Professional Documents
Culture Documents
أباطيل وخرافات حول القرآن الكريم والنبي محمد عليه الصلاة والسلام
أباطيل وخرافات حول القرآن الكريم والنبي محمد عليه الصلاة والسلام
المقدمة
الفصل الول
و بناء على ذلك فإن معنى تلك الية هو أنها خاطبت جماعة من
اليهود من أية إشارة إلى أصلها العرقي .و قد نص على ذلك
جماعة من كبار العلماء كمجاهد ،و أبي العالية ،و إبراهيم
النخعي ،و الطبري ، 2من أن تلك الجماعة كانت تجهل التوراة و
ث ِفي ذي ب َعَ َ سر قوله تعالى )) :هُوَ ال ّ ِ و منها أيضا إن الجابري ف ّ
م ال ْك َِتا َ ُ
ب مهُ ُ م وَي ُعَل ّ ُ
كيهِ ْ م ي َت ُْلو ع َل َي ْهِ ْ
م آَيات ِهِ وَي َُز ّ سول ً ّ
من ْهُ ْ ن َر ُ مّيي َاْل ّ
ن ((-الجمعة ، -2 : مِبي ٍ
ل ّ ضَل ٍ في َ ل لَ ِ من قَب ْ ُ كاُنوا ِ ة وَِإن َم َ َوال ْ ِ
حك ْ َ
بأن المقصود بالميين هم العرب . 2و تفسيره للميين بأنه يخص
العرب ،هو صحيح في أن العرب هم المعنيون بذلك ابتداء ،لكنه
ليس خاصا بهم فقط ،و إنما يشمل أيضا شعوبا أخرى حالها
كحال العرب الذين خاطبتهم الية .فاسم الميين ل يخص العرب
فقط ،و غنما يشمل أيضا أناسا آخرين .لذا وجدنا المفسر ابن
ت
كن َما ُ و منها أيضا أن الجابري عندما ذكر قوله تعالى )) :وَ َ
ن ((- مب ْط ُِلو َ
ب ال ْ ُك ِإذا ً ّلْرَتا َ مين ِ َ خط ّ ُ
ه ب ِي َ ِ ب وََل ت َ ُ
من ك َِتا ٍ ت َت ُْلو ِ
من قَب ْل ِهِ ِ
العنكبوت ، - 48 :زعم أن المقصود بذلك الكتاب هو أحد كتب
أهل الكتاب :التوراة أو النجيل ،فهذه الكتب هي وحدها التي
يمكن أن ينصرف إليها اتهام قريش بكونه كان ينسخ منها .و هذا
ما تشهد له آيات أخرى ،كقوله تعالى )) :ما كنت تدري ما
مَلى ع َلي ْ ِ
َ َ
ه ي تُ ْ لكتاب و (( ،و ))وََقاُلوا أساطيراْلوِّلي َ
ن اك ْت َت َب ََها فَهِ َ
1الطبري :المصدر السابق ،ج 10ص. 162 :
قد نعل َ َ َ
ما قوُلو َ
ن إ ِن ّ َ م يَ ُ صيل ً ((-الفرقان ،-5 :و ))وَل َ َ ْ َ ْ ُ
م أن ّهُ ْ ب ُك َْرة ً وَأ ِ
َ
ي
ن ع ََرب ِ ّ سا ٌ هـ َ
ذا ل ِ َ ي وَ َ م ّ ن إ ِل َي ْهِ أع ْ َ
ج ِ دو َ ذي ي ُل ْ ِ
ح ُ ن ال ّ ِ شٌر ل ّ َ
سا ُ ه بَ َ
م ُي ُعَل ّ ُ
ن (( -النحل . 1-103 : مِبي ٌ ّ
و ثالثا إن مما ُيبطل ذلك الزعم أيضا ،أن الله تعالى قال لنبيه :
ك َفا َ ما َأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ
بن ال ْك َِتا َؤو َ قَر ُن يَ ْذي َل ال ّ ِ سأ ِ ْ م ّ ك ّ ش ّت ِفي َ كن َ ))فَِإن ُ
ن ((- ري َمت َ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م َ
ن ِ كون َ ّك فَل َ ت َ ُ من ّرب ّ َ حقّ ِ ك ال ْ َجاء َ قد ْ َك لَ َمن قَب ْل ِ َ
ِ
يونس .- 94 :و الشاهد هنا هو أنه لو كان رسول الله –عليه
الصلة و السلم -يعرف القراءة ،ما قال له الله تعالى :
))َفا َ
ك ((،و إنما يأمره بأن يقرأ من قَب ْل ِ َ ب ِ ن ال ْك َِتا َ ؤو َ قَر ُن يَ ْ
ذي َل ال ّ ِسأ ِ ْ
بنفسه ما عند أهل الكتاب ،ليتحقق من صحة نبوته .و القراءة
بنفسه أوثق و أصدق من أن يسأل أهل الكتاب الذين ربما ل
ل هذا على أن رسول ُيصدقونه القول .و بما أنه لم يأمره بذلك د ّ
الله ما كان يعرف القراءة و الكتابة.
و أما الحديث الثاني فهو حديث ضعيف ،لكنه يصلح شاهدا ،و
يؤيد ما ذكرناه عن المي من جهة ،و يتقوى معناه بالحديث
الصحيح من جهة أخرى .و و مضمونه )) إن الله ُيعافي الميين
يوم القيامة ،ما ل ُيعافي العلماء (( . 2فالميون مقابل العلماء ،
بمعنى أنهم ل يقرؤون و ل يكتبون .و ليس الميون هم العرب
مقابل أهل الكتاب ،كما أراد أن ُيوهمنا به الجابري .
و الشاهد الثاني يتضمن طائفة من أقوال كبار المفسرين في
معنى المي و الميين في القرآن الكريم ،ابتداء من الصحابة
إلى علماء القرن الرابع الهجري ،مرورا بالتابعين و تابعيهم و من
جاء بعدهم .و هؤلء أهل اختصاص أقوالهم لها حجيتها و مكانتها
في الفهم الصحيح للقرآن و في تحديد معاني اللغة العربية .و
1الحديث صحيح ،صححه الحاكم و وافقه الذهبي ،و صححه أيضا ابن حبان و ُ
شعيب الرناؤوط .أنظر :أحمد بن حنبل :المسند ،
مؤسسة قرطبة – القاهرة ،ج 5ص ، 38 :ج 3ص . 207 :و ابن حبان :صحيح ابن حبان ،حققه شعيب الرناؤوط ط ، 3مؤسسة
الرسالة ، 1993 -ج 3ص ، 229 :ج 15ص . 205 :و الحاكم :المستدرك على الصحيحين ،ط ، 1حققه عبد القادر عطا ،دار
الكتب العلمية – بيروت ، 1990 ،ج 4ص. 574 :
2ابن الجوزي :العلل المتناهية ،ط ، 1تحقيق :خليل الميس دار الكتب العلمية – بيروت ، 1403 ،ج 1ص . 140 :و ابن كثير :تفسير
ابن كثير ،ج 1ص . 124 :و اللباني :السلسلة الضعيفة ،مكتبة المعارف – الرياض ،ج 7ص. 155 :
أقوال الصحابة في ذلك أولى من أقوال من جاء بعده ،لنهم
تلقوا التفسير مباشرة من رسول الله من جهة ،و لن القرآن
نزل بلغتهم و هم عرب أقحاح أعلم من غيرهم باللغة العربية من
جهة أخرى .و التابعون هم أيضا أقوالهم أولى في فهم القرآن و
اللغة العربية ممن جاء بعدهم ،لنهم تلقوا ذلك من أعلم الناس
بعد النبي-عليه الصلة و السلم ، -و هم الصحابة رضي الله عنهم
.و كذلك تابع التابعين فهم أعلم بأقوال الصحابة و التابعين ،و
باللغة العربية ممن جاء بعدهم ،لقربهم من مصدر العلوم
الشرعية و اللغة العربية .
1الطبري :تفسير الطبري ،ج 3ص 214 :ج 10ص . 152 :و البيهقي :السنن الكبرى ،مكتبة دار الباز -مكة المكرمة - 1414 ،
1994ج 7ص . 42 :و الشوكاني :فتح القدير ،ج 1ص . 492 :السيوطي :الدر المنثور ،دار الفكر -بيروت 1993 ،ج 4ص:
. 296و المناوي :فيض القدير ،المكتبة التجارية الكبرى – مصر 1356 ،ج 4ص. 496 :
2الطبري :نفس المصدر ،ج 10ص. 152 :
3نفس المصدر ،ج 1ص ، 416 :ج ، 10ص . 152 :و ابن كثير :التفسير ،ج 1ص. 165 :
و القول الرابع هو للمفسر قتادة السدوسي )ت 117
ث ِفي ذي ب َعَ َ سر معنى قوله تعالى )) :هُوَ ال ّ ِ هجرية ( ،إنه ف ّ
م ال ْك َِتا َ ُ
ب مهُ ُ م وَي ُعَل ّ ُ كيهِ ْ م آَيات ِهِ وَي َُز ّ م ي َت ُْلو ع َل َي ْهِ ْ من ْهُ ْ سول ً ّ ن َر ُ مّيي َ اْل ّ
ن ((-الجمعة ،-2 : مِبي ٍ ل ّضَل ٍ في َ ل لَ ِ من قَب ْ ُ كاُنوا ِ ة وَِإن َ حك ْ َ
م َ َوال ْ ِ
سر قوله بقوله )) :كانت هذه المة أمية ل يقرؤون كتابا (( .و ف ّ
مك ُْتوبا ً ي ال ّ ِ ُ سو َ تعالى )) :ال ّ ِ
ه َ دون َ ُج ُ ذي ي َ ِ م ّ ي ال ّ ل الن ّب ِ ّ ن الّر ُ ن ي َت ّب ُِعو َ ذي َ
ل((-العراف ، - 157 :بقول : (( :هو جي ِ م ِفي الت ّوَْراةِ َوال ِن ْ ِ عند َهُ ْ ِ
ت ت َت ُْلو كن َ ما ُ سر قوله تعالى )) :وَ َ نبيكم كان أميا ل يكتب (( .و ف ّ
ن ((- مب ْط ُِلو َ ب ال ْ ُ ك ِإذا ً ّلْرَتا َ مين ِ َ ه ب ِي َ ِ خط ّ ُ ب وََل ت َ ُ من ك َِتا ٍ من قَب ْل ِهِ ِ ِ
العنكبوت ،-48 :بقوله :كان نبي الله ل يقرأ كتابا قبله ،و ل
يخطه بيمينه ،و كان أميا ،و المي الذي ل يكتب. 1
و القول الخامس هو للمفسر مقاتل بن سليمان)ت 150
هجرية ( ،ذكر أن معنى المي هو الذي ل يقرأ و ل يكتب ،و ل
يخطه بيمينه. 2
و أما القول الخير فهو للمفسر المشهور أبي جعفر بن جرير
م
من ْهُ ْ سر معنى قوله تعالى )) :وَ ِ الطبري )ت 310هجرية( ،إنه ف ّ
َ ُ
ن ((-البقرة : م إ ِل ّ ي َظ ُّنو َ ن هُ ْ ي وَإ ِ ْ مان ِ ّ ب إ ِل ّ أ َ ن ال ْك َِتا َ مو َ ن ل َ ي َعْل َ ُ مّيو َ أ ّ
ص على أن ، - 78بأنهم الذين ل يكتبون و ل يقرؤون(( .و ن ّ
المة المية من العرب هم الذين )) ل يقرؤون كتابا ،و ل وعوا
سمي أميا لنه من علوم أهل الكتاب علما . ((...و ذكر أن المي ُ
ل يكتب نسبة إلى أمه ،لن الكتابة كانت في الرجال دون النساء
،فُنسب من ل يكتب و ل يخط من الرجال إلى أمه في جهله
بالكتابة دون أبيه .و بناء على ذلك و صف الطبري النبي-عليه
الصلة و السلم -بأنه كان )) أميا نشأ بين أميين ل يكتب و ل
يقرأ و ل يحسب ((. 3
ثم أشار الجابري إلى أنه ُيمكن أن ٌيقال :إن القراءة التي ُأمر
بها النبي-عليه الصلة و السلم -بقراءتها هي قراءة التلوة و
جح الرأي القائل بأن الحفظ ،و ليست القراءة من الكتاب .ثم ر ّ
القراءة المأمور بها هي القراءة من كتاب ،و ليس مجرد
التلوة ،لن رواية ابن إسحاق ذكرت أن جبريل جاء بكتاب إلى
رسول الله ،و قال له :اقرأ .و ل يمكن أن يفعل ذلك لو لم يكن
يعرف أن النبي ُيحسن القراءة في كتاب .و يري أيضا أن ذكر
الكتاب مرتين في رواية ابن إسحاق هي قرينة واضحة ُتشير إلى
أن المر يتعلق بشخص يعرف الكتابة و القراءة ،و ُيريد أن ُيبين
لمخاطبه نوع مشاعره عندما خاض هذه التجربة مع جبريل .و
1نفسه ،ص. 79 ، 78 :
2نفسه ،ص. 79 :
3نفسه ،ص. 79 :
من دون )) إعطاء هذه الوظيفة للعبارتين اللتين َ
ذكر فيهما النبي
)) الكتاب (( سيكونان فضل من القول ،و نحن ننزه النبي-صلى
الله عليه و سلم -عن ذلك ((. 1
و أقول :إن النتيجة التي وصل إليها ل تصح ،بناها على تحليل
مخالف للحقيقة الشرعية و التاريخية المتمثلة غير صحيح ،و فهم ُ
في أن رسول الله كان أميا ل يعرف القراءة و ل الكتابة ،و
تفصيل ذلك فيما يأتي :
أول إنه-أي الجابري -لم ُيفرق بين الرواية الصحيحة ،و الرواية
الضعيفة ،و كان عليه أن يتأكد أول من صحة رواية ابن إسحاق
دمها على الرواية الصحيحة التي رواها البخاري و مسلم و التي ق ّ
أحمد .2و هذا خطأ منهجي كبير وقع فيه الجابري في التعامل مع
الروايات ،فلم يحقق رواية ابن إسحاق ،و بنى عليها رأيه ،بعدما
أخضعها للتأويل الفاسد ،و جعلها حكما على رواية البخاري ،و
هذا عمل غير مقبول علميا .
و ثانيا إنه على فرض قبول رواية ابن إسحاق ،فإنه يجب
فهمها انطلقا من نصوص القرآن و الحاديث الصحيحة ،كرواية
البخاري و مسلم السابق ذكرها التي نصت على أن النبي-عليه
الصلة و السلم -كان أميا ل يقرأ و ل يكتب .المر الذي يعني أن
عبارة )) ما أقرأ (( التي وردت في رواية ابن إسحاق تعني النفي
فقط ،بمعنى أن معناها :أنا ل أقرأ ،و ل تحتمل النفي و
الستفهام معا كما قال الجابري .و بما أن القرآن الكريم نص
على أن النبي-عليه الصلة و السلم -كان أميا ل يعرف القراءة و
ل الكتابة ،فإن القول بأن عبارة ابن إسحاق تحتمل النفي و
الستفهام معا ،هو قول غير صحيح ،و إنما هي نافية و ليست
استفهامية .و بما أن المر كذلك فإن العبارة الثانية التي في
رواية ابن إسحاق )) ماذا أقرأ (( ،تعني :ماذا أقول شفويا ،و ما
ذا أردد تلوة ،و ل تعني القراءة من كتاب .
1رواه البخاري و مسلم .البخاري :الصحيح ،ج 2ص . 675 :و مسلم :الصحيح ،ج 2ص. 759 :
2الجابري :مدخل إلى القرآن الكريم ،ص. 82 :
بنفسه ،و فيه تأكيد للمعنى المراد ،و ليس فيه تكرار و ل زيادة ل
فائدة منها ،كما أراد أن ُيوهمنا به الجابري .
و مثاله الذي ضربه ،هو الذي فيه ركاكة في التعبير ،و تكرار ل
مبرر له ،و ل فائدة منه .فنحن إذا قلنا )) :نحن أمة ل نعرف
الكتابة و الحساب (( ،ل نحتاج أصل إلى الزيادة التي ذكرها
الجابري في مثاله ،و هي )) :ل نكتب و ل نحسب (( ،لن
المعنى واضح بّين ل يحتاج إلى زيادة .و الحديث النبوي ل ُيوجد
فيه تكرار ،و ل لغو ،و ل ركاكة في التعبير ، ،و إنما تضمن
عبارة :أمية ،شرحها النبي –عليه الصلة و السلم -بقوله )) :ل
نكتب و ل نحسب (( ،و الحديث يمكن التعبير عنه بلفظ آخر ،
كقولنا :نحن أمة نجهل الكتابة و الحساب .و في هذه الحالتين ل
مبرر لذكر الزيادة التي ذكرها الجابري .
و أما استدلله الخامس فيتمثل في أنه استدل بحديث صلح
م في السنة السادسة للهجرة .فذكر أنه توجد الحديبية ،الذي ت ّ
أخبار ُتفيد ،و بعضها ُيؤكد على أن النبي-عليه الصلة و السلم-
كتب و قرأ بعض المناسبات ،منها حادثة صلح الحديبية ،و
خلصتها –حسب رواية مسلم عن الصحابي البراء بن عازب ،
التي أوردها الجابري -أنه لما أمر رسول الله بكتابة وثيقة الصلح
مع ممثل قريش ،و كتب علي بن أبي طالب :محمد رسول
الله ،اعترض ممثل قريش ،و أمر بأن ُيكتب أسم محمد و أبيه ؛
فأمر النبي-عليه الصلة و السلم -عليا بأن يزيل عبارة :رسول
الله ،فامتنع علي ،فقال له :أرني مكانها ،فمحاها و كتب ابن
عبد الله (( .و قد تدخل الجابري في توجيه ما نقلناه عنه بإضافة
اسم النبي أمام :و كتب ،فأصبحت الجملة هكذا )) :أرني
مكانها ،فمحاها و كتب) النبي ( ابن عبد الله (( .ثم أشار
الجابري إلى أن نفس الرواية ذكرها البخاري مع زيادة عبارة من
الراوي ،هي )) :و ليس ُيحسن يكتب (( .فأصبحت العبارة هكذا
)) :فاخذ رسول الله –صلى الله عليه و سلم -الكتاب و ل ُيحسن
أن يكتب .فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ((. 1
و نحن إذا جمعنا بين هذه المعطيات و القرائن التي ذكرناها في
هذا الشاهد -أي الثامن -و بين الشواهد السابقة تبين قطعا أن
الرسول-عليه الصلة و السلم -ما كتب في صلح الحديبية ،و ل
كان يعرف القراءة و الكتابة ،خلف لما قاله الجابري .
و أما تعليقه الثاني فيتمثل في أنه قال )) :و شبيه بهذا ما
ورد في حديث رواه البخاري جاء فيه أن النبي-عليه الصلة و
السلم – قال :الدجال ممسوخ العين ،مكتوب بين عينيه كافر ،
جاها :ك ف ر ،يقرؤه كل مسلم (( . 2و هذا الحديث ذكره ثم ته ّ
الجابري لُيدعم زعمه بأن النبي كان يعرف القراءة و الكتابة ،و
قد نقله من صحيح البخاري مباشرة ،تعليقا على ما نقله عن
القرطبي فيما ذكره عن القاضي عياض ،و لم ُيشر إلى أن
القرطبي هو أيضا نقل هذا الحديث في نفس الموضع السابق ،
رد به على الذين يحتجون به .فالجابري تجنب المر كلية ،
فعندما وجد الحديث عند القرطبي ،تجاوزه و رجع إلى البخاري
مباشرة و أخذ منه الحديث ،و أغفل ما قاله القرطبي في شرحه
للحديث شرحا صحيحا .فالجابري لم ُيعجبه ما قاله القرطبي
ظف الحديث على طريقته .و أما نص كلم فتجاوزه ،و و ّ
القرطبي فيتمثل في قوله )) :فإن قيل :فقد تهجى النبي صلى ال عليه
وسلم حين ذكر الدجال فقال ) :مكتوب بين عينيه ك ا ف ر ( وقلتم إنا المعجزة
قائمة في كونه أميا قال ال تعالى } :وما كنت تتلو من قبله من كتاب { الية وقال :
) إنا امة أمية لنكتب ول نحسب ( فكيف هذا ؟ فالجواب ما نص عليه صلى ال
عليه وسلم في حديث حذيفة والحديث كالقرآن يفسر بعضه بعضا ففي حديث
حذيفة ] :يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب [ فقد نص في ذلك على غير الكتاب
ممن يكون أميا وهذا من أوضح ما يكون جليا ((. 3
1أنظر مثل :خالد كبير علل :مدرسة الكذابين في رواية التاريخ السلمي و تدوينه ،ط ، 1دار البلغ ،الجزائر . 2005 ،
2البيهقي :سنن البيهقي الكبرى ،ج 7ص . 42 :و الهيثمي :مجمع الزوائد ،دار الفكر ،بيروت 1412 -هـ ج 8ص . 485 :و
الشوكاني :الفوائد المجموعة ،تحقيق :عبد الرحمن يحيى المعلمي ،الطبعة الثالثة ،المكتب السلمي -بيروت1407 ،ص. 3 :
اللباني :السلسلة الضعيفة ،ج 1ص. 518 :
3القرطبي :المصدر السابق ،ج 13ص . 312 :و ابن حجر :فتح الباري ،دار المعرفة -بيروت 1379 ،ج 7ص. 504 :
على أنه ل توجد رواية حديثية و ل تاريخية صحيحة ُتثبت أن النبي-
عليه الصلة و السلم -كان يعرف القراءة و الكتابة .
و ثانيا إن الحافظ ابن حجر العسقلني ذكر أن هذا الحديث ل
يصح ،و قد قال الجمهور بضعفه .1و ثالثا إن ذلك الحديث ل يصح
أيضا لن حديث صحيفة عيينة بن حصن صح من طريق صحيح ،و
ل ُيوجد فيه أن رسول الله أخذ الصحيفة فنظر فيها و قرأها و
فهمها .و الصحيح هو أن النبي -عليه الصلة و السلم -عندما أمر
معاوية بأن يكتب لعيينة ما طلب ،أراد عيينة التأكد من هل كتب
له ما أراد أم ل ؟ ،فعاد إليه مرة أخرى و اتصل بمعاوية ،الذي
هو بدوره اتصل برسول الله و أخبره بالمر .و لم تذكر الرواية
أنه أخذ منه الصحيفة ،ول قرأها ،فالرواية لم تشر إلى ذلك
مطلقا .فلما سمع بذلك رسول الله قال )) :من سأل و عنده ما
ُيغنيه ،فإنه يستكثر من نار جهنم ((. 2
و بذلك يتبين أن الرواية التي ذكرها الجابري ل تصح ،و هو قد
نقلها عن القرطبي ،فلو رجع إلى مصادر الحديث المعتبرة لوجد
مسند أحمد ،و سنن أبي داود ،الذي ل ُتوجد الحديث الصحيح في ُ
فيه تلك الزيادات الباطلة المقحمة في الحديث .
و ثالثا إنه ليس صحيحا بأن اللغوي أبا إسحاق الزجاج )ت 310
هو الذي اقترح معنى عبارة أمي ،ليصبح بذلك أن المي هو الذي
ل يقرأ و ل يكتب ،كما زعم الجابري .فهذا المعنى ليس اقتراحا
من الزجاج و ل اجتهادا من علماء اللغة العربية،و إنما هو معنى
أصيل في اللغة العربية قبل أن ُتجمع اللغة العربية ،و قبل أن
ُيولد الزجاج .و ذلك أنه سبق أن اثبتنا بالدلة الصحيحة و
القطعية أن معنى أمي في الشرع و اللغة هو الذي ل يعرف
القراءة و الكتابة ،و قد ذكرنا على ذلك الشواهد الكثيرة و
المتنوعة من القرآن و الحديث ،و من أقوال علماء القرن الول
الهجري ،كالصحابة و التابعين .ثم من أقوال علماء الفقه و
الدب ،و اللغة و التفسير الذين عاشوا في القرن الثاني الهجري
و ما بعده ،من الذين عاشوا قبل الزجاج ،و الذين عاصروه .و
من يريد تفصيل ذلك فليرجع إلى المطلب الول الذي رددنا فيه
على الجابري في استدلله على زعمه بالقرآن .
و رابعا إن زعم الجابري بأن أصل كلمة أمي ليس عربيا ،و إنما
معّرب ،هو مجرد دعوى لم يذكر عليها دليل صحيحا و ل هو ُ
ضعيفا ُيؤيد به ما ذهب إليه .و الدعوى ل يعجز عنها أحد ،ففي
مقدور أي إنسان أن يدعي ما يشاء خدمة لهدافه و مصالحه و
أهوائه و ظنونه ؛ لكن ليس في مقدور أي إنسان أن يأتي بالدليل
الصحيح على ما يدعيه .لذا فإن زعم الجابري ل يصح ،لن
علماء اللغة الذين اختلفوا في أصل كلمة أمي ،و أميين ،لم
يختلفوا في معناها ،و ل في هل هي عربية الصل أم ل ؟ .فهم
قد اتفقوا على معناها ،و على أنها عربية ،لكنهم اختلفوا في
مصدرها اللغوي ،فهل هو مأخوذ من كلمة ُأم ،أو ُأمة 1؟ .و في
الحالتين فإن العبارة عربية الصل ،و هذا أمر واضح بّين ل ًلبس
فيه ،لن كلمة ُأم ،و ُأمة ،عما كلمتان عربيتان مذكورتان في
القرآن الكريم و الحديث النبوي ،و هذا أمر ل يحتاج إلى توثيق .
و ُأؤكد هنا على أن اللغويين لم يختلفوا في معنى أمي و
أميين ،فهم في ذلك موافقون للقرآن الكريم و السنة النبوية ،و
أقوال السلف الول من الصحابة و التابعين و من جاء بعدهم ،
من أن معنى أمي على إطلقه هو الذي ل يقرأ و ل يكتب ،و قد
يضيق معناه عندما ُيقصد به ما ُيريده اليهود عندما ُيطلقونه على
غيرهم من المم ،و هذا سبق أن بيناه و وّثقناه ،فيم تقدم ذكره
.
و الجابري ُيريد أن ُيوهمنا بأن اختلف أهل العلم في مصدر
كلمة أمي ،و أميي ،يتعلق بأصلها هي هل عربية أم ل ؟ .و هذا
تغليط مكشوف ،لن الختلف كان في المصدر اللغوي ،أهو
ُأم ،أو ُأمة ،و لم يكن في الصل ،أهي عربية أو أعجمية .
إنه استدل بثلثة أقوال ،أولها للصحابي عبد الله بن عباس ،و
ثانيها للنحوي أبي زكريا الفراء)ت 207هجرية( ،و ثالثها لشيخ
السلم ابن تيمية)ت 728هجرية ( .فأما الول فيتعلق بتفسير
َ قوله تعالى )) :ومنه ُ
من هُ ْ
ي وَإ ِ ْ
مان ِ ّ ن ال ْك َِتا َ
ب إ ِل ّ أ َ ن ل َ ي َعْل َ ُ
مو َ مّيو َ
مأ َّ ِ ُْ ْ
ن ((-البقرة ، - 78 :و قد ذكر الجابري أن ابن عباس- إ ِل ّ ي َظ ُّنو َ
رضي الله عنه -قال في معنى ذلك )) :الميون قوم لم ُيصدقوا
رسول أرسله الله ،و ل كتاب أ،زله الله ،و فكتبوا كتابا بأيديهم
ثم قالوا لقوم سفلة :هذا من عند الله .و قد قال القرآن :إنهم
يكتبون الكتاب بأيديهم ،ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله و
رسله ((. 1و يرى الجابري أن المين الذين ذكرتهم الية هم
جماعة من العرب اعتنقوا اليهودية ،و ل علم لهم بالتوراة ،و إنما
يختلقون كلما و يقولون إنه من التوراة .و بما ان معنى المي
عند الجابري ليس الذي ل يعرف القراءة و ل الكتابة ،و إنما هم
جح ما قاله ابن عباس منزل ،فإنه ر ّ العرب الذين ليس لهم كتاب ُ
في معنى أميين المذكورين في الية ،مخالفا بذلك ما قاله جميع
المفسرين تقريبا في أن الية تتعلق بطائفة من اليهود تجهل
القراءة و الكتابة. 2
و رأيه هذا –الذي انتصر له -ل يصح ،لنه أول سبق أن بينا أن
التفسير الصحيح لتلك الية ليس هو كما ذهب إليه الجابري ،و
إنما هو خلفه ،و قد أثبتنا ذلك بالدلة القاطعة في المطلب الول
من هذا المبحث . .
و ثانيا إن ذلك القول المنسوب لبن عباس-رضي الله عنه -هو
قول ل تصح نسبته إليه ،لن إسناده ضعيف ،و قد قال الحافظ
ابن كثير :إن إسناد رواية ابن عباس فيه نظر .3و من رجاله بشر
1الجابري :مدخل إلى القرآن ص :هامش ص . 81 :
2نفسه ،ص. 81 :
3تفسير ابن كثير ،ج 1ص. 165 :
بن عمارة ،و الضحاك بن مزاحم ، 1الول ضعيف ،و الثاني كان
كثير الرسال ،و لم يسمع من ابن عباس. 2
و ثالثا إن لبن عباس أقوال أخرى في معنى أمي ،و أميين ،
تخالف ما ذكرته عنه تلك الرواية الضعيفة المنسوبة إليه .فمن
ن أ ُوُْتوا ْ
ذي َ سر معنى الميين في قوله تعالى )) :وَُقل ل ّل ّ ِ ذلك إنه ف ّ
دوا ْ ((-آل عمران : موا ْ فَ َ َ َ َ ُ
قد ِ اهْت َ َ سل َ ُ
نأ ْ م فَإ ِ ْ سل َ ْ
مت ُ ْ ن أأ ْ مّيي َب َوال ّ ال ْك َِتا َ
ت ت َت ُْلو
كن َما ُ سر قوله تعالى )) :وَ َ - 20بأنهم الذين ل يكتبون .و ف ّ
ن ((- مب ْط ُِلو َ ب ال ْ ُ ك ِإذا ً ّلْرَتا َ مين ِ َه ب ِي َ ِخط ّ ُب وََل ت َ ُ من ك َِتا ٍ من قَب ْل ِهِ ِ ِ
(( ،بقوله )) :كان نبيكم العنكبوت -48 :من قلبه من كتاب
3
أميا ل يقرأ و ل يكتب و ل يحسب (( .
و ثانيا إن الجابري –عندما نقل تفسير ابن تيمية لتلك الية -و
سره بأنه الذي ل يقرأ و ل يكتب ما في الكتب (( تدخل الجابري ف ّ
سر عبارة )) ما في الكتب (( بقوله ) :يعني التوراة و وف ّ
النجيل (( وضع ذلك بين قوسين داخل كلم ابن تيمية ،ثم و
اصل نقل كلمه .فعمله هذا هو تصرف غير علمي في توجيه
كلم الشيخ لُيؤيد به الجابري رأيه .كما أن الذي ل ينتبه للزيادة
الموضوعة بين قوسين ،يعتقد أنها جزء من كلم ابن تيمية ،و
الحقيقة ليست كذلك .فالجابري قد مارس نوعا من التحريف و
التدليس ما أدى إلى تغيير المعنى .فكلم الشيخ هو ... )) :لنه ل
يكتب و ل يقرأ ما في الكتب ،ل باعتبار أنه ل يقرأ من حفظه ،
بل كان يحفظ أحسن حفظ (( .فهذا كلم عام يشمل عدم
القراءة من كل الكتب ،و ل يخص كتابا و ل كتابين و ل كتبا معينة
1ابن تيمية :مجموع الفتاوى ،ج 17ص. 435 :
بذاتها .و قد حد ها الجابري بكتابين هما :التوراة و النجيل ،مع
أن كلم ابن تيمية واضح ل ُيوجد فيه أي تحديد )) ل يقرأ ما في
الكتب (( ،فل توجد فيه أية قرينة تدل على أن صاحبه أراد كتبا
معينة بذاتها .و الشيخ استخدم صيغة الجمع ،مما يعني كل
الكتب مطلقا ،و لم يستخدم صيغة التثنية ،فلو قصد بقوله
التوراة و النجيل لستخدم صيغة التثنية .
و مما ُيبطل زعمه أيضا هو أن الشيخ ابن تيمية لم يكن يعتقد
بأن النبي-عليه الصلة و السلم -كان أميا بمعنى أنه ل يقرأ و ل
يكتب التوراة و النجيل ،كما أراد أن ُيوهمنا بذلك الجابري .و
إنما كان يعتقد أن رسول الله كان فعل ل يعرف القراءة و الكتابة
مطلقا ،بدليل ،ما نقلناه عنه سابقا ،و بما سنذكره من الشواهد
القاطعة الدامغة فيما يأتي :
و ختاما لهذا المبحث -أي الول -يتبين جليا أننا تتبعنا مزاعم
الجابري و أباطيله المتعلقة بدعوى معرفة النبي-عليه الصلة و
السلم -للقراءة و الكتابة ،و أثبتنا تهافتها و بطلنها بالدلة
الصحيحة من القرآن الكريم ،و السنة النبوية ،و اللغة العربية ،
و أقوال الصحابة و التابعين و من جاء بعدهم .
مصحف الموجود اليوم يضم جميع أول إنه بعدما تساءل :هل ال ُ
1
ما نزل من القرآن ،أم سقطت أو ُرفعت منه أشياء .ثم شرع
في ذكر الروايات 2التي تتعلق بذلك .أولها ما ذكره نقل عن
القرطبي ،و مفادها أن عائشة أم المؤمنين –رضي الله عنها-
قالت )) :كانت سورة الحزاب تعدل على عهد رسول الله-صلى
كتب المصحف لم يقدر منها الله عليه و سلم -مائتي آية ،فلما ُ
إل على ما هي عليه الن((– 3أي 73آية . -فهل هذه الرواية
صحيحة ؟ .
إنها ل تصح إسنادا و ل متنا ،فأما إسنادها فقد أورده القرطبي
عن أبي بكر النباري ،الذي قال :و قد حدثنا ابن أبي مريم ،عن
1الجابري :مدخل إلى القرآن ص. 223 :
2سنذكر الروايات التي ذكرها ،و فيها تصريح بالنفصان و الزيادة بواسطة التحريف ،و أما التي ُتشير إلى حدوث النسخ فقط ،فل
نذكرها ،لن النسخ أمر ثابت شرعا ،و حدث فعل ،لقوله تعالى )) :ما ننسخ من آية أو ننسها . (( ...
3الجابري :مدخل إلى القرآن ص . 223 :
أبي لهيعة ،عن أبي السود ،عن عروة ،عن عائشة
قالت . 1(( ... :و هذا السناد ل يصح لمرين ،أولهما وجود عبد
الله بن لهيعة ،و هو ضعيف . 2و الثاني هو أن هذا الخبر ل ُيوجد
فيه تصريح بالسماع عند كل الرواة ،ففيه عنعنة ابن أبي مريم ،
و ابن لهيعة ،و أبي السود .و قد ذكر المفسر المعاصر ابن
عاشور أن تلك الرواية رواها القاسم بن سلم ،و أبو بكر بن
النباري بسند ضعيف. 3
منكر ،لنه إذا كان المقصود من تلك الرواية أن و أما متنها فهو ُ
سورة الحزاب سقط منها أكثر من النصف بسب النسخ ،فإن
النسخ لم يحدث و ل يحدث إل في زمن النبي-عليه الصلة و
السلم – و على يده فقط .لذا فلو حدث ذلك ،فإنه حدث بأمر
منه و في زمانه .و ل يصح أن يقال :إنها ُأسقطت زمن عثمان
عندما كتب المصاحف ،و هذا الذي أشارت إليه الرواية . 4لنه ل
يصح و ل ُيعقل أن ُينسخ ذلك العدد الكبير من آيات سورة
الحزاب ،و يبقى المسلمون يتلونها إلى سنة 25هجرية ،عندما
كتب عثمان المصاحف إلى المصار .فهذا باطل ،لن النسخ
عندما كان يحدث زمن نزول الوحي ،فـإن النبي-عليه الصلة و
السلم -كان ُيبّلغ أمته حال ،و ما عليها إل اللتزام بذلك .و أما
الزعم بأنها ظلت ُتتلى مع نسخها فهذا باطل بالضرورة الشرعية
.
و أما إذا كان المقصود من تلك الرواية أن إسقاط نصف سورة
م زمن عثمان ،و ل علقة له بالنسخ الشرعي ،و هذا الحزاب ت َ ّ
هو ظاهر الرواية ،فهو أمر ل يصح ،و ل يمكن قبوله من جهة ،و
هو اتهام خطير للصحابة و طعن فيهم من جهة أخرى .
و أما لماذا ل يصح ،فإن ذلك يعني أن القرآن ُأنقص منه كثير
من اليات ،و هذا باطل ،لن الله تعالى تكفل بحفظ في قوله
ن ((-الحجر ، -9 :و ظو َ حافِ ُ ه لَ َن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ
ح ُ تعالى )) :إ ِّنا ن َ ْ
ْ
ه
ف ِخل ْ ِ
ن َ ن ي َد َي ْهِ وََل ِ
م ْ من ب َي ْ ِ ل ِ زيٌز َل ي َأِتيهِ ال َْباط ِ ُ ب عَ ِ ه ل َك َِتا ٌ))وَإ ِن ّ ُ
بميد ٍ (( -فصلت ، - 42 -41:و ))اَلر ك َِتا ٌ ح ِكيم ٍ َ ح ِ ن َ م ْل ّ زي ٌ َُتن ِ
خِبيرٍ ((-هود .-1 :و لن كيم ٍ َ ح ِ ن َ من ل ّد ُ ْ ت ِ صل َ ْم فُ ّ ه ثُ ّ ت آَيات ُ ُ م ْ حك ِ َ أ ْ
الصحابة الذين زكاهم الله تعالى ،و شهد لهم باليمان و العمل
الصالح ،و جعلهم قدوة للمة ،ل يمكن أن ُيقدموا على إسقاط
حرف من القرآن .و قد نصت الروايات الصحيحة على أن
1القرطبي :تفسير القرطبي ،ج 14ص. 104 :
2الذهبي :الكاشف ،دار القبلة للثقافة السلمية ،حققه محمد عوامة ،الطبعة الولى ،مؤسسة علو – جد ة1992 - 1413 ،
ج 1ص. 590 :
3ابن عاشور :التحرير و التنوير ،ج 9ص. 3311 :
4الشوكاني :فتح القدير ،ج 4ص. 369 :
حدوه زمن عثمانديق ،و و ّالصحابة جمعوا القرآن كله زمن الص ّ
بطريقة علمية جماعية حازت إجماع الصحابة كلهم ،و قد شملت
القرآن كله من دون زيادة و ل نقصان. 1
1سنوثق ذلك لحقا عندما نتطرق إلى جمع القرآن زمن أبي بكر ،و توحيد المصاحف زمن عثمان .
2الجابري :مدخل إلى القرآن ،ص. 224 :
معلقا ،و كان عليهملغزا ُو أقول :أول إن الجابري ترك المر ُ
أن يجمع الروايات المتعلقة بالموضوع و يحققها ،و يفصل فيها ،
لكنه لم يفعل ذلك و كأنه فعله عمدا ،ليصل إلى القول بأن
سور بأكملها .و الصواب في هذا الموضوع قصت منه ُ القرآن ن ُ
هو أن ذلك الدعاء ليس قرآنا ،و ل كان قرآنا و ُنسخ ،و إنما هو
دعاء قاله النبي-عليه الصلة و السلم ، -بدليل الشواهد التية :
ت روايات سورتي الحفد و الخلع أولها هو أني تتبع ُ
المزعومتين ،في مصنفات علوم القرآن و الحديث ،كمصنف
عبد الرزاق ،و مصنف ابن أبي شيبة ،و التقان في علوم
القرآن ،و الدر المنثور للسيوطي ،و كتاب الدعاء للطبراني ،
فلم يصح منها و ل إسناد. 1
و الثاني هو أنه توجد روايات أخرى بعضها صحيح السناد ذكرت
ذلك الدعاء على أنه دعاء القنوت ،و لم ُتشر –من قريب و ل
من بعيد -إلى أنه قرآن ،و ل هو يمثل سورتي الحفد و الخلع .و
من الذين رووا ذلك :يحيى بن معين ،و أحمد بن حنبل ،و
الطحاوي ،و البيهقي ،و عبد الرزاق ،و ابن أبي شيبة ،و ابن
خزيمة. 2
و الشاهد الثالث مفاده أن تلك الرواية زعمت أن سورتي
الخلع و الحفد كانتا في مصحف ُأبي بن كعب ،و ابن عباس ،و
ابن مسعود -رضي الله عنهم . -و هذا ل يصح لن قراءات هؤلء
العلم قد وصلتنا بالتواتر ،و هي ضمن القراءات العشرة
معتمدة ،و ل ُتوجد فيها سورتا الحفد و الخلع الصحيحة ال ُ
3
المزعومتان .
1السيوطي :أسرار ترتيب القرآن ،حققه عبد القادر عطا ،دار العتصام ،القاهرة ،ص. 73 :
2الجابري :مدخل إلى القرآن الكريم ،ص. 224 :
3السيوطي :التقان ،ج 2ص . 68 :و أحمد البرتي ُ :مسند عبد الرحمن بن عوف ،دار ابن حزم ،بيروت ، 1414 ،ص. 44 :
منكر ،لن عبارة )) ُأسقطت في ما و أما متنها فظاهره ُ
مستهجنة ،تشير إلى حدوث أمر غير ُ
أسقط من القرآن (( ُ
شرعي ؛ فهي عبارة ل تعّبر عن المعنى الصحيح و الشرعي
للنسخ في القرآن الكريم ،و إنما هي تتسع لمعاني أخرى ،و ل
ما
تؤدي معنى النسخ في الشرع ،المذكور في قوله تعالى َ )) :
خير منها أ َو مث ْل ِها أ َل َم تعل َ َ ْ َ
ن الل ّ َ
ه مأ ّْ َْ ْ ت بِ َ ْ ٍ ّ ْ َ ْ ِ َ سَها ن َأ ِ
ن آي َةٍ أوْ ُنن ِ
م ْ س ْ
خ ِ َنن َ
ديٌر ((-البقرة .-106 :لذا كان من المفروض-لو يٍء قَ ِش ْ ل َ ى كُ ّ َ
ع َل َ
صح الخبر -أن يكون جواب عبد الرحمن هكذا ُ :نسخت فيما
نسخه الله تعالى .أو أنسيت فيما أنساه الله تعالى .
و ل يصح أن ُيقال :إن عمر بن الخطاب لم يكن على علم
بمصير تلك الية المزعومة ،حتى يأتي عبد الرحمن و ُيخبره بها .
فهذا ل ُيعقل لن عمر بن الخطاب كان من المقّربين من رسول
الله ،و كان كغيره من الصحابة كثير القراءة للقرآن .فرجل هذا
حاله ل يصح أن ُيقال :إنه لم يكن على علم بنسخ تلك الية
زمن النبي-عليه الصلة و السلم -و ما بعده ،حتى سأل عنها
عبد الرحمن بن عوف .
و أما متنها فهو ظاهر البطلن لنه يعني أن كتاب الله قد
ذهبت منه آيات قرآنية ،و هذا زعم باطل ،يجب رفضه .لن كل
رواية تاريخية أو حديثية تزعم ذلك أو مثله ،فهي رواية باطلة
قطعا ،لنها مخالفة لثوابت الشرع و التاريخ في سلمة القرآن
الكريم من التحريف على اختلف أشكاله .
و أما إذا قيل :كيف ترفض رواية ظاهر إسنادها صحيح ،و
رواتها ثقاة ؟ ،فالمر ليس كذلك ،لن الرواية معنعنة ،و متنها
منكر ،و صحة السناد -من الناحية الظاهرية -ل تعني صحة ُ
المتن بالضرورة ،و صحة المتن ل تعني صحة السناد بالضرورة .
و الرواية لكي ُتقبل ل بد أن يصح إسنادها و متنها معا ،فإذا
تخلف أحدهما ل ُتقبل الرواية ،اللهم إل إذا صح متنها من طريق
إسناد آخر له نفس المتن .
و إذا كان المر على ما قررناه ،و زعم الجابري ل يصح ،فما
ت ما قلناه بالشواهد هي الدلة التي ُتثبت ذلك ؟ .إننا سنثب ُ
القوية التية :أولها يتمثل في قول زيد بن ثابت-رضي الله عنه: -
ت أسمع ت آية من الحزاب حين نسخنا المصحف ،فكن ُ )) فقد ُ
رسول الله يقرأها ،فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت
النصاري (( .فقوله هذا شاهد قوي على أن المر يتعلق بعملية
جمع للقرآن التي تمت زمن أبي بكر ،و ل يتعلق بعملية توحيد
ت آية منالمصاحف زمن عثمان ،لهذا قال )) :فقد ُ
الحزاب (( ،فالرجل كان يقوم بعملية جمع للقرآن ،و هذه لم
تحدث إل زمن أبي بكر-رضي الله عنه ، -و هو قال :فقدت ،و
ت ،مما يعني أنه فقد شيئا ماديا مكتوبا . لم يقل :نسي ُ
ت أسمع رسول الله يقرأها (( هو دليل كما أن قوله ، )) :فكن ُ
م في وقت قريب العهد من وفاة آخر قوي على أن عمله ت ّ
رسول الله –عليه الصلة و السلم ، -و هذا ل يصدق على ما
1نفسه ،ج 4ص 1908 :ز
حدث زمن عثمان ،و إنما يصدق على جمع القرآن الذي حدث
زمن خلفة أبي بكر ،في سنة 11هجرية التي ُتوفي فيه رسول
الله .و ل يصح أن ٌيقال :إن زيدا قال ذلك أثناء توحيد المصاحف
زمن عثمان -رضي الله عنه . -فأين كان مدة 14سنة ،من 11
إلى 25هجرية ؟ ! .و بما أنه كان يحفظها ،و يسمع النبي-عليه
الصلة و السلم -يقرأها ،فلماذا لم يكتبها في المصحف المام
زمن أبي بكر ؟ .و ل يصح أن ُيقال :ربما زيد نسيها .فهذا أمر
ل ُينسى بهذه الطريقة ،لن الرجل كان يحفظ القرآن كله ،و
متخصصا فيه رسما و تلوة و فهما ،و ل يمكن-واقعيا -أن ينساها
مدة 14سنة ،و ل يتذكرها .و أين كان الصحابي خزيمة بن ثابت
الذي كانت تلك الية عنده ؟ .فهل ُيعقل أن تبقى الية عنده 14
سنة من دون أن ُيخبر بها ؟! .فكل ذلك ُيثبت أن تلك الية بجمع
القرآن زمن أبي بكر ،و ليس بتوحيده زمن عثمان .
ن
مِني َ مؤ ْ ِن ال ْ ُ م َ
و الشاهد الثاني يتمثل في أن القول بأن آية )) ِ
من ُْهم
ه وَ ِ حب َ ُ
ضى ن َ ْ من قَ َ من ُْهم ّ ه ع َل َي ْهِ فَ ِدوا الل ّ َ عاهَ ُ ما َ صد َُقوا َ ل َ جا ٌرِ َ
ديل ً ((-الحزاب -23 :ألحقت بالمصحف ُ
ما ب َد ّلوا ت َب ْ ِ
من َينت َظ ُِر وَ َ ّ
سنة 25هجرية عندما وحده عثمان ،هو قول يعني أن القرآن
ظل ناقصا 14سنة ،و لم تنتبه إليه المة إل عندما ُوحد في تلك
السنة .و هذا قول باطل شرعا و عقل .فأما شرعا فإن القرآن
الكريم نص صراحة على أن الله تعالى حفظ كتابه ،و إنه ل يأتيه
ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ
ه ح ُ البطل أبدا ،في قوله تعالى )) :إ ِّنا ن َ ْ
ْ
زيٌز َل ي َأِتيهِ ال َْباط ِ ُ
ل ب عَ ِ ه ل َك َِتا ٌن ((-الحجر ، -9 :و ))وَإ ِن ّ ُ ظو َ حافِ ُ لَ َ
ميد ٍ (( -فصلت -41: ح ِ كيم ٍ َ ح ِن َ م ْ ل ّ زي ٌ
فهِ َتن ِخل ْ ِن َ م ْن ي َد َي ْهِ وََل ِ
من ب َي ْ ِ ِ
، - 42و هذا يعني بالضرورة أن النبي-صلى الله عليه و سلم-
ترك القرآن كامل ل نقص فيه ،و أنه لم يتعرض بعده إلى أي
نقص و ل زيادة و ل تحريف .
1البيهقي :شعب اليمان ،الطبعة الولى ،دار الكتب العلمية -بيروت 1410 ،ج 4ص . 51 :و ابن المبارك :الجهاد ،التونسية
للنشر -تونس 1972 ،ص. 109 :
2الواقدي :فتوح الشام ،ج 1ص. 299 :
3نفس المصدر ،ج 1ص. 178 :
4ابن حجر :فتح الباري ،ج 9ص. 20 :
السباق عن زيد بن ثابت .و الدليل على ذلك إنه قال :فألحقناها
ملحقة في الحاشية بسورتها من المصحف .و ليست هذه الية ُ
في المصاحف العثمانية ((. 1
و أما ما حدث للقرآن زمن عثمان -رضي الله عنه -فهو ليس
كما ذهب إليه الجابري ،و إنما هو عملية نسخ للمصحف المام
في مصاحف جديدة حسب المصار من جهة ،و هو أيضا توحيد
له و لرسمه و لقراءاته من جهة ثانية .و هذا أمر صّرحت به
رواية البخاري السابق ذكرها ،لكن الجابري أغفل ذلك .
و أما زعم الجابري بأنه )) وقع تدارك بعض النقص كما في
مصادرنا (( ،فهذا يعني أنه قد ضاعت من القرآن الكريم آيات لم
ُتستدرك ،و هذا زعم باطل سبق أن بينا بطلنه بالدلة القاطعة و
الدامغة .و بّينا أنه لم يحدث أي استدراك لية أو أكثر من
القرآن ،و إنما الذي حدث هو عمل علمي جماعي تم بأمر من
خليفة المسلمين أبي بكر -رضي الله عنه -في ظروف عادية
جمع خللها القرآن كله و لم يسقط منه حرف واحد ،و للغاية ُ ،
هذا أمر سبق تبيانه و توثيقه .
ذكر في و هو قد افترى على المصادر عندما قال )) :كما ُ
مصادرنا (( ،لن هذه المصادر التي رجع إليها و ذكر رواياتها ،ل
توجد فيها رواة صحيحة قالت بأن آيات من القرآن تداركها
الصحابة ،و أخرى سقطت منهم و ضاعت .فهذا زعم باطل ،و
قد بينا أن معظم الروايات التي احتج بها ،غير صحيحة إسنادا و
متنا .و الصحيح منها لم تذكر ما زعمه الجابري ،و إنما أشارت
إلى أن آيات من القرآن قد ُنسخت ،و هذا أمر شرعي معروف
في دين السلم .لكن الجابري يختفي من وراء النسخ و ُيؤّوله
ليصل إلى القول بأن القرآن ضاعت منه آيات ُأسقطت من
المصحف ،و هذا افتراء على الحقيقة ،و تغليط للقراء ،لن
النسخ ليس نقصا و ل ضياعا .
أولها عصمة الحفظ اللهي للقرآن ،و بما أن الله تعالى أخبرنا
محكم ،و ل يأتيه الباطل أن يحفظ القرآن الكريم ،و أنه كتاب ُ
أبدأ ،فإن هذا يستلزم حتما أنه سبحانه سيحفظ كتابه من أي
تحريف إلى البد ،فهيأ له الظروف التي حفظته على أيدي
الصحابة المناء الكرام .
و منها إنها قصص مهيمنة على قصص أهل الكتاب ،و تحمل
إعجازا تاريخيا مذهل ،فهي مهيمنة على قصص التوراة و
الناجيل المحرفة ،و معجزة لنها قصص حقيقية صحيحة ،ذكرت
طائفة الخبار ل وجود لها في الكتب الدينية و ل التاريخية القديمة
من جهة ،و أوردت أخبارا أخرى صحيحة ،هي مذكورة في
معجزة
محّرفة .فقصص القرآن ُ الكتب القديمة بطريقة ُ
بالضرورة لنها أخبرت بأخبار صحيحة عن وقائع مجهولة ،و لنها
محّرفة. 1
أيضا صححت أخبارا وردت إلينا ُ
و منها إنها قصص واقعية تربوية حركية ،تعرض حوادث تاريخية
من أجل تغيير واقع الناس السيئ إلى واقع جديد يقوم على
1هذا المجال من العجاز التاريخي ما يزال في بدايته ،لكن ظهرت دراسات حديثة اهتمت بما جاء من قصص في القرآن ،و بما
اكتشفته الثار و المخطوطات ،ز و عن هذا الموضوع أنظر-مثل : -الدكتور لؤي فتوحي ،و شذى الدركزلي :التاريخ يشهد بعظمة
القرآن ،دار الحكمة ،لندن .
كانت ل َك ُ ُ
سوَةٌ مأ ْ ْ العبودية التامة لله تعالى ،كقوله تعالى )) :قَد ْ َ َ ْ
ممنك ُ ْ م إ ِّنا ب َُراء ِ مه ِ ْ قو ْ ِ ه إ ِذ ْ َقاُلوا ل ِ َ معَ ُ ن َ ذي َ م َوال ّ ِ هي َ ة ِفي إ ِب َْرا ِ سن َ ٌح َ َ
داوَةُ م ال ْعَ َ دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ م وَب َ َ فْرَنا ب ِك ُ ْ ن الل ّهِ ك َ َ دو ِ من ُ ن ِ دو َ ما ت َعْب ُ ُ م ّ وَ ِ
َ ّ
حد َه ُ إ ِل قَوْ َ ّ ً َ ْ
ه
م ِلِبي ِ هي َ ل إ ِب َْرا ِ مُنوا ِباللهِ وَ ْ حّتى ت ُؤ ْ ِ ضاء أَبدا َ َوالب َغْ َ
ك ت َوَك ّل َْنا يٍء ّرب َّنا ع َل َي ْ َ َ َ
ش ْ من َ ن الل ّهِ ِ م َ ك ِ ك لَ َ مل ِ ُ ما أ ْ ك وَ َ ن لَ َ فَر ّ ست َغْ ِ َل ْ
ن ِفي كا َقد ْ َ صيُر ((-الممتحنة ،- 4 :و))ل َ َ م ِ ك ال ْ َ ك أ َن َب َْنا وَإ ِل َي ْ َ وَإ ِل َي ْ َ
فت ََرى وََلـ ِ ديثا ً ي ُ ْ َ ُ
ق
دي َ ص ِ كن ت َ ْ ح ِ ن َ كا َ ما َ ب َ عب َْرة ٌ ّلوِْلي الل َْبا ِ م ِ صه ِ ْ ص ِ قَ َ
ن ((- مُنو َ قوْم ٍ ي ُؤ ْ ِ ة لّ َ م ًح َ دى وََر ْ يٍء وَهُ ً ش ْ ل َ ل كُ ّ صي َ ف ِ ن ي َد َي ْهِ وَت َ ْ ذي ب َي ْ َ ال ّ ِ
م ال ْك ُ ْ َ
ن
م ْ ل َ فَر َقا َ من ْهُ ُ سى ِ عي َ س ِ ح ّ ما أ َ يوسف ، -111 :و ))فَل َ ّ
مّنا ِبالل ّهِ َوا ْ َ َ
شهَد ْ صاُر الل ّهِ آ َ ن أن َ ح ُ ن نَ ْ وارِّيو َ ح َل ال ْ َ صاِري إ َِلى الل ّهِ َقا َ أن َ َ
ن ((-آل عمران . -52 : مو َ سل ِ ُ م ْ ب ِأّنا ُ
و بذلك يتبين أن أصالة قصص القرآن الكريم ليست متمثلة في
متمثلة طريقة عرضها فقط ،كما زعم الجابري ،و إنما هي أيضا ُ
أساسا في خصائص كثيرة ذكرنا طرفا منها على سبيل المثال ل
الحصر .
1أنظر مثل :محمد أركون :الفكر الصولي و استحالة التأصيل ، ،ترجمة هاشم صالح ،ط ، 2دار الساقي بيروت 2002 ،
ص . 83 ، 22 :و تاريخية الفكر العربي السلمي ،ترجمة صالح هاشم ،ط ، 3مركز التحاد القومي ،و المركز الثقافي العربي ،
بيروت ،الدار البيضاء ، 1998،ص. 266 :
2الجابري :مدخل إلى القرآن ،ص. 217 :
3سبق أن ناقشناه في دلك الزعم ،و بينا بطلنه .
جهة ،و هو ليس قول ُيقصد به الستقصاء و الحصر من جهة
أخرى ،و إنما المقصود به ذكر أبرز حفاظ القرآن من النصار
الذين تخصصوا فيه حفظا و رسما ،تلوة و قراءات .و قوله ل
ينفي وجود حفاظ آخرين من المهاجرين و النصار معا ،فهو لم
يقل :لم يحفظ من الصحابة القرآن كله إل أربعة ،و إنما قال :
جمع القرآن أربعة من النصار .و عبارة :جمع أوسع من معنى
الحفظ فقط ،و إنما يشمل الجامع الشامل للقرآن و التخصص
فيه حفظا و تلوة ،رسما و قراءات .
1أنظر :ابن منظور :لسان العرب ،ج 9ص . 41 :و ابن جني :سر صناعة العراب ،ط ، 1دار القلم ،دمشق ، 1983 ،ج 1
ص . 16 :و الخليل الفراهيدي :كتاب العين ،دار مكتبة الهلل ،بيروت ،د ت ،ج 3ص . 211 :و ابن تيمية :مجموع الفتاوى ،ج
3ص . 165 ، 67 :و ابن قيم الجوزية :الصواعق المرسلة ،ج 1ص. 215 :
2أنظر :خميس جابر صقر :الواحة الخضراء في تاريخ القراءة و القراء ،ط ، 1دار الصحابة ،طنطا ، 2004 ،ص. 33 ، 32 :
3أنظر مثل :السيد بن عبد الرحيم :أسانيد القراء العشرة ،ص 5 :و ما بعدها .
نعتبر جميع أنواع الفهم التي شيدها علماء السلم ...هي كلها
تراث لنها تنتمي إلى ما هو بشري ((, 1
1الجابري :التراث و الحداثة ط ، 2مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،1999 ،ص. 38 ، 30 ، 24 :
2نفس المرجع ،ص. 50 :
و أما المثال الخامس فيتعلق بالديانات السماوية ،و مفاده أن
الجابري يقول بوجود ثلث ديانات سماوية هي :اليهودية ،و
النصرانية ،و السلم ،من ذلك أنه قال )) :وحدة الصل في
الديانات السماوية الثلث (( ،و قال أيضا :إن نزول الوحي على
الرسول-صلى الله عليه و سلم -دشن عهدا جديدا في تاريخ
البشرية ،قوامه قيام دين سماوي جديد إلى جانب اليهودية و
النصرانية . 1ذ
1أنظر مثل :متى ،الصحاح ، ( 18/ 1 :و يوحنا ،الصحاح . ( 13-12/ 18 :
اللوهيــة . 2فهــي ديانــة تثليــث ل توحيــد ،فل يمكــن أن يكــون
التوحيد تثليثــا ،و ل التثليــث توحيــدا ،فواحــد ل يســاوي ثلثــة ،و
فر اللــه تعــالى النصــارى المثلــثين ثلثة ل تساوي واحدا .لذلك ك ّ
ث ث َل َث َةٍ وَ َ
ما ه َثال ِ ُ ّ
ن الل َ ْ ُ
ن َقالوا إ ِ ّ ذي َ ّ
فَر ال ِ قد ْ ك َ َ في قوله سبحانه }- :ل ّ َ
ن
ذي َن ال ّـ ِ سـ ّ م ّن ل َي َ َقول ُــو َ م َينت َهُــوا ْ ع َ ّ
مــا ي َ ُ حد ٌ وَِإن ل ّـ ْ ن إ ِل َهٍ إ ِل ّ إ ِل َ ٌ
ه َوا ِ م ْ ِ
َ
م{ -ســورة المــائدة . -73/و إذا أصــر ب أِلي ـ ٌ م ع َـ َ
ذا ٌ من ْهُ ـ ْ ف ـُروا ْ ِ كَ َ
النصــارى علــى جعــل التثليــث توحيــدا ،فــإن كــل الديــان تصــبح
توحيدية و إن تعددت آلهتها ! .
2محمد أبو زهرة :محاضرات في النصرانية ،ط ،3دار الكتاب العربي ،مصر ، 1961 ،ص 98 :و ما بعدها .
و أمــا المجــال الخــامس مــن المقارنــة ،فيتعلــق بصــحة
المعلومات العلمية في التوراة و القرآن من عدم صحتها ،و هــذا
وى بيــنأمر في غاية من الهمية ،و قد أغفله الجابري عندما ســ ّ
مضــمون القــرآن و مضــمون التــوراة و الناجيــل .و الحقيقــة أن
التوراة فيهــا أخطــاء علميــة فادحــة تتعلــق بخلــق العــالم ،و عمــر
الكــون ،و الطوفــان . 1و أمــا الناجيــل ،فهــي مجــرد مــذكرات
تحكــي حــوادث تتعلــق بحيــاة كتابهــا ،و تكــاد تكــون خاليــة مــن
المعلومــات العلميــة المتعلقــة بالطبيعــة ،اللهــم إل الملحظــات
الطبيعية العامة المعروفة لدي عامة الناس. 2
و أما القرآن الكريم فقد تكلم عن نشأة الكون بطريقة علمية صحيحة معجزة
،و أشار إلى حقائق علمية كــثيرة ،كتطــورات الجنيــن فــي بطــن أمــه ،و قــد ذكرهــا
القرآن بطريقة معجزة لم يكتشفها العلم الحديث إل مؤخرا ،ولم ُيكتشف فيــه أي خطــأ
صنفت في هذا الموضوع مؤلفات كثيرة ،و ُأنشئت له هيئة عالميــة تضــم علمي و قد ُ
نخبة من كبار العلماء المسلمين المختصين في مختلف العلــوم الحديثــة ،.ولهــذا الهيئة
موقع على النترنت فيه كثير من أعمالها العلمية بالمجان .
و أما المجال الخير – و هو السادس ، -فيتعلق بالتوثيق
كتبت أسفارها على زمني يزيد التاريخي ،فبالنسبة للتوراة فقد ُ
عن 9قرون ،بلغات مختلفة ،اعتمادا على التراث الشفوي
المنقول بل أسانيد ،مع الجهل بكتابها الحقيقيين. 3
و أما الناجيل المعتمدة عند النصارى اليوم ،فهي قد ُاختيرت
من بين عشرات الناجيل في القرن الرابع الميلدي ،و هي
ليست لها أسانيد ،مع جهالة مصنفيها ،و اضطراب متونها ،
مختلف في سنة تدوينه ،فقيل : فإنجيل متى مجهول مؤلفه ،و ُ
4
37م ،و 48م ،و 62م 64 ،م ،مع الختلف في لغة تدوينه .
مختلف في مؤلفه ،فقيل مرقس ،و قيل و إنجيل مرقس ُ
5
دون سنة 56م ،و 60م ،و 65م .و أما بطرس .و قيل أنه ُ
إنجيل يوحنا فمؤلفه مجهول الشخصية ،و هناك شك في نسبة
إنجيله إلى يوحنا الحواري ،مع الختلف في سنة تدوينه ،فقيل :
سنة 68م 98 ، 96 ، 95 ، 70 ،للميلد . 6و أما إنجيل لوقا
1أنظر مثل :موريس بوكاي :الكتب المقدسة في ضوء العلوم الحديثة ،ط ، 4دار المعارف ،بيروت ص 39 :و ما بعدها .
2فيها خطأ فادح حول أنساب المسيح ،و عنه أنظر :كتاب موريس بوكاي السابق ذكره .
3عبد الوهاب طويلة :الكتب المقدسة ،ط ، 2دار السلم القاهرة ، 2001ص 91 ، 89 ، 88 :و ما بعدها .و موريس بوكاي :الكتب
المقدسة في ضوء العلوم الحديثة ،ط ، 4دار المعارف ،بيروت ،ص. 23 :
4عبد الوهاب طويلة :نفس المرجع ،ص 132 :و ما بعدها .رؤوف شلبي :أضواء على المسيحية ،المكتبة العصرية ،بيروت ،
، 1975ص. 41 :
5نفس المرجع ،ص. 44-43 :
6نفس المرجع ،ص. 51 ، 50 ، 48 ، 47 :
فمختلف في جنسية مؤلفه و صنعته ،و في تاريخ تدوينه ،
فقيل :سنة 64 ،63 ،53للميلد. 1
مع العلم أن الناجيل الحالية ما هي إل مجرد قصص و
روايات و حكايات عن جوانب من حياة المسيح-عليه السلم-
فيها الصحيح و المكذوب و المستحيل .و هي مذكرات شخصية
ليست من إملء المسيح –عليه السلم، -و لم يشهدها أصل ،
كتبها أصحابها تلبية لرغبات خاصة ،و قد فقدت أصولها و ليست
لها أسانيد توثيقية. 2
مختلف تماما ،فقد ظهر في و أما القرآن الكريم ،فالمر معه ُ
ضوء التاريخ ،و لم يظهر في ظلمه ،و وصلنا بالتواتر المحفوظ
و المكتوب معا ،و هذا أمر سبق أن بيناه و وثقناه ،فل نعيدها .
و أما قول الجابري بأن القرآن ل يتميز عن التوراة و النجيل
إل بكونه نزل بلسان عربي مبين ،فهذه ميزة عادية معروفة ،و
ل تمس مصدر القرآن و ل مضمونه و ل مكانته من جهة .و
تتضمن تغليطا للقراء و تدليسا عليهم من جهة أخرى .و ذلك أن
الجابري أشار إلى هذه الميزة و كأنه أشار إلى ميزة أساسية
هامة جدا قليل من يعرفها ،مع أن هذه الميزة معروفة
بالضرورة ،لن الله تعالى ما أرسل من نبي إل أرسله بلسان
َ
ه ن قَوْ ِ
م ِ سا ِ ل إ ِل ّ ب ِل ِ َ
سو ٍمن ّر ُسل َْنا ِ
ما أْر َقومه ،لقوله سبحانه )) :وَ َ
زيُزشاُء وَهُوَ ال ْعَ ِ من ي َ َ
دي َ شاُء وَي َهْ ِمن ي َ َ ل الل ّ ُ
ه َ ن ل َهُ ْ
م فَي ُ ِ
ض ّ ل ِي ُب َي ّ َ
م ((-إبراهيم ،-4 :فكما أن القرآن يتميز عن التوراة و كي ُح ِال ْ َ
الناجيل بلغته العربية التي نزل بها ،كذلك تلك الكتب تميزت
عنه بأن الله تعالى أنزلها بلغة بني إسرائيل التي كانوا يتكلمون
بها .
و بذلك يتبين أن ما قاله الجابري هو زعم باطل ،و مجازفة ل
مبرر علمي لها ،و هو طعن في القرآن الكريم ،و تقزيم له ،لنه
سواه بالباطل بل دليل صحيح ،متأثرا بالمستشرقين و تلمذتهم
الذين زعموا أن القرآن مأخوذ من التوراة و الناجيل ،و ل فرق
بينه و بينها . 3لذا فل أدري هل الجابري كان يعي ما يقول عندما
قال بذلك الزعم الباطل ،أم أنه زلة لسان ،أم أنه تعمد قوله
عن وعي و سبق إصرار و ترصد ؟ ! .
ور بأن من كمالت النبي و أما قوله بأنه ل يليق بنا أن نتص ّ
المرسول أنه ل يقرا و ل يكتب .فهذا من مغالطاته ،لنه ليس
مرسل أن يكون يعرف شرطا أيضا أن من كمالت النبي ال ُ
القراءة و الكتابة .و عدم معرفة النبي للقراءة و الكتابة ليس
نقصا و ل عيبا ،و ل حطا من قيمته ،و إنما ذلك من كمالته و
خصائصه المميزة له .لنه من العادي جدا أن يأتي عالم ما
بنظرية علمية ،لكن ليس من العادي أن يأتي إنسان ل يعرف
القراءة و الكتابة بمعجزة علمية يتحدى بها النس و الجن معا ،
فهذا أمر من الخوارق ،من يأتي به فهو أكمل من كل أهل العلم
على الطلق ،لنه جاء بما لم يأتي به مخلوق في العالم ،و هذا
1البخاري :الصحيح ،ج 6ص. 2654 :
ل يتأتى إل لنبي .و هذا هو حال النبي محمد-عليه الصلة و
السلم ، -فكانت عدم معرفته للقراءة و الكتابة كمال و إعجازا ،و
لم تكن نقصا كما كانت في غيره نقصا .
و أما زعمه بأن عدم معرفة القراءة و الكتابة ليس علمة على
المعجزة ،فهذا تغليط منه ،لن المعجزة التي نتكلم عنها هي
معجزة القرآن الكريم ،و لسنا نتكلم عن إبداعات العباقرة في
خطب ،و الشعر و الموسيقى ...إلخ ،فهذه البداعات الشعر و ال ُ
قد توصف بالعبقرية و التفرد و العجاز ،لكنه وصف مجازي ،
ُأريد به المبالغة في التعظيم و التقييم ،و إل فإن الحقيقة هي أن
مبدعا ،فإنه عمل إنساني أي عمل بشري مهما كان عظيما ُ
محكوم بزمانه و ظروفه ،و ل إعجاز فيه و ل تحد ٍ ،لنه يمكن
التيان بمثله ،أو بأحسن منه ،أو بالقريب منه ،في الزمن الذي
ظهر فيه ،أو في الزمن الذي يأتي بعده .علما بأن هذا البداع
يخص جانبا من جوانب المعرفة البشرية و إبداعاتها ،و ل يشمل
كل جوانبها من جهة ،و ل يخلو من الخطأ و السلبيات و النقائص
من جهة أخرى .
لكن معجزة القرآن تختلف عن ذلك تماما ،إنها معجزة عامة
تشمل كل مجلت العلوم ،و قد جاء بها نبي ل يقرأ و ل يكتب ،و
تحدى بها النس و الجن معا ،بأن يأتوا بمثله منذ نحو 15قرنا ،و
ما يزال التحدي مستمرا و قائما على يمنا هذا .و نحن نرى كتبا
كثيرة ٌيدسها أصحابها ككتب الهنود و اليهود و النصارى ،لكنها
ليست في مكانة القرآن ،فل إعجاز فيها ،ول تحد ،مع كثرة
الخرافات و المستحيلت و الخطاء العلمية و التاريخية . 1لكن
القرآن الكريم ل ُيوجد في العالم كتاب ُيماثله ،و ل يقترب
وق عليه .أليس هذا علمة على المعجزة ،و من منه ،و ل يتف ّ
مظاهرها أن الذي جاء بها كان ل يعرف القراءة و الكتابة ؟ .
فلماذا الجابري ُيغالط و ُيدّلس ؟ ! .
1أنظر مثل :ابن رشد :تلخيص السماء و العالم ،حققه جمال الدين العلوي ،كلية الداب جامعة سيدي محمد بن عبد ال ،فاس ،
لثار العلوية ،حققه جمال الدين العلوي ،ط ، 1دار الغرب السلمي ،بيروت . 1994 ، المغرب .و ابن رشد :تلخيص ا ُ
و فاعلية إلى يومنا هذا .خلف ما أراد الجابري أن ُيوهمنا به ،
عندما حاول تغليطنا بذلك الزعم الباطل .
1الجابري :بنية العقل ،ص . 546 ، 545 :و الجابري :القرآن و العلوم الكونية ،جريدة التحاد ،ركن وجهة نظر ،العدد 10600 :
25 ،جمادى الولى 13 ،يونيو . 2004
الشارات العلمية في القرآن ،فتوصل بفضلها إلى الكشــف عــن
حقائق لم تكن معروفة.1
و العتراض الثاني مفاده أن العلم يتغيــر ،و قــد تصــبح حقيقــة
اليوم ليســت حقيقــة الغــد ،لــذا فــإن ربــط القــرآن بكشــف مــن
الكشوف )) ينطوي على مجازفة خطيــرة (( . 2و قــوله هــذا فيــه
حق و باطــل ،لنــه أول إن العلــم الحــديث فيــه الحقــائق و شــبه
الحقائق ،و النظريات و شبه النظريات ،فعلى المفسر أن يعتمد
أساسا على الحقائق الثابتة ،و إذا اســتعان بالنظريــات فل يجــزم
بها ،و إنما يجتهد حسب طاقته للوصول إلى الحقيقة أو القتراب
منها ،وفق المنهجية العلمية الصحيحة .
و ثانيا إن المفسر لليات العلمية في القرآن هو مجتهد ،
كغيره من المفسرين المجتهدين ،فإن أصاب فله أجران ،و إن
أخطأ فله أجر واحد ،و هو في تفسيره ل يربط القرآن
بالكشوف الحديثة ،و إنما ُيفسره بها حسب اجتهاده ،و ل يترتب
عن ذلك أي ضرر على القرآن كنص مقدس محفوظ .فإذا أخطأ
ذلك المفسر فهذا ليس كارثة ،و ل حراما ،و ليس جديدا في
تاريخ التفسير ،فالمفسرون منذ نزول القرآن إلى يومنا هذا ،
مخطئ .و الله تعالى هو الذي أمرنا فيهم المصيب و فيهم ال ُ
َ
بتدبر كتابه و فهمه و تفجير معانية ،كقوله تعالى }- :أفَل َ
دوا ْ ِفيهِ ا ْ
خت ِل ًَفا ج ُ عند ِ غ َي ْرِ الل ّهِ ل َوَ َن ِ
م ْ
ن ِ ن وَل َوْ َ
كا َ ن ال ْ ُ
قْرآ َ ي َت َد َب ُّرو َ
َ َ
بم ع ََلى قُُلو ٍ نأ ْ قْرآ َ ن ال ْ ُك َِثيًرا{ -سورة النساء -82/و}أفََل ي َت َد َب ُّرو َ
فال َُها{ سورة محمد،-24/و من يقرأ القرآن و يجتهد في تدبره أ َقْ َ
و تفسيره ،ليس واجبا عليه أن ُيصيب و أن ل ُيخطئ ،بل عليه
أن يجتهد و الجر آت بإذن الله .
و ُأشير هنا إلى أمر هام جدا ،مفــاده أنــه ل يمكــن أن يحــدث
تعارض بين حقائق القرآن و حقائق العلم ،فإذا مــا حــدث ذلــك ،
فإما أننا أخطأنا فــي فهــم القــرآن ،و إمــا أننــا أخطأنــا فــي فهــم
الحقيقة العلمية ،و إمـا أن مــا حســبناه حقيقــة علميــة هــو ليــس
كذلك ،و إنما هو مجرد نظريــة لــم يقــم الــدليل العلمــي القــاطع
على صدقها ،و إما أننــا أخطأنــا فــي فهــم المريــن معــا ،لنــه ل
يمكــن أن يحــدث تعــارض حقيقــي بيــن كتــاب اللــه المســطور-
القرآن -و كتابه المنظور –الكون. -
و أما اعتراضه الثالث فمفــاده أن القــرآن بيــان للنــاس ،ذكــر
مظاهر طبيعية معروفة لدي الناس ،و لــم ت ُــثر فيهــم اشــكالت ،
1صرح بذلك العالم الجيولوجي زغلول النجار عندما فسر اليات العلمية على قناة الشارقة الفضائية ،في شهر رمضان ،من السنوات
الماضية القليلة .و من يرجع إلى أبحاثه في العجاز العلمي ربما يجد ذلك ،و هي متوفرة على شبكة النترنت في موقع إسلميات .
2الجابري :القرآن و العلوم الكونية .
م يقــوم علــى
كتصــطح الرض ،و جريــان الشــمس ،و هــذا فه ـ ٌ
المشاهدة الظاهرة للشيء ،و هو يفي بالعتبــار لطــرح الســؤال
المطلـوب ،و هــو :مـن خلــق هــذا ؟ ،و ليـس كيـف حــدث هــذا
النظام 1؟ .
و ثانيا إنه ليس في القرآن الكريم :من خلق هذا فقط ؟ ،و
إنما فيه أيضا الدعوة إلى البحث عن الكيفية ،و السعي في
الطبيعة لتسخيرها و النتفاع بها ،و شكر الله تعالى عليها ،و هذا
ل يتأتى إل بالبحث و الكشف عن السنن الكونية و الجتماعية ،و
ما ِفي كم ّ خَر ل َ ُ س ّ توظيفها لخدمة النسان .قال تعالى } :وَ َ
قوْم ٍ ت لّ َ ك َلَيا ٍ ن ِفي ذ َل ِ َ ه إِ ّ من ْ ُ
ميًعا ّ ج ِ
ض َ ِ ما ِفي اْل َْر ت وَ َ ماَوا ِ س َ ال ّ
ض َ ْ ن{ سورة الجاثية، -13/و }قُ ْ فك ُّرو َ
روا ِفي الْر ِ سي َُ ل ِ
َ
ي َت َ َ
ن الل ّ َ
ه خَرة َ إ ِ ّ شأة َ اْل ِ ئ الن ّ ْ ش ُ ه ُين ِم الل ّ ُ خل ْقَ ث ُ ّ ف ب َد َأ ال ْ َ َفانظ ُُروا ك َي ْ َ
َ
ديٌر{ -سورة العنكبوت ،-20/و}أفََل َينظ ُُرو َ
ن يٍء قَ ِ ش ْ ل َ ع ََلى ك ُ ّ
َْ َ
ضت،وَإ ِلى الْر ِ ف ُرفِعَ ْ ماء ك َي ْ َ ت ،وَإ َِلى ال ّ
س َ ق ْ خل ِ َ ف ُ ل ك َي ْ َ إ َِلى اْل ِب ِ ِ
من ت ِ خل َ ْ ت{ -سورة الغاشية ،-18-17 /و }قَد ْ َ ح ْسط ِ َ ف ُ ك َي ْ َ
ف َ ض َفان ْظ ُُروا ْ ك َي ْ َ َ ْ
ة
عاقِب َ ُ ن َ كا َ سيُروا ِفي الْر ِ ن فَ ِ سن َ ٌ م ُ قَب ْل ِك ُ ْ
ن { -سورة آل عمران. -137/ مك َذ ِّبي َ ال ْ ُ
1محمد أركون :السلم ،أروبا ،الغرب ،ترجمة هاشم صالح ،ط ، 2دار الساقي ،بيروت ، 2001ص. 86 :
2انظر :عبد القاهر البغدادي :الفرق بين الفرق ،ص ، 281 :و ما بعدها .
التجريدية التي لم يقم الدليل على صدقها-في الغالب العــم ، -و
قد جاء العلم الحديث و أثبت بطلن ما ظنوا أنه حقــائق علــى مــا
ذكره الجابري .لذا فل مجال للمقارنة بين مــا يقــوم بــه أصــحاب
التفسير العلمي للقرآن و ما قام به السماعيلية الباطنية ،فدعاة
التفسير العلمـي للقـرآن ينطلقـون مـن الفهــم الصــحيح للســلم
القائم على محكمات الكتاب و السنة الصــحيحة الموافقــة لــه ،و
على ما أجمع عليه الصحابة و التابعيون من جهة ،و على حقــائق
العلــم الحــديث ،الــتي ل مجــال للمقارنــة بينهــا و بيــن طبيعيــات
الفلسفة القديمة التي قامت أساســا علــى الظــن و التجريــد مــن
جهة أخرى .
و ختاما لهذا الموضوع أشير هنا إلى أمر هام جــدا ،مفــاده أن
الذين يرفضون التفسير العلمي للقرآن ،هم على أربعــة أصــناف
على ما يبــدو لــي :أولهــا صــنف مــن المســلمين الغيــورين علــى
القرآن يتخوفون من حدوث آثار سلبية ُتسيء إلى القرآن الكريم
من جراء ذلك التفسير ،بسبب الخطأ ،أو دخول غيـر المختصـين
في هذا الموضوع .
و الصنف الثاني هــو مــن غيــر المســلمين كــاليهود و النصــارى ،
هؤلء ل يرحبون بالتفسير العلمــي للقــرآن ،لنــه يهــدد أديــانهم و
مصــالحهم ،و يكشــف عــن زيــف ديانــاتهم و عقــائدهم و كتبهــم
المقدسة عند المقارنة بينها و بين العلم الحديث من جهة ،و عند
المقارنة بينها و بين القرآن من جهة أخرى ،المر الذي يؤدي إلى
قيام الحجج الدامغة عليهم على صدق نبوة محمد –عليه الصلة و
السلم ، -و بطلن عقائدهم و كتبهم .لذا فهم يتخوفون من ذلــك
التفسير كثيرا و يرفضونه ؛ لذا فهم يسعون إلى العمل على إبعاد
المسلمين من هــذا المجــال بمختلــف وســائل المكــر و الــدس ،و
التدليس و المغالطات و التخويفات من مغبة ذلك التفسير .
و أما بالنسبة للقرآن الكريم ،فل يصدق عليهــا مــا قلنــاه ،لن
الله تعالى هو الذي وصف كتابه بأنه معجز ،و تحــدي بــه النــس و
الجن على أن يأتوا بمثله ،ثم أكد على أنهما لن يأتوا بمثله ،فــي
ن ع َل َــى َأن ي َـأ ُْتوا ْ س َوال ْ ِ ّ
جـ ّ لن ـ ُتا ِ معَ ـ ِ جت َ َ
نا ْ قوله سبحانه ُ)) :قل ل ْئ ِ ِ
ض ظ َِهيرا ً ((- م ل ِب َعْ ٍ
ضه ُ ْن ب َعْ ُ مث ْل ِهِ وَل َوْ َ
كا َ ن ل َ ي َأُتو َ
ن بِ ِ ذا ال ْ ُ
قْرآ ِ هـ َ مث ْ ِ
ل َ بِ ِ
السراء .-88 :فهذا حكم إلهي مطلــق بــأن المعجــزة القرآنيــة ل
يمكن التيان بمثلها أبدا ,و هذا خلف إبداعات البشر .
و أما من الناحية العملية فــإن الواقــع يشــهد علــى أن العمــال
البداعية لكبار المبدعين في العــالم تتكــرر أعمــالهم فــي الواقــع
المشــهود .لن تجــارب البشــر تتكــرر بطريقــة أو أخــرى ،فقــد
تتشــابه كــثيرا ،و قــد تختلــف كــثيرا ،و قــد تجمــع بيــن التشــابه و
الختلف معا .فيأتي إنتاجهم انعكاسا لتجاربهم علــى المســتويين
العقلي و الوجداني .علما بــأن أعمــالهم ل تخلــو مــن النقــائص و
السلبيات مهما بلغت من القوة و اليجابية و حازت علــى صــفات
الكمال .
ص . 241 :و 1عبد المالك مرتاض :فن المقامات في الدب العربي ،ط 2الجزائر ،المؤسسة الوطنية للكتاب 1988 ،
شوقي ضيف :المقامة ،ط ، 2القاهرة ،دار المعارف ، 1964 ،ص 87 :
2و شوقي ضيف :نفس المرجع ، 1964 ،ص . 88 :
3تتكون من ستين مقامة ،مقابل خمسين عند كل من الحريري و الهمذاني .نفس المرجع ،ص . 85 :و عبد المالك مرتاض :المرجع
السابق . 228:
4عبد المالك مرتاض :المرجع السابق ص . 460 ، 459 ، 456 ، 228 :و شوقي ضيف :المرجع السابق ص ، 91 ، 89 ، 85 :
. 92
5أي أنه يقرأ طردا و عكسا ،كقول اليازجي :قمر يفرط عمدا مشرق × رش ماء دمع طرف يرمق .عبد المالك مرتاض :نفس
المرجع ص . 466 :
6نفس المرجع :ص . 466 ، 465 :و شوقي ضيف :المرجع السابق ص . 92 ، 91 ، 90 ، 89 :
شعوب كثيرة لم تكن قادرة على بناء مثلها ،فإن بناءها لــم يكــن
سرا و ل معجزة بالنسبة للمصريين ،فقد كــانوا يعرفــون طريقــة
بنائهــا معرفــة جيــدة ،و بنــوا منهــا أهرامــات كــثيرة خلل العصــر
الفرعوني ،أشهرها أهرامات الجيزة الثلثة المعروفة .فلــو كــان
بناؤها معجزا لما تمكن المصريون من تكرار بنائها مرات عديدة .
و بما أنهم فعلــوا ذلــك ،فهــي ليســت معجــزة حــتى و إن جعلــت
شعوب أخرى طريقة بنائها ،و لم تقدر علــى تقليــد بنائهــا .و مــا
قلناه عن بناء الهرامات هو نفسه يمكن قوله عن عملية التحنيط
التي مارسها الفراعنــة فــي تحنيــط ملــوكهم و أعيــان دولتهــم .و
النسان في عصرنا الحالي يســتطيع أن يبنــي بنايــات أكــبر بكــثير
من تلـك الهرامـات مـن حيــث الحجـم و المرافــق و الجمـال ،و
ناطحات السحاب أحسن شاهد على ذلك .
و أما المعجزة القرآنية من الناحية العملية ،فهي تختلــف تمامــا
عن تلك البداعات الــتي ســبق أن ذكرناهــا ،لنــه ل ُيوجــد كتــاب
ُيماثله في العلم بأسره .فهـي معجـزة فريـدة لـم تتكـرر ،و لـن
تتكرر ،فلو تكررت –على يد البشر -ما أصبحت معجزة .
و تبّين أيضا أنه –أي الجابري -قام بدور تحريفي خطيــر و وضــيع
في موقفه من القرآن الكريم ،ليس فيه من الموضوعية العلمية
شيء .و قد كان فيه متأثرا-من حيــث يــدري أو ل يــدري -بشــكل
كبير بالمستشرقين و تلمذتهم في موقفهم الباطــل مــن القــرآن
الكريم ،فقال بقولهم في تسويتهم للقرآن بــالتوراة و الناجيــل ،
و إنكارهم للمعجزة القرآنية و أمية النبي –عليه الصلة و السلم-
.قالوا ذلك زورا و افتراء و بهتانا ،فصــدق عليهــم قــوله تعــالى :
َ ))َيا أ َهْ َ
م ن ال ْ َ
حــقّ وَأنُتــ ْ حقّ ِبال َْباط ِ ِ
ل وَت َك ْت ُ ُ
مو َ ن ال ْ َ م ت َل ْب ِ ُ
سو َ ل ال ْك َِتا ِ
ب لِ َ
ن ((-آل عمران . -71 : مو َ ت َعْل َ ُ
علمــا بــأن إصــرار الجــابري علــى أن النــبي -عليــه الصــلة و
السلم-كان يعرف القراءة و الكتابــة هــو زعــم باطــل ، ،رّوج لــه
المستشرقون و تلمذتهم ليجــدوا طريقــا للطعــن فــي القــرآن ،و
إيجاد تفسير بشري له ُ ،يفسرون بــه قســما كــبيرا مــن مضــمون
المعجزة القرآنية ،من دون القرار بها ،و ل بنبــوة محمــد –عليــه
الصلة و السلم ، -بدعوى أنه بما أن النبي كان يعرف القــراءة و
الكتابة ،فمن الممكن أنه نقل قسما كبيرا ممــا فــي القــرآن مــن
الكتب الدينية القديمــة بطريقــة أو أخــر .و هــذا الزعــم و إن كــان
باطل 1فإن الجابري قد ســاهم فــي تــدعيمه و ترويجــه و مسـاندة
من يقول به من المستشرقين و تلمذتهم ،مقابل ل شيء يمكن
أن يقدمه لخرته و ينتفع به يوم يقوم الناس لرب العالمين .
1سنعود إلى هذا الزعم و نبين بطلنه بالدلة القطعية ،في الفصل الثاني عندما نرد على خرافات الكاتب هشام جعيط ،إن شاء ال
تعالى .
2الجابري :مدخل إلى القرآن ،ص. 90 :
هذه طريقة غيــر علميــة ،لنــه كــان عليــه أن يحتكــم – فــي تلــك
القضايا -إلى القرآن أول ،و ل ُيقرر ما ُيخالفه ثانيا .
و أما النتقاد الثالث فمفاده أن قسما كبيرا من أفكار الجــابري
الباطلة بناها على الروايات التاريخية المتعلقة بتاريخ القــرآن مــن
حصها و ينتقدها في أسانيدها و متونها ُ ،ليميز صــحيحها دون أن ُيم ّ
مــن ســقيمها .إنــه لــم يهتــم بــذلك أصــل ،ومــع أن معظــم تلــك
الروايات غير صحيحة ،لكنــه –مــع ذلــك -اســتعملها و بنــى عليهــا
أفكاره ،التي أثار – من خللها -الشكوك و الشبهات التي أوصلته
مخالفة للشرع و التاريخ الصحيح معا . إلى نتائج باطلة ُ
و أقول :إن حقيقة عمل هذا الرجل ليــس كمــا زعــم ،و إنمــا
حقيقته أنه لم ُيعّرف القراء بالتاريخ الصــحيح للقــرآن الكريــم ،و
إنمــا عّرفهــم بشــبهاته ،و مغالطــاته ،و مفتريــاته ،و مــذهبيته-
إيديولوجيته -التي زعم أنه ينأى بنفسه عنهــا .و قــدم أيضــا مــادة
جاهزة لعداء السلم ليطعنوا فيه ،و ُيحققــوا أهــدافهم المذهبيــة
من خللها .و هو لم يفتح أعيــن النــاس و عقــولهم علــى الفضــاء
وث تفكيرهم بشبهاته و القرآني النقي الصافي كما زعم ،و إنما ل ّ
تحريفاته ،و أباطيله التي افتراها على القرآن الكريم .
الفصل الثاني
1هشام جعيط :تاريخية الدعوة المحمدية في مكة ،ط ، 1دار الطليعة ،بيروت ، 2007 ،ص. 176 ،175 ،163 ،162 :
2في القرآن )) و قالوا ُمَعلم مجنون ((-سورة الدخان-14/
3نفس المرجع ،ص. 154 :
ثم زعم جعيط أن معجم اللغة السريانية الديني ُادخل إلى
لغة القرآن أكثر من المعجم العبري ،و حتى الثيوبي .من ذلك :
حا لك بالسريانية .شب َ سبحانك = ُ ُ -
تباركت = بريك أت بالسريانية . -
َ َ 1
سبحانك يا الله = ُ
شبحا لك ألَها . -
و زعم أن من تلك التأثيرات اللغوية في القرآن أن لفظ إله
محمد :الله ،هو الله الواحد عند نصارى الشام من السريان و
حمنان ،أو رحمان هو تسمية الله الب العرب .كما أن عبارة َ :ر ْ
عند نصارى اليمن. 2
و حتى إذا افترضنا أنه حدث اتصال بينهما فهذا ل يعني أن
النبي كان يعرف اللغة السريانية لكي يتكلم مع الرجل العجمي ،
فهذا لم يحدث ،لنه من الثابت أن رسول الله لم يكن يعرف إل
اللغة العربية ،مما يعني أن الرجل العجمي هو الذي كان يعرف
كلمات من اللغة العربية الدارجة تكفيه أن يتعامل بها مع الناس
لقضاء حوائجه الضرورية .و بما أنه كان يعيش بين العرب في
قريش فهذا يعني أنه كان يعرف ذلك القسط من اللغة العربية .
و القرآن الكريم لم ينف عن ذلك الرجل العجمي معرفته
بكلمات مكسرات من اللغة العربية تمكنه من قضاء حوائجه ،و
مبين
إنما نفى عنه معرفته الصحيحة و العميقة باللسان العربي ال ُ
ن ((-النحل . -103 :و بما أنمِبي ٌ
ي ّ
ن ع ََرب ِ ّ
سا ٌ
،لذا قال )) :و هذا ل ِ َ
العرب القحاح أنفسهم لم يتمكنوا من التيان بمثل القرآن ،
فمن باب أولى أن ل يقدر على ذلك من ل يعرف اللغة العربية .و
هذا هو معنى قوله تعالى )) :و لقد نعلم أنهم يقولون لسان
(( .علما بأن معرفة إنسان ما لكلمات دارجة كثيرة الذي
الستعمال في مجمع ما ،ل يعني هذا انه يعرف لغتهم الدارجة و
الفصيحة معا .
و ُأشير هنا إلى أن هشام جعيط عندما زعم أن رأيه ضروري ،
مغالطا في زعمه هذا ،لنه ل يصح القول في أمر ما أنه كان ُ
ضروري إل إذا كان قائما على مقدمات صحيحة ل شك فيها ،و
أن عملية الستنتاج كانت صحيحة أيضا .و هذا ل يتوفر أبدا فيما
قاله جعيط .فهو لم يعتمد على رواية صحيحة و ل ضعيفة ،و ل
اعتمد على دليل شرعي ،و ل اعتمد على دليل عقلي صحيح ،و
إنما اعتمد الظنون و الوهام و الخرافات ،و التأويلت التحريفية ،
فتعلق بكل ذلك و استنتج منها آراءه الخرافية التي ذكرنا
بعضها ،و البقية ستأتي تباعا و نبين بطلنها إن شاء الله تعالى .
1البخاري :الصحيح ،ج 3ص . 1211 :و ابن حبان :الصحيح ،ج 1ص. 521 :
2البخاري :نفس المصدر ،ج 1ص . 443 ، 420 :و القاضي عياض :الشفا ،ج 1ص . 270 :و ابن عبد البر :الستيعاب في
معرفة الصحاب ،ج 1ص . 78:أحمد بن حنبل :المسند ،ج 5ص. 441 :
استكبارا .لذا فإن الدليل الذي ذكرناها هو دليل قوي جدا و ل
ُيستهان به .
و في مقابل هؤلء المؤمنين نجد موقف المنكرين لنبوة محمد-
عليه الصلة و السلم -من اليهود و النصارى ،و هو أيضا دليل
دامغ على بطلن خرافة التاثيرات الكتابية المزعومة .و ذلك أن
اليهود و النصارى كانوا يأتون إلى رسول الله و يسألونه و
جل القرآن بعضها ،كقوله تعالى : يجادلونه في أمور كثيرة ،س ّ
َ
سأُلوا ْ ب َأن ت ُن َّز َ ك أ َهْ ُ سأ َل ُ َ
قد ْ َ ماِء فَ َ س َ ن ال ّ م ََ م ك َِتابا ً ّ ل ع َل َي ْهِ ْ ل ال ْك َِتا ِ ))ي َ ْ
َ َ
ةق ُ ع َ صا ِ م ال ّ خذ َت ْهُ ُ جهَْرة ً فَأ َ قاُلوا ْ أرَِنا الل ّهِ َ ك فَ َ من ذ َل ِ َ سى أك ْب ََر ِ مو َ ُ
عن فوَْنا َ ت فَعَ َ ْ
م الب َي َّنا ُ جاءت ْهُ ُ ما َ من ب َعْد ِ َ ل ِ ج َ ْ
ذوا العِ ْ ْ خ ُم ات ّ َ م ثُ ّ مهِ ْ ْ
ب ِظل ُِ
لمِبينا ً ((-النساء ، -153 :و ))ك ُ ّ طانا ً ّ سل ْ َ سى ُ مو َ ك َوآت َي َْنا ُ ذ َل ِ َ
ه
س ِ ف ِ ل ع ََلى ن َ ْ سَراِئي ُ م إِ ْ حّر َ ما َ ل إ ِل ّ َ سَراِئي َ حـل ّ ل ّب َِني إ ِ ْ ن ِ كا َ الط َّعام ِ َ
ْ َ
مكنت ُ ْها ِإن ُ ل فَأُتوا ْ ِبالت ّوَْراةِ َفات ُْلو َ ل الت ّوَْراة ُ قُ ْ ل أن ت ُن َّز َ من قَب ْ ِ ِ
مامن ب َعْد ِ َ ك ِفيهِ ِ ج َ حآ ّ ن َ م ْن ((-آل عمران ، -93 :و ))فَ َ صاد ِِقي َ َ
م ُ ُ َ َ ْ َ ْ َ ْ ْ َ
ساءك ْ ساءَنا وَن ِ َ م وَن ِ َ قل ت ََعالوْا ن َد ْع ُ أب َْناءَنا وَأب َْناءك ْ ن العِلم ِ ف ُ م َ جاءك ِ َ
ْ
ة اللهِ ع َلى ال ََ ّ ّ َ َ
ن ((-آل كاذ ِِبي َ جَعل لعْن َ َ ل فَن َ ْ م ن َب ْت َهِ ْ
م ثُ ّ سك ُ ْ ف َ سَنا وأن ُ ف َ وَأن ُ
عمران ، -61 :لكن مع ذلك لم يسجل القرآن و ل التاريخ أن
هؤلء اتهموا رسول الله بأنه تأثر بكتبهم ،أو أخذ عنهم ،أو قرأ
كتبهم ،أو تربى على يدهم في الشام أو في مناطق أخرى .فمع
كفرهم بنبوته و تكفير السلم لهم ،و بغضهم الشديد له و لدينه ،
و حرصهم الشديد على إبطال دينه و دعوته ،فإنهم لم يتهموه
كنهم-لو كان صحيحا -من إبطال نبوة محمد بذلك التهام الذي ُيم ّ
و تقويض دعوته من أساسها .لكن بما أن ذلك لم يحدث ،فإن
هذا دليل دامغ على بطلن ذلك التهام من أساسه ،و لو كان له
وجود ما غفلوا عنه ،و لو حدث لكان في مقدورهم اكتشافه .و
بذلك تسقط خرافة جعيط في قوله بالتأثيرات الكتابية المزعومة
.
1فاروق عمر فوزي :الستشراق و التاريخ السلمي ،ط ، 1الهلية للنشر ،عمان ، 1978 ،ص. 52 :
و سابعا إن مما ُيبطل خرافة التأثيرات الكتابية ،هو انه قام
الدليل القطعي الشرعي و التاريخي على أن محمدا-عليه الصلة
و السلم -كان صادقا امينا طوال حياته ،و لم تجرؤ قريش على
اتهامه بالكذب ،و قد سجل ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى :
نك وَل َك ِ ّ
م ل َ ي ُك َذ ُّبون َ َ قوُلو َ
ن فَإ ِن ّهُ ْ ذي ي َ ُ ك ال ّ ِ حُزن ُ َ ه ل َي َ ْ ))قَد ْ ن َعْل َ ُ
م إ ِن ّ ُ
ن ((-النعام ، -33 :و حتى هشام دو َح ُ ج َت الل ّهِ ي َ ْ ن ِبآَيا ِ مي َ ظال ِ ِال ّ
جعيط اعترف بأن محمد كان صادقا ، 1و بما أنه كان صادقا أمينا
عرف بينهم بالمين ،فإنه لن يكذب على الله مع الناس حتى ُ
تعالى ،و ل يصح تكذيبه في نبوته لمرين ،أولهما إنه كان صادقا
أمينا ،و ثانيهما لم يقم أي دليل على بطلن نبوته مقابل الدلة
القطعية الدامغة على صدق نبوته –عليه الصلة و السلم . -و
عليه فإن اتهام رسول الله بأنه تعلم علي يد الكتابين و تأثر بهم و
اخذ عنهم ،هو اتهام باطل ،و ل يقوله إل المتعصبون المفترون
على الشرع و التاريخ و المحرفون لهما ،كهشام جعيط و
أمثاله ،إنه متناقض مع نفسه ،مرة قال أن محمدا كان صادقا
في دعوته ،و مرة أخرى يتهمه بالكذب و التدليس على الناس
حسب زعمه !! .إنه حقا متناقض مع نفسه من حيث يدري أو ل
يدري .
1سبق ذكر اليات الدالة على ذلك في الفصلين الول و الثاني .
قثم إلى محمد ثانيا :خرافة تغيير النبي-ص -لسمه من ُ
:
زعم الكاتب هشام جعيط أن المصادر أخفت اسم محمد
الحقيقي قبل البعثة ،و قالت :إن اسمه هو محمد منذ ولدته .و
جح لديه أن اسمه الول هو ُقثم ،لن المؤرخ البلذري ذكر انه تر ّ
ذكر في كتابه أنساب الشراف أن عبد الله بن عبد المطلب والد
النبي كان ُيكنى بأبي ُقثم ،و ُيقال بأبي محمد .ثم زعم أيضا أن
البلذري ذكر أن بعض أبناء عبد المطلب كان اسمه ُقثم ،فمن
المعقول أن نستنتج أن النبي تسمى على اسم عمه المفقود،و
هذا من عادات قربش ؟ ثم زعم أيضا أن النبي اتخذ اسم محمد
بتأثير من النصرانية ،و أن قوا القرآن )) :و مبشرا برسول يأتي
من بعدي اسمه (( مأخوذ من إنجيل ُيوحنا الذي ذكر الباراقليط
الذي يعني التفخيم و الرفعة ،و المواسي .فاتخذ النبي اسم
منشغل بأن يكون الباراقليط محمد في العهد المدني ،و كان ُ
الذي بشر به المسيح. 1
و زعمه هذا خرافة كبيرة ،لم يستح من ذكرها ،و ل ذكر عليها
دليل صحيحا و ل ضعيفا ،و هي باطلة شرعا و عقل و تاريخا .أول
متبع لهواه ،لم يأت بدليل ُيثبت زعمهمحّرف ُ إنه رجل ُ
الخرافي ،و تعلق بظنون و أوهام و شبهات اختلقها و نفخها و
بنى عليها أسطورته .
و أما استشهاده بما رواه البلذري ،فهو استشهاد ل يصح
العتماد عليه ،لنه خبر رواه البلذري دون إسناد ، 2و الخبر الذي
هذا حاله ل يصح الحتجاج به في علم الجرح و التعديل ،خاصة و
أنه يتعلق بأمر هام جدا يستلزم التأكد من صحته إسنادا و متنا .و
الخبر الذي يفتقد السناد هو خبر افتقد شرطا أساسيا من
شروط صحة الخبر .
علما بأن ذلك الخبر-الذي رواه البلذري -ليس دليل على أن
النبي-عليه الصلة و السلم -كان ُيسمى ُقثما ،و إنما هو يتعلق
بأمر آخر ،مفاده أن أباه عبد الله كانت له كنيتان ،الولى هي :
أبو ُقثم ،و الثانية هي :أبو محمد ،تسمى بها بعد ميلد ابنه
محمد ،و الولى تسمى بها قبل ميلد ابنه .و هذا معروف في
التاريخ السلمي ،فإن كثيرا من الناس تكنوا قبل زواجهم ،أو
قبل أن يصبح عندهم أول ،أو تزّوجوا و لم يكن لهم أبناء ،و قد
كان شيخ السلم تقي الدين ابن تيمية )ت 728هجرية( ُ ،يكنى
بأبي العباس و هو لم يتزوج أصل .
و أما استشهاد جعيط بأن أحد أبناء عبد المطلب كان ُيسمى
سمي على اسم ُقثما ،لذا فمن المعقول أن نستنتج أن النبي ُ
عمه .فهذا ليس دليل و ل يصح ان يصلح ان يكون شاهدا على
زعمه ،لن المر يحتمل أمرين معقولين ،و ليس أمرا واحدا ،
هما أنه قد ُيسمى بذلك ،و قد ل ُيسمى به نو ليس من الظروري
أن يتسمى باسم عمه ،و أي احتمال نأخذ به لبد له من دليل
صحيح يثبته .و جعيط لم ُيؤيد الختمال الذي أخذ به بدليل صحيح
و ل ضعيف .و بما أن السم الصحيح و الثابت و المتواتر هو اسم
محمد ، 2فإن زعم جعيط باطل من أساسه .
و أما زعمه بأن المصادر أخفت اسم محمد ،فهو زعم
مضحكة ،أساسها الظن و الهوى ،و التعصب باطل ،و دعوى ُ
الممقوت ،إنه لم ُيؤيد خرافته بدليل صحيح و ل ضعيف ،و ل
ذكر لنا من أين أخذها .إنه رجل مفترٍ يتعمد الفتراء على
الحقائق الشرعية و التاريخية معا ،معتمدا على ظنونه و أهوائه
و أوهامه ،و هذا ليس من العلم ،و ل من الحياد العلمي في
شيء .و هو قد زعم ذلك محاولة منه لقطع الطريق أما من
يحتج عليه بإجماع كل مصادر التراث السلمي على أن اسم
النبي هو محمد ،و ل ُيوجد من بينها كتاب ذكر أنه غّير اسمه من
ُقثم على محمد .لكنها محاولة فاشلة ،و ليست من الحقيقة في
شيء ،لن إجماع تلك المصادر دليل ل ُيرد ،و حجة قوية دامغة
متواترة على بطلن زعمه الذي بناه على ظنونه و أهوائه ،و
اليقين ل يزول بالشكوك و الوهام و الخرافات التي برع فيها
هشام جعيط .
1نفسه ،ج 1ص . 39 :و ابن كثير :البداية و النهاية ،ج 2ص. 666 ، 665 :
2هذا ثابت و معروف ،و سنقيم الدلة الصحيحة على ذلك قريبا إن شاء ال تعالى .
دل اسمه و ثانيا إن زعمه بأن النبي-صلى الله عليه و سلم -ب ّ
ليكون هو النبي الذي بشر به عيسى-عليه السلم ، -يقتضي أن
ذب رسول الله في نبوته و دعوته ،و اتهمه بالتغليط و جعيطا ك ّ
التدليس و الكذب على الله و المسلمين و الناس أجمعين ،و
على نفسه أيضا .و هذا اتهام باطل من أسساه ،و ل أصل له ،
لن صدق النبي-عليه الصلة و السلم -في نبوته و دعوته أمر
متواتر ثابت شرعا و تاريخا ،حتى أن الكفار لم يجرؤوا على أن
نقوُلو َ ذي ي َ ُك ال ّ ِحُزن ُ َه ل َي َ ْ يتهموه بالكذب ،قال تعالى )) :قَد ْ ن َعْل َ ُ
م إ ِن ّ ُ
ن ((-النعام : دو َح ُ ج َت الل ّهِ ي َ ْ ن ِبآَيا ِ مي َ ن ال ّ
ظال ِ ِ ك وَل َك ِ ّ
م ل َ ي ُك َذ ُّبون َ َفَإ ِن ّهُ ْ
. -33لذا فإن من يجرؤ على اتهام رسول الله بالكذب و
الحتيال ،فهو من أكبر الكذابين المفتريين الدجالين المتعصبين
المتبعين لهوائهم ،كهشام جعيط المتناقض مع نفسه ،فهو هنا
قد اتهم النبي-عليه الصلة و السلم – بالكذب و الحتيال ،ليصل
إلى ما ُيريد ،و من قبل كان قد ذكر أن محمدا كان صادقا في
دعوته. 1
و ثالثا إن الروايات الحديثية و التاريخية الصحيحة ذكرت أنه
كان لرسول الله عدة أسماء ،منها :أحمد ،و محمد ،و
الماحي ،و العاقب ،و الحاشر ،و لم تذكر من بينها اسم ُقثم .
2
و الشاهد الثالث مفاده أنه توجد روايات مكية صحيحة ُتثبت أن
رسول الله كان معروفا عند المسلمين و الكفار باسم محمد ،و
كانوا ُينادونه به قبل أن ُيهاجر إلى المدينة .نذكر منها طائفة ،
ت محمداأولها يتضمن أقوال لبي جهل يقول فيها )) :لئن رأي ُ
يصلي عند الكعبة لطأن رأسه ((. 3و )) هل ُيعفر محمد وجهه
بين أظهركم (( . 4و )) ألم أنهك أن تصلي يا محمد (( . 5و
)) أيكم يجيء بسلى جزور بني فلن ،فيضعه على ظهر محمد
إذا صلى ((. 6
1اللباني :صحيح السيرة النبوية ،ص . 10 ، 9 :و إبراهيم العلي :صحيح السيرة النبوية ،ط ، 1دار النفائس ن عمان ، 1995 ،
ص. 19 :
2مسلم :الصحيح ،ج 1ص . 145 :و أحمد بن حنبل :المسند ،ج 3ص . 149 :و أكرم ضياء العمري :السيرة النبوية الصحيحة ،
ط ، 6مكتبة العلوم و الحكم ،المدينة المنورة 1994 ،ج 1ص. 105 ،104 :
3البخاري :الصحيح ،ج 4ص. 1896 :
4مسلم :الصحيح ،ج 4ص. 2154 :
5اللباني :المرجع السابق ،ص. 145 ،144 :
6البخاري :المصدر السابق ،ج 1ص. 94 :
7نفس المصدر ،ج 2ص . 736 :و مسلم :المصدر السابق ،ج 4ص. 2153 :
قاله )) :يا معشر الخزرج إن محمدا منا حيث قد علمتم ،و قد
1
منعناه ((...
و آخرها -و هي الرواية الرابعة -مفادها أنه لما خرج النبي-عليه
الصلة و السلم -مهاجرا إلى المدينة خفية ،خرجت قريش
تبحث عنه ،و رصدت أموال مغرية لمن يأتي بمحمد . 2هكذا
ذكرت الرواية ،و لم تقل أن قريشا طلبت ُقثما .
1البخاري :الصحيح ،ج 1ص . 346 ، 341 :و مسلم :الصحيح ،ج 2ص . 1892 :اللياني :صحيح السيرة ،ص.159 ، 144 :
2مسلم :نفس المصدر ،ج 1ص. 252 :
و أما الشاهد الخير – و هو التاسع -فيتعلق بدليل مادي
قوي ،يتمثل في مخطوطات البحر الميت التي ُاكتشفت بين
سنتي 1957 -47م ،في ثلثة مجلدات كبار ُ ،وجدت في خربة
قمران قرب البحر الميت ،و هي لطائفة من اليهود تعود إلى
مئة سنة قبل الميلد ،و إلى مئة سنة بعده .و هذه المخطوطات
شرت بمجيء النبي محمد-عليه الصلة و السلم -بذكر أوصافه ب ّ
التي تصدق عليه .فذكرت خاتم النبوة ،و تاريخ ميلده بأكثر من
طريق ،و أنه من نسل إبراهيم ،و انه يخرج من وسط
محرر المشركين الذين ُيك ّ
ذبونه في أول المر ،ثم يتبعونه ،و أنه ُ
أبناء إبراهيم من الوثنية ،و غير ذلك من الصفات . 1و هذه
الوصاف تنطبق تماما على النبي محمد-عليه الصلة و السلم-
من جهة ،و ُتثبت صدق ما قاله القرآن الكريم من أن النبي محمد
شرت به الكتب السابقة ،و أنه مذكور بصفاته فيها من جهة ب ّ
أخرى .فلم يكن محمد -عليه الصلة و السلم -بحاجة إلى تغيير
اسمه ليكون النبي الموعود ،لنه كان حقا هو النبي الخاتم
بشهادة القرآن و التاريخ ،و العقل و العلم ،و كتب أهل الكتاب .
و ثالثا إنه ل علقة لظهور النبوة بالزمان و البيئة ،لن النبوة قد
تظهر في أي زمان و في أي مكان ،و بمعنى آخر إنها –أي
النبوة -ليست إفرازا للوضاع البشرية و الطبيعية كما أراد أن
ُيوهمنا به المغالط هشام جعيط .فإذا كان لتغير البيئة تاثير كبير
وع إنتاجهم و إبداعهم ،فإن هذا المر ل في ظهور العلماء،و تن ّ
دخل له في ظهور النبوة من عدمها .لن النبوة ل ُتكتسب ،و
النبياء ظهروا في مناطق متنوعة من العالم ،و دينهم واحد .
و أما قوله بأن البتعاد عن المراكز الحضارية مع وجود العبقرية
،يأتي بالشيء العظيم ،فهذا أمر ل دخل له في النبوة أبدا من
جهة ن و هو أمر نسبي لهل العلم من جهة أخرى .لن البداع ل
يتعلق بالضرورة بالبعد و القرب من تلك المراكز ،و الواقع يشهد
على ما نقول .فمن الثابت أن كثيرا من عباقرة العالم و كبار
علمائه و قادته و مفكريه عاشوا الحواضر كعمر بن الخطاب ،و
علي بن أبي طالب ،و ابن سينا ،و ابن عقيل البغدادي ،و ابن
الجوزي ،نور الدين محمود بن زنكي ،و صلح الدين اليوبي و ابن
تيمية ،و ابن قيم الجوزية ،و حسن البنا ،و عباس محمود العقاد،
و سيد قطب ... ،إلخ .
و واضح من كلمه أيضا أنه ُيريد من تلك الخرافة الوصول إلى
إنكار نبوة محمد-عليه الصلة و السلم – بإيجاد تفسير بشري لما
جاء به من عند ربه ،بدعوى أن ذلك يندرج ضمن إبداعات و
مكتشفات العلماء و العباقرة .و هذا زعم باطل مردود عليه ،
شرعا و عقل و تاريخا و علما ليس هنا تفصيل ذلك ،و قد سبق
ذكر بعضه .
خامسا :خرافات تتعلق بالحديث و السيرة النبوية:
أورد هشام جعيط طائفة من الخرافات في كتابة تاريخية
الدعوة المحمدية ،تتعلق بالحديث و السيرة النبوية ،من دون
أن ُيؤيدها بأي تحقيق علمي صحيح ،و ل رواية تاريخية صحيحة و
ل ضعيفة .نذكر منها ثلث خرافات ،أولها عّبر عنها بقوله )) :و
القرب أن الهتمام بالحديث لم يكن موجودا في القرن الول ((.
ثم أحال في الهامش إلى كتاب للمستشرق شاخت. 1
و قوله هذا زعم باطل شرعا و عقل و تاريخا ،فأما شرعا فإن
القرآن الكريم أمر في آيات كثيرة بوجوب الخذ بالسنة النبوية ،
ه َفانت َُهوا م ع َن ْ ُ ما ن ََهاك ُ ْذوه ُ وَ َ خ ُل فَ ُ سو ُ م الّر ُ ما آَتاك ُ ُ كقوله تعالى )) :وَ َ
ك لَ ب ((-الحشر -7 :و ))فَل َ وََرب ّ َ قا ِ ديد ُ ال ْعِ َ ش ِ ه َ ن الل ّ َ ه إِ ّ قوا الل ّ َ َوات ّ ُ
َ
دوا ْ ِفي أن ُ
م
سه ِ ْ ف ِ ج ُم ل َ يَ ِ م ثُ ّجَر ب َي ْن َهُ ْ ش َما َ ك ِفي َ مو َ حك ّ ُ ى يُ َ حت ّ َ ن َ مُنو َ ي ُؤ ْ ِ
َ
سِليما ً ((-النساء -65 :و ))َيا أي َّها موا ْ ت َ ْ سل ّ ُ ت وَي ُ َ ما قَ َ
ضي ْ َ م ّحَرجا ً ّ َ
م ((- ُ َ َ ُ َ سو َ َ ّ َ ّ
مالك ْ ل وَل ت ُب ْط ِلوا أع ْ َ طيُعوا الّر ُ ه وَأ ِ طيُعوا الل َ مُنوا أ ِ نآ َ ذي َ ال ِ
َ
من ت َوَّلى فَ َ
ما ه وَ َ طاع َ الل ّ َ قد ْ أ َ ل فَ َ سو َ ن ي ُط ِِع الّر ُ م ْمحمد ، -33 :و )) ّ
ً َ
فيظا ((-النساء -80 :و هذه الوامر تستلزم ح ِ م َ ك ع َل َي ْهِ ْ سل َْنا َأْر َ
الستجابة من المسلمين ،و التي تعني الهتمام بالحديث النبوي
.
و أما زعمه بأن شباب محمد مشكلة كبيرة ،يستعصي حلها ،
فهو افتراء و اختلق ،لن الحقيقة خلف ذلك تماما ،و هي أنه ل
توجد مشكلة أصل ،تتعلق بشباب محمد-عليه الصلة و السلم، -
لن ما نعرفه عن شبابه من القرآن و التاريخ كاف شاف ،ينقض
تلك المشكلة المزعومة من أصلها .و ذلك أن القرآن الكريم قد
سجل لنا خطوطا كبرى تتعلق محمد-صلى الله عليه و سلم -قبل
نبوته .منها إنه كان يتيما فقيرا ،فآواه الله و أغناه ،و كان ضال
فهداه ،و كان أميا ل يعرف القراءة و ل الكتابة ،و لم يكن له
2
إطلع على تراث أهل الكتاب ،و ما كان ينتظر أنه سيكون نبيا .
و بهذه الصفات -و غيرها -يكون القرآن الكريم قد سجل خطوطا
كبرى و أساسية من حياة محمد-عليه الصلة و السلم -قبل نبوته
،تتعلق بظروفه العائلية و القتصادية ،و النفسية و العلمية ،و
هي من الهمية بمكان .
و أما التاريخ ،فهو أيضا سجل لنا في روايات صحيحة ،ما ذكره
القرآن الكريم ،و أضاف أخبارا أخرى تتعلق بمولده و حواضنه و
مراضعه ،و حادثة شق الصدر ،و رحلته إلى الشام ،و دوره في
حلف الفضول ،و الشهادة له بالصدق و المانة ،و رعيه للغنم ،و
زواجه بخديجة-3رضي الله عنها. -
واضح من تلك الخبار أنها تنقض المشكلة المزعومة التي
وهما هشام جعيط ،فهي أخبار صحيحة هامة مثلت خطوطا ت ّ
كبرى من حياة رسول الله ،و هي كافية شافية لمعرفة شخصية
محمد –عليه الصلة و السلم – فبل نبوته .و ليس من الضروري
أن نعرف تفاصيل حياته قبل نبوته ،و المسلمون غير مطالبين
بالقتداء به قبل نبوته ،لنه كان فيها إنسانا عاديا عاش حياة
طبيعية هنيئة مستقرة بين أهله و عشيرته .لذا فمن غير
الطبيعي أن ُتسجل التاريخ تفاصيل حياة إنسان عادي ،فهو
كغيره من الناس الذين ل ُيسجل التاريخ إل القليل من
1تاريخية الدعوة المحمدية ،ص. 154 :
2سبق ذكر اليات التي تتعلق بتلك الصفات ،و هي معروفة .
3اللباني :صحيح السيرة النبوية ،ص. 37 ، 35 ، 19 ،18 ،16 ، 15 ،13 :
أخبارهم ،و بعضهم ل يذكرهم نهائيا .و لو كانت حياة رسول الله
غير عادية –في عمومها -قبل نبوته ،لسجل التاريخ ذلك ،و ما
ف ُ ،يبطل خرافة هشام جعيط . ف شا ٍ
سجله منها كا ٍ
1سبق ذكر بعضها في الفصل الول و الثاني ،و لكن ليس هنا مكان تفصيلها .
المنهج العلمي الصحيح الصارم ،و ليس ما زعمه هشام جعيط
مغالط الذي يتظاهر بالمنهج العلمي و هو من أبعد الناس عنه .
ال ُ
و أما ذلك الرأي الذي قال به ،فهو غير صحيح في معظمه ،و
فيه تغليط للقراء و تدليس عليهم من جهة ،و فيه جناية على
الشرع و القرآن الكريم من جهة أخرى .و ذلك أن فهم القرآن
ليس محصورا في مفهوم العرب فقط ،و إنما ُيفهم بالصحيح من
معهودهم ،و بكل الحقائق الشرعية ،و العقلية ،و العلمية
الطبيعية منها و العمرانية .و ليس فهمه محصورا أيضا في
الزمن الذي ظهر فيه القرآن الكريم ،لن هذا الحصر يتناقض مع
خلود دين السلم و عالميته .
و ثالثا إن قوله )) :و أنه لبد –تبعا لذلك -أن يكون خطابه
بلغتهم ،و في إطار معهودهم الجتماعي و الثقافي ،حتى يمكن
أن يفهموه (( .هو قول غير صحيح في معظمه ،لن القرآن
الذي نزل باللغة العربية ليفهمه من يعرف اللغة العربية من
العرب و غيرهم من الجناس ،فإن مضمونه ليس عربيا ،و ل من
معهود العرب ،و إنما هو كلم إلهي ،و رسالة ربانية خاتمة ،لقوله
ك ل ّي َد ّب ُّروا آَيات ِهِ وَل ِي َت َذ َك َّر أ ُوُْلوا مَباَر ٌ ك ُ ب َأنَزل َْناه ُ إ ِل َي ْ َ تعالى )) :ك َِتا ٌ
ْ َ
زيٌز َل ي َأِتي ِ
ه ب عَ ِ ه ل َك َِتا ٌ
ب (( -سورة صـ ، -29 :و ))وَإ ِن ّ ُ اْلل َْبا ِ
ميد ٍ ((- ح ِ كيم ٍ َ ح ِ
ن َ م ْل ّ زي ٌفهِ َتن ِ خل ْ ِ ن َ م ْ ن ي َد َي ْهِ وََل ِ ِ من ب َي ْ ل ِال َْباط ِ ُ
َ
ر
م ِ ن اْل ْ م َ ريعَةٍ ّ ش ِ ك ع ََلى َ جعَل َْنا َ م َ فصلت ، - 42 -41:و ))ث ُ ّ
َ
ن ((-الجاثية . -18 :و مو َ ن َل ي َعْل َ ُ ذي َ واء ال ّ ِ َفات ّب ِعَْها وََل ت َت ّب ِعْ أهْ َ
مضمونه شاهد على أنه يتضمن علوما كثيرة لم يكن للعرب
معرفة بها أصل ،و فيه أيضا ما كانوا يعرفونه لنه من معهودهم .
و ثانيا إنه زعم أن البحث العلمي ليكون نزيها ،على صاحبه أن
يترك قناعاته جانبا ،و على المؤرخ المسلم أن يضع قناعاته
الدينية بين قوسين ،عندما يدرس بزوغ السلم ،لن الحقائق
الدينية )) يتناولها بالوصف و التحليل ،بالبحث في التأثيرات و
التطورات ،و يضعها في لحظتها التاريخية من دون اللتزام
و أما إذا كانت تلك الفروع تأمر صاحبها بإتباع الحق و لو كان
مرا ،و تأمره بأن يلتزم بالدليل و البرهان في كل أحواله ،و تنهاه
من إتباع الهواء و الظنون ،فإن هذا الفروع لبد من الحفاظ
2نفس المرجع ،ص. 6 :
عليها و تنميتها و إتباعها لنها تكون له عونا في بحوثه العلمية .و
بهذا يتبين أن القناعات الفروعية ليست واحدة عند كل
الباحثين ،و هذا ما لم ُيدركه هشام جعيط عندما طالب الباحث
المسلم بأن يتخلى أن قناعاته ،و تناسى أن الباحث المسلم هو
الذي تأمره قناعاته السلمية بأن يلتزم بالموضوعية و الحياد
العلمي ،و أن يقول الحق و لو كان مرا ،و أن يعدل في كل
تصرفاته و أحكامه و أقواله .فالمسلم معه نصوص شرعية كثيرة
تمنعه من النحراف في بحوثه و حكمه على الناس ،منها قوله
ؤاد َ ف َصَر َوال ْ ُ معَ َوال ْب َ َ س ْ ن ال ّ م إِ ّ عل ْ ٌ ك ب ِهِ ِ س لَ َ ما ل َي ْ َ ف َ ق ُ تعالى)) :وَل َ ت َ ْ
سوا ْ خ ُ ؤول ً ((-السراء ،-36 :و ))وَل َ ت َب ْ َ س ُ م ْ ه َ ن ع َن ْ ُ كا َ ك َ ل ُأولـئ ِ َ كُ ّ
دوا ْ َ ْ َ
م أن ُتؤ ّ مُرك ُ ْ ه ي َأ ُ ن الل ّ َ م ((-العراف ، - 85 :و ))إ ِ ّ شَياءهُ ْ سأ ْ الّنا َ
َ َ َ
نل إِ ّ موا ْ ِبال ْعَد ْ ِ حك ُ ُ س أن ت َ ْ ن الّنا ِ مُتم ب َي ْ َ حك َ ْ ذا َ ت إ َِلى أهْل َِها وَإ ِ َ ماَنا ِ ال َ
صيرا ً ((-النساء -58 :و ميعا ً ب َ ِ س ِ ن َ كا َ ه َ ن الل ّ َ كم ب ِهِ إ ِ ّ ما ي َعِظ ُ ُ ه ن ِعِ ّ الل ّ َ
ن ((-النمل ، -64 :و ))وَقُ ِ
ل صاد ِِقي َ م َ كنت ُ ْ م ِإن ُ هان َك ُ ْ هاُتوا ب ُْر َ ل َ ))قُ ْ
َ شاء فَل ْي َك ْ ُ
فْر إ ِّنا أع ْت َد َْنا من َ من وَ َ شاء فَل ْي ُؤ ْ ِ من َ م فَ َ من ّرب ّك ُ ْ حقّ ِ ال ْ َ
َ حا َ َ
سَراد ِقَُها ((-الكهف ، -29 :و ))َيا أي َّها م ُ ط ب ِهِ ْ ن َنارا ً أ َ مي َ ظال ِ ِ ِلل ّ
سك ُ ْ
م ف ِ داء ل ِل ّهِ وَل َوْ ع ََلى َأن ُ شه َ َ ط ُ س ِ ق ْ ن ِبال ْ ِ مي َ وا ِ كوُنوا ْ قَ ّ مُنوا ْ ُ نآ َ ذي َ ال ّ ِ
قيرا ً َفالل ّ َ ن غ َن ِي ّا ً أ َوْ فَ َ َ َ
ما فَل َ ه أوَْلى ب ِهِ َ ُ ن ِإن ي َك ُ ْ ن َوالقَْرِبي َ ِ وال ِد َي ْ أوِ ال ْ َ
َ َ
ما ن بِ َ كا َ ه َن الل ّ َ ضوا ْ فَإ ِ ّ ووا ْ أوْ ت ُعْرِ ُ وى أن ت َعْد ُِلوا ْ وَِإن ت َل ْ ُ ت َت ّب ُِعوا ْ ال ْهَ َ
كوُنوا ْ مُنوا ْ ُ َ
نآ َ ذي َ خِبيرا ً ((النساء َ)) ، -135 :يا أي َّها ال ّ ِ ن َ مُلو َ ت َعْ َ
َ
ن قَوْم ٍ ع ََلى أل ّ شَنآ ُ م َ من ّك ُ ْ جرِ َ ط وَل َ ي َ ْ س ِ ق ْ داء ِبال ْ ِ شه َ َ ن ل ِل ّهِ ُ مي َ وا ِ قَ ّ
َ
ما خِبيٌر ب ِ َ ه َ ن الل ّ َ ه إِ ّ قوا ْ الل ّ َ وى َوات ّ ُ ق َ ب ِللت ّ ْ ت َعْد ُِلوا ْ اع ْد ُِلوا ْ هُوَ أقَْر ُ
ل الل ّ ِ
ه سِبي ِ عن َ ك َ ضل ّ َ وى فَي ُ ِ ن ((-المائدة )) - 8 :وََل ت َت ّب ِِع ال ْهَ َ مُلو َ ت َعْ َ
مسوا ي َوْ َ ما ن َ ُ ديد ٌ ب ِ َ ش ِ ب َ ذا ٌ م عَ َ ل الل ّهِ ل َهُ ْ سِبي ِ عن َ ن َ ضّلو َ ن يَ ِ ذي َ ن ال ّ ِ إِ ّ
ب (( -سورة صـ .-26 :و هذا خلف اليهود و النصارى و سا ِ ح َ ال ْ ِ
أمثالهم من الكافرين بدين السلم ،الذين كشف الله تعالى
متبعون لهوائهم و خفاياهم و انحرافاتهم ،و وصفهم بأنهم ُ
منكرون للحق و هم يعلمون ،و اليات التي ذكرناها ظنونهم ،و ُ
سابقا تنطبق عليهم .
و أقول :إن زعمه هذا باطل مردود عليه ،لنه أول نفى رواية
صحيحة من دون أي دليل تاريخي صحيح ،و ل ضعيف ،و كان
عليه أن ُيثبت بطلن الرواية بالتحقيق العلمي الصحيح القائم
على نقد السناد و المتن معا ،و أن يأتي بروايات أخرى تدعم
زعمه .و أما و انه لم يفعل ذلك فإن زعمه ما هو إل خرافة من
خرافاته الكثيرة .علما بأن رواية ذهاب رسول الله مع زوجته
إلى ورقة بن نوفل ،و ما جرى بينهم من حديث ،هي رواية
صحيحة. 2
إنه لم يذكر اعتراضا بديهيا ،و إنما ذكر اعتراضا بناه على
ظنونه و هواه ،و على مذهبيته المتعصبة للباطل ،لن ما قاله
ورقة بن نوفل لرسول الله هو كلم صحيح ،و في موضعه
المناسب ،و له معنى عميق ،و ليس كما زعم جعيط بأنه كلم ل
معنى له في ذلك الطور .لن ورقة شهد لمحمد-عليه الصلة و
السلم -بأن الذي نزل عليه هو الوحي اللهي الذي نزل على
الخاتمة
أظهرت دراستنا النقدية لباطيل الباحث محمد عابد الجابري
في كتابه :المدخل إلى القرآن الكريم ،أنه افترى على القرآن و
النبي-عليه الصلة و السلم، -و رّوج لباطيل كثيرة من دون دليل
صحيح .كزعمه بأن رسول الله كان يعرف القراءة و الكتابة،و
أن كتاب الله قد ضاعت منه بعض اليات القرآنية .فتتبعنا
أباطيله و بينا زيفها و تهافتها و بطلنها من جهة ،و أظهرنا
انحراف منهجه العلمي و قصوره في التعامل مع النصوص
الشرعية و الروايات التاريخية من جهة أخرى .
م بحمد الله تعالى ،و لله الحمد أول و أخيرا ،و صلى الله
ت ّ
على محمد و آله و صحبه .