You are on page 1of 2

‫هل النسان مسير أو مخير ؟‬

‫فأجاب الشيخ العثيمين– رحمه ال تعالى ‪-‬‬

‫" على السائل أن يسأل نفسه هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال وهل هو يختار نوع‬
‫السيارة التي يقتنيها ؟ إلى أمثال ذلك من السئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير‬
‫ثم يسأل نفسه هل يصيبه الحادث باختياره ؟ هل يصيبه المرض باختياره ؟ هل يموت باختياره‬
‫؟ إلى أمثال ذلك من السئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير ‪ .‬والجواب‪ :‬أن المور‬
‫شاَء‬
‫ن َ‬ ‫التي يفعلها النسان العاقل يفعلها باختياره بل ريب واسمع إلى قول ال تعالى‪َ ) :-‬فَم ْ‬
‫خَرَة‬ ‫لِ‬‫ن ُيِريُد ا ْ‬‫ن ُيِريُد الّدْنَيا َوِمْنُكْم َم ْ‬
‫خَذ ِإَلى َرّبِه َمآبًا ()النبأ‪ -(39:‬وإلى قوله تعالى ) ِمْنُكْم َم ْ‬ ‫اّت َ‬
‫ن َفُأوَلِئ َ‬
‫ك‬ ‫سْعَيَها َوُهَو ُمْؤِم ٌ‬ ‫سَعى َلَها َ‬ ‫خَرةَ َو َ‬‫لِ‬ ‫ن َأَراَد ا ْ‬‫()آل عمران ‪ (152:‬وإلى قوله تعالى ) َوَم ْ‬
‫ك(‬‫سٍ‬ ‫صَدَقٍة َأْو ُن ُ‬
‫صَياٍم َأْو َ‬ ‫ن ِ‬ ‫شُكورًا( )السراء‪ (19:‬وإلى قوله تعالى ) َفِفْدَيٌة ِم ْ‬ ‫سْعُيُهْم َم ْ‬‫ن َ‬ ‫َكا َ‬
‫)البقرة ‪ (196:‬حيث خير الفادي فيما يفدي به ‪ .‬ولكن العبد إذا أراد شيئًا وفعله علمنا أن ال‬
‫شاَء‬‫ن َي َ‬
‫ن ِإّل َأ ْ‬‫شاُءو َ‬ ‫ن َيسَْتِقيَم )‪َ (28‬وَما َت َ‬ ‫شاَء ِمْنُكْم َأ ْ‬‫ن َ‬‫‪-‬تعالى ‪-‬قد أراده ‪-‬لقوله ‪-‬تعالى‪ِ ) :-‬لَم ْ‬
‫ن( )التكوير‪ (29:‬فلكمال ربوبيته ل يقع شيء في السموات والرض إل‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫ل َر ّ‬‫ا ُّ‬
‫بمشيئته تعالى ‪ ،‬وأما المور التي تقع على العبد أو منه بغير اختياره كالمرض والموت‬
‫والحوادث فهي بمحض القدر وليس للعبد اختيار فيها ول إرادة ‪ .‬وال الموفق‪ ".‬ا‪.‬هـ‬

‫وقال –رحمه ال تعالى – " هل النسان مسير أو مخير ؟ وهل له إرادة أو ليس له إرادة ؟‬
‫فنقول ‪ :‬النسان مخير إن شاء آمن وإن شاء كفر بمعنى أن له الختيار وإن كان ليس سواًء‬
‫ل يستوي الكفر واليمان لكن له اختيار أن يختار اليمان أو أن يختار الكفر وهذا أمٌر مشاهٌد‬
‫معلوم فليس أحٌد أجبر الكافر على أن يكفر وليس أحٌد أجبر المؤمن على أن يؤمن بل الكافر‬
‫كفر باختياره والمؤمن آمن باختياره كما أن النسان يخرج من بيته باختياره ويرجع إليه‬
‫باختياره وكما أن النسان يدخل المدرسة الفلنية باختياره ويدخل الجامعة الفلنية باختياره‬
‫وكما أن النسان يسافر باختياره إلى مكة أو إلى المدينة أو ما أشبه ذلك وهذا أمٌر ل إشكال‬
‫فيه ول جدال فيه ول يمكن أن يجادل فيه إل مكابر نعم هناك أشياء ل يمكن أن تكون باختيار‬
‫ت عليه أو احتراق أو‬ ‫النسان كحوادث تحدث للنسان من انقلب سيارة أو صدم أو سقوط بي ٍ‬
‫ما أشبه هذا هذا ل شك أن ل اختيار للنسان فيه بل هو قضاٌء وقدر ممن له المر ولهذا‬
‫عاقب ال سبحانه وتعالى الكافرين على كفرهم لنهم كفروا باختيارهم ولو كان بغير اختياٍر‬
‫منهم ما عوقبوا أل ترى أن النسان إذا أكره على الفعل ولو كان كفرًا أو على القول ولو كان‬
‫كفرًا فإنه ل يعاقب عليه لنه بغير اختياٍر منه أل ترى أن النائم قد يتكلم وهو نائم بالكفر وقد‬
‫يرى نفسه ساجدًا لصنم وهو نائم ول يؤاخذ بهذا لن ذلك بغير اختياره فالشيء الذي ل اختيار‬
‫للنسان فيه ل يعاقب عليه فإذا عاقب ال النسان على فعله السيئ دل ذلك على أنه عوقب‬
‫ق وعدل لنه فعل السيئ باختياره ‪ ,‬وأما توهم بعض الناس أن النسان مسير ل مخير من‬ ‫بح ٍ‬
‫كون ال سبحانه وتعالى قد قضى ما أراد في علمه الزلي بأن هذا النسان من أهل الشقاء‬
‫وهذا النسان من أهل السعادة فإن هذا ل حجة فيه وذلك لن النسان ليس عنده علٌم بما قدر‬
‫س ماذا تكسب غدًا وهو‬ ‫ال سبحانه وتعالى إذ أن هذا سٌر مكتوم ل يعلمه الخلق فل تعلم نف ٌ‬
‫حين يقدم على المخالفة بترك الواجب أو فعل المحرم يقدم على غير أساس وعلى غير علم‬
‫ل فالنسان الذي يصلي ل يعلم أن ال كتب له أن‬ ‫لنه ل يعلم ماذا كتب عليه إل إذا وقع منه فع ً‬
‫يصلي إل إذا صلى والنسان السارق ل يعلم أن ال كتب عليه أن يسرق إل إذا سرق وهو لم‬
‫يجبر على السرقة ولم يجبر المصلي على الصلة بل صلى باختياره والسارق سرق باختياره‬
‫ولما حدث النبي ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أصحابه بأنه ) ما من أحد إل وقد كتب مقعده من‬
‫الجنة ومقعده من النار ( قالوا ‪ :‬يا رسول ال أل ندع العمل ونتكل ؟ قال ‪ ) :‬ل اعملوا فكٌل‬
‫ميسر لما خلق له ( فأمر بالعمل والعمل اختياري وليس اضطراريًا ول إجباريًا فإذا كان يقول ‪-‬‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ) -‬اعملوا فكٌل ميسر لما خلق له ( نقول للنسان اعمل يا أخي صالحا‬
‫ل صالحًا‬ ‫اعمل صالحًا حتى يتبين أنك ميسر لعمل أهل السعادة وكٌل بل شك إن شاء عمل عم ً‬
‫ل سيئًا ول يجوز للنسان أن يحتج بالقدر على الشرع فيعصي ال ويقول‬ ‫وإن شاء عمل عم ً‬
‫هذا أمٌر مكتوب علي يترك الصلة مع الجماعة ويقول هذا أمر مكتوب علي يشرب الخمر‬
‫ب علي ما‬ ‫ويقول هذا أمر كتب علي يطلق نظره في النساء الجنبيات ويقول هذا أمٌر مكتو ٌ‬
‫ب عليك فعملته ‪ ,‬أنت لم تعلم أنه كتب إل بعد أن تعمل لماذا لم تقدر أن‬ ‫الذي أعلمك أنه مكتو ٌ‬
‫ال كتبك من أهل السعادة فتعمل بعمل أهل السعادة ‪ ,‬وأما قول السائل هل للنسان إرادة ؟‬
‫ن ُيِريُد‬‫ن ُيِريُد الّدْنَيا َوِمْنُكْم َم ْ‬
‫نقول ‪ :‬نعم له إرادة بل شك قال ال تبارك وتعالى ) ِمْنُكْم َم ْ‬
‫ن(‬‫سْعَيَها َوُهَو ُمْؤِم ٌ‬ ‫سَعى َلَها َ‬ ‫خَرَة َو َ‬‫لِ‬‫ن َأَراَد ا ْ‬
‫خَرَة ()آل عمران ‪ (152 :‬وقال تعالى ) َوَم ْ‬ ‫لِ‬‫اْ‬
‫ن ُيِريُد‬‫ن َكا َ‬‫حْرِثِه َوَم ْ‬‫خَرةِ َنِزْد َلُه ِفي َ‬ ‫لِ‬ ‫ثا ْ‬‫حْر َ‬‫ن ُيِريُد َ‬ ‫ن َكا َ‬
‫)السراء ‪ (19 :‬وقال تعالى ) َم ْ‬
‫ب ( )الشورى ‪ (20:‬واليات في هذا‬ ‫صي ٍ‬
‫ن َن ِ‬ ‫خَرِة ِم ْ‬‫لِ‬‫ث الّدْنَيا ُنْؤِتِه ِمْنَها َوَما َلُه ِفي ا ْ‬
‫حْر َ‬ ‫َ‬
‫معروفة وكذلك الحاديث معروفة في أن النسان يعمل باختيار وإرادة ولهذا إذا وقع العمل‬
‫خْذَنا ِإ ْ‬
‫ن‬ ‫الذي فيه المخالفة من غير إرادة ول اختيار عفي عنه قال ال تعالى ) َرّبَنا ل ُتَؤا ِ‬
‫ح ِفيَما‬‫جَنا ٌ‬‫عَلْيُكْم ُ‬‫س َ‬ ‫طْأَنا ()البقرة ‪ (28:‬فقال ال ‪ :‬قد فعلت ‪ .‬وقال تعالى ) َوَلْي َ‬ ‫خَ‬ ‫سيَنا َأْو َأ ْ‬
‫َن ِ‬
‫طْأُتْم ِبِه ( )الحزاب ‪ (5:‬وهذا أمٌر ول الحمد ظاهر ول إشكال فيه إل على سبيل المنازعة‬ ‫خَ‬‫َأ ْ‬
‫ي عنهما إذا لم يكن المقصود بذلك الوصول على‬ ‫والمخاصمة ‪ ,‬والمنازعة والمخاصمة منه ٌ‬
‫الحق وقد خرج النبي ‪-‬صلى ال عليه وعلى آله وسلم‪ -‬ذات يوم على أصحابه وهم يتنازعون‬
‫في القدر فتأثر من ذلك عليه الصلة والسلم لن هذا النزاع ل يؤدي إلى شيء إل إلى‬
‫خصومة وتطاول كلم وغير ذلك وإل فالمر واضح ول الحمد‪".‬‬

You might also like