Professional Documents
Culture Documents
وصلى ال تبارك وتعالى على سيدنا ومولنا محمد وآله وصحبه فى كل لمحة ونفس
.عدد ما وسعه علم ال
الحمد ل الذى طهر أهل بيت نبينا من كل رجس وآتاهم من لدنه فضل كبيرا ,فقال
:تعالى
طِهيًرا
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
س َأْهلَ اْلَبْي ِ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
)ِ ) .إّنَما ُيِريُد ا ُّ
والصلة والسلم على سيدنا محمد المبعوت من أفضل قبيلة وأكرم فصيلة ,وعلى آله
.الشراف السادة ,وأصحابه الئمة القادة
إن من أهم المور الدينية ,وآكد العقائد:فيقول الفقير إلى ربه يوسف بن إسماعيل
النبهانى عفا ال تعالى عنه :أما بعد السلمية اعتقاد أن سيدنا محمد صلى ال عليه
وآله وسلم أفضل من كل ملك ورسول وأصوله وفروعه أشرف فروع وأصول كيف ل
وقد اتصلت بنسبه أنسابهم ,وارتبطت بحسبه أحسابهم ,فهم منه وإليه ,وأقرب الناس
لديه ,ول ريب في أن محبته صلى ال عليه وآله وسلم فرض على كل موحد ,مجتهد
أو مقلد ,وبحسب زيادتها ونقصانها تكون زيادة اليمان ونقصانه ,ومن ادعى اليمان
بدونها فقد عظم نفاقه وبهتانه ,ومن محبته عليه الصلة والسلم محبة من اتصلوا به ,
.ورجعت أنسابهم كآبائه وأبنائه إلى نسبه
أما آباؤه فقد انقضت أعصارهم ,وبقيت أخبارهم ,فمن ادعى محبتهم لجله فل تثريب
عليه ,وتسلم دعواه إليه ,إذ ل دليل على بطلن دعواه ,ويوكل أمر باطنه إلى ال ,
وأما أبناؤه فهم بركة هذه المة ,الكاشفون عنها من غياهب الكون كل غمة ,فل بد
وأن يوجد فى كل عصر طائفة منهم يدفع ال بها عن الناس البلء ,فإنهم أمان لهل
الرض كما أن النجوم أمان لهل السماء فمن عاصرهم وادعى محبتهم بزخارف أقواله
,ولم يقم على دعواه البراهين من محاسن أفعاله فدعواه فاسدة باطلة ,ومن حلى الصحة
عاطلة ,هذا إذا لم يؤذهم بقلم ول لسان ,ولم يشر إلى تنقيصهم بعين ول بنان ,أما من
.فعل ذلك وادعى محبتهم فل أحسبه إل مجنونا ,وبدينه مفتونا
ومن هذا القبيل ما وقع فى عصرنا فى القسطنطينية سنة سبع وتسعين ومائتين وألف
هجرية من قوم جهال ,غرقوا من أحوال البغضاء لل محمد فى أوحال فأخذوا يتأولون
بجهلهم ماورد من اليات والخبار فى فضل أهل بيت النبوة ,ومعدن الرسالة ,ومهبط
الوحى ,ومنبع الحكمة ,ويخرجونها عن ظواهرها بأفهامهم السقيمة ,وآرائهم الذميمة ,
من أهل المحبة والوداد ولم يعلموا أنهم ومع ذلك فقد زعموا ,أنهم لهل البيت
هائمون من الخذلن فى كل واد ولما أراد ال سبحانه تمام غوايتهم قدر لهم الطلع
على كتاب نوادر الصول للحكيم الترمذى وقد أتى فيه رضى ال عنه بتفسير قوله
:تعالى
طِهيًرا (
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
ل اْلَبْي ِ
س َأْه َ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
) ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ
وقوله عليه الصلة والسلم " :إنى تارك فبكم الثقلين :كتاب ال ,وأهل بيتى عترتى "
.الحديث
:وقوله صلى ال عليه وآله وسلم
" .النجوم أمان لهل السماء ,وأهل بيتى أمان لهل الرض "
بأقاويل ظاهرها مخالف لما عليه جمهور العلماء ,فزعم أن الية الكريمة خاصة
بالزوجات الطاهرات أمهات المؤمنين ,وشنع على من ذهب إلى غير ذلك من
.المفسرين
وأغرب من هذا دعواه فى الحديث الول حديث الثقلين أن المراد من أهل البيت فيه
.الئمة ,وفقهاء المة
ومثله غرابة أو أغرب زعمه فى الحديث الثانى أن أهل بيته صلى ال عليه وآله وسلم
فيه هم البدال ل الذرية ,ومنع أن تكون فى العنصر الطاهر هذه المزية ,وإنى على
يقين من أنه رحمه ال على تقدير ثبوت ذلك عنه ,وتحقق صدوره منه ,مع استبعاد
صحة نسبته إليه وقرب احتمال دسه عليه ,لم يقصد به إل إحقاق الحق على وجه
السداد ,بحسب ما أداه إليه الجتهاد وأرجو أن ل يلحقه بذلك عتاب ,وأن ل يفوته على
نيته الثواب ,فإنه نفعنا ال به من مشاهير الئمة ومصابيح هذه المة ,ولعله كان فيما
.أتي به معذورا ,وقد كان ذلك فى الكتاب مسطورا
وعلى كل الحال فقد تم العمل ,وسبق السيف العدل ,فأخذ أولئك المخذولون عبارته
رحمه ال وصاروا يروجون بها بضاعتهم الكاسدة ,ويصلحون بها عقائدهم الفاسدة ,
ويتمشدقون بها فى مجالس إخوانهم العوام ,ويفهمونهم ان ل فرق بين العترة الطاهرة
وبين أحد من أهل السلم ,فلما شاع أمرهم المذموم ,وفشا سر ضللتهم المكتوم ,
حملنى على تزييف مدعاهم الباطل الفاسد ,وهدم ما استندوا إليه من واهيات القواعد ,
أمر شريف صدر من أحد أجلء العصابة المصطفوية ,وافق منى بواعث قلبية ,
ومدعاهم وإن كان بديهى البطلن ،ل يرتاب فيه أحد ممن شم رائحة اليمان ,وقد يقال
:ل حاجة إلي إبطال الباطل وما هو إل من قبيل تحصيل الحاصل ,فهو منكر وإنكار
.المنكر واجب ,وإماطة البدعة عن المسلمين ضربة لزب
فجمعت هذا الكتاب من كتب الئمة العلم ,ونقلت فيه أنموذجا من الكتاب والسنة
والثار فى فضل آله عليه الصلة والسلم ,ولم أقصره على رد تلك القاويل الفاسدة ,
.لتتم به الفائدة ,وسميته :الشرف المؤبد لل محمد
وأسأل ال العظيم رب العرش الكريم ,أن ينفعنى به والمسلمين ,ويحشرنى تحت لواء
سيد المرسلين فى زمرة المحبين له ولله الطاهرين ,وأرجو من أهل العلم والفهم أن
يعذرونى فى عدم استيفاء الكلم ,ويغتفروا لى زلة القلم إن عثروا عليها فقلما سلم أحد
.من زلة القلم ,ورتبته على ثلثة مقاصد وخاتمة
ل ( وحديثى " إنى تارك فيكم المقصد الول :فى الكلم على آية ِ ) :إّنَما ُيِريُد ا ُّ
" .الثقلين ...وأهل بيتى أمان لمتى
.المقصد الثانى :فى الكلم على شرفهم ومزاياهم وما اختصهم ال به دون من عداهم
المقصد الثالث :فى الكلم على ما فى حبهم وتوابعه من الفوز العظيم ,وما فى بغضهم
.وتوابعه من المرتع الوخيم
الخاتمة :فى بيان فضل الصحابة وأن محبة آل البيت ل تجدى نفعا إذا خالطها بغض
.أحد من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
* * * *
وذكر المام الواحدى فى كتابه أسباب النزول الخلف ,وذكر فى كل روايتين غير أن
:صدر الكلم بقوله عن عطية عن أبى سعيد
طِهيًرا(
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
ل اْلَبْي ِ
س َأْه َ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
ِ ) .إّنَما ُيِريُد ا ُّ
أنزلت فى خمسة :فى النبى صلى ال عليه وآله وسلم ,وعلى وفاطمة والحسن
:والحسين ,وثنى بقوله عن أبى رباح قال
حدثنى من سمع أم سلمة تذكر وسرد الرواية التى تقدمت عن الدر المنثور ثم ذكر
الروايتين الخريين فى أنها نزلت فى الزوجات الطاهرات ,وجعل فى تفسيره الية
شاملة للفريقين جمعا بين الروايات وكذا النيسابورى ذكر فى تفسيره شمولها للفريقين ,
:وذكر فى كل روايات غير أن فى روايته عن أم سلمة
" .فقلت وأنا منهم ؟ فقال نعم"
ثم قال :قال مقاتل :أزواج النبى صلى ال عليه وآله وسلم داخلت فى حكم هذه الية ,
:وإذا اجتمع المذكر والمؤنث فى موضع غلب المذكر على المؤنث ولهذا قال
) عنكم -ويطهركم (
وقال المقريزى :والذى يظهر من الية أنها عامة فى جميع أهل البيت من الزواج
وغيرهم ,وإنما قال )ويطهركم ( لن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وعليا
وحسنا وحسينا كانوا داخلين فيهم ,وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر ,فاقتضت
.الية أن الزوجات من أهل البيت يدل عليه سياق الكلم
:ثم قال ويروى حديث أم سلمة
" .أدخلت رأسى فى الكساء وقلت وأنا منهم ؟ فقال نعم "
وقال المحقق ابن حجر فى الصواعق :إن المراد بالبيت فى الية ما يشمل بيت النبى
.صلى ال عليه وآله وسلم وبيت سكناه فتشمل الية أزواجه عليه الصلة والسلم
وقال الثعلبى :قيل هم بنو هاشم ,فهذا يؤول على أن البيت المراد به بيت النسب ,
فيكون العباس وأعمامه وبنوأعمامه منهم ,وهو قول زيد بن أرقم كما فى الخازن
.وغيره
وأعم من هذا ما ذكره العلمة الخطيب فى تفسيره فقال :وأختلف فى أهل البيت
والولى فيهم ما قاله البقاعى أنهم كل من يكون من ألزام النبى صلى ال عليه وآله وسلم
من الرجال والنساء والزواج والماء والقارب ,وكلما كان النسان منهم أقرب
.وبالنبى صلى ال عليه وآله وسلم أخص وألزم كان بالرادة أحق وأقدر اهـ
إذا علمت هذا تعلم أن مذهب جمهور المفسرين شمول الية للفريقين أهل العباء وأمهات
.المؤمنين رضوان ال تعالى عليهم أجمعين
وقال شيخ الصوفية ,وإمام العارفين الشيخ الكبر سيدى محيى الدين بن العربى رضى
:ال تعالى عنه فى الباب التاسع والعشرين من الفتوحات المكية
ولما كان رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم عبدا محضا قد طهره ال وأهل بيته
تطهيرا وأذهب عنهم الرجس ,وهو كل ما يشينهم ,فإن الرجس هو القذر عند العرب ,
:هكذا حكى الفراء قال تعالى
طِهيًرا(
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
ل اْلَبْي ِ
س َأْه َ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
ِ ) .إّنَما ُيِريُد ا ُّ
فل يضاف إليهم إل مطهر ول بد فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم ,فما يضيفون
لنفسهم إل من له حكم الطهارة والتقديس ,فهذه شهادة من النبي صلى ال عليه وآله
وسلم لسلمان الفارسي ,بالطهارة والحفظ اللهي والعصمة ,حيث قال فيه رسول ال
:صلى ال عليه وسلم
" .سلمان منا أهل البيت "
وشهد ال لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم .وإذا كان ل يضاف إليهم إل مطهر
مقدس ,وحصلت له العناية الربانية اللهية بمجرد الضافة ,فما ظنك بأهل البيت في
نفوسهم ,فهم المطهرون ,بل هم عين الطهارة ,فهذه الية تدل على أن ال قد شرك
:أهل البيت مع رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم في قوله تعالى
خَر ( ك َوَما َتَأ ّن َذْنِب َ
ل َما َتَقّدَم ِم ْ ك ا ُِّ ) .لَيْغِفَر َل َ
وأي وسخ وقذر أقذر من الذنوب وأوسخ ,فطهر ال سبحانه نبيه صلى ال عليه وسلم
بالمغفرة مما هو ذنب بالنسبة إلينا ,لو وقع منه صلى ال عليه وآله وسلم لكان ذنبا فى
الصورة ل فى المعنى ,لن الذنب ل يلحق به على ذلك من ال تعالى ول منا شرعا ,
فلو كان حكمه حكم الذنب لصحبه ما يصحب الذنب من المذمة ولم يكن يصدق قوله :
طِهيًرا ( .فدخل الشرفاء أولد فاطمة كلهم طّهَرُكْم َت ْت َوُي َ ل اْلَبْي ِس َأْه َ
ج َ عْنُكُم الّر ْب َ
) ِلُيْذهِ َ
ومن هومن أهل البيت ,مثل سلمان الفارسي ,إلى يوم القيامة في حكم هذه الية من
الغفران ,فهم المطهرون اختصاصا من ال وعناية بهم ,لشرف سيدنا محمد صلى ال
عليه وآله وسلم وعناية ال تعالى به ,ول يظهر حكم هذا الشرف لهل البيت إل فى
الدار الخرة ,فأنهم يحشرون مغفورا لهم ,وأما فى الدنيا فمن أتى منهم حدا ,أقيم عليه
كالتائب إذا بلغ الحاكم أمره ,وقد زنى أوسرق أو شرب أقيم عليه الحد مع تحقق
.المغفرة ) كماعز ( وأمثاله ول يجوز ذمه
:وينبغي لكل مسلم مؤمن بال وبما أنزله أن يصدق ال تعالى في قوله
طِهيًرا ( .فيعتقد في جميع ما يصدر من ( طّهَرُكْم َت ْت َوُي َل اْلَبْي ِس َأْه َ
ج َ عْنُكُم الّر ْ
ِلُيْذِهبَ َ
أهل البيت أن ال تعالى قد عفا عنهم فيه ,فل ينبغى لمسلم أن يلحق المذمة بهم ,ول ما
يشنأ أعراض ما من قد شهد ال تعالى بتطهيرهم وذهاب الرجس عنهم ,ل بعمل عملوه
:ول بخير قدموه ,بل بسابق عناية من ال تعالى بهم
ظيِم(
ل اْلَع ِضِ لُ ُذو اْلَف ْشاُء َوا ّ ن َي َل ُيْؤِتيِه َم ْل ا ِّضُ ك َف ْ َ ) .ذِل َ
وإذا صح الخبر الوارد في سلمان الفارسي ,فله هذه الدرجة فإنه لو كان سلمان على
أمر يشنؤه ظاهر الشرع وتلحق المذمة بعمله ,لكان مضافا إلي أهل البيت من لم يذهب
عنه الرجس ,فيكون لهل البيت من ذلك بقدر ما أضيف إليهم وهم المطهرون بالنص ,
انتهى كلم الشيخ الكبر ,فقد صرح كما ترى وهو إمام الصوفية ,وكفى به حجة
بدخول الشرفاء أولد فاطمة كلهم رضى ال تعالى عنهم ,ومواليهم كسلمان الفارسى
رضى ال تعالى عنه إلى يوم القيامة فى حكم هذه الية من الغفران ,فهم المطهرون
اختصاصا من ال تعالى وعناية بهم لشرف سيدنا محمد صلى ال عليه وآله وسلم
.وعناية ال تعالى به
ول تلتفت بعد ما سردته عليك من كلم الئمة العلم إلى ظاهر ما قاله الترمذى الحكيم
رضى ال تعالى عنه فى نوادر الصول وتمسك به بعض الجهلة المخذولين ,من عدم
شمول الية لهل العباء ,وهذه عبارته بعد كلم شنع فيه على الطائفة الزائغة المفتونة ,
عْنُكُم
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
وأحسبه عنى بها الغلة من الشيعة قال وتأولوا قوله تعالى ِ) :إّنَما ُيِريُد ا ُّ
طِهيًرا طّهَرُكْم َت ْ ت َوُي َل اْلَبْي ِ
س َأْه َ ج َ ) .الّر ْ
ى وفاطمة والحسن والحسين ,وهى لهم خاصة وكيف يجوز هذا ومبتدأ هذا أنما هم عل ّ
:الخطاب قوله عز وجل
ى ( إلى قوله(
عظيمًا ( ثم قال )يا نساَء النب ّ جرًا َ ك ( إلى قوله ) أ ْ جَ ل لْزَوا ِ ي ُق ْ
َيا َأّيَها الّنِب ّ
ت ( ثم قال ) :واذكرن ( وهذا كلم منسوق ل اْلَبْي ِ
س َأْه َ
ج َعْنُكُم الّر ْ
ب َل ِلُيْذِه َ
)ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ
أثره على أثر بعض ,فكيف صارت هذه المخاطبات كلها لنساء النبى عليه الصلة
والسلم قبل وبعدا ,وينصرف فى الوسط لغيرهن وهو على نسق ونظام واحد ,لنه
:قال
ت ( ثم قال على أثره )بيوتكن ( ل اْلَبْي ِ
س َأْه َ
ج َعْنُكُم الّر ْ
ب َِ ) .لُيْذِه َ
فكيف صار الكاف الثانى خطابا للنساء والول لعلى وفاطمة رضى ال تعالى عنهما ,
وأين ذكرهما فى هذه اليات ؟
عْنُكُم ( ولم يقل عنكن ؟
ب َفإن قال إن كان الخطاب لنساءه فكيف قال ) ِلُيْذِه َ
قلنا إنما ذكره لنه ينصرف إلى الهل والهل مذكر فسماهن باسم التذكير وإن كن إناثا
.
وقد يروى عن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أنه لما نزلت هذه الية دخل عليه
علىّ وفاطمة والحسن والحسين رضوان ال تعالى عليهم ,فعمد النبى صلى ال عليه
:وآله وسلم إلى الكساء فلفها عليهم ثم ألوى بيده إلى السماء فقال
) .هؤلء أهلى أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(
فهذه دعوة منه لهم بعد نزول الية أحب أن يدخلهم فى الية التى خوطب بها الزواج ,
.رضوان ال تعالى عليهم أجمعين انتهى
أقول :إن كلمه رضى ال تعالى عنه غير مسلم ,ليس من حيث قصره أهل البيت فى
الية على الزوجات الطاهرات ،فإن له فى ذلك شركاء من الئمة وإن قلوا كما علمت ,
ولكن من حيث تشنيعه على القائلين باختصاص فاطمة وزوجها وابنيها بهذه الية
بعباراته الشديدة ,فإن كان مراده بهم هم غلة الشيعة وهو الظاهر من الوصاف
الذميمة التى وصفهم بها ويقتضيه حسن الظن به فل بأس ,غير أن نسبة هذا القول إليهم
غير صواب ،فقد تقدم أنه قال به أبو سعيد الخدرى من الصحابة وجماعة من التابعين ,
منهم قتادة ومجاهد الذى قال فيه المام الشافعى رضى ال تعالى عنه :إذا جاءك
التفسير عن مجاهد فحسبك به ,وإذا تأملت فى عبارته رحمه ال ظهر لك منها أنه حنق
أيضا على القائلين بشمول الية لهل العباء والزوجات الطاهرات معا ,وقد علمت مما
تقدم أن هذا مذهب جمهور المفسرين من أهل السنة والجماعة ,وقد ظهر لذهنى الفاتر
تعليل وجيه لشمول الية للفريقين ,وهو أنى نظرت إلى سابق هذه الية ولحقها من
:قوله تعالى
ن(ن َما ُيْتَلى ِفي ُبُيوِتُك ّ
حَياَة الّدْنَيا ( إلى قوله ) َواْذُكْر َ
ن اْل َ
ن ُتِرْد َ
ن ُكْنُت ّ
ك ِإ ْ
جَ
ُ ) .قلْ لْزَوا ِ
فوجدت ضمير جميع النسوة مذكورا فى اثنين وعشرين موضعا عشرين قبلها واثنين
بعدها ,ولم يأتى ضمير جمع الذكور إل فى عنكم ويطهركم ,فلو كان المراد أزواجه
صلى ال عليه وآله وسلم خاصة لكان إتباع هذين الضميرين للثنين وعشرين ضمير
أولى وأحرى ليكون الكلم على نسق واحد فلم تحصل المخالفة فيهما إل لمخالفة المراد
منهما للمراد مما قبلهما وبعدهما ويكون ذلك بشمولهما مع الزوجات الطاهرات ما
.أفصح الحديث بدخولهم وهم أهل العباء
وأما تذكير لفظ الهل فغاية ما يقتضيه جواز تذكير الضمير باعتباره كما يجوز تأنيثه
أيضا باعتبار المعنى ,ويرجح جانب المعنى هنا إحاطة ضمائر النسوة بهذين
الضميرين من كلتا جهتيهما ,فإذن لم يعدل عن التأنيث للتذكير فيهما إل لمر آخر وهو
دخول أهل العباء فى الخطاب ,وفى الهل بالمعنى الذى نص عليه رسول ال صلى ال
:عليه وآله وسلم نصا ل يقبل التأويل فى قوله
) .اللهم هؤلء أهل بيتى فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (
ص على دخولهم فهذه وقد قال الحكيم فى آخر عبارته السابقة بعد سرده الحديث النا ّ
دعوة منه صلى ال عليه وآله وسلم لهم بعد نزول الية أحب أن يدخلهم فى الية التى
خوطب بها الزواج انتهى .وكيف يحب رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم دخول قوم
فى آية من كتاب ال لم يدخلهم ال فيها ؟ والذى يدل دللة واضحة على أن المراد من
الية أهل العباء مع الزوجات إن لم نقل وحدهم الرواية التى أخرجها عن أم سلمة :ابن
جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه ,وتقدمت عن الدر المنثور
سّلَم كان فى بيتها على عَلْيِه َو َ
ل َ صّلى ا ُّن رسول ال َ للحافظ السيوطى ,وهى َ " :أ ّ
صّلى ا ُّ
ل ل َ ل ا ِّسو ُ ل َر ُخِريَزة َفَقا َ طَمُة ببرمة فيها َ ي َفجاءت َفا ِ خْيَبِر ّ
ساٌء َ مقامة له ,عليه ِك َ
صّلى ا ُّ
ل ك حسنًا فبينما هم يأكلون اذ نزلت على النبى َ ك َواْبَْن ِجِ عى َزْو ُ سّلَم اْد ِ
عَلْيِه وآله َو َ َ
طِهيًرا (طّهَرُكْم َت ْت َوُي َ
ل اْلَبْي ِ
س َأْه َج َعْنُكُم الّر ْب َل ِلُيْذِه َ سّلَم )ِإّنَما ُيِريُد ا ُّ
عَلْيِه وآله َو َ
َ
سّلمَ بفضلة فغشاهم إياها ثم أخرج يده عَلْيِه وآله َو َل َ صّلى ا ُّ عُتُهْم وحسينًا فأخذ النبى َ َفَد َْ
حاَمِتيل َبْيِتي َو َل :اللهم َهُؤلِء َأْه ُ " .من الكساء وألوى بها إلى السماء ُثّم َقا َ
طِهيًرا ,قالها ثلث مرات , طّهْرُهْم َت ْس َو َج َ عْنُهُم الّر ْب َوفى رواية " :وخاصتى َفَأْذِه ْ
قالت أم سلمة فأدخلت رأسى فى الستر فقلت يا رسول ال أنا معكم ,فقال إنك إلى خير
" .مرتين
فأنت ترى هذه الرواية صريحة فى تخصيص الية فى أهل العباء ,نعم ذكر المام
:البغوى فى معالم التنزيل فى الرواية عن أم سلمة
" فقلت ألست منهم يا رسول ال ؟ قال بلى"
:وذكر المقريزى رواية عنها
" .فقلت وأنا منهم ؟ فقال نعم"
فهاتان الروايتان مع سابق الية ولحقها يدلن على دخول الزوجات الطاهرات فى
المراد منها .وحينئذ تكون شاملة للفريقين كما هو مذهب جمهور المفسرين ,فقد تلخص
:فى أن المراد من أهل البيت فى الية خمسة أقوال
.أولها :قول الجمهور إنها شاملة للفريقين وهو الذى عليه العتماد
الثانى :قول أبى سعيد الخدرى منالصحابة وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة أن
.أهل البيت فيها هم أهل العباء خاصة
الثالث :قول ابن عباس من الصحابة وعكرمة من التابعين أن المراد الزوجات
.الطاهرات
الرابع :ما نقله ابن حجر فى الصواعق عن الثعلبى من أنهم بنو هاشم ,على أن البيت
المراد به بيت النسب ,فيكون العباس وأعمامه وبنوأعمامه منهم ,قال فى الخازن هو
.قول زيد بن أرقم
الخامس :ما نقله الخطيب الشربينى عن البقاعى قال وهو الولى من أنهم كل من يكون
من ألزام النبى صلى ال عليه وآله وسلم من الرجال والنساء والزواج والماء
والقارب ,وكل ما كان النسان منهم أقرب وبالنبى صلى ال عليه وآله وسلم أخص
.وألزم كان بالرادة أحق وأجدر اهـ
وحيث قد استوفينا الكلم وأشعبنا النقول على الية بما ل مزيد عليه فلنشرع فى الكلم
.عن الحديثين
* * * *
الثقلـين
:فى الكلم على قوله صلى ال وآله وسلم
" .إنى تارك فيكم الثقلين كتاب ال وعترتى "
أخرج المام مسلم فى صحيحه عن يزيد بن حيان قال :
سَنا ِإَلْيِه َقا َ
ل جَل ْ
ن َأْرَقَم َفَلّما َسِلٍم ِإَلى َزْيِد ْب ِ ن ُم ْ عَمُر ْب ُ سْبَرَة َو ُن َ ن ْب ُ
صْي ُح َ ت َأَنا َو ُطَلْق ُ
ل اْن َ
" َقا َ
سِمْع َ
ت سّلمَ َو َعَلْيِه َو َ
ل َ صّلى ا ُّ ل َ ل ا ِّسو َت َر ُ خْيًرا َكِثيًرا َرَأْي َ ت َيا َزْيُد َ ن َلَقْد َلِقي َ
صْي ٌ
ح َ َلُه ُ
سِمْع َ
ت حّدْثَنا َيا َزْيُد َما َ خْيًرا َكِثيًرا َ ت َيا َزْيُد َخْلَفُه َلَقْد َلِقي َ
ت َ صّلْي َ
ت َمَعُه َو َ غَزْو َ حِديَثُه َو َ َ
عْهِدي سّني َوَقُدَم َ ت ِ ل َلَقْد َكِبَر ْ خي َوا ِّ ن َأ ِل َيا اْب َسّلَم َقا َ
عَلْيِه َو َ
ل َ صّلى ا ُّ ل َ ل ا ِّسو ِ ن َر ُ ِم ْ
حّدْثُتُكمْ َفاْقَبُلوا َوَما
سّلَم َفَما َ عَلْيِه َو َ ل َ صّلى ا ُّ ل َ ل ا ِّ سو ِ ن َر ُ عي ِم ْ ت َأ ِض اّلِذي ُكْن ُ سيتُ َبْع َ َوَن ِ
عىطيًبا ِبَماٍء ُيْد َ خِ سّلَم َيْوًما ِفيَنا َ عَلْيِه َو َ
ل َ صّلى ا ُّ ل َ ل ا ِّ
سو ُ ل َقاَم َر ُ ل ُتَكّلُفوِنيِه ُثّم َقا َ
ل َف ََ
ل َأّيَها الّناسُ ل َأّما َبْعُد َأ َ ظ وََذّكَر ُثّم َقا َ عَ عَلْيِه َوَو َ ل َوَأْثَنى َ حِمَد ا َّن َمّكَة َواْلَمِديَنِة َف َ خّما َبْي َ ُ
ب ا ِّ
ل ن َأّوُلُهَما ِكَتا ُك ِفيُكْم َثَقَلْي ِ ب َوَأَنا َتاِر ٌ جي َ ل َرّبي َفُأ ِ سو ُ ي َر ُ ن َيْأِت َ
ك َأ ْشُشٌر ُيو ِ َفِإّنَما َأَنا َب َ
غبَ ِفيِه ُثّم َقا َ
ل ل َوَر ّ ب ا ِّ عَلى ِكَتا ِ حثّ َ سُكوا ِبِه َف َ سَتْم ِل َوا ْ ب ا ِّ خُذوا ِبِكَتا ِ ِفيِه اْلُهَدى َوالّنوُر َف ُ
ل َبْيِتي ل ِفي َأْه ِ ل َبْيِتي ُأَذّكُرُكْم ا َّ ل ِفي َأْه ِ ل َبْيِتي ُأَذّكُرُكْم ا َّ ل ِفي َأْه ِ ل َبْيِتي ُأَذّكُرُكْم ا َّ َوَأْه ُ
ل َبْيِتِهن َأْه ِ
ساُؤُه ِم ْ ل ِن َ ل َبْيِتِه َقا َ
ن َأْه ِ ساُؤُه ِم ْ س ِن َل َبْيِتِه َيا َزْيُد َأَلْي َ ن َأْه ُ ن َوَم ْ صْي ٌ
ح َ ل َلُه ُ َفَقا َ
جْعَفٍر ل َ عِقيلٍ َوآ ُ ل َي َوآ ُ عِل ّ
ل َ ل ُهْم آ ُ ن ُهْم َقا َ ل َوَم ْ صَدَقَة َبْعَدُه َقا َحِرَم ال ّ ن ُ ل َبْيِتِه َم ْ
ن َأْه َُوَلِك ْ
ل َنَعْمصَدَقَة َقا َحِرَم ال ّ لِء ُ ل َهُؤ َ ل ُك ّ س َقا َ عّبا ٍل َ َ .وآ ُ
ن َمَع ن اْلَمْرَأَة َتُكو ُ ل ِإ ّل َواْيُم ا ِّ ل َ ساُؤُه َقا َ ل َبْيِتِه ِن َ
ن َأْه ُ وفى رواية لمسلم أيضا َ :فُقْلَنا َم ْ
صَبُتُهع َ صُلُه َو َ
ل َبْيِتِه َأ ْ جُع ِإَلى َأِبيَها َوَقْوِمَها َأْه ُ طّلُقَها َفَتْر ِ ن الّدْهِر ُثّم ُي َ صَر ِم ْ ل اْلَع ْ جِ الّر ُ
صَدَقَة َبْعَدُه
حِرُموا ال ّ ن ُ .اّلِذي َ
قال المام النووى فى شرحه :
فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه
قال :نساؤه لسن من أهل بيته ,فتؤول الرواية الولى على أن المراد أنهن من أهل بيته
الذين يساكنونه ويعولهم وأمر باحترامهم وإكرامهم ,وسماهم ثقل ووعظ في حقوقهم
وذكر ,فنساؤه داخلت في هذا كله ول يدخلن فيمن حرم الصدقة ,فاتفقت الروايتان ً .
.قال العلماء :سميا ثقلين لعظمهما وكبر شأنهما
سّماُهما ثقلين إعظاما ِلَقْدِرهما وفى النهاية لبن الثير يقال لكل خطير نفيس ثقل ف َ
شأِنهما ,وفى القاموس :الثقل محركة كل شىء مصون نفيس ,ومنه الحديث :وَتْفخيما ل َ
" .إنى تارك فيكم الثقلين كتاب ال وعترتى "
قال الصبان فى إسعاف الراغبين :ومعنى أذكركم ال فى أهل بيتى ,أحذركم ال فى
.شأن أهل بيتى
وقال ابن علن فى شرح رياض الصالحين :وفى تكريره تأكيد الوصاية بهم وطلب
العناية بشأنهم ،فيكون من قبيل الواجب المؤكد المطلوب على طريق الحث :وفى
ك ِفيُكْم
ب َوِإّني َتاِر ٌ جي َعى َفأُ ِ ن ُأْد َ
ك َأ ْ
شُ " ُأو ِ السعاف :ولفظ رواية المام أحمد :
لْر ِ
ض سَماِء ِإَلى ا َْ
ن ال ّ ل َمْمُدوٌد ِم ْ حْب ٌ
ل َ ب ا ِّعْتَرِتي ِكَتا ُ ل َو ِ
جّعّز َو َل َ ب ا ِّ
ن ِكَتا َالّثقََلْي ِ
حْوضَ ي اْل َعَل ّ
حّتى َيِرَدا َ ن َيْفَتِرَقا َخَبَرِني َأّنُهَما َل ْ خِبيَر َأ ْ
ف اْل َطي َ
ن الّل ِ
ل َبْيِتي َوِإ ّ
عْتَرِتي َأْه ُ َو ِ
خُلُفوِني ِفيِهَما ظُروِني ِبَم َت ْ َ " .فاْن ُ
وقوله حبل ممدود :المراد منه عهد ال أو السبب الموصل إلى رحمته ورضاه قاله
.النووى
:ورواية جابر رضى ال عنه
" .أيها الناس قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب ال وعترتى أهل بيتى "
وقد قصر الترمذى الحكيم فى نوادر الصول العترة أهل البيت فى الحديث على أئمتهم
.وأطال فى ذلك وهذه عبارته
قال الصل الخمسون فى العتصام بالكتاب والعترة ,وبيانها عن جابر بن عبد ال
عَرَفَةجِتِه َيْوَم َ
حّسّلَم ِفي َ عَلْيِه َو َ
ل َصّلى ا ُّ ل َ ل ا ِّ سو َ ت َر ُرضى ال تعالى عنه قال " َرَأْي ُ
ت ِفيُكْم َما ِإ ْ
ن س َقْد َتَرْك ُل َأّيَها الّنا ُ سِمْعُتُه َوُهَو َيُقو ُ ب َف َط َخَ صَواِء َ ،ف َ عَلى َناَقِتِه اْلَق ْ
َوُهوَ َ
ل َبْيِتيعْتَرِتي َأْه َ ل وَ ِب ا ِّضّلوا ِ :كَتا َ ن َت ِ خْذُتْم ِبِه َل ْ
َ ".أ َ
وعن حذيفة بن أسيد الغفارى رضى ال تعالى عنه قال :لما صدر رسول ال صلى ال
:عليه وآله وسلم من حجة الوداع خطب فقال
أيها الناس :إنه قد نبأنى اللطيف الخبير أنه لن يعمر نبى إل مثل نصف عمر الذى "
يليه من قبل وإنى أظن أن يوشك أن أدعى فأجيب ,وإنى فرطكم على الحوض وإنى
سائلكم حين تردون على عن الثقلين فانظروا كيف تخلفونى فيهما .الثقل الكبر ,كتاب
ال تعالى سبب طرفه بيد ال ,وطرف بأيديكم ,فاستمسكوا فل تضلوا ول تبدلوا .
والثقل الصغر عترتى أهل بيتى فإنى قد نبأنى اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى يردا
ى الحوض " .عل ّ
:وروى عن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أنه دعاهم ثم تل هذه الية
طِهيًرا(طّهَرُكْم َت ْ ت َوُي َل اْلَبْي ِ
س َأْه َ
ج َ عْنُكُم الّر ْب َ ل ِلُيْذِه َ ِ ) .إّنَما ُيِريُد ا ُّ
فذريتهم منهم ,فهم صفوة وليسوا بأهل عصمة ,إنما العصمة للنبيين عليهم السلم
والمحنة لمن دونهم ,وإنما يمتحن من كانت المور محجوبة عنه ,فأما من صارت
:المور له معاينة ومشاهدة فقد أرتفع عن المحنة ,وقوله صلى ال عليه وآله وسلم
ى الحوض " وقوله صلى ال عليه وآله وسلم " :لن يتفرقا حتى يردا عل ّ
ضّلوا " ن َت ِ خْذُتْم ِبِه َل ْ
ن َأ َ
" .ما ِإ ْ
واقع على الئمة منهم السادة ل على غيرهم ,وليس المسىء المخلط قدوة وكائن فيهم
المخلطون والمسيئون لنهم لم يعروا من شهوات الدميين ول عصموا عصمة النبيين ,
وكذلك كتاب ال تعالى من قبل مأمنه ناسخ ومنسوخ ,فكما ارتفع الحكم بالمنسوخ منه
كذلك ارتفعت القدوة بالمخذولين منهم ,وإنما يلزمنا القتداء بالفقهاء العلماء منهم بالفقه
والعلم الذى ضمن ال تعالى بين أحشائهم ل بالصل والعنصر ,فإذا كان هذا العلم
والفقه موجودا فى غير عنصرهم لزمنا القتداء بهم كالقتداء بهؤلء ,وقد قال تعالى
:فى تنزيله الكريم
ل َوُأوِلي الْمِر ِمْنُكْم( . سو َ طيُعوا الّر ُ ل َوَأ ِ طيُعوا ا َّ ) َأ ِ
فإنما يلى المر منا من فهم عن ال تعالى وعن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ما
يهم الحاجة إليه من العلم فى أمر شريعته ,وإنما أشار رسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم فيما نرى إليهم لن العنصر إذا طاب كان معتنا لهم فى فهم ما يحتاج إليه ,وطيب
العنصر يؤدى إلى محاسن الخلق ,ومحاسن الخلق تؤدى إلى صفاء القلب
ونزاهته ,وإذا نزه القلب وصفا كان النور أعظم وأشرق الصدر بنوره ,فكان ذلك عونا
.له على درك ما به الحاجة من شريعته .إنتهت عبارته بحروفها
قلت قوله :واقع على الئمة منهم غير مسلم ,وإنما هو واقع على عامة أهل البيت
وخاصتهم مسيئهم ومحسنهم إمامهم ومأمومهم ,إذ ليس معنى قوله صلى ال عليه وآله
:وسلم
" .لن يتفرقا حتى يردا علىّ الحوض "
ملزمتهم لكتاب ال تعالى من حيث العمل بجميع أحكامه حتى يرد قوله " وكائن فيهم
المخلطون والمسيئون " الخ بل هو تحريض على إكرامهم وتبشير لهم بأنهم ل يفارقون
دين السلم حتى يدخلوا الجنة بسلم ،ويكفى هذا فى معنى عدم تفرقهم من كتاب ال
:تعالى إلى ورود الحوض ,ويدل لملزمتهم دين السلم من الكتاب قوله تعالى
طِهيًرا(
طّهَرُكْم َت ْ
ت َوُي َ
ل اْلَبْي ِ
س َأْه َ
ج َ
عْنُكُم الّر ْ
ب َ
ل ِلُيْذِه َ
ِ ) .إّنَما ُيِريُد ا ُّ
وقد علمت مما تقدم أن الرجس شامل لجميع الذنوب والنقائص التى أقبحها الكفر ,فهم
قوم مطهرون من قبل ال تعالى ,فل يطرأ إليهم فى دينهم خلل ول يقع فى عقائدهم زيغ
.ول زلل
فإن قلت :دليلك هذا غير مقبول عند الحكيم فإن رأيه تخصيص الية بأزواجه صلى ال
.عليه وآله وسلم كما تقدم
قلت :نعم وهو وإن رأى ذلك إل أنه هنا وفيما تقدم أثبت أن النبى صلى ال عليه وآله
وسلم دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين وتل هذه الية وزاد هنا قوله :فذريتهم منهم
فهم صفوة ,وقال هناك هذه دعوة منه صلى ال عليه وآله وسلم بعد نزول الية أحب أن
يدخلهم فيها ,فهو لبد وأن يعتقد أن دعوة النبى صلى ال عليه وآله وسلم استجيبت فيهم
,وإذا كان كذلك فهم على كل حال داخلون فى حكم الية أول وبالذات كما هو رأى
الجمهور أو آخرا وبالعرض على رأيه ,فقد ثبت عدم تفرقهم من كتاب ال تعالى بعدم
:انحرافهم عن دين السلم إلى ورود الحوض ,ويدل لذلك قوله تعالى
ضى (
ك َفَتْر َ
ك َرّب َ
طي َ
ف ُيْع ِ
سْو َ
َ ) .وَل َ
نقل القرطبي عن ابن عباس فى تفسير هذه الية أنه قال :رضا سيدنا محمد صلى ال
عليه وآله وسلم أن ل يدخل أحد من أهل بيته النار .وأدلة ذلك من السنة كثيرة قال
:رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
" .إن فاطمة قد أحصنت فرجها فحرمها ال وذريتها على النار "
قال الحاكم :حديث صحيح .وعن عمران بن حصين رضى ال تعالى عنه قال :قال
:رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
" .سألت ربى أن ل يدخل النار أحدا من أهل بيتى فأعطنيها "
.وسيأتى فى المقصد الثانى زيادة تفصيل فى هذا المعنى
:وأذكر هنا دليل ظهر لى من قوله صلى ال عليه وآله وسلم
سبي " سَبِبي وَن َ طٌع َيْوَم اْلِقَياَمِة ِإل َ
ب ُمْنَق ِ س ٍ ب َوَن َسَب ٍل َ ُ " .ك ّ
فإنه يتضمن عصمة أهل بيت النبوة من الكفر ,إذ لو جاز عليهم لما ساغ له صلى ال
عليه وآله وسلم هذا الستثناء ,فإن الكفر أكبر قاطع للسبب والنسب ,فاتصال نسبهم يوم
.القيامة به عليه الصلة والسلم حجة على عدم مفارقتهم الدين بيقين
:أما قوله صلى ال عليه وآله وسلم
ل َبْيِتي "
عْتَرِتي َأْه َ
ل َو ِ
ب ا ِّ
ضّلوا ِ :كَتا َ ن َت ِ خْذُتْم ِبِه َل ْ
ن َأ َت ِفيُكْم َما ِإ ْ
َ " .قْد َتَرْك ُ
فالخذ بكل منهما بما يناسبه ,فالخذ بكتاب ال التمسك به بالعمل بأحكامه وتحليل
حلله وتحريم حرامه ,والخذ بالعترة أهل البيت والتمسك بما يقتضيه حقهم من المحبة
والعناية والتبجيل والعظام والعزاز والكرام ,فهو شامل لهم جميعا محسنهم
ومسيئهم ,وحينئذ يسقط ما أورده الحكيم بناء على ما فهمه فى الحديث ,وبنى على ذلك
:تخصيصه بالئمة منهم ويشهد لذلك الروايات الخر ,كرواية زيد بن أرقم السلبقة
وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب ال فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب ال واستمسكوا "
" .به
:فحث على كتاب ال تعالى ورغب فيه ثم قال
" .وأهل بيتى أذكركم ال فى أهل بيتى ,أذكركم ال فى أهل بيتى "
فأنت تراه صلى ال عليه وآله وسلم خص الخذ والستمساك من حيث الهداية بكتاب ال
, :وذكر حكمة ذلك بقوله
" .فيه الهدى والنور "
:ثم بعد أن تم معنى الخذ والستمساك ذكر أهل بيته صلى ال عليه وآله وسلم وقال
" .أذكركم ال فى أهل بيتى "
وكرره تأكيدا للوصاية بهم والعناية بشأنهم ولم يخص منهم أحد دون أحد ,وانظر إلى
قول زيد لما سأله الحصين عن أهل البيت من هم أهل بيته ,من حرم عليهم الصدقة
بعده تجده نصا فى المقصود ,وكرواية زيد فيما قلناه رواية حذيفة بن أسيد التى ذكرها
:الحكيم فإنه صلى ال عليه وآله وسلم قال فيها
وإنى سائلكم حين تردون على عن الثقلين فانظروا كيف تخلفونى فيهما .الثقل "
الكبر ,كتاب ال تعالى سبب طرفه بيد ال ,وطرف بأيديكم ,فاستمسكوا فل تضلوا
ول تبدلوا .والثقل الصغر عترتى أهل بيتى فإنى قد نبأنى اللطيف الخبير أنهما لن
ى الحوض " .يتفرقا حتى يردا عل ّ
فقوله عليه الصلة والسلم " :فاستمسكوا فل تضلوا ول تبدلوا " بعد قوله " :الثقل
الكبر ,كتاب ال تعالى سبب طرفه بيد ال ,وطرف بأيديكم " يوضح لك أن
الستمساك للهداية وعدم الضلل إنما هو خاص بالثقل الكبر كتاب ال ,وبين سبب
ذلك بقوله " سبب طرفه بيد ال ,وطرف بأيديكم " وبعد تمام مايتعلق بالثقل الكبر قال
صلى ال عليه وآله وسلم " :والثقل الصغر عترتى أهل بيتى " .ولو كان المراد
الستمساك بهما معا للهداية كما فهمه الحكيم فأدخل قوما من العترة الطاهرة وأخرج
:آخرين لوجب تأخير
فاستمسكوا فل تضلوا " عن قوله " والثقل الصغر عترتى أهل بيتى " " .
أو تكريره هناك أيضا .فظهر أن عترته أهل بيته صلى ال عليه وآله وسلم فى هذه
الحاديث كل من حرم عليه الصدقة أى الزكاة كما قال زيد بن أرقم رضى ال تعالى
عنه ,وقرنهم صلى ال عليه وآله وسلم بكتاب ال تعالى تعظيما لشأنهم وتأكيدا لطلب
.العناية بهم رضى ال عنهم أجمعين
وأغرب ما فى عبارة الحكيم قوله :فإذا كان هذا العلم والفقه موجودا فى غير عنصرهم
لزمنا القتداء بهم كالقتداء بهؤلء فقد جره الكلم إلى أن ساوى عترته صلى ال عليه
وآله وسلم بغيرهم ,إذ لم يجعل مزية لعنصرهم ,وإنما جعل المزية للعلم والفقه الذى
يوجد فيهم وفى غيرهم ,فصار معنى العترة أهل البيت فى هذه الحاديث علماء المة
وفقهاؤها ,وهل كان هذا مراده صلى ال عليه وآله وسلم ؟ ل وال ,ما أراد إل عترته
.القرباء جهال وعلماء أتقياء وغير أتقياء
أما فقهاء السلم والعلماء العلم ,فهم قدوة المة ,ومصابيح الظلمة ,ولكن هذه غير
ذاك ,وهم نفسهم من الداخلين تحت الخطاب فى هذه الحاديث لرعاية عترته صلى ال
.عليه وآله وسلم وتعظيم شأنهم بوجه العموم ,بل هم أحق بذلك من جميع الناس
تنبيه ( خطب صلى ال عليه وآله وسلم خطبته هذه التى أوصى فيها بالثقلين :كتاب (
ال ,وعترته أهل بيته فى المل العظيم على روؤس الشهاد ,عندما صدر من حجة
الوداع ,وكان قد خرج معه من المدينة لدائها أكثرمن مائة ألف غير من صحبوه من
مكة ومن حضر من اليمن ,وهؤلء هم معظم المة المحمدية إذ ذاك ,وفيهم أجلء
الصحابة وعلماؤهم ,وفقهاؤهم أبو بكر الصديق فمن دونه ,ول يشك أن كثيرا منهم
أعلم وأفقه من كثير من العترة أهل البيت ,فهل أحد من ذلك الجمع فهم أن النبى صلى
ال عليه وآله وسلم أوصى أقرباءه وغيرهم فى هذه الخطبة بتعظيم شأن العلماء ,وأن
ى ومعاذ وعبد ال بن سلم عترته أهل بيته هم أبو بكر وعمر وزيد بن ثابت وأب ّ
وأمثالهم من علماء المهاجرين والنصار وغيرهم ,أم فهموا أنه عليه الصلة والسلم
أوصى هؤلء وغيرهم من العلماء وسائر الصحابة وجميع المة برعاية أقربائه والعناية
بشأنهم ,وأن عترته أهل بيته هم ل غيرهم ,إذ ل معنى للعترة وأهل البيت غير ذلك ,
.وهل يقول بالول أحد
بقى شىء فى دعوى الحكيم أن المراد من العترة الئمة منهم لنهم هم الذين يلزمنا
القتداء بعملهم وفقههم كما لو وجد العلم والفقه عند غيرهم لزمنا القتداء به كالقتداء
بهم ,فالمعول عليه على رأيه هو العلم ل العنصر ,وقد انقطع الجتهاد منذ قرون لفقد
.شروطه
وأهل السنة جميعا فى مشارق الرض ومغاربها ,مقتدون بهؤلء الئمة الربعة رضى
ال تعالى عنهم فى الحكام الفقهية بالمامين الشعرى والماتريدى فى العقائد ,وأهل
البيت وإن كان قد ظهر منهم فى العصر الول كثير من الئمة المجتهدين أصحاب
المذاهب إل أن مذاهبهم لم تدون ولم تشتهر ,فانقرضت بانقراض أهلها ,وما ينسبه
إليهم بعض الفرق الضالة مما يخالف مذاهب أهل السنة باطل مكذوب عليهم ,وعلى
هذا لم يبقى لهم نصيب فى هذه الحاديث التى هم أصل موردها فقد خرجوا منها جملة
.واحدة وهو أمر ظاهر البطلن
فإن قلت :لم يرد الحكيم المجتهدين منهم وإنما أراد العلماء منهم وهم كثيرون فى كل
.عصر
قلت :الوصاف التى ذكرها من كونهم أئمة قدوة لغيرهم بالفقه والعلم ل تصدق إل
على المجتهدين إذ هم الذين يجوز القتداء بهم فى ذلك ,والعلماء الذين وجدوا منهم فى
العصر الخيرة هم مقلدون لحد المذاهب الربعة فل يكونون قدوة لغيرهم ,وقوله :
وإنما أشار إليهم رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فيما نرى أى فى الظاهر لن
العنصر إذا طاب كان معينا لهم على فهم ما يحتاج إليه الخ كلم نفيس ,غير أنه ل
ينهض حجة لذكر رسول ال إياهم مريدا منهم علماء المة ,فقد كان يمكنه صلى ال
عليه وآله وسلم التصريح بأن يقول مثل إنى تارك فيكم الثقلين كتاب ال وعلماء أمتى
.ليفهمه السامع ل سيما فى ذلك المجمع العظيم المشتمل على الفهيم وغير الفهيم
استطراد ( إذا تصفحنا أخبار علماء المة فى بعض القرون السالفة نجد من كان منهم (
من الموالى والعاجم أكثر عددا ممن كانوا من قريش والعرب .والحكمة فى ذلك وال
أعلم أن أولئك لما رأوا هؤلء متقدمين عليهم فى شرف الحسب والنسب أرادوا أن
يلحقوهم فلم يجدوا وسيلة للحاق بهم من غير العلم فوجدوا فيه واجتهدوا حتى أدركوا
منه بغيتهم ,ووصلوا إلى غايتهم .ويزاد على ذلك أن العرب كانوا يشتغلون بالعلم حتى
إذا بلغوا منه مبلغا ولوا العمال وتنافسوا فيها فل يتمكنون من ملزمة القراءة والقراء
,وهذا أمر أغلبى وقع فى بعض العصر ,وإل فأنت على علم من أن الربعة الئمة
الذين هم قدوة المة المحمدية عربيها وعجميها منذ زمنهم إلى الن وإلى يوم القيامة
ثلثة منهم من العرب ,مالك والشافعى وأحمد رضى ال تعالى عنهم ,وواحد من
غيرهم وهو أبو حنيفة رضى ال تعالى عنه ,وكيفما كان المر فهى أمة مرحومة
معبودها واحد ونبيها واحد فمهما كان من خير فى عربها أو عجمها فهو واصل إلى
.الخرين وأى بأس باختلف الجنس إذا اتحد الدين
:فائدة ( قوله صلى ال عليه وآله وسلم (
" .لوكان العلم بالثريا لتناوله قوم من أبناء فارس "
.حمله بعضهم على المام العظم أبى حنيفة رضى ال تعالى عنه
قال المناوى :فيه فضيلة لهم وتنبيه على علو هممهم .قال فى معجم البلدان العرب :إذا
ذكرت المشرق كله قالوا فارس ,وإنما عنى فى الحديث أهل خراسان لنك إذا طلبت
مصداقه فى فارس لم تجده ل أول ول آخرا ,وتجد هذه الصفة نفسها فى أهل خراسان
دخلوا فى السلم رغبة ومنهم العلماء والنبلء والمحدثون والمتعبدون ,وإذا أحرزت
المحدثين من كل بلد وجدت نصفهم من خراسان وجل رواة الرجال منها ,وأما أهل
.فارس فكفار خمدوا ولم يبق لهم بقية بذكر ول شرف ا هـ
:وأما قوله صلى ال عليه وآله وسلم
" .لو كان اليمان عند الثريا " وفى رواية " معلقا بالثريا لتناوله رجال من فارس "
فهو محمول على سلمان الفارسى رضى ال تعالى عنه كما ذكره سيدى الشيخ الكبر
.فى الفتوحات وكثير من العلماء
العمامة الخضراء
وأما تخصيص العمامة الخضراء بهم فأصله أن ملك مصر الشرف شعبان بن حسين
أمر فى سنة ثلث وسبعين وسبعمائة بتقديم الموحدة فيهما بتخصيصهم بعلمة خضراء
توضع على عمامة أحدهم للفرق بين الشريف وغير الشريف ,ثم توسع فيها حتى
جعلت العمامة كلها خضراء ونظم الدباء فى ذلك أشعارا منها قول جابر بن عبد ال
:الندلسى
أن العلمة شأن من لم يشهــر جعلوا لبناء النبى علمة
نور النبوة فى وسيم وجوههم يغنى الشريف عن الطراز الخضر
:وقول شمس الدين محمد بن إبراهيم الدمشقى
خضر بأعلم على الشراف أطراف تيجان أتت من سندس
شرفا ليفرقهم من الطـراف والشرف السلطان خصصهم بها
ولعل اختيار هذا اللون لكونه أفضل اللوان ,أو كونه لون الحلة التى يكساها فى
الموقف نبينا صلى ال عليه وآله وسلم أو كونه لون ثياب أهل الجنة ا هـ .إسعاف
قال المام السيوطى :لبس هذه العلمة بدعة مباحة ل يمنع من أرادها من شريف
وغيره ,ول يؤمر بها من تركها من شريف وغيره ,والمنع منها لحد من الناس كائنا
من كان ليس أمرا شرعيا ,لن الناس مضبطون بأنسابهم الثابتة ,وليس لبس العلمة
مما ورد به الشرع فيتبع إباحة ومنعا ,أقصى ما فى الباب أنه أحدث التمييز بها لهؤلء
:عن غيرهم ,وقد يستأنس فيها بقوله تعالى
ك{ ن َذِل َ
جلِبيِبِه ّ
ن َ
ن ِم ْ
عَلْيِه ّ
ن َ
ن ُيْدِني َ
ساِء اْلُمْؤِمِني َك َوِن َ
ك َوَبَناِت َ
جَ
ل لْزَوا ِ
ي ُق ْ
َيا َأّيَها الّنِب ّ
ن َفل ُيْؤَذْي َ
ن ن ُيْعَرْف ََ } .أْدَنى َأ ْ
فقد استدل بها بعض العلماء على تخصيص أهل العلم بلباس ليعرفوا فيجلوا تكريما للعلم
.وهذا وجه حسن وال أعلم
قال العلمة الصبان :يؤخذ من الية التى استأنس بها فى لبس العلمة الخضراء
استحباب لبسها للشراف ,وهو الذى ينبغى اعتماده .وتكره لغيرهم ,لن فيها انتسابا
بلسان الحال إلى غير من ينسب إليه الشخص فى نفس المر ,وانتساب الشخص إلى
غير من ينسب إليه فى نفس المر منهى عنه محذر منه :قال :ولم يكتف فى هذه
.العصار بتلك العلمة بل جعلت العمامة كلها خضراء وحكمها حكم تلك العلمة انتهى
وهذا إنما يظهر فى البلد التى ينتمى أهلها على اصطلح تخصيص العمائم الخضر
بالشراف كمصر ,أما فى غيرها كالقسطنطينية فل ,فإن العلمة الخضراء فيها ل
دللة لها على الشرف أصل لما أن العلماء فيها والطلبة وغيرهم من أرباب العمائم ل
يخلو أحدهم فى الغالب من عمامة خضراء يستعملها فى بعض الحيان ,وقد يكثر
استعمالها فى فصل الشتاء لعدم ظهور الوسخ فيها بل تجاوزهم المر إلى كثير من أهل
الحرف وباعة الشوارع ,فإنهم كثيرا ما يتعممون بالعمائم الخضر لهذه العلة وهكذا لفظ
السيد عندهم ليس خاصا بالشريف ,فإنك إذا ذهبت إلى سوق الحكاكين ,واجتهدت فى
أن ترى ختما لم يكتب فيه السيد فلن ل تكاد تراه إل أن يكون لسيد شريف صحيح
النسب أو لرجل من أهل الدين والحياء وإنما ل يكتب الشراف لفظ السيد فى أختامهم
لخوف الشتباه فى أنسابهم حينئذ بسبب كثرة استعمال الغيار إياه ,ومن هنا ترى
أكثرهم ل سيما أشراف الحجاز ل يلبسون العمائم الخضر لهذه الحكمة فقد زال التمييز ,
واختلط الصفر بالبريز ,والشراف مضبوطون بأنسابهم ,ل بألقابهم ,ومعروفون
بأحسابهم ل بأثوابهم ,ولقد أفحش فى الخطأ من ظن الشرف باللوان أو بقول الناس يا
سيد فلن ,فرحم ال أمرًأ عرف حده ,فثبت عنده وعلم مقامه ,فلم يتقدم أمامه ,فإن
.الكذب مداه قصير والزيف ل يخفى على الناقد البصير
هذه الصلوات الشريف تلقاها صاحبها القطب الكبير سيدى محمد البكرى رضى ال
تعالى عنه من إملء رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم كما صرح بذلك سيدى
العارف بال السيد مصطفى البكرى رضى ال تعالى عنه فى شرحه علها والشيخ محمد
البديرى القدسى فى ثبتة ,وذكر لها فضل عظيما ,ومزايا جليلة ,ذكرتها فى كتابى "
أفضل الصلوات على سيد السادات " فمن شاءها فليرجع إليه وهو كتاب نفيس فى بابه
جامع لغرز صيغ الصلوات على النبى صلى ال عليه وآله وسلم ,ل يستغنى عنه كل
.مسلم
* * * * * السيدة فاطمة الزهراء رضى ال
روى الترمذى وغيره تعالى عنها
عن أسامة بن زيد رضى ال تعالى عنهما أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال "
ى فاطمة " .أحب أهلى إل ّ
وروى الطبرانى عن أبى هريرة أن على بن أبى طالب رضى ال تعالى عنه قال :
ى منك .وأنت أعز عل ّ
ى يارسول ال أينا أحب إليك أنا أم فاطمة ؟ قال " فاطمة أحب إل ّ
قال سيدى عبد الوهاب الشعرانى :فصرح صلى منها "
ى ,وأما كونه أعز فنحتاج إلى دليل هل ال عليه وآله وسلم بأن فاطمة أحب إليه من عل ّ
.هو أعلى من أحب أم دونه ؟ فتأمل اهـ
:وروى عن كثير من الصحابة أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال
إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش :يأهل الجمع نكسوا رءوسكم "
وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط إلى الجنة " .
وعن أبى أيوب " فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق " .
وروى ابن حبان عن عائشة رضى ال تعالى عنها قالت :ما رأيت أحدا أشبه كلما
وحديثا برسول ال صلى ال عليه وآله وسلم من فاطمة ,وكانت إذا دخلت قام إليها
.ورحب بها وأخذ بيدها وأجلسها فى مجلسه
وروى الطبرانى بإسناد صحيح على شرط الشيخين .قالت عائشة رضى ال تعالى عنها
: .ما رأيت أحدا قط أفضل من فاطمة غير أبيها
وروى الطبرانى وغيره بإسناد حسن عن على أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
:قال لفاطمة
" .إن ال يغضب لغضبك ويرضى لرضاك "
" .وفى الجامع الصغير " فاطمة بضعة منى يغضبنى ما يغضبها
" .وفى رواية " فمن أغضبها أغضبنى
وروى ابن حبان وغيره عن أبى هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم :
" إن ملكا من السماء لم يكن زارنى فأستأذن ربى فى زيارتى فبشرنى وأخبرنى أن
:فاطمة سيدة نساء أمتى " وروى ابن عبد البر أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال لها
يابنّية أل ترضين أنك سيدة نساء العالمين ؟ قالت ياأبت فأين مريم ؟ قال :تلك سيدة "
" .نساء عالمها
وصرح بأفضليتها على سائر النساء حتى السيدة مريم كثير من العلماء المحققين منهم
.التقى السبكى والجلل السيوطى والبدر الزركشى والتقى المقريزى
وعبارة السبكى حين سأل عن ذلك :الذى نختاره وندين ال به أن فاطمة بنت محمد
,أفضل
وسئل عن مثل ذلك ابن أبى داود فقال :إن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال :
" فاطمة بضعة منى " .ول أعدل ببضعة رسول ال أحدا :وعبارة المناوى فى شرح
:قوله صلى ال عليه وآله وسلم
فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " .
قال جمع من السلف والخلف :ل نعدل ببضعة المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم أحدا
,قال البعض :وبه يعلم أن بقية اولده صلى ال عليه وآله وسلم كفاطمة رضى ال
.تعالى عنها انتهى
وقال الحافظ ابن حجر :يدل لتفضيل بناته على زوجاته خبر أبى يعلى عن عمر
" .مرفوعا " تزوج حفصة خير من عثمان ,وتزوج عثمان خير من حفصة
وروى النسائى أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال :
" " .إن ابنتى فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث
قال الحافظ السيوطى فى الخصائص :
ومن خصائص ابنته فاطمة أنها كانت ل تحيض ,وكان إذا ولدت طهرت من نفاسها بعد
ساعة حتى لتفوتها صلة ولذلك سميت الزهراء ,ولما جاعت وضع رسول ال صلى
ال عليه وآله وسلم يده على صدرها فما جاعت بعد ,ولما احتضرت غسلت نفسها ,
.وأوصت أن ل يكشفها أحد فدفنها على رضى ال تعالى عنه بغسلها ذلك ا هـ
وأما تسميتها بالبتول فقال الصبان :سميت بذلك لنقطاعها عن نساء زمانها فضل ودينا
ونسبا .والبتل فى اللغة :القطع ,قال :ومع كونها فى تلك المنزلة الرفيعة كانت رضى
ال تعالى عنها فى غاية من ضيق العيش ,تنبيها للغافلين على أن الدنيا ليست مطمح
.نظر الكاملين
روى أحمد " أن بلل أبطأ عن صلة الصبح فقال له النبى صلى ال عليه وآله وسلم ما
حبسك قال :مررت بفاطمة ,وهى تطحن والصبى يبكى فقلت :إن شئت كفيتك الرحا ,
" .وإن شئت كفيتك الصبى ,فقالت أنا أرفق بإبنى منك ,فذاك الذى حبسنى عنك
وروى أحمد بسند جيد عن على أنه قال لفاطمة قد جاء أباك خدم كثير فاذهبى
فاستخدميه ثم أتيا إليه جميعا ,فقالت فاطمة :يارسول ال لقد طحنت حتى كلت يدى ,
وقد جاءك ال بسبعة فأخدمنا :يعنى أعطنا خادما فقال :
صّفة تطوى بطونهم من الجوع ,ثم قال :إل أخبركما " وال ل أعطيك وأدع أهل ال ّ
ن جبريل :إذا أتيتما إلى فراشكما
بخير مما سألتمانى ؟ فقال بلى قال :كلمات عّلمنيه ّ
ى وسبحا ثلثا وثلثين وأحمدا ثلثا وثلثين وكبرا أربعا وثلثين " ا هـ فاقرآ آية الكرس ّ
.
ى رضى ال عنه بأمر ال تعالى فى السنة وقد زوجها صلى ال عليه وآله وسلم لعل ّ
الثانية من الهجرة .عقد عليها فى المحرم على بعض الروايات ,ودخل بها فى ذى
الحجة ,وهى ابنة خمس عشرة سنة ,وهو ابن إحدى وعشرين سنة ,ولم يتزوج عليها
حتى ماتت ودعا لها صلى ال عليه وآله وسلم ليلة الدخول بقوله " اللهم إنى أعيذها بك
ودعا بمثله وذريتها من الشيطان الرجيم " .
" .لعلى رضى ال تعالى عنه ,ولهما بقوله أيضا " :جمع ال شملكما
فجعل ال نسلهما مفاتيح الرحمة ,ومعادن الحكمة .وأمن المة ,وبقوله صلى ال عليه
:وآله وسلم مخاطبا لهما
" بارك ال لكما ,وبارك فيكما ,وأعز جّدكما ,وأخرج منكما الكثير الطيب "
قال أنس رضى ال تعالى عنه :فوال لقد أخرج منهما الكثير الطيب ,وهذه خطبته عليه
الصلة والسلم حين عقد النكاح بعد أن دعا أجلء الصحابة من المهاجرين والنصار ,
فلما اجتمعوا لديه وأخذوا مجالسهم وكان على رضى ال تعالى عنه غائبا قال :صلى
:ال عليه وآله وسلم
الحمد ل المحمود بنعمته ،المعبود بقدرته ،المطاع سلطانه ،المرهوب من عذابه "
وسطوته ،النافذ أمره في سمائه وأرضه ،الذي خلق الخلق بقدرته ،وميزهم بأحكامه،
وأعزم بدينه ،وأكرمهم بنبيه محمد صلى ال عليه وسلم .إن ال تبارك اسمه ،وتعالت
عظمته ،جعل المصاهرة نسبًا لحقًا ،وأمرًا مفترضًا أوشج به الرحام ،وألزم النام،
صْهرًا فأمر ال تعالى
سبًا َو ِ
جَعَلُه َن َ
شرًا فَ َ ن اْلَماِء َب َ
ق ِم َخَل َ
فقال عز من قائلَ " :وُهَو اّلِذي َ
يجري إلى قضائه ،وقضاؤه يجرى إلى قدره ،ولكل قضاء قدر ،ولكل قدر أجل ،ولكل
ب " ثم إن ال تعالى أمرني أن عنَدُه ُأّم اْلكَِت ِ
ت َو ِشاُء َوُيّثب ُ
ل َما َي َ
حوْا ا ُّ
أجل كتاب " َيْم ُ
أزوج فاطمة من علي ابن أبي طالب ،فاشهدوا أني قد زوجته إياها على أربعمائة مثقال
" .فضة إن رضي علي بذلك
ثم دخل علي رضي ال عنه ،فتبسم رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم في وجهه وقال:
" .إن ال عز وجل أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة أرضيت بذلك ؟
فخطب خطبة وقال :رضيت بذلك يا رسول ال ,ولم يتزوج عليها رضى ال تعالى
عنها حتى ماتت ,ولما خطب جويرية بنت أبى جهل قام صلى ال عليه وآله وسلم على
:المنبر وقال
إن بني هاشم ابن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ،فل آذن "
لهم ثم ل آذن لهم إل أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ،إنما هى
بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها ,وال ل تجتمع بنت رسول ال وبنت عدو
" .ال عند رجل أبدا
ى رضى ال عنه أن ينكح على ى الخطبة .قال أبو داود :حرم ال على عل ّ
فترك عل ّ
فاطمة رضى ال تعالى عنها مدة حياتها .توفيت رضى ال تعالى عنها بعد أبيها صلى
.ال عليه وآله وسلم بستة أشهر ليلة الثلثاء لثلث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة
* * * *
أبو الحسنين أمير المؤمنين على بن أبى طالب
رضى ال تعالى عنه
قال الحافظ ابن حجر :هو أول الناس إسلما فى قول الكثير من أهل العلم .ولد قبل
البعثة بعشر سنين على الصحيح فربى فى حجر النبى صلى ال عليه وآله وسلم ولم
:يفارقه ,وشهد معه المشاهد كلها إل غزوة تبوك فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة
" .أل ترضى أن تكون مّنى بمنزلة هارون من موسى "
وزوجه ابنته فاطمة ,وكان اللواء بيده فى أكثر المشاهد ,ولما آخى النبى صلى ال عليه
:وآله وسلم بين أصحابه قال له
" .أنت أخى "
ومناقبه كثيرة حتى قال المام أحمد :لم ينفل لحد من الصحابة ما نقل لعلى .وقال
غيره :وكان سبب ذلك تنقيص بنى أمية له ,فكان كل من كان عنده علم من شىء من
مناقبه من الصحابة يثبته ,وكلما أرادوا إخماده وهددوا من حدث بمناقبه ل تزداد إل
انتشارا ,وقد ولد له الرافضة مناقب موضوعة هو غنى عنها .وتتبع النسائى ما خص
.به دون الصحابة فجمع من ذلك شيئا كثيرا أسانيد أكثرها جياد
ن الّراية غدا إلى رجل يحب ال ورسوله ويحبه ال ورسوله ,يفتح ال على يديه " لدفع ّ
.
فلما أصبح رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم غدوا وكل واحد منهم يرجو أن يعطاها
:فقال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
ى بن أبى طالب ؟ " " .أين عل ّ
فقالوا هو يشتكى عينه ,فأتى به فبصق فى عينيه فدعا له خيرا وأعطاه الراية .وعن
عمر رضى ال تعالى عنه :ما أحببت المارة إل ذلك اليوم ,وروى عبد ال بن أحمد
بن حنبل من حديث جابر أن النبى صلى ال عليه وآله وسلم لما دفع الراية لعلى يوم
خيبر أسرع فجعلوا يقولون له ارفق حتى انتهى إلى الحصن فاجتذب بابه فألقاه على
الرض ,ثم اجتمع عليه سبعون رجل ,حتى أعادوه :وبعثه صلى ال عليه وآله وسلم
:ليقرأ سورة براءة على قريش وقال
:ل يذهب إل رجل منى وأنا منه " وقال لبنى عمه "
" .أيكم يوالينى فى الدنيا والخرة ؟ "
:فأبوا فقال على :أنا ,فقال صلى ال عليه وآله وسلم
" .إنه ولّيى فى الدنيا والخرة "
:وعن عمران بن حصين رضى ال تعالى عنه أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال
" .ما تريدون من علي إن عليا مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي "
ونقل الحافظ ابن حجر فى الصابة عن مسند أحمد بن حنبل بسند جيد عن علي رضى
:ال تعالى عنه قيل
يا رسول ال :من تؤمر بعدك ؟ قال " :إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا "
راغبا في الخرة ,وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا ل يخاف في ال لومة لئم ,وإن
" .تؤمروا عليا وما أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم
ى :يا ابن عباس إذا صليت العشاء الخرة فالحق إلى وعن ابن عباس قال قال لى عل ّ
الجبانة قال :فصليت ولحقته وكانت ليلة مقمرة قال فقال لى :ما تفسير اللف من الحمد
؟ قلت :ل أعلم ,فتكلم فى تفسيرها ساعة تامة ,ثم قال :ما تفسير اللم من الحمد ؟
قلت :ل أعلم ,فتكلم فيها ساعة تامة ,ثم قال :ما تفسير الحاء من الحمد ؟ قلت :ل
أعلم ,فتكلم فيها ساعة تامة ,ثم قال :ما تفسير الميم من الحمد ؟ قلت :ل أعلم قال
فتكلم فى تفسيرها ساعة تامة ,قال :فما تفسير الدال من الحمد ؟ قال قلت ل أدرى ,
فتكلم فيها إلى أن بزغ عمود الفجر قال :وقال لى قم يا ابن عباس إلى منزلك فتأهب
لفرضك فقمت ,وقد وعيت ما قال ثم تفكرت فإذا علمى بالقرآن فى علم على ,كالقرارة
فى المثعنجر قال :القرارة :الغدير الصغير والمثعنجر :البحر ,وقال ابن عباس :علم
رسول ال من علم ال ,وعلم على من علم رسول ال وعلمى من علم على ,وما علمى
ى إل كقطرة فى سبعة أبحر .وعلم أصحاب محمد فى علم عل ّ
فانظر كيف تفاوت الخلق فى العلوم والفهوم .ويقال أن عبد ال بن عباس أكثر البكاء
ى حتى ذهب بصره قال أبو الطفيل :شهدت عليا يخطب وهو يقول " :سلونى على عل ّ
فوال ما من آية إل وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم فى سهل أم فى جبل ,ولو شئت أو
ى تسعة قرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب " .وقال ابن عباس :لقد أعطى عل ّ
أعشار العلم ,وايم ال لقد شاركهم في العشر العاشر ,وكان معاوية يكتب فيما ينزل به
ى بن أبى طالب ,فلما بلغه قتله قال :لقد ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبىفيسأل عل ّ
طالب ,وكان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن ,وسئل عطاء أكان في
ى ؟ قال :ل وال ما أعلمه .وقال معاوية يوما لضرار أصحاب محمد أحد أعلم من عل ّ
ى صف لى عليا قال :أعفني يا أمير المؤمنين .قال :لتصفنه , الصدائى أحد أصحاب عل ّ
ل ويحكم قال :أما إذ ل بد من وصفه :فكان ,وال ,بعيد المدى شديد القوى ,يقول فص ً
ل ,يتفجر العلم من جوانبه ,وتنطق الحكمة من نواحيه ,ويستوحش من الدنيا عد ً
وزهرتها ,ويستأنس بالليل ووحشته ,وكان غزير العبرة طويل الفكرة ,يعجبه من
اللباس ما قصر ,ومن الطعام ما خشن ,وكان فينا كأحدنا ,يجيبنا إذا سألناه ,وينبئنا إذا
استنبأناه ,ونحن وال مع تقريبه إيانا وقربه منا ل نكاد نكلمه هيبًة له يعظم أهل الدين
ويقرب المساكين ,ل يطمع القوي في باطله ,ول ييئس الضعيف من عدله ,وأشهد أنه
لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله قابضًا على لحيته يتململ تململ السليم
ي تعرضت أم إلي تشوفت هيهات ,ويبكي بكاء الحزين ويقول :يا دنيا غري غيري أل ّ
قد أبنتك ثلثًا ل رجعة فيها ،فعمرك قصير ,وخطرك قليل .آٍه من قلة الزاد ,وبعد
السفر ,ووحشة الطريق ,فبكى معاوية وقال :رحم ال أبا الحسن ،كان وال كذلك ,
فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال :حزنى حزن من ذبح ولدها على حجرها .وسيأتى
تخصيصه أيضا بذكر نبذة أخرى من فضائله مع الخلفاء الراشدين في خاتمة هذا الكتاب
.إظهارا للمزيتين وإيفاء بحق الفضيلتين
* * * *
المام الحسن رضى ال تعالى عنه أبو محمد الحسن
أمير المؤمنين سبط رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
وريحانته رضى ال تعالى عنه
هو آخر الخلفاء الراشدين بنص الحديث .ولد رضى ال تعالى عنه فى نصف شهر
رمضان سنة ثلث من الهجرة ,سماه النبى صلى ال عليه وآله وسلم الحسن ,وعق
عنه يوم سابعه ,وحلق شعره وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضة قال أبو أحمد العسكرى
:سماه النبى صلى ال عليه وآله وسلم الحسن وكناه أبا محمد ولم يكن يعرف هذا السم
.في الجاهلية
روى عكرمة عن ابن عباس رضى ال تعالى عنهما قال :كان رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم حامل الحسن على عاتقه فقال رجل نعم المركب ركبت يا غلم فقال
النبى صلى ال عليه وآله وسلم
" .ونعم الراكب "
وعن البراء بن عازب قال :رأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم واضعا الحسن
ى على عاتقه وهو يقول :بن عل ّ
" .اللهم إنى أحبه فأحبه "
وفى البخارى عن أبى بكرة :رأيت النبى صلى ال عليه وآله وسلم على المنبر والحسن
ى معه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول :بن عل ّ
" .إن ابني هذا سيد ولعل ال أن يصلح به بين فئتين من المسلمين "
وعن أبى بكرة أيضا :كان رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يصلى بالناس ,وكان
ى يثب على ظهره إذا سجد يفعل ذلك غير مرة قالوا إنك لتفعل بهذا شيئا الحسن بن عل ّ
:ما رأيناك تفعله بأحد ؟ قال
" .إن ابني هذا سيد وسيصلح ال به بين فئتين عظيمتين من المسلمين "
وعن عبد ال بن الزبير قال :أشبه أهل النبى صلى ال عليه وآله وسلم به وأحبهم إليه
الحسن ,رأيته يجىء ,وهو ساجد ,فيركب رقبته أو قال ظهره ,فما ينزله حتى يكون
هو الذى ينزل ,وقد رأيته وهو راكع يفرج له بين رجليه ,حتى يخرج من الجانب
وفي البخاري عن أني مليكة عن الخر .
ى يلعب , عقبة بن الحارث قال :صلى بنا أبو بكر العصر ثم خرج ,فرأى الحسن بن عل ّ
ى ,وعلىفأخذه فحمله على عنقه وهو يقول :بأبى شبيه بالنبى ,ليس شبيها بعل ّ
يضحك .وكانت فاطمة رضى ال تعالى عنها تهز الحسن وتقول :مثل ذلك .وعن
ى يخطب فقام رجل من أزد شنوءة فقال :أشهد زهير بن الرقم قال :قام الحسن بن عل ّ
:لقد رأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم واضعه على حبوته وهو يقول
من أحبنى فليحبه وليبّلغ الشاهد الغائب " " .
.ولول كرامة النبى صلى ال عليه وآله وسلم ما حدثت به أحدا
:وعن أبى هريرة رضى ال تعالى عنه عن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال
" .اللهم إنى أحبه وأحب من يحبه "
ى من الحسن بعد أن قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ما قال فما كان أحد أحب إل ّ
.
ى قط إل فاضت عيناي دموعا , وعنه رضى ال تعالى عنه قال :ما رأيت الحسن بن عل ّ
وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم خرج يوما وأنا فى المسجد وأخذ بيدي
واتكأ على ,حتى جئنا سوق قينقاع فنظر فيه ,ثم رجع حتى جلس في المسجد ,ثم قال
ى يشتد حتى وقع فى حجره فجعل رسول ال صلى ال عليه ادع ابنى فأتى الحسن بن عل ّ
:وآله وسلم يفتح فمه أي الحسن ثم يدخل فمه في فمه ويقول
" .اللهم إنى أحبه وأحب من يحبه ثلث مرات "
قيل أنه رضى ال تعالى عنه حج عشر حجات ماشيا وكان يقول :إنى لستحى من ربى
أن ألقاه ولم أمش إلى بيته ,وقاسم ال تعالى ماله ثلث مرات ,فكان يترك نعل ,
وخرج من ماله كله مرتين ,وتحقق فيه قوله صلى ال عليه وآله وسلم " :إن ابنى هذا
سيد " الحديث ,فإنه لما ولى الخلفة بعد مقتل أبيه بايعه أكثر من أربعين ألفا كانوا
بايعوا أباه على الموت ،وكانوا أطوع للحسن وأحب له ,وبقى خليفة نحو سبعة أشهر
فى العراق وخرسان واليمن والحجاز وغير ذلك .ثم سلم المر إلى معاوية بدون حرب
وهو العزيز خوفا من إراقة دماء المسلمين ,فلما بايعه خطب الناس قبل دخول معاوية
الكوفة فقال :أيها الناس إنما نحن أمراؤكم وضيفانكم ونحن أهل بيت نبيكم الذين أذهب
ال عنهم الرجس ,وطهرهم تطهيرا وكرر ذلك حتى ما بقي إل من بكى حتى سمع
نشيجه ,ولما دخل معاوية الكوفة قال له قم يا حسن فكلم الناس فيما جرى بيننا فقام
الحسن في أمر لم يترّو فيه فحمد ال وأثنى عليه ثم قال في بديته :أما بعد :أيها الناس
فإن ال هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا أل إن أكيس الكيس التقي وأعجز العجز
الفجور .وإن هذا المر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما أن يكون كان أحق به مني
وإما أن يكون حقي تركته ل عز وجل ولصلح أمة محمد صلى ال عليه وآله وسلم
:وحقن دمائكم .ثم التفت إلى معاوية وقال
ن" حي ٍ
ع ِإَلى ِ
ن َأْدِري َلَعّلُه ِفْتَنٌة َلُكْم َوَمَتا ٌ
َ " .وِإ ْ
قال العلمة الصبان :ولما نزل عنها أى الخلفة ابتغاء وجه ال تعالى عوضه ال وأهل
بيته عنها بالخلفة الباطنية ,حتى ذهب قوم أن قطب الولياء في كل زمان ل يكون إل
من أهل البيت ,وممن قال يكون من غيرهم الستاذ أبو العباس المرسي كما نقله عنه
تلميذه التاج ابن عطاء ال .وهل أول القطاب الحسن أو أول من تلقى القطبانية من
المصطفى صلى ال عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء مدة حياتها ,ثم انتقلت منها إلى أبى
ى ,ثم الحسن ؟ بكر ,ثم عمر ,ثم عثمان ,ثم عل ّ
ذهب إلى الول أبو العباس المرسي ,وإلى الثانى أبو المواهب التونسي كما في طبقات
.المناوي
ورأيت في شرح المناوي الكبير على الجامع الصغير ما نصه :قال الحرالى :سلسلة
أهل الطريق تنتهي من كل وجه من جهة المشايخ والمريدين إلى أهل البيت ,فجهات
طرق المشايخ ترجع عامتها إلى تاج العارفين أبي القاسم الجنيد ,وبداية أبي القاسم
ى بن موسى أخذها من خاله السرى ,والسرى ائتم بمعروف .وكان معروف مولى عل ّ
ى كرم ال وجهه .الرضى :وهو عن آبائه رضى ال تعالى عنهم ,فرجع الكل إلى عل ّ
ل ( ا هـ ( ب ا ِّحْز ُ ك ِ ُ .أوَلِئ َ
ثم ذكر من كلمه رضى ال تعالى عنه :المروءة العفاف ,وإصلح الحال ,الخاء
المواساة في الشدة والرخاء ,الغنيمة الباردة الرغبة في التقوى .وكان يقول لبنيه وبني
أخيه :تعلموا العلم فإن لم تستطيعوا حفظه فاكتبوه وضعوه في بيوتكم .ولما احتضر
قال لخيه الحسين رضى ال تعالى عنه :يا أخي أوصيك أن ل تطلب الخلفة فإنى وال
ما أرى أن يجمع ال فينا النبوة والخلفة ,فإياك أن يستخفك سفهاء الكوفة ويخرجوك
.فتندم حيث ل ينفعك الندم
وأخرج بن سعد عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه قال :تفاخر قوم من قريش فذكر كل
ى رضى ال تعالى عنهما :ما يمنعك من رجل ما عنده ,فقال معاوية للحسن بن عل ّ
القول ؟ فما أنت بكليل اللسان ,فقال :ما ذكروا مكرمة ول فضيلة إل ولى محضها
.ولبابها ,ففيم الكلم وقد سبقت مبرزا
وفى المسامرات للشيخ الكبر قال معاوية يوما وعنده أشراف الناس من قريش وغيرهم
:أخبرونى أكرم الناس أبا وأما وعما وعمة وخال وخالة وجدا وجدة ,فقام مالك بن
ى بن أبى طالب وأمه عجلن وأومأ إلى الحسن عليه السلم فقال :ها هو ذا أبوه عل ّ
فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,وجدته خديجة بنت خويلد ,وجده
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وعمه جعفر الطيار في الجنة ,وعمته أم هانىء
بنت أبى طالب ,وأخواله وخالته أولد النبى صلى ال عليه وآله وسلم ,فسكت القوم
ونهض الحسن ,فقام جل من بني سهم وقال أنت أمرت ابن عجلن على مقالته ؟ فقال
ابن عجلن :ما قلت إل حقا ,وما أحد من الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية الخالق
إل لم يعط أمنيته في دنياه ,وختم له بالشقاء في آخرته بنو هاشم أنضركم عودا وأوراكم
زندا كذلك يا معاوية ؟ فقال معاوية :اللهم نعم .توفى الحسن رضى ال تعالى عنه
.مسموما سنة خمسين على أحد القوال ,ودفن في البقيع رضى ال تعالى عنه
فائدة ( :قال الحافظ السيوطي في تاريخ الخلفاء :أخرج البيهقي ,وابن عساكر من (
طريق أبي المنذر هشام بن محمد عن أبيه قال :أضاق الحسن بن علي وكان عطاؤه في
كل سنة مائة ألف فحبسها عنه معاوية في إحدى السنين فأضاق إضاقة شديدة ,قال :
فدعوت بدواة لكتب إلى معاوية لذكره نفسي ثم أمسكت فرأيت رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم في المنام ,فقال :كيف أنت يا حسن ؟ فقلت :بخير يا أبت ,وشكوت إليه
تأخر المال عني ,فقال أدعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكره ذلك ؟ فقلت نعم يا
رسول ال ,فكيف أصنع ؟ فقال :قل اللهم اقذف في قلبي رجاءك ,واقطع رجائي عمن
سواك حتى ل أرجو أحدًا غيرك ,اللهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه عملي ولم
تنته إليه رغبتي ولم تبلغه مسألتي ,ولم يجر على لساني مما أعطيت أحدًا من الولين
والخرين من اليقين فخصني به يا رب العالمين قال فوال ما ألححت به أسبوعًا ,حتى
بعث إلى معاوية بألف ألف وخمسمائة ألف فقلت :الحمد ل الذي ل ينسى من ذكره ,
ول يخيب من دعاه .فرأيت النبي صلى ال عليه وآله وسلم في المنام فقال :يا حسن
كيف أنت ؟ فقلت :بخير يا رسول ال ,وحدثته بحديثي فقال :يا بني هكذا من رجا
.الخالق ولم يرج المخلوق
* * * *
المام الحسين رضى ال تعالى عنه أبو عبد ال الحسين
سبط رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
وريحانته رضى ال تعالى عنه
ولد في شعبان سنة أربع من الهجرة .قال جعفر بن محمد :لم يكن بين الحمل بالحسين
بعد ولدة الحسن إل طهر واحد ,وقيل خمسون ليلة ,وحنكه صلى ال عليه وآله وسلم
بريقه ,وأذن في أذنه وتفل في فمه ودعا له ,وسماه حسينا يوم السابع ,وعق عنه .كان
شجاعا مقداما من حين كان طفل قاله في السعاف
:وذكر في فضله جملة أحاديث منها قوله صلى ال عليه وآله وسلم
" .حسين مني وأنا من حسين ,اللهم أحب من أحب حسينا ,حسين سبط من السباط "
وقوله عليه الصلة والسلم " من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة " وفي لفظ "
" .إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسين بن علىّ
:وعن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وآله وسلم جلس في المسجد فقال
أين لكع ,فجاء الحسين يمشي حتى سقط في حجره فجعل أصابعه في لحية رسول ال "
صلى ال عليه وآله وسلم ,ففتح صلى ال عليه وآله وسلم فمه أي الحسين فأدخل فاه في
" .فيه ثم قال :اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه
وعنه أيضا قال " :رأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يمتص لعاب الحسين كما
يمتص الرجل التمرة " وعنه أيضا :كانالحسين أشبههم برسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم .وكان ابن عمر جالسا في ظل الكعبة إذ رأى الحسين مقبل فقال :هذا أحب أهل
.الرض إلي أهل السماء اليوم
وحج رضى ال تعالى عنه خمسا وعشرين حجة ماشيا ,وكان فاضل كثير الصوم ,
والصلة والحج والصدقة , ,وأفعال الخير جميعها قاله ابن الثير وغيره .قالوا وكان
رضي ال تعالى عنه كارها لما فعله أخوه من تسليم المر لمعاوية فقال له :أنشدك ال
أن تصدق أحدوثة معاوية وتكذب أحدوثة أبيك ,فقال له الحسن :اسكت أنا أعلم بهذا
.المر منك
قال الحافظ أبن حجر العسقلني في الصابة :كانت إقامة الحسين بالمدينة إلى أن خرج
مع أبيه إلى الكوفة ,فشهد معه الجمل ,ثم صفين ,ثم قتال الخوارج ,وبقي معه إلى أن
قتل ,ثم مع أخيه إلى أن سلم المر إلى معاوية ,فتحول مع أخيه إلى المدينة واستمر بها
إلى أن مات معاوية فخرج إلى مكة ثم أتته كتب أهل العراق بأنهم بايعوه بعد موت
معاوية فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب ،فأخذ بيعتهم ,وأرسل إليهم
.فتوجه وكان من قضية قتله ما كان
ى بن الحسين :حدثني عن قال عمار بن معاوية الذهبي :قلت لبي جعفر محمد ابن عل ّ
مقتل الحسين ,حتى كأني أحضره ؟ قال " :مات معاوية والوليد بن عقبة بن أبي سفيان
على المدينة ,فأرسل إلى الحسين بن علي ليأخذ بيعته ليلته ,فقال :أخرني ورفق بي
فخرج إلى مكة فأتاه رسل أهل الكوفة :إنا قد حبسنا أنفسنا عليك ,ولسنا نحضر الجمعة
مع الوالي فأقدم علينا .وقال :وكان النعمان بن بشير النصاري على الكوفة ,فبعث
الحسين بن علي إليهم مسلم بن عقيل فقال :سر إلى الكوفة فانظر ما كتبوا به إلي ,فإن
كان حقًا قدمت إليهم .فخرج مسلم حتى أتى المدينة ,فأخذ منها دليلين ,فمرا به في
البرية فأصابهم عطش ,فمات أحد الدليلين فقدم مسلم الكوفة فنزل على رجل يقال له
عوسجة ,فلما علم أهل الكوفة بقدومه دبوا إليه فبايعه منهم اثنا عشر ألفا فقام رجل ممن
يهوى يزيد بن معاوية إلى النعمان بن بشير قال :إنك ضعيف ,أو مستضعف قد فسد
ي من أن أكون قويًا فيالبلد قال له النعمان :لئن أكن ضعيفًا في طاعة ال أحب إل ّ
معصيته ,وما كنت لهتك ستراً .فكتب الرجل بذلك إلى يزيد فدعا يزيد مولى له يقال
له سرحون فاستشاره فقال له :ليس للكوفة إل عبيد ال بن زياد وكان يزيد ساخطًا على
عبيد ال وكان هّم بعزله عن البصرة فكتب إليه برضاه عنه وأنه قد أضاف إليه الكوفة ،
وأمره أن يطلب مسلم بن عقيل فإن ظفر به قتله .فأقبل عبيد ال بن زياد في وجوه أهل
البصرة حتى قدم الكوفة متلثمًا ,فل يمر على أحد فيسلم إل قال له أهل المجلس :عليك
السلم يا ابن رسول ال ,يظنونه الحسين بن علي قدم عليهم ,فلما نزل عبيد ال القصر
دعا مولى له ,فدفع إليه ثلثة آلف درهم فقال اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايعه
أهل الكوفة فادخل عليه وأعلمه أنك من حمص وادفع إليه المال وبايعه فلم يزل المولى
يتلطف حتى دلوه على شيخ يلي البيعة ,فذكر له أمره فقال :لقد سرني إذ هداك ال
وساءني أن أمرنا لم يستحكم ثم أدخله على مسلم بن عقيل ,فبايعه ودفع له المال ,
وخرج حتى أتى عبيد ال ,فأخبره وتحول مسلم حين قدم عبيد ال من تلك الدار إلى دار
أخرى ,فأقام عند هانئ بن عروة المرادي .وكان عبيد ال قال لهل الكوفة :ما بال
هانئ بن عروة لم يأتني ؟ فخرج إليه محمد بن الشعث في أناس من وجوه أهل الكوفة ,
وهو على باب داره فقالوا له إن المير قد ذكرك واستبطأك فانطلق إليه فركب معهم ,
حتى دخل على عبيد ال بن زياد وعنده شريح القاضي ,فلما سلم عليه قال له :يا هانئ
أين مسلم بن عقيل ؟ فقال له :ل أدري فأخرج إليه المولى الذي دفع الدراهم إلى مسلم ,
فلما رآه سقط في يده وقال :أيها المير وال ما دعوته إلى منزلي ولكنه جاء فطرح
ى فقال :ائتني به فتلكأ فاستدناه ,فأدنوه منه فضربه بالقضيب ,وأمر بحبسه
نفسه عل ّ
فبلغ الخبر قومه ,فاجتمعوا على باب القصر ,فسمع عبيد ال الجلبة فقال لشريح
القاضي :اخرج إليهم فأعلمهم أني ما حبسته إل لستخبره عن خبر مسلم ول بأس
عليه ,فبلغهم ذلك فتفرقوا ونادى مسلم بن عقيل لما بلغه الخبر بشعاره ,فاجتمع عليه
أربعون ألفًا من أهل الكوفة فركب وبعث عبيد ال إلى وجوه أهل الكوفة ,فجمعهم عنده
في القصر ,فأمر كل واحد منهم أن يشرف على عشيرته ,فيردهم فكلموهم ,فجعلوا
يتسللون فأمسى مسلم وليس عنده إل عدد قليل منهم ,فلما اختلط الظلم ذهب أولئك
أيضًا فلما بقي وحده تردد في الطرق بالليل فأتى باب امرأة فقال لها :اسقيني ماء فسقته
فاستمر قائمًا فقالت :يا عبد ال إنك مرتاب فما شأنك ؟ قال :أنا مسلم بن عقيل فهل
عندك مأوى ؟ قالت :نعم ادخل فدخل وكان لها ولد من موالي محمد بن الشعث فانطلق
إلى محمد بن الشعث فأخبره ,فلم يفجأ مسلمًا إل والدار قد أحيط بها ,فلما رأى ذلك
خرج بسيفه يدفعهم عن نفسه ,فأعطاه محمد بن الشعث المان فأمكن من يده فأتى به
عبيد ال ,فأمر به فأصعد إلى القصر ثم قتله ,وقتل هانئ بن عروة وصلبهما ,فقال
:شاعرهم في ذلك أبياتًا منها
فإن كنت ل تدرين ما الموت فانظري ...إلى هانئ في السوق وابن عقيل
ولم يبلغ الحسين ذلك حتى كان بينه وبين القادسية ثلثة أميال فلقيه الحر بن يزيد
التميمي ,فقال له :ارجع فإني لم أدع لك خلفي خيرًا ,وأخبره الخبر فهم أن يرجع
وكان معه إخوة مسلم فقالوا :وال ل نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل ,فساروا وكان
عبيد ال قد جهز الجيش لملقاته ,فوافوه بكربلء فنزلها ومعه خمسة وأربعون نفسًا من
الفرسان ونحو مائة راجل ,فلقيه الحسين وأميرهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ,وكان
عبيد ال وله الري وكتب له بعهده عليها إذا رجع من حرب الحسين ,فلما التقيا قال له
الحسين :اختر مني إحدى ثلث :إما أن ألحق بثغر من الثغور ,وإما أن أرجع إلى
المدينة ,وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فقبل ذلك عمر منه وكتب به إلى عبيد
ال فكتب إليه ل أقبل منه حتى يضع يده في يدي فامتنع الحسين ,فقاتلوه فقتل أصحابه
وفيهم سبعة عشر شابًا من أهل بيته ,ثم كان آخر ذلك أن قتل وأتي برأسه إلى عبيد ال
فأرسله ومن بقي من أهل بيته إلى يزيد ,ومنهم علي بن الحسين كان مريضًا ومنهم
.عمته زينب ,فلما قدموا على يزيد أدخلهم إلى عياله ,ثم جهزهم إلى المدينة
قال الحافظ ابن حجر بعد أن ساق هذه القصة قلت :وقد صنف جماعة من القدماء في
مقتل الحسين تصانيف فيها الغت والسمين والصحيح والسقيم وفي هذه القصة التي
سقتها غنى .قال :وقد صح عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول :لو كنت فيمن قاتل
الحسين ثم أدخلت الجنة لستحيت أن أنظر إلى وجه رسول ال صلى ال عليه وآله
.وسلم
وقال حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس :رأيت رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم فيما يرى النائم نصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم فقلت بأبي
وأمي يا رسول ال ما هذا ؟ قال " :هذا دم الحسين وأصحابه ,لم أزل ألتقطه منذ اليوم ,
" .فكان ذلك اليوم الذي قتل فيه
.وعن أم سلمة رضي ال تعالي عنها أنها سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي
.قال الزبير بن بكار :قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين
.قال ابن الثير وكان ذلك اليوم يوم الجمعة وقيل يوم السبت
قال في السعاف :وكان أكثر مقاتليه الكاتبين إليه والمبايعين له ,وقيل أن قاتله سنان
:بن أبي سنان النخعي أو غيره لما أتي ابن زياد أنشده
أوقر ركابي فضة وذهباً
إني قتلت الملك المحجبـا
قتلت خير الناس أمًا وأباً
وخيرهم إذ ينسبون نسبا
فغضب عليه وضرب عنقه ,قال وفي قصة قتله تصديق لقوله صلى ال عليه وآله وسلم
:
إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتل وتشريدا ،وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو «
.أمية ،وبنو المغيرة ،وبنو مخزوم « رواه الحاكم
وقضى ال تعالي أن قتل عبيد ال بن زياد وأصحابه يوم عاشوراء سنة سبع وستين
جهز إليه المختار بن عبيد جيشا تحت رئاسة إبراهيم بن الشتر النخعي ,فقتله إبراهيم
بنفسه في الحرب وبعث برأسه الخبيث إلى المختار ,فبعثه المختار إلي ابن الزبير ,
ى بن الحسين .فبعثه ابن الزبير إلي عل ّ
وروي الترمذي أنه لما جىء برأسه ونصب في المسجد مع رءوس أصحابه ،جاءت
حية فتخللت الرءوس حتى دخلت في منخره فمكثت هنيهة ,ثم خرجت فعلت ذلك
.مرتين أو ثلثا
أخرج الحاكم وصححه علي شرط مسلم عن ابن عباس قال " :أوحي ال إلى محمد
صلي ال عليه وآله وسلم إنى قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإنى قاتل بابن بنتك
" .سبعين ألفا وسبعين ألفا
وعنه صلي ال عليه وآله وسلم " :قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب
" .أهل الدنيا
قال العلمة الصبان إن المام أحمد يقول بكفر يزيد وناهيك به ورعا وعلما يقتضيان أنه
لم يقل ذلك إل لما ثبت عنده من أمور صريحة وقعت منه توجب ذلك ,ووافقه علي
ذلك جماعة كابن الجوزي وغيره .وأما فسقه فقد أجمعوا عليه ,وأجاز قوما من العلماء
.لعنه بخصوص اسمه ا هـ
وسئل ابن الجوزي كيف يطلق علي يزيد أنه قاتل الحسين مع أنه كان في الشام حين
:وقوع القتل بكربلء فأنشد
سهم أصاب وراميه بذي سلم
من بالعراق لقد أبعدت مرماك
:قال ابن الثير :وأكثر الناس مراثيه .فمما قيل فيه ما قاله سليمان بن قبة الخزاعي
مررت على أبيات آل محمد
فلم أر أمثالها حين حلـــت
فل يبعد ال البيوت وأهلها
وإن أصبحت منهم برغمي تخلت
وكانوا رجاء ثم عادوا رزية
لقد عظمت تلك الرزايا وجلت
أولئك قوم لم يشيموا سيوفهم
ولم تنك في أعدائهم حين سلت
وإن قتيلي الطف من آل هاشم
ب المسلمين فذلــتأزل رقا ً
ألم تر أن الرض أضحت مريضًة
لفقد حسين والبلد اقشعـرت
وقد أعولت تبكي السماء لفه
وأنجمها ناحت عليه وصلــت
* * * *
فضل الحسنين معا رضي ال تعالي عنهما
ي رضي ال تعالي عنه وكرم وجهه قال :لما ولد الحسن سميته حربا فجاء عن عل ّ
:رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم فقال
" .أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا حربا قال :بل هو حسن "
:فلما ولد الحسين سميته حربا فجاء النبي صلي ال عليه وآله وسلم فقال
" .أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا حربا قال :بل هو حسين "
:فلما ولد الثالث سميته حربا فجاء النبي صلي ال عليه وآله وسلم فقال
أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا حربا قال :بل هو محسن ثم قال :سميتهمبأسماء ولد "
" .هارون شبروشبير ومشبر
وعن عمران بن سليمان قال :الحسن والحسين من أسماء أهل الجنة لم يكونا في
.الجاهلية
وعن ابن العرابي عن المفضل قال :إن ال تعالي حجب اسم الحسن والحسين حتى
.سمى بهما النبي صلي ال عليه وآله وسلم ابنيه الحسن والحسين
وعن ابن عمر رضي ال تعالي عنهما سمعت رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم يقول
:
" .الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا "
ي رضي ال تعالي عنه قال :الحسن أشبه برسول ال صلي ال عليه وآله وسلم وعن عل ّ
,ما بين الصدر إلي الرأس ,والحسين أشبه برسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ما
.كان أسفل من ذلك
وعن أبي هريرة كان الحسن والحسين يصطرعان بين يدي رسول ال صلي ال عليه
:وآله وسلم يقول
" .هي حسن"
:قالت فاطمة :لم تقول هي حسين ؟ قال
" .إن جبريل يقول هي حسين "
:وعن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إل ابني الخالة عيسى ويحيى بن زكريا عليهما "
" .السلم " وفي رواية " وأبوهما خير منهما
وعن أسامة بن زيد رضي ال تعالي عنهما قال :طرقت النبي صلي ال عليه وآله وسلم
ذات ليلة في بعض الحاجة ,فخرج إلي وهو مشتمل علي شيء ل أدرى ما هو ؟ فلما
فرغت من حاجتي قلت :ما هذا الذي أنت مشتمل عليه ؟ فكشفه ,فإذا حسن وحسين
:علي وركيه فقال
هذان ابناي وابنا بنتي ,اللهم إني احبهما وأحب من يحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما "
".
وعن أبي بريدة قال :كان النبي صلي ال عليه وآله وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن
والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ,ويعثران فنزل رسول ال صلي ال عليه
:وآله وسلم من المنبر ,فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال
صدق ال -إنما أموالكم وأولدكم فتنة -نظرت إلي هذين الصبيين يمشيان ويعثران "
" .فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما
وعن أبي هريرة قال :خرج علينا رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ومعه حسن
وحسين هذا علي عاتقه وهذا علي عاتقه ,وهو يلثم هذا مرة ,وهذا مرة حتى انتهي إلينا
:فقال
" .من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني "
وعن عبد ال بن مسعود :كان رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم يصلي فإذا سجد
وثب الحسن والحسين علي ظهره ,فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما فإذا
:قضي الصلة وضعهما في حجره فقال
" .من أحبني فليحب هذين "
ى أهل بيتك أحب إليك ؟ فقال " وعن أنس أنه صلي ال عليه وآله وسلم :سئل أ ّ
" .الحسن والحسين "
وعن فاطمة رضي ال تعالي عنها أنها أتت بهما إلي النبي صلي ال عليه وآله وسلم
:فقالت :يارسول ال هذان ابناك ,فورثهما شيئا فقال
" .أما حسن فله هيبتي وسؤددي ,وأما حسين فله جرأتي وجودي "
* * * *
المقصد الثالث
في الكلم علي ما في حبهم وتوابعه من الفوز العظيم
وما في بغضهم وتوابعه من المرتع الوخيم
جًرا ِإل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى
عَلْيِه َأ ْ
سَأُلُكْم َ
ل ل َأ ْ } .قال ال تعالي ُ } :ق ْ
القربى :مصدر بمعنى القرابة ,وهو علي تقدير مضاف أي ذوي القربى يعنى القرباء
.وعبر بفي ولم يعبر باللم ,لن الظرفية أبلغ وآكد للمودة .نقل المام السيوطي في
الدر المنثور وكثير من المفسرين عند تفسير هذه الية عن ابن عباس رضي ال تعالي
:عنهما قالوا :يارسول ال من قرابتك هؤلء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال
ي وفاطمة وولدهما " " .عل ّ
وفيه عن ابن عباس قال :قالت النصار :فقلنا وفعلنا وكأنهم فخروا فقال العباس لنا
:الفضل عليكم فبلغ ذلك رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم فأتاهم في مجالسهم ,فقال
يامعشر النصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم ال بي ؟ قالوا بلي يارسول ال ,قال :أفل "
تجيبوني ؟ قالوا ما نقول يارسول ال ؟ قال أل تقولون ألم يخرجك قومك فآويناك ؟ أو لم
" .يكذبوك فصدقناك ؟ أو لم يخذلوك فنصرناك ؟
:فما زال يقول حتى جثوا علي الركب وقالوا أموالنا وما في أيدينا ل ورسوله فنزلت
جًرا ِإل اْلَموَّدَة ِفي اْلُقْرَبى { عَلْيِه َأ ْ
سَأُلُكْم َ
ل ل َأ ْ ُ } .ق ْ
.وعن طاوس قال :سئل عنها ابن عباس فقال :هي قربى آل محمد
وقال المقريزى :قال جماعة من المفسرين في تفسير الية قل لمن اتبعك من المؤمنين ,
.ل أسألكم علي ما جئتكم به أجرا إل أن تودوا قرابتي
:وعن ابن العالية عن سعيد ابن جبير
ِ ) .إل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى (
.قال :هي قربى رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم
:وعن ابن إسحاق قال :سألت عمرو بن شعيب عن قول ال تعالي
جًرا ِإل اْلَموَّدَة ِفي اْلُقْرَبى { عَلْيِه َأ ْ
سَأُلُكْم َ
ل ل َأ ْ ُ } .ق ْ
.قال :قربى النبي صلي ال عليه وآله وسلم
تنبيه " فإن قيل :طلب الجر علي الوحي ل يجوز لقوله تعالي في قصة كثير من "
:الرسل عليهم الصلة والسلم
جٍر (ن َأ ْعَلْيِه ِم ْسَأُلُكْم َ
َ ) .وَما َأ ْ
ورسولنا أفضل منهم فهو أولى بعدم طلب الجر علي الرسالة ,وقد صرح صلي ال
:عليه وآله وسلم بنفي الطلب فقال
ن{ن اْلُمَتَكّلِفي َ
جٍر َوَما َأَنا ِم َ ن َأ ْ
عَلْيِه ِم ْ
سَأُلُكْم َل َما َأ ُْ } .ق ْ
:وقد كان التبليغ واجبا عليه قال تعالي
ك (ن َرّب َ ك ِم ْ
ل ِإَلْي ََ ) .بّلْغ َما ُأنز َ
وطلب الجر علي أداء الواجب ل يليق كما ل يليق مقابلة الرسالة وهي أشرف الشياء
بمتاع الدنيا .وأيضا الجر يوجب التهمة فثبت أنه ل يجوز له صلي ال عليه وآله وسلم
.طلب الجر وها هنا قد ذكر ما يجري مجراه وهو المودة في القربى
:أجيب بأن هذا من باب قوله
ول عيب فيهم غير أن سيوفهم
ل من قراع الكتائب بهن فلو ٌ
يعنى أني ل أطلب منكم إل هذا وهو ليس أجرا لن تواّد المسلمين واجب قال ال تعالي
:
) .والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض (
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " :المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا
وإذا كانت المودة واجبة لبعض السلمين علي بعض ,فهي في حق أشرف المرسلين
:وأهل بيته أولى ,أو أن هذا الستثناء منقطع وتم الكلم عند قوله أجرا ثم قال
ِ ) .إل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى (
.أي لكن أسألكم المودة في القربى ,انتهى باختصار من الخطيب والخازن
ي بن الحسين أسيرًا وفأقيم على درج وعن السدى عن أبي الديلم قال لما جىء بعل ّ
دمشق ،قام رجل من أهل الشام فقال :الحمد ل الذي قتلكم واستأصلكم ،وقطع قرن
ي أقرأت القرآن؟ قال :نعم .قال :قرأت آل حم ؟ قال :قرأت ولم الفتنة ,فقال له عل ّ
أقرأ آل حم قال :ما قرأت } قل ل أسألكم عليه أجرًا إل المودة في القربى { قال :
فإنكم لياهم ؟ قال :نعم .قلت :ما أحسب أن هذا الرجل كان مؤمنا ,بلي كان مؤمنا
ولكن بالجبت والطاغوت فإن هذا الهذيان ل يصدر عن لسان مؤمن بال ورسوله وكيف
يستقر اليمان في قلب رجل يحمد ال علي قتل آل المصطفى صلي ال عليه وآله وسلم
واستئصالهم ,وما أظن أن أبا جهل كان ل ورسوله أعدى من هذا الملحد ,ولعلنا ل
نعدم في زماننا هذا هذا من هو علي شاكلته في الضلل بكراهة أهل بيت النبوة ,
ومعدن الرسالة فقد رأينا من إذا سمع بذكر مزية امتازوا بها أو منقبة أسندت إليهم ,
ووصفوا بها من ال تعالي أو رسوله صلي ال عليه وآله وسلم أو السلف الصالح ,أو
علماء المة وأوليائها يقطب وجهه ويتغير خلقه ,ويود بلسان حاله أن تلك المزية لم
تكن لهم ,وقد يتكلف القاويل الواهية والخبار الموضوعة والثار المصنوعة ليطفئ
بها نور ال تعالي
ن(ل ُمِتّم ُنوِرِه َوَلْو َكِرَه اْلَكاِفُرو َ
َ ) .وا ُّ
ورأيت الزمخشري في الكشاف عند هذه الية روى حديثا مطول ,ونقله عنه الفخر
:الرازي في الكبير وهو قوله صلي ال عليه وآله وسلم
من مات على حب آل محمد مات شهيدًا ،أل ومن مات على حب آل محمد مات "
مغفورًا له ،أل ومن مات على حب آل محمد مات تائباً ،أل ومن مات على حب آل
محمد مات مؤمنًا مستكمل اليمان ،أل ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت
بالجنة ،ثم منكر ونكير ،أل ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف
العروس إلى بيت زوجها ،أل ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى
الجنة ،أل ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ،أل ومن مات على
بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة ال ،أل ومن مات
على بغض آل محمد مات كافرًا ،أل ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة
" .الجنة
قال الفخر :وأنا أقول آل محمد صلى ال عليه وآله وسلم هم الذين يئول أمرهم إليه فكل
من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الل ،ول شك أن فاطمة وعلياً والحسن
والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أشد التعلقات ,
وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الل .وأيضًا اختلف الناس في الل
فقيل هم القارب وقيل هم أمته ،فإن حملناه على القرابة فهم الل ،وإن حملناه على
المة الذين قبلوا دعوته فهم أيضًا آل فثبت أنهم على جميع التقديرات الل ،وأما غيرهم
.فهل يدخلون تحت لفظ الل ؟ فمختلف فيه
وروى صاحب »الكشاف« أنه لما نزلت هذه الية قيل :يا رسول ال من قرابتك هؤلء
:الذين وجبت علينا مودتهم ؟ فقال
" .علي وفاطمة وابناهما"
فثبت أن هؤلء الربعة أقارب النبي صلى ال عليه وآله وسلم وإذا ثبت هذا وجب أن
:يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم .ويدل عليه وجوه
ل المودة ِفى القربى
} .الول :قوله تعالى ِ } :إ ّ
الثاني :ل شك أن النبي صلى ال عليه وآله وسلم كان يحب فاطمة عليها السلم ,قال
:صلى ال عليه وآله وسلم
" .فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها "
وثبت بالنقل المتواتر عن سيدنا محمد صلى ال عليه وآله وسلم أنه كان يحب عليًا
:والحسن والحسين ,وإذا ثبت ذلك وجب على كل المة مثله لقوله تعالي
ن َأْمِرِه { ولقوله } { عْ حَذِر الذين يخالفون َ ن { ولقوله تعالى َ } :فْلَي ْ
واتبعوه َلَعّلُكْم َتْهَتُدو َ
سو ِ
ل ن َلُكْم ِفى َر ُ
حِبْبُكُم ال { ولقوله سبحانه ّ } :لَقْد َكا َ ن ال فاتبعونى ُي ْ
حّبو َ ل ِإن ُكنُتْم ُت ِ
ُق ْ
سَنٌة
حَسَوٌة َ } .ال ُأ ْ
الثالث :أن الدعاء للل منصب عظيم ,ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلة
ل على محمد وعلى آل محمد " وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير وهو قوله "الّلهم ص ّ
.الل ،فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب انتهى
وقال سلطان العارفين وإمام الصوفية الشيخ الكبر سيدي محيي الدين بن العربي رضي
ال تعالي عنه في الباب التاسع والعشرين من الفتوحات المكية بعد كلم تقدم نقله في
المقصد الول " :وبعد أن تبين لك منزلة أهل البيت عند ال وأنه ل ينبغي لمسلم أن
يذمهم بما يقع منهم أصل فإن ال طهرهم ,فليعلم الذام لهم أن ذلك راجع إليه ,ولو
ظلموه فذلك الظلم هو في زعمه ظلم ل في نفس المر ,وإن حكم عليه ظاهر الشرع
بأدائه بل حكم ظلمهم إيانا في نفس المر يشبه جري المقادير علينا ,وعلي من جرت
عليه في ماله ونفسه بغرق أو بحرق أوغير ذلك من المور المهلكة فيحترق أو يموت له
أحد أحبائه أو يصاب في نفسه وهذا كله مما ل يوافق غرضه ,ول يجوز له أن يذم قدر
ال ول قضاءه بل ينبغي له أن يقابل ذلك كله بالتسليم والرضا ,وإن نزل عن هذه
المرتبة فبالصبر ,وإن ارتفع عن تلك المرتبة فبالشكر فإن في طي ذلك نعما من ال لهذا
المصاب وليس وراء ما ذكزناه خير فإن ما وراءه ليس إل الضجر والسخط وعدم
الرضا وسوء الدب مع ال تعالي ،فكذا ينبغي أن يقابل المسلم جميع ما يطرأ عليه من
أهل البيت في ماله ونفسه وعرضه وأهله وذويه ,فيقابل ذلك كله بالرضا والتسليم
والصبر ول يلحق المذمة بهم أصل ,وإن توجهت عليهم الحكام المقررة شرعا فذلك ل
يقدح في هذا ,بل يجريه مجرى المقادير ,وإنما منعنا تعليق الذم بهم أذ ميزهم ال عنا
.بما ليس معهم فيه قدم
وأما أداء الحقوق المشروعة فهذا رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم كان يقترض من
اليهود ,وإذا طالبوه بحقوقهم أداها على احسن ما يمكن ,وإن تطاول اليهودي عليه
:بالقول يقول
" .دعوه إن لصاحب الحق مقال "
وقال صلى ال عليه وآله وسلم في قصة " لو أن فاطمة بنت محمد صلي ال عليه وسلم
" .سرقت قطعت يدها
وقد أعاذها ال تعالي من ذلك رضي ال تعالي عنها فوضع الحكام ل يضعها كيف
.يشاء وعلى أي حال يشاء ,فهذه حقوق ال ومع هذا لم يذمهم ال
وإنما كلمنا في حقوقنا وما لنا أن نطالبهم به ,فنحن مخيرون إن شئنا أخذنا وإن شئنا
تركنا والترك أفضل عموما ,فكيف بأهل البيت وليس لنا ذم أحد ؟ فكيف بأهل البيت ؟
فإنا إذا نزلنا عن طلب حقوقنا وعفونا عنهم في ذلك أي فيما أصابوه منا ,كانت لنا بذلك
عند ال اليد العظمى ,والمكانة الزلفى فإن النبي صلي ال عليه وآله وسلم ما طلب منا
عن أمر ال إل المودة في القربى وفيه سر صلة الرحام ,ومن لم يقل سؤال نبيه فيما
سأله فيه مما هو قادر عليه ,فبأي وجه يلقاه غدا ,أو يرجو شفاعته وهو ما أسعف نبيه
صلي ال عليه وآله وسلم فيما طلب منه من المودة في قرابته فكيف بأهل بيته ,وهم
أخص القرابة ,ثم أنه جاء بلفظ المودة وهي الثبوت على المحبة فإنه من ثبت وده في
أمر استصحبه المودة في كل حال لم يؤاخذ أهل البيت بما يطرأ منهم في حقه مما له أن
يطالبهم به فيتركه ترك محبة وإيثار علي نفسه ل لها "وإيثارا لنفسه ل عليها" .قال
:المحب الصادق
* وكل ما يفعل المحبوب محبوب*
:وقال الخر
أحب لحبها السودان حتى
أحب لحبها سود الكلب
:ولنا في هذا المعنى
أحب لحبك الحبشان طرا
وأعشق لسمك البدر المنيرا
قيل كانت الكلب السود تناوشه وهو يتحبب إليها أعني المجنون ,فهذا فعل المحب في
حب من ل تسعده محبته ,وعند ال ول تورثه القربة من ال فهل هذا إل من صدق
المحبة ,وثبوت الود في النفس ,فلو صحت محبتك ل ولرسوله أحببت أهل تبيت
رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,ورأيت كل ما يصدر منهم في حقك مما ل يوافق
طبعك ول غرضك إنه جمال تتنعم بوقوعه منهم فتعلم عند ذلك أن لك عناية عند ال
الذي أحببتهم من أجله حيث ذكرك من يحبه وخطرت على باله ,وهم أهل بيت رسوله
صلى ال عليه وآله وسلم ,فتشكر ال تعالى على هذه النعمة فإنهم ذكروك بألسنة طاهرة
بتطهير ال طهارة لم يبلغها علمك ,وإذا رأيناك على ضد هذه الحالة مع أهل البيت
الذي أنت محتاج إليهم ولرسول صلى ال عليه وآله وسلم حيث هداك ال به فكيف أثق
أنا بودك الذي تزعم به أنك شديد الحب في والرعاية لحقوقي أو لجانبي وأنت في حق
أهل نبيك بهذه المثابة من الوقوع فيهم ؟ وال ما ذاك إل من نقص إيمانك ومن مكر ال
بك واستدراجه إياك من حيث ل تعلم .وصورة المكران تقول وتعتقد أنك في ذلك تذب
عن دين ال تعالي وشرعه وتقول في طلب حقك أنك ما طلبت إل ما أباح ال لك طلبه ,
ويندرج الذم في ذلك الطلب المشروع والبغض والمقت وإيثارك نفسك على أهل البيت
وأنت ل تشعر بذلك .والدواء الشافي من هذا الداء العضال أن ل ترى لنفسك معهم
حقًا ,وتنزل عن حقك ,لئل يندرج في طلبه ما ذكرته لك ,وما أنت من حكام
المسلمين ,حتى يتعين عليك إقامة حدًا وإنصاف مظلوم ,أو رّد حق إلى أهله ,فإن كنت
حاكمًا ولبد فاسع في استنزال صاحب الحق عن حقه إذا كان المحكوم عليه من أهل
البيت فإن أبي حينئذ يتعين عليك إمضاء حكم الشرع فيه فلو كشف ال لك يا ولي عن
منازلهم عند ال تعالي في الدار الخرة لوددت أن تكون مولى من مواليهم فال تعالي
.يلهمنا رشد أنفسنا " انتهى كلم الشيخ الكبر رضي ال عنه ونفعنا به
ثم قال بعد أسطر " :ومن أسرارهم يعني القطاب ما قد ذكرناه من العلم بمنزلة أهل
البيت ,وما قد نبه ال تعالي علي علو رتبتهم في ذلك ومن أسرارهم علم المكر الذي
مكر ال بعباده في بغضهم مع دعواهم حب رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,
وسؤاله المودة في القربى وهو صلي ال عليه وآله وسلم من جملة أهل البيت ,فما فعل
أكثر الناس ما سألهم فيه رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم عن أمر ال تعالي فعصوا
ال ورسوله وما أحبوا من قرابته إل من رأوا منه الحسان فبأعراضهم أحبوا وبأنفسهم
.تعشقوا " .انتهت عبارة الشيخ الكبر رضي ال تعالي عنه ونفعنا بعلومه وبركاته
واعلم أن حكم مودة أهل البيت بعضهم لبعض كحكم مودة الجانب لهم في الوجوب بل
.هي أولى لما فيها من زيادة صلة الرحم ,نرجع للية
قيل :إن القربى هم ولد عبد المطلب وعليه مشى القسطلني في المواهب فقال :المراد
.بالقربى من ينسب إلي جده القرب عبد المطلب
وقال بن حجر في الصواعق :المراد بأهل البيت والل وذوي القربى في كل ما جاء في
فضلهم مؤمنوا بني هاشم والمطلب ,ورجحه الصبان في إسعاف الراغبين وزاد
.العترة .قال فاللفاظ الربعة بمعنى واحد كما في المواهب
.وقال ابن عطية :قريش كلها عندي قربى وإن كانت تتفاضل
وقال المام المقريزي :ويظهرلي أن الخطاب في الية عام لجميع من آمن ,وذلك أن
العرب بأسرها قوم رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم الذين هو منهم ,فيتعين علي من
سواهم من العجم أن يودوهم ويحبوهم .وقد جاءت في المر بحب العرب أحاديث ,
وأن قريشا أقرب إلي رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم من سائر العرب فعلي كل
عربي أن يوقر قريشا ويحبهم من أجل أنهم قوم رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ,
وقد وردت أحاديث في تفضيل قريش وفي تقديمها علي غيرها وأن بني هاشم رهط
رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم وأسرته ,فيجب علي من عداهم من قريش محبتهم
ومودتهم ,وأن عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وذريتهما أقرب من رسول ال صلي ال
عِليٌم {
عْلٍم َ
ل ِذي ِ
ق ُك ّ
عليه وآله وسلم فيجب على بني هاشم مودتهم وإكرامهم } َوَفْو َ
.انتهي
قوله :فيجب علي بني هاشم مودتهم يعني وتجب علي قريش والعرب والعجم ,وهكذا
التقدير فيما قبله .وقوله :وقد جاءت في حب العرب أحاديث ثم قوله :وقد وردت
.أحاديث في تفضيل قريش وتقديمها علي غيرها
* * * *
فضل قريش
:قال صلي ال عليه وآله وسلم
شّر "
خْيِر َوال ّ
ش ِفي اْل َ
س َتَبٌع ِلُقَرْي ٍ
" .الّنا ُ
ش َأَهاَنُه ا ُّ
ل ن ُقَرْي ٍ
ن ُيِردْ َهَوا َ
" .وقوله عليه الصلة والسلم " َم ْ
حٌد َقْبَلُهْمَ ،ول
طَها َأ َ
ل َلْم ُيْع َصا ٍ
خ َ سْبِع ِ شا ِب َل ُقَرْي ً
ل ا ُّ
ضَوقوله صلي ال عليه وآله وسلم " َف ّ
حجاَبَة ِفيِهْم،ن اْل ِ
ن الّنُبّوَة ِفيِهْمَ ،وِإ ّ
شا بَأّني ِمْنُهْم َوِإ ّ
ل ُقَرْي ً
ل ا ُّضَ حٌد َبْعَدُهْم َ :ف ّ
طاَها َأ َ
ُيْع َ
غْيُرُهْمَ ،وَأْنَز َ
ل ن ل َيْعُبُدُه َ سِني َ
شَر ِ عْل َ عَبُدوا ا َّل.وَ عَلى اْلِفي ِصَرُهْم ال َ سَقاَيَة ِفيِهْم ،وَن َ َوال ّ
ف ُقَرْي ٍ
ش غْيِرِهْم ) ليل ِ حٍد َ ن َلْم يذكْر ِفيها َأ َ ن اْلُقْرآ ِسوَرًة ِم َل ِفيِهْم ُ ) " .ا ُّ
سِلِمِهْم َوَكاِفُرُهْم َتَبٌع
سِلُمُهْم َتَبٌع ِلُم ْ
ش ُم ْ
س َتَبٌع ِلُقَرْي ٍ
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " :الّنا ُ
لِم ِإَذا َفِقُهوا
سَلْ خَياُرُهْم ِفي ا ِْ جاِهِلّيِة ِ
خَياُرُهْم ِفي اْل َ
ن ِ
س َمَعاِد ُ
ِ " .لَكاِفِرِهْم َوالّنا ُ
وقال عليه الصلة والسلم " يا أيها الناس ل تذموا قريشا فتهلكوا ول تخلفوا عنها
فتضلوا ول تعلموها وتعلموا منها فإنهم أعلم منكم ,لول أن تبطر قريش لعلمتها بالذي
" .لها عند ال عز وجل
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " أحبوا قريشا فإنه من أحبهم أحبه ال
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " حب قريش إيمان ,وبغضهم كفر
وقال عليه الصلة والسلم " قدموا قريشا ول تقدموها ,ولول أن تبطر قريش لخبرتها
" .بما لها عند ال
وقال عليه الصلة والسلم " قريش صلح الناس ول يصلح الناس إل بهم ,كما أن
الطعام ل يصلح إل بالملح .قريش خالصة ال تعالي فمن نصب لها حربا سلب ومن
" .أرادها بسوء خزي في الدنيا والخرة
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " ل تسبوا قريشا فإن عالمها يمل طباق الرض علما
".
قال المام أحمد وغيره :هذا العالم هو الشافعي ,لنه لم يحفظ لقرشي من انتشار علمه
.في الفاق ما حفظ للشافعي
من مناقب المام الشافعي
رضي ال تعالي عنه
ومن مناقبه رضي ال تعالي عنه ما حدث به صالح بن المام أحمد بن حنبل قال :جاء
الشافعي يوما إلي أبي يعوده ,وكان عليل فوثب إليه أبي وقبله بين عينيه ,ثم أجلسه في
مكانه وجلس بين يديه ,ثم أخذ يسأله ساعة فساعة ,فلما قام الشافعي وركب أخذ أبي
بركابه ومشى معه فبلغ يحيى بن معين ذلك فقال :يا سبحان ال لما فعلت ذلك ؟ فقال :
إني لو مشيت من جانب وأنت يا أبا زكريا لو مشيت من جانب آخر لنتفعت به .من
أراد الفقه فليشم ذنب هذه البغلة وأشار إلي بغلة الشافعي رضي ال تعالي عنه وعن
.سائر الئمة
فضل حب العرب
:أما الحاديث الواردة في حب العرب وفضلهم ,فمنها قوله صلي ال عليه وآله وسلم
حب العرب إيمان وبغضهم كفر ,فمن أحب العرب فقد أحبني ,ومن أبغض العرب "
" .فقد أبغضني
ي،
عَرِب ّ
ن َ
يَ ،واْلُقْرآ ُ
عَرِب ّ
لّني َ
ثَ :ب ِلَثل ٍحّبوا اْلَعَر َوقوله صلي ال عليه وآله وسلم " ُأ ِ
عَرِب ّ
ي جّنِة َ
ل اْل َ
َ " .وَكلُم َأْه ِ
قال المناوي في شرح هذا الحديث " :وهذه الجمل واردة مورد الحث على حب العرب
وهو منزل علي قيد الحيثية أي من حيث كونهم عربا ,وقد يعرض لهم ما يقتضي
الزيادة علي هذا الحب باعتبار ما يقوم بهم من وصف اليمان ,والتفاضل فيه بحسب
المراتب ,وقد يعرض ما يوجب البغض والزياد منه بحسب ما يعرض لهم من كفر
:ونفاق ,قال سبحانه في شأن قوم منهم
شّد ُكْفًرا َوِنَفاًقا (
ب َأ َ
عَرا ُ
) .ال ْ
فإذا وفق العبد لمحبتهم من حيث كون المصطفى منهم ,وأن القرآن أنزل بلغتهم ,وأن
كلم الرفيق العلى بلسانهم ,لعذوبته وفصاحته ,واستقامته ,كان ذلك واسطة في حبه
صلي ال عليه وآله وسلم ,وإذا خذل فأبغضهم من الجهات المذكورة كان لزمه بغضه
عليه الصلة والسلم وهو كفر ,وإذا أبغضهم من حيث كفرهم أو نفاقهم كان ذلك واجبا
.
فاستبان أنه قد يجب الحب وقد يجب البغض ويبقى مطلق الحب من الحيثية التي سبق
.الكلم عليها
واعلم أن ستة من النبياء من العرب سيدنا نوح ,وسيدنا هود ,وسيدنا إسماعيل ,
وسيدنا صالح ,وسيدنا ,شعيب وسيدنا محمد صلي ال عليه وعليهم وسلم ,وباقيهم من
.غيرهم " انتهي
" .وقوله صلي ال عليه وآله وسلم " من أحب العرب فهو حبيبي حقا
قال العزيزي لنهم هم الذين باعوا أنفسهم ل تعالي ,حتى أظهروا السلم وأزاحوا
.ظلمة الكفر
وفي المناوي " :علمة صدق الحب حب كل ما ينسب إلى المحبوب ,فإن من يحب
إنسانا يحب كلب محلته ,فالمحبة إذا قويت تعدت من المحبوب إلى كل ما يكتنف
بالمحبوب ,ويحيط به ويتعلق بأسبابه ,وذلك وليس شركة في حب ال تعالي ,فإن من
أحب رسول ال المحبوب لكونه رسوله وكلمه لكونه كلمه ومن ينتمي إليه لكونه من
.حزبه لم يجاوز حبه إلى غيره بل هو دليل كمال حبه " ا هـ
:وقوله عليه الصلة والسلم
" .من سب العرب فإولئك هم المشركون "
" .وقوله عليه الصلة والسلم " من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي
وروى الترمذي عن سلمان رضي ال تعالي عنه قال :قال رسول ال صلي ال عليه
:وآله وسلم
يا سلمان ل تبغضني فتفارق دينك ,قلت :يا رسول ال كيف أبغضك وبك هداني "
" .ال ؟ قال تبغض العرب فتبغضني
ى رضي ال تعالي عنه قال :قال رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم
:وعن عل ّ
" .ل يبغض العرب إل منافق "
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " إن لواء الحمد بيدي يوم القيامة وإن أقرب الخلئق من
" .لوائي يومئذ العرب
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " إذا ذلت العرب ذل السلم
قال الناوي " :أي أهله أو نفسه ,لن شؤم ذلك يعود على الدين بالوهن والضعف ,
وذلك لن أصل السلم نشأ منهم وبهم ظهر وانتشر فإذا ذلوا ذل أي نقص ,ولن
السلم ل يصلح وينتظم حاله إل بالجود والسماحة واللين والمودة والرفق وتجنب
البخل والضيق والعجلة والحقد والحرص ؛ والعرب سهلة نفوسها كريمة طباعها زكية
.أخلقها ل ينكر ذلك إل معاند ول يجحده إل مارد
فإذا كانوا في عز فالسلم في عز وإن ذلوا ذل .فبتلك الخلل فضلوا ل باللسان العربي
فحسب .ومعنى إذا ذلت :أي ضعف أمرها وهان قدرها وظلموا وازدروا واحتقروا
.وفضل عليهم غيرهم " انتهي
" .وقال في قوله صلي ال عليه وآله وسلم " :حب العرب إيمان وبغضهم نفاق
أي إذا أحبهم كان حبهم آية إيمانهم ,وإذا بغضهم كان بغضهم علمة نفاقه ,لن هذا
الدين نشأ منهم ,وكان قيامه بسيوفهم وهممهم ,والظاهر من حال من أبغضهم أنه إنما
أبغضهم لذلك وهو كفر .وقد اطلعت علي كتاب سر الدب في مجاري كلم العرب
.لبي منصور الثعالبي ,فوجدته ذكر في خطبته كلما يناسب ما نحن فيه
قال رحمه ال تعالي بعد البسملة والحمد ل " أما بعد ,فإن من أحب ال تعالي أحب
رسوله محمدا المصطفى صلي ال عليه وآله وسلم ,ومن أحب الرسول أحب العرب ,
ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي نزل بها أفضل الكتب علي أفضل العرب
والعجم ,ومن أحب اللغة العربية عنى بها وثابر عليها ,وصرف همه إليها ومن هداه
ال للسلم ,وشرح صدره لليمان ,وآتاه بقوة بصيرة ,وحسن سيرة ,اعتقد أن سيدنا
محمدا صلي ال عليه وآله وسلم خير الرسل ,والسلم خير الملل والعرب خير المم ,
والعربية خير اللغات واللسنة والقبال علي تفهمها من الديانة ,إذ هي أداة العلم ,
ومصباح التفقه في الدين ,ومفتاح إصلح المعاش والمعاد .ثم هي لحراز الفضائل
والحتواء علي المروءات والمناقب كالينبوع للماء والزند للنار ,ولو لم يكن في
الحاطة بخصائصها ,والوقوف علي مجاريها ومصارفها ,والتبحر في جلئلها
ودقائقها إل قوة اليقين في إعجاز القرآن وزيادة البصيرة في إثبات النبوة الذي هو عمدة
اليمان لكفي به فضل يحسن أثره ويطيب ثمره ,فكيف وأيسر ما خصه ال به من
.ضروب المناقب ,وفنون المحاسن ,بكل أقلم الكتبة ويتعب أنامل الحسبة " ا هـ
تنبيه " :اعلم أن جميع ما ورد عن الشارع مما فيه وصف المبغض لقريش أو للعرب "
أو لهل البيت أو سلبهم أو الغاش لهم بالكفر أو النفاق ونحوهما ,فهو محمول علي ما
إذا كان ذلك لكون رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم منهم ,وكونهم جنسه ,وحزبه ,
وأهل بيته ,أما إذا كان البغض ونحوه لمعني آخر ل تعلق له بالجنسية والحزبية
والهلية ,فقد يختلف حكمه كما يفهم من شروح الحديث وغيرها ,بل هو أمر معلوم من
.قواعد الدين
:قال ابن تيمية في قوله صلي ال عليه وآله وسلم
إن ال اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ,واصطفى قريشا من كنانة ,واصطفى من "
.قريش بني هاشم " الحديث
أفاد الخبر أن العرب أفضل من جنس العجم ,وأن قريشا أفضل العرب ,وأن بني هاشم
أفضل قريش ,وأن المصطفى صلي ال عليه وآله وسلم أفضل بني هاشم ,فهو صلي
ال عليه وآله وسلم أفضل الناس نفسا ونسبا وليس فضل العرب فقريش فبني هاشم
بمجرد كون النبي صلي ال عليه وآله وسلم منهم وإن كان هذا من الفضل بل لهم في
أنفسهم فضل ,وبذلك يثبت للنبي صلي ال عليه وآله وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإل
.لزم الدور انتهي
أقول :إذا علمت هذا فاعلم أن جميع ما ورد في تفضيل العرب والغراء بمحبتهم
وإكرامهم والتحذير من كراهتهم وأذاهم بالسب والغش ونحوهما هو شامل لقريش لنهم
صفوة العرب وأن جميع ذلك كالوارد في خصوص قريش شامل لبني هاشم لنهم صفوة
.قريش وما ورد في بني هاشم فمن فوقهم شامل لهل البيت سواء
ي وفاطمة والحسن والحسين لنهم صفوة قلنا :هم بنو عبد المطلب أو خصوص عل ّ
الصفوة وخلصة الخلصة وخيرة الخيرة ول ينعكس ذلك فقد اختص أهل البيت بمزايا
لم توجد في بني هاشم واختص بنو هاشم بمناقب عريت منها قريش واختصت قريش
:بفضائل فقدها سائر العرب وفي قوله تعالي
ن{ن اْلُمَتَكّلِفي َ
جٍر َوَما َأَنا ِم َ
ن َأ ْ
عَلْيِه ِم ْ
سَأُلُكْم َ
ل َما َأ ْ
ُ } .ق ْ
أقوال أخرى :منها ما ذكره الطبري بقوله معناه :قل ل أسألكم عليه أجرا يا معشر
قريش إل أن تودوني في قرابتي منكم وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم ,قال ابن عباس
وابن إسحاق وقتادة :لم يكن في قريش بطن إل ولرسول ال صلي ال عليه وآله وسلم
.فيهم نسب وصهر
فالية علي هذا استعطاف لدفع أذاهم وطلب السلمة منهم وقد علمت من النقول المتقدمة
ي وفاطمة والحسن أن كونها في ذوي قرابته صلي ال عليه وآله وسلم هو الراجح وعل ّ
والحسين وبنوهما إلي يوم القيامة داخلون علي كل حال سواء جرينا علي القول بأنهم
.فيهم خاصة أو أنها في مؤمني بن عبد المطلب أو في مؤمني بني هاشم
فصل
:أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي ال تعالي عنهما في قوله تعالي
سَنًة (
حَف َ
ن َيْقَتِر ْ
َ ) .وَم ْ
.قال :المودة لل محمد
:وعنه رضي ال تعالي عنه ,عن النبي صلي ال عليه وآله وسلم أنه قال
" .أحبوا ال لما يغذوكم به وأحبوني بحب ال وأحبوا أهل بيتي بحبي "
:وعن ابن مسعود رضي ال تعالي عنه
" .حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة "
:وعن أبي هريرة رضي ال تعالي عنه ,عن النبي صلي ال عليه وآله وسلم قال
" .خيركم خيركم لهلي من بعدي "
:وأخرج الطبراني وغيره أنه صلي ال عليه وآله وسلم قال
ل يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفيه وتكون عترتي أحب إليه من عترته " ،
" .وأهلي أحب إليه من أهله وذاتي أحب إليه من ذاته
وقال عليه الصلة والسلم " :يرد الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين
" .السبابتين
:وروي عنه صلي ال عليه وآله وسلم أنه قال
الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي ال عز وجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا " ,
" .والذي نفسي بيده لينفع عبدا عمله إل بمعرفة حقنا
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " من أراد التوسل وأن يكون له عندي يد أشفع له بها
.يوم القيامة فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم " أخرجه الديلمي
ي رضي ال تعالي عنه أخبرني رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم :وعن عل ّ
إن أول من يدخل الجنة أنا وفاطمة والحسن والحسين ,فقلت يا رسول ال فمحبونا ؟ "
" قال من ورائكم
وأخرج المام أحمد " أنه صلي ال عليه وآله وسلم أخذ بيد الحسنين وقال :من أحبني
" .وأحب هذين وأمهما وأباهما كان معي في درجتي يوم القيامة
.والمراد معية المشاهدة ل معية المنزلة
وقال عليه الصلة والسلم " :من اصطنع لحد من ولد عبد المطلب يدا فلم يكافئه بها
ي مكافئته غدا يوم القيامة إذا لقيني " أخرجه الطبراني مرفوعا
.في الدنيا فعل ّ
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " :أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة :المكرم لذريتي
والقاضي لهم حوائجهم والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه والمحب لهم بقلبه
" .ولسانه
ي رضي ال تعالي عنهما قال :قال وأخرج بن النجار في تاريخه عن الحسن بن عل ّ
:رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم
لكل شيء أساس وأساس السلم حب أصحاب رسول ال صلي ال عليه وسلم وحب "
" .أهل بيته
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي ال تعالي عنهما قال :قال رسول ال صلي ال
:عليه وآله وسلم
ل تزول قدم عبد حتى يسأل عن أربع :عن عمره فيم أفناه ,وعن جسده فيم أبله " ,
" .وعن ماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه ,وعن حبنا أهل البيت
ي رضي ال تعالي عنه :وأخرج الديلمي عن عل ّ
" .أثبتكم علي الصراط أشدكم حبا لهل بيتي وأصحابي "
وفي الصحيح " أن العباس رضي ال عنه شكا إلي رسول ال صلي ال عليه وسلم ما
تفعل قريش من تعبيسهم في وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم فغضب رسول ال
صلي ال عليه وسلم غضبا شديدا حتى احمر وجهه ودر عرق بين عينيه ,وقال :ما
بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم وال ل يدخل قلب رجل
" .اليمان حتى يحبهم لقرابتهم مني
" .وفي رواية " والذي نفسي بيده ل يدخل قلب رجل اليمان حتى يحبكم ل ورسوله
وقال رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم " :خمس من أوتيهن لم يعذر علي ترك عمل
الخرة :زوجة صالحة وبنون أبرار ,وحسن مخالطة الناس ,ومعيشة في بلده وحب
" .آل محمد صلي ال عليه وسلم
:وأخرج الطبراني في الوسط عن ابن عمر قال
" .آخر ما تكلم به النبي صلي ال عليه وسلم اخلفوني في أهل بيتي "
ي كرم ال تعالي وجهه قال
:وعن عل ّ
" .أدبوا أولدكم علي ثلث خصال :حب نبيكم وحب أهل بيته وقراءة القرآن "
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " :إن ل حرمات ثلثا من حفظهن حفظ ال أمر دينه
ودنياه ,ومن ضيعهن لم يحفظ ال له شيئا ,قيل وما هي يا رسول ال ؟ قال :حرمة
" .السلم ,وحرمتي ,وحرمة رحمي
وقد جري علي كمال مودتهم أكابر السلف والخلف وسيدهم أبو بكر الصديق ,فقد ثبت
عنه رضي ال تعالي عنه أنه قال :صلة قرابة رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم
ي من صلة قرابتي ,وأخرج البخاري عنه رضي ال تعالي عنه قوله " :أرقبوا أحب إل ّ
محمدا في أهل بيته " قال ابن علن في شرح رياض الصالحين قال المصنف يعني :
.المام النووي ارقبوا أي راعوه واحترموه وأكرموه هـ
وقال المناوي :قال الحافظ الزرندي :لم يكن أحد من العلماء المجتهدين ,والئمة
:المهتدين إل وله في أهل البيت الحظ الوافر ,والفخر الزاهر ,كما أمر ال تعالي بقوله
جًرا ِإل اْلَمَوّدَة ِفي اْلُقْرَبى { ا هـ {
عَلْيِه َأ ْ
سَأُلُكْم َ
ل ل َأ ْ
ُ .ق ْ
قلت :وإنما قيد الحافظ بالعلماء المجتهدين والئمة المهتدين ,لنهم قدوة المة ,فإذا
كانت هذه صفتهم فل ينبغي لمؤمن أن يتخلف عنهم ,فإن وصف اليمان كاف لوجوب
مودة أهل البيت رضي ال تعالي عنهم ,وبقدر زيادته تكون زيادتها ,ومن هنا كان
.للعلماء المجتهدين والئمة المهتدين في موالتهم الحظ الوافر والفخر الزاهر
هذا المام العظم أبو حنيفة النعمان رضي ال تعالي عنه والي إبراهيم بن عبد ال
المحض ابن الحسن المثني ابن الحسن السبط رضوان ال تعالي عليهم ,وأفتي الناس
بلزوم وجودهم معه ومع أخيه محمد ,وقيل إن سجنه رضي ال تعالي عنه كان في
.الباطن لهذا السبب ,وفي الظاهر لمتناعه عن القضاء
وهذا إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي ال تعالي عنه والي إبراهيم بن زيد بن عل ّ
ي
زين العابدين بن الحسين رضي ال تعالي عنهم ,وأفتي الناسبلزوم وجودهم معه
واختفي من أجله عدة سنين ,وقيل :أن الذي واله المام مالك هو محمد أخو إبراهيم
.بن عبد ال المحض الذي واله المام أبو حنيفة
ول أحفظ عن المام الجليل أحمد بن حنبل رضي ال تعالي عنه شيئا مخصوصا في
ذلك غير أنه مع كمال ورعه ودقة نظره قال بكفر يزيد بن معاوية وجواز لعنه وما ذاك
.إل لولئه لل المصطفى صلي ال عليه وآله وسلم مع ما ثبت عنده من الدليل
أما المام القرشي ابن عم النبي محمد بن إدريس الشافعي رضي ال تعالي عنه ,فقد
حمل إلي بغداد مكبل بالقيود بسبب شدة ولئه لل رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ,
ووقع له في ذلك أمور يطول شرحها بل بلغ معه الحال في محبتهم إلي أن نسبه أهل
.الزيغ والضلل إلي الرفض ,وحاشاه ثم حاشاه
وروى ابن السبكي في طبقاته بسنده المتصل إلي الربيع بن سليمان المرادي صاحب
المام الشافعي رضي ال تعالي عنه قال :خرجنا مع الشافعي من مكة نريد مني فلم
:ننزل واديا ولم نصعد شعبا إل وهو يقول
يا راكبا قف بالمحصب من مني
واهتف بقاعد خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى
فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد
فليشهد الثقلن أني رافضي
:وقد نص رضي ال تعالي عنه علي فريضة محبتهم بقوله
يا أهل بيت رسو ال حبكم
فرض من ال في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم لقدر أنكم
من لم يصل عليكم ل صلة له
قال الصبان :أي صلة كاملة أوصحيحة علي قول مرجوح للشافعي وقوله :في القرآن
:أنزله هو قوله تعالي
جًرا ِإل اْلَموَّدَة ِفي اْلُقْرَبى {
عَلْيِه َأ ْ
سَأُلُكْم َ
ل ل َأ ْ
ُ } .ق ْ
فانظر وفقنا ال تعالي وإياك إلي هولء الئمة وهداة المة واقف آثارهم في محبة أهل
بيت النبوة رضي ال تعالي عنهم ,فإنك إن كنت مسلما سنيا ل تخلو من أن تكون مقلدا
في أمر دينك أحد هؤلء الئمة الربعة العلم ومع كونهم رضي ال تعالي عنهم
اختلفوا في كثير من المسائل كما تري وإن كنت أيها الناظر في كتابي هذا يزيديا أو
زياديا فانظر إلي سيرة أسلفك اللئام تجدها سيرة أهل النار ,وتصفح أخبارهم تجدها
أخبار عار وشنار ,فإن كنت عاقل فلبد وأن تعلم أنهم كانوا علي أقبح ضللة ,وأفضح
جهالة ,فتكون علي خلف ما كانوا عليه تدخل الجنة دار المتقين ,وتحشر في زمرة
الذين أنعم ال تعالي عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ,وإن أبيت إل
مشاركة سلفك في السعير ,وبئس المصير ,فالزم طريقتهم تفز بما فازوا به من السبق
إلي غاية الضلل ,ويحق عليك كما حق عليهم من الهلك والوبال ,وتسحب إلي الجحيم
كما سحبوا بالسلسل والغلل ,ول محيد لك عن إحدى هاتين الدارين فاختر منهما ما
.تختار ,فليس ثمة إل الجنة أوالنار
ي كثرةقال سيدي عبد الوهاب الشعراني في المنن " :ومما من ال تبارك وتعالي به عل ّ
تعظيمي للشرفاء وإن طعن الناس في نسبهم وأري ذلك التعظيم من بعض ما يستحقونه
ي وكذلك أولد العلماء والولياء وتعظيمهم وإكرامهم بطريقة الشرعي ,ولو كانوا
عل ّ
علي غير قدم الستقامة ثم من أقل ما أعامل به الشريف في الجلل والتعظيم أن أعامله
.مثل ما أعامل نائب أي والي مصر أو قاضي العسكر
ومن جملة الدب مع الشرفاء أن ل يجلس أحدنا علي فرش أو مرتبة أو صفة والشريف
بضدد ذلك ,وأن ل نتزوج لهم مطلقة أو زوجة ماتوا عنها وكذلك ل نتزوج شريفة إل
إن كان أحدنا يعرف من نفسه القدرة علي القيام بواجب حقها وأن يعمل علي رضاها ,
فل يتزوج عليها ول يتسري ول نقتر عليها في المأكل والملبس دون قدرتنا ونقول :إن
جدك رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم اختار ذلك وكذلك ل نمنعها شهوة مباحة
سألتنا فيها ونقدم لها نعلها إذا قامت واحتاجت ,ونقوم لها إذا وردت علينا لنها بضعة
من رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ,وكذلك ل ننظر لها بدنا ولو لبيع وشراء إل أن
تعين ذلك علينا شرعا ,ول ننظر رجلها إذا كان أحدنا بائع أخفاف ,ول نمعن النظر
إليها في الزار إذا مرت علينا فإن ذلك يغضب جدها رسول ال صلي ال عليه وآله
" .وسلم
وقال رضي ال تعالي عنه ونفعنا ببركاته في كتابه البحر المورود في المواثيق والعهود
" :أخذ علينا العهود أن ل نتزوج قط شريفة إل إن كنا نعد أنفسنا من خدامها لنها
بضعة من رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ,فمن كان يري نفسه رقيقا لها ويعتقد أنه
متي خرج عن طاعتها أبق وأساء فليتزوج ومن ل فل ينبغي له ذلك ويقال لمن تزوجها
للتبرك السلمة مقدمة علي الغنيمة ,ل سيما إن تزوج عليها أو تسري أو آذاها ببخله
" .وشحه ويمكن المؤمن التبرك بها بالحسان إليها من غير تزوج
وبالجملة فل يقدر علي القيام بحق الشريفة وإكرامها إل من ماتت نفسه ،وصح له مقام
الزهد في الدنيا وباشر اليمان قلبه بحيث صار أولد رسول ال صلي ال عليه وآله
وسلم أحب إليه من أهله وولده وماله ,فإن كل شيء يؤذي الشرفاء يؤذي رسول ال
صلي ال عليه وآله وسلم .وكان سيدي علي الخواص ينهي من ينظر للشريفة وهي في
الزار والنقاب والخف ويقول للرائي :أنت لو رأيت شخصا يمعن النظر إلي بنتك في
.الزار أما كنت تتشوش فكذلك رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم
قلت :وينبغي للمتدين إذا بايع الشريفة أو فصدها أو داواها أن ل يفعل ذلك إل وهو في
غاية الخجل والحياء من رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ,ل سيما بائع الخفاف ,
وإن كنت يا أخي ممن يشدد في العمل بفروع الشريعة وأنه ل بد لك من رؤيتها لتشهد
عليها مثل فاستأذن بقلبك صاحب الشرع وانظر ,وإن كنت يا أخي كامل المحبة لولد
.رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم فأهد إليهم ما يريدون يشترونه منك
ثم قال رضي ال تعالي عنه :أخذ علينا العهود إذا كان لنا بنت أو أخت لها جهاز كبير
وخطبها شريف فقير ل يملك غير مهرها وقوت يومه وليلته أن نزوجه ول نرده ,وذلك
أن الفقر ليس بعيب نرد به الخطبة بل هو شرف ,وقد تمني رسول ال صلي ال عليه
:وآله وسلم ,بل سأل ربه عز وجل أن يحشره في زمرة الفقراء والمساكين وقال
" .اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا "
أي ل يفضل منه شيء في غداء ول عشاء ,فشيء اختاره رسول ال صلي ال عليه
وآله وسلم لذريته ,وأهل بيته هو غاية الشرف ومن رد شريفا فقيرا طلب تزويج ابنته
.يخاف عليه من المقت ,وال غني حميد
وكذلك أخذ علينا العهود إذا مررنا علي شريف أو شريفة علي قوارع الطريق يسألن
الناس أن ندفع لهما ما نقدر عليه من الدراهم أو الطعام أو الثياب أو نعرض عليهم
القامة عندنا لنقوم لهم بالكفاية الشرعية ،حيث استطعنا ذلك ,ويقبح علي من يدعي
محبة رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم أن يمر علي أولده وهم علي قوارع الطرق
يسألون الناس فل يعطيهم شيئا وال غفور رحيم .انتهي كلمه رضي ال تعالي عنه
.بحروفه
:وأخرج المل في سيرته أنه صلي ال عليه وآله وسلم قال
استوصوا بأهل بيتي خيرا فإني اخاصمكم عنهم غدا ,ومن أكن خصمه أخصمه ال " ,
" .ومن أخصمه ال أدخله النار
وفي الصحيح :أن بنت أبي لهب لما هاجرت إلي المدينة قيل لها لن تغني عنك هجرتك
أنت بنت حطب النار ,فذكرت ذلك للنبي صلي ال عليه وآله وسلم فاشتد غضبه ,ثم
:قال علي المنبر
ما بال أقوام يؤذوني في نسبي وذوي رحمي أل ومن آذي نسبي وذوي رحمي فقد "
.آذاني ومن آذاني فقد آذي ال " أخرجه كثير من أهل السنن
وأخرج الطبراني والحاكم عن ابن عباس رضي ال تعالي عنهما قال :قال رسول ال
:صلي ال عليه وآله وسلم
ت َقاِئَمُكْم ،وأنَُيَعّلَم " ن ُيَثّب َ
سَأْلُتُه َأ ْ
ل َلُكْم َثلًثا َ :
ت ا َّسَأْل ُ
ب ِإّني َ طِل ِعْبِد اْلُم ّ
َيا بني َ
صاَم ُ ،ثّم َما َ
ت صّلى َو َ ن َواْلَمَقاِم َف َ ن الّرْك ِ جل صعد َبْي َ ن َر ُجاِهَلُكْم َ ،وَيْهِدي ضاّلُكمَْ ،فَلْو َأ ّ
َ
ل الّناَر
خَسّلَم َد َ
عَلْيِه َو َ
ل َ صّلى ا ُّ حّمٍد َت ُم َ ل َبْي ِ
لْه ِ ض َ َ " .وُهَو ُمْبِغ ٌ
:وأخرج الطبراني عن ابن عباس
" .بغض بني هاشم والنصار كفر وبغض العرب نفاق "
وأخرج ابن عدي واليهقي في شعب اليمان عن عليّ رضي ال تعالي عنه قال :قال
:رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم
من لم يعرف عترتي والنصار فهو لحد ثلث :إما منافق وإما لزنية وإما لغير طهر "
".
.يعني حملته أمه علي غير طهر
وأخرج الطبراني في الوسط عن جابر بن عبد ال قال :خطبنا رسول ال صلي ال
:عليه وآله وسلم ,فسمعته ,وهو يقول
" .أيها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره ال يوم القيامة يهوديا "
وعن أبي سعيد الخدري رضي ال تعالي عنه أنه قال :قال رسول ال صلي ال عليه
:وآله وسلم
" .ل يبغضنا أهل البيت أحد إل أدخله ال النار "
.رواه الحاكم وصححه علي شرط الشيخين
ي رضي ال تعالي عنه وكرم وجهه أنه قال لمعاوية رضي ال تعالي عنه : وعن عل ّ
:إياك وبغضنا ,فإن ال صلي ال عليه وآله وسلم قال
ل يبغضنا ول يحسدنا أحد إل ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار " رواه "
.الطبراني
" .وروي أحمد مرفوعا " من أبغض أهل البيت فهو منافق
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " :حرمت الجنة علي من ظلم أهل بيتي وآذاني في
" .عترتي
وقال عليه الصلة والسلم " :سبعة لعنتهم وكل نبي مجاب وعد منهم صلي ال عليه
" .وآله وسلم المستحل من عترته ما حرم ال
* * * *
وقال عليه الصلة والسلم " :إن ال اختارني واختار لي أصحابي وجعل لي منهم
وزراء وأنصارا وأصهارا فمن سبهم فعليهم لعنة ال والملئكة والناس أجمعين ,ل يقبل
.ال منه صرفا ول عدل " رواه الطبراني
.وقوله صرفا ول عدل :أي فرضا ول نفل
وعن بن عمر قال :ل تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خيرمن عمل أحدكم
.عمره
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " :ال ال في أصحابي ل تتخذوهم غرضا بعدي فمن
أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ,ومن آذاني
" .فقد آذي ال ,ومن آذي ال يوشك أن يأخذه
:وعن ابن عباس قال :قال رسولل صلي ال عليه وآله وسلم
" .إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من شتم النبياء ثم أصحابي ثم المسلمين "
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " إذا أراد ال برجل من أمتي خيرا ألقي حب أصحابي
" .في قلبه
وقال عليه الصلة والسلم " :إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعنة ال علي
" .سّركم
" .وقال عليه الصلة والسلم " :إن شرار أمتي أجرؤهم علي صحابتي
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحي
إلي :يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوأ من بعض ,
" .فمن أخذ بشيء مما هم عليه فهو عندي علي هدي
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " شفاعتي مباحة إل لمن سب أصحابي
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إل بعث قائدا
" .ونورا لهم يوم القيامة
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " إذا ذكر أصحابي فأمسكوا
قال العلقمي :هذا علم من أعلم النبوة علم به عليه الصلة والسلم ,وأمرنا أن نمسك
عما شجر بين الصحابة أي وجوبا ,وما وقع بينهم من الحروب والمنازعات التي قتل
بسببها كثير منهم ,فتلك دماء طهر ال منها أيدينا فل نلوث بها ألسنتنا ,ونري الكل
مأجورين في ذلك ,لنه صدر منهم باجتهاد والمجتهد في مسألة ظنية مأجور ولو أخطأ
.
وقال العلمة ابن حجر الهيتمي في كتابه " أسني المطالب في صلة القارب " :يلزم
المسلم أن يتأدب مع صحابة رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم وأهل بيته بالترضي
عنهم ,ومعرفة فضلهم وحقهم ,والمساك عما شجر بينهم ,مع نزاهة كل منهم عن
ارتكابه شيئا يعتقد حرمته ,بل كل منهم مجتهد ,فهم مجتهدون مثابون المحق منهم
بعشرة أجور ,والمخطيء بأجر واحد والعقاب واللوم والنقص مرفوع عن جميعهم
.فتفطن لذلك وإل ذلت قدمك وحق هلكك وندمك ا هـ
وقال العلمة اللقاني في " شرح جوهرته الكبير " :وسبب تلك الحروب أن القضايا
:كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم ,وصاروا ثلثة أقسام
قسم ظهر له بالجتهاد أن الحق في هذا الطرف وأن مخالفه باغ ,فوجب عليهم
نصرته ,وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ,ففعلوا ذلك ,ولم يكن يحل لمن هذه صفته
التأخير عن مساعدة المام العادل في قتال البغاة في اعتقاده .وقسم عكسه سواء بسواء .
وقسم ثالث اشتبهت عليه القضية وتحيروا فيها ,فلم يظهر لهم ترجيح أحد الفريقين
فاعتزلوا الفريقين ,وكان هذا العتزال هو الواجب في حقهم ,لنه ل يحل القدام علي
.قتال مسلم حتي يظهر استحقاقه لذلك
وبالجملة :فكلهم معذورون مأجورون ,ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الجماع
علي قبول شهادتهم وروايتهم وتحقيق
.عدالتهم ا هـ
ي رضي وقال العلمة السعد :والذي اتفق عليه أهل الحق أن المصيب في جميع ذلك عل ّ
ال تعالي عنه .والتحقيق أنهم كلهم عدول متأولين في تلك الحروب وغيرهما من
المخاصمات والمنازعات لم يخرج شيء منها أحدا منهم عن عدالته إذ هم مجتهدون ا هـ
.
تنبيه اطلعت للحافظ السيوطي علي رسالة سماها " إلقام الحجر لمن زكي ساب أبي بكر
وعمر " نقل فيها التفاق علي فسق ساب مطلق الصحابة إذا لم يستحل ذلك وإذا استحله
فهو كافر لن أدني مراتبه أنه محرم وفسق واستحلل الحرام كفر إذا كان تحريمه
.معلوما من الدين بالضرورة وتحريم سب الصحابة كذلك
قال :وهو من الكبائر لن الكبيرة علي ما صححه المتأخرون كل جريمة تؤذن بقلة
اكتراث مرتكبها بالدين ,ورقة الديانة وممن صحح ذلك ابن السبكي في جمع الجوامع
وسبهم كذلك وما أجرأ فاعله علي ال تعالي ورسوله صلي ال عليه وآله وسلم وأقل
.اكتراثه بالدين
أظن الخبيث لعنه ال أن مثل هؤلء يستحق السب وهو مبرأ تقي نقي مستأهل للمدح ,
والثناء كل وال بفيه الحجر بل إذا ظن أنهم يستحقون السب اعتقدنا أنه يستحق الحرق ,
.وزيادة ا هـ
نزلت في أبي بكر رضي ال تعالي عنه كما في التفاسير ,وعنه رضي ال تعالي عنه
قال :قلت للنبي صلي ال عليه وآله وسلم وأنا في الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدمه
:لبصرنا قال
" .ما ظنك يا أبا بكر باثنين ال ثالثهما "
.أخرجه البخاري ومسلم
وأخرجا عن عمرو بن العاص رضي ال تعالي عنه قال :قلت يا رسول ال أي الناس
:أحب إليك ؟ قال
عائشة فقلت :من الرجال ؟ قال أبوها ,قال قلت ثم من ؟ قال عمر بن الخطاب إن ال "
" .تعالي يكره فوق السماء أن يخطأ أبو بكر الصديق في الرض
وعن عائشة أم المؤمنين رضي ال تعالي عنها قالت :قال رسول ال صلي ال عليه
:وآله وسلم في مرضه
ادعي لي أباك وأخاك حتي أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمني متمن ويقول قائل أنا أولى "
.ويأبى ال والمؤمنون إل أبابكر " رواه مسلم
:وعن أبي موسي الشعري رضي ال تعالي عنه قال
مرض النبي صلى ال عليه وآله وسلم ،فاشتد مرضه ،فقال ُ " :مروا أبا بكر "
فليصل بالناس " .فقالت عائشة :يا رسول ال ،إنه رجل رقيق القلب ،إذا قام مقامك لم
يستطع أن يصلى بالناس ،فقال " :مري أبا بكر فليصل بالناس " ،فعادت فقال " :
مري أبا بكر فليصل بالناس ،فإنكن صواحب يوسف " ،فأتاه الرسول ،فصلى بالناس
" .في حياة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
.أخرجه البخاري ومسلم
وعن عمار ابن ياسر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم " :أتاني جبريل
آنفاً فقلت :يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب ؟ فقال :يا محمد لو حدثتك
بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ألف سنة إل خمسين عامًا ما نفدت فضائل
" .عمر ،وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر
:وعن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
" .أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي "
وعن عمر بن الخطاب أنه قال :أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلي رسول ال صلى ال
.عليه وآله وسلم رواه الترمذي وقال صحيح
:وعنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
ما لحد عندنا يد إل وقد كافأناه إل أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه ال بها يوم القيامة وما
" .نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " :إن ال بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت
.وواساني بنفسه وماله " رواه البخاري
ي رضي ال تعالي عنه قال :أيها الناس أخبروني من هو أشجع الناس ؟ قالوا : وعن عل ّ
أنت قال :إني ما بارزت أحدًا إل انتصفت منه ,ولكن أخبروني بأشجع الناس ؟ قالوا ل
نعلم فمن ؟قال :أبو بكر ,إنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم عريشًا فقلنا :من يكون مع رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم لئل يصل إليه أحد
من المشركين ,فوال ما دنا منا أحد إل أبو بكر شاهرًا بالسيف على رأس رسول ال
صلى ال عليه وآله وسلم ل يهوي إليه أحد إل أهوي إليه ,فلهذا كان أشجع الناس ذكره
السيوطي في الرسالة المذكورة .وفيها وفي أسني المطالب لبن حجر المكي أخرج
ي كرم ال وجهه أنه قال :أيها الناس
البزار وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن عل ّ
أخبروني بأشجع الناس ؟ قالوا :ل نعلم فمن ؟ قال :أبو بكر ,لقد رأيت رسول ال
صلى ال عليه وآله وسلم وأخذته قريش فهذا يجؤه ,وهذا يتلتله ,وهم يقولون :أنت
الذي جعلت اللهة إلهًا واحدًا قال :فوال ما دنا منا أحد إل أبو بكر ,يضرب هذا ,
ل أن يقول ربي ال ,ثم رفع عل ّ
ي ويجيء هذا ويتلتل هذا وهو يقول :ويلكم أتقتلون رج ً
بردة كانت عليه ,فبكي حتي اخضلت لحيته ,ثم قال :أشدكم أمؤمن آل فرعون خير أم
أبو بكر ؟ فسكت القوم فقال :أل تجيبوني ؟ فوال لساعة من أبي بكر ,خير من مثل
.مؤمن آل فرعون ذاك رجل كتم إيمانه ,وهذا رجل أعلن إيمانه
وأخرج البزار عن أسيد بن صفوان قال :لما توفي أبو بكر سجي بثوب فارتجت المدينة
بالبكاء ,ودهش الناس كيوم قبض رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ,وجاء علي كرم
ال وجهه مسرعا مسترجعا ,وهو يقول :اليوم انقطعت خلفة النبوة ,حتى وقف على
باب البيت الذي فيه أبو بكر فقال :رحمك ال أبا بكر ,كنت أول القوم إسلما وأخلصهم
أيمانا ,وأشدهم يقينا ,وأخوفهم ل ,وأعظمهم غناء ,وأحفظهم على رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم وأحدهم على السلم ؛ وآمنهم على الصحابة ,وأحسنهم صحبة ,
وأفضلهم مناقب ,وأكثرهم سوابق ,وأرفعهم درجة ,وأقربهم من رسول ال صلى ال
عليه وآله وسلم ,وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا ,وأوثقهم عنده وأشرفهم منزلة ,
وأكرمهم عليه ,فجزاك ال عن السلم ,وعن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
.وعن المسلمين خيرا
:وروي عن ابن عمر :أن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال
" .إن ال جعل الحق علي لسان عمر وقلبه "
قال بن عمر :ما نزل بالناس أمر قط فقالوا له وقال إل نزل القرآن علي نحو ما قال
.عمر
وعن ابن عباس :لما أسلم عمر نزل جبريل عليه السلم فقال :يا محمد لقد استبشر أهل
.السماء بإسلم عمر رواه ابن ماجه
وعنه قال :لما أسلم عمر قال المشركون :قد انتصف القوم اليوم منا وأنزل ال َ " :يا
ن اْلُمْؤِمِني َ
ن ن اّتَبَعكَ ِم َ
ل َوَم ِ
ك ا ُّ
سُب َ
حْي َ
" َأّيَها الّنِب ّ
:وعن ابن عمر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
هذا غلق الفتنة وأشار بيده إلي عمر ل يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما "
.عاش هذا بين أظهركم " رواه البزار
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إل خر لوجهه
" .وقال عليه الصلة والسلم " إن الشيطان ليفرق منك يا عمر
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة
" .وقال عليه الصلة والسلم " قال لي جبريل ليبك السلم علي موت عمر
وروي الترمذي عن جابر بن عبد ال أن عمر قال لبي بكر :أخير الناس بعد رسول
ال صلى ال عليه وآله وسلم فقال له :أما إنك إن قلت ذلك فلقد سمعته صلي ال عليه
:وآله وسلم يقول
" .ما طلعت الشمس علي رجل خير من عمر "
" .وقال عليه الصلة والسلم " ما في السماء ملك إل وهو يوقر عمر
وعن علي كرم ال تعالي وجهه قال :كنا أصحاب محمد ل نشك أن السكينة تنطق علي
.لسان عمر ,رواه غير واحد
وعن اسماء بنت عميس قالت :دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر ,وهو يشتكي
في مرضه فقال له :أتستخلف علينا عمر وقد عتا علينا ،ول سلطان له ؟ فكيف لو
ملكنا كان أعتى وأعتى ،فكيف تقول ل إذا لقيته ؟ فقال أبو بكر :أجلسوني فلما أجلسوه
.قال :أبال تعرفوني ؟ فإني أقول إذا لقيته :إستخلفت عليهم خير أهلك
وقال معاوية لصعصعة بن صوحان :صف لي عمر بن الخطاب ؟ قال :كان عالماً
ل للعذر ،سهل الحجاب ,مفتوح الباب ،
ل في نفسه ،قليل الكبر ،قبو ً
برعيته ،عاد ً
متحرى الصواب ،بعيدًا من الساءة ،رفيقًا بالضعيف ،غير صخاب ،كثير الصمت ،
.بعيدًا من العبث
وفي طبقات ابن السبكي ,عن أبي بكرة رضي ال تعالي عنه قال :وقف أعرابي على
:أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي ال تعالي عنه فقال
يا عمر الخير جزيت الجنة ...أكس بنياتي وأمهنه
أقسم بال لتفعلنه
فقال عمر :وإن لم أفعل يكون ماذا ؟ فقال العرابي
إذا أبا حفص لمضينه
:قال :فإن مضيت يكون ماذا ؟ قال
وال عنهن لتسألنه ...يوم يكون العطيات ثنه
:أي ثمة أبدل الميم نونا وهي لغة
والواقف المسئول ينهينه ...إما إلى نار وإما جنه
فبكى عمر حتى اخضلت لحيته ,وقال لغلمه :يا غلم أعط قميصي هذا لذلك اليوم ل
.لشعره ,ثم قال :وال ل أملك غيره
وقال أبو بكر الخرائطي :رحم ال تعالي عمر ما كان أنظره بنور ال في ذات ال
:وأفرسه كان وال كما قال الشاعر
بصير بأعقاب المور برأيه
كأن له في اليوم عينا علي غد
وقوله صلي ال عليه وآله وسلم " إن ال تعالي أيدني بأربعة وزراء :اثنين من أهل
" .السماء جبريل وميكائيل ,واثنين من أهل الرض أبي بكر وعمر
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " إن لكل نبي خاصة من أصحابه ,وإن خاصتي من
" .أصحابي أبوبكر وعمر
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما نفاق
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " :خير أمتي أبو بكر وعمر
" .وقال عليه الصلة والسلم " :سيد كهول الجنة أبو بكر وعمر
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " :صالح المؤمنين أبو بكر وعمر
" .وقال عليه الصلة والسلم " ما قدمت أبا بكر وعمر ولكن ال قدمهما
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " أحشر أنا وأبو بكر وعمر هكذا وأخرج السبابة
" .والوسطي والبنصر
ي أمتي وأكرمها
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " :عثمان أح ّ
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " :لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان
وقال عليه الصلة والسلم " :ليدخلن بشفاعة عثمان سبعون ألفا كلهم قد استوجبوا النار
" .الجنة بغير حساب
وقال صلي ال عليه وآله وسلم " ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم
. " .قال المناوي :قيل هو عثمان
" .وقال عليه الصلة والسلم " لكل نبي خليل في أمته ,وإن خليلي عثمان بن عفان
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض
.قال ابن إسحاق أنفق عثمان في جيش العسرة نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها
وروي عن قتادة أنه قال :حمل عثمان رضي ال تعالي عنه في جيش العسرة علي ألف
.بعير وسبعين فرسا
وعن حذيفة بن اليمان :أن عثمان رضي ال تعالي عنه جاء يومئذ بعشرة آلف دينار
فصبت بين يديه صلي ال عليه وآله وسلم ,صلى ال عليه وآله وسلم يقول بيده ويقلبها
:ظهرًا لبطن ويقول
غفر ال لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما هو كائن إلى يوم القيامة ،ما يبالي "
" .عثمان ما عمل بعدها
وروي البيهقي عن عبد الرحمن بن خباب رضي ال تعالي عنه قال :خطب رسول ال
صلي ال عليه وآله وسلم فحث الناس علي جيش العسرة فقال عثمان على مائة بعير
بأحلسها وأقتابها ،ثم نزل مرقاة أخري من المنبر ,فحث الناس فقال عثمان على مائة
بعير أخري بأحلسها وأقتابها ،ثم نزل مرقاة أخري ,فحث الناس فقال عثمان على
مائة بعير أخري بأحلسها وأقتابها ،قال فرأيت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم
:يقول بيده هكذا ,يحركها كالمتعجب وقال
" .ما على عثمان ما عمل بعد هذا اليوم "
ي المرتضيسيدنا عل ّ
رضي ال تعالي عنه وكرم وجهه
ي موله
" .قال عليه الصلة والسلم " من كنت موله فعل ّ
ي بابها
" .وقال صلى ال عليه وآله وسلم " :أنا دار الحكمة وعل ّ
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " :عليّ أخي في الدنيا والخرة
" .وقال صلي ال عليه وآله وسلم " من آذي علّيا فقد آذاني
" .وقال عليه الصلة والسلم " :من سب علّيا فقد سبني ومن سبني فقد سب ال
وحينما استخلفه علي المدينة يوم غزوة تبوك أرجف المنافقون بأنه إنما خلفه استثقال ,
:فأخذ سلحه وأتي النبي صلي ال عليه وآله وسلم ,وأخبره الخبر فقال
ي" كذبوا ،ولكن خلفتك لما تركت ورائي ،فارجع في أهلي وأهلك ،أفل ترضى يا عل ّ
" .أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إل أنه ل نبي بعدي
فقال :رضيت ثم رضيت ثم رضيت قال السيد أحمد دحلن في سيرته :قال أهل
السنة :إن هارون عليه السلم إنما كان خليفة في حياة موسي عليه السلم حين ذهب
ي رضي ال تعالي عنه في أهل النبي إلي الميقات فدل ذلك علي تخصيص خلفة عل ّ
صلي ال عليه وآله وسلم مدة غيبته في تبوك ,كما كان هارون خليفة موسي عليهما
السلم في قومه مدة غيبته عنهم للمناجاة .وقد استخلف صلي ال عليه وآله وسلم غير
ي رضي ال علي في مرات أخر ,فهل يلزم أن يكون مستحقا للخلفة ؟ ولما سئل عل ّ
تعالي عنه وكرم وجهه في زمن خلفته :هل أوصي لك النبي صلي ال عليه وآله وسلم
بالخلفة ؟ قال ل ,ولو أوصي لي بها لقاتلت عليها ,حتي لولم يبق معي إل سيفي
.وردائي ,ولو أوصي لي بها لما بايع أبا بكر وعمر وعثمان رضي ال تعالي عنهم
وقول الرافضة إن ذلك كان منه تقية كذب وزور ,فإنه كان رضي ال تعالي عنه ذا قوة
وشجاعة وقد توفرت عشيرته من بني هاشم فكانوا أهل قوة ومنعة ,فيلزم الرافضة
.نسبته للجبن والذل وحاشاه ال من ذلك ا هـ
وأخرج الحافظ محب الدين بن النجاري في تاريخ بغداد عن ابن المعتمر مسلم بن
ي بن أبي طالب رضي ال تعالي عنه أوس ,وحارثة بن قدامة السعدي أنهما حضرا عل ّ
يخطب وهو يقول :سلوني قبل أن تفقدوني ,فإني ل أسأل عن شيء دون العرش إل
.أخبرت عنه
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو نعيم عنه رضي ال تعالي عنه أنه قال علي منبره :أما إني
فقأت عين الفتنة ,وإني وايم ال لول أن تتكلوا فتدعوا العمل لحدثتكم بما سبق علي
لسان نبيكم صلي ال عليه وآله وسلم ,ثم قال :سلوني فإنكم ل تسألوني عن شيء فيما
.بينكم وبين الساعة إل حدثتكم
وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن ربيع قال :بلغ علّيا أن أناسا يقولون فيه فصعد المنبر
فقال :أنشد ال رجل سمع من النبي صلي ال عليه وآله وسلم شيئا إل قام فقام جماعة
:فقالوا :نشهد أن رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم قال
ي موله ,اللهم وال من واله وعاد من عاداه " " .من كنت موله فعل ّ
ي " أنه عليه الصلةوروي :أن سبب قوله صلي ال عليه وآله وسلم " أقضاكم عل ّ
والسلم كان جالسا مع جماعة من الصحابة ,فجاء خصمان ,فقال أحدهما :يا رسول
ال إن لي حمارا وإن لهذا بقرة ,وإن بقرته قتلت حماري ,فبدأ رجل من الحاضرين
:فقال :ل ضمان علي البهائم فقال صلي ال عليه وآله وسلم
" .أقض بينهما يا عليّ "
ي لهما :كانا مرسلين أم مشدودين ؟ أم أحدهما مشدودا والخر مرسل ؟ فقال : فقال عل ّ
ي :صاحب البقرة ضامن كان الحمار مشدودا والبقرة مرسلة ,وصاحبها معها ,فقال عل ّ
.للحمار فأقر صلي ال عليه وآله وسلم حكمه وأمضي قضاءه
.وكان صلي ال عليه وآله وسلم إذا غضب ل يجتريء أحد أن يكلمه إل عل ّ
ي
:وروي ابن مسعود عن النبي صلي ال عليه وآله وسلم أنه قال
ي عبادة "
" .النظر إلي عل ّ
:ومما ورد في الربعة رضوان ال تعالي عليهم قوله صلي ال عليه وآله وسلم
أرأف أمتي بأمتي أبو بكر ,وأشدهم في دين ال عمر ,وأصدقهم حياء عثمان "
" .وأقضاهم عل ّ
ي
وقوله صلي ال عليه وآله وسلم " رحم ال أبا بكر زوجنى ابنته وصحبني إلى دار
الهجرة وأعتق بلل من ماله وما نفعني مال في السلم ما نفعني مال أبي بكر ,رحم
ال عمر يقول الحق وإن كان مرا لقد تركه الحق وماله من صديق ,رحم ال عثمان
تستحييه الملئكة وجهز جيش العسرة وزاد في مسجدنا حتي وسعنا ،رحم ال عليا اللهم
" .أدر الحق معه حيث دار
وقد ورد في فضائل كل منهم رضوان ال تعالي عليهم من الكتاب والسنة وكلم الئمة
ودون في التواريخ والسير ,وكتب التفسير والثر من محاسن أقوالهم وأفعالهم
.وأخلقهم وأحوالهم ما لو أريد استقصاؤه لمل مجلدات ,وكان ما فات أكثر مما هو آت
تنبيه :قال اللقاني في " هداية المريد لجوهرة التوحيد " أفضل الصحابة أهل الحديبية ,
وأفضل أهل الحديبية ,أهل أحد وأفضل أهل أحد أهل بدر ,وأفضل أهل بدر العشرة ,
وأفضل العشرة الخلفاء الربعة ,وأفضل الربعة أبو بكر ,والمراد من الفضلية
أكثرية الثواب .ومما يجب اعتقاده أن أفضل الصحابة رضي ال تعالي عنهم أجمعين ,
هم الذين ولوا الخلفة بعده صلي ال عليه وآله وسلم ,وبين عليه الصلة والسلم مدتها
:بقوله
" .الخلفة بعدي ثلثون سنة ثم تصير ملكا عضوضا "
فقد صرح كل كلمه عليه الصلة والسلم بأن الئمة الربعة أفضل الصحابة ,لن هذه
المدة كانت دور وليتهم ,وترتيبهم في الفضل علي حسب ترتيبهم في الخلفة ,فالسبق
فيها أكثرهم فضل ثم التالي فالتالي عند أهل السنة وإماميهم أبي الحسن الشعري وأبي
ي ,رضوان ال تعالي عليهم منصور الماتريدي ,فأفضلهم أبو بكر فعمر ,فعثمان ,فعل ّ
.
قال المام الغزالي :حقيقة الفضل ما هو عند ال تعالي وذلك مما ل يطلع عليه إل
رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم ,وقد ورد الثناء عليهم في أخبار كثيرة ,ول يدرك
دقائق الفضل والترتيب فيه إل المشاهدون للوحي والتنزيل بقرائن الحوال ,فلول
فهمهم ذلك لما رتبوا المر كذلك إذ كانوا ل تأخذهم في ال لومة لئم ,ول يصرفهم عن
الحق صارف ,ونحوه قول السعد :علي هذا وجدنا السلف والخلف .والظاهر أنهم لو
لم يكن لهم دليل علي ذلك لما حكموا به وقوله في شرح المقاصد :يدل لنا إجمال أن
جمهور عظماء الملة وعلماء المة أطبقوا علي ذلك ,وحسن الظن بهم يقضي بأنهم لو
.لم يعرفوه بدلئل وأمارات لما أطبقوا عليه ا هـ كلم اللقاني ملخصا
قلت :وقول السعد جمهور عظماء الملة يفيد أن ذلك ليس إجماعيا ,وهو كذلك في
ي رضي ال تعالي عنهما ,فقد قال بعض أكابر أهل السنة الترتيب بين عثمان وعل ّ
ي علي عثمان ومنهم سفيان الثوري ,والمام مالك في قوله الول ,ثم رجع بتفضيل عل ّ
ي .قال النووي :وهو الصحيح ,وقال اللقاني :وهو عنه إلي تفضيل عثمان علي عل ّ
.الصح
أما تفضيل أبي بكر علي الثلثة وعمر علي الثنين فهو أمر إجماعي كما قال العلمة
ي نفسه :خير الناس بعدابن حجر في خاتمة الفتاوي ,وعبارته :قصد صح عن عل ّ
النبي صلي ال عليه وآله وسلم أبو بكر ثم عمر ثم رجل آخر ,فقال له ابنه محمد رضي
ال تعالي عنهما ,ثم أنت يا أبت فقال :ما أبوك إل رجل من المسلمين ,ومن ثمة أجمع
أهل السنة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم علي إن أفضل الصحابة علي الطلق :
أبو بكر ,ثم عمر رضي ال تعالي عنهما ,وفي موضع آخر منها سئل أي ابن حجر :
هل الفضلية بين الخلفاء الربعة قطعية أم اجتهادية ,إذ ل شاهد من العقل يقطع
بأفضلية بعضهم علي بعض ,والخبار الواردة في فضائلهم متعارضة ؟ فأجاب رحمه
ال تعالي بقوله :إن أفضلية أبي بكر رضي ال تعالي عنه علي الثلثة ,ثم عمر رضي
ال تعالي عنه علي الثنين مجمع عليها عند أهل السنة ل خلف بينهم في ذلك ,
والجماع يفيد القطع ,وأما أفضلية عثمان علي عليّ رضي ال تعالي عنهما فظنية ,
لن بعض أكابر أهل السنة كسفيان الثوري فضل علّيا علي عثمان ,وما وقع فيه خلف
ي كرم ال تعالي بين أهل السنة فظني ,وأما الحاديث في ذلك فمتعارضة جدا ,بل عل ّ
وجهه ورد فيه من الحاديث المشعرة بفضله مالم يرد في الثلثة .وأجاب عنه بعض
الئمة بأن سبب ذلك أنه عاش إلي زمن الفتن وكثرت أعداؤه وقدحهم فيه ,وحطهم عليه
,وغمصهم لحقه بباطلهم ,فبادر حفاظ الصحابة رضوان ال تعالي عليهم ,وأخرجوا ما
عندهم في حقه ردعا لولئك الفسقة المارقين والخوارج المخذولين ,وأما بقية الثلثة فلم
.يقع لهم ما يدعوا الناس إلي التيان بمثل ذلك الستيعاب ا هـ
وقال المام الشعراني في المنن :قال أبو بكر بن عياش :لم أتاني أبو بكر وعمر وعليّ
ي قبلهما لقرباه من رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم , في حاجة ,لبدأت بحاجة عل ّ
ولئن أخر من السماء إلي الرض ,أحب إلي من أن أقدمه عليهما .قال اللقاني :ول
يخفي صحة شمول الفضل لسائر أسبابه من علم وشجاعة ,وحسن رأي ,وقرب من ال
.ورسوله ومحبة لهما ومنهما
وروي عنه رضي ال تعالي عنه أنه قال :اضطرب الناس بعد رسول ال صلي ال
عليه وآله وسلم ,فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر فلذلك استعملوه علي
.رقاب الناس
تنبيه :قد ظهر لذهني القاصر معني شريف ,وحجة قوية في تأييد مذهب أهل السنة
الجامعين بين حب الصحابة والل وتزييف مذهب المفرقين بينهم من أهل الرفض
والضلل ,وذلك أن جميع ما ثبت من فضل الصحابة رضوان ال تعالي عليهم ,هو في
الحقيقة من فضائل أهل بيت النبوة زيادة علي ما نالوه بانتسابهم إلي حضرة صاحب
الرسالة من الفضل ,فإنهم صحابة جدهم العظم صلي ال عليه وآله وسلم ل صحابة
نبي سواه ,وهم وإن كانوا في أنفسهم فضلء نبلء حائزين من كل وصف جميل
محضه ولبابه إل أن أفضليتهم على من سواهم من المة إنما هي لفوزهم بتلك الصحبة
الشريفة التي ل يوازيها عمل عامل ,ول اجتهاد مجتهد ,وما يلزمها من اقتباس النوار
والسرار ,فضل عن فدائهم له صلي ال عليه وآله وسلم بكل ما قدروا عليه من نفس
ومال وولد والد وخوض كثير منهم أمامه في غمار الحروب ,ومخالطتهم المنايا ,حتي
ظهر دين ال المبين ,وخفقت أعلمه في العالمين وإل فإنا نجد في التابعين فمن بعدهم
من هو أعلم وأعبد وأروع وأزهد وأكثر حربا وجهادا وطعانا وجلدا من بعض صغار
الصحابة الذين لم تطل صحبتهم له صلي ال عليه وآله وسلم ,ولم يلزموه في كثير من
مواطنهم الشريفة وغزواته المظفرة ,ومع هذا فأقلهم فضل أفضل التابعين ,من بعدهم
.إلي يوم القيامة
فتلخص أنه صلي ال عليه وآله وسلم هو الصل الذي تفرع عنه فضل الصحابة
رضوان ال تعالي عليهم ,وكذا جميع ما ثبت لهل البيت من الفضل هو أيضا يحسب
من فضائل الصحابة الكرام زيادة على ما اتصفوا به من الفضل والفخر بصحبتهم له
صلي ال عليه وآله وسلم ,فإنهم ذرية نبيهم الذي استنقذهم من ظلمات الشرك ,وزجهم
في أنوار التوحيد ,وفازوا بما فازوا به بسببه من السيادة الدنيوية والسعادة البدية
وذريته صلي ال عليه وآله وسلم بعضه ,فكما أن فضل الكل وهو النبي عليه الصلة
والسلم هو زيادة في فضل أصحابه الذي هو متفرع عن فضله فكذلك بعضه وهم
.الذرية الطاهرة ,فإن فضلهم فرع عن فضله صلي ال عليه وآله وسلم
فقد علمت أن أصل الفضلين فضل الذرية ,وفضل الصحابة هو رسول ال صلي ال
عليه وآله وسلم ,وهما فرعان عن أصل واحد ,فمهما حصل لحدهما من مدح أو ذم
.لبد وأن يتعدي إلي الخر
فلعنة ال تعالي على من فرق بينهما بولء بعضهم ومعاداة البعض فإن من عادى
أحدهما لم ينفعه ولء الخر ,وكان عدو ال ورسوله ولمن التزم ولءه أيضا ,وانظر
ي زين العابدين رضي ال تعالي عنهما حين خرج علي هشام بن إلي سيدنا زيد بن عل ّ
عبد الملك فقد بايعه وقتئذ ناس كثير من أهل الكوفة ,وطلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين
أبي بكر وعمر لينصروه ,فقال :كل بل أتولهما فقالوا :إذا نرفضك ,فقال :اذهبوا
فأنتم الرافضة فسموا رافضة من حينئذ وجاءت طائفة وقالوا :نحن نتولهما ونتبرأ
ممن يتبرأ منهما فقبلهم ,وقاتلوا معه فسموا الزيدية ,غير أنهم خلف من بعدهم خلف ,
خرجوا عن مذهب زيد ,وبقي عليهم السم فقط فمن أراد سعادة الدارين ,فعليه بمحبة
الطرفين ملتزما في ذلك الطريق الشرعي غير حائد عن سنن السلف والخلف ,وهو
مذهب أهل السنة السنية ,وهداة الملة الحنيفية أماتنا ال علي ذلك غير مبدلين ,ول
.مغيرين ,ول مفتونين ,ول فاتنين
:قال ابن السبكي في الطبقات :قال المام عبد ال بن المبارك رضي ال تعالي عنه
إني امرؤ ليس في ديني لغامزه ...لين ولست على السلم طعانا
فل أسب أبا بكر ول عمرا ...ولن أسب معاذ ال عثمانا
ول الزبير حواري الرسول ول ...أهدي لطلحة شتما عز أو هانا
ول أقول علي في السحاب إذا ...قد فلت وال ظلما ثم عدوانا
وهي قصيدة طويلة منها
ال يدفع بالسلطان معضلة ...عن ديننا رحمة منه ورضوانا
لول الئمة لم تأمن لنا سبل ...وكان أضعفنا نهبا لقوانا
وقيل :إن هارون الرشيد أعجبه ,ولما بلغه موت ابن المبارك أذن للناس أن يعزوه
فيه ,وقال أليس هو القائل
.ال ) يدفع ( البيتين ا هـ
فإن قلت :تفريعك هذين الفرعين أهل البيت والصحابة رضوان ال تعالي عليهم عن
الصل الواحد وهو النبي صلي ال عليه وآله وسلم بالصفة التي ذكرتها يشعر بتفضيل
.الذرية الطاهرة علي الصحابة الكرام رضوان ال تعالي علي الجميع
قلت :نعم وهو كذلك من حيث أنهم ذريته صلي ال عليه وآله وسلم ل من كل حيثية ,
وهذا مما ل يشتبه فيه عاقل ,فإن الذرية الطاهرة من هذه الحيثية أفضل للعالمين على
الطلق ,فإن ذلك يرجع لتفضيله عليه الصلة والسلم ,ول يشك مؤمن بإنه أفضل
الخلق كافة وهو بمنزلة قولك جدهم عليه الصلة والسلم أفضل من كل جد ,وهل
يرتاب في هذا مؤمن ,ومن هنا قال المام السبكي وغيره في حق السيدة فاطمة رضي
ال تعالي عنها :ل نفضل علي بضعة رسول ال صلي ال عليه وآله وسلم أحدا فأنت
تراهم وصفوها بالبضعية التي هي داعية التفضيل ,على أمها خديجة ومريم وعائشة ,
ي أو أم الحسنين أو غير ذلك من أوصافها الشريفة , ولم يقولوا ل نفضل علي زوجة عل ّ
وهذا المعني موجود في سائر أولده وبناته صلي ال عليه وآله وسلم ,فهم من تلك
الحيثية أفضل الناس ,وصرح بأفضلية السيدة فاطمة على جميع الصحابة الشيخين فمن
عاداهم الشمس العلقمي ,وقيده المناوي بحيثية البضعية قال :فإن الشيخين بل الخلفاء
الربعة أفضل منها من حيث المعرفة والعلم ورفع منار السلم ,ولهذا نبه العلمة
اللقاني في شرح الجوهرة بعد ذكر أفضلية الخلفاء الربعة علي من سواهم بقوله :ل
يشكل الحكم المذكور بالذرية الشريفة لنه ل من حيث البضعية المكرمة ,يعني وأما من
.حيث البضعية فالذرية أفضل
فاعلم ذلك واعرف منزلة أهل بيت النبوة وما خولهم ال تعالي من الفضل الوهبي ,
:واختصهم به من الشرف القربي
هم القوم من أصفاهم الود مخلصا
تمسك في آخراه بالسبب القوي
هم القوم فاقوا العالمين مناقبا
محاسنهم تحكي وآياتهم تروي
موالتهم فرض وحبهم هدى
وطاعتهم ود وودهم تقوي
قال في السعاف :واعلم إن المحبة المعتبرة الممدوحة هي ماكانت مع أتباعه بسنتهم
المحبوبة إذ مجرد محبتهم من غير اتباع لسنتهم كما تزعمه الشيعة والرافضة من
محبتهم مع مجانبتهم للسنة ل تفيد مدعيها شيئا من الخير بل تكون عليه وبال وعذابا في
الدنيا والخرة ,على أن هذه ليست محبة في الحقيقة إذ حقيقة المحبة الميل إلي المحبوب
,وآيثار محبوباته ومرضياته على محمبوبات النفس ,ومرضياتها والتأدب بأخلقه
.وآدابه
ي كرم ال تعالي وجهه :ل يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر :أي ومن ثم قال عل ّ
.لنهما ضدان وهما ل يجتمعان
وأخرج الدار قطني مرفوعا " :يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك في الجنة وأن قوما
يزعمون أنهم يحبونك يصغرون السلم ,ثم يلفظونه ,يمرقون منه كما يمرق السهم
من الرمية لهم نبذ يقال لهم الرافضة فإذا أدركتهم فقاتلهم ,فإنهم مشركون " قال
.الدارقطني ولهذا الحديث عندنا طرقات كثيرة ا هـ
وقوله :والشيعة والرافضة أرادا غلة الشيعة ,فيكون عطف الرافضة عليهم عطف
مرادف أو عطف تفسير ,أما شيعتهم الذين لم يفارقوا سنتهم من محبة الصحابة ومعرفة
منازلهم في الفضل فهم القوم الخيار المبرءون من كل عاد ,وهم الذين عناهم رسول
:ال صلي ال عليه وآله وسلم بقوله
" .يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك في الجنة "
ي وكان فاضل عن أبيه عن جده :إنما شيعتنا من ي بن الحسين بن عل ّ قال موسي بن عل ّ
ي رضي ال تعالي عنه مدة خلفته وجميع من أطاع ال ,وعمل عملنا ,كأصحاب عل ّ
نصره وخاض معه غمرات الحروب في جميع وقائعه قوقعة الجمل وصفين ,
والنهروان ,فإنه رضي ال تعالي عنه وكرم وجهه هو المصيب في جميعها وغيره
مخطئ ,والكل على هدى لجتهادهم في طلب الحق ,ماعدا الخوارج الذين منهم أهل
النهروان ,فإنهم كفرة فجرة ,لنهم كانوا يعتقدون معاذ ال تعالي كفره بالتحكيم وكفر
كثير من الصحابة والمسلمين الذين رضوا بذلك .وهناك طائفة من الشيعة يقال لهم
ي كرم ال تعالي وجهه على سائر الصحابة مع اعتقاد المفضلة ,يقولون :بتفضيل عل ّ
فضلهم وعدلهم ,والعتراف بما خولهم ال تعالي من الشرف وعلوا المنزلة ,وهؤلء
ي فهم أهل بدعة خفيفة وإن خالفوا ما انعقد عليه الجماع ,من تفضيل الشيخين علي عل ّ
.ل يتفرع عليها خلل في الدين ,فقد ذكرهم الحافظ السيوطي ولم يطعن في عقيدتهم
ونقل عن الحافظ الذهبي وغيره أنهم عدول ثقات ,وأن روايتهم مقبولة ,وشهادتهم غير
معلومة ,هذا مع تدقيق الذهبي في رجال الحديث إلي درجة أدته للطعن في بعض
الثقات الذين زكاهم غيره .قال ومن هذه الطائفة كثير من السلف والخلف وإذا أطلق
لفظ الشيعة في الكتب ,فالمراد منه هؤلء مالم يقيد بالغلو ,كأن يقال شيعي غال أو
.غلة الشيعة
أما الروافض فهم ما بين كافر وفاسق ,لنهم رفضوا موالة كثير من الصحابة رضي
ال تعالي عنهم ,والكافر من يطعن في السيدة عائشة أم المؤمنين ,وينكر صحبة أبيها
رضي ال تعالي عنهما ,ول تشتبه بما سأتلوه عليك من كلم العارف الشعراني فإنه
إنما قصد من الروافض ,مفضلة الشيعة كما تصرح به عبارته قال :أخذ علينا العهود
أن ل نسب الروافض الذين يقدمون عليا في المحبة على أبي بكر وعمر رضي ال
تعالي عنهما ل الذين يسبونهم ل سيما إن كانوا أشرافا من أولد السيدة فاطمة رضي ال
.تعالي عنها ,أو من أهل القرآن
فإياك يا أخي من قولك فلن رافضي كلب ,فإن ذلك ل ينبغي والذي نعتقده إن التغالي
ي والحسن والحسين وذريتهما مطلوبة بنص القرآن في قوله تعالي :في محبة عل ّ
جًرا ِإل اْلَموَّدَة ِفي اْلُقْرَبى {
عَلْيِه َأ ْ
سَأُلُكْم َ
ل ل َأ ْ
ُ } .ق ْ
والود ثبات المحبة ودوامها فنسكت عن سب من قدم جده في المحبة على غيره ما لم
يعارض النصوص ,وذلك لن تعصب النسان لجداده الذين حصل له بهم الشرف ,
أمر واقع في كثير من العلماء فضل عن آحاد الناس من الشرفاء ,ولذلك قالوا من
ي رضي ال تعالي عنهم وكان النوادر شريف سني يقدم أبا بكر وعمر على جده عل ّ
:المام الشافعي رضي ال تعالي عنه ينشد
إن كان رفضا حب آل محمد
فليشهد الثقلن أني رافضي
فاعذر يا أخي كل من قامت له شبهة ما لم تهدم شيئا من أصول الدين الصريحة كإنكار
صحبة أبي بكر لرسول ال صلي ال عليه وآله وسلم أو براءة عائشة رضي ال تعالي
عنها واترك أمر الروافض إلي ال تعالي يفصل بينهم يوم القيامة ا هـ وهو كلم عارف
.كبير منصف خبير رضي ال تعالي عنه ونفعنا به
وقوله :من النوادر شريف سني ,ليس هو مقابل الرافضي بمعناه الحقيقي ,وإنما هو
ي رضي ال مقابل الشيعي المفضل ,ولذلك قال بعده :يقدم أبا بكر وعمر على جده عل ّ
تعالي عنهم والرافضي ل يقر لبي بكر وعمر ,بفضل ل مقدما ول مؤخرا بل يصفهما
بما ل ينبغي ,ومعاذ ال تعالي أن يقول بذلك أحد ممن صحت نسبته إلي رسول ال
.صلي ال عليه وآله وسلم
ي منوحاصل العبارة أن الشريف السني الموصوف بتقديم أبي بكر وعمر على جده عل ّ
النوادر وأكثرهم سنيون ل يقولون بالتقديم مع حب الشيخين والصحابة جميعا
والعتراف بفضلهم وهذا ل يضرهم في دينهم شيئا ول سيما إذا كان التقديم في المحبة
.ل التفضيل وهو الذي ينبغي حمل العبارة عليه فافهم وال سبحانه وتعالي أعلم
قال جامعه :هذا ما أراد ال تعالي إبرازه على يد هذا العبد الضعيف وتم تبييضه وطبعه
في بيروت في شهر شوال سنة 1309بعد أن بقي في مسودته إحدي عشرة سنة وأسأله
.سبحانه أن يتقبله مني ويرضي به عني
وصلي ال تبارك وتعالي علي سيدنا محمد وعلى جميع النبياء والمرسلين وآلهم
وصحبهم أجمعين عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته كلما ذكره الذاكرون
.وغفل عن ذكرهم الغافلون وسلم تسليما كثيرا والحمد ل رب العالمين