Professional Documents
Culture Documents
السلمية
ََ
ء
ص النْبِيَــــــــــا ِ
ص ُ
قـــــــ َ َ
الجزء الول
بسم الله الرحمن الرحيم
وهذه الحاديث كلها دالة على استخراجه تعالى ذرية آدم من
ظهره كالذر ،وقسمتهم قسمين :أهل اليمين وأهل الشمال ،وقال:
هؤلء للجنة ول أبالي ،وهؤلء للنار ول أبالي.
فأما الشهاد عليهم واستنطاقهم بالقرار بالوحدانية؛ فلم يجيء
في الحاديث الثابتة .وتفسير الية التي في سورة العراف وحملها
على هذا فيه نظر كما بيناه هناك وذكرنا الحاديث والثار مستقصاة
بأسانيدها وألفاظ متونها ،فمن أراد تحريره فليراجعه ثم .والله أعلم.
حدَّثَنا
حدَّثَنا حسين بن محمدَ ،
فأما الحديث الذي رواه أحمدَ :
جرير -يعني ابن حازم -عن كلثوم بن جبر ،عن سعيد بن جبير ،عن
ابن عبَّاس ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :إن الله أخذ
الميثاق من ظهر آدم عليه السلم بنعمان يوم عرفة ،فأخرج من
َ
تس ُ صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبل ً قال{ :أل َ ْ
َ
ن.ن هَذ َا غَافِلِي َ مةِ إِنَّا كُنَّا ع َ ْقيَا َ م ال ْ ِ ن تَُقولُوا يَوْ َشهِدْنَا أ ْم قَالُوا بَلَى َ بَِربِّك ُ ْ
ة من بعده َ ما أ َ ْ َ
مام أفَتُهْلِكُنَا ب ِ َ ل َوكُنَّا ذُّرِي َّ ً ِ ْ َ ْ ِ ِ ْ ن قَب ْ ُ
م ْ شَر َ
ك آبَاؤُنَا ِ أوْ تَُقولُوا إِن َّ َ
ن}. مبْطِلُو َ ل ال ْ ُ فَعَ َ
فهو بإسناد جيد قوي على شرط مسلم ،رواه النسائي وابن
جرير والحاكم في "مستدركه" من حديث حسين بن محمد المروزي
به .وقال الحاكم :صحيح السناد ولم يخرجاه ،إل أنه اختلف فيه على
كلثوم ابن جبر فروي عنه مرفوعا ً وموقوفاً ،وكذا روي عن سعيد بن
جبير عن ابن عبَّاس موقوفا .وهكذا رواه العوفي والوالبي والضحاك
وأبو جمرة ،عن ابن عبَّاس من قوله .وهذا أكثر وأثبت والله أعلم.
وهكذا روي عن عبد الله بن عمر موقوفا ً ومرفوعاً ،والموقوف
أصح.
واستأنس القائلون بهذا القول -وهو أخذ الميثاق على الذرية
حدَّثَنا حجاج ،حدثني شعبة ،عن وهم الجمهور -بما قال المام أحمدَ :
أبي عمران الجوني ،عن أنس بن مالك ،عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال" :يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة :لو كان لك ما
على الرض من شيء أكنت مفتديا ً به؟ قال :فيقول نعم .فيقول قد
أردت منك ما هو أهون من ذلك ،قد أخذت عليك في ظهر آدم أن ل
تشرك بي شيئاً ،فأبيت إل أن تشرك بي" .أخرجاه من حديث شعبة
به.
وقال أبو جعفر الرازي :عن الربيع بن أنس ،عن أبي العالية ،عن
ن
م ْ م ِن بَنِي آد َ َ م ْ ك ِ خذ َ َرب ُّ َ ي بن كَعب ،في قوله تعالى{ :وَإِذ ْ أ َ َ ُ
أب َ ّ
م} الية والتي بعدها .قال :فجمعهم له يومئذ جميعاً م ذُّرِيَّتَهُ ْ ظُهُورِهِ ْ
ما هو كائن منه إلى يوم القيامة ،فخلقهم ثم صورهم ،ثم استنطقهم
فتكلموا ،وأخذ عليهم العهد والميثاق ،وأشهد عليهم أنفسهم:
م قَالُوا بَلَى} الية. َ
ت بَِرب ِّك ُ ْ س ُ {أل َ ْ
قال :فإني أشهد عليكم السماوات السبع والرضين السبع،
وأشهد عليكم أباكم آدم ،أن ل تقولوا يوم القيامة :لم نعلم بهذا،
اعلموا أنه ل إله غيري ول رب غيري ،ول تشركوا بي شيئاً ،وإني
سأرسل إليكم رسل ً ينذرونكم عهدي وميثاقي ،وأنزل عليكم كتابي.
قالوا :نشهد أنك ربنا وإلهنا ،ل رب لنا غيرك ،ول إله لنا غيرك.
فأقروا له يومئذ بالطاعة.
ورفع أباهم آدم فنظر إليهم ،فرأى فيهم الغني والفقير ،وحسن
الصورة ودون ذلك ،فقال :يا رب لو سويت بين عبادك؟ فقال :إني
أحببت أن أشكر .ورأى فيهم النبياء مثل السرج عليهم النور،
وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة ،فهو الذي يقول الله تعالى:
سى مو َ م وَ ُ ن نُوٍح وَإِبَْراهِي َ م ْك وَ ِ من ْ َ
م وَ ِ ميثَاقَهُ ْ ن ِ ن النَّبِيِّي َ م ْ خذ ْنَا ِ {وَإِذ ْ أ َ َ
ميثَاقا ً غَلِيظاً} وهو الذي يقول: م ِْ ُ منْه م وَأ َ َ
خذ ْنَا ِ مْري َ َ ن َ سى اب ْ ِ عي َ وَ ِ
َ َ َ
س عَلَيْهَا ل حنِيفا ً فِطَْرة َ الل ّهِ ال ّتِي فَطََر النَّا َ ن َ ِ ك لِلدِّي جهَ َ م وَ ْ ْ {فَأقِ
َ
ن النُّذ ُرِ اْلُولَى} وفي م ْق الل ّهِ} وفي ذلك قال{ :هَذ َا نَذِيٌر ِ ِ
خل ْل لِ َ تَبْدِي َ
َ َ
جدْنَا أكْثََرهُ ْ
م ن وَ َ
ن عَهْد ٍ وَإ ِ ْ م ْ م ِ جدْنَا لكْثَرِهِ ْ ما وَ َ ذلك قال{ :وَ َ
ن}. قي َ س ِ لََفا ِ
رواه الئمة :عبد الله بن أحمد ،وابن أبي حاتم ،وأبن جرير ،وابن
مردويه ،في تفاسيرهم من طريق أبي جعفر .وروي عن مجاهد،
دّي ،وغير س ِ وعكرمة ،وسعيد بن جبير ،والحسن البصري ،وقتادة ،وال ُّ
واحد من علماء السلف بسياقات توافق هذه الحاديث.
وتقدم أنه تعالى لما أمر الملئكة بالسجود لدم ،امتثلوا كلهم
المر اللهي ،وامتنع إبليس من السجود له حسدا ً وعداوة له،
فطرده الله وأبعده ،وأخرجه من الحضرة اللهية ونفاه عنها ،وأهبطه
إلى الرض طريدا ً ملعونا ً شيطانا ً رجيماً.
حدَّثَنا وكيع ويعلى ومحمد ابنا عبيد ،قالوا وقد قال المام أحمدَ :
حدَّثَنا العمش ،عن أبيصالح ،عن أبي هريرة قال :قال رسول الله َ
صلى الله عليه وسلم " :إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ،اعتزل
شيْطان يبكي يقول :يا ويله ،أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله ال ّ
الجنَّة ،وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار".
ورواه مسلم من حديث وكيع وأبي معاوية عن العمش به.
ثم لما اسكن آدم الجنَّة التي أسكنها ،سواء أكانت في السماء أم
حوَّاء
في الرض على ما تقدم من الخلف فيه ،أقام بها هو وزوجته َ
عليهما السلم ،يأكلن منها رغدا ً حيث شاءا ،فلما أكل من الشجرة
التي نهيا عنها ،سلبا ما كانا فيه من اللباس وأهبطا إلى الرض .وقد
ذكرنا الختلف في مواضع هبوطه منها.
واختلفوا في مقدار مقامه في الجنَّة :فقيل بعض يوم من أيام
الدنيا ،وقد قدمنا ما رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً" :وخلق آدم
في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة" وتقدم أيضا ً حديثه عنه،
وفيه -يعني يوم الجمعة -خلق آدم ،وفيه أخرج منها.
فإن كان اليوم الذي خلق فيه فيه أخرج -وقلنا إن اليام الستة
كهذه اليام -فقد لبث بعض يوم من هذه ،وفي هذا نظر .وإن
كان إخراجه في غير اليوم الذي خلق فيه ،أو قلنا بأن تلك اليام
مقدارها ستة آلف سنة ،كما تقدم عن ابن عبَّاس ومجاهد والضحاك
واختاره ابن جرير ،فقد لبث هناك مدة طويلة.
قال ابن جرير :ومعلوم أنه خلق في آخر ساعة من يوم الجمعة،
والساعة منه ثلث وثمانون سنة وأربعة أشهر ،فمكث مصورا ً طيناً
قبل أن ينفخ فيه الروح أربعين سنة ،وأقام في الجنَّة قبل أن يهبط
ثلثا ً وأربعين سنة وأربعة أشهر ،والله تعالى أعلم.
وقد روى عبد الرزاق ،عن هشام أن حسان ،عن سوار خبر
عطاء بن أبي رباح :أنه كان لما أهبط رجله في الرض ورأسه في
السماء ،فحطه الله إلى ستين ذراعاً .وقد روي عن ابن عبَّاس
نحوه.
وفي هذا نظر ،لما تقدم من الحديث المتفق على صحته عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" :إن الله خلق آدم
وطوله ستون ذراعا ً فلم يزل الخلق ينقص حتى الن" وهذا يقتضي
أنه خلق كذلك ل أطول من ستين ذراعاً ،وأن ذريته لم يزالوا
يتناقص خلقهم حتى الن.
وذكر ابن جرير عن ابن عبَّاس :أن الله قال :يا آدم إن لي حرماً
بحيال عرشي ،فانطلق فابن لي فيه بيتاً ،فطف به كما تطوف
ملئكتي بعرشي ،وأرسل الله له ملكا ً فعرفه مكانه وعلمه
المناسك ،وذكر أن موضع كل خطوة خطاها آدم صارت قربة بعد
ذلك.
وعنه :أن أول طعام أكله آدم في الرض ،أن جاءه جبريل بسبع
حبات من حنطة ،فقال :ما هذا؟ قال:هذا من الشجرة التي نهيت
عنها فأكلت منها فقال :وما أصنع بهذا؟ قال :ابذره في الرض،
فبذره .وكان كل حبة منها زنتها أزيد من مائة ألف ،فنبتت فحصده،
ثم درسه ثم ذراه ،ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه ،فأكله بعد جهد
ن الجنَّة
م ْ جنَّك ُ َ
ما ِ عظيم .وتعب ونكد ،وذلك قوله تعالى{ :فََل ي ُ ْ
خرِ َ
شَقى}.فَت َ ْ
وكان أول كسوتهما من شعر الضأن :جزاه ثم غزله ،فنسج آدم
حواء درعا ً وخماراً.
له جبة ،ول َ َّ
واختلفوا :هل ولد لهما بالجنَّة شيء من الولد؟ فقيل :لم يولد
لهما إل في الرض ،وقيل بل ولد فيها ،فكان قابيل وأخته ممن ولد
بها .والله أعلم.
وذكروا أنه كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى ،وأمر أن يزوج
كل ابن أخت أخيه التي ولدت معه ،والخر بالخرى وهلم جرا ،ولم
يكن تحل أخت لخيها الذي ولدت معه.
فأجيب آدم:
أبا هابيل قد قتل جميعا ً ** وصار الحي كالميت الذبيح
وجاء بشرة قد كان منها ** على خوف فجاء بها يصيح
وهذا الشعر فيه نظر .وقد يكون آدم عليه السلم قال كلماً
يتحزن به بلغته ،فألفه بعضهم إلى هذا ،وفيه أقوال والله أعلم.
وقد ذكر مجاهد أن قابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه؛ فعلقت
ساقه إلى فخذه ،وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت ،تنكيل ً به
وتعجيل ً لذنبه وبغيه وحسده لخيه لبويه.
وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال" :ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر
لصاحبه في الخرة من البغي وقطيعة الرحم".
والذي رأيته في الكتاب الذي بأيدي أهل الكتاب الذين يزعمون
أنه التوراة :أن الله عز وجل أجله ونظره ،وأنه سكن في أرض
"نود" في شرقي عدن وهم يسمونه قنين ،وأنه ولد له خنوخ،
ولخنوخ عندر ،ولعندر محوايل ،ولمحوايل متوشيل ،ولمتوشيل لمك.
وتزوج هذا امرأتين :عدا وصل .فولدت "عدا" ولدا ً اسمه ابل ،وهو
أول من سكن القباب واقتنى المال ،وولدت أيضا ً نوبل ،وهو أول
من أخذ في ضرب الونج والصنج .وولدت "صل" ولدا اسمه توبلقين،
وهو أول من صنع النحاس والحديد ،وبنتا اسمها "نعمى".
وفيها أيضا ً أن آدم طاف على امرأته فولدت غلما ً ودعت اسمه
"شيث" وقالت من أجل أنه قد وهب لي خلفا ً من هابيل الذي قتله
قابيل .وولد لشيث أنوش.
قالوا :وكان عمر آدم يوم ولد له شيث مائة وثلثين سنة ،وعاش
بعد ذلك ثمانمائة سنة ،وكان عمر شيث يوم ولد له أنوش مائة
وخمسا ً وستين ،وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وسبع سنين .وولد له
بنون وبنات غير أنوش.
فولد لنوش "قينان" وله من العمر تسعون سنة ،وعاش بعد
ذلك ثمانمائة سنة وخمس عشر سنة ،وولد له بنون وبنات.
فلما كان عمر قينان سبعين سنه ولد له مهلييل ،وعاش بعد
ذلك ثمانمائة سنة وأربعين سنة ،وولد له بنون وبنات .فلما كان
لمهلييل من العمر خمس وستون سنة ولد له "يرد" وعاش بعد ذلك
ثمانمائة وثلثين سنة وولد له بنون وبنات.
فلما كان ليرد مائة سنة واثنتان وستون سنة ولد له "خنوخ"
وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وولد له بنون وبنات.
فلما كان لخنوخ خمس وستون سنة ولد له متوشلخ ،وعاش بعد
ذلك ثمانمائة سنة ،وولد له بنون وبنات .فلما كان لمتوشلخ مائة
وسبع وثمانون سنة ولد له "لمك" وعاش بعد ذلك سبعمائة واثنين
وثمانين سنة وولد له بنون وبنات.
فلما كان للمك من العمر مائة واثنتان وثمانون سنة ولد له
"نوح" وعاش بعد ذلك خمسمائة وخمسا ً وتسعين سنة ،وولد له
بنون وبنات .فلما كان لنوح خمسمائة سنة ولد له بنون :سام وحام
ويافث .هذا مضمون ما في كتابهم صريحاً.
وفي كون هذه التواريخ محفوظة فيما نزل من السماء نظر ،كما
ذكره غير واحد من العلماء طاعنين عليهم في ذلك .والظاهر أنها
مقحمة فيها ،ذكرها بعضهم على سبيل الزيادة والتفسير .وفيها غلط
كثير كما سنذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر المام أبو جعفر بن جرير في "تاريخه" عن بعضهم :أن
حوَّاء ولدت لدم أربعين ولدا ً في عشرين بطناً .قاله ابن إسحاق َ
وسماهم .والله تعالى أعلم .وقيل مائة وعشرين بطنا ً في كل واحد
ذكر وأنثى ،أولهم قابيل وأخته قليما ،وآخرهم عبد المغيث وأخته أم
المغيث.
ثم انتشر الناس بعد ذلك وكثروا ،وامتدوا في الرض ونموا؛ كما
َ َّ َ
س
ٍ ف
ْ َ ن نْ م
ِ مْ ُ قكَ خل َ ي ِ ذ م ال س اتَُّقوا َربَّك ُ ْ قال الله تعالى{ :يَا أيُّهَا النَّا ُ
ساءً} الية. جال ً كَثِيرا ً وَن ِ َ ما رِ َ منْهُ َ ث ِ جهَا وَب َ َّ منْهَا َزوْ َ خلَقَ ِ حدَةٍ وَ َ وَا ِ
وقد ذكر أهل التاريخ أن آدم عليه السلم لم يمت حتى رأى من
ذريته من أولده وأولد أولده أربعمائة ألف نسمة .والله أعلم.
جعَ َ ُ َ َّ
منْهَا ل ِ حدَةٍ وَ َ س وَا ِ ٍ ف
ْ َ ن ن
ْ م
ِ مْ قك َ خل َ ي ِ ذ وقال تعالى{ :هُوَ ال
ت بِهِ فَل َ َّ خِفيفا ً فَ َ مل َ ْ ما تَغَ َّ ن إِلَيْهَا فَل َ َّ
ما مَّر ْ مل ً َ ح ْ ت َ ح َ شاهَا َ سك ُ ََ جهَا لِي َ ْ َزوْ َ
ن .فَل َ َّ من ال َّ صالِحا ً لَنَكُون َ َّ َ
ما شاكِرِي َ ن ِ َْ ن آتَيْتَنَا َ ما لَئ ِ ْ ه َربَّهُ َ ت دَعَوَا الل ّ َ أثَْقل َ ْ
ن} شرِكُو َ ما ي ُ ْ ه عَ َّ ما فَتَعَالَى الل ّ ُ ما آتَاهُ َ شَركَاءَ فِي َ ه ُ جعَل ل َ ُ صالِحا ً َ ما َ آتَاهُ َ
اليات .فهذا تنبيه أول ً بذكر آدم ،ثم استطرد إلى الجنس .وليس
حواء ،بل لما جرى ذكر الشخص استطرد إلى المراد بهذا ذكر آدم و َ َّ
نم ْ سللَةٍ ِ ن ُ م ْ ن ِ سا َقنَا الِن َ خل َ ْ قد ْ َ {ول َ َ
الجنس كما في قوله تعالىَ :
قد ْ َزيَّنَّا {ول َ َن} وقال تعالىَ : مكِي ٍ ة فِي قََرارٍ َ جعَلْنَاهُ نُطَْف ً م َ ن .ث ُ َّ طِي ٍ
ن} ومعلوم أن جوما ً لِل َّ جعَلْنَاهَا ُر ُ ماءَ الدُّنْيَا ب ِ َ ال َّ
شيَاطِي ِ ح وَ َ صابِي َ م َ س َ
رجوم الشياطين ليست هي أعيان مصابيح السماء ،وإنما استطرد
من شخصها إلى جنسها.
حدَّثَنا حدَّثَنا عبد الصمدَ ، فأما الحديث الذي رواه المام أحمدَ :
حدَّثَنا قتادة عن الحسن ،عن سمرة ،عن النبي عمر بن إبراهيمَ ،
حوَّاء طاف بها إبليس وكان صلى الله عليه وسلم قال" :لما ولدت َ
ل يعيش لها ولد ،فقال سميه عبد الحارث فإنه يعيش .فسمته عبد
شيْطان وأمره". الحارث فعاش ،وكان ذلك من وحي ال ّ
وهكذا رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه في
تفاسيرهم عند هذه الية ،وأخرجه الحاكم في "مستدركه" ،كلهم من
حديث عبد الصمد ابن عبد الوارث به ،فقال الحاكم :صحيح السناد
ولم يخرجاه ،وقال الترمذي حسن غريب ل نعرفه إل من حديث
عمر بن إبراهيم ،ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه.
فهذه علة قادحة في الحديث أنه روي موقوفا ً على الصحابي
وهذا أشبه والظاهر أنه تلقاه من السرائيليات ،وهكذا روي موقوفاً
عن ابن عبَّاس .والظاهر أن هذا متلقى عن كعب الحبار وذويه.
والله أعلم.
وقد فسر الحسن البصري هذه اليات بخلف هذا ،فلو كان عنده
عن سمرة مرفوعا ً لما عدل عنه إلى غيره .والله أعلم.
حوَّاء ليكونا أصل البشر ،وليبث وأيضا ً فالله تعالى إنما خلق آدم و َ
حوَّاء ل يعيش لها ولد كما ذكر منهما رجال ً كثيرا ً ونساء .فكيف كانت َ
في هذا الحديث إن كان محفوظاً؟!
والمظنون بل المقطوع به أن رفعه إلى النبي صلى الله عليه
وسلم خطأ ،والصواب وقفه والله أعلم .وقد حررنا هذا في كتابنا
التفسير ولله الحمد.
حواء أتقى لله مما ذكر عنهما في هذا؛ فإن آدم ثم قد كان آدم و َ َّ
أبو البشر الذي خلقه الله بيده ،ونفخ فيه من روحه ،وأسجد له
ملئكته ،وعلمه أسماء كل شيء وأسكنه جنته.
وقد روى ابن حبان في "صحيحه" عن أبي ذر قال :قلت يا
رسول الله كم النبياء؟ قال" :مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً".
قلت يا رسول الله كم الرسل منهم؟ قال" :ثلثمائة وثلثة عشر جم
غفير" قلت يا رسول الله من كان أولهم؟ قال :آدم .قلت يا رسول
الله نبي مرسل؟ قال :نعم خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم
سواه قبل".
حدَّثَنا شيبان
حدَّثَنا إبراهيم بن نائلة الصبهانيَ ، وقال الطبرانيَ :
حدَّثَنا نافع بن هرمز ،عن عطاء بن أبي رباح ،عن ابن بن فروخَ ،
عبَّاس قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أل أخبركم
بأفضل الملئكة :جبريل ،وأفضل النبيين آدم ،وأفضل اليام يوم
الجمعة ،وأفضل الشهور شهر رمضان ،وأفضل الليالي ليلة القدر،
وأفضل النساء مريم بنت عمران".
وهذا إسناد ضعيف ،فإن نافعا ً أبا هرمز كذبه ابن معين ،وضعفه
أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم وابن حبان وغيرهم .والله أعلم.
وقال كعب الحبار :ليس أحد في الجنَّة له لحية إل آدم ،لحيته
سوداء إلى سرته .وليس أحد يكنى في الجنَّة إل آدم؛ كنيته في
الدنيا أبو البشر وفي الجنَّة أبو محمد.
وقد روى ابن عدي من طريق شيخ بن أبي خالد ،عن حماد بن
سلمة ،عن عمرو بن دينار ،عن جابر مرفوعاً :أهل الجنَّة يدعون
بأسمائهم إل آدم فإنه يكنى أبا محمد.
ورواه ابن عدي أيضا ً من حديث علي بن أبي طالب ،وهو ضعيف
من كل وجه .والله أعلم.
وفي حديث السراء الذي في "الصحيحين" :أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لما مّر بآدم وهو في السماء الدنيا ،قال له مرحباً
بالبن الصالح والنبي الصالح ،قال :وإذا عن يمينه أسودة وعن
يساره أسودة ،فإذا نظر عن يمينه ضحك ،وإذا نظر عن شماله بكى،
فقلت :يا جبريل ما هذا؟ قال :هذا آدم وهؤلء نسم بنيه ،فإذا نظر
قبل أهل اليمين -وهم أهل الجنَّة -ضحك ،وإذا نظر قبل أهل
الشمال -وهم أهل النار -بكى.
وهذا معنى الحديث.
مد بن المثنى ،حدثني يزيد بن ح ْ حدَّثَنا ُ
م َ وقال أبو بكر البزارَ :
هارون ،أنبأنا هشام بن حسان بن الحسن قال :كان عقل آدم مثل
عقل جميع ولده.
وقال بعض العلماء في قوله صلى الله عليه وسلّم " :فمررت
بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن" قالوا :معناه أنه كان على
النصف من حسن آدم عليه السلم .وهذا مناسب ،فإن الله خلق
آدم وصوره بيده الكريمة ،ونفخ فيه من روحه ،فما كان ليخلق إل
أحسن الشباه.
وقد روينا عن عبد الله بن عمر وابن عمر أيضا ً موقوفا ً ومرفوعاً:
أن الله تعالى لما خلق الجنَّة ،قالت الملئكة :يا ربنا اجعل لنا هذه،
فإنك خلقت لبني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ،فقال الله تعالى:
وعزتي وجللي ل أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له
كن فكان.
وقد ورد الحديث المروي في "الصحيحين" وغيرهما من طرق:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" :إن الله خلق آدم على
صورته" وقد تكلم العلماء على هذا الحديث فذكروا فيه مسالك
كثيرة ليس هذا موضع بسطها .والله أعلم.
صدِّيقا ً نَبِيّاً.
ن ِ ه كَا َ س إِن َّ ُ قال الله تعالى{ :وَاذ ْكُْر فِي الْكِتَا ِ
ب إِدْرِي َ
مكَانا ً عَلِيّاً} فإدريس عليه السلم قد أثنى الله عليه ووصفه وََرفَعْنَاهُ َ
بالنبوة والصديقية ،وهو خنوخ هذا .وهو في عمود نسب رسول الله
صلى الله عليه وسلم على ما ذكره غير واحد من علماء النسب.
وكان أول بني آدم أعطي النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلم.
وذكر ابن اسحاق أنه أول من خط بالقلم ،وقد أدرك من حياة
آدم ثلثمائة سنة وثماني سنين .وقد قال طائفة من الناس أنه
المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السلمي لما سأل رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الخط بالرمل فقال " :إنه كان نبي
يخط به فمن وافق خطه فذاك".
ويزعم كثير من علماء التفسير والحكام أنه أول من تكلم في
ذلك ،ويسمونه هرمس الهرامسة ،ويكذبون عليه أشياء كثيرة كما
كذبوا على غيره من النبياء والعلماء والحكماء والولياء.
مكَانا ً عَلِيّاً} هو كما ثبت في وقوله تعالى{ :وََرفَعْنَاه ُ َ
"الصحيحين" في حديث السراء :أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم مّر به وهو في السماء الرابعة .وقد روى ابن جرير عن يونس
عن عبد العلى ،عن ابن وهب ،عن جرير بن حازم ،عن العمش،
عن شمر بن عطية ،عن هلل بن يساف قال :سأل ابن عبَّاس كعباً
مكَاناًوأنا حاضر فقال له :ما قول الله تعالى لدريس {وََرفَعْنَاه ُ َ
عَلِيّاً}؟ فقال كعب :أما إدريس فإن الله أوحى إليه :أني أرفع لك
كل يوم مثل جميع عمل بني آدم -لعله من أهل زمانه -فأحب أن
يزداد عملً ،فأتاه خليل له من الملئكة ،فقال "له" :إن الله أوحى
إلي كذا وكذا فكلم ملك الموت حتى ازداد عملً ،فحمله بين جناحيه
ثم صعد به إلى السماء ،فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك
الموت منحدراً ،فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس ،فقال:
وأين إدريس؟ قال هو ذا على ظهري ،فقال ملك الموت :يا للعجب!
بعثت وقيل لي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة ،فجعلت
أقول :كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الرض؟!
مكَانا ً عَلِيّاً}.
{وَرفَعْنَاه ُ َ
فقبض روحه هناك .فذلك قول الله عز وجل َ
ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها .وعنده فقال لذلك الملك سل
لي ملك الموت كم بقي من عمري؟ فسأله وهو معه :كم بقي من
عمره؟ فقال :ل أدري حتى أنظر ،فنظر فقال إنك لتسألني عن
رجل ما بقي من عمره إل طرفة عين ،فنظر الملك إلى تحت جناحه
إلى إدريس فإذا هو قد قبض وهو ل يشعر .وهذا من السرائيليات،
وفي بعضه نكارة.
مكَانا ً عَلِيّاً}
وقول ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله{ :وََرفَعْنَاه ُ َ
قال :إدريس رفع ولم يمت كما رفع عيسى .إن أراد أنه لم يمت إلى
الن ففي هذا نظر ،وإن أراد أنه رفع حيا ً إلى السماء ثم قبض هناك.
فل ينافي ما تقدم عن كعب الحبار .والله أعلم.
مكَانا ً عَلِيّاً} :وقال العوفي عن ابن عبَّاس في قوله{ :وََرفَعْنَاه ُ َ
رفع إلى السماء السادسة فمات بها ،وهكذا قال الضحاك .والحديث
المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح ،وهو قول مجاهد وغير
مكَانا ً عَلِيّاً} قال :إلى الجنَّة، واحد .وقال الحسن البصري{ :وََرفَعْنَاه ُ َ
وقال قائلون رفع في حياة أبيه يرد بن مهلييل والله أعلم .وقد زعم
بعضهم أن إدريس لم يكن قبل نوح بل في زمان بني إسرائيل.
خاري :ويذكر عن ابن مسعود وابن عبَّاس أن إلياس هو ّ قال الب ُ َ
إدريس ،واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس
في السراء :أنه لما مّر به عليه السلم قال له مرحبا ً بالخ الصالح
والنبي الصالح ،ولم يقل كما قال آدم وإبراهيم :مرحبا ً بالنبي الصالح
والبن الصالح ،قالوا :فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قال له.
وهذا ل يدل ولبد ،قد ل يكون الراوي حفظه جيداً ،أو لعله قاله على
سبيل الهضم والتواضع ،ولم ينتصب له في مقام البوة كما انتصب
لدم أبي البشر ،وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن ،وأكبر أولي العزم
بعد محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
قصة نوح عليه السلم
هو نوح بن لمك بن متوشلخ بن خنوخ -وهو إدريس -بن يرد بن
مهلييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلم.
وكان مولده بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة ،فيما
ذكره ابن جرير وغيره.
وعلى تاريخ أهل الكتاب المتقدم يكون بين مولد نوح وموت آدم
مائة وست وأربعون سنة ،وكان بينهما عشرة قرون كما قال
مد بن عمر بن ح ْ
م َ حدَّثَنا ُالحافظ أبو حاتم بن حبان في "صحيحه"َ :
حدَّثَنا
حدَّثَنا أبو توبةَ ، مد بن عبد الملك بن زنجويهَ ، ح ْ م َحدَّثَنا ُيوسفَ ،
معاوية بن سلم ،عن أخيه زيد بن سلم ،سمعت أبا سلم سمعت
أبا أمامه :أن رجل ً قال :يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال :نعم
مكلم .قال :فكم كان بينه وبن نوح؟ قال عشرة قرون .قلت :وهذا
على شرط مسلم ولم يخرجه.
خاريّ عن ابن عبَّاس قال :كان بين آدم ونوح وفي صحيح الب ُ َ
عشرة قرون كلهم على السلم.
فإن كان المراد بالقرن مائة سنة -كما هو المتبادر عند كثير من
الناس -فبينهما ألف سنة ل محالة ،لكن ل ينفي أن يكون أكثر
باعتبار ما قيد به ابن عبَّاس بالسلم ،إذ قد يكون بينهما قرون أخر
متأخرة لم يكونوا على السلم ،لكن حديث أبي أمامة يدل على
الحصر في عشرة قرون ،وزادنا ابن عبَّاس أنهم كلهم كانوا على
السلم.
وهذا يرد قول من زعم من أهل التواريخ وغيرهم من أهل
الكتاب :أن قابيل وبنيه عبدوا النار .والله أعلم.
وإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس كما في قوله تعالى:
م أَن َ ْ {وك َ َ
نم ْ
شأنَا ِ ن بَعْد ِ نُوٍح} وقوله{ :ث ُ َّ م ْن ِ ن الُْقُرو ِ م ْم أهْلَكْنَا ِ َ ْ
ً
ك كَثِيرا} وقال: ن ذَل ِ َ ً
ن} وقال تعالى{ :وَقُُرونا بَي ْ َ خرِي َ ً
م قَْرنا آ َ بَعْدِهِ ْ
{وك َ َ
ن} وكقوله عليه السلم" :خير القرون ن قَْر ٍم ْم ِ م أهْلَكْنَا قَبْلَهُ ْ َ ْ
قرني" .الحديث ،فقد كان الجيل قبل نوح يعمرون الدهور الطويلة،
فعلى هذا يكون بين آدم ونوح ألوف من السنين .والله أعلم.
وبالجملة فنوح عليه السلم إنما بعثه الله تعالى لما عبدت
الصنام والطواغيت ،وشرع الناس في الضللة والكفر ،فبعثه الله
رحمة للعباد فكان أول رسول بعث إلى أهل الرض ،كما يقول أهل
الموقف يوم القيامة.
وكان قومه يقال لهم بنو راسب فيما ذكره ابن جبير وغيره.
واختلفوا في مقدار سنه يوم بعث ،فقيل كان ابن خمسين سنة،
وقيل ابن ثلثمائة وخمسين سنة ،وقيل ابن أربعمائة وثمانين سنة
حكاها ابن جرير ،وعزا الثالثة منها إلى ابن عبَّاس.
وقد ذكر الله قصته وما كان من قومه ،وما أنزل بمن كفر به من
العذاب بالطوفان ،وكيف أنجاه وأصحاب السفينة ،في غير ما موضع
من كتابه العزيز :ففي العراف ويونس وهود والنبياء والمؤمنون
والشعراء والعنكبوت والصافات واقتربت ،وأنزل فيه سورة كاملة.
فقال في سورة العراف{ :ل َ َ َ
ل يَا مهِ فََقا َ سلْنَا نُوحا ً إِلَى قَوْ ِ قد ْ أْر َ
َ
ب يَوْمٍ م عَذ َا َ ف عَلَيْك ُ ْ خا ُ ن إِلَهٍ غَيُْره ُ إِنِّي أ َ َ م ْ م ِ ما لَك ُ ْ ه َ قَوْم ِ اعْبُدُوا الل ّ َ
م و َ ق اَ ي لَ اَ ق ن. ي مب ل ضل َ ي ِ ف َ
ك را َ نمهِ إِنَّا ل َ ِ و َ ق ن م
ِ ل ال ْمل ُ عَظِيمٍ .قَا َ
ِ ْ ُ ٍ ِ ُ ٍ َ ْ ْ َ
ت ساَل ِ م ِر َ ن .أبَل ِّغُك ُ ْ مي َ ب الْعَال َ ِ ن َر ِّ م ْ ل ِ سو ٌ ة وَلَكِنِّي َر ُ ضَلل َ ٌ س بِي َ َ لَي ْ
ربي وأَنصح لَك ُم وأَعْل َم من اللَّه ما ل تعل َمون .أَوع َجبت َ
م جاءَك ُ ْ ن َ مأ ْ َ ْ ُ َ َ َِ ْ ُ ْ ِ َ ُ ِ ْ ْ َ َ َ ُ َ ِّ
ن. مو َ ح ُ م تُْر َ م وَلِتَتَُّقوا وَل ََعَل ّك ُ ْ م لِيُنذَِرك ُ ْ منْك ُ ْ ل ِ ج ٍ م عَلَى َر ُ
َ ْ ن َرب ِّك ُ ْ ذِكٌْر ِ
م
ن كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا َ َ
ك وَأغَْرقْنَا ال ّذِي َ ه فِي الُْفل ْ ِ معَ ُ ن َ جيْنَاه ُ َوال ّذِي َ فَكَذَّبُوهُ فَأن َ
ن}. َ مي م كَانُوا قَوْما ً ع َ ِ إِنَّهُ ْ
ح إِذ ْ قَا َ
ل و ن ل عَلَيهم نبأ َ وقال تعالى في سورة يونس{ :وَات ْ ُ
ٍ ُ ِْ ْ ََ
َ
ت الل ّهِ فَعَلَى مي وَتَذ ْكِيرِي بِآيَا ِ مَقا ِ م َ ن كَبَُر عَلَيْك ُ ْ ن كَا َ مهِ يَا قَوْم ِ إ ِ ْ لَِقوْ ِ
َ َ َ َ َ
ة
م ًم غُ َّ م عَلَيْك ُ ْ مُرك ُ ْ نأ ْ م ل يَك َُ ْ م ث ُ َّ شَركَاء ََك ُ ْ م وَ ُ مَرك ُ ْ معُوا أ ْ ج ِ ت فَأ ْ الل ّهِ تَوَك ّل ْ ُ
ي ول تنظرونِي .فَإن تول ّيتم فَما سألْتك ُم م َ
ن
جرٍ إ ِ ْ نأ ْ ِ ْ َ َ ُْ ْ َ َ ُ ْ ِ ْ ضوا إِل َ َّ َ َ ُ ْ ِ ُ َ
م اقْ ُ ث ُ َّ
ن .فَكَذَّبُوه ُ فَن َ َّ ن ال ْ أ َجري إ ّل عَلَى الل ّه وأ ُمرت أ َ َ
جيْنَاهُ مي َ سل ِ ِ م ْ ُ ْ م
ن ِ ن أكُو َ ِ َ ِ ْ ُ ْ ْ ِ ِ
َ َ َ
ن كَذ ّبُوا بِآيَاتِنَا ف وَأغَْرقْنَا ال ّذِي َ خلئ ِ َ م َ جعَلْنَاهُ ْ ك وَ َ ه فِي الُْفل ْ ِ معَ ُ ن َ م ْ وَ َ
ن}. منْذ َرِي َ ة ال ْ ُ ن عَاقِب َ ُ ف كَا َ فَانْظُْر كَي ْ َ
وقال تعالى في سورة هود{ :ول َ َ َ
مهِ إِنِّي سلْنَا نُوحا ً إِلَى قَوْ ِ قد ْ أْر َ َ َ
َ َ َ
م
ب يَوْ ٍ م عَذ َا َ ف عَلَيْك ُ ْ خا ُ ه إِنِّي أ َ ن ل تَعْبُدُوا إِل ّ الل ّ َ ن .أ ْ
َ مبِي ٌ م نَذِيٌر ُ لَك ُ ْ
ما مثْلَنَا وَ َ شرا ً ِ ك إِل َّ ب َ َ ما نََرا َ مهِ َ ن قَوْ ِ م ْ ن كََفُروا ِ مل َال ّذِي َ
ل ال ْ ُ
َ أَلِيمٍ .فََقا َ
ْ ك إل َّ ال ّذين هُ َ
ن
م ْ م عَلَيْنَا ِ ما نََرى لَك ُ ْ ي وَ َ م أَراذِلُنَا بَادِي َال ََّرأ ِ ْ ِ َ ك اتَّبَعَ َ ِ نََرا َ
ن م ْ ت عَلَى بَيِّنَةٍ ِ ن كُن ُ م إِ ْ ل يَا قَوْم ِ أَرأيْت ُ ْ ن .قَا َ م كَاذِبِي َ ل نَظُنُّك ُ ْ ل بَ ْ ض ٍ فَ ْ
م لَهَا َ عنده فَعميت عَلَيك ُ َ
موهَا وَأن ْ َت ُ ْ مك ُ ُ م أنُلْزِ ُ ْ ْ ن ِ ْ ِ ِ ُ ِّ َ ْ م ْ ة ِ م ً ح َ َرب ِّي وَآتَانِي َر ْ
كَارهُون .ويا قَوم َل أ َسأَلُك ُم عَلَيه مال ً إن أ َجري إل َّ عَلَى الل ّه وما أناَ
ِ َ َ َ ِ ْ َْ ِ ِ ْ ِ َ ْ ْ ْ ِ َ ََ ِ
ُ ً َ َ َ
ن .وَيَا جهَلو َ م قَوْما ت َ ْ م وَلكِنِّي أَراك ُ ْ ملقُو َربِّهِ ْ م َُ منُوا إِن ّهُ ْ نآ َ َ بِطَارِد ِ الذِي
ّ
ن .وَل أَقُو ُ َ قَوم من ينصرنِي من الل ّه إن ط َردته َ
مل لَك َ ُ ْ م أفَل تَذ َك ُّرو َ َ ُُْ ْ ِ ِ ْ ْ ِ َ ْ َ ُ ُ َ ِ ْ
َ َ َ
نل لِل ّذِي َ ك وَل أقُو ُ مل َ ٌ ل إِنِّي َ ب وَل أقُو ُ
َ
م الْغَي ْ َ
َ ُ ن الل ّهِ وَل أعْل َ خَزائ ِ ُ عندِي َ ِ
م إِنِّي إِذاً َ َ َ
سه ْ ما فِي أنُف ْ ِ ِ م بِ َ ه أعْل َ ُ خيْرا ً الل ّ ُ ه َ م الل ّ ُ ن يُؤْتِيَهُ ْ ْ م لَ تَْزدَرِي أ َع ْيُنُك ُ ْ
َ
ما تَعِدُنَا جدَالَنَا فَأتِنَا ب ِ َ ت ِ جادَلْتَنَا فَأكْثَْر َ َ ح قَد ْ َ ن .قَالُوا يَا نُو ُ َ مي ن الظ ّال ِ ِ ْ لَ ِ
م
َ ْ
م
ما أنْت ُ َْ شاءَ وَ َ ن َ ه إِ ْ م بِهِ الل ّ ُ ما يَأتِيك ُ ْ ل إِن َّ َ ن .قَا َ صادِقِي َ ن ال َّ م ْ ت ِ ن كُن َ إِ ْ
َ َ َ
ن الل ّ ُ
ه ن كَا َ م إِ ْ ح لَك ُ ْ ص َ ن أن َ تأ ْ ن أَرد ْ ُ حي إ ِ ْ ص ِ م نُ ْ نَ .ول يَنَفعُك ُ ْ جزِي َ معْ ِ بِ ُ
َ َ
نل إِ ْ ن افْتََراه ُ قُ ْ م يَُقولُو َ ن .أ ْ جعُو َ م وَإِلَيْهِ تُْر َ م هُوَ َربُّك ُ ْ ن يُغْوِيَك ُ ْ يُرِيد ُ أ ْ
َ ُ َ
ح أن َّ ُ
ه ي إِلى نُو ٍ
ح َ َ ن .وَأو ِ مو َ جرِ ُ ما ت ُ ْ م َّ مي وَأنَا بَرِيءٌ ِ جَرا ِ ي إِ ْ ه فَعَل َ َّ افْتََريْت ُ ُ
ل َن يؤْمن من قَوم َ َ
ن.ما كَانُوا يَْفعَلُو َ س َب ِ َ ن فََل تَبْتَئ ِ ْ م َ ن قَد ْ آ َ م ْ ك إِل ّ َ ْ ُ ِ َ ِ ْ ْ ِ
واصنع الُْفل ْ َ َ
موا إِنَّهُ ْ
م ن ظَل َ ُ خاطِبْنِي فِي ال ّذِي َ حيِنَا َول ت ُ َ
َ
ك بِأع ْيُنِنَا وَوَ ْ َ ْ َ ْ
ٌ
ه قَا َ
ل من ْ ُ خُروا ِ س ِ مهِ َ ن قَوْ ِ م ْ مل ِ مَّر عَلَيْهِ َ ما َ ك وَكُل ّ َ صنَعُ الُْفل ْ َ ن .وَي َ ْ مغَْرقُو َ ُ
ن م ْ ن َ مو َ َ
ف تَعْل ُ سوْ َ ن .فَ َ خُرو َ س َ ما ت َ ْ مك َ َ منْك ْ ُ خُر ِ س َ من ّا فَإِن ّا ن َ ْ َ َ خُروا ِ س َ ن تَ ْ إِ ْ
َ ح ُّ ْ
مُرنَا وَفَاَر جاءَ أ ْ حتَّى إِذ َا َ مَ . قي ٌ م ِ ب ُ ل عَلَيْهِ عَذ َا ٌ خزِيهِ وَي َ ِ ب يُ ْ يَأتِيهِ عَذ َا ٌ
ك إل َّ ن وَأَهْل َ َ
سبَقَ عَلَيْهِ ن َ ْ مَ ِ ِ ن اثْنَي ْ ِ جي ْ ل َزوْ َ ن ك ُ ٍّ ْ م
ل فِيهَا ِ م ْ ح ِ التَّنُّوُر قُلْنَا ا ْ
َ ه إِل َّ قَلِي ٌ
سم ِ الل ّهِ ل اْركَبُوا فِيهَا بِا ِ ْ ل .وقَا َ معَ ُ ن َ م َ ما آ َ ن وَ َ م َ نآ َ م ْ ل وَ َ قو ُ ال ْ َ ْ
ج
موْ ٍ م فِي َ جرِي بِهِ ْ ي تَ ْ م .وَهِ َ حي ٌ ن َربِّي لَغَُفوٌر َر ِ ساهَا إ ِ َّ مْر َ جَراهَا وَ ُ م ْ َ
ن معَنَا وَل َ تَك ُ ْ ب َ ي اْرك َ ْ ل يَا بُن َ َّ معْزِ ٍ ن فِي َ ه وَكَا َ ح ابْن َ ُ ل وَنَادَى نُو ٌ جبَا ِ كَال ِ ْ
م
ص َ ل ل َ عَا ِ ماءِ قَا َ ن ال ْ َ م ْ منِي ِ ص ُ ل يَعْ ِ جب َ ٍ سآوِي إِلَى َ ل َ ن .قَا َ
َ َ معَ الْكَافِرِي َ
َ َ
نم ْ ن ِ ج فَكَا َ موْ ُ ما ال ْ َ ل بَيْنَهُ َ حا َ م وَ َ ح َ ن َر ِ م ْ مرِ الل ّهِ إِل ّ َ نأ ْ م ْ م ِ الْيَوْ َ
ماءُ ض ال ْ َ غي َ ماءُ أَقْلِعِي وَ ِ َ س
ك وَيَا َ ماءَ ِ َ ض ابْلَعِي ُ ل يَا أَْر ن .وَقِي َ َ مغَْرقِي ُ ال ْ
َ َ
ن. مي َ ل بُعْدا ً لِلَْقوْم ِ الظ ّال ِ ِ ي وَقِي َ جودِ ِ ّ ت عَلَى ال ْ ُ ستَوَ ْ مُر وَا ْ ي اْل ْ ض َ وَقُ ِ
َ ن أَهْلِي وَإ ِ َّ
ت حقُّ وَأن ْ َ ك ال ْ َ ن وَعْد َ َ م ْ ن ابْنِي ِ ب إ ِ َّ ل َر ِّ ه فََقا َ ح َرب َّ ُ وَنَادَى نُو ٌ
َ َ
ح صال ِ ٍ ل غَيُْر َ م ٌ ه عَ َ ك إِن َّ ُ ن أهْل ِ َ م ْ س ِ ه لَي ْ َ ح إِن َّ ُ ل يَا نُو ُ ن .قَا َ مي َ حاك ِ ِ م ال ْ َ حك َ ُ أ ْ
عظ ُ َ َ فَل ت َ
ن. جاهِلِي َ ن ال ْ َ م ْ ن ِ ن تَكُو َ كأ ْ م إِنِّي أ َ ِ عل ْ ٌ ك بِهِ ِ س لَ َ َ ما لَي ْ سألْنِي َ َ ْ
َ َ َ َ َ
م وَإِل ّ تَغِْفْر لِي عل ْ ٌ س لِي بِهِ ِ ما لَي ْ َ ك َ سأل َ َ نأ ْ كأ ْ ب إِنِّي أعُوذ ُ ب ِ َ ل َر ِّ قَا َ
َ
ت منَّا وَبََركَا ٍ سلم ٍ ِ ط بِ َ ح اهْب ِ ْ ل يَا نُو ُ ن .قِي َ سرِي َ خا ِ ن ال ْ َ م ْ ن ِ منِي أك ُ ْ ح ْ وَتَْر َ
ُ ُ
ب منَّا عَذ َا ٌ م ِ سهُ ْ م ُّ م يَ َ م ث ُ َّ متِّعُهُ ْ سن ُ َ م َ م ٌ ك وَأ َ معَ َ ن َ م ْ م َّ مم ٍ ِ ك وَعَلَى أ َ عَلَي ْ َ
َ كم َ َ
ك م َ ت َول قَوْ ُ م َها أن ْ َ ت تَعْل َ ُ ما كُن َ ك َ حيهَا إِلَي ْ َ ب نُو ِ ن أنْبَاءِ الْغَي ْ ِ م .تِل ْ َ ِ ْ ألِي ٌ
ن}. قي َ مت َّ ِ ة لِل ْ ُ ن الْعاقِب َ َ صبِْر إ ِ َّ ل هَذ َا فَا ْ ن قَب ْ ِ م ْ ِ
جبْنَا ست َ َ ل فَا ْ ن قَب ْ ُ ْ وقال تعالى في سورة النبياء{ :وَنُوحا ً إِذ ْ نَادَى ِ
م
َ َ
ن الَْقوْم ِ ال ّذِي َ
ن م ْ صْرنَاه ُ ِ يمِ .وَن َ َ ب الْعَظ ِ ِ ن الْكَْر ْ مه ِ جيْنَاه ُ وَأهْل َ ُ ه فَن َ َّ لَ ُ
ن}. كَذَّبوا بآياتِنا إنَهم كَانوا قَوم سوءٍ فَأَغْرقْناهُ َ
معِي َ ج َ مأ ْ َ َ ْ ْ َ َ ْ ُ ُ ِ َ َ ِّ ُ ْ
سلْنَا نُوحاً َ وقال تعالى في سورة قد أفلح المؤمنون{ :وَل َ َ
قد ْ أْر َ
َ َّ
ن، ن إِلَهٍ غَيُْره ُ أفََل تَتَُّقو َ م ْ م ِ ْ ما لَك ُ َ ه
َ ل يَا قَوْم ِ اعْبُدُوا الل مهِ فََقا َ إِلَى قَوْ ِ
َ
م يُرِيد ُ أ ْ
ن مثْلُك ُ ْ شٌر ِ ما هَذ َا إَِّل ب َ َ مهِ َ ن قَوْ ِ مَْ ن كََفُروا ِ مَل ال ّذِي َ
َ َ ْ ُ َ
فَقال ال َ
معْنَا بِهَذ َا فِي آبَائِنَا س ِ ما َ ة َ مَلئِك َ ً ل َ ه َلَنَز َ شاءَ الل ّ ُ م وَلَوْ َ ْ ل عَلَيْك ُ ض َ يَتََف َّ
َّ
ب ل َر ِّ ن ،قَا َ َ ٍ حي ِ ى حت َّ َ ِ ه ِ ب صوا ُ َ ّ رب َ َ ت َ ف ة
ٌ َ ّ جن ِ ِ ه ِ ب ل ٌ ج
ُ ر َ ل ِ ن هُوَ إ ن ،إ ِ ْ َ اْلَوَّلِي
َ َ
حيِنَا فَإِذ َا ك بِأع ْيُنِنَا وَوَ ْ صنَعْ الُْفل ْ َ ْ نا حيْنَا إِلَيْهِ أ ْ ما كَذَّبُونِي ،فَأوْ َ صْرنِي ب ِ َ ان ُ
َ َ َ َّ سل ُ ْ َ
ن
م ْ ن وَأهْلك إ ِل َ ن اثْنَي ْ ِ جي ْ ِ ل َزوْ َ ن ك ُ ٍّ ْ م
ك فِيهَا ِ مُرنَا وَفَاَر التَّنُّوُر فَا ْ جاءَ أ ْ َ
َ
ن، مغَْرقُو َ م ُ موا َإِنَّهُ َْ ن ظَل َ ُ خاطِبْنِي فِي ال ّذِي َ م وََل ت ُ َ منْهُ ْ ل ِ سبَقَ عَلَيْهِ الَْقوْ ُ َ
مد ُ لِلهِ الذِي ن َ َّ ّ ّ ْ ك فَُق ْ ْ ْ َ معَ َ َ
جانَا ح ْ ل ال َ ك عَلى الُفل ِ ن َ م ْ ت وَ َ ت أَن ْ َ ستَوَي ْ َ فَإِذ َا ا ْ
َ َ
خيُْر ت َ مبَاَركا ً وَأن ْ َ منَْزل ً ُ ب أنزِلْنِي ُ ل َر ِّ ن ،وَقُ ْ مي َ ن الَْقوْم ِ الظ ّال ِ ِ م ْ ِ
ن}. مبْتَلِي َ ن كُنَّا ل َ ُ ت وَإ ِ ْ ك َليَا ٍ ن فِي ذَل ِ َ ن ،إ ِ َّ منزِلِي َ ال ْ ُ
ن .إِذْ سلِي َ َ مْر َ م نُوٍح ال ْ ُ ت قَوْ ُ وقال تعالى في سورة الشعراء{ :كَذَّب َ ْ
خوهُم نوح أَل تتَُقون .إنِي لَك ُم رسو ٌ َ م أَ ُ
ن .فَاتَُّقوا الل ّ َ
ه مي ٌ لأ ِ ْ َ ُ َ ِّ َّ ْ ُ ٌ ل ل َ ُه ْ قَا َ
َ وأَطيعون .وما أ َسألُك ُم عَلَيه من أ َجر إ َ َ
ن. مي َ ب الْعَال َ ِ جرِي إِل ّ عَلَى َر ِّ نأ ْ ْ ِ ِ ْ ْ ٍ ِ ْ ْ ْ َ ِ ُ َِ َ َ
َ َ َ
ما ل وَ َ ن .قَا َ ك الْرذ َلُو َ ك وَاتَّبَعَ َ ن لَ َ م ُ ه وَأطِيعُونِي .قَالُوا أنُؤْ ِ فَاتَُّقوا الل ّ َ
ما ن .وَ َ شعُُرو َ م إِل َّ عَلَى َربِّي لَوْ ت َ ْ ساب ُ ُه ْ ح َ ن ِ ن .إ ِ ْ ملُو َ ما كَانُوا يَعْ َ مي ب ِ َ عل ْ ِ ِ
َ َ َ
ح م تَنْتَهِ يَا نُو ُ ن لَ ْ ن .قَالُوا لَئ ِ ْ مبِي ٌ ن أنَا إِل ّ نَذِيٌر ُ ن .إ ِ ْ منِي َ مؤْ ِ أنَا بِطَارِد ِ ال ْ ُ
ح بَيْنِي مي كَذَّبُونِي .فَافْت َ ْ ن قَوْ ِ ب إ ِ َّ ل َر ّ
ِ ن .قَا َ َ مي جو ِ مْر ُ ن ال ْ َ ْ م
ن ِ لَتَكُون َ َّ
َ
ه فِي معَ ُ ن َ م ْ جيْنَاهُ وَ َ ن .فَأن َ منِي َ مؤْ ِ ن ال ْ ُ م ْ معِي ِ ن َ م ْ جنِي وَ َ م فَتْحا ً وَن َ ِّ وَبَيْنَهُ ْ
َ
ما كَا َ
ن ة وَ َ ك لي َ ً ن فِي ذَل ِ َ ن .إ ِ َّ م أغَْرقْنَا بَعْد ُ الْبَاقِي َ ن .ث ُ َّ حو ِ ش ُ م ْ ك ال ْ َ الُْفل ْ ِ
ك لَهُوَ الْعَزِيُز الَّر ِ ن َرب َّ َ ن .وَإ ِ َّ َ
م}. حي ُ منِي َ مؤ ْ ِ م ُ أكْثَُرهُ ْ
وقال تعالى في سورة العنكبوت{ :ول َ َ َ
مهِ سلْنَا نُوحا ً إِلَى قَوْ ِ قد ْ أْر َ َ
ُ َ
من وَهُ ْ م الطوفَا ُ ّ خذَهُ ْ ن عَاما ً فَأ َ سي َ م ِ خ ْ سنَةٍ إِل َّ َ ف َ م أَل ْ َ ث فِيهِ ْ فَلَب ِ َ
َ َ
ن}. مي َ ة لِلْعَال َ ِ جعَلْنَاهَا آي َ ً فينَةِ وَ َ س ِ ب ال َّ حا َ ص َ جيْنَاه ُ وَأ ْ ن .فَأن َ مو َ ظَال ِ ُ
ح فَلَنِعْ َ
م قد ْ نَادَانَا نُو ٌ وقال تعالى في سورة والصافات{ :وَل َ َ
َ
م
ه هُ ْ جعَلْنَا ذُّرِيَّت َ ُ ب الْعَظِيمِ .وَ َ ن الْكَْر ِ م ْ ه ِ جيْنَاهُ وَأهْل َ ُ ن .وَن َ َّ جيبُو َ م ِ ال ْ ُ
ن .إِنَّا مي َ ح فِي الْعَال َ ِ ٍ م عَلَى نُو سل ٌ نَ . خرِي َ ن .وَتََركْنَا عَلَيْهِ فِي ال ِ الْبَاقِي َ
م أَغَْرقْنَا ن .ث ُ َّ منِي َ مؤْ ِ عبَادِنَا ال ْ ُ ن ِ م ْ ه ِ ن .إِن َّ ُ سنِي َ ح ِ م ْ جزِي ال ْ ُ ك نَ ْ كَذَل ِ َ
ن}. خرِي َ ال َ
ح فَكَذَّبُوا م نُو ٍ م قَوْ ُ ت قَبْلَهُ ْ وقال تعالى في سورة اقتربت{ :كَذَّب َ ْ
عَبدنا وقَالُوا مجنون وازدجر .فَدعَا رب َ َ
حنَا فت َ ْ صْر .فَ َ ب فَانْت َ ِ مغْلُو ٌ ه أنِّي َ َ ّ ُ َ َ ْ ُ ٌ َ ْ ُ ِ َ ْ ََ َ
ماءُ عَلَى جْرنَا الَْر َ
ض ع ُيُونا ً فَالْتََقى ال ْ َ َ مرٍ .وَفَ َّ منْهَ ِ ماءٍ ُ ماءِ ب ِ َ س َ ب ال َّ أبْوَا َ
ن م ل ء
ً زا ج ا ن ن ْي ع أ َمر قَد قُدر .وحملْناه عَلَى ذ َات أَلْواح ودسر .تجري بأ َ
ْ َ ِ َ َ َ ِ ُ َ ٍ َ ُ ُ ٍ َ ْ ِ ِ ِ ْ ٍ ْ َِ َ َ َ َ ُ
ن عَذ َابِي ف كَا َ مدَّكِرٍ .فَكَي ْ َ ن ُ م ْ ل ِ ة فَهَ ْ قد ْ تََركْنَاهَا آي َ ً ن كُِفَر .وَل َ َ كَا َ
مدَّكِرٍ}. ن ُ م ْ ل ِ ن لِلذِّكْرِ فَهَ ْ سْرنَا الُْقْرآ َ قد ْ ي َ َّ وَنُذ ُرِ.وَل َ َ
سلْنَا نُوحا ً إِلَى َ
وقال تعالى{ :بسم الله الرحمن الرحيم ،إِنَّا أْر َ
َ ْ ك من قَب َ قَومه أ َ َ
ل يَا قَوْم ِ إِنِّي م ،قَا َ ب ألِي ٌ م عَذ َا ٌ ن يَأتِيَهُ ْ لأ ْ م َ ِ ْ ْ َِ ن أنذِْر قَوْ َ ْ ِ ِ ْ
َ َ
نم ْ م ِ ونِي ،يَغِْفْر لَك ُ ْ َ َ َ َ
ه وَاتَُّقوهُ وَأطِيعُ َ ن اعْبُدُوا الل ّ ن ،أ ْ ٌ مبِي ُ م نَذِيٌر ْ لَك ُ
جاءَ ل َ يُؤَ َّ َ
خُر ل َ ْ
و ل الل ّهِ إِذ َا َ نأ َ
ج مى إ ِ ّ س ًّ م َ ل ُ ج ٍ م إِلَى أ َ خْرك ُ ْ م وَيُؤَ ِّ ذ ُنُوبِك ُ ْ
م
م يَزِدْهُ ْ مي لَيْل ً وَنَهَاراً ،فَل َ ْ ت قَوْ ِ ب َإِنِّي دَعَوْ ُ ل َر ِّ ن ،قَا َ مو َ م تَعْل َ ُ كُنت ُ ْ
َ َ
م فِي صابِعَ ُه ْ جعَلُوا أ َ م َ م لِتَغِْفَر لَهُ ْ ما دَعَوْتُهُ ْ دُعَائِي إِل ّ فَِرارا ً وَإِنِّي كُل ّ َ
ستِكْبَاراً ،ث ُ َّ َ
م إِنِّي ستَكْبَُروا ا ْ صُّروا وَا ْ م وَأ َ شوْا ثِيَابَهُ ْ ستَغْ َ م وَا ْ آذ َانِهِ ْ
َ َ
ت سَراراً ،فَُقل ْ ُ م إِ ْ ت لَهُ ْ سَرْر ُ م وَأ ْ ت ل َ ُه ْ م إِنِّي أعْلَن ُ جهَاراً ،ث ُ َّ م ِ دَعَوْتُهُ ْ
مدَْراراً، م ِ ماءَ عَلَيْك ُ ْ س َ ل ال َّ س ْ ن غََّفاراً ،يُْر ِ ه كَا َ م إِن َّ ُ ستَغِْفُروا َربَّك ُ ْ ا ْ
َ َ
ما لَك ُ ْ
م م أنْهَاراًََ ، ل لَك ُ ْ جعَ ْ ت وَي َ ْ جنَّا ٍ م َ ل لَك ُ ْ جعَ ْ ن وَي َ ْ ل وَبَنِي َ موَا ٍ م بِأ َ ْ مدِدْك ُ ْ وَي ُ ْ
َ قك ُ َ
سبْعَ ه َ خلَقَ الل ّ ُ ف َ م تََروْا كَي ْ َ م أطْوَارا ً أل َ ْ خل َ َ ْ ن لِل ّهِ وَقَاراً ،وَقَد ْ َ جو َ ل َ تَْر ُ
سَراجاً، س ِ م
ْ شل ال َّ جعَ َ ن نُورا ً وَ َ مَر فِيهِ َّ َ ل الَْق جعَ َ ت طِبَاقاً ،وَ َ ماوَا ٍ س َ َ
َّ َ َ
ه ً ُ ُ ض نَبَاتا ،ث ُ َّ ً َ ُ َ ّ
خَراجا ،وَالل ُ م إِ ْ جك ْ خرِ ُ م فِيهَا وَي ُ ْ م يُعِيدُك ْ ن الْر ِ م ْ م ِ ه أنْبَتَك ْ وَالل ُ
جاجاً ،قَا َ سلُكُوا ِ َ
بح َر ِّ ل نُو ٌ سبُل ً فِ َ منْهَا ُ ساطاً ،لِت َ ْ ض بِ َ م الْر َ ل لَك ُ ْ جعَ َ َ
َ
مكَُروا ساراً ،وَ َ خ َ ه وَ َولَدُه ُ إِل ّ َ مال ُ ُ م يَزِدْه ُ َ ن لَ ْ م ْ صوْنِي وَاتَّبَعُوا َ م عَ َ إِنَّهُ ْ
ث سوَاعا ً َول َ يَغُو َ ن وَدّا ً َول َ ُ م َول َ تَذَُر َّ ْ ن آلِهَتَك ُ مكْرا ً كُبَّارا ً وَقَالُوا ل َ تَذَُر َّ َ
م َّ ً َ َ ّ َ ّ َ ً َ ُ ّ َ ً
ما ضللِ ، ن إِل َ مي َ ضلوا كثِيرا وَل تَزِد ْ الظال ِ ِ سرا ،وَقَد ْ أ َ وَيَعُوقَ وَن َ ْ
َ َ ُ ُ
صاراً، ن الل ّهِ أن ْ َ ن دُو ِ م ْ م ِ جدُوا لَهُ ْ م يَ ِ خلُوا نَارا ً فَل َ ْ م أغْرِقُوا فَأد ْ ِ خطِيئَاتِهِ ْ َ
ن دَيَّاراً ،إِن َّ َ َ
م ن تَذَْرهُ ْ ك إِ ْ ن الْكَافِرِي َ م ْ ض ِ ى الْر ِ
ب ل َ تَذَْر عَل َ ح َر ِّ ل نُو ٌ وَقَا َ
ُ
َ
ن م ْ ب اغِْفْر لِيَ وَلِوَالِدَيَّ وَل ِ َ جرا ً كََّفارا ً َر ِّ ك وَل َ يَلِدُوا إِل ّ فَا ِ عبَاد َ َ ضل ّوا ِ يُ ِ
ن إِل ّ تَبَاراً}. َ
مي َ ت َول َ تَزِد ْ الظ ّال ِ ِ منَا ِ مؤْ ِ ن وَال ْ ُ منِي َ مؤ ْ ِ منا ً وَلِل ْ ُ مؤْ ِ ل بَيْتِي ُ خ َ دَ َ
وقد تكلمنا على كل موضع من هذه في التفسير .وسنذكر
مضمون القصة مجموعا ً من هذه الماكن المتفرقة ،ومما دلت عليه
الحاديث والثار.
وقد جرى ذكره أيضا ً في مواضع متفرقة من القرآن فيها مدحه
حيْنَا إِلَي ْ َ َ
ما ك كَ َ وذم من خالفه ،فقال تعالى في سورة النساء{ :إِنَّا أوْ َ
َ َ
عي َ
ل ما ِ س َ م وَإ ِ ْ حيْنَا إِلَى إِبَْراهِي َ ن بَعْدِهِ وَأوْ َ م ْ ن ِ حيْنَا إِلَى نُوٍح وَالنَّبِي ِّي َ أو ْ َ
َ َ
ن س وَهَاُرو َ ب وَيُون ُ َ سى وَأيُّو َ عي َ ط وَ ِ سبَا ِ ب وَال ْ حاقَ وَيَعُْقو َ س َ وَإ ِ ْ
لن قَب ْ ُ م ْ ك ِ م عَلَي ْ َ صنَاهُ ْ ص ْ سل ً قَد ْ قَ َ ن وَآتَيْنَا دَاوُود َ َزبُوراً ،وَُر ُ ما َ َ سلَي ْ َو ُ
َ َ
نشرِي َ مب َ ّ ِ ُ سل ً سى تَكْلِيماًُ ،ر ُ مو َ ُ ه
ُ م الل ّ َ ك َوكَل ّ م عَلَي ْ َ ْ ُ صه ْ ص
ُ م نَْق ْ سل ً ل َ َوُر ُ
َّ َ َ َ
ه
ن الل ُ ل وَكَا َ س ِ ة بَعْد َ الُّر ُ ج ٌ ح َّ س عَلَى الل ّهِ ُ ن لِلن ّا ِ
ن لل ّ يَكُو َ َ منذِرِي َ وَ ُ
حكِيماً}. عَزِيزا ً َ
ه
م ِ م عَلَى قَوْ ِ جتُنَا آتَيْنَاهَا إِبَْراهِي َ ح َّ ك ُ وقال في سورة النعام {وَتِل ْ َ
حاقَ س َ ه إِ ْ م ،وَوَهَبْنَا ل َ ُ م عَلِي ٌ حكِي ٌ ك َ ن َرب َّ َ شاءُ إ ِ َّ ن نَ َ م ْ ت َ جا ٍ نَْرفَعُ دََر َ
ُ
ن
ما َ سلَي ْ َ ن ذُّرِيَّتِهِ دَاوُود َ َو ُ م ْ ل وَ ِ ن قَب ْ ُ م ْ ب كُل ّ هَدَيْنَا وَنُوحا ً هَدَيْنَا ِ وَيَعُْقو َ
َ
ن ،وََزكَرِيَّا سنِي َ ح ِ م ْ جزِي ال ْ ُ ك نَ ْ ن وَكَذَل ِ َ سى وَهَاُرو َ مو َ ف وَ ُ س َ ب وَيُو ُ وَأيُّو َ
ع
س َ ل وَالْي َ َ عي َ ما ِ ن ال َّ سى وإلْيَاس ك ُ ٌّ
س َ ن ،وَإ ِ ْ حي َ صال ِ ِ م ْ ل ِ َ َ ًِ عي َ حيَى وَ ِ وَي َ ْ
م م وَذُّرِيَّاتِهِ ْ ن آبَائِهِ ْ م ْ ن وَ ِ مي َ ضلْنَا عَلَى الْعَال َ ِ س َولُوطا ً َوكُل ّ فَ َّ وَيُون ُ َ
ستَِقيمٍ} .اليات. م ْ ط ُ صَرا ٍ م إِلَى ِ م وَهَدَيْنَاهُ ْ جتَبَيْنَاهُ ْ م وَا ْ خوَانِهِ ْ وَإ ِ ْ
وتقدمت قصته في العراف.
َ َ َ م نَبَأ ال ّ ُ ْ وقال في سورة براءة{ :أَل َ
ح
ِ ٍ و ُ ن م ْ و ق م
ْ ه
َِ ِ ل ْ ب ق نْ م
ِ ن َ ي ِ ذ ْ ِ ه ِ ت أ َ ي م
ْ
ُ َ
م
تأَُْ ْ ُ ُ ُ ْ
ه سل ر م ه ت ت فكَا ِ مؤْت َ ِ ن وَال ْ ُ مدْي َ َ ب َ حا ِ ص َ م وَأ ْ مود َ وَقَوْم ِ إِب ََْراهِي َ وَعَادٍ وَث َ ُ
َ
ن}. مو َ م يَظْل ِ ُ سهُ ْ ن كَانُوا أنُف َ م وَلَك ِ ْ مهُ ْ ه لِيَظْل ِ َ ن الل ّ ُ ما كَا َ ت فَ َ بِالبَيِّنَا ِ
وتقدمت قصته في يونس وهود.
َ ُ ْ وقال في سورة إبراهيم{ :أَل َ
م قَوْ ِ
م ن قَبْلِك ُ ْ م ْ ن ِ َ م نَبَأ ال ّذِي ْ م يَأتِك ُ ْ
َ َ َ
مسلُهُ ْ م ُر ُ جاءَتْهُ ْ ه َ م إ ِ ّل الل ّ ُ مهُ ْ م َل يَعْل َ ُ ن بَعْدِهِ ْ م ْ ن ِ مود َ وَال ّذِي َ نُوٍح وَعَاد ٍ وَث َ ُ
ُ َ َ
م بِهِ سلْت ُ ْ ما أْر ِ م وَقَالُوا إِنَّا كََفْرنَا ب ِ َ م فِي أفْوَاهِهِ ْ ت فََردُّوا أيْدِيَهُ ْ بِالْبَيِّنَا ِ
ب}. مرِي ٍ ما تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ ُ م َّ ك ِ ش ٍّ وَإِنَّا لَِفي َ
ن عَبْداً ه كَا َ ح إِن َّ ُ ملْنَا َ وقال في سورة سبحان{ :ذُّرِي َّ َ
معَ نُو ٍ ح َ ن َ م ْ ة َ
ن بَعْد ِ نُوٍح وَكََفى م ْ ن ِ ن الُْقُرو ِ م ْ هلَكْنَا ِ م أَ ْ شكُوراً}وقال فيها أيضاً{ :وَك َ ْ َ
صيراً}. خبِيرا ً ب َ ِ عبَادِهِ َ ب ِ ك بِذ ُنُو ِ بَِرب ِّ َ
وتقدمت قصته في النبياء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت.
ك من ْ َ م وَ ِ ميثَاقَهُ ْ ن ِ ن النَّبِي ِّي َ م ْ خذ ْنَا ِ وقال في سورة الحزاب{ :وَإِذ ْ أ َ َ
ميثَاقاً م ِ منْهُ ْ خذ ْنَا ِ م وَأ َ َ مْري َ َ ن َ سى اب ْ ِ عي َ سى وَ ِ مو َ م وَ ُ ن نُوٍح وَإِبَْراهِي َ م ْ وَ ِ
ن
م نُوٍح وَعَاد ٌ وَفِْرعَوْ ُ م قَوْ ُ ت قَبْلَهُ ْ غَلِيظاً} .وقال في سورة ص{ :كَذَّب َ ْ
لن ك ُ ٌّ ب ،إ ِ ْ حَزا ُ ك ال َ ْ ب الَيْكَةِ أُوْلَئ ِ َ حا ُ ص َ ط وَأ ْ
َ
م لُو ٍ مود ُ وَقَوْ ُ ذ ُو الوْتَادِ ،وَث َ ُ
َ
َ
ب}. عَقا ِ حقَّ ِ ل فَ َ س َ ب الُّر ُ إِل ّ كَذ َّ َ
ن
م ْ ب ِ حَزا ُ ح َوال َ ْ م نُو ٍ م قَوْ ُ ت قَبْلَهُ ْ وقال في سورة غافر{ :كَذَّب َ ْ
ْ ل أ ُ َّ مت ك ُ ُّ
ضوا ح ُ ل لِيُد ْ ِ جادَلُوا بِالْبَاط ِ ِ خذ ُوه ُ وَ َ م لِيَأ ُ سول ِ ِه ْ مةٍ بَِر ُ م وَهَ َّ ْ
َ
بَعْدِهِ ْ
ك عَلَى ة َرب ِّ َ م ُ ت كَل ِ َ حَّق ْ ك َ عَقاب ،وَكَذَل ِ َ ن ِ ف كَا َ م فَكَي ْ َ خذ ْتُهُ ْ حقَّ فَأ َ بِهِ ال ْ َ
ب النَّارِ}. الَّذين كََفروا أَنَه َ
حا ُ ص َمأ ْ ُّ ْ ُ ِ َ
صى بِهِ ما وَ َّ ن َ ِ ن الدِّي م ْ م ِ شَرع َ لَك ُ ْ وقال في سورة الشورىَ { :
َ
َ حيْنَا إِلَي ْ َ َ
نسى أ ْ عي َ سى وَ ِ مو َ م وَ ُ صيْنَا بِهِ إِبَْراهِي َ ما وَ َّ ك وَ َ نُوحا ً وَال ّذِي أوْ َ
َ
م إِلَي ْ ِ
ه ما تَدْعُوهُ ْ ن َ شرِكِي َ م ْ ن َول َ تَتََفَّرقُوا فِيهِ كَبَُر عَلَى ال ْ ُ دّي َ موا ال ِ أقِ َي ُ
ب}. ن يُنِي ُ م ْ شاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ َ ن يَ َ م ْ جتَبِي إِلَيْهِ َ ه يَ ْ الل ّ ُ
َ
ب
حا ُ ص َ م نُوٍح وَأ ْ م قَوْ ُ ت قَبْلَهُ ْ وقال تعالى في سورة ق{ :كَذَّب َ ْ
َ َ
م تُبٍَّع ب اْليْكَةِ وَقَوْ ُ حا ُ ص َ ط ،وَأ ْ ن لُو ٍ خوَا ُ ن وَإ ِ ْ مودُ ،وَعَاد ٌ وَفِْرعَوْ ُ س وَث َ ُ الَّر ِّ
عيدِ}. حقَّ وَ ِ ل فَ َ س َ ب الُّر ُ ل كَذ َّ َ ك ُ ٌّ
م كَانُوا قَوْماً ل إِنَّهُ ْ ن قَب ْ ُ م ْ ح ِ وقال في الذاريات{ :وَقَوْ َ
م نُو ٍ
ن}. قي َ س ِ فَا ِ
ل إنَهم كَانوا هُ َ
م أظْل َ َ
م ْ ُ ن قَب ْ ُ ِ ّ ُ ْ م ْ ح ِ م نُو ٍ وقال في النجم{ :وَقَوْ َ
وَأَطْغَى}.
وتقدمت قصته في سورة اقتربت الساعة.
وقال تعالى في سورة الحديد{ :ول َ َ َ
مسلْنَا نُوحا ً وَإِبَْراهِي َ قد ْ أْر َ َ
م
منْهُ ْ َ
مهْتَد ٍ وَكثِيٌر ِ م ُ منْهُ ْ ب فَ ِ ما النُّبُوَّة َ وَالْكِتَا َ جعَلْنَا فِي ذُّرِيَّتِهِ َ وَ َ
ن}. سُقو َ فَا ِ
َ َ
ن كََفُروا مثَل ً لِل ّذِي َ ه َ ب الل ّ ُ ضَر َ وقال تعالى في سورة التحريمَ { :
ا ِمرأَة َ نوح وا ِ َ
نحي ْ ِ صال ِ َ عبَادِنَا َ ن ِ م ْ ن ِ ت عَبْدَي ْ ِ ح ََ ط كَانَتَا ت َ ْ مَرأة َ لُو ٍ ُ ٍ َ ْ ْ َ
معَ خل َ النَّاَر َ ل اد ْ ُ شيْئا ً وَقِي َ ن الل ّهِ َ م ْ ما ِ م يُغْنِيَا عَنْهُ َ ما فَل َ ْ خانَتَاهُ َ فَ َ
ن}. خلِي َ الدَّا ِ
وأما مضمون ما جرى له مع قومه مأخوذا ً من الكتاب والسنة
والثار ،فقد قدمنا عن ابن عبَّاس :أنه كان بين آدم ونوح عشرة
خاريّ .وذكرنا أن المراد بالقرن قرون كلهم على السلم ،رواه الب ُ َ
الجيل أو المدة على ما سلف.
ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال
بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الصنام.
جَريْج عن عطاء خاريّ من حديث ابن ُ وكان سبب ذلك ما رواه الب ُ َ
م َولَ ن آلِهَتَك ُ ْ عن ابن عبَّاس عند تفسير قوله تعالى{ :وَقَالُوا ل َ تَذَُر َّ
سراً} .قال :هذه أسماء ث وَيَعُوقَ وَن َ ْ سوَاعا ً وَل َ يَغُو َ ن وَدّا ً وَل َ ُ تَذَُر َّ
شيْطان إلى قومهم رجال صالحين من قوم نوح ،فلما هلكوا أوحى ال ّ
أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا ً وسموها
بأسمائهم ،ففعلوا فلم تعبد ،حتى إذا هلك أولئك وانتسخ العلم
عبدت.
قال ابن عبَّاس :وصارت هذه الوثان التي كانت في قوم نوح
في العرب بعد.
مد بن اسحاق. ح ْ
م َ
وهكذا قال عكرمة والضحاك وقتادة و ُ
حدَّثَنا مهران ،عن حدَّثَنا ابن حميدَ ،
وقال ابن جرير "تفسيره"َ :
مد بن قيس قال :كانوا قوما ً صالحين ح ْ
م َ
سفيان ،عن موسى ،عن ُ
بين آدم ونوح وكان لهم أتباع يقتدون بهم ،فلما ماتوا قال أصحابهم
الذين كانوا يقتدون بهم :لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا
ذكرناهم ،فصوروهم .فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال:
إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر .فعبدوهم.
وروى ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير أنه قال :ود ويغوث
ويعوق وسواع ونسر ،أولد آدم ،وكان "ود" أكبرهم وأبرهم به.
حدَّثَنا الحسن بن حدَّثَنا أحمد بن منصورَ ، قال ابن أبي حاتمَ :
حدَّثَنا يعقوب عن أبي المطهر ،قال :ذكروا عند أبي جعفر - موسى؛ َ
هو الباقر -وهو قائم يصلي يزيد بن المهلب ،قال فلما انفتل من
صلته قال :ذكرتم يزيد بن المهلب ،أما إنه قتل في أول أرض عبد
فيها غير الله تعالى .قال ذكر ودا ً قال :كان رجل ً صالحاً ،وكان محبباً
في قومه ،فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه،
فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان ثم قال :إني
أرى جزعكم على هذا الرجل ،فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون
في ناديكم فتذكرونه به؟ قالوا :نعم .فصور لهم مثله ،قال :فوضعوه
في ناديهم وجعلوا يذكرونه فلما رأى ما بهم من ذكره قال :هل لكم
أجعل في منزل كل واحد منكم تمثال ً مثله ليكون له في بيته
فتذكرونه؟ قالوا :نعم .قال :فمثل لكل أهل بيت تمثاله مثله ،فأقبلوا
فجعلوا يذكرونه به .قال :وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون
به ،قال :وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلها ً يعبدونه
من دون الله أولد أولدهم ،فكان أول ما عبد غير الله "ود" الصنم
الذي سموه وداً.
ومقتضى هذا السياق أن كل صنم من هذه عبده طائفة من
الناس .وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والزمان ،جعلوا تلك الصور
تماثيل مجسدة ليكون أثبت لهم ،ثم عبدت بعد ذلك من دون الله
عز وجل .ولهم في عبادتها مسالك كثيرة جدا ً قد ذكرنا في مواضعها
من كتابنا التفسير .ولله الحمد والمنة.
وقد ثبت في "الصحيحين" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
:أنه لما ذكرت عنده أم سلمة وأم حبيبة ،تلك الكنيسة التي رأينها
بأرض الحبشة ،ويقال لها مارية ،وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها
قال" :أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ،ثم
صوروا فيه تلك الصورة ،أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل".
والمقصود أن الفساد لما انتشر في الرض ،وعم البلد بعبادة
الصنام فيها ،بعث الله عبده ورسوله نوحا ً عليه السلم ،يدعو إلى
عبادة الله وحده ل شريك له ،وينهي عن عبادة ما سواه.
فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الرض ،كما ثبت في
"الصحيحين" من حديث ابن حبان ،عن أبي زرعة بن عمرو بن
جرير ،عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث
الشفاعة قال" :فيأتون آدم فيقولون :يا آدم أنت أبو البشر ،خلقك
الله بيده ،ونفخ فيك من روحه ،وأمر الملئكة فسجدوا لك وأسكنك
الجنَّة ،أل تشفع لنا إلى ربك؟ أل ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول:
ربي قد غضب غضبا ً شديدا ً لم يغضب قبله مثله ول يغضب بعده
مثله ،ونهاني عن شجرة فعصيت ،نفسي نفسي .اذهبوا إلى غيري،
اذهبوا إلى نوح.
فيأتون نوحا ً فيقولون :يا نوح ،أنت أول الرسل إلى أهل الرض،
ماك الله عبدا ً شكورا ،أل ترى إلى ما نحن فيه؟ أل ترى إلى ما وس ّ
بلغنا؟ أل تشفع لنا إلى ربك عز وجل؟ فيقول :ربي قد غضب اليوم
غضبا ً لم يغضب قبله مثله ول يغضب بعده مثله ،نفسي نفسي،
خاريّ في قصة نوح. وذكر تمام الحديث بطوله كما أورده الب ُ َ
فلما بعث الله نوحا ً عليه السلم ،دعاهم إلى إفراد عبادة الله
وحده ل شريك له ،وأل يعبدوا معه صنما ً ول تمثال ً ول طاغوتا ً وأن
يعترفوا بوحدانيته ،وأنه ل إله غيره ول رب سواه ،كما أمر الله
تعالى من بعده من الرسل الذين هم كلهم من ذريته ،كما قال
جعَلْنَا
ن} .وقال فيه وفي إبراهيم{ :وَ َ م الْبَاقِي َ جعَلْنَا ذُّرِيَّت َ ُ
ه هُ ْ تعالى{ :وَ َ
ب} أي كل نبي من بعد نوح فمن ذريته. ما النُّبُوَّة َ وَالْكِتَا َ فِي ذُّرِيَّتِهِ َ
وكذلك إبراهيم.
َّ َ ُ
ن اُعْبُدُوا الل َ
ه سول ً أ ْ مةٍ َر ُ ل أ َّ قد ْ بَعَثْنَا فِي ك ُ ِّ قال الله تعالى{ :وَل َ َ
ن م ك َ ل ب َ ق ن م ا ن ْ سل ر ل من أ َ ْ واجتنبوا الطَّاغُوت} .وقال تعالى {واسأ َ
ْ ِ ِ ْ ْ ِ َ َ ْ ْ َ َ ْ َ َ ْ َُِ
َ
ما ن} .وقال تعالى{وَ َ ة يُعْبَدُو َ ن آلِهَ ً ما ِح َ ن الَّر ْ ن دُو ِ م ْ جعَلْنَا ِ سلِنَا أ َ ُر ُ
حي إلَيه أَن َه ل َ إل َه إل َّ أناَ َ َ
ِ َ ِ َ ِ ْ ِ ّ ُ ل إِل ّ نُو ِ سو ٍ ن َر ُ م ْ ك ِ ن قَبْل ِ َ م ْ سلْنَا ِ أْر َ
َ
ن}. فَاعْبُدُو ِ
ن إِلَهٍ غَيُْره ُ إِنِّي م ْ م ِ ما لَك ُ ْ ه َ ولهذا قال نوح لقومه{ :اعْبُدُوا الل ّ َ
َّ َّ َ
ه إِنِّي ن ل َ تَعْبُدُوا إ ِل َالل َ ب يَوْم ٍ عَظِيمٍ} وقال{ :أ ْ م عَذ َا َ ف عَلَيْك ُ ْ خا ُ أَ َ
َ أَ َ
ما لَك ُ ْ
م ه َ ب يَوْم ٍ ألِيمٍ} .وقال{ :يَا قَوْم ِ اعْبُدُوا الل ّ َ م عَذ َا َ ف عَلَيْك ُ ْ خا ُ
َ
ن، مبِي ٌ م نَذِيٌر ُ ل يَا قَوْم ِ إِنِّي لَك ُ ْ ن} وقال{ :قَا َ ن إِلَهٍ غَيُْرهُ أفَل َ تَتَُّقو َ
َ م ْ ِ
م أطْوَاراً} اليات َ خل َ َ َ َ
قك ُ ْ ن} إلى{ :وَقَد ْ َ ه وَاتَُّقوهُ وَأطِيعُو ِ ن اعْبُدُوا الل ّ َ أ ْ
الكريمات.
فذكر أنهم دعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار،
والسر والجهار ،بالترغيب تارة والترهيب أخرى ،وكل هذا لم ينجح
فيهم ،بل استمر أكثرهم على الضللة والطغيان وعبادة الصنام
والوثان .ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان ،وتنقصوه وتنقصوا
من آمن به ،وتوعدهم بالرجم والخراج ،ونالوا منهم وبالغوا في
أمرهم.
ك فِي {قال المل من قومه} أي السادة الكبراء منهم{ :إِنَّا لَنََرا َ
ن}. مبِي ٍ ل ُ ضل َ ٍ َ
ن} مي َ ب الْعَال َ ِ ن َر ِّ م ْ ل ِ سو ٌ ة وَلَكِنِّي َر ُ ضلل َ ٌ س بِي َ ل يَا قَوْم ِ لَي ْ َ {قَا َ
أي لست كما تزعمون من أني ضال ،بل على الهدى المستقيم
ُ
يقول للشيء كن فيكون {أبَل ِّغُك ُ ْ
م
َ
رسول من رب العالمين ،أي الذي
َ َ
ن} .وهذا شأن مو َ ما ل َ تَعْل َ ُ ن الل ّهِ َ م ْ م ِ م وَأعْل َ ُ ح لَك ُ ْ ص ُ ت َربِّي وَأن َ سال َ ِ ِر َ
الرسول أن يكون بليغاً ،أي فصيحا ً ناصحاً ،أعلم الناس بالله عز
وجل.
ك إلَّ َ
ك اتَّبَعَ َ ِ ما نََرا َ مثْلَنَا وَ َ شرا ً ِ ك إِل ّ ب َ َ ما نََرا َ َ وقالوا له فيما قالواَ { :
ْ ال ّذين هُ َ
مل نَظُنُّك ُ ْ ل بَ ْ ض ٍ ن فَ ْ م ْ م عَلَيْنَا ِ ما نََرى لَك ُ ْ ي وَ َ م أَراذِلُنَا بَادِي الَّرأ ِ ْ ِ َ
ن}. كَاذِبِي َ
تعجبوا أن يكون بشرا ً رسولً ،وتنقصوا من اتبعه ،ورأوهم
أراذلهم .وقد قيل :إنهم كانوا من أفناد الناس ،وهم ضعفاؤهم ،كما
قال هرقل :وهم أتباع الرسل ،وما ذاك إل لنه ل مانع لهم من اتباع
الحق.
ْ
ي} أي بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من وقولهم {بَادِي الَّرأ ِ
غير نظر ول روية .وهذا الذي رموهم به هو عين ما يمدحون بسببه
رضي الله عنهم ،فإن الحق الظاهر ل يحتاج إلى روية ول فكر ول
نظر ،بل يجب إتباعه والنقياد له متى ظهر.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحا ً للصديق" :ما
دعوت أحدا ً إلى السلم إل كانت له كبوة غير أبي بكر ،فإنه لم
يتلعثم" .ولهذا كانت بيعته يوم السقيفة أيضا ً سريعة من غير نظر
ول روية ،لن أفضليته على من عداه ظاهرة جلية عند الصحابة
رضي الله عنهم .ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما
أراد أن يكتب الكتاب الذي أراد أن ينص فيه على خلفته فتركه،
قال :يأبى الله والمؤمنون إل أبا بكر رضي الله عنه.
ن م ْ م عَلَيْنَا ِ ما نََرى لَك ُ ْ وقول كفرة قوم نوح له ولمن آمن به{ .وَ َ
ل} أي لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم باليمان ول مرية علينا ض ٍ فَ ْ
َ َ
ن َربِّي م ْ ت عَلَى بَيِّنَةٍ ِ ن كُن ُ م إِ ْ ل يَا قَوْم ِ أَرأيْت ُ ْ ن ،قَا َ م كَاذِبِي َ ل نَظُنُّك ُ ْ {ب َ ْ
م لَهَا َ عنده فَعميت عَلَيك ُ َ
موهَا وَأنْت ُ ْ مك ُ ُ م أنُلْزِ ُ ْ ْ ن ِ ْ ِ ِ ُ ِّ َ ْ م ْ ة ِم ً ح َ وَآتَانِي َر ْ
ن}. كَارِهُو َ
وهذا تلطف في الخطاب معهم ،وترفق بهم في الدعوة إلى
َ
شى}. خ َ ه يَتَذ َكَُّر أَوْ ي َ ْ ول ً لَيِّنا ً لَعَل ّ ُ ه قَ ْ الحق ،كما قال تعالى{ :فَُقول َ ل َ ُ
سنَةِ ح َ عظَةِ ال ْ َ موْ ِ مةِ َوال ْ َ حك ْ َ ك بِال ْ ِ ل َرب ِّ َ سبِي ِ وقال تعالى{ :ادْعُ إِلَى َ
َ َ
ن} وهذا منه. س ُ ح َ يأ ْ م بِال ّتِي هِ َ جادِلْهُ ْ وَ َ
َ َ
ن م ْ ة ِ م ً ح َ ن َربِّي وَآتَانِي َر ْ م ْت عَلَى بَيِّنَةٍ ِ ن كُن ُ م إِ ْ يقول لهم{ :أَرأيْت ُ ْ
عنْدِهِ} أي النبوة والرسالة{ ،فعميت عليكم} أي فلم تفهموها ولم ِ
َ َ
مموهَا} أي أنغصبكم بها ونجبركم عليها{ ،وَأنْت ُ ْ مك ُ ُ تهتدوا إليها{ ،أنُلْزِ ُ
ن} ؟ أي ليس لي فيكم حيلة والحالة هذه{ .وَيَا قَوْم ِ لَ ل َ َها كَارِهُو َ
َ أ َسأَلُك ُم عَلَيه مال ً إ َ
جرِي إِل َّ عَلَى الل ّهِ} أي لست أريد منكم أجرة نأ ْ ِ ْ ْ ِ َ ْ ْ
على إبلغي إياكم ما ينفعكم في دنياكم وأخراكم ،إن أطلب ذلك إل
من الله الذي ثوابه خير لي ،وأبقى مما تعطونني أنتم.
َ
م وَلَكِنِّي أَراك ُْ َ َّ َ
م ه
َ ِِ ْ ّ رب و ُ ق َ مل م
ِ ُ ْ ُ ه ّ ن إ وا ُ منما أنَا بِطَارِدِ ال َ َ
آ ن ي ِ ذ وقوله{ :وَ َ
ن} كأنهم طلبوا منه أن يبعد هؤلء عنه ،ووعدوه أن جهَلُو َ قَوْما ً ت َ ْ
ملَقُو م ُ يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك ،فأبى عليهم ذلك وقال{ :إِنَّهُ ْ
م} أي :فأخاف إن طردتهم ،أفل تذكرون. َرب ِّ ِه ْ
ولهذا لما سأل كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يطرد عنه ضعفاء المؤمنين ،كعمار وصهيب وبلل وخباب وأشباههم،
نهاه الله عن ذلك ،كما بيناه في سورتي النعام والكهف.
َ َ َ {وَل َ أَقُو ُ
ل إِنِّي ب وَل َ أقُو ُ م الْغَي ْ َ ن الل ّهِ وَل َ أعْل َ ُ خَزائ ِ ُ عندِي َ م ِ ل لَك ُ ْ
ك} أي بل أنا عبد رسول ،ل أعلم من علم الله إل ما أعلمني به، مل َ ٌ َ
ول أقدر إل على ما أقدرني عليه ،ول أملك لنفسي نفعا ً ول ضرا ً إل
ن َ {ل أتباعه من يعني م} ُ ك ن ْي ع ل لِلَّذين تزدري أ َ {ول َ أَقُو ُ
ْ َّ ْ ُ ُ ِ ِ َ َْ َ
َ اللهَ . َ
ما شاء
َ َ
ن} مي َ ن الظال ِ ِ م ْ م إِنِّي إِذا ً ل َ ِ سهِ ْ ما فِي أنُف ِ م بِ َ ه أعْل َ ُ خيْرا ً الل ّ ُ ه َ م الل ّ ُ يُؤْتِيَهُ ْ
أي ل أشهد عليهم بأنهم ل خير لهم عند الله يوم القيامة ،الله أعلم
بهم ،وسيجازيهم على ما في نفوسهم ،إن خيرا ً فخير ،وإن شراً
َ
ن، ك الَْرذ َلُو َ ك وَاتَّبَعَ َ ن لَ َ م ُ فشر ،كما قالوا في المواضع الخر{ :أنُؤْ ِ
َ
م إِل ّ عَلَى َرب ِّي ل َ ْ
و سابُهُ ْ ح َ ن ِ ن ،إ ِ ْ ملُو َ ما كَانُوا يَعْ َ مي ب ِ َ عل ْ ِما ِ ل وَ َ قَا َ
َ َ َ
ن}. مبِي ٌ ن أنَا إِل ّ نَذِيٌر ُ ن ،إ ِ ْ منِي َ مؤ ْ ِ ما أنَا بِطَارِد ِ ال ْ ُ ن ،وَ َ شعُُرو َ تَ ْ
وقد تطاول الزمان والمجادلة بينه وبينهم كما قال تعالى{ :فَلَب ِ َ
ث
ُ َ
ن} مو َ م ظَال ِ ُ ن وَهُ ْ م الط ّوفَا ُ خذَهُ ْ ن عَاما ً فَأ َ سي َ م ِ خ ْ سنَةٍ إِل َّ َ ف َ م أَل ْ َ فِيهِ ْ
أي ومع هذه المدة الطويلة فما آمن به إل القليل منهم.
وكان كلما انقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم اليمان به
ومحاربته ومخالفته .وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلمه،
وصاه فيما بينه وبينه :أل يؤمن بنوح أبدا ً ما عاش ،ودائما ً ما بقى.
وكانت سجاياهم تأبى اليمان وإتباع الحق ،ولهذا قال{ :وَل َ يَلِدُوا
جرا ً كََّفاراً}. َ
إِل ّ فَا ِ
ْ َ
ن
ما تَعِدُنَا إ ِ ْ جدَالَنَا فَأتِنَا ب ِ َ ت ِ جادَلْتَنَا فَأكْثَْر َ َ ح قَد ْ َ ولهذا{ :قَالُوا يَا نُو ُ
َ ْ
ما أنْت ُ ْ
م شاءَ وَ َ ن َ ه إِ ْ م بِهِ الل ّ ُ ما يَأتِيك ُ ْ ل إِن َّ َ ن ،قَا َ صادِقِي َ ن ال َّ م ْ ت ِ كُن َ
ن} أي إنما يقدر على ذلك الله عز وجل ،فإنه الذي ل يعجزه جزِي َ معْ ِ بِ ُ
{ولَشيء ول يكترثه أمر ،بل هو الذي يقول للشيء َكن فيكونَ .
َ حي إن أ َردت أ َ َ
ن يُغْوِيَك ُ ْ
م ه يُرِيد ُ أ ْ ن الل ّ ُ ن كَا َ م إِ ْ ح لَك ُ ْ ص َ ن أن َ ِ ْ َ ْ ُ ْ ص ِم نُ ْ يَنَفعُك ُ ْ
ن} أي من يرد الله فتنته فلن يملك أحد جعُو َ م وَإِلَيْهِ تُْر َ هُوَ َربُّك ُ ْ
هدايته ،هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء ،وهو الفعال لما
يريد ،وهو العزيز الحكيم ،العليم بمن يستحق الهداية ومن يستحق
الغواية ،وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
حي إلَى نوح أَن َه ل َن يؤْمن من قَوم َ َ ُ
ن} تسلية م َ ن قَد ْ آ َ م ْ ك إِل ّ َ ُ ٍ ّ ُ ْ ُ ِ َ ِ ْ ْ ِ {وَأو ِ َ ِ
ن} وهذه تعزية ما كَانُوا يَْفعَلُو َ س بِ َ له عما كان منهم إليه {فَل َ تَبْتَئ ِ ْ
لنوح عليه السلم في قومه أنه لن يؤمن منهم إل من قد آمن ،أي ل
يسوأنك ما جرى فإن النصر قريب والنبأ "عجب" عجيب.
َ {واصنع الُْفل ْ َ َ
موا إِنَّهُ ْ
م ن ظَل َ ُ خاطِبْنِي فِي ال ّذِي َ حيِنَا وَل َ ت ُ َ ك بِأعْيُنِنَا وَوَ ْ َ ْ َ ْ
ن}. مغَْرقُو َ ُ
وذلك أن نوحا عليه السلم لما يئس من صلحهم وفلحهم ،ورأى ً
أنهم ل خير فيهم ،وتوصلوا إلى أذيته ومخالفته وتكذيبه بكل طريق،
من فعال ومقال ،دعا عليهم دعوة غضب فلبى الله دعوته وأجاب
جيْنَاهُ ن ،وَن َ َّ جيبُو َ م ِ م ال ْ ُ ح فَلَنِعْ َ قد ْ نَادَانَا نُو ٌ طلبته قال الله تعالى{ :وَل َ َ
َ
ن قَب ْ ُ
ل م ْ ب الْعَظِيمِ} .وقال تعالى{ :وَنُوحا ً إِذ ْ نَادَى ِ ن الْكَْر ِ م ْ ه ِ وَأهْل َ ُ
ل ب الْعَظِيمِ} .وقال تعالى{ :قَا َ ن الْكَْر ِ م ْ ه ِ هل َ ُجيْنَاه ُ وَأ َ ْ ه فَن َ َّ جبْنَا ل َ ُ ست َ َ فَا ْ
ن
م ْ معِي ِ ن َ م ْ جنِي وَ َ م فَتْحا ً وَن َ ِّ ح بَيْنِي وَبَيْنَهُ ْ مي كَذَّبُونِي ،فَافْت َ ْ ن قَوْ ِ ب إ ِ َّ َر ِّ
َ
صْر} وقال ب فَانْت َ ِ مغْلُو ٌ ه أنِّي َ ن} وقال تعالى{ :فَدَعَا َرب َّ ُ منِي َ مؤْ ِ ال ْ ُ
ما م َّ ما كَذَّبُونِي} .وقال تعالىِ { : صْرنِي ب ِ َ ب ان ُ ُ ل َر ِّ تعالى{ :قَا َ
َ َ
صاراً، ن الل ّهِ أن ْ َ ن دُو ِ م ْ م ِ جدُوا لَهُ ْ م يَ ِ خلُوا نَارا ً فَل َ ْ م أُغْرِقُوا فَأد ْ ِ خطِيئَاتِهِ ْ َ
ن دَيَّاراً ،إِن َّ َ َ
من تَذَْرهُ ْ ك إِ ْ ن الْكَافِرِي َ م ْ ض ِ ى الْر ِ
ب ل َ تَذَْر عَل َ ح َر ِّ ل نُو ٌ وَقَا َ
ُ
جرا ً كََّفاراً}. َ ضل ّوا ِ
ك وَل َ يَلِدُوا إِل ّ فَا ِ عبَاد َ َ يُ ِ
فاجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم وفجورهم ودعوة نبيهم
عليهم.
فعند ذلك أمره الله تعالى أن يصنع الفلك ،وهي السفينة
العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها ول يكون بعدها مثلها.
وقدم الله تعالى إليه أنه إذا جاء أمره ،وحل بهم بأسه الذي ل
يرد عن القوم المجرمين ،أنه ل يعاوده فيهم ول يراجعه؛ فإنه لعله
قد تدركه رقة على قومه عند معاينة العذاب النازل بهم ،فإنه ليس
َ
مموا إِنَّهُ ْ ن ظَل َ ُ خاطِبْنِي فِي ال ّذِي َ {ول َ ت ُ َ الخبر كالمعاينة ،ولهذا قالَ :
ن}. مغَْرقُو َ ُ
ٌ َ َ ّ ْ ْ
ه} أي من ْ ُ خُروا ِ س ِ مهِ َ ن قَوْ ِ م ْ مل ِ مَّر عَليْهِ َ ما َ ك وَكُل َ صنَعُ الُفل َ {وَي َ ْ
منَّا
خُروا ِ س َ ن تَ ْ ل إِ ْ يستهزئون به استبعادا ً لوقوع ما توعدهم به{ .قَا َ
ن} أي نحن الذين نسخر منكم ونتعجب خُرو َ س َ ما ت َ ْ م كَ َ منْك ُ ْ خُر ِ س َ فَإِنَّا ن َ ْ
منكم في استمراركم على كفركم وعنادكم الذي يقتضي وقوع
ْ
خزِيهِ
ب يُ ْن يَأتِيهِ عَذ َا ٌ م ْ
ن َمو َف تَعْل َ ُ العذاب بكم وحلوله عليكم{ .فَ َ ْ
سو َ
م}. ل عَلَيْهِ عَذ َا ٌ ح ُّ
قي ٌم ِ ب ُ وَي َ ِ
وقد كانت سجاياهم الكفر الغليظ والعناد البالغ في الدنيا ،وهكذا
في الخرة فإنهم يجحدون أيضا ً أن يكون جاءهم رسول.
حدَّثَنا عبد الواحد حدَّثَنا موسى بن إسماعيلَ ، خاريَّ : كما قال الب ُ َ
حدَّثَنا العمش ،عن أبي صالح ،عن أبي سعيد قال :قال بن زيادَ ،
رسول الله صلى الله عليه وسلم "يجيء نوح عليه السلم وأمته،
فيقول الله عز وجل :هل بلغت؟ فيقول :نعم أي رب .فيقول لمته
هل بلغكم؟ فيقولون :ل ما جاءنا من نبي ،فيقول لنوح :من شهد
لك؟ فيقول محمد وأمته ،فتشهد أنه قد بلغه" وهو قوله تعالى:
شهَدَاءَ عَلَى الن َّ سطا ً ك جعلْناك ُم أ ُ
س وَيَكُو َ
ن ِ ا ُ وا ُ ون ُ كَ تِ ل َ و
َ ة
ً َ
م ّ {وَكَذَل ِ َ َ َ َ ْ
شهِيداً}. م َ ل عَلَيْك ُ ْ
سو ُ الَّر ُ
والوسط العدل .فهذه المة تشهد على شهادة نبيها الصادق
المصدوق ،بأن الله قد بعث نوحا ً بالحق ،وأنزل عليه الحق وأمره
به ،وأنه بلغه إلى أمته على أكمل الوجوه وأتمها ،ولم يدع شيئا ً مما
قد ينفعهم في دينهم إل وقد أمرهم به ،ول شيئا ً مما قد يضرهم إل
وقد نهاهم عنه ،وحذرهم منه.
وهكذا شأن جميع الرسل ،حتى أنه حذر قومه المسيح الدجال
وإن كان ل يتوقع خروجه في زمانهم؛ حذرا ً عليهم وشفقة ورحمة
بهم.
حدَّثَنا عبد الله ،عن يونس ،عن حدَّثَنا عبدانَ ، خاريَّ : كما قال الب ُ َ
الزهري ،قال سالم قال ابن عمر :قام رسول الله صلى الله عليه
وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ،ثم ذكر الدجال فقال:
"إني لنذرتموه ،وما من نبي إل وقد أنذره قومه ،لقد أنذره نوح
قومه ،ولكني أقول لكم فيه قول ً لم يقله نبي لقومه :تعلمون أنه
أعور ،وأن الله ليس بأعور".
وهذا الحديث في "الصحيحين" أيضا ً من حديث شيبان بن عبد
الرحمن عن يحيى بن أبي كثير ،عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ،عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" :أل أحدثكم عن
الدجال حديثا ً ما حدث به نبي قومه؟ إنه أعور ،وإنه يجيء معه
بمثال الجنَّة والنار والتي يقول عليها الجنَّة هي النار ،وإني أنذركم
خاريّ. كما أنذر به نوح قومه" لفظ الب ُ َ
وقد قال بعض علماء السلف :لما استجاب الله له ،أمره أن
يغرس شجرا ً ليعمل منه السفينة ،فغرسه وانتظره مائة سنة ،ثم
نجره في مائة أخرى ،وقيل في أربعين سنة .والله أعلم.
مد بن إسحاق عن الثوري :وكانت من خشب الساج، ح ْ م َ قال ُ
وقيل من الصنوبر وهو نص التوراة.
قال الثوري :وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعاً ،وأن يطلي
ظاهرها وباطنها بالقار ،وأن يجعل لها جؤجؤا أزور يشق الماء.
وقال قتادة :كان طولها ثلثمائة ذراع في عرض خمسين ذراعاً.
وهذا الذي في التوراة على ما رأيته .وقال الحسن البصري :ستمائة
في عرض ثلثمائة ،وعن ابن عبَّاس :ألف ومائتا ذراع في عرض
ستمائة ذراع وقيل :كان طولها ألفي ذراع ،وعرضها مائة ذراع.
قالوا كلهم :وكان ارتفاعها ثلثين ذراعاً ،وكانت ثلث طبقات كل
واحد عشرة أذرع ،فالسفلى للدواب والوحوش ،والوسطى للناس،
والعليا للطيور .وكان بابها في عرضها ،ولها غطاء من فوقها مطبق
عليها.
َ َ
نحيْنَا إِلَيْهِ أ ْ ما كَذَّبُونِي ،فَأوْ َ صْرنِي ب ِ َ ب ان ُل َر ِّ قال الله تعالى{ :قَا َ
حيِنَا} أي بأمرنا لك ،وبمرأى منا لصنعتك لها، اصنع الُْفل ْ َ َ
ك بِأع ْيُنِنَا وَوَ ْ ْ َ ْ
ومشاهدتنا لذلك ،لنرشدك إلى الصواب في صنعتها.
سل ُ ْ {فَإذ َا جاءَ أ َ
ن اثْنَي ْ ِ
ن جي ْ ِ ن ك ُ ٍّ
ل َزوْ َ ْ م
ك فِيهَا ِ مُرنَا وَفَاَر التَّنُّوُر فَا ْ ْ َ ِ
َّ َ
موا َ
ن ظل ُ َ خاطِبْنِي فِي الذِي َ م وَل َ ت ُ َمنْهُ ْ
ل ِ ْ َ
سبَقَ عَليْهِ الَقوْ ُ ن َ م ْك إِل ّ َ هل َ َوَأ َ ْ
ن}. مغَْرقُو َ م ُ إِنَّهُ ْ
فتقدم إليه بأمره العظيم العالي أنه إذا جاء أمره وحل بأسه ،أن
يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات ،وسائر
ما فيه روح من المأكولت وغيرها لبقاء نسلها ،وأن يحمل معه أهله،
أي أهل بيته ،إل من سبق عليه القول منهم ،أي إل من كان كافراً
فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي ل ترد ،ووجب عليه حلول البأس
الذي ل يرد .وأمر أنه ل يراجعه فيهم إذا حل بهم ما يعانيه من
العذاب العظيم ،الذي قد حتمه عليهم الفعال لما يريد .كما قدمنا
بيانه قبل.
والمراد بالتنور عند الجمهور وجه الرض ،أي نبعت الرض من
سائر أرجائها حتى نبعت التنانير التي هي محال النار .وعن ابن
شعبي بالكوفة ،وعن قتادة عبَّاس :التنور عين في الهند ،وعن ال َّ
بالجزيرة.
وقال علي بن أبي طالب :المراد بالتنور فلق الصبح وتنوير
الفجر ،أي إشراقه وضياؤه .أي عند ذلك فاحمل فيها من كل زوجين
اثنين وهذا قول غريب.
َ
ن
م ْل فِيهَا ِم ْح ِمُرنَا وَفَاَر التَّنُّوُر قُلْنَا ا ْ جاءَ أ ْ حتَّى إِذ َا َ وقوله تعالىَ { :
سبَقَ عَلَيْهِ الَْقوْ ُ َ هل َ َن وَأ َ ْ ك ُ ٍّ
نم َ
ما آ َ
ن وَ َم َنآ َ م ْ ل وَ َ ن َ م ْ ك إِل ّ َ ن اثْنَي ْ ِ جي ْ ِ
ل َزوْ َ
ل} هذا أمر بأنه عند حلول النقمة بهم أن يحمل فيها من ه إِل َّ قَلِي ٌمعَ ُ َ
كل زوجين اثنين.
وفي كتاب أهل الكتاب :أنه أمر أن يحمل من كل ما يؤكل سبعة
أزواج ،وما ل يؤكل زوجين ذكر وأنثى.
وهذا مغاير لمفهوم قوله تعالى في كتابنا الحق" :اثنين" أن
جعلنا ذلك مفعول ً به ،وأما إن جعلناه توكيدا ً لزوجين والمفعول به
محذوف فل ينافي .والله أعلم.
وذكر بعضهم -ويروى عن ابن عبَّاس :أن أول ما دخل من
الطيور الدرة ،وأخر ما دخل من الحيوانات الحمار .ودخل إبليس
متعلقا ً بذنب الحمار.
حدَّثَنا عبد الله بن صالح ،حدثني حدَّثَنا أبيَ ، وقال ابن أبي حاتمَ :
الليث ،حدثني هشام بن سعد ،عن زيد بن أسلم ،عن أبيه ،أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :لما حمل نوح في السفينة
من كل زوجين اثنين ،قال أصحابه :وكيف نطمئن؟ أو كيف تطمئن
المواشي ومعنا السد؟ فسلط الله عليه الحمى ،فكانت أول حمى
نزلت في الرض .ثم شكوا الفأرة ،فقالوا الفويسقة تفسد علينا
طعامنا ومتاعنا .فأوحى الله إلى السد فعطس ،فخرجت الهرة منه
فتخبأت الفأرة منها .هذا مرسل.
وقوله{ :وأَهْل َ َ َ
ل} أي من استجيبت فيهم سبَقَ عَلَيْهِ ال ْ َ ْ
قو ُ ن َ م ْ ك إِل ّ َ َ
الدعوة النافذة ممن كفر ،فكان منهم ابنه "يام" الذي غرق كما
سيأتي بيانه.
ن} أي واحمل فيها من آمن بك من أمتك .قال الله م َ نآ َ م ْ {وَ َ
ل} هذا مع طول المدة والمقام بين َ
ه إِل ّ قَلِي ٌ معَ ُ ن َم َما آ َ تعالى{ :وَ َ
أظهرهم ،ودعوتهم الكيدة ليل ً ونهاراً ،بضروب المقال ،وفنون
التلطفات ،والتهديد والوعيد تارة ،والترغيب والوعيد أخرى.
وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة:
فعن ابن عبَّاس :كانوا ثمانين نفسا ً معهم نساؤهم .وعن كعب
الحبار :كانوا اثنين وسبعين نفساً .وقيل :كانوا عشرة .وقيل :إنما
كانوا نوحا ً وبنيه الثلثة وكنائنه الربع بامرأة "يام" الذي انخذل
وانعزل ،وتسلل عن طريق النجاة فما عدل إذ عدل.
وهذا القول فيه مخالفة لظاهر الية ،بل هي نص في أنه قد
ن
م ْ جنِي وَ َ ركب معه من غير أهله طائفة ممن آمن به ،كما قال{ :وَن َ ِّ
ن}. منِي َ مؤْ ِ ن ال ْ ُ م ْ معِي ِ َ
وقيل كانوا سبعة.
وأما امرأة نوح وهي أم أولده كلهم :وهم حام وسام ويافث
ويام ،ويسميه أهل الكتاب كنعان وهو الذي قد غرق ،وعابر ،فقد
ماتت قبل الطوفان ،وقيل إنها غرقت مع من غرق ،وكانت ممن
سبق عليه القول لكفرها.
وعند أهل الكتاب أنها كانت في السفينة ،فيحتمل أنها كفرت بعد
ذلك ،أو أنها أنظرت ليوم القيامة ،والظاهر الول لقوله{ :ل َ تَذَْر
ن دَيَّاراً}. ن الْكَافِرِي َ م ْ ض ِ ِ عَلَى الَْر
َ
لك فَُق ْ ك عَلَى الُْفل ْ ِ معَ َن َ م ْ ت وَ َ ت َأن ْ َ ستَوَي ْ َ قال الله تعالى{ :فَإِذ َا ا ْ
منَْزلً ب أنزِلْنِي ُ
َ
ل َر ِّ ن ،وَقُ ْ مي َ ن الَْقوْم ِ الظ ّال ِ ِ م ْ جانَا ِ مد ُ لِلَّهِ الَّذِي ن َ َّ ح ْ ال ْ َ
َ
ن}. منزِلِي َ خيُْر ال ْ ُ ت َ مبَاَركا ً وَأن ْ َ ُ
أمره أن يحمد ربه على ما سخر له من هذه السفينة ،فنجاه بها
وفتح بينه وبين قومه ،وأقر عينه ممن خالفه وكذبه ،كما قال تعالى:
َ َ َ
ن،ما تَْركَبُو َ ك وَالنْعَام ِ َ ن الُْفل ْ ِ م ْم ِ ل لَك ُ ْ جعَ َ ج كُل ّهَا وَ َ خلَقَ الَْزوَا َ {وَال ّذِي َ
م عَلَيْهِ وَتَُقولُوا ستَوَيْت ُ ْ م إِذ َا ا ْ ة َربِّك ُ ْ م َ م تَذ ْكُُروا نِعْ َ ستَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ث ُ َّ لِت َ ْ
س َّ َ
ن ،وَإِنَّا إِلَى َربِّنَا قرِنِي َ م ْه ُ ما كُنَّا ل َ ُ خَر لَنَا هَذ َا وَ َ ن ال ّذِي َ سبْحا َ ُ
ن}. منَقلِبُو َ لَ ُ
وهكذا يؤمر بالدعاء في ابتداء المور :أن يكون على الخير
والبركة ،وأن تكون عاقبتها محمودة ،كما قال تعالى لرسوله صلى
ق صد ْ ٍ ل ِ خ َ مد ْ َ خلْنِي ُ ب أَد ْ ِ ل َر ِّ الله عليه وسلم حين هاجر{ :وَقُ ْ
صيراً}. سلْطَانا ً ن َ ِ ك ُ ن لَدُن ْ َ م ْ ل لِي ِ جعَ ْ ق وَا ْ صد ْ ٍج ِ خَر َ م ْ جنِي ُ خرِ ْ وَأ َ ْ
ل اْركَبُوا وقد امتثل نوح عليه السلم هذه الوصية وقال{ :وَقَا َ
َ
م} أي على حي ٌ ن َرب ِّي لَغَُفوٌر َر ِ ساهَا إ ِ َّ مْر َ جَراهَا وَ ُ م ْ سم ِ الل ّهِ َ فِيهَا بِا ِ ْ
م} أي وذو حي ٌ ن َربِّي لَغَُفوٌر َر ِ اسم الله ابتداء سيرها وانتهاؤه{ .إ ِ َّ
عقاب أليم ،مع كونه غفورا ً رحيماً ،ل يرد بأسه عن القوم
المجرمين ،كما أحل بأهل الرض الذين كفروا به وعبدوا غيره.
ل} وذلك أن جبَا ِ موٍْج كَال ْ ِ م فِي َ جرِي بِهِ ْ ي تَ ْ قال الله تعالى{ :وَهِ َ
الله تعالى أرسل من السماء مطرا ً لم تعهده الرض قبله ول تمطره
بعده ،كان كأفواه القرب ،وأمر الرض فنبعت من جميع فجاجها
وسائر أرجائها .كما قال تعالى{ :فَدعَا رب َ َ
صْر، ب فَانْت َ ِ مغْلُو ٌ ه أنِّي َ َ ّ ُ َ
ْ ْ ً َ َ ب ال َّ َ
ماءُ ض ع ُيُونا فَالتََقى ال َ جْرنَا الْر َ مرٍ ،وَفَ ّ منْهَ ِ ماءٍ ُ ماءِ ب ِ َ س َ حنَا أبْوَا َ فَ َ
فت َ ْ
سر} والدسر ح وَد ُ ُ ٍ ملْنَاهُ عَلَى ذ َا ِ َ ْ مرٍ قَد ْ قُدَِر ،وَ َ
َ
عَلَى أ ْ
ت ألوَا ٍ ح َ
جرِي بِأَعْيُنِنَا} أي بحفظنا وكلءتنا وحراستنا ومشاهدتنا المسامير {ت َ ْ
ن كُِفَر}. ن كَا َ م ْ جَزاءً ل ِ َ لها { َ
وقد ذكر ابن جرير وغيره :أن الطوفان كان في ثالث عشر من
شهر آب في حساب القبط.
جارِيَةِ} أي م فِي ال ْ َ ملْنَاك ُ ْ ح َ ماءُ َ ما طَغَى ال ْ َ وقال تعالى{ :إِنَّا ل َ َّ
ُ
ة} قال جماعة من عي َ ٌ ن وَا ِ م تَذ ْكَِرة ً وَتَعِيَهَا أذ ُ ٌ جعَلَهَا لَك ُ ْ السفينة {لِن َ ْ
المفسرين :ارتفع الماء على أعلى جبل في الرض خمسة عشر
ذراعاً ،وهو الذي عند أهل الكتاب .وقيل ثمانين ذراعاً ،وعم جميع
الرض طولها والعرض ،سهلها وحزنها ،وجبالها وقفارها ورمالها ،ولم
يبق على وجه الرض ممن كان بها من الحياء عين تطرف ،ول
صغير ول كبير.
قال المام مالك عن زيد بن أسلم :كان أهل ذلك الزمان قد
ملوا السهل والجبل .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :لم تكن
بقعة في الرض إل ولها مالك وحائز.
رواهما ابن أبي حاتم.
ع
م َن َ معَنَا وَل َ تَك ُ ْ ب َ ي اْرك َ ْ ل يَا بُن َ َّ معْزِ ٍ ن فِي َ ه وَكَا َ ح ابْن َ ُ {وَنَادَى نُو ٌ
م
ص َ ل ل َ عَا ِ ماءِ قَا َ ن ال ْ َ م ْ منِي ِ ص ُ ل يَعْ ِ جب َ ٍ سآوِي إِلَى َ ل َ
َ
ن ،قَا َ َ الْكَافِرِي
َ الْيوم م َ
ن
م ْ ن ِج فَكَا َ موْ ُ ما ال ْ َ ل بَيْنَهُ َ حا َ م وَ َ ح َ ن َر ِ م ْ مرِ الل ّهِ إِل ّ َ نأ ْ َ ْ َ ِ ْ
ن} مغَْرقِي َ ال ْ ُ
وهذا البن هو "يام" أخو سام وحام ويافث ،وقيل اسمه كنعان.
وكان كافرا ً عمل عمل ً غير صالح ،فخالف أباه في دينه ومذهبه،
فهلك مع من هلك .هذا وقد نجا مع أبيه الجانب في النسب ،لما
كانوا موافقين في الدين والمذهب.
َ َ
ي
ض َ ماءُ وَقُ ِ ض ال ْ َ ماءُ أقْلِعِي َوَِغي َ س َ ك وَيَا َ ماءَ ِ ض ابْلَعِي َ ل يَا أْر ُ {وَقِي َ
ن} ل بُعْدا ً لِلَْقوْم ِ الظ ّال ِ ِ ي وَقِي َ ت عَلَى ال ْ ُ َ
مي َ جود ِ ِ ّ ستَوَ ْ مُر وَا ْ ال ْ
أي لما فرغ من أهل الرض ،ولم يبقى بها أحد ممن عبد غير الله
عز وجل ،أمر الله الرض أن تبتلع ماءها ،وأمر السماء أن تقلع أي
تمسك عن المطر{وغيض الماء} أي نقص عما كان وقيل بعداً
للقوم الظالمين {وقضي المر} أي وقع بهم الذي كان قد سبق في
علمه وقدره؛ من إحلله بهم ما حل بهم.
{وقيل بعدا ً للقوم الظالمين} أي نودي عليهم بلسان القدرة:
بعدا ً لهم من الرحمة والمغفرة.
َ َ
ك وَأَغَْرقْنَا ه فِي الُْفل ْ ِ معَ ُ ن َ جيْنَاهُ وَال ّذِي َ كما قال تعالى{ :فَكَذَّبُوه ُ فَأن َ
َ
ن}. مي َ م كَانُوا قَوْما ً عَ ِ ن كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُ ْ ال ّذِي َ
جعَلْنَاهُ ْ
م ك وَ َ ه فِي الُْفل ْ ِ معَ ُ ن َ م ْ جيْنَاه ُ وَ َ وقال تعالى{ :فَكَذَّبُوهُ فَن َ َّ
ن}. يَر ذ من ْ ال ة ب ق َا ع ن ا َ ك ف يَ ك ر ُ ظ ان َ ف ا ن ات آي ب وا بف وأَغْرقْنَا الَّذِين كَذ َّ
ِ َ ْ ُ ُ َ ِ َ َ ْ
َ ْ ْ َ ِ َ ِ ُ َ خلئ ِ َ َ َ َ
م كَانُوا ن كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُ ْ ن الَْقوْم ِ ال ّذِي َ م ْ صْرنَاه ُ ِ تعالى{ :وَن َ َ وقال
َ َ
ن}. معِي َ ج َ مأ ْ سوْءٍ فَأغَْرقْنَاهُ ْ م َ قَوْ َ
َ
حون ،ث ُ َّ
م ش ُ م ْ ك ال ْ َ ه فِي الُْفل ْ ِ معَ ُ ن َ م ْ جيْنَاه ُ وَ َ وقال تعالى{ :فَأن َ
ة وما كَا َ َ
ن ،وَإ ِ َّ
ن منِي َ مؤ ْ ِ م ُ ن أكْثَُرهُ ْ َ ك لي َ ً َ َ ن فِي ذَل ِ َ ن ،إ ِ َّ أغَْرقْنَا بَعْد ُ الْبَاقِي َ
م}. حي ُ ك لَهُوَ الْعَزِيُز الَّر ِ َرب َّ َ
َ َ
ن} مي َ ة لِلْعَال َ ِ جعَلْنَاهَا آي َ ً فينَةِ وَ َ س ِ ب ال َّ حا َ ص َ جيْنَاه ُ وَأ ْ وقال تعالى{ :فَأن َ
ن}. خرِي َ م أَغَْرقْنَا ال َ وقال تعالى{:ث ُ َّ
ن عَذ َابِي وَنُذ ُرِ، ف كَا َ مدَّكِرٍ ،فَكَي ْ َ ن ُ م ْ ل ِ ة فَهَ ْ قد ْ تََركْنَاهَا آي َ ً وقال{ :وَل َ َ
مدَّكِرٍ}. ن ُ ْ م
ل ِ ذّكْرِ فَهَ ْ ن لِل ِ سْرنَا الُْقْرآ َ قد ْ ي َ َّ وَل َ َ
ُ
جدُوا لَهُ ْ
م م يَ ِ خلُوا نَارا ً فَل َ ْ م أُغْرِقُوا فَأد ْ ِ خطِيئَاتِهِ ْ ما َ م َّ وقال تعالىِ { :
ب ل َ تَذ َر عَلَى ال َ من دون اللَّه أ َ
ن الْكَافِرِي َ
ن م ْ ض ِ ِ رْ ْ ّ ِ ر
َ حٌ و ُ ن لَ
ُ
ا َ ق َ و ، صارا ً َ ْ ن ِ ِ ْ ُ ِ
جرا ً ك َ ّفاراً}. َ َ ضل ّوا ِ دَيَّاراً ،إِن َّ َ
ك وَل َ يَلِدُوا إِل ّ فَا ِ عبَاد َ َ م يُ ِ ن تَذَْرهُ ْ ك إِ ْ
وقد استجاب الله تعالى -وله الحمد والمنة -دعوته ،فلم يبق
منهم عين تطرف.
مد بن أبي حاتم ح ْ م َ وقد روى المامان أبو جعفر بن جرير وأبو ُ
في تفسيرهما من طريق يعقوب بن محمد الزهري ،عن قائد مولى
عبد الله بن أبي رافع ،أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة
أخبره أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " :فلو رحم الله من قوم نوح أحدا ً لرحم أم الصبي!".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :مكث نوح عليه السلم
في قومه ألف سنة -يعني إل خمسين عاما ً -وغرس مائة سنة
الشجر ،فعظمت وذهبت كل مذهب ،ثم قطعها ثم جعلها سفينة،
ويمرون عليه ويسخرون منه ،ويقولون :تعمل سفينة في البر؟ كيف
تجري؟ قال :سوف تعلمون.
فلما فرغ ونبع الماء وصار في السكك خشيت أم الصبي عليه
وكانت تحبه حبا ً شديداً .فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه ،فلما
بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل ،فلما بلغ الماء رقبتها
رفعته بيديها فغرقا ،فلو رحم الله منهم أحدا ً لرحم أم الصبي!"
وهذا حديث غريب .وقد روي عن كعب الحبار ومجاهد وغير
واحد ،شبيه لهذه القصة .وأحرى بهذا الحديث أن يكون موقوفاً
متلقى عن مثل كعب الحبار .والله أعلم.
والمقصود أن الله لم يبقي من الكافرين دياراً.
فكيف يزعم بعض المفسرين أن عوج بن عنق -ويقال ابن عناق
-كان موجودا ً من قبل نوح إلى زمان موسى .ويقولون كان كافراً
متمردا ً جبارا ً عنيداً .ويقولون كان لغير رشدة ،بل ولدته أمه بنت آدم
من زنى ،وأنه كان يأخذ من طوله السمك من قرار البحار ويشويه
في عين الشمس ،وأنه كان يقول لنوح وهو في السفينة :ما هذه
القصعة التي لك؟ ويستهزئ به .ويذكرون أنه كان طوله ثلثة آلف
ذراع وثلثمائة وثلثة وثلثين ذراعا ً وثلثا ً إلى غير ذلك من الهذيانات
التي لول أنها مسطرة في كثير من كتب التفاسير وغيرها من
التواريخ وأيام الناس ،لما تعرضنا لحكايتها ،لسقاطتها وركاكتها .ثم
إنها مخالفة للمعقول والمنقول.
أما المعقول :فكيف يسوغ فيه أن يهلك الله ولد نوح لكفره،
وأبوه نبي المة وزعيم أهل اليمان ،ول يهلك عوج بن عنق ،ويقال
عناق ،وهو أظلم وأطغى على ما ذكروا؟
وكيف ل يرحم الله منهم أحدا ً ول أم الصبي ول الصبي ،ويترك
شيْطان المريد هذا الدعى الجبار العنيد الفاجر ،الشديد الكافر ،ال ّ
على ما ذكروا؟
ن } وقال: َ وأما المنقول فقد قال الله تعالى{ :ث ُ َّ
م أغَْرقْنَا ال َ
خرِي َ
ن دَيَّاراً}. ب ل َ تَذ َر عَلَى ال َ
ن الْكَافِرِي َم ْ
ض ِ
ِ ر
ْ ْ {َر ِّ
ثم هذا الطول الذي ذكروه مخالف لما في "الصحيحين" عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " :إن الله خلق آدم وطوله
ستون ذراعا ً ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الن".
فهذا نص الصادق المصدوق المعصوم الذي ل ينطق عن الهوى
َ
حى} أنه لم يزل الخلق ينقص حتى الن ،أي لم ي يُو َ ن هُوَ إِل ّ وَ ْ
ح ٌ {إ ِ ْ
يزل الناس في نقصان في طولهم من آدم إلى يوم إخباره بذلك
وهلم جرا إلى يوم القيامة .وهذا يقتضي أنه لم يوجد من ذرية آدم
من كان أطول منه.
فكيف يترك هذا ويذهل عنه ،ويصار إلى أقوال الكذبة الكفرة
من أهل الكتاب ،الذين بدلوا كتب الله المنزلة وحرفوها وأولوها
ووضعوها على غير مواضعها؟ فما ظنك بما هم يستقلون بنقله ،أو
يؤتمنون عليه ،وهم الخونة والكذبة ،عليهم لعائن الله المتتابعة إلى
يوم القيامة ،وما أظن أن هذا الخبر عن عوج بن عناق إل اختلقا ً من
بعض زنادقتهم وفجارهم الذين كانوا أعداء النبياء .والله أعلم.
ثم ذكر الله تعالى مناشدة نوح ربه في ولده ،وسؤاله له عن
غرقه على وجه الستعلم والستكشاف.
ووجه السؤال :إنك وعدتني بنجاة أهلي معي وهو منهم وقد
غرق؟
فأجيب بأنه ليس من أهلك ،أي الذين وعدت بنجاتهم ،أي أنّا قلنا
لك{ :وأهلك إل ّ من سبق عليهِ القول منهم} فكان هذا ممن سبق
عليه القول منهم بأنه سيغرق بكفره ،ولهذا ساقته القدار إلى أن
انحاز عن حوزة أهل اليمان ،فغرق مع حزبه أهل الكفر والطغيان.
ك وَعَلَىت عَلَي ْ َمنَّا وَبََركَا ٍ
سلَم ٍ ِط بِ َ ح اهْب ِ ْ ل يَا نُو ُ ثم قال تعالى{ :قِي َ
َ من مع َ ُ ُ
م}. منَّا عَذ َا ٌ
ب ألِي ٌ م ِسهُ ْ م ُّ م يَ َم ث ُ َّمتِّعُهُ ْ
سن ُ َ
م َ م ٌ
ك وَأ َ م َّ ْ َ َ مم ٍ ِ أ َ
هذا أمر لنوح عليه السلم لما نضب الماء عن وجه الرض
وأمكن السعي فيها والستقرار عليها ،أن يهبط من السفينة التي
كانت قد استقرت بعد سيرها العظيم على ظهر جبل الجودي ،وهو
ت } أي اهبط سالماً منَّا وَبََركَا ٍ
سلَم ٍ ِ جبل بأرض الجزيرة مشهور{ ،ب ِ َ
مباركا ً عليك ،وعلى أمم ممن سيولد بعد ،أي من أولدك ،فإن الله
لم يجعل لحد ممن كان معه من المؤمنين نسل ً ول عقبا ً سوى نوح
ن} فكل من على م الْبَاقِي َ ه هُ ْجعَلْنَا ذُّرِيَّت َ ُ عليه السلم .قال تعالى{ :وَ َ
وجه الرض اليوم من سائر أجناس بني آدم ،ينسبون إلى أولد نوح
الثلثة وهم :سام وحام ويافث.
حدَّثَنا عبد الوهاب ،عن سعيد عن قتادة ،عن قال المام أحمدَ :
الحسن ،عن سمرة ،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" :سام أبو
العرب ،وحام أبو الحبش ،ويافث أبو الروم".
ورواه الترمذي عن بشر بن معاذ العقدي ،عن يزيد بن زريع ،عن
سعيد بن أبي عروبة ،عن قتادة ،عن الحسن ،عن سمرة مرفوعاً
نحوه.
وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر :وقد روي عن عمران بن
حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .قال :والمراد بالروم
هنا الروم الول وهم اليونان المنتسبون إلى رومي بن لقطي بن
يونان بن يافث بن نوح عليه السلم.
ثم روى من حديث إسماعيل بن عياش ،عن يحيى بن سعيد ،عن
سيب ،أنه قال :ولد نوح ثلثة :سام ويافث وحام ،وولد م َّ
سعيد بن ال ُ
كل واحد من هذه الثلثة ،فولد سام :العرب وفارس والروم .وولد
يافث :الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج .وولد حام :القبط
والسودان والبربر.
حدَّثَنا
قلت وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في "مسنده"َ :
إبراهيم بن هانئ وأحمد بن حسين بن عباد أبو العباس قال :حدثني
مد بن يزيد بن سنان الرهاوي ،حدثني أبي عن يحيى بن سعيد، ح ْ
م َ
ُ
سيب ،عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى م َّعن سعيد بن ال ُ
الله عليه وسلم" :ولد لنوح :سام وحام ويافث ،فولد لسام العرب
وفارس والروم والخير فيهم .وولد ليافث :يأجوج وماجوج والترك
والصقالبة ول خير فيهم .وولد لحام :القبط والبربر والسودان".
مدح ْ ثم قال :ل نعلم يروى مرفوعا ً إل من هذا الوجه .تفرد به ُ
م َ
بن يزيد بن سنان عن أبيه ،وقد حدث عنه جماعة من أهل العلم
واحتملوا حديثه ورواه غيره عن يحيى بن سعيد مرسل ً ولم يسنده،
وإنما جعله من قول سعيد.
قلت :وهذا الذي ذكره أبو عمر ،هو المحفوظ عن سعيد قوله،
وهكذا روي عن وهب بن منبه مثله والله أعلم ويزيد بن سنان أبو
فروة الرهاوي ضعيف بمرة ل يعتمد عليه.
وقد قيل أن نوحا ً عليه السلم لم يولد له هؤلء الثلثة الولد إل
بعد الطوفان ،وإنما ولد له قبل السفينة كنعان الذي غرق ،وعابر
مات قبل الطوفان.
والصحيح أن الولد الثلثة كانوا معه في السفينة هم ونساؤهم
وأمهم وهو نص التوراة .وقد ذكر أن "حاماً" واقع امرأته في
السفينة ،فدعا عليه نوح أن تشوه خلقة نطفته ،فولد له ولد أسود
وهو كنعان بن حام جد السودان .وقيل :بل رأى أباه نائما ً وقد بدت
عورته فلم يسترها وسترها أخواه ،فلهذا دعا عليه أن تغير نطفته،
وأن يكون أولده عبيدا ً لخوته.
وذكر المام أبو جعفر بن جرير من طريق علي بن زيد بن
جدعان ،عن يوسف بن مهران ،عن ابن عبَّاس أنه قال :قال
حدَّثَناالحواريون لعيسى ابن مريم :لو بعثت لنا رجل ً شهد السفينة ف َ
عنها ،قال فانطلق بهم حتى أتى إلى كثيب من تراب ،فأخذ كفا ً من
ذلك التراب بكفه ،وقال :أتدرون ما هذا؟ قالوا :الله ورسوله أعلم.
قال :هذا كعب بن حام بن نوح .قال :وضرب الكثيب بعصاه وقال:
قم بإذن الله ،فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب .فقال
له عيسى عليه السلم :هكذا هلكت؟ قال :ل .ولكني مت وأنا شاب،
ولكني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت.
حدَّثَنا عن سفينة نوح .قال كان طولها ألف ذراع ومائتي قالَ :
ذراع ،وعرضها ستمائة ذراع ،وكانت ثلث طبقات :فطبقة فيها
الدواب والوحش ،وطبقة فيها النس ،وطبقة فيها الطير .فلما كثر
أرواث الدواب أوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلم أن اغمز
ذنب الفيل ،فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة ،فأقبل على الروث.
ولما وقع الفأر يخرز السفينة بقرضه ،أوحى الله عز وجل إلى نوح
عليه السلم :أن اضرب بين عيني السد ،فخرج من منخره سنور
وسنورة فأقبل على الفأر :فقال له عيسى :كيف علم نوح عليه
السلم أن البلد قد غرقت؟ قال :بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد
جيفة فوقع عليها ،فدعا عليه بالخوف فلذلك ل يألف البيوت.
قال :ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين
برجلها ،فعلم أن البلد قد غرقت فطوقها الخضرة التي في عنقها،
ودعا لها أن تكون في أنس وأمان ،فمن ثم تألف البيوت .قال:
حدَّثَنا؟ فقالوا :يا رسول الله ،أل ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا وي َ
قال :كيف يتبعكم من ل رزق له؟ قال :فقال له :عد بإذن الله .فعاد
تراباً.
وهذا أثر غريب جداً.
وروى علباء بن أحمر ،عن عكرمة ،عن ابن عبَّاس ،قال :كان مع
نوح في السفينة ثمانون رجل ً معهم أهلوهم ،وأنهم كانوا في
السفينة مائة وخمسين يوماً ،وإن الله وجه السفينة إلى مكة فدارت
بالبيت أربعين يوماً ،ثم وجهها إلى الجودي فاستقرت عليه ،فبعث
نوح عليه السلم الغراب ليأتيه بخبر الرض ،فذهب فوقع على
الجيف فأبطأ عليه ،فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ولطخت
رجليها بالطين ،فعرف نوح أن الماء قد نضب ،فهبط إلى أسفل
الجودي فابتنى قرية وسماها ثمانين ،فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت
ألسنتهم على ثمانين لغة ،إحداهما العربية .وكان بعضهم ل يفقه
كلم بعض ،فكان نوح عليه السلم يعبر عنهم.
وقال قتادة وغيره :ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر
رجب ،فساروا مائة وخمسين يوما ً واستقرت بهم على الجودي
شهراً.
وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم .وقد
روى ابن جرير خبرا ً مرفوعا ً يوافق هذا ،وأنهم صاموا يومهم ذلك.
حدَّثَنا عبد الصمد بن حبيب
حدَّثَنا أبو جعفرَ ،
وقال المام أحمدَ :
الزدي ،عن أبيه حبيب بن عبد الله ،عن شبل ،عن أبي هريرة قال:
مّر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود وقد صاموا يوم
عاشوراء ،فقال :ما هذا الصوم؟ فقالوا :هذا اليوم الذي نجى الله
فيه موسى وبني إسرائيل من الغرق ،وغرق فيه فرعون ،وهذا اليوم
استوت فيه السفينة على الجودي ،فصامه نوح وموسى عليهما
السلم شكرا ً لله عز وجل ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم" :أنا
أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم" وقال لصحابه" :من كان منكم
أصبح صائما ً فليتم صومه ،ومن كان منكم قد أصاب من غد أهله
فليتم بقية يومه".
وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من وجه آخر ،والمستغرب
ذكر نوح أيضاً .والله أعلم.
وأما ما يذكره كثير من الجهلة أنهم أكلوا من فضول أزوادهم،
ومن حبوب كانت معهم قد استصحبوها ،وطحنوا الحبوب يومئذ،
واكتحلوا بالثمد لتقوية أبصارهم لما انهارت من الضياء بعد ما كانوا
في ظلمة السفينة -فكل هذا ل يصح فيه شيء ،وإنما يذكر فيه آثار
منقطعة عن بني إسرائيل ل يعتمد عليها ول يقتدى بها .والله أعلم.
مد بن إسحاق :لما أراد الله أن يكف ذلك الطوفان - ح ْم َ
وقال ُ
أرسل ريحا ً على وجه الرض ،فسكن الماء وانسدت ينابيع الرض،
فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر ،وكان استواء الفلك فيما يزعم
أهل التوراة -في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه .وفي
أول يوم من الشهر العاشر رئيت رؤوس الجبال .فلما مضى بعد
أربعون يوما ً فتح نوح كوة الفلك التي صنع فيها ،ثم أرسل الغراب
لينظر له ما فعل الماء فلم يرجع إليه ،فأرسل الحمامة فرجعت إليه
لم يجد لرجلها موضعاً ،فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها ،ثم
مضت سبعة أيام ثم أرسلها لتنظر له ما فعل الماء فلم ترجع،
فرجعت حين أمست وفي فيها ورق زيتونة ،فعلم نوح أن الماء قد
قل عن وجه الرض .ثم مكث سبعة أيام ثم أرسلها فلم ترجع إليه،
فعلم نوح أن الرض قد برزت ،فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل
الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ودخل يوم واحد من
الشهر الول من سنة اثنين ،برز وجه الرض ،وظهر البر وكشف نوح
غطاء الفلك.
وهذا الذي ذكره ابن إسحاق هو بعينه مضمون سياق التوراة
التي بأيدي أهل الكتاب.
وقال ابن إسحاق :وفي الشهر الثاني من سنة اثنين في ست
ك وَعَلَى ت عَلَي ْ َمنَّا وَبََركَا ٍ
سلَم ٍ ِ ح اهْب ِ ْ
ط بِ َ ل يَا نُو ُ وعشرين ليلة منه {قِي َ
َ من مع َ ُ ُ
م}. منَّا عَذ َا ٌ
ب ألِي ٌ م ِ م ُّ
سهُ ْ م ث ُ َّ
م يَ َ متِّعُهُ ْ
سن ُ َم َم ٌ
ك وَأ َ م َّ ْ َ َ
مم ٍ ِ
أ َ
وفيما ذكر أهل الكتاب أن الله كلم نوحا ً قائل ً له :أخرج من
الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك ،وجميع الدواب التي
معك ،ولينمو وليكثروا في الرض .فخرجوا وابتنى نوح مذبحا ً لله عز
وجل وأخذ من جميع الدواب الحلل والطير الحلل فذبحها قرباناً
إلى الله عز وجل وعهد الله إليه أل يعيد الطوفان على أهل الرض.
وجعل تذكارا ً لميثاقه إليه القوس الذي في الغمام ،وهو قوس
قزح الذي روي عن ابن عبَّاس أنه أمان من الغرق .قال بعضهم :فيه
إشارة إلى أنه قوس بل وتر ،أي أن هذا الغمام ل يوجد منه طوفان
كأول مرة.
وقد أنكرت طائفة من جهلة الفرس وأهل الهند وقوع الطوفان،
واعترف به آخرون منهم وقالوا :إنما كان بأرض بابل ولم يصل إلينا.
قالوا :ولم نزل نتوارث الملك كابرا ً عن كابر ،من لدن كيومرث -
يعنون آدم -إلى زماننا هذا.
وهذا قاله من قاله من زنادقة المجوس عباد النيران ،وأتباع
شيْطان .وهذه سفسطة منهم وكفر فظيع وجهل بليغ ،ومكابرة ال ّ
للمحسوسات ،وتكذيب لرب الرض والسماوات.
وقد أجمع أهل الديان الناقلون عن رسل الرحمن ،مع ما تواتر
عند الناس في سائر الزمان ،على وقوع الطوفان ،وأنه عم جميع
البلد ،ولم يبق الله أحدا ً من كفرة العباد؛ استجابة لدعوة نبيه المؤيد
المعصوم ،وتنفيذا ً لما سبق في القدر المحتوم.
لس َ َ
ن نُْر ِ منَعَنَا أ ْ ما َ وقال سبحانه وتعالى في سورة سبحان{ :وَ َ
َ َ
موا بِهَا صَرة ً فَظَل َ ُ مب ْ ِ ة ُ مود َ النَّاقَ َ ن وَآتَيْنَا ث َ ُ ب بِهَا الَوَّلُو َ ن كَذ َّ َ ت إِل ّ أ ْ بِاليَا ِ
خوِيفاً}. ت إِل َّ ت َ ْ ل بِاليَا ِ س ُ ما نُْر ِ وَ َ
ن ،إِذ ْ قَا َ
ل سلِي ََ مْر َ مود ُ ال ْ ُ ت ثَ ُ وقال تعالى في سورة الشعراء{:كَذَّب َ ْ
خوهُم صال ِح أَل َ تتَُقون ،إنِي لَك ُم رسو ٌ َ م أَ ُ
ن ،فَاتَُّقوا الل ّ َ
ه مي ٌ لأ ِ ْ َ ُ ِّ َّ ْ َ ٌ ل َ ُه ْ
َ وأَطيعونِي ،وما أ َسأَلُك ُم عَلَيه من أ َجر إ َ
ب جرِي إِل ّ عَلَى َر ِّ نأ ْ ْ ِ ِ ْ ْ ٍ ِ ْ ْ ْ َ َ َ ِ ُ
َ
نَ ،وُزُروٍع ٍ ت وَع ُيُو جنَّا ٍ ن ،فِي َ َ منِي ما هَاهُنَا آ ِ َ ن فِي ن ،أتُتَْركُو َ َ مي الْعَال َ ِ
َ
ن ،فَاتَُّقوا الل ّ َ
ه ل َ بُيُوتا ً فَارِهِي َ جبَا ِ ن ال ْ ِ م ْ ن ِ حتُو َ م ،وَتَن ْ ِ ضي ٌ ل طَلْعُهَا هَ ِ خ ٍ وَن َ ْ
َ َ َ
ض
ن َفِي الْر ِ سدُو َ ن يُْف ِ ن ،ال ّذِي َ سرِفِي َ م ْ مَر ال ْ ُ وَأطِيعُونِي ،وَل َ تُطِيعُوا أ ْ
مثْلُنَا َ ول َ يصل ِحون ،قَالُوا إن َ َ
شٌر ِ ت إِل ّ ب َ َ ما أن ْ َ نَ ، حرِي َ س َّ م َ ن ال ْ ُ م ْ ت ِ ما أن ْ َ ِّ َ َ ُ ْ ُ َ
َ َ ْ
ب وَلك ُ ْ
م شْر ٌ ة لهَا ِ ل هَذِهِ نَاقَ ٌ ن ،قَا َ َ صادِقِي ن ال َّ ْ م
ت ِ ن كُن ْ َ ت بِآيَةٍ إ ِ ْ فَأ ِ
ْ
ب يَوْم ٍ عَظِيمٍ، م عَذ َا ُ خذ َك ُ ْ سوءٍ فَيَأ ُ سوهَا ب ِ ُ م ُّ معْلُومٍ ،وَل َ ت َ َ ب يَوْم ٍ َ شْر ُ ِ
َ َ
ما كَا َ
ن ة وَ َ ك لي َ ً ن فِي ذَل ِ َ ب إ ِ َّ م الْعَذ َا ُ خذَهُ ْ ن ،فَأ َ مي َ حوا نَاد ِ ِ صب َ ُ فَعََقُروهَا فَأ ْ
ك لَهُوَ الْعَزِيُز الَّر ِ ن َرب َّ َ ن ،وَإ ِ َّ َ
م}. حي ُ منِي َ مؤ ْ ِ م ُ أكْثَُرهُ ْ
م
خاهُ ْ مود َ أ َ َ سلْنَا إِلَى ث َ ُ قد ْ أْر َ
وقال تعالى في سورة النمل{ :ول َ َ َ
َ َّ َ
مل يَاَ قَوْم ِ ل ِ َ ن ،قَا َ مو َ ُ ص
خت َ ِ ن يَ ْ ِ قا َ ي ِ ر َ ف م
ْ ُ ه َا ذ ِ إ َ ف ه
َ ن اعْبُدُوا الل صالِحا ً أ ْ َ
َ
مه لَعَل ّك ُ َ ْ ن الل ّ َ ستَغِْفُرو َ سنَةِ لَوْل َ ت َ ْ ح َ ل ال ْ َ سي ِّئَةِ قَب ْ َ
َ
ن بِال َّ جلُو َ ستَعْ ِ تَ ْ
َ عنْد َ الل ّهِ ب َ ْ
مل أنْت ُ ْ م ِ ل طَائُِرك ُ ْ ك قَا َ معَ َ ن َ م ْ ك وَب ِ َ ن ،قَالُوا اط ّيَّْرنَا ب ِ َ مو َ ح ُ تُْر َ
ض وَلَ َ ن فِي ال ْ نَ ،وكَا َ
ن فِي الْر ِ سدُو َ ط يُْف ِ ة َرهْ ٍ سعَ ُ مدِينَةِ ت ِ ْ َ فتَنُو َ م تُ ْ قَوْ ٌ
م لَنَُقول َ َّ َ َ
م ن لِوَلِيِّهِ ث ُ َّ ه ث ُ َّ ه وَأهْل َ ُ موا بِالل ّهِ لَنُبَيِّتَن َّ ُ س ُ حون ،قَالُوا تََقا َ صل ِ ُ يُ ْ
مكْراً شهدنا مهل ِ َ َ
مكَُروا َ ن ،وَ َ صادِقُو َ ك أهْلِهِ وَإِنَّا ل َ َ ما َ ِ ْ َ َ ْ ن لِوَلِي ِّهِ َ لَنَُقول َ َّ
م أَنَّا مكْرِه ِ ْ ة َ ن عَاقِب َ ُ ف كَا َ ن ،فَانظُْر كَي ْ َ شعُُرو َ م ل َ يَ ْ مكْرا ً وَهُ ْ مكَْرنَا َ وَ َ
َ
ن فِي موا إ ِ َّ ما ظَل َ ُ ة بِ َ خاوِي َ ً م َ ك َبُيُوتُهُ ْ ن ،فَتِل ْ َ معِي َ ج َ مأ ْ مهُ ْ م وَقَوْ َ مْرنَاهُ ْ د َ َّ
َ ك لَي َ ً
ن}. منُوا وَكَانُوا يَتَُّقو َ نآ َ جيْنَا ال ّذِي َ مون ،وَأن َ ة لَِقوْم ٍ يَعْل َ ُ ذَل ِ َ
ممود ُ فَهَدَيْنَاهُ ْ ما ث َ ُ وقال تعالى في سورة حم السجدة{ :وَأ َ َّ
َ
مان بِ َ ب الْهُو ِ ة الْعَذ َا ِ عَق ُ صا ِ م َ خذ َتْهُ ْ مى عَلَى الْهُدَى فَأ َ
َ َ حبُّوا الْعَ ست َ َ فَا ْ
ن}. منُوا وَكَانُوا يَتَُّقو َ نآ َ جيْنَا ال ّذِي َ ن ،وَن َ َّ سبُو َ كَانُوا يَك ْ ِ
مود ُ بِالنُّذ ُرِ ،فََقالُوا ت ثَ ُ وقال تعالى في سورة اقتربت{ :كَذَّب َ ْ
َ أَب َ َ
ي الذِّكُْر عَلَيْهِ سعُرٍ ،أؤُلِْق َ ل وَ ُ ضل َ ٍ ه إِنَّا إِذا ً لَِفي َ حدا ً نَتَّبِعُ ُ منَّا وَا ِ شرا ً ِ
َ
شُر ،إِنَّا ب ال َ ِ ن الْكَذَّا ُ م ْ ن غَدا ً َ مو َ سيَعْل َ ُ شٌرَ ، بأ ِ ل هُوَ كَذَّا ٌ ن بَيْنِنَا ب َ ْ م ْ ِ
َ
ة
م ٌ س َ ماءَ قِ ْ ن ال ْ َ م أ َّ صطَبِْر ،وَنَبِّئْهُ ْ م وَا ْ قبْهُ ْ م فَاْرت َ ِ ة لَهُ ْ سلُو النَّاقَةِ فِتْن َ ً مْر ِ ُ
ف كَا َ م فَتَعَاطَى فَعََقَر ،فَكَي ْ َ ُ م كُ ّ
ن حبَهُ ْ صا ِ ضٌر ،فَنَادَوْا َ حت َ َ م ْ ب ُ شْر ٍ ل ِ بَيْنَهُ ْ
َ
حتَظِرِ، م ْ شيم ِ ال ْ ُ حدَةً فَكَانُوا ك َ َه ِ ة وَا ِ ح ً صي ْ َ م َ سلْنَا عَلَيْهِ ْ عَذ َابِي وَنُذ ُرِ إِنَّا أْر َ
مدَّكِرٍ}. ن ُ م ْ ل ِ ذّكْرِ فَهَ ْ ن لِل ِ سْرنَا الُْقْرآ َ قد ْ ي َ َّ وَل َ َ
م ل لَهُ ْ شَقاهَا ،فََقا َ ث أَ ْ مود ُ بِطَغْوَاهَا ،إِذ ْ انْبَعَ َ ت ثَ ُ {كَذَّب َ ْ وقال تعالى:
ُ َ َ َ َ ّ َ َ َ ّ َ ُ َّ
م ه
ِ ْ َ ُ ْ ّ رب م ه ْ ي َل ع م
َ َ د م
ْ َ د ف ا َ ه رو ُ ق
َ َ ع ف ُ ه و ُ ب ذ ك ف ا، َ ه اَ قي
ْ س
ُ و
َ ِ ه الل ة
َ ق اَ ن ِ ه سول الل َر ُ
قبَاهَا}. ف عُ ْ خا ُ سواهَاَ ،ول َ ي َ َ م فَ َ َّ بِذ َنْبِهِ ْ
وكثيرا ً ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد وثمود ،كما في سورة
براءة وإبراهيم والفرقان ،وسورة ص ،وسورة ق ،والنجم ،والفجر.
ويقال أن هاتين المتين ل يعرف خبرهما أهل الكتاب ،وليس
لهما ذكر في كتابهم التوراة .ولكن في القرآن ما يدل على أن
موسى أخبر عنهما ،كما قال تعالى في سورة إبراهيم{ :وَقَا َ
ل
ه لَغَن ِ ٌّ ً َ َ َ ن تَكُْفروا أَنْت ُم ومن فِي ال َ
ميدٌ، ح ِ ي َ ن الل ّ َ َ ميعا فإ ِ ّ ج ِ ض َ ِ ر ْ ْ َ َ ْ سى إ ِ ْ ُ َ ُ مو َ ُ
ْ َ
ن
م ْ ن ِ مود َ وَال ّذِي َ م قَوْم ِ نُوٍح وَعَادٍ وَث َ ُ ن َ قَبْلِك ُ ْ م ْ ن ِ م نَبَأ ال ّذِي ََ م يَأتِك ُ ْ أل َ ْ
ت} الية .الظاهر أن م بِالْبَي ِّنَا ِ سلُهُ ْ م ُر ُ جاءَتْهُ ْ ه َ م إ ِ ّل الل ّ ُ مهُ ْ م ل َ يَعْل َ ُ بَعْدِهِ ْ
هذا من تمام كلم موسى مع قومه ،ولكن لما كان هاتان المتان من
العرب لم يضبطوا خبرهما جيداً ،ول اعتنوا بحفظه ،وإن كان خبرهما
كان مشهورا ً في زمان موسى عليه السلم .وقد تكلمنا على هذا
كله في التفسير مستقصي .ولله الحمد والمنة.
والمقصود الن ذكر قصتهم وما كان من أمرهم ،وكيف نجى الله
نبيه صالحا ً عليه السلم ومن آمن به ،وكيف قطع دابر القوم الذين
ظلموا بكفرهم وعتوهم ،ومخالفتهم رسولهم عليه السلم.
وقد قدمنا أنهم كانوا عرباً ،وكانوا بعد عاد ولم يعتبروا بما كان
َ
ما لَك ُ ْ
م ه َ من أمرهم .ولهذا قال لهم نبيهم عليه السلم{ :اع َْبُدُوا الل ّ َ
ة فَذَُروهَا م آي َ ً ة الل ّهِ لَك ُ ْ م هَذِهِ نَاقَ ُ ن َربِّك ُ ْ ْ م
ة ِ م بَيِّن َ ٌ جاءَتْك ُ ْ ن إِلَهٍ غَيُْرهُ قَد ْ َ
َ مْ ْ ِ
َ ْ َ
م ،وَاذ ْكُُروا ب ألِي ٌ م عَذ َا ٌ خذ َك ُ ْ سوءٍ فَيَأ ُ سوهَا ب ِ ُ م ُّ ض الل ّهِ وَل َ ت َ َ ِ ل فِي أْر تَأك ُ ْ
سهُولِهَا ن ُ م ْ ن ِ خذ ُو َ ض تَت َّ ِ م فِي الَْر ْ ن بَعْدِ عَاد ٍ وَبَوَّأَك ُ ْ خلََفاءَ ِ
م م ُ ْ جعَلَك ُ إِذ ْ َ
َ ِ َ ّ ُ ً ن ال ْ ِ صورا ً وَتَن ْ ِ
ل بُيُوتا فَاذ ْكُروا آلَءَ اللهِ وَل َ تَعْثَوْا فِي الْر ِ
ض جبَا َ حتُو َ قُ ُ
ن} أي إنما جعلكم خلفاء من بعدهم لتعتبروا بما كان من سدِي َ مْف ِ ُ
أمرهم ،وتعملوا بخلف عملهم .وأباح لكم هذه الرض تبنون في
ن} أي حاذقين ل بُيُوتا ً فَارِهِي َ ن ال ْ ِ
جبَا ِ م ْ ن ِ حتُو َ سهولها القصور{ ،وَتَن ْ ِ
في صنعتها وإتقانها وإحكامها .فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل
الصالح ،والعبادة له وحده ل شريك له ،وإياكم ومخالفته والعدول
عن طاعته ،فإن عاقبة ذلك وخيمة.
َ
ت جنَّا ٍ
ن ،فِي َ منِي َ ما هَاهُنَا آ ِ ن فِي َ ولهذا وعظهم بقوله{ :أتُتَْركُو َ
م} أي متراكم كثير حسن بهي ٌ ل طَلْعُهَا هَ ِ
ضي خ ٍ ن ،وَُزُروٍع وَن َ ْ وَعُيُو ٍ
ه وَأَطِيعُونِي ،وَلَ َ
ن ،فَاتَُّقوا الل ّ َ ل بُيُوتا ً فَارِهِي َ جب ََا ِ ن ال ْ ِ م ْ ن ِ حتُو َ ناضج{ .وَتَن ْ ِ
َ ن ،ال ّذِي مَر ال ْ تطيعوا أ َ
ن}. حو َ ض وَل َ ي ُ ْ
صل ِ ُ ن فِي الْر ِ سدُو َ
َ
ن يُْف ِ َ َ سرِفِي م ْ ُ ْ ُ ِ ُ
ن إِلَهٍ غَيُْره ُ هُ َ
و م ْم ِ ما لَك ُ ْ
ه َ وقال لهم أيضاً{ :يَا قَوْم ِ اعْبُدُوا الل ّ َ
م فِيهَا} أي هو الذي خلقكم فأنشأكم مَرك ُ ْ ستَعْ َ ض وَا ْ ر
ْ
من ال َ
ْ ِ مْ شأَك ُ
َ ن أَ
ِ
من الرض ،وجعلكم عمارها ،أي أعطاكموها بما فيها من الزروع
والثمار ،فهو الخالق الرزاق ،وهو الذي يستحق العبادة وحده ل ما
م تُوبُوا إِلَيْهِ} أي أقلعوا عما أنتم فيه وأقبلوا ستَغِْفُروه ُ ث ُ َّ سواه{ .فَا ْ
ن َربِّي قَرِي ٌ
ب على عبادته ،فإنه يقبل منكم ويتجاوز عنكم {إ ِ َّ
ب}. جي ٌ م ِ ُ
ل هَذ َا} أي قد كنا نرجو أن جوّا ً قَب ْ َ مْر ُ ت فِينَا َ ح قَد ْ كُن َ صال ِ ُ {قَالُوا يَا َ
يكون عقلك كامل ً قبل هذه المقالة ،وهي دعاؤك إيانا إلى إفراد
العبادة ،وترك ما كنا نعبده من النداد ،والعدول عن دين الباء
كش ٍّ ما يَعْبُد ُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَِفي َ َ َ
ن نَعْبُد َ َ والجداد ولهذا قالوا{ :أتَنْهَانَا أ ْ
مرِيب}. ما تَدْعُونَا إِلَيْهِ ُ م َّ ِ
َ َ
ة
م ً
ح َ
ه َر ْ
من ْ ُ
ن َرب ِّي وَآتَانِي ِ
م ْ ت عَلَى بَي ِّنَةٍ ِ ن كُن ُ
م إِ ْ ل يَا قَوْم ِ أَرأي ْ َت ُ ْ{قَا َ
سيرٍ}.خ ِ ما تَزِيدُونَنِي غَيَْر ت َ ْ ه فَ َ
صيْت ُ ُ
ن عَ َن الل ّهِ إ ِ ْ م ْ صُرنِي ِ ن يَن ُ فَ َ
م ْ
وهذا تلطف منه لهم في العبارة ولين الجانب ،وحسن تأت في
الدعوة لهم إلى الخير .أي فما ظنكم إن كان المر كما أقول لكم
وأدعوكم إليه؟ ما عذركم عند الله؟ وماذا يخلصكم بين يديه وأنتم
تطلبون مني أن أترك دعاءكم إلى طاعته؟ وأنا ل يمكنني هذا لنه
واجب علي ،ولو تركته لما قدر أحد منكم ول من غيركم أن يجيرني
منه ول ينصرني .فأنا ل أزال أدعوكم إلى الله وحده ل شريك له،
حتى يحكم الله بيني وبينكم.
وقالوا له أيضاً{ :إن َ َ
ن} أي من المسحورين، حرِي َ س َّ ن ال ْ ُ
م َ م ْ ت ِ ما أن ْ َ ِّ َ
يعنون مسحورا ً ل تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة
لله وحده ،وخلع ما سواه من النداد .وهذا القول عليه الجمهور ،وهو
أن المراد بالمسحرين المسحورين .وقيل من المسحرين :أي ممن
له سحر -وهو الرئي -كأنهم يقولون إنما أنت بشر له سحر .والول
ْ
ت بِآيَةٍ أظهر لقولهم بعد هذا{ :ما أنت إل بشر مثلنا} وقولهم {فَأ ِ
ن} سألوا منه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق صادِقِي َ ن ال َّ م ْ ت ِ ن كُن ْ َ
إِ ْ
م
ب يَوْ ٍ شْر ُ ب َولَك ُ ْ
م ِ شْر ٌ ة لَهَا ِ ل هَذِهِ نَاقَ ٌ ما جاءهم به .قال{ :قَا َ
ْ
ب يَوْم ٍ عَظِيمٍ} كما قال: م عَذ َا ُ ْ خذ َك ُ سوءٍ فَيَأ ُ سوهَا ب ِ ُ م ُّ َ معْلُومٍ ،وَل َ ت َ َ
ُ ْ
ة فَذَُروهَا تَأك ْ ُ َ َ ّ ُ ُ
ل فِي م آي َ ً ة اللهِ لك ْ م هَذِهِ نَاقَ ُ ن َرب ِّك ْ م ْة ِ م بَي ِّن َ ٌ جا َءَتْك ْ {قَد ْ َ
َ ْ أَ
ب ألِيم} وقال تعالى: م عَذ َا ٌ خذ َك ُ ْ سوءٍ فَيَأ ُ سوهَا ب ِ ُ م ُّ ض الل ّهِ َول َ ت َ َ ِ رْ
موا ب ِ َها}. صَرة ً فَظَل َُ َ ق ا َ الن
{وَآت َ ْ َ ُ َ ّ َ ُ ْ ِ
مب ة د مو َ ث ا ن ي
وكان أول دعوته لبيه ،وكان أبوه ممن يعبد الصنام ،لنه أحق
ب الناس بإخلص النصيحة له كما قال تعالى{ :وَاذ ْكُْر فِي الْكِتَا ِ
َ
ع
م ُ س َ ما ل َ ي َ ْ م تَعْبُد ُ َ ت لِ َ ل لَبِيهِ يَا أب َ ِ دّيقا ً نَبِيّاً ،إِذ ْ قَا َ ص ِ ن ِ ه كَا َ م إِن َّ ُإِبَْراهِي َ
َ
مما ل َ ْ ن الْعِلْم ِ َ م ْ جاءَنِي ِ ت إِنِّي قَد ْ َ شيْئاً ،يَا أب َ ِ ك َ صُر َول َ يُغْنِي عَن ْ َ َول َ يُب ْ ِ
شيْطان إ ِ َّ
ن ت ل َ تَعْبُد ْ ال ّ َ
سوِيّاً ،يَا أب َ ِ صَراطا ً َ ك ِ ك فَاتَّبِعْنِي أَهْد ِ َ يَأْت ِ َ
خا ُ َ ت إِنِّي أ َ َ َ
بك عَذ َا ٌ س َ م َّ ن يَ َ فأ ْ صيّاً ،يَا أب َ ِ ن عَ ِ ما ِ ح َ ن لِلَّر ْ شيْطان كَا َ ال ّ
َ َ ن َولِيّاً ،قَا َ ن لِل َّ
ن آلِهَتِي يَا ت عَ ْ ب أن ْ َ ل أَراِغ ٌ شيْطَا ِ َ
ن فَتَكُو َ ما ِ ح َ ن الَّر ْ م ْ ِ
ك م عَلَي ْ َ سل ٌ ل َ ملِيّاً ،قَا َ جْرنِي َ ك وَاهْ ُ من َّ َ ج َ م تَنتَهِ لْر ُ ن لَ ْ م لَئ ِ ْ إِبْراهِي ُ
َ َ
ن
ن دُو ِ م ْ ن ِ ما تَدْعُو َ م وَ َ فيّاً ،وَأعْتَزِلُك ُ ْ ح ِ ن بِي َ ه كَا َ ك َرب ِّي إِن َّ ُ ستَغِْفُر ل َ َ سأ ْ
َ
َ
ً ُ َ َ َ َ ّ
قيّا}. ش ِ ن بِدُعَاءِ َربِّي َ سى أل ّ أكو َ اللهِ وَأدْعُو َربِّي عَ َ
فذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة،
وكيف دعا أباه إلى الحق بألطف عبارة وأحسن اشارة ،بين له
بطلن ما هو عليه من عبادة الوثان التي ل تسمع دعاء عابدها ول
تبصر مكانه فكيف تغني عنه شيئاً ،أو تفعل به خيرا ً من رزق أو
نصر؟ ثم قال له منبها ً على ما أعطاه الله من الهدى والعلم النافع
َ
مما ل َ ْ ن الْعِلْم ِ َ م ْ جاءَنِي ِ ت إِنِّي قَد ْ َ وإن كان أصغر سنا ً من أبيه{ :يَاأب َ ِ
سوِيّاً} أي مستقيما ً واضحاً ،سهل ً حنيفاً، صَراطا ً َ ك ِ ك فَاتَّبِعْنِي أَهْد ِ َ يَأْت ِ َ
يفضي بك إلى الخير في دنياك وأخراك.
فلما عرض هذا الرشد عليه وأهدى هذه النصيحة إليه ،لم يقبلها
ن آلِهَتِي َ َ
ت عَ ْ ب أن ْ َ منه ،ول أخذها عنه ،بل تهدده وتوعده قال{ :أَراِغ ٌ
َ
ك} قيل بالمقال وقيل بالفعال. من َّ َ
م تَنتَهِ ل ْ َ
ج
ُ ر ن لَ ْم لَئ ِ ْ يَا إِبْراهِي ُ
ملِيّاً} أي واقطعني وأطل هجراني. جْرنِي َ {وَاهْ ُ
حدَّثَنا ابن ُ
جَريْج ،أخبرني عبد مد بن بكرَ ،ح ْ حدَّثَنا ُ
م َ وقال أحمدَ :
الله بن عبد الرحمن بن أبي أمية ،أن نافعا ً مولى ابن عمر أخبره أن
عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" :اقتلوا
الوزغ فإنه كان ينفخ النار على إبراهيم" قال فكانت عائشة تقتلهن.
حدَّثَنا أيوب عن نافع ،أن امرأةحدَّثَنا إسماعيلَ ، وقال أحمدَ :
دخلت على عائشة فإذا رمح منصوب فقالت :ما هذا الرمح؟ فقالت:
نقتل به الوزاغ .ثم حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
إبراهيم لما ألقي في النار جعلت الدواب كلها تطفئ عنه إل الوزغ
فإنه جعل ينفخها عليه.
تفرد به أحمد من هذين الوجهين.
حدَّثَنا نافع ،حدثتني سمامة
حدَّثَنا جريرَ ،
حدَّثَنا عفانَ ، وقال أحمدَ :
مولة الفاكه بن المغيرة ،قالت :دخلت على عائشة فرأيت في بيتها
رمحا ً موضوعاً ،فقلت :يا أم المؤمنين ما تصنعين بهذا الرمح؟ قالت:
هذا لهذه الوزاغ نقتلهن به ،فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
حدَّثَنا أن إبراهيم حين ألقي في النار لم يكن في الرض دابة إل َ
تطفئ عنه النار ،غير الوزغ كان ينفخ عليه ،فأمرنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم :بقتله.
ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس بن محمد
عن جرير بن حازم به.
ذكر هجرة الخليل عليه السلم إلى بلد الشام ،ودخوله الديار
المصرية واستقراره في الرض المقدسة
و
ه هُ َ جٌر إِلَى َربِّي إِن َّ ُ مهَا ِ ل إِنِّي ُ ط وَقَا َ ه لُو ٌ ن لَ ُ م َ قال الله{ :فَآ َ
جعَلْنَا فِي ذُّرِيَّتِهِ النُّبُوَّةَ ب وَ َ حاقَ وَيَعُْقو َ س َ ه إِ ْم ،وَوَهَبْنَا ل َ ُ حكِي ُ الْعَزِيُز ال ْ َ
َ
ن}. حي َ صال ِ ِ ن ال َّ م ْ خَرةِ ل َ ِ ه فِي ال ِ ُ جَره ُ فِي الدُّنْيَا وَإِن َّ ب وَآتَيْنَاه ُ أ ْ وَالْكِتَا َ
َ جيْنَاه ولُوطا ً إلَى ال َ
ض ال ّتِي بَاَركْنَا فِيهَا ِ رْ ِ ُ َ وقال تعالى{ :وَن َ َّ
ن، حي َ صال ِ ِ جعَلْنَا َ ة وَكُل َ ب نَا ِفل َ ًحاقَ وَيَعُْقو َ س َ
َ
ه إِ ْ ن ،وَوَهَبْنَا ل َ ُ َ لِلْعَال َ ِ
مي
ل ال ْ َ َ م أَئ ِ َّ
ة
م ِ ت وَإِقَا َ خيَْرا ِ م فِعْ َ حيْنَا إِلَيْهِ ْ مرِنَا وَأوْ َ ن بِأ ْ ة يَهْدُو َ م ً جعَلْنَاهُ ْ وَ َ
ن}.صلةِ وَإِيتَاءَ الَّزكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِي َ ال َّ
ومن زعم أنها ابنة أخيه هاران أخت لوط كما حكاه السهيلي عن
القتيبي والنقاش فقد أبعد النجعة ،وقال بل علم.
ومن ادعى أن تزويج بنت الخ كان إذ ذاك مشروعاً ،فليس له
على ذلك دليل .ولو فرض أن هذا كان مشروعا ً في وقت كما هو
منقول عن الربانيين من اليهود فإن النبياء ل تتعاطاه والله أعلم .ثم
المشهور أن إبراهيم عليه السلم لما هاجر من بابل خرج بسارة
مهاجرا ً من بلده كما تقدم والله أعلم.
وذكر أهل الكتاب :أنه لما قدم الشام أوحى الله إليه "إني جاعل
هذه الرض لخلفك من بعدك" فابتنى إبراهيم مذبحا ً لله شكرا ً على
هذه النعمة ،وضرب قبته شرقي بيت المقدس ،ثم انطلق مرتحلً
إلى التيمن ،وأنه كان جوعٌ ،أي قحط وشدّة وغلء ،فارتحلوا إلى
مصر.
صة سارة مع ملكها ،وأن إبراهيم قال لها :قولي أنا وذكروا ق ّ
ك إيّاها هاجر .ثم أخرجهم منها فرجعوا إلى أخته وذكروا اخدام المل ِ
بلد التيمن يعني أرض بيت المقدس ،وما والها ومعه دواب وعبيد
وأموال.
حدَّثَنا حماد بن زيد ،عن
مد بن محبوبَ ، ح ْ حدَّثَنا ُ
م َ خاريَّ :وقال الب ُ َ
أيوب عن محمد ،عن أبي هريرة قال" :لم يكذب إبراهيم إل ثلث
لم} وقوله {ب َ ْ قي ٌ
س ِ
كذبات اثنتان منهن في ذات الله قوله {إِنِّي َ
م هَذ َا} وقال بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار فَعَل َ ُ
ه كَبِيُرهُ ْ
من الجبابرة فقيل له إن هاهنا رجل معه امرأة من أحسن الناس
فأرسل إليه وسأله عنها؟ فقال من هذه؟ قال :أختي فأتى سارة
فقال :يا سارة ليس على وجه الرض مؤمن غيري وغيرك ،وإن هذا
سألني فأخبرته أنك أختي فل تكذبيني.
فأرسل إليها فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده ،فأخذ فقال
ادعى الله لي ول أضرك ،فدعت الله فأطلق ،ثم تناولها الثانية مثلها
أو أشد ،فقال "ادعي الله لي ول أضرك ،فدعت فأطلقت .فدعا
بعض حجبته فقال :إنكم لم تأتوني بإنسان وإنما أتيتموني بشيطان،
فأخدمها هاجر.
م .فقالت :رد الله كيد مهْي َ ْ
فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده َ
الكافر أو الفاجر في نحره ،وأخدم هاجر.
قال أبو هريرة :فتلك أمكم يا بني ماء السماء".
تفرد به من هذا الوجه موقوفاً.
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار ،عن عمرو بن علي الفلس ،عن
سيرِين، مد بن ِ ح ْ
م َعبد الوهاب الثقفي ،عن هشام بن حسام ،عن ُ
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" :إن إبراهيم لم
م} قي ٌس ِيكذب قط إل ثلث كذبات كل ذلك في ذات الله قوله {إِنِّي َ
م هَذ َا} وبينما هو يسير في أرض جبار من ل فَعَل َ ُ
ه كَبِيُرهُ ْ وقوله {ب َ ْ
الجبابرة ،إذ نزل منزل ً فأتى الجبار فقيل له :إنه قد نزل هاهنا رجل
معه امرأة من أحسن الناس .فأرسل إليه فسأله عنها فقال إنها
ن هذا سألني عنك؟ فقلت إنك أختي أختي ،فلما رجع إليها قال إ َّ
وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك وأنك أختي فل تكذبيني عنده.
فانطلق بها ،فلما ذهب يتناولها أخذ فقال" :ادعى الله لي ول
أضرك ،فدعت له فأرسل ،فذهب يتناولها فأخذ مثلها أو أشد منها.
قال :ثم قام إليها ،قال :فقامت تتوضأ وتصلّي وتقول :اللهم إن
كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إل على زوجي
َّ
ض برجله ،قال أبو الزنادط حتى رك َ فل تسلط علي الكافر .قال فغ
وقال أبو سلمة عن أبي هريرة :إنها قالت اللهم أن يمت يقل هي
قتلته ،قال :فأرسل.
ي إل شيطاناًقال :فقال في الثالثة أو الرابعة :ما أرسلتم إل ّ
أرجعوها إلى إبراهيم ،وأعطوها هاجر.
قال :فرجعت فقالت لبراهيم :أشعرت أن الله رد كيد الكافرين
م وليدة! تفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط الصحيح. خد َ َ
وأ ْ
خاريّ عن أبي اليمان ،عن شعيب بن أبي حمزة، وقد رواه الب ُ َ
عن أبي الزناد ،عن العرج ،عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم به مختصراً.
حدَّثَنا سفيان ،عن علي بن زيدحدَّثَنا أبيَ ،
وقال ابن أبي حاتمَ :
بن جدعان ،عن أبي نضرة ،عن أبي سعيد قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم في كلمات إبراهيم الثلث التي قالها" :ما منها
كلمة إل ّ ما حل بها عن دين الله فقال :إني سقيم ،وقال بل فعله
كبيرهم هذا ،وقال للملك حين أراد امرأته :هي أختي".
فقوله في الحديث "هي أختي" ،أي في دين الله ،وقوله لها :إنه
ليس على وجه الرض مؤمن غيري وغيرك يعني زوجين مؤمنين
غيري وغيرك ،ويتعين حمله على هذا لن لوطا ً كان معهم وهو نب ٌّ
ي
عليه السلم.
ن هاجرم ْ
ذكر مولد إسماعيل عليه السلم ِ
قال أهل الكتاب :إن إبراهيم عليه السلم سأل الله ذرية طيبة،
شره بذلك ،وأنه لما كان لبراهيم ببلد المقدس عشرون وان الله ب َّ
سنة ،قالت سارة لبراهيم عليه السلم ،إن الرب قد حرمني الولد،
فادخل على أمتي هذه ،لعل الله يرزقني منها ولداً.
فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم عليه السلم ،فحين دخل بها
حملت منه ،قالوا :فلما حملت ارتفعت نفسها ،وتعاظمت على
سيدتها ،فغارت منها سارة ،فشكت ذلك إلى إبراهيم ،فقال :لها
افعلي بها ما شئت ،فخافت هاجر فهربت ،فنزلت عند عين هناك،
ل من هذا الغلم ن الله جاع ٌ فقال لها ملك من الملئكة ،ل تخافي فإ َّ
شرها أنها ستلد ابناً ،وتسمية الذي حملت خيراً ،وأمرها بالرجوع ،وب َّ
إسماعيل ،ويكون وحش الناس ،يده على الكل ويد الكل به ،ويملك
جميع بلد اخوته ،فشكرت الله عز وجل على ذلك.
وهذه البشارة إنما انطبقت على ولده محمد صلوات الله
وسلمه عليه ،فإنه الذي به سادت العرب ،وملكت جميع البلد غرباً
ُ
ة
م ٌتأ ّ وشرقاً ،وأتاها الله من العلم النافع والعمل الصالح ما لم تُؤْ َ
من المم قبلهم ،وما ذاك إل بشرف رسولها على سائر الرسل،
وبركة رسالته ويمن بشارته وكماله فيما جاء به ،وعموم بعثته لجميع
أهل الرض.
ولما رجعت هاجر وضعت إسماعيل عليه السلم.
قالوا :وولدته ولبراهيم من العمر ست وثمانون سنة ،قبل مولد
إسحاق بثلث عشرة سنة.
ولما ولد إسماعيل أوحى الله إلى إبراهيم يبشره بإسحاق من
سارة ،فخر لله ساجداً ،وقال له وقد استجبت لك في إسماعيل
وباركت عليه وكثرته ويمنته جدا ً كثيراً ،ويولد له اثنا عشر عظيماً.
وأجعله رئيسا ً لشعب عظيم.
وهذه أيضا ً بشارة بهذه المة العظيمة ،وهؤلء الثنا عشر عظيماً
هم الخلفاء الراشدون الثنا عشر المبشر بهم في حديث عبد الملك
بن عمير عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال"يكون اثنا عشر أميراً" ثم قال كلمة لم أفهمها ،فسألت أبي ما
قال؟ قال" :كلهم من قريش" أخرجاه في "الصحيحين".
وفي رواية "ل يزال هذا المر قائماً" وفي رواية (عزيزا ً حتى
يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش).
فهؤلء منهم الئمة الربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي .ومنهم
عمر بن عبد العزيز أيضاً .ومنهم بعض بني العباس وليس المراد
أنهم يكونون اثني عشر نسقا ً بل ل بد من وجودهم.
وليس المراد الئمة الثني عشر الذين يعتقد فيهم الرافضة
الذين أولهم علي بن أبي طالب وأخرهم المنتظر بسرداب سامّرا
مد بن الحسن العسكري فيما يزعمون ،فإن أولئك لم يكن ح ْ
م َ
وهو ُ
فيهم أنفع من علي وابنه الحسن بن علي ،حين ترك القتال وسلم
المر لمعاوية ،وأخمد نار الفتنة ،وسكن رحى الحرب بين
المسلمين ،والباقون من جملة الرعايا لم يكن لهم حكم على المة
س
هو ٌ في أمر من المور .وأما ما يعتقدونه بسرداب سامرا فذلك َ
في الرؤوس ،وهذيان في النفوس ل حقيقة له ول عين ول أثر.
والمقصود أن هاجر عليها السلم لما ولد لها إسماعيل واشتدت
غيرة سارة منها ،وطلبت من الخليل أن يغيب وجهها عنها ،فذهب
بها وبولدها فساَر بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم.
ن ولدها كان إذ ذاك رضيعاً. ويقال إ َّ
فلما تركهما هناك وولّى ظهره عنهما ،قامت إليه هاجر وتعلقت
بثيابه وقالت :يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا هاهنا ،وليس معنا ما
يكفينا؟ فلم يجبها ،فلما ألحت عليه وهو ل يجيبها ،قالت له :آلله
أمرك بهذا؟ قال :نعم ،قالت فإذا ً ل يضيّعنا.
مد بن أبي زيد رحمه الله في كتاب ح ْ
م َ
وقد ذكر الشيخ أبو ُ
النوادر :أن سارة غضبت على هاجر ،فحلفت لتقطعن ثلثة أعضاء
مها.ضها فتبر قس َ
منها ،فأمرها الخليل أن تثقب أذنيها ،وأن تخف َ
قال السهيلي :فكانت أول من اختتن من النساء ،وأول من ثقبت
أذنها منهن ،وأول من طوّلت ذيلها.
ذكر مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه هاجر إلى جبال فاران
وهي أرض مكّة ،وبنائه البيت العتيق.
خاري :قال عبد الله بن محمد -هو أبو بكر بن أبي شيبه
ّ قال الب ُ َ
حدَّثَنا معمر ،عن أيوب السختياني وكثير بن كثير
حدَّثَنا عبد الرزاقَ ،
َ -
بن عبد المطلب بن أبي وداعة ،يزيد أحدهما عن الخر ،عن سعيد
بن جبير ،عن ابن عبَّاس قال" :أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل
أم إسماعيل ،اتخذت منطقا ً لتعفى أثرها على سارة" .ثم جاء بها
إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت ،عند
دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد ،وليس
بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا ً فيه تمر ،وسقاء فيه
ماء.
ثم قّفى إبراهيم منطلقاً ،فتبعته أم إسماعيل فقالت :يا إبراهيم
أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ول شيء؟ فقالت
له ذلك مراراً؛ وجعل ل يلتفت إليها ،فقالت له :آلله أمرك بهذا؟
قال :نعم .قالت :إذا ل يضيعنا .ثم رجعت.
فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث ل يرونه استقبل
بوجهه البيت ،ثم دعا بهؤلء الدعوات ،ورفع يديه فقالَ{ :ربَّنَا إِنِّي
َ
موا
قي ُ حَّرم ِ َربَّنَا لِي ُ ِ
م َك ال ْ ُ ن ذُّرِيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي َزْرٍع ِ
عنْد َ بَيْت ِ َ م ْ
ت ِ سكَن ُ أ ْ
َ صلة َ فَاجع ْ َ
ت
مَرا ِ ن الث ّ َ م ْم ِ م وَاْرُزقْهُ ْ س تَهْوِي إِلَيْهِ ْ م ْ َ
ن الن ّا ِ ل أفْئِدَة ً ِ ْ َ ال َّ
َ
ن}. شكُُرو َ لَعَل ّهُ ْ
م يَ ْ
وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء
حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها ،وجعلت تنظر
إليه يتلوى ،أو قال :يتلبط ،فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت
الصفا أقرب جبل في الرض يليها ،فقامت عليه ،ثم استقبلت
الوادي تنظر هل ترى أحدا ً فلم تر أحداً ،فهبطت من الصفا حتى إذا
بلغت بطن الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي النسان
المجهود ،حتى جاوزت الوادي ،ثم أتت المروة فقامت عليها،
ونظرت هل ترى أحداً؟ فلم تر أحدا ً ففعلت ذلك سبع مرات.
قال ابن عبَّاس قال النبي صلى الله عليه وسلم "فلذلك سعى
الناس بينهما".
فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا ً فقالت :صه ،تريد
نفسها.
ثم تسمعت فسمعت أيضاً ،فقالت :قد أسمعت إن كان عندك
غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ،فبحث بعقبه ،أو قال
ضه وتقول بيدها هكذا ،وجعلت بجناحه ،حتى ظهر الماء ،فجعلت تحو ُ
تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف.
قال ابن عبَّاس قال النبي صلى الله عليه وسلم "يرحم الله أم
إسماعيل لو تركت زمزم" .أو قال" :لو لم تغرف من الماء لكانت
معِيْناً" .قال :فشربت وأرضعت ولدها .فقال لها الملك :ل زمزم عينا ً َ
تخافي الضيعة ،فإن هاهنا بيتا ً لله يبنيه هذا الغلم وأبوه ،وإن الله ل
يضيع أهله.
وكان البيت مرتفعا ً من الرض كالرابية ،تأتيه السيول فتأخذ عن
يمينه وعن شماله ،فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم ،أو
أهل بيت من جرهم ،مقبلين من طريق كداء ،فنزلوا في أسفل مكة
فرأوا طائرا ً عائفاً ،فقالوا :إن هذا الطائر ليدور على الماء ،لعهدنا
بهذا الوادي وما فيه ماء ،فأرسلوا جريا أو جرييّن فإذا هم بالماء،
فرجعوا فأخبروهم بالماء ،فأقبلوا.
قال :وأم إسماعيل عند الماء ،فقالوا :أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟
قالت :نعم ولكن ل حقَّ لكم في الماء عندنا .قالوا :نعم.
قال عبد الله بن عبَّاس قال النبي صلى الله عليه وسلم" :فألفى
م إسماعيل وهي تحب النس ،فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، ذلك أ َّ
فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم.
ب الغلم وتعلّم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب، وش َّ
فلما أدرك ،زوّجوه امرأة منهم.
وماتت أم إسماعيل ،فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل ،يطالع
تركته فلم يجد إسماعيل ،فسأل امرأته عنه؟ فقالت :خرج يبتغي
لنا .ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت :نحن بشّرٍ نحن في ضيق
وشدّةٍ وشكت إليه .قال :فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلم
وقولي له يغيّر عتبة بابه.
فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً ،فقال :هل جاءكم من أحد؟
فقالت :نعم جاءنا شيخ كذا كذا ،فسألنا عنك فأخبرته ،وسألني كيف
عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة .قال :فهل أوصاك بشيء؟ قالت:
نعم أمرني أن أقرأ عليك السلم ،ويقول لك غيّر عتبة بابك .قال:
ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك ،فالحقي بأهلك ،وطلقها وتزوَّج
منهم أخرى ،ولبث عنهم إبراهيم ما شاء الله .ثم أتاهم بعد فلم
يجده ،فدخل على امرأته فسألها عنه؟ فقالت :خرج يبتغي لنا ،قال:
كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم ،فقالت :نحن بخير وسعة،
وأثنت على الله عز وجل ،فقال :ما طعامكم؟ قالت :اللحم قال:
فما شرابكم؟ قالت :الماء .قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم" :ولم يكن لهم يومئذ حب .ولو
كان لهم حب لدعا لهم فيه" قال :فهما ل يخلو عليهما أحد بغير مكة
إل لم يوافقاه.
مريه يثبت عتبة بابه. قال :فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلم و ُ
فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد؟ قالت :نعم أتانا شيخ
حسن الهيئة ،وأثنت عليه ،فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف
عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير .قال :فأوصاك بشيء؟ قالت :نعم هو يقرأ
عليك السلم ويأمرك أن تثبت عتبة بابك .قال :ذاك أبي وأنت
العتبة ،أمرني أن أمسكك.
ثم ما لبث عنهم ما شاء الله .ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري
نَبْل ً له تحت دوحةٍ قريبا ً من زمزم ،فلما رآه قام إليه فصنعا ،كما
يصنع الوالد بالولد ،والولد بالوالد .ثم قال :يا إسماعيل إن الله
أمرني بأمر ،قال :فاصنع ما أمرك به ربك ،قال :وتعينني؟ قال:
وأعينك .قال :فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً ،وأشار إلى أكمة
مرتفعة على ما حولها.
قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت ،فجعل إسماعيل يأتي
بالحجارة ،وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء ،جاء بهذا الحجر
فوضعه له فقام عليه ،وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ،وهما
ل منَا إن َ َ َ
م}.ميعُ الْعَلِي ُس ِ ت ال َّك أن ْ َ قب َّ ْ ِ ّ ِ ّ
يقولن {َربَّنَا ت َ َ
قال :فجعل يبنيان ،حتى يدورا حول البيت ،وهما يقولنَ{ :ربَّنَا
ل منَا إن َ َ َ
ميعُ الْعَلِي ُ
م}. ت ال َّ
س ِ ك أن ْ َ قب َّ ْ ِ ّ ِ ّ
تَ َ
حدَّثَنا أبو عامر عبد الملك بن حدَّثَنا عبد الله بن محمدَ ، ثم قالَ :
حدَّثَنا إبراهيم بن نافع ،عن كثير بن كثير ،عن سعيد بن جبير، عمروَ ،
عن ابن عبَّاس قال :لما كان من إبراهيم وأهله ما كان ،خرج
ة فيها ماء .وذكر تمامه بنحو ما شن َّ ٌ بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم َ
تقدم.
وهذا الحديث من كلم ابن عبَّاس وموشح برفع بعضه ،وفي
بعضه غرابة ،وكأنه مما تلقاه ابن عبَّاس عن السرائيليات ،وفيه أن
إسماعيل كان رضيعا ً إذ ذاك.
وعند أهل التوراة أن إبراهيم أمره الله بأن يختن ولده إسماعيل،
وكل من عنده من العبيد ،وغيرهم ،فختنهم ،وذلك بعد مضي تسع
وتسعين سنة من عمره ،فيكون عمر إسماعيل يومئذ ثلث عشرة
سنة ،وهذا امتثال لمر الله عز وجل في أهله ،فيدل على أنه فعله
على وجه الوجوب ،ولهذا كان الصحيح من أقوال العلماء أنه واجب
على الرجال كما هو مقرر في موضعه.
حدَّثَنا قتيبة بن سعيد،خاريَ :
ّ وقد ثبت في الحديث الذي رواه الب ُ َ
حدَّثَنا مغيرة بن عبد الرحمن القرشي ،عن أبي الزناد عن العرج َ
عن أبي هريرة قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم "اختتن
إبراهيم النبي عليه السلم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم".
تابعه عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد ،وتابعه عجلن عن
مد بن عمرو عن أبي سلمة ،عن أبي هريرة، ح ْ
م َ
أبي هريرة ،ورواه ُ
وهكذا رواه مسلم عن قتيبة به.
وفي بعض اللفاظ" :اختتن إبراهيم بعد ما أتت عليه ثمانون سنة
واختتن بالقدوم" والقدوم هو اللة ،وقيل :موضع.
وهذا اللفظ ل ينافي الزيادة على الثمانين .والله أعلم لما سيأتي
من الحديث عند ذكر وفاته عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم "أنه قال اختتن إبراهيم وهو ابن مائة وعشرين سنة
وعاش بعد ذلك ثمانين سنة" .رواه ابن حيان في "صحيحه".
وليس في هذا السياق ذكر قصة الذبيح ،وأنه إسماعيل ،ولم
يذكر في قدمات إبراهيم عليه السلم إل ثلث مرات ،أولهن بعد أن
صغَر الولد
تزوج إسماعيل بعد موت هاجر ،وكيف تركهم من حين ِ
على ما ذكر إلى حين تزويجه ل ينظر في حالهم .وقد ذكر أن الرض
كانت تنطوي له ،وقيل إنه كان يركب البراق إذا سار إليهم ،فكيف
يتخلف عن مطالعة حالهم وهم في غاية الضرورة الشديدة والحاجة
الكيدة؟!
وكأن بعض هذا السياق متلقى من السرائيليات ومطرز بشيء
من المرفوعات ولم يذكر فيه قصة الذبيح ،وقد دللنا على أن الذبيح
هو إسماعيل على الصحيح في سورة الصافات.
قصة الذبيح
ب ب هَ ْ سيَهْدِينِيَ ،ر ِّ ب إِلَى َربِّي َ ل إِنِّي ذ َاهِ ٌ قال الله تعالى{ :وَقَا َ
ل يَا ي قَا َ ه ال َّ ما بَلَغَ َ حلِيمٍ ،فَل َ َّ حين ،فَب َ َّ ن ال َّ
سعْ َ معَ ُ شْرنَاه ُ بِغُلم ٍ َ صال ِ ِ َ م ْ
لِي ِ
ت ماذ َا تََرى قَا َ ك فَانظُْر ح َ َ َ َ
ي إِنِّي أَرى فِي ال ْ بُن َ َّ
ل يا أب ِ َ منَام ِ أنِّي أذ ْب َ ُ َ
َّ َ َ
ه
ما وَتَل ُ سل َ َ
ما أ ْ ن ،فَل َ َّ
صابِرِي َن ال َّ م ْه ِشاءَ الل ّ ُ ن َجدُنِي إ ِ ْ ست َ ِ
مُر َ ما تُؤْ َ
ل َ افْعَ ْ
ت الُّرؤْيَا إِنَّا كَذَل ِ َ َ
جزِي ك نَ ْ صدَّقْ َ م ،قَد ْ َ ن يَا إِبَْراهِي ُ ن ،وَنَادَيْنَاه ُ أ ْ جبِي ِ لِل ْ َ
ح عَظِيمٍ ،وَتََركْنَا ن ،وَفَدَيْنَاهُ بِذِب ْ ٍ مبِي ُ ن هَذ َا لَهُوَ الْبَلءُ ال ْ ُ ن ،إ ِ َّ سنِي َح ِ م ْ ال ْ ُ
ن ،إِن َّ ُ
ه سنِي َ ح ِ م ْجزِي ال ْ ُ ك نَ ْ م ،كَذَل ِ َ م عَلَى إِبَْراهِي َ سل ٌ نَ ، خرِي َ عَلَيْهِ فِي ال ِ
حين ،وَبَاَركْنَا ن ال َّ حاقَ نَبِيّا ً ِ منِين ،وب َ َّ عبَادِنَا ال ْ ُ
صال ِ ِ م ْ س َ شْرنَاه ُ بِإ ِ ْ مؤ ْ ِ َ َ ن ِ م ْ ِ
ن}. مبِي ٌ سهِ ُ م لِنَْف ِ ن وَظَال ِ ٌ س ٌ ح ِ م ْ ما ُ ن ذُّرِيَّتِهِ َ م ْ حاقَ وَ ِ س َ عَلَيْهِ وَعَلَى إ ِ ْ
يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلد قومه سأل
شره الله تعالى بغلم حليم وهو ربه أن يهب له ولدا ً صالحاً ،فب ّ
ت وثمانين إسماعيل عليه السلم ،لنه أول من ولد له على رأس س ٍ
سنة من عمر الخليل .وهذا ما ل خلف فيه بين أهل الملل ،لنه أول
ولده وبكره.
ب وصار يسعى في ي} أي ش َّ سعْ َ ه ال َّ معَ ُ ما بَلَغَ َ وقوله {فَل َ َّ
بي} أي ش َّ سعْ َ ه ال َّ معَ ُما بَلَغَ َ مصالحه كأبيه .قال مجاهد{ :فَل َ َّ
وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل.
فلما كان هذا رأى إبراهيم عليه السلم في المنام أنه يؤمر بذبح
ي". ولده هذا .وفي الحديث عن ابن عبَّاس مرفوعا ً "رؤيا النبياء وح ٌ
قاله عبيد ابن عمير أيضاً.
وهذا اختبار من الله عز وجل لخليلهِ في أن يذبح هذا الوزير
العزيز الذي جاءه على كبر ،وقد طعن في السن بعد ما أمر بأن
يسكنه هو وأمه في بلد قفر ،وواد ليس به حسيس ول أنيس ،ول
زرع ول ضرع ،فامتثل أمر الله في ذلك وتركها هناك ،ثقة بالله
وتوكل ً عليه ،فجعل الله لهما فرجا ً ومخرجاً ،ورزقهما من حيث ل
يحتسبان.
ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن أمر
ربه ،وهو بكره ووحيده ،الذي ليس له غيره ،أجاب ربَّه وامتثل أمره
وسارع إلى طاعته.
ن أطيب لقلبهِ وأهون عليه ،من أن ك على ولده ليكو َ ثم عرض ذل َ
منَام ِ أَنِّي ي إِنِّي أَرى فِي ال ْ َ
َ ل يَا بُن َ َّ سرا ً ويذبحه قهرا ً {قَا َ يأخذه قَ ْ
َ
ماذ َا تََرى}. ك فَانظُْر َ ح َ أذ ْب َ ُ
ت َ
فبادر الغلم الحليم ،سر والده الخليل إبراهيم ،فقال{ :يَا أب َ ِ
َ َّ ن َ افْعَ ْ
ن} .وهذا الجواب ي
ّ ِ ِ َ ر صاب ال نْ م ِ ه
شاءَ الل ُ جدُنِي إ ِ ْ ست َ ِ مُر َ ما تُؤْ َل َ
في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد.
َ قال الله تعالى{ :فَل َ َ َ
ن} قيل :أسلما ،أي جبِي ِه لِل ْ َ
ما وَتَل ّ ُ
سل َ َ
ما أ ْ ّ
استسلما لمر الله وعزما على ذلك .وقيل :وهذا من المقدم
ه لِل ْ َّ
ن} ،أي ألقاه على وجهه .قيل :أراد أن ِ يِ جبَ ُ والمؤخر ،والمعنى {تَل
يذبحه من قفاه ،لئل يشاهده في حال ذبحه ،قال ابن عبَّاس ومجاهد
وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك .وقيل :بل أضجعه كما تضجع
الذبائح ،وبقي طرف جبينه لصقا ً بالرض( .وأسلما) أي سمى
سكين مَّر ال ّدّي وغيره :أ َ س ِ شهد الولد للموت .قال ال ُّ إبراهيم وكبر ،وت ّ
على حلِْقهِ فلم تقطع شيئاً ،ويقال جعل بينها وبين حلقه صفيحة من
نحاس والله أعلم.
َ
تصدَّقْ َ
م ،قَد ْ َ ن يَا إِبَْراهِي ُ فعند ذلك نودي من الله عز وجل{ :أ ْ
الُّرؤْيَا} .أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى
أمر ربك .وبدّلك ولدك للقربان ،كما سمحت ببدنك للنيران ،وكما
ن هَذ َا لَهُوَ الْبَلءُمالك مبذول للضيفان ،ولهذا قال تعالى{ :إ ِ َّ
ن} .أي الختبار الظاهر البين. ال ْ ُ
مبِي ُ
ح عَظِيم} .أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما وقوله{ :وَفَدَيْنَاه ُ بِذِب ْ ٍ
سَرهُ الله تعالى له من العوض عنه. ي َ َّ
والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن ،رآه مربوطاً
بسمرة في ثبير .قال الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ،عن
سعيد بن جبير ،عن ابن عبَّاس قال :كبش قد رعى في الجنَّة أربعين
خريفاً .وقال سعيد بن جبير :كان يرتع في الجنَّة حتى تشقق عنه
ن أحمر .وعن ابن عبَّاس :هبط عليه من ثبير عهْ ٌثبير ،وكان عليه ِ
كبش أعين ،أقرن ،له ثغاء ،فذبحه ،وهو الكبش الذي قّربه ابن آدم
فتقبل منه .رواه ابن أبي حاتم.
قال مجاهد :فذبحه بمنى وقال عبيد بن عمير ذبحه بالمقام.
فأما ما روي عن ابن عبَّاس أنه كان وَعْلً .وعن الحسن أنه كان
تيسا ً من الروى ،واسمه جرير ،فل يكاد يصح عنهما.
فاستبشرت عند ذلك سارة غضبا ً لله عليهم ،وكانت قائمة على
رؤوس الضياف ،كما جرت به عادة الناس من العرب وغيرهم ،فلما
ن ضحكت استبشارا ً بذلك قال الله تعالى{ :فَب َ َّ
م ْحاقَ وَ ِ س َ
شْرنَاهَا بِإ ِ ْ
ه فِي وراءِ إسحاقَ يعُقوب} أي بشرتها الملئكة بذلك {فَأَقْبل َت ا َ
مَرأت ُ ُ
َ ْ ْ َ َْ ِ ْ َ ََ
َ
جهَ َها} أي كما يفعل النساء عند ت وَ ْ صك ّ ْ صَّرةٍ} أي في صرخة {فَ َ َ
شيْخا} أي كيف ً جوٌز َوهَذ َا بَعْلِي َ َ َ َ َ
التعجب .وقالت{ :يَا وَيْلتَا أألِد ُ وَأنَا عَ ُ
يلد مثلي وأنا كبيرة وعقيم أيضاً ،وهذا بعلي أي زوجي شيخاً؟
ي ٌءش ْن هَذ َا ل َ َ تعجبت من وجود ولد ،والحالة هذه ،ولهذا قالت{ :إ ِ َّ
م أَهْ َ َ َ عَجيب ،قَالُوا أَتعجبين م َ
ل ه عَلَيْك ُ ْ ة الل ّهِ وَبََركَات ُ ُم ُ
ح َمرِ الل ّهِ َر ْ نأ ْ َْ َ ِ َ ِ ْ ِ ٌ
جيدٌ}. م ِ ميد ٌ َ ح ِ
ه َ َ الْبَي ْ ِ
ت إِن ّ ُ
جب إبراهيم عليه السلم استبشارا ً بهذه البشارة وكذلك تع َّ
َ ل أَب َ َّ
سنِي الْكِبَُر فَب ِ َ
م م َّ ن َ مونِي عَلَى أ ْ شْرت ُ ُ وتثبيتا ً لها وفرحا ً بها{ :قَا َ
ن ،قَالُوا ب َ َّ
ن} أكدوا الخبر ن الَْقانِطِي َ م ْ
ن ِ ق فَل تَك ُ ْ ح ِّ ك بِال ْ َشْرنَا َ شُرو َ تُب َ ّ ِ
بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما {بِغُلم ٍ عَلِيمٍ} .وهو إسحاق
أخو إسماعيل غلم عليم ،مناسب لمقامه وصبره ،وهكذا وصفه ربه
حاقَس َشْرنَاهَا بِإ ِ ْ بصدق الوعد والصبر .وقال في الية الخرى {فَب َ َّ
ب}. حاقَ يَعُْقو َ س َ ن وََراءِ إ ِ ْ م ْ وَ ِ
مد بن كعب القرظي وغيره على أن ح ْ م َ وهذا مما استدل به ُ
الذبيح هو إسماعيل ،وأن إسحاق ل يجوز أن يؤمر بذبحه بعد أن
وقعت عليه البشارة بوجوده ووجود ولده يعقوب المشتق من
العقب من بعده.
وعند أهل الكتاب أنه أحضر مع العجل الحنيذ وهو المشوي رغيفاً
من مكة فيه ثلثة اكيال ،وسمن ولبن .وعندهم أنهم أكلوا وهذا غلط
محض .وقيل :كانوا يرون أنهم يأكلون ،والطعام يتلشى في الهواء.
وعندهم أن الله تعالى قال لبراهيم :أما ساراي امرأتك فل
يدعى اسمها ساراي ،ولكن اسمها ساّرة ،وأبارك عليها وأعطيك
منها ابناً ،وأباركه ويكون الشعوب وملوك الشعوب منه ،فخّر إبراهيم
على وجهه ،يعني ساجداً ،وضحك قائلً :في نفسه أبعد مائة سنة
يولد لي غلم؟ أو سارة تلد؟ وقد أتت عليها تسعون سنة؟!
وقال إبراهيم لله تعالى ليت إسماعيل يعيش قدامك .فقال الله
لبراهيم بحقي إن امرأتك سارة تلد لك غلما ً وتدعو اسمه إسحاق
إلى مثل هذا الحين من قابل ،وأوثقه ميثاقي إلى الدهر ،ولخلفه من
بعده ،وقد استجبت لك في إسماعيل ،وباركت عليه وكبرته ونميته
جدا ً كثيراً ،ويولد له اثنا عشر عظيماً ،وأجعله رئيسا ً لشعب عظيم.
وقد تكلمنا على هذا بما تقدم والله أعلم.
ب}حاقَ يَعُْقو َ
س َ
ن وََراءِ إ ِ ْ فقوله تعالى{ :فَب َ َّ
م ْ
حاقَ وَ ِ
س َ
شْرنَاهَا بِإ ِ ْ
دليل على أنها تستمتع بوجود ولدها إسحاق ،ثم من بعده بولده
يعقوب.
أي يولد في حياتهما لتقر أعينهما به كما قرت بولده .ولو لم يرد
هذا لم يكن لذكر يعقوب وتخصيص التنصيص عليه من دون سائر
نسل إسحاق فائدة ،ولما عين بالذكر دل على أنهما يتمتعان به
{ووَهَبْنَا ويسران بولده كما سرا بمولد أبيه من قبله ،وقال تعالىَ :
مام وَ َ ما اع ْتََزلَهُ ْ ب كُل هَدَيْنَا} .وقال تعالى{ :فَل َ َّ
َ
حاقَ وَيَعُْقو َ س َ ه إِ ْ ُ لَ
ب}. حاقَ وَيَعُْقو َ س َ ه إِ ْ ن الل ّهِ وَهَبْنَا ل َ ُ ن دُو ِ م ْ ن ِ يَعْبُدُو َ
وهذا إن شاء الله ظاهر قوي ويؤيده ما ثبت في "الصحيحين".
في حديث سليمان بن مهران العمش ،عن إبراهيم بن يزيد التيمي،
عن أبيه ،عن أبي ذر قال :قلت :يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟
قال :المسجد الحرام .قلت :ثم أي؟ قال :المسجد القصى .قلت:
كم بينهما؟ قال :أربعون سنة .قلت :ثم أي؟ قال :ثم حيث أدركت
ل فكلها مسجد". الصلة فص ِّ
وعند أهل الكتاب أن يعقوب عليه السلم هو الذي أسس
المسجد القصى ،وهو مسجد إيليا بيت المقدس شرفه الله.
وهذا متجه ،ويشهد له ما ذكرناه من الحديث ،فعلى هذا يكون
بناء يعقوب عليه السلم وهو إسرائيل بعد بناء الخليل ،وابنه
إسماعيل المسجد الحرام بأربعين سنة سواء ،وقد كان بناؤهما ذلك
بعد وجوب إسحاق لن إبراهيم عليه السلم لما دعا قال في دعائه:
جنُبْنِي منا ً وَا ْ ل هَذ َا الْبَلَد َ آ ِ جعَ ْ با ْ م َر ِّ ل إِبَْراهِي ُ كما قال تعالى{ :وَإِذ ْ قَا َ
ن الن َّ ن كَثِيرا ً ضلَل ْ َ ب إِن َّ ن نَعْبُد َ ال َ ي أَ
ن تَبِعَنِي م ْ س فَ َ ِ ا ْ م
ِ َ ْ أ نَ ّ ُ ه ّ ِ ر
َ م، َ ا َ صن ْ ْ وَبَن ِ َّ
َ صانِي فَإِن َّ َ
ن ذُّرِيَّتِي م ْ ت ِ سكَن ُ مَ ،ربَّنَا إِنِّي أ ْ حي ٌ ك غَُفوٌر َر ِ ن عَ َ م ْ منِّي وَ َ ه ِ فَإِن َّ ُ
ل أَفْئِدَةً جعَ ْ صلة َ فَا ْ موا ال َّ ُ حَّرم ِ َربَّنَا لِي ُ ِ
قي م َ ُ ك ال ْ عنْد َ بَيْت ِ َ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي َزْرٍع ِ
َ َ
نَ ،ربَّنَا شكُُرو َ م يَ ْ ت لَعََل ّهُ ْ مَرا ِ ن الث ّ َ م ْ م ِ م وَاْرُزقْهُ ْ س تَهْوِي إِلَيْهِ ْ ن الن ّا ِ
م ْ َ ِ
يءٍ فِي ش ْ ن َ م ْ خَفى عَلَى الل ّهِ ِ ما ي َ ْ َ َ نو ُ ما نُعْل ِ َ َ خِفي و ما ن ُ ْ َ مُ ك تَعْل َ إِن َّ َ
َ َ َ
ب لِي عَلَى الْكِب َِ
ر مد ُ لِل ّهِ ال ّذِي وَهَ َ ح ْ ماءِ ،ال ْ َ س َ ض وَل فِي ال َّ الْر ِ
صَلةِ م ال َّ قي َ م ِجعَلْنِي ُ با ْ ميعُ الدُّعَاءَِ ،ر ِّ س ِ ن َرب ِّي ل َ َ حاقَ إ ِ َّ س َ ل وَإ ِ ْ عي َ ما ِ س َ إِ ْ
م
ن يَوْ َ منِي َ مؤْ ِ ل دُعَاءَِ ،ربَّنَا اغِْفْر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِل ْ ُ قب َّ ْ ن ذُّرِيَّتِي َربَّنَا وَت َ َ م ْ وَ ِ
ب}. سا ُ ح َ م ال ْ ِ يَُقو ُ
وما جاء في الحديث من أن سليمان بن داود عليهما السلم لما
ببنى بيت المقدس سأل الله خلل ً ثلثا ً كما ذكرناه عند قولهَ{ :ر ِّ
ن بَعْدِي} ،وكما سنورده في م ْ حد ٍ ِ ملْكا ً ل يَنْبَغِي ل َ َ ب لِي ُ اغِْفْر لِي وَهَ ْ
قصته ،فالمراد من ذلك والله أعلم أنه جدد بناءه كما تقدم من أن
بينهما أربعين سنة ،ولم يقل أحد إ َّ
ن بين سليمان وإبراهيم أربعين
سنة سوى ابن حبان في تقاسيمه وأنواعه ،وهذا القول لم يوافق
عليه ول سبق إليه.
ولم يجئ في خبر صحيح ،عن معصوم ،أن البيت كان مبنيّا ً قبل
ت} ن الْبَي ْ ِمكَا َ الخليل عليه السلم .ومن تمسك في هذا بقوله { َ
فليس بناهض ول ظاهر ،لن المراد مكانه المقدر في علم الله
المقرر في قدرته ،المعظم عند النبياء موضعه من لدن آدم إلى
زمان إبراهيم.
ة وأن الملئكة قالوا له :قد طفنا ب عليه قُب ّ ً وقد ذكرنا أن آدم نص َ
قبلك بهذا البيت ،وأن السفينة طافت به أربعين يوماً ،أو نحو ذلك،
ولكن كل هذه الخبار عن بني إسرائيل .وقد قررنا أنها ل تصدق ول
تكذب فل يحتج بها فأما إن ردها الحق فهي مردودة.
َ َ ن أَوَّ َ
مبَاَركا ً وَهُدًى ة ُ س لَل ّذِي بِبَك ّ َ َ
ضعَ لِلن ّا ِ ت وُ ِ ل بَي ْ ٍ وقد قال الله{ :إ ِ َّ
ن} .أي أول بيت وضع لعموم الناس للبركة والهدى البيت لِلْعَال َ ِ
مي َ
ت} أي على أنه بناء ت بَيِّنَا ٌ الذي ببكة .وقيل محل الكعبة {فِيهِ آيَا ٌ
الخليل والد النبياء ممن بعده ،وإمام الحنفاء من ولده ،الذين
جرح ْ
م} أي ال ِ م إِبَْراهِي َ مَقا ُ يقتدون به ويتمسكون بسنته ،ولهذا قالَ { :
الذي كان يقف عليه قائما ً لما ارتفع البناء عن قامته ،فوضع له ولده
ما تعالى البناء ،وعظم الفناء ،كما هذا الحجر المشهور ليرتفع عليه ل ّ
ذكر في حديث ابن عبَّاس الطويل.
جُر ملصقا ً بحائط الكعبة على ما كان عليه من ح َ وقد كان هذا ال َ
خره عن قديم الزمان إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأ ّ
البيت قليلً ،لئل يشغل المصلّين عنده الطائفين بالبيت ،واتبع عمر
بن الخطاب رضي الله عنه في هذا ،فإنّه قد وافقه ربه في أشياء،
منها قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم لو اتخذنا من مقام إبراهيم
ً
صل ّى} .وقد كانت م َ
م ُ قام ِ إِبَْراهِي َ م َ ن َم ْخذ ُوا ِ مصلى؟ فأنزل الله {وَات َّ ِ
ي الخليل باقية في الصخرة إلى أول السلم .وقد قال أبو آثار قدم ّ
طالب في قصيدته اللمية المشهورة:
حراء ونازِل ه ** وراقَ ليٌرقى في ِ ن أرسى ثَبيرا ً مكان َ ُ وثورٍ وم ْ
ن الله ليس بغافِل ن مكة وباللهِ إ ّ ت حقّ البيت من بط ِ وبالبي ِ
ضحى والصائل َ حونه ** إذِ اكتنفوه ُ بال ّ وبالحجرِ المسود ّ إذ يمس ّ
حافيا ً غيَر صخر رطبة ** على قدميهِ َ م في ال ّ وموطئ إبراهي َ
ناعل
يعني أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت ،على قدر
عدَ م الَْقوَا ِ قدمه حافية ل منتعلة ،ولهذا قال تعالى{ :وَإِذ ْ يَْرفَعُ إِبَْراهِي ُ
ل منَا إن َ َ َ
تك أن ْ َ قب َّ ْ ِ ّ ِ ّ ل} أي في حال قولهماَ{ :ربَّنَا ت َ َ عي ُ ما ِ س َ ت وَإ ِ ْ ن الْبَي ْ ِ م ْ ِ
م} فهما في غاية الخلص والطاعة لله عز وجل ،وهما ميعُ الْعَلِي ُ س ِ ال َّ
يسألن من الله عز وجل السميع العليم أن يتقبل منهما ما هما فيه
ك ن لَ َ مي ْ ِ سل ِ َ م ْ جعَلْنَا ُ من الطاعة العظيمة والسعي المشكور {َربَّنَا وَا ْ
ك وأَرنا مناسكَنا وتب عَلَينا إن َ َ َ ن ذُّرِيَّتِنَا أ ُ َّ
بت التَّوَّا ُ ك أن ْ َ َْ ِّ ة لَ َ َ ِ َ َ َ ِ َ َ ُ ْ م ً سل ِ َ
م ْ ة ُ م ً م ْ وَ ِ
م}. حي ُ الَّر ِ
والمقصود أن الخليل بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع في
وادٍ غير ذي زرع ،ودعا لهلها بالبركة وأن يرزقوا من الثمرات ،مع
قلة المياه وعدم الشجار والزروع والثمار ،وأن يجعله حرما ً محرماً،
وآمنا محتما.
فاستجاب الله وله الحمد له مسألته ،ولبّى دعوته وآتاه طلبته
َ َّ َ َ
ن
ْ مِ سُ ا ّ الن ف
ُ خط منا ً وَيُت َ َ
حَرما ً آ ِ جعَلْنَا َ م يََروْا أنَّا َ فقال تعالى{ :أوَل َ ْ
َ
تمَرا ُ جبَى إِلَيْهِ ث َ َ منا ً ي ُ ْحَرما ً آ ِ م َ ن لَهُ ْ مكِّ ْ م} وقال تعالى{ :أوَل َ ْ
م نُ َ حوْل ِ ِه ْ َ
ن لَدُنَّا}. م ْ يءٍ رِْزقا ً ِ ش ْ ل َ ك ُ ِّ
وقد كان إبراهيم عليه السلم يعلم قدرة الله تعالى على إحياء
الموتى علما ً يقينا ً ل يحتمل النقيض ،ولكن أحب أن يشاهد ذلك
عياناً ،ويترقى من علم اليقين إلى عين اليقين ،فأجابه الله إلى
سؤاله وأعطاه غاية مأموله.
ُ قال تعالى{ :يَا أَهْ َ
تما أنْزِل َ ْ م وَ َ ن فِي إِبَْراهِي َ جو َ حا ُّم تُ َ ل الْكِتَا ِ
ب لِ َ
ل إل من بعده أَفَل تعقلُونَ َ ، التَّوَْراةُ وَالِن
ما
م فِي َ جت ُ ْ ج ْ
حا َ م هَؤُلءِ َ ْ هاأنْت ُ َ َْ ِ جي ُ ِ ِ ْ َ ْ ِ ِ ِ
َ َ
مل م وَأنْت ُ ْ ه يَعْل َ ُم وَالل ّ ُ عل ْ ٌ م بِهِ ِ س لَك ُ ْ ما لَي ْ َ ن فِي َ جو َ حا ُّ
م تُ َم فَل ِ َعل ْ ٌ
م بِهِ ِلَك ُ ْ
سلِماً م ْ حنِيفا ً ُ ن َ ن كَا َ صَرانِيّا ً وَلَك ِ ْ م يَهُودِيّا ً وَل ن َ ْ ن إِبَْراهِي ُما كَا َ نَ ، مو َ تَعْل َ ُ
َ ن ،إ ِ َّ َ َ
ن اتَّبَعُوه ُ وَهَذ َام لَل ّذِي َ
س بِإِبَْراهِي َ َ
ن أوْلى الن ّا ِ شرِكِي َ َم ْ ن ال ْ ُ م ْ ن ِ ما كَا َ وَ َ
َ
ن}. منِي َ ي ال ْ ُ
مؤْ ِ منُوا وَالل ّ ُ
ه وَل ِ ُّ نآ َ ي وَال ّذِي َ النَّب ِ ُّ
ينكر تعالى على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في دعوى ك ِّ
ل
من الفريقين كون الخليل على ملّتهم وطريقتهم ،فبّرأه الله منهم،
ت التَّوَْراةُ ُ
ما أنْزِل َ ْوبين كثرة جهلهم وقلة عقلهم في قوله{ :وَ َ
ن بَعْدِهِ } أي فكيف يكون على دينكم وأنتم إنما شرع م ْ ل إِل ِ جي ُ َوالِن ِ
َ
ن} إلى أن لكم ما شرع بعده بمدد ٍ متطاولة ،ولهذا قال{ :أفَل تَعِْقلُو َ
ماسلِما ً وَ َ م ْ حنِيفا ً ُن َ ن كَا َ صَرانِيّا ً وَلَك ِ ْم يَهُودِيّا ً وَل ن َ ْ ن إِبَْراهِي ُ ما كَا َ قالَ { :
ن}.شرِكِي َ م ْ ن ال ْ ُ م ْ
ن ِ كَا َ
فبين أنه كان على دين الله الحنيف ،وهو القصد إلى الخلص،
والنحراف عمدا ً عن الباطل إلى الحق الذي هو مخالف لليهودية
والنصرانية والمشركية.
َ َ
ه
س ُ ه نَْف َ سِف َ ن َ م ْ م إ ِ ّل َ مل ّةِ إِبَْراهِي َ ن ِ ب عَ ْ ن يَْرغَ ُ م ْ كما قال تعالى{ :وَ َ
ل لَ ُ
ه ن ،إِذ ْ قَا َ حي َ صال ِ ِ ن ال َّ م ْ خَرةِ ل َ ِ ه فِي ال ِ فيْنَاه ُ فِي الدُّنْيَا وَإِن َّ ُ صط َ َ قد ْ ا ْ وَل َ َ
رب ُه أ َسل ِم قَا َ َ
ه
م بَنِي ِ صى بِهَا إِبَْراهِي ُ ن ،وَوَ َّ مي َ ب الْعَال َ ِ ت لَِر ِّ م َُ سل َ ْ لأ ْ َ ّ ُ ْ ْ
َ
من إِل وَأنْت ُ ْ موت ُ َّ ن فَل ت َ ُ م الدِّي َ صطََفى لَك ُ ْ ها ْ ن الل ّ َ ي إ ِ َّ ب يَا بَن ِ َّ وَيَعُْقو ُ
َ
ما ل لِبَنِيهِ َ ت إِذ ْ قَا َ موْ ُ ب ال ْ َ ضَر يَعُْقو َ ح َ شهَدَاءَ إِذ ْ َ م ُ م كُنت ُ ْ ن ،أ ْ مو َ سل ِ ُ م ْ ُ
لعي َ ما ِ س َ م وَإ ِ ْ ه آبَائ ِك إِبَْراهِي َ َ َ َ َ
ن بَعْدِي قَالوا نَعْبُد ُ إِلهَك وَإِل َ ُ م ْ ن ِ تَعْبُدُو َ
ُ
ت خل َ ْ ة قَد ْ َ م ٌ ك أ َّ ن ،تِل ْ َ مو َ سل ِ ُ م ْ ه ُ ن لَ ُ ُ حدا ً وَن َ ْ
ح حدا ً إِلَها ً وَا ِ حاقَ إِلَها ً وَا ِ س َ وَإ ِ ْ
ن ،وَقَالُوا َ
ملُو َ ما كَانُوا يَعْ َ ن عَ َّ سألُو َ م وَل ت ُ ْ ْ سبْت ُ ما ك َ َ َ م
ْ ت وَلَك ُ ْ سب َما ك َ َ َ لَهَا
ُ ْ ْ َ َ
ن
م ْ ن ِ ما كَا َ حنِيفا ً وَ َ م َ ة إِبَْراهِي َ مل ّ َ صاَرى تَهْتَدُوا قل ب َل ِ
َ َ كُونُوا هُودا ً أوْ ن َ
ل إِلَى إِبَْراهِي َ
م ما أُنزِ َ ل إِلَيْنَا وَ َ ما أُنزِ َ منَّا بِالل ّهِ وَ َ ن ،قُولُوا آ َ شرِكِي َ م ْ ال ْ ُ
سى ُ َ عي َ
عي َ سى وَ ِ مو َ ي ُ ما أوت ِ َ ط وَ َ سبَا ِ ب وَال ْ حاقَ وَيَعُْقو َ س َ ل وَإ ِ ْ ما ِ س َ وَإ ِ ْ
وما أُوت ِي النَبيُون من ربهم ل نَفرقُ بين أ َحد منهم ل نَفرقُ بي َ
حدٍ
نأ َ ُ ِّ َ ْ َ ُ ِّ َ ْ َ َ ٍ ِ ْ ُ ْ َ ّ ِ ّ َ ِ ْ َ ِّ ِ ْ َ َ
قد ْ اهْتَدَوا م بِهِ فَ َ منت ُ ْ ما آ َ َ ل َ مث ْ ِ منُوا ب ِ ِ نآ َ ن ،فَإ ِ ْ مو َ سل ِ ُ م ْ ه ُ ن لَ ُ ح ُ م وَن َ ْ
َ منْهُ ْ ِ
م، ميعُ الْعَلِي ُ س ِ ه وَهُوَ ال َّ م الل ّ ُ فيكَهُ ْ سيَك ْ ِ ق فَ َ شَقا ٍَ م فِي ِ ما هُ ْ ن تَوَل ّوْ َا فَإِن َّ َ وَإ ِ ْ
َ
لن ،قُ ْ ه عَابِدُو َ ن لَ ُ ح ُ ة وَن َ ْ صبْغَ ً ن الل ّهِ ِ م ْ ن ِ س ُ ح َ نأ ْ م َْ ة الل ّهِ وَ َ صبْغَ َ ِ
ُ َ َ ُ َ َ ّ َ
نح ُ م وَن َ ْ مالك ُ ْ م أعْ َ مالنَا وَلك ُ ْ م وَلنَا أعْ َ جونَنَا فِي اللهِ وَهُوَ َربُّنَا َوَربُّك ُ ْ حا ُّ أت ُ َ
َ
ب حاقَ وَيَعُْقو َ س َ ل وَإ ِ ْ عي َ ما ِ َ س
م وَإ ِ ْ َ ن إِبَْراهِي ن إ ِ َّ م تَُقولُو َ ن ،أ ْ صو َ ُ خل ِم ْ ُ ه ُ لَ
ل أَأَنتم أَعْل َم أ َم الل َّه وم َ َ َ
من أظْل َ ُ ُ َ َ ْ ُ ْ رى قُ ْ ْ َ ُ ْ َ َ صا َ ط كَانُوا هُودا ً أوْ ن َ سبَا َ َوال ْ
ة
م ٌ ك أ ُ َّ ن ،تِل ْ َ ملُو َ ما تَعْ َ ل عَ َّ ه بِغَافِ ٍ ما الل ّ ُ ن الل ّهِ وَ َ م ْ عنْدَه ُ ِ شهَادَة ً ِ م َ ن كَت َ َ م ْ م َّ ِ
قَد خل َت لَها ما ك َسبت ولَك ُم ما ك َسبتم ول ت َ
ما كَانُوا سألُو َ
ن عَ َّ َ ُْ ْ َ ُ ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ
ملُو َ
ن}. يَعْ َ
فنزه الله عز وجل خليله عليه السلم عن أن يكون يهوديا ً أو
نصرانياً ،وبين أنه إنما كان حنيفا ً مسلماً ،ولم يكن من المشركين،
َ ولهذا قال تعالى{ :إ ِ َّ َ َ
ن اتَّبَعُوهُ} يعني م لَل ّذِي َ
س بِإِبَْراهِي َ َ
ن أ ْولى الن ّا ِ
الذين كانوا على ملته من أتباعه في زمانه ومن تمسك بدينه من
بعدهم.
ي} يعني محمدا ً صلى الله عليه وسلم .فإن الله شرع {وَهَذ َا النَّب ِ ُّ
له الدين الحنيف الذي شرعه للخليل ،وكمله الله تعالى له وأعطاه
ل إِنَّنِي هَدَانِي ط نبيا ً ول رسول ً من قبله ،كما قال تعالى{ :قُ ْ ما لم يع ِ
َ
نم ْ ن ِ ما كَا َ حنِيفا ً َوَ َ م َ ة إِبَْراهِي َ مل ّ َ ستَِقيم ٍ دِينا ً قِيَما ً ِ م ْ ط ُ صَرا ٍ َربِّي إِلَى ِ
ماتِي لِل ّهِ َر ِّ
ب م َ حيَاي وَ َ م ْ سكِي وَ َ صلتِي وَن ُ ُ ن َ ل إ ِ َّ ن ،قُ ْ شرِكِي َ م ْ ال ْ ُ
ن} .وقال مي َ سل ِ ِم ْ ل ال ْ ُ ت وَأَنَا أَوَّ ُ ُ مْر ك ل َه وبذَل ِ َ ُ
كأ ِ ِ َ ُ شرِي َ ن ،ل َ َ مي الْعَال َ ِ
َ ن أ ُ َّ
ن،
شرِكِي َ م ْ ن ال ْ ُ م َ ن ِ م يَك ُ ْ حنِيفا ً َول َ ْ ة قَانِتا ً لِل ّهِ َ م ً م كَا َ ن إِبَْراهِي َ تعالى{ :إ ِ َّ
ستَِقيمٍ ،وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا م ْ ُ ط
صَرا ٍ جتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى ِ مهِ ا ْ شاكِرا ً ِلَنْعُ ِ َ
َّ م أَوحينا إلَي َ َ
ةمل َ ن اتَّبِعْ ِ كأ ْ ن ،ث ُ َّ ْ َ ْ َ ِ ْ حي َ صال ِ ِن ال َّ م ْ خَرةِ ل َ ِ ه فِي ال ِ ة وَإِن َّ ُ سن َ ًح َ َ
ن}. شرِكِي َ م ْ ن ال ْ ُ م ْ ن ِ ما كَا َ حنِيفا ً وَ َ م َ إِبَْراهِي َ
حدَّثَنا هشام ،عن حدَّثَنا إبراهيم بن موسىَ ، خاريَّ : وقال الب ُ َ
معمر ،عن أيوب ،عن عكرمة ،عن ابن عبَّاس أن النبي صلى الله
عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها
فمحيت .ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الزلم فقال" :قاتلهم
ن يستقسما بالزلم قط" .لم يخرجه مسلم. الله! والله إ ْ
خاريّ" :قاتلهم الله! لقد علموا أن شيخنا لم وفي بعض ألفاظ الب ُ َ
يستقسم بها قط".
ة} أي قدوة إماما ً مهتديا ً داعيا ً إلى الخير ،يقتدى به م ً وقوله {أ ُ َّ
َ
فيه {قَانِتا ً لِل ّه} أي خاشعا ً له في جميع حالته ،وحركاته وسكناته
شاكِراً نَ ، شرِكِي َ م ْ ن ال ْ ُ م َن ِ م يَك ُ ْ حنِيفاً} أي مخلصا ً على بصيرة{وَل َ ْ { َ
ه} أي قائما ً بشكر ربه بجميع جوارحه من قلبه ولسانه وأعماله م ِ ِلَنْعُ ِ
وفي رواية :وهو ابن ثمانين سنة .وليس فيهما تعرض لما عاش
بعد ذلك والله أعلم.
مد بن إسماعيل الحساني الواسطي :زاد في تفسير ح ْ
م َ
وقال ُ
حدَّثَنا أبو معاوية ،عن يحيى بن
وكيع عنه فيما ذكره من الزياداتَ ،
سيب ،عن أبي هريرة ،قال :كان إبراهيم م َّ
سعيد ،عن سعيد بن ال ُ
أول من تسرول ،وأول من فرق ،وأول من استحد ،وأول من اختتن
بالقدوم ،وهو ابن عشرين ومائة سنة .وعاش بعد ذلك ثمانين سنة.
ب.وأول من قرى الضيف ،وأول من شا َ
هكذا رواه موقوفاً .وهو أشبه بالمرفوع خلفا ً لبن حبان والله
أعلم.
سيب قال :كان إبراهيم م َّ
وقال مالك عن يحيى بن سعيد بن ال ُ
أول من أضاف الضيف ،وأول الناس اختتن ،وأول الناس ق َّ
ص
ب ما هذا؟ فقال الله" :شاربه ،وأول الناس رأى الشيب ،فقال :يا ر ّ
ب زدني وقاراً. وقار" .فقال :يا ر ّ
ص شاربه ،وأول من استحدّ ،وأوّل من وزاد غيرهما :وأوّل من ق َّ
لبس السراويل.
فقبره وقبر ولده إسحاق وقبر ولد ولده يعقوب في المربعة
التي بناها سليمان بن داود عليه السلم ببلد حبرون وهو البلد
المعروف بالخليل اليوم .وهذا متلقى بالتواتر أمة بعد أمة ،وجيل بعد
جيل ،من زمن بني إسرائيل وإلى زماننا هذا أن قبره بالمربعة
تحقيقاً .فأما تعيينه منها فليس فيه خبر صحيح عن معصوم ،فينبغي
أن تراعى تلك المحلة ،وأن تحترم احترام مثلها ،وأن تبجل وأن تجل
أن يداس في أرجائها ،خشية أن يكون قبر الخليل ،أو أحد أولد
النبياء عليهم السلم تحتها.
وروى ابن عساكر بسنده إلى وهب بن منبه قال :وجد عند قبر
إبراهيم الخليل على حجر كتابة خلقة:
جلُه
ن جا أ َ م ْ
ت َ ألهى جهول ً أملُه ** *** يمو ُ
حيَلُهن عنه ِ ن حتفه *** لم تُغ ِم ْمن دما ِو َ
أولهه ّت عن ُ ف يبقى آخرا ً *** من ما َ وكي َ
والمرءُ ل يصحبه ** في القبر إل عملُه
ن ،إِذْ سلِي َ َ مْر َ ط ال ْ ُ م لُو ٍ ت قَوْ ُ وقال تعالى في سورة الشعراء{ :كَذَّب َ ْ
ط أَل َ تتَُقون ،إنِي لَك ُم رسو ٌ َ م أَ ُ
هن ،فَاتَُّقوا الل ّ َ مي ٌ لأ ِ ْ َ ُ َ ِّ َّ م لُو ٌ خوهُ ْ ل لَهُ ْ قَا َ
َ وأَطيعونِي ،وما أ َسأَلُك ُم عَلَيه من أ َجر إ َ
بجرِي إِل ّ عَلَى َر ِّ نأ ْ ْ ِ ِ ْ ْ ٍ ِ ْ ْ ْ َ َ َ ِ ُ
ْ َ
م َربُّك ُ ْ
م خلَقَ لَك ُ ْ ما َ ن َ ن ،وَتَذَُرو َ مي َ ن الْعَال َ ِ م ْ ن ِ ن الذُّكَْرا َ مين ،أتَأتُو َ الْعَال َ ِ
ط لَتَكُون َ َّ م تَنْتَهِ يَا لُو ُ من أ َزواجك ُم ب ْ َ
ن ن لَ ْ ن ،قَالُوا لَئ ِ ْ م عَادُو َ م قَوْ ٌ ل أنْت ُ ْ ِ ْ ْ َ ِ ْ َ
َ ْ
ما م َّ جنِي وَأهْلِي ِ ب ن َ ِّ ن َر ِّ ن الَقالِي َ م ْ م ِ ملِك ُ ْ ل إِنِّي لِعَ َ ن ،قَا َ جي َ خَر ِ م ْ ن ال ْ ُ م ِْ
َ َ َ
مْرنَا م د َ َّ ن ،ث ُ َّ جوزا ً فِي الْغَابِرِي َ ن ،إِل ّ ع َ ُ معِي َ ج َ هأ ْ جيْنَاه ُ وَأهْل َ ُ ن ،فَن َ َّ ملُو َ يَعْ َ
َ
ك ن فِي ذَل ِ َ ن ،إ ِ َّمنذ َرِي َ مطَُر ال ْ ُ ساءَ َ مطَرا ً فَ َ م َ مطَْرنَا عَلَيْهِ ْ ن ،وَأ ْ خرِي َ ال َ
ك لَهُوَ الْعَزِيُز الَّر ِ ن َرب َّ َ ن ،وَإ ِ َّ َ
م}. حي ُ منِي َ مؤ ْ ِ م ُ ن أكْثَُرهُ ْ ما كَا َ ة وَ َ لي َ ً
ن َ ْ وقال تعالى في سورة النمل{ :وَلُوطا ً إِذ ْ َقا َ
مهِ أتَأتُو َ ل لَِقوْ ِ
ْ َ ش َ َ
ساءِ ن الن ِّ َ ن دُو ِ م ْ شهْوَة ً ِ ل َ جا َ ن الّرِ َ م لَتَأتُو َ ن ،أئِنَّك ُ ْ صُرو َ م تُب ْ ِ ة وَأنْت ُ ْ ح َ الَْفا ِ
لجوا آ َ خرِ ُ ن قَالُوا أ َ ْ َ َ
مهِ إِل ّ أ ْ ب قَوْ ِ جوَا َ ن َ ما كَا َ ن ،فَ َ جهَلُو َ م تَ ْ م قَوْ ٌ ل أنْت ُ ْ
ب ْ َ
َ
َ َ َ َ ُ
ه
مَرأت َ ُ ه إِل ّ ا ْ جيْنَاه ُ وَأهْل َ ُ ن ،فَأن َ س يَتَطَهَُّرو َ م أنَا ٌ م إِنَّهُ ْ ن قَْريَتِك ُ ْ م ْ ط ِ لُو ٍ
َ
ن}. منذ َرِي َ مطَُر ال ْ ُ ساءَ َ مطَرا ً فَ َ م َ مطَْرنَا عَلَيْهِ ْ ن ،وَأ ْ ن الْغَابِرِي َ م ْ قَدَّْرنَاهَا ِ
ممهِ إِنَّك ُ ْ ل لَِقوْ ِ {ولُوطا ً إِذ ْ قَا َ ْ وقال تعالى في سورة العنكبوتَ :
ْ َ قك ُم بها م َ
ن م لَتَأتُو َ ن ،أئِنَّك ُ ْ مي َ ن الْعَال َ ِ م ْ حد ٍ ِ نأ َ سب َ َ ْ ِ َْ ِ ْ ما َ ة َ ش َ ح َ ن الَْفا ِ لَتَأتُو َ
بجوَا َ ن َ ما كَا َ منكََر فَ َ م ال ْ ُ ن فِي نَادِيك ُ ْ ل وَتَأتُو َ
َ
سبِي َ ن ال َّ ل وَتَْقطَعُو َ جا َ الّرِ َ
َ َ
ب
ل َر ِّ ن ،قَا َ صادِقِي َ ن ال َّ م ْ ت ِ ن كُن َ ب الل ّهِ إ ِ ْ ن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذ َا ِ مهِ إِل ّ أ ْ قَوْ ِ
شَرى م بِالْب ُ ْ سلُنَا إِبَْراهِي َ ت ُر ُ جاءَ ْ ما َ ن ،وَل َ َّ سدِي َ مْف ِ صْرنِي عَلَى الَْقوْم ِ ال ْ ُ ان ُ
َ َ
ن فِيهَا ل إ ِ َّ ن ،قَا َ مي َ ن أهْلَهَا كَانُوا ظَال ِ ِ ل هَذِهِ الَْقْريَةِ إ ِ َّ مهْلِكُو أهْ ِ قَالُوا إِنَّا ُ
لُوطا ً قَالُوا نحن أَعْل َم بمن فيها لَننجين َه وأَهْل َه إل َّ ا َ
ن
م ْ ت ِ ه كَان َ ْ مَرأت َ ُ ْ ُ ِ ُ ِ َ ْ ِ َ ُ َ ِّ َ ّ ُ َ َ ْ ُ
م ذَْرعاً َ
ضاقَ بِهِ ْ م َو َ سيءَ ب ِ ِه ْ سلُنَا لُوطا ً ِ ت ُر ُ جاءَ ْ ن َ ما أ ْ ن ،وَل َ َّ الْغَابِرِي َ
ن م ْ ت ِ ك كَان َ ْ مَرأَت َ َ ك إِل ّ ا ْ
ك وأَهْل َ َ َ
جو َ َ من َ ُّ ن إِنَّا ُ حَز ْ ف وَل َ ت َ ْ خ ْ وَقَالُوا ل َ ت َ َ
َ
ما ماءِ ب ِ َ س َ ن ال َّ م ْ جزا ً ِ ل هَذِهِ الَْقْريَةِ رِ ْ ن عَلَى أهْ ِ منزِلُو َ ن ،إِنَّا ُ الْغَابِرِي َ
ن}. ة لَِقوْم ٍ يَعِْقلُو َ ة بَيِّن َ ً منْهَا آي َ ً قد تََركْنَا ِ ن ،وَل َ َ سُقو َ كَانُوا يَْف ُ
ن ،إِذْ سلِي َ مْر َ ن ال ْ ُ م ْ ن لُوطا ً ل َ ِ وقال تعالى في سورة الصافات{ :وَإ ِ َّ
َ جيناه وأَهْل َ َ
ن، خرِي َ مْرنَا ال َ م د َ َّ ن ،ث ُ َّ جوزا ً فِي َ الْغَابِرِي َ ن ،إِل ّ عَ ُ معِي َ ج َ هأ ْ ُ ن َ َّ ْ َ ُ َ
حين ،وبالل ّي َ
ن}. ل أفَل َ تَعِْقلُو َ صب ِ ِ َ َ ِ ْ ِ م ْ م ُ ن عَلَيْهِ ْ مُّرو َ م لَت َ ُ وَإِنَّك ُ ْ
وقال تعالى في الذاريات بعد قصة ضيف إبراهيم وبشارتهم إياه
سلْنَا إِلَى ُ خطْبك ُ َ
ن ،قَالُوا إِنَّا أْر ِ سلُو َ مْر َ م أيُّهَا ال ْ ُ ما َ ُ ْ ل فَ َ بغلم عليم{ :قَا َ
عنْد َ َرب ِّ َ
ك ة ِ م ً سوَّ َ م َ نُ ، ن طِي ٍ م ْ جاَرة ً ِ ح َ م ِ ل عَلَيْهِ ْ س َ ن ،لِنُْر ِ مي َ جرِ ِ م ْ قَوْم ٍ ُ
َ
جدْنَا فِيهَا غَيَْر ما وَ َ ن ،فَ َ منِي َ مؤْ ِ ن ال ْ ُ م َْ ن فِيهَا ِ ن كَا َ م ْ جنَا َ خَر ْ ن ،فَأ ْ سرِفِي َ م ْ لِل ْ ُ
َ ن الْعَذ َا َ
م}. ب اللِي َ خافُو َ ن يَ َ ة لِل ّذِي َ ن ،وَتََركْنَا فِيهَا آي َ ً مي َ سل ِ ِ م ْ ن ال ْ ُ م ْ ت ِ بَي ْ ٍ
َ
سلْنَا ط بِالنُّذ ُرِ ،إِنَّا أْر َ م لُو ٍ ت قَوْ ُ وقال في سورة القمر{ :كَذَّب َ ْ
جزِي ك نَ ْ عنْدِنَا كَذَل ِ َ ن ِ م ْ ة ِ م ً حرٍ ،نِعْ َ س َ م بِ َ جيْنَاهُ ْ ط ن َ َّ ل لُو ٍ صبا ً إِل َّ آ َ حا ِ م َ عَلَيْهِ ْ
ماَروْا بِالنُّذ ُرِ ،وَل َ َ م بَط ْ َ شك َر ،ول َ َ َ
نقد ْ َراوَدُوه ُ عَ ْ شتَنَا فَت َ َ قد ْ أنذََرهُ ْ ن َ َ َ م ْ َ
م بُكَْرةً َ َ
م فَذ ُوقُوا عَذ َابِي وَنُذ ُرَِ ،ول َ َ َ
حهُ ْ صب ّ َ قد ْ َ سنَا أعْيُنَهُ ْ م ْ ضيِْفهِ فَط َ َ
ن لِلذِّكْرِ فَهَ ْ
ل سْرنَا الُْقْرآ َ قد ْ ي َ َّ ستَِقّر ،فَذ ُوقُوا عَذ َابِي وَنُذ ُرِ ،وَل َ َ م ْ ب ُ عَذ َا ٌ
مدَّكِرٍ}. ن ُ م ْ ِ
وقد تكلمنا على هذه القصص في أماكنها من هذه السورة في
التفسير.
وقد ذكر الله لوطا ً وقومه في مواضع أخر من القرآن ،تقدم
ذكرها مع نوح وعاد وثمود.
والمقصود الن إيراد ما كان من أمرهم وما أحل الله بهم
مجموعا ً من اليات والثار وبالله المستعان .وذلك أن لوطا ً عليه
السلم لما دعاهم إلى عبادة الله وحده ل شريك له ،ونهاهم عن
تعاطي ما ذكر الله عنهم من الفواحش ،لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا
به ،حتى ول رجل واحد منهم ،ولم يتركوا ما عنه نهوا ،بل استمروا
موا بإخراج رسولهم على حالهم ،ولم يرتدعوا عن غيهم وضللهم ،وه ّ
من بين ظهرانيهم{ .واستضعفوه وسخروا منه} وما كان حاصل
جوا آ َ
ل جوابهم عن خطابهم إذ كانوا ل يعقلون إل أن قالوا{ :أ َ ْ
خرِ ُ
ن} فجعلوا غاية المدح ذماً لُوط من قَريتِك ُم إنَه ُ
س يَتَطَهَُّرو َ م أنَا ٌ
ٍ ِ ْ ْ َ ْ ِّ ُ ْ
يقتضي الخراج ،وما حملهم على مقالتهم هذه إل العناد واللجاج.
فطهره الله وأهله إل امرأته ،وأخرجهم منها أحسن إخراج،
وتركهم في محلتهم خالدين ،لكن بعد ما صيّرها عليهم بحرة منتنة،
ذات أمواج ،لكنها عليهم في الحقيقة نار تأجج ،وحّر يتوهج ،وماؤها
ملح أجاج.
وما كان هذا جوابهم إل ّ لما نهاهم عن الطامة العظمى
والفاحشة الكبرى ،التي لم يسبقهم إليها أحد من أهل الدنيا .ولهذا
صاروا مثلة فيها وعبرة لمن عليها .وكانوا مع ذلك يقطعون الطريق،
ويخونون الرفيق ،ويأتون في ناديهم ،وهو مجتمعهم ومحل حديثهم
وسمرهم ،المنكر من القوال والفعال ،على اختلف أصنافه ،حتى
قيل :إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم ،ول يستحيون من
مجالسهم ،وربما وقع منهم الفعلة العظيمة في المحافل ،ول
يستنكفون ول يرعوون لوعظ واعظ ،ول نصيحة من عاقل ،وكانوا
في ذلك وغيره كالنعام بل أضل سبيلً ،ولم يقلعوا عما كانوا عليه
في الحاضر ،ول ندموا على ما سلف من الماضي ،ول راموا في
المستقبل تحويلً ،فأخذهم الله أخذا ً وبيلً.
َ ُ َّ
ن}َ ي ِ قِ د صا ّ ال ن
ْ م
ِ ت َ ن ك ن
ْ ب الل ِ
إ ِ ه وقالوا له فيما قالوا{ :ائْتِنَا بِعَذ َا ِ
فطلبوا منه وقوع ما حذ ّرهم عنه من العذاب الليم وحلول البأس
العظيم.
فعند ذلك دعا عليهم نبيهم الكريم ،فسأل من رب العالمين وإله
المرسلين ،أن ينصره على القوم المفسدين.
فغار الله لغيرته ،وغضب لغضبته ،واستجاب لدعوته ،وأجابه إلى
طلبته ،وبعث رسله الكرام ،وملئكته العظام ،فمروا على الخليل
شروه بالغلم العليم ،وأخبروه بما جاؤا له من المر إبراهيم ،وب ّ
ن ،قَالُوا إِنَّا َ
سلُو َ مْر َ م أيُّهَا ال ْ ُ خطْبُك ُ ْ ما َ ل فَ َ الجسيم والخطب العميم {قَا َ
ل عَل َ سلْنَا إِل َ أُ
ة
م ً سوَّ َ م َ نُ ، ٍ ي ِ ط نْ م
ِ ً ة رَ جا َ ح
ِ م
ْ ِ هْ ي َ س
ِ رْ ُ نِ ل ن،َ مي
ِ ِ جر ْ م
ُ ٍ م ْ وَ ق ى ِ ر
ْ
م بِالب ُشَرى ْ ْ سلنَا إِبَْراهِي َ ُ ت ُر ُ جاءَ ْ ما َ َ َ
ن} وقال{ :وَل ّ سرِفِي َ م ْ ك لِل ْ ُ عنْد َ َرب ِّ َ ِ
َ َ
ن فِيهَا ل إ ِ َّ ن ،قَا َ مي َ ن أهْلَهَا كَانُوا ظَال ِ ِ ل هَذِهِ الَْقْريَةِ إ ِ َّ مهْلِكُو أهْ ِ قَالُوا إِنَّا ُ
لُوطا ً قَالُوا نحن أَعْل َم بمن فيها لَننجين َه وأَهْل َه إل َّ ا َ
ن
م ْ ت ِ ه كَان َ ْ مَرأت َ ُ ْ ُ ِ ُ ِ َ ْ ِ َ ُ َ ِّ َ ّ ُ َ َ ْ ُ
ه
جاءَت ْ ُ م الَّروْع ُ وَ َ ن إِبَْراهِي َ ب عَ ْ ما ذَهَ َ ن} وقال الله تعالى{ :فَل َ َّ الْغَابِرِي َ
ط} .وذلك إنه كان يرجو أن يجيبوا أو جادِلُنَا فِي قَوْم ِ لُو ٍ شَرى ي ُ َ الْب ُ ْ
محلِي ٌ م لَ َ ن إِبَْراهِي َ ينيبوا ويسلموا ويقلعوا ويرجعوا .لهذا قال تعالى{ :إ ِ َّ
َ أَوَاه منِيب ،يا إبراهي َ
مك وَإِنَّهُ ْ مُر َرب ِّ َ جاءَ أ ْ ه قَد ْ َ ن هَذ َا إِن َّ ُ ض عَ ْ م أع ْرِ ْ ّ ٌ ُ ٌ َ َِْ ِ ُ
مْردُودٍ} .أي أعرض عن هذا وتكلم في غيره فإنه ب غَيُْر َ م عَذ َا ٌ آتِيهِ ْ
قد حتم أمرهم ووجب عذابهم وتدميرهم وهلكهم إنه قد جاء أمر
ربك أي قد أمر به من ل يرد أمره ول يرد بأسه ول معقب لحكمه
وإنهم آتيهم عذاب غير مردود.
مد بن إسحاق أن ح ْ م َ سدِّي وقتادة و ُ وذكر سعيد بن جبير وال ُّ
إبراهيم عليه السلم جعل يقول "أتهلكون قرية فيها ثلثمائة مؤمن
قالوا ل قال فمائتا مؤمن قالوا ل قال فأربعون مؤمنا ً قالوا :ل قال
فأربعة عشر مؤمنا ً قالوا ل) قال ابن إسحاق :إلى أن قال" :أفرأيتم
نح ُ ن فِيهَا لُوطا ً قَالُوا ن َ ْ إن كان فيها مؤمن واحد قالوا ل" قال { :إ ِ َّ
َ
ن فِيهَا} الية. م ْ م بِ َ أعْل َ ُ
وعند أهل الكتاب أنه قال "يا رب أتهلكهم وفيهم خمسون رجلً
صالحاً؟ فقال الله :ل أهلكهم وفيهم خمسون صالحاً ،ثم تنازل
عشرة فقال الله" :ل أهلكهم وفيهم عشرة صالحون".
مضاقَ بِهِ ْ م َو َ سيءَ بِهِ ْ سلُنَا لُوطا ً ِ ت ُر ُ جاءَ ْ ما َ تعالى{:ول َ َّ
َ قال الله
ب} .قال المفسرون :لما فصلت الملئكة صي ٌ م عَ ِ ل هَذ َا يَوْ ٌ ذَْرعا ً وَقَا َ
من عند إبراهيم ،وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل ،أقبلوا حتى أتوا
ن اختبارا ً من الله تعالى لقوم سا ٍ ح َ ن ِ شبّا ٍ صوَرِ ُ أرض سدوم ،في ُ
لوط ،وإقامة للحجة عليهم ،فتضيفوا لوطا ً عليه السلم وذلك عند
غروب الشمس ،فخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم غيره ،وحسبهم
م
ل هَذ َا يَوْ ٌ م ذَْرعا ً وَقَا َ ضاقَ بِهِ ْ م وَ َ سيءَ بِهِ ْ بشرا ً من الناس{ ،و ِ
مد بن إسحاق ،شديد ح ْم َ ب} .قال ابن عبَّاس ومجاهد وقتادة و ُ صي ٌ عَ ِ
بلؤه ،وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم ،كما كان يصنع بهم
في غيرهم ،وكانوا قد اشترطوا عليه أن ل يضيف أحداً ،ولكن رأى
من ل يمكن المحيد عنه.
وذكر قتادة أنهم وردوا عليه وهو في أرض له ،يعمل فيها
فتضيفوا ،فاستحيا منهم ،وانطلق أمامهم ،وجعل يعرض لهم في
الكلم لعلهم ينصرفون عن هذه القرية ،وينزلون في غيرها ،فقال
لهم فيما قال :والله يا هؤلء ما أعلم على وجه الرض أهل بلد
أخبث من هؤلء ،ثم مشى قليل ً ثم أعاد ذلك عليهم ،حتى كرره أربع
مرات .قال :وكانوا قد أمروا أن ل يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيّهم
بذلك.
سدِّي :خرجت الملئكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط، وقال ال ُّ
فأتوها نصف النهار ،فلما بلغوا سدوم ،لقوا ابنة لوط تستقي من
الماء لهلها ،وكانت له ابنتان اسم الكبرى "ريثا" ،والصغرى
"زغرتا" ،فقالوا لها :يا جارية هل من منزل؟ فقالت لهم :مكانكم ل
تدخلوا حتى آتيكم ،فرقت عليهم من قومها ،فأتت أباها فقالت :يا
أبتاه ،أرادك فتيان على باب المدينة ،ما رأيت وجوه قوم قط هي
أحسن منهم ،ل يأخذهم قومك ،فيفضحوهم .وقد كان قومه نهوه أن
يضيف رجل ً فقالوا :خل عنا فلنضف الرجال.
فجاء بهم ،فلم يعلم أحد إل أهل البيت ،فخرجت امرأته فأخبرت
قومها ،فقالت :إن في بيت لوط رجال ً ما رأيت مثل وجوههم قط
فجاءه قومه يهرعون إليه.
ت} .أي هذا مع ما سلف ن ال َّ
سيِّئَا ِ ملُو َ ل كَانُوا يَعْ َ ن قَب ْ ُ
م ْوقوله{ :وَ ِ
ل يَا قَوْم ِ هَؤُلَءِ بَنَاتِي لهم من الذنوب العظيمة الكبيرة الكثيرة{ ،قَا َ
م} يرشدهم إلى غشيان نسائهم ،وهن بناته شرعا ً لن هُ َ َ
ن أطْهَُر لَك ُ ْ ّ
النبي للمة بمنزلة الوالد ،كما ورد في الحديث ،وكما قال تعالى:
م} وفي قول مهَاتُهُ ْه أ ُ َّ
ج ُ
َ
م وَأْزوَا ُ
سه ِْ
ي أَولَى بال ْمؤْمنِين م َ
ن أنُْف ِ ْ ِ ُ ِ َ ِ ْ {النَّب ِ ُّ
َ ْ
ن الذُّكَْرا َ
ن بعض الصحابة والسلف وهو أب لهم .وهذا كقوله{ :أتَأتُو َ
خلَق لَك ُم ربُك ُم من أ َزواجك ُم ب ْ َ
م قَوْ ٌ
م ل أنْت ُ ْ ْ َ ّ ْ ِ ْ ْ َ ِ ْ َ ما َ َ ن َ ن ،وَتَذَُرو َ مي َن الْعَال َ ِ م ِْ
ن}. عَادُو َ
وهذا هو الذي نص عليه مجاهد وسعيد بن جبير والربيع بن أنس
مد بن إسحاق وهو الصواب. ح ْ
م َ
سدِّي و ُ وقتادة وال ُّ
حف عليهم والقول الخر خطأ مأخوذ من أهل الكتاب ،وقد تص ّ
شوا عنده، كما أخطأوا في قولهم :إن الملئكة كانوا إثنين ،وإنهم تع ّ
وقد خبط أهل الكتاب في هذه القصة تخبيطا ً عظيماً .وقوله:
َ َ
شيدٌ} نهى ل َر ِ ج ٌ
م َر ُمنْك ُ ْس ِ ضيِْفي ألَي ْ َ خُزونِي فِي َ ه َول ت ُ ْ {فَاتَُّقوا الل ّ َ
لهم عن تعاطي ما ل يليق من الفاحشة ،وشهادة عليهم بأنه ليس
فيهم رجل له مسكة ،ول فيه خير ،بل الجميع سفهاء ،فجرة أقوياء،
كفرة أغبياء.
وكان هذا من جملة ما أراد الملئكة أن يسمعوه منه من قبل أن
يسألوه عنه.
فقال قومه عليهم لعنة الله الحميد المجيد .مجيبين لنبيهم فيما
نم ْ
ك ِما لَنَا فِي بَنَات ِ َ ت َ م َ سدِّيد { :قَالُوا ل َ َ
قد ْ عَل ِ ْ أمرهم به من المر ال ُّ
ما نُرِيدُ} يقولون :عليهم لعائن الله ،لقد علمت يا م َك لَتَعْل َ ُ ق وَإِن َّ َ
ح ٍّ َ
ب لنا في نسائنا ،وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا "من غير لوط إنه ل أر ّ
النساء".
واجهوا بهذا الكلم القبيح رسولهم الكريم ،ولم يخافوا سطوة
ن لِيل لَوْ أ َ َّالعظيم ،ذي العذاب الليم .ولهذا قال عليه السلم {قَا َ
َ َ
شدِيدٍ} ود أن لو كان له بهم قوة ،أو له ن َم قُوَّة ً أوْ آوِي إِلى ُرك ْ ٍ بِك ُ ْ
منعة وعشيرة ينصرونه عليهم ،ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب،
سيب وأبي م َّعلى هذا الخطاب .وقد قال الزهري عن سعيد بن ال ُ
سلمة عن أبي هريرة مرفوعا ً "نحن أحق بالشك من إبراهيم،
ويرحم الله لوطا ً لقد كان يأوي إلى ركن شديد ،ولو لبثت في
السجن ما لبث يوسف لجبت الداعي".
ورواه أبو الزناد عن العرج عن أبي هريرة.
فلما خرج لوط عليه السلم بأهله ،وهم ابنتاه ،لم يتبعه منهم
رجل واحد ،ويقال :إن امرأته خرجت معه فالله أعلم.
فلما خلصوا من بلدهم ،وطلعت الشمس فكان عند شروقها
جاءهم من أمر الله ما ل يرد .ومن البأس الشديد ما ل يمكن أن
يصد.
وعند أهل الكتاب أن الملئكة أمروه أن يصعد إلى رأس الجبل
الذي هناك ،فاستبعده وسأل منهم أن يذهب إلى قرية قريبة منهم،
لح ّفقالوا :اذهب فانا ننتظرك حتى تصير إليها وتستقر فيها ،ثم ن َ ُ
صوغَر" التي يقول الناس بهم العذاب ،فذكروا أنه ذهب إلى قرية " ُ
"غور ُزغَر" فلما أشرقت الشمس نزل بهم العذاب.
مطَْرنَا َ َ
سافِلَهَا وَأ ْ جعَلْنَا عَالِيَهَا َ مُرنَا َ جاءَ أ ْ ما َ قال الله تعالى{ :فَل َ َّ
ن
م ْ ي ِ ما هِ َ ك وَ َ عنْد َ َرب ِّ َة ِ سوَّ َ
م ً م َ ضودٍُ ، من ْ ُل َ جي ٍس ِّ
ن ِ م ْجاَرة ً ِ ح َ عَلَيْهَا ِ
َ
ن بِبَعِيدٍ}. مي َ الظ ّال ِ ِ
قالوا :اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن ،وكن سبع مدن
بمن فيهن من المم ،فقالوا :إنهم كانوا أربع مائة نسمة .وقيل:
أربعة آلف نسمة وما معهم من الحيوانات ،وما يتبع تلك المدن من
الراضي والماكن والمعتملت ،فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان
السماء ،حتى سمعت الملئكة أصوات ديكتهم ونباح كلبهم ،ثم قلبها
عليهم ،فجعل عاليها سافلها .قال مجاهد :فكان أول ما سقط منها
شرفاتها.
جيل فارسي معرب، مطَْرنَا عَلَيْهَا ِ َ
ل} والس ّ جي ٍ س ِّ ن ِ م ْ جاَرة ً ِ ح َ {وَأ ْ
صلب القوي (منضود) أي يتبع بعضها بعضا ً في نزولها وهو الشديد ال ّ
عليهم من السماء (مسومة) أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم
عنْد َ َرب ِّ َ
ك ة ِ م ًسوَّ َ م َ صاحبه ،الذي يهبط عليه فيدمغه ،كما قالُ { :
مطَُر َ
ساءَ َ مطَرا ً فَ َ م َ مطَْرنَا عَلَيْهِ ْ ن} وكما قال تعالى{ :وَأ ْ سرِفِي َ م ْ لِل ْ ُ
شى} ما غَ َّ شاهَا َ ة أَهْوى ،فَغَ َّ فك َ َ مؤْت َ ِ ن} .وقال تعالى{ :وَال ْ ُ ال ْ ُ
َ منذ َرِي َ
يعني :قلبها فأهوى بها منكّسة عاليها سافلها ،وغشاها بمطر من
حجارة من سجيل ،متتابعة مسومة مرقومة ،على كل حجر اسم
صاحبه الذي سقط عليه من الحاضرين ،منهم في بلدهم والغائبين
عنها من المسافرين ،والنازحين والشاذين منها.
ويقال :إن امرأة لوط مكثت مع قومها .ويقال :إنها خرجت مع
زوجها وبنتيها ،ولكنها لما سمعت الصيحة ،وسقوط البلدة) التفتت
إلى قومها ،وخالف أمر ربها قديما ً وحديثاً ،وقالت :وا قوماه فسقط
عليها حجر ،فدمغها وألحقها بقومها ،إذ كانت على دينهم ،وكانت عيناً
لهم ،على من يكون عند لوط من الضيفان.
كما قال تعالى{ :ضرب الل َّه مثَل ً لِلَّذين كََفروا ا ِمرأَة َ نوح وا ِمرأةََ
ُ ٍ َ ْ َ ْ َ ُ ِ َ ُ َ َ َ َ
ما ما فَل َ ْ
م يُغْنِيَا عَنْهُ َ خانَتَاهُ َ ن فَ َحي ْ ِ صال ِ َ
عبَادِنَا َ ن ِ م ْ
ن ِ ت عَبْدَي ْ ِح َ لُو ٍ
ط كَانَتَا ت َ ْ
ن} أي خانتاهما في الدين خلِي َ معَ الدَّا ِ خل َ النَّاَر َ ل اد ْ ُ شيْئا ً وَقِي َ ن اللَّهِ َ م ْ ِ
فلم يتبعاهما فيه .وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة ،حاشا وكل.
فإن الله ل يقدر على نبي قط أن تبغى امرأته ،كما قال ابن عبَّاس
وغيره من أئمة السلف والخلف :ما بغت امرأة نبي قط .ومن قال
خلف هذا فقد أخطأ خطأ كبيراً.
قال الله تعالى في قصة الفك ،لما أنزل براءة أم المؤمنين
عائشة بنت الصديق ،زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ،حين
قال لها أهل الفك ما قالوا ،فعاتب الله المؤمنين وأنّب وزجر ووعظ
َ َ
ما لَي ْ َ
س م َ ن بِأفْوَاهِك ُ ْ م وَتَُقولُو َ ه بِأل ْ ِ
سنَت ِ َك ُ ْ وحذر ،وقال فيما قال{ :تَلََّقوْن َ ُ
م} .أي سبحانك أن عنْد َ الل ّهِ عَظِي ٌ ه هَيِّنا ً َوهُوَ ِ سبُون َ ُح َم وَت َ ْعل ْ ٌ
م بِهِ ِ لَك ُ ْ
تكون زوجة نبيك بهذه المثابة.
َّ
ن بِبَعِيدٍ} أي وما هذه العقوبة مي َ ن الظال ِ ِ م ْ ي ِ ما هِ َ وقوله هنا{ :وَ َ
ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم .ولهذا ذهب من ذهب من العلماء
ص عليه الشافعي إلى أن اللئط يرجم سواء كان محصنا ً أو ل ،ون َّ
وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من الئمة.
واحتجوا أيضا ً بما رواه المام أحمد وأهل السنن من حديث
عمرو بن أبي عمرو ،عن عكرمة ،عن ابن عبَّاس أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال" :من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط
فاقتلوا الفاعل والمفعول به".
وذهب أبو حنيفة إلى أن اللئط يلقى من شاهق جبل ،ويتبع
َّ
ن
مي َ ن الظال ِ ِ م ْ ي ِ ما هِ َ بالحجارة ،كما فُعِل بقوم لوط ،لقوله تعالى{ :وَ َ
بِبَعِيدٍ}.
وجعل الله مكان تلك البلد بحرة منتنة ل ينتفع بمائها ول بما
حولها من الراضي المتاخمة لفنائها ،لرداءتها ودناءتها ،فصارت عبرة
ومثلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته وعزته في انتقامه
ممن خالف أمره وكذ ّب رسله واتّبع هواه وعصى موله .ودليل ً على
رحمته بعباده المؤمنين في انجائه إياهم من المهلكات ،وإخراجه
ماة وَ َ ك لَي َ ً ن فِي ذَل ِ َ إياهم من النور إلى الظلمات ،كما قال تعالى{ :إ ِ َّ
ك لَهُوَ الْعَزِيُز الَّر ِ ن َرب َّ َ ن ،وَإ ِ َّ كَا َ
م}. حي ُ َ منِي مؤ ْ ِم ُ ن أكْثَُرهُ ْ َ
جعَلْنَا عَالِيَهَا م ال َّ َ
ن ،فَ َ شرِقِي َ م ْ ة ُ ح ُ صي ْ َ خذ َتْهُ ْ وقال الله تعالى{ :فَأ َ
َ
ك لَيَا ٍ
ت ن فِي ذَل ِ َ ل ،إ ِ َّ جي ٍ س ِّ ن ِ م ْ جاَرة ً ِ ح َ م ِ مطَْرنَا عَلَيْهِ ْ سافِلَهَا وَأ ْ َ
ن} أي من منِي َ مؤْ ِ ة لِل ْ ُ ك لي َ ً ن فِي ذَل ِ َ مِقيمٍ ،إ ِ َّ ل ُ سبِي ٍ ن ،وَإِنَّهَا لَب ِ َ مي َ س ِ متَوَ ِّ لِل ْ ُ
سم فيهم ،كيف غير الله تلك البلد وأهلها، نظر بعين الفراسة والتو ّ
وكيف جعلها بعد ما كانت آهلة عامرة ،هالكة غامرة.
كما روى الترمذي وغيره مرفوعا ً "اتقوا فراسة المؤمن فإنه
ن}. مي َ س ِ متَوَ ِّ ت لِل ْ ُ ك ليَا ٍ ن فِي ذَل ِ َ ينظر بنور الله" .ثم قرأ{ :إ ِ َّ
مِقيمٍ} أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الن، ُ ل
ٍ سبِي وقوله {وَإِنَّهَا لَب ِ َ
َ
ل أَفَل َ تَعِْقلُون} ن ،وَبِالل ّي ْ ِ حي َ صب ِ ِ م ْ م ُ ن عَلَيْهِ ْ مُّرو َ م لَت َ ُ كما قال{ :وَإِنَّك ُ ْ
ن} وقال تعالى: ة لَِقوْم ٍ يَعِْقلُو َ ة بَيِّن َ ً منْهَا آي َ ً {ولََقد تََركْنَا ِ وقال تعالىَ :
ن م ت ي ب ر ي َ غ ا ه ي ف ا ن د ج و ما َ ف ن، ي من ْ ؤ م ْ ال ن م ا ه ي ف ن اَ ك ن م ا جن ر خ {فَأ َ
ْ ِ ٍ ْ َ َ ْ َ ِ َ ْ َ َ َ َ ِ ِ ُ ْ ِ َ ِ َ ْ َ َ ْ َ ْ
َ ْ َ ّ
م}. ب اللِي َ ن العَذ َا َ خافُو َ ن يَ َ ة لِلذِي َ ن ،وَتََركنَا فِيهَا آي َ ً ْ مي َ سل ِ ِ م ْ ال ْ ُ
أي تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الخرة وخشي الرحمن
بالغيب ،وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ،فانزجر عن
محارم الله وترك معاصيه وخاف أن يشابه قوم لوط .ومن تشبه
بقوم فهو منهم ،وإن لم يكن من كل وجه فمن بعض الوجوه ،كما
قال بعضهم:
فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم ** فما قوم لوط منكم ببعيد
فالعاقل اللبيب الفاهم الخائف من ربه يمتثل ما أمره الله به عز
وجل ،ويقبل ما أرشده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من
إتيان ما خلق له من الزوجات الحلل ،والجواري من السراري ذوات
الجمال .وإياه أن يتبع كل شيطان مريد .فيحق عليه الوعيد .ويدخل
َ
ن بِبَعِيدٍ}. ن الظ ّال ِ ِ
مي َ م ْ
ي ِ
ما هِ َ
في قوله تعالى{ :وَ َ
وعن وهب بن منبه انه قال :شعيب وملغم ممن آمن بإبراهيم
يوم أحرق بالنار ،وهاجرا معه إلى الشام ،فزوجهما بنتي لوط عليه
السلم .ذكره ابن قتيبة .وفي هذا كله نظر أيضا ً والله تعالى أعلم.
وذكر أبو عمرو بن عبد البر في الستيعاب ،في ترجمة سلمة بن
سعد العنزي :أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم
ي عنزة ،مبغي عليهم منصورين، م الح ُّ
وانتسب إلى عنزة ،فقال" :نِعْ َ
ختَان موسى". قوم شعيب وأ َ ْ
فلو صح هذا لدل على أن شعيبا ً صهر موسى وأنه من قبيلة من
العرب العاربة ،يقال لهم عنزة ،ل أنهم من عنزة بن أسد بن ربيعة
بن نزار بن معد بن عدنان فإن هؤلء بعده بدهر طويل .والله أعلم.
وفي حديث أبي ذر الذي في صحيح ابن حبان في ذكر النبياء
والرسل قال " :أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا
ذر" وكان بعض السلف يسمي شعيبا ً خطيب النبياء يعني لفصاحته
وعلو عبارته وبلغته في دعاية قومه إلى اليمان برسالته.
وقد روى ابن إسحاق بن بشر عن جويبر ومقاتل ،عن الضحاك،
عن ابن عبَّاس قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر
شعيبا ً قال( :ذاك خطيب النبياء).
وكان أهل مدين كفاراً ،يقطعون السبيل ويخيفون المارة،
ويعبدون اليكة وهي شجرة من اليك حولها غيضة ملتفة بها.
هذا أمر تهديد شديد ووعيد أكيد بأن يستمروا على طريقتهم
ومنهجهم وشاكلتهم ،فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار ،ومن
خزِيهِ} أي في هذه ْ
ب يُ ْ ن يَأتِيهِ عَذ َا ٌ م ْيحل عليه الهلك والبوار { َ
و ل عَلَيْهِ عَذ َا ٌ ح ُّ
ن هُ َ م ْ م} أي في الخرى {وَ َ قي ٌ م ِ ب ُ الحياة الدنيا {وَي َ ِ
ب} أي مني ومنكم فيما أخبر وبشر وحذر. كَاذِ ٌ
منْك ُ ْ
م ة ِ ن طَائَِف ٌ ن كَا َ ب} هذا كقوله{ :وَإ ِ ْ م َرقِي ٌ ْ معَك ُ قبُوا إِنِّي َ {وَاْرت َ ِ
َّ ُ َ
ه
م الل ُ حك ُ َ حتَّى ي َ ْ صبُِروا َ منُوا فَا ْ م يُؤ ْ ِ ة لَ ْ ت بِهِ وَطَائَِف ٌ سل ْ ُ منُوا بِال ّذِي أْر ِ آ َ
ن}. َ مي حاك ِ ِ خيُْر ال ْ َ بَيْنَنَا وَهُوَ َ
َّ جن َّ َ َ ُ
نب وَالذِي َ شعَي ْ ُ ك يَا ُ خرِ َ مهِ لَن ُ ْ ن قَوْ ِ ْ ستَكْبَُروا ِ
م نا ْ َ مل ال ّذِي َ ل ال ْ {قَا َ
َ
ن في مل ّتِنا قَا َ َ َ
ن ،قَدْ ل أوَ لَوْ كُنَّا َكَارِهِي َ ِ َ
َ
ن قَْريَتِنَا أوْ لَتَعُود ُ َّ ِ
َ م ْ ك ِ معَ َ منُوا َ آ َ
مامنْهَا وَ َ ه ِ جانَا الل ّ ُ م بَعْد َ إِذ ْ ن َ َّ مل ّ َتِك ُ ْ ن عُدْنَا فِي ِ افْتََريْنَا عَلَى الل ّهِ كَذِبا ً إ ِ ْ
علْماً سعَ ربُّنَا ك ُ َّ َ َ
يءٍ ِ ش ْ ل َ ه َربُّنَا وَ ِ َ شاءَ الل ّ ُ ن يَ َ ن نَعُود َ فِيهَا إِل أ ْ ن لَنَا أ ْ
َ
يَكُو ُ
َ َ
خيُْر ت َ ق وَأن ْ َ ح ِّ منَا بِال ْ َ ن قَوْ ِ ح بَيْنَنَا وَبَي ْ َ عَلَى الل ّهِ تَوَك ّلْنَا َربَّنَا افْت َ ْ
ن}. حي َ الَْفات ِ ِ
طلبوا بزعمهم أن يردوا من آمن منهم إلى ملتهم فانتصب
َ
ن} أي هؤلء ل شعيب للمحاجة عن قومه فقال{ :أوَ لَوْ كُنَّا كَارِهِي َ
يعودون إليكم اختياراً ،وإنما يعودون إليكم إن عادوا اضطراراً
ن اليمان إذا خالطت بشاشته القلوب ل يسخطه مكرهين ،وذلك ل َّ
أحد ،ول يرتد أحد عنه ،ول محيد لحد منه.
َ َ
م بَعْد َ إِذْ مل ّتِك ُ َْ
ن عُدْنَا فِي ِ ولهذا قال{ :قَد ْ افْتََريْنَا عَلَى الل ّهِ كَذِبا ً إ ِ ْ
َّ
َ َ
سعَ ه َربُّنَا وَ ِ شاءَ الل ّ ُ ن يَ َ ن نَعُود َ فِيهَا إِل أ ْ ن لَنَا أ ْ
َ
ما يَكُو ُ َ منْهَا َو ه ِ ُ جانَا الل ن َ َّ
علْما ً عَلَى الل ّهِ تَوَكَّلْنَا} أي فهو كافينا ،وهو العاصم لنا، يءٍ ِش ْ ل َ ربُّنَا ك ُ َّ
َ
وإليه ملجأنا في جميع أمرنا .ثم استفتح على قومه واستنصر ربه
ن
ح بَيْنَنَا وَبَي ْ َ عليهم في تعجيل ما يستحقونه إليهم فقالَ{ :ربَّنَا افْت َ ْ
خيُْر الَْفات ِ ِ َ
ن} أي الحاكمين فدعا عليهم ،والله ل حي َ ت َ قّ وَأن ْ َ ح ِ منَا بِال ْ َ قَوْ ِ
ه
يرد دعاء رسله إذا انتصروه على الذين جحدوه وكفروه ،ورسول ُ
خالفوه.
ومع هذا صموا على ما هم عليه مشتملون .وبه متلبسون {وَقَا َ
ل
َ
ن}. سُرو َ خا ِ م إِذا ً ل َ َ شعَيْبا ً إِنَّك ُ ْ م ُن اتَّبَعْت ُ ْْ مهِ لَئ ِ ن قَوْ ِ ْ ن كََفُروا ِ
م َ مل ُ ال ّذِي ال ْ َ
َ َ
ن} مي َ جاث ِ ِم َ حوا فِي دَارِهِ ْ ة فَأ ْ
صب َ ُ جَف ُ م الَّر ْ خذ َتْهُ ْ قال الله تعالى{ :فَأ َ
ذكر في سورة العراف أنهم أخذتهم رجفة ،أي رجفت بهم أرضهم
وزلزلت زلزال ً شديدا ً أزهقت أرواحهم من أجسادها ،وصيرت حيوان
أرضهم كجمادها ،وأصبحت جثثهم جاثية ،ل أرواح فيها ،ول حركات
بها ول حواس لها.
وقد جمع الله عليهم أنواعا ً من العقوبات وصنوفا ً من المثلت،
وأشكال ً من البليات ،وذلك لما اتصفوا به قبيح الصفات ،سلط الله
عليهم رجفة شديدة أسكنت الحركات ،وصيحة عظيمة أخمدت
الصوات ،وظلة أرسل عليهم منها شرر النار من سائر أرجائها
والجهات.
ولكنه تعالى أخبر عنهم في كل سورة بما يناسب سياقها،
ويوافق طباقها ،في سياق قصة العراف أرجفوا نبي الله وأصحابه،
وتوعدوهم بالخراج من قريتهم ،أو ليعودن في ملتهم راجعين فقال
َ َ
ن} فقابل مي َجاث ِ ِ م َ حوا فِي دَارِهِ ْ صب َ ُة فَأ ْ جَف ُ م الَّر ْ خذ َتْهُ ْتعالى{ :فَأ َ
الرجفاف بالرجفة والخافة بالخيفة وهذا مناسب هذا السياق
ومتعلق بما تقدمه من السياق.
قالوا :فلما كبر إسحاق وضعف بصره اشتهى على ابنه العيص
طعاماً ،وأمره أن يذهب فيصطاد له صيداً ،ويطبخه له ليبارك عليه
ويدعو له ،وكان العيص صاحب صيد فذهب يبتغي ذلك ،فأمرت رفقا
ن من خيار غنمهِ ويصنع منهما طعاما ً كما جدْيَي ْ ِ
ابنها يعقوب أن يذبح َ
اشتهاه أبوه ،ويأتي إليه به قبل أخيه ،ليدعو لهن فقامت فألبسته
ثياب أخيه ،وجعلت على ذراعيه وعنقه من جلد الجديين ،لن العيص
كان أشعر الجسد ،ويعقوب ليس كذلك ،فلما جاء به وقربه إليه
سه وجعل يقول :أماقال :من أنت قال :ولدك ،فضمه إليه وج َّ
س والثياب فالعيص ،فلما أكل ج ُّالصوت فصوت يعقوب ،وأما ال ُ
وفرغ دعا له أن يكون أكبر إخوته قدراً ،وكلمته عليهم وعلى
الشعوب بعده ،وأن يكثر رزقه وولده.
فلما خرج من عنده جاء أخوه العيص بما أمره به والده فقربه
إليه ،فقال له :ما هذا يا بني؟ قال :هذا الطعام الذي اشتهيته .فقال:
ساعة وأكلت منه ودعوت لك؟ فقال :ل والله. أما جئتني به قبل ال ّ
وعرف أن أخاه قد سبقه إلى ذلك ،فوجد في نفسه عليه وجداً
كثيراً .وذكروا أنه تواعده بالقتل إذا مات أبوهما ،وسأل أباه فدعا له
بدعوة أخرى ،وأن يجعل لذريته غليظ الرض ،وأن يكثر أرزاقهم
وثمارهم.
ص أخاه يعقوب ،أمرت ابنها فلما سمعت أمهما ما يتواعد به العي ُ
يعقوب أن يذهب إلى أخيها "لبان" الذي بأرض حران ،وأن يكون
عنده إلى حين يسكن غضب أخيه ،وأن يتزوج من بناته ،وقالت
لزوجها إسحاق أن يأمره بذلك ويوصيه ويدعو له ففعل.
فخرج يعقوب عليه السلم من عندهم من آخر ذلك اليوم،
فأدركه المساء في موضع ،فنام فيه ،وأخذ حجرا ً فوضعه تحت رأسه
ونام ،فرأى في نومه ذلك معراجا ً منصوبا ً من السماء إلى الرض
وإذا الملئكة يصعدون فيه وينزلون ،والرب تبارك وتعالى يخاطبه،
ويقول له :إني سأبارك عليك ،وأكثر ذريتك ،وأجعل لك هذه الرض
ولعقبك من بعدك.
ب من نومه فرح بما رأى ،ونذر لله لئن رجع إلى أهله فلما ه َّ
ن في هذا الموضع معبدا ً لله عز وجل ،وأن جميع ما سالما ً ليبني َ
يرزقه من شيء يكون لله عشره.
ثم عمد إلى ذلك الحجر فجعل عليه دهنا ً يتعّرفه به ،وسمي ذلك
الموضع (بيت إيل) أي بيت الله وهو موضع بيت المقدس اليوم الذي
بناه يعقوب بعد ذلك كما سيأتي.
قالوا :فما قدم يعقوب على خاله أرض حران إذا له ابنتان اسم
الكبرى "ليا" واسم الصغرى "راحيل" وكانت أحسنهما وأجملهما
فطلب يعقوب الصغرى من خاله ،فأجابه إلى ذلك بشرط أن يرعى
على غنمه سبع سنين ،فلما مضت المدة على خاله "لبان" ،صنع
طعاما ً وجمع الناس عليه ،وز ّ
ف إليه ابنته الكبرى "ليا" ،وكانت
ضعيفة العينين قبيحة المنظر .فلما أصبح يعقوب إذا هي "ليا" ،فقال
لخاله :لم غدرت بي ،وأنت إنما خطبت إليك راحيل؟ .فقال :إنه
ليس من سنتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى ،فإن أحببت أختها
فاعمل سبع سنين أخرى ،وأزوجكها.
فعمل سبع سنين وأدخلها عليه مع أختها وكان ذلك سائغا ً في
ملّتهم .ثم نسخ في شريعة التوراة .وهذا وحده دليل كاف على
وقوع النسخ لن فعل يعقوب عليه السلم دليل على جواز هذا
وإباحته لنه معصوم .ووهب "لبان" لكل واحدة من ابنتيه جارية
فوهب لليا جارية اسمها "زلفى" ،ووهب لراحيل جارية اسمها
"بلهى".
وجبر الله تعالى ضعف "ليا" بأن وهب لها أولداً ،فكان أول من
ولدت ليعقوب روبيل ،ثم شمعون ،ثم لوي ،ثم يهوذا ،فغارت عند
ذلك "راحيل" ،وكانت ل تحبل ،فوهبت ليعقوب جاريتها "بلهى"
فوطئها فحملت وولدت له غلما ً سمته "دان" ،وحملت وولدت غلماً
آخر سمته "نيفتالي" فعمدت عند ذلك "ليا" فوهبت جاريتها "زلفى"
من يعقوب عليه السلم فولدت له جاد وأشير ،غلمين ذكرين ،ثم
حملت "ليا" أيضا ً فولدت غلما ً خامسا ً منها ،وسمته "ايساخر" .ثم
حملت وولدت غلما ً سادسا ً سمته "زابلون" ،ثم حملت وولدت بنتا
سمتها "دينار" ،فصار لها سبعة من يعقوب.
ثم دعت الله تعالى "راحيل" وسألته أن يهب لها غلما ً من
يعقوب فسمع الله ندائها وأجاب دعائها فحملت من نبي الله يعقوب
فولدت له غلما ً عظيما ً شريفا ً حسنا ً جميل ً سمته "يوسف".
كل هذا وهم مقيمون بأرض حران وهو يرعى على خاله غنمه
بعد دخوله على البنتين ست سنين أخرى ،فصار مدة مقامه عشرين
سنة.
فطلب يعقوب من خاله لبان أن يسّرحه ليمر إلى أهله ،فقال له
خاله :إني قد بورك لي بسببك ،فسلني من مالي ما شئت؟ فقال:
تعطيني كل حمل يولد من غنمك هذه السنة أبقع ،وكل حمل ملمع
ابيض بسواد ،وكل أملح ببياض ،وكل أجلح أبيض من المعز ،فقال:
نعم.
فعمد بنوه فابرزوا من غنم أبيهم ما كان على هذه الصفات من
التيوس لئل يولد شيء من الحملن على هذه الصفات وساروا بها
مسيرة ثلثة أيام عن غنم أبيهم.
قالوا :فعمد يعقوب عليه السلم إلى قضبان رطبة بيض من لوز
ولب ،فكان يقشرها بلقاً ،وينصبها في مساقي الغنم من المياه،
لينظر الغنم إليها فتفزع وتتحرك أولدها في بطونها فتصير ألوان
حملنها كذلك.
وهذا يكون من باب خوارق العادات ،وينتظم في سلك
المعجزات.
فصار ليعقوب عليه السلم أغنام كثيرة ودواب وعبيد وتغير له
وجه خاله وبنيه وكأنهم انحصروا منه.
وأوحى الله تعالى إلى يعقوب أن يرجع إلى بلد أبيه وقومه
ووعده بأن يكون معه ،فعرض ذلك على أهله فأجابوه مبادرين إلى
طاعته ،فتحمل بأهله وماله ،وسرقت راحيل أصنام أبيها.
حيزوا عن بلدهم ،لحقهم لبان وقومه ،فلما فلما جاوزوا وت ّ
َ
اجتمع لبان بيعقوب عاتبه في خروجه بغير علمه ،وهل ّ اعلمه
م
فيخرجهم في فرح ومزاهر وطبول ،وحتى يودّع بناته وأولدهن ،ول ِ َ
أخذوا أصنامه معهم؟
ولم يكن عند يعقوب علم من أصنامه ،فأنكر أن يكون أخذوا له
أصناماً ،فدخل بيوت بناته وإمائهن يفتش فلم يجد شيئاً ،وكانت
راحيل قد جعلتهن في بَْرذعةِ الجمل ،وهي تحتها ،فلم تقم واعتذرت
بأنها طامث ،فلم يقدر عليهن.
فعند ذلك تواثقوا على رابية هناك يقال لها "جلعاد" على أنه ل
يهين بناته ،ول يتزوج عليهن ،ول يجاوز هذه الرابية إلى بلد الخر ،ل
م معهم ،وتودّع كل منهما لبان ول يعقوب ،وعمل طعاما ً واكل القو ُ
من الخر ،وتفارقوا راجعين إلى بلدهم.
فلما اقترب يعقوب من أرض ساعير ،تلقته الملئكة يبشرونه
بالقدوم ،وبعث يعقوب البُُرد َ إلى أخيه العيصو ،يترفق له ويتواضع
له ،فرجعت البرد ،وأخبرت يعقوب بأن العيص قد ركب إليك في
أربعمائة رجل.
فخشي يعقوب من ذلك ودعا الله عز وجل ،وصلى له وتضرع
إليه وتمسكن لديه ،وناشده عهده ووعده الذي وعده به ،وسأله أن
يكف عنه شر أخيه العيص ،وأعد ّ لخيه هدية عظيمة هي :مائتا شاة،
وعشرون تيساً ،ومائتا نعجة ،وعشرون كبشاً ،وثلثون لقحة،
وأربعون بقرة ،وعشرة من الثيران ،وعشرون أتاناً ،وعشرة من
الحمر .وأمر عبيده أن يسوقوا كل ً من هذه الصناف وحده ،وليكن
بين كل قطيع وقطيع مسافة ،فإذا لقيهم العيص ،فقال للول :لمن
أنت؟ ولمن هذه معك؟ فليقل لعبدك يعقوب ،أهداها لسيدي العيص،
وليقل الذي بعده كذلك ،وكذلك الذي بعده وكذا الذي بعده ،ويقول
كل منهم .وهو جاء بعدنا.
وتأخر يعقوب بزوجتيه وأمتيه وبنيه الحد عشر بعد الكل بليلتين،
وجعل يسير فيهما ليلً ،ويكمن نهاراً .فلما كان وقت الفجر من الليلة
ب رجلً الثانية تبدّى له ملك من الملئكة في صورة رجل ،فظنه يعقو ُ
من الناس ،فأتاه يعقوب ليصارعه ويغالبه فظهر عليه يعقوب فيما
ه فعرج يعقوب ،فلما أضاء الفجر قال يرى ،إل أن الملك أصاب وِْرك َ ُ
له الملك .ما اسمك؟ قال :يعقوب .قال :ل ينبغي أن تدعى بعد
اليوم إل إسرائيل .فقال له يعقوب :ومن أنت؟ وما اسمك؟ فذهب
عنه .فعلم أنه ملك من الملئكة ،وأصبح يعقوب وهو يعرج من رجله،
ساء!
عْرق الن ّ َفلذلك ل يأكل بنوا إسرائيل ِ
ورفع يعقوب عينيه فإذا أخوه عيصو قد أقبل في أربعمائة راجل،
فتقدم أمام أهله ،فلما رأى أخاه العيص سجد له سبع مرات ،وكانت
هذه تحيتهم في ذلك الزمان ،وكان مشروعا ً لهم ،كما سجدت
الملئكة لدم تحية ،وكما سجد أخوة يوسف وأبواه له كما سيأتي.
صفلما رآه العيص تقدم إليه واحتضنه وقبله وبكى ،ورفع العي ُ
عينيه ونظر إلى النساء والصبيان ،فقال :من أين لك هؤلء؟ فقال
هؤلء الذين وهب لعبدك .فدنت المتان وبنوهما فسجدوا له ،ودنت
"ليا" وبنوها فسجدوا له ،ودنت "راحيل" وابنها يوسف فخّرا سجدا
له ،وعرض عليه أن يقبل هديته ،وألح عليه ،فقبلها.
ورجع العيص فتقدم أمامه ،ولحقه يعقوب بأهله وما معه من
النعام والمواشي والعبيد ،قاصدين جبال "ساعير".
فلما مر بساحور ،ابتنى له بيتا ً ولدوا به ظللً ،ثم مر على
أورشليم ،قرية شخيم ،فنزل قبل القرية ،واشترى مزرعة شخيم بن
جمور ،بمائة نعجة ،فضرب هنالك فسطاطه ،وابتنى ثم مذبحاً،
فسماه "إيل" إله إسرائيل وأمره الله ببنائه ليستعلن له فيه ،وهو
بيت المقدس اليوم ،الذي جدده بعد ذلك سليمان بن داود عليهما
السلم ،وهو مكان الصخرة التي علمها بوضع الدُّهن عليها قبل ذلك
كما ذكرنا أولً.
وذكر أهل الكتاب هنا قصة "دينا" بنت يعقوب بنت "ليا" ،وما
كان من أمرها مع شخيم بن جمور ،الذي قهرها على نفسها وأدخلها
منزله ،ثم خطبها من أبيها واخوتها ،فقال اخوتها :إل أن تختتنوا
كلكم ،فنصاهركم وتصاهرونا ،فإنا ل نصاهر قوما ً غلفا .فأجابوهم
إلى ذلك ،واختتنوا كلهم .فلما كان اليوم الثالث واشتد وجعهم من
ألم الختان ،مال عليهم بنو يعقوب فقتلوهم عن آخرهم ،وقتلوا
شخيما ً وأباه جمور لقبيح ما صنعوا إليهم ،مضافا ً إلى كفرهم ،وما
كانوا يعبدونه من أصنامهم ،فلهذا قتلهم بنو يعقوب وأخذوا أموالهم
غنيمة.
ثم حملت "راحيل" فولدت غلما ً هو "بنيامين" إل ّ أنها جهدت في
طلقها به جهدا ً شديداً ،وماتت عقيبه ،فدفنها يعقوب في "أفراث"،
وهي بيت لحم ،وصنع يعقوب على قبرها حجراً ،وهي الحجارة
المعروفة بقبر راحيل إلى اليوم .وكان أولد يعقوب الذكور اثني
عشر رجلً ،فمن ليا :روبيل ،وشمعون ،ولوي ،ويهوذا ،وايساخر،
ن راحيل :يوسف ،وبنيامين ،ومن أمة راحيل :دان، م ْ
وزابلون ،و ِ
ونفتالي .ومن أمة ليا :جاد ،واشير ،عليهم السلم.
وجاء يعقوب إلى أبيه اسحاق فأقام عنده بقرية حبرون ،التي
في أرض كنعان ،حيث كان يسكن إبراهيم ،ثم مرض إسحاق ،ومات
عن مائة وثمانين سنة ،ودفنه ابناه العيص ويعقوب مع أبيه إبراهيم
الخليل في المغارة التي اشتراها كما قدمنا.
ذكر ما وقع من المور العجيبة في حياة إسرائيل فمن ذلك قصة
يوسف بن راحيل.
وقد أنزل الله عز وجل في شأنه وما كان من أمره سورة من
القرآن العظيم ،ليتدبر ما فيها من الحكم والمواعظ والداب والمر
شيْطان الرجيم{ :بسم الله الرحمن الحكيم .أعوذ بالله من ال ّ
َ َ
ن ،إِنَّا أنَزلْنَاهُ قُْرآنا ً عََربِيّا ً لَعَل ّك ُ ْ
م ِ مبِي ب ال ْ ُ ت الْكِتَا ِ ك آيَا ُ الرحيم ،الر تِل ْ َ
َ ك أَ
ك هَذ َا الُْقْرآ َ
ن حيْنَا إِلَي ْ َ ما أوْ َ ص بِ َ ِ ص
َ ق
َ ن ال ْ َ سَ حْ ص عَلَي ْ َ ن نَُق ُّ ح ُن ،ن َ ْ تَعِْقلُو َ
ن}. ن الْغَافِلِي َ م ْ ن قَبْلِهِ ل َ ِ م ْت ِ ن كُن َ وَإ ِ ْ
قد تكلمنا على الحروف المقطعة في أول تفسير سورة البقرة
م .وتكلمنا على هذه السورة مستقصى فمن أراد تحقيقه فلينظره ث َّ
في موضعها من التفسير ،ونحن نذكر ههنا نبذا ً مما هناك على وجه
اليجاز والنجاز.
وجملة القول في هذا المقام أنه تعالى يمدح كتابه العظيم الذي
أنزله على عبده ورسوله الكريم ،بلسان عربي فصيح بين واضح
جلّى يفهمه كل عاقل ذكي زكى ،فهو أشرف كتاب نزل من السماء،
أنزله أشرف الملئكة على أشرف الخلق ،في أشرف زمان ومكان.
بأفصح لغة وأظهر بيان.
فإن كان السياق في الخبار الماضية أو التية ،ذكر أحسنها
وأبينها ،وأظهر الحق مما اختلف الناس فيه ،ودمغ الباطل وزيفه
وردّه .وإن كان الوامر والنواهي فأعدل الشرائع وأوضح المناهج،
حكما وأعدل حكما. وأبين ُ
صدْقا ً وَعَدْل}. ك ِ ة َرب ِّ َ م ُ ت كَل ِ َ م ْ فهو كما قال تعالى{ :وَت َ َّ
يعني صدقا ً في الخبار ،وعدل ً في الوامر والنواهي.
حيْنَا َ ن ال ْ ك أَص عَلَي ْ َ ن نَُق ُّ
ما أوْ َ ص بِ َِ صَ ق
َ َ س
َ ح
ْ ح ُ ولهذا قال تعالى{ :ن َ ْ
ن} أي بالنسبة إلى ن الْغَافِلِي َ م ْ ن قَبْلِهِ ل َ ِ م ْ ت ِ ن كُن َ ن وَإ ِ ْك هَذ َا الُْقْرآ َ إِلَي ْ َ
ما أوحى إليك فيه.
َ َ
تما كُن ْ َ مرِنَا َ نأ ْ م ْ ك ُروحا ً ِ حيْنَا إِلَي ْ َ ك أو ْ َ كما قال تعالى{ :وَكَذَل ِ َ
ن
م ْشاءُ ِ ن نَ َ م ْ هِ َجعَلْنَاه ُ نُورا ً نَهْد ِ َي ب َِ ن َ ن وَلَك ِ ْ ما ُ ب وَل الِي َ ما الْكِتَا ُ تَدْرِي َ
ما فِي ه َ ط الل ّهِ ال ّذِي ل َ ُ صَرا ِ ستَِقيمٍِ ،
َ
م ْ ط ُ صَرا ٍ ك لَتَهْدِي إِلَى ِ عبَادِنَا وَإِن َّ َ ِ
ُ َ َ
موُر}. صيُر ال ُ ض أل إِلَى الل ّهِ ت َ ِ ما فِي الْر ِ ت وَ َ ماوَا ِ س َ ال َّ
كم َ
سبَقَ وَقَد ْ آتَيْنَا َ
ك ما قَد ْ َ ن أنْبَاءِ َص عَلَي ْ َ ِ ْ ك نَُق ُّ وقال تعالى{ :كَذَل ِ َ
مةِ وِْزراًَ ، من لَدنَا ذكْراً ،م َ
ن
خالِدِي َ م ال ْ ِ
قيَا َ ل يَوْ َم ُح ِ ه فَإِن َّ ُ
ه يَ ْ ض عَن ْ ُ
ن أعَْر َ َ ْ ِ ْ ُّ ِ
مل}. ح ْ مةِ ِ م ال ْ ِ
قيَا َ ساءَ لَهُ ْ
م يَوْ َ فِيهِ وَ َ
يعني من أعرض عن هذا القرآن واتبع غيره من الكتب ،فإنه
يناله هذا الوعيد ،كما قال في الحديث المروي في المسند
والترمذي عن أمير المؤمنين على مرفوعا ً وموقوفاً" :من ابتغى
الهدى في غيره أضله الله".
لم يزالوا بأبيهم حتى بعثه معهم ،فما كان إل أن غابوا عن عينيه،
فجعلوا يشتمونه ويهينونه بالفعال والمقال ،وأجمعوا على إلقائه في
غيابت الجب ،أي في قعره على راعونته ،وهي الصخرة التي تكون
لفي وسطه يقف عليها المائح ،وهو الذي ينزل ليملي الدّلء ،إذا ق َّ
مى الماتح.الماء ،والذي يرفعها بالحبل يس ّ
ج ومخرج من ما ألقوه فيه أوحى الله إليه :أنه ل بد ّ لك من فر ٍ فل ّ
ل
هذه الشدة التي أنت فيها ،ولتخبرن أخوتك بصنيعهم هذا ،في حا ٍ
مل أنت فيها عزيز ،وهم محتاجون إليك خائفون منك {وَهُ ْ
ن}. يَ ْ
شعُُرو َ
قال مجاهد وقتادة :وهم ل يشعرون بإيحاء الله إليه ذلك .وعن
ن} ،أي لتخبرنهم بأمرهم هذا في حال ل شعُُرو َ ابن عبَّاس {وَهُ ْ
م ل يَ ْ
يعرفونك فيها .رواه ابن جرير عنه.
فلما وضعوه فيه ورجعوا عنه أخذوا قميصه فلطّخوه بشيءْ من
دم ٍ ورجعوا إلى أبيهم عشاء وهم يبكون ،أي على أخيهم .ولهذا قال
ب ظالم وهو باك ،وذكر بعض السلف :ل يغّرنك بكاء المتظلم فر َّ
بكاء إخوة يوسف ،وقد جاءوا أباهم عشاءً يبكون ،أي في ظلمه
الليل ليكون أمشي لغدرهم ل لعذرهم.
َ
عنَا} أي ثيابنا متَا ِ
عنْد َ َ ف ِس َ ستَبِقُ وَتََركْنَا يُو ُ{قَالُوا يَا أبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا ن َ ْ
َ َ
تما أن ْ َ ب} أي في غيبتنا عنه في استباقنا ،وقولهم{ :وَ َ ه الذِّئ ْ ُ{فَأكَل َ ُ
ن} أي وما أنت بمصدق لنا في الذي صادِقِي َ ن لَنَا وَلَوْ كُنَّا َ م ٍ مؤْ ِ بِ ُ
أخبرناك من أكل الذئب له ،ولو كنّا غير متهمين عندك ،فكيف وأنت
منا لك أن ل يأكله تتهمنا في هذا؟ فإنك خشيت أن يأكله الذئب ،وض ّ
لكثرتنا حوله ،فصرنا غير مصدقين عندك فمعذور أنت في عدم
ب} أي صهِ بِدَم ٍ كَذ ِ ٍ مي ِ جاءُوا عَلَى قَ ِ تصديقك لنا والحالة هذه{ .وَ َ
مكذوب مفتعل ،لنهم عمدوا إلى سخلة ذبحوها فأخذوا من دمها
فوضعوه على قميصه ليوهموه أنه أكله الذئب ،قالوا :ونسوا أن
يخّرقوه ،وآفة الكذب النسيان .ولما ظهرت عليهم علئم الريبة لم
ج صنيعهم على أبيهم ،فإنه كان يفهم عداوتهم له ،وحسدهم إياه يَُر ْ
سم فيه من الجللة على محبته له من بينهم أكثر منهم ،لما كان يتو ّ
والمهابة التي كانت عليه في صغره لما يريد الله أن يخصه به من
نبوته .ولما راودوه عن أخذه ،فبمجرد ما أخذوه أعدموه وغيبوه عن
ل بَ ْ
ل عينيه وجاؤوا وهم يتباكون ،وعلى ما تملوا يتواطؤن ولهذا {قَا َ
َ سول َت لَك ُم أَنُفسك ُ َ
ن عَلَى َ
ما ستَعَا ُم ْ ه ال ْ ُ
ل وَالل ّ ُ
مي ٌ
ج ِصبٌْر َمرا ً فَ َ مأ ْ ُ ْ ْ َ َّ ْ
ن}.صُفو َ تَ ِ
وعند أهل الكتاب :أن روبيل أشار بوضعه في الجب ليأخذه من
حيث ل يشعرون ،ويرده إلى أبيه ،فغافلوه وباعوه لتلك القافلة.
فلما جاء روبيل آخر النهار ليخرج يوسف لم يجده فصاح وشق ثيابه.
ة يوسف .فلّما ي فذبحوه ولطّخوا من دمه جب َ جد ْ ٍوعمد أولئك إلى َ
علم يعقوب شقَ ثيابه ولبس مئزرا ً أسود ،وحزن على ابنه أياماً
كثيرة.
وهذه الركاكة جاءت من خطئهم في التعبير والتصوير.
وقيل :كان رجل ً قريبا ً إلى أطفير بعلها .وقيل قريبا ً إليها .وممن
قال :إنه كان رجلً :ابن عبَّاس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة
مد بن إسحاق وزيد بن أسلم. ح ْ م َ
سدِّي و ُ وال ُّ
ن}. ن الْكَاذِبِي َ م ْ ت وَهُوَ ِ صدَقَ ْل فَ َ ن قُب ُ ٍ م ْه قُد َّ ِ
ص ُ مي ُ ن قَ ِ ن كَا َ فقال{ :إ ِ ْ
نن كَا َ أي لنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدَّت مقدم قميصه {وَإ ِ ْ
ن} أي لنه يكون قد صادِقِي َ ن ال َّ م ْ ت وَهُوَ ِ ن دُبُرٍ فَكَذ َب َ ْ م ْه قُد َّ ِ ص ُ
مي ُ قَ ِ
هرب منها فاتّبعته وتعلّقت فيه فانشق قميصه لذلك ،وكذلك كان.
َ
ن كَيْدِك ُ َّ
ن م ْه ِ ل إِن َّ ُن دُبُرٍ قَا َ
م ْه قُد َّ ِ ص ُمي َ ما َرأى قَ ِ ولهذا قال تعالى{ :فَل َ َّ
ت راودتيه عن م} أي هذا الذي جرى من مكركن ،أن ِ ن عَظِي ٌ ن كَيْدَك ُ َّإ ِ َّ
نفسه .ثم اتهمته بالباطل.
ن هَذ َا} ثم أضرب بعلها عن هذا صفحاً ،فقال{ :يوس ُ َ
ض عَ ْ ف أعْرِ ْ ُ ُ
ن كتمان مثل هذه المور هو الليق والحسن، أي ل تذكره لحد ،ل َّ
ن العبد وأمرها بالستغفار لذنبها الذي صدر منها ،والتوبة إلى رب ِّها فإ َّ
إذا تاب إلى الله تاب الله عليه.
وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الصنام إل ّ انهم يعلمون أن الذي
يغفر الذنوب ويؤاخذ بها هو الله وحده ل شريك له في ذلك .ولهذا
قال لها بعلها ،وعذرها من بعض الوجوه ،لنها رأت ما ل صبر لها
على مثله ،إل انه عفيف نزيه برئ العرض سليم الناحية ،فقال:
ن ال ْ َ
خاطِئِين}. م ْ
ت ِ ك إِن َّ ِ
ك كُن ِ فرِي لِذ َنْب ِ ِ
ستَغْ ِ
{وَا ْ
ل ن ِسوةٌ في ال ْمدينة ا َ
سهِ قَدْ ن نَْف ِ مَرأة ُ الْعَزِيزِ تَُراوِد ُ فَتَاهَا ع َ ْ َ ِ َ ِ ْ {وَقَا َ ْ َ ِ
ما سمعت بمكْره َ َ
سل َ ْ
ت ن أْر َ ن ،فَل َ َّ َ ِ َ ْ ِ َ ِ ِ ّ مبِي ٍ ل ُ ضل ٍ حبّا ً إِنَّا لَنََراهَا فِي َ شغََفهَا ُ َ
َ ً
ج
خُر ْ تا ْ سكِّينا ً َوَقَال َ ْ ن ِ منْهُ َّ حدَةٍ ِ ل وَا ِ ت كُ ّ متَّكَأ وَآت َ َْ ن ُ ت لَهُ َّ ن وَاعْتَد َ ْ إِلَيْهِ َّ
شراً ما هَذ َا ب َ َ ش لِل ّهِ َ حا َ ن َ ن وَقُل ْ َ ن أَيْدِيَهُ َّ َ ه وَقَط ّعْ ُ ه أكْبَْرن َ
ما رأَين َ
ُ ن فَل َ َّ َ ْ َ عَلَيْهِ َّ
َ َ ُ َ َ
قد ْ َراوَدت ُّ ُ
ه متُنَّنِي فِيهِ َول َ َ ن ال ّذِي ل ُ ْ ت فذلِك ّ م ،قَال َ ْ ك كَرِي ٌ مل َ ٌ ن هَذ َا إِل َ إِ ْ
ن
م َ ن ِ ن وَلَيَكُو َ جن َ َّ س َمُره ُ لَي ُ ْ ما آ ُ ل َ م يَْفعَ ْ ن لَ ْ م وَلَئ ِ ْ ص َ ستَعْ َ سهِ فَا ْ ن نَْف ِ عَ ْ
َ
ف صرِ ْ ما يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِل ت َ ْ م َّ ي ِ ب إِل َ َّ ح ُّ نأ َ ج ُ س ْ ب ال ِّ ل َر ِّ ن ،قَا َ صاِغرِي َ ال َّ
ن أ َصب إلَيه َ َ
ه َرب ُّ ُ
ه ب لَ ُ جا َ ست َ َن ،فَا ْ جاهِلِي َ ن ال ْ َ م ْ ن ِ ن وَأك ُ ْ عَنِّي كَيْدَهُ َّ ْ ُ ِ ْ ِ ّ
م}. ميعُ الْعَلِي ُ س ِ ه هُوَ ال َّ ن إِن َّ ُ ه كَيْدَهُ َّ ف عَن ْ ُ صَر َ فَ َ
يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة ،من نساء المراء،
وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز ،وعيبها والتشنيع عليها،
في مراودتها فتاها ،وحبها الشديد له ،وهو ل يساوي هذا ،لنه مولى
لضل ٍ من الموالي ،وليس مثله أهل ً لهذا ،ولهذا قلن{ :إِنَّا لَنََراهَا فِي َ
ن} أي في وضعها الشيء في غير محله. مبِي ٍ ُ
ن} أي بتشنيعهن عليها والتنقص لها مكْرِهِ ّ ت بِ َ معَ ْ س ِ ما َ {فَل َ َّ
والشارة إليها بالعيب ،والمذمة بحب مولها ،وعشق فتاها ،فأظهرن
ذماً ،وهي معذورة في نفس المر ،فلهذا أحبت أن تبسط عذرها
عندهن ،وتتبيّن أن هذا الفتى ليس كما حسبن ،ول من قبيل ما
لديهن .فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها ،واعتدت لهن ضيافة
مثلهن ،وأحضرت في جملة ذلك شيئا ً مما يقطع بالسكاكين ،كالتر ّ
ج
ونحوه ،وأتت كل واحدة منهن سكّيناً ،وكانت قد هيّأت يوسف عليه
السلم وألبسته أحسن الثياب ،وهو في غاية طراوة الشباب ،وأمرته
بالخروج عليهن بهذه الحالة ،فخرج وهو أحسن من البدر ل محالة.
ما رأَين َ
ه} أي أعظمنه وأجللنه ،وهِبْنَه ،وما ظنن أن ه أكْبَْرن َ ُ {فَل َ َّ َ ْ َ ُ
يكون مثل هذا في بني آدم ،وبهرهن حسنه ،حتى اشتغلن عن
أنفسهن وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين ،ول يشعرن
مل َ ٌ َ
م}. ك كَرِي ٌ ن هَذ َا إِل َ شرا ً إ ِ ْ ما هَذ َا ب َ َ ش لِل ّهِ َ حا َ ن َ بالجراح {وَقُل ْ َ
وقد جاء في حديث السراء "فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي
شطر الحسن".
قال السهيلي وغيره من الئمة ،معناه أنه كان على النصف من
حسن آدم عليه السلم .لن الله تعالى خلق آدم بيده ،ونفخ فيه من
روحه ،فكان في غاية نهايات الحسن البشري ،ولهذا يدخل أهل
الجنَّة الجنَّة على طول آدم وحسنه ،ويوسف كان على النصف من
حسن آدم ،ولم يكن بينهما احسن منهما ،كما أنه لم تكن أنثى بعد
حوَّاء أشبه بها من سارة امرأة الخليل عليه السلم. َ
قال ابن مسعود :وكان وجه يوسف مثل البرق ،وكان إذا أتته
َ
امرأة لحاجة غط ّى وجهه .وقال غيره :كان في الغالب مبرقعاً ،لئل
يراه الناس .ولهذا لما قدم عذر امرأة العزيز في محبتها لهذا
المعنى المذكور ،وجرى لهن وعليهن ما جرى ،من تقطيع أيديهن
بجراح السكاكين ،وما ركبهن من المهابة والدهش عند رؤيته
ومعاينته.
َ
متُنَّنِي فِيهِ} ثم مدحته بالعفة التامة فقالت: ن ال ّذِي ل ُ ْ ت فَذَلِك ُ َّ {قَال َ ْ
ما ل َ م يَْفعَ ْ ن لَ ْ م} أي امتنع {وَلَئ ِ ْ ص َ ستَعْ َ سهِ فَا ْ ن نَْف ِ ه عَ ْ قد ْ َراوَدت ُّ ُ {وَل َ َ
ن}. صاِغرِي َ ن ال َّ م َ ن ِ ن َولَيَكُو َ جن َ َّ س َ مُره ُ لَي ُ ْ آ ُ
وكان بقية النساء حّرضنه على السمع والطاعة لسيدته فأبى
أشد ّ الباء ،ونأى لنه من سللة النبياء ،ودعا فقال :في دعائه لرب
العالمين{ ،رب السج َ
ف ع َنِّي صرِ ْ ما يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِل ت َ ْ م َّ ي ِ ب إِل َ َّ ح ُّ نأ َ ِّ ْ ُ َ ِّ
َ كَيدهُ َ َ
ن} .يعني إن وكلتني إلى جاهِلِي َ ن ال ْ َ م ْ ن ِ ن وَأك ُ ْ ب إِلَيْهِ َّ ص ُ نأ ْ ْ َ ّ
نفسي فليس لي من نفسي إل العجز والضعف ،ول أملك لنفسي
نفعا ً ول ضراً ،إل ما شاء الله ،فأنا ضعيف ،إل ّ ما قويتني وعصمتني
وحفظتني وأحطتني بحولك وقوتك.
و
ه هُ َ ن إِن َّ ُ ه كَيْدَهُ َّ ف عَن ْ ُ صَر َ ه فَ َ ه َرب ُّ ُ ب لَ ُ جا َ ست َ َ ولهذا قال تعالى{ :فَا ْ
حتَّى َ
ه َ جنُن َّ ُ س ُت لَي َ ْ ما َرأوْا اليَا ِ ن بَعْد ِ َ م ْ م ِ م بَدَا لَهُ ْ م ،ث ُ َّ ميعُ الْعَلِي ُ س ِ ال َّ
مراً َ َ ل معه السجن فَتيان قَا َ َ
خ ْ صُر َ ما إِنِّي أَرانِي أعْ ِ َ حدُهُ لأ َ ِ ِّ ْ َ َ َ ُ خ َ َ َ ن ،وَد َ َ حي ٍ ِ
َ ْ ْ َ َ
ه نَب ِّئْنَا من ْ ُ ل الط ّيُْر ِ خبْزا ً تَأك ُ ُ سي ُ وقَ َرأ ِ ل فَ ْ م ُ ح ِ خُر إِنِّي أَرانِي أ ْ ل ال َ وَقَا َ
ْ بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نََرا َ
م تُْرَزقَانِهِ إِل ما طَعَا ٌ َ ل ل يَأتِيك ُ ن ،قَا َ َ سنِي ح ِ م ْ ُ ن ال ْ ْ م
ك ِ
َ َ ْ نبَأْتك ُما بتأْويلِه قَب َ َ
مل ّ َ
ة ت ِ منِي َربِّي إِنِّي َ تََرك ْ ُ ما عَل ّ َ م َّ ما ِ ما ذَلِك ُ َ ن يَأتِيَك ُ َ لأ ْ َّ ُ َ َِ ِ ِ ْ
َ
ة آبَائِي مل ّ َ ت ِ ن ،وَاتَّب َ َعْ ُ م كَافُِرو َ خَرةِ هُ ْ م بِال ِ ن بِالل ّهِ وَهُ ْ منُو َ قَوْم ٍ ل يُؤ ْ ِ
َ
كيءٍ ذَل ِ َ ش ْ ن َ م ْ ك بِالل ّهِ ِ شرِ َ ن نُ ْ ن لَنَا أ ْ ما كَا َ ب َ حاقَ وَيَعُْقو َ س َ م وَإ ِ ْ إِبَْراهِي َ
ن أكْث َ َ َ َ س وَلَك ِ َّ َ
ن ،يَا شكُُرو َ س ل يَ ْ ر الن ّا ِ ِ ل الل ّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّا ض ِن فَ ْ م ْ ِ
َ َ َ َ
ما حد ُ الَْقهَّاُرَ ، ه الْوَا ِ م الل ّ ُ خيٌْر أ ْ ن َ متََفّرِقُو َ ب ُ ن أأْربَا ٌ ج ِ س ْ ي ال ِّ حب َ ِ صا ِ َ
َ َ َ َ َ
ه بِهَا ل الل ّ ُ ما أنَز م َ م وَآبَاؤُك ُ ْ موهَا أنْت ُ ْ ميْت ُ ُ س َّ ماءً َ
َ َ س
ن دُونِهِ إِل أ ْ م ْ ن ِ تَعْبُدُو َ
ن ال ْ َ َ َ
م
قي ِّ ُ ك الدِّي ُ مَر أل تَعْبُدُوا إِل إِيَّاه ُ ذَل ِ َ م إِل لِل ّهِ أ َ حك ْ ُن ال ْ ُن إِ ْ سلْطَا ٍ ن ُ م ْ ِ
َ َ ن أكْثََر النَّاس ل يَعْل َ َ وَلَك ِ َّ
سِقي ما فَي َ ْ حدُك ُ َ ما أ َ ن أ َّ ِ ج
س ْ ي ال ِّ ِ حب َ
صا ِ َ ن ،يَا مو َ ُ ِ
َ ل الطَّير من رأ ْ ما الخر فَيصل َب فَتأ ْ مرا ً وَأ َ َّ
مُر ي ال ْ َ ض
ِ ُ ق ِ ه س
ِ ْ َ ِ ُ ْ ُ ُ ك َ ُ ُ ْ ُ َ خ ْ ه َ َر َب َّ ُ
ن}. فتِيَا ِست َ ْ ال ّذِي فِيهِ ت َ ْ
يذكر تعالى عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم ،أي ظهر لهم من
الرأي ،بعد ما علموا براءة يوسف ،أن يسجنوه إلى وقت ،ليكون
ذلك أقل لكلم الناس ،في تلك القضية ،وأخمد لمرها ،وليظهروا أنه
راودها عن نفسها ،فسجن بسببها ،فسجنوه ظلما ً وعدواناً.
وكان هذا مما قدر الله له .ومن جملة ما عصمه به فإنه أبعد له
عن معاشرتهم ومخالطتهم .ومن ها هنا استنبط بعض الصوفية ما
حكاه عنهم الشافعي :أن من العصمة أن ل تجد!.
ن} قيل كان أحدهما ساقي ن فَتَيَا ِ ج َ س ْ ه ال ِّ معَ ُ ل َ خ َ قال الله {وَد َ َ
الملك ،واسمه فيما قيل" :نبوا" .والخر خبازه ،يعني الذي يلي
طعامه ،وهو الذي يقول له الترك (الجاشنكير) واسمه فيما قيل:
"مجلث" .كان الملك قد اتهمهما في بعض المور فسجنهما .فلما
رأيا يوسف في السجن أعجبهما سمته وهديه ،ودلّه وطريقته ،وقوله
ل واحد منهما وفعله ،وكثرة عبادته ربه ،وإحسانه إلى خلقه ،فرأى ك ّ
رؤيا تناسبه.
قال أهل التفسير :رأيا في ليلة واحدة ،أما الساقي فرأى كأن
ثلث قضبان من حبلة ،وقد أورقت وأينعت عناقيد العنب فأخذها،
فاعتصرها في كأس الملك وسقاه .ورأى الخباز على رأسه ثلث
ل العلى. س ِّ سلل من خبز ،وضواري الطيور تأكل من ال ّ
ن
م ْْ ك ِ صاها عليه وطلبا منه أن يعبرها لهما ،وقال{ :إِنَّا نََرا َ فق ّ
مال ل يَأتِيك ُ َ ن} فأخبرهما أنه عليم بتعبيرها خبير بأمرها {قَا َ َ سنِي ح ِ م ْ ال ْ ُ
ْ طَعام ترزقَانِه إل نبَأْتك ُما بتأْويلِه قَب َ َ
ما} .قيل :معناه مهما ن يَأتِيَك ُ َ لأ ْ ِ ِ َّ ُ َ َِ ِ ِ ْ َ ٌ ُْ َ
رأيتما من حلم فإني أعبره لكم قبل وقوعه فيكون كما أقول.
ف
جا ٌ ع َ سبْعٌ ِ ن َ ن يَأْكُلُهُ َّ ما ٍ س َت ِ سبْعَ بََقَرا ٍ ك إِنِّي أَرى َ
َ
ل ال ْ َ
مل ِ ُ {وَقَا َ
َ َ ضرٍ وَأ ُ َ
مل ُ أفْتُونِي فِي ُرؤْيَاي إ ِ ْ
ن ت يَا أيُّهَا ال ْ َ سا ٍ خَر يَاب ِ َ خ ْ ت ُ سنْبَُل ٍ سبْعَ ُ وَ َ
لم
ح ِ
ل ال َ ْ َ ِ ن بِتَأْوِي ُ ح
ما ن َ ْ حلم ٍ وَ َ ثأ ْ
كُنتم لِلُرؤْيا تعبرون ،قَالُوا أ َضغَا ُ َ
ْ ُ ْ ّ َ َُُْ َ
ْ ُ َ ُ َ َ َ
م بِتَأوِيلِهِ مةٍ أنَا أنَب ِّئُك ُ ْ ما وَاِدَّكََر بَعْد َ أ َّ منْهُ َ جا ِ ل ال ّذِي ن َ َ ن ،وَقا مي َ بِعَال ِ ِ
ن يَأكُلُهُ َّ ْ َ َ َ
ن ما ٍ س َ ت ِ سبِْع بََقَرا ٍ صدِّيقُ أفْتِنَا فِي َ ف أيُّهَا ال ِّ س ُ سلُونِي ،يُو ُ فَأْر ِ
ت سا ٍ خَر يَاب ِ َ ضرٍ وَأ ُ َ خ ْ ت ُ سنْبُل ٍ سبِْع ُ ف وَ َ جا ٌ ع َ سبْعٌ ِ ن َ ف يَأْكُلُهُ َّ جا ٌ ع َ سبْعٌ ِ َ
ل تزرعُون سبع سنِين دأباًَ َ َ
َ َ ْ َ ِ َ َ َ ن ،قَا َ َ ْ مو َ م يَعْل َ ُ س لَعَل ّهُ ْ ِ جعُ إِلَى النَّا لَعَل ِّي أْر ِ
ما تأْكُلُون ،ث ُ َ ْ
ن بَعْدِ ْ م
م يَأتِي ِ ّ م َّ َ سنْبُلِهِ إِل قَلِيل ِ م فَذَُروه ُ فِي ُ صدْت ُ ْ ح َ ما َ فَ َ
ْ م لَهُ َّ ْ
م يَأتِي ن ،ث ُ َّ صنُو َ ح ِ ما ت ُ ْ م َّ ن إِل قَلِيل ِ مت ُ ْما قَد َّ ْ ن َ شدَاد ٌ يَأكُل ْ َ سبْعٌ ِ ك َ ذَل ِ َ
ن}. صُرو َ س وَفِيهِ يَعْ ِ ث النَّا ُ م فِيهِ يُغَا ُ ك عَا ٌ ن بَعْد ِ ذَل ِ َ م ْ ِ
هذا كان من جملة أسباب خروج يوسف عليه السلم من السجن
على وجه الحترام والكرام ،وذلك أن ملك مصر وهو الريان بن
الوليد بن ثروان بن اراشه بن فاران بن عمرو بن عملق بن لوذ بن
سام بن نوح رأى هذه الرؤيا.
قال أهل الكتاب :رأى كأنه على حافة نهر ،وكأنه قد خرج منه
سبع بقرات سمان ،فجعلن يرتعن في روضةٍ هناك فخرجت سبع
هزال ضعاف من ذلك النهر ،فرتعن معهن ثم ملن عليهن فأكلتهن
فاستيقظ مذعوراً.
ثم نام فرأى سبع سنبلت خضر في قصبة واحدة ،وإذا سبع أُخر
دقاق يابسات ،فأكلنهن فاستيقظ مذعوراً .فلما قصها على مله
حلمٍ} وقومه ،لم يكن فيهم من يحسن تعبيرها بل {قَالُوا أ َضغَا ُ َ
ثأ ْ ْ
أي أخلط أحلم من الليل ،لعلّها ل تعبير لها ،ومع هذا فل خبرة لنا
ْ
ن} فعند ذلك مي َ حَلم ِ بِعَال ِ ِ ل ال َ ْ ن بِتَأوِي ِ ح ُ ما ن َ ْ بذلك ،ولهذا قالوا{ :وَ َ
صاه يوسف بأن يذكره عند ربه فنسيه تذكر الناجي منهما الذي و ّ
إلى حينه هذا .وذلك عن تقدير الله عز وجل ،وله الحكمة في ذلك،
فلما سمع رؤيا الملك ،ورأى عجز الناس عن تعبيرها ،تذكر أمر
يوسف ،وما كان أوصاه به من التذكار.
ُ َ َ َ
مةٍ} ما} أي تذكر {بَعْد َ أ َّ منْهُ َ جا ِ ل ال ّذِي ن َ َ ولهذا قال تعالى{ :وَقا
أي بعد مدة من الزمان ،وهو بضع سنين ،وقرأ بعضهم ،كما حكي
مةٍ} أي بعد نسيان، عن ابن عبَّاس وعكرمة والضحاك{ :وَاِدَّكََر بَعْد َ أ ُ َّ
مةٍ} بإسكان الميم ،وهو النسيان أيضاً ،يقال وقرأها مجاهد {بَعْد َ أ ُ َّ
مه أمها ً وأمها ،إذا نسي .قال الشاعر: ه الرجل يأ َ م َأ ِ
لك الد ّ َهُر يزري بالعُُقو ِ ت ل أنسى حديثا ً *** كذا َ ت وكن ُ مهْ ُ أ ِ
سلُونِي} ،أي ْ ُ َ
م بِتَأوِيلِهِ فَأْر ِ فقال لقومه وللملك {أنَا أنَب ِّئُك ُ ْ
صدِّيقُ أَفْتِنَا فِي ف أيُّهَا ال ِّ
فأرسلوني إلى يوسف ،فجاءه فقال{ :يوس ُ َ
ُ ُ
سبِْع ف وَ َ جا ٌ ع َ سبْعٌ ِ ن َ ف يَأْكُلُهُ َّ جا ٌ ع َ سبْعٌ ِ ن َ ن يَأْكُلُهُ َّ ما ٍ س َ ت ِ سبِْع بََقَرا ٍ َ
َ َ ُ
ن}. مو َ م يَعْل َ ُ س لعَلهُ ْ ّ َ َ
جعُ إِلى الن ّا ِ
َ ت لعَلِي أْر ِ ّ َ سا ٍ خَر يَاب ِ َ ضرٍ وَأ َ خ ْ ت ُ سنْبُل ٍ ُ
وعند أهل الكتاب أن الملك لما ذكره له الساقي استدعاه إلى
حضرته وقص عليه ما رآه ففسره له ،وهذا غلط ،والصواب :ما
صه الله في كتابه القرآن ل ما عَّربه هؤلءِ الجهلة الثيران ،من ق ّ
فري وهذيان.
فبذل يوسف عليه السلم ما عنده من العلم بل تأخر ول شرط
ول طلب الخروج سريعاً ،بل أجابهم إلى ما سألوا ،وعبّر لهم ما كان
من منام الملك الدّال على وقوع سبع سنين من الخصب ويعقبهما
سبع جدب{ :ث ُ َ ْ
س} يعني ث النَّا ُ م فِيهِ يُغَا ُ ك عَا ٌ ن بَعْدِ ذَل ِ َ م ْم يَأتِي ِ ّ
ن} يعني ما كانوا صُرو َ يأتيهم الغيث والخصب والرفاهية {وَفِيهِ يَعْ ِ
يعصرونه من القصاب والعناب والزيتون والسمسم وغيرها.
فعبّر لهم .وعلى الخير دلّهم وأرشدهم ،إلى ما يعتمدونه في
جدْبِهم وما يفعلونه من ادّخار حبوب سنّى الخصب حالتي خصبهم و َ
في السبع الول في سنبله ،إل ّ ما يرصد بسبب الكل ومن تقليل
البذر في سني الجدب في السبع الثانية ،إذ الغالب على الظن أنه ل
يرد البذر من الحقل .وهذا يدل على كمال العلم وكمال الرأي
والفهم.
كجعْ إِلَى َرب ِّ َ ل اْر ِ ل قَا َ سو ُ جاءَهُ الَّر ُ ما َ ك ائْتُونِي بِهِ فَل َ َّ مل ِ ُ ل ال ْ َ{وَقَا َ
ن أَيْدِيَهُ َّ َ سأَل ْ
م،ن عَلِي ٌ ن َرب ِّي بِكَيْدِهِ َّ ن إ ِ َّ َ سوَةِ اللتِي قَط ّعْ ل الن ِّ ْ ما بَا ُ َ ه
ُ فَا ْ
َ
منَا
ما عَل ِ ْ ش لِل ّهِ َ حا َ ن َ سهِ قُل ْ َ ن نَْف ِ ف عَ ْ س َ ن يُو ُ ن إِذ ْ َراوَدت ُّ َّ خطْبُك ُ َّ ما َ ل َ قَا َ
َ َ
نه عَ ْ حقُّ أنَا َراوَدت ُّ ُ ص ال ْ َ ح َ ص َ ح ْ ن َ مَرأةُ الْعَزِيزِ ال َ تا ْ سوءٍ قَال َ ْ ن ُ م ْ عَلَيْهِ ِ
َ َ َ
ن الل ّ َ
ه ب وَأ ّ ه بِالْغَي ْ ِ خن ْ ُ م أَ ُم أنِّي ل َ ْ
ك لِيعل َ َ
ن ،ذَل ِ َ َ ْ َ صادِقِي َ ن ال َّ م ْ ه لَ ِ
سهِ وَإِن َّ ُ نَْف ِ
َ ُ
سوءِ إِل ماَرة ٌ بِال ُّ س ل َّ ن النَّْف َ سي إ ِ َّ ما أبَّرِئُ نَْف ِ ن ،وَ َ خائِنِي َ ل يَهْدِي كَيْد َ ال ْ َ
م}. حي ٌ ن َربِّي غَُفوٌر َر ِ م َربِّي إ ِ َّ ح َ ما َر ِ
َ
لما أحاط الملك علما ً بكمال علم يوسف عليه الصلة والسلم
سدِّيد وفهمه ،أمر بإحضاره إلى حضرته ،ليكون وتمام عقله ورأيه ال ُّ
من جملة خاصته ،فلما جاءه الَّرسول بذلك أحب أن ل يخرج حتى
ساحة مما يتبين لكل أحد انه حبس ظلما ً وعدواناً ،وأنه بريء ال َّ
ك} يعني الملك {فَا َ
لما بَا ُ ه َ سأل ْ ُ
ْ جعْ إِلَى َرب ِّ َ ل اْر ِ نسبوه إليه بهتانا ً {قَا َ
م} قيل :معناه إن يِ ل َ ع نَ ه د يَ ك ب ي رب َ
ن إ نَ ه ي د يالن ِسوة اللتِي قَطَّعن أ َ
ٌ ّ ِ ِ ْ ّ
ُ ّ ِ َ ِ ِ ّ َ ِ ْ ْ َ ّ ْ َ ِ
ي ،أي فمر الملك فليسألهن: سيدي العزيز يعلم براءتي مما نسب إل ّ
كيف كان امتناعي الشديد عند مراودتهن إياي؟ وحثهن لي على
المر الذي ليس برشيد ول سديد؟
فلما سئلن عن ذلك اعترفن بما وقع من المر ،وما كان منه من
َ
سوءٍ}. ن ُ م ْ منَا عَلَيْهِ ِ ما عَل ِ ْ ش لِل ّهِ َ حا َ ن َ المر الحميد و{قُل ْ َ
فعند ذلك {قَال َت ا َ
ص
ح َ ص َ
ح ْ ن َ مَرأةُ الْعَزِيزِ} وهي زليخا{ :ال َ ْ ْ
َ
ن
ه عَ ْ حقُّ} .أي :ظهر وتبيّن ووضح ،والحق أحق أن يتبع {أنَا َراوَدت ُّ ُ ال ْ َ
ن} أي فيما يقوله من أنه بريء وأنه لم صادِقِي َ ن ال َّ م ْ ه لَ ِ
سهِ وَإِن َّ ُ نَْف ِ
يراودني وأنه حبس ظلما ً وعدوانا ً وزورا ً وبهتاناً.
َ َ َ
ه ل يَهْدِي كَيْدَ ن الل ّ َ ب وَأ ّ ه بِالْغَي ْ ِ خن ْ ُم أَ ُ م أنِّي ل َ ْ
ك لِيعل َ َ
وقوله {ذَل ِ َ َ ْ َ
ن} قيل إنه من كلم يوسف أي إنما طلبت تحقيق هذا ليعلم خائِنِي َال ْ َ
العزيز أني لم أخنه بظهر الغيب .وقيل إنه من تمام كلم زليخا ،أي:
إنما اعترفت بهذا ليعلم زوجي أني لم أخنه في نفس المر ،وإنما
كان مراودة لم يقع معها فعل فاحشة.
وهذا القول هو الذي نصره طائفة كثيرة من أئمة المتأخرين
وغيرهم ،ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم سوى الول.
س ل َ َّ ُ
م َرب ِّي إ ِ َّ
ن ح َما َر ِ سوءِ إِل َ ماَرة ٌ بِال ُّ ن النَّْف َ سي إ ِ َّ ما أبَّرِئُ نَْف ِ {وَ َ
م} قيل :إنه من كلم يوسف ،وقيل :من كلم زليخا، حي ٌَربِّي غَُفوٌر َر ِ
وهو مفرع على القولين الولين .وكونه من تمام كلم زليخا أظهر
وأنسب وأقوى ،والله أعلم.
ل إِن َّ َ َ َ
ك ه قَا َ م ُ ما كَل ّ َ سي فَل َ َّ ه لِنَْف ِ ص ُخل ِ ْ ست َ ْك ائْتُونِي بِهِ أ ْ ل ال ْ َ
مل ِ ُ {وَقَا َ
في ٌ َ جعَلْنِي عَلَى َ َ
ظ ح ِ ض إِنِّي َ ن الْر ِ خَزائ ِ ِ لا ْ ن ،قَا َ مي ٌ نأ ِ مكِي ٌ م لَدَيْنَا َ الْيَوْ َ
ُ ف فِي اْلَْر َ
ب
صي ُ ث يَ َ
شاءُ ن ُ ِ حي ْ ُ ض يَتَبَوَّأ ِ
منْهَا َ ِ س َمك ّنَّا لِيُو ُ
َ م ،وَكَذَل ِ َ
ك عَلِي ٌ
َّ َ َ
ن
خيٌْر لِلذِي َ خَرةِ َجُر ال ِ ن ،وَل ْ سنِي َ ح ِم ْجَر ال ْ ُ
ضيعُ أ ْ
شاءُ وَل ن ُ ِ ن نَ َ
م ْ متِنَا َ
ح َبَِر ْ
ن}.منُوا َوكَانُوا يَتَُّقو َ آ َ
لما ظهر للملك براءة عرضه ،ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا
َ
سي} ه لِنَْف ِ ص ُخل ِ ْ ك ائْتُونِي بِهِ أ ْ
ست َ ْ مل ِ ُل ال ْ َعنه مما نسبوه إليه قال {وَقَا َ
ما
صتي ومن أكابر دولتي ،ومن أعيان حاشيتي ،فل ّ أي اجعله من خا ّ
َ
ن} أي مي ٌنأ ِ مكِي ٌم لَدَيْنَا َ ك الْيَوْ َ ل إِن َّ َمه وسمع مقاله وتبين حاله {قَا َ كل ّ
م} في ٌ َ جعَلْنِي عَلَى َ ذو مكانة وأمانة{ .قَا َ
ظ عَلِي ٌ ح ِ ض إِنِّي َن الْر ِ خَزائ ِ ِ لا ْ
طلب أن يوليه النظر فيما يتعلق بالهراء لما يتوقع من حصول
الخلل فيما بعد مضي سبع سنّى الخصب ،لينظر فيها بما يرضي الله
في خلقه من الحتياط لهم والرفق بهم ،وأخبر الملك إنه حفيظ ،أي
قوي على حفظ ما لديه أمين عليه ،عليم بضبط الشياء ومصالح
الهراء.
وفي هذا دليل على جواز طلب الولية لمن علم من نفسه
المانة والكفاءة.
وعند أهل الكتاب أن فرعون عظّم يوسف عليه السلم جدّاً،
وسلطه على جميع أرض مصر وألبسه خاتمه ،وألبسه الحرير
وطوّقه الذهب وحمله على مركبه الثاني ،ونودي بين يديه ،أنت ر ُّ
ب
ومسلط ،وقال له :لست أعظم منك إل بالكرسي.
قالوا :وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلثين سنة ،وزوجه امرأة عظيمة
الشأن.
وحكى الثعلبي أنه عزل قطفير عن وظيفته ،وولها يوسف.
جدها عذراء لن زوجها ه زليخا ،فو َ ه امرأت َ ُ وقيل :إنه مات ،زوَّ َ
ج ُ
كان ل يأتي النساء ،فولدت ليوسف عليه السلم رجلين ،وهما:
ك فَل خو َ ل إِنِّي أَنَا أ َ ُ خاه ُ قَا َ ف آوَى إِلَيْهِ أ َ َ س َ خلُوا عَلَى يُو ُ ما د َ َ {وَل َ َّ
ة فِي سَقاي َ َ ل ال ِّ جعَ َ م َ جهَازِهِ ْ م بِ َ جهََّزهُ ْ ما َ ن ،فَل َ َّ ملُو َ ما كَانُوا يَعْ َ س بِ َ تَبْتَئ ِ ْ
َ َ َ َ
ن ،قَالُوا وَأقْبَلُوا سارِقُو َ م لَ َ ن أيَّتُهَا الْعِيُر إِنَّك ُ ْ مؤَ ِذّ ٌ ن ُ م أذ َّ َ خيهِ ث ُ َّ لأ ِ ح ِ َر ْ
ير
ل بَعِ ٍ م ُ ح ْ جاءَ بِهِ ِ ن َ م ْ ك وَل ِ َ مل ِ ِ صوَاع َ ال ْ َ قد ُ ُ ن ،قَالُوا نَْف ِ
َ
قدُو َ ماذ َا تَْف ِ م َ عَلَيْهِ ْ
ما ض وَ َ
َ
سد َ فِي الْر ِ جئْنَا لِنُْف ِ ما ِ م َ مت ُ ْ قد ْ عَل ِ ْ م ،قَالُوا تَالل ّهِ ل َ َ عي ٌ وَأَنَا بِهِ َز ِ
جدَ ن وُ ِ م ْ جَزاؤُه ُ َ ن ،قَالُوا َ َ م كَاذِبِي ن كُنت ُ َْ جَزاؤُه ُ إ ِ ْ ما َ ن ،قَالُوا فَ َ َ سارِقِي كُنَّا َ
َ
ل وِعَاءِ م قَب ْ َ عيَتِهِ ْ ن ،فَبَدَأ َ بِأوْ ِ َ مي جزِي الظ ّال ِ ِ ك نَ ْ جَزاؤُه ُ كَذَل ِ َ حلِهِ فَهُوَ َ فِي َر ْ
ْ
خذَ ن لِيَأ ُ ما كَا َ ف َ س َ ك كِدْنَا لِيُو ُ خيهِ كَذَل ِ َ ن وِعَاءِ أ َ ِ ْ م
جهَا ِ خَر َ ست َ ْ ما ْ خيهِ ث ُ َّ أَ ِ
َّ َ
شاءُ وَفَوْقَ ن نَ َ ْ م
َ ت
ٍ جا َ ر
َ َ د ُ ع َ ف رْ َ ن ه
ُ شاءَ الل ن يَ َ ك إِل أ ْ مل ِ ِ ن ال ْ َ ِ خاهُ فِي دِي أَ َ
خ ل َه من قَب ُ َ َ
سَّرهَا ل فَأ َ سَرقَ أ ٌ ُ ِ ْ ْ قد ْ َ سرِقْ فَ َ ن يَ ْ م ،قَالُوا إ ِ ْ علْم ٍ عَلِي ٌ ل ذِي ِ ك ُ ِّ
ف في نْفسه ول َم يبدهَا لَهم قَا َ َ
مامكَانا ً وَالله أعلم ب ِ َ شٌّر َ م َ ل أنْت ُ ْ ُ ْ َ ِ ِ َ ْ ُْ ِ س ُ ِ يُو ُ
ه إِنَّا َ شيْخا ً كَبِيرا ً فَ ُ ه أبا ً َ َ ن لَ ن قَالُوا يَا أيُّهَا الْعَزِيُز إ ِ َّ َ
مكَان َ ُ حدَنَا َ خذ ْ أ َ
َ ُ صُفو َ تَ ِ
ْ َ
متَاعَنَا جدْنَا َ ن وَ َ م ْ خذ َ إِل َ ن نَأ ُ معَاذ َ الل ّهِ أ ْ ل َ ن ،قَا َ سنِي َ ح ِ م ْ ن ال ْ ُ م ْ ك ِ نََرا َ
ن}. مو َ عنْدَه ُ إِنَّا إِذا ً لَظَال ِ ُ ِ
يذكر تعالى ما كان من أمرهم حين دخلوا بأخيهم بنيامين على
شقيقه يوسف وإيوائه إليه وإخباره له سّرا ً عنهم بأنه أخوه ،وأمره
بكتم ذلك عنهم ،وسلّه عما كان منهم من الساءة إليه.
ثم احتال على أخذه منهم ،وتركه إياه عنده دونهم ،فأمر فتيانه
بوضع سقايته .وهي التي كان يشرب بها ويكيل بها الناس الطعام،
صواع الملك، عن غرة في متاع بنيامين .ثم أعلمهم بأنهم قد سرقوا ُ
منه المنادي لهم ،فأقبلوا مل بعير ،وض ّ ح ْ ووعدهم جعالة على ردِّه ِ
َّ
جنوه فيما قاله لهم{ :قَالُوا تَاللهِ على من اتهمهم بذلك فأنبوه وه ّ
سد َ فِي ال َ
ن} يقولون :أنتم سارِقِي َ ما كُنَّا َ ض وَ َ ِ ر
ْ جئْنَا لِنُْف ِ ما ِ م َ مت ُ ْ قد ْ عَل ِ ْ لَ َ
سرقة. تعلمون منا خلف ما رميتمونا له من ال ّ
جد َ فِي ن وُ ِ م ْ جَزاؤُه ُ َ ن ،قَالُوا َ م كَاذَِبِي َ ن كُنت ُ ْ جَزاؤُه ُ إ ِ ْ ما َ {قَالُوا فَ َ
ن} .وهذه كانت شريعتهم أن مي َ جزِي الظ ّال ِ ِ ك نَ ْ جَزاؤُه ُ كَذَل ِ َ حلِهِ فَهُوَ َ َر ْ
جزِي ك نَ ْ سارق يدفع إلى المسروق منه ولهذا قالوا{ :كَذَل ِ َ ال ّ
َّ
ن}. مي َ الظال ِ ِ
َ
ن
م ْ جهَا ِ خَر َ ست َ ْ ما ْ خيهِ ث ُ َّ ل وِعَاءِ أ َ ِ م قَب ْ َ عيَتِهِ ْ قال الله تعالى{ :فَبَدَأ َ بِأوْ ِ
خيهِ} ليكون ذلك أبعد للتهمة ،وأبلغ في الحيلة ،ثم قال الله وِعَاءِ أ َ ِ
خذ َ أ َ ك كدنا ليوسف ما كَان ليأ ْ
ك} أي مل ِ ِ ن ال ْ َ ِ ي ِ د ي ِ ف ُ ه خا َ ُ َ َِ تعالى{ :كَذَل ِ َ ِ ْ َ ِ ُ ُ َ َ
جَزاؤُهُ} لما كان حلِهِ فَهُوَ َ جد َ فِي َر ْ ن وُ ِ م ْ ن جزاءه { َ لول اعترافهم بأ ّ
شاءَ ن يَ َ َ
يقدر يوسف على أخذه منهم في سياسة ملك مصر {إِل أ ْ
ل ذِي ِ ْ َ
م
عل ٍ شاءُ} أي في العلم {وَفَوْقَ ك ُ ِّ ن نَ َ م ْ ت َ جا ٍ ه نَْرفَعُ دََر َ الل ّ ُ
م}. عَلِي ٌ
ن يوسف كان أعلم منهم ،وأتم رأياً ،وأقوى عزما ً وحزماً، وذلك ل ّ
وإنما فعل ما فعل عن أمر الله له في ذلك لنه يترتب على هذا
المر مصلحة عظيمة بعد ذلك ،من قدوم أبيه وقومه عليه ،ووفودهم
إليه.
ق
سرِ ْ ن يَ ْ صواع من حمل بنيامين {قَالُوا إ ِ ْ فلما عاينوا استخراج ال ّ
ل} يعنون يوسف .قيل كان قد سرق صنم ن قَب ْ ُ م ْ ه ِ خ لَ ُ سَرقَ أ َ ٌ قد ْ َ فَ َ
جدّه ،أبي أمه ،فكسره .وقيل :كانت عمته قد علقت عليه بين ثيابه،
وهو صغير ،منطقة كانت لسحاق ،ثم استخرجوها من بين ثيابه ،وهو
ل يشعر بما صنعت ،وإنما أرادت أن يكون عندها ،وفي حضانتها
لمحبتها له .وقيل :كان يأخذ الطّعام من البيت فيطعمه الفقراء.
ن قَب ْ ُ
ل م ْ ه ِ خ لَ ُ سَرقَ أ َ ٌ قد ْ َ سرِقْ فَ َ ن يَ ْ وقيل :غير ذلك .فلهذا {قَالُوا إ ِ ْ
شٌّر َ َ
م َ سهِ} وهي كلمته بعدها ،وقوله {أنْت ُ ْ ف فِي نَْف ِ س ُ سَّرهَا يُو ُ فَأ َ
ن} أجابهم سّرا ً ل جهراً ،حلما ً وكرماً صُفو َ ما ت َ ِ مكَانا ً َوالله أعلم ب ِ َ َ
َ
وصفحا ً وعفواً ،فدخلوا معه في الترفق والتعطف ،فقالوا{ :يَا أيُّهَا
ه إِنَّا نََرا َ شيخا ً كَبيرا ً فَ ُ َ ن لَ َ
ن
م ْ ك ِ مكَان َ ُ حدَنَا َ خذ ْ أ َ َِ ه أبا ً َ ْ الْعَزِيُز إ ِ َّ ُ
عنْدَه ُ إِنَّا إِذاً ْ َ
متَاع َنَا ِ جدْنَا َ ن وَ َ م ْ خذ َ إِل َ ن نَأ ُ معَاذ َ الل ّهِ أ ْ ل َ ن ،قَا َ سنِي َ ح ِ م ْ ال ْ ُ
ن} أي إن أطلقنا المتهم وأخذنا البريء .هذا ما ل نفعله ول مو َ لَظَال ِ ُ
نسمح به ،وإنما نأخذ من وجدنا متاعنا عنده.
وعند أهل الكتاب :أن يوسف تعّرف إليهم حينئذ وهذا مما غلطوا
فيه ولم يفهموه جيّداً.
نموا أ َ َّ م تَعْل َ ُ
ل كَبيرهُ َ
م أل َ ْ جيّا ً قَا َ ِ ُ ْ صوا ن َ َ ِ خل َ ُ ه َ من ْ ُسوا ِ ستَيْئ َ ُ ما ا ْ {فَل َ َّ
فس َ م فِي يُو ُ ما فََّرطت ُ ْ ل ََ ن قَب ْ ُ م ْ ن الل ّهِ وَ ِ م ْ موْثِقا ً ِ م َ خذ َ عَلَيْك ُ ْ م قَد ْ أ َ َ أبَاك ُ ْ
َ
َ َ ْ فَل َن أَب ْر َ َ
خيُْر ه لِي وَهُوَ َ م الل ّ ُ حك ُ َ ن لِي أبِي أوْ ي َ ْ حتَّى يَأذ َ َ ض َ ح الْر َ ْ َ
َ ُ َ َ
شهِدْنَا ما َ سَرقَ وَ َ ن ابْن َك َ َ َ م فَُقولوا يَا أبَانَا إ ِ ّ ْ ُ جعُوا إِلى أبِيك ِ ن ،اْر َ مي حاك ِ ِ ال ْ َ
َ سأ َ ْ
ة ال ّتِي كُنَّا فِيهَا ل الَْقْري َ َ ن ،وَا ْ ب حا ِفظِي َ ما كُنَّا لِلْغَي ْ ِ منَا وَ َ ما عَل ِ ْ إِل ب ِ َ
سك ُ ْ
م م أنُف ُ
سول َت لَك ُ َ
ْ ل َ َّ ْ ل بَ ْ ن ،قَا َ صادِقُو َ َ وَالْعِيَر الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا ل َ
ْ ل عَسى الل َّ َ أَ
ه هُوَ الْعَلِي ُ
م ميعا ً إِن َّ ُ ج ِ م َ ن يَأتِيَنِي بِهِ ْ هأ ْ ُ َ مي ٌ ج ِ
َ
صبٌْر َ َ مرا ً فَ ْ
َ
ن
م َ ت عَيْنَاهُ ِ ض ْ ف وَابْي َ َّ س َ سَفى عَلَى يُو ُ ل يَا أ َ م وَقَا َ ْ ُ م ،وَتَوَل ّى عَنْه ُ حكِي ال ْ َ
حَرضا ً أ َ ْو ال ْحزن فَهو كَظيم ،قَالُوا تاللَّه ت ْ ُ
ن َ حتَّى تَكُو َ ف َ س َ فتَأ تَذ ْكُُر يُو ُ َ ِ َ ِ ٌ ُ ْ ِ ُ َ
َ َ َ
نم ْ م ِ حْزنِي إِلَى الل ّهِ وَأعْل َ ُ شكُو بَثِّي وَ ُ ما أ ْ ل إِن َّ َ ن ،قَا َ ن الْهَالِكِي َ م ْ ن ِ تَكُو َ
َ
خيهِ وَل ف وَأ َ ِ س َ ن يُو ُ م ْ سوا ِ س ُ ح َّ ي اذْهَبُوا فَت َ َ ن ،يَا بَن ِ َّ مو َ ُ ما ل تَعْل َ َ الل ّهِ
َ َ
ن}. م الكَافُِرو َ ح الل ّهِ إِل الَْقوْ ُ ن َرو ِْ م ْ س ِ ه ل يَيْئ َ ُ ن َروِْح الل ّهِ إِن َّ ُ م ْ سوا ِ تَيْئ َ ُ
يقول تعالى مخبرا ً عنهم :إنهم لما استيأسوا من أخذه منه
موا أ َ َّ
ن م تَعْل َ ُ
َ
صوا يتناجون فيما بينهم ،قال َكبيرهم ،وهو روبيل{ :أل َ ْ خل ُ
ن الل ّهِ} .لتأتنني به ال أن يحاط بكم؟ َ َ
م ْ موْثِقا ً ِ م َ خذ َ عَلَيْك ُ ْ م قَد ْ أ َ أبَاك ُ ْ
لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيه كما فرطتم في أخيه يوسف من قبله
ض} أي ل أزال مقيما ً ها ح الَْر فلم يبق لي وجه أقابله به {فَل َ َ
َ ن أبَْر َ ْ
َّ َ َ ْ
ه لِي} بأن م الل ُ حك ُ َ ن لِي أبِي} في القدوم عليه {أوْ ي َ ْ حتَّى يَأذ َ َ هنا { َ
ن}. مي َ حاك ِ ِ خيُْر ال ْ َ يقدّرني على ردِّ أخي إلى أبي {وَهُوَ َ
سَرقَ} أي أخبروه بما ك َ ن ابْن َ َ م فَُقولُوا يَا أَبَانَا إ ِ َّ جعُوا إِلَى أبِيك ُ ْ
َ
{اْر ِ
ما منَا وَ َ ما عَل ِ ْ شهِدْنَا إِل ب ِ َ ما َ المشاهدة {وَ َ رأيتم من المر في الظاهر
َ َ سأ َ ْ
ة ال ّتِي كُنَّا فِيهَا َوالْعِيَر ال ّتِي أَقْبَلْنَا ل الَْقْري َ َ ن ،وَا ْ ب حافِظِي َ كُنَّا لِلْغَي ْ ِ
فِيهَا} .أي فإن هذا الذي أخبرناك به -من أخذهم أخانا ،لنه سرق -
أمر اشتهر بمصر وعلمه العير التي كنا نحن وهم هناك {وَإِنَّا
ن}. صادِقُو َ لَ َ
ل سوَل َت لَك ُم أَنُفسك ُ َ
ل} أي ليس المر مي ٌ ج ِ صبٌْر َ مرا ً فَ َ مأ ْ ُ ْ ْ ل بَ ْ َ ّ ْ {قَا َ
كما ذكرتم لم يسرق فإنه ليس سجية له ،ول {هو} خلقه ،وإنما
{سوَل َت لَك ُم أَنُفسك ُ َ
ل}. مي ٌ ج ِ صبٌْر َ مرا ً فَ َ مأ ْ ُ ْ ْ َ ّ ْ
قال ابن إسحاق وغيره :لما كان التفريط منهم في بنيامين
مترتبا ً على صنيعهم في يوسف ،قال لهم ما قال ،وهذا كما قال
بعض السلف :إن من جزاء السيئة السيئة بعدها!.
ميعاً} .يعني يوسف ْ ثم قال{ :عَسى الل َّ َ
ج ِم َ ن يَأتِيَنِي بِهِ ْ هأ ْ ُ َ
م} أي بحالي وما أنا فيه من فراق ه هُوَ العَلِي ُ ْ َ
وبنيامين وروبيل {إِن ّ ُ
م} فيما يقدره ويفعله وله الحكمة البالغة والحجة حكِي ُ الحبة {ال ْ َ
القاطعة.
َ َ
سَفى عَلَى ل يَا أ َ م} أي أعرض عن بنيه { وَقَا َ {وَتَوَل ّى ع َن ْ ُه ْ
ف} س َ يُو ُ
ذكّره حزنه الجديد بالحزن القديم ،وحّرك ما كان كامناً ،كما قال
بعضهم:
لب الوّ ِ ب إل ّ لِلحبي ِ ن الهوى ** ما الح ّ تم َ ث شئ َ ك حي ُ ل فؤاد َ َ نّق ْ
وقال آخر:
ف الدّموِع مني عند َ الُقبورِ عَلى البُكا *** َرفيقي لتذ ْرا ِ قد ْ ل َ َ لَ َ
ك
سواف ِ ال ّ
ك ن اللّوى فالدكاد ِ ِ ل قبر رأيتَه ** لقبرٍ ثوى بي َ ل :أتبكي ك ّ فقا َ
ك
ه قبُر مال ِ ِ ث السى ** فَدع ْني فهذ َا كل ّ ُ ت له :إن الَسى يبع ُ فقل ُ
ن} أي من كثرة البكاء {فَهُ َ
و حْز ِن ال ْ ُم َ ت عَيْنَاهُ ِ ض ْ وقوله{ :وَابْي َ َّ
م} أي مكظم من كثرة حزنه وأسفه وشوقه إلى يوسف. كَظِي ٌ
فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم الفراق {قَالُوا} له على
وجه الرحمة له والرأفة به والحرص عليه {تا للَّه ت ْ ُ
فس َ فتَأ تَذ ْكُُر يُو ُ ِ َ َ
َ
ن}. ن ال ْ َهالِكِي َ
م ْ ن ِ حَرضا ً أوْ تَكُو َ ن َ حتَّى تَكُو َ َ
يقولون :ل تزال تتذكره حتى ينحل جسدك ،وتضعف قوّتك ،فلو
رفقت بنفسك كان أولى بك.
َّ َ َ ما أ َ ْ
ن اللهِ َ
ما ل م ْ م ِ حْزنِي إِلَى الل ّهِ وَأعْل َ ُ شكُو بَث ِّي وَ ُ ل إِن َّ َ
{قَا َ
ن} يقول لبنيه :لست أشكو إليكم ول إلى أحد من الناس ،ما مو َ تَعْل َ ُ
أنا فيه ،إنما أشكو إلى الله عز وجل ،واعلم أن الله سيجعل لي مما
أنا فيه فرجا ً ومخرجاً ،وأعلم أن رؤيا يوسف ل بد أن تقع ،ول بد أن
َ َ
ما ل ن الل ّهِ َم ْ م ِ أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى ،ولهذا قال{ :وَأعْل َ ُ
ن}. مو َ تَعْل َ ُ
ثم قال لهم محرضا ً على تطلب يوسف وأخيه ،وأن يبحثوا عن
ن
م ْ
سوا ِ ف وَأ َ ِ
خيهِ وَل تَيْئ َ ُ س َ ن يُو ُم ْسوا ِ س ُ ح َّي اذْهَبُوا فَت َ َ أمرهما {يَا بَن ِ َّ
َ َّ
ن} أي ل تيئسوا م الكَافُِرو َ ن َروِْح الل ّهِ إِل الَْقوْ ُ ْ م
ِ س
ُ َ ئْ يَ ي ل ه
ُ َ ّ نح الل ِ
إ ِ ه َروْ ِ
من الفرج بعد الشدة ،فإنه ل ييأس من روح الله وفرجه وما يقدره
من المخرج في المضايق إل القوم الكافرون.
جئْنَا
ضُّر وَ ِسنَا وَأَهْلَنَا ال ُّ م َّ َ خلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيُز {فَل َ َّ
ما د َ َ
َ َ َ
جزِي ه يَ ْن الل ّ َصدَّقْ عَلَيْنَا إ ِ ّ ل وَت َ َف لَنَا الْكَي ْ َ جاةٍ فَأ ْو ِمْز َضاعَةٍ ُ بِب ِ َ
َ َ
جاهِلُو َ
ن، م َخيهِ إِذ ْ أنْت ُ ْ ف وَأ ِ س َ م بِيُو ُ ما فَعَلْت ُ ْم َ مت ُ ْ
ل عَل ِ ْل هَ ْن ،قَا َ صدِّقِي َ ال ْ ُ
مت َ َ
َ َ
ه عَلَيْنَا
ن الل ّ َُم ّخي قَد ْ َ ف وَهذ َا أ َ ِ س ُ ل أنَا يُو ُ
ف قَا َ َ س ُ ت يُو ُ َ ك لَن ْقَالُوا أَئِن َّ َ
َ َ َ َ
د
ق ْن ،قَالُوا تَالل ّهِ ل َ َ سنِي َ
ح ِ م ْ جَر ال ْ ُضيعُ أ ْ ه ل يُ ِ ن الل ّ َ صبِْر فإ ِ ّ ق وَي َ ْ م ْ َ
ن َيَت ّ ِ ه َإِن َّ ُ
م يَغِْفُر م الْيَوْ َب عَلَيْك ُ ْ ل ل تَثْرِي َ ن ،قَا َ َ خاطِئِي ن كُنَّا ل َ َ ه عَلَيْنَا وَإ ِ ْ ك الل ّ ُ آثََر َ
َ الل َّه لَك ُم وهُو أ َ
جهِ صي هَذ َا فَألُْقوهُ عَلَى َو ْ مي ِ ن ،اذْهَبُوا بَِق ِ َ مي
ِ ح ِ را َ ّ ال م
ُ ح
َ ر
ُ ْ ْ َ َ ْ
َ َ ْ َ
ن}. معِي َ ج َ مأ ْ صيرا ً وَأتُونِي بِأهْلِك ُ ْ ت بَ ِ أبِي يَأ ِ
يخبر تعالى عن رجوع إخوة يوسف إليه وقدومهم عليه ورغبتهم
مافيما لديه من الميرة والصدقة عليهم برد ّ أخيهم بنيامين إليهم {فَل َ َّ
ضُّر} أي من الجدب سنَا وَأَهْلَنَا ال ُّ م َّ َ
خلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أيُّهَا الْعَزِيُز َ دَ َ
جاةٍ } أي ضعيفة ل مْز َ ضاعَةٍ ُ جئْنَا بِب ِ َ وضيق الحال وكثرة العيال {وَ ِ
يقبل مثلها منا إل أن يتجاوز عنّا قيل :كانت دراهم رديئة .وقيل:
قليلة .وقيل حب الصنوبر ،وحب البطم ونحو ذلك .وعن ابن عبَّاس:
خلَقَ الغَِرائِرِ والحبال ،ونحو ذلك. كانت َ
َ َ َ
ن} قيل: صدِّقِي َ مت َ َجزِي ال ْ ُ ه يَ ْن الل ّ َ صدَّقْ عَلَيْنَا إ ِ ّ ل وَت َ َف لَنَا الْكَي ْ َ {فَأوْ ِ
جَريْج .وقال سدِّي .وقيل :برد ّ أخينا إلينا ،قاله ابن ُ بقبولها ،قال ال ُّ
سفيان بن عُيينة :إنما حرمت الصدقة على نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم ونزع بهذه الية رواه ابن جرير.
فلما رأى ما هم فيه من الحال وما جاؤا به مما لم يبق عندهم
سواه ،من ضعيف المال ،تعرف إليهم وعطف عليهم ،قائلً :لهم عن
أمر ربه وربهم .وقد حسر لهم عن جبينه الشريف وما يحويه من
َ ف وَأ َ ِ
مخيهِ إِذ ْ أنْت ُ ْ س َ م بِيُو ُما فَعَلْت ُ ْ م َ مت ُ ْ الحال الذي يعرفون فيه {هَ ْ
ل عَل ِ ْ
ن}{ .قَالُوا} وتعجبوا كل العجب ،وقد ترددوا إليه مراراً جاهِلُو ََ
ف }. س ُ َ َ
عديدة ،وهم ل يعرفون أنه هو {أئِن َّ َ
ت يُو ُ ك لن ْ َ
خي} يعني أنا يوسف الذي صنعتم معه ما ف وَهذ َا أ َ ِ س ُ {قَا َ َ
ل أنَا يُو ُ
خي} تأكيد صنعتم ،وسلف من أمركم فيه ما فرطتم ،وقوله {وَهذ َا أ َ ِ
لما قال ،وتنبيه على ما كانوا اضمروا لهما من الحسد ،وعملوا في
َ َ
ه عَلَيْنَا} ،أي بإحسانه ن الل ّ ُ م ّ أمرهما من الحتيال ،ولهذا قال{ :قَد ْ َ
إلينا وصدقته علينا ،وإيوائه لنا وشدّه معاقد عزنا ،وذلك بما أسلفنا
من طاعة ربنا ،وصبرنا على ما كان منكم إلينا وطاعتنا وبرنا لبينا،
َ َ َ
هل ن الل ّ َصبِْر فإ ِ ّ ق وَي َ ْ م ْ َ
ن يَت ّ ِ ه َ ومحبته الشديدة لنا وشفقته علينا {إِن َّ ُ
َ
ن}.سنِي َ ح ِ جَر ال ْ ُ
م ْ ضيعُ أ ْيُ ِ
َ َ َ َ
ه عَلَيْنَا} أي فضلك ،وأعطاك ما لم
ك الل ّ ُ قد ْ آثَر{قَالُوا تَالل ّهِ ل َ َ
ن} .أي فيما أسدينا إليك ،وها نحن بين خاطِئِي َ ن كُنَّا ل َ َ يعطنا {وَإ ِ ْ
يديك.
نصَر إ ِ ْ م ْ خلُوا ِ ل اد ْ ُ ف آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَا َ س َ خلُوا عَلَى يُو ُ ما د َ َ {فَل َ َّ
َ
ل يَاجدا ً وَقَا َ س َّ ه ُ خُّروا ل َ ُ ش وَ َ ِ ن ،وََرفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَْر منِي َ هآ ِ شاءَ الل ّ ُ َ
َ ْ َ
ن بِي إِذْ س َ ح َ حّقا ً وَقَد ْ أ ْ جعَلَهَا َربِّي َ ل قَد ْ َ ن قَب ْ ُ م ْ ل ُرؤْيَاي ِ ت هَذ َا تَأوِي ُ أب َ ِ
َ أَ
شيْطان ن نََزغ َ ال ّ ن بَعْد ِ أ ْ م ْ ن الْبَدْوِ ِ م ْ م ِ جاءَ بِك ُ ْ ن وَ َ ِ ج
ْ س
ِ ّ ال ن
ْ م
ِ ي ِ جن َ رَ خ
ْ
ب
مَ ،ر ِّ حكِي ُ م ال َ ْ ه هُوَ العَلِي ُْ َ
شاءُ إِن ّ ُ ما ي َ َ ف لِ َ َ
ن َربِّي لطِي ٌ َ خوَتِي إ ِ ّ نا ْ بَيْنِي وَبَي ْ َ
َ ْ َ
تماوَا ِ س َ ث فَاطَِر ال َّ حادِي ِ ل ال َ ن تَأوِي ِ م ْ متَنِي ِ ك وَعَل ّ ْ مل ْ ِ ن ال ْ ُ م ْ قَد ْ آتَيْتَنِي ِ
َ
سلِما ً وَأل ْ ِ َ ي فِي الدُّنْيَا وَال ِ َ وال َ
قنِي ح ْ م ْ خَرةِ تَوَفّنِي ُ ت وَل ِ ِ ّ ض أن ْ َ ِ ر ْ َ
ن}. حي َ صال ِ ِ بِال َّ
هذا إخبار عن حال اجتماع المتحابين بعد الفرقة الطويلة التي
قيل :إنها ثمانون سنة ،وقيل :ثلث وثمانون سنة ،وهما روايتان عن
مد بن ح ْ م َالحسن .وقيل :خمس وثلثون سنة ،قاله قتادة .وقال ُ
إسحاق :ذكروا أنه غاب عنه ثماني عشرة سنة .قال :وأهل الكتاب
يزعمون أنه غاب عنه أربعين سنة.
ن المرأة وظاهر سياق القصة يرشد إلى تحديد المدة تقريباً ،فإ َّ
راودته ،وهو شاب ابن سبع عشرة سنة ،فيما قاله غير واحد ،فامتنع
فكان في السجن بضع سنين ،وهي سبع عند عكرمة وغيره .ثم
أخرج فكانت سنوات الخصب السبع ،ثم لما امحل الناس في السبع
البواقي جاء اخوتهم يمتارون في السنة الولى وحدهم ،وفي الثانية
ومعهم أخوه بنيامين ،وفي الثالثة تعّرف إليهم وأمرهم بإحضار
أهلهم أجمعين ،فجاؤا كلهم.
ف آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} اجتمع بهم خصوصاً س َ خلُوا عَلَى يُو ُ ما د َ َ {فَل َ َّ
َّ
ن} .قيل: منِي َ هآ ِ شاءَ الل ُ ن َ صَر إ ِ ْ م ْ خلُوا ِ ل اد ْ ُ وحدهما دون اخوته {وَقَا َ
هذا من المقدم والمؤخر ،تقديره قال ادخلوا مصر وآوى إليه أبويه.
وضعفه ابن جرير وهو معذور .وقيل :بل تلقاهما وآواهما في منزل
َّ
ه
شاءَ الل ُ ن َ صَر إ ِ ْ م ْ خلُوا ِ الخيام ،ثم لما اقتربوا من باب مصر قال {اد ْ ُ
سدِّي :ولو قيل :إن المر ل يحتاج إلى هذا أيضاً ،وانه ن} .قاله ال ُّ منِي َ آ ِ
َّ ن َ
ه
شاءَ الل ُ ضمن قوله :ادخلوا بمعنى :اسكنوا مصر ،أو أقيموا بها {إ ِ ْ
ن} لكان صحيحا ً مليحا ً أيضاً. منِي َ آ ِ
وعند أهل الكتاب :أن يعقوب لما وصل إلى أرض جاشر -وهي
أرض بلبيس -خرج يوسف لتلقيه ،وكان يعقوب قد بعث ابنه يهوذا
شرا ً بقدومه ،وعندهم أن الملك أطلق لهم أرض جاشر، بين يديه مب ّ
يكونون فيها ويقيمون بها بنعمهم ومواشيهم ،وقد ذكر جماعة من
المفسرين ،أنه لما أزف قدوم نبي الله يعقوب -وهو إسرائيل -أراد
يوسف أن يخرج لتلقيه فركب معه الملك وجنوده خدمة ليوسف،
وتعظيما ً لنبي الله "إسرائيل" ،وأنه دعا للملك ،وأن الله رفع عن
أهل مصر بقية سنّى الجدب ببركة قدومه إليهم ،فالله أعلم.
وكان جملة من قدم مع يعقوب من بنيه وأولدهم -فيما قاله أبو
إسحاق السبيعي عن أبو عبيدة عن ابن مسعود -ثلثة وستين
إنساناً.
مد بن كعب ،عن عبد الله بن ح ْ م َ
وقال موسى بن عبيدة ،عن ُ
شداد :كانوا ثلثة وثمانين إنساناً.
وقال أبو إسحاق عن مسروق :دخلوا وهم ثلثمائة وتسعون
إنساناً.
قالوا :وخرجوا مع موسى وهم أزيد من ستمائة ألف مقاتل.
وفي نص أهل الكتاب :أنهم كانوا سبعين نفسا ً وسموهم.
ْ َ َ
ش} قيل :كانت أمه قد قال الله تعالى{ :وََرفَعَ أبَوَيْهِ عَلى العَْر ِ
ماتت كما هو عند علماء التوراة .وقال بعض المفسرين :أحياها الله
تعالى .وقال آخرون :بل كانت خالته "ليا" والخالة بمنزلة الم.
وقال ابن جرير وآخرون :بل ظاهر القرآن يقتضي بقاء حياة أمه
إلى يومئذ ،فل يعوّل على نقل أهل الكتاب فيما خالفه ،وهذا قوي.
والله أعلم.
خُّروا ل َ ُ
ه ورفعهما على العرش ،أي أجلسهما معه على سريره {وَ َ
جداً} أي سجد له البوان والخوة الحد عشر تعظيما ً وتكريماً، س َّ
ُ
وكان هذا مشروعا ً لهم ،ولم يزل ذلك معمول ً به في سائر الشرائع
حتى حرم في ملّتنا.
ل} أي هذا تعبير ما كنت ن قَب ْ ُ م ْ ل ُرؤْيَاي ِ ت هَذ َا تَأْوِي ُ َ {وَقَا َ
ل يَا أب َ ِ
قصصته عليك :من رؤيتي الحد عشر كوكباً ،والشمس والقمر ،حين
رأيتهم لي ساجدين وأمرتني بكتمانها ،ووعدتني ما وعدتني عند ذلك
ن} .أي ج ِ
س ْ
ن ال ِّ
م ْ
جنِي ِ
خَر َ ن بِي إِذ ْ أ َ ْ س َح َ
َ
حّقا ً وَقَد ْ أ ْ
جعَلَهَا َرب ِّي َ{قَد ْ َ
م ِ والضيق جعلني حاكماً ،نافذ َ الكلمة ،في الديار المصرية بعد اله ّ
ن الْبَدْوِ} أي البادية ،وكانوا يسكنون أرض م ْ جاءَ بِك ُ ْ
م ِ حيث شئت {وَ َ
ن ن نََزغ َ ال ّ َ
شيْطان بَيْنِي وَبَي ْ َ ن بَعْد ِ أ ْ م ْ العربات من بلد الخيل { ِ
ي من المر الذي تقدم وسبق ذكره. خوَتِي} أي فيما كان منهم إل ّ ا ْ
شاءُ} أي :إذا أراد شيئا ً هيّأ أسبابه ما ي َ َ ف لِ َن َربِّي لَطِي ٌ ثم قال{ :إ ِ َّ
سرها
سرها وسهلها من وجوه ل يهتدي إليها العباد بل يقدّرها ويي ّ وي ّ
م} أي بجميع م ال ْ َ
حكِي ُ ه هُوَ الْعَلِي ُ بلطيف صنعه وعظيم قدرته {إِن َّ ُ
م} في خلقه وشرعه وقدره. المور {ال ْ َ
حكِي ُ
وعند أهل الكتاب أن يوسف باع أهل مصر وغيرهم من الطعام
الذي كان تحت يده بأموالهم كلها من الذهب والفضة والعقار
والثاث وما يملكونه كله ،حتى باعهم بأنفسهم فصاروا أرقاء .ثم
أطلق لهم أرضهم ،وأعتق رقابهم ،على أن يعملوا ويكون خمس ما
يشتغلون من زرعهم وثمارهم للملك ،فصارت سنة أهل مصر بعده.
وحكى الثعلبي :أنه كان ل يشبع في تلك السنين حتى ل ينسى
الجيعان ،وأنه إنما كان يأكل أكلة واحدة نصف النهار قال :فمن ثم
اقتدى به الملوك في ذلك .قلت :وقد كان أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضي الله عنه ل يشبع بطنه عام الرمادة ،حتى ذهب
الجدب وأتى الخصب.
قال الشافعي :قال رجل من العراب لعمر بعد ما ذهب عام
الرمادة :لقد انجلت عنك ،وإنك لبن حرة.
ثم لما رأى يوسف عليه السلم نعمته قد تمت ،وشمله قد
اجتمع ،عرف أن هذه الدار ل يقربها قرار .وأن كل شيء فيها ومن
عليها فان .وما بعد التمام إل النقصان فعند ذلك أثنى على ربّه بما
هو أهله ،واعترف له بعظيم إحسانه وفضله .وسأل منه -وهو خير
المسؤولين -أن يتوفاه ،أي حين يتوفاه ،على السلم .وأن يلحقه
بعباده الصالحين .وهكذا كما يقال في الدعاء" .اللهم أحينا مسلمين
وتوفّنا مسلمين" أي حين تتوفانا.
ويحتمل أنه سأل ذلك عند احتضاره عليه السلم ،كما سأل النبي
صلى الله عليه وسلم عند احتضاره أن يرفع روحه إلى المل العلى
والرفقاء الصالحين ،من النبيين والمرسلين كما قال اللهم في
الرفيق العلى -ثلثا -ثم قضي.
ويحتمل أن يوسف عليه السلم سأل الوفاة على السلم منجزاً
في صحة بدنه وسلمته ،وان ذلك كان سائغا ً في ملتهم وشرعتهم.
كما روي عن ابن عبَّاس ،أنه قال :ما تمنى نبي قط الموت قبل
يوسف.
فأما في شريعتنا فقد نهى عن الدعاء بالموت إل ّ عند الفتن ،كما
في حديث معاذ في الدعاء الذي رواه أحمد "وإذا أردت بقوم فتنة
فتوفنا إليك غير مفتونين" وفي الحديث الخر "ابن آدم الموت خير
ت قَب ْ َ
ل هَذ َا لك من الفتنة" .وقالت مريم عليها السلم{ :يَا لَيْتَنِي ِ
م ُّ
سيًّا} وتمنى الموت علي بن أبي طالب لما تفاقمت من ْ ِ
سيًا َ َوكُن ُ
ت نَ ْ
المور ،وعظمت الفتن واشتد القتال وكثر القيل والقال ،وتمنى ذلك
خاريّ أبو عبد الله صاحب الصحيح لما اشتد عليه الحال ،ولقي الب ُ َ
من مخالفيه الهوال.
خاريّ ومسلم في فأما في حال الرفاهية ،فقد روى الب ُ َ
"صحيحه"ما من حديث أنس بن مالك قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم" :ل يتمنى أحدكم الموت لضّر نزل به ،إما محسناً
فلعله يزداد ،وإما مسيئاً ،فلعله يستعتب ،ولكن ليقل :اللهم أحيني
ما كانت الحياة خيرا ً لي ،وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا ً لي"والمراد
بالضر ها هنا ما يخص العبد في بدنه من مرض ونحوه ل في دينه.
والظاهر أن نبي الله يوسف عليه السلم سأل ذلك إما عند
احتضاره ،أو إذا كان ذلك أن يكون كذلك.
وقد ذكر ابن إسحاق عن أهل الكتاب :أن يعقوب أقام بديار
مصر عند يوسف سبع عشرة سنة ،ثم توفي عليه السلم ،وكان قد
أوصى إلى يوسف عليه السلم أن يدفن عند أبويه إبراهيم وإسحاق.
صبِّره وسيَّره إلى بلد الشام ،فدفنه بالمغارة عند أبيه قال ال ُّ
سدِّي :فَ ُ
إسحاق وجده الخليل عليهم السلم.
وعند أهل الكتاب :أن عمر يعقوب يوم دخل مصر مائة وثلثون
سنة .وعندهم انه أقام بأرض مصر سبع عشرة سنة ،ومع هذا قالوا:
فكان جميع عمره مائة وأربعين سنة.
هذا نص كتابهم ،وهو غلط إما في النسخة ،أو منهم ،أو قد
اسقطوا الكسر ،وليس بعادتهم فيما هو أكثر من هذا ،فكيف
يستعملون هذه الطريقة ها هنا؟.
َ
ضَر ح َ شهَدَاءَ إِذ ْ َم ُ م كُنت ُ ْ وقد قال تعالى في كتابه العزيز{ :أ ْ
ك وَإِل َ َ
ه ن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُد ُ إِل َ َه َ م ْ ن ِما تَعْبُدُو َل لِبَنِيهِ َت إِذ ْ قَا َموْ ُب ال ْ َ
يَعُْقو َ
ن} مو َ سل ِ ُم ْ ه ُن لَ ُ حدا ً وَن َ ْ
ح ُ حاقَ إِلَها ً وَا ِس َ عي َ
ل وَإ ِ ْ ما ِ
س َم وَإ ِ ْ آبَائ ِ َ
ك إِبَْراهِي َ
يوصي بنيه بالخلص وهو دين السلم الذي بعث الله به النبياء
عليهم السلم.
وقد ذكر أهل الكتاب :أنه أوصى بنيه واحدا ً واحداً ،وأخبرهم بما
ي عظيم من نسله ،تطيعه شر يهوذا بخروج نب ّ يكون من أمرهم ،وب ّ
الشعوب وهو عيسى بن مريم والله أعلم.
وذكروا :أنه لما مات يعقوب بكى عليه أهل مصر سبعين يوماً
وأمر يوسف الطباء فطيبوه بطيب ،ومكث فيه أربعين يوما ً ثم
استأذن يوسف ملك مصر في الخروج مع أبيه ليدفنه عند أهله،
ما وصلوا حبرون دفنوه فأذن له ،وخرج معه أكابر مصر وشيوخها ،فل ّ
في المغارة ،التي كان اشتراها إبراهيم الخليل من عفرون بن صخر
الحيثي ،وعملوا له عزاء سبعة أيام.
قالوا :ثم رجعوا إلى بلدهم وعّزى اخوة يوسف يوسف في
أبيهم ،وترققوا له ،فأكرمهم وأحسن منقلبهم ،فأقاموا ببلد مصر.
ثم حضرت يوسف عليه السلم الوفاة فأوصى أن يحمل معهم
إذا خرجوا من مصر فيدفن عند آبائه ،فحنّطوه ووضعوه في تابوت،
فكان بمصر حتى أخرجه معه موسى عليه السلم ،فدفنه عند آبائه
كما سيأتي .قالوا :فمات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين.
هذا نصهم فيما رأيته وفيما حكاه ابن جرير أيضاً .وقال مبارك بن
فضالة عن الحسن :ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة
سنة ،وغاب عن أبيه ثمانين سنة ،وعاش بعد ذلك ثلثا ً وعشرين
سنة .ومات وهو ابن مائة سنة وعشرين سنة .وقال غيره :أوصى
إلى أخيه يهوذا ،صلوات الله عليه وسلمه.
وقد اختلفوا في مدة بلواه على أقوال فزعم وهب :أنه ابتلي
سنين ل تزيد ول تنقص .وقال أنس :ابتلى سبع سنين وأشهراً،
وألقي على مزبلة لبني إسرائيل ،تختلف الدواب في جسده حتى
فرج الله عنه ،وأعظم له الجر ،وأحسن الثناء عليه .وقال حميد:
مكث في بلواه ثمانية عشرة سنة.
دّي :تساقط لحمه حتى لم يبق إل العظم والعصب. وقال ال ُّ
س ِ
فكانت امرأته تأتيه بالّرماد تفرشه تحته فلما طال عليها ،قالت" :يا
أيوب لو دعوت ربك لفرج عنك فقال قد عشت سبعين سنة صحيحاً
فهو قليل لله أن أصبر له سبعين سنة" .فجزعت من هذا الكلم
وكانت تخدم الناس بالجر وتطعم أيوب عليه السلم.
ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها ،لعلمهم أنها امرأة أيوب،
خوفا ً أن ينالهم من بلئه ،أو تعديهم بمخالطته ،فلما لم تجد أحداً
يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الشراف إحدى ضفيرتيها
بطعام طيب كثير ،فأتت به أيوب ،فقال :من أين لك هذا؟ وأنكره،
فقالت :خدمت به أناساً ،فلما كان الغد لم تجد أحداً ،فباعت
الضفيرة الخرى بطعام فأتته به فأنكره أيضاً ،وحلف ل يأكله حتى
تخبره من أين لها هذا الطعام؟ فكشفت عن رأسها خمارها ،فلما
رأى رأسها محلوقاً ،قال في دعائه" :رب إني مسني الضر وأنت
أرحم الراحمين".
حدَّثَنا جرير بن حدَّثَنا أبو سلمةَ ،حدَّثَنا أبيَ ،
وقال ابن أبي حاتم َ
حازم ،عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال :كان ليوب أخوان فجاءا
يوماً ،فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه ،فقاما من بعيد ،فقال
أحدهما لصاحبه :لو كان الله علم من أيوب خيرا ً ما ابتله بهذا،
فجزع أيوب من قولهما جزعا ً لم يجزع مثله من شيء قط ،قال:
"اللهم أن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعانا ً وأنا اعلم مكان
جائع فصدقني) فصدِّق من السماء وهما يسمعان" ثم قال" :اللهم
عار
ٍ إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط وأنا أعلم مكان
فصدقني فصدّق من السماء وهما يسمعان" ثم قال :اللهم بعّزتك،
وخَّر ساجدا ً فقال :اللهم بعّزتك ل ارفع رأسي أبداً ،حتى تكشف
عني ،فما رفع رأسه حتى كشف عنه.
حدَّثَنا يونس بن عبدوقال ابن أبي حاتم وابن جرير جميعاًَ :
العلى أنبأنا ابن وهب ،أخبرني نافع بن يزيد ،عن عقيل ،عن
الزهري ،عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن نبي الله أيوب لبث به بلؤه ثماني عشرة سنة ،فرفضه القريب
والبعيد ،إل رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له ،كانا يغدوان
إليه ويروحان ،فقال :أحدهما لصاحبه تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً
ما أذنبه أحد من العالمين .قال له صاحبه :وما ذاك؟ قال :منذ ثماني
عشر سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به .فلما راحا إليه لم يصبر
الرجل حتى ذكر ذلك له .فقال أيوب :ل ادري ما تقول غير أن الله
عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله
فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكرا الله إل في حق.
قال وكان يخرج في حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى
يرجع ،فلما كان ذات يوم أبطأت عليه فأوحى الله إلى أيوب في
ب}فاستبطأته شَرا ٌ س ٌ
ل بَارِد ٌ وَ َ مغْت َ َ جل ِ َ
ك هَذ َا ُ مكانه أن {اْرك ُ ْ
ض بِرِ ْ
فتلقته تنظر ،وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلء ،وهو على
أحسن ما كان ،فلما رأته ،قالت :أي بارك الله فيك هل رأيت نب َّ
ي
الله هذا المبتلى؟ فو اللهِ القدير على ذلك ما رأيت رجل ً أشبه به
منك إذ كان صحيحا ً قال :فإني أنا هو .قال :وكان له اندران ،اندر
للقمح وأندر للشعير ،فبعث الله سحابتين ،فلما كانت أحداهما على
أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض ،وأفرغت الخرى في أندر
الورقَ حتى فاض". ِ الشعير
هذا لفظ ابن جرير ،وهكذا رواه بتمامه ابن حبان في "صحيحه"
مد بن الحسن بن قتيبة عن ابن وهب به .وهذا غريب رفعه ح ْ
م َعن ُ
جداً ،والشبه أن يكون موقوفاً.
حدَّثَناحدَّثَنا موسى بن إسماعيلَ ،
حدَّثَنا أبيَ ،
وقال ابن أبي حاتمَ :
حماد ،أنبأنا علي بن زيد ،عن يوسف بن مهران ،عن ابن عبَّاس قال:
حى أيوب ،وجلس في ناحية ،وجاءت وألبسه الله حلة من الجنَّة فتن ّ
امرأته فلم تعرفه ،فقالت :يا عبد الله هذا المبتلى الذي كان هاهنا،
لعل الكلب ذهبت به ،أو الذئاب؟ وجعلت تكلمه ساعة .قال :ويحك
أنا أيوب ،قالت :أتسخر مني يا عبد الله؟ فقال :ويحك أنا أيوب قد
ي جسدي.رد الله عل ّ
قال ابن عبَّاس :ورد الله عليه ماله وولده بأعيانهم ومثلهم
معهم.
وقال وهب بن منبه :أوحى الله إليه ( :قد رددت عليك أهلك
بل بهذا الماء ،فإن فيه شفاءك ،وقّرِ ْ س ْ
ومالك ومثلهم معهم ،فاغت ِ
عن صحابتك قرباناً ،واستغفر لهم ،فإنهم قد عصوني فيك).
رواه ابن أبي حاتم.
حدَّثَنا عمرو بن مرزوق،حدَّثَنا أبو زرعةَ ،
وقال ابن أبي حاتمَ ،
حدَّثَنا همام ،عن قتادة ،عن النضر بن أنس ،عن بشير بن نهيك ،عن َ
أبي هريرة ،عن النبي ،صلى الله عليه وسلم قال " :لما عافى الله
أيوب عليه السلم أمطر عليه جرادا ً من ذهب ،فجعل يأخذ بيده
ب ومن ويجعل في ثوبه ،قال :فقيل له :يا أيوب أما تشبع؟ قال :يا ر ّ
يشبع من رحمتك؟!".
ج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه ،ول سيما في وهذا من الَفَر ِ
حق امرأته الصابرة المحتسبة المكابدة الصديقة البارة الراشدة
رضي الله عنها.
صابِرا ً نِعْ َ
م ولهذا عقب الله الرخصة وعللها بقوله {إِنَّا وَ َ
جدْنَاهُ َ
الْعبد إن َ َ
ب} وقد استعمل كثير من الفقهاء هذه الرخصة في ه أوَّا ٌ
َ ْ ُ ِّ ُ
سع آخرون فيها حتى وضعوا كتاب الحيل باب اليمان والنذور ،وتو ّ
في الخلص من اليمان ،وصدَُّروه بهذه الية الكريمة ،وأتوا فيه
بأشياء من العجائب والغرائب .وسنذكر طرفا ً من ذلك في كتاب
الحكام عند الوصول إليه إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر ابن جرير وغيره من علماء التاريخ أن أيوب عليه
السلم لما توفي كان عمره ثلثا ً وتسعين سنة .وقيل :إنه عاش اكثر
من ذلك.
وقد روى ليث عن مجاهد ما معناه أن الله يحتج يوم القيامة
بسليمان عليه السلم على الغنياء ،وبيوسف عليه السلم على
الرقّاء ،وبأيوب عليه السلم على أهل البلء .رواه ابن عساكر
بمعناه.
وأنه أوصى إلى ولده حومل ،وقام بالمر بعده ولده بشر بن
أيوب ،وهو الذي يزعم كثير من الناس أنه ذو الكفل فالله أعلم.
ومات ابنه هذا وكان نبيا ً فيما يزعمون ،وكان عمره من السنين
خمسا ً وسبعين.
صة ذي الكفل ،إذ قال بعضهم إنه ابن أيوب ولنذكر ها هنا ق ّ
عليهما السلم وهذه هي.
أصحاب الَّر ّ
سِ
َ
بحا َص َ مود َ وَأ ْ قال الله تعالى في سورة الفرقان {وَعَادا ً وَث َ ُ
ل َوكُّل ً تَبَّْرنَا تَتْبِيراً} َ
مثَا َ ه ال ْ ضَربْنَا ل َ ُ
ك كَثِيراً ،وَكُل َ س وَقُُرونا ً بَي ْ َ
ن ذَل ِ َ الَّر ِّ
َ
بحا ُص َ
م نُوٍح وَأ ْ م قَوْ ُ ت قَبْل َ ُه ْ وقال الله تعالى في صورة ق{ :كَذَّب َ ْ
َ َ
م تُبٍَّع
ب اليْكَةِ وَقَوْ ُ حا ُ ص َ ط ،وَأ ْ ن لُو ٍ خوَا ُن وَإ ِ ْ
مودُ ،وَعَاد ٌ وَفِْرعَوْ ُ س وَث َ ُ الَّر ِّ
عيدِ}.حقَّ وَ ِ ل فَ َس َ ب الُّر ُ ل كَذ َّ َ ك ُ ٌّ
وهذا السياق والذي قبله يدل على أنهم أهلكوا ودمروا ،وتبّروا
وهو الهلك.
وهذا يرد اختيار ابن جرير من أنهم أصحاب الخدود الذين ذكروا
ن أولئك عند بن إسحاق وجماعة كانوا بعد في سورة البروج ،ل ّ
المسيح عليه السلم وفيه نظر أيضاً.
وروى ابن جرير قال :قال ابن عبَّاس :أصحاب الرس أهل قرية
من قرى ثمود.
وقد ذكر الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر في أول تاريخه
عند ذكر بناء دمشق عن تاريخ أبي القاسم عبد الله بن عبد الله بن
ضوَّر ،فبعث الله إليهم نبيّاً
ح َ
جرداد وغيره أن أصحاب الرس كانوا ب ِ َ
يقال له :حنظلة بن صفوان ،فكذبوه وقتلوه ،فسار عاد بن عوص بن
ارم بن سام بن نوح بولده من الرس ،فنزل الحقاف ،وأهلك الله
أصحاب الَّرس ،وانتشروا في اليمن كلها ،وفشوا مع ذلك في الرض
كلها ،حتى نزل جيرون بن سعد بن عاد بن عوص بن ارم بن سام
بن نوح دمشق ،وبنى مدينتها ،وسماها جيرون ،وهي ارم ذات
العماد ،وليس أعمدة الحجارة في موضع أكثر منها بدمشق ،فبعث
الله هود بن عبد الله بن رباح بن خالد بن الحلود بن عاد إلى عاد،
يعني أولد عاد بالحقاف ،فكذبوه فأهلكم الله عز وجل.
فهذا يقتضي أن أصحاب الرس قبل عاد بدهور متطاولة فالله
أعلم.
وروى ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن أبي عاصم عن أبيه عن
شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال :الرس بئر
بأذربيجان .وقال الثوري عن أبي بكر عن عكرمة قال :الرس بئر
سوا فيها نبيَّهم ،أي دفنوه فيها.ر ّ
س بفلج ،وهم أصحاب جَريْج قال عكرمة :أصحاب الَّر ِّ قال ابن ُ
يس .وقال قتادة :فلج من قرى اليمامة.
قلت :فإن كانوا أصحاب ياسين كما زعمه عكرمة فقد أهلكوا
َ
حدَة ً فَإِذ َا
ة وَا ِ
ح ً ت إ ِ ّل َ
صي ْ َ ن كَان َ ْبعامة ،قال الله تعالى في قصتهم{ :إ ِ ْ
ن} وستأتي قصتهم بعد هؤلء. مدُو َ
خا ِ
م َهُ ْ
وإن كانوا غيرهم وهو الظاهر فقد اهلكوا أيضا ً وتبّروا .وعلى كل
تقدير فينافي ما ذكره ابن جرير.
مد بن الحسن النقاش أن أصحاب الرس ح ْ
م َ
وقد ذكر أبو بكر ُ
كانت لهم بئر ترويهم وتكفي أرضهم جميعها ،وكان لهم ملك عادل
حسن السيرة ،فلما مات وجدوا عليه وجدا ً عظيماً ،فلما كان بعد
شيْطان في صورته ،وقال :إني لم أمت ،ولكن أيام تصوّر لهم ال ّ
تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم ،ففرحوا أشد الفرح وأمر بضرب
حجاب بينهم وبينه ،وأخبرهم أنه ل يموت أبداً ،فصدق به أكثرهم
وافتتنوا به وعبدوه .فبعث الله فيهم نبيا ً فأخبرهم أن هذا شيطان
يخاطبهم من وراء الحجاب ،ونهاهم عن عبادته ،وأمرهم بعبادة الله
وحده ل شريك له.
قال السهيلي :وكان يوحى إليه في النوم ،وكان اسمه حنظلة بن
صفوان ،فَعَدوْا عليه فقتلوه ،وألقوه في البئر ،فغار ماؤها ،وعطشوا
بعد ريهم ،ويبست أشجارهم وانقطعت ثمارهم ،وخربت ديارهم،
وتبدلوا بعد النس بالوحشة وبعد الجتماع بالفرقة وهلكوا عن
أخرهم ،وسكن في مساكنهم الجن والوحوش ،فل يسمع ببقاعهم إل
عزيف الجن وزئير السود وصوت الضباع.
مد بن حميد عن سلمة ح ْ
م َ
فأما ما رواه -أعني ابن جرير -عن ُ
مد بن كعب القرظي قال :قال رسول الله ح ْ م َ
عن ابن إسحاق عن ُ
صلى الله عليه وسلم" :إن أول الناس يدخل الجنَّة يوم القيامة العبد
السود" وذلك أن الله تعالى بعث نبيا ً إلى أهل قرية فلم يؤمن به
من أهلها إل ذلك العبد السود .ثم إن أهل القرية عدوا على النبي
فحفروا له بئرا ً فألقوه فيها ،ثم أطبقوا عليه بحجر أصم ،قال :فكان
ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ثم يأتي بحطبه فيبيعه
ويشتري به طعاما ً وشراباً ،ثم يأتي به إلى تلك البئر فيرفع تلك
الصخرة ويعينه الله عليها ويدلى إليه طعامه وشرابه ثم يردها ،كما
كانت.
قال :فكان كذلك ما شاء الله أن يكون .ثم إنه ذهب يوماً
يحتطب كما كان يصنع ،فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها ،فلما
ة ،فاضطجع ينام فضرب الله على أذنه سبع سن َ ًأراد أن يحتملها وجد َ
سنين نائماً ،ثم إنه هب فتمطّى ،وتحوّل لشقه الخر فاضطجع
فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى ،ثم إنه هب واحتمل حزمته،
ول يحسب أنه نام إل ساعة من نهار فجاء إلى القرية فباع حزمته،
ثم اشترى طعاما ً وشرابا ً كما كان يصنع .ثم إنه ذهب إلى الحفيرة
إلى موضعها الذي كانت فيه فالتمسه فلم يجده ،وقد كان بدا لقومه
فيه بداء ،فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه.
فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبي الله يونس ،فلم يسمحوا
مر ليخلع ثيابه ويلقي به ،فأعادوها ثانية فوقعت عليه أيضاً ،فش ّ
بنفسه فأبوا عليه ذلك .ثم أعادوا القرعة ثالثة فوقعت عليه أيضا ً لما
يريده الله به من المر العظيم.
َ
سلِين ،إِذ ْ أبَقَ إِلَى الُْفل ْ ِ
ك مْر َن ال ْ ُ
م ْس لَ ِ قال الله تعالى{ :وَإ ِ َّ
ن يُون ُ َ
و
ت وَهُ َ
حو ُ ه ال ْ ُ ن ،فَالْتََق َ
م ُ ضي َ ح ِ ن ال ْ ُ
مد ْ َ م ْ
ن ِ م فَكَا َ ن ،فَ َ
ساهَ َ حو ِ م ْ
ش ُ ال ْ َ
م} وذلك أنه لما وقعت عليه القرعة ألقي في البحر ،وبعث الله ملِي ٌُ
عز وجل حوتا عظيما من البحر الخضر فالتقمه ،وأمره الله تعالى ً ً
أن ل يأكل له لحما ،ول يهشم له عظماً ،فليس لك برزق فأخذه
فطاف به البحار كلها .وقيل :إنه ابتلع ذلك الحوت حوت آخر أكبر
منه .قالوا :ولما استقر في جوف الحوت حسب أنه قد مات ،فحّرك
جوارحه فتحركت ،فإذا هو حي ،فخر لله ساجداً ،وقال :يا رب
اتخذت لك مسجدا ً في موضع لم يعبدك أحدا ً في مثله.
شعبي:وقد اختلفوا في مقدار لبثه في بطنه .فقال مجالد عن ال َّ
ة .وقال قتادة :مكث فيه ثلثا ً وقال جعفر شي ً التقمه ضحى ولفظه ع َّ
ً
الصادق ،سبعة أيام ويشهد له شعر أمية بن أبي الصلت:
حوتف ُ ت في أضعا ِ ت يُونسا ً ** * وقد با َك نجي ّ َل من َ
ت بفض ٍ
وأن َ
لياليا
وقال سعيد بن أبي الحسن وأبو مالك :مكث في جوفه أربعين
يوماً .والله أعلم كم مقدار ما لبث فيه.