيى الدين بن العربى رضى‬
‫‪ :‬ال تعالى عنه فى الباب التاسع والعشرين من الفتوحات المكية‬
‫ولما كان رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم عبدا محضا قد طهره ال وأهل بيته‬
‫تطهيرا وأذهب عنهم الرجس ‪ ,‬وهو كل ما يشينهم ‪ ,‬فإن الرجس هو القذر عند العرب ‪,‬‬
‫‪ :‬هكذا حكى الفراء قال تعالى‬
‫طِهيًرا(‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫‪ِ ) .‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫فل يضاف إليهم إل مطهر ول بد فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم ‪ ,‬فما يضيفون‬
‫لنفسهم إل من له حكم الطهارة والتقديس ‪ ,‬فهذه شهادة من النبي صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم لسلمان الفارسي ‪ ,‬بالطهارة والحفظ اللهي والعصمة ‪ ,‬حيث قال فيه رسول ال‬
‫‪ :‬صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ " .‬سلمان منا أهل البيت "‬
‫وشهد ال لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم ‪ .‬وإذا كان ل يضاف إليهم إل مطهر‬
‫مقدس ‪ ,‬وحصلت له العناية الربانية اللهية بمجرد الضافة ‪ ,‬فما ظنك بأهل البيت في‬
‫نفوسهم ‪ ,‬فهم المطهرون ‪ ,‬بل هم عين الطهارة ‪ ,‬فهذه الية تدل على أن ال قد شرك‬
‫‪ :‬أهل البيت مع رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم في قوله تعالى‬
‫خَر (‬ ‫ك َوَما َتَأ ّ‬‫ن َذْنِب َ‬
‫ل َما َتَقّدَم ِم ْ‬ ‫ك ا ُّ‬‫‪ِ ) .‬لَيْغِفَر َل َ‬
‫وأي وسخ وقذر أقذر من الذنوب وأوسخ ‪ ,‬فطهر ال سبحانه نبيه صلى ال عليه وسلم‬
‫بالمغفرة مما هو ذنب بالنسبة إلينا ‪ ,‬لو وقع منه صلى ال عليه وآله وسلم لكان ذنبا فى‬
‫الصورة ل فى المعنى ‪ ,‬لن الذنب ل يلحق به على ذلك من ال تعالى ول منا شرعا ‪,‬‬
‫فلو كان حكمه حكم الذنب لصحبه ما يصحب الذنب من المذمة ولم يكن يصدق قوله ‪:‬‬
‫طِهيًرا ( ‪ .‬فدخل الشرفاء أولد فاطمة كلهم‬ ‫طّهَرُكْم َت ْ‬‫ت َوُي َ‬ ‫ل اْلَبْي ِ‬‫س َأْه َ‬
‫ج َ‬ ‫عْنُكُم الّر ْ‬‫ب َ‬
‫) ِلُيْذهِ َ‬
‫ومن هومن أهل البيت ‪ ,‬مثل سلمان الفارسي ‪ ,‬إلى يوم القيامة في حكم هذه الية من‬
‫الغفران ‪ ,‬فهم المطهرون اختصاصا من ال وعناية بهم ‪ ,‬لشرف سيدنا محمد صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم وعناية ال تعالى به ‪ ,‬ول يظهر حكم هذا الشرف لهل البيت إل فى‬
‫الدار الخرة ‪ ,‬فأنهم يحشرون مغفورا لهم ‪ ,‬وأما فى الدنيا فمن أتى منهم حدا ‪ ,‬أقيم عليه‬
‫كالتائب إذا بلغ الحاكم أمره ‪ ,‬وقد زنى أوسرق أو شرب أقيم عليه الحد مع تحقق‬
‫‪ .‬المغفرة ) كماعز ( وأمثاله ول يجوز ذمه‬
‫‪ :‬وينبغي لكل مسلم مؤمن بال وبما أنزله أن يصدق ال تعالى في قوله‬
‫طِهيًرا ( ‪.‬فيعتقد في جميع ما يصدر من (‬ ‫طّهَرُكْم َت ْ‬‫ت َوُي َ‬‫ل اْلَبْي ِ‬‫س َأْه َ‬
‫ج َ‬ ‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ِلُيْذِهبَ َ‬
‫أهل البيت أن ال تعالى قد عفا عنهم فيه ‪ ,‬فل ينبغى لمسلم أن يلحق المذمة بهم ‪ ,‬ول ما‬
‫يشنأ أعراض ما من قد شهد ال تعالى بتطهيرهم وذهاب الرجس عنهم ‪ ,‬ل بعمل عملوه‬
‫‪ :‬ول بخير قدموه ‪ ,‬بل بسابق عناية من ال تعالى بهم‬
‫ظيِم(‬
‫ل اْلَع ِ‬‫ضِ‬ ‫لُ ُذو اْلَف ْ‬‫شاُء َوا ّ‬ ‫ن َي َ‬‫ل ُيْؤِتيِه َم ْ‬‫ل ا ِّ‬‫ضُ‬ ‫ك َف ْ‬ ‫‪َ ) .‬ذِل َ‬
‫وإذا صح الخبر الوارد في سلمان الفارسي ‪ ,‬فله هذه الدرجة فإنه لو كان سلمان على‬
‫أمر يشنؤه ظاهر الشرع وتلحق المذمة بعمله ‪ ,‬لكان مضافا إلي أهل البيت من لم يذهب‬
‫عنه الرجس ‪ ,‬فيكون لهل البيت من ذلك بقدر ما أضيف إليهم وهم المطهرون بالنص ‪,‬‬
‫انتهى كلم الشيخ الكبر ‪ ,‬فقد صرح كما ترى وهو إمام الصوفية ‪ ,‬وكفى به حجة‬
‫بدخول الشرفاء أولد فاطمة كلهم رضى ال تعالى عنهم ‪ ,‬ومواليهم كسلمان الفارسى‬
‫رضى ال تعالى عنه إلى يوم القيامة فى حكم هذه الية من الغفران ‪ ,‬فهم المطهرون‬
‫اختصاصا من ال تعالى وعناية بهم لشرف سيدنا محمد صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ .‬وعناية ال تعالى به‬
‫ول تلتفت بعد ما سردته عليك من كلم الئمة العلم إلى ظاهر ما قاله الترمذى الحكيم‬
‫رضى ال تعالى عنه فى نوادر الصول وتمسك به بعض الجهلة المخذولين ‪ ,‬من عدم‬
‫شمول الية لهل العباء ‪ ,‬وهذه عبارته بعد كلم شنع فيه على الطائفة الزائغة المفتونة ‪,‬‬
‫عْنُكُم‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫وأحسبه عنى بها الغلة من الشيعة قال وتأولوا قوله تعالى ‪ِ) :‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫طِهيًرا‬ ‫طّهَرُكْم َت ْ‬ ‫ت َوُي َ‬‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬ ‫ج َ‬ ‫‪ ) .‬الّر ْ‬
‫ى وفاطمة والحسن والحسين ‪ ,‬وهى لهم خاصة وكيف يجوز هذا ومبتدأ هذا‬ ‫أنما هم عل ّ‬
‫‪ :‬الخطاب قوله عز وجل‬
‫ى ( إلى قوله(‬
‫عظيمًا ( ثم قال )يا نساَء النب ّ‬ ‫جرًا َ‬ ‫ك ( إلى قوله ) أ ْ‬ ‫جَ‬ ‫ل لْزَوا ِ‬ ‫ي ُق ْ‬
‫َيا َأّيَها الّنِب ّ‬
‫ت ( ثم قال ‪) :‬واذكرن ( وهذا كلم منسوق‬ ‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬
‫ج َ‬‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫)ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫أثره على أثر بعض ‪ ,‬فكيف صارت هذه المخاطبات كلها لنساء النبى عليه الصلة‬
‫والسلم قبل وبعدا ‪ ,‬وينصرف فى الوسط لغيرهن وهو على نسق ونظام واحد ‪ ,‬لنه‬
‫‪ :‬قال‬
‫ت ( ثم قال على أثره )بيوتكن (‬ ‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬
‫ج َ‬‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬‫‪ِ ) .‬لُيْذِه َ‬
‫فكيف صار الكاف الثانى خطابا للنساء والول لعلى وفاطمة رضى ال تعالى عنهما ‪,‬‬
‫وأين ذكرهما فى هذه اليات ؟‬
‫عْنُكُم ( ولم يقل عنكن ؟‬
‫ب َ‬‫فإن قال إن كان الخطاب لنساءه فكيف قال ) ِلُيْذِه َ‬
‫قلنا إنما ذكره لنه ينصرف إلى الهل والهل مذكر فسماهن باسم التذكير وإن كن إناثا‬
‫‪.‬‬
‫وقد يروى عن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أنه لما نزلت هذه الية دخل عليه‬
‫علىّ وفاطمة والحسن والحسين رضوان ال تعالى عليهم ‪ ,‬فعمد النبى صلى ال عليه‬
‫‪ :‬وآله وسلم إلى الكساء فلفها عليهم ثم ألوى بيده إلى السماء فقال‬
‫‪ ) .‬هؤلء أهلى أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(‬
‫فهذه دعوة منه لهم بعد نزول الية أحب أن يدخلهم فى الية التى خوطب بها الزواج ‪,‬‬
‫‪ .‬رضوان ال تعالى عليهم أجمعين انتهى‬
‫أقول ‪ :‬إن كلمه رضى ال تعالى عنه غير مسلم ‪ ,‬ليس من حيث قصره أهل البيت فى‬
‫الية على الزوجات الطاهرات ‪،‬فإن له فى ذلك شركاء من الئمة وإن قلوا كما علمت ‪,‬‬
‫ولكن من حيث تشنيعه على القائلين باختصاص فاطمة وزوجها وابنيها بهذه الية‬
‫بعباراته الشديدة ‪ ,‬فإن كان مراده بهم هم غلة الشيعة وهو الظاهر من الوصاف‬
‫الذميمة التى وصفهم بها ويقتضيه حسن الظن به فل بأس ‪ ,‬غير أن نسبة هذا القول إليهم‬
‫غير صواب ‪ ،‬فقد تقدم أنه قال به أبو سعيد الخدرى من الصحابة وجماعة من التابعين ‪,‬‬
‫منهم قتادة ومجاهد الذى قال فيه المام الشافعى رضى ال تعالى عنه ‪ :‬إذا جاءك‬
‫التفسير عن مجاهد فحسبك به ‪ ,‬وإذا تأملت فى عبارته رحمه ال ظهر لك منها أنه حنق‬
‫أيضا على القائلين بشمول الية لهل العباء والزوجات الطاهرات معا ‪ ,‬وقد علمت مما‬
‫تقدم أن هذا مذهب جمهور المفسرين من أهل السنة والجماعة ‪ ,‬وقد ظهر لذهنى الفاتر‬
‫تعليل وجيه لشمول الية للفريقين ‪ ,‬وهو أنى نظرت إلى سابق هذه الية ولحقها من‬
‫‪ :‬قوله تعالى‬
‫ن(‬‫ن َما ُيْتَلى ِفي ُبُيوِتُك ّ‬
‫حَياَة الّدْنَيا ( إلى قوله ) َواْذُكْر َ‬
‫ن اْل َ‬
‫ن ُتِرْد َ‬
‫ن ُكْنُت ّ‬
‫ك ِإ ْ‬
‫جَ‬
‫‪ُ ) .‬قلْ لْزَوا ِ‬
‫فوجدت ضمير جميع النسوة مذكورا فى اثنين وعشرين موضعا عشرين قبلها واثنين‬
‫بعدها ‪ ,‬ولم يأتى ضمير جمع الذكور إل فى عنكم ويطهركم ‪ ,‬فلو كان المراد أزواجه‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم خاصة لكان إتباع هذين الضميرين للثنين وعشرين ضمير‬
‫أولى وأحرى ليكون الكلم على نسق واحد فلم تحصل المخالفة فيهما إل لمخالفة المراد‬
‫منهما للمراد مما قبلهما وبعدهما ويكون ذلك بشمولهما مع الزوجات الطاهرات ما‬
‫‪ .‬أفصح الحديث بدخولهم وهم أهل العباء‬
‫وأما تذكير لفظ الهل فغاية ما يقتضيه جواز تذكير الضمير باعتباره كما يجوز تأنيثه‬
‫أيضا باعتبار المعنى ‪ ,‬ويرجح جانب المعنى هنا إحاطة ضمائر النسوة بهذين‬
‫الضميرين من كلتا جهتيهما ‪ ,‬فإذن لم يعدل عن التأنيث للتذكير فيهما إل لمر آخر وهو‬
‫دخول أهل العباء فى الخطاب ‪ ,‬وفى الهل بالمعنى الذى نص عليه رسول ال صلى ال‬
‫‪ :‬عليه وآله وسلم نصا ل يقبل التأويل فى قوله‬
‫‪ ) .‬اللهم هؤلء أهل بيتى فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (‬
‫ص على دخولهم فهذه‬ ‫وقد قال الحكيم فى آخر عبارته السابقة بعد سرده الحديث النا ّ‬
‫دعوة منه صلى ال عليه وآله وسلم لهم بعد نزول الية أحب أن يدخلهم فى الية التى‬
‫خوطب بها الزواج انتهى ‪ .‬وكيف يحب رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم دخول قوم‬
‫فى آية من كتاب ال لم يدخلهم ال فيها ؟ والذى يدل دللة واضحة على أن المراد من‬
‫الية أهل العباء مع الزوجات إن لم نقل وحدهم الرواية التى أخرجها عن أم سلمة ‪ :‬ابن‬
‫جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه ‪ ,‬وتقدمت عن الدر المنثور‬
‫سّلَم كان فى بيتها على‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬‫ن رسول ال َ‬ ‫للحافظ السيوطى ‪ ,‬وهى ‪َ " :‬أ ّ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬‫خِريَزة َفَقا َ‬ ‫طَمُة ببرمة فيها َ‬ ‫ي َفجاءت َفا ِ‬ ‫خْيَبِر ّ‬
‫ساٌء َ‬ ‫مقامة له ‪ ,‬عليه ِك َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ك حسنًا فبينما هم يأكلون اذ نزلت على النبى َ‬ ‫ك َواْبَْن ِ‬‫جِ‬ ‫عى َزْو ُ‬ ‫سّلَم اْد ِ‬
‫عَلْيِه وآله َو َ‬ ‫َ‬
‫طِهيًرا (‬‫طّهَرُكْم َت ْ‬‫ت َوُي َ‬
‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬‫ج َ‬‫عْنُكُم الّر ْ‬‫ب َ‬‫ل ِلُيْذِه َ‬ ‫سّلَم )ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫عَلْيِه وآله َو َ‬
‫َ‬
‫سّلمَ بفضلة فغشاهم إياها ثم أخرج يده‬ ‫عَلْيِه وآله َو َ‬‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫عُتُهْم وحسينًا فأخذ النبى َ‬ ‫َفَد َْ‬
‫حاَمِتي‬‫ل َبْيِتي َو َ‬‫ل ‪ :‬اللهم َهُؤلِء َأْه ُ‬ ‫‪ " .‬من الكساء وألوى بها إلى السماء ُثّم َقا َ‬
‫طِهيًرا ‪ ,‬قالها ثلث مرات ‪,‬‬ ‫طّهْرُهْم َت ْ‬‫س َو َ‬‫ج َ‬ ‫عْنُهُم الّر ْ‬‫ب َ‬‫وفى رواية ‪ " :‬وخاصتى َفَأْذِه ْ‬
‫قالت أم سلمة فأدخلت رأسى فى الستر فقلت يا رسول ال أنا معكم ‪ ,‬فقال إنك إلى خير‬
‫‪ " .‬مرتين‬

‫فأنت ترى هذه الرواية صريحة فى تخصيص الية فى أهل العباء ‪ ,‬نعم ذكر المام‬
‫‪:‬البغوى فى معالم التنزيل فى الرواية عن أم سلمة‬
‫" فقلت ألست منهم يا رسول ال ؟ قال بلى"‬
‫‪ :‬وذكر المقريزى رواية عنها‬
‫‪ " .‬فقلت وأنا منهم ؟ فقال نعم"‬
‫فهاتان الروايتان مع سابق الية ولحقها يدلن على دخول الزوجات الطاهرات فى‬
‫المراد منها ‪ .‬وحينئذ تكون شاملة للفريقين كما هو مذهب جمهور المفسرين ‪ ,‬فقد تلخص‬
‫‪ :‬فى أن المراد من أهل البيت فى الية خمسة أقوال‬
‫‪ .‬أولها ‪ :‬قول الجمهور إنها شاملة للفريقين وهو الذى عليه العتماد‬
‫الثانى ‪ :‬قول أبى سعيد الخدرى منالصحابة وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة أن‬
‫‪ .‬أهل البيت فيها هم أهل العباء خاصة‬
‫الثالث ‪ :‬قول ابن عباس من الصحابة وعكرمة من التابعين أن المراد الزوجات‬
‫‪ .‬الطاهرات‬
‫الرابع ‪ :‬ما نقله ابن حجر فى الصواعق عن الثعلبى من أنهم بنو هاشم ‪ ,‬على أن البيت‬
‫المراد به بيت النسب ‪ ,‬فيكون العباس وأعمامه وبنوأعمامه منهم ‪ ,‬قال فى الخازن هو‬
‫‪ .‬قول زيد بن أرقم‬
‫الخامس ‪ :‬ما نقله الخطيب الشربينى عن البقاعى قال وهو الولى من أنهم كل من يكون‬
‫من ألزام النبى صلى ال عليه وآله وسلم من الرجال والنساء والزواج والماء‬
‫والقارب ‪ ,‬وكل ما كان النسان منهم أقرب وبالنبى صلى ال عليه وآله وسلم أخص‬
‫‪ .‬وألزم كان بالرادة أحق وأجدر اهـ‬

‫وحيث قد استوفينا الكلم وأشعبنا النقول على الية بما ل مزيد عليه فلنشرع فى الكلم‬
‫‪ .‬عن الحديثين‬
‫* * * *‬

‫الثقلـين‬
‫‪ :‬فى الكلم على قوله صلى ال وآله وسلم‬
‫‪ " .‬إنى تارك فيكم الثقلين كتاب ال وعترتى "‬
‫أخرج المام مسلم فى صحيحه عن يزيد بن حيان قال ‪:‬‬
‫سَنا ِإَلْيِه َقا َ‬
‫ل‬ ‫جَل ْ‬
‫ن َأْرَقَم َفَلّما َ‬‫سِلٍم ِإَلى َزْيِد ْب ِ‬ ‫ن ُم ْ‬ ‫عَمُر ْب ُ‬ ‫سْبَرَة َو ُ‬‫ن َ‬ ‫ن ْب ُ‬
‫صْي ُ‬‫ح َ‬ ‫ت َأَنا َو ُ‬‫طَلْق ُ‬
‫ل اْن َ‬
‫" َقا َ‬
‫سِمْع َ‬
‫ت‬ ‫سّلمَ َو َ‬‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬‫سو َ‬‫ت َر ُ‬ ‫خْيًرا َكِثيًرا َرَأْي َ‬ ‫ت َيا َزْيُد َ‬ ‫ن َلَقْد َلِقي َ‬
‫صْي ٌ‬
‫ح َ‬ ‫َلُه ُ‬
‫سِمْع َ‬
‫ت‬ ‫حّدْثَنا َيا َزْيُد َما َ‬ ‫خْيًرا َكِثيًرا َ‬ ‫ت َيا َزْيُد َ‬‫خْلَفُه َلَقْد َلِقي َ‬
‫ت َ‬ ‫صّلْي َ‬
‫ت َمَعُه َو َ‬ ‫غَزْو َ‬ ‫حِديَثُه َو َ‬ ‫َ‬
‫عْهِدي‬ ‫سّني َوَقُدَم َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل َلَقْد َكِبَر ْ‬ ‫خي َوا ِّ‬ ‫ن َأ ِ‬‫ل َيا اْب َ‬‫سّلَم َقا َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ِم ْ‬
‫حّدْثُتُكمْ َفاْقَبُلوا َوَما‬
‫سّلَم َفَما َ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬ ‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫عي ِم ْ‬ ‫ت َأ ِ‬‫ض اّلِذي ُكْن ُ‬ ‫سيتُ َبْع َ‬ ‫َوَن ِ‬
‫عى‬‫طيًبا ِبَماٍء ُيْد َ‬ ‫خِ‬ ‫سّلَم َيْوًما ِفيَنا َ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬ ‫ل َقاَم َر ُ‬ ‫ل ُتَكّلُفوِنيِه ُثّم َقا َ‬
‫ل َف َ‬‫َ‬
‫ل َأّيَها الّناسُ‬ ‫ل َأّما َبْعُد َأ َ‬ ‫ظ وََذّكَر ُثّم َقا َ‬ ‫عَ‬ ‫عَلْيِه َوَو َ‬ ‫ل َوَأْثَنى َ‬ ‫حِمَد ا َّ‬‫ن َمّكَة َواْلَمِديَنِة َف َ‬ ‫خّما َبْي َ‬ ‫ُ‬
‫ب ا ِّ‬
‫ل‬ ‫ن َأّوُلُهَما ِكَتا ُ‬‫ك ِفيُكْم َثَقَلْي ِ‬ ‫ب َوَأَنا َتاِر ٌ‬ ‫جي َ‬ ‫ل َرّبي َفُأ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ي َر ُ‬ ‫ن َيْأِت َ‬
‫ك َأ ْ‬‫شُ‬‫شٌر ُيو ِ‬ ‫َفِإّنَما َأَنا َب َ‬
‫غبَ ِفيِه ُثّم َقا َ‬
‫ل‬ ‫ل َوَر ّ‬ ‫ب ا ِّ‬ ‫عَلى ِكَتا ِ‬ ‫حثّ َ‬ ‫سُكوا ِبِه َف َ‬ ‫سَتْم ِ‬‫ل َوا ْ‬ ‫ب ا ِّ‬ ‫خُذوا ِبِكَتا ِ‬ ‫ِفيِه اْلُهَدى َوالّنوُر َف ُ‬
‫ل َبْيِتي‬ ‫ل ِفي َأْه ِ‬ ‫ل َبْيِتي ُأَذّكُرُكْم ا َّ‬ ‫ل ِفي َأْه ِ‬ ‫ل َبْيِتي ُأَذّكُرُكْم ا َّ‬ ‫ل ِفي َأْه ِ‬ ‫ل َبْيِتي ُأَذّكُرُكْم ا َّ‬ ‫َوَأْه ُ‬
‫ل َبْيِتِه‬‫ن َأْه ِ‬
‫ساُؤُه ِم ْ‬ ‫ل ِن َ‬ ‫ل َبْيِتِه َقا َ‬
‫ن َأْه ِ‬ ‫ساُؤُه ِم ْ‬ ‫س ِن َ‬‫ل َبْيِتِه َيا َزْيُد َأَلْي َ‬ ‫ن َأْه ُ‬ ‫ن َوَم ْ‬ ‫صْي ٌ‬
‫ح َ‬ ‫ل َلُه ُ‬ ‫َفَقا َ‬
‫جْعَفٍر‬ ‫ل َ‬ ‫عِقيلٍ َوآ ُ‬ ‫ل َ‬‫ي َوآ ُ‬ ‫عِل ّ‬
‫ل َ‬ ‫ل ُهْم آ ُ‬ ‫ن ُهْم َقا َ‬ ‫ل َوَم ْ‬ ‫صَدَقَة َبْعَدُه َقا َ‬‫حِرَم ال ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل َبْيِتِه َم ْ‬
‫ن َأْه ُ‬‫َوَلِك ْ‬
‫ل َنَعْم‬‫صَدَقَة َقا َ‬‫حِرَم ال ّ‬ ‫لِء ُ‬ ‫ل َهُؤ َ‬ ‫ل ُك ّ‬ ‫س َقا َ‬ ‫عّبا ٍ‬‫ل َ‬ ‫‪َ .‬وآ ُ‬
‫ن َمَع‬ ‫ن اْلَمْرَأَة َتُكو ُ‬ ‫ل ِإ ّ‬‫ل َواْيُم ا ِّ‬ ‫ل َ‬ ‫ساُؤُه َقا َ‬ ‫ل َبْيِتِه ِن َ‬
‫ن َأْه ُ‬ ‫وفى رواية لمسلم أيضا ‪َ :‬فُقْلَنا َم ْ‬
‫صَبُتُه‬‫ع َ‬ ‫صُلُه َو َ‬
‫ل َبْيِتِه َأ ْ‬ ‫جُع ِإَلى َأِبيَها َوَقْوِمَها َأْه ُ‬ ‫طّلُقَها َفَتْر ِ‬ ‫ن الّدْهِر ُثّم ُي َ‬ ‫صَر ِم ْ‬ ‫ل اْلَع ْ‬ ‫جِ‬ ‫الّر ُ‬
‫صَدَقَة َبْعَدُه‬
‫حِرُموا ال ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫‪ .‬اّلِذي َ‬
‫قال المام النووى فى شرحه ‪:‬‬
‫فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه‬
‫قال ‪ :‬نساؤه لسن من أهل بيته ‪ ,‬فتؤول الرواية الولى على أن المراد أنهن من أهل بيته‬
‫الذين يساكنونه ويعولهم وأمر باحترامهم وإكرامهم ‪ ,‬وسماهم ثقل ووعظ في حقوقهم‬
‫وذكر ‪ ,‬فنساؤه داخلت في هذا كله ول يدخلن فيمن حرم الصدقة ‪ ,‬فاتفقت الروايتان ‪ً .‬‬
‫‪ .‬قال العلماء ‪ :‬سميا ثقلين لعظمهما وكبر شأنهما‬
‫سّماُهما ثقلين إعظاما ِلَقْدِرهما‬ ‫وفى النهاية لبن الثير يقال لكل خطير نفيس ثقل ف َ‬
‫شأِنهما ‪ ,‬وفى القاموس ‪ :‬الثقل محركة كل شىء مصون نفيس ‪ ,‬ومنه الحديث‬ ‫‪ :‬وَتْفخيما ل َ‬
‫‪ " .‬إنى تارك فيكم الثقلين كتاب ال وعترتى "‬
‫قال الصبان فى إسعاف الراغبين ‪ :‬ومعنى أذكركم ال فى أهل بيتى ‪ ,‬أحذركم ال فى‬
‫‪ .‬شأن أهل بيتى‬
‫وقال ابن علن فى شرح رياض الصالحين ‪ :‬وفى تكريره تأكيد الوصاية بهم وطلب‬
‫العناية بشأنهم ‪ ،‬فيكون من قبيل الواجب المؤكد المطلوب على طريق الحث ‪ :‬وفى‬
‫ك ِفيُكْم‬
‫ب َوِإّني َتاِر ٌ‬ ‫جي َ‬‫عى َفأُ ِ‬ ‫ن ُأْد َ‬
‫ك َأ ْ‬
‫شُ‬ ‫" ُأو ِ‬ ‫السعاف ‪ :‬ولفظ رواية المام أحمد ‪:‬‬
‫لْر ِ‬
‫ض‬ ‫سَماِء ِإَلى ا َْ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ل َمْمُدوٌد ِم ْ‬ ‫حْب ٌ‬
‫ل َ‬ ‫ب ا ِّ‬‫عْتَرِتي ِكَتا ُ‬ ‫ل َو ِ‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬‫ل َ‬ ‫ب ا ِّ‬
‫ن ِكَتا َ‬‫الّثقََلْي ِ‬
‫حْوضَ‬ ‫ي اْل َ‬‫عَل ّ‬
‫حّتى َيِرَدا َ‬ ‫ن َيْفَتِرَقا َ‬‫خَبَرِني َأّنُهَما َل ْ‬ ‫خِبيَر َأ ْ‬
‫ف اْل َ‬‫طي َ‬
‫ن الّل ِ‬
‫ل َبْيِتي َوِإ ّ‬
‫عْتَرِتي َأْه ُ‬ ‫َو ِ‬
‫خُلُفوِني ِفيِهَما‬ ‫ظُروِني ِبَم َت ْ‬ ‫‪َ " .‬فاْن ُ‬
‫وقوله حبل ممدود ‪ :‬المراد منه عهد ال أو السبب الموصل إلى رحمته ورضاه قاله‬
‫‪ .‬النووى‬
‫‪ :‬ورواية جابر رضى ال عنه‬
‫‪ " .‬أيها الناس قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب ال وعترتى أهل بيتى "‬
‫وقد قصر الترمذى الحكيم فى نوادر الصول العترة أهل البيت فى الحديث على أئمتهم‬
‫‪ .‬وأطال فى ذلك وهذه عبارته‬
‫قال الصل الخمسون فى العتصام بالكتاب والعترة ‪ ,‬وبيانها عن جابر بن عبد ال‬
‫عَرَفَة‬‫جِتِه َيْوَم َ‬
‫حّ‬‫سّلَم ِفي َ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬‫صّلى ا ُّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا ِّ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬‫رضى ال تعالى عنه قال " َرَأْي ُ‬
‫ت ِفيُكْم َما ِإ ْ‬
‫ن‬ ‫س َقْد َتَرْك ُ‬‫ل َأّيَها الّنا ُ‬ ‫سِمْعُتُه َوُهَو َيُقو ُ‬ ‫ب َف َ‬‫ط َ‬‫خَ‬ ‫صَواِء ‪َ ،‬ف َ‬ ‫عَلى َناَقِتِه اْلَق ْ‬
‫َوُهوَ َ‬
‫ل َبْيِتي‬‫عْتَرِتي َأْه َ‬ ‫ل وَ ِ‬‫ب ا ِّ‬‫ضّلوا ‪ِ :‬كَتا َ‬ ‫ن َت ِ‬ ‫خْذُتْم ِبِه َل ْ‬
‫‪َ ".‬أ َ‬
‫وعن حذيفة بن أسيد الغفارى رضى ال تعالى عنه قال ‪ :‬لما صدر رسول ال صلى ال‬
‫‪ :‬عليه وآله وسلم من حجة الوداع خطب فقال‬
‫أيها الناس ‪ :‬إنه قد نبأنى اللطيف الخبير أنه لن يعمر نبى إل مثل نصف عمر الذى "‬
‫يليه من قبل وإنى أظن أن يوشك أن أدعى فأجيب ‪ ,‬وإنى فرطكم على الحوض وإنى‬
‫سائلكم حين تردون على عن الثقلين فانظروا كيف تخلفونى فيهما ‪ .‬الثقل الكبر ‪ ,‬كتاب‬
‫ال تعالى سبب طرفه بيد ال ‪ ,‬وطرف بأيديكم ‪ ,‬فاستمسكوا فل تضلوا ول تبدلوا ‪.‬‬
‫والثقل الصغر عترتى أهل بيتى فإنى قد نبأنى اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى يردا‬
‫ى الحوض‬ ‫‪ " .‬عل ّ‬
‫‪ :‬وروى عن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أنه دعاهم ثم تل هذه الية‬
‫طِهيًرا(‬‫طّهَرُكْم َت ْ‬ ‫ت َوُي َ‬‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬
‫ج َ‬ ‫عْنُكُم الّر ْ‬‫ب َ‬ ‫ل ِلُيْذِه َ‬ ‫‪ِ ) .‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫فذريتهم منهم ‪ ,‬فهم صفوة وليسوا بأهل عصمة ‪ ,‬إنما العصمة للنبيين عليهم السلم‬
‫والمحنة لمن دونهم ‪ ,‬وإنما يمتحن من كانت المور محجوبة عنه ‪ ,‬فأما من صارت‬
‫‪ :‬المور له معاينة ومشاهدة فقد أرتفع عن المحنة ‪ ,‬وقوله صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫ى الحوض " وقوله صلى ال عليه وآله وسلم "‬ ‫‪ :‬لن يتفرقا حتى يردا عل ّ‬
‫ضّلوا "‬ ‫ن َت ِ‬ ‫خْذُتْم ِبِه َل ْ‬
‫ن َأ َ‬
‫‪ " .‬ما ِإ ْ‬
‫واقع على الئمة منهم السادة ل على غيرهم ‪ ,‬وليس المسىء المخلط قدوة وكائن فيهم‬
‫المخلطون والمسيئون لنهم لم يعروا من شهوات الدميين ول عصموا عصمة النبيين ‪,‬‬
‫وكذلك كتاب ال تعالى من قبل مأمنه ناسخ ومنسوخ ‪ ,‬فكما ارتفع الحكم بالمنسوخ منه‬
‫كذلك ارتفعت القدوة بالمخذولين منهم ‪ ,‬وإنما يلزمنا القتداء بالفقهاء العلماء منهم بالفقه‬
‫والعلم الذى ضمن ال تعالى بين أحشائهم ل بالصل والعنصر ‪ ,‬فإذا كان هذا العلم‬
‫والفقه موجودا فى غير عنصرهم لزمنا القتداء بهم كالقتداء بهؤلء ‪ ,‬وقد قال تعالى‬
‫‪ :‬فى تنزيله الكريم‬
‫ل َوُأوِلي الْمِر ِمْنُكْم( ‪.‬‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ل َوَأ ِ‬ ‫طيُعوا ا َّ‬ ‫) َأ ِ‬
‫فإنما يلى المر منا من فهم عن ال تعالى وعن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ما‬
‫يهم الحاجة إليه من العلم فى أمر شريعته ‪ ,‬وإنما أشار رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم فيما نرى إليهم لن العنصر إذا طاب كان معتنا لهم فى فهم ما يحتاج إليه ‪ ,‬وطيب‬
‫العنصر يؤدى إلى محاسن الخلق ‪ ,‬ومحاسن الخلق تؤدى إلى صفاء القلب‬
‫ونزاهته ‪ ,‬وإذا نزه القلب وصفا كان النور أعظم وأشرق الصدر بنوره ‪ ,‬فكان ذلك عونا‬
‫‪ .‬له على درك ما به الحاجة من شريعته ‪ .‬إنتهت عبارته بحروفها‬
‫قلت قوله ‪ :‬واقع على الئمة منهم غير مسلم ‪ ,‬وإنما هو واقع على عامة أهل البيت‬
‫وخاصتهم مسيئهم ومحسنهم إمامهم ومأمومهم ‪ ,‬إذ ليس معنى قوله صلى ال عليه وآله‬
‫‪ :‬وسلم‬
‫‪ " .‬لن يتفرقا حتى يردا علىّ الحوض "‬
‫ملزمتهم لكتاب ال تعالى من حيث العمل بجميع أحكامه حتى يرد قوله " وكائن فيهم‬
‫المخلطون والمسيئون " الخ بل هو تحريض على إكرامهم وتبشير لهم بأنهم ل يفارقون‬
‫دين السلم حتى يدخلوا الجنة بسلم ‪ ،‬ويكفى هذا فى معنى عدم تفرقهم من كتاب ال‬
‫‪ :‬تعالى إلى ورود الحوض ‪ ,‬ويدل لملزمتهم دين السلم من الكتاب قوله تعالى‬
‫طِهيًرا(‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫‪ِ ) .‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫وقد علمت مما تقدم أن الرجس شامل لجميع الذنوب والنقائص التى أقبحها الكفر ‪ ,‬فهم‬
‫قوم مطهرون من قبل ال تعالى ‪ ,‬فل يطرأ إليهم فى دينهم خلل ول يقع فى عقائدهم زيغ‬
‫‪ .‬ول زلل‬

‫فإن قلت ‪ :‬دليلك هذا غير مقبول عند الحكيم فإن رأيه تخصيص الية بأزواجه صلى ال‬
‫‪ .‬عليه وآله وسلم كما تقدم‬
‫قلت ‪ :‬نعم وهو وإن رأى ذلك إل أنه هنا وفيما تقدم أثبت أن النبى صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين وتل هذه الية وزاد هنا قوله ‪ :‬فذريتهم منهم‬
‫فهم صفوة ‪ ,‬وقال هناك هذه دعوة منه صلى ال عليه وآله وسلم بعد نزول الية أحب أن‬
‫يدخلهم فيها ‪ ,‬فهو لبد وأن يعتقد أن دعوة النبى صلى ال عليه وآله وسلم استجيبت فيهم‬
‫‪ ,‬وإذا كان كذلك فهم على كل حال داخلون فى حكم الية أول وبالذات كما هو رأى‬
‫الجمهور أو آخرا وبالعرض على رأيه ‪ ,‬فقد ثبت عدم تفرقهم من كتاب ال تعالى بعدم‬
‫‪ :‬انحرافهم عن دين السلم إلى ورود الحوض ‪ ,‬ويدل لذلك قوله تعالى‬
‫ضى (‬
‫ك َفَتْر َ‬
‫ك َرّب َ‬
‫طي َ‬
‫ف ُيْع ِ‬
‫سْو َ‬
‫‪َ ) .‬وَل َ‬
‫نقل القرطبي عن ابن عباس فى تفسير هذه الية أنه قال ‪ :‬رضا سيدنا محمد صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم أن ل يدخل أحد من أهل بيته النار ‪ .‬وأدلة ذلك من السنة كثيرة قال‬
‫‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬إن فاطمة قد أحصنت فرجها فحرمها ال وذريتها على النار "‬
‫قال الحاكم ‪ :‬حديث صحيح ‪ .‬وعن عمران بن حصين رضى ال تعالى عنه قال ‪ :‬قال‬
‫‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬سألت ربى أن ل يدخل النار أحدا من أهل بيتى فأعطنيها "‬
‫‪ .‬وسيأتى فى المقصد الثانى زيادة تفصيل فى هذا المعنى‬
‫‪ :‬وأذكر هنا دليل ظهر لى من قوله صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫سبي "‬ ‫سَبِبي وَن َ‬ ‫طٌع َيْوَم اْلِقَياَمِة ِإل َ‬
‫ب ُمْنَق ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫ب َوَن َ‬‫سَب ٍ‬‫ل َ‬ ‫‪ُ " .‬ك ّ‬
‫فإنه يتضمن عصمة أهل بيت النبوة من الكفر ‪ ,‬إذ لو جاز عليهم لما ساغ له صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم هذا الستثناء ‪ ,‬فإن الكفر أكبر قاطع للسبب والنسب ‪ ,‬فاتصال نسبهم يوم‬
‫‪ .‬القيامة به عليه الصلة والسلم حجة على عدم مفارقتهم الدين بيقين‬
‫‪ :‬أما قوله صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫ل َبْيِتي "‬
‫عْتَرِتي َأْه َ‬
‫ل َو ِ‬
‫ب ا ِّ‬
‫ضّلوا ‪ِ :‬كَتا َ‬ ‫ن َت ِ‬ ‫خْذُتْم ِبِه َل ْ‬
‫ن َأ َ‬‫ت ِفيُكْم َما ِإ ْ‬
‫‪َ " .‬قْد َتَرْك ُ‬
‫فالخذ بكل منهما بما يناسبه ‪ ,‬فالخذ بكتاب ال التمسك به بالعمل بأحكامه وتحليل‬
‫حلله وتحريم حرامه ‪ ,‬والخذ بالعترة أهل البيت والتمسك بما يقتضيه حقهم من المحبة‬
‫والعناية والتبجيل والعظام والعزاز والكرام ‪ ,‬فهو شامل لهم جميعا محسنهم‬
‫ومسيئهم ‪ ,‬وحينئذ يسقط ما أورده الحكيم بناء على ما فهمه فى الحديث ‪ ,‬وبنى على ذلك‬
‫‪ :‬تخصيصه بالئمة منهم ويشهد لذلك الروايات الخر ‪ ,‬كرواية زيد بن أرقم السلبقة‬
‫وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب ال فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب ال واستمسكوا "‬
‫‪ " .‬به‬
‫‪ :‬فحث على كتاب ال تعالى ورغب فيه ثم قال‬
‫‪ " .‬وأهل بيتى أذكركم ال فى أهل بيتى ‪ ,‬أذكركم ال فى أهل بيتى "‬
‫فأنت تراه صلى ال عليه وآله وسلم خص الخذ والستمساك من حيث الهداية بكتاب ال‬
‫‪ , :‬وذكر حكمة ذلك بقوله‬
‫‪ " .‬فيه الهدى والنور "‬
‫‪ :‬ثم بعد أن تم معنى الخذ والستمساك ذكر أهل بيته صلى ال عليه وآله وسلم وقال‬
‫‪ " .‬أذكركم ال فى أهل بيتى "‬
‫وكرره تأكيدا للوصاية بهم والعناية بشأنهم ولم يخص منهم أحد دون أحد ‪ ,‬وانظر إلى‬
‫قول زيد لما سأله الحصين عن أهل البيت من هم أهل بيته ‪ ,‬من حرم عليهم الصدقة‬
‫بعده تجده نصا فى المقصود ‪ ,‬وكرواية زيد فيما قلناه رواية حذيفة بن أسيد التى ذكرها‬
‫‪ :‬الحكيم فإنه صلى ال عليه وآله وسلم قال فيها‬
‫وإنى سائلكم حين تردون على عن الثقلين فانظروا كيف تخلفونى فيهما ‪ .‬الثقل "‬
‫الكبر ‪ ,‬كتاب ال تعالى سبب طرفه بيد ال ‪ ,‬وطرف بأيديكم ‪ ,‬فاستمسكوا فل تضلوا‬
‫ول تبدلوا ‪ .‬والثقل الصغر عترتى أهل بيتى فإنى قد نبأنى اللطيف الخبير أنهما لن‬
‫ى الحوض‬ ‫‪ " .‬يتفرقا حتى يردا عل ّ‬
‫فقوله عليه الصلة والسلم ‪ " :‬فاستمسكوا فل تضلوا ول تبدلوا " بعد قوله ‪ " :‬الثقل‬
‫الكبر ‪ ,‬كتاب ال تعالى سبب طرفه بيد ال ‪ ,‬وطرف بأيديكم " يوضح لك أن‬
‫الستمساك للهداية وعدم الضلل إنما هو خاص بالثقل الكبر كتاب ال ‪ ,‬وبين سبب‬
‫ذلك بقوله " سبب طرفه بيد ال ‪ ,‬وطرف بأيديكم " وبعد تمام مايتعلق بالثقل الكبر قال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬والثقل الصغر عترتى أهل بيتى " ‪ .‬ولو كان المراد‬
‫الستمساك بهما معا للهداية كما فهمه الحكيم فأدخل قوما من العترة الطاهرة وأخرج‬
‫‪ :‬آخرين لوجب تأخير‬
‫فاستمسكوا فل تضلوا " عن قوله " والثقل الصغر عترتى أهل بيتى " ‪" .‬‬
‫أو تكريره هناك أيضا ‪ .‬فظهر أن عترته أهل بيته صلى ال عليه وآله وسلم فى هذه‬
‫الحاديث كل من حرم عليه الصدقة أى الزكاة كما قال زيد بن أرقم رضى ال تعالى‬
‫عنه ‪ ,‬وقرنهم صلى ال عليه وآله وسلم بكتاب ال تعالى تعظيما لشأنهم وتأكيدا لطلب‬
‫‪ .‬العناية بهم رضى ال عنهم أجمعين‬
‫وأغرب ما فى عبارة الحكيم قوله ‪ :‬فإذا كان هذا العلم والفقه موجودا فى غير عنصرهم‬
‫لزمنا القتداء بهم كالقتداء بهؤلء فقد جره الكلم إلى أن ساوى عترته صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم بغيرهم ‪ ,‬إذ لم يجعل مزية لعنصرهم ‪ ,‬وإنما جعل المزية للعلم والفقه الذى‬
‫يوجد فيهم وفى غيرهم ‪ ,‬فصار معنى العترة أهل البيت فى هذه الحاديث علماء المة‬
‫وفقهاؤها ‪ ,‬وهل كان هذا مراده صلى ال عليه وآله وسلم ؟ ل وال ‪ ,‬ما أراد إل عترته‬
‫‪ .‬القرباء جهال وعلماء أتقياء وغير أتقياء‬
‫أما فقهاء السلم والعلماء العلم ‪ ,‬فهم قدوة المة ‪ ,‬ومصابيح الظلمة ‪ ,‬ولكن هذه غير‬
‫ذاك ‪ ,‬وهم نفسهم من الداخلين تحت الخطاب فى هذه الحاديث لرعاية عترته صلى ال‬
‫‪ .‬عليه وآله وسلم وتعظيم شأنهم بوجه العموم ‪ ,‬بل هم أحق بذلك من جميع الناس‬
‫تنبيه ( خطب صلى ال عليه وآله وسلم خطبته هذه التى أوصى فيها بالثقلين ‪ :‬كتاب (‬
‫ال ‪ ,‬وعترته أهل بيته فى المل العظيم على روؤس الشهاد ‪ ,‬عندما صدر من حجة‬
‫الوداع ‪ ,‬وكان قد خرج معه من المدينة لدائها أكثرمن مائة ألف غير من صحبوه من‬
‫مكة ومن حضر من اليمن ‪ ,‬وهؤلء هم معظم المة المحمدية إذ ذاك ‪ ,‬وفيهم أجلء‬
‫الصحابة وعلماؤهم ‪ ,‬وفقهاؤهم أبو بكر الصديق فمن دونه ‪ ,‬ول يشك أن كثيرا منهم‬
‫أعلم وأفقه من كثير من العترة أهل البيت ‪ ,‬فهل أحد من ذلك الجمع فهم أن النبى صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم أوصى أقرباءه وغيرهم فى هذه الخطبة بتعظيم شأن العلماء ‪ ,‬وأن‬
‫ى ومعاذ وعبد ال بن سلم‬ ‫عترته أهل بيته هم أبو بكر وعمر وزيد بن ثابت وأب ّ‬
‫وأمثالهم من علماء المهاجرين والنصار وغيرهم ‪ ,‬أم فهموا أنه عليه الصلة والسلم‬
‫أوصى هؤلء وغيرهم من العلماء وسائر الصحابة وجميع المة برعاية أقربائه والعناية‬
‫بشأنهم ‪ ,‬وأن عترته أهل بيته هم ل غيرهم ‪ ,‬إذ ل معنى للعترة وأهل البيت غير ذلك ‪,‬‬
‫‪ .‬وهل يقول بالول أحد‬
‫بقى شىء فى دعوى الحكيم أن المراد من العترة الئمة منهم لنهم هم الذين يلزمنا‬
‫القتداء بعملهم وفقههم كما لو وجد العلم والفقه عند غيرهم لزمنا القتداء به كالقتداء‬
‫بهم ‪ ,‬فالمعول عليه على رأيه هو العلم ل العنصر ‪ ,‬وقد انقطع الجتهاد منذ قرون لفقد‬
‫‪ .‬شروطه‬
‫وأهل السنة جميعا فى مشارق الرض ومغاربها ‪ ,‬مقتدون بهؤلء الئمة الربعة رضى‬
‫ال تعالى عنهم فى الحكام الفقهية بالمامين الشعرى والماتريدى فى العقائد ‪ ,‬وأهل‬
‫البيت وإن كان قد ظهر منهم فى العصر الول كثير من الئمة المجتهدين أصحاب‬
‫المذاهب إل أن مذاهبهم لم تدون ولم تشتهر ‪ ,‬فانقرضت بانقراض أهلها ‪ ,‬وما ينسبه‬
‫إليهم بعض الفرق الضالة مما يخالف مذاهب أهل السنة باطل مكذوب عليهم ‪ ,‬وعلى‬
‫هذا لم يبقى لهم نصيب فى هذه الحاديث التى هم أصل موردها فقد خرجوا منها جملة‬
‫‪ .‬واحدة وهو أمر ظاهر البطلن‬
‫فإن قلت ‪ :‬لم يرد الحكيم المجتهدين منهم وإنما أراد العلماء منهم وهم كثيرون فى كل‬
‫‪ .‬عصر‬
‫قلت ‪ :‬الوصاف التى ذكرها من كونهم أئمة قدوة لغيرهم بالفقه والعلم ل تصدق إل‬
‫على المجتهدين إذ هم الذين يجوز القتداء بهم فى ذلك ‪ ,‬والعلماء الذين وجدوا منهم فى‬
‫العصر الخيرة هم مقلدون لحد المذاهب الربعة فل يكونون قدوة لغيرهم ‪ ,‬وقوله ‪:‬‬
‫وإنما أشار إليهم رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فيما نرى أى فى الظاهر لن‬
‫العنصر إذا طاب كان معينا لهم على فهم ما يحتاج إليه الخ كلم نفيس ‪ ,‬غير أنه ل‬
‫ينهض حجة لذكر رسول ال إياهم مريدا منهم علماء المة ‪ ,‬فقد كان يمكنه صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم التصريح بأن يقول مثل إنى تارك فيكم الثقلين كتاب ال وعلماء أمتى‬
‫‪ .‬ليفهمه السامع ل سيما فى ذلك المجمع العظيم المشتمل على الفهيم وغير الفهيم‬
‫استطراد ( إذا تصفحنا أخبار علماء المة فى بعض القرون السالفة نجد من كان منهم (‬
‫من الموالى والعاجم أكثر عددا ممن كانوا من قريش والعرب ‪ .‬والحكمة فى ذلك وال‬
‫أعلم أن أولئك لما رأوا هؤلء متقدمين عليهم فى شرف الحسب والنسب أرادوا أن‬
‫يلحقوهم فلم يجدوا وسيلة للحاق بهم من غير العلم فوجدوا فيه واجتهدوا حتى أدركوا‬
‫منه بغيتهم ‪ ,‬ووصلوا إلى غايتهم ‪ .‬ويزاد على ذلك أن العرب كانوا يشتغلون بالعلم حتى‬
‫إذا بلغوا منه مبلغا ولوا العمال وتنافسوا فيها فل يتمكنون من ملزمة القراءة والقراء‬
‫‪ ,‬وهذا أمر أغلبى وقع فى بعض العصر ‪ ,‬وإل فأنت على علم من أن الربعة الئمة‬
‫الذين هم قدوة المة المحمدية عربيها وعجميها منذ زمنهم إلى الن وإلى يوم القيامة‬
‫ثلثة منهم من العرب ‪ ,‬مالك والشافعى وأحمد رضى ال تعالى عنهم ‪ ,‬وواحد من‬
‫غيرهم وهو أبو حنيفة رضى ال تعالى عنه ‪ ,‬وكيفما كان المر فهى أمة مرحومة‬
‫معبودها واحد ونبيها واحد فمهما كان من خير فى عربها أو عجمها فهو واصل إلى‬
‫‪ .‬الخرين وأى بأس باختلف الجنس إذا اتحد الدين‬
‫‪ :‬فائدة ( قوله صلى ال عليه وآله وسلم (‬
‫‪ " .‬لوكان العلم بالثريا لتناوله قوم من أبناء فارس "‬
‫‪ .‬حمله بعضهم على المام العظم أبى حنيفة رضى ال تعالى عنه‬
‫قال المناوى ‪ :‬فيه فضيلة لهم وتنبيه على علو هممهم ‪ .‬قال فى معجم البلدان العرب ‪ :‬إذا‬
‫ذكرت المشرق كله قالوا فارس ‪ ,‬وإنما عنى فى الحديث أهل خراسان لنك إذا طلبت‬
‫مصداقه فى فارس لم تجده ل أول ول آخرا ‪ ,‬وتجد هذه الصفة نفسها فى أهل خراسان‬
‫دخلوا فى السلم رغبة ومنهم العلماء والنبلء والمحدثون والمتعبدون ‪ ,‬وإذا أحرزت‬
‫المحدثين من كل بلد وجدت نصفهم من خراسان وجل رواة الرجال منها ‪ ,‬وأما أهل‬
‫‪ .‬فارس فكفار خمدوا ولم يبق لهم بقية بذكر ول شرف ا هـ‬
‫‪ :‬وأما قوله صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬لو كان اليمان عند الثريا " وفى رواية " معلقا بالثريا لتناوله رجال من فارس "‬
‫فهو محمول على سلمان الفارسى رضى ال تعالى عنه كما ذكره سيدى الشيخ الكبر‬
‫‪ .‬فى الفتوحات وكثير من العلماء‬

‫‪ :‬شرح قوله صلى ال عليه وآله وسلم‬


‫" أهل بيتى أمان لمتى "‬
‫قال الحكيم الترمذى رضى ال تعالى عنه فى شرح هذا الحديث ‪ :‬أهل بيته من خلفه من‬
‫منهاجه ‪ ,‬وهم الصديقون والبدال الذين روى فيهم على كرم ال تعالى‬ ‫بعده على‬
‫ل َيُكوُنو َ‬
‫ن‬ ‫لْبَدا ُ‬
‫وجهه قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يقول ‪ " :‬إن ا َْ‬
‫صُر‬‫ث َوُيَْن َ‬
‫سَقى اْلَغْي ُ‬
‫ل بهم ُي ْ‬‫جً‬ ‫ل َمَكاَنُه َر ُ‬
‫ل ا ُّ‬‫ل َأْبَد َ‬
‫جٌ‬‫ت َر ُ‬ ‫ل ُكّلَما َما َ‬
‫جً‬‫ن َر ُ‬‫شاِم َوُهْم َأْرَبُعو َ‬
‫ِبال ّ‬
‫ن َأْهلِ الرض ِبِهْم البلء‬ ‫عْ‬‫ف َ‬ ‫صَر ُ‬ ‫عَداِء َوُي ْ‬ ‫لْ‬‫عَلى ا َْ‬
‫‪ِ " .‬بِهْم َ‬
‫فهؤلء أهل بيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وأمان هذه المة ‪ ,‬فإذا ماتوا فسدت‬
‫‪ :‬الرض وخربت الدنيا ‪ ,‬ول يجوز أن يحمل على أهل بيت النسب لمعان‬
‫‪ :‬أحدهما ( ‪ :‬أنه روى فى الحديث (‬
‫‪ " .‬فإذا ذهب أهل بيتى أتى أمتى ما يوعدون "‬
‫فكيف يتصور أن يذهب أهل بيته حتى ل يبقى منهم أحد وهم أكثر من أن يحصى وبركة‬
‫‪ :‬ال تعالى عليهم دائمة ورحمته مظلة من فوقهم ؟ وقد قال عليه الصلة والسلم‬
‫سبي "‬ ‫سَبِبي وَن َ‬
‫طٌع َيْوَم اْلِقَياَمِة ِإل َ‬‫ب ُمْنَق ِ‬‫س ٍ‬
‫ب َوَن َ‬‫سَب ٍ‬
‫ل َ‬‫‪ُ " .‬ك ّ‬
‫والثانى ( ‪ :‬أن أهل بيته نسبة ‪ :‬بنو هاشم وبنو عبد المطلب ‪ ،‬ولم يكونوا أمانا لهذه (‬
‫‪ .‬المة حتى إذا ذهبوا ذهبت الدنيا‬
‫والثالث ( ‪ :‬أنه قد يوجد منهم الفساد كما يوجد فى غيرهم ‪ ,‬ومنهم المحسن ومنهم (‬
‫المسىء ‪ ,‬فبأى شىء ‪ ،‬صاروا أمانا لهل الرض فعلم أن المراد به من به تقوم الدنيا‬
‫‪ .‬وهم أعلمه وأدلة الهدى فى كل وقت فإذا تفانوا لم يبق للرض حرمة فعمهم البلء‬
‫فإن قال قائل بحرمة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وقربهم منه صاروا أمان لهل‬
‫‪ .‬الرض‬
‫قيل ‪ :‬حرمة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم عظيمة جليلة وفى الرض ما هو‬
‫أعظم من حرمة ذريته وهو كتاب ال فل نجد ذكره فى الحديث ثم الحرمة لهل التقوى‬
‫لنه إنما عظمت حرمة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم لفضل النبوة وما أكرمه ال‬
‫‪ :‬تعالى به ‪ ,‬والدليل على ذلك ما رواه أبو هريرة رضى ال تعالى عنه قال‬
‫دخل رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم على فاطمة وعندها صفية عمة رسول ال "‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فقال ‪ :‬يا بني عبد مناف يا بنى عبد المطلب يا فاطمة بنت‬
‫محمد يا صفّية عّمة رسول ال اشتروا أنفسكم من ال ل أغني عنكم من ال شيئًا ‪,‬‬
‫سلوني من مالي ما شئتم ‪ ,‬واعلموا أن أولى الناس بى يوم القيامة المتقون وأن تكونوا‬
‫أنتم مع قرابتكم فذلك ل يأتينى الناس بالعمال وتأتونى بالدنيا تحملونها على أعناقكم‬
‫فتقولون يا محمد فأقول هكذا ثم تقولون يا محمد فأقول هكذا أعرض بوجهى عنكم‬
‫فتقولون يا محمد أنا فلن بن فلن ‪ ,‬فأقول أما النسب فأعرف وأما العمل فل أعرف ‪,‬‬
‫‪ " .‬نبذتم الكتاب فارجعوا إلى قرابة بينى وبينكم‬
‫وروى أنه قال جهارا غير سر ‪ " :‬أل إن أوليائى منكم ليسوا بأبى فلن ‪ ,‬لكن أوليائى‬
‫منكم المتقون من كانوا وحيث كانوا " ا هـ ‪ .‬أقول ‪ :‬روى جماعة من أصحاب السنن‬
‫‪ :‬عن عدة من الصحابة أن النبى صلى ال عليه وآله وسلم قال‬
‫مثل أهل بيتى فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك ‪ ,‬وفى رواية "‬
‫‪ " .‬غرق ‪ ,‬وفى رواية ‪ :‬زج فى النار‬
‫‪ :‬وعن أبى ذر سمعته صلى ال عليه وآله وسلم يقول‬
‫‪ " .‬اجعلوا أهل بيتى منكم مكان الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس "‬
‫‪ :‬ول تهتدى الرأس إل بالعينين وروى الحاكم وصححه على شرط الشيخين‬
‫النجوم أمان لهل الرض من الغرق ‪ ،‬وأهل بيتي أمان لمتي من الختلف ‪ ،‬فإذا "‬
‫‪ " .‬خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس‬
‫‪ :‬وأخرج جماعة من أصحاب السنن أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال‬
‫النجوم أمان لهل السماء ‪ ,‬وأهل بيتى أمان لمتى " وفى رواية " أهل بيتي أمان "‬
‫لهل الرض ‪ ,‬فإذا هلك أهل بيتى جاء أهل الرض من من اليات ما كانوا يوعدون‬
‫‪".‬‬
‫ورواية أحمد ‪ " :‬إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء وإذا ذهب أهل بيتى ذهب أهل‬
‫‪ " .‬الرض‬
‫ومعناه على كل حال أن وجودهم رضى ال تعالى عنهم فى الرض أمان لهلها‬
‫عموما ‪ ,‬ولمته صلى ال عليه وآله وسلم خصوصا من العذاب ‪ ,‬وليس القصد منه‬
‫صلحاءهم خاصة ‪ ,‬فإن هذه المزية الشريفة للعنصر النبوى بقطع النظر عما يعرض‬
‫على أهله من الوصاف محمودة أو غير محمودة ‪ .‬قال العلمة الصبان فى إسعاف‬
‫‪ :‬الراغبين ‪ :‬وقد يشير إلى هذا المعنى بقوله تعالى‬
‫ل ِلُيَعّذَبُهْم َوَأْنتَ ِفيِهْم (‬
‫ن ا ُّ‬
‫‪َ ) .‬وَما َكا َ‬
‫‪ .‬أقيم أهل بيته مقامه فى المان لنهم منه وهو منهم كما ورد فى بعض الطرق ا هـ‬
‫فأنت تراه صريحا فى أن المراد العنصر الطاهر مجردا عن الوصاف وأصرح منه فى‬
‫‪ :‬ذلك قوله صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬أول الناس هلكا قريش ‪ ,‬وأول قريش هلكا أهل بيتى "‬
‫‪ .‬وفى رواية بدل هلكا ‪ :‬فناء ‪ ,‬وبدل أهل بيتى بنو هاشم‬
‫قال شراح الحديث منهم المناوى وغيره ‪ :‬فهلكهم من أشارط الساعة ‪ ,‬وأمارتها الدالة‬
‫على قرب قيامها ‪ ,‬إذ ل تقوم الساعة إل على شرار الناس يعنى وهم خيارهم ‪ ,‬فذلك‬
‫الحديث كالتفسير لذلك ‪ ,‬وخير ما فسرته بالوارد ‪ ,‬وبهذا يظهر بطلن ما ادعاه الحكيم‬
‫‪ .‬الترمذى من أهل بيته صلى ال عليه وآله وسلم فى هذا الحديث هم البدال والصديقون‬
‫* * * *‬
‫دفاع عن أهل البيت‬
‫والجواب عن الشبهة الولى وهى قوله فكيف يتصور أن يذهب أهل بيته حتى ل يبقى‬
‫منهم أحد وهم أكثر من أن يحصى وبركة ال تعالى عليهم دائمة ورحمته مظلة من‬
‫فوقهم ‪ ,‬أنه ل مانع من أن يتصور ذلك وأى حرج فيه ؟ ل سيما وقد صرح به الحديث‬
‫الخر الذى تقدم وهو قوله صلى ال عليه وآله وسلم " أول الناس هلكا قريش ‪ ,‬وأول‬
‫قريش هلكا أهل بيتى " وذلك من جملة رحمة ال تعالى لهم ‪ ,‬لما تقرر من أن الساعة‬
‫ل تقوم إل على شرار الناس وهم خيارهم ولذلك كانوا أول الناس هلكا ‪ ,‬ووليتهم قريش‬
‫لنها تليهم فى الفضل والمنزلة والقرب من رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فما‬
‫ذلك إل من رحمة ال تعالى لهم وإكرامه إياهم ‪ ,‬وأما قوله وقد قال صلى ال عليه وآله‬
‫‪ :‬وسلم‬
‫سبي " فليس معناه أن النقطاع انقراض الذرية "‬ ‫سَبِبي وَن َ‬
‫طٌِع ِإل َ‬
‫ب ُيْنَق ِ‬
‫س ٍ‬
‫ب َوَن َ‬
‫ل سََب ٍ‬
‫ُك ّ‬
‫ولكنه مخصوص بيوم القيامة كما هو صريح الروايات الصحيحة ‪ ,‬ومعنى النقطاع‬
‫‪ :‬عدم النتفاع بالنساب إذ ذاك كما قال تعالى‬
‫ساب َبْينهْم َيْوَمِئٍذ ( ‪(.‬‬‫ل َأْن َ‬
‫َ‬
‫واستثنى صلى ال عليه وآله وسلم سببه ويكون بالتزويج ‪ ,‬ونسبه ويكون بالولدة لن‬
‫النفع بهما متصل ل ينقطع فى الدنيا والخرة ‪ ,‬ويؤيده ما صح عنه صلى ال عليه وآله‬
‫‪ :‬وسلم من قوله على المنبر‬
‫ما بال أقوام يقولون ‪ :‬إن رحم رسول ال صلى ال عليه وسلم ل تنفع يوم القيامة ‪ ,‬بلى "‬
‫‪ " .‬إن رحمى موصولة فى الدنيا والخرة‬
‫والجواب عن الشبهة الثانية وهى قوله ‪ :‬أن أهل بيته نسبة ‪ :‬بنو هاشم وبنو عبد‬
‫المطلب ‪ ،‬ولم يكونوا أمانا لهذه المة حتى إذا ذهبوا ذهبت الدنيا ‪ ,‬أن معنى كونهم أمانا‬
‫لهذه المة بل لهل الرض أن وجودهم فيها علمة على أن الدنيا لم يحن وقت ذهابها‬
‫فإذا هلكوا جاء أهل الرض اليات الدالة على قيام الساعة وذهاب الدنيا ما يوعدون ‪,‬‬
‫‪ .‬فهم ما داموا فيها فى أمان من ذلك‬
‫والجواب عن الشبهة الثالثة وهى قوله ‪ :‬أنه قد يوجد منهم الفساد كما يوجد فى غيرهم ‪،‬‬
‫ومنهم المحسن ‪ ,‬ومنهم المسىء ‪ ,‬فبأى شىء صاروا أمانا لهل الرض ‪ ,‬أنهم صاروا‬
‫أمانا لهل الرض ل بعمل عملوه ‪ ,‬ول بصالح قدموه ‪ ,‬ولكن بعنصرهم النبوى الطاهر‬
‫الذى خصهم ال تعالى به فى الزل وميزهم لجله بمزايا لم توجد ولن توجد فى‬
‫غيرهم ‪ ,‬ومنها هذه المزية الجليلة التى هى من رحمة ال تعالى الخاصة بأهل بيت‬
‫النبوة ‪ ,‬ومعدن الرسالة ‪ ,‬ومهبط الوحى التى ل تدخل تحت قياس ول يشاركهم فيها أحد‬
‫من الناس وهذان الجوابان يعلمان من جواب الشبهة الولى فافهمه تفهمهما‪ .‬وقوله ‪:‬‬
‫وفى الرض ما هو أعظم حرمة من ذريته صلى ال عليه وآله وسلم وهو كتاب ال فل‬
‫نجد ذكره فى الحديث اعتراض غير وارد فإنه ل يلزم من ذكره صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم حرمة ذريته فى حديث أن يذكر معهم حرمة كتاب ال تعالى وإن كانت أعظم من‬
‫حرمتهم ‪ ,‬وقد قرنهم به فى حديث الثقلين وهو غير لزم فى كل حديث ولم يّدع أحد‬
‫أعظم حرمة من كتاب ال أو مساوون له حتى يعترض بهذا وهم لم يفضلوه بهذه المزية‬
‫فإنه أيضا يرفع قبل قيام الساعة ‪ ,‬وكان بن مسعود رضى ال تعالى عنه يقول ‪ :‬اقرءوا‬
‫القرآن قبل أن يرفع ‪ ,‬فإنه ل تقوم السلعة حتى يرفع قيل يا أبا عبد الرحمن كيف يرفع‬
‫وقد أثبتناه فى صدورنا ومصاحفنا ؟ قال ‪ :‬يسرى عليه فل يذكر ول يقرأ ومعلوم أن ابن‬
‫مسعود ل يقول هذا برأيه إذ ل مدخل للرأى فيه ‪ ,‬فهذا كتاب ال تعالى أمان لهل‬
‫الرض ما دام فيهم منالعذاب وذهاب الدنيا ‪ ,‬ولم توصف الزرية الطاهرة بأكثر من ذلك‬
‫‪ .‬بقى قوله ‪ :‬ثم الحرمة لهل التقوى ‪ ,‬وقوله ‪ :‬والدليل على ذلك ما رواه أبو هريرة‬
‫رضى ال تعالى عنه قال " دخل رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم على فاطمة‬
‫وعندها صفية عمة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فقال ‪ :‬يا بني عبد مناف يا بنى‬
‫عبد المطلب الخ ‪ .‬وقد أجاب عن هذا المحب الطبرى بجواب شاف نقله عنه المناوى فى‬
‫الكبير والصبان فى السعاف وهو أنه صلى ال عليه وآله وسلم ل يملك لحد شيئا ل‬
‫نفعا ول ضرا لكن ال عز وجل يملكه نفع أقاربه وجميع أمته بالشفاعة العامة‬
‫والخاصة ‪ ,‬فهو ل يملك إل ما يملكه له موله كما أشار إليه فى رواية البخارى بقوله "‬
‫لكن لكم رحم سأبلها ببللها " أى سأصلها بصلتها وكذا معنى قوله " ل أغنى عنكم من‬
‫ال شيئا " أى بمجرد نفسى من غير ما يكرمنى به ال من نحو شفاعة أو مغفرة ‪,‬‬
‫وخاطبهم بذلك رعاية لمقام التخويف والحث على العمل والتحريض على أن يكونوا‬
‫أولى الناس حظا فى تقوى ال تعالى وخشيته ‪ ,‬قال الصبان ‪ :‬وقيل هذا قبل علمه بنفع‬
‫النتساب إليه على أن اللغة العربية ل تساعد الحكيم على ما فسر به الحديث وهل أحد‬
‫يفهم معنى البدال من لفظ أهل بيتى ؟ كل وال ل يفهم أحد من المخاطبين بهذا سوى‬
‫أهل بيت نسبه صلى ال عليه وآله وسلم كما هو وضع اللغة العربية التى هى لغته عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ .‬وفضل البدال رضى ال تعالى عنهم ونفعنا بهم وعلو منزلتهم‬
‫وقربهم من ال ورسوله مما ل يشك فيه مؤمن ولكنهم أنفسهم ل يرضون بالباسهم حلة‬
‫كرامة خلعها ال تعالى على عترة حبيبه صلى ال عليه وآله وسلم حاساهم ثم حاشاهم ‪.‬‬
‫وإنى على يقين من أن الحكيم الترمذى رضى ال تعالى عنه كان من أكابر الولياء‬
‫‪ :‬وأكاد أجزم أن ما مر عنه محمول على أحد وجهين‬
‫أحدهما ‪ :‬وهو القرب أن جميع ذلك مدسوس فى كتابه من أحد مبغضيه أو مبغضى‬
‫أهل البيت كما وقع ذلك لكثير من العلماء والولياء منهم الشيخ الكبر سيدى محيى‬
‫‪ .‬الدين بن العربى والعارف المحقق سيدى الشيخ عبد الوهاب الشعرانى وغيرهما‬
‫والثانى ‪ :‬أنه كان مجاورا لقوم من غلة الشيعة الذين أفرطوا بالتزامهم جانب أهل البيت‬
‫رضى ال تعالى عنهم وضلوا برفضهم موالة كثير من أجلء الصحابة ول سيما أبو‬
‫بكر وعمر رضى ال تعالى عنهما ‪ ,‬فرد عليهم وشنع كما يتضح من عباراته ‪ ,‬وحمله‬
‫ذلك على ما ذكره فى شأن أهل البيت ومع هذا فقد وصفهم فى غضون كلمه بأوصاف‬
‫جميلة واعترف لهم بمزايا جليلة كما هو شأنه وشأن أمثاله رضى ال تعالى عنه وأرجو‬
‫أن يثيبنى ال تعالى على ما أقدمت عليه وأن ل يلحقنى ندم فيما جرى به القلم ‪ ,‬فإن‬
‫‪ .‬القصد جميل ‪ ,‬وال تعالى على ما أقول وكيل‬
‫* * * *‬
‫المقصد الثانى‬
‫فى الكلم على شرفهم ومزاياهم‬
‫وما اختصهم ال به دون من عداهم‬
‫اعلم أن جميع ما ذكر فى هذا الكتاب أول وآخرا هو من خصوصياتهم التى ل ينازعهم‬
‫فيها منازع ول يدافعهم عنها مدافع ‪ ,‬ولكن ربما كان بعضها خصوصية نسبية أى‬
‫بالنسبة لمن لم توجد فيهم ‪ ,‬كالقطع لهم بالجنة وتحريمهم على النار ‪ ,‬فإن هذا المعنى‬
‫موجود فى المبشرين بالجنة من الصحابة رضوان ال تعالى عليهم كالعشرة وغيرهم ‪,‬‬
‫وكلعن مبغضهم ‪ ,‬ووصفه بالنفاق والكفر فى بعض الحاديث ‪ ,‬وكذا الصحابة ورد فى‬
‫حقهم مثل ذلك ‪ ,‬وإنى ذاكر فى هذا المقصد بعض الخصائص التى ل توجد فى غيرهم‬
‫‪ .‬ألبتة‬
‫* * * *‬
‫خصائص أهل البيت‬
‫‪ :‬فمن خصائصهم رضى ال تعالى عنهم‬
‫صّلى‬‫ي َ‬ ‫عَلى الّنِب ّ‬‫تحريم الزكاة عليهم قال المام النووى فى شرح مسلم ‪ :‬تحرم الّزَكاة َ‬
‫ي َوُمَواِفِقيِه ‪،‬‬ ‫شاِفِع ّ‬
‫طِلب ‪َ ،‬هَذا َمْذَهب ال ّ‬ ‫شم َوَبُنو اْلُم ّ‬
‫عَلى آِلِه ‪َ ،‬وُهْم َبُنو َها ِ‬ ‫سّلَم َو َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫ا ّ‬
‫ضي‬ ‫ل اْلَقا ِ‬ ‫صة ‪َ ،‬قا َ‬ ‫خا ّ‬
‫شم َ‬ ‫ك ‪ُ :‬هْم َبُنو َها ِ‬‫حِنيَفة َوَماِل ٌ‬
‫ل َأُبو َ‬‫ل َبْعض اْلَماِلِكّية ‪َ ،‬وَقا َ‬ ‫َوِبِه َقا َ‬
‫ي‪.‬‬ ‫صّ‬ ‫ي ‪ُ :‬هْم َبُنو ُق َ‬ ‫صَبُغ اْلَماِلِك ّ‬ ‫ش ُكّلَها ‪َ ،‬وَقالَ ُأ ْ‬ ‫ل َبْعض اْلُعَلَماء ‪ُ :‬هْم ُقَرْي ٌ‬ ‫عياض ‪َ :‬وَقا َ‬
‫سّلَم َقا َ‬
‫ل‬ ‫عَلْيِه َو َ‬‫ل َ‬ ‫صّلى ا ّ‬ ‫ل َ‬ ‫سول ا ّ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ي َأ ّ‬‫شاِفِع ّ‬
‫‪َ :‬دِليل ال ّ‬
‫حد "‬ ‫يء َوا ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫طِلب َ‬ ‫شم َوَبِني اْلُم ّ‬ ‫ن َبِني َها ِ‬ ‫‪ِ " .‬إ ّ‬
‫لَثة َأْقَوال‬ ‫ي ِفيَها َث َ‬ ‫شاِفِع ّ‬‫صَدَقة الّتطَّوع َفِلل ّ‬ ‫سْهم َذِوي اْلُقْرَبى ‪َ ,‬وَأّما َ‬ ‫سَم َبْيَنُهْم َ‬
‫‪َ :‬وَق َ‬
‫لِلِه‬
‫ل ِ‬ ‫حّ‬‫سّلَم ‪َ ،‬وَت ِ‬ ‫عَلْيِه َو َ‬‫ل َ‬ ‫صّلى ا ّ‬ ‫ل َ‬ ‫سول ا ّ‬ ‫عَلى َر ُ‬ ‫حُرم َ‬ ‫حها ‪َ :‬أّنَها َت ْ‬‫صّ‬ ‫‪َ .‬أ َ‬
‫عَلْيِهْم‬
‫عَلْيِه وَ َ‬‫حُرم َ‬ ‫‪َ .‬والّثاِني ‪َ :‬ت ْ‬
‫ل َلُه َوَلُهْم‬‫حّ‬ ‫‪َ .‬والّثاِلث ‪َ :‬ت ِ‬
‫حاِبَنا‬
‫صَ‬‫ل ْ‬ ‫ن َِ‬ ‫جَها ِ‬‫عَلْيِهْم الّزَكاة ؟ ِفيِه َو ْ‬ ‫حُرم َ‬ ‫ل َت ْ‬‫طِلب َفَه ْ‬ ‫شم َوَبِني اْلُم ّ‬ ‫‪َ :‬وَأّما َمَواِلي َبِني َها ِ‬
‫ساِئر اْلُكوِفّيينَ َوَبْعض‬ ‫حِنيَفة َو َ‬ ‫ل َأُبو َ‬ ‫حِريِم َقا َ‬ ‫ل ‪َ .‬وِبالّت ْ‬ ‫حّ‬‫حُرم ‪َ ،‬والّثاِني ‪َ :‬ت ِ‬ ‫حهما ‪َ :‬ت ْ‬ ‫صّ‬
‫َأ َ‬
‫لف ِإّنَما ُهَو ِفي َمَواِلي‬ ‫خَ‬ ‫ن اْل ِ‬
‫ي َأ ّ‬ ‫طال اْلَماِلِك ّ‬ ‫عى ِاْبن َب ّ‬ ‫ل َماِلك ؛ َواّد َ‬ ‫حِة َقا َ‬‫لَبا َ‬
‫اْلَماِلِكّية َوِبا ِْ‬
‫عْند‬
‫ح ِ‬‫صّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ا َْ‬‫ل َب ْ‬‫س َكَما َقا َ‬ ‫ع ‪َ ،‬وَلْي َ‬ ‫جَما ِ‬ ‫لْ‬‫غْيرهْم َفُتَباح َلُهْم ِبا ِْ‬ ‫شم ‪َ ،‬وَأّما َمَواِلي َ‬ ‫َبِني َها ِ‬
‫عَلم ‪ .‬ا‬‫ل َأ ْ‬‫ق َبْيَنُهَما ‪َ .‬وَا ّ‬ ‫ل َفْر َ‬ ‫طِلب ‪َ ،‬و َ‬ ‫شم َوَبِني اْلُم ّ‬ ‫عَلى َمَواِلي َبِني َها ِ‬ ‫حِريمَها َ‬ ‫حابَنا َت ْ‬
‫صَ‬ ‫َأ ْ‬
‫‪ .‬هـ‬
‫وعبارة الصبان فى السعاف ‪ :‬قصر مالك وأبو حنيفة رضى ال تعالى عنهما تحريمها‬
‫على بنى هاشم ‪ .‬وقال الشافعى وأحمد ‪ :‬بتحريمها على بنى هاشم وبنى المطلب ‪ ,‬وروى‬
‫عن أبى حنيفة جوازها لبنى هاشم مطلقا ‪ ,‬وقال أبو يوسف ‪ :‬تحل من بعضهم لبعض ‪.‬‬
‫ومذهب أكثر الحنفية والشافعية وأحمد ‪ :‬جواز أخذهم صدقة النفل وهو رواية عن‬
‫‪ .‬مالك ‪ .‬وروى عنه حل أخذ الفرض دون التطوع لن الذل فيه أكثر ا هـ‬
‫وفى كشف الغمة قال ابن عباس رضى ال تعالى عنهما ‪ :‬كان صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ .‬كثيرا ما يقول عن الصدقة‬
‫‪ " .‬إنما هى أوساخ الناس ‪ ,‬وإنها ل تحل لمحمد ول لل محمد "‬
‫وكان أنس رضى ال تعالى عنه يقول ‪ :‬أخذ الحسن بن على رضى ال تعالى عنهما‬
‫‪ :‬يوما تمرة من تمر الصدقة ‪ ,‬فجعلها فى فيه ‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬كخ كخ ارم بها ‪ ,‬أما علمت أنا ل نأكل الصدقة "‬
‫‪ :‬وكان صلى ال عليه وآله وسلم يقول لبنى هاشم وبنى المطلب‬
‫‪ " .‬أن لكم فى خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم "‬
‫وعن أنس ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يقسم سهم ذوى القربى على بنى‬
‫‪ :‬هاشم وبنى المطلب دون بنى نوفل وبنى عبد شمس ويقول‬
‫‪ " .‬إنما بنو هاشم وبنو المطلب شىء واحد "‬
‫وقال ابن عباس رضى ال تعالى عنهما ‪ :‬جاء أبو رافع مولى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال إن فلن عاملك على الصدقة دعانى لكون مساعدا له‬
‫‪ :‬ويعطينى منها فقال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ .‬إن الصدقة ل تحل لنا ‪ ,‬وإن مولى القوم منهم " ا هـ "‬
‫وقال المناوى قوله ‪ :‬إنما هى أوساخ الناس ‪ :‬أى أدناسهم وأقذارهم لنها تطهر أدرانهم ‪,‬‬
‫‪ .‬وتزكى أموالهم ونفوسهم‬
‫طّهُرُهْم َوُتَزّكيِهْم ِبَها (‬
‫صَدَقًة ُت َ‬
‫ن َأْمَواِلِهْم َ‬
‫خْذ ِم ْ‬
‫‪ُ ).‬‬
‫كغسالة الوساخ فهى محرمة عليهم بعمل أو غيره ‪ ,‬حتى من بعضهم لبعض ‪ ,‬ومن‬
‫زعم استثناءه فقد أبعد ‪,‬وقد سأل بعض الل عمر أو غيره جمل من الصدقة فقال ‪:‬‬
‫أتحب أن رجل بادنا فى يوم حر غسل ما تحت كذا فشربته ‪ ,‬فغضب وقال أتقول لى هذا‬
‫‪ .‬؟ قال إنما هى أوساخ الناس يغسلونها ا هـ‬
‫وفى البحر المورود لسيدى المولى الكبير الشيخ عبد الوهاب الشعرانى رضى ال تعالى‬
‫عنه لما سأل الفضل بن العباس النبى صلى ال عليه وآله وسلم أن يستعمله على‬
‫‪ :‬الصدقات قال له صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬معاذ ال أن أستعملك على غسالة ذنوب الناس "‬
‫وقد قال بعض أئمة اللغة ‪ :‬إن الوسخ يشمل الغائط فما دونه ولكنه صلى ال عليه وآله‬
‫‪ .‬وسلم كان يكنى عن القبيح ما أمكن‬
‫ثم اعلم يأخى أن الوسخ يزيد فى القبح وينقص بحسب كسب المتصدق ‪ ,‬فإن كان‬
‫يرابى ‪ ,‬ويغش فى المعاملة ‪ ,‬ويأخذ المكس من التجار ‪ ,‬ويأكل الرشوة ‪ ,‬فحكمه كالخرا‬
‫والقيح ‪ ,‬وإن كان ينصح فى المعاملة ‪ ,‬ولكنه يبيع على من يفعل ذلك من الظلمة‬
‫‪ .‬والقضاة ‪ ,‬فحكمه كالبول والدم وقس على ذلك وأقل المراتب أن يكون كالبصاق ا هـ‬
‫قال الطيبى ‪ :‬ل يقال كيف أباحها لبعض أمته ‪ ,‬ومن كمال إيمان المرء أن يحب لخيه‬
‫ما يحب لنفسه ‪ ,‬لنا نقول ما أباحه لهم عزيمة بل اضطرارا ‪ ,‬وكم أحاديث نراها ناهية‬
‫‪ .‬عن السؤال فعلى الحازم أن يراها كالميتة‬
‫عَلْيِه (‬
‫عادٍ َفل ِإْثَم َ‬
‫غ َول َ‬
‫غْيَر َبا ٍ‬
‫طّر َ‬
‫ضُ‬‫نا ْ‬
‫‪َ ) .‬فَم ِ‬
‫وقوله ‪ :‬وكم أحاديث نراها ناهية عن السؤال ‪ .‬منها أن حكيم ابن حزام رضى ال تعالى‬
‫عنه سأل النبى صلى ال عليه وآله وسلم من غنائم حنين فأعطاه مائة من البل ثم سأله‬
‫‪ :‬فأعطاه مائة ثم سأله فأعطاه مائة ثم قال له‬
‫يا حكيم هذا المال خضر حلو ‪ ,‬فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ‪ ,‬ومن أخذه "‬
‫بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذى يأكل ول يشبع ‪ ،‬واليد العليا خير من اليد‬
‫‪ " .‬السفلى‬
‫فأخذ حكيم المائة الولى ‪ ,‬وترك ما عداها وقال ‪ :‬يا رسول ال والذى بعثك بالحق ل‬
‫أرزأ أحدا‬
‫بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا وكان كذلك رضى ال تعالى عنه ‪ ،‬فكان أبو بكر وعمر‬
‫‪ .‬رضى ال عنهما يعرضان عليه العطاء فيأبى‬
‫قال العارف الشعرانى ‪ :‬وقد رأيت مرة شخصا جاء إلى سيدى على الخواص بمال‬
‫والشيخ رمد ‪ ,‬وهو جالس يضفر الخوص ‪ ,‬فقال له ‪ :‬يا سيدى خذ هذه الدراهم فاستعن‬
‫بها على نفقة البيت واترك الضفر حتى تبرأ فرده وقال ‪ :‬وال إنى كما ترانى أضفر فى‬
‫هذا الرمد ول يطيب لى أن آكل من كسبى هذا فكيف آكل من كسبك أنت ؟ فقال ‪ :‬يا‬
‫سيدى إن مثلك ل يغش فى صنعته فكيف ل تطيب نفسك أن تأكل من صنعتك ؟ فقال‬
‫صحيح ماثم إن شاء ال تعالى غش ولكن أبيع على من ؟ وجميع الفقهاء والتجار‬
‫والزياتين وغيرهم إذا أتاه مكاس أو قاض يشترى منه شيئا ل يرده قط بل يفرح بفلوسه‬
‫غاية الفرح ‪ ,‬وإذا أخذنا فلوس الظلمة والمكاسين ‪ ,‬فنحن سواء لتحاد العين المتداولة‬
‫بأيديهم فقال ‪ :‬ياسيدى هذا شىء ما كان لى على بال ‪ ,‬وتركه وانصرف ‪ ,‬وهو يقول ‪:‬‬
‫‪ .‬ل ياأولياء ال اهـ‬
‫وهذا التدقيق من الشيخ رضى ال تعالى عنه ل يقتضى منع غيره من قبول الصدقة ‪,‬‬
‫فإنها مباحة حتى لهل البيت إن كانت نفل كا تقدم مالم يتحقق أنها من مال حرام ‪ ,‬وهى‬
‫مع إباحتها أمر مرغوب عنه إل للضرورة ‪ .‬وانظر إلى قوله صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫" واليد العليا خير من اليد السفلى " تعرف ذلك ‪ .‬فإن قلت قد ثبت تحريم صدقة الفرض‬
‫على آله صلى ال عليه وآله وسلم وصدقة النفل وإن كانت مباحة لهم على الصحيح إل‬
‫أن نفوسهم الشريفة ربما تأباها إل لمن يرى لقوة إيمانه ونفاذ بصيرته أن لهم الفضل‬
‫والمنة عليه بقبول صدقته وقليل ماهم ‪ ,‬فمن أين يتعيش منل مال له منهم ؟ قلت ‪ :‬أما‬
‫سمعت قوله صلى ال عليه وآله وسلم مخاطبا لهم " إن لكم فى خمس الخمس ما يكفيكم‬
‫" وفى بدل خمس الخمس الذى هو حقهم فى بيت مال المسلمين أدامه ال عامرا ما فى‬
‫كفايتهم وليس القصد إل ذلك ل أن يكثر مالهم فإن بينهم وبين ذلك سدا حاجزا من قوله‬
‫‪ :‬صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫"‪ " .‬اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا‬
‫‪ .‬وما أشبهه من الحاديث الواردة فى هذا المعنى‬
‫قال الشعرانى نعمة التقلل من الدنيا أكبر من نعمة الكثار منها لنها طريق النبياء‬
‫والصفياء ‪ ,‬ولول أن التقلل أفضل ‪ ,‬وأكثر أجرا ما قال صلى ال عليه وآله وسلم ‪" :‬‬
‫اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا " والقوت هو الذى ل يفضل منه شىء عن الغذاء‬
‫‪ .‬والعشاء ‪ ,‬فشىء اختاره صلى ال عليه وآله وسلم لنفسه وهل بيته ل أكمل منه اهـ‬
‫وقد دعا صلى ال عليه وآله وسلم لمبغضه وأهل بيته بعكس ذاك فعن على رضى ال‬
‫‪ :‬عنه‬
‫‪ .‬اللهم ارزق من أبغضنى وأهل بيتى كثرة المال والعيال " رواه الديلمى "‬
‫قال ابن حجر ‪ :‬كفاهم أن يكثر مالهم فيطول حسابهم ‪ ,‬وأن تكثر عيالهم فتكثر‬
‫شياطينهم ‪ .‬ول يشكل هذا بالدعاء لنس بمثل ذلك لن ذلك نعمة فى حقه يتوصل بها‬
‫‪ .‬إلى كثير من المور المطلوبة بخلفه فى حق مبغضهم‬
‫‪ :‬ومن خصائصهم رضى ال تعالى عنهم‬
‫كونهم أشرف الناس نسبا وأفضل الخلق حسبا عن ابن عباس رضى ال تعالى عنهما‬
‫‪ :‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ :‬إن ال قسم الخلق قسمين ‪ ,‬فجعلنى فى خيرهما قسما ‪ ,‬فذلك قوله تعالى"‬
‫ل ( فأنا من (‬ ‫شَما ِ‬‫ب ال ّ‬‫حا ُ‬ ‫صَ‬‫ل َما َأ ْ‬ ‫شَما ِ‬‫ب ال ّ‬ ‫حا ُ‬ ‫صَ‬‫ن ‪َ .‬وَأ ْ‬ ‫ب اْلَيِمي ِ‬
‫حا ُ‬‫صَ‬ ‫ن َما َأ ْ‬ ‫ب اْلَيِمي ِ‬
‫حا ُ‬‫صَ‬ ‫َوَأ ْ‬
‫أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين ‪ ,‬ثم جعل القسمين أثلثا فجعلنى فى خيرهم‬
‫‪ :‬ثلثا ‪ ,‬فذلك قوله تعالى‬
‫ب اْلَمشَْأَمِة (‬
‫حا ُ‬ ‫صَ‬ ‫شَأَمِة َما َأ ْ‬
‫ب اْلَم ْ‬‫حا ُ‬ ‫صَ‬ ‫ب اْلَمْيَمَنِة َوَأ ْ‬‫حا ُ‬ ‫صَ‬ ‫ب اْلَمْيَمَنِة َما َأ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫صَ‬‫َفَأ ْ‬
‫ن ( فأنا من السابقين ‪ ,‬وأنا خير السابقين ثم جعل الثلث قبائل‬ ‫ساِبُقو َ‬ ‫ن ال ّ‬‫ساِبُقو َ‬
‫َوال ّ‬
‫فجعلنى فى خيرها قبيلة ‪ ,‬وذلك قوله‬
‫‪ :‬تعالى‬
‫ل َأْتَقاُكْم ( فأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم (‬ ‫عْنَد ا ِّ‬
‫ن َأْكَرَمُكْم ِ‬ ‫ل ِلَتَعاَرُفوا ِإ ّ‬
‫شُعوًبا َوَقَباِئ َ‬ ‫جَعْلَناُكْم ُ‬
‫َو َ‬
‫على ال تعالى ول فخر ‪ ,‬ثم جعل القبائل بيوتا فجعلنى فى خيرها بيتا ‪ ,‬فذلك قوله تعالى‬
‫‪:‬‬
‫طِهيًرا (‬ ‫طّهَرُكْم َت ْ‬‫ت َوُي َ‬
‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬
‫ج َ‬ ‫عْنُكُم الّر ْ‬‫ب َ‬ ‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫‪ِ ) " .‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫‪ :‬وعن ابن عمر رضى ال تعالى عنهما قال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫إن ال اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ‪ ,‬واصطفى من كنانة قريشا ‪ ,‬واصطفى من"‬
‫‪ " .‬قريش بنى هاشم ‪ ,‬واصطفانى من بنى هاشم‬
‫‪ :‬وعن ابن عمر رضى ال تعالى عنهما‬
‫إن ال خلق الخلق فاختار منهم بنى آدم ‪ ,‬ثم اختار من بنى آدم العرب ‪ ,‬ثم اختار من "‬
‫العرب مضر ‪ ,‬ثم اختار من مضر قريشا ثم اختار من قريش بنى هاشم ‪ ,‬ثم اختارنى‬
‫‪ " .‬من بنى هاشم ‪ ,‬فلم أزل خيارا من خيار‬
‫وأخرج أحمد والمحاملى وغيرهما عن عائشة رضى ال تعالى عنها أنها قالت ‪ :‬قال‬
‫‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫قال لي جبريل قلبت مشارق الرض ومغاربها فلم أجد رجل أفضل من محمد وقلبت "‬
‫‪ " .‬مشارق الرض ومغاربها فلم أجد بني أفضل من بني هاشم‬
‫‪ .‬قال الحافظ ابن حجر ‪ :‬أنوار الصحة تلوح على صفحات متن هذا الحديث‬
‫وعن جعفر الصادق رضى ال تعالى عنه عن أبيه محمد الباقر رضى ال تعالى عنه‬
‫‪ :‬قال ‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫أتانى جبريل عليه السلم فقال ‪ :‬يا محمد إن ال بعثنى فطفت شرق الرض وغربها "‬
‫وسهلها وجبلها فلم أجد حيا خيرا من العرب ‪ ,‬ثم أمرنى فطفت فى العرب فلم أجد حيا‬
‫خيرا من مضر ‪ ,‬ثم أمرنى فطفت فى مضر فلم أجد خيرا من كنانة ‪ ,‬ثم أمرنى فطفت‬
‫فى كنانة فلم أجد حيا خيرا من قريش ثم أمرنى فطفت فى قريش فلم أجد حيا خيرا من‬
‫‪ " .‬بنى هاشم ‪ ,‬ثم أمرنى أن أختار من أنفسهم فلم أجد فيهم نفسا خيرا من نفسك‬
‫وأخرج المام أحمد بسند جيد عن العباس رضى ال تعالى عنه أنه صلى ال عليه وآله‬
‫‪ :‬وسلم صعد المنبر فقال‬
‫من أنا ؟ قالوا أنت رسول ال فقال صلى ال عليه وآله وسلم أنا محمد بن عبد ال بن"‬
‫عبد المطلب ‪ ,‬إن ال خلق الخلق فجعلنى فى خير خلقه وجعلهم فرقتين فجعلنى فى خير‬
‫‪ " .‬فرقة ‪ ,‬وخلق القبائل فجعلنى فى خير قبيلة ‪ ,‬وجعلهم بيوتا فجعلنى فى خيرهم بيتا‬
‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬أول من أشفع له يوم القيامة من أمتى أهل بيتى ‪ ,‬ثم‬
‫القرب فالقرب من قريش ‪ ,‬ثم النصار ‪ ,‬ثم من آمن بى واتبعنى من اليمن ‪ ,‬ثم سائر‬
‫‪ " .‬العرب ‪ ,‬ثم العاجم ومن أشفع له أول أفضل‬
‫أخرجه الطبرانى والدار قطنى مرفوعا فهذه أحاديث صحيحة ونصوص صريحة تدل‬
‫على أن أهل البيت أفضل الناس حسبا ونسبا ‪ ,‬ويتفرع على هذا أنهم ل يكافئهم فى‬
‫‪ .‬النكاح أحد من الناس ‪ ,‬وبه صرح غير واحد من الئمة‬

‫‪ :‬قال الجلل السيوطى فى الخصائص‬


‫‪ .‬ومن خصائصه صلى ال عليه وآله وسلم أن آله ل يكافئهم فى النكاح أحد من الخلق‬
‫‪ :‬ومن خصائصهم رضى ال تعالى عنهم‬
‫أن كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إل سببه ونسبه صلى ال عليه وآله وسلم كما ورد‬
‫ذلك فى الحديث الصحيح وتقدم فى المقصد الول ‪ .‬وصح أن عمر بن الخطاب رضى‬
‫ال تعالى عنه خطب لنفسه أم كلثوم بنت فاطمة رضى ال تعالى عنهما من أبيها على‬
‫بن أبى طالب كرم ال تعالى وجهه فاعتل بصغرها وبأنه حابسها لولد أخيه جعفر ‪ ,‬فألح‬
‫ى فى‬‫عليه عمر ثم صعد المنبر فقال ‪ :‬أيها الناس وال ما حملنى على اللحاح على عل ّ‬
‫‪ :‬ابنته إل أنى سمعت النبى صلى ال عليه وآله وسلم يقول‬
‫كل سبب ونسب وصهر ينقطع يوم القيامة إل سببى ونسبى وصهرى " ‪" .‬‬
‫ى فزينت وبعث بها إليه فلما رآها قام وأجلسها فى حجره فقبلها ودعا لها ‪,‬‬
‫فأمر بها عل ّ‬
‫فلما قامت أخذ بساقها وقال لها قولى لبيك قد رضيت ‪ ,‬فلما جاءت قال لها ما قال لك ؟‬
‫‪ .‬فذكرت له جميع ما فعله وما قاله ‪ ,‬فأنكحها أياه فولدت له زيدا مات رجل‬
‫قال الطيبى والنسب ما يرجع إلى ولدة قريبة من جهة الباء ‪ ,‬والصهر ما كان من‬
‫خلطة تشبه القرابة يحدثها التزوج والسبب كذلك يكون بالتزويج ‪ .‬والعلم بهذا الحديث‬
‫ونحوه عظيم نفع النساب إليه صلى ال عليه وآله وسلم ول يعارضه ما فى أخبار أخر‬
‫من حثه صلى ال عليه وآله وسلم لهل بيته عن خشية ال تعالى واتقائه وطاعته وأنه ل‬
‫يغنى عنهم من ال شيئا لنه ل يملك لحد نفعا ول ضرا لكن ال تعالى يملكه نفع أقاربه‬
‫فقوله " ل أغنى عنكم شيئا " أى بمجرد نفسى من غير ما يكرمنى ال تعالى به من نحو‬
‫‪ .‬شفاعة أو مغفرة فخاطبهم بذلك رعاية لمقام التخويف‬
‫واعلم أنه ل ينبغى لمنسوب إليه صلى ال عليه وآله وسلم أن يعتمد على ما ذكر لنه‬
‫إنما ثبت لمن هو فى الواقع متصل به عليه الصلة والسلم ومن آل بيته ‪ ,‬ومن أين‬
‫تحقق ذلك لقيام احتمال زلل بعض النساء وكذب بعض الصول فى النتساب وإن كان‬
‫خلف الظاهر ‪ ,‬على أن المأثور من أكابر آل البيت شدة خشيتهم من ال تعالى وعظم‬
‫خوفهم من عذابه وكثرة تأسفهم على أدنى تقصير وقع منهم رضى ال تعالى عنهم‬
‫‪ .‬ونفعنا بهم‬
‫‪ :‬ومن خصائصهم رضى ال تعالى عنهم‬
‫الصطلح فى الصدر الول على إطلق اسم الشراف عليهم دون غيرهم ثم خص‬
‫‪ .‬منهم بالحسنيين والحسينيين فقط‬
‫قال السيوطى فى رسالته الزينبية ‪ :‬اسم الشريف يطلق فى الصدر الول على كل من‬
‫كان من أهل البيت سواء كان حسنيا أم حسينيا أم علويا من ذرية محمد بن الحنفية أو‬
‫غيره من أولد على بن أبى طالب أم جعفريا أم عقيليا أم عباسيا ‪ ,‬فلما ولى الخلفة‬
‫الفاطميون بمصر قصروا اسم الشريف على ذرية الحسن والحسين فقط واستمر ذلك‬
‫‪ .‬بمصر إلى الن اهـ‬
‫قلت ‪ :‬وهذا الصطلح عم الن البلد السلمية شرقا وغربا فمتى أطلق لفظ الشريف‬
‫فى اللغة العربية ل ينصرف إل لمن كان حسنيا أو حسينيا ‪ ,‬وحدث فى كثير من البلد‬
‫الصطلح أيضا على لفظ السيد على كل منهما خاصة ‪ ,‬فمتى أطلق ل ينصرف لسواهم‬
‫وهذا فى غير الحجاز فإنهم اصطلحوا فيه على إطلق الشريف على من كان حسنيا‬
‫‪ .‬والسيد على من كان حسينيا للفرق بينهما‬
‫قال ابن حجر المكى ‪ :‬ول يدخل غير ذرية الحسن والحسين فى الوقف على الشراف‬
‫والوصية لهم ‪ ,‬لن الوقف والوصية منوطان بعرف البلد وعرف مصر ونحوها‬
‫‪ .‬اختصاصهم بذرية الحسن والحسين اهـ‬
‫‪ .‬وقد علمت العرف الطارىء فى الحجاز‬

‫العمامة الخضراء‬
‫وأما تخصيص العمامة الخضراء بهم فأصله أن ملك مصر الشرف شعبان بن حسين‬
‫أمر فى سنة ثلث وسبعين وسبعمائة بتقديم الموحدة فيهما بتخصيصهم بعلمة خضراء‬
‫توضع على عمامة أحدهم للفرق بين الشريف وغير الشريف ‪ ,‬ثم توسع فيها حتى‬
‫جعلت العمامة كلها خضراء ونظم الدباء فى ذلك أشعارا منها قول جابر بن عبد ال‬
‫‪ :‬الندلسى‬
‫أن العلمة شأن من لم يشهــر‬ ‫جعلوا لبناء النبى علمة‬
‫نور النبوة فى وسيم وجوههم يغنى الشريف عن الطراز الخضر‬
‫‪ :‬وقول شمس الدين محمد بن إبراهيم الدمشقى‬
‫خضر بأعلم على الشراف‬ ‫أطراف تيجان أتت من سندس‬
‫شرفا ليفرقهم من الطـراف‬ ‫والشرف السلطان خصصهم بها‬
‫ولعل اختيار هذا اللون لكونه أفضل اللوان ‪ ,‬أو كونه لون الحلة التى يكساها فى‬
‫الموقف نبينا صلى ال عليه وآله وسلم أو كونه لون ثياب أهل الجنة ا هـ ‪ .‬إسعاف‬
‫قال المام السيوطى ‪ :‬لبس هذه العلمة بدعة مباحة ل يمنع من أرادها من شريف‬
‫وغيره ‪ ,‬ول يؤمر بها من تركها من شريف وغيره ‪ ,‬والمنع منها لحد من الناس كائنا‬
‫من كان ليس أمرا شرعيا ‪ ,‬لن الناس مضبطون بأنسابهم الثابتة ‪ ,‬وليس لبس العلمة‬
‫مما ورد به الشرع فيتبع إباحة ومنعا ‪ ,‬أقصى ما فى الباب أنه أحدث التمييز بها لهؤلء‬
‫‪ :‬عن غيرهم ‪ ,‬وقد يستأنس فيها بقوله تعالى‬
‫ك{‬ ‫ن َذِل َ‬
‫جلِبيِبِه ّ‬
‫ن َ‬
‫ن ِم ْ‬
‫عَلْيِه ّ‬
‫ن َ‬
‫ن ُيْدِني َ‬
‫ساِء اْلُمْؤِمِني َ‬‫ك َوِن َ‬
‫ك َوَبَناِت َ‬
‫جَ‬
‫ل لْزَوا ِ‬
‫ي ُق ْ‬
‫َيا َأّيَها الّنِب ّ‬
‫ن َفل ُيْؤَذْي َ‬
‫ن‬ ‫ن ُيْعَرْف َ‬‫‪َ } .‬أْدَنى َأ ْ‬
‫فقد استدل بها بعض العلماء على تخصيص أهل العلم بلباس ليعرفوا فيجلوا تكريما للعلم‬
‫‪ .‬وهذا وجه حسن وال أعلم‬
‫قال العلمة الصبان ‪ :‬يؤخذ من الية التى استأنس بها فى لبس العلمة الخضراء‬
‫استحباب لبسها للشراف ‪ ,‬وهو الذى ينبغى اعتماده ‪ .‬وتكره لغيرهم ‪ ,‬لن فيها انتسابا‬
‫بلسان الحال إلى غير من ينسب إليه الشخص فى نفس المر ‪ ,‬وانتساب الشخص إلى‬
‫غير من ينسب إليه فى نفس المر منهى عنه محذر منه ‪ :‬قال ‪ :‬ولم يكتف فى هذه‬
‫‪.‬العصار بتلك العلمة بل جعلت العمامة كلها خضراء وحكمها حكم تلك العلمة انتهى‬
‫وهذا إنما يظهر فى البلد التى ينتمى أهلها على اصطلح تخصيص العمائم الخضر‬
‫بالشراف كمصر ‪ ,‬أما فى غيرها كالقسطنطينية فل ‪ ,‬فإن العلمة الخضراء فيها ل‬
‫دللة لها على الشرف أصل لما أن العلماء فيها والطلبة وغيرهم من أرباب العمائم ل‬
‫يخلو أحدهم فى الغالب من عمامة خضراء يستعملها فى بعض الحيان ‪ ,‬وقد يكثر‬
‫استعمالها فى فصل الشتاء لعدم ظهور الوسخ فيها بل تجاوزهم المر إلى كثير من أهل‬
‫الحرف وباعة الشوارع ‪ ,‬فإنهم كثيرا ما يتعممون بالعمائم الخضر لهذه العلة وهكذا لفظ‬
‫السيد عندهم ليس خاصا بالشريف ‪ ,‬فإنك إذا ذهبت إلى سوق الحكاكين ‪ ,‬واجتهدت فى‬
‫أن ترى ختما لم يكتب فيه السيد فلن ل تكاد تراه إل أن يكون لسيد شريف صحيح‬
‫النسب أو لرجل من أهل الدين والحياء وإنما ل يكتب الشراف لفظ السيد فى أختامهم‬
‫لخوف الشتباه فى أنسابهم حينئذ بسبب كثرة استعمال الغيار إياه ‪ ,‬ومن هنا ترى‬
‫أكثرهم ل سيما أشراف الحجاز ل يلبسون العمائم الخضر لهذه الحكمة فقد زال التمييز ‪,‬‬
‫واختلط الصفر بالبريز ‪ ,‬والشراف مضبوطون بأنسابهم ‪ ,‬ل بألقابهم ‪ ,‬ومعروفون‬
‫بأحسابهم ل بأثوابهم ‪ ,‬ولقد أفحش فى الخطأ من ظن الشرف باللوان أو بقول الناس يا‬
‫سيد فلن ‪ ,‬فرحم ال أمرًأ عرف حده ‪,‬فثبت عنده وعلم مقامه ‪ ,‬فلم يتقدم أمامه ‪ ,‬فإن‬
‫‪ .‬الكذب مداه قصير والزيف ل يخفى على الناقد البصير‬

‫‪ :‬ومن خصائصهم رضى ال تعالى عنهم‬


‫استعمال النقباء منهم عليهم ‪ ,‬وهذه النقابة وضعت فى الصل لصيانتهم على أن يتولى‬
‫عليهم من ل يكافئهم فى النسب ول يساويهم فى الشرف ‪ ,‬ويختار لها أجلهم بيتا وأكثرهم‬
‫فضل وأجزلهم رأيا لتجتمع فيه شروط الرياسة والسياسة فيسرعوا إلى طاعته برياسته ‪,‬‬
‫‪ :‬وتستقيم أمورهم بسياسته ‪ ,‬ويلزمه لهم بتقلدها اثنا عشر حقا‬
‫‪ .‬أحدها ‪ :‬حفظ أنسابهم من داخل فيها وليس منها أو خارج عنها وهو منها‬
‫‪ .‬والثانى ‪ :‬معرفة أنسابهم وتمييز بطونهم ويثبتهم فى ديوانه على التمييز‬
‫‪ .‬والثالث ‪ :‬معرفة من ولد منهم من ذكر أو أنثى فيثبته ومعرفة من مات فيذكره‬
‫والرابع ‪ :‬أن يحملهم على الداب التى تضاهى شرف أنسابهم وكرم محتدهم لتكون‬
‫‪ .‬حشمتهم فى النفوس موقورة وحرمة الرسول صلى ال عليه وآله وسلم فيهم محفوظة‬
‫والخامس ‪ :‬أن ينزههم عن المكاسب الدنيئة ‪ ,‬ويمنعهم من المطالب الخبيثة حتى ل‬
‫‪ .‬يستقل ول يستضام منهم أحد‬
‫والسادس ‪ :‬أن يكفهم عن ارتكاب المآثم ويمنعهم من انتهاك المحارم ‪ ,‬ليكونوا على‬
‫الدين الذى نصروه أغير ‪ ,‬وللمنكر الذى أزالوه أنكر ‪ ,‬فل ينطلق بذمهم لسان ول‬
‫‪ .‬يشنؤهم إنسان‬
‫والسابع ‪ :‬أن يمنعهم من التسلط على العامة لشرفهم والتشطط عليهم لنسبهم فيدعوهم‬
‫ذلك المقت والبغض ‪ ,‬ويبعثهم على المناكرة والبعد ‪ ,‬وأن يندبهم إلى استعطاف القلوب ‪,‬‬
‫‪ .‬وتألف النفوس ليكون الميل إليهم أوفى ‪ ,‬والقلوب لهم أصفى‬
‫والثامن ‪ :‬أن يكون عونا لهم فى استيفاء حقوقهم ‪ ,‬حتى ل يضعفوا عنها وعونا عليهم‬
‫فى أخذ الحقوق منهم حتى ل يمنعوا أهلها منها ‪ ,‬ليصيروا بالمعونة لهم منتصفين ‪,‬‬
‫‪ .‬وبالمعونة عليهم منصفين ‪ ,‬فإن من عدل السيرة فيهم إنصافهم وانتصافهم‬
‫‪ .‬والتاسع ‪ :‬أن ينوب عنهم فى حقوقهم فى بيت مال المسلمين‬
‫والعاشر ‪ :‬أن يمنع نساءهم أن يتزوجن إل من الكفاء لشرفهن على سائر النساء صيانة‬
‫‪ .‬لنسابهم وتعظيما لحرمتهن‬
‫والحادى عشر ‪ :‬أن يقّوم ذوى الهفوات منهم ‪ ,‬ويقيل ذا الهيئة منهم عثرته ويغفر بعد‬
‫‪ .‬الوعظ زلته‬
‫والثانى عشر ‪ :‬أن يراعى وقوفهم بحفظ أصولهم وتنمية فروعها ويراعى قسمتها عليهم‬
‫‪ :‬بحسب الشروط والوصاف ‪ .‬ويزاد على ذلك فى النقابة العامة خمسة أشياء أخرى‬
‫‪ .‬أحدها ‪ :‬الحكم بينهم فيما تنازعوا فيه‬
‫‪ .‬والثانى ‪ :‬الولية على أيتامهم فيما ملكوه‬
‫‪ .‬والثالث ‪ :‬إقامة الحدود عليهم فيما ارتكبوه‬
‫‪ .‬والرابع ‪ :‬تزويج اليامى اللتى ل يتعين أولياؤهن أو قد تعينوا فعضلوهن‬
‫والخامس ‪ :‬إيقاع الحجر على من عته منهم أو سفه وفكه إذا أفاق ورشد انتهى ملخصا‬
‫من الحكام السلطانية للمام الماوردى ‪ ,‬هكذا كانت نقباء الشراف فى الزمنة السالفة ؛‬
‫‪ .‬أما الن فهم كما ترى ل يجدون طاعة ول سمعا ول يملكون ضرا ول نفعا‬
‫‪ :‬ومن خصائصهم رضى ال تعالى عنهم‬
‫طلب إكرام فاسقهم وتوقيره واعتفاد أن ذنبه مغفور ‪ ,‬وأن ال تعالى متجاوز عن سيئاته‬
‫‪ :‬ولبد ولو بتوفيق ال تعالى إياه للتوبة النصوح قبل الموت قال تعالى‬
‫طِهيًرا(‬
‫طّهَرُكْم َت ْ‬
‫ت َوُي َ‬
‫ل اْلَبْي ِ‬
‫س َأْه َ‬
‫ج َ‬
‫عْنُكُم الّر ْ‬
‫ب َ‬
‫ل ِلُيْذِه َ‬
‫‪ِ ) .‬إّنَما ُيِريُد ا ُّ‬
‫‪ :‬وقال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫يا بنى عبد المطلب إنى سألت ال لكم ثلثا ‪ :‬أن يثبت قائمكم ‪ ,‬وأن يهدى ضالكم ‪ .‬وأن "‬
‫يعلم جاهلكم " ‪.‬‬
‫وقد تقدم قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪:‬‬
‫" إن فاطمة قد أحصنت فرجها فحرمها ال وذريتها على النار "‬
‫وغيره من الحاديث الدالة على القطع لهم بالجنة من غير سابقة عذاب ‪ ,‬فل حاجة‬
‫وإنما طلب إكرام فاسقهم ‪ ,‬لن إكرامه ليس لفسقه وإنما هو‬ ‫لعادتها هنا ‪.‬‬
‫لعنصره الطاهر ونسبه الزاهر ‪ ,‬وهذا موجود فى طالحهم كوجوده فى صالحهم ‪ ,‬وفسق‬
‫أحدهم ل يخرجه عن بيت النبوة ‪ ,‬وهم بشرغير معصومين فل يطرأ بذلك خلل فى‬
‫قال‬ ‫نسبهم وإن كان يشين قدرهم الرفيع ‪ ,‬ويحط بين الصالحين من رتبهم ‪.‬‬
‫المقريزى ‪ :‬حدثنى الشيخ الفاضل يعقوب بن يوسف القرشى المكناسى قال ‪ :‬أخبرنى أبو‬
‫عبد ال محمد الفاسى قال ‪ :‬كنت أبغض بنى حسين أشراف المدينة النبوية لما كان يظهر‬
‫لى من تعصبهم على أهل السنة فنمت مرة بالنهار بالمسجد النبوى تجاه القبر المقدس ‪,‬‬
‫فرأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وهو يقول لى يافلن باسمى مالى أراك‬
‫تبغض أولدى ؟ فقلت حاشا ل يا رسول ال ‪ ,‬ما أكرههم وإنما كرهت منهم ما رأيت‬
‫من تعصبهم على أهل السنة ‪ ,‬فقال لى ‪ :‬مسألة فقهية أليس الولد العاق يلحق بالنسب ؟‬
‫فقلت بلى يا رسول ال ‪ ,‬فقال هذا ولد عاق ‪ ,‬فانتبهت وقد زال بغضى لهم ثم صرت ل‬
‫‪ .‬ألقى منهم أحدا إل بالغت فى إكرامه ا هـ‬
‫فانظر أيها الشريف إلى تسمية النبى صلى ال عليه وآله وسلم المتعصب على أهل السنة‬
‫ولد عاقا ‪ ,‬وتذكر أن عقوق مطلق الوالدين من الكبائر فما بالك بعقوق جدك المصطفى‬
‫قال العلمة ابن حجر فى خاتمة الفتاوى ‪ :‬من علت‬ ‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪.‬‬
‫نسبته إلى آل البيت النبوى والسر العلوى ل يخرجه عن ذلك عظيم جنايته ول عدم‬
‫ديانته وصيانته ‪ ,‬ومن ثم قال بعض المحققين ‪ :‬ما مثال الشريف الزانى أوالشارب ‪ ,‬أو‬
‫السارق مثل إذا قمنا عليه الحد إل كأمير أو سلطان تلطخت رجله بقذر فغسله عنها‬
‫بعض خدمته ‪ ,‬ولقد بر فى هذا المثال وحقق ‪ ,‬وليتأمل قول الناس فى أمثالهم ‪ :‬الولد‬
‫العاق ل يحرم الميراث ‪ ,‬نعم الكفر إن فرض وقوعه لحد من أهل البيت والعياذ بال‬
‫هو الذى يقطع النسبة بين من وقع منه وبين مشرفه صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وإنما‬
‫قلت إن فرض لننى أكاد أجزم أن حقيقة الكفر ل تقع مما علم أتصال نسبه الصحيح‬
‫بتلك البضعة الكريمة حاشاهم ال من ذلك ‪ ,‬وقد أحال بعضهم وقوع نحو الزنا واللواط ‪,‬‬
‫ممن علم شرفه فما ظنك بالكفر ؟ هذا كله فيمن علم شرفه كما تقرر ‪ ,‬وأما من يشك فى‬
‫شرفه ‪ ,‬فإن ثبت نسبه بوجه شرعى وجب على كل أحد تعظيمه لما فيه من الشرف‬
‫والنكار على ما فيه من الخلل التى تنكر شرعا ‪ ,‬لما تقرر أنه ل يلزم من الشرف عدم‬
‫الفسق ‪ ,‬وإن لم يثبت نسبه شرعا وادعاه ولم يعلم كذبه تعين التوقف عن تكذيبه ‪ ,‬لن‬
‫الناس مأمونون على أنسابهم فليسلم له حاله ‪ ,‬ول ينبغى للنسان أن يتحسى سما ‪ ,‬وهو‬
‫قادر على السلمة ‪ ,‬وإذا كان المنسوبون لرجل صالح يتوقاهم الناس ويعظمونهم لجل‬
‫ذلك فما بالك بالمنسوبين إلى سيد الخلق كلهم صلى ال عليه وآله وسلم وشرف وكرم ‪,‬‬
‫وحشرنا فى زمرة محبيه ومحبى آله وأصحابه آمين انتهى وهو كلم فى غاية التحقيق ‪,‬‬
‫وسوى أن قوله أكاد أجزم أن حقيقة الكفر ل تقع إلى آخره الولى فيه حذف أكاد لما تقدم‬
‫فى المقصد الول من آية التطهير والحاديث الواردة بالقطع لهم فى الجنة وعدم انقطاع‬
‫نسبهم يوم القيامة فإنه يدل على عدم وقوع حقيقة الكفر منهم بيقين ‪ ,‬وقوله وإن لم يثبت‬
‫نسبه شرعا وادعاه الخ كلم حسن ‪ ,‬وأحسن منه قول سيدى عبد الوهاب الشعرانى فى‬
‫البحر المورود ‪ :‬واعلم يا أخى أن تعظيمنا للشريف الذى طعن فى صحة شرفه أوجه‬
‫عند رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم من تعظيم من صح نسبه ‪ ,‬لن المحقق شرفه‬
‫ل جميلة لحد فى تعظيمه بخلف غير المحقق الشرف إذا عظمناه على الرائحة فتأمل‬
‫‪ .‬انتهى‬
‫ومن خصائصهم رضى ال تعالى عنهم ‪:‬‬
‫اتصال نسبهم به صلى ال عليه وآله وسلم يوم القيامة وانتفاعهم به ‪ ,‬بخلف سائر‬
‫طٌع َيْومَ‬
‫ب يْنَق ِ‬
‫س ٍ‬
‫ب َوَن َ‬
‫سَب ٍ‬
‫ل َ‬
‫النساب فإنها تنقطع ول ينتفع بها كما صرح به حديث " ُك ّ‬
‫سبي " ‪ .‬وحديث " ما بال أقوام يقولون ‪ :‬إن رحم رسول ال صلى‬ ‫سَبِبي وَن َ‬
‫اْلِقَياَمِة ِإل َ‬
‫ال عليه وسلم ل تنفع يوم القيامة ‪ ,‬بلى إن رحمى موصولة فى الدنيا والخرة ‪ ,‬وإنى‬
‫‪ " .‬أيها الناس فرط لكم على الحوض‬
‫وقوله تعالى ‪:‬‬
‫ن ( ونحوه مخصوص بغيرهم‬
‫ساءُلو َ‬
‫ل َيَت َ‬
‫) ل أنساب َبْيَنُهْم َيْوَمِئٍذ َو َ‬
‫ومن خصائصهم رضى ال تعالى عنهم ‪:‬‬
‫أن وجودهم فى الرض أمان لهلها كما وردت به الحاديث كقوله صلى ال عليه وآله‬
‫‪ :‬وسلم‬
‫النجوم أمان لهل السماء ‪ ,‬وأهل بيتى أمان لهل الرض وفى الرض " وفى رواية ‪:‬‬
‫أمان لمتى ‪ .‬وقد تقدم شرح ذلك فى المقصد الول ‪ .‬واتفق شرح الحديث على‬
‫تفسير أهل البيت فى الحديث بالذرية ‪ ,‬وانفرد الترمذى فذهب إلى أن المراد منهم‬
‫‪ .‬البدال وقد سبق الرد فارجع إليه إن شئت‬
‫قال العلمة ابن حجر ‪ :‬والحكمة فى اختصاص أولد فاطمة بهذا الشرف دون أولد‬
‫سائر بناته صلى ال عليه وآله وسلم ما اختصت به رضى ال تعالى عنها من المزايا‬
‫الكثيرة على أخواتها ‪ :‬منها ما ورد أن ال تعلى زوجها لعلى كرم ال تعالى وجهه فى‬
‫السماء قبل أن يتزوجها فى الرض ‪ ,‬ومنها تمييزها عليهن بأنها سيدة نساء أهل الجنة ‪,‬‬
‫ومنها تمييزها عليهن بتسميتها بالزهراء إما لكونها ل تحيض من غير علة فكانت كنساء‬
‫الجنة ‪ ,‬وإما لكونها على ألوان نساء الجنة أو لغير ذلك ‪ ,‬فهذه المذكورات ونحوها مما‬
‫امتازت به من الفضائل ل يبعد أن يكون هو الحكمة فى نسلها فى العالم أمنا له من‬
‫عموم الفتن ‪ :‬أخبر الصادق المصدوق صلى ال عليه وآله وسلم بذلك بأنهم فى ذلك‬
‫‪ :‬كالقرآن بقوله‬
‫إنى تارك فيكم الثقلين ‪ :‬كتاب ال ‪ ,‬وعترتى ‪ ,‬لن تضلوا ما استمسكتم بهما أبدا " ‪" .‬‬
‫قال ‪ :‬وأما الشرف الناشىء عما فيهم من البضعة الكريمة فل يخص بأولد فاطمة فقد‬
‫صرح المحققون بأنه لو عاش نسل زينب من أبى العاص أو نسل رقية وأم كلثوم من‬
‫عثمان رضى ال تعالى عنهم لكان لهم من الشرف والسيادة ما لنسل فاطمة رضى ال‬
‫‪ .‬تعالى عنها‬
‫ومن خصائصهم رضى ال تعالى عنهم ‪:‬‬
‫أنهم أول من يدخل الجنة ‪ .‬روى الثعلبى عن على رضى ال تعالى عنه وكرم ال وجهه‬
‫قال ‪ :‬شكوت إلى رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم حسد الناس فقال لى ‪:‬‬
‫" أما ترضى أن تكون رابع أربعة ‪ ,‬أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين‬
‫‪ " .‬وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا‬
‫ومن خصائصهم رضى ال تعالى عنهم ‪:‬‬
‫أنهم مع كونهم أولد بنته فاطمة ‪ ,‬يسمون أبناءه وينسبون إليه صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫نسبة صحيحة أخرج الطبرانى قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪:‬‬
‫" إن ال عز وجل جعل ذرية كل نبى فى صلبه ‪ ,‬وإن ال تعالى جعل ذريتى فى صلب‬
‫على ابن أبى طالب " ‪.‬‬
‫وقوله عليه الصلة والسلم ‪ " :‬كل بنى أم ينتمون إلى عصبة إل ولد فاطمة فأنا وليهم‬
‫وأنا عصبتهم " قال فى السعاف ‪ :‬هذه الخصوصية لولد فاطمة فقط دون أولد بقية‬
‫بناته صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فل يطلق عليه صلى ال عليه وآله وسلم أنه أب لهم‬
‫وأنهم بنوه كما يطلق ذلك فى أولد فاطمة ‪ ,‬نعم يطلق عليهم أنهم من ذريته ونسله‬
‫‪ .‬وعقبه انتهى‬
‫وتقدم لك عن ابن حجر أنهم لو عاشوا لكان لهم من الشرف والسيادة ما لولد فاطمة‬
‫‪ .‬من حيث البضعة الشريفة‬
‫‪ :‬وعد الصبان من خصائصهم رضى ال تعالى عنهم‬
‫أن من صنع مع أحد منهم معروفا كافأه النبى صلى ال عليه وآله وسلميوم القيامة لقوله‬
‫‪ :‬صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫من أراد التوسل وأن يكون له عندى يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتى "‬
‫‪ " .‬ويدخل السرور عليهم‬
‫قال ‪ :‬ومنها أن محبتهم تطّول العمر وتبيض الوجه يوم القيامة ‪ ,‬وبضد ذلك بغضهن كما‬
‫‪ :‬فى خبر أورده فى الصواعق أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال‬
‫خّوله فليخلفنى فى أهلى خلفة "‬ ‫من أحب أن ينسأ " أى يؤخر " أجله وأن ُيمّتع بما ُ‬
‫‪ .‬حسنة ‪ ,‬فمن لم يخلفنى فيهم بتر عمره ‪ ,‬وورد علىّ يوم القيامة مسودا وجهه " اهـ‬
‫وهذا المعنى يوجد فى أصحابه صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فإنا نرى مبغضيهم سود‬
‫الوجوه فى الدنيا قبل الخرة كما هو مشاهد لكل من فى قلبه إيمان والمراد من طول‬
‫‪ .‬العمر حصول البركة فيه حتى تكثر حسنات صاحبه وتقل سيئاته فافهم‬
‫* * * *‬
‫بعض فضائل الخمسة أهل العباء‬
‫‪ " :‬أما سيدهم " رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫وأنه خير خلق ال كلهم‬ ‫فمبلغ العلم فيه أنه بشر‬
‫لم يصل إلى ما وصل إليه صلى ال عليه وآله وسلم من الكمال والقرب من ذى الجلل‬
‫نبى مرسل ‪ ,‬ول ملك مقرب ‪ ,‬وقد صرح الئمة العلم كالفخر الرازى وابن حجر‬
‫وغيرهما بأن فضائل سائر الرسل والنبياء لو اجتمعت فى واحد وقوبلت بفضائله صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم لرجحت فضائله صلى ال عليه وآله وسلم عليها ‪ ,‬فهو أفضلهم‬
‫خصوصا وعموما ‪ ,‬وكما أنه صلى ال عليه وآله وسلم أفضل الخلق على الطلق ‪,‬‬
‫فشريعته أفضل الشرائع ‪ ,‬وأمته خير المم ‪ ,‬وآله خير الل ‪ ,‬وأصحابه خير‬
‫الصحاب ‪ ,‬ويجب على كل مسلم مطالعة الكتب التى ألفت فى فضائله وأوصافه‬
‫الشريفة صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬كالشفاء والمواهب وكتب السير حتى يعرف منزلة‬
‫نبيه صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وما خوله ال تعالى مما تعجز عن بيان حقيقته اللسنة‬
‫والقلم ‪ ,‬ول يزيد إل جدة على تقادم الليالى واليام ‪ ,‬ومجمل القول فيه أنه خير خلق‬
‫ال تعالى وليس فوقه إل ال أماتنا ال تعالى على ملته وحشرنا فى زمرته بجاهه صلى‬
‫‪ .‬ال عليه وآله وسلم‬
‫وقد حبب لى أن أذكر هنا كيفية الصلة عليه صلى ال عليه وآله وسلم لسيدى العارف‬
‫بال تعالى محمد بن أبى الحسن البكرى الكبير رضى ال تعالى عنه لنها من أبلغ‬
‫الكيفيات وأجمع الصلوات ‪ ,‬وقد اشتملت من صفاته الشريفة صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ :‬على أكمل الصفات وهى‬
‫صلة سيدى محمد البكرى‬
‫رضى ال تعالى عنه‬
‫اللهم صلى وسلم على نورك السنى ‪ ,‬وسرك البهى ‪ ,‬وحبيبك العلى ‪ ,‬وصفيك‬
‫الزكى ‪ ,‬واسطة أهل الحب ‪ ,‬وقبلة أهل القرب ‪ ,‬روح المشاهد الملكوتية ‪ ,‬ولوح‬
‫السرار القيومية ‪ ,‬ترجمان الزل والبد ‪ ,‬لسان الغيب الذى ل يحيط به أحد ‪ ,‬صورة‬
‫الحقيقة الفردانية ‪ ,‬وحقيقة الصورة المزينة بالنوار الرحمانية ‪ ,‬إنسان ال المختص‬
‫بالعبارة عنه ‪ ,‬سر قابلية التهيؤ المكانى المتلقية منه ‪ ,‬أحمد من حمد وحمد عند ربه ‪,‬‬
‫محمد الباطن والظاهر بتفعيل التكميل الذاتى فى مراتب قربه ‪ ,‬غاية طرفى الدورة‬
‫النبوية المتصلة بالول نظرا وإمدادا ‪ ,‬بداية نقطة النفعال الوجودى إرشادا وإسعادا ‪,‬‬
‫إمين ال على سر اللوهية المطلسم ‪ ,‬وحفيظه على غيب اللهوتية المكتم ‪ ,‬من ل تدرك‬
‫العقول الكاملة منه إل مقدار ما تقوم عليها به حجته الباهرة ‪ ,‬ول تعرف النفوس‬
‫العرشية من حقيقته إل ما يتعرف لها به من لوامع أنواره الزاهرة ‪ ,‬منتهى همم القدسيين‬
‫وقد بدوا مما فوق عالم الطبائع ‪ ,‬مرمى أبصار الموحدين وقد طمحت لمشاهدة السر‬
‫الجامع ‪ ,‬من ل تجلى أشعة ال لقلب إل من مرآة سره ‪ ,‬وهى النور المطلق ‪ ,‬ول تتلى‬
‫مزاميره على لسان إل برنات ذكره وهو الوتر الشفعى المحقق ‪ ,‬المحكوم بالجهل على‬
‫كل من ادعى معرفة ال مجردة فى نفس المر عن نفسه المحمدى ‪ ,‬الفرع الحدثانى‬
‫المترعرع فى نمائه بما يمد به كل أصل أبدى ‪ ,‬جنى شجرة القدم ‪ ,‬خلصة نسختى‬
‫الوجود والعدم ‪ ,‬عبد ال ونعم العبد الذى به كمال الكمال ‪ ,‬وعابد ال بال بل حلول ول‬
‫اتحاد ول اتصال ول انفصال ‪ ,‬الداعى إلى ال على صراط مستقيم ‪ ,‬نبى النبياء وممد‬
‫الرسل ‪ ,‬عليه بالذات وعليهم منه أفضل الصلة وأشرف التسليم ‪ ,‬يا أل يا رحمن يا‬
‫رحيم ‪ ,‬اللهم صل وسلم على جمال التجليات الختصاصية ‪ ,‬وجلل التدليات‬
‫الصطفائية ‪ ,‬الباطن بك فى غيابات العز الكبر ‪ ,‬الظاهر بنورك فى مشارق المجد‬
‫الفخر ‪ ,‬عزيز الحضرة الصمدية ‪ ,‬وسلطان المملكة الحدية ‪ ,‬عبدك من حيث أنت كما‬
‫هو عبدك من حيث كافة أسمائك وصفاتك ‪ ,‬مستوى تجلى عظمتك وعلمك ورحمتك‬
‫وحكمك فى جميع مخلوقاتك من كملت بنور قدسك مقلته فرأى ذاتك العلية جهارا ‪,‬‬
‫وسترت عن كل أحد من خلقك فى باطنه لك أسرارا ‪ ,‬وفلقت بكلمة خصوصيته‬
‫المحمدية بحار الجمع ‪ ,‬ومتعت منه بمعرفتك وجمالك وخطابك القلب والبصر والسمع‬
‫وأخرت عن مقامه تأخيرا ذاتيا كل أحد ‪ ,‬وجعلته بحكم أحديتك وتر العدد ‪ ,‬لواء عزتك‬
‫الخافق ‪ ,‬لسان حكمتك الناطق ‪ ,‬سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ‪ ,‬وشيعته ووارثيه‬
‫وحزبه ‪ ,‬ياأل يارحمن يارحيم ‪ .‬اللهم صلى وسلم على دائرة الحاطة العظمى ‪ ,‬ومركز‬
‫محيط الفلك السمى ‪ ,‬عبدك المختص من علومك بما لم تهىء له أحدا من عبادك ‪,‬‬
‫سلطان ممالك العزة بك فى كافة بلدك ‪ ,‬بحر أنوارك الذى تلطمت برياح التعين‬
‫الصمدانى أمواجه ‪ ,‬قائد جيش النبوة الذى تسارعت بك إليك أفواجه ‪ ,‬خليفتك على كافة‬
‫خليقتك ‪ ,‬أمينك على جميع بريتك ‪ ,‬من غاية المجد المجيد فى الثناء عليه العتراف‬
‫بالعجز عن اكتناه صفاته ‪ ,‬ونهاية البليغ المبالغ أن ل يصل إلى مبالغ الحمد على‬
‫مكارمه وهباته ‪ ,‬سيدنا وسيد كل من لك عليه سيادة ‪ ,‬محمدك الذى استوجب من الحمد‬
‫بك لك إصداره وإيراده ‪ ,‬وعلى آله الكرام ‪ ,‬وأصحابه العظام ‪ ,‬ووراثه الفخام ‪ ,‬الحمد ل‬
‫وسلم على عباده الذين اصطفى " سبعا "‪ :‬أى يكرر هذه الية تالى الصلوات سبع‬
‫مرات ثم يقول ‪ :‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلم على المرسلين والحمد ل‬
‫رب العالمين ‪ ,‬ويقرأ الفاتحة ‪ ,‬ويهديها لمنشىء هذه الصلوات ويقول ‪ :‬ربنا تقبل منا إنك‬
‫أنت السميع العليم ‪ ,‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ‪ ,‬وصلى ال وسلم على سيدنا‬
‫‪ .‬محمد وعلى آله وأخوانه من النبياء والمرسلين والحمد ل رب العالمين‬

‫هذه الصلوات الشريف تلقاها صاحبها القطب الكبير سيدى محمد البكرى رضى ال‬
‫تعالى عنه من إملء رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم كما صرح بذلك سيدى‬
‫العارف بال السيد مصطفى البكرى رضى ال تعالى عنه فى شرحه علها والشيخ محمد‬
‫البديرى القدسى فى ثبتة ‪ ,‬وذكر لها فضل عظيما ‪ ,‬ومزايا جليلة ‪ ,‬ذكرتها فى كتابى "‬
‫أفضل الصلوات على سيد السادات " فمن شاءها فليرجع إليه وهو كتاب نفيس فى بابه‬
‫جامع لغرز صيغ الصلوات على النبى صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ل يستغنى عنه كل‬
‫‪ .‬مسلم‬
‫* * * * *‬ ‫السيدة فاطمة الزهراء رضى ال‬
‫روى الترمذى وغيره‬ ‫تعالى عنها‬
‫عن أسامة بن زيد رضى ال تعالى عنهما أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال "‬
‫ى فاطمة " ‪.‬‬‫أحب أهلى إل ّ‬
‫وروى الطبرانى عن أبى هريرة أن على بن أبى طالب رضى ال تعالى عنه قال ‪:‬‬
‫ى منك ‪ .‬وأنت أعز عل ّ‬
‫ى‬ ‫يارسول ال أينا أحب إليك أنا أم فاطمة ؟ قال " فاطمة أحب إل ّ‬
‫قال سيدى عبد الوهاب الشعرانى ‪ :‬فصرح صلى‬ ‫منها "‬
‫ى ‪ ,‬وأما كونه أعز فنحتاج إلى دليل هل‬ ‫ال عليه وآله وسلم بأن فاطمة أحب إليه من عل ّ‬
‫‪ .‬هو أعلى من أحب أم دونه ؟ فتأمل اهـ‬
‫‪ :‬وروى عن كثير من الصحابة أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال‬
‫إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش ‪ :‬يأهل الجمع نكسوا رءوسكم "‬
‫وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط إلى الجنة " ‪.‬‬
‫وعن أبى أيوب " فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق " ‪.‬‬
‫وروى ابن حبان عن عائشة رضى ال تعالى عنها قالت ‪ :‬ما رأيت أحدا أشبه كلما‬
‫وحديثا برسول ال صلى ال عليه وآله وسلم من فاطمة ‪ ,‬وكانت إذا دخلت قام إليها‬
‫‪ .‬ورحب بها وأخذ بيدها وأجلسها فى مجلسه‬
‫وروى الطبرانى بإسناد صحيح على شرط الشيخين ‪ .‬قالت عائشة رضى ال تعالى عنها‬
‫‪ : .‬ما رأيت أحدا قط أفضل من فاطمة غير أبيها‬
‫وروى الطبرانى وغيره بإسناد حسن عن على أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ :‬قال لفاطمة‬
‫‪ " .‬إن ال يغضب لغضبك ويرضى لرضاك "‬
‫‪ " .‬وفى الجامع الصغير " فاطمة بضعة منى يغضبنى ما يغضبها‬
‫‪ " .‬وفى رواية " فمن أغضبها أغضبنى‬
‫وروى ابن حبان وغيره عن أبى هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪:‬‬
‫" إن ملكا من السماء لم يكن زارنى فأستأذن ربى فى زيارتى فبشرنى وأخبرنى أن‬
‫‪ :‬فاطمة سيدة نساء أمتى " وروى ابن عبد البر أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال لها‬
‫يابنّية أل ترضين أنك سيدة نساء العالمين ؟ قالت ياأبت فأين مريم ؟ قال ‪ :‬تلك سيدة "‬
‫‪ " .‬نساء عالمها‬
‫وصرح بأفضليتها على سائر النساء حتى السيدة مريم كثير من العلماء المحققين منهم‬
‫‪ .‬التقى السبكى والجلل السيوطى والبدر الزركشى والتقى المقريزى‬
‫وعبارة السبكى حين سأل عن ذلك ‪ :‬الذى نختاره وندين ال به أن فاطمة بنت محمد‬
‫‪ ,‬أفضل‬
‫وسئل عن مثل ذلك ابن أبى داود فقال ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال ‪:‬‬
‫" فاطمة بضعة منى " ‪ .‬ول أعدل ببضعة رسول ال أحدا ‪ :‬وعبارة المناوى فى شرح‬
‫‪ :‬قوله صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " ‪.‬‬
‫قال جمع من السلف والخلف ‪ :‬ل نعدل ببضعة المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم أحدا‬
‫‪ ,‬قال البعض ‪ :‬وبه يعلم أن بقية اولده صلى ال عليه وآله وسلم كفاطمة رضى ال‬
‫‪ .‬تعالى عنها انتهى‬
‫وقال الحافظ ابن حجر ‪ :‬يدل لتفضيل بناته على زوجاته خبر أبى يعلى عن عمر‬
‫‪ " .‬مرفوعا " تزوج حفصة خير من عثمان ‪ ,‬وتزوج عثمان خير من حفصة‬
‫وروى النسائى أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال ‪:‬‬
‫‪ " " .‬إن ابنتى فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث‬
‫قال الحافظ السيوطى فى الخصائص ‪:‬‬
‫ومن خصائص ابنته فاطمة أنها كانت ل تحيض ‪ ,‬وكان إذا ولدت طهرت من نفاسها بعد‬
‫ساعة حتى لتفوتها صلة ولذلك سميت الزهراء ‪ ,‬ولما جاعت وضع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله وسلم يده على صدرها فما جاعت بعد ‪ ,‬ولما احتضرت غسلت نفسها ‪,‬‬
‫‪ .‬وأوصت أن ل يكشفها أحد فدفنها على رضى ال تعالى عنه بغسلها ذلك ا هـ‬
‫وأما تسميتها بالبتول فقال الصبان ‪ :‬سميت بذلك لنقطاعها عن نساء زمانها فضل ودينا‬
‫ونسبا ‪ .‬والبتل فى اللغة ‪ :‬القطع ‪ ,‬قال ‪ :‬ومع كونها فى تلك المنزلة الرفيعة كانت رضى‬
‫ال تعالى عنها فى غاية من ضيق العيش ‪ ,‬تنبيها للغافلين على أن الدنيا ليست مطمح‬
‫‪ .‬نظر الكاملين‬
‫روى أحمد " أن بلل أبطأ عن صلة الصبح فقال له النبى صلى ال عليه وآله وسلم ما‬
‫حبسك قال ‪ :‬مررت بفاطمة ‪ ,‬وهى تطحن والصبى يبكى فقلت ‪ :‬إن شئت كفيتك الرحا ‪,‬‬
‫‪ " .‬وإن شئت كفيتك الصبى ‪ ,‬فقالت أنا أرفق بإبنى منك ‪ ,‬فذاك الذى حبسنى عنك‬
‫وروى أحمد بسند جيد عن على أنه قال لفاطمة قد جاء أباك خدم كثير فاذهبى‬
‫فاستخدميه ثم أتيا إليه جميعا ‪ ,‬فقالت فاطمة ‪ :‬يارسول ال لقد طحنت حتى كلت يدى ‪,‬‬
‫وقد جاءك ال بسبعة فأخدمنا ‪ :‬يعنى أعطنا خادما فقال ‪:‬‬
‫صّفة تطوى بطونهم من الجوع ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬إل أخبركما‬ ‫" وال ل أعطيك وأدع أهل ال ّ‬
‫ن جبريل ‪ :‬إذا أتيتما إلى فراشكما‬
‫بخير مما سألتمانى ؟ فقال بلى قال ‪ :‬كلمات عّلمنيه ّ‬
‫ى وسبحا ثلثا وثلثين وأحمدا ثلثا وثلثين وكبرا أربعا وثلثين " ا هـ‬ ‫فاقرآ آية الكرس ّ‬
‫‪.‬‬
‫ى رضى ال عنه بأمر ال تعالى فى السنة‬ ‫وقد زوجها صلى ال عليه وآله وسلم لعل ّ‬
‫الثانية من الهجرة ‪ .‬عقد عليها فى المحرم على بعض الروايات ‪ ,‬ودخل بها فى ذى‬
‫الحجة ‪ ,‬وهى ابنة خمس عشرة سنة ‪ ,‬وهو ابن إحدى وعشرين سنة ‪ ,‬ولم يتزوج عليها‬
‫حتى ماتت ودعا لها صلى ال عليه وآله وسلم ليلة الدخول بقوله " اللهم إنى أعيذها بك‬
‫ودعا بمثله‬ ‫وذريتها من الشيطان الرجيم " ‪.‬‬
‫‪ " .‬لعلى رضى ال تعالى عنه ‪ ,‬ولهما بقوله أيضا ‪" :‬جمع ال شملكما‬
‫فجعل ال نسلهما مفاتيح الرحمة ‪ ,‬ومعادن الحكمة ‪ .‬وأمن المة ‪ ,‬وبقوله صلى ال عليه‬
‫‪ :‬وآله وسلم مخاطبا لهما‬
‫" بارك ال لكما ‪ ,‬وبارك فيكما ‪ ,‬وأعز جّدكما ‪ ,‬وأخرج منكما الكثير الطيب "‬
‫قال أنس رضى ال تعالى عنه ‪ :‬فوال لقد أخرج منهما الكثير الطيب ‪ ,‬وهذه خطبته عليه‬
‫الصلة والسلم حين عقد النكاح بعد أن دعا أجلء الصحابة من المهاجرين والنصار ‪,‬‬
‫فلما اجتمعوا لديه وأخذوا مجالسهم وكان على رضى ال تعالى عنه غائبا قال ‪ :‬صلى‬
‫‪ :‬ال عليه وآله وسلم‬
‫الحمد ل المحمود بنعمته‪ ،‬المعبود بقدرته‪ ،‬المطاع سلطانه‪ ،‬المرهوب من عذابه "‬
‫وسطوته‪ ،‬النافذ أمره في سمائه وأرضه‪ ،‬الذي خلق الخلق بقدرته‪ ،‬وميزهم بأحكامه‪،‬‬
‫وأعزم بدينه‪ ،‬وأكرمهم بنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬إن ال تبارك اسمه‪ ،‬وتعالت‬
‫عظمته‪ ،‬جعل المصاهرة نسبًا لحقًا‪ ،‬وأمرًا مفترضًا أوشج به الرحام‪ ،‬وألزم النام‪،‬‬
‫صْهرًا فأمر ال تعالى‬
‫سبًا َو ِ‬
‫جَعَلُه َن َ‬
‫شرًا فَ َ‬ ‫ن اْلَماِء َب َ‬
‫ق ِم َ‬‫خَل َ‬
‫فقال عز من قائل‪َ " :‬وُهَو اّلِذي َ‬
‫يجري إلى قضائه‪ ،‬وقضاؤه يجرى إلى قدره‪ ،‬ولكل قضاء قدر‪ ،‬ولكل قدر أجل‪ ،‬ولكل‬
‫ب " ثم إن ال تعالى أمرني أن‬ ‫عنَدُه ُأّم اْلكَِت ِ‬
‫ت َو ِ‬‫شاُء َوُيّثب ُ‬
‫ل َما َي َ‬
‫حوْا ا ُّ‬
‫أجل كتاب " َيْم ُ‬
‫أزوج فاطمة من علي ابن أبي طالب‪ ،‬فاشهدوا أني قد زوجته إياها على أربعمائة مثقال‬
‫‪ " .‬فضة إن رضي علي بذلك‬
‫ثم دخل علي رضي ال عنه‪ ،‬فتبسم رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم في وجهه وقال‪:‬‬
‫‪ " .‬إن ال عز وجل أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة أرضيت بذلك ؟‬
‫فخطب خطبة وقال ‪ :‬رضيت بذلك يا رسول ال ‪ ,‬ولم يتزوج عليها رضى ال تعالى‬
‫عنها حتى ماتت ‪ ,‬ولما خطب جويرية بنت أبى جهل قام صلى ال عليه وآله وسلم على‬
‫‪ :‬المنبر وقال‬
‫إن بني هاشم ابن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب‪ ،‬فل آذن "‬
‫لهم ثم ل آذن لهم إل أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم‪ ،‬إنما هى‬
‫بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها ‪ ,‬وال ل تجتمع بنت رسول ال وبنت عدو‬
‫‪ " .‬ال عند رجل أبدا‬
‫ى رضى ال عنه أن ينكح على‬ ‫ى الخطبة ‪ .‬قال أبو داود ‪ :‬حرم ال على عل ّ‬
‫فترك عل ّ‬
‫فاطمة رضى ال تعالى عنها مدة حياتها ‪ .‬توفيت رضى ال تعالى عنها بعد أبيها صلى‬
‫‪ .‬ال عليه وآله وسلم بستة أشهر ليلة الثلثاء لثلث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة‬
‫* * * *‬
‫أبو الحسنين أمير المؤمنين على بن أبى طالب‬
‫رضى ال تعالى عنه‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ :‬هو أول الناس إسلما فى قول الكثير من أهل العلم ‪ .‬ولد قبل‬
‫البعثة بعشر سنين على الصحيح فربى فى حجر النبى صلى ال عليه وآله وسلم ولم‬
‫‪ :‬يفارقه ‪ ,‬وشهد معه المشاهد كلها إل غزوة تبوك فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة‬
‫‪ " .‬أل ترضى أن تكون مّنى بمنزلة هارون من موسى "‬
‫وزوجه ابنته فاطمة ‪ ,‬وكان اللواء بيده فى أكثر المشاهد ‪ ,‬ولما آخى النبى صلى ال عليه‬
‫‪ :‬وآله وسلم بين أصحابه قال له‬
‫‪ " .‬أنت أخى "‬
‫ومناقبه كثيرة حتى قال المام أحمد ‪ :‬لم ينفل لحد من الصحابة ما نقل لعلى ‪ .‬وقال‬
‫غيره ‪ :‬وكان سبب ذلك تنقيص بنى أمية له ‪ ,‬فكان كل من كان عنده علم من شىء من‬
‫مناقبه من الصحابة يثبته ‪ ,‬وكلما أرادوا إخماده وهددوا من حدث بمناقبه ل تزداد إل‬
‫انتشارا ‪ ,‬وقد ولد له الرافضة مناقب موضوعة هو غنى عنها ‪ .‬وتتبع النسائى ما خص‬
‫‪ .‬به دون الصحابة فجمع من ذلك شيئا كثيرا أسانيد أكثرها جياد‬
‫ن الّراية غدا إلى رجل يحب ال ورسوله ويحبه ال ورسوله ‪ ,‬يفتح ال على يديه‬ ‫" لدفع ّ‬
‫‪.‬‬
‫فلما أصبح رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم غدوا وكل واحد منهم يرجو أن يعطاها‬
‫‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫ى بن أبى طالب ؟ "‬ ‫‪ " .‬أين عل ّ‬
‫فقالوا هو يشتكى عينه ‪ ,‬فأتى به فبصق فى عينيه فدعا له خيرا وأعطاه الراية ‪ .‬وعن‬
‫عمر رضى ال تعالى عنه ‪ :‬ما أحببت المارة إل ذلك اليوم ‪ ,‬وروى عبد ال بن أحمد‬
‫بن حنبل من حديث جابر أن النبى صلى ال عليه وآله وسلم لما دفع الراية لعلى يوم‬
‫خيبر أسرع فجعلوا يقولون له ارفق حتى انتهى إلى الحصن فاجتذب بابه فألقاه على‬
‫الرض ‪ ,‬ثم اجتمع عليه سبعون رجل ‪ ,‬حتى أعادوه ‪ :‬وبعثه صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ :‬ليقرأ سورة براءة على قريش وقال‬
‫‪ :‬ل يذهب إل رجل منى وأنا منه " وقال لبنى عمه "‬
‫‪ " .‬أيكم يوالينى فى الدنيا والخرة ؟ "‬
‫‪ :‬فأبوا فقال على ‪ :‬أنا ‪ ,‬فقال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬إنه ولّيى فى الدنيا والخرة "‬
‫‪ :‬وعن عمران بن حصين رضى ال تعالى عنه أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال‬
‫‪ " .‬ما تريدون من علي إن عليا مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي "‬
‫ونقل الحافظ ابن حجر فى الصابة عن مسند أحمد بن حنبل بسند جيد عن علي رضى‬
‫‪ :‬ال تعالى عنه قيل‬
‫يا رسول ال‪ :‬من تؤمر بعدك ؟ قال‪ " :‬إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا "‬
‫راغبا في الخرة ‪ ,‬وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا ل يخاف في ال لومة لئم ‪ ,‬وإن‬
‫‪ " .‬تؤمروا عليا وما أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم‬
‫ى ‪ :‬يا ابن عباس إذا صليت العشاء الخرة فالحق إلى‬ ‫وعن ابن عباس قال قال لى عل ّ‬
‫الجبانة قال ‪ :‬فصليت ولحقته وكانت ليلة مقمرة قال فقال لى ‪ :‬ما تفسير اللف من الحمد‬
‫؟ قلت ‪ :‬ل أعلم ‪ ,‬فتكلم فى تفسيرها ساعة تامة ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬ما تفسير اللم من الحمد ؟‬
‫قلت ‪ :‬ل أعلم ‪ ,‬فتكلم فيها ساعة تامة ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬ما تفسير الحاء من الحمد ؟ قلت ‪ :‬ل‬
‫أعلم ‪ ,‬فتكلم فيها ساعة تامة ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬ما تفسير الميم من الحمد ؟ قلت ‪ :‬ل أعلم قال‬
‫فتكلم فى تفسيرها ساعة تامة ‪ ,‬قال ‪ :‬فما تفسير الدال من الحمد ؟ قال قلت ل أدرى ‪,‬‬
‫فتكلم فيها إلى أن بزغ عمود الفجر قال ‪ :‬وقال لى قم يا ابن عباس إلى منزلك فتأهب‬
‫لفرضك فقمت ‪ ,‬وقد وعيت ما قال ثم تفكرت فإذا علمى بالقرآن فى علم على ‪ ,‬كالقرارة‬
‫فى المثعنجر قال ‪ :‬القرارة ‪ :‬الغدير الصغير والمثعنجر ‪ :‬البحر ‪ ,‬وقال ابن عباس ‪ :‬علم‬
‫رسول ال من علم ال ‪ ,‬وعلم على من علم رسول ال وعلمى من علم على ‪ ,‬وما علمى‬
‫ى إل كقطرة فى سبعة أبحر‬ ‫‪ .‬وعلم أصحاب محمد فى علم عل ّ‬
‫فانظر كيف تفاوت الخلق فى العلوم والفهوم ‪ .‬ويقال أن عبد ال بن عباس أكثر البكاء‬
‫ى حتى ذهب بصره قال أبو الطفيل ‪ :‬شهدت عليا يخطب وهو يقول ‪ " :‬سلونى‬ ‫على عل ّ‬
‫فوال ما من آية إل وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم فى سهل أم فى جبل ‪ ,‬ولو شئت أو‬
‫ى تسعة‬ ‫قرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب " ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬لقد أعطى عل ّ‬
‫أعشار العلم ‪ ,‬وايم ال لقد شاركهم في العشر العاشر ‪ ,‬وكان معاوية يكتب فيما ينزل به‬
‫ى بن أبى طالب ‪ ,‬فلما بلغه قتله قال ‪ :‬لقد ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبى‬‫فيسأل عل ّ‬
‫طالب ‪ ,‬وكان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن ‪ ,‬وسئل عطاء أكان في‬
‫ى ؟ قال ‪ :‬ل وال ما أعلمه ‪ .‬وقال معاوية يوما لضرار‬ ‫أصحاب محمد أحد أعلم من عل ّ‬
‫ى صف لى عليا قال ‪ :‬أعفني يا أمير المؤمنين‪ .‬قال‪ :‬لتصفنه ‪,‬‬ ‫الصدائى أحد أصحاب عل ّ‬
‫ل ويحكم‬ ‫قال‪ :‬أما إذ ل بد من وصفه ‪ :‬فكان ‪ ,‬وال ‪ ,‬بعيد المدى شديد القوى ‪ ,‬يقول فص ً‬
‫ل ‪ ,‬يتفجر العلم من جوانبه ‪ ,‬وتنطق الحكمة من نواحيه ‪ ,‬ويستوحش من الدنيا‬ ‫عد ً‬
‫وزهرتها ‪,‬ويستأنس بالليل ووحشته ‪ ,‬وكان غزير العبرة طويل الفكرة ‪ ,‬يعجبه من‬
‫اللباس ما قصر ‪ ,‬ومن الطعام ما خشن ‪ ,‬وكان فينا كأحدنا ‪ ,‬يجيبنا إذا سألناه ‪ ,‬وينبئنا إذا‬
‫استنبأناه ‪ ,‬ونحن وال مع تقريبه إيانا وقربه منا ل نكاد نكلمه هيبًة له يعظم أهل الدين‬
‫ويقرب المساكين ‪ ,‬ل يطمع القوي في باطله ‪ ,‬ول ييئس الضعيف من عدله ‪ ,‬وأشهد أنه‬
‫لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله قابضًا على لحيته يتململ تململ السليم‬
‫ي تعرضت أم إلي تشوفت هيهات‬ ‫‪ ,‬ويبكي بكاء الحزين ويقول ‪ :‬يا دنيا غري غيري أل ّ‬
‫قد أبنتك ثلثًا ل رجعة فيها ‪ ،‬فعمرك قصير ‪ ,‬وخطرك قليل ‪ .‬آٍه من قلة الزاد ‪ ,‬وبعد‬
‫السفر ‪ ,‬ووحشة الطريق ‪ ,‬فبكى معاوية وقال ‪ :‬رحم ال أبا الحسن ‪ ،‬كان وال كذلك ‪,‬‬
‫فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال ‪ :‬حزنى حزن من ذبح ولدها على حجرها ‪ .‬وسيأتى‬
‫تخصيصه أيضا بذكر نبذة أخرى من فضائله مع الخلفاء الراشدين في خاتمة هذا الكتاب‬
‫‪ .‬إظهارا للمزيتين وإيفاء بحق الفضيلتين‬
‫* * * *‬
‫المام الحسن رضى ال تعالى عنه أبو محمد الحسن‬
‫أمير المؤمنين سبط رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫وريحانته رضى ال تعالى عنه‬
‫هو آخر الخلفاء الراشدين بنص الحديث ‪ .‬ولد رضى ال تعالى عنه فى نصف شهر‬
‫رمضان سنة ثلث من الهجرة ‪ ,‬سماه النبى صلى ال عليه وآله وسلم الحسن ‪ ,‬وعق‬
‫عنه يوم سابعه ‪ ,‬وحلق شعره وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضة قال أبو أحمد العسكرى‬
‫‪ :‬سماه النبى صلى ال عليه وآله وسلم الحسن وكناه أبا محمد ولم يكن يعرف هذا السم‬
‫‪ .‬في الجاهلية‬
‫روى عكرمة عن ابن عباس رضى ال تعالى عنهما قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم حامل الحسن على عاتقه فقال رجل نعم المركب ركبت يا غلم فقال‬
‫النبى صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬ونعم الراكب "‬
‫وعن البراء بن عازب قال ‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم واضعا الحسن‬
‫ى على عاتقه وهو يقول‬ ‫‪ :‬بن عل ّ‬
‫‪ " .‬اللهم إنى أحبه فأحبه "‬
‫وفى البخارى عن أبى بكرة ‪ :‬رأيت النبى صلى ال عليه وآله وسلم على المنبر والحسن‬
‫ى معه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول‬ ‫‪ :‬بن عل ّ‬
‫‪ " .‬إن ابني هذا سيد ولعل ال أن يصلح به بين فئتين من المسلمين "‬
‫وعن أبى بكرة أيضا ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يصلى بالناس ‪ ,‬وكان‬
‫ى يثب على ظهره إذا سجد يفعل ذلك غير مرة قالوا إنك لتفعل بهذا شيئا‬ ‫الحسن بن عل ّ‬
‫‪ :‬ما رأيناك تفعله بأحد ؟ قال‬
‫‪ " .‬إن ابني هذا سيد وسيصلح ال به بين فئتين عظيمتين من المسلمين "‬
‫وعن عبد ال بن الزبير قال ‪ :‬أشبه أهل النبى صلى ال عليه وآله وسلم به وأحبهم إليه‬
‫الحسن ‪ ,‬رأيته يجىء ‪ ,‬وهو ساجد ‪ ,‬فيركب رقبته أو قال ظهره ‪ ,‬فما ينزله حتى يكون‬
‫هو الذى ينزل ‪ ,‬وقد رأيته وهو راكع يفرج له بين رجليه ‪ ,‬حتى يخرج من الجانب‬
‫وفي البخاري عن أني مليكة عن‬ ‫الخر ‪.‬‬
‫ى يلعب ‪,‬‬ ‫عقبة بن الحارث قال ‪ :‬صلى بنا أبو بكر العصر ثم خرج ‪ ,‬فرأى الحسن بن عل ّ‬
‫ى ‪ ,‬وعلى‬‫فأخذه فحمله على عنقه وهو يقول ‪ :‬بأبى شبيه بالنبى ‪ ,‬ليس شبيها بعل ّ‬
‫يضحك ‪ .‬وكانت فاطمة رضى ال تعالى عنها تهز الحسن وتقول ‪ :‬مثل ذلك ‪ .‬وعن‬
‫ى يخطب فقام رجل من أزد شنوءة فقال ‪ :‬أشهد‬ ‫زهير بن الرقم قال ‪ :‬قام الحسن بن عل ّ‬
‫‪ :‬لقد رأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم واضعه على حبوته وهو يقول‬
‫من أحبنى فليحبه وليبّلغ الشاهد الغائب " ‪" .‬‬
‫‪ .‬ولول كرامة النبى صلى ال عليه وآله وسلم ما حدثت به أحدا‬
‫‪ :‬وعن أبى هريرة رضى ال تعالى عنه عن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال‬
‫‪ " .‬اللهم إنى أحبه وأحب من يحبه "‬
‫ى من الحسن بعد أن قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ما قال‬ ‫فما كان أحد أحب إل ّ‬
‫‪.‬‬
‫ى قط إل فاضت عيناي دموعا ‪,‬‬ ‫وعنه رضى ال تعالى عنه قال ‪ :‬ما رأيت الحسن بن عل ّ‬
‫وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم خرج يوما وأنا فى المسجد وأخذ بيدي‬
‫واتكأ على ‪ ,‬حتى جئنا سوق قينقاع فنظر فيه ‪ ,‬ثم رجع حتى جلس في المسجد ‪ ,‬ثم قال‬
‫ى يشتد حتى وقع فى حجره فجعل رسول ال صلى ال عليه‬ ‫ادع ابنى فأتى الحسن بن عل ّ‬
‫‪ :‬وآله وسلم يفتح فمه أي الحسن ثم يدخل فمه في فمه ويقول‬
‫‪ " .‬اللهم إنى أحبه وأحب من يحبه ثلث مرات "‬
‫قيل أنه رضى ال تعالى عنه حج عشر حجات ماشيا وكان يقول ‪ :‬إنى لستحى من ربى‬
‫أن ألقاه ولم أمش إلى بيته ‪ ,‬وقاسم ال تعالى ماله ثلث مرات ‪ ,‬فكان يترك نعل ‪,‬‬
‫وخرج من ماله كله مرتين ‪ ,‬وتحقق فيه قوله صلى ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬إن ابنى هذا‬
‫سيد " الحديث ‪ ,‬فإنه لما ولى الخلفة بعد مقتل أبيه بايعه أكثر من أربعين ألفا كانوا‬
‫بايعوا أباه على الموت ‪ ،‬وكانوا أطوع للحسن وأحب له ‪ ,‬وبقى خليفة نحو سبعة أشهر‬
‫فى العراق وخرسان واليمن والحجاز وغير ذلك ‪ .‬ثم سلم المر إلى معاوية بدون حرب‬
‫وهو العزيز خوفا من إراقة دماء المسلمين ‪ ,‬فلما بايعه خطب الناس قبل دخول معاوية‬
‫الكوفة فقال ‪ :‬أيها الناس إنما نحن أمراؤكم وضيفانكم ونحن أهل بيت نبيكم الذين أذهب‬
‫ال عنهم الرجس ‪ ,‬وطهرهم تطهيرا وكرر ذلك حتى ما بقي إل من بكى حتى سمع‬
‫نشيجه ‪ ,‬ولما دخل معاوية الكوفة قال له قم يا حسن فكلم الناس فيما جرى بيننا فقام‬
‫الحسن في أمر لم يترّو فيه فحمد ال وأثنى عليه ثم قال في بديته ‪ :‬أما بعد ‪ :‬أيها الناس‬
‫فإن ال هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا أل إن أكيس الكيس التقي وأعجز العجز‬
‫الفجور ‪ .‬وإن هذا المر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما أن يكون كان أحق به مني‬
‫وإما أن يكون حقي تركته ل عز وجل ولصلح أمة محمد صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ :‬وحقن دمائكم ‪ .‬ثم التفت إلى معاوية وقال‬
‫ن"‬ ‫حي ٍ‬
‫ع ِإَلى ِ‬
‫ن َأْدِري َلَعّلُه ِفْتَنٌة َلُكْم َوَمَتا ٌ‬
‫‪َ " .‬وِإ ْ‬
‫قال العلمة الصبان ‪ :‬ولما نزل عنها أى الخلفة ابتغاء وجه ال تعالى عوضه ال وأهل‬
‫بيته عنها بالخلفة الباطنية ‪ ,‬حتى ذهب قوم أن قطب الولياء في كل زمان ل يكون إل‬
‫من أهل البيت ‪ ,‬وممن قال يكون من غيرهم الستاذ أبو العباس المرسي كما نقله عنه‬
‫تلميذه التاج ابن عطاء ال ‪ .‬وهل أول القطاب الحسن أو أول من تلقى القطبانية من‬
‫المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء مدة حياتها ‪ ,‬ثم انتقلت منها إلى أبى‬
‫ى ‪ ,‬ثم الحسن ؟‬ ‫بكر ‪ ,‬ثم عمر ‪ ,‬ثم عثمان ‪ ,‬ثم عل ّ‬
‫ذهب إلى الول أبو العباس المرسي ‪ ,‬وإلى الثانى أبو المواهب التونسي كما في طبقات‬
‫‪ .‬المناوي‬
‫ورأيت في شرح المناوي الكبير على الجامع الصغير ما نصه ‪ :‬قال الحرالى ‪ :‬سلسلة‬
‫أهل الطريق تنتهي من كل وجه من جهة المشايخ والمريدين إلى أهل البيت ‪ ,‬فجهات‬
‫طرق المشايخ ترجع عامتها إلى تاج العارفين أبي القاسم الجنيد ‪ ,‬وبداية أبي القاسم‬
‫ى بن موسى‬ ‫أخذها من خاله السرى ‪ ,‬والسرى ائتم بمعروف ‪ .‬وكان معروف مولى عل ّ‬
‫ى كرم ال وجهه‬ ‫‪ .‬الرضى ‪ :‬وهو عن آبائه رضى ال تعالى عنهم ‪ ,‬فرجع الكل إلى عل ّ‬
‫ل ( ا هـ (‬ ‫ب ا ِّ‬‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫‪ُ .‬أوَلِئ َ‬
‫ثم ذكر من كلمه رضى ال تعالى عنه ‪ :‬المروءة العفاف ‪ ,‬وإصلح الحال ‪ ,‬الخاء‬
‫المواساة في الشدة والرخاء ‪ ,‬الغنيمة الباردة الرغبة في التقوى ‪ .‬وكان يقول لبنيه وبني‬
‫أخيه ‪ :‬تعلموا العلم فإن لم تستطيعوا حفظه فاكتبوه وضعوه في بيوتكم ‪ .‬ولما احتضر‬
‫قال لخيه الحسين رضى ال تعالى عنه ‪ :‬يا أخي أوصيك أن ل تطلب الخلفة فإنى وال‬
‫ما أرى أن يجمع ال فينا النبوة والخلفة ‪ ,‬فإياك أن يستخفك سفهاء الكوفة ويخرجوك‬
‫‪ .‬فتندم حيث ل ينفعك الندم‬
‫وأخرج بن سعد عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه قال ‪ :‬تفاخر قوم من قريش فذكر كل‬
‫ى رضى ال تعالى عنهما ‪ :‬ما يمنعك من‬ ‫رجل ما عنده ‪ ,‬فقال معاوية للحسن بن عل ّ‬
‫القول ؟ فما أنت بكليل اللسان ‪ ,‬فقال ‪ :‬ما ذكروا مكرمة ول فضيلة إل ولى محضها‬
‫‪ .‬ولبابها ‪ ,‬ففيم الكلم وقد سبقت مبرزا‬
‫وفى المسامرات للشيخ الكبر قال معاوية يوما وعنده أشراف الناس من قريش وغيرهم‬
‫‪ :‬أخبرونى أكرم الناس أبا وأما وعما وعمة وخال وخالة وجدا وجدة ‪ ,‬فقام مالك بن‬
‫ى بن أبى طالب وأمه‬ ‫عجلن وأومأ إلى الحسن عليه السلم فقال ‪ :‬ها هو ذا أبوه عل ّ‬
‫فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وجدته خديجة بنت خويلد ‪ ,‬وجده‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وعمه جعفر الطيار في الجنة ‪ ,‬وعمته أم هانىء‬
‫بنت أبى طالب ‪ ,‬وأخواله وخالته أولد النبى صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فسكت القوم‬
‫ونهض الحسن ‪ ,‬فقام جل من بني سهم وقال أنت أمرت ابن عجلن على مقالته ؟ فقال‬
‫ابن عجلن ‪ :‬ما قلت إل حقا ‪ ,‬وما أحد من الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية الخالق‬
‫إل لم يعط أمنيته في دنياه ‪ ,‬وختم له بالشقاء في آخرته بنو هاشم أنضركم عودا وأوراكم‬
‫زندا كذلك يا معاوية ؟ فقال معاوية ‪ :‬اللهم نعم ‪ .‬توفى الحسن رضى ال تعالى عنه‬
‫‪ .‬مسموما سنة خمسين على أحد القوال ‪ ,‬ودفن في البقيع رضى ال تعالى عنه‬
‫فائدة ( ‪ :‬قال الحافظ السيوطي في تاريخ الخلفاء ‪ :‬أخرج البيهقي ‪,‬وابن عساكر من (‬
‫طريق أبي المنذر هشام بن محمد عن أبيه قال ‪ :‬أضاق الحسن بن علي وكان عطاؤه في‬
‫كل سنة مائة ألف فحبسها عنه معاوية في إحدى السنين فأضاق إضاقة شديدة ‪,‬قال ‪:‬‬
‫فدعوت بدواة لكتب إلى معاوية لذكره نفسي ثم أمسكت فرأيت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم في المنام ‪ ,‬فقال ‪:‬كيف أنت يا حسن ؟ فقلت ‪:‬بخير يا أبت ‪ ,‬وشكوت إليه‬
‫تأخر المال عني ‪ ,‬فقال أدعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكره ذلك ؟ فقلت نعم يا‬
‫رسول ال ‪ ,‬فكيف أصنع ؟ فقال ‪ :‬قل اللهم اقذف في قلبي رجاءك ‪ ,‬واقطع رجائي عمن‬
‫سواك حتى ل أرجو أحدًا غيرك ‪ ,‬اللهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه عملي ولم‬
‫تنته إليه رغبتي ولم تبلغه مسألتي ‪ ,‬ولم يجر على لساني مما أعطيت أحدًا من الولين‬
‫والخرين من اليقين فخصني به يا رب العالمين قال فوال ما ألححت به أسبوعًا ‪ ,‬حتى‬
‫بعث إلى معاوية بألف ألف وخمسمائة ألف فقلت ‪ :‬الحمد ل الذي ل ينسى من ذكره ‪,‬‬
‫ول يخيب من دعاه ‪ .‬فرأيت النبي صلى ال عليه وآله وسلم في المنام فقال ‪ :‬يا حسن‬
‫كيف أنت ؟ فقلت ‪ :‬بخير يا رسول ال ‪ ,‬وحدثته بحديثي فقال ‪ :‬يا بني هكذا من رجا‬
‫‪ .‬الخالق ولم يرج المخلوق‬
‫* * * *‬
‫المام الحسين رضى ال تعالى عنه أبو عبد ال الحسين‬
‫سبط رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫وريحانته رضى ال تعالى عنه‬
‫ولد في شعبان سنة أربع من الهجرة ‪ .‬قال جعفر بن محمد ‪ :‬لم يكن بين الحمل بالحسين‬
‫بعد ولدة الحسن إل طهر واحد ‪ ,‬وقيل خمسون ليلة ‪ ,‬وحنكه صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫بريقه ‪ ,‬وأذن في أذنه وتفل في فمه ودعا له ‪ ,‬وسماه حسينا يوم السابع ‪ ,‬وعق عنه ‪ .‬كان‬
‫شجاعا مقداما من حين كان طفل قاله في السعاف‬
‫‪ :‬وذكر في فضله جملة أحاديث منها قوله صلى ال عليه وآله وسلم‬

‫‪ " .‬حسين مني وأنا من حسين ‪ ,‬اللهم أحب من أحب حسينا ‪ ,‬حسين سبط من السباط "‬
‫وقوله عليه الصلة والسلم " من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة " وفي لفظ "‬
‫‪ " .‬إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسين بن علىّ‬
‫‪ :‬وعن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وآله وسلم جلس في المسجد فقال‬
‫أين لكع ‪ ,‬فجاء الحسين يمشي حتى سقط في حجره فجعل أصابعه في لحية رسول ال "‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ففتح صلى ال عليه وآله وسلم فمه أي الحسين فأدخل فاه في‬
‫‪ " .‬فيه ثم قال ‪ :‬اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه‬
‫وعنه أيضا قال ‪ " :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يمتص لعاب الحسين كما‬
‫يمتص الرجل التمرة " وعنه أيضا ‪ :‬كانالحسين أشبههم برسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم ‪ .‬وكان ابن عمر جالسا في ظل الكعبة إذ رأى الحسين مقبل فقال ‪ :‬هذا أحب أهل‬
‫‪ .‬الرض إلي أهل السماء اليوم‬
‫وحج رضى ال تعالى عنه خمسا وعشرين حجة ماشيا ‪ ,‬وكان فاضل كثير الصوم ‪,‬‬
‫والصلة والحج والصدقة ‪ , ,‬وأفعال الخير جميعها قاله ابن الثير وغيره ‪ .‬قالوا وكان‬
‫رضي ال تعالى عنه كارها لما فعله أخوه من تسليم المر لمعاوية فقال له ‪ :‬أنشدك ال‬
‫أن تصدق أحدوثة معاوية وتكذب أحدوثة أبيك ‪ ,‬فقال له الحسن ‪ :‬اسكت أنا أعلم بهذا‬
‫‪ .‬المر منك‬
‫قال الحافظ أبن حجر العسقلني في الصابة ‪ :‬كانت إقامة الحسين بالمدينة إلى أن خرج‬
‫مع أبيه إلى الكوفة ‪ ,‬فشهد معه الجمل ‪ ,‬ثم صفين ‪ ,‬ثم قتال الخوارج ‪ ,‬وبقي معه إلى أن‬
‫قتل ‪,‬ثم مع أخيه إلى أن سلم المر إلى معاوية ‪ ,‬فتحول مع أخيه إلى المدينة واستمر بها‬
‫إلى أن مات معاوية فخرج إلى مكة ثم أتته كتب أهل العراق بأنهم بايعوه بعد موت‬
‫معاوية فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب ‪ ،‬فأخذ بيعتهم ‪,‬وأرسل إليهم‬
‫‪ .‬فتوجه وكان من قضية قتله ما كان‬
‫ى بن الحسين ‪ :‬حدثني عن‬ ‫قال عمار بن معاوية الذهبي ‪ :‬قلت لبي جعفر محمد ابن عل ّ‬
‫مقتل الحسين ‪ ,‬حتى كأني أحضره ؟ قال ‪ " :‬مات معاوية والوليد بن عقبة بن أبي سفيان‬
‫على المدينة ‪ ,‬فأرسل إلى الحسين بن علي ليأخذ بيعته ليلته ‪ ,‬فقال‪ :‬أخرني ورفق بي‬
‫فخرج إلى مكة فأتاه رسل أهل الكوفة ‪ :‬إنا قد حبسنا أنفسنا عليك ‪ ,‬ولسنا نحضر الجمعة‬
‫مع الوالي فأقدم علينا ‪ .‬وقال ‪ :‬وكان النعمان بن بشير النصاري على الكوفة ‪ ,‬فبعث‬
‫الحسين بن علي إليهم مسلم بن عقيل فقال ‪ :‬سر إلى الكوفة فانظر ما كتبوا به إلي ‪ ,‬فإن‬
‫كان حقًا قدمت إليهم ‪ .‬فخرج مسلم حتى أتى المدينة ‪ ,‬فأخذ منها دليلين ‪ ,‬فمرا به في‬
‫البرية فأصابهم عطش ‪ ,‬فمات أحد الدليلين فقدم مسلم الكوفة فنزل على رجل يقال له‬
‫عوسجة ‪ ,‬فلما علم أهل الكوفة بقدومه دبوا إليه فبايعه منهم اثنا عشر ألفا فقام رجل ممن‬
‫يهوى يزيد بن معاوية إلى النعمان بن بشير قال‪ :‬إنك ضعيف ‪ ,‬أو مستضعف قد فسد‬
‫ي من أن أكون قويًا في‬‫البلد قال له النعمان ‪ :‬لئن أكن ضعيفًا في طاعة ال أحب إل ّ‬
‫معصيته ‪ ,‬وما كنت لهتك ستراً‪ .‬فكتب الرجل بذلك إلى يزيد فدعا يزيد مولى له يقال‬
‫له سرحون فاستشاره فقال له ‪ :‬ليس للكوفة إل عبيد ال بن زياد وكان يزيد ساخطًا على‬
‫عبيد ال وكان هّم بعزله عن البصرة فكتب إليه برضاه عنه وأنه قد أضاف إليه الكوفة ‪،‬‬
‫وأمره أن يطلب مسلم بن عقيل فإن ظفر به قتله ‪ .‬فأقبل عبيد ال بن زياد في وجوه أهل‬
‫البصرة حتى قدم الكوفة متلثمًا ‪ ,‬فل يمر على أحد فيسلم إل قال له أهل المجلس ‪ :‬عليك‬
‫السلم يا ابن رسول ال ‪ ,‬يظنونه الحسين بن علي قدم عليهم ‪ ,‬فلما نزل عبيد ال القصر‬
‫دعا مولى له ‪,‬فدفع إليه ثلثة آلف درهم فقال اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايعه‬
‫أهل الكوفة فادخل عليه وأعلمه أنك من حمص وادفع إليه المال وبايعه فلم يزل المولى‬
‫يتلطف حتى دلوه على شيخ يلي البيعة ‪ ,‬فذكر له أمره فقال ‪ :‬لقد سرني إذ هداك ال‬
‫وساءني أن أمرنا لم يستحكم ثم أدخله على مسلم بن عقيل ‪ ,‬فبايعه ودفع له المال ‪,‬‬
‫وخرج حتى أتى عبيد ال ‪ ,‬فأخبره وتحول مسلم حين قدم عبيد ال من تلك الدار إلى دار‬
‫أخرى ‪ ,‬فأقام عند هانئ بن عروة المرادي ‪ .‬وكان عبيد ال قال لهل الكوفة ‪ :‬ما بال‬
‫هانئ بن عروة لم يأتني ؟ فخرج إليه محمد بن الشعث في أناس من وجوه أهل الكوفة ‪,‬‬
‫وهو على باب داره فقالوا له إن المير قد ذكرك واستبطأك فانطلق إليه فركب معهم ‪,‬‬
‫حتى دخل على عبيد ال بن زياد وعنده شريح القاضي ‪ ,‬فلما سلم عليه قال له ‪ :‬يا هانئ‬
‫أين مسلم بن عقيل ؟ فقال له ‪ :‬ل أدري فأخرج إليه المولى الذي دفع الدراهم إلى مسلم ‪,‬‬
‫فلما رآه سقط في يده وقال ‪ :‬أيها المير وال ما دعوته إلى منزلي ولكنه جاء فطرح‬
‫ى فقال ‪ :‬ائتني به فتلكأ فاستدناه ‪ ,‬فأدنوه منه فضربه بالقضيب ‪ ,‬وأمر بحبسه‬
‫نفسه عل ّ‬
‫فبلغ الخبر قومه ‪ ,‬فاجتمعوا على باب القصر ‪ ,‬فسمع عبيد ال الجلبة فقال لشريح‬
‫القاضي ‪ :‬اخرج إليهم فأعلمهم أني ما حبسته إل لستخبره عن خبر مسلم ول بأس‬
‫عليه ‪ ,‬فبلغهم ذلك فتفرقوا ونادى مسلم بن عقيل لما بلغه الخبر بشعاره ‪ ,‬فاجتمع عليه‬
‫أربعون ألفًا من أهل الكوفة فركب وبعث عبيد ال إلى وجوه أهل الكوفة ‪ ,‬فجمعهم عنده‬
‫في القصر ‪ ,‬فأمر كل واحد منهم أن يشرف على عشيرته ‪ ,‬فيردهم فكلموهم ‪ ,‬فجعلوا‬
‫يتسللون فأمسى مسلم وليس عنده إل عدد قليل منهم ‪ ,‬فلما اختلط الظلم ذهب أولئك‬
‫أيضًا فلما بقي وحده تردد في الطرق بالليل فأتى باب امرأة فقال لها ‪ :‬اسقيني ماء فسقته‬
‫فاستمر قائمًا فقالت ‪ :‬يا عبد ال إنك مرتاب فما شأنك ؟ قال ‪ :‬أنا مسلم بن عقيل فهل‬
‫عندك مأوى ؟ قالت ‪ :‬نعم ادخل فدخل وكان لها ولد من موالي محمد بن الشعث فانطلق‬
‫إلى محمد بن الشعث فأخبره ‪ ,‬فلم يفجأ مسلمًا إل والدار قد أحيط بها ‪ ,‬فلما رأى ذلك‬
‫خرج بسيفه يدفعهم عن نفسه ‪ ,‬فأعطاه محمد بن الشعث المان فأمكن من يده فأتى به‬
‫عبيد ال ‪ ,‬فأمر به فأصعد إلى القصر ثم قتله ‪ ,‬وقتل هانئ بن عروة وصلبهما ‪ ,‬فقال‬
‫‪ :‬شاعرهم في ذلك أبياتًا منها‬
‫فإن كنت ل تدرين ما الموت فانظري ‪ ...‬إلى هانئ في السوق وابن عقيل‬
‫ولم يبلغ الحسين ذلك حتى كان بينه وبين القادسية ثلثة أميال فلقيه الحر بن يزيد‬
‫التميمي ‪ ,‬فقال له ‪ :‬ارجع فإني لم أدع لك خلفي خيرًا ‪ ,‬وأخبره الخبر فهم أن يرجع‬
‫وكان معه إخوة مسلم فقالوا ‪ :‬وال ل نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل ‪ ,‬فساروا وكان‬
‫عبيد ال قد جهز الجيش لملقاته ‪ ,‬فوافوه بكربلء فنزلها ومعه خمسة وأربعون نفسًا من‬
‫الفرسان ونحو مائة راجل ‪ ,‬فلقيه الحسين وأميرهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ‪ ,‬وكان‬
‫عبيد ال وله الري وكتب له بعهده عليها إذا رجع من حرب الحسين ‪ ,‬فلما التقيا قال له‬
‫الحسين ‪ :‬اختر مني إحدى ثلث ‪ :‬إما أن ألحق بثغر من الثغور ‪ ,‬وإما أن أرجع إلى‬
‫المدينة ‪ ,‬وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فقبل ذلك عمر منه وكتب به إلى عبيد‬
‫ال فكتب إليه ل أقبل منه حتى يضع يده في يدي فامتنع الحسين ‪ ,‬فقاتلوه فقتل أصحابه‬
‫وفيهم سبعة عشر شابًا من أهل بيته ‪ ,‬ثم كان آخر ذلك أن قتل وأتي برأسه إلى عبيد ال‬
‫فأرسله ومن بقي من أهل بيته إلى يزيد ‪ ,‬ومنهم علي بن الحسين كان مريضًا ومنهم‬
‫‪ .‬عمته زينب ‪ ,‬فلما قدموا على يزيد أدخلهم إلى عياله ‪ ,‬ثم جهزهم إلى المدينة‬
‫قال الحافظ ابن حجر بعد أن ساق هذه القصة قلت ‪ :‬وقد صنف جماعة من القدماء في‬
‫مقتل الحسين تصانيف فيها الغت والسمين والصحيح والسقيم وفي هذه القصة التي‬
‫سقتها غنى ‪ .‬قال ‪ :‬وقد صح عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول ‪ :‬لو كنت فيمن قاتل‬
‫الحسين ثم أدخلت الجنة لستحيت أن أنظر إلى وجه رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫‪ .‬وسلم‬
‫وقال حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس ‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم فيما يرى النائم نصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم فقلت بأبي‬
‫وأمي يا رسول ال ما هذا ؟ قال ‪ " :‬هذا دم الحسين وأصحابه ‪,‬لم أزل ألتقطه منذ اليوم ‪,‬‬
‫‪ " .‬فكان ذلك اليوم الذي قتل فيه‬
‫‪ .‬وعن أم سلمة رضي ال تعالي عنها أنها سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي‬
‫‪ .‬قال الزبير بن بكار‪ :‬قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين‬
‫‪ .‬قال ابن الثير وكان ذلك اليوم يوم الجمعة وقيل يوم السبت‬
‫قال في السعاف ‪ :‬وكان أكثر مقاتليه الكاتبين إليه والمبايعين له ‪ ,‬وقيل أن قاتله سنان‬
‫‪ :‬بن أبي سنان النخعي أو غيره لما أتي ابن زياد أنشده‬
‫أوقر ركابي فضة وذهباً‬
‫إني قتلت الملك المحجبـا‬
‫قتلت خير الناس أمًا وأباً‬
‫وخيرهم إذ ينسبون نسبا‬
‫فغضب عليه وضرب عنقه ‪ ,‬قال وفي قصة قتله تصديق لقوله صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪:‬‬
‫إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتل وتشريدا ‪ ،‬وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو «‬
‫‪ .‬أمية ‪ ،‬وبنو المغيرة ‪ ،‬وبنو مخزوم « رواه الحاكم‬
‫وقضى ال تعالي أن قتل عبيد ال بن زياد وأصحابه يوم عاشوراء سنة سبع وستين‬
‫جهز إليه المختار بن عبيد جيشا تحت رئاسة إبراهيم بن الشتر النخعي ‪ ,‬فقتله إبراهيم‬
‫بنفسه في الحرب وبعث برأسه الخبيث إلى المختار ‪ ,‬فبعثه المختار إلي ابن الزبير ‪,‬‬
‫ى بن الحسين‬‫‪ .‬فبعثه ابن الزبير إلي عل ّ‬
‫وروي الترمذي أنه لما جىء برأسه ونصب في المسجد مع رءوس أصحابه ‪ ،‬جاءت‬
‫حية فتخللت الرءوس حتى دخلت في منخره فمكثت هنيهة ‪ ,‬ثم خرجت فعلت ذلك‬
‫‪ .‬مرتين أو ثلثا‬
‫أخرج الحاكم وصححه علي شرط مسلم عن ابن عباس قال ‪ " :‬أوحي ال إلى محمد‬
‫صلي ال عليه وآله وسلم إنى قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإنى قاتل بابن بنتك‬
‫‪ " .‬سبعين ألفا وسبعين ألفا‬
‫وعنه صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب‬
‫‪ " .‬أهل الدنيا‬
‫قال العلمة الصبان إن المام أحمد يقول بكفر يزيد وناهيك به ورعا وعلما يقتضيان أنه‬
‫لم يقل ذلك إل لما ثبت عنده من أمور صريحة وقعت منه توجب ذلك ‪ ,‬ووافقه علي‬
‫ذلك جماعة كابن الجوزي وغيره ‪ .‬وأما فسقه فقد أجمعوا عليه ‪ ,‬وأجاز قوما من العلماء‬
‫‪ .‬لعنه بخصوص اسمه ا هـ‬
‫وسئل ابن الجوزي كيف يطلق علي يزيد أنه قاتل الحسين مع أنه كان في الشام حين‬
‫‪ :‬وقوع القتل بكربلء فأنشد‬
‫سهم أصاب وراميه بذي سلم‬
‫من بالعراق لقد أبعدت مرماك‬
‫‪ :‬قال ابن الثير ‪ :‬وأكثر الناس مراثيه ‪ .‬فمما قيل فيه ما قاله سليمان بن قبة الخزاعي‬
‫مررت على أبيات آل محمد‬
‫فلم أر أمثالها حين حلـــت‬
‫فل يبعد ال البيوت وأهلها‬
‫وإن أصبحت منهم برغمي تخلت‬
‫وكانوا رجاء ثم عادوا رزية‬
‫لقد عظمت تلك الرزايا وجلت‬
‫أولئك قوم لم يشيموا سيوفهم‬
‫ولم تنك في أعدائهم حين سلت‬
‫وإن قتيلي الطف من آل هاشم‬
‫ب المسلمين فذلــت‬‫أزل رقا ً‬
‫ألم تر أن الرض أضحت مريضًة‬
‫لفقد حسين والبلد اقشعـرت‬
‫وقد أعولت تبكي السماء لفه‬
‫وأنجمها ناحت عليه وصلــت‬
‫* * * *‬
‫فضل الحسنين معا رضي ال تعالي عنهما‬
‫ي رضي ال تعالي عنه وكرم وجهه قال ‪ :‬لما ولد الحسن سميته حربا فجاء‬ ‫عن عل ّ‬
‫‪ :‬رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم فقال‬
‫‪ " .‬أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا حربا قال ‪ :‬بل هو حسن "‬
‫‪ :‬فلما ولد الحسين سميته حربا فجاء النبي صلي ال عليه وآله وسلم فقال‬
‫‪ " .‬أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا حربا قال ‪ :‬بل هو حسين "‬
‫‪ :‬فلما ولد الثالث سميته حربا فجاء النبي صلي ال عليه وآله وسلم فقال‬
‫أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا حربا قال ‪ :‬بل هو محسن ثم قال ‪ :‬سميتهمبأسماء ولد "‬
‫‪ " .‬هارون شبروشبير ومشبر‬
‫وعن عمران بن سليمان قال ‪ :‬الحسن والحسين من أسماء أهل الجنة لم يكونا في‬
‫‪ .‬الجاهلية‬
‫وعن ابن العرابي عن المفضل قال ‪ :‬إن ال تعالي حجب اسم الحسن والحسين حتى‬
‫‪ .‬سمى بهما النبي صلي ال عليه وآله وسلم ابنيه الحسن والحسين‬
‫وعن ابن عمر رضي ال تعالي عنهما سمعت رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم يقول‬
‫‪:‬‬
‫‪ " .‬الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا "‬
‫ي رضي ال تعالي عنه قال ‪ :‬الحسن أشبه برسول ال صلي ال عليه وآله وسلم‬ ‫وعن عل ّ‬
‫‪ ,‬ما بين الصدر إلي الرأس ‪ ,‬والحسين أشبه برسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ما‬
‫‪ .‬كان أسفل من ذلك‬
‫وعن أبي هريرة كان الحسن والحسين يصطرعان بين يدي رسول ال صلي ال عليه‬
‫‪ :‬وآله وسلم يقول‬
‫‪ " .‬هي حسن"‬
‫‪ :‬قالت فاطمة ‪ :‬لم تقول هي حسين ؟ قال‬
‫‪ " .‬إن جبريل يقول هي حسين "‬
‫‪ :‬وعن أبي سعيد الخدري قال ‪ :‬قال رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إل ابني الخالة عيسى ويحيى بن زكريا عليهما "‬
‫‪ " .‬السلم " وفي رواية " وأبوهما خير منهما‬
‫وعن أسامة بن زيد رضي ال تعالي عنهما قال ‪ :‬طرقت النبي صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫ذات ليلة في بعض الحاجة ‪ ,‬فخرج إلي وهو مشتمل علي شيء ل أدرى ما هو ؟ فلما‬
‫فرغت من حاجتي قلت ‪ :‬ما هذا الذي أنت مشتمل عليه ؟ فكشفه ‪ ,‬فإذا حسن وحسين‬
‫‪ :‬علي وركيه فقال‬
‫هذان ابناي وابنا بنتي ‪ ,‬اللهم إني احبهما وأحب من يحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما "‬
‫‪".‬‬
‫وعن أبي بريدة قال ‪ :‬كان النبي صلي ال عليه وآله وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن‬
‫والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ‪ ,‬ويعثران فنزل رسول ال صلي ال عليه‬
‫‪ :‬وآله وسلم من المنبر ‪ ,‬فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال‬
‫صدق ال ‪ -‬إنما أموالكم وأولدكم فتنة ‪ -‬نظرت إلي هذين الصبيين يمشيان ويعثران "‬
‫‪ " .‬فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما‬
‫وعن أبي هريرة قال ‪ :‬خرج علينا رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ومعه حسن‬
‫وحسين هذا علي عاتقه وهذا علي عاتقه ‪ ,‬وهو يلثم هذا مرة ‪ ,‬وهذا مرة حتى انتهي إلينا‬
‫‪ :‬فقال‬
‫‪ " .‬من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني "‬
‫وعن عبد ال بن مسعود ‪ :‬كان رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم يصلي فإذا سجد‬
‫وثب الحسن والحسين علي ظهره ‪ ,‬فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما فإذا‬
‫‪ :‬قضي الصلة وضعهما في حجره فقال‬
‫‪ " .‬من أحبني فليحب هذين "‬
‫ى أهل بيتك أحب إليك ؟ فقال‬ ‫" وعن أنس أنه صلي ال عليه وآله وسلم ‪ :‬سئل أ ّ‬
‫‪ " .‬الحسن والحسين "‬
‫وعن فاطمة رضي ال تعالي عنها أنها أتت بهما إلي النبي صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ :‬فقالت ‪ :‬يارسول ال هذان ابناك ‪ ,‬فورثهما شيئا فقال‬
‫‪ " .‬أما حسن فله هيبتي وسؤددي ‪ ,‬وأما حسين فله جرأتي وجودي "‬
‫* * * *‬
‫المقصد الثالث‬
‫في الكلم علي ما في حبهم وتوابعه من الفوز العظيم‬
‫وما في بغضهم وتوابعه من المرتع الوخيم‬
‫جًرا ِإل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى‬
‫عَلْيِه َأ ْ‬
‫سَأُلُكْم َ‬
‫ل ل َأ ْ‬‫‪ } .‬قال ال تعالي ‪ُ } :‬ق ْ‬
‫القربى ‪ :‬مصدر بمعنى القرابة ‪ ,‬وهو علي تقدير مضاف أي ذوي القربى يعنى القرباء‬
‫‪ .‬وعبر بفي ولم يعبر باللم ‪ ,‬لن الظرفية أبلغ وآكد للمودة ‪ .‬نقل المام السيوطي في‬
‫الدر المنثور وكثير من المفسرين عند تفسير هذه الية عن ابن عباس رضي ال تعالي‬
‫‪ :‬عنهما قالوا ‪ :‬يارسول ال من قرابتك هؤلء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال‬
‫ي وفاطمة وولدهما "‬ ‫‪ " .‬عل ّ‬
‫وفيه عن ابن عباس قال ‪ :‬قالت النصار ‪ :‬فقلنا وفعلنا وكأنهم فخروا فقال العباس لنا‬
‫‪ :‬الفضل عليكم فبلغ ذلك رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم فأتاهم في مجالسهم ‪ ,‬فقال‬
‫يامعشر النصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم ال بي ؟ قالوا بلي يارسول ال ‪ ,‬قال ‪ :‬أفل "‬
‫تجيبوني ؟ قالوا ما نقول يارسول ال ؟ قال أل تقولون ألم يخرجك قومك فآويناك ؟ أو لم‬
‫‪ " .‬يكذبوك فصدقناك ؟ أو لم يخذلوك فنصرناك ؟‬
‫‪ :‬فما زال يقول حتى جثوا علي الركب وقالوا أموالنا وما في أيدينا ل ورسوله فنزلت‬
‫جًرا ِإل اْلَموَّدَة ِفي اْلُقْرَبى {‬ ‫عَلْيِه َأ ْ‬
‫سَأُلُكْم َ‬
‫ل ل َأ ْ‬ ‫‪ُ } .‬ق ْ‬
‫‪ .‬وعن طاوس قال ‪ :‬سئل عنها ابن عباس فقال ‪ :‬هي قربى آل محمد‬
‫وقال المقريزى ‪ :‬قال جماعة من المفسرين في تفسير الية قل لمن اتبعك من المؤمنين ‪,‬‬
‫‪ .‬ل أسألكم علي ما جئتكم به أجرا إل أن تودوا قرابتي‬
‫‪ :‬وعن ابن العالية عن سعيد ابن جبير‬
‫‪ِ ) .‬إل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى (‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬هي قربى رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ :‬وعن ابن إسحاق قال ‪ :‬سألت عمرو بن شعيب عن قول ال تعالي‬
‫جًرا ِإل اْلَموَّدَة ِفي اْلُقْرَبى {‬ ‫عَلْيِه َأ ْ‬
‫سَأُلُكْم َ‬
‫ل ل َأ ْ‬ ‫‪ُ } .‬ق ْ‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬قربى النبي صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫تنبيه " فإن قيل ‪ :‬طلب الجر علي الوحي ل يجوز لقوله تعالي في قصة كثير من "‬
‫‪ :‬الرسل عليهم الصلة والسلم‬
‫جٍر (‬‫ن َأ ْ‬‫عَلْيِه ِم ْ‬‫سَأُلُكْم َ‬
‫‪َ ) .‬وَما َأ ْ‬
‫ورسولنا أفضل منهم فهو أولى بعدم طلب الجر علي الرسالة ‪ ,‬وقد صرح صلي ال‬
‫‪ :‬عليه وآله وسلم بنفي الطلب فقال‬
‫ن{‬‫ن اْلُمَتَكّلِفي َ‬
‫جٍر َوَما َأَنا ِم َ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫عَلْيِه ِم ْ‬
‫سَأُلُكْم َ‬‫ل َما َأ ْ‬‫‪ُ } .‬ق ْ‬
‫‪ :‬وقد كان التبليغ واجبا عليه قال تعالي‬
‫ك (‬‫ن َرّب َ‬ ‫ك ِم ْ‬
‫ل ِإَلْي َ‬‫‪َ ) .‬بّلْغ َما ُأنز َ‬
‫وطلب الجر علي أداء الواجب ل يليق كما ل يليق مقابلة الرسالة وهي أشرف الشياء‬
‫بمتاع الدنيا ‪ .‬وأيضا الجر يوجب التهمة فثبت أنه ل يجوز له صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ .‬طلب الجر وها هنا قد ذكر ما يجري مجراه وهو المودة في القربى‬
‫‪ :‬أجيب بأن هذا من باب قوله‬
‫ول عيب فيهم غير أن سيوفهم‬
‫ل من قراع الكتائب‬ ‫بهن فلو ٌ‬
‫يعنى أني ل أطلب منكم إل هذا وهو ليس أجرا لن تواّد المسلمين واجب قال ال تعالي‬
‫‪:‬‬
‫‪ ) .‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض (‬
‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا‬
‫وإذا كانت المودة واجبة لبعض السلمين علي بعض ‪ ,‬فهي في حق أشرف المرسلين‬
‫‪ :‬وأهل بيته أولى ‪ ,‬أو أن هذا الستثناء منقطع وتم الكلم عند قوله أجرا ثم قال‬
‫‪ِ ) .‬إل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى (‬
‫‪ .‬أي لكن أسألكم المودة في القربى ‪ ,‬انتهى باختصار من الخطيب والخازن‬
‫ي بن الحسين أسيرًا وفأقيم على درج‬ ‫وعن السدى عن أبي الديلم قال لما جىء بعل ّ‬
‫دمشق ‪ ،‬قام رجل من أهل الشام فقال ‪ :‬الحمد ل الذي قتلكم واستأصلكم ‪ ،‬وقطع قرن‬
‫ي أقرأت القرآن؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬قرأت آل حم ؟ قال ‪ :‬قرأت ولم‬ ‫الفتنة ‪ ,‬فقال له عل ّ‬
‫أقرأ آل حم قال ‪ :‬ما قرأت } قل ل أسألكم عليه أجرًا إل المودة في القربى { قال ‪:‬‬
‫فإنكم لياهم ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قلت ‪ :‬ما أحسب أن هذا الرجل كان مؤمنا ‪ ,‬بلي كان مؤمنا‬
‫ولكن بالجبت والطاغوت فإن هذا الهذيان ل يصدر عن لسان مؤمن بال ورسوله وكيف‬
‫يستقر اليمان في قلب رجل يحمد ال علي قتل آل المصطفى صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫واستئصالهم ‪ ,‬وما أظن أن أبا جهل كان ل ورسوله أعدى من هذا الملحد ‪ ,‬ولعلنا ل‬
‫نعدم في زماننا هذا هذا من هو علي شاكلته في الضلل بكراهة أهل بيت النبوة ‪,‬‬
‫ومعدن الرسالة فقد رأينا من إذا سمع بذكر مزية امتازوا بها أو منقبة أسندت إليهم ‪,‬‬
‫ووصفوا بها من ال تعالي أو رسوله صلي ال عليه وآله وسلم أو السلف الصالح ‪ ,‬أو‬
‫علماء المة وأوليائها يقطب وجهه ويتغير خلقه ‪ ,‬ويود بلسان حاله أن تلك المزية لم‬
‫تكن لهم ‪ ,‬وقد يتكلف القاويل الواهية والخبار الموضوعة والثار المصنوعة ليطفئ‬
‫بها نور ال تعالي‬
‫ن(‬‫ل ُمِتّم ُنوِرِه َوَلْو َكِرَه اْلَكاِفُرو َ‬
‫‪َ ) .‬وا ُّ‬
‫ورأيت الزمخشري في الكشاف عند هذه الية روى حديثا مطول ‪ ,‬ونقله عنه الفخر‬
‫‪ :‬الرازي في الكبير وهو قوله صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫من مات على حب آل محمد مات شهيدًا ‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد مات "‬
‫مغفورًا له ‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد مات تائباً ‪ ،‬أل ومن مات على حب آل‬
‫محمد مات مؤمنًا مستكمل اليمان ‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت‬
‫بالجنة ‪ ،‬ثم منكر ونكير ‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف‬
‫العروس إلى بيت زوجها ‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى‬
‫الجنة ‪ ،‬أل ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ‪ ،‬أل ومن مات على‬
‫بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة ال ‪ ،‬أل ومن مات‬
‫على بغض آل محمد مات كافرًا ‪ ،‬أل ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة‬
‫‪ " .‬الجنة‬
‫قال الفخر ‪ :‬وأنا أقول آل محمد صلى ال عليه وآله وسلم هم الذين يئول أمرهم إليه فكل‬
‫من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الل ‪ ،‬ول شك أن فاطمة وعلياً والحسن‬
‫والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أشد التعلقات ‪,‬‬
‫وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الل ‪ .‬وأيضًا اختلف الناس في الل‬
‫فقيل هم القارب وقيل هم أمته ‪ ،‬فإن حملناه على القرابة فهم الل ‪ ،‬وإن حملناه على‬
‫المة الذين قبلوا دعوته فهم أيضًا آل فثبت أنهم على جميع التقديرات الل ‪ ،‬وأما غيرهم‬
‫‪ .‬فهل يدخلون تحت لفظ الل ؟ فمختلف فيه‬
‫وروى صاحب »الكشاف« أنه لما نزلت هذه الية قيل ‪ :‬يا رسول ال من قرابتك هؤلء‬
‫‪ :‬الذين وجبت علينا مودتهم ؟ فقال‬
‫‪ " .‬علي وفاطمة وابناهما"‬
‫فثبت أن هؤلء الربعة أقارب النبي صلى ال عليه وآله وسلم وإذا ثبت هذا وجب أن‬
‫‪ :‬يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ‪ .‬ويدل عليه وجوه‬
‫ل المودة ِفى القربى‬
‫‪ } .‬الول ‪ :‬قوله تعالى ‪ِ } :‬إ ّ‬
‫الثاني ‪ :‬ل شك أن النبي صلى ال عليه وآله وسلم كان يحب فاطمة عليها السلم ‪ ,‬قال‬
‫‪ :‬صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها "‬
‫وثبت بالنقل المتواتر عن سيدنا محمد صلى ال عليه وآله وسلم أنه كان يحب عليًا‬
‫‪ :‬والحسن والحسين ‪ ,‬وإذا ثبت ذلك وجب على كل المة مثله لقوله تعالي‬
‫ن َأْمِرِه { ولقوله } {‬ ‫عْ‬ ‫حَذِر الذين يخالفون َ‬ ‫ن { ولقوله تعالى ‪َ } :‬فْلَي ْ‬
‫واتبعوه َلَعّلُكْم َتْهَتُدو َ‬
‫سو ِ‬
‫ل‬ ‫ن َلُكْم ِفى َر ُ‬
‫حِبْبُكُم ال { ولقوله سبحانه ‪ّ } :‬لَقْد َكا َ‬ ‫ن ال فاتبعونى ُي ْ‬
‫حّبو َ‬ ‫ل ِإن ُكنُتْم ُت ِ‬
‫ُق ْ‬
‫سَنٌة‬
‫حَ‬‫سَوٌة َ‬‫‪ } .‬ال ُأ ْ‬
‫الثالث ‪ :‬أن الدعاء للل منصب عظيم ‪ ,‬ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلة‬
‫ل على محمد وعلى آل محمد " وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير‬ ‫وهو قوله "الّلهم ص ّ‬
‫‪ .‬الل ‪ ،‬فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب انتهى‬
‫وقال سلطان العارفين وإمام الصوفية الشيخ الكبر سيدي محيي الدين بن العربي رضي‬
‫ال تعالي عنه في الباب التاسع والعشرين من الفتوحات المكية بعد كلم تقدم نقله في‬
‫المقصد الول ‪ " :‬وبعد أن تبين لك منزلة أهل البيت عند ال وأنه ل ينبغي لمسلم أن‬
‫يذمهم بما يقع منهم أصل فإن ال طهرهم ‪ ,‬فليعلم الذام لهم أن ذلك راجع إليه ‪ ,‬ولو‬
‫ظلموه فذلك الظلم هو في زعمه ظلم ل في نفس المر ‪ ,‬وإن حكم عليه ظاهر الشرع‬
‫بأدائه بل حكم ظلمهم إيانا في نفس المر يشبه جري المقادير علينا ‪ ,‬وعلي من جرت‬
‫عليه في ماله ونفسه بغرق أو بحرق أوغير ذلك من المور المهلكة فيحترق أو يموت له‬
‫أحد أحبائه أو يصاب في نفسه وهذا كله مما ل يوافق غرضه ‪ ,‬ول يجوز له أن يذم قدر‬
‫ال ول قضاءه بل ينبغي له أن يقابل ذلك كله بالتسليم والرضا ‪ ,‬وإن نزل عن هذه‬
‫المرتبة فبالصبر ‪ ,‬وإن ارتفع عن تلك المرتبة فبالشكر فإن في طي ذلك نعما من ال لهذا‬
‫المصاب وليس وراء ما ذكزناه خير فإن ما وراءه ليس إل الضجر والسخط وعدم‬
‫الرضا وسوء الدب مع ال تعالي ‪ ،‬فكذا ينبغي أن يقابل المسلم جميع ما يطرأ عليه من‬
‫أهل البيت في ماله ونفسه وعرضه وأهله وذويه ‪ ,‬فيقابل ذلك كله بالرضا والتسليم‬
‫والصبر ول يلحق المذمة بهم أصل ‪ ,‬وإن توجهت عليهم الحكام المقررة شرعا فذلك ل‬
‫يقدح في هذا ‪ ,‬بل يجريه مجرى المقادير ‪ ,‬وإنما منعنا تعليق الذم بهم أذ ميزهم ال عنا‬
‫‪ .‬بما ليس معهم فيه قدم‬
‫وأما أداء الحقوق المشروعة فهذا رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم كان يقترض من‬
‫اليهود ‪ ,‬وإذا طالبوه بحقوقهم أداها على احسن ما يمكن ‪ ,‬وإن تطاول اليهودي عليه‬
‫‪ :‬بالقول يقول‬
‫‪ " .‬دعوه إن لصاحب الحق مقال "‬
‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم في قصة " لو أن فاطمة بنت محمد صلي ال عليه وسلم‬
‫‪ " .‬سرقت قطعت يدها‬
‫وقد أعاذها ال تعالي من ذلك رضي ال تعالي عنها فوضع الحكام ل يضعها كيف‬
‫‪ .‬يشاء وعلى أي حال يشاء ‪ ,‬فهذه حقوق ال ومع هذا لم يذمهم ال‬
‫وإنما كلمنا في حقوقنا وما لنا أن نطالبهم به ‪ ,‬فنحن مخيرون إن شئنا أخذنا وإن شئنا‬
‫تركنا والترك أفضل عموما ‪ ,‬فكيف بأهل البيت وليس لنا ذم أحد ؟ فكيف بأهل البيت ؟‬
‫فإنا إذا نزلنا عن طلب حقوقنا وعفونا عنهم في ذلك أي فيما أصابوه منا ‪ ,‬كانت لنا بذلك‬
‫عند ال اليد العظمى ‪ ,‬والمكانة الزلفى فإن النبي صلي ال عليه وآله وسلم ما طلب منا‬
‫عن أمر ال إل المودة في القربى وفيه سر صلة الرحام ‪ ,‬ومن لم يقل سؤال نبيه فيما‬
‫سأله فيه مما هو قادر عليه ‪ ,‬فبأي وجه يلقاه غدا ‪ ,‬أو يرجو شفاعته وهو ما أسعف نبيه‬
‫صلي ال عليه وآله وسلم فيما طلب منه من المودة في قرابته فكيف بأهل بيته ‪ ,‬وهم‬
‫أخص القرابة ‪ ,‬ثم أنه جاء بلفظ المودة وهي الثبوت على المحبة فإنه من ثبت وده في‬
‫أمر استصحبه المودة في كل حال لم يؤاخذ أهل البيت بما يطرأ منهم في حقه مما له أن‬
‫يطالبهم به فيتركه ترك محبة وإيثار علي نفسه ل لها "وإيثارا لنفسه ل عليها" ‪ .‬قال‬
‫‪ :‬المحب الصادق‬
‫* وكل ما يفعل المحبوب محبوب*‬
‫‪ :‬وقال الخر‬
‫أحب لحبها السودان حتى‬
‫أحب لحبها سود الكلب‬
‫‪ :‬ولنا في هذا المعنى‬
‫أحب لحبك الحبشان طرا‬
‫وأعشق لسمك البدر المنيرا‬
‫قيل كانت الكلب السود تناوشه وهو يتحبب إليها أعني المجنون ‪ ,‬فهذا فعل المحب في‬
‫حب من ل تسعده محبته ‪ ,‬وعند ال ول تورثه القربة من ال فهل هذا إل من صدق‬
‫المحبة ‪ ,‬وثبوت الود في النفس ‪ ,‬فلو صحت محبتك ل ولرسوله أحببت أهل تبيت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ورأيت كل ما يصدر منهم في حقك مما ل يوافق‬
‫طبعك ول غرضك إنه جمال تتنعم بوقوعه منهم فتعلم عند ذلك أن لك عناية عند ال‬
‫الذي أحببتهم من أجله حيث ذكرك من يحبه وخطرت على باله ‪ ,‬وهم أهل بيت رسوله‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فتشكر ال تعالى على هذه النعمة فإنهم ذكروك بألسنة طاهرة‬
‫بتطهير ال طهارة لم يبلغها علمك ‪ ,‬وإذا رأيناك على ضد هذه الحالة مع أهل البيت‬
‫الذي أنت محتاج إليهم ولرسول صلى ال عليه وآله وسلم حيث هداك ال به فكيف أثق‬
‫أنا بودك الذي تزعم به أنك شديد الحب في والرعاية لحقوقي أو لجانبي وأنت في حق‬
‫أهل نبيك بهذه المثابة من الوقوع فيهم ؟ وال ما ذاك إل من نقص إيمانك ومن مكر ال‬
‫بك واستدراجه إياك من حيث ل تعلم ‪ .‬وصورة المكران تقول وتعتقد أنك في ذلك تذب‬
‫عن دين ال تعالي وشرعه وتقول في طلب حقك أنك ما طلبت إل ما أباح ال لك طلبه ‪,‬‬
‫ويندرج الذم في ذلك الطلب المشروع والبغض والمقت وإيثارك نفسك على أهل البيت‬
‫وأنت ل تشعر بذلك ‪ .‬والدواء الشافي من هذا الداء العضال أن ل ترى لنفسك معهم‬
‫حقًا ‪ ,‬وتنزل عن حقك ‪ ,‬لئل يندرج في طلبه ما ذكرته لك ‪ ,‬وما أنت من حكام‬
‫المسلمين ‪ ,‬حتى يتعين عليك إقامة حدًا وإنصاف مظلوم ‪ ,‬أو رّد حق إلى أهله ‪ ,‬فإن كنت‬
‫حاكمًا ولبد فاسع في استنزال صاحب الحق عن حقه إذا كان المحكوم عليه من أهل‬
‫البيت فإن أبي حينئذ يتعين عليك إمضاء حكم الشرع فيه فلو كشف ال لك يا ولي عن‬
‫منازلهم عند ال تعالي في الدار الخرة لوددت أن تكون مولى من مواليهم فال تعالي‬
‫‪ .‬يلهمنا رشد أنفسنا " انتهى كلم الشيخ الكبر رضي ال عنه ونفعنا به‬
‫ثم قال بعد أسطر ‪ " :‬ومن أسرارهم يعني القطاب ما قد ذكرناه من العلم بمنزلة أهل‬
‫البيت ‪ ,‬وما قد نبه ال تعالي علي علو رتبتهم في ذلك ومن أسرارهم علم المكر الذي‬
‫مكر ال بعباده في بغضهم مع دعواهم حب رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪,‬‬
‫وسؤاله المودة في القربى وهو صلي ال عليه وآله وسلم من جملة أهل البيت ‪ ,‬فما فعل‬
‫أكثر الناس ما سألهم فيه رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم عن أمر ال تعالي فعصوا‬
‫ال ورسوله وما أحبوا من قرابته إل من رأوا منه الحسان فبأعراضهم أحبوا وبأنفسهم‬
‫‪ .‬تعشقوا " ‪ .‬انتهت عبارة الشيخ الكبر رضي ال تعالي عنه ونفعنا بعلومه وبركاته‬
‫واعلم أن حكم مودة أهل البيت بعضهم لبعض كحكم مودة الجانب لهم في الوجوب بل‬
‫‪ .‬هي أولى لما فيها من زيادة صلة الرحم ‪ ,‬نرجع للية‬
‫قيل ‪ :‬إن القربى هم ولد عبد المطلب وعليه مشى القسطلني في المواهب فقال ‪ :‬المراد‬
‫‪ .‬بالقربى من ينسب إلي جده القرب عبد المطلب‬
‫وقال بن حجر في الصواعق ‪ :‬المراد بأهل البيت والل وذوي القربى في كل ما جاء في‬
‫فضلهم مؤمنوا بني هاشم والمطلب ‪ ,‬ورجحه الصبان في إسعاف الراغبين وزاد‬
‫‪ .‬العترة ‪ .‬قال فاللفاظ الربعة بمعنى واحد كما في المواهب‬
‫‪ .‬وقال ابن عطية ‪ :‬قريش كلها عندي قربى وإن كانت تتفاضل‬
‫وقال المام المقريزي ‪ :‬ويظهرلي أن الخطاب في الية عام لجميع من آمن ‪ ,‬وذلك أن‬
‫العرب بأسرها قوم رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم الذين هو منهم ‪ ,‬فيتعين علي من‬
‫سواهم من العجم أن يودوهم ويحبوهم ‪ .‬وقد جاءت في المر بحب العرب أحاديث ‪,‬‬
‫وأن قريشا أقرب إلي رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم من سائر العرب فعلي كل‬
‫عربي أن يوقر قريشا ويحبهم من أجل أنهم قوم رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ‪,‬‬
‫وقد وردت أحاديث في تفضيل قريش وفي تقديمها علي غيرها وأن بني هاشم رهط‬
‫رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم وأسرته ‪ ,‬فيجب علي من عداهم من قريش محبتهم‬
‫ومودتهم ‪ ,‬وأن عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وذريتهما أقرب من رسول ال صلي ال‬
‫عِليٌم {‬
‫عْلٍم َ‬
‫ل ِذي ِ‬
‫ق ُك ّ‬
‫عليه وآله وسلم فيجب على بني هاشم مودتهم وإكرامهم } َوَفْو َ‬
‫‪ .‬انتهي‬
‫قوله ‪ :‬فيجب علي بني هاشم مودتهم يعني وتجب علي قريش والعرب والعجم ‪ ,‬وهكذا‬
‫التقدير فيما قبله ‪ .‬وقوله ‪ :‬وقد جاءت في حب العرب أحاديث ثم قوله ‪ :‬وقد وردت‬
‫‪ .‬أحاديث في تفضيل قريش وتقديمها علي غيرها‬
‫* * * *‬
‫فضل قريش‬
‫‪ :‬قال صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫شّر "‬
‫خْيِر َوال ّ‬
‫ش ِفي اْل َ‬
‫س َتَبٌع ِلُقَرْي ٍ‬
‫‪ " .‬الّنا ُ‬
‫ش َأَهاَنُه ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ن ُقَرْي ٍ‬
‫ن ُيِردْ َهَوا َ‬
‫‪ " .‬وقوله عليه الصلة والسلم " َم ْ‬
‫حٌد َقْبَلُهْم‪َ ،‬ول‬
‫طَها َأ َ‬
‫ل َلْم ُيْع َ‬‫صا ٍ‬
‫خ َ‬ ‫سْبِع ِ‬ ‫شا ِب َ‬‫ل ُقَرْي ً‬
‫ل ا ُّ‬
‫ضَ‬‫وقوله صلي ال عليه وآله وسلم " َف ّ‬
‫حجاَبَة ِفيِهْم‪،‬‬‫ن اْل ِ‬
‫ن الّنُبّوَة ِفيِهْم‪َ ،‬وِإ ّ‬
‫شا بَأّني ِمْنُهْم َوِإ ّ‬
‫ل ُقَرْي ً‬
‫ل ا ُّ‬‫ضَ‬ ‫حٌد َبْعَدُهْم ‪َ :‬ف ّ‬
‫طاَها َأ َ‬
‫ُيْع َ‬
‫غْيُرُهْم‪َ ،‬وَأْنَز َ‬
‫ل‬ ‫ن ل َيْعُبُدُه َ‬ ‫سِني َ‬
‫شَر ِ‬ ‫عْ‬‫ل َ‬ ‫عَبُدوا ا َّ‬‫ل‪.‬وَ‬ ‫عَلى اْلِفي ِ‬‫صَرُهْم ال َ‬ ‫سَقاَيَة ِفيِهْم‪ ،‬وَن َ‬ ‫َوال ّ‬
‫ف ُقَرْي ٍ‬
‫ش‬ ‫غْيِرِهْم ) ليل ِ‬ ‫حٍد َ‬ ‫ن َلْم يذكْر ِفيها َأ َ‬ ‫ن اْلُقْرآ ِ‬‫سوَرًة ِم َ‬‫ل ِفيِهْم ُ‬‫‪ ) " .‬ا ُّ‬
‫سِلِمِهْم َوَكاِفُرُهْم َتَبٌع‬
‫سِلُمُهْم َتَبٌع ِلُم ْ‬
‫ش ُم ْ‬
‫س َتَبٌع ِلُقَرْي ٍ‬
‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬الّنا ُ‬
‫لِم ِإَذا َفِقُهوا‬
‫سَ‬‫لْ‬ ‫خَياُرُهْم ِفي ا ِْ‬ ‫جاِهِلّيِة ِ‬
‫خَياُرُهْم ِفي اْل َ‬
‫ن ِ‬
‫س َمَعاِد ُ‬
‫‪ِ " .‬لَكاِفِرِهْم َوالّنا ُ‬
‫وقال عليه الصلة والسلم " يا أيها الناس ل تذموا قريشا فتهلكوا ول تخلفوا عنها‬
‫فتضلوا ول تعلموها وتعلموا منها فإنهم أعلم منكم ‪ ,‬لول أن تبطر قريش لعلمتها بالذي‬
‫‪ " .‬لها عند ال عز وجل‬
‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم " أحبوا قريشا فإنه من أحبهم أحبه ال‬
‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم " حب قريش إيمان ‪ ,‬وبغضهم كفر‬
‫وقال عليه الصلة والسلم " قدموا قريشا ول تقدموها ‪ ,‬ولول أن تبطر قريش لخبرتها‬
‫‪ " .‬بما لها عند ال‬
‫وقال عليه الصلة والسلم " قريش صلح الناس ول يصلح الناس إل بهم ‪ ,‬كما أن‬
‫الطعام ل يصلح إل بالملح ‪ .‬قريش خالصة ال تعالي فمن نصب لها حربا سلب ومن‬
‫‪ " .‬أرادها بسوء خزي في الدنيا والخرة‬
‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم " ل تسبوا قريشا فإن عالمها يمل طباق الرض علما‬
‫‪".‬‬
‫قال المام أحمد وغيره ‪ :‬هذا العالم هو الشافعي ‪ ,‬لنه لم يحفظ لقرشي من انتشار علمه‬
‫‪ .‬في الفاق ما حفظ للشافعي‬
‫من مناقب المام الشافعي‬
‫رضي ال تعالي عنه‬
‫ومن مناقبه رضي ال تعالي عنه ما حدث به صالح بن المام أحمد بن حنبل قال ‪ :‬جاء‬
‫الشافعي يوما إلي أبي يعوده ‪ ,‬وكان عليل فوثب إليه أبي وقبله بين عينيه ‪ ,‬ثم أجلسه في‬
‫مكانه وجلس بين يديه ‪ ,‬ثم أخذ يسأله ساعة فساعة ‪ ,‬فلما قام الشافعي وركب أخذ أبي‬
‫بركابه ومشى معه فبلغ يحيى بن معين ذلك فقال ‪ :‬يا سبحان ال لما فعلت ذلك ؟ فقال ‪:‬‬
‫إني لو مشيت من جانب وأنت يا أبا زكريا لو مشيت من جانب آخر لنتفعت به ‪ .‬من‬
‫أراد الفقه فليشم ذنب هذه البغلة وأشار إلي بغلة الشافعي رضي ال تعالي عنه وعن‬
‫‪ .‬سائر الئمة‬
‫فضل حب العرب‬
‫‪ :‬أما الحاديث الواردة في حب العرب وفضلهم ‪ ,‬فمنها قوله صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫حب العرب إيمان وبغضهم كفر ‪,‬فمن أحب العرب فقد أحبني ‪ ,‬ومن أبغض العرب "‬
‫‪ " .‬فقد أبغضني‬
‫ي‪،‬‬
‫عَرِب ّ‬
‫ن َ‬
‫ي‪َ ،‬واْلُقْرآ ُ‬
‫عَرِب ّ‬
‫لّني َ‬
‫ث‪َ :‬‬‫ب ِلَثل ٍ‬‫حّبوا اْلَعَر َ‬‫وقوله صلي ال عليه وآله وسلم " ُأ ِ‬
‫عَرِب ّ‬
‫ي‬ ‫جّنِة َ‬
‫ل اْل َ‬
‫‪َ " .‬وَكلُم َأْه ِ‬
‫قال المناوي في شرح هذا الحديث ‪ " :‬وهذه الجمل واردة مورد الحث على حب العرب‬
‫وهو منزل علي قيد الحيثية أي من حيث كونهم عربا ‪ ,‬وقد يعرض لهم ما يقتضي‬
‫الزيادة علي هذا الحب باعتبار ما يقوم بهم من وصف اليمان ‪ ,‬والتفاضل فيه بحسب‬
‫المراتب ‪ ,‬وقد يعرض ما يوجب البغض والزياد منه بحسب ما يعرض لهم من كفر‬
‫‪ :‬ونفاق ‪ ,‬قال سبحانه في شأن قوم منهم‬
‫شّد ُكْفًرا َوِنَفاًقا (‬
‫ب َأ َ‬
‫عَرا ُ‬
‫‪ ) .‬ال ْ‬
‫فإذا وفق العبد لمحبتهم من حيث كون المصطفى منهم ‪ ,‬وأن القرآن أنزل بلغتهم ‪ ,‬وأن‬
‫كلم الرفيق العلى بلسانهم ‪ ,‬لعذوبته وفصاحته ‪ ,‬واستقامته ‪ ,‬كان ذلك واسطة في حبه‬
‫صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وإذا خذل فأبغضهم من الجهات المذكورة كان لزمه بغضه‬
‫عليه الصلة والسلم وهو كفر ‪ ,‬وإذا أبغضهم من حيث كفرهم أو نفاقهم كان ذلك واجبا‬
‫‪.‬‬
‫فاستبان أنه قد يجب الحب وقد يجب البغض ويبقى مطلق الحب من الحيثية التي سبق‬
‫‪ .‬الكلم عليها‬
‫واعلم أن ستة من النبياء من العرب سيدنا نوح ‪ ,‬وسيدنا هود ‪ ,‬وسيدنا إسماعيل ‪,‬‬
‫وسيدنا صالح ‪ ,‬وسيدنا ‪ ,‬شعيب وسيدنا محمد صلي ال عليه وعليهم وسلم ‪ ,‬وباقيهم من‬
‫‪ .‬غيرهم " انتهي‬
‫‪ " .‬وقوله صلي ال عليه وآله وسلم " من أحب العرب فهو حبيبي حقا‬
‫قال العزيزي لنهم هم الذين باعوا أنفسهم ل تعالي ‪ ,‬حتى أظهروا السلم وأزاحوا‬
‫‪ .‬ظلمة الكفر‬
‫وفي المناوي ‪ " :‬علمة صدق الحب حب كل ما ينسب إلى المحبوب ‪ ,‬فإن من يحب‬
‫إنسانا يحب كلب محلته ‪ ,‬فالمحبة إذا قويت تعدت من المحبوب إلى كل ما يكتنف‬
‫بالمحبوب ‪ ,‬ويحيط به ويتعلق بأسبابه ‪ ,‬وذلك وليس شركة في حب ال تعالي ‪ ,‬فإن من‬
‫أحب رسول ال المحبوب لكونه رسوله وكلمه لكونه كلمه ومن ينتمي إليه لكونه من‬
‫‪ .‬حزبه لم يجاوز حبه إلى غيره بل هو دليل كمال حبه " ا هـ‬
‫‪ :‬وقوله عليه الصلة والسلم‬
‫‪ " .‬من سب العرب فإولئك هم المشركون "‬
‫‪ " .‬وقوله عليه الصلة والسلم " من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي‬
‫وروى الترمذي عن سلمان رضي ال تعالي عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلي ال عليه‬
‫‪ :‬وآله وسلم‬
‫يا سلمان ل تبغضني فتفارق دينك ‪ ,‬قلت ‪ :‬يا رسول ال كيف أبغضك وبك هداني "‬
‫‪ " .‬ال ؟ قال تبغض العرب فتبغضني‬
‫ى رضي ال تعالي عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ :‬وعن عل ّ‬
‫‪ " .‬ل يبغض العرب إل منافق "‬
‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم " إن لواء الحمد بيدي يوم القيامة وإن أقرب الخلئق من‬
‫‪ " .‬لوائي يومئذ العرب‬
‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم " إذا ذلت العرب ذل السلم‬
‫قال الناوي ‪ " :‬أي أهله أو نفسه ‪ ,‬لن شؤم ذلك يعود على الدين بالوهن والضعف ‪,‬‬
‫وذلك لن أصل السلم نشأ منهم وبهم ظهر وانتشر فإذا ذلوا ذل أي نقص ‪ ,‬ولن‬
‫السلم ل يصلح وينتظم حاله إل بالجود والسماحة واللين والمودة والرفق وتجنب‬
‫البخل والضيق والعجلة والحقد والحرص ؛ والعرب سهلة نفوسها كريمة طباعها زكية‬
‫‪ .‬أخلقها ل ينكر ذلك إل معاند ول يجحده إل مارد‬
‫فإذا كانوا في عز فالسلم في عز وإن ذلوا ذل ‪ .‬فبتلك الخلل فضلوا ل باللسان العربي‬
‫فحسب ‪ .‬ومعنى إذا ذلت ‪ :‬أي ضعف أمرها وهان قدرها وظلموا وازدروا واحتقروا‬
‫‪ .‬وفضل عليهم غيرهم " انتهي‬
‫‪ " .‬وقال في قوله صلي ال عليه وآله وسلم ‪" :‬حب العرب إيمان وبغضهم نفاق‬
‫أي إذا أحبهم كان حبهم آية إيمانهم ‪ ,‬وإذا بغضهم كان بغضهم علمة نفاقه ‪ ,‬لن هذا‬
‫الدين نشأ منهم ‪ ,‬وكان قيامه بسيوفهم وهممهم ‪ ,‬والظاهر من حال من أبغضهم أنه إنما‬
‫أبغضهم لذلك وهو كفر ‪ .‬وقد اطلعت علي كتاب سر الدب في مجاري كلم العرب‬
‫‪ .‬لبي منصور الثعالبي ‪ ,‬فوجدته ذكر في خطبته كلما يناسب ما نحن فيه‬
‫قال رحمه ال تعالي بعد البسملة والحمد ل " أما بعد ‪ ,‬فإن من أحب ال تعالي أحب‬
‫رسوله محمدا المصطفى صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ومن أحب الرسول أحب العرب ‪,‬‬
‫ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي نزل بها أفضل الكتب علي أفضل العرب‬
‫والعجم ‪ ,‬ومن أحب اللغة العربية عنى بها وثابر عليها ‪ ,‬وصرف همه إليها ومن هداه‬
‫ال للسلم ‪ ,‬وشرح صدره لليمان ‪ ,‬وآتاه بقوة بصيرة ‪ ,‬وحسن سيرة ‪ ,‬اعتقد أن سيدنا‬
‫محمدا صلي ال عليه وآله وسلم خير الرسل ‪ ,‬والسلم خير الملل والعرب خير المم ‪,‬‬
‫والعربية خير اللغات واللسنة والقبال علي تفهمها من الديانة ‪ ,‬إذ هي أداة العلم ‪,‬‬
‫ومصباح التفقه في الدين ‪ ,‬ومفتاح إصلح المعاش والمعاد ‪ .‬ثم هي لحراز الفضائل‬
‫والحتواء علي المروءات والمناقب كالينبوع للماء والزند للنار ‪ ,‬ولو لم يكن في‬
‫الحاطة بخصائصها ‪ ,‬والوقوف علي مجاريها ومصارفها ‪ ,‬والتبحر في جلئلها‬
‫ودقائقها إل قوة اليقين في إعجاز القرآن وزيادة البصيرة في إثبات النبوة الذي هو عمدة‬
‫اليمان لكفي به فضل يحسن أثره ويطيب ثمره ‪ ,‬فكيف وأيسر ما خصه ال به من‬
‫‪ .‬ضروب المناقب ‪ ,‬وفنون المحاسن ‪ ,‬بكل أقلم الكتبة ويتعب أنامل الحسبة " ا هـ‬
‫تنبيه " ‪ :‬اعلم أن جميع ما ورد عن الشارع مما فيه وصف المبغض لقريش أو للعرب "‬
‫أو لهل البيت أو سلبهم أو الغاش لهم بالكفر أو النفاق ونحوهما ‪ ,‬فهو محمول علي ما‬
‫إذا كان ذلك لكون رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم منهم ‪ ,‬وكونهم جنسه ‪ ,‬وحزبه ‪,‬‬
‫وأهل بيته ‪ ,‬أما إذا كان البغض ونحوه لمعني آخر ل تعلق له بالجنسية والحزبية‬
‫والهلية ‪ ,‬فقد يختلف حكمه كما يفهم من شروح الحديث وغيرها ‪ ,‬بل هو أمر معلوم من‬
‫‪ .‬قواعد الدين‬
‫‪ :‬قال ابن تيمية في قوله صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫إن ال اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ‪ ,‬واصطفى قريشا من كنانة ‪ ,‬واصطفى من "‬
‫‪ .‬قريش بني هاشم " الحديث‬
‫أفاد الخبر أن العرب أفضل من جنس العجم ‪ ,‬وأن قريشا أفضل العرب ‪ ,‬وأن بني هاشم‬
‫أفضل قريش ‪ ,‬وأن المصطفى صلي ال عليه وآله وسلم أفضل بني هاشم ‪ ,‬فهو صلي‬
‫ال عليه وآله وسلم أفضل الناس نفسا ونسبا وليس فضل العرب فقريش فبني هاشم‬
‫بمجرد كون النبي صلي ال عليه وآله وسلم منهم وإن كان هذا من الفضل بل لهم في‬
‫أنفسهم فضل ‪ ,‬وبذلك يثبت للنبي صلي ال عليه وآله وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإل‬
‫‪ .‬لزم الدور انتهي‬
‫أقول ‪ :‬إذا علمت هذا فاعلم أن جميع ما ورد في تفضيل العرب والغراء بمحبتهم‬
‫وإكرامهم والتحذير من كراهتهم وأذاهم بالسب والغش ونحوهما هو شامل لقريش لنهم‬
‫صفوة العرب وأن جميع ذلك كالوارد في خصوص قريش شامل لبني هاشم لنهم صفوة‬
‫‪ .‬قريش وما ورد في بني هاشم فمن فوقهم شامل لهل البيت سواء‬
‫ي وفاطمة والحسن والحسين لنهم صفوة‬ ‫قلنا ‪ :‬هم بنو عبد المطلب أو خصوص عل ّ‬
‫الصفوة وخلصة الخلصة وخيرة الخيرة ول ينعكس ذلك فقد اختص أهل البيت بمزايا‬
‫لم توجد في بني هاشم واختص بنو هاشم بمناقب عريت منها قريش واختصت قريش‬
‫‪ :‬بفضائل فقدها سائر العرب وفي قوله تعالي‬
‫ن{‬‫ن اْلُمَتَكّلِفي َ‬
‫جٍر َوَما َأَنا ِم َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫عَلْيِه ِم ْ‬
‫سَأُلُكْم َ‬
‫ل َما َأ ْ‬
‫‪ُ } .‬ق ْ‬
‫أقوال أخرى ‪ :‬منها ما ذكره الطبري بقوله معناه ‪ :‬قل ل أسألكم عليه أجرا يا معشر‬
‫قريش إل أن تودوني في قرابتي منكم وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم ‪ ,‬قال ابن عباس‬
‫وابن إسحاق وقتادة ‪ :‬لم يكن في قريش بطن إل ولرسول ال صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ .‬فيهم نسب وصهر‬
‫فالية علي هذا استعطاف لدفع أذاهم وطلب السلمة منهم وقد علمت من النقول المتقدمة‬
‫ي وفاطمة والحسن‬ ‫أن كونها في ذوي قرابته صلي ال عليه وآله وسلم هو الراجح وعل ّ‬
‫والحسين وبنوهما إلي يوم القيامة داخلون علي كل حال سواء جرينا علي القول بأنهم‬
‫‪ .‬فيهم خاصة أو أنها في مؤمني بن عبد المطلب أو في مؤمني بني هاشم‬
‫فصل‬
‫‪ :‬أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي ال تعالي عنهما في قوله تعالي‬
‫سَنًة (‬
‫حَ‬‫ف َ‬
‫ن َيْقَتِر ْ‬
‫‪َ ) .‬وَم ْ‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬المودة لل محمد‬
‫‪ :‬وعنه رضي ال تعالي عنه ‪ ,‬عن النبي صلي ال عليه وآله وسلم أنه قال‬
‫‪ " .‬أحبوا ال لما يغذوكم به وأحبوني بحب ال وأحبوا أهل بيتي بحبي "‬
‫‪ :‬وعن ابن مسعود رضي ال تعالي عنه‬
‫‪ " .‬حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة "‬
‫‪ :‬وعن أبي هريرة رضي ال تعالي عنه ‪ ,‬عن النبي صلي ال عليه وآله وسلم قال‬
‫‪ " .‬خيركم خيركم لهلي من بعدي "‬
‫‪ :‬وأخرج الطبراني وغيره أنه صلي ال عليه وآله وسلم قال‬
‫ل يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفيه وتكون عترتي أحب إليه من عترته ‪" ،‬‬
‫‪ " .‬وأهلي أحب إليه من أهله وذاتي أحب إليه من ذاته‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬يرد الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين‬
‫‪ " .‬السبابتين‬
‫‪ :‬وروي عنه صلي ال عليه وآله وسلم أنه قال‬
‫الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي ال عز وجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا ‪" ,‬‬
‫‪ " .‬والذي نفسي بيده لينفع عبدا عمله إل بمعرفة حقنا‬
‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم " من أراد التوسل وأن يكون له عندي يد أشفع له بها‬
‫‪ .‬يوم القيامة فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم " أخرجه الديلمي‬
‫ي رضي ال تعالي عنه أخبرني رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم‬ ‫‪ :‬وعن عل ّ‬
‫إن أول من يدخل الجنة أنا وفاطمة والحسن والحسين ‪ ,‬فقلت يا رسول ال فمحبونا ؟ "‬
‫" قال من ورائكم‬
‫وأخرج المام أحمد " أنه صلي ال عليه وآله وسلم أخذ بيد الحسنين وقال ‪ :‬من أحبني‬
‫‪ " .‬وأحب هذين وأمهما وأباهما كان معي في درجتي يوم القيامة‬
‫‪ .‬والمراد معية المشاهدة ل معية المنزلة‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬من اصطنع لحد من ولد عبد المطلب يدا فلم يكافئه بها‬
‫ي مكافئته غدا يوم القيامة إذا لقيني " أخرجه الطبراني مرفوعا‬
‫‪ .‬في الدنيا فعل ّ‬
‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة ‪ :‬المكرم لذريتي‬
‫والقاضي لهم حوائجهم والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه والمحب لهم بقلبه‬
‫‪ " .‬ولسانه‬
‫ي رضي ال تعالي عنهما قال ‪ :‬قال‬ ‫وأخرج بن النجار في تاريخه عن الحسن بن عل ّ‬
‫‪ :‬رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫لكل شيء أساس وأساس السلم حب أصحاب رسول ال صلي ال عليه وسلم وحب "‬
‫‪ " .‬أهل بيته‬
‫وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي ال تعالي عنهما قال ‪ :‬قال رسول ال صلي ال‬
‫‪ :‬عليه وآله وسلم‬
‫ل تزول قدم عبد حتى يسأل عن أربع ‪ :‬عن عمره فيم أفناه ‪ ,‬وعن جسده فيم أبله ‪" ,‬‬
‫‪ " .‬وعن ماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه ‪ ,‬وعن حبنا أهل البيت‬
‫ي رضي ال تعالي عنه‬‫‪ :‬وأخرج الديلمي عن عل ّ‬
‫‪ " .‬أثبتكم علي الصراط أشدكم حبا لهل بيتي وأصحابي "‬
‫وفي الصحيح " أن العباس رضي ال عنه شكا إلي رسول ال صلي ال عليه وسلم ما‬
‫تفعل قريش من تعبيسهم في وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم فغضب رسول ال‬
‫صلي ال عليه وسلم غضبا شديدا حتى احمر وجهه ودر عرق بين عينيه ‪ ,‬وقال ‪ :‬ما‬
‫بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم وال ل يدخل قلب رجل‬
‫‪ " .‬اليمان حتى يحبهم لقرابتهم مني‬
‫‪ " .‬وفي رواية " والذي نفسي بيده ل يدخل قلب رجل اليمان حتى يحبكم ل ورسوله‬
‫وقال رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬خمس من أوتيهن لم يعذر علي ترك عمل‬
‫الخرة ‪ :‬زوجة صالحة وبنون أبرار ‪ ,‬وحسن مخالطة الناس ‪ ,‬ومعيشة في بلده وحب‬
‫‪ " .‬آل محمد صلي ال عليه وسلم‬
‫‪ :‬وأخرج الطبراني في الوسط عن ابن عمر قال‬
‫‪ " .‬آخر ما تكلم به النبي صلي ال عليه وسلم اخلفوني في أهل بيتي "‬
‫ي كرم ال تعالي وجهه قال‬
‫‪ :‬وعن عل ّ‬
‫‪ " .‬أدبوا أولدكم علي ثلث خصال ‪ :‬حب نبيكم وحب أهل بيته وقراءة القرآن "‬
‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬إن ل حرمات ثلثا من حفظهن حفظ ال أمر دينه‬
‫ودنياه ‪ ,‬ومن ضيعهن لم يحفظ ال له شيئا ‪ ,‬قيل وما هي يا رسول ال ؟ قال ‪ :‬حرمة‬
‫‪ " .‬السلم ‪ ,‬وحرمتي ‪ ,‬وحرمة رحمي‬
‫وقد جري علي كمال مودتهم أكابر السلف والخلف وسيدهم أبو بكر الصديق ‪ ,‬فقد ثبت‬
‫عنه رضي ال تعالي عنه أنه قال ‪ :‬صلة قرابة رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫ي من صلة قرابتي ‪ ,‬وأخرج البخاري عنه رضي ال تعالي عنه قوله ‪ " :‬أرقبوا‬ ‫أحب إل ّ‬
‫محمدا في أهل بيته " قال ابن علن في شرح رياض الصالحين قال المصنف يعني ‪:‬‬
‫‪ .‬المام النووي ارقبوا أي راعوه واحترموه وأكرموه هـ‬
‫وقال المناوي ‪ :‬قال الحافظ الزرندي ‪ :‬لم يكن أحد من العلماء المجتهدين ‪ ,‬والئمة‬
‫‪ :‬المهتدين إل وله في أهل البيت الحظ الوافر ‪ ,‬والفخر الزاهر ‪ ,‬كما أمر ال تعالي بقوله‬
‫جًرا ِإل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى { ا هـ {‬
‫عَلْيِه َأ ْ‬
‫سَأُلُكْم َ‬
‫ل ل َأ ْ‬
‫‪ُ .‬ق ْ‬
‫قلت ‪ :‬وإنما قيد الحافظ بالعلماء المجتهدين والئمة المهتدين ‪ ,‬لنهم قدوة المة ‪ ,‬فإذا‬
‫كانت هذه صفتهم فل ينبغي لمؤمن أن يتخلف عنهم ‪ ,‬فإن وصف اليمان كاف لوجوب‬
‫مودة أهل البيت رضي ال تعالي عنهم ‪ ,‬وبقدر زيادته تكون زيادتها ‪ ,‬ومن هنا كان‬
‫‪ .‬للعلماء المجتهدين والئمة المهتدين في موالتهم الحظ الوافر والفخر الزاهر‬
‫هذا المام العظم أبو حنيفة النعمان رضي ال تعالي عنه والي إبراهيم بن عبد ال‬
‫المحض ابن الحسن المثني ابن الحسن السبط رضوان ال تعالي عليهم ‪ ,‬وأفتي الناس‬
‫بلزوم وجودهم معه ومع أخيه محمد ‪ ,‬وقيل إن سجنه رضي ال تعالي عنه كان في‬
‫‪ .‬الباطن لهذا السبب ‪ ,‬وفي الظاهر لمتناعه عن القضاء‬
‫وهذا إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي ال تعالي عنه والي إبراهيم بن زيد بن عل ّ‬
‫ي‬
‫زين العابدين بن الحسين رضي ال تعالي عنهم ‪ ,‬وأفتي الناسبلزوم وجودهم معه‬
‫واختفي من أجله عدة سنين ‪ ,‬وقيل ‪ :‬أن الذي واله المام مالك هو محمد أخو إبراهيم‬
‫‪ .‬بن عبد ال المحض الذي واله المام أبو حنيفة‬
‫ول أحفظ عن المام الجليل أحمد بن حنبل رضي ال تعالي عنه شيئا مخصوصا في‬
‫ذلك غير أنه مع كمال ورعه ودقة نظره قال بكفر يزيد بن معاوية وجواز لعنه وما ذاك‬
‫‪ .‬إل لولئه لل المصطفى صلي ال عليه وآله وسلم مع ما ثبت عنده من الدليل‬
‫أما المام القرشي ابن عم النبي محمد بن إدريس الشافعي رضي ال تعالي عنه ‪ ,‬فقد‬
‫حمل إلي بغداد مكبل بالقيود بسبب شدة ولئه لل رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ‪,‬‬
‫ووقع له في ذلك أمور يطول شرحها بل بلغ معه الحال في محبتهم إلي أن نسبه أهل‬
‫‪ .‬الزيغ والضلل إلي الرفض ‪ ,‬وحاشاه ثم حاشاه‬
‫وروى ابن السبكي في طبقاته بسنده المتصل إلي الربيع بن سليمان المرادي صاحب‬
‫المام الشافعي رضي ال تعالي عنه قال ‪ :‬خرجنا مع الشافعي من مكة نريد مني فلم‬
‫‪ :‬ننزل واديا ولم نصعد شعبا إل وهو يقول‬
‫يا راكبا قف بالمحصب من مني‬
‫واهتف بقاعد خيفها والناهض‬
‫سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى‬
‫فيضا كملتطم الفرات الفائض‬
‫إن كان رفضا حب آل محمد‬
‫فليشهد الثقلن أني رافضي‬
‫‪ :‬وقد نص رضي ال تعالي عنه علي فريضة محبتهم بقوله‬
‫يا أهل بيت رسو ال حبكم‬
‫فرض من ال في القرآن أنزله‬
‫كفاكم من عظيم لقدر أنكم‬
‫من لم يصل عليكم ل صلة له‬
‫قال الصبان ‪ :‬أي صلة كاملة أوصحيحة علي قول مرجوح للشافعي وقوله ‪ :‬في القرآن‬
‫‪ :‬أنزله هو قوله تعالي‬
‫جًرا ِإل اْلَموَّدَة ِفي اْلُقْرَبى {‬
‫عَلْيِه َأ ْ‬
‫سَأُلُكْم َ‬
‫ل ل َأ ْ‬
‫‪ُ } .‬ق ْ‬

‫فانظر وفقنا ال تعالي وإياك إلي هولء الئمة وهداة المة واقف آثارهم في محبة أهل‬
‫بيت النبوة رضي ال تعالي عنهم ‪ ,‬فإنك إن كنت مسلما سنيا ل تخلو من أن تكون مقلدا‬
‫في أمر دينك أحد هؤلء الئمة الربعة العلم ومع كونهم رضي ال تعالي عنهم‬
‫اختلفوا في كثير من المسائل كما تري وإن كنت أيها الناظر في كتابي هذا يزيديا أو‬
‫زياديا فانظر إلي سيرة أسلفك اللئام تجدها سيرة أهل النار ‪ ,‬وتصفح أخبارهم تجدها‬
‫أخبار عار وشنار ‪ ,‬فإن كنت عاقل فلبد وأن تعلم أنهم كانوا علي أقبح ضللة ‪ ,‬وأفضح‬
‫جهالة ‪ ,‬فتكون علي خلف ما كانوا عليه تدخل الجنة دار المتقين ‪ ,‬وتحشر في زمرة‬
‫الذين أنعم ال تعالي عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ‪ ,‬وإن أبيت إل‬
‫مشاركة سلفك في السعير ‪ ,‬وبئس المصير ‪ ,‬فالزم طريقتهم تفز بما فازوا به من السبق‬
‫إلي غاية الضلل ‪,‬ويحق عليك كما حق عليهم من الهلك والوبال ‪ ,‬وتسحب إلي الجحيم‬
‫كما سحبوا بالسلسل والغلل ‪ ,‬ول محيد لك عن إحدى هاتين الدارين فاختر منهما ما‬
‫‪ .‬تختار ‪ ,‬فليس ثمة إل الجنة أوالنار‬
‫ي كثرة‬‫قال سيدي عبد الوهاب الشعراني في المنن ‪ " :‬ومما من ال تبارك وتعالي به عل ّ‬
‫تعظيمي للشرفاء وإن طعن الناس في نسبهم وأري ذلك التعظيم من بعض ما يستحقونه‬
‫ي وكذلك أولد العلماء والولياء وتعظيمهم وإكرامهم بطريقة الشرعي ‪ ,‬ولو كانوا‬
‫عل ّ‬
‫علي غير قدم الستقامة ثم من أقل ما أعامل به الشريف في الجلل والتعظيم أن أعامله‬
‫‪ .‬مثل ما أعامل نائب أي والي مصر أو قاضي العسكر‬
‫ومن جملة الدب مع الشرفاء أن ل يجلس أحدنا علي فرش أو مرتبة أو صفة والشريف‬
‫بضدد ذلك ‪ ,‬وأن ل نتزوج لهم مطلقة أو زوجة ماتوا عنها وكذلك ل نتزوج شريفة إل‬
‫إن كان أحدنا يعرف من نفسه القدرة علي القيام بواجب حقها وأن يعمل علي رضاها ‪,‬‬
‫فل يتزوج عليها ول يتسري ول نقتر عليها في المأكل والملبس دون قدرتنا ونقول ‪ :‬إن‬
‫جدك رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم اختار ذلك وكذلك ل نمنعها شهوة مباحة‬
‫سألتنا فيها ونقدم لها نعلها إذا قامت واحتاجت ‪ ,‬ونقوم لها إذا وردت علينا لنها بضعة‬
‫من رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وكذلك ل ننظر لها بدنا ولو لبيع وشراء إل أن‬
‫تعين ذلك علينا شرعا ‪ ,‬ول ننظر رجلها إذا كان أحدنا بائع أخفاف ‪ ,‬ول نمعن النظر‬
‫إليها في الزار إذا مرت علينا فإن ذلك يغضب جدها رسول ال صلي ال عليه وآله‬
‫‪ " .‬وسلم‬
‫وقال رضي ال تعالي عنه ونفعنا ببركاته في كتابه البحر المورود في المواثيق والعهود‬
‫‪ " :‬أخذ علينا العهود أن ل نتزوج قط شريفة إل إن كنا نعد أنفسنا من خدامها لنها‬
‫بضعة من رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ‪,‬فمن كان يري نفسه رقيقا لها ويعتقد أنه‬
‫متي خرج عن طاعتها أبق وأساء فليتزوج ومن ل فل ينبغي له ذلك ويقال لمن تزوجها‬
‫للتبرك السلمة مقدمة علي الغنيمة ‪ ,‬ل سيما إن تزوج عليها أو تسري أو آذاها ببخله‬
‫‪ " .‬وشحه ويمكن المؤمن التبرك بها بالحسان إليها من غير تزوج‬
‫وبالجملة فل يقدر علي القيام بحق الشريفة وإكرامها إل من ماتت نفسه ‪ ،‬وصح له مقام‬
‫الزهد في الدنيا وباشر اليمان قلبه بحيث صار أولد رسول ال صلي ال عليه وآله‬
‫وسلم أحب إليه من أهله وولده وماله ‪ ,‬فإن كل شيء يؤذي الشرفاء يؤذي رسول ال‬
‫صلي ال عليه وآله وسلم ‪ .‬وكان سيدي علي الخواص ينهي من ينظر للشريفة وهي في‬
‫الزار والنقاب والخف ويقول للرائي ‪ :‬أنت لو رأيت شخصا يمعن النظر إلي بنتك في‬
‫‪ .‬الزار أما كنت تتشوش فكذلك رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫قلت ‪ :‬وينبغي للمتدين إذا بايع الشريفة أو فصدها أو داواها أن ل يفعل ذلك إل وهو في‬
‫غاية الخجل والحياء من رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ل سيما بائع الخفاف ‪,‬‬
‫وإن كنت يا أخي ممن يشدد في العمل بفروع الشريعة وأنه ل بد لك من رؤيتها لتشهد‬
‫عليها مثل فاستأذن بقلبك صاحب الشرع وانظر ‪ ,‬وإن كنت يا أخي كامل المحبة لولد‬
‫‪ .‬رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم فأهد إليهم ما يريدون يشترونه منك‬
‫ثم قال رضي ال تعالي عنه ‪ :‬أخذ علينا العهود إذا كان لنا بنت أو أخت لها جهاز كبير‬
‫وخطبها شريف فقير ل يملك غير مهرها وقوت يومه وليلته أن نزوجه ول نرده ‪ ,‬وذلك‬
‫أن الفقر ليس بعيب نرد به الخطبة بل هو شرف ‪ ,‬وقد تمني رسول ال صلي ال عليه‬
‫‪ :‬وآله وسلم ‪ ,‬بل سأل ربه عز وجل أن يحشره في زمرة الفقراء والمساكين وقال‬
‫‪ " .‬اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا "‬
‫أي ل يفضل منه شيء في غداء ول عشاء ‪ ,‬فشيء اختاره رسول ال صلي ال عليه‬
‫وآله وسلم لذريته ‪ ,‬وأهل بيته هو غاية الشرف ومن رد شريفا فقيرا طلب تزويج ابنته‬
‫‪ .‬يخاف عليه من المقت ‪ ,‬وال غني حميد‬
‫وكذلك أخذ علينا العهود إذا مررنا علي شريف أو شريفة علي قوارع الطريق يسألن‬
‫الناس أن ندفع لهما ما نقدر عليه من الدراهم أو الطعام أو الثياب أو نعرض عليهم‬
‫القامة عندنا لنقوم لهم بالكفاية الشرعية ‪ ،‬حيث استطعنا ذلك ‪ ,‬ويقبح علي من يدعي‬
‫محبة رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم أن يمر علي أولده وهم علي قوارع الطرق‬
‫يسألون الناس فل يعطيهم شيئا وال غفور رحيم ‪ .‬انتهي كلمه رضي ال تعالي عنه‬
‫‪ .‬بحروفه‬
‫‪ :‬وأخرج المل في سيرته أنه صلي ال عليه وآله وسلم قال‬
‫استوصوا بأهل بيتي خيرا فإني اخاصمكم عنهم غدا ‪ ,‬ومن أكن خصمه أخصمه ال ‪" ,‬‬
‫‪ " .‬ومن أخصمه ال أدخله النار‬
‫وفي الصحيح ‪ :‬أن بنت أبي لهب لما هاجرت إلي المدينة قيل لها لن تغني عنك هجرتك‬
‫أنت بنت حطب النار ‪ ,‬فذكرت ذلك للنبي صلي ال عليه وآله وسلم فاشتد غضبه ‪ ,‬ثم‬
‫‪ :‬قال علي المنبر‬
‫ما بال أقوام يؤذوني في نسبي وذوي رحمي أل ومن آذي نسبي وذوي رحمي فقد "‬
‫‪ .‬آذاني ومن آذاني فقد آذي ال " أخرجه كثير من أهل السنن‬
‫وأخرج الطبراني والحاكم عن ابن عباس رضي ال تعالي عنهما قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫‪ :‬صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫ت َقاِئَمُكْم ‪ ،‬وأنَُيَعّلَم "‬ ‫ن ُيَثّب َ‬
‫سَأْلُتُه َأ ْ‬
‫ل َلُكْم َثلًثا ‪َ :‬‬
‫ت ا َّ‬‫سَأْل ُ‬
‫ب ِإّني َ‬ ‫طِل ِ‬‫عْبِد اْلُم ّ‬
‫َيا بني َ‬
‫صاَم ‪ُ ،‬ثّم َما َ‬
‫ت‬ ‫صّلى َو َ‬ ‫ن َواْلَمَقاِم َف َ‬ ‫ن الّرْك ِ‬ ‫جل صعد َبْي َ‬ ‫ن َر ُ‬‫جاِهَلُكْم ‪َ ،‬وَيْهِدي ضاّلُكمْ‪َ ،‬فَلْو َأ ّ‬
‫َ‬
‫ل الّناَر‬
‫خَ‬‫سّلَم َد َ‬
‫عَلْيِه َو َ‬
‫ل َ‬ ‫صّلى ا ُّ‬ ‫حّمٍد َ‬‫ت ُم َ‬ ‫ل َبْي ِ‬
‫لْه ِ‬ ‫ض َ‬ ‫‪َ " .‬وُهَو ُمْبِغ ٌ‬
‫‪ :‬وأخرج الطبراني عن ابن عباس‬
‫‪ " .‬بغض بني هاشم والنصار كفر وبغض العرب نفاق "‬
‫وأخرج ابن عدي واليهقي في شعب اليمان عن عليّ رضي ال تعالي عنه قال ‪ :‬قال‬
‫‪ :‬رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫من لم يعرف عترتي والنصار فهو لحد ثلث ‪ :‬إما منافق وإما لزنية وإما لغير طهر "‬
‫‪".‬‬
‫‪ .‬يعني حملته أمه علي غير طهر‬
‫وأخرج الطبراني في الوسط عن جابر بن عبد ال قال ‪ :‬خطبنا رسول ال صلي ال‬
‫‪ :‬عليه وآله وسلم ‪ ,‬فسمعته ‪ ,‬وهو يقول‬
‫‪ " .‬أيها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره ال يوم القيامة يهوديا "‬
‫وعن أبي سعيد الخدري رضي ال تعالي عنه أنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلي ال عليه‬
‫‪ :‬وآله وسلم‬
‫‪ " .‬ل يبغضنا أهل البيت أحد إل أدخله ال النار "‬
‫‪ .‬رواه الحاكم وصححه علي شرط الشيخين‬
‫ي رضي ال تعالي عنه وكرم وجهه أنه قال لمعاوية رضي ال تعالي عنه ‪:‬‬ ‫وعن عل ّ‬
‫‪ :‬إياك وبغضنا ‪,‬فإن ال صلي ال عليه وآله وسلم قال‬
‫ل يبغضنا ول يحسدنا أحد إل ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار " رواه "‬
‫‪ .‬الطبراني‬
‫‪ " .‬وروي أحمد مرفوعا " من أبغض أهل البيت فهو منافق‬
‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪" :‬حرمت الجنة علي من ظلم أهل بيتي وآذاني في‬
‫‪ " .‬عترتي‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬سبعة لعنتهم وكل نبي مجاب وعد منهم صلي ال عليه‬
‫‪ " .‬وآله وسلم المستحل من عترته ما حرم ال‬
‫* * * *‬

‫معاملة السلف الصالح وغيرهم‬


‫لهل البيت رضي ال تعالي عنهم‬
‫قال الحافظ ابن حجر في الصابة ‪ :‬قال يحيى بن سعيد النصاري عن عبيد بن حنين ‪:‬‬
‫حدثني الحسين بن علي قال ‪ :‬أتيت عمر ‪ ,‬وهو يخطب على المنبر فصعدت إليه فقلت ‪:‬‬
‫انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك فقال عمر ‪ :‬لم يكن لبي منبر وأخذني‬
‫فأجلسني معه أقلب حصى بين يدي فلما نزل انطلق بي إلى منزله ثم قال لي ‪ :‬لو جعلت‬
‫تغشانا قال ‪ :‬فأتيته يومًا وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب ‪ ,‬فرجع ابن عمر ‪ ,‬فرجعت‬
‫معه ‪ ,‬فلقيني بعد فقال لي ‪ :‬لم أرك ؟ قلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين إني جئت وأنت خال‬
‫بمعاوية ‪ ,‬فرجعت مع ابن عمر فقال ‪ :‬أنت أحق من ابن عمر ‪ ,‬فإنما أنبت ما ترى في‬
‫‪ .‬رؤوسنا ال ثم أنتم سنده صحيح‬
‫وروي أبو الفرج الصهاني من طريق عبيد ال بن عمر القواريري قال ‪ :‬حدثنا يحيى‬
‫بن سعيد عن سعيد بن أبان القرشي ‪ ,‬قال ‪ :‬دخل عبد ال بن حسن بن حسن علي عمر‬
‫بن عبد العزيز وهو حديث السن له وفرة فرفع مجلسه وأقبل عليه وقضي حوائجه ‪ ,‬ثم‬
‫أخذ عكنة من عكنه فغمزها ‪ ,‬حتي أوجعه وقال ‪ :‬أذكرها عندك للشفاعة ‪ ,‬فلما خرج‬
‫لمه قومه وقالوا ‪ :‬فعلت هذا بغلم حدث فقال ‪ :‬إن الثقة حدثني حتى كأني أسمعه من‬
‫‪ .‬في رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬إنما فاطمة بضعة مني يسرني ما يسرها "‬
‫وأنا أعلم أن فاطمة لو كانت حية لسرها ما فعلت بابنها قالوا فما معني غمزك بطنه ‪,‬‬
‫وقولك ما قلت ؟ قال ‪ :‬أنه ليس أحد من بني هاشم إل وله شفاعة فرجوت أن أكون في‬
‫‪ .‬شفاعة هذا‬
‫وروي عن عبد ال هذا قال ‪ :‬أتيت باب عمر بن عبد العزيز في حاجة فقال لي ‪ :‬إذا‬
‫‪ .‬كانت لك حاجة فأرسل إلي أو اكتب فإني أستحيي من ال أن أراك علي بابي‬
‫وروي أن المام مالكا لما ضربه جعفر بن سليمان ونال منه ما نال وحمل مغشيا عليه‬
‫ودخل عليه الناس فأفاق فقال ‪ :‬أشهدكم أني جعلت ضاربي في حل ‪ .‬فسئل بعد ذلك فقال‬
‫‪ :‬خفت أن أموت فألقي النبي صلي ال عليه وآله وسلم فأستحي منه أن يدخل بعض آله‬
‫‪ .‬النار بسببي‬
‫وقيل ‪ :‬إن المنصور أقاده من جعفر فقال له ‪ :‬أعوذ بال وال ما ارتفع منها سوط عن‬
‫‪ .‬جسمي إل وقد جعلته في حل لقرابته من رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫وحدث الشيخ الكبر محي الدين بن العربي رضي ال تعالي عنه في كتابه مسامرات‬
‫الخيار بسنده المتصل إلي عبد ال بن المبارك ‪ ,‬قال ‪ " :‬كان بعض المتقدمين قد حبب‬
‫إليه الحج قال ‪ :‬فحدثت أنه ورد الحاج في بعض السنين إلي بغداد فعزمت علي الخروج‬
‫معهم إلي الحج ‪ ,‬فأخذت في كمي خمسمائة دينار‪ ,‬وخرجت إلي السوق لشتري آلة‬
‫الحج ‪ ,‬فبينما أنا في بعض الطريق عارضتني امرأة فقالت ‪ ,‬يرحمك ال إني امرأة‬
‫شريفة ‪ ,‬ولي بنات عراة واليوم الرابع ما أكلنا شيئا ‪ ,‬قال فوقع كلمها في قلبي فطرحت‬
‫الخمسمائة دينار في طرف إزارها وقلت عودي إلي بيتك فاستعيني بهذه الدنانير علي‬
‫وقتك ‪ ,‬فحمدت ال تعالي وانصرفت ونزع ال عز وجل من قلبي حلة الخروج في تلك‬
‫السنة ‪ ,‬فخرج الناس وحجوا وعادوا فقلت ‪ :‬أخرج للقاء الصدقاء والسلم عليهم ‪,‬‬
‫فخرجت فجعلت كلما لقيت صديقا وسلمت عليه ‪ ,‬وقلت له ‪ :‬قبل ال حجك وشكر سعيك‬
‫يقول لي ‪:‬وأنت قبل ال حجك فطال علي ذلك فلما كان الليل نمت فرأيت النبي صلي ال‬
‫عليه وآله وسلم في المنام يقول لي ل تعجب من تهنئة الناس لك بالحج أغثت ملهوفا‬
‫وأغنيت ضعيفا فسألت ال تعالي فخلق في صورتك ملكا فهو يحج عنك في كل عام فإن‬
‫‪ " .‬شئت فحج وإن شئت ل تحج‬
‫وعن الشيخ زين الدين عبد الرحمن الخلل البغدادي أن بعض أمراء تيمورلنك أخبره‬
‫أنه لما مرض مرض الموت اضطرب ذات يوم اضطرابا شديدا واسود وجهه وتغير‬
‫لونه ثم أفاق فذكروا له ذلك فقال إن ملئكة العذاب أتوه فجاء رسول ال صلي ال عليه‬
‫‪ .‬وآله وسلم فقال لهم اذهبوا عنه فإنه كان يحب ذريتي ويحسن إليهم فذهبوا‬
‫وعن شمس الدين محمد بن حسن الخالدي قال ‪ " :‬رأي بعض أصحابنا النبي صلي ال‬
‫عليه وآله وسلم في المنام ورأى عنده تيمورلنك فقال له وصلت إلي هنا ياعدو ال فقال‬
‫‪ " .‬له النبي صلي ال عليه وآله وسلم إليك يا محمد فإنه كان يحب ذريتي‬
‫وحكي العلمة ابن حجر الهيتمي عن التقي الفارسي عن بعض الئمة أنه كان يبالغ في‬
‫تعظيم الشراف فسئل عن سبب تلك المبالغة فقال إن شخصا من الشراف يقال له‬
‫مطير قد مات وكان كثير اللعب واللهو فتوقف الستاذ عن الصلة عليه فرأي النبي‬
‫صلي ال عليه وآله وسلم في المنام ومعه فاطمة الزهراء فأعرضت عنه فاستعطفها‬
‫‪ .‬حتي أقبلت عليه وعاتبته وقالت له أما يسع جاهنا مطيرا‬
‫وقال المقريزي ‪ " :‬حدثني قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن عبد العزيز البكري‬
‫البغدادي الحنبلي قال رأيت في المنام كأني في مسجد رسول ال صلي ال عليه وآله‬
‫وسلم وقد انفتح القبر المقدس ‪ ,‬وخرج منه رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم وجلس ‪,‬‬
‫وعليه أكفانه وأشار بيده المقدسة أن تعالي فقمت وجئت حتي دنوت منه فقال لي قل‬
‫للمؤيد يفرج عن عجلن فانتبهت وصعدت علي عادتي إلي مجلس السلطان الملك‬
‫المؤيد وأخذت أحلف له إيمانا حرجة أني ما رأيت عجلن قط ول بيني وبينه معرفة ثم‬
‫قصصت عليه رؤياي فسكت وأقمنا حتى انفض المجلس ‪ ,‬فقام وخرج من مجلسه إلي‬
‫دركاة القلعة ووقف عند مرماة نشاب استجدها ثم استدعي بالشريف عجلن الحسيني‬
‫‪ .‬أمير المدينة سجنه وأفرج عنه‬
‫قال ‪ :‬واتفق أن الشريف سرداح بن مقبل الحسني قبض علي أبيه مقبل أمير ينبع في سنة‬
‫خمس وعشرين وثمانمائة وأقيم عوضه في إمرة ينبع ابن أخيه عقيل وحمل حتى سجن‬
‫بالسكندرية ومات في سجنه وكحل ابنه سرداح هذا حتي سالت حدقته وورم دماغه‬
‫ونتن ‪ ,‬وأقام خارج القاهرة مدة ‪ ,‬وهو أعمي ‪ ,‬ثم مضي إلي المدينة النبوية ‪ ,‬ووقف تجاه‬
‫قبر جده المصطفي صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وشكا ما به وبكي ودعا ال تعالي ‪ :‬ثم‬
‫انصرف وبات تلك الليلة فرأي في منامه رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وقد‬
‫مسح بيده المقدسة علي عينيه ‪ ,‬فأنبته وقد رد ال عليه بصره فاشتهر خبره عند أهل‬
‫المدينة وأقام عندهم مدة ثم عاد إلي القاهرة فبلغ السلطان الملك الشرف برسباي قدومه‬
‫وأنه يبصر فقبض عليه وطلب المزينين اللذين كحله وضربهما ضربا مبرحا فأقاما‬
‫عنده بينة يرتضيها من أتباعه بأنهم شاهدوا الميل ‪ ,‬وقد أحمي بالنار ثم كحل به سرداح‬
‫فسالت حدقتاه بحضورهم فكف عنهما وكذلك أخبر أهل المدينة أنهم شاهدوا سرداحا‬
‫وهو ذاهب الحدقتين ثم إنه أصبح عندهم وقد أبصر بعد عماه وقص عليهم رؤياه فأفرج‬
‫‪ .‬عنه حتى مات بالطاعون سنة ثلث وثلثين وثمانمائة‬
‫ونقل الشيخ العدوي في مشارق أنواره عن ابن الجوزي في كتابه الملتقط ‪ :‬أنه كان‬
‫رجل ببلخ من العلويين نازل بها وكان له زوجة وبنات فتوفي الرجل قالت المرأة ‪:‬‬
‫فخرجت بالبنات إلي سمرقند خوفا من شماتة العداء ‪ ,‬فوصلت في شدة البرد فأدخلت‬
‫البنات مسجدا ‪ ,‬ومضيت لحتال لهن في القوت ‪ ,‬فرأيت الناس مجتمعين علي شيخ ‪,‬‬
‫فسألت عنه ‪ :‬فقالوا هذا شيخ البلد ‪ ,‬فتقدمت إليه ‪ ,‬وشرحت حالي له فقال ‪ :‬أقيمي عندي‬
‫ي فعدت إلي المسجد ‪ ,‬فرأيت في طريقي شيخا جالسا علي‬ ‫البينة أنك علوية ولم يلتفت إل ّ‬
‫دكة وحوله جماعة فقلت من هذا ‪ :‬فقالوا ‪ :‬ضامن البلد وهو مجوسي فقلت عسي أن‬
‫يكون عنده فرج ‪ ,‬فتقدمت إليه وحدثته حديثي وما جري لي مع شيخ البلد وأن بناتي في‬
‫المسجد مالهن شيء يقتتن به فصاح بخادم له فخرج فقال ‪ :‬قل لسيدتك تلبس ثيابها فدخل‬
‫وخرجت ومعها جوار فقال لها اذهبي مع هذه إلي المسجد الفلني واحملي بناتها إلي‬
‫الدار ‪ ,‬فجاءت معي وحملت بناتي إلي الدار ‪ ,‬وقد أفرد لنا دارا في بيته ‪ ,‬وأدخلنا الحمام‬
‫‪ ,‬وكسانا ثيابا فاخرة ‪ ,‬وأرغد علينا بألوان الطعمة ‪ ,‬فلما كان نصف الليل رأي شيخ‬
‫البلد كأن القيامة قد قامت وأن اللواء علي رأس محمد صلي ال عليه وآله وسلم فأعرض‬
‫عنه ‪ ,‬فقال ‪ :‬يا رسول ال تعرض عني وأنا رجل مسلم ؟ فقال له أقم البينة عندي أنك‬
‫مسلم ‪ ,‬فتحير الرجل فقال رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ :‬نسيت ما قلت للعلوية ‪,‬‬
‫وهذا قصر للشيخ الذي هي في داره الن ‪ ,‬فانتبه الرجل وهو يبكي ‪ ,‬ويلطم وبعث‬
‫غلمانه في البلد ‪ ,‬وخرج هو بنفسه يدور علي العلوية فأخبر أنها في دار المجوسي فجاء‬
‫إليه فقال ‪:‬أين العلوية ؟ فقال عندي فقال ‪ :‬إني أريدها ‪ ,‬قال ‪ :‬ما إلي هذا سبيل قال ‪ :‬هذه‬
‫ألف دينار وتسلمها إلي فقال ‪ :‬ل وال ول بمائة ألف دينار ‪ ,‬فلما ألح عليه قال له المنام‬
‫الذي أنت رأيته أنا أيضا رأيته والقصر الذي رأيته لي حق وأنت تتعزز علي بإسلمك‬
‫وال ما دخلت بيتنا إل وقد أسلمنا كلنا علي يديها وعادت بركاتها علينا ‪ ,‬ورأيت رسول‬
‫ال صلي ال عليه وآله وسلم فقال لي ‪ :‬هذا القصر لك ولهلك بما فعلت مع العلوية‬
‫‪ " .‬وأنتم من أهل الجنة‬
‫وحدث سيدي عبد الوهاب الشعراني قال ‪ " :‬أخبر السيد الشريف بزاوية الحطاب رحمه‬
‫ال تعالي قال ‪ :‬ضرب كاشف البحيرة شريفا فرأي رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫تلك الليلة في منامه ‪ ,‬وهو يعرض عنه فقال ‪ :‬يا رسول ال ما ذنبي ؟ قال ‪ :‬تضربني‬
‫وأنا شفيعك يوم القيامة ؟ فقال يا رسول ال ما أتذكر أني ضربتك ‪ ,‬فقال ‪ :‬أما ضربت‬
‫ولدي ؟ فقال ‪ :‬نعم فقال ‪ :‬ما وقعت ضربتك إل علي ذراعي هذا ثم أخرج صلي ال‬
‫‪ " .‬عليه وآله وسلم ذراعه متورما كخليا النحل نسأل ال العافية‬
‫وقال المقريزي ‪ :‬حدثني الرئيس شمس الدين محمد بن عبد ال العمري قال ‪ " :‬سرت‬
‫يوما في خدمة القاضي جمال الدين محمود العجمي محتسب القاهرة من منزله حتى جاء‬
‫إلي بيت الشريف عبد الرحمن الطباطبي المؤذن ومعه نوابه وأتباعه ‪ ,‬فاستأذن عليه ‪,‬‬
‫فخرج من منزله ‪ ,‬وعظم عليه مجيء المحتسب إليه ‪ ,‬وأدخله منزله فدخلنا معه وجلسنا‬
‫بين يديه علي مراتبنا ‪ ,‬فلما اطمأن به الجلوس قال للشريف ‪ :‬يا سيد حاللني قال ‪ :‬لم‬
‫أحاللك يا مولنا ؟ قال ‪ :‬لما صعدت البارحة إلي القلعة ‪ ,‬وجلست بين يدي مولنا‬
‫السلطان يعني الملك الظاهر برقوق ‪ ,‬فجئت أنت فجلست فوقي في المجلس قلت في‬
‫نفسي كيف يجلس هذا فوقي بحضرة السلطان ‪ ,‬ثم لما قمنا وكان الليل ‪ ,‬ونمت رأيت‬
‫رسول ال صلي ال عليه وسلم فقال لي ‪ :‬يا محمود تأنف أن تجلس تحت ولدي ‪ ,‬فبكي‬
‫عند ذلك الشريف عبد الرحمن وقال يا مولنا ومن أنا حتي يذكرني رسول ال صلي ال‬
‫‪ .‬عليه وسلم فبكي الجماعة وسألوه الدعاء وانصرفنا‬
‫وعن سيدي محمد الفاسى قال ‪ " :‬كنت أبغض أشراف المدينة بني حسين لنه كان يري‬
‫منهم ما يخالف ظاهره السنة فرأيت فقال لي النبي مناما ‪ :‬يافلن باسمى مالى أراك‬
‫تبغض أولدى فقلت ‪ :‬حاشا ل ما أكرههم يا رسول ال ‪ ,‬وإنما كرهت ما رأيت من‬
‫فعلهم فقال لى مسألة فقهية أليس الولد العاق يلحق بالنسب ؟ قلت بلى يا رسول ال ‪,‬‬
‫قال ‪ :‬هذا ولد عاق ‪ ,‬فلما انتبهت صرت ل ألقى منهم أحدا إل بالغت فى إكرامه " وقد‬
‫‪ .‬تقدمت هذه القصة في خصائصهم‬

‫ل ِإّني َبِريٌء ِمّما‬


‫ك َفُق ْ‬
‫صْو َ‬
‫ع َ‬
‫ن َ‬
‫قال ابن حجر الهيتمي ‪ :‬قال تعالي لنبيه في عشيرته } َفِإ ْ‬
‫ن { ولم يقل إني بريء منكم مراعاة لحق القرابة ‪ ,‬ولحمة النسب‬ ‫‪َ .‬تْعَمُلو َ‬
‫قلت ‪ :‬وحدثني أحد الجلء قال كان أمير من أمراء العراق شديد المحبة للشراف كثير‬
‫التعظيم والجلل لهم ‪ ,‬فكان إذا حضر أحدهم في مجلسه ل يجلسه إل في الصدر وإن‬
‫كان هناك من هو أكثر منه مال وأعظم جاها من أبناء الدنيا ‪ ,‬فدخل عليه مرة شريف‬
‫وفي المجلس عالم ذو منزلة ‪ ,‬فلم يسع الشريف إل الجلوس فوقه لستحقاقه وعلمه بأن‬
‫ذلك يرضي المير ‪ ,‬فظهرت الكراهية في وجه العالم وتكلم بما ل ينبغي ‪ ,‬فأعرض‬
‫المير عن حديثه ‪ ,‬وانتقل إلي حديث آخر ثم بعد أن تنوسي هذا المر سأله عن ولد له‬
‫يطلب العلم ‪ ,‬فأجابه بأنه ما زال يحفظ المتون ويقرأ الدروس وأنه علمه كذا وقرأ له‬
‫كذا ‪ ,‬ورتب له درسا في الصباح ‪ ,‬وآخر في وقت آخر وأخذ يخبره بأحواله ‪ ,‬فقال له ‪:‬‬
‫هل رتبت له نسبا ‪ ,‬وعلمته شرفا ‪ ,‬حتى يكون من أولد النبي صلي ال عليه وآله‬
‫وسلم ؟ فقال ‪ :‬وقد غفل عما اقترفه ‪ :‬هذا ل يكون بالترتيب والتعليم ‪ ,‬وإنما هو بسابق‬
‫عناية ل مدخل للكسب فيها ‪ ,‬فصاح به المير ‪ :‬إذا كنت تعلم هذا يا خبيث فلماذا أنفت‬
‫‪ .‬من جلوس الشريف فوقك وال ل تطأ مجلسي أبدا ثم أمر بطرده فطرد‬
‫* * * *‬
‫بيان فضل الصحابة‬
‫محبة آل البيت ل تجدي نفعا إذا خالطها بغض أصحاب رسول ال صلي ال عليه وآله‬
‫‪ .‬وسلم‬
‫إن أصحابه صلي ال عليه وآله وسلم قد صحبوه في السراء والضراء ‪ ,‬ولزموه في‬
‫الشدة والرخاء ‪ ,‬وفدوه بالموال والرواح ‪ ,‬وجالدوا أمامه بالسيوف والرماح ‪ ,‬ووالوا‬
‫من وله ‪ ,‬وعادوا من عاداه ‪ ,‬ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ‪,‬‬
‫وكانوا يحبون الخير لقارب رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم أكثر من أقارب‬
‫أنفسهم ‪ ,‬هذا سيدهم أبو بكر الصديق رضي ال تعالي عنه لما أسلم أبوه يوم الفتح ‪,‬‬
‫وهنأه رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم بذلك قال ‪ :‬وال لسلم أبي طالب كان أحب‬
‫‪ .‬إلي من إسلمه ‪ ,‬وما ذاك إل لني أعلم أنه أحب إليك يا رسول ال‬
‫وهذا عمر بن الخطاب رضي ال تعالي عنه لما أسلم العباس عم النبي صلي ال عليه‬
‫وآله وسلم قال ‪ :‬وال لسلمه أحب إلي من إسلم الخطاب لنه أحب إلي رسول ال‬
‫‪ .‬صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫وقد نال المهاجرين منهم في ابتداء السلم من معاداة قريش وأذاهم لهم وتعذيبهم إياهم‬
‫بأنواع العذاب ما ل تثبت له الجبال الرواسخ ‪ ,‬وهم مع ذلك ل يبغون بدين ال بدل ‪ ,‬ول‬
‫‪ .‬يصدهم عن محبة رسول ال صاد‬
‫ول تنس النصار وأبناء النصار وأبناء أبناء النصار فقد واسوه صلي ال عليه وآله‬
‫وسلم والمهاجرين من أصحابه بأموالهم وفدوه بنفوسهم ‪ ,‬حتى ظهر أمر ال تعالي‬
‫وانظر رحمك ال تعالي إلي جواب سيدهم سعد بن معاذ حين قال صلي ال عليه وآله‬
‫‪ .‬وسلم قبيل وقعة بدر‬
‫ي"‬ ‫عَل ّ‬‫شيُروا َ‬ ‫‪َ " .‬أ ِ‬
‫فأجابه من المهاجرين أبو بكر وعمر والمقداد رضي ال تعالي عنهم فأحسنوا فلم يقنع‬
‫ي ثلث مرات " فقال سعد‬ ‫عَل ّ‬
‫شيُروا َ‬ ‫صلي ال عليه وآله وسلم بأجوبتهم وكرر قوله " َأ ِ‬
‫ل ‪ََ:‬قْد آَمّنا ِبك‬ ‫ل " َقا َ‬ ‫جْ‬‫ل " َأ َ‬ ‫ل ؟ َقا َ‬ ‫لا ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َلَكَأّنك ُتِريُدَنا َيا َر ُ‬ ‫رضي ال تعالي عنه ‪َ :‬وَا ّ‬
‫ق‪،‬‬ ‫عُهوَدا َوَمَواِثي َ‬ ‫ك ُ‬ ‫عَلى َذِل َ‬‫طْيَناك َ‬ ‫عَ‬ ‫ق ‪َ ،‬وَأ ْ‬ ‫حّ‬‫ت ِبِه ُهَو اْل َ‬ ‫جْئ َ‬‫ن َما ِ‬ ‫شِهْدَنا َأ ّ‬
‫صّدْقَناك ‪َ ،‬و َ‬‫َو َ‬
‫ل ِلَما شئت ‪ ,‬فصل حبال من شئت ‪ ،‬واقطع‬ ‫لا ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ض َيا َر ُ‬ ‫طاعِة َفاْم ِ‬ ‫سْمِع َوال ّ‬ ‫عَلى ال ّ‬‫َ‬
‫حبال من شئت ‪ ،‬وعاد من شئت ‪ ،‬وسالم من شئت ‪ ،‬وخذ من أموالنا ما شئت ‪ ,‬وأعطنا‬
‫ما شئت ‪ ،‬وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت ‪ ،‬وما أمرت به من أمر فأمرنا نتبع‬
‫ضَناُه َمَعك ‪َ ،‬ما‬ ‫خ ْ‬ ‫ضَتُه َل ُ‬‫خ ْ‬‫حَر َف ُ‬‫ت ِبَنا َهَذا اْلَب ْ‬ ‫ض َ‬
‫سَتْعَر ْ‬ ‫ق َلْو ا ْ‬‫حّ‬ ‫أمرك ‪َ ،‬فَوَاّلذي َبَعَثك ِباْل َ‬
‫ق عند‬ ‫صُد ٌ‬‫ب ُ‬ ‫حْر ِ‬ ‫صُبٌر عند اْل َ‬ ‫عُدّونا ‪ ،‬إّنا َل ُ‬ ‫ن نْلَقى َ‬ ‫حٌد ‪َ ,‬وَما َنْكَرُه َأ ْ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫جٌ‬‫خّلف ِمّنا َر ُ‬ ‫َت َ‬
‫ل ‪ ,‬فنحن عن يمينك‬ ‫عَلى َبَرَكِة ا ّ‬ ‫سْر َ‬ ‫عْيُنك ‪َ ،‬ف ِ‬ ‫ل ُيِريك ِمّنا َما َتَقّر ِبِه َ‬ ‫لا ّ‬ ‫الّلقاِء ‪ ,‬وَلَع ّ‬
‫ت َوَرّب َ‬
‫ك‬ ‫ب َأْن َ‬
‫وشمالك ‪ ،‬وبين يديك وخلفك ‪ ،‬ول نكونن كالذين قالوا لموسى ‪َ }:‬فاْذَه ْ‬
‫ن { ولكن اذهب أنت وربك فقاتل إنا معكما متبعون‬ ‫عُدو َ‬ ‫‪َ .‬فَقاِتل ِإّنا َهاُهَنا َقا ِ‬
‫وهذه في الحقيقة صفات الصحابة عموما المهاجرين والنصار رضي ال تعالي عنهم‬
‫‪ .‬أجمعين‬
‫‪ :‬تنبيه قال الفخر الرازي ‪ :‬قوله تعالي‬
‫ل المودة ِفى القربى {‬ ‫‪ِ } .‬إ ّ‬
‫‪ :‬فيه منصب عظيم للصحابة رضوان ال تعالي عليهم ‪ ,‬لنه تعالى قال‬
‫ن{‬ ‫ك اْلُمَقّرُبو َ‬‫ن ‪ُ .‬أوَلِئ َ‬ ‫ساِبُقو َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ساِبُقو َ‬‫‪َ } .‬وال ّ‬
‫ل المودة ِفى القربى‬ ‫فكل من أطاع ال كان مقربًا عند ال تعالى ‪ ,‬فدخل تحت قوله } ِإ ّ‬
‫‪}.‬‬
‫والحاصل أن هذه الية ‪ :‬تدل على وجوب حب آل رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫وحب أصحابه ‪ ،‬وهذا المنصب ل يسلم إل على قول أصحابنا أهل السّنة والجماعة‬
‫‪ :‬الذين جمعوا بين حب العترة والصحابة ‪ ،‬قال صلى ال عليه وآله وسلم قال‬
‫‪ " .‬مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا "‬
‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " ‪.‬‬
‫ونحن الن في بحر التكليف ‪ ,‬وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات ‪ .‬وراكب البحر‬
‫يحتاج إلى أمرين ‪ :‬أحدهما السفينة الخالية من العيوب والثقب ‪ .‬والثاني ‪ :‬الكواكب‬
‫الظاهرة الطالعة النيرة ‪ ،‬فإذا ركب تلك السفينة ووقع نظره على تلك الكواكب كان‬
‫رجاء السلمة غالبًا ‪ ،‬فلذلك ركب أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل محمد صلي ال‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ,‬ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة ‪ ,‬فرجوا من ال تعالى أن‬
‫‪ .‬يفوزوا بالسلمة والسعادة في الدينا والخرة ا هـ‬
‫‪ :‬فمن فضائلهم رضوان ال تعالي عليهم بوجه العموم ‪ ,‬قوله صلي ال عليه وسلم‬
‫احفظوني في أصحابي وأصهاري فمن حفظني فيهم حفظه ال في الدنيا والخرة ‪" ,‬‬
‫‪ " .‬ومن لم يحفظني فيهم تخلي ال عنه ‪ ,‬ومن تخلي ال عنه أوشك أن يأخذه‬
‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬أكرموا أصحابي فإنهم خياركم‬
‫‪ :‬وروي مسلم قوله صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫ل تسبوا أحدا من أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ "‬
‫‪ " .‬مد أحدهم ول نصيفه‬
‫فائدة نفيسة ‪ :‬نقل الحافظ السيوطي عن المام السبكي رحمهما ال تعالي أن الخطاب في‬
‫الحديث لمن أسلم بعد الفتح وقوله " أصحابي" المراد بهم ‪ :‬من أسلم قبل الفتح قال ‪:‬‬
‫‪ :‬ويرشد إليه قوله " لو أن أحدكم أنفق " الخ مع قوله تعالي‬
‫ن(‬ ‫ن َأْنَفُقوا ِم ْ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫جًة ِم َ‬
‫ظُم َدَر َ‬
‫عَ‬‫ك َأ ْ‬
‫ل ُأوَلِئ َ‬ ‫ح َوَقاَت َ‬
‫ل اْلَفْت ِ‬
‫ن َقْب ِ‬
‫ق ِم ْ‬
‫ن َأْنَف َ‬
‫ل َيسَْتِوي ِمْنُكْم َم ْ‬
‫‪َ ) .‬بْعُد َوَقاَتُلوا‬
‫الذي قال ول بد لنا من تأويله بهذا أو بغيره ليكون المخاطبون غير الصحاب الموصى‬
‫بهم قال وسمعت شيخنا الشيخ تاج الدين بن عطاء ال يذكر في مجلس وعظه تأويل آخر‬
‫يقول لن النبي صلى ال عليه وسلم له تجليات يرى فيها من بعده فيكون الكلم منه‬
‫صلى ال عليه وسلم في تلك الجليات خطابا لمن بعده في حق الصحابة الذين قبل الفتح‬
‫‪ .‬وبعده ا هـ‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬إن ال اختارني واختار لي أصحابي وجعل لي منهم‬
‫وزراء وأنصارا وأصهارا فمن سبهم فعليهم لعنة ال والملئكة والناس أجمعين ‪ ,‬ل يقبل‬
‫‪ .‬ال منه صرفا ول عدل " رواه الطبراني‬
‫‪ .‬وقوله صرفا ول عدل ‪ :‬أي فرضا ول نفل‬
‫وعن بن عمر قال ‪:‬ل تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خيرمن عمل أحدكم‬
‫‪ .‬عمره‬

‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬ال ال في أصحابي ل تتخذوهم غرضا بعدي فمن‬
‫أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ‪ ,‬ومن آذاني‬
‫‪ " .‬فقد آذي ال ‪ ,‬ومن آذي ال يوشك أن يأخذه‬

‫‪ :‬وعن جابر سمعت رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم يقول‬


‫‪ " .‬إن الناس يكثرون وأصحابي يقلون فل تسبوهم لعن ال من سبهم "‬

‫‪ :‬وعن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسولل صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من شتم النبياء ثم أصحابي ثم المسلمين "‬

‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم " إذا أراد ال برجل من أمتي خيرا ألقي حب أصحابي‬
‫‪ " .‬في قلبه‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعنة ال علي‬
‫‪ " .‬سّركم‬

‫‪ " .‬وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬إن شرار أمتي أجرؤهم علي صحابتي‬
‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم " سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحي‬
‫إلي ‪ :‬يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوأ من بعض ‪,‬‬
‫‪ " .‬فمن أخذ بشيء مما هم عليه فهو عندي علي هدي‬

‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم " شفاعتي مباحة إل لمن سب أصحابي‬

‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم " ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إل بعث قائدا‬
‫‪ " .‬ونورا لهم يوم القيامة‬

‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم " إذا ذكر أصحابي فأمسكوا‬
‫قال العلقمي ‪ :‬هذا علم من أعلم النبوة علم به عليه الصلة والسلم ‪ ,‬وأمرنا أن نمسك‬
‫عما شجر بين الصحابة أي وجوبا ‪ ,‬وما وقع بينهم من الحروب والمنازعات التي قتل‬
‫بسببها كثير منهم ‪ ,‬فتلك دماء طهر ال منها أيدينا فل نلوث بها ألسنتنا ‪ ,‬ونري الكل‬
‫مأجورين في ذلك ‪ ,‬لنه صدر منهم باجتهاد والمجتهد في مسألة ظنية مأجور ولو أخطأ‬
‫‪.‬‬

‫‪ :‬وقال المناوي في شرح قوله صلي ال عليه وآله وسلم‬


‫‪ .‬ال ال في أصحابي ل تتخذوهم غرضا بعدي " الخ "‬
‫وخص الوعيد بالبعدية لما اطلع عليه مما سيكون بعده من ظهور البدع ‪ ,‬وإيذاء بعضهم‬
‫زعما منهم الحب لبعض آخر وهذا من باهر معجزاته ‪ ,‬وقد كان في حياته حريصا علي‬
‫‪ .‬حفظهم ‪ ,‬والشفقة عليهم‬
‫‪ :‬أخرج البيهقي عن ابن مسعود قال‬
‫خرج علينا رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم فقال ‪ :‬أل ل يبلغني أحد منكم علي أحد‬
‫‪ " .‬من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر‬
‫قال ‪ :‬وإن ملحد تعرض إليهم وكفر نعمة قد أنعم ال تعالي بها عليهم فجهل منه وحرمان‬
‫‪ ,‬وسوء فهم ‪ ,‬وقلة إيمان إذ لو لحقهم نقص لم يبق في الدين ساق قائمة لنهم النقلة إلينا‬
‫فإذا جرح النقلة دخل الطعن في اليات والحاديث وبذلك ذهاب النام وخراب السلم‬
‫‪ .‬إذ ل وحي بعد المصطفي وعدالة المبلغ شرط لصحة التبليغ ا هـ‬

‫وقال العلمة ابن حجر الهيتمي في كتابه " أسني المطالب في صلة القارب " ‪ :‬يلزم‬
‫المسلم أن يتأدب مع صحابة رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم وأهل بيته بالترضي‬
‫عنهم ‪ ,‬ومعرفة فضلهم وحقهم ‪ ,‬والمساك عما شجر بينهم ‪ ,‬مع نزاهة كل منهم عن‬
‫ارتكابه شيئا يعتقد حرمته ‪ ,‬بل كل منهم مجتهد ‪ ,‬فهم مجتهدون مثابون المحق منهم‬
‫بعشرة أجور ‪ ,‬والمخطيء بأجر واحد والعقاب واللوم والنقص مرفوع عن جميعهم‬
‫‪ .‬فتفطن لذلك وإل ذلت قدمك وحق هلكك وندمك ا هـ‬

‫وقال العلمة اللقاني في " شرح جوهرته الكبير " ‪ :‬وسبب تلك الحروب أن القضايا‬
‫‪ :‬كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم ‪ ,‬وصاروا ثلثة أقسام‬
‫قسم ظهر له بالجتهاد أن الحق في هذا الطرف وأن مخالفه باغ ‪ ,‬فوجب عليهم‬
‫نصرته ‪ ,‬وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ‪ ,‬ففعلوا ذلك ‪ ,‬ولم يكن يحل لمن هذه صفته‬
‫التأخير عن مساعدة المام العادل في قتال البغاة في اعتقاده ‪ .‬وقسم عكسه سواء بسواء ‪.‬‬
‫وقسم ثالث اشتبهت عليه القضية وتحيروا فيها ‪ ,‬فلم يظهر لهم ترجيح أحد الفريقين‬
‫فاعتزلوا الفريقين ‪ ,‬وكان هذا العتزال هو الواجب في حقهم ‪ ,‬لنه ل يحل القدام علي‬
‫‪ .‬قتال مسلم حتي يظهر استحقاقه لذلك‬
‫وبالجملة ‪ :‬فكلهم معذورون مأجورون ‪ ,‬ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الجماع‬
‫علي قبول شهادتهم وروايتهم وتحقيق‬
‫‪ .‬عدالتهم ا هـ‬

‫ي رضي‬ ‫وقال العلمة السعد ‪ :‬والذي اتفق عليه أهل الحق أن المصيب في جميع ذلك عل ّ‬
‫ال تعالي عنه ‪ .‬والتحقيق أنهم كلهم عدول متأولين في تلك الحروب وغيرهما من‬
‫المخاصمات والمنازعات لم يخرج شيء منها أحدا منهم عن عدالته إذ هم مجتهدون ا هـ‬
‫‪.‬‬

‫تنبيه اطلعت للحافظ السيوطي علي رسالة سماها " إلقام الحجر لمن زكي ساب أبي بكر‬
‫وعمر " نقل فيها التفاق علي فسق ساب مطلق الصحابة إذا لم يستحل ذلك وإذا استحله‬
‫فهو كافر لن أدني مراتبه أنه محرم وفسق واستحلل الحرام كفر إذا كان تحريمه‬
‫‪ .‬معلوما من الدين بالضرورة وتحريم سب الصحابة كذلك‬
‫قال ‪ :‬وهو من الكبائر لن الكبيرة علي ما صححه المتأخرون كل جريمة تؤذن بقلة‬
‫اكتراث مرتكبها بالدين ‪ ,‬ورقة الديانة وممن صحح ذلك ابن السبكي في جمع الجوامع‬
‫وسبهم كذلك وما أجرأ فاعله علي ال تعالي ورسوله صلي ال عليه وآله وسلم وأقل‬
‫‪.‬اكتراثه بالدين‬
‫أظن الخبيث لعنه ال أن مثل هؤلء يستحق السب وهو مبرأ تقي نقي مستأهل للمدح ‪,‬‬
‫والثناء كل وال بفيه الحجر بل إذا ظن أنهم يستحقون السب اعتقدنا أنه يستحق الحرق ‪,‬‬
‫‪ .‬وزيادة ا هـ‬

‫‪ :‬وقال المناوي في شرح قوله صلي ال عليه وآله وسلم‬


‫‪ " .‬من سب أصحابي فعليه لعنة ال والملئكة والناس أجمعين "‬
‫هذا شامل لمن لبس القتل ‪ ,‬لنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون فسبهم كبيرة ‪,‬‬
‫‪ .‬ونسبتهم إلي الضلل أو الكفر كفر ا هـ‬
‫وقال القاضي عياض في الشفاء ‪ :‬سب الصحابة وتنقيصهم حرام ملعون فاعله ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫وقال مالك ‪ :‬من قال أن أحدا منهم علي ضلل قتل ومن شتمهم بغير هذا نكل نكال‬
‫‪ .‬شديدا ا هـ ‪ .‬هذا في مطلق الصحابة‬

‫ي فيعلم حكمه مما نقله‬


‫وأما سب أحد الشيخين أبي بكر وعمر أو أحد الختنين عثمان وعل ّ‬
‫السيوطي في رسالته المذكورة عن المام السبكي ‪ ,‬حيث قال ‪ :‬ورأيت الشيخ تقي الدين‬
‫ي " بسبب‬ ‫السبكي صنف كتابا سماه " خيرة اليمان الجلي لبي بكر وعمر وعثمان وعل ّ‬
‫رافضي وقف في المل وسب الشيخين وعثمان وجماعة من الصحابة ‪ ,‬فاستتيب فلم يتب‬
‫‪ ,‬فحكم المالكي بقتله وصوبه السبكي فيما فعل وألف في تصويبه الكتاب المذكور وذكر‬
‫فيه عن القاضي حسين من أصحابنا وجهين فيمن سب أحد الشيخين أو الختنين ‪ :‬يكفر‬
‫وإن لم يستحل لن المة أجمعت علي إمامتهم والثاني ‪ :‬يفسق ول يكفر ‪ ,‬ثم نقل عن‬
‫الحنفية نقول كثيرة بعضها بالتكفير ‪ ,‬وبعضها بالتضليل ثم مال السبكي إلي تصحيح‬
‫‪ .‬التكفير لمآخذ ذكرها ثم نقل عن المالكية والحنابلة نقول كذلك ا هـ ‪ .‬ولنكتف بهذا هنا‬
‫ونذكر شيئا من فضائل الخلفاء الراشدين الربعة رضوان ال تعالي عليهم ونرتبهم‬
‫‪ .‬بحسب الستحقاق ل بحسب التفاق‬

‫سيدنا أبو بكر الصديق رضي ال تعالي عنه‬


‫ن ِإْذ ُهَما‬‫ي اْثَنْي ِ‬
‫ن َكَفُروا َثاِن َ‬
‫جُه اّلِذي َ‬‫خَر َ‬ ‫ل ِإْذ َأ ْ‬
‫صَرُه ا ُّ‬
‫صُروُه َفَقْد َن َ‬‫قال ال تعالي ‪ِ } :‬إل َتْن ُ‬
‫عَلْيِه‬
‫سِكيَنَتُه َ‬
‫ل َ‬ ‫ل ا ُّ‬
‫لَ َمَعَنا َفَأنز َ‬
‫نا ّ‬ ‫ن ِإ ّ‬‫حَز ْ‬‫حِبِه ل َت ْ‬
‫صا ِ‬ ‫ل ِل َ‬‫‪ِ { .‬في اْلَغاِر ِإْذ َيُقو ُ‬
‫قال المفسرون ‪ :‬الصاحب ‪ :‬هو أبو بكر الصديق ‪ ,‬وهو المنزل عليه السكينة لن النبي‬
‫صلي ال عليه وآله وسلم ما زالت عليه السكينة قال الحسن البصري رضي ال تعالي‬
‫صَرُه‬‫صُروُه َفَقْد َن َ‬ ‫عنه ‪ :‬عاتب ال تعالي جميع أهل الرض غير أبي بكر فقال } ِإل َتْن ُ‬
‫ل } الية‬ ‫‪ :‬ا ُّ‬
‫جَزى‬ ‫ن ِنْعَمٍة ُت ْ‬‫عْنَدُه ِم ْ‬
‫حٍد ِ‬‫جّنُبَها الْتَقى اّلِذي ُيْؤِتي َماَلُه َيَتَزّكى َوَما ل َ‬ ‫سُي َ‬‫وقال تعالي ‪َ " :‬و َ‬
‫ضى‬‫ف َيْر َ‬‫سْو َ‬ ‫عَلى َوَل َ‬ ‫جِه َرّبِه ال ْ‬‫" ِإل اْبِتَغاَء َو ْ‬

‫نزلت في أبي بكر رضي ال تعالي عنه كما في التفاسير ‪ ,‬وعنه رضي ال تعالي عنه‬
‫قال ‪ :‬قلت للنبي صلي ال عليه وآله وسلم وأنا في الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدمه‬
‫‪ :‬لبصرنا قال‬
‫‪ " .‬ما ظنك يا أبا بكر باثنين ال ثالثهما "‬
‫‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم‬
‫وأخرجا عن عمرو بن العاص رضي ال تعالي عنه قال ‪ :‬قلت يا رسول ال أي الناس‬
‫‪ :‬أحب إليك ؟ قال‬
‫عائشة فقلت ‪ :‬من الرجال ؟ قال أبوها ‪ ,‬قال قلت ثم من ؟ قال عمر بن الخطاب إن ال "‬
‫‪ " .‬تعالي يكره فوق السماء أن يخطأ أبو بكر الصديق في الرض‬
‫وعن عائشة أم المؤمنين رضي ال تعالي عنها قالت ‪ :‬قال رسول ال صلي ال عليه‬
‫‪ :‬وآله وسلم في مرضه‬
‫ادعي لي أباك وأخاك حتي أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمني متمن ويقول قائل أنا أولى "‬
‫‪ .‬ويأبى ال والمؤمنون إل أبابكر " رواه مسلم‬
‫‪ :‬وعن أبي موسي الشعري رضي ال تعالي عنه قال‬
‫مرض النبي صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ،‬فاشتد مرضه ‪ ،‬فقال ‪ُ " :‬مروا أبا بكر "‬
‫فليصل بالناس " ‪ .‬فقالت عائشة ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنه رجل رقيق القلب ‪ ،‬إذا قام مقامك لم‬
‫يستطع أن يصلى بالناس ‪ ،‬فقال ‪ " :‬مري أبا بكر فليصل بالناس " ‪ ،‬فعادت فقال ‪" :‬‬
‫مري أبا بكر فليصل بالناس ‪ ،‬فإنكن صواحب يوسف " ‪ ،‬فأتاه الرسول ‪ ،‬فصلى بالناس‬
‫‪ " .‬في حياة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم‬
‫وعن عمار ابن ياسر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬أتاني جبريل‬
‫آنفاً فقلت ‪ :‬يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب ؟ فقال ‪ :‬يا محمد لو حدثتك‬
‫بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ألف سنة إل خمسين عامًا ما نفدت فضائل‬
‫‪ " .‬عمر‪ ،‬وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر‬
‫‪ :‬وعن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي "‬
‫وعن عمر بن الخطاب أنه قال ‪ :‬أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلي رسول ال صلى ال‬
‫‪ .‬عليه وآله وسلم رواه الترمذي وقال صحيح‬
‫‪ :‬وعنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫ما لحد عندنا يد إل وقد كافأناه إل أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه ال بها يوم القيامة وما‬
‫‪ " .‬نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر‬
‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬إن ال بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت‬
‫‪ .‬وواساني بنفسه وماله " رواه البخاري‬

‫ي رضي ال تعالي عنه قال ‪ :‬أيها الناس أخبروني من هو أشجع الناس ؟ قالوا ‪:‬‬ ‫وعن عل ّ‬
‫أنت قال ‪ :‬إني ما بارزت أحدًا إل انتصفت منه ‪ ,‬ولكن أخبروني بأشجع الناس ؟ قالوا ل‬
‫نعلم فمن ؟قال ‪ :‬أبو بكر ‪ ,‬إنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم عريشًا فقلنا ‪ :‬من يكون مع رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم لئل يصل إليه أحد‬
‫من المشركين ‪ ,‬فوال ما دنا منا أحد إل أبو بكر شاهرًا بالسيف على رأس رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم ل يهوي إليه أحد إل أهوي إليه ‪ ,‬فلهذا كان أشجع الناس ذكره‬
‫السيوطي في الرسالة المذكورة ‪ .‬وفيها وفي أسني المطالب لبن حجر المكي أخرج‬
‫ي كرم ال وجهه أنه قال ‪ :‬أيها الناس‬
‫البزار وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن عل ّ‬
‫أخبروني بأشجع الناس ؟ قالوا ‪ :‬ل نعلم فمن ؟ قال ‪ :‬أبو بكر ‪ ,‬لقد رأيت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله وسلم وأخذته قريش فهذا يجؤه ‪ ,‬وهذا يتلتله ‪ ,‬وهم يقولون ‪ :‬أنت‬
‫الذي جعلت اللهة إلهًا واحدًا قال ‪ :‬فوال ما دنا منا أحد إل أبو بكر ‪ ,‬يضرب هذا ‪,‬‬
‫ل أن يقول ربي ال ‪ ,‬ثم رفع عل ّ‬
‫ي‬ ‫ويجيء هذا ويتلتل هذا وهو يقول ‪ :‬ويلكم أتقتلون رج ً‬
‫بردة كانت عليه ‪ ,‬فبكي حتي اخضلت لحيته ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬أشدكم أمؤمن آل فرعون خير أم‬
‫أبو بكر ؟ فسكت القوم فقال ‪ :‬أل تجيبوني ؟ فوال لساعة من أبي بكر ‪ ,‬خير من مثل‬
‫‪ .‬مؤمن آل فرعون ذاك رجل كتم إيمانه ‪ ,‬وهذا رجل أعلن إيمانه‬

‫وأخرج البزار عن أسيد بن صفوان قال ‪ :‬لما توفي أبو بكر سجي بثوب فارتجت المدينة‬
‫بالبكاء ‪ ,‬ودهش الناس كيوم قبض رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وجاء علي كرم‬
‫ال وجهه مسرعا مسترجعا ‪ ,‬وهو يقول ‪ :‬اليوم انقطعت خلفة النبوة ‪ ,‬حتى وقف على‬
‫باب البيت الذي فيه أبو بكر فقال ‪ :‬رحمك ال أبا بكر ‪ ,‬كنت أول القوم إسلما وأخلصهم‬
‫أيمانا ‪ ,‬وأشدهم يقينا ‪,‬وأخوفهم ل ‪ ,‬وأعظمهم غناء ‪ ,‬وأحفظهم على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم وأحدهم على السلم ؛ وآمنهم على الصحابة ‪ ,‬وأحسنهم صحبة ‪,‬‬
‫وأفضلهم مناقب ‪ ,‬وأكثرهم سوابق ‪ ,‬وأرفعهم درجة ‪ ,‬وأقربهم من رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ,‬وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا ‪ ,‬وأوثقهم عنده وأشرفهم منزلة ‪,‬‬
‫وأكرمهم عليه ‪ ,‬فجزاك ال عن السلم ‪ ,‬وعن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ .‬وعن المسلمين خيرا‬

‫سيدنا عمر الفاروق رضي ال تعالي عنه‬


‫‪ :‬أخرج الترمذي عن عقبة بن عامر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب "‬

‫‪ :‬وروي عن ابن عمر ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال‬
‫‪ " .‬إن ال جعل الحق علي لسان عمر وقلبه "‬

‫قال بن عمر ‪ :‬ما نزل بالناس أمر قط فقالوا له وقال إل نزل القرآن علي نحو ما قال‬
‫‪ .‬عمر‬

‫وعن ابن عباس ‪ :‬لما أسلم عمر نزل جبريل عليه السلم فقال ‪ :‬يا محمد لقد استبشر أهل‬
‫‪ .‬السماء بإسلم عمر رواه ابن ماجه‬

‫وعنه قال ‪ :‬لما أسلم عمر قال المشركون ‪ :‬قد انتصف القوم اليوم منا وأنزل ال ‪َ " :‬يا‬
‫ن اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ن‬ ‫ن اّتَبَعكَ ِم َ‬
‫ل َوَم ِ‬
‫ك ا ُّ‬
‫سُب َ‬
‫حْ‬‫ي َ‬
‫" َأّيَها الّنِب ّ‬

‫‪ :‬وعن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫هذا غلق الفتنة وأشار بيده إلي عمر ل يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما "‬
‫‪ .‬عاش هذا بين أظهركم " رواه البزار‬

‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم " إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إل خر لوجهه‬

‫‪ " .‬وقال عليه الصلة والسلم " إن الشيطان ليفرق منك يا عمر‬

‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم " عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة‬

‫‪ " .‬وقال عليه الصلة والسلم " قال لي جبريل ليبك السلم علي موت عمر‬

‫وروي الترمذي عن جابر بن عبد ال أن عمر قال لبي بكر ‪ :‬أخير الناس بعد رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله وسلم فقال له ‪ :‬أما إنك إن قلت ذلك فلقد سمعته صلي ال عليه‬
‫‪ :‬وآله وسلم يقول‬
‫‪ " .‬ما طلعت الشمس علي رجل خير من عمر "‬

‫‪ " .‬وقال عليه الصلة والسلم " ما في السماء ملك إل وهو يوقر عمر‬

‫وعن علي كرم ال تعالي وجهه قال ‪ :‬كنا أصحاب محمد ل نشك أن السكينة تنطق علي‬
‫‪ .‬لسان عمر ‪ ,‬رواه غير واحد‬

‫وعن اسماء بنت عميس قالت ‪ :‬دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر ‪ ,‬وهو يشتكي‬
‫في مرضه فقال له ‪ :‬أتستخلف علينا عمر وقد عتا علينا ‪ ،‬ول سلطان له ؟ فكيف لو‬
‫ملكنا كان أعتى وأعتى ‪ ،‬فكيف تقول ل إذا لقيته ؟ فقال أبو بكر ‪ :‬أجلسوني فلما أجلسوه‬
‫‪ .‬قال‪ :‬أبال تعرفوني ؟ فإني أقول إذا لقيته ‪ :‬إستخلفت عليهم خير أهلك‬

‫وقال معاوية لصعصعة بن صوحان ‪ :‬صف لي عمر بن الخطاب ؟ قال ‪ :‬كان عالماً‬
‫ل للعذر ‪ ،‬سهل الحجاب ‪ ,‬مفتوح الباب ‪،‬‬
‫ل في نفسه ‪ ،‬قليل الكبر ‪ ،‬قبو ً‬
‫برعيته ‪ ،‬عاد ً‬
‫متحرى الصواب ‪ ،‬بعيدًا من الساءة ‪ ،‬رفيقًا بالضعيف ‪ ،‬غير صخاب‪ ،‬كثير الصمت ‪،‬‬
‫‪ .‬بعيدًا من العبث‬

‫وفي طبقات ابن السبكي ‪ ,‬عن أبي بكرة رضي ال تعالي عنه قال ‪ :‬وقف أعرابي على‬
‫‪ :‬أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي ال تعالي عنه فقال‬
‫يا عمر الخير جزيت الجنة ‪ ...‬أكس بنياتي وأمهنه‬
‫أقسم بال لتفعلنه‬
‫فقال عمر ‪ :‬وإن لم أفعل يكون ماذا ؟ فقال العرابي‬
‫إذا أبا حفص لمضينه‬
‫‪ :‬قال ‪ :‬فإن مضيت يكون ماذا ؟ قال‬
‫وال عنهن لتسألنه ‪ ...‬يوم يكون العطيات ثنه‬
‫‪ :‬أي ثمة أبدل الميم نونا وهي لغة‬
‫والواقف المسئول ينهينه ‪ ...‬إما إلى نار وإما جنه‬
‫فبكى عمر حتى اخضلت لحيته ‪ ,‬وقال لغلمه ‪ :‬يا غلم أعط قميصي هذا لذلك اليوم ل‬
‫‪ .‬لشعره ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬وال ل أملك غيره‬

‫وقال أبو بكر الخرائطي ‪ :‬رحم ال تعالي عمر ما كان أنظره بنور ال في ذات ال‬
‫‪ :‬وأفرسه كان وال كما قال الشاعر‬
‫بصير بأعقاب المور برأيه‬
‫كأن له في اليوم عينا علي غد‬

‫‪ :‬وورد فيهما قوله صلي ال عليه وآله وسلم‬


‫إذا كان يوم القيامة نادي مناد ل يرفعن أحد من هذه المة كتابه قبل أبي بكر وعمر "‬
‫‪".‬‬

‫وقوله صلي ال عليه وآله وسلم " إن ال تعالي أيدني بأربعة وزراء ‪ :‬اثنين من أهل‬
‫‪ " .‬السماء جبريل وميكائيل ‪ ,‬واثنين من أهل الرض أبي بكر وعمر‬

‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم " إن لكل نبي خاصة من أصحابه ‪ ,‬وإن خاصتي من‬
‫‪ " .‬أصحابي أبوبكر وعمر‬

‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم " حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما نفاق‬

‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬خير أمتي أبو بكر وعمر‬

‫‪ " .‬وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬سيد كهول الجنة أبو بكر وعمر‬

‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬صالح المؤمنين أبو بكر وعمر‬
‫‪ " .‬وقال عليه الصلة والسلم " ما قدمت أبا بكر وعمر ولكن ال قدمهما‬

‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم " أحشر أنا وأبو بكر وعمر هكذا وأخرج السبابة‬
‫‪ " .‬والوسطي والبنصر‬

‫سيدنا عثمان ذو النورين رضي ال تعالي عنه‬


‫ي في الخرة‬
‫‪ " .‬قال صلي ال عليه وآله وسلم " عثمان بن عفان ول ّ‬

‫ي تستحي منه الملئكة‬


‫‪ " .‬وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬عثمان ح ّ‬

‫ي أمتي وأكرمها‬
‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬عثمان أح ّ‬

‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان‬

‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬ليدخلن بشفاعة عثمان سبعون ألفا كلهم قد استوجبوا النار‬
‫‪ " .‬الجنة بغير حساب‬

‫وقال صلي ال عليه وآله وسلم " ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم‬
‫‪ . " .‬قال المناوي ‪ :‬قيل هو عثمان‬

‫‪ " .‬وقال عليه الصلة والسلم " لكل نبي خليل في أمته ‪ ,‬وإن خليلي عثمان بن عفان‬

‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم " اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض‬

‫‪ .‬قال ابن إسحاق أنفق عثمان في جيش العسرة نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها‬

‫وروي عن قتادة أنه قال ‪ :‬حمل عثمان رضي ال تعالي عنه في جيش العسرة علي ألف‬
‫‪ .‬بعير وسبعين فرسا‬

‫وعن حذيفة بن اليمان ‪ :‬أن عثمان رضي ال تعالي عنه جاء يومئذ بعشرة آلف دينار‬
‫فصبت بين يديه صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬صلى ال عليه وآله وسلم يقول بيده ويقلبها‬
‫‪ :‬ظهرًا لبطن ويقول‬
‫غفر ال لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما هو كائن إلى يوم القيامة ‪ ،‬ما يبالي "‬
‫‪ " .‬عثمان ما عمل بعدها‬

‫وروي البيهقي عن عبد الرحمن بن خباب رضي ال تعالي عنه قال ‪ :‬خطب رسول ال‬
‫صلي ال عليه وآله وسلم فحث الناس علي جيش العسرة فقال عثمان على مائة بعير‬
‫بأحلسها وأقتابها ‪ ،‬ثم نزل مرقاة أخري من المنبر ‪ ,‬فحث الناس فقال عثمان على مائة‬
‫بعير أخري بأحلسها وأقتابها ‪ ،‬ثم نزل مرقاة أخري ‪ ,‬فحث الناس فقال عثمان على‬
‫مائة بعير أخري بأحلسها وأقتابها ‪ ،‬قال فرأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ :‬يقول بيده هكذا ‪ ,‬يحركها كالمتعجب وقال‬
‫‪ " .‬ما على عثمان ما عمل بعد هذا اليوم "‬

‫‪ :‬وقد ورد في حق الثلثة قوله صلي ال عليه وآله وسلم‬


‫‪ " .‬إذا أنا مت وأبو بكر وعمر وعثمان فإن استطعت أن تموت فمت‬

‫ي المرتضي‬‫سيدنا عل ّ‬
‫رضي ال تعالي عنه وكرم وجهه‬
‫ي موله‬
‫‪ " .‬قال عليه الصلة والسلم " من كنت موله فعل ّ‬

‫ي بابها ‪ ,‬فمن أراد العلم فليأت‬


‫وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬أنا مدينة العلم ‪ ,‬وعل ّ‬
‫‪ " .‬الباب‬

‫ي بابها‬
‫‪ " .‬وقال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬أنا دار الحكمة وعل ّ‬

‫ي وخير أعمامي حمزة‬


‫‪ " .‬وقال صلى ال عليه وآله وسلم " خير أخواني عل ّ‬

‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ " :‬عليّ أخي في الدنيا والخرة‬

‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم " من آذي علّيا فقد آذاني‬
‫‪ " .‬وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬من سب علّيا فقد سبني ومن سبني فقد سب ال‬

‫وحينما استخلفه علي المدينة يوم غزوة تبوك أرجف المنافقون بأنه إنما خلفه استثقال ‪,‬‬
‫‪ :‬فأخذ سلحه وأتي النبي صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وأخبره الخبر فقال‬
‫ي"‬ ‫كذبوا ‪ ،‬ولكن خلفتك لما تركت ورائي ‪ ،‬فارجع في أهلي وأهلك ‪ ،‬أفل ترضى يا عل ّ‬
‫‪ " .‬أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إل أنه ل نبي بعدي‬
‫فقال ‪ :‬رضيت ثم رضيت ثم رضيت قال السيد أحمد دحلن في سيرته ‪ :‬قال أهل‬
‫السنة ‪ :‬إن هارون عليه السلم إنما كان خليفة في حياة موسي عليه السلم حين ذهب‬
‫ي رضي ال تعالي عنه في أهل النبي‬ ‫إلي الميقات فدل ذلك علي تخصيص خلفة عل ّ‬
‫صلي ال عليه وآله وسلم مدة غيبته في تبوك ‪ ,‬كما كان هارون خليفة موسي عليهما‬
‫السلم في قومه مدة غيبته عنهم للمناجاة ‪ .‬وقد استخلف صلي ال عليه وآله وسلم غير‬
‫ي رضي ال‬ ‫علي في مرات أخر ‪ ,‬فهل يلزم أن يكون مستحقا للخلفة ؟ ولما سئل عل ّ‬
‫تعالي عنه وكرم وجهه في زمن خلفته ‪ :‬هل أوصي لك النبي صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫بالخلفة ؟ قال ل ‪ ,‬ولو أوصي لي بها لقاتلت عليها ‪ ,‬حتي لولم يبق معي إل سيفي‬
‫‪ .‬وردائي ‪ ,‬ولو أوصي لي بها لما بايع أبا بكر وعمر وعثمان رضي ال تعالي عنهم‬
‫وقول الرافضة إن ذلك كان منه تقية كذب وزور ‪ ,‬فإنه كان رضي ال تعالي عنه ذا قوة‬
‫وشجاعة وقد توفرت عشيرته من بني هاشم فكانوا أهل قوة ومنعة ‪ ,‬فيلزم الرافضة‬
‫‪ .‬نسبته للجبن والذل وحاشاه ال من ذلك ا هـ‬

‫وأخرج الحافظ محب الدين بن النجاري في تاريخ بغداد عن ابن المعتمر مسلم بن‬
‫ي بن أبي طالب رضي ال تعالي عنه‬ ‫أوس ‪ ,‬وحارثة بن قدامة السعدي أنهما حضرا عل ّ‬
‫يخطب وهو يقول ‪ :‬سلوني قبل أن تفقدوني ‪ ,‬فإني ل أسأل عن شيء دون العرش إل‬
‫‪ .‬أخبرت عنه‬

‫ي كرم ال تعالي وجهه قال ‪ :‬وال ما نزلت آية إل وقد‬


‫وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عل ّ‬
‫‪ .‬علمت فيم نزلت وأين نزلت ؟ إن ربي وهب لي قلبا عقول ولسانا سؤول‬

‫‪ :‬وفي الصحيح مسلم عنه رضي ال تعالي عنه أنه قال‬


‫والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلي ال عليه وسلم إلي ‪ :‬ل يحبني إل "‬
‫‪ " .‬مؤمن ول يبغضني إل منافق‬

‫وأخرج ابن أبي شيبة وأبو نعيم عنه رضي ال تعالي عنه أنه قال علي منبره ‪ :‬أما إني‬
‫فقأت عين الفتنة ‪ ,‬وإني وايم ال لول أن تتكلوا فتدعوا العمل لحدثتكم بما سبق علي‬
‫لسان نبيكم صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ثم قال ‪ :‬سلوني فإنكم ل تسألوني عن شيء فيما‬
‫‪ .‬بينكم وبين الساعة إل حدثتكم‬

‫وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن ربيع قال ‪ :‬بلغ علّيا أن أناسا يقولون فيه فصعد المنبر‬
‫فقال ‪ :‬أنشد ال رجل سمع من النبي صلي ال عليه وآله وسلم شيئا إل قام فقام جماعة‬
‫‪ :‬فقالوا ‪ :‬نشهد أن رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم قال‬
‫ي موله ‪ ,‬اللهم وال من واله وعاد من عاداه "‬ ‫‪ " .‬من كنت موله فعل ّ‬

‫‪ " .‬وقال صلي ال عليه وآله وسلم " أقضاكم عل ّ‬


‫ي‬

‫ي قال‬‫‪ :‬وأخرج الحاكم وصححه عن عل ّ‬


‫بعثني رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم إلى اليمن ‪ ,‬فقلت يا رسول ال بعثتني وأنا "‬
‫شاب أقضي بينهم ول أدري ما القضاء فضرب صدري ثم قال ‪ :‬اللهم اهد قلبه وثبت‬
‫‪ " .‬لسانه ‪ ,‬فوالذي فلق الحبة ما شككت في قضاء بين اثنين‬

‫ي " أنه عليه الصلة‬‫وروي ‪ :‬أن سبب قوله صلي ال عليه وآله وسلم " أقضاكم عل ّ‬
‫والسلم كان جالسا مع جماعة من الصحابة ‪ ,‬فجاء خصمان ‪ ,‬فقال أحدهما ‪ :‬يا رسول‬
‫ال إن لي حمارا وإن لهذا بقرة ‪ ,‬وإن بقرته قتلت حماري ‪ ,‬فبدأ رجل من الحاضرين‬
‫‪ :‬فقال ‪ :‬ل ضمان علي البهائم فقال صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫‪ " .‬أقض بينهما يا عليّ "‬
‫ي لهما ‪ :‬كانا مرسلين أم مشدودين ؟ أم أحدهما مشدودا والخر مرسل ؟ فقال ‪:‬‬ ‫فقال عل ّ‬
‫ي ‪ :‬صاحب البقرة ضامن‬ ‫كان الحمار مشدودا والبقرة مرسلة ‪ ,‬وصاحبها معها ‪ ,‬فقال عل ّ‬
‫‪ .‬للحمار فأقر صلي ال عليه وآله وسلم حكمه وأمضي قضاءه‬

‫‪ .‬وكان صلي ال عليه وآله وسلم إذا غضب ل يجتريء أحد أن يكلمه إل عل ّ‬
‫ي‬

‫‪ :‬وروي ابن مسعود عن النبي صلي ال عليه وآله وسلم أنه قال‬
‫ي عبادة "‬
‫‪ " .‬النظر إلي عل ّ‬

‫‪ :‬ومما ورد في الربعة رضوان ال تعالي عليهم قوله صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫أرأف أمتي بأمتي أبو بكر ‪ ,‬وأشدهم في دين ال عمر ‪ ,‬وأصدقهم حياء عثمان "‬
‫‪ " .‬وأقضاهم عل ّ‬
‫ي‬
‫وقوله صلي ال عليه وآله وسلم " رحم ال أبا بكر زوجنى ابنته وصحبني إلى دار‬
‫الهجرة وأعتق بلل من ماله وما نفعني مال في السلم ما نفعني مال أبي بكر ‪ ,‬رحم‬
‫ال عمر يقول الحق وإن كان مرا لقد تركه الحق وماله من صديق ‪ ,‬رحم ال عثمان‬
‫تستحييه الملئكة وجهز جيش العسرة وزاد في مسجدنا حتي وسعنا ‪ ،‬رحم ال عليا اللهم‬
‫‪ " .‬أدر الحق معه حيث دار‬

‫وقد ورد في فضائل كل منهم رضوان ال تعالي عليهم من الكتاب والسنة وكلم الئمة‬
‫ودون في التواريخ والسير ‪ ,‬وكتب التفسير والثر من محاسن أقوالهم وأفعالهم‬
‫‪ .‬وأخلقهم وأحوالهم ما لو أريد استقصاؤه لمل مجلدات ‪,‬وكان ما فات أكثر مما هو آت‬
‫تنبيه ‪ :‬قال اللقاني في " هداية المريد لجوهرة التوحيد " أفضل الصحابة أهل الحديبية ‪,‬‬
‫وأفضل أهل الحديبية ‪ ,‬أهل أحد وأفضل أهل أحد أهل بدر ‪ ,‬وأفضل أهل بدر العشرة ‪,‬‬
‫وأفضل العشرة الخلفاء الربعة ‪ ,‬وأفضل الربعة أبو بكر ‪ ,‬والمراد من الفضلية‬
‫أكثرية الثواب ‪ .‬ومما يجب اعتقاده أن أفضل الصحابة رضي ال تعالي عنهم أجمعين ‪,‬‬
‫هم الذين ولوا الخلفة بعده صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وبين عليه الصلة والسلم مدتها‬
‫‪ :‬بقوله‬
‫‪ " .‬الخلفة بعدي ثلثون سنة ثم تصير ملكا عضوضا "‬
‫فقد صرح كل كلمه عليه الصلة والسلم بأن الئمة الربعة أفضل الصحابة ‪ ,‬لن هذه‬
‫المدة كانت دور وليتهم ‪ ,‬وترتيبهم في الفضل علي حسب ترتيبهم في الخلفة ‪ ,‬فالسبق‬
‫فيها أكثرهم فضل ثم التالي فالتالي عند أهل السنة وإماميهم أبي الحسن الشعري وأبي‬
‫ي ‪ ,‬رضوان ال تعالي عليهم‬ ‫منصور الماتريدي ‪ ,‬فأفضلهم أبو بكر فعمر ‪ ,‬فعثمان ‪ ,‬فعل ّ‬
‫‪.‬‬

‫قال المام الغزالي ‪ :‬حقيقة الفضل ما هو عند ال تعالي وذلك مما ل يطلع عليه إل‬
‫رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬وقد ورد الثناء عليهم في أخبار كثيرة ‪ ,‬ول يدرك‬
‫دقائق الفضل والترتيب فيه إل المشاهدون للوحي والتنزيل بقرائن الحوال ‪ ,‬فلول‬
‫فهمهم ذلك لما رتبوا المر كذلك إذ كانوا ل تأخذهم في ال لومة لئم ‪ ,‬ول يصرفهم عن‬
‫الحق صارف ‪ ,‬ونحوه قول السعد ‪ :‬علي هذا وجدنا السلف والخلف ‪ .‬والظاهر أنهم لو‬
‫لم يكن لهم دليل علي ذلك لما حكموا به وقوله في شرح المقاصد ‪ :‬يدل لنا إجمال أن‬
‫جمهور عظماء الملة وعلماء المة أطبقوا علي ذلك ‪ ,‬وحسن الظن بهم يقضي بأنهم لو‬
‫‪ .‬لم يعرفوه بدلئل وأمارات لما أطبقوا عليه ا هـ كلم اللقاني ملخصا‬
‫قلت ‪ :‬وقول السعد جمهور عظماء الملة يفيد أن ذلك ليس إجماعيا ‪ ,‬وهو كذلك في‬
‫ي رضي ال تعالي عنهما ‪ ,‬فقد قال بعض أكابر أهل السنة‬ ‫الترتيب بين عثمان وعل ّ‬
‫ي علي عثمان ومنهم سفيان الثوري ‪ ,‬والمام مالك في قوله الول ‪ ,‬ثم رجع‬ ‫بتفضيل عل ّ‬
‫ي ‪ .‬قال النووي ‪ :‬وهو الصحيح ‪ ,‬وقال اللقاني ‪ :‬وهو‬ ‫عنه إلي تفضيل عثمان علي عل ّ‬
‫‪ .‬الصح‬
‫أما تفضيل أبي بكر علي الثلثة وعمر علي الثنين فهو أمر إجماعي كما قال العلمة‬
‫ي نفسه ‪ :‬خير الناس بعد‬‫ابن حجر في خاتمة الفتاوي ‪ ,‬وعبارته ‪ :‬قصد صح عن عل ّ‬
‫النبي صلي ال عليه وآله وسلم أبو بكر ثم عمر ثم رجل آخر ‪ ,‬فقال له ابنه محمد رضي‬
‫ال تعالي عنهما ‪ ,‬ثم أنت يا أبت فقال ‪ :‬ما أبوك إل رجل من المسلمين ‪ ,‬ومن ثمة أجمع‬
‫أهل السنة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم علي إن أفضل الصحابة علي الطلق ‪:‬‬
‫أبو بكر ‪ ,‬ثم عمر رضي ال تعالي عنهما ‪ ,‬وفي موضع آخر منها سئل أي ابن حجر ‪:‬‬
‫هل الفضلية بين الخلفاء الربعة قطعية أم اجتهادية ‪ ,‬إذ ل شاهد من العقل يقطع‬
‫بأفضلية بعضهم علي بعض ‪ ,‬والخبار الواردة في فضائلهم متعارضة ؟ فأجاب رحمه‬
‫ال تعالي بقوله ‪ :‬إن أفضلية أبي بكر رضي ال تعالي عنه علي الثلثة ‪ ,‬ثم عمر رضي‬
‫ال تعالي عنه علي الثنين مجمع عليها عند أهل السنة ل خلف بينهم في ذلك ‪,‬‬
‫والجماع يفيد القطع ‪ ,‬وأما أفضلية عثمان علي عليّ رضي ال تعالي عنهما فظنية ‪,‬‬
‫لن بعض أكابر أهل السنة كسفيان الثوري فضل علّيا علي عثمان ‪ ,‬وما وقع فيه خلف‬
‫ي كرم ال تعالي‬ ‫بين أهل السنة فظني ‪ ,‬وأما الحاديث في ذلك فمتعارضة جدا ‪ ,‬بل عل ّ‬
‫وجهه ورد فيه من الحاديث المشعرة بفضله مالم يرد في الثلثة ‪ .‬وأجاب عنه بعض‬
‫الئمة بأن سبب ذلك أنه عاش إلي زمن الفتن وكثرت أعداؤه وقدحهم فيه ‪ ,‬وحطهم عليه‬
‫‪ ,‬وغمصهم لحقه بباطلهم ‪ ,‬فبادر حفاظ الصحابة رضوان ال تعالي عليهم ‪ ,‬وأخرجوا ما‬
‫عندهم في حقه ردعا لولئك الفسقة المارقين والخوارج المخذولين ‪ ,‬وأما بقية الثلثة فلم‬
‫‪ .‬يقع لهم ما يدعوا الناس إلي التيان بمثل ذلك الستيعاب ا هـ‬

‫وقال المام الشعراني في المنن ‪ :‬قال أبو بكر بن عياش ‪ :‬لم أتاني أبو بكر وعمر وعليّ‬
‫ي قبلهما لقرباه من رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ‪,‬‬ ‫في حاجة ‪ ,‬لبدأت بحاجة عل ّ‬
‫ولئن أخر من السماء إلي الرض ‪ ,‬أحب إلي من أن أقدمه عليهما ‪ .‬قال اللقاني ‪ :‬ول‬
‫يخفي صحة شمول الفضل لسائر أسبابه من علم وشجاعة ‪ ,‬وحسن رأي ‪ ,‬وقرب من ال‬
‫‪ .‬ورسوله ومحبة لهما ومنهما‬

‫لطيفة ‪ :‬قرأت في طبقات بن السبكي في ترجمة الحارث سريج أن داود بن عليّ‬


‫الصفهاني قال ‪ :‬سمعت الحارث بن سريج يقول ‪ :‬سمعت إبراهيم بن عبد ال الحجبي‬
‫يقول للشافعي رضي ال تعالي عنه ‪ :‬ما رأيت هاشميا قط يفضل أبا بكر وعمر رضي‬
‫ال عنهما على علي كرم ال تعالي وجهه غيرك قال الشافعي ‪ :‬علي ابن عمي وأنا رجل‬
‫من بني عبد مناف وأنت رجل من بني عبد الدار ‪ ,‬فلو كانت هذه مكرمة كنت أولى بها‬
‫‪ .‬منك ولكن ليس المر على ما تحسب‬

‫وروي عنه رضي ال تعالي عنه أنه قال ‪ :‬اضطرب الناس بعد رسول ال صلي ال‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ,‬فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر فلذلك استعملوه علي‬
‫‪ .‬رقاب الناس‬

‫تنبيه ‪ :‬قد ظهر لذهني القاصر معني شريف ‪ ,‬وحجة قوية في تأييد مذهب أهل السنة‬
‫الجامعين بين حب الصحابة والل وتزييف مذهب المفرقين بينهم من أهل الرفض‬
‫والضلل ‪ ,‬وذلك أن جميع ما ثبت من فضل الصحابة رضوان ال تعالي عليهم ‪ ,‬هو في‬
‫الحقيقة من فضائل أهل بيت النبوة زيادة علي ما نالوه بانتسابهم إلي حضرة صاحب‬
‫الرسالة من الفضل ‪ ,‬فإنهم صحابة جدهم العظم صلي ال عليه وآله وسلم ل صحابة‬
‫نبي سواه ‪ ,‬وهم وإن كانوا في أنفسهم فضلء نبلء حائزين من كل وصف جميل‬
‫محضه ولبابه إل أن أفضليتهم على من سواهم من المة إنما هي لفوزهم بتلك الصحبة‬
‫الشريفة التي ل يوازيها عمل عامل ‪ ,‬ول اجتهاد مجتهد ‪ ,‬وما يلزمها من اقتباس النوار‬
‫والسرار ‪ ,‬فضل عن فدائهم له صلي ال عليه وآله وسلم بكل ما قدروا عليه من نفس‬
‫ومال وولد والد وخوض كثير منهم أمامه في غمار الحروب ‪ ,‬ومخالطتهم المنايا ‪ ,‬حتي‬
‫ظهر دين ال المبين ‪ ,‬وخفقت أعلمه في العالمين وإل فإنا نجد في التابعين فمن بعدهم‬
‫من هو أعلم وأعبد وأروع وأزهد وأكثر حربا وجهادا وطعانا وجلدا من بعض صغار‬
‫الصحابة الذين لم تطل صحبتهم له صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬ولم يلزموه في كثير من‬
‫مواطنهم الشريفة وغزواته المظفرة ‪ ,‬ومع هذا فأقلهم فضل أفضل التابعين ‪ ,‬من بعدهم‬
‫‪ .‬إلي يوم القيامة‬
‫فتلخص أنه صلي ال عليه وآله وسلم هو الصل الذي تفرع عنه فضل الصحابة‬
‫رضوان ال تعالي عليهم ‪ ,‬وكذا جميع ما ثبت لهل البيت من الفضل هو أيضا يحسب‬
‫من فضائل الصحابة الكرام زيادة على ما اتصفوا به من الفضل والفخر بصحبتهم له‬
‫صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فإنهم ذرية نبيهم الذي استنقذهم من ظلمات الشرك ‪ ,‬وزجهم‬
‫في أنوار التوحيد ‪ ,‬وفازوا بما فازوا به بسببه من السيادة الدنيوية والسعادة البدية‬
‫وذريته صلي ال عليه وآله وسلم بعضه ‪ ,‬فكما أن فضل الكل وهو النبي عليه الصلة‬
‫والسلم هو زيادة في فضل أصحابه الذي هو متفرع عن فضله فكذلك بعضه وهم‬
‫‪ .‬الذرية الطاهرة ‪ ,‬فإن فضلهم فرع عن فضله صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫فقد علمت أن أصل الفضلين فضل الذرية ‪ ,‬وفضل الصحابة هو رسول ال صلي ال‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ,‬وهما فرعان عن أصل واحد ‪ ,‬فمهما حصل لحدهما من مدح أو ذم‬
‫‪ .‬لبد وأن يتعدي إلي الخر‬
‫فلعنة ال تعالي على من فرق بينهما بولء بعضهم ومعاداة البعض فإن من عادى‬
‫أحدهما لم ينفعه ولء الخر ‪ ,‬وكان عدو ال ورسوله ولمن التزم ولءه أيضا ‪ ,‬وانظر‬
‫ي زين العابدين رضي ال تعالي عنهما حين خرج علي هشام بن‬ ‫إلي سيدنا زيد بن عل ّ‬
‫عبد الملك فقد بايعه وقتئذ ناس كثير من أهل الكوفة ‪ ,‬وطلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين‬
‫أبي بكر وعمر لينصروه ‪ ,‬فقال ‪ :‬كل بل أتولهما فقالوا ‪ :‬إذا نرفضك ‪ ,‬فقال ‪ :‬اذهبوا‬
‫فأنتم الرافضة فسموا رافضة من حينئذ وجاءت طائفة وقالوا ‪ :‬نحن نتولهما ونتبرأ‬
‫ممن يتبرأ منهما فقبلهم ‪ ,‬وقاتلوا معه فسموا الزيدية ‪ ,‬غير أنهم خلف من بعدهم خلف ‪,‬‬
‫خرجوا عن مذهب زيد ‪ ,‬وبقي عليهم السم فقط فمن أراد سعادة الدارين ‪ ,‬فعليه بمحبة‬
‫الطرفين ملتزما في ذلك الطريق الشرعي غير حائد عن سنن السلف والخلف ‪ ,‬وهو‬
‫مذهب أهل السنة السنية ‪ ,‬وهداة الملة الحنيفية أماتنا ال علي ذلك غير مبدلين ‪ ,‬ول‬
‫‪ .‬مغيرين ‪ ,‬ول مفتونين ‪ ,‬ول فاتنين‬

‫‪ :‬قال ابن السبكي في الطبقات ‪ :‬قال المام عبد ال بن المبارك رضي ال تعالي عنه‬
‫إني امرؤ ليس في ديني لغامزه ‪ ...‬لين ولست على السلم طعانا‬
‫فل أسب أبا بكر ول عمرا ‪ ...‬ولن أسب معاذ ال عثمانا‬
‫ول الزبير حواري الرسول ول ‪ ...‬أهدي لطلحة شتما عز أو هانا‬
‫ول أقول علي في السحاب إذا ‪ ...‬قد فلت وال ظلما ثم عدوانا‬
‫وهي قصيدة طويلة منها‬
‫ال يدفع بالسلطان معضلة ‪ ...‬عن ديننا رحمة منه ورضوانا‬
‫لول الئمة لم تأمن لنا سبل ‪ ...‬وكان أضعفنا نهبا لقوانا‬
‫وقيل ‪ :‬إن هارون الرشيد أعجبه ‪ ,‬ولما بلغه موت ابن المبارك أذن للناس أن يعزوه‬
‫فيه ‪ ,‬وقال أليس هو القائل‬
‫‪ .‬ال ) يدفع ( البيتين ا هـ‬

‫فإن قلت ‪ :‬تفريعك هذين الفرعين أهل البيت والصحابة رضوان ال تعالي عليهم عن‬
‫الصل الواحد وهو النبي صلي ال عليه وآله وسلم بالصفة التي ذكرتها يشعر بتفضيل‬
‫‪ .‬الذرية الطاهرة علي الصحابة الكرام رضوان ال تعالي علي الجميع‬
‫قلت ‪ :‬نعم وهو كذلك من حيث أنهم ذريته صلي ال عليه وآله وسلم ل من كل حيثية ‪,‬‬
‫وهذا مما ل يشتبه فيه عاقل ‪ ,‬فإن الذرية الطاهرة من هذه الحيثية أفضل للعالمين على‬
‫الطلق ‪ ,‬فإن ذلك يرجع لتفضيله عليه الصلة والسلم ‪ ,‬ول يشك مؤمن بإنه أفضل‬
‫الخلق كافة وهو بمنزلة قولك جدهم عليه الصلة والسلم أفضل من كل جد ‪ ,‬وهل‬
‫يرتاب في هذا مؤمن ‪ ,‬ومن هنا قال المام السبكي وغيره في حق السيدة فاطمة رضي‬
‫ال تعالي عنها ‪ :‬ل نفضل علي بضعة رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم أحدا فأنت‬
‫تراهم وصفوها بالبضعية التي هي داعية التفضيل ‪ ,‬على أمها خديجة ومريم وعائشة ‪,‬‬
‫ي أو أم الحسنين أو غير ذلك من أوصافها الشريفة ‪,‬‬ ‫ولم يقولوا ل نفضل علي زوجة عل ّ‬
‫وهذا المعني موجود في سائر أولده وبناته صلي ال عليه وآله وسلم ‪ ,‬فهم من تلك‬
‫الحيثية أفضل الناس ‪ ,‬وصرح بأفضلية السيدة فاطمة على جميع الصحابة الشيخين فمن‬
‫عاداهم الشمس العلقمي ‪ ,‬وقيده المناوي بحيثية البضعية قال ‪ :‬فإن الشيخين بل الخلفاء‬
‫الربعة أفضل منها من حيث المعرفة والعلم ورفع منار السلم ‪ ,‬ولهذا نبه العلمة‬
‫اللقاني في شرح الجوهرة بعد ذكر أفضلية الخلفاء الربعة علي من سواهم بقوله ‪ :‬ل‬
‫يشكل الحكم المذكور بالذرية الشريفة لنه ل من حيث البضعية المكرمة ‪ ,‬يعني وأما من‬
‫‪ .‬حيث البضعية فالذرية أفضل‬
‫فاعلم ذلك واعرف منزلة أهل بيت النبوة وما خولهم ال تعالي من الفضل الوهبي ‪,‬‬
‫‪ :‬واختصهم به من الشرف القربي‬
‫هم القوم من أصفاهم الود مخلصا‬
‫تمسك في آخراه بالسبب القوي‬
‫هم القوم فاقوا العالمين مناقبا‬
‫محاسنهم تحكي وآياتهم تروي‬
‫موالتهم فرض وحبهم هدى‬
‫وطاعتهم ود وودهم تقوي‬
‫قال في السعاف ‪ :‬واعلم إن المحبة المعتبرة الممدوحة هي ماكانت مع أتباعه بسنتهم‬
‫المحبوبة إذ مجرد محبتهم من غير اتباع لسنتهم كما تزعمه الشيعة والرافضة من‬
‫محبتهم مع مجانبتهم للسنة ل تفيد مدعيها شيئا من الخير بل تكون عليه وبال وعذابا في‬
‫الدنيا والخرة ‪ ,‬على أن هذه ليست محبة في الحقيقة إذ حقيقة المحبة الميل إلي المحبوب‬
‫‪ ,‬وآيثار محبوباته ومرضياته على محمبوبات النفس ‪ ,‬ومرضياتها والتأدب بأخلقه‬
‫‪ .‬وآدابه‬
‫ي كرم ال تعالي وجهه ‪ :‬ل يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر ‪ :‬أي‬ ‫ومن ثم قال عل ّ‬
‫‪ .‬لنهما ضدان وهما ل يجتمعان‬
‫وأخرج الدار قطني مرفوعا ‪ " :‬يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك في الجنة وأن قوما‬
‫يزعمون أنهم يحبونك يصغرون السلم ‪ ,‬ثم يلفظونه ‪ ,‬يمرقون منه كما يمرق السهم‬
‫من الرمية لهم نبذ يقال لهم الرافضة فإذا أدركتهم فقاتلهم ‪ ,‬فإنهم مشركون " قال‬
‫‪ .‬الدارقطني ولهذا الحديث عندنا طرقات كثيرة ا هـ‬

‫وقوله ‪ :‬والشيعة والرافضة أرادا غلة الشيعة ‪ ,‬فيكون عطف الرافضة عليهم عطف‬
‫مرادف أو عطف تفسير ‪ ,‬أما شيعتهم الذين لم يفارقوا سنتهم من محبة الصحابة ومعرفة‬
‫منازلهم في الفضل فهم القوم الخيار المبرءون من كل عاد ‪ ,‬وهم الذين عناهم رسول‬
‫‪ :‬ال صلي ال عليه وآله وسلم بقوله‬
‫‪ " .‬يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك في الجنة "‬
‫ي وكان فاضل عن أبيه عن جده ‪ :‬إنما شيعتنا من‬ ‫ي بن الحسين بن عل ّ‬ ‫قال موسي بن عل ّ‬
‫ي رضي ال تعالي عنه مدة خلفته وجميع من‬ ‫أطاع ال ‪ ,‬وعمل عملنا ‪ ,‬كأصحاب عل ّ‬
‫نصره وخاض معه غمرات الحروب في جميع وقائعه قوقعة الجمل وصفين ‪,‬‬
‫والنهروان ‪ ,‬فإنه رضي ال تعالي عنه وكرم وجهه هو المصيب في جميعها وغيره‬
‫مخطئ ‪ ,‬والكل على هدى لجتهادهم في طلب الحق ‪ ,‬ماعدا الخوارج الذين منهم أهل‬
‫النهروان ‪ ,‬فإنهم كفرة فجرة ‪ ,‬لنهم كانوا يعتقدون معاذ ال تعالي كفره بالتحكيم وكفر‬
‫كثير من الصحابة والمسلمين الذين رضوا بذلك ‪ .‬وهناك طائفة من الشيعة يقال لهم‬
‫ي كرم ال تعالي وجهه على سائر الصحابة مع اعتقاد‬ ‫المفضلة ‪ ,‬يقولون ‪ :‬بتفضيل عل ّ‬
‫فضلهم وعدلهم ‪ ,‬والعتراف بما خولهم ال تعالي من الشرف وعلوا المنزلة ‪ ,‬وهؤلء‬
‫ي فهم أهل بدعة خفيفة‬ ‫وإن خالفوا ما انعقد عليه الجماع ‪ ,‬من تفضيل الشيخين علي عل ّ‬
‫‪ .‬ل يتفرع عليها خلل في الدين ‪ ,‬فقد ذكرهم الحافظ السيوطي ولم يطعن في عقيدتهم‬
‫ونقل عن الحافظ الذهبي وغيره أنهم عدول ثقات ‪ ,‬وأن روايتهم مقبولة ‪ ,‬وشهادتهم غير‬
‫معلومة ‪ ,‬هذا مع تدقيق الذهبي في رجال الحديث إلي درجة أدته للطعن في بعض‬
‫الثقات الذين زكاهم غيره ‪ .‬قال ومن هذه الطائفة كثير من السلف والخلف وإذا أطلق‬
‫لفظ الشيعة في الكتب ‪ ,‬فالمراد منه هؤلء مالم يقيد بالغلو ‪ ,‬كأن يقال شيعي غال أو‬
‫‪ .‬غلة الشيعة‬
‫أما الروافض فهم ما بين كافر وفاسق ‪ ,‬لنهم رفضوا موالة كثير من الصحابة رضي‬
‫ال تعالي عنهم ‪ ,‬والكافر من يطعن في السيدة عائشة أم المؤمنين ‪ ,‬وينكر صحبة أبيها‬
‫رضي ال تعالي عنهما ‪ ,‬ول تشتبه بما سأتلوه عليك من كلم العارف الشعراني فإنه‬
‫إنما قصد من الروافض ‪ ,‬مفضلة الشيعة كما تصرح به عبارته قال ‪ :‬أخذ علينا العهود‬
‫أن ل نسب الروافض الذين يقدمون عليا في المحبة على أبي بكر وعمر رضي ال‬
‫تعالي عنهما ل الذين يسبونهم ل سيما إن كانوا أشرافا من أولد السيدة فاطمة رضي ال‬
‫‪ .‬تعالي عنها ‪ ,‬أو من أهل القرآن‬
‫فإياك يا أخي من قولك فلن رافضي كلب ‪ ,‬فإن ذلك ل ينبغي والذي نعتقده إن التغالي‬
‫ي والحسن والحسين وذريتهما مطلوبة بنص القرآن في قوله تعالي‬ ‫‪ :‬في محبة عل ّ‬
‫جًرا ِإل اْلَموَّدَة ِفي اْلُقْرَبى {‬
‫عَلْيِه َأ ْ‬
‫سَأُلُكْم َ‬
‫ل ل َأ ْ‬
‫‪ُ } .‬ق ْ‬
‫والود ثبات المحبة ودوامها فنسكت عن سب من قدم جده في المحبة على غيره ما لم‬
‫يعارض النصوص ‪ ,‬وذلك لن تعصب النسان لجداده الذين حصل له بهم الشرف ‪,‬‬
‫أمر واقع في كثير من العلماء فضل عن آحاد الناس من الشرفاء ‪ ,‬ولذلك قالوا من‬
‫ي رضي ال تعالي عنهم وكان‬ ‫النوادر شريف سني يقدم أبا بكر وعمر على جده عل ّ‬
‫‪ :‬المام الشافعي رضي ال تعالي عنه ينشد‬
‫إن كان رفضا حب آل محمد‬
‫فليشهد الثقلن أني رافضي‬
‫فاعذر يا أخي كل من قامت له شبهة ما لم تهدم شيئا من أصول الدين الصريحة كإنكار‬
‫صحبة أبي بكر لرسول ال صلي ال عليه وآله وسلم أو براءة عائشة رضي ال تعالي‬
‫عنها واترك أمر الروافض إلي ال تعالي يفصل بينهم يوم القيامة ا هـ وهو كلم عارف‬
‫‪ .‬كبير منصف خبير رضي ال تعالي عنه ونفعنا به‬
‫وقوله ‪ :‬من النوادر شريف سني ‪ ,‬ليس هو مقابل الرافضي بمعناه الحقيقي ‪ ,‬وإنما هو‬
‫ي رضي ال‬ ‫مقابل الشيعي المفضل ‪ ,‬ولذلك قال بعده ‪ :‬يقدم أبا بكر وعمر على جده عل ّ‬
‫تعالي عنهم والرافضي ل يقر لبي بكر وعمر ‪ ,‬بفضل ل مقدما ول مؤخرا بل يصفهما‬
‫بما ل ينبغي ‪ ,‬ومعاذ ال تعالي أن يقول بذلك أحد ممن صحت نسبته إلي رسول ال‬
‫‪ .‬صلي ال عليه وآله وسلم‬
‫ي من‬‫وحاصل العبارة أن الشريف السني الموصوف بتقديم أبي بكر وعمر على جده عل ّ‬
‫النوادر وأكثرهم سنيون ل يقولون بالتقديم مع حب الشيخين والصحابة جميعا‬
‫والعتراف بفضلهم وهذا ل يضرهم في دينهم شيئا ول سيما إذا كان التقديم في المحبة‬
‫‪ .‬ل التفضيل وهو الذي ينبغي حمل العبارة عليه فافهم وال سبحانه وتعالي أعلم‬

‫قال جامعه ‪ :‬هذا ما أراد ال تعالي إبرازه على يد هذا العبد الضعيف وتم تبييضه وطبعه‬
‫في بيروت في شهر شوال سنة ‪1309‬بعد أن بقي في مسودته إحدي عشرة سنة وأسأله‬
‫‪ .‬سبحانه أن يتقبله مني ويرضي به عني‬

‫وصلي ال تبارك وتعالي علي سيدنا محمد وعلى جميع النبياء والمرسلين وآلهم‬
‫وصحبهم أجمعين عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته كلما ذكره الذاكرون‬
‫‪ .‬وغفل عن ذكرهم الغافلون وسلم تسليما كثيرا والحمد ل رب العالمين‬

You might also like