You are on page 1of 349

‫في سلسلة‬

‫داء السلم‬
‫أع َ‬
‫‪2‬‬

‫دة‬
‫ح َ‬
‫مل ِ‬
‫معَ ال َ‬
‫صَراع ُ َ‬
‫ِ‬
‫حتى العظم‬

‫تأليف‬
‫عبد الرحمن حسن حبّنكة الميداني‬

‫دار القلم‬
‫دمشق‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله ‪ ،‬والصلة على خاتم أنبيائه‬
‫ملة رسالت الهدى ‪،‬‬ ‫ح َ‬
‫وإخوانه النبياء والمرسلين ‪َ ،‬‬
‫عاة الخلق إلى الحق ‪.‬‬ ‫ود ُ َ‬
‫اللهم ألِهمنا الصواب ‪ ،‬وآِتنا الحكمة وفصل‬
‫الخطاب ‪.‬‬
‫داء‬
‫الهْ َ‬
‫إلى كل مفتون بتزييفات المبطلين ‪ ،‬مخدوع بزخارف أقوال‬
‫الملحدين ‪.‬‬

‫إلى كل ناشد للحقيقة الكبرى في الوجود ‪ ،‬حريص على النجاة ‪،‬‬


‫طالب للسعادة الخالدة ‪.‬‬

‫إلى الشباب المؤمن الذي يود ّ أن يدمغ الملحدة بالبراهين الساطعة‬


‫والحجج القاطعة ‪.‬‬

‫أقدم هذا الكتاب الذي يمكن أن يعتبر معركة جدلية مع طائفة‬


‫الملحدين المعاصرين ‪ ،‬جنود الشياطين ‪ ،‬وأجراء اليهودية العالمية ‪ ،‬التي‬
‫تكيد لكل حق ‪ ،‬ولكل أمة ‪ ،‬ولكل خير ‪ ،‬ولكل فضيلة ‪.‬‬

‫اللهم أرنا الحق حقا ً وارزقنا اتباعه ‪ ،‬وأرنا الباطل باطل ً وارزقنا‬
‫اجتنابه ‪ ،‬ووفقنا لما تحب وترضى ‪ ،‬واجمع كلمة المسلمين على الهدى‬
‫والتقوى ‪ ،‬وانصر أولياءك على أعدائك ‪ ،‬وأّيد جندك على جند إبليس ‪،‬‬
‫وحقق وعدك إذ قلت وأنت ل تخلف الميعاد‪:‬‬

‫ذا هُوَ َزاهِقٌ وَل َك ُ ُ‬


‫م‬ ‫ه فَإ ِ َ‬
‫مغ ُ ُ‬ ‫حقّ عََلى ٱل َْباط ِ ِ‬
‫ل فَي َد ْ َ‬ ‫ف ب ِٱل ْ َ‬
‫قذِ ُ‬ ‫}ب َ ْ‬
‫ل نَ ْ‬
‫ن{‬ ‫فو َ‬‫ص ُ‬
‫ما ت َ ِ‬‫م ّ‬‫ل ِ‬‫ٱل ْوَي ْ ُ‬

‫)النبياء‪ 21/‬مصحف‪ 73/‬نزول(‬


‫الفصل الول‬

‫مقدمات‬
‫لول واجب حماية المسلمين‬
‫من تضليلت المضلين ‪ ،‬حتى‬
‫السخفاء والتافهين ‪ ،‬لما كان‬
‫)د‪ .‬العظم( يستحق النظر فيه ‪ ،‬ول‬
‫اللتفات إليه ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫دون كثيرون بوسائل مختلفة ‪،‬‬ ‫دى لمحاربة السلم متص ّ‬ ‫تص ّ‬
‫سرت على حقيقته الثابتة المتينة نظرياتهم وجدلياتهم‬ ‫طموا وتك ّ‬ ‫فتح ّ‬
‫وأقوالهم المزخرفة ‪ ،‬وتكشفت بنوره تزييفاتهم وأكاذيبهم وأباطيلهم وظل‬
‫السلم بحقه ونوره يتحدى كل مخالف له ‪ ،‬ويصرع كل مصارع ‪ ،‬ويطحن‬
‫كل محارب ‪.‬‬
‫َ‬
‫م ُنورِهِ وَل َوْ ك َرِهَ‬
‫مت ِ ّ‬ ‫م وَٱلل ّ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫فُئوا ْ ُنوَر ٱلل ّهِ ب ِأفْ َ‬
‫واهِهِ ْ‬ ‫ن ل ِي ُط ْ ِ‬‫دو َ‬
‫ري ُ‬‫}ي ُ ِ‬
‫ن{‬‫كافُِرو َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫)الصف‪ 61/‬مصحف‪ 109/‬نزول(‬

‫هذا وإني ما زلت أعتقد أنه من غير المستحسن إثارة معارك جدلية‬
‫مع الملحدين من أعداء السلم ‪ ،‬حتى ل تعطيهم هذه المعارك فرصة‬
‫لنشر آرائهم بين أبناء المسلمين ‪ ،‬وحتى ل تكسبهم هذه المعارك دعاية‬
‫يستغلونها لنشر أسمائهم ‪ ،‬وترديد أفكارهم وآرائهم الباطلة ‪ ،‬وبإهمالهم‬
‫يتساقطون تساقطا ً ذاتيا ً أمام سلطان الحق المالئ للوجود ‪ ،‬وينساهم‬
‫الزمان كما نسي أسلفهم ‪ ،‬وتطويهم الحقائق طي وفاة الهالكين ‪ ،‬ما‬
‫ي فريق من أهل الغيرة على‬ ‫ح عل ّ‬
‫زلت في هذا العتقاد إلى أن أل ّ‬
‫السلم ‪ ،‬أن أكشف زيف بعض الملحدة المعاصرين الذين تصدوا لمحاربة‬
‫السلم في جذوره الكبرى ‪ ،‬بمكتوباتهم ومنشوراتهم التي حاولوا أن‬
‫يضعوا لها هالة البحث العلمي ‪ ،‬والنقد الحر الجريء ‪ ،‬وبرر لي هؤلء‬
‫الحبة من أهل الغيرة ضرورة العمل ‪ ،‬وأنه قد أصبح واجبا ً إسلميا ً‬
‫متحتما ً ‪ ،‬باعتبار أن طائفة من طلئع فتياننا وفتياتنا قد أثرت في نفوسهم‬
‫وأفكارهم بعض أباطيل هؤلء الملحدة وسفسطاتهم ومغالطاتهم ‪ ،‬حتى‬
‫ددا ً حول ً‬‫نقلني إلحاحهم من موقع الرفض إلى موقع التردد ‪ ،‬وبقيت متر ّ‬
‫كامل ً ‪ ،‬حتى أعاد هؤلء الحبة الغيورون على إلحاحهم في صيف عام‬
‫‪1973-1393‬م ‪ ،‬فاستخرت الله ‪ ،‬وعزمت على تحقيق الطلب ‪ ،‬وكتبت‬
‫هذا الصراع العلمي المنطقي المحتشم ‪ ،‬التزاما ً بآداب المناظرة والجدال‬
‫بالتي هي أحسن ‪ ،‬ما لم يستدع رد الضربة الباطلة بكفئها من الحق ‪.‬‬

‫ورجوت من هذا الصراع أن يحقق الله سنته التي أعلنها بقوله في‬
‫سورة )الرعد‪ 13/‬مصحف‪ 96/‬نزول(‪:‬‬
‫ل َزَبدا ً‬ ‫َ‬ ‫}أ َن ََز َ‬
‫سي ْ ُ‬ ‫ل ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫حت َ َ‬‫ها فَٱ ْ‬ ‫قد َرِ َ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫ت أوْدِي َ ٌ‬‫سال َ ْ‬ ‫مآًء فَ َ‬ ‫مآِء َ‬ ‫س َ‬
‫ن ٱل ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬
‫َ‬
‫ك‬‫ه ك َ ٰذل ِ َ‬ ‫مث ْل ُ ُ‬‫مَتاٍع َزب َد ٌ ّ‬ ‫حل ْي َةٍ أوْ َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ِفي ٱلّنارِ ٱب ْت َِغآَء ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُيوقِ ُ‬ ‫ّراِبيا ً وَ ِ‬
‫م ّ‬
‫َ‬ ‫يضرب ٱلل ّه ٱل ْحق وٱل ْباط َ َ‬
‫ع‬
‫ف ُ‬‫ما َين َ‬‫ما َ‬ ‫فآًء وَأ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ما ٱلّزب َد ُ فَي َذ ْهَ ُ‬ ‫ل فَأ ّ‬ ‫َ ّ َ َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ِ ُ‬
‫ل{‪.‬‬ ‫مَثا َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ل‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫كذ‬‫َ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫في‬ ‫ث‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ٱ‬ ‫ُ‬ ‫ٱ‬ ‫َ ْ ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ٱ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٱلّنا َ َ ْ‬
‫ي‬ ‫ف‬ ‫س‬

‫والله ولي التوفيق ‪ ،‬وهو الهادي إلى سبيل الرشاد والسداد ‪ ،‬وهو‬
‫حسبي ونعم الوكيل‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫لو عرف كثير من الملحدة أن اليهود المقنعين يحرثون على‬


‫أكتافهم وظهورهم مزارع سياستهم ‪ ،‬ول يدفعون لهم مقابل ذلك إل‬
‫الغرور بالنفس والجر اليسير ‪ ،‬والفحش الكثير ‪ ،‬والخمر والحشيش ‪،‬‬
‫والمواعيد الكاذبة ‪ ،‬والوهام الخادعة ‪ ،‬لستقام تفكيرهم ‪ ،‬وتيقظت‬
‫بصائرهم ‪ ،‬ولرجعوا إلى صفوف المؤمنين بالله ‪ ،‬يكافحون اللحاد ومن‬
‫يغذيه أو يدفع إليه ‪.‬‬

‫إن اليهود الذين وضعوا أو دعموا ما أسموه بالنظريات المناقضة‬


‫للدين ‪ ،‬وزعموا أنها حقائق علمية زورا ً وبهتانا ً ‪ ،‬وأدخلوها ضمن حشد‬
‫التقدم العلمي المعاصر ‪ ،‬أرادوا أن يخدعوا بها أجيال المثقفين ليخرجوهم‬
‫من صفوف أمتهم ويستخدموهم جنودا ً يدمرون بهم كل المواريث‬
‫النسانية والتعاليم الربانية ‪.‬‬

‫أل فليعلم هذه الحقيقة شباب مضللون سائرون في طريق اللحاد ‪،‬‬
‫أو واصلون إلى غايته ‪ ،‬أو متطلعون إلى السير فيه ‪.‬‬

‫)‪(3‬‬

‫قرأت طائفة من مكتوبات ملحدة القرن العشرين ‪ ،‬فرأيتها حشدا ً‬


‫من المغالطات الفكرية المقرونة بزخرف من القول ‪ ،‬والمقّنعة بقناع‬
‫العلمانية ‪ .‬فهي تحاول أن ت ُد َّلي قارئها بغرور إلى مواقع الباطل ‪ ،‬مغشية‬
‫بصره وبصيرته حتى ل يرى وجه الحق الجميل ‪ ،‬ثم تنتقل به من تضليل‬
‫إلى تضليل ‪ ،‬مستخدمة عبارات المانة العلمية ‪ ،‬وغوغائيات كلمات التقدم‬
‫الصناعي والتكنولوجيا ‪ ،‬ومعطية أحكاما ً قطعية على مذاهب ومبادئ ل‬
‫تمثل إلى وجهة نظر معينة لفئة من العلمانيين ‪ ،‬تخالفها وتناقضها وجهات‬
‫نظر أخرى تدعمها مدارس علمانّية كثيرة ‪ ،‬من علمانيات القرن العشرين‬
‫نفسه ‪ ،‬قرن التقدم المادي على اختلف جوانبه واختصاصه ‪.‬‬

‫وتسير جدلّياتهم ضمن هذا المنهج من المغالطات والغوغائيات‬


‫والتقريرات ‪ ،‬والعبارات التي تتصّنع الهدوء والمنطقية ‪ ،‬وتستغل كل ثقل‬
‫التقدم العلمي الذي أحرزه إنسان القرن العشرين لنفسها ومذاهبها ‪ ،‬مع‬
‫أن التقدم العلمي والتكنولوجيا بعيد كل البعد عن دعم مذاهبها ‪ ،‬أو تأييد‬
‫إلحادها بالله ‪ ،‬وجحودها اليوم الخر ‪ ،‬لدى تحري الحقيقة بصدق ‪ ،‬في كل‬
‫مجالت التقدم الصحيح الحق ‪ ،‬في العلوم المادية والتكنولوجيا ‪ .‬وتدس‬
‫جدلياُتهم في بعض عباراتها نفثات الهزء والسخرية ‪ ،‬وتبجحات التعاظم‬
‫بالتقدم العلمي والصناعي ‪ ،‬وذكر السماء الجنبية المعروفة في ميادين‬
‫المعرفة والعلوم المادية وسيلة للتأثير على الضعفاء المراهقين في‬
‫مدون لستهزاء المستهزئين من أهل‬ ‫عقولهم ونفوسهم ‪ ،‬الذين ل يص ُ‬
‫الباطل ‪ ،‬وتستهويهم مظاهر الستكبار والتعاظم ‪ ،‬وتخدعهم دعاَوى‬
‫المعرفة والتقدم العلمي الحديث ‪ ،‬وتؤثر في نفوسهم السماء المشهورة‬
‫في ميادين العلم ‪.‬‬

‫وأمام هذه المغالطات والغوغائيات الجدلية ‪ ،‬ذكرت قول الله تعالى‬


‫في سورة )الكهف‪ 18/‬مصحف‪ 69/‬نزول(‪:‬‬
‫خذ ُ ۤوا آَياِتي وَ َ‬
‫ما‬ ‫ْ‬ ‫حقّ وَ ٱت ّ َ‬
‫ضوا ب ِهِ ٱ ل َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫فُروا ْ ب ِ ٱل َْباط ِ ِ‬
‫ل ل ِي ُد ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ل ٱ لّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جادِ ُ‬‫}وَي ُ َ‬
‫أ ُن ْذُِروا ْ هُُزوا{‪.‬‬
‫ً‬

‫)‪(4‬‬

‫قرأت فيما قرأت مقولت "نقد الفكر الديني" للدكتور صادق جلل‬
‫سوا الكفر في فكره إذ‬
‫العظم ‪ ،‬الحائز على لقب "دكتور" من الذين د ّ‬
‫منحوه هذا اللقب ‪ ،‬فرأيت في مقولته عجبا ً من المغالطات والباطيل‬
‫والفتراءات ‪ ،‬وسائر وسائل الجدال بالباطل لدحض قضية الحق ‪.‬‬

‫وكنت قلت في نفسي قبل أن أقرأ مقولته بإمعان ‪ :‬لعله باحث‬


‫أخطأ وجه الصواب ‪ ،‬وعاب بانحرافه الحق الذي ل يعاب ‪ ،‬ولكني بعد أن‬
‫قرأت كتابه رأيته نموذجا ً من التضليل المراد ‪ ،‬القائم على المغالطات‬
‫دعاءات الباطلة ‪ ،‬وستر وجه الحق الديني الذي تصدى‬ ‫والكاذيب وال ّ‬
‫لمحاربته علنا ً ‪ ،‬وتزيين وجه الباطل اللحادي الذي حمل لواء مناصرته‬
‫والتبشير به ‪.‬‬

‫وقد كنت قرأت علوم الفلسفة والمنطق والمناظرة ‪ ،‬ومررت فيها‬


‫على ما يسمونه )بالمغالطة( وما يسمون )بالسفسطة( فإذا سئلت عن‬
‫أمثلة لهما لم ينجدني الخيال إل بأمثلة محدودة ‪ ،‬رغم الكد الذهني الذي‬
‫أبذله ‪ ،‬فلما قرأت مقالت "نقد الفكر الديني" ظفرت منها بأمثلة كثيرة‬
‫للمغالطات وأنواع السفسطات التي تعمدها كاتبها الناقد )د‪ .‬العظم(‬
‫ليضلل بها من يطالع كتابه من مراهقي الفتيان والفتيات ‪ ،‬من أجيال المة‬
‫سة للماركسية والداروينية والفرويدية وسائر‬
‫السلمية ‪ ،‬خدمة متحم َ‬
‫النظريات بل )الفرضيات( اليهودية اللحادية ‪ ،‬وهو في كل ذلك يتستر‬
‫بعبارات التقدم العلمي والصناعي ‪ ،‬والمناهج العلمية الحديثة ‪ ،‬ول يقدم‬
‫ل‪ :‬إن العلم يرفض هذا ‪ ،‬أو ل يسلم بهذا ‪ ،‬أو يثبت‬‫من البينات إل قوله مث ً‬
‫هذا ‪ ،‬دون أ‪ ،‬يطرح مناقشات علمية نقدية تتحرى الحقيقة ‪.‬‬

‫فمن غريب ما فعل في منطقه الشاذ أنه جمع كل الديان ‪ ،‬وكل ما‬
‫فيها من حق وباطل ‪ ،‬وكل ما نسب إليها من ضعيف وقوي وفاسد وصحيح‬
‫‪ ،‬وقال ‪ :‬هذه هي الديان ‪ ،‬ثم وجه النقد اللذع للباطل الظاهر ‪ ،‬وللضعيف‬
‫البين ‪ ،‬وللفاسد المعروف فساده ‪ ،‬ثم صنع من ذلك مقدمة فاسدة استنتج‬
‫منها إبطال الدين كله ‪.‬‬
‫لقد رأى في مقدمته الفاسدة أن التجاهات الدينية يوجد فيها ما هو‬
‫باطل مخالف للحقائق العلمية ‪ ،‬التي توصل إلهيا البحث العلمي ) ووضع‬
‫الديان المختلفة كلها في دائرة واحدة ( ثم زعم أنه لما كان الدين كله‬
‫يمثل جبهة واحدة ‪ ،‬وقد وجد الباطل في جانب من جوانب هذه الجبهة ‪،‬‬
‫ولما كان الدين متماسك الحلقات متى انتقض بعضه انتقض كله ‪ ،‬فالنتيجة‬
‫التي يستخلصها الفكر العلمي هي أن الدين كله مشكوك به ‪ ،‬ول يصح‬
‫العتماد عليه ول الخذ به ‪.‬‬

‫هذه هي حجة )د‪ .‬العظم( في إبطال الدين كله ‪ ،‬ولست أدري هل‬
‫يقبل إنسان يملك الحد الدنى من التفكير المنطقي السليم هذا النوع من‬
‫الستدلل العظمي الذي ليس له أسر‪ 1‬يشده ‪ ،‬ول لحم يملؤه ‪ ،‬ول إهاب‬
‫يزينه ‪ ،‬أو تجرى فيه دماء حياء أو حياة ‪.‬‬

‫على هذا القياس العظمي نستطيع أن نبطل العلوم المادية كلها ‪،‬‬
‫ونجعلها شيئا ً غير موثوق به مطلقا ً ‪ ،‬فنقول ‪ :‬إن التجاهات العلمانية التي‬
‫تعتمد على البحث العلمي المدروس بأناة واختبار وتجربة للوصول إلى‬
‫الحقائق هي اتجاهات باطلة مزيفة ‪ ،‬بدليل أننا نلحظ عند أصحاب هذه‬
‫التجاهات نظريات متناقضة ‪ ،‬ونلحظ بعضها فاسدا ً قطعا ً ‪ ،‬وبعد هذه‬
‫المقدمة ُنصدر وفق القياس العظمي حكما ً قطعيا ً عاما ً على كل التجاه‬
‫العلمي ‪ ،‬ونقول ‪ :‬هو اتجاه مشكوك به ‪ ،‬باعتبار أن فيه نظريات باطلة ‪،‬‬
‫وبما أن أصحاب التجاه العلماني ُيمثلون جبهة واحدة ‪ ،‬ومتى ظهر الفساد‬
‫في بعضها فل بد أن يكون الفساد أو الشك شامل ً لها كلها ‪ ،‬وبناًء على‬
‫ذلك فالتجاه العلماني باطل كله!‪.‬‬

‫لو قال هذا الكلم واحد من المتدينين لقال الناس جميعا ً – وفيهم‬
‫المتدينون أنفسهم‪ : -‬هذا إنسان فاسد العقل فاسد التفكير ‪.‬‬

‫أما سيادة العظم فيقول مثله تماما ً عن التجاه الديني كله ‪ ،‬وهو‬
‫يتظاهر بحرصه الشديد على المانة العلمية التي تنشد الحقيقة ‪ ،‬ثم ل يجد‬
‫بين العلمانيين الماديين من يوجه له نقدا ً أو تصحيحا ً منطقيا ً ‪ ،‬فأين المانة‬
‫العلمية التي يزعمونها ويتبجحون بها؟!‬

‫أهذا أمانة علمية؟ أم هو مغالطة ‪ ،‬وخيانة للعلم ‪ ،‬وخيانة لصول‬


‫العقل السليم والمنطق السديد؟‬

‫هل يصح في أصول العقل السليم تعميم مثل هذا التعميم؟ إن هذا‬
‫قال يصنف‬‫قال ول بائع خضراوات ‪ ،‬بل نرى الب ّ‬
‫التعميم الفاسد ل يفعله ب ّ‬
‫بقوله ‪ ،‬ويميز بين الفاسد والصحيح منها ‪ ،‬ونرى بائع الخضروات كذلك‬
‫يميز بين الفاسد والصحيح من خضرواته ‪ ،‬ثم ل يرفض أصحاب الحوائج كل‬
‫ما عندهما ‪ ،‬ول كل ما عند جميع البقالين وبائعي الخضراوات ‪ ،‬لن بعضهم‬
‫يوجد عنه فاسد من بقول أو فاسد من خضراوات ‪.‬‬

‫فأين المنهج العلمي الذي يتبجح به ؟ وأين المانة العلمية التي‬


‫يتظاهر بالغيرة عليها؟‬

‫الجملة العصبية ‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫قرأت جدليات )د‪ .‬العظم( وجدليات غيره من أساطين اللحاد ‪،‬‬
‫فرأيت أن جدلياتهم كلها تعتمد على المغالطة الفاحشة الوقحة ‪ ،‬أو‬
‫المغالطات المقنعة بالحيلة والخداع ‪ ،‬ولدى إحصاء هذه المغالطات وجدتها‬
‫تعتمد على العناصر التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬تعميم أمر خاص ‪ ،‬والمغالطة هنا تنسب إلى بعض أفراد العام ما ليس‬
‫له من أحكام بغية التضليل ‪.‬‬
‫‪ -2‬تخصيص أمر عام ‪ ،‬والمغالطة هنا تنفي عن بعض أفراد العام ما له من‬
‫أحكام بغية التضليل ‪.‬‬
‫‪ -3‬ضم زيادات وإضافات ليست في الصل ‪.‬‬
‫‪ -4‬حذف قيود وشروط لزمة ‪ ،‬يؤدي حذفها إلى تغيير الحقيقة ‪.‬‬
‫‪ -5‬التلعب في معاني النصوص لبطال حق أو إحقاق باطل ‪.‬‬
‫‪ -6‬طرح فكرة مختلفة من أساسها للتضليل بها ‪.‬‬
‫‪ -7‬تصّيد بعض الجتهادات الضعيفة لبعض العلماء وجعلها هي السلم ‪ ،‬مع‬
‫أنها اجتهادات منتقدة مردودة من قبل مجتهدين آخرين ‪ ،‬أو من قبل‬
‫جمهور علماء المسلمين ‪.‬‬
‫‪ -8‬التقاط مفاهيم شاذة موجودة عند بعض الفرق التي تنتسب إلى‬
‫مسّلم بها عند المسلمين ‪،‬‬ ‫السلم ‪ ،‬وإطلقها على أنها مفاهيم إسلمية ُ‬
‫والسلم منها بريء براءة الحق من الباطل ‪.‬‬
‫‪ -9‬نسبة أقوال أو نصوص إلى غير قائليها أو إلى غير رواتها ‪.‬‬
‫‪ -10‬كتمان أقوال صحيحة ‪ ،‬وعدم التعرض إليها مطلقا ً ‪ ،‬مع العلم بها‬
‫وشهرتها ‪.‬‬
‫‪ -11‬اليهام بأن العلوم المادية ملحدة على خلف ما هي عليه في الواقع ‪.‬‬

‫وعلى هذا النمط تسير مغالطاتهم ضمن تلعبات كثيرة فيها خيانة‬
‫للعلم وللحقيقة ‪.‬‬

‫ولكني أرجو أن ل تنطلي مغالطاتهم وحيلهم وألعيبهم على مثقفي‬


‫هذه المة ‪ ،‬وأن يكتشف الجميع خيانتهم لمتهم وتاريخها ‪ ،‬وخيانتهم‬
‫لنفسهم إذ باعوا نفوسهم لعداء الحق شياطين النس ‪ ،‬وأن يكون رائد‬
‫هؤلء المثقفين محبي الخير لمتهم وأنفسهم أن يتحققوا بمضمون الدعاء‬
‫التالي ‪:‬‬
‫ً‬
‫"اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ‪ ،‬وأرنا الباطل باطل ً وارزقنا‬
‫اجتنابه ‪ ،‬ووفقنا لما تحب وترضى" ‪.‬‬

‫والناقد )د‪ .‬العظم( قد استخدم في كتابه "نقد الفكر الديني" معظم‬


‫عناصر المغالطات التي أوضحتها آنفا ً ‪ ،‬غير مكترث بالحقيقة ‪ ،‬ول بالصول‬
‫المنطقية الصحيحة ‪ ،‬ول بالبحث العلمي السليم ‪ ،‬وأما المانة العلمية التي‬
‫تباكى من أجلها وتظاهر بالحرص الشديد عليها فلم ُيقم لها أي وزن ‪ ،‬بل‬
‫راح يطعنها في الصميم لدعم قضية اللحاد التي حمل لواءها ‪ ،‬وانطق‬
‫يبشر بها بين أبناء المة العربية ‪.‬‬
‫أفبهذه المغالطات ُتنشد الحقيقة العلمية؟‬
‫أفبهذه المغالطات تكون المحافظة على المانة العلمية؟‬
‫أهذه هي الصول المنطقية المتقدمة التي يعتمد عليها؟‬

‫إن الحق الذي تنكره اليوم أيها الجاحد لن تستطيع أن تنكره غدا ً‬
‫يوم الدين ‪ ،‬ولن تستطيع أن تجحده إذا أراد الله أن ينزل بك شيئا ً من‬
‫جل عقابه ‪ ،‬وعندئذٍ لن تستطيع الشيوعية العالمية ‪ ،‬ول اليهودية‬
‫مع ّ‬
‫العالمية ‪ ،‬ولن يستطيع ملحدة الدنيا أن ينقذوك من قبضة العدل اللهي ‪.‬‬

‫إن عذاب الله لشديد ‪ ،‬ولئن استهنت به وأنت مغرور متمتع بصحتك‬
‫سك شيء منه ‪ ،‬إن ربك لبالمرصاد ‪ ،‬وإنه‬
‫وقوتك ‪ ،‬فلن تستهين به يوم يم ّ‬
‫ل يخلف الميعاد ‪.‬‬

‫لن يضر الحق شيئا ً أن يجحده جاحدوه ‪ ،‬أو ينكره منكروه ‪ ،‬فالله‬
‫حق وبيده مقاليد كل شيء ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير ‪.‬‬

‫ولكن إنكار الحق تبارك وتعالى يضر المنكر وحده ‪ ،‬وجحوده تبارك‬
‫وتعالى يضر الجاحد وحده ‪ ،‬فهو بجحوده وإنكاره واستكباره يخسر نفسه‬
‫وسعادته ‪ ،‬ويقذف بهما إلى العذاب الليم ‪.‬‬

‫أيها الملحدون ‪ :‬اسمعوا قول الله تعالى في سورة )آل عمران‪3/‬‬


‫مصحف‪ 89/‬نزول(‪:‬‬
‫ب‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ً‬
‫شْيئا َولهُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ضّروا ٱلل َ‬ ‫َ‬
‫ن لن ي َ ُ‬ ‫ما ِ‬
‫لي َ‬
‫ِ‬ ‫فَر ب ِٱ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫شت ََروُا ٱلك ُ ْ‬ ‫نٱ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫مِلي لهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ َ‬‫سه ِ ْ‬
‫ف ِ‬
‫خي ٌْر لن ْ ُ‬
‫م َ‬
‫مِلي لهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ْ‬
‫فُروا أن ّ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ٱل ِ‬ ‫سب َ ّ‬‫ح َ‬ ‫م * وَل َ ي َ ْ‬ ‫أِلي ٌ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ب ّ‬‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫داد ُ ۤوا ْ إ ِث ْ َ‬
‫ما ً وَل َهْ ُ‬ ‫ل ِي َْز َ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الفصل الثاني‬

‫الحقيقة بين الدين‬


‫والعلم‬
‫)‪(1‬‬

‫حاول الناقد )د‪ .‬العظم( بمغالطاته وافتراءاته الكثيرة – ُأسوة بسائر‬


‫ملحدي هذا العصر – أن يثبت أن الدين مناقض للعلم ‪ ،‬ليتوصللل مللن ذلللك‬
‫إلى نقض الدين كله جملة وتفصيل ً ‪ ،‬وقد جعللل هللذه النقطللة هللي المحللور‬
‫الساسي الللذي دار حلوله فلي محلاربته لللدين ‪ ،‬ونقلده المزعلوم المللزور‬
‫للفكر الديني ‪ ،‬ونقضه المزيف الكاذب لقضية اليمان بالله من أساسها ‪.‬‬
‫من أجل ذلك عقدت هذا الفصل "الحقيقة بيلن الللدين والعلللم" قبللل‬
‫الدخول مع العظم في المعركللة الجداليللة ‪ ،‬حللول النقللاط التفصلليلية الللتي‬
‫أثارها في جدلياته غير الشريفة وغير المينلة ‪ ،‬لكشللف فيلله مواقلع النظلر‬
‫دد فيه أبعاد كللل منهمللا ‪ ،‬ومللواطن‬ ‫السليم إلى كل من العلم والدين ‪ ،‬ولح ّ‬
‫الشبهات التي قد يقع فيها هؤلء أو هؤلء ‪ ،‬وبللذلك ينكشللف للقللارئ منهللج‬
‫الحق قبل أن يشهد في هذا الكتاب فصول الصللراع الجللدلي علللى النقللاط‬
‫التفصيلية التي أثارها العظللم ‪ ،‬فمللن عللرف قواعللد الصللواب والخطللأ فللي‬
‫موضوع ما قبل أن يشهد حلبة الصراع فيلله اسللتطاع فللي نفسلله أن يكللون‬
‫حكما ً ‪ ،‬ويعللرف المحللق مللن المبطللل ‪ ،‬ويعللرف المسللتقيم المقسللط مللن‬
‫المراوغ المخادع ‪.‬‬

‫)‪(2‬‬

‫تجوزا ً في التعبير ‪ ،‬ومتابعة لما هو دارج على ألسنة الناس ‪ ،‬أضع‬


‫هذا العنوان )الحقيقة بين الدين والعلم( لهذا الفصللل ‪ ،‬مللع أن الحقيقللة أن‬
‫الدين الحق ليس قسيما ً مغايرا ً للعلم ‪ ،‬وإنما هو علم عن طريللق الللوحي ‪،‬‬
‫دين اليقينيللة هللو مللن قبيللل الحقللائق العلميللة ‪،‬‬
‫ومللا جللاءت بلله طريللق ال ل ّ‬
‫وللحقائق العلمية طرق إثبات أخرى هي الوسائل النسانية البحتة ‪.‬‬

‫دين والعلم ‪ ،‬ولكن بين طرق اكتساب‬ ‫فالمقابلة إذن ليست بين ال ّ‬
‫العلم الذي يأتي بلله الللدين ‪ ،‬وطلرق اكتسللاب المعرفلة النسلانية البحتللة ‪،‬‬
‫كطريللق الحللس المباشللر لدراك المعللارف ‪ ،‬وهللو الدراك القللائم علللى‬
‫المشاهدة والتجربة ‪ ،‬وكطريللق العقللل لسللتنباط المعللارف الللتي ل ت ُللدرك‬
‫بللالحس المباشللر ‪ ،‬وهللذه الوسللائل النسللانية المختلفللة وأدواتهللا الللتي‬
‫تستخدمها ‪ ،‬هي منحة مللن الللله لعبللاده ‪ ،‬حللتى يسللتخدموها فللي اكتسللاب‬
‫المعارف والعلوم ‪ ،‬ولذلك كان النسان مسؤول ً عنها عنللد الللله فللي مجللال‬
‫اكتساب العلم ‪ ،‬فقال الله في سورة )السراء‪ 17/‬مصحف‪ 50/‬نزول(‪:‬‬
‫ؤاد َ ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫صَر وَٱل ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫معَ وَٱل ْب َ َ‬
‫س ْ‬
‫ن ٱل ّ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫م إِ ّ‬ ‫س لَ َ‬
‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬‫ف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫}وَل َ ت َ ْ‬
‫ؤو ً‬
‫ل{‬ ‫س ُ‬
‫م ْ‬‫ه َ‬‫ن عَن ْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ُأول ٰلئ ِ َ‬
‫ك َ‬

‫وهذه السوائل النسانية تقدم بدورها شهادة يقينية بالحقائق التي‬


‫توصلت إليها ‪ ،‬أو شهادة ترجيحية بالمعارف التي ترجحت لديها بغلبة الظن‬
‫‪ ،‬وكذلك الوحي الجامع لطرق اكتساب العلم الذي يأتي به الدين ‪ ،‬هو أيضا ً‬
‫منحة من الله لعباده ‪ ،‬وقد جعله الله للناس طريق لا ً لكتسللاب طائفللة مللن‬
‫العلوم ‪ ،‬وهي التي يطللق عليهللا اسللم علللوم الللدين ‪ ،‬ونلحللظ أن أهللم مللا‬
‫يختص بها العلوم الغيبية الللتي ل تللدركها الحللواس النسللانية ‪ ،‬ول تسللتطيع‬
‫العقول بوسائلها إثابتها مستقلة عن أنباء الدين‪.‬‬

‫أمللا الحقيقللة بالنسللبة إلللى المللور الوجوديللة )غيللر العتباريللة وغيللر‬


‫النسبية( فهي واحدة ‪ ،‬والدراك الحسي يقدم شهادة بمللا توصللل إليلله مللن‬
‫نتللائج نحللو الحقيقللة ‪ ،‬ويرافللق الدراك الحسللي الوسللائل الماديللة الللتي‬
‫يستخدمها الحللس ‪ ،‬كالملحظللة والتجربللة مللع الدوات واللت الللتي تثبللت‬
‫صللحة شللهاداتها ‪ ،‬كالمقللاييس والمللوازين والكواشللف المختلفللة ‪ ،‬وذوات‬
‫الحسللاس المللادي غيللر الرادي الكيميللائي والفيزيللائي ‪ ،‬حللتى الللذري‬
‫اللكتروني ‪ .‬والستنتاج أو الستدلل العقلي يقدم أيضا ً شلهادةً بملا توصللل‬
‫إليه من نتائج نحو الحقيقللة ‪ .‬ول يمكللن أن تتنللاقض نتللائج الدراك الحسللي‬
‫ونتائج الستدلل العقلي إل وأحدهما أو كلهما مصللاب بالخلللل ‪ ،‬وذلللك لن‬
‫كل ً منهما منحة ربانية وضعها الخالق بين يدي النسلان ليعللرف بهلا حقللائق‬
‫الشياء ‪ ،‬كما وضع بين يدي كل منهما وسائل البحث الللتي تقللدم شللهاداتها‬
‫عن مشاهداتها ‪ ،‬والطرق الصحيحة التي تقصد أمرا ً واحدا ً ل بللد أن توصللل‬
‫إلى غايللة واحللدة ونتيجللة واحللدة ‪ ،‬أو غيللر متناقضللة علللى أقللل تقللدير ‪ ،‬إذ‬
‫تتكامل الحقيقة مما قدمت هذه الطرق من مدركات ‪ ،‬أو يعللرف بهللا جللزء‬
‫من الحقيقة ‪ ،‬على قدر ما استطاعت أن تكشف منها ‪.‬‬

‫وة هللو‬‫ثم إن الوحي الذي هو منحة من الله لعبللاده عللن طريللق النب ل ّ‬
‫أيضا ً طريق من طرق المعرفلة الصللحيحة ‪ ،‬فهلو يقللدم شللهادة بالحقيقلة ‪،‬‬
‫ومتى كان الخبر عن الللوحي يقينيلا ً مقطوعلا ً بلله فللإنه ل يمكللن بحللال مللن‬
‫الحوال أن يتناقض مع اليقين الذي ُتوصل إليه الوسائل النسللانية البحتللة ‪.‬‬
‫ولو أمكن أن تتناقض لكان معنى ذلك أن الفاطر الحكيم لم يضع بين أيدينا‬
‫الوسائل الصحيحة التي تكسبنا المعللارف والعلللوم الحقللة ‪ ،‬أو لللم يصللدقنا‬
‫فيمللا أخبرنللا بلله عللن طريللق الللوحي ‪ ،‬وكللل مللن المريللن مسللتحيل عقل ً‬
‫وشرعا ً ‪.‬‬
‫فالله تبارك وتعالى جعل وسائل المعرفة فينا مسللؤولية فللي ميللدان‬
‫المعرفة والبحث العلمي ‪ ،‬ومسؤوليتها هذه رهن بأنها من الطرق الموصلة‬
‫إلى الحقيقة ‪ ،‬كما جعلنا مسؤولين عن التسليم بما يخبرنللا بلله عللن طريللق‬
‫الوحي ‪ ،‬لن برهان العقل قد قللام لللدينا بللأن مللا يخبرنللا بلله الرسللول عللن‬
‫طريق الوحي صدق وحق ‪ ،‬والجلامع بيلن المريلن هلو أن كل ً منهملا يقلدم‬
‫شهادة بالحقيقة ‪ ،‬وبما أن الحقيقة واحدة فللإنه ل يمكللن أن تتنللاقض نتللائج‬
‫الطرق الصحيحة الموصلة إليها ‪ ،‬ومتى ظهر التناقض فل بد أن يكون ذلللك‬
‫لخلل أصابها أو أصاب واحدا ً منها ‪.‬‬

‫فمن المثلة ما يلي ‪ :‬لقد أخبرنا الللله أنلله ل إللله إل هللو ‪ ،‬وهللذا خللبر‬
‫جاءنا به الوحي فقدم لنا شهادة بحقيقللة وحدانيللة الخللالق تبللارك وتعللالى ‪،‬‬
‫والبحث العلمي في هذا المجال ل بد أن يوصل إلى هذه الحقيقللة نفسللها ‪،‬‬
‫ولذلك قال الله تعالى في سورة )آل عمران‪ 3/‬مصحف‪ 89/‬نزول(‪:‬‬
‫م لا ً‬ ‫كلل ُ ُ‬ ‫شللهد ٱلّللل َ‬
‫ة وَأوُْلللوا ْ ٱل ْعِْلللم ِ َقآئ ِ َ‬ ‫هللوَ وَٱل ْ َ‬
‫مل َئ ِ َ‬ ‫ه ل َ إ َِللللٰ َ‬
‫ه إ ِل ّ ُ‬ ‫ه أّنلل ُ‬
‫ُ‬ ‫} َ ِ َ‬
‫ط‪.{..‬‬
‫س ِ‬ ‫ب ِٱل ْ ِ‬
‫ق ْ‬

‫فلدينا إذن حول هذه الحقيقة شللهادة الللله إذ أخبرنللا بوحللدانيته عللن‬
‫طريق الوحي والرسل ‪ ،‬ولدينا أيضا ً شهادة أولي العلم الذين توصلللوا إلللى‬
‫هذه الحقيقة عن طريق البحث العلمي ‪.‬‬

‫فمن الغفلة الكبيرة والجهل بأصول المعرفة ‪ ،‬إقامة الصراع والنزاع‬


‫بين ما يأتي من المعارف الكونية عن طريللق الللدين ‪ ،‬ومللا يللأتي منهللا عللن‬
‫طريق الوسائل النسانية ‪ ،‬مع أن هذه وتلك شواهد إلهية أقامهللا الللله بيللن‬
‫يدي النسان ليعرف بها الحقيقة ‪ ،‬وهل يشهد الله شللهادتين متناقضللتين أو‬
‫يضللنا سبحانه فيضع لنا وسيلتين تعطي كل منهما نتيجللة مناقضللة للخللرى‬
‫في موضع واحد؟‬

‫هذا أمر ل يكون في حال من الحللوال ‪ ،‬وحكمللة الللله العلللي العليللم‬


‫الحكيم القدير تأباه ‪.‬‬

‫وواجبنا لدى البحث عن الحقيقة أن نحرر تحريرا ً دقيقلا ً مللا تأتينللا بلله‬
‫الوسائل النسانية من المعارف ‪ ،‬وما يصلنا من أخبار الوحي ‪.‬‬

‫وكل مظهر للتناقض بين ما تشهد به الوسائل النسانية للمعرفة وما‬


‫تشهد به النصوص الدينية ل يعدو أحد الحتمالت التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬إما أن يكون الذي نسب إلى العلم لللم يصللل إلللى مرحلللة العلللم‬
‫المقطوع به ‪ ،‬كالنظريات التي لم تتأكد بعد ‪ ،‬والتي ما زالللت رهللن البحللث‬
‫والنظر ‪ ،‬أو التي ل سللبيل إلللى إثباتهللا بأدلللة علميللة يقينيللة ‪ ،‬وإن اعتقللدها‬
‫العلماء الماديون لعدم وجود ما هو أقوى منها في نظرهم المادي البحللت ‪،‬‬
‫ولنه ل اختيار لهم بعد ذلك إل التسليم بما جاء بلله الللدين ‪ ،‬وهللم يرفضللون‬
‫نفسيا ً هذا الخير ‪.‬‬

‫‪ -2‬وإما لن الذي نسب إلى الدين لم يصل إلى درجة القطع في‬
‫نقل النص الذي تضمنه ‪.‬‬

‫‪ -3‬وإما لن الفهم الذي ُفهم به النص الديني فهم خاطئ ‪ ،‬وهذا‬


‫الفهم ل يتحمل النص الديني وزر خطئه ‪ ،‬وغنما يعللبر عللن رأي مللن فهملله‬
‫على هذا الوجه المخالف للحقيقللة العلميللة ‪ ،‬الللتي توصلللت إليهللا الوسللائل‬
‫النسانية ‪ ،‬كمسألة كروية الرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس ‪.‬‬

‫وهنا نلحللظ أن النصللرانية لمللا سللقطت فللي طائفللة مللن المفللاهيم‬


‫الباطلة الدخيلة على أصل الدين ‪ ،‬والمخالفة له ‪ ،‬والمناقضة لصول العقل‬
‫والعلم الصحيح ‪ ،‬حاولت أن تتلخص من ورطتها هذه بمقالتهللا المشللهورة ‪:‬‬
‫"الدين ل يخضع للعقل" وأطلق علماؤهم بين بين أتباعهم كلمتهم المأثورة‬
‫‪" :‬أطفئ مصباح عقلك واعتقد وأنت أعمى" وحرموا التفكيللر والنظللر فللي‬
‫مسائل الدين ‪ ،‬وفرضوا عليهم التسليم العمى بالله المثلث دون مناقشللة‬
‫ول نظر ‪ ،‬مع أن أصول العقل السليم ترفض هذا رفضا ً قطعي لا ً ‪ ،‬ول تسلللم‬
‫به النفوس إل مع تعطيللل منطللق العقللل ‪ ،‬ورافللق ذلللك أنهللم أقفلللوا بللاب‬
‫العقل والبحث العلمي نهائيا ً عن كل مسألة تعرضت إليها نصللوص دينهللم ‪،‬‬
‫حتى ما كان منها متعلقا ً بواقع الكون الذي تستطيع الوسللائل النسللانية أن‬
‫تصل إلى معرفته ‪.‬‬

‫ولما جاء السلم رفض هذا التثليث الدخيل علللى ديللن الللله ‪ ،‬ونللادى‬
‫بالوحدانية ‪ ،‬وقدم على ذلك شهادة من عنللد الللله ‪ ،‬نللزل بهللا الللوحي علللى‬
‫رسول الله محمد ‪ ، ‬وشلهادة ملن أولللي العلللم ‪ ،‬فجعللل العقللل العلمللي‬
‫شاهدا ً على هذه الحقيقة ‪ ،‬وناقض مخالفيها على أساس من العقل والعلم‬
‫‪ ،‬واعتبر العقل فلي هللذا سللندا ً ُيسللتفتى وُيستشلهد بلله ‪ ،‬ولللو كلان البحللث‬
‫العلمي النساني السليم سيوصل إلى القطع بحقائق ل يوافق عليها الللدين‬
‫لما دعاه السلم إلى تقديم شهادته بالحقيقة ‪ ،‬ولما أرشد الله العلماء إليه‬
‫‪ ،‬ووضع في أيديهم وسائله ‪ ،‬ودفع بهم إليلله دفعلا ً ‪ ،‬فقللال الللله تعللالى فللي‬
‫سورة )يونس‪ 10/‬مصحف‪ 51/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ض‪.{...‬‬
‫ت وَٱلْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬
‫ذا ِفي ٱل ّ‬ ‫ل ٱنظ ُُروا ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫}ق ُ ِ‬

‫وقال في سورة )العنكبوت‪ 29/‬مصحف‪ 85/‬نزول(‪:‬‬


‫ق‪.{...‬‬ ‫ف ب َد َأ َ ٱل ْ َ‬
‫خل ْ َ‬ ‫ض فَٱنظ ُُروا ْ ك َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سيُروا ِفي ٱلْر ِ‬ ‫}ق ُ ْ‬
‫ل ِ‬

‫وقال في سورة )الذاريات‪ 51/‬مصحف‪ 61/‬نزول(‪:‬‬


‫فسك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪.{..‬‬
‫صُرو َ‬ ‫ن * وَفِ ۤي أن ُ ِ ْ‬
‫م أفَل َ ت ُب ْ ِ‬ ‫ت ل ّل ْ ُ‬
‫موقِِني َ‬ ‫}وَِفي ٱلْر ِ‬
‫ض آَيا ٌ‬

‫ولمللا نللاقش النللاس بللدلئله )أي ‪ :‬بللدلئل العقللل( ‪ ،‬ففللي إثبللات‬


‫الوحدانية قال الله تعالى في سورة )النبياء‪ 21/‬مصحف‪ 73/‬نزول(‪:‬‬
‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ن ٱلل ّهِ َر ّ‬ ‫سد ََتا فَ ُ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ة إ ِل ّ ٱلل ّ ُ‬ ‫}ل َوْ َ‬
‫ب ٱلعَْر ِ‬ ‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫مآ آل ِهَ ٌ‬
‫ن ِفيهِ َ‬
‫كا َ‬
‫ن{‬‫فو َ‬ ‫ص ُ‬
‫ما ي َ ِ‬
‫عَ ّ‬

‫وقال في سورة )المؤمنون‪ 23/‬مصحف‪ 74/‬نزول(‪:‬‬


‫ما‬ ‫َ‬
‫ل إ ِل ٰلهٍ ب ِ َ‬ ‫ُ‬
‫بك ّ‬‫ن إ َِللهٍ ِإذا ً ل ّذ َهَ َ‬
‫م ْ‬‫ه ِ‬‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫من وَل َدٍ وَ َ‬ ‫خذ َ ٱلل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ما ٱت ّ َ‬ ‫} َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬
‫ما ي َ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن ٱللهِ عَ ّ‬ ‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬
‫ض ُ‬ ‫َ‬ ‫خل َقَ وَل َعَل َ ب َعْ ُ‬
‫لى ب َعْ ٍ‬
‫م عَ ٰ‬ ‫ضه ُ ْ‬ ‫َ‬

‫وفي إثبات وجلود اللله نلاقش بلالمنطق العقللي البحلت فقلال اللله‬
‫تعالى في سورة )الطور‪ 52/‬مصحف‪ 76/‬نزول(‪:‬‬
‫م ٱل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‪.‬‬
‫قو َ‬
‫خال ِ ُ‬ ‫م هُ ُ‬
‫يٍء أ ْ‬ ‫ن غَي ْرِ َ‬
‫ش ْ‬ ‫قوا ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫خل ِ ُ‬
‫م ُ‬
‫}أ ْ‬
‫‪1‬‬
‫إلى غير ذلك من شواهد كثيرة‬

‫شرحت طائفة منها في كتابي ‪" :‬العقيدة السلمية وأسسها"‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫)‪(3‬‬
‫الغيب ومنطق العقل‬

‫حينما يناقش علماء النصارى في مسألة التثليث أو غيرها من‬


‫المسائل التي يرفضها منطق العقل ‪ ،‬يدافعون بأن الدين ل يخضع لمنطللق‬
‫العقل ‪ ،‬إذ هو فوق مستوى العقل البشري ‪ ،‬ويجب التسللليم بكللل مللا جللاء‬
‫فيه ‪ ،‬ولو كان العقل يرفضه رفضا ً باتا ً لستحالته ‪.‬‬

‫وظل رؤساء الدين عندهم يهيمنون على أتباعهم بهذه الحجة ‪ ،‬حللتى‬
‫قامت الثورة العلمية المادية الحديثة ‪ ،‬ففجرت جوانب البحث العلمللي فللي‬
‫كل مجال من المجالت العلمية التي يسللتطيع النسللان أن يتوصللل إليهللا ‪،‬‬
‫وأيقظت الفكر النصراني من سباته الذي لزمه قرابة خمسة عشللر قرنلا ً ‪،‬‬
‫ثم امتد أثره إلى المم الخرى ‪ ،‬ومع هذه اليقظللة العلميللة أخللذ المثقفللون‬
‫منهم يفكرون في قضية التثليث ‪ ،‬وفي قضايا مشابهة ‪ ،‬يقال عنها‪ :‬إنها من‬
‫أمور الدين التي هي فوق مستوى العقل ‪ ،‬ويجب التسللليم بهللا ‪ ،‬ولللو كللان‬
‫العقل يرفضها قطعيا ً ويرى أنها مستحيلة ‪ ،‬فلم تهضللمها عقللولهم ‪ ،‬وبللدأوا‬
‫يتشككون في صحة ديللانتهم مللن أساسللها ‪ ،‬وقللام الصللراع المعللروف بيللن‬
‫قوتين ‪:‬‬

‫قوة تقليدية لها مؤسسات ورياسات دينية وأنظمة حكم تدعمها ‪.‬‬

‫وقوة أخرى أخذت سبيلها إلى النهللوض المللادي عللن طريللق البحللث‬
‫العلمي ‪ ،‬ومناقشة المور بالعقل والمنطق وسائر وسائل البحث النسللاني‬
‫للوصول إلى المعرفة الصحيحة ‪.‬‬

‫وانتهت معركة الصراع بمحاصرة الديانللة النصللرانية وحجزهللا داخللل‬


‫جدران الكنيسة ‪ ،‬ثم أخذت الجيال النصرانية سللبيلها إلللى إنكللار ديللانتهم ‪،‬‬
‫والشك في صحتها من أساسها ‪ ،‬وعاشت في فراغ فكري وروحي خطير ‪،‬‬
‫وفي هذا الجللو النفسللي المسللتعد لملئه بشلليء آخللر نشللط دعللاة اللحللاد‬
‫الماديون يبثون أفكارهم اللحادية ‪ ،‬واستغلت اليهودية العالمية هللذا الواقللع‬
‫أو سللاهمت فللي التللدبير للله ‪ ،‬وشللحنته بمللا يلللزم مللن الراء اللحاديللة‬
‫والنظريات الخادمة لقضية اللحاد ‪ ،‬فأخذ اللحاد ينتشر في أوروبللا انتشللار‬
‫النار في الهشيم ‪ ،‬وتبعتها شعوب أخرى ‪ ،‬ودار دولب النهيللار فللي الغللرب‬
‫والشرق متسارعا ً بشكل خطير ‪ ،‬مؤذن بدمار قريب تتحقق فيه سللنة الللله‬
‫في المم ‪.‬‬

‫والمسللؤول عللن كللل ذلللك أو معظملله العلمللاء بالنصللرانية ورؤسللاء‬


‫الكنيسة ‪ ،‬لنهم لم يصححوا العقائد المزيفة ‪ ،‬الدخيلة على أصول ديانتهم ‪،‬‬
‫والتي كان اليهود مللن قبللل قللد عملللوا علللى إدخالهللا فيهللا لفسللاد أصللول‬
‫النصرانية ‪ ،‬ثم لم يعمل هللؤلء الرؤسللاء اللدينيون لقنلاع شللبابهم المثقلف‬
‫بالحجة والبرهان ‪.‬‬
‫وهنا يتساءل الشاب المسلم المثقف فيقول ‪ :‬ما هو موقف السلللم‬
‫من العقل ‪ ،‬ومما تثبته وسائل المعرفة النسانية تجاه ما جاء به الدين ؟‬

‫ومن واجبنا أمام هذا التساؤل أن نحرر الجواب تحريرا ً شامل ً شافيًا‪:‬‬

‫سِلمت‬ ‫ل‪ :‬من نعمة الله علينا في السلم أن أصوله وأركانه قد َ‬ ‫أو ً‬
‫من التغيير والتحريف ‪ ،‬فلم يصبها شيٌء ‪ ،‬مما أصاب أصول الديان الخرى‬
‫من ذلك ‪ ،‬فليس أمامنا مشكلة دين محرف مخللالف للحقيقللة ‪ ،‬أو مخللالف‬
‫لمنطق فليس أمامنا مشللكلة ديللن محللرف مخللالف للحقيقللة ‪ ،‬أو مخللالف‬
‫فللق لللدعمه الحجللج الخرافيللة ‪ ،‬علللى أن‬ ‫لمنطق العقللل والواقللع ‪ ،‬حللتى نل ّ‬
‫ل من الحللوال مللن المللؤمنين بلله أن يلفقللوا‬ ‫السلم ل يرضى ول يقبل بحا ٍ‬
‫الحجج الباطلة ‪ ،‬أو يختلقوا الشهادات الكاذبات ‪ ،‬ولو كان ذلك لدعم الحللق‬
‫الذي جاء به ‪ ،‬لن قبول هذا السلوب سيقضي على الدلة والحجللج الحقللة‬
‫الصادقة ‪ ،‬وسيقضي بالتالي على الدين من أساسه ‪ ،‬إذ قبللل بمبللدأ التأييللد‬
‫بالباطل ‪ ،‬فالحق ل يقبل التأييد والمناصرة إل بالحق ‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬السلم دين الحق ‪ ،‬والحق ل يمكن أن تقوم الدلة الصحيحة‬


‫على إبطاله بحال من الحوال ‪ .‬ولكن قد تقوم الدلة الباطلة لبطللاله فللي‬
‫تصللورات المغروريللن المخللدوعين صللغار العقللول ‪ ،‬علللى أن هللذه الدلللة‬
‫الباطلة ل تلبث حتى تنهار ‪ ،‬وحسبها ضعفا ً وقلة شأن أنها أدلللة باطلللة فللي‬
‫أصلها ‪ ،‬مهما طليت بالصباغ وأنواع الزينة من زخرف القول ‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬تنقسم المعارف الدينية إلى ثلثة أقسام ‪:‬‬

‫القسم الول ‪:‬‬

‫تكاليف عملية نفسية وجسدية يطالب الناس بها ‪ .‬ومن نعمة الله‬
‫علينا في السلم أنها مشلتملة عللى ملا يصللح أوضلاع النلاس وأحلوالهم ‪،‬‬
‫ويرتقي بهم إلى أرفع درجة حضارية إنسانية ‪ ،‬سواٌء أكانت تكاليف عبادات‬
‫‪ ،‬أو تكاليف أخلق ‪ ،‬أو تكاليف معاملت ‪ ،‬أو تكاليف أخرى تدفع الناس إلى‬
‫الرتقاء المجيد في سّلم الحضارة النسللانية المثلللى ‪ ،‬الخاليللة مللن عيللوب‬
‫النهيار الخلقي والنفسي والسلوكي ‪.‬‬

‫وبرهان هذا وتفصيله يتطلب شرحا ً طويل ً ‪ ،‬عرضت طائفة مناسبة‬


‫منه في كتابي ‪" :‬أسس الحضارة السلمية ووسائلها" ‪.‬‬

‫على أن الصل في التكاليف أنها ابتلء للرادة ‪ ،‬والمتحان ل يشترط‬


‫فيه بشكل لزم أن يكون موافقا ً لمصالح الللواقعين تحللت المتحللان ‪ .‬لكللن‬
‫فضل الله كلان عظيملا ً ‪ ،‬إذ كللان امتحللانه لنلا فلي تكللاليف تضللمن أحسللن‬
‫المصالح لنا ‪ ،‬وأوفى المنافع ‪ ،‬وأكثر الحتمالت دفعا ً للضللرار والمخللاطر ‪،‬‬
‫وأسلمها حل ً للمشكلت ‪.‬‬
‫القسم الثاني ‪:‬‬

‫أنبا عن واقع كوني باستطاعة الوسائل النسانية أن تصل إلى‬


‫معرفتها على ما هي عليه في الواقع ‪ ،‬ولو بعد حين ‪.‬‬

‫وما جاء في السلم من هذا القسم ل يمكن أن يكون مخالفا ً للواقع‬


‫والحقيقة ‪ ،‬إل ضمن احتمالين ل ثالث لهما ‪:‬‬

‫الول ‪ :‬أن يكون فهم النص السلمي من قبل بعض المجتهللدين أو‬
‫المؤولين فهما ً خاطئا ً ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬أن يكون النص المنسللوب إلللى السلللم نص لا ً غيللر صللحيح‬


‫النسبة ‪ ،‬كأن يكون خبرا ً كاذبا ً ‪ ،‬أو ضعيفا ً ل يصح العتمللاد عليلله ‪ ،‬أو خللبرا ً‬
‫غير قطعي الثبوت ‪ ،‬فمن الممكن دخول خطأ فيه من نقل الراوي أو فهمه‬
‫‪ ،‬إذ يحتمل أنه روى المعنى الذي فهمه هو ‪ ،‬ولم يرو اللفظ ذاته الذي أخبر‬
‫به الرسول ‪ ، ‬وهذا إنما يكون في أحاديث الحللاد فقللط ‪ ،‬أي ‪ :‬الللتي لللم‬
‫تبلغ مبلغ التواتر اللفظي أو المعنوي ‪.‬‬

‫إما أن يكون الخللبر السلللمي قطعللي الثبللوت قطعللي الدللللة ‪ ،‬ثللم‬


‫يخالف الحقيقة والواقع ‪ ،‬فهذا غير موجود حتم لا ً ‪ ،‬وليللس مللن الممكللن أن‬
‫يوجد قطعا ً ‪.‬‬

‫ولكن هنا قد تقع مغالطة ل بلد ملن التنلبيه عليهلا ‪ ،‬وهلذه المغالطلة‬
‫تأتي من قبل ما ينسب إلى الحقيقة العلمية ‪ ،‬التيللة عللن طريللق الوسللائل‬
‫النسانية البحتة ‪ ،‬فكثيرا ً ما يدعي الماديون أن فرضية ملن الفرضلليات ‪ ،‬أو‬
‫نظرية ملن النظريللات ‪ ،‬قلد أصلبحت حقيقللة علميللة غيلر قابللة للنقلض أو‬
‫التعديل ‪ ،‬مع أن هللذه النظريللة ل تملللك أدلللة إثبللات يقينيللة تجعلهلا حقيقللة‬
‫نهائية ‪ ،‬أو حقيقة مقطوعا ً بهللا ضللمن مسللتواها ‪ ،‬وذلللك بشللهادة العلمللاء ‪،‬‬
‫الذين وضعوا هذه النظرية أو ساهموا في تدعيمها ‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك الداروينية بالنسبة إلى نشأة الكون وخلق النسان ‪،‬‬
‫فهي ل تملك أدلة إثبات قاطعة أو شديدة الترجيح ‪ ،‬ولكن كثيرا ً من العلماء‬
‫الماديين يقبلونها تسليما ً اعتقاديا ً ‪ ،‬ل تسليما ً علميا ً ‪ ،‬إذ ليس لللديهم اختيللار‬
‫بعللدها إل اليمللان بللالخلق الربللاني ‪ ،‬وهللذا أمللر ل يجللدون أنفسللهم الن‬
‫مستعدين لقبوله ‪ ،‬ما دام منطق اللحاد هو المسيطر علللى اعتقللادهم فلي‬
‫بيئاتهم ‪.‬‬

‫كسور من المثقفين )أنصاف – أرباع – أعشار( من المتأثرين‬ ‫ويأتي ُ‬


‫دعون وجود التناقض بيلن الللدين والحقللائق العلميللة ‪،‬‬ ‫بالنزعات اللحادية في ّ‬
‫استنادا ً إلى وجود اختلف بين بعض المعارف الدينية وبعللض الفرضلليات أو‬
‫النظريللات الللتي لللم تصللبح بع لد ُ حقللائق علميللة ‪ ،‬وهللم يزعمللون كللذبا ً أو‬
‫يتصورون خطأ أن هذه الفرضيات أو النظريات قد أصللبحت حقللائق علميللة‬
‫ثابتة بشكل قطعي غير قابل للنقض ‪ ،‬وهنا يقعون في غلط علملي فلاحش‬
‫جدا ً ‪ ،‬ويتبع ذلك سقوطهم في ضلللل اعتقللادي كللبير تجللاه الللدين وأصللوله‬
‫ومعارفه ‪ ،‬علما ً بأن طائفة من النظريات التي نسبت إلى العلم قد ُوضعت‬
‫خصيصا ً لدعم قضية اللحاد والكفر بالله ‪ ،‬على أيللدي يهللود أو أجللراء يهللود‬
‫‪،‬وصيغت لها المقدمات والمبررات التي ليللس لهللا قواعللد منطقيللة علميللة‬
‫صحيحة ‪.‬‬

‫فللالواجب إذن يتحتللم علينللا – أخللذا ً بطللرق البحللث العلمللي السللليم‬


‫المحرر الذي أمرنا به السلم‪-‬أن نمعن النظر فيما قدمته شللهادة العقللل ‪،‬‬
‫ووسائل البحث العلمي النسانية ‪ ،‬وفيما قدمته شهادة النصللوص الدينيللة ‪،‬‬
‫وأن نخضع هذه الشهادات للضوابط العلمية الصحيحة ‪ ،‬المتفق عليهللا فللي‬
‫أصول العقل ‪ ،‬وفي أصول الدين ‪.‬‬

‫وإني لجزم بكلل يقيلن أننلا للن نجلد مسلألة واحللدة يسلتحكم فيهلا‬
‫الخلف بين شهادة النصوص الدينية اليقينية قطعية الثبوت قطعية الدللة ‪،‬‬
‫وبين الشلهادة القاطعلة اللتي يقلدمها العقلل ‪ ،‬أو الشلهادة القاطعلة اللتي‬
‫يقدمها البحث العلمي النساني البحت ‪.‬‬

‫بل اليقيني من كل ذلك ل بد أن يتطابق في شهادته ‪ ،‬متى اسللتطاع‬


‫أن يصل إلى الحقيقة التي هي موضوع البحث ‪.‬‬

‫فإن وصل بعضها وبعضها الخر لم يصللل أعلللن كلل علن مبلغله ملن‬
‫صر في المعرفة أو زاد ‪ ،‬وفي هذا ل يوجد تناقض أو خلف ‪ ،‬ولكللن‬‫العلم ق ّ‬
‫يوجد بيان جزئي وبيان أشمل وأكمل ‪ ،‬أو بيان جزئي من جهة وبيان جزئي‬
‫من جهة أخرى ‪ ،‬وفق مثال العميان والفيل‪.1‬‬

‫القسم الثالث ‪ :‬أنباء من أنبللاء الغيللب الللذي ل تسللتطيع الوسللائل‬


‫النسانية البحتة أن تصل إلى معرفته على ما هو عليه في الواقع ‪.‬‬

‫وهذه النباء الدينية الغيبية تخلبر علن بعلض حقلائق الوجلود الكلبر ‪،‬‬
‫فمنها ما يتعلق بخصائص الخالق جل وعل ‪ ،‬ومنها ما يصف بعللض الحقللائق‬
‫الغيبية من واقع هذا الكون المخلوق لله تعالى ‪ ،‬كالملئكة والجن والعللرش‬
‫والكرسي ‪ ،‬ومنها ما يحكي أحداثا ً سبق أن حدثت فيما مضى من الزمان ‪،‬‬
‫وليس باستطاعة الوسائل النسانية أن تستعيد صللورتها الواقعيللة ‪ ،‬كقصللة‬
‫خلق آدم ‪ ،‬ومنها ما ُينبيء عن أحداث ستقع فيما يأتي من الزمان ‪ ،‬ضللمن‬
‫واقع هذا النظام الكللوني القللائم ‪ ،‬كأشللراط السللاعة ‪ ،‬أو سللوف تقللع فللي‬
‫نظام عالم آخر وحياة أخرى ‪ ،‬وهو ما جللاء عللن الخللرة زمان لا ً ودارا ً وحيللاة‬
‫وحسابا ً ونعيما ً وعذابا ً ‪.‬‬

‫دم لهم فيل ليصفوه ‪ ،‬فوقعت يد كل منهم‬ ‫‪ 1‬مثل أورده الغزالي وغيره ‪ ،‬خلصته أن عددا ً من العميان قُ ّ‬
‫على جانب منه ‪ ،‬ثم أخذ يصف الفيل عن طريق ما تلمسه بيده منه ‪ ،‬فوصف أحدهم ملسة الناب‬
‫وقسوته ‪ ،‬والخر خشونة الذيل ‪ ،‬والثالث ما تلمسه من الخرطوم ‪ ،‬والرابع ما تلمسه من رجله ‪ ...‬وهكذا‬
‫‪.‬‬
‫وموقف العقل ووسائل البحث العلمي النسانية بالنسبة إلى ما جللاء‬
‫في هذا القسم يتلخص بما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬تحرير صدق الخبر وصحة دللته ‪.‬‬
‫‪ -2‬رفض ما لم يثبت صدقه ضمن قواعد تحرير صدق الخبار ‪.‬‬
‫‪ -3‬رفض ما خالف أحكام العقل القاطعة ‪ ،‬وهو ما يدخل في قسم‬
‫المستحيلت العقلية ‪ ،‬كالجمع بين النقيضين ‪ ،‬وكوجود شللريك لللله الخللالق‬
‫سبحانه وتعالى ‪ ،‬فأي نبأ من أنباء الغيللب يثبللت شلليئا ً يحكللم العقللل حكملا ً‬
‫قاطعا ً باستحالة وجوده هو خبر مرفوض عقل ً وشللرعا ً ‪ ،‬وأي نبللأ مللن أنبللاء‬
‫الغيب ينفي شيئا ً يحكللم العقللل حكم لا ً قاطع لا ً بللأنه واجللب الوجللود هللو نبللأ‬
‫مرفوض عقل ً وشرعا ًً ‪.‬‬

‫ولما قال المام الغزالي في كتابه "المقصللد السللنى شللرح أسللماء‬


‫الله الحسنى" كلمته الحصيفة الرصينة المشتملة على نظر ثاقب عميق‪:‬‬

‫" ول تستبعد أيها المعتكف في عالم العقل أن يكون وراء العقل‬


‫طور قد يظهر فيه ما ل يظهر في العقل "‪.‬‬

‫قب عليه باستدراك خلصته ‪ :‬إن ما وراء العقل قد يكون بعيدا ً عن‬ ‫ع ّ‬
‫ً‬
‫تصور العقل وتوهمه ُبعدا بالغ النهاية ‪ ،‬لن العقل محجوب عنه في حللدوده‬
‫التي ل يسللتطيع أن يتعللداها ‪ ،‬لكنلله ل يمكللن أن يكللون وراء العقللل أشللياء‬
‫يحكم العقل حكما ً قاطعا ً باستحالتها ‪ ،‬فهنالك فرق كللبير بيللن مللا ل يللدركه‬
‫العقل فهو ل يتناوله بنفي ول إثبات ‪ ،‬لنلله ليللس مللن المللور الللتي يتناولهللا‬
‫بأحكامه ‪ ،‬وبين ما يحكم العقل حكما ً قاطعا ً بنفيه أو إثباته ‪.‬‬

‫فمن الشياء التي ل يمكن أن يكون وضللعها فيمللا وراء العقللل علللى‬
‫خلف وضعها في أحكام العقل القاطعة لنها من المستحيلت العقلية ‪ :‬أن‬
‫يكون لله تعالى شريك ‪ ،‬أو أن يكون في مقدور الخالق جل وعل أن يخلللق‬
‫مثل ذاته سبحانه ‪ ،‬أو أن يجعل الحادث قديما ً ‪ ،‬أو ما أشبه ذلك ‪.‬‬

‫وقد أوفيت هذا الموضوع بمزيد من الشرح والتفصلليل فللي كتللابي ‪:‬‬
‫"العقيدة السلمية وأسسها"‪.‬‬

‫‪ -4‬ما له دلئل وقللرائن مللن العقللل تؤيللده فللإن موقللف العقللل منلله‬
‫موقف الشاهد المؤيد المسلم ‪.‬‬

‫‪ -5‬التسليم التام في كللل مللا يقللول فيلله العقللل ‪ :‬ل أدري ‪ ،‬إذ ليللس‬
‫لدي من الدلة الظاهرة في مقاييسي مللا أسللتطيع أن أثبللت بلله ‪ ،‬كمللا أنلله‬
‫ليس لدي منها ما أستطيع أن أنفي به ‪.‬‬

‫وهذا التسليم تصديق لشهادة النص الديني الثابت من جهة الرواية ‪،‬‬
‫وفق أصول تحقيق المستندات الخبارية ‪ ،‬وتصديق شهادة النص الديني للله‬
‫مسللتند عقلللي قللاطع ‪ ،‬لن العقللول يقللول ‪ :‬مللا جربتلله مللن أنبللاء السلللم‬
‫الصحيحة النسبة بشكل يقيني لم أجد فيها إل الحق ‪ ،‬وكل مللا وجللدته فيهللا‬
‫مما استطعت الوصلول إللى حقيقتله الواقعللة بنفسلي كلان حقلا ً وصلدقا ً ‪.‬‬
‫ويقول العقل أيضًا‪ :‬إن من يملك تغيير سنن الكون الثابتللة بمللا يجريلله مللن‬
‫معجزات على أيدي أنبيائه ورسله ‪ ،‬ليعلمني بأن الكون كله خاضللع لقللدرته‬
‫وإرادته ‪ ،‬وليعلمني بأن أخباره التي يبلغها أنبياؤه ورسله أخبللار صللادقة ‪ ،‬ل‬
‫يمكن أن تكون أخباره عن الغيوب التي ل أسلتطيع الوصللول إليهلا بنفسلي‬
‫أخبارا ً مخالفة لحقيقة الغيب وواقعه ‪.‬‬

‫لكل ذلك فإنه يجب التسليم بها تسليما ً قاطعا ً ل يداخله ريب ‪.‬‬

‫)‪(4‬‬
‫منهج السلم في المعرفة‬

‫الساس الول للمعرفة في الفكر السلمي يقوم على أن المعرفة‬


‫الصحيحة هي ما كان مطابقا ً للواقع والحقيقة ‪ ،‬فما كان مطابقا ً لذلك فهللو‬
‫حق ‪ ،‬وما لم يكن مطابقا ً له فهللو باطللل ‪ ،‬وقللد تكللون الصللورة الذهنيللة أو‬
‫القولية مطابقة للواقع والحقيقة ملن بعلض الوجلوه ‪ ،‬ومخالفللة ملن بعلض‬
‫الوجوه ‪ ،‬فيكون فيها من الحق على مقدار المطابقة ‪ ،‬ومللن الباطللل علللى‬
‫مقدار المخالفة ‪.‬‬

‫والقاعدة الكلية التي تأتي وراء هللذا السللاس هللي ‪ :‬أن كللل وسلليلة‬
‫صللحيحة تعطينللا صللورة صللادقة عللن الواقللع والحقيقللة هللي وسلليلة يجللب‬
‫العتماد عليها والثقلة بهلا فلي تحصليل المعرفلة ‪ ،‬والمرجلع الول والخيلر‬
‫دائما ً هو الواقع ‪ ،‬وبلالواقع تقلاس النتللائج ‪ .‬وعللى هلذه القاعللدة قلام بنللاء‬
‫الفكر السلمي ‪.‬‬

‫أمللا وسللائل المعرفللة الللتي يجللب اعتمادهللا فللي الفكللر السلللمي‬


‫فتتلخص بثلث وسائل‪:‬‬

‫الوسيلة الولى ‪ :‬المعرفة المباشرة ‪ ،‬وتكون بللالدراك الحسللي ‪،‬‬


‫ولو عن طريق الجهزة والدوات ‪.‬‬

‫الوسيلة الثانية ‪ :‬الستدلل العقلللي بمختلللف طرقلله السللتنتاجية‬


‫والستنباطية ‪.‬‬

‫الوسيلة الثالثة ‪ :‬الخبر الصللادق ‪ ،‬ومللن الخللبر الصللادق الللوحي ‪،‬‬


‫وهنا يعترضنا سؤال وهو ‪ :‬إذا كللان الهللدف الول والرئيسللي هللو أن تكللون‬
‫المعرفللة مطابقللة للواقللع والحقيقللة ‪ ،‬فمللاذا نصللنع حينمللا تختلللف وسللائل‬
‫المعرفة حول موضوع واحد ‪ ،‬أو حول نقطة في موضوع واحد؟‬

‫هل نعتمد وسيلة الدراك الحسي؟‬


‫أو وسيلة الستدلل العقلي؟‬
‫أو وسيلة الخبر الصادق؟‬
‫أو ماذا نصنع‪...‬؟‬

‫ونجيب على هذا السؤال بما يلي ‪:‬‬


‫حينما يكون دليل وسيلة من هذه الوسائل هو الدليل القوى في‬
‫الموضوع فإنه ينبغي اعتماده وترجيحه ‪ ،‬فإذا كان دليل الحللس قائملا ً علللى‬
‫مشاهدة صحيحة يقينية خالية من احتمال الخطأ ‪ ،‬مؤكدة بتوافللق الحللواس‬
‫في إدراكها ‪ ،‬كان دليل الحس هو الذي ينبغي اعتماده ‪ ،‬ومن ثم يعاد النظر‬
‫في الستدلل العقلي إذا كان الخلف معه أو يعاد النظللر فللي دليللل الخللبر‬
‫الصادق إذا كان الخلف معه ‪ ،‬وإعادة النظر في دليل الخبر الصللادق قللد ل‬
‫تحتاج أكثر من تصحيح فهم النص ‪ ،‬والنظر في تأويله بما يتفق مللع النتللائج‬
‫اليقينية التي قدمها دليل الحس ‪ ،‬وذلللك لن الغايللة مللن اسللتخدام وسللائل‬
‫المعرفة إنما هو الوصول إلى معرفة مطابقة للواقع ‪ ،‬وليس مللن الممكللن‬
‫أن يتناقض الواقع مع نفسلله ‪ ،‬وحينمللا يظهللر خلف أو تنللاقض فللي النتللائج‬
‫التي قدمتها الوسائل فل بد أن خطأ قد دخل حتما ً في بعضها أو في كلهللا ‪،‬‬
‫وعندئذ ل مناص من مراجعة الدلة والتمحيص فيها ‪ ،‬وإعادة النظللر وزيللادة‬
‫التحري عللن الحقيقللة لكتشللاف مواقللع الخطللأ والخلللل‪ .‬وتظللل المراجعللة‬
‫مفتوحللة حللتى يتللم اكتشللاف المخطللئ منهللا ‪ ،‬ثللم مللا يثبللت منهللا الواقللع‬
‫والحقيقة بصفة يقينية يكون هو الجدير بالعتماد ‪ ،‬ثم يعاد النظر في غيللره‬
‫حتى نصححه وننتهي إلى التوافق التام في النتللائج ‪ ،‬فمللن المسللتحيل فللي‬
‫منطق الوجود أن تتناقض الدلة اليقينية في معطياتها العلمية ‪ ،‬وحينما نجد‬
‫التناقض في هذه المعطيات فل بد من وجود خلل أو خطأ في بعض الدلللة‬
‫أو في كلها ‪.‬‬

‫وتخضع النصوص الدينيللة لحكللم هللذا المنهللج العلمللي ‪ ،‬لن الحقيقللة‬


‫الواقعة في الوجود هي مللن خلللق الللله تعللالى ‪ ،‬والللله محيللط بكللل شلليء‬
‫علما ً ‪ ،‬وحينما يخبرنا عن شيء منها فل بد أن يكون خبره مطابقا ً لمللا هللي‬
‫عليه في الواقع ‪ ،‬لنه يستحيل الجهل أو الكذب عليه سبحانه ‪.‬‬

‫والمشكلة قد تأتي – كما سبق أن أوضلحت – ملن الخطلأ فلي فهلم‬


‫النص الديني الثابت ‪ ،‬وفهم النللص الللديني عمللل اجتهللادي إنسللاني ‪ ،‬وهللذا‬
‫الفهم النساني للنص قد يصيب وقد يخطئ ‪ ،‬فإذا أخطأ الجتهاد في الفهم‬
‫فليس معنى خطئه أن النص هو المخطئ ‪ ،‬ولكن المخطئ هو النسان غير‬
‫المعصوم ‪ ،‬الذي اجتهد في فهم معنى النص ‪ ،‬وفللي هللذه الحالللة علينللا أن‬
‫نراجع فهمنا للنص ‪ ،‬ونعيد تدّبرنا له ‪ ،‬حتى نصل إلى المعنى اليقينللي الللذي‬
‫تم الوصول إليه بيقين عن طريق الدراك الحسي أو الستدلل العقلي ‪.‬‬

‫ول يكون التعصب للجتهاد الذي أخطأ فيلله صللاحبه إل خدمللة للللذين‬
‫يحاولون بكل ما يستطيعون من جهد أن يثبتللوا التنللاقض بيللن مللا يللأتي بلله‬
‫الدين ‪ ،‬وبين الحقائق التي تللأتي بهللا الوسللائل النسللانية للبحللث العلمللي ‪،‬‬
‫لطعن الدين من أساسه ‪ ،‬ونسف قواعللده القائمللة علللى الحللق ‪ ،‬وإشللاعة‬
‫اللحاد والمادية التي ل تؤمن بالله ‪.‬‬
‫وقد تأتي المشكلة أيضا ً من كون النص الديني نصا ً غيللر ثللابت ثبوت لا ً‬
‫ي الثبللوت ‪،‬‬ ‫قطعيا ً ‪ ،‬لنه لم تتوافر له الروايات الصحيحة التي تجعللله قطعل ّ‬
‫وبدهي في هذه الحالة أن يكون الدليل الحسي اليقينللي أو الللدليل العقلللي‬
‫اليقيني أقوى من دليل الخبر الظنللي الللذي لللم يبلللغ مبلللغ القطعيللة ‪ ،‬فللإن‬
‫أمكللن تأويللل النللص أقللوى مللن دليللل الخللبر الظنللي الللذي لللم يبلللغ مبلللغ‬
‫القطعية ‪ ،‬فإن أمكن تأويل النص بما يتفق مع النتائج اليقينية للدلة الخرى‬
‫أولناه ‪ ،‬وإل أخذنا بالنتائج اليقينية حتما ً ‪ ،‬وتركنللا النلص ودللتله ‪ ،‬ول يضلرنا‬
‫هذا في الدين ‪ ،‬لن قبولنا له من الساس قد كان بصفة ترجيحية ل بصللفة‬
‫قطعية ‪.‬‬

‫فللإذا سللأل سللائل فقللال ‪ :‬هللل لنللا أن نللؤول النصللوص الدينيللة أو‬
‫نخصصها بدليل الحس أو بدليل العقل ‪ ،‬حتى تكون دللتها مطابقللة للواقللع‬
‫والحقيقة؟‬

‫كان جوابنا باليجاب حتما ً ‪ ،‬وبأن هللذا العمللل مللن القواعللد المقللررة‬
‫فللي علللوم الشللريعة السلللمية ‪ ،‬يقللول علمللاء أصللول الفقلله فللي أبللواب‬
‫تخصيص العام ‪" :‬ل خلف في جواز تخصيص العموم" ويقررون في أبللواب‬
‫تأويل الظاهر ‪" :‬أنه يجوز التأويل متى كللان دليللله أرجللح ملن دليللل العمللل‬
‫بالظاهر ‪ ،‬ويجب التأويل متى كان دليله دليل ً قاطعا ً ل يجللوز العللدول عنلله"‬
‫ويذكرون من أدلة تخصيص العموم ‪" :‬دليل الحس ‪ ،‬ودليل العقللل" ونظيللر‬
‫ذلك يكون في تأويل الظاهر ‪ ،‬فيتم التأويل بناء على دليلل الحلس أو دليلل‬
‫العقل ‪.‬‬

‫هذا هو منهجنا السلمي فيما يتعلق بالنصوص الدينية ودللتهللا علللى‬


‫حقائق الشياء ‪.‬‬

‫ولكن يجب الحذر الشديد لدى تطللبيق هللذا المنهللج ‪ ،‬حللتى ل يللدخل‬
‫علينا الدس الماكر باسم الحقائق العلمية التي توصلت إليهللا نتللائج البحللث‬
‫العلمي بالوسائل النسانية البحتة ‪ ،‬فكثير من النتائج التي ُتق لّرر علللى أنهللا‬
‫حقائق علمية عند أصحاب البحث العلمي المللادي ل تعللدو أنهللا نظريللات أو‬
‫فرضيات قابلة للتعديل أو التغيير أو النقض الكلي ‪ ،‬وليست حقللائق علميللة‬
‫يقينية عند أصللحابها ‪ ،‬ولكللن أصللحاب الهللواء أو صللغار المثقفيللن الللذين ل‬
‫يقدرون المعارف العلمية حق قدرها ‪ ،‬وينخدعون بدعايات الترويج التجاري‬
‫أو السياسي للنظريللات أو الفرضلليات العلميللة ‪ ،‬قلد يزعملون أنهللا حقلائق‬
‫ويقينيللات علميللة ‪ ،‬وليسللت هللي فللي الواقللع كللذلك ‪ ،‬ثللم يحملونهللا حمللل‬
‫الببغاوات أو حمل الجلراء ‪ ،‬ثللم يقولللون ‪ :‬إن بيللن الحقلائق العلميلة وبيلن‬
‫النصوص الدينية تناقضا ً ‪ ،‬ويقصللدون بالحقللائق العلميللة هللذه النظريللات أو‬
‫الفرضيات التي لم تثبت بعد في نظر واضعيها ثبوتا ً يقينيا ً أو نهائي لا ً ‪ ،‬فض لل ً‬
‫عن أن تكون يقينيات في نظر غيرهم من الذين يعارضون فيها ‪.‬‬
‫وأمام هذه النظريللات أو الفرضلليات ل نجللد أنفسللنا ملزميللن علمي لا ً‬
‫بتحديد معاني النصوص الدينية التي تتناول الموضوع نفسه تحديدا ً قاطعا ً ‪.‬‬

‫والخطللة المثلللى أن نطللرح الحتمللالت دللتهللا طرحلا ً غيللر مقللترن‬


‫بترجيح ول تثبيت ‪ ،‬وحينمللا نللرى أن نرجللح فعلينللا أن ل نجللزم ‪ ،‬وأن نللترك‬
‫الجز لمستقبل البحللث العلمللي ‪ ،‬وننتظللر إثبللات الحقيقللة العلميللة بوسلليلة‬
‫يقينية ‪ ،‬فالمضمون ل يتعلق به حكللم شللرعي يجللب العمللل بلله ‪ ،‬لللذلك فل‬
‫ضير من التريث والناة ‪ ،‬هذا إذا لم يكن النص اليقيني قاطعا ً في دللته ‪.‬‬

‫أما إذا كان قاطعا ً في دللته ‪ ،‬أو كان من المور المتعقلللة بالتشللريع‬
‫والحكام الدينية ‪ ،‬أو من الغيب العتقادي الذي ل تملك الوسائل النسللانية‬
‫الوصول إلى شيء منه ‪ ،‬فإنه يجب الخذ بمضللمونه وفللق أصللول الجتهللاد‬
‫في فهم النصوص ‪ ،‬فاليقيني منهلا نسللم بلله تسللليما ً تاملا ً ‪ ،‬وغيللر اليقينللي‬
‫نضعه في المستوى الذي يقتضيه الترجيح ‪.‬‬

‫)‪(5‬‬
‫النتيجة‬

‫فهل لمضلل ملحد بعد هذا التحليل لموقف العلم والدين من‬
‫الحقيقة أن يزعم وجود التناقض بين السلم والعلم في المنهج الذي يجب‬
‫اعتماده للوصول إلى معرفة الحقائق ‪ ،‬أو في النتائج اليقينية المقطوع بهللا‬
‫الللتي يقررهللا الللدين والخللرى الللتي تنتهللي إليهللا وسللائل البحللث العلمللي‬
‫النساني ؟‬

‫إن أي مضلل ل يستطيع إثبات ادعائه وجود هللذا التنللاقض ‪ ،‬إل علللى‬
‫أساس ملن المغالطللات والكللاذيب وزخللرف ملن القللول وصللناعة الجللدال‬
‫بالباطل ‪.‬‬

‫فمن المستحيل وجود التناقض بين الحقائق الللتي تللأتي عللن طريللق‬
‫الدين والحقائق التي تأتي عن طريق وسائل المعرفة النسانية البحتة ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الفصل الثالث‬

‫النقد الذاتي‬

‫حول مفاهيم المسلمين‬


‫للسلم‬
‫)‪(1‬‬

‫تحت عنوان "نقد الفكر الديني" تستر الناقد العظم ‪ ،‬إذ حاول‬
‫تقويض أسس السلم الكبرى ‪ ،‬وقواعده العظمى ‪ ،‬التي هي حللق ل يأتيهللا‬
‫الباطل من بين يديها ول من خلفها ‪ ،‬وربما استغل ما لدى بعض المسلمين‬
‫من مفاهيم خللاطئة عللن السلللم ‪ ،‬ليطعللن السلللم بللذلك ‪ ،‬علللى طريقللة‬
‫إبطال الطب كله لخطاء بعللض الطبللاء ‪ ،‬وإبطللال الهندسللة كلهللا لخطللاء‬
‫بعض المهندسين ‪ ،‬وإبطال ضرورة القضاء لفساد بعللض القضللاة ‪ ،‬وتعميللم‬
‫الحكام التي هي لبعض الفراد ‪ ،‬وإطلقها على كللل الفللراد ‪ ،‬ثللم إطلقهللا‬
‫على المبادئ الحقة التي يدعي هللؤلء الفللراد انتسللابهم إلهيللا ‪ ،‬ولللو كللانوا‬
‫مخالفين لها في مفاهيمهم أو في سلللوكهم ‪ ،‬وعلللى هللذا الجنللوح الفكللري‬
‫الخطير ‪،‬الخارج عن حدود كل منطق عقلي أو علمي سليم ‪ ،‬سللار العظللم‬
‫في جدلياته ومغالطاته ‪.‬‬

‫ولكي ل يزعم القارئ أنني من الذين يبررون كل خطأ ‪ ،‬ما دام يعلن‬
‫انتسابه إلللى الللدين زورا ً وبهتانلا ً ‪ ،‬أو جهل ً وغفلللة ‪ ،‬أو خطللأ غيللر مقصللود ‪،‬‬
‫عقدت هذا الفصل ‪ ،‬لنقد فيه نقدا ً ذاتيا ً مللا دخللل علللى مفللاهيم كللثير مللن‬
‫ورا ً مشللوها ً غيللر صللحيح للسلللم‬‫ون لديهم تص ّ‬ ‫المسلمين عن السلم ‪ ،‬وك ّ‬
‫الحق ‪ ،‬أو تطبيقا ً مشوها ً له ينم عن فسللاد فللي التصللور ‪ ،‬أو انحللراف فللي‬
‫السلوك ‪.‬‬

‫ووجدت من الواجب علي أن أعقللد هللذا الفصللل قبللل أن أدخللل مللع‬


‫العظم في المعركة الجدالية ‪ ،‬حول النقاط التفصيلية الللتي أثارهللا ‪ ،‬للقللي‬
‫فيه الضوء على أن السلم الحق الللذي هللو ديللن الللله للنللاس ‪ ،‬يتميللز كللل‬
‫التميز عن المنتسبين إليلله ‪ ،‬الللذين ل يمثلللون فللي مفللاهيمهم أو سلللوكهم‬
‫صورة صحيحة عنه ‪ ،‬وأرجو بهذا التمييز أن ل تدخل على الجيال السلمية‬
‫مغالطات وافتراءات أعداء السلم ‪ ،‬وأعداء المسلمين وتاريخهم المجيد ‪.‬‬

‫)‪(2‬‬

‫من المعلوم أن السلم الذي قدم للنسانية ما قدمه من مجد‬


‫حضاري أمثل يوم كانت المللة السلللمية فللي طللور شللبابها وقوتهللا صللالح‬
‫باستمرار لن يأخذ بيد النسانية في طريق المجد الحضاري الصللاعد ‪ ،‬دون‬
‫تقهقر ول توقف ‪ ،‬للو ظلل المسللمون يجلددون شلبابهم ‪ ،‬بالتملاس منلابع‬
‫السلم الثّرة ‪ ،‬منها يعبون ‪ ،‬ومنها ما به يتطهرون ‪.‬‬

‫ففي السلم الصافي جميع العناصر اللزمة التي تسللتطيع النسللانية‬


‫بها أن تحافظ على شباب دائم ‪ ،‬متدفق بالحياة والعمللل البنللاء والرتقللاء ‪،‬‬
‫لو أحسنت تدّبره والستمساك به والعمل بتعاليمه ‪.‬‬
‫وفلي السلللم الصللافي جميللع العناصللر اللزمللة لسلعاد النللاس كلل‬
‫النللاس ‪ ،‬أفللرادا ً وأسللرا ً وجماعللات ودول ً ‪ ،‬مهمللا اختلفللت بينهللم العللراق‬
‫واللوان والجناس ‪ ،‬ذلك لنه دين النسانية جميعا ً ‪ ،‬المنزل وفق خصائصها‬
‫وصفاتها المشتركة بين جميع شعوبها وقبائلها ‪ ،‬وليس دينا ً قوميا ً ول إقليميا ً‬
‫ول طبقيا ً ‪.‬‬

‫بخلف الشيوعية التي هي ملذهب طبقلي عنلوانه "يلا عملال العلالم‬


‫اتحدوا" وبخلف الرأسمالية التي هللي مللذهب طبقللي أيض لا ً يخللدم مصللالح‬
‫طبقة معينة ‪ ،‬وبخلف اليهودية بحسلب مفلاهيم اليهوديلة المحرفلة ‪ ،‬فهلي‬
‫دين قومي خاص بشعب بني إسرائيل ‪ ،‬الذي هو في عقيلدتهم شلعب اللله‬
‫المختار ‪.‬‬

‫أما السلم فهو دين رب الناس اللطيف الخبير للنللاس أجمعيللن }أل‬
‫يعلم من خلق وهو اللطيف الخللبير{ ‪ ،‬ومللن أجللل ذلللك كللانت تعللاليم هللذا‬
‫الدين مصلحة ومسعدة للناس كل الناس ‪.‬‬

‫ولست في مجال بيان تفصيلي يوضلح هلذه الحقيقلة علن السللم ‪،‬‬
‫لدلل على أن تعاليم السلم الصافية من الشوائب الدخيلة كفيلة بتحقيللق‬
‫مجد النسان في هذه الحياة ‪ ،‬وكفيلة ببناء أفضل المؤسسات الجتماعية ‪،‬‬
‫وبتنظيم أرقى دولة مدنية آخذة بأوفى نصلليب خي لٌر مللن التقللدم الحضللاري‬
‫المتطور ‪ ،‬البعيد عن الشر ومعصية الله ‪.‬‬

‫ولكن مرضا ً خطيرا ً من المراض التي تراكبت على المللة السلللمية‬


‫في القرون المتأخرة هو الذي جعلني أعقد هذا الفصل ‪ ،‬أل وهو الشللوائب‬
‫الدخيلة التي عقلت بالتعاليم السلمية في مفاهيم كثير من المسلمين ‪.‬‬

‫)‪(3‬‬

‫تأملت –ربما تكون غير مستقصية‪ -‬من تأملت البحث العلمي ‪،‬‬
‫وضعت فيها إحدى يدي على السس السلللمية العامللة الللتي وعيتهللا خلل‬
‫دراستي الطويلة للعلوم السلمية ‪ ،‬ووضللعت فيهللا يللدي الخللرى علللى مللا‬
‫خبرته من واقع المسلمين خلل تجربة نيف وثلثين سنة ‪ ،‬جعلتنللي أتلمللس‬
‫الشللوائب الللتي تسللربت إلللى مفللاهيم المسلللمين ‪ ،‬فألصللقها لجللاهلون‬
‫والغافلون بالتعاليم السلمية وهي ليست منها ‪ ،‬وكللان مللن وراء الجللاهلين‬
‫والغافلين في كثير من الحيان ماكرون مختلفو الصباغ والقنعة والغراض‬
‫‪ ،‬يعملون في الخفاء لهدم السلم أسسا ً وقواعدا ً وبناًء شامخا ً ‪.‬‬

‫ثم تحولت هللذه المفللاهيم الللتي هللي مللن قبيللل الشللوائب ل الصللل‬
‫النافع المفيد الخّير ‪ ،‬إلى تطبيقات عملية ‪ ،‬ومواريث ثقيلللة ‪ ،‬أحنللت ظهللور‬
‫منللاخ‬
‫الجيللال الللتي تحملهللا ‪ ،‬وعرقلللت سللبيل تقللدمها ‪ ،‬كمللا أنهللا هيلأت ال ُ‬
‫المناسب لفساد الجيال التي حملت شعار التخلص منها علللى غيللر بصلليرة‬
‫وغير هدى ‪ ،‬فتخلصت منها ومن الجوهر النافع ‪ ،‬الذي هو الصللل السللليم ‪،‬‬
‫المرافق لهلا فلي حشللد المفلاهيم المختلطللة ‪ ،‬وذلللك إذ للم تسلتطع هللذه‬
‫الجيال أن تميز بيللن الصللل النللافع المفيللد ‪ ،‬وبيللن الشللوائب الللتي ل خيللر‬
‫فيها ‪.‬‬

‫يضاف إلى ذلك أن طائفة من هذه الجيللال وجللدت لنفسللها بسللبب‬


‫هذه الشوائب مبررات كثيرة تلبي عن طريقها الرغبة بللالنطلق والتحللرر ‪،‬‬
‫والنسياق مع الهواء والشهوات ‪ ،‬دونما ضابط أو رادع ‪.‬‬

‫وكان من وراء هذه الطائفة الطائشللة شللياطين يمللدون خراطيمهللم‬


‫فللي الظلمللات مللن ديللار الحللرب إلللى ديللار السلللم ‪ ،‬فيوسوسللون لهللا ‪،‬‬
‫ويمنونها ‪ ،‬ويكيدون في ذلك ضدها وضد المة السلمية ما يكيدون من شر‬
‫عظيم ‪.‬‬

‫أما الطعم في شباك الصيد فإنه يرجع إلى واحد من عدة أصول ‪،‬‬
‫ومنها الصول الخطيرة التالية‪:‬‬

‫الول‪ :‬الغراء بالمال ‪.‬‬


‫الثاني‪ :‬الطماع بالحكم والسلطان ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الفتنة بالنساء ‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬الفتنة بالخمر والميسر والمخدرات وأصناف اللهو ‪،‬‬
‫وإضعاف القوى الفردية والجتماعية عن طريقها ‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬الخداع بمظاهر الحضارة المادية الخلبللة ‪ ،‬وبمللا تتضللمن‬
‫من قوى حربية فتاكة ‪ ،‬وبمستنداتها من العلللم المللادي ‪ .‬وفللي ضللمن هللذا‬
‫الخداع تأتي واردات مهلكة ل هي من العلم الثابت ‪ ،‬ول هي من المنجزات‬
‫الحضارية النافعة ‪ ،‬وفي طيات هذه الواردات يكملن الخطلر عللى الفكلر ‪،‬‬
‫وعلى الخلللق ‪ ،‬وعلللى السلللوك ‪ ،‬وعلللى وحللدة المسلللمين ‪ ،‬وعلللى جميللع‬
‫قواهم الحقيقية المادية والمعنوية ‪ ،‬ثم على كيانهم كله ‪.‬‬

‫)‪(4‬‬
‫ور عام لمنهج التعاليم السلمية وما طرأ عليه‬
‫مص ّ‬

‫نظرة عميقة إلى الشوائب التي دخلت أو أدخلت على التعاليم‬


‫السلمية تكشلف لنلا أن المكللان الطللبيعي لهلذه الشلوائب يقلع فلي أحلد‬
‫منحدرين كائنين من دون اليمين أو من دون اليسار ‪ ،‬بالنسللبة إللى المنهللج‬
‫السلمي الوسط ‪ ،‬الممتد في القمة الرشيدة السلعيدة ‪ ،‬واللذاهب ارتقلاء‬
‫إلى أعلى ذروات الحضارة المجيدة في دار البتلء ‪ ،‬دار العمل والبناء ‪ ،‬ثم‬
‫إلى فردوس الخلود السعيد الكمل في دار الجزاء ‪.‬‬

‫وإنما يحظى بخيرات هذا المنهج القويم السامي السالكون فيه ‪،‬‬
‫المتقيدون بحدوده ‪ ،‬أفرادا ً وجماعللات ‪ ،‬وشللعوبا ً ودول ً ‪ ،‬والكللل مسللؤولون‬
‫عللن سلللوك هللذا المنهللج والللتزامه ‪ ،‬وعللن بنللاء الصللرح السلللمي الللديني‬
‫والدنيوي معا ً ‪.‬‬
‫وهذا المنهج متى انكسرت حدوده أمسى عرضة للتساع ممللا وراءه‬
‫مللن مزالللق ومتاهللات ‪ ،‬وعرضللة لنللزلق سللالكيه والخللروج عللن جللادته ‪،‬‬
‫وعرضة لدخول الشوائب فيه ‪.‬‬

‫أمللا الشللوائب الدخيلللة علللى التعللاليم السلللمية ‪ ،‬فالحللديث عنهللا‬


‫يستدعي إلقلاء نظلرات عميقلة إللى مصلادرها ومنلابع قلدومها ‪ ،‬ونظلرات‬
‫عميقة أخرى إلى السبل والوسللائل الللتي تسللربت بسللببها فللاختلطت فللي‬
‫مفاهيم المسلمين ‪ ،‬ضمن حشد التعللاليم الصلللية ‪ ،‬أو زاحمللت بعضللها ثللم‬
‫احتلت مكانه ‪.‬‬

‫ويسللتدعي منللا أيض لا ً أن نلقللي نظللرات علللى واقللع الصللور العامللة‬


‫للتعاليم التي خالطتها الشوائب ‪ ،‬أو زاحمت ما زاحمللت منهللا ‪ ،‬ثللم احتلللت‬
‫مكانه في مختلف البيئات لشعوب المسلمين‪.‬‬

‫)‪(5‬‬

‫أما النظرات إلى واقع الصور العامة القاتمة القائمة في مفاهيم‬


‫كثير من المسلمين ‪ ،‬فيمكن تمثيلها بإحدى الصور التاليللة المصللابة بالخلللل‬
‫أو الفساد أو التزوير ‪ ،‬وهي خمس صور‪:‬‬

‫* الصورة الولى‪:‬‬
‫وهي الصورة المختلطة المهزوزة في مفاهيم بعض الناس لحقيقة‬
‫التعاليم السلمية ‪ ،‬وتكون هذه الصللورة بللاختلط الحقللائق ‪ ،‬وعللدم إدراك‬
‫كل منها في مكانه الصحيح ‪.‬‬

‫والشوائب فللي هللذه الصللورة ناتجللة عللن تللداخل عناصللر الصللورة ‪،‬‬
‫وتمازج بعضها في بعض ‪ ،‬وعدم تمايز حدود كل منها ‪.‬‬

‫ومللن أمثلللة هللذه الصللورة فللي الواقللع مللا نشللاهده عنللد كللثير مللن‬
‫المنتسبين إلللى السلللم مللن المفللاهيم المختلطللة الغامضللة عللن التعللاليم‬
‫السلمية ‪ ،‬كالللذين يللرون أن أي عطللاء مللالي يعتللبر زكللاة كافيللة للمللال ‪،‬‬
‫ويكتفون بذلك فل تحاسبون أنفسهم على كل نصلليب زكللوي يجللب عليهللم‬
‫شرعا ً أن يؤدوه ‪ ،‬وكالذين يرون أن الديانات السماوية السلابقة للسلللم ل‬
‫تزال بعد بعثة محمللد صلللوات الللله عليلله مقبولللة عنللد الللله ‪ ،‬ومنجيللة مللن‬
‫عواقب الشرك والكفر بالله ‪ ،‬رغم كل التحريفات الواقعة فيها عن الصللل‬
‫الصحيح الذي أنزله الله على رسله عليهم الصلة والسلم ‪ ،‬ولول التحريف‬
‫لرأى هؤلء في ديانتهم ما يوجب عليهم اتباع محمد ‪ ‬واليمللان بلله ‪ ،‬إلللى‬
‫غير ذلك من أمثلة كثيرة ‪.‬‬
‫وسللبب وجللود هللذه الصللورة المهللزوزة المختلطللة الجهللل بالتعللاليم‬
‫السلمية الصحيحة ‪ ،‬وقلة أجهزة التثقيف السلمي العام في مختلللف بلد‬
‫المسلمين ‪.‬‬

‫وإصلح هذه الصورة يكون بتنفيللذ خطللة محكمللة للتبصللير الحقيقللي‬


‫بالسلم الصحيح الصافي ‪ ،‬ونشر الوعي العللام لتعللاليمه الللتي تشللمل كللل‬
‫جوانب الحياة النسانية أفرادا ً وأسرا ً وجماعات وحكومات ‪ .‬ويمكن تلخيص‬
‫هذه الخطة بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬وضع ميثاق إسلمي عام يمكن أن يلتقي عليه معظم المسلمين ‪ ،‬ومللن‬
‫طبيعة هذا الميثاق أن يكون بعيدا ً عن النقاط الخلفية ‪.‬‬
‫‪ -2‬وضع منهاج للتثقيف السلمي العام ‪.‬‬
‫‪ -3‬إعللداد المصللنفات السلللمية الحديثللة الملئمللة للغللة العصللر ولسلللوبه‬
‫الكلمي ‪ ،‬أو انتقاء المناسب منها ‪ ،‬وينبغي أن تكللون هللذه الصللفات بعيللدة‬
‫عللن إثلارة الخلفللات المذهبيللة العنيفللة ‪ ،‬وأن تكللو إيجابيللة ذات مسللتويات‬
‫تتناسب مع مستويات جماهير المسلمين ‪ ،‬على أن يتم نشرها بينهم بنسبة‬
‫كافية ‪ ،‬وبلغاتهم القومية ‪.‬‬
‫‪ -4‬العمل على إعداد جيش المثقفين ثقافة إسلمية حسنة ‪ ،‬مقرونة بوعي‬
‫والتزام واتزان ‪ ،‬وينبغي أن تكون دوائر التثقيف السلمي في حالة اتسللاع‬
‫مستمر ‪.‬‬
‫‪ -5‬توجيه هذا الجيش المتزايد إلى التوعيللة السلللمية العامللة ‪ ،‬بمسللتويات‬
‫تتناسب مع حال الجماهير المختلفة ‪.‬‬

‫* الصورة الثانية‪:‬‬
‫وهي الصورة التي دخل فيها أخطاء لدى رسم المفاهيم السلمية‬
‫الصللحيحة ‪ ،‬وطللبيعي أن تكللون هللذه الخطللاء غيللر مطابقللة للحقيقللة‬
‫السلمية ‪.‬‬

‫وملن المثللة لهلذه الصلورة ملا نلحظله ملن مفلاهيم غيلر صلحيحة‬
‫منسوبة إلى السلم ‪ ،‬وقد يسللهل المللر حينمللا يقللال ‪ :‬هللذا هللو رأي فلن‬
‫الذي فهمه عن المر الفلني من السلم ‪ ،‬ولكن الخطر حينما يقللال ‪ :‬هللذا‬
‫هو الحكم السلمي قطعا ً ‪ ،‬وكللل رأي مخللالف للله مللن الراء والجتهللادات‬
‫التي لها وجه من النظر ضلل وكفر ‪.‬‬

‫وأسباب الخطاء في رسم هذه الصورة كثيرة جدا ً ‪ ،‬ويمكن الشللارة‬


‫إلى أهم أصولها العامة‪:‬‬
‫الصل الول ‪ :‬الخطأ في الجتهاد ‪ ،‬وللخطأ فللي الجتهللاد أسللباب‬
‫كثيرة يعرفها علماء أصول الفقه السلمي ‪.‬‬
‫الصل الثاني ‪ :‬الخطأ في تقويم ما توصل إليه الجتهاد ‪ ،‬وذلك‬
‫باعتباره هو الحق ل غير ‪ ،‬رغم أن اليقين القاطع لم يتوافر فيه ‪.‬‬
‫الصل الثالث ‪ :‬التعصب للرأي أو للمذهب ضد الراء أو المللذاهب‬
‫الخرى ‪.‬‬
‫أما الخطأ فلي الجتهلاد فيعلذر فيله المجتهلد الكفلء بشلرط تقيلده‬
‫بالصول الجتهادية العامة ‪ ،‬التي قامت عليها دلئل الشرع والعقل ‪.‬‬

‫ولكنه ليس للمجتهد الذي توصل إلى مفهوم إسلمي قائم على ما‬
‫ترجح لديه من ظن غالب أن يعطي ما توصل إليه اجتهاده أكثر من القيمللة‬
‫التي يستحقها ‪ ،‬فيفرض على السلللم رأيلله ‪ ،‬ويحللارب كللل رأي مخللالف ‪،‬‬
‫وكذلك ليس لنصار هذا المجتهللد أن يفعلللوا مثللل هللذا الفعللل لحتمللال أن‬
‫يكون الصواب في جانب رأي المخالف ‪ ،‬أو في جانب رأي آخر ‪.‬‬

‫فإذا تعصب المجتهد لرأيه وفرضه على السلم فقد يؤدي به الحال‬
‫إلى أن يلصق بالسلم ما ل يقول به السلم نفسه ‪ ،‬فيضيف إلى الصللورة‬
‫السلمية خطأ من عنده ‪.‬‬

‫ثم ل يصح لللذين أخلذوا بلرأي هلذا المجتهلد أن يتعصلبوا لله تعصلبا ً‬
‫أعمى ‪ ،‬لنهم بعملهم هللذا يجسللمون ويعظمللون بقللع الخطللأ الللتي رسللمها‬
‫الجتهاد الخاطئ في الصورة السلمية ‪.‬‬

‫ومن أسباب الخطأ في الجتهاد عدم التبصر الصحيح الشامل‬


‫بمختلللف المصللادر الللتي تثبللت بهللا المعللارف النسللانية ‪ ،‬لمعرفللة وجلله‬
‫الصواب ‪ ،‬أو لتخفيف نسبة احتمالت الخطأ‪.‬‬

‫وليس عسيرا ً على علماء المسلمين أن يصلحوا هللذه الصللورة الللتي‬


‫دخلت فيها الخطاء ‪ ،‬إذا اجتمعوا في مؤتمرات عامة ‪ ،‬وعالجوا المشكلت‬
‫بتجرد صحيح ‪ ،‬ونشدان للحقيقة حيث كانت ‪.‬‬

‫ويلحق بهذه الصورة التي دخلت فيهللا أخطللاء لللدى رسللم المفللاهيم‬
‫السلللمية الصللحيحة المقومللة لكللل مللا فللي الحيللاة رغللم تطللور أسللاليبها‬
‫وصورها الحضارية ‪ ،‬ما نلحظلله عنللد طائفللة مللن متللأخري طلب المعرفللة‬
‫السلميين مللن الغللراق فللي الشللتغال بالجللدليات الكلميللة والمماحكللات‬
‫اللفظية ‪ ،‬وصرف معظم جهد البحث العلمي في حدود اللفاظ والحروف ‪،‬‬
‫والبعد عن تصيد جواهر التعاليم السلمية النافعة ‪ ،‬وإخراجها منتظمللة فللي‬
‫عقود فكرية متكاملة متناسقة ‪ ،‬تعالج مشكلت الحياة ‪ ،‬وتللواكب أطوارهللا‬
‫الحضارية المتقدمة بإصلح وتقويم ‪ ،‬أو دفع وتدعيم ‪.‬‬

‫ولكن النهضة العلمية السلمية الحديثة في طائفة من عواصم بلد‬


‫دلت من هذا تعديل ً كثيرا ً ‪.‬‬
‫المسلمين قد ع ّ‬

‫* الصورة الثالثة ‪:‬‬

‫الصورة المشوهة من قبل أعداء السلم ‪ ،‬وهي الصورة التي قّبح‬


‫جمالهللا وإشللراقها المللاكرون المفسللدون بمللا لطخللوا وجههللا الصللبيح مللن‬
‫شبهات ‪ ،‬وبما ألصقوا فيها من تهم كاذبة ‪.‬‬
‫وصللانعو هللذه التشللويهات رسللامون كللثيرون مللن أعللداء السلللم ‪،‬‬
‫أجهدوا أنفسهم في تصيد الشللبهات والتشللويهات والكللاذيب والتضللليلت ‪،‬‬
‫للصاقها بالتعاليم السلمية ‪ ،‬وإفساد عقول أبنلاء المسللمين ‪ ،‬ثلم أجهلدوا‬
‫أنفسهم فأضافوا إليهللا أصللنافا ً مختلفللة مللن الزينللات والصللباغ والللدهانات‬
‫الخادعة للنظر ‪.‬‬

‫وحللاولوا بهللذا التشللويه الحقيللر أن يشللككوا المسلللمين بللدينهم‬


‫وبتعاليمهم الربانية ‪ ،‬واستطاعوا بعللد جهللد جهيللد وزمللن مديللد أن يتلعبللوا‬
‫كم التي تتضمنها ‪،‬‬ ‫ح َ‬
‫بعقول البعيدين عن التعاليم السلمية وتدّبر غاياتها وال ِ‬
‫والمفتللونين بللبريق الحضللارة الماديللة الوروبيللة الحديثللة ‪ ،‬ل سلليما الللذين‬
‫أنشأتهم المدارس الجنبية إنشاًء مباشرا ً ‪ ،‬ثللم الللذين أنشللأتهم مخططاتهللا‬
‫ومناهجها بشكل غير مباشر ‪.‬‬

‫ومن اليسلير عللى الللدعاة المسللمين ذوي البصللر النافلذ ‪ ،‬والعمللل‬


‫المخلص ‪ ،‬إزالة هذه الدران المشوهة للتعللاليم السلللمية ‪ ،‬وذلللك بالقيللام‬
‫بحملة توعية إسلمية تعتمد على إبراز فضائل هذه التعاليم ‪ ،‬وبيللان الحكللم‬
‫العظيمة التي تتضمنها ‪ ،‬بالستناد إلى البحوث الفكرية المنصفة الرصللينة ‪،‬‬
‫والتجارب الواقعية المشاهدة ‪.‬‬
‫وقد تصدى بحمد الله طائفللة مللن كتللاب الفكللر السلللمي مللن ذوي‬
‫الَغيللرة لللدفع هللذه الشللبهات وبيللان زيفهللا ‪ ،‬بكتابللات كللثيرة ‪ ،‬ودفاعللات‬
‫محكمة ‪ ،‬فأسهموا إسهاما ً مباركا ً طيب لا ً فللي غسللل الصللورة الللتي أراد لهللا‬
‫أعداء السلم أن تكون صورة مشوهة في نفوس كثير من أبناء المسلمين‬
‫‪.‬‬

‫وينبغي أيضا ً أن تستهدف حملة التوعية هذه تبصير الجيال السلمية‬


‫بمرابض الخطر على مفاهيمهللا السلللمية الصللحيحة ‪ ،‬وأخلقهللا الكريمللة ‪،‬‬
‫وذاتيتها السلللمية ‪ ،‬ذات الكيللان المتميللز فللي العللالم ‪ ،‬يضللاف إليلله فضللح‬
‫دسللائس أعللداء السلللم الفكريللة والعمليللة ‪ ،‬وإبللراز الصللورة السلللمية‬
‫المشرقة الحقة ‪ ،‬بكل وسيلة من وسائل العلم والتنوير العام ‪.‬‬

‫* الصورة الرابعة ‪:‬‬

‫وهي الصورة التي حصل فيها تغيير في الّنسب بين مفردات وأجزاء‬
‫التعاليم السلمية ‪ ،‬إذ أخذها بعضها من المساحة الكلية في أفكار ونفللوس‬
‫طائفللة مللن المسلللمين أكللثر مللن نصلليبه المقللدر للله فللي أصللل التشللريع‬
‫السلمي ‪.‬‬

‫فإذا أردنا أن نمثل هذه الصورة الللتي تغيللرت فيهللا الّنسللب الصلللية‬
‫سام )كاريكاتير( فرسم سلليارة لركللوب النللاس ‪،‬‬ ‫وجدناها تشبه ما لو جاء ر ّ‬
‫طلُر كلل منهلا ملتران ‪ ،‬وجعلل لهلا أبوابلا ً صلغيرة ل‬
‫فجعل لهلا دواليلب ‪ ،‬قُ ْ‬
‫يستطيع أن يدخل منها النسان ‪ ،‬ومرتفعة عللن الرض بمقللدار قللامته ‪ ،‬ثللم‬
‫جعل لها من الداخل مقاعد ضيقة جدا ً ‪ ،‬بمقدار راحللة اليللد ‪ ،‬وطويلللة جللدا ً‬
‫بمقدار طول العمالقللة الخيللاليين ‪ ،‬وهكللذا تلعللب بالنسللب الصللحيحة فللي‬
‫الجزاء ‪ ،‬ووضع محركا ً بمقدار محرك دراجة نارية ‪ ،‬ثم كتللب علللى سلليارته‬
‫هذه ‪) :‬عدد الركاب ثمانون راكبًا(‪.‬‬

‫ربما أكون قد بالغت في التمثيللل لغللرض التوضلليح ‪ ،‬إل أن الحقيقللة‬


‫التي عليها بعض المسلمين في فهمهم للتعاليم السلمية فيهللا تغييللر كللبير‬
‫في نسبة كل جزء منها إلى المجموع الكلي ‪.‬‬

‫ومن المثلة ما يلي ‪:‬‬


‫) أ ( يرى بعض الناس أن أهم ما في الدين هو حسن المعاملة مع‬
‫الخرين ‪ ،‬فيمل معظم المساحة الدينية به ‪ ،‬ويفضي به هذا الفهم إلى ترك‬
‫مراقبة الله في العمال والقللوال والفكللار والنيللات ‪ ،‬وإلللى تللرك فللروض‬
‫العبادات أو إهمالها ‪ ،‬وإلى عدم الكتراث بركن الجهاد في سبيل الله لنشر‬
‫الدين ‪ ،‬ونصرة الحق ‪ ،‬وإقامة العدل ونحو ذلك من المور الجوهريللة الللتي‬
‫يقوم عليها السلم ‪.‬‬

‫) ب ( ويرى بعض الناس أن أهم ما في الدين هو القيام بالعبادات‬


‫الشخصلللية ‪ ،‬كالصللللة والصللليام وكلللثرة الوراد والذكلللار ‪ ،‬فيمل معظلللم‬
‫المساحة الدينية بذلك ‪ ،‬ويهمل ما في الدين من واجبات وفللروض أخللرى ‪،‬‬
‫أو ُيصّغر من حجمها ويعطيها أقل اهتمامه ‪.‬‬

‫) ج ( ويرى بعض الناس أن أهم ما فللي الللدين هللو المحافظللة علللى‬


‫السلليما الظللاهرة للمسلللم ‪ ،‬فيللولي ذلللك كللل اهتمللامه وعنللايته ‪ ،‬ويهمللل‬
‫السس الجوهرية التي قام عليها الدين عقيدةً وعمل ً ‪ ،‬أو يصغر من حجمها‬
‫ويعطيها أقل اهتمامه ‪.‬‬

‫) د ( ويرى بعض الناس أن مسؤوليات الدعوة إلى الله ‪ ،‬ونشر ديللن‬


‫الله ‪ ،‬وإقامة السلم في الرض ‪ ،‬من خصائص فئة معينللة مللن المسلللمين‬
‫تفرغت للوعظ والرشاد والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬وأمللا سللائر‬
‫الناس فمسؤولون فقط عن أنفسهم ‪ ،‬فل هم لهم إل أمور دنياهم ‪ ،‬وتثمير‬
‫أموالهم ‪ ،‬والتمتع بشهوات الحياة الدنيا ولذاتها ‪ ،‬والستغراق في زخرفها ‪،‬‬
‫كما يرون أن مسؤوليات الجهاد في سبيل الله من خصائص الجنللد فقللط ‪،‬‬
‫المنتظمين في سلك الجيش ‪.‬‬

‫مع أن السلم الصافي قد عقد تشابكا ً عاما ً بين الفراد والجماعللات‬


‫مل كل ً من المسؤولية الشخصية على مقدار مللا وهبلله الللله‬ ‫والقيادات ‪ ،‬وح ّ‬
‫مللن خصللائص ‪ ،‬ومللن المسللؤولية العامللة علللى قللدر مللوقعه بالنسللبة إلللى‬
‫الجماعة وذلك كمسؤولية كل عضو من أعضاء الجسد بالنسللبة إلللى سللائر‬
‫العضاء ‪ ،‬ومن البدهي أن مسؤولية اللرأس تناسلب ملوقعه ملن الجسلد ‪،‬‬
‫ومسللؤولية إحللدى أصللابع اليللدين أو الرجليللن تناسللب أيض لا ً موقعهللا مللن‬
‫الجسد ‪ ،‬والكل يقدم واجبه نحو المسؤولية الجماعية على مقداره ‪.‬‬
‫وسبب التشلويه فلي هلذه الصلورة فقلدان الدراك السلليم الكاملل‬
‫الشامل للمفاهيم السلمية بوجه عام ‪ ،‬ومقادير كل منها ‪ ،‬وكيفية ترابطها‬
‫وتناسقها في الصورة السلمية العامة ‪.‬‬

‫وفقدان هذا الدراك الشامل يتولد عنه نتللائج خطيللرة ‪ ،‬منهللا النتللائج‬
‫التالية‪:‬‬

‫أو ً‬
‫ل‪ :‬فساد الّنسب لجزاء الصورة السلمية العظيمة ‪.‬‬

‫مل‬ ‫ثانيًا‪ :‬الخل ُ‬


‫ل في وحدة النظام الكلي للمفاهيم السلمية التي يك ّ‬
‫بعضها بعضا ً ‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬تشتت شمل وحدة المسلمين ‪ ،‬نظرا ً إلى أن لكل فريق منهم‬
‫صورة إسلمية خاصة به ‪ ،‬تتميز أجزاؤها بنسب مخالفة للنسب التي تتميللز‬
‫بها أجزاء الصور الخرى ‪ ،‬المر الذي يؤدي إلى تعصب كل فريللق للصللورة‬
‫التي يحملها ‪ ،‬وادعائه أنها هي السلم كل السلم ‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬توجيه كل طاقات العمل دفعة واحدة لتحقيق ما احتل معظم‬


‫الساحة في الصورة ذات النسب الفاسدة ‪ ،‬ويصعب المر جدا ً حينما يكون‬
‫أهون جزيئات التعاليم السلمية الصحيحة وأيسرها هو الذي يحتللل معظللم‬
‫مساحة الصورة ‪.‬‬

‫ومما يزيد فلي الللم أن تكلون هلذه الجلزيئات اللتي تمتلص معظلم‬
‫طاقات العمل داخلة في حدود الشكال والرسوم ‪ ،‬ل فللي حللدود الجللواهر‬
‫والمعاني والرواح والقيم الحقيقية الذاتية ‪.‬‬

‫فبينملا تنقلض أسلس السللم حجلرا ً حجلرا ً ‪ ،‬وتعملل عللى اجتثاثهلا‬


‫اجتثاثا ً كليلا ً جيللوش كللثيرة مسللتخفية ومسللتعلنة ‪ ،‬نجللد كتللائب كلثيرة ملن‬
‫المسلمين منشغلة في جدليات كلمية ‪ ،‬ومصارعات عمليلة ‪ ،‬حلول أفضلل‬
‫اللوان التي ينبغي أن ُيدهن بها الجدار الخارجي لبنللاء الصللرح السلللمي ‪،‬‬
‫مع أن جيوش الهدم ل ُيستطاع دفعها إل باجتماع طاقات حماة هذا الصللرح‬
‫العظيم على اختلف أعراقهم ومذاهبهم ‪.‬‬

‫* الصورة الخامسة ‪:‬‬

‫وهي الصورة المزورة للتعاليم السلمية تزويرا ً كليا ً أو تزويرا ً‬


‫جزئيا ً ‪ ،‬وأمثال هذه الصورة المزورة نجدها عند الفرق المنحرفللة الضللالة ‪،‬‬
‫التي عمل على إنشاء جيوبها أعداٌء للسلم ‪ ،‬تظاهروا بالنتساب إليه نفاقا ً‬
‫‪ ،‬ليعملوا على هدمه من الداخل ‪ ،‬وذلك بتكوين فرق وطوائف تنتسب إلللى‬
‫السلم انتسابا ً اسميا ً ‪ ،‬وهي تحمل للله كللل حقللد وكيللد ‪ ،‬وتضللع للله صللورا ً‬
‫مصنوعة من عند أنفسها ‪ ،‬مزورة على السلم وعلللى أحكللامه وشللرائعه ‪.‬‬
‫ولليهود في هذا المكر أكبر نصيب ‪.‬‬

‫وبدهي أن كل صورة مزورة من هذا القبيل ليست من السلللم فللي‬


‫مت باسمه ‪.‬‬ ‫شيء ‪ ،‬وإن تس ّ‬
‫ومللن اليسللير علللى جماعللة المسلللمين أن يكتشللفوا هللذه الصللور‬
‫المزورة المزيفة ‪ ،‬متى قارنوها مقارنللة عامللة بمللا هللو معلللوم مللن الللدين‬
‫بالبداهة عند جميع المسلمين ‪.‬‬

‫ولكن المر الخطير جدا ً إنما هو إدخال التزويرات الجزئية على بعض‬
‫المفاهيم والتعاليم السلمية الثابتة ‪ ،‬وهذا ما اتجهت إليه أجهزة المكر في‬
‫هذا العصر ‪ ،‬وكانت لعبة ُقصد بهلا تحويلل المسللمين علن أسلس التعلاليم‬
‫السلمية باسم السلم ‪.‬‬

‫مي القتصللاد‬‫فمن أمثلة ذلك السماء الحديثة التي انتشرت في عللال َ‬


‫والسياسة )كالشتراكية والرأسمالية والدكتاتورية والديمقراطية(‪.‬‬

‫إن مللن المعلللوم أن لهللذه السللماء مفللاهيم ومللدلولت خاصللة عنللد‬


‫الخذين بها ‪.‬‬

‫والذي ُيلحظ أن تشابها ً جزئي لا ً موجللود فعل ً بيللن التعللاليم السلللمية‬


‫وبيللن بعللض مللا تتضللمنه هللذه السللماء مللن دللت نظريللة ‪ ،‬أو تطبيقللات‬
‫عملية ‪.‬‬

‫واستغلل ً لهذا التشابه الجزئي يأتي أعداء السلم فيستدرجون بعض‬


‫المسلمين إلى منزلق الخطر الذي ينتهي في آخره إلى طمس نظللام مللن‬
‫نظم السلم ‪ ،‬وإحلل نظام آخر في مكانه ‪ ،‬تعل ُل ً بوجود التشابه بينهما في‬
‫ناحية من النواحي ‪.‬‬

‫مع أن مثل السلم كمثل المخلوق في أحسن تقويم بصللفاته التامللة‬


‫التي ل يصح بحال من الحللوال فصل ُ‬
‫ل بعضللها عللن بعللض ‪ ،‬ومثللل النظمللة‬
‫ً‬
‫الخرى كمثل غير النسان من النعلام أو اللوحش ‪ ،‬وليلس صلعبا عللى أي‬
‫ناظر أن يجد تشابها ً جزئيا ً بين النسان وبين هذه الكائنات الحية الخرى ‪.‬‬

‫ولكن الجنوح الخطير فكريا ً أو تطبيقيا ً أن يحتل ثعلب ماكر ‪ ،‬أو ثللور‬
‫مغامر ‪ ،‬أو ذئب غادر ‪ ،‬مكان النسان ‪ ،‬أو أن تحتل نظيراتهللا مللن النظمللة‬
‫الوضعية مكان نظام من أنظمة السلم ‪ ،‬أو مكان عدد منها ‪.‬‬

‫وقد حاول أنصار كل مذهب من هذه الوضعية أن يجللد فللي السلللم‬


‫تأييدا ً لجانب من جوانبها ‪ ،‬ليلّبس بذلك عللى المسلللمين ‪ ،‬ويجعلل السلللم‬
‫كأنه صاحب هذه المذاهب أو يوافق عليها ‪.‬‬
‫وفللي دّوامللة المغالطللات والتلبيسللات نجللد أن أنصللار المللذاهب‬
‫الشللتراكية فللي البلد السلللمية يختللبئون وراء السلللم ‪ ،‬ليحميهللم مللن‬
‫هجمات أنصللار المللذاهب الرأسللمالية ‪ ،‬ويللدرأ عنهللم الضللربات القاصللمة ‪،‬‬
‫بحجة أن السلم يحتوي على مبادئ اشتراكية ‪ ،‬تحقق العدالللة الجتماعيللة‬
‫بيللن النللاس ‪ ،‬كمللا نجللد أنصللار المللذاهب الرأسللمالية فللي البلد السلللمية‬
‫يقللدمون السلللم إلللى الصللف الول فللي معركتهللم مللع أنصللار المللذاهب‬
‫الشتراكية ‪ ،‬بحجة أن السلم يعترف بالملكية الفرديللة ويحميهللا ‪ ،‬ويفسللح‬
‫مجال حرية العمل والكسب والتجارة ‪ ،‬ول يسد ّ أبواب المنافسللة الشللريفة‬
‫في تحصيل الثروات ‪.‬‬

‫وبين صراع الشتراكيات والرأسماليات التي يزج كل منهمللا السلللم‬


‫فللي أتللون معركتلله مللع الخللر يتلقللى السلللم فللي بلد المسلللمين معظللم‬
‫الضربات ‪ ،‬مع أن السلم بريللء مللن الفريقيللن المتصللارعين ‪ ،‬وأي منهمللا‬
‫انتصر فالسلم خاسر ‪.‬‬

‫وإن صح وجود السلم في حلبة الصراع هذه فإمللا أن يكللون فريق لا ً‬


‫وحده ضد الفريقين معا ً ‪ ،‬وإما أن يكون حكما ً عدل ً ‪،‬يسجل على كل فريللق‬
‫منهما خطأه وصوابه ‪ ،‬ويعمل علللى أن يللرد كللل مخطللئ منهمللا إلللى وجلله‬
‫الصواب ‪.‬‬

‫وهنا نقول ‪ :‬إن السلم الشتراكي وفق مفهوم الشللتراكيين صللورة‬


‫مزورة للسلم ‪ ،‬وإن السلم الرأسمالي وفق مفهوم الرأسللماليين صللورة‬
‫مزورة أيضا ً للسلم ‪ ،‬وإن السلم الللدكتاتوري وفللق مفهللوم الللدكتاتوريين‬
‫صلللورة ملللزورة للسللللم ‪ ،‬وإن السللللم اللللديمقراطي وفلللق مفهلللوم‬
‫الديمقراطيين صورة مزورة أيضا ً للسلم ‪.‬‬

‫أما السلم فهو شيء آخر غيرهللذا وغيللر ذلللك ‪ ،‬وإن كللان بيللن هللذه‬
‫النظم وبين التعاليم السلمية تشابه جزئي ‪.‬‬

‫هللذه هللي الصللور الخمللس المنسللوبة إلللى السلللم ‪ ،‬وهللي مشللوبة‬


‫بالشوائب الدخيلة المفسدة لها ‪ ،‬وقد يحدث أن تجتمع فللي بعللض مفللاهيم‬
‫النللاس مجموعللة منهللا ‪ ،‬فيتكللاثر الخطللأ ‪ ،‬ويعظللم النحللراف ‪ ،‬وتللزداد‬
‫المصيبة ‪ ،‬وتشتد الحاجة إلى الصلح والتقويم ‪.‬‬

‫)‪(5‬‬
‫السباب وعلجها‬

‫بعللض السللباب الللتي أدت إلللى دخللول الشللوائب علللى المفللاهيم‬


‫والتعاليم السلمية قللد سللبقت الشللارة إليهللا فللي غضللون تتب ّللع الشللوائب‬
‫وصللورها ‪ ،‬وبطريقللة تأمليللة عامللة جامعللة تنكشللف لنللا طائفللة مللن هللذه‬
‫السباب ‪.‬‬
‫وأعرض فيما يلي أسبابا ً عشرة مع طرق علجها فيما ظهر لي ‪:‬‬

‫* السبب الول – الجهل وفتور الهمة عن تفهم التعاليم‬


‫السلمية الصحيحة ‪:‬‬
‫وعلج هذا السبب يكون بقيام أهل الرأي وأصحاب الرشد في كل‬
‫بلد من بلد المسلمين برسالة التعريللف بالسلللم الصللافي ‪ ،‬وفللق الخطللة‬
‫التي سلف الحديث عنها ‪ ،‬ل سيما في البلد التي يوجد فيها منتسبون إلللى‬
‫السلم ‪ ،‬ولكن ليس لديهم من يعّرفهم بالسلم الصحيح ‪ ،‬وهم في شللوق‬
‫إلى معرفته ‪ ،‬وأمثال هؤلء يسللهل علللى المضلللين أن يفسللدوا مفللاهيمهم‬
‫السلمية ‪.‬‬
‫ولتحقيق هذا العلج ل بد من تآزر القوى الفكرية والماليللة والداريللة‬
‫مع الدعاة المعّرفين بالسلم الحق ‪.‬‬

‫* السبب الثاني – اتباع الهوى ‪:‬‬


‫وهذا السبب يدفع صاحبه أن ُيدخل في التعاليم السلمية ما ليس‬
‫منها ‪ ،‬إرضاء لهواه ‪.‬‬

‫ولقد تكون جريمته أخف إذا هو أرضى هواه عللن طريللق المعصللية ‪،‬‬
‫ولكنه يريد أن تظل سمعته الدينية حسنة بين الناس ‪ ،‬فهو يحللاول أن يجللد‬
‫لعمله مبررا ً ‪ ،‬فيدخل في التعاليم السلمية الشوائب الللتي ترضللي هللواه ‪،‬‬
‫ثم يتستر وراءها حذرا ً من سخط الناس ونقمتهللم ‪ ،‬وينسللى أو يتناسللى أن‬
‫نقمة الله أشد عليه وأقسى من نقمة الناس ‪.‬‬

‫يضاف إلى ذلك أن نقمة اللله فلي التلعلب باللدين أشلد كلثيرا ً ملن‬
‫نقمته في المعصية التي يقترُفها العاصي ‪ ،‬وهو يعترف بها ‪.‬‬

‫وعلج هذا السبب يكون بإصلح النفس عن طريق إثارة الخوف مللن‬
‫الله ‪ ،‬وحسن مراقبته ‪ ،‬وملحظة الجللر العظيللم لهللل طللاعته ‪ ،‬مللع تربيللة‬
‫دينية رصينة ‪ ،‬ورقابللة اجتماعيللة حصللينة ‪ ،‬ويكللون أيض لا ً بتبصللر المتصللدين‬
‫للفتاوى الدينية بالمزالق التي يضعها أهل الهواء ‪.‬‬

‫* السبب الثالث – الغلو في الدين غير الحق‪:‬‬


‫وهذا السبب مناقض للذي قبله ‪ ،‬فهو يمثل جانب الفراط ‪ ،‬في‬
‫حين أن الذي قبله يمثل جانب التفريط ‪.‬‬

‫فرة ‪ ،‬وتعّنتللات ومبالغللات ل‬ ‫دات من ّ‬


‫والغلو في الدين يفضي إلى تشد ّ‬
‫يرضاها الدين ول يقبلها ‪ ،‬بل يتنافى معها ‪ ،‬فالدين يسللر سللمح ‪ ،‬وهللو ديللن‬
‫الفطللرة ‪ ،‬والغل لوّ فللي الللدين ينللافي سللماحته ويسللره ‪ ،‬وينللافي ملءمتلله‬
‫للفطلللرة النسلللانية ‪ ،‬وفلللي كلم الرسلللول صللللوات اللللله عليللله "هللللك‬
‫المتنطعون" وهم المغالون في الدين ‪.‬‬
‫ومن الغلو في الدين ادعاء أن التفصيلت المبينة في النصوص‬
‫السلمية مشتملة على كل تنظيم ضروري لكللل زمللن وبيئة ‪ ،‬وطللبيعي أن‬
‫يؤدي هلذا الغللو إللى التخللف رغلم السلبق العظيلم اللذي كلان يتمتلع بله‬
‫المسلمون في عصورهم الذهبية ‪.‬‬

‫أما أن السس السلمية تتسع في مفاهيمها العامة لكل التنظيمللات‬


‫الصالحة لكل زمان وبيئة فهذا هو الحق الذي ل غلو فيه ‪.‬‬

‫* السبب الرابع – النظممر الض مّيق المحممدود ‪ ،‬الممذي يلزمممه‬


‫النظر إلى جوانب خاصة معينممة مممن السمملم ‪ ،‬واعتبارهمما هممي‬
‫السلم كله ‪:‬‬

‫ومن الطبيعي أن يسيء هذا النظر الضيق المحدود إلى المفاهيم‬


‫السللمية الشلاملة إسلاءة بالغلة ‪ ،‬ويفضلي إللى تعظيلم الملور الصللغيرة‬
‫وتهويل شأنها ‪ ،‬وإلى تصغير المور الكبيرة وتهوين شأنها ‪.‬‬

‫وعلج هذا السلبب يكلون بحركلة تبصلير كللي شلامل علام للتعلاليم‬
‫السلمية ‪ ،‬وإعطاء كل حكم منها حقه صفة ومقدارا ً وأهميلة بالنسلبة إللى‬
‫سائر التعاليم ‪.‬‬

‫ويضاف إلى ذلك ضرورة بيان الخطر الذي ينجم عن انعدام النظللرة‬
‫الشاملة إلى التعاليم السلمية الصحيحة ‪.‬‬

‫* السبب الخامس – الجمود ‪:‬‬

‫والجمود يفضي إلى تقييد التعاليم السلمية في حدود تطبيقات‬


‫زمن معين ‪ ،‬وبيئة معينة ‪ ،‬جمودا ً عن ظواهر بعض النصوص أو التطبيقللات‬
‫الزمنية ‪ ،‬مع أن أسس التعاليم السلمية واسللعة علللى قللدر اتسللاع قضللايا‬
‫الحيللاة ومشللكلتها ‪ ،‬وهللي صللالحة لكللل زمللن وبيئة ‪ ،‬وملئمللة للفطللرة‬
‫النسانية ‪.‬‬

‫وفهم هذه الحقيقة يحتاج إلى نسبة طيبة من التبصر والوعي والناة‬
‫وسعة الصدر ‪.‬‬

‫* السبب السادس – التحلل ‪:‬‬

‫وهذا السبب يقع في الطرف المباين للسبب السللابق وهللو منللاقض‬


‫له ‪.‬‬

‫والتحلل يفضي إلللى الخللروج علللى التعللاليم السلللمية ‪ ،‬أو المللروق‬


‫منها وطرحها والخذ بتنظيمات وضعية إنسانية ‪ ،‬بلدعوى أن بعلض التعلاليم‬
‫السلمية لم تُعد تصلح للحياة المتطورة ‪.‬‬
‫ومن التحّلل الجزئي المرونة المفرطة المسرفة التي تتسع في نظر‬
‫أصحابها اتساعا ً يجعل التعاليم السلمي ألعوبة في أيدي الماكرين ‪.‬‬

‫وربما يكون كل من الجمود والتحلللل رد فعللل للخللر ‪ ،‬إل أن المنهللج‬


‫الوسط بينهما هو الحق ‪ ،‬ولهذا المنهج الوسللط حللدود ل يصللح تجاوزهللا ول‬
‫تضييقها ‪.‬‬

‫* السبب السابع – الفتنة بكل جديد قبل أن يوضع موضممع‬


‫الختبار والتجربة ‪ ،‬خلل أمد كاف لهما ‪:‬‬

‫وهذا السبب يفضي إلى النسياق الرعن وراء كل ناعق مزين‬


‫شعاراته بالصباغ واللوان والصللور الخادعللة للنظللر ‪ ،‬مللع أنهللا جوفللاء مللن‬
‫الخير ‪ ،‬ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قَِبله العذاب ‪.‬‬

‫وعلج هذا السبب يكون بيقظة حذرة ‪ ،‬ودراسة واعية ‪ ،‬أو يكون بعد‬
‫ذلك بصدمة موقظة ‪ ،‬أو خيبة أمل مخزية ‪.‬‬

‫* السبب الثامن – التعصب لكل قممديم مهممما كممان شممأنه ‪،‬‬


‫ولو كان مخالفا ً للحقيقة البينممة ‪ ،‬ولسممس التعمماليم السمملمية‬
‫الصحيحة الصافية ‪:‬‬

‫وهذا السبب يقابل السبب السابق له ‪ ،‬وهو على النقيض منه ‪.‬‬

‫وعلج هذا السبب يكون بالرجوع إلى أسس التربية السلللمية الللتي‬
‫تأمر بالعتصام بالحق ‪ ،‬والبعد عن كل تعصب ذميم ‪.‬‬

‫* السممبب التاسممع – النانيممة الممتي توّلمد العجمماب الشممديد‬


‫بالرأي ‪ ،‬وتوّلد التعصب والفردية في العمال ‪ ،‬وتشتت الشمل‬
‫‪،‬وتفّرق الكلمة‪:‬‬

‫مع أن السلم يدعو إلى وحدة العمل الجماعي ‪ ،‬وا ّ‬


‫طراح النانيات‬
‫الشخصية والحزبية والقليمية والعرقية والمذهبية والعنصرية ‪ ،‬ويلدعو إللى‬
‫تعاون العاملين السلميين ‪ ،‬وإن اختلفت بينهللم الراء الفرديللة ‪ ،‬فمصلللحة‬
‫السلم وجماعة المسلمين فوق الجميع ‪.‬‬

‫وتعاونهم يكون بأن يتعاونوا فكريا ً على فهم الحقيقة ‪ ،‬وبأن يتعاونوا‬
‫عمليا ً على مقدار نقاط التلقي بينهم ‪ ،‬وذلك إذا لم يتيسر ما هو خير منه ‪،‬‬
‫وهو التعاون الفعلي في كل المور على البر والتقوى ‪.‬‬
‫* السبب العاشر – ممما يكيممده أعممداء السمملم مممن مكايممد ‪،‬‬
‫ويدخل تحت هذا السبب صممور كممثيرة ‪ ،‬وهممي ظمماهرة ل تحتمماج‬
‫إلى بيان وتفصيل‪:‬‬

‫وحين نلحظ أن أعداء السلم اختاروا لنفسللهم سللبيل الكفللر بللالله‬


‫خالقهم ورازقهم يتضح لنا أن كل عمل يمارسونه لتشويه السلم إنمللا هللو‬
‫مللن ذيللول الكفللر ‪ ،‬ولكللن علللى المسلللمين أن يكونللوا بصلليرين بدسللائس‬
‫أعدائهم ‪ .‬وبصيرين بالمرابض التي يترصد فيهللا هللؤلء العللداء للنقضللاض‬
‫الظالم الثم على السلم والمسلمين ‪.‬‬

‫هذا إجمال ما ظهر لي من أصول عامة للتشويهات التي دخلت على‬


‫مفاهيم المسلمين عن السلم ‪ ،‬وأسللبابها الكللبرى ‪ ،‬والللله أسللأل أن يلهللم‬
‫أهل الفكر والغيرة في جميع بلد المسلمين أن يعملوا على تنقيللة مفللاهيم‬
‫المسلمين للتعاليم السلمية من كل الشوائب الدخيلة على الصللل النقللي‬
‫الصافي ‪ ،‬حتى تصبح هذه التعاليم الصحيحة قوة دافعة إلى المجد العظيللم‬
‫الذي لن يحتله غير المسلللمين الخللذين بالسلللم عقيللدة وشللريعة ‪ ،‬فكللرا ً‬
‫وعمل ً ‪ ،‬كما كانت هذه التعاليم في حقبة سالفة من تاريخ المسلمين ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الفصل الرابع‬

‫مقدمة صراع‬
‫قد يجد القارئ في فصول‬
‫الصراع تكريرا ً في بعض الفكار ‪،‬‬
‫ص الناقد ‪،‬‬
‫ألجأت إليه ضرورة تق ّ‬
‫ومتابعة أقواله وتزييفاته المتكررة ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫ظهر الناقد )د‪ .‬العظم( في هذا العصر ‪ ،‬ضمن طائفة مللن الملحللدة‬
‫الجدليين الذين ينكللرون الللله واليللوم الخللر ‪ ،‬ويكللذبون الرسللل والنبيللاء ‪،‬‬
‫ويجحدون الكتب اللهيللة والمعجلزات ‪ ،‬ويرتلدون أقنعللة العلمانيللة والبحلث‬
‫العلمي المتقدم ‪ ،‬ويستغلون بالباطل كل ثقل التقدم العلمللي المللادي فللي‬
‫الصناعة والتكنولوجيا ‪ ،‬زاعميللن للناشللئين مللن أجيالنللا أن التقللدم العلمللي‬
‫الحديث يدعم مذهب اللحاد والكفر بالله ‪ .‬مع أن العللم الحلق إنملا يللدعم‬
‫اليمان بالله ل الكفر به ‪ ،‬أيا ً كان نوع هذا العلم ‪ ،‬أما الباطللل الللذي يلبللس‬
‫ثياب العلمانية فقد يدعم قضية اللحاد بالله وبآياته ‪ ،‬لنه باطل يرتدي ثياب‬
‫زور ‪ ،‬فهو يؤيد باطل ً مثله ‪ ،‬والباطل ينصر بعضه بعضًا‪.‬‬

‫لذلك كان ل بد من اللجوء إلى خطللة جللدال بللالتي هللي أحسللن مللع‬
‫الكللافرين والملحللدين ‪ ،‬لكشللف مغالطللاتهم ‪ ،‬وفضللح أهللدافهم وأهللداف‬
‫سادتهم من نشر اللحللاد فلي الرض ‪ ،‬والكلاذيب والمفتريللات ‪ ،‬والتلللبيس‬
‫والتدليس ‪ ،‬ولئل يعيثوا في الفكار فسادا ً ‪ ،‬ويلمؤوها ضلل ً وإلحادًا‪.‬‬

‫أنتركهم يقذفون أجيالنللا – أحفللاد المللؤمنين الصللادقين المخلصللين –‬


‫إلى مواقع الهلك والعذاب والدمار الماحق ‪ .‬وإلى أوحال المهانللة والمذلللة‬
‫والخزي!؟‬

‫لقد رأيت بعد تردد طويل – كما ذكللرت فللي المقللدمات – أنلله يجللب‬
‫علي وعلى جميع الباحثين ملن أنصلار الحلق والخيلر والفضليلة أن نكشلف‬
‫زيف هؤلء المضللين ‪ ،‬وأن ُنبرز للمفتونين والمخدوعين وجه الحللق مؤيللدا ً‬
‫بدلئل العلللم القللويم والمنطللق السللليم ‪ ،‬وأن ننللاقش جللدليات الملحللدين‬
‫مناقشة عقلنية علمية هادئة ‪ ،‬وأن نجادلهم بالتي هي أحسن ‪ ،‬ثم ل يضرنا‬
‫بعد ذلك أن ُيصروا على كفرهم وإلحادهم ‪ ،‬فالله هو الذي يتللولى حسللابهم‬
‫وعذابهم ‪ ،‬أما نحن فما علينا إل البلغ المبين ‪.‬‬

‫ورأيت أن من واجبنا أيضا ً أن نقيم بينهم وبين أجيالنا سدا ً منيعا ً مللن‬
‫المعرفة الرصينة الراسخة بحججها وبراهينها ‪ ،‬حتى ل تنخلدع هلذه الجيلال‬
‫بزيللف مللا يكتبللون ‪ ،‬وزخللرف مللا يقولللون ‪ ،‬ل سلليما حينمللا يلبللس هللؤلء‬
‫الملحللدون أقنعللة العلمانيللة المللزورة ‪ ،‬ويتسللترون وراء التقللدم العلمللي‬
‫الحديث ‪ ،‬ويستغلون لنفسهم مظاهر التقدم الصناعي والتكنولوجيا ‪.‬‬

‫مع أن التقدم الصناعي والتكنولوجي لم يكن ولن يكون في الحقيقة‬


‫ملحدا ً بالله ‪ ،‬بدليل أن معظم أئمللة التقللدم الصللناعي والتكنولللوجي وأئمللة‬
‫العلوم الحديثة مؤمنون بأن لهذا الكون خالقا ً يصّرف أموره بعلمه وقللدرته‬
‫وعنايته وحكمته ‪.‬‬
‫من هذا الللذي يسللتطيع أن يثبللت حق لا ً أن علللوم الفيزيللاء والكيميللاء‬
‫والطللب ‪ ،‬وعلللوم الرياضلليات والفلللك والحيللاء والنباتللات ‪ ،‬وعلللوم الللذرة‬
‫والصواريخ والمركبات الفضلائية ‪ ،‬عللوم قائملة عللى أسلس اللحلاد بلالله‬
‫والكفر بقدرته وعلمه وعنايته وحكمته؟‬

‫هل هذه العللوم تثبلت ببراهينهلا أنله ليلس لهلذا الكلون خلالق قلادر‬
‫مدبر؟‬

‫إننا إذا وجدنا ملحدا ً واحدا ً من علماء هذه العلوم وجللدنا فللي مقللابله‬
‫عشرات المؤمنين بالله من كبار هؤلء العلماء أنفسللهم ‪ ،‬ولللو أن علللومهم‬
‫قائمة على قاعدة اللحاد ‪ ،‬أو تشتمل على براهين تنفللي وجللود الللله لكللان‬
‫المر معكوسا ً تماما ً ‪ ،‬ولظهر لنا هؤلء العلماء أدلتهم وبراهينهللم ‪ ،‬ولثبتللوا‬
‫لنا ذلك في مكتوباتهم ‪ ،‬بيد أننا نجد في أقللوالهم الكللثيرة مللا يللدعم قضللية‬
‫اليمان بالله ‪.‬‬

‫إل أن حركلللة يهوديلللة أرادت نشلللر اللحلللاد فلللي الرض فتسلللترت‬


‫بالعلمانية ‪ ،‬ونشطت عناصر منها فبّثت نظريات مللن عنللد أنفسللها وضللعت‬
‫خصيصا ً لدعم قضية اللحللاد ‪ ،‬وكلان ذللك ضلمن مخطللط يهلودي شللامل ‪،‬‬
‫لفساد أمم الرض باللحاد والمادية المفرطة ‪ ،‬والنسلخ من كل الضوابط‬
‫دم هذه المم أنفسها بأنفسللها ‪ ،‬وعنللدئذ يخلللو‬ ‫التشريعية والخلقية كيما ته ّ‬
‫الجو – بحسب تصللورهم – لليهللود قلللة فللي العللالم ‪ ،‬ومللتى خل لهللم الجللو‬
‫استطاعوا – كما يزعمون – أن يحكموا العالم كله حكما ً مباشرا ً ظاهرا ً ‪.‬‬

‫علما ً بللأن هللؤلء اليهللود الللذين تسللتروا بالعلمانيللة والبحللث العلمللي‬


‫دموا نظريات تدعم قضية اللحاد في العوم البحتللة الخاضللعة‬ ‫المحايد لم يق ّ‬
‫للختبار والتجربة وتقويم النتائج ؛ وإنما قللدموا نظريللات أو فرضلليات علللى‬
‫الصل في العلوم النسانية ذات الحتمالت الكثيرة ‪ ،‬غير الخاضعة للختبار‬
‫والتجربة وتقويم النتائج ‪ ،‬وضمن نظرياتهم التي قدموها في علللوم النفللس‬
‫والجتمللاع والسياسللة والقتصللاد وفلسللفة النشللوء والرتقلاء دسللوا قضللية‬
‫اللحاد والكفر بالله ‪ ،‬تحقيقا ً للمخطط اليهودي الشامل ‪.‬‬

‫وهذا يوضح لنا أن قضية اللحاد بالله قضية سياسية عالميللة ‪ ،‬تخللدم‬
‫مصالح خاصة لفئات معينة من الناس ‪ ،‬وهذه الفئات تجند الذين يستجيبون‬
‫لدعوتها ‪ ،‬ثم تقدمهم وقودا ً لدعم سياستها وخدمة مخططاتها ‪.‬‬

‫هذه في هذا العصللر هللي حقيقللة المللذهب اللحللادي المنظللم الللذي‬


‫تدعمه قوى سياسية ذات ثقل في العالم ‪ ،‬أما اللحاد الفللردي الللذي تللدفع‬
‫إليه دوافع إجرامية فجوريللة خاصللة فهللو موجللود فللي كللل عصللر ‪ ،‬وكللذلك‬
‫نظرات الشك التي قد يتعرض إليها النسان في بعض مراحل مللن حيللاته ‪،‬‬
‫هي أيضا ً ذات طابع فردي غير منظم ول مدعوم ‪ ،‬وليس لها قلوى جماعيللة‬
‫كبيرة تنصرها وتنشرها وتدعو الناس إليها ‪ ،‬لن نظرات الشللك فللي قضللية‬
‫اليمان ل تحمل أصحابها قضية ذات رسالة تبشيرية ‪ ،‬ول تستطيع هي فللي‬
‫نفسها أن تجد أدلة تدعم قضية اللحاد والكفر بللالله ‪ ،‬وبللذلك تبقللى قضللية‬
‫اللحاد قضية ساكنة صامتة في نفوس أصحابها ‪ ،‬ل دوافع تحركها ول دلئل‬
‫تدعمها ‪.‬‬

‫بخلف قضية اليمان فإن وراءها دوافع تدفعها إلللى الحركللة والنمللاء‬
‫والنتشار والبيان المستمر ‪ ،‬ومعهللا مئات الدلللة الللتي تللدعمها ‪ ،‬وإن نظللر‬
‫إليها بعض الناس بشك في بعض مراحل حياتهم ‪.‬‬

‫إن المؤمنين بالله لهم أدلة ل تحصى على ما آمنوا به ‪ ،‬وكللل بللاحث‬
‫منهم يتكشف له في موضوع اختصاصه طائفة من هذه الدلة ‪ ،‬وهي تقللدم‬
‫له القناعة الكافية بأن الله حق ‪.‬‬

‫أم الملحدون فليس لهللم أدلللة يمكللن أن يعتمللدوا عليهللا فللي نفللس‬
‫وجللود الخللالق جللل وعل ‪ ،‬إل مجللرد الرتبللاط بالمللادة المدَرك َللة بللالحواس‬
‫النسانية ‪ ،‬أو بالجهزة التي توصللل إليهللا النسللان فللي القللرن العشللرين ‪،‬‬
‫وهذا ل يستطيع أن يقدم أي دليل على النفي ‪.‬‬

‫)‪(2‬‬

‫نحن نعلم أنه ل خوف على الحقائق الدينيللة السلللمية مللن جللدليات‬
‫الملحدين ‪ ،‬لنهم يجللادلون بالباطللل لُيدحضللوا بلله الحللق ‪ ،‬ولكللن قللد تللؤثر‬
‫جدلياتهم المشحونة بالتزييف على الناشللئين المطبللوعين بطللابع الثقافللات‬
‫الحديثة ‪ ،‬الموجهة شطر مبادئ ومذاهب معينة ‪ ،‬وضعت خصيص لا ً لمحاربللة‬
‫الدين وهدم مبادئه الحقة ‪.‬‬

‫وليس جدالهم بالباطل بدعا ً في تاريخ المبطلين ‪ ،‬بل هي طريقة كل‬


‫أهل الباطل ‪ ،‬ومن إبليس قائدهم إلى آخر جندي من جنوده ‪ ،‬وأصللغر تللابع‬
‫سُبله ومتبع لخطواته ‪.‬‬
‫من أتباعه ‪ ،‬كل منهم سائر على ُ‬

‫وقد وصف الله الكافرين عموما ً بأنهم يجادلون بالباطل ليدحضوا بلله‬
‫الحق ‪ ،‬فقال تبارك وتعالى في سورة )الكهف‪ 18/‬مصحف‪ 69/‬نزول(‪:‬‬

‫خذ ُ ۤوا ْ آَياِتي‬


‫حقّ وَٱت ّ َ‬
‫ضوا ْ ب ِهِ ٱل ْ َ‬
‫ح ُ‬ ‫فُروا ْ ب ِٱل َْباط ِ ِ‬
‫ل ل ِي ُد ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ل ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جادِ ُ‬
‫}‪..‬وَي ُ َ‬
‫ما أ ُن ْذُِروا ْ هُُزوا{‪.‬‬
‫ً‬ ‫وَ َ‬

‫وهي طريقللة ل سللبيل لهللم سللواها ‪ ،‬ليؤيللدوا أفكللارهم ومللذاهبهم ‪،‬‬


‫وينصروا باطلهم ‪ ،‬وُيدحضللوا الحللق ‪ ،‬مللا دامللوا قللد الللتزموا فللي أفكللارهم‬
‫ومذاهبهم جانب الباطل ‪ ،‬وأصروا بعناد على رفض جانب الحق ‪.‬‬

‫ولما انغمسوا بكفرهم في رذيلللة خلقيللة خطيللرة هللي رذيلللة جحللود‬


‫الحق ‪ ،‬كان ل غرو أن تجرهم هذه الرذيلة إلى رذائل خلقيللة أخللرى ‪ ،‬منهللا‬
‫أن يجادلوا بالباطل ‪ ،‬ويسللتخدموا كللل ذكللائهم فللي تزييللف الحللق ‪ ،‬ويقللوم‬
‫تزييفهم على اصطناع هياكل وهميللة لمللذاهبهم ‪ ،‬وهياكللل وهميللة لمللذاهب‬
‫خصومهم ‪ ،‬ثم يحملون حملته الهجومية على هذه الهياكل التي اصطنعوها‬
‫لمخللالفيهم ‪ ،‬وعنللدئذ يسللهل عليهللم تحطيمهللا بسللرعة ‪ ،‬لنهللم هللم الللذين‬
‫اصطنعوا بأنفسهم ‪،‬ووضعوا فيها نقاط الضعف التي يسهل عليهللم تهللديمها‬
‫من قبلها ‪.‬‬

‫وقد يحاربون الللدين كللله مللن خلل رأي ضللعيف قللاله بعللض النللاس‬
‫المنتسبين إلى الدين ‪.‬‬

‫أو يحاربون الديان كلها صحيحها وباطلها ‪ ،‬من خلل مللا فللي بعضللها‬
‫من تحريف عن الصل الرباني ‪ ،‬أو من خلل الديللان الباطلللة الللتي تحمللل‬
‫اسم دين ‪ ،‬وهي في الحقيقة أوضاع إنسانية مخترعة ‪ ،‬وليست دينا ً إلهيا ً ‪.‬‬

‫وهذه الطريقة قد استخدمها الناقد )د‪ .‬العظم( أقبح اسللتخدام فيمللا‬


‫زعم أنه نقد ٌ للفكر الديني ‪ ،‬قال في الصفحة )‪ (21‬من كتللابه "نقللد الفكللر‬
‫الديني"‪:‬‬

‫"يجب أل يغيب عن بالنا أنه مرت على أوروبا فللترة تتجللاوز القرنيللن‬
‫ونصف القرن قبل أن يتمكن العلم من النتصار انتصارا ً حاسللما ً فللي حربلله‬
‫الطويلة ضد العقلية الدينية التي كانت سائدة فللي تلللك القللارة ‪ ،‬وقبللل أن‬
‫يثبت نفسه تثبيتا ً نهائيا ً في تراثها الحضاري ‪ .‬ول يزال العلم يحارب معركللة‬
‫مماثلة في معظم البلدان النامية ‪ ،‬بمللا فيهللا الللوطن العربللي ‪ ،‬علم لا ً بأنهللا‬
‫معركة تدور رحاهللا فللي الخفللاء ول تظهللر معالمهللا للجميللع إل بيللن الفينللة‬
‫والخرى "‪.‬‬

‫فهو في هذا يحشللر الديللان كلهللا صللحيحها وباطلهللا ويعتبرهللا جبهللة‬


‫واحدة ضد العلم ‪،‬ثم يوجه طعناته ضد ما في بعضها من باطل ‪ ،‬ثم يستنتج‬
‫من ذلك أنها جميعا ً أديان باطلة ‪ ،‬باعتبارها جبهة دينيللة واحللدة ‪ ،‬وقللد وجللد‬
‫بعضها باطل ً ‪ ،‬أو وجد في بعضها ما هو باطل ‪.‬‬

‫فهل يقبل مثل هذه الحجة الساقطة من لديه أبسط قواعد الحتجاج‬
‫المنطقي ‪ ،‬التي تعرفها الوليات الفكرية؟ إنها حجة مرفوضة بداهللة شللكل ً‬
‫ومضمونا ً ‪ ،‬وحينما يعتبرهلا الملحلد طريقلة منطقيلة كافيلة للحتجلاج فإننلا‬
‫نستطيع أن نستخدمها سلحا ً ضد اتجاهه الذي يزعللم أنلله اتجللاه علمللاني ‪،‬‬
‫فنقول له ‪ :‬إن أصحاب التجاه العلماني جبهة واحللدة ‪ ،‬ومللن المعللروف أن‬
‫لهم مذاهب شتى متناقضة في معظلم القضللايا اللتي بحثوهللا وفللق أصلول‬
‫البحث العملي الذي توصل إليه العلماء ‪ ،‬وفي كثير منهللا نظريللات باطلللة ‪،‬‬
‫إذن فالتجاه العلماني كله باطل ‪.‬‬

‫مما ل شك فيه أننا ل نقبل هللذا الكلم لنفسللنا ‪ ،‬ولكننللا نكشللف بلله‬
‫فساد حجة الملحد الناقد للفكر الديني ‪ ،‬إذ نستخدم سلللحه ضللد اتجللاهه ‪،‬‬
‫ونحن نرفض مثل هذا الحتجاج أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وصنيع الملحد في هذا تزييف مفضوح للحقيقة ‪ ،‬وتلعب شللائن فللي‬
‫العمليات الفكرية ‪ ،‬واستهانة شنيعة بالمنطق الفكري لجيالنا الناشللئة مللن‬
‫مثقفي هذا العصر ‪ ،‬فهل بلغ بهم المر أن تنطلي عليهم مثللل هللذه الحيلللة‬
‫من حيل التزييف الفكري ‪ ،‬حتى بدأ الملحدة يسللتخدمونها فللي تضللليلهم؟‬
‫أم فقد الملحدة صوابهم حتى أخذوا يحتجون بما ليس فيلله حجللة ول شللبه‬
‫حجة؟ إذ أفلست قواهم المادية في فرض مذاهبهم علللى الطلئع المثقفللة‬
‫فللي العللالم السلللمي ‪ ،‬ل سلليما حينمللا وجللدوا فللي هللذه الطلئع المثقفللة‬
‫جماهير مؤمنة بالله ‪ ،‬تنصر السلم وتعمل له ‪،‬وتلتزم بأحكامه وتعاليمه ‪.‬‬
‫ولعل المرين موجودين معا ً ‪ ،‬فبعض أجيالنا الناشئة الموجهللة ضللمن‬
‫البرنامج اللحادي قد أمسللت مرجوجللة الصللول الفكريللة ‪ ،‬تخللدعها الحيللل‬
‫المصللبوغة بصللبغ الثقافللات المعاديللة للللدين ‪ ،‬والمقنعللة بقنللاع العلمانيللة‬
‫الكاديمية ‪ ،‬والمحاطة بهالللة مزخرفللة مللن العبللارات الللتي احتلللت مركللزا ً‬
‫ارستقراطيا ً بين المجتمعات المثقفة ‪ ،‬على الرغم من أنها عبللارات جوفللاء‬
‫ليس لها إل طنين يخدع صغار العقول ‪ ،‬وبعض أجيالنا الناشئة المثقفة هللي‬
‫– بحمد الله – مؤمنة بالله مسلمة حقا ً ‪ ،‬ذات منطق علمي سللليم ‪ ،‬تعللرف‬
‫الحق ‪ ،‬وتناقش بالحق ‪ ،‬وتجادل بالحق ‪ ،‬وتناصر الحق حيث وجدته ‪.‬‬

‫وأرجو أن ل يغيب عن بال سيادة )د‪.‬العظم( ومن هللم عللى شلاكلته‬


‫أن كل اتجاه عام في الواقع النساني يوجد فيه فئات مختلفة ‪ ،‬ويوجد فيلله‬
‫أفكار متباينللة ‪ ،‬فهللل يعنللي وجللود هللذا الختلف بطلن التجللاه العللام مللن‬
‫أساسه؟ أم واجب العاقل المنصف التمييز بين المحقين والمبطلين ‪ ،‬وبين‬
‫الحق والباطل ‪.‬‬

‫إن ديللن الللله للنللاس ديللن واحللد ‪ ،‬وهللو ديللن الحللق الللذي اصللطفاه‬
‫لعباده ‪ ،‬وأنزله على رسله بحسب حاجات المللم ‪ ،‬الللتي اقتضللت أن ينللزل‬
‫إليها متدرجا ً على طريقة التكامل ‪ ،‬وكان ختم هذا الللدين بصللورته الكاملللة‬
‫التامة في رسالة السلم الذي اصطفى الللله لحمللله للنللاس محمللدا ً عليلله‬
‫الصلة والسلم ‪.‬‬

‫إل أن الديان الولى لم يتوافر لها النقل الصحيح ‪ ،‬ودخللل إليهللا عللن‬
‫طريق بعض أتباعها التحريف والتغيير في النصوص وفي العقللائد ‪ ،‬فجعلهللا‬
‫غير ممثلة للدين الحق ‪ ،‬غذ دخللل إليهلا كللثير ملن الباطلل ‪ ،‬كمللا أن أديانلا ً‬
‫حملت هذا السلم وهي صناعة بشرية غير ربانيللة ‪ ،‬أفتحشللر هللذه الديللان‬
‫كلها بما فيها من حق وباطل ثم يصدر بحقها جميعا ً أحكام تتناسب مللا فللي‬
‫بعضها من باطل ‪ ،‬أو أحكام تناسب ما في بعضها من حق؟؟‬

‫هكذا كان عمل )د‪ .‬العظم( لدعم مذهب اللحاد بالله وجحللود اليللوم‬
‫الخر ‪.‬‬

‫)‪(3‬‬
‫ببالغ من التزييف الوقح بدأ الملحدون من أجراء صانعي الهزيمة‬
‫ملللون اللدين وزور الهزيملة اللتي اصللطنعوها ‪،‬‬ ‫العربية في عام ‪1967‬م يح ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وكانوا قبل المعركللة وفللي أثنائهللا قللد عزلللوا الللدين عللزل كليلا عللن جميللع‬
‫ساحاتها ‪ ،‬حتى لم يبق له صوت ول سوط يرتفعان ‪ ،‬ثم يقولون ‪ :‬إن سبب‬
‫الهزيمللة هللو وجللود رواسللب مللن الللذهنيات الدينيللة الغيبيللة التكاليللة عنللد‬
‫الثوريين الذين قادوا المعركة ‪.‬‬

‫وكل عارف بالحقيقة يعلم أن معركتهم لم تكن ضللد العللدو البللاغي ‪،‬‬
‫إن معركتهم معه لم تكن إل معركة صورية أو شبه صورية ‪ ،‬أمللا معركتهللم‬
‫الحقيقة فقد كانت ضد الدين الللذي يتللابع كتللابهم اليللوم محللاربته بللالتزييف‬
‫والتضليل ‪ ،‬بعد أن حاربوا دعاته بالتعذيب والتنكيل حربا ً ل هوادة فيها ‪.‬‬

‫لقد أفلست عمليات الضللطهاد فللي تحقيللق كللل مللا يهللدفون إليلله ‪،‬‬
‫فلجؤوا إلى أسلحة التضليل الفكري ‪.‬‬

‫مما ل شك فيلله أن معركللة السلللم مللع الملحللدة العللالميين الللذين‬


‫يتحركون بللدفع آلللي مللن القيللادات اليهوديللة العالميللة ذات مراحللل ‪ ،‬كلمللا‬
‫أنجزوا في تصورهم مرحلة منها انتقلوا إلى مرحلة أخرى ‪.‬‬

‫لقللد كللانت معركتهللم الولللى تهللدف إلللى إقامللة الثللورة القتصللادية‬


‫والجتماعية كمرحلة أولى ‪ ،‬مع التزييف الفكللري بعللدم معارضللتها للللدين ‪،‬‬
‫بغية تضللليل الجمللاهير المسلللمة بللأن تغييراتهللا القتصللادية والجتماعيللة ل‬
‫تمس جوهر العقللائد الدينيللة الللتي تللؤمن بهللا هللذه الجمللاهير ‪ ،‬تخللديرا ً لهللا‬
‫وتبريللدا ً لمشللاعر النقمللة الللتي قللد تلتهللب ضللد ثللورتهم ‪ ،‬وحيللن انتهللت‬
‫فيتصللورهم هللذه المرحلللة وبلغللت مللداها المرسللوم لهللا أخللذوا يحضللرون‬
‫للمرحلة الجديدة ‪،‬وهي مرحلة نسف العقائد الدينية التي ظلت راسخة في‬
‫قلوب كثرة كاثرة من الجماهير العربية ‪ ،‬بغية تغيير النسان العربي تغييللرا ً‬
‫كليا ً ‪ ،‬حتى في مفلاهيمه وعقلائده وعلواطفه القوميلة والتاريخيلة ‪ ،‬وسلائر‬
‫مشللاعره ‪ ،‬وعنللدئذ يسللتطيع العللدو المحللرك مللن وراء السللتار تطللويعه‬
‫وتسخيره واستعباده ‪.‬‬

‫وهذا يفسر حملللة مكتوبللات الملحللدين الجديللدة ‪ ،‬الللتي تهللدف إلللى‬


‫تحضير النفوس والفكار للمرحلة التية من مراحل الحرب المستمرة ‪.‬‬

‫قال الناقد )العظم( في كتابه في الصفحة )‪:(12‬‬

‫"ولكن الواقللع هللو أن حركللة التحللرر العربللي غيللرت بعللض ظللروف‬


‫النسان العربي القتصادية والجتماعية ‪ ،‬ثم وضعت في نفس الوقت كافة‬
‫العراقيل والموانع الممكنة في وجه حدوث أية تغييرات وتطللورات موازيللة‬
‫فللي ضللمير النسللان العربللي وعقللله ‪ ،‬وفللي "نظرتلله للللذات والحيللاة‬
‫والعالم" ‪."...‬‬
‫ثم ذكر أن حركة التحللرر العربللي قللد وقفللت علللى رأسللها بللدل ً مللن‬
‫قدميها فقال ‪:‬‬

‫"عّبرت هذه الوقفة )على الرأس بدل ً من القدمين( عن نفسللها فللي‬


‫السياسات الثقافية التي اتبعتها حركللة التحللرر العربللي ‪ ،‬كمللا فللي أسلللوب‬
‫اهتمامهللا السللطحي والمحللافظ جللدا ً بللالتراث والتقاليللد والقيللم والفكللر‬
‫الديني ‪ ،‬مما أدى إلى عرقلة التغييرات المرجوة في النسان العربي نفسه‬
‫‪ ،‬وفي نظرته إلى الذات والحياة والعالم ‪ ،‬تحت ستار حماية تقاليد الشعب‬
‫ول الجهد الثقافي لحركة التحرر إلى صلليانة‬ ‫وقيمه وفّنه ودينه وأخلقه ‪ ،‬تح ّ‬
‫لليديولوجية الغيبية ‪ ،‬بمؤسساتها المتخلفة ‪ ،‬وثقافتها النابعللة مللن العصللور‬
‫الوسطى ‪ ،‬وفكرها القائم على تزييف الواقع وحقائقه"‪.‬‬

‫أقل متأمللل فللي هللذا الكلم وأشللباهه يتللبين للله أنلله إرهللاص واضللح‬
‫بمرحلة جديللدة مللن مراحللل الحللرب اليهوديللة الماركسللية العالميللة ‪ ،‬ضللد‬
‫السلم داخل الوطن العربي ‪ ،‬لتحطيم الرصيد الباقي من أمل هللذه المللة‬
‫في إمكان ظفرها على عدوها ‪ ،‬إذا هي استطاعت أن تتحلرر ملن القيلود ‪،‬‬
‫وتستخدم ما لديها من طاقات محركة ‪ ،‬تصلها بدينها وأخلقها وقيمها ‪.‬‬

‫إنهم يمهدون بهذا للثورة الثقافية الفكرية التي تريد اقتلع كل تراث‬
‫مجيد للمسلمين ‪ ،‬حتى ل يبقى لهم أي أمل بالظفر على عدوهم ‪ ،‬وحتى ل‬
‫يبقى لديهم أي نزوع لستعادة مركزهم القيادي في العالم ‪.‬‬

‫ومما يؤسف له أن العدو القابع وراء الحجب قد استطاع أن يشللتري‬


‫من سللت هذه المة جنللودا ً مغفليللن ‪ ،‬يللدفع بهللم إلللى صللف المواجهللة ‪،‬‬
‫ويحملهم السلحة الفتاكلة ضلد أمتهلم وأقلوامهم وأمجلادهم ‪ ،‬وأخيلرا ً ضلد‬
‫أنفسهم ‪ ،‬لن العدو سيتخلص منهم مللتى اسللتنفد طاقللاتهم ‪ ،‬وصللاروا فللي‬
‫نظره كالثور الذي يأكل كثيرا ً ‪ ،‬وهو ل يحرث أرضا ً ‪ ،‬ول يسللقي زرعللا ً ‪ ،‬ول‬
‫يدفع كيدا ً ول يدّر ب َِلبن ‪.‬‬

‫وماذا ترجو المة ممن باع نفسه لعدوه وعدوها ‪ ،‬ورضي بللأن يكللون‬
‫سلحا ً نجسا ً مصلتا ً عليها في أيدي الخنازير؟!‬

‫وحين نتساءل ‪ :‬كيف استطاع العدو أن يشلتري هلؤلء الجنلود ‪ ،‬وأن‬


‫يسللرقهم ملن أحضللان أمتهللم ‪ ،‬ليسللخرهم هللذا التسللخير الخللبيث الللذي ل‬
‫يرضللى بلله الهمجيللون البللدائيون ‪ ،‬فضللل ً عللن المثقفيللن الللذين يللدعون‬
‫التقدمية ‪ ،‬ويلقبون أنفسهم بالطلئع المتحررة؟‬

‫فإن الجواب يأتينا من الواقع بأن العملة التي يشتري بها العدو شبابا ً‬
‫من أجيالنا الناشئة ‪ .‬ثم يجندهم في صف المواجهة ضدنا ‪ ،‬هي عملة تبللذل‬
‫للهواء والشهوات بغير حساب ‪ ،‬أمللا مادتهللا فللالمرأة الفللاجرة ‪ ،‬والشللهوة‬
‫العاهرة ‪ ،‬والخمرة المضلة ‪ ،‬والرشوة المذلة ‪ ،‬ومطامع المال والسلطان ‪،‬‬
‫وأحيانا ً أوراق مجد علمي ُتمنح على صللفة شللهادات عليللا ‪ ،‬ويجللري ضللمن‬
‫ذلك كله عمليات تغيير كلي لجهلاز التفكيلر ‪ ،‬وتغييلر كللي فلي المختزنلات‬
‫العاطفية ‪ ،‬وتبللديل تلام أو نللاقص لعناصللر الكيللان الللذاتي الللتي هللي قللوام‬
‫الشخصية ‪.‬‬
‫وبعد هذا التغيير والتبديل تتللم عمليللة التجنيللد الطللوعي ‪ ،‬أو التجنيللد‬
‫المسللوق بالسلسللل ‪ ،‬والمللدفوع بالسللياط اللهبللة ‪ ،‬خللوف الحرمللان‬
‫والفضيحة ‪ ،‬وأخيرا ً خوف القتل بأي سبب ظاهر أو خفي ‪.‬‬

‫وما التقدم والعقلنيات والبحث العلمي والنظرة الكاديمية إل ألفاظ‬


‫وشعارات تستعمل في القللوال فقللط ‪ ،‬وليللس لمللدلولتها الحقيقيللة واقللع‬
‫معتبر لديهم ‪.‬‬

‫تزييف في اللفللاظ ‪،‬تزييللف فللي الحقللائق ‪ ،‬تزييللف فللي المعللارف ‪،‬‬


‫تزييف في الرجال ‪ ،‬تزييف في المؤسسات الصغرى والكبرى ‪ ،‬تزييف فلي‬
‫الدول وتكوين المم والشعوب ‪ ،‬هذه هي خطتهم ‪.‬‬

‫وغرضهم الحقيقي تللدمير المللة السلللمية وفللي مقللدمتها الشللعوب‬


‫العربية تدميرا ً يشمل ما يسمونه في مصطلحاتهم ‪" :‬البنية الفوقية – البنية‬
‫التحتيللة – الصللعدة العليللا – الشللرائح الوسللطى ‪ ،‬والجانبيللة والعلويللة‬
‫والسفلية" إلى آخر هذه المصلطلحات اليهاميلة ‪ ،‬اللتي يقلذفونها للتغطيلة‬
‫حينا ً ‪ ،‬وللتهويل حينا ً آخر ‪ ،‬وللتظاهر بارتقاء المستوى الفكري أمللام الللذين‬
‫لللم تتجللاوز عقللولهم طللور مراهقتهللا ‪ ،‬بغيللة السلليطرة الفكريللة عليهللم ‪،‬‬
‫وتقييدهم بمصطلحات يتميزون بها ‪ ،‬ويدسون في المراد منها ما شاءوا ‪.‬‬

‫وجملة هذه المصطلحات تدور حللول عقللائد المسلللمين ومفللاهيمهم‬


‫السلمية والخلقيللة والجتماعيللة ‪ ،‬وحللول مسللتويات المجتمللع السلللمي‬
‫على اختلفها ‪ ،‬فهم يشرحونه إلى شرائح وفق مخططهم ‪ ،‬ويوجهون لكللل‬
‫شللريحة وسللائل تللدميرها ‪ ،‬ويركللزون معظللم طاقللاتهم لتللدمير العقللائد‬
‫والمفاهيم والخلق وسائر القيم والتطبيقات السلمية ‪ ،‬ومراكز حماية كل‬
‫هذه الثقال التي تقف في طريق تسلطهم الكامللل علللى المللة السلللمية‬
‫وشعوبها المختلفة ‪.‬‬

‫وانطلت حيلة التغييرات القتصادية والجتماعية التي ل تتعللارض مللع‬


‫اللللدين ول تملللس عقلللائده ومفلللاهيمه الساسلللية كملللا زعلللم أجراؤهلللم‬
‫والمنخدعون بهم ‪.‬‬

‫وتجند لمؤازرتها ومناصرتها فريق الطللامعين ‪ ،‬وسللارت مللن ورائهللم‬


‫جماهير العمال والفلحين وصغار الكسللبة ‪ ،‬وقللادة المسللير صللنائع وأجللراء‬
‫من طبقللة القيللادات المثقفللة ‪ ،‬الللذين اسللتطاعوا أن يشللتروهم أو يغللرروا‬
‫بهم ‪ ،‬إذ وجدوا في نفوسهم مواطن ضعف نؤهلهم لهذه العمالة ‪.‬‬

‫وقللامت الثللورة ‪ ،‬ورافللق إقامتهللا حملللة عنيفللة مللن ضللجيج الوعللود‬


‫الكبيرة بتحقيق النصر المنشود ‪ ،‬وسارت وفق المخطط الذي رسللم لهللا ‪،‬‬
‫وفي الوقت المناسب سلليقت إلللى خيبللة كللبرى حملللت آلم نتائجهللا المللة‬
‫العربية والمة السلمية من ورائها ‪.‬‬

‫وأزيح الستار عن الفصل الول من التمثيلية ‪ ،‬وطلع الملحللد العميللل‬


‫يقول ‪ :‬إن الهزيمة قد كانت بسبب وجود رواسب من الذهنية الدينيللة لللدى‬
‫القيادات الثورية في حركة التحرر العربي ‪ ،‬وبسبب عللدم التغييللر الشللامل‬
‫فللي تركيللب المجتمللع كللله ‪ ،‬لن التغييللر القتصللادي والجتمللاعي ل يكفللي‬
‫لتحقيق النصر ‪ ،‬بل ل بد من تغيير يشمل المبادئ والعقائد والتقاليد وسائر‬
‫المواريث القائمة في المجتمع العربي ‪.‬‬

‫م إذن إلى هذا التغيير ‪ ،‬لتفقد المة العربية كل كيانها وكل‬ ‫هل ّ‬
‫مقوماتها ‪ ،‬وعندئذ تسقط سقوطا ً كلامل ً فلي يللد عللدوها ‪ ،‬الللذي يسللتعبدها‬
‫ويسخرها فيما يريد ‪.‬‬

‫وهذا هو ما يهدف إليه العدو في خطته ضمن حربه الشاملة للسلم‬


‫والمسلمين ‪.‬‬

‫وجللاءت حللرب رمضللان )تشللرين أول‪ -‬أكتللوبر( فللي عللام ‪1973‬م‬


‫فأظهرت للناس جميعا ً أن السلللم لمللا دخللل فللي المعركللة دخللول ً اسللميا ً‬
‫وبصورة جزئية ظهرت في المة العربية بطولت حقيقية لم يكن لها وجللود‬
‫مطلقا ً في حرب )حزيران‪-‬يونية( عللام ‪1967‬م ‪،‬وكللان مللن نتيجتهللا تحللول‬
‫جزئي لصالح المة العربية ‪ ،‬وكان في هذا تكذيب واقعي لمفتريات الملحد‬
‫الماركسي العميل ‪.‬‬

‫وقد يبدو عجيبا ً أن يوجه هؤلء الملحدة الماركسيون انتقادهم‬


‫لحركة التحرر العربي وقياداتها الثورية ‪ ،‬إذ لم تقم بتغيير شامل في مجللال‬
‫سلللطانهم ‪ ،‬يتنللاول كللل إرث المللة العربيللة ‪ ،‬مللن عقللائد ومبللادئ وأخلق‬
‫وعادات ومفاهيم ومشاعر نحو أمجادهم وتاريخهم ‪.‬‬

‫ولكن هذا العجب ينتهي تماما ً حيللن نعلللم أن المخططللات المرحليللة‬


‫للحروب الحديثة التي يحركها أساطين المكر العالميون ل تهتم بالشللخاص‬
‫ول بالمنظمات ‪.‬‬

‫إن الشللخاص والمنظمللات وسللائر الدوات المرحليللة هللي بمثابللة‬


‫جسور توضع لتنسف متى تم العبور عليها ‪ ،‬حتى ل يعود عائد عللن طريقهللا‬
‫إلى المنطلق الول ‪ ،‬وكللل ملن يقلدم نفسله جسللرا ً لهلا ملن أشلخاص أو‬
‫منظمات فليعلم أنه سينسف بددا ً متى استنفد الماكرون أغراضهم ومنلله ‪،‬‬
‫وعندئذ ل يجد عاطفة تحنو عليه ‪ ،‬ول وفاء يستقبله ‪.‬‬

‫وكل لحق من هذه الجسور المرحلية ل بد أن يللؤدي وظيفللة تهللديم‬


‫من سبقه وانتقاد أعماله ‪ ،‬ليقللدم تللبريرا ً لمرحلتلله الجديللدة ‪ ،‬وليمحللو مللن‬
‫الذهان ما ترسب فيها من مفاهيم كان يقدمها السابق ‪.‬‬
‫وكل ذلك فللي ترتيللب الخطللة العامللة أزيللاء فكريللة مرحليللة ‪ ،‬يجللب‬
‫تغييرها لدى تنفيذ المرحلة التالية ‪ ،‬إل أنها تمهيد ضروري لها ‪.‬‬

‫وليس لها منا مجرد تحليلت ذهنية ‪ ،‬وتقديرات خيالية ‪ ،‬بل مكتوبللات‬
‫العدو السرية تنص عليه بصراحة ل تقبل التأويل ‪.‬‬

‫مسلللكينة هلللذه الجسلللور البشلللرية كيللف تقلللدم خلللدماتها الجللللي‬


‫للشياطين ‪ ،‬لتقدم أنفسها فيمللا بعللد ضللحايا لهللم ‪ ،‬وليللس لهللا منهللم عللبر‬
‫الرحلة القاسلية الشلاقة إل الباحيلات المختلفلات ‪ ،‬والمواعيلد الكاذبلات ‪،‬‬
‫وأنواع من المساعدات للتسلط على أمتهم في الدوار المرحلية ‪.‬‬

‫ولتحويللل النظللار عللن العللدو الحقيقللي بللدأ الملحللدة الماركسلليون‬


‫يهونون من أمر مكايد الستعمار ‪ ،‬ومكايد الصللهيونية العالميللة ‪ ،‬ويوجهللون‬
‫كللل اهتمللامهم لميللراث المللة العربيللة مللن قيللم وأخلق ومبللادئ وعقللائد‬
‫وعادات وتقاليد ومفاهيم ‪ ،‬ويحملون هذا الميراث وزر تخلللف هللذه المللة ‪،‬‬
‫ووزر الهزيمة العسكية التي صللنعتها التقدميللة العربيللة بأيللديها ‪ ،‬سلليرا ً مللع‬
‫المخطط المرسوم لها ‪.‬‬
‫ومللع أن الماركسلليين كللانوا مللع الللذين حملللوا شللعارات محاربللة‬
‫الستعمار في الوطن العربي ‪ ،‬إل أن ذلك قد كان منهم خطة مرحلية ‪ ،‬أما‬
‫اليوم فالصللهيونية العالميللة ليسللت عللدوة لهللم ‪ ،‬إن عللدوهم الكللبر عقللائد‬
‫السلللم ومبللادئه ‪ ،‬ومفللاهيمه وتشللريعاته ‪ ،‬ومللا للله مللن رصلليد كللبير فللي‬
‫الجماهير العربية ‪ ،‬لن هذه هي العدو الكبر لليهودية العالمية ‪ ،‬ومن يسللير‬
‫في ركابها أو يتأثر بدسائسها ‪.‬‬

‫قال الناقد )د‪ .‬العظم( في كتابه "نقد الفكر الديني" فللي الصللفحة )‬
‫‪:(13‬‬
‫"قامت حركة التحرر بتجريد العلقة السللتعمارية فللي حيللاة الللوطن‬
‫العربللي عللن جملللة الظللروف التاريخيللة ‪ ،‬والوضللاع الجتماعيللة العربيللة‬
‫المتشابكة معها ‪ ،‬والمحيطة بها إلى درجة جعلت "السللتعمار" يبللدو وكللأنه‬
‫الحقيقللة المباشللرة الوحيللدة الماثلللة فللي مجللرى الحللداث فللي المنطقللة‬
‫والمحركة لها ‪ .‬أي ‪ :‬كان هناك اختلل أساسي في التوازن بالنسبة لنظللرة‬
‫حركة التحرر إلى نفسها وواقع مجتمعها ‪ ،‬وإلى أعللدائها والعللالم الخللارجي‬
‫المحيط بها ‪ ،‬بصورة عامة ‪ .‬بالغت عملية التجريد هذه في تبسيطها للواقع‬
‫التاريخي المعقد ‪ ،‬مما جعل )الستعمار( – أحيانا ً الصهيونية العالمية – يبدو‬
‫وكأنه القوة الوحيدة المتحكمة ‪ ،‬بصورة مباشرة أو غيللر مباشللرة ‪ ،‬بحركللة‬
‫المجتمع العربي ‪ ،‬وبالبيئة التي تثير ردود فعله ‪ .‬أدى هللذا القصللور إلللى مللا‬
‫يشبه الهمال التام لوضاع القوى والمؤسسات والتنظيمللات والمجهللودات‬
‫الذهنيللة الموجللودة دومللا ً فللي الللتركيب الجتمللاعي )العربللي( والفاعلللة‬
‫باستمرار في حياته ‪ ،‬والمهمة أيضا ً في تحديد ردود فعللله وأنمللاط سلللوكه‬
‫الجماعية والفردية ‪ .‬إن الوجه الخر لعملة تجريد العلقة الستعمارية علللى‬
‫هذا النحو هو التعصللب للللوهم المثللالي الكللبير القللائل‪ :‬بللأن اليللديولوجيات‬
‫الغيبية والفكر الديني الواعي الللذي تفللرزه مللع مللا يلتللف حولهللا مللن قيللم‬
‫وعادات وتقاليد ‪ ...‬إلللخ هللي حصلليلة للللروح العربيللة الخالصللة الثابتللة عللبر‬
‫العصللور ‪ ،‬وليسللت أبللدا ً تعللبير عللن أوضللاع اقتصللادية متحولللة ‪ ،‬أو قللوى‬
‫اجتماعية صاعدة تارة ونازلة تارة أخرى ‪ ،‬أو بنيات طبقية خاضللعة للتحللول‬
‫التاريخية المستمر ‪ ،‬ول تتمتع إل بثبات نسبي"‪.‬‬

‫أل يمثل هذا الكلم وقاحة بالغة النهاية ‪ ،‬ل يفعلها إل أجيلر ذليلل بلاع‬
‫نفسه للصهيونية العالمية عن طريق اللحاد الماركسي؟!‬

‫ول يشك خبير بحقللائق المللور أن سللبب تخلللف العللالم العربللي هللو‬
‫هجره لمفاهيم السلم الصحيحة المتقدمة جللدا ً ‪ ،‬ثللم تعلقلله بوافللدات تفللد‬
‫إليه من أعدائه ‪ ،‬الذين يخشون أن يصحو مللن نللومه العميللق ‪ ،‬ويستمسللك‬
‫من جديد بإسلمه ‪ ،‬ويثب وثباته المدهشة ‪ ،‬ويحتل قيادة العالم مرة ثانية ‪.‬‬

‫أمللا الوافللدات الوبائيللة الللتي تفللد إلللى بلد المسلللمين مللن خللارج‬
‫حدودهم فالذين يحملونها بأمانة تامة للعدو وخيانة تامللة لمتهللم وتللاريخهم‬
‫معروفون تماما ً ‪ ،‬وأقوالهم وأعمالهم تدل عليهم ‪،‬ولئن اختفللوا حين لا ً فل بللد‬
‫أن يظهروا بعد حين ‪.‬‬

‫)‪(4‬‬

‫يقول الناقد )د‪ .‬العظم( في الصفحة )‪ (9‬من كتابه‪:‬‬

‫"تللبّين أيضللا ً بعللد هزيمللة )‪1967‬م( أن اليديولوجيللة الدينيللة علللى‬


‫مستوييها الواعي والعفوي ‪ .‬هي السلح )النظري( الساسي والصللريح بيللد‬
‫الرجعيللة العربيللة فللي حربهللا المفتوحللة ‪ ،‬ومناوراتهللا الخفيللة علللى القللوى‬
‫الثورية والتقدمية في الوطن"‪.‬‬

‫ويقول أيضًا‪:‬‬
‫"يلعللب الفكللر اللديني دور السللح )النظلري( الملذكور علن طريلق‬
‫تزييف الواقع وتزوير الوعي لحقائقهلا ‪ :‬تزييلف حقيقلة العلقلة بيلن اللدين‬
‫السلللمي – مثل ً – والعلللم الحللديث ‪ .‬تزييللف حقيقللة العلمللة بيللن الللدين‬
‫والنظام السياسي مهما كان نوعه "‪.‬‬

‫إنه في هذا يخص السلم بالذكر إعلنا ً عن غرضه الللذي يهللدف فيلله‬
‫إلى تهديم السلم وإطفللاء نللوره ‪ ،‬عللن طريللق التهجللم الصللريح المقللرون‬
‫بالشتائم التي يطلقها زورا ً وبهتانا ً على الدين ‪.‬‬

‫ونحن ل ننتظر منه ومن كل الملحدين وسائر أعداء السلم غير هللذا‬
‫‪ ،‬فهم يتميزون غيظا ً منه كل يوم ألف مرة ‪ ،‬لنه حق قللوي كاشللف لزيللف‬
‫المبطلين ‪ ،‬وكما يقول هذا الكاتب نفسه في أول كلمه في المقدمللة عللن‬
‫الفكر الديني ‪:‬‬
‫"من نافل القول أن هذا النوع من الفكر يسيطر إلى حد بعيللد علللى‬
‫الحياة العقلية والشعورية للنسان العربي ‪ ،‬إن كللان ذلللك بصللورة صللريحة‬
‫وجلية ‪ ،‬أو بصورة ضمنية ل واعية"‪.‬‬

‫وقبل أن نفند أقللواله عللن الللدين وعللن الفكللر الللديني الصللحيح غيللر‬
‫المزيف ‪ ،‬وأمام حملت الكذب والشتائم الوقحة ‪ ،‬نقول ما قال الله تعللالى‬
‫في سورة )التوبة‪ 9/‬مصحف‪ 113/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫م ُنورِهِ وَل َوْ ك َرِهَ‬
‫مت ِ ّ‬ ‫م و َ ٱل ل ّ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫فُئوا ْ ُنوَر ٱل ّلل ِ‬
‫هل ب ِأفْ َ‬ ‫ن ل ِي ُط ْ ِ‬
‫دو َ‬
‫ري ُ‬‫}ي ُ ِ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ٱ ْلل َ‬
‫كافُِرو َ‬

‫أي ‪ :‬يريدون مرادات كثيرة ‪ ،‬ويتخذون أسبابا ً متعللددة ‪ ،‬ليطفئوا نللور‬


‫الللله العظيللم بللأفواههم ‪ ،‬بأكللاذبيهم وشللتائمهم وأبللاطيلهم وافللتراءاتهم‬
‫متللم نللوِره رغللم كللل‬ ‫ومغالطللاتهم ونظريللاتهم العلميللة الباطلللة ‪ ،‬والللله ُ‬
‫ً‬
‫محاولتهم الفاشلة ‪ ،‬ولو كرهوا ذلك وتميزوا منه غيظا ‪.‬‬

‫أما ادعللاؤه "بللأن الفكللر الللديني يلعللب دور السلللح )النظللري( عللن‬
‫طريق تزييف الواقلع ‪ ،‬وتزويلر اللوعي لحقلائقه" ‪ ،‬فمجلرد شلتائم يطلقهلا‬
‫تعبيرا ً منه ومن رفاقه وسادتهم المديرين لحركاتهم عن مدى غيظهللم مللن‬
‫السلم ‪ ،‬وعن مبلغ حقدهم عليه ‪ ،‬وعلى المسلمين الملتزمين بإسلمهم ‪.‬‬

‫وأنت خبير أن الشتائم ليس لها في ميادين الجدل المنطقي مقللام ‪.‬‬
‫م فنلاظرني ‪ ،‬فقلال للك ‪ :‬هلذا‬ ‫فمن قلت له ‪ :‬أنا موجود هنا أخاطبلك ‪ ،‬هل ُل ّ‬
‫تزييف للواقع ‪ ،‬أنت مزور للحقيقة كاذب ‪ ،‬تريد أن تضللني وتللزور وعيللي ‪،‬‬
‫أنت وهم ‪ ،‬أنت خيال ‪ ،‬أنت ليست شيئا ً حقيقيا ً ‪ ،‬فمباذا تللرد عليلله؟ وبمللاذا‬
‫تجيبه؟‬

‫ل جواب للله عنللد العقلء إل العللراض عنلله ‪ ،‬أمللا الللدخول معلله فللي‬
‫حرب الشتائم فصناعة الغوغللائيين ‪ ،‬ل صللناعة الجللدليين المفكريللن الللذين‬
‫ينشدون الحق ‪.‬‬

‫وهذا هو سبيلنا مع أي عدو من أعداء السلم ‪ ،‬أعداء الحق ‪ ،‬حينما‬


‫يوجه له شتيمة ‪" :‬تزييللف الواقللع وتزويللر الللوعي لحقللائقه" دون أن يقللدم‬
‫براهين صحيحة تثبت دعواه ‪.‬‬

‫ولكنه حينما يقدم ما يراه دليل ً وحجة فإننا ل نسللكت عللن مناقشللتها‬
‫ونقضها وبيان المغالطات فيها ‪.‬‬

‫وأما ادعاؤه ‪" :‬أن الدين هو السلح النظري الساسي والصللريح بيللد‬
‫الرجعيللة العربيللة ‪ ،‬فللي حربهللا المفتوحللة ومناوراتهللا الخفيللة علللى القللوى‬
‫الثورية والتقدمية في الوطن"‪.‬‬
‫فل شأن للسلم حقيقة في هذا ‪ ،‬والحق قد يتستر به المبطلون من‬
‫كل جانب ‪ ،‬ول يضير الطود المنيع أن يتستر في ظله من الوادَيين فريقللان‬
‫متصارعان متضادان في مذاهبهما ‪.‬‬

‫أمللا التقدميللة والرجعيللة والثوريللة وغيللر الثوريللة فألفللاظ يطلقونهللا‬


‫بأفواههم وفق أهوائهم ‪.‬‬

‫لقللد اسللتخدموا الباحيللة الفكريللة واللفظيللة أسللوأ اسللتخدام ‪ ،‬فقللد‬


‫يطلقون عبارة التقدمية على أقبح الرجعيات الفكرية والسلللوكية ‪ ،‬فالقتللل‬
‫والسحق والتمثيل بالقتلى والتشويه والتعذيب الذي ل يخطر على بال كبار‬
‫المجرمين ‪ ،‬والسلب والنهب وهتك العراض ‪ ،‬وكل الموبقات تقدمية ‪ ،‬مللع‬
‫أنها غاية في الهمجيللة الممعنللة فللي الرجعيللة التاريخيللة ‪ ،‬الللتي ترجللع إلللى‬
‫الوحشية البهمية ‪ ،‬وتجّرع قللوارير )الفودكللا( حللتى الرتمللاء علللى قمامللات‬
‫الشوارع هي في نظرهم تقدمية ‪ ،‬مع أنها في الحقيقة رجعية إلى مللا دون‬
‫مستوى البهائم وأضل سبيل ً ‪ ،‬والكفر بالله واللحاد به تقدمية في نظرهم ‪،‬‬
‫مللع أن الكفللر بللالله مللن رجعيللات القللرون الولللى ‪ .‬أمللا الصللدق والمانللة‬
‫والمحبة النسانية والخاء وحسن المعاملة وسائر مكللارم الخلق وفضللائل‬
‫السلوك فهي في نظرهم وتسمياتهم رجعيات ‪ ،‬وهللي أمللور سللخيفة يجللب‬
‫تركها والستهانة بها ‪.‬‬

‫أليس هذا التلعب بالحقائق تنفيذا ً للمخطط اليهودي الشامل ‪ ،‬الذي‬


‫ومللة لكيانهللا ‪ ،‬حللتى‬
‫يعمل على تجريد المة السلمية مللن كللل قواهللا المق ّ‬
‫تفقد كل مقاومة ضد عدوها ‪ ،‬وتستلم لها استسلما ً كامل ً علللى ذل وضللعة‬
‫وعبودية؟‬

‫وهؤلء الملحدة هللم ملن أخطللر جنللود تنفيللذ هللذه الخطللة اليهوديللة‬
‫العامة ‪ ،‬ول ضيرإذن أن يكون السلم سلحا ً ضللدهم لنهللم أعللداؤه ‪ ،‬وهللم‬
‫ومبللادئهم وأفكللارهم ومخططللاتهم أسلللحة فتاكللة مسلللطة ضللد السلللم‬
‫ومبادئه وعقائده وتشريعاته والمؤمنين به ‪.‬‬

‫وفللي كلم الماركسلليين عللن الرجعللة العربيللة مغالطللة قائمللة علللى‬


‫التعميللم ‪ ،‬فحينمللا يطلقللون عبللارتي الرجعيللة والرجعييللن فللإنهم يقصللدون‬
‫السلللم والمسلللمين ودعللاته وحمللاته ‪ ،‬ويقصللدون أيضللا ً سللائر النظمللة‬
‫العالمية المخالفة للنظام الماركسي ‪ ،‬وحماة هللذه النظمللة والمسللتفيدين‬
‫منها ‪ ،‬وفي ضمن هذا التعميم المقصود يقللذفون مغالطللاتهم ‪ ،‬إذ يوهمللون‬
‫بأن السلم في نظرياته ومفللاهيمه وتشللريعاته يللدعم النظللام الرأسللمالي‬
‫مثل ً ‪ ،‬أو يللدعم أنظمللة الحكللم الدكتاتوريللة ‪ ،‬مللع أن موقللف السلللم مللن‬
‫النظمة الرأسمالية المخالفللة للله مثللل مللوقفه مللن النظمللة الماركسللية ‪،‬‬
‫يخالف هذه وتلك ‪ ،‬ويقاوم هذه وتلك ‪،‬ول يدعم هذه ول تلللك ‪ ،‬إن السلللم‬
‫نظام غيرهما جميعا ً ‪.‬‬
‫هذه هي حقيقة السلم التي تشللتمل عليهللا نصوصلله ‪ ،‬ويعللترف بهللا‬
‫المسلللمون الصللادقون ‪ ،‬ولكللن مللا نصللنع بالللذين يسللتغلون اسللم السلللم‬
‫لنصرة مذاهبهم التي تخالف السلم وهو ل يعترف بها؟‬

‫هذا عيب في الناس وليس عيب لا ً فللي الللدين نفسلله ‪ ،‬ونفللاق النللاس‬
‫للمذاهب والنظمة ‪ ،‬وتسترهم بها ‪ ،‬واحتمللاؤهم بقواهللا ‪ ،‬موجللود فللي كللل‬
‫موقع فكري أو جماعي ‪ ،‬ول يمكن أن يدفعه إل نظام صحيح ثابت ‪ ،‬له في‬
‫الرض قللوة تحمللي مبللادئه بحللق ‪ ،‬وتكشللف باسللتمرار المزيفيللن الللذين‬
‫يستخدمون اسمه وقوة الجماهير التي تنتسب إليه لدعم انحرافاتهم ‪.‬‬

‫فبالنفاق والتزوير والمخادعة قد يسللتخدم النظللام الماركسللي اسللم‬


‫السلللم سلللحا ً لللدعم نظللامه وحمللايته ‪ ،‬إذا وجللد جمللاهير تنخللذع بنفللاقه‬
‫وتزويره ‪ ،‬ووجد أجراء وصنائع تزين أمام الجماهير نفاقه وتزويره وتتلعللب‬
‫بمفاهيم السلم وفلق أهلوائه ‪ ،‬ول يكلون هلذا بحلال ملن الحلوال جريلرة‬
‫تلتصق بالسلم أو عيبا ً ينسب إليه ‪ ،‬فالسلم من نفاق المنللافقين وتزويللر‬
‫المزورين بريء ‪.‬‬

‫وبالنفللاق والللتزوير والمخادعللة قللد يسللتخدم نظللام رأسللمالي اسللم‬


‫السلللم سلللحا ً لللدعم نظللامه وحمللايته ‪ ،‬إذا وجللد جمللاهير تنخللدع بنفللاقه‬
‫وتزويللره ‪ ،‬ووجللد أجللراء وصللنائع تزيللن أمللام الجمللاهير نفللاقه وتزويللره ‪،‬‬
‫وتتلعب بمفاهيم السلم وفق أهوائه ‪ ،‬ول يكللون هللذا بحللال مللن الحللوال‬
‫جريرة تلتصق بالسلم أو عيبا ً ينسب إليه ‪ ،‬فالسلم الحق بريء من نفللاق‬
‫المنافقين وتزوير المزورين وتلعب المتلعبين ‪.‬‬

‫فاتهام السلم بأنه سلح في يد الرجعية ‪ ،‬أو في يد بعض النظمة‬


‫مللم المغللالطون اسللم‬ ‫التقدمية ‪ ،‬مغالطللة قائمللة علللى التعميللم أول ً ‪ ،‬إذ ُيع ّ‬
‫السلم فيجعلونه شامل ً لدين الله وللمنتسللبين إليلله بصللدق ‪ ،‬وللمنتسللبين‬
‫إليه زورا ً ونفاقا ً ‪ ،‬وللمستغلين اسمه وهو منهم بريللء ‪ ،‬وقائمللة ثانيلا ً علللى‬
‫تحميل الدين جرائر المنافقين له ‪ ،‬والعابثين أمام بعض الجمللاهير بمفللاهيم‬
‫ينسبونها إليها ‪ ،‬وهي ليست منه ‪.‬‬
‫ولكن‪:‬‬
‫م نوره ولو كره الكافرون‬ ‫مت ِ ّ‬
‫يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله ُ‬
‫‪.‬‬

‫)‪(5‬‬

‫قال الناقد )د‪ .‬العظم( في الصفحة )‪ (9‬من كتابه ‪:‬‬

‫"يلعللب الفكللر اللديني دور السللح )النظلري( الملذكور علن طريلق‬


‫تزييف الواقع وتزوير الوعي لحقللائقه ‪ :‬تزييللف حقيقللة العلقللة بيللن الللدين‬
‫السلللمي – مثل ً – والعلللم الحللديث ‪ ،‬تزييللف حقيقللة العلقللة بيللن الللدين‬
‫والنظللام السياسللي مهمللا كللان نللوعه )الشللتراكية – العربيللة – العلميللة‬
‫السلللمية – المؤمنللة – الثوريللة( تزييللف الحقيقللة حللول التصللنيف الثللوري‬
‫الصارم للعداء والصدقاء على مستوى العلقات بين الدول فللي المرحلللة‬
‫الحالية الحرجة )مؤتمر القمة السلمي( تزييف حقيقة الصراع الجتمللاعي‬
‫القائم في الوطن العربي بين قوى اجتماعية ثورية صاعدة ‪ ،‬وقللوى رجعيللة‬
‫طلة ‪ ،‬بين قلوى طبقيلة مسليطرة ‪ ،‬وقلوى متملردة مسلحوقة مسلتغلة‬ ‫مع ّ‬
‫)الدعوة لبنللاء الجسللور بيللن الطبقللات باسللم الصلللح والتسللامح والمحبللة‬
‫وغيرها من القيم الروحية( ول شك أن عملية التزييف هذه تعمل في صالح‬
‫مجموعللة مصللالح طبقيللة ضلليقة ومسلليطرة ‪ ،‬تنللزع نحللو السللتماتة فللي‬
‫المحافظة علللى نفسللها وعلللى مواقعهللا ‪،‬وبللذلك نحللو فللرض أيللديولوجيتها‬
‫الدينية ومنظورها الميثولوجي المزيف للواقع على المجتمع بأسره ‪ ،‬وعلى‬
‫حياته الفكرية والثقافية بكاملها تقريبا ً "‪.‬‬

‫) أ ( إذا تركنا شتائم )العظم( للفكللر الللديني فللي هللذا النللص ‪ ،‬لننللا‬
‫عالجناها فيما سبق ‪ ،‬فإننا نلحظ أن الذي يلعب دور الللتزييف بكللل معللانيه‬
‫وصوره هو الفكر اللديني اللحادي ‪ ،‬ل الفكر الديني المؤمن ‪.‬‬

‫فلاللدينيون هلم اللذين يصلنعون هلذه التزييفلات ويسلتغلونها لسلتر‬


‫واقعهم المعادي لجماهير المة ‪ ،‬والكللثرة الكللاثرة مللن شللعوبها ‪ ،‬ولمبللادئ‬
‫هذه الجماهير وقيمها وأخلقها وتاريخها ومؤسساتها ‪.‬‬

‫) ب ( أما ما زعمه من تزييف حقيقة العلقللة بيللن الللدين السلللمي‬


‫والعلم ‪ ،‬فقد كشفنا بطلنه بالشرح العلمي المركز في الفصل الثللاني مللن‬
‫هللذا الكتللاب ‪ ،‬وأثبتنللا بلالبراهين المنطقيلة أنله ل نللزاع مطلقلا ً بيلن الللدين‬
‫الصحيح والعلم اليقيني الثابت ‪ ،‬وسنزيد هذا بيان لا ً فللي جللدليات تفصلليلية ‪،‬‬
‫نعالج فيها كشف أكاذيبه وتزييفاته فللي الفصللل الثللامن مللن هللذا الكتللاب ‪،‬‬
‫والواقع أن الملحدة وكل اللدينيين هم الذين يزيفللون حقيقللة العلقللة بيللن‬
‫اللدين والعلم ‪ ،‬إذ يصورون كذبا ً وزورا ً أن العلم صديق اللحاد ‪ ،‬أو صللديق‬
‫اللتدّين ‪ ،‬ويحاول جهدهم ويكدون كدا ً لهثا ً ليثبتوا وجود التناقض بين الدين‬
‫والعلللم ‪ ،‬ويصللنعون كللل ألللوان الللتزييف والللتزوير لثبللات هللذه الفريللة ‪،‬‬
‫ليتوصلوا من ذلك إلى نقض الدين وإبطاله ‪.‬‬

‫فمن المزيف للحقيقة والواقع ؟؟‬

‫) ج ( وأما ما زعمه من تزييف حقيقة العلقللة بيللن اللدين السللمي‬


‫والنظللام السياسللي مهمللا كللان نللوعه )الشللتراكية – العربيللة – العلميللة‬
‫السلمية – المؤمنة – الثورية(‪.‬‬

‫فالمزيفون في الحقيقة هم أصحاب المذاهب والنظم المخالفة‬


‫للسلم ‪ ،‬ويستأجرون أجراء للقيام في وسط الجماهير المسلللمة بالدعايللة‬
‫لصور التزييف التي يصنعونها ‪ ،‬سترا ً لمللواقفهم المعاديللة للسلللم ‪ ،‬وكيللدا ً‬
‫لجماهير المسلمين ‪ ،‬ويسللير وراءهللم مخللدوعون ‪ ،‬يظنللون أنهللم يخللدمون‬
‫الدين بما يصنعون ‪ .‬أما الدين ألسلمي فل يعللترف بللأي نظللام مهمللا كللان‬
‫نوعه ‪ ،‬إذا كللان يخللالف المبللادئ السلللمية الصللحيحة ‪ ،‬فللسلللم منللاهجه‬
‫ونظمه الواضحة البينة ‪.‬‬

‫والمسلمون الصادقون ل يقبلون أية صورة من صللور الللتزييف الللتي‬


‫يحاول غير المسلمين مخادعة الجماهير المسلمة بها ‪.‬‬

‫) د ( وأما مللا ذكللره " مللن تزييللف الحقيقللة حلول التصللنيف الثللوري‬
‫الصارم للعداء والصدقاء ‪ ،‬على مستوى العلقات بين الدول في المرحلة‬
‫الحرجة )مؤتمر القمة السلمية("‪.‬‬

‫وما ذكره من "تزييف حقيقة الصراع الجتماعي القللائم فللي الللوطن‬


‫طلة ‪ ،‬بين قللوى‬ ‫العربي بين قوى اجتماعية ثورية صاعدة ‪ ،‬وقوى رجعية مع ّ‬
‫طبقية مسيطرة وقوى متمردة مسحوقة مسللتغلة )الللدعوة لبنللاء الجسللور‬
‫بين الطبقات باسم الصلح والتسامح والمحبة وغيرها من القيم الروحية("‪.‬‬

‫فإن السلم أشد حرصا ً علللى مقاومللة هللذا الللتزييف ‪ ،‬إن المللؤمنين‬
‫الصادقين أحرص من الملحدة على إيجاد التصنيف الصارم ‪ ،‬وعلللى إقامللة‬
‫الحدود الفاصلة بين العداء والصدقاء ‪ ،‬أي ‪ :‬بينهللم وبيللن الكللافرين ‪ ،‬ولللو‬
‫كانوا من أبنللاء جلللدتهم ‪ ،‬ويتكلمللون بألسللنتهم ‪ ،‬ولللو كللانوا منحللدرين مللن‬
‫السللت السلمية ‪ ،‬ولو كللانوا مللن أقللرب أقربللائهم ‪ ،‬فالسلللم ل يعللرف‬
‫مداهنة ول مصانعة على حساب الدين والعقيدة ‪ ،‬أو علللى حسللاب جماعللة‬
‫المسلمين ‪ ،‬ول يقر مبدأ المساومة في أي أمر مللن أمللور الللدين ‪ ،‬فالعللدو‬
‫عدو ولو كان أبا ً أو ابنا ً أو أخلا ً أو أقللرب القربيللن فللي النسللب ‪ ،‬والصللديق‬
‫صديق مهمللا كللان بعيللدا ً عللن وشللائج القرابللات ‪ ،‬فللالله يقللول فللي سللورة‬
‫)التوبة‪ 9/‬مصحف‪ 113/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ّبوا ْ‬
‫سلت َ َ‬ ‫ن ٱ ْ‬ ‫م أوْل َِيآَء إ َ ِ‬ ‫وان َك ُ ْ‬ ‫خ َ‬‫م وَإ ِ ْ‬ ‫خذ ُ ۤوا ْ آَبآَءك ُ ْ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫ن آ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫} ٰيأي َّها ٱّلل ِ‬
‫ل ِإن‬ ‫ن * ق ُل ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ظللال ِ ُ‬‫م ٱل ّ‬ ‫هل ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫م فَأ ُوْل َ ٰلئ ِ َ‬ ‫م منك ُ ْ‬ ‫من ي َت َوَل ّهُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫للي َ‬ ‫ف َر عََلى ٱ َ ِ‬ ‫ٱ ْللك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موهَللا‬ ‫ل ٱْقلت ََر فْت ُ ُ‬ ‫وا ٌ‬ ‫مل َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرت ُك ُ ْ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫جك ُ ْ‬‫م وَأْزَوا ُ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬ ‫خ َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأب َْنآؤُك ُ ْ‬ ‫ن آَباؤُك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫سللول ِ ِ‬ ‫ن ٱل ّلللهِ وََر ُ‬ ‫م مل َ‬ ‫ب إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ضوْن ََهآ أ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫ساك ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ساد َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرةٌ ت َ ْ‬ ‫وَت ِ َ‬
‫دي ٱلل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫قللوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه ل ي َهْ ل ِ‬ ‫مرِهِ وَ ٱل للل ُ‬
‫ّ‬ ‫هل ب ِلأ ْ‬ ‫ي ٱل للل ُ‬
‫ّ‬ ‫حت ّ ٰى ي َأت ِ َ‬ ‫ْ‬
‫صوا َ‬ ‫سِبيل ِهِ فَت ََرب ّ ُ‬ ‫جَهادٍ ِفي َ‬ ‫وَ ِ‬
‫ن{‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬
‫فا ِ‬ ‫ٱ لل َ‬
‫ْ‬

‫فالمر في المفهوم السلمي ليس بالسهل ول باليسير ‪ ،‬إنه لعب‬


‫بمصير المة ‪ ،‬ولعللب بمصللير دينهللا ‪ ،‬وفيلله تمكيللن عللدوها منهللا ‪ ،‬فليسللت‬
‫موالة أعداء الله من المعاصي الفردية العادية ‪ ،‬إنها خيانة للمللة جميعهللا ‪،‬‬
‫وخيانة للكيان السلمي كله ‪ ،‬ودونها بنسللبة كللبيرة بعللض كبللائر المعاصللي‬
‫الفردية ‪ ،‬لن هذه الموالة لعداء الله فرع من فروع النفاق ‪.‬‬

‫والله تبللارك وتعللالى يقللول فللي سللورة )آل عمللران‪ 3/‬مصللحف‪89/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫دوا ْ‬ ‫خَبال ً وَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ل َ ي َأُلون َك ُ ْ‬ ‫دون ِك ُ ْ‬
‫من ُ‬ ‫ة ّ‬ ‫ذوا ْ ب ِ َ‬
‫طان َ ً‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬
‫ن آ َ‬ ‫ذي َ‬‫} ٰيأي َّها ٱّلل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م أك َْبلُر قَلد ْ ب َي ّّنلا‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫صل ُ‬
‫فلي ُ‬ ‫خ ِ‬
‫ما ت ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ن أف ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضآُء ِ‬ ‫ت ٱْللب َغْ َ‬‫م قَد ْ ب َد َ ِ‬
‫ما عَن ِت ّ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫من ُللو َ‬ ‫م وَت ُؤْ ِ‬ ‫حب ّللون َك ُ ْ‬ ‫م وَل َ ي ُ ِ‬ ‫حب ّللون َهُ ْ‬ ‫م أ ُوْ ۤلِء ت ُ ِ‬ ‫ل َك ُم اليات إن ك ُنتم تعقُلون * َ َ‬
‫هلآأن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ِ ْ ُْ ْ َْ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫م ٱللَنا ِ‬
‫ن‬‫مل َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضللوا عَلي ْك ل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫خل لوْا عَ ّ‬ ‫َ‬ ‫ذا َ‬ ‫مّنا وَإ ِ َ‬ ‫م َقال ۤوا آ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قوك ْ‬ ‫َ‬
‫ذا ل ُ‬ ‫ّ‬
‫ب كلهِ وَإ ِ َ‬‫ُ‬ ‫ِبل ٱْللك َِتا ِ‬
‫م‬ ‫سلك ُ ْ‬‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫دورِ * ِإن ت َ ْ‬ ‫ت ٱل ّ‬
‫صلل ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ب ِل َ‬‫هل عَِليل ٌ‬ ‫ن ٱ ل ّلل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫موُتوا ْ ب ِغَي ْظ ِك ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ظ قُ ْ‬ ‫ٱ ْللغَ ي ْ ِ‬
‫م‬ ‫ضلّرك ُ ْ‬ ‫قللوا ْ ل َ ي َ ُ‬ ‫ص لب ُِروا ْ وَت َت ّ ُ‬ ‫حوا ْ ب َِها وَِإن ت َ ْ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫صب ْك ُ ْ‬ ‫م وَِإن ت ُ ِ‬ ‫سؤْهُ ْ‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ٌ‬
‫حيط {‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫هل ب ِ َ‬‫ن ٱل لل َ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫شْيئا إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫كي ْد ُهُ ْ‬

‫)‪(6‬‬

‫حشر الناقد )د‪ .‬العظم( اتجاهاته السياسية المعينة في صلب قضايا‬


‫يزعم أنها قضايا نقدية علمية بحتة ‪ ،‬فهو بالضافة إلى أنواع التضليل الللذي‬
‫سلكه في المسائل العلمية ضد الدين ‪،‬أخذ يحشر اتجاهاته السياسية ليتابع‬
‫عملية التضلليل ‪ ،‬ويسللك فيهلا مسللك الغوغائيلة الدعائيلة المعروفلة فلي‬
‫الكتابات الصحفية ‪ ،‬التي يكتبها الملحدة الماركسيون ‪ ،‬فقال في الصللفحة‬
‫)‪ (23‬من كتابه‪:‬‬

‫"كان الدين في أوروبا حليف التنظيم القطاعي للعلقات الجتماعية‬


‫‪ ،‬ول يزال على هذه الحال في معظم البلد المتخلفة وخاصللة فللي الللوطن‬
‫العربي ‪ .‬في الواقع أصبح السلم اليديولوجيللة الرسللمية للقللوى الرجعيللة‬
‫المتخلفة في الوطن العربي وخارجه )السلعودية ‪ ،‬أندونيسليا ‪ ،‬الباكسلتان(‬
‫والمرتبطة صراحة ومباشرة بالستعمار الجديد الللذي تقللوده أمريكللا ‪ .‬كمللا‬
‫كان الدين المصدر الساسي لتبرير النظمة الملكية في الحكم لنلله أفللتى‬
‫بأن حللق الملللوك نللابع مللن السللماء وليللس مللن الرض ‪ .‬ثللم أصللبح اليللوم‬
‫الحليف للوضاع القتصادية الرأسللمالية والبرجوازيللة ‪ ،‬والمللدافع الرئيسللي‬
‫عن عقيدة الملكية الخاصة وعللن قداسللتها ‪ ،‬حللتى أصللبح الللدين وأصللبحت‬
‫المؤسسات التابعة له من أحصن قلع الفكللر اليمينللي والرجعللي ‪ .‬فالللدين‬
‫بطبيعته مؤهل لن يلعب هذا الدور المحافظ ‪ ،‬وقد لعبه في جميع العصللور‬
‫بنجاح باهر ‪ ،‬عن طريق رؤياه الخيالية لعالم آخر تتحقق فيه أحلم السعادة‬
‫‪ ،‬وواضح أن هذا الكلم ينطبق على السلم كغيره من الديان "‪.‬‬

‫واضح من هذا الكلم )العظمى( أنه من قبيل الغوغائية الدعائية‬


‫السياسية ‪ ،‬التي تعمللل لنصللرة مللذهب سياسللي واقتصللادي معيللن ‪ ،‬أثبللت‬
‫الواقع فشله في المجالين السياسي والقتصادي ‪ ،‬وأثبت أنلله كللان سلللحا ً‬
‫في أيدي النتهازيين الطامعين باحتلل المواقللع الرأسللمالية والبرجوازيللة ‪،‬‬
‫عن طريق النهب والسلللب والسللتغلل الظللالم الثللم ‪ ،‬وأن شللعارات هللذا‬
‫المذهب القتصادي لم تكن إل أقنعة للتضليل ‪.‬‬

‫وقد عمد إلى ذكر بلد إسلمية معينة لنها ما زالللت نوع لا ً مللا ترعللى‬
‫السلم ‪ ،‬وتحمي شعاراته ‪ ،‬وتطبق بعض أحكامه ‪.‬‬

‫أما قصة الرتباط صراحة ومباشرة بالسلتعمار الجديلد اللذي تقلوده‬


‫أمريكللا فقصللة أتقللن تشللييعها أجللراء هللذا السللتعمار ‪ ،‬وأجللراء الصللهيونية‬
‫العالمية ‪ ،‬وغايتهم هدم السلم من وراء ذلك ‪ ،‬وهللو يعلللم أكللثر مللن غيللره‬
‫دور الماركسللية الملحللدة الللتي تعمللل لصللالح السللتعمار الجديللد ‪ ،‬وتعمللل‬
‫لصالح الصهيونية العالمية ‪.‬‬

‫وحرب رمضان عام )‪1393-1973‬هل( ودور الدول السلللمية فيهللا ‪،‬‬


‫ودور المملكة العربية السعودية إذ دخلت فيها بكل ثقلها ‪ ،‬ربمللا يكللون قللد‬
‫أغاظه كثيرا ً ‪ ،‬لنه جاء على غير هوى سادته ‪ ،‬ولنه كشف زيفا ً كللثيرا ً كللان‬
‫دره هو وكل الذين يلبسون أقنعة التقدمية ‪.‬‬‫يص ّ‬

‫وأكتفي عند هذه النقطة بهذا القدر لنه ليس من خطتنا فللي الللدفاع‬
‫عن الدين وحقائقه أن ندخل معارك سياسية ذات طابع زمنللي ‪ ،‬وذلللك لن‬
‫الدين دين الله ‪ ،‬وهو تعاليم ومفاهيم وحقائق فكرية ‪ ،‬ومتى هبطنا بها إلللى‬
‫مستوى الصراع السياسي فإننا توّرط الدين توريطا ً سيئا ً ‪ ،‬إذ نجسللده فللي‬
‫واقع بشري ‪ ،‬مع أن الواقع البشري غير المعصللوم قللد يخللالف الللدين فللي‬
‫كثير مللن التصللرفات النسللانية ‪ ،‬والللدين ل يحمللل جريرتهللا ‪ ،‬وإنمللا يحمللل‬
‫جريرتهللا المخللالفون للللدين أنفسللهم ‪ ،‬وإن كللانوا مللن أهللل اليمللان بلله‬
‫والمطبقين لبعض تعاليمه ‪ ،‬ومن الللذين يرفعللون لللواءه ‪ ،‬ويحرصللون علللى‬
‫نصرته ‪.‬‬

‫إن أي تجسيد للدين فللي واقللع بشللري غيللر معصللوم عللن الخطللأ أو‬
‫المخالفة يعتللبر تشللويها ً للللدين ‪ ،‬وتحللويرا ً فللي مفللاهيمه وتعللاليمه ‪ ،‬وهللذه‬
‫ليست خطة رشد في الدفاع عن الدين ‪.‬‬

‫إن الصراع من أجل الواقع البشري عمل سياسي قد يتصللل بالمبللدأ‬


‫إل أن له مجال ً آخر ‪.‬‬

‫وبالتضلليل المقصلود لمحاربلة السللم بوصلفه دينلا ً ربانيلا ً ؛ يحلاول‬


‫أعداء السلم من ملحدين وغيرهم التقاط صور معينة عن الواقع البشللري‬
‫للمنتسبين إلى الللدين ‪ ،‬ولللو كللانوا مللن أئمللة المسلللمين ومرشللديهم ‪ ،‬ثللم‬
‫يأخذون هذه الصور البشرية المعينة ‪ ،‬ويجعلونها من الدين عقيدة ومفاهيم‬
‫وأنظمة وغير ذلك ‪ ،‬مع أنها فللي الواقللع ليسللت إل انحرافللات بشللرية عللن‬
‫عقائد الدين أو مفللاهيمه أو أنظمتلله ‪ ،‬وليللس الللدين هللو المسللؤول عنهللا ‪،‬‬
‫ولكن أصحابها هم المسؤولون‪.‬‬

‫وهذا التضليل من أعلداء السلللم مغالطلة خبيثلة ملاكرة ‪ ،‬يقصلدون‬


‫منها تشويه الصورة السلللمية مللن جهللة ‪ ،‬واسللتدراج مغفليللن مللن أنصللار‬
‫الدين ليتورطوا في الدفاع عن الواقلع البشلري ‪ ،‬فيسلتغله أعللداء السلللم‬
‫استغلل ً سيئا ً ‪.‬‬

‫يضاف إلى كل هذا أن المعارك السياسية الزمنية لها وجهات أنظار‬


‫مختلفة ‪ ،‬ومن العسير جللدا ً تمييللز جللانب الحللق فيهللا ‪ ،‬ومللا أكللثر مللا تللرى‬
‫الغوغائية الجماهيرية رأيا ً أملته عليها الغوغائية الدعائية الللتي تنصللر مللذهبا ً‬
‫اجتماعيا ً أو سياسيا ً أو اقتصاديا ً معينا ً ‪ ،‬وتدعم مصالح معينة ‪ ،‬ثم يتبين بعللد‬
‫التجربة أن الرأي المناقض له كان هو الحق بالعتبللار ‪ ،‬وأن محللاربته كللان‬
‫رعونللة وطيش لا ً ‪ ،‬وتورط لا ً فللي مزالللق سياسللية تكبللد المنزلقيللن خسللائر‬
‫ملهم مصائب كثيرة ‪ ،‬وقد تدفع بهم على أيدي أعدائهم ضللحايا‬ ‫فادحة ‪ ،‬وتح ّ‬
‫رعوناتهم ‪ ،‬وعندئذ تجد جنود العداء الذين دفعللوا بهللم إلللى هللذه المزالللق‬
‫يطبلون ويزمرون ويرقصون على أجساد الضحايا ‪.‬‬

‫أما زعمه ‪ :‬أن الدين أصبح اليوم الحليف الول للوضللاع القتصللادية‬
‫الرأسمالية والبرجوازية ‪ ،‬والمدفع الرئيسللي عللن عقيللدة الملكيللة الخاصللة‬
‫وعن قداستها ‪ ...‬إلى آخر كلمه ‪.‬‬

‫فالواقع أن هذا الكلم ليس فيه من النقد الفكري شيء ‪ ،‬بل هو‬
‫لون دعائي سياسي صحفي قائم على التضليل ‪.‬‬

‫إن أي دارس للنظام القتصادي السلمي يعلم بداهة أنلله نظللام ف لذ ّ‬


‫قللائم بنفسلله ‪ ،‬فل هللو نظللام رأسللمالي يسللاير النظمللة الرأسللمالية فللي‬
‫العالم ‪ ،‬ول هلو نظلام اشلتراكي يسلاير النظملة الشلتراكية فلي العلالم ‪،‬‬
‫ولكن قد تتلقى النظمة الرأسمالية معه في بعض الجوانب ‪ ،‬وقللد تتلقللي‬
‫النظمة الشللتراكية معلله فللي بعللض الجللوانب ‪ ،‬وينفللرد السلللم بمفللاهيم‬
‫خاصللة وتنظيللم كللي خلاص ‪ ،‬والشللبه الجللزئي ل يعنلي التبعيللة بحللال ملن‬
‫الحوال ‪.‬‬

‫وأما تحصن الرأسماليين بالسلم فيشبه تحصللن بعللض الشللتراكيين‬


‫بلله ‪ ،‬وهللو ليللس حصللنا ً فللي الحقيقللة لهللؤلء ول لهللؤلء ‪ ،‬ولكللن يتحللارب‬
‫الفريقان فيختبئ هؤلء وراء جانب منه ‪ ،‬ويختبئ أولئك وراء جانب آخر منه‬
‫‪ ،‬وتتساقط بعض الضربات من هؤلء وأولئك على الحصللن السلللمي زورا ً‬
‫وبهتانا ً ‪ ،‬ولو كان فللي الحصللن السلللمي جنللود حقيقيللون لخرجللوا وقللاتلوا‬
‫الفريقين معا ً ‪ ،‬ولطردوهما عن جوانب الحصن ‪.‬‬

‫وأما قوله ‪" :‬إن الدين قد أصبح المدافع الرئيسي عن عقيدة الملكية‬
‫الخاصة وعن قداستها"‪.‬‬

‫فإننا نقول ‪ :‬مللا دامللت الملكيللة الخاصللة مكتسللبة بطللرق مشللروعة‬


‫يوافق عليها نظام السلم فاحترامها حق ‪ ،‬واحترام الحق من أسس مبادئ‬
‫السلم العامة ‪ ،‬ول يضيره فللي هللذا أن تللوافقه أو تخللالفه أنظمللة وضللعية‬
‫ومذاهب اقتصادية أخرى ‪ ،‬فالحق أحق أن يتبع ‪.‬‬

‫وتعلن بإصرار أن النظام السلمي هلو الكملل والصللح للنسلانية ‪،‬‬


‫وستضطر النظمة الخرى أن تتراجع إلى نظامه ‪.‬‬

‫وهللل عيللب فللي النظللام السلللمي أن يحللترم الملكيللة الخاصللة‬


‫المشروعة ‪ ،‬لنه ل يوافق في هذه الناحية النظام الماركسي؟‬
‫إن العيللب والنقللص فيمللا خللالف السلللم ‪ ،‬نقللول هللذا بكللل فخللر‬
‫واعتزاز ‪.‬‬

‫ثم نتسللاءل فنقللول‪ :‬هللل تتنللازل النظمللة الماركسللية عللن ملكياتهللا‬


‫لصالح دول أخرى ماركسية أيضًا؟‬

‫إنهم يتقاتلون لحمايتها ‪ ،‬فأين بقيت مقومات المذهب؟‬

‫مفتريات وأباطيل ‪ ،‬وخداع وتضليل!!‬


‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الفصل الخامس‬

‫صراع من أجل قضّية‬


‫اليمان بالله‬
‫ولها‬
‫ح ْ‬
‫صحيح َ‬
‫ديني ال ّ‬
‫والفكر ال ّ‬
‫)‪(1‬‬

‫تحت عنوان "الثقافة العلمية وبللؤس الفكللر الللديني" أثللار الناقللد )د‪.‬‬
‫صادق جلل العظم( حول الدين عدة موضوعات سماها "مشللكلت" ومللن‬
‫هذه الموضوعات عقيدة اليمان بالله تعالى‪.‬‬
‫مع أن الملحدين جميعا ً في سالف الللدهر وحاضللره ‪ ،‬لللم يسللتطيعوا‬
‫مجتمعين ول متفرقين ‪ ،‬أن يقدموا أية حجة منطقية أو واقعية مقبولة عنللد‬
‫العقلء تثبت عدم وجود خالق لهذا الكون ‪.‬‬
‫وقد قرأنا ما كتبه هذا الملحد وما كتبه غيره مللن أسللاطين اللحللاد ‪،‬‬
‫فلم نجد لللديهم دليل ً واحللدا ً صللحيحا ً ينفللي وجللود الخللالق جللل وعل ‪ ،‬رغللم‬
‫الجهود الكبيرة التي بذلوها للقناع بمذهبهم ‪ ،‬بل لم نجد في كل مللا كتبللوه‬
‫دليل ً واحدا ً يقدم ظنا ً بعدم وجود الخالق ‪ ،‬فضل ً عللن تقللديم حقيقللة علميللة‬
‫في هذا الموضوع ‪ ،‬جل ما لديهم محاولت للتشكيك بعالم الغيب ‪ ،‬والتزام‬
‫بأن ل يثبتللوا إل مللا شللاهدوه مللن مللادة بالوسللائل العلميللة الماديللة ‪ ،‬وهللذا‬
‫الرتباط بحدود المادة التي لم يشهد العلم حتى العصللر حاضللرا ً إل القليللل‬
‫منها إن هو إل موقف يشبه موقف العمى الذي ينكر وجود اللللوان لنلله ل‬
‫يراها ‪ ،‬أو موقللف الصللم الللذي ينكللر وجللود الصللوات لنلله ل يسللمعها ‪ ،‬أو‬
‫موقف الحمقاء حبيسة القصر الللتي تللرى أن الوجللود كللله هللو هللذا القصللر‬
‫الذي تعيش فيه ‪ ،‬لنها لم تشاهد في حياتها غيره ‪.‬‬

‫فما حظ هؤلء من العلم والمانة العلمية ومطابقة الحقيقة والواقع؟‬

‫كذلك الملحدون لحللظ لهللم مللن العلللم والمانللة العلميللة ومطابقللة‬


‫الحقيقة والواقع ‪ ،‬إذ ينكرون الخالق جل وعل ‪ ،‬وُيصرون على إنكاره ‪ ،‬وهم‬
‫ل يملكون دليل ً واحدا ً على نفي وجوده ‪.‬‬

‫قد يستخدمون عبارات ضخمة ‪ ،‬يستغلون فيها أسماء التقدم العلمي‬


‫والصللناعي وتطللور مفللاهيم العصللر ‪ ،‬والبحللوث العلميللة فللي المعامللل‬
‫والمختللبرات ‪ ،‬للتمللويه بهللا ‪ ،‬وتضللليل الذهللان المراهقللة ‪ ،‬مللع أن التقللدم‬
‫العلمي والصناعي لم يتوصل بعد إلى قياس شيء من عالم الغيب ‪ ،‬بل ما‬
‫زال عاجزا ً حتى الن عن قيللاس أمللور كللثيرة داخلللة فللي العللالم المللادي ‪،‬‬
‫الذي هو مجال كل أنواع التقدم العلمي الذي انتهللت إليلله النهضللة العلميللة‬
‫الحديثة ‪.‬‬

‫فالمعامل والمختللبرات والجهللزة العلميللة المتقدمللة جللدا ً مللا زالللت‬


‫عاجزة عن أن تقيس أشللياء كلثيرة فلي هللذا العلالم المللادي الللذي نشللاهد‬
‫ظواهره ‪ ،‬بشهادة كبار العلماء الماديين أنفسهم ‪ ،‬وبللدليل تجللدد المعللارف‬
‫والمكتشفات يوما ً بعد يوم ‪ ،‬ومتى زعم العلللم النسللاني أنلله اكتشللف كللل‬
‫شيء فقد سقط في الجهل ‪ ،‬وأجهز على نفسه بنفسه منتحرا ً ‪.‬‬
‫يضللاف إلللى ذلللك أن العلمللاء المللاديين مللن بعللد كللل دراسللاتهم‬
‫ومشاهداتهم وملحظاتهم المادية يحاولون تفسير ما شاهدوه مللن ظللواهر‬
‫بنظريات استنتاجية ‪ ،‬يقررون فيها حقائق غير مرئية وغير مشاهدة ‪ ،‬وهللي‬
‫بالنسبة إليهم وبالنسبة إلى أدواتهم ما زالت أمورا ً غيبية ‪ ،‬ومع ذلللك فللإنهم‬
‫يضطرون إلى إقرارها والتسليم بها ‪ ،‬ويجعلونها قوانين ثابتة يقولون عنها ‪:‬‬
‫إنها قوانين طبيعية ‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك قانون الجاذبية ‪ ،‬إنه قانون غدا من الحقائق العلمية‬
‫الطبيعيللة لللدى العلمللاء المللاديين‪.‬فمللا هللي حقيقللة هللذه الطاقللة ؟ هللل‬
‫باستطاعة العلماء أن يشاهدوها بأدواتهم وأن يعرفوا كنهها؟ وكيف أثبتوها؟‬

‫ألم يثبتوها بالستنتاج العقلي استنادا ً إلى ما شاهدوه مللن ظواهرهللا‬


‫وآثارها؟ هذه هي الحقيقة ‪.‬‬
‫فما بال هؤلء الملحدة يسلمون بهذه القوانين الخارجللة عللن نطللاق‬
‫المشاهدات الماديللة ‪،‬وهللي بالنسللبة إلللى حواسللهم وإلللى الدوات العلميللة‬
‫المتقدمة أمور غيبيللة ‪ ،‬ثللم ينكللرون وجللود الخللالق جللل وعل لمجللرد كللونه‬
‫خارجا ً عن نطاق الدراك الحسي ‪ ،‬ول يمكن التواصل إلى إدراكه بللالجهزة‬
‫العلمية المتقدمة؟‬

‫مع أن مئات الدلة العقلية والسلتنتاجية تثبلت ضلرورة وجلود خلالق‬


‫عظيم لهذا الكون ‪ ،‬بيده مقاليد السللماوات والرض وهللو علللى كللل شلليء‬
‫قدير ‪.‬‬

‫أليس هذا من المفارقات التي ل تستقيم مع البحث العملي والمانللة‬


‫العلمية ؟‬

‫إذا لم تصل أدلة الثبات لديهم إلى مستوى اليقيللن ‪،‬ألللم ترجللح لهللم‬
‫هذه الدلة احتمال وجود الخالق على عللدم وجللوده ؟ إنهللا مهمللا تكللن مللن‬
‫وجهة نظرهم فهي أقوى حتما ً من الحتمال الخر الذي هو احتمال النفللي ‪،‬‬
‫فكيف يأخذون باحتمال النفي دون دليل ‪ ،‬ويرفضون احتمال الثبللات ومعلله‬
‫الدلة الكثيرة ‪ ،‬ثم يسعون جاهللدين لمحاربللة اليمللان بكللل مللا لللديهم مللن‬
‫قوة؟‬

‫لماذا يعادون من خلقهم كل هذا العداء؟‬


‫أهذا جزاء النعام والكرام؟‬
‫ألم يتحرك فيهم حس أخلقي للعتراف بوجوده؟‬
‫ألم ترجف قلوبهم خوفا ً من عقابه الذي أعلنه على ألسنة رسله؟‬
‫ألم يفترضوا أن يكون المر حقًا؟‬
‫فبماذا يعتذرون يوم الحساب والجزاء؟‬

‫هل يكون عذرهم كافيا ً ومقبول ً إذا قالوا لربهم يوم الحساب ‪ :‬إنك يا‬
‫إلهنا وربنا وخالقنا لم ترينا نفسك حتى نؤمن بك؟‬
‫أل تسقط حجتهم هذه حينما يقللول الللله لهللم ‪ :‬ألللم أمنحكللم عقللول ً‬
‫تستنبطون بها وجودي من آياتي التي بثثتها في كوني وفللي أنفسللكم؟ ألللم‬
‫أرسللل لكللم رس لل ً مؤيللدين باليللات مللن عنللدي فللأبلغوكم عنللي ؟ فلمللاذا‬
‫كذبتموهم؟ إنني لم أضع فللي كللوني أيللة حجللة تقنللع أحللدا ً بعللدم وجللودي ‪،‬‬
‫فلماذا جحدتم وجودي ‪ ،‬ول حجة لكم في ذلك إل اتباع الهوى ‪ ،‬والسللتكبار‬
‫ي وشريعتي لعبادي؟‬ ‫عن اليمان بي ‪ ،‬والرغبة بالتحرر من أوامري ونواه ّ‬

‫عنللدئذ ل بللد أن تسللقط حجتهللم وينقطعللوا ‪ ،‬وعنللدئذ يعلمللون علللم‬


‫اليقين أنهم كانوا في الغرور يتقلبون ‪ ،‬وفي جهللالتهم وضللللتهم يعمهللون ‪،‬‬
‫وأنهم كانوا يجحدون ربهم من غير أن يكون لهم دليل به يعتذرون ‪.‬‬

‫ويومئذ ل تنفعهم أحزابهم ‪ ،‬ول أئمة الشر الذين كانوا يزينون لهم‬
‫الكفر بالله وجحود آياته ‪.‬‬

‫لست أدري ما هي الثمرة التي يستفيدونها في حياتهم مللن إنكللارهم‬


‫لخالقهم ‪ ،‬حتى يدفعوا بأنفسهم إلى موقع خطر كبير جسيم ‪ ،‬يعّرضون فيه‬
‫أنفسهم لشقاء أبدي وعذاب ل ينقطع؟‬

‫إن إلحادهم ل يفيدهم شيئا ً في حياتهم الدنيا ‪ ،‬وما هو إل مذهب‬


‫عنادي ‪ ،‬فليتحملوا إذن جريرة عنادهم ‪.‬‬

‫)‪(2‬‬
‫الحجة الشيطانية ودفعها‬

‫أخذ )د‪ .‬العظم( يردد الحجة الشيطانية القديمة التي تقول في آخر‬
‫سلسلة التساؤل ‪ :‬ومن خلق الله؟ ثم اختار لنفسلله سللبيل التسللليم بقللدم‬
‫المادة وأزليتها ‪.‬‬

‫وقد حدثنا الرسول ‪ ‬عن هذه الوسوسة الشيطانية ‪ ،‬روى البخاري‬


‫ومسلم عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله ‪: ‬‬

‫"يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كللذا؟ ملن خللق كلذا؟ حللتى‬
‫يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ باللهِ ولينته"‪.‬‬

‫وهذه الوسوسة الشيطانية تنطلق على ألسنة الناس بغيللة التضللليل‬


‫بها ‪ ،‬وقد ذكر الرسول ‪ ‬هذه الحقيقة أيضًا‪:‬‬

‫روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله ‪: ‬‬

‫"ل يزال الناس يتساءلون حتى يقال ‪ :‬هذا خلللق اللله الخللق ‪ ،‬فملن‬
‫خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا ً فليقل ‪ :‬آمنت بالله ورسله"‪.‬‬
‫أما كلم )د‪ .‬العظم( حول هذه الحجللة الشلليطانية القديمللة فل يزيللد‬
‫في مضمونه عن مثل هذا التساؤل ‪ ،‬مع العتراف بالعجز عن تقديم جواب‬
‫مقنع حول ادعائه أزلية هذا الكون بالنسبة إلى مادته الولى ‪ ،‬ول يفللوته أن‬
‫يقذف بلهيب حقده على خالقه جل وعل منذ مطلع كلملله ‪ ،‬ويغريلله بللالمر‬
‫حلم الله عليه ‪ ،‬وعدم وجود سلطة عادل في الرض تحاسبه ‪.‬‬

‫يقول – عليه من الله ما يستحق – في الصفحة )‪ (28‬من كتابه‪:‬‬

‫"إن قولنا باحتضار الله في المجتمعات المتخلفة يشكل تمثيل ً رمزيا ً‬


‫لحالة الثورة والفوران ‪ ،‬وفقدان الجذور التي تعاينها هللذه المجتمعللات فللي‬
‫محاولتها الوصول إلللى نللوع ملن التعلايش المرحلللي بيللن الفكلار العلميللة‬
‫الجديدة وتطبيقاتها العملية والصناعية ‪ ،‬وبين تراثها الديني السللحيق ‪ ،‬دون‬
‫أن يتنازل كليا ً ومرة واحدة عما في ماضيها من قيللم غيبيللة ‪ .‬لللذلك نسللمع‬
‫دائما ً أصداء صرخة تقول ‪ :‬حتى لللو سلللمنا كلي لا ً بللالنظرة العلميللة للشللياء‬
‫ستبقى أمامنا مشكلة المصدر الول لهذا الكون ‪ .‬لنفترض مللع )رسللل( أن‬
‫الكون بدأ بسديم ‪ ،‬ولكن العلم ل يقول لنا ‪ :‬من أين جاء هذا السديم ‪ ،‬إنلله‬
‫ل يبين لنا من أين جاءت هذه المادة الولى التي تطللور منهللا كللل شلليء ؟‬
‫فل بد للعلم إذن من أن يتصللل بالللدين فللي نهايللة المطللاف ‪ .‬ولكللن طللرح‬
‫السؤال بهذه الصورة يبين لنا مدى تحكم تربيتنا الدينية وتراثنا الغيللبي فللي‬
‫كل تكفيرنا ‪ .‬لنفترض أننا سلمنا بأن الله هو مصدر وجللود المللادة الولللى ‪،‬‬
‫هل يحل ذلك المشكلة ؟ هل يجيب هذا الفتراض على سؤالنا عللن مصللدر‬
‫السديم الول؟ والجللواب هللو طبعلا ً بللالنفي ‪ .‬أنللت تسللأل عللن علللة وجللود‬
‫السديم الول وتجيب بأنها الله ‪ ،‬وأنا أسألك بدوري ومللا علللة وجللود الللله؟‬
‫وستجيبني بأن الله غير معلول الوجود ‪ ،‬وهنا أجيبك ‪ ،‬ولمللاذا ل نفللترض أن‬
‫المادة الولى غير معلولة الوجود ‪ ،‬وبذلك ُيحسم النقاش دون اللجللوء إلللى‬
‫عالم الغيبيات ‪ ،‬وإلى كائنات روحية بحتة ل دليل لنللا علللى وجودهللا ‪ ،‬علملا ً‬
‫بأن ميل الفلسفة القدماء بما فيهم المسلمين كان دائما ً نحو هذا الرأي إذ‬
‫قالوا بقدم العالم ‪ ،‬ولكنهم اضطروا للمللداورة والمللداراة بسللبب التعصللب‬
‫الديني ضد هذه النظرة الفلسفية للموضوع‪ . 1‬في الواقع علينللا أن نعللترف‬
‫بكل تواضع بجهلنللا حللول كللل مللا يتعلللق بمشللكلة المصللدر الول للكللون ‪.‬‬
‫وعندما تقول لي ‪ :‬إن الله هو علة وجللود المللادة الوللى الللتي يتللألف منهلا‬
‫الكون ‪ ،‬وأسألك بللدوري ‪ :‬ومللا علللة وجللود الللله ؟ إن أقصللى مللا تسللتطيع‬
‫الجابة به ‪ " :‬ل أعرف إل أن وجود الله غيللر معلللول"‪ ، 2‬ومللن جهللة أخللرى‬
‫عندما تسألني ‪ :‬وما علة وجود المادة الولى فإن أقصى ما أستطيع الجابة‬
‫به ‪ " :‬ل أعرف إل أنها غير معلولة الوجود " فللي نهايللة المللر اعللترف كللل‬
‫منهللا بجهللله حيللال المصللدر الول للشللياء ‪ .‬ولكنللك اعللترفت بللذلك بعللدي‬
‫بخطللوة واحللدة ‪ ،‬وأدخلللت عناصللر غيبيللة ل لللزوم لهللا لحللل المشللكلة ‪.‬‬
‫والخلصة ‪ ،‬إذا قلنا ‪ :‬عن المادة الولى قديمة وغير محدثة أو إن الله قديم‬
‫وغير محلدث ‪ ،‬نكلون قلد اعترفنلا بأننلا ل نعلرف وللن نعلرف كيلف يكلون‬
‫‪ 1‬هذا كذب على المسلمين من الفلسفة ‪ .‬فمن قال من الفلسفة بقدم العالم فهو ليس من‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا ليس صحيحا ً ‪ ،‬فسنأتي في الرد عليه بما ينقض مغالطته ‪.‬‬
‫الجللواب عللى مشللكلة المصللدر الول للشللياء ‪ ،‬فالفضللل إذن أن نعللترف‬
‫بجهلنا صراحة ومباشرة عوضا ً عن العللتراف بلله بطللرق ملتويللة وبكلمللات‬
‫وعبارات رنانة ‪ .‬ليس من العيب أن نعترف بجهلنا ‪ ،‬لن العتراف الصللريح‬
‫بأننا ل نعرف ما ل نعرفه من أهم مقومات التفكير العلمللي ‪ ،‬وتعرفللون أن‬
‫العالم ملللزم علللى تعليللق الحكللم عنللدما ل تتللوافر لللديه الدلللة والشللواهد‬
‫والبراهين الكافيللة لثبللات أو لنفللي قضللية ملا ‪ .‬هللذا هللو الحللد الدنللى مللن‬
‫متطلبات المانة الفكرية في البحث الجاد عن المعرفة والحقيقة "‪.‬‬

‫حل َّله ونكشف للقارئ ما فيه‬


‫هذا كلم )د‪ .‬العظم( حرفيا ً ‪ ،‬وعلينا أن ن ُ َ‬
‫من مغالطات فكرية ‪.‬‬

‫سأترك كبيرته الولى الللتي أطلللق فيهللا علللى الللله الخللالق العظيللم‬
‫سبحانه عبارة الحتضار ‪ ،‬وسبقها فللي كلملله إطلق عبللارة المللوت اقتللداء‬
‫بالفيلسوف الملحللد )نيتشلله( لن مثللل هللذه العبللارات الللتي ليللس فيهلا إل‬
‫تطاول وحماقة وسللخرية ل تللدخل فلي أي مجللال أو فللي أي مسللتوى ملن‬
‫مستويات النقاش العلمي أو البحث المنطقي ‪ ،‬ول جواب لها فلي الحقيقلة‬
‫ة قاتلة من قواتل السماء تعطيه الرد العلمللي علللى‬ ‫إل صاعقة ربانية ‪ ،‬أو أي ّ ُ‬
‫تطللاوله ‪ ،‬ولكللن الللله تبللارك وتعللالى حليللم ‪ ،‬يمهللل كللثيرا ً ‪ ،‬حللتى إذا أخللذ‬
‫بالعذاب أخذ أخذا ً كبيرا ً ‪.‬‬

‫وأبدأ بالتركيز عللى الحجللة الشليطانية الللتي تسلاءل فيهلا علن عللة‬
‫وجود المصدر الول للشياء ‪ ،‬وزعم فيها أن إحالة المؤمنين ذلك على الللله‬
‫تبارك وتعالى يساوي نظريا ً وقوف الملحدين عن السديم ‪ ،‬الللذي اعتللبروه‬
‫المللادة الولللى لهللذا الكللون ‪ ،‬وزعللم أن كل الفريقيللن ل يجللد جواب لا ً إل أن‬
‫يقول ‪ :‬ل أعرف إل أن وجود هللذا الصللل غيللر معلللول ‪ ،‬وزعللم أن الملحللد‬
‫اعلترف بهلذا قبلل الملؤمن بخطلوة واحلدة ‪ ،‬ثلم خلادع بلأن إعلن الجهلل‬
‫والعتراف به من متطلبللات المانللة الفكريللة حيللن ل توجللد أدلللة وشللواهد‬
‫وبراهين كافية ‪.‬‬

‫ولدى البحث المنطقي الهادئ ‪ ،‬يتبين لكل ذي فكر صحيح ‪ ،‬أن هللذه‬
‫الحجلة اللتي سلاقها ليسلت إل مغالطلة ملن المغالطلات الفكريلة ‪ ،‬وهلذه‬
‫المغالطة قائمة على التسللوية بيللن أمريللن متبللاينين تباين لا ً كلي لا ً ‪ ،‬ول يصللح‬
‫التسوية بينهما في الحكم ‪ .‬وفيما يلي تعرية تامة لهذه المغالطللة مللن كللل‬
‫التلبيسات التي جللها بها ‪.‬‬

‫فإذا وضعنا هذه المغالطة بعبارتها الصحيحة كللانت كالتللالي ‪ :‬مللا دام‬
‫الموجود الزلي غيللر معلللول الوجللود فلللم ل يكللون الموجللود الحللادث غيللر‬
‫معلول الوجود أيضًا؟‬

‫وكل ذي فكر صحيح سليم من الخلل يعلم علللم اليقيللن أنلله ل يصللح‬
‫أن ُيقاس الحادث على القديم الزلي الذي ل أول له ‪ ،‬فل يصح أن يشللتركا‬
‫بناء على ذلك في حكم واحد ‪.‬‬
‫وعلى هذه الطريقة من القياس الفاسد من أساسلله صللنع مغللالطته‬
‫الجدلية ‪ .‬والملحدون حين يصنعون مثل هذا السللتدلل الفاسللد يسللارعون‬
‫إلى ستر فساد أدلتهم بعبارات التقدم العلمي ‪ ،‬والمناهج العلمية ‪ ،‬والتقدم‬
‫الصناعي ‪ ،‬والمناهج العقلية في تقصي المعرفة ‪ ،‬والتجاهات الثوريللة فللي‬
‫المجتمع والقتصاد ‪ ،‬ويخلطون هذه العبارات خلطا ً ‪ ،‬ويحشللرونها فللي كللل‬
‫مكان ومع كل مناقشة ‪ ،‬تمويها ً وتضليل ً ‪ ،‬كللأن التقللدم العلمللي والصللناعي‬
‫لللحاد وحده ‪ ،‬وليس لليمان ‪ ،‬مع أن الدنيا جميعها وملا فيهلا ملن ماديلات‬
‫قد كانت وما زالللت ولللن تللزال حللتى تقللوم السللاعة للمللؤمنين والكللافرين‬
‫وغيرهم على سواء ‪ ،‬ضمن سنن الللله الثابتللة الللتي ل تتغيللر ‪ ،‬وهللي مجللال‬
‫مفتوح لكل النللاس ‪ ،‬إذ يمتحللن الللله بهللا إرادتهللم وسلللوكهم فللي الحيللاة ‪،‬‬
‫ليبلوهم أيهم أحسن عمل ً ‪.‬‬

‫م ل تكون المادة الولى لهللذا الكللون )كالسللديم‬ ‫فإذا قال الملحد ‪:‬ول ِ َ‬
‫مث ً‬
‫ل( قديمللة أزليللة غيللر حادثللة ‪،‬تنطلللق منهللا التحللولت ثللم ترجللع إليهللا‬
‫التحولت؟‬

‫فللإن جللوابه يأخللذه مللن هللذا الكللون نفسلله ‪،‬ومللا فيلله مللن صللفات‬
‫وخصائص ‪.‬‬

‫إن هذا الكون يحمل دائملا ً وباسلتمرار صلفاته حلدوثه ‪ ،‬تشلهد بهلذه‬
‫الحقيقة النظرات العقلية المستندة إلى المشاهدات الحسية ‪ ،‬وتشللهد بهللا‬
‫أيضا ً البحوث العلمية المختلفللة فلي كلل مجللالت مللن مجللالت المعرفللة ‪،‬‬
‫صل إليها العلماء الماديون ‪.‬‬
‫والقوانين العلمية التي تو ّ‬

‫وإذا ثبت أن هذا الكون حادث له بداية وله نهايللة كللان ل بللد للله مللن‬
‫علة تسبب له هذا الحدوث ‪ ،‬لستحالة تحول العدم نفسه إلللى وجللود ‪ ،‬أمللا‬
‫ما ل يحمل في ذاته صفات تدل على حدوثه فوجللوده هللو الصللل ‪ ،‬ولللذلك‬
‫فهو ل يحتاج أصل ً إلى موجد يوجده ‪ ،‬وكل تساؤل عن سبب وجوده تساؤل‬
‫باطل منطقيا ً ‪ ،‬لنه أزللي واجلب الوجلود ‪ ،‬وليلس حادثلا ً حلتى ُيسلأل علن‬
‫سبب وجوده ‪.‬‬

‫ولو كانت صفات الكون تقتضي أزليته لقلنا فيه كذلك ‪ ،‬لكن صللفات‬
‫الكون المشاهدة والمدروسة تثبت حدوثه ‪.‬‬

‫وهنا تكمن مغالطة الملحد ‪ ،‬إذ أراد أن يجعللل الكللون أزلي لا ً ‪ ،‬مللع أن‬
‫البراهين تثبت أنه حادث ‪ ،‬وذلك ليتخلص من الضرورة العقليللة الللتي تلللزم‬
‫باليمان بوجود خالق لهذا الكون الحادث ‪ ،‬لن الحدوث من العدم المطلللق‬
‫دون سبب موجود سابق عليه مستحيل عقل ً ‪.‬‬

‫أما البرهان على أن هذا الكون حادث وليس بأزلي فتقدمه لنا الدلة‬
‫العقلية الفلسفية القديمة ‪ ،‬والقوانين العلمية الحديثة ‪.‬‬
‫فالدلة العقلية الفلسفية تثبت لنا حدوث العللالم مللن ظللاهرة التغيللر‬
‫الملزملة لكلل شليء فيله ‪ ،‬وذلللك لن التغيلر نللوع ملن الحللدوث للصلورة‬
‫والهيئة والصفات ‪ ،‬وهذا الحدوث ل بد للله مللن عللل ‪ ،‬وتسلس لل ً مللع العلللل‬
‫للمتغيرات الولى ‪ ،‬سنصل حتما ً إلى نقطة بدء نقرر فيها أن هذا الكون للله‬
‫بداية ‪ ،‬في صفاته وأعراضه ‪ ،‬وفي ذاته ومادته الولى ‪ ،‬وحينمللا نصللل إلللى‬
‫هللذه الحقيقللة ل بللد أن نقللرر أن خالقلا ً أزليلا ً ل يمكللن أن يتصللف بصللفات‬
‫تقتضي حدوثه ‪ ،‬وهذا الخالق هو الللذي خلللق هللذا الكللون وأمللده بالصللفات‬
‫التي هو عليها ‪.‬‬

‫وحين ل ُيسّلم بمثل هذه الدلة الفلسفية العقليللة طائفللة المفتللونين‬


‫بالعلوم الحديثة وقوانينها ومنجزاتها ‪ ،‬فإننللا نللأتيهم بأدلللة مللن هللذه العلللوم‬
‫وقوانينها تثبت حدوث هذا الكون ‪.‬‬

‫اكتشف العللم الحلديث القللانون الثلاني للحللرارة الديناميكيللة ‪ ،‬وهلو‬


‫القانون يسمون )قانون الطاقة المتاحة( أو يسمونه )ضابط التغير(‪.‬‬

‫وهذا القانون يثبت أنه ل يمكن أن يكون وجللود الكللون أزليلا ً ‪ ،‬إذ هللو‬
‫يفيد تناقص عمل الكون يوما ً بعد يوم ‪ ،‬ول بد من وقت تتساوى فيه حرارة‬
‫جميع الموجودات ‪ ،‬وحينئذ ل تبقى أية طاقة مفيدة للحياة والعمل ‪ ،‬وتنتهي‬
‫العمليات الكيميائية والطبيعية ‪ ،‬وبذلك تنتهي الحياة ‪.‬‬

‫يذكر هذا التحقيللق العلمللي عللالم أمريكللي فللي علللم الحيللوان ‪ ،‬هللو‬
‫)إدوارد لوثر كيسل( ثم يقول ‪:‬‬

‫"وهكللذا أثبتللت البحللوث العلميللة دون قصللد أن لهللذا الكللون بدايللة ‪،‬‬
‫فللأثبتت تلقائيلا ً وجللود الللله ‪ ،‬لن كللل شلليء ذي بدايللة ل يمكللن أن يبتللدئ‬
‫بذاته ‪ ،‬ول بد أن يحتاج إلى المحرك الولى الخالق الله"‪.‬‬

‫ونجد مثل هذا في كلم )السير جيمس( إذ يقول في كلم له‪:‬‬

‫"تؤمن العلوم الحديثة بأن )عملية تغير الحرارة( سوف تستمر حللتى‬
‫تنتهي طاقاتها كلية ‪ ،‬ولم تصل هذه العملية حللتى الن إلللى آخللر درجاتهللا ‪،‬‬
‫لنه لو حدث شيء مثل هذا لما كنا الن موجودين على ظهللر الرض حللتى‬
‫نفكر فيها ‪ ،‬إن هذه العملية تتقدم بسرعة مع الزمن ‪ ،‬ومن ثم ل بد لها من‬
‫بداية ‪ ،‬ول بد أنه قد حدثت عملية في الكون يمكن أن نسللميها )خلق لا ً فللي‬
‫وقت ما( حيث ل يمكن أن يكون هذا الكون أزليًا"‪.‬‬

‫فحدوث هذا الكون أمللر معللترف بلله عنللد العلمللاء المللاديين ‪ ،‬ولكللن‬
‫الملحدين بالله يغالطون فللي الحقللائق ‪ ،‬ويتظللاهرون بالنتمللاء إلللى قافلللة‬
‫العلم والبحث العلمي زورا ً وبهتانا ً ‪ ،‬ليحتموا بحماها ‪.‬‬
‫ورغم هذه الحقيقة التي ثبت بها حدوث الكون لدى العلماء الماديين‬
‫وي بين الله والكون المادي في موضللوع‬ ‫نرى الناقد )العظم( يحاول أن يس ّ‬
‫الزلية ‪ ،‬ليتوصل من ذلك إلللى التمللويه بللأن الكللون أزلللي أو ل نللدري علللة‬
‫وجوده ‪ ،‬كما أن المؤمنين بالله يرون أن الله أزلي ‪ ،‬أو ليدرون علة وجللود‬
‫الله ‪.‬‬

‫وى في الحكللم‬‫ومن هذا نلحظ أنه أقام كلمه على المغالطة ‪ ،‬إذ س ّ‬
‫بين الحادث والزلي ‪ ،‬فزعم أن الحادث أزللي وأن الزللي حلادث ‪ ،‬ملع أن‬
‫العلم والعقل يكذبانه ويعريان مغالطته ‪.‬‬
‫على أن اّدعاءه أن المؤمن بالله ل يدري علة وجود الله مغالطة في‬
‫الحقيقة أيضًا‪.‬‬

‫فمن أصله الوجود ‪ ،‬ووجود أزلي ‪ ،‬فإنه ل يحتاج إلللى علللة لوجللوده ‪،‬‬
‫إذ السؤال عن هذه العلة أمر مخالف للمنطق السليم ‪ ،‬أو عبث من العبث‬
‫‪ ،‬أو مغالطة قائمة على اليهام بأنه حادث غير أزلي ‪.‬‬

‫وهنا يطللرح الملحللدون علللى عللوام المسلللمين مغالطللة فللي سللوق‬


‫الدليل على وجود الله ‪ ،‬فيقولون لهم ‪ :‬ألستم تقولللون ‪ :‬إن كللل موجللود ل‬
‫بد له من موجد ‪ ،‬وإن هذا الكون موجود فل بد للله مللن موجللد ‪ ،‬وذلللك هللو‬
‫الله تعالى؟‬

‫فيقول له العامي الذي ل يعللرف أصللول المغالطللات ‪ :‬بلللى ‪ .‬عنللدئذ‬


‫يستدرجه الملحد فيقول له ‪ :‬الله موجود وهو على حسب الللدليل ل بللد للله‬
‫من موجد ‪ ،‬فيجد العامي نفسه قد انقطع إذ لم يستطع جوابا ً ‪.‬‬

‫لكن الخبير ل يقبل أصل ً صيغة الدليل على هللذا الللوجه القللائم علللى‬
‫المغالطة ‪.‬‬

‫وذلك لن المقدمة )كل موجود ل بد له من موجد( مقدمة كاذبة غير‬


‫صحيحة ‪ ،‬فالخبير ل يسلم بها لفسللادها ‪ ،‬وإنمللا يقللول بللدلها ‪) :‬كللل موجللد‬
‫حادث لم يكن ثم كان ل بد لهللم مللن محللدث( ‪ ،‬ثللم يقللول ‪) :‬وهللذا الكللون‬
‫موجود حادث لم يكن ثم كان بشللهادة العقللل وبشللهادة البحللوث العلميللة(‬
‫عندئذٍ تتحصل النتيجللة علللى الللوجه التللالي ‪) :‬إذن فل بللد لهللذا الكللون مللن‬
‫محدث( ‪ ،‬وهذا المحدث للكون ل بد أن يكون موجودا ً أزليا ً غير حادث ‪ ،‬ول‬
‫بد أن يكون منزها ً عن كل الصفات التي يلزم منها حللدوثه ‪ ،‬حللتى ل يحتللاج‬
‫إلى موجد يوجده ‪ ،‬بمقتضى الدليل الذي أثبتنا فيه وجود الله ‪.‬‬

‫فمغالطة الملحد في المقدمة التي أوهم بها قائمة على التعميم ‪ ،‬إذ‬
‫وضع )كل موجود( بدل )كل موجود حللادث( ‪ ،‬ومعلللوم أن عبللارة )موجللود(‬
‫تشمل الموجود الزلي والموجود الحادث ‪.‬‬
‫وهكذا تجري مغالطات الملحللدين ‪ ،‬ليتصلليدوا بهللا الجهلللة والغللافلين‬
‫من المسلمين ‪ ،‬بغية استدراجهم وإحراجهم ‪ ،‬ونقلهلم ملن مرحللة اليملان‬
‫إلى مرحلة التشكك ‪.‬‬

‫فالمؤمن إذن يعلم أن الخالق موجود أزلي ليس له من الصللفات مللا‬


‫يلزم منها حدوثه ‪ ،‬ووجلوده هلو الصللل ‪ ،‬فل يسلأل علن علللة وجلوده عنللد‬
‫العقلء أصلل ً ‪ ،‬والسللؤال عللن علللة وجللوده أمللر مخللالف للحقيقللة العلميللة‬
‫المنطقية التي انتهينا إليها ‪.‬‬

‫ما أصله العدم ‪ :‬ما هللي علللة عللدمه؟ لن مثللل هللذا‬ ‫وكما ل ُيسأل ع ّ‬
‫السؤال ل يرد إل على افتراض أن أصللله الوجللود ‪ ،‬وهللذا ينللاقش أن أصللله‬
‫العدم ‪ ،‬كذلك ما أصله الوجود ل ُيسأل عللن علللة وجللوده ول يبحللث عنهللا ‪،‬‬
‫لن أي سؤال أو بحللث عنهللا ل يكللون إل علللى افللتراض أن أصللله العللدم ‪،‬‬
‫وبهذه العلة تحول من العدم إلللى الوجللود ‪ ،‬لكللن هللذا الفللتراض مرفللوض‬
‫ابتداًء ‪ ،‬باعتبار أن أصله الوجود ‪.‬‬

‫وبهذا يتضح لنا تماما ً أنه ل ُيسال ول يبحث عن علة وجود مللا الصللل‬
‫فيه الوجود ‪.‬‬

‫وبهذا أيضا ً تسللقط المغالطللة الللتي طرحهللا الملحللد فللي مناقشللته ‪،‬‬
‫ويظهر فساد تسللويته بيللن الكللون الحللادث وبيللن الخللالق الزلللي ‪ .‬وحينمللا‬
‫نطالبه بعلة وجود الحادث وهو الكون فليس من حقه المنطقي أن يطالبنللا‬
‫بعلة وجود الله الزلي ‪.‬‬

‫وليس من حق الملحلد أن ينكلر الوجلود الزللي كلله ملا دام الواقلع‬


‫يكذبه ‪ ،‬والبراهين العلمية تهزأ به ‪ ،‬لنه لو لم يكن في الوجود موجود أزلي‬
‫لستحال أن يوجد شيء في هللذا الكللون ‪ ،‬لن الفللتراض علللى هللذا يقللوم‬
‫على أساس العدم المطلق ‪.‬‬

‫وهل يتحول العدم المطلق بنفسه إلى وجود؟‬

‫هذا من المستحيلت البدهية ‪ ،‬ول يقبللله عقللل فيلله مثقللال ذرة مللن‬
‫تفكير منطقي سليم ‪.‬‬

‫إن هذا الكون الذي نحن جزء منه موجود حادث ذو بدايللة ‪ ،‬وكللل ذي‬
‫بداية ل بد له من علة كانت السبب في وجللوده ‪ ،‬وإيجللاده قللد كللان عمليللة‬
‫من عمليات الخلق ‪ ،‬وعملية الخلق إنمللا تتللم بخللالق قللادر ‪ ،‬وهللذا الخللالق‬
‫القادر ل بد أن يكون أزليا ً ‪ ،‬ول بد أن يكون متحليا ً بالكمال المطلللق ‪ ،‬هللذه‬
‫هي عقيدة المؤمنين بالله ‪.‬‬

‫وهكذا وضحت لنا مغالطات العظم في هذا المجال ‪.‬‬


‫فأين المانة الفكرية التي يغار عليها ؟‬
‫هل هذا هو المنهج العلمي المتقدم؟ أفي المناهج العلميللة المتقدمللة‬
‫بناء الحكام على المغالطات والكاذيب؟‬

‫ولكن ماذا يفعل المبطلون غير هذا لدعم باطلهم؟‬

‫)‪(3‬‬

‫جّند الناقد )د‪ .‬العظم( كل ما لديه ولدى سادته من أفكار ومغالطات‬


‫‪ ،‬ليثبت وجود التناقض بيللن الللدين والعلللم ‪ ،‬وليعتللبر هللذا التنللاقض حقيقللة‬
‫مقررة ‪ ،‬بغية التوصل من ذلك إلللى إنكللار الللدين كللله ‪ ،‬باعتبللاره مناقض لا ً‬
‫للعمل حسب فريته القائمة على المغالطات والتمويهات ‪.‬‬

‫قال في الصفحة )‪ (25‬من كتابه‪:‬‬

‫"ولنلمس طبيعة هذا الفارق بين النظرة الدينية القديمة وبين‬


‫النظرة العلمية التي حلت محلها ‪ ،‬سللنوجه انتباهنللا إلللى مثللال محللدد يللبين‬
‫بجلء كيللف يقودنللا البحللث العلمللي إلللى قناعللات وتعليلت تتنللافى مللع‬
‫المعتقدات والتعليلت الدينية السائدة ‪ ،‬ممللا يضللطرنا إلللى الختيللار بينهمللا‬
‫اختيارا ً حاسما ً ونهائيًا"‪.‬‬

‫ثم أتى بالمثال الذي زعم أنه يدعم كلمه فقال‪:‬‬


‫" ل شك أن القارئ يعرف التعليل السلمي التقليدي لطبيعة الكللون‬
‫ونشأته ومصيره‪:‬‬

‫خلق الله هذا الكون في فترة معينة من الزمن ‪ ،‬بقوله ‪ :‬كن فكان ‪،‬‬
‫ول شك أنه يذكر حادثة طرد آدم وحواء من الجنة ‪ ،‬تلك الحادثللة الللتي بللدأ‬
‫بها تاريخ النسان على هذا الرض ‪.‬ومن صلب المعتقللدات الدينيللة أن الللله‬
‫يرعللى مخلوقللاته بعنللايته وهللو يسللمع صلللواتنا وأحيانلا ً يسللتجيب لللدعائنا ‪،‬‬
‫ويتدخل من وقت لخر في نظام الطبيعة فتكون المعجزات ‪ ،‬أمللا الطبيعللة‬
‫فقد حافظت على سماتها الساسية منذ أن خلقها الللله ‪ ،‬أي ‪ :‬إنهللا تحتللوي‬
‫الن على نفس الجرام السماوية وأنواع الحيوانللات والنباتللات الللتي كللانت‬
‫موجودة فيها منذ اليوم الول لخلقها "‪.‬‬

‫ثم يقول في معارضة ما جاء في الدين‪:‬‬


‫" أما النظرة العلمية حول الموضوع ذاته فل تعللترف بللالخلق مللن ل‬
‫شيء ‪ ،‬ول تقر بأن الطبيعة كانت منذ البداية كما هي عليه الن "‪.‬‬
‫فللي هللذا الكلم الللذي أورده كللذب علللى الللدين ‪ ،‬ومغالطللة فللي‬
‫الحقيقة ‪ ،‬وتمويهات بذكر بعض أمور هي ملن اللدين ‪ ،‬أوردهلا ليغشلي بهلا‬
‫على نظر القارئ ‪ ،‬فل يبصر مواطن الفتراءات ‪ ،‬ومزالق المغالطات ‪.‬‬
‫لقد أدخل فكرة ل يعترف بها الدين أصل ً ‪ ،‬ضمن عرضه لطائفة مللن‬
‫المفاهيم والعقائد الدينية الصحيحة ‪ ،‬ليضلل القارئ باليهام الذي اصللطنعه‬
‫له ‪ ،‬وليجعله يعتقد أن هذه الفكرة الدخيلة هي فعل ً من المفاهيم الدينيللة ‪،‬‬
‫ما دامت قد وردت ضمن مجموعة مفاهيم صحيحة يعرفها هو عن الدين ‪.‬‬

‫لقد زعم أن السلم يرى أن الطبيعة قد حافظت على سللماتها منللذ‬


‫أن خلقها الله ‪ ،‬أي ‪ :‬إنها تحتوي الن على نفس الجلرام السلماوية وأنلواع‬
‫الحيوانات والنباتات التي كانت موجودة فيها منذ اليوم الول لخلقها ‪.‬‬

‫مع أن هذا افتراء صللريح علللى الللدين ‪ ،‬تكللذبه بالنصللوص القرآنيللة ‪،‬‬
‫ولست أدري من أين جاء بهذه المفاهيم فألصقها الدين؟‬

‫لمللا تحللدث القللرآن عللن فئة الحيوانللات الللتي خلقهللا الللله لركللوب‬
‫النسان ‪ ،‬وليتخذها زينة له ‪ ،‬ألحقها بقوله تعالى ‪} :‬ويخلق مللا ل تعلمللون{‬
‫بصيغة الفعل المضارع التي تدل على الحال والستقبال ‪ ،‬للدللللة علللى أن‬
‫عمليات التجديد في الخلق الرباني للشياء مسللتمرة غيللر منقطعللة ‪ ،‬قللال‬
‫الله تبارك وتعالى في سورة )النحل‪ 16/‬مصحف‪ 70/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫خلل َ‬ ‫ن* َ‬ ‫ُ‬
‫شلرِكو َ‬ ‫مللا ي ُ ْ‬ ‫حقّ ت َعَللال َ ٰى عَ ّ‬ ‫ض ب ِل ٱل ْ َ‬ ‫ت وَٱلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سل َ‬ ‫خل َقَ ٱل ّ‬ ‫} َ‬
‫َ‬
‫ف لءٌ‬ ‫م ِفيهَللا دِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قَها لك ْ‬ ‫َ‬
‫خل َ‬ ‫م َ‬‫ن * وَ ٱ للن َْعا َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫م ّ‬‫صي ٌ‬ ‫خ ِ‬ ‫ذا هُوَ َ‬ ‫فةٍ فَإ ِ َ‬ ‫ْ‬
‫من ن ّط َ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫للن ْ َ‬‫ٱ ِ‬
‫ن*‬ ‫مللا ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫حو َ‬ ‫سلَر ُ‬‫ن تَ ْ‬ ‫حيل َ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫حللو َ‬ ‫ري ُ‬
‫ن تُ ِ‬ ‫حيل َ‬
‫ل ِ‬ ‫ج َ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫ن * وَلك ْ‬ ‫من َْها ت َأكلو َ‬ ‫مَنافِعُ وَ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫شلقّ ٱللن ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن َرب ّكل ْ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫فل ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م ت َكون ُللوا ب َللال ِِغيهِ إ ِل ب ِ ِ‬ ‫م إ ِلل ٰى ب َللدٍ لل ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قللالك ْ‬ ‫ل أث ْ َ‬ ‫مل ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫وَت َ ْ‬
‫مللا ل َ‬ ‫خل لقُ َ‬‫ُ‬ ‫ة وَي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ميَر ل ِت َْركُبوهَللا وَِزين َل ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ل و َ ٱل َ‬
‫ْ‬ ‫ل وَ ٱل ب َِغا َ‬
‫ْ‬ ‫خي ْ َ‬ ‫م * وَ ٱل َ‬
‫ْ‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف ّر ِ‬ ‫ؤو ٌ‬ ‫لَر ُ‬ ‫َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬

‫أليس في هذا إعلنلا ً صللريحا ً مخالفلا ً لمللا زعللم )د‪ .‬العظللم( مللن أن‬
‫الدين يقرر أن الطبيعة قد حافظت على سماتها من أن خلقها الله ‪.‬‬

‫وبالنسبة إلى الجرام السماوية ل نجللد فللي النصللوص السلللمية مللا‬


‫يدل على هذا اللذي افلتراه )العظلم( عللى المفلاهيم السللمية ‪ ،‬بلل فلي‬
‫النصوص ما يدل على خلف ذلك ‪ ،‬قال الله تعالى فللي سللورة )الللذاريات‪/‬‬
‫‪ 51‬مصحف‪ 67/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ن{‪.‬‬‫سُعو َ‬
‫مو ِ‬ ‫َ‬
‫ها ب ِأي ْدٍ وَإ ِّنا ل ُ‬
‫مآَء ب َن َي َْنا َ‬ ‫} و َ ٱل ّ‬
‫س َ‬

‫فكلمة )موسعون( في الية تشير إلى أعمال التوسعة المتجددة في‬


‫السماء ‪ ،‬وذلك لن هذه الكلمة من صيغ اسم الفاعل ‪ ،‬صيغة اسم الفاعللل‬
‫بقللوة المضللارع مللن جهللة الدللللة ‪ ،‬هللي للتعللبير عللن الحللال أول ً ثللم عللن‬
‫الستقبال ‪.‬‬

‫أفل نجد أن المانة الفكرية التي تظاهر )د‪ .‬العظم( بالغيرة عليها‬
‫ذبيحة بسكين َ‬
‫غدِره ‪ ،‬وختلللة ومخللادعته ‪ ،‬ومغالطللاته ‪ ،‬وافللتراءاته؟ ومثللله‬
‫سائر الملحدين ‪.‬‬
‫لقللد غللدا معروف لا ً تمام لا ً أنهللم يطلقللون بعللض العبللارات الشللريفة‬
‫للتضليل فقط ‪ ،‬وهم ل يلتزمون أي مضمون من مضامينها الصحيحة ‪.‬‬

‫أما قوله ‪ :‬إن النظرية العلمية ل تعترف بالخلق من ل شيء ‪.‬‬

‫فهو ُيشيُر بهذا إلى نظرية )لفوازيه( التي تقول‪ :‬ل يخلق شلليء ملن‬
‫العدم المطلق ول يعدم شيء وإنما هي تحولت من مللادة لطاقللة ‪ ،‬أو مللن‬
‫طاقة لمادة ‪ ،‬أو من مادة لمادة ‪.‬‬

‫وحين ندقق النظر في أصول ما قرره )لفللوازيه( نجللد أنهللا تتحللدث‬


‫عن مجلال معيلن ذي أبعلاد ‪ ،‬وليلس فللي مسلتطاعها أن تتحلدث علن كلل‬
‫الوجود في كل أبعاده من الزل إلى البد ‪ ،‬فهذا أمر ل تستطيع تقريره أيللة‬
‫نظرية استقرائية مهما بلغ شأنها ‪ ،‬إل أن يكون كلمها رجما ً بالغيب ‪ ،‬وتكهنا ً‬
‫ل سند له ‪ ،‬وطرحا ً تخيليا ً محضًا‪.‬‬

‫وأبعاد نظرية )لفوازيه( هذه ثلثة‪:‬‬


‫الول ‪ :‬البعد الزمني ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬البعد المكاني ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬البعد الدراكي ‪.‬‬

‫وهنا نتساءل ‪ :‬هللل رصللد واضللعو هللذه النظريللة العلميللة ومقرروهللا‬


‫أجزاء الكون في كللل الزمللان ‪ ،‬بمللا فيهللا الزمللان السللحيقة فللي القللدم ‪،‬‬
‫وعرفوا منها أنه لم يخلق في الزمان القديمة جدا ً شيء من العدم؟‬

‫والجواب‪ :‬أنهم لم يفعلوا ذلك لنه ل يتسنى لهم بحال من الحللوال ‪،‬‬
‫وهم أبناء النهضة العلمية الحديثة ‪ ،‬على أن الدلة العلمية التي سبق بيانهللا‬
‫قد أثبتت أن لهذا الكون بداية ‪ ،‬وهذا يعني أنه لم يكللن ثللم كلان ‪ ،‬فهلو إذن‬
‫مخلوق من العدم ‪ ،‬بقدرة خالق موجود أزلي ‪.‬‬

‫فهذه النظرية ل تتحدث عن النطلقللة الولللى للكللون ‪ ،‬لن أي لا ً مللن‬


‫الجهزة العلمية ل تستطيع أن تسللترجع الزمللان السللحيقة وترصللد الكللون‬
‫فيها ‪ ،‬وكللذلك ل تسللتطيع النظللرات التحليليللة السللتنتاجية أن تحكللم علللى‬
‫ماضللي الكللون وانطلقتلله الولللى ‪ ،‬بالقيللاس علللى واقعلله النظللامي الللذي‬
‫نشاهده في الحاضر ‪ ،‬لحتمال الختلف البّين بين نقطة البدء وبين ما يأتي‬
‫بعدها من حالت نظامية مستمرة ‪.‬‬

‫فنظرية )لفوازيه( ل تتناول بحال مللن الحللوال الزمللن الول لبدايللة‬


‫الكون ‪ ،‬ومجالها يأتي في الزمان التي يترجللح فيهللا قيللام النظللام الكللوني‬
‫الذي درسته هذه النظرية ‪ ،‬وبهذا يتبين لنا أن التعميم الزمني فيها الشامل‬
‫لكل أزمان الماضي غير صحيح ‪.‬‬
‫ثم نتساءل ثانيا ً ‪ :‬هل رصد واضعو هذه النظريللة العلميللة ومقرروهللا‬
‫أجزاء الكون في مستقبل ما يأتي من الزمان ‪ ،‬وثبت لهم من رصدهم أنلله‬
‫ل يمكن أن يخلق شيء من العدم ‪ ،‬ول يمكن أن يعدم شيء موجود؟‬

‫ولكن كيف يتسنى لهم رصد المستقبل وهللم ل يملكللون اسللتقدامه؟‬


‫ل ما يملكونه قياس المستقبل على الحاضر والماضي ‪ ،‬بشرط اسللتمرار‬ ‫ج ّ‬
‫نظام الكون القائم ‪ ،‬ول يستطيعون أن يحكموا علللى الكللون بللأنه ل يمكللن‬
‫أن يتغير نظامه الكلي ‪ ،‬فتأتيه حالللة مللن الحللالت يمسللي فيهللا عللدما ً ‪ ،‬أو‬
‫تنعدم بعض أجزاء منه ‪ ،‬أو تضاف إليه أجزاء لم تكن هيئتها ول مادتها فيه ‪،‬‬
‫فهذا حكم ل سبيل إليه ‪ ،‬إنه حكم مجهول ‪ ،‬والحكم على المجهول باطل ‪.‬‬

‫فنظرية )لفوازيه( تنطبق على هذا الكللون بشللرط اسللتمرار نظللامه‬


‫القائم ‪ ،‬وهي ل تحكلم عللى المسللتقبل حكملا ً قاطعلا ً باسللتحالة تغيلر هللذا‬
‫النظام ‪ ،‬ولكن ما دام هذا النظام الكوني قائما ً ‪ ،‬فإن ضابطه أن جميللع مللا‬
‫يجري من مدركات فيه إنما هو مللن قبيللل التحللولت ‪ ،‬وبهللذا يتللبين لنللا أن‬
‫التعميم الزمني فيها الشامل لكل أزمان المستقبل غير صحيح ‪.‬‬

‫هذا ما يتعلق بتحديد البعد الزمني للنظرية ‪ ،‬أما تحديد البعد المكاني‬
‫لها فنقول فيه‪:‬‬
‫هل رصد واضعو هذه النظرية ومقرروها هذا الكون فللي كللل أبعللاده‬
‫المكانية؟‬

‫أل يحتمل وجود مكان سحيق فيه لم يرصدوه ولم يعرفوا ما فيه؟‬

‫أفيحكمون عليه إذن حكما ً غيابيلا ً قياسلا ً علللى مللا رصللدوه منلله فللي‬
‫المكنة التي استطاعت أن تبلغ إلى مداها أجهزتهم وملحظاتهم؟‬

‫إن هذا الحكم الغيابي مع جهالة الخصائص والصللفات حكللم باطللل ‪،‬‬
‫وهذا طبعا ً ل يعني ضرورة مخالفة الغللائب للحاضللر ‪ ،‬ولكللن ل يعنللي أيضلا ً‬
‫لزوم موافقته ‪.‬‬

‫فل بد إذن من تحديللد مكللان النظريللة بالبعللاد المكانيللة الللتي كللانت‬


‫مجال الملحظة والقياس والجهزة ‪ ،‬مع التجاوز بصللحة قيللاس مللا شللابهها‬
‫عليها ‪ ،‬مما لم يخضع للملحظة المباشرة ‪.‬‬
‫وهكذا يظهر لنا تحديد البعد المكاني لهذه النظرية ‪ ،‬وهو أمر تقتضيه‬
‫الدراسة المنطقية الحيادية ‪ ،‬وتوجيه المانة الفكرية في البحث الجللاد عللن‬
‫المعرفة والحقيقة ‪ ،‬وهذا هو المر الذي يتظاهر )د‪ .‬العظم( بالتحمس للله ‪،‬‬
‫وبالغيرة عليه ‪.‬‬

‫أما تحديد البعد الدراكي للنظرية فيتلخص بأن النظرية قلد اعتملدت‬
‫على ملحظة عالم الشهادة من الكون المنظور المدرك ‪ ،‬أما عللالم الغيللب‬
‫الذي ل تصل إليه الدراكات النسللانية المباشللرة أو عللن طريللق الجهللزة ‪،‬‬
‫فهو عالم خارج بطبيعته عللن مجللال النظريللة ‪ ،‬لللذلك فإنهللا ل تسللتطيع أن‬
‫تحكم عليه ‪ ،‬لن حكمهما عليه هو من قبيل الحكم علللى الغللائب المجهللول‬
‫ل ما تستطيعه النظريات في هذا المجللال هللي أن‬ ‫ج ّ‬ ‫في ذاته وفي صفاته ‪ُ .‬‬
‫تعلق أحكامها تعليقا ً كليا ‪ ،‬أو تصدر أحكاما مشروطة احتمالية غير جازمة ‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهللذا مللا تقتضلليه الدراسللة العلميللة المنطقيللة الحياديللة ‪ ،‬وتللوجبه المانللة‬
‫الفكرية في البحث الجاد عن المعرفة والحقيقة ‪.‬‬

‫وهكذا ظهر لنا أن نظرية )لفوازيه( لم تتناول من الكون إل مقطعللا ً‬


‫محدود البعاد الثلثة ‪ :‬البعد الزماني ‪ ،‬والبعد المكللاني ‪ ،‬والبعللد الدراكللي ‪،‬‬
‫وهذا المقطع هو مجال ملحظتها‪.‬‬
‫يضاف إلى كل ذلك أن وجود الحياة في المادة لم يقترن بللأي دليللل‬
‫تجريبي يثبت تحول المادة غير الحية إلللى مللادة حيللة ‪ ،‬عللن طريللق التولللد‬
‫الذاتي ‪ ،‬رغم كل التجارب العلمية الللتي قللامت فللي عللالم البحللث العلمللي‬
‫حتى الن ‪.‬‬

‫لذلك نلحظ أن الراء العلمية في هذا المجال ترجع إلى أصول ثلثللة‬
‫كبرى‪:1‬‬

‫* الرأي الول منها ‪:‬‬


‫ما قرره )أغاسيز( في كتابه )تصنيف العضويات( سنة )‪1858‬م( إذ‬
‫قرر أن كل نوع من النواع خلق بفعل خللاص مللن أفعللال القللوة الخالقللة ‪،‬‬
‫و)باستور( مكتشف جراثيم المراض على هذا الرأي ‪.‬‬

‫والقائلون بهذا الرأي قد استقر مذهبهم على "أن كللل حللي ل بللد أن‬
‫يتولد من حي مثله" ‪.‬‬

‫* الرأي الثاني ‪:‬‬


‫الرأي الذي قال به )هيرمان أبير هارد ريختر( إذ رأى أن الفراغ الذي‬
‫نراه مملوءا ً بجراثيم الصورة الحيللة ‪ ،‬كللالجواهر الفللردة الللتي تتكللون منهللا‬
‫المادة الصماء ‪ ،‬كلمهما في تجدد مستمر ‪ ،‬ول يتطرق لهما العللدم ‪ ،‬وبنللى‬
‫قاعدته في أصل الحياة على "أن كل حي أبدي ‪ ،‬ول يتولد إل من خلية"‪.‬‬

‫وهذا الرأي يتضمن أن تطورات المادة من المادة ‪ ،‬وتطورات الحياة‬


‫من الحياة ‪.‬‬

‫* الرأي الثالث ‪:‬‬


‫هو ما ذهب إليه الماديون من أن الحياة نشأت من المادة بالتولد‬
‫الذاتي ‪ .‬وليس لهذا الرأي أي شاهد تجريبي ‪ ،‬أو مستند عقلي ‪ ،‬وقال بهللذا‬
‫كل( في ألمانيا ‪.‬‬
‫الرأي الدكتور )باستيان( في إنكلترا ‪ ،‬والستاذ )هي ِ‬
‫بعد هذه النظرات العلمية المنطقية لنظرية )لفوازيه( وما يتعلق بها‬
‫‪ ،‬يعترضللنا سللؤال حللول النصللوص الدينيللة ‪ ،‬إذ نجللد فيهللا اسللتعمال كلمللة‬
‫عن )إسماعيل مظهر( في مقدمته لكتاب "أصل النواع" ‪ ،‬تأليف )تشارلز داروين(‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫)الخلق( ومشتقاتها بالنسبة إلى الحداث والتغيرات التي توجد داخل مجال‬
‫النظرية المذكورة ‪ ،‬وداخل المقطع المحدود البعاد الثلثة الللذي هللو محللل‬
‫تطبيقها ‪ ،‬أفل يعتبر استعمال كلمة )الخلق( ومشلتقاتها فلي مجللال تطلبيق‬
‫نظرية )لفوازيه( مناقضا ً أو معارضا ً لمضمون هذه النظرية؟‬

‫وأمام هذا السؤال ل بد ملن الرجللوع إلللى اسللتعمال كلمللة )الخلللق(‬


‫ومشتقاتها في اللغة العربية وفي نصوص الشريعة السلمية‪.‬‬

‫ولقد رجعنا فوجدنا أن هذه المادة اللغوية ل تعني دائملا ً اليجللاد مللن‬
‫العدم المطلق ‪،‬بل كللثيرا ً مللا تسللتعمل مللرادا ً منهللا التحويللل فللي الصللفات‬
‫والعناصر التركيبية من حال إلى حال ‪ ،‬ومللن وضللع إلللى وضللع ‪ ،‬ومللن هيئة‬
‫إلى هيئة ‪ ،‬ومن خصللائص إلللى خصللائص ‪ ،‬دون زيللادة شلليء علللى المللادة‬
‫الولى من العدم المطلق ‪ ،‬وفي حدود هذا الستعمال نجد قول الله تعللالى‬
‫في سورة )المؤمنون‪ 23/‬مصحف‪ 74/‬نزول(‪:‬‬

‫ة ِفي‬ ‫ف ً‬‫جعَل َْناهُ ن ُط ْ َ‬‫م َ‬ ‫ن * ثُ ّ‬ ‫طي ٍ‬ ‫سل َل َةٍ من ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬‫سا َ‬ ‫قَنا ٱ ِ‬
‫للن ْ َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قد ْ َ‬ ‫}وَل َ َ‬
‫خل َ ْ‬
‫قن َللا‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ض لغ َ ً‬‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫قل َ‬‫قن َللا ٱْللعَ ل َ َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ة فَ َ‬
‫قل ً‬ ‫ة عَل َ َ‬ ‫فل َ‬‫قن َللا ٱل ّنلط ْ َ‬‫خل َ ْ‬‫م َ‬‫ن * ث ُل ّ‬ ‫كي ل ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫قَ لَرارٍ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك ٱل ّللل ُ‬
‫هل‬ ‫خَر فَت َب َللاَر َ‬ ‫خْلقا ً آ َ‬ ‫شأَناهُ َ‬ ‫م أن َ‬ ‫حما ً ث ُ ّ‬ ‫م لَ ْ‬‫ظا َ‬ ‫سوَْنا ٱ ْللعِ َ‬ ‫ظاما ً فَك َ َ‬‫ع َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ض غَ َ‬‫م ْ‬‫ٱ ْلل ُ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ن ٱْلل َ‬ ‫َ‬
‫قي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫أ ْ‬

‫ففي كل صور الخلق هذه نشاهد عمليات التحويل من وضع إلى‬


‫وضع ‪ ،‬ومن حال إلى حال ‪ ،‬ومن صورة إلى صللورة ‪ ،‬ومللن خصللائص إلللى‬
‫خصائص ‪ ،‬وقد أطلق على هذه التحللويلت أنهللا خلللق ‪ ،‬باعتبللار أن القللدرة‬
‫الربانية هي المتصرفة في كل هذه التحويلت ‪.‬‬

‫وجاء في القرآن إطلق الخلق على تغييللر هيئة الطيللن وجعللله علللى‬
‫صورة طير ‪ ،‬نظرا ً إلى أن الخلللق ل يسللتدعي دائم لا ً أن يكللون إيجللادا ً مللن‬
‫العدم ‪ ،‬وذلك فللي قللول الللله لعيسللى عليلله السلللم كمللا جللاء فللي سللورة‬
‫)المائدة‪ 5/‬مصحف‪ 112/‬نزول(‪:‬‬
‫ن ط َْيللرا ً‬ ‫ُ‬
‫خ ِفيَها فَت َكو ُ‬ ‫ن ك َهَي ْئ َةِ ٱل طلي ْرِ ب ِإ ِذ ِْني فََتن ُ‬
‫ف ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ٱل طلي ِ‬
‫ّ‬ ‫خل ُقُ ِ‬
‫م َ‬ ‫}وَإ ِذ ْ ت َ ْ‬
‫ب ِإ ِذ ِْني‪.{...‬‬

‫وبما أن كل التغييرات الكونية إنما تجري بإرادة الله وقللدرته ‪ ،‬فهللي‬


‫ظواهر لعمال الخلق التي يقوم بها جل وعل ‪.‬‬

‫فعلى التسللليم الكامللل بنظريللة )لفللوازيه( ضللمن حللدودها ‪ ،‬ل نجللد‬


‫تعارضا ً بينها وبين المفللاهيم الدينيللة الللتي دلللت عليهللا النصللوص الصللحيحة‬
‫الصريحة ‪.‬‬

‫لكن مثل هذه الحقائق ل تسر الملحدين ‪ ،‬لنهم حريصون جللدا ً علللى‬
‫أن يظفروا بتناقض ما بين العلم والدين ‪ ،‬حتى يتخللذوا ذلللك ذريعللة لنقللض‬
‫الدين من أساسه ‪.‬‬
‫ولن يظفروا مهما أجهدوا نفوسهم ‪ ،‬وستبوء كل مسللاعيهم بالفشللل‬
‫والخيبة ‪ ،‬لن القرآن حق ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ‪ ،‬تنزيل‬
‫من عزيز حميد ‪ ،‬عليم بكللل شلليء ‪ ،‬ل يعللزب عللن علملله مثقللال ذرة مللن‬
‫السماوات ول في الرض ‪ ،‬ول أصغر من ذلك ول أكبر ‪.‬‬

‫)‪(4‬‬
‫مغالطة بطمس الشهادات المؤمنة للعلماء الماديين‬

‫طمس الناقد )د‪ .‬العظم( كل شهادة مؤمنة قالها عالم من علماء‬


‫النهضة العلمية الحديثة ‪ ،‬ولم يعرض من أقوال هؤلء على كثرتهم إل شيئا ً‬
‫مما جاء في مقال الفيلسوف المريكللي )وليللم جيمللس( الللذي كتبلله تحللت‬
‫عنوان "إرادة العتقاد" ‪.‬‬

‫وذلك لن هللذا الرجللل يللرى فلي مقللاله أن البينللات العلميللة والدلللة‬


‫العقلية غير كافية بحد ذاتها للبرهان على وجود الله أو عدم وجوده ‪ ،‬لللذلك‬
‫يحلق للنسلان أن يتخلذ موقفلا ً ملن هلذه المعضللة يتناسلب ملع علواطفه‬
‫ومشاعره ‪.‬‬

‫لقللد رآه )د‪ .‬العظللم( أضللعف المتجهيللن إلللى جللانب اليمللان بللالله‬
‫والمستدلين له ‪ ،‬فاستشهد بكلمه ‪ ،‬ليجعله الممثل الوحيد لفئة المؤمنين ‪،‬‬
‫في الحوار المغلق الذي رتب بنفسلله فصللوله كمللا راق للله ‪ ،‬لينصللر قضللية‬
‫اللحللاد بللالله ‪ ،‬وليللوهم أن مللا قللاله )جيمللس( هللو أقصللى مللا يحتللج بلله‬
‫المؤمنون‪.‬‬
‫وإمعانا في التضليل يصور للقارئ أن كل ثقل العلللم الحللديث يخللدم‬ ‫ً‬
‫قضللية اللحللاد ‪ ،‬مللع أن العلللم الحللديث كللله ل يملللك دليل ً صللحيحا ً واحللدا ً‬
‫يستطيع أن يثبت عدم وجود خالق مبدع لهذا الكون ‪.‬‬

‫ويستشهد بقطعة أدبية للفيلسوف النكليللزي )برترانللد رسللل( تحللت‬


‫عنوان‪" :‬عبادة النسان الحر" ‪ ،‬إذ يصور فيهللا تفسلليرات الملحللدين لنشللأة‬
‫الكون وتطوره ‪ ،‬ونشأة الحياة وتطورها ‪ ،‬وأصل النسان ونشأته وتطوره ‪،‬‬
‫ونشوء الديانات والعبادات والطقوس وتطورها ‪ ،‬وينكر الخرة وما فيها من‬
‫إقامة العدل اللهي إذ يصور أن الكون بدأ ملن السلديم وهلو إللى السلديم‬
‫يعود ‪.‬‬

‫وفي غضون كلمه يعتبر مللن الحقللائق العلميللة المسلّلم بهللا نظريللة‬
‫)ماركس( في القتصاد والتفسير المللادي للتاريللخ ‪ ،‬ونظريللة )فرويللد( فللي‬
‫السلوك النساني والتفسير الجنسي ‪ ،‬ونظرية )داروين( في أصل النواع ‪،‬‬
‫ويمجد هؤلء الثلثة ‪ ،‬وهو يعلم أن ماركس وفرويد يهوديان وأن معظللم مللا‬
‫قدماه من أفكار إنما كان لخدمة اليهودية العالمية ‪ ،‬ومحاربللة الللدين ‪ ،‬وأن‬
‫عمت الدارونية وعملللت علللى نشللرها والدعايللة لهللا‬ ‫القيادات اليهودية قد د ّ‬
‫لرتباط أهدافها السياسية بنشر اللحاد ‪ ،‬ولقد أسللقطت التجللارب والعلللوم‬
‫بحمد الله أفكار ماركس ‪ ،‬وفرويد ‪ ،‬وداروين‪.‬‬

‫ويعيب على بعض المدافعين عن الدين بأنهم يقدمون أقوال ً تقريرية‬


‫غير مقترنلة بأدللة ‪ ،‬ويلأتي هلو للدعم ملذهبه اللحلادي بقصلة أدبيلة كتبهلا‬
‫الملحد النكليزي )برتراند رسللل( ويعتللبر هللذه القصللة هللي السللند المثللل‬
‫للتحقيق العلمي في قصة الخليقة ‪.‬‬

‫وهل أصبحت هذه القطعة الدبية هي التحقيق العلمي العظيم لقصة‬


‫الوجود كله ‪ ،‬التي بدأت بالسدين وستنتهي إلللى السللديم ‪ ،‬وفللق النظللرات‬
‫التي يرجحها أصحابها دون مستندات علمية صحيحة ‪ ،‬ودون براهيللن معتللبر‬
‫وفق المنهج العلمي السليم؟‬

‫أّنى لواضعي هذه النظرية أن يشهدوا بدايللة الكللون؟ وكيللف يتسللنى‬


‫لهم مشاهدة نهايته؟‬

‫يرى كاتب القصة أن السديم الحار دار عبث لا ً فللي الفضللاء عصللورا ً ل‬
‫تعد ول تحصى ‪ ،‬ثم نشأت عن هذا الدوران هذه الكائنات المنظمة البديعللة‬
‫بطريق المصادفة ‪ ،‬وأن اصطداما ً كبيرا ً سيحدث فلي هلذا الكلون يعلود بله‬
‫كل شيء إلى سديم كما كان أول ً ‪.‬‬

‫ويعلق )د‪ .‬العظم( على هذه القصة الخيالية التي سماها قطعة أدبية‬
‫جميلة ‪ ،‬فيقول في الصفحة )‪.(26‬‬

‫" هذا المقطع الذي كتبلله )رسللل( يلخللص لنللا بكللل بسللاطة النظللرة‬
‫العلمية الطبيعية للقضللايا التاليللة ‪ :‬نشللوء الكللون وتطللوره ‪ ،‬نشللوء الحيللاة‬
‫وتطورهللا ‪ ،‬أصللل النسللان ونشللأته وتطللوره ‪ ،‬نشللوء الللديانات والعبللادات‬
‫والطقوس وتطورها ‪ ،‬وأخيرا ً يشدد على أن النهاية الحتمية لجميللع الشللياء‬
‫هي الفناء والعدم ‪ ،‬ول أمل لكائن بعللدها بشلليء ‪ ،‬إنلله مللن السللديم وإلللى‬
‫السديم يعود"‪.‬‬

‫وهكللذا وبكللل بسللاطة يعتللبر )العظللم( هللذه المللور حقللائق مقللررة‬


‫مسلما ً بها علميا ً ‪ ،‬دون أن تقترن بأي إثبات لها ‪ ،‬أهذا هللو مسللتوى المانللة‬
‫الفكرية عنده؟ أهذا هو المنهج العلمي السليم؟‬

‫ما أبعد المناهج العلمية عن القصص التقريرية ‪ ،‬التي تنسللجها أخيلللة‬


‫الكتاب والدباء والشعراء ‪ ،‬أو أخيلة واضعي النظريات لغراض معينة!!‬

‫ثم استشهد )د‪ .‬العظم( بكلم آخر قاله )رسل( فقال في الصفحة )‬
‫‪:(27‬‬
‫"وفي مناسبة أخرى عنللدما سللئل )رسللل( ‪ :‬هلل يحيللا النسلان بعللد‬
‫الموت؟ أجاب بالنفي ‪ ،‬وشرح جوابه بقوله ‪ :‬عندما ننظر إلى هذا السللؤال‬
‫من زاوية العلللم وليللس مللن خلل ضللباب العاطفللة نجللد أنلله مللن الصللعب‬
‫اكتشاف المبرر العقلي لستمرار الحياة بعد الموت ‪ ،‬فالعتقاد السائد بأننا‬
‫نحيا بعد الموت يبدو لي بدون أي مرتكز أو أساس علمي"‪.‬‬

‫أهكذا ترفض الحقيقة التي جللاء بيانهللا بالخبللار الصللادقة عللن الللله ‪،‬‬
‫بمجرد الستبعاد؟‬

‫حينما يسمع المؤمن بالسلم جواب هذا الفيلسوف النكليزي عن‬


‫الحياة بعد الموت ‪ ،‬فل بد أن تسترجع ذاكرته الجواب الجللاهلي الللذي كللان‬
‫يجيب به كفلار العللرب البلدائيون ‪ ،‬إذ قللالوا كملا حللدثنا القلرآن عنهلم فلي‬
‫سورة )ق‪ 50/‬مصحف‪ 34/‬نزول(‪:‬‬

‫د{‬
‫جعُ ب َِعي ٌ‬ ‫مت َْنا وَك ُّنا ت َُرابا ً ذ َل ِ َ‬
‫ك َر ْ‬ ‫}أ َإ ِ َ‬
‫ذا ِ‬

‫وجوابهم الخر الذي جاء في سورة )النعام‪ 6/‬مصحف‪ 55/‬نزول(‪:‬‬

‫ن{‬
‫مب ُْعوِثي َ‬
‫ن بِ َ‬
‫ح ُ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫حَيات َُنا ٱل ّ‬
‫دلن َْيا وَ َ‬ ‫ي إ ِل ّ َ‬ ‫}وََقال ُ ۤوا ْ إ ِ ْ‬
‫ن هِ َ‬

‫وهنا يبدو لنا بوضوح إن النكار هو الذي ل يرتكز على أساس‬


‫علمي ‪ ،‬إنما يعتمد علللى مجللرد التقريللر للنفلي ‪ ،‬أو اسللتبعاد فكللرة البعللث‬
‫بإطلق عبارات التعجب ‪.‬‬

‫على أن اليمان بالحياة بعد الموت للحساب والجزاء ل بد أن يعتمللد‬


‫على أساس اليمان بالله ‪ ،‬فإثارة هذه العقيللدة دون أسللاس اليمللان بللالله‬
‫هي من قبيل الشتغال بالفروع قبل التفاق على الصللول ‪ ،‬وهللذا ل يللؤدي‬
‫ل وعل جللاء‬ ‫إلى نتيجة صحيحة ‪ ،‬فإذا تم التسليم بعقيدة اليمان بالخالق ج ل ّ‬
‫من بعدها عرض أدلة البعث ‪.‬‬

‫وعندئذ يمكن أن تأتي الدلة العقلية الللتي نب ّلله القللرآن عليهللا ‪ ،‬منهللا‬
‫قول الله تعالى في سورة )يس‪ 36/‬مصحف‪ 41/‬نزول(‪:‬‬

‫م *‬
‫مي ٌ‬
‫ي َر ِ‬
‫م وَهِ َ‬ ‫من ُيحِيي ٱْللعِ َ‬
‫ظا َ‬ ‫ل َ‬‫ه َقا َ‬ ‫خل ْ َ‬
‫ق ُ‬ ‫ي َ‬
‫س َ‬‫مث َل ً وَن َ ِ‬ ‫ب ل ََنا َ‬
‫ضَر َ‬
‫}و َ َ‬
‫م {‪.‬‬ ‫ل َ ْ‬‫مّرةٍ وَهُوَ ب ِك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫هآ أوّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حِييَها ٱل ّذِ ۤي أن َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ق عَِلي ٌ‬
‫خل ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫شأ َ‬ ‫ل يُ ْ‬

‫وحين قلت ‪ :‬إن )العظم( في الحوار المغلق الللذي صللنعه قللد جعللل‬
‫الفيلسوف المريكي )وليم جيمس( هو الممثل الوحيد للمؤمنين من علماء‬
‫النهضة العلمية الحديثة ‪ ،‬إذ رأى حجته أضعف حجللج المتجهيللن إلللى جللانب‬
‫اليمللان بللالله ‪ ،‬ليللوهم أن مللا قللاله )جيمللس( هللو أقصللى مللا يحتللج بلله‬
‫المؤمنون ‪ ،‬فإنني قلت هذا وفي جعبتي أقوال كثيرة مؤمنة قالها عدد كبير‬
‫من علماء النهضة العلمية الحديثة ‪ ،‬وهي تشتمل على أدلة وقرائن علمية ‪،‬‬
‫جعلتهم يؤمنون بالله خالق هذا الكون ‪.‬‬

‫وفيما يلي عرض لطائفة من أقوال هؤلء العلماء وشهاداتهم العلمية‬


‫‪ ،‬أكشف بها للمخدوعين من أبنللاء هللذه المللة وقللائع الللتزوير والمغالطللات‬
‫التي يصطنعها الملحدون الجراء ‪.‬‬

‫وهذه الشهادات من أقوال علمللاء النهضللة العمليللة الحديثللة تكشللف‬


‫عن السباب العلمية التي جعلتهم يؤمنون بالله‪:‬‬

‫) أ ( يقول البروفيسور )إيدوين كونكلين(‪:‬‬


‫"إن القول بأن الحياة وجدت نتيجة )حادث اتفاقي( شبيه في مغللزاه‬
‫بأن نتوقع إعداد معجم ضخم نتيجللة انفجللار يقللع فللي مطبعللة علللى سللبيل‬
‫المصادفة"‪.‬‬

‫أي ‪ :‬ل يمكللن للمصللادفة أن توجللد هللذا الكللون ذا النظللام المتقللن‬


‫الرائع ‪ ،‬إذن فل بد له من خالق خلقه وأتقنه ‪.‬‬

‫)ب( ويقول عالم الطبيعة المريكي )جورج إيرل ديفيس(‪:‬‬


‫"لو كان يمكن للكللون أن يخلللق نفسلله فللإن معنللى ذلللك أنلله يتمتللع‬
‫بأوصاف الخالق ‪ ،‬وفي هذه الحال سنضطر أن نؤمن بأن الكون هو الللله ‪،‬‬
‫وهكذا ننتهللي إلللى التسللليم بوجللود )الللله( ولكللن إلهنللا هللذا سللوف يكللون‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬إلها ً غيبيا ً وماديا ً في آن واحد! إنني أفضل أن أؤمن بذلك الله الذي‬
‫خلق العالم المللادي ‪ ،‬وهللو ليللس بجللزء مللن هللذا الكللون ‪ ،‬بللل هللو حللاكمه‬
‫ومديره ومدبره ‪ ،‬بدل ً من أن تبنى مثل هذه الخزعبلت"‪.‬‬

‫فهذا العالم المريكي من علماء الطبيعة يرى أن نظللرات الملحللدين‬


‫هي من قبيل الخزعبلت ‪ ،‬أو الخرافات التي ليس لها سند علمي ول سللند‬
‫عقلي ‪ ،‬وهذا هو شأن كل عالم منصف محايد ‪.‬‬

‫) ج ( ولنسمع إلى رد )كريسي موريسن( الذي كان رئيس أكاديميللة‬


‫العلللوم المريكيللة بنيويللورك علللى الملحللد )هيكللل( إذ قللال هللذا الملحللد‬
‫متبجحللا ً ‪" :‬إيتللوني بللالهواء وبالمللاء ‪ ،‬وبللالجزاء الكيماويللة ‪ ،‬وبللالوقت ‪،‬‬
‫وسأخلق النسان"‪.‬‬

‫أي ‪ :‬إن النسان كان نتيجة اجتماع عناصر خاصة على كيفيللة خاصللة‬
‫على سبيل المصادفة فرد عليه )موريسن( بقوله‪:‬‬

‫"إن هيكلل يتجاهلل فلي دعلواه الجينلات الوراثيلة ‪ ،‬ومسلألة الحيلاة‬


‫نفسها ‪ ،‬فإن أول شيء سيحتاج إليه عند خلق النسان هو الللذرات الللتي ل‬
‫سبيل إلى مشاهدتها ‪ ،‬ثم سيخلق )الجينات( أو حملة الستعدادات الوراثية‬
‫‪ ،‬بعد ترتيب هذه الذرات ‪ ،‬حتى يعطيها ثوب الحياة ‪ ،‬ولكللن إمكللان الخلللق‬
‫في هذه المحاولة بعد كل هذا ل يعدو واحدا ً على عدة بليين ‪ ،‬ولو افترضنا‬
‫أن )هيكل( نجح في محاولته فإنه لن يسميها مصادفة ‪ ،‬بلل سلوف يقررهلا‬
‫وبعدها نتيجة لعبقريته"‪.‬‬

‫وهكذا أظهر هذا العالم سخافة أقوال )هيكل( عن طريق السللتدلل‬


‫العلمي ‪.‬‬

‫فالستناد إلى فرضية المصادفة فلي تعليللل وجللود الكائنللات المتقنللة‬


‫المنظمة لون من التخريف الفكري ‪ ،‬القائم على إرادة التضللليل فحسللب ‪،‬‬
‫وليس مذهبا ً فكريا ً تحيط به شبهات تزينه في عقول القائلين به ‪ ،‬وهذا مللا‬
‫تدل عليه الشهادات العلمية المنصفة المحايدة ‪ ،‬منها هذه القلوال ‪ ،‬ومنهلا‬
‫أقوال أخرى ستطلع على طائفة منها فيما يأتي ‪:‬‬

‫) د ( وقال عالم العضاء المريكي )مارلين ب‪ .‬كريدر(‪:‬‬


‫"إن المكان الرياضي في تللوافر العلللل اللزمللة للخلللق علن طريللق‬
‫سِبها الصحيحة هو ما يقرب من ل شيء"‪.‬‬ ‫المصادفة في ن ِ َ‬

‫أي ‪ :‬إن احتمللال المصللادفة احتمللال مرفللوض رياضلليا ً فللي تعليللل‬


‫عمليات الخلق المتقن المنظم‪.‬‬

‫)هل( ويقول أحد علماء الطبيعة‪:‬‬


‫"إن العلم ل يملك أي تفسير للحقائق ‪ ،‬والقول بأنها حدثت )اتفاقللًا(‬
‫إنما يعتبر تحديا ً وتصادما ً مع الرياضيات"‪.‬‬

‫) و ( إن تعليلت نشلأة الكلون وتكلامله بنظريلة النشلوء والرتقلاء ‪،‬‬


‫إنما يلجأ إليها بعض العلماء الماديين هربا ً مللن العللتراف بالحقيقللة اللهيللة‬
‫الكبرى ‪ ،‬ول يؤمنون بهذه النظرية اعتقادا ً منهم بأنهللا حقيقللة ثابتللة مؤيللدة‬
‫بالبراهين القاطعة ‪ ،‬وإنما يلجللؤون إليهللا لنلله ل يوجللد أي بللديل لهللا سللوى‬
‫اليمان بالله مباشرة ‪.‬‬

‫ويشهد لهذا ما كتبه )سير آرثر كيث(‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬

‫"إن نظرية النشوء والرتقاء غيلر ثابتلة علميلا ً ول سلبيل إللى إثباتهلا‬
‫بالبرهان ‪ ،‬ونحن ل نؤمن بها إل لن الخيللار الوحيللد بعللد ذلللك هللو )اليمللان‬
‫بالخلق الخاص المباشر( وهذا ما ل يمكن حتى التفكير فيه"‪.‬‬

‫) ز ( ويقول عالم بريطانيا الكبير )سللير جيمللس جينللز( الللذي يعتللبر‬


‫أكبر علماء العصر الحديث ‪ ،‬في كتابه الشهير "عالم السرار"‪:‬‬

‫"إن في عقولنا الجديدة تعصبا ً يرجح التفسير المادي للحقائق"‪.‬‬


‫) ح ( وذكر )ويتكر شامبرز( في كتابه "الشهادة" حادثا ً كان من‬
‫الممكن أن يصبح نقطة تحول في حياته ‪.‬‬

‫ذكر أنه بينما كان ينظر إلى ابنته الصللغيرة اسللتلفتت أذناهللا نظللره ‪،‬‬
‫ذن‬‫فأخذ يفكر في أنه من المستحيل أن يوجد شيء معقد ودقيق كهللذه ال ُ ُ‬
‫بمحض اتفاق ‪ ،‬بل ل بد أنه وجد نتيجة إرادة مدبرة ‪ .‬لللن )ويتكللر شللامبرز(‬
‫طرد هذه الوسوسة عن قلبه حللتى ل يضللطر أن يللؤمن –منطقي لًا‪ -‬بالللذات‬
‫التي أرادت فدبرت ‪ ،‬لن ذهنه لم يكن علللى اسللتعداد لتقبللل هللذه الفكللرة‬
‫الخيرة‪.‬‬

‫وهو مظهر من مظاهر التعصب المادي ‪.‬‬


‫ويقللول السللتاذ الللدكتور )تللامس ديللور بللاركس( بعللد أن ذكللر هللذا‬
‫الحادث‪:‬‬

‫"إنني أعرف عددا ً كللبيرا ً مللن أسللاتذتي فللي الجامعللة ومللن رفقللائي‬
‫العلماء الذين تعرضوا مرارا ً لمثل هذه المشلاعر ‪ ،‬وهلم يقوملون بعمليلات‬
‫كيميائية وطبيعية في المعامل"‪.1‬‬

‫ومن هذا يظهر لنا أن التعصب داء دوي صارف عن الحق ‪ ،‬وأخطللره‬
‫وأقبحه ما يحمل صغبة العلم ‪ ،‬ويتحلى بأثواب المعرفة ‪.‬‬

‫) ط ( وجاء في كتاب "الله يتجلى فللي عصللر العلللم" ثلثللون مقللال ً‬


‫لثلثين من كبار العلماء المريكييللن ‪ ،‬فللي الختصاصللات العلميللة المختلفللة‬
‫من علوم الكون السائدة في هذا العصر الحديث ‪ ،‬وقد أثبت هؤلء العلمللاء‬
‫وه مللن الدلللة‬‫ل وعل ‪ ،‬عللن طريللق مللا وَعَل ْ‬‫في مقالتهم هذه وجود الله جل ّ‬
‫الكثيرة المنبثة في مجالت اختصاصاتهم العلمية ‪.‬‬

‫وفي هذا الكتاب يطلع القارئ على نللوع مللن الدلللة العلميللة ‪ ،‬الللتي‬
‫تفرض سلطانهم على العلماء المللاديين ‪ ،‬مللن خلل ملحظللاتهم وتجللاربهم‬
‫واختباراتهم العلمية ‪ ،‬فتجعلهم يؤمنون بالله ‪ ،‬ويجد فيه أيضلا ً الللرد الكللافي‬
‫على مروجي اللحاد ‪ ،‬الذين يزعمون أن العللوم تبعلد علن اليملان بللالله ‪،‬‬
‫وأن جميع أو معظم العلماء الكونيين ملحدون ‪.‬‬

‫ونلخص فيما يلي أبرز ما في هذه المقالت وأجوده‪:‬‬

‫‪ -1‬المقالة الولى ‪:‬‬


‫كتبها )فرانك ألن( ‪ ،‬عالم الطبيعة البيولوجية ‪ ،‬تحت عنوان ‪" :‬نشأة‬
‫العالم هل هو مصادفة أو قصد؟"‪.‬‬

‫وقد جاء فيها قوله ‪:‬‬


‫‪ 1‬هذه القوال من ) أ ( إلى ) ح ( مقتبسة من كتاب "السلم يتحدى" ‪ ،‬تأليف ‪ :‬وحيد الدين خان ‪،‬‬
‫تعريب ‪ :‬ظفر السلم خان ‪ ،‬مراجعة وتحقيق ‪ :‬دكتور عبد الصبور شاهين ‪.‬‬
‫"إذا سلمنا بأن هذا الكون موجود فكيف نفسر وجوده ونشأته؟‬
‫هناك احتمالت أربعة للجابة على هذا السؤال‪:‬‬

‫‪ -1‬فإما أن يكون هذا الكون مجرد وهم وخيال ‪ ،‬وهذا يتعارض مع ما‬
‫سلمنا به من أنه موجود ‪.‬‬

‫‪ -2‬وإما أن يكون هذا الكون قد نشأ من تلقاء نفسه من العدم ‪،‬‬


‫وهذا مرفوض بداهة ‪.‬‬

‫‪ -3‬وإما أن يكون هذا الكون أزلي الوجود ليس لنشأته بدايللة ‪ ،‬وهللذا‬
‫الحتمال يساوي ما يقوله المؤمنون بالله بالنسبة إلى أزلية الخللالق ‪ ،‬لكللن‬
‫قوانين الكون تدل على أن أصله وأساسلله مرتبللط بزمللان بللدأ مللن لحظللة‬
‫معينة ‪ ،‬فهو إذن حدث من الحللداث ‪ ،‬ول يمكللن إحالللة وجللود هللذا الحللدث‬
‫المنظم البديع إلى المصادفة عقل ً ‪ ،‬ولذلك فهذا الحتمال باطل أيضًا‪.‬‬

‫‪ -4‬وإما أن يكون لهذا الكون خالق أزلي أبدعه ‪ ،‬وهو الحتمال الذي‬
‫تقبله العقول دون اعتراض ‪ ،‬وليس يرد على إثبات هذا الحتمال ما يبطللله‬
‫عقل ً ‪ ،‬فوجب العتماد عليه"‪.‬‬

‫ول بد أن يلحظ القارئ أن استدلل هذا العالم القائم على الحصر‬


‫العقلي هو في غاية القوة ‪ ،‬فكيللف يللورط الملحللدون أنفسللهم ‪ ،‬فينكللرون‬
‫وجود الله بعد أن أقام لهم سبحانه كل هذه الدلة والشللواهد علللى وجللوده‬
‫سللبحانه؟ أل يضللعون فللي حسللابهم احتمللال صللدق أخبللار الرسللل ‪ ،‬وبهللا‬
‫يعرضون أنفسهم للعذاب الخالد ‪ ،‬دون أن يجنوا في مقابل ذلك أي ربح؟‪.‬‬

‫ولكنها مواقف المعاندين ‪ ،‬يرون الحقائق ‪ ،‬ويللرون مواقللع العللذاب ‪،‬‬


‫وتشللتد عليهللم النللذر ‪ ،‬ويصللرون علللى مواقللف العنللاد ‪ ،‬ويحللاولون تللبرير‬
‫موقفهم بالكاذيب والمخادعات والتضليلت وألوان الزخرف من القول ‪.‬‬

‫‪ -2‬المقالة الثانية ‪:‬‬

‫كتبها )روبرت مللوريس بيللدج( ‪ ،‬عللالم الطبيعللة ‪ ،‬وأول مللن اكتشللف‬


‫الرادار في العالم سنة )‪1934‬م( ‪ ،‬وقد كتللب هللذه المقالللة تحللت عنللوان‪:‬‬
‫"اختبار شامل" ‪.‬‬

‫وقد جاء فيه قوله ‪:‬‬


‫"وجدنا أناسلا ً موهلوبين يحلدثوننا علن الغيلب ‪ ،‬يقوللون إنهلم رسلل‬
‫الله ‪ ،‬وما حدثونا به قسمان ‪:‬‬

‫‪ -1‬قسم يقولون فيه ‪ :‬إن لهذا الكون خالقا ً واحدا ً يجب اليمان به ‪.‬‬
‫‪ -2‬وقسم يخبروننا فيه عن بعض أمللور الغيللب الللتي سللتحدث ‪ ،‬أمللا‬
‫القسم الثاني فقد وقع كما أخبرونللا بلله بعللد مئات السللنين ‪ ،‬وأبللدت اليللام‬
‫وأثبت التاريخ صدق هذه النبوءات جميعا ً ‪ ،‬وهي من الشللياء الللتي عجللزت‬
‫العلوم حتى اليوم أن تجد لها تفسليرا ً ‪ ،‬فلدل ذللك عللى صلحة رسلالتهم ‪،‬‬
‫وصدق أخبللارهم ‪ ،‬ووجللب أن نصللدقهم فيمللا أخبرونللا بلله عللن الللله تعللالى‬
‫وصللفاته ‪ ،‬وهللو القسللم الول ‪ ،‬لن عقولنللا ل تمنللع منلله ‪ ،‬بللل عنللدنا مللن‬
‫الشعور الداخلي ما يثبته"‪.‬‬

‫ثم قال ‪" :‬إن اليمان بوجود الله من المور الخاصة الللتي تنبللت فللي‬
‫شعور النسان وضميره ‪ ،‬وتنمو في دائرة خبرته الشخصية"‪.‬‬

‫فهذا العالم الذي اكتشف الللرادار لول مللرة يللدفعه إنصللافه وحيللاده‬
‫وأمانته الفكرية إلى إعلن إيمانه بالله ‪ ،‬مع التواضع الكريم المعلروف عنللد‬
‫العلماء حقا ً ‪ ،‬وهكذا العلماء المتحلون بالمانة الفكرية ‪ ،‬كلما ازداد علمهللم‬
‫زاد تواضلللعهم وزادت كملللالتهم الخلقيلللة ‪ ،‬فل يجحلللدون التلللوهم ‪ ،‬ول‬
‫يسللتكبرون عللن العللتراف بالحقيقللة ‪ ،‬والذعللان لمللا يترجللح لللديهم مللن‬
‫احتمالت وفق المنهج العلمي السليم ‪.‬‬

‫أما الجهلة المتبجحون بللالعلم فللإن الغللرور بللالنفس يللدفع بهللم إلللى‬
‫مواقف العجب والكبر ‪ ،‬حتى يتطاولوا تطاول الحمقللى ‪ ،‬فيعلنللوا جحللودهم‬
‫بخالقهم ورازقهم ‪ ،‬استكبارا ً عن طاعته ‪ ،‬وتطلعا ً إلى التحللرر مللن أوامللره‬
‫ونواهيه ‪ ،‬تلبية لهوائهم الجامحة ‪ ،‬وشهواتهم الجانحة ‪ ،‬أو خدمة لسلليادهم‬
‫قادة المنظمات اللحادية في العالم ‪.‬‬

‫‪ -3‬المقالة الثالثة ‪:‬‬


‫كتبها )مللاريت سللتانلي كونجللدن( ‪ ،‬وهللو عللالم طللبيعي وفيلسللوف ‪،‬‬
‫وعضو الجمعية المريكية الطبيعية ‪ ،‬كتبها تحت عنوان ‪" :‬درس من شللجرة‬
‫الورد"‪.‬‬

‫وقد جاء فيها ما خلصته ‪:‬‬


‫‪ -1‬إن كثيرا ً من المور التي نسلم بها إنما نعتمد فيها على الستدلل‬
‫المنطقي ‪.‬‬

‫‪ -2‬من أمثلة ذلك كثير من اسللتنتاجاتنا اليوميللة فللي حياتنللا العاديللة ‪،‬‬
‫والعلوم الفلكية التي ليس بيننا وبينها اتصال مادي مباشر ‪ ،‬وبحوث الذرة ‪،‬‬
‫واستخدام قوانين الكتلة والطاقللة ‪ ،‬فللي اسللتنباط صللفات الللذرة وتركيبهللا‬
‫وخواصها ‪ ،‬مع العلم بأن العلماء لم يروا الذرة حتى الن بطريقة مباشرة ‪،‬‬
‫وقد أيدت القنبلة الذرية الولى ما وصل إليه العلماء من قوانين ونظريللات‬
‫حول تركيب الذرة غير المنظور ووظائفها ‪.‬‬
‫ومن هذه المثلة وجود الله ‪ ،‬فإننا نستطيع أن نصل إلى معرفته عن‬
‫طريق الستدلل المنطقي ‪ ،‬الذي يقللوم علللى تفسللير النتللائج بنظائرهللا أو‬
‫مثيلتها ‪.‬‬

‫‪ -3‬برغم أن العلوم ل تؤيد وجود عالم غيللر مللادي تأييللدا ً كللامل ً ‪ ،‬لن‬
‫الدائرة التي تعمل فيها تقع في حللدود المللادة ‪ ،‬فإنهللا ل تسللتطيع أن تنفللي‬
‫بصورة قاطعة وجود عوالم أخرى غير مادية وراء العالم المادي ‪.‬‬

‫‪ -4‬نستطيع بطريقة الستدلل والقياس بقدرة النسللان وذكللائه فللي‬


‫عالم يفيض بالمور العقلية أن نصل إلى وجوب وجود قوة مسيطر مللدبرة‬
‫تسير هذا الكون وتدبر أمره ‪.‬‬

‫ثم ختم مقاله بقوله‪" :‬إن جميع ما في الكون يشهد على وجللود الللله‬
‫سللبحانه ‪ ،‬ويللدل علللى قللدرته وعظمتلله ‪ ،‬وعنللدما نقللوم – نحللن العلمللاء –‬
‫بتحليل ظواهر هذا الكون ودراستها حتى باستخدام الطريقللة السللتدللية ‪،‬‬
‫فإننا ل نفعل أكثر من ملحظة آثار أيادي الله وعظمته"‪.‬‬

‫‪ -4‬المقالة الرابعة ‪:‬‬


‫كتبها )جون كليفلند كوثران( وهو من علماء الكيمياء والرياضيات ‪،‬‬
‫ورئيللس قسللم العلللوم الطبيعيللة بجامعللة )دولللث( ‪ ،‬كتبهللا تحللت عنللوان ‪:‬‬
‫"النتيجة الحتمية"‪.‬‬

‫بدأ الكلاتب مقلالته بكلملة )للورد كيلفلن( وهلو ملن علملاء الطبيعلة‬
‫البارزين في العالم ‪" :‬إذا فكرت تفكيرا ً عميقا ً فإن العلوم سوف تضللطرك‬
‫إلى العتقاد بوجود الله"‪.‬‬

‫ثم جاء فيها ما خلصته‪:‬‬


‫‪ -1‬تنقسم العوالم إلى ثلث أقسام‪:‬‬
‫) أ ( العالم المادي ‪.‬‬
‫)ب( العالم الفكري ‪.‬‬
‫)ج( العالم الروحي ‪.‬‬

‫‪ -2‬إن التطورات الهامة التي تمت في جميع العلللوم الطبيعيللة خلل‬


‫السنين المئة الخيرة ‪ ،‬بما في ذلك الكيمياء ‪ ،‬قد حللدثت بسللبب اسللتخدام‬
‫الطريقة العلمية في دراسة المادة والطاقة ‪ ،‬وعند استخدام هذه الطريقللة‬
‫تبذل كل الجهود للتخلص من كللل احتمللال مللن الحتمللالت الممكنللة الللتي‬
‫تجعل النتيجة التي تصل إلهيا راجعة إلى محض المصادفة ‪.‬‬

‫‪ -3‬أسهب الكاتب في المثلة العلمية عن طريق الكيميللاء ‪ ،‬ليكشللف‬


‫أن سلوك أي جزء من أجزاء المادة مهما صغر ‪ ،‬ل يمكن أن يكون سلللوكا ً‬
‫عشوائيا ً ناجما ً عن المصادفة ‪ ،‬بل كل شيء يسير وفق قانون يهيمن علللى‬
‫سلوكه ‪.‬‬
‫‪ -4‬ثم قال الكاتب ‪" :‬فهل يتصور عاقل أو يفكر أو يعتقللد أن المللادة‬
‫المجردة من العقل والحكمة قد أوجدت نفسها بنفسها بمحض المصللادفة؟‬
‫أو أنها هي التي أوجدت هذا النظام وتلك القوانين ثم فرضتها على نفسها؟‬

‫ل شك أن الجواب سيكون سلبيًا‪.‬‬

‫وتدلنا الكيميلاء عللى أن بعلض الملواد فلي سلبيل اللزوال والفنلاء ‪،‬‬
‫ولكن بعضها يسير نحو الفناء بسرعة كبيرة ‪ ،‬والخر بسرعة ضئيلة ‪ ،‬وعلى‬
‫ذلك فإن المادة ليست أبدية ‪ ،‬ومعنى ذلك أيضلا ً أنهللا ليسللت أزليللة ‪ ،‬إذ إن‬
‫لها بداية ‪.‬‬

‫وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم على أن بداية المللادة‬


‫لم تكن بطيئة ول تدريجية ‪ ،‬بل وجدت بصورة فجائية ‪.‬‬

‫وتستطيع العلوم أن تحدد لنا الوقت الذي نشأت فيه المواد ‪ ،‬وعلللى‬
‫ذلك فإن هذا العللالم المللادي ل بللد أن يكللون مخلوقلا ً ‪ ،‬وهللو منللذ أن ُ‬
‫خلللق‬
‫يخضع لقوانين وسنن كونية محددة ‪ ،‬ليس لعنصر المصادفة بينها مكان ‪.‬‬

‫فإذا كان هذا العالم المللادي عللاجزا ً عللن أن يخلللق نفسلله ‪ ،‬أو يحللدد‬
‫القوانين التي يخضع لها فل بلد أن يكلون الخللق قلد تلم بقلدرة كلائن غيلر‬
‫مادي ‪ ،‬متصف بالعلم والحكمة"‪.‬‬

‫وهكللذا العلمللاء المنصللفون ‪ ،‬فمللا أروع العللالم حينمللا يللدفعه علملله‬


‫وحيللاده وإنصللافه إلللى العللتراف بالحقيقللة ‪ ،‬ولللو كللانت تخللالف هللواه‬
‫وتشهياته ‪ ،‬أو تحد من حريته ‪ ،‬أو تلزمه بأن يتواضع ول يستكبر!‬

‫وما أبعد الملحدين عن مثل هذا الموقف الكريم!‬

‫‪ -5‬المقالة الخامسة ‪:‬‬


‫كتبها )إدوارد لوثر كيسلليل(‪ ،‬أسللتاذ الحيللاء ورئيللس القسللم بجامعللة‬
‫سللان فرانسيسللكو ‪ ،‬وهللي بعنللوان ‪" :‬فلننظللر إلللى الحقللائق دون ميللل أو‬
‫تحيز"‪.‬‬

‫وقد جاء في هذه المقالة ما خلصته‪:‬‬

‫‪ -1‬أضاف البحث العلمي خلل السنوات الخيرة أدلة جديدة على‬


‫وجود الله ‪ ،‬زيادة على الدلة الفلسفية التقليدية ‪.‬‬

‫‪ -2‬لقد عمت بلدنلا فلي السلنوات الخيللرة موجللة ملن العلودة إللى‬
‫الدين ‪ ،‬ولم تتخط هذه الموجة معاهد العلم لدينا ‪.‬‬
‫ل شك أن الكشوف العلمية الحديثة التي تشللير إلللى ضللرورة وجللود‬
‫إله لهذا الكون ‪ ،‬قللد لعبللت دورا ً كللبيرا ً فللي هللذه العللودة إلللى رحللاب الللله‬
‫والتجاه إليه ‪.‬‬

‫‪ -3‬يللرى البعللض أن العتقللاد بأزليللة هللذا الكللون ليللس أصللعب مللن‬


‫العتقاد بوجللود إللله أزلللي ‪ ،‬ولكللن القللانون الثللاني مللن قللوانين الللديناميكا‬
‫الحرارية يثبت خطأ هذا الرأي ‪ ،‬فالعلوم تثبت بكل وضوح أن هذا الكللون ل‬
‫يمكن أن يكون أزليلا ً ‪ ،‬ول يقتصللر مللا قللدمته العلللوم علللى إثبللات أن لهللذا‬
‫الكون بداية ‪ ،‬فقد أثبتت فوق ذلك أنه بدأ دفعة واحدة منللذ خمسللة بلييللن‬
‫سنة ‪ ،‬والواقع أن الكون ل يزال في عملية انتشار مستمر تبللدأ مللن مركللز‬
‫نشأته ‪.‬‬

‫‪ -4‬لو أن المشتغلين بالعلوم نظروا إلى ما تعطيهم العلوم مللن أدلللة‬


‫على وجود الخالق بنفس روح المانة والبعد عللن الحيللز الللذي ينظللرون بلله‬
‫إلى نتائج بحوثهم ‪ ،‬ولو أنهم حرروا عقولهم من سلللطان التللأثر بعللواطفهم‬
‫وانفعالتهم ‪ ،‬فإنهم يسلمون دون شك بوجود الله ‪ ،‬وهذا هو الحللل الوحيللد‬
‫الذي يفسر الحقائق ‪ ،‬فدراسة العلوم بعقل متفتح سوف تقودنا دون شللك‬
‫إلى إدراك وجود السبب الول الذي هو الله"‪.‬‬

‫وهكذا أثبت هذا العالم من علماء الحياء ما توصل إليه بالبحث‬


‫ل وعل ‪ ،‬نظللرا ً فللي‬
‫العلمي المحايد من ضرورة التسليم بوجللود الخللالق جل ّ‬
‫الظواهر الكونية التي ترشد إلى حقللائق علميللة وراءهلا ‪ ،‬وأثبللت أن موجللة‬
‫من العودة إلى اليمان بالله تعم معاهد العلم في بلده ‪.‬‬

‫‪ -6‬المقالة السادسة ‪:‬‬

‫كتللب هللذه المقالللة )وولللتر أوسللكار لنللدبرج( ‪ ،‬عللالم الفسلليولوجيا‬


‫والكيميللاء الحيويللة وعميللد معهللد هورمللل منللذ سللنة )‪1919‬م( ‪ ،‬والمقالللة‬
‫بعنوان ‪" :‬استخدام السلوب العلمي"‪.‬‬

‫وقد جاء فيها ما خلصته ‪:‬‬


‫‪ -1‬أرجع هلذا العلالم فلي مقلاله إخفلاق بعلض العلملاء فلي فهمهلم‬
‫وقبولهم لمللا تللدل عليلله المبللادئ الساسللية ‪ ،‬الللتي تقللوم عليهللا الطريقللة‬
‫العلمية من وجود الله واليمان به إلى أسباب ل صلة لهللا بللالبحث العلمللي‬
‫وخص بالذكر منها سببين اثنين‪:‬‬

‫السبب الول ‪ :‬ما تتبعه بعض الجماعللات أو المنظمللات اللحاديللة‬


‫أو الدولة من سياسللة معينللة ترمللي إلللى شلليوع اللحللاد ومحاربللة اليمللان‬
‫بالله ‪ ،‬بسبب تعللارض عقيللدة اليمللان بللالله مللع صللالح هللذه الجماعللات أو‬
‫مبادئها‪. 1‬‬

‫يلحظ الكاتب الدول اللحادية التي ترى أن مصالحها مرتبطة بدعم قضية اللحاد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫السممبب الثمماني ‪ :‬المعقللدات الفاسللدة الللتي تجعللل النللاس منللذ‬
‫الطفولة يعتقدون بإله على صورة إنسان‪ 1‬وعندما تنمو العقول بعللد ذلللك ‪،‬‬
‫وتتدرب على استخدام الطريقة العلمية فإن تلك الصورة التي تعلموها منذ‬
‫الصغر ل يمكن أن تنسجم مع أسلوبهم في التفكير ‪ ،‬أو مع منطق مقبول ‪،‬‬
‫وأخيرا ً عندما تخيب جميع المحاولت في التوفيق بين تلللك الفكللار الدينيللة‬
‫القديمة ‪ ،‬وبين مقتضيات المنطق والتفكير العلمي ‪ ،‬نجد هللؤلء المفكريللن‬
‫يتخلصون من الصراع بنبذ فكرة الله كلية ‪ ،‬ومن ثم فل يحبون العودة إلللى‬
‫التفكير في هذه الموضوعات التي تدور حول وجود الله‪.2‬‬

‫‪ -2‬ثم وجه كاتب المقال إلى العتماد في اليمان بالله على أساس‬
‫روحاني ‪ ،‬وأوضح أن اليمان بالله مصدر لسعادة ل تنضللب فللي حيللاة كللثير‬
‫من البشر ‪.‬‬

‫‪ -3‬ثم قال ‪ :‬أما المشتغلون بالعلوم الذين يرجون الله فلديهم متعللة‬
‫كللبيرة يحصلللون عليهللا كلمللا وصلللوا إلللى كشللف جديللد فللي ميللدان مللن‬
‫الميادين ‪ ،‬إذ أن كل كشف جديد يللدعم إيملانهم بللالله ويزيلد مللن إدراكهلم‬
‫وإبصارهم ليادي الله في الكون"‪.‬‬

‫‪ -7‬المقالة السابعة ‪:‬‬


‫كتبها )بول كليرانس إبرسولد(‪ ،‬وهو أستاذ الطبيعة الحيويللة ‪ ،‬ومللدير‬
‫قسللم النظللائر والطاقللة الذريللة فللي معامللل )أوج ريللدج( وعضللو جمعيللة‬
‫البحاث النووية والطبيعية النوويللة ‪ ،‬وهللذه المقالللة تحللت عنللوان ‪" :‬الدلللة‬
‫الطبيعية على وجود الله"‪.‬‬

‫وقد جاء فيها ما خلصته‪:‬‬


‫‪ -1‬بللدأ هللذا العللالم الطللبيعي مقالللة بكلمللة للفيلسللوف النكليللزي‬
‫)فرانس بيكون( التي قالها منذ أكثر من ثلثة قرون‪:‬‬

‫"إن قليل ً من الفلسفة يقرب النسان من اللحاد ‪ ،‬أمللا التعمللق فللي‬


‫الفلسفة فيرده إلى الدين"‪ ،‬ثم أيد كلمة هذا الفيلسوف بالشرح ‪.‬‬

‫‪ -2‬استدل على وجود الله تعلالى بلدليل اتفلاق النلاس فلي الشلعور‬
‫المشترك بوجوده فقال‪:‬‬

‫وقد لمس الناس عامة –سواء بطريق فلسفية عقلية أو روحانية‪ -‬أن‬
‫هناك قوة فكريللة هائلللة ونظاملا ً معجلزا ً فلي هلذا الكلون يفللوق ملا يمكلن‬
‫تفسيره على أساس المصادفة ‪ ،‬أو الحوادث العشوائية التي تظهللر أحيانللا ً‬
‫بين الشياء غير الحية ‪ ،‬التي تتحرك أو تسير على غيلر هلدى ‪ ،‬ول شلك أن‬
‫‪ 1‬وهو ما تمليه بعض الديان المحّرفة عن أصولها الصحيحة ‪.‬‬
‫‪ 2‬لكن هذا السبب غير موجود بحمد الله في واقع المعتقدات السلمية ‪ ،‬إل أن دعاة اللحاد يحاولون‬
‫بكل ما لديهم من خداع وتضليل أن يصوروا العقائد السلمية تصويرا ً يخالف مقتضيات المنطق والتفكير‬
‫العلمي ‪ ،‬إذ يعممون هذا السبب تعميما ً تقريريا ً دون دليل ‪ ،‬أو يحشرون مفاهيم غير إسلمية ضمن بعض‬
‫مفاهيم إسلمية للتضليل ‪.‬‬
‫اتجاه النسان وتطلعه إلى البحث عن عقل أكللبر مللن عقللله وتللدبير أحكللم‬
‫من تدبيره وأوسع ‪ ،‬لكي يستعين به على تفسير هذا الكون ‪ ،‬يعد في ذاتلله‬
‫دليل ً على وجود قوة أكبر وتدبير أعظم ‪ ،‬هي قوة الله وتدبيره ‪ ،‬وبرغم أننا‬
‫نعجز عن إدراكه إدراكا ً كليا ً أو وصفه وصفا ً ماديا ً ‪ ،‬فهنللا مللا ل يحصللى مللن‬
‫الدلة المادية على وجوده تعالى ‪ ،‬وتدل أياديه في خلقلله علللى أنلله العليللم‬
‫الذي ل نهاية لعلمه ‪ ،‬الحكيم الللذي ل حللدود لحكمتلله ‪ ،‬القللوي إلللى أقصللى‬
‫حدود القوة"‪.‬‬

‫‪ -8‬المقالة السادسة عشرة ‪:‬‬


‫كتبهللا )جللورج هربللرت بلللونت(‪ ،‬أسللتاذ الفيزيللاء التطبيقيللة ‪ ،‬وكللبير‬
‫المهندسللين بقسللم البحللوث الهندسللية بجامعللة )كاليفورنيللا(‪ ،‬وهللي مقالللة‬
‫بعنوان ‪" :‬منطق اليمان"‪.‬‬

‫وقد جاء فيها ما خلصته‪:‬‬

‫‪ -1‬قال كاتب المقالة ‪" :‬إنني أؤمن بالله ‪ ،‬بل وأكثر من ذلللك ‪ ،‬إننللي‬
‫أكل إليه أمري ‪ ،‬ففكرة اللوهية بالنسبة لي ليست مجرد قضية فلسللفية ‪،‬‬
‫بل إن لها في نفسي قيمتهللا العمليللة العظمللى ‪ ،‬وإيمللاني بللالله جللزء مللن‬
‫صميم حياتي اليومية"‪.‬‬

‫‪ -2‬ثم بعد أن قرر مبدأ المور البدهية التي نقبل بها قبول تسليم‬
‫وإيمان ‪ ،‬قال ‪:‬‬

‫"وكذلك الحال فيما يتعلق بوجود الله ‪ ،‬فوجوده تعالى أمر بدهي من‬
‫الوجهة الفلسفية ‪ ،‬والستدلل بالشياء على وجود الله – كمللا فللي الثبللات‬
‫الهندسي‪ -‬ل يرمي إلى إثبات البللدهيات ولكنلله يبللدأ بهللا ‪ ،‬فللإذا كللان هنللاك‬
‫اتفاق بين هذه البدهية وبين ما نشاهده من حقائق الكون ونظامه فإن ذلك‬
‫يعد في ذاته دليل ً على صحة البدهية التي اخترناها"‪.‬‬

‫‪ -3‬ثم قسم الدللة إللى أنلواع فقلال ‪" :‬والدللة أنلواع ‪ :‬منهلا الدللة‬
‫الكونية ‪ ،‬ومنها الدلة التي تقللوم علللى أسللاس إدراك الحكمللة ‪ ،‬ثللم الدلللة‬
‫التي تكشف عنها الدراسات النسانية ‪.‬‬

‫فالدلة الكونية ‪ :‬تقوم عللى أسلاس أن الكلون متغيلر ‪ ،‬وعلللى ذلللك‬


‫فإنه ل يمكن أن يكون أبديا ً ‪ ،‬ول بد من البحث عن حقيقة أبدية عليا ‪.‬‬

‫أما الدلة الللتي تبنللى عللى إدراك الحكمللة‪ :‬فتقلوم عللى أسللاس أن‬
‫هناك غرضا ً معينا ً أو غاية وراء هذا الكون ‪ ،‬ول بد لذلك من حكيم أو مدبر ‪.‬‬

‫وتكمن الدلللة النسللانية ‪ ،‬وراء طبيعللة النسللان الخلقيللة ‪ ،‬فالشللعور‬


‫النساني في نفوس البشر إنما هو اتجاه إلى مشّرع أعظم"‪.‬‬
‫‪ -4‬ثم ناقش الكاتب وضع الملحدين فقال ‪" :‬ويلحللظ أن للملحللدين‬
‫منطقهم ‪ ،‬ولكنه منطق سلبي ‪ ،‬فهم يقولون ‪ :‬إن وجود الله يسللتدل عليلله‬
‫بشواهد معينة وليس ببراهين قاطعة ‪ ،‬وهذا من وجهة نظرهللم يعنللي عللدم‬
‫وجود الله تعللالى ‪ ،‬إنهللم يللردون علللى الدلللة الكونيللة بقللولهم ‪ :‬إن المللادة‬
‫والطاقة يتحول كل منهما إلى الخر ‪ ،‬بحيث يمكن أن يكون الكللون أزليللا ً ‪،‬‬
‫كما أنهم ينكرون النظام في الكللون ويرونلله مجللرد وهللم ‪ ،‬وهكللذا ينكللرون‬
‫الشللعور النفسللي بالعدالللة والتجللاه نحللو مللوجه أعظللم ‪ ،‬ومللع ذلللك ل‬
‫يستطيعون أن يقيموا دليل ً واحدا ً على عدم وجود الله ‪ ،‬ومللن منطقهللم أن‬
‫الدلة المقدمة لثبات وجود الله ل تعتبر كافية من وجهللة نظرهللم ‪ ،‬وهنللاك‬
‫فئة أخرى ملن الملحلدين ل يعلترفون بلإله لهللذا الكلون ‪ ،‬لنهللم ل يرونله ‪،‬‬
‫ولكنهم ل ينفون وجود إله في كون أو عالم آخر غير هذا الكللون ‪ ،‬ول شللك‬
‫أن هذا موقف مائع متضارب ل يستند إلى أساس سليم ‪.‬‬

‫فإذا قارنا بين الشواهد التي يستدل بها المؤمنللون علللى وجللود الللله‬
‫وتلك التي يستند إليها الملحدون في إنكار ذاته العلية ‪ ،‬لتضح لنا أن وجهللة‬
‫نظر الملحد تحتاج إلى تسليم أكثر مملا تحتللاج إليلله وجهللة نظللر المللؤمن ‪،‬‬
‫وبعبارة أخرى ‪ :‬نجد المؤمن يقيم إيمانه على البصيرة ‪ ،‬أما الملحللد فيقيللم‬
‫إلحاده على العمى ‪.‬‬

‫وأنللا مقتنللع أن اليمللان يقللوم علللى العقللل ‪ ،‬وأن العقللل يللدعو إلللى‬
‫اليمان ‪ ،‬وإذا كان النسان يعجز أحيانا ً عن مشاهدة الدلة فقد يكللون ذلللك‬
‫راجعا ً إلى عدم قدرته على أن يفتح عينيه"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وهكذا مررنا على تلخيللص لمقللالت ثمللان مللن أصللل ثلثيللن مقالللة‬
‫لثلثين عالما ً من كبار علماء النهضة العلمية المعاصرة ‪ ،‬موجودة في كتاب‬
‫"الله يتجلى في عصر العلللم" ورأينللا منهللا أن العلللوم الماديللة تؤيللد قضللية‬
‫ل وعل ‪ ،‬ول تؤيد قضية اللحاد مطلقا ً ‪.‬‬ ‫اليمان بالله ج ّ‬

‫)ي( ويقول الفيلسوف )هرشل(‪:‬‬


‫"إنه كلما اتسع نطاق العلوم تحققت وكثرت الدلة على وجود حكمة‬
‫خالقة قادرة مطلقة ‪ ،‬وعلمللاء الرضلليات والهيئة والطبيعيللات والرياضلليات‬
‫يهيئون بمسللاعيهم واكتشللافاتهم كللل مللا يلللزم لنشللاء معبللد العلللوم إعلء‬
‫لكلمة الخالق"‪.‬‬

‫)ك( أذاعت وكالة )رويتر( على العالم كله برقية جاء فيها ما يلي‪:‬‬

‫"نيويورك _ ر _ استفتت مجلة "كوليرز" المعروفللة عللددا ً كللبيرا ً مللن‬


‫علماء الذرة والفلك وعلم الحياء )بيولوجيا( والرياضيات ‪ ،‬فأكدوا أن لديهم‬
‫أدلة وقرائن كثيرة تثبلت وجللود كلائن أعظلم ‪ ،‬ينظلم هلذا الوجلود ويرعلاه‬
‫بعنايته ورحمته وعلمه الذي ل حد ّ له ‪ .‬ويقول الدكتور )راين( إنه ثبللت مللن‬
‫أبحاثه في المعامل أن في الجسم البشللري روح لا ً أو جسللما ً غيللر منظللور‪.‬‬
‫‪ 1‬اقتباسا ً من كتاب "العقيدة السلمية وأسسها" للمؤلف ‪ ،‬وكذلك القوال الواردة بعد تلخيص المقالت‬
‫الثمان‪ :‬قول )هرشل( ‪ ،‬وما أذاعته وكالة )رويتر( ‪ ،‬وما جاء في كتاب "الله في الطبيعة" للفيلسوف‬
‫)كميل فلمريون(‪.‬‬
‫وقال عالم آخر ‪ :‬إنه ل يشك في أن الكائن العظم – وهو ما تسميه الديان‬
‫السللماوية )الللله( – هللو الللذي يسلليطر علللى الطاقللة الذريللة وغيرهللا مللن‬
‫الظواهر والقوانين الخارقة في هذا الوجود"‪.‬‬

‫)ل( وجللاء فللي كتللاب "الللله فللي الطبيعللة" للفيلسللوف )كميللل‬


‫فلمريون( ‪ ،‬وهو فيلسوف ينكر اليهودية والنصرانية ول يعرف السلم ‪ ،‬ما‬
‫يلي ‪:‬‬

‫"إذا انتقلنا من ساحة المحسوسات إلى الروحيات ‪ ،‬فإن الله يتجلللى‬


‫لنا كروح دائم موجود في كل شيء"‪.‬‬

‫ويقول بحسب نظراته الخاصة التي لم يأخذها من التعاليم الدينية‪:‬‬

‫"ليس هو )أي الله( سلطانا ً يحكم من فوق السماوات ‪ ،‬بل هو نظام‬


‫مستتر مهيمن على كاف الموجودات ‪.‬‬

‫ليس مقيما ً فلي جنلة مكتظلة بالصللحاء والملئكلة ‪ ،‬بلل إن الفضلاء‬


‫اللنهائي مملوء به ‪ ،‬فهو موجود مستقر في كل نقطة مللن الفضللاء ‪ ،‬وكللل‬
‫لحظة من الزمان ‪ ،‬أو بتعبير أصح ‪ :‬هللو قيللوم ل نهللائي منللزه عللن الزمللان‬
‫والمكان والتسلسل والتعاقب ‪.‬‬

‫ليس كلمي هذا من جملللة عقللائد مللا وراء الطبيعللة المشللكوك فللي‬
‫صحتها ‪ ،‬بل من النتائج القطعية التي استنبطت من القواعد الثابتة للعلللم ‪،‬‬
‫كنسبية الحركة وقدم القوانين ‪.‬‬

‫إن النظام العام الحاكم في الطبيعة ‪ ،‬وآثار الحكمة المشهودة في‬


‫كل شيء والمنتشرة كنور الفجر وضياء الشفق في الهيئة العامة ‪ ،‬ل سيما‬
‫الوحدة التي تتجلى في قانون التطور الدائم تللدل علللى أن القللدرة اللهيللة‬
‫المطلقللة هللي الحللوافظ المسللتترة للكللون ‪ ،‬هللي النظللام الحقيقللي ‪ ،‬هللي‬
‫المصدر الصلي لكافة القوانين الطبيعية وأشكالها ومظاهرها"‪.‬‬

‫* التعليق على هذه القوال المؤمنة‪:‬‬


‫وباستعراض هذه القوال المؤمنة لطائفة من كبار علماء الكون‬
‫الماديين – ويوجد أمثالها كثير – يتبين للمنصللف بوضللوح مللدى المغالطللات‬
‫والفتراءات التي بنى عليها الملحللد الماركسلي العربللي )د‪ .‬العظللم( كتللابه‬
‫المتهافت "نقد الفكر الديني" ل سيما حينما زعم أن ملزاج حضللارة القللرن‬
‫العشللرين وثقللافته ممتلئة بللالتردد والميوعللة حيللال الللدين والمعتقللدات‬
‫الدينية ‪ ،‬وذلك في الصفحة )‪ (19‬من كتابه‪.‬‬

‫وتجاهل كل القوال المؤمنة التي قالهللا كبللار العلمللاء المللاديين مللن‬


‫علماء القرن العشرين ‪،‬وكل الشهادات العلمية اليمانية ‪.‬‬
‫وتجاهل أيضا ً العمال التخريبية لصول اليمان ‪ ،‬وهي العمللال الللتي‬
‫تقوم بها منظمات عالمية ‪ ،‬ترى أن نشر اللحاد ودعللم قضلليته ممللا يخللدم‬
‫مصالحها الخاصة أحسن خدمة ‪ ،‬إذ يجعللل الشللعوب النسللانية علللى حافللة‬
‫النهيللار ‪ ،‬ومللتى انهللارت تسلللمتها أفللواه الللذئاب والثعللابين الواقفللة لهللا‬
‫بالمرصاد ‪.‬‬

‫وكل من يخدم قضية اللحاد باندفاع وحماسة فهو جنللدي مللن جنللود‬
‫هللذه المنظمللة العالميللة ‪ ،‬وكللثيرا ً مللا يكللون غللرا ً ل يزيللد أجللره عنللد قللادة‬
‫المنظمة على أجر قاتل أمه وأبيه ‪ ،‬متى قتلهما ألحق بهما ‪ ،‬وقد كللان مللن‬
‫قبل يمنى بالمللاني العريضللة ‪ ،‬وتتحلللب أشللداقه علللى المواعيللد الحلللوة ‪،‬‬
‫وذلللك لن مللن اسللتخدمه حربللة لللم يسللتخدمة إل ليكسللره مللتى اسللتنفد‬
‫أغراضه منه ‪.‬‬

‫ألم يطلع الملحد )العظم( على كل هذه القوال المؤمنة ونظائرهللا؟‬


‫ألللم ينظللر مللن أقللوال العلمللاء إل أقللوال )برترانللد رسللل( لنلله اتجلله إلللى‬
‫اللحاد؟ ألم يقرأ من أقوال العلماء المللؤمنين إل مقالللة الفيلسللوف )وليللم‬
‫جيمس( إذ رأى استدلله على وجود الله استدلل ً ضللعيفًا؟ وقللد جللاء بعللده‬
‫علماء كثيرون كانت لهم أقوال ومقالت مشتملة على بيانات وأدلللة أقللوى‬
‫مما ساقه )وليم جيمس(‪.‬‬

‫أليس هذا من طمس الحقائق والتلعب بهللا؟ فللأين المانللة العلميللة‬


‫التي يتظاهر بالغيرة عليها؟‬

‫ولكن هذا هو شأن المبطلين حينما ينصرون الباطل الللذي يتعصللبون‬


‫له بدافع المصالح والمنافع الخاصة ل بدافع نشدان الحقيقة ‪.‬‬

‫لقد رأينا في حشللد هللذه القللوال المؤمنللة للعلمللاء المللاديين وكللثير‬


‫منهم من علماء القرن العشرين أن موجة من العودة إلللى الللدين الصللحيح‬
‫الصافي تسود الوساط العلمية الكبرى ‪.‬‬

‫فما ادعاه )العظم( في الصفحة )‪ (28‬من "أن النظرة العلمية الللتي‬


‫وصل إليها النسان عن طبيعة الكون والمجتمع والنسللان خاليللة عللن ذكللر‬
‫الله" ‪ ،‬ادعاء كاذب وباطل ل أساس له من الصحة مطلقا ً ‪.‬‬

‫ولكلللن هلللل للمبطلللل إذا أراد أن ينصلللر بلللاطله إل السفسلللطة ‪،‬‬


‫والمغالطة ‪ ،‬والمراوغة عن الحق ‪ ،‬وصناعة الكللاذيب ‪ ،‬والتمللويه بللالقوال‬
‫المزخرفة ‪.‬‬

‫ولنفرض جدل ً أن العلماء الماديين جميعهم أنكروا وجود الله ‪ ،‬أفيؤثر‬


‫ل وعل ؟ هللل ينتظللر مللن العلللوم الماديللة‬‫ذلك على حقيقللة وجللود الللله جل ّ‬
‫المتقدمة وأجهزتها المتطور أن ترينا الله تبللارك وتعللالى رؤيللة حسللية ‪ .‬إن‬
‫أقصى ما تفعله أن ترينا آيات الله في الكون ‪ ،‬أما ذات الله تبللارك وتعللالى‬
‫صلت‪41/‬‬ ‫فلن تستطيع أن ترينا إياها ‪ ،‬وهذا ما بينه الله بقوله في سورة )ف ّ‬
‫مصحف‪ 61/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫حل ّ‬ ‫ه ٱلل َ‬
‫ْ‬ ‫م أن ّل ُ‬ ‫َ‬
‫ن لهُ ْ‬ ‫حت ّ ٰى ي َت َب َي ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ق وَفِ ۤي أن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫م آَيا َت َِنا ِفي ٱللَفا ِ‬ ‫ريهِ ْ‬ ‫سن ُ ِ‬
‫} َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قللآِء‬
‫مللن ل َ‬ ‫مْري َلةٍ ّ‬ ‫م فِللي ِ‬ ‫َ‬
‫شلِهيد ٌ * أل إ ِن ّهُل ْ‬ ‫يٍء َ‬
‫شل ْ‬‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه عَل ٰى ك ّ‬ ‫َ‬
‫ف ب َِرب ّك أن ّ ُ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫م ي َك ْ ِ‬
‫حي ُ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ربه َ‬
‫ط {‪.‬‬ ‫م ِ‬
‫يٍء ّ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م أل َ إ ِن ّ ُ‬ ‫َ ِّ ْ‬

‫على أننا نقول‪ :‬هل تستطيع العلوم المادية المتقدمة ‪ ،‬وأجهزتها‬


‫المتطورة ‪ ،‬أن ترينا كثيرا ً من الطاقات الكونية الللتي غللدت حقللائق علميللة‬
‫ثابتة لدى العلماء الماديين عللن طريللق السللتنتاج مللن ظواهرهللا وآثارهللا ‪،‬‬
‫وهذه الحقائق التي أثبتوها ليست إل تفسيرات نظرية للظواهر؟‬

‫إن أقوال العلماء الماديين المؤمنين الذين نشأوا فللي عصللر النهضللة‬
‫العلمية الماديللة الحديثللة لتقللدم للمتشللككين أدلللة كافيللة علللى أن العلللوم‬
‫المادية ليست علوما ً ملحدة في حقيقتها ‪ ،‬لكن اللحاد ملصق بهللا بطريقللة‬
‫صناعية مقصودة موجهة ‪ ،‬من قبل فئات خاصة لها في نشر اللحاد مصالح‬
‫سياسية واقتصادية ضد خيرية البشرية وسعادتها ‪.‬‬

‫ومن هذه القوال يتبين لنا بوضوح أنهن ل يوجللد تنللاقض ول تعللارض‬
‫مطلقا ً في نظر جمهور العلماء الماديين بين الللدين والعلللم حللول السللاس‬
‫ل وعل ‪،‬‬ ‫الول من أسس العقيللدة الدينيللة ‪ ،‬وهللي عقيللدة اليمللان بللالله جل ّ‬
‫وبهذا تنهار المستندات اللحادية التي تزعم وجود هذا التناقض بالنسبة إلى‬
‫هذه النقطة بالذات ‪ ،‬باعتبارها مجال بحثنا الن ‪ ،‬وباعتبارهللا أعظللم نقطللة‬
‫في اليديولوجية اللحادية ‪ ،‬والتي يحاول الملحدون جهدهم أن يوجللدوا لهللا‬
‫المبررات النظرية ‪ ،‬أو المبررات العملية ‪ ،‬فل يجدون إل افتراء الكللاذيب ‪،‬‬
‫وصللناعة المغالطللات ‪ ،‬والحتمللاء المللزور بالتقللدم العملللي والصللناعي ‪،‬‬
‫وسرقة أسلحة العلم التي ل تملك في الحقيقة الدفاع عللن اللحللاد ‪ ،‬وإنمللا‬
‫هي في الصل أسلحة لقضية اليمللان ‪ ،‬يحسللن اسللتعمالها العللالمون بهللا ‪،‬‬
‫وتكون عند الجاهلين بها أسلحة معطلللة ‪ ،‬ويسللرقها الملحللدون فيحملونهللا‬
‫أمام الجاهلين ‪ ،‬فيتخيل الجاهلون بهللا أنهللا فعل ً أسلللحة للملحللدين ‪ ،‬وهللي‬
‫تدعم قضية اللحاد ‪ ،‬مع أن الحقيقللة بخلف ذلللك ‪ ،‬إنهللا أسلللحة للمللؤمنين‬
‫العالمين بها ‪ ،‬الذين يحسنون استعمالها ‪.‬‬

‫ومثل الملحدين في نظري إذ يسرقون أسلحة المؤمنين كمثل وارث‬


‫كنز عظيم ‪ ،‬ولكن هذا الوارث قد نشأ وهو يجهل أين خبأ له مورثه كنللزه ‪،‬‬
‫وأقبل خبراء البحث عن الكنوز ينقبون ويبحثللون ‪ ،‬وتسلللل مللن وراء هللؤلء‬
‫الخبراء لصوص ‪ ،‬تظاهروا بأنهم باحثون خبراء ‪ ،‬ولكنهم وقفوا يرصدون ملا‬
‫يعثر عليه الباحثون الحقيقيون ‪ ،‬ليسرقوه كله أو ما يستطيعون سرقته منه‬
‫‪ ،‬وكللان مللورث الكنللز قللد كتللب اسللمه ورسللم صللورته علللى أحللد وجهللي‬
‫مصكوكاته الذهبية علمة على أنهللا للله ‪ ،‬وقللد خبأهللا لللوارثه ‪ ،‬أمللا الخللبراء‬
‫المنقبون المناء ‪ :‬فإنهم لما ظفروا بما وجوده من الكنز‪ ،‬أعلنوا ما شللهدوا‬
‫من كتابة ورسوم على مصكوكاته ‪ ،‬وثبتوا اسللتحقاق الللوارث لهللا ‪ ،‬وأخللذوا‬
‫أجرهم على أعمللالهم ‪ .‬وآخللرون لللم تكللن لللديهم المانللة الكافيللة أو كللانوا‬
‫جاهلين بقراءة المكتوبات الثرية أخذوا ما عثروا عليلله ‪ ،‬وانتفعللوا بللالكنز ‪،‬‬
‫ولم يعلنوا ما شهدوا من كتابة ورسوم على مصللكوكاته ‪ ،‬ولللم يهتمللوا بللأن‬
‫يعترفوا باستحقاق الوارث لهللا ‪ .‬وجللاء مللن وراء الفريقيللن فئة اللصللوص ‪،‬‬
‫فسطوا علللى بعللض مللا اسللتخرجه الخللبراء مللن الكنللز ‪ ،‬وطمسللوا الللوجه‬
‫المكتوب ‪ ،‬وأقبلوا يفللاخرون بللأن الكنللز كللله هللو ملكهللم ‪ ،‬وهللو ميراثهللم ‪،‬‬
‫والدليل على ذلك أن بعض قطع مصكوكاته الذهبية في أيديهم ‪ ،‬قد عللثروا‬
‫عليها وفيها كتابة تشهد لهم بأن موّرثهم قد خبأها لهم ‪.‬‬

‫وحينما ُيقال لهم ‪ :‬أرونا هذه الكتابة التي تشللهد لكللم يقولللون‪ :‬فلن‬
‫قال هذا ‪ ،‬وفلن قال هذا ‪،‬وفلن قال هذا ‪ ،‬وكل هؤلء الذين ذكروهللم هللم‬
‫من فئة اللصوص أنفسهم ‪ ،‬أو من غيرهم ولكن يكذبون عليهللم ‪ ،‬ويظّلللون‬
‫حريصين على أن يبقى الوجه الثاني للمصكوكات الذهبية مطموسا ً ‪ ،‬حللتى‬
‫ل تنكشف لعبتهم القائمة على اللصوصية والتزوير ‪.‬‬

‫)‪(5‬‬

‫مهين من الغوغائية الجدلية لمحاربة الدين ومناصرة قضية‬


‫بأسلوب َ‬
‫اللحاد ‪ ،‬قال الناقد )د‪ .‬العظم( في الصفحة )‪ (38‬من كتابه ‪:‬‬

‫"جلي أن هذه النظرة السلمية للكون هي نظرة غائية ‪ ،‬تعتمللد فللي‬


‫تفسيرها لطبيعة الكون علللى العلللل الغائيللة ‪ ،‬والهللداف السللامية ‪ ،‬وعلللى‬
‫مفاهيم أخلقية مثل "الحق والعدل"‪.‬‬

‫هل تنسللجم هللذه النظللرة الغائيللة إلللى الكللون والحيللاة مللع النظللرة‬
‫العلمية التي تسود العللالم المعاصللر وثقللافته؟ لللو رجعنللا إلللى التفسلليرات‬
‫العلمية للكون من )نيوتن( إلى )أينشتاين( هل نجد في صلبها مقولت مثل‬
‫)الهداف السامية( أو )الحق والعدل( أو )الروح والجمللال والخللالق(؟ هللل‬
‫نجد لهذه المفاهيم الخلقية الدينية أي ذكر في النظريللة النسللبية ‪ ،‬أو فللي‬
‫ل؟ سؤال جللدير بللالتمحيص واليضللاح والمناقشللة علللى‬ ‫ميكانيكا الكموم مث ً‬
‫أقل تعديل"‪.‬‬

‫هذا كلمه بالحرف الواحد ‪ ،‬فياللعجب العجاب!! أعلى هذا المستوى‬


‫الفكري السخيف تعرض قضية اللحاد ‪ ،‬وتناقش قضية اليمان بالله؟!‬

‫أهكللذا يجللازف بمنطقلله وفلسللفته ليصللنع حجللة مكشللوفة السللخف‬


‫والتفاهة؟‬

‫ولكن إذا لم يكن لديه حقللائق ينللاقش بهللا أفل يطللرح أكللوام ألفللاظ‬
‫يغالط بها المراهقين ‪ ،‬ويوهمهم فيها أنه يصنع جدليات عالية؟‬

‫قد يتصور أن مراهقللي الفكللار المفتللونين باللفللاظ الحديثللة إذا لللم‬


‫يفهموا أكوام ألفاظه هذه فإنهم سيظنون أن كاتبها ضليع بدللتها ‪ ،‬مللا دام‬
‫قللد اسللتخدم فللي غضللونها عبللارات النظللرة العلميللة الللتي تسللود العللالم‬
‫المعاصر وثقافته ‪ ،‬والنظرية النسبية ‪ ،‬وميكانيكللا الكمللوم ‪ ،‬وللله أن يحشللر‬
‫معهللا إذا شللاء عبللارات )الجللداول الرياضللية( و)الطاقللة الذريللة( و)الطاقللة‬
‫الهيدروجينيللة( و)طللائرات الميللغ( و)القمللار الصللناعية( و)حضللارة القللرن‬
‫العشرين( و)موسكو( و)نهر الراين( و)جبال هيماليا( ‪ ،‬إلللى غيللر ذلللك مللن‬
‫ألفاظ وعبارات ل صلة لها بموضوع البحث ‪.‬‬

‫فما صلة النظرية النسبية وميكانيكا الكمللوم بالحللديث الصللريح عللن‬


‫الله تعالى ‪ ،‬أو التعرض إلى المفاهيم الخلقية ‪ ،‬حتى يعتبر عدم ذكر اسللم‬
‫الله والمفاهيم الخلقية فيهللا دليل ً علللى نفللي وجللود الللله ‪ ،‬أو علللى إلغللاء‬
‫المفاهيم الخلقية؟!‬

‫إن عمله يشبه عمل من ينكر وجود القطب الشمالي لنه لللم يوجللد‬
‫له ذكر في جدول الضرب ‪ ،‬ول في كتاب "تعلمي سيدتي كيف تطبخيللن" ‪،‬‬
‫ول في بطن "حصان طروادة" ‪ ،‬ول في "السمفونية التاسعة لبيتهوفن"‪.‬‬

‫هذا مع أن العلمة )أللبرت أينشلتاين( صلاحب النظريللة النسللبية قللد‬


‫كان مؤمنا ً قوي اليمان بوجود الله ‪ ،‬ومن أقواله ‪" :‬إن أصحاب العبقريللات‬
‫الدينية في جميع العصور قد عرفوا بهذا النوع من الشعور الللديني الللذي ل‬
‫ينتمي إلى نحلللة ‪ ،‬ول يتمثللل الللله فللي أمثلللة بشللرية ‪ ،‬إننللي لرى أن أهللم‬
‫وظيفة من وظائف الفن والعلم هي أن يوقظا هذا الشعور ‪ ،‬وأن يسللتبقياه‬
‫حيا ً في الذين تهيأوا له"‪.‬‬

‫أليللس عجيبللا ً أن يقللول )أينشللتاين( مثللل هللذا الكلم وهللو صللاحب‬


‫النظرية النسللبية ‪ ،‬ثللم يللأتي )د‪ .‬العظللم( فيللورد )النظريللة النسللبية( مللورد‬
‫الستشهاد لنكار وجود الله ‪ ،‬ونقض المفاهيم الخلقية الدينية ‪ ،‬باعتبار أن‬
‫هذه المور لم تذكر فيها؟‬

‫كان عليه قبل أن يستشللهد بلل)أينشلتاين( وبللل)النظريللة النسللبية( أن‬


‫يراجع على أقل تقدير ما يعرف الناس عن هذا العللالم ‪ ،‬وعللن أقللواله فللي‬
‫الدين ‪ ،‬حتى ل يورط نفسه بهذا التهافت الذي سقط فيه ‪.‬‬

‫إن )أينشتاين( للو كلان يلرى أن نظريتله النسلبية تتنلافى ملع اللدين‬
‫لدعم بنظريته اللحاد ‪ ،‬ولعلن بهلا نقلض الللدين ‪ ،‬لكنله _كملا رأينلا_ عللى‬
‫العكس من ذلك حريص على إيقاظ الشعور الديني ‪ ،‬وإبقائه حيا ً في الذين‬
‫تهيأوا له ‪.‬‬

‫لكن )د‪ .‬العظم( حينما أورد اسم )أينشتاين( و)النظرية النسبية( في‬
‫غضون كلمه ‪ ،‬إنملا عملد إللى السفسلطة والمغالطلة ‪ ،‬واليهلام ‪ ،‬ليصلور‬
‫للقارئ الجاهل أنه يصلنع شليئا ً للدعم قضلية اللحلاد ‪ ،‬فهلو يلذكر السلماء‬
‫الكبيرة في مجال العلوم المادية ‪ ،‬ليستر بها تضليله وغوغائيته الجدلية ‪.‬‬
‫وكما أوهم أن )أينشتاين( ملحد ‪ ،‬أوهم أيضا ً أن العالم )لبلس( مللن‬
‫فئة الملحدين ‪ ،‬على خلف ما عليه واقع حال هذا العالم ‪.‬‬

‫قال )العظم( في الصفحة )‪ (28‬من كتابه‪:‬‬


‫" عندما نقول مع )نيتشه( ‪ :‬إن الله قد مات أو هو فللي طريقلله إلللى‬
‫الموت )والعياذ بالله من حكاية هذا الكلم الكللبير الشللنيع( فنحللن ل نقصللد‬
‫أن العقائد الدينية قد تلشت من ضمير الشعوب ‪ ،‬وإنمللا تعنللي أن النظللرة‬
‫العلمية التي وصل إليهلا النسلان علن طبيعلة الكلون والمجتملع والنسلان‬
‫خالية من ذكر الله تماما ً كما قال )لبلس("‪.‬‬

‫إنه يحشر اسم العالم )لبلس( هنا ليموه بأنه من أنصار قضية‬
‫اللحللاد بللالنظرة العلميللة الللتي وصللل إليهللا النسللان عللن طبيعللة الكللون‬
‫والمجتمع والنسان ‪ ،‬ول يؤيد قضية اليمان بالله ‪ ،‬مللع أن )لبلس( مللؤمن‬
‫أخذا ً منن أقواله ‪ ،‬وله في الستدلل على وجود الله وََرد ّ أقللوال الجاحللدين‬
‫كلم طيللب ‪ ،‬يلغللي فكللرة العتمللاد علللى المصللادفات ‪ ،‬ويللرى أن النظللام‬
‫الكوني الرائع ل بد له من خالق ‪.‬‬

‫لقد شرح )لبلس( دليل الحركة الكونية ‪ ،‬وأبان قوة هذا الدليل فللي‬
‫جسم الشبهات التي يثيرها الجاحدون فقللال "أمللا القللدرة الفللاطرة الللتي‬
‫عينت جسامة الجرام الموجودة في المجموعة الشمسية وكثافتها ‪ ،‬وثبتت‬
‫أقطار مداراتها ‪ ،‬ونظمت حركاتها بقوانين بسيطة ‪ ،‬ولكنها حكيمة ‪ ،‬وعينت‬
‫مللدة دوران السلليارات حللول الشللمس والتوابللع حللول السلليارات بللأدق‬
‫حساب ‪ ،‬بحيث إن النظام المستمر إلى ما شاء الله ل يعروه خلل‪..‬‬

‫هذا النظام المستند إلى حسللاب يقصللر عقللل البشللر عللن إدراكلله ‪،‬‬
‫والذي يضمن استمرار واستقرار المجموعة إزاء ما ل يعللد ول يحصللى مللن‬
‫المخاطر المحتملة ‪ ،‬ل يمكن أن يحمل علللى المصللادفة إل باحتمللال واحللد‬
‫من أربعللة تريوليونللات ‪ ،‬ومللا أدراك مللا أربعللة تريوليونللات؟ إنلله عللدد مللن‬
‫كلمتين ‪ ،‬ولكن ل يمكن أن يحصيه المحصى إل إذا لبث خمسين ألللف عللام‬
‫يعد الرقام ليل ً ونهارا ً ‪،‬على أن يعد في كل دقيقة )‪ (150‬عددًا"‬

‫صحيح أن )لبلس( أعلن قوله‪:‬‬


‫"إن العالم العظيم الذي سلليتمكن مللن معرفللة انتشللار الللذرات فللي‬
‫السحب السديمية الولية سيكون باستطاعته أن يتنبأ بكل مستقبل الكللون‬
‫وأحداثه"‪.1‬‬

‫ولكن قوله هذا ل يعني إنكاره للخالق ‪ ،‬وإنما يدل على شعوره بأن‬
‫الكون سائر وفق نظام مرسللوم خاضللع لسلسللل سللببية متتابعللة ‪ ،‬يمكللن‬
‫التنبؤ باللحق منها لدى معرفة السابق ‪.‬‬

‫من كتاب "الدين في مواجهة العلم"‪ ،‬تأليف وحيد الدين خان ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وأما ما نسبه )د‪ .‬العظم( إليه من قوله لنابليون ‪" :‬الله فرضية ل‬
‫حاجة لي بها في نظامي" فلست أدري مبلغه من الصحة أمام قللوله الللذي‬
‫قرأناه مما كتللب بنفسلله ‪ .‬وبكللل أسللف لللم نجللد لللدى الناقللد أثللرا ً للمانللة‬
‫الفكرية التي يتظاهر بالغيرة عليها ‪.‬‬

‫يا عجبا ً لهذا الفريق الملحد من الناس ‪ ،‬ترى أحدهم مريض لا ً بمللرض‬
‫السرطان الفكري الطاغي ‪ ،‬ثم يتهم العضاء الرئيسية الساسية في البناء‬
‫الفكري الصحيح بأنها نمو سللرطاني ‪ ،‬وقللديما ً قللال العللرب فللي أمثللالهم ‪:‬‬
‫"رمتني بدائها وانسلت"‪.‬‬

‫)‪(6‬‬

‫وبعد أن حمل )د‪ .‬العظم( النظرية النسبية ما ل تحمل ‪ ،‬واستغل‬


‫اسم )أينشتاين( لدعم قضية اللحاد ‪ ،‬متجاهل ً أنه كان مؤمنا ً بالله ‪ ،‬ومؤيدا ً‬
‫التفسيرات الغائية للكون ‪ ،‬بمثللل قللوله ‪" :‬إن الشللخص الللذي يعتللبر حيللاته‬
‫وحياة غيره من المخلوقات عديمة المعنى ‪ ،‬ليس تعيس لا ً فحسللب ‪ ،‬ولكنلله‬
‫غير مؤهل للحياة"‪.‬‬

‫بعد هذا التضليل والتمويه والتجاهل الذي صنعه )د‪ .‬العظم( خطا‬
‫خطوة رفع فيها لواء تمجيد واضعي النظريللات الموجهللة خصيص لا ً لمحاربللة‬
‫المفاهيم السلمية ‪ ،‬والقائمة أساسا ً على إنكار وجود الله تبارك وتعللالى ‪،‬‬
‫من اليهود الذين تحملوا مهمللة وضللع هللذه النظريللات المناقضللة للمفللاهيم‬
‫السلمية باسم العلم ‪ ،‬وذلك بدفع مللن القيللادة اليهوديللة العالميللة ‪ ،‬فأخللذ‬
‫يمجللد بأسللماء هللؤلء اليهللود )دركهللايم( و)فرويللد( و)مللاركس( فقللال فللي‬
‫الصفحة )‪ (39‬من كتابه‪:‬‬

‫"حين نطرح المسألة بهذه البسللاطة وبهلذا التحديلد ‪ ،‬يبلدو أنلله ثمللة‬
‫تناقض واضح بين النظرة السلمية الغائيللة للكللون – كمللا سللردها سللماحة‬
‫موسللى الصللدر – وبيللن النظللرة العلميللة ‪ ،‬كمللا تبلللورت مللع تطللور العلللم‬
‫الحللديث وتقللدمه ‪ .‬مللن يراجللع تاريللخ العلللم الحللديث يكتشللف بسللرعة أن‬
‫واضعي دعللائمه وفلسللفته شللنوا حربلا ً ل هللوادة فيهللا علللى إقحللام العلللل‬
‫الغائيللة والمفللاهيم الخلقيللة فللي التفسلليرات العلمللي لظللواهر الطبيعللة ‪،‬‬
‫ورفضوا النظرة الغائية للكون رفضا ً باتا ً ‪ ،‬لنهم اعتبروهللا مللن إنتللاج خيللال‬
‫النسان السطوري ‪ ،‬ولنها تعيق تقدم العلم ‪ ،‬وانتشار تفسيراته للظللواهر‬
‫الطبيعية مهما كان نوعها ‪ ،‬إننا نجد هذا التيار المعادي للنظرة الغائيللة منللذ‬
‫البداية ‪ ،‬عند المفكرين والفلسفة الذين رسخوا دعائم العلم الحديث ‪ ،‬من‬
‫فرانسلليس بيكللون ‪ ،‬إلللى برترانللد رسللل ‪ ،‬مللرورا ً بللديكارت ‪ ،‬وسللبينوزا ً ‪،‬‬
‫وغاليليو ‪ ،‬وداروين ‪ ،‬وبافلوف ‪ ،‬ودركهايم ‪ ،‬وفرويد ‪ ،‬ومللاركس ‪ ،‬إلللى آخللر‬
‫القائمة الطويلة من السماء "‪.‬‬
‫هكلللذا ‪ ،‬وعللللى المسلللتوى ملللن التضلللليل الغوغلللائي ‪ ،‬أو الحلللرب‬
‫)الديماغوجية( وفق تعبيرات الملحللدة الماركسلليين ‪ ،‬يسللير )العظللم( فللي‬
‫نقده للفكر الديني ‪.‬‬

‫لقد سبق أن برهنا على أن جمهورا ً كبيرا ً من علماء عصر النهضة‬


‫العلمية الحديثة مؤمنون بللالله ‪ ،‬ومعللترفون بالمفللاهيم الخلقيللة الللتي نب ّلله‬
‫عليها السلللم أو نللادى بهللا ‪ ،‬وذلللك منهللم انسللجام مللع النظللرة السلللمية‬
‫الغائية للكون ‪ ،‬ول يرون في ذلك مخالفللة للنظللرة العلميللة ‪ ،‬وإذا اسللتثنينا‬
‫الملحللدة المعللدودين مللن علمللاء النهضللة العلميللة الحديثللة ‪ ،‬واليهللود‬
‫المدفوعين خصيصلا ً لوضللع النظريللات الللتي تللدعم قضللية اللحللاد ‪ ،‬أمثللال‬
‫دركهايم ‪ ،‬وفرويد وماركس فإننا نجد معظم علماء النهضة العلمية الحديثللة‬
‫ل يجحدون الله ‪ ،‬ول ينكرون النظرة الغائية للكون ‪ ،‬ول ينكللرون المفللاهيم‬
‫الخلقية ‪ ،‬بل كثير منهللم يؤيللد هللذه الحقللائق ويللؤمن بهللا ‪ ،‬ولكللن الملحللد‬
‫العميل الذي ل يؤمن بالعلل الغائية ول بالمفاهيم الخلقيللة ‪ ،‬ل يخجللل مللن‬
‫صناعة التمويه بالكاذيب والتزويرات والتضليلت الجدلية ‪ ،‬الللتي ليللس لهللا‬
‫أساس فكري سليم ‪ ،‬ول هي قائمة على احتجاج منطقي مقبول‪.‬‬

‫إنه يعرض أقواله على طريقة الحقائق المسلم بها ‪ ،‬دون أن تقللترن‬
‫بحجج نظرية ‪ ،‬أو بشواهد واقعية ‪ ،‬ثلم يزعللم أنهلا حقلائق مسلللم بهللا عنلد‬
‫العلماء ‪ ،‬ويكتفللي بعللرض قائمللة مللن أسللماء الرجللال المشللهورين بللالعلم‬
‫والفلسفة ‪ ،‬ويحشر في كل مرة أسماء اليهود ‪ ،‬الللذين وضللعوا مللا أسللموه‬
‫بنظريات علمية ‪ ،‬ول تزيللد فللي حقيقللة حالهللا علللى أنهللا فرضلليات صلليغت‬
‫بعناية مقصودة لدعم قضية اللحاد ‪،‬ول يستطيع أن يكتم تمجيدها ‪ ،‬وتمجيد‬
‫كتبهم ‪ ،‬وما يسمى نظرياتهم ‪ ،‬ول يخجل وهو عربي العللرق أو يبللالغ بتأييللد‬
‫المخطط اليهودي العالمي ‪ ،‬في هذا العصر الذي تعاني أمته أقسى المحن‬
‫وأشهدها من اليهودية العالميللة ‪ ،‬ومللن مخططاتهللا الراميللة إلللى السللتيلء‬
‫على العالم العربي كله ‪.‬‬

‫إنه لعجب كبير أن تبلغ الخيانة بإنسان ما إلى هذا الدرك الذي ليللس‬
‫من دونه درك أسفل منه ‪.‬‬

‫لو كانت النظرة العلمية الحديثة تناقض أو تعارض النظرة السلللمية‬


‫الغائية للكون ‪ ،‬لما وجدنا هذا الجمهور الكللبير ملن علملاء النهضللة العلميللة‬
‫الحديثللة مللؤمنين بللالله ‪،‬وبتفسلليرات النظللرة السلللمية الغائيللة للكللون‬
‫‪،‬وبالمفاهيم الخلقية الدينية ‪.‬‬

‫وهذا واحد منهم وهو )أندرو كونللواي إيفللي( مللن العلمللاء الطللبيعيين‬
‫ذوي الشهرة العالمية من سنة )‪1925‬م( إلللى سللنة )‪1946‬م( يقللول فللي‬
‫مقال له تحت عنوان ‪" :‬وجود الله حقيقة مطلقة"‪:‬‬

‫"ويظهر أن الملحدين أو المنكرين بما لديهم مللن شللك لللديهم بقعللة‬


‫عمياء ‪ ،‬أو بقعة مخدرة داخللل عقللولهم ‪ ،‬تمنعهللم مللن تصللور أن كللل هللذه‬
‫العوالم ‪ ،‬سواء ما كان ميتا ً أو حيا ً ‪ ،‬تصير ل معنى لها بدون العتقاد بوجللود‬
‫الله"‪.‬‬

‫ثم استشهد بكلم العلمة )أينشتاين( ‪ ،‬إذ قال‪:‬‬


‫"إن الشخص الذي يعتبر حياته وحياة غيللره مللن المخلوقللات عديمللة‬
‫المعنى ليس تعيسا ً فحسب ‪ ،‬ولكنه غير مؤهل للحياة"‪.‬‬

‫أليس هذا التفكير الذي يعلن عنه هذا العلالم وملن قبلله )أينشلتاين(‬
‫تفكيرا ً قائما ً على النظرة الغائية للكون ‪ ،‬وعلى اعتبار القيم الخلقية؟‬

‫إن هذه النظرة الموافقة للنظرة السلمية لم تكن عند أصحابها‬


‫مناقضة للسس العلمية الحديثة ‪ ،‬ول للنظرة العلمية كما تبلورت مع تطور‬
‫العلم الحديث وتقدمه ‪ ،‬فمن أين )للعظم( وهذا الدعاء الكاذب؟!‬

‫دركهللايم‬
‫إذا كانت هذه النظرة مناقضة لما يسمى بنظريات اليهللود ) ُ‬
‫– فرويد – ماركس( أو النظريات التي روجها اليهود كالنظرية الداروينية فل‬
‫بأس ‪ ،‬إن هؤلء أجراء المخطط اليهودي العالمي المعروف ‪ ،‬وقللد وضللعوا‬
‫مذاهبهم لهدم السس الدينية ‪ ،‬ل علللى أسللاس قناعللات علميللة صللحيحة ‪،‬‬
‫وقد أصبح مخططهم مكشوفا ً للعالم ‪ ،‬وكتب في كشف مكايدهم محققون‬
‫من العلماء المتتبعين ‪.‬‬

‫أما ادعاء )العظم( بأن النظللرة الغائيللة للكللون والمفللاهيم الخلقيللة‬


‫تعيق تقدم العلم وانتشار تفسيراته للظواهر الطبيعيللة مهمللا كللان نوعهللا ‪،‬‬
‫فهو ادعاء هراء ‪ ،‬غير مستند إلى أي أساس نظري أو واقعللي ‪ .‬إن اليمللان‬
‫س فيه واقع حال‬ ‫بالله ل يتعارض بحال من الحوال مع أي تقدم علمي ُيدر ُ‬
‫هذا الكون ‪ ،‬وما فيه من طاقات وقوى مشاهدة وغير مشللاهدة ‪ ،‬ومللا فيلله‬
‫من نظم وأسباب ظاهرة أو خفية ‪ ،‬كما أن المفاهيم الخلقية تساعد علللى‬
‫ما تقدم المعرفة من جهة ‪ ،‬وعلى سعادة النسان من جهة أخرى ‪ ،‬وضللبط‬
‫سلوكه فيمللا يحقللق للفللراد وللجماعللات أوفللر نصلليب مللن الخيللر العيللش‬
‫الرغيد ‪.‬‬

‫ولكن الملحد يكتفي بإطلق الدعاءات الكاذبة ‪ ،‬دون دليللل منطقللي‬


‫أو واقعي ‪.‬‬

‫)‪(7‬‬

‫يحاول الناقد )العظم( كما رأينا القناع بنسف السس الخلقية من‬
‫جللذورها بينمللا يتظللاهر فللي مللوطن آخللر مللن كتللابه بغيرتلله علللى المبللدأ‬
‫الساسي لخلق العتقاد ‪ ،‬فتعليقلا ً عللى بعلض آراء )وليللم جيمللس( اللذي‬
‫رجح جانب اليمان بالله استنادا ً إلللى المشللاعر النسللانية الداخليللة ‪ ،‬الللتي‬
‫ترجح جانب اليمان على جانب الكفر ‪ ،‬يقول في الصفحة )‪:(75‬‬
‫"هنا يثبت )جيمس( حق هذا النسان بأن يعتقد بوجود الله ‪،‬استنادا ً‬
‫إلى مللا تللوحيه للله طللبيعته العاطفيللة حللول هللذا الموضللوع ‪ ،‬أي ‪ :‬بالنسللبة‬
‫لجيمس يحق له أن يحسم المر باللجوء إلى عللواطفه ومشللاعره ‪ ،‬ضللاربا ً‬
‫بعرض الحائط المبدأ الساسي لخلق العتقاد"‪.‬‬

‫ويتظاهر بحرصه علللى مبللدأ المانللة الفكريللة ‪ ،‬وهللو مبللدأ أخلقللي ‪،‬‬
‫فيقول في الصفحة )‪:(21‬‬

‫"هل باستطاعتي أن أقبللل بكللل نزاهللة وإخلص المعتقللدات الدينيللة‬


‫التي تقبلها آبائي وأجدادي ‪ ،‬دون أن أخون مبدأ المانة الفكرية؟"‬

‫ويكرر تظاهره بالغيرة على المانلة الفكريللة فيقلول فلي الصلفحة )‬


‫‪:(29‬‬

‫"هذا هو الحد الدنى من متطلبات المانة الفكرية ‪ ،‬في البحث الجاد‬


‫عن المعرفة والحقيقة"‪.‬‬

‫أليس هذا التهافت في كلمه من أعجب المور؟ كيف يسوغ لنفسلله‬


‫أن يقف مثل هذا الموقف الخلقي لمناصرة قضية اللحللاد والكفللر بللالله ‪،‬‬
‫وقد ذبح القيم كلها والمبادئ الخلقية جميعا ً ‪ ،‬وأعلن أنهللا أمللور ل يعللترف‬
‫بها العلم – بحسب زعمه – ول يقيم لها وزنًا؟‬

‫سبق أن نقلنا كلمه في الصفحة )‪ (38‬من كتابه ‪ ،‬وفيه يقول‪:‬‬

‫"جلي أن هذه النظرة السلمية للكون هي نظرة غائية ‪ ،‬تعتمللد فللي‬


‫تفسيرها لطبيعة الكون علللى العلللل الغائيللة ‪ ،‬والهللداف السللامية ‪ ،‬وعلللى‬
‫مفاهيم أخلقية ‪ ،‬مثل )الحق والعدل(‪ .‬هل تنسجم هذه النظرة الغائية إلللى‬
‫الكون والحياة مع النظرة العلمية التي تسود العالم المعاصر وثقللافته؟ لللو‬
‫رجعنا إلى التفسيرات العلمية للكون من )نيوتن( إلى )أينشتاين( هللل نجللد‬
‫في صلبها مقولت مثللل الهللداف السللامية ‪ ،‬أو الحللق والعللدل ‪ ،‬أو الللروح‬
‫والجمال والخلق ‪ ،‬هل نجد لهللذه المفللاهيم الخلقيللة الدينيللة أي ذكللر فللي‬
‫النظرية النسبية أو في ميكانيكا الكموم مث ً‬
‫ل؟"‪.‬‬

‫فهو بهذا ل يعترف أصل ً بالمفاهيم الخلقية ‪ ،‬ول بالحق والعدل ‪ ،‬ول‬
‫بالهداف السامية ‪ ،‬ول بللالروح والجمللال والخللالق ‪ ،‬فمللا للله وللللدفاع عللن‬
‫المانللة الفكريللة؟ ومللا للله وللغيللرة علللى أخلق العتقللاد؟ إن كللان يريللد‬
‫مناصرتها حقا ً فليكن منسجما ً مع نفسه على أقل تقدير ‪ ،‬وليبق لنفسه من‬
‫الخلق بقية يخاطب بها الناس ‪.‬‬

‫إذا لم يكن للحق قيمة لديه فأين مكان المانة الفكرية إذن؟ أليست‬
‫المانة الفكرية أمانة على الحق في جانب المعرفللة؟ أليللس إلغللاؤه لمبللدأ‬
‫الحق خيانة لمبدأ المانة الفكرية؟ وحينما يلغي مبدأ الحق فماذا يأتي بعده‬
‫غير الباطل والضلل؟ فهل يطللالب الفكللار الحللرة بللأن تكللون أمينللة علللى‬
‫الباطل؟ وأي باطل هذا الذي يريد أن يحللرص عليلله؟ أل يللرى هللذا تناقضلا ً‬
‫شائنا ً مفضوحا ً غير مستور بأي شيء؟ أين أخلق العتقاد في مللوقفه هللذا‬
‫المّتسم بالتناقض الصريح؟‬

‫ينسف الخلق كلها من جذورها ‪ ،‬ول يعتر بحق ول عللدل ول أهللداف‬


‫سامية ‪ ،‬ثم يتباكى على المانة الفكرية وأخلق العتقاد ‪ ،‬ليزين تباكيه هللذا‬
‫قضية اللحاد والباحية المطلقة اللتي يناصلرها ‪ ،‬ويبشلر بهللا فلي المجتمللع‬
‫العربللي المسلللم ‪ ،‬خدمللة لسللياده الماركسلليين ‪ ،‬ومللن ورائهللم القيللادة‬
‫اليهودية العالمية ‪ ،‬ما أعجب هذا من إنسان يحترم كرامة نفسه؟!‬

‫مادام قد نسف الخلق كلها من جذورها فأية أمانة لديه يعتمد عليها‬
‫فللي نقللل خللبر ‪ ،‬أو حكايللة قللول لنسللان ‪ ،‬أو تقريللر حقيقللة مللن الحقللائق‬
‫العلمية؟‬
‫مادام هذا مذهبه فمن الطبيعي أن ل يوثللق بشلليء يقللوله ‪ ،‬لنلله إن‬
‫صدق في واحدة أو أكثر فذلك ليغطللي بهللا فريللة يفتريهللا علللى الحقيقللة ‪،‬‬
‫خبرا ً كانت أو معرفة علمية ‪ ،‬وهذا مللا يكتشللفه النللاظر فللي أقللواله بللأدنى‬
‫تأمل ‪ ،‬إنه حينما يبحث فللي العلللم الحللديث ل يعللرض إل أقللوال الملحللدين‬
‫أمثاله ‪ ،‬ويجعلهم الممثلين الوحيدين للركب الحضاري كله ‪ ،‬وقللد يعللرض –‬
‫كما رأينا – على سبيل التضليل بعض العلم الكبرى في ضللمن مللا يعللرض‬
‫من قائمة أسللماء ‪ ،‬تمويهلا ً بللأن هللؤلء العلم الكللبرى مللن مؤيللدي قضللية‬
‫اللحاد ‪ ،‬مع أنهم في الواقع بخلف ذلك ‪.‬‬

‫وأي ناظر في كتابه يرى أنه جندي مطيع ‪ ،‬يجعل من نفسه رأسه‬
‫حربة في يد الماركسية واليهودية العالمية ‪ ،‬لهدم كيان أمته ‪ ،‬وتهيئة أرضها‬
‫وأجيالهللا لحتلل العللدو احتلل ً شللامل ً ‪ ،‬يتنللاول الفكللار والنفللوس والقللوى‬
‫المختلفة ‪ ،‬والرض والموال وسائر الثروات والخيرات ‪.‬‬
‫هذه هي الخطة اليهودية التي درسناها في كتبهم ‪ ،‬والتي رأينا جملة‬
‫كبيرة من تطبيقاتها في العالم ‪.‬‬
‫والملحدة الماركسيون كتبية من كتائب جنللود التنفيللذ لهللذه الخطللة‬
‫اليهودية العالمية الكبرى ‪ ،‬التي غدت من الحقائق المكشوفة جدا ً ‪ ،‬بعد أن‬
‫كانت مستورة عن كثير من أعين الجماهير ‪.‬‬

‫إنهم مجندون في صف العدو ‪ ،‬ولكنهم مخالطون مداخلون ‪ ،‬يحتلون‬


‫مواقع ضمن الصفوف ‪ ،‬وهم يتحينون الفرص للنقضاض على أمتهم خدمة‬
‫لسيادهم الشياطين ‪.‬‬

‫إنني لعجب كللل العجللب مللن هللذه الحللرب المسللتعرة علللى فكللرة‬
‫اليمان بللالله تعللالى ‪ ،‬وعلللى المبللادئ والقيللم الخلقيللة ‪ ،‬وعلللى الفضللائل‬
‫النسانية ‪ ،‬وعلى الحق والعدل والهداف السامية ‪ ،‬وعلى الللروح والجمللال‬
‫والخالق ‪ ،‬وعلى التفسيرات الغائية للكون والحيللاة ‪ ،‬فمللاذا تضللر البشللرية‬
‫هذه المور من وجهة نظرهم؟‬
‫إن هذه المبادئ التي ينادي بها الدين من شأنها أن تكف يد الجريمللة‬
‫في الناس ‪ ،‬وتخفف من شرورهم ‪ ،‬وتجلب للنسانية نفعلا ً عظيملا ً ‪ ،‬ولكلن‬
‫القيادة المجرمة الخفية فلي العلالم تخسلر بنشلر هلذه المبلادئ وتطبيقهلا‬
‫جنودا ً كثيرين تستطيع أن تجندهم عن طريق اللحللاد والباحيللة المطلقللة ‪،‬‬
‫ول تستطيع أن تجندهم عن طريق اليمان والتزام المفاهيم الخلقية ‪.‬‬

‫لللذلك فلإن وسلليلتهم الوحيللدة لتجنيللد جيوشلهم المجرمللة ‪ ،‬هلي أن‬


‫ينشروا اللحاد والباحية أول ً ‪ ،‬ثم ينتقوا جنودهم من هذا الوسللط اللحللادي‬
‫الباحي ‪ ،‬ليدفعوا بهم إلى ارتكاب الجرائم النسانية الكبرى ‪ ،‬وبذلك يحقق‬
‫المجرمون المستورون أهدافهم في السيطرة على العالم ‪.‬‬

‫)‪(8‬‬

‫نظرت في مناقشته لبحث الفيلسوف المريكي )وليم جيمس( الذي‬


‫كتبه تحت عنوان ‪" :‬إرادة العتقاد" ‪ ،‬فرأيت أن )وليم جيمس( تعلرض فلي‬
‫بحثه إلى حق النسان المفكر بالعتقاد بوجود الله ‪ ،‬ولللو لللم تكللن البينللات‬
‫العلمية والدلة العقلية كافية بحد ذاتهللا للبرهللان علللى وجللود الللله أو عللدم‬
‫وجوده ‪ ،‬نظرا ً إلى أن عواطف النسان ومشللاعره ترجللح جللانب الثبللات ‪،‬‬
‫كما أن النسان يجد نفسه بين موقفين ‪:‬‬

‫‪ -1‬فإذا هو أنكر الله وجحده وكلان الواقلع بخلف ذلللك فلإنه يعلّرض‬
‫نفسه لخسائر كبرى ‪.‬‬

‫‪ -2‬وإذا هو آمن به وكان الواقع بخلف ذلك فإنه ل يخسر شيئا ً ‪.‬‬

‫واستنتج من ذلك أن موقف اليمان على هذا موقف ل خسللارة فيلله‬


‫مطلقا ً ‪ ،‬مع وجود احتمال اغتنام أرباح كثيرة منه ‪ ،‬وأما موقف اللحاد على‬
‫هذا أيضا ً فهو موقف ل ربح فيلله مطلقلا ً ‪ ،‬ملع وجلود احتملال تكبللد خسلائر‬
‫كبرى ‪.‬‬

‫وبمقارنة هذين الموقفين يترجح موقف اليمان على موقللف اللحللاد‬


‫قطعا ً ‪ ،‬ويكون من حق النسان أن يؤمن في مقياس العقل ‪.‬‬

‫ثم بلغ مني العجب مداه حين رأيت الناقد )د‪ .‬العظم( ينللاقش بحللث‬
‫)جيمللس( مناقشللة مشللحونة بالمغالطللات الللتي تللأتي ببعللض العبللارات‬
‫الفلسفية ‪ ،‬وليس فيها من الفلسفة الصحيحة شيء ‪ ،‬وتسللتخدم العبللارات‬
‫ل مللا فيهللا سفسللطة ‪،‬‬ ‫العلمية ‪ ،‬وليس فيها من العلم الصللحيح شلليء ‪ ،‬ج ل ّ‬
‫ومغالطات ‪ ،‬وخطابيات ‪ ،‬وتقريرات ‪ ،‬وكلها ل تملك ملن الدلللة شلليئا ً حلتى‬
‫أضعفها ‪.‬‬
‫هذا على الرغم من أن )وليم جيمللس( لللم يقللدم لقضللية اليمللان إل‬
‫أضعف الدلة ‪ ،‬وهو الدليل الذي صاغه الشاعر العربي الفيلسوف بقوله‪:‬‬

‫قال المنجم والطبيب كلهما *** ل ُتبعث الجساد ‪ ،‬قلت ‪ :‬إليكما‬


‫ح قولي فالخسار عليكما‬‫ح قولكما فلست بخاسر *** أو ص ّ‬‫إن ص ّ‬

‫وهذا هو الدليل الثاني الذي طرحه مؤمن آل فرعون ‪ ،‬فللي مناقشللة‬


‫لهم حول دعوة موسى عليه السلم ‪ ،‬وقد حكى القرآن ذلك عنه بقول الله‬
‫تعالى في سورة )غافر‪ 40/‬مصحف‪ 60/‬نزول(‪:‬‬

‫جل ً َأن‬ ‫ن َر ُ‬ ‫قت ُل ُللو َ‬ ‫ه أ َت َ ْ‬ ‫مللان َ ُ‬‫م ِإي َ‬ ‫ن ي َك ْت ُل ُ‬ ‫ل فِْرعَلوْ َ‬ ‫نآ ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫ن ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫ملؤْ ِ‬ ‫ل ّ‬ ‫جل ٌ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫}وََقا َ‬
‫كاِذب لا ً فَعَل َي ْلهِ ك َلذِب ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ك َ‬ ‫م وَِإن ي َ ُ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ِبل ٱْللب َي َّنا ِ‬‫جآَءك ُ ْ‬ ‫هل وَقَد ْ َ‬ ‫ي ٱل ّلل ُ‬ ‫ل َرب ّ َ‬‫قو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ف‬‫سرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫هل ل َ ي َهْ ِ‬ ‫ن ٱل ّلل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ذي ي َعِد ُك ُ ْ‬ ‫ض ٱّلل ِ‬ ‫م ب َعْ ُ‬ ‫صاِدقا ً ي ُ ِ‬
‫صب ْك ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫وَِإن ي َ ُ‬
‫َ‬
‫فلي ٱللْر ِ‬ ‫ك ٱْللي َوْ َ‬ ‫م ٱْلل ُ‬ ‫ب * ٰي َ‬
‫ملن‬ ‫صلُرَنا ِ‬ ‫ملن َين ُ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ظلاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ملْ ُ‬ ‫قوم ِ ل َك ُ ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫كَ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ل‬‫سلِبي َ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬‫ديك ُ ْ‬ ‫هل ِ‬ ‫مآ أ ْ‬ ‫مآ أَر ٰى وَ َ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫مآ أِريك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫جآَءَنا َقا َ‬ ‫س ٱلل ّهِ ِإن َ‬ ‫ب َأ ِ‬
‫شاِد{‪.‬‬ ‫ٱ ل ّرل َ‬

‫فهذا الرجل المؤمن من آل فرعون عرض عليهللم أول ً دليللل البينللات‬


‫التي جاء بها موسى ‪ ،‬ثم تنازل معهم إلللى مسللتوى آخللر ل يسللتطيعون أن‬
‫يرفضوه إذا هم رفضوا البينات ‪ ،‬فقال لهم }وإن يك كاذب لا ً فعليلله كللذبه{‪،‬‬
‫أي ‪ :‬فإنكم ل تخسرون شيئا ً إذا تركتم موسى وشللأنه فيمللا لللو كللان كاذبلا ً‬
‫}وإن يك صادقا ً يصبكم بعض الذي يعللدكم{‪ ،‬أي ‪ :‬فللإنكم تخسللرون كللثيرا ً‬
‫بتكذيبه ومقاومة دعوته فيما لو كان صادقا ً ‪ ،‬فالمنطق الحللق يرجللح الخللذ‬
‫باحتمال صدقه على احتمال كذبه ‪ ،‬لن الخذ باحتمال الصدق يللدفع عنكللم‬
‫احتمالت الخطر دون أن تخسروا شيئا ً ‪ ،‬أما الخذ باحتمال الكذب فإنه قللد‬
‫يعرضكم للخطر دون أن تخسروا شيئا ً ‪ ،‬أما الخذ باحتمال الكذب فإنه قللد‬
‫يعرضكم للخطر دون أن تجنوا شيئا ً من الربح ‪ ،‬وهللذا منطللق عقلللي يصللح‬
‫الستناد إليه والعتماد عليه ‪ ،‬في كل المور التي يجد النسان نفسلله فيهللا‬
‫بين موقفين متكافئين نظري لا ً ‪ ،‬إل أن الخللذ بأحللدهما فيلله السلللمة بصللفة‬
‫قطعيللة مللع احتمللال الربللح ‪ ،‬أمللا الخللر ففيلله احتمللال عللدم السلللمة مللع‬
‫الخسارة ‪ ،‬وهذا هو أضعف الدلة المرجحة ‪.‬‬

‫وُيطرح هذا الدليل عند آخر مرحلة من مراحل النقاش الذي يرفللض‬
‫فيه الملحد أدلة اليمان الكثيرة ‪ ،‬ويعلللن تشللككه بهللا ‪ ،‬أو يطللرح فللي أول‬
‫مرحلللة مللن مراحللل النقللاش ‪ ،‬لتللوجيه النفللس إلللى منطقللة اليمللان منللذ‬
‫النطلقة الفكرية الولى ‪ ،‬ثم تطرح من بعده الدلة والبينات الخرى ‪ ،‬فهو‬
‫إما دافع إلللى النقلللة الولللى الللتي تتجللاوز منطقللة الشللك المطلللق ‪ ،‬وإمللا‬
‫ممسك بلالنفس فلي منطقلة اليملان قبلل أن تنزللق إللى منطقلة الشلك‬
‫المطلق ‪.‬‬
‫ولست أدري كيف بلغ )العظم( هذا المستوى الذي نللراه فللي كلملله‬
‫من ضللعف الدراك لصللل الموضللوع ‪ ،‬حينمللا نللاقش )جيمللس( حللول هللذا‬
‫الدليل ‪.‬‬

‫فهو ينقل بعض أقوال )وليم جيمس( ثم يعلللق عليهلا تعليقلا ً عجيبلا ً ‪،‬‬
‫يللد ّ‬
‫ل علللى ضللعف إدراكلله للمشللكلة ‪ ،‬أو اسللتهانته بقللارئي كتللابه اسللتهانة‬
‫بالغة ‪ ،‬إذ يحللاول تضللليلهم حللتى فللي البللدهيات ‪ ،‬انظللر هللذا المقطللع مللن‬
‫الصفحتين )‪ (76‬و)‪ (77‬من كتابه‪:‬‬

‫"وهنا يدافع )جيمس( عن نفسه قوله‪:‬‬


‫‪ -1‬ل يمكننا أن نعلق الحكم إلى البللد فللي موضللوع العتقللاد بوجللود‬
‫الله لننا بذلك قد نتجنب الوقللوع فللي الخطللأ إذا لللم يكللن الللله موجللودا ً ‪،‬‬
‫ولكننا سنخسر فائدة كبرى فيما لو كان موجودًا"‪.‬‬

‫ويعّلق على كلم )جيمس( هذا بقوله ‪:‬‬


‫" في الواقع أن )جيمس( يسيء فهم المشكلة ‪ :‬فالمسألة ل تتعلللق‬
‫بالفائدة الدنيوية أو الزلية التي قد أجنيها من اعتقللادي بللالله ‪ ،‬وبالخسللارة‬
‫المماثلة التي قد أتكبدها من عدم اعتقادي به إذا كلان موجلودا ً ‪ .‬المشلكلة‬
‫أصل ً ل تمت بصلة إلللى حسللاب الربللاح والخسللائر ‪ ،‬ول علقللة لهللا بعقليللة‬
‫الرهان والمجازفة ‪ .‬المشكلة بكل بساطة هي ‪ :‬هل القضية "الله موجللود"‬
‫قضية صادقة أم كاذبة ‪ ،‬أم أن صدقها جائز جواز كذبها ‪ ،‬وليللس لللدينا أدلللة‬
‫أو بينات ترجللح أي لا ً مللن هللذين الحتمللالين علللى الخللر؟ يجللب أن ينسللجم‬
‫موقفنا الشخصي من قضية وجود الله انسجاما ً تاملا ً مللع جوابنللا علللى هللذا‬
‫السؤال ‪ ،‬ل مع حساب الخسائر والرباح"‪.‬‬

‫يا عجبا ً له ولهذا المنطق العور ‪ ،‬من منهمللا يسلليء فهللم المشللكلة‬
‫)جيمس( أو )العظم(؟‬

‫كيف ل تتعلق المشكلة بالفائدة الدنيوية أو الزلية التي قد أجنيها‬


‫من اعتقادي بالله ‪ ،‬وبالخسارة المماثلة التي قد أتكبدها من عدم اعتقللادي‬
‫به إذا كان موجودا ً ؟‬

‫إنها مشكلة وجودي وحياتي وسعادتي ومستقبلي ‪ ،‬أفل أبحث عنها ؟‬


‫أفل أضعها في الحساب؟ أفأعرض وجللودي كللله وسللعادتي كلهللا للخطللر ‪،‬‬
‫دون أن يكون لي في الموقف الذي أتخذه أي ربح ‪ ،‬أو أية فائدة؟‬

‫هل أتعامل مع أرقام في مسألة رياضية ل علقة لي بها؟‬

‫إنها قضية حياة ‪ ،‬قضية سعادة ‪ ،‬قضية مصير ‪ ،‬إن اللعب فيهللا لعللب‬
‫بالنار ‪.‬‬
‫هل يفعل )العظم( مثل هذا في مشللكلته الحياتيللة المصلليرية ‪ ،‬مللن‬
‫أمور معاشه أو صحته ومرضه أو سلمته وتهلكاته أو تجللارته واسللتمثاراته؟‬
‫أو نحو ذلك ‪.‬‬

‫إنه هو الذي يسيء فهللم المشللكلة ‪ ،‬أو هللو الللذي يفسللد تصللويرها ‪،‬‬
‫لتضليل المراهقين فكريا ً ونفسيًا‪.‬‬

‫حينما حاول تحديد المشكلة أخذ يهرف في تصويرها ‪ ،‬كأنها قضللية ل‬


‫علقة للباحث بها من قريب ول من بعيد ‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫"المشكلة بكل بساطة‪ :‬هل القضية )الله موجللود( قضللية صللادقة أم‬
‫كاذبة؟ أم أن صدقها جائز جواز كذبها؟"‪.‬‬

‫ثم قال‪:‬‬

‫"يجب أن ينسجم موقفنا الشخصي من قضللية وجللود الللله انسللجاما ً‬


‫تاما ً مع جوابنا على هذا السؤال ‪ ،‬ل مع حساب الرباح والخسائر"‪.‬‬

‫فمن أين له أن يلقللي هللذه التقريللرات المخالفللة للحقيقللة وللبديهللة‬


‫العقلية دون أي دليل؟ أهو يبحث عن قضللية فللي مجاهيللل الجللزر البحريللة‬
‫التي ل علقللة للله بهللا؟ حللتى يقللرر أن المشللكلة أصلل ً ل تمللت بصلللة إلللى‬
‫حساب الخسائر والرباح ‪.‬‬

‫يبللدو أنلله قللد بلللغ مللن السللخف الفكللري مللداه ‪ ،‬حيللن انتقللد )وليللم‬
‫جللح احتمللال‬‫جيمس( في ترجيحه جانب اليمللان علللى جللانب اللحللاد ‪ ،‬بمر ّ‬
‫الربح الذي ل يقابله احتمال خسللارة ‪ ،‬بينمللا رجللح )العظللم( جللانب اللحللاد‬
‫بدون مرجح مطلقا ً ‪ ،‬مع قيام مرجح احتمال الخسارة فللي جللانب اللحللاد ‪،‬‬
‫ومرجح احتمال الربح في جانب اليمان ‪ ،‬وكلهما لصالح قضية اليمان ‪ ،‬إل‬
‫أنه ألغاهما من الحساب اعتباطا ً وحماقة ‪ ،‬وزعلم أنله ل علقلة لهملا أصلل ً‬
‫بالقضية ‪.‬‬

‫أليس هذا تضليل ً يمكن أن يدركه أي ناظر بالبداهة؟‬

‫لقد حاول )العظللم( طمللس جللوانب المنطقيللة فللي دليللل )جيمللس(‬


‫بالمراوغة والمغالطة ‪ ،‬وتصدى لنقللد أصللوله المقبولللة فكري لا ً بسفسللطات‬
‫مرفوضة بداهة ‪.‬‬

‫لقد كان )جيمس( منسجما ً مع المنطقية السليمة ‪ ،‬ومع البحلث علن‬


‫سلمته وسعادته ومصيره ‪ ،‬على فرض أنه ل توجد إثباتات كافيللة أو بينللات‬
‫علمية تبرهن على وجود الله أو عللدم وجللوده ‪ ،‬فقللد رأى أن الخللذ بجللانب‬
‫اليمان أرجح ‪ ،‬استجابة لنداء الفطرة من جهة ‪ ،‬وطلبا ً للسلللمة مللن جهللة‬
‫أخرى ‪ ،‬وذلك لن تعليق الحكم إلى البد في موضوع العتقللاد بوجللود الللله‬
‫ب الوقوع في الخطأ إذا لم يكن الله موجودا ًَ ‪ ،‬لكنلله‬
‫جن ّ ُ‬ ‫ج ّ‬
‫ل ما فيه أنه قد ي ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫يوقع في خسارة عظيمة )هي الشقاء البدي( فيما لو كان موجللودا ‪ ،‬فهللل‬
‫يجازف العاقل بحياته وسعادته الزلية دون مقابل ‪ ،‬ولمجللرد وقللوف جامللد‬
‫حائر ‪.‬‬

‫أما اختيار سلبيل النكلار والكفلر بلالله فلإن )جيملس( يلراه اختيلارا ً‬
‫متعنتا ً لجانب ل دليل عليلله مطلقلا ً ‪ ،‬وليللس فيله اسللتجابة لنلداء الفطللرة ‪،‬‬
‫وفيه مخاطرة حمقاء توقع النسللان فللي احتمللالت خسللارة كللبرى وشللقاء‬
‫أبدي ‪.‬‬

‫أما )العظم( فمنهجه السوفسطائي الديماغوجي اللمنطقي أن يبيللح‬


‫لنفسه أن يقول ما يشاء ‪ ،‬دون ضابط عقلي أو علمي أو أخلقي ‪.‬‬

‫فالحقيقللة الظللاهرة يقللول عنهللا دون مبللالة أو اكللتراث ‪ :‬إنهللا غيللر‬


‫موجودة ‪.‬‬

‫والوهام المفتراة يقول عنها بجزم وتأكيد ‪ :‬إنها حقائق ثابتة ‪.‬‬

‫ومنهجه الجدلي أن يبيح لنفسه أن يغالط كما يشللاء ‪ ،‬وأن يزيللف أي‬
‫شلليء يريللد تزييفلله ‪ ،‬وأن يلبللس أثللواب الللزور ‪ ،‬فيرتللدي أرديللة البحللث‬
‫العلمي ‪ ،‬وكلمه مناقض للبحللث العلمللي ‪ ،‬ويحمللل شللعار المانللة الفكريللة‬
‫وأخلق العتقللاد ‪ ،‬وهللو فللي حللرب ضللروس ضللد المانللة الفكريللة وأخلق‬
‫العتقاد وسائر الخلق والقيم ‪.‬‬

‫انظر هذا المقطع الثاني من نقللده لبحللث )وليللم جيمللس( لللترى مللا‬
‫حشر فيه من مغالطات ‪ ،‬يقول في الصفحة )‪ (77‬من كتابه‪:‬‬

‫"‪ -2‬يقول جيمس فللي دفللاعه عللن نفسلله‪ :‬إن النسللان الللذي يعلللق‬
‫الحكم في موضوع وجود الللله يرضللخ بللذلك إلللى تخللوفه مللن الوقللوع فللي‬
‫الخطأ والوهم ‪ ،‬بينما كان الحرى به أن يعتقد بوجوده تمشيا ً مع أمللله فللي‬
‫أن يكون اعتقاده صادقًا"‪.‬‬

‫ويعلق العظم على قول )جيمس( هذا بقوله‪:‬‬

‫"ولكللن جيمللس مخطللئ ‪ ،‬لن خوفنللا مللن الوقللوع فللي الخطللأ أهللم‬
‫بدرجات من أملنا في العثور على الحقيقللة ‪ ،‬أو مللن رجائنللا فللي أن يكللون‬
‫اعتقادنا صادقًا"‪.‬‬

‫هكذا يقرر)العظم( ثم يأتي بما زعم أنه دليل ‪ ،‬ولكنه لو لم يللأت بلله‬
‫لكان أستر له ‪ ،‬إنه يقول في دليله الذي ساقه‪:‬‬
‫"ذلللك لن عللدد الخطللاء الللتي يمكللن أن نقللع بهللا غيللر متنللاه ‪ ،‬أمللا‬
‫الحقيقة فواحدة ‪ ،‬وبما أن احتمللالت الوقللوع فللي الخطللأ أكللبر بكللثير مللن‬
‫احتمالت العثور على الحقيقة ‪ ،‬أو احتمال الوقوع على العتقللاد الصللادق ‪،‬‬
‫لللذلك يضللطر النسلان لن يضلع ضلوابط صلارمة وحازملة فلي بحثلله علن‬
‫المعرفة ‪ ،‬أمل ً منه في أن يخفض احتمالت الخطلأ إللى أقلل حلد ممكلن ‪.‬‬
‫وبالرغم من ذلك يظل عدد هذه الحتمالت مخيفًا"‪.‬‬

‫ول بد أمام هذا الكلم )العظمي( من إلقللاء ضللحكة سللخرية ‪ ،‬وذلللك‬


‫لنه وضع الشلياء اللتي فلي غيللر مواضلعها ‪ ،‬وذكرنلي بقصلة طللالب غللبي‬
‫يحفظ بعض المسائل النحوية والصرفية واللغوية ‪ ،‬سأله الممتحللن أول مللا‬
‫م ‪ ،‬والعلللم مرتجللل‬ ‫سأله ما اسمك؟ فقال له ‪ :‬السم على أقسام‪ :‬منه عل َ َ‬
‫ومنقول ‪ ،‬وهو علم شخصي وعلم جنسي ‪ ،‬ومنه معارف أخرى غير علللم ‪،‬‬
‫ومنه نكرة ‪ ،‬والنكرة قد تكون اسم جنس ‪ ،‬وقد تكون اسم جنس جمعللي ‪،‬‬
‫وفي باب النداء قد تكون النكللرة نكللرة مقصللودة ‪ ،‬وقللد تكللون نكللرة غيللر‬
‫مقصودة ‪ ،‬ومعاجم اللغللة قللد جمعللت المفللردات اللغويللة وبينللت معانيهللا ‪،‬‬
‫سواء ما كان منها اسما ً أو فعل ً ‪ ،‬وفيها مئات اللوف من الكلمللات ‪ ،‬وسللار‬
‫على هذا المنوال في السرد الغبي ‪.‬‬

‫و)العظم( ظن نفسه في مثل صحراء واسعة يبحث فيها عن دينللار ‪،‬‬


‫واحتمالت الخطأ فيهللا ل نهايللة لهللا ‪ ،‬ونسللي أنلله فللي موضللوع يللتردد بيللن‬
‫احتمالين فقط ‪ ،‬ل ثالث منهما ‪ ،‬أحد هذين الحتمللالين هللو أن الللله موجللود‬
‫وحق ‪ ،‬والحتمال الثاني هو الحتمال المنللاقض للله ‪ ،‬ول شلليء وراء هللذين‬
‫الحتمالين ‪ ،‬فالقضية كمن جاءنا فقال ‪ :‬في وسطي حزام ناسف ‪ ،‬وهنللا ل‬
‫بد أن نكون أمام خيارين ل ثالث لهما ‪ ،‬إما أن نرجح احتمال الصدق فنأخللذ‬
‫حذرنا ‪ ،‬وإما أن نرجح الحتمال الخر فنورط أنفسنا في احتمال الخطر ‪.‬‬

‫و)جيمس( رجح احتمال اليمان على نقيضه فقط ‪ ،‬وليس على‬


‫احتمالت ل حصر لها ‪.‬‬

‫فمن أين )للعظم( أن يغالط هذه المغالطة المفضوحة؟‬


‫من أين جاء بقصة عدد الخطاء التي ل نهاية لها فللي موضللوع ليللس‬
‫فيه إل احتمالن متناقضان فقط؟‬

‫إنها قصة في البحث العلمللي ‪ ،‬ولكللن ليللس هللذا مكانهللا ‪ ،‬إنلله يضللع‬
‫الشللياء فللي غيللر مواضللعها ‪ ،‬إمللا علللى سللبيل الجهللل واختلل المللوازين‬
‫المنطقية لديه ‪ ،‬وإما على سبيل المغالطة واستغفال القارئ والتغرير بلله ‪،‬‬
‫ولكن أي قارئ حصيف قادر على كشف هذا الزيف الذي صنعه ‪.‬‬

‫وبعد هذا التزييف المقصللود الللذي أراد بلله السفسللطة والمخادعللة ‪،‬‬
‫ظن أنه ملك ناصية حجة متينللة وبلللغ مللا يريللد مللن تهللديم للبنيللة الفكريللة‬
‫اليمانية فقال في الصفحة )‪.(77‬‬

‫" ل شك إذن أنه – خلفا ً لرأي جيمس – من الحكمللة أن نخللاف مللن‬


‫الوقوع في الخطأ أكثر بكثير مللن أن نتسللرع فللي النصللياع مللع أملنللا فللي‬
‫العثور على العتقللاد الصلحيح والصللادق ‪ ،‬خصوصلا ً قبللل تصللفية احتمللالت‬
‫الخطأ إلى أدنى حد ممكن ‪ ،‬عن طريق التفكير العلمي ومنهجه المعللروف‬
‫"‪.‬‬

‫وهنا نلحظ أنه قللد يكللون دارسلا ً لمنهللج التفكيللر العلمللي ‪ ،‬ولكللن ل‬
‫يعرف مواضللع تطللبيقه ‪ ،‬والعجللب مللن ذلللك أنلله يأخللذ لنفسلله بالحتمللال‬
‫المقابل ‪ ،‬دون أن يناقش نفسه بما ناقش به )جيمللس( ‪ ،‬وهللذا يللدل علللى‬
‫أنه يغالط ويراوغ ‪،‬ويجادل بالباطل ‪.‬‬

‫لقد أثبت هذا الملحد على نفسه وعلى طرائق الملحدين صورا ً فيهللا‬
‫الكثير مما يضحك العقلء ‪ ،‬إن كان يستهين بمنطق القراء ومدى ثقافللاتهم‬
‫فليعلللم أن صللغار المثقفيللن السلللميين قللادرون علللى كشللف مغالطللاته‬
‫وتزييفاته ‪.‬‬

‫لقد تجاوز في صللنيعه قواعللد التفكيللر العلمللي ومنهجلله المعللروف ‪،‬‬


‫ومشى في صحرائه التائهة يتغنى بقول الشاعر‪:‬‬

‫ت مغربا ً *** شتان بين مشّرق ومغّرب‬


‫سارت مشّرقة وسر ُ‬

‫ثم بعد أن ظن أنه قد قرر النتيجة المفحمة قال ‪:‬‬


‫" حتى لو كان العتقاد الذي تقبلنللاه عللن طريللق العاطفللة والميللول‬
‫صادقا ً وصحيحا ً بمحض المصللادفة ‪ ،‬فلللن يكللون للله قيمللة ‪ ،‬لن شللأن هللذا‬
‫العتقاد هو كشأن الوصول إلللى المللال علن طريللق السللرقة ‪ ،‬عوضلا ً عللن‬
‫طريق العمل الشريف ‪ .‬أي ‪ :‬إننا وصلنا إلى هذا العتقللاد الصللادق بطريللق‬
‫غير مشروعة ‪ ،‬ول يمكننا أن نقيم مبادئ عامة للوصول إلى آراء مدروسللة‬
‫على أساس المصادفة "‪.‬‬

‫ونحن ل نريد أن نعلق على هذه المناقشة الضللعيفة الواهنللة كللثيرا ً ‪،‬‬
‫لن موضوعنا ل يهمنا ‪ ،‬باعتبار أن قضية اليمللان بللالله وتعللالى وبمللا جاءنللا‬
‫عنه ‪ ،‬هللي بالنسللبة إلينللا قضللية علميللة ‪ ،‬توصلللنا إليهلا بلالمنطق السللليم ‪،‬‬
‫والحجة الدامغة ‪ ،‬والبرهان القللاطع ‪ ،‬ول شللأن لنللا بمللن أنكرهللا أو أغمللض‬
‫بصيرته عنها ‪.‬‬

‫ولكن ننتقد هذه المناقشة من وجهين‪:‬‬


‫الول‪ :‬ما أسماه بالمصادفة التي قد توصل النسان إلللى العتقللاد‬
‫الصحيح الصادق ‪ ،‬قد شبهه بكسب المال عن طريق السرقة ‪ ،‬عوض لا ً عللن‬
‫طريق العمل الشللريف ‪ ،‬وكللان منطللق التشللبيه يقضللي عليلله بللأن يشللبهه‬
‫قط َةٍ في صحراء ‪ ،‬أو كنز ل مالك له ‪.‬‬ ‫بالعثور على منجم في جبل ‪ ،‬أو ل ُ َ‬

‫على أن القضية بالساس ليست من قبيل المصادفة ‪ ،‬إنما هي من‬


‫وجهة نظر )جيمس( ترجيح قائم على نظر صحيح ‪ ،‬يحق للنسللان معلله أن‬
‫يتخذ مذهبا ً ‪.‬‬
‫سللك بلله )العظللم( وأضللرابه ‪ ،‬هللو‬
‫يضاف إلى هذا أن اللحاد الذي تم ّ‬
‫الذي يصح أن يوصللف بلأنه عمللل غيللر مشللروع ‪ ،‬إل سللند لمللذهب اللحللاد‬
‫مطلقا ً ‪ ،‬فل يوجد دليل ول شبه دليل يدعمه ‪ ،‬بل فيه رفللض لدلللة اليمللان‬
‫جحة على أدنى المسللتويات ‪ ،‬كالللدليل الللذي اعتمللد‬ ‫المثبتة ‪ ،‬أو لدلته المر ّ‬
‫عليه )جيمس(‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬كان الحرى بالعظم أن يطبق على مذهبه اللحادي قوله‪:‬‬


‫"ول يمكننا أن نقيم مبادئ عامة للوصول إلى آراء مدروسة على‬
‫أساس المصادفة"‪.‬‬

‫إنه يمنع الخذ بالمصادفة في مجال البحث النظري للوصول إلى‬


‫أفكللار صللحيحة ‪ ،‬ويقبللل مبللدأ وجللود الحللداث الكونيللة وتغيراتهللا وقللوانين‬
‫الطبيعة كلها والنسان وعقله الذي يفكر فيه على أساس المصادفة ‪.‬‬

‫هذا مع أننا من وجهة نظرنا السلللمية ل نقبللل أن تكللون المصللادفة‬


‫أساسا ً لقامة عقائد وآراء ومفللاهيم ‪ ،‬ول لقيللام أحللداث كونيللة كللبرى ذات‬
‫نظللم محكمللة ‪ ،‬وقللوانين ثابتللة ‪ ،‬ومللن عللثر مصللادفة علللى رأي صللحيح أو‬
‫اكتشاف علمي ‪ ،‬فإننا ل نقبللله منلله مللا لللم يللدعمه بعللد المصللادفة بالدلللة‬
‫الكافية ‪ ،‬أو بالتجربة الصحيحة القابلة للعادة والتكرار ‪.‬‬

‫ثم يختم )العظم( نقده لبحث )وليم جيمس( بقوله‪:‬‬


‫"في معرض نقدنا لرأي )جيمس( يجب أن نذكر أن المفكللر الللذي ل‬
‫يعتقد بوجود الله ‪ ،‬أو يعلق الحكم حول الموضوع بأسره ‪ ،‬قد ل يفعل ذلللك‬
‫من جراء تكوينه العاطفي ‪ ،‬باعتبار أنه ربمللا كللان بطللبيعته العاطفللة أميللل‬
‫إلى العتقاد منه إلى الرفض ‪ .‬إنه يفعل ذلللك لن القناعللات الفكريللة الللتي‬
‫تشكلت لديه على أسس علمية واضحة ل تسمح له بأن يعتقد بوجللود الللله‬
‫دون أن يقع في تناقض ذاتي ‪ ،‬ودون أن يضحي بوحدة تفكيره ومنطقه"‪.‬‬

‫في كلمه هذا اعتراف ضمني بدليل الفطللرة الللتي تهللديه وتنللزع بلله‬
‫إلى اليمان )فطرة الله التي فطر الله عليها( ولكنه يكبللت فطرتلله بأوهللام‬
‫الجحود والنكار ‪ ،‬وبما أسماه من قناعات ‪ ،‬وهي ل تزيد على أنهللا مواقللف‬
‫عنادية ‪ ،‬مشحونة بالكاذيب والمغالطات والسفسطات الجدلية ‪ .‬ففي كللل‬
‫أقواله وجدلياته ‪ ،‬وفي كل ما ساقه من أقوال لساتذته ‪ ،‬لم نجللد مللا يول ّللد‬
‫أية قناعة لباحث عن الحقيقة صادق في بحثه ‪.‬‬

‫والسفسطة والمغالطة والكذب ل تشكل له عللذرا ً مقبللول ً بيللن يللدي‬


‫ربه ‪ ،‬حينما يأتي ذليل ً حقيرا ً ل يملك شيئا ً ‪.‬‬

‫أما زعمه بأن المؤمن بالله ل تسمح له القناعات الفكرية بأن يعتقللد‬
‫بوجود الله دون أن يقع في تناقض ذاتي ‪ ،‬ودون أن يضحي بوحللدة تفكيللره‬
‫ومنطقه ‪ ،‬فزعم لم يقم عليه دليل ً فللي كللل مللا كتللب ‪ ،‬وإنمللا ألقللاه كلملا ً‬
‫تقريريا ً خاليا ً من أية حجة صحيحة ‪ ،‬وما ساق من جدليات مختلفة لم يحت ل ِ‬
‫و‬
‫على شيء مما يدعم بصللدق هللذا الزعللم ‪ ،‬أو يقللدم لصللاحبه عللذرا ً فكريلا ً‬
‫مقبول ً عند الله أو عند العقلء من الناس ‪.‬‬

‫ثم ل يقتصر عللى العلتراف الضلمني بوجلود الفطلرة النزاعلة إللى‬


‫اليمان ‪ ،‬بللل يرتقللي إلللى العللتراف الصللريح بوجللود الشللعور الللديني فللي‬
‫الفطرة النسانية ‪ ،‬ولكنله ل يحلاول أن يجلد طريقلا ً لتنفيلس هلذا الشلعور‬
‫وتلبيته بألوان من التعويض الذي ل يسد مسدا ً صحيحا ً ‪ ،‬أو بلون من ألللوان‬
‫الوثنية ‪.‬‬

‫يقول في الصفحة )‪ (78‬من كتابه‪:‬‬


‫" هذا ل يعني أنني أريد نسخ الشعور الديني في تجارب النسان من‬
‫الوجود "‪.‬‬

‫أي ‪ :‬ما سبق في كلمه من توجيهه حربه الشعواء على الدين ‪ ،‬ل‬
‫يعني أن الشعور الديني غير موجود بصفة أصيلة في الفطرة النسانية بللل‬
‫هذا الشعور موجود ‪ ،‬وهو ينزع في داخل النفللس النسللانية نللزوع الللدوافع‬
‫الفطرية الصيلة ‪ ،‬التي تتطلب تلبية نفسللية وروحيللة وماديللة ‪ ،‬وتلبيللة هللذا‬
‫الشعور يكون باليمان والعبادة ‪.‬‬

‫لكن )العظم( يعترف بوجود هذا الشعور الديني ‪ ،‬ويحاول عزله عللن‬
‫التلبية الصحيحة ‪ ،‬إذ ُيغرية بأوهام ل ُتلبي دوافعه تلبيللة صللحيحة ‪ ،‬فيصللرفه‬
‫عن عبادة الله الحق إلى أوهام عبادات وثنية مختلفة يخترعها للله ‪ ،‬كعبللادة‬
‫الجمال ‪ ،‬أو عبادة البحث عن الحقيقللة ‪ ،‬أو عبللادة الهللواء والشللهوات ‪ ،‬أو‬
‫عبادة مطالب الحياة والعمال المؤدية إليهللا ‪ ،‬ويلحللق بللذلك عبللادة القللادة‬
‫والسياد ‪ ،‬وعبادة الحزاب ‪ ،‬وعبادة الشياطين ‪.‬‬

‫وفي هذا يقول متابعا ً كلمه‪:‬‬


‫"يجب تحرير هذا الشعوب الللديني مللن سللجنه ‪ ،‬ليزدهللر ويعللبر عللن‬
‫نفسه بطرق ووسائل مناسبة للوضاع والحوال التي نعيشللها فللي حضللارة‬
‫القرن العشرين ‪ .‬لذلك علينا أن نتنازل عن الفكرة التقليدية القائلة بوجللود‬
‫شلليء كحقيقللة دينيللة خاصللة ‪ ،‬وأن نللوجه اهتمامنللا نحللو الشللعور الللديني‬
‫المتحرر من هذه العباء والثقال"‪.‬‬

‫إنه بهذا يريللد أن ُيرجلع النللاس إلللى الجاهليللة الوللى ‪ ،‬وإللى عبلادة‬
‫الوثان ‪ ،‬وبعد أن حاول صرف الشعور الديني عن الله ج ّ‬
‫ل وعل ‪ ،‬وتللوجيهه‬
‫للوثنيات المادية والخيالية قال‪:‬‬

‫"وقد يتمثللل الشلعور الللديني بهللذا المعنللى فلي موقلف الفنلان ملن‬
‫الجمال ‪ ،‬أو في موقف العللالم مللن البحللث عللن الحقيقللة ‪ ،‬أو فللي موقللف‬
‫المناضل من الغابات التي يعمل لتحقيقها ‪ ،‬أو في موقف النسللان العللادي‬
‫من أداء واجباته الحياتية واليومية"‪.‬‬
‫لقد كان بإمكانه أن يعبد الله وحده وهو في هذه المواقف كلها ‪ ،‬لن‬
‫عبادة الله بمعناها الواسع تتمثل في كل عمل أو تصور أو عاطفة ‪،‬مما أذن‬
‫الله به إذا ابتغلى بلله النسلان مرضلاة الللله تعلالى ‪ ،‬لكنله – وكللذلك سللائر‬
‫الملحدين – يكرهون الخضوع لمن خلقهم ‪ ،‬ويلذ لهم أن يخضعوا لخلقه ‪.‬‬

‫إن الدين ومشاعره والدوافع إليه حقائق مغروزة في الفطرة‬


‫النسانية ‪ ،‬ل يملك أي إنسان نسللخها مللن الواقللع النسللاني ‪ ،‬مهمللا حللاول‬
‫التضليل في المر ‪ ،‬وفي حال كبتها يعيش النسللان ضللائعا ً قلقلا ً مضللطرب‬
‫المشاعر ‪ ،‬ذا حاجة أصيلة في نفسه ‪ ،‬وهذه الحاجللة محرومللة مللن التلبيللة‬
‫الصحيحة ‪.‬‬

‫في كل إنسللان إحساسللات فطريللة صللادقة ‪ ،‬تنللزع بلله إلللى اليمللان‬


‫بوجود خالق لهذا الكللون كللله ‪ ،‬ومشللاعر فطريللة صللادقة تتللوجه نحللو هللذا‬
‫الخالق العظيم باللدعاء ‪ ،‬وبطللب المعونلة والملداد اللدائم ‪ ،‬وتتلوجه إليله‬
‫بالخشوع والجلل والحب ‪ ،‬وحاجات فطرية أصيلة لعبادته والتماس الصلللة‬
‫به ‪ ،‬وهذه الحساسات والمشاعر الفطرية تشترك بالحساس والشعور بها‬
‫جميع الخلئق المدركة ‪ ،‬على اختلف نزعاتهللا ‪ ،‬ومسللتويات ثقافاتهلا ‪ ،‬فللي‬
‫البيئات البدائية ‪ ،‬وفي المدن المتحضرة ‪ ،‬وفي منتللديات المثقفيللن ‪ ،‬وفللي‬
‫قاعات العلوم والفنون والمختبرات ‪.‬‬

‫إنها صبغة الله ‪ ،‬وفطرته التي فطر الناس عليها ‪ ،‬هلذه حقيقلة بّينهلا‬
‫الله بقوله في سورة )البقرة‪ 2/‬مصحف‪ 87/‬نزول(‪:‬‬
‫ة ٱل ّللهل وم َ‬
‫ن{‬
‫عاِبدو َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ح ُ‬
‫ة وَن َ ْ‬
‫صب ْغَ ً‬ ‫ن ٱل ّلل ِ‬
‫هل ِ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫ِ َ َ ْ‬ ‫صب ْغَ َ‬
‫} ِ‬

‫وبقوله في سورة )الروم‪ 30/‬مصحف‪ 84/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬
‫س عَل َي ْهَللا ل َ‬‫ٱل ّنللا َ‬ ‫حِنيفا ً فِط َْرةَ ٱل ّللهِ ٱّللِتي فَط ََر‬
‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬
‫ك ِلل ّ‬‫جهَ َ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫}فَأقِ ْ‬
‫ق ي م ول َ ٰلك َ‬
‫ل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر ٱل ّنلا ِ‬ ‫ن ٱْلل َ ّ ُ َ‬ ‫ك ٱل ّ‬ ‫ق ٱل ّللهِ ذ َل ِ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫س‬ ‫دلي ُ‬ ‫ل لِ َ ْ‬
‫دي َ‬
‫ِ ّ‬ ‫خل ِ‬ ‫ت َب ْ ِ‬

‫ولكللن قللد نجللد هللذه الفطللرة مغشللى عليهللا فللي نفللوس بعللض‬
‫الملحدين ‪ ،‬ولهذا الغشاء سبب ‪ ،‬فلالفطرة هللذه ل تنطمللس إل فلي نفللس‬
‫من بالغ في النحراف من الناس ‪ ،‬بدافع غير أخلقي ‪ ،‬كللالكبر والعنللاد ‪ ،‬أو‬
‫الرغبللة بللالفجور ‪ ،‬والنطلق فللي الهللواء والشللهوات ‪ ،‬مللع التهللرب مللن‬
‫مشاعر العدالة اللهية ‪ ،‬وملحقة الضلمير اللديني للسللوك ‪ .‬أو فلي نفلس‬
‫ل لعبت بأفكاره وعبثت بشهواته شياطين النس ‪ ،‬من ذوي المصلللحة‬ ‫مضل ّ ٍ‬
‫ُ‬
‫الساسللية فللي نشللر اللحللاد والكفللر بللالله فللي الرض ‪ .‬ولكللن المشللاعر‬
‫الفطرية لللدى هللؤلء وأولئك تظللل مكبوتللة محرومللة مللن التلبيللة وتنفيللس‬
‫الكرب الذي يتولد عن الكبت ‪ ،‬ثللم تحللاول التنفيللس بطللرق غيللر طبيعيللة ‪،‬‬
‫وهذا التنفيس يظهر في صورة هيستيريا عصبية انفعالية ‪ ،‬مع الفللن تللارة ‪،‬‬
‫ومع الخمر والمخدرات تللارة أخللرى ‪ ،‬ومللع النتحللار أحيان لا ً ‪ ،‬ومللع )الهي ّي ّللة(‬
‫أحيانا ً أخرى ‪ ،‬وفي جنون الحرب ‪ ،‬وفي جنون النعزالية والنطوائية ‪ ،‬وفي‬
‫جنون العظمة وادعاء الربوبية ‪ ،‬إلى غير ذلك مما ل يحصى‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن هذه الفطللرة فقللد تللتيقظ فللي نفللوس أعللتى الكفللرة‬
‫والملحدة المجرمين ‪ ،‬وذلك حينما تشتد عليهم مصللائب الحيللاة ‪ ،‬ويقعللون‬
‫في مخاطر محدقة بهم ‪ ،‬ول يجدون وسيلة مادية لدفعها ‪ ،‬وهذا مللا حصللل‬
‫لفرعون حينما أدركه الغرق فقللال ‪" :‬آمنللت بللرب موسللى وهللارون آمنللت‬
‫بالذي آمنت به بنو إسرائيل"‪.‬‬

‫وهذه صورة تتكرر في حياة النسان ‪ ،‬كلما أحاطت به شللدة ل يجللد‬


‫وسيلة مادية لتفريجها ‪ ،‬وقد كشف الله عنها بقوله في سورة )السراء‪17/‬‬
‫مصحف‪ 50/‬نزول(‪:‬‬

‫جللاك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن إ ِل ّ إ ِّياهُ فَل َ ّ‬
‫مللا ن َ ّ‬ ‫عو َ‬
‫من ت َد ْ ُ‬ ‫ض ّ‬
‫ل َ‬ ‫ح رِ َ‬‫ض ّر ِفي ٱْللب َ ْ‬ ‫م ٱْلل ّ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫م ّ‬‫ذا َ‬‫}وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫فورًا{‬
‫ن كَ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫ن ٱ ِ‬
‫للن ْ َ‬ ‫كا َ‬‫م وَ َ‬‫ضت ُ ْ‬‫إ َِلى ٱْللب َّرل أعَْر ْ‬

‫وكشللف عنهللا سللبحانه بقللوله فللي سللورة )يللونس‪ 10/‬مصللحف‪51/‬‬


‫نزول(‪:‬‬

‫ن‬
‫جَري ْ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫فلْ ِ‬ ‫م ِفي ٱْلل ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ذا ُ‬ ‫حت ّ ٰى إ ِ َ‬ ‫ح رِ َ‬ ‫م ِفي ٱْللب َّر وَ ٱل ْب َ ْ‬ ‫سي ُّرك ُ ْ‬ ‫ذي ي ُ َ‬ ‫}هُوَ ٱّلل ِ‬
‫ملن ك ُل ّ‬
‫ل‬ ‫ج ِ‬ ‫م لوْ ُ‬‫م ٱْلل َ‬ ‫جلآَءهُ ُ‬ ‫ف وَ َ‬‫صل ٌ‬ ‫عا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫جآَءت ْهَللا ِريل ٌ‬ ‫حوا ْ ب َِها َ‬ ‫ريٍح ط َي ّب َةٍ وَفَرِ ُ‬ ‫ب ِِهم ب ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مل ْ‬ ‫جي ْت ََنا ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ن ل َئ ِ ْ‬
‫دلي َ‬ ‫ه ٱل ّ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫هل ُ‬ ‫م د َعَوُا ْ ٱل ّلل َ‬ ‫ط ب ِهِ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ن وَظ َن ّ ۤوا ْ أن ّهُ ْ‬ ‫م َ‬
‫كا ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ٱللْر ِ‬ ‫ن ٱل شلاك ِ ِ‬ ‫هَ ٰلذِهِ ل َن َكون َ ّ‬
‫ر‬
‫ض ب ِغَي ْ ِ‬ ‫م ي َب ُْغو َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِذا هُ ْ‬ ‫جاهُ ْ‬ ‫مآ أن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن * فل ّ‬ ‫ري َ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫م إ ِلين َللا‬ ‫ُ‬
‫دلن َْيا ث ل ّ‬ ‫ح َياةِ ٱ للل ّ‬ ‫مَتاعَ ٱ لل َ‬
‫ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م عَل ٰى أن ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما ب َغْي ُك ْ‬ ‫س إ ِن ّ َ‬ ‫ح قّ ٰيأي َّها ٱ ل ّنلا ُ‬ ‫ٱ ْلل َ‬
‫ن {‪.‬‬‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ما ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م فَن ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬‫َ‬

‫هذا هو واقع الفطرة الدينية في النفوس النسانية ‪ ،‬إل أن الملحد‬


‫)العظم( حاول تحويل هذه الفطرة عن اليمان بالله وعبادته ‪ ،‬إلى اليمللان‬
‫بالمادة وعبادتها ‪ ،‬بتوجيه المشاعر الدينية الفطرية نحوها ‪ ،‬فبعد أن قال‪:‬‬

‫"ل أريد نسخ الشعور الديني في تجارب النسان من الوجود"‪.‬‬

‫قال‪:‬‬
‫"ولكن أرى من الضروري التمييز بين الدين وبيللن الشللعور الللديني ‪،‬‬
‫ذلك الشعور المسحوق تحت عبء المعتقدات الدينية التقليدية المتحجرة ‪،‬‬
‫وتحت ثقل الطقوس والشعائر الجامدة"‪.‬‬

‫يبللدو أنلله يلقللي مللا فللي فكللره ونفسلله مللن تحجللر وجمللود علللى‬
‫المعتقدات السلمية والشعائر الدينية ‪ ،‬حسبه جمللودا ً وتحجللرا ً أنلله يرفللض‬
‫الحق المدعم بالدلة الواضحة ‪ ،‬ويكابد ويكدح وراء أوهام وخيالت ل دليللل‬
‫عليها ‪.‬‬
‫يريد أن يجعل بدل الصلة مثل ً )رقص الباليه( ‪ ،‬وبدل الحج إلى بيللت‬
‫الله الحرام الحج إلى محنط )لينين(‪ ،‬وبدل ارتياد المساجد ارتياد المللواخير‬
‫والحانللات ‪ ،‬وبللدل عبللادة الللله عبللادة الوثللان والشللخاص ‪ ،‬ليتخلللص مللن‬
‫الشعائر الدينية الجامدة بزعمه ‪.‬‬

‫وإنني غيرة عليه – وعلى كل كافر بالله ملحللد – أنصللحه بللأن يرتللدع‬
‫عن غيه ‪ ،‬قبل أن ينزل الله به نقمته ‪ ،‬ببلء ل ينقذه منه أحد إل الله ‪.‬‬

‫إن ربك لبالمرصاد ‪ ،‬وإنه لشديد العقاب ‪ ،‬وإنه سبحانه يمهللل ليفتللح‬
‫طريق الرجعة إليه والتوبة والستغفار ‪ ،‬ول يهمل ‪ ،‬إنه يملي للكافرين ‪ ،‬ثم‬
‫يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ‪ ،‬وليسمع قول الله تعالى في سورة )العللراف‪7/‬‬
‫مصحف‪ 39/‬نزول(‪:‬‬
‫ُ‬
‫ن{‪.‬‬
‫مِتي ٌ‬ ‫ن ك َي ْ ِ‬
‫دي َ‬ ‫مِلي ل َهُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫}وَأ ْ‬

‫وقوله سبحانه في سورة )الحج‪ 22/‬مصحف‪ 103/‬نزول(‪:‬‬

‫ر{‪.‬‬
‫كي ِ‬
‫ن نَ ِ‬ ‫ف َ‬
‫كا َ‬ ‫م فَك َي ْ َ‬ ‫م أَ َ‬
‫خذ ْت ُهُ ْ‬ ‫ن ثُ ّ‬
‫ري َ‬ ‫ت ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫مل َي ْ ُ‬
‫}َفأ ْ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الفصل السادس‬

‫صراع من أجل قضية‬


‫اليمان باليوم الخر‬
‫ولها‬
‫ح ْ‬
‫صحيح َ‬
‫ديني ال ّ‬
‫والفكر ال ّ‬
‫)‪(1‬‬

‫اعتمد الناقد )د‪ .‬العظم( في إنكار الخرة ‪ ،‬والبعث بعد الموت‬


‫للحساب والجزاء على أقوال )برتراند رسللل(‪ ، 1‬وزعللم أن أقللواله تلخيللص‬
‫للنظرة العلمية حول هذا الموضوع ‪ ،‬مع أن )رسل( لم يقدم فلي كلمله إل‬
‫مجرد النفي الذي ل تدعمه أدلللة علميللة ‪ ،‬ومعلللوم أن النفللي المجللرد عللن‬
‫الدلة المصححة للنفي يستطيع أن يفعله أي إنسان ‪ ،‬إذ يسللتطيع أن ينفللي‬
‫به أية حقيقة من الحقائق ‪ ،‬فهو ل يكلف صاحبه إل أن يقول ‪) :‬ل(‪ ،‬أو يرفع‬
‫رأسه إلى أعلى إشارة للنفي ‪ ،‬لكنه بذلك يخسر أصل إنسانيته الللتي زانهللا‬
‫العقل السليم ‪ ،‬والمنطق المحاكم للمور بميزان مستقيم ‪.‬‬

‫قال )العظم( في الصفحة )‪ (27‬من كتابه‪:‬‬


‫"وفي مناسبة أخرى عندما سئل )رسللل( ‪ :‬هللل يحيللى النسللان بعللد‬
‫الموت؟ أجاب بالنفي ‪ ،‬وشرح جوابه بقوله‪ :‬عندما ننظر إلى هللذا السللؤال‬
‫من زاوية العلللم وليللس مللن خلل ضللباب العاطفللة نجللد أنلله مللن الصللعب‬
‫اكتشاف المبرر العقلي لستمرار الحياة بعد الموت ‪ .‬فالعتقاد السائد بأننا‬
‫نحيا بعد الموت – يبدو لي – بدون أي مرتكللز أو أسللاس علمللي ‪ .‬ول أظللن‬
‫أنه يتسنى لمثل هذا العتقللاد أن ينشللأ وأن ينتشللر لللول الصللدى النفعللالي‬
‫الذي يحدثه فينا الخوف من الموت ‪ .‬ل شك أن العتقاد بأننللا سللنلقى فللي‬
‫ن لهم الحب يعطينا أكللبر العللزاء عنللد مللوتهم ‪،‬‬ ‫العالم الخر أولئك الذين نك ّ‬
‫ولكنني ل أجد أي مبرر لفتراض أن الكون يهتم بآمالنا ورغباتنا ‪ ،‬فليس لنللا‬
‫أي حق في أن نطلب من الكون تكييف نفسه وفقا ً لعواطفنللا وآمالنللا ‪ ،‬ول‬
‫أحسب أنه من الصللواب والحكمللة أن نعتنللق آراء ل تسللتند إلللى أدلللة بينللة‬
‫وعلمية"‪.‬‬

‫ل بد أن نضع هذا الكلم للفيلسوف النكليزي الملحد تحت مناظير‬


‫البحث المنطقي والعلمي ‪ ،‬لنرى قيمته من الوجهة العقلية والعلمية ‪.‬‬

‫ليس غريبا ً على )رسل( بعد أن اختار سللبيل اللحللاد بللالله ‪ ،‬واعتبللار‬
‫الكون ظاهرة مادية بحتة ‪ ،‬على خلف ملا قلدمته الدلللة العلميللة والعقليللة‬
‫في هذا المضمار ‪ ،‬أن يصعب عليه – في الطار المادي البحت – اكتشللاف‬
‫المبرر العقلي لستمرار الحياة بعد الموت ‪.‬‬

‫وليللس غريب لا ً عليلله بعللد ذلللك أيض لا ً أن ل يجللد لعقيللدة الحيللاة بعللد‬
‫الموت ‪ ،‬وعقيدة الللدار الخللرة للحسللاب والجللزاء ‪ ،‬مرتكللزا ً علمي لا ً يسللتند‬
‫إليه ‪.‬‬

‫نعم ‪ ،‬إن من ينكر حياة كائن ما بغير دليل يجد من الصللعب عليلله أن‬
‫يكتشف المبرر العقلي لوجود إرادة لهلذا الكللون ‪ ،‬لن إرادتله فللرع لتصلور‬

‫سيجد القارئ دراسة لهذا الفيلسوف الملحد في الفصل )السابع( من هذا الكتاب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫حياته ‪ ،‬وبعد إنكار الصل يكون إنكار الفرع شلليئا ً طبيعي لا ً ‪ ،‬ومللذهبا ً سللهل ً ‪،‬‬
‫لكن هذا النكار ل يعبر عن الواقع بحال من الحوال ‪.‬‬

‫إن اليمان بالحياة بعد الموت للحسللاب والجللزاء فللي دار غيللر هللذه‬
‫الدار قضية خبرية ‪ ،‬أي ‪ :‬ذات مستند خلبري ‪ ،‬وليسللت قضلية عقليلة بحتللة‬
‫ل عليها دون الستناد إلى اليمللان‬ ‫حتى ن َْبحث في نطاق العقل عن دليل يد ّ‬
‫بالله ‪ .‬فلو أن عالما ً من علماء الحيوان تحدث عن وجود حيوان بري غريب‬
‫ماك فقللال ‪ :‬ل‬ ‫رآه بعينيه ‪ ،‬وأخذ يصف مشاهداته الحسية للله ‪ ،‬ثللم جلاء سل ّ‬
‫أجد المبرر العقلي لوجود هذا الحيوان الغريب الذي يتحدث عنه هذا العالم‬
‫‪ ،‬لما كان كلمه أكثر سقوطا ً مللن ناحيللة السللتدلل العلمللي والعقلللي مللن‬
‫كلم )رسل( إذ أنكر وجود الحياة بعللد المللوت ‪ ،‬فللي ظللروف غيللر ظللروف‬
‫هذه الحياة الدنيا ‪ ،‬على الرغم من أن هذا الرجللل فيلسللوف وعللالم واسللع‬
‫ول عقللل الفيلسللوف الكللبير إلللى عقللل‬ ‫الطلع ‪ ،‬إل أن الهللوى قللد يحلل ّ‬
‫ماك ‪.‬‬
‫الس ّ‬

‫لقد أراد )رسل( أن يخضع الدار الخللرة والحيللاة الخللرى للمقللاييس‬


‫التجريبية التي تخضع لها ظواهر هذا الكللون الماديللة ‪ ،‬فللي ظللروف الحيللاة‬
‫الدنيا التي نعيش الن فيها ‪ ،‬مع أن الدار الخرة والحيللاة الخللرى ل تخضللع‬
‫بطبيعتها لهذه المقاييس ‪.‬‬

‫إن )رسللل( بقياسلله هللذا يشللبه مللن يللزن الضللغط الجللوي بميللزان‬
‫البقال ‪ ،‬أو يزن الكثافة بميزان الحرارة ‪ ،‬أو قيللس مقللدار الللذكاء بمسللاحة‬
‫الجمجمة ‪ ،‬أو يزن بحور الشعر بالسانتمتر ‪.‬‬

‫ما هو مبلغُ إنكار أي فيلسوف من الصحة إذا هو أنكر قرارا ً أصللدرته‬


‫دولة كبيرة قللادرة ‪ ،‬بأنهللا ستنشللئ فللي برنامللج خطتهللا لربللع قللرن مدينللة‬
‫نموذجية بديعة جدا ً ‪ ،‬ل ُتسكن فيها إل الطبقة الصالحة الراقية من شبعها ‪،‬‬
‫وستنشئ سجونا ً إصلحية أو تأديبيللة تخصصللها للجللانحين والخللارجين علللى‬
‫قوانين الدولة ؟!‬

‫فللإذا قللال فيلسللوف كللبير ‪ :‬ل أجللد مللبررا ً عقلي لا ً أو علمي لا ً يؤكللد أن‬
‫منشأتين من هذا القبيل ستحدثان ‪ ،‬أفيكون كلمه مقبول ً عند العقلء الذين‬
‫علموا بقرار الدولة؟‬

‫من البدهي أن استدلل )رسل( استدلل غير منطقي وغيللر علملي ‪،‬‬
‫وكشف هذا الزيف ل يحتاج إلى فلسللفة راقيلة ‪ ،‬وإنملا تكفلي فيلله البديهللة‬
‫العقلية المسّلمة عند جميع العقلء ‪ ،‬وكان الولى له أن يبني إنكاره لقضية‬
‫الحياة بعد الموت والدار الخرة على إنكاره لخالق الكون ‪ ،‬فبما أنلله جحللد‬
‫الساس الول فكل ما يأتي عنه من أنباء وأخبار وقرارات وأحكام مرفوض‬
‫من وجهة نظره ‪ ،‬وعندئذ تكون معالجته من مواقللع هللذا السللاس ‪ ،‬ل ممللا‬
‫يتفرع عنه ويبنى عليه ‪.‬‬
‫واعتبللاره عقيللدة اليللوم الخللر والللدار الخللرة ناشللئة عللن الصللدى‬
‫النفعالي الذي يحدثه الخوف من الموت ‪ ،‬إنما هو ثمرة من ثمرات جحوده‬
‫للخالق ‪ ،‬وتخّيله أن هذا الكون كله ‪ ،‬وما فيه من نظم رفيعة معقدة جللدا ً ‪،‬‬
‫وما ظهر فيلله مللن حيللاة وفكللر ‪ ،‬إنمللا هللو نتيجللة مصللادفات عللثرت عليهللا‬
‫حركات ذرات الكون العشوائية ‪ ،‬فهذه الحركات العشوائية توّللد عنهلا هللذا‬
‫النظام البديع ‪ ،‬وهذا الوجود كله خال من أي أثر لعقل محّرك ‪ ،‬وحياة ذات‬
‫إرادة وخلق وتدبير ‪.‬‬
‫فلما كان هذا الكون كله كذلك مللن وجهللة نظللره الملحللدة الكللافرة‬
‫بالله الخالق الملدبر الحكيلم ‪ ،‬كلان طبيعيلا ً أن ل يجلد هلذا الكللون المللادي‬
‫الجاهل العمى الخالي من كل تدبير حكيم عليم مهتم لا ً بالمللال والرغبللات‬
‫التي تقوم في نفوس الناس ‪ ،‬ولذلك قال‪:‬‬

‫"ولكنني ل أجد أي مبرر لفتراض أن الكون يهتم بآمالنا ورغباتنا ‪،‬‬


‫فليس لنا أي حق في أن نطلب من الكللون تكييللف نفسلله وفق لا ً لعواطفنللا‬
‫وآمالنا"‪.‬‬

‫وحين نمنع النظر في الواقع والحقيقة نجد أن الملحللدين هللم الللذين‬


‫يريدون أن يكيفوا الكون وفق رغباتهم وأهوائهم ‪ ،‬وذلك لن اليمان بالللدار‬
‫الخرة والحياة الخرة إيمان بمحكمة العدل الرباني ‪ ،‬وما تستتبع من جزاء‬
‫‪ ،‬وفي هذه المحكمة العظمللى يحللاكم النللاس ويحاسللبون علللى أعمللالهم ‪،‬‬
‫والرغبات النسانية لو تركت وشأنها لحل لها أن تتلخص من قانون الجزاء ‪،‬‬
‫حتى تنطلق في تلبية مطالب أهوائها وشهواتها دون أن تقف فللي طريقهللا‬
‫حدود ول ضوابط ‪ ،‬فقضية النكار هي القضية الللتي تحللاول إخضللاع الواقللع‬
‫الكوني للهواء والعواطف والرغبات ‪ ،‬ل قضية اليمان باليوم الخر والحياة‬
‫الخرة ‪ ،‬وقد كشف القرآن هللذه الحقيقللة مللن حقللائق نفللوس المنكريللن ‪،‬‬
‫فقال الله تعالى في سورة )القيامة‪ 75/‬مصحف‪ 31/‬نزول(‪:‬‬
‫فجر أ َمامه * يسأ َ ُ َ‬
‫ة{‪.‬‬
‫م ِ‬ ‫م ٱْلل ِ‬
‫ق َيا َ‬ ‫ن ي َوْ ُ‬
‫ل أّيا َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ن ل ِي َ ْ ُ َ َ َ ُ‬
‫سا ُ‬ ‫ريد ُ ٱ ِ‬
‫للن َ‬ ‫}ب َ ْ‬
‫ل يُ ِ‬

‫وبهذا التحليل يتبين لنا أن المر على عكس ما ادعاه )رسل( ‪ ،‬إذ إن‬
‫عقيدة الدار الخرة عقيدة قائمة على مفهللوم الجللزاء والعللدل ‪ ،‬والنسللان‬
‫ميال بأهوائه وعواطفه إلى أن يصرف عن تصوره قانون العدل اللهي وما‬
‫يتصل به ‪ ،‬لينطلللق فللي الحيللاة الللدنيا انطلقلا ً فللاجرا ً ‪ ،‬دون أن تقللف فللي‬
‫طريقه تصورات قانون العدل ‪ ،‬لكن الله غيللر مسلتعد لن يغيلر ملن سلننه‬
‫وأحكامه ومقاديره القائمة على أسس من علمه وحكمتلله وعللدله ورحمتلله‬
‫وفضله ‪ ،‬تلبية لهواء وشهوات الجانحين الفاجرين ‪.‬‬

‫فما حاول أن يستند إليه )رسل( هو في الحقيقة دليل ضده ‪ ،‬وليللس‬


‫دليل ً له ‪ ،‬هذا إذا قبلنا بالمنهج الذي سلكه في الستدلل ‪.‬‬
‫ة ما داموا مصرين على‬ ‫على أن مناقشتنا لمنكري الخرة تغدو عقيم ً‬
‫جحود الخالق ‪ ،‬واعتبار أن هللذا الكللون كللله مظهللرا ً لصللل مللادي صللرف ‪،‬‬
‫ل مللا‬‫ونتيجة لحركات عشللوائية قللامت بهللا ذرات هللذا الصللل المللادي ‪ ،‬جل ّ‬
‫نستطيع أن نناظرهم به هللو إمكللان العللودة إلللى الحيللاة ل لثباتهللا جزملا ً ‪،‬‬
‫وإفساد مذهبهم المادي مللن أساسله ‪ ،‬بإثبلات علالم آخلر غيللر هلذا العلالم‬
‫المادي الخاضع للتجربة الحسية ‪ ،‬والقياس بللالجهزة ‪ .‬والفضللل مللن ذلللك‬
‫العودة إلى مناظرتهم حول الساس الول ‪ ،‬وهو قضية اليمان بالله تبللارك‬
‫وتعالى ‪.‬‬

‫لكنهم متى قبلللوا التسللليم الكلللي أو الجللزئي بعقيللدة اليمللان بللالله‬


‫تعالى فإننا حينئذ نستطيع أن نجد سبل ً متعلددة لمناقشلتهم ‪ ،‬ونسلتطيع أن‬
‫نقدم لهم المبررات العلمية والعقلية ‪ ،‬الللتي تللدعم قضللية اليمللان بالحيللاة‬
‫الخرة والدار الخرة للحساب والجزاء ‪.‬‬

‫إن الحقائق الكبرى في الوجود تبدأ من منطلق واحد ‪ ،‬وحيللن يتعللذر‬


‫التفاق على هذا المنطلق فإن التفاق على ما يبنى عليه أكللثر تعللذرا ً ‪ ،‬بللل‬
‫قد يغدو أمرا ً مستحيل ً ‪.‬‬

‫إن مللن ل يللؤمن أساسلا ً بقللانون العللدد مللن الواحللد فمللا فللوق مللن‬
‫المستحيل منطقيا ً مناقشته في قواعد العمال الحسابية ‪ .‬ومن هو مصاب‬
‫بعمى اللوان فهو ل يرى أيا ً منها ويجحللدها يسللتحيل مناقشللته فللي أجمللل‬
‫اللوان وأكثرها إرضاء للذوق ‪ .‬ومن يجحد مبدأ الحق من أساسه يغدو مللن‬
‫العبث مناقشته ومناظرته حول حق المال ‪ ،‬أو حق الحياة ‪ ،‬أو حق العرض‬
‫والكرامة ‪ ،‬أو أي فرع من فروع الحق ‪ .‬ومن يجحللد مبللدأ الخيللر والفضلليلة‬
‫من أساسه يستحيل منللاظرته حللول فللروع الخيللر والفضلليلة ‪،‬مللا لللم يكللن‬
‫متناقضا ً مع نفسه ‪ ،‬يسّلم ببعض الفروع دون أن يسّلم بالصللول وبللالفروع‬
‫الخرى ‪ ،‬وحينئذ يمكن جذبه عن طريق اللزام ‪ ،‬ونقللله مللن الفللروع الللتي‬
‫يسلم بها إلى الصول ‪ ،‬وهذا من أساليب المناظرة البارعة ‪.‬‬

‫)‪(2‬‬

‫أما الذين يسّلمون تسليما ً كليا ً أو جزئيا ً بعقيدة اليمان بالله تعالى ‪،‬‬
‫إل أنهم ينكرون البعث والحياة الخرى ‪ ،‬أو يش ل ّ‬
‫كون بللذلك ‪ ،‬فإننللا نسللتطيع‬
‫أن نقيم لهم عددا ً من الدلة ‪ ،‬ونناقشهم بجملة من المناقشات ‪.‬‬

‫ومفتاح الدلة النظرية لهذا الموضوع موجود في قول الله تعالى في‬
‫سورة )المؤمنون‪ 23/‬مصحف‪ 74/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫}أ َفَحسبت َ‬
‫ن * فَت ََعاَلى ٱل ّلل ُ‬
‫هل‬ ‫م إ ِل َي َْنا ل َ ت ُْر َ‬
‫جُعو َ‬ ‫م عََبثا ً وَأن ّك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫م أن ّ َ‬ ‫َ ِ ُْ ْ‬
‫ريم ِ {‬ ‫ش ٱ للك ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب ٱ للعَ ْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ َر ّ‬‫ح قّ ل َ إ ِل ٰل َ‬
‫َ‬ ‫ك ٱ ْلل َ‬ ‫ٱ ْلل َ‬
‫ملِ ُ‬

‫إن الوجود النساني كله عبر تاريخه الطويل يسمى مسرحية من‬
‫مسرحيات العبث ‪ ،‬لو أن حياة النسان تنتهي كلها في ظروف هذه الحيللاة‬
‫الدنيا ‪ ،‬ثم ل شيء وراءها ‪.‬‬

‫أين تحقيق قانون العدل اللهي في ظروف هذه الحياة الدنيا؟‬


‫إنه إذا لم يوجد فيها بصورة مستوفية فل بد أن يوجلد فلي يلوم آخلر‬
‫وحياة أخرى أعدها الله للحساب والجزاء ‪ ،‬وإل كانت عملية خلللق النسللان‬
‫على هذا الوجه المقرون بحرية الرادة للنسلان ‪ ،‬واللتي كلان ملن نتائجهلا‬
‫تاريخ مشحون بالجرائم والظلم والعللدوان والمصللائب الكللثيرة ‪ ،‬عبث لا ً مللن‬
‫العبث ‪ ،‬وقد تعالى الله الملك الحق ذو الحكمة والعللدل والكللرم عللن ذلللك‬
‫علوا ً كبيرا ً ‪ ،‬ل إله إل هو رب العرش الكريم ‪.‬‬

‫إن المنطق الحق والضمير النقي ليشعر بداهة – ولو لم تتنزل آيللات‬
‫الوعد والوعيد ‪ ،‬وأنباء اليوم الخر وما فيه من حساب وجزاء – بأن مرحلللة‬
‫حياتية غير هذه المراحل ل بد أن يتم فيها تحقيق العدل اللهي ‪ ،‬ول بللد أن‬
‫يلقي الناس فيها جزاء أعمالهم ‪ ،‬إن خيللرا ً فخيللر ‪ ،‬وإن شللرا ً فشللر ‪ ،‬ولئن‬
‫كنا نشاهد أن بعض تطبيقات العدل اللهي جارية في ظللروف هللذه الحيللاة‬
‫الدنيا ‪ ،‬ضمن سنن الله الثابتة ‪ ،‬فإن الصورة الكاملة للعدل غير مسللتكملة‬
‫في هذه الحياة ‪ ،‬ولللذلك كللانت الضللرورة الخلقيللة واليمانيللة تقضللي بللأن‬
‫نفهم أن الله قد أعد ّ ظروف حياة أخللرى غيللر هللذه الحيللاة ‪ ،‬لقامللة عللدله‬
‫سبحانه ‪.‬‬

‫وقد تأمل كثير من أهل الفكر والنظر في ظروف هذه الحيللاة الللدنيا‬
‫دون ملحظة الخرة وما فيها من جزاء ‪ ،‬فرأوا أن تاريخ النسان فيها صور‬
‫للجرائم والمصائب وتهريج ل جدوى منه ‪ ،‬وسجل للجرائم والحماقة وخيبللة‬
‫المل ‪ ،‬وقصة ل تعني شيئا ً ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫قلللال فوللللتير‪" :‬إن التاريلللخ النسلللاني ليلللس إل صلللورة للجلللرائم‬


‫والمصائب"‪.‬‬

‫وقال هربرت سبنسر‪" :‬إن التاريخ تهريج وكلم فارغ ل جدوى منه"‪.‬‬

‫وقال إدوارد جين‪" :‬إن تاريخ النسان ل يعدو أن يكون سجل ً للجرائم‬
‫والحماقة وخيبة المل"‪.‬‬

‫وقال نابليون‪" :‬إن التاريخ بأكمله عنوان لقصة ل تعني شيئًا"‪.‬‬

‫كل‪" :‬إن الدرس الوحيد الذي تعلمته الحكومة والشعب مللن‬ ‫وقال هي ِ‬
‫ً ‪1‬‬
‫مطالعة التاريخ هو أنهم لم يتعلموا من التاريخ شيئا" ‪.‬‬

‫ويعّلق المفكر السلمي )وحيد الدين خان( في كتابه "السلم‬


‫يتحدى" على هذه القوال بعد أن أوردها ‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫"وهللل قللامت مسللرحية العللالم كلهللا لتنتهللي إلللى كارثللة أليمللة؟ إن‬
‫فطرتنا تقول‪ :‬ل ‪ ..‬فدواعي العدالة والنصاف في الضمير النساني تقتضي‬

‫هذه القوال مقتبسة من كتاب "السلم يتحدى" ‪ ،‬للمفكر السلمي وحيد الدين خان ‪ ،‬ص ‪. 143-142‬‬ ‫‪1‬‬
‫عدم حدوث هذا المكان ‪ ،‬ل بد من يوم يميز بيللن الحللق والباطللل ‪ ،‬ول بللد‬
‫للظالم والمظلوم أن يجنيا ثمارهمللا ‪ ،‬وهللذا مطلللب ل يمكللن إقصللاؤه مللن‬
‫مقومات التاريخ ‪ ،‬كما ل يمكن إبعاده عن فطرة النسان ‪.‬‬

‫إن هذا الفراغ الشاسع الذي يفصل ما بين الواقع والفطللرة يقتضللي‬
‫ما يشغله ‪ .‬إن المسافة الهائلة بين ما يحدث وبين ما ينبغي أن يحدث تدل‬
‫على أن مسرحا ً آخر قد أعد ّ للحياة ‪ ،‬وأنه ل بد ّ من ظهللوره ‪ ،‬فهللذا الفللراغ‬
‫العظيم يدعو إلى تكميل الحياة ‪...‬‬

‫إذا لم تكن هنلاك قياملة فملن ذا اللذي سلوف يكسلر رؤوس هلؤلء‬
‫الطواغيت الطغاة؟"‪.‬‬

‫والواقع أن هذه المشللاعر مشللاعر فطريللة ونظريللة ل تنكللر ‪ ،‬وهللي‬


‫الهادية إلى تصور الحياة الخرى لقامة العدل اللهي الكمل ‪.‬‬

‫من هذه النظرات تبين لنا أن مفتاح الدليل النظللري لقضللية اليمللان‬
‫بالخرة وما فيهللا مللن جللزاء قللول الللله تعللالى فللي سللورة )المؤمنللون‪23/‬‬
‫مصحف‪ 74/‬نزول(‪:‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫}أ َفَحسبت َ‬
‫جُعو َ‬‫م إ ِلي َْنا ل ت ُْر َ‬
‫م عََبثا وَأن ّك ْ‬
‫قَناك ْ‬
‫خل ْ‬‫ما َ‬
‫م أن ّ َ‬
‫َ ِ ُْ ْ‬
‫وقد اهتدينا من هللذا المنطلللق الفكللري الللذي نبلله عليلله مفتللاح هللذا‬
‫الدليل النظري إلى أن اليمان بالخرة ضرورة أخلقيللة ‪ ،‬تقتضلليها مفللاهيم‬
‫العدل اللهي والفضل اللهي ‪.‬‬

‫ومعلوم أن العللدل اللهللي والفضللل اللهللي مللن السللس المرتبطللة‬


‫جذريا ً بعقيدة اليمان بالله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته العظمى ‪.‬‬

‫وهللذا الللدليل النظللري القاضللي بللأن اليمللان بللاليوم الخللر ضللرورة‬


‫أخلقية ‪ ،‬تقتضيها مفلاهيم العلدل والفضلل الربلانيين ‪ ،‬قلد أعطانلا القلرآن‬
‫الكريم عدة مفاتيح إليه ‪ ،‬فمن أحسن فهم هللذه المفاتيللح ‪ ،‬وأدرك العلقللة‬
‫بينها وبين أبوابها النظرية وما ترشد إليه ‪ ،‬استطاع أن يجد الللدليل العقلللي‬
‫الذي يدّله على أن من القضايا الحتميللة فللي الوجللود قضللية اليللوم الخللر ‪،‬‬
‫لقامة الجزاء الحق ‪ ،‬وتحقيق صفتي العدل والفضل من صفات الللله الللتي‬
‫قامت عليها براهين العقل ‪.‬‬

‫هذا إنما يظهر في مفاهيم من استطاع أن يتوصل إلى اليمان بللالله‬


‫وصفاته بالدلة العقلية والعلمية ‪ ،‬وتابع نظره مشوقا ً لبلوغ الحقيقللة ‪ ،‬ولللم‬
‫تقف في نفسه عوائق التعصب أو عوائق الرغبة بالفجور ‪.‬‬

‫ولدى تتّبع المفاتيح القرآنية لهذا الدليل النظري نستطيع أن نظفر‬


‫بمجموعة من النصوص منها‪:‬‬
‫) أ ( قول الله تعالى في سورة )القلم‪ 68/‬مصحف‪ 2/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫حك ُ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ف تَ ْ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م ك َي ْ َ‬ ‫ن* َ‬
‫مي َ‬
‫ج رِ ِ‬ ‫كل ٱْلل ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬ ‫ل ٱْلل ُ‬
‫م ْ‬ ‫}أفَن َ ْ‬
‫جع َ ُ‬
‫)ب( وقول الله تعالى في سورة )الجاثية‪ 45/‬مصحف‪ 65/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ْ‬
‫ن آ َ‬ ‫كل ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫ت أن ن ّ ْ‬ ‫حوا ْ ٱل ّ‬
‫سلي َّئا ِ‬ ‫ن ٱ ْ‬
‫جلت ََر ُ‬ ‫ذي َ‬‫ب ٱّلل ِ‬ ‫س َ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫}أ ْ‬
‫ن{‬‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫سآَء َ‬
‫م َ‬ ‫مات ُهُ ْ‬
‫م َ‬
‫م وَ َ‬
‫حَياهُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫وآًء ّ‬
‫س َ‬‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ْ ٱل ّ‬
‫صلال ِ َ‬ ‫وَعَ ِ‬

‫)ج( وقول الله تعالى في سورة )القيامة‪ 75/‬مصحف‪ 31/‬نزول(‪:‬‬


‫ك ن ُط ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن َأن ي ُت َْر َ‬ ‫َ‬
‫من َل ٰى *‬‫ي يُ ْ‬‫من ِل ّ‬
‫مللن ّ‬
‫ة ّ‬‫ف ً‬ ‫دى * أل َ ْ‬
‫م يَ ُ‬ ‫س ً‬ ‫ك ُ‬ ‫سا ُ‬
‫لن َ‬
‫ِ‬ ‫بٱ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫أي َ ْ‬
‫جي ْلن ٱللذ ّك َر وٱ ُ‬
‫لنث َل ٰى *‬ ‫َ َ‬ ‫ه ٱلّزوْ َ ِ‬ ‫من ْل ُ‬ ‫ج ع َل َ‬
‫ل ِ‬ ‫سلوّ ٰى * فَ َ‬ ‫خل َلقَ فَ َ‬
‫ة فَ َ‬‫قل ً‬‫ن عَل َ َ‬ ‫م َ‬
‫كا َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موْت َ ٰى {‪.‬‬ ‫ي ٱل ْ َ‬ ‫حِيل َ‬ ‫قادِرٍ عَل َ ٰى أن ي ُ ْ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫أل َي ْ َ‬
‫س ذ َل ِ َ‬

‫) د ( وقول الله تعالى في سورة )ص‪ 38/‬مصحف‪ 38/‬نزول(‪:‬‬


‫ن * ل َوْ أ ََرد ْن َللآ َأن ن ّت ّ ِ‬
‫خ لذ َ‬ ‫عِبي َ‬‫ما ل َ ِ‬‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬
‫َ‬
‫مآَء وَ ٱللْر َ‬ ‫قَنا ٱل ّ‬
‫سل َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫}و َ َ‬
‫ح قّ عَل َللى ٱْللَباط ِل ِ‬
‫ل‬ ‫ف ِبلل ٱْلل َ‬ ‫قلذِ ُ‬‫ل نَ ْ‬ ‫ن * ب َل ْ‬‫عِلي َ‬ ‫من ل ّد ُّنآ ِإن ك ُّنا فَللا ِ‬ ‫خذ َْناهُ ِ‬‫ل َْهوا ً ل ّت ّ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬ ‫م ّ‬
‫ل ِ‬ ‫م ٱْللوَ ي ْ ُ‬
‫ذا هُوَ َزاهِقٌ وَل َك ُ ُ‬ ‫ه فَإ ِ َ‬‫مغ ُ ُ‬‫فَي َد ْ َ‬

‫) و ( قول الله تعالى في سورة )الدخان‪ 44/‬مصحف‪ 64/‬نزول(‪:‬‬


‫ُ‬
‫ن*‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫من َ‬ ‫ن بِ ُ‬‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫موْت َت َُنا ٱلوْل َ ٰى وَ َ‬ ‫ي إ ِل ّ َ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫ن * إِ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن هَ ٰلؤُل َِء ل َي َ ُ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫مللن قَب ْل ِهِ ل ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫م ت ُب ّلٍع وَ ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫م قَ لوْ ُ‬ ‫خي ْلٌر أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن * أه ُ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫فَأُتوا ْ ِبآَبآئ َِنا ِإن كنت ُ ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مللا‬‫مللا ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ت وَ ٱللْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سل َ‬ ‫قَنا ٱل ّ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬‫كاُنوا ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬‫أهْل َك َْناهُ ْ‬
‫م‬
‫ن َيللوْ َ‬ ‫ن * إِ ّ‬ ‫مللو َ‬ ‫م ل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أ َك ْث ََر ُ‬
‫هلل ْ‬ ‫حق وَل َ ٰلللك ِ ّ‬ ‫مللآ إ ِل ّ ِبلل ٱل ْ َ‬ ‫قَناهُ َ‬ ‫خل َ ْ‬‫مللا َ‬ ‫ن* َ‬ ‫عِبيلل َ‬ ‫لَ ِ‬
‫قاته َ‬ ‫ٱ ْلل َ‬
‫م‬ ‫شلْيئا ً وَل َ هُل ْ‬ ‫ملوًْلى َ‬ ‫ملوًْلى عَللن ّ‬ ‫م ل َ ي ُغْن ِللي َ‬ ‫ن * ي َلوْ َ‬ ‫مِعيل َ‬ ‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫مي َ ُ ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ف ْ‬
‫م{‬ ‫زيُز ٱل ّرل ِ‬
‫حي ُ‬ ‫ه هُوَ ٱْللعَ ِ‬ ‫م ٱل ّلل ُ‬
‫هل إ ِن ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫من ّر ِ‬ ‫ن * إ ِل ّ َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ُين َ‬

‫فهذه النصوص القرآنية مفاتيح تفتح أمام الفكر النساني الذي آمن‬
‫بالله الخالق أبواب الدليل النظري ‪ ،‬الذي يجعل قضية اليمان باليوم الخر‬
‫ل وعل ‪.‬‬‫قضية حتمية في مدركات العقل الصرف بعد اليمان بالله ج ّ‬

‫وذلك لن من آمن بالله الخالق عن طريق النظللر الفكللري فللي آثللار‬


‫ل‬ ‫صنعته في الكون وفي النفس ‪ ،‬فإنه ل بد أن يهتدي إلى كمال صفاته ج ل ّ‬
‫وعل ‪ ،‬ومنها علمه وقدرته وحكمته وعدله ‪ ،‬وهذه الصللفات ل بللد أن تهللدي‬
‫الباحث المؤمن بالله إلى أن الللله لللم يخلللق هللذا الكللون ومللا فيلله ليكللون‬
‫مسللرحية مللن مسللرحيات اللعللب أو اللهللو والعبللث الباطللل ‪ ،‬وإنمللا خلقلله‬
‫لغاية ‪ ،‬يعرف النسان في حدوده من هذه الغاية ‪ ،‬أن الله قد خلقه مللزودا ً‬
‫بخصائصه ليمتحنه في ظروف هللذه الحيللاة الللدنيا ‪ ،‬وليبلللو إرادتلله ‪ ،‬ولكللل‬
‫امتحان نتيجة وغاية ‪ ،‬وإذ لم تظهر هذه النتيجللة والغايللة فللي ظللروف هللذه‬
‫دخللر إظهللار‬
‫الحياة الدنيا ‪ ،‬فل بد أن يكون العليم القادر الحكيم العدل قللد ا ّ‬
‫هذه النتيجة والغاية وتحقيق مقتضياتهما إلى حيللاة أخللرى ‪ ،‬هللذا مللا تللوجبه‬
‫نظريا ً مقتضيات العقل السليم والفهم المستقيم ‪.‬‬

‫فلول ترتيب يوم الدين هذا في هذا الوجود ‪ ،‬لكان خلللق هللذا الكللون‬
‫وفق ظروفه الحالية مظهرا ً من مظاهر اللعب أو اللهو والعبث الباطل ‪.‬‬
‫لكللن الللله العليللم الحكيللم القللادر ل بللد أن يكللون منزهلا ً عللن اللهللو‬
‫واللعب والعبث ‪ ،‬إن أعماله كلها هادفة لحكم عظيمة وغايللات جليلللة ‪ ،‬قللد‬
‫ندرك طرفا ً منها ويخفى عنا منها الكثير ‪.‬‬

‫ولذلك رأينا في النصوص القرآنية أن الله تبارك وتعالى قد نفى عللن‬


‫أفعاله اللهو واللعب ‪ ،‬فذلك ل يليق بكمال صفاته سبحانه ‪.‬‬

‫فحينما يجعل الفيلسللوف الملحللد )برترانللد رسللل( هللذا الكللون كللله‬


‫مسرحية من مسرحيات اللهو والعبث ‪ ،‬فإنما يخللالف فللي ذلللك مقتضلليات‬
‫المنطق السليم والجدية المهيمنة على هللذا الكللون ‪ ،‬وقللد جللره إلللى ذلللك‬
‫إنكاره وجود الخالق ‪ ،‬واعتباره الكون كله ظاهرة للحركة العشللوائية الللتي‬
‫قامت بها مادة الكون الولى فلي سلحيق الزملان ‪ ،‬وأنتلج ذللك عنلده أنله‬
‫درة ‪ ،‬وأنلله عبللث مللن عبللث‬ ‫ليس لهذا الكون غاية مرسومة ‪ ،‬ول حكمة مق ّ‬
‫المادة التي ل حياة فيها ‪ .‬ونسي أنلله ل شلليء فللي هللذا الكللون المللدروس‬
‫متسم باللعب واللهو والعبللث ‪ ،‬وأن كللل شلليء فيلله خاضللع لقللوانين جللادة‬
‫صارمة ‪ ،‬ولسنن ثابتة قاسية ‪.‬‬

‫ألم يخطر في ذهنه أن هذه الجدية الظاهرة في كل شيء مللن هللذا‬


‫الكون المدروس ل بد أن تلزمه وتصاحبه إلى مللا وراء المجللال المللدروس‬
‫منه؟‬

‫ور اللعللب‬ ‫إن هذه الجديللة الملحظللة فللي الكللون ل تللدع مجللال ً لتصل ّ‬
‫ورات اللعللب واللهللو‬ ‫واللهو والعبث ‪ .‬وفي اللحظللة الللتي تسللقط فيهللا تص ل ّ‬
‫والعبث عن هذا الكون تبدأ التصورات الصحيحة الباحثة عللن الغايللات الللتي‬
‫تهدف إلهيا المقادير العظمى ‪ .‬وهذا هو مفتاح النور لدراك الحقيقة الدينية‬
‫التي لم يرد الملحدون أن يدركوها تعنتا ً وعنادا ً واستكبارا ً ورغبللة بللالفجور ‪،‬‬
‫ولذلك أنكروا المتحان والجزاء واليوم الخر ‪ ،‬بعد أن جحللدوا الخللالق ج ل ّ‬
‫ل‬
‫وعل ‪ ،‬وربما جحدوه لنهم أرادوا أن يبعدوا عللن تصللورهم قللانون المتحللان‬
‫والجزاء ‪ ،‬لينطلقوا في أعمالهم الفاجرة المجرمللة دون خللوف مللن النتللائج‬
‫الوخيمة ‪ ،‬والعواقب الوبيلة ‪.‬‬

‫ومن هذا نستطيع أن نتبين السلسلة الفكرية اليمانيللة ‪ ،‬فهلي تسللير‬


‫على الوجه التالي‪:‬‬

‫‪ -1‬دراسللة الكللون والحيللاة والنسللان تهللدي إلللى اليمللان بالخللالق‬


‫العظيم ‪ ،‬القادر العليم ‪ ،‬العدل الحكيم ‪.‬‬

‫‪ -2‬دراسللة الغايللة مللن الخلللق الللتي تهللدي إليهللا ملحظللة الكللون ‪،‬‬
‫وأحداثه الكبرى ‪ ،‬وقوانينه الصارمة ‪ ،‬وسننه الثابتللة ‪ ،‬ل تللدع مجللال ً لتصللور‬
‫اللعب واللهو والعبث في أي حدث من أحداثه ‪ ،‬بل كل ما فيه ج لد ّ ل هللزل‬
‫يصاحبه ‪ ،‬ول عبث يخالطه ‪.‬‬
‫‪ -3‬دراسة العلقة الخلقية والتكوينية بين الخالق الحكيللم والنسللان‬
‫المدرك المريد ‪ ،‬تهدي إلى أن النسان خلللق فللي هللذه الحيللاة للمتحللان ‪،‬‬
‫والمتحان يستلزم الجزاء في جدية قوانين الوجود وسننه الثابتة ‪.‬‬

‫‪ -4‬دراسللة الظللواهر الجزائيللة فللي نطللاق هللذا الكللون المللدروس‬


‫المشاهد تدل على أن كمال مقتضيات العدل وكمال مقتضيات الحكمة لللم‬
‫يتحققا فيه ‪ ،‬وهذا يهدي – مع ملحظة صفات الخللالق العظيمللة الللتي منهللا‬
‫العدل والحكمة ومع ملحظة قوانينه الصارمة وسننه الثابتللة فللي الكللون –‬
‫إلى أن حياة أخرى قللد رتبللت فللي برنامللج الوجللود الكللبير ‪ ،‬لقامللة العللدل‬
‫وكمال الحكمة فيها ‪ ،‬وفيها يتم تحقيق الصورة المثالية للجزاء الرباني ‪.‬‬

‫عمللة‬
‫بهللذه الدراسللة النظريللة المتسلسلللة علللى هللذا الللوجه ‪ ،‬والمد ّ‬
‫بالدلللة العقليللة ‪ ،‬المسللتندة إلللى دراسللة ظللواهر هللذا الكللون المشللاهد ‪،‬‬
‫استطعنا أن نهتدي إلى ضرورة اليوم الخر ‪ ،‬وإلى اليمان به ‪.‬‬

‫ولكن كيف يكون هذا اليوم الخر وعلى أية صورة ؟‬

‫إن الدراسة النظرية ل تسللمح لنللا بالتحديللد ‪ ،‬وذلللك لن الحتمللالت‬


‫النظرية كثيرة جدا ً ‪ ،‬ول سبيل إلى ترجيح بعضللها علللى بعللض ‪ ،‬ومللن أجللل‬
‫ذلك كان ل بد لنا من أن نلتمس مفللاهيم النصللوص الدينيللة الثابتللة لتخبرنللا‬
‫بذلك ‪ ،‬وليس لنا أن نتخيل صورة من عند أنفسنا أو نضيف صورا ً مللن عنللد‬
‫أنفسنا إلى ما جاءت به النصوص الدينية الثابتللة فللي القللرآن الكريللم وفللي‬
‫أقوال الرسول صلوات الله عليه ‪.‬‬

‫)‪(3‬‬
‫شرح المفاتيح القرآنية‬
‫للدليل النظري الدال على الحياة الخرى‬

‫اكتفيت في الفقرة السابقة بعرض المفاتيح القرآنية للدليل النظللري‬


‫القاضي بضرورة الحياة الخرى للناس في خطة الوجللود ‪ ،‬لسللتيفاء كمللال‬
‫العدل اللهي ‪ ،‬والجزاء المثللل ‪ ،‬وهللو مللا تقضللي بلله قواعللد اليملان بلالله‬
‫وكمال صفاته ‪ ،‬التي دلت عليها ظواهر هذا الكون المتقن المحكم الهللادف‬
‫إلى تحقيق غاية تناسب حكمة الخالق العظيم ‪.‬‬

‫واعتمدت هناك على عللرض المفللاهيم العامللة المسللتفادة مللن هللذه‬


‫المفاتيح ‪ ،‬لفردها في فقرة خاصة ُأوِلي فيها كلل نلص منهلا نظلرات تلدّبر‬
‫وبحث استنباط ‪.‬‬
‫وفيما يلي شرح لهذه النظرات‪:‬‬

‫) أ ( النص الول ‪:‬‬

‫قول الله تعالى في سورة )المؤمنون‪ 23/‬مصحف‪ 74/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬ ‫}أ َفَحسبت َ‬
‫ن * فَت ََعاَلى ٱل ّلل ُ‬
‫هل‬ ‫م إ ِل َي َْنا ل َ ت ُْر َ‬
‫جُعو َ‬ ‫م عََبثا ً وَأن ّك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫م أن ّ َ‬ ‫َ ِ ُْ ْ‬
‫ريم ِ {‬ ‫ش ٱ للك ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب ٱ للعَ ْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ه إ ِل هُوَ َر ّ‬ ‫ح قّ ل َ إ ِل ٰل َ‬
‫َ‬ ‫ك ٱ ْلل َ‬ ‫ٱ ْلل َ‬
‫ملِ ُ‬

‫فهذا النص يكشف لنا أنه لو لم يكن وراء هذه الحياة التي تنتهي‬
‫بالموت حياة أخرى ‪ ،‬تكون فيها الرجعة إلى الله للحساب والجللزاء وإقامللة‬
‫محكمة العدل والفضل اللهية ‪ ،‬لكانت عملية هذا الخلق ضربا ً من العبث ‪،‬‬
‫والله تبارك وتعالى منّزه عنه ‪ ،‬فل يكلون فلي شليء ملن أفعلاله وأحكلامه‬
‫وأوامره ونواهيه وشرائعه هذا العبث ‪ ،‬بل ل بللد فللي كللل ذلللك مللن غايللات‬
‫حكيمة تحددها إرادة الخللالق المسللتندة إلللى علملله المحيللط بكللل شلليء ‪،‬‬
‫ة الصللارمة هللي المظهللر البللارز فللي كللل أحللداث الكللون وقللوانينه‬
‫والجدي ل ُ‬
‫وسننه ‪ ،‬وإشارة إلى كون الله منّزها ً عن العبث في عمليللات الخلللق الللتي‬
‫يجريها قال الله تعالى في هذا النص ‪} :‬فتعالى الله الملك الحللق ل إللله إل‬
‫هو رب العرش الكريم{‬

‫ولما كان احتمال العبث احتمال ً مرفوضا ً عقليا ً كان ل بد من وجود‬


‫حياة أخرى تظهر فيها تطبيقات الغاية من الحياة الولى ‪ ،‬وهذه الحياة ل بد‬
‫أن تكون مقررة في برنامج المقللادير الربانيللة ‪ ،‬إن الللله هللو الملللك الحللق‬
‫الذي ل إله إل هو ‪ ،‬وبهذا نلحظ أن هذا النص قللد أعطللى الفكللر النسللاني‬
‫مفتاح البحث النظري لهذه الحقيقة‪.‬‬

‫)ب( النص الثاني ‪:‬‬


‫قول الله تعالى في سورة )القلم‪ 68/‬مصحف‪ 2/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫حك ُ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ف تَ ْ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م ك َي ْ َ‬ ‫ن* َ‬
‫مي َ‬
‫ج رِ ِ‬ ‫كل ٱْلل ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬ ‫ل ٱْلل ُ‬
‫م ْ‬ ‫} أفَن َ ْ‬
‫جع َ ُ‬

‫من الواضح أن ظروف هذه الحياة التي نعيشها قد تسمح للمجرمين‬


‫بأن يعيشوا فيها عيشا ً رغدا ً ناعما ً ‪ ،‬يصيبون فيه المللال والجللاه والسلللطان‬
‫واللذات ‪ ،‬كما قد تسمح للمسلمين أهل الستقامة بمثل ذلك ‪ ،‬وقد تسللمح‬
‫بأن يتمكن الفاجر من قتل التقي وظلمه وتعذيبه ‪ ،‬واستلب ماله والعدوان‬
‫عليه في أرضه أو عرضه ‪ ،‬وقد ل يلقى الفاجر جلزاًء معجل ً عللى فجللوره ‪،‬‬
‫بل قد يمهل وتلأتيه منّيتله دون أن ينلال شليئا ً ملن جلزائه ‪ ،‬فللول أن حيلاة‬
‫أخرى غير هذه الحياة قد أعدت في برنامج المقادير الربانية لقامة الجللزاء‬
‫الذي توجبه حكمة الخللالق ‪ ،‬لكلانت النتيجللة الحكلم علللى الخلالق بلأنه قلد‬
‫رضي بأن يجعللل المسلللمين كللالمجرمين سللواء محيللاهم وممللاتهم ‪ ،‬وهللذا‬
‫يتنافى مع أصول العدل والحكمة اللهية ‪ ،‬لذلك فهللو مرفللوض عقل ً ‪ ،‬ولمللا‬
‫كان هذا الحتمال مرفوضا ً فإن الحتمال المقابللل لله – وهللو وجللود الحيللاة‬
‫الخرى التي يتحقق فيها التمييز بين المسلمين والمجرمين – هو من المللر‬
‫الحتمي الذي ل مناص من اللجوء إلى إدراكه عقل ً ‪ ،‬والتسليم بلله عقيللدة ‪،‬‬
‫وهو طبعا ً الحتمال الذي قررته النصوص الدينية وأخبرت به ‪.‬‬

‫وتفسير العملية كلها يتضح بأن هللذه الحيللاة كلهللا ل تزيللد علللى أنهللا‬
‫مجال مفتوح لمتحان الناس على سللواء ‪ ،‬كقاعللة المتحللان حينمللا يللدخلها‬
‫دون والهازلون الكسالى ‪ ،‬والمتلعبون الظالمون ‪.‬‬ ‫الدارسون المج ّ‬
‫من المتحتم أن القصة ل تنتهي بانتهاء المدة الزمنية للمتحللان ‪ ،‬بللل‬
‫ل على مقدار عمله ‪.‬‬ ‫ل بد من زمن آخر تعلن فيه النتائج ‪ ،‬وينال فيه ك ّ‬

‫فمن أجل ذلللك جللاءت اليللة بصلليغة السللتفهام النكللاري }أفنجعللل‬


‫المسلمين كالمجرمين؟ مالكم كيف تحكمون؟{ دللة على أن إنكار الحياة‬
‫الخرى وما فيها من جزاء يفضي إلى اتهللام حكم لةِ الخللالق بالتسللوية بيللن‬
‫المسلمين والمجرمين ‪ ،‬وهو أمر مرفوض رفضا ً قطعيا ً ‪ ،‬وقد تنزه الخللالق‬
‫عنه وتعالى علوا ً كبيرًا‪.‬‬

‫وي في أحكلامه بيلن الظلالم والمظللوم ‪ ،‬أو‬ ‫إن أحدنا ل يقبل أن ُيس ّ‬
‫بيللن المحسللن والمسلليء ‪ ،‬أو بيللن المجللد ّ والكسللول ‪ ،‬أو بيللن العللالم‬
‫ة نقللص كللبير فللي أخلقلله ‪.‬‬
‫سللم َ‬
‫والجاهل ‪ ،‬ولو فعل ذلك واحللد منللا لكللان ِ‬
‫ل وعل؟‬ ‫أفنكّرم أنفسنا عنه ونرضاه للخالق ج ّ‬

‫إنه أمر مرفوض بداهة ‪ ،‬ورفضه يعنللي حتميللة اليللوم الخللر والحيللاة‬
‫الخرى ‪.‬‬

‫)ج( النص الثالث ‪:‬‬

‫قول الله تعالى في سورة )الجاثية‪ 45/‬مصحف‪ 65/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ْ‬
‫ن آ َ‬ ‫كل ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫ت أن ن ّ ْ‬ ‫حوا ْ ٱل ّ‬
‫سلي َّئا ِ‬ ‫ن ٱ ْ‬
‫جلت ََر ُ‬ ‫ذي َ‬‫ب ٱّلل ِ‬ ‫س َ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫}أ ْ‬
‫ن{‪.‬‬‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫سآَء َ‬
‫م َ‬ ‫مات ُهُ ْ‬
‫م َ‬
‫م وَ َ‬
‫حَياهُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫وآًء ّ‬
‫س َ‬‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ْ ٱل ّ‬
‫صلال ِ َ‬ ‫وَعَ ِ‬

‫إن هذا النص القرآني يكشف لنا عن حقيقة فكرية مهمة جدا ً ‪ ،‬وهي‬
‫أن مقتضيات العدل اللهي توجب التسللليم بللأن التسللوية فللي الجللزاء بيللن‬
‫الذين اجترحوا السيئات والذين آمنللوا وعملللوا الصللالحات قضللية مرفوضللة‬
‫حتما ً ‪ ،‬لنها تتنافى مع صفتي عدل الله وحكمته الثابتتين بالللدليل العقلللي ‪،‬‬
‫والثابتتين أيضا ً في ظواهر شللتى ملن واقللع حياتنللا المدروسللة ‪ ،‬وإذا كللانت‬
‫هذه التسوية مرفوضة عقل ً فما بالنا نلحظ في هللذه الحيللاة أن كللثيرا ً مللن‬
‫الذين اجترحوا السيئات ينالون منها مثل ما ينال منها الللذين آمنللوا وعملللوا‬
‫الصالحات ‪ ،‬أو أكثر في بعض الحيان ‪ ،‬وأن كثيرا ً من الللذين آمنللوا وعملللوا‬
‫الصالحات قد تتوالى عليهم المصائب واللم ؟ فأين تطللبيق قواعللد العللدل‬
‫والحكمة اللهية؟‬

‫وهنا يأتي الجواب العقلي الذي ل يحتاج إلى بحث وتأمل كثيرين‪:‬‬

‫إن هذه الحياة ليست نهاية قصة حياة النسان ‪ ،‬ولكنها فصل منهللا ‪،‬‬
‫ومرحلة قصيرة أعدت في برنامج الوجود الكبير لغاية البتلء ‪ ،‬ول بد حتم لا ً‬
‫من ظروف حيلاة أخلرى تلأتي بعلد انتهلاء هلذه الحيلاة اللدنيا اللتي أعلدت‬
‫للمتحان ‪ ،‬وعندئذٍ تظهر تطبيقات قواعللد العللدل اللهللي ‪ ،‬وتظهللر مراحللل‬
‫الجزاء ‪ ،‬وهنا نبهنا هذا النص القرآني على أن تطبيق قواعد الجزاء يبدأ مع‬
‫بدايللة مرحلللة المللوت ‪ ،‬الللذي هللو عمليللة انفصللال بيللن الللروح المدركللة‬
‫المحسة ‪ ،‬وبين الجسد الذي هو ثوب هذه الروح في حياتها الولى ‪.‬‬

‫ومع بداية هذه المرحلة الجديدة من وجللود النسللان تظهللر الفللوارق‬


‫القائمة على العدل والحكمة بيللن الللذين آمنللوا وعملللوا الصللالحات والللذين‬
‫اجترحوا السيئات ‪.‬‬

‫إن ما لم يظهر اليوم في مرحلة المتحللان ل بللد أن يظهللر غللدا ً فللي‬


‫مراحل الجزاء ‪.‬‬

‫دة الحيللاة‬
‫فهذه الية تشير إلى التطبيقات الجزائية التي تكون في م ّ‬
‫البرزخية بعد الموت وقبل البعث ‪ ،‬وهو ما يطلق عليه نعيم القبر وعذابه ‪.‬‬

‫) د ( النص الرابع ‪:‬‬

‫قول الله تعالى في سورة )القيامة‪ 75/‬مصحف‪ 31/‬نزول(‪:‬‬


‫ك ن ُط ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن َأن ي ُت َْر َ‬ ‫َ‬
‫من َل ٰى *‬‫ي يُ ْ‬‫من ِل ّ‬
‫مللن ّ‬
‫ة ّ‬‫ف ً‬ ‫دى * أل َ ْ‬
‫م يَ ُ‬ ‫س ً‬ ‫ك ُ‬ ‫سا ُ‬
‫لن َ‬
‫ِ‬ ‫بٱ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫أي َ ْ‬
‫جي ْلن ٱللذ ّك َر وٱ ُ‬
‫لنث َل ٰى *‬ ‫َ َ‬ ‫ه ٱلّزوْ َ ِ‬ ‫من ْل ُ‬ ‫ج ع َل َ‬
‫ل ِ‬ ‫سلوّ ٰى * فَ َ‬ ‫خل َلقَ فَ َ‬
‫ة فَ َ‬‫قل ً‬ ‫ن عَل َ َ‬ ‫م َ‬
‫كا َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موْت َ ٰى {‪.‬‬ ‫ي ٱل َ‬ ‫حِيل َ‬ ‫قادِرٍ عَل ٰى أن ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫س ذ َل ِك ب ِ َ‬‫أل َي ْ َ‬

‫من الواضح أن هذا النص يشتمل على المفتاح الفكري لكتشاف‬


‫الغاية من خلللق النسللان فللي هللذه الحيللاة ‪} :‬أيحسللب النسللان أن يللترك‬
‫سدى؟!{‬ ‫ُ‬

‫أي ‪ :‬إنه لم ُيخلق في هذه الحياة ليأكلل ويشلرب ‪ ،‬ويتمتلع ويظللم ‪،‬‬
‫ويطغى ويفسد في الرض ‪ ،‬وينزل اللم بالخرين ويكفر بربلله ‪ ،‬ثللم يللترك‬
‫سدى دون جزاء عادل ‪ ،‬أو ليستقيم ويعمل الصالحات ‪ ،‬ويعدل بيللن النلاس‬
‫ويحسن إليهم ‪ ،‬ويمسح عنهم اللم ويعبد ربه ‪ ،‬ثم يلترك سلدى دون جلزاء‬
‫كريم ‪.‬‬

‫إن هذا الظن من النسلان لمللر عجيللب ‪ ،‬أفيظلن مللا ل يليللق بعللدل‬
‫ن ظنلا ً تقللوم براهيللن العقللل ودلئل الواقللع علللى‬
‫الخللالق وحكمتلله؟ أفيظل ّ‬
‫نقيضه؟‬

‫إن النسان في هذا الوجود لن يترك سدى بعد ظللروف هللذه الحيللاة‬
‫التي يعيشها ‪ ،‬والتي لو كانت نهاية قصة حياة النسان لكانت حياة ل معنى‬
‫لها ول مغزى ‪.‬‬

‫وهل يليق بحكمة الخالق العظيم القادر العليم أن يخلق خلقلا ً بلاطل ً‬
‫ل مغزى له؟ إن هذا ضرب من اللعب واللهو والعبث ‪ ،‬والله تبارك وتعللالى‬
‫منزه عن ذلك ‪ ،‬إن كل أمره جد ل هزل فيه ‪.‬‬
‫وإذا ثبت بالدليل النظللري أن النسللان لللن يللترك سللدى فل بللد مللن‬
‫ظروف حياة غير هذه الحياة يتم فيهللا تحقيللق الغايللة مللن خلللق النسللان ‪،‬‬
‫ويتم فيها تطبيق قواعد الجللزاء الربللاني وفللق مقتضلليات الحكمللة والعللدل‬
‫والكرم ‪.‬‬

‫وحينما يبدأ الجاهل قصير النظر يش ل ّ‬


‫ك فللي قللدرة الللله علللى إعللادة‬
‫النسان إلى الحياة بعللد المللوت فللي النشللأة الخللرى ‪ ،‬فلينظللر إللى واقللع‬
‫النشأة الولى ‪ ،‬إنها تعطيلله برهانلا ً تجريبيلا ً يثبللت للله أن مللن أنشللأ النشللأة‬
‫الولى قللادر عللى أن ينشلئ النشلأة الخلرى ‪ ،‬نشلأة العلادة ‪ ،‬وهلي فلي‬
‫التحليل النظري أهون من نشأة البتداء ‪ ،‬وقللد لفللت النللص نظللر النسللان‬
‫إلى هذا البرهان التجريبي فقال تعالى ‪} :‬ألم يك نطفة من مني يمنللى ثللم‬
‫وى فجعل منه الزوجين الذكر والنثى أليس ذلك بقادر‬ ‫كان عقلة فخلق فس ّ‬
‫على أن يحيي الموتى؟{ بلى وهو الخلق العليم ‪.‬‬

‫)هم( النص الخامس‪:‬‬


‫قول الله تعالى في سورة )ص‪ 38/‬مصحف‪ 38/‬نزول(‪:‬‬
‫ن ٱللل ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ك ظل ّ‬ ‫مللا ب َللاط ِل ً ذ َل ِل َ‬ ‫مللا ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬‫مآَء وَ ٱللْر َ‬ ‫سلل َ‬‫قَنا ٱل ّ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬‫}و َ َ‬
‫َ‬
‫مل ُللوا ْ‬ ‫ْ‬
‫من ُللوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫جع َ ل ُ‬‫م نَ ْ‬ ‫ن ٱل ّنللارِ * أ ْ‬ ‫مل َ‬ ‫ْ‬
‫ف لُروا ِ‬
‫نك َ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل لل ل ِ‬‫ّ‬ ‫فُروا ْ فَوَي ْل ٌ‬‫كَ َ‬
‫كلٱ ْلل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاِر{‪.‬‬ ‫ف ّ‬ ‫ن َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ل ٱْلل ُ‬ ‫جع َ ُ‬ ‫م نَ ْ‬‫ضأ ْ‬‫ن ِفي ٱ للْر ِ‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬‫م ْ‬‫كلٱ ْلل ُ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫صلال ِ َ‬

‫فحينما يرفع الجاحدون تصورات الحيللاة الخللرى مللن أذهللانهم تغللدو‬


‫هذه الحيلاة فلي تصلورهم عمل ً بلاطل ً ل معنلى لله ‪ ،‬وتغلدو مسلرحية ملن‬
‫مسرحيات اللعب واللهو والعبث ‪.‬‬

‫هذا ما صرح به كبار مفكريهلم ‪ ،‬وذللك تصلور اللذين كفلروا وظنهلم‬


‫القائم على أساس باطل هو جحود الحق والكفر به ‪ ،‬فويل لهم من أحداث‬
‫هذه الحياة الخرى حينما يجدونها حقيقة واقعة ‪ ،‬ويجدون أنفسهم في النار‬
‫يع ّ‬
‫ذبون ‪.‬‬

‫أما المؤمنون فإنهم يدركون الغاية من خلقهم ‪ ،‬ويعلمللون أنهللم فللي‬


‫هذه الحياة الدنيا في ظروف امتحان لرادتهم بين يدي خللالقهم ‪ ،‬وأن وراء‬
‫هذه الحياة حياة أخرى خالدة يكون فيها الجزاء المثل ‪ ،‬وتظهر فيها حكمللة‬
‫الله من الخلق ‪ ،‬لذلك فهلم ل يلرون خللق السلماوات والرض وملا بينهملا‬
‫باطل ً ‪ .‬ويهديهم إلى هذه الحقيقة أنه من غير الممكن في الحتمال العقلي‬
‫أن يجعل الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فللي الرض ‪ ،‬وأن‬
‫يجعل المتقين كالفجار ‪ ،‬فتكون نهاية الجميع بالموت ‪ ،‬ول شلليء بعللد ذلللك‬
‫مللن حسللاب ول جللزاء ‪ ،‬إن هللذا العبللث ل يفعللله مللن يقيللم دورة مسللابقة‬
‫رياضللية ‪ ،‬فضلل ً عللن أن يفعللله الخللالق القللادر العلمللي الحكيللم العللدل ذو‬
‫الفضل العظيم ‪.‬‬

‫) و ( النص السادس ‪:‬‬


‫وقول الله تعالى في سورة )النبياء‪ 21/‬مصحف‪ 73/‬نزول(‪:‬‬
‫خذ َ‬‫ن * ل َوْ أ ََرد َْنآ َأن ن ّت ّ ِ‬ ‫ما ل َ ِ‬
‫عِبي َ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬‫ض وَ َ‬
‫َ‬
‫مآَء وَ ٱللْر َ‬ ‫سل َ‬‫قَنا ٱل ّ‬‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫}و َ َ‬
‫ل‬‫ح قّ عَلللى ٱللَباط ِل ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف ِبلل ٱلل َ‬
‫ْ‬ ‫قلذِ ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ن * ب َل ْ‬‫عِلي َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫من لد ُّنآ ِإن كّنا فَللا ِ‬ ‫خذ َْناهُ ِ‬‫ل َْهوا ً ل ّت ّ َ‬
‫ن {‪.‬‬‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬‫م ّ‬
‫ل ِ‬ ‫م ٱْللوَ ي ْ ُ‬‫ذا هُوَ َزاهِقٌ وَل َك ُ ُ‬ ‫ه فَإ ِ َ‬‫مغ ُ ُ‬‫فَي َد ْ َ‬
‫جحد المشركون الحسللاب واليللوم الخللر ‪ ،‬وجّرهللم ذلللك إلللى إنكللار‬
‫رسالة محمد ‪ ‬وما جاء فيها من وعد ووعيد ‪ ،‬وكان معنللى جحللودهم هللذا‬
‫أن الحياة النسانية ليس لها إل ظروف هذه الحيللاة المشللاهدة المدروسللة‬
‫للنسان ‪ ،‬وبالموت تنتهي القصة نهاية تامة ‪ ،‬ثم ل شيء وراء ذلك ‪ ،‬مع أن‬
‫هللذا الفصلل المشلهود ملن حيللاة النسلان مليلء بأحلداث الظلللم والبغلي‬
‫النسللاني ‪ ،‬ومشللحون بللالجحود والكفللر والسللتكبار والعنللاد ‪ ،‬والعللدوان‬
‫والفساد ‪ ،‬وكثيرا ً ما تنتهي حياة أصحاب هللذه الحللداث دون أن يلقللوا فللي‬
‫الحياة الدنيا جزاءهم العادل ‪ ،‬وحينما يصيب بعضهم بعض جزائه فإن كامل‬
‫جزائه ل يناله ‪ ،‬وفي مقابل ذلك نجد في هللذا الفصللل المشللهود مللن حيللاة‬
‫ذبين ‪ ،‬ومللؤمنين‬ ‫النسللان دعللاةَ خيللر مضللطهدين ‪ ،‬وطبيللبين صللالحين مع ل ّ‬
‫مصلحين غير مكّرمين ‪ ،‬وكثيرا ً ما تنتهللي حيللاة هللؤلء دون أن ُينصللفوا ملن‬
‫خصومهم ‪ ،‬ودون أن يلقوا ثوابهم أو كامل ثوابهم ‪.‬‬

‫ح في ميزان العقل أن يقتصر حكيللم قلادر عليللم عللى مشلاهد‬ ‫أفيص ّ‬


‫هذا الفصل من عملية الخللق اللتي أنشلأناها ‪ ،‬دون أن يكلون وراءه فصلل‬
‫آخر أو عدة فصول تتحقللق فيهللا النتللائج المنطقيللة للفصللل الول ‪ ،‬وتظهللر‬
‫فيها الحكمة المناسبة لمستوى الحكيللم الللذي رت ّللب ظللروف الفصللل الول‬
‫بإتقان تام؟‬
‫لو شهدنا مثل هذا الفصل في تمثيلية من وضع النسللان لقلنللا ل ب لد ّ‬
‫أن فصلل ً أو فصللول ً أخللرى سللتأتي بعللده ‪ ،‬حللتى تنتهللي القصللة إلللى نهايللة‬
‫معقولللة تظهللر فيهللا الغايللة ‪ ،‬ويتحقللق فهيللا معنللى الجللزاء ‪ ،‬ويللبرز فيهللا‬
‫المضمون الخلقي ‪ ،‬في توجيه غير مباشر ‪.‬‬

‫فلو أن كاتب القصة أو مخرج التمثيلية قد اقتصر على الفصل الول‬


‫منها ‪ ،‬فماذا يقول العقلء عنه؟‬
‫إذا كان هذا الفصل فصل ً فكاهيا ً فإنهم يقولون عنلله ‪ :‬كللاتب هزلللي ‪،‬‬
‫يريد أن يضحك المشاهدين بألعابه ومشاهد اللهو التي رتبها ‪ ،‬وإذا لم يكللن‬
‫فصل ً فكاهيا ً فإن كان فيه شيء من الجرائم والفسللاد فللإنهم يتهمللونه بللأنه‬
‫يريد التشجيع على الجرائم والفساد ‪ ،‬واستخدام القوى وأنواع الحيلة لنشر‬
‫الظلم والعدوان في الرض ‪ ،‬إذ لم ينه تمللثيليته بمضللمون أخلقللي كريللم ‪،‬‬
‫يتحقق فيه الجزاء الرادع القاسي للمجرمين والمفسدين ‪ ،‬والنهاية الطيبللة‬
‫السعيدة للصالحين المستقيمين ‪.‬‬
‫فما بال الذين ينكرون اليوم الخللر يقبلللون فللي تصللورهم أن تكللون‬
‫قصة حياة النسان تنتهي بنهاية الفصل الول منها ‪ ،‬مع أن هذا الفصللل لللم‬
‫وي )درامللي(‬ ‫سل ِ‬
‫تتحقق فيه الغاية ‪ ،‬ولم يتحقق فيه الجزاء ‪ ,‬وهللو فصللل مأ َ‬
‫جاد ل أثر للهزل فيه؟‬

‫أفيريدون أن يجعلوا الللله العليللم الحكيللم القللادر لعبلا ً بللآلم النللاس‬


‫ومشللاّقهم ومتللاعبهم فللي هللذه الحيللاة؟ أو هللازل ً بعواطللف المللؤمنين بلله‬
‫المطيعيللن للله السللاعين فللي مرضللاته ‪ ،‬والبللاذلين كللثيرا ً ممللا يشللتهونه‬
‫ويحرصون عليه في سبيله؟ تعالى الله عن ذلك علوا ً كبيرًا‪.‬‬
‫هذه هي النقطة الفكري التي نبه هذا النص القرآني عليلله ‪ ،‬ونللاقش‬
‫منكري اليوم الخر ومنكري رسالة الرسول على أساسها ‪.‬‬

‫فقد عرضت سورة )النبياء‪ 21/‬مصحف‪ 73/‬نزول(‪:‬‬


‫ن{‬‫ضو َ‬ ‫فل َةٍ ّ‬
‫معْرِ ُ‬ ‫م ِفي غَ ْ‬
‫م وَهُ ْ‬
‫ساب ُهُ ْ‬
‫ح َ‬
‫س ِ‬ ‫}لٱقْ ت ََر َ‬
‫ب ِللّنا ِ‬

‫وقضية الرسول والكتاب ‪ ،‬فقال تعالى ‪:‬‬


‫ْ‬
‫ن *‬ ‫م ي َل ْعَُبو َ‬‫م ُعوهُ وَهُ ْ‬ ‫ث إ ِل ّ ٱ ْ‬
‫سلت َ َ‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫م ْ‬
‫م ّ‬‫من ّرب ّهِ ْ‬‫من ذِك ْرٍ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ي َأِتيهِ ْ‬
‫} َ‬
‫َ‬
‫مث ْل ُك ُل ْ‬
‫م‬ ‫ش لٌر ّ‬‫ذآ إ ِل ّ ب َ َ‬
‫ل ه َ ٰل ل َ‬ ‫مللوا ْ هَل ْ‬
‫ن ظ َل َ ُ‬‫ذي َ‬‫وى ٱل ّل ِ‬ ‫س لّروا ْ ٱلن ّ ْ‬
‫جل َ‬ ‫م وَأ َ‬ ‫ة قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ل َهِي َ ً‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن {‪.‬‬‫صُرو َ‬
‫م ت ُب ْ ِ‬
‫ح َر وَأنت ُ ْ‬
‫سل ْ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫أفَت َأُتو َ‬

‫ثم بعد هذا وبعد مناقشات له جاء قول الله تعالى ‪:‬‬

‫َ‬
‫ن{‬ ‫ما ل َ ِ‬
‫عِبي َ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫مآءَ وَ ٱللْر َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫قَنا ٱل ّ‬
‫سل َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬
‫}و َ َ‬

‫أي ‪ :‬لو كانت قصة هذه الحياة تنتهي بحادثة الموت التي يختم بها‬
‫هذا الفصل لكانت عملية خلق السماء والرض وما بينهما لعبا ً من اللعب ‪.‬‬

‫أفيكون العليللم الحكيللم القللادر لعبلا ً لهيلا ً هللازل ً فللي كللل الحللداث‬
‫الجادة المشحونة بالمتاعب واللم في هذا الفصل ؟‬

‫أم ل بد أن يكون قد رتب فصل ً أو فصول أخرى ‪ ،‬ستظهر فيها غاية‬


‫عمله ومقتضيات حكمته؟‬

‫العقل يقضي بأنه ل بد أن يكون في برنامج الوجود فصل أو فصللول‬


‫متعددة وراء هذا الفصل الول ‪.‬‬

‫وهذا ما جاءت النصوص الدينية تدعو إلى اليمان به وتكشللف بعللض‬


‫ما هو داخل في برنامجه من تفصيلت ‪.‬‬
‫ومن بدائع المناقشة القرآنية لهذا الموضوع قول الله تعالى في هللذا‬
‫النص‪:‬‬
‫من ل ّد ُّنآ ِإن ك ُّنا َفا ِ‬ ‫خذ َ ل َْهوا ً ل ّت ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫}ل َوْ أَرد َْنآ أن ن ّت ّ ِ‬
‫ن{‬‫عِلي َ‬ ‫خذ َْناهُ ِ‬

‫فالله في هذا يتنزل إلى مستوى عقول هؤلء المنكرين لليوم الخللر‬
‫والمنكرين للرسالة ‪ ،‬إذ لزم من مذهبهم أن تكون عملية خلللق السللماوات‬
‫والرض وما بينهما ضربا ً من اللعب واللهو والعبث فيقول لهم ‪} :‬لللو أردنللا‬
‫أن نتخذ لهوا ً لتخذناه من لدنا{‪ ،‬أي ‪ :‬لكنا اتخذنا لهوا ً بعيدا ً عللن مخلوقللات‬
‫ذات إحساسات وعواطللف وانفعللالت ‪ ،‬وآلم وآمللال ‪ ،‬وأكللدار ومسللرات ‪،‬‬
‫ولما كان من العدل والرحمة والحكمة أن نعبللث هللذا العبللث بهللذه الحيللاء‬
‫المدركللة المحسللة ‪ ،‬فنلهللو بآلمهللا ‪ ،‬ونعبللث بأكللدارها ‪ ،‬ونلعللب بعواطفهللا‬
‫وانفعالتها ‪ ،‬وحبها وذلها عبادتها ‪ ،‬لو أردنا لكنا نفعل هذا اللهو بعيلدا ً عنهلا ‪،‬‬
‫ول نجعلها ساحة عبثنا ‪ ،‬هذا إن كنلا فلاعلين شلليئا ً ملن ذلللك ‪ ،‬لكلن اللعلب‬
‫واللهو والعبث ليس من شأننا ‪.‬‬

‫تعالى الله عن ذلك علوا ً كبيرا ً ‪ ،‬إن كل أفعاله سبحانه تشتمل على‬
‫ت جليلة تناسب مسللتوى علملله وحكمتلله‬ ‫ح َ‬
‫كم والغايا ُ‬ ‫ح َ‬
‫كم يريدها ‪ ،‬وهذه ال ِ‬ ‫ِ‬
‫وقدرته سبحانه ‪.‬‬

‫ولما كان مذهب المنكرين يسلتزم اتهام الخالق سبحانه بالعبث فللي‬
‫خلقه كان ل بد من تهديد لهم بالويل على ما يصفون الله به ‪ ،‬فقال تعللالى‬
‫لهم‪:‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ذا هُلوَ َزاهِلقٌ وَلك ُل ُ‬
‫ه ف َ لإ ِ َ‬ ‫ح قّ عَلللى ٱللَباط ِل ِ‬
‫ل فَي َلد ْ َ‬
‫مغ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف ِبلل ٱلل َ‬
‫ْ‬ ‫قلذِ ُ‬ ‫ل نَ ْ‬‫}ب َ ْ‬
‫ن{‬ ‫فو َ‬‫ص ُ‬
‫ما ت َ ِ‬‫م ّ‬ ‫ل ِ‬‫ٱ ْللوَ ي ْ ُ‬

‫) ز ( النص السابع ‪:‬‬


‫قول الله تعالى في سورة )الدخان‪ 44/‬مصحف‪ 64/‬نزول(‪:‬‬

‫ُ‬
‫ن*‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫من َ‬ ‫ن بِ ُ‬‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫موْت َت َُنا ٱلوْل َ ٰى وَ َ‬ ‫ي إ ِل ّ َ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫ن * إِ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن هَ ٰلؤُل َِء ل َي َ ُ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫م‬‫مللن قَب ْل ِهِ ل ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫م ت ُب ّلٍع وَ ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫م قَ لوْ ُ‬
‫َ‬
‫خي ْلٌر أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن * أه ُ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫فَأ ُْتوا ْ ِبآَبآئ َِنا ِإن ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مللا‬‫مللا ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ت وَ ٱللْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سل َ‬ ‫قَنا ٱل ّ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬‫كاُنوا ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬‫أهْل َك َْناهُ ْ‬
‫م‬
‫ن َيللوْ َ‬ ‫ن * إِ ّ‬ ‫مللو َ‬ ‫م ل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أ َك ْث ََر ُ‬
‫هلل ْ‬ ‫حق وَل َ ٰلللك ِ ّ‬ ‫مللآ إ ِل ّ ِبلل ٱل ْ َ‬ ‫قَناهُ َ‬ ‫خل َ ْ‬‫مللا َ‬ ‫ن* َ‬ ‫عِبيلل َ‬ ‫لَ ِ‬
‫َ‬ ‫ٱ ْلل َ‬
‫م‬ ‫شلْيئا ً وَل َ هُل ْ‬ ‫ملوًْلى َ‬ ‫ملوًْلى عَللن ّ‬ ‫م ل َ ي ُغْن ِللي َ‬ ‫ن * ي َلوْ َ‬ ‫مِعيل َ‬ ‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫قات ُهُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ف ْ‬
‫م{‬ ‫زيُز ٱل ّرل ِ‬
‫حي ُ‬ ‫ه هُوَ ٱْللعَ ِ‬ ‫م ٱل ّلل ُ‬
‫هل إ ِن ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫من ّر ِ‬ ‫ن * إ ِل ّ َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ُين َ‬

‫هذا النص يحكي لنا مقالة منكري الخرة إذ قالوا ‪} :‬إن هي إل‬
‫موتتنا الولى وما نحن بمنشرين{‪.‬‬

‫وفي نص آخر حكى القللرآن عنهللم أنهللم قللالوا ‪} :‬إن هللي إل حياتنللا‬
‫الدنيا وما نحن بمبعوثين{‪.‬‬

‫ففي سورة )النعام‪ 6/‬مصحف‪ 55/‬نزول(‪:‬‬


‫ن{‬
‫مب ُْعوِثي َ‬
‫ن بِ َ‬
‫ح ُ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫حَيات َُنا ٱل ّ‬
‫دلن َْيا وَ َ‬ ‫ي إ ِل ّ َ‬ ‫}وََقال ُ ۤوا ْ إ ِ ْ‬
‫ن هِ َ‬

‫وفي سللورة )المؤمنللون‪ 23/‬مصللحف‪ 74/‬نللزول(‪ ،‬قللال الللله تعللالى‬


‫يحكي لنا مقالة عاد قوم هود لرسولهم ‪ ،‬أو مقالة قوم صالح‪:‬‬
‫حي َللا‬
‫ت وَن َ ْ‬
‫مللو ُ‬ ‫حَيات َُنا ٱل ل ّ‬
‫دلن َْيا ن َ ُ‬ ‫ي إ ِل ّ َ‬
‫ن هِ َ‬
‫ن * إِ ْ‬
‫دو َ‬
‫ما ُتوعَ ُ‬
‫ت لِ َ‬
‫ت هَي َْها َ‬
‫}هَي َْها َ‬
‫ن{‬ ‫مب ُْعوِثي َ‬
‫ن بِ َ‬
‫ح ُ‬
‫ما ن َ ْ‬
‫وَ َ‬

‫وفي سورة )الجاثية‪ 45/‬مصحف‪ 65/‬نزول(‪ ،‬قال الله تعالى يحكي‬


‫لنا مقالة الدهرّيين ‪ ،‬وهم ملحدة القرون الولى ‪:‬‬
‫مللا ي ُهْل ِك ُن َللآ إ ِل ّ ٱل ل ّ‬
‫دلهُْر‬ ‫حي َللا وَ َ‬
‫ت وَن َ ْ‬
‫مللو ُ‬ ‫حَيات َُنا ٱل ّ‬
‫دلن َْيا ن َ ُ‬ ‫ي إ ِل ّ َ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫}وََقاُلوا ْ َ‬
‫مللا‬
‫ت ّ‬ ‫م آَيات َُنا َبيَنللا ٍ‬ ‫ذا ت ُت ْل َ ٰى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن * وَإ ِ َ‬ ‫م إ ِل ّ ي َظ ُّنو َ‬‫ن هُ ْ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬
‫م ب ِذ َل ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫م إ ِل أن َقالوا ٱْئلُتوا ِبآَبآئ َِنآ ِإن كنت ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫جت َهُ ْ‬ ‫ح ّ‬‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬

‫ومهما تنوعت أقوال منكري الخرة فهي تتلخص بللأنهم يزعمللون أن‬
‫قصة الحياة واحدة تنتهي بالموت ثم ل شيء وراءه ‪ ،‬وليس لهم حجللة فللي‬
‫النكللار إل المطالبللة بالمشللاهدة الحسللية للحيللاة بعللد المللوت ‪ ،‬فقللالوا‬
‫لرسلهم ‪ :‬أعيدوا لنا آباءنا إلى الحياة حتى نؤمن بما تقولون ‪ ،‬وتوقفوا عنللد‬
‫المطالبة بالدليل الحسلي التجريللبي ‪ ،‬وحجبللوا عقللولهم علن إدراك اللدليل‬
‫النظري الذي يجعل قضية الحياة الخرى قضللية ممكنللة بحللد ذاتهللا ‪ ،‬فللإذا‬
‫نظرنا إليها من زاوية حكمة الخالق الحكيم ‪ ،‬ومن زاوية واقللع هللذه الحيللاة‬
‫الدنيا كانت قضية حتمية الوقوع ‪ ،‬فهي المرحلة التي يتم فيها بقيلة برناملٍج‬
‫خلق النسان وفق الصورة التي أرادها الخالق الحكيللم ‪ ،‬وإل كللان برنامجلا ً‬
‫ناقصا ً أشبه ما يكون باللهو والعبث ‪ ،‬والله الحكيم العليم القادر من لّزه عللن‬
‫أن يعد برنامجا ً ناقصا ً ل يليق بكماله سبحانه ‪ ،‬أو أن يقتصر على فصل منه‬
‫ي ُعَد ّ القتصار عليه ضربا ً من اللعب ‪.‬‬

‫يدرك هذه الحقيقة كل عاقل دّراك منصف‪.‬‬


‫ولما كان إنكار الكافرين لليوم الخر يتضمن عنصرين‪:‬‬
‫العنصر الول ‪ :‬إنكار الجزاء ‪.‬‬
‫العنصر الثاني ‪ :‬إنكار الحياة بعد الموت ‪.‬‬

‫وجدنا أن النللص القللرآن الللذي نتللدبره يشللتمل علللى معالجللة هللذين‬


‫العنصرين جميعا ً ‪.‬‬

‫أما العنصر الول فقد جاءت معالجته بعرض أمثللة تاريخيلة تلم فيهلا‬
‫تحقيق بعض الجزاء المعجل لمللم سللافلة ‪ ،‬عللاقبهم الللله فللي الللدنيا علللى‬
‫كفرهللم وتمّردهللم علللى رسلللهم ‪ ،‬ومعلللوم أن تحقيللق نمللاذج مللن الجللزاء‬
‫المعجل ل بد أن يلفت النتباه إلى قانون الجزاء بوجه عام ‪ ،‬ول بد أن ينبلله‬
‫أيضا ً على أن ما لم يتحقق منله فلي ظلروف هلذه الحيلاة اللدنيا سليتحقق‬
‫حتما ً في ظروف حياة أخرى ‪.‬‬

‫وقللد دل علللى هللذا قللول الللله تعللالى فللي هللذا النللص مللن سللورة‬
‫)الدخان(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫}أ َ ُ‬
‫كلاُنوا ْ‬
‫م َ‬ ‫م أهْل َك َْنلاهُ ْ‬
‫م إ ِن ُّهل ْ‬ ‫ملن قَب ْل ِِهل ْ‬
‫ن ِ‬ ‫م ت ُّبلٍع وَ ٱّللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َقلوْ ُ‬
‫خْيلٌر أ ْ‬
‫م َ‬
‫هل ْ‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬

‫أي ‪ :‬كان إهلك الله لهم على صورة فيها تعللذيب عللام بسللبب أنهللم‬
‫كانوا مجرمين ‪.‬‬

‫وأمللا العنصللر الثللاني فقللد جللاءت معللالجته بلفللت النظللر إلللى أن‬
‫مقتضيات حكمة الخالق تقضي بأنه من غير الممكن أن تكون هللذه الحيللاة‬
‫الدنيا هي نهاية قصة وجود النسان ‪ ،‬وذلك لنه لللو كللانت حيللاته هللذه هللي‬
‫كامل قصة وجوده ونهايتها لكان خلقه ضربا ً من اللعب تنّزه الخللالق عنلله ‪،‬‬
‫ولما كان هذا أمرا ً مستحيل ً عقل ً كان ل بد من وجود حياة أخللرى تسللتكمل‬
‫فيها وقللائع قصللته ‪ ،‬وفللق مقتضلليات الحكمللة العظيمللة الللتي تتناسللب مللع‬
‫صفات الخالق العظيم ‪ ،‬وهذا ما نبه عليه قول الله تعللالى فللي هللذا النللص‬
‫أيضًا‪:‬‬

‫َ‬
‫مآ إ ِل ّ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناهُ َ‬ ‫ما َ‬
‫ن* َ‬ ‫ما ل َ ِ‬
‫عِبي َ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ت وَ ٱللْر َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫قَنا ٱل ّ‬
‫سل َ‬ ‫خل َ ْ‬‫ما َ‬‫}و َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‪.‬‬
‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن أكثَرهُ ْ‬ ‫حقّ وَل َ ٰلك ِ ّ‬
‫ب ِٱل ْ َ‬

‫حينما نتساءل عن هذا الحق يأتينا الجواب القرآنللي ‪ ،‬فيوضللح لنللا أن‬
‫الغاية هي ابتلء النسان في الحياة الدنيا ‪ ،‬وبعد المتحان يأتي الجللزاء فللي‬
‫الحياة الخرى ‪.‬‬

‫فمن النصوص التي أعلنت هذه الحقيقة قول الله تعالى فللي سللورة‬
‫)الملك‪ 67/‬مصحف‪ 77/‬نزول(‪:‬‬

‫خَللل َ‬
‫ق‬ ‫ديٌر * ٱّللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫يٍء قَ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك وَهُوَ عَل َ ٰى ك ُ ّ‬‫ملْ ُ‬ ‫ذي ب ِي َدِهِ ٱْلل ُ‬ ‫ك ٱّلل ِ‬ ‫}ت ََباَر َ‬
‫زيُز ٱ ْللغَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فوُر{‬ ‫مل ً وَهُوَ ٱ ْللعَ ِ‬
‫ن عَ َ‬
‫س ُ‬‫ح َ‬‫مأ ْ‬ ‫ح َياةَ ل ِي َب ْل ُوَك ُ ْ‬
‫م أي ّك ُ ْ‬ ‫ت وَ ٱ ل ْ َ‬ ‫ٱْلل َ‬
‫م وْ َ‬

‫وبعد البتلء ل بد من الجزاء ‪ ،‬والجزاء المثل قد ادخره الله لحياة‬


‫أخرى غير هذه الحياة الدنيا ‪.‬‬

‫فاليمان باليوم الخللر ركللن أساسللي مللن أركللان اليمللان يللأتي فللي‬
‫التسلسل الفكري بعد اليمان بالله تعالى وبكمال صفاته وعظيم حكمته ‪.‬‬

‫)‪(4‬‬
‫اليمان بالخرة مبدأ ضروري‬
‫لسعادة الجماعة النسانية‬

‫إذا نظرنا إلى مشكلة السلوك النساني وجللدنا أن سللعادة الجماعللة‬


‫النسانية مرهونة بضوابط سلوك النسللان ‪ ،‬وحينمللا نبحللث عللن الضللوابط‬
‫التي يمكن أن تضبط سلوكه نجللدها ضللوابط ضللعيفة وناقصللة ‪ ،‬إل ضللابطا ً‬
‫واحدا ً هو مراقبة الله والخوف من عقابه يوم الدين ‪.‬‬

‫وبهذا التحليل تغدو قضية اليمان باليوم الخر ضرورة إنسللانية لحللل‬
‫مشكلة الجنوح النساني ‪ ،‬ولمنح المجتمعات النسانية أفضل صورة ممكنة‬
‫من السعادة الجماعية في ظروف هذه الحياة ‪ ،‬ولدفع النسللان إلللى فعللل‬
‫الخير والرتقاء في سلم الفضائل الفردية والجماعية ‪.‬‬

‫قد يقول المعارضون‪ :‬نستعيض عنها بالقانون وسلطة الحكم ‪.‬‬


‫ولكن نقول لهم ‪ :‬فمن يضبط السلطة الحاكمة عللن الجنللوح وبيللدها‬
‫القوى المادية المسيطرة ‪ ،‬التي تمنحهللا كلل الوسللائل الصللالحة للسلتبداد‬
‫وظلم العباد؟‬

‫إذا لم تكن هللذه السلللطة ملجمللة بلجللام الخللوف مللن الللله وجللزائه‬
‫العادل فإنها تفعل ما تهوى دون ضابط ‪.‬‬

‫على أن السلم قد حاصر الجنوح باليمان والخوف من عقاب الله ‪،‬‬


‫وبالشللرائع وسلللطة الحكللم السلللمي ‪ ،‬إضللافة إلللى الوسللائل التربويللة‬
‫الخرى ‪.‬‬

‫وقد يقول المعارضون ‪ :‬نستعيض عللن قضللية اليمللان بللاليوم الخللر‬


‫بالضمير الخلقي‪.‬‬

‫ولكن نقول لهم ‪ :‬وما هي وسيلتنا ليجاد هذا الضمير الخلقللي وقللد‬
‫دلتنا الملحظة أن معظم الجماهير التي ل تللؤمن بللالله ول بللاليوم الخللر ل‬
‫تستطيع أن تكتسب ضميرا ً أخلقيا ً مقوملا ً لسلللوكها مللن منبللع آخللر ‪ ،‬لنهللا‬
‫تسيطر عليها حينئذ أنانياتها وشهواتها ‪ ،‬ول يردعها عللن الجنللوح خللوف ‪ ،‬ول‬
‫يجذبها إلى الستقامة طمع ‪ ،‬وحينما تخشى من العقللاب المللادي النسللاني‬
‫فإنها تستقيم استقامة الحذر من العدو ‪ ،‬وترصد النحراف كراصد الصلليد ‪،‬‬
‫ض على فريسته ‪.‬‬ ‫متى وجد الفرصة متاحة له انق ّ‬

‫قد يقولون ‪ :‬إن النظرات الفلسفية ‪ ،‬والعاطفة النسللانية ‪ ،‬والتربيللة‬


‫الخلقية ‪ ،‬وحب الخير وفعل الخير ‪ ،‬كفيلة بتربية الضمير الخلقي ‪.‬‬

‫ولكننا نقول لهم ‪ :‬لئن صلحت هلذه الوسلائل لتربيلة ضلمير أخلقلي‬
‫لدى فيلسوف عالي الفطرة ‪ ،‬له نظرات تأملية بعيدة عن غمرة الماديللات‬
‫والمطامع والهواء والشهوات ‪ ،‬فإنها لن تصلح لتربية ضللمير أخلقللي لللدى‬
‫ألوف مؤّلفة من البشر ‪ ،‬ل يتحّلون بخصائص ذلك الفيلسوف النادر ‪.‬‬

‫ومعلللوم أن الضللوابط السلللوكية لمنللح البشللرية أفضللل مقللدار مللن‬


‫سعادة الحياة يجب أن تكون قادرة على ضبط الكثرة الكللاثرة مللن النللاس‬
‫إل من شذ ‪ ،‬ل أن تكون للنماذج النادرة فقط ‪،‬وتترك العداد العظمى مللن‬
‫غير ضابط ‪.‬‬

‫هذا بخلف الضمير الخلقي الذي يغرسه في القلوب اليمللان بللالله‬


‫واليوم الخر ‪ ،‬فإنه ضمير أخلقي تكتسبه بسهولة جميع الجماهير المؤمنللة‬
‫إل من شذ منها ‪ ،‬وهذا الشاذ ل يعدم بذورا ً تردعه عن كبريات الجرائم ‪.‬‬
‫أما غير المللؤمنين بللالله واليللوم الخللر فللالجرائم الصللغرى والكللبرى‬
‫سواء عندهم ‪ ،‬مللتى تعل ّللق هللوى أحللدهم بشلليء واسللتطاع أن يفلللت مللن‬
‫العقاب المادي على أيدي الناس فإنه يفعله دون أن يجد أي وخز لجرائملله‬
‫في ضميره ‪ ،‬وحينما يفعله يفعله بضراوة وشراسللة ل توجللدان عنللد أخبللث‬
‫الحيوانات الضارية الشرسة ‪.‬‬

‫علللى أن السلللم لللم يهمللل جللانب تربيللة الضللمير الخلقللي بكللل‬


‫الوسائل الممكنة إضافة إلى الخوف من الله وعقابه ‪ ،‬ووعده ووعيده ومللا‬
‫في اليوم الخر من جزاء ‪.‬‬

‫قللد يقللول المعارضللون‪ :‬ومللا علقللة هللذه الضللرورة النسللانية لحللل‬


‫مشكلة الجنوح في السلوك بكون الخرة حقيقة واقعة حتى يجللب اليمللان‬
‫بها عق ً‬
‫ل؟‬

‫وجوابنا على هذا السؤال سلليكون مللع الللذين سلللموا معنللا بالقضللية‬
‫الولى ‪ ،‬وهي قضية اليمان بللالله تعللالى ‪ ،‬أمللا الملحللدة الللذين ل يؤمنللون‬
‫بالله فإنهم ل يشعرون بموجب لضبط السلوك النسللاني أص لل ً ‪ ،‬ول يللرون‬
‫في أي سلوك جنوحا ً ‪ ،‬ونظرتهم إلى الحياة تقتضللي بللأن القللوة هللي الللتي‬
‫تحللدد مفهللوم السلللوك ‪ ،‬فللالقوة تسللتطيع أن تجعللل الفضللائل رذائل ‪،‬‬
‫والرذائل فضائل ‪ ،‬والحق باطل ً ‪ ،‬والباطل حقا ً ‪ ،‬وهكللذا ل قيمللة عنللدهم إل‬
‫للقوة ‪.‬‬

‫أما كلمنا مع الذين سلموا بالقضية الولى قضية اليمان بالله تعللالى‬
‫فيكون على الوجه التالي‪:‬‬

‫ل وعل كائنللات‬ ‫هل يعقل في منطق التنظيم الحكيم أن يخلق الله ج ّ‬


‫مدركة ذات غرائز وشهوات ‪ ،‬وذات مطامع ورغبات ‪ ،‬وذات أهواء ل حللدود‬
‫لها ‪ ،‬وذات لذات وآلم ‪ ،‬ويعطيها مع ذلك حرية الرادة ‪ ،‬ويمنحها قللدرة مللا‬
‫علللى تنفيللذ مللا تريللد ‪ ،‬ثللم يتركهللا تتخبللط وتتقاتللل ‪ ،‬وتتنللافس وتتصللارع ‪،‬‬
‫وتتحاسد وتتباغض ‪ ،‬دون أن يجعل لها ضللوابط تضللبط سلللوكها ‪ ،‬ودون أن‬
‫يشللعرها بللأن جللزاء عللادل ً قللد أعللد لهللا ‪ ،‬ودون أن ينفللذ فيهللا فعل ً جللزاءه‬
‫العادل ‪ ،‬ودون أن يشجع محسنيها بالثواب الكريم الذي يكون حقيقة واقعة‬
‫‪ ،‬ل وعدا ً كلميا ً فقط؟‬

‫هذا غير معقول ‪ ،‬إن الخالق الحكيم لن يترك كائنات من هذا القبيللل‬
‫تفسد في الرض دون أن يجعللل لهللا نظام لا ً يشللتمل علللى عناصللر الجللزاء‬
‫الحكيم ‪ ،‬وهذا يهدي فعل ً إلللى اعتبللار اليللوم الخللر ضللرورة لضللبط سلللوك‬
‫النسللان فللي الحيللاة ‪ ،‬وهللذا النظللام ل بللد ملن بيللانه للنللاس حللتى يعلمللوا‬
‫مسؤوليتهم ويعرفوا مصيرهم ‪ ،‬ولللذلك أرسللل الللله لهللم الرسللل ‪ ،‬فبّلغللوا‬
‫الناس ملا يجلب عليهللم مللن سلللوك ‪ ،‬وملا ينتظرهللم ملن ثلواب وعقلاب ‪،‬‬
‫بحسب أعمالهم فللي حيللاتهم ‪ ،‬وأن وراء هللذه الحيللاة الولللى حيللاة أخللرى‬
‫يرجعون فيها إلى الله ‪ ،‬فيحاسبهم ويجازيهم ‪ ،‬وقد أعد للثواب جنة خالدة ‪،‬‬
‫وأعد للعقاب نارا ً حامية وعذابا ً أليمًا‪.‬‬

‫)‪(5‬‬
‫نقض علمي لمذهب الملحدين‬
‫الذين ينكرون استمرار وجود الروح‬

‫يتساءل بعض الناس ‪ :‬هل نجد نقضا ً علميا ً للمذهب اللحادي الذي‬
‫يرى أن الحياة ظلاهرة ماديلة فقلط ‪ ،‬وليلس وراء هلذه الحيلاة الماديلة إذا‬
‫انتهت بالموت استمرار لوجود روحي ‪ ،‬أو إمكان لحياة أخرى؟‬

‫وجوابنا إيجابي حتما ً ‪ ،‬فلدينا أدلة علميللة توصللل إلهيللا البللاحثون مللن‬
‫علمللاء الطبيعللة تثبللت الحيللاة بعللد المللوت ‪ ،‬علللى المسللتوى التجريللبي‬
‫والمعملي ‪.‬‬

‫وأقتبس هنا فقرات مما جاء في كتاب )السلم يتحدى(‪:1‬‬

‫"أثبتت البحوث الروحية الحياة بعد الموت على المسللتوى التجريللبي‬


‫والمعملللي ‪ .‬إن المللر الللذي يللدفعنا إلللى إبللداء مزيللد مللن العجللاب بهللذه‬
‫البحوث هو أنها ل تثبت )بقاًء محضًا( لللروح ملا ‪ ،‬بللل إنهلا تثبللت أيضلا ً بقلاء‬
‫الشخصيات التي كنا نعرفها بذاتها قبل أن نموت!!‬

‫إن هناك خصائص كثيرة يتمتع بها النسان من قديم الزمللان ‪ ،‬ولكنللا‬
‫لم نلق الضوء عليها إل حديثا ً ‪ ،‬ومن هذه الخصائص )الرؤيا( الللتي تعللد مللن‬
‫أقدم مميلزات الجنلس البشلري ‪ ،‬والحقلائق الملثيرة اللتي كشلفها علملاُء‬
‫النفس عن هذه الميزة لم يكن قدماؤنا على علم بها ‪.‬‬

‫وهناك مظاهر أخرى درسناها أخيرا ً ‪ ،‬وأجرينا بحوثا ً وإحصللاءات فللي‬


‫مختلف أنحاء العالم حولها ‪ ،‬وجاءت البحوث بنتائج غاية في الهمية ‪.‬‬

‫ومن هذه البحوث ما نسميه )بالبحوث الروحية( وهي فرع مللن علللم‬
‫النفس الحديث ‪ ،‬وهللدفها محاولللة الكشللف عللن المميللزات النسللانية غيللر‬
‫العادية ‪ ،‬وقد أقيم أول معهد لجراء هذا النمط من البحوث عام )‪1882‬م(‬
‫في إنكلترا ‪ ،‬وبدأ علماء هذا المعهد عملهلم سلنة )‪1889‬م( بعلد أن قلاموا‬
‫بمسح واسع النطاق على )‪ (17‬ألفا ً من المواطنين ‪ ،‬ول يزال هللذا المعهللد‬
‫موجودا ً باسم )جمعية البحوث الروحيللة( وقللد انتشللرت الن معاهللد كللثيرة‬
‫فللي مختلللف بلللدان العللالم ‪ ،‬وأثبتللت هللذه المعاهللد بعللد بحوثهللا وتجاربهللا‬
‫الواسعة النطاق أن الشخصية النسللانية تواصللل بقاءهللا بعللد فنللاء الجسللد‬
‫المادي في صورة غريبة‪...‬‬

‫وقد ألقى )البروفسور دوكاس( هو أستاذ الفلسفة بجامعللة بللراون ‪،‬‬


‫ضوءا ً على الجوانب النفسية والفلسفية مللن مسللألة الحيللاة بعللد المللوت ‪،‬‬
‫في الباب السابع عشر من كتابه ‪ .‬والدكتور دوكللاس ل يللؤمن بالحيللاة بعللد‬
‫الموت كعقيدة دينية ‪ ،‬وإنما وجد – أثنللاء بحللوثه – شللواهد كللثيرة اضللطر –‬

‫تأليف ‪ :‬وحيد الدين خان ‪ ،‬تعريب ‪ :‬ظفر السلم خان ‪ ،‬من صفحة ‪ 154‬إلى صفحة ‪. 159‬‬ ‫‪1‬‬
‫على أثرها – أن يللؤمن بالحيللاة الخللرة ‪ ،‬مجللردة علن قضللايا الللدين ‪ ،‬وهللو‬
‫يكتب في آخر الباب السابع من كتبه قائ ً‬
‫ل‪:‬‬

‫"لقد قام رهط من أذكى علمائنا وأكثرهم خبرة بمطالعة الشللهادات‬


‫المتعلقة بالمسألة ‪ ،‬وفحصوها بنظرة نقد ثاقبللة ‪ ،‬وقللد توصلللوا آخللر المللر‬
‫إلى أن هناك شواهد كللثيرة تجعللل فكللرة "بقللاء الللروح" نظريللة معقولللة ‪،‬‬
‫وممكنة الحدوث ‪ ..‬وهم يرون أنه ل يمكللن تفسللير تلللك الشللواهد إل علللى‬
‫هذا النحو ‪ .‬ومن هؤلء الكبار الذين قاموا بهذه البحوث نسللتطيع أن نللذكر‪:‬‬
‫السللاتذة )ألفريللد راسللل واليللس(‪ ،‬و)السللير وليللام كروكللس(‪،‬و)ف‪ .‬و‪.‬‬
‫هل‪.‬ملايرز( ‪ ،‬و)سليزار لوملبرازو( ‪ ،‬و)كميلل فلملاريون( ‪ ،‬و)السلير أوليفلر‬
‫لللوج( ‪ ،‬و)الللدكتور ريتشللارد هوجسللن( ‪ ،‬و)المسللتر هنللري سلليدويك( ‪،‬‬
‫و)البروفيسور هيسلوب( "‪.‬‬

‫ويستطرد الدكتور دوكاس قائل ً ‪:‬‬


‫"ويتضح من هذا أن عقيدة بقاء الحياة بعد الموت – التي يؤمن بها‬
‫الكثيرون منا كعقيدة دينية – ليس من الممكللن أن تكللون واقع لا ً فحسللب ‪،‬‬
‫وإنما لعلهللا هللي الوحيللدة مللن عقللائد الللدين الكللثيرة ‪ ،‬الللتي يمكللن إثباتهللا‬
‫بالدليل التجريبي ‪ .‬ولو وضللح هللذا فمللن الممكللن أيض لا ً أن نجللد معلومللات‬
‫قطعي في هذا الموضوع"‪.‬‬

‫وقللد سللبق أن استشللهدنا حللول موضللوع الللروح بمللا قللاله الللدكتور‬


‫)راين(‪:‬‬

‫"إنه ثبت من أبحاثه في المعامل‪ :‬أن في الجسللم البشللري روح لا ً أو‬


‫جسما ً غير منظور"‪.‬‬

‫هذه البحوث الروحية تنقض قضية الملحدين الماديين من أساسللها ‪،‬‬


‫فما أثبته العلم من وجود الروح ومن أن الحياة بعد الموت قضية مؤكدة أو‬
‫مرجحة ‪ ،‬ينقض نظرتهم القائمة على أن الحيللاة إنمللا هللي مظهللر لللتركيب‬
‫المادة بصورة خاصة ‪ ،‬ومتى انحل هذا التركيب لم يبق أثر للحياة مطلقللا ً ‪،‬‬
‫بينما يقرر الللدين أن الحيللاة سللر روحللي ينفخلله الللله تعللالى فللي الجسللاد‬
‫المادية ‪ ،‬فتكللون حيللة بهبللة الللله تعللالى لهللا سلّر الحيللاة ‪ ،‬وهللذا مللا بللدأت‬
‫الدراسات العلمية تعترف به ‪.‬‬

‫ولدينا أيضا ً أدلة أخرى في هللذا المجللال ممللا توصلللت إليلله البحللوث‬
‫النفسية ‪.‬‬

‫أثبتت الدراسات العلمية حول النسان أن خليا جسده المادي تتجدد‬


‫باستمرار ‪ ،‬وأن هذا الجسد المادي بمثابللة نهللر جللار خاضللع لقللانون التغيللر‬
‫المستمر ‪ ،‬خليا تتلف ‪ ،‬وغذاء يتحول إلى خليلا جديللدة تحللل محللل الخليللا‬
‫التالفة ‪ ،‬ويأتي على جسم النسان في مدى كل عشر سنوات تجدد كامللل‬
‫لكل خليا جسمه ‪ ،‬أي‪ :‬إن الجسللد الول يفنللى ويللأتي بللدله جسللد جديللد ‪،‬‬
‫ولكن النسان ل يشعر بهذا التغير ‪ ،‬ول يتأثر كيانه النساني بلله ‪ ،‬بللل يبقللى‬
‫علمه وذاكرته وعاداته وأمانيه وأفكاره وحبلله وبغضلله وعللواطفه كلهللا كمللا‬
‫كانت ‪ ،‬فلو أن النسان كان مظهر تفاعلت مادية صرفة لكان بفناء الخليلا‬
‫الولى من جسده ‪ ،‬أو بعبارة أخرى لكان بفناء جسللمه السللابق الللذي حللل‬
‫محله جسم جديد يجب أن تفنى أفكاره السابقة وعلواطفه وآملاله وأملانيه‬
‫وكل خصائصه الثابتة التي ل تتغير ‪ ،‬لكن هذا ل يحللدث رغللم تجللدد الجسللد‬
‫تجددا ً كليا ً في كل عشر سنوات ‪.‬‬

‫فلول أن شيئا ً روحيا ً غير هلذا الجسلد الملادي يظلل مسلتمرا ً يحملل‬
‫الخصائص النسانية العليا ‪ ،‬لما استطاع النسان المحافظة على مكتسللباته‬
‫السابقة ‪ ،‬بعد فناء جسده السللابق ‪ ،‬أو بعللد تعرضلله لمراحللل متعللددة مللن‬
‫الفناء في حياته ‪.‬‬

‫جاء في كتاب "السلم يتحدى"‪:1‬‬

‫"لقد أثبت البحث النفسي الذي ذكرنا آنفا ً أن جميع أفكار النسللان –‬
‫مخه – تبقى بصفة دائملة ‪ ،‬وهلذا الواقلع يثبلت‬ ‫أو بعبارة أخرى‪ :‬جميع خليا ُ‬
‫بصراحة أن عقل النسان ليس بجزء من جسمه ‪ ،‬فإن جميع خليا وأنسجة‬
‫الجسم تتغير تغيرا ً كامل ً في بضعة أعوام ‪ ،‬ولكن سللجل اللشللعور ل يقبللل‬
‫أي تغير أو مغالطة أو شبهة على رغم مرور مئات السنين ‪ .‬ولللو كللان هللذا‬
‫السجل الحافظ كائنا ً في الجسم فل أدري أين مكللانه منلله؟ وفللي أي جللزء‬
‫يكمن على وجه الخصوص؟ ولو كان في أحد أجزاء هللذا الجسللم فلمللاذا ل‬
‫يزول عندما تزول هذه الجزاء بعد سنوات عديدة؟ ما أعجب هللذا السللجل‬
‫الذي تتحطم جميع لوحاته تلقائيا ً ‪ ،‬ولكنه ل يفنى ول يزول؟!‬

‫إن هذه البحوث الجديللدة فلي علللم النفلس تؤكلد بصللفة قاطعلة أن‬
‫الوجود النساني ل تنحصر حقيقته فلي ذلللك الجسللم الملادي الللذي يخضللع‬
‫دوما ً لعمليات التحكم والحتكاك والفناء ‪ ،‬بل هو شيء آخر غير هللذا كللله ‪،‬‬
‫وهو ل يفنى ‪ ،‬بل يبقى مستقل ً ول يزول"‪.‬‬

‫فقضية الحياة ل تفسر إل بالحقيقة التي تقررهللا المفللاهيم الدينيللة ‪،‬‬


‫بالروح التي هي من نفخ الله ‪ ،‬وهذه الروح تبقى بعد فناء الجسللد ‪ ،‬وتبقللى‬
‫بعد الموت ‪ ،‬لن الموت إنما هو انفصال كامل للروح عن الجسد ‪.‬‬

‫)‪(6‬‬
‫نقض توهمات منكري الحياة الخرى‬

‫لدى البحث عن المستندات الفكرية التي يستند إليها منكرو الحياة‬


‫الخرة يتبين لنا أنهم ل يملكون أية مستندات فكرية صحيحة ‪ ،‬إنما هم بيللن‬
‫العناد والتوهم ‪.‬‬

‫صفحة ‪) 152/153‬البحث النفسي(‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫أما العناد فهو مذهب المكابرين الذين ل ينفع معهم الجدل المنطقي‬
‫‪ ،‬والمناظرة العلمية ‪.‬‬

‫وأما التوهم فهو طريقة كثير من المنكرين الذين يندفعون وراء‬


‫توهمات يتصورونها أدلة ‪ ،‬وليست هي بأدلة ‪.‬‬

‫إن الحياة الخرى ليسللت مللن المسللتحيلت العقليللة حللتى يجحللدوها‬


‫الجاحدون بحجة الستحالة ‪ ،‬ولكنها من الممكنات العقلية ‪ ،‬وظهللور الحيللاة‬
‫الولللى أعظللم شللاهد تجريللبي علللى إمكللان الحيللاة الخللرى ‪ ،‬وبعللد إثبللات‬
‫المكان الفعلللي تبقللى لللدينا مرجحللات إثبللات الوقللوع ‪ ،‬وقللد رأينللا بالدلللة‬
‫النظرية أن مرجحات إثبللات الوقللوع مرجحللات قويللة ‪ ،‬فللإذا انضللمت هللذه‬
‫الدلة النظرية إلى التبليغات الربانية التي أخبرنا بها رسللل الللله الصللادقون‬
‫وجدنا أن الحياة الخرى قضللية حتميللة ل منللاص للعقلء مللن اليمللان بهللا ‪،‬‬
‫والتسليم بما جاء عنها من أخبار صادقات ‪.‬‬

‫جة منكللري الحيللاة الخللرى مللن‬ ‫وقد رأينا أن طريقة القرآن في محا ّ‬
‫الماديين الملحدين ‪ ،‬الذين ل يؤمنون بالله ‪ ،‬طريقة تتضمن العودة بهم إلى‬
‫نقطة الخلف الولى الساسية ‪ ،‬وهي اليمان بالله تعالى ‪ ،‬فهلو يقيلم لهلم‬
‫دليل ً مزدوج الهدف ‪ ،‬يلفت النظر إلى حقيقة اليمان بللالله تعللالى وبكمللال‬
‫جه إلى أن الخالق الحكيم ل يمكن أن يخلق هذا الكللون عبث لا ً ‪،‬‬ ‫صفاته ‪ ،‬ويو ّ‬
‫تنتهي حياة النسان فيه بنهاية حياته الولللى ‪ .‬ومللتى أدرك المتفكللر هللاتين‬
‫الحقيقتين تفتحت مغللاليق فكللره وفللؤاده للتسللليم بالحيللاة الخللرى ‪ ،‬كمللا‬
‫جاءت بها الخبار الصحيحة الصريحة الصادقة التي أخبر بها الرسول ‪.‬‬

‫جة الخريللن ‪ ،‬فهللي تشللتمل علللى النظللر‬


‫أما طريقة القرآن في محا ّ‬
‫في توهماتهم التي استندوا إليها فيما ذهبوا إليه من الرفلض ‪ ،‬والللرد عليهلا‬
‫بإثبات الحق المناقض لهذه التوهمات ‪ ،‬وقد استقصى القللرآن الكريللم فللي‬
‫مواضع مختلفات توهماتهم وردها واحدة فواحدة بالحجج الدامغة ‪.‬‬

‫وفيما يلي تتبع لهذه التوهمات وللرد القرآني عليها‪:‬‬

‫* التوهم الول ‪:‬‬


‫توهم ظهر على ألسللنة المشللركين أيلام الرسلول ‪ ، ‬وخلصللته أن‬
‫القدرة التي قدرت على ابتداء خلق النسان ل تقدر على إعادته ‪.‬‬

‫وقد سلك القرآن في إقامللة الحجللة علللى المنخللدعين بهللذا التللوهم‬


‫طريقين ‪:‬‬

‫* الطريق الول ‪:‬‬


‫طريق إظهار واقع التساوي بين العادة والبدء ‪ ،‬وبيان أن شبهة‬
‫التفاوت شبهة باطلة ‪ ،‬إذ أن قدرة الله التي قدرت علللى ابتللدائهم إبللداعا ً ‪،‬‬
‫قادرة على خلقهم بعد فنللائهم إرجاعلا ً ‪ ،‬فللالمران مسللتويان ‪ ،‬بللل العللادة‬
‫أهون في نظر الناس وحدود قدراتهم من البتكار والبداع ‪.‬‬

‫فمن يسّلم بأن الله قد بدأ الخلق حتم عليلله بللأن يس لّلم بللأنه تعللالى‬
‫قادر على إعادته ‪ ،‬بل هو أهون عليه ‪.‬‬

‫ي بن خلف شبهته هذه ‪ ،‬بقول الله تعالى فللي‬ ‫وقد رد القرآن على أب ّ‬
‫سورة )يس‪ 36/‬مصحف‪ 41/‬نزول(‪:‬‬
‫م*‬‫ميلل ٌ‬
‫ي َر ِ‬
‫هلل َ‬
‫م وَ ِ‬ ‫من ُيحِيي ٱْللعِ َ‬
‫ظا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫خل ْ َ‬
‫ق ُ‬ ‫ي َ‬‫س َ‬‫مث َل ً وَن َ ِ‬‫ب ل ََنا َ‬
‫ضَر َ‬
‫}و َ َ‬
‫م{‪.‬‬ ‫ل َ ْ‬‫مّرةٍ وَهُوَ ب ِك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫هآ أوّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حِييَها ٱل ّذِ ۤي أن َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ق عَِلي ٌ‬
‫خل ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫شأ َ‬ ‫ل يُ ْ‬

‫وأكد حقيقة التساوي بين العادة والبتداء بقللوله تعللالى فللي سللورة‬
‫)مريم‪ 19/‬مصحف‪ 44/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن أ َإ ِ َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫حي ّا * أوَل ي َذ ْكُر إل ِن ْ َ‬
‫سللا ُ‬ ‫ج َ‬
‫خَر ُ‬
‫فأ ْ‬‫سوْ َ‬ ‫َ‬
‫تل َ‬‫م ّ‬‫ما ِ‬‫ذا َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ل ٱ ِ‬
‫للن ْ َ‬ ‫قو ُ‬‫}وَي َ ُ‬
‫ً‬
‫شْيئا{‪.‬‬ ‫ُ‬
‫م ي َك َ‬ ‫َ‬
‫ل وَل ْ‬ ‫َ‬
‫من قب ْ ُ‬ ‫قَناهُ ِ‬ ‫أ َّنا َ‬
‫خل َ ْ‬

‫وبين الله في نص آخر أن إعادة الخلق أهون من ابتدائه ‪ ،‬فللإذا ثبللت‬


‫البتداء بالمشاهدة تثبت العادة الموعود بها ملن بللاب أولللى ‪ ،‬فقلال تعللال‬
‫في سورة )الروم‪ 30/‬مصحف‪ 84/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫ذي ي َب ْلد َأ ُ ٱْلل َ‬
‫ه ٱلل َ‬
‫م ث َل ُ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْلهِ وَلل ُ‬
‫م ي ُِعيلد ُهُ وَهُلوَ أهْلوَ ُ‬‫خ ل ْلقَ ث ُل ّ‬ ‫}وَهُوَ ٱّلل ِ‬
‫زيُز ٱ ْلل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م{‬‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ض وَهُوَ ٱ ْللعَ ِ‬ ‫ت وَ ٱ للْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫ٱ للعْل َ ٰى ِفي ٱل ّ‬
‫سل َ‬

‫* الطريق الثاني‪:‬‬
‫طريق التنبيه على مظاهر قدرة الله في السماوات والرض ‪ ،‬وذلك‬
‫أنه إذا كابر المنكر بعد إقامللة الللدليل بإظهللار واقللع التسللاوي بيللن العللادة‬
‫والبدء ‪ ،‬فقال ‪ :‬العادة أشد من البدء مصرا ً على توهمه هذا ‪ ،‬أتاه الجواب‬
‫القرآني بنقله إلى ما هو أكبر في تصوره من ابتداء خلق النسان وإعادته ‪،‬‬
‫أل وهو خلق السماوات والرض ‪.‬‬

‫إذ من المعلوم بالبداهللة الحسللية أن خلللق السللماوات والرض أكللبر‬


‫من خلق الناس ‪ ،‬في ابتدائهم أو في إعادتهم ‪ ،‬وهللذا مللا أشللارت إليلله آيللة‬
‫)الروم( السابقة‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫هللوَ ٱللعَ ِ‬
‫زيللُز‬ ‫ْ‬
‫ت َول ٱللْر ِ‬
‫ض وَ ُ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫ل ٱللعْللل ٰى ِفللي ٱل ّ‬
‫سللل َ‬ ‫َ‬ ‫ه ٱْلل َ‬
‫م َثلل ُ‬ ‫}وََللل ُ‬
‫م{‬ ‫كي ُ‬ ‫ٱ ْلل َ‬
‫ح ِ‬

‫ونلحللظ أن السللتدلل بخلللق السللماوات والرض علللى قللدرة الللله‬


‫تعالى على أن يحيي الموتى كثير في آيات القرآن المجيد ‪:‬‬

‫فمنها قول الله تعالى في سورة )الحقاف‪ 46/‬مصحف‪ 66/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ض وَل َل ْ‬
‫م ي َعْل َ‬ ‫ت وَ ٱللْر ِ‬‫ماَوا ِ‬ ‫خل َلقَ ٱل ّ‬
‫سلل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هل ٱّللل ِ‬
‫ن ٱل ّللل َ‬‫م ي َلَروْا ْ أ ّ‬
‫َ‬
‫}أوَل َ ْ‬
‫ديٌر{‪.‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ه عَل َ ٰى ك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫موْت َ ٰى ب َل َ ٰى إ ِن ّ ُ‬ ‫ي ٱل ْ َ‬‫حِيل َ‬‫قادِرٍ عَل َ ٰى أن ي ُ ْ‬
‫ن بِ َ‬ ‫خل ْ ِ‬
‫قه ِ ّ‬ ‫بِ َ‬
‫ومنها قول الله تعالى في سورة )غافر‪ 40/‬مصحف‪ 60/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫ت وَٱل َْرض أ َ ْ‬
‫ْ‬
‫ن أكللث ََر‬ ‫س وَل َ ٰل لك ِ ّ‬‫ق ٱلن ّللا ِ‬
‫ن َ ْ‬
‫خل ل ِ‬ ‫مل ْ‬‫كلب َُر ِ‬ ‫َِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫خل ْقُ ٱل ّ‬
‫س َ‬ ‫}ل َ َ‬
‫مُلللوا ْ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫صيُر وَ ٱ ّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ٰى وَ ٱْللب َ ِ‬ ‫عل َ‬ ‫وي ٱ لل ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫ن * وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫س ل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫ٱ ل ّنلا ِ‬
‫ب‬ ‫ّ‬
‫ة ل َري ْل َ‬ ‫ة لت َِيلل ٌ‬
‫سللاعَ َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫ن * إِ ّ‬ ‫ّ‬
‫ملا ت ََتلذ َكُرو َ‬ ‫س ۤي ُء قَِليلل ّ‬
‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫ت وَل ٱ لل ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫صلال ِ َ‬
‫َ‬
‫ن أكث ََر ٱل ّنلا ِ‬ ‫ِفيَها وَل ٰلك ِ ّ‬
‫ن{‬ ‫مُنو َ‬ ‫س ل َ ي ُؤْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫فبعد إثبات أن خلق السماوات والرض أكبر من خلق الناس نبه‬


‫النص على أنه ل يصح التسوية بين العمى والبصير ‪ ،‬ول بيللن الللذين آمنللوا‬
‫وعملوا الصالحات والمسيئين ‪ ،‬إن حكمة خالق هذا الكللون الكللبير المتقللن‬
‫البديع تلأبى هلذه التسللوية ‪ ،‬وإذا كلانت هلذه التسلوية مرفوضللة فلإن أمللر‬
‫الجزاء واقع ل محالة ‪ ،‬وذلك يكون يوم القيامة ‪ ،‬وإذ وصل النص إلى إبللراز‬
‫هذه الحقيقة قرر أن الساعة آتية ل ريب فيها ‪.‬‬

‫أي‪ :‬فخلق السماوات والرض شاهد على إمكان إعادة خلق النسان‬
‫بعد فناء جسده ‪ ،‬والداعي لهذه العادة قانون الجزاء الحكيم ‪.‬‬

‫* التوهم الثاني‪:‬‬
‫توهم أن خلق السماوات والرض وخللق الحيللاء قللد أصللاب الخللالق‬
‫بالعياء تعالى الله عن ذلك علوا ً كبيرا ً ‪.‬‬

‫ولقد رد القرآن هذا التوهم ببساطة ووضوح ‪ ،‬وذلك بإثبات أن خلللق‬


‫الله للشياء كلها إنما يكون بتوجيه الرادة والمر ‪ ،‬فإذا أراد أن يخلق شلليئا ً‬
‫قال له ‪ :‬كن فيكون ‪ ،‬ومن كان أمر خلقه كذلك فل يمكن أن يصيبه العياء‬
‫في القدرة أبدا ً ‪.‬‬

‫وقد نفللى الللله أن تصللاب قللدرته بالعيللاء بسللبب خلقلله للسللماوات‬


‫والرض وما فيهللن ‪ ،‬فقللال تعللالى فللي سللورة )الحقللاف‪ 46/‬مصللحف‪66/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت وَ ٱللْر ِ‬ ‫خللقَ ٱل ّ‬ ‫هل ٱللل ِ‬
‫ن ٱل للل َ‬
‫ي‬
‫م ي َعْل َ‬ ‫َ‬
‫ض وَلل ْ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫سلل َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م ي َلَروْا أ ّ‬ ‫َ‬
‫}أوَل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ديٌر{‪.‬‬ ‫َ‬
‫يٍء ق ِ‬
‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه عَل ٰى ك ّ‬ ‫موْت َ ٰى ب َل ٰى إ ِن ّ ُ‬‫ي ٱل َ‬ ‫حِيل َ‬‫قادِرٍ عَل َ ٰى أن ي ُ ْ‬
‫ن بِ َ‬ ‫خل ْ ِ‬
‫قه ِ ّ‬ ‫بِ َ‬

‫وعدم العياء بالخلق هو مقتضى قدرة الللرب الخللالق ‪ ،‬ولللذلك قللال‬


‫الله تعالى مستنكرا ً لو أن تفكيرهم ‪ ،‬متسائل ً تساؤل المتهكم بإنكارهم في‬
‫سورة )ق‪ 50/‬مصحف‪ 34/‬نزول(‪:‬‬
‫د{‬
‫دي ٍ‬
‫ج ِ‬
‫ق َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫َ‬
‫ق ٱللوّ ِ‬ ‫}أ َفَعَِييَنا ِبل ٱْلل َ ْ‬
‫خل ٍ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫س ّ‬
‫م ِفي لب ْ ٍ‬
‫ل هُ ْ‬ ‫خل ِ‬

‫خلق ثم‬
‫أي ‪ :‬بل هم في شك من إمكان خلق جديد لمن سبق له أن ُ‬
‫مات وفني جسمه ‪.‬‬

‫وبين الله مدى قدرته العظيمللة علللى مللا خلللق مللا يريللد مللن شلليء‬
‫بمجرد توجيه أمر التكوين له ‪ ،‬فقال تعالى في سللورة )يللس‪ 36/‬مصللحف‪/‬‬
‫‪ 41‬نزول(‪:‬‬
‫ن{‬ ‫كن فَي َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫شْيئا ً َأن ي َ ُ‬
‫قو َ‬ ‫ذآ أ ََراد َ َ‬
‫مُرهُ إ ِ َ‬ ‫َ‬
‫مآ أ ْ‬
‫}إ ِن ّ َ‬

‫على أن نفي العيللاء ومناقشللة المنكريللن فللي هللذا المللر ‪ ،‬وكللذلك‬


‫مناقشتهم حول بعض التوهمات الخرى ‪ ،‬إنما هو تنزل من الخالق العظيللم‬
‫إلى مستوى تفكير المنكرين وعقولهم الساذجة ‪ ،‬لقامة الحجة عليهم مللن‬
‫جميع الوجوه ‪ ،‬ومحاصرتهم محاصرة فكرية ملزمللة بلالحق ‪ ،‬علللى أن فللي‬
‫هذه البيانات لفت نظر إلى حقيقللة الربوبيللة ‪ ،‬وأن مللن مقتضللى خصللائص‬
‫ب الخالق قدرته الكاملة على الخلللق ‪ ،‬وهللذه القللدرة لهللا صللفة‬
‫صفات الر ّ‬
‫البقاء الزلي البدي ‪ ،‬فهي ل تتناقص ‪ ،‬ول تختلل ‪ ،‬ول تعلرض لهلا علوارض‬
‫ل صفات الكمال المطلق ‪.‬‬ ‫التغير ‪ ،‬فلله الخالق الزلي البدي ك ّ‬

‫* التوهم الثالث‪:‬‬
‫توهم المنكرين أن من يموت من الناس يضل رفاته في الرض ‪،‬‬
‫فتذهب صورته وصفاته ‪ ،‬فكيف يرجع الله هذه الللذوات والصللفات ‪ ،‬وكيللف‬
‫يجمع هذه الذات المتفتتة من عظامهم؟‬

‫وأثر هذا التوهم يظهر فللي تللوهمهم أن علللم الللله غيللر محيللط بكللل‬
‫صغيرة وكبيرة من أعداد الذين يموتون من الناس ‪ ،‬وغير محيللط بصللفاتهم‬
‫وأوضاعهم وأعمالهم ‪.‬‬

‫وقد ذكر الله مقالتهم التي تللدل علللى هللذا التللوهم مللن توهمللاتهم ‪،‬‬
‫بقوله تعالى في سورة )السجدة‪ 32/‬مصحف‪ 75/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫}وََقال ُ ۤوا ْ أ َإ ِ َ‬
‫ضللَنا ِفي ٱللْر ِ‬
‫م‬
‫قآِء َرب ّهِ ْ‬ ‫َ‬
‫هم ب ِل َ‬ ‫ديدٍ ب َ ْ‬
‫ل ُ‬ ‫ج ِ‬
‫ق َ‬ ‫في َ ْ‬
‫ض أإ ِّنا ل َ ِ‬ ‫ذا َ َ ْ‬
‫خل ٍ‬
‫ن{‬ ‫َ‬
‫كافُِرو َ‬

‫أي‪ :‬بل علة نفوسهم أنهم ل يريدون أن يقبلوا مبدأ لقاء ربهم ‪ ،‬حتى‬
‫ل يحجزهم اعتقاد هذا المبدأ عن النطلق في الفجور ‪ ،‬وما يللوردونه علللى‬
‫لت‪.‬‬‫قضية الخرة وما فيها من حساب وجزاء ليس إل تع ّ‬

‫وذكر الله مقالتهم هذه أيضا ً في سورة )سبأ‪ 34/‬مصحف‪ 58/‬نزول(‬


‫فقال تعالى ‪:‬‬
‫ُ‬
‫م كل ّ‬
‫ل‬ ‫مزقْت ُل ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ُ‬
‫ل ي ُن َللبئ ُك ْ‬‫جل ٍ‬ ‫م عَل ل ٰى َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ل ن َلد ُلك ْ‬ ‫ْ‬
‫فُروا هَ ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ٱ ِ‬ ‫ل ل‬ ‫}وََقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ل ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫ة ب َل ِ‬
‫جن ّ ٌ‬
‫ذبا أم ب ِهِ ِ‬ ‫ً‬ ‫ديدٍ * أفْت ََر ٰى عَلى ٱل للهِ ك ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ج ِ‬
‫ق َ‬ ‫ْ‬
‫خل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫َ‬
‫مل ِ‬ ‫ق إ ِن ّك ُ ْ‬‫مّز ٍ‬ ‫م َ‬
‫ُ‬
‫د{‪.‬‬ ‫ل ٱللب َِعي ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضلل ِ‬ ‫ب و َ ٱل ّ‬‫ذا ِ‬‫خ َر ةِ ِفي ٱللعَ َ‬
‫ْ‬ ‫ن ِبل ٱلل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫َ‬
‫ل ي ُؤْ ِ‬

‫أي ‪ :‬فهم في عذاب في حياتهم يأتيهم من داخل نفوسللهم المجرمللة‬


‫المتمردة على الحق ‪ ،‬وهم في الضلل البعيد في عقيدتهم وفي سلوكهم ‪.‬‬

‫ولدفع هذا التوهم من توهمللاتهم تنللزل الللله إلللى مسللتوى مللداركهم‬


‫فأثبت لهم إحاطة علمه بكل شيء ‪ ،‬ومن ذلك علمه سبحانه الذين يموتون‬
‫أعدادا ً وصفات كاملة ‪ ،‬وأن من مقتضللى كللونه تعللالى هللو الللرب الخللالق ‪،‬‬
‫والموجود الزلي البدي ‪ ،‬أن يتناول علملله كللل مللا يجللري فللي مخلوقللاته ‪،‬‬
‫حتى ما توسوس به نفوس الناس من غير أن ينطقوا به ‪ ،‬ودون أن يسمعه‬
‫منهم أحد ‪ .‬وأثبت لهم أيضا ً أن الملئكة الكللرام الكللاتبين والملئكللة الللذين‬
‫يقبضون الرواح ويتوفللون النفللس يسللجلون كللل واحللد مللن النللاس أحيللاءً‬
‫وأمواتا ً ‪ ،‬بذواتهم وصفاتهم وأفعالهم وأقوالهم في كتاب حفيظ ‪.‬‬

‫وفي الرد على هذا التوهم الذي يحتمل أن يكللون مصللدر تعجبهللم إذ‬
‫قالوا‪:‬‬
‫ً‬
‫"أئذا متنا وكنا ترابا؟ ذلك رجع بعيد" قال تعللالى فللي سللورة )ق‪50/‬‬
‫مصحف‪ 34/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫في ٌ‬
‫ظ{‬ ‫ح ِ‬
‫ب َ‬
‫عند ََنا ك َِتا ٌ‬
‫م وَ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ص ٱللْر َ‬
‫ض ِ‬ ‫ق ُ‬‫ما َتن ُ‬ ‫}قَد ْ عَل ِ ْ‬
‫مَنا َ‬

‫وأثبللت الللله إحاطللة علملله بكللل صللغيرة وكللبيرة فللي مقللام عللرض‬
‫إنكارهم للساعة وذلك على سبيل الرد عليهم فقال تعالى في سورة )سبأ‪/‬‬
‫‪ 34‬مصحف‪ 58/‬نزول(‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫عللال ِم ِ‬
‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ةق ْ‬
‫ل ب َل ٰى وََرّبي لَتللأت ِي َن ّك ْ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫َ‬
‫فُروا ل ت َأِتيَنا ٱل ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ل ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫}وََقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صللغَُر‬ ‫ض وَل َ أ ْ‬ ‫ت وَل َ ِفي ٱ للْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬‫سل َ‬‫ل ذ َّرةٍ ِفي ٱ ل ّ‬ ‫قا ُ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ه ِ‬ ‫ب عَن ْ ُ‬‫ب ل َ ي َعُْز َ‬
‫َ‬
‫ٱ ْللغَ ي ْ ِ‬
‫ن{‬
‫مِبي ٍ‬
‫ب ّ‬ ‫ك وَل َ أك ْب َُر إ ِل ّ ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫من ذ َل ِ َ‬ ‫ِ‬

‫وشاهد هذا الشمول العلمي لله تعالى سير كل شيء في هذا الكون‬
‫ضمن نظام محكم دقيق ل يعتريه أي خلل ‪ ،‬وهذا يسقط توهمهم ‪.‬‬
‫وفي بيان إحاطة علمه تعالى بما توسوس به نفوس النللاس دون أن‬
‫يطلعوا عليه أحدا ً ‪ ،‬قال سبحانه في سورة )ق‪ 50/‬مصحف‪ 34/‬نزول(‪:‬‬
‫فسه ونح َ‬
‫ب إ ِل َْيلل ِ‬
‫ه‬ ‫ن أقَْر ُ‬
‫س ب ِهِ ن َ ْ ُ ُ َ َ ْ ُ‬
‫سوِ ُ‬
‫ما ت ُوَ ْ‬ ‫ن وَن َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫سا َ‬ ‫قَنا ٱ ِ‬
‫للن َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫}وَل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫د{‬ ‫ل ٱْللوَ ِري ِ‬ ‫حب ْ ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬

‫وفي بيان مراقبة أقوال الناس وحفظها قال الله تعللالى فللي سللورة‬
‫)ق‪ 50/‬مصحف‪ 34/‬نزول(‪:‬‬
‫د{‬‫ب عَِتي ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫من قَوْ ٍ‬
‫ل إ ِل لد َي ْهِ َرِقي ٌ‬ ‫ف ُ‬
‫ظ ِ‬ ‫ما ي َل ْ ِ‬
‫} ّ‬

‫وحيللن يلحللظ المنكللرون هللذه الحقيقللة مللن حقللائق الللرب الخللالق‬


‫يسقط هذا التوهم من توهماتهم ‪ ،‬ويعرفون أن الله على كل شيء قللدير ‪،‬‬
‫ويعلمون أن وعد الله حق ‪.‬‬

‫على أنهم لو نظروا فيما انتهت إليه البحللوث العلميللة لللرأوا أنهلا قللد‬
‫أثبتت هذا السجل الكوني الكبير ‪ ،‬الذي تسجل فيه العمال كلها ‪ ،‬والقوال‬
‫‪ ،‬وخواطر النفس ‪ ،‬ووساوسها ‪ ،‬ونياتها ‪.‬‬

‫لقد أثبت العلماء أن كل حرف نقوله وكللل عمللل يصللدر عنللا يسللجل‬
‫في الثير ‪ ،‬ويمكن عرضه في أي وقت من الوقللات بكللل تفاصلليله ‪ ،‬مللتى‬
‫تهيأت الجهزة القادرة على كشف ما فللي هللذا السللجل الكللبير ‪ ،‬والتحكللم‬
‫بموجاته ‪ ،‬فصور كل كائن من القرون الولى وأصللوات كللل كللائن مسللجلة‬
‫تسجيل ً كامل ً ‪ ،‬منذ وجوده حتى آخر وجللوده لحظللة بلحظللة ‪ ،‬ل يضلليع منلله‬
‫شيء صغيرا ً كان أو كبيرا ً ‪ ،‬في النور أو في الظلمللات ‪ ،‬فللي السلّر أو فللي‬
‫العلن ‪ ،‬وأثبتت التجلارب العلميلة أن جميلع أفكارنلا وخواطرنلا تحفلظ فلي‬
‫شكلها الكامللل وفللق تسلسلللها ‪ ،‬ولسللنا بقللادرين علللى محوهللا أبللدا ً ‪ ،‬وإن‬
‫نسيناها في عقلنا الظاهر أو في مستوى شعورنا ‪ ،‬إنها تظل محفوظة أبدا ً‬
‫لدينا فيما يسمى عند علماء النفس )مللا تحللت الشللعور( ومللا هللو محفللوظ‬
‫فيما تحت الشعور هو الجانب الكبر مللن مجمللوع المحفوظللات فللي كياننللا‬
‫النساني ‪ ،‬فالقضللية ل تحتللاج يللوم القيامللة أكللثر مللن كشللف الغطللاء عللن‬
‫مستوى ما تحت الشعور ‪ ،‬وعرض شريط صور )فيلم( حياتنا كلها المسجل‬
‫في الثير‪. 1‬‬

‫فهذا التوهم القديم الذي لم يكن يتصور مدى هذا التسجيل قد أصبح‬
‫ساقطا ً اليوم بالمكتشفات العلمية ‪ ،‬وتحقق قول الله عز وجل فللي سللورة‬
‫)فصلت‪ 41/‬مصحف‪ 61/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ه ٱلل َ‬
‫حل ّ‬ ‫ْ‬ ‫م أن ّل ُ‬ ‫َ‬ ‫حت ّ ٰى ي َت َب َي ّ َ‬
‫ن لهُ ْ‬ ‫م َ‬
‫سه ِ ْ‬
‫ف ِ‬‫ق وَفِ ۤي أن ُ‬‫م آَيا َت َِنا ِفي ٱللَفا ِ‬
‫ريهِ ْ‬
‫سن ُ ِ‬
‫} َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫د{‬‫شِهي ٌ‬‫يٍء َ‬
‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه عَل ٰى ك ّ‬ ‫َ‬
‫ف ب َِرب ّك أن ّ ُ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫م ي َك ْ ِ‬

‫* التوهم الرابع ‪:‬‬


‫ّ‬
‫توهم أن الشياء التي ل يشاهدونها بالحس ينبغي أن ل يسلموا بها ‪،‬‬
‫وأن ل يصدقوها ‪ ،‬فما لم يحدث فعل ً أمام أعينهم بشكل متكرر فهو ممتنللع‬
‫الوقوع ‪.‬‬

‫وأصحاب هذا التوهم قد سيطرت حدود حواسهم الظاهرة على قللوة‬


‫التجريد العقلي فيهم ‪ ،‬فزعموا عدم إمكان العبث ‪ ،‬لنهم لم يَروا حياة بعللد‬
‫موت ‪.‬‬

‫وهل باستطاعة أصللحاب هللذا التللوهم أن يلللتزموا مللذهبهم فللي كللل‬


‫الحقائق التي يبحثونها أو يمؤنون بها؟‬

‫إن معظم النظريات العلميلة اللتي يثبتهلا العلملاء الملاديون تشلتمل‬


‫على مضامين لم تشلاهد بلالحس ‪ ،‬وإنملا اسلتنتجها العلمللاء اسللتنتاجا ً علن‬
‫طريق تعليل الظواهر وتفسيرها ‪.‬‬

‫وكثير مما كان يثبته النسان القديم وما يزال يثبته النسان الحللديث‬
‫ل يعتبر داخل ً في نطاق المور التي يمكن إدراكها بالحس ‪ ،‬كالعقل والروح‬
‫‪ ،‬والقوى التي ل تشاهد إل آثارها وظواهرها ‪.‬‬
‫‪ 1‬تم اختراع آلت دقيقة لتصوير الموجات الحرارية التي تخرج عن أي كائن ‪ ،‬وهي تعطي صورة‬
‫فوتوغرافية للكائن حينما خرجت منه الموجات الحرارية ‪،‬غير أن هذه اللت التي تم اختراعها حتى الن‬
‫ل تستطيع تصوير الموجات الحرارية إل خلل ساعات قليلة من وقوع الحادث ‪ ،‬أما الموجات القديمة فل‬
‫تستطيع تصويرها لضعفها ‪ .‬وتستعمل في هذه اللت )أشعة انفرارد( التي تصور في الظلم والضوء‬
‫على حد سواء ‪ ،‬ولقد بدأ العلماء في بريطانيا والوليات المتحدة المريكية استغلل هذا النوع من اللت‬
‫في تحقيقاتهم ‪ ،‬وذات ليلة حّلقت طائرة مجهولة في سماء نيويورك ‪ ،‬فصوروا الموجات الحرارية لفضاء‬
‫نيويورك بهذا النوع من اللت ‪ ،‬وأدى ذلك إلى معرفة طراز الطائرة ونوعها ‪ ،‬وقد أطلق على هذه اللة‬
‫اسم )آلة تصوير الحرارة(‪.‬‬

‫]من كتاب‪ :‬السلم يتحدى ‪ ،‬ص ‪[132‬‬


‫ولكللن رغللم أن هللذا التللوهم مرفللوض بداهللة قللد يكللابر بلله بعللض‬
‫المعاندين ‪ ،‬فيزعم بوقاحة أن الشياء التي ل يشاهد لها أمثلللة واقعللة هللي‬
‫ممتنعة الوقوع ‪.‬‬

‫ولنا مع أصحاب هذا التوهم محاكمات كثيرة ‪ ،‬نلزمهم فيها بإثبات‬


‫أشياء كثيرة في أنفسهم ‪ ،‬وفي الكون من حولهم ‪ ،‬يستنتجون هم وجودهللا‬
‫استنتاجا ً ‪ ،‬مع أنها غير مدركة بأية حاسة من حواسهم ‪.‬‬

‫ومع كل هذا فقد تنّزل القرآن إلى مستوى مللداركهم فضللرب أمثلللة‬
‫مدركة بالحس دائمللة الوقللوع فللي الكللون ‪ُ ،‬تقلّرب إللى تصللوراتهم صللورة‬
‫الحياة بعد الموت ‪.‬‬

‫إن جفاف الزرع وانقطلاع تغلذيته ملن الرض ‪ ،‬وحصلاده وتحطملله ‪،‬‬
‫يشبه حالة المللوت فللي الحيللاء ‪ ،‬ثللم إن السللنة الكونيللة الدائمللة الظللاهرة‬
‫المشاهدة في عملية انشقاق الحبوب في بطن الرض ‪،‬ونباتها بعد ما سبق‬
‫من حالتهلا اللتي تشلبه حاللة الملوت ‪ ،‬وعودتهلا إللى الحيلاة والنضلر كلّرة‬
‫أخرى ‪ ،‬وذلك عند وجودهللا فللي الللبيئة الملئمللة مللن مللاء ممللتزج بللالتراب‬
‫الصالح ‪ ،‬لتعطللي تقريللرا ً حسلليا ً مشللاهدا ً باسللتمرار فللي الظللواهر الكونيللة‬
‫لقصة بعث الحياة بعلد ملوت الجسلاد الحيلة ‪ ،‬وتفلّرق أجزائهلا فلي تلراب‬
‫الرض ز‬

‫وقد نّبه القرآن على هللذا الشللاهد الكللوني الللذي يقللرب إلللى تصللور‬
‫أصحاب هذا التوهم إمكان الحياة الخرى ‪ ،‬وأنهللا تشللبه عللودة الحيللاة إلللى‬
‫الزروع والنباتات بعد جفافها وما يشبه حالة الموت فيها ‪.‬‬

‫فقال الله تعالى في سورة )الحج‪ 22/‬مصحف‪ 103/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬ ‫مآَء ٱ ْ‬ ‫هامدةً فَإ َ َ‬ ‫}وت َرى ٱ َ‬
‫ت‬‫ت وَأنب َت َ ْ‬
‫ت وََرب َ ْ‬ ‫هلت َّز ْ‬ ‫ذآ أنَزل َْنا عَل َي َْها ٱْلل َ‬‫ِ‬ ‫ض َ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫للْر‬ ‫َ َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫من ُ‬
‫م لوْت َ ٰى وَأن ّل ُ‬ ‫حِيلللي ٱل َ‬ ‫ه يُ ْ‬‫ح لقّ وَأن ّل ُ‬ ‫ه هُ لوَ ٱل َ‬ ‫ن ٱلل َ‬ ‫كل َزوٍْج ب َِهيٍج * ٰذل ِك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫ديٌر{‬ ‫َ‬
‫يٍء ق ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ُ‬
‫عَل ٰى كل َ‬ ‫َ‬

‫وقال أيضا ً في سورة )الروم‪ 30/‬مصحف‪ 84/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬
‫ن ذ َل ِل َ‬
‫ك‬ ‫موْت َِهآ إ ِ ّ‬ ‫ي ٱللْر َ‬
‫ض ب َعْد َ َ‬ ‫حي ِ ِ‬
‫ف يُ ْ‬ ‫مةِ ٱل ّلل ِ‬
‫هل ك َي ْ َ‬ ‫ح َ‬‫}َفل ٱن ظ ُْرل إ ِل َ ٰى آَثارِ َر ْ‬
‫يٍء قَ ِ‬
‫ديٌر{‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫موْت َ ٰى وَهُوَ عَل َ ٰى ك ُ ّ‬ ‫ي ٱل ْ َ‬
‫حي ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫م ْ‬

‫صلت‪ 41/‬مصحف‪ 61/‬نزول(‪:‬‬ ‫وقال أيضا ً في سورة )ف ّ‬


‫مآَء ٱ ْ‬ ‫ة فَإ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ن آَيات ِهِ أ َن ّ َ‬
‫ت‬
‫هلت َّز ْ‬ ‫ذآ أنَزل َْنا عَل َي َْها ٱْلل َ‬‫شع َ ً ِ‬
‫خا ِ‬ ‫ض َ‬‫ك ت ََرى ٱللْر َ‬ ‫م ْ‬‫}و َ ِ‬
‫َ‬
‫ه عَل ٰى ك ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ ۤ‬
‫ديٌر{‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫موْت َ ٰى إ ِن ّ ُ‬‫ى ٱل َ‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬‫ها ل ُ‬ ‫حَيا َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫ت إِ ّ‬
‫وََرب َ ْ‬

‫يضاف إلى هذا الشاهد المتكرر ما ضربه الله من أمثلة تجريبية‬


‫واقعية ‪ ،‬أجراها في أزمنة ماضية لحياة النسان بعد الموت ‪.‬‬
‫فمن ذلك حادثة أهل الكهللف وكيللف ضللرب الللله علللى آذانهللم ثلثللة‬
‫قرون وتزيد ‪ ،‬ثم أعثر عليهم ليعلم الناس بشهادة الحس كيللف يحيللي الللله‬
‫الموتى ‪ ،‬وقللص الللله علينللا قصللتهم فللي سللورة )الكهللف‪ 18/‬مصللحف‪69/‬‬
‫نزول( ثم قال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذِ َ َ‬
‫ة لَ‬ ‫ن ٱل ّ‬
‫سللاعَ َ‬ ‫ن وَعْلد َ ٱل لللهِ َ‬
‫حلقّ وَأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫مل ۤوا أ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك أعْث َْرَنا عَلي ْهِ ْ‬
‫م ل ِي َعْل ُ‬ ‫}وَك َ ٰ ل‬
‫ب ِفيَها‪.{..‬‬ ‫َري ْ َ‬

‫ومن ذلك أيضا ً قصة )العزيز( الرجل الصالح مللن بنللي إسللرائيل ‪ ،‬إذ‬
‫مر على قرية أموت فقال ‪" :‬أنى يحيي هذه الله بعد موتهللا؟" فأمللاته الللله‬
‫مئة عام ثم بعثه وشاهد مشاهدة حسية كيف أحياه الله بعد أن أماته ورأى‬
‫بنو إسرائيل من أهل قريته هذا الحدث التاريخي العجيب ‪ ،‬وقد أخبرنا الللله‬
‫تعالى بهذه القصة في سورة )البقرة‪ 2/‬مصحف‪ 87/‬نزول( فقال‪:‬‬
‫ة عَل َ ٰى عُروشها َقا َ َ‬ ‫َ‬
‫حِيلللي‬ ‫ل أن ّ ٰ ى ي ُ ْ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫خاوِي َ ٌ‬ ‫ي َ‬ ‫مّر عَل َ ٰى َقَْري َةٍ وَهِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}أوْ ك َٱل ّ ِ‬
‫ل ل َب ِث ْ ُ‬
‫ت‬ ‫ت َقا َ‬ ‫م ل َب ِث ْ َ‬
‫ل كَ ْ‬ ‫ه َقا َ‬‫م ب َعَث َ ُ‬‫عام ٍ ث ُ ّ‬
‫ة َ‬ ‫مئ َ َ‬‫ه ِ‬ ‫ه ٱل ّلل ُ‬ ‫مات َ ُ‬ ‫موْت َِها فَأ َ‬‫هل ب َعْد َ َ‬ ‫هَ ٰلذِهِ ٱل ّلل ُ‬
‫َ‬
‫ك ل َل ْ‬
‫م‬ ‫شلَراب ِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مل َ‬ ‫عام ٍ فَٱن ْظ ُْر إ ِل َ ٰى ط ََعا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مئ َ َ‬‫ت ِ‬ ‫ل َبل ل ّب ِث ْ َ‬ ‫ض ي َوْم ٍ َقا َ‬ ‫وما ً أوْ ب َعْ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ف‬ ‫س وَ ٱن ْظ ْر إ ِلى ٱل عِ ظللام ِ كي ْل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة ِلل َّنا ِ‬ ‫جعَلك آي َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مارِك وَل ِن َ ْ‬ ‫ه وَ ٱْنلظ ْر إ ِل ٰى ِ‬
‫ح َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سن ّ ْ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يءٍ‬ ‫شل ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عَلل ٰى كل ّ‬ ‫ن ٱللل َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ل أعْل ُ‬ ‫نل ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫حما فَل ّ‬ ‫ها ل ْ‬ ‫سو َ‬ ‫م ن َك ُ‬ ‫ها ث ُ ّ‬
‫شُز َ‬ ‫ن ُن ْ ِ‬
‫ديٌر{‬ ‫قَ ِ‬

‫ومن ذلك أيضا ً قصة إماتة اللوف من بني إسرائيل حين أمروا بقتال‬
‫عدوهم ‪ ،‬فخرجوا من ديارهم فارين من مقابلة العدو حذو الموت ‪ ،‬ثم بعللد‬
‫هذه الماتة الجماعية أحياهم الله ليعملللوا أن الفللرار مللن القتللال ل يحمللي‬
‫من الموت ‪ ،‬وليعلموا أن البعث حق ‪ ،‬وقد ذكر الله قصة هؤلء في سللورة‬
‫)البقرة‪ 2/‬مصحف‪ 87/‬نزول( فقال تعالى ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫م لوْ ِ‬‫حلذ ََر ٱْلل َ‬
‫ف َ‬ ‫م أُللو ٌ‬‫هل ْ‬
‫م وَ ُ‬
‫ملن دَِيلارِهِ ْ‬ ‫جلوا ْ ِ‬ ‫خَر ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫م ت ََر إ َِلى ٱّلل ِ‬
‫}أ ل َ ْ‬
‫ل ل َهم ٱلل ّه موتوا ْ ث ُ َ‬
‫س وَل َ ٰل لك ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ضل ٍ َ‬
‫ل عَلللى ٱلن ّللا ِ‬ ‫ذو فَ ْ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫ن ٱلل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬‫حَياهُ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫قا َ ُ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫ن{‬‫شك ُُرو َ‬ ‫س ل َيَ ْ‬ ‫أك ْث ََر ٱل ّنلا ِ‬

‫ومن ذلك أيضا ً قصة إحياء قتيل بني إسرائيل ‪،‬لسؤاله عللن القاتللل ‪،‬‬
‫وهللذه القصللة قللد أخبرنللا الللله بهللا فللي أوائل سللورة )البقللرة( وقللد أوجللز‬
‫المفسرون هذه القصة بأنه كان في بني إسرائيل شيخ موسر له ابن واحد‬
‫‪ ،‬قتله ابن عمه طمعا ً فلي ميراثله ‪ ،‬ثلم جلاء يطلالب بلدمه قوملا ً آخريلن ‪،‬‬
‫فأنكر المتهمون قتله ‪ ،‬وترافع القوم إلى موسى عليه السلللم ‪ ،‬كللل منهللم‬
‫يدرأ التهمة عن نفسه ‪ ،‬فقال لهم موسى ‪ :‬إن الله يأمركن أن تذبحوا بقرة‬
‫‪ ،‬وذلك ليتبين لهم القاتل الحقيقي فقالوا للله ‪ :‬أتهللزأ بنللا؟ فقللال موسللى ‪:‬‬
‫معاذ الله أن أكون من الجاهلين ‪ ،‬فسأل بنو إسرائيل موسى عليه السلللم‬
‫عن أوصافها ‪ ،‬وشددوا على أنفسهم فشدد الللله عليهللم ‪ ،‬ثللم عللثروا عليهلا‬
‫وذبحوها وما كادوا يفعلون ‪ ،‬ثللم ضللربوا جسللد القتيللل ببعلض البقللرة الللتي‬
‫ذبحوها وفق المر اللهي ‪ ،‬فأحيا الله القتيل وأخبر عن قاتله ‪.‬‬

‫ومن ذللك أيضلا ً قصلة إحيلاء الطيللور الربعللة لسليدنا إبراهيللم عليلله‬
‫السلم ‪ ،‬لما سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا ً معجزة عيسى عليه السلللم ‪ ،‬إذ كللان يحيللي المللوتى‬
‫بإذن الله ‪ ،‬كما هو معلوم من معجزاته وآيات رسالته ‪.‬‬

‫* التوهم الخامس ‪:‬‬


‫توهم المنكرين أن مراد الخالق في إبداع الحياة وخلقها ل يتعدى‬
‫حدود هذه الحياة الولى ‪ ،‬وأن كل حكمته من الخلق تتم فيها ‪.‬‬

‫وهذا التوهم فيه اتهللام لحكمللة الخللالق بللالعبث ‪ ،‬وهللو مللا سللبق أن‬
‫ناقشنا به منكري اليوم الخر قبل أن نطللرح توهمللاتهم للمناقشللة ‪ ،‬وذلللك‬
‫لن منحة العقللل ‪ ،‬والرادة الحللرة ‪ ،‬وبعللض القللدرة علللى التنفيللذ تسللتلزم‬
‫المسؤولية ‪ ،‬وإل نجم عنها الفساد الذي ل حللدود للله دون غايللة ‪ ،‬وهلو أملر‬
‫ينللافي الحكمللة ‪ ،‬والمسللؤولية تسللتلزم المحاسللبة والجللزاء ‪ ،‬وإل كللانت‬
‫مسؤولية شللكلية ل قيمللة لهللا ‪ ،‬وهللو أمللر ينللافي الحكمللة أيضلا ً ‪ ،‬والجللزاء‬
‫يقتضي العقاب والثواب ‪ ،‬وإل كانت مسؤولية ناقصللة تنهللى عللن الشللر ول‬
‫تأمر بالخير ‪ ،‬أو ل تشجع علللى الرتقللاء فللي درجللات الفضللائل ‪ ،‬وهللو أمللر‬
‫ينافي كمال الحكمة أيضا ً ‪ ،‬والله تبارك وتعالى قادر حكيم منّزه عن النقص‬
‫في ذاته وصفاته وأفعللاله ‪ ،‬فل يصللدر عنلله سللبحانه إل الكمللال ‪ ،‬ول تكللون‬
‫أفعاله إل مطابقة لكمال الحكمة ‪.‬‬

‫وقد سبق أن عرضلنا دفلع القلرآن لهلذا التلوهم ‪ ،‬واستشلهدنا بعلدة‬


‫نصوص قرآنية ‪.‬‬

‫منها قول الله تعالى في سورة )المؤمنون‪ 23/‬مصحف‪ 74/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬ ‫}أ َفَحسبت َ‬
‫ن{‬ ‫م إ ِل َي َْنا ل َ ت ُْر َ‬
‫جُعو َ‬ ‫م عََبثا ً وَأن ّك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫م أن ّ َ‬
‫َ ِ ُْ ْ‬

‫ونصللوص أخللرى نفللى الللله فيهللا عللن نفسلله أن يكللون قللد خلللق‬
‫السماوات والرض وما بينهما باطل ً ‪ ،‬أو خلقها على سللبيل اللهللو واللعللب ‪،‬‬
‫بل خلقها لحكمللة ‪ ،‬وهلذه الحكمللة تقتضلي مسلؤولية النسللان ومللن عللى‬
‫شاكلته ‪ ،‬والمسؤولية تستلزم الجزاء بالثواب وبالعقاب ‪ ،‬وظللروف الجللزاء‬
‫الكامل غير موجودة في هذه الحياة الدنيا ‪ ،‬فل بلد ملن حيلاة أخلرى يكلون‬
‫فيها هذا الجزاء ‪.‬‬

‫ول ننسى أن هذا التوهم قد ورد في مقالت منكري الحياة الخللرة ‪،‬‬
‫وقد حكى الله مقالتهم التي تنللم عللن هللذا التللوهم مللن توهمللاتهم ‪ ،‬فقللال‬
‫تعالى في سورة )الدخان‪ 44/‬مصحف‪ 64/‬نزول(‪:‬‬
‫ُ‬
‫ن{‬
‫ري َ‬ ‫من َ‬
‫ش ِ‬ ‫ن بِ ُ‬
‫ح ُ‬ ‫موْت َت َُنا ٱلوْل َ ٰى وَ َ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫ي إ ِل ّ َ‬
‫ن هِ َ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن * إِ ْ‬ ‫ن هَ ٰلؤُل َِء ل َي َ ُ‬
‫}إ ِ ّ‬

‫وحكاها أيضا ً في نصوص أخرى سبق الستشهاد بها ‪.‬‬

‫*التوهم السادس ‪:‬‬


‫توهم المنكرين عدم إمكان تلقي الرسللل الخبللار عللن الللله تعللالى ‪،‬‬
‫وعدم معرفتهم شيئا ً من الغيب ‪.‬‬
‫وقد عرض الله مقالة منكللري الحيللاة الخللرى المشللتملة علللى هللذا‬
‫التللوهم مللن توهمللاتهم ‪ ،‬فقللال تعللالى فللي سللورة )سللبأ‪ 34/‬مصللحف‪58/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫ُ‬
‫م كل ّ‬
‫ل‬ ‫مّزقْت ُل ْ‬‫ذا ُ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ُ‬
‫ل ي ُن َب ّئ ُك ل ْ‬
‫جل ٍ‬ ‫م عَل ل ٰى َر ُ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ل ن َلد ُلك ْ‬ ‫ْ‬
‫فُروا هَ ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱ ِ‬‫ّ‬ ‫ل ل‬ ‫}وََقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ل ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫ة ب َل ِ‬
‫جن ّ ٌ‬
‫ذبا أم ب ِهِ ِ‬ ‫ً‬ ‫ديدٍ * أفْت ََر ٰى عَلى ٱل للهِ ك َ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ج ِ‬
‫ق َ‬ ‫خل ٍ‬
‫ْ‬ ‫في َ‬ ‫َ‬
‫مل ِ‬ ‫ق إ ِن ّك ُ ْ‬‫مّز ٍ‬ ‫م َ‬
‫ُ‬
‫د{‬ ‫ل ٱللب َِعي ِ‬
‫ْ‬ ‫ضلل َِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬ ‫و‬
‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫لل‬ ‫ٱ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫لل‬ ‫ٱ‬ ‫بل‬
‫َ ِ‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬

‫وكان مطلبهم أن ينزل الله ملئكة يبلغللونهم الخبللار عنلله ‪ ،‬أو يللرون‬
‫الله ويخاطبهم خطابا ً مباشرا ً ‪ ،‬وقد ذكر الله مطلبهم هذا بقوله تعالى فللي‬
‫سورة )الفرقان‪ 25/‬مصحف‪ 42/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة أوْ ن ََر ٰى َرب َّنللا‬ ‫ل عَل َي َْنا ٱل ْ َ‬
‫مل َئ ِك َ ُ‬ ‫قآَءَنا ل َوْل َ أن ْزِ َ‬
‫ن لِ َ‬‫جو َ‬ ‫ن ل َ ي َْر ُ‬ ‫ل ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫}وََقا َ‬
‫َ‬
‫ست َك ْب َُروا ْ فِ ۤي أن ُ‬
‫وا عُت ُوّا ً ك َِبيرًا{‬
‫م وَعَت َ ْ‬
‫سه ِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫قدِ ٱ ْ‬
‫لَ َ‬

‫والرد على أصحاب هذا التوهم يأتي ببساطة ‪ ،‬ويتلخص بأن وعد الله‬
‫بالللدار الخللرة والحيللاة بعللد المللوت جللاء علللى ألسللنة الرسللل المؤيللدين‬
‫بالمعجزات الباهرات ‪ ،‬والله سبحانه ل يؤيللد بمعجزاتلله مللن يكللذب عليلله ‪،‬‬
‫وبأن الله يستحيل عليه – سبحانه – الكذب فللي الخبللار ‪ ،‬وقللد أخبرنللا فللي‬
‫كتابه المنزل بذلك ‪.‬‬

‫ول تعدو مناقشة هؤلء المناقشللة حللول الرسللل والكتللب واسللتحالة‬


‫الكذب على الله تعالى ‪ ،‬وأن لله أن يصطفي من يشاء من عبللاده ‪ ،‬لتبليللغ‬
‫رسالته للناس ‪ ،‬وأن يتخذ ما يشاء مللن وسللائل لعلم رسللله برسللالتهم ‪،‬‬
‫وإعطائهم ما يكون حجة لهم أمام الناس ‪ ،‬حتى يصدقوهم ويثقوا بأخبارهم‬
‫‪.‬‬

‫هذا إحصللاء توهمللات منكللري الحيللاة الخللرة ‪ ،‬ومللا فيهللا مللن جللزاء‬
‫بالثواب وبالعقاب ‪.‬‬

‫وبعد إسقاط هذه التوهمات ودفعها ‪ ،‬وبيان أنهللا ل تصلللح بحللال مللن‬
‫الحوال لن تكون مستندا ً لرفض اليمان بالخرة وما فيها من جللزاء ‪ ،‬مللن‬
‫قبل المعللترفين بوجللود الخللالق العظيللم لهللذا الكللون ‪ ،‬وبعللد هللذا الحصللار‬
‫الفكللري للمنكريللن حصللارا ً تاملا ً ‪ ،‬ل يبقللى لهللم مخللرج إل طريللق اليمللان‬
‫والتسليم ‪ ،‬إذا كانوا حريصين على احللترام عقللولهم ‪ ،‬وحللذرين مللن عاقبللة‬
‫إنكارهم ‪ .‬أما إذا لم يكن لديهم هذا الحرص وهذا الحللذر فباسللتطاعتهم أن‬
‫يظلوا جاحدين بوقاحة ‪ ،‬ومنكريللن بعنللاد ل مللبرر للله ‪ ،‬ومللورطين أنفسللهم‬
‫بكبرهم في إصرار من ورائه عذاب شديد ‪ ،‬وشقاء ل نهاية له ‪ ،‬ثللم إنهللم ل‬
‫يظفرون بأي كسب مادي أو نفسي لحياتهم الدنيا من جللراء هللذا النكللار ‪،‬‬
‫إل أوهام الستكبار والعناد ‪ ،‬والرغبة بالنطلق فللي الجللرائم والثللام ‪ ،‬دون‬
‫أن ت تحرك قلوبهم بالخوف من مغبة ما يفعلون ‪.‬‬
‫ولقد كشف الله عن هذه الدوافع التي تدفع المنكرين إلللى التكللذيب‬
‫بالحياة الخرى ‪.‬‬

‫أما الكبر الذي جعل قلوبهم تنكر ‪ ،‬فنجده في قللول الللله تعللالى فللي‬
‫سورة )النحل‪ 16/‬مصحف‪ 70/‬نزول(‪:‬‬

‫منك ِلَرةٌ وَهُللم‬ ‫ن ِبلل ٱلل ِ‬


‫خ َر ةِ قُل ُللوب ُُهم ّ‬ ‫ن ل َ ي ُؤْ ِ‬
‫من ُللو َ‬ ‫حد ٌ َفل ّٱلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م إ ِ ٰل ٌ‬
‫ه َوا ِ‬ ‫}إ ِ ٰلهُك ُ ْ‬
‫ن{‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫م ْ‬
‫ّ‬

‫وأما الرغبة بالنطلق في الجرائم والثام ‪ ،‬فنجده في قول الله‬


‫تعالى في سورة )القيامة‪ 75/‬مصحف‪ 31/‬نزول(‪:‬‬
‫فجر أ َمامه * يسأ َ ُ َ‬
‫ة{‬‫م ِ‬ ‫م ٱْلل ِ‬
‫ق َيا َ‬ ‫ن ي َوْ ُ‬
‫ل أّيا َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ن ل ِي َ ْ ُ َ َ َ ُ‬
‫سا ُ‬ ‫ريد ُ ٱ ِ‬
‫للن َ‬ ‫}ب َ ْ‬
‫ل يُ ِ‬
‫والفجور‪ :‬هو التدفق الوقح إلى فعل الشرور والثام والجرائم ‪ ،‬دون‬
‫رادع ‪ ،‬أو ضابط من دين أو ضمير ‪.‬‬

‫)‪(7‬‬
‫مع العظم واستناده إلى أقوال )برتراند رسل(‬

‫بعد أن عرض الناقد )د‪ .‬العظم( أقللوال )برترانللد رسللل( الللتي أنكللر‬
‫فيها الحياة الخرى ووجود الله تبارك وتعالى ‪ ،‬وعرض فيها نظرة المللاديين‬
‫الملحدين إلى الكون والحياة والنسان ‪ ،‬والتي سللبق أن نقضللناها وكشللفنا‬
‫زيفها فكريا ً وعلميلا ً ‪ ،‬قللال )د‪ .‬العظللم( بأسلللوبه الللتزييفي فللي الصللفحة )‬
‫‪: (27‬‬

‫"لنقارن بين هذه النظرية العلمية المجردة القاسللية البللاردة ‪ ،‬وبيللن‬


‫القصة الدينية السلمية الجميلة المريحة الدافئة اللتي تعودنلا عليهلا ‪ .‬نجلد‬
‫أن الغيبيات والملئكة والصلوات والمعجزات والجللن تؤلللف جللزءا ً ل يتجللزأ‬
‫من التعليل اللديني لنشلأة الكلون وطلبيعته ‪ ،‬كلذلك الملر بالنسلبة لتاريلخ‬
‫النسان ومصيره"‪.‬‬

‫هذا كلمه حرفيلا ً ‪ ،‬ولسللت أدري كيلف يسللمح لنفسلله هللذا النسللان‬
‫ومللن هللو علللى شللاكلته مللن الملحللدين أن يبلغللوا هللذا المسللتوى التللافه‬
‫السخيف من التدجيل والتزييف ‪ ،‬الذي ل يقبله صغار المثقفين ‪ ،‬فضل ً عللن‬
‫الذين أخذوا من جوانب المعرفة قدرا ً مناسبا ً ‪ ،‬وعرفوا مداخل الزيف ‪.‬‬

‫إن ما أسماه بالنظرية العلمية المجردة القاسية البللاردة ‪،‬قللد عرفنللا‬


‫بالمناقشات العلمية التي أوردناها فيما سبق أنها فرضيات احتمالية صللاغها‬
‫الملحلدون باسللم العللم ‪ ،‬وليللس لهلا براهيلن علميللة مقبولللة ‪ ،‬ثللم تلقفهلا‬
‫المجرمون فللي الرض وأخللذوا يرّوجللون لهللا ‪ ،‬ويلبسللونها أثللواب الحقللائق‬
‫العلمية ‪ ،‬ويعطونها من قوة التثبيت ما ل تملك شيئا ً منها ‪.‬‬
‫فكونها نظرية دعوى باطلة ‪ ،‬لنها فرضيات احتمالية لللم تللدعها أدلللة‬
‫تجعلها في مستوى النظريات ‪.‬‬

‫وكونها علمية هي أيضا ً دعوى باطلة ‪ ،‬لن الفرضيات ظنللون ضللعيفة‬


‫ل يصح تسميتها علما ً ‪ ،‬ل سيما إذا كان يوجد ما يخالفها مما تللدعمه الدلللة‬
‫دعما ً أقوى من دعمها ‪.‬‬

‫وكونها مجردة قاسية باردة ل أجد له تفسيرا ً واقعي لا ً إل أنهللا مجللردة‬


‫عن المنطق السليم ‪ ،‬ومجردة عن أية غاية كريمة ‪ ،‬وقاسية على النفللوس‬
‫قسوة الباطل حينملا يبهللت الحللق بللتزييفه ‪ ،‬وبلاردة بللرود الملوت اللذي ل‬
‫يستطيع أن يحيا ‪.‬‬

‫وأدهى من ذلك وأمر مللا نجللده مللن خلللط عجيللب ل يفعللله إل وقللح‬
‫شللديد الوقاحللة ‪ ،‬أو جاهللل بالللدين شللديد الجهللل ‪ ،‬وذلللك إذ يزعللم ‪" :‬أن‬
‫الغيبيات والملئكة والصلوات والمعجزات والجن تؤلف جللزءا ً ل يتجللزأ مللن‬
‫التعليل الديني لنشأة الكون وطبيعته ‪ ،‬كذلك المر بالنسبة لتاريلخ النسلان‬
‫ومصيره"‪.‬‬

‫فهل يجد أحد في الدين أن الصلوات كان لها أثللر فللي نشللأة الكللون‬
‫وطبيعته؟‬

‫هل يجد أحد في الدين أن الجللن جللزء ل يتجللزأ مللن التعليللل الللديني‬
‫لنشأة الكون وخلقه في عقيلدة المسللمين؟ هلل سلاهم الجلن فلي نشلأة‬
‫الكون وخلقه؟‬

‫هل يقول مثل هذا أحد من جهلة المسلمين فضل ً عن علمائهم؟‬

‫إن الللدين يقللرر أن الكللون قللد نشللأ بخلللق الللله للله ‪ ،‬ضللمن نظللام‬
‫السباب والمسببات ‪ ،‬التي إذا اكتشف الباحثون شيئا ً منها س ل ّ‬
‫موها قللوانين‬
‫طبيعية ‪.‬‬

‫فمللا هللذا الخلللط العجيللب المفللترى علللى الللدين؟! مللا هللذا الخلللط‬
‫العجيب الذي ل نجد له مثيل ً إل في أوكلار الحشاشلين ‪ ،‬أو فلي مستشللفى‬
‫المجانين؟ أو في أقوال المهرجين؟!‬

‫قد يكون عذره أنه لم يقرأ إل كتب الماركسلليين ‪ ،‬ودسللائس اليهللود‬


‫وأجرائهم ‪ ،‬ولم يسللمع إل أقللوال هللؤلء وأولئك فللي التهكللم علللى الللدين ‪،‬‬
‫فظنها فعل ً مفاهيم إسلمية ‪ ،‬فحملها حمل ً ببغاويا ً وكتبها في مقالته مقابل‬
‫أجر معلوم ‪ ،‬دون أن يرجع إلى المصادر السلمية ويحقق فيها ‪.‬‬
‫ولكن هل هذه طريقة باحث علمي أكاديمي يكتب نقدا ً وينشره بيللن‬
‫جماهير المثقفين ‪ ،‬وهو بهذا المستوى الذي ل يليق بصغار أبناء المدارس ‪،‬‬
‫فضل ً عن الذين تضعهم الوراق المختومة بين كبار الدارسين؟!‬

‫أو لعله نظر من بعيد فرأى أن المسلمين يصللون للله خلالق الكلون‬
‫وفاطره ‪ ،‬ويعتقدون بأنه يوجد مخلوقللات أخللرى غيرهللم خلقهللم الللله كمللا‬
‫خلق البشر ‪ ،‬إل أنهم مزودون بخصائص وصفات ليس لدى البشر نظيرها ‪،‬‬
‫فمن هذه المخلوقات الملئكللة ‪ ،‬ومنهللا الجللن ‪ .‬والمسلللمون يعتقللدون بهللا‬
‫تصديقا ً لخبر الله ‪ ،‬دون أن يعتقدوا بأن لها مشاركة في تعليل نشأة الكون‬
‫وطبيعته ‪ ،‬وإنما لها تاريخ فيه كما للنسان فيه تاريللخ ‪ ،‬ولهلا وظلائف فيلله ‪،‬‬
‫كما للنسان فيه وظائف ‪ ،‬ثم بنى )العظم( على نظرته هللذه الللتي نظرهللا‬
‫من بعيد إلى المسلمين وعقائدهم ‪ ،‬فزعم أن كل هذه المور جزء ل يتجزأ‬
‫من التعليل الديني لنشأة الكون وطبيعته وتاريخ النسان ومصيره ‪.‬‬

‫إن مثل )د‪ .‬العظم( في صنيعه هذا كمثل من يراقب مطبللخ الجيللش‬
‫المحارب من بعيد ‪ ،‬فيرى فيه الكوسا والباذنجللان وأكيللاس البصللل وأوانللي‬
‫الطعمة المحفوظة وأدوات الطبخ وأسياخ شللي اللحللم ‪ ،‬فينسللى وظللائف‬
‫هذه الشياء فيقول ‪ :‬إن هذا الجيش المحارب يستخدم في حربه )الكوسللا‬
‫والباذنجان والبصل وعلب الطماطم( ويعدد ما شاهد فلي مطبللخ الجيللش ‪،‬‬
‫ثم يقول ‪ :‬إن هذه الشياء تمثل عند عدونا ً جزءا ً ل يتجزأ من القيادة العامة‬
‫للجيش ‪.‬‬

‫كان باستطاعته ما دام قد وصل إلى هذا الحد من السخافة الفكرية‬


‫النقدية أن يضيف أشياء كثيرة ل حصللر لهللا مللن الللدين ‪ ،‬ويجعلهللا جللزءا ً ل‬
‫يتجزأ من التعليل الديني لنشأة الكون وطبيعته وتاريخ النسللان ومصلليره ‪،‬‬
‫فله أن يضيف مع الصلوات التي ذكرها الزكاة والصوم والحج وتحريم الربا‬
‫وتحريم الخمر والميسلر ‪ ،‬وتحريللم أكلل أملوال النللاس بالباطللل ‪ ،‬وتحريللم‬
‫الغش ‪ ،‬وتحريم العدوان والظلم وقتل النفس التي حللرم الللله إل بللالحق ‪،‬‬
‫وأن يضيف مع الملئكة والجن جميع الحيوانات والنباتات التي خلقها الللله ‪،‬‬
‫والجبلال والوديلان والنهلار والسلحاب والليلل والنهلار والسلماء والرض ‪،‬‬
‫فكلها مذكورة فعل ً في القرآن ‪ ،‬ولكن لكل منها مناسبة ‪ ،‬ولكل منها موقعا ً‬
‫‪ ،‬ول علقة لها بتعليل نشأة الكون وطبيعته ‪ ،‬وإنما هي أجزاء موجودة فللي‬
‫الكون تحتاج هي إلى تعليل ‪ ،‬وليست جزءا ً من التعليل ‪.‬‬

‫فيا لهذا من مغالطة متهافتة جدا ً ‪ ،‬تكشللف لصللغر طلب المللدارس‬


‫زيف كاتبها ‪ ،‬إذا كان لديه ولو قدر يسير من المعرفة الدينية ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الفصل السابع‬

‫مع "برتراند رسل"‬


‫و"فرويد"‬
‫إممامي العظمم‬
‫)‪(1‬‬

‫من غريب ما شهدت في أقوال الناقد )د‪ .‬العظم( في كتابه "نقد‬


‫الفكر الديني" ظاهرة داء التعصب المذهبي لقوال قادة المذهب المادي‬
‫اللحادي ‪ ،‬ل سيما واضعو النظريات اللحادية المادية من اليهود ‪ ،‬كأنه ل‬
‫يكاد يرى علما ً إل ما قالوه ‪ ،‬ول يكاد يمجد نظرية أو رأيا ً إل ما ينسب إليهم‬
‫‪ ،‬ول يكاد ينظر إلى مدرسة علمية في العالم غير المدارس التي تنسب‬
‫إليهم ‪ ،‬حتى كأن أقواله فيهم أقوال عاشق مشغوف بحب ل أقوال باحث‬
‫علمي دارس للعلوم وعارف بمختلف النظريات ‪.‬‬

‫ة وأعمالها المأجورة تفعل كل هذا؟ أم الغفلة‬


‫أُتراها هي العمال ُ‬
‫والفتنة والتعصب العمى؟‬

‫مد التنويه بأسماء اليهود الذين‬


‫إنه ليس من قبيل المصادفة أن يتع ّ‬
‫وضعوا الراء والمذاهب اللحادية ‪ ،‬وصنعوا لها ما أسموه بنظريات علمية ‪،‬‬
‫فصاغوا مذاهبهم )نظرياتهم( في الجتماع ‪ ،‬وفي القتصاد‪ .‬وفي المادية‬
‫الجدلية ‪ ،‬وفي الدراسات النفسية ‪.‬‬

‫وليس من قبيل المصادفة أن نراه ل يلفت النظار بقوة إل إلى‬


‫نظرياتهم ‪ ،‬أن العلم الحديث كله ‪ ،‬ومنجزات الحضارة منحصرة فيما قدم‬
‫ظ في عالم العلم بالقبول التام ‪ ،‬أو لم تؤيد حتى‬‫هؤلء من دراسات لم تح َ‬
‫الن بالبراهين العلمية القاطعة ‪.‬‬

‫ففي الصفحة )‪ (20‬من كتابه يشيد بكتاب ‪" :‬أصل النواع"‬


‫لداروين ‪ ،‬ومعلوم أن نظرية داروين قد تبناها اليهود وأذاعوها وأشادوا بها‬
‫لخدمتها لغراضهم ‪ ،‬وهو يشيد بكتاب ‪" :‬رأس المال" لكارل ماركس ‪،‬‬
‫وهو يهودي ‪.‬‬

‫ويكرر في صفحات كتابه الشادة بالداروينية ‪ ،‬ويسميها النظرة‬


‫العلمية ‪ ،‬ويكرر الشادة بالماركسية أو ما يسمى بالشتراكية العلمية ‪.‬‬

‫وفي الصفحة )‪ (39‬من كتابه يشيد باليهود الثلثة ‪ :‬دوركهايم وفرويد‬


‫وماركس ‪.‬‬

‫وفي الصفحة )‪ (41‬يشيد ينظرية المادية الجدلية ‪ ،‬ونظرية‬


‫دوركهايم في الطقوس والعبادات الدينية ‪ ،‬كأنها حقائق علمية ل خلف‬
‫عند العلماء فيها ‪.‬‬
‫وفي الصفحة )‪ (42‬يشيد بالثورة الفرنسية ‪ ،‬وقد أصبح معروفا ً‬
‫تماما ً أن اليهود هم الذين صنعوها ‪ ،‬لتحقيق أغراض اليهودية العالمية‪.1‬‬

‫وفي الصفحة )‪ (43‬ينتقد الفكر السلمي المرحوم الشهيد )سيد‬


‫قطب( لنه رفض نظرية التطور العضوي ‪ ،‬أي ‪ :‬نظرية داروين ‪ ،‬ولنه‬
‫رفض نظرية فرويد في مجال الدراسات النفسية ‪ ،‬ولنه رفض الماركسية‬
‫أو الشتراكية العلمية ‪ .‬ثم أخذ )العظم( يمجد ويشيد بهذه النظريات ‪ ،‬كأنه‬
‫ل يوجد في عالم العلم نظريات علمية غيرها ‪ ،‬وكأن المفروض في كل‬
‫الناس أن يكونوا مثله مقلدين لئمته اليهود الذين يقلدهم هو تقليدا ً‬
‫أعمى ‪ .‬مقرونا ً بتعصب شبيه بتعصب الجاهلية الولى ‪ ،‬بل هو أشد خطرا ً‬
‫وأكثر ضللة ‪ ،‬وكأن المفروض في كل الناس أن يكونوا مثله عشاقا ً‬
‫للقيادات اليهودية العالمية ‪ ،‬أعداء النسانية عامة ‪ ،‬وأعداء المة السلمية‬
‫والمة العربية الخاصة ‪.‬‬

‫ففي انتقاده للمرحوم الشهيد )سيد قطب( يقول في الصفحة )‪-42‬‬


‫‪ (43‬ما يلي‪:‬‬

‫"في الواقع يذهب سيد قطب إلى أبعد من ذلك في أفكاره‬


‫التوفيقية ‪ ،‬فيرد المنهج العلمي التجريبي إلى روح السلم ‪ ،‬ويعتبر المنهج‬
‫السلمي الساس الذي قامت عليه النظرة التجريبية العلمية الحديثة ‪،‬‬
‫وليتبين لنا مدى نجاح هذا التوفيق الشامل بين الدين والعلم ما علينا إل أن‬
‫نتابع تفكير السيد قطب ‪ ،‬لنجد أنه بعد مفاخرته بأن المنهج السلمي هو‬
‫الساس الذي قام عليه المنهج العلمي التجريبي نراه يرفض رفضا ً باتا ً أهم‬
‫النتائج التي توصل إليها هذا المنهج ‪ ،‬لنها تتناقض مع العقائد الدينية ‪ ،‬إنه‬
‫وجت البحوث العلمية في علم‬ ‫يرفض نظرية التطور العضوي ‪ ،‬مع أنها ت ّ‬
‫الحياة ‪ ،‬ونظرية فرويد مع أنها من أهم النتائج التي توصلت إليها البحوث‬
‫العلمية في مجال الدراسات النفسية ‪ ،‬ويرفض الماركسية أو الشتراكية‬
‫العلمية ‪ ،‬مع أنها أهم نظرية شاملة صدرت في العلوم الجتماعية‬
‫والقتصادية في العصور الحديثة ‪ .‬أي ‪ :‬إن السيد قطب يرد المنهج العلمي‬
‫إلى المنهج السلمي ‪ ،‬ولكنه يريد أن يبرئهما من جميع التبعات التاريخية‬
‫الناتجة من قيام العلم ‪ ،‬وأن ينكر كل ما يلزم عن مقدمته الكبرى من‬
‫نتائج ‪ .‬ولذلك نراه يرد على كل ما تمخض عنه المنهج العلمي من نظم‬
‫ونظريات علمية وسياسية واقتصادية واجتماعية ‪ ،‬ذلك على الرغم من‬
‫يقينه أن الجذور التاريخية لكل ذلك تمتد إلى المنهج السلمي"‪.‬‬

‫هذا ما كتبه )د‪ .‬العظم( في نقده للمرحوم )سيد قطب(‪.‬‬


‫فما أعجب ما اشتمل عليه كلمه من مغالطات!! هل يلزم من‬
‫التفاق على سلوك المنهج العلمي الواحد التسليم بكل النتائج التي يتوصل‬
‫إليها جميع الباحثين ؟‬

‫أل يحتمل وجود خطأ أو نقص في البحث؟‬

‫انظر كتاب ‪" :‬مكايد يهودية عبر التاريخ"‪ ،‬للمؤلف ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫إننا نشاهد عددا ً من الباحثين يتفقون على منهج البحث ‪ ،‬ثم‬
‫يختلفون في النتائج اختلفا ً بينا ً ‪ ،‬وقد يكون الختلف متناقضا ً تماما ً ‪.‬‬

‫إذا كان المر كما يزعم )د‪ .‬العظم( فعلينا إذن التسليم بكل‬
‫النظريات المتعارضة المتناقضة التي تقول بها المدارس العلمية في العالم‬
‫‪ ،‬لنها كلها تعتمد المنهج العلمي التجريبي أو النظري ‪ ،‬ففي القتصاد علينا‬
‫أن نسلم بالنظريتين المتناقضتين ‪ :‬الرأسمالية والشتراكية العلمية ‪ ،‬وفي‬
‫السياسة علينا أن نسلم بالنظريتين المتناقضتين ‪ :‬الديمقراطية‬
‫والديكتاتورية ‪.‬‬

‫إن هذا هراء سخيف ل يقول به عاقل ‪ .‬إن عددا ً من الذين يحلون‬
‫مسألة رياضية قد يختلفون في النتائج ‪ ،‬على الرغم من أنهم يلتزمون‬
‫قوانين رياضية واحدة ‪ ،‬وهذا يرجع إلى كبوات الخطأ التي قد يقع بعضهم‬
‫فيها ‪ ،‬فكيف يكون المر في الموضوعات الستنتاجية التي ل يملك الباحث‬
‫العلمي بالنسبة إليها وسائل تجريبية ‪ ،‬كفرضية )داروين( بالنسبة إلى خلق‬
‫النسان ‪ ،‬وكفرضية )فرويد( في مجال الدراسات النفسية ‪ ،‬على أنه توجد‬
‫مدارس نفسية أخرى تعارض ما ذهب إليه )فرويد( فهل هذه المدارس‬
‫العلمية كلها ملزمة برأي )فرويد( إكراما ً لعواطف الناقد )د‪ .‬العظم( نحو‬
‫إمامه هذا؟ وهل المدارس القتصادية في العالم ملزمة بالخذ بالشتراكية‬
‫العلمية ‪ ،‬إكراما ً لعواطف )د‪ .‬العظم( نحو إمامه في مجال القتصاد ‪،‬‬
‫اليهودي )كارل ماركس(؟‬

‫إن هذا المنطق اللحادي المتعصب تعصبا ً أعمى أصم ل يستحق عند‬
‫العقلء أكثر من السخرية ‪ .‬ومع ذلك فإننا نحن المسلمين ل نسلك هذا‬
‫الطريق ‪ ،‬بل نناقش بالمنطق والعقل ول نسخر ‪ ،‬ونرتقي في الجدال مع‬
‫الخصوم ومع العداء الصرحاء إلى المستوى الجدلي العاقل الرصين ‪،‬‬
‫احتراما ً للحقيقة التي نبحث للوصول إليها ‪ ،‬ولتأييدها والتبشير بها ‪،‬‬
‫واحتراما ً لمفاهيمنا ومبادئنا التي ل هزل فيها ‪ ،‬ول تدفع إليها أغراض‬
‫شخصية ‪ ،‬بل هي مبادئ الحق التي تنزلت بها شريعة الله للناس ‪.‬‬

‫وفيما يلي دراسة موجزة لمامين من أئمة )العظم( الملحدين ‪ ،‬هما‬


‫)برتراند رسل( و)فرويد(‪.‬‬

‫)‪(2‬‬
‫مع برتراند رسل‬

‫اعتمد )العظم( في دعوته إلى اللحاد على أقوال الفيلسوف‬


‫النجليزي الملحد )برتراند رسل( الذي مات عام ‪ 1970‬م ‪ ،‬بعد أن عاش‬
‫قرابة قرن كامل ‪.‬‬
‫إن هذا الفيلسوف على الرغم من سعة علمه ودراسته ‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من أنه أمضى كل حياته باحثا ً دارسا ً ‪ ،‬فإنه لم يهتد إلى تكوين‬
‫فلسفة متكاملة كان يصبو إلى بلوغها ‪.‬‬

‫وكان من الطبيعي أن ل يهتدي إلى فلسفة متكاملة بعد أن اتجه في‬


‫طريق معاكس للحقيقة ‪ ،‬إذ اختار لنفسه طريق اللحاد والكفر بالله ‪ .‬إنه‬
‫لو عاش مئة قرن أو أكثر يبحث عن فلسفة متكاملة وهو ملتزم طريق‬
‫اللحاد فإنه لن يصل ‪.‬‬

‫إن الباطل متاهة يضل فيها أزكى الناس وأعلمهم ‪ ،‬ما دام مصرا ً –‬
‫لهوى في نفسه – أن يحيد عن الطريق التي سلكها من قبله جماهير‬
‫العقلء ‪ ،‬إنه لن يجد هذه الفلسفة المنشودة في المتاهة الفكرية التي‬
‫سلكها بعيدا ً عن الطريق ‪ ،‬لنه متى اهتدى فل بد أن يعود إلى الطريق ‪،‬‬
‫بيد أنه مصر على أن يظل بعيدا ً عنه فكيف يهتدي؟‪.‬‬
‫إنه سيستمر في المتاهة ‪ ،‬وسيظل باحثا ً عن فلسفة متكاملة في‬
‫مكان ل توجد فيه هذه الفلسفة ‪ ،‬شأنه في هذا كشأن من يحفر في‬
‫جوانب الصخرة الصماء ليجد فيها عين ماء ُتروي ظمأه ‪ ،‬وهذه الصخرة‬
‫منقطعة عن الرض من كل جوانبها ‪ ،‬فهي ل تتصل بأي عرق من عروق‬
‫الماء ‪.‬‬

‫ونظرا ً إلى واقع حال )رسل( التائه عن الحقيقة استطاع البروفسور‬


‫)ألن ُوود( أن يقرظه بقوله ‪:‬‬

‫"برتراند رسل فيلسوف بدون فلسفة"‪.‬‬

‫واقتباسا ً مما كتبه المفكر السلمي )وحيد الدين خان(‪ ، 1‬أجمع هذه‬
‫الدراسة عن هذا الفيلسوف الملحد ‪.‬‬

‫ذكر وحيد الدين خان أنه قرأ كل أعمال "برتراند رسل" واستطاع‬
‫بعد قراءتها أن يلتقط من أقواله ما يكشف عن النهايات الفكرية التي‬
‫انتهى إليها ‪.‬‬

‫إنه بعد أن درس الفيزياء ‪ ،‬وعلم الحياة ‪ ،‬وعلم النفس ‪ ،‬والمنطق‬


‫الرياضي ‪ ،‬انتهى إلى أن مذهب "التشكيك )في الوجود( مستحيل نفسيًا"‬
‫ومع ذلك فإن النسان عاجز عن أن يحيط إل بأقل قدر من المعرفة ‪،‬‬
‫دعي الفلسفة منذ القدم ادعاءات كبيرة ‪،‬‬‫ويقول بالنسبة إلى الفلسفة ‪" :‬ت ّ‬
‫ولكن حصيلتها أقل بكثير بالنسبة إلى العلوم الخرى"‪.‬‬

‫وما اعترف به )رسل( بعد دراسة طويلة ذكره القرآن بتعبير‬


‫بسيط ‪ ،‬إذ قال الله تعالى في سورة )السراء‪ 17/‬مصحف‪ 50/‬نزول(‪:‬‬

‫في كتابه ‪" :‬الدين في مواجهة العلم"‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫من ٱْللعِ ل ْم ِ إ ِل ّ قَِلي ً‬
‫ل{‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مآ أوِتيُتم ّ‬
‫}‪....‬وَ َ‬

‫ت من الوسائل‬ ‫ويتضمن هذا البيان القرآني أن النسان لم يؤ َ‬


‫العلمية التي يمكن أن تعّرفه بالحقيقة إل قدرا ً محدودا جدا ‪ ،‬بيد أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الحقائق في الوجود كثيرة جدا ً ‪ ،‬ومن المتعذر على الوسائل المحدودة أن‬
‫تدرك من الوجود الواسع إل على مقدارها ‪ ،‬وكل زيادة على مقدارها دون‬
‫مستند خارجي عنها يعتبر تكهنا ً ‪ ،‬وضربا ً من الظن الحتمالي الضعيف ‪،‬‬
‫وهذا الظن ل يغني من الحق شيئا ً ‪.‬‬

‫فعجز النسان عن الوصول إلى معارف واسعة من حقائق الكون‬


‫الباطنة يرجع إلى أن وسائله العلمية ل تستطيع أن تشاهد إل ظواهر تأخذ‬
‫منها علما ً وصفيا ً للسطوح الظاهرة ‪ ،‬أما الحقائق الباطنة فل سبيل إليها‬
‫إل عن طريق التفسير الستدللي أو الستنتاجي ‪ ،‬وهذا التفسير‬
‫الستنتاجي ل يستطيع أن يحدد ماهية الحقيقة ‪ ،‬إنما قد يستطيع أن يشير‬
‫إليها إلى بعض صفاتها وخصائصها ‪.‬‬
‫ويقول )رسل(‪" :‬إن تصورنا العملي للكون للكون ل تدعمه حواسنا‬
‫التجريبية ‪ ،‬بل هو عالم مستنبط كليًا"‪.‬‬

‫ويبلغ المر به إلى أن يقول ‪" :‬إن أفكار الناس ل توجد إل في‬
‫مخيلتهم فحسب" أي ‪ :‬إن التجربة ل تستطيع أن تثبت مطابقة هذه‬
‫الفكار للواقع ‪.‬‬

‫وانتهى )رسل( أيضا ً إلى أن التجربة أعطيت لها أكبر أهمية ‪ ،‬ولذلك‬
‫يجب أن تخضع "التجريبية" كفلسفة لتحديات هامة ‪.‬‬

‫يقول هذا حتى في النظريات والقوانين العلمية ‪ ،‬ومع ذلك فإنه‬


‫يختار لنفسه مذهب اللحاد ‪ ،‬ويعتمد على افتراضات ل يمكن إخضاعها‬
‫للتجربة بحال من الحوال ‪ ،‬وذلك بالنسبة إلى نشأة الكون والحياة ‪،‬ويرجح‬
‫الداروينية مع أنها وجهة نظره فكرة استنباطية ل تدعمها التجربة ‪ ،‬ول تزيد‬
‫على أنها فكرة في مخيلت أصحابها ‪.‬‬

‫وحين اعتمد )د‪ .‬العظم( على أقوال )رسل( في نشوء الكون‬


‫وتطوره ونشوء الحياة وتطورها ‪ ،‬إنما اعتمد على قول إنسان يرى أن ما‬
‫يقوله في هذا المجال ل وجود له إل في عالم التخيلت النسانية فحسب ‪.‬‬

‫فكيف يصح له أن يستهين بعقول شبابنا وثقافة القارئ العربي ‪،‬‬


‫فيزعم بعد أن عرض القطعة الدبية التي كتبها "رسل" عن قصة الكون‬
‫ونشأة الحياة ‪ ،‬أن )رسل( يلخص بكل بساطة النظرة العلمية الطبيعية‬
‫للقضايا التالية‪ :‬نشوء الكون وتطوره – نشوء الحياة وتطورها – أصل‬
‫النسان ونشأته وتطوره – النهاية الحتمية لجميع الشياء وهي العدم وأنه‬
‫ل أمل لكائن بعدها بشيء؟‬
‫أهذه هي النظرة العلمية التي يعتقد المنقولة عنه أنه ل وجود لها إل‬
‫في مخيلة القائلين بها ‪ ،‬وليس لها مستند من الواقع يدعمها؟‬

‫ولكن هكذا راق لل)د‪ .‬العظم( أن يضلل ‪ .‬لقد قرر أنه ل وجود للحق‬
‫والعدل والروح والجمال والخالق ‪ ،‬كما صّرح بذلك في الصفحة )‪ (38‬من‬
‫كتابه ‪ ،‬لذلك فل مانع عنده من أن ما يراه )رسل( تخيل ً يصح أن يطلق‬
‫عليه عبارة النظرة العلمية المحققة ‪ ،‬فالقضية عنده ل تزيد على أنها‬
‫وسائل دعائية جدلية لدعم مذهبه اللحادي ‪ ،‬أما أن يكون الكلم حقا ً أو‬
‫باطل ً ‪ ،‬صدقا ً أو كذبا ً ‪ ،‬قضية علمية أو تصورا ً تخيليا ً ‪ .‬فهذا غير مهم أل‬
‫يمكن أن يكون طرح مثل هذا التزييف وسيلة لتضليل بعض الناس؟ أل‬
‫يمكن أن يكون مثل هذا التزييف شبكة لصيد بعض المغفلين ‪ ،‬حتى يكونوا‬
‫جنودا ً مسخرين في أيدي المنظمة اللحادية العالمية ‪ ،‬التي تعمل لخدمة‬
‫مصالح معينة لفئة خاصة من الناس؟‬

‫لكن معظم شبابنا سيكتشفون بسرعة هذا الزيف ‪ ،‬وسيسخرون‬


‫منه ‪ ،‬وسيقابلونه بالتحدي العلمي الذي تقوم عليه مبادئ السلم ‪.‬‬

‫)‪(3‬‬

‫ويقول )رسل( أيضًا‪" :‬لقد وجدت أن معظم الفلسفة قد أخطأوا‬


‫في فهم الشيء الذي يمكن استنباطه بالتجربة فحسب ‪ ،‬والشيء الذي ل‬
‫يمكن استنباطه بالتجربة"‪.‬‬

‫ويقول أيضًا‪" :‬لسوء حظنا لم تعد الطبيعة النظرية تحدثنا اليوم‬


‫بالثقة الرائعة نفسها التي كانت تحدثنا بها في القرن السابع عشر ‪ .‬لقد‬
‫كانت لعمال )نيوتن( أربعة تخيلت أساسية‪ :‬المكان والزمان والمادة‬
‫والقوة ‪ .‬وقد أصبحت هذه العناصر نسيا ً منسيا ً في علم الطبيعة الحديث ‪.‬‬
‫فقد كان الزمان والمكان من الشياء الجامدة والمستقلة عند )نيوتن(‬
‫والن قد تم استبدالهما بما يسمى "المكان – الزمان" والذي ل يعتبر‬
‫جوهريا ً أساسيا ً ‪ ،‬وإنما هو نظام للروابط ‪ ،‬وأصبحت )المادة( شكل ً‬
‫لسلسلة الوقائع ‪ ،‬وأصبحت )القوة( الن )الطاقة( والطاقة نفسها شيء ل‬
‫يمكن فصله عن المادة الباقية ‪ .‬والسبب كان هو الشكل الفلسفي لما‬
‫كان يسميه علماء الطبيعة بالقوة ‪ ،‬وقد أصبح هذا التصور قديما ً ‪ ،‬إن لم‬
‫أقل ‪ :‬إنه قد مات فعل ً ‪ ،‬إل أن هذه الفكرة لم تعد قوية كما كانت من‬
‫قبل"‪.‬‬

‫فهذا هو )برتراند رسل( يرى أن التفسيرات التي يفسر بها العلماء‬


‫الماديون ظواهر الطبيعة تفسيرات ل تمثل الحقيقة الواقعة تمثيل ً يوثق‬
‫به ‪ ،‬وهذه التفسيرات تخضع للتغير وفق اختلف النظرات التي يراها‬
‫الباحثون ‪.‬‬
‫ويقول أيضًا‪" :‬إنه قد توصل بعد دراسات استنفدت كل عمره إلى‬
‫أن الستنباط الذي ل يمكن إيضاحه يعتبر أيضا ً مقبول ً وجائزا ً ‪ ،‬وعند رفض‬
‫هذا النوع من الستنباط سوف يصاب النظام الكامل للعلوم والحياة‬
‫النسانية بالشلل"‪.‬‬

‫ويقول أيضًا‪" :‬إن العلوم تشمل كل العالمين ‪ :‬الحقيقي والعالم‬


‫المتخيل وجوده ‪ .‬وكلما تقدم العلم ازداد فيه عنصر العتقاد ‪ ،‬فبعض‬
‫الشياء في العلوم حقائق مشاهدة ‪ ،‬ولكن الشياء العليا تجريدات علمية‬
‫يتم استنباطها بناًء على المشاهدة ‪ .‬والحقيقة أنه ل يمكن رفض مذهب‬
‫الشك الكلي إطلقا ً ‪ ،‬إل أنه مع ذلك يصعب قبول التشكيك الكلي في‬
‫نفس الوقت"‪.‬‬

‫ويقول أيضًا‪" :‬إنه ل يمكن الدعاء بالقطعية )في النظريات أو الراء(‬


‫على النحو الذي سار عليه الفلسفة المتسرعون بكثرة وبدون جدوى"‪.‬‬

‫فمن هذه القوال المقتبسة مما كتب )رسل( نلحظ أن فلسفته‬


‫تعتمد على العتراف بأن العلوم متى تجاوزت منطقة المدركات الحسية‬
‫فإنها ل تملك معارف يقينية ‪ ،‬ولكن مع ذلك ل بد من قبول هذه المعارف‬
‫التي يتوصل إليها بالستنباط وإن لم تكن يقينية ‪ ،‬لئل تتعطل الحياة العلمية‬
‫وتقف عن النجاز ‪ ،‬إذ ل سبيل إلى اليقين فيها ‪.‬‬

‫هذا هو مذهبه الفلسفي ‪ ،‬فليس هو من الذين ل يقبلون إل ما يدرك‬


‫بالحس المباشر أو غير المباشر ‪ ،‬وإنما يجعل ما يقبله من تفسيرات‬
‫علمية مقبول ً بصفة ترجيحية ‪ ،‬لضرورة العجز عن الوصول إلى اليقين ‪.‬‬

‫ة الستنباطية الترجيحية‬
‫فما الذي صده عن اليمان بالله ‪ ،‬والدل ُ‬
‫عليه أقوى بكثير من التخيلت الخرى التي يفسر بها الملحدون نشأة‬
‫الكون وتطوره ‪ ،‬ونشأة الحياة وتطورها؟‬

‫هنا تظهر عقدة الهوى والتعصب ضد الدين عند )رسل( وعند سائر‬
‫الملحدين ‪ ،‬وهذا التعصب ل تدعمه أدلة مرجحة لقضية اللحاد ‪ ،‬بل ليس‬
‫لللحاد في الحقيقة أي دليل غير مجرد سفسطات وتخيلت تقوم في‬
‫رؤوس أصحابها فقط ‪ ،‬إن التفسير البديل لقضية اليمان بالخلق الرباني‬
‫إنما هو فرضية الرتقاء وأزلية المادة ‪ ،‬أما أزلية المادة فقضية مرفوضة‬
‫علميا ً ‪ ،‬وأما الرتقاء فيعبر عنه السير "آرثر كيث" من علماء هذا العصر‬
‫بقوله ‪" :‬الرتقاء غير ثابت ‪ ،‬ول يمكن إثباته ‪،‬ونحن نؤمن بهذه النظرية لن‬
‫البديل الوحيد هو )اليمان( بالخلق المباشر ‪ ،‬وهو أمر ل يمكن حتى‬
‫التفكير فيه"‪.‬‬

‫وإذا تساءلنا لماذا ل يمكن التفكير فيه؟ كان الجواب الوحيد ‪ :‬لنه ل‬
‫يسمح له هواه بأن يعترف بالله الخالق ‪ ،‬وبأن يخضع له بعد ذلك خضوع‬
‫العبادة والطاعة ‪.‬‬
‫فتمرده وتمرد نظرائه تمرد المستكبرين المعاندين ‪ ،‬ل ضلل‬
‫الجاهلين الذين لم تكشف لهم أضواء المعرفة طريق الحق ‪.‬‬

‫ما ُ‬
‫ل أثقال في مؤخرة ركب الملحدين ‪ ،‬يردد ما‬ ‫و)د‪ .‬العظم( ح ّ‬
‫يقولون ‪ ،‬وينعق بما يهرفون ‪.‬‬

‫ما أعجب سلطان الهوى ‪ ،‬وسلطان التعصب ‪ ،‬وسلطان اللتزام‬


‫بالمبادئ الحزبية على الناس ‪.‬‬

‫إن هذه المؤثرات التي تجنح عنهم عن سواء السبيل تسوقهم إلى‬
‫الشقاء البدي والعذاب الليم ‪ ،‬وتجعلهم يؤثرون الضلل على الهدى ‪،‬‬
‫والظلمات على النور ‪.‬‬

‫)‪(3‬‬
‫مع فرويد‬

‫إني لعجب أبلغ العجب حينما أجد مثقفا ً عربيا ً يندفع في تمجيد‬
‫أمثال )فرويد( وهو يعلم أنه يهودي متعصب ليهوديته ‪ ،‬وصديق حميم‬
‫لهرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة ‪.‬‬

‫أفل يخطر على باله ولو من قبيل الشك والحذر ‪ ،‬أن التحليلت‬
‫النفسية التي قدمها )فرويد( تحت ستار الدراسة العلمية المتجردة ‪ ،‬إنما‬
‫صاغها على الوجه الذي قدمها به ليخدم القضية اليهودية الصهيونية في‬
‫العالم؟‪.‬‬

‫أفل يخطر على باله أن اللحاد الذي أعلنه لم يكن أكثر من طرح‬
‫نظري جدلي ‪ ،‬ليفتن الناس به ‪ ،‬وهو في حقيقة وجداني يهودي صميم‬
‫شديد التعصب ليهوديته ‪ ،‬يخدم عن طريق ستار العلم أغراض الصهيونية؟‬

‫وإذا كان كذلك فل بد أن يكون متهما ً في كثير من تحليلته وآرائه ‪،‬‬


‫دمه ‪.‬‬
‫وما على الباحثين إل أن يعيدوا النظر ألف مرة في كل رأي علمي ق ّ‬

‫فهل يعقل أن يكون صهيوني متعصب ذو أهداف سياسية معلومة ‪،‬‬


‫وأغراض عالمية مرسومة ‪ ،‬تكيد لجميع الشعوب غير اليهودية بل استثناء ‪،‬‬
‫أمينا ً على العلم والمعرفة ‪ ،‬صادقا ً متجردا ً في كل ما يقدم للناس ‪ ،‬ل‬
‫سيما في أمور نظرية بحتة ل يملك الباحثون فيها أدلة تجريبية تقدم نتائج‬
‫يقينية؟‬

‫على أن هذا التصور الذي يتصوره أي عاقل من قبيل الشك‬


‫والحذر ‪ ،‬قد أثبته باحثون متتبعون لحياة )فرويد( ولرائه في مجال‬
‫الدراسات النفسية وفي غيرها ‪.‬‬
‫ومن الذين تتبعوه ‪) :‬د‪ .‬صبري جرجس(‪ 1‬وقد وضع هذا الباحث‬
‫أصابعه على كثير من آراء )فرويد( المقتبسة من جذور التراث اليهودي‬
‫الصهيوني ‪ ،‬وأوضح في كثير من المناسبات ما يجعل كثيرا ً من آرائه‬
‫)نظرياته( محل ً للريبة أو الجزم بأنه إنما وضعها لخدمة أغراض اليهودية‬
‫العالمية ‪ ،‬ولم يضعها على أساس دراسات علمية متجردة ‪ ،‬ثم حملت‬
‫الدعايات اليهودية العالمية آراءه )نظرياته( وروجت لها في جميع الوساط‬
‫العلمية والثقافية ‪ .‬ثم وضع اليهود كل ثقلهم الكيدي لجعلها معارف علمية‬
‫تدرس في الجامعات العالمية ‪ ،‬على أنها فتح في ميادين العلم ‪ ،‬وذلك‬
‫ضمن الخطط اليهودية المرسومة ضد شعوب العالم ‪ ،‬ولمصلحة الشعب‬
‫اليهودي فقط ‪ .‬ثم رفعت وسائل العلم اليهودية العالمية )فرويد( إلى‬
‫منزلة غير عادية ‪ ،‬وحمله ملحدة الشعوب غير اليهودية على رؤوسهم ‪،‬‬
‫وداروا به في الفاق تمجيدا ً وإكبارا ً ‪.‬‬

‫مع العلم بأن اللحاد الذي أعلنه )فرويد( لم يكن إل خطة سياسية‬
‫أخفى بها أهدافه اليهودية الصهيونية ‪ .‬كما فعل اليهود بنظرية )داروين( ‪،‬‬
‫دمها باسم البحث العلمي‬‫وكما فعل )دوركهايم( في بحوثه العلمية التي ق ّ‬
‫وتحت ستاره ‪ .‬ليخفي أغراضه اليهودية الخاضعة لخطط مرسومة من قبل‬
‫القيادات اليهودية السرية في العالم ‪.‬‬

‫ومن تتبعات )د‪ .‬صبري جرجس( اقتبس معظم الدراسات التالية‬


‫عن )فرويد(‪:‬‬

‫يقول )فرويد( عن نفسه ‪" :‬ولدت في ‪ 6‬مايو ‪1856‬م في مدينة‬


‫)فريبورج( بمقاطعة )مورافيا( بجمهورية تشيكوسلوفاكيا الحالية ‪ ،‬وقد كان‬
‫والداي يهوديين ‪ ،‬وظللت يهوديا ً أنا نفسي"‪.‬‬

‫ويعلق الكاتب على قوله ‪" :‬وظللت يهوديا ً أنا نفسي" بأن في قوله‬
‫هذا إيماًء واضحا ً بأنه لم يتخل يوما ً عن يهوديته ‪ ،‬على الرغم من إعلنه‬
‫لللحاد لن إلحاده هذا لم يكن إل إلحادا ً ذهنيا ً ‪ ،‬لم يصل قط إلى وجدانه ‪،‬‬
‫ولم يغير شيئا ً من محتويات ذلك الوجدان واتجاهاته ‪.‬‬

‫ونقل الكاتب عن )شويزي( – وهي محللة من خاصة )فرويد( وذات‬


‫معرفة به وصلة وثيقة – أن إلحاد )فرويد( لم يكن إل إلحادا ً زائفا ً ‪ ،‬لنه‬
‫تركه بعد ذلك متشبثا ً باليهودية الصهيونية ‪ ،‬وفيا ً لها ‪ ،‬سائرا ً في طريقها ‪،‬‬
‫منفذا ً لمخططاتها ‪.‬‬

‫وبدهي أن ندرك أمام هذا أن إلحاده المزيف إنما هو عملية من‬


‫عمليات المخادعة اليهودية ‪ ،‬لترويج مصنوعات الفكرية في أسواق معاهد‬
‫العلم والثقافة ‪ ،‬وأنديتها ‪ ،‬ونشراتها ومؤلفاتها وسائر وسائل إعلمها وهذه‬

‫في كتابه ‪" :‬التراث اليهودي الصهيوني والفكر الفرويدي"‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫المصنوعات الفكرية تحمل في طياتها ألغام نسف الحقائق الفكرية‬
‫الصيلة الثابتة لدى الشعوب ‪ ،‬بغية خدمة المخططات اليهودية العالمية ‪.‬‬

‫وقد انخدعت بمكيدته مدارس كثيرة من مدارس التحليل النفسي ‪،‬‬


‫وزعمته باحثا ً حياديا ً ‪ ،‬ومكتشفا ً مبدعا ً في مجال دراساته التي قدمها ‪،‬‬
‫وكان للعصابة اليهودية التي انتمت إلى مدرسته أثر عظيم في الترويج‬
‫لفكاره وآرائه ‪ .‬وكان من ورائها أجهزة العلم اليهودية المنبثة في‬
‫العالم ‪.‬‬

‫ويؤكد الكاتب المتتبع فيقول ‪" :‬وليس في حياة )فرويد( ما يومئ‬


‫بأنه قد تخلى يوما ً عن يهوديته ‪ ،‬بل إن فيها ما يؤكد تمسكه بها ‪،‬‬
‫واستغراقه فيها إلى درجة غير مألوفة"‪.‬‬

‫ثم عقد المشابهة بين إلحاده وإلحاد )بن غوريون( وغيرهما من‬
‫اليهود الذين يعلنون عن إلحادهم ‪ ،‬وذكر أنه مثل إلحاد فرويد في ذاته ‪،‬‬
‫ومن خصائصه أنه ل يرى حرجا ً أو تناقضا ً في الجمع بين إنكار الله وبين‬
‫اليمان بدعوة دينية عنصرية متعصبة تستند إلى كتاب مقدس ‪.‬‬

‫ثم فرق الكاتب بين )بن غوريون( و)فرويد( ‪ ،‬فقال ‪" :‬ولعل الفارق‬
‫بينهما أن )بن غوريون( أعلن عن إلحاده ‪ ،‬ثم اتجه في الوقت نفسه إلى‬
‫العمل السافر من أجل الدعوة العنصرية المتعصبة ‪ ،‬بينما جعل )فرويد(‬
‫من إلحاده قناعا ً يحاول أن يخفي وراءه الوجه القبيح لهذه الدعوة"‪.‬‬

‫وذكر الكاتب ‪ :‬أن )فرويد( كان يعتز جدا ً بيهوديته ‪ ،‬وكان على‬
‫معرفة متضلعة بالحياة اليهودية ‪ ،‬وبالجوانب العقائدية لها ‪ ،‬وبالطقوس‬
‫الخاصة بها ‪ ،‬وكان يرجع إلى التوراة ويقرؤها ويعجب بما فيها من فكر‬
‫وفلسفة ‪ ،‬وهذا على خلف ما أعلنه من إلحاد مزيف ‪.‬‬

‫أل فليعلم )د‪ .‬العظم( وسائر ملحدي العرب وغير العرب الذين‬
‫يتنكرون لدينهم أمتهم هذه الحقائق عن )فرويد( وأمثاله قبل أن يتبعوهم ‪.‬‬

‫وقصة التظاهر باللحاد من قبل المضللين اليهود وغيرهم قصة‬


‫متكررة معروفة ومدروسة ‪ ،‬وهي خطة من خطط المكر بأبناء المم‬
‫الخرى ‪.‬‬

‫ففي الوقت الذي يكون فيه اليهودي متعصبا ً شديد التعصب لدينه ‪،‬‬
‫شديد اليمان به ‪ ،‬والثقة بتعاليمه ‪ ،‬يرى من وسائل خدمة دينه وخدمة‬
‫الشعب اليهودي ‪ ،‬وخدمة أهدافه السياسية ‪ ،‬أن يتظاهر باللحاد وإنكار‬
‫الله ‪ ،‬وبعدم تمسكه بالدين ‪ ،‬ثم يقدم في أوساط أبناء المم الخرى‬
‫أفكارا ً ومذاهب وعقائد مناقضة لما في الدين ‪ ،‬ويزينها بزخرف من‬
‫الصياغة النظرية ‪ ،‬وُيلبسها أثواب البحث العلمي المتجرد ‪ ،‬لتفتتن بها‬
‫الجيال الناشئة ‪ ،‬وتتلقفها دون أن تشعر بالحذر من أغراض صاحبها ‪ ،‬لن‬
‫صاحبها ل ينتمي فكريا كما أعلن إلى أي دين حتى يتعصب له ويعمل من‬
‫أجله ‪.‬‬

‫وهكذا تنطلي الخديعة ‪ ،‬ويدخل المكر على أبناء المم ‪ ،‬فيتركون‬


‫أديانهم بحماسة ‪ ،‬ويقاومونها بشدة ‪ ،‬ويحملون آراء المضلل على رؤوسهم‬
‫فون عليها من‬ ‫‪ ،‬على أنها حقائق علمية ل تقبل النقض ول المعارضة ‪ ،‬وُيض ُ‬
‫القدسية العلمية ثوب إجلل وإكبار ‪ ،‬ويروجون لها في أسواق العلم ‪،‬‬
‫وأندية الثقافة ‪ ،‬وأوكار الحزاب المتصلة بواضعي الخديعة والمخططين لها‬
‫‪ ،‬ويكونون جنودا ً صادقين في خدمة أفكار المضلل وآرائه ‪ ،‬مع العلم بأنه‬
‫هو غير صادق فيها ‪ ،‬وإنما اتخذها وسيلة لخدمة غاية أخرى قد وضع عليها‬
‫قناعا ً كثيفا ً ‪ ،‬ليسُترها عن جنوده وأتباعه ‪ ،‬ومروجي آرائه ‪ ،‬ومنفذي‬
‫مخططاته وهم ل يعلمون ‪ ،‬أو هم يعلمون ولكنهم مستأجرون ‪.‬‬

‫)‪(4‬‬
‫نشأ )فرويد( نشأ يهودية مغلقة ‪ ،‬تلقى فيها كل سمات الناشئ‬
‫اليهودي ‪ ،‬في أسرة شديدة التمسك بيهوديتها ‪.‬‬

‫يقول )د‪ .‬جرجس( ‪" :‬وإذا شئنا في هذا الصدد الستعارة من الفكر‬
‫الفرويدي نفسه ‪ ،‬وبالتحديد ما أكده من أهمية السنوات الولى من حياة‬
‫الطفل في صياغة شخصيته فيما بعد ‪ ،‬لكان جليا ً أن المؤثرات الصهيونية‬
‫التي أحاطت بفرويد منذ نشأته ‪ ،‬وأحاطت بأسرته لعدة قرون من قبل أن‬
‫يولد ‪ ،‬صبغت شخصيته وفكره على نحو لم يستطع إخفاءه دائمًا"‪.‬‬

‫وقد ل يهمنا تطبيق آرائه ونظرياته عليه كما يقول الكاتب ‪ ،‬لكن‬
‫حياته في الواقع قد كانت فعل ً مشحونة بالشعور بالذاتية اليهودية ‪ ،‬ذات‬
‫السمات المعروفة في عامة اليهود ‪.‬‬
‫يقرر الكاتب المتتبع أن يهودية )فرويد( قد كانت ممتدة إلى‬
‫الجوانب الثقافية والوجدانية في حياته كلها ‪ ،‬ففضل ً عن علقاته المهنية‬
‫والشخصية الوثيقة ‪ ،‬التي كادت أن تكون مقصورة على أفراد من اليهود ‪،‬‬
‫فقد كان أيضا ً على معرفة متضلعة بالحياة وبالجوانب العقائدية‬
‫وبالطقوس اليهودية ‪ ،‬كما كان على استيعاب شامل للتاريخ والدب‬
‫اليهودي ‪ ،‬ولفلسفة اليهود وعاداتهم ونكاتهم وأقوالهم المأثورة ‪ ،‬وأن‬
‫)فرويد( على الرغم من مجاهرته بعدم اليمان قد كان يهوديا ً في أعماق‬
‫وجدانه ‪ ،‬وهذا ما جعله شديد الحساسية لية بادرة يشتبه في اتجاهها‬
‫المضاد لليهود ‪ ،‬وكانت استجابته لجميع هذه المواقف عنيفة أشد العنف ‪،‬‬
‫وعلى الرغم من أنه لم يشاهد في حياته أي اضطهاد من أجل يهوديته ‪ ،‬إذ‬
‫ترقى في الدراسة والوظيفة حتى حصل على منصب أستاذ مساعد في‬
‫الجامعة ‪ ،‬إل أنه كان يشعر بالضطهاد في داخل نفسه من أجل يهوديته ‪،‬‬
‫ولذلك كان ينطوي على نفسه وداخل دائرة من أصدقائه ‪ ،‬وكلهم من‬
‫اليهود ‪ ،‬إذ إنه ما كان ليأنس إلى صديق أو يطمئن إليه إل أن يكون يهوديًا‪.‬‬
‫وكان انتماؤه ليهوديته ل للبلد التي عاش فيها حياته ‪ ،‬وهذا ما صّرح‬
‫به هو عن نفسه ‪ ،‬فقد قال ذات مرة ‪" :‬إنه يهودي ‪ ،‬وليس نمساويا ً أو‬
‫ألمانيًا" ‪ .‬كذا نقل عنه )جونز( مؤرخ سيرته ‪.‬‬

‫وذكر اليهودي )ماكس جراف( أنه كثيرا ً ما كان يزور )فرويد( ويدخل‬
‫معه في نقاش حول ما أسماه "المسألة اليهودية" ‪ ،‬فكان يلحظ دائما ً‬
‫اعتزاز )فرويد( بيهوديته ‪ ،‬وفخره بانتسابه إلى الشعب اليهودي ‪ ،‬الذي‬
‫قدم التوراة إلى العالم ‪.‬‬

‫وتساءل )ماكس جراف( ذات مرة عما إذا كان من الخير أن يوجه‬
‫اليهود أبناءهم إلى اعتناق المسيحية ‪ ،‬إذا اقتضى المر ذلك ‪ ،‬فإذا بفرويد‬
‫ل‪" :‬إذا لم تنشيء ابنك على أنه يهودي ‪ ،‬فسوف تحرمه‬ ‫يعترض بشدة قائ ً‬
‫من مصدر طاقة ل يمكن أن يعوض بشيء آخر ‪ ،‬إن عليه كيهودي أن‬
‫يكافح ‪ ،‬ومن واجبك أن تنمي فيه نفسه كل الطاقة اللزمة لذلك الكفاح ‪،‬‬
‫فل تحرمه من هذه الميزة"‪.‬‬

‫قال الكاتب المتتبع ‪" :‬وقد كرر )فرويد( بأن اليهودية مصدر للطاقة‬
‫في كثير مما كتب‪.‬‬

‫ويهودية فرويد الوجدانية والعصبية هي التي جعلت البطانة الولى‬


‫من مشايعيه كلها من اليهود ‪ ،‬ولما اتسع نطاق التحليل وانتشرت دائرة‬
‫الملتفين حوله ظل معظم المقبلين عليه من اليهود أيضًا"‪.‬‬

‫أل فليعلم ملحدة العرب أنهم يشايعون بإلحادهم اليهودية العالمية‬


‫المعادية لهم ولمته ‪ ،‬ويجندون أنفسهم في صفوف العداء ‪.‬‬

‫)‪(5‬‬

‫كما كان )فرويد( يهوديا ً صهيونيا ً في مشاعره ووجدانه ‪ ،‬وصديقا ً‬


‫لهرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة‪ ، 1‬فقد كان عضوا ً في بعض المنظمات‬
‫الصهيونية العاملة ‪.‬‬

‫فمن الحقائق المعروفة أنه قد انضم إلى جمعية )بناي برث(‬


‫الصهيونية ‪ ،‬أي ‪ :‬جمعية أبناء العهد ‪ ،‬وكان انضمامه إليها في عام )‬
‫‪1895‬م( وهو في التاسعة والثلثين من عمره ‪ ،‬وظل يواظب على حضور‬
‫اجتماعات هذه الجمعية الصهيونية ‪ ،‬التي كانت تعقد يوم الثلثاء كل‬
‫أسبوعين طوال عدة سنوات ‪ ،‬وفي هذه الجمعية ألقى )فرويد( أولى‬
‫محاضراته عن تفسير الحلم ‪ ،‬وكانت مساهمته في نشاط هذه الجمعية‬
‫أحد وجوه النشاط القليلة جدا ً ‪ ،‬التي كان يبيح لنفسه المساهمة فيها ‪ ،‬لنه‬
‫كان يضن بوقته أن ينفقه في نشاط ل يلح عليه وجدانه أن يساهم فيه‪.‬‬

‫‪ 1‬وكان )فرويد( يولي )تيودور هرتزل( الحترام والتقدير ‪ ،‬وقد أرسل إليه أحد كتبه مع عبارة )إهداء‬
‫شخصي( عليه ‪.‬‬
‫ومن المعروف أن جمعية )بناي برث( ل تقبل بين أعضائها غير‬
‫اليهود ‪ ،‬وليست على غرار الجمعيات اليهودية الخرى كالماسونية ‪ ،‬وهدف‬
‫هذه الجمعية في الظاهر رعاية المصالح اليهودية الحضارية والثقافية‬
‫والخيرية ‪ ،‬أما هدفها الحقيقي فهو العمل في خدمة الصهيونية العالمية ‪.‬‬

‫وقد أنشئت هذه الجمعية أول المر في أمريكا ‪ ،‬ثم تكونت لها فروع‬
‫في كثير من البلد الوروبية ‪ ،‬وكان لها نشاط قوي وملحوظ تغلغلت عن‬
‫طريقه في صميم الحياة الجتماعية والسياسية والقتصادية للبلد التي‬
‫ُأنشئت فيها ‪ ،‬ل سيما بريطانيا وأمريكا ‪ .‬وسارت في سبيل تحقيق‬
‫المخطط الصهيوني عن طريق التحالف مع رأس المال اليهودي ‪،‬‬
‫للسيطرة على أجهزة العلم ‪ ،‬وفي مقدمتها الصحافة ودور النشر ‪،‬‬
‫وللقضاء على كل من تسول له نفسه أن يتصدى لها ويكشف عن خبائثها ‪.‬‬

‫وتنفيذا ً لهذه المهمة عملت الجمعية على إسكات اللسن ‪ ،‬وتحطيم‬


‫القلم ‪ ،‬وهدم الجهود التي كانت تحاول الكشف عن المخططات اليهودية‬
‫الصهيونية ‪.‬‬

‫وصرح رئيس وفد هذه الجمعية المريكي ‪ ،‬في المؤتمر الصهيوني‬


‫عقد بمدينة "بال" بسويسرا في عام )‪1897‬م( بقوله ‪":‬علينا‬ ‫الول الذي ُ‬
‫أن ننشر روح الثورة بين العمال ‪ ،‬وهم الذين سندفع بهم إلى خطوط دفاع‬
‫العدو ‪ ،‬موقنين بأنه ل نهاية لرغباتهم ‪ ،‬ونحن بأمس الحاجة إلى تذمرهم ‪،‬‬
‫لنه السبيل إلى تخريب المدنية المسيحية ‪ ،‬والوصول سريعا ً إلى نشر‬
‫الفوضى فيها ‪ .‬ولسوف يحين الوقت سريعا ً الذي يطلب فيه المسيحيون‬
‫فسهم إلى اليهود أن يتسلموا السلطة"‪.‬‬‫أن ُ‬

‫هذا ما ذكره الكاتب المتتبع ‪.‬‬

‫ومنه يتضح لنا أن )فرويد( – وهو واحد من أعضاء هذه الجمعية‬


‫الصهيونية – ل بد أن يكون مسخرا ً لخدمة الهداف الصهيونية عن طريق‬
‫نشاطه العلمي ‪ ،‬كما غدا معروفا ً تماما ً في كل النشاطات التي يقوم بها‬
‫أصحاب الغايات الخاصة ‪ ،‬إنهم يسخرون ما يستطيعون من نشاطهم‬
‫لتحقيق غاياتهم ‪ ،‬والحياد العلمي المزعوم أصبح مشكوكا ً فيه شكا ً يرجح‬
‫جانب التهام دائما ً ‪ ،‬فل ثقة بالحياد العلمي المدعى من قبل ذوي‬
‫العصبيات الخاصة ‪ ،‬ل سيما أصحاب المكايد من اليهود ‪ ،‬لقد غدا معروفا ً‬
‫ومكشوفا ً أنهم يصوغون نظريات كاملة ‪ ،‬ويلبسونها أثواب البحث العلمي‬
‫الحيادي المتجرد ‪ ،‬كذبا ً وزورا ً ‪ ،‬وغرضهم منها خدمة غاياتهم القريبة أو‬
‫البعيدة ‪ ،‬علما ً بأن هذه المذاهب أو النظريات التي وضعوها ل أساس لها‬
‫من الصحة بصيغتها العامة ‪ ،‬ولكن قد يكون فيها عناصر صحيحة متفرقة ‪،‬‬
‫ومع هذه العناصر الصحيحة عناصر أخرى فاسدة ‪ .‬تجعل النظرية فاسدة‬
‫بوجهها العام ‪ ،‬وتكون العناصر الصحيحة فيها هي الطعم الذي يقدم فيها‬
‫لقبولها جميعا ً ‪ ،‬وبقبولها جميعا ً يتحقق المطلوب من المكيدة ‪ ،‬ويقع الصيد‬
‫فريسة صياده"‪.‬‬
‫ونستطيع أن نقول بيقين ‪ :‬إن كل نظرية علمية تنتهي إلى إقرار‬
‫اللحاد بالله ‪ ،‬وبرسالته ‪ ،‬مذهبا ً اعتقاديا ً ‪ ،‬فهي نظرية موجهة لغايات‬
‫خاصة ‪ ،‬مهما ُوجد في عناصرها الولى من أمور صحيحة ‪ ،‬وعند التتبع‬
‫البصير الواعي تنكشف العناصر المزيفة الداخلية التي أفسدت الصيغة‬
‫العامة للنظرية ‪ ،‬وجعلت النتائج التي ُبنيت عليها نتائج باطلة ‪.‬‬

‫وبما أن )فرويد( منفذ خطة يهودية صهيونية ‪ ،‬وعضو من أعضاء‬


‫الصهيونية العالمية ‪ ،‬كان من الطبيعي أن تمجده الحركات الصهيونية ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وتعمل على نشر آرائه وما تسميه بنظرياته ‪ ،‬والتبشير بها بين الميين ‪،‬‬
‫فهذا العمل إحدى مراحل خطتها ‪.‬‬

‫أما الترويج لفكاره فقد شهدنا آثاره بشكل منقطع النظير ‪ ،‬حتى‬
‫أمست آراؤه وأفكاره على ألسنة معظم المثقفين ‪ ،‬وصارت متداولة‬
‫تداول الحقائق ‪ ،‬وفتن بها الكثيرون ‪ ،‬بتأثير الدعاية اليهودية العالمية ‪.‬‬

‫وأما تمجيده وتكريمه بشكل خاص فنجده فيما فعلته جمعية )بناي‬
‫برث( الصهيونية ‪ ،‬إذ أقامت حفل ً له بمناسبة بلوغه من العمر سبعين‬
‫سنة ‪ ،‬ولم يحضر فرويد هذا الحفل ‪ ،‬ولكن أناب عنه في حضوره طبيبه‬
‫الخاص البروفسور )لدفيج براون( الذي ألقى كلمة فرويد فيه ‪ ،‬وقد جاء‬
‫في كلمة )فرويد( ما يلي‪:‬‬

‫"‪ ...‬إن كونكم يهودا ً لمر يوافقني كل الموافقة ‪ ،‬لنني أنا نفسي‬
‫يهودي ‪ ،‬فقد بدا لي دائما ً أن إنكار هذه الحقيقة ليس أمرا ً غير خليق‬
‫بصاحبه فحسب ‪ ،‬بل هو عمل فيه حماقة إيجابية ‪ ،‬إنه لتربطني باليهودية‬
‫أمور كثيرة ‪ ،‬تجعل إغراء اليهودية واليهود أمرا ً ل سبيل إلى مقاومته ‪،‬‬
‫قوي انفعالية غامضة كثيرة كلما زادت قوتها تعذر التعبير عنها في كلمات ‪،‬‬
‫بالضافة إلى شعور واضح بالذاتية الداخلية‪...‬‬

‫وهكذا وجدت نفسي واحدا ً منكم أقوم بدوري في اهتماماتكم‬


‫النسانية والقومية ‪ ،‬واكتسبت أصدقاء من بينكم ‪ ،‬وحثثت الصدقاء‬
‫قوا لي على النضمام إليكم"‪.2‬‬‫القليلين الذين تب ّ‬

‫هذا هو الصهيوني )فرويد( إذ كان عمره )‪ (70‬سنة‪.‬‬

‫وبالضافة إلى كونه عضوا ً في جمعية )بناي برث( الصهيونية كما بيّنا‬
‫كان عضوا ً فخريا ً في منظمة )كاديما( وهي منظمة صهيونية معروفة ‪ ،‬وإذ‬
‫اكتفى بالعضوية الفخرية بالنسبة إلى هذه المنظمة فقد دفع أحد أبنائه‬
‫ليكون عضوا ً عامل ً فيها ‪.‬‬

‫المقصود بالميين سائر الشعوب والمم الخرى غير اليهود‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫أخذا من تتبعات دكتور صبر جرجس في كتابه ‪" :‬التراث اليهودي والفكر الفرويدي"‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ومعلوم أن الحركة الصهيونية حركة ذات طابع ديني وقومي مفرط‬
‫في التعصب ضد المم والديان الخرى ‪ ،‬وما كان )فرويد( ليعمل فيها‬
‫ويدفع إلى العمل فيها أحد أبنائه لو لم يكن مؤمنا ً بمبادئها ‪ ،‬ومن مبادئها ما‬
‫أعلنه )تيودور هرتزل( لدى افتتاح المؤتمر الصهيوني الول بقوله ‪ :‬إننا هنا‬
‫لنضع حجر الساس لبناء المأوى الذي يأوي الشعب اليهودي إليه ‪ ...‬إن‬
‫الصهيونية هي عودة اليهود إلى اليهودية قبل عودتهم إلى الرض اليهودية ‪.‬‬
‫إن الصهيونية هي القومية الجديدة للشعب اليهودي "‪.‬‬
‫أفل يدل هذا دللة قاطعة على أن تظاهر )فرويد( باللحاد وعدم‬
‫إيمانه بأي دين قد كان عملية من عمليات المكر والمخادعة ‪ ،‬ليضم إلى‬
‫فكرة اللحاد أنصارا ً من المم غير اليهودية ‪ ،‬وبذلك يجندون أنفسهم في‬
‫الكتائب المنفذة للمخططات اليهودية العالمية ‪.‬‬

‫يقول الكاتب المتتبع لفرويد ‪" :‬فإذا كان المر كذلك فقد كان شأنه‬
‫فيه – كشأنه في كل المناسبات الصهيونية العنصرية التي ناصرها فعل ً –‬
‫الحذَر والبعد عن الضواء ‪ ،‬حتى ل يثير الريبة فيما أحيط به من هالة‬
‫الموضوعية تفكيرا ً ‪ ،‬واللحاد عقيدة ‪ ،‬والحقيقة العلمية هدفًا‪...‬‬

‫وهكذا كان )فرويد( برغم كل ما تظاهر به من تفكير حر ‪ ،‬وبرغم‬


‫كل ما أعلن من إلحاد ‪ ،‬غارقا ً في اليهودية ‪ ،‬بل اليهودية الصهيونية إلى‬
‫أعمق العماق ‪ ،‬وهكذا وجد "فرويد" نفسه في قمة شعوره بالذاتية‬
‫اليهودية الصهيونية ‪ ،‬وقمة توحده مع تلك الذاتية ‪ ،‬مسوقا ً في الطريق‬
‫العلمي إلى التحليل النفسي ‪ ،‬ومسوقا ً في الطريق السياسي إلى العمل‬
‫الصهيوني ‪."...‬‬

‫)‪(6‬‬

‫استغل )فرويد( وتلميذ مدرسته اليهود طريق التحليل النفسي‬


‫لخدمة اليهودية العالمية ‪ ،‬والحركة الصهيونية ‪.‬‬

‫من ذلك ما استغلوه في موضوع معاداة السامية ‪ ،‬الفكرة التي‬


‫حمل اليهود رايتها في العالم الغربي ‪ ،‬لسكات كل لسان يمكن أن يتحرك‬
‫في انتقاد اليهود ‪ ،‬وليقاف كل مقاومة تتوجه لصد مكايدهم وتحركاتهم‬
‫المريبة ‪ ،‬في السياسة ‪ ،‬أو في القتصاد ‪ ،‬أو في العلم ‪ ،‬أو في مجالت‬
‫العلم والثقافة ‪ ،‬أو في غير ذلك من مجالت ‪.‬‬

‫ومما يثير العجب في خطة العمل اليهودية أن قادة الصهيونية قد‬


‫كانت لهم رغبة بتحريض المم الخرى على معاداة السامية )أي‪ :‬معاداة‬
‫اليهود( لتستفيد الحركة الصهيونية من ذلك ‪ ،‬حتى قال )هرتزل( مؤسس‬
‫الصهيونية الحديثة ‪":‬إن الصهيونية أحوج ما تكون إلى مبدأ معاداة السامية‬
‫لكي تنتعش "‪.‬‬
‫وغدت قصة معاداة السامية هي السلح الدعائي الذي يحمله اليهود‬
‫في العالم الغربي ‪ ،‬لتهام كل من يعارض يهوديا ً ولو كان اليهودي هو‬
‫المجرم الجاني بأنه معادٍ للسامية ‪ ،‬باعتبار أن اليهود ساميون منبثون في‬
‫شعوب غير سامية ‪ ،‬وبذلك يتحمل المظلوم الغربي ظلمته في نفسه ‪،‬‬
‫خشية أن تلصق به تهمة التفرقة العنصرية والمعاداة على أساس عرقي ‪.‬‬

‫وفي ظل هذا السلح الدعائي نشط اليهود نشاطا ً كبيرا ً في اغتنام‬


‫خيرات البلد التي نزلوا فهيا ‪ ،‬وفي صنع المكايد الكثيرة دون أن تجرؤ‬
‫المم الخرى على مقاومتهم ‪ ،‬خشية أن تلصق بها تهمة معاداة السامية ‪،‬‬
‫واليهود وحدهم من دون سائر الساميين هم الذين يستفيدون من هذا‬
‫السلح ‪ ،‬كأنهم وحدهم هم الساميون في العالم ‪ ،‬أما سائر الساميين فل‬
‫ض اليهود الدول على استغللهم واستعمارهم ونهب خيراتهم ‪.‬‬ ‫بأس أن يحر ّ‬

‫أما دور )فرويد( وتلميذ مدرسته في هذا المجال ‪ ،‬فقد كان يعتمد‬
‫على تسخير مبدأ التحليل النفسي لتزييف الواقع والحقيقة ‪ ،‬وتمجيد اليهود‬
‫وخدمة الصهيونية ‪.‬‬

‫ولفرويد أقوال صريحة وواضحة في هذا المجال ‪ ،‬وله تحليلت‬


‫يزينها وفق أهوائه الخاصة ‪ ،‬وقد ذكرها في كتابه "موسى والتوحيد" ‪.‬‬

‫وقد ذكر )فرويد( في تحليلته أن أسباب كراهية المم لليهود كثيرة ‪،‬‬
‫واعتبر أنها ترجع إلى صنفين‪:‬‬
‫* الصنف الول ‪:‬‬
‫ظاهر وليس بعميق ‪ ،‬وذكر من هذا الصنف سببين‪:‬‬
‫الول ‪ :‬كون اليهود غرباء من الوطان التي يقيمون فيها ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬كون اليهود أقلية ‪ ،‬لن الشعور الجماعي كي يكون كامل ً‬


‫فيما ُيقرر يقتضي بتوجيه العداء نحو القلية ‪.‬‬

‫* الصنف الثاني‪:‬‬
‫ما أسماه )فرويد( بالسباب العميقة ‪ ،‬وزعم أنها ترجع إلى الماضي‬
‫السحيق ‪ ،‬وأنها منبعثة من اللشعور ‪ ،‬وهي في رأيه تتلخص فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬غير الشعوب الخرى من اليهود ‪ ،‬لنهم آثُرهم عند الله ‪ ،‬بوصفهم‬
‫أكبر أبناء الله ‪.‬‬
‫‪ -2‬تمسك اليهود بعادة الختان ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن الشعوب غير اليهودية لما تركت وثنياتها الولى تحت قوة‬
‫الضغط حقدت على أديانها الجديدة في مستوى اللشعور منها ‪ ،‬فأسقطت‬
‫حقدها على اليهود ‪ ،‬لنها ل تستطيع أن تكره دينها الجديد ‪.‬‬

‫هذه هي التحليلت النفسية التي أرجع إليها )فرويد( كراهية المم‬


‫غير اليهودية لليهود ‪.‬‬
‫وفي اعتقادي أن أي عاقل ل يملك نفسه عن ضحكات ساخرات من‬
‫هذا التحليل ‪ ،‬ومن هذه السباب التي ذكرها ‪.‬‬

‫أما زعمه أن من أسباب كراهية المم لليهود كونهم غرباء عن‬


‫الوطان التي يقيمون فيها ‪ ،‬فهو مردود من وجهين‪:‬‬

‫الوجه الول ‪ :‬أننا نجدهم مكروهين ولو كانوا هم الصلء ل الغرباء‬


‫‪.‬‬

‫الوجه الثاني ‪ :‬أننا نجد كثيرا ً من الغرباء في الشعوب محبوبين‬


‫محترمين غير مكروهين ‪.‬‬

‫فليست الغربة إذن من أسباب كراهية المم لهم ‪ ،‬إل أن ينضم إليها‬
‫شيء آخُر من اليهود أنفسهم ‪ ،‬كالستغلل والنانية وعقدة الستعلء‬
‫وحقدهم هم على المم ‪.‬‬

‫وأما زعمه أن من أسباب كراهية المم لليهود كونهم أقلية ‪ ،‬فهذا‬


‫خلف الواقع تماما ً ‪ ،‬بل هو عكس الواقع تماما ً ‪ ،‬إذ الواقع أن العداء يتوجه‬
‫من القلية إلى الكثرية بدافع الحسد ‪ ،‬وليس العكس ‪.‬‬

‫فليست القلية من أسباب كراهية المم لهم ‪ ،‬إل أن ينضم إليها‬


‫شيء آخُر من القلية نفسها ‪ ،‬كمكايد تكيدها ‪ ،‬واستغللت تستأثر بها ‪،‬‬
‫وعقدة استعلء تفتخر بها ‪.‬‬

‫فالكراهية سببها اليهود أنفسهم ‪ ،‬وأعمالهم داخل المم التي‬


‫يعيشون بينها ‪.‬‬

‫وأما ما ذكره من السباب العميقة فشيء مضحك جدا ً جدا ً ‪.‬‬

‫أما غيرة الشعوب الخرى من اليهود لنهم آثرهم عند الله بوصفهم‬
‫أكبر أبنائه ‪ ،‬فل أحد يعترف لهم بهذه الميزة حتى يغار منهم ‪ ،‬ولكن الحسد‬
‫والغيرة من سمات اليهود منذ تاريخهم القديم ‪.‬‬

‫وأما تمسك اليهود بعادة الختان فمع بالغ السخرية نقول‪ :‬إن غير‬
‫اليهود يختتنون أيضا ً ‪ ،‬والمم الخرى ل تكرههم لذلك ‪.‬‬

‫وأما حقد المم على أديانها في مستوى اللشعور ‪ ،‬وإسقاط حقدها‬


‫على اليهود ‪ ،‬فتحليل خيالي خرافي ل نظير له إل في مستشفى‬
‫المجانين ‪.‬‬

‫فهل يوجد سخف أكبر من هذا السخف الفرويدي باسم التحليل‬


‫النفسي ‪ ،‬لدعم اليهودية العالمية؟!!‪.‬‬
‫)‪(7‬‬

‫ثم إذا تجاوزنا كل ما سبق ‪ ،‬ونظرنا إلى نظرية )فرويد( في التحليل‬


‫النفسي نظرة موضوعية غير متحيزة ‪ ،‬فإننا ل نجد فيها ما يبرر للناقد )د‪.‬‬
‫العظم( أن يمجدها ويقول عنها ‪ :‬إنها من أهم النتائج التي توصلت إليها‬
‫البحوث العلمية في مجال الدراسات النفسية ‪.‬‬

‫أما فكرة تحليل دوافع النفس إلى السلوك فهي فكرة إنسانية‬
‫قديمة ‪ ،‬وليست هي بحد ذاتها من مبتكرات )فرويد( إل أن هذا الرجل قد‬
‫أفرط في السبح الخيالي في تحليل تصرفات النسان ‪ ،‬إفراطا ً حشد فيه‬
‫أوهاما ً وفرضيات أقرب ما تكون إلى التخريف المطلق منها إلى الدراسة‬
‫العلمية الموضوعية ‪.‬‬

‫بيد أنه باتجاهه نبه الباحثين النفسيين على البحث الموضوعي في‬
‫مجال التحليلت النفسية ‪ ،‬حتى تكونت مدارس التحليل النفسي في عالم‬
‫العلم ‪ ،‬وأصبحت مدرسة فرويد اليهودية في نظر العلماء بدائية متخلفة‬
‫جدا ً ‪ .‬والسر في هذا أن فرويد كان مسخرا ً أساسا ً لمحاربة الديان ‪،‬‬
‫وتهديم القيم الخلقية والجتماعية ‪ ،‬وقد فرضت عليه الخطة اليهودية‬
‫العالمية أن يضع نظرية تتستر بالعلم لتحقيق هذه الغاية ‪ ،‬فاستخدم‬
‫التحليل النفسي طريقا ً إلى ذلك ‪ ،‬كما استخدم غيره من اليهود طرقا ً‬
‫أخرى تحت ستار البحث العلمي لتحقيق الغاية نفسها ‪ ،‬وطبيعي أن تكون‬
‫مكرهة على‬ ‫الدراسة العلمية الموجهة أساسا ً لبطال حقيقة من الحقائق ُ‬
‫أن تحمل في حقيبتها وعلى ظهرها أكداسا ً من التخيلت والوهام‬
‫مكره على أن تصوغ نظرية تجمع‬ ‫والفروض التي ل سند لها من الواقع ‪ ،‬و ُ‬
‫في لبناتها بعض الحقائق لقامة بعض الزوايا ‪ ،‬ثم تمل سائر الثغرات‬
‫بأوراق ملونة مصبوغة ‪ ،‬تشبه في ظاهرها صورة لبن البناء وقواعده ‪،‬‬
‫وهي في حقيقتها وهم خداع تمزقه أية يد تمتد إليه بالفحص والبحث‬
‫العلمي ‪.‬‬

‫واقتبس هنا نقدا ً موضوعيا ً لمدرسة )فرويد( في التحليل النفسي ‪،‬‬


‫مما كتبه صديقنا الدكتور عبد الحميد الهاشمي ‪ ،‬وهو نقد مؤلف من النقاط‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬إن آراء )فرويد( هي أول ً وقبل كل شيء نظرية افتراضية‬


‫وليست من الحقائق النفسية أو المبادئ العلمية التي أثبتتها التجارب ‪ ،‬أو‬
‫دقتها الملحظة العلمية ‪.‬‬
‫ص ّ‬

‫فليس لراء )فرويد( تلك الهالة التي يحاول بعض مناصريها أن‬
‫ُيلبسوها ثوب الحقائق العلمية ‪ ،‬أو كما تحاول بعض الجهات العالمية أن‬
‫تحيطها بالدعاية ‪.‬‬
‫‪ -2‬تعتبر هذه النظرية امتدادا ً لفلسفة أفلطونية ‪،‬إل أن أفلطون‬
‫كان يحاول أن يسير بالنفس النسانية نحو المثالية ‪ ،‬أما )فرويد( فقد‬
‫تشبث – كما يقول تلمذته – بالدافع الجنسي ‪ ،‬ليظل هو الدافع والوسيلة‬
‫والغاية ‪.‬‬

‫والواقع أن الصحة النفسية إذ تسعى للشباع الشرعي المعترف به‬


‫فإنها تدعو إلى الضبط والتزان ‪ ،‬لن الحقيقة الفسيولوجية والنفسية تؤكد‬
‫أن الشباع الفوضوي المطلق يزيدها تفتحا ً ‪ ،‬وتصبح الشغل الشاغل ‪ ،‬ومن‬
‫أجل هذا فالصحة النفسية في مناهجها التكوينية والوقائية والعلجية دعت‬
‫إلى التسامي والبدال ‪ ،‬بجانب دعوتها إلى الشباع المشروع ‪.‬‬

‫‪ -3‬لقد تأثر فرويد في آرائه بالحالت الشاذة المرضية التي كان‬


‫يعالجها في مرضاه ‪ ،‬ويكمن الخطأ العلمي في التعميم الذي أطلقه فرويد‬
‫‪ ،‬إذ أخذ يفسر السلوك المتزن العادي لدى السوياء في ضوء ما عاينه من‬
‫السلوك الشاذ ّ لدى المصابين ‪.‬‬

‫وهذه نقطة أخذها عليه زملؤه وتلمذته في العلج النفسي ‪،‬‬


‫وانفصلوا بها عن جماعته ثم عارضوا نظريته بنظريات أقاموها وعرفوا‬
‫بها ‪.‬‬

‫‪ -4‬تأثره واضح بالساطير اليونانية ‪ ،‬كقصة أديبوس ‪.‬‬

‫ويعلق علهيا )روبرت ودورث( بقوه ‪" :‬ولو بحثت عن رأيي‬


‫الشخصي في سيكولوجيا فرويد لكان علي أن أقول ‪ :‬إنني ل أؤمن بأن‬
‫يكون مذهبه صحيحا ً بأي معنى مطلق ‪ .‬ول أن يوضع في مصاف النظريات‬
‫العلمية الكبرى ‪ ،‬التي تربط المعرفة الراهنة ‪ .‬فإنها بكائناتها وثناياها تبدو‬
‫متخلفة أكثر منها ناظرة إلى المام"‪.‬‬

‫وإذا علمنا أن البروفسور )ودورث( يعتبر من رواد علم النفس‬


‫الحديث فيما بعد الحرب العالمية الولى في كتبه الكثيرة عن علم النفس‬
‫التجريبي ‪ ،‬وعلم النفس الديناميكي ‪ .‬ورياسته لعلم النفس في لجنة‬
‫البحث القومي المريكي ‪ ،‬ولهيئة علماء النفس المريكيين ‪ .‬إذا علمنا ذلك‬
‫أدركنا أن آراء فرويد تمثل في تطور الدراسات النفسية مرحلة بدائية‬
‫متخلفة ل ينبغي الوقوف عندها في مجال علم النفس الحديث ‪.‬‬

‫‪ -5‬إن نظرية الفرويد تعكس الحياة المتناقضة الشاذة للمجتمع‬


‫الغربي )الوروبي( بعد النهضة الصناعية المادية ‪ ،‬وانتشار الختلط‬
‫المطلق ‪ ،‬وشيوع الباحية بشتى أسمائها ‪ ،‬نتيجة الترف والغرور الوروبي ‪،‬‬
‫في عنوان العهد الستعماري ‪.‬‬

‫فكانت نظرية فرويد انعكاسا ً أو تبريرا ً للواقع الشاذ ‪ ،‬وليست‬


‫دراسة علمية دقيقة تنظر إلى المشكلة من جميع أسسها ‪.‬‬
‫‪ -6‬والخطأ العلمي النفسي الكبير أن نظرية فرويد تحاول تفسير‬
‫السلوك النساني بنظرة جانبية جزئية ‪ .‬وذلك حين يحاول فرويد أن يحدد‬
‫السلوك النساني بدافع جنسي ‪.‬‬

‫ولقد قام لمناهضة هذا التفسير الجانبي والمتحيز عدة علماء‬


‫نفسيين لهم وزنهم العلمي حتى يومنا هذا غير من تقدم ذكرهم ‪ ،‬ولعل‬
‫أعظمهم في ذلك )وليم مكدوجل( الذي قام لمناهضة هذا التفسير الضيق‬
‫والمتحيز ‪ ،‬في كتابه "تخطيط علم النفس" سنة )‪1923‬م( ‪ ،‬وفيه يرد‬
‫على كل من فرويد ويونج وكارل لتحديدهم دوافع السلوك البشري بدافع‬
‫واحد أو اثنين ‪.‬‬

‫أما مكدوجل فقد ذكر عدة دوافع سماها غرائز ‪ ،‬وقد أوصلها بعد‬
‫وة في حماية‬‫عدة تعديلت إلى عشرة غرائز أو تزيد ‪ .‬منها غريزة الب ّ‬
‫الصغار ‪ ،‬وغريزة المقاتلة مع انفعال الغضب وغريزة الهروب من الخطر‬
‫مع انفعال مصحوب بالخوف ‪ ،‬وغريزة حب الستطلع ‪ ،‬وغريزة تقدير‬
‫الذات مع الشعور بالتفوق ‪ ،‬وغريزة البحث عن الطعام ‪ ،‬وغريزة التجمع‬
‫مع الشعور بالعزلة ‪ ،‬وغيرها ‪...‬‬

‫‪ -7‬في آراء فرويد المتحيزة نحو التفسير الجنسي كدافع لكل‬


‫سلوك يتجلى التفكير اليهودي ‪ ،‬الذي اشتهر به اليهود منذ أيامهم الولى ‪،‬‬
‫وفي اتهامهم لبعض أنبيائهم ‪ ،‬وفي معاملتهم للمم التي عاشوا معها ‪ ،‬وهو‬
‫تحيز مقصود ومخطط ‪ ،‬خدمة للسياسة اليهودية العالمية بعيدة المدى ‪.‬‬

‫فهل بعد هذا يسوغ لكاتب عربي أن يمجد آراء فرويد ونظريته ‪ ،‬وأن‬
‫يعتبرها كما ذكر )د‪ .‬العظم( من أهم النتائج التي توصلت إليها البحوث‬
‫العلمية في مجال الدراسات النفسية ‪ ،‬إل أن يكون أجيرا ً ذليل ً وخادما ً‬
‫مطيعا ً للصهيونية العالمية؟‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الفصل الثامن‬

‫صراع لنفي فرية النزاع‬


‫بين السلم والعلم‬
‫)‪(1‬‬

‫أثار الناقد )د‪ .‬العظم( ما أسماه مشكلة النزاع بين العلم والدين ‪،‬‬
‫وفسر الدين بقوله‪" :‬أي‪ :‬السلم بصورة رئيسية بالنسبة لنا"‪.‬‬

‫ثم أعلن أنه يريد أن يسترسل في شرح وجهة النظر التي ترى أن‬
‫الدين كما يدخل في صميم حياتنا ‪ ،‬وكما يؤثر في تكويننا الفكري والنفسي‬
‫‪ ،‬يتعارض مع العلم ومع المعرفة العلمية قلبا ً وقالبا ً روحا ً ونصا ً ‪.‬‬

‫وح بأن هذا الخط المحارب للدين السلمي سينتصر كما انتصر‬ ‫ثم ل ّ‬
‫على العقلية الدينية التي كانت سائدة في أوروبا ‪ .‬بعد مرور قرنين ونصف‬
‫من الحرب الطويلة بين العلم والدين هناك ‪ ،‬فقال في الصللفحة )‪ (21‬مللن‬
‫كتابه‪:‬‬

‫"يجللب أن ل يغيللب عللن بالنللا أنلله مللرت علللى أوروبللا فللترة تتجللاوز‬
‫القرنين ونصف القرن ‪ ،‬قبل أن يتمكن العلم من النتصار انتصللارا ً حاسللما ً‬
‫في حربه الطويلة ضد العقلية الدينية الي كانت سللائدة فللي تلللك القللارة ‪،‬‬
‫وقبل أن يثبت نفسلله تثبيت لا ً نهائي لا ً فللي تراثهللا الحضللاري ‪ ،‬ول يللزال العلللم‬
‫يحارب معركة مماثلة في معظم البلدان النامية ‪ ،‬بما فيها الوطن العربي ‪،‬‬
‫علما ً بأنها معركة تدور رحاها في الخفاء ‪ ،‬ول تظهر معالمها للجميع إل بيللن‬
‫الفينة والخرى"‪.‬‬

‫هللذا مللا قللاله )د‪ .‬العظللم( بلسللانه عللن نفسلله ‪ ،‬وعللن سللائر كتللائب‬
‫ملحدي هذا العصر ‪ ،‬ونحن نقول ‪ :‬ل ضير ول خوف علللى الللدين السلللمي‬
‫من هذه الحللرب الشللعواء الللتي يشللنها الملحللدة المتسللترون بالعلمانيللة ‪،‬‬
‫فالدين السلمي بمفاهيمه الصحيحة الثابتة ‪ ،‬وأصوله الفكريللة الراسللخة ل‬
‫يخشى العلم الصحيح الذي يستطيع أن يثبت نفسه بالدلللة الصللحيحة عللبر‬
‫الزمان ‪ ،‬وستسفر المعركة إن وجدت بين السلم والعلللم عللن التقللاء تللام‬
‫على خط واحد بين الصحيح مما نسب إلللى الللدين ‪ ،‬والصللحيح ممللا نسللب‬
‫إلللى العلللم ‪ ،‬وانتصللار السلللم والمفللاهيم السلللمي علللى النظريللات‬
‫والفرضيات الباطلة المنسوبة إلى العلم ‪ ،‬ول ضللير مللن تصللحيح المفللاهيم‬
‫الجتهادية التي فهمها بعللض العلمللاء المسلللمين فللي عصللور مختلفللة ‪ ،‬إذا‬
‫استطاع العلم أن يثبت صحة نظرياته المخالفة لهذه المفاهيم ‪.‬‬

‫وليس هذا تراجعا ً في الدين ‪ ،‬وإنما هللو تصللحيح لخطللاء المجتهللدين‬


‫في تحديد بعللض مفللاهيمه ‪ ،‬بمللا يتوصللل إليلله العلللم مللن حقللائق ‪ ،‬ويظللل‬
‫السلم هو الدين الحق الذي ل يأتيه الباطل من بيللن يللديه ول مللن خلفلله ‪،‬‬
‫وهللو ل يتحمللل بحللال مللن الحللوال جريللرة أخطللاء المفسللرين لنصوصلله‬
‫‪،‬والمجتهدين في استخراج مفاهيمه ‪.‬‬
‫ومما ل شللك فيله أن المسللمين يتعرضللون فلي هللذا لخطلر حلرب‬
‫تعرضوا لها في تاريخهم الطويل ‪ ،‬إنها حرب قائمة علللى التضللليل الفكللري‬
‫الذي يلبس أثواب العلمانية ‪ ،‬وتقودهللا أجهلزة شللديدة الحللذق فلي صللناعة‬
‫المكايد ‪ ،‬وفي تزويللر الحقللائق العلميللة ‪ ،‬وتزييللف مسللتنداتها ‪ ،‬وفللي يللدها‬
‫المال الكثير ‪ ،‬والجهزة العسكرية العظيمللة ‪ ،‬والمراكللز التعليميللة الكللبرى‬
‫في العالم ‪ ،‬والتنظيمات الحزبية المنبثة في كل قطر ‪ ،‬وهي ل تهللدف إللى‬
‫مجرد الحتلل العسكري في خطة غزوها ‪ ،‬ولكن تهللدف أيض لا ً إلللى احتلل‬
‫الفكار ومراكز العقائد ‪ ،‬واحتلل النفوس ومراكز العواطف ‪ ،‬وتشتري مللن‬
‫داخللل كللل أمللة صللنائع وأجللراء لهللا ‪ ،‬ببللذل المللال ‪ ،‬والوعللود والغللراءات‬
‫ومرضيات الشهوات الفاجرة ‪.‬‬

‫ومع كل هذه الثقال العتادية التي تحملها هذه الحللرب ضللد السلللم‬
‫والمسلمين فإننا واثقون مللن أن العقيللدة السلللمية والمفللاهيم السلللمية‬
‫الصحيحة ستنتصر أخيللرا ً ‪ ،‬علللى كللل الحملت الغازيللة ‪ ،‬لن الحللق مؤهللل‬
‫بطبيعته لن يكون هو المنتصر في آخر المر ‪ ،‬وإن أصابته أثناء معاركه مللع‬
‫الباطل متاعب ومشقات ‪ ،‬وإن سقط من جنوده شللهداء كللثيرون ‪ ،‬ومهمللا‬
‫بدا في أول المر ظهور مزيف للباطل ‪ ،‬إن هذا الظهلور َزب َلد ٌ ل قيمللة للله ‪،‬‬
‫وسيذهب جفاء ‪ ،‬وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض مع مكث الحقللائق‬
‫واستقرارها ‪.‬‬

‫والتاريخ يشهد لهذه الحقيقة ‪ ،‬فقد جاءت من قبل جيوش غازية إلى‬
‫بلد المسلمين ‪ ،‬ففتكت فتكا ً ذريعا ً ‪ ،‬ودمرت تدميرا ً منكرا ً ‪ ،‬ولكنها رجعللت‬
‫في آخر المر تحمل السلم في قلوبهم وفي سلوكها وأعمالهللا ‪ ،‬لقللد غللزا‬
‫الحق الرباني قلوبهللا ونفوسللها وأفكارهللا ‪ ،‬بعللد أن دخلللت غازيللة للله تريللد‬
‫تحطيمه وتدمير كل ما يتصل به ‪.‬‬

‫وكم من رجال مفكرين كانوا ملحدين بالله ‪ ،‬تأثرا ً في مطلع حيللاتهم‬


‫بأفكار اللحاد ‪ ،‬وبتضليلت المؤسسات اللحادية فللي العللالم ‪ ،‬الللتي تلبللس‬
‫العلمانية ‪ ،‬وتحمل أسلحة التقللدم العلمللي والصللناعي ‪ ،‬وشللعارات الثوريللة‬
‫والتغيير القتصادي والجتماعي ‪ ،‬ثلم اتجلله هللؤلء المفكلرون نحلو السللم‬
‫لنقده واقتلعه من جذوره ‪ ،‬لكنهم كانوا في الواقع طلب حقيقللة ‪ ،‬خللدعوا‬
‫بتزييفات المضللين ‪ ،‬فلما درسوا السلم ‪ ،‬وأمعنوا النظللر فللي كتللاب الللله‬
‫القللرآن ‪ ،‬ليسللتخرجوا منلله مللا يحللاربونه بلله ‪ ،‬إذا بهللم يشللهدون الحللق‬
‫فيخشعون لله وإذا بهم يجندون أنفسهم وعلومهم وفلسفاتهم للللدفاع عللن‬
‫السلم ‪ ،‬ولعلء كلمة الله بين الناس ‪ ،‬وإذا بهم يتحولون إلى دعللاة هللدى‬
‫وإيمان ‪ ،‬بعد أن كانوا قد تجندوا فعل ً في جيش دعاة الضللة واللحاد ‪.‬‬

‫وأما تلويح )د‪ .‬العظم( بانتصار اللحللاد تحللت سللتار العلللم ‪ ،‬وقياسلله‬
‫الدين السلمي على غيره ‪ ،‬وقياسه المسلمين على الشللعوب الوروبيللة ‪،‬‬
‫فهو تنبلؤ ٌ منلله يحمللل تفللاؤل ً مفرطلا ً لقضللية اللحللاد ونشللره فللي الرض ‪،‬‬
‫واكتساحه للعقائد اليمانية ‪ ،‬وهذا الفللراط فللي التفللاؤل يطمعلله بلله بعلض‬
‫النتصارات الزمنية التي حققها اليهود على الجيوش العربية ‪ ،‬إذ استطاعت‬
‫دسائسهم أن تعزل السلم والمسلمين الواعين عن المعركة ‪.‬‬

‫وأما ما يسمى بالنظريات العلمية التي وضعت خصيصا ً لدعم قضللية‬


‫اللحاد في الرض فهي نظريات زمنية ‪ ،‬ل تلبث طويل ً حتى تأتي كشللوفات‬
‫علمية جديدة ‪ ،‬ترافقها أوراق نظريات جديدة تلغيهللا إلغللاًء تام لا ً ‪ ،‬وتقللترب‬
‫النظريات الجديدة مللن مواقللع اليمللان خطللوات علميللة سللليمة ‪ ،‬وتخسللر‬
‫قضية اللحاد كثيرا ً من أسلحتها التي تلبس رداء التقدم العلمي والصللناعي‬
‫زورا ً وبهتانا ً ‪ ،‬كما قال الله تعالى سورة )الصف‪ 61/‬مصحف‪ 109/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫م ن ُللورِهِ وَل َلوْ ك َلرِهَ‬
‫مت ِل ّ‬ ‫م َول ٱل ّللل ُ‬
‫ه ُ‬ ‫فُئوا ْ ن ُللوَر ٱل ّلللهِ ِبلأفْ َ‬
‫واهِهِ ْ‬ ‫ن ل ِي ُط ْ ِ‬
‫دو َ‬
‫ري ُ‬‫}ي ُ ِ‬
‫ن{‬ ‫ٱ ْلل َ‬
‫كافُِرو َ‬

‫وأما انتصار قضية اللحاد في أوروبا فقد شرح أسبابه )وولتر‬


‫أوسكار لندبرج( عميد معهد هورمللل منللذ سللنة )‪1919‬م( ‪ ،‬وخللص بالللذكر‬
‫سببين‪:‬‬

‫الول ‪ :‬ما تتبعه بعض الجماعات أو المنظمات اللحادية ‪ ،‬أو الدولة‬


‫‪ ،‬من سياسة معينة ترمي إلى شيوع اللحاد ‪.‬‬

‫الثمماني ‪ :‬المعتقللدات الفاسللدة الللتي تجعللل النللاس منللذ الطفولللة‬


‫يعتقدون بإله على صورة النسان ‪.‬‬

‫وطبيعي أن هذا السبب الثاني غير موجللود فللي العقللائد السلللمية ‪،‬‬
‫لنها قائمة على الحق الموافق للبراهين العقلية والدلة العلمية ‪.‬‬

‫أل فليخفللف )د‪ .‬العظللم( وسللائر الملحللدين مللن تفللاؤلتهم بانتصللار‬


‫قضللية اللحللاد فللي دنيللا المسلللمين ‪ ،‬فللالله مللن ورائهللم محيللط ‪ ،‬وليمللت‬
‫م ولو كرهوا‪.‬‬‫الملحدون بغيظهم إن شاؤوا ‪ ،‬فالله مت ّ‬

‫)‪(2‬‬

‫بكل مجازفة مشحونة بالمغالطة زعم الناقد )د‪ .‬العظم( – لسان‬


‫طائفة من ملحدي هذا العصر – أن السلم والعلم يختلفان ويتنازعللان فللي‬
‫المنهج الذي يجللب اعتمللاده فللي الوصللول إلللى المعللارف والعلللوم ‪ ،‬وفللي‬
‫البحث عن الحقائق ‪.‬‬

‫وقد غدا واضحا ً أن سبيله وسبيل سائر الملحللدين فللي مغالطللاتهم ‪،‬‬
‫أن يقرروا من عنلدهم أملورا ً ينسلبونها إللى السللم ‪ ،‬وملا هلي بلالمفهوم‬
‫الصحيح له ‪ ،‬ليغالطوا الناس بها ‪.‬‬
‫وقد أحصيت في الفصل الول من هذا الكتللاب أصللول مغالطللاتهم ‪،‬‬
‫وهي ترجع إلى تعميم أمر خاص ‪ ،‬أو تخصلليص أمللر عللام ‪ ،‬أو ضللم زيللادات‬
‫وإضافات ليست في الصل ‪ ،‬أو حذف قيللود وشللروط لزمللة ‪ ،‬أو التلعللب‬
‫في معاني النصوص ‪ ،‬أو طرح فكرة مختلقة من أساسللها ‪ ،‬أو تصلليد بعلض‬
‫الجتهادات الضعيفة لبعض العلماء وجعلها هي السلم ‪ ،‬أو التقاط مفللاهيم‬
‫شاذة موجودة عند بعض الفرق التي تنتسب إلى السلم ‪ ،‬أو نسللبة أقلوال‬
‫إلى غير قائليها أو إلى غير رواتها ‪ ،‬أو كتمان أقوال صحيحة وعدم التعللرض‬
‫إليها مع العلم بها وشهرتها ‪ ،‬أو نحو ذلك ممللا يتصللل بهللذا التضللليل القللائم‬
‫على التلعب بالحقائق ‪ ،‬بغية تهديم السلم وعقيدة اليمللان بللالله ‪ ،‬ودعللم‬
‫قضية اللحاد ونشر الكفر والفساد في الرض ‪ ،‬وهم يخدمون في كل ذلك‬
‫مصالح شياطين النس ‪ ،‬مقابل أجر يدفع لهم مللن دمللائهم ودمللاء أمتهللم ‪،‬‬
‫كالهر الذي يلعق المبرد ليجزيه الملبرد ملن قطلرات اللدم ‪ ،‬وليسلت هلذه‬
‫القطرات إل من دماء اللعق ‪ ،‬والتخللدير الللذي يحقللن العللدو بلله أعصللابهم‬
‫كفيل بأن يلغي الحساس بالمل ‪ ،‬ريثما تتم عملية الستنزاف ‪.‬‬

‫ولبيان فساد فرية النزاع بين السلم والعلم نللذكر القللارئ بمللا جللاء‬
‫في الفصل الثاني من هذا الكتاب "الحقيقة بين الدين والعلم" ونزيللده هنللا‬
‫بعض تفصيلت تستدعيها طبيعة الجدال والمناظرة ‪.‬‬

‫لقللد وضللح لللدينا بالبيللان التحليلللي التفصلليلي أن السلللم والعلللم ل‬


‫يختلفان ول يتنازعان فللي المنهللج الللذي يجللب اعتمللاده فللي الوصللول إلللى‬
‫المعارف والعلوم ‪ ،‬وفي البحث عن الحقائق ‪ ،‬على خلف ما افتراه الناقللد‬
‫)د‪ .‬العظم(‪.‬‬

‫إن السلم والعلم الصحيح يسيران علللى منهللج واحللد فللي الوصللول‬
‫إلى المعارف والبحث عن الحقائق ‪ ،‬حتى يصل البحللث إلللى منطقللة عللالم‬
‫الغيب ‪ ،‬فإذا وصللل البحلث إلللى هللذه المنطقللة تللوقفت الوسللائل الحسللية‬
‫وبقي المنهج الستدللي ‪ ،‬وضللمن المنهللج السللتدللي يبحثللان وفللق منهللج‬
‫واحد ‪ ،‬وعنللد الخلف المحتمللل يبللدو الفكللر السلللمي هللو المرجللح بللأدلته‬
‫الستدللية ‪ ،‬وبمفاهيم نصوصه التية من عالم الغيللب نفسلله ‪ ،‬ول بللد مللن‬
‫مراعاة الصول المنطقية العامة لدى فهم دللت هذه النصوص ‪.‬‬

‫ويظل حال التوافق بين السلم والعلم على المنهج السللتدللي فللي‬
‫مسيرة البحث عما في عللالم الغيللب مللن حقللائق ‪ ،‬حللتى تنقطللع الوسللائل‬
‫السلتدللية ‪ ،‬عنلدئذ ٍ يقلول العللم ‪ :‬لقلد انتهلت رسلائلي ‪ ،‬ولكنلي ل أملانع‬
‫احتمال وجود وسائل أخرى قد يأتي عن طريقها معارف وحقائق داخلة في‬
‫عالم الغيللب ‪ ،‬وقللد عجللزت وسللائلي الحسللية والسللتدللية عللن إدراكهللا ‪،‬‬
‫والحكم عليها بإثبات أو نفي ‪.‬‬

‫وهنا يأتي الدين فيقدم ماعني بالرشاد إليه والتعريلف بله ‪ .‬مملا هلو‬
‫داخل في عالم الغيب ‪ ،‬ول تملك الوسائل الحسية والسللتدللية إدراكلله ول‬
‫الحكم عليلله بإثبللات أو نفللي ‪ ،‬ول يملللك العلللم النسللاني هنللا إل أن يللذعن‬
‫للدين ‪ ،‬أو يقول ‪ :‬ل أدري ‪ ،‬لكني علمت أن ما جللاء بلله الللدين ممللا علمتلله‬
‫بوسائلي قد كان حقا ‪.‬‬

‫أما منطقة التكاليف الدينية والتعاليم الشللرعية فهللي أوامللر قيللادة ‪،‬‬
‫يقصد منها بالدرجة الولى امتحان الرادة فللي مجللال الطاعللة والمعصللية ‪،‬‬
‫ويكفي فيها باعتبار الصل أن تكون كيفية تتبع ما تراه القيادة دون مناقشة‬
‫‪ ،‬إل أن السلم كان فللي أوامللره القياديللة حكيملا ً ‪ ،‬إذ راعللى فيهللا مصللالح‬
‫الفراد والجماعات ‪ ،‬وما يحقق لهم سعادة الحيللاة الللدنيا ‪ ،‬إضلافة إلللى مللا‬
‫وعدهم به من أجر عظيم ينالونه في الخرة ‪ ،‬إذا هم رعوها حللق رعايتهللا ‪.‬‬
‫وامتثلوا ما جاء فيها ‪.‬‬

‫لكن الناقد )د‪ .‬العظم( يقول لنا ‪ :‬هذا كلم تقريري منكللم ‪ ،‬ول ينفللع‬
‫في إثبات الحقائق مجرد إيراد أقوال تقريرية خطابيللة عامللة ‪ ،‬غيللر مؤيللدة‬
‫بدلئل واقعية ‪ ،‬وإذ يقول هذا الكلم يصر على طللرح دعللوى التنللاقض بيللن‬
‫السلم والعلم في المنهج الذي يجب اعتماده في الوصلول إللى القناعلات‬
‫والمعارف والعلوم ‪.‬‬

‫وحين نتابع كلمه نجده يفتري على السلم بمجللرد الللدعوى فقللط ‪،‬‬
‫ول يقدم غير كلم تقريري غير مدعم بأي دليل واقعي ‪ ،‬وحينما يللأتي بكلم‬
‫يراه دليل ً نجده في الحقيقللة تقريللرا ً جديللدا ً كللذبا ً ‪ ،‬أو مغلفلا ً بمغالطللة مللن‬
‫مغالطاته ‪.‬‬

‫هذه هي خطته العامة كما رأينا ‪ ،‬ولكن سنكشف كذبه وافتراءه فللي‬
‫قوله لنا ‪ :‬هذا كلم تقريري منكم للتوفيق بين السلم والعلم ‪ ،‬وفي دعواه‬
‫وجود التناقض بين السلللم والعلللم فللي المنهللج الللذي يجللب اعتمللاده فللي‬
‫الوصول إلى القناعات والمعارف والعلوم ‪.‬‬

‫يقول في الصفحة )‪ (22‬من كتابه‪:‬‬


‫"فبالنسبة للدين السللمي ‪ ،‬إن المنهللج القلويم للوصللول إلللى مثللل‬
‫هذه المعارف والقناعات هو الرجوع إلى نصللوص معينللة تعتللبر مقدسللة أو‬
‫منزلة ‪ ،‬أو الرجوع إلى كتابات الحكماء والعلماء الذين درسوا وشرحوا هذه‬
‫النصوص ‪ ،‬أما تبرير العلمية بأسرها فيستند إلى اليمان ‪ ،‬أو الثقللة العميللاء‬
‫بحكمة مصدر هذه النصوص ‪ ،‬وعصمته عن الخطأ ‪ ،‬ومللن نافللل القللول أن‬
‫نردد أن الطريقة العلمية في الوصول إلللى معارفنللا وقناعاتنللا عللن طبيعللة‬
‫الكلون ونشلأته ‪ ،‬وعلن النسلان وتلاريخه ‪ ،‬تتنللافى تماملا ً ملع هلذا المنهللج‬
‫التبللاعي السللائد فللي الللدين ‪ ،‬لن المنهللج العلمللي قللائم علللى الملحظللة‬
‫والستدلل ‪ ،‬ولن التبرير الوحيد لصحة النتائج التي يصل إليها هللذا المنهللج‬
‫هو مدى اتساقها مع بعضها ‪ ،‬ومدى انطباقها على الواقع"‪.‬‬

‫كلم )د‪ .‬العظم( هذا مشحون بالمغالطات والكاذيب ‪.‬‬


‫لقد بدأ كلمه عن المنهج العلمي للوصول إلى قناعات ومعارف عللن‬
‫نشوء الكون وتركيبه وطبيعته ‪ ،‬وعللن تاريللخ النسللان وأصللله وحيللاته خلل‬
‫العصور ‪ ،‬ثم ادعى أن منهج السلللم القللويم فللي كللل هللذه المواضلليع هللو‬
‫دسة أو منّزلة ‪ ،‬وأوهم فللي سللرد‬ ‫الرجوع فقط إلى نصوص معينة تعتبر مق ّ‬
‫كلمه بعد ذلك أنه لم يكن لعلماء المسلمين في هذا المجالت عمل علمي‬
‫إل درس النصوص الدينية وشرحها ‪.‬‬

‫فهل هذه الدعوى تنطبق على الواقع؟ أم هي فرية ومغالطللة قائمللة‬


‫على التعميم؟‬

‫لو كان هللذا الكلم صللحيحا ً بالنسللبة إلللى تركيللب الكللون وطللبيعته ‪،‬‬
‫وتاريخ النسللان وحيللاته خلل العصللور ‪ ،‬فمللن أيللن نشللأت الللثروة العلميللة‬
‫العظيمة في هذه المجالت عنللد المسلللمين ‪ ،‬والللتي كلانت مصللدر انطلق‬
‫الحضارة الحديثة في علومها وبحوثهلا وكشلوفها ومنهجهلا ‪ ،‬بلاعتراف كبلار‬
‫علماء هذه الحضارة نفسها ‪ ،‬وباعتراف كبار مؤرخيها ‪.‬‬

‫هل كانت كل ثروات المسلمين العلمية في هذه المجللالت تفسلليرا ً‬


‫لنصوص دينية ؟‬

‫إن أصغر دارس لعلوم المسلمين يكذب هذه الفريللة ‪ ،‬قللد نجللد فللي‬
‫مقدمة كل علم شواهد دينية تحث على دراسة الكللون ‪ ،‬واكتشللاف صللفاته‬
‫سللننه ‪ ،‬وقللد نجللد فللي ثنايللاه نصوصلا ً دينيللة تشللير إلللى بعللض‬
‫وخصائصه و ُ‬
‫المعارف التي اشتمل عليها ‪ ،‬باعتبارها أحد وسائل المعرفللة ‪ ،‬ولكللن ليللس‬
‫معنى هذا انحصار منهج المعرفة عند المسلمين بتفسللير النصللوص الدينيللة‬
‫وشرحها ‪.‬‬

‫هل علم الكيميلاء اللذي شلق المسلللمون طريقله قللد كلان تفسلليرا ً‬
‫لنصوص قرآنية أو نبوية؟ ومعلوم أن هذا العلم من دراسة طبيعة الكون ‪.‬‬

‫هل علم الفيزياء الذي صحح المسلمون كثيرا ً من نظريات الفلسفة‬


‫فيه قد كان تفسلليرا ً لنصللوص دينيللة ؟ وعلللم الفيزيللاء مللن دراسللة طبيعللة‬
‫الكون ‪.‬‬

‫هل علم الفلللك الللذي بللرز فيلله المسلللمون قللد كللان مجللرد تفسللير‬
‫لنصوص دينية؟ وهذا العلم من دراسة طبيعة الكون ‪.‬‬

‫هل علم التاريخ والجغرافيا لم يكونا غير تفسير لنصوص دينية ؟‬


‫وهما من دراسة طبيعة الرض وتاريخ النسان ‪.‬‬

‫هل علما الطب الذي أبدع فيه المسلمون قد كان مجرد تفسيرات‬
‫لنصوص دينية؟ وهو من دراسة طبيعة النسان وحياته‪.‬‬
‫هل علم الرياضيات العقلية)الحساب – الجبر – الهندسة( وغيره مللن‬
‫العلللوم التجريبيللة والسللتدللية والخبريللة والعقليللة البحتللة قللد كللانت عنللد‬
‫المسلمين مجرد تفسيرات لنصوص دينية واردة في مجالتها؟‬

‫لو أن المسلمين اقتصروا في كل هللذه العلللوم علللى مجللرد تفسللير‬


‫النصوص الدينية – كما زعم الناقد في فريته – لما تجاوزت معللارفهم فيهللا‬
‫بعض القواعد الكلية العامة جدا ً ‪ ،‬ول شك أن ما تدل عليه النصوص الدينية‬
‫يمثل لدى المسلمين مصدرا ً من مصادر المعرفة ‪ ،‬ولكنه ليس كل مصللادر‬
‫المعرفة ‪ ،‬لن النصوص الدينية فللي هللذه المجللالت قللد أرشللدت ووجهللت‬
‫ن التعريللف‬
‫للبحللث ‪ ،‬وقللدمت بعللض قواعللد هللذه المعرفللة ‪ ،‬لكنهللا لللم تتبل ّ‬
‫المباشر بكل قواعد هذه العلوم ‪ ،‬أما المهمة الولللى والساسللية للنصللوص‬
‫الدينية فهي التعريف بالدين ‪ ،‬مبادئه وعقائده وتشريعاته للسلوك النساني‬
‫الفردي والجماعي ‪.‬‬

‫ولما وجد المسلمون الدفع السلمي إلى دراسة الكون ‪ ،‬واسللتنباط‬


‫المعارف والعللوم علن طريللق الملحظللة والتجربللة والسلتدلل ‪ ،‬انطلقلوا‬
‫باحثين في شتى مجالت المعرفة التي تيسرت لهم إبان نهضتهم ‪ ،‬قبل أن‬
‫تثبطهم فترة الركود التي أصابتهم بهجرهم لتعاليم السلم ‪ ،‬وإخلدهم إلللى‬
‫الراحة والكسل ‪ ،‬والستغراق في الشلهوات ‪ ,‬ورضلاهم بأمجلاد الماضلي ‪،‬‬
‫إضافة إلى عوامل أخرى خارجية عنهم ‪ ،‬أوقفت عجلة تقدمهم ‪.‬‬

‫فما افتراه )د‪ .‬العظم( علللى المنهللج السلللمي هللراء ظللاهر صللنعته‬
‫المغالطللة التعميميللة ‪ ،‬ولكشللف زيفلله وافللتراءاته نفصللل منهللج السلللم‬
‫للوصول إلى المعرفة ‪.‬‬

‫)‪(3‬‬
‫منهج السلم للوصول إلى المعرفة‬

‫إن المنهج الذي رسمه السلم للوصول إلى معرفة حقائق المور‬
‫هو المنهللج المثللل فللي تاريللخ الفكللر النسللاني ‪ ،‬بتحديللد أصللوله وقواعللده‬
‫العامة ‪.‬‬

‫وقللد كللانت أسللس النهضللة العلميللة عنللد المسلللمين هللي المرشللد‬


‫والباعث للنهضة العلمية الوروبية الحديثللة ‪ ،‬لسللنا نقللول هللذا علللى سللبيل‬
‫التفاخر ‪ ،‬وإنما نقوله تبيانا ً للحق الذي اعترف به وأعلنه مؤرخو الحضارات‬
‫النسانية من غير المسلمين ‪ ،‬ل سيما بعد أن وجد من أبنللاء جلللدتنا أجللراءُ‬
‫لعداء السلم ‪ ،‬يحاولون بالمغالطة والتزوير طمس الحقائق ‪ ،‬والقيام في‬
‫العالم العربي بعملية زلزال فكللري ‪ ،‬يقصللد منلله خلللط المعللارف الثابتللة ‪،‬‬
‫صورها ‪ ،‬وتقويض أبينتها ‪ ،‬وإقامة أبنية جديدة مكانها ‪ ،‬ولكنهللا فللي‬ ‫وتشويه ُ‬
‫هذه المرة لن تكون صالحة لهلها ‪ ،‬وإنما تكون للشياطين ومعهللم القللردة‬
‫والخنازير ‪.‬‬
‫يقوم الفكر السلمي أساسا ً على أن المعرفة الصحيحة هي ما كللان‬
‫مطابقا ً للواقع والحقيقة ‪ ،‬فما كان مطابقا ً للواقع والحقيقة فهو حلق ‪ ،‬وملا‬
‫لم يكن مطابقا ً للواقع والحقيقة فهو باطل ‪ .‬وقد تكون الصورة الفكريللة أو‬
‫القولية مطابقة للواقع والحقيقة من بعض الوجوه ‪،‬ومخالفة لها مللن بعللض‬
‫الوجوه ‪،‬فيكون فيها من الحق علللى مقللدار المطابقللة ومللن الباطللل علللى‬
‫مقدار المخالفة ‪.‬‬

‫هذا هو الساس الول للمعرفة في الفكر السلمي ‪.‬‬

‫وبعللد هللذا السللاس الول تللأتي قاعللدة كليللة وراءه ‪ ،‬وهللي أن كللل‬
‫وسيلة صحيحة تعطينا صورة صادقة عن الواقع والحقيقة هي وسيلة يجللب‬
‫العتماد عليها ‪ ،‬والثقة بها في تحصيل المعرفة ‪ ،‬وإذا لم تسللتطع الوسللائل‬
‫أن تعطينللا صللورة صللادقة عللن الواقللع والحقيقللة بشللكل قطعللي ‪ ،‬فللإن‬
‫الضرورة تدعونا في الواقع النساني إلى قبول الصور التي ترجح مطابقتها‬
‫للواقع بصورة ظنيللة ‪ ،‬وذلللك ريثمللا يللأتي مللا هللو أقللوى ‪ ،‬أو تللأتي الصللورة‬
‫المطابقة للواقع بيقين ‪ .‬والمرجح الول والخير دائما ً هو الواقع والحقيقة ‪،‬‬
‫وبهما تقاس النتائج ‪.‬‬

‫ونجد هذا في أوائل متون العلوم التي كتبها المسلمون ‪ ،‬إذ يقللررون‬
‫أن العلم هو الصللورة الذهنيللة المطابقللة للواقللع ‪ ،‬أو هللو الدراك المطللابق‬
‫للواقع ‪ ،‬وإذ يقلررون أن الصلدق هلو الكلم المطلابق للواقلع ‪ ،‬وإذ يقلرون‬
‫جواز العلم بالحتمال الراجح إذا لم يتوافر لنا اليقين ‪.‬‬

‫ومن هذا يتبين لنا أن الواقع على ما هو عليله فلي حقيقلة أملره هلو‬
‫المرجع الول والخير للمعرفة في الفكر السلمي ‪ ،‬وما عدا ذلك ممللا للله‬
‫صلة باكتساب المعرفة فل يعدو أنه من قبيل الوسائل التي قد توصل إليهللا‬
‫‪.‬‬

‫وهذا من الوليات المنطقية في الفكر السلمي ‪ ،‬المبينة في متللون‬


‫العلللوم السلللمية ‪ ،‬والمنصللوص عليهللا فللي مصللادر الشللريعة السلللمية ‪،‬‬
‫والمهتدى بهديها فيما استخرجه المسلمون من معللارف ‪،‬وفيمللا كتبللوا فيلله‬
‫من علوم ‪.‬‬

‫* وسائل المعرفة ‪:‬‬


‫أما وسائل التي وضعها السلم في منهجه للوصول إلى المعارف‬
‫فبيانها فيما يلي ‪:‬‬

‫الوسيلة الولى ‪ :‬هللي وسلليلة الدراك الحسللي المباشللر أو عللن‬


‫طريق الجهزة ‪،‬وذلك متى شهد العقللل بصللحة هللذا الدراك وسلللمته مللن‬
‫الخلل ‪ ،‬فحينما تشهد الحواس النسلانية ظللاهرة كونيلة وتتوافلق الحللواس‬
‫السليمة في إدراكهللا ‪ ،‬تغللدو الصللورة الللتي قللدمتها صللورة علميللة مقبولللة‬
‫ضمن الحدود التي قدمتها ‪ ،‬وضمن الصورة التي نقلتها ‪.‬‬

‫وباستخدام هذه الوسيلة قرر المسلمون في علومهم حقللائق كللثيرة‬


‫ت بها نصوص شرعية ‪ ،‬ول رجعوا فيها إلى تفسيرات نصوص شللرعية‬ ‫لم تأ ِ‬
‫وشللروح لللدللتها ‪ ،‬كمللا زعللم الناقللد )د‪ .‬العظللم( فللي نقللده القللائم علللى‬
‫المغالطات والكاذيب ‪.‬‬

‫وهل الملحظة التي ُيعتمد عليها في مناهللج البحللث العلمللي إل تتبللع‬


‫الظواهر بالدراك الحسي ‪ ،‬ورصدها ومحاولة تفسيرها؟‬

‫أفل يحق لنا أن نقول ‪ :‬إن مناهللج العلللوم الحديثللة قللد اقتبسللها مللن‬
‫مناهج البحللث عللن المسلللمين ‪ ،‬الللذين أخللذوا بهللا إذ حثهللم السلللم علللى‬
‫استخدامها ‪ ،‬للتعرف على الظللواهر الكونيللة ‪ ،‬ومللا فللي عللالم الحللس مللن‬
‫حقائق ‪،‬ولتكون مادة يستدل منها على قوانين الكون وسننه وخفاياه؟‬

‫ولئن أنكر )د‪ .‬العظم( هذه الحقيقة فقد اعترف بها كت ّللاب كبللار مللن‬
‫مللؤّرخي الحضللارة الوروبيللة الحديثللة وعلمائهللا ‪ ،‬وأعلنللوا فضللل حضللارة‬
‫المسلمين على الحضارة الحديثة ‪ ،‬في مناهجها وفي نتائجها‪.1‬‬

‫الوسيلة الثانيممة ‪ :‬هللي وسلليلة السللتدلل العقلللي ‪ ،‬وللسللتدلل‬


‫العقلي أصول وضوابط معروفة مدروسة في الفكر السلمي ‪ ،‬ومعطيللات‬
‫هذا الستدلل ل تكون علوما ً مقطوعلا ً بهللا مللا لللم تكللن يقينيللة غيللر قابلللة‬
‫لحتمال النقض ‪ ،‬وإل كانت درجة قبولها مناسبة لدرجة قوة الحتمال الذي‬
‫رجحه الستدلل ‪.‬‬

‫ويعتمد الستدلل العقلي على التجربة والستقرار والتأمل العقلي‬


‫المجرد ‪،‬الذي يعطي أحكاما ً منطقية جازمة ‪ ،‬أو أحكاما ً منطقية راجحة ‪.‬‬

‫وإذا لم نقل ‪ :‬إن هذه الوسيلة قد اقتبسها علماء النهضللة الحضللارية‬


‫الحديثللة مللن المسلللمين ‪ ،‬فل أقللل مللن أن نقللول بالتفللاق فللي المنهللج ‪،‬‬
‫ومعلوم أن المسلمين كانوا هم السبق في الواقع التاريخي ‪.‬‬

‫وكان لسللتخدام هلاتين الوسلليلتين ‪) :‬الدراك الحسلي ‪ ،‬والسلتدلل‬


‫العقلي( في الفكر السلمي معطيات علمية واسعة ‪ ،‬في مختلف مجللالت‬
‫العلللوم الطبيعيللة والنسللانية ‪ ،‬فللالدراك الحسللي يحللدد الملحظللة ومللع‬
‫الملحظة أو بعدها أو قبلها أحيانا ً تستخدم التجربللة ‪ ،‬ومللن ورائهمللا ينشللط‬
‫الستدلل العقلي ‪.‬‬

‫وبذلك دّون علماء المسلمين في علوم الكيمياء ‪ ،‬والفيزيللاء والطللب‬


‫والفلللك والرياضلليات )الحسللاب والجللبر والهندسللة( والجغرافيللا ‪ ،‬والتاريللخ‬

‫انظر كتاب "أسس الحضارة السلمية ووسائلها" ‪ ،‬للمؤلف ‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫مدونات كبيرة وكثيرة ‪ ،‬أثبتوا فيها معطيات منهجهم العلمي ‪،‬إضافة إلى ما‬
‫نقلوه عن غيرهم من منجزات الحضارات السابقة في هذه المجالت ‪.‬‬

‫ف لكشللف‬ ‫إن عرض هذه الحقيقة وحللدها عللن الفكللر السلللمي كللا ٍ‬
‫التزييف الحقير الذي صنعه الناقللد )د‪ .‬العظللم( العميللل لمنظمللات عالميللة‬
‫تخدم الصهيونية في الللوطن العربللي ‪ ،‬إذ زعللم أن منهللج الفكللر السلللمي‬
‫للوصول إلى القناعات والمعارف عن طبيعة الكون وتركيبه ونشوئه ‪ ،‬وعن‬
‫تاريخ النسان وأصله وحياته خلل العصور ‪ ،‬هو الرجوع فقط إلللى نصللوص‬
‫معينة تعتبر مقدسة أو منّزلللة ‪ ،‬أو الرجللوع إلللى كتابللات الحكمللاء والعلمللاء‬
‫الذين درسوا وشرحوا هذه النصوص ‪.‬‬

‫والغريب في أمره – وهو لسان مللن ألسللنة كتللائب الملحللدين – أنلله‬


‫يصنع التزييف ‪ ،‬ويغالط به ‪ ،‬ثم يقرره حقيقة واقعة ‪ ،‬ثم يوجه الدانة علللى‬
‫أساسه ‪ ،‬ثم ُيصدر حكمه القاطع الذي ل استئناف فيلله ‪ ،‬وينهللي المحاكمللة‬
‫هكذا بكل بساطة ‪.‬‬

‫وطبيعي أن يتخللذ الملحللدون هللذه الخطللة ‪ ،‬إذ ل ديللن يردعهللم ‪ ،‬ول‬


‫ده" أي ‪:‬‬‫أخلق تضللبطهم ‪ ،‬وخطتهللم هللذه ينطبللق عليهللا المثللل "زن ّللاه فحل ّ‬
‫اتهمه بالزنى كذبا ً وزورا ً ‪ ،‬فأقام عليه الحد مباشرة دون بّينات ‪.‬‬

‫فلما قرر )د‪ .‬العظم( فريته عن الفكللر السلللمي وعللن منهجلله فللي‬
‫تحصيل المعارف ‪ ،‬وصنع المغالطة كما راق للله ‪ ،‬قللال فللي الصللفحة )‪(22‬‬
‫وما بعدها من كتابه‪:‬‬

‫"لذلك نجد أنظار المؤمنين دائما ً موجهة إلى الوراء ‪ ،‬إلى تلك الفترة‬
‫التي يعتقدون أنه تم فيها كشف هذه الحقائق والمعارف من قبل الله ‪،‬عن‬
‫طريق الملئكللة والرسللل ‪ ،‬وينتللج عللن ذلللك أن وظيفللة المللؤمن والحكيللم‬
‫والفيلسوف والعالم ليست اكتشاف حقائق جوهريللة جديللدة ‪ ،‬أو اكتشللاف‬
‫معارف هامة لم تكن معروفة من قبل ‪ ،‬وإنما العمل للوصللول إلللى نظللرة‬
‫أعمق ‪،‬وفهم أشمل للنصللوص المنزلللة ‪ ،‬والعمللل للربللط بيللن أجللزاء هللذه‬
‫النصوص وتأويلها ‪،‬ومن ثم تأويل التأوليات ‪ ،‬حتى تستنبط معانيها الدفينة ‪،‬‬
‫ويتوصل إلللى الحقللائق والمعللارف الكامنللة فيهللا منللذ الزل ‪ ،‬وهللذا العمللل‬
‫ضروري وجوهري استنادا ً إلى الية القرآنية‪} :‬وما فرطنا فللي الكتللاب مللن‬
‫شيء{‪ ،‬فل عجب إذن إذا وجدنا التاريللخ الفكللري للللدين يتللألف دائملا ً مللن‬
‫تفاسير وشروح ‪ ،‬وشروح لشروح الشروح"‪.‬‬
‫هللذا مللا قللاله حرفيللا ً ‪ ،‬فهللل ينطبللق علللى واقللع العلللوم الطبيعيللة‬
‫والرياضية والنسللانية الللتي دّونهللا المسلللمون ‪ ،‬واكتشللفوا فيهللا وأبللدعوا ‪.‬‬
‫دة الفكر الوروبي الحديث في هذا المضمار؟!‬ ‫وكانوا را َ‬

‫إنه كلم ل يقبله أصغر طلبة العلوم السلمية ‪ ،‬أمللا أن يعللرض علللى‬
‫العالم السلمي في كتاب مطبوع فللذلك هللو البهتللان المللبين ‪ ،‬والسللتهانة‬
‫بعلماء المسلمين ‪ ،‬والستخفاف بالجيال الحديثة الللتي يتصللور الناقللد أنهللا‬
‫غللدت تتقبللل كللل زيللف وكللذب ومغالطللات ‪ ،‬دون تحريللر ول تمحيللص ‪ ،‬أل‬
‫فليعلم أن في الجيال المسلمة الحديثة مؤمنين مفكرين ‪ ،‬قادرين على أن‬
‫يكشفوا الزيف المقنع بالقنعة الكثيرة ‪ ،‬فضل ً عن الزيف المكشوف ‪.‬‬

‫الوسيلة الثالثة ‪ :‬هي وسيلة الخبار الصادقة ‪ ،‬وهذه الوسيلة‬


‫ركن من أركان وسائل اكتساب المعارف النسللانية ‪ ،‬ومعلللوم أن النسللان‬
‫ملجللأ بالضللرورة إللى العتمللاد عللى الوسلليلة الخباريللة ‪ ،‬فللي كللل أمللر ل‬
‫يسللتطيع أن يصللل إلللى معرفتلله بنفسلله عللن طريللق الدراك الحسللي أو‬
‫الستدلل العقلي ‪ ،‬إن العلوم التاريخية تعتمد على المسللتندات الخباريللة ‪،‬‬
‫بوصللفها وسلليلتها الكللبرى ‪ ،‬وكللل تللدوين ليللة حقيقللة علميللة توصللل إليهللا‬
‫النسان إنا هو حكاية خبرية لما توصللل إليلله ‪ ،‬ورواد الفضللاء حينمللا وصلللوا‬
‫إلى القمللر وعلادوا نقلللوا إلينللا مشلاهداتهم وملحظللاتهم نقل ً خبريلا ً ‪ ،‬وقللد‬
‫يدعمون أخبارهم بالمصورات ‪ ،‬وقللد ل يللدعمون ‪ ،‬والمللدرس حينمللا يلقللي‬
‫على طلبه فللي معاهللد العلللم سلسلللة المعللارف ‪ ،‬إنمللا ينقلهللا إليهللم نقل ً‬
‫خبريا ً ‪ ،‬وكل الناس يتعاملون فيما بينهم ويكون العنصر الخباري أهم عنصر‬
‫في تعاملهم ‪.‬‬

‫وهذه الوسيلة الخبارية هي الوسيلة التي اعتمد عليها الدين ‪ ،‬في‬


‫نقل الشرائع الربانية للناس ‪ ،‬وفي نقل سللائر التعللاليم والبيانللات الدينيللة ‪،‬‬
‫والمعللارف الغيبيللة ‪ ،‬عللن طريللق الرسللل والنبيللاء المؤيللدين بللالمعجزات‬
‫وخوارق العادات ‪ ،‬شهادة من الله لهم بأنهم صادقون فيما يبلغللون ربهللم ‪،‬‬
‫وكذلك وجه السلم للعتماد عليها في تحصيل كثير من المعار التي توصل‬
‫إليها العلماء بمسالكهم ‪ ،‬وأمر بسؤال أهل الذكر ‪.‬‬

‫ولما كانت الوسيلة الخبارية وسيلة قد يدخلها الكذب‪ 1‬أو الوهم فللي‬
‫نقل الخبر ‪ ،‬إذا كان المخبر إنسللانا ً عاديلا ً غيللر مؤيللد بللالمعجزة ‪ ،‬أي ‪ :‬غيللر‬
‫معصوم عن الكذب أو الخطأ ‪ ،‬وضع السلم منهجا ً دقيق لا ً جللدا ً فللي تحللري‬
‫الخبار ‪ ،‬وفي تمييز مستوياتها – ثقة وضبطا ً وفي اتخاذ ما يجب اتخاذه من‬
‫احتياطللات وتحفظللات‪ ، -‬ونهللض علمللاء المسلللمين بللالتحرير والتمحيللص ‪،‬‬
‫وكان لهم في هذا المجال أدق الضوابط ‪ ،‬وأكثرها سلمة وإتقانا ً ‪ ،‬ل سلليما‬
‫ما يتعلق منها بنقل النصوص الدينية ‪ ،‬وأعرض فيما يلي فكرة وجيللزة عللن‬
‫منهج السلم بالنسبة إلللى المسللتندات الخباريللة ‪ .‬ليكشللف القللارئ مللدى‬
‫مغالطات الناقد )د‪ .‬العظم( حول منهج السلم‪.‬‬

‫يتلخص المنهج السلمي بالنسبة إلى المستندات الخباريللة بتقسلليم‬


‫الخبر إلى خمسة أقسام رئيسية‪:‬‬

‫* القسم الول ‪ :‬الخبر المقطوع بصدقه ‪.‬‬


‫* القسم الثاني ‪ :‬الخبر الذي يترجح جانب احتمال الصدق فيه‬
‫على جانب احتمال الكذب ‪.‬‬

‫كما يصنع )العظم( فيما ينقل من أخبار ‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫* القسم الثالث ‪ :‬الخبر الذي يترجح جانب احتمال الكذب فيه‬
‫على جانب احتمال الصدق ‪.‬‬
‫* القسم الرابع ‪ :‬الخبر المقطوع بكذبه ‪.‬‬
‫* القسم الخامس ‪ :‬الخبر المشكوك فيه ‪.‬‬

‫أما القسلم الول وهلو الخلبر المقطلوع بصلدقه فيجلب قبلوله عقل ً‬
‫وشرعا ً ‪ ،‬لنه خبر ل يخللالطه احتمللال الخطللأ أو الكللذب عقل ً ‪ ،‬وقللد أوضللح‬
‫السلم أنه ل بد أن يأتي عن أحد مسلكين‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن يخبر بالخبر جمع من الناس يستحيل في مقياس العقل‬
‫السليم اتفاقهم على الكذب فيه ‪ ،‬ويكون ذلك حينما يروي الخبر جمع غفير‬
‫من الناس تباينت أغراضهم ‪ ،‬وافترقت مصالحهم وكللانوا بحالللة ل يجمعهللم‬
‫فيها على الكذب جامع ‪.‬‬

‫ويحلق به ما تواردت عليه مجموعة مللن شللواهد النقللول الخباريللة ‪،‬‬


‫ودلئل الثار الرضية والكتابية ‪ ،‬والمصورات والتسجيلت الصوتية ‪ ،‬وبعللض‬
‫الستدللت والستنتاجات العقلية ‪ ،‬حللتى يصللبح التسللليم بمضللمون الخللبر‬
‫أمرا ً حتميا ً ل شك فيه لدى العقلء المنصفين ‪ ،‬وحللتى يصللل فللي نفوسللهم‬
‫إلى درجة اليقين ‪.‬‬

‫والعتماد على مجموعة الدلئل المختلفللة يجللب أن يكللون مصللحوبا ً‬


‫بالتبصر العقلي ‪ ،‬وبالتمحيص الكامل والحتياط التللام ‪ ،‬حلتى يشللهد العقللل‬
‫بنفي احتمال التزوير في الوثائق ‪ ،‬أو الخطأ أو الكذب في الخبار ‪.‬‬

‫وبهذا المسلك المقطوع به شرعا ً وعقل ً حفللظ الللله القللرآن الكريللم‬


‫من التحريف والتبلديل ‪ ،‬إذ تكفلل بحفظله فلأعلن فلي سلورة )الحجلر‪15/‬‬
‫مصحف‪ 54/‬نزول(‪ :‬قوله ‪:‬‬
‫ن{‬ ‫حافِ ُ‬
‫ظو َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن ن َّزل َْنا ٱل ّ‬
‫ذلك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫ح ُ‬
‫}إ ِّنا ن َ ْ‬

‫الثاني ‪ :‬أن يرد الخبر على لسان نبي من أنبياء الله تعالى أو رسوله‬
‫من رسله ‪ ،‬وقد أحاط الله النبياء والرسل الذين يبلغون عنه بوضللع يجعللل‬
‫التسليم بنقولهم وأخبارهم عن الله قضية مقطوعا ً بها عند كللل المنصللفين‬
‫من العقلء ‪ ،‬ذلك بسبب مللا صللانهم بلله مللن العصللمة عللن الكللذب وسللائر‬
‫المعاصي ‪ ،‬وبسبب ما أيدهم به من المعجزات الباهرات التي ل يأتي بها أو‬
‫بمثلهللا إل رسللول مؤيللد مللن عنللد الللله ‪ ،‬ومصللدق مللن قبللله بلسللان حللال‬
‫المعجزات ‪ ،‬فالمعجزات التي يجريها الله عللى أيلدي رسلله وأنبيلائه دليلل‬
‫قاطع على صدق رسالتهم ‪ ،‬وصدق أخبارهم التي يخبرون بها عن ربهم ‪.‬‬

‫فمتى ورد الخبر عن طريق أحد هذين المسلكين كان مقطوعا ً به‬
‫ووجب تصديقه ‪.‬‬

‫ولكن ل بد من التمييز بين لفظ الخللبر وبيللن مضللمون الخللبر ‪ ،‬فللإذا‬


‫أثبت المستند الخبري قطعية الصدق في لفظ الخبر فليس معنللى ذلللك أن‬
‫تحديد معنى اللفظ أمر مقطوع به أيضا ً ‪ ،‬إن تحديد المعنى قضللية ثانيللة ‪،‬ل‬
‫بد لها من مستند آخر يحدد المعنى بصفة قطعية غير قابلة لحتمال التأويل‬
‫‪ ،‬فإذا تم تحديد المعنى بصفة قطعيللة وجللب حينئذٍ التسللليم بلله عقل ً ‪ ،‬كمللا‬
‫وجب التسليم بصحة نقل لفظ الخبر قطعا ً ‪ ،‬وهللذا مللا يطلللق عليلله علمللاء‬
‫أصول الفقه السلمي عبارتي ‪" :‬قطعي الثبوت ‪ ،‬قطعي الدللة"‪.‬‬

‫أما إذا كان تحديد المعنى غير مقطوع به فإنهم يطلقون عبارتي‬
‫"قطعي الثبوت ‪ ،‬ظنللي الدللللة" ‪ ،‬وفللي هللذه الحالللة يجللب التسللليم عقل ً‬
‫وشرعا ً بصحة نقل لفظ الخبر ‪ ،‬وتبقى الدللللة فللي مسللتوى الرجحللان ‪ ،‬أو‬
‫قيد الدراسة والبحث لتحديد المعنى ‪.‬‬

‫وقد تكون دللة النص المقطوع بثبوته مبهمة غير واضحة أص ً‬


‫ل‪.‬‬

‫فل تلزم بين كون النص قطعيا ً وكون معناه قطعيا ً أيضا ً ‪ ،‬بل ل بد‬
‫في ذلك من اتباع منهج علمي دقيللق أوضللحه علمللاء المسلللمين فللي علللم‬
‫أصول الفقه السلمي ‪.‬‬

‫من أجل ذلك ليس لحد أن يغللالط فللي دللت النصللوص القاطعللة ‪،‬‬
‫اعتمادا ً على ثبوت لفظها ثبوت لا ً قطعي لا ً ‪ ،‬إن لفهللم النصللوص منهج لا ً دقيق لا ً‬
‫وضع له علماء المسلمين علما ً قائما ً بذاته ‪ ،‬إنه علم أصول الفقه ‪.‬‬

‫وتظل المفاهيم الجتهاديللة المللأخوذة مللن دللت النصللوص مفللاهيم‬


‫احتمالية راجحة ‪ ،‬قابلة للنقلض أو التعلديل بأدللة أقلوى ملن أدلتهلا ‪ ،‬حلتى‬
‫تتوافر الدلة التي تفيد القطع بصحة هذه المفاهيم ‪ ،‬وعدم قابليتها للنقللض‬
‫أو التعديل بحال من الحوال ‪ ،‬عنللدئذٍ يغللدو معنللى النللص قطعيلا ً ‪ ،‬وعنللدئذٍ‬
‫يصللح أن يوصللف بللأنه قطعللي الثبللوت قطعللي الدللللة ‪ ،‬أو قطعللي اللفللظ‬
‫قطعي المعنى ‪.‬‬

‫وربما يتوافر المستند الخباري القاطع بتحديد فكرة من الفكللار ‪ ،‬أو‬


‫معنللى مللن المعللاني ‪ ،‬دون أن تللأتي هللذه الفكللرة أو المعنللى بلفللظ واحللد‬
‫قطعللي الثبللوت ‪ ،‬وعنللدئذ ٍ تكللون القطعيللة للمعنللى أو للفكللرة ل للنللص‬
‫اللفظي ‪ ،‬وهذا ما يسمونه المتواتر بالمعنى ‪ ،‬إذ يرد الخبر بعللد ألفللاظ كللل‬
‫واحد منها خبر راجح ل قطعي ‪ ،‬إل أن معناها بالمعنى ‪ ،‬إذ يرد الخللبر بعللدة‬
‫ألفاظ كل واحد منها خبر راجح ل قطعي ‪ ،‬إل أن معناها جميعا ً واحدا ً ‪ ،‬فإذا‬
‫كانت عدة هذه الخبار من قبيل المتللواتر الللذي يسللتحيل اتفللاق المخللبرين‬
‫فيها على الكذب كان المعنى الذي دلت عليه مقطوعا ً به ‪ ،‬لنه خبر متواتر‬
‫بالمعنى ‪.‬‬

‫وأما القسم الثاني وهو الخبر الذي يترجح صدقه على كذبه فهو خبر‬
‫يوثق به في منهج السلم وثوقا ً ترجيحيا ً ‪ ،‬قابل ً لحتمال النقض أو التعللديل‬
‫بدليل أقوى منه ‪ ،‬ول يوثللق بلله وثوق لا ً إلزامي لا ً قاطع لا ً ‪ ،‬لحتمللال الخطللأ أو‬
‫الكذب فيه ‪ ،‬وإن كان بحسب الظاهر احتمال ً ضعيفًا‪.‬‬
‫وأما القسم الثالث ‪ :‬وهو الخبر الذي يترجح احتمال كذبه على‬
‫احتمال صدقه ‪ ،‬فهو خبر معزول عن الثقة به عزل ً ترجيحي لا ً قللابل ً لحتمللال‬
‫التوثيق بمعاضدة أدلة أخرى ‪ ،‬ول يرفض رفضا ً نهائيلا ً مبتوتلا ً بلله ‪ ،‬لحتمللال‬
‫براءته من الكذب أو الخطأ ‪ ،‬وإن كان بحسب الظاهر احتمال ً ضعيفا ً ‪.‬‬

‫وهذا القسم يقابل تماما ً القسم الثاني في كل أحكامه ‪.‬‬

‫وأما القسم الرابع وهو الخبر المقطوع بكذبه حسا ً أو عقل ً فهو خللبر‬
‫مرفوض بصفة قطعية ‪.‬‬

‫ولكن قد يكون الكذب في رواية اللفظ فقللط ‪ ،‬مللع صللحة المعنللى ‪،‬‬
‫وفي هذه الحالة ل نرفض المعنى من أجل ثبوت الكللذب فللي اللفللظ ‪ ،‬بللل‬
‫نقتصر على رفض اللفظ فقط ‪ ،‬وننظر إلى المعنى مللن خلل أدلللة أخللرى‬
‫خبرية أو حسية أو استدللية ‪.‬‬

‫وأما القسم الخامس وهو الخبر المشكوك فيه ‪ ،‬أي ‪ :‬ما استوى فيه‬
‫طرفا التصديق والتكذيب من غير رجحان لحدهما على الخر ‪ ،‬فهو خللبر ل‬
‫يحكم عليه بإثبات ول بنفي ويوضللع قيللد الدراسللة والبحللث ‪ ،‬حللتى يللرد مللا‬
‫يرجح تصديقه أو تكذيبه ‪.‬‬

‫ومنهج السلم في العتمللاد علللى المسللتندات الخباريللة يبتللدئ بمللا‬


‫يمكن أن نسميه بالوحدة الخبارية ‪.‬‬

‫والوحدة الخبارية هي الراوي الواحد حينما ينقل لنا خبرا ً من الخبار‬


‫‪ .‬ولهذه الوحدة الخبارية في منهج السلم شروط ل بد من توافرهللا حللتى‬
‫تكون أنباؤها مؤهلة لتجريح صدق الخللبر ‪ ،‬وحللتى تكللون مائلللة إلللى جللانب‬
‫القبول ‪ ،‬وهي ثلثة شروط‪:‬‬

‫‪ -1‬العدالللة ‪ ،‬وهللي أن ل يعهللد علللى الللراوي الكللذب أو المعصللية‬


‫الظاهرة ‪.‬‬
‫حملت ‪ ،‬دون نسيان أو‬ ‫‪ -2‬الهلية الفكرية لتحمل الخبار ونقلها كما ُ‬
‫اضطراب ‪ ،‬أو زيادة أو نقص ‪.‬‬
‫‪ -3‬اتصال الراوي بمصدر الخبر أو بمن وراه له ‪.‬‬

‫وهذه الشروط تستدعي الملحظة الدقيقللة لللرواة الخبللار ‪ ،‬والنظللر‬


‫في أحوالهم الفكرية والخلقية والسلوكية ‪ ،‬للتأكد من أن أخبللارهم صللالحة‬
‫للقبول ‪ ،‬وتستدعي أيضا ً النظر فللي صلللتهم بمصللدر الخللبر ‪ ،‬أو بمللن رواه‬
‫لهم ‪،‬وهنا تتسع مشكلة البحث العلمي في تراجم الرجال ‪ ،‬وتتّبع أحوالهم ‪،‬‬
‫وتمحيصهم ‪ ،‬لكشللف الموثللوقين الللذين تقبللل أخبللارهم ‪ ،‬وتمييللز الضللعفاء‬
‫والوضاعين ‪ ،‬وتحديد درجة كل منهم في القبول أو الرفض ‪ ،‬ونحو ذلك من‬
‫البحوث ‪.‬‬
‫وهذا عمل يحتاج إلى جهود مضنية وتحريات واسعة ‪ ،‬وقللد تضللافرت‬
‫فعل ً جهود علماء المسلمين المضنية ‪ ،‬للضطلع بهذه المهمة الكبيرة على‬
‫أحسن وجه عرفه التاريخ ‪ ،‬فحرروا ما نقل عن الرسول صلوات الله عليلله‬
‫تحريرا ً لم يسبقوا إلى مثله ‪ ،‬وتفوقوا في أعمالهم من أجل تحريللر الخبللار‬
‫وتنقيحها وتصنيفها على كل أمة نقلت أخبارها ‪ ،‬واعتنللت بتحريرهللا ‪ ،‬لللذلك‬
‫فل نجد لدى أية أمة من المم ول شعب من الشعوب ذخائر علمية منقوللة‬
‫بالخبار الصحيحة الموثوقة مثلما نجد لدى علماء المسلمين ‪ ،‬وذلك بسبب‬
‫وضوح المنهج الذي اتبعوه في التثبت من صحة الخبار ‪ ،‬أو الحكم بأرجحية‬
‫صدقها ‪.‬‬

‫وقد تكفل علم مصطلح الحديث بتحديد هذا المنهج وتحريره وبيانه ‪،‬‬
‫فلت كتب تراجم الرجللال ببيللان‬ ‫وتفصيل مسالكه على أحسن وجه ‪ ،‬كما تك ّ‬
‫أحوالهم وأوضاعهم ‪ ،‬ودرجة الثقة برواية كل منهللم ‪ ،‬والعصللر الللذي عللاش‬
‫فيه ‪ ،‬إلى غير ذلك مما تستدعيه أصول البحث السليم ‪.‬‬

‫ومما هو طريللق فللي هللذا الموضللوع أن العلمللاء الغربييللن فللي هللذا‬


‫العصر قد وجدوا أنفسهم مضطرين للهتداء بهللدي المنهللج السلللمي فللي‬
‫تحرير الخبار وتنقيحها ‪ ،‬واتباع الصول السلمية المقررة فيه ‪ ،‬إل أنهللم ل‬
‫يسللتطيعون اسللتيفاء الشللروط السلللمية فللي بحللث عدالللة الللرواة لللدى‬
‫التطبيق العملي ‪ ،‬لنه ليس لديهم أي مستند يكشللف لهللم أحللوال رجللالهم‬
‫الغللابرين ‪ ،‬حللتى يرجعللوا إليلله فللي تمحيللص صللادق الخبللار مللن كاذبهللا ‪،‬‬
‫وصادقي الرجال من كاذبيهم ‪.‬‬

‫والمنهج السلمي ل يكتفي في كل الموضللوعات بالوحللدة الخباريللة‬


‫الواحدة المقبولللة للحكللم برجحللان صللدق الخللبر والعمللل بمللوجبه ‪ ،‬ولكللن‬
‫القضية في منهج السلم تتبع الموضوع الذي يتناوله الخبر ‪ ،‬فمللا كللل خللبر‬
‫يترجح صدقه يصلح لن يعتمد عليه وحده في كل موضوع مللن موضللوعات‬
‫العلم أو موضللوعات الحيلاة ‪ ،‬بلل ل بللد ملن نسللب فلي الرجحيللة تتفلاوت‬
‫بحسب أهمية الموضوعات ‪ ،‬وبحسب النتائج التي تترتب على قبول الخبار‬
‫فيها ‪.‬‬

‫فما يقبل في رواية خبر تاريخي عادي ل يقبل في إثبات حق أو إدانة‬


‫بجريمة ‪ ،‬وما يقبل في إثبات حق مالي ل يقبللل فللي التهللام بللالزنى ‪ ،‬ومللا‬
‫يقبل في رواية حديث نبوي وتصحيحه ل يقبل في إثبات آية قرآنية ‪.‬‬

‫فالموضوعات تختلف فيما بينها ‪ ،‬وتتفاوت في نسبة ما تحتللاجه مللن‬


‫قوة الترجيح التي يقدمها المستند الخبري ‪.‬‬

‫إن بعض الموضوعات تحتاج إلى قوة فللي المسللتند الخللبري ترتقللي‬
‫إلى مرتبة اليقين الذي ل يقبل احتمال الخطأ ‪ ،‬وبعضها يكفي فيه دون ذلك‬
‫‪.‬‬
‫‪ -1‬فالنقل المباشر عن اللوحي شلرطه النبلوة المسلتجمعة لصلفتي‬
‫العصمة والتأييد بالمعجزة ‪.‬‬

‫‪ -2‬والمستند الخباري الذي ينقل لنا نص آية قرآنية ‪ ،‬أو يثبت لنا‬
‫عقيدة من عقللائد الللدين ‪ ،‬أو أصلل ً مللن أصللوله الولللى ممللا يكفللر جاحللده‬
‫يشترط فيه التللواتر ‪ ،‬أي يشللترط فيلله القطعيللة الللتي ل تتعللرض لحتمللال‬
‫الخطأ أو الكذب ‪.‬‬

‫فإذا لم ينقل النص القرآني بمستند إخباري قطعي لم يثبللت قرآنللا ً ‪،‬‬
‫وإذا لللم تنقللل عقللائد الللدين وأصللوله بمسللتند إخبللاري قطعللي لللم يكفللر‬
‫جاحدها ‪ ،‬ما لم يكن لها دليل قاطع آخر ‪.‬‬

‫‪ -3‬وإثبات التهام بالزنى يحتاج في أدنى الحدود إلى قوة ترجيح فللي‬
‫المستند الخباري تتألف من أربع وحدات إخبارية صحيحة ‪.‬‬

‫‪ -4‬وإثبات الحقوق بين الناس يحتاج إلللى قللوة ترجيللح فللي المسللتند‬
‫الخباري تتألف من وحدتين إخباريتين صحيحتين ‪.‬‬

‫‪ -5‬والخبار العادية التي تتضمن أخبارا ً علميللة أو تاريخيللة أو تتضللمن‬


‫رواية لحديث نبوي تحتاج إلى قللوة ترجيللح فللي المسللتند الخبللاري قوامهللا‬
‫وحدة إخبارية صحيحة ‪.‬‬

‫‪ -6‬والخبار التي تتضمن مصلحة الشخص الذي يرد إليلله الخللبر فللي‬
‫أمر من أموره الخاصة في حيللاته ‪ ،‬دون أن تتضللمن هضللما ً لحللق آخللر ‪ ،‬أو‬
‫اتهاما ً له ‪ ،‬أو إساءة لحد ‪ ،‬أو مخالفللة لمللر مللن أمللور الللدين ‪،‬يكفللي فيهللا‬
‫انفتاح النفس لقبللول صللحة الخللبر ‪ ،‬والقتنللاع بلله ‪ ،‬دون النظللر فللي حالللة‬
‫المخللبر وصللفته ‪ ،‬لن موضللوعه ل يتطلللب أكللثر مللن اتخللاذ الحتياطللات‬
‫والسللباب اللزمللة لللدفع الخطللر أو القللرار منلله ‪ ،‬أو اقتنللاص المنفعللة‬
‫المرتقبة ‪.‬‬

‫فهل يجد الناقللد )د‪ .‬العظللم( أو غيللره مللن أعللداء السلللم فللي هللذا‬
‫المنهج الذي أبدع فيه الفكر السلمي أيما إبداع ثغرة يعلق عليهللا بانتقللاد؟‬
‫علما ً بأننا لم نرسم في بياننا هذا غير الخطوط العريضة له ‪.‬‬

‫منهج السلم عند اختلف وسائل المعرفة في النتائج‬

‫سبق في الفصل الثاني )الحقيقة بين الدين والعلم( ‪ ،‬بيان منهج‬


‫السلم عندما تختلف وسائل المعرفة فللي النتللائج الللتي يتوصللل كللل منهللا‬
‫إليها ‪ ،‬حول موضوع واحد ‪ ،‬أو حول نقطللة فللي موضللوع واحللد ‪ ،‬فل داعللي‬
‫لعادة تفصيل هذا المنهج ‪.‬‬
‫وخلصته أن وسائل المعرفة ل تختلف في النتائج التي تتوصللل إليهللا‬
‫حول موضوع واحللد أو حللول نقطللة فللي موضللوع واحللد اختلف تنللاقض إل‬
‫وبعضها أو جميعها قد دخل إليه الخلللل ‪ ،‬وعلللى البللاحثين أن يعيللدوا النظللر‬
‫فيما توصلوا إليه من نتائج ‪ ،‬واليقيني منهلا اللذي غلدا مقطوعلا ً بله نهائيلا ً ‪،‬‬
‫وغير قابل للنقض أو التعديل بحللال مللن الحللوال هللو الللذي يفللرض نفسلله‬
‫علميا ً ‪ ،‬سواء أكان نتيجة إدراك حسي ‪ ،‬أو استدلل عقلي ‪ ،‬أو نتيجللة فهللم‬
‫لنص ديني يقيني الثبوت يقيني الدللة ‪.‬‬

‫أما النظريات والفرضيات والجتهادات والدراكات الحسللية ‪ ،‬الللتي ل‬


‫تقدم يقينا ً فهذه قللد تختلللف فيمللا بينهلا وقللد تتنلاقض ‪ ،‬وقللد يكلون الواقلع‬
‫بخلفها جميعا ً ‪ ،‬والخذ بالراجح منها أمللر تفرضلله الضللرورة النسللانية ‪ ،‬ول‬
‫يكون بعضها حجة على بعض ‪ ،‬أو له القداسة المطلقة ‪،‬لن الحق منهللا هللو‬
‫ما طابق الواقع والحقيقة ‪ ،‬ومادامت نتائجها جميع لا ً غيللر يقينيللة فللإن هللذه‬
‫المطابقة تظل مجهولة ‪ ،‬أو مشكوكا ً بها ‪ ،‬أو في مستوى الرجحان فقللط ‪،‬‬
‫ل في مستوى اليقين المقطوع به ‪.‬‬

‫فليللس لحللد أن يللأتي بنظريللة قابلللة للتعللديل ‪ ،‬أو بفرضللية مللن‬


‫الفرضيات ‪ ،‬ويجعلها علما ً مقطوعا ً به ‪ ،‬ثم يعيب بها ما يفهم من النصللوص‬
‫الدينية ‪ ،‬ويزعم بذلك أن السلم يخالف العلم ‪ ،‬وليس لحد أن يلأتي بفهللم‬
‫اجتهادي في النصوص الدينية ‪ ،‬وهو محتمل للخطأ أو التعللديل ‪ ،‬ثللم يجعللل‬
‫هذا الفهم الجتهادي أمرا ً مقطوعلا ً بلله فللي الللدين ‪ ،‬ثللم يللرد بلله مللا أثبتتلله‬
‫الوسائل العلمية النسانية إثباتا ً نهائيا ً مقطوع لا ً بلله ‪ ،‬أو يللرد بلله ردا ً قطعي لا ً‬
‫نظريات أو فرضيات من المحتمل أن يكللون الواقللع مطابق لا ً لهللا ‪ ،‬فللالفهم‬
‫الجتهادي في النص الديني أخذ بما ترجللح لللدى المجتهللد مللن دللتلله ‪ ،‬مللع‬
‫احتمال أن يكون الواقع بخلفه ‪ ،‬والنظرية العلمية فهم اجتهادي في تفسير‬
‫الظواهر الكونية بما ترجح لدى الباحث من دللتها ‪ .‬ويظل العقل فللي كللل‬
‫منهمللا يفللرض احتمللال أن يكللون الواقللع بخلف هللذا أو بخلف هللذا ‪ ،‬أو‬
‫بخلفهما جميعا ً ‪ ،‬فليس أحدهما حجة على الخر ‪ ،‬إل أن تكون أدلة ترجيحه‬
‫أقوى ‪ ،‬فيتقوى بأدلته دون أن يعطي قطعا ً وجزما ً بنتائجه ‪.‬‬
‫وتنفرد النصوص الدينية ببياناتها عن أمور الغيب التي تعجز الوسللائل‬
‫النسانية عن إدراكها حسا ً أو استدلل ً ‪.‬‬

‫ولدى اختلف نتائج وسائل المعرفة حول فكرة واحدة ‪ ،‬أو اختلف‬
‫نتائج الباحثين في حدود وسيلة واحدة ‪ ،‬يجب التوقف عن الجزم والقطللع ‪،‬‬
‫ويقضي المنهج المثل بمتابعللة البحلث فلي كلل الوسلائل الممكنلة للظفلر‬
‫باليقين العلمي ‪ ،‬ول يمنع هذا مللن العمللل فللي تطبيقللات الحيللاة بمقتضللى‬
‫النتائج ‪ ،‬ولكل باحث أن يعمل بما ترجح لديه ‪ ،‬دون أن ُينحي باللئمة علللى‬
‫من خالفه ‪ ،‬لحتمال أن يكون هو المخطئ ل من خالفه فيما توصللل إليلله ‪،‬‬
‫ما لم يظهر فساد الرأي المخالف بيقين ‪ ،‬أو برجحان شبيه اليقيللن ‪ ،‬وعنللد‬
‫الظفر باليقين العلمي عن طريق أيللة وسلليلة مللن وسللائل المعرفللة يتللبين‬
‫فسللاد كللل الراء المخالفللة للله ‪ ،‬ويحكللم عليهللا عنللدئذ ٍ بللالمحو مللن ديللوان‬
‫المعرفة ‪ ،‬وبالعزل عن مجالت النظر ‪.‬‬
‫ولهللذا أمثلللة فللي الواقللع العلمللي ‪ ،‬لقللد سللبق فللي تاريللخ المعرفللة‬
‫النسللانية أن دليللل الحللس البصللري قللدم لنللا صللورة حسللية عللن شللروق‬
‫الشمس وغروبها ‪ ،‬فقللرر المشللاهدون المبصللرون أن الشللمس هللي الللتي‬
‫تتحرك وتسير في السماء من الشرق إلى الغرب ‪،‬وأن الرض ثابتة ‪.‬‬

‫ثم انفتحت للنسان دلئل الستدلل العقلللي اعتمللادا ً علللى أمللارات‬


‫كثيرة ‪ ،‬فغيرت نظرته إلى هذه الحقيقة ‪ ،‬وجعلته يفسر مشلاهدات الحلس‬
‫تفسيرا ً آخلر ‪ ،‬خلصلته أن الرض هلي اللتي تلدور حلول نفسلها ‪ ،‬فتشلرق‬
‫الشمس على قسم منها بهذا الللدوران ‪،‬وتغللرب علن قسللم آخللر ‪ ،‬ويتللوهم‬
‫الحس البصري أن الشللمس هللي الللتي تسللير هللذا السللير ‪ ،‬باعتبللار اتحللاد‬
‫النسبة من جهة ‪ ،‬وعدم شعور ركاب الرض بحركتها من جهة أخرى ‪.‬‬

‫وهنا نلحظ وجود التناقض بين النتيجة الللتي قللدمها الحللس البصللري‬
‫والنتيجة الخرى التي قدمها الستدلل العقلللي ‪ ،‬وقللام الجللدل بيللن أنصللار‬
‫شهادة الحس البصري ‪ ،‬وأنصار شهادة الستدلل العقلي ‪.‬‬
‫وكان على النسان أمللام هللذا التنللاقض فللي النتللائج أن يعيللد النظللر‬
‫لستبانة المخطئ من الوسلليلتين للظفللر بللاليقين العلمللي ‪ ،‬نظللرا ً إلللى أن‬
‫أمارات العقل لم تقدم في حدودها الولى يقينا ‪.‬‬

‫ولدى إعادة النظر تبين للنسان وجود احتمال كون الحللس البصللري‬
‫هللو المخطللئ ‪ ،‬وذلللك حيللن دخللل محطللة انطلق قطللارات سللكة الحديللد‬
‫‪،‬وركب في أحدها ‪ ،‬وكان في جواره قطار ساكن ‪،‬ولما انطق القطار الذي‬
‫هو فيه خللدعه حسلله البصللري فحسللب أن القطللار المجللاور للله هللو الللذي‬
‫انطلق‪ ،‬وكلان هلذا ملن الحلس البصللري شلهادة مخطئة ‪ ،‬ثلم لمللا انطللق‬
‫القطار بعيدا ً تبين له أن الحقيقة بخلف ما حسبه من قبل ‪.‬‬

‫وبهذه المراجعة الولى بدأ النسان يشك بشهادة حسه البصري عللن‬
‫الحركة ‪ ،‬وبدأ يترجح لديه جانب الستدلل العقلي في هذا الموضللوع ‪،‬دون‬
‫أن يستطيع كثير من الباحثين تقللديم يقيللن كامللل فللي أول المللر يثبللت أن‬
‫الرض هي التي تدور حول نفسها ‪ ،‬وأن الشمس بالنسبة إلى هذه الحركللة‬
‫بالذات ثابتة ‪.‬‬

‫وتابع البحث العملي خطواته ‪ ،‬وصلعد النسلان إللى الجلواء العليلا ‪،‬‬
‫وتحرر من سلطان خللداع الحسللب البصللري علللى سللطح الرض ‪ ،‬وتحقللق‬
‫بالمشاهدة البصرية النتيجة التي قدمها السللتدلل العقلللي ‪ ،‬وأثبللت بيقيللن‬
‫علمي أن الرض هي التي تدور حللول نفسللها فللي كللل يللوم مللرة ‪ ،‬وبللذلك‬
‫تفسر ظاهرة الليل والنهار ‪ ،‬وأنها تدور حول الشمس في كل عام شمسي‬
‫‪ ،‬وهو السبب في كثير من الظواهر التي تحدث في الرض ‪.‬‬
‫وهكذا لما برئت شهادة الحس البصري من علللة الخطللأ الللتي كللانت‬
‫واقعة فيها اتحدت النتيجة ‪ ،‬فكان ما أثبته الحس عيللن مللا أثبتلله السللتدلل‬
‫العقلي ‪ ،‬ووصل النسان إلى معرفة هذه الحقيقة إلى مرتبة اليقين ‪.‬‬

‫أما النصوص الدينية في هذا المجللال فل نجللد فيهللا نصلا ً ثابتلا ً قللاطع‬
‫الدللة على ما يخلالف هلذه الحقيقلة اللتي أثبتهلا السلتدلل العقللي ‪ ،‬ثلم‬
‫شهدها الحس لما تحرر من منطقة الخداع البصري ‪ ،‬بل نجد في النصوص‬
‫الدينية ما يفهم من عمومها دللت توافق مللا انتهللى إليلله دليللل العقللل ثللم‬
‫دليللل الحللس ‪ ،‬وحيللن نجللد بعللض العلمللاء السللابقين قللد فهمللوا مللن هللذه‬
‫النصوص فهما ً مخالفا ً لهذه الحقيقة فما علينا إل أن نصحح فهمهم ‪ ،‬ونعيللد‬
‫النظر في اجتهادهم ‪ ،‬لن النصوص الدينية المبلغللة عللن الللله بطللرق ثابتللة‬
‫يقينيللة ل يمكللن أن تكللون دللتهللا الصللحيحة مناقضللة للحقيقللة والواقللع ‪،‬‬
‫وعمليللة المراجعللة هللذه ل تمللس النصللوص الدينيللة ذاتهللا ‪ ،‬وإنمللا تمللس‬
‫المفاهيم الجتهادية التي فهمها مجتهدون ليسللوا بمعصللومين عللن الخطللأ ‪،‬‬
‫على أن كثيرا ً من العلماء المسلمين السابقين قد فهموا من هذه النصوص‬
‫الدينية مفاهيم تتفق مع النتيجة العلمية التي انتهت إلهيا وسائل السللتدلل‬
‫العقلي والدراك الحسي ‪.‬‬

‫ح َ‬
‫كم على كل وسائل الستدلل ‪.‬‬ ‫والواقع في كل الحوال هو ال َ‬

‫)‪(5‬‬

‫بعللد أن أوضللحت لنللا الخطللوط الكليللة العامللة للمنهللج العلمللي‬


‫السلمي ‪ ،‬ظهر لنا تماما ً زيف ادعاءات الناقد )د‪ .‬العظم( إذ صللور المنهللج‬
‫السلمي كما يشتهي أن يصللوره للنللاس ‪ ،‬لتنفيرهللم مللن السلللم ‪ ،‬وأخللذ‬
‫يغالط في المور بنللاًء علللى ادعللاءاته الكاذبللة ‪ ،‬ثللم أخللذ يصللدر بنللاء علللى‬
‫مغالطاته وأكاذيبه أحكاما ً تقريرية من عند نفسه يتهم بها السلللم ومنهجلله‬
‫للوصول إلى المعرفة ‪.‬‬

‫وما أعتقد أنه يجهل هذه الحقائق كلها أو بعضها عن السلم ومنهجه‬
‫العلمي ‪ ،‬ولكن المبطلين كثيرا ً ما يعرفون الحللق إل أنهللم يراوغللون عنلله ‪،‬‬
‫ويحاولون طمس وجهه المشرق الجميل ‪ ،‬لنه يخلالف أهلواءهم ول يحقلق‬
‫لهم ما يشتهون ‪ ،‬وهذه هي علتهم النفسية ‪.‬‬

‫أما الشاكون الباحثون عللن الحقيقللة بللإخلص فللإنهم ل يغللالطون ول‬


‫يكذبون ول يتلعبون بالحقائق‪ ،‬ومتى وصلوا إلى إدراك الحقيقة بأنفسللهم ‪،‬‬
‫أو عُّرفوا بها عن طريق المناظرة ‪ ،‬فإنهم يستمسكون بها كمللا لللو ظفللروا‬
‫بكنز عظيم ‪ ،‬ويسهل عليهم العتراف والتراجع عللن آرائهللم السللابقة الللتي‬
‫كانوا يتصورونها حقا ً أو أمورا ً مرجحة ‪ ،‬لن معرفة الحق هو المللر العظيللم‬
‫الللذي ينشللدونه ويبحثللون عنلله بللإخلص ‪ ,‬ول يبحثللون عللن مجللرد مللبررات‬
‫يصنعونها بأنفسهم ‪ ،‬لتدعيم ما تميل إليه أهواؤهم وشهواتهم ‪ ،‬ومصللالحهم‬
‫السياسية أو الحزبية ‪ ،‬بخلف المبطلين في كللل ذلللك ‪ ،‬ل سلليما الملحللدة‬
‫ذوو الهداف الحزبية السياسية ‪.‬‬

‫لما زعم الناقد )د‪ .‬العظم( أن المنهج الذي اعتمده السلم للوصول‬
‫إل المعارف والعلوم والقناعات عن الكون وتركيبه وطللبيعته ‪ ،‬وعللن تاريللخ‬
‫النسان وأصله وحياته خلل العصور هو الرجللوع فقللط إلللى نصللوص دينيللة‬
‫معينة تعتبر مقدسلة أو منزللة ‪ ،‬ورتلب فريتله كملا اشلتهى ‪ ،‬وخلالف فيملا‬
‫ادعاه حقيقة المنهج السلمي الذي وضللحت لنللا خطللوطه الكليللة العامللة ‪،‬‬
‫وأدخللل فللي كلملله مغالطللات مكشللوفة ‪ ،‬أورد تعليقللة التللالي فقللال فللي‬
‫الصفحة )‪ (23‬من كتابه‪:‬‬

‫"إن الروح العلمية بعيدة كل البعد عن هذا المنطق ‪ ،‬وهللذه النظللرة‬


‫الدينية"‪.‬‬

‫إن أي نللاظر فللي أصللول المنهللج السلللمي الللذي عرضللنا خطللوطه‬


‫الكليللة العامللة يكتشللف بنفسلله افللتراءات الناقللد )د‪ .‬العظللم( وأكللاذيبه‬
‫ومغالطاته ‪،‬ويرى أنها مرفوضة من أساسها ‪.‬‬

‫إن ما أوضحناه من منهج السلم في هذا المجال يقنع – بحمد الله –‬


‫كل ناظر ‪ ،‬ويسكت بالحق كل مناظر ‪ ،‬ونضيف هنللا شللواهد مللن النصللوص‬
‫القرآنية‪ ،‬تدل على مبلغ الدفع السلمي للبحث عن حقائق الكون وحقللائق‬
‫النسان ‪ ،‬عن طريق النظر في الكون نفسه ‪ ،‬وفي النسان نفسلله ‪ ،‬وهللذا‬
‫النظر إنما يتم بوسائل البحث النسللاني ‪ ،‬وهللي وسللائل الدراك الحسللي ‪،‬‬
‫ووسائل الستدلل العقلي ‪.‬‬

‫فمن هذه الشواهد القرآنية ما يلي‪:‬‬


‫) أ ( قول الله تعالى في سورة )يونس‪ 10/‬مصحف‪ 51/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ت وَ ٱللْر ِ‬ ‫ذا ِفي ٱل ّ‬
‫ض‪.{...‬‬ ‫ماَوا ِ‬
‫سل َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل ٱن ُ‬
‫ظلُروا ْ َ‬ ‫}ق ُ ِ‬

‫ففي هذا النص القرآني دعوة آمرة للبحللث العملللي فللي السللماوات‬
‫والرض عن طريق النظر ‪ ،‬ل عن طريق تفسير النصوص ‪.‬‬

‫)ب( وقول الله تعالى في سورة )الذرايات‪ 51/‬مصحف‪ 67/‬نزول(‪:‬‬


‫فسك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‪.‬‬
‫صُرو َ‬ ‫ن * وَفِ ۤي أن ُ ِ ْ‬
‫م أفَل َ ت ُب ْ ِ‬ ‫ت ل ّل ْ ُ‬
‫موقِِني َ‬ ‫}وَِفي ٱلْر ِ‬
‫ض آَيا ٌ‬

‫في هذا النص دعوة إلى البحث العلمي في الرض وفي النفس‬
‫النسانية للتعرف علللى آيللات الللله فيهمللا ‪ ،‬وهللذا البحللث العلملي ل بللد أن‬
‫يعتمد على وسائل الدراك الحسي والستدلل العقلي ‪.‬‬

‫) ج ( وقللول الللله تعللالى فللي سللورة )العنكبللوت‪ 29/‬مصللحف‪85/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ك عَل َللى ٱل ّلللهِ‬ ‫ن ٰذل ِل َ‬ ‫خ ل ْقَ ث ُ ّ‬
‫م ي ُِعي لد ُهُ إ ِ ّ‬ ‫هل ٱْلل َ‬
‫ديُء ٱل ّلل ُ‬ ‫ف ي ُب ْ ِ‬ ‫م ي ََروْا ْ ك َي ْ َ‬
‫}أوَل َ ْ‬
‫شىءُ‬ ‫م ٱل ّلل ُ‬
‫هل ُين ِ‬ ‫ف ب َد َأ َ ٱْلل َ‬
‫خ ل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ض َفل ٱن ظ ُُروا ْ ك َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫سيُروا ِفي ٱللْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سيٌر * قُ ْ‬‫يَ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر{‪.‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫ه عَل ٰى ك ّ‬ ‫ن ٱلل َ‬ ‫خَرةَ إ ِ ّ‬ ‫شأةَ ٱل ِ‬ ‫ٱلن ّ ْ‬

‫ففي هذا النص دعوة للنظر في ظاهرة التكوين عن طريق البحث‬


‫العلمي ‪ ،‬الذي يعتمد الوسائل الحسية والوسللائل العقليللة ‪ ،‬ل علللى مجللرد‬
‫تفسير النصوص وفهم دللتها ‪ ،‬كما زعم الناقللد )د‪ .‬العظللم( فللي ادعللاءاته‬
‫وافتراءاته ومغالطاته ‪.‬‬

‫وقد اندفع المسلمون فعل ً يطبقون منهج النظر العلمي في أنفسللهم‬


‫وفي الكون من حولهم ‪ ،‬للوصول إلى معرفة حقللائق المللور ‪ ،‬عللن الكللون‬
‫والنسان والحياة ‪ ،‬وسر المبدأ ومفاهيم النشأة ‪ ،‬وهذا البحث هللداهم إلللى‬
‫تطبيق المنهج التجريبي ‪ ،‬فللي العلللوم الللتي تخضللع موضللوعاتها للملحظللة‬
‫والتجربة ‪ ،‬المر الذي دفع العالم الوروبي المشهور )جللب( إلللى أن يقللول‬
‫في كتابه "التجاهت الحديثة في السلم"‪:1‬‬

‫"أعتقد من المتفق عليه أن الملحظة التفصليلية الدقيقلة اللتي قلام‬


‫بها الباحثون المسلمون قد ساعدت على تقدم المعرفللة العلميللة مسلاعدة‬
‫مادية ملموسة ‪ ،‬وأنه عن طريق هذه الملحظات وصللل المنهللج التجريللبي‬
‫إلى أوروبا في العصور الوسطى"‪.‬‬

‫فهل بعد هذا تبقى أية قيمة لفتراءات الناقد )د‪ .‬العظم( ؟‬

‫إن أي ناظر منصف يعرف هذه الحقيقة عن السلم ل يمكن أن‬


‫يلتفت إلى افتراءاته وافتراءات أمثاله ‪ ،‬أو يتأثر بها ‪ ،‬ول بد أن يعلم أن من‬
‫الهراء الذي ليس له قيمة فكرية قوله في الصفحة )‪ (23‬من كتابه‪:‬‬

‫"أما الدين فبطبيعة عقائده المحددة ثابت ساكن يعيش في الحقائق‬


‫الزلية ‪ ،‬وينظر إلى الوراء ليستلهم مهده"‪.‬‬

‫يقصللد بهللذا الكلم أن الللدين ل يسللمح بللالبحث والكتشللاف ‪ ،‬وإنمللا‬


‫يفرض على المسلمين أن يقفوا في معارفهم عند حدود النصللوص الدينيللة‬
‫وتفسيراتها ‪ ،‬دون أن ينظروا في الكللون ويبحثللوا فيلله بوسللائلهم النسللانية‬
‫الحسية والعقلية ‪.‬‬

‫إن مثل هذا الفتراء ل يدخل إلى على الجاهلين بالسلللم ‪ ،‬والغللرار‬
‫المضللين ‪ ،‬أما من قرأ شيئا ً عن السلم مما كتبه كتاب مسلمون ‪ ،‬أو مللن‬
‫المصادر السلمية المعتمدة فللإنه يسللتطيع بسللرعة أن يكشللف زيللف هللذا‬
‫الكلم وما فيه من أباطيل ‪.‬‬

‫)‪(6‬‬

‫نقل ً من كتاب "منهج التربية السلمية" للستاذ محمد قطب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫يقول الناقد )د‪ .‬العظم( في الصفحة )‪ (24‬من كتابه‪:‬‬
‫"هناك تشابه بين الدين والعلم في أن كليهما يحاول أن يفسر‬
‫الحداث ‪ ،‬وأن يحدد السباب ‪.‬إن الدين بديل خيالي عن العلم ‪ ،‬ولكن تنشأ‬
‫المشكلة عندما يدعي الدين لنفسه ولمعتقداته نوعا ً مللن الصللدق ل يمكللن‬
‫لي بديل خيالي أن يتصف به"‪.‬‬

‫إن أي ناظر فللي هللذا الكلم )العظمللي( ل يللرى فيلله أي شلليء مللن‬
‫النقد العلمي ‪ ،‬ومللا زعملله دليل ً فيمللا كتبلله حللول هللذا الموضللوع سللبق أن‬
‫كشفنا زيفه ‪.‬‬

‫إذا كان يريد نقدا ً علميا ً صيحا ً فما باله يعطي من عنده تقريرا ً يلقيلله‬
‫جزافا ً من غير أي دليل صللحيح ‪ ،‬ويتهللم فيلله الللدين بلأنه بلديل خيلالي علن‬
‫العلم؟‬

‫باستطاعة أي جاهل أن يقدم تقريرا ً لتباعه من العميللان يقللول لهللم‬


‫فيه ‪ :‬إن الشمس التي يزعمها المبصرون ليست سللوى بللديل خيللالي عللن‬
‫الشعلت البترولية التي يوقدها الللذين اكتشللفوا البللترول واسللتخرجوه مللن‬
‫أعماق الرض ‪.‬‬

‫ليس هذا في الحقيقة سوى شتائم باستطاعة أي إنسان محروم من‬


‫الخلق العلمية أن يكيلها ‪ ،‬فيسمي الحق باطل ً دون أن يقللدم أي برهللان ‪،‬‬
‫ويتهم الجميللل بالقبللح ‪ ،‬ويصللم العللالم بالجهللل ‪ ،‬ويجعللل الفضلليلة رذيلللة ‪،‬‬
‫وهكذا بل ضابط فكري ول ضابط أخلقي ‪ ،‬ولسللنا نريللد أن تكللون معركتنللا‬
‫مع الملحدة معركة شتائم ‪ ،‬فلنقتسم معهم خطتي رشد وسللفاهة ‪ ،‬فنأخلذ‬
‫نحن خطة الرشد ‪ ،‬ويأخذون هم خطة السللفاهة ‪ .‬وخطللة الرشللد ل بللد أن‬
‫تنتصر في آخر المر على خطة السفاهة ‪ ،‬لن للحللق قللوة وسلللطانا ً علللى‬
‫العقول ‪ ،‬ولن للرشد قوة وسلطانا ً على القلوب ‪ .‬وخطة السللفاهة ترغللي‬
‫وتزبد ول حق يدعمها ‪ ،‬ول فضيلة تزينها ‪ ،‬أو إلى القلوب تقّربها ‪.‬‬

‫إنه لمر طلبيعي فلي الملحلدة – بعلد أن جحلدوا وجلود اللله تبلارك‬
‫وتعالى وهو مصدر الدين والمنزل لتعاليمه‪ -‬أن يعتبروا مللا جللاء فللي الللدين‬
‫من أخبار صادقة أمورا ً خياليللة ‪ ،‬وأن يتهمللوا الللدين بللأنه بللديل خيللالي عللن‬
‫العلللم ‪ ،‬لكللن الللبراهين العلميللة نفسللها تلزمهللم باليمللان بللالله لللو كللانوا‬
‫مخلصين حقيقة للعلم ‪ ،‬إنهم يهربون من الدين إلى التذرع بالعلم ‪ ،‬وحينمللا‬
‫تردهم البراهين العلمية إلللى الللدين يراوغللون ويخللادعون ‪ ،‬فيللترددون فللي‬
‫منطقة مظلمة ل تشرق عليها أنوار الللدين ول تشللرق عليهللا أنللوار العلللم ‪،‬‬
‫ويعصبون أعينهم عن الحقيقة وينادون بالنكار ‪ ،‬والنكار موقف سلبي تجاه‬
‫الحقيقة ‪ ،‬ل يكلف صاحبه أكثر من كلمة ‪ :‬ل أعترف ‪ ،‬أو أنكللر ‪ ،‬أو أجحللد ‪،‬‬
‫أو هذا غير صحيح ‪ ،‬أو العلللم ل يقبللله ‪ ،‬أو العقللل ل يقبللله ‪ ،‬أو نحللو ذلللك ‪،‬‬
‫ف‪،‬‬ ‫وكلما جئته بدليل عقلي أو علمي قال ‪ :‬ل أسلم ‪ ،‬أو هذا دليل غيللر كللا ٍ‬
‫أو لم يعطني قناعة كافية ‪.‬‬
‫ولكن إذا للم يكلفلله النكللار غيللر مثللل هللذه القللوال عنللد المنللاظرة‬
‫فسيكلفه الكللثير الكللثير عنللد الجللزاء العللادل ‪ ،‬وسلليكلفه خسللارة سللعادته‬
‫البديللة ‪ ،‬وحمللل ثقللل الشللقاء الخالللد مللع العللذاب الليللم ‪ ،‬دون أن يحقللق‬
‫لنفسه أي كسب في الحياة الدنيا من موقفه السلبي النكاري ‪.‬‬

‫وإن أقول له ما قال الله في سورة )الزمر‪ 39/‬مصحف‪ 59/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬ ‫سُر ۤوا ْ َأن ُ‬
‫م لةِ‬ ‫م ٱْلل ِ‬
‫ق َيا َ‬ ‫م ي َلوْ َ‬
‫م وَأهِْليهِل ْ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ٱّلل ِ‬ ‫ري َ‬‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫ن ٱْلل َ‬ ‫ل إِ ّ‬‫}ق ُ ْ‬
‫مللن‬ ‫ن ٱل ّنللارِ وَ ِ‬ ‫مل َ‬ ‫ل ّ‬‫م ظ ُل َل ٌ‬ ‫مللن فَلوْقِهِ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن * ل َهُل ْ‬ ‫م ِبي ُ‬ ‫ن ٱْلل ُ‬‫س َرا ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ك هُوَ ٱْلل ُ‬ ‫أ َل َ ذ َل ِ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫قو ِ‬ ‫عَباد َهُ ٰيعَِبادِ َفل ٱّتل ُ‬‫ه ب ِهِ ِ‬ ‫ف ٱل ّلل ُ‬ ‫خوّ ُ‬ ‫ك يُ َ‬ ‫م ظ ُل َ ٌ‬
‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫حت ِهِ ْ‬ ‫تَ ْ‬

‫لقد كان من الهون عليه يوم الجزاء لو آمن وعصى ‪ ،‬وعّرض نفسه‬
‫مى نفسه من عقاب الكفللر الللذي ل نهايللة للله ‪،‬‬ ‫ح َ‬
‫لعقاب العصيان فقط ‪ ،‬و َ‬
‫هذا إذا كان الدافع له إلى سبيل الكفر رغبته بالفجور ‪ ،‬والنطلق في تلبية‬
‫أهوائه وشهواته ‪ .‬أمللا إذا كللان العنللاد والكللبر همللا الللدافع للله إلللى اللحللاد‬
‫والكفر فهذا شيء آخر ل دواء له إل التنازل عن الكبر والعنللاد ‪ ،‬أو ليتحمللل‬
‫نتيجة كبره وعناده ‪.‬‬

‫وحين قال )د‪ .‬العظم(‪" :‬إن الللدين بللديل خيللالي عللن العلللم ‪ ،‬ولكللن‬
‫دعي الدين لنفسه ولمعتقللداته نوع لا ً مللن الصللدق ل‬ ‫تنشأ المشكلة عندما ي ّ‬
‫يمن لي بديل خيالي أن يتصف به"‪.‬‬

‫فقد اعترف ضمنا ً بأنه ل يمكن لي بديل خيالي أن يظفر بالثقة التي‬
‫يظفللر بهللا الللدين ‪ ،‬بمللا فللي ذلللك الراء اللحاديللة الللتي يجهللد الملحللدون‬
‫بزخرفتها وتزيينها ‪ ،‬ومد الصبغة والطلءات عليها ‪.‬‬

‫والسر في ذلك أن الدين حللق ‪ ،‬ول يسللتطيع الباطللل أن يظفللر بمللا‬


‫يظفر به الحق ‪.‬‬

‫وأمللا كللون الللدين يللدعي لنفسلله ولمعتقللداته الصللدق فهللذه قضللية‬


‫خاضعة للقياس البرهاني ‪ ،‬إذا كانت المعارف الدّينة مما تستطيع الوسللائل‬
‫النسانية الحسية أو الستدللية أو العقليللة المجللردة التوصللل إليهللا ‪ .‬وهنللا‬
‫نجد التلقي التام بين الثابت من العلم والثابت من الدين ‪ .‬أما غيللر الثللابت‬
‫مللن هللذا أو ذاك فليللس صللالحا ً مللن أساسلله لن يقللف موقللف اليقيللن‬
‫والمعارضة ‪ ،‬بل هو احتمال قد يكون راجحا ً وقد يكون غير راجح ‪.‬‬

‫وحينما يخبر الللدين بأخبللار صللحيحة ثابتللة يقينيللة عللن أمللور غيبيللة ل‬
‫تستطيع الوسائل النسانية التوصل إليها بإثبات أو نفي ‪ ،‬فهللي أخبللار ليللس‬
‫من حق العلم النساني أن ينفيها ‪ ،‬ولكن لما ثبت أن الللدين مللن عنللد الللله‬
‫‪،‬وثبت ببرهان المعجزات صدق الرسول ‪ ،‬ورأينا صدق الخبار الدينية الثابتة‬
‫في كل المور التي استطاع العلم بوسائله النسللانية التوصللل إليهللا ‪ ،‬كللان‬
‫كل ذلك شهادة بأن الخبار الخرى عن أمور الغيب وحللق وصللدق ‪ ،‬ويجللب‬
‫اليمان والتسليم بها ‪.‬‬

‫ويتابع الناقد )د‪ .‬العظم( بإصرار دعائي كاذب ‪ ،‬فيقول‪:‬‬


‫"إن محاولة طمس معالم النزاع بين الدين والعلم ليست إل محاولة‬
‫يائسة للدفاع عن الدين ‪ ،‬يلجأ إليها كلما اضطر الدين أن يتنازل عن موقللع‬
‫من مواقعه التقليدية ‪ ،‬أو كلما اضطر لن ينسحب مللن مركللز كللان يشللغله‬
‫في السابق"‪.‬‬
‫ما هذا الكذب العظيم الذي لجأ إليه في هذا الفتراء؟! أل أخبرنا عن‬
‫قضية واحدة مما تنازل عنه الدين للعلم؟ وما هي المواقع التي تنازل عنهللا‬
‫الدين وانسحب منها أو تراجع فيها؟‬

‫هل تراجع السلم عن عقيدة من عقائده ‪.‬‬

‫هل تراجع السلم عن حقيقة ثابتة بنص يقين؟‬

‫إذا كللان يريللد تصللحيح اجتهللادات بعللض المجتهللدين مللن المسلللمين‬


‫فليست هذه الجتهادات جزءا ً من نصوص الدين ‪ ،‬حتى يعتبر الدين مسؤول ً‬
‫عنها ‪ ،‬وحتى يعتللبر تصللحيحها تراجعلا ً فللي الللدين ‪ .‬إن الخلفللات فللي فهللم‬
‫النصللوص السلللمية مللا زالللت ولللن تللزال قللوة حركللة علميللة بيللن علمللاء‬
‫المسلمين ‪.‬‬

‫فدعواه التراجع وتصويره له بالصورة التي راقت له قضية مفتراة ل‬


‫أساس لها من الصحة ‪ ،‬وليأتنا بواحدة منها حتى نناقشه فيها ‪.‬‬

‫إنه لن يستطيع إل بالمغالطة والتضليل ‪ ،‬بيد أن التراجع مشاهد فللي‬


‫النظريات العلمية لصالح الدين ‪ ،‬وسنعقد لهذا بحثا ً منفص ً‬
‫ل‪.‬‬

‫)‪(7‬‬

‫بإصرار مستميت حاول النقد )د‪ .‬العظم( إثبات ما ادعاه من وجود‬


‫ة بدعم اللحاد التي يبشر بهللا فللي الللوطن‬ ‫التناقض بين الدين والعلم ‪ ،‬رغب ً‬
‫العربي ‪ ،‬خدمة للمنظمة اللحادية العالمية ‪ ،‬ومن ورائها اليهوديللة العالميللة‬
‫م‬
‫ذات المصالح الخاصة التي تتحقق لها متى انتشر اللحاد فللي الرض وعلل ّ‬
‫الفساد في الشعوب ‪.‬‬

‫ولذلك فهو يصطنع أسسا ً وهمية لما يريد أن يثبتلله ‪ ،‬ثللم يبنللي عليهللا‬
‫أبنيللة خياليللة ل وجللود لهللا إل فللي رؤوس أصللحابها ‪ ،‬أو فللي رؤوس الللذين‬
‫ينخدعون بأقوالهم ‪ ،‬ويسلمون بها دون محاكمة علمية منطقية رصينة ‪.‬‬

‫قال في الصفحة )‪ (27‬من كتابه‪:‬‬


‫"فهل من عجب إذن أن نسمع نيتشه يعلن فللي القللرن الماضللي أن‬
‫الله قد مات؟ وهل باستطاعتنا أن ننكر أن الله الذي مات في أوروبللا بللدأ‬
‫يحتضللر فللي كللل مكللان تحللت تللأثير المعرفللة العلميللة ‪،‬والتقللدم الصللناعي‬
‫والمناهج العقلية في تقصي المعرفللة ‪ ،‬والتجاهللات الثوريللة فللي المجتمللع‬
‫والقتصاد؟‪."....‬‬

‫ثم قال في الصفحة )‪:(28‬‬


‫"إن قولنا باحتضار الله في المجتمعات المتخلفة يشكل تمثيل ً رمزيا ً‬
‫لحالة الثوران والفوران ‪ ،‬وفقدان الجذور الللتي تعانيهللا هللذه المجتمعللات ‪،‬‬
‫في محاولتها الوصول إلى التعايش المرحلي بين الفكار العلميللة الجديللدة‬
‫وتطبيقاتها العملية ‪،‬وبين تراثها الديني السحيق ‪ ،‬دون أن تتنازل كليا ً ومللرة‬
‫واحدة عما في ماضيها من قيم غيبية"‪.‬‬

‫يا عجبا ً ‪ ،‬وأية علقة للتقدم الصناعي بموضلوع إثبلات اللله أو نفيله؟‬
‫وأية علقة أيضا ً للتجاهات الثورية في المجتمللع والقتصللاد بهللذا الموضللوع‬
‫نفسه؟‬

‫لكنه صاحب مذهب معين أعماه التعصب لمذهبه ‪ ،‬فصار يحشر كل‬
‫العبارات التي يرددها رفاقه في كل مكان ‪ ،‬ولو لللم يكللن لهللا أدنللى علقللة‬
‫بالموضوع ‪ ،‬حتى لو رأى العالم الطبيب الجراح في غرفة العمليات يجللري‬
‫عمليللة خطيللرة فللي القلللب لقللال للله ‪ :‬مللا هللذه العمليللة الرجعيللة ؟ إن‬
‫التجاهللات الثوريللة فللي المجتمللع والقتصللاد تتطلللب الرجللوع قبللل إجللراء‬
‫العمليللة إلللى مفللاهيم الحللزب الثللوري الللذي بنللى علللى المعرفللة العمليللة‬
‫والمناهج الثورية في تقصللي المعرفللة ‪ .‬ولللو رأى الم ترضللع ولللدها وتحنللو‬
‫عليه وكان هو ل يرغب بذلك لطلق العبارات نفسها ‪ ،‬فقللال لهللا ‪ :‬مللا هللذا‬
‫التخلللف؟ إن التجاهللات الثوريللة فللي المجتمللع والقتصللاد المبنيللة علللى‬
‫المعرفة العلمية والمناهج الثوريللة فللي تقصللي المعرفللة تتنللاقض ملع هللذه‬
‫العملية الرجعية السحيقة في القدم تناقضا ً كليا ‪ ،‬فعمليللة إرضللاع المهللات‬
‫أطفالهن تطبيق مناقض للعلم والتجاهات الثورية ‪ ،‬وهي قائمة على تصللور‬
‫باطل للكون والحياة والنسان ‪ ،‬ل سيما نظرية التطور ‪ ،‬والثورة الفرنسية‬
‫‪ ،‬والحقائق العلميللة الللتي اشللتمل عليهللا كتللاب "أصللل النللواع" لللداروين ‪،‬‬
‫وكتاب "رأس المال" لكارل ماركس‪.‬‬

‫فهو كلما رأى شيئا ً يخالف مذهبه الباطل أو يخالف هللواه جللاء بهللذه‬
‫العبارات نفسها فرددها دون وعي لمضمونها ‪ ،‬ودون ملحظللة أيللة مناسللبة‬
‫بينها وبين الموضوع الذي يستعملها فيه‪.‬‬

‫ي‬
‫وقد ذكرني هذا بقصة الثري الغبي وبللائع الببغللاء ‪ ،‬قللالوا ‪ :‬م لّر ثللر ٌ‬
‫غبي على بائع الطيور النادرة فوجده يعرض للبيع ببغاء تتكلللم كللل شلليء ‪،‬‬
‫حتى إنها تتكلم بمختلف اللغللات ‪ ،‬فتعلقللت نفللس الللثري الغللبي بشللرائها ‪،‬‬
‫ولكنه أراد أن يستوثق من البائع عن صحة دعواه ‪ ،‬فقال له البللائع الخللبيث‬
‫سل الببغاء فإنها تجيبك ‪ .‬فقال الثري لها ‪ :‬يا ببغلاء أحقلا ً أنللك تتكميللن كلل‬
‫اللغات؟ فأجابته الببغاء‪ :‬وهل أنت فللي شللك مللن ذلللك؟ فقللال لهللا ‪ :‬فهللل‬
‫تتكلمين الفرنسية فقالت له ‪ :‬وهل أنت فللي شللك مللن ذلللك؟ فقللال لهللا ‪:‬‬
‫والنكليزيلة؟ فقلالت لله‪ :‬وهلل أنلت فلي شلك ملن ذللك؟ فانخلدع بلالمر‬
‫فاشتراها بثمن عظيم إذ استغل البائع الخلبيث غفلتله ‪ .‬ولملا انصلرف إللى‬
‫بيتلله دعللا أقرانلله مللن الوجهللاء والعيللان ليطلعهللم عللى تحفتلله الجديللدة ‪،‬‬
‫وأخرجها إليهم وقال لهم ‪ :‬كلموها تجبكم بكل شيء ‪ ،‬فجعلوا يكلمونهللا فل‬
‫تجيب إل بقولها ‪ :‬وهل أنت في شك من ذلك؟ عندئذٍ قال لها الللثري ‪ :‬لقللد‬
‫ت غبيا ً جدا ً بل حمارا ً إذ اشتريتك أليس كذلك؟ فقالت له‪ :‬وهل أنت فلي‬ ‫كن ُ‬
‫شك من ذلك؟‬

‫وهذا هو الجواب الوحيد الذي صدقت بلله ‪ ،‬ومللا كللان لهللا أن تصللدق‬
‫بغيره ‪ ،‬لن بائعها لم ُيعلمها غير هذه العبارة ‪.‬‬

‫وكم نشاهد في الحزبين المتعصبين ببغاوات ‪ ،‬ل يفقهون إل عبللارات‬


‫محفوظة يرددونهللا بمناسللبة وبغيللر مناسللبة ‪ ،‬حللتى ولللو كللان أحللدهم مللن‬
‫الطلئع المثقفة التي تحمل شهادات كللبيرة ‪ ،‬فالتعصللب الحزبللي المللذهبي‬
‫ى فكري تصاب به المجتمعات النسانية ‪.‬‬ ‫أخطر عم ً‬

‫لذلك فل عجب أن نجللد مللن نحللن فللي صللدده متهافتلا ً فللي كلملله ‪،‬‬
‫متخبطا ً في أفكاره ‪ ،‬يلبس بنطاله من يديه ‪ ،‬ويلبس معطفلله مللن رجليلله ‪،‬‬
‫ويجري التبادل المضحك بين ألبسة الرؤوس والقدام ‪.‬‬

‫ومن تمويهاته التي أراد أن يجعل منها مشكلة خاصة من مشكلت‬


‫النزاع بين الدين والعلم قوله في الصفحة )‪ (29‬من كتابه‪:‬‬
‫"بعد أن عالجنا بشيء من التفصيل مشكلة الثقافة العلمية والعتقاد‬
‫الديني ‪ ،‬على مستوى النللزاع بيللن الللدين والعلللم ننتقللل الن إلللى معالجللة‬
‫الموضللوع علللى صللعيد مللا أسللميناه بالمشللكلة الخاصللة ‪ .‬والسللؤال الللذي‬
‫سيدور بحثنا حوله يتلخص بما يلي‪ :‬كيف يكون موقف النسان الذي تعرض‬
‫للثقافة العلمية ‪ ،‬وتلأثر بهلا تلأثرا ً جلذريا ً ملن المعتقلدات الدينيلة التقليديلة‬
‫والمؤسسات الللتي تتجسللد فيهللا؟ أيسللتطيع هللذا النسللان أن يسللتمر فللي‬
‫العتقاد بآدم وحواء ‪ ،‬وبالجحيم والنعيم ‪ ،‬وبأن موسللى شلق البحللر الحمللر‬
‫ول عصاه حّية تسعى؟ كيف يكون موقف النسان الذي نشأ نشأة دينيللة‬ ‫وح ّ‬
‫ً‬
‫وتقبلهللا جملللة وتفصلليل مللن النظللرة العلميللة الطبيعيللة للحيللاة والكللون‬
‫والنسللان؟ مللن العسللير أن نجللد بيننللا شخص لا ً يتمتللع بشلليء مللن الحللس‬
‫ن التللوتر‬
‫المرهف وبقسط ولو متواضع من الذكاء والثقافة العلمية لللم يعللا ِ‬
‫الذي تنطوي عليه هذه السللئلة ‪ ،‬والقلللق الللذي تللثيره فللي إحللدى مراحللل‬
‫وه"‪.‬‬
‫حياته ونم ّ‬

‫أكل المشكلة الخاصة الللتي زعللم سلليادة الناقللد أنهللا تحللدث القلللق‬
‫والتوتر هي أن يعتقد المثقف العصري بآدم وحواء ‪ ،‬وبالجحيم والنعيم ‪ ،‬أي‬
‫بقانون الجزاء الرباني ‪ ،‬وبالمعجزات الللتي يجريهللا الللله علللى أيللدي رسللله‬
‫ليشهد لهم بصدقهم فيما يبلغون عنه؟‬
‫ما هو مدى تأثير هللذه العقللائد علللى أي تقللدم فللي الصللناعة أو فللي‬
‫الفيزيلللاء ‪ ،‬أو فللي الكيميلللاء أو فلللي الطلللب والزراعلللة ‪ ،‬أو فلللي الفللللك‬
‫والرياضيات أو في التكنولوجيا أو في أي مجال نافع من مجالت الحياة؟‬

‫هل إنكار آدم وحواء يمثل قاعدة الرتقاء فللي المعرفللة ‪ ،‬فمللن آمللن‬
‫بهما توقف ومن أنكرهما وارتقى؟‬

‫هل تنحل مشكلة القلق والتلوتر إذا هلو آملن بجلد ّ ملن القلرود بلدل‬
‫آدم ‪ ،‬وبجدة قردة بدل حواء؟‬

‫هل اليمان بالخرة وقانون الجزاء الرباني للتزام فعل الخيللر وتللرك‬
‫الشر يعتبر معوقا ً من معوقات التقدم العلمي والصناعي؟ وهل الكفر بهما‬
‫يعطي شحنة دافعة للتقدم العلمي والصناعي ؟‬

‫ما هذا الكلم الهراء الذي ل يقوله ول يقبله إل السخفاء؟‬

‫أيها الملحدون ارفعوا عن قرون الجهل الفاضح والحماقللة السللخيفة‬


‫الحجريللة أقنعللة العلمانيللة ‪ ،‬إن العلللم الصللحيح الثللابت ل يخللدم قضلليتكم‬
‫الباطلة ‪ ،‬إن العلم الصحيح بعيد عن دعللوتكم ومللذهبكم كبعللدكم عللن الللله‬
‫اللذي تجحلدونه ‪ ،‬وعلن آيلاته وبيانلاته اللتي تنكرونهلا ‪ ،‬وعلن أخبلاره اللتي‬
‫تسخرون منها ‪.‬‬

‫إن ما زعمه الناقد )د‪ .‬العظم( فيما أسماه بالمشللكلة الخاصللة الللتي‬
‫تحدث في نفس المثقف ثقافة علمية توترا ً وقلقا ً ‪ ،‬حينمللا يحللاول التوفيللق‬
‫بين عقائده الدينية ومعارفه العلميللة يشللبه مشللكلة المدينللة الللتي داهمللت‬
‫الجيوش الغازية أسوارها ‪ ،‬وأهلها ل يخرجون للللدفاع وصللد الغللزاة ؛ لنهللم‬
‫يعانون توترا ً فكريا ً وقلقا ً خطيرا ً حول السؤال التالي ‪ :‬هل وجللود الدجاجللة‬
‫كان سابقا ً لوجود البيضة؟ أم وجود البيضة كان سابقا ً لوجود الدجاجة؟‬

‫الحقيقة أن الملحدين هم الذين يعانون من القلق والتللوتر ‪ ،‬ويقعلون‬


‫تحت وطأة التناقض بين الحقيقللة وبيللن مللا اختللاروا لنفسللهم مللن مللذهب‬
‫باطل من جهة ‪ ،‬وبين العناد والخوف من المصللير ملن جهلة أخللرى ‪ ،‬وهللذا‬
‫يظهر في حالت العنف الذي يبللدو فللي تصللرفاتهم ‪ ،‬والضللطراب الشللديد‬
‫الذي تعاني نفوسهم منه ‪ ،‬لن عقولهم الباطنة وجذور ضمائهم ل تسللتطيع‬
‫أن تنكر الحقيقة ‪ ،‬بينما ل تستطيع نفوسللهم المجرمللة وشللهواتهم العارمللة‬
‫أن تسّلم بها ‪ ،‬فهم بذلك يقعون في حالت الصراع الداخلي العنيف ‪ ،‬الذي‬
‫ل يحّله إل العناد والمعان في الجريمة ‪ ،‬وتجاهللل المصللير الخطيللر المللؤلم‬
‫الذي يقذفون بأنفسهم إليه ‪ ،‬ويبدو بعد ذلك صللفرة كالحللة فللي وجللوههم ‪،‬‬
‫وحقدا ً على الناس في معاملته ‪ ،‬ووحشية عجيبة حين يظفرون ‪.‬‬
‫أما المؤمنون فهم – على العكس مللن كللل ذلللك‪ -‬يظلللون مطمئنيللن‬
‫في كل أحوالهم ‪ ،‬ول يوجد في داخلهم تناقض بين الحقيقة وما يعتقللدون ‪،‬‬
‫ويشلعرون دائملا ً بلالمن تجلاه مصليرهم ‪ ،‬لن اللله قلد ضلمن لهلم الجنلة‬
‫بإيمانهم ‪ ،‬وحينما يقلقون بعض القلق من المعاصي التي قد يفعلونها تللأتي‬
‫مفاهيم التوبللة ورجللاء الغفللران فتمسللح عللن نفوسللهم القلللق ‪ ،‬وتعيللد لهللا‬
‫طمأنينتها ثقة برحمة الله وعفوه ‪ ،‬ومشاعرهم نحو الناس تتللدفق بالمحبللة‬
‫والرحمة وإرادة الخير والهداية للناس كل الناس ‪ .‬وحينما يجدون خلفا ً بين‬
‫ما يقوله واضعو النظريات العلمية وما يقوله المجتهدون في فهم النصوص‬
‫الدينيلة فلإنهم يقوللون ‪ :‬إن الحقيقلة واحلدة ‪ ،‬ل تتعلدد ‪ ،‬واللدين ل يلزمنلا‬
‫باعتقاد غير الحقيقة ‪ .‬فل بللد أن يكللون الخطللأ فيمللا سللمي نظريللة علميللة‬
‫ونسب إلى الحقيقة العلمية نسبة غير صحيحة ‪ ،‬أو فيما نسللب إلللى الللدين‬
‫وهو في الواقع اجتهاد خاطئ في فهلم النصللوص ‪ ،‬أملا ملا هللو يقينللي فلي‬
‫الدين وما هو يقيني في العلللم فللإنه ل يوجللد فيلله خلف مطلق لا ً ‪ ،‬ومعظللم‬
‫المور الطبيعية الكونية سكت عنهلا اللدين ‪ ،‬لن البحللث النسلاني سيصلل‬
‫إليها بنفسه ‪ ،‬وكثير من المور الغيبية الكبرى ل يستطيع البحث العلمي أن‬
‫يصل إليها بنفسه ‪ ،‬أو أن يحدد صفاتها وخصائصها ‪ ،‬لذلك فهللو يعتمللد فيهللا‬
‫على الدين ول يستطيع أن يحكم عليها بإثبات أو نفي ‪.‬‬

‫وحينما يتجاوز العلللم النسللاني حللدوده ‪ ،‬ويحللاول أن يصللدر أحكاملا ً‬


‫بإثبات أشياء أو نفيها ل تملك وسائله إثباتها أو نفيها ‪ ،‬فإن المؤمنين بالدين‬
‫يقولون للبحث العلمي ‪ :‬قف ول تتعد حدودك ‪ .‬لللذلك فحينمللا يللأتي بللاحث‬
‫إنساني فيحكم على تاريخ النسان حكما ً يغلي فيه آدم وحواء وقصتهما في‬
‫نشأة هذه السللة البشرية فإن المؤمنين بالدين يقولون له‪ :‬لقللد تجللاوزت‬
‫حدود وسلائلك الللتي تكسللبك المعللارف الصللحيحة ‪ ،‬ووقعللت فلي التخيلت‬
‫الذهنية التي ليس باستطاعتها أن تقدم حقائق علمية ‪.‬‬

‫لست أدري ما هي الحقائق العلمية الثابتة القائمة علللى أدلللة يقينيللة‬


‫والتي تستطيع أن تلغي فكرة آدم وحواء وقصللتهما الللواردة فللي النصللوص‬
‫الدينية؟ أما الفتراضات والتخيلت والحتمالت الذهنيللة فليللس مللن شللأنها‬
‫أن تثبللت حقللائق علميللة ‪ ،‬مللا دام يوجللد مللا يناظرهللا ويكافئهللا فللي عللالم‬
‫الفتراضات والتخيلت والحتمالت الذهنية ‪.‬‬

‫الواقع أنه ل توجللد حقللائق علميللة تنفللي آدم وحللواء وقصللتهما ‪ ،‬أمللا‬
‫الداروينية فإنها فرضية ل تمثل الحقيقللة مللن جهللة ‪ ،‬ول تملللك أدلللة إثبللات‬
‫صحيحة ‪ ،‬ول تستطيع أن تنقض خلبرا ً دينيلا ً ‪ ،‬أو تقلوى عللى ملا يفهلم ملن‬
‫ظاهره حتى نلجأ إلى تلأويله بملا يتفلق ملع الحقيقلة العلميلة ‪ ،‬للذلك فلإن‬
‫المؤمنين بالدين ل يعانون تناقضا ً في هلذه المسلألة بيلن عقيلدتهم الدينيلة‬
‫ومفاهيمهم العلمي ‪ ،‬إنهم يقولون للعم ‪ :‬تابع بحثك حتى تصل إلللى اليقيللن‬
‫العلمللي ‪ ،‬الللذي ل يرتبللط بتقللدم فللي المعرفللة أو فللي الصللناعة ‪ ،‬أو فللي‬
‫الختراع والبداع ‪ ،‬أو فللي الحضللارة وسللعادة النسللان ‪ ،‬وليللس مللن شللأن‬
‫الخلف العلمي فيها أن يحدث قلقا ً وتوترا ً ‪ ،‬حتى يعطيه سليادة الناقللد كلل‬
‫هذه الهمية ‪.‬‬
‫ولكن كيف يجد الملحدة مشكلت يهزون بها واقللع الصللدقة المتينللة‬
‫بين السلم والعلم؟ إنهم إذا لم يجدوها فللي الواقللع فل بللد أن يصللطنعوها‬
‫بالتزوير والكذب ‪ ،‬وبإيجاد النظريات التي ينسبونها إلى العلم ‪ ،‬والعلم منها‬
‫خرون لترويجها عناصر كثيرة يشترونها بوسائلهم المختلفة ‪.‬‬ ‫بريء ‪ ،‬ويس ّ‬

‫وأما اعتقاد المؤمنين بالجحيم والنعيللم فهللو موضللوع يتصللل اليمللان‬


‫باليوم الخر ‪ ،‬وقد شرحنا هللذا الموضللوع سللابقا ً شللرحا ً كشللفنا فيلله زيللف‬
‫جحود الملحدين ‪ ،‬وأوضحنا فيه أن الملحدين ل يملكون أي دليللل عقلللي أو‬
‫علمي يستطيعون أن ينفوا به الحياة الخرى وملا فيهلا ملن جلزاء ‪ ،‬بيلد أن‬
‫المؤمنين هم الذين يملكون الدلة لما يؤمنون به ‪.‬‬

‫فل نزاع بين العلم والدين ‪ ،‬ولكن النزاع بيللن اليمللان العلمللي وبيللن‬
‫الكفر الجاهل المخادع الذي يلبس أثواب العلم زورا ً وبهتانا ً ‪.‬‬

‫وأما معجزات الرسل فقضية تتصل بقدرة الله الخللالق القللادر علللى‬
‫تغيير ما يشاء من أنظمة كونه ‪ ،‬لثبات قضية اليمان لعباده وتصديق رسله‬
‫فيما يبلغون عنه ‪ ،‬وهذه قضية ل تتعارض مع العقل ول مع العلم الصحيح ‪.‬‬

‫)‪(8‬‬

‫يتابع الناقد )العظم( إصراره المستميت على ادعاء وجود التناقض‬


‫بين السلم والعلم ‪ ،‬فنجده يعرض أقوال بعض الباحثين المسلللمين الللذين‬
‫يوضلحون أنله ل نلزاع ول تنلاقض بينهملا ‪ ،‬ثلم يعللق عليهلا بأنهلا توفيقلات‬
‫خطابية ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تعتمد على أدلة علمية ‪ ،‬بينما ل يأتي هو بأي دليللل علمللي‬
‫أو منطقي يثبت فيه ادعاءاته الباطلة ‪ ،‬ويكتفللي بالخطابيللات والتقريللرات ‪،‬‬
‫والكاذيب والمغالطات ‪.‬‬
‫إنه حينما أراد التعليق على كلم جيد للدكتور الشهيد صبحي الصللالح‬
‫لم يجد إل دليل ً سفسطيا ً أضعف من الدليل الخطابي بكثير ‪.‬‬

‫يقول في الصفحة )‪ (34‬من كتابه تعقيبا ً على ما قاله الدكتور الشيخ‬


‫صبحي الصالح‪:‬‬

‫"إذا صح قول الدكتور الصالح بأن الباحث يجد في السلللم مللا يريللح‬
‫قلبه وأعصابه ‪ ،‬ويرضي فكللره وفلسللفته ‪ ،‬حللول النسللان وطبيعللة الحيللاة‬
‫وحرية الرادة ضمن المشلليئة اللهيللة ‪ ،‬تكللون المشللكلة قللد انحلللت أصلل ً‬
‫وسلللفا ً ‪ ،‬ول داعللي لكللل هللذا الضللجيج حللول انسللجام السلللم مللع العلللم‬
‫الحديث ‪ ،‬وكل هذا الهجوم علللى اللحللاد والملحللدين ‪ ،‬وكللل هللذا الهتمللام‬
‫والجدل والنقاش حللول مشللاكل الشللباب المسلللم ‪ ،‬أمللام تحللديات الحيللاة‬
‫العصرية والقرن العشرين"‪.‬‬
‫ل يخفى على أي ناظر مللا فللي هللذا الكلم مللن سفسللطة واضللحة ‪،‬‬
‫ومغالطة مكشوفة ‪.‬‬
‫إن الضجيج يأتي من غوغائية الملحدين ‪ ،‬الللذين يحللاولون أن يقيمللوا‬
‫الحرب بين السلم والعلم ‪ ،‬ليفتنوا الشاب المسلم عن دينهم ول يأتي من‬
‫قبل الباحثين السلميين ضد العلم الصحيح ‪ ،‬ولئن وجد شيء من الضللجيج‬
‫من قبل بعض المسلمين فهو ضد النظريات المدسوسة على العلم ‪ ،‬وهللي‬
‫تخالف العقائد والمفللاهيم السلللمية ‪ ،‬علللى أن هللذه النظريللات ل يتحمللل‬
‫العلم اليقيني وزرها ‪.‬‬

‫ومن هنللا تللأتي سفسللطة )العظللم( فبينمللا يكللون البحللث فللي دائرة‬
‫التحليللل للحقلائق علللى مسللتوى النظللرة المجللردة ‪ ،‬البعيللدة علن الحللدود‬
‫الضيقة لراء الناس ‪ ،‬إذا به يستدل بآراء الناس المختلفة ‪ ،‬لثبات ما ادعاه‬
‫حول طريقين من طرق المعرفة ‪ ،‬ومغالطته هنا تقوم على أساس التعميم‬
‫العجيب بين الدين ومفاهيم المجتهدين على اختلفهللم وجمللاهير المتللدينين‬
‫من جهة ‪ ،‬ويجعل كل أولئك حزبلا ً متكللافل ً متضللامنا ً ‪ ،‬وبيللن العلللم اليقينللي‬
‫والنظريات والفرضيات المنسوبة إلى العلم بغير حق ‪ ،‬وجمللاهير المللاديين‬
‫والملحدة من جهة أخرى ‪ ،‬ويجعل كل هذه حزبا ً متكافل ً متضامنا ً ‪.‬‬

‫والنتيجة التي يريد أن يستنتجها بهذه السفسطة هي ما يلي‪:‬‬


‫إذا حصللل خلف بيللن جللزء مللن الحللزب الول ‪ ،‬وجللزء مللن الحللزب‬
‫الثاني فمعنى ذلك أن كل الحزب الول مناقض للحزب الثاني ‪.‬‬

‫مسكة من عقل سوي؟‬


‫فهل يقبل هذا الكلم الهراء من لديه ُ‬

‫إنه رفض الكلم الذي سماه كلما ً خطابيا ً وقل ّ‬


‫دم فللي اسللتدلله هللذه‬
‫المغالطة المكشوفة ‪ ،‬والسفسطة السخيفة ‪.‬‬

‫مع أن حقائق العلم هي التي تقارن بها حقللائق السلللم ‪ ،‬ول تقللارن‬
‫حقللائق السلللم بالنظريللات والفرضلليات ومللذاهب المللاديين غيللر الثابتللة ‪،‬‬
‫وأهواء الملحدة الذين يحاولون أن يتخذوا من العلم دريئة لهللم ‪ ،‬فل يقللدم‬
‫لهم غير فرضيات احتمالية ل دليللل عليهللا ‪ .‬هللذه ليسللت بعلللم وإن سللماها‬
‫أصحابها علما ً ‪ ،‬وحينما يوجد بينها وبين حقللائق الللدين تنللاقض فهللو تنللاقض‬
‫يشرف الدين ويرفع من قيمته ‪ ،‬ويجعله مزيجا ً من حقائق وظنون وأوهام‪.‬‬

‫وفي مقابل كل هذا فإن حقائق السلم هي التي تقللارن بهللا حقللائق‬
‫العلم ‪ ،‬ول تقارن حقائق العلم بظنون المجتهدين ‪ ،‬أو بللأغلط المخرفيللن ‪،‬‬
‫على أنها من جوهر الدين ‪ ،‬ول تقارن أيضا ً بأهواء أصحاب الضلللت الللذين‬
‫ينتسبون إلى الدين ‪ ،‬ويحاولون أن يتخذوا منه دريئة لهم ‪ ،‬ليحموا أنفسللهم‬
‫ومصالحهم ويبرروا ضللتهم ‪.‬‬

‫إن قضية البحث العلمي ليست بمثل السهولة التي أراد أن يصللورها‬
‫)د‪ .‬العظم( بهللا ‪ ،‬فيتخللذ مللن التعميللم الفاسللد أحكاملا ً وهميللة باطلللة ‪ ،‬إن‬
‫البحث العلمي يحتاج إلى تحليل عناصر الموضوع المطروح للبحللث ‪ ،‬وبعللد‬
‫تحليل العناصر يحكم على كل جزء مهما صغر بالحكم الملئم له‪.‬‬
‫إن العلللم ل يحمللل أباطيللل الملحللدين ول ُيعتللبر مسللؤول ً عنهللا ‪ ،‬ول‬
‫يحمل ظنون المخطئين ول ُيعتبر مسؤول ً عنها ‪ .‬وكذلك الدين فإنه ل يحمل‬
‫أباطيل المخّرفين ‪ ،‬ول يعتبر مسؤول ً عنهللا ‪ ،‬ول يحمللل أخطللاء المجتهللدين‬
‫ول يعتبر مسؤول ً عنها ‪.‬‬

‫فحينما يقام جدل بين جبهة المتدينين وجبهللة غيللر المتللدينين فللإنه ل‬
‫يمثل جدل ً ونزاعا ً بين الدين والعلم ‪ ،‬وإنما يمثل جدل ً ونزاع لا ً بيللن منتسللب‬
‫إلى العلم بالباطل وبين منتسب إلى الدين بغير حق ‪ ،‬أو بين منتسللب إلللى‬
‫العلم بالباطل وبين الدين الحق ‪ ،‬أو بيللن منتسللب إلللى الللدين بغيللر الحللق‬
‫وبين العلم الحق ‪ .‬أما الدين الحق والعلم الحق فل نللزاع بينهمللا ول جللدال‬
‫في الحقيقة ‪.‬‬

‫وباستطاعتنا أن نؤيد هذا المنهج التحليلي المفصل بالدلة والللبراهين‬


‫القاطعة ‪.‬‬

‫أما من يلجأ إلى التعميمات السوفسطائية بقصد التضليل والمغالطة‬


‫‪ ،‬فإننا نلجمه بلجام المنطق السديد ‪ ،‬ونقول له ‪ :‬عد إلى رشللد المعرفللة ‪،‬‬
‫وإياك ومراوغة المضلين ‪.‬‬

‫وباستطاعنا أن نقرر القانون التالي‪:‬‬

‫‪ -1‬كل حقيقة من حقائق العلم الثابتة ل يمكن أن تناقض أية حقيقللة‬


‫من الحقائق الثابتة في الدين الصحيح ‪.‬‬

‫‪ -2‬كل حقيقة من حقائق الدين الحق ل يمكن أن تناقض أية حقيقة‬


‫من الحقائق الثابتة في العلم الصحيح ‪.‬‬

‫‪ -3‬ما يبدو من تناقص بين ما ينسب إلى الدين وما ينسب إلى العلم‬
‫‪ ،‬فإنه ل يخلو إما أن ما نسب إلى العلم أمر باطل أو ما نسلب إللى اللدين‬
‫أمر باطللل أو فهللم خللاطئ ‪،‬أو كل ّ‬
‫ل ممللا نسللب إليهمللا فاسللد النسللبة غيللر‬
‫صحيح ‪ ،‬وفي هذه الحوال يجب متابعة البحث لتصحيح الخطللأ فيمللا نسللب‬
‫إلى العلم أو فيما نسب إلى الدين ‪.‬‬

‫هذه هي قواعد اليمان ‪ ،‬وهلذه هلي مناهلج الملؤمنين ‪ ،‬أملا الملحلد‬


‫فإنه يريد أن يبحث المور على المستوى الللذي ل تضللبطه قاعللة عقليللة أو‬
‫علمية ‪ ،‬مستوى المغالطات والكاذيب والفللتراءات ‪ .‬علللى هللذا المسللتوى‬
‫يسير في جدلياته ومناقشاته ‪ ،‬ويتصور أنه بحيله وألعيبه يستطيع أن يخدع‬
‫الطلئع المثقفة من أبناء المسلللمين ‪ ،‬هللذا هللو وضللعه فللي كللل مناقشللاته‬
‫وجدلياته وتقريراته ‪ ،‬في الوقت الذي يطالب فيه الباحثين مللن المسلللمين‬
‫بالتزام قواعد )ديكارت( في منهج البحث السليم!!‬
‫أين الللتزام قواعللد ديكللارت فللي جللدلياته ومناقشللاته؟! بللل فللي أي‬
‫مقطع من كلمه نجد هذا اللتزام ؟!‬

‫إنها لمفارقة عجيبة ‪ ،‬بل إنها لوقاحة عجيبللة!! وهللذه الوقاحللة سللمة‬
‫كل المبطلين المصرين على باطلهم ولو عرفوا أنه باطل ‪.‬‬

‫يقول في الصفحة )‪ (35‬وما بعدها ما يلي‪:‬‬


‫ً‬
‫قين الخطابيين يبقى دوما )عن سابق إصللرار(‬ ‫موفّ ِ‬
‫"واضح أن كلم ال ُ‬
‫على مستوى التعميمات الفضفاضة التي ل تزعللج أحللدا ً ول تحللرج مواقللف‬
‫إنسان ‪ ،‬إذ هل يعقل أن يكون أحد ضد )الحق( و)العلم( و)المعرفة(؟‪ .‬إنلله‬
‫منطق المجاملت وجبر الخواطر الللذي يرضللي جميللع الطللراف ول يزعللج‬
‫قون عن بحث أية مشللكلة ذات طللابع محللدد‬ ‫أحدا ً ‪ ،‬لذلك يبتعد هؤلء الموفّ ُ‬
‫قد تضطرهم إلللى الخللروج مللن مجللال المفللاخرة بمزايللا الللدين السلللمي‬
‫وحسناته العملية للدخول في مجال التحليل الدقيق للمشكلة المطروحة ‪.‬‬

‫"في الواقع يفتقر كلمهم حتى لكثر أدوات التحليل الفكري بدائيللة ‪،‬‬
‫كما يفتقر إلى أبسط القواعد المنهجية فللي التمحيللص والتفكيللر العلمللي ‪،‬‬
‫حتى قواعد )ديكارت( في منهج البحللث السللليم الللتي وضللعها فللي القللرن‬
‫السابع عشر وأصبحت أمورا ً بدائية وفجة جدا ً في عصرنا ل نجد لها أي أثللر‬
‫في أبحاث الموفقين الخطابيين ‪ .‬من قواعللد )ديكللارت( الساسللية ‪ :‬طللرح‬
‫المشكلة المراد حلها بالتحديد ‪ ،‬ومن ثم تقسيمها بصورة منتظمة إلى عدد‬
‫من القضايا الجزئية التي تتكون منهللا ‪ ،‬ومللن ثللم معالجللة الجللزاء البسللط‬
‫استعدادا ً للنتقال إلللى المسللألة الكللثر تعقيللدا ً وتركيبلا ً ‪ ،‬إلللى آخللر القصللة‬
‫الديكارتية المعروفة حتى في المدارس الثانوية"‪.‬‬

‫هذا كلم الناقد )د‪ .‬العظم( عن المنهج الديكارتي ‪ ،‬والذي أصبح فللي‬
‫نظره من المور البدائية والفجة ‪ ،‬وجاء بعده ما هو أدق منه وأكمل ‪.‬‬

‫ولكن ما باله في جدلياته ومناقشاته ل يطبق أدنى مستويات المنهج‬


‫الديكارتي الذي يعرفه؟!‬

‫هل يقبل المنهللج الللديكارتي هللذه التعميمللات الللتي يسلللكها؟ وهللذه‬


‫المغالطات التي يصطنعها؟ وهذه المفتريات التي يفتريها على الحقيقة؟‬

‫إن مناقشاته لتفتقر إلى أبسط أصول الفكر النساني الموجودة عند‬
‫الشعوب البدائية فضل ً عن الشعوب المتقدمة حضللاريًا‪ ،‬فض لل ً عللن معاهللد‬
‫العلم والدراسة ‪ ،‬فضل ً عن المستوى الكاديمي ‪ ،‬فأين هو مللن تطللبيق مللا‬
‫يعرف؟‪.‬‬

‫لكن التعصب للباطل والصرار عليه يجعلن النسان يخرج حتما ً عن‬
‫دائرة المنهللج السللوي ‪ ،‬ويجعلنلله متخبطللا ً فللي مناقشللاته ‪ ،‬سللاقطا ً فللي‬
‫مناظراته ‪ ،‬متهافتا ً في كلمه ‪ .‬إن المنهج السوي ل يقللدم لقللواله الباطلللة‬
‫أدلة إثبات ‪ ،‬لذلك فهو مضطر إلى أن يلجأ إلى المراوغة والحيلة والكذب ‪،‬‬
‫وهذه ل تقع ضمن خريطة المناهج الفكريللة السللليمة ‪ ،‬ول تسللتقيم مللع أي‬
‫منطق عقلي ‪ .‬أين التحليل؟ وأين تجزئة المشللكلة إلللى عللدد مللن القضللايا‬
‫الجزئية التي تتكون منها؟ ما أصللدق تطللبيق المثللل العربللي عليلله "رمتنللي‬
‫بدائها وانسلت"!فما يرتكبه هو من الخروج عن منهجه المعرفللة الصللحيحة‬
‫والمناقشة السليمة ‪ ،‬يقلذفه عللى أنصلار الحلق اللذين يعلنلون مفلاهيمهم‬
‫على الجماهير ‪ ،‬بالساليب التي تفهمها هذه الجماهير ‪ ،‬إذ ليس باسللتطاعة‬
‫الجماهير أن تشارك في مناقشة القضايا الجزئية مناقشة البحث العلمللي ‪،‬‬
‫وإنما ُتطلب من الباحثين تقديم نتائج بحوثهم ‪.‬‬
‫لكن العجب كل العجب أن يلأتي الناقللد )د‪ .‬العظلم( وملن هلو عللى‬
‫شاكلته فيتصللدى للجللدل النقللدي ‪ ،‬ثللم ل يجللادل إل مللن مواقللع النحللراف‬
‫الخطيللر عللن المنهللج الللذي يللدعو خصللومه للللتزامه ‪ ،‬ينهللي خصللومه عللن‬
‫مستوى التعميمللات الخطابيللة ‪ ،‬ويسللتخدم تعميمللات المغالطللة!!! يطللالب‬
‫بالتحليل الدقيق للمشكلة وبتقسيمها إلى عللدد ملن القضللايا الجزئيلة الللتي‬
‫تتكون منها ‪ ،‬ثم يأتي هو إلى قضايا متعددة في أصلها ‪ ،‬فيضمها في قضللية‬
‫واحدة ويصدر عليهللا حكملا ً واحللدا ً ‪ .‬يطللالب بللالتزام قواعللد ديكللارت الللتي‬
‫أصللبحت فلي نطللره أمللورا ً بدائيللة وفجللة جللدا ً فللي عرنللا ‪ ،‬ثللم يرمللي فلي‬
‫مناقشاته بكل قواعد ديكارت وبكللل القواعللد المنطقيللة رمللي النللواة ‪ ،‬فل‬
‫يلتزم شلليئا ً ‪ ،‬ول يأخللذ بللأي واجللب مللن واجباتهللا ‪ ،‬ويتظللاهر مللع كللل ذلللك‬
‫بالغيرة على الحقيقة والمانة العلمية ‪ ،‬أهذه هي المانة العلمية لللديه؟ أفل‬
‫يكون منسجما ً مع نفسه ومع قواعد البحث العلمي السليم ‪ ،‬قبل أن يللدعو‬
‫خصللومه للللتزام قواعللد البحللث العلمللي السللليم ‪ ،‬علللى أنهللم فللي أغلللب‬
‫أحوالهم ملتزمون ‪ ،‬وحينما يبصرون بالخطأ يتراجعون ‪.‬‬

‫أيها الملحدون ل تلبسوا أثواب العلم فلإن العلللم الصللحيح لللن ينصللر‬
‫إلحادكم وكفركم بخالقكم وإنكاركم لليوم الخر ‪ ،‬وإنكاركم لنشأتكم الولى‬
‫‪ ،‬وجحودكم لمصدر وجودكم ‪ ،‬واستهانتكم بمسؤولياتكم في حياتكم الدنيا ‪،‬‬
‫إن العلم الحق نصير لقضية اليمان ل لقضية الكفر ‪ ،‬وأما الفرضيات الللتي‬
‫تعتمدون عليها فأبعدوها عن مستوى الحقائق العلمية ‪ ،‬ول تحشللروها فيهللا‬
‫كذبا ً وزورا ً وبهتانلا ً ‪ ،‬إن العلللم الحللق سلليطردها مللن قصللره مهمللا حللاولتم‬
‫إدخالها فيه ‪.‬‬

‫أيها الملحدون ل تصطنعوا الضجيج لليهام بوجود النزاع بين السلللم‬


‫والعلم فالواقع الحق ل يؤيدكم ‪.‬‬

‫)‪(9‬‬

‫يقول الناقد )د‪ .‬العظم( في الصفحة )‪ (36‬من كتابه ما يلي‪:‬‬


‫دد القائلون بالتوافق التام بين السلم والعلم علللى أن السلللم‬ ‫"يش ّ‬
‫دين خال من الخرافات والساطير ؛ باعتبار أنه هو والعلم واحد في النهاية‬
‫‪ .‬لنمحص هذا الدعاء التوفيقي بشيء من الدقة بإحالته إلى مسألة محددة‬
‫تماما ً ‪ .‬جاء في القرآن مث ً‬
‫ل‪ :‬أن الله خلللق آدم منطيللن ‪ ،‬ثللم أمللر الملئكللة‬
‫بالسجود له فسجدوا إل إبليس ؛ مما دعا الله إلى طرده مللن الجنللة ‪ .‬هللل‬
‫تشللكله هللذه القصللة أسللطورة أم ل؟ نريللد جوابللا ً محللددا ً وحاسللما ً مللن‬
‫الموفقين وليس خطابة ‪ .‬هل يفترض فلي المسلللم أن يعتقللد فللي النصللف‬
‫الثاني من القرن العشرين بللأن مثلل هللذه الحادثللة وقعلت فعل ً فلي تاريلخ‬
‫الكون؟ إن كانت هذه القصة القرآنيللة صللادقة صللدقا ً تماملا ً وتنطبللق علللى‬
‫واقع الكون وتاريخه فل بد من القول ‪ :‬إنها تتناقض تناقضا ً صريحا ً مللع كللل‬
‫معارفنا العلمية ‪ ،‬ول مهرب عندئذ ٍ من الستنتاج بللأن العلللم الحللديث علللى‬
‫ضلل في هذه القضية ‪ ،‬وإن لم تنطبق القصة القرآنية علللى الواقللع فمللاذا‬
‫تكون إذن )في نظر الموفقين( إن لم تكن أسطورة جميلة؟"‪.‬‬

‫يا عجبا ً كل العجب ‪ ،‬وهل كل معارفه العلمية منحصرة في الفرضية‬


‫الداروينية ‪ ،‬المناقضة للحقيقة الدينيللة الللتي قللص الللله علينللا قصللتها وفللق‬
‫علمه ‪ ،‬حتى يقول ‪ :‬ل بد من القول ‪ :‬بأنها تتناقض تناقضا ً صللريحا ً مللع كللل‬
‫معارفنا العلمية؟‬

‫ه الله علينا في كتللابه ‪ ،‬ولللو تنللاقض‬ ‫لكننا نقول له ‪ :‬إن الحق ما قص ُ‬


‫ً‬
‫مع الفرضية الداروينية ‪ ،‬وليللس هللذا تناقضلا بيللن الللدين والعلللم وإنمللا هللو‬
‫تناقض بين الحق الديني وبين ما نسب إلى العلم ‪ ،‬وهذا ل يؤثر في جللوهر‬
‫الموضوع ‪.‬‬

‫فالداروينية ليست حقيقة علمية بشللهادة العلمللاء أنفسللهم ‪ ،‬لنهللا ل‬


‫تملك أدلة إثبات يقينية فيما يتعلللق بتاريللخ النسللان ونشللأته الولللى ‪ ،‬ولن‬
‫العلم ل يملك أدلة تنفي وجود الجن والملئكة ‪.‬‬

‫وباستطاعتنا أن نعكلس السلؤال عليله فنقلول لله ‪ :‬هلل باسلتطاعة‬


‫العلم المادي الحديث أن يقدم لنا أدلة يقينية قاطعة تثبت مللا يللدعيه حللول‬
‫نشأة النسان الولى وتاريخه؟ إن ما يقولونه هو مجللرد احتمللال افتراضللي‬
‫لو لم يقولوا به لما وجدوا أملامهم إل ملا يقللرره الللدين ملن قضللية الخلللق‬
‫الرباني ‪ ،‬وهذا ما يتهرب الماديون الملحدون منه من غير دليل ‪ .‬حتى كتب‬
‫)سير آرثر كيث( يقول‪:‬‬

‫"إن نظرية النشوء والرتقاء غير ثابتة علميا ً ‪ ،‬ول سللبيل إلللى إثباتهللا‬
‫بالبرهان ‪ ،‬ونحن ل نلؤمن بهلا إل لن الخيلار الوحيلد بعلد ذللك هلو اليملان‬
‫بالخلق الخاص المباشر ‪ ،‬وهذا ما ل يمكن حتى التفكير فيه"‪.1‬‬

‫لماذا ل يمكن قبوله من وجهة نظره ول التفكير فيه؟‬

‫لنه اتخذ لنفسه اللحاد مذهبا ً ‪ ،‬فهو ل يريد أن ينقض مذهبه ‪ ،‬تعصبا ً‬
‫له وإنكارا ً للحقيقة اللهية ‪ .‬وهكذا سائر الملحدين ‪.‬‬

‫اقتباسا ً من كتاب "السلم يتحدى"‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إذا حققنا في المر وجدنا أن الخرافة والسطورة تتمثللل فللي بعللض‬
‫المواقف من النظرية الداروينية ‪ ،‬وهي المواقف التي تتناقض مع صريح ما‬
‫جاء في القرآن عن خلق آدم ‪ ،‬لن الفرضية الداروينية في هذه المواقف ل‬
‫تملك أي دليل غير مجرد الحتمال الفتراضللي ‪ ،‬وهللذا ل يقللدم أيللة حقيقللة‬
‫علمية ‪.‬‬

‫فادعاؤه التنللاقض بيللن الللدين والحقللائق العلميللة فللي هللذه القضللية‬


‫الخاصللة ادعللاء مخللالف لكللل القواعللد المنطقيللة والسللس العلميللة ‪ ،‬أل‬
‫فليراجع مفاهيمه مراجعة منطقية قبل أن يتصدى لعمليات نقد كبرى ‪.‬‬

‫ثم قال بعد أن عرض هذه المسألة المحددة كما زعم‪:‬‬


‫"هل يفترض في المسلم في هذا العصر أن يعتقد بوجود كائنات‬
‫مثل الجن والملئكة وإبليس ‪ ،‬وهاروت وماروت ‪ ،‬ويأجوج ومأجوج ‪ ،‬وجودا ً‬
‫حقيقيا ً غيللر مللرئي باعتبارهللا مللذكورة كلهللا فللي القللرآن ‪ ،‬أم يحللق للله أن‬
‫يعتبرها كائنات أسطورية ‪ ،‬مثلها مثل آلهة اليونانية وعروس البحللر والغللول‬
‫والعنقاء؟ يا حبذا لو عالج الموفقون بين السلم والعلم مثل هللذه القضللايا‬
‫المحددة وأعطونللا رأيهللم فيهللا بصللراحة ووضللوح بللدل ً مللن الخطابللة حلول‬
‫النسجام الكامل بين العلم والسلم"‪.‬‬

‫يا سبحان الله!! يبدو أن الناقللد )د‪ .‬العظللم( عللالي الثقافللة؟! فهللول‬
‫يفقه معظم هذه السماء التي يغري أبناء المسلللمين بللأن يجحللدوها ‪ ،‬عللن‬
‫طريق تساؤلته الستنكارية ‪ ،‬والظاهر أنه أخذها عن مكتوبات الماركسيين‬
‫غير المسلمين ‪ ،‬ونقلها نقل ً ببغاويا ً بالترجمة الحرفيللة ‪ ،‬دون أن يرجللع إلللى‬
‫المصادر السلمية ويعللرف دللتهللا منهللا ‪ ،‬ففلي إيللراده لهلاروت ومللاروت‬
‫ويأجوج ومأجوج على أنها كائنات غير مرئية كالجن والملئكة وإبليس جهللل‬
‫فاضح جدا ً ‪ ،‬فمن هذا الللذي قللال ‪ :‬إن هللاروت ومللاروت ويللأجوج ومللأجوج‬
‫مخلوقات غير مرئية كالجن والملئكة؟‬

‫إن التخبط الفكري عند الملحدة الذين يتصللدون لمعارضللة الحقللائق‬


‫اللهية يجعلهم يرتكسون ارتكاسا ً فكريا ً شائنا ً جدا ً ‪ ،‬ومن شللأن الباطللل أن‬
‫يتخلى عن أنصاره ‪ ،‬ويسبب لهم الهزيمة الفكريللة الفاضللحة ‪ ،‬والحللق لبللد‬
‫أن يعلو عليهم ويجعلهم هم وباطلهم زاهقين ‪.‬‬

‫نحن نعلم أن يأجوج ومأجوج‪ 1‬من القبائل البشرية الجاهلة المفسدة‬


‫في الرض ‪ ،‬وهللم مللن سللكان الشللرق القصللى وراء سللد الصللين ‪ .‬وكللان‬
‫سكان غرب الصين قد اشتكوا أمر إغارة قبائل يأجوج ومأجوج عليهم لللذي‬
‫القرنين ‪ ،‬الفاتح المؤمن العادل ‪ ،‬وطلبوا منلله أن يقيللم بينهللم وبيللن قبللائل‬
‫يأجوج ومأجوج المفسدة في الرض سدا ً عظيما ً ‪ ،‬يحجز عن سللكان غللرب‬
‫خرج يدفعونه له ‪ ،‬فوافق ذو القرنيللن‬ ‫الصين غارات سكان شرقها ‪ ،‬مقابل َ‬
‫على ذلك ‪ ،‬وطلللب منهللم أن يعينللوه علللى ذلللك بقللوة رجللالهم الكللثيرين ‪،‬‬
‫وبللالمواد الموجللودة فللي بلدهللم ‪ ،‬وفعل ً أقللام ذو القرنيللن لللذلك السللد‬

‫)يا غوغا ماغوغا( من القبائل المعروفة عند مؤرخي بلد الصين‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫العظيللم ‪ ,‬وحجللز قبللائل يللأجوج ومللأجوج ‪ ،‬وتعللذر عليهللم الظهللور عليلله‬
‫واستئناف غارات الفساد التي كانوا يغيرونها ‪.‬‬

‫فما علقة هذه القبائل البشرية التاريخية بالغيبيللات وبالكائنللات غيللر‬


‫المرئية؟‪.‬‬

‫لللو أنلله قللرأ سللورة )الكهللف( أو سللمعها مللن المللذياع ‪ ،‬أو لللم يللرد‬
‫التضليل الديماغوجي لما سقط في هذه الفضيحة التي تعبر عن جهل كللبير‬
‫‪ ،‬في موضوع يتصللدى لنقللده ومهللاجمته ‪ ،‬بغيللة التبشللير بمللذهبه اللحللادي‬
‫الكافر بكل القيم ‪.‬‬

‫أو لعله استغرب اسمي يأجوج ومأجوج فاعتبرهما كائنات غير مرئيللة‬
‫كالجن والملئكة؟ إذا كان المر كذلك فالسللماء الغريبللة عليلله كللثيرة فللي‬
‫عالم الناس ‪ ،‬وفي عالم العلم ‪ ،‬فليجعلها كلهلا أسلماء لكائنللات غيبيلة غيلر‬
‫مرئية كالجن والملئكة ‪.‬‬

‫ولكن هكذا يخبط خبط عشواء ‪ ،‬ويخلط خلط عميللاء ‪ ،‬دون الرجللوع‬
‫إلى مصادر الدين السلمي ومعرفة المراد منها؟‬

‫أهذه هي القواعللد المنهجيللة فللي التمحيللص والتفكيللر العلمللي الللتي‬


‫يطالب المؤمنين بها؟‬

‫إذا كانت هذه هللي قواعللده فهيهللات أن يصللل إلللى أيللة حقيقللة مللن‬
‫الحقائق ‪ ،‬وعليه أن يرتطم دائما ً في حفر الجهالة والضللة ‪ ،‬ومللا دام هللذا‬
‫مستواه فل بد أن يسقط فللي حبللائل المؤسسللات اللحاديللة فللي العللالم ‪،‬‬
‫وهي المؤسسات التي ترعاها وتديرها من وراء الستار اليهودية العالميللة ‪،‬‬
‫لغاية في نفوس اليهود يريدون تحقيقها في شعوب الرض ‪.‬‬

‫ونظير سقوطه في مسألة يأجوج ومأجوج في حفللر الجهللل الفاضللح‬


‫سقوطه أيضا ً في مسألة هاروت وماروت‪.‬‬

‫إن هاروت وماروت اسمان لشخصين وجدا قللديما ً فللي بابللل ‪ ،‬وكانللا‬
‫على صورة آدمين يخاطبان الناس ‪ ،‬ويعلمانهم السللحر الللذي علمهمللا الللله‬
‫إياه ‪ ،‬ويلأمران النلاس بلأن ل يكفلروا بلالله علن طريلق تعلمهلم السلحر ‪،‬‬
‫وعنهما توارث الناس علم السحر ‪ ،‬وقد أخبرنا الله فلي القللرآن أنهملا فلي‬
‫حقيقة حالهما ملكان ظهرا على صورة آدميين ‪ ،‬على أن في كونهما ملكين‬
‫وفي تعليمهما الناس السحر خلفا ً عن المفسللرين ‪ ،‬ومهمللا يكللن مللن أمللر‬
‫فليسا كما زعم )العظم( نقل ً عن كتب الماركسيين أنهما من الكائنات غيللر‬
‫المرئية ‪ ،‬بل كانا شخصيتين مرئيتين ‪،‬وكانت لهما قصة مشهورة في تاريللخ‬
‫الناس ‪ ،‬وتوارث الناس عنهما أو عن غيرهمللا علم لا ً مللا زالللت للله رواسللب‬
‫معروفة عند بعض المخصصين بعلم السحر ‪ ،‬وإذا كان يجهل ذلك فليسللأل‬
‫سحرة اليهود فإنهم يخبرونهم ‪.‬‬
‫وقد تعرض القرآن لقصتهما في معللرض الكلم علللى بنللي إسللرائيل‬
‫في سورة )البقرة‪ 2/‬مصحف‪ 87/‬نزول(‪ :‬فقال تعالى ‪:‬‬
‫ن‬
‫ما ُ‬ ‫سلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫َ‬
‫ما ك َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫ك ُ‬ ‫مل ْ ِ‬
‫ن عَل َ ٰى ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ما ت َت ُْلوا ْ ٱل ّ‬ ‫}وَٱت ّب َُعوا ْ َ‬
‫ل عََلى ٱْلل َ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫م ل ك َي ْ ِ‬ ‫مآ أن ْزِ َ‬ ‫ح َر وَ َ‬ ‫سل ْ‬‫س ٱل ّ‬ ‫ن ٱل ّنلا َ‬ ‫مو َ‬ ‫فُروا ْ ي ُعَل ّ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫طي َ‬‫شلْيا ِ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫وَل َ ٰلك ِ ّ‬
‫ة فَل َ‬ ‫هاروت وماروت وما يعل ّمان م َ‬
‫ن فِت ْن َل ٌ‬ ‫حل ُ‬ ‫مللا ن َ ْ‬ ‫قللول َ إ ِن ّ َ‬ ‫حت ّل ٰى ي َ ُ‬ ‫حدٍ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ل َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َُ َ ِ ِ ْ‬ ‫ب َِباب ِ َ‬
‫ن ِبللهِ‬ ‫ضآّري َ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫جه ِ و َ َ‬ ‫م ْر ِء وََزوْ ِ‬ ‫ن ٱلل َ‬
‫ْ‬ ‫ن ب ِهِ ب َي ْ َ‬ ‫فّرُقو َ‬ ‫ما ي ُ َ‬‫ما َ‬ ‫من ْهُ َ‬
‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ّ‬
‫فْر فَي َت َعَل ُ‬ ‫ت َك ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مل ِ‬
‫َ‬
‫مللوا ل َ‬ ‫ْ‬ ‫ق لد ْ عَل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫م وَل َ‬ ‫فعُهُل ْ‬ ‫م وَل َ َين َ‬ ‫ض لّرهُ ْ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ّ‬
‫هل وَي َت َعَل ُ‬ ‫ن ٱل لل ِ‬
‫ّ‬ ‫حدٍ إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م ل َلوْ ك َللاُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫شَروْا ْ ب ِهِ أن ْ ُ‬ ‫ه ِفي ٱ لل ِ‬ ‫ٱ ْ‬
‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ق وَل َب ِئ ْ َ‬ ‫خل َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫خ َر ةِ ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫شلت ََراهُ َ‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬

‫وهكذا ظهر لنا جهل )د‪ .‬العظم( الفاضح في المسألة الثانية التي‬
‫يردد ألفاظها ‪ ،‬وهو ل يعلم مضمونها ‪ ،‬ثم يتصدى لنقدها وفق تصور خيللالي‬
‫لديه ‪.‬‬

‫أما تساؤلها عن الملئكة والجن وإبليس فهذه فعل ً كائنات غير مرئية‬
‫بالنسللبة إلللى مسللتواك إدراك النللاس ‪ ،‬والملحللد بللالله وبالللدين وبالخبللار‬
‫الواردة في الدين الحق ينكر هذه الكائنات لن العلم الحديث ل يملك حتى‬
‫الن أدلة إثبات لها ‪.‬‬

‫ولكن هل استقصى العلم المادي الحلديث كلل ملا فلي الوجلود ملن‬
‫كائنات وأسرار ‪ ،‬حتى يدعي نفي وجود ما لم يشاهده بوسائله؟‬

‫لو كلان الملر كلذلك لكلان عللى العلملاء البللاحثين أن يتوقفللوا علن‬
‫متابعة البحث ‪ ،‬الذي يضنون أنفسهم فيه لكتشاف مجاهيل مللن الطاقللات‬
‫ن هذا ل يدعيه‬‫والكائنات الكونية التي يدركون أنهم ما يزالون يجهلونها ‪ ،‬لك ّ‬
‫عالم يقدر العلم ويحترم نفسه ‪.‬‬

‫إن العلوم الحديثة ل تملك حتى الن أي دليلل تسللتطيع أن تنفلي بله‬
‫وجود الجن أو الملئكة ‪ ،‬بيد أن كثيرا ً مللن التجللارب النسللانية تثبللت وجللود‬
‫كائنات خفية روحية غير مدركة بالحس ‪ ،‬وغيللر مدركللة بللالجهزة العلميللة ‪،‬‬
‫عللى أن إنكلار المنكريللن لهلا ل يلؤثر عللى وجودهللا شلليئا ً ‪ ،‬كملا أن إنكلار‬
‫المنكرين لعالم الجراثيم والميكروبات المرئية وغيللر المرئيللة ل يللؤثر علللى‬
‫وجودها في العالم شيئا ً ‪.‬‬

‫إن دليللل المللؤمنين علللى وجللود الملئكللة ‪ ،‬ووجللود الجللن مللؤمنيهم‬


‫وكافريهم وشياطينهم ومردته أخبار صادقة جاءت عن الله ‪ ،‬بطريق الوحي‬
‫‪ ،‬وبّلغها الرسل الصادقون المؤيدون بالمعجزات ‪ ،‬كما شللاهدوهم واتصلللوا‬
‫بهم بتجاربهم الخاصللة ‪ ،‬فللالمؤمنون بهللم إنملا يؤمنللون تصللديقا ً لخللبر الللله‬
‫الصادق ‪ ،‬ولخبار الرسل الصادقين ‪ ،‬والقضية من أساسللها تقللع فللي دائرة‬
‫الممكنات العقلية ل المستحيلت ‪ ،‬فالعمدة فيها الخللبر الصللادق ‪ ،‬علللى أن‬
‫للناس تجارب كثيرة من هذا القبيل ‪ ،‬ولكن هذه التجارب ليست هي عمدة‬
‫المؤمنين ‪ ،‬لنها لم تصل إلى مستوى البرهان العلمي ‪.‬‬

‫) ‪( 10‬‬

‫يقول الناقد )د‪ .‬العظم( في الصفحة )‪ (39‬والتي تليها من كتابه‪:‬‬

‫"مللن اليللات القرآنيللة الللتي يحللب الموفقللون ترديللدها فللي معللرض‬


‫كلمهم عن انسجام السلم والعلم الحديث ‪ :‬الوصف القرآني التالي لصل‬
‫النسان وتكوينه ‪} :‬ولقد خلقنا النسان من سللة ملن طيللن * ثللم جعلنلاه‬
‫نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفللة علقللة * فخلقنلا العلقللة مضللغة *‬
‫فخلقنا المضغة عظاما ً * فكسونا العظام لحملا ً * ثللم أنشلأناه خلقلا ً آخلر *‬
‫فتبارك الله أحسن الخالقين{"‪.‬‬
‫]سورة المؤمنون‪ :‬اليات ‪[14- 12‬‬

‫ثم قال تعليقا ً على هذا النص القرآني ما يلي‪:‬‬


‫"من الجلي أن عملية نمو الخلية البشرية بالنسبة إلى هللذا الوصللف‬
‫القرآني تعتمد على التدخل المباشر والمسللتمر مللن قبللل الللله لنقلهللا مللن‬
‫طور آخر ‪ ،‬أي إن نقلها من نطفة إلى علقة يحتاج إلى عملية خلق جديدة ‪،‬‬
‫كما أن نقلها من طور العلقة إلى طور المضللغة يحتللاج كللذلك إلللى عمليللة‬
‫خلق أخرى ‪...‬إلخ ‪.‬‬

‫وخلصة القول هو أن نمللو الخليللة البشللرية يشللكل معجللزة إلهيللة ل‬


‫تعليل لها سوى قدرته المطلقة على الخلللق ‪ ،‬وتللدخله المباشللر فللي سللير‬
‫أمور الكون ‪ .‬هللل يتفللق هللذا الوصللف والتعليللل مللع معارفنللا العلميللة عللن‬
‫الموضوع ‪ ،‬ومع ما يبينه لنا علللم الجن ّللة حللول تطللور الخليللة البشللرية فللي‬
‫مراحلها الولى ؟ الجواب حتما ً بالنفي ‪ ،‬لن علم الجنة ل يدع مجال ً للشك‬
‫في أن الخلية تنمو بالتطور العضللوي مللن طللور إلللى آخللر ‪ ،‬وفقلا ً لقللوانين‬
‫طبيعية معينة ‪ ،‬بحيث تنمو المرحلة المتأخرة من صلللب المرحلللة السللابقة‬
‫عليها ‪ ،‬وعلى أساس معيطاتها الولية ‪ ،‬كل ذلك بصللورة تسللمح لنللا بللالتنبؤ‬
‫بتطور الخلية ‪ ،‬وبالمراحل المستقبلة التي ستمر بها ‪ ،‬وتمكننا مللن التحكللم‬
‫بنموهللا ‪ ،‬بحيللث نسللتطيع تللأخيره أو إسللراعه أو تشللويهه )إن شللئنا ذلللك(‬
‫بتعريضها لمواد كيماوية معينة ‪ ،‬أو لنواع محددة مللن الشللعة ‪ ،‬وكللم كنللت‬
‫ف الموفقون الدينيون العمليون بمجللرد الستشللهاد بالوصللف‬ ‫أود لو لم يكت ِ‬
‫القرآني لنمو الخلية ‪ ،‬وتعدوا ذلك ليضللاح رأيهللم فللي كيفيللة انسللجام هللذا‬
‫الوصف ‪ ،‬مع معارفنا العلمية الثابتة عن هذه الظاهرة الطبيعية"‪.‬‬

‫يبدو أن سيادة الناقد ومعه سائر الملحدين الماديين محرومللون مللن‬


‫منطللق التطللور العلمللي الللذي يمكللن أن يهللدم جميللع قواعللد إلحللادهم ‪،‬‬
‫ومحرومون أيضا ً من المنطق العقلني المتجرد الباحث عن الحقيقة ‪.‬‬
‫فحينما يكتشف العلماء ارتباط الظواهر الطبيعية بأسللبابها الطبيعيللة‬
‫التي تحتاج هلي أيضلا ً إلللى تفسلير ‪ ،‬فهلل يعنلي هلذا إلغلاء حقيقللة الخللق‬
‫الرباني الكامن وراء السباب الطبيعية؟ وحينما يقرر القرآن أن لللله تبللارك‬
‫وتعالى هو الذي يخلق الحداث الكونية ‪ ،‬فهل معنى ذلك أن عمليللة الخلللق‬
‫تأتي بشكل مباشر ‪ ،‬دون توسط قوانين وعللل وأسلباب أوجلدها اللله فلي‬
‫نظام الطبيعة ‪ ،‬واختار أن يكون أسلوبه في عملية الخلللق كللذلك ‪ .‬إن مللن‬
‫يرفع الشيء بيده مباشرة يقال عنه ‪ :‬قد رفعه ‪ ،‬ومن يرفعه بوساطة حبل‬
‫يقال ‪ :‬قد رفعه ‪ ،‬ومن يرفعه بوساطة سبب غير مللرئي كقللوة كهربائيللة أو‬
‫مغناطيسية يقال ‪ :‬قد رفعه ‪ ،‬والخلق يكللون بشللكل مباشللر ‪ ،‬ويكللون عللن‬
‫طريق القوانين والسباب والعلل غير الفاعلة بذاتها ‪.‬‬

‫فكلم )العظم( القائم على تصور أن النص القرآني ل يعترف بنظللام‬


‫السباب والعلل والقونين الطبيعية كلم فاسد من الوجهة العقلية البحتللة ‪،‬‬
‫لن الخلق ل يقتضي دائما ً أن يكون عملية مباشرة ‪ ،‬دون أن توجد أسللباب‬
‫اختارها الخالق ليتم عن طريقها أسلوبه في الخلق ‪.‬‬

‫فليكتشف الباحثون ما شاءوا أن يكتشفوه من قوانين وعلل طبيعيللة‬


‫وأسباب ‪ ،‬فإن هذه كلها ل تملك الفعل الذاتي ‪ ،‬وهي بحد ذاتها تحتللاج إلللى‬
‫تفسير ‪ ،‬والخالق العظيم القادر العليم الحكيم هو القوة الحقيقيللة الكامنللة‬
‫وراء جميع الحداث الطبيعيلة ‪ ،‬وإن أراد الملحلدة الملاديون الوقلوف عنللد‬
‫السباب ‪ ،‬وإقفال عيونهم عما وراء السللباب الللتي اكتشللفوها ‪ ،‬وإن أرادوا‬
‫جحود الخالق العظيم ‪.‬‬

‫وبهذا يظهر لنا ما في كلمه من مغالطة وتضليل وتفسير غير صحيح‬


‫للنص القرآني ‪ ،‬وهذا من وجهة نظر المنطق العقلني المجرد ‪.‬‬

‫ثللم نقللول مللن ناحيللة أخللرى ‪ :‬لقللد توصللل العلللم الحللديث إلللى أن‬
‫القوانين العلمية ل تملك التفسير الكامل للحداث الكونيللة ‪ ،‬وإنمللا تكشللف‬
‫عن حلقة من الحلقات السببية ل غير ‪ ،‬وهي بحد ذاتها بحاجة إلى تفسير ‪.‬‬

‫يقول العلمة الفلكي الرياضي البريطاني السير )جيمس جينز( كلما ً‬


‫يعلن فيه هذه الحقيقة ‪ ،‬وهذه مقتطفات من أقواله‪:‬‬

‫"إن الكون كون فكري ‪ .‬الكون ل يقبللل التفسللير المللادي فللي ضللوء‬
‫علم الطبيعة الجديدة ‪ ،‬وسببه – في نظري – أن التفسير المادي قد أصللبح‬
‫الن فكرة ذهنية ‪.‬‬

‫من الصحيح أن نهر العلم قد تحول إلللى مجللرى جديللد فللي العللوام‬
‫الخيرة ‪...‬‬

‫لقد كنا نظن قبل ثلثين سنة – ونحن ننظر إلللى الكللون – أننللا أمللام‬
‫حقيقة من النوع الميكانيكي ‪.‬‬
‫إن العلم الجديد يفرض علينا أن نعيد النظر في أفكارنا عن العللالم ‪،‬‬
‫تلك التي كنا أقمناها على عجل ‪ .‬لقد اكتشفنا أن الكون يشهد بوجود قللوة‬
‫منظمة"‪.‬‬

‫أل فليعد )العظم( دراسته ‪ ،‬وليراجع أفكاره وفق ما تطور إليه العلم‬
‫الحديث ‪ ،‬وحسبه تجديفا ً في المستنقعات النتنة القذرة ‪.‬‬

‫أما قوله ‪" :‬إن نمو الخلية يخضع لقوانين تمكننا من التحكم بنموها ‪،‬‬
‫بتللأخيره أو إسللراعه أو تشللويهه" فهللو ل يتعللارض بحللال مللن الحللوال مللع‬
‫العقيدة اليمانية ‪ ،‬لننا جميعا ً في حياتنا على وجه الرض ل في عالم الجنة‬
‫نخضع لقوانين ربانيلة تمكننلا ملن التحكلم بعلض الشليء بنملو أجسلادنا أو‬
‫تشويهها أو إتلفها ‪ ،‬نظير تحكمنا بالجنة ‪ ،‬والنسان القللديم يعلللم هللذا كللل‬
‫العلم ‪ ،‬ول يجد فيه معارضللة لنظللام الخلللق الربللاني ول لقاعللدته العامللة ‪.‬‬
‫فالمؤمن يعلم أن لكل ظاهرة سببا ً يخضع لسّنة الله في كللونه ‪ ،‬ويعلللم أن‬
‫الخلق الحقيقي من وراء السباب هو الله تعللالى ‪ ،‬إن القضللية فللي نظللره‬
‫ح بسببها ‪ ،‬ولكن السللبب‬ ‫تشبه عملية إدارة زر الكهرباء التي يضيء المصبا ُ‬
‫ح بسللببها ‪،‬‬
‫الحقيقي في الضاءة هي القللوة الكهربللاء الللتي يضلليء المصللبا ُ‬
‫ولكن السبب الحقيقي في الضاءة هي القللوة الكهربائيللة السللارية ‪ ،‬ومللن‬
‫ورائها المولد الكهربائي ‪ ،‬ومن ورائه صانع هذا المولد ومللديره ‪ ،‬ولللو شللاء‬
‫لقطع التيار الكهربائي من عنده فلم يكللن لدارة الللزر الكهربللائي الفرعللي‬
‫أي أثر ‪ ،‬ولنعدمت بذلك كل الظواهر ‪ ،‬ولللم يكللن للسللباب الوسلليطة أيللة‬
‫قيمة ‪.‬‬

‫هذا هو منطق المؤمنين ‪ ،‬وذلك هو سخف الملحدين ‪.‬‬

‫) ‪( 11‬‬

‫من العجيب أن نجد الناقد )د‪ .‬العظم( ينكر على الباحثين السلميين‬
‫دعوتهم المسلمين إلى الخذ بأسباب العلللم فللي كللل مجللال مللن مجللالت‬
‫المعرفة ‪ ،‬ويرى أن السلم يدعو فقط إلى تعلم علوم الللدين ‪،‬أمللا العلللوم‬
‫الخرى فللإنه ل يهتللم بهللا ول يشللجع عليهللا ‪ ،‬ويللرى أن الللذين يقولللون‪ :‬إن‬
‫السلم يحث على تعلم كل العلوم النافعللة موفقللون خطللابيون ‪ ،‬يحللاولون‬
‫أن يثبتوا النسجام بين السلم والعلللم بوسللائلهم الخطابيللة ‪ ،‬دون براهيللن‬
‫صحيحة ‪ ،‬ثم يزعم أن كل النصوص السلمية التي دعت إلى العلم والعقل‬
‫والتفكر موجهة فقط إلى العلوم الدينية والشرعية وملا يتعللق بهلا ويتفلرع‬
‫عنها ‪ ،‬ل إلى الفيزياء والكيمياء وغيرهما من العلوم الطبيعية‪.‬‬

‫يقول في الصفحة )‪ (40‬والتي بعدها من كتابه‪:‬‬

‫"مللن القللوال الللتي يرددهللا الموفقللون الخطللابيون لثبللات دعللواهم‬


‫الحديث النبوي القائل ‪" :‬اطلب العلللم ولللو فللي الصللين" واليللات القرآنيللة‬
‫العديدة التي تحث النسان على التعقل والتأمل في الشياء وطلللب العلللم‬
‫والمعرفة ‪ ،‬إللى آخللره مملا هللو معلروف ‪ ،‬كلل ذلللك ليللبينوا مللدى اهتملام‬
‫السلم بالعلم والعقل منذ القدم ‪.‬بطبيعة الحللال يعطللي هللؤلء المفكللرون‬
‫معنلى مطلقلا ً لهلذه العبلارات السللمية ‪ ،‬وكأنهلا ل تنتملي إللى أي زملان‬
‫ومكان ‪ ،‬منفصلة عن الظللروف التاريخيللة الللتي قيلللت فيهللا ‪ ،‬والمناسللبات‬
‫التي حددت معناها ومغزاها وقتئذٍ ‪ .‬مللن ضللمن هللذا العتبللار يتضللح لنللا أن‬
‫العلللم الللذي حللث علللى طلبلله السلللم هللو فللي جللوهره العلللوم الدينيللة‬
‫والشرعية وما يتعلق بها ويتفرع عنها ‪ ،‬وليس الفيزياء والكيمياء مثل ً )راجع‬
‫كتاب العلم في الجزء الول من "إحياء علوم الدين"(‪ ،‬والعقل الذي طلللب‬
‫السلم من النسان استخدامه كان الغرض منه التوصل إلللى معرفللة الللله‬
‫من تأمل صنعته وخلقته ‪ ،‬كما فعل حي بن يقظان في قصللة ابللن طفيللل ‪،‬‬
‫وليس الغرض منه صياغة نظرية المادية الجدلية ‪ ،‬أو نظرية دوركهايم فللي‬
‫الطقوس والعبادات الدينية ‪ ،‬أو نظرية الكون المحدب"‪.‬‬

‫لست أدري أي شيء يزعجه إذا كان السلللم فعل ً يحللث علللى تعلللم‬
‫كل العلوم الدينية والطبيعية والعقلية؟‬

‫لكن يبدو أن هذه الحقيقة تؤثر جذريا ً على دعوة اللحاد التي تحللاول‬
‫أن تتخذ من العلم دريئة لها ‪ ،‬وتحاول أن تقنع الجيال بأن الدين والحقللائق‬
‫العلمية على طرفي نقيلض ‪ ،‬لتصللرفهم علن الللدين وتضلمهم إللى جيللوش‬
‫الملحدين ‪،‬يضاف إلى ذلك أن الملحدين يخشون أيضا ً مللن دخللول السلللم‬
‫والمسلمين إلى معاقللل العلللم الصللحيح ‪ ،‬لن هللذا الللدخول يشللكل خطللرا ً‬
‫حقيقيا ً على قضية اللحاد من أساسها ‪ ،‬إذ يكشف الباحثون المسلمون عن‬
‫طريق العلم الصحيح زيف المادية اللحادية التي تتستر بالعلم ‪ ،‬وتزييف ما‬
‫يستطيع تزييفه لدعم مذهبها الذي ليس له سند صحيح مللن علللم صللحيح ‪،‬‬
‫ول من واقع مشهود ‪.‬‬

‫وفي مناقشة كلمه القائم على المغالطة التضليلية نقول‪:‬‬


‫أما كون السلم قد جعللل أشللرف العلللوم مللا يصلللح حيللاة النسللان‬
‫وم سلوكه ‪ ،‬ويقصره على طريق الخير مبتعدا ً عن طريق الشر لغتنللام‬ ‫ويق ّ‬
‫ده أحسلن‬ ‫أعظم قدر يستطاع اغتنامه مللن سللعادة الحيللاة الللدنيا ‪ ،‬ومللا ُيعل ّ‬
‫إعداد لسعادة الحياة الخرى ‪ ،‬فهذا حق ‪.‬‬

‫وأما كون السلم لم يحث على تعلم العلوم الطبيعية المادية ‪ ،‬الللتي‬
‫مللن شللأنها أن تحقللق المنللافع الحسللنة للنللاس ‪ ،‬وتخللدم قضللايا الرفاهيللة‬
‫والجمال والقوة والراحة واختصار الزمن وتنظيم الحياة ‪ ،‬فهذا باطل ‪.‬‬

‫فمنذ النهضة الفقهية عند علماء المسلللمين قللرر الفقهللاء أنلله يجللب‬
‫على جماعة المسلمين تعلم جميع العلللوم النافعللة للنللاس ‪ ،‬بمللا فللي ذلللك‬
‫العلوم الصناعية ‪،‬فضل ً عن العلوم الضرورية كللالطب والزراعللة ‪ ،‬والعلللوم‬
‫المتصلة بإعداد المستطاع من القوة ‪ ،‬وقرروا أن هذا واجب على الكفاية ‪،‬‬
‫تقع فيه المسؤولية على جماعللة المسلللمين عامللة ‪ ،‬فللإذا قللام بلله البعللض‬
‫سقط الطلب عن الباقين ‪ ،‬وإذا لللم يقومللوا بلله أثمللوا جميعلا ً ‪ ،‬واسللتنبطوا‬
‫حكمهم هذا من مصادر التشريع السلمي ‪ ،‬ونصوصلله الرئيسللية ‪ ،‬والمللام‬
‫الغزالي من الذين قالوا بهذا وقرروه على خلف ما أوحللى بلله )العظللم( إذ‬
‫قال في غضون ملا غللالط بله ‪) :‬راجلع كتلاب العلللم فلي الجلزء الول ملن‬
‫"إحياء علوم الدين"‪ ،‬للمام الغزالي(‪.‬‬

‫فدعوى )العظم( باطلة في نظر فقهاء المسلمين ‪ ،‬والمام الغزالللي‬


‫في الحياء قد وجه إلى أشرف العلوم ‪ ،‬ولم يقللل ‪ :‬إن طلللب العلللم الللذي‬
‫ث عليه السلم منحصر في العلوم الدينية والشللرعية ‪ ،‬والغزالللي نفسلله‬ ‫ح ّ‬
‫تتبع معظم العلوم المعروفة في عصره فدرسها ‪ ،‬وكتللب فللي كللثير منهللا ‪،‬‬
‫ذب هذه الدعوى التي‬ ‫وواقع حال علماء المسلمين في عصورهم الولى يك ّ‬
‫طرحها ‪ ،‬فقد كانوا بحق طلئع النهضة العلمية الحضارية ‪ ،‬بشهادة أساطين‬
‫علماء الحضارة الحديثللة ‪ ،‬ومللا أظللن )العظللم( أكللثر فهملا ً منهللم لنصللوص‬
‫السلم وما يستنبط منها من أحكام دينية ومفاهيم إسلمية!!‪.‬‬

‫أما كون دراسة مختلف العلوم الطبيعية هادية لهم إلى معرفللة الللله‬
‫وعظيم قدرته وبديع صنعته فهللو يمثللل النظللر البعيللد إلللى آخللر حلقللة فللي‬
‫سلسلة المعارف الطبيعية ‪ ،‬ولكن هذا النظر البعيد يجعلهم يتابعون حلقات‬
‫السلسلة حتى غايتها ‪ ،‬ضمن حدود الستطاعة النسللانية الللتي تتهيللأ لهللم ‪،‬‬
‫وليس من شأنه أن يقف بهللم عنللد الحلقللات الولللى ‪ ،‬لن السلللم يحثهللم‬
‫علللى المتابعللة والنظللر فللي كللل مراحللل الطريللق ‪ ،‬وبللذلك يسللتطيعون‬
‫استخراج كل ما ينفع من حقائق علمية ‪.‬‬

‫ومعلوم أن السلم يحرص دائما ً على الربللط بيللن العلللم واليمللان ‪،‬‬
‫بين العلم والغاية المثلى منه ‪،‬كما يحرص على الربط بين الللدنيا والخللرة ‪،‬‬
‫بين العملل وغايللة الخيلر منله ‪ ،‬بيلن اللللذة والمنعللم بهلا وغايلة الخيلر ملن‬
‫ورائها ‪،‬وبذلك يظهر كمال النسان ‪.‬‬

‫ولست الن في صدد إيراد النصوص الدينية ‪ ،‬التي تثبت أن السلللم‬


‫يدفعنا بقوة إلى البحث العلمي في الكون ‪ ،‬للتعرف على كل حقيقة علمية‬
‫‪ ،‬لذلك أكتفي بعرض طائفة يسيرة منها ‪.‬‬

‫) أ ( قال الله تعالى في سورة )البقرة‪ 2/‬مصحف‪ 87/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬
‫ميعا ً ‪.{...‬‬
‫ج ِ‬ ‫ما ِفي ٱللْر ِ‬
‫ض َ‬ ‫خل َقَ ل َك ُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫}هُوَ ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬

‫)ب( وقال في سورة )الجاثية‪ 45/‬مصحف‪ 65/‬نزول(‪:‬‬


‫ك في له ب لأ َ‬ ‫جرِيَ ٱْلل ُ‬
‫مرِهِ وَل ِت َب ْت َغُللوا ْ‬
‫ف ل ْل ُ ِ ِ ِ ْ‬ ‫ح َر ل ِت َ ْ‬ ‫م ٱْللب َ ْ‬‫خَر ل َك ُ ُ‬
‫س ّ‬‫ذي َ‬ ‫ه ٱّلل ِ‬ ‫}لٱل ّلل ُ‬
‫مللا فِللي‬ ‫ت وَ َ‬‫ماَوا ِ‬ ‫مللا فِللي ٱل ّ‬
‫سلل َ‬ ‫م ّ‬ ‫خَر ل َك ُل ْ‬ ‫سل ّ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫شلك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ضل ِهِ وَل َعَل ّك ُ ْ‬
‫من فَ ْ‬‫ِ‬
‫َ‬
‫ٱ للْر ِ‬
‫فك ُّرو َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫تل َ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ً‬
‫ميعا من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬
‫ض َ‬

‫) ج ( وقال في سورة )الحديد‪ 57/‬مصحف‪ 94/‬نزول(‪:‬‬


‫ْ‬ ‫َ‬
‫س{‪.‬‬
‫مَنافِعُ ِللّنا ِ‬
‫ديد ٌ وَ َ‬ ‫س َ‬
‫ش ِ‬ ‫ديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ‬ ‫}وَأنْزل َْنا ٱْلل َ‬
‫ح ِ‬
‫أليس في هذه النصوص دعوة إلى التعللرف علللى خصللائص الشللياء‬
‫للنتفاع منها؟ وهل يمكن التعرف على خصائصها إل بالبحث العملللي ‪ ،‬عللن‬
‫‪1‬‬
‫طريق الملحظة والتجربة والستنباط وكل الوسائل التي تتيسر للنسان؟‬

‫ولكن الملحدون يريدون أن يخترعوا للسلم صورة من عند أنفسهم‬


‫‪ ،‬لينفروا الناس منلله ‪ ،‬وليشللوهوا جمللاله وكملاله وتقللدميته الرائعللة ‪ ،‬ولللن‬
‫يظفروا ‪.‬‬

‫) ‪( 12‬‬
‫حول المعجزات‬

‫أثار الناقد )العظم( أكثر من مرة موضوع المعجزات الربانية التي‬


‫أجراها الله على أيدي رسله وأثبتتهللا الديللان السللماوية ‪ ،‬بوصللفها حادثللات‬
‫تاريخيللة جللرت فللي تاريللخ الكللون ‪ ،‬وباعتبارهللا بعللض مظللاهر قللدرة الللله‬
‫المخالفة بصفة استثنائية لمظاهر قدرته في سننه وقوانينه الدائمة ‪.‬‬

‫وزعم أن الحللديث عللن هللذه المعجللزات حللديث ل يقبللله العلللم وأن‬


‫العلماء الماديين ل يرتاحون من وجهللة نظرهللم إلللى اليللات القرآنيللة الللتي‬
‫تروي كيف شق موسى البحر بعصاه ‪ ،‬وكيف تحولت النللار فجللأة إلللى بللرد‬
‫وسلم على إبراهيم ‪ ،‬ونحو ذلك من معجزات ربانية ‪.‬‬

‫الواقع أن مشكلة )العظم( في هذا ومعه سللائر الملحللدين المللاديين‬


‫مرتبطة أساسا ً بقاعدة اليمان الولى ‪ ،‬وبما أنهم أنكللروا الحقيقللة الكللبرى‬
‫وهي حقيقة وجود الله فل بد أن ينكروا كل ما يسللتند إليهللا وخللرق قللوانين‬
‫الكون وسننه ل يتم إل بقدرة الخالق الذي وضللع هللذه السللنن والقللوانين ‪،‬‬
‫وبإراداته التي تقتضيها حكمته ‪ ،‬لكن الفرضية الللتي أقللام الملحللدون عليهللا‬
‫عقيدتهم هي إنكار وجود الخالق ‪ ،‬واعتبار هذا الكون عمل ً ماديا ً آليا ً أنتجتلله‬
‫الصدفة التي ل تفسير لها ‪ ،‬ولذلك فهم يللرون قصللة المعجللزات المخالفللة‬
‫لنظللام الكللون وقللوانينه الثابتللة مللن قبيللل السللاطير ‪ ،‬وليسللت مللن قبيللل‬
‫الحقائق التاريخية الثابتة‪.‬‬

‫لجل هللذا فللإن معالجتنللا لهللم يجللب أن تبللدأ مللن مسللتوى القاعللدة‬
‫اليمانية الولى ‪ ،‬وهي اليمان بالله وبكمال صفاته ‪ ،‬وبقدرته على خلق مللا‬
‫يشاء ‪ ،‬وبقدرته على خرق السنن التي جعلها هو ثابتة في كللونه ‪ ،‬ولللو أنلله‬
‫شاء أن يجعلها على خلف ذلك لجعلها ‪ ،‬ولكن أسلوبه في الخلق كان على‬
‫هذا الوضع القائم على نظام الترابط السببي بين الشللياء ‪ ،‬وبيللن الحللداث‬
‫والتغيرات فيها ‪.‬‬

‫وهنا تكمن فضيلة اليمان بللالغيب القللائم علللى السللتدلل العقلللي ‪،‬‬
‫والنتقال من السبب الذي ل يملك تعليل ً عقليا ً ‪ ،‬إلى مسبب السباب كلهللا‬

‫انظر لستكمال هذا الموضوع كتاب "أسس الحضارة السلمية ووسائلها" ‪ ،‬للمؤلف ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫الذي تنحصر فيه كل التعليلت العقلية الصحيحة ‪ ،‬والمفسرة لكل الظواهر‬
‫الكونية ‪ ،‬بعد تجاوز سلسلة السباب مهما كثرت حلقاتها ‪.‬‬

‫وهنللا أيضلا ً تكمللن رذيلللة جحللود الحقيقللة الغيبيللة الكللبرى ‪ ،‬لن هللذا‬
‫الجحللود القللائم علللى طللرح الدلللة العقليللة السللتدللية والدلللة الفطريللة‬
‫الوجدانية ‪ ،‬والتشبث ببعض حلقات السلسلة السببية ‪ ،‬مع أنها ل تملك في‬
‫الحقيقة أي دليلل يصلح أن تفسلر بله الظلاهرة الكونيلة ‪ ،‬إل أن الملحظلة‬
‫كشفت عن ارتباط الظاهرة الكونية بهللا ‪ ،‬كارتبللاط رأس الحمللار بسلسلللة‬
‫رسنه المعقود بذيل آخر جمل في قافلللة طويلللة تسللير فللي ليللل دامللس ‪،‬‬
‫والغبي أو الحمللق أو المعانللد المكللابر هللو الللذي يقللف تفكيللره عنللد رأس‬
‫الحمللار ‪ ،‬أو عنللد بعلض حلقلات السلسلللة الللتي فللي رسللنه ‪ ،‬أو عنللد ذيللل‬
‫البعير ‪.‬‬

‫فالنقاش المنطقي حول هذه النطقة يدعونا إلى الرجوع إلللى قضللية‬
‫اليمان بالله ‪ ،‬وقد سبق أن عالجناها ببيان كاف فإليها نحيل القارئ ‪.‬‬

‫على أننا نقللول هنللا ‪ :‬إن الملحللدين قللد جعلللوا معجللزة الخلللق كلهللا‬
‫ظاهرة طبيعية ‪ ،‬وقطعوا الصلة بينها وبين الخالق ‪ ،‬أفيقبلللون فكللرة خللرق‬
‫قوانين الكون وسننه بفعل الخالق لحكمة يريللدها ‪ ،‬وقللد رفضللوا العللتراف‬
‫ل؟‬‫بوجود خالق أص ً‬

‫ونقول أيضا ً ‪ :‬باستطاعتنا أن نناقش قضية المعجزات مناقشة عقلية‬


‫وعلمية ‪ ،‬لثبات خطأ الملحدين في رفضها بوصللفها ظللاهرة مللن الظللواهر‬
‫التي جرت أحداثها في تاريخ الكون ‪ ،‬مهما يكن تفسيرهم للظواهر الكونيلة‬
‫خاضعا ً لقواعد الفكر المادي ‪.‬‬

‫إن إنكار الحداث الللتي جللرت فعل ً فللي تاريللخ الكللون ل يسللوغ مللن‬
‫وجهللة نظللر العلللم أو مللن وجهللة نظللر العقللل لمجللرد كونهللا مخالفللة فللي‬
‫مفاهيمنا للقللوانين الللتي اسللتخرجناها مللن مشللاهدات الطبيعللة وأحللداثها ‪،‬‬
‫وإنما يجب بعد ثبوتها في الواقع محاولة استنباط تفسير وتعليللل لهللا ‪ .‬أمللا‬
‫مجرد الرفض والنكار فليس عمل ً علميا ً ول عقليا ً ‪.‬‬

‫إن كل ما نشاهده في الكون من أحداث وظواهر لو دققنا النظر‬


‫فيه ورفعنا عنه ستار الرؤية المتكررة له لكان في مفللاهيم العقلء معجللزة‬
‫من المعجزات ‪ ،‬وعجيبة من العجائب ‪ ،‬ولكن تكرر الرؤيللة للله جعللله أمللرا ً‬
‫معتادا ً ‪ ،‬واتخذ في مفاهيمنا صفة قوانين طبيعيللة ‪ ،‬وسللنن ل غرابللة فيهللا ‪،‬‬
‫وذلك لنلله ليللس بيللن معظللم الحللداث والظللواهر الطبيعيللة وبيللن أسللبابها‬
‫وقوانينها روابط عقلية ‪ ،‬وحينما ندرس أنظمتهلا كملا هلي فلي الواقلع ‪ ،‬ول‬
‫نستطيع أن نجد في العقل مقتضيات لها ‪ ،‬غير أن نظام الكللون سللار علللى‬
‫هذا السلوب ‪ ،‬وكان من الممكن عقل ً أ‪ ،‬يسللير علللى أسلللوب آخللر ضللمن‬
‫سّلم احتمالت ل نهاية لها ‪ ،‬وتخصيص هللذا النظللام دون غيللره ليللس أمللرا ً‬ ‫ُ‬
‫يقتضيه العقل ‪.‬‬
‫ولو كان نظام الكون سائرا ً في متكرر العادة على أن الصخور مللتى‬
‫ولت نوق لا ً وأبقللارا ً وزرافللات‬
‫نضجت في أشهر معينة ‪ ،‬وبطرق معينللة ‪ ،‬تح ل ّ‬
‫وشياها ً بحسب اختلف أنواع الصخور ‪ ،‬لكللان ذلللك هللو الس لّنة الثابتللة فللي‬
‫نظرنا ‪ ،‬ولكان خلف ذلك هو المعجزة ‪.‬‬

‫ولو كان نظام الكون سائرا ً في متكرر العادة علللى أن المللاء يجللري‬
‫من أسفل الوادي إلى أعلى الجبل بنفسه ‪ ،‬من غيللر أن تكللون للله حافللات‬
‫تسنده ‪ ،‬ول روافع ترفعه ‪ ،‬لكان ذلك هو قانون المللاء الثللابت فللي نظرنللا ‪،‬‬
‫ولكان خلف ذلك هو المعجزة التي يتشكك بها ويطلب إثابتها بالدليل ‪.‬‬

‫وهذا المكان التصوري يللدلنا علللى أن النظللام الحللالي ليللس نظاملا ً‬


‫فرضته الضرورة العقلية ‪ ،‬والرتباطات الفكرية ‪ ،‬ولكن أوجللدته السلللطات‬
‫ذات الرادة المختارة ‪ ،‬ومهما يكن من أمللر فللإن المكللان العقلللي الللذي ل‬
‫يرى مانعا ً من قبول نظام آخر لو كان هو السائد فللي نظللام الطبيعللة ‪ ،‬هللو‬
‫ف عل أنه ليللس بيللن القللوانين الطبيعيللة وأحللداثها الظللاهرة‬
‫نفسه دليل كا ٍ‬
‫ارتباط عقلي يوجبها وحدها ‪ ،‬ول يسمح بمخالفتها ‪ ،‬فقبول احتمللال التغييللر‬
‫ل يتوقف إل على ثبات وقوع الحادثة التي كان التغيير فيها ‪ ،‬وإل كان رفضا ً‬
‫للمكان العقلي بدون سند من العقل ‪ ،‬ورفضا ً للواقع بدون سند من الواقع‬
‫‪.‬‬

‫لو أخذنا منطق الحيللاء البحريللة لكللانت الحيللاة بنظللام غيللر نظامهللا‬
‫معجزة من المعجزات ‪ ،‬ولو أخذنا معتاد الحياة الرضية لكانت الحيللاة بغيللر‬
‫إمداد بالنظام الغذائي المعروف أمرا ً من المعجزات ‪ ،‬مع أنه ليس فللي أي‬
‫شيء من ذلك ارتباط عقلي يوجه العقل ‪ ،‬ولكللن هللذا هللو السلللوب الللذي‬
‫جرى عليه نظام الكون ‪ ،‬ولو جرى أسلوب الكون على غير هذا النظام لما‬
‫وجد العقللل مانعلا ً ملن ذللك ‪ ،‬ولملا وجلد أنله يتنلافى ملع أي أصللل عقللي‬
‫منطقي أو رياضي ‪ ،‬وهذا البرهان يثبت لنا أن رفض المعجزات بللدليل مللن‬
‫واقع القوانين والسنن الطبيعية رفض فاسد عقلي لا ً وعلمي لا ً ‪ ،‬ول سللند للله ‪،‬‬
‫وتبقى قضللية المعجللزات مللن وجهللة نظللر العلللم والعقللل احتمللال ً إمكانيلا ً‬
‫بالمكان العقلي ‪ ،‬ولكنه ل يسلم به واقعيا ً إل أن يقترن بأدلة إثبللات يقبلهللا‬
‫العلم والعقل ‪.‬‬

‫وأدلة الثبات في هذا المجال منحصللرة فللي الدلللة الحسللية والدلللة‬


‫الخبرية ‪.‬‬

‫وقللد تللوافر للللذين عاصللروا الرسللالت دليللل المشللاهدة الحسللية‬


‫لمعجزات الرسل ‪ ،‬فكان ذلك بالنسبة إليهللم برهانلا ً حسلليا ً ‪ ،‬وأمللا بالنسللبة‬
‫إلى غيرهم فعمدتهم في إثبات المعجزات دليل الخبار النسانية المتللواترة‬
‫عند جميع أمم الديان السماوية ‪ ،‬وهذه الخبللار تقطللع بوجللود معجللزات أو‬
‫آيات من خوارق العادات قد أجراها الله على أيدي رسله ‪ ،‬منهللا معجللزات‬
‫إبراهيللم وموسللى وعيسللى ومحمللد صلللوات الللله عليهللم ‪ ،‬وكللذلك سللائر‬
‫النبيين ‪ ،‬وجحود الخبار المتواترة الصادقة مع وجود المكان العقلي ‪ ،‬ومللع‬
‫وجود المبرر العقلللي لهللا ‪ ،‬ضللرب مللن العنللاد الللذي ل يفعللله بللاحث عللالم‬
‫يدرس الظواهر ويحاول تفسيرها ‪.‬‬

‫والتفسير العلمي للمعجزات الربانية ظاهر فيما يوضحه للدين ‪ ،‬مللن‬


‫دق الله بها رسله فيما يبلغون عنه ‪.‬‬
‫أنها أدلة ربانية يص ّ‬

‫ومللن العجيللب أن الملحللدين المللاديين يقبلللون معجللزات الطفللرة‬


‫الوحيللدة الللتي تقللول بهللا الداروينيللة ‪ ،‬ول سللند لهللا إل الحللدس والخيللال ‪،‬‬
‫ويرفضون المعجزات الربانية التي يجريهللا الللله علللى أيللدي رسللله ‪ ،‬وهللي‬
‫معجزات ثابتة تاريخيا ً بشهادة الخبار المتواترة المقطوع بها ‪ ،‬مضافا ً إليهللا‬
‫الشواهد العقلية والثرية المؤيدة لها!!‬

‫لكن هذا هو شأن الملحدين ‪ ،‬إنهم يتناقضون بين ما يقبلون وبين مللا‬
‫يرفضون ‪ ،‬تعصبا ً للحادهم ‪ ،‬ومعاندة لخالقهم ومكابرة على الباطل ‪.‬‬

‫) ‪( 13‬‬
‫حول الشهب‬

‫قال )د‪ .‬العظم( )‪ (52‬من كتابه‪:‬‬


‫"كمللا أن علمللاء الفلللك )وليللس التنجيللم( سللوف يجللدون بعللض‬
‫الصللعوبة ‪ ،‬ل شللك ‪ ،‬فللي التوفيللق بيللن معلومللاتهم العلميللة عللن النيللازك‬
‫والشهب من ناحية وبين اليات القرآنية التي تعلمنا أن الشهب هللي لرجللم‬
‫الشياطين والجن ‪ ،‬حين تحاول الصعود إلى السماء واسللتراق السللمع )أي‪:‬‬
‫السللتماع إللى أحللاديث الملئكلة( ملن ناحيلة ثانيلة ‪ .‬لكلن أصلحاب الفكلر‬
‫التوفيقي عودونا دوما ً علللى إطلق الحكللام الشللاملة والتعميمللات البديعللة‬
‫بدون التدقيق بالمسائل المحددة التي تحرجهم وتحرج دعواهم"‪.‬‬

‫تعليقا ً على هذه الفقرة من كلمه نرى أنه من المستبعد جدا ً أنه لللم‬
‫طلع بعد ُ على مكتوبات الباحثين المسلمين المؤمنين بالله وكتللابه ‪ ،‬الللذين‬‫ي ّ‬
‫لم يقتروا على مجرد إطلق التعميمات الشاملة البديعة ‪ ،‬التي تعلن وجللود‬
‫التوافق التام بين الصللحيح الثللابت مللن المفللاهيم السلللمية ‪ ،‬وبيللن الحللق‬
‫الثابت من النظريات العلمية ‪ ،‬بل تابعوا معظم المسائل بالدراسة والبحث‬
‫والمناقشة للموضوعات بشكل موضوعي محدد ‪.‬‬

‫ولكن شأن الخلذين بالملذهب اللحلادي محاوللة طملس الحقلائق ‪،‬‬


‫وطرح المغالطات والمفتريات ‪ ،‬واستغلل أقوال بعض أصحاب المقللالت ‪،‬‬
‫والقللوال العامللة الللتي يطلقهللا البللاحثين المسلللمين بصللفة عرضللية غيللر‬
‫مقصودة ‪ ،‬وإلقاء الستور على سائر البحوث العلمية الرصينة الللتي تتنللاول‬
‫كل جزئية بالبحث والدرس والتحقيق ‪ ،‬بغية إيهام الجيال الناشئة من أبنللاء‬
‫المسللللمين أن المسللللمين ل يملكلللون غيلللر إصلللدار الحكلللام التقريريلللة‬
‫والتعميمات الخطابية ‪.‬‬
‫أما ما أثاره حول موضوع الشهب فإننا نجد أنفسنا بالنسبة إليه أمام‬
‫قضيتين‪:‬‬
‫القضية الولى ‪ :‬تتناول الجانب المادي المدروس من الشهب ‪.‬‬

‫القضية الثانية ‪ :‬تتنللاول الجللانب الللذي للم يصللل العلللم بعللد إلللى‬
‫اكتشافه ودرسه ‪.‬‬

‫وكل من هاتين القضيتين تتطلب نظرا ً خاصا ً ‪.‬‬

‫أما القضية الولى اللتي تتنلاول الجلانب الملدروس ملن الشلهب فل‬
‫يبدو فيها تناقض بين ما أعلنه أو أشار إليه القرآن ‪ ،‬وبيللن مللا توصللل إلهللي‬
‫العلم بالبحث المادي والدراسة النظرية ‪ ،‬وليتبين لنللا هللذا المللر ل بللد مللن‬
‫عرض النصوص القرآنية في هذا الموضوع ‪ ،‬ومقارنة ما جاء فيها بما يقوله‬
‫العلماء الماديون ذوو الختصاص في هذا الموضوع أيضا ً ‪.‬‬

‫فمن النصوص القرآنية في هذا الموضوع قول الله تعالى في سورة‬


‫)الحجر‪ 15/‬مصحف‪ 54/‬نزول(‪:‬‬

‫فظ َْناهَللا ِ‬
‫مللن‬ ‫ح ِ‬‫ن * وَ َ‬‫ري َ‬
‫ها َِللن ّللاظ ِ ِ‬‫ماِء ب ُُروجا ً وََزي ّّنا َ‬ ‫جعَل َْنا ِفي ٱل ّ‬
‫سل َ‬ ‫}وَل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫ن{‬‫مِبي ٌ‬
‫ب ّ‬‫شَها ٌ‬‫ه ِ‬ ‫م عَ فَأت ْب َعَ ُ‬ ‫سلت ََر قَ ٱل ّ‬
‫سل ْ‬ ‫ن ٱ ْ‬ ‫جيم ٍ * إ ِل ّ َ‬
‫م ِ‬ ‫ن ّر ِ‬ ‫طا ٍ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫كل َ‬

‫ومنها قول الله تعالى في سورة )الصافات‪ 37/‬مصحف‪ 56/‬نزول(‪:‬‬


‫ن‬ ‫ش لي ْ َ‬
‫طا ٍ‬ ‫ل َ‬‫من ك ُ ّ‬ ‫فظا ً ّ‬ ‫ح ْ‬
‫ب * وَ ِ‬ ‫واك ِ ِ‬ ‫زين َةٍ ٱْللك َ َ‬ ‫مآَء ٱل ّ‬
‫دلن َْيا ب ِ ِ‬ ‫} إ ِّنا َزي ّّنا ٱل ّ‬
‫سل َ‬
‫حللورا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب * دُ ُ‬ ‫جللان ِ ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫مللن ك ُل ّ‬‫ن ِ‬ ‫ق لذ َُفو َ‬ ‫مل ِ ٱلعْل ٰى وَي ُ ْ‬ ‫ن إ ِل َ ٰى ٱل َ‬
‫ْ‬ ‫مُعو َ‬ ‫مارِدٍ * ل ّ ي َ ّ‬
‫س ّ‬ ‫ّ‬
‫ب{‬ ‫ق‬ ‫َ‬
‫ثا‬ ‫ب‬ ‫ها‬ ‫ش‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ب‬‫ت‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫خ‬ ‫ْ‬
‫لل‬ ‫ٱ‬ ‫ف‬ ‫ط‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫*‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫وا‬ ‫ب‬ ‫عذا‬ ‫م‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ِ ٌ‬ ‫ََْ ُ ِ َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ْ‬ ‫ٌ َ ِ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ‬

‫ومنها قوله تعالى في سورة )الملك‪ 67/‬مصحف‪ 77/‬نزول(‪:‬‬


‫ن‬
‫طي ِ‬ ‫جوملا ً ّلل ّ‬
‫شلَيا ِ‬ ‫جعَل َْناهَللا ُر ُ‬
‫ح وَ َ‬
‫صللاِبي َ‬
‫م َ‬ ‫مآَء ٱللل ّ‬
‫دلن َْيا ب ِ َ‬ ‫سلل َ‬‫قد ْ َزي ّن ّللا ٱل ّ‬
‫}وَل َ َ‬
‫َ‬
‫ر{‬ ‫ب ٱل ّ‬
‫سلِعي ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫وَأعْت َد َْنا ل َهُ ْ‬

‫ومنها قوله تعالى في سورة )الجن‪ 72/‬مصحف‪ 40/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫شُهبا ً * وَأّنا كّنللا‬
‫ُ‬ ‫ديدا ً وَ ُ‬‫ش ِ‬‫حَرسا ً َ‬ ‫ت َ‬ ‫مل ِئ َ ْ‬
‫ها ُ‬
‫جد َْنا َ‬‫مآَء فَوَ َ‬ ‫سَنا ٱل ّ‬
‫سل َ‬ ‫م ْ‬ ‫}وَأّنا ل َ َ‬
‫صدًا{‪.‬‬ ‫شَهابا ً ّر َ‬
‫ه ِ‬ ‫جد ْ ل َ ُ‬‫نل ي َ ِ‬‫مِع ٱلل َ‬ ‫ست َ ِ‬‫من ي َ ْ‬ ‫مِع فَ َ‬‫س ْ‬
‫عد َ ِلل ّ‬
‫قا ِ‬ ‫م َ‬
‫من َْها َ‬
‫قعُد ُ ِ‬
‫نَ ْ‬

‫فهذه نصوص قرآنية تحدثت عن الشهب ‪ ،‬وفيها من الدلئل الماديللة‬


‫التي يمكن للعلم المادي أن يدرسها ويكتشفها ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬وجود )شهب( ظاهرة تنقض ‪ ،‬وحينما تنقض باتجللاه الرض تكللون‬


‫ثاقبة ملتهبة مضيئة ‪.‬‬
‫‪ -2‬وجود )رجوم( أي ‪ :‬قطع من الحجارة مصدرها النجوم أو‬
‫الكواكب ‪ ،‬وهذه النجوم والكواكب هي المصابيح التي زين الله بها السللماء‬
‫الدنيا ‪ ،‬أما الرجوم )وهي الحجارة( فقد نشللرت فللي السللماء مللع الحللرس‬
‫الذين ملئت بهم السماء ‪ ،‬وهذه الحجارة المختلفللة الحجللوم تنطلللق شللهبا ً‬
‫ة ثاقبة ‪.‬‬
‫مِبين ً‬
‫ُ‬

‫‪ -3‬إن هذه الرجوم المنبثة في السماء )أي في الفضللاء العللالي( لللم‬


‫تكن قبل بعثة محمد ‪ ، ‬ثم وجدت بعد ذلك ‪.‬‬

‫هذه هي عناصر القضية الولى ‪ ،‬وهي القضية المادية التي يمكن أن‬
‫تقارن بالعلم المادي وما توصل إليه من معارف في هذا الشأن ‪.‬‬

‫ولدى المقارنة نجد أن العلماء الماديين يقولون ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬يقولللون عللن انتشللار الكتللل الصللخرية والحجريللة ذات الحجللام‬


‫المختلفة والتراكيب المختلفة ‪ ،‬والتي يسمونها بالمتيورات وبالنيازك ‪ ،‬وهي‬
‫منتشرة في السماء فوق الغلف الرض ما يلي‪:‬‬

‫إن الهللواء الجللوي يحمينللا مللن أسلللحة السللماء المخيفللة ‪ ،‬فأسللرع‬


‫مقذوفاتنا النارية ينطلق خلل الهواء بسرعة أقل من نصف ميل في الثانية‬
‫‪ ،‬على حين ينللدفع خلل الفضللاء العللالي عللدد ل حصللر للله مللن المللتيوارت‬
‫الحديدية المختلفللة الحجللام ‪ ،‬مللن حجللم الهبللاء إلللى حجللم جبللل عظيللم ‪،‬‬
‫بسرعة هائلة تختلف من عشرين إلى مئة ميل في الثانية ‪.‬‬

‫فمن هذا نلحظ أن النصوص الدينية قد قررت هللذه الحقيقللة ‪ ،‬قبللل‬


‫أن تكتشفها الوسائل النسانية للبحث العلمي ‪ ،‬ويوم كان العلللم النسللاني‬
‫جاهل ً بوضع السماء ‪.‬‬

‫‪ -2‬يقللول العلمللاء الملاديون ‪ :‬إن أصللل هللذه النيللازك ملن الكللواكب‬


‫والنجوم ‪ ،‬وهذا عين ما أشار إليه القرآن ‪.‬‬

‫يقولون ‪ :‬إن النجوم يحدث فيها انفجلارات ملن قلوت لخلر ‪ ،‬وبقلوة‬
‫هائلة ‪ ،‬فيطير منها في كل انفجار مئات الطنان مللن الللتراب النللاعم ‪ ،‬ثللم‬
‫يتجمع بعضه على بعض فتتكون منه النيازك والمذنبات ‪.‬‬

‫‪ -3‬ويقول العلمللاء المللاديون علن حللالت حللدوث هللذه الرجللوم فلي‬


‫السماء وتكاثرها بين حين وآخر‪:‬‬

‫"إن مذنب بيل ظهر منشقا ً إلى جزئين في عام )‪1846‬م( ثللم ظهللر‬
‫هذان الجزءان في عام )‪1852‬م( على صورة مذنبين منفصلين ‪ ،‬ثم اختفيا‬
‫بعد ذلك ‪ ،‬وظهرت بدل ً منهما جموع حاشدة من مللتيورات مضلليئة صللغيرة‬
‫في جو الرض"‪.‬‬
‫أليست هذه الرجلوم اللتي مصلدرها نجلوم السلماء وكواكبهلا ‪ ،‬وقلد‬
‫حدثت في فترة نعرفهللا ‪ ،‬وهللذا يقلّرب إلللى التصللور مللا حللدث فللي عصللر‬
‫الرسالة المحمدية ‪.‬‬

‫من كل هذا يتبّين لنا أن الحقائق العلمية المادية تتفق مع ما جاء في‬
‫القرآن ‪ ،‬وهذا ما يتعلق بالقضية الولى ‪.‬‬

‫وأما القضية الثانية وهللي كللون الشلهب رجوملا ً للشللياطين تلحقهللم‬


‫وتحرقهم ‪ ،‬فهذه لم يتوصل العلللم المللادي إليهللا ‪ ،‬لنهللا خارجللة عللن دائرة‬
‫اختصاصه ومدى وسائله ‪ ،‬فهو ل يستطيع من عنللده أن يثبتهللا ول يسللتطيع‬
‫أن ينفيها ‪ ،‬ويجب عليه بالنسبة إليها أن يترك الحديث عنها إلللى مللا يقللرره‬
‫الدين ‪ ،‬وما ثبت فيه بالنصوص الصحيحة القاطعة ‪.‬‬

‫فكان الولى بالعظم حول هذا الموضوع أن يعتصم بالصللمت إذا لللم‬
‫يشأ أن يذعن للدين وما جاء فيه ‪.‬‬

‫) ‪( 14‬‬
‫حول المعرفة الدينية والمعرفة بمعناها العقلي‬
‫والعلمي‬

‫قال )د‪ .‬العظم( في الصفحة )‪ (72‬من كتابه‪:‬‬

‫"ورد معنا ذكر طائفة ملن المفكريلن يقوللون ‪ :‬إن المعرفلة الدينيلة‬
‫تختلف اختلفا ً جذريا ً وكليا ً عن المعرفة بمعناها العقلللي أو العلمللي ‪ ،‬لللذلك‬
‫نجدها دائما ً مناقضة للمنطق ومتنافية مع العقل"‪.‬‬

‫قبل أن أتابع ذكر بقية كلمه حول هلذه المقدملة ‪ ،‬ل بلد ملن التنلبيه‬
‫على أن هذا الكلم كذب على السلم والمسلمين ل أصل له مطلق لا ً ‪ .‬إنلله‬
‫ل يوجد واحللد مللن علمللاء المسلللمين يقللول ‪ :‬إن المعرفللة الدينيللة تختلللف‬
‫اختلفا ً جذريا ً وكليا ً عن المعرفللة بمعناهللا العقلللي ‪ ،‬ولللذلك نجللد المعللارف‬
‫الدينية مناقضة للمنطق ومتنافية مع العقل ‪.‬‬

‫فلست أدري من أين جاء بهذه الفرية على السلم والمسلمين على‬
‫المعارف الدينية السلمية؟!‬

‫إن الذي يقوله جميع علماء المسلمين يقضي بأن جميع ما ثبللت فللي‬
‫الدين يتفق مع مفاهيم المنطق السليم ‪ ،‬والعقل الصحيح ‪ ،‬والعلم الثابت ‪.‬‬

‫وقد سبق أن بيّنا أن التناقض أو التنافي لو وجد فهو ليس بين ما‬
‫ثبت في الدين بشكل قاطع وما ثبت فللي العلللم أو العقللل بشللكل قللاطع ‪،‬‬
‫وإنما بين ما نسب إلى الدين وهو ليس منه وبين الحقائق العلمية الثابتللة ‪،‬‬
‫أو بين ما نسب إلى العلم وهو ليس منه وبين الحقللائق الدينيللة الثابتللة ‪ ،‬أو‬
‫ح نسللبته‬ ‫بين ما نسب إلى الدين وما نسب إلى العلم وكللل منهمللا لللم تص ل ّ‬
‫إلى صاحبه ‪.‬‬

‫ولكن قد توجد أمور ثبتت في الدين والعقللل ل يسللتطيع مسللتقل ً أن‬


‫يثبتها ‪ ،‬كما ل يستطيع أن ينفيها ‪ ،‬فهي ل تناقض أصول العقل والمنطق ول‬
‫تتنافى مع العلم ‪ ،‬إنما عجزت الوسائل العلمية عن إدراكها والوصللول إلللى‬
‫معرفتها ‪ ،‬وعجزت التصورات العقلية عن إدراكهلا وتحديلدها ‪ ،‬وهلذا شلليء‬
‫ُيعزى إلى قصور المعرفة والدراك ‪ ،‬وليس مللن التنللاقض ول مللن التنللافي‬
‫حتما ً ‪ .‬ونظير هذا يحدث في مجال الدراسات العلمية النسانية البحتة ‪ .‬إن‬
‫العلماء قد استنبطوا من الظواهر الماديللة كلثيرا ً مللن القللوانين ‪ ،‬منهللا مثل ً‬
‫قانون الجاذبية ‪ ،‬مع أن أيللة وسلليلة علميللة ل تسللتطيع أن تحللدد كنلله هللذه‬
‫الطاقة التي تظهر آثارها ‪ ،‬ول يستطيع العقل أيضا ً أن يتصور صللورة ماديللة‬
‫لها ‪ ،‬ول أحد يقول مع ذلك ‪ :‬إنها مناقضة للمنطق ومتنافية مع العقل ‪.‬‬

‫وبعد هذه المقدمة التي افتراها على السلم والمسلمين ‪ ،‬قال في‬
‫متابعة كلمه‪:‬‬

‫"يقول أصللحاب هللذا المللذهب ‪ :‬إن العقللل النسللاني قاصللر عللن أن‬
‫يعرف طبيعة الله ‪ ،‬وعن أن يحيط به ولو إحاطللة جزئيللة ‪ .‬إنلله عللاجز عللن‬
‫عر البعض عن هللذا الللرأي بقللولهم عللن‬ ‫تصوره وعن التعبير عن طبيعته ‪ ،‬و ّ‬
‫الله ‪) :‬كل ما يخطر في بالك فهو خلف ذلك(‪.‬‬

‫وقبل أن نتابع بقية كلمه نقول ‪ :‬هذا كلم ل علقة له بالمقدمة التي‬
‫ل وعل ‪،‬‬ ‫افتراها ‪ ،‬فكون العقل النساني قاصرا ً عن تصللور ذات الخللالق ج ل ّ‬
‫وعاجزا ً عن معرفة كنه هذه الللذات ‪ ،‬ل يعنللي بحللال مللن الحللوال أن ذاتلله‬
‫جل ّ‬
‫ل مللا فللي المللر إثبللات‬ ‫سبحانه مناقضة للمنطق ومتنافيللة مللع العقللل ‪ُ .‬‬
‫العجز للجهاز المدرك ‪ ،‬علما ً بأن العقل عاجز عن إدراك أو تصور كثير مللن‬
‫الحقائق العلمية الثابتة في الكون المادي المللدروس ‪ ،‬حللتى إن العقللل لللم‬
‫يستطع إلى يوم الناس هذا أن يللدرك كنلله ذات نفسلله ‪ ،‬فهللل جهللله بللذات‬
‫ف مللع‬‫نفسه ينفي وجوده ‪ ،‬باعتبار أن هذا الجهللل منللاقض للمنطللق ومتنللا ٍ‬
‫العقل بحسب دعوى )د‪ .‬العظم(؟‬

‫هذا كلم فارغ وسخيف ومتهافت ل يقبله مللن لللديه مثقللال ذرة مللن‬
‫عقل ‪ ،‬وهو في حقيقته يسخر من قائله ول يخدع قارئه‪.‬‬

‫ثللم إن )د‪ .‬العظللم( بعللد أن وضللع المقدمللة المفللتراة ‪ ،‬وبنللى عليهللا‬


‫مسألة غير ذات علقة بها مطلقا ً بقصد المغالطة والتضللليل ‪ ،‬قللال موجه لا ً‬
‫اعتراضاته‪:‬‬

‫ل‪ :‬هل بإمكاني أن أقيم‬ ‫"توجد عدة اعتراضات على هذا الموقف ‪ .‬أو ً‬
‫علقات جدية بيني وبين هللذا الللله ‪ ،‬الللذي تتجللاوز طللبيعته تجللاوزا ً مطلقلا ً‬
‫منطقي ومشاعري وأفكاري ومثلي وآمالي؟ هل بإمكاني أن أجد عزاء في‬
‫ج ّ‬
‫ل ما أعرفه عنه أنلله مهمللا خللط فللي بللالي مللن أفكللار وصللفات فهللو‬ ‫إله ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يختلف عنها اختلفا مطلقا؟ إن وجود مثل هللذا الللله وعللدم وجللوده سلليان‬
‫بالنسبة إليه ‪ .‬إن هذا الله ليس إل تجريدا ً فارغا ً من كل معنللى ومحتللوى ‪،‬‬
‫ول يمكن لرادة إنسان أن تتعلق بتجريلد محلض ‪ ،‬تجلاوز بمراحلل التجريلد‬
‫الذي وصفه أرسلطو باسللم )المحلرك الول( فلإذا كلان بإمكانللك أن تلوجه‬
‫ابتهال ً أو دعاء إلى المحرك الول فمن المؤكد أنللك لللن تسللتطيع أن تللوجه‬
‫لله ل يمكنك أن تصفه بشيء على الطلق ‪ ،‬لنه بطبيعته مخالف لكل مللا‬
‫يرد في ذهنك من أفكار وكل ما تنطق به من صفات"‪.‬‬

‫جهلله ‪ ،‬وهللو بهللذا الكلم يضلليف إلللى‬ ‫هذا هو العتراض الول الذي و ّ‬
‫افترائه في المقدمة ومغالطته فيما بنللى عليهللا ‪ ،‬فيطللرح هنللا كللذبا ً جديللدا ً‬
‫دعي على الفكللر السلللمي تعميملا ً كاذبلا ً مخالفلا ً‬ ‫ومغالطة في الحقائق وي ّ‬
‫للحقيقة تماما ً ‪.‬‬

‫إن أحدا ً من المسلمين ل يقول‪ :‬إن العقل قاصر عن أن يعرف شيئا ً‬


‫عللن الللله الخللالق جل ّ‬
‫ل وعل ‪ ،‬أو قاصللر عللن أن يحيللط ولللو إحاطللة جزئيللة‬
‫بصفاته ‪ ،‬فهذا من الكذب على المفاهيم السلمية ‪.‬‬

‫لكن الذي يقوله المسلمون إنملا هلو منحصلر فلي معرفللة كنلله ذات‬
‫الخالق ‪ ،‬والذات شيء والصفات ذات الفعلال والثلار شليء آخللر ‪ ،‬فقلول‬
‫المسلمين ‪" :‬كل ما خطر في بالك فالله بخلف ذلك" ‪ ،‬قول منحصللر فللي‬
‫معرفة كنه ذات الخالق ‪ ،‬ل في معرفة صفاته ‪ ،‬وذلك لن تصورات الفكللار‬
‫كلها مقتبسة من صور الكون الحادث ‪ ،‬وهذه الصور المادية ل تليق بكمللال‬
‫الله ج ّ‬
‫ل وعل ‪ ،‬إذ ليللس كمثللله شلليء ‪ ،‬ول يتوقللف عللى معرفللة كنلله ذات‬
‫الخالق شيء من اليمان ول من العلقة به ‪.‬‬

‫إننا نتعامل مع كثير مللن طاقللات الكللون دون أن نعللرف كنلله ذاتهللا ‪.‬‬
‫عقولنا ل نعرف كنه ذاتها ‪ .‬معظم ما هو داخل في أجسللامنا ل نعللرف كنلله‬
‫ذاته ‪ .‬أفيؤثر هذا على إيماننا بها وتعاملنا معها؟‬

‫ول بد أن يلحظ القارئ حشد المغالطات التي صنعها )د‪ .‬العظم(‬


‫ويكتشفها ويعرف ما فهيا من زيف ل يحتاج كشفه إلى كد ذهني ‪.‬‬

‫لقد جعل الشيء الذي يعجز العقل عن إدراكه وتصوره شيئا ً مناقضا ً‬
‫للمنطق ومنافيا ً للعقل ‪ ،‬وهذا باطل بداهة كمللا أوضللحنا ‪ ،‬إن أمللورا ً كللثيرة‬
‫جدا ً يعجز العقل عن تصورها وتحديد ذاتها وهي واقعة فعل ً ‪ ،‬وحينما يدركها‬
‫العقل ل يرى فيها مناقضة للمنطق ول منافاة للعقللل ‪ .‬العمللى يعجللز عللن‬
‫تصور اللوان ‪ ،‬مع أن اللوان ل تناقض المنطلق ول تتنللافى ملع العقلل ‪ ،‬ل‬
‫في مفهوم المبصرين ول في مفهوم العميان ‪.‬‬
‫ليكن واضحا ً لدينا تماما ً أن قصور الجهللاز المللدرك عللن إدراك بعللض‬
‫الحقللائق ل يعنللي بحللال مللن الحللوال أن هللذه الحقللائق مناقضللة لمنطللق‬
‫وه‬‫الشياء ‪ .‬هذه بديهة ولكن )د‪ .‬العظللم( أراد أن يغللالط بهللا ‪ ،‬وأراد أن يمل ّ‬
‫بها على السذج من المخدوعين المفتونين بعبارات )أصول البحث العلمي(‬
‫و)قواعد المنطق الحديث( و)ما توصلت إليه الحقائق العلمية( وأمثالها مللن‬
‫العبللارات الللتي غللدت شلعارات للتملويه والتضللليل فقللط يسللتعملها بعلض‬
‫أصللحاب المللذاهب ذات الغللراض الخاصللة ‪ ،‬كسللائر الشللعارات الجميلللة ‪،‬‬
‫سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية ‪ ،‬إن هللذه الشللعارات تحمللل بريق لا ً‬
‫لفظيا ً يسّر السامعين ويعجبهم ‪ ،‬ولكن ليللس لهللا عنللد مسللتغليها مضللمون‬
‫عملي تطبيقي ‪.‬‬

‫وبعد أن بنى )د‪ .‬العظم( هذا البنللاء الللوهمي علللى المقدمللة الكاذبللة‬
‫جه عدة اعتراضات عليه ‪ ،‬وهذه العتراضات وجهها علللى اعتبللار‬ ‫الولى ‪ ،‬و ّ‬
‫أن من نسب إليهم هللذا المللذهب مللن المفكريللن المسلللمين يللرون أنلله ل‬
‫يمكن إدراك أي شيء عن ذات الخالق ول عن صفاته ‪.‬‬

‫وهنا تكمن مغالطته الثانية ‪ ،‬وهي مغالطة تعتمد على تعميم تمويهي‬
‫كاذب لقضية خاصة ‪ ،‬وذلللك لن عبللارة ‪" :‬كللل مللا يخطللر فللي بالللك فللالله‬
‫بخلف ذلك" عبللارة خاصللة بتصللور كنلله ذات الللله ‪ ،‬وليسللت شللاملة لللذاته‬
‫مم في دللتها وفي مفهومهللا تعميملا ً بللاطل ً ‪،‬‬ ‫وصفاته ‪ ،‬ولكن )د‪ .‬العظم( ع ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ليوجه اعتراضه على منطقة التعميم التي ادعاها زورا وبهتانا ‪.‬‬

‫إن صللنيعه يشللبه صللنع مللن قللال ‪ :‬إن المللاء صللخر جامللد ‪ ،‬والللذين‬
‫يقولون ‪ :‬إن السفن الشللراعية تجللري بللالهواء ل بللد أن يسلللموا بللأن هللذه‬
‫السفن تجري في الجبال والصخور والرمللال ‪ ،‬وكلمهللم هللذا معللترض مللن‬
‫وجوه‪:‬‬

‫الول‪ :‬أن الماء ليس صخرا ً جامدا ً ‪.‬‬


‫الثاني‪ :‬أن السفن البحرية ل تجري في الجبال والصخور والرمال ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن السفن البحرية قد تجري بالمحركات اللية ‪.‬‬

‫هذا لون عجيب جدا ً من المغالطات التي تصطنع الكاذيب ‪،‬‬


‫والتعميمات ‪ ،‬وتضع الشياء فللي غيللر مواضللعها ‪ ،‬ومللع ذلللك فللإن المنطللق‬
‫)العظمي( يقبله ‪ ،‬ويقبله مع سائر الملحدين!!‬

‫وعلى مثل هذا المنطق يريدون أن يصنعوا جيل ً عربيا ً تقدميا ً ‪.‬‬

‫من الطبيعي بعد أخذ المجال التعميمي الذي ادعاه كذبا ً على الفكللر‬
‫السلمي أن يصل إلى منطقة تجريللد مطلللق ل يفهللم منلله شليء ‪ ،‬فبينمللا‬
‫كان أصل الموضوع منحصرا ً في كنه ذات الله ‪ ،‬إذا به يجعله شامل ً للللذات‬
‫والصفات كلها وسائر المفاهيم ‪ ،‬وهذا ما ل يقول به أحد في الوجود ‪ ،‬ولما‬
‫وصل في أكذوبته إلى هلذا المسلتوى وجله اعتراضله كملا راق لله فقلال ‪:‬‬
‫"هل بإمكاني أن أقيم أية علقات جدية بيني وبيللن هللذا الللله ‪ ...‬إلللى آخللر‬
‫كلمه"‪.‬‬

‫من الطبيعي أن إله لا ً ل يفهللم عنلله شلليء مللن ذات ول مللن صللفات‬
‫مطلقا ً أن يكون تجريللدا ً فارغلا ً ملن كللل معنلى ومحتللوى ‪ .‬لكلن أحللدا ً مللن‬
‫المؤمنين بالله ل يقول بمثل هذا الكلم الباطل ‪.‬‬

‫إن المؤمنين يثبتون لله صفات كثيرة من صللفات الكمللال ‪ ،‬بللل هللم‬
‫يثبتللون للله كللل صللفات الكمللال ‪ ،‬وينفللون عنلله كللل صللفات النقصللان ‪،‬‬
‫ويسللتطيعون أن يتصللوروا مللن صللفاته علللى مقللدار عقللولهم ‪ ،‬ويطلقللون‬
‫الحدود دون حصر ‪ ،‬إنهم يؤمنون بصفة وجوده الواجب سبحانه ‪ ،‬ويحسنون‬
‫تصور هذه الصفة عللى مقللدار عقللولهم ‪ ،‬ويؤمنللون بصللفة قللدرته الكاملللة‬
‫القادرة على خلق كل ممكن ‪ ،‬ويحسنون تصللور هللذه الصللفة علللى مقللدار‬
‫عقولهم ‪ ،‬ويؤمنون بصفة إرادتلله واختيللاره الللتي تختللار مللن الممكنللات مللا‬
‫تشاء ‪ ،‬ويحسنون تصور هذه الصفة على مقدار عقللولهم ‪ ،‬ويؤمنللون أيض لا ً‬
‫بصفات علمه وسمعه وبصره وصللفات أفعللاله ‪ ،‬ويسللتطيعون أن يتصللوروا‬
‫من هذه الصفات على مقدار عقولهم ‪ ،‬وهكذا إلى كثير من صفاته سبحانه‬
‫‪.‬‬

‫فهل هذا هو التجريد المطلق الذي اّدعاه )د‪ .‬العظم( كذبا ً وبهتانًا؟!‬

‫أل يسوغ في منطق العقل أن نؤمن بموجد نعلم كل صفاته التي لها‬
‫آثار متصلة بنا ‪ ،‬من خلق ورزق ‪ ،‬وإحيللاء وإماتللة ‪ ،‬وعللدل وجللزاء ‪ ،‬ورحمللة‬
‫وعقاب ‪ ،‬وغير ذلك دون أن نعلم كنه ذاته وطبيعتها الخاصة؟‬

‫إن العلماء الماديين يؤمنون بالجاذبية ‪ ،‬وهم ل يعلمون من خصائصها‬


‫إل أنها قوة تجذب ‪ .‬إنهم يعتقدون بهللا ‪ ،‬ويتعللاملون معهللا ‪ ،‬لمجللرد معرفللة‬
‫صفة من صفاتها ‪ ،‬دلت على آثارها ‪ ،‬فكيف بمن علمنللا مللن صللفاته أشللياء‬
‫كثيرة متعلقة بنا؟‬

‫يا عجبا ً لمنطق الملحدين!! إنهم يقيمللون علقللات جديللة مللع أوهللام‬
‫إلحادية ‪ ،‬وعلقات جدية مع قللوانين طبيعيللة ل يعرفللون كنلله ذاتهللا ‪ ،‬وإنمللا‬
‫تظهر لهم بعض آثارها التي تدلهم على بعض صفاتها ‪ ،‬ثللم يسللتكبرون عللن‬
‫أن يقيموا علقات جدية مع الله ‪ ،‬الذي يظهر لهم من آثاره أنه قادر عليم ‪،‬‬
‫عادل حكيم ‪ ،‬خالق رازق ‪ ،‬محيي مميت ‪ ،‬سميع بصير ‪ ،‬نافع ضار ‪ ،‬يجللازي‬
‫المحسنين والمسيئين ‪.‬‬

‫وإن تعجب فعجب قولهم وعجب منطقهم ‪.‬‬

‫جه اعتراضا ً ثانيا ً على البناء الفاسد نفسلله الللذي‬


‫ثم إن )د‪ .‬العظم( و ّ‬
‫بناه فقال‪:‬‬
‫"ثانيًا‪ :‬إذا كان الله ل يوصف ول يدرك بالنسبة إلى البشر فما معنى‬
‫قولنا إذا ً بأنه )رحيم وبأنه عادل( ‪ .‬عندما ننعت الله بالرحمللة والعللدل مللاذا‬
‫نعنلي بهللذه الصلفات؟ أليللس هنلاك ملن شلبه عللى الطلق بيلن الرحملة‬
‫والعدل عندما نطلقهما على الله ‪ ،‬وبين تصورنا النساني لهاتين الصللفتين؟‬
‫إذا كان الجواب بالنفي هل تكون إذن أذهاننا فارغة من كل معنى وتصللور؟‬
‫عندما ننعت الله بالرحمة والعدل ‪ ،‬هل ننسب إليه كلمات ل معنى لها على‬
‫الطلق بالنسللبة للبشللر؟ فللي الواقللع إننللا فللي موقللف حللرج حيللال هللذا‬
‫الموضوع ‪ ،‬فإمللا أن ننعللت الللله بالعدالللة وفقلا ً لتصللور يشللبه إلللى حلد ّ مللا‬
‫وبصورة غامضة تصورنا النساني لهذه الصفة ‪ ،‬وإما أن يكون قولنا بعدالته‬
‫كلما ً فارغا ً من كل معنى ومحتوى ‪ .‬أي ‪ :‬إننلا مرغملون إملا عللى التشلبيه‬
‫وما يترتب عليه من عواقب ‪ ،‬أو على التنزيه التام وما يستتبع من نتائج‪.‬‬

‫يوجد حل تقليدي لهذه الكتلة من التناقضات والمشكلت ‪ ،‬وهو‬


‫الخذ بظاهر المعنى والتصديق به مع تفويض معرفة حقيقتلله إليلله تعللالى ‪،‬‬
‫أي التصديق دون معرفة ‪ ،‬واليمان على طريقة العجائز"‪.‬‬

‫مرة ثالثة يلجأ في هذا الموضوع بالذات إلى المغالطة والتمويه عللن‬
‫طريق التعميم الفاسد ‪.‬‬

‫فبعد المغالطة السابقة التي اعتمد فيها على تعميم العجز البشري‬
‫في واقعهم الدنيوي عن إدراك ذات الله وكنهها ‪ ،‬بالنظر إلى أن البصللار ل‬
‫تدركه سبحانه ‪ ،‬وبعد أن جعل هذا العجز البشري شللامل ً للللذات والصللفات‬
‫وهو ما لم يقل به أحد ‪ ،‬فقز قفزة جديدة إلى مغالطة جديدة ‪ ،‬تعتمد على‬
‫تعميم خلط فيه جميع ما نسب إلى الله من صفات في النصوص ‪ ،‬ليعطيها‬
‫حكما ً واحدا ً عاما ً ‪ ،‬باعتبار أن بعضها مما يوهم التشبيه بالمخلوقات قد ثللار‬
‫حوله حوار في فهم المراد منه بين المفكرين من علماء المسلمين ‪.‬‬

‫ويبدو أعن علمية المغالطة القائمة على تعميم الخللاص أهللم عناصللر‬
‫مغالطاته ‪ ،‬كما أنها أهم عناصر مغالطات )فرويد( أحد قادته المثاليين فللي‬
‫نظره ‪ ،‬إذ كان )فرويد( يأخللذ مللن الحللالت الشللاذة النللادرة أحكام لا ً عامللة‬
‫مطلقة ‪ ،‬مخالفا ً بذلك كل منهج علمي ‪.‬‬

‫إن ادعاء )د‪ .‬العظم( بأننا ل نفهم شيئا ً عللن صللفات الللله تعللالى وإل‬
‫وقعنا في التشللبيه ادعللاء باطللل ‪ ،‬ونسللتطيع بالتحليللل العلمللي أن نكشللف‬
‫بطلنه ‪.‬‬

‫إن الطاقللة الفكريللة تسللتطيع أن تأخللذ منطلقاتهللا فللي التجللاه غيللر‬


‫المحللدود )اللنهللائي( مهمللا كللانت الحللواس تشللدها إلللى الواقللع المللدرك‬
‫المحدود ‪ ،‬فالفكر يشاهد مثل عللن طريللق الحللواس الموجللودات الحادثللة ‪،‬‬
‫فيأخذ صورة صحيحة إلللى تصللور معنللى الوجللود الزلللي ‪ ،‬وهللو ُيحسللن أن‬
‫يتصور من معنللى الوجللود الزلللي علللى مقللدار وعللائه ‪ ،‬فيثبتلله لللله تعللالى‬
‫ويطلقه من حدود المدركات بللالحس ‪ ،‬ويلحللظ الفكللر النسللاني القللدرات‬
‫المادية التي ترفع الرطال والقناطير وما هو بوزن الجبال ‪ ،‬والقدرات غيللر‬
‫المادية التي تفعل الفعال العجيبللة ‪ ،‬فيأخللذ صللورة تجريديللة صللحيحة عللن‬
‫معنى القدرة أو الطاقة ‪ ،‬ثم ينطلق منهللا فللي سلسلللة التكامللل الرتقللائي‬
‫إلى تصور قدرة فوق قدرة ‪ ،‬وطاقة فللوق طاقللة ‪ ،‬حللتى يصللل إلللى تصللور‬
‫قدرة تخلق السماوات والرض وتفعل كل ممكن ‪ ،‬دون أن تعجز أو تضعف‬
‫‪ ،‬فيثبت هذه القدرة لله ‪ ،‬ويطلقها من حدود المدركات بالحس ‪ ،‬بمقتضللى‬
‫أحكام سلسلة التكامل ‪ ،‬التي لها في العقللل أصللول يمكللن أن تبنللى عليهلا‬
‫مللدركات غيللر محللدودة ‪ ،‬والعقللل يحسللن أن يتصللور مللن معللاني القللدرة‬
‫الكاملة على مقدار وعائه ‪ ،‬وما زاد عن وعائه يقف دونلله عللاجزا ً مسلللما ً ‪،‬‬
‫فهو بذلك قد فهم وأدرك على مقداره ‪ ،‬وكان لوصف الله بأنه قدير معنللى‬
‫صحيح واضح في فكره وتأملته ‪.‬‬

‫ونقول نظير ذلللك فللي الرادة ‪ ،‬وفللي العلللم ‪ ،‬وفللي السللمع ‪ ،‬وفللي‬
‫البصر ‪ ،‬وفي الرحمة وفي العدل وهكذا ‪.‬‬

‫ومغالطة التشبيه التي جاء بها )د‪ .‬العظم( إنما جاء بها ملن الصلفات‬
‫الواردة في النصوص مما يوهم ظاهره التشبيه الجسدي ‪ ،‬كالصللفات الللتي‬
‫تثبت لله وجها ً ويدا ً ونحو ذلك ‪ ،‬فهذه هي التي جرى بين علماء المسلللمين‬
‫حول المراد منها ‪ ،‬بين الثبات من غير كيف ‪ ،‬والتأويللل والتفللويض ‪ ،‬ولكللن‬
‫هذه ل تؤثر على سائر الصفات التي ل خلف في فهمها وإدراك معانيها ‪.‬‬

‫وناقدنا )د‪ .‬العظم( لم يجد سلبيل ً إل أن يغلالط علن طريلق التعميللم‬


‫صل له ‪.‬‬‫الذي أ ّ‬

‫وحين يتصور )د‪ .‬العظم( أنه بلغ ما يريد طرح حول الموضوع نفسلله‬
‫مسألة القضاء والقدر ‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫"وأفضللل مثللال علللى هللذا الموقللف المشللكلة الكلسلليكية التاليللة ‪:‬‬


‫يفترض في المؤمن أن يسلم بالقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى ‪،‬‬
‫وأن يؤمن بالعقاب والثواب ‪ ،‬وأن يؤمن أيضا ً بالعدالة اللهية ‪ ،‬رغم ما فللي‬
‫هذه الموضوعات من تناقضات عقلية وأخلقية ‪ .‬ويبرر أصحاب هللذا الللرأي‬
‫موقفهم بقولهم‪ :‬إن العقل النساني عاجز تماما ً عن إدراك طبيعللة العدالللة‬
‫اللهية ‪ ،‬وعلقتها بالحسللاب والقضللاء والقللدر ‪ ،‬وبمللا أن هللذه المواضلليع ل‬
‫تخضع للمنطق البشري ‪ ،‬لذلك تبدو متناقضة ومغللايرة لمعاييرنللا الخلقيللة‬
‫وغير منصفة"‪.‬‬

‫يبدو أن الناقد أخذ فكرة القضاء والقدر في السلم من أفواه جهلللة‬


‫العامة الجبريين ‪ ،‬ولم يقرأها في كتللاب علمللي معتمللد مللن كتللب العقيللدة‬
‫السلمية‪.1‬‬

‫لقد أوفيت بحث هذا الموضوع في كتاب "العقيدة السلمية وأسسها"‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وربما يكون قد قرأها في كتاب علمي معتمد إل أنلله طمللس مللذهب‬
‫أهل الحق في هذا الموضللوع ‪ ،‬وأخللذ رأي الجللبريين الللذين كللذبهم القللرآن‬
‫فيما اّدعوه ‪ ،‬ورفض مذهبهم جمهور علماء المسلمين ‪ ،‬وبعللد أن أخللذ رأي‬
‫الجبريين جعله هو الرأي السلمي ‪ ،‬وأخذ يلوجه عليله اعتراضلاته لملا فيله‬
‫من تناقض ‪ ،‬وغرضه هدم السلم كله من خلل رأي فاسد قاومه القرآن ‪،‬‬
‫ورفضه علماء المسلمين ‪.‬‬

‫أما تكذيب القرآن لرأي الجبريين فيما ذهبوا إليلله ‪ ،‬باعتبللار معارض لا ً‬
‫لمبدأ امتحان النسان وتكليفه وجزائه بالعقاب أو بالثواب فنجللد فللي قللول‬
‫الله تعالى في سورة )النعم‪ 6/‬مصحف‪ 55/‬نزول(‪:‬‬
‫مَنا‬ ‫شَرك َْنا وَل َ آَباؤَُنا وَل َ َ‬
‫حّر ْ‬ ‫مآ أ َ ْ‬ ‫هل َ‬ ‫شآَء ٱل ّلل ُ‬ ‫كوا ْ ل َوْ َ‬
‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ل ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قو ُ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫} َ‬
‫ْ‬
‫كم‬ ‫عنلد َ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫س لَنا قُل ْ‬
‫ل هَ ل ْ‬ ‫ذاُقوا ْ ب َأ َ‬ ‫حت ّ ٰى َ‬ ‫من قَب ْل ِِهم َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ب ٱل ّ ِ‬ ‫ك ك َذ ّ َ‬ ‫يٍء ك َ ٰذل ِ َ‬ ‫ش ْ‬‫من َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن * قُللْ‬ ‫صللو َ‬
‫خُر ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م إل ت َ ْ‬ ‫ن أنت ُل ْ‬ ‫نل وَإ ِ ْ‬ ‫ن إ ِل ٱل ظلل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫جوهُ لن َللآ ِإن ت َت ّب ِعُللو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫َ‬
‫علم ٍ فت ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬
‫َ‬ ‫ة ٱللَبال ِغَ ُ‬
‫ن{‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫ُ‬
‫داك ْ‬ ‫َ‬
‫شآَء لهَ َ‬ ‫َ‬
‫ة فلوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ج ُ‬‫ح ّ‬ ‫فَل ِل ّهِ ٱلل ُ‬
‫ْ‬

‫ونجده أيضا ً في قول الله تعالى في سورة )النحللل‪ 16/‬مصللحف‪70/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫يٍء‬‫شل ْ‬ ‫مللن َ‬ ‫دون ِلهِ ِ‬‫مللن ُ‬‫ما عَب َلد َْنا ِ‬ ‫شآَء ٱل لل ُ‬
‫هل َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫شَركوا لوْ َ‬ ‫ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ٱلل ِ‬
‫ّ‬ ‫}وََقا َ‬
‫م‬‫مللن قَب ْل ِهِل ْ‬‫ن ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫ك فَعَ َ‬ ‫يٍء ك ٰذل ِ َ‬
‫َ‬ ‫من َ‬
‫ش ْ‬ ‫دون ِهِ ِ‬ ‫من ُ‬ ‫مَنا ِ‬
‫حّر ْ‬‫ن وَ ۤل آَباؤَُنا وَل َ َ‬‫ح ُ‬‫نّ ْ‬
‫ن{‬‫م ِبي ُ‬‫ل إ ِل ّ ٱللَبل غُ ٱلل ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ل عَلى ٱل ّرل ُ‬
‫َ‬ ‫فَهَ ْ‬

‫فهللؤلء مشللركون وجللبريون يزعمللون أن الللله قللد شللاء لهللم أن‬


‫يشركوا ‪ ،‬فأعلن الله أنهم يكذبون في دعواهم ‪.‬‬

‫إن قول المشركين ‪} :‬لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن‬
‫ول آباؤنللا ‪ ،‬ول حّرمنللا مللن دونلله مللن شلليء{ ‪ ،‬مسللتند إلللى ادعللاء جللبري‬
‫يتضمن أن الله قد شاء لهم الشراك به ‪ ،‬وشاء لهم عبللادة غيللره ‪ ،‬ولللذلك‬
‫ذبهم اللله فلي هلذا‬ ‫كانوا مشركين به في عقيدتهم وفي عبادتهم ‪ ،‬ولذلك ك ّ‬
‫ذب الللذين مللن قبلهللم حللتى‬ ‫الدعاء ‪ ،‬وأوعدهم بالعذاب فقال ‪} :‬كللذلك ك ل ّ‬
‫ذاقوا بأسنا{ وأمر رسوله بأن يطالبهم بالدليل على ما ادعوه ‪ ،‬فقللال للله ‪:‬‬
‫}قل ‪ :‬هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ إن تتبعون إل الظللن وإن أنتللم إل‬
‫تخرصون{ ‪ ،‬أي ‪ :‬هل عندكم من خبر عللن الللله يثبللت مللدعاكم هللذا؟ فللإن‬
‫كان عندكم شيء من ذلك تحتجون به فأخرجوه لنا ‪ ،‬ولكنكم فللي الحقيقللة‬
‫ل تعتمدون في ادعائكم هذا على أي مستند علمي ‪ ،‬وإنما تتبعللون الظنللون‬
‫الكاذبة التي هللي أوهللام بعيللدة عللن الحقيقللة ‪ ،‬فمللا أنتللم فللي الحقيقللة إل‬
‫تخرصون ‪ ،‬أي تكذبون ‪.‬‬

‫ثم عّلم الله رسوله أن يقول لهم ‪} :‬قل ‪ :‬فلللله الحجللة البالغللة فلللو‬
‫شاء لهداكم أجمعين{‪ ،‬أي ‪ :‬إن الللله قللد شللاء أن يمنحكللم الرادة الحللرة ‪،‬‬
‫ليمتحنكم في حدود ما وهبكم من استطاعة ‪ ،‬ولو شللاء غيللر ذلللك ‪ ،‬أي لللو‬
‫شاء أن يجعلكم مجبرين ل خيرة لكم فيما تقومون بلله مللن أعمللال لكللانت‬
‫حكمته تقتضي بأن يهديكم أجمعين ‪ ،‬وفلي هلذا حجلة عليهلم بالغلة صلميم‬
‫الحقيقة ‪ ،‬ولله الحجة البالغة ‪.‬‬

‫فللالفكر السلللمي قللائم علللى أن النسللان مسللؤول عللن أعمللاله ‪،‬‬


‫ومحاسب علهيا ‪ ،‬وُيجازى عليها أيضا ً ‪ ،‬لنها داخلة في حللدود اسللتطاعته إذ‬
‫وهبله اللله حريلة الرادة ‪ ،‬والقللدرة الجزئيللة عللى تنفيللذ إرادتله ‪ ،‬وأعطلاه‬
‫شروط المتحان ‪ ،‬ووضعه في مجالت المتحان المثل ‪.‬‬

‫هذه خلصة العقيدة السلمية الللتي أوضللحها القللرآن حللول موضللوع‬


‫القضاء والقدر ‪ ،‬وفهمها جمهور علماء المسلمين ‪.‬‬

‫ومللن هللذا يتللبين لنللا أن مللا ل سلللطة للرادة النسللانية والقللدرات‬


‫النسانية عليه هو الذي يقع مباشللرة تحللت سلللطان القضللاء والقللدر ‪ ،‬وأن‬
‫الله قد منح بقضللائه وقللدره النسللان إرادتلله الحللرة ‪ ،‬وعقللله الللذي يللؤهله‬
‫للتكليف ‪ ,‬وجزءا ً من القدرة على التنفيذ ‪ ،‬ليمتحنه ‪ ،‬ثم ليحاسبه ويجازيه‪.‬‬

‫فهل في هذا المفهوم الصحيح تناقض أو إشكال في موضوع القضاء‬


‫والقدر؟‪.‬‬

‫لكن الملحدين ل يروق لهم البيلان الحللق علن الللدين ‪ ،‬إنملا يريللدون‬
‫مفاهيم فاسدة تنتشر بين المسلمين ليحاربوا الدين بها ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الفصل التاسع‬

‫التطورات العلمية هي‬


‫التي تتراجع في اتجاه‬
‫المفاهيم الدينية‬
‫زعم )د‪ .‬العظم( في نقده للفكر الديني أن الدين في نزاعه مع‬
‫العلم يضطر لن يتنازل عن مواقعه بعد صراع شديد ‪ ،‬فقال في الصفحة )‬
‫‪ (24‬من كتابه‪:‬‬

‫"إن محاولة طمس معالم النزاع بين الدين والعلم ليست إل محاولة‬
‫يائسة للدفاع عن الدين ‪ ،‬يلجأ إليها كلما اضطر الدين أن يتنازل عن موقللع‬
‫من مواقعه التقليدية ‪ ،‬أو كلما اضطر لن ينسحب مللن مركللز كللان يشللغله‬
‫في السابق ‪ .‬إن نمط هذه العملية معروف جللدا ‪ .‬إنهللا تبللدأ بصللدام شللديد‬
‫بيللن النظللرة العلميللة الجديللدة حللول موضللوع مللا ‪ ،‬وبيللن النظللرة الدينيللة‬
‫السائدة إلى الموضوع ذاته ‪ ،‬وبعللد نللزاع قللد يسللتمر سللنين طويلللة تنتصللر‬
‫النظرة العلمية الجديدة ‪ ،‬وتسود بين كبار المفكرين ‪ ،‬وتنتشللر بيللن الفئات‬
‫المثقفة تماما ً عندما يوشك العلم أن يتجاوزهلا إللى نظلرة أفضلل ‪ .‬عنلدئذٍ‬
‫يقول أصحاب النظرة الدينية ‪ :‬إنه لم يكن من مللوجب لهللذا النللزاع أصلل ً ‪،‬‬
‫لن الخلف لم يكن بين جوهر الدين وروحه من جهة وبين العلم مللن جهللة‬
‫أخرى ‪ ،‬لذلك ل يضير الللدين أن يتنللازل للعلللم عللن أمللور ل تمللس روحلله ‪.‬‬
‫ولكن الحق يقال ‪ :‬إن هذا النمط من التكفير يخللبئ وراءه سلسلللة طويلللة‬
‫من التراجعات الهامة والحاسمة ‪ ،‬اضللطر إليهللا الللدين عنللدما وقللف وجهلا ً‬
‫لوجه أمام العلم ‪ .‬بالرغم من هذا الكلم الجميل عللن روح الللدين وجللوهره‬
‫لم يتراجع الدين ولو مرة واحدة أمام العلم إل بعد معركة ضارية ‪ ،‬أو تحت‬
‫الضللغط المتزايللد للثقافللة العلميللة الحديثللة ‪ ،‬أو تحللت إلحللاح الضللرورات‬
‫الحيوية للتكليف مع موجة العلمنة والتقدم التي تفرض نفسللها علللى حيللاة‬
‫المجتمعات في النهاية"‪.‬‬
‫لنا حللول هللذا الكلم "العظمللي" نظللرات ‪ ،‬كللل واحللدة منهللا تحتللاج‬
‫مناقشة مستقلة ‪.‬‬

‫) أ ( ففي النظرة الولللى نلحللظ أن الناقللد قللد أطلللق كلمللة الللدين‬


‫وقصد كل ما يسمى بني النللاس دينلا ً ‪ ،‬حقلا ً كللان أو بللاطل ً ‪ ،‬وهللذا الطلق‬
‫التعميمي فيه مغالطة جدلية ل يفعلها مللن يحللترم فكللر نفسلله ‪ ،‬أو يحللترم‬
‫المنهج العلمي السليم لدى النقد والمناظرة ‪ ،‬لن الحكم الواحللد ل يصللح ‪،‬‬
‫يحكم به على مختلفات فللي الحقيقللة لمجللرد اشللتراكها فللي السللم العللام‬
‫اشتراكا ً لفظيا ً ‪ ،‬فل يصح أن يقول القائل ‪ :‬إن النسان أصفر الوجه قصللير‬
‫القامة بدليل أن بعللض النللاس كللذلك ‪ ،‬فالحكللام ل تعطللي صلليغة التعميللم‬
‫الشامل ما لم يثبت أن جميع الفراد المختلفة فللي حقيقتهللا مشللتركة فعل ً‬
‫في هذا الحكم التعميمي ‪.‬‬
‫فمغالطة )د‪ .‬العظم( هنا قائمة على التعميم في الحكللم مللع اختلف‬
‫حقائق الفراد التي يحكم عليها ‪ .‬وقد وضح لنا في مواضللع كللثيرة اعتمللاده‬
‫على هذا العنصر من عناصر المغالطات ‪.‬‬
‫أفعلى هذا المستوى يريد أن يوجه نقده العلمي؟‬

‫أفعلى هللذا المسللتوى يريللد أن يراجللع المفللاهيم السلللمية مراجعللة‬


‫عصرية؟‬

‫إن هذا العمل بعيد كل البعد عن الروح العلمية النقدية ‪ ،‬لو أنله كلان‬
‫صادقا ً في طلب الحقيقة والبحث عنها ‪.‬‬

‫)ب( وفي النظلرة الثانيلة نلحلظ أن الناقلد قلد أطللق كلملة اللدين‬
‫وقصد بها التعاليم الدينية الساسية ‪ ،‬والتفسيرات الجتهادية التي يقول أي‬
‫إنسان منتسب إلى الدين ‪ ،‬وإن كانت اجتهادات ظاهرة الفسللاد ‪ ،‬وآخللرون‬
‫من علماء المسلمين يخللالفونه فيهلا ‪ ،‬وإن كلانت مفلاهيم باطلللة لطللوائف‬
‫منحرفة عن الدين تقول أقوال ً شاذة مرفوضة ‪.‬‬

‫وبعد هذا التعميم الباطل يطلق حكمه علللى الللدين نفسلله مللن خلل‬
‫حكمه على هذه الراء التي جانب أصحابها فيها وجه الصواب ‪.‬‬

‫لو قبلنا هذا التعميم لكان علينا أن نقبللل أي فهللم يفهملله أي إنسللان‬
‫من نص قانوني ‪ ،‬أو نص دستوري ‪ ،‬أو نظام من النظمللة ‪ ،‬أو مللذهب مللن‬
‫المذاهب النسانية ‪ ،‬ثم نجعل هذا الفهم جزءا ً مللن القللانون أو الدسللتور أو‬
‫النظام أو المذهب ‪ ،‬ثم نوجه إليها النقد على أساس هذا الفهللم الخللاطئ ‪.‬‬
‫لكننا نعلم أن هذا العمل مغالطة حقيرة ل تتفق مع أصول المنهللج العلمللي‬
‫النقدي السللليم ‪ ،‬لللذلك فإننللا ل نفعللله ‪ ،‬لن السلللم يفللرض علينللا الللتزام‬
‫المانللة الفكريللة ‪ ،‬ويفللرض علينللا أن نحللافظ علللى أخلق البحللث العلمللي‬
‫السليم ‪ ،‬والمنهج النقدي الصحيح ‪.‬‬

‫وشللبابنا المسلللمون يعرفللون هللذه الخلق ويلتزمونهللا ‪ ،‬ويعرفللون‬


‫مداخل المغالطات فل يتأثرون بها ‪ .‬وإذا شاء الملحدون أن يموتوا بغيظهللم‬
‫من ذلك فليفعلوا ‪ ،‬ولتبلقَ مغالطللاتهم علللى أكللف الريللاح السللافيات ‪ ،‬مللع‬
‫الهشيم اليابس والقمامات ‪.‬‬

‫) ج ( وفي النظرة الثالثة نلحظ أن البحوث العلميللة المتطللور يوم لا ً‬


‫بعد يوم هي التي تتطللور متقدمللة إلللى المللام ‪ ،‬لتجللد نفسللها مقتربللة مللن‬
‫المفاهيم الكلية الكبرى التي قررها السلم في عقائده ومبادئه ‪.‬‬

‫إننا نسمي هذا تقدما ً في البحث العلملي إللى المواقلع الغائيلة اللتي‬
‫يحتلها الدين الحق ‪ ،‬ولو أردنا أن نجاري )د‪ .‬العظم( في تعبيراته لقلنا ‪ :‬إن‬
‫البحوث العلمية تتراجع من مواقع النظللرات الماديللة اللحاديللة إللى مواقلع‬
‫النظرات الغائية اليمانية ‪ ،‬وهي المواقع التي يحتلها الدين بثبات واستقرار‬
‫‪ ،‬دون تحول أو تراجع ‪ ،‬لن الللدين الحللق اللهللي ‪ ،‬وهللو يقللف عنللد مواقللع‬
‫الحق ‪ ،‬وحينما يصل العلم إلى الحق ‪ ،‬تماما ً يجد نفسه عند مواقع الدين ‪.‬‬
‫وهذا الكلم منا يحتاج إلى أدلة مللن الواقللع العلمللي ‪ ،‬حللتى ل يكللون‬
‫ادعاء ل قيمة له ‪ ،‬وسأعتمد في هذا على أقوال كبار العلماء المللاديين مللن‬
‫علماء القرن العشرين ‪.‬‬

‫من المعروف في قصة الحضارة الحديثة أن معظم البطللال الولللي‬


‫الللذين اكتشللفوا كللثيرا مللن القللوانين الطبيعيللة الللتي اعتمللدت عليهللا هللذه‬
‫الحضللارة كللانوا مللؤمنين بللالله ‪ ،‬ولكللن خلفهللم قللوم زعمللوا أن هللذه‬
‫ل وعل ‪ ،‬وتلقف‬ ‫الكتشافات قد أبطلت الحاجة إلى اليمان بوجود الخالق ج ّ‬
‫الملحدة الذين لهم غايات خاصة من نشر اللحاد في الرض ذلك ‪ ،‬وأخذوا‬
‫يروجون له في مختلف المجالت العلمية وغير العلمية ‪.‬‬

‫ثللم اتسللعت دوائر المعرفللة خلل القللرن العشللرين ‪ ،‬فبللدأت تنهللار‬


‫أسس الفكر اللحادي القائم على تفسللير الكللون تفسلليرا ً مادي لا ً ميكانيكي لا ً‬
‫بحتا ً ‪ ،‬لدى كبار علماء الباحثين في مجالت المعارف الطبيعية الكونية ‪.‬‬

‫لقللد حللل )أينشللتاين( محللل )نيللوتن( ‪ ،‬كمللا أن العللالمين )بلنللك(‬


‫و)هايزنبرج( قد أبطل نظريات )لبلس( ‪ ،‬وفقد معارضو الللدين اليللوم تلللك‬
‫المكانة التي كانت تسمح لهم بأن يستندوا إلى العلم لنقض أسس الدين ‪.‬‬

‫إن نظرية النسلبية وقاعللدة الميكانيكلا الكميلة )كلوانتم( قلد أوصللتا‬


‫العلمللاء إلللى العللتراف بللأنه ل يمكللن الفصللل بيللن المشللاهد والموضللوع‬
‫المشللاهد ‪ ،‬ومعنللاه أنلله ليللس فللي إمكاننللا إل أن نشللاهد بعللض المظللاهر‬
‫الخارجية من أي شيء ‪ ،‬وأننا ل نستطيع أن نشاهد حقيقته الجوهرية ‪.‬‬

‫وقد أصبح من الحقائق القطعية أننا ل نستطيع أن نهتدي إلى الوجود‬


‫الصلي لي شيء فيما يتعلق بعلم الطبيعة ‪ ،‬وأن كل مللا يمكننللا عمللله هللو‬
‫بذل الجهد لمعرفة الهيكل الرياضي لذلك الشيء ‪ ،‬وقد سلم العلماء علللى‬
‫أعلى مستوى اليوم بأن الزعم بأننا نستطيع أن نشاهد الشياء في صورتها‬
‫النهائية لم يكن إل وهما ً وسرابا ً ‪.‬‬

‫ويعتقد البروفيسور )آرثللر إيللدينجتين( "أن معرفللة الهيكللل الرياضللي‬


‫للشيء هي المعرفة الوحيدة التي يمكن لعلم الطبيعة أن يمنحنا إياها"‪.1‬‬

‫فقد جاء في مقال لهذا العالم ما يلي‪:‬‬


‫" ‪ ...‬بقطع النظر عن الجوانب الجمالية والخلقية والروحانية ‪ ،‬فللإن‬
‫المادة والجوهر والبعد والوقت وغيرها من تلك الشللياء الللتي كللانت تعتللبر‬
‫ذر علينللا معرفللة خصائصللها ‪،‬‬ ‫خاضع لعلم الطبيعة وحده قد أصبح من المتع ّّ‬
‫بقدر ما كان متعذرا ً معرفة خصائص الشياء غير المادية‪ .‬إن علللم الطبيعللة‬
‫الجديد لم يعد في وضع يسمح له بالمعرفة المباشللرة لخصللائص الشللياء ‪.‬‬
‫إن حقيقة هذه الشياء خارجة عن حدود الدراك ‪ ،‬ونحن نصل إلى حقائقهللا‬
‫بواسطة الصور الذهنية ‪ .‬وأية صورة ذهنيللة ل يمكللن أن تعكللس لنلا صلورا ً‬
‫‪ 1‬اقتباسا ً من كتاب "الدين في مواجهة العلم"‪ ،‬تأليف وحيد الدين خان ‪ ...‬وكذلك ما جاء بعده من أقوال‬
‫)آرثر إيدينجتين( ‪ ،‬وأقوال )سوليفان( ‪ ،‬وأقوال )السير جيمس جينز( وغيرهم ‪.‬‬
‫غير موجود البتة في الذهن ‪ .‬وهكذا ل يمكن للطبيعة ‪0‬باعتبار مجال عملها‬
‫الحقيقي‪ -‬أن تتناول الخصائص الخارجة عن حدود الدراك ‪ ،‬بل هي ل تقوم‬
‫إل بالدراسة بواسطة اللت التي يمكن لعلمنا الحاطة بها ‪ .‬صحيح أن هذه‬
‫الدراسة تصور لنا بعض الخصلائص لعملل الكلون إل أن معلوماتنلا الصللية‬
‫تتعلق بالدراسة عن طريق اللت ‪ ،‬وليست بالخصائص نفسللها ‪ .‬إن علقللة‬
‫الدراسة عن طريق اللت بالخصائص الحقيقية للشياء تشللبه علقللة رقللم‬
‫التليفون بصاحبه"‪.‬‬

‫ما هذه العلقة الضعيفة جدا ً بين الدراسلات الطبيعيلة للشلياء وبيلن‬
‫حقائق الشياء؟‬

‫إن هذا العالم الطبيعي من كبار علماء القرن العشرين ليقلللل كللثيرا ً‬
‫دعيها المللاديون ‪ ،‬والللتي كللانوا‬
‫من قيمة الدعللاءات العريضللة الللتي كللان ي ل ّ‬
‫يزعمون فيها أن العلوم الطبيعية قد بلغت بدراساتها معرفة حقائق الشياء‬
‫أو كادت تصل إليها ‪ .‬إن علمللاء اليللوم المنصللفين قللد بللدأوا ينقضللون هللذه‬
‫القوال ويستخفونها ‪ ،‬ويعتبرونها تجاوزا ً كبيرا ً للحدود التي بلغها علم الناس‬
‫‪ ،‬وهؤلء العلماء قد بدأوا يعلنون ما كان أعلنه القرآن عن مبلغ علم الناس‬
‫بقوله تعالى في سورة )السراء‪ 17/‬مصحف‪ 50/‬نزول(‪:‬‬

‫من ٱْللعِ ل ْم ِ إ ِل ّ قَِلي ً‬


‫ل{‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مآ أوِتيُتم ّ‬
‫}‪...‬وَ َ‬

‫ويقول البروفيسور )آرثر إيدينجتين( أيضًا‪:‬‬

‫"إن حقيقة "أن العلم محدود بالمعلومات عن هيكل الشياء" حقيقللة‬


‫ذات أهمية قصوى ‪ .‬إنها تؤكد أن الحقيقلة الكامللة ل تلزال غيلر معروفلة ‪.‬‬
‫وفي ضوء هذه الحقيقة ل يمكن الزعم الن بأن أحاسيسنا أو تجربة اتصال‬
‫النبي بالله ليس لهما مثيل موضوعي )خارجي( وذلك لنه من الممكن جدا ً‬
‫أن يكون هناك مثيل خارجي لهذه الحاسيس ‪ ،‬أو لتجربة النللبي أو العللارف‬
‫بالله ‪ .‬ولم يعد من الممكن أن يقلال علن أحاسيسلنا الدينيلة أو الجماليلة ‪:‬‬
‫إنها مجرد ظواهر خادعة كما كانوا يقولون بالمس صلفة وتبجحا ً ‪ ،‬وبإيجاز‬
‫‪ :‬إن العارف المؤمن بالله المؤمن بالدين يمكنه أيضا ً أن يعيللش –كحقيقللة‪-‬‬
‫في الدنيا"‪.‬‬

‫أليس هذا تراجعا ً ظاهرا ً في موقف العلم إلى مواقع الفكر الللديني ‪،‬‬
‫وهذا التراجع أو التقدم في الحقيقة نتج عللن واقللع تقللدم البحللوث العمليللة‬
‫الطبيعية ‪ ،‬إن العلم النساني بدأ يتعرف على حدوده ‪.‬‬

‫ولكن الماديين المتعصبين للنظرات التقليدية اللحادية ما زالوا‬


‫يجترون الدعاءات التبجحية السابقة ‪ ،‬على الرغم مللن أن العلللم المتطللور‬
‫قد أظهر فسادها ‪ ،‬وتقدم خطوات مهمة في اتجاه مواقع الدين ‪.‬‬
‫وعلى هذا باستطاعتنا أن نسمي الملحدة الماديين رجعييللن ‪ ،‬لنهللم‬
‫ل يسايرون تقدم العلم الصحيح ‪.‬‬

‫على أن قضية التقدمية والرجعية من القضايا النسللبية ‪ ،‬فمللن ابتعللد‬


‫عن الحق إلى جهة الباطل ثم رجع إلى الحللق فهللو رجعللي فاضللل كريللم ‪،‬‬
‫ومن ابتعد عن جهة الباطل إلى جهة الحق ثم رجع إلللى جهللة الباطللل فهللو‬
‫رجعي خسيس ذميم ‪ ،‬ومن تابع تقدمه في جهللة الحللق فهللو تقللدمي بطللل‬
‫صاعد ‪ ،‬وملن تلابع تقلدمه فلي جهلة الباطلل فهلو تقلدمي خلبيث منحلط ‪،‬‬
‫فالقضية في كل ذلك نسللبية ‪ ،‬تتبللع السللالك والجهللة معلا ً ‪ ،‬وكللذلك الللوراء‬
‫والمام ‪ ،‬فالنازل من المعالي يكللون الللوادي أمللامه وتكللون القمللة وراءه ‪،‬‬
‫ولو عقل لنظر إلى الوراء ورجع إليه ‪ ،‬والصاعد إلى المعللالي تكللون القمللة‬
‫أمامه والوادي وراءه ‪ ،‬وحينمللا يعقللل يسللتمر فللي صللعوده ول يلتفللت إلللى‬
‫الوراء ول يرجع إليه ‪.‬‬

‫وقد انتهى الرياضي والفيلسوف النكليزي )ألفرد نورث وهايت هيد(‬


‫إلى "أن الطبيعة حية"‪.‬‬
‫أي‪ :‬ليست كما يزعم الماديون مجرد مادة تظهر الحيللاة فيهللا نتيجللة‬
‫تركيب آلي في عناصرها ‪ ،‬وهذا اقتراب من المفاهيم الدينية التي تقلرر أن‬
‫الكون عمل موجود حي ‪.‬‬

‫ثم إن الفلكي النكليزي السللير ‪) :‬آرثللر إيللدينجتين( قللد اسللتنتج مللن‬


‫دراسة العلوم ‪" :‬أن مادة العالم مادة عقلية" ‪.‬‬

‫وكذلك الرياضي السير ‪) :‬جيملس جينلز( اللذي يعتلبر أعظلم علملاء‬


‫العصر قد عّبر عن الكشوف الجديدة بقوله ‪" :‬إن الكون كون فكري"‪.‬‬

‫إن العلماء الذين أدلوا بهذه الراء هم علماء علللى درجللة كللبيرة مللن‬
‫الهمية في دنيا العلم ‪ ،‬ويلخص البروفيسور )ج‪ .‬و‪ .‬ن‪ .‬سوليفان( أفكللارهم‬
‫في الجملة التالية‪:‬‬
‫"إن الطبيعة النهائية للكون طبيعة عقلية"‪.‬‬

‫أي ‪ :‬ليست كما يزعم الملحدون الماديون مجرد حركة عشوائية غير‬
‫عاقلة ظهر عنها في بليين القرون هللذا النظللام الكللوني المشللاهد ‪ ،‬وهللذه‬
‫صل إلهيا لعلمللاء تلغللي بكللل تأكيللد الركللائز الخياليللة‬
‫النتائج العلمية التي تو ّ‬
‫التي كان يستند إليها الملحدون ‪ ،‬وتجعل العلم يقترب من الحقائق الدينيللة‬
‫التي تقرر أن الكون عمل موجود عظيم قادر حي سميع بصير ‪.‬‬

‫إن كتللاب "عللالم السللرار" ‪ ،‬للفلكللي الرياضللي البريطللاني السللير‬


‫)جيمس جينز( يحتوي على أكثر المواد العلمية قيمة من هذه الناحية ‪ ،‬وقد‬
‫انتهى هذا العالم بعد مناقشة عملية بحتة إلى أن ‪:‬‬
‫"الكون ل يقبل التفسللير المللادي فللي ضللوء علللم الطبيعللة الجديللد ‪،‬‬
‫وسببه –في نظري‪ -‬أن التفسير المادي قد أصبح الن فكرة ذهنية"‪.‬‬
‫أي ‪ :‬وهذه الفكرة الذهنية ل يؤيدها واقع الكون ‪ .‬ويقول هللذا العللالم‬
‫أيضًا‪" :‬إذا كان الكون كونا ً فكريا ً فل بد أن خلقه كان عمل ً فكريا ً أيضًا"‪.‬‬

‫هل يدرك الملحدون هذه الرجعة العلمية إلى الدين؟ أم يظلون فللي‬
‫البقعة العمياء التي يقفون فيها فل يتقدمون مع تقدم أضواء المعرفة؟‬

‫ويقول السير )جيمس جينز( أيضًا‪:‬‬

‫"من الصحيح أن نقول ‪ :‬إن نهر العلم قد تحول إلى مجرى جديد في‬
‫العوام الخيرة ‪...‬‬
‫لقد كنا نظن قبل ثلثين سنة – ونحللن ننظللر إلللى الكللون‪ -‬أننللا أمللام‬
‫حقيقة من النوع الميكانيكي ‪ .‬وكان يبدو لنا أن الكون يشللتمل علللى ركللام‬
‫مللن المللادة المبعللثرة ‪ ،‬وقللد اجتمعللت أجللزاؤه بالصللدفة ‪ ،‬وأن عمللل هللذه‬
‫المادة ينحصر في أن ترقص لبعض الوقت رقصا ً ل معنى للله ‪ ،‬تحللت تللأثير‬
‫قوى عمياء ل هدف لها ‪ ،‬وأنه بعد نهاية الرقللص سللتنتهي هللذه المللادة فللي‬
‫صورة كون ميت ‪ ،‬وأن الحياة قللد وجللدت صللدفة خلل عمللل هللذه القللوى‬
‫العمياء ‪ ،‬وأن بقعة صغيرة جدا ً من الكون قد نعمت بهذه الحيللاة ‪ ،‬أو علللى‬
‫سبيل الحتمال يمكن أن توجد هذه الحياة في بقللاع أخللرى ‪ ،‬وأن كللل هللذا‬
‫سينتهي يوما ً ‪ ،‬وسيبقى الكون فاقد الروح ‪.‬‬

‫ولكن توجد اليوم أدلة قوية تضطر علم الطبيعة إلى قبللول الحقيقللة‬
‫القائلة بأن نهر العلم ينساب نحو حقيقة غير ميكانيكية ‪.‬‬

‫إن الكون أشبه بفكر عظيم منلله بماكينللة عظيمللة ‪ .‬إن )الللذهن( لللم‬
‫يدخل إلى هذا العالم المادي كأجنبي عنه ‪ ،‬ونحن الن إلى مكان يجللدر بنللا‬
‫فيه استقبال )الذهن( كخالق هذا الكون وحللاكمه ‪ .‬إن هللذا الللذهن بل شللك‬
‫ليس كأذهاننا البشرية ‪ ،‬بل ذهن خلق الذهن النساني من "الللذرة المللادة"‬
‫وهذا كله كان موجللودا ً فلي ذلللك الللذهن الكللوني فلي صللورة برنامللج معللد‬
‫مسبقا ً ‪ .‬إن العلم الجديد يفرض علينا أن نعيد النظر في أفكارنا عن العالم‬
‫‪ ،‬تلك التي كنا أقمناها على عجللل ‪ .‬لقلد اكتشلفنا أن الكلون يشلهد بوجللود‬
‫قوة منظمة أو مهيمنة ‪ ،‬وهللذه القللوة تشللبه أذهاننللا إلللى حللد كللبير ‪ ،‬وهللذا‬
‫الشبه ليس من ناحية العواطف والحاسليس وإنملا هلو شلبه يتعللق بلذلك‬
‫النهج الفكري الذي يمكننا تسميته بالذهن الرياضي"‪.‬‬

‫هذا كلم عالم من أعظم علماء القرن العشللرين ‪ ،‬شللهد آيللات الللله‬
‫في الكون عن طريق وسائل المعرفة النسللانية التقدميللة ‪ ،‬وكللان منصللفا ً‬
‫بريئا ً من داء التعصب ‪،‬فللأعلن شللهادته المسللتندة إلللى المعرفللة العلميللة ‪،‬‬
‫وأبان بوضوح أن نهر العلم قد تحول فعل ً إلى مجرى جديد سائر في اتجللاه‬
‫مواقع اليمان بالله الخالق القادر العليم الحكيم ‪.‬‬
‫وتحقق بعض ما جاء في الوعد اللهي إذ قال سبحانه في سورة‬
‫)فصلت‪ 41/‬مصحف‪ 61/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ه ٱلل َ‬
‫ح ّ‬ ‫ْ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫حت ّ ٰى ي َت َب َي ّ َ‬
‫ن لهُ ْ‬ ‫م َ‬
‫سهِ ْ‬ ‫ق وَفِ ۤي أن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫م آَيا َت َِنا ِفي ٱللَفا ِ‬
‫ريهِ ْ‬
‫سن ُ ِ‬
‫} َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫د{‬ ‫يٍء َ‬
‫شِهي ٌ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه عَل ٰى ك ّ‬ ‫َ‬
‫ف ب َِرب ّك أن ّ ُ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫م ي َك ْ ِ‬

‫وسيتحقق كامل الوعد اللهي مع تقدم العلمللي النسللاني بحث لا ً عللن‬


‫خفايا الكون وأسراره ‪.‬‬

‫قّر المسلمون المؤمنون بالله أعينا ‪ ،‬وليمت الملاديون الملحلدون‬ ‫فلي َ َ‬


‫بالله غيظا ً ‪ .‬إن العلم المنصف قد بللدأ فعل ً يتحللول عللن تفسلليراته الماديللة‬
‫البحتة ‪ ،‬التي ملت الدنيا ضجيجا ً في القرنين الثامن عشر والتاسع عشللر ‪،‬‬
‫متجها ً إلى تفسيرات أخرى يقلترب فيهلا اللدين اقترابلا ً أزعلج المؤسسلات‬
‫اللحادية إزعاجا ً كثيرا ً ‪ ،‬إذ بدأت تفقد ركائزها التي كانت تلبس ثوب العلللم‬
‫زورا ً وبهتانا ً ‪ ،‬وتصنع مغالطاتهللا مللن الفرضلليات الللتي لللم تكللن قللد أخللذت‬
‫مستوى التحقق العلمي ‪ ،‬وتصوغ منهلا مقلدمات يقينيلة ‪ ،‬لتلدعم سياسلتها‬
‫اللحادية ‪ ،‬نظرا ً إلى أن اللحاد يخدم كما عرفنا مصالحها الخاصة ‪.‬‬

‫إن انتصار الحقيقة الكبرى في نهاية المسيرة العلمية قضية مقطوع‬


‫بها في عقيدة المسلمين ‪ ،‬فل خوف على الدين من العلم الصحيح ‪.‬‬

‫إل أن داء الهوى وداء التعصب كثيرا ً ما يصيبان الباحثين فللي طريللق‬
‫العلم والمعرفة ‪ ،‬كما يصيبان الخرين من الناس ‪.‬‬
‫يقول المفكر السلمي )وحيد الدين خان(‪:1‬‬
‫"وبالرغم من هذه التغييرات في دنيا العلم لم يطرأ تغير يللذكر علللى‬
‫العقلية المنكرة للدين ‪ .‬بل على العكس من ذلللك ينهمللك معارضللو الللدين‬
‫في تدبيج قضيتهم ضد الدين بأساليب جديدة ‪ ،‬وليس سللبب هللذا الموقللف‬
‫اكتشافا ً علميا ً خطيرا ً ‪ ،‬وإنما هو التعصب ول غير ‪ .‬إن التاريخ ليحفل بما ل‬
‫يحصى من الوقللائع الللتي تللبرهن علللى أن البشللر رفضللوا الحقيقللة – رغللم‬
‫تجليهللا بوضللوح – لن تعصللبهم لفكللرة ملا للم يسلمح لهللم بقبولهلا ‪ .‬وهلذا‬
‫التعصللب العمللى هللو الللذي جعللل العلمللاء اليطللاليين قبللل أربعللة قللرون‬
‫يرفضون نظرية )جاليليو( كبديل لنظرية أرسطو القديمة ‪ ،‬على الرغم مللن‬
‫أن الكرتين اللتين أسقطهما )جللاليليو( مللن قمللة منللارة )ليننللج( قللد جعلتللا‬
‫نظريته حقيقة مرئية للعيان ‪ ،‬وهلذا هلو التعصلب اللذي جعلل العلملاء فلي‬
‫نهاية القللرن الماضللي يسللخرون مللن نظريللة البروفيسللور )مللاكس بلنللك(‬
‫سرة لظواهر الضوء ‪ ،‬والتي أبطلت نظرية )نيوتن( وتلك هي النظريللة‬ ‫المف ّ‬
‫التي تسمى اليوم بنظرية الكمية )الكوانتم( ‪ ،‬وتعتبر من أهللم أسللس علللم‬
‫الطبيعة الحديث ‪.‬‬

‫وإذا كان أحدنا يظن أن داء التعصب يمكللن أن يصلليب الخريللن دون‬
‫العلماء فإنني سأذكره بما قاله أحد العلماء المعاصرين وهو الللدكتور )أ‪ .‬و‪.‬‬
‫هيلز(‪:‬‬

‫في كتابه "الدين في مواجهة العلم""‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫"إنني سأكون آخر من يدعي أننا نحن العلماء أقل الناس عرضة‬
‫للتعصب بالنسبة للمثقفين الخرين"‪.‬‬

‫فنحن أمام دنيا يمزقها التعصب ‪ .‬فكيف لنا أن نتوقللع أن نظريللة مللا‬
‫سوف تحظى بقبول الجميع لمجرد أن المنطق أو العلم قد أثبتها؟!‬

‫إن تجربة التاريخ الطويل تدلنا على أن العواطف ل العقل هلي اللتي‬
‫كانت تقود النسان ‪ ،‬وبالرغم من أن العقل هو الذي يحظى بالمقام الرفع‬
‫علميا ً ومنطقيا ً ‪ ،‬لكن العواطف في أغلب الحايين هي التي كللانت تسللتعبد‬
‫العقل ‪ ،‬وكان العقل دوما ً يخترع المعاذير للعواطف‪".‬اهل‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الفصل العاشر‬

‫ما أسماه‬ ‫صراع حول‬


‫العظم‬
‫ساة إبليس‬
‫مأ َ‬
‫ملحظة قبل الدخول في الصراع‬

‫قال الناقد )د‪ .‬العظم( في الصفحة )‪ (83‬من كتابه ‪:‬‬


‫"قبل أن أدخل في صلب الموضوع أريد أن يتضح للجميع‬
‫بأن بحثي يدور في إطار معين ‪ ،‬ل يجوز البتعاد عنه على‬
‫الطلق ‪ ،‬أل وهو إطار التفكير المثيولوجي – الديني الناتج‬
‫عن خيال النسان السطوري وملكاته الخرافية – إنني ل‬
‫أريد معالجة قصة إبليس باعتبارها موضوعا ً يدخل نطاق‬
‫اليمان الديني الصرف ‪ ،‬ول أريد أن أتكلم عنه باعتباره‬
‫كائنا ً موجودا ً حقيقيا ً ‪ ،‬وإنما أريد دراسة شخصيته باعتبارها‬
‫شخصية ميثولوجية أبدعتها ملكة النسان الخرافية‬
‫ورها وضخمها خياله الخصب"‪.‬‬ ‫وط ّ‬

‫فل يغتّر القارئ ببعض أقواله الدينية في صلب‬


‫الموضوع ‪ ،‬لنه مضطر إلى إيرادها لدراسة القصة من‬
‫خللها ‪ ،‬على اعتبارها واعتبار كل ما يتصل بها خرافة من‬
‫الخرافات وأسطورة من وضع النسان ‪.‬‬

‫)‪(1‬‬

‫كتب )د‪ .‬العظم( في كتابه "نقد الفكر الديني" فصل ً خاصا ً بعنوان ‪:‬‬
‫"مأساة إبليس" ‪ ،‬وكان هذا الفصل محاضرة ألقاها ‪.‬‬

‫زعم فيما كتب أن قصة إبليس أسطورة خيالية من الساطير الدينية‬


‫‪ ،‬مثلها كمثل الساطير الخيالية التي تنتهي بمأساة درامية ‪ ،‬وإبليس بطل‬
‫هذه المسألة قديس بحسب تفسيراته التي اعتمد فيها على آرائه‬
‫الشخصية ‪ ،‬وعلى آراء باطنية شاذة اعتمدت على المذهب الجبري في‬
‫موضوع القضاء والقدر ‪ ،‬وهو مذهب مرفوض كما علمنا ‪ ،‬وما اشتمل هذا‬
‫المذهب عليه من أفكار ل يمثل العقيدة السلمية الصحيحة ‪ ،‬لذلك فإن‬
‫جميع ما بناه على هذا الساس من تفسيرات ومفاهيم وأسئلة وإشكالت‬
‫ساقط مردود ‪ ،‬باعتبار أن الساس الذي بنى عليه أساس مرفوض دينيا ً ‪،‬‬
‫وما بني على فاسد فهو فاسد ‪.‬‬

‫ف باعتبار قصة إبليس الواردة في القرآن قصة أسطورية ‪،‬‬ ‫ولم يكت ِ‬
‫بل هو يعتبر سائر القصص الدينية الصحيحة من قبل القصص السطورية ‪،‬‬
‫فقصة إبراهيم وأمر الله له بذبح ولده أسطورة مأساة درامية خيالية في‬
‫نظره ‪ ،‬وقصة أيوب وبلئه أسطورة مأساة ‪،‬وهكذا ‪ ،‬ولكن أعظم بطل ذي‬
‫قصة مأساوية في نظره هو إبليس ‪ ،‬لنه تحدى الموقف المأساوي ببطولة‬
‫‪.‬‬

‫من الطبيعي أن ينكر القصص الدينية بعد أن أنكر وجود الله ‪ ،‬وأنكر‬
‫ل وعل ‪.‬‬‫الشرائع السماوية كلها ‪ ،‬وأنكر القرآن وصحة نسبته إلى الله ج ّ‬

‫إن العقيدة السلمية بكل أركانها وفروعها مبنية على أصل واحد هو‬
‫اليمان بالله ‪ ،‬فمن اجتث من فكره وقلبه ووجدانه هذا الصل فكل كلمه‬
‫في الفروع كلم جدلي محض ل أساس له ‪ ،‬ول بد أن تكون مناقشته فيه‬
‫متسمة بالمغالطات والكاذيب والمشاغبات والعمل على طي الحقائق‬
‫وكتمانها ‪ ،‬والقتصار على الجوانب التي تفيده في المعركة الجدلية ‪ ،‬مثله‬
‫ة لخصمه ‪ ،‬ثم‬ ‫في ذلك مثل المصارع الذي يصنع بيده وعلى وفق هواه دمي ً‬
‫يدخل معها إلى حلبة الصراع على أنها هي خصمه الحقيقي ‪ ،‬ويصارعها‬
‫كما يشاء ‪ ،‬ويلعب بها كما يشاء ‪ ،‬ثم يظهر انتصاره عليها ‪ .‬أو كمثل‬
‫المصارع الذي يستخدم بعض المرتزقة من المصارعين ‪ ،‬ويطلب منه أن‬
‫يلبس قناع خصمه الحقيقي ‪ ،‬وينزل بدل الخصم في حلبة المصارعة ‪،‬‬
‫على أن يصارع مصارعة ضعيفة ‪ ،‬ينهزم في أعقابها عند حلول الزمان‬
‫المعلوم ‪ ،‬ووفق صورة مرسومة متفق عليها سابقا ً ‪.‬‬

‫وما أكثر هؤلء المقنعين من الذين يتظاهرون بالدفاع عن الدين ‪،‬‬


‫ويصارعون أعداءه بضعف ظاهر ‪ ،‬ثم ينكشفون بعد محاولت باردات ‪ ،‬ل‬
‫يستخدمون فيها أية قوة من القوى الدينية الصحيحة ‪ ،‬ويقبعون أخيرا ً في‬
‫الزوايا مهملين ‪ ،‬ويبقى أعداء الدين في الحلبة بعدهم يجولون ‪.‬‬

‫وبعض هؤلء يقدمون ما يلزم من حركات ليستخدمها الطرف‬


‫المقابل الذي رسم له النجاح مقدما ً ‪ ،‬وليقوم بحركات بهلوانية تعجب‬
‫وره في نفوس المشاهدين‬ ‫الناظرين ‪ ،‬وتلفت إليه النتباه كله ‪ ،‬وتص ّ‬
‫بصورة البطل المصارع الذي ل ُيغلب ‪.‬‬
‫ولقد غدت هذه اللعبة الخداعية لعبة مكشوفة لدى الجماهير ‪ ،‬في‬
‫حلبات الرياضة البدنية ‪ ،‬وفي حلبات السياسة ‪ ،‬وفي حلبات المذاهب‬
‫الفكرية المختلفة ‪ ،‬وفي حلبات المعارك الحربية أيضا ً ‪ ،‬وهي في حلبات‬
‫الصراع ضد الدين كثيرة جدا ً ‪ ،‬ومتعددة الوجوه والصور والشكال ‪،‬‬
‫ومختلفة السمات والملمح ‪.‬‬

‫ومن عجيب أمر )د‪ .‬العظم( أنه أقام من نفسه عارضا ً للصورة‬
‫السلمية كما يهوى ‪ ،‬ومدعيا ً على السلم وفق الصورة التي رسمها هو ‪،‬‬
‫ومحاميا ً عنه كما يشتهي ‪ ،‬ومحاميا ً ضده كما يريد ‪ ،‬وقاضيا ً مشاركا ً في‬
‫دراسة الدعوى ‪ ،‬وأخيرا ً جعل من نفسه حاكما ً ل يقبل حكمه الستئناف ول‬
‫التمييز ‪ ،‬وهو قبل كل ذلك الخصم الذي يدبر المكايد ‪ ،‬ويصنع الكاذيب ‪،‬‬
‫ويلفق الحيل لهدم السلم هدما ً كليا ً ‪ ،‬ول يألوا جهدا ً في توجيه أي حرب‬
‫ضده وضد المسلمين ‪ ،‬خدمة للماركسي ‪ ،‬ومن ورائها اليهودية العالمية ‪.‬‬

‫وحينما يستشهد بأقوال بعض المسلمين فإنه ل يستشهد إل بالقوال‬


‫الشاذة والراء المنحرفة ‪ ،‬ويتصيدها تصيدا ً من ضمن الراء الصحيحة‬
‫السليمة ‪ ،‬ويقدمها على أنها هي وحدها الممثلة للفكرة السلمية في‬
‫موضوع البحث الذي يناقضه ‪ ،‬ويطوي ما عداها من الراء والمفاهيم ‪ ،‬أو‬
‫يشير إليها إشارة خفيفة دون بيان ‪ ،‬وعلى طريقته التي عرفناها فيه يغالط‬
‫في الحقائق ‪ ،‬فيعمم الخاص‪ ،‬أو يخصص العام من عنده ‪ ،‬أو يكذب في‬
‫النسبة ‪ ،‬أو يؤول من عنده تأويل ً فاسدا ً ‪ ،‬أو يحرف في المراد من المعاني‬
‫‪ ،‬إلى غير ذلك من أصول المغالطات ‪.‬‬

‫نقل شطحات الحلج الشاذة القائمة على العقيدة الجبرية ‪ ،‬وعلى‬


‫التفسيرات الباطنية ‪ ،‬والتعبيرات الرمزية ‪ ،‬واعتبرها هي الممثلة للفكرة‬
‫السلمية في موضوع إبليس وقصته ‪ ،‬مع أن هذه القوال مخالفة‬
‫للنصوص القرآنية ‪ ،‬والحاديث النبوية مخالفة صريحة ‪ ،‬ول تحتمل هذه‬
‫النصوص تلك المعاني الباطنية الشاذة ‪ ،‬ل في أسلوبها العربي ‪ ،‬ول في‬
‫دللتها الفلسفية ‪ ،‬وما هي إل تحريف في الدين بآراء فلسفية لهوتية‬
‫دخيلة على الفكر السلمي ‪.‬‬
‫واعتمد آراء عز الدين المقدسي في كتابه "تفليس إبليس" لنها في‬
‫مضمونها تتضامن مع الشطحات الحلجية الباطنية ‪ ،‬الجانحة عن المفاهيم‬
‫القرآنية ‪ ،‬بالراء الدخيلة على الفكر السلمي ‪ ،‬والتي أفسدت بعبثها نقاء‬
‫الحقيقة الدينية الظاهرة من النصوص السلمية ‪ ،‬وهي الحقيقة التي‬
‫فهمها أصحاب رسول الله ‪ ‬والعلماء والعلم من بعدهم ‪ ،‬ثم دخلت من‬
‫بعد ذلك المذاهب المشبوهة في غاياتها ‪ ،‬فأفسدت ما أفسدت ‪ .‬وتتابع‬
‫المضللون من بعدهم يعتمدون أقوالهم ويبنون عليها لمحاربة السلم‬
‫والمسلمين ‪.‬‬

‫لكن الله يحمي دينه من المخربين من داخل الصفوف ‪ ،‬والمحاربين‬


‫من خارجها‪ ،‬ويحق الله الحق ويبطل الباطل ‪ ،‬ويأبى الله إل أن يتم نوره‬
‫ولو كره الكافرون ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫إبليس في الفكر السلمي‬

‫إبليس هو واحد من الجن ‪ ،‬والجن مخلوقات غير الملئكة ‪ ،‬وهما‬


‫جميعا ً غير النس ‪ ،‬ولكل صنف من هذه المخلوقات خصائص وسمات ‪.‬‬
‫فالملئكة خلقهم الله من نور ‪ ،‬والجن خلقهم الله من مارج من نار )أي‪:‬‬
‫من أخلط من النار( ‪ ،‬والنس خلقهم الله من طين كما هو معلوم )أي‪:‬‬
‫من عناصر مختلفة من الرض ترابها ومعادنها ومائها(‪.‬‬

‫وقد دل على هذه الفوارق في عناصر التكوين ما رواه مسلم عن‬


‫عائشة ‪ ،‬عن الرسول ‪ ‬أنه قال ‪ُ " :‬‬
‫خلقت الملئكة من نور ‪ ،‬وخلق الجان‬
‫من مارج من نار ‪ ،‬وخلق آدم مما وصف لكم"‪.‬‬

‫وقد أثبت القرآن الفرق بين عنصري النس والجن وفق الصورة‬
‫نفسها التي وردت في هذا الحديث ‪ ،‬فقال الله تعالى في سورة )الرحمن‪/‬‬
‫‪ 55‬مصحف‪ 97/‬نزول(‪:‬‬

‫من‬
‫مارٍِج ّ‬
‫من ّ‬
‫ن ِ‬ ‫خل َقَ ٱْلل َ‬
‫جآ ّ‬ ‫خارِ * وَ َ‬ ‫كل ٱْلل َ‬
‫ف ّ‬ ‫ل َ‬ ‫صل ْ َ‬
‫صا ٍ‬ ‫من َ‬
‫ن ِ‬
‫سا َ‬ ‫خل َقَ ٱ ِ‬
‫للن َ‬ ‫} َ‬
‫ّناٍر{‬

‫وفي احتجاج إبليس إذ رفض أمر الله له بأن يسجد لدم قال فيما‬
‫يحكيه الله عنه في سورة )العراف‪ 7/‬مصحف‪ 39/‬نزول(‪:‬‬
‫ن{‬‫طي ٍ‬
‫من ِ‬
‫ه ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قت َ ُ‬ ‫من ّنارٍ وَ َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قت َِني ِ‬ ‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫}أ َن َا ْ َ‬
‫خي ٌْر ّ‬

‫والملئكة مخلوقون قبل النسان ‪ ،‬بدليل أن الله عرض على‬


‫الملئكة قبل خلق آدم قضاءه بأنه خالق بشرا ً من الطين ‪.‬‬

‫والجن أيضا ً مخلوقون قبل النسان ‪ ،‬بدليل قول الله تعالى في‬
‫سورة )الحجر‪ 15/‬مصحف‪ 54/‬نزول(‪:‬‬
‫ن‬ ‫ن * وَ ٱْلل َ‬
‫جآ ّ‬ ‫سُنو ٍ‬
‫م ْ‬
‫مإ ٍ ّ‬
‫ح َ‬
‫ن َ‬
‫لم ْ‬ ‫صل ْ َ‬
‫صا ٍ‬ ‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫قَنا ٱ ِ‬
‫للن َ‬ ‫خل َ ْ‬‫قد ْ َ‬‫}وَل َ َ‬
‫موم ِ {‬‫سل ُ‬‫من ّنارِ ٱل ّ‬‫ل ِ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناهُ ِ‬ ‫َ‬

‫الصلصال‪ :‬هو الطين اليابس الذي يصلصل إذا نقرته ‪.‬‬


‫والحمأ ‪ :‬هو الطين السود المتغير ‪.‬‬
‫والمسنون‪ :‬هو المصور ‪.‬‬

‫فهذه الحقائق المستفادة من النصوص السلمية توضح تماما ً‬


‫اختلف العناصر التكوينية بين الكائنات الثلثة ‪) :‬الملئكة – الجن –‬
‫النس( ‪ ،‬وتوضح أن الملئكة والجن مخلوقون قبل النسان ‪.‬‬
‫وإبليس هو من الجن ل من الملئكة على خلف ما زعم )د‪ .‬العظم(‬
‫‪ ،‬وزعم أن الملئكة ليسوا بمنجاة من الغواية ‪ ،‬كما أراد أن يفهم من‬
‫النصوص السلمية ‪ ،‬وإن كان هو بالساس ل يؤمن بوجود الملئكة ول‬
‫بوجود الجن أصل ً ‪ ،‬والدليل على أن إبليس من الجن ل من الملئكة قول‬
‫الله تعالى في سورة )الكهف‪ 18/‬مصحف‪ 69/‬نزول(‪:‬‬
‫نل‬ ‫ن ٱلل ِ‬
‫ج ّ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫كا َ‬ ‫جد ُ ۤوا ْ إ ِل ّ إ ِب ِْلي َ‬
‫س َ‬ ‫س َ‬ ‫دوا ْ لد َ َ‬
‫م فَ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ۤلئ ِك َةِ ٱ ْ‬
‫سل ُ‬ ‫ذا قُل َْنا ل ِل ْ َ‬‫}وَإ ِ َ‬
‫ه‪.{..‬‬ ‫َ‬ ‫فَ َ‬
‫مرِ َرب ّ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫سق َ ع َ ْ‬ ‫ف َ‬

‫فهذا يوضح لنا أن عنصره كان من عنصر الجن ل من عنصر الملئكة‬


‫‪ ،‬يضاف إليه ما ثبت في النصوص من أنه مخلوق من مارج من نار ‪ ،‬أما‬
‫الملئكة فهم مخلوقون من نور ‪.‬‬

‫إذن فقد كان إبليس بين الملئكة عنصرا ً دخيل ً ‪ ،‬وقد كشفه المتحان‬
‫‪ ،‬والذي سمح له بأن يدخل بين صفوف الملئكة وجود التشابه الصوري ‪،‬‬
‫والمشاركة في بعض الخصائص بين الجن والملئكة ‪ ،‬حتى كان إبليس يعبد‬
‫مثل عبادة الملئكة ويخالطهم في بعض أعمالهم ‪ ،‬وهذا ما يظهر من‬
‫تفسير دخوله في عموم أمر الله الملئكة بالسجود لدم ‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يكون المر بالساس موجها ً للملئكة والجن معا ً بالسجود لدم فسجدوا إل‬
‫إبليس أبى واستكبر ‪ ،‬والله أعلم بالحقيقة ‪ ،‬لكن كون إبليس من عنصر‬
‫الجن ل من الملئكة أمر محقق بصريح النص الذي ل يحتمل التأويل ‪.‬‬

‫ويؤكد هذه الحقيقة ظهور المعصية منه بعد المتحان ‪ ،‬وذلك لن‬
‫الملئكة من خصائصهم التكوينية أنهم ل يعصون لله ما أمرهم ويفعلون ما‬
‫يؤمرون ‪ ،‬وقد دلت على هذه الحقيقة نصوص قرآنية كثيرة ‪ ،‬منها قول‬
‫الله تعالى في سورة )النبياء‪ 21/‬مصحف‪ 73/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫ن عَ ْ‬ ‫عن ْد َهُ ل َ ي َ ْ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ ٱللْر ِ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫من ِفي ٱل ّ‬
‫سل َ‬ ‫ه َ‬ ‫}وَل َ ُ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫فت ُُرو َ‬ ‫ل وَ ٱل ّنلَهاَر ل َ ي َ ْ‬
‫ن ٱْللّللي ْ َ‬
‫حو َ‬‫سب ّ ُ‬
‫ن * يُ َ‬
‫سُرو َ‬
‫ح ِ‬
‫ست َ ْ‬‫عَباد َت ِهِ وَل َ ي َ ْ‬
‫ِ‬

‫ووصفهم الله بقوله أيضا ً في سورة )النبياء‪ 21/‬مصحف‪ 73/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬ ‫ه ِبل ٱْلل َ‬
‫ن{‬‫مُلو َ‬
‫مرِهِ ي َعْ َ‬
‫م ب ِأ ْ‬
‫ل وَهُ ْ‬
‫ق وْ ِ‬ ‫قون َ ُ‬ ‫}ل َ ي َ ْ‬
‫سب ِ ُ‬

‫وظاهر أن إبليس قد استكبر على طاعة الله إذ أمره الله بالسجود‬


‫لدم ‪ ،‬ولم يعمل بأمره تعالى ‪ ،‬فهو عنصر مغاير لعنصر الملئكة ‪ ،‬له إرادة‬
‫حرة ‪ ،‬ودوافع نفسية تدفعه إلى المعصية ‪ ،‬ولديه شروط التكليف كاملة ‪.‬‬

‫ط في هذه الحقائق وتلعب بمفاهيم النصوص‬ ‫ولكن )د‪ .‬العظم( غال َ َ‬


‫كما راق له ‪ ،‬ليبني بناءاته الفاسدة على الصورة التزييفية التي صنعها ‪.‬‬

‫وبيان هذه الحقائق أخذا ً من صريح النصوص سقط ادعاؤه الفاسد‬


‫أن النصوص تفيد أن إبليس ملك من الملئكة ‪ ،‬وقد عصى لن الملئكة‬
‫عرضة لفعل الخير والشر والهداية والغواية كالنسان ‪.‬‬
‫وإذ عصى إبليس وهو من الجن فليس معنى ذلك أن الجن كلهم‬
‫عصاة ‪ ،‬بل هم كالنس ‪ ،‬بعضهم مؤمنون مطيعون ‪ ،‬وبعضهم عصاة ‪،‬‬
‫وبعضهم كافرون ‪ ،‬ومردة كفار الجن هم الشياطين وهم ذرية إبليس‬
‫جنوده ‪.‬‬
‫ولما عصى إبليس ربه وأصر على عصيانه ولم يتب إلى بارئه ‪ ،‬وإنما‬
‫جادل وعاند فطرده الله من رحمته ‪ ،‬تحدى فآلى على نفسه أن يغوي‬
‫النسان ‪ ،‬وأن يتخذ جنودا ً من الجن للغواء ‪ ،‬بعد أن أخذ من ربه وعدا بأن‬
‫ً‬
‫ينظره إلى يوم الدين ‪ ،‬فقال الله له ‪ :‬إنك من المنظرين إلى يوم الوقت‬
‫المعلوم ‪ ،‬أي ‪ :‬إلى يوم إنها ظروف هذه الحياة الدنيا ل إلى يوم الدين ‪.‬‬

‫وفي الناس شياطين أيضا ً ‪ ،‬والشياطين من الناس هم الكفرة‬


‫بالله ‪ ،‬الذين يقومون بوظيفة إغواء الناس وصدهم عن سبيل الله ‪ ،‬فهم‬
‫مردة كفار النس ‪ ،‬وهم شياطين الجن يتولى بعضهم بعضا ً ‪ ،‬وينصر‬
‫بعضهم بعضا ً ‪ ،‬ويكمل بعضهم بعضا ً ‪ ،‬في أعمال الفساد والوسوسة‬
‫والتضليل ‪ ،‬قال الله تعالى في سورة )النعام‪ 6/‬مصحف‪ 55/‬نزول(‪:‬‬
‫حي‬ ‫ن ُيو ِ‬
‫ج ّ‬‫س و َ ٱل ْ ِ‬
‫للن ْ ِ‬ ‫ن ٱ ِ‬‫طي َ‬ ‫ي عَد ُوّا ً َ‬
‫شَيا ِ‬ ‫جعَل َْنا ل ِك ُ ّ‬
‫ل ن ِب ِ ّ‬ ‫}وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬
‫ما‬ ‫ُ‬
‫ما فَعَلوهُ فَذ َْرهُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ك َ‬ ‫شآَء َرب ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ل غُُرورا وَلوْ َ‬ ‫ف ٱلل َ‬
‫ق وْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫خُر َ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫م إ ِل ٰى ب َعْ ٍ‬
‫ضه ُ ْ َ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫ن{‬‫فت َُرو َ‬
‫يَ ْ‬

‫وقد ذكرني هذا بالنقاد )د‪ .‬العظم( ‪ ،‬إذ دافع عن إبليس بما لم يدافع‬
‫به إبليس عن نفسه بين يدي ربه ‪ ،‬فتمم له بعد أن نفذ فيه حكم الطرد‬
‫من رحمة الله بنود الدفاع التي كان قد نسيها وهو بين يدي المحاكمة‬
‫الربانية ‪ ،‬وما أظن أن المحاكمة ستستأنف ‪ ،‬لورود حيثيات جديدة تنّبه إليها‬
‫دعى عليه إبليس يوم رفض السجود‬ ‫)د‪ .‬العظم( ولم يكن قد تبّنه إليها الم ّ‬
‫لدم ‪.‬‬

‫لقد تلعب "سيادته" بمضامين القصة ‪ ،‬وهو غير مؤمن بها أصل ً ‪،‬‬
‫ليشوش على المؤمنين مفاهيمهم وعقائدهم ‪.‬‬

‫ص معاند متمرد ‪ ،‬مستكبر على‬


‫إن إبليس مؤمن بربه ‪ ،‬إل أنه عا ٍ‬
‫ُ‬
‫فَر تمرد على الطاعة ‪ ،‬ثم لما طرد من الرحمة‬ ‫فَر ك ُ ْ‬
‫أمر به ‪ ،‬وبذلك ك َ َ‬
‫تصدى لغواء الناس وإفسادهم ‪.‬‬

‫أما "سيادته" فهو يحمل كل هذه الصفات مضافا ً إليها الجحود بالله‬
‫والكفر به وإنكار وجوده أصل ً ‪ ،‬فهو بهذا أكثر إيغال ً في الكفر ‪ ،‬وأكثر عنادا ً‬
‫وتمردا ً ‪ ،‬وأقدر على المجادلة بالباطل ‪.‬‬

‫وصدق الله العظيم ‪ .‬لقد وصف النسان بقوله في سورة )الكهف‪/‬‬


‫‪ 18‬مصحف‪ 69/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫جد َ ً‬
‫ل{‪.‬‬ ‫يٍء َ‬
‫ش ْ‬ ‫ْ‬
‫ن أكث ََر َ‬‫سا ُ‬ ‫ن ٱ ِ‬
‫للن ْ َ‬ ‫}‪...‬وَ َ‬
‫كا َ‬

‫)‪(3‬‬
‫قال )د‪ .‬العظم( في الصفحة )‪ (91‬من كتابه‪:‬‬
‫"بّرر إبليس رفضه السجود لدم تبريرا ً منطقيا واضحا إذ قال ‪) :‬أنا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين( "‪.‬‬

‫ومن العجيب أن يؤمن "سيادته" وهو ماركسي المذهب بالفوارق‬


‫العنصرية ‪ ،‬فيرى أن من كان أصل تكوينه من النار هو أشرف وأكمل‬
‫تكوينا ً عنصريا ً ممن كان أصل تكوينه من الطين ‪.‬‬

‫لو قال هذا الكلم واحد من المصابين بداء الكبر الطبقي العنصري‬
‫الرستقراطيين لكان كلمه منسجما ً مع مذهبه ‪ ،‬أما أن يقوله ماركسي‬
‫يحارب الرستقراطية والكبر الطبقي العنصري فهو شيء عجيب ‪ ،‬لكن ما‬
‫دام مثل هذا الكلم يخدم قضية اللحاد فل مانع لديه من أن يتبناه ويجعله‬
‫أصل ً منطقيا ً ‪ ،‬ويدافع به عن إبليس ؛ ويجعل حجته فيه حجة منطقية ‪،‬‬
‫ويسهب في شرحها وتأييدها ‪ ،‬فيقول في دفاعه عنه‪:‬‬

‫"عن إمعان النظر بحجة إبليس الولى التي تتألف من مفاضلته بين‬
‫جوهره )النار( وبين جوهر آدم )الصلصال( نجد أنها لم تكن استكبارا ً‬
‫وفخارا ً ‪ ،‬بقدر ما كانت استذكارا ً لحقيقة أساسية شاءها الله وأوجدها على‬
‫ما هي عليه ‪ .‬وهذه الحقيقة هي أن الله لم يخلق الطبائع على درجة‬
‫واحدة من السمو والكمال إنما مّيز بينها ‪ ،‬ليس من حيث خصائصها‬
‫ً‬
‫الطبيعية والمادية فحسب بل من حيث درجات كمالها ورفعتها أيضا ‪ .‬وبناًء‬
‫عليه ففي إمكاننا أن نصّنف الكائنات والنواع في نظام تقديري معّين يبدأ‬
‫ل حسب درج كماله التي‬ ‫بالكمال المطلق ذاته ‪ ،‬ثم يتدرج بالنواع ك ّ‬
‫أسبغها الله عليه ‪ ،‬إلى أن نقترب من العدم باعتباره الحد الذي نقف عنده‬
‫‪ ،‬ول ريب أن النار بطبيعتها وجوهرها تحتل مرتبة أسمى وأرفع في هذا‬
‫الترتيب من المرتبة التي يحتلها الصلصال ‪.‬بعبارة أخرى تنطوي مفاضلة‬
‫إبليس بين جوهره وبين جوهر آدم على نظرة فلسفية معينة لنظام الكون‬
‫وترتيب الطبائع وفقا ً لدرجات الكمال التي تتصف بها ‪ .‬لذلك كان إبليس‬
‫على حق في جوابه ‪ ،‬لن الخالق جعل الشياء على ما هي عليه من‬
‫درجات الكمال والسموّ ‪ ،‬وأمر السجود لدم يشكل مخالفة صريحة لهذا‬
‫النظام وخروجا ً على الترتيب الذي شاءه الله وأوجده ‪ .‬فإذا كان جوهر‬
‫إبليس أرفع في سلم الكمالت من جوهر آدم فلن تستطيع النار عندئذٍ أن‬
‫ف لدرجة الكمال‬ ‫تذل للصلصال إل بالسير في اتجاه مضاد لطبيعتها ومنا ٍ‬
‫التي أسبغها الله عليها ‪ ،‬وهذا أمر محال ما لم يطرأ تحول جذري على‬
‫المشيئة اللهية فتغير ترتيب الطبائع عما كانت عليه منذ أن أوجدها الله "‪.‬‬

‫هذه الحجة البليسية التي شرحها )د‪ .‬العظم( منقوضة من عدة‬


‫وجوه واقعية وفلسفية ‪ ،‬وليس لها سند إل الكبر العنصري ‪.‬‬

‫ل‪ :‬من أين له بأن يحكم حكما ً قاطعا ً للنار المتلفة المحرقة بأنها‬‫أو ً‬
‫ً‬
‫أرفع عنصرا من الماء والتراب المنبتين المخصبين اللذين فيهما الخير‬
‫الكثير ‪ ،‬وهما مادة لحياة فيها كمال عجيب ‪ ،‬وهما وفق نظرية النشوء‬
‫والرتقاء التي يعتقدها اتباعا ً للداروينية يقعان في درجة أرقى وأرفع من‬
‫الدرجة التي تحتلها النار ‪ ،‬لن الرض كانت نارا ً فبردت صارت على ما هي‬
‫عليه بعد أن مرت بدرجات ارتقائية متعددة ‪ ،‬فكان منها الحيوان ثم كان‬
‫منها النسان ‪.‬‬

‫فأين منزلة النار من التراب على هذا وفق مذهبه؟‬

‫ثانيًا‪ :‬هل العبر بأصل العنصر ‪ ،‬أم العبرة بما نتج عنه وخلق منه‬
‫وظهر فيه؟‬

‫أهان على سيادته أن يهدم كل مذهبه الديمقراطي لن ذلك يخدم‬


‫في نظره معارضة الدين فيما جاء فيه من مفاهيم وحقائق ‪ ،‬فأخذ يؤيد‬
‫الرستقراطية الطبقية العنصرية؟‬

‫هذا مع أن النسان بعد تكوينه من الطين ظهر أنه أسمى في‬


‫خصائصه العلمية الستنباطية من الجن المخلوقين من النار ‪ ،‬فهو بعد‬
‫التكوين أكمل وأسمى مرتبة من الجن ‪ ،‬بتكوين الله ‪.‬‬

‫حتى الن ظهر لنا أن "سيادته" قد ناقض نفسه مرتين في قضية‬


‫واحدة ‪ ،‬ليدافع عن موقف إبليس ‪ ،‬ويدعم رفضه أن يسجد كما أمره الله ‪.‬‬

‫في المرة الولى ‪ :‬ناقض نفسه في نظرية النشوء والرتقاء التي‬


‫يعتقدها ‪.‬‬

‫وفي المرة الثانية ‪:‬ناقض نفسه في المذهب الديمقراطي الذي‬


‫يتبعه ‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬لو كان سجود إبليس لدم أمرا ً منافيا ً لطبيعته المخلوقة من‬
‫النار لكانت الملئكة بذلك أحرى منه ‪ ،‬لنهم مخلوقون من عنصر هو أرفع‬
‫من الطين من النار ‪ ،‬أل وهو عنصر النور ‪ ،‬ومع ذلك فإنهم قد سجدوا‬
‫ص الله منهم أحد ‪ ،‬فظهر أن إبليس لم يكن له عذر‬ ‫كلهم أجمعون ولم يع ِ‬
‫مقبول في رفض السجود ‪ ،‬وأن هذا السجود ‪ ،‬ما كان ليضاد طبيعته التي‬
‫فطره الله عليها ‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬حينما رفض إبليس أن يسجد لدم إنما رفض أمر التكليف‬
‫الرباني له ‪ ،‬وأمر التكليف في مجال المتحان ل بد أن يشتمل على عنصر‬
‫مخالفة للنفس ‪ ،‬واجتياز عقبة من عقباتها ‪ ،‬وإل لم يكن تكليفا ً كاشفا ً‬
‫للطاعة أو للمعصية لدى الرادة الحرة ‪ ،‬ولو كان التكليف موافقا ً لهواء‬
‫النفس وشهواتها لما كان في الحقيقة امتحانا ً للرادة بين طريقي الطاعة‬
‫والمعصية ‪ .‬وهذه العقبة في إبليس كانت كبر نفسه ‪ ،‬فعّلته الحقيقية هي‬
‫مرض الكبر العنصري الطبقي الرستراطي ‪ ،‬وحين امتحن في مجال هذه‬
‫العقبة النفسية سقط في المتحان ‪ ،‬ثم أصّر ولم يتراجع ‪.‬‬

‫وها ما دمغه الله به في قوله له كما جاء في سورة )العراف‪7/‬‬


‫مصحف‪ 39/‬نزول(‪:‬‬

‫من ّناٍر‬ ‫قت َِني ِ‬ ‫خل َ ْ‬


‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل أ َن َا ْ َ‬
‫خي ٌْر ّ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫مْرت ُ َ‬ ‫َ‬
‫جد َ إ ِذ ْ أ َ‬
‫س ُ‬
‫ل ما منع َ َ‬
‫ك أل ّ ت َ ْ‬ ‫}َقا َ َ َ َ َ‬
‫َ‬
‫ك أن ت َت َك َب َّر ِفيَها َفل ٱ ْ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ل َفل ٱ ْ‬
‫هلب ِ ْ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ج‬‫خلُر ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫من َْها فَ َ‬
‫ط ِ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫طي ٍ‬
‫من ِ‬ ‫ه ِ‬‫قت َ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ن{‪.‬‬‫ري َ‬ ‫ن ٱل ّ‬
‫صلاِغ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫إ ِن ّك ِ‬

‫صغارا ً وذل ّ‬
‫ة ‪ ،‬ولم يدافع إبليس عن‬ ‫فكانت عقوبة التكبر الذي تكبره َ‬
‫نفسه بأنه لم يتكبر ‪ ،‬أو بأن السجود كان منافيا ً لطبيعته التي فطره الله‬
‫عليها ‪ ،‬وإنما أصّر وعاند ‪.‬‬

‫وأوضح الله أيضا ً عنصر استكبار إبليس وعناده في سورة )البقرة‪2/‬‬


‫مصحف‪ 87/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫س أب َ ٰ ى و َ ٱ ْ‬
‫سلت َكب ََر‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫دوا إ ِل إ ِب ِْلي َ‬
‫ج ُ‬ ‫م فَ َ‬
‫س َ‬ ‫ْ‬
‫دوا لد َ َ‬
‫ج ُ‬ ‫مل َئ ِكةِ ٱ ْ‬
‫سل ُ‬ ‫َ‬ ‫}وَإ ِذ ْ قُل َْنا ل ِل ْ َ‬
‫ن{‬‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ن ٱْلل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وَ َ‬
‫كا َ‬

‫وأوضح الله عناصر محاكمته لبليس في سورة )ص‪ 38/‬مصحف‪38/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫ه‬
‫سوّي ْت ُ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن * فَإ ِ َ‬ ‫شرا ً من ِ‬
‫طي ٍ‬ ‫خال ِقٌ ب َ َ‬ ‫مل َئ ِك َةِ ِإني َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬‫}إ ِذ ْ َقا َ‬
‫م‬‫كلل ّهُ ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫م ل َئ ِك َ ُ‬‫جد َ ٱْلل َ‬‫س َ‬ ‫ن * فَ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫قُعوا ْ ل َ ُ‬ ‫حي فَ َ‬ ‫من ّرو ِ‬ ‫ت ِفيهِ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ْ‬‫وَن َ َ‬
‫من َعَكَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ن * قال ٰيإ ِب ِْلي ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ٱلكافِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ست َكب ََر وَكا َ‬ ‫سٱ ْ‬ ‫ن * إ ِل إ ِب ِْلي َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬‫أ ْ‬
‫خي ٌْر‬‫ل أ َن َا ْ َ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫ن ٱْللَعاِلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫تأ ْ‬ ‫ست َك ْب َْر َ‬
‫َ‬
‫ت ب ِي َد َيّ أ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫جد َ ل ِ َ‬
‫س ُ‬ ‫أن ت َ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م * وَإ ِ ّ‬ ‫جي ٌ‬ ‫ك َر ِ‬ ‫من َْها فَإ ِن ّ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خلُر ْ‬ ‫ل َفل ٱ ْ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫طي ٍ‬ ‫من ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قت َ ُ‬ ‫من ّنارٍ وَ َ‬ ‫قت َِني ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ك لعْن َت ِ ۤي إ ِل ٰى ي َوْم ِ ٱلدي ِ‬
‫ن{‬ ‫َ‬ ‫عَل َي ْ َ َ‬

‫فهذه النصوص كلها تحقق أن علة رفض إبليس السجود إنما كان‬
‫عنصر الستكبار في نفسه ‪.‬‬

‫فمن أين للنقاد )د‪ .‬العظم( أن يزعم أن هذا الرفض لم يكن‬


‫استكبارا ً وفخارا ً بقدر ما كان استذكارا ً لحقيقة أساسية شاءها الله‬
‫وأوجدها على ما هي عليه ‪ ،‬مادام يحلل القصة من نصوصها تحليل ً لغويا ً‬
‫س ‪ ،‬كما ل يؤمن بأية حقيقة دينية؟‬
‫وهو ل يؤمن بها أسا ً‬

‫ولدى المقارنة بين المتحان الذي أجراه الله لبليس ‪ ،‬والمتحان‬


‫الخر الذي أجراه الله لدم ‪ ،‬نلحظ أن ابتلء إبليس قد كان في مخالفة‬
‫جرثومة الكبر في نفسه فسقط في المتحان بعد أن كان قائما ً بالطاعات‬
‫التي ل تصادم هوى في نفسه ثم أصر على الستكبار والعناد والتمرد ‪ ،‬أما‬
‫ابتلء آدم فقد كان في مخالفة جرثومة الشهوة في نفسه فسقط في‬
‫المعصية ‪ ،‬فعوقب ‪ ،‬ولكنه لم يصر ولم يعاند ‪ ،‬بل رجع وأناب ‪ ،‬واستغفر‬
‫الله وتاب ‪ ،‬ففتح الله له باب القبول ونجح في الدور التكميلي ‪.‬‬

‫وحين نمنع النظر في العناصر الحقيقية التي تقتضي تفضيل بعض‬


‫الكائنات على بعض ‪ ،‬فل بد أن نلحظ أن الله قد فضل النسان المخلوق‬
‫من الطين على الجن المخلوقين من النار ‪ ،‬بما وهبه من خصائص عملية‬
‫استنباطية ‪ ،‬ليست موجودة لدى الجن ‪ ،‬ويرى كثير من الباحثين أن الله‬
‫فضله بهذه الخصائص على الملئكة أيضا ً ‪ ،‬بدليل أن الله أمر الملئكة‬
‫بالسجود له ‪ ،‬وبدليل أن الله عّلم آدم السماء كلها في حين أن الملئكة‬
‫أعلنوا عجزهم فقالوا ‪} :‬سبحانك ل علم لنا إل ما علمتنا{‪.‬‬

‫وبعد أن درسنا الخصائص النسانية وعرفناها تبين لنا أن النسان‬


‫قادر على إدراك الشياء الغائبة عنه ‪ ،‬عن طريق الستنباط من سماتها‬
‫وآثارها القريبة أو البعيدة ‪ ،‬فهو يستطيع بالتأمل والستنتاج أن يدرك بعقله‬
‫ما ل يدركه بحواسه إدراكا ً مباشرا ً ‪.‬‬

‫فلعل هذا هو ما امتاز به آدم أبو البشر على الملئكة الذين أعلنوا‬
‫أنهم ل يعلمون إل ما يعلمهم الله إياه بطريق مباشر ‪ ،‬أما أن يعلموا‬
‫سمات الشياء وخصائصها عن طريق الستنباط العقلي فهذا أمر ل‬
‫يملكونه ‪ ،‬ولما وضع الله آدم موضع المتحان أظهر براعته بهذا الشأن ‪،‬‬
‫وبذلك ظهرت للملئكة حكمة الله الجليلة في خلق النسان وإبداعه ‪.‬‬

‫وقد يشهد لهذا قول الله تعالى في سورة )التين‪ 95/‬مصحف‪28/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫م{‬
‫وي ٍ‬
‫ق ِ‬
‫ن تَ ْ‬
‫س ِ‬ ‫ن ف ِ ۤي أ ْ‬
‫ح َ‬ ‫سا َ‬ ‫قَنا ٱ ِ‬
‫لن َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫}ل َ َ‬
‫قد ْ َ‬

‫فهذا النص يشعر بامتياز النسان على سائر ما خلق الله وسائر من‬
‫خلق الله بأنه مخلوق في أحسن تقويم ‪.‬‬

‫ول ينقص هذا المتياز كون الملئكة والجن أقدر من النسان في‬
‫كثير من العمال الجسدية المباشرة ‪ ،‬بحسب تصورنا للملئكة والجن‬
‫المقتبس من دللت النصوص الدينية ‪ ،‬لننا حينما نلحظ الجوانب الفكرية‬
‫والنفسية للنسان يظهر لنا أن النسان باستطاعته أن يستخدم كل‬
‫الطاقات الكامنة في الكون بالبحث عن سماتها وخصائصها ‪ ،‬والحيلة في‬
‫النفاذ إليها وتسخيرها تسخيرا ً هائل ً ضمن أغراضه ومصالحه ‪ ،‬وهذا ما‬
‫تعجز عنه الجن والملئكة ‪ ،‬وهو يدل فعل ً على أن النسان مخلوق في‬
‫أحسن تقويم ‪.‬‬

‫ولكن هذا النسان المخلوق في أحسن تقويم سيهبط إلى أسفل‬


‫سافلين إذا كفر بربه وجحد جحوده أو أشرك به أحدا ً ‪ ،‬وذلك إذ و ّ‬
‫جه ما‬
‫لديه من قدرة استنباط وبحث لمعرفة خصائص الطبيعة وكوامنها ‪ ،‬ثم أقام‬
‫بينه وبين الحقيقة الكبرى حقيقة وجود الله سدا ً من الجحود والعناد والكبر‬
‫‪ ،‬فرارا ً من طاعة الله وعبادته ‪ ،‬وتطاول ً إلى مقام اللوهية إذ تنزع نفسه‬
‫إلى تأليه ذاته ‪ ،‬صرح بذلك أو لم يصرح ‪ ،‬وأخلقيته هذه هي التي ترده إلى‬
‫أسفل سافلين ‪ ،‬بعد أن كان في أحسن تقويم ‪.‬‬

‫وينجو من هذا الرد ّ الشائن المهين الذين آمنوا بربهم وبما جاءهم‬
‫من لدنه ‪ ،‬وعملوا الصالحات في حياتهم ‪ ،‬فهؤلء يحافظون على بعض‬
‫مستويات المتياز الذي وهبوه في أصل الخلق ‪ ،‬ومن هؤلء من يحافظ‬
‫على المستوى الرفيع ‪ ،‬فيبقى أفضل من الملئكة ‪ ،‬ومنهم من ينزل عنه‬
‫على قدر معاصيه وتقصيراته ‪ ،‬ولذلك قال الله تعالى في سورة )التين‪95/‬‬
‫مصحف‪ 28/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن*‬‫سافِِلي َ‬ ‫ف َ‬
‫ل َ‬ ‫س َ‬ ‫ويم ٍ * ث ُ ّ‬
‫م َرد َد َْناهُ أ ْ‬ ‫ق ِ‬‫ن تَ ْ‬‫س ِ‬
‫ح َ‬‫ن ف ِ ۤي أ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬‫قَنا ٱ ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫قد ْ َ‬‫}ل َ َ‬
‫َ‬
‫ن{‬‫مُنو ٍ‬ ‫م ْ‬‫جٌر غَي ُْر َ‬‫مأ ْ‬ ‫ت فَل َهُ ْ‬
‫حا ِ‬ ‫مُلوا ْ ٱل ّ‬
‫صلال ِ َ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫إ ِل ّ ٱّلل ِ‬

‫أي ‪ :‬فلهم أجر غير مقطوع ‪.‬‬

‫فدلئل النصوص تؤكد أن أمر الله للملئكة بالسجود لدم أمر‬


‫ضله الله بأية‬‫منسجم مع منطق الفضلية ‪ ،‬على أنه لو لم يكن آدم قد ف ّ‬
‫ميزة ‪ ،‬ثم أمر الملئكة بالسجود له ‪ ،‬لكان عليهم أن يسجدوا امتثال ً‬
‫وطاعة للمر اللهي ‪ ،‬ل عبادة لدم ‪ ،‬ويكون آدم قبلة سجودهم ‪ ،‬كما أن‬
‫أمكنة خاصة من الرض هي قبلة العابدين ‪ ،‬حينما يتوجهون لله بالصلة ‪،‬‬
‫توحيدا ً للجهة وتوحيدا ً لصفوف المؤمنين ‪.‬‬

‫وباستطاعتنا أن نلتمس حكمة أخرى لهذا المر بالسجود لدم ‪ ،‬إذ‬


‫نستعرض قصة خلق آدم كما قصها الله علينا ‪.‬‬

‫تشتمل هذه القصة على عرض سابق من الله للملئكة بأنه سيخلق‬
‫بشرا ً ‪ ،‬وعّلم الملئكة بأن هذا المخلوق الجديد سيزّود بخصائص نفسية‬
‫وإرادية وفكرية تجعله يفسد في الرض ويسفك الدماء ويعصي الله‬
‫جهوا إلى الله تساؤل ً فيه رائحة العتراض على حكمة الله في‬ ‫تعالى ‪ ،‬فو ّ‬
‫الخلق ‪ ،‬فكان الجواب الولى لهم يتضمن أن الله يعلم ما ل يعلمون ‪،‬‬
‫وكان الجواب الثاني لهم جوابا ً تطبيقيا ً عمليا ً ‪ ،‬إذ مّيز الله آدم بعلم‬
‫السماء كلها ‪ ،‬أي ‪ :‬بمعرفة سمات الشياء وخصائصها واستنباط ما في‬
‫بواطنها ‪ ،‬وهذا أمر أعلن الملئكة عجزهم عنه ‪ ،‬وكان ل بد من تكفير على‬
‫التساؤل الذي بدت منه رائحة العتراض على حكمة الله في الخلق ‪ ،‬فأمر‬
‫الله الملئكة بالسجود لهذا المخلوق نفسه الذي تساءلوا عن الحكمة من‬
‫فروا بسجودهم هذا عن سابق تساؤلهم ‪ ،‬ولم يكن‬ ‫خلقه ‪ ،‬فسجدوا له ‪ ،‬وك ّ‬
‫أي سجود آخر دليل ً على الذعان والتكفير في هذا الموضوع بالذات ‪ ،‬لن‬
‫الملئكة ساجدون لله ‪ ،‬عابدون له ‪ ،‬مسّبحون بحمده ‪ ،‬مقدسون له دائما ً ‪،‬‬
‫فلو قال لهم اسجدوا لي لكان أمرا ً بتحصيل الحاصل الذي لم ينقطعوا‬
‫ولن ينقطعوا عنه ‪،‬وكان هذا المر نفسه اختبارا ً لبليس وكشفا ً لهويته‬
‫الحقيقية ‪ ،‬إذ لم يكن عنصرا ً نورانيا ً ملئكيا ً ‪ ،‬وإنما كان ناريا ً جنيا ً وكان بين‬
‫الملئكة دخيل ً ولم يكن فيهم عنصرا ً أصي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وبهذا البيان يتضح لنا مبلغ التحويرات والمغالطات والمفاهيم‬
‫الفاسدة التي قدمها الناقد )د‪ .‬العظم(‪.‬‬

‫)‪(4‬‬

‫قال الناقد )د‪ .‬العظم( في الصفحة )‪ (90‬من كتابه‪:‬‬


‫"‪ -1‬ل شك أن إبليس خالف المر اللهي عندما رفض السجود‬
‫لدم ‪ ،‬غير أنه كان منسجما ً كل النسجام مع المشيئة اللهية ‪ ،‬ومع واجبه‬
‫المطلق مع ربه ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -2‬لو وقع إبليس ساجدا لدم لخرج عن حقيقة التوحيد ‪ ،‬وعصى‬
‫واجبه المطلق نحو معبوده"‪.‬‬

‫ما شاء الله !! فهم غريب لم يفهمه إبليس نفسه ‪ ،‬لذلك فهو لم‬
‫يذكره في حجته ‪ ،‬ولم تفهمه الملئكة فسجدت فأشركت بالله من حيث ل‬
‫تدري ‪ ،‬ثم جاء نصيره من أبناء القرن العشرين ومن قبله باطنيون شوهوا‬
‫صورة المفاهيم السلمية بأباطيلهم وفلسفاتهم ‪ ،‬ووضعوا من عندهم‬
‫قصصا ً خرافية ‪ ،‬أفسدوا فيها حقائق السلم الصافي ‪ ،‬فاكتشفوا فهما ً‬
‫جديدا ً لم يستطع أن يتوصل إليه أصحاب العلقة أنفسهم ‪.‬‬

‫ثم تابع سيادة الناقد شرح فكرته ‪ ،‬فقال ‪:‬‬


‫"أراد الله للملئكة أن يقدسوه وأن يسّبحوا باسمه ؛ لذلك كان‬
‫السجود لدم وقوعا ً فيما يضيفه أهل الشرك إلى الذات الصمدية مما هي‬
‫منزهة عنه ‪ ،‬إذ إن السجود لغير الله ل يجوز على الطلق لنه شرك به ‪.‬‬
‫في الواقع يثير اختيار إبليس سؤال ً هاما ً جدا ً هو ‪ :‬هل تكمن الطاعة‬
‫الحقيقية في الذعان للمر؟ أم في الخضوع للمشيئة؟ هل يكمن الصلح‬
‫في النصياع للواجب المطلق أم لواجب الطاعة الجزئية؟ لو كان الجواب‬
‫على هذا السؤال بسيطا ً وواضحا ً لما وجدت المأساة في حياة النسان ‪،‬‬
‫ولما وجد إبليس نفسه في هذه المحنة ‪ ،‬ولما وقع بين براثن المر‬
‫والمشيئة ‪ .‬نستنتج إذن أن موقف إبليس يمثل الصرار المطلق على‬
‫التوحيد في أصفى وأنقى تجلياته"‪.‬‬

‫مغالطات الناقد هنا تعتمد على التلعب بالمفاهيم السلمية لتشويه‬


‫صورتها ‪ ،‬وترتيب النقد ترتيبا ً يناسب هذه الصورة المشوهة ‪.‬‬

‫ولنا في كشف مغالطاته هذه وجهان‪:‬‬


‫الوجه الول‪ :‬أن أوامر الله ل تتناقض ‪ ،‬فل يمكن أن ينهى عن‬
‫عبادة غير في الوقت الذي يأمر فيه بعبادة غيره ‪ ،‬ول يمكن أن يأمر بعبادة‬
‫غيره في الوقت الذي ينهى فيه عن عبادة غيره ‪.‬‬

‫إذا تقررت لدينا هذه الحقيقة علمنا أن أمر الله الملئكة بالسجود‬
‫لدم ليس أمرا ً بعبادته قطعا ً ‪ ،‬لن الله نهى عن الشرك به ‪.‬‬
‫ويمكن تفسير أمر السجود بعد هذا بأنه سجود احترام ل سجود‬
‫عبادة ‪ ،‬ويمكن تفسيره أيضا ً بأنه سجود عبادة لله تعالى ‪ ،‬وكان آدم في‬
‫هذا السجود قبلة التوجه الجسدي فقط ‪ ،‬كما أن الكعبة قبلتنا حينما نعبد‬
‫الله في الصلة ‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬أن أصل الشرك بالله هو اعتقاد أنه يوجد إله غير‬
‫الله ينفع أو يضر أو يستحق العبادة لذاته ‪ ،‬ولهذا الشرك تعبيرات قولية أو‬
‫عملية ‪.‬‬

‫والتعبيرات القولية تدل بوضعها اللغوي الصطلحي على مدلولتها ‪،‬‬


‫فإذا قالها قائل قاصدا ً لمعانيها وفق مصطلحاتها اللغوية دل على أنه قد‬
‫أشرك بالله في عقيدته ‪.‬‬

‫والتعبيرات العملية تدل أيضا ً بوضعها الصطلحي المتعراف عليه‬


‫على مدلولتها الصطلحية ‪ ،‬فإذا فعلها فاعل قاصدا ً مدلولتها الصطلحية‬
‫المتضمنة معنى الشرك باله في العبادة دل على أنه قد أشرك بالله ‪.‬‬

‫وهنا نلحظ أن حركات العبادة لله تعالى حركات ل تختص في‬


‫الصطلح بمعاني العبادة ما لم تقترن بما يدل على أنها عبادة ‪ ،‬من نية‬
‫في النفس ‪ ،‬أو هيئة تركيبية خاصة في صورة معينة ‪ ،‬ذات مراسيم‬
‫وأقوال خاصة ‪ ،‬كالصلة ذات الركوع والسجود والقراءات والذكار والدعية‬
‫‪ ،‬وكالطواف حول الكعبة ‪ ،‬وكالسعي بين الصفا والمروة ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬

‫وقد كان الركوع والسجود عند كثير من المم والشعوب القديمة‬


‫تعبيرا ً عن الحترام والتقدير ‪ ،‬وليس تعبيرا ً عن عبادتهم لمن يسجدون أو‬
‫يركعون له ‪ ،‬كما تكون صورة الركوع أو السجود لعمال عادية بحتة ‪ ،‬أو‬
‫أعمال رياضية ‪.‬‬

‫ومن سجود الحترام والتقدير سجود إخوة يوسف له ‪.‬‬

‫ومن هذا يظهر لنا بوضوح أن عملية السجود ليست تعبيرا ً ملزما ً‬
‫لمعنى العبادة في كل الحوال ‪ ،‬أو في كل المصطلحات ‪ ،‬ولذلك كان من‬
‫يسجد صورة لله وهو في قلبه ونفسه غير ساجد له فإنه ل يكون لله عابدا ً‬
‫‪.‬‬

‫فل بد من التعبير المادي من أن يكون مقترنا ً بالنية التي تحدد‬


‫القصد منه ‪ ،‬والملئكة لم يقترن سجودهم لدم بنية عبادة له مطلقا ً ‪،‬‬
‫وإنما كانوا يعبدون الله الذي أمرهم بالسجود ‪ ،‬ول يشركون بعبادته أحدا ً ‪،‬‬
‫ولو سجد إبليس لكان سبيله سبيلهم ‪.‬‬
‫نعم ل نجيز في الشريعة السلمية السجود لغير الله ‪ ،‬ولو على‬
‫سبيل الحترام ل على سبيل العبادة ‪ ،‬لن الشريعة السلمية التي جاءت‬
‫خاتمة الشرائع الربانية قد منعت من ذلك ‪ ،‬فنحن نّتبع أحكامها ‪ ،‬وسر‬
‫المنع دخول مفاهيم الشرك بالله في الواقع النساني الجاهلي ‪ ،‬واتخاذ‬
‫هذا الشرك طابع عبادة غير الله بالسجود والدعاء والقرابين ونحو ذلك ‪،‬‬
‫فلما نزلت شرائع السلم منعت هذه الظاهرة كلها سدا ً للباب ‪ ،‬ولم يكن‬
‫هذا الشرك ول تعبيراته ول مصطلحاته معروفة ل عند الملئكة ول عند‬
‫إبليس ‪ ،‬حتى يجعله سيادة الناقد واقعا ً في تصور إبليس ‪ ،‬ولذلك رفض‬
‫السجود لدم ‪.‬‬

‫وهكذا تظهر لنا مغالطته في نقل مصطلحات حديثة إلى زمن لم‬
‫يكن فيه للشرك وجود مطلقا ً ‪ ،‬والمغالطة هنا تعتمد على تعميم‬
‫المصطلحات الزمنية وجعلها مصطلحات ثابتة من الزل إلى البد ‪.‬‬

‫مع أن لكل زمن مصطلحاته ‪ ،‬ولكل أمة مصطلحاتها ‪ ،‬والثابت إنما‬


‫ل عليها بأي مصطلح قولي أو عملي ‪ ،‬أو أي‬ ‫هي المعاني الحقيقية التي ي ُد َ ّ‬
‫وسيلة أخرى من الوسائل التي تدرك بالسمع أو بالبصر أو باللمس أو‬
‫بغيرها ‪.‬‬

‫لقد تأكد لدينا بعد هذا البيان أن التناقض في الوامر اللهية مستحيل‬
‫بداهة ‪ ،‬وممنوع قبوله في المفاهيم الدينية ‪ ،‬ول يقع هذا التناقض إل في‬
‫ذهن جاهل أساء الفهم أساء التصور ‪ ،‬أو في أقوال مضّلل هدفه أن يشك‬
‫الناس بدينهم ‪.‬‬

‫)‪(5‬‬

‫دعي الناقد )د‪ .‬العظم( وجود التناقض بين المر اللهي والمشيئة‬
‫وي ّ‬
‫اللهية ‪ ،‬فيقول في الصفحة )‪ (89‬من كتابه‪:‬‬

‫"لقد شاء الله وجود أشياء كثيرة غير أمر عباده بالبتعاد عنها ‪ ،‬كما‬
‫أنه أمرهم بأشياء ولكنه أرادهم أن يحققوا أشياء أخرى ‪ ،‬لذلك باستطاعتنا‬
‫القول بأن الله أمر إبليس بالسجود لدم ‪ ،‬ولكنه شاء له أن يعصي المر ‪،‬‬
‫ولو شاء الله لبليس أن يقع ساجدا ً لوقع ساجدا ً لتوه ‪ ،‬إذ ل حول ول قوة‬
‫للعبد على رد ّ المشيئة اللهية"‪.‬‬

‫هذا كلم يخدع بظاهره ‪ ،‬ولكنه يتضمن مفاهيم فاسدة مأخوذة من‬
‫مفاهيم الجبريين ‪ ،‬ومذهب الجبريين مذهب فاسد استغله "سيادة" الناقد‬
‫هنا ‪ ،‬ليظهر أن الصفات اللهية في مفاهيم المسلمين قد تتناقض ‪ ،‬وأن‬
‫المسلمين يقبلون فيها هذا التناقض ‪ ،‬ثم ليتخذ كل ذريعة لنقض قضية‬
‫اليمان من أساسها ‪.‬‬
‫لقد أوضحنا فيما سبق أن المشيئة اللهية ل تتناقض مع نفسها بحال‬
‫من الحوال ‪ ،‬فل يمكن أن تتوجه مشيئتان متناقضتان لشيء واحد في‬
‫وقت واحد ‪ .‬فإذ تتوجه المشيئة اللهية ليجاد الكون في وقت معين ‪،‬‬
‫جه هذه المشيئة نفسها لعدم إيجاد الكون في‬‫يستحيل عقل ً وواقعا ً أن تتو ّ‬
‫ذلك الوقت ‪،‬والمشيئة النافذة هي المشيئة وغير النافذة ليست بمشيئة ‪.‬‬

‫وإذ تتوجه المشيئة اللهية لمنح النسان حرية الرادة في اختيار‬


‫سبيله في الحياة ‪ ،‬يستحيل عقل ً وواقعا ً أن تتوجه هذه المشيئة لسلب هذا‬
‫النسان حرية الرادة ‪ ،‬وجعله مجبرا ً على اختيار سبيله في الحياة ‪.‬‬

‫وهكذا في كل مشيئة كلية وجزئية ‪ ،‬ولكن ل بد من ملحظة ضوابط‬


‫التناقض المنطقية ‪ ،‬حتى يتحقق المتناع العقلي ‪ ،‬وتتحقق الستحالة‬
‫المذكورة ‪ ،‬وذلك بأن يتوارد السلب واليجاب على حكم اتحد فيه‬
‫الموضوع والمحمول والزمان والمكان وسائر الوحدات المنطقية التي لها‬
‫صلة أساسية في وحدة الموضوع والمحمول ‪ ،‬وحين ينعدم هذا التحاد‬
‫يسقط التناقض أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وذلك كأن نقول ‪ :‬النسان ممنوح حرية الرادة في أعماله التي‬
‫يعتبر مسؤول ً عنها ‪ ،‬مسلوب حرية الرادة في أعماله غير الرادية التي ل‬
‫يعتبر مسؤول ً عنها ‪ ،‬كالرعشات ‪ ،‬وحركاته وهو نائم وما يجري فيه من‬
‫تغيرات وتطورات حياتية ل تتحكم إرادته بها ‪ ،‬فهذا ليس بتناقض لنه لم‬
‫يتوارد السلب واليجاب على مّتحد الوحدات المنطقية ‪.‬‬

‫كت الجهة واختّلت‬ ‫ومعلوم في الوليات المنطقية أنه متى انف ّ‬


‫ضوابط الوحدة انح ّ‬
‫ل التناقض ‪.‬‬
‫ولنفي الرأي الجبري ‪ ،‬وإثبات أن الله منح النسان حرية الرادة في‬
‫كل أعماله الرادية التي يعتبر مسؤول ً عنها ومحاسبا ً عليها ‪ ،‬وفي كل‬
‫وجوده نشاطه الذي هو ساحة تكليفه في الحياة ‪ ،‬وساحة اختباره وامتحانه‬
‫‪ ،‬تتضح لنا الدلة التالية ‪:‬‬

‫ل‪ :‬كل مخلوق يوضع موضع المتحان فل بد أن يكون حر الختيار‬ ‫أو ً‬


‫بين أكثر من طريق أو أكثر من عمل وإل لم يكن للمتحان مغزى ‪ ،‬وكان‬
‫عبثا ً من العبث ‪ ،‬ول يفعل هذا عالم حكيم ‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬يستحيل عقل ً أن يتوجه أمر التكليف اللهي لكائن ل يملك في‬
‫ل وعل حكيم ‪ ،‬ول‬‫نفسه القدرة على اختيار الطاعة ‪ ،‬وذلك لن الله ج ّ‬
‫يوجه أوامر التكليف لمجرد العبث ‪ ،‬إنه تعالى منّزه عن العبث ‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬ثبت في النصوص القاطعة أن الله ل يكّلف نفسا ً إل وسعها ‪،‬‬


‫ول يكّلف نفسا ً إل ما آتاها ‪ ،‬ومن ل يملك حرية الرادة في اختيار عمله ل‬
‫يكون هذا الختيار من وسعه ‪ ،‬ول يكون هذا الختيار مما آتاه الله ‪ ،‬فالله ل‬
‫يكّلفه لو كان كذلك ‪.‬‬
‫ولما ورد التكليف علمنا أن هذا الختيار من وسعه ومما آتاه الله إياه‬
‫‪ ،‬فسقط ادعاء الجبار ‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬ليس من العدل ول من الحكمة أن يؤاخذ الله مخلوقا ً على‬


‫عمل لم يكن هذا العمل مظهرا ً من مظاهر اختيار المخلوق وإرادته ‪،‬‬
‫ولذلك نلحظ في النصوص الدينية أن المؤاخذة والجزاء مقرونان بالعمال‬
‫الرادية ‪ ،‬ومتى سلبت الرادة عن عمل من العمال ارتفع التكليف ‪،‬‬
‫وارتفعت المسؤولية ‪.‬‬

‫وقواطع النصوص تبين هذه الحقائق ‪.‬‬

‫منها قول الله تعالى في سورة )البقرة‪ 2/‬مصحف‪ 87/‬نزول(‪:‬‬


‫ۤ َ‬
‫ت‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫خذ ُ ُ‬
‫كم ب ِ َ‬ ‫م وَل َ ٰل ِ‬
‫كن ي ُ َ‬
‫ؤا ِ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬
‫في أي ْ َ‬‫ه ب ِٱّللغْوِ ِ‬
‫م ٱلل ّ ُ‬‫خذ ُك ُ ُ‬
‫ؤا ِ‬ ‫}ل ّ ي ُ َ‬
‫م{‬ ‫حِلي ٌ‬‫فوٌر َ‬‫ه غَ ُ‬ ‫م وَ ٱل ّلل ُ‬ ‫قُُلوب ُك ُ ْ‬

‫أي‪ :‬يؤاخذكم بما حلفتم من أيمان ناتجة عن كسب قلوبكم ‪ ،‬وكسب‬


‫القلوب هو توجه الرادة ‪ ،‬فارتفعت المؤاخذة عما كان من لغو اللسنة ولم‬
‫يكن من كسب القلوب ‪.‬‬

‫ومنها قول الله تعالى في سورة )الحزاب‪ 33/‬مصحف‪ 90/‬نزول(‪:‬‬


‫}ول َيس عَل َيك ُم جناح فيمآ أ َ ْ ْ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ت قُُلوب ُك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫مد َ ْ‬
‫ما ت َعَ ّ‬ ‫م ب ِهِ وَل َ ٰل ِ‬
‫كن ّ‬ ‫خط َأت ُ ْ‬ ‫ْ ْ ُ َ ٌ ِ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫حيمًا{‬ ‫فورا ً ّ ِ‬
‫ر‬ ‫ٱ ل ّلل ُ‬
‫ه غَ ُ‬

‫ومن هذا يظهر لنا ارتفاع المؤاخذة عن الخطاء التي تخرج عن‬
‫دائرة سلطة الرادة ‪ ،‬مما ل يملك النسان دفعه ‪ ،‬وأن المسؤولية رهن بما‬
‫تعمدت القلوب من أعمال ‪ ،‬وما تعمدته القلوب هو ما توجهت الرادة‬
‫لفعله ‪.‬‬

‫فإذا أضفنا إلى هذا قول الله تعالى في سورة )البقرة‪ 2/‬مصحف‪/‬‬
‫‪ 87‬نزول(‪:‬‬
‫سعََها‪.{..‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫فسا إ ِل وُ ْ‬ ‫ف ٱل لل ُ‬
‫هل ن َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫}ل َ ي ُكل ُ‬

‫وقول الله تعالى في سورة )الطلق‪ 65/‬مصحف‪ 99/‬نزول(‪:‬‬


‫ها{‪.‬‬ ‫فسا ً إ ِل ّ َ‬
‫مآ آَتا َ‬ ‫ف ٱل ّلل ُ‬
‫هل ن َ ْ‬ ‫}ل َ ي ُك َل ّ ُ‬

‫وقوله الذي تكرر في )النعام والعراف والمؤمنون(‪:‬‬


‫فسا ً إ ِل ّ وُ ْ‬
‫سعََها{‪.‬‬ ‫}ل َ ن ُك َل ّ ُ‬
‫ف نَ ْ‬

‫تبين لنا أن ورود التكليف يستلزم وجود الستطاعة حتما ً ‪ ،‬وأول‬


‫عناصر الستطاعة وجود الرادة الحرة ‪ ،‬وتبين لنا أن المؤاخذة ترتفع متى‬
‫سلبت الرادة ‪ ،‬لن التكليف يرتفع حكما ً عند سلبها ‪ ،‬فل يمكن أن يوجد‬
‫في الواقع تناقض بين مقتضيات المشيئة اللهية ‪ ،‬وبين مقتضيات أمر‬
‫التكليف اللهي ‪.‬‬

‫دعي سلب الرادة مع أن التكليف متوجه ‪،‬‬ ‫والرأي الجبري الفاسد ي ّ‬


‫وأن المؤاخذة بعد ذلك متوجه ‪ ،‬وهذا معارض للنصوص القرآنية ‪ ،‬ومعارض‬
‫لمنطق العقل وبديهته ‪ ،‬وهذا الرأي الجبري هو ما استغله سيادة الناقد‬
‫لنقض قضية الدين ‪ ،‬مع أنه ليس هو السلم ‪ ،‬ول فهم جمهور المسلمين ‪،‬‬
‫وإنما هو رأي مرفوض تمامًا‪.‬‬

‫فكل نقاش بناه "الناقد" على هذا الرأي المرفوض نقاش ساقط ل‬
‫قيمة له ‪.‬‬

‫وكل القوال التي استشهد بها من أقوال الجبريين أقوال ساقطة‬


‫مرفوضة ‪ ،‬ل تمثل الحقيقة السلمية في هذا الموضوع ‪ ،‬فل حاجة إلى‬
‫استعراضها وبيان فساد مضامينها ‪ ،‬لنها مبينة على فاسد ‪ ،‬وكل ما بني‬
‫على فاسد فهو فاسد ‪.‬‬

‫ويسأل الجبريون فيقولون ‪ :‬هل يفعل العاصي إذن معصيته معاندا ً‬


‫لرادة الخالق أم موافقا ً لها؟‬

‫ونقول في الجواب‪ :‬إن تصوير السؤال على هذا الوجه فيه‬


‫مغالطة ‪ ،‬فالقضية ل تقع فقط بين احتمالين اثنين ‪ ،‬ولكنها تقع بين‬
‫احتمالت ثلثة وهي‪:‬‬

‫الحتمال الول‪ :‬توجيه المشيئة اللهية لجبار المخلوق على‬


‫الطاعة‪.‬‬

‫الحتمال الثاني‪ :‬توجيه المشيئة اللهية لجبار المخلوق على‬


‫المعصية ‪.‬‬

‫الحتمال الثالث‪ :‬توجيه المشيئة اللهية لجعل المخلوق ذا إرادة‬


‫حرة غير مجبرة ‪.‬‬

‫وقد توجهت المشيئة اللهية فعل ً إلى اختيار الحتمال الثالث بالنسبة‬
‫إلى الناس والجن ‪ ،‬فاستحال أن تتوجه إلى أضدادها ‪.‬‬

‫وحينما يختار المخلوق أمرا ً مما جعل الله له فيه سلطة الختيار فإن‬
‫اختياره لذلك المر ل يعتبر بحال من الحوال معاندا ً لرادة الله في كل‬
‫شيء ‪ ،‬لن الله تعالى هو الذي أراد أن يمنحه سلطة الختيار ليمتحنه ‪،‬‬
‫ل وعل هو الذي أجبره على أن يختار هذا‬ ‫كما أنه ل يقتضي أن يكون الله ج ّ‬
‫ً‬
‫ل وعل راضيا عن كل ما يختاره‬ ‫الختيار ‪ ،‬ول يقتضي أيضا ً أن يكون الله ج ّ‬
‫المخلوق ذو الرادة الحرة ‪.‬‬
‫ويظهر لنا هذا الموضوع تماما ً في تجاربنا النسانية ‪ ،‬فإن من نمنحه‬
‫حرية التصرف في عمل ما ‪ ،‬قد يفعل ما يسرنا ويرضينا ‪ ،‬وقد يفعل ما‬
‫يسوؤنا ويغضبنا ‪ ،‬مع إمكاننا أن نعزله عن ذلك العمل ‪ ،‬ونسلبه حرية‬
‫التصرف فيه ‪ ،‬ول يكون عمله معاندا ً لرادتنا ‪ ،‬بل قد نمد له ‪ ،‬ونبقي له‬
‫طاقة العمل وساحة التنفيذ بين يديه ‪ ،‬لنمتحنه ونختبره ‪ ،‬وقد نوبخه ونؤدبه‬
‫‪ ،‬وقد ننذره ونحذره ‪ ،‬حتى يحين وقت مؤاخذته ‪ ،‬ونحن في كل ذلك‬
‫نشاهد سوء تصرفه ‪ ،‬وقد نرى من الحكمة أن ل نعارضه ‪ ،‬وأن ل نضع‬
‫العراقيل في طريقه ‪ ،‬أو نكفه عن العمل الذي منحناه فيه حرية‬
‫وم‬‫التصرف ‪ ،‬وقد نرى من الحكمة أن نملي له ‪ ،‬ليصلح من تصرفه ويق ّ‬
‫من سلوكه ‪ ،‬حتى يجتاز المتحان بنجاح ‪ ،‬وعملنا هذا ل شيء فيه من‬
‫التناقض ‪ ،‬بل هو من مقتضيات الحكمة التي تقتضيها ظروف المتحان‬
‫المثل ‪.‬‬

‫)‪(6‬‬

‫بعد أن صنع )د‪ .‬العظم( التزييف الذي أراده ‪ ،‬واستند إلى المفاهيم‬
‫الجبري والباطنية الباطلة الفاسدة ‪ ،‬ووضع المقدمات التي أقامها على‬
‫ل وعل ‪ ،‬ووصفه بالمكر‬ ‫الكذب والمغالطة ‪ ،‬انتهى إلى شتيمة الخالق ج ّ‬
‫والمخادع والستهزاء ‪ ،‬وفق الصور والمفاهيم القبيحة التي ل تليق‬
‫بالمخلوق فضل ً عن الخالق ‪ ،‬وتلعب بمفاهيم النصوص الواردة في هذا‬
‫المجال وفق خطته التي عرفناها في كل جدلياته ومغالطاته ‪.‬‬

‫وفي الرد عليه أكتفي هنا بعرض المفاهيم السلمية الصحيحة‬


‫ليظهر منها فساد كل ما انتهى إليه ‪ ،‬وفساد كل ما استند إليه ‪.‬‬

‫لقد استشهد بطائفة من النصوص القرآنية وفسرها على ما يهوى ‪،‬‬


‫تفسيرا ً مخالفا ً لدللتها الحقيقية ‪.‬‬

‫فمن النصوص التي استشهد بها قول الله تعالى في سورة )آل‬
‫عمران‪ 3/‬مصحف‪ 89/‬نزول(‪:‬‬
‫ن{‬‫ري َ‬ ‫خي ُْر ٱْلل َ‬
‫ماك ِ ِ‬ ‫ه وَ ٱل ّلل ُ‬
‫ه َ‬ ‫مك ََر ٱل ّلل ُ‬
‫مك َُروا ْ وَ َ‬
‫}و َ َ‬

‫وقول الله تعالى في سورة )النفال‪ 8/‬مصحف‪ 88/‬نزول(‪:‬‬


‫جو َ‬
‫ك‬ ‫ك أ َوْ ي ُ ْ‬
‫خرِ ُ‬ ‫ك أ َوْ ي َ ْ‬
‫قت ُُلو َ‬ ‫فُروا ْ ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬
‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬‫ك ٱّلل ِ‬ ‫مك ُُر ب ِ َ‬‫}وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬
‫ماك ِ ِ‬ ‫خي ُْر ٱلل َ‬
‫ْ‬ ‫ه َ‬‫هل َول ٱل لل ُ‬
‫ّ‬ ‫مكُر ٱل لل ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫وَي َ ْ‬

‫وقول الله تعالى في سورة )يونس‪ 10/‬مصحف‪ 51/‬نزول(‪:‬‬


‫مك ٌْر فِ ۤي‬ ‫} وإ َ َ‬
‫ذا ل َهُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ست ْهُ ْ‬‫م ّ‬‫ضّرآَء َ‬
‫من ب َعْدِ َ‬ ‫ة ّ‬‫م ً‬‫ح َ‬ ‫س َر ْ‬‫ذآ أذ َقَْنا ٱلّنا َ‬ ‫َِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ٱ‬
‫ن{‬ ‫رو‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫بو‬
‫ِ ّ ُ ُ َ َ ُُ َ َ َ ْ ُ َ‬ ‫ت‬ ‫ك‬‫ي‬ ‫نا‬ ‫ل‬‫س‬‫ر‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ا‬ ‫كر‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ر‬‫س‬
‫ُ ْ َ ُ َ‬ ‫أ‬ ‫هل‬‫لل‬ ‫ل‬ ‫آَيات َِنا قُ ِ‬
‫ل‬
‫أورد هذه النصوص واستغلها لينسب إلى الله تعالى صفة ذميمة‬
‫قبيحة يريد أن يفهمها هو من لفظة المكر ‪.‬‬

‫وإذا أردنا أن نحقق تحقيقا ً لغويا ً في أصل معنى المكر ‪ ،‬وجدنا أن‬
‫معناه هو تدبير أمر في خفاء عمن دبر له أو عليه ‪ ،‬وهذا التدبير هو بحد‬
‫ذاته ليس فيه ما يذم ‪ ،‬وإنما هو لون من الحكمة الداعية إلى كتمان المور‬
‫وإخفائها ‪ ،‬ولكن قد يكتسب المكر الذم من غايته ‪ ،‬فإذا كانت الغاية منه‬
‫شرا ً كان مكرا ً مذموما ً ‪ ،‬وإذا كانت الغاية منه خيرا ً كان مكرا ً محمودا ً ‪،‬‬
‫وهو يدل على الحكمة في التصرف ‪.‬‬

‫فهو على المعنى وسيلة من الوسائل التي تستعمل في الخير‬


‫فتكون خيرا ً ‪ ،‬وتستعمل في الشر فتكون شرا ً ‪ ،‬كسائر الوسائل التي ل‬
‫شر فيها لذاتها ‪ ،‬وإنما تكتسب الشر حينما تستعمل في الشر ‪ ،‬وتكتسب‬
‫الخير حينما تستعمل في الخير ‪.‬‬

‫فالمكر قد يكون مكرا ً محمودا ً إذا كان المر الذي دبر فيه مؤديا ً إلى‬
‫نتيجة محمودة ‪ ،‬وقد يكون مكرا ً مذموما ً إذا كان المر المدبر فيه مؤديا ً‬
‫إلى نتيجة مذمومة ‪ ،‬وتدبير المر في الخفاء ل يوصف لذاته بحسن أو‬
‫قبح ‪ ،‬بل ربما كان أصله أقرب إلى المدح منه إلى الذم ‪ ،‬لنه من الكتمان‬
‫الحكيم ‪.‬‬

‫ونستطيع أن نصور المكر المحمود الذي يستعمل في الخير بأمثلة‬


‫كثيرة ‪.‬‬

‫حينما تدبر أجهزة مطاردة المجرمين أمورها في خفاء وكتمان‬


‫وسرية تامة ‪ ،‬لتظفر بالقبض على المجرمين الذين يتوارون في جرائمهم‬
‫عن أعين السلطة الحاكمة العادلة ‪ ،‬ويدبرون مكايدهم الشريرة في‬
‫الظلمات ‪ ،‬ثم تقبض عليهم من حيث ل يشعرون ‪ ،‬وتمكر بهم حتى تأخذهم‬
‫وهم متلبسون بالجريمة ‪ ،‬أفيكون مكر هذه الجهزة مكرا ً في الخير أم‬
‫مكرا ً في الشر؟‬

‫وحينما يرى الب أن أحد أولده جنح عن طريق الهداية ‪ ،‬وسلك‬


‫جدِ فيه النصائح‬
‫مسالك الشر والفساد ‪ ،‬مسالك هلكه وشقائه ‪ ،‬ولم ت ُ ْ‬
‫والمواعظ ووسائل التربية الظاهرة ‪ ،‬أفل يرى من الخير الصلح ولده أن‬
‫يدبر له وسيلة تربوية خفية يّتعظ فيها بنفسه ‪ ،‬حتى يستقيم ويرتدع؟‬

‫إن الب في ذلك يمكر بولده مكرا ً محمودا ً ‪ ،‬وهو بذلك يفعل خيرًا‪.‬‬

‫وباستطاعتنا أن نصور المكر المحمود والمكر المذموم في قصة‬


‫نتخيلها ‪.‬‬
‫إنسان عنده قصر عظيم ‪ ،‬طمع به اللصوص ‪ ،‬فدبروا أمرا ً في‬
‫الخفاء أن يأتوا بليل ‪ ،‬ويحتفروا أحد جدران القصر ويدخلوا إليه ‪ ،‬ويسطوا‬
‫على ما فيه من مال ومتاع ‪ ،‬ويقتلوا من فيه ‪.‬‬

‫وعلم صاحب القصر بما دبروا ‪ ،‬وعرف الجدار الذي عزما على نقبه‬
‫‪ ،‬فدبر خطة في الجدار يهلكون فيها بأيديهم دون أن يقاتلهم أحد من رجال‬
‫القصر ‪.‬‬

‫ولما حان الوقت المقرر فيما بينهم جاءوا متسللين ظانين أن أحدا ً‬
‫ل شيعر بهم ‪ ،‬ولكن صاحب القصر وأعوانه يراقبون كل حركة من‬
‫حركاته ‪ ،‬وهم في مكان يرون فيه اللصوص من حيث ل يرونهم ‪ ،‬وأخذ‬
‫اللصوص ينقبون الجدار حسب الخطة المدبرة ‪ ،‬ولما زعموا أنهم كادوا‬
‫ض عليهم الجدار فهلكوا تحت أنقاضه ‪.‬‬
‫يظفرون بما يريدون انق ّ‬

‫لقد مكروا بزعمهم ومكرهم شر ‪ ،‬ولكن المكر في الحقيقة لصاحب‬


‫القصر ومكره خير ‪ ،‬لن غرضه من مكره أن يمنعهم من فعل الشر ‪ ،‬وأن‬
‫يجازيهم عليه بأيديهم ويريح الناس من شرورهم ‪.‬‬

‫وكذلك مكر الله ‪ ،‬وهو خير الماكرين ‪ ،‬لنه ل يمكر إل بخير ‪،‬‬
‫وسبحان الله وتعالى عما يصفون ‪.‬‬

‫هذا ما يتعلق بصفة المكر ‪ ،‬أما صفة الستهزاء ‪ ،‬فقد استشهد الناقد‬
‫)د‪ .‬العظم( لها بقول الله تعالى في سورة )البقرة‪ 2/‬مصحف‪ 87/‬نزول(‪:‬‬
‫ن{‬
‫مُهو َ‬ ‫م ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬
‫م ي َعْ َ‬ ‫مد ّهُ ْ‬
‫م وَي َ ُ‬
‫زىُء ب ِهِ ْ‬
‫ست َهْ ِ‬ ‫}لٱل ّلل ُ‬
‫ه يَ ْ‬

‫واقتطع هذا النص اقتطاعا ً عن سياقه ‪ ،‬وطوى الكلم الذي قبله‬


‫ليضلل به ‪ ،‬بعد أن يشوه المعنى المراد ‪ ،‬ولو كان باحثا منصفا ً يريد أن‬
‫يفهم المراد من النص حقا ً لم اقتطع الكلم بعضه عن بعض ‪ ،‬ولظل‬
‫محتفظا ً بالمانة العلمية والنزاهة ‪ ،‬لنه يعلم أن مثل هذا القتطاع خيانة‬
‫علمية تؤدي إلى التشويه وإفساد المعاني ‪ ،‬حتى ولو كان هذا الباحث غير‬
‫مؤمن بالكلم ول بقائله ‪ ،‬فأخلق البحث العلمي ل تسمح بالتلعب‬
‫بالنصوص ‪ ،‬ل بتغييرها ‪ ،‬ول بتحريف ألفاظها ‪ ،‬ول باقتطاع المترابطات‬
‫وتجزئتها ‪ ،‬ول بتحريف معانيها وتشويهها ‪ ،‬وتحويلها عن دللتها الصلية‬
‫المقصودة ‪ ،‬ول بأي شيء آخر مفسد لها ‪.‬‬

‫فإذا قرأنا سوابق هذا النص الذي استشهد به )د‪ .‬العظم( تغير‬
‫المعنى القبيح الذي أراد أن يصوره ‪ ،‬وحل محله معنى جميل دل عليه‬
‫النص في واقع المر ‪.‬‬

‫لقد تحدث الله عن المنافقين وعرض طائفة من صفاتهم وأفاض‬


‫في بيان هذه الصفات ‪ ،‬حتى أبان من صفاتهم صفة الستهزاء بالذين آمنوا‬
‫‪ ،‬فقال تعالى ‪:‬‬
‫م َقال ُ ۤوا ْ إ ِّنا‬
‫طين ِهِ ْ‬ ‫خل َوْا ْ إ ِل َ ٰى َ‬
‫شَيا ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫مُنوا ْ َقال ُ ۤوا آ َ‬
‫مّنا وَإ ِ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫قوا ْ ٱل ّ ِ‬‫ذا ل َ ُ‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫ن{‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬‫م إ ِن ّ َ‬ ‫معَك ْ ْ‬
‫َ‬

‫فالمنافقون هم الذين يعاملون الحق بالستهزاء ‪ ،‬فيتظاهرون بأنهم‬


‫مع المؤمنين وهم بالحق وبالمؤمنين يستهزئون ‪ ،‬لن قلوبهم مع‬
‫الكافرين ‪.‬‬
‫وبما أن أعدل الجزاء وأوفاه هو ما كان من جنس العمل كانت‬
‫الحكمة تقضي بإعلن أنهم معاقبون بالستهزاء ‪ ،‬جزاء استهزائهم ‪ ،‬فقال‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫ن{‬‫مُهو َ‬
‫م ي َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫م ِفي طغَْيان ِهِ ْ‬
‫مد ّهُ ْ‬
‫م وَي َ ُ‬
‫زىُء ب ِهِ ْ‬
‫ست َهْ ِ‬ ‫}لٱل لل ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬

‫أي‪ :‬يجازيهم جزاء استهزائهم فيعاقبهم عقابا ً من جنس عملهم ‪،‬‬


‫وهذا غاية في العدل ‪.‬‬

‫وه سيادة الناقد ما هو غاية في‬


‫وهنا ل بد أن يلحظ القارئ كيف ش ّ‬
‫العدل في ميادين الجزاء ‪ ،‬فجعل الستهزاء صفة من صفات الله تعالى‬
‫وه على قارئ‬ ‫في معاملة عباده ‪ ،‬واقتطع النص عن سوابقه ولواحقه ليم ّ‬
‫كلمه ‪ ،‬فيتشكك بالحقائق الدينية ‪.‬‬

‫ونظير ذلك استشهاده بقول الله تعالى في سورة )النساء‪4/‬‬


‫مصحف‪ 92/‬نزول(‪:‬‬
‫م‪.{...‬‬
‫خادِعُهُ ْ‬ ‫ن ٱل ّلل َ‬
‫هل وَهُوَ َ‬ ‫عو َ‬
‫خادِ ُ‬
‫ن يُ َ‬
‫قي َ‬ ‫ن ٱْلل ُ‬
‫م َنافِ ِ‬ ‫}إ ِ ّ‬

‫ففي هذا النص يبين الله تعالى أن عقاب هؤلء المخادعين هو من‬
‫جنس عملهم ‪ ،‬وفيه معنى آخر صّرحت به الية التي في أوائل سورة‬
‫)البقرة‪ 2/‬مصحف‪ 87/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ما‬
‫سُهم وَ َ‬ ‫ن إ ِل ّ أن ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫عو َ‬
‫خد َ ُ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫مُنوا وَ َ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫هل َول ٱّلل ِ‬
‫ن ٱل ّلل َ‬
‫عو َ‬
‫خادِ ُ‬
‫}ي ُ َ‬
‫ن{‬ ‫يَ ْ‬
‫شعُُرو َ‬

‫وهذا المعنى يتلخص بالحقيقة التالية ‪ :‬إن من يخدع من ل ُيخدع إنما‬


‫يخدع نفسه ‪ ،‬فالمنافقون يتصورون بنفاقهم أنهم يخادعون الله ‪ ،‬لكن الله‬
‫تبارك وتعالى ل تنطلي عليه حيلهم ‪ ،‬ول تجوز عليه مخادعتهم ‪ ،‬إنه يعلمهم‬
‫تماما ً ظاهرا ً وباطنا ً ‪ ،‬ولكن بحكمته يمهلهم ويملي لهم ‪ ،‬فيظنون أن‬
‫خديعتهم قد نفذت ‪ ،‬وأن حيلتهم قد انطلت ‪ ،‬فيتابعون مسيرتهم الثمة في‬
‫الخداع ‪ ،‬ثم يأخذهم الله بعقابه ‪ ،‬يجازيهم بعدله ‪ ،‬وعندئذٍ يتبين لهم أنهم‬
‫لم يخدعوا الله ‪ ،‬ولكنهم كانوا يخدعون أنفسهم ‪ ،‬فأسلوب الله في‬
‫معاملتهم جعل خديعتهم تنقلب عليهم ‪ ،‬وفي هذا غاية العدل في الجزاء ‪،‬‬
‫وهو أن يكون عقاب النسان بيد نفسه ‪ ،‬وأن يكون السلح الذي قذفه‬
‫على غيره ظالما ً له ارتد عليه فأصابه بمثل القوة التي قذفه بها ‪.‬‬
‫واستشهد الناقد بقول الله تعالى في سورة )السراء‪ 17/‬مصحف‪/‬‬
‫‪ 50‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوا ِفيَها فَ َ‬
‫حقّ عَلي َْها‬ ‫س ُ‬ ‫مت َْرِفيَها فَ َ‬
‫ف َ‬ ‫مْرَنا ُ‬
‫ةأ َ‬‫ذآ أَرد َْنآ أن ن ّهْل ِك قَْري َ ً‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫ً‬
‫ميرا{‬ ‫ها ت َد ْ ِ‬ ‫ل فَد َ ّ‬
‫مْرَنا َ‬ ‫ٱ ْلل َ‬
‫ق وْ ُ‬
‫وقال في شرح هذا النص في الصفحة )‪ (122‬من كتابه‪:‬‬
‫"كان قد شاء تدمير القرية ‪ ،‬ولكن لئل يكون للعباد عليه حجة فيما‬
‫شاء لجأ إلى المكر ‪ ،‬فأمر مترفيها أن يفسقوا حتى يبدو للجميع وكأن‬
‫القرية استحقت ذلك التدمير ‪ .‬بينما الحقيقة غير ذلك"‪...‬‬

‫ور النص تحويرا ً شائنا ً ‪ ,‬وحّرف معناه تحريفا ً مناقضا ً تماما ً‬


‫هكذا ح ّ‬
‫لصل معناه ‪ ،‬وبيان ذلك فيما يلي‪:‬‬

‫أو ً‬
‫ل‪ :‬إن الله تعالى ل يأمر المترفين بأن يفسقوا ‪ ،‬ولكنه يأمرهم بأن‬
‫ً‬
‫يؤمنوا ويعملوا صالحا ‪ ،‬فيفسقون ويخالفون أمر الطاعة ‪ ،‬فمن صفات أمر‬
‫الله ونهيه أنه يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي القربى ‪ ،‬وينهى عن‬
‫الفحشاء والمنكر والبغي ‪.‬‬

‫فمن أين أدخل "الناقد" المحّرف أن الله يأمر المترفين أن يفسقوا‬


‫ة مثل‬‫والله قال‪} :‬أمرنا مترفيها{ ثم قال ‪} :‬ففسقوا فيها{ ‪ ،‬ومعلوم بداه ً‬
‫هذا الكلم يفيد أنهم عصوا المر ففسقوا ‪ ،‬لذلك استحقوا العقاب على‬
‫عصيانهم ‪.‬‬

‫وإذا أردنا أن نقدر في النص محذوفا ً فأي قارئ عربي يستطيع‬


‫ة أن يعرف أن المأمور به المحذوف هو ما أمر الله به في شرائعه‬‫بداه ً‬
‫من اليمان وعمل الصالحات ‪.‬‬

‫وليس ما حّرفه سيادة "الناقد" من تقدير )أن يفسقوا( بدل )أن‬


‫يؤمنوا ويعملوا الصالحات(‪.‬‬

‫ثم إن ترتيب الجزاء إنما يكون على عصيان المر كما هو معلوم‬
‫بالبديهة ‪ ،‬ل على طاعة المر ‪.‬‬

‫فل يستهن بالقارئ العربي هذه الستهانة ‪ ،‬وليعلم أن ما يتلعب به‬


‫مكشوف للجميع!‬

‫ثانيًا‪ :‬جاءت هذه الية تعقيبا ً على قوله تعالى‪:‬‬


‫سو ً‬
‫ل{‪.‬‬ ‫ث َر ُ‬
‫حت ّ ٰى ن َب ْعَ َ‬
‫ن َ‬ ‫ما ك ُّنا ُ‬
‫معَذ ِّبي َ‬ ‫}‪...‬وَ َ‬

‫أي‪ :‬ل يهلك الله القرى الظالمة التي استحقت الهلك بجرائهما‬
‫حتى يبعث الله إليها رسول ً ‪ ،‬فيأمرهم هذا الرسول بالطاعة ‪ ،‬فيعصي‬
‫مترفوهم والمل منهم ‪.‬ويتبعهم حكما ً وتقليدا ً من دونهم ‪ ،‬فيحق عليهم‬
‫قانون الجزاء ‪ ،‬فيهلكهم الله تبارك وتعالى جزاء وفاقا ً ‪.‬‬
‫وهكذا ظهر لنا بوضوح تلعب "سيادة الناقد" بمعاني النصوص‬
‫الدينية ‪ ،‬وبالحقائق كلها ‪ ،‬ليؤيد مذهبه ‪ ،‬ويدعم قضية اللحاد والكفر بالله ‪،‬‬
‫محاربا ً قضية اليمان والستقامة على الخير والفضيلة ‪.‬‬

‫وأترك القارئ الحصيف الواعي أن يحكم له أو عليه ‪ ،‬فمن شاء‬


‫فليؤمن ومن شاء فليكفر ‪ ،‬فعند الله جزاء لمن آمن وجزاء لمن كفر ‪.‬‬
‫الفصل الحادي عشر‬

‫الكفر والكافرون‬
‫اقتباسا ً من المفاهيم الدينية ‪ ،‬ودللت النصوص القرآنية كتبت هذا‬
‫الفصل عن الكفر والكافرين لكشف به حقيقة الكفر ‪،‬وواقع حال الكافرين‬
‫‪ ،‬وأسباب كفرهم ودواعيه ‪ ،‬ومناخ نمائه ونشاطه ‪ ،‬وموقف المؤمنين منهم‬
‫‪ ،‬وموقفهم من المؤمنين ‪ ،‬وجدلياتهم ‪ ،‬وأنللواع عقوبللاتهم العاجلللة والجلللة‬
‫التي حذرهم الله منها إذا استمروا على كفرهم ‪.‬‬

‫)‪(1‬‬
‫ما هو الكفر؟‬

‫أصل معنى الكفر في اللغة التغطية الكاملة والستر التام ‪ ،‬يقال‬


‫للبس السلح الذي غطاه السلح تغطية كاملة ‪ :‬كافر ‪ ،‬لنلله سللتر جسللمه‬
‫به سترا ً كامل ً ‪ ،‬ويقال للزارع ‪ :‬كافر ‪ ،‬لنه يدفن الحب في الرض فيغطيلله‬
‫بللالتراب تغطيلله كاملللة ‪ ،‬ومنلله قللول الللله تعللالى فللي سللورة )الحديللد‪57 /‬‬
‫مصحف‪ 94/‬نزول(‪:‬‬
‫ب ٱللك ّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‪.{..‬‬‫فاَر ن ََبات ُ ُ‬ ‫ج َ‬
‫ث أعْ َ‬‫ل غَي ْ ٍ‬ ‫} كَ َ‬
‫مث َ ِ‬

‫ويقال لليل المظلم ‪ :‬كافر ‪ ،‬لنه يستر بظلمته كللل شلليء ‪ ،‬ويقللال ‪:‬‬
‫كفر الليل الشيء وكفر عليه إذا غ ّ‬
‫طاه ‪ ،‬ويقال للبحر ‪ :‬كافر ‪ ،‬لنه يستر ما‬
‫فيه ‪ ،‬وهكذا تدور الكلمة في اللغة حول الستر والتغطية ‪.‬‬

‫واستعملت هذه الكلمة في الصطلح الديني للدللة علللى مللا يقابللل‬


‫اليمان ‪ ،‬والداعي إلى تسمية إنكار الحق الديني كفرا ً ‪ ،‬أنه قائم على ستر‬
‫أدلة اليمان العقلية والفطرية الوجدانية‪.‬‬

‫فاليمان هو التصديق ‪ ،‬والكفر عدم التصللديق ‪ ،‬وكللل إيمللان بشلليء‬


‫يستلزم كفرا ً بنقيضه ‪ ،‬لذلك فكل مؤمن بالعقيدة السلمية الصحيحة كافر‬
‫بنقيضها وبكل مستلزمات هذا النقيض ‪،‬وللذلك كلان اليملان بللالله يقتضللي‬
‫الكفر بالطاغوت اقتضاًء حتميلا ً ‪ .‬وفلي هلذا يقلول اللله تعلالى فلي سللورة‬
‫)البقرة‪ 2/‬مصحف‪ 87/‬نزول(‪:‬‬
‫ف لْر‬ ‫ْ‬
‫ن ي َك ُ‬‫مل ْ‬‫ي فَ َ‬ ‫ن ٱللَغلل ّ‬
‫ْ‬ ‫مل َ‬ ‫شللد ُ ِ‬‫ن ٱل ّرل ْ‬ ‫ن قَللد ت ّب َي ّل َ‬ ‫}ل َ إ ِك ْلَراهَ فِللي ٱللل ّ‬
‫دلي ِ‬
‫م ل َهَللا‬‫صا َ‬‫فل َ‬‫ق ٰى ل َ ٱن ِ‬ ‫ك ِبل ٱْللعُ ْر وَةِ ٱْللوُ ث ْ َ‬‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫قدِ ٱ ْ‬
‫سلت َ ْ‬ ‫من ِبل ٱل ّللهِ فَ َ‬ ‫ت وَي ْؤْ ِ‬‫غو ِ‬‫طلا ُ‬‫ِبل ٱل ّ‬
‫م{‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬
‫ه َ‬‫و َ ٱل ل ّ ُ‬

‫فل يتم إيمللان المللؤمن حللتى يكفللر بكللل الطللواغيت ويللؤمن بللالله ‪،‬‬
‫ولذلك اشتملت عبارة التوحيد علللى السلللب واليجللاب ) ل إللله إل الللله ( ‪،‬‬
‫فهي تشتمل على الكفر بكل إله سوى الللله وعلللى اليمللان بللالله وحللده ل‬
‫شريك له ‪.‬‬
‫أما غيللر المللؤمنين بالعقيللدة السلللمية إيمانلا ً صللحيحا ً فقللد عكسللوا‬
‫القضية ‪ ،‬فآمنوا بالباطل وكفروا بالحق ‪ ،‬سواء أكان ذلك بصفة كلية لجميع‬
‫أركان العقيدة السلمية ‪ ،‬أو بصفة جزئية ‪ ،‬وفي هذا يقول الله تعللالى فللي‬
‫سورة )النحل‪ 16/‬مصحف‪ 70/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫دو ِ‬‫مللن ُ‬ ‫ن ِ‬‫دو َ‬‫ن * وَي َعُْبلل ُ‬‫فُرو َ‬ ‫ْ‬ ‫مةِ ٱل للهِ هُ ْ‬
‫م ي َك ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن وَب ِن ِعْ َ‬
‫مُنو َ‬‫ل ي ُؤْ ِ‬‫}أفَِبل ٱْللَباط ِ ِ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫طيُعو َ‬ ‫شْيئا ً وَل َ ي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ت وَ ٱ للْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫ن ٱل ّ‬
‫سل َ‬ ‫م َ‬‫م رِْزقا ً ّ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫ٱ ل ّللهِ َ‬
‫ما ل َ ي َ ْ‬

‫ويقول الله تعالى في سورة )العنكبوت‪ 29/‬مصحف‪ 85/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ح لوْل ِهِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫مل ْ‬ ‫س ِ‬‫ف ٱل ّنللا ُ‬ ‫خط ّل ُ‬ ‫من لا ً وَي ُت َ َ‬
‫حَرم لا ً آ ِ‬
‫جعَل ْن َللا َ‬
‫م ي َلَروْا ْ أن ّللا َ‬‫}أوَل َل ْ‬
‫ن ٱفَْتللَر ٰى عَل َللى‬ ‫فرون * وم َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫مةِ ٱلل ّهِ ي َك ْ ُ ُ َ‬ ‫ن وَب ِن ِعْ َ‬
‫مُنو َ‬ ‫ل ي ُؤْ ِ‬ ‫أفَب ِٱل َْباط ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫وى ل ّل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫مث ْ ً‬‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫س ِفي َ‬ ‫جآَءهُ أل َي ْ َ‬ ‫ما َ‬‫ح قّ ل َ ّ‬‫ب ِبلٱ ْلل َ‬ ‫ذبا ً أوْ ك َذ ّ َ‬ ‫ٱل ّللهِ ك َ ِ‬

‫وحين تطلق كلمة الكفر ومشتقاتها فللي الصللطلح الللديني فللالمراد‬


‫منها الكفر بما يجللب اليمللان بلله ‪ ،‬أو يجللب الذعللان والخضللوع للله ‪ ،‬إل أن‬
‫ن أخرى تتصل بالمعنى اللغوي ككفللر النعمللة ‪،‬‬ ‫توجد قرينة تصرف إلى معا ٍ‬
‫وكفر العشير ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬

‫فمن أنكر السلم ولم يقبل ما جاء فيه مللن حللق فهللو كللافر ‪ ،‬ومللن‬
‫أنكر أي شيء ثابت في السلم بصفة قطعية فهو كللافر ‪ ،‬لنلله جاحللد ديللن‬
‫الله مك ّ‬
‫ذب لرسوله فيما جاء عن ربه ‪.‬‬

‫فجحود بعللض اليقينيللات الدينيللة يكفللي للحكللم بللالكفر ‪ ،‬ول يتوقللف‬


‫الحكم بللالكفر علللى إنكللار الللدين كللله ‪ ،‬لن العقيللدة السلللمية متماسللكة‬
‫لل‬ ‫الركان ‪ ،‬متماسكة العناصر تماسكا ً كامل ً من جميع الطراف ‪ ،‬وهي ك ل ّ‬
‫يقبل التجزئة ‪ ،‬فمن أنكر بعضها مما هو ثابت بيقين فهللو بهللا كللافر ‪ ،‬ومللن‬
‫ذب الرسول بشيء قد ثبت عنه يقينا ً فقد كفر بنبللوته ‪ ،‬ومللن كفللر بنبللوة‬ ‫ك ّ‬
‫الرسول فقد كذب شهادة مللن أرسللله ‪ ،‬وهكللذا تتسلسللل نللواقض عناصللر‬
‫اليمان ‪ ،‬حتى تصل إلى الجذر الساسي فتنقضه وهذا هو الكفر الكبر ‪.‬‬

‫والكفر دركللات بعضلله أشللد مللن بعللض ‪ ،‬وبعضلله أقبللح مللن بعللض ‪،‬‬
‫واللحاد القائم على إنكار الخالق إنكارا ً كليا ً أشد وأقبح أنواع الكفر ‪.‬‬

‫* أصناف الكافرين‪:‬‬
‫إذا أحصينا أحوال الكافرين وجدناهم أصنافا ً ل صنفا ً واحدا‪ً.‬‬

‫الصنف الول ‪ :‬الضالون فكريا ً ‪ ،‬وهم الذين ضلوا سبيل المعرفللة‬


‫اليمانية الحقة ‪ ،‬وأعماهم التعصب عن رؤية الحللق وإن ب ُّيلن لهللم ‪ ،‬فهللم ل‬
‫يستجيبون لداعي الحق مهما لفللت أنظللارهم إليلله ‪ ،‬لنهللم غيللر مسللتعدين‬
‫نفسيا ً لتغيير عقائدهم الضالة ‪ ،‬ويظلون يؤمنون بالباطل ويزعمونه حقًا‪.‬‬

‫فهؤلء هم الكافرون الضالون ‪ ،‬وهم علللى مسللتويات بعضللها أخللس‬


‫من بعض ‪.‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬المنحرفون نفسيا ً والجانحون جنوحا ً أخلقيا ً ‪ ،‬وهم‬
‫الذين يعرفون الحق ‪ ،‬ولكنهم يصللرون علللى مخللالفته بللدافع مللن الكللبر أو‬
‫الهوى أو التعصب أو بدافع مللن ضللغط الللبيئة الجتماعيللة وخللوف انتقادهللا‬
‫ولومها أو ضلغط القلادة المضلللين أو خلوف فلوات منلافع جاريلة ومصلالح‬
‫قائمة ‪ ،‬أو نحو ذلك فهم من أجل ذلك يصرون على الكفر أو يسلليرون فلي‬
‫ركب الكافرين ‪.‬‬

‫وهؤلء هم الكافرون المغضوب عليهم ‪ ،‬وهم شر مكانا ً وأقبح كفرا ً ‪،‬‬


‫لنهم يعرفون وينحرفون فل يعترفون ‪ ،‬وهم على مسللتويات بعضللها أخللس‬
‫وأقبح من بعض ‪.‬‬

‫الصنف الثالث‪ :‬منافقون من فئة الضالين فكريا ً ‪.‬‬

‫الصمنف الرابمع‪ :‬منللافقون مللن فئة المنحرفيللن نفسلليا ً الجللانحين‬


‫جنوحا ً أخلقيًا‪.‬‬

‫والمنافقون مخلادعون جبنلاء يتظلاهرون بالسللم نفاقلا ً ‪ ،‬ويبطنلون‬


‫كفرهللم القللائم علللى الضلللل ‪ ،‬أو القللائم علللى النحللراف والصللرار علللى‬
‫الباطل ‪ ،‬وهؤلء في الدرك السفل من دركللات الكفللر ‪ ،‬لنهللم قللد جمعللوا‬
‫قبح الكفر وقبح النفاق وما يلزمه من صفات الكلذب والخللداع والسللتهزاء‬
‫وغير ذلك من صفات المنافقين ‪.‬‬

‫والنصوص القرآنية قد أوضحت أصناف الكافرين ‪ ،‬واشللتملت فاتحللة‬


‫الكتاب على ذكر المضلين والمغضللوب عليهللم ‪ ،‬وهللو يعللم منللافقي هللذين‬
‫الصنفين ‪ ،‬وبسلط القللرآن أحلوال أصلناف الكللافرين فلي مواضلع كللثيرة ‪،‬‬
‫وكشف صفاتهم وأعمالهم ببيانات مستفيضة ‪.‬‬

‫* من ُيحكم عليهم بالكفر؟‬


‫دد مواقع الكفر نستطيع أن نحكم‬ ‫تطبيقا ً للمفاهيم السلمية التي تح ّ‬
‫بالكفر حكما ً إسلميا ً على من جحد بذات الله أو بصفات الثابتللة بيقيللن ‪ ،‬أو‬
‫جعل مع الله إلها ً آخر ‪ ،‬أو أنكر رسالة محمد ‪ ‬أو جحد بآيات الللله وكتللابه‬
‫ذب الرسول بشيء مما بّلغله علن ربله‬ ‫أو بشيء منه ثابت فيه بيقين ‪ ،‬أو ك ّ‬
‫وثبتت نسبته إليه بيقين ثبوتا ً قطعيا ً ‪ ،‬أو أنكر شيئا مللن أركللان اليمللان ‪ ،‬أو‬
‫ً‬
‫أركان السلم ‪ ،‬أو جحد بحقيقة ثابتة في السلم ثبوتا ً قطعيا ً ‪.‬‬

‫لذلك حكم الله بالكفر على الللذين قللالوا ‪ :‬إن الللله هللو المسلليح بللن‬
‫مريم ‪ ،‬فقال تعالى في سورة )المائدة‪ 5/‬مصحف‪ 112/‬نزول(‪:‬‬
‫مللن‬‫ل فَ َ‬ ‫م قُ ل ْ‬‫مْري َل َ‬ ‫نل َ‬ ‫ح ٱْبلل ُ‬ ‫سي ُ‬‫م ِ‬ ‫هل هُوَ ٱْلل َ‬ ‫ن ٱل ّلل َ‬ ‫ن َقآل ُ ۤوا ْ إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫فَر ٱّلل ِ‬ ‫قد ْ ك َ َ‬‫}ل ّ َ‬
‫ُ‬ ‫ن أ ََراد َ َأن ي ُهْل ِ َ‬
‫ملن ِفلي‬ ‫ه وَ َ‬
‫مل ُ‬‫م وَأ ّ‬ ‫مْري َ َ‬‫نل َ‬ ‫ح ٱْبل َ‬‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ٱْلل َ‬ ‫شْيئا ً إ ِ ْ‬‫ن ٱل ّللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شللآءُ‬‫مللا ي َ َ‬‫خل ُلقُ َ‬ ‫مللا ي َ ْ‬‫ما ب َي ْن َهُ َ‬‫ض وَ َ‬ ‫ت وَ ٱ للْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ك ٱل ّ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ميعا ً َولل ّهِ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ٱ للْر ِ‬
‫ديٌر{‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عَل َ ٰى ك ُ ّ‬ ‫وَٱلل ّ ُ‬
‫أي فالذي ل يستطيع دفع الهلك عن نفسه إذا أراد الله أن يهلكه‬
‫دعي له اللهية ‪ ،‬واللهية هي للرب الخالق ل للعبد المخلوق ‪.‬‬
‫كيف ت ّ‬

‫والمسيح عيسى عليه السلم أمر قومه في دعوته لهللم بللأن يعبللدوا‬
‫الله ول يشركوا بلله شلليئا ً ‪ ،‬وأوضللح لهللم أن الللله ربلله وربهللم ‪ ،‬خلقلله كمللا‬
‫خلقهم ‪ ،‬وأوضح لهم أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومللأواه‬
‫جهنم بسبب كفره وظلمه الكبير ‪ ،‬قال الله تعللالى فللي سللورة )المللائدة‪5/‬‬
‫مصحف‪ 112/‬نزول(‪:‬‬
‫م وََقلا َ‬
‫ل‬ ‫مْرَيل َ‬
‫نل َ‬ ‫ح ٱْبلل ُ‬‫سللي ُ‬‫م ِ‬ ‫هلوَ ٱْلل َ‬ ‫ن ٱل ّللل َ‬
‫هل ُ‬ ‫ن َقلال ُ ۤوا ْ إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬‫فلَر ٱّللل ِ‬ ‫قد ْ ك َ َ‬‫}ل َ َ‬
‫ك ِبلل ٱل ّلل ِ‬
‫ه‬ ‫ش لرِ ْ‬ ‫مللن ي ُ ْ‬‫ه َ‬ ‫م إ ِن ّل ُ‬‫ه َرّبي وََرب ّك ُل ْ‬ ‫دوا ْ لٱّلل َ‬ ‫لٱ ْ‬
‫علب ُ ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ح َياب َن ِ ۤي إ ِ ْ‬ ‫سي ُ‬
‫م ِ‬ ‫ٱ ْلل َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫صاٍر{‬ ‫ن أن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫ما ِلل ّ‬ ‫مأَواهُ ٱل ّنلاُر وَ َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ه عََليهِ ٱْلل َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫م ٱل ّلل ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫فَ َ‬
‫قد ْ َ‬

‫وحكم الله بالكفر على الذين قالوا ‪ :‬إن الله ثالث ثلثة لنهم جحدوا‬
‫إحدى الحقائق الكللبرى مللن حقللائق اليمللان ‪ ،‬وهللي حقيقللة أن الللله واحللد‬
‫وليس مركبا ً من ثلثة ‪ ،‬فقال تبارك وتعالى عقب الية السابقة‪:‬‬
‫حد ٌ‬ ‫ن إ ِل َ ٰلهٍ إ ِل ّ إ ِل َ ٰل ٌ‬
‫ه َوا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ما ِ‬ ‫ث ث َل َث َةٍ وَ َ‬
‫ه َثال ِ ُ‬‫ن ٱلل ّ َ‬‫ن َقاُلوۤا ْ إ ِ ّ‬
‫ذي َ‬‫فَر ٱل ّ ِ‬ ‫}ل ّ َ‬
‫قد ْ ك َ َ‬
‫َ‬
‫م{‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فُروا ْ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ٱّلل ِ‬‫س ّ‬
‫م ّ‬ ‫ن ل َي َ َ‬
‫قوُلو َ‬ ‫م َينت َُهوا ْ عَ ّ‬
‫ما ي َ ُ‬ ‫وَِإن ل ّ ْ‬

‫وناقش الله أصحاب عقيدة التثليث بقوله بعد ذلك‪:‬‬


‫ُ‬
‫ه‬
‫ملل ُ‬ ‫ل وَأ ّ‬‫س ُ‬‫من قَب ْل ِهِ ٱل ّرل ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫ل قَد ْ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م إ ِل ّ َر ُ‬‫مْري َ َ‬
‫نل َ‬ ‫ح ٱْبل ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ٱْلل َ‬ ‫} ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ٱ ْظلْر أن ّل ٰى‬ ‫م ن‬ ‫ت ث ُل ّ‬‫م ٱلي َللا ِ‬ ‫ن لهُل ُ‬ ‫ف ن ُب َي ّ ُ‬‫م ٱن ْظْر ك َي ْ َ‬ ‫ن ٱلطَعا َ‬ ‫كاَنا ي َأك ُل َ ِ‬‫ة َ‬‫ق ٌ‬
‫دي َ‬
‫ص ّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫فع لا وَ ٱل للل ُ‬
‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ضّرا وَل َ ن َ ْ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫ك لك ُ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫ما ل َ ي َ ْ‬ ‫هل َ‬ ‫ن ٱل لل ِ‬
‫ّ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ل أت َعْب ُ ُ‬ ‫ن * قُ ْ‬ ‫كو َ‬‫ي ُؤْفَ ُ‬
‫ميعُ ٱْللعَ ِلي ُ‬
‫م{‬ ‫سل ِ‬ ‫هُوَ ٱل ّ‬
‫وهذه المناقشة تقوم على إثبللات البشللرية للمسلليح وأملله ‪ ،‬اسللتنادا ً‬
‫إلى بعض أوصافهما البشرية المعروفة فيهما ‪ ،‬إذ كانا يأكلن الطعام ‪ ،‬ومن‬
‫يأكل الطعام ل يمكن عقل ً أن يكون إلها ‪ ،‬ومن كان بشللرا ً مخلوق لا ً فللإنه ل‬
‫يملك لمن يعبده ضرا ً ول نفعا ً ‪ ،‬ومن ل يملك نفعا ً ول ضرا ً فللإنه ل يسللتحق‬
‫أن يتقرب إليه بالعبادة ‪.‬‬

‫ذبوا بالقرآن ‪ ،‬فقال تعالى في سورة‬ ‫وحكم الله بالكفر على الذين ك ّ‬
‫صلت‪ 41/‬مصحف‪ 61/‬نزول(‪:‬‬ ‫)ف ّ‬
‫ْ‬ ‫فُروا ِبل ٱل ّ‬
‫ّ‬
‫زي لٌز * ل ي َلأِتيهِ‬
‫ب عَ ِ‬ ‫َ‬
‫ه لك ِت َللا ٌ‬‫م وَإ ِن ّل ُ‬‫جللآَءهُ ْ‬‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ذلك رِ ل ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ٱلل ِ‬
‫ّ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫د{‬‫مي ٍ‬
‫ح ِ‬ ‫كيم ٍ َ‬‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ّ‬‫زي ٌ‬ ‫فهِ َتن ِ‬ ‫ْ‬
‫خل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَل َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫من ب َي ْ ِ‬‫ل ِ‬ ‫ٱ ْللَباط ِ ُ‬

‫فجعل سبحانه تكذيبهم بالقرآن كفرا ً ‪ ،‬وناقشهم في السورة نفسها‬


‫بقوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫}ق ُ ْ َ‬
‫و‬
‫ن هُ ل َ‬
‫مل ْ‬
‫م ّ‬ ‫ضل ّ‬
‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬‫مل ْ‬
‫م ب ِهِ َ‬ ‫م كَ َ‬
‫فْرت ُ ْ‬ ‫عندِ ٱل ّلل ِ‬
‫هل ث ُ ّ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫م ِإن َ‬
‫كا َ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫د{‬ ‫ق ب َِعي ٍ‬
‫قا ٍ‬
‫ش َ‬
‫ِفي ِ‬
‫وحكم الله بالكفر على من كذب الرسول محمدا ً أو غيره من رسل‬
‫الله صلوات الله عليهم أجمعين ‪ ،‬ففي شأن المنافقين قللال الللله لرسللوله‬
‫في سورة )التوبة‪ 9/‬مصحف‪ 113/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫}لٱسلت غْفر ل َه َ‬
‫م لّرةً فَلللن‬
‫ن َ‬ ‫س لب ِْعي َ‬‫م َ‬ ‫فْر لهُ ْ‬
‫ست َغْ ِ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬
‫م ِإن ت َ ْ‬ ‫م أوْ ل َ ت َ ْ‬
‫ست َغْ ِ‬ ‫ْ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫دي ٱلل َ‬ ‫يغْفر ٱل ّلله ل َهم ٰلذ َ َ‬
‫م‬
‫قللوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫سللول ِهِ وَ ٱل للل ُ‬
‫ه ل َ ي َهْ ل ِ‬ ‫ّ‬ ‫ف لُروا ِبلل ٱل للهِ وََر ُ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مك َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬‫ُ ُ ْ ِ‬ ‫َ ِ َ‬
‫ن{‬ ‫قي َ‬
‫س ِ‬ ‫ٱ ْلل َ‬
‫فا ِ‬

‫فجعل تكذيبهم للرسول ‪ ،‬كفرا ً لنه في حقيقته تكذيب لله وكفر به‬
‫وكفر بآياته ‪.‬‬

‫ذب بيوم الدين ‪،‬فقال تعالى في سورة‬ ‫وحكم الله بالكفر على من ك ّ‬
‫)العنكبوت‪ 29/‬مصحف‪ 85/‬نزول(‪:‬‬
‫ُ‬
‫مت ِللي‬
‫ح َ‬ ‫سللوا ْ ِ‬
‫مللن ّر ْ‬ ‫قللآئ ِهِ أوْل َ ٰل لئ ِ َ‬
‫ك ي َئ ِ ُ‬ ‫ت ٱلل ّلهِ وَل ِ َ‬
‫ف لُروا ْ ِبآي َللا ِ‬
‫ن كَ َ‬ ‫}وَٱل ّل ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬ ‫وَأ ُوْل َ ٰلئ ِ َ‬
‫م{‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬

‫فالعقيدة السلمية ل تقبل التفريق في اليمان بين أركان اليمان ‪،‬‬


‫أو بين عناصر الركن الواحد ‪ ،‬واليمان غير قابللل للتجللزئة والتفريللق ‪ ،‬بللأن‬
‫يؤمن النسان ببعض العناصر ويكفر ببعضها ؛ وملن فعلل ذللك كلان كلافرا ً‬
‫غير مؤمن ‪ ،‬وهذا ما أعلنه القرآن بقول الله تعلالى فلي سلورة )النسلاء‪4/‬‬
‫مصحف‪ 92/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫هل‬ ‫ن ٱل للل ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫فرُقلوا ب َْيل َ‬ ‫ن أن ي ُ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ريل ُ‬ ‫ِ‬ ‫سلل ِهِ وَي ُ‬ ‫ن ِبلل ٱل للهِ وَُر ُ‬
‫ّ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ّٱلل ِ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫ن ٰذل ِل َ‬ ‫ْ‬ ‫خل ُ‬ ‫َ‬ ‫ض وَن َك ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ذوا ب َي ْل َ‬ ‫ن أن ي َت ّ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ل ُ‬ ‫ض وَي ُ ِ‬ ‫فُر ب ِب َ َعْل ٍ‬ ‫ن ب ِب َعْ ٍ‬ ‫م ُ‬‫ن ن ُؤْ ِ‬
‫قولو َ‬ ‫سل ِهِ َوي ُ‬ ‫وَُر ُ‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫مِهينا ً * وَ ٱل ّللل ِ‬ ‫ذابا ً ّ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫كا ُفِ ِ‬ ‫قا ً وَأعْت َد َْنا ل ِل ْ َ‬‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ٱْلل َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫سِبيل ً * أوْل َ ٰلئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫جو‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫تي‬‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫م‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫فر‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫َ ْ َ ُ ِ ِ ْ ُ َ ُ ْ‬ ‫ٰ‬
‫َْ َ َ ٍ ُْ ْ ْ ِ‬ ‫ِ َُ ُ ِ ِ َ ْ ُ‬ ‫ٱ‬‫آ َ ُ ِ‬
‫ب‬ ‫ا‬ ‫نو‬ ‫م‬
‫حيما ً {‬ ‫فورا ً ّر ِ‬ ‫هل غَ ُ‬ ‫ن ٱل ّلل ُ‬ ‫كا َ‬ ‫وَ َ‬

‫ففي هذا دليل واضح على أن اليمان ل يقبل التفريق بين أركانه ‪.‬‬

‫وخاطب الله بني إسرائيل بقوله في سورة )البقرة‪ 2 /‬مصحف‪87/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫فعَ ُ‬‫من ي َ ْ‬
‫جَزآُء َ‬‫ما َ‬‫ض فَ َ‬ ‫ن ب ِب َعْ ٍ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ْ‬
‫ب وَت َك ُ‬ ‫ض ٱللك َِتا ِ‬
‫ْ‬
‫ن ب ِب َعْ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫}‪...‬أفَت ُؤْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫شلد ّ‬ ‫ن إ ِلل ٰى أ َ‬ ‫دو َ‬
‫ملةِ ي ُلَر ّ‬
‫قَيا َ‬ ‫م ٱل ِ‬‫حي َللاةِ ٱللد ّن َْيا وََيلوْ َ‬ ‫خْزيٌ ِفلي ٱل َ‬ ‫منك ُ ْ‬
‫م إ ِل ّ ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ٰذل ِ َ‬
‫ن{‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫ل عَ ّ‬ ‫ما ٱ ل ّلل ُ‬
‫هل ب َِغافِ ٍ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ذا ِ‬‫ٱ ّللعَ َ‬

‫وفي هذا النص دليل واضللح أيض لا ً علللى أن عناصللر اليمللان ل تقبللل‬
‫التفريق ‪.‬‬
‫فاليمللان وحللدة متماسللكة مللتى انفكللت عللروة مللن عراهللا انحلللت‬
‫سائرها وانفرط عقدها ‪.‬‬

‫)‪(2‬‬
‫حرص السلم على إيمان الناس‬
‫وإنقاذهم من الكفر وشروره‬
‫من روائع مضمون رسالة السلم أنها تحرص أشد الحرص على‬
‫إيمان الناس وهدايتهم ‪ ،‬رغبة بإنقاذهم ونجاتهم وسلمتهم وسعادتهم ‪.‬‬

‫وقد حث السلللم المللؤمنين بلله علللى إرشللاد النللاس ودعللوتهم إلللى‬


‫اليمان والعلم الصللالح ‪ ،‬وسلللوك سللبيل الحللق والخيللر والفضلليلة ‪ ،‬وعلللى‬
‫قتالهم في بعض الحوال لزالة الموانع من نفوسهم ‪ ،‬أو لزالة الموانع من‬
‫طريق إيمانهم ‪ ،‬لنقاذ من يمكن إنقللاذه مللن صللفوفهم ‪ ،‬حللتى يكونللوا مللع‬
‫المؤمنين من أهللل دار النعيللم سللعداء راضللين مرضلليين ‪ ،‬ل مللن أهللل نللار‬
‫الجحيم أشقياء مطرودين من رحمة الله ‪.‬‬

‫فالدوافع لهداية الناس إلى اليمان وفعل الصالحات تنبللع مللن منللابع‬
‫الحب وإرادة الخير للناس أجمعين ‪.‬‬

‫ولو أن الناس كلهم كفروا بالله وعصوه لما كانوا يضرون الله شيئا ً ‪،‬‬
‫ولو أنهم جميعا ً آمنوا به وأطاعوه لما نفعوا الله شيئا ‪ ،‬ولما زادوا في ملكه‬
‫شيئا ً ‪ ،‬ولكن الله يحب لعباده أن يؤمنللوا ويصلللحوا حللتى يسللعدوا ‪ ،‬ويكللره‬
‫لهم أن يكفروا ويفسدوا حتى ل يكونوا من أهل الشقاوة والعذاب ‪.‬‬

‫وقد جاء في الحديث القدسي الثابت فللي الصللحيح ‪ ،‬أن الللله تعللالى‬
‫قال ‪" :‬يا عبللادي ‪ :‬إنكللم للن تبلغللوا ضللري فتضللروني ‪ ،‬ولللن تبلغللوا نفعللي‬
‫فتنفعوني ‪ ،‬يا عبادي‪ :‬لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى‬
‫قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ً ‪ .‬يا عبادي ‪ :‬لو أن أولكم‬
‫وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحللد منكللم مللا نقللص‬
‫ذلك من ملكي شيئا ً ‪ .‬يا عبللادي ‪ :‬لللو أن أولكللم وآخركللم وإنسللكم وجنكللم‬
‫قاموا في صعيد واحد ‪ ،‬فسألوني ‪ ،‬فأعطيت كل إنسان مسألته ‪ ،‬ما نقللص‬
‫مخَيط إذا أدخل البحر ‪ .‬يا عبادي ‪ :‬إنما هللي‬ ‫ذلك مما عندي إل كما ينقص ال ِ‬
‫أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ‪ ،‬فمن وجد خيرا ً فليحمد الله ‪ ،‬ومللن‬
‫ن إل نفسه"‪.‬‬‫وجد غير ذلك فل يلوم ّ‬

‫وما تضمنه هذا الحديث القدس نجده في نصوص عللدة مللن القللرآن‬
‫الكريم ‪.‬‬

‫فمنها قول الله تعالى لرسوله في سورة )آل عمران‪ 3/‬مصحف‪89/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫شْيئا ً‬‫ه َ‬ ‫ضّروا ٱل لل َ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م لن ي َ ُ‬ ‫ف رِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن ِفي ٱللك ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫عو َ‬
‫سارِ ُ‬‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬‫ك ٱلل ِ‬
‫ّ‬ ‫حُزن َ‬ ‫}وَل َ ي َ ْ‬
‫يريد ٱل ّلل َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ن ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫م * إِ ّ‬ ‫ظي ل ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬
‫خ َر ةِ وَلهُ ْ‬ ‫حظا ِفي ٱلل ِ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ل لهُ ْ‬ ‫هل أل ّ ي َ ْ‬
‫جع َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِ ُ‬
‫َ‬
‫م{‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬‫م عَ َ‬ ‫ً‬
‫شْيئا َولهُ ْ‬ ‫ضّروا ٱ ل لل َ‬
‫هل َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن لن ي َ ُ‬‫َ‬ ‫ما ِ‬‫للي َ‬ ‫ف َر ِبلٱ ِ‬ ‫شلت ََر وُا ٱللك ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٱ ْ‬

‫فالله تبارك وتعالى يخفف عن رسوله صلوات الله عليه حالة الحزن‬
‫التي كانت تعتريه ‪ ،‬حين يشاهد بعض قومه يسارعون في الكفر ‪ ،‬ويبين له‬
‫أن وظيفته في الناس التبليغ والدعوة إلى الللله ‪ ،‬وليسللت وظيفتلله تحويللل‬
‫الناس إلى الهداية ‪ ،‬فإنهم هم المسؤولون عن أنفسهم وعن سلوك سللبيل‬
‫الهداية ‪ ،‬ويبّين له أيضا ً أن الذين يسارعون في الكفر والذين اشتروا الكفر‬
‫باليمان لن يضروا الله شيئًا‪.‬‬

‫ة فلي‬
‫ة لهلم وغيلَرةٌ عليهلم ورغبل ٌ‬
‫أي ‪ :‬فالحرص علللى إيملانهم خدمل ٌ‬
‫نجاتهم وسعادتهم ‪.‬‬

‫ومنها قول الله تعالى في سورة )محمد‪ 47/‬مصحف‪ 95/‬نزول(‪:‬‬


‫من ب َعْدِ‬‫ل ِ‬ ‫شآّقوا ْ ٱل ّرل ُ‬
‫سو َ‬ ‫هل وَ َ‬‫ل ٱل ّلل ِ‬‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫دوا ْ َ‬‫ص ّ‬‫فُروا ْ وَ َ‬
‫ن كَ َ‬ ‫ن ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫م{‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫ط أعْ َ‬ ‫حب ِ ُ‬ ‫شْيئا ً وَ َ‬
‫سي ُ ْ‬ ‫ضّروا ْ ٱل ّلل َ‬
‫ه َ‬ ‫م ٱْللهُ د َ ٰى َلن ي َ ُ‬‫ن ل َهُ ُ‬
‫ما ت َب َي ّ َ‬
‫َ‬

‫فهؤلء الذين اختاروا الكفر ‪ ،‬وأضلافوا إليلله الصللد علن سللبيل اللله ‪.‬‬
‫ومعاداة الرسول ‪ ،‬من بعد ما تبين لهم الهدى ‪ ،‬إنهم في أعمالهم هذه كلها‬
‫لللن يضللروا الللله شلليئا ً ‪ ،‬ومللا يعملللونه مللن أعمللال للصللد عللن سللبيل الللله‬
‫ومناهضة الرسول ومقاومة السلم والمسلمين فسيحبطها الللله وسينصللر‬
‫أولياءه ‪.‬‬

‫فلن يضروا الله شيئا ً ‪ ،‬ولن يضروا أوليللاه وحملللة رسللالته إذا صللدق‬
‫هؤلء مع الله ‪ ،‬ولن ينالوا منهم إل أذى قد يصيبهم في الدنيا فللي أنفسللهم‬
‫أو أمللوالهم أو أرضللهم ‪ ،‬وعاقبللة الظفللر والنصللر سللتكون لهللم بتأييللد الللله‬
‫ونصره المبين ‪ ،‬وهذا ما بينه الله بقوله في سورة )آل عمران‪ 3/‬مصللحف‪/‬‬
‫‪ 89‬نزول( خطابا ً للمؤمنين في معرض الحديث عن اليهود‪:‬‬
‫ن{‬‫صُرو َ‬‫م ل َ ُين َ‬
‫َ‬
‫م ٱللد َُباَر ث ُ ّ‬
‫م ي ُوَّلوك ُ ُ‬
‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫م إ ِل ّ أ َ ً‬
‫ذى وَِإن ي ُ َ‬ ‫}َلن ي َ ُ‬
‫ضّروك ُ ْ‬

‫وأوضح الله تبارك وتعالى أنه غني عن عباده ‪ ،‬ولكن ل يرضى لعباده‬
‫رجس الكفر ورذائل الفسق والعصلليان ‪ ،‬بللل يحللب لهللم طهللارة اليمللان ‪،‬‬
‫وفضائل الستقامة والطاعة ‪ ،‬ثم يجازيهم على أعمالهم بالعدل ‪ .‬فقال الله‬
‫تعالى في سورة )الزمر‪ 39/‬مصحف‪ 59/‬نزول(‪:‬‬
‫ف لَر وَِإن‬‫ض ل ٰى ل ِعِب َللادِهِ ٱللك ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫عنك ُل ْ‬
‫م وَل َ ي َْر َ‬ ‫ي َ‬ ‫ن ٱل ّللل َ‬
‫هل غَن ِل ّ‬ ‫فُروا ْ فَلإ ِ ّ‬ ‫}ِإن ت َك ْ ُ‬
‫ُ‬
‫م‬ ‫جعُ ُ‬
‫كل ل ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫م ّ‬ ‫م إ ِل َل ٰى َرب ّك ُل ْ‬‫خ لَر ٰىث ُل ّ‬ ‫م وَل َ ت َلزُِر َوازَِرةٌ وِْزَر أ ْ‬ ‫ه ل َك ُل ْ‬ ‫ضل ُ‬ ‫ش لك ُُروا ْ ي َْر َ‬ ‫تَ ْ‬
‫دوِر{‬ ‫صل ُ‬‫ت ٱل ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬
‫ه عَِلي ٌ‬‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما كنت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ُ‬
‫فَي ُن َب ّئ ُكل ْ‬

‫ومن كفر فعليه كفره ‪ ،‬ول يزيده كفره عند ربه إل مقتا ً وخسارا ً ‪،‬‬
‫وفي هذا يقول الله تعالى في سورة )فاطر‪ 35/‬مصحف‪ 43/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫فلُرهُ وَل َ‬ ‫فلَر فَعَل َي ْلهِ ك ُ ْ‬ ‫مللن ك َ َ‬
‫ض فَ َ‬ ‫ف فِللي ٱللْر ِ‬ ‫خل َئ ِ َ‬‫م َ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫}هُوَ ٱّلل ِ‬
‫م إ ِل ّ‬
‫فُرهُل ْ‬ ‫ن كُ ْ‬
‫ري َ‬ ‫زيلد ُ ٱْلل َ‬
‫كللافِ ِ‬ ‫قتلا ً وَل َ ي َ ِ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫عند َ َرب ّهِل ْ‬
‫م ِ‬ ‫فُرهُ ْ‬‫ن كُ ْ‬‫ري َ‬ ‫زيد ُ ٱْلل َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫يَ ِ‬
‫ً‬
‫سارا{‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬

‫ويقابل هذا أن من آمن وعمل صالحا ً فلنفسه يقدم الخير ‪ ،‬وهللذا مللا‬
‫بّينه الله تعالى بقوله في سورة )الروم‪ 30/‬مصحف‪ 84/‬نزول(‪:‬‬
‫ل صاِلحا ً فَ َ‬ ‫فَر فَعَل َي ْهِ ك ُ ْ‬‫من ك َ َ‬
‫ي‬
‫جزِ َ‬‫ن * ل ِي َ ْ‬
‫دو َ‬‫مه َ ُ‬
‫م يَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬‫لن ُ‬ ‫م َ َ‬ ‫ن عَ ِ‬
‫م ْ‬
‫فُرهُ وَ َ‬ ‫} َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬‫ب ٱ ْلل َ‬ ‫ح ّ‬‫ه ل َيُ ِ‬ ‫من فَ ْ‬
‫ضل ِهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬‫صلال ِ َ‬‫مُلوا ْ ٱ ل ّ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ٱ ّلل ِ‬
‫ذي َ‬
‫من كل ذلك تتضح لنا الحقائق التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الله غني عن إيمان عباده وطاعتهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الكافرين ل يضرون الله شيئا ً ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن أعمللال الكللافرين لللن تضللر المللؤمنين الصللادقين مللع الللله إل‬
‫أذى ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن من كفر فعليه كفره ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -5‬أن من آمن وعمل صالحا فله عمله ‪.‬‬

‫)‪(3‬‬
‫أسباب الكفر والضلل‬

‫يتبين لنا بالتأمل وبالتتبع العلمي في تقصي الواقع النساني طائفة‬


‫من أسباب الكفر والضلل في النللاس ‪ ،‬ونللذكر فيمللا يلللي أسللبابا ً وعوامللل‬
‫رئيسية تتضمن أسبابا ً وعوامل فرعية كثيرة ‪.‬‬

‫* السممبب الول – النحممراف الفكممري عممن منهممج التفكيممر‬


‫السديد‪:‬‬
‫ً‬
‫وفي تتبع هذا السبب وظواهره نلحظ أن كثيرا من الناس يقبلون‬
‫ول أوهامهم وتخيلتهللم أو ظنللونهم إلللى حقللائق‬
‫في حياتهم الفكرية أن تتح ّ‬
‫علمية وعقائد ثابتة ‪ ،‬دون أن يكون لها نصيب من الحقيقللة ‪ ،‬ودون أن تمللر‬
‫في مراحل الطريق المنطقي السليم للمعرفة ‪ ،‬وبذلك يقعون في ضللت‬
‫فكرية ذات نتائج خطيرة ‪.‬‬

‫وزاوية النطلف في هذا السبب تبدأ من اتباع الظن الضللعيف الللذي‬


‫ويه‬
‫هللو دون مسللتوى الرجحللان ‪ ،‬لفتقللاره إلللى دليللل عقلللي أو علمللي يقل ّ‬
‫ويرجحه ‪ ،‬وهذا الظن التوهمي الكاذب هو الذي اتبعه من جعلوا لله شركاء‬
‫بغير حللق ‪ ،‬وفيهللم قللال الللله تعللالى فللي سللورة )يللونس‪ 10/‬مصللحف‪51/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫مللا ي َت ّب ِلعُ ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫ض وَ َ‬‫ن فِللي ٱللْر ِ‬ ‫م ْ‬
‫ماَوات وَ َ‬ ‫من ِفي ٱل ّ‬
‫سل َ‬ ‫ّ‬
‫ن للهِ َ‬‫} أ ۤل إ ِ ّ‬
‫ن{‬ ‫صو َ‬‫خُر ُ‬ ‫ّ‬
‫م إ ِل ي َ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ن إ ِل ٱل ظل ّ‬
‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن ٱل للهِ ُ‬
‫شَركآَء ِإن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ّ‬ ‫دو ِ‬‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬
‫ي َد ْ ُ‬

‫أي ‪ :‬ما يتبع الذين يدعون من دون الله شللركاء حقيقييللن ‪ ،‬لن الللله‬
‫واحلد ل شلريك لله ‪ ،‬إن يتبعلون إل الظلن التلوهمي الكلذاب ‪ ،‬وإن هلم إل‬
‫يخرصون ‪ ،‬أي‪ :‬وإن هم إل يكذبون على الحقيقللة بللالتوهم الكللاذب والظللن‬
‫الضعيف الذي ل قيمة له في تحصيل المعارف ‪.‬‬

‫وقد يكون الباعث علللى قبللول الظللن الللذي ل قيمللة للله فللي مجللال‬
‫اكتساب المعرفة كونه موافقا ً لهللوى النفللس ‪ ،‬وهللذا الهللوى يزي ّللن ضللعيف‬
‫الظنون ويحسنه لدى النفوس ويكبره ويجسمه بالوهم وبالتخيللل الكللاذب ‪،‬‬
‫ول يزل ينفللخ فيلله حللتى يسلليطر علللى المشللاعر ‪ ،‬ويسللتحوذ علللى الفكللر‬
‫أخيرا ً ‪ ،‬وعندئذٍ يتبع صاحب هذا الظن الضللعيف ظنلله معتقللدا ً أنلله حقيقللة ‪،‬‬
‫وهو فلي أصللله خللرص مللن نسلليج الخيللال وحياكللة الللوهم الكللاذب ‪ ،‬وهللذا‬
‫الرديف ملن الهلوى هلو اللذي سلاعد عللى دفلع المشلركين اللوثنيين إللى‬
‫ضللتهم ‪ ،‬ولذلك خاطبهم الله بقوله عن معقتداتهم في سورة )النجم‪53/‬‬
‫مصحف‪ 23/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مللن‬ ‫هل ب ِهَللا ِ‬‫ل ٱل للل ُ‬
‫ّ‬ ‫مللآ أن َلَز َ‬ ‫ُ‬
‫م َوآب َللآؤُكم ّ‬
‫هآ أنت ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مي ْت ُ ُ‬
‫س ّ‬ ‫مآٌء َ‬
‫س َ‬‫ي إ ِل ّ أ ْ‬
‫ن هِ َ‬ ‫}إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫وى ٱللن ُ‬
‫م‬
‫مللن ّرب ّهِ ل ُ‬ ‫هم ّ‬ ‫جللآَء ُ‬
‫ق لد ْ َ‬ ‫َ‬
‫س وَل َ‬
‫فل ُ‬ ‫ما ت َهْ َ‬‫ن وَ َ‬ ‫ن إ ِل ّ ٱل ظل ّ‬
‫ّ‬ ‫ن ِإن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫سل ْ َ‬
‫طا ٍ‬ ‫ُ‬
‫ٱل ْهُد َ ٰى{‬

‫ولما كان أكثر الناس تسيطر الظنون الضعيفة والوهام السخيفة‬


‫ذر الله من اتباع أكثر مللن‬ ‫على أفكارهم ونفوسهم فيتبعونها ويعتقدونها ‪ ،‬ح ّ‬
‫في الرض ‪ ،‬فقال تعالى في سورة )النعام‪ 6/‬مصحف‪ 55/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ٱل ّلللهِ ِإن ي َت ّب ِعُللو َ‬
‫ن‬ ‫سِبي ِ‬
‫عن َ‬ ‫ضّلو َ‬
‫ك َ‬ ‫من ِفي ٱللْر ِ‬
‫ض يُ ِ‬ ‫}وَِإن ت ُط ِعْ أك ْث ََر َ‬
‫ن{‬
‫صو َ‬ ‫م إ ِل ّ ي َ ْ‬
‫خُر ُ‬ ‫ن هُ ْ‬
‫نل وَإ ِ ْ‬ ‫إ ِل ّ ٱل ّ‬
‫ظل ّ‬

‫أي ‪ :‬يرجمون بالخرص التخيلي أو التوهمي ‪ ،‬ويقررون ما يقع عليه‬


‫خرصهم على أنه حقيقة ‪ ،‬ويبنون على ذلك عقائدهم وأعمالهم ‪.‬‬

‫ولهللذا السللبب الرئيسللي عوامللل فرعيللة متعللددة داخللل النفللوس‬


‫النسانية منها العوامل التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬الغرور بالنفس والعجاب بالرأي ‪:‬‬
‫فقد تلمع في نفس النسان بارقة من فكرة تمر في خياله أو توهمه‬
‫‪ ،‬فيأتي الغرور بالنفس فيلبسللها ثوبلا ً لماعلا ً مزركشلا ً ‪ ،‬فتحلللو فللي نفسلله‬
‫وتزدان ‪،‬ثم يتجسم توهمه بها حتى تصبح لديه فكرة ثابتة أو عقيدة راسخة‬
‫دون أن يعالجها بالحجة والبرهان ‪ ،‬والمناقشة المنطقية السليمة ‪.‬‬

‫وقد يسعى مبشرا ً بها بين السذج وضعفاء التكفير والجاهلين ‪ ،‬مزينا ً‬
‫حجته بزخرف من القول ‪ ،‬أو مستخدما ً قوة شخصيته أو قللوة نفللوذه ‪ ،‬ثللم‬
‫يكون له مؤيدون وأنصار يتابعونه على ضللته الللتي انخللدع هللو بهللا بعامللل‬
‫الغرور بالنفس والعجاب بالرأي ‪.‬‬

‫وقد نشأ في التاريخ فرق متعددة تحمل مذاهب فكرية باطلة ‪،‬‬
‫وذلك بسللبب إصللابة واحللد مللن النللاس أو مجموعللة منهللم بمللرض الغللرور‬
‫بالنفس والعجاب بالرأي ‪ ،‬ثم كان منه ومن عوامل أخرى ضللت موروثة‬
‫‪ ،‬استمسكت بها أجيال متلحقة ‪ ،‬بللات مللن العسللير التخلللص منهللا إل فللي‬
‫ظروف معالجات فكرية ونفسية مؤثرة ‪.‬‬

‫‪ -2‬الجهل العام الممذي يسمممح بتقبممل كممثير مممن المفمماهيم‬


‫الباطلة‪:‬‬
‫وهنا نلحظ أنه قد تشيع في مجتمع متخلف فكريا ً أو ثقافيا ً أفكار‬
‫باطلة محرفة عن منهج التفكير السليم ‪ ،‬وتجد هذه الفكللار الباطلللة قبللول ً‬
‫في هذا المجتمع ‪ ،‬وذلك بسبب تخلفه العلمي ‪ ،‬ثم يتطاول المللد فتمسللي‬
‫هذه الفكار عقائد قومية متوارثة ‪ ،‬وتقاليد مّتبعة ثابتة ‪ ،‬كأنها مللن الحقللائق‬
‫البدهية التي ل تقبل أية مناقشة فكرية أو أي تغيير ‪.‬‬

‫ومن هللذه المفللاهيم الباطلللة مفللاهيم يلقيهللا بيللن المجتمللع الجاهللل‬


‫ماكرون مضللون مللن شللياطين النللس ‪ ،‬لهللم مصللالح وأغللراض وشللهوات‬
‫خاصة من بللث هللذه الفكللار الباطلللة ‪ ،‬والخرافللات والوهللام وتزيينهللا فلي‬
‫نفوس القوم ‪ ،‬وذلك ليكللون لهللذه النحرافلات والخرافلات ثملرات ممتعللة‬
‫لولئك الشياطين يستغلونها ‪ ،‬ويستثمرونها ‪ ،‬ويقضون شللهواتهم وملللذاتهم‬
‫على مصائب القوم من مفاهيمهم الباطلة ‪.‬‬

‫‪ -3‬التقليد العمى‪:‬‬
‫من الملحظ أن النسان ينشأ في بيئة من البيئات الجتماعية‬
‫فيكتسللب منهللا معللارف ومهللارات وعللادات وأخلقللا ً كللثيرة ‪ ،‬ومللن هللذه‬
‫المكتسبات ما هو حق ‪ ،‬ومنها ما هللو باطللل ‪ ،‬ومنهللا أيض لا ً مللا هللو صللالح ‪،‬‬
‫ومنها ما هو فاسد ‪ ،‬وبمقتضى نشوئه في هذه البيئة الجتماعية يتكون لديه‬
‫بدافع النانية خلق التعصب لهله وعشيرته وقومه ‪ ،‬والتعصب لجميع ما هو‬
‫في بيئته من مفاهيم وعادات وأخلق ‪ ،‬لنه يتصور أنلله بتعصللبه هللذا يللدافع‬
‫عللن كيللانه الللذاتي ‪ ،‬ولكنلله دفللاع ليللس فللي محللله ‪ ،‬إذ هللو دفللاع عللن‬
‫النحراف ‪.‬ولو أنه سللمح لقللواه العقليلة المتجللردة علن ملؤثرات اللبيئة أن‬
‫تبحث وتناقش وتميز بين الحق والباطل والخير والشر والصالح والفاسللد ‪،‬‬
‫لوجللد أن دفللاعه عللن ذاتيتلله إنمللا يكللون بتقويمهللا وإصلللح عوجهلا ‪،‬وهجللر‬
‫الموروثات الباطلة ‪ ،‬والستمساك بالحق منها ‪.‬‬

‫وبالتتبع نلحظ أن كثيرا ً من الناس ليللس لهللم فيمللا يستمسلكون بله‬


‫من مفاهيم وعادات باطلة أية حجة ‪ ،‬إل أنهللا أشللياء ورثوهللا عللن أسلللفهم‬
‫من قومهم ‪ ،‬فاقتدوا بهم وتعصبوا لهم وساروا على آثارهم دون بصللر فيهللا‬
‫أو نظر ‪.‬‬

‫‪ -4‬المبالغة في تعظيم بعض العظماء من الناس‪:‬‬


‫نظرة تأمل في التاريخ النساني تكشف لنا أنه قد يظهر بين حين‬
‫سلّلم‬
‫وآخر في كل أمة من المللم أفللذاذ منهللا ‪ ،‬يبلغللون درجللة عاليللة فللي ُ‬
‫الكمال التي تعتبره تلك المة كالتقوى والستقامة أو العلللم والعبقريللة ‪ ،‬أو‬
‫الخلص لمتهللم وبلدهللم ‪ ،‬وقللد يكتللب الللله علللى أيللديهم بعللض الظفللر‬
‫والزدهار والنجاح الباهر ‪ ،‬والتوفيللق العظيللم ‪ ،‬ومللا إلللى ذلللك مللن رغللائب‬
‫ظمهم الناس ‪ ،‬ويمجدونهم ويلبسونهم ثوبا ً من الكمال ليسللوا أهل ً للله ‪،‬‬ ‫فيع ّ‬
‫حتى يعتبروا كل عمل من أعمالهم ‪ ،‬وكل خلق من أخلقهم حسنا ً وإن كان‬
‫قبيحا ً ‪ ،‬وخيرا ً وإن كان شرا ً ‪ ،‬وحتى يعتبروا كل قول من أقوالهم حقللا ً وإن‬
‫كان باطل ً ‪ ،‬ويبالغ بعضهم فللي ذلللك حللتى يخلللع عليهللم صللفة التنزيلله عللن‬
‫النقص والخطأ ‪ ،‬والعصمة من كل إثم ‪.‬‬

‫ويسري هذا الداء إللى نفللوس الرعلاع السلذج أو الجهلء أو ناقصللي‬


‫التفكير ‪ ،‬فيبلغون في تقديسهم إلى حد توهم اللوهية أو جزء منها فيهللم ‪،‬‬
‫وينحرفون بذلك عن منهج التفكير السليم ‪ ،‬ويتجاوزون كل حد مقبول فللي‬
‫العقول الصحيحة ‪ ،‬وقد يشجعهم على ذلك بعض الذكياء الذين يستطيعون‬
‫اسللتغللهم واسللتثمارهم مللن خلل حماقللاتهم وانحرافللاتهم فللي الفكللار‬
‫والعادات ‪ ،‬أو من خلل تخلفهم عن مواكبة ركب العلم الصحيح والحضللارة‬
‫النافعة ‪.‬‬

‫ومن المنغمسللين فللي هللذه الضللللة وثنيللو القللرن العشللرين الللذين‬


‫يلحللدون بللالله ‪ ،‬ويتخللذون لعظمللائهم أوثانللا ً يقدسللونها ‪ ،‬ويفللدون إلللى‬
‫زيارتها ‪،‬ويمنحونها الكاليل ‪ ،‬ويهدونها طاقللات الللورود ‪ ،‬ويعتللبرون مخللالف‬
‫تعاليمهم من أكبر الكبائر التي توجب العدام أو السجن المؤبد ‪ ،‬أو البعللاد‬
‫والطرد ‪ ،‬أو توجب حروبا ً طاحنة تهلك الحرث والنسل ‪.‬‬

‫‪ -5‬فلسفات ناقصة أو أصول فكرية فاسدة‪:‬‬


‫من الملحظ أن العامل في كثير من ألوان الضللت الفكرية‬
‫فلسللفات ناقصللة أو أصللول فكريللة فاسللدة ‪ ،‬وفللي المجتمعللات النسللانية‬
‫مظاهر متعددة لهذه الفلسفات الناقصة والصول الفكرية الفاسدة ‪.‬‬

‫ومن مظاهرها الفلسفات التي تللؤدي علللى تعطيللل دلئل السللتنتاج‬


‫العقلي القاطع ‪ ،‬وتؤدي إلى الوقوف عنللد حللدود المللادة المدركللة بللالحس‬
‫المباشر أو عن طريللق الجهللزة ‪ ،‬وتللؤدي إلللى إنكللار الللوحي ‪ ،‬وإنكللار أيللة‬
‫حقيقة من حقائق الغي التي تأتي بهللا النبللوات ‪ ،‬بللدعوى أنهللا غيللر مدركللة‬
‫بالحس فل يصح في نظرهم القاصر التسليم بها ‪.‬‬

‫وهذه النظرة القاصرة إلى الوجود والتي يشهد ببطلنها كل عقل‬


‫واٍع مدرك هي مصدر شللر كللبير أفضللى ببعلض النلاس إلللى اعتنللاق فكللرة‬
‫الماديللة الملحللدة ‪ ،‬الللتي ل تعللترف بشلليء إل باللللذة والغريللزة وحللدود‬
‫الظواهر المادية ‪.‬‬

‫خل ُممق‬
‫* السبب الثمماني – النحممراف النفسممي عممن منهممج ال ُ‬
‫القويم‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نلحظ لدى دراسة أحوال الناس أن فريقا كبيرا من ذوي الضللة‬
‫في الرض لم يضلوا لجهلهم بالحقيقة بسبب عامل من عوامللل النحللراف‬
‫الفكري عن منهج التفكير السليم ‪ ،‬وإنما ضلوا أو أجرمللوا بسللبب هروبهللم‬
‫من وجه الحقيقة إرضاء لشهوة من شهوات نفوسهم ‪ ،‬ورغبة من رغائبها ‪.‬‬

‫ومتى هرب النسان من وجه الحقيقللة سللعى ينتحللل لنفسلله مبللادئ‬


‫أخرى باطلة ليحلها في محلها ‪ ،‬ثم يكدح كدحا ً شللديدا ً ليقنللع نفسلله وغيللره‬
‫بصحتها وسلمتها ‪ ،‬وضرورة الخذ بها ‪.‬‬

‫وذلك لن الفكر السوي يصللعب عليلله أن يسلللم بالمفللاهيم الباطلللة‬


‫مهما أغرت الهواء والشهوات بزخرفها ‪ ،‬ولكن سلطان الهواء والشللهوات‬
‫يأسر النفوس فيجعل بينها وبين العقل السليم غشللاوة ‪ ،‬ومللتى طللال أمللد‬
‫الغشاوة الحاجبة للعقل عن عمله السللديد تبلللد الفكللر ‪ ،‬وفسللدت طريقللة‬
‫البحث لديه ‪.‬‬

‫وزاوية النطلق في هذا السبب تبدأ من اتباع الهواء والشهوات ‪.‬‬

‫إن الهواء والشهوات في النفس تميل في أغلب أحيانها إلى اغتنام‬


‫اللذات العاجلة ‪ ،‬ولو كان من ورائها مشار وآلم كثيرة آجلللة ‪ ،‬وتميللل إلللى‬
‫زخرف الحياة الدنيا وزينتها وتفاخرها ولو كان في ذلك شقاء أبدي بسللخط‬
‫الله ‪.‬‬

‫فمن طبع أهواء النفوس وشهواتها أنها تؤثر العاجلة ‪ ،‬وتذر الخللرة ‪،‬‬
‫مللا لللم يضللبطها ضللابط مللن العقللل الصللحيح الراجللح ‪ ،‬المقللرون بللالرادة‬
‫الحازمللة ‪ ،‬أو ضلابط ملن اليملان الراسللخ والللدين المهيملن عللى النفلس‬
‫ل جلله‪.‬‬ ‫والمتغلغل في أعماق القلب والوجدان والمقرون بتقوى الله ج ّ‬

‫لذلك كان اتباع الهواء والشهوات من السباب المضلة المبعدة عللن‬


‫صراط الله المستقيم ‪ ،‬والمفضية بالنسان إلى مواقع تهلكته ‪.‬‬

‫ولللذلك كللانت الهللواء والشللهوات مللن الوسللائل الللتي تسللتغلها‬


‫الشياطين للغواء ‪ ،‬فتدغدغها وتثيرها وتوجهها للنحراف عن صللراط اللله ‪،‬‬
‫ول تزال تسيطر عليها شيئا ً فشيئا ً ‪ ،‬حتى تكون أسلحة فتاكللة فللي أيللديها ‪،‬‬
‫وقد تستدرج النسان عن طريق أهوائه وشهواته حتى تصل به إلللى مواقللع‬
‫الكفر بالله وبكل فضيلة إنسانية ‪.‬‬
‫ولذلك حذرنا الله تبارك وتعالى مللن اتبللاع الهللواء والشللهوات علللى‬
‫غير هدى من الله ‪.‬‬

‫فقال الله تعالى في سورة )الروم‪ 30/‬مصحف‪ 84/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫ن أ َ‬
‫م ْ‬
‫دي َ‬ ‫عل ْم ٍ فَ َ‬
‫من ي َهْ ِ‬ ‫م ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫م ۤوا ْ أهْ َ‬
‫وآَءهُ ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ل ٱت ّب َعَ ٱل ّ ِ‬ ‫}ب َ ِ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬‫ص ِ‬
‫من ّنا ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ٱ ل ّلل ُ‬
‫ه وَ َ‬

‫ففي هذه الية يبين الله أن من السباب الموصلة إلى الظلم‬


‫والموقعة فيه اتبللاع الهللواء ‪ ،‬وقللد ضللل الظللالمون بسللبب اتبللاعهم أهللواء‬
‫نفوسهم فحكم الله عليهم بالضللللة حكملا ً عللادل ً ‪ ،‬فمللن يهللدي مللن أضللل‬
‫الله؟ أي ‪ :‬حكم عليه بالضللة ‪ ,‬ومن ينصره مللن عقللاب الللله؟ إنلله ل أحللد‬
‫يحكم له بالهداية بعللد أن حكللم الللله عليلله بالضللللة ‪ ،‬ول أحللد ينصللهر مللن‬
‫عقاب الله ‪.‬‬

‫وخللاطب الللله رسللوله محمللدا ً ‪ ‬بقللوله فللي سللورة )القصللص‪28/‬‬


‫مصحف‪ 49/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك َفل ٱ ْ‬
‫ن‬
‫ملل ْ‬
‫م ّ‬ ‫ض ّ‬
‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬
‫وآَءهُ ْ‬‫ن أهْ َ‬ ‫ما ي َت ّب ُِعو َ‬
‫م أن ّ َ‬ ‫علل َ ْ‬ ‫جيُبوا ْ ل َ َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫}فَِإن ل ّ ْ‬
‫م يَ ْ‬
‫ن{‬‫مي َ‬ ‫م ٱل ّ‬
‫ظلال ِ ِ‬ ‫ق وْ َ‬‫دي ٱ ْلل َ‬‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫ن ٱ ل ّلل َ‬ ‫هل إ ِ ّ‬‫ن ٱ ل ّلل ِ‬ ‫م َ‬‫دى ّ‬ ‫ٱ ّتلب َعَ هَ َ‬
‫واهُ ب ِغَي ْرِ هُ ً‬
‫وقال تعالى في سورة )محمد‪ 47/‬مصحف‪ 95/‬نزول(‪:‬‬
‫مل ِهِ وَٱت ّب َعُ ۤوا ْ‬ ‫َ‬
‫س ۤوُء عَ َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫من ُزي ّ َ‬ ‫ن عَل َ ٰى ب َي ّن َةٍ ّ‬
‫من ّرب ّهِ ك َ َ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫} أف َ َ‬
‫م{‬ ‫َ‬
‫واَءهُ ْ‬ ‫أه ْ َ‬

‫وهكذا وصف الله الكافرين والمنافقين في مواضع عديدة من كتابه‬


‫بأنهم اتبعوا أهواءهم ‪ ،‬إشارة إلى أن سبب ضللهم هو اتباعهم أهواءهم ‪.‬‬

‫ومللن فللروع اتبللاع الهللواء اتبللاع الشللهوات بللإفراط وتجللاوز لمنهللج‬


‫العتدال والحق ‪.‬‬

‫وقللد أوضللح الللله أن اتبللاع الشللهوات كللان سللببا ً فللي ضلللل ذريللة‬
‫الصالحين ‪ ،‬فقال تعالى في سورة )مريم‪ 19/‬مصحف‪ 44/‬نزول(‪:‬‬
‫صللل َةَ َول ٱّتلب َعُللوا ْ ٱل ّ‬ ‫خل ْل ٌ َ‬
‫ت‬
‫وا ِ‬‫شللهَ َ‬ ‫عوا ْ ٱل ّ‬
‫ضللا ُ‬
‫فأ َ‬ ‫م َ‬
‫مللن ب َعْ لدِهِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫خل َل َ‬‫}ف َ َ‬
‫ن غَي ًّا{‬
‫قو َ‬ ‫ف ي َل ْ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫سوْ َ‬

‫أي‪ :‬فسوف يلقون جزاء غّيهم ‪.‬‬

‫وحذرنا الله مللن مكللائد الللذين يتبعللون الشللهوات ومللن تضللليلتهم ‪،‬‬
‫فقال تعالى في سورة )النساء‪ 4/‬مصحف‪ 92/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫َ‬
‫ت أن‬‫وا ِ‬
‫شللهَ َ‬ ‫ن ي َت ّب ِعُللو َ‬ ‫ريلد ُ ٱّللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ب عَل َي ْك ُل ْ‬
‫م وَي ُ ِ‬ ‫ريد ُ أن ي َُتو َ‬ ‫}وَ ٱل ّلل ُ‬
‫ه يُ ِ‬
‫ظيمًا{‬ ‫مي ْل ً عَ ِ‬‫ميُلوا ْ َ‬
‫تَ ِ‬

‫أي‪ :‬يريدون أن تنغمسوا معهم في تناول الشهوات بانحراف مسرف‬


‫‪ ،‬ويتخذون ما لديهم من وسائل لتحقيق مرادهم هذا ‪.‬‬

‫مطلٍغ‬
‫ومن اتبللاع الهللواء والشللهوات اتبللاع وسللائل الللترف بللإفراط ُ‬
‫وسرف مفسد للنفوس ‪ ،‬وباعث على الكبر والعجب ‪ ،‬ومسبب للغفلة عللن‬
‫الحق والخير ‪ ،‬ونسيان العواقب وعدم النظر إليها‪.‬‬

‫قال الله تعالى في سورة )هود‪ 11/‬مصحف‪ 52/‬نزول(‪:‬‬


‫ن{‬
‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫مآ أ ُت ْرُِفوا ْ ِفيهِ وَ َ‬
‫كاُنوا ْ ُ‬ ‫موا ْ َ‬
‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫}وَ ٱّتلب َعَ ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬

‫ولهذا السبب الرئيسي )وهللو النحللراف النفسللي عللن منهللج الخلللق‬


‫القويم( عوامل فرعية متعددة داخل النفوس النسانية ‪ ،‬نذكر منها العوامل‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬الحسد القبيح‪:‬‬
‫إن الحسد القبيح مرض خبيث من أمراض النفوس ‪ ،‬يغري صاحبه‬
‫أن يغمللط الحللق وينكللره ويجحللد بلله ‪ ،‬مهمللا كللان ظللاهرا ً مؤيللدا ً بالحجللج‬
‫والبراهين ‪.‬‬
‫وإذا تصفحنا التاريخ القديم والحديث وجلدنا أمثلللة كلثيرة عللى ذلللك‬
‫من الواقع النسلاني ‪ ،‬وملن أمثلتله حسللد اليهللود للعللرب إذ جلاء الرسلول‬
‫المنتظر منهمل من بني إسرائيل كما كانوا يودون ويهوون ‪.‬‬

‫‪ -2‬النانية الضيقة‪:‬‬
‫والنانية حب النسان لنفسلله فقللط أو لمحيطلله الضلليق ‪ ،‬مللع قصللر‬
‫نظر عللن العللواقب ‪ ،‬وهللي تولللد فللي المجتمعللات النسللانية حللب الثللرة ‪،‬‬
‫واحتكار كل خير ومتعلة ‪ ،‬وادعلاء كللل فضلليلة وشلرف ‪ ،‬وذللك يلؤدي إلللى‬
‫التنازع والتشاحن والبغضاء ‪ ،‬وتبديللد طاقللات الجماعللة تبديللدا ً داخلي لا ً بللدل‬
‫تجميعها ضد عدوها وعدو الحق والخير والفضيلة والجمال ‪.‬‬

‫وكم كان لهذه النانية الضيقة من نتائج سيئة شنيعة ‪ ،‬قوضلت كلثيرا ً‬
‫من أبنية حضارية شامخة ورمت بأمم كثيرة من قمم المجللد إلللى حضلليض‬
‫المذلة والمهانة ‪ ،‬وورثتها مفاهيم فاسدة‪ .‬وجعلتها تتخلف أجيال ً وقرونا ً عن‬
‫مواكب ركب الحضارة والتقدم ‪ ،‬ونور العلم والخير والفضيلة ‪.‬‬

‫‪ -3‬النوازغ النفسية الرامية إلى تحقيق مطالبها بشذوذ‪:‬‬


‫في ظل تهاون تربوي وبعد عن منهج السلم القويم قد تنمو في‬
‫النسللان بعللض دوافعلله النفسللية نمللوا ً غيللر طللبيعي ‪ ،‬شللبيها ً بنمللو الورام‬
‫الخبيثة في الجسد ‪ ،‬حتى تكون لهذه الللدوافع صللفة السلليادة العامللة علللى‬
‫كل مقومات النسان ‪ ،‬وعند ذلك يفقد هذا الفرد توازنه النساني السوي ‪،‬‬
‫ومتى بلغت في النسان دوافعه النفسية إلى هللذا الحللد مللن الشللذوذ غيللر‬
‫الطبيعي أمست نوازغ شر وضر وفساد ‪.‬‬

‫وعندئذٍ تنطلق هذه النوازغ في كيان النسان محاولة أن تستبد به‬


‫استبدادا ً خطيرا ‪ ،‬فإذا تخاذلت إرادة النسان أمام نازغ من نوازغ الشر فيه‬
‫تبّلد فهمه العميق للمور ‪ ،‬وانحجب عقله الواعي الذي يعقللله عللن الشللر ‪،‬‬
‫وأخذ ذكللاؤه يتشللاغل بظللواهر المللور وسللطوحها القريبللة ‪ ،‬ويتعللامى عللن‬
‫بواطنها وعواقبها ‪ ،‬ثم يحاول هذا الذكاء الغبي السللطحي أن ينسللج الحيللل‬
‫بمكر ودهاء ليقدم لنازغة الشر مطالبها الدنيئة الحقيرة ‪ ،‬ولللو عللن طريللق‬
‫الفساد والجريمة وإنكار الحق ‪.‬‬

‫عنللدئذ ٍ تبللدأ صللور الفسللاد والجريمللة تظهللر فللي سلللوكه الشللاذ‬


‫المنحرف ‪ ،‬كما تبدأ صور تبرير هذا النحلراف تظهلر فلي المفلاهيم والراء‬
‫التي يبثها ‪ ،‬ويحاول إقناع الناس بها بغية المحافظة على مركزه الجتماعي‬
‫‪ ،‬وحماية نفسه من غضب الجماهير الذين ينالهم شره وضره ‪.‬‬

‫ل‪ -‬يذبح الفضيلة مرتديا ً مسوح التقللوى ‪ ،‬ويمللارس الجريمللة‬


‫فهو –مث ً‬
‫حامل ً شعار النسانية ‪ ،‬ويقوض دعائم الحق والهدى باسم محاربللة الباطللل‬
‫والضلل ‪ ،‬ويهدم أبنية الخير الفاضلة باسم التخلص ملن الفسلاد ‪ ،‬ويحللاول‬
‫محو شرائع الله الحقة التي تحمل للناس السعادة والمجللد باسللم الصلللح‬
‫الديني أو الصلح الجتماعي ‪.‬‬
‫فإذا وقفت في سبيله نصوص الشللريعة الثابتللة أنكرهللا وأّولهللا ‪ ،‬وإذا‬
‫أرهبته في طريق جريمته معتقداته عن وجود الله وعدله وجزائه يوم الدين‬
‫ألحد بالله وأنكر العدل والجزاء ‪ ،‬وسعى يقتنص للحاده أدلة واهيللة ليخللدع‬
‫س شلاذة مثللل نفسلله ‪ ،‬وليخللدع بهلا اللدهماء ملن‬ ‫بها نفسه ومن للديه نفل ٌ‬
‫الناس ‪ .‬لئل يثوروا عليه ‪ ،‬فإذا انطلت حيلته على جمهور من الناس انطلق‬
‫داخل ً فللي كللل نفللق شلليطاني خللبيث ‪ ،‬خشللية أن تنكشللف خللبيئة نفسلله‬
‫المجرمة ‪ ،‬وفرارا ً من النور إلى الظلمات ‪ ،‬وهروبا ً من وجه الحق المبين ‪،‬‬
‫والعلم المنير ‪ ،‬والخيللر والفضلليلة ‪ ،‬إلللى معاقللل شللياطين الباطللل والشللر‬
‫والرذيلة ‪.‬‬

‫ومللن هللذه النللوازغ الشللاذة مللا يسللمى بجنللون العظمللة ‪ ،‬والرغبللة‬


‫بالسلطان ‪ ،‬ومنها الفراط الشللديد بحللب المللال والفتنللة الشللديدة بجمعلله‬
‫ومنعه ‪ ،‬ومنها شهوة الظلم والقتل والعتداء على الخرين ‪ ،‬ومنها الللدوافع‬
‫الجنسية الشاذة المفرطة ‪ ،‬إلى غير ذلك من نوازغ ‪.‬‬

‫‪ -4‬الكبر ‪:‬‬
‫وكثيرا ً ما يكللون الكللبر عللامل ذا أهميللة مللن العوامللل الصللارفة عللن‬
‫ً‬
‫الستجابة للحق ‪ ،‬والباعثة إلى التمرد عليلله ‪ ،‬والخللروج عللن دائرة الطاعللة‬
‫ل وعل ‪ ،‬وعامل ً أيضا ً في تكوين معتقدات ومفاهيم باطلة وتقاليد‬ ‫للخالق ج ّ‬
‫وعادات فاسدة ‪ ،‬ومتى نفخ الكبر في أنف صللاحبه واسللتولى علللى إرادتلله‬
‫شى على عقله وساقه بعنف إلى غمط الحق وطمس معللالمه ‪ ،‬وانتحللال‬ ‫غ ّ‬
‫صور من الباطل على تزيينها وتحسينها بالحجج التافهة التي ل تقللوى علللى‬
‫النهوض أمام قوة الحق لدى ذوي العقول السليمة ‪.‬‬

‫وقديما ً كان الكبر هو الصللارف لبليللس عللن طاعللة الللله ‪ ،‬كمللا كللان‬
‫الصارف لبعض زعماء العرب عن الدخول في السلم أيام نزول الرسالة ‪،‬‬
‫والكبر هو الصارف لكثير من المترفين عن النخراط مع جماعة المسلمين‬
‫‪ ،‬حتى يظلوا مللترفعين فللي أبراجهللم الذهبيللة ‪ ،‬فهللم ل يشللعرون بمشلاعر‬
‫العامة ‪ ،‬ول يشاركون في مختلف مظاهر وحدتها وتكاتف صفها ‪.‬‬

‫‪ -5‬الحقاد السوداء ‪:‬‬


‫من العوامل ذات الهمية الكبرى التي تصرف عن الحق ‪ ،‬وتدفع‬
‫صاحبها لعلن الحرب عليه الحقاد السوداء التي تغلي نيرانهللا فللي قلللوب‬
‫الذين انحرفت نفوسهم عن منهج الخلق القويم ‪.‬‬

‫لقد امتدت دولة السلم بقللوة الحللق والعللدل والجهللاد ‪ ،‬واكتسللحت‬


‫عقائد بالية ‪ ،‬وصهرت شللعوبا ً كللبرى ‪ ،‬وقوضللت إلللى البللد دول ً ذات شللأن‬
‫قديم ‪ ،‬فألقى كل ذلك أحقادا ً سوداء على السلم والمسلللمين فللي قلللوب‬
‫بعض المتعصبين لقومياتهم ومعتقداتهم ودولهم التي جرفها السللم بنلوره‬
‫المبين فيملا جلرف ‪ ،‬أو نلال منهلا نيل ً ‪ ،‬فأفقلدهم بلذلك زعاملاتهم الدينيلة‬
‫والسياسية في الرض ‪ ،‬ونشأ من جللراء هللذه الحقللاد السللوداء مللؤتمرات‬
‫عديللدة مقنعللة وسللافرة علللى السلللم والمسلللمين ‪ ،‬فللي أحقللاب التاريللخ‬
‫السلللمي المتتابعللة ‪ ،‬ومللا زال العللالم السلللمي يكتللوي بنيللران هللذه‬
‫المؤامرات المختلفة في أشكالها وألوانها وأساليبها ‪ ،‬فمنها ما يحمل حربللا ً‬
‫فكرية مسلحة بألوان شتى من المكر والخديعة ومنها ما يحمل حربا ً ماديللة‬
‫مسلحة بكل قوة مادية مريعة ‪ ،‬بغية تهديم الحلق الللذي جلاء بلله السلللم ‪،‬‬
‫فكان به مجد العرب وسائر الشعوب التي استجابت لدعوته ‪ ،‬وبغية تفتيت‬
‫وحدة المسلللمين المتماسللكة الللتي كللان فيهللا سللر قللوتهم العظمللى الللتي‬
‫أذهبت المم والشعوب حقبة من الدهر ‪ ،‬فهم ما يفتأون يخشللون أن تعللود‬
‫هللذه القللوة الكللبرى للمسلللمين ‪ ،‬وأن يعللود ذلللك اليمللان الصللادق إلللى‬
‫قلوبهم ‪.‬‬

‫وفي طليعة هذه المللؤامرات المسللتمرة علللى السلللم والمسلللمين‬


‫المؤامرة اليهوديللة العالميللة الكللبرى الللتي اسللتطاعت أن تسللخر الحللزاب‬
‫السرية ‪ ،‬وكل من المذاهب الفكريللة والجتماعيللة والقتصللادية المتصللارعة‬
‫في العالم ‪،‬واستطاعت أن تسلخر لتحقيللق أغراضلها السلتعمار والصللليبية‬
‫خر اللحلللاد‬
‫وأركانهلللا السياسلللية والتبشللليرية والستشلللراقية ‪ ،‬وأن تسللل ّ‬
‫والشيوعية الدولية العالمية ‪.‬‬

‫وتوجد عوامل أخرى لكل مللن السللببين السللابقين وهمللا‪ :‬النحللراف‬


‫الفكري عن منهج التفكير السديد ‪ ،‬والنحراف النفسللي عللن منهللج الخلللق‬
‫القويم ‪.‬‬

‫ومن هذه العوامل ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬الفتتان بمظاهر التقدم المادي والنسياق مممع ألمموانه‬


‫الخادعة للنظر ‪ ،‬وتقبل ما يرافقه من منحرفات فكرية وخلقية‬
‫وسلوكية ‪.‬‬

‫وقد استخدم أعداء السلم في العصور الحديثة هذه الوسيلة من‬


‫وسائل التضليل على أوسع نطاق ‪ ،‬وأثمرت لهم في المجتمعات السلللمية‬
‫ثمرات جمة ‪ ،‬وكان ذلك عن طريق دمج الوافدات الوبائية الخطيللرة علللى‬
‫العقائد والخلق والنظم السلمية فلي صلادرات منجللزات بلدهللم الماديللة‬
‫سر على الجماهير التمييللز‬ ‫المرضية بتقدمها المادي ‪ ،‬وبهذا الدمج الماكر ع ُ‬
‫بين الغث والثمين ‪ ،‬والنافع والضار ‪.‬‬

‫‪ -2‬طاعة القادة المضلين واّتباعهم‪:‬‬


‫فكثير من النحراف الفكري والنحراف النفسي يأتي عن طريق‬
‫اتباع القادة المضلين ‪ ،‬ذوي السلطان والجبروت في الرض ‪.‬‬

‫ويكون هذا التباع لهم إما فتنة بهم ‪ ،‬أو طمعا ً باسترضائهم لتحيل‬
‫المنافع عن طريقهم ‪ ،‬وإما خوفا ً من عقوباتهم ‪.‬‬
‫والقادة المضلللون إمللا مسللتكبرون ‪ ،‬أو أصللحاب أهللواء ‪ ،‬أو متبعللون‬
‫للشللهوات ‪ ،‬بجنللوح وطغيللان ‪ ،‬أو مقلللدون متبعللون لسلللفهم أو مقلللدون‬
‫مفاخرون متبعون لنظرائهم من ذوي السلطان في الرض ‪.‬‬

‫وقد حذر الله من اتبللاع القللادة المضلللين بأسلللوب بيللان واقللع حللال‬
‫بعض الظالمين الذين عصوا رسل ربهم ‪ .‬فمن ذلللك مللا ذكللره الللله تعللالى‬
‫في شأن عاد قوم هود مللن أن سللبب ضللللهم أنهللم اتبعللوا أمللر كللل جبللار‬
‫عنيد ‪ ،‬فعصوا رسل ربهم وجحدوا بآياته ‪ ،‬فقال تعالى في سورة )هللود‪11/‬‬
‫مصحف‪ 52/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫جب ّللاٍر‬
‫ل َ‬ ‫ُ‬ ‫ه وَتٱ ّب َعُل ۤوا أ ْ‬
‫ملَر كل ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سلل ُ‬ ‫ْ‬
‫صوْا ُر ُ‬
‫م وَعَ َ‬
‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫ْ‬
‫دوا ِبآَيا ِ‬
‫ح ُ‬
‫ج َ‬‫عاد ٌ َ‬ ‫}وَت ِل ْ َ‬
‫ك َ‬
‫د{‬
‫عَِني ٍ‬

‫ومن ذلك أيضا ً ما ذكره الله في شأن اتباع فرعون الذين كانوا مله‬
‫ومنفللذي أمللره وأكللابر قللومه ‪ ،‬إذ اتبعللوا أمللره فجحللدوا بربهللم وبرسللله ‪،‬‬
‫وباليات التي جاءهم بها موسى عليه السلم ‪ ،‬قال الله تعللالى فللي سللورة‬
‫)هود‪ 11/‬مصحف‪ 52/‬نزول(‪:‬‬
‫}ول َ َ َ‬
‫مل َئ ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن * إ َِلل ٰى فِْر َ‬
‫علوْ َ‬ ‫مِبيل ٍ‬
‫ن ّ‬ ‫سلل ْ َ‬
‫طا ٍ‬ ‫سل ٰىِبآَيات َِنلا وَ ُ‬ ‫سلل َْنا ُ‬
‫مو َ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫د{‬ ‫شي‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫و‬‫ع‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ر‬‫م‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫مآ‬‫و‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫فَٱت ّب َعُ ۤ‬
‫ْ َ ِ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُ ِ ْ َ ْ َ َِ ِ ٍ‬

‫وقال تعالى في شأن فرعون في سورة )الزخرف‪ 43/‬مصحف‪63/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫فوَنا‬
‫سلل ُ‬
‫مآ آ َ‬ ‫َ‬
‫ن * فَل ّ‬‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ً‬
‫وما َفا ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م كاُنوا قَ ْ‬ ‫عوهُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه فَأطا ُ‬ ‫ف قَوْ َ‬
‫م ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫}َفل ٱ ْ‬
‫سلت َ َ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٱ نت َ َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫مث َل ً لل ِ‬
‫خ ِ‬ ‫سلفا وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَلَناهُ ْ‬‫ن * فَ َ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬
‫مأ ْ‬ ‫م فَأغَْرقَْناهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫مَنا ِ‬
‫ق ْ‬

‫)‪(4‬‬
‫مناخ نماء الكفر ونشاطه‬

‫قد يبدو لكل عاقل بعد أن يرى الحق في جانب اليمان ‪ ،‬ويأتيه خبر‬
‫الوعد بالسعادة الخالدة للمؤمنين ‪ ،‬وخبر الوعيد بالشللقاء الللدائم والعللذاب‬
‫الليم في نار جهنللم للكللافرين ‪ ،‬أنلله ل يوجللد أي داع للنسللان حللتى يختللار‬
‫لنفسه سبيل الكفر على سبيل اليمان ‪ ،‬ل سيما حيللن يلحللظ أنلله ل توجللد‬
‫في مواقع الكفر مزايا من متاع الدنيا يصيبها الكافر ول يستطيع أن يصلليبها‬
‫المؤمن ‪ ،‬علما ً بأن مقدروه أن يصيب مللا يريللد مللن شللهوات محرمللة عللن‬
‫طريق المعصية ‪ ،‬ل عن طريق الكفر بالجحود أو يرفض الذعان للطاعللة ‪،‬‬
‫فطريق المعاصي ليس فيه خلود في العذاب والشقاء ‪ ،‬أمللا طريللق الكفللر‬
‫فهو طريق الخلود في العذاب والشقاء البدي ‪.‬‬

‫والتساؤل الوارد في هذا المجال قللد أجللاب القللرآن عنلله ‪ ،‬فللبين أن‬
‫الكافرين واقعون في الكفر بسبب مؤثرات نفسية شتى جانحة خلقيللا ً ‪ ،‬إل‬
‫أن الذي غ ّ‬
‫شى علللى منطقهللم فللي الحيللاة أمللران‪ :‬زينللة وغللرور ‪ ،‬وهللذان‬
‫المران هما المناخ الذي تنشط فيه بواعث الكفر ودواعيه ‪.‬‬
‫فالزينللة ‪ :‬حسللنت للكللافرين الحيللاة الللدنيا ‪ ،‬وحسللنت لهللم سللوء‬
‫عملهم ‪ ،‬وصبغته بالصباغ الخادعة ‪ ،‬وجعلت له المبررات المزّورة ‪.‬‬

‫والغرور في أنفسهم ساقهم عميانا ً ل يبصرون إل الزينة وما فيها‬


‫من بهارج ‪ ،‬فأعينهم مثبتة في أشكالها وألوانها ‪ ،‬وآذانهم ل تسمع إل رنللات‬
‫أوتارها وأصللوات أجراسللها ‪ ،‬وشللهواتهم مشللدودة إليهللا ‪ ،‬وقلللوبهم معلقللة‬
‫بطلبها والسعي وراءها ‪ ،‬وهلم يتخبطلون فلي اتباعهلا ‪ ،‬ل يلدرون أيلن تقلع‬
‫أقدامهم ‪ ،‬ول يعرفون إلى أي مصير هم صائرون ‪ ،‬وأما أفكارهم وعقللولهم‬
‫فقد ألقيت عليها الغشاوة ‪ ،‬فهم ل يفكرون إل في حدود منطقة الزينة ‪.‬‬

‫والزينة هي المجال الذي يفتتن به النسللان فيغللتر بلله ‪ ،‬وهللي تكللون‬


‫فتنة للعين أو فتنلة للذن ‪ ،‬أو فتنلة للفكلر ‪ ،‬أو فتنلة للنفلس ‪ ،‬أو فتنلة لملا‬
‫سوى ذلك من داخل النسان وخارجه ‪.‬‬

‫والزينة طلءات وزخارف خادعة في مظهرها ‪ ،‬ول دللة لها على‬


‫الحقيقة الجوهرية ‪ ،‬إنما تخدع بحلوة مظهرها ‪ ،‬فيتصور الجاهللل المتسللرع‬
‫أن ما ظهر له عنوان ما بطن وخفي عليه ‪ ،‬فيعطي للباطن حكم ما بدا للله‬
‫في الظاهر ‪ ،‬لذلك نلحظ أن القرآن حين يلفت أنظارنا إلى حقيقة ما فللي‬
‫الحياة الدنيا يبين لنا أنها من قبيل الزينة فقط ‪ ،‬فهي ل تحتوي على جللوهر‬
‫حقيقي ثابت وفي هذا يقول الله تعالى في سورة )البقللرة‪ 2/‬مصللحف‪87/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫من ُللوا ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ٱللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫مل َ‬ ‫ن ِ‬‫خُرو َ‬‫سل َ‬‫دلن َْيا وَي َ ْ‬ ‫ح ي َللاةُ ٱللل ّ‬
‫ف لُروا ٱلل َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ل ِل ل ِ‬‫}ُزي ّ َ‬
‫ب{‬ ‫سا ٍ‬‫ح َ‬‫شآُء ب ِغَي ْرِ ِ‬‫من ي َ َ‬‫ه ي َْرُزقُ َ‬ ‫مةِ وَ ٱل لل ُ‬
‫ّ‬ ‫ق َيا َ‬ ‫م ٱلل ِ‬
‫ْ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ْ‬
‫قوا فَوْقَهُ ْ‬ ‫ن ٱّتل َ‬ ‫وَ ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬

‫فهم مع أنهم مخدوعون بزينة الحياة الدنيا وساقطون في الغرور‬


‫يتصللورون المللؤمنين مضلّيعين لللذات حيللاتهم ‪ ،‬ومتعلقيللن بالوهللام وبرؤيللا‬
‫خيالية عن الدار الخرة ‪ ،‬فيسخرون منهم ‪ ،‬وكان الحق يقضي بأن يسخروا‬
‫ف عن السخرية منهم الذين آمنوا ‪.‬‬ ‫من أنفسهم إن ع ّ‬

‫ولكن ينعكس المر يوم القيامة فيقتص منهللم الللذين آمنللوا سللخرية‬
‫بسخرية ‪.‬‬

‫والغرض من جعل الحياة الدنيا هكذا زينة تفتتللن النفلوس بهلا تللوافر‬
‫ظروف البتلء المثل ‪ ،‬وهذا ملا بينلله الللله بقلوله فلي سللورة )الكهلف‪18/‬‬
‫مصحف‪ 69/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما عَلى ٱللْر ِ‬
‫ً‬
‫مل * وَإ ِن ّللا‬
‫ن عَ َ‬
‫سل ُ‬
‫ح َ‬
‫م أي ُّهم أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ة لَها ل ِن َب ْلوَهُ ْ‬
‫ض ِزين َ ً‬ ‫َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫}إ ِّنا َ‬
‫ً‬
‫جُرزا {‬ ‫ً‬
‫صِعيدا ُ‬ ‫َ‬
‫ما عَلي َْها َ‬‫ن َ‬ ‫عُلو َ‬ ‫لَ َ‬
‫جا ِ‬

‫أي‪ :‬سيأتيهم يوم تفقد فيه زينتها فيغدو سطحها صلدا ً يابسلا ً ل نبلات‬
‫دم كللل مللا‬‫فيه ول زرع ‪ ،‬قد احترق كل ما عليها من خضللرة ونضللرة ‪ ،‬وته ل ّ‬
‫عليها من قصر مشيد ‪.‬‬
‫وأخطللر مللا فللي المللر أن يغللتر النسللان بزينللة القللوال والفكللار‬
‫الباطلة ‪ ،‬وبزينة العمال السيئة ‪ ،‬فيرى الباطل حقا ً ‪ ،‬ويرى السيء حسنا ً ‪،‬‬
‫فيندفع وراء الباطل مؤيدا ً له وناصرا ً ‪ ،‬ويعمل العمال السيئة متعاظما ً بهللا‬
‫ومفاخرا ً ‪ ،‬زاعما ً أنه من المحسنين ‪ ،‬وهنا تكون المحنللة الكللبرى ‪ ،‬والفتنللة‬
‫العظمى ‪.‬‬

‫ونقيض هذا من كللان علللى بينللة مللن ربلله ‪ ،‬يللرى الحللق حقلا ً فيتبعلله‬
‫ويعمل بموجبه ‪ ،‬ويرى الباطل باطل ً فيجتنبه ويحذر من العمللل بمللا يفضللي‬
‫إليه ‪.‬‬

‫وإلى هذين الموقفين المتناقضين جاءت الشارة في قول الله تعالى‬


‫في سورة )محمد‪ 47/‬مصحف‪ 95/‬نزول(‪:‬‬
‫مل ِلهِ وَ تٱ ّب َعُل ۤوا ْ‬ ‫َ‬
‫سل ۤوُء عَ َ‬
‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫ن لل ُ‬
‫ملن ُزي ّل َ‬ ‫ن عَل َ ٰى ب َي ّن َلةٍ ّ‬
‫مللن ّرب ّلهِ ك َ َ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫} أف َ َ‬
‫م{‬ ‫َ‬
‫واَءهُ ْ‬ ‫أه ْ َ‬

‫فمن كان على بّينة من ربه فإنه يكون صحيح التصور للمور ‪،‬‬
‫مستقيم العمل غالبا ً انسجاما ً مع تصوراته الصحيحة ‪ ،‬ومللن زي ّللن للله سللوء‬
‫عمله فل بد أن يكون فاسد التصور فاسللد العمللل متبعلا ً أهللواءه المنحرفللة‬
‫الجانحة ‪ ،‬متخبطا ً في ظلمات البغي والفساد ‪ ،‬والظلم طغيان ‪.‬‬

‫ولذلك تكرر في القرآن التحذير من السقوط في الهاوية التي ُيزّيللن‬


‫فيها المسيء سوء عمله ‪ ،‬وتكرر فيه توبيخ الذي زين لهم سوء أعمالهم ‪.‬‬

‫ففي سورة )النعام‪ 6/‬مصحف‪ 55/‬نزول( أثبلت اللله تبلارك وتعلالى‬


‫أن الكافرين قد زين لهم سوء عملهم ‪ ،‬ذكر هذا بعد مثل ضللربه للمللؤمنين‬
‫والكافرين فقال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شي ب ِهِ ِفي ٱل ّنلا ِ‬
‫من‬ ‫َ‬
‫س ك َ‬ ‫م ِ‬ ‫ً‬
‫ه ُنورا ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جعَلَنا ل ُ‬ ‫مْيتا ً فَأ ْ‬
‫حي َي َْناهُ وَ َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬‫من َ‬ ‫}أ و َ َ‬
‫مللا ك َللاُنوا ْ‬
‫ن َ‬ ‫ن ل ِل ْك َللافِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ك ُزي ّل َ‬ ‫من ْهَللا ك َلذ َل ِ َ‬ ‫خللارٍِج ّ‬‫س بِ َ‬ ‫ت ل َي ْل َ‬ ‫مللا ِ‬ ‫ه فِللي ٱل ّ‬
‫ظلل ُ َ‬ ‫مث َل ُل ُ‬ ‫ّ‬
‫مُلو َ‬
‫ن{‬ ‫يَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬

‫فالكافرون مثلهم كمثل من هو في الظلمات ليس بخارج منها ‪ ،‬فل‬


‫يعرف شيئا ً عن النور ‪ ،‬لذلك فهو يستحسن الظلمة التي هللو فيهللا ‪ ،‬كللذلك‬
‫زيللن للكللافرين مللا كللانوا يعملللون فيهللم يستحسللنون أعمللالهم السلليئة ‪،‬‬
‫فيفعلونها بقوة وجرأة ومفاخرة ‪.‬‬

‫ويوبخ الله الذين زين لهم سوء عملهم ‪ ،‬فكفروا بربهم فأضلهم الللله‬
‫بذلك قال تعالى في سورة )فاطر‪ 35/‬مصحف‪ 43/‬نزول(‪:‬‬
‫ت‬ ‫حا ِ‬ ‫صللال ِ َ‬‫ملللوا ٱل ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ديد ٌ وَ ٱّلل ِ‬‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬‫فُروا ْ ل َهُ ْ‬‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}لٱّلل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫هل‬‫ن ٱل ّللل َ‬ ‫سللنا ً فَ لإ ِ ّ‬
‫ح َ‬ ‫مل ِلهِ فَ لَرآهُ َ‬ ‫س ۤوَء عَ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬‫من ُزي َ‬ ‫جٌر ك َِبيٌر * أفَ َ‬ ‫فَرةٌ وَأ ْ‬ ‫مغ ْ ِ‬‫ل َُهم ّ‬
‫ن ٱل ّللل َ‬
‫ه‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ك عَل َي ْهِ ْ‬‫س َ‬‫ف ُ‬ ‫ب نَ ْ‬ ‫شآُء فَل َ ت َذ ْهَ ْ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫دي َ‬ ‫شآُء وَي َهْ ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫ن{‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫م بِ َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫ففي هذا النص تلحظ أن الله يخللاطب رسللوله بقللوله ‪} :‬فل تللذهب‬
‫نفسك عليهم حسرات{ أي‪ :‬فل تهلك نفسللك حزن لا ً علللى الكللافرين الللذين‬
‫زين لهم سوء عملهم ‪ ،‬فهم قد اختاروا بأنفسهم سبيل الكفللر علللى سللبيل‬
‫اليمان ‪ ،‬فحق عليهم عذاب شديد من الله ‪ ،‬وكان بمقللدورهم أن يختللاروا‬
‫سبيل اليمان والهداية ‪ ،‬فقد بين الللله لهللم الحللق فللي كتبلله وعلللى ألسللنة‬
‫رسله ‪ ،‬فل عذر لهم بجهل وعدم بيان ‪.‬‬
‫وقال الله تعالى في وصف النسان في سورة )يونس‪ 10/‬مصللحف‪/‬‬
‫‪ 51‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مللا‬‫عللدا ً أوْ َقآِئم لا ً فَل َ ّ‬ ‫جنب ِلهِ أوْ َقا ِ‬ ‫عان َللا ل ِ َ‬ ‫ن ٱل ّ‬
‫ضللّرل د َ َ‬ ‫سللا َ‬ ‫للن َ‬ ‫س َٱ ِ‬
‫مل ّ‬ ‫ذا َ‬‫}وَإ ِ َ‬
‫مللا‬
‫ن َ‬ ‫سلرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬
‫ك ُزي ّ َ‬‫ه ك َ ٰذل ِ َ‬
‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّر ّ‬ ‫م ي َد ْعَُنآ إ ِل َ ٰى ُ‬‫مّر ك َأن ل ّ ْ‬
‫ضّرهُ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫فَنا عَن ْ ُ‬ ‫كَ َ‬
‫ش ْ‬
‫ن{‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬
‫َ‬

‫فمن خلئق النسان أنه إذا مسه الضر رجللع إلللى ربلله ‪ ،‬فالتجللأ إليلله‬
‫داعيا ً أن يكشلف عنله ضلره ‪ ،‬عللى أيلة حاللة كلان مضلطجعا ً أو قاعلدا ً أو‬
‫قائما ً ‪ .‬إنه في حالة ضره تتيقظ فطرة اليمان في داخله ‪ ،‬فيرجع إلى ربلله‬
‫مستغيثا ً ‪ ،‬ولكنه حينما يكشف الله عنه الضر ويعود إلللى مللا كللان فيلله مللن‬
‫متاع الحياة الدنيا وزينتها ينسى ربه ‪ ،‬ويمر في حياته غير معترف بخللالقه ‪،‬‬
‫كأنه لم يرجع إلى ربه في ساعة ضره ‪ ،‬فيدعوه ويلتجئ إليه ‪ ،‬وهكذا حللال‬
‫المسرفين يعملون العمال السيئة القبيحة ويرونها حسنة ‪ ،‬اغترارا ً بزينتهللا‬
‫في نفوسهم وأهوائهم ‪.‬‬

‫ومن أمثلة الفكار الفاسدة التي ُزّينت في قلللوب المنللافقين ظنهللم‬


‫أن الرسول والمؤمنين في أيام صلح الحديبية سيهلكون ‪ ،‬ولن يعودوا إلللى‬
‫أهليهللم أبللدا ً ‪ ،‬وظنللوا بللالله ظللن السللوء ‪ ،‬ولكللن الللله فتللح علللى رسللوله‬
‫والمؤمنين فتحا ً مبينا ً ‪ ،‬وخيب ظن المنافقين ‪ ،‬وفي ذلك يقول الللله تعللالى‬
‫في سورة )الفتح‪ 48/‬مصحف‪ 111/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫م لن ٱ َ‬
‫ُ‬
‫والن َللا وَأهْلون َللا‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ش لغَلت َْنآ أ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫عللَرا ِ‬ ‫لل ْ‬ ‫ن ِ َ‬ ‫فللو َ‬ ‫خل ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫ك ٱْلل ُ‬ ‫ل ل َل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫س لي َ ُ‬ ‫} َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ك لك ُل ْ‬ ‫َ‬ ‫مل ِل ُ‬
‫مللن ي َ ْ‬ ‫ل فَ َ‬
‫م قُ ل ْ‬ ‫ُ‬
‫س ِفي قُلللوب ِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫ما لي ْ َ‬ ‫م ّ‬‫سن َت ِهِ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ب ِأل ِ‬ ‫قولو َ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫فْر لَنا ي َ ُ‬ ‫َفل ٱ ْ‬
‫سلت َغْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مل ُللو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫هل ب ِ َ‬ ‫ن ٱل ّلل ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫فعا ً ب َ ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ضّرا ً أوْ أَراد َ ب ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن أَراد َ ب ِك ُ ْ‬ ‫شْيئا ً إ ِ ْ‬ ‫ن ٱل ّللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫م أب َللدا ً‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫لي‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫لو‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ين‬ ‫لن‬ ‫ّ‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫*‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫بير‬
‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫ٰ‬ ‫َ ُ ِ ُ َ ِ‬ ‫ٱ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ٱ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫َُْ ْ‬ ‫َ‬ ‫خ ِ‬
‫َ‬
‫وما ً ُبورًا{‬ ‫م قَ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫سلوْ ِء وَ ُ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫م ظَ ّ‬ ‫م وَظ ََننت ُ ْ‬ ‫ك ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫وَُزي ّ َ‬

‫أي‪ :‬وكنت قوما ً هلكى بنفاقكم‪.‬‬

‫ومن أمثلة الحكام الباطلة التي زينللت لللدى الكللافرين تلعبهللم فللي‬
‫الشهر الحرم بالتقديم والتأخير ‪ ،‬ليبيحوا لنفسهم في الشهر الحرم ما هو‬
‫محرم عليهم ‪ ،‬وفي هذا يقول الله تعللالى فللي سللورة )التوبللة‪ 9/‬مصللحف‪/‬‬
‫‪ 113‬نزول(‪:‬‬
‫عاما ً‬ ‫ه َ‬ ‫حّلون َ ُ‬
‫فُروا ْ ي ُ ِ‬
‫ن كَ َ‬ ‫ل ب ِهِ ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ض ّ‬‫ف رِ ي ُ َ‬‫س ۤي ُء زَِياد َةٌ ِفي ٱْللك ُ ْ‬ ‫ما ٱل ّنل ِ‬ ‫}إ ِن ّ َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ن له ُ ل ْ‬
‫هل ُزي ّل َ‬ ‫م ٱل لل ُ‬
‫ّ‬ ‫حّر َ‬
‫ما َ‬ ‫ْ‬
‫حلوا َ‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه في ُ ِ‬ ‫م ٱل لل ُ‬
‫ّ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫عد ّةَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫واط ِئوا ِ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫عاما لي ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫مون َ ُ‬ ‫حّر ُ‬
‫وَي ُ َ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫م ٱللكافِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ق وْ َ‬‫دي ٱلل َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه ل ي َهْ ِ‬‫م و َ ٱل ل ُ‬
‫ّ‬ ‫مال ِهِ ْ‬‫س ۤوُء أعْ َ‬ ‫ُ‬
‫وهكذا تفعل الزينة فتسقط الظالمين والمسرفين والكافرين في‬
‫الغرور ‪.‬‬

‫فالكافرون في غرور بما زين لهم في الحياة الدنيا ‪.‬‬

‫ولذلك قال الله تعالى في سورة )الملك‪ 67/‬مصحف‪ 77/‬نزول(‪:‬‬


‫ن إ ِل ّ ِفي غُُروٍر{‪.‬‬ ‫ن ٱْلل َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫}‪...‬إ ِ ِ‬

‫أي‪ :‬ما الكافرون إل ساقطون في غرور ‪،‬فهم مخدوعون بما خللدعوا‬


‫به أنفسهم ‪ ،‬من أفكار مزينة ‪ ،‬وأهواء مزينة ‪ ،‬وشهوات مزينة وأمان مزّينة‬
‫‪ ،‬وأقوال مزخرفة مزينة ‪ ،‬إلى غير ذلك مما في الحياة الدنيا من زينة ‪.‬‬

‫أما جوهر الحقيقة فهم عنه معرضون ‪ ،‬وبينهم وبينله غشلاوات عللى‬
‫قلللوبهم وأفكللارهم وأسللماعهم وأبصللارهم ‪ ،‬فللالغرور مللتى اسللتولى علللى‬
‫إنسان أعماه وأصمه عن كل بيان يكشف له زيف ما هو مغرور به ‪.‬‬

‫أملا الشلياء اللتي زينلت لهلم فلاغتروا بهلا ‪ ،‬فإنهلا تلأتي فلي نطلاق‬
‫العناصر التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬أول ما زين لهم فغّرهم وجذبهم إليه متاع الحياة الللدنيا ‪ ،‬ومللا فيهللا مللن‬
‫شهوات وأهواء وجاه ومال وسلطان ولهو ولعب ‪.‬‬
‫‪ -2‬ثم غرتهم الماني ‪.‬‬
‫‪ -3‬ثم غرتهللم زخللارف القللوال المللزورة الللتي تللوحي بهللا شللياطين الجللن‬
‫والنس ‪.‬‬
‫‪ -4‬ثم غرتهم مفترياتهم وأكاذبيهم التي كانوا قد افتروها ‪ ،‬لستر انحرافاتهم‬
‫‪ ،‬فمر عليها فصدقوها ‪ ،‬وحسبوها أمورا ً صللحيحة ‪،‬ونسللوا أنهللم هللم الللذين‬
‫اختلقوها ‪.‬‬
‫‪ -5‬ثم انغمسوا فللي الغشللوات الكللثيرة ‪ ،‬وحجبللوا أنفسلهم عللن الحقيقللة ‪،‬‬
‫ونسوا الله وعميت أبصارهم وبصائرهم عن آياته ‪.‬‬

‫* الغرور بمتاع الحياة الدنيا وزينتها‪:‬‬


‫نلحظ أن الله تبارك وتعالى قد بين للناس أن الحياة الدنيا متاع‬
‫الغرور ‪ ،‬فأوضح لهم أنها متاع يغتر به الجاهلون قصيرو النظر ‪ ،‬فقللال فللي‬
‫سورة )آل عمران‪ 3/‬مصحف‪ 89/‬نزول(‪:‬‬
‫ُ‬
‫م لةِ فَ َ‬
‫مللن‬ ‫م ٱللقِ َيا َ‬
‫ْ‬ ‫م ي َلوْ َ‬ ‫ُ‬
‫جللوَرك ْ‬
‫نأ ُ‬ ‫ما ت ُوَفّوْ َ‬‫ت وَإ ِن ّ َ‬ ‫م وْ ِ‬ ‫ة ٱْلل َ‬
‫ق ُ‬ ‫س َ‬
‫ذآئ ِ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬‫}ك ُ ّ‬
‫ُ‬
‫مَتلاعُ‬ ‫ح ي َللاةُ ٱل ل ّ‬
‫دلن َْيا إ ِل ّ َ‬ ‫قلد ْ َفلاَز َوملا ٱْلل َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ج ن ّل َ‬‫ل ٱْلل َ‬‫خل َ‬‫ن ٱل ّنللارِ وَأد ْ ِ‬ ‫عل ِ‬ ‫ح َ‬‫حلزِ َ‬‫ُز ْ‬
‫ٱ ْللغُ ُروِر{‬

‫وقال تعالى في سورة )الحديد‪ 57/‬مصحف‪ 94/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬
‫م وَت َك َللاث ٌُر‬
‫خٌر ب َي ْن َك ُل ْ‬ ‫فللا ُ‬ ‫ة وَت َ َ‬‫ب وَل َهْوٌ وَِزين َ ٌ‬ ‫ح َياةُ ٱل ّ‬
‫دلن َْيا ل َعِ ٌ‬ ‫ما ٱْلل َ‬ ‫م ۤو ا ْ أن ّ َ‬‫}لٱعْ ل َ ُ‬
‫ب ٱْللك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج فَت َلَراهُ‬ ‫م ي َِهيل ُ‬ ‫ه ث ُل ّ‬‫فللاَر ن ََبلات ُ ُ‬ ‫جل َ‬
‫ث أعْ َ‬ ‫ل غَْيل ٍ‬ ‫ل وَ ٱللوْ ل َدِ ك َ َ‬
‫مث َل ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫مل َ‬‫ِفي ٱلل ْ‬
‫ن ٱل ّللل ِ‬
‫هل‬ ‫مل َ‬
‫فلَرةٌ ّ‬
‫مغْ ِ‬
‫ديد ٌ وَ َ‬ ‫ب َ‬
‫شل ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫طاملا ً وَفِللي ٱلل ِ‬
‫خ لَر ةِ عَل َ‬ ‫ح َ‬‫ن ُ‬ ‫م يَ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫فّرا ً ث ُ ّ‬‫ص َ‬
‫م ْ‬‫ُ‬
‫مَتاعُ ٱللغُ ُروِر{‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ح َياةُ ٱل ّ‬
‫دلن َْيآ إ ِل َ‬ ‫ما ٱلل َ‬
‫ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ض َ‬‫وَرِ ْ‬

‫فعلى النسان أن يعقل أمره ول يغتر بزخرف الحياة الدنيا وزينتها ‪.‬‬
‫ولذلك حذر الله الناس جميعا ً من الغللترار بللذلك فقللال تعلالى فللي سللورة‬
‫)لقمان‪ 31/‬مصحف‪ 57/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫عن وَل َدِهِ وَل َ‬ ‫زي َوال ِد ٌ َ‬ ‫ج ِ‬‫وما ً ل ّ ي َ ْ‬
‫ش وْ ا ْ ي َ ْ‬ ‫م وَ ٱ ْ‬
‫خ َ‬ ‫قوا ْ َرب ّك ُ ْ‬‫س ٱّتل ُ‬
‫} ٰيأي َّها ٱل ّنلا ُ‬
‫ح َياةُ ٱللل ّ‬
‫دلن َْيا‬ ‫م ٱْلل َ‬
‫حقّ فَل َ ت َغُّرن ّك ُ ُ‬ ‫هل َ‬ ‫ن وَعْد َ ٱل ّلل ِ‬‫شْيئا ً إ ِ ّ‬
‫عن َوال ِدِهِ َ‬ ‫جازٍ َ‬ ‫موُْلود ٌ هُوَ َ‬
‫َ‬
‫وَل ي َغُّرن ّكم ِبل ٱل للهِ ٱللغَ ُروُر{‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫والغرور ‪ :‬هو الشيطان ‪.‬‬

‫وقال تعالى في سورة )فاطر‪ 35/‬مصحف‪ 43/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬
‫ح ي َللاةُ ٱل ل ّ‬
‫دلن َْيا وَل َ‬ ‫م ٱْلل َ‬ ‫حلقّ فَل َ ت َغُّرن ّ ُ‬
‫كل ُ‬ ‫علد َ ٱل ّلللهِ َ‬
‫ن وَ ْ‬ ‫س إِ ّ‬‫} ٰيأي َّهلا ٱل ّنللا ُ‬
‫عو‬ ‫ما َيللد ْ ُ‬‫ذوهُ عَد ُوّا ً إ ِن ّ َ‬ ‫خ ُ‬‫م عَد ُوّ َفل ٱّتل ِ‬‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫شلي ْ َ‬
‫طا َ‬ ‫ن ٱل ّ‬‫م ِبل ٱل ّللهِ ٱْللغَ ُروُر * إ ِ ّ‬ ‫ي َغُّرن ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ر{‬ ‫ب ٱل ّ‬
‫سلِعي ِ‬ ‫حا ِ‬‫ص َ‬
‫نأ ْ‬ ‫كوُنوا ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ه ل ِي َ ُ‬ ‫حْزب َ ُ‬
‫ِ‬

‫ثم بين الله تبارك وتعالى أن الكافرين مغرورون بالحياة الدنيا ‪،‬‬
‫فقال لرسوله في سورة )النعام‪ 6/‬مصحف‪ 55/‬نزول(‪:‬‬
‫ح َياةُ ٱل ّ‬
‫دلن َْيا{‬ ‫م ٱْلل َ‬
‫م ل َِعبا ً وَل َْهوا ً وَغَّرت ْهُ ُ‬
‫ذوا ْ ِدين َهُ ْ‬ ‫ن ٱّتل َ‬
‫خ ُ‬ ‫}وَذ َرِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫وفي موقف الحساب يوم القيامة يخاطب الللله الظللالمين الكللافرين‬


‫من الجن والنس ‪ ،‬فيقول لهم كما جاء في سورة )النعللام‪ 6/‬مصللحف‪55/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْكل ْ‬
‫صللو َ‬ ‫ق ّ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ل ْ‬‫ل ّ‬
‫َ‬
‫سل ٌ‬
‫م ُر ُ‬ ‫ُ‬
‫م ي َلأت ِك ْ‬ ‫َ‬
‫س أل ل ْ‬ ‫للن ْل ِ‬ ‫نل وَ ٱ ِ‬ ‫ج ّ‬‫شَر ٱلل ِ‬
‫ْ‬ ‫مع ْ َ‬‫}َيا َ‬
‫م ٱلل َ‬
‫ح َياةُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سَنا وَغّرت ْهُ ُ‬ ‫ف ِ‬‫شهِد َْنا عَل ٰى أن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ذا َقالوا َ‬ ‫م ه َ ٰل َ‬ ‫ُ‬
‫مك ْ‬ ‫قآَء ي َوْ ِ‬
‫م لِ َ‬ ‫ُ‬
‫آَياِتي وَُينذُِرون َك ْ‬
‫ن{‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دوا ْ عَل ٰى أن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ٱلد ّن َْيا وَ َ‬
‫ري َ‬
‫م كاُنوا كافِ ِ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬
‫سه ِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫شه ِ ُ‬

‫وبعد أن يدخلهم الله دار العذاب يخاطبهم بمثل ذلك ما جاء في‬
‫قوله تعالى في سورة )الجاثية‪ 45/‬مصحف‪ 65/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫مت ِل ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م فِللي َر ْ‬ ‫م َرب ّهُ ل ْ‬ ‫خل ُهُ ْ‬ ‫ت فَي ُلد ْ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صلال ِ َ‬ ‫مُلوا ْ ٱل ّ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ٱّلل ِ‬ ‫}فَأ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن آي َللاِتي ت ُت ْل َل ٰى عَل َي ْك ُل ْ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫فُروا ْۤ أفَل َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ٱل ّ ِ‬ ‫ن * وَأ ّ‬ ‫مِبي ُ‬ ‫فوُْز ٱل ْ ُ‬ ‫ك هُوَ ٱل ْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ة‬
‫سللاعَ ُ‬ ‫ح لقّ وَ ٱل ّ‬ ‫هل َ‬ ‫ن وعْد َ ٱل ّلل ِ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ذا ِقي َ‬ ‫ن * وَإ ِ َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وما ً ّ‬ ‫م قَ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫سلت َك ْب َْرت ُ ْ‬ ‫َفل ٱ ْ‬
‫ن‬ ‫قِني َ‬‫ست َي ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن بِ ُ‬
‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ ظ َن ّا ً وَ َ‬ ‫ة ِإن ن ّظ ُ ّ‬ ‫سلاعَ ُ‬ ‫ما ٱل ّ‬ ‫ما ن َد ِْري َ‬ ‫ب ِفيَها قُل ُْتم ّ‬ ‫ل َ َري ْ َ‬
‫ل‬ ‫ن * وَِقيل َ‬ ‫س لت َهْزُِئو َ‬ ‫مللا ك َللاُنوا ْ ب ِلهِ ي َ ْ‬ ‫حللاقَ ب ِهِللم ّ‬ ‫مل ُللوا ْ وَ َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫سيَئا ُ‬ ‫م َ‬ ‫دا ل َهُ ْ‬ ‫* وَب َ َ‬
‫ْ‬
‫م مللن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مللا لك ل ْ‬ ‫م ٱ ل ّنللاُر وَ َ‬ ‫ُ‬
‫م لأَواك ُ‬ ‫ذا وَ َ‬ ‫م ه َ ٰل َ‬ ‫ُ‬
‫مك ْ‬ ‫قآَء ي َوْ ِ‬ ‫م لِ َ‬ ‫سيت ُ ْ‬ ‫ما ن َ ِ‬ ‫َ‬
‫مك َ‬ ‫ُ‬
‫ساك ْ‬ ‫م َنن َ‬ ‫ٱ ْللي َوْ َ‬
‫َ‬
‫ح ي َللاةُ ٱل ل ّ‬
‫دلن َْيا‬ ‫م ٱْلل َ‬ ‫هل هُلُزوا ً وَغَّرت ْك ُل ُ‬ ‫ت ٱل ّللل ِ‬ ‫م آي َللا ِ‬ ‫خ ذ ْت ُ ْ‬ ‫م ٱّتل َ‬ ‫كم ب ِأن ّك ُ ُ‬ ‫ن * ذ َل ِ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬‫ّنا ِ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ست َعَت َُبو َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫َ‬
‫من َْها وَل هُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫م ل يُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َفل ٱْللي َوْ َ‬

‫ول هم يستعتبون ‪ ،‬أي‪ :‬ل يقبل منهم توبللة ول اسللتغفار ول اسللتقالة‬


‫من ذنوبهم ‪ ،‬فقد مضى زمن التوبة والستغفار ‪ ،‬وأصللل السللتعتاب طلللب‬
‫رفع العتب وطلب حصول الرضا ‪.‬‬
‫وبعللد أن يللذوقوا عللذاب جهنللم وتشللتد عليهللم اللم فيهللا ‪ ،‬ينللادون‬
‫أصحاب الجنة يرجونهم أن يفيضوا عليهم مللن المللاء أو ممللا رزقهللم الللله ‪،‬‬
‫فيقولون لهم ‪ :‬إن الله حرم الجنة وما فيهللا علللى الكللافرين الللذين اتخللذوا‬
‫دينهم لهوا ً ولعبا ً ‪ ،‬وغرتهللم الحيللاة الللدنيا ‪ ،‬ويصللف الللله هللذا المشللهد مللن‬
‫مشاهد الخرة فيقول تعالى في سورة )العراف‪ 7/‬مصحف‪ 39/‬نزول(‪:‬‬
‫وناد ٰى أ َصحاب ٱل نلار أ َصحاب ٱْللج ن ة أ َن أ َفيضوا ْ عَل َينا مللن ٱْللمللآِء أوَ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ ِ َ‬ ‫َ ّ ِ ْ ِ ُ‬ ‫ّ ِ ْ َ َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫ذوا ْ‬ ‫ن ٱّتل َ‬
‫خلل ُ‬ ‫ن * ٱلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ما عَلى ٱللكافِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مه ُ َ‬
‫حّر َ‬
‫ه َ‬ ‫ن ٱل لل َ‬
‫ّ‬ ‫هل قال ۤوا إ ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ٱل لل ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ما َرَزقَك ُ‬ ‫م ّ‬‫ِ‬
‫دلن َْيا‪.{...‬‬‫ح َياةُ ٱل ّ‬‫م ٱلل َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫م لْهوا وَلِعبا وَغّرت ْهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِدين َهُ ْ‬

‫وهكذا ظهر لنا أثر الغرور بالحياة الدنيا وزينتهللا وزخرفهللا ‪ ،‬وظهللرت‬
‫لنا نتائجه الوخيمة ‪.‬‬

‫* الغرور بالماني ‪:‬‬


‫لكل فئة من فئات الكافرين مجموعة من الماني الكاذبات‬
‫الضائعات ‪ ،‬تناسب حالة كفرهللم ‪ ،‬فهللم ينخللدعون بهللا ‪ ،‬وينجللذبون إليهللا ‪،‬‬
‫ويسعون وراءها ‪.‬‬

‫فالمشركون تتعلللق أمللانيهم باللهللة الللتي يعبللدونها مللن دون الللله ‪،‬‬
‫فتخيب أمانيهم التي تعلقت بهذه اللهة ‪ ،‬لنها تعلقت بأوهام ل حقيقة لهلا ‪،‬‬
‫يدعونهم فل يستجيبون لهم ‪.‬‬

‫وأهل الكتاب الكللافرون بالسلللم تتعلللق أملانيهم بتصللوراتهم باطلللة‬


‫وعقائد فاسدة ‪.‬‬

‫والملحدون الدهريون تتعلق أمانيهم بحدود الحيللاة الللدنيا ‪ ،‬فيسللعون‬


‫وراءها ‪ ،‬ويكدون لهثين ‪ ،‬ثم ل تتحقق أمانيهم ‪.‬‬

‫ففي الحديث عن أهل الكتاب قال الله تعالى في سللورة )البقللرة‪2/‬‬


‫مصحف‪ 87/‬نزول(‪:‬‬
‫م قُلْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫}وََقاُلوا ْ َلن ي َد ْ ُ‬
‫مان ِي ّهُ ْ‬
‫صاَر ٰى ت ِلك أ َ‬
‫هودا أوْ ن َ َ‬
‫ن ُ‬
‫من كا َ‬
‫ة إ ِل َ‬
‫جن ّ َ‬
‫خل ٱ ل َ‬
‫ن{‬
‫صادِِقي َ‬ ‫م ِإن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫هاُتوا ْ ب ُْر َ‬
‫هان َك ُ ْ‬ ‫َ‬

‫وخاطب الله المشركين بقوله في سورة )النساء‪ 4/‬مصحف‪92/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل ۤوًءا ي ُ ْ‬
‫جلَز ب ِلهِ وَل َ‬ ‫مل ْ‬
‫ل ُ‬ ‫من ي َعْ َ‬ ‫ل ٱلك َِتا ِ‬
‫ب َ‬ ‫ْ‬ ‫ي أهْ ِ‬‫مان ِ ّ‬‫م و َ ۤل أ َ‬ ‫مان ِي ّك ُ ْ‬ ‫}ل ّي ْ َ‬
‫س ب ِأ َ‬
‫صيرًا{‬‫ن ٱل ّللهِ وَل ِي ّا ً وَل َ ن َ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫جد ْ ل َ ُ‬
‫يَ ِ‬

‫ويوم القيامة يخاطب المؤمنون المنافقين والمنافقات فيقولون لهم‬


‫ضمن حوار طويللل‪} :‬وغرتكللم المللاني حللتى جللاء أمللر الللله وغركللم بللالله‬
‫الغرور{‪ ،‬أي الشيطان‪.‬‬
‫ويصور الله لنا هذا الحوار بقوله في سورة )الحديد‪ 57/‬مصللحف‪94/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫س‬‫قت َب ِل ْ‬ ‫من ُللوا ٱن ظلُرون َللا ن َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ت ل ِل ِ‬ ‫قا ُ‬ ‫م َنافِ َ‬ ‫ن و َ ٱل ُ‬
‫ْ‬ ‫قو َ‬ ‫م َنافِ ُ‬ ‫ل ٱلل ُ‬
‫ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬‫}ي َوْ َ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫سللورٍ ل ل ُ‬ ‫ب ب َي ْن َهُللم ب ِ ُ‬ ‫ض لرِ َ‬ ‫ً‬
‫سوا ن ُللورا فَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م َفل ٱللت َ ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ج ُعوا وََرآَءك ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل ٱْرل ِ‬ ‫م ِقي َ‬ ‫من ّنورِك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ملن قِب َل ِلهِ ٱللعَ ل َ‬
‫ُ‬
‫م ن َكللن‬ ‫َ‬
‫م أل ل ْ‬ ‫دون َهُ ْ‬ ‫ب * ي ُن َللا ُ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ْ‬ ‫ة وَظاهُِرهُ ِ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ِفيهِ ٱل ّرل ْ‬ ‫ب َباط ِن ُ ُ‬ ‫َبا ٌ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫م َوغّرت ْك ُل ُ‬ ‫م وَ ٱْر ت َب ُْتلل ْ‬ ‫ص لت ُ ْ‬ ‫م وَت ََرب ّ ْ‬ ‫س لك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫م أن ُ‬ ‫م فََتنت ُل ْ‬ ‫م قَللالوا ب َل ل ٰى وَل ٰل لك ِن ّك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫معَك ُل ْ‬
‫ّ‬
‫منك ُْ‬ ‫م ل َ ي ُؤْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ٱ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٱ‬ ‫ّ‬ ‫ٱ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ٱ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ٱ‬
‫م‬ ‫خذ ُ ِ‬ ‫و‬
‫َ ْ َ‬ ‫ي‬ ‫لل‬ ‫فل‬ ‫*‬ ‫ر‬‫ُ ُ‬ ‫رو‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫لل‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫لل‬ ‫ل‬ ‫بل‬
‫ِ‬ ‫كم‬ ‫ر‬
‫َْ ّ‬‫غ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫لل‬ ‫ل‬ ‫ر‬‫ْ ُ‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جآ‬
‫َ‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ي‬
‫َ ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫لل‬
‫صيُر {‪.‬‬ ‫َ ِ‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫لل‬ ‫ٱ‬ ‫س‬
‫ْ َِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬
‫ّ ُ ِ َ َ ْ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫نلا‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫َ َ ُ‬ ‫وا‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬
‫لل‬ ‫ٱ‬ ‫ن‬‫ة وَل ِ َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫فِد ْي َ ٌ‬

‫* الغرور بوساوس شياطين الجن والنس‪:‬‬


‫ووساوس شياطين النس والجن تدغدغ في الكافرين ما لللديهم مللن‬
‫الماني الكاذبة ‪ ،‬وتثيرها وتغذيها ‪،‬وتعد وتمني ‪ ،‬ولكنها ما تعللد ول تمنللي إل‬
‫غرورا ‪ ،‬وفي ذلللك يقللول الللله تعللالى فللي سللورة )النسللاء‪ 4/‬مصللحف‪92/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫ً‬
‫مِبينلا *‬ ‫ً‬
‫سَرانا ّ‬ ‫خ ْ‬‫سَر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ن ٱل للهِ فَ َ‬
‫ّ‬ ‫دو ِ‬ ‫ً‬
‫ن وَل ِي ّا من ُ‬ ‫َ‬
‫شلي ْطا َ‬‫خذِ ٱل ّ‬ ‫من ي َت ّ ِ‬ ‫}و َ َ‬
‫م وَل َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ن إ ِل ّ غُُرورا * أوْل ٰلئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫م ٱل ّ‬
‫جهَّنلل ُ‬‫م َ‬
‫مأَواهُ ْ‬‫ك َ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫ما ي َعِد ُهُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫منيهِ ْ‬ ‫م وَي ُ َ‬‫ي َعِد ُهُ ْ‬
‫ً‬
‫حيصا{‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَن َْها َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫يَ ِ‬

‫إنها الخطة التضليلية التي رسمها إبليس لغواء بني آدم ‪ ،‬والتي بينها‬
‫الله لنا بقوله في سورة )السراء‪ 17/‬مصحف‪ 50/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جد ُ‬ ‫سل ُ‬‫ل أأ ْ‬ ‫س قللا َ‬ ‫َ‬ ‫دوا ْ إ َل ّ إ ِب ِْليل َ‬ ‫ج ُ‬ ‫سل َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫دوا ْ لد َ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫سلل ُ‬ ‫م ۤلئ ِك َلةِ ٱ ْ‬ ‫}وَإ ِذ ْ قُل َْنا ل ِل ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ٰى ي َوْم ِ‬ ‫خْرت َ ِ‬‫نأ ّ‬ ‫ي ل َئ ِ ْ‬ ‫ت عَل َ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ذي ك َّر ْ‬ ‫ذا ٱل ّ ِ‬ ‫ك ه َ ٰل َ‬ ‫ل أَرأي ْت َ َ‬ ‫طينا ً * َقا َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ق َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫لِ َ‬
‫م ف َ لإ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫لٱ ْ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٱ لل ِ‬
‫ْ‬
‫م‬ ‫جهَن ّل َ‬ ‫ن َ‬ ‫من ْهُل ْ‬ ‫من ت َب ِعَك ِ‬ ‫بل فَ َ‬ ‫ذلهَ ْ‬ ‫ه إل قَِليل * َقا َ‬ ‫ن ذ ُّري ّت َ ُ‬ ‫حت َن ِك ّ‬ ‫م ةِ ل ْ‬ ‫ق َيا َ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫جل ِل ْ‬ ‫َ‬
‫ص لوْت ِك وَأ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫من ْهُ ل ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫َ‬
‫سللت َط عْ َ‬ ‫ن ٱ ْ‬ ‫مل َ ِ‬ ‫فزِْز َ‬ ‫ستَ ْ‬ ‫موُْفورا * وَ ٱ ْ‬ ‫ً‬ ‫جَزاًء ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫جَزآؤُك ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل وَ ٱللْولدِ وَ ِ‬
‫م‬ ‫مللا ي َعِلد ُهُ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ع لد ْهُ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِفي ٱلل ْ‬ ‫ْ‬
‫شارِكهُ ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫جل ِ َ‬ ‫ك وََر ِ‬ ‫خي ْل ِ َ‬
‫عَلي ِْهم ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫كيل ً‬ ‫ك وَ ِ‬ ‫ف ٰى ب َِرب ّ َ‬ ‫ن وَك َ َ‬ ‫َ‬
‫سلطا ٌ‬ ‫ْ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ك عَلي ْهِ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عَباِدي لي ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ً‬
‫ن إ ِل ّ غُُرورا * إ ِ ّ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫{‬

‫لحتنكن ذريته ‪ ،‬أي‪ :‬لستأصلن بالغواء ذريته ‪ ،‬وأصل المادة مشتقة‬


‫من الحنك‪ ،‬يقال لغة ‪ :‬احتنك الجراد الزرع إذا أكله ‪ ،‬والجللراد يأكللل بحنكللة‬
‫أكل ً متسأصل ً فل يبقي ول يذر ‪ .‬أو لقودن ذريته كيللف شللئت ‪،‬يقللال لغللة ‪:‬‬
‫حنك الرجل دابته إذا شد حبل ً في حنكها السفل ليقودها كيللف شللاء ‪ ،‬فهللو‬
‫شبيه باللجام الذي يجبر الدابة على طاعة من يقودها ‪ ،‬ولعلل هلذا المعنلى‬
‫هو القرب للمراد والله أعلم ‪.‬‬

‫وقللد امتحللن إبليللس التغريللر بللآدم وزوجلله ‪ ،‬وحلللف لهمللا أنلله مللن‬
‫الناصحين ‪ ،‬فأوقعهما بمخالفة الله ‪،‬وتسببلهم بالخروج من الجنللة ‪ ،‬وكللانت‬
‫وسيلته التغريريللة تشللتمل علللى تللدرج مللاكر ‪ ،‬وقللد عللبر الللله عنلله بقللوله‬
‫تعالى ‪} :‬فدلهما بغرور{‪ ،‬أي‪ :‬أنزلهما في هوة المعصية كمن يدلي إنسانا ً‬
‫في بئر ليشرب من مائها ‪ ،‬ولكن هذه البئر ل ماء فيها ‪ ،‬التدلية مشتقة من‬
‫إنزال الدلو في البئر ‪ ،‬ومعلوم أن هذا النزال يكون شيئا ً فشلليئا ً ‪ ،‬فالتدليللة‬
‫تتضمن معنى التغرير بتدرج ‪.‬‬
‫وقد أوضح الله قصة هذه التدلية الشيطانية فللي سللورة ]العللراف ‪،‬‬
‫اليات‪.[23-19 :‬‬

‫وخطة شياطين النس في التغرير بالمواعيد الكاذبة ودغدغة الماني‬


‫أخطر وأفعل خطللة شللياطين الجللن ‪ ،‬ويللوحي بعضللهم إلللى بعللض زخللرف‬
‫القول غرورا ً ‪ ،‬ويتولى شللياطين النللس إغللواء النللاس وتغريرهللم بللأقوالهم‬
‫المزخرفة وأباطيلهم المنمقة ‪ ،‬فيوقعون من يستجيب لهللم بللالغرور ‪ ،‬قللال‬
‫الله تعالى في سورة )النعام‪ 6/‬مصحف‪ 55/‬نزول(‪:‬‬
‫حي‬ ‫جللن ي ُللو ِ‬ ‫س و َ ٱل ِ‬
‫ْ‬
‫للن ْل ِ‬‫ن ٱ ِ‬ ‫طي َ‬
‫ش لَيا ِ‬ ‫ي عَلد ُوّا ً َ‬ ‫جعَل ْن َللا ل ِك ُللل ن ِب ِل ّ‬‫ك َ‬‫}وَك َلذ َل ِ َ‬
‫ما‬‫م وَ َ‬‫ما فَعَُلوهُ فَذ َْرهُ ْ‬‫ك َ‬ ‫شآَء َرب ّ َ‬‫ل غُُرورا ً وَل َوْ َ‬ ‫ق وْ ِ‬ ‫ف ٱْلل َ‬‫خُر َ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫ٍ‬ ‫م إ ِل َ ٰى ب َعْ‬
‫ضه ُ ْ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫ن ب ِللل ٱلل ِ‬ ‫َ‬
‫صللغَ ۤى إ ِلْيللهِ أفْئ ِد َةُ ٱ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ضللوْهُ‬‫خ َر ةِ وَل ِي َْر َ‬ ‫ن ل َ ي ُؤْ ِ‬
‫مُنللو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫لللل ِ‬ ‫ن * وَل ِت َ ْ‬ ‫فَتللُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن{‬‫قت َرُِفو َ‬ ‫م ْ‬
‫هم ّ‬ ‫ما ُ‬ ‫ْ‬
‫قت َرُِفوا َ‬
‫وَل ِي َ ْ‬

‫فيتعاون شياطين النس والجن على وضع الضللت المغررة التي‬


‫يغتر بها من يستجيب لهم ‪ ،‬ممن تميل أفئدتهللم إللى ضلللتهم ‪ ،‬إذ أنهلم ل‬
‫يؤمنون بالخرة ‪ ،‬ثم إنهم حين يغترون بهذه الضللت يرضونها ‪ ،‬ويقترفون‬
‫ما يقترفون من آثام ‪ ،‬ويقترفون ما يقترفون من شرور ‪.‬‬

‫ويعد الظالمون بعضللهم بعضلا ً مواعيللد ل تخللرج عللن دائرة الغللرور ‪،‬‬
‫وفي هذا يقول الله تعالى في سورة )فاطر‪ 35/‬مصحف‪ 43/‬نزول(‪:‬‬
‫ضُهم ب َْعضا ً إ ِل ّ غُُرورًا{‬
‫ن ب َعْ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ل ِإن ي َعِد ُ ٱل ّ‬
‫ظلال ِ ُ‬ ‫}ب َ ْ‬

‫* غرور الكافرين بمفتريات أنفسهم‪:‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫قد يبدو غرور النسان بما يفتريه هو نفسه غرورا عجيبا ‪ ،‬ولكن قد‬
‫يحصل بمؤثرات عدة ‪ ،‬منها الهوى الطللاغي ‪ ،‬والغضللب المفقللد للصللواب ‪،‬‬
‫والخوف المضّيع للرشد ‪ ،‬والطمع الذي يغشي على البصيرة ‪.‬‬

‫كرنا بطمع أشعب واغتراره بما كان يفتريه هو للصللبيان مللن‬ ‫وهذا يذ ّ‬
‫ولئم ليصرفهم عنه ‪ ،‬حتى إذا انصرفوا عنه إلى جهة الوليمة التي اختلقتهللا‬
‫لهم لحقهم طمعا ً بأن يجد تلك الوليمة فعل ً ‪ ،‬وينسيه طمعه أنلله هللو صللانع‬
‫الكذوبة ‪.‬‬

‫مثل هذا من أشعب وأضرابه قد يكون طريفا ً مضحكا ً ‪ ،‬أما أن يوجللد‬


‫نظيره في قضللايا النسللان الكللبرى ‪ ،‬ل سلليما مللا يتعلللق بالعقللائد الكللبرى‬
‫وأمور الدين فهو العجب العجاب ‪ ،‬إنه لعب بالمصللير ‪ ،‬وتللورط خطيللر فللي‬
‫شر مستطير ‪.‬‬

‫وقد تمثل قصللة اللصللين والشلليخ زنكللي اغللترار النسللان بمفتريللات‬


‫نفسه ‪.‬‬
‫ُيحكى أن لصين تعاونا على اللصوصية وقطع طريق الناس حقبة من‬
‫الزمن ‪ ،‬ولكن جلب لهما هذا العمللل تشللردا ً فللي الرض ومتللاعب كللثيرة ‪،‬‬
‫فأوحى لهما الشيطان أن يقيما ضريحا ً كاذبا ً بالقرب من بلللدة يعتقللد أهلهلا‬
‫بالخرافات ‪ ،‬وأن يكونا قيمين على هللذا الضللريح ‪ ،‬ويفتريللا للله عنللد النللاس‬
‫الكرامات ‪ ،‬حتى يفد إليه الجهلة والوثنيون ويقدموا للله القرابيللن والمللوال‬
‫تقربا ً إليه وتبركا ً به ‪ ،‬وفعل ً ذلك بعد أن دفنا في القللبر كلب لا ً ميتللا ‪ ،‬وأطلقللا‬
‫على صاحب الضريح اسم الشيخ زنكي ‪.‬‬

‫كان لصين فقط ‪ ،‬فصارا لصين مضللين شيطانين ‪.‬‬

‫وبدأ ناقصو العقول ملن الرجلال والنسلاء يفللدون إللى هللذا الضللريح‬
‫للتبرك ‪ ،‬ويبذلون له القرابين والموال ‪ ،‬ويستولي عليها هللذا اللصللان ‪ ،‬ثللم‬
‫طمع أحدهما بما جمعه قرينلله مللن مللال فسللرقه منلله ‪ ،‬فاختصللما ‪ ،‬فللأنكر‬
‫السارق ‪ ،‬فاستحلفه خصمه ‪ ،‬فحلف له بالشيخ زنكللي أنلله لللم يسللرق منله‬
‫شيئا ً ‪ ،‬فقال له قرينه‪ :‬ما هذا القسم؟ كلب دفنللاه معلا ً ‪ ،‬أفصللدقت الفريللة‬
‫التي افتريناها معًا؟ أم تريد أن تحتللال علللي وتخللدعني ‪ ،‬واقتتل فقتللل كللل‬
‫منهما صاحبه ‪.‬‬

‫وكثيرا ً ما يفللتري النللاس ال ِ‬


‫فللرى ‪ ،‬ثللم ينخللدعون بهللا هللم أنفسللهم ‪،‬‬
‫ويتصرفون تصرف الساقط المغرور ‪ ،‬ل سيما إذا وجدوا من يصدقهم بهلا ‪،‬‬
‫ن‬
‫وطال عليهللم المللد ‪ ،‬ومللرت بهللم مصللادفات تللدعم مللا افللتروه فللي ظل ّ‬
‫الجاهلين ‪.‬‬

‫إن القبيح شديد القبح إذا زعم أنه جميل واستطاع بحيلتلله أن يخللدع‬
‫فئة من الغبياء ‪ ،‬فأخذ هؤلء يثنون على جماله ‪ ،‬فإنه كثيرا ً ما يسللقط فللي‬
‫الغرور فيعتقد نفسه جميل ً جدا ً ‪ ،‬مع أنه في نظر غيللر هللؤلء الغبيللاء قبيللح‬
‫جدا ً ‪.‬‬

‫وكلثير ملن الملذاهب المصلنوعة للتضلليل يصلدرها أصلحابها افلتراء‬


‫ويزينوها بالقوال المزخرفة ‪ ،‬ثم إذا طال المد وصدقها فريللق مللن النللاس‬
‫اغتر بها مصدروها أنفسهم ‪ ،‬فاعتقللدوها إيمانلا ً بعللد أن كللانوا قللد أطلقوهللا‬
‫افتراء ‪.‬‬

‫فالكافرون قد يقعون فريسة الغرور بما كانوا قد افللتروه هللم ‪ ،‬وقللد‬


‫أشار القرآن إلى هذا النوع من الغللرور فقللال الللله تعللالى فللي سللورة )آل‬
‫عمران‪ 3/‬مصحف‪ 89/‬نزول(‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب ٱل لللل ِ‬
‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن إ ِل ٰ َى ك َِتا ِ‬
‫َ‬ ‫ب ي ُد ْعَوْ َ‬ ‫ن ٱللك َِتا ِ‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫صيبا م َ‬ ‫ن أوُتوا ْ ن َ ِ‬ ‫ذي َ‬‫م ت ََر إ َِلى ٱّلل ِ‬ ‫}أ ل َ ْ‬
‫م قَللاُلوا ْ ل َللن‬‫ك ب ِلأن ّهُ ْ‬‫ن * ٰذل ِل َ‬ ‫ضللو َ‬ ‫معْرِ ُ‬‫م ّ‬ ‫م وَهُ ْ‬
‫ريقٌ من ْهُ ْ‬ ‫م ي َت َوَل ّ َ ٰى فَ ِ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫حك ُ َ‬
‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫ن{‬‫فت َُرو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِفي ِدين ِهِ ْ‬ ‫ت وَغَّرهُ ْ‬ ‫دا ٍ‬‫دو َ‬ ‫سَنا ٱل ّنلاُر إ ِل أّياما ّ‬
‫مع ْ ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫م ّ‬ ‫تَ َ‬

‫فهؤلء الذين أوتوا نصيبا ً من الكتاب قد افتروا على ربهم فقالوا ‪:‬‬
‫لن تمسنا النار إل أياما ً معللدودات ‪ ،‬ثللم صللدقوا فريللة أنفسللهم ‪ ،‬واتخللذوها‬
‫عقيدة من عقائدهم ‪ ،‬وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون من أكللاذيب علللى‬
‫ربهم ‪.‬‬
‫وما أكثر الكاذيب التي يفتريها الناس في العقللائد ‪ ،‬ثللم تتحللول هللذه‬
‫الكاذيب بتطاول الزمن واستجابة الجهلة لها وبعض المصادفات المؤيللدة ‪،‬‬
‫إلى عقائد راسخة في الدين ‪ ،‬حتى في نفوس واضللعيها ومختلقيهللا ‪ ،‬وهللذا‬
‫أقبح الغرور أن يغتر النسان بما افتراه هو ‪.‬‬

‫)‪(5‬‬
‫الطبع على قلوب الكافرين‬

‫من فطرة النسان إذا هو عاند وأصر على الباطل بعد معرفة الحللق‬
‫المبين ‪ ،‬وأعلن تكذيبه وكفره بالحق ‪ ،‬أن يصاب قلبلله بالصللمم ‪ ،‬وأن يتبلللد‬
‫حسه تجاه الحق والخير ‪ ،‬فإذا ألقي عليه الهدى أعللرض عنلله ولللم يسللتمع‬
‫إليه ‪ ،‬ولم يدرك جوانب الحق فيه ‪،‬ولللم يتحللرك وجللدانه وضللميره بعاطفللة‬
‫إيجابية نحو الخير ‪ ،‬ويكون كالصخر الصم الذي ل يقبللل نللدى معرفللة ‪ ،‬ول‬
‫يندى بعاطفة ‪،‬فإذا وصل النسان إلى هذا المستوى مللن القسللوة وجفللاف‬
‫عواطف الخير ‪ ،‬فإنه يكون مغلف القلب مسدود المنافللذ محجوب لا ً بحجللاب‬
‫غليظ ‪ ،‬حتى يكون بمثابة البيت الذي أغلق بابه ‪ ،‬وضللرب عليلله بالقفللال ‪،‬‬
‫ثم ختمت القفللال بطللابع الطيللن أو الشللمع ‪ ،‬إشللعارا ً بوصللولها إلللى غايللة‬
‫إقفالها ‪ ،‬أو بمثابة المعدن الذي يعلللوه الصللدأ حللتى يغشلليه تغشللية تامللة ‪،‬‬
‫شللي قلللوب الكللافرين‬ ‫ويحجبلله حجبللا ً كللامل ً ‪ ،‬وهللذا هللو الللران الللذي يغ ّ‬
‫المكللذبين ‪ ،‬وهللو مللا ورد فللي قللول الللله تعللالى فللي شللأنهم فللي سللورة‬
‫)المطففين‪ 83/‬مصحف‪ 86/‬نزول(‪:‬‬
‫م‬
‫علن ّرب ّهِل ْ‬ ‫ن * ك َل ّ إ ِن ّهُل ْ‬
‫م َ‬ ‫سلُبو َ‬ ‫ْ‬
‫كلاُنوا ي َك ْ ِ‬
‫ملا َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن عَل َ ٰى قُل ُللوب ِهِ ْ‬ ‫}ك َل ّ ب َ ْ‬
‫ل َرا َ‬
‫م{‪.‬‬ ‫حي ِ‬ ‫ج ِ‬‫صالو ٱلل َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫مل َ‬ ‫َ‬ ‫ن * ثُ ّ‬
‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫جوُبو َ‬ ‫ح ُ‬‫م ْ‬ ‫مئ ِذٍ ل ّ َ‬
‫ي َوْ َ‬

‫فالطبع على القلوب كناية عن بلوغها مستوى ملن القسلوة وجفلاف‬


‫عواطف الخير ‪ .‬فهي ل تتأثر ببيان ‪ ،‬ول تستجيب لموعظللة ‪ .‬فكأنهللا بيللوت‬
‫مقفلة مطبوع عليها ‪ .‬أو قطعة من المعدن قد علها الصدأ فغشاها ‪.‬‬

‫دل على هذا جملة من النصوص القرآنية ‪ ،‬ويظهر لنا أيضا ً من واقللع‬
‫حال الكافرين المعاندين المكذبين ‪ ،‬إذ تكون قلوبهم في حجاب كامل عللن‬
‫قبول أية معرفة تتصل بالحق الذي كذبوا بله وجحلدوه ‪ ،‬وتكللون ضلمائرهم‬
‫ميتة ل تحس بمشاعر الخير الذي يدعوهم الحق إليه‪.‬‬

‫وسبب هللذا الطبلع الللذي تصللاب بلله قلللوبهم كفرهللم وتملاديهم فلي‬
‫الغي ‪ ،‬واستغراقهم في معاصيهم وذنوبهم ‪ .‬وهذه النتيجة هي مللن السللنن‬
‫ذر الللله أهللل القللرى منهللا ‪ ،‬فقللال – تعللالى – فللي سللورة‬ ‫الكونية الللتي حل ّ‬
‫)العراف‪ 7/‬مصحف‪ 39/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫مللن ب َعْلدِ أهْل ِهَللآ أن للوْ ن َ َ‬
‫شللآُء‬ ‫ض ِ‬ ‫ن ٱللْر َ‬ ‫ن ي َرِث ُللو َ‬ ‫م ي َهْدِ ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫}أوَل َ ْ‬
‫ك ٱل ْ ُ‬ ‫ن * ت ِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ص‬‫قلل ّ‬ ‫قَر ٰى ن َ ُ‬ ‫مُعو َ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬
‫س َ‬ ‫م وَن َط ْب َعُ عَل َ ٰى قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م فَهُ ْ‬ ‫م ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫صب َْناهُ ْ‬
‫أ َ‬
‫ما ك َلذ ُّبوا ْ‬
‫مُنوا ْ ب ِ َ‬
‫كاُنوا ْ ل ِي ُؤْ ِ‬
‫ما َ‬ ‫سل ُُهم ِبل ٱْللب َي َّنا ِ‬
‫ت فَ َ‬ ‫م ُر ُ‬
‫جآَءت ْهُ ْ‬‫قد ْ َ‬‫ن َأنَبآئ َِها وَل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬‫ب ٱْلل َ‬ ‫هل عَل َ ٰى قُُلو ِ‬ ‫ك ي َط ْب َعُ ٱل ّلل ُ‬ ‫ل ك َذ َل ِ َ‬‫من قَب ْ ُ‬ ‫ِ‬

‫فأوضح الله تعالى فلي هللذا النللص أن ملن سللنن كللونه الطبللع علللى‬
‫قلوب الكافرين ‪ ،‬فهو نتيجة تحصل بسللبب مللا يكسللب الكللافرون بكفرهللم‬
‫وجحودهم من ذنوب ‪ ،‬وبسبب طول المل عليهم وهم مك ّ‬
‫ذبون ‪.‬‬

‫وفي نص آخر بّين الله تبلارك وتعلالى أن سللبب الطبلع علللى قلللوب‬
‫اليهود إنما هو كفرهللم ‪ ،‬فقللال تعللالى فللي سللورة )النسللاء‪ 4/‬مصللحف‪92/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫م ٱللن ْب َِيآَء ب ِغَي ْرِ َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ت ٱل للهِ وَقَت ْل ِهِ ُ‬
‫ّ‬ ‫هم َبآَيا ِ‬ ‫فرِ ِ‬ ‫ُ‬
‫م وَك ْ‬ ‫ميَثاقَهُ ْ‬‫م ّ‬‫ضه ِ ْ‬
‫ق ِ‬ ‫}فَب ِ َ‬
‫ما ن َ ْ‬
‫ل{‬‫ن إ ِل ّ قَِلي ً‬ ‫م فَل َ ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫فرِهِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي َْها ب ِك ْ‬ ‫ل طب َعَ ٱل لل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ف بَ ْ‬‫م قُُلوب َُنا غُل ٌ‬
‫ْ‬ ‫وَقَوْل ِهِ ْ‬

‫فالطبع على قلوبهم قد كان بسبب كفرهم وكللان نتيجللة للله ‪ ،‬ولكللن‬
‫النتائج الطبيعيللة السللببية والسللنن الكونيللة إنملا تتللم بخلللق الللله ‪ ،‬ولللذلك‬
‫تنسب إلى الله تبارك وتعالى خلقا ً وتقديرا ً ‪ ،‬مع أنها نتللائج طبيعيللة لعمللال‬
‫يكسبها الناس ‪.‬‬

‫وتحدث الله عن المنافقين فبّين أن تحولهم من اليمان إلى الكفر‬


‫قد كان سببا ً في الطبع على قلوبهم ‪ ،‬فقال تعالى في سللورة )المنللافقون‪/‬‬
‫‪ 63‬مصحف‪ 104/‬نزول(‪:‬‬
‫ُ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن * ذ َل ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ‬
‫ف لُروا فَطب ِل َ‬
‫ع‬ ‫من ُللوا ث ُل ّ‬
‫مآ َ‬
‫ك ب ِلأن ّهُ ْ‬ ‫ملو َ‬‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫سآَء َ‬‫م َ‬ ‫}‪...‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫ن{‬ ‫قُهو َ‬ ‫م ل َيَ ْ‬
‫ف َ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫عَل َ ٰى قُُلوب ِهِ ْ‬

‫ففي هذه الية دللة على أن الطبع على قلوبهم قد جعلهللا محجوبللة‬
‫عن تقبل المعارف الربانية ‪ ،‬فهم ل يفقهون منها ما يهديهم ‪.‬‬

‫وقد تكرر في القرآن بيان الطبع على قلوب المنافقين ‪ ،‬وأنهم بذلك‬
‫ل يفقهون ما يلقى إليهم من هداية ‪ ،‬ول يعلمون مللا يضللرهم وينفعهللم فلي‬
‫عاقبة أمرهم ‪ ،‬فقللال تبللارك وتعللالى فللي سللورة )التوبللة‪ 9/‬مصللحف‪113/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ف‬
‫واِللل ِ‬ ‫معَ ٱْلل َ‬
‫خ َ‬ ‫كوُنوا ْ َ‬
‫ضوا ْ ب ِأن ي َ ُ‬
‫ن * َر ُ‬
‫دي َ‬
‫ع ِ‬ ‫معَ ٱْلل َ‬
‫قا ِ‬ ‫ن ّ‬ ‫}‪...‬وََقاُلوا ْ ذ َْرَنا ن َك ُ ْ‬
‫ن{‬ ‫قُهو َ‬ ‫م ل َ يَ ْ‬
‫ف َ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫وَط ُب ِعَ عَل َ ٰى قُُلوب ِهِ ْ‬

‫وقال تعالى فيها أيضًا‪:‬‬


‫م لَ‬ ‫ه عَل َ ٰى قُل ُللوب ِهِ ْ‬
‫م فَهُ ل ْ‬ ‫ف وَط َب َعَ ٱلل ّ ُ‬
‫وال ِ ِ‬ ‫معَ ٱل ْ َ‬
‫خ َ‬ ‫ضوا ْ ب َِأن ي َ ُ‬
‫كوُنوا ْ َ‬ ‫}‪َ...‬ر ُ‬
‫ن{‬‫مو َ‬‫ي َعْل َ ُ‬

‫أي‪ :‬تخلفوا عن الخروج مع الرسول ‪ ‬في غزوة تبوك ورضوا بللأن‬


‫يكونوا مع الخوالف ‪ ،‬أي‪ :‬مع النساء ‪ ،‬وطبللع علللى قلللوبهم بسللبب نفللاقهم‬
‫ومعاصيهم ‪ ،‬فهم ل يفقهون ول يعلمون ‪.‬‬
‫وأكد الله هذه الحقيقة عن المنافقين ‪ ،‬وذكر أنهم يتبعون أهواءهم ‪،‬‬
‫وطبيعي أن من ل يفقه الحقيقة ول يعلم العاقبة فل بد أن يتبع هواه ‪ ،‬قللال‬
‫تعالى في سورة )محمد‪ 47/‬مصحف‪ 95/‬نزول(‪:‬‬
‫ن ُأوُتوا ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫عندِك َقالوا ل ِل ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ْ ِ‬
‫خَر ُ‬ ‫حت ّ ٰى إ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ك َ‬‫معُ إ ِل َي ْ َ‬‫ست َ ِ‬
‫من ي َ ْ‬ ‫م ّ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫}و َ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م{‬ ‫م وَٱت ّب َعُ ۤوا أهْ َ‬
‫وآَءهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه عَل ٰى قُلوب ِهِ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن طب َعَ ٱلل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ٱل ِ‬
‫ّ‬ ‫ل آِنفا أوْل ٰلئ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ذا َقا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ٱل ْعِل ْ َ‬
‫م َ‬

‫ص المنافقين بهذا الهتمام في موضوع الطبع على قلوبهم لنهللم‬‫وخ ّ‬


‫مخالطون للمؤمنين ‪ ،‬يستمعون أقوال الهداية باستمرار ‪.‬‬

‫والطبع على القلوب يقترن به الطبع على السللماع والبصللار ‪ ،‬لنهللا‬


‫أهم منافذ القلوب إلى مواد المعارف التي تأتي من خارج كيللان النسللان ‪،‬‬
‫ولذلك قال الله تعالى في شأن من شرح بالكفر صدرا ً في سورة )النحللل‪/‬‬
‫‪ 16‬مصحف‪ 70/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫}ُأول َ ٰلئ ِ َ‬
‫م وَأول ٰل لئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫صارِهِ ْ‬
‫م وَأب ْ َ‬
‫معِهِ ْ‬‫س ْ‬
‫م وَ َ‬‫ه عَل ٰى قُلوب ِهِ ْ‬‫ن ط َب َعَ ٱلل ُ‬
‫ّ‬ ‫ك ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن{‬ ‫م ٱْلل َ‬ ‫م ِفي ٱلل ِ‬ ‫هُم ٱْللَغاف ُلون * ل َ جر َ‬
‫سرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫خ َر ةِ هُ ُ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬

‫* السباب المؤدية إلى الكفر فالطبع على القلوب ‪:‬‬


‫وقد أشار القرآن إلى السباب الباعثة على كفر الكافرين والتي‬
‫يتولد ّ عنها الطبع على قلوبهم ضمن سنن الله الثابتة ‪ ،‬وهي ثلثة أسباب ‪:‬‬

‫السبب الول‪ :‬النفسية العدوانية ‪ ،‬وفي الشارة إلى هللذا السللبب‬


‫يقول الله تعالى في سورة )يونس‪ 10/‬مصحف‪ 51/‬نزول(‪:‬‬
‫ن{‬‫دي َ‬ ‫ب ٱْلل ُ‬
‫م عْ ت َ ِ‬ ‫ك ن َط ْب َعُ عَل َ ٰى ُقلو ِ‬
‫}‪...‬ك َذ َل ِ َ‬

‫السبب الثاني‪ :‬النفسية الجاهللة المنسلاقة ملع الهلوى ‪ ،‬واللتي ل‬


‫تريللد أن تعلللم الحللق خشللية أن تنغللص عليهللا المعرفللة مللا هللي فيلله مللن‬
‫استغراق في الفجور ‪ ،‬وفي الشارة إلى هذا السبب يقول الله تعللالى فللي‬
‫سورة )الروم‪ 30/‬مصحف‪ 84/‬نزول(‪:‬‬
‫ن{‬‫مو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ل ي َعْل ُ‬ ‫ب ٱلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫هل عَل َ ٰى قُُلو ِ‬
‫ك ي َط ْب َعُ ٱل ّلل ُ‬
‫}ك َذ َل ِ َ‬

‫السبب الثالث‪ :‬النفسية المستكبرة الجبارة ‪ ،‬وهذا أخطر السباب‬


‫‪ ،‬ولذلك يكون الطبع بسببه عل كل قلب متكب ّرٍ جبللار ‪ ،‬وفللي الشللارة إلللى‬
‫هذا السبب يقول الله تعالى في سورة )غافر‪ 40/‬مصحف‪ 60/‬نزول(‪:‬‬
‫مت َك َب ّرٍ َ‬
‫جّباٍر{‬ ‫ل قَل ْ ِ‬
‫ب ُ‬ ‫ه عَل َ ٰى ُ‬
‫كل ّ‬ ‫ك ي َط ْب َعُ ٱلل ّ ُ‬
‫}‪....‬ك َذ َل ِ َ‬

‫أي‪ :‬ل يقتصر على الطبع على بعض قلبه ‪ ،‬بل يكون عليه جميعا ً ‪.‬‬

‫* تنوع التعبيرات القرآنية للدللة على حقيقة الطبع على‬


‫القلوب ومنافذها‪:‬‬
‫لقد جاء التعبير في القرآن عن هذه الحقيقة التي شرحناها بعبارات‬
‫مختلفة ‪ ،‬فكما رأينا جاء التعبير عنهلا بلفلظ الطبلع ‪ ،‬ثلم جلاء التعلبير عنهلا‬
‫بالقفال على القلوب ‪ ،‬وجاء التعبير عنها بالختم إلى غيللر ذلللك مللن ألللوان‬
‫في التعبير وكلها تحمل دللت متقاربة لمدلول عليه واحد أو متقارب ‪.‬‬

‫) أ ( فالتعبير بالقفال على القلوب قد جاء في معرض الحديث عللن‬


‫المنافقين في سورة )محمد‪ 47/‬مصحف‪ 95/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫}أ َوْل َ ٰلللئ ِ َ‬
‫م * أفَل َ‬
‫صللاَرهُ ْ‬
‫ملل ٰى أب ْ َ‬
‫م وَأعْ َ‬
‫مه ُ ْ‬ ‫ه فَأ َ‬
‫صلل ّ‬ ‫ٱّللل ُ‬‫م ل‬‫ن ل َعَن َُهلل ُ‬ ‫ك ٱّللل ِ‬
‫ذي َ‬
‫ب أ َقْ َ‬
‫فال َُهآ {‪.‬‬ ‫م عَل َ ٰى قُُلو ٍ‬
‫قرآ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ن ٱل ْ ُ ْ َ‬ ‫ي َت َد َب ُّرو َ‬

‫ففي هذا النص تعبيران‪:‬‬


‫تعبير مباشر بأن نفاقهم قد سّبب لهم الصمم عن قبول أقوال‬
‫الهداية ‪ ،‬والعمى عن رؤية آيات الله البينات في أنفسهم وفللي الكللون مللن‬
‫حولهم ‪.‬‬

‫وتعبير غير مباشر ‪ ،‬وذلك بالنسبة إلى قلللوبهم ‪ ،‬فقللال تعللالى ‪} :‬أم‬
‫على قلوب أقفالها{‪ ،‬وهذا كناية عن الحجب التي تحجب بها قلوبهم بسبب‬
‫كفرهم ونفاقهم ‪.‬‬

‫) ب ( والتعبير بالختم نجده في قول الله تعالى في أوائل سورة‬


‫)البقرة‪ 2/‬مصحف‪ 87/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫م ل َ ي ُؤْ ِ‬
‫من ُللو َ‬ ‫م ت ُن ْلذِْرهُ ْ‬ ‫َ‬
‫مل ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أأنذ َْرت َهُ ْ‬ ‫َ‬
‫وآٌء عَلي ْهِ ْ‬ ‫فُروا ْ َ‬
‫س َ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬‫ن ٱّلل ِ‬
‫}إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫عل َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫شاوَةٌ وَلُهل ْ‬ ‫م ِغ َ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫م وَعَل ٰى أب ْ َ‬ ‫معِهِ ْ‬
‫س ْ‬‫م وَعَل ٰى َ‬ ‫ه عَل َ ٰى قُلوِبه ْ‬
‫ُ‬ ‫م ٱلل ّ ُ‬
‫خت َ َ‬
‫َ‬
‫م{‬‫ظي ٌ‬
‫ع ِ‬

‫فهؤلء الذين كفروا بعد بيان الحق لهم وأصروا على كفرهم‬
‫وعنادهم قد وصلوا إلى حالة من انطمللاس البصلليرة وتبل ّللد الحللس ل ينفللع‬
‫معها النذار بسوء المصير ‪ ،‬لنهم جحدوا اليوم الخر ومللا فيلله مللن جللزاء ‪،‬‬
‫فالنذار وعدمه بالنسبة إليهم سواء }سواء عليهم أأنذرتهم أم لللم تنللذرهم‬
‫ل يؤمنون{‪ ،‬وظاهر أن السبب في ذلك هو ما وصلوا إليه من الختللم علللى‬
‫قلوبهم وعلى سمعهم ‪ ،‬وما جّلل أبصارهم مللن غشللاوة حجبتهللا عللن رؤيللة‬
‫آيات الله ودلئل وجوده ‪ ،‬وحكمته وعدله ‪ .‬وهذا الختم وهذه الغشاوة همللا‬
‫من النتائج الطبيعية لما هم فيه من الكفللر المعانللد ‪ ،‬بعللد بيللان الحللق لهللم‬
‫بمختلف الوسائل ‪.‬‬

‫ونجد التعبير بالختم فللي قللول الللله تعللالى فللي سللورة )الجاثيللة‪45/‬‬
‫مصحف‪ 65/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫م عَل ل ٰى‬ ‫خت َل َ‬
‫عل لم ٍ وَ َ‬‫ه عَل ل ٰى ِ‬ ‫ٱل ل ُ‬‫ه ل‬ ‫ضل ُ‬‫واهُ وَأ َ‬ ‫خذ َ إ ِل ٰلهَ ُ‬
‫ه هَ َ‬ ‫ن ٱت ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ت َ‬‫}أفََرأي ْ َ‬
‫مللن ب َعْلدِ ٱل ّلللهِ أ َفَل َ‬ ‫ديهِ ِ‬ ‫شللاوَةً فَ َ‬
‫مللن ي َهْل ِ‬ ‫ل عَل َل ٰى ب َ َ‬
‫ص لرِهِ ِغ َ‬ ‫جع َ َ‬‫معِهِ وَقَل ْب ِهِ وَ َ‬
‫س ْ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ّ‬
‫ت َذ َكُرو َ‬

‫فهذا فريق من الناس قد اتخذ إلهه هواه ‪ ،‬فهو يعبد أهواء نفسه ‪،‬‬
‫فيطيعها في أوامرها ونواهيها ‪ ،‬ويسارع في تحقيق مطالبها وشهواتها ‪ ،‬ولو‬
‫كان في ذلك أذاه وضره وهلكه ‪ ،‬وملن اتخللذ إلهله هللواه فقللد ضلل سلواء‬
‫السبيل ‪ ،‬ومن ضل بجنوحه واتباعه أهواء نفسله أضلّله اللله ‪ ،‬فحكلم عليله‬
‫بالضلل حكما ً مبينا ً على علم بواقع حالة الضال ‪ ،‬وإذا وصللل النسللان إلللى‬
‫هذا المستوى من الضلل واتباع الهوى قسا قلبه ‪ ،‬وران عليه ما كسب من‬
‫جللب عللن إدراك الحقللائق الدينيللة الربانيللة ‪ ،‬غل ّللف بغلف شللامل‬
‫ح ِ‬
‫إثللم ‪ ،‬ف ُ‬
‫‪،‬وختم على هذا الغلف ‪ ،‬وكلان شللأن أدوات المعرفللة لللديه كشللأن قلبلله ‪،‬‬
‫فيختم على سمعه أيضا ً ‪ ،‬فل يستمع إلى نصيحة ‪ ،‬ول يتقبل موعظمللة مللن‬
‫مواعظ الهداية الربانية ‪ ،‬وُيجعل على بصره غشللاوة ‪ ،‬فل يللرى آيللات علللم‬
‫الله وحكمته وعدله المنبثة في الوجود ‪.‬‬

‫سب تصيب صغراها العصاة مللن المللؤمنين ‪ ،‬ونصلليب كبراهللا‬‫ولهذا ن ِ َ‬


‫الكافرين والمنافقين ‪.‬‬

‫وقد يصغي المختوم على قلبه وسمعه إلى المواعظ إصغاًء صللوريا ً ‪،‬‬
‫إل أن هذا الصغاء الصوري ليس له أثر في النفس ‪ ،‬فوجود كَعدمه ‪،‬ويبقى‬
‫بعده الصرار والستكبار ‪ ،‬كأن السامع لم يسمع من الهدايللة شلليئا ً ‪ ،‬وهللذا‬
‫المعنى قللد بّينلله الللله تعللالى بقللوله فللي سللورة )الجاثيللة‪ 45/‬مصللحف‪65/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫هل َوآَيات ِ ِ‬‫ث ب َعْد َ ٱل ّلل ِ‬‫دي ٍ‬‫ح ِ‬‫حق فَب ِأي َ‬ ‫ك ِبل ٱْلل َ‬ ‫ها عَل َي ْ َ‬‫ت ٱل ّللهِ ن َت ُْلو َ‬ ‫ك آَيا ُ‬ ‫}ت َل ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صلّر‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ت ٱلّللهِ ت ُت َْلل ٰى عَل َْيلهِ ُثل ّ‬ ‫معُ آَيلا ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ك أِثيلم ٍ * ي َ ْ‬ ‫كلل أّفلا ٍ‬ ‫لل ُ‬ ‫ن * وَي ْ ٌ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫ش لْيئا ً‬‫ن آَيات ِن َللا َ‬ ‫َ‬
‫ب أِلي لم ٍ * وَإ ِ َ‬ ‫َ‬
‫معَْها فَبشْرهُ ب ِعَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫مل ْ‬ ‫م ِ‬
‫ذا عَل ِل َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫س َ‬
‫م يَ ْ‬‫ست َكِبرا كأن ل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن{‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫خذ َ َ‬
‫مِهي ٌ‬ ‫ب ّ‬‫ذا ٌ‬ ‫ها هُُزوا أوْل ٰلئ ِك لهُ ْ‬ ‫ٱت ّ َ‬

‫فهذا الفاك الثيم يسمع آيات الله تتلى ‪ ،‬ويظللل مصللرا ً علللى كفللره‬
‫‪،‬مسللتكبرا ً فللي نفسلله ‪ ،‬فكللأنه لللم يسللمع شلليئا ً ‪ ،‬إن بينلله وبيللن السللتماع‬
‫الحقيقي المؤثر حجابا ً من كبر نفسه واتباعه الهوى ‪ ،‬فهو مختوم على قلبه‬
‫وسمعه ‪.‬‬

‫فالتعبيرات قد جاءت في هللذا المجللال بالقفللال وبللالختم وبللالطبع ‪،‬‬


‫ولعلها مستويات ثلثة ‪ ،‬تبدأ بالقفال ‪ ،‬كأقفللال البللواب ‪ ،‬ثللم يكللون الختللم‬
‫كالختم بالطين أو الشمع بالخاتم المنقوش بصللورة متميللزة ‪ ،‬وهللذا الطبللع‬
‫يكون في آخر عمليللات أحكلام الغلللق وتثللبيته ‪ ،‬وهللو كنايللة علن النحجللاب‬
‫الكامل الذي تصل إليه قلوب الكافرين والمنافقين ‪ ،‬بعد مراحل من العنللاد‬
‫والستكبار ‪.‬‬

‫وقبل القفال تتوارد النكت السوداء على القلوب نكتة فنكتة‪ 1‬بسبب‬
‫المعاصي القلبية حتى يجللها الران ‪ ،‬وهذا قد تتعرض للله قلللوب المللؤمنين‬
‫ولكن في مستوى ما دون الران ‪.‬‬

‫)‪(6‬‬
‫وصف الكافرين بأنهم كالنعام بل هم أضل‬

‫النكتة ‪ :‬النقطة السوداء ‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫لقد عطل الكافرون بالله ما وهبهم الله من عقل ‪ ،‬وما منحهم من‬
‫وسائل استنباط واستنتاج ‪ ،‬فوقفوا بها عند حدود ظللواهر المللادة وأسللبابها‬
‫القريبة ولم يؤمنوا بالحقيقة الكبرى التي تللدل هللذه الظللواهر عليهللا ‪ ،‬كمللا‬
‫أنهم لم يتسجيبوا لمشاعرهم الفطرية نحو هذه الحقيقة الكبرى ‪.‬‬

‫وبما أنهم عطلوا ما وهبهم الله عما يجب عليهم أن يستعملوه فيلله ‪،‬‬
‫كانوا هم وفاقد هذه المواهب سواء بحكم النتيجة ‪.‬‬

‫لقد خلق الله فيهم عقولهم ووسللائل إدراكهللم لينظللروا فللي الكللون‬
‫ويدرسوا خصائصلله ‪ ،‬وليسللتدلوا منلله عللى خلالقه ومبللدعه ومللدبر أمللره ‪،‬‬
‫لكنهم نظروا في الكون فوقفوا عند حدود الظواهر وأسبابها القريبللة الللتي‬
‫لهم بها مصلحة في حياتهم الدنيا ‪ ،‬ثم أنكروا خالقه ومبدعه ومللدبر أمللره ‪،‬‬
‫فكانوا بالنسبة لهذا القطاع الفكري كالنعام ‪ ،‬بل هللم لللدى التحقيللق أسللوأ‬
‫حال ً وأضل سبيل ً ‪ ،‬لن فاقللد الشلليء أصلل ً وهللو ل يملللك وسلليلة لتحصلليله‬
‫واكتسابه معذور بفطرته ‪ .‬فالحيوان الذي ل عقللل عنللده ول بصلليرة تهللديه‬
‫معذور بضللته إذا ضل ‪ ،‬وربمللا تضللل غريزتلله علن المعللان فللي الضلللل ‪.‬‬
‫بخلف النسان الذي يعطل عقله عملا خللق ملن أجلله فهلو غيلر معلذور ‪،‬‬
‫والمسؤولية تلحقه علللى مقللدار مللا وهبلله الللله مللن قللوة إدراك معطلللة ‪،‬‬
‫خر عقللله‬ ‫ومؤاخللذاته تكللون أشللد ‪ ،‬ومسللؤولياته تكللون أعظللم حينمللا يس ل ّ‬
‫ومواهب فهمه وإدراكه في خدمة أهواء نفسه الجانحللة الجامحللة ‪ ،‬وعنللدئذٍ‬
‫ينطلللق فللي ميللادين الشللر والفسللاد بللذكاء وحيلللة ‪ ،‬ول يقللف عنللد حللدود‬
‫محدودة ‪ ،‬فل لجام من غريزتلله ‪ ،‬ول ضلابط ملن عقللله ‪ ،‬وملواهبه الذهنيلة‬
‫مسخرة لهواء نفسه في الضلل والفساد والشر ‪ ،‬فهو بذلك أضللل سللبيل ً‬
‫من النعام ‪ ،‬ويصح أن يحكم عليه بأنه شر الدواب عند الله ‪.‬‬

‫كر بالله والخير وفعل الصالحات لم يسمع من ذلك شيئا ً ‪ ،‬لن‬


‫فإذا ذ ّ‬
‫قلبه مقفل بأقفال الهواء والشهوات ‪ ،‬مطبوع عليه ولو سمع بأذنيه الكلم‬
‫كر بالله فإن قلبه وفكره في حجاب غليظ عن سماع مضمونه ‪.‬‬ ‫المذ ّ‬

‫وإذا عرضت عليه آيات الله البينات في نفسه وفي الكون من حللوله‬
‫لم يَر منها شيئا ً ‪ ،‬لن بصيرته محجوبة بحجب الهللواء والشللهوات ومصللالح‬
‫الللدنيا ولللذاتها ‪ ،‬فل يللرى مللن اليللات إل ظواهرهللا الدنيويللة ‪ ،‬أمللا دللتهللا‬
‫الحقيقية الربانية فل يرى منها شيئا ً ‪ ،‬وتظل بصيرته في عمى عنها ‪ ،‬بسبب‬
‫كفره بربه وبجزائه واليوم الخر ‪ ،‬وبسبب انحصار كل تصللوراته فللي حللدود‬
‫الحياة الدنيا ومتعها وزينتها وهمومها وأحزانها ‪.‬‬

‫ح وصف هذا الفريللق مللن النللاس بللأنه أصللم أبكللم‬


‫فمن أجل ذلك ص ّ‬
‫أعمى ‪ ،‬وبأنه ل يعقل ‪.‬‬
‫فما قيمة سمع ل يؤدي وظيفته الساسية؟ وما قيمللة بصللر ل يللؤدي‬
‫وظيفته الساسية؟ وما قيمة فكر ل يهدي صاحبه إلى رشده وسللعادته؟ إن‬
‫وجودها وعدمها سواء في حكم النتيجة العاجلة ‪ ،‬ووجودهللا شللر وبلء علللى‬
‫صاحبها في حكم النتيجة الجلة والعاقبة الوخيمة يوم الجزاء الكبر ‪.‬‬
‫وقد تظاهرت النصوص القرآنية في الدللة على هذه الحقيقة ‪ ،‬منهللا‬
‫قول الله تعالى في سورة )الفرقان‪ 25/‬مصحف‪ 42/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ب‬‫سل ُ‬‫ح َ‬ ‫كيل ً * أ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ن عَل َي ْلهِ وَ ِ‬‫ت ت َك ُللو ُ‬‫واهُ أفَلأن َ‬ ‫خذ َ إ ِل َ ٰلهَ ُ‬
‫ه هَ َ‬ ‫ن ٱت ّ َ‬
‫ِ‬ ‫م‬‫ت َ‬‫}أَرأي ْ َ‬
‫ل هُ َ‬ ‫كل ٱ َ‬ ‫أ َن أ َك ْث َرهُم يسمعو َ‬
‫سِبي ً‬
‫ل{‬ ‫ل َ‬‫ض ّ‬ ‫مأ َ‬ ‫ْ‬ ‫للن َْعام ِ ب َ ْ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫قُلو َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ن أوْ ي َعْ ِ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ّ‬

‫فالكافرون بالله الذين اتخذوا أهواءهم آلهتهم ل يسمعون إلى نصائح‬


‫الهداية ‪ ،‬ول يعقلون نفوسهم عن مواقع الضللة ‪ ،‬وما هللم فللي حيللاتهم إل‬
‫كالنعام يأكلون كما تأكل النعام ‪ ،‬ويتمتعللون كمللا تتمتللع النعللام ‪ ،‬بللل هللم‬
‫أضل منها في الحياة سبيل ً ‪ ،‬لن النعام تلجمها غرائزها ‪ ،‬أما الكافرون من‬
‫الناس فليس لديهم ما يلجمهم عن الشر الكبير والفساد العريض ‪.‬‬

‫ومنها قول الله تعالى في سورة )محمد‪ 47/‬مصحف‪ 95/‬نزول(‪:‬‬


‫ن ك َما ت َأ ْك ُل ُ َ‬ ‫ْ‬
‫م وَ ٱل ّنللاُر َ‬
‫مث ْل ً‬
‫وى‬ ‫ل ٱللن ْعَللا ُ‬ ‫ن وَي َأك ُُلو َ َ‬ ‫فُروا ْ ي َت َ َ‬
‫مت ُّعو َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫}وَ ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬
‫ل ّهُ ْ‬
‫م{‬

‫ومنها قوله تعالى في سورة )الحجر‪ 15/‬مصحف‪ 54/‬نزول(‪:‬‬


‫ْ‬
‫مت ّعُللوا ْ‬
‫م ي َلأك ُُلوا ْ وَي َت َ َ‬
‫ن * ذ َْرهُل ْ‬
‫مي َ‬
‫سلل ِ ِ‬ ‫كاُنوا ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫فُروا ْ ل َوْ َ‬‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ما ي َوَد ّ ٱّلل ِ‬
‫}ّرب َ َ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫ف ي َعْل ُ‬‫سوْ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م ٱلل َ‬
‫م ُ‬ ‫وَي ُل ْهِهِ ُ‬

‫فهم في تمتعهم في الحياة كما تتمتع النعام تلهيهم آمالهم ‪ ،‬حتى‬


‫إذا جاءت آجالهم قطعت كل آمالهم ‪.‬‬

‫ومن البديع أن الله تبارك وتعالى قد أثبت لهم قلوبا ً وأعينا ً وآذانا ً ‪،‬‬
‫ولكنه أثبت أيضا ً أنهم ل يفقهللون الحللق بقلللوبهم ‪ ،‬ول يبصللرون آيللات الللله‬
‫بأعينهم ‪ ،‬ول يسمعون أقوال الهدى بآذانهم ‪ ،‬لللذلك فهللم كالنعللام بللل هللم‬
‫أضل وهذه الغشاوات على مللداركهم إنملا تراكبللت عليهللم بسللبب غفلتهللم‬
‫وانشغالهم بمتاع الحياة اللدنيا ‪ ،‬قلال اللله تعلالى فلي سللورة )العلراف‪7/‬‬
‫مصحف‪ 39/‬نزول(‪:‬‬
‫ن وَ ٱ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫قهُللو َ‬ ‫ب ل ّيَ ْ‬
‫ف َ‬ ‫م قُل ُللو ٌ‬ ‫س ل َهُ ل ْ‬
‫ِ‬ ‫للن ْ‬
‫ِ‬ ‫ن ٱْلل ِ‬
‫ج ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ك َِثيرا ً ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫قد ْ ذ ََرأَنا ل ِ َ‬ ‫}وَل َ َ‬
‫َ‬
‫كل ٱللن َْعام ِ ب َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن ب َِهآ أوْل َ ٰلئ ِ َ‬ ‫بها ول َه َ‬
‫ل‬ ‫ك َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ن ل ّيَ ْ‬
‫س َ‬ ‫ذا ٌ‬‫مآ َ‬‫ن ب َِها وَل َهُ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ن ل ّ ي ُب ْ ِ‬ ‫م أعْي ُ ٌ‬ ‫َِ َ ُ ْ‬
‫ن{‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫غا‬ ‫ْ‬
‫لل‬ ‫ٱ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ض‬ ‫هُ َ‬
‫َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ ِ‬ ‫مأ َ‬‫ْ‬

‫ومن أجل ذلك كانوا شر الدواب عند الله ‪ ،‬وهذا ما أعلنه الله بقللوله‬
‫تعالى في سورة )النفال‪ 8/‬مصحف‪ 88/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه وَأن ْت ُل ْ‬
‫وا عَن ْل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه وَل ت َوَل ل ْ‬ ‫َ‬
‫سللول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيعُللوا ْ ٱل ّللل َ‬ ‫من ُل ۤوا ْ أ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ٰيأي ّهَللا ٱّللل ِ‬
‫ش لّر‬ ‫ن َ‬ ‫ن * إِ ّ‬ ‫مُعو َ‬ ‫م ل َيَ ْ‬
‫سل َ‬ ‫معَْنا وَهُ ل ْ‬ ‫سل ِ‬ ‫ن قَللاُلوا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّل ِ‬
‫كون ُللوا ْ َ‬‫ن * وَل َ ت َ ُ‬ ‫مُعو َ‬ ‫سل َ‬‫تَ ْ‬
‫م‬‫هل ِفيِهلل ْ‬ ‫م ٱ ل للل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن * وَلوْ عَل ِ َ‬ ‫قلو َ‬‫ُ‬ ‫ن ل َ ي َعْ ِ‬ ‫ذي َ‬‫م ٱ لل ِ‬
‫ّ‬ ‫مل ٱ للب ُك ْ ُ‬
‫ْ‬ ‫صل ّ‬‫عند َ ٱ ل للهِ ٱ ل ّ‬
‫ّ‬ ‫دلَواب ِ‬ ‫ٱل ّ‬
‫ن{‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫م لت َوَلوا وّهُ ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م وَلوْ أ ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫خْيرا ل ْ‬ ‫َ‬

‫فبين الله أن سبب كونهم شر الدواب عند الله أنهم صم عن سماع‬


‫الهدى ‪ ،‬بكم عن قول الخير والعللتراف بللالحق ‪ ،‬ل يعقلللون نفوسللهم عللن‬
‫أهوائها الجانحة ‪ ،‬وبذلك كانوا كافرين بللالله واليللوم الخللر ‪ ،‬ولللو علللم الللله‬
‫فيهم خيرا ً من إيمان أو إرادة للخير لزال الغشلاوات اللتي تراكبلت عليهلم‬
‫فأسمعهم ‪ ،‬ولكن لو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ‪ ،‬فلم ينتفعوا لنهم هلم‬
‫السبب في هذه الغشاوات الحاجبة لهم ‪.‬‬

‫وأوضح الله في آية أخرى أن شر الللدواب عنللد الللله الللذين كفللروا ‪،‬‬
‫فدل ذلك على أنهم هم الصم البكللم الللذين ل يعقلللون ‪ ،‬فقللال تعللالى فللي‬
‫سورة )النفال‪ 8/‬مصحف‪ 88/‬نزول(‪:‬‬
‫ن{‪.‬‬‫مُنو َ‬ ‫َ‬
‫م ل ي ُؤْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا فهُ ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫هل ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عند َ ٱل ّلل ِ‬
‫ب ِ‬ ‫شّر ٱل ّ‬
‫دلَوا ّ‬ ‫ن َ‬
‫}إ ِ ّ‬

‫ووصف الله الكافرين في سورة )البقرة‪ 2/‬مصحف‪ 87/‬نزول( بأنهم‬


‫صم بكم عمي فهم ل يعقلون ‪ ،‬فقال تعالى ‪:‬‬
‫دآءً‬ ‫معُ إ ِل ّ د ُ َ‬
‫علآًء وَِنل َ‬ ‫ما ل َ ي َ ْ‬
‫سل َ‬ ‫ل ٱّلل ِ‬
‫ذي ي َن ْعِقُ ب ِ َ‬ ‫فُروا ْ ك َ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ٱّلل ِ‬
‫مث َ ُ‬
‫}و َ َ‬
‫ن{‬ ‫قلو َ‬‫ُ‬ ‫م ل َ ي َعْ ِ‬‫ي فَهُ ْ‬‫م ٌ‬‫م عُ ْ‬ ‫م ب ُك ْ ٌ‬
‫ص ّ‬
‫ُ‬

‫ووصف المنافقين بمثل ذلك فقال فيها أيضًا‪:‬‬


‫ن{‬ ‫م ل َ ي َْر ِ‬
‫جُعو َ‬ ‫ي فَهُ ْ‬
‫م ٌ‬ ‫م ب ُك ْ ٌ‬
‫م عُ ْ‬ ‫ص ّ‬
‫} ُ‬

‫)‪(7‬‬
‫موقف الكافرين من المؤمنين‬

‫عرفنا أن موقف المؤمنين من الكافرين هو موقف الرغبللة بهللدايتهم‬


‫وإرادة الخير لهم ‪ ،‬ليظفروا بالحياة الطيبة في الدنيا والسعادة الخالدة يوم‬
‫الدين ‪.‬‬

‫أمللا موقللف الكللافرين مللن المللؤمنين فهللو موقللف كراهيللة وعللداء ‪،‬‬
‫وإرادة تكفير ومحاولت تضليل ‪،‬ويرافق ذلك حقللد وتغيللظ كلمللا رأوا خيللرا ً‬
‫أصاب المؤمنين ‪ ،‬ومع الكراهيللة والعللداء والحقللد والتغيللظ تللأتي مكايللدهم‬
‫الظاهرة والخفية ‪ ،‬وألوان حروبهم الساخنة والباردة ‪ ،‬المادية والمعنوية ‪.‬‬

‫وقد تعرضت البيانات القرآنية إلى كللل ذلللك ‪ ،‬وحللذرتنا مللن الركللون‬
‫إليهم ‪ ،‬ومن النللزلق فلي مزالقهلم ‪ ،‬والوقلوع فلي حبلائلهم ‪ ،‬والسلتجابة‬
‫لوساوسللهم ودسائسللهم الللتي يقللدمونها لنللا علللى صللفة نصللائح ‪ ،‬لنعللرف‬
‫خصومنا وأعداءنا ‪ ،‬فنكون على حذر من مكائدهم ودسائسللهم ‪ ،‬ونسللتطيع‬
‫أن نواجه كل مكيدة بما يفعلها ‪ ،‬ونمل الثغللور الللتي يمكللن أن ينفللذوا منهللا‬
‫بالحراس السود اليقظين ‪.‬‬

‫* البيانات القرآنية‪:‬‬
‫أما البيانات القرآنية في هذا المجال فمتعددة ‪ ،‬منها البيانات التالية‪:‬‬
‫) أ ( يقول الله تعالى في سورة )البقرة‪ 2/‬مصحف‪ 87/‬نزول(‪:‬‬
‫ن َأن ي ُن َّز َ‬
‫ل‬ ‫كي َ‬ ‫م ْ‬
‫ش رِ ِ‬ ‫ب وَل َ ٱْلل ُ‬ ‫ل ٱْللك َِتا ِ‬
‫َ‬
‫ن أه ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ْ ِ‬‫ن كَ َ‬ ‫ما ي َوَد ّ ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫} ّ‬
‫ذو‬‫ه ُ‬ ‫شللآُء وَ ٱل للل ُ‬
‫ّ‬ ‫مللن ي َ َ‬ ‫مت ِلهِ َ‬
‫ح َ‬
‫ص ب َِر ْ‬
‫خت َل ّ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫م وَ ٱل للل ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫مللن ّرب ّكل ْ‬‫خي ْلرٍ ّ‬‫ن َ‬ ‫مل ْ‬
‫م ّ‬ ‫عَل َي ْك ُل ْ‬
‫م{‬‫ظي ِ‬‫ل ٱ ْللعَ ِ‬ ‫ض ِ‬‫ف ْ‬ ‫ٱ ْلل َ‬

‫فهذا النص يكشف موقفا ً من مواقف الكافرين تجاه المؤمنين ‪ ،‬فهم‬


‫ما يودون )أي فهم يكرهون( أن يصيب المؤمنون خيرا ً ‪ ،‬سللواء أكلان خيللرا ً‬
‫مادي لا ً أو خيللرا ً معنوي لا ً ‪ ،‬وذلللك لن كفرهللم قللائم علللى النانيللة والحسللد ‪،‬‬
‫وكراهية الحق والتعصب العمى للعقائد الموروثة ‪ .‬وهذه العوامل تجعلهللم‬
‫يكرهون الخير للمؤمنين الذين يخالفونهم في عقيدتهم وفي منهج حياتهم ‪.‬‬

‫إن الكافرين في كل هذا على عكس المؤمنين ‪ ،‬وذلك أن المللؤمنين‬


‫يحبون الخير للنللاس أجمعيللن ‪ ،‬وأول مللا يحبللون للنللاس النجللاة والسللعادة‬
‫باليمان السلم وطاعلة اللله والرسلول ‪ ،‬وقيلادة الخللق إللى الحلق ‪ ،‬ثلم‬
‫يحبون انتشار السلللم والمللن والسللعادة فللي النللاس أجمعيللن ‪ ،‬ومشللاركة‬
‫الناس لهم فيما هم فيه من سعادة ومجد وخير عظيم ‪.‬‬

‫)ب( ويقول الله تعالى في سورة )آل عمران‪ 3/‬مصحف‪ 89/‬نزول(‪:‬‬


‫ْ‬ ‫َ‬
‫دوا ْ‬ ‫خب َللال ً وَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ل َ ي َلأُلون َك ُ ْ‬ ‫دون ِك ُ ْ‬ ‫من ُ‬ ‫ة ّ‬ ‫طان َ ً‬ ‫ذوا ْ ب ِ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ٰيأي َّها ٱّلل ِ‬
‫م أ َك َْبلُر قَلد ْ ب َي ّّنلا‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫صل ُ‬
‫فلي ُ‬ ‫خ ِ‬‫ما ت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ن أف ْ َ‬
‫ما عَن ِتم قَد بدت ٱْللب غْضآُء م َ‬
‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ْ ْ َ َ ِ‬ ‫َ‬
‫م أوْ ۤلِء ت ُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫من ُللو َ‬ ‫م وَت ُؤْ ِ‬ ‫ُ‬
‫حب ّللون َك ْ‬ ‫َ‬
‫م وَل ي ُ ِ‬ ‫حب ّللون َهُ ْ‬ ‫هلآأن ْت ُ ْ‬ ‫ن* َ‬ ‫قلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫م الَيا ِ‬ ‫ل َك ُ ُ‬
‫ضللوا ْ عَل َي ْك ُلم ٱ َ‬
‫ن‬ ‫مل َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مل َ‬‫للَنا ِ‬ ‫ُ‬ ‫خل َلوْا ْ عَ ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫مّنا وَإ ِ َ‬ ‫م َقال ُ ۤوا ْ آ َ‬ ‫قوك ُ ْ‬ ‫ذا ل َ ُ‬ ‫ب ك ُل ّهِ وَإ ِ َ‬ ‫ِبل ٱْللك َِتا ِ‬
‫م‬ ‫سلك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫دورِ * ِإن ت َ ْ‬ ‫صلل ُ‬ ‫ت ٱل ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ب ِل َ‬ ‫هل عَِليل ٌ‬ ‫ن ٱ ل ّلل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫موُتوا ْ ب ِغَي ْظ ِك ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ظ قُ ْ‬ ‫ٱ ْللغَ ي ْ ِ‬
‫م‬ ‫ضلّرك ُ ْ‬ ‫قللوا ْ ل َ ي َ ُ‬ ‫ص لب ُِروا ْ وَت َت ّ ُ‬ ‫حوا ْ ب َِها وَِإن ت َ ْ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫صب ْك ُ ْ‬ ‫م وَِإن ت ُ ِ‬ ‫سؤْهُ ْ‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫حيط {‬ ‫ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ما‬
‫َ ِ َ َْ َ‬ ‫ب‬ ‫هل‬ ‫ّ‬
‫لل‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬ ‫ن‬
‫ْ ِ ّ‬‫إ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫يئ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫م‬
‫ك ْ ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ي‬‫َ‬

‫ففي هذا النص يكشف الله عددا ً مللن العناصللر الللتي يشللتمل عليهللا‬
‫موقف الكافرين مللن المللؤمنين ‪ ،‬بعللد أن ينهللى المللؤمنين عللن أن يتخللذوا‬
‫بطانة من دونهم ‪.‬‬

‫‪} -1‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا بطانة ملن دونكللم{‪ ،‬أي ‪ :‬ل تتخللذوا‬
‫أقواما ً من غيركم من الكفار والمنافقين بطانللة يللداخلونكم ويخللالطونكم ‪،‬‬
‫ويطلعون على أسراركم ‪ ،‬ويقدمون إليكم نصائحهم ومشوراتهم‪.‬‬

‫وبطانة الرجل أهل سللره ممللن يسللكن إليهللم ويثللق بهللم ‪ ،‬والكلمللة‬
‫مستعارة من بطانة الثوب التي تكون مداخلة مخالطة ‪ ،‬وتكون أقرب إلللى‬
‫ملمسة الجسد ‪.‬‬

‫‪} -2‬ل يللألونكم خبللا ً‬


‫ل{ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يقصللرون فللي إفسللادكم وتللدبير‬
‫المكايد ضدكم‪.‬‬
‫‪} -3‬ودوا مللا عنتللم{ ‪ ،‬أي‪ :‬ودوا عنتكللم ‪ ،‬والعنللت المشللقة والشللدة‬
‫والضيق والضرر الشديد ‪ ،‬فهم يتمنون كل ذلك لكم ‪ ،‬وهذا غاية العداء ‪.‬‬

‫‪ -4‬لذلك فل بد أن تبدو البغضاء ملن أفلواههم فيملا يقللذفون عليكلم‬


‫من أقوال ‪ ،‬رغم تكتمهم ‪ ،‬ورغم تصنعهم }قد بدت البغضاء من أفواههم{‪.‬‬

‫‪ -5‬وهذا يدلنا على أن ما يخفون في صدروهم أكبر بكثير مما يظهللر‬


‫على ألسنتهم ‪ ،‬أو يبدو في أعمالهم }وما تخفي صدورهم أكبر{ ‪ ،‬فهم في‬
‫الظاهر قد ينافقون ويداهنون ‪ ،‬ولكنهم إذا خلوا كشللفوا مللا فللي صللدورهم‬
‫من غيظ }وإذا خلوا عضوا عليكم النامل من الغيظ ‪ ،‬قل ‪ :‬موتوا بغيظكللم‬
‫إن الله عليم بذات الصدور{‪.‬‬

‫‪ -6‬هذا الموقف العللدائي مللن الكللافرين للمللؤمنين يلزملله طبع لا ً أن‬


‫يسوأهم ما يسركم وأن يسرهم ما يسوؤكم ‪ ،‬فللإن تمسسللكم حسللنة مللن‬
‫خير الدنيا ولو مسا ً خفيفلا ً سلاءهم ذللك ‪ ،‬وإن تصللبكم سلليئة إصلابة بالغلة‬
‫سرهم ذلك ففرحوا بها }إن تمسسكم حسللنة تسللؤهم وإن تصللبكم سلليئة‬
‫يفرحوا بها{‪.‬‬

‫‪} -7‬ها أنتللم أولء تحبللونهم ول يحبللونكم{‪ ،‬أي ‪ :‬فل تكونللوا مغفليللن‬
‫بعد أن عرفتم موقفهم العدائي منكم أيها المؤمنون ‪.‬‬

‫) ج ( ويقول الله تعالى في سورة )الحج‪ 22/‬مصحف‪ 103/‬نزول(‪:‬‬


‫فُروا ْ ٱْلل ُ‬
‫م ن ْك ََر‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬‫جوهِ ٱّلل ِ‬ ‫ف ِفي وُ ُ‬ ‫ت ت َعْرِ ُ‬ ‫ذا ت ُت ْل َ ٰى عَل َي ْهِ ْ‬
‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مللن ٰذل ِك ُل ُ‬
‫م‬ ‫شلّر ّ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ل أفَلأن َب ّئ ُ ُ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬
‫م آَيات ُن َللا قُل ْ‬ ‫ن ي َت ُْلو َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ب ِٱل ّ ِ‬‫طو َ‬‫س ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫يَ َ‬
‫كا ُ‬
‫صيُر{‬‫م ِ‬‫س ٱ ْلل َ‬ ‫فُروا ْ وَب ِئ ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هل ٱ ّلل ِ‬‫ها ٱ ل ّلل ُ‬
‫ٱ ل ّنلاُر وَعَد َ َ‬

‫طبيعي أن من كان بهذه النسبة من العداوة المبينة في النص‬


‫السابق أن يكون على نار من الغيظ ‪ ،‬فمتى سللنحت للله الفرصللة ليسللطو‬
‫بعدوه سطا بعنف وقسوة ‪ ،‬فحاله حال قابع منتظر يتربص الللدوائر ‪ ،‬حللتى‬
‫إن أمارات الرغبة بالسطو تظهر علللى وجللوههم ‪،‬فيقللرأ المتفللرس الخللبير‬
‫هذه الرغبة المنكرة في وجوههم ‪.‬‬
‫فالحذر منهم يجب أن يكون حذرا ً بالغ لا ً ‪ ،‬حللتى ل يسللقط المؤمنللون‬
‫في مكيدة من مكائدهم ‪ ،‬وحتى ل يقعوا فريسة سلطو مفلاجئ منهلم ‪ ،‬إن‬
‫هذا أقل ما يجب بالنسبة لعداء مبغضين ل يألون جهدا ً في ضر المسلللمين‬
‫‪.‬‬

‫) د ( ويقول تعالى في سورة )الممتحنة‪ 60/‬مصحف‪ 91/‬نزول(‪:‬‬


‫م أ َوْل ِي َللآَء ت ُل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن إ ِل َي ْهِل ْ‬
‫قللو َ‬ ‫دوي وَعَلد ُوّك ُ ْ‬ ‫ذوا ْ عَل ُ‬ ‫خل ُ‬ ‫من ُللوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ٰيأي َّها ٱّلل ِ‬
‫م َأن‬ ‫ل وَإ ِي ّللاك ُ ْ‬ ‫سللو َ‬ ‫ن ٱل ّرل ُ‬ ‫جللو َ‬ ‫خرِ ُ‬‫حللق ي ُ ْ‬ ‫ن ٱْلل َ‬ ‫مم َ‬ ‫جآَءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فُروا ْ ب ِ َ‬ ‫م وَد ّةِ وَقَد ْ ك َ َ‬ ‫ِبل ٱْلل َ‬
‫ضللاِتي‬ ‫مْر َ‬ ‫س لِبيِلي وَ ٱْبلت ِغَللآَء َ‬ ‫جهَللادا ً فِللي َ‬ ‫م ِ‬‫جت ُل ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫مُنوا ْ ِبل ٱل ّللهِ َربك ُ ْ‬ ‫ت ُؤْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫منك ُل ْ‬
‫م‬ ‫ه ِ‬ ‫فعَل ْل ُ‬‫مللن ي َ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مآ أعَْلنت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫في ْت ُ ْ‬‫خ َ‬‫مآ أ ْ‬‫م بِ َ‬ ‫م وَد ّةِ وَأن َا ْ أعْل َ ُ‬ ‫م ِبل ٱْلل َ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫سّرو َ‬ ‫تُ ِ‬
‫كونللوا ْ ل َك ُل َ‬
‫سلط ُ ۤوا ْ إ ِل َي ْك ُل ْ‬
‫م‬ ‫دآًء وَي َب ْ ُ‬
‫م أعْل َ‬
‫ْ‬ ‫م يَ ُ ُ‬ ‫فوك ُ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ل * ِإن ي َث ْ َ‬ ‫وآَء ٱل ّ‬
‫سِبي ِ‬ ‫س َ‬‫ل َ‬ ‫ض ّ‬
‫قد ْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬‫فُرو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫دوا لوْ ت َك ُ‬‫ْ‬ ‫س ۤوِء وَوَ ّ‬‫م ب ِٱل ّ‬
‫سن َت َهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫م وَأل ِ‬ ‫أي ْدِي َهُ ْ‬

‫نزل هذا النص لتربية المللؤمنين بمناسللبة مللا فعللل حللاطب بللن أبللي‬
‫بلتعة ‪ ،‬إذ حللاول أن يرسللل إلللى مشللركي مكللة خللبر عللزم الرسللول علللى‬
‫التوجه إليهم ‪ ،‬وكان ذلك قبيل فتح مكة ‪.‬‬

‫وقد اشتمل هذا النص على بيللان موقللف الكللافرين مللن المللؤمنين ‪،‬‬
‫ليقف المؤمنون منهم موقف الحذر وعدم الموالة ‪.‬‬

‫‪ -1‬فالكافرون يعادون الله ويعادون المؤمنين ‪،‬فهل يليللق بللالمؤمنين‬


‫العقلء أن يتخذوا من الكافرين أولياء يلقون إليهم بالمودة؟ }يا أيها الللذين‬
‫آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة{‪.‬‬

‫‪ -2‬وسبب عدائهم أنهم كفروا بما جاءكم مللن الحللق فهللم مخللالفون‬
‫لكللم فللي أصللل العقيللدة والخلف فللي العقيللدة يمثللل تباينللا ً جللذريا ً بيللن‬
‫المتخالفين }وقد كفروا بما جاءكم من الحق{‪.‬‬

‫‪ -3‬ومن مظاهر عدائهم لكم أنهم قد أخرجوا الرسول وأخرجوكم‬


‫فعل ً من دياركم وأموالكم في مكة ‪ ،‬ويخرجون كل مؤمن ‪ ،‬لنهم وجللدوكم‬
‫قللد آمنتللم بللالله ربكللم ‪ ،‬فنقمللوا عليكللم ذلللك ‪ ،‬واعتللبروكم أعللداء للخلف‬
‫العتقادي الذي خللالفتموهم فيلله منللذ آمنتللم بللالله ربكللم وكفرتللم بللآلهتهم‬
‫وعقائدهم الباطلة ‪.‬‬

‫‪ -4‬وقلوبهم مملوءة بالغيظ والحنق عليكم }إن يثقفوكم يكونوا لكللم‬


‫أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء{‪.‬‬

‫إن رغبتهم ببسللط اليللدي واللسللن بالسللوء إليكللم رغبللة متربصللة ‪،‬‬
‫تنتظر فرصة سانحة حتى تتحول إلى تنفيذ مادي وتطبيق عملي ‪.‬‬

‫وبسللط اليللدي بالسللوء يكللون بللالحرب والقتللال ‪ ،‬وبسللط اللسللنة‬


‫بالسوء يكون بالطعن والتجريح والهزء والسخرية والسباب والشتائم ونحللو‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫‪} -5‬وودوا لو تكفللرون{ ‪ ،‬وهللذه هللي الرغبللة الساسللية الللتي تحللل‬


‫مشكلة نفوسهم ضدكم ‪ ،‬فهم ما نقمللوا منكللم إل أن تؤمنللوا بللالله العزيللز‬
‫الحميد ‪.‬‬

‫)هل( ويقول الله تعالى في سورة )النساء‪ 4/‬مصحف‪ 92/‬نزول(‪:‬‬


‫م أ َوْل َِيللآَء‬‫من ُْهلل ْ‬ ‫ذوا ْ ِ‬ ‫وآًء فَل َ ت َت ّ ِ‬
‫خ ُ‬ ‫س َ‬
‫ن َ‬ ‫كوُنو َ‬ ‫فُروا ْ فَت َ ُ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫ن كَ َ‬ ‫دوا ْ ل َوْ ت َك ْ ُ‬
‫فُرو َ‬ ‫}و َ ّ‬
‫ث‬
‫حي ْل ُ‬ ‫م َ‬ ‫م وَ ٱقْ ت ُلللوهُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ذوهُ ْ‬ ‫خلل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن ت َوَلللوْا فَ ُ‬ ‫ل ٱل للل ِ‬
‫هل َفللإ ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫سللِبي ِ‬ ‫جُروا ِفللي َ‬ ‫ْ‬ ‫حّتلل ٰى ي ُهَللا ِ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫صيرا{‬ ‫ً‬
‫م وَل ِي ّا وَل َ ن َ ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ذوا ِ‬‫خ ُ‬‫م وَل َ ت َت ّ ِ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫جدت ّ ُ‬
‫وَ َ‬
‫فالكافرون يحرصون أشد الحرص على تحويل المؤمنين من اليمان‬
‫إلى الكفر ‪،‬ويبدو أن رغبتهم هذه تعبر عن نفسها بمحاولت كثيرة يتخذونها‬
‫لفساد أحوال المسلمين ‪ ،‬وإخراجهم من اليمان إلى الكفر ‪.‬‬

‫) و ( ويقللول الللله تعللالى فللي سللورة )العنكبللوت‪ 29/‬مصللحف‪85/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خطاي َللاك ْ‬ ‫ل َ‬‫مل ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫س لِبيلَنا وَلن َ ْ‬ ‫مُنوا ٱّتلب ِعُللوا َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ل ِل ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ٱلل ِ‬
‫ّ‬ ‫}وََقا َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أث ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫من َ‬ ‫َ‬
‫قللالهُ ْ‬ ‫مل ل ّ‬
‫ح ِ‬ ‫ن * وَلي َ ْ‬ ‫م لكاذُِبو َ‬ ‫يٍء إ ِن ّهُ ْ‬‫ش ْ‬ ‫م ّ‬ ‫خطاَياهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫مِلي َ‬‫حا ِ‬ ‫م بِ َ‬‫ما هُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَأ َث ْ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫م ةِ ع َ ّ‬ ‫ق َيا َ‬‫م ٱلل ِ‬
‫ْ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫ُ‬
‫سأل ّ‬ ‫َ‬
‫م وَلي ُ ْ‬ ‫معَ أث ْ َ‬
‫قال ِهِ ْ‬ ‫ً‬
‫قال ّ‬

‫فالكافرون ل يقفون عند حدود الرغبة بتكفير المؤمنين ‪ ،‬بل‬


‫يدعونهم لتباع سبيلهم ‪ ،‬ويزينون لهم هللذه الللدعوة ‪ ،‬ويزعمللون لهللم أنهللم‬
‫يحملون عنهم آثامهم ‪ ،‬إن كان في الكفر وفي اتباع سبيلهم آثام ‪.‬‬

‫) ز ( ويقول الله تعالى في سورة )البقرة‪ 2/‬مصحف‪ 87/‬نزول(‪:‬‬


‫ملن‬ ‫عوا ْ وَ َ‬ ‫سلت َ َ‬
‫طا ُ‬ ‫م ِإن ا ْ‬ ‫علن ِدين ِ ُ‬
‫كل ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوك ُ ْ‬ ‫حت ّ ٰى ي َُر ّ‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫}وَل َ ي ََزاُلو َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م فِللي ٱللل ّ‬
‫دلن َْيا‬ ‫مال ُهُ ْ‬
‫ت أع ْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫ك َ‬‫كافٌِر فَأوْ ۤل ٰلئ ِ َ‬ ‫ت وَهُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عن ِدين ِهِ فَي َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ي َْرت َدِد ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫ب ٱل ّنلارِ هُ ْ‬‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫خ َر ةِ وَأوْ ۤل ٰلئ ِ َ‬ ‫و َ ٱل ِ‬

‫فهم ل يكتفون بالتبشير اللساني من أجل تكفير المؤمنين ‪ ،‬بل‬


‫يقاتلونهم حتى يردوهم عن دينهم ويعيدوهم كفارا ً ‪.‬‬

‫وبين الدعوة اللسانية التبشلليرية والقتللال مللن أجللل التكفيللر ‪ ،‬تللأتي‬


‫مختلف الوسائل التي تزيد على التبشير اللساني وتقل عن القتال ‪.‬‬

‫) ح ( من أجلل كلل ذللك حلذر اللله اللذين آمنلوا ملن طاعلة اللذين‬
‫كفروا ‪ ،‬فقال تعالى في سورة )آل عمران‪ 3/‬مصحف‪ 89/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م عَل َ ٰى أعْ َ‬
‫قللاب ِك ُ ْ‬ ‫فُروا ْ ي َُر ّ‬
‫دوك ُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫مُنوۤا ْ ِإن ت ُ ِ‬
‫طيُعوا ْ ٱل ّ ِ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫}َيا أي َّها ٱل ّ ِ‬
‫ن{‬‫ري َ‬ ‫س ِ‬
‫خا ِ‬‫قل ُِبوا ْ َ‬
‫فََتن َ‬

‫وقال فيها أيضا ً ‪:‬‬


‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن أوت ُللوا ْ ٱْللك ِت َللا َ‬
‫ب‬ ‫ن ٱّللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ريقلا ً ّ‬
‫مل َ‬ ‫من ُل ۤوا ْ ِإن ت ُ ِ‬
‫طيعُللوا ْ فَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ٰيأي َّهلا ٱّللل ِ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬‫م َ‬‫مان ِك ُ ْ‬
‫كم ب َعْد َ ِإي َ‬‫دو ُ‬
‫ي َُر ّ‬

‫* خلصة ما اشتملت عليه هذه البيانات القرآنية‪:‬‬

‫باستطاعتنا أن نلخص موقف الكافرين من المؤمنين اقتباسا ً من‬


‫البيانات القرآنية بالعناصر التالية ‪.‬‬
‫‪ -1‬ما يود الذين كفروا أن ينزل على المؤمنين أي خير من ربهم ‪،‬‬
‫وهذا العداء يعود إلى جذور نفسية قائمة علللى النانيللة والحسللد والتعصللب‬
‫العمى ‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يألوا الكافرون في إفسللاد أحللوال المللؤمنين وتللدبير المكايللد‬
‫ضدهم ‪.‬‬
‫‪ -3‬يود الكافرون للمؤمنين كل عنت ومشقة وشدة وضيق وضرر ‪.‬‬
‫‪ -4‬الكافرون يبغضون المؤمنين بغضا ً شديدا ً يطفح على تصرفاتهم ‪،‬‬
‫حتى تبدو البغضاء من أفواههم ‪ ،‬وطبيعي أن ما تخفي صدورهم أكبر ‪.‬‬
‫‪ -5‬قد يداهن الكافرون فللي الظللاهر بمقتضللى نفللاقهم ‪ ،‬ولكنهللم إذا‬
‫خلوا عضوا على المؤمنين النامل من الغيظ ‪.‬‬
‫‪ -6‬من سمات الكافرين أنهم يستاؤون إذا مست المللؤمنين حسللنة ‪،‬‬
‫ويفرحون إذا أصابت المؤمنين سيئة ‪.‬‬
‫‪ -7‬ململلح إرادة الشللر بللالمؤمنين تظهللر علللى وجللوه الكللافرين ‪،‬‬
‫فيعرف أهل الفراسة في وجوه الذين كفروا المنكر ‪ ،‬ويقرؤون فيهللا رغبللة‬
‫السطو والعتداء ‪ ،‬كلما ظهر الذين آمنوا بإيمانهم وبالدعوة إلى ربهم ‪.‬‬
‫‪ -8‬الكافرون يعادون الله ويعادون المؤمنين ‪.‬‬
‫‪ -9‬سبب عدائهم للمؤمنين أنهم مخالفون لهم في أصل العقيدة ‪.‬‬
‫‪ -10‬لعدائهم للمؤمنين مظللاهر شللتى ‪ ،‬منهللا إخراجهللم مللن ديللارهم‬
‫وأموالهم ‪.‬‬
‫‪ -11‬إن يثقفوا المؤمنين يبسطوا إليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء ‪.‬‬
‫‪ -12‬يللودون لللو يكفللر المؤمنللون فيكونللون سللواء معهللم عقيللدة‬
‫وسلوكا ً ‪.‬‬
‫‪ -13‬يتخذون وسائل شتى لتحقيق رغبتهم بتكفير المللؤمنين ‪ ،‬أدناهللا‬
‫الدعوة اللسانية التبشيرية ‪ ،‬وأعلها الحرب بكل صورها وأشكالها ‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫لكل ذلك حذر الله المؤمنين مما يلي‪:‬‬


‫‪ -1‬حذرهم من أن يتخذوا الكافرين أولياء ‪.‬‬
‫‪ -2‬حذرهم من أن يتخذوا بطانة من دونهم )كافرين أو منافقين(‪.‬‬
‫‪ -3‬حذرهم من أن يلقوا إليهم بالمودة على حساب العقيللدة أو علللى‬
‫حساب مصلحة المسلمين ‪.‬‬
‫‪ -4‬حذرهم من أن يغفلوا عنهم ‪ ،‬وأمرهم بأن يكونوا على يقظة تامة‬
‫‪ ،‬حتى ل تدخل عليهم مكايد الكافرين من حيث ل يشعرون ‪.‬‬
‫‪ -5‬حذرهم مللن طاعللة الكللافرين ‪ ،‬لنهللم إذا أطللاعوهم ردوهللم عللن‬
‫إيمانهم فانقلبوا كافرين خاسرين ‪.‬‬

‫)‪(8‬‬
‫جدليات الكافرين‬

‫) أ ( الجدال بالباطل إحدى صفات الكافرين الكبرى‪:‬‬


‫وقد وصف الله الكافرين بأنهم يجادلون بالباطل لُيدحضوا به الحق ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬ليزيلوا به الحق من مواقع ثباته واسللتقراره فللي العقللول والنفللوس ‪،‬‬
‫كما هللو مسللتقر وثللابت فللي الواقللع والحقيقللة ‪ ،‬فقللال تعللالى فللي سللورة‬
‫)الكهف‪ 18/‬مصحف‪ 96/‬نزول(‪:‬‬
‫خذ ُ ۤوا آَياِتي وَ َ‬
‫مللا‬ ‫ْ‬ ‫حقّ وَٱت ّ َ‬
‫ضوا ب ِهِ ٱل َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫فُروا ْ ب ِٱل َْباط ِ ِ‬
‫ل ل ِي ُد ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ل ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جادِ ُ‬‫}وَي ُ َ‬
‫أ ُن ْذُِروا ْ هُُزوا{‬
‫ً‬

‫إنهم ل يقتصرون على الجدال بالباطل ‪ ،‬بللل يضلليفون إليلله عمليللات‬


‫الهزء والسخرية لتغطية فساد أسلحتهم التي يستعملونها في الجدال ‪.‬‬

‫والجدال بالباطل صفة ملزمة للكافرين فللي كللل عصللر ‪ ،‬قللال الللله‬
‫تعالى في سورة )غافر‪ 40/‬مصحف‪ 60/‬نزول(‪:‬‬
‫م ِفي‬ ‫ّ‬
‫قلب ُهُ ْ‬ ‫ك تَ َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا فَل َ ي َغُْرْر َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ٱل ّللهِ إ ِل ّ ٱّلل ِ‬ ‫ل فِ ۤي آَيا ِ‬ ‫جادِ ُ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫} َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫مل ٍ‬‫لأ ّ‬ ‫كل ل ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫مل ْ‬ ‫م وَهَ ّ‬ ‫مللن ب َعْلدِهِ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ح لَزا ُ‬ ‫م ُنوٍح َولٱ لل ْ‬ ‫م قَوْ ُ‬ ‫َ‬
‫ت قَب ْلهُ ْ‬ ‫كلذ ّب َ ْ‬ ‫ٱْللب ِل َدِ * َ‬
‫ف‬‫م فَك َي ْل َ‬ ‫خلذ ْت ُهُ ْ‬ ‫قل فَأ َ َ‬
‫حل ّ‬ ‫ضللوا ْ ب ِلهِ ٱْلل َ‬
‫ح ُ‬ ‫ل ل ِي ُد ْ ِ‬‫جاد َُلوا ِبل ٱْللَباط ِ ِ‬
‫ذوهُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬‫م ل ِي َأ ْ ُ‬‫سول ِهِ ْ‬
‫ب َِر ُ‬
‫ب{‬ ‫قا ِ‬‫ع َ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬

‫فالذين كفروا من قوم نوح والذين كفروا من بعد قوم نوح إلى‬
‫مشللركي قريللش وكفللار أهللل الكتللاب إلللى غيرهللم كللل أولئك قللد جللادلوا‬
‫بالباطل ليدحضوا به الحق ‪ ،‬ولللذلك أعطللى الللله الكللافرين هللذا الوصللف ‪،‬‬
‫وجعله وصفا ً مستمرا ً فلي كلل الكلافرين ‪ ،‬ومتجلددا ً ملا تجلدد فلي النللاس‬
‫كفر ‪.‬‬

‫وهذا شيء طللبيعي فيهللم مللا دامللوا ملللتزمين جللانب الباطللل ‪،‬إنهللم‬
‫يريدون أن يبرروا سلوكهم ‪ ،‬ويدعموا آراءهم ومذاهبهم بأية وسلليلة ‪ ،‬لكللن‬
‫شلليئا ً مللن الحللق ل ينصللرهم ول يللدعم مللا هللم فيلله ‪ ،‬ول يللبرر سلللوكهم ‪،‬‬
‫فاقتضى واقع حالهم أن يزينوا الباطل ويزخرفوه ويجادلوا به ‪ ،‬ليدحضوا به‬
‫الحق القوي الثابت ‪.‬‬

‫ت مللن قبللل داء الكللبر ‪ ،‬إنهللم يسللتكبرون عللن أن‬ ‫ومرض نفوسهم آ ٍ‬
‫يعترفوا بالحق ‪ ،‬وهم ملتزمون جللانب الباطللل بتللأثير أهللوائهم ‪ ،‬ويجللادلون‬
‫شللوا‬ ‫بالباطل المزخرف ‪ ،‬ليعطوا أنفهسم صورة الكمللال بيللن النللاس ‪،‬ولي ُغَ ّ‬
‫على بصائرهم حتى ل تنزل مكانتهم في نفوسهم ‪ ،‬وهذا ما نبلله الللله عليلله‬
‫بقوله تعالى في سورة )غافر‪ 40/‬مصحف‪ 60/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫قتلا ً ِ‬
‫عنلد َ‬ ‫م ك َب ُلَر َ‬
‫م ْ‬ ‫ن أت َللاهُ ْ‬ ‫طا ٍ‬ ‫ت ٱل ّللهِ ب ِغَي ْرِ ُ‬
‫سل ْ َ‬ ‫ن فِ ۤي آَيا ِ‬ ‫جادُِلو َ‬
‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬‫}لٱّلل ِ‬
‫جّباٍر{‬ ‫مت َك َب ّرٍ َ‬‫ب ُ‬‫ل قَل ْ ِ‬ ‫كل ّ‬‫ه عَل َ ٰى ُ‬ ‫ك ي َط ْب َعُ ٱلل ّ ُ‬
‫مُنوا ْ ك َذ َل ِ َ‬
‫نآ َ‬ ‫عند َ ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ٱلل ّهِ وَ ِ‬

‫فهؤلء الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ‪ ،‬أي ‪ :‬بغير‬
‫حق ول حجة منه ‪ ،‬هللم مللن المتكللبرين الجبللابرة ‪ ،‬الللذين طبللع الللله علللى‬
‫قلوبهم ‪ ،‬إذ حجبوها عن رؤية الخير والهدى ‪ ،‬بما جمعوا فللي نفوسللهم مللن‬
‫كبر متجبر ‪.‬‬
‫ولما أكثر الكافرون على الرسول محمللد ‪ ‬مللن جللدلياتهم الباطلللة‬
‫كشف الله له داء نفوسهم هذا ‪ ،‬وأمره بأن يستعيذ به ‪ ،‬ليقوى على الصللبر‬
‫عليهم ‪ ،‬وليفتح الله له من الحجج ما يلدمغهم ‪ ،‬فقلال اللله لله فلي سلورة‬
‫)غافر‪ 40/‬مصحف‪ 60/‬نزول(‪:‬‬
‫ك‬ ‫م لدِ َرب ّل َ‬‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬
‫س لب ّ ْ‬
‫ك وَ َ‬ ‫ذنب ِ َ‬
‫فل لْر ل ِل َ‬ ‫ح لق ّ و َ ٱ ْ‬
‫سلت َغْ ِ‬ ‫ن وَعْد َ ٱل ّللل ِ‬
‫هل َ‬ ‫}َفل ٱ ْ‬
‫صلب ِْر إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫م‬‫ن أَتاهُ ْ‬ ‫َ‬
‫سلطا ٍ‬ ‫ْ‬ ‫هل ب ِغَي ْرِ ُ‬ ‫ت ٱل لل ِ‬
‫ّ‬ ‫ن فِ ۤي آَيا ِ‬ ‫ُ‬
‫جادِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ٱلل ِ‬
‫ّ‬ ‫كارِ * إ ِ ّ‬ ‫ي وَ ٱ ِ‬
‫للب ْ َ‬ ‫ش ّ‬‫ِبل ٱْللعَ ِ‬
‫ع‬
‫مي ُ‬ ‫سلل ِ‬ ‫ه هُلوَ ٱل ّ‬ ‫سللت َعِذ ْ ِبلل ٱل ّللهِ إ ِّنل ل ُ‬
‫هم ب َِبال ِِغيهِ َفل ٱ ْ‬ ‫ملا ُ‬ ‫م إ ِل ّ ك ِب ٌْر ّ‬
‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬
‫ِإن ِفي ُ‬
‫ٱ ْللب َ ِ‬
‫صيُر{‬

‫أي‪ :‬ما في صدورهم من كبر ناشئ عن أوهامهم حللول أنفسللهم لللم‬


‫يكونوا ليبلغوه في واقع حالهم ‪ ،‬فهم يجادلون بغيرسلللطان أتللاهم ‪ ،‬والمللر‬
‫الخطير أنهم يجادلون في آيات الله ‪.‬‬

‫وحينما يجادل الكافرون يذهبون مذاهب متهافتللة شللتى ‪ ،‬ويخبطللون‬


‫بغير علم خبلط عشلواء ‪ ،‬ويقلررون أملورا ً باطللة ‪ ،‬ويلجلؤون إللى الكلذب‬
‫تارة ‪ ،‬وإلى المراوغللة تللارة أخللرى ‪ ،‬ويغللالطون فللي الحقللائق بللالتعميم أو‬
‫بالتخصليص أو بالحلذف أو بالضلافة أو بلالتمويه واليهلام ‪ ،‬أو بنحلو ذلللك ‪،‬‬
‫ونجد الشارة إلى ذلك في قول الله تعالى في سورة )غلافر‪ 40/‬مصلحف‪/‬‬
‫‪ 60‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ِ ۤ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫ُ‬
‫صَرفو َ‬‫ت ٱللهِ أن ّ ٰى ي ُ ْ‬
‫في آَيا ِ‬ ‫جادِلو َ‬
‫ن يُ َ‬
‫ذي َ‬ ‫}أ ل َ ْ‬
‫م ت ََر إ ِلى ٱل ِ‬

‫أي‪ :‬فهم يصرفون إلى سبل شتى من سبل الباطل والزيغ ‪،‬‬
‫ويتعلقون في جدالهم بما ليس فيه حجة مقبولة ‪.‬‬

‫والعجيب في المر أن الكافرين يجادلون فللي الللله وفللي آيللات الللله‬


‫دون أن يكون لهم سند من علم صحيح ‪ ،‬أو من عقل منطقي سليم ‪.‬‬

‫وهم قسمان‪ :‬أتباع وقادة ‪.‬‬

‫أما التباع فقد ذكرهم الله بقوله في سورة )الحج‪ 22/‬مصحف‪103/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫ريدٍ‬
‫م ِ‬
‫ن ّ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ٍ‬ ‫ل َ‬‫عل ْم ٍ وَي َت ّب ِعُ ك ُ ّ‬ ‫ل ِفي ٱل ّلل ِ‬
‫هل ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫جادِ ُ‬‫من ي ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ٱل ّنلا ِ‬‫م َ‬ ‫}و َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سلِعيرِ {‪.‬‬‫ب ٱل ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ديهِ إ ِل َ ٰى عَ َ‬ ‫ضل ّ ُ‬
‫ه وَي َهْ ِ‬ ‫ه يُ ِ‬‫من ت َوَل ّهُ فَأن ّ ُ‬ ‫ب عَل َي ْهِ أن ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫* ك ُت ِ َ‬

‫فهؤلء يجادلون في الله بغير علم ‪ ،‬ويتبعون في جدالهم القادة‬


‫الشياطين المردة ‪ ،‬الذين يضلونهم ويسوقونهم إلى عذاب النار ‪.‬‬

‫وأما القادة فقد ذكرهم الله بقللوله فللي سللورة )الحللج‪ 22/‬مصللحف‪/‬‬
‫‪ 103‬نزول(‪:‬‬
‫ر‬
‫مِني ٍ‬
‫ب ّ‬ ‫دى وَل َ ك َِتا ٍ‬ ‫عل ْم ٍ وَل َ هُ ً‬ ‫ل ِفي ٱل ّلل ِ‬
‫هل ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫جادِ ُ‬
‫من ي ُ َ‬ ‫س َ‬‫ن ٱل ّنلا ِ‬ ‫م َ‬ ‫}و ِ‬
‫م‬‫ه ي َلوْ َ‬
‫ق ُ‬
‫ذي ُ‬‫خلْزيٌ وَن ُل ِ‬ ‫ه فِللي ٱللل ّ‬
‫دلن َْيا ِ‬ ‫ل ٱل ّلللهِ ل َل ُ‬
‫س لِبي ِ‬
‫ل عَللن َ‬ ‫ض ّ‬ ‫فهِ ل ِي ُ ِ‬‫عط ْ ِ‬ ‫ي ِ‬ ‫* َثان ِ َ‬
‫ق{‬‫ري ِ‬‫ح ِ‬‫ب ٱ ْلل َ‬ ‫ذا َ‬ ‫م ةِ ع َ َ‬ ‫ٱ ْلل ِ‬
‫ق َيا َ‬
‫فهؤلء يجادلون في الله بغيللر علللم ول هللدى ول كتللاب منيللر ‪ ،‬وهللم‬
‫يستكبرون بين الناس متعالين بموقفهم القيادي ‪ ،‬ويعرضللون إعللراض كللبر‬
‫وترفع ‪،‬ليحافظوا على منزلتهم في نفوس أتباعهم وفلي نفللوس الخريلن ‪،‬‬
‫ويزيد ذلك حينما تنكشف أو تبدأ تنكشف ثغرات الضعف في حججهم الللتي‬
‫يسوقونها ‪ ،‬فيلحظ أن أحدهم كلما شعر بضعف موقفه فللي النقللاش ثنللى‬
‫عطفه استكبارا ً ليضل عن سبيل الله ‪ ،‬ومن أجللل ذلللك كللان للله عنللد الللله‬
‫عقابان ‪ ،‬فله في الدنيا خزي ‪ ،‬وله في الخرة عذاب الحريق ‪.‬‬

‫أمام هذا الواقع الذي عليه الكافرون اقتضت ضرورة حماية الللدعوة‬
‫وتثبيتها وتأييدها مقارعة السلح بنظيره ‪ .‬فكان على المللؤمنين أن يقللاوموا‬
‫الجدال بالجدال ‪ ،‬ويقارعوا الحجة بالحجة ‪ ،‬ويدحضوا الباطل بالحق ‪ ،‬ولكن‬
‫جدال المؤمنين يجب أن يكون جدال ً بالتي هي أحسن ‪ ،‬وهذا مللا أمللر الللله‬
‫به رسوله إذ قال له في سورة )النحل‪ 16/‬مصحف‪ 70/‬نزول(‪:‬‬
‫جادِل ُْهم‬‫س ن َةِ وَ َ‬
‫ح َ‬ ‫عظ َةِ ٱْلل َ‬ ‫م ة ِ و َ ٱل ْ َ‬
‫م وْ ِ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ك ِبل ٱْلل ِ‬
‫ل َرب ّ َ‬ ‫سِبي ِ‬‫عل إ ِل ِ ٰى َ‬‫}لٱد ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلِبيل ِهِ وَهُلوَ أعْل َل ُ‬
‫م‬ ‫علن َ‬ ‫ل َ‬‫ضل ّ‬ ‫مللن َ‬ ‫م بِ َ‬‫ك هُلوَ أعْل َل ُ‬ ‫ن َرب ّل َ‬‫ن إِ ّ‬
‫سل ُ‬
‫ح َ‬
‫يأ ْ‬ ‫ِبلل ٱّللِتي هِل َ‬
‫ن{‬‫دي َ‬ ‫ِبل ٱْلل ُ‬
‫م هْ ت َ ِ‬

‫وما خوطب به الرسول ‪ ‬فهو خطاب عام لكل المؤمنين ما لم‬


‫يكن من خصوصيات الرسول بدليل خاص ‪.‬‬

‫)ب( أصول جدليات الكافرين حول الحقائق الدينية‪:‬‬


‫لقد جادل الكافرون في قضية اليمان الكبرى ‪ :‬في قضية التوحيد ‪،‬‬
‫في قضية الرسول والرسالة ‪،‬في قضية اليمان باليوم الخللر ‪ ،‬فللي قضللية‬
‫الكتاب المنزل من عند الله ‪ ،‬في قضية القضاء والقدر ‪ ،‬إلى غير ذلك ‪.‬‬

‫وكانت جدلياتهم في كل ذلك تعتمد على ما يلي‪:‬‬


‫‪ -1‬الحتجللاج بمللا كللان عليلله آبللاؤهم ‪ ،‬وظللاهر أن هللذا ليللس بحجللة‬
‫مقبولة عند العقلء ‪ ،‬لنه تعبير عن التقليد العمى ‪.‬‬

‫‪ -2‬جحللود الحقللائق والدلللة الظللاهرة بالمكللابرة ‪ ،‬والصللرار علللى‬


‫اعتبارهللا مللن قبيللل السللحر أو الكللذب أو الباطللل ‪ ،‬أو أسللاطير الوليللن ‪،‬‬
‫وظاهر أن مثل هذا ليس بحجة ‪ ،‬وإنملا هللو فللرار ملن الذعلان إللى إطلق‬
‫الشتائم وتكذيب للحقائق بالوهام ‪.‬‬

‫‪ -3‬الحتجاج بالستغراب والستبعاد ‪ ،‬دون سند من العقل الصللحيح ‪،‬‬


‫والسللتغراب والسللتبعاد حجللة مرفوضللة ‪ ،‬لنهللا تعتمللد علللى عللدم اللللف‬
‫للموضوع ‪ ،‬أو أنه لم تسبق فيه مشاهدة حسللية ‪ ،‬وليللس شلليء مللن ذلللك‬
‫بمقبول منطقيا ً ‪ ،‬فما كل حقيقة يجب أن تكون مألوفة ‪ ،‬أو يجب أن تسبق‬
‫فيها مشاهدة حسية للناس ‪ ،‬كلهم أو بعضهم ‪.‬‬
‫‪ -4‬الحتجللاج بامتيللاز الكللافرين علللى المللؤمنين بوسللائل الرفاهيللة‬
‫والللترف فللي الحيللاة ‪ ،‬واعتبللار ذلللك دليل ً علللى فسللاد عقيللدة المللؤمنين‬
‫ومنهجهم ‪ ،‬لنهم لو كانوا على حللق لغنللاهم الللله وزادهللم رفاهيللة وترفلا ً ‪،‬‬
‫وهذه حجة ساقطة ‪ ،‬لن أي عاقلل يلدرك أسلس اليملان وأهلداف الحيلاة‬
‫الدنيا ‪ ،‬يعلم أن الحياة الدنيا دار امتحان وابتلء ‪ ،‬وأن إحدى مواد المتحللان‬
‫في هذه الحياة البتلء بالغنى أو بللالفقر ‪ ،‬بحسللب حالللة كللل إنسللان ‪ ،‬وأن‬
‫البتلء بللالغنى ليللس تكريم لا ً ‪ ،‬وأن البتلء بللالفقر ليللس بإهانللة ‪ ،‬حللتى إذا‬
‫انتهت فلترة المتحللان وجلاء دور الجلزاء الكلبر فلي الخلوة ‪ ،‬ظهللر تمييللز‬
‫المؤمنين على الكللافرين ‪ ،‬فللمللؤمنين دار النعيللم الخالللد ‪ ،‬وللكللافرين دار‬
‫الشقاء البدي ‪.‬‬

‫‪ -5‬الحتجللاج بتعللت القضللاء والقللدر ‪ ،‬وفللق المفللاهيم الجبريللة‬


‫المرفوضة في الدين ‪ ،‬وظاهر أن مثل هذا ليس بحجة أصل ً ‪ ،‬ما دام الللدين‬
‫– الذي هو مصدره الوحيد –يرفضه ول يقبللله ‪ ،‬وذلللك لن مفللاهيم القضللاء‬
‫والقدر الصحيحة إنما نأخذها على الللدين ‪ ،‬فمللن تعلللل بعلللة دينيللة يرفضلله‬
‫ذب على الدين ليحتج عليه بما ليس فيه ول منه ‪.‬‬ ‫الدين نفسه ‪ ،‬فقد ك ّ‬

‫‪ -6‬جدال ل أساس له إل الكبر الطبقي ‪ ،‬كقول الكافرين عن فقللراء‬


‫المؤمنين‪" :‬لو كان خيرا ً ما سبقونا إليه" وهذه حجة مضحكة للعقلء ‪ ،‬وقللد‬
‫زينها في أذهانهم اغترارهم بأنفسهم واستكبارها بما لديهم من متاع الحياة‬
‫الدنيا ‪.‬‬

‫‪ -7‬اللجوء إلى عمليات الصد عللن اسللتماع الحللق ‪ ،‬والشللتائم الهللزء‬


‫والسللخرية ونحللو ذلللك ‪ ،‬ممللا يفعللله المبطلللون حينمللا تتهللاوى حججهللم ‪،‬‬
‫وتتسللاقط أدلتهللم ‪ ،‬وينقطعللون فل يسللتطيعون مجللاراة الفكللر بللالفكر ‪،‬‬
‫والحجة بالحجة ‪ ،‬والبرهان بالبرهان ‪.‬‬

‫) ج ( نظرات تفصيلية حول جدلياتهم ‪:‬‬


‫ونلقي في هذه الفقرة نظرات تفصيلية حول طائفة من جدليات‬
‫الكافرين في قضايا اليمان الكبرى ‪ ،‬لنتبين مدى ما هللم فيلله مللن سللقوط‬
‫فكري فاضح حينما يعالجون قضايا تتعلق بعقائدهم ومناهجهم في الحيللاة ‪،‬‬
‫مخالفين فيها حقائق الدين وشرائعه ‪.‬‬

‫* جدالهم حول قضية التوحيد ‪:‬‬


‫لقد جادلت عاد قوم هود رسولهم هودا ً عليه السلم في آلهتهم التي‬
‫كانوا يعبدونها من دون الله ‪ ،‬مع أن معبوداتهم هذه ل تزيد في واقللع حالهللا‬
‫على أنها أسماء سموها هم وآباؤهم ‪ ،‬ل يؤيد استحقاقها للعبللادة سللند مللن‬
‫علم أو عقل ‪ ،‬ول سلطان من دين صحيح ‪ ،‬وقد حكلى الهلل جلدالهم لهلود‬
‫عليه السلم في سورة )العراف‪ 7/‬مصحف‪ 39/‬نزول(‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا فَأت َِنا ب ِ َ‬
‫ما ت َعِلد َُنآ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫حد َهُ وَن َذ ََر َ‬ ‫جئ ْت ََنا ل ِن َعْب ُد َ ٱل ّلل َ‬
‫هل وَ ْ‬ ‫}َقال ُ ۤوا ْ أ ِ‬
‫ب‬‫ضل ٌ‬ ‫س وَغَ َ‬ ‫جل ٌ‬ ‫ملن ّرب ّك ُل ْ‬
‫م رِ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل قَلد ْ وََقلعَ عَل َي ْك ُل ْ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫صلادِِقي َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬ ‫ِإن ُ‬
‫كن َ‬
‫أ َتجادُلوِني ف ۤي أ َسمآٍء سميتمو َ َ‬
‫ن‬ ‫س لل ْ َ‬
‫طا ٍ‬ ‫من ُ‬ ‫ل ٱل ّلل ُ‬
‫هل ب َِها ِ‬ ‫ما ن َّز َ‬ ‫م َوآَبآؤك ُ ُ‬
‫م ّ‬ ‫هآ أن ْت ُ ْ‬ ‫َ ّ ُْ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ ِ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫ن ٱلل ُ‬
‫م ن ْت َظ ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬‫م ّ‬ ‫ُ‬
‫معَك ْ‬ ‫َفل ٱْنلت َظ ُِر ۤوا إ ِّني َ‬
‫ْ‬

‫فهم قد اخترعوا من عند أنفسهم أسماء وجعلوها آلهة يعبدونها ‪،‬‬


‫وجادلوا فيها بغير قاعدة علمية ‪ ،‬واكتفوا بحجة التقليد العمى ‪.‬‬

‫وجادل كفار قريش رسول الله محمدا ً صلوات الله عليه في قضية‬
‫التوحيد ‪ ،‬ولم يكن لهم حجة إل التعجب من جعل اللهة إلها ً واحدا ً ‪ ،‬واتهللام‬
‫الرسول ‪ ‬بالختلف والفتراء على الله ‪ ،‬وقد وصف الله حالهم ومقالتهم‬
‫في سورة )ص‪ 38/‬مصحف‪ 38/‬نزول( فقال تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ب*‬ ‫ذا ٌ‬ ‫َ‬
‫حٌر ك ّ‬ ‫سا ِ‬‫ذا َ‬ ‫ن ه َ ٰل َ‬‫كافُِرو َ‬‫ل ٱل ْ َ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫منذٌِر من ْهُ ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫جآَء ُ‬ ‫جُبوۤا ْ أن َ‬ ‫}وَعَ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مأ ِ‬ ‫من ُْهلل ْ‬
‫م لل ِ‬ ‫ب * وَ ٱن ط ل قَ ٱلل َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جا ٌ‬‫يٌء عُ َ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ذا ل َ‬ ‫ن ه َ ٰل َ‬
‫حدا إ ِ ّ‬‫ً‬ ‫ة إ ِل ٰلها َوا ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ل ٱللل ِهَ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫أ َ‬
‫ذا فِللى‬‫معَْنا ب ِهَ ٰل ل َ‬
‫سل ِ‬‫مللا َ‬ ‫يٌء ي ُلَراد ُ * َ‬‫ش ْ‬‫ذا ل َ َ‬‫ن ه َ ٰل َ‬‫م إِ ّ‬ ‫صب ُِروا ْ عَل َ ٰى آل ِهَت ِك ُ ْ‬ ‫شوا ْ وَا ْ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ٱ ْ‬
‫ق{‬ ‫ذا إ ِل ّ ٱ ْ‬
‫خلت ِل َ ٌ‬ ‫ن ه َ ٰل َ‬ ‫خ َر ةِ إ ِ ْ‬‫م ل ةِ ٱ لل ِ‬‫ّ‬ ‫ٱ لل ِ‬
‫ْ‬

‫وليس في تعجبهم ول في اتهام الرسول بالختلق حجة مقبولة عنللد‬


‫العقلء ‪ ،‬فللالتعجب ل ترفللض بلله الحقللائق ‪ ،‬والتهللام بالكللذب والختلق ل‬
‫يمثل حجة ذات وزن مطلقا ً لدى العقول السللليمة ‪ ،‬باسللتطاعة أي إنسللان‬
‫أن يتهم كل الناس بالكذب والختلق ‪ ،‬وأن يطلق كلمللة الباطللل علللى أيللة‬
‫حقيقة ‪ ،‬ولكن هذا شأن الذين ل يحترمون نفوسهم وعقولهم ‪.‬‬

‫* جدالهم في قضية الرسول والرسالة‪:‬‬


‫جادل المل من قوم نوح لرفض رسالته التي أرسله الله بها ‪ ،‬وإثبات‬
‫أنه مفترٍ كذاب ‪ ،‬ولكنهم لم يأتوا بأية حجة منطقيللة مقبولللة لللدى العقلء ‪،‬‬
‫وكانت حجتهم مجرد توجيه التعجب والستغراب والستبعاد ‪ ،‬إذ تعجبللوا أن‬
‫يكون الرسول بشرا ً مثلهم ‪ ،‬وافترضوا أن الواجب يقتضي بأن يكون ملكللا ً‬
‫من الملئكة لو أن الله شاء أن يرسل رسول ً ‪.‬‬

‫هذه كانت حجتهم مع أن الحكمللة تقتضللي بلأن يكللون الرسللول إلللى‬


‫البشر من البشر أنفسهم ل من الملئكة ‪.‬‬

‫ويحكي الله لنا مقالة المل من قوم نوح فللي سللورة )المؤمنللون‪23/‬‬
‫مصحف‪ 74/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ريد ُ أن‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مثلك ْ‬‫ْ‬ ‫شٌر ّ‬ ‫ّ‬
‫ذا إ ِل ب َ َ‬‫ما هَ ٰل َ‬
‫مهِ َ‬ ‫َ‬
‫من قوْ ِ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ل ُ ٱل ِ‬
‫ّ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬
‫قا َ‬‫}ف َ َ‬
‫ذا فِل ۤي آَبآئ ِن َللا‬ ‫معَْنا ب ِهَ ٰلل َ‬ ‫َ‬
‫سل ِ‬‫مللا َ‬ ‫مل َئ ِك َل ً‬
‫ة ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ه لنلَز َ‬ ‫شللآَء ٱلل ّل ُ‬ ‫م وَل َلوْ َ‬
‫ل عَل َي ْك ُل ْ‬
‫ضل َ‬ ‫ف ّ‬
‫ي َت َ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫حي ٍ‬
‫حت ّ ٰى ِ‬ ‫صوا ب ِهِ َ‬ ‫ة فَت ََرب ّ ُ‬
‫جن ّ ٌ‬ ‫ل ب ِهِ ِ‬ ‫ج ٌ‬‫ن هُوَ إ ِل َر ُ‬‫ن * إِ ْ‬ ‫ٱلوِّلي َ‬

‫فهؤلء بعد أن قدموا التعجب كحجة لهم انتقلوا إلى الحتجللاج بللأنهم‬
‫ما سمعوا بهذا فللي آبللائهم الوليللن ‪ ،‬وفللي هللذا تللبرر للتعجللب مللن جهللة ‪،‬‬
‫واحتجاج بالتقليد العمى من جهة أخرى ‪ ،‬ثم انتقلوا إلللى إطلق الشللتائم ‪،‬‬
‫وكل هذا ليس له في مجال الحتجاج المنطقي نصيب ‪ ،‬ولكللن دافللع الكللبر‬
‫كان حجابا ً لهم على الستجابة له ‪ ،‬أومأ إلى ذلك قللولهم "يريللد أن يتفضللل‬
‫عليكم"‪.‬‬

‫ومثلما قال قوم نوح قال أيضا ً من بعدهم قوم هود ‪ ،‬يقول الله‬
‫تعالى حكاية لقولهم في سورة )المؤمنون‪ 23/‬مصحف‪ 74/‬نزول(‪:‬‬
‫ة‬
‫خللَر ِ‬ ‫قللآِء ٱلل ِ‬ ‫كللذ ُّبوا ْ ب ِل ِ َ‬ ‫فللُروا ْ وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي‬‫مهِ ٱل ّللل ِ‬ ‫مللن َقللوْ ِ‬ ‫لل ِ‬‫ل ٱْللم ُ‬ ‫}وََقللا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مْنلل ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ت َأك ُُلو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ي َأك ُ ُ‬ ‫شٌر مث ْل ُك ُ ْ‬ ‫ذا إ ِل ّ ب َ َ‬ ‫ما هَ ٰل َ‬ ‫حيلاةِ ٱلد ّن َْيا َ‬ ‫م ِفي ٱل ْ َ‬ ‫وَأت َْرفَْناهُ ْ‬
‫م ِإذا ً ل ّ َ‬ ‫ش لربون * ول َئ ِ َ‬
‫ن*‬ ‫س لُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م إ ِن ّك ُل ْ‬ ‫شللرا ً مث ْل َك ُل ْ‬ ‫م بَ َ‬ ‫ن أط َعْت ُل ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ما ت َ ْ َ ُ َ‬ ‫م ّ‬
‫ب ِ‬ ‫شَر ُ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ت هَي ْهَللا َ‬ ‫ن * هَي ْهَللا َ‬ ‫جللو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫عظاما ً أن ّك ُل ْ‬ ‫م ت َُرابا ً وَ ِ‬ ‫م وَ ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫مت ّ ْ‬
‫ذا ِ‬ ‫م أن ّك ُ ْ‬
‫م إِ َ‬ ‫أي َعِد ُك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫ن * إِ ْ‬ ‫مب ُْعوِثي َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫حَيا وَ َ‬ ‫ت وَن َ ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫حَيات َُنا ٱل ّ‬
‫دلن َْيا ن َ ُ‬ ‫ي إ ِل ّ َ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫ن * إِ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُتوعَ ُ‬ ‫لِ َ‬
‫ن{‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ذبا وَ َ‬‫ً‬ ‫ل ٱف ت ََر ٰى عَل ٰى ٱل للهِ ك ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ج ٌ‬‫هُوَ إ ِل ّ َر ُ‬

‫وهكذا نلحظ أنهم لم يقدموا دليل ً في جدالهم حول قضللية الرسللول‬


‫وقضية الخرة غير مجرد الستغراب والستبعاد ‪ ،‬وإيراد عبللارات التعجللب ‪،‬‬
‫وأنت خبير بأنه ليس في التعجلب شليء يصلح أن يحتلج بله أصلل ً ‪ ،‬ولكنهلا‬
‫تعلت الكافرين ‪.‬‬

‫ودرج مشركو قريش وسائر كفار العرب على طريقة أسلفهم في‬
‫الحتجاج لرفض رسالة الرسللول محمللد ‪ ، ‬ويقللص علينللا أنبللاء جللدلياتهم‬
‫ل وعل في سورة )الفرقان‪ 25/‬مصحف‪ 42/‬نزول(‪:‬‬ ‫فيقول ج ّ‬
‫ق ل لوْ ۤل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫وا ِ‬ ‫سل َ‬ ‫شللي فِللي ٱل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ل ٱلطَعا َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ل ي َأك ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ذا ٱلّر ُ‬ ‫ما ل ِهَ ٰل َ‬ ‫}وََقاُلوا َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُأنزِ َ‬
‫ة ي َأك ُل ُ‬
‫ل‬ ‫جن ّل ٌ‬
‫ه َ‬ ‫ن ل َل ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ق ٰى إ ِل َي ْهِ ك َن ٌْز أوْ ت َ ُ‬ ‫ذيرا ً * أوْ ي ُل ْ َ‬ ‫ه نَ ِ‬
‫مع َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫ك فَي َ ُ‬ ‫مل َ ٌ‬
‫ل إ ِل َي ْهِ َ‬
‫ك‬‫ضَرُبوا ْ ل َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫حورا ً * ٱن ُ‬
‫ظلْرل ك َي ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جل ً ّ‬‫ن إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ن ِإن ت َت ّب ُِعو َ‬ ‫مو َ‬ ‫ظلال ِ ُ‬‫ل ٱل ّ‬ ‫من َْها وََقا َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ل{‬ ‫سِبي ً‬ ‫ن َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ْ‬
‫ضلوا فَل َ ي َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م َثا َ‬ ‫ٱ لل ْ‬

‫هذه مقالت قالوها ردا ً على دعللوة الرسللول لهللم ‪ ،‬وهللي كمللا رأينللا‬
‫تشبه مقالت المم قبلها ‪ ،‬وهي تمثل صورة الجدال المتعنت ‪ ،‬الذي اشتط‬
‫في مطالبه ‪ ،‬زاعما ً أنه يريد أن يستوثق من صحة رسالة الرسللول وصللدق‬
‫نبوته ‪.‬‬

‫لقد تعجبوا من أن يكون الرسول بشلرا ً يأكلل الطعلام ويمشلي فلي‬


‫السواق ‪ ،‬زاعمين كملا زعللم اللذين كفللروا ملن قبلهلم أن الرسلول اللذي‬
‫يتلقى عن الله ويبّلغ الناس ينبغي أن يكللون ملك لا ً ‪ ،‬حللتى يصلللح لسللتقبال‬
‫الرسالة الربانية وتلقي الوحي اللهي ‪ ،‬أو يكون هذا الملك مرافقا ً للرسول‬
‫من البشر ‪.‬‬

‫هكذا طرحوا مقالتهم على هذا السللاس الضللعيف الللذي ل يشللتمل‬


‫على حجة صحيحة ‪.‬‬

‫وقد جاء الرد القرآني على مقالتهم هذه فللي قللول الللله تعللالى فللي‬
‫سورة )النعام‪ 6/‬مصحف‪ 55/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫}وََقاُلوا ْ ل َوْ ۤل ُأنزِ َ‬
‫م لَ‬ ‫ي ٱلل ْ‬
‫م ُر ث ُ ّ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬‫مَلكا ً ل ّ ُ‬
‫ك وَل َوْ أنَزل َْنا َ‬ ‫مل َ ٌ‬
‫ل عَل َي ْهِ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫سو َ‬‫ما ي َل ْب ِ ُ‬
‫سَنا عَل َي ِْهم ّ‬‫جل ً وَل َل َب َ ْ‬
‫جعَل َْناهُ َر ُ‬
‫مَلكا ً ل ّ َ‬
‫جعَل َْناهُ َ‬
‫ن * وَل َوْ َ‬‫ُينظ َُرو َ‬

‫وفي قول الله تعالى في سورة )السراء‪ 17/‬مصحف‪ 50/‬نزول(‪:‬‬


‫ث‬ ‫م ٱل ْهُد َ ٰى إ ِل ّ َأن َقال ُ ۤوا ْ أ َب َعَ َ‬ ‫جآَءهُ ُ‬ ‫من ُ ۤوا ْ إ ِذ ْ َ‬
‫َ‬
‫س أن ي ُؤْ ِ‬ ‫من َعَ ٱلّنا َ‬ ‫ما َ‬ ‫}و َ َ‬
‫م ۤلئ ِك َل ٌ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مئ ِّنيل َ‬ ‫مط ْ َ‬
‫ن ُ‬ ‫شللو َ‬ ‫م ُ‬
‫ة يَ ْ‬ ‫ن فِللي ٱلْر ِ‬
‫ض َ‬ ‫سللول ً * قُللل ل َلوْ ك َللا َ‬ ‫شللرا ً ّر ُ‬‫ه بَ َ‬‫ٱلل ّل ُ‬
‫م‬‫شِهيدا ً ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ‬‫ف ٰى ِبل ٱل ّللهِ َ‬‫ل كَ َ‬ ‫سول ً * قُ ْ‬ ‫مَلكا ً ّر ُ‬ ‫مآِء َ‬ ‫سل َ‬ ‫ن ٱل ّ‬‫م َ‬‫ل َن َّزل َْنا عَل َي ِْهم ّ‬
‫صيرا ً {‬ ‫خِبيرا ً ب َ ِ‬
‫ن ب ِعَِبادِهِ َ‬
‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬

‫فإذا أردنا أن نحلل هذا الرد القرآني إلللى عناصللره وجللدنا فيلله بيان لا ً‬
‫كافيا ً مفحما ً ‪.‬‬

‫إن يتضمن بيان فساد ما زعموه من ضللرورة كللون الرسللول ملك لا ً ‪،‬‬
‫وبيان أن الحكمة تقتضي أن يكون الرسول إلللى البشللر مللن البشللر ل مللن‬
‫الملئكة ‪ ،‬فلو كان في الرض ملئكة يمشون مطمئنيللن لنلّزل الللله عليهللم‬
‫ملكا ً رسول ً ‪ ،‬لكنهم بشر ‪ ،‬فالحكمة تقتضي أن يكللون الرسللول إليهللم مللن‬
‫جنسهم ‪ ،‬لن الرسول مبلغ رسالة ربه ‪ ،‬وقائد أمته ‪ ،‬وأسوة لهللم فللي كللل‬
‫الشؤون التي يعظهم بها ‪،‬فلو كان الرسول إلى البشر من الملئكللة ل مللن‬
‫الناس لكانت حجة الناس عليه أنه ل يشعر بمثل مشاعرهم ‪ ،‬وليس له من‬
‫الغرائز والشهوات والهللواء مثللل مللا لهللم ‪ ،‬لللذلك فهللو ل يصلللح أن يكللون‬
‫أسوة لهم ‪ ،‬ثم ل يكون حجة عليهم في استقامته والتزام شريعة ربه ‪،‬ولللو‬
‫كان ملكا ً لكان أبسط جواب يردون عليه أن يقولوا له ‪ :‬لللو كللان لللك مثللل‬
‫غرائزنا وأهوائنا وشهواتنا لعصيت مثلنا ‪ ،‬ولما استقمت على صللراط الللله ‪،‬‬
‫ولكنه لما كان كامل البشرية مستجمعا ً لكل عناصرها وخصائصها كان حجة‬
‫عليهم في سلوكه ‪ ،‬وأسوة لهم في جميع المور ‪.‬‬

‫وكان للكافرين مطلب آخر أخلف من مطلب كللون الرسللول ملك لا ً ‪،‬‬
‫فقد طالبوا أن يكون مع الرسول شاهد من الملئكة يراه الناس ويبّلغ عللن‬
‫الله ‪ ،‬ثم يقوم الرسول من البشر بوظائف الرسالة ‪.‬‬

‫مَلكلا ً‬
‫وقد جاء الرد القرآني على هذا في قللوله تعللالى ‪}:‬ولللو أنزلنللا َ‬
‫لقضي المر ثم ل ينظرون{‪.‬‬

‫وهذا الرد يتضللمن بيللان طبيعللة الملئكللة ‪ ،‬وأنهللم إذا نزلللوا وظهللروا‬
‫للناس بيهئتهم الحقيقة فإن أمرا ً خطيرا ً مللن أمللور الغيللب ينكشللف عنللدئذٍ‬
‫للناس ‪ ،‬وعندئذٍ ل يبقى للكافرين أي عذر يعتذرون بلله ‪ ،‬ول يبقللى للمهللال‬
‫أي معنى ‪ ،‬فإذا أصروا علللى الكفللر بعللد ذلللك فللإن أمللر إهلكهللم ل بللد أن‬
‫يقضى في الحال ‪ ،‬وعندئذ ٍ فهم ل ينظرون ‪ ،‬فليس بعد كشف الغيب مجال‬
‫للمهال ‪ ،‬كما أنه ليللس بعللد انكشللاف الغيللب عنللد المللوت مجللال للتوبللة ‪،‬‬
‫وليس بعد ظهور اليات الكبرى كطلوع الشمس من مغربهللا مجللال للتوبللة‬
‫أيضا ً ‪ ،‬فمن رحمة الله بهم أن ل ينللزل إليهللم الملئكللة بصللورهم وهيئاتهللم‬
‫الحقيقية ‪ ،‬ليترك لهم مجال ً للتوبة واليمان بعد روية وأناة وتبصر بالحقللائق‬
‫الكبرى ‪.‬‬

‫وجاء في الرد القرآني أيضا ً قوله تعالى }ولللو جعلنللاه ملكلا ً لجعلنللاه‬
‫رجل ً ‪ ،‬وللبسنا عليهم ما يلِبسون{‪.‬‬

‫ويتضمن هذا الرد أن الله لو استجاب لهم فأرسل لهم رسللول ً ملكللا ً‬
‫في حقيقته لكان مقتضى الحكمة ُيلزم بللأ‪ ،‬ل ينللزل إليهللم بصللورته وهيئتلله‬
‫الملئكية ‪ ،‬وعندئذٍ فإن أفضل صورة ملئمة يحسن أن يتمثل بها هي صورة‬
‫رجل من الناس ‪ ،‬ولو أنزل الله ملكا ً على صورة رجل ملن النلاس للتبلس‬
‫عليهم المر ‪ ،‬ولما علموا هل هو بشر أو ملك؟ ولنتهى بهم المر إلى مثللل‬
‫مللا هللم فيلله مللن لبللس ‪ ،‬إذ يلبسللون علللى أنفسللهم الحقللائق ‪ ،‬فيكفللرون‬
‫بالرسالة ‪.‬‬

‫إنهللم كفللروا برسللالة محمللد ‪ ‬وهللم يعلمللون أمللانته وصللدقه ‪،‬‬


‫ويشاهدون اليات التي آتاه الله إياها ‪ ،‬فكيف يكون حالهم مع ملللك يللأتيهم‬
‫على صللورة رجللل وهللم ل يعرفللون شلليئا ً عنلله؟! إن التبللاس المللر عليهللم‬
‫سيكون أشد وأبلغ ‪.‬‬

‫من كل ذلك يتضللح أن الحكمللة تقتضللي مللن كللل الوجللوه أن يكللون‬


‫الرسول المرسل إليهم بشرا ً ل ملكا ً ‪.‬‬

‫ولكن من حقه أن يطالبوا بآيات صدق نبوته ورسالته ‪ ،‬وقد آتى الللله‬
‫كل رسول من اليات ما يكفي لثبات أنه رسللول الللله حق لا ً ‪ ،‬وهنللا تنقطللع‬
‫حجة الكافرين ‪ ،‬وتدمغهم حجة الحق ‪ ،‬ول يبقى لهم إل العناد ‪.‬‬

‫أما اقتراحهم أن ُيلقى إلى الرسول كنللز أو أن تكللون للله جنللة يأكللل‬
‫منها فهو اقتراح تعنتي عنادي ليس له قيمة جدلية ول منطقية ‪ ،‬عللى أنهلم‬
‫لم يقتصروا على المطالبة بأن يلقى إليه كنز أو تكون له جنة ‪ ،‬بل أضافوا‬
‫إلى ذلك مقترحات أخرى مشابهة ‪ ،‬منها مللا تضللمنه قللول الللله تعللالى فللي‬
‫سورة )السراء‪ 17/‬مصحف‪ 50/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ل فَلأب َ ٰى أك ْث َلُر‬ ‫َ‬ ‫مللن ك ُل ّ‬ ‫ذا ٱل ْ ُ‬ ‫}وَل َ َ‬
‫َ‬
‫مث َل ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قلْرآ ِ‬ ‫س فِللي هَ ٰلل َ‬ ‫صّرفَْنا ِللن ّللا ِ‬ ‫قد ْ َ‬
‫ض ي َن ُْبوعلا ً *‬
‫َ‬ ‫ن ٱ للْر ِ‬ ‫م َ‬‫جَر ل ََنا ِ‬ ‫حت ّ ٰى ت َ ْ‬
‫ف ُ‬
‫َ‬
‫ك َ‬ ‫ن لَ َ‬‫م َ‬ ‫فورا ً * وََقاُلوا ْ َلن ن ّؤْ ِ‬ ‫س إ ِل ّ ك ُ ُ‬ ‫ٱ ل َّنلا ِ‬
‫قطَ‬ ‫سل ِ‬ ‫جيرا * أوْ ت ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫خللَها ت َ ْ‬ ‫جَر ٱللن َْهاَر ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫َ‬
‫ب فت ُ َ‬‫عن َ ٍ‬ ‫ل وَ ِ‬‫خي ٍ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫ة ّ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫َ‬
‫ن لك َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أوْ ت َكو َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ۤلئ ِك لةِ قِبيل * أوْ ي َكللو َ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي ب ِل ٱللهِ وَٱل َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫سللفا أوْ ت َلأت ِ َ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْن َللا ك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما َزعَ ْ‬ ‫مآَء ك َ َ‬ ‫س َ‬ ‫لٱ ّ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫حت ّللى ت ُن َلّز َ‬ ‫َ‬
‫ن ل ُِرقِي ّلك َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫مآِء وَلللن ن ّلؤْ ِ‬ ‫سلل َ‬ ‫ف أوْ ت َْرقَ ٰى ِفي ٱل ّ‬ ‫خُر ٍ‬ ‫من ُز ْ‬ ‫ت ّ‬ ‫لَ َ‬
‫ك ب َي ْ ٌ‬
‫ع‬
‫من َل َ‬ ‫مللا َ‬ ‫سللول ً * وَ َ‬ ‫شللرا ً ّر ُ‬ ‫ت إ َل ّ ب َ َ‬ ‫كنل ُ‬‫ل ُ‬ ‫ن َرب ّللي هَل ْ‬ ‫حا َ‬‫سلب ْ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قَرؤُهُ قُ ْ‬ ‫عَل َي َْنا ك َِتابا ً ن ّ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل{‬ ‫سو ً‬ ‫شرا ً ّر ُ‬ ‫هل ب َ َ‬ ‫ث ٱ ل ّلل ُ‬ ‫م ٱ ْللهُ د َ ٰى إ ِل ّ أن َقال ُ ۤوا ْ أب َعَ َ‬ ‫جآَءهُ ُ‬ ‫من ُ ۤوا ْ إ ِذ ْ َ‬ ‫س أن ي ُؤْ ِ‬ ‫ٱ ل ّنلا َ‬

‫باستطاعتنا أن نحصي من النصوص السللابقة مطللالبهم ومقترحللاتهم‬


‫التعنتية التي علقوا إيمانهم بالرسول على وجود بعضها بما يلي ‪:‬‬
‫القممتراح الول ‪ :‬أن يكللون الرسللول ملكللا ً ل بشللرا ً ‪ ،‬وهللذا هللو‬
‫المطلب الساسي الذي ينم عن كبر نفوسهم عللن اتبللاع بشللر مثللله ‪ ،‬ولللو‬
‫اصطفاه الله عليهم واختاره لحمل رسالته ‪.‬‬

‫القتراح الثاني ‪ :‬أن ينزل إلللى الرسللول ملللك يؤيللده ويشللهد للله‬
‫ويدعو إلى الله معه ‪ ،‬يراه الناس ويخاطبونه ‪.‬‬

‫القتراح الثالث ‪ :‬أن يلقي إليه كنز عظيم فيكون أغنى قومه ‪.‬‬

‫القتراح الرابع ‪ :‬أن تكللون لله فلي الللدنيا جنللة كللبيرة مللن نخيللل‬
‫وعنللب تتفجللر النهللار خللهللا تفجيللرا ً ‪ ،‬فللإذا اكتسللب مجللد الللثراء والغنللى‬
‫والرفاهية مثل عظماء الرض اتبعوه ‪.‬‬

‫القتراح الخامس ‪ :‬أن يفجر لهم من الرض ينبوعا ً يجري في‬


‫مكة أو ما حولها كأنهار الشام ومصر والعراق ‪.‬‬
‫القتراح السادس ‪ :‬أن يكون له بيت عظيم من زخرف )أي ‪ :‬من‬
‫ذهب( يرتفع به ارتفاع الملوك العظماء ‪.‬‬

‫القتراح السممابع ‪ :‬أن ينللزل عليهللم العللذاب الللذي أنللذرهم بلله ‪،‬‬
‫فيسللقط السللماء عليهللم كسللفا ً )أي قطع لا ً تهلكهللم( وهللذا إمعللان منهللم‬
‫بتكذيبه ‪ ،‬وليس طلبا ً حقيقيا ً للعذاب ‪.‬‬

‫القتراح الثامن ‪ :‬أن يأتي بالله وملئكته قبيل ً )أي‪ :‬طرفا ً سماويًا(‬
‫يحاربهم وينصر الرسول إن كان صادقا ً ‪ ،‬وهذا أيض لا ً إمعللان منهللم بتكللذيب‬
‫رسالته ‪.‬‬

‫القتراح التاسع ‪ :‬أن يرقى في السماء ‪ ،‬ومع ذلك فلن يؤمنوا به‬
‫لمجرد رقيه ‪ ،‬بل ل بللد مللن أن ينلّزل عليهللم مللن السللماء كتابلا ً مسللطورا ً‬
‫يقرؤونه ‪.‬‬

‫ولدى التحقيق نجد أن الباعث لكل هذه المطالب المتعنتللة كللبر فللي‬
‫صدورهم وهوى في نفوسهم ‪ .‬لقد رفضوا اتباع بشر منهم ‪ ،‬واسللتكبروا أن‬
‫يكون الرسول إنسانا ً ليس له ملك ول ثلراء ‪ ،‬وليلس للله جلاه عريلض عنلد‬
‫الناس ‪ ،‬وقد صرحوا بكبرهم هذا ‪ ،‬وقص الللله علينللا تصللريحهم بقللوله فللي‬
‫سورة )الزخرف‪ 43/‬مصحف‪ 63/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن * وَقَللالوا ل لوْل َ‬ ‫حٌر وَإ ِّنا ب ِهِ ك َللافُِرو َ‬‫س ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫حقّ َقاُلوا ْ هَ ٰل َ‬ ‫م ٱل ْ َ‬
‫جآَءهُ ُ‬‫ما َ‬ ‫}وَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫ن ٱْلل َ‬
‫ة‬‫مل َ‬
‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫مو َ‬
‫سل ُ‬
‫ق ِ‬
‫م يَ ْ‬
‫ظيم ٍ * أهُ ل ْ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ق ْر ي َت َي ْ ِ‬ ‫م َ‬‫ل ّ‬ ‫ن عَل َ ٰى َر ُ‬
‫ج ٍ‬ ‫ذا ٱْلل ُ‬
‫ق ْرآ ُ‬ ‫ل ه َ ٰل َ‬ ‫ن ُّز َ‬
‫ك‪.{...‬‬ ‫َرب ّ َ‬

‫على أن الله تعالى لو استجاب لهم فأنزل عليهم كتاب لا ً مللن السللماء‬
‫فلمسوه بأيديهم لما آمنوا به ‪ ،‬لنهم متعنتون ‪ ،‬وقد بيللن الللله واقعهللم هللذا‬
‫بقوله تعالى في سورة )النعام‪ 6/‬مصحف‪ 55/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ل ٱّللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م لَ َ‬
‫قللا َ‬ ‫ديهِ ْ‬
‫سللوهُ ب ِأي ْل ِ‬ ‫س فَل َ َ‬
‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫}وَل َوْ ن َّزل َْنا عَل َي ْ َ‬
‫ك ك َِتابا ِفي قِْرطللا ٍ‬
‫ن{‬ ‫مِبي ٌ‬
‫حٌر ّ‬ ‫س ْ‬ ‫ذآ إ ِل ّ ِ‬ ‫ن ه َ ٰل َ‬ ‫فُروا ْ إ ِ ْ‬
‫كَ َ‬

‫وأما مطالبهم التي تستند إلى عنصر الكبر الطبقي فهللي مطللالب ل‬
‫تستحق الجابة أصل ً ‪ ،‬لنها فاسدة في قواعدها الكفرية والخلقية والدينية‬
‫‪ ،‬وما كان المتياز بالمال والثراء وامتلك الجنات ليؤهل للتكريللم عنللد الللله‬
‫ول عند العقلء من الناس ‪،‬فليس مللن شللأن ديللن ربللاني ول مللن شللأن أي‬
‫مبدأ صحيح أن يعترف بمثل هذا المتياز الذي ليس له أساس مقبللول ‪ ،‬ول‬
‫أن يستجيب للمطالب التي تتعلق به ‪ ،‬فالستجابة توحي بالعتراف ‪ ،‬وهللذا‬
‫يخالف أصل المبدأ ‪ ،‬وقد اختار الله لخاتم أنبيائه أن ل يكون من أهل الغنى‬
‫والثراء الكبير ‪ ،‬وأن ل يكون ملكا ً من الملوك ‪ ،‬لتصحيح مفاهيم الناس عن‬
‫عناصللر التفاضللل الصللحيح ‪ ،‬لللذلك فل ينقللض الللله حكمتلله هللذه ‪ ،‬وقضللية‬
‫الرسالة تحتاج إلى خصائص ل يدخل المال والللثراء وامتلك الجنللات فيهلا ‪،‬‬
‫والصطفاء بالرسالة فضل من الله ورحمة ‪ ،‬والله يختللص بفضللله ورحمتلله‬
‫من يشاء ‪.‬‬

‫بقي ما طلبوه من اليات المادية كتفجير النهار في مكة وما حولها ‪،‬‬
‫وإزاحة جبالها وتوسيع أراضيها ‪ ،‬وغير ذلك من آيللات تشللبه اليللات الماديللة‬
‫التي أجراها الله على أيدي موسى وعيسى وصلالح وغيرهلم ملن النلبيين ‪،‬‬
‫وهذا المطلب قد أكدوه وألحوا عليه ‪ ،‬وذكره الله فللي مناسللبات متعللددة ‪،‬‬
‫منها قوله تعالى في سورة )الرعد‪ 13/‬مصحف‪ 96/‬نزول(‪:‬‬
‫ه‪.{..‬‬‫من ّرب ّ ِ‬
‫ة ّ‬ ‫فُروا ْ ل َوْل َ ُأنزِ َ‬
‫ل عَل َي ْهِ آي َ ٌ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ل ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قو ُ‬
‫}وَي َ ُ‬

‫وقد يبدو للنظر الول تساؤل يتضمن الميل إلى تلبية طلبهم اليات ‪،‬‬
‫إل أن واقع حالهم ما كان ليفتقر إلى إقامللة الدلللة للقتنللاع بصللدق رسللالة‬
‫محمد ‪ ، ‬فقد أنزل الله مللن اليللات مللا فيلله الكفايللة لمللن أراد أن يقتنللع‬
‫بالحق ‪ ،‬وفي مقدملة هلذه اليلات معجلزة القلرآن ‪ ،‬وإنملا كلانوا يطلالبون‬
‫باليات المادية على سبيل التشهي والتعنت ‪ ،‬والله تبللارك وتعللالى ل يتخللذ‬
‫خرق سننه الدائمة ألعوبة فللي أيللدي المتعنللتين أو المتفكهيللن المتشللهين ‪،‬‬
‫إنما يخرقها بمقدار حاجة الناس إلى إقامة الدليل الذي يدلهم علللى صللدق‬
‫رسالة الرسول ‪ ،‬على أن الله لو أنزل هذه الية التي طلبوها لكللذبوا بهللا ‪،‬‬
‫فقد كذب بها من قبلهم من المم ‪،‬وفي هذا يقول الللله تعللالى فللي سللورة‬
‫)السراء‪ 17/‬مصحف‪ 50/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مللود َ‬ ‫ب ب َِها ٱللوّ لللو َ‬
‫ن َوآت َي ْن َللا ث َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت إ ِل أن كذ ّ َ‬ ‫ل ِبل ٱللَيا ِ‬‫س َ‬‫من َعََنآ أن ن ّْر ِ‬
‫ما َ‬‫}و َ َ‬
‫ً‬
‫ويفا{‬ ‫خ ِ‬ ‫ّ‬
‫ت إ ِل ت َ ْ‬ ‫ل ِبلٱ للَيا ِ‬
‫س ُ‬‫ما ن ُْر ِ‬ ‫ْ‬
‫موا ب َِها وَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صَرةً فَظل ُ‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫ٱل ّنلاقَ َ‬
‫ة ُ‬

‫وبعد أنواع ذات مراحل من جدال الذين كفروا حول رسالة الرسول‬
‫وإقامة الحجة عليهم بأدلة مختلفة ‪ ،‬لم يكللن مللن فريللق منهللم إل الصللرار‬
‫على موقف النكار ‪ ،‬ولم ُتجدِ فيهم حجللج ول براهيللن ‪ ،‬ومللوقفهم هللذا قللد‬
‫أعلنه الله في آخر سورة )الرعد‪ 13/‬مصحف‪ 96/‬نزول(‪:‬‬
‫ً‬ ‫فل ٰىِبلل ٱل للهِ َ‬
‫شلِهيدا ب َي ْن ِللي‬ ‫ّ‬ ‫ل كَ َ‬
‫سلل ً ُقل ْ‬
‫مْر َ‬
‫ت ُ‬
‫سل َ‬‫فُروا ْ ل َ ْ‬
‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ل ٱّلل ِ‬
‫قو ُ‬ ‫}وَي َ ُ‬
‫ب{‬‫م ٱللك َِتا ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫عل ُ‬‫عند َهُ ِ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫وَب َي ْن َك ُ ْ‬
‫ولما لم تنفع فيهم ألوان المعالجة بالحجة المقنعة ‪ ،‬ولللم ُتجللد فيهللم‬
‫البراهين ‪ ،‬كان ملن الخيللر حسللم المللر معهللم ‪ ،‬وقطللع أطللراف الجللدال ‪،‬‬
‫وإعلن الستغناء عنهم فقال الله لرسوله ‪}:‬قلل‪ :‬كفلى بلالله شلهيدا ً بينلي‬
‫وبينكم ومن عنده علم الكتاب{‪ ،‬وفللي هللذا إشللعار بنفللض اليللد مللن رجللاء‬
‫إصلحهم ‪ ،‬وبإنهاء معالجتهم والصبر على مجادلتهم ‪ ،‬وفيلله أيضللا ً إعلن أن‬
‫الرسول ليس بحاجة إلى شهادة منهم على أنه رسول الله ‪ ،‬وإنمللا غرضلله‬
‫هدايتهم ‪ ،‬وإخراجهم من الظلمات إلى النور ‪ ،‬والخذ بأيديهم إلى السللعادة‬
‫الخالدة ‪ ،‬أما الشهادة له بأنه رسول الله حقا ً فيكفيه منها شهادتان‪:‬‬

‫الولى ‪ :‬شهادة الله له بها ‪ ،‬وذلللك فيمللا أتللاه مللن آيللات عظيمللة ‪،‬‬
‫وفي مقدمتها القرآن المعجز في لفظه ومعناه ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬شهادة من عنللده علللم الكتللاب ‪ ،‬وهللم الللذين عرفللوا مللن‬


‫كتبهم صفاته فآمنوا به ‪،‬وشهدوا له بأنه رسول الله حقا ً ‪ ،‬والللذين رأوا فللي‬
‫معجزة القرآن ما يثبت لهم أنه رسول الله فشهدوا له بذلك ‪.‬‬

‫وبهذا يحسم المر وينقطع الجدال ‪ ،‬ويصبح الموقللف موقللف انتظللار‬


‫حكم الله في أهل الكفر ‪.‬‬

‫ومن قبل محمد ‪ -  -‬جاء عيسى عليه السلللم قللومه بطائفللة مللن‬
‫اليات البينات والمعجزات الباهرات ‪ ،‬فقللال الللذين كفللروا مللن قللومه }إن‬
‫هذا إل سحر ملبين{ وأخلذوا يجلادلون فلي آيلات اللله عللى هلذا السلاس‬
‫الفاسد ‪ ،‬وهذا مللا بّينلله الللله بقللوله فللي سللورة )المللائدة‪ 5/‬مصللحف‪112/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫ك‬ ‫ك وَعَللل ٰى َوال ِلد َت ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مِتي عَلي ْ َ‬ ‫م ٱذ ْك ُْر ن ِعْ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى ٱب ْ َ‬ ‫ه ٰيِعي َ‬ ‫ّ‬
‫ل ٱلل ُ‬ ‫}إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ب‬ ‫ك ٱللك ِت َللا َ‬
‫ْ‬ ‫مت ُ َ‬ ‫ّ‬
‫م هْ دِ وَك َهْل ً وَإ ِذ ْ عَل ْ‬ ‫س ِفي ٱلل َ‬
‫ْ‬ ‫م ٱل ّنلا َ‬ ‫ّ‬
‫س ت ُك َل ُ‬ ‫قدُ ِ‬ ‫ك ب ُِروِح ٱلل ُ‬
‫ْ‬ ‫إ ِذ ْ أ َّيدت ّ َ‬
‫طلين ك َهَي ْئ َةِ ٱل ّ‬
‫ن ٱل َ ِ‬ ‫ة وَ ٱل ّتلوَْراةَ وَ ٱ ِ‬ ‫وَ ٱْلل ِ‬
‫طلي ْرِ ب ِإ ِذ ِْني فََتن ُ‬
‫ف ُ‬
‫خ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫خل ُقُ ِ‬ ‫ل وَإ ِذ ْ ت َ ْ‬ ‫جي َ‬ ‫للن ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫َ‬
‫ج‬‫خ لرِ ُ‬ ‫ص ب ِلإ ِذ ِْني وَإ ِذ ْ ت ُ ْ‬ ‫ه وَ ٱللْبللَر َ‬ ‫ملل َ‬ ‫رىللُء ٱللك ْ َ‬ ‫ن ط َْيللرا ً ب ِلإ ِذ ِْني وَت ُب ْ ِ‬ ‫ِفيهَللا فَت َك ُللو ُ‬
‫ل‬ ‫قلا َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫م ِبلٱ ْللب َي ّن َللا ِ‬
‫جئ ْت َُهل ْ‬ ‫عنل َ‬
‫ك إ ِذ ْ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫سلَراِئي َ‬ ‫ت ب َن ِل ۤي إ ِ ْ‬ ‫فل ُ‬ ‫ي وَإ ِذ ْ ك َ َ‬
‫ف ْ‬ ‫موت َ ٰى ب ِلإ ِذ ْن ِ ِ‬ ‫ٱ ْلل َ‬
‫ن{‬ ‫مِبي ٌ‬‫حٌر ّ‬ ‫س ْ‬ ‫ذا إ ِل ّ ِ‬ ‫ن ه َ ٰل َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫فُروا ْ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ٱل ّ ِ‬

‫هذا مع أن اليات التي جاء بها عيسى عليلله السلللم آيللات عظيمللة ‪،‬‬
‫وهي حق وليست بسحر ‪ ،‬ولكن المصرين على الكفر بالمكللابرة ل يجللدون‬
‫سبيل ً إل أن يجادلوا بالباطل ‪ ،‬فيجعلوا ما هو حللق واضللح مشللاهد ململلوس‬
‫سحرا ً من السحر ‪.‬‬

‫وهذا اللون من ألوان جدال الكافرين لون يعتمد على جحود الواقع‬
‫الملموس واعتباره وهما ً من الوهام ‪،‬وسحرا ً من السللحر الللذي تنخللدع بلله‬
‫البصار ‪ ،‬دون أن يكللون للله فللي الواقللع حقيقللة تطللابق مللا أدركلله الحللس‬
‫بللالتوهم أو بالتخيللل ‪ ،‬ومللا دام الكللافرون مصللرين علللى موقللف الجحللود‬
‫والنكار مهما ظهر لهم وجه الحق ‪،‬فليس لهم حجللة أمللام البينللات الماديللة‬
‫المدركة بالحس إل أن يقولوا ك }إن هذا إل سحر مبين{‪.‬‬

‫وقد أوضح الله هذه الحيلة الجدلية من حيل الكافرين بقوله لرسوله‬
‫في سورة )النعام‪ 6/‬مصحف‪ 55/‬نزول(‪:‬‬
‫م لَ َ‬ ‫َ‬
‫قللا َ‬
‫ل‬ ‫ديهِ ْ‬
‫سللوهُ ب ِأي ْل ِ‬ ‫س فَل َ َ‬
‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫}وَل َوْ ن َّزل َْنا عَل َي ْ َ‬
‫ك ك َِتاب لا فِللي قِْرطللا ٍ‬
‫ن{‬ ‫مِبي ٌ‬
‫حٌر ّ‬ ‫ذآ إ ِل ّ ِ‬
‫س ْ‬ ‫ن ه َ ٰل َ‬ ‫فُروا ْ إ ِ ْ‬
‫ن كَ َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫* جدالهم في قضية الخرة‪:‬‬


‫وجادل الكافرون في قضية الخرة والبعث بعد الموت ‪ ،‬وكان أهم‬
‫ما اعتمدوا عليه من حجة إظهار التعجب ‪،‬والنكار على أساس السللتغراب‬
‫والستبعاد ‪ ،‬وظاهر أن مثل هذا ل يمثل حجة مقبولة عند العقلء ‪.‬‬

‫لقد عرض القرآن جللدلياتهم فللي هللذا الموضللوع ‪ ،‬فمنهللا قللول الللله‬
‫تعالى في سورة )النمل‪ 27/‬مصحف‪ 48/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫فُر ۤوا ْ أ َإ ِ َ‬
‫عللد َْنا‬ ‫قللد ْ وُ ِ‬ ‫َ‬
‫ن*ل َ‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫م ْ‬‫ذا ك ُّنا ت َُرابا ً َوآَبآؤَُنآ أإ ِّنا ل ُ‬
‫َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ٱل ّ ِ‬ ‫}وََقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫سلليُروا فِللي‬ ‫ل ِ‬ ‫ن * قُ ل ْ‬ ‫طيُر ٱللوّ ِلي ل َ‬ ‫سللا ِ‬ ‫ّ‬
‫ذآ إ ِل أ َ‬ ‫ن ه َ ٰل َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ن َوآَبآؤَُنا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ذا ن َ ْ‬ ‫ه َ ٰل َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫م وَل َ ت َكللن‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْهِل ْ‬ ‫حلَز ْ‬ ‫ن * وَل َ ت َ ْ‬ ‫ميل َ‬ ‫ج رِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ة ٱ لل ُ‬
‫ْ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ف كا َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض فَانظُروا كي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ٱ للْر ِ‬
‫ل‬‫ن * قُ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ذا ٱللوَ عْد ُ ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫مت َ ٰى هَ ٰل َ‬ ‫ن َ‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن * وَي َ ُ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬
‫ق ّ‬ ‫ضي ْ ٍ‬
‫ِفي َ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫ضل ٍ‬ ‫ذو فَ ْ‬ ‫َ‬
‫ك لل ُ‬ ‫ن َرب ّل َ‬ ‫ن * وَإ ِ ّ‬ ‫جلو َ‬‫ُ‬ ‫س لت َعْ ِ‬‫ذي ت َ ْ‬ ‫ض ٱلل ِ‬
‫ّ‬ ‫كم ب َعْ ُ‬ ‫فل ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َردِ َ‬ ‫كو َ‬ ‫س ٰى أن ي َ ُ‬ ‫عَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م ل َيَ ْ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫س وَل ٰلك ِ ّ‬ ‫عَلى ٱلّنا ِ‬

‫فقد اشتملت مقالة الكافرين الجدلية لنكار الخرة والبعث بعد‬


‫الموت للجزاء يوم الدين – كما جاء في هذا النص – على عنصرين ‪:‬‬

‫العنصر الول ‪ :‬النكار القائم على الستغراب والستبعاد ‪.‬‬

‫العنصر الثاني ‪ :‬النكار القائم على بعللد أجللل يللوم الللدين ومللرور‬
‫أجيال من الباء والجداد دون أن يأتي وقت تحقيق الموعود بلله ‪ ،‬وهللذا مللا‬
‫جعلهم يتوهمون أن قضية الخرة أسطورة ل تتحقق ‪.‬‬

‫وظاهر أن هذا التصور فاسللد مللن أساسلله ‪ ،‬لن نظللام هللذه الحيللاة‬
‫الدنيا ل يكفي له عشرات اللوف من السللنين ‪ ،‬حللتى إذا طللال أمللد بقللائه‬
‫كان ذلك دليل ً على استمراره بل نهاية ‪ ،‬وأنه ليس وراءه نظام آخر أو حياة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫إن هذا النظام الكبير الذي تقوم عليه الحياة الدنيا ‪ ،‬وما رتب له من‬
‫خلئق ‪ ،‬وما جعل فيه مللن ظللروف امتحللان لللذوي الرادات الحللرة ‪ ،‬ومللن‬
‫ُقضي لهم أن يمروا في هذا المتحان ‪ ،‬كل ذلك ل يكفيه ألوف مؤّلفللة مللن‬
‫القرون ‪ ،‬ول يستكثر عليه طول زمن مهما طال ‪ ،‬فالخرة حياة خلود وبقاء‬
‫دائم ‪ ،‬ومهما طال عمر الدنيا فإنه بالنسبة إلى الخللرة يسللير جللدا ً ‪ ،‬ولكللن‬
‫النسان قصير النظر يقيس الملور عللى نفسله وحللدود أجلله ‪ ،‬ول يتصلور‬
‫البد الخالد تصورا ً صحيحا ً ‪ ،‬حتى يتضاءل في نظره عمر الدنيا مهما طال ‪،‬‬
‫وآجال الحادثات تقاس بواقع نظام تكوينها ‪،‬وبمقادير وظائفها في الوجلود ‪،‬‬
‫ولذلك نشاهد أن عمر بعض الجراثيم قصير جدا ً يناسب مقدار وظيفته في‬
‫الحياة ‪،‬بينما يطول نسبيا ً عمر بعض الحشرات ذات الوظيفة السنوية ‪ ،‬ثللم‬
‫يطول عمر بعض الحيوانات الخرى ‪،‬وهكذا ضللمن سلللم تصللاعدي ‪ ،‬ويزيللد‬
‫طول ً عمر بعض حيتان البحر ‪ ،‬والنظام العام الذي يحوي كل ذلك ل بللد أن‬
‫يستوعب كل ما ربت له أن يمر فيه ‪.‬‬

‫أما الحياة الخرى فهي دار الخلللود ‪ ،‬والللدنيا بالنسللبة إلهيلا كلمحلات‬
‫عابرة من دهر مديد‪.‬‬

‫فما قدمه الكافرون لنكللار الخللرة ل يصللح أن يعتللبر حجللة صللحيحة‬


‫مقبولة عند العقلء ‪ ،‬وإنما هو تكذيب بالخرة من غير دليل ‪ ،‬والباعث عليه‬
‫الخلد إلى الرض والغترار بزينة الحياة الدنيا ‪ ،‬وأما استطالة أمد ظللروف‬
‫هذه الحياة الدنيا فتعّلة جدلية ليس لها أساس منطقي ‪.‬‬

‫وكانت طريقة القرآن في الرد عليهم تشتمل على لفت نظرهم إلى‬
‫مظاهر عدل الله في الذين كذبوا بيللوم الللدين مللن أهللل القللرون الولللى ‪،‬‬
‫جل ً من عقابه في الحياة الدنيا قبللل يللوم الحسللاب‬ ‫وكيف أ‪،‬زل الله بهم مع ّ‬
‫ليقيم البرهان بتنفيذ معجل الجزاء على صدق مؤجله ‪ ،‬وأحالهم على دليللل‬
‫المشاهدة في واقع الرض ‪ ،‬وما جرى فيها من أحداث عقللاب مللدمر علللى‬
‫الذين كفروا وكذبوا بيوم الدين ‪ ،‬فقال الله تعالى ‪} :‬قل سيروا في الرض‬
‫فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين{ ‪ ،‬ثم قال لرسوله ‪} :‬ول تحزن عليهم‬
‫كن في ضيق مما يمكرون{‪ ،‬وذلك لنهم ل يستحقون أن تحللزن مللن‬ ‫‪ ،‬ول ت ُ‬
‫أجلهللم ‪ ،‬إذ اختللاروا لنفسللهم سللبيل الجحللود والتكللذيب بللالحق ‪ ،‬ورضللوا‬
‫لنفسهم مصير هذا التكذيب ‪ ،‬وأما مكرهم بك وبدعوتك فل تكن في ضلليق‬
‫منه لن الله ناصرك ‪.‬‬

‫ثم إنهم في جدلهم يتساءلون عن الزمن اللذي يتحقلق فيله الوعلد ‪،‬‬
‫فيقولون للرسل‪) :‬متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟(‪.‬‬

‫وبما أن الله قد أخفى عن عباده أجل قيام الساعة كما بّين لهم ذلك‬
‫في نصوص متعددة ‪ ،‬فإن أحسن جواب لهم على سللؤالهم تهديللدهم بللأنهم‬
‫سيأتيهم بعض الجزاء الذي وعدوا به ‪ ،‬فيلنتظروه معجل ً فللي ظللروف هللذه‬
‫الحياة الدنيا ‪ ،‬إذا أصللروا علللى كفرهللم وعنللادهم وتكللذيبهم ‪ ،‬فقللال تعللالى‬
‫لرسوله ‪} :‬قل ‪ :‬عسى أن يكون َرِدف لكم بعض الذي تستعجلون{‪.‬‬

‫ففي هذا تلويح تهديدي بقرب أجل عقابهم المعجل في الدنيا ‪ ،‬إنهللم‬
‫يسللتعجلون الخللرة ‪ ،‬وهللذا يعنللي أنهللم يسللتعجلون عقللابهم ‪ ،‬فقللل لهللم ‪:‬‬
‫)عسى أن يكون َردف لكم بعللض الللذين تسللتعجلون(‪ ،‬ومعنللى َرِدف لكللم‪:‬‬
‫ف( يللدل علللى أن الشلليء قللد‬ ‫تبعكم‪ ، 1‬واستعمال الفعل الماضي فللي )َردِ َ‬
‫صار قريب الحصول جدا ً ‪ ،‬حتى كأنه قد وقع فعل ً ‪ ،‬فهو نظير قول المللؤذن‬
‫قد قامت الصلة ‪ ،‬مع أن المباشرة بهلا للم تحلدث فعل ً ‪ ،‬ولكلن السلتعداد‬
‫التام للمباشرة بها والتجللاه للتنفيللذ يجعللل الصلللة كأنهللا قللد قللامت فعل ً ‪،‬‬
‫فيصبح بهذا العتبار الفعل الماضي الموضوع أصل ً للدللة على أمر قد وقع‬
‫فعل ً ‪ ،‬دال ً على أن المر قد صار قريب الوقوع ‪.‬‬

‫وربما يكون تعبيرا ً عن أن أمر عقللابهم قللد قضللي فللي السللماء كمللا‬
‫تطلق القذيفة ‪ ،‬فهي في طريقها لتصل إلى هدفها ‪.‬‬

‫ثم بّين سبحانه وتعالى أن تأخير عقابه فضل منه على عباده ‪ ،‬ليترك‬
‫لهم فرصة للتوبة ‪ ،‬لكن أكثر الناس ل يشكرون ‪ ،‬فقال تعالى ‪} :‬وإن ربللك‬
‫لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم ل يشكرون{‪.‬‬
‫ومما عَرض القرآن من جدلياتهم فللي موضللوع الخللرة والبعللث بعللد‬
‫الموت للحساب والجزاء ‪ ،‬قول الله تعالى في سللورة )ق‪ 50/‬مصللحف‪34/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫م فَ َ‬
‫قللا َ‬ ‫من ُْهلل ْ‬
‫منللذٌِر ّ‬ ‫م ّ‬ ‫جللآَءهُ ْ‬ ‫جُبلل ۤوا ْ أن َ‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫جيللدِ * َبلل ْ‬ ‫ن ل ْٱ َ‬
‫م ِ‬ ‫} ۤق وَٱل ْ ُ‬
‫قللْرآ ِ‬
‫د{‬ ‫مت َْنا وَك ُّنا ت َُرابا ً ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ب * أإ ِ َ‬ ‫ذا َ‬‫ن ه َ ٰل َ‬ ‫ٱل ْ َ‬
‫جعُ ب َِعي ٌ‬
‫ك َر ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫جي ٌ‬‫يٌء عَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫كافُِرو َ‬

‫فالمر الذي صدهم عن اليمان واحتجللوا بلله تعجبهللم مللن أن يللأتيهم‬


‫رسول منهم ‪ ،‬وتعجبهم من خبر الرجوع إلى الحيللاة بعللد المللوت للحسللاب‬
‫والجزاء ‪ ،‬مع أن مجرد التعجب ملن الملر دون أسلاس عقللي أو علملي ل‬
‫يصلح دليل ً للنفي ول يصح الحتجاج به لنكار الحق ‪.‬‬

‫ولما أنكللروا الخللرة بحجللة السللتغراب والسللتبعاد وإطلق عبللارات‬


‫التعجب تصوروا أنهم قد ملكوا حجة مقنعة ‪ ،‬فأخللذوا يتسللاءلون عللن حللال‬
‫سوا خلقهللم‬‫الرسول فيقولون ‪ :‬هل هو يفتري على الله كذبًا؟ أم به جنة؟ ن ُ‬
‫موا عن الحقيقة الظاهرة التي تشهد بللأن مللن بللدأ الخلللق قللادر‬‫الول ‪ ،‬وع ُ‬
‫على إعادته ‪.‬‬

‫وقد ذكر الله تساؤلهم هذا بقوله في سللورة )سللبأ‪ 34/‬مصللحف‪58/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫ل‬‫م ك ُل ّ‬ ‫مزقْت ُل ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ل ي ُن َللبئ ُك ُ ْ‬ ‫جل ٍ‬ ‫م عَل َل ٰى َر ُ‬ ‫ل ن َلد ُل ّك ُ ْ‬ ‫فُروا ْ هَ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ٱّ ِ‬ ‫ل ل‬ ‫}وََقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬‫ل ٱّللل ِ‬ ‫ة ب َل ِ‬
‫جن ّ ٌ‬ ‫ذبا ً أم ب ِهِ ِ‬ ‫ديدٍ * أفْت ََر ٰى عََلى ٱل ّللهِ ك َ ِ‬ ‫ج ِ‬
‫ق َ‬ ‫في َ ْ‬
‫خل ٍ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫ق إ ِن ّك ُ ْ‬‫مّز ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ل‬ ‫ي‬‫ب‬ ‫لا‬‫ل‬ ‫م‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫*‬ ‫د‬ ‫عي‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫في‬ ‫ة‬‫ر‬ ‫خ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ َْ َ‬ ‫ٰ‬ ‫ْ ََ ْ‬ ‫َِ ِ‬ ‫ٱ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ٱ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ٱ‬ ‫ِ َ ِ ِ‬ ‫ٱ‬ ‫ل ُ ِ ُ َ ِ‬
‫ب‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬
‫للر ض أوَ‬ ‫ف به ِلم ٱ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ ْ‬ ‫سل ْ ِ ِ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ش لأ ن َ ْ‬ ‫ض ِإن ن ّ َ‬ ‫مآِء وَ ٱللْر ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ن ٱل ّ‬ ‫مم َ‬ ‫فه ُ ْ‬ ‫خل ْ َ‬‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫أي ْ ِ‬
‫ب{‬ ‫مِني ٍ‬ ‫كل عَب ْدٍ ّ‬ ‫ةل ُ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫مآِء إ ِ ّ‬ ‫سل َ‬‫ن ٱل ّ‬ ‫سفا ً م َ‬ ‫م كِ َ‬ ‫ط عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ِ‬ ‫نُ ْ‬

‫‪ 1‬يقال لغة ‪ :‬ردف له وردفه إذا اّتبعه فكان رديفا ً له ‪ ،‬أي ‪ :‬تابعا ً مباشرا ً له في اللحوق ‪ ،‬فهذا التعبير‬
‫يلوح لهم بأن عقابهم المعجل سيأتيهم سريعا ً لنه سيردفهم ‪.‬‬
‫ففي هذا تنبيه قوي على الدليل الكبير الدال على أن الله قادر علللى‬
‫أن يخلقهم خلقا ً جديدا ً ‪ ،‬فالذي خلق السماوات والرض قللادر علللى إعللادة‬
‫خلقهم بعد فناء أجسادهم ‪ ،‬فل مجال لستغرابهم واستبعادهم ‪.‬‬

‫وبعد أنواع ذات مراحل من جدال الذين كفروا حول الخللرة والبعللث‬
‫بعد الموت للحساب والجزاء ‪ ،‬وبعد إقامة الحجة عليهم بأدلة مختلفة ‪ ،‬لللم‬
‫يكن من فريق منهم إل الصرار على موقف ال‪،‬كار ‪ ،‬ولم تجلد فيهلم حجلج‬
‫واضحة ول براهين دامغة ‪ ،‬وقد عرض الله موقفهم المتنعت هذا فللي أوائل‬
‫سورة )سبأ‪ 34/‬مصحف‪ 58/‬نزول(‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عللال ِم ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ل ب َل ٰى وََربي لَتللأت ِي َن ّك ْ‬ ‫ُ‬
‫ةق ْ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫فُروا ْ ل َ ت َأِتيَنا ٱل ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ٱل ّ ِ‬ ‫}وََقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صللغَُر‬ ‫ض وَل َ أ ْ‬ ‫ت وَل َ ِفي ٱ للْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ل ذ َّرةٍ ِفي ٱ ل ّ‬ ‫قا ُ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ه ِ‬ ‫ب عَن ْ ُ‬ ‫ب ل َ ي َعُْز َ‬
‫َ‬
‫ٱ ْللغَ ي ْ ِ‬
‫مل ُللوا ْ‬ ‫من ُللوا ْ وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ج لزِيَ ٱّللل ِ‬ ‫ن * لي َ ْ‬ ‫مِبي ل ٍ‬
‫ب ّ‬ ‫ك وَل َ أك ْب َلُر إ ِل ّ فِللي ك ِت َللا ٍ‬ ‫مللن ذ َل ِل َ‬ ‫ِ‬
‫وا فِ ل ۤي آَيات ِن َللا‬ ‫ُ‬
‫س لع َ ْ‬‫ن َ‬ ‫م * وَلٱل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ري ل ٌ‬ ‫َ‬
‫مغْفِ لَرةٌ وَرِْزقٌ َك ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ت أوْل ٰل لئ ِك لهُ ل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صللال ِ َ‬ ‫ٱل ّ‬
‫م{‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جزٍ أِلي ٌ‬ ‫ب من ر ْ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ن أوْل ٰلئ ِك لهُ ْ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬‫مَعا ِ‬ ‫ُ‬

‫وموقف الرسول هنا موقف إصرار على اليملان فللي مقابلل إصللرار‬
‫الكافرين على الكفر ‪.‬‬

‫ولما كان الموضوع هنا يتعلق بعقيدة الخرة ول يتعلق بشخص‬


‫الرسول كان موقف الرسول متسما ً بعنف الصرار المقرون بالقسم }بلى‬
‫وربي لتأتينكم{‪.‬‬
‫ولما كان موقفهم في موضوع الرسالة يتعلق بشخصه صلللوات الللله‬
‫ل{ كان موقفه هنللاك يتسللم بليللن المتللبرئ‬ ‫عليه إذ قالوا له ‪} :‬لست مرس ً‬
‫من المصلحة الشخصللية ‪ ،‬إذ عمللله الللله أن يجيبهللم بقللوله ‪} :‬كفللى بللالله‬
‫شهيدا ً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب{‪.‬‬

‫* جدالهم في قضية الكتاب المنزل من عند الله‪:‬‬


‫وجادل الكافرون في القرآن ‪ ،‬فأنكروا نسبته إلى الله ‪ ،‬واتهموا‬
‫الرسول ‪ ‬بافترائه على الله ‪ ،‬ولم يكن لهم من حجة إل الرفض ‪ ،‬وادعلاء‬
‫أنه أساطير الولين ‪ ،‬اكتتبها الرسول عن الكتب السابقة ‪ ،‬أو هو من قبيللل‬
‫السحر ‪ ،‬وليس شيء من ذلك بحجة مقبولة عند العقلء ‪.‬‬

‫من الطبيعي أن الكافرين ليس لهم ما يقولونه عللن القللرآن بعللد أن‬
‫كذبوا به إل أنه أساطير الولين ‪ ،‬أو أن الرسول وضعه مللن عنللده وافللتراه‬
‫على ربه ‪ ،‬وأن يتهموا قوة تأثيره علللى العقللول والنفللوس بأنهللا مللن قبيللل‬
‫السحر ‪ ،‬وقد ذكر الله مقالتهم هذه في عللدة مواضللع مللن القللرآن ‪ ،‬منهللا‬
‫قول الله تعالى في سورة )الفرقان‪ 25/‬مصحف‪ 42/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْلهِ قلوْ ٌ‬ ‫ك ٱْفلَتللَراهُ وَأعَللان َ ُ‬ ‫ن ه َ ٰل ل َ‬
‫ذا إ ِل ّ إ ِفْل ٌ‬ ‫ف لُر ۤوا ْ إ ِ ْ‬‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ٱّللل ِ‬ ‫}وََقا َ‬
‫ن ٱ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كلت َت َب َهَللا فَهِل َ‬
‫ي‬ ‫طيُر ٱللوّ ِليل َ‬ ‫سللا ِ‬ ‫جللآُءوا ظ ُْلملا ً وَُزورا ً * وَقَللال ُ ۤوا ْ أ َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ن فَ َ‬
‫خُرو َ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ماَوا ِ‬
‫سلل َ‬‫سللّر فِللي ٱل ّ‬ ‫م ٱل ّ‬ ‫َ‬
‫ذي ي َعْلل ُ‬ ‫ه ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل أنَزلل ُ‬ ‫صيل * قُ ْ‬ ‫ً‬ ‫مل ٰى عَلي ْهِ ب ُكَرةً وَأ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تُ ْ‬
‫َ‬
‫وَ ٱللْر ِ‬
‫ً‬
‫حيما {‪.‬‬ ‫ً‬
‫فورا ّر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫َ‬
‫ه كا َ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬
‫ومنها قول الله تعالى في سورة )سبأ‪ 34/‬مصحف‪ 58/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ص لد ّك ْ‬‫ري لد ُ أن ي َ ُ‬ ‫ج ٌ‬
‫ل يُ ِ‬ ‫ذا إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ت َقاُلوا ْ َ‬
‫ما هَ ٰل َ‬ ‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫ذا ت ُت ْل َ ٰى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫فلُروا ْ‬‫ن ك ََ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫فت َلًرى وََقلا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫ذآ إ ِل إ ِفْلك ّ‬ ‫ما هَ ٰلل َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م وََقالوا َ‬ ‫ُ‬
‫ن ي َعْب ُد ُ آَبآؤُك ْ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫عَ ّ‬
‫ن{‬ ‫مِبي ٌ‬‫حٌر ّ‬‫س ْ‬ ‫ّ‬
‫ذآ إ ِل ِ‬ ‫ن ه َ ٰل َ‬ ‫م إِ ْ‬
‫جآَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫حق ّ ل ّ‬‫ل ِل ْ َ‬

‫ومنها قول الله تعالى في سورة )الحقاف‪ 46/‬مصحف‪ 66/‬نزول(‪:‬‬


‫م‬‫جللآَءهُ ْ‬‫مللا َ‬ ‫حللق ل َ ّ‬ ‫فلُروا ْ ل ِل ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ٱّللل ِ‬‫ت َقا َ‬ ‫ذا ت ُت ْل َ ٰى عَل َي ْهِ ْ‬
‫م آَيات َُنا َبيَنا ٍ‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ملل َ‬
‫ن ِلللي ِ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫ه فَل َ ت َ ْ‬ ‫ن ٱْفلت ََر ي ْت ُ ُ‬ ‫ن ٱْفلت ََراهُ قُ ْ‬
‫ل إِ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن*أ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ّ‬ ‫س ْ‬ ‫ذا ِ‬‫ه َ ٰل َ‬
‫َ‬
‫و‬
‫م وَهُل َ‬ ‫شلِهيدا ً ب َي ْن ِللي وَب َي ْن َك ُل ْ‬ ‫فل ٰى ب ِلهِ َ‬ ‫ن ِفيلهِ ك َ َ‬ ‫ضللو َ‬ ‫في ُ‬ ‫مللا ت ُ ِ‬ ‫م بِ َ‬‫شْيئا ً هُوَ أعْل َ ُ‬ ‫ٱلل ّهِ َ‬
‫م{‪.‬‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر ٱ ل ّرل ِ‬ ‫ٱ ْللغَ ُ‬

‫وهكذا كان جدلهم حول القرآن مترددا ً بين ثلث حجللج باطلللة ‪ ،‬هللي‬
‫في حقيقتها دعاَوى وليست بحجج ‪.‬‬

‫الولى ‪ :‬ادعاؤهم أن الرسول قد افتراه ‪ ،‬وهو ادعاء مرفللوض لمللا‬


‫فيه من ظلم وزور ‪ ،‬والواقع القرآني يكذبه ‪ ،‬وذلك أن إعجاز القللرآن دليللل‬
‫دى‬ ‫ف على أنه ليس عمل ً إنسانيا ً ‪ ،‬وإنما هو تنزيل من عند الله ‪ ،‬وقد تح ّ‬ ‫كا ٍ‬
‫الله النللس والجللن أن يللأتوا بمثللله فملا اسللتطاعوا ‪ ،‬وبللذلك سللقط ادعللاء‬
‫افترائه على الله ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬ادعاؤهم أنه أساطير الولين اكتتبهللا الرسللول عللن الكتللب‬


‫السابقة ‪ ،‬وهذا ادعاء مرفوض بداهة بشهادة واقع حال الرسول المعللروف‬
‫فللي تاريللخ حيللاته ‪ ،‬وبشللهادة الواقللع القرآنللي العربللي المعجللز بعربيتلله ‪،‬‬
‫والمعجز بكل مضامينه ‪.‬‬
‫وقد أطلق المشركون إشاعات زعموا فهيا أن محمدا ً يتلقى القللرآن‬
‫عن رجل أعجمي كان في مكة له علم بكتب أهل الكتاب ‪ ،‬فرد الله عليهم‬
‫بقوله في سورة )النحل‪ 16/‬مصحف‪ 70/‬نزول(‪:‬‬
‫قد نعل َ َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلي ْل ِ‬
‫دو َ‬
‫حل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن ٱلل ِ‬
‫ذي ي ُل ِ‬ ‫ّ‬ ‫سا ُ‬ ‫ّ‬
‫شٌر ل َ‬‫ه بَ َ‬ ‫ما ي ُعَل ّ ُ‬
‫م ُ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬‫قوُلو َ‬‫م يَ ُ‬ ‫}وَل َ َ ْ َ ْ ُ‬
‫م أن ّهُ ْ‬
‫ن{‬ ‫ي وَهَ ٰل َ‬ ‫َ‬
‫مِبي ٌ‬
‫ي ّ‬‫ن عََرب ِ ّ‬ ‫سا ٌ‬‫ذا ل ِ َ‬ ‫م ّ‬
‫ج ِ‬
‫أع ْ َ‬

‫إن البديهة تقضي برفض ادعائهم الذي يحمل تكذيب نفسه بنفسه ‪،‬‬
‫إن هذا القرآن كلم عربي معجز ببيللانه العربللي وأسللاليبه العربيللة ‪ ،‬فكيللف‬
‫يزعمون أنه يعلمه إياه رجل أعجمي ‪ ،‬وهم العللرب بفصللاحتهم وبلغتهللم ل‬
‫يستطيعون أن يأتوا بمثل سورة منه ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬ادعاؤهم أن القرآن هللو مللن قبيللل السللحر ‪ ،‬أي ‪ :‬إن قللوة‬
‫تأثيره على القلوب والنفوس مستمدة من قوة سحرية ‪ ،‬وهذا ادعاء يمثللل‬
‫الهروب من وجه الحقيقة الناصعة ‪ ،‬ذات التأثير المستمر ‪.‬‬

‫وليس من شأن مثل هذه الدعوى أن يكللون لهللا نصلليب مللن الثبللات‬
‫حينما تستمر قللوة تللأثير القللرآن ‪ .‬إن السللحر وفللق مفللاهيم مللدعيه عمللل‬
‫عارض يخدع ول حقيقة له ‪ ،‬وواقع القللرآن حقيقللة مسللتمرة باقيللة ‪ ،‬لللذلك‬
‫فليس من شأن مثل هذه الدعوى الباطلة أن تنفع فللي جللدال نظللري ‪ ،‬مللا‬
‫دامت ساقطة سقوطا ً ذاتيا ً بشهادة الواقع ‪.‬‬

‫والكافرون الذين كفروا بالقرآن لم يكفروا به إل تعنت لا ً وعنللادا ً ‪ ،‬ومللا‬


‫كللانت تنقصللهم الدلللة الللتي يللرون فيهللا أن هللذا القللرآن مللن عنللد الللله ‪،‬‬
‫والمتعنت ل سبيل إلى إقناعه ‪ ،‬وهذا ما كشفه الله من حللالهم فللي سللورة‬
‫)النعام‪ 6/‬مصحف‪ 55/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ل ٱّللل ِ‬ ‫م لَ َ‬
‫قللا َ‬ ‫ديهِ ْ‬
‫سللوهُ ب ِأي ْل ِ‬ ‫س فَل َ َ‬
‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫}وَل َوْ ن َّزل َْنا عَل َي ْ َ‬
‫ك ك َِتابا ِفي قِْرطللا ٍ‬
‫ن{‬ ‫مِبي ٌ‬
‫حٌر ّ‬ ‫س ْ‬ ‫ذآ إ ِل ّ ِ‬ ‫ن ه َ ٰل َ‬ ‫فُروا ْ إ ِ ْ‬
‫كَ َ‬

‫فهم يفرون من التصديق به إلى باطل جدلي ل أساس له من علم‬


‫ول من عقل ‪ ،‬لن واقع حال القرآن يكذب ما فروا إليه ‪ ،‬فهو حللق ل يللأتيه‬
‫الباطل من بين يديه ول من خلفه ‪.‬‬

‫إنهم ما داموا مصرين مكابرين فإنهم لن يؤمنللوا ولللو رأوا كللل آيللة ‪،‬‬
‫ويفّرون إلى إطلق الباطيل الجدلية ‪ ،‬وهذا ما بّينه الله بقللوله فللي سللورة‬
‫)النعام‪ 6/‬مصحف‪ 55/‬نزول(‪:‬‬
‫قهُللوهُ وَفِ ل ۤي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬‫ة أن ي َ ْ‬‫م أك ِن ّل ً‬ ‫جعَلَنا عَل ٰىقلوب ِهِ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك وَ َ‬‫معُ إ ِل َي ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫من ي َ ْ‬ ‫م ّ‬
‫من ْهُ ْ‬‫}و َ ِ‬
‫قللو ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جادِلوَنللك ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫جآُءوك ي ُ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حت ّ ٰى إ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ل آي َةٍ ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنوا ب َِها َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫م وَْقرا وَِإن ي ََروْا ك ّ‬ ‫ذان ِهِ ْ‬‫آ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫طيُر ٱ للوّ ِلي َ‬‫سا ِ‬ ‫ّ‬
‫ذآ إ ِل أ َ‬ ‫ن ه َ ٰل َ‬ ‫فُر ۤوا إ ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱ لل ِ‬
‫ّ‬

‫وبعد أنواع ذات مراحل من جدال الذين كفروا حول القرآن ‪،‬‬
‫وسقوط أدلتهم وحججهم ودعاويهم الباطلة ‪ ،‬لم يكللن مللن فريللق منهللم إل‬
‫الصرار على موقف الجحود والنكار ‪ ،‬فوقفوا أخيرا ً منه موقف المتعنللت ‪،‬‬
‫فأعلنوا رفضهم اليمان به ‪ ،‬رغم كل البراهين التي اقترنت بالقرآن والدالة‬
‫على أنه كلم الله حقا ً ‪ ،‬وقد بين الله موقفهم هذا بقوله في سللورة )سللبأ‪/‬‬
‫‪ 34‬مصحف‪ 58/‬نزول(‪:‬‬
‫ه‬
‫ن ي َلد َي ْ ِ‬ ‫ذي ب َي ْل َ‬ ‫ن وَل ِبل ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ق لْرآ ِ‬ ‫ذا ٱلل ُ‬
‫ْ‬ ‫ن ب ِهَ ٰل ل َ‬ ‫م َ‬ ‫فُروا لن ن ّؤْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ٱّلل ِ‬ ‫}وََقا َ‬
‫ض ٱْلل َ‬
‫ق وْ َ‬
‫ل‬ ‫م إ ِل ٰى ب َعْ ٍ‬
‫ضه ُ ْ َ‬ ‫جعُ ب َعْ ُ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫عند َ َربهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫موُْقوُفو َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ظلال ِ ُ‬ ‫وَل َوْ ت ََر ٰى إ ِذِ ٱل ّ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ن * قَللا َ‬ ‫مِني َ‬‫م لؤْ ِ‬ ‫م ل َك ُن ّللا ُ‬ ‫سلت َك ْب َُروا ْ ل َلوْل َ أنت ُل ْ‬ ‫ن ٱ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫فوا ْ ل ِل ّ ِ‬ ‫ض عِ ُ‬ ‫سلت ُ ْ‬ ‫ن ٱ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ٱّلل ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬
‫ن ٱلهُ لد َ ٰى ب َعْ لد َ إ ِذ ْ‬ ‫ْ‬
‫م ع َل ِ‬ ‫ُ‬
‫ددَناك ْ‬ ‫صل َ‬ ‫ن َ‬ ‫حل ُ‬ ‫فوۤا أن َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ضع ِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫نٱ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ست َكب َُروا ل ِل ِ‬ ‫ْ‬ ‫نٱ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫ل‬ ‫سللت َك ْب َُروا ْ ب َل ْ‬ ‫ن ٱ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫فوا ْ ل ِّلل ِ‬ ‫ض عِ ُ‬ ‫سلت ُ ْ‬ ‫ن ٱ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ٱّلل ِ‬ ‫ن * وََقا َ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫جآَءك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ل ل َله َأنلدادا ً وأ َ‬ ‫َ‬
‫سلّروا ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جع َ ل َ‬ ‫فَر ِبلل ٱل للهِ وَن َ ْ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫مُرون ََنآ أن ن ّك ُ‬ ‫ل وَ لٱن َّهارِ إ ِذ ْ ت َأ ُ‬ ‫مكُر ٱللللي ْ ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ٱ‬ ‫َ‬ ‫ۤ‬ ‫َ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬
‫فلُروا هَل ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫للل‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫لا‬‫ل‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫فل‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫لل‬ ‫لا‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫ّ َ ُ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ٱ ل ّنل َ َ‬
‫دا‬
‫ن{‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫يُ ْ‬

‫فهؤلء الذين كفروا قد انتهوا بعد الجدال الطويل حول القرآن ‪،‬‬
‫ودمغهم بالحجج القواطع إلى الصرار علللى عللدم اليمللان ‪ ،‬فقللالوا ‪} :‬لللن‬
‫نؤمن بهذا القرآن ول بالذي بين يللديه{‪ ،‬فللانتقلوا مللن الكفللر بللالقرآن إلللى‬
‫الكفر بالذي سبقه من الكتب الربانية ‪.‬‬
‫وموقف الرسالة تجاه هذا الصرار المتعنت هو موقف المعرف الذي‬
‫يتحول من موقف المجابهة بالجدال إلى موقف العراض ‪ ،‬مع بيللان عاقبللة‬
‫النكار بغير حق ‪ ،‬وبيان مصير المنكرين أتباعا ً ومتبللوعين ‪ ،‬وإثللارة مشللاعر‬
‫الخوف من هذا المصير الوخيم ‪ ،‬وهذا هو الموقف الذي ل سبيل سواه ‪.‬‬
‫ومن البديع في النص القرآني هذه النقلة التي نقلهم بها إلى مشللهد‬
‫مللن مشللاهد يللوم الللدين ‪ ،‬إذ يتجللادل الكللافرون يللومئذٍ ‪ ،‬فيلقللي التبللاع‬
‫مسؤولية التضليل على قللادتهم فللي الحيللاة الللدنيا ‪ ،‬ويتللبرأ القللادة منهللم ‪،‬‬
‫ويجعلونهم مسؤولين عن أنفسهم وعن جرائمهم ‪ ،‬والصورة الجدلية تكللون‬
‫بينهم على الوجه التالي‪:‬‬
‫المستضعفون ‪ :‬لول أنتم لكنا مؤمنين ‪.‬‬

‫المستكبرون ‪ :‬أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جللاءكم بللل كنتللم‬


‫مجرمين؟!‬

‫ل والنهاِر( أي ‪ :‬مكرم لنا في الليل‬ ‫المستضعفون ‪) :‬بل مكُر اللي ِ‬


‫فر باللهِ وَنجعل له أندادًا( هللو الللذي جعََلنللا‬ ‫والنهار )إ ْ‬
‫ذ( كنتم )تأمرون ََنا أن َنك ُ‬
‫نكفر ‪.‬‬

‫مللل كل الفريقيللن المسللؤولية علللى مقللدار‬


‫الحكممم العممادل ‪ :‬يح ّ‬
‫كسبه ‪ ،‬ويجازي كل واحد بعمله ‪ ،‬وتجعل الغلل في أعناق الذين كفروا ‪.‬‬

‫المسممتكبرون والمستضممعفون ‪ :‬يس لّرون الندامللة حيللن يللرون‬


‫العذاب ‪.‬‬

‫* جممدالهم بالسممباب والشممتائم والمشمماغبات والصممد عممن‬


‫الحق ونحو ذلك‪:‬‬
‫حجج الكافرين التي قد يتصنعون فيها الهدوء ‪ ،‬وقد يحاولون إبرازها‬
‫بصورة منطقية في أول المر ‪ ،‬حين تنقطع بهللم وتتخللاذل وتبللدأ بالتصللاغر‬
‫والنهزام تثور ثائرتهم ‪ ،‬ويطيللش صللوابهم ‪ ،‬ويلجللؤون إلللى خطللة السللباب‬
‫دهم علن‬ ‫والشتائم والمشاغبات ‪ ،‬وصرف أتباعهم عن سلماع الهلدى ‪ ،‬وصل ّ‬
‫مجالسه ‪ ،‬حتى ل يتأثروا به فيتبعوه ‪.‬‬

‫واللللدفع بالسلللباب والشلللتائم ل يلللدخل فلللي نظلللام جلللدال العقلء‬


‫المتناظرين لبلوغ الحق ‪ ،‬وإنما هو خطللة السللفهاء ‪ ،‬للتغلللب بأيللة وسلليلة ‪،‬‬
‫ولثبات المذهب والرأي ولللو عللن طريللق الكللراه بللالقوة ‪ ،‬فللإذا لللم توجللد‬
‫القوة ‪ ،‬فبالمشاغبة والشتيمة وتقطيع الناس عن داعي الحق ‪ ،‬وهللذه هللي‬
‫خطة الكافرين وسائر المبطلين ‪.‬‬

‫* أسلوب الشتائم‪:‬‬
‫ومن الشتائم اتهام داعي الحق بأنه مبطل ‪ ،‬واتهام الحق بأنه باطل‬
‫أو سحر أو كذب أو نحو ذلك ‪.‬‬
‫وقللد بي ّللن الللله لرسللوله هللذا السلللوب السللفيه مللن أسللاليب دفللع‬
‫الكافرين لليات البينات التي سيأتيهم بها ‪ ،‬ليهيئه نفسيا ً لتحمللل الصللدمات‬
‫القاسيات التي يوجهونها له ‪ ،‬وتحمللل أنللواع المكللابرات والفللتراءات الللتي‬
‫يفترونها عليه ‪.‬‬

‫إنلله سلليأتيهم بللالحق المللبين فيقولللون للله ‪ :‬إن أنللت إل مبطللل مللن‬
‫المبطلين ‪ ،‬فما عليه إل أن يصير عليهللم ‪ ،‬ويلزم نشللر ديللن الللله والللدعوة‬
‫إليه ‪ ،‬فحجتهم الجدلية في هذا إنما هلي مقابللة الحلق باتهلام صلاحبه بلأنه‬
‫مبطل ‪ ،‬وليس هذا في الحقيقة حجة ‪ ،‬إنمللا هللو دافللع بالسللباب ‪ ،‬ومقابلللة‬
‫للحق بالشتائم ‪.‬‬

‫هذا العداد النفسي من الله لرسوله ‪ ،‬ولكل داٍع إلى الحق من بعللد‬
‫الرسول ‪ ،‬نجده في قول الله تعللالى فللي سللورة )الللروم‪ 30/‬مصللحف‪84/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫ة‬
‫م ِبآي َل ٍ‬ ‫ل وَل َِئن ِ‬
‫جئ ْت َهُل ْ‬ ‫مث َ ٍ‬
‫ل َ‬‫من ك ُ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ق ْرآ ِ‬‫ذا ٱْلل ُ‬‫س ِفي هَ ٰل َ‬ ‫ضَرب َْنا ِللّنا َ ِ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫}وَل َ َ‬
‫ه عَل َل ٰى قُل ُللو ِ‬
‫ب‬ ‫ٱل ّل ُ‬
‫ك ي َط ْب َعُ ل‬‫ن * ك َذ َل ِ َ‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬ ‫م إ ِل ّ ُ‬ ‫فُروۤا ْ إ ِ ْ‬
‫ن أنت ُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬ ‫قول َ ّ‬‫ل ّي َ ُ‬
‫ن لَ‬ ‫ذي َ‬‫ك ٱ ّللل ِ‬ ‫فن ّ َ‬
‫خ ّ‬ ‫ح لقّ وَل َ ي َ ْ‬
‫س لت َ ِ‬ ‫هل َ‬ ‫ن وَعْلد َ ٱ ل ّللل ِ‬ ‫صللب ِْر إ ِ ّ‬‫ن * َفلٱ ْ‬ ‫مللو َ‬‫ن ل َ ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ٱّلل ِ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ُيوقُِنو َ‬

‫فمن الملحظ أن الله يوصي رسوله في هذا النص بالصبر على‬


‫شتائم الكافرين ‪ ،‬حين يتهمونه بللأنه مبطللل ‪ ،‬وهللو يللأتيهم باليللات البينللات‬
‫والحجج الظاهرات ‪ ،‬ويوصيه أيضا ً بالرزانة والرصانة ورجاحة النفللس حللتى‬
‫ل يسللتخفه الللذين ل يوقنللون بمللثيراتهم وجللدلياتهم الباطلللة ‪ ،‬وشللتائمهم‬
‫المنكرة ‪ ،‬فالرزانللة والرصللانة ورجاحللة العقللل والنفللس مللن سللمات كبللار‬
‫الدعاة إلللى الحللق ‪ ،‬مهمللا اسللتثيروا واستغضللبوا ‪ ،‬إن أوزانهللم الراجحللة ل‬
‫تستخفها المثيرات من رياح الشتائم أو أعاصير السباب المنكر ‪.‬‬

‫وظاهر أن هذه الوصية التي أوصى الله بها رسوله وصية يطالب بهللا‬
‫كل داٍع إلى الللله ‪ ،‬فالجللدال مللتى بلللغ حللد الغضللب تحللول عللن مقصللده ‪،‬‬
‫وارتدى رداء التعصب والنتصار للنفللس ‪ ،‬وسلللك مسللالك الهللوى ‪ ،‬وأدخللل‬
‫فيه الشيطان وساوسه ودسائسه ‪ ،‬وربما انحرف المحقون بسبب ذلك عن‬
‫منهج الستقامة ‪.‬‬

‫وقد لجأ الكافرون فعل ً إلى خطة الشتائم ‪ ،‬فأخذوا يتهمون الرسللول‬
‫صلوات الله عليه بأقوال شتى ‪ ،‬منها المقالت التالية ‪:‬‬

‫ساحر كذاب – إنه لمجنون – شاعر مجنون – قللد افللترى علللى الللله‬
‫كذبا ً – بل افتراه ‪ ،‬بل هو شاعر ‪. -‬‬

‫وقالوا عللن القللرآن ‪ :‬سللحر – أسللاطير الوليللن – شللعر – مفللترى –‬


‫أضغاث أحلم – إلى غير ذلك من عبارات ‪.‬‬
‫وع الكافرون عبارات الشتائم لما عجزوا عن متابعة الجللدال‬ ‫وهكذا ن ّ‬
‫المنطقي ‪ ،‬ومقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل ‪.‬‬

‫وقد ذكر الله في القرآن أقوالهم التي أطلقوها وفيما يلي طائفة‬
‫من النصوص القرآنية التي حكت أقوالهم ‪:‬‬

‫) أ ( فمنها قول الله تعالى في سورة )ص‪ 38/‬مصحف‪ 38/‬نزول(‪:‬‬


‫م‬ ‫َ‬
‫ق*ك ْ‬ ‫قا ٍ‬‫ش َ‬ ‫عّزةٍ وَ ِ‬ ‫فُروا ْ ِفي ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ٱّلل ِ‬ ‫ذلك ْرِ * ب َ ِ‬ ‫ن ِذي ٱل ّ‬ ‫ق ْرآ ِ‬ ‫} ۤص وَ ٱل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫هم‬ ‫جللآَء ُ‬ ‫جب ُل ۤوا ْ أن َ‬ ‫ص * وَعَ ِ‬ ‫من َللا َ ٍ‬‫ن َ‬ ‫حي ل َ‬ ‫ت ِ‬ ‫دوا ْ وّل َ َ‬ ‫ن فَن َللا َ‬‫من قَْر ٍ‬ ‫من قَب ْل ِِهم ّ‬ ‫أهْل َك َْنا ِ‬
‫حللدا ً‬ ‫ة إ ِل َ ٰلللها ً َوا ِ‬ ‫ل ٱلل ِهَ َ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ب*أ َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫حٌر ك َ ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا َ‬‫ن ه َ ٰل َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ل ٱل ْ َ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫منذٌِر ّ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ص لب ُِروا عَل ل ٰى‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا ل َ‬ ‫ن ه َ ٰل َ‬
‫شللوا وَا ْ‬ ‫ن ٱْ‬ ‫مأ ِ‬ ‫من ْهُ ل ْ‬
‫مل ِ‬ ‫ب * وَٱنطلقَ ٱل َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫يٌء عُ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫إِ ّ‬
‫ذا‬ ‫ن ه َ ٰل ل َ‬ ‫خ لَرةِ إ ِ ْ‬ ‫مل لةِ ٱل ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ذا ِفى ٱل ِ‬ ‫معَْنا ب ِهَ ٰل َ‬ ‫س ِ‬‫ما َ‬ ‫يٌء ي َُراد ُ * َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ذا ل َ‬ ‫ن ه َ ٰل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ُ‬
‫آل ِهَت ِك ْ‬
‫ّ‬ ‫ل عَلي ْهِ ٱل ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫إ ِل ّ ٱ ْ‬
‫ما‬ ‫ري َبل ل ّ‬ ‫من ذِك ْ ِ‬ ‫ك ّ‬ ‫ش ّ‬‫م َفي َ‬ ‫من ب َي ْن َِنا ْبل هُ ْ‬ ‫ذلك ُْر ِ‬ ‫خلت ِل َقٌ * أأنزِ َ‬
‫ب{‬ ‫ذا ِ‬ ‫ْ‬
‫ذوُقوا عَ َ‬ ‫يَ ُ‬

‫ففي هذا النص يحكي الله لنا مقالة الكافرين عن الرسللول صلللوات‬
‫الله عليه ‪ ،‬إذ قالوا ‪ :‬هذا ساحر كذاب ‪ ،‬وإذ قالوا عللن القللرآن ‪ :‬إن هللذا إل‬
‫اختلق ‪ ،‬وأمللام هللذا التهجللم بالسللباب لللم يب لقَ مللن معللالجتهم إل النللذار‬
‫بالعذاب القريب ‪ ،‬وذلك في قوله تعالى ‪} :‬بل لما يذوقوا عذاب{‪.‬‬

‫)ب( ومنها قول الله تعللالى فللي سللورة )الصللافات‪ 37/‬مصللحف‪56/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫ن * وََقاُلوۤا ْ ِإن هَ ٰل َ‬ ‫َ‬
‫ذا َرأوْا ْ آي َ ً‬
‫ن{‬
‫مِبي ٌ‬
‫حٌر ّ‬ ‫ذآ إ ِل ّ ِ‬
‫س ْ‬ ‫خُرو َ‬
‫س ِ‬
‫ست َ ْ‬
‫ة يَ ْ‬ ‫}وَإ ِ َ‬

‫فهم يتكلفون إعلن السخرية من اليات الربانية ‪ ،‬لتغطية موقفهم‬


‫الذي أصابتهم فيه الدهشة من اليات ‪ ،‬ثم يوجهون اتهامهم الذي يشللتمون‬
‫به من جهة ‪ ،‬ويحاولون به تفسير ظاهرة اليللات مللن جهللة أخللرى تفسلليرا ً‬
‫يصرفها عن حقيقتها ‪.‬‬

‫) ج ( وقد بلغت بهم الوقاحة مداها فواجهوا الرسول ‪ ‬بقولهم له ‪:‬‬


‫إنك لمجنللون ‪ ،‬وقللد قللص الللله علينللا ذلللك بقللوله فللي سللورة )الحجللر‪15 /‬‬
‫مصحف‪ 54/‬نزول(‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مللا ت َأِتين َللا‬ ‫ّ‬
‫ن * ل لوْ َ‬‫جن ُللو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ل عَلي ْلهِ ٱلللذ ك ُرل إ ِن ّلك ل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ذي ُنز َ‬‫}وََقاُلوا ْ ٰيأي َّها ٱلل ِ‬
‫ّ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حقل وَ َ‬ ‫ة إ ِل ّ ِبل ٱل َ‬
‫مل ئ ِك َ َ‬‫ل ٱْلل َ‬‫ما ن َُنز ُ‬
‫ن* َ‬ ‫ن ٱل ّ‬
‫صلادِِقي َ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬‫كن َ‬ ‫مل ئ ِك َةِ ِإن ُ‬ ‫ِبل ٱْلل َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬‫منظ َ ِ‬
‫ِإذا ً ّ‬

‫وهذه الوقاحة مقرونة بالسخرية ‪ ،‬إذ كان بدء كلمهم يصفه بأنه قد‬
‫نّزل عليه الللذكر ‪ ،‬فلملا أتبعلوه بقللولهم لله ‪ :‬إنللك لمجنلون د ّ‬
‫ل عللى أنهلم‬
‫مستهزئون بما قالوا أو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫إنهم لم تنقصهم الدلة ‪ ،‬ولكنهم متعّنتللون معانللدون ‪،‬ولللو رأوا أقللوى‬
‫اليات لتعللوا في رفضها بأوهى التعلت ‪ ،‬وقد بيللن الللله هللذا مللن واقعهللم‬
‫بقوله في السورة نفسها سورة )الحجر‪ 15/‬مصحف‪ 54/‬نزول(‪:‬‬
‫مللا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫قالوا إ ِن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن*ل َ‬ ‫ماِء فَظ َّلوا ْ ِفيهِ ي َعُْر ُ‬
‫جو َ‬ ‫ن ٱل ّ‬
‫سل َ‬ ‫م َ‬‫حَنا عَل َي ِْهم َبابا ً ّ‬‫}وَل َوْ فَت َ ْ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫حوُرو َ‬‫س ُ‬
‫م ْ‬‫م ّ‬‫ن قَوْ ٌ‬‫ح ُ‬‫ل نَ ْ‬ ‫صاُرَنا ب َ ْ‬‫ت أب ْ َ‬‫سك َّر ْ‬
‫ُ‬

‫) د ( ومنها ما قصه الله عنهم بقوله في سورة )الصافات‪37/‬‬


‫مصحف‪ 56/‬نزول(‪:‬‬
‫ن{‬‫جُنو ٍ‬
‫م ْ‬
‫عرٍ ّ‬ ‫ن أ َإ ِّنا لَتارِك ۤو آل ِهَت َِنا ل ِ َ‬
‫شا ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قوُلو َ‬
‫}وَي َ ُ‬

‫في سورة )الدخان‪ 44/‬مصحف‪ 64/‬نزول(‪:‬‬ ‫وما قصه بقوله‬


‫ه وَقَللاُلوا ْ‬ ‫َ‬
‫م ت َوَل ّلوْا ْ عَن ْل ُ‬
‫ن * ثُ ّ‬
‫مِبي ٌ‬ ‫سو ٌ‬
‫ل ّ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ٰى وَقَد ْ َ‬
‫جآَءهُ ْ‬ ‫}أن ّ ٰى ل َهُ ُ‬
‫م ٱلذ ّك َْر‬
‫ن{‬‫جُنو ٌ‬‫م ْ‬
‫م ّ‬ ‫معَل ّ ٌ‬
‫ُ‬

‫وكذلك قال فرعون عن موسى ‪ ،‬وقد حكى الللله لنللا مقالللة فرعللون‬
‫في سورة )الذاريات‪ 51/‬مصحف‪ 67/‬نزول(‪:‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن * فت َوَل ٰى ب ُِركن ِل ِ‬
‫مِبي ٍ‬
‫ن ّ‬
‫سلطا ٍ‬ ‫سل َْناهُ إ ِل َ ٰى فِْرعَوْ َ‬
‫ن بِ ُ‬ ‫س ٰى إ ِذ ْ أْر َ‬ ‫مو َ‬‫}وَِفي ُ‬
‫ن{‬ ‫َ‬ ‫وََقا َ‬
‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬‫حٌر أوْ َ‬
‫سا ِ‬
‫ل َ‬

‫وما من رسول إل قال عنه قومه مثل ذلك ‪ ،‬قال الله تعالى في‬
‫سورة )الذرايات‪ 51/‬مصحف‪ 67/‬نزول(‪:‬‬
‫حر أوَ‬ ‫َ‬
‫سللا ِ ٌ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ل إ ِل ّ قَللالوا َ‬
‫سللو ٍ‬
‫مللن ّر ُ‬ ‫مللن قَب ْل ِهِل ْ‬
‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫مللآ أت َللى ٱّللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫}ك َذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬
‫ن{‬
‫جُنو ٌ‬
‫م ْ‬
‫َ‬

‫وهذه هي التعلة التي يفر إليها المكذبون بالحق ‪ ،‬لشتيمة داعيه ‪،‬‬
‫وصرف الجماهير من الناس عن اتباعه ‪.‬‬

‫* أسلوب المشاغبة ‪:‬‬


‫ومن غريب ما لجأ الكافرون إليه في جدالهم أسلوب المشاغبة ‪،‬‬
‫رجاء أن يغلبوا الحق به ‪.‬‬

‫لما انقطعت حجتهم حلول القلرآن ‪ ،‬ورأوا أن لله تلأثيرا ً عجيبلا ً عللى‬
‫قلوب الناس ‪ ،‬وأن تأثيره هذا قد أخذ يجلبهم إلى السلم ‪ ،‬ويفتح بصائرهم‬
‫علللى الحللق ‪ ،‬فتسللتنير بنللور المعرفللة الربانيللة ‪ ،‬قللال بعضللهم لبعللض ‪ :‬ل‬
‫تسمعوا لهذا القرآن والَغوا فيه لعلكم تغلبون ‪.‬‬

‫فنهى القادة أتباعهم عن الستماع للقللرآن ليصللرفوهم عنلله حللتى ل‬


‫يؤثر في قلوبهم ونفوسهم ‪ ،‬وليقفوا قلوبهم عن مشاهدة نوره ‪ ،‬وأمروهللم‬
‫باللغو فيه ‪ ،‬مشاغبة وتشويشا ً ‪ ،‬لملء فللراغ السللمع ‪ ،‬حللتى ل يلتقللط منلله‬
‫أتباعهم شيئا ً ‪ ،‬وحتى ل يلتقطوا هم أنفسهم منه شيئا ً فيؤثر على قلللوبهم ‪،‬‬
‫كما حصللل لكللثير مللن الللذين أسلللموا بقللوة تللأثير القللرآن ‪ ،‬وعللللوا نهيهللم‬
‫وأمرهم هذين برجاء الغلبة ‪ ،‬فقالوا ‪" :‬لعلكم تغلبون"‪.‬‬
‫وخطة المشاغبة هذه غوغائية أتقنتها تماما ً أحزاب الهللدم والتخريللب‬
‫التي ظهرت في القرن العشرين ‪.‬‬

‫وخطة المشاغبة خطة تقدم الدليل ضد المشللاغبين بللأنهم قللد غللدوا‬


‫خائبين مغلوبين ‪ ،‬منهزمين ملن معركلة البيلان والبرهلان ‪ ،‬ومتحلولين إللى‬
‫معركة الشغب واللغط والضجيج والغوغائية ‪.‬‬

‫وفي بيان مقالة الكافرين هذه قال الله تعالى فللي سللورة )فصلللت‪/‬‬
‫‪ 41‬مصحف‪ 61/‬نزول(‪:‬‬
‫ن وَ ٱل غَ لوْ ا ِفي لهِ لعَلك ُل ْ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ذا ٱلل ُ‬
‫قللْرآ ِ‬ ‫ْ‬ ‫مُعوا ل ِهَ ٰل ل َ‬
‫ْ‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا ل َ ت َ ْ‬ ‫ل ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫}وََقا َ‬
‫ن{‬‫ت َغْل ُِبو َ‬

‫ولما لم يكن من شأن الحق أن يقابل الجنوح بالجنوح ‪ ،‬أو يعارض‬


‫الفساد بالفساد ‪ ،‬أو يتحول من المناظرة بللالحق إلللى اللغللط والمشللاغبة ‪،‬‬
‫باعتبار أن ذلك مللن خطللط الجللاهلين الللذين ل يملكللون حجللة ول يحيللرون‬
‫جوابا ً ‪ ،‬أعرض القرآن عن مقالتهم هذه ‪ ،‬ولجأ إلى بيان سوء المصير الذي‬
‫سوف يلقونه يوم الدين ‪ ،‬باعتبار أنه جزء من أصل بيانات الرسالة ‪ ،‬فقال‬
‫الله تعالى عقب الية السابقة‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا ْ‬
‫ذي َ‬ ‫سوَأ ٱلل ِ‬
‫ّ‬ ‫م أ ْ‬‫جزِي َن ّهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ديدا وَلن َ ْ‬
‫ش ِ‬ ‫ً‬
‫ذابا َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا عَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ٱّلل ِ‬‫ق ّ‬
‫ذي َ‬‫}فَل َن ُ ِ‬
‫َ‬
‫كلاُنوا‬ ‫مللا َ‬ ‫خْللدِ َ‬
‫جلَزآًء ب ِ َ‬ ‫داُر ال ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬‫هل ٱل ّنلاُر ل َهُ ْ‬
‫دآِء ٱل ّلل ِ‬‫جَزآُء أعْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن * ذ َل ِ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫دون{‬ ‫ح ُ‬‫ج َ‬‫ِبآيات َِنا ي َ ْ‬

‫إنه ل سبيل بعد موقفهم العدائي الذي سدوا فيه كل مسلك من‬
‫مسالك البحث والمناقشة والقناع والقتناع إل سبيل التهديد والوعيد بسوء‬
‫المصير ‪ ،‬وعليهم بعد ذلك أن يتحملوا عاقبة كفرهم بالحق ‪ ،‬وإنكلارهم لملا‬
‫جاء به الرسل من لدن عزيز حكيم ‪ ،‬ل يضره كفرهم شيئا ً ‪ ،‬وهو غني عللن‬
‫إيمانهم وعلن طلاعتهم ‪ ،‬ولكلن يهلديهم بملا أنلزل فلي اللدين إللى طريلق‬
‫نجاتهم وسعادتهم الخالدة ‪.‬‬

‫* جدالهم المستند إلى واقع امتيازهم بمتاع الحياة الممدنيا‬


‫زينتها‪:‬‬
‫بمنطق الكبر الطبقي أورد الكافرون طائفة من جدلياتهم الباطلة ‪،‬‬
‫فمن ذلك ما قصلله الللله علينللا بقللوله فللي سللورة )مريللم‪ 19/‬مصللحف‪44/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫من ُل ۤوا أ ّ‬
‫ي‬ ‫ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ف لُروا ل ِل ل ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل لٱل ِ‬
‫ّ‬ ‫ت قَللا َ‬
‫م آَيات ُن َللا ب ِي ّن َللا ٍ‬ ‫ذا ت ُت ْل ٰى عَلي ْهِل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ٱ ْلل َ‬
‫ن‬‫سل ُ‬‫ح َ‬‫مأ ْ‬ ‫من قَْر ٍ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫م أهْلكَنا قَب ْلهُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫ن ن َدِي ّا * وَك ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قاما وَأ ْ‬ ‫م َ‬
‫خي ٌْر ّ‬
‫ن َ‬ ‫قي ْ ِ‬‫ري َ‬ ‫ف ِ‬
‫أ ََثاثا ً وَرِْءيًا{‬

‫فالكافرون يحتجون على سلمة مذهبهم بواقعهم المتميز‬


‫بالرفاهية ‪ ،‬وكثرة ما بين أيديهم من متاع الحيللاة الللدينا وزينتهللا ‪ ،‬وبارتفللاع‬
‫المكانللة الجتماعيللة علللى الطلئع الولللى مللن المللؤمنين ‪ ،‬ويتصللورون أن‬
‫منطقهم السليم في الحياة هللو الللذي جلللب لهللم هللذا المتيللاز ‪ ،‬لللذلك فل‬
‫يمكن أن يكون المؤمنون الذين هم دونهم فللي الللثراء والرفاهيللة والمكانللة‬
‫الجتماعيللة أعقللل منهللم وأعللرف بللالحق ‪ ،‬وقللد اعتللبروا هللذا حجللة كافيللة‬
‫لتفضيل مذهبهم على ما ذهللب إليلله المؤمنللون فقللالوا للللذين آمنللوا ‪" :‬أي‬
‫الفريقين خير مقاما ً وأحسن نديًا" ‪ ،‬أي ‪ :‬بما لدينا من فهم للمور استطعنا‬
‫أن نكون خيرا ً مقاما ً في الحياة ‪ ،‬مال ً وثراًء وأثاثا ً ورياشا ً ورفاهيللة عيللش ‪،‬‬
‫واستطعنا أن نكون أحسن نديا ً ‪ ،‬أي‪ :‬أعظم جاها ً في المجللالس ‪ ،‬وأحسللن‬
‫ترتيبا ً لها ‪ ،‬فكيف نّتبع طريقتكم وأنتم دوننا مقاما ً ومجلسًا‪.‬‬

‫ومع أن هذا دليل ساقط ل قيمة له إل أن أصحاب المتياز الطبقللي ‪،‬‬


‫يريدون أن يجعلوه دليل ً ‪ ،‬لقد نفخ الكبر نفوسهم ‪ ،‬فتوهموا أن ما هم عليه‬
‫هو الصواب ‪ ،‬وأن كل ما سواه خطأ ‪ ،‬وهكذا يفعل الكبر في النفوس ‪.‬‬

‫ومقالتهم هذه نظير مقللالتهم الخللرى الللتي ذكرهللا الللله بقللوله فللي‬
‫سورة )الحقاف‪ 46/‬مصحف‪ 66/‬نزول(‪:‬‬
‫قوَنآ إ ِل َي ْهِ وَإ ِذ ْ ل َل ْ‬
‫م‬ ‫سب َ ُ‬ ‫خْيرا ً ّ‬
‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنوا ْ ل َوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫فُروا ْ ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ل ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫}وََقا َ‬
‫م{‬ ‫ك قَ ِ‬
‫دي ٌ‬ ‫ذآ إ ِفْ ٌ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن ه َ ٰل َ‬ ‫سي َ ُ‬‫دوا ْ ب ِهِ فَ َ‬
‫ي َهْت َ ُ‬

‫فهم بدافع الكبر الطبقي يرون أنفسهم أحق بأن يسبقوا إلى كل‬
‫خير ‪ ،‬وإذا لم يسبقوا إلى اليمان بللل سللبقهم إليلله الللذين هللم دونهللم فللي‬
‫الطبقة الجتماعية ‪ ،‬فهو إذن ليس بخير ‪.‬‬

‫وهذا غاية الغرور بالنفس ‪ ،‬إذ يجعل صاحبه يتصور لنفسه العصمة‬
‫عن الخطأ ‪ ،‬لذلك فهو غير مسللتعد لن يغيللر مللوقفه ‪ ،‬أو يغيللر مللذهبه ‪ ،‬أو‬
‫يتنازل عن كفره أو شركه أو سلوكه ‪.‬‬

‫وإذ ْ لم يهتدِ هؤلء الكافرون بهدى الله ‪ ،‬ولم يؤمنوا بدينه ‪ ،‬فل بللد أن‬
‫يقولوا عن الدين ‪ :‬هذا إفك قديم ‪ ،‬وظاهر أن هذا جدل كلمي ل أساس له‬
‫حتى يكون حجة تطرح بين العقلء ‪ ،‬وهو ل يعدو أن يكللون لونلا ً ملن ألللوان‬
‫السباب والشتائم التي ل تصدر إل عن الجاهلين ‪.‬‬

‫وقد كانت طريقة القرآن في الرد على احتجاجهم بللالتفوق الطبقللي‬


‫في متاع الحياة الدنيا وزينتها وجاهها بتقديم براهين مللن الواقللع ‪ ،‬تثبللت أن‬
‫التفوق الطبقي لم يكلن ليحمي أصللحابه الكللافرين بللالله مللن سللخط الللله‬
‫ونقمته وشديد عقابه ‪ ،‬وهذا ما رد الله به على مقالتهم الواردة في سللورة‬
‫)مريم‪ 19/‬مصحف‪ 44/‬نزول(‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫} وك َ َ‬
‫ن أَثاثا وَرِْءيا{‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫مأ ْ‬ ‫من قَْر ٍ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫م أهْل َك َْنا قَب ْل َهُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫َ ْ‬

‫أي‪ :‬فلللم يح لم ِ هللؤلء مللن نللزول عللذاب الللله فيهللم علللو طبقتهللم‬
‫الجتماعيللة الللتي يللدل عليهللا حسللن أثللاثهم ‪ ،‬وحسللن مظهرهللم وشللارتهم‬
‫وهيئتهم ‪ ،‬ولم تغن عنهم مكانتهم الجتماعية شيئا ً عنللد الللله ‪ ،‬لقللد أهلكهللم‬
‫الله بكفرهم ودمر عليهم تدميرا ً ‪.‬‬
‫وهذا البرهان الواقعي من أقوى البراهين الدالة على فسللاد حجتهللم‬
‫التي احتجللوا بهللا ‪ ،‬إذ زعمللوا أن امتيللاز طبقتهللم الجتماعيللة يلزملله صللحة‬
‫رأيهم ‪ ،‬إذ اختاروا لنفسهم سبيل الكفر بالله على اليمان به ‪.‬‬
‫وما أكثر ما يفتتن الناس بزخرف هذا الدليل ‪ ،‬فيتبعون آراء أصللحاب‬
‫المكانات الجتماعية القائمة على المتياز بمتاع الحياة الدنيا وزينتها وجاهها‬
‫‪ ،‬معطليللن أفكللارهم وعقللولهم عللن البحللث والتتبللع للحقللائق ببصللر نافللذ‬
‫ومنطق سديد ‪.‬‬

‫* جدالهم القائم على التعلل بالقضاء والقدر ‪:‬‬


‫من جدليات الكافرين الفاسدة احتجاجهم بالقضاء والقدر لتبرير ما‬
‫هو من كسبهم ‪ ،‬ولرفض أوامر التكليف الرباني ونواهيه ‪.‬‬

‫سبق معنا بيان تعللهم بالقضاء والقدر وفق المذهب الجبري الفاسد‬
‫‪،‬الللذي كللذبهم الللله بلله ‪ ،‬إذ ادعللوا فيلله علللى الللله مللا ليللس مللن مقللاديره‬
‫الجبرية ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬لو شللاء الللله مللا أشللركنا ول آباؤنللا ‪ ،‬أي ‪ :‬إنهللم أشللركوا‬
‫بحكم كونهم مجبرين بالقضاء والقدر على الشرك ‪ .‬وقالوا ‪ :‬لللو شللاء الللله‬
‫ما حرمنا من شيء ‪ ،‬أي ‪ :‬إنهم حرموا أشللياء ممللا أبللاح الللله فللي شللريعته‬
‫لعبللاده بحكللم كللونهم خاضللعين لسلللطان القضللاء والقللدر ليللس لهللم فللي‬
‫أعمالهم كسب اختياري ‪ .‬وقالوا لو شاء الرحمللن مللا عبللدناهم ‪ ،‬أي ‪ :‬إنهللم‬
‫عبدوا آلهتهم من دون الله بمقتضى سلطان القضاء والقدر وليس لهم فلي‬
‫ذلك كسب إرادي ‪ ،‬أو على معنى أن هذه الشياء قد أذن الله بها ‪ ،‬فلو لللم‬
‫ب‪،‬‬ ‫يأذن بها لمللا مك ّن َن َللا منهللا ‪ ،‬ولسللتخدم قللدرته فللي جبرنللا علللى مللا يحل ّ‬
‫وتجاهلوا أنهم موضوعون موضع المتحان في الحياة ‪.‬‬
‫وقد كذبهم الله بكل ذلك وأبان أنهم يخرصون على الللله ‪ ،‬فمللا لهللم‬
‫بما زعموا من علم عقلي أو نقلي يعتمدون عليه ‪.‬‬

‫فقال تعالى في سورة )النعام‪ 6/‬مصحف‪ 55/‬نزول(‪:‬‬


‫مَنا‬ ‫شَرك َْنا وَل َ آَباؤَُنا وَل َ‬
‫حّر ْ‬ ‫َ‬ ‫مآ أ َ ْ‬ ‫هل َ‬ ‫شآَء ٱل ّلل ُ‬ ‫كوا ْ ل َوْ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ل ٱّلل ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫سي َ ُ‬‫} َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫عنلد َكم‬ ‫ل ِ‬ ‫س لَنا قُل ْ‬
‫ل هَ ل ْ‬ ‫ذاُقوا ب َأ َ‬ ‫حت ّ ٰى َ‬ ‫من قَب ْل ِِهم َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ٱل ِ‬ ‫يٍء ك َ ٰذل ِك كذ ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن * ق ُل ْ‬
‫ل‬ ‫صللو َ‬
‫خُر ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م إل ت َ ْ‬‫ن أنت ُل ْ‬ ‫نل وَإ ِ ْ‬ ‫ن إ ِل ٱل ظلل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جوهُ لن َللآ ِإن ت َت ّب ِعُللو َ‬ ‫َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫علم ٍ فَت ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ن{‬ ‫عي‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫دا‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫َ‬
‫شآ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫غ‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ْ‬
‫لل‬ ‫ٱ‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫ج‬ ‫ح‬ ‫ْ‬
‫لل‬ ‫ٱ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫فَ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬

‫أي ‪ :‬فلو شاء أن يسلبكم ما منحكم مللن حريللة الختيللار فللي الحيللاة‬
‫ويجبركم على نجد واحد من نجديها لهداكم أجمعين ‪.‬‬

‫وقال الله تعالى في سورة )النحل‪ 16/‬مصحف‪ 70/‬نزول(‪:‬‬


‫يٍء‬‫شل ْ‬ ‫مللن َ‬ ‫دون ِلهِ ِ‬‫مللن ُ‬‫ما عَب َلد َْنا ِ‬ ‫شآَء ٱل ّلل ُ‬
‫هل َ‬ ‫كوا ْ ل َوْ َ‬‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ل ٱّلل ِ‬‫}وََقا َ‬
‫م‬‫مللن قَب ْل ِهِل ْ‬‫ن ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫يٍء ك ٰذل ِك فَعَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫دون ِهِ ِ‬ ‫من ُ‬ ‫مَنا ِ‬‫حّر ْ‬‫ن وَ ۤل آَباؤَُنا وَل َ‬
‫َ‬ ‫ح ُ‬‫نّ ْ‬
‫ن{‬‫م ِبي ُ‬‫ل إ ِل ّ ٱللَبل غُ ٱلل ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ل عَلى ٱل ّرل ُ‬
‫َ‬ ‫فَهَ ْ‬
‫ففي هذه الية بيان أنهم قالوا هذه المقالة فعل ً ‪ ،‬وأنها مقالة كان‬
‫مشركو المم السابقة يتعللون بها ‪.‬‬

‫وقال الله تعالى في سورة )الزخرف‪ 43/‬مصحف‪ 63/‬نزول(‪:‬‬


‫م‬
‫ن هُ ل ْ‬ ‫عل ْلم ٍ إ ِ ْ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ما ل َُهم ب ِذ َل ِ َ‬‫م ّ‬ ‫ما عَب َد َْناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ٰل ُ‬‫ح َ‬
‫شآَء ٱلّر ْ‬ ‫}وََقاُلوا ْ ل َوْ َ‬
‫ل َقال ُ ۤوا ْ إ ِّنللا‬ ‫َ‬
‫ن * بَ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬‫م ك َِتابا ً من قَب ْل ِهِ فَُهم ب ِهِ ُ‬ ‫م آت َي َْناهُ ْ‬ ‫ن*أ ْ‬ ‫صو َ‬‫خُر ُ‬‫إ ِل ّ ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫مللن‬ ‫سلل َْنا ِ‬ ‫مللآ أْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن * وَك َلذ َل ِ َ‬ ‫دو َ‬‫مهْت َل ُ‬
‫هم ّ‬ ‫مةٍ وَإ ِّنا عَل َل ٰى آث َللارِ ِ‬ ‫جد َْنآ آَبآَءَنا عَل َ ٰىأ ّ‬ ‫وَ َ‬
‫مةٍ وَإ ِّنا عََللل ٰى‬ ‫ُ‬
‫جد َْنآ آَبآَءَنا عَل َ ٰىأ ّ‬ ‫هآ إ ِّنا وَ َ‬‫مت َْرُفو َ‬‫ل ُ‬ ‫ذيرٍ إ ِل ّ َقا َ‬ ‫ك ِفي قَْري َةٍ من ن ّ ِ‬ ‫قَب ْل ِ َ‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬
‫قت َ ُ‬
‫م ْ‬
‫هم ّ‬‫آَثارِ ِ‬

‫فهم يتعللون بالمذهب الجبري الفاسد في القضاء والقدر ‪ ،‬وقد‬


‫كللذبهم الللله بلله ‪ ،‬ويستمسللكون بحجللة التقليللد العمللى لبللائهم ‪ ،‬وبللأنهم‬
‫مستمسكون بالسير على آثارهم ‪.‬‬

‫ومن منطقهم الفاسد في هذا المجال رفضهم النفاق علللى الفقللراء‬


‫والمساكين وذوي الحاجات ‪ ،‬بحجللة أن الللله قللد أراد لهللم أن يبقللوا فقللراء‬
‫محتاجين ل يجدون من يساعدهم ‪ ،‬إهانة لهللم وإذلل ً ‪ ،‬ولللو شللاء الللله لهللم‬
‫غير ذلك لغناهم فأطعمهم ‪ ،‬فإذ قد جعلهم فقراء فهم ل يستحون المعونللة‬
‫والمساعدة ‪ ،‬وقد ذكر الله مقالتهم الفاسدة هذه بقوله فللي سللورة )يللس‪/‬‬
‫‪ 36‬مصحف‪ 41/‬نزول(‪:‬‬
‫ل ل َه َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫فلُروا ل ِلل ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫م ٱللللهل قَللا َ‬ ‫ُ‬
‫ما رَِزقَكل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ْ‬
‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬
‫م أن ِ‬‫ذا ِقي َ ُ ْ‬‫}وَإ ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬‫مِبي ٍ‬‫ل ّ‬ ‫ضل َ ٍ‬ ‫م إ ِل ّ ِفي َ‬
‫ن أنت ُ ْ‬
‫ه إِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ْ‬
‫هل أطعَ َ‬ ‫شآُء ٱل لل ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من لوْ ي َ َ‬ ‫من ُ ۤوا ْ أن ُط ْعِ ُ‬
‫م َ‬ ‫آ َ‬

‫وهنا نلحظ أنهم لما تصوروا أنهم ملكوا بمقالتهم ناصية حجة‬
‫مفحمة ‪،‬قالوا للذين آمنوا ‪ :‬إن أنتم إل في ضلل مبين ‪ ،‬أي‪ :‬إذ تدعوننا إلى‬
‫النفاق من أموالنا للفقللراء والمسللاكين ذوي الحاجللات ‪ ،‬وإذ تنفقللون أنتللم‬
‫عليهم من أموالكم ‪.‬‬

‫وحين نلدرك فلسللفة الحيلاة وحكملة الخلالق يظهللر لنلا فسلاد هللذه‬
‫الحجة التي ساقوها ‪ ،‬وذلك لنه ل يلزم مللن الفقللار فللي الحيللاة الللدنيا أن‬
‫يكللون الغللرض منلله الهانللة ‪ ،‬كللا ل يلللزم مللن الغنللاء أن يكللون للتكريللم ‪،‬‬
‫لحتمال أن الغرض من كل منهما البتلء ‪.‬‬

‫وقد رفض القرآن فهمهم هذا رفضا ً كليا ً وأبان أن الغرض الساسللي‬
‫من الغناء والفقار هو امتحان النسان في أي من هللذين المريللن ‪،‬فليللس‬
‫الغناء للتكريم ‪،‬وليس الفقار للهانللة ‪ ،‬وفللي ذلللك يقللول الللله تعللالى فللي‬
‫سورة )الفجر‪ 89/‬مصحف‪ 10/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ل َرب ل ۤي أكَر َ‬
‫مل ِ‬ ‫ْ‬ ‫قللو ُ‬‫ه فَي َ ُ‬ ‫مل ُ‬ ‫ه وَن َعّ َ‬
‫م ُ‬ ‫ْ‬
‫ه فَأكَر َ‬ ‫ما ٱب ْت َل َهُ َرب ّ ُ‬ ‫ن إِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫سا ُ‬ ‫لن َ‬‫ِ‬ ‫ما ٱ‬ ‫}فَأ ّ‬
‫ن‬
‫مللو َ‬ ‫ن * ك َل ّ َبل ل ّ ت ُك ْرِ ُ‬ ‫هان َ ِ‬‫ل َرب ۤي أ َ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه فَي َ ُ‬ ‫ما ٱب ْت َل َهُ فَ َ‬
‫قد ََر عَل َي ْهِ رِْزقَ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫مآ إ ِ َ‬ ‫َ‬
‫* وَأ ّ‬
‫ن{‬ ‫كي ِ‬‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫ن عَل َ ٰى ط ََعام ِ ٱ ْلل ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫حا ّ‬ ‫م * وَل َ ت َ َ‬ ‫ٱ ْللي َِتي َ‬
‫فالمران كلهما للبتلء ‪ ،‬إذ يبتلي الله الغني بالغنى ويأمره بالنفاق‬
‫ليبلوه هل يشكر نعمة الله أو يكفرها ‪ ،‬ويبتلي الفقير بالفقر ويأمره بالرضا‬
‫والصبر والمشي في مناكب الرض بحثلا ً عللن الللرزق ‪ ،‬ليبلللوه هللل يرضللى‬
‫ويصبر أو يسخط ويضجر ‪.‬‬

‫ولما أورد الكافرون حجتهم ‪" :‬أنطعللم مللن لللو يشللاء الللله أطعملله"‪،‬‬
‫قصدوا منها أن الله أراد فعل ً أن ل يطعم هذا الفقير ‪ ،‬وهذا كذب على الله‬
‫‪ ،‬بل أراد أن يمتحن الغني بإطعامه ‪ ،‬فالله قد أطعمه بللالمر التكليفللي ‪ ،‬إذ‬
‫أمر الغنياء بسد حاجات الفقراء ‪ ،‬وأطعم الخرين بتيسير سبل الرزق لهم‬
‫‪ .‬وذلك زجرهم عن مقالتهم الكاذبة فقال تعالى في النص ‪" :‬كل" ‪،‬ثم أبللان‬
‫تعالى أن علتهم الحقيقية هي داء الشح في نفوسهم ‪ ،‬فقال لهللم ‪" :‬بللل ل‬
‫تكرمون اليتيم ول تحاضون على طعام"‪ ،‬أي ‪ :‬مع أن الله قد أمركم بذلك ‪،‬‬
‫فأنتم تعصون المر اللهي وتتعللون بالقدر ‪ ،‬تعلل ً تكللذبون بلله علللى الللله ‪،‬‬
‫فتضيفون إلى معصية أمر التكليف الذي أمركم به جريمة الكذب عليه ج ل ّ‬
‫ل‬
‫وعل ‪.‬‬

‫)‪(9‬‬
‫عقوبات الكافرين المعجلة والمؤجلة‬

‫للكافرين عقوبات ربانية يعاقبهم الله بها جزاء كفرهللم ‪ ،‬قسللم منهللا‬
‫معجل يجري ضمن ظروف هذه الحياة الدنيا ‪ ،‬وضللمن سللننها ومقاديرهللا ‪،‬‬
‫وقسم آخر مؤجل إلى مابعد ظروف هذه الحياة الدنيا ‪.‬‬

‫) أ ( العقوبات المعجلة ‪:‬‬

‫أول ما يخسره الكافر بكفره معونة الله التي يمللد بهللا أوليللاءه ‪ ،‬ثللم‬
‫يصيبه مقت من الله يضيق به صللدره ‪ ،‬وتتكللدر بلله نفسلله ‪ ،‬فل يكللون فللي‬
‫داخللل نفسلله منشللرحا ً ول مسللرورا ً ‪ ،‬لنلله يكللون محرومللا ً مللن الرضللا‬
‫بالمقادير ‪ ،‬وهذا يجعله فريسة للحزن والهللم ‪ ،‬فهللو دائملا ً حزيللن علللى مللا‬
‫ض‬
‫فاته من خير ‪ ،‬مهموم لما يطمع بالحصول عليه ‪ ،‬وفي ذلك عذاب له ُيق ّ‬
‫رمه من التمتللع الصللحيح بمللا يصلليب مللن‬ ‫مضجعه وينغص عليه حياته ‪ ،‬ويح ِ‬
‫ذات ‪ ،‬حتى إذا ضاقت به الحيللاة ‪ ،‬وقلللت عليلله نسللمات آمالهللا ‪ ،‬وكللثرت‬ ‫ل ّ‬
‫عليه خوانق أكدارها وآلمها ‪ ،‬وصلار صللدره ضلليقا ً حرجلا ً كأنمللا يصلعد فللي‬
‫السماء ‪ ،‬أو كأنما يهوي منها فيتمزق فتخطفه الطير من كل جانب ‪ ،‬عندئذٍ‬
‫يحاول أن يفر من الحياة ‪ ،‬بالخمر والقمار ‪ ،‬أو بالمخدرات أو بالنتحار ‪.‬‬

‫يضاف إلى ذلك أنواع الخيبة التي ُتمنى بها أعمالهم وتدبيراتهم الللتي‬
‫يواجهون بها أولياء الله الصادقين العاملين بما أمرهم الله ‪ ،‬وصور الخذلن‬
‫والهزيمة إذ ينصر الله المؤمنين الصادقين عليهم ‪ ،‬وأنواع العقوبات المادية‬
‫والمهلكات الجسدية والنفسية التي ينزلها الله بهم ‪ ،‬ثم ما ينال بعضهم من‬
‫تدمير شامل ‪،‬كما حصل لبعض المم التي كفرت برسل ربها وكتبه واليللوم‬
‫الخر وأكثرت في الرض الفساد ‪.‬‬
‫والنصوص القرآني التي بينت عقوباتهم المعجلللة كللثيرة ‪ .‬فمنهللا مللا‬
‫يبّين واقع حالهم النفسي القلق المضطرب المتمزق ‪ ،‬المشللحون بللالهموم‬
‫والكدار ‪ .‬ومنها ما يشتمل على وعيد الكافرين بأنواع العقوبات المعجلللة ‪،‬‬
‫وهذا الوعيد قد يكون وعيدا ً جازما ً مقطوعا ً به ‪ ،‬وقد يكون تهديدا ً صللريحا ً ‪،‬‬
‫وقد يكون تلويحا ً وتعريضا ً بالتهديد ‪ ،‬وألوان التربية القرآنية في هللذا كللثيرة‬
‫ومتنوعة ‪ .‬ومنها ما يشتمل على وعد المؤمنين الصللادقين بللالظفر والنصللر‬
‫والتأييد ضد أعدائهم ‪ ،‬وهلذا يتضللمن وعيلدا ً للكلافرين بلأن اللله سلليخذلهم‬
‫ويذلهم وينصر المؤمنين عليهم ‪ .‬ومنها ما يشتمل على بيان قصص ووقللائع‬
‫تاريخية أنزل الله فيها بالكافرين عقوباتهم المعجلة في الدنيا ‪ ،‬وفي عرض‬
‫هذه القصص بيان لسنة الله في عباده حتى يعتبر بها الذين كفروا إن كانوا‬
‫من الذين يعتبرون ويتّعظون ‪.‬‬

‫والعنوان الشامل لعقوبات الكللافرين معلللن فلي قللول الللله تعللالى ‪:‬‬
‫}فمن كفر فعليه كفره{‪ ،‬أي‪ :‬فكفره يكللون عليلله ضللررا ً وأذى ‪ ،‬ول يكللون‬
‫لمصلحته بحال من الحوال ‪ ،‬ل في الحياة الللدنيا ول فللي الخللرة ‪ ،‬وحينمللا‬
‫يتصور أن كفره سيجلب له فائدة أو مصلللحة أو خيللرا ً عللاجل ً فللإن كفللره ل‬
‫يزيده إل خسارا ً ‪ ،‬كل هذا نجده موضحا ً فللي قللول الللله تعللالى فللي سللورة‬
‫)فاطر‪ 35/‬مصحف‪ 43/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ف فِللي ٱللْر ِ‬ ‫}هُوَ ٱّلل ِ‬
‫فلُرهُ وَل َ‬ ‫فلَر فَعَل َي ْلهِ ك ُْ‬ ‫مللن ك ََ‬ ‫َ‬
‫ضف َ‬ ‫خل َئ ِ َ‬‫م َ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬
‫ذي َ‬
‫م إ ِل ّ‬
‫فُرهُل ْ‬ ‫ن كُ ْ‬
‫ري َ‬ ‫زيلد ُ ٱْلل َ‬
‫كللافِ ِ‬ ‫قتلا ً وَل َ ي َ ِ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫عند َ َرب ّهِل ْ‬
‫م ِ‬ ‫فُرهُ ْ‬‫ن كُ ْ‬‫ري َ‬ ‫زيد ُ ٱْلل َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫يَ ِ‬
‫ً‬
‫سارا{‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬

‫والمقت الذي ينزل عليهم يمل صدورهم ضيقا ً وحرجا ً ‪ ،‬وهما ً وحزنا ً ‪،‬‬
‫والخسارة يلحقهم حيثما توجهوا ‪ ،‬كللل ذلللك بسللبب كفرهللم بمللا يجللب أن‬
‫يؤمنوا به مما أنزل الله على عباده‪.‬‬

‫* العقوبة بالضيق والحرج في صدورهم‪:‬‬


‫جاء في البيانات القرآنية أن الله يعاقب الكلافرين ضلمن سلننه فلي‬
‫الحياة الدنيا بضيق وحرج وصدورهم ‪ ،‬فقال تعللالى فللي سللورة )النعللام‪6/‬‬
‫مصحف‪ 55/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫هّ‬
‫ض لل ُ‬ ‫مللن ي ُلرِد ْ أن ي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫سلم ِ وَ َ‬‫صد َْرهُ ل ِل ِ ْ‬
‫ح َ‬
‫شَر ْ‬‫ه يَ ْ‬
‫ه أن ي َهْدِي َ ُ‬ ‫من ي ُرِدِ ٱل لل ُ‬
‫ّ‬ ‫}ف َ َ‬
‫َ‬
‫هل‬‫ل ٱل للل ُ‬
‫ّ‬ ‫جَعل ُ‬
‫ك يَ ْ‬‫مآِء كل ٰذل ِ َ‬
‫َ‬ ‫صلعّد ُ ِفلي ٱل ّ‬
‫سلل َ‬ ‫ملا ي َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫حَرجلا كأن ّ َ‬ ‫ً‬
‫ضلّيقا َ‬ ‫صلد َْرهُ َ‬
‫ل َ‬ ‫جع َ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫ن{‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل َ ي ُؤْ ِ‬‫ذي َ‬ ‫س عَلى ٱ لل ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬‫ٱ ل ّرل ْ‬

‫فالذين ل يؤمنون يعاقبهم الله بهذا الرجس النفسي ‪ ،‬وهو ضيق‬


‫وحرج في صدورهم ‪ ،‬وهذه نتيجة طبيعلة لكفرهلم ‪ ،‬وهللذه العقوبلة تللأتيهم‬
‫ضمن سللنن الللله الكونيللة؟ فمللن يللرد الللله أن يضللله )أي‪ :‬أن يحكللم عليلله‬
‫بالضلل( بسبب كفره وعناده يجعل صللدره ضلليقا ً حرجلا ً كأنمللا يصلّعد فللي‬
‫السماء ‪.‬‬
‫وبمقدار ضعف التصورات اليمانية لدى المؤمنين ضعفاء اليمان‬
‫يأتيهم نصيب من هذا الضيق والحرج في الصدور ‪.‬‬

‫* العقوبة بالتمزق النفسي والقلق ‪:‬‬


‫وجاء في البيانات القرآنية أن حالة من التمزق النفسي تصيب‬
‫الكافرين بسبب كفرهم وإشراكهم بالله ما لم ينّزل به سلطانا ً ‪ .‬فقال الله‬
‫تعالى في سورة )الحج‪ 22/‬مصحف‪ 103/‬نزول(‪:‬‬
‫طلي لر أوَ‬ ‫َ‬
‫ه ٱل ّ ْ ُ ْ‬
‫فل ُ‬ ‫خط َ ُ‬
‫مآِء فَت َ ْ‬
‫سلل َ‬‫ن ٱل ّ‬
‫مل َ‬
‫خّر ِ‬ ‫ك ِبل ٱل ّللهِ فَك َأن ّ َ‬
‫ما َ‬ ‫شرِ ْ‬
‫من ي ُ ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫ق{‬ ‫حي ٍ‬ ‫س ِ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫مكا ٍ‬ ‫ح ِفي َ‬ ‫وي ب ِهِ ٱل ّرلي ُ‬
‫ت َهْ ِ‬

‫فحالة التمزق والضياع والنهيار والقلق التي تصيب النسان في‬


‫كيانه الداخلي هي من العقوبات النفسللية الللتي يعلاقب الللله بهللا الكلافرين‬
‫ضمن سننه الكونية ‪ ،‬لن الكفر بالله أو الشراك به مما يسبب هذه النتائج‬
‫في داخل النفس ضمن قوانين السباب والمسببات ‪.‬‬

‫* العقوبة بالخذلن والهزيمة أمام جند الله‪:‬‬


‫ومن العقوبات المعجلة للكافرين خذلنهم وهزيمتهم أمام جند الله‬
‫المؤمنين الصادقين القائمين بما أوجب الله عليهم ‪ ،‬ولللو كللانوا أقللل منهللم‬
‫عللدة وعللددا ً ‪ ،‬وإفسللاد تللدبيراتهم ومخططللاته ومكايللدهم الللتي يللدبرونها‬
‫لمحاربة جند الله وإطفاء نور الله‪ ،‬وبذلك تتحقق حكمة الله ووعه في نصر‬
‫أوليائه وخذل أعدائه ‪.‬‬

‫قال الله تعالى في سورة )آل عمران‪ 3/‬مصحف‪ 89/‬نزول(‪:‬‬


‫ن‬ ‫قط َعَ ط ََرفا ً ّ‬
‫م َ‬ ‫كيم ِ * ل ِي َ ْ‬ ‫زيزِ ٱْلل َ‬
‫ح ِ‬ ‫هل ٱْللعَ ِ‬‫عندِ ٱل ّلل ِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ص ُر إ ِل ّ ِ‬ ‫ما ٱل ّنل ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫قل ُِبوا ْ َ‬
‫خآئ ِِبي َ‬ ‫فُر ۤوا ْ أوْ ي َك ْب ِت َهُ ْ‬
‫م فََين َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫ففي هذا النص نلحظ أن الغاية من خذلهم ونصللر المللؤمنين عليهللم‬


‫إضعاف قوتهم في الرض بقطللع طللرف منهللم ‪ ،‬أو كبتهللم ‪ ،‬أي ‪ :‬إغللاظتهم‬
‫وإحزانهم ‪ ،‬ليكون ذلك برهانا ً على أن الله ولي الذين آمنللوا وأن الكللافرين‬
‫ل مولى لهم ‪ .‬والعاقل متى أدرك دللة هذا البرهان كلان ذلللك محرضلا ً للله‬
‫على اليمان ‪.‬‬

‫ولللذلك قللال الللله لرسللوله فللي سللورة )آل عمللران‪ 3/‬مصللحف‪89/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫د{‬ ‫س ٱلل ِ‬
‫م َها ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م وَب ِئ َ‬ ‫ن إ ِل ٰى َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬
‫شُرو َ‬ ‫ن وَت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ست ُغْلُبو َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا َ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ل لل ِ‬ ‫ُ‬
‫}ق ْ‬

‫ووسائل خذلهم ونصر المؤمنين الصادقين عليهم كثيرة مختلفة ‪،‬‬


‫منها إلقاء الرعب في قلللوبهم ‪ .‬ومنهللا تللوهين كيللدهم ورد مكايللدهم إليهللم‬
‫وجعلهللا فللي نحللورهم ‪ .‬ومنهللا إمللداد المللؤمنين ضللدهم بللالقوة المعنويللة‬
‫العالية ‪ ،‬وبالملئكة وبالحداث الطبيعية ‪ ،‬كالرياح والمطللار ومواقللع الرض‬
‫وغير ذلك ‪.‬‬
‫أما إلقاء الرعب في قلوبهم فيدل عليه قول الله تعالى في سورة‬
‫)آل عمران‪ 3/‬مصحف‪ 89/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫شَركوا ِبل ٱل للهِ َ‬
‫مللا ل ل ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫مآ أ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫فُروا ٱل ّرلعْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ٱّلل ِ‬ ‫في قُُلو ِ‬ ‫قي ِ‬ ‫سن ُل ْ ِ‬
‫} َ‬
‫ْ‬
‫ن{‬‫مي َ‬‫مث ْوَ ٰى ٱل ظلال ِ ِ‬
‫ّ‬ ‫س َ‬ ‫م ٱل ّنلاُر وَب ِئ ْ َ‬
‫مأَواهُ ُ‬ ‫سل ْطانا وَ َ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ي ُن َّز ْ‬
‫ل ب ِهِ ُ‬

‫فإلقاء الرعب في قلوبهم قد كان بسبب كفرهم وإشراكهم بالله ما‬


‫لم ينزل به سلطانا ً ‪.‬‬

‫وأما توهين كيدهم فيدل عليه قول الله تعالى في سورة )النفللال‪8/‬‬
‫مصحف‪ 88/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ن كي ْدِ ٱللكافِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫موهِ ُ‬ ‫ن ٱل لل َ‬
‫ه ُ‬ ‫ّ‬ ‫} ٰذل ِك ُ ْ‬
‫م وَأ ّ‬

‫وطبيعي أن يولي الكافرون الدبار حينما يقذف الله في قلوبهم‬


‫الرعب ويوهن كيدهم ‪ ،‬ولذلك خاطب الله الللذين آمنللوا بقللوله فللي سللورة‬
‫)الفتح‪ 48/‬مصحف‪ 111/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ن وَل ِي ّلا ً وَل َ‬
‫دو َ‬ ‫ف لُروا ْ ل َوَل ّلوُا ْ ٱللد ْب َللاَر ث ُل ّ‬
‫م ل َ يَ ِ‬
‫جل ُ‬ ‫نك َ‬ ‫م ٱّللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫}وَل َلوْ قَللات َل َك ُ ُ‬
‫صيرًا{‬
‫نَ ِ‬

‫وقد حذر الله الكافرين من عقوبة خذلهم ونصر المؤمنين عليهم‬


‫‪،‬بالتلويح مرة ‪ ،‬وبالتصريح أخللرى ‪ ،‬وبللالتطبيق العملللي فللي معللاركهم ضللد‬
‫المؤمنين الصادقين ‪.‬‬

‫فمن صور التلويح بالتهديد قللول الللله تعللالى فللي سللورة )النللور‪24/‬‬
‫مصحف‪ 102/‬نزول(‪:‬‬
‫م ٱل ّنللاُر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن فِللي ٱللْر ِ‬ ‫ن ٱللل ِ‬
‫م لأَواهُ ُ‬
‫ض وَ َ‬ ‫زي ل َ‬
‫ج ِ‬
‫مع ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ف لُروا ُ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫س لب َ ّ‬
‫ح َ‬‫}ل َ ت َ ْ‬
‫صيُر{‬ ‫م ِ‬ ‫س ٱْلل َ‬
‫وَل َب ِئ ْ َ‬

‫فهم مهما بلغت قوتهم في الرض ل يعجزن المؤمنين الصادقين‬


‫القائمين بما أوجب عليهم ‪ ،‬لن الله يمد أوليللاءه بمعلونته ونصللره ‪،‬ويخلذل‬
‫أعداءه وما النصر إل من عند الله ‪ ،‬أما في الخرة فمللأوى الكللافرين النللاُر‬
‫دار العذاب ‪ ،‬ولبئس هذا المصير مصيرهم ‪.‬‬

‫ة للرسول والمؤمنين بوجهها الصريح ‪،‬‬ ‫وقد جاءت هذه الية طمأن ً‬
‫واشتملت أيضا ً على تلويح تهديدي للكافرين بموجب دللتها المتعلقة بهللم ‪،‬‬
‫ولو لم يكن الخطاب فيها موجها ً بصراحة لهم ‪ ،‬لكن آية أخرى قد جاء فيهللا‬
‫توجيه الخطاب للكافرين بأنهم غيللر معجللزي الللله ‪ ،‬فقللال تعللالى يخللاطب‬
‫المشركين في سورة )التوبة‪ 9/‬مصحف‪ 113/‬نزول(‪:‬‬
‫زي ٱلل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫خ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ٱل ّلل َ‬
‫ه ُ‬ ‫زي ٱل ّلل ِ‬
‫هل وَأ ّ‬ ‫ج ِ‬
‫معْ ِ‬ ‫م ۤوا ْ أن ّك ُ ْ‬
‫م غَي ُْر ُ‬ ‫}و َ ٱ ْ‬
‫علل َ ُ‬

‫وقال لهم أيضًا‪:‬‬


‫َ‬
‫زي‬
‫جل ِ‬
‫معْ ِ‬ ‫م ۤوا ْ أن ّك ُل ْ‬
‫م غَْيلُر ُ‬ ‫م فَل ٱعْل َ ُ‬
‫م وَِإن َتلوَل ّي ْت ُ ْ‬‫خي ْلٌر ل ّك ُل ْ‬
‫م فَهُلوَ َ‬
‫}فَِإن ت ُب ْت ُل ْ‬
‫َ‬
‫م{‬ ‫ب أِلي ٍ‬ ‫فُروا ْ ب ِعَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شرِ ٱ ّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ٱ ل ّللهِ وَب َ ّ‬
‫وتحدث الله عن الكافرين عامة بمثل ذلك ‪ ،‬فقال تعالى في سورة‬
‫)النفال‪ 8/‬مصحف‪ 88/‬نزول(‪:‬‬
‫ن{‬‫جُزو َ‬ ‫ق ۤوا إ ِن ّهُ ْ‬
‫م ل َ ي ُعْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ْ‬
‫فُروا َ‬‫ن كَ َ‬ ‫ن ٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫}وَل َ ي َ ْ‬
‫ح َ‬

‫أي‪ :‬ل يظنوا أنفسهم قد سبقوا المؤمنين بعددهم وعدتهم ‪ ،‬فإنهم ل‬


‫يعجللزون المللؤمنين الصللادقين ‪ ،‬لن الللله مللع المللؤمنين بمعللونته وتأييللده‬
‫ونصره ‪ ،‬ولكللن علللى المللؤمنين أن يقومللوا بمللا أوجللب الللله عليهللم ‪ ،‬وأن‬
‫يحققوا في أنفسهم الشروط التي يستحقون بها تأييد الللله لهللم ‪،‬ونصللرهم‬
‫دوا لعدائهم ما يستطيعون من قللوة ‪ ،‬ومللن‬ ‫على عدوهم ‪ ،‬ومن ذلك أن يع ّ‬
‫أجل ذلك أتبع الله الية السابقة بقوله ‪:‬‬
‫ه‬
‫ن ب ِل ِ‬‫ل ت ُْرهِب ُللو َ‬‫خ ْيلل ِ‬ ‫ط ٱلل َ‬
‫ْ‬ ‫من ّرَبا ِ‬ ‫من قُوّةٍ وَ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ٱ ْ‬
‫سلت َط َعْت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫دوا ْ ل َهُ ْ‬ ‫}وَأ َ ِ‬
‫ع ّ‬
‫قوا ْ‬
‫ف ُ‬
‫ما ُتن ِ‬‫م وَ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫م ٱل ّلل ُ‬
‫هل ي َعْل َ ُ‬ ‫مون َهُ ُ‬ ‫م ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫دون ِهِ ْ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬
‫ِ‬ ‫خ‬
‫م َوآ َ‬ ‫عَد ْوّ ٱل ّللهِ وَعَد ُوّك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ل ٱل ّللهِ ي ُوَ ّ‬
‫ن{‬‫مو َ‬ ‫م ل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬‫ف إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫يٍء ِفي َ‬ ‫من َ‬
‫ش ْ‬ ‫ِ‬

‫ومهما تكن مكايد الكافرين كثيرة وخطيرة وذكية فإن الله قد ضمن‬
‫للمللؤمنين تللوهين هللذه المكايللد ‪ ،‬وردهللا عليهللم ‪ ،‬مللتى صللدق المؤمنللون‬
‫وأخلصوا لله في جهادهم ‪ ،‬وبللذلوا مللا فللي وسللعهم فللي سللبيل الللله وهللذا‬
‫الضمان نلحظه في قول الله الللذي ذكرنللاه قريب لا ً مللن سللورة )النفللال‪8/‬‬
‫مصحف‪ 88/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ن كي ْدِ ٱللكافِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫موهِ ُ‬ ‫ن ٱل لل َ‬
‫ه ُ‬ ‫ّ‬ ‫} ٰذل ِك ُ ْ‬
‫م وَأ ّ‬

‫وفي قول الله تعالى في سورة )الطور‪ 52/‬مصحف‪ 76/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬
‫ن{‬
‫دو َ‬
‫كي ُ‬ ‫م ٱْلل َ‬
‫م ِ‬ ‫فُروا ْ هُ ُ‬
‫ن كَ َ‬ ‫ن ك َْيدا ً َفل ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫دو َ‬
‫ري ُ‬
‫م يُ ِ‬
‫}أ ْ‬

‫أي‪ :‬فمكايدهم تعود عليهم ‪ ،‬ول ينال المؤمنين الصادقين ضرها‬


‫البللالغ ‪ ،‬ولللذلك خللاطب الللله المللؤمنين بقللوله فللي سللورة )آل عمللران‪3/‬‬
‫مصحف‪ 89/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬
‫صُرو َ‬ ‫َ‬ ‫م ٱللد َُباَر ث ُ ّ‬
‫م ل ُين َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م ي ُوَلوك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قات ِلوك ْ‬
‫ذى وَِإن ي ُ َ‬ ‫ّ‬
‫م إ ِل أ ً‬ ‫}َلن ي َ ُ‬
‫ضّروك ُ ْ‬

‫فقد جاءت هذه الية في معرض الحديث عن اليهود ‪ ،‬وهم أكثر‬


‫الناس مكايد للمؤمنين ولسائر الناس ‪.‬‬

‫فما على المؤمنين الصادقين الملتزمين بللأوامر الللله إل أن يواجهللوا‬


‫أعداء الله بثبات وصبر ‪ ،‬بعد أن يعدوا لهم ما يستطيعون من قوة ‪ ،‬وتكللون‬
‫نسبة عدوهم ل تزيد على ضعفهم ‪.‬‬

‫لقللد كللان التكليللف أول المللر يلللزم المللؤمنين بللأن يقللابلوا عشللرة‬
‫أضعافهم ‪ ،‬ثم خفف الله هذه النسبة إلللى ضللعف واحللد ‪ ،‬نظللرا ً إلللى حالللة‬
‫الضعف النفسي الذي عليه الناس مهما بلغ إيمانهم ‪ ،‬إذ ل يرتقي شعورهم‬
‫الجماعي العام إلى مستوى النسبة العظمى ‪ ،‬ولو بلغ شللعورهم الجمللاعي‬
‫إلى هذا المستوى لكتب الله لهللم النصللر علللى عللدوهم ‪ ،‬وإن كللانت قللوته‬
‫عشرة أضعاف قوتهم أو أكثر ‪ ،‬وهذا ما بينه الله بقوله في سورة )النفال‪/‬‬
‫‪ 8‬مصحف‪ 88/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬‫ن * ٰيأي َّها ٱل ّنلب ِ ّ‬ ‫ن ٱلل ُ‬
‫م ؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ٱّتلب َعَك ِ‬
‫َ‬ ‫م ِ‬ ‫هل وَ َ‬‫سب ُك ٱل لل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ح ْ‬‫ي َ‬ ‫} ٰيأي َّها ٱل ّنلب ِ ّ‬
‫ن ي َغْل ِب ُللوا ْ‬
‫صللاب ُِرو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ش لُرو َ‬ ‫ع ْ‬‫م ِ‬ ‫ل ِإن ي َك ُللن منك ُل ْ‬ ‫ن عَل َللى ٱْلل ِ‬
‫ق ت َللا ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ض ٱْلل ُ‬
‫م ؤْ ِ‬ ‫حر ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م لّ‬ ‫م قَلوْ ٌ‬ ‫ْ‬
‫فلُروا ِبلأن ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫ة ي َغْل ِب ُل ۤوا ألفلا مل َ‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫م مئ َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫ن منكل ْ‬ ‫ُ‬
‫ن وَِإن ي َكل ْ‬ ‫مئ َت َي ْل ِ‬
‫ِ‬
‫ن{‬
‫قُهو َ‬
‫ف َ‬
‫يَ ْ‬

‫أي‪ :‬ليس لهم غاية يفقهونها فترفع قواهم المعنوية على القتال ‪ ،‬ول‬
‫أمل لهم فيما بعد الحياة الدنيا ‪ ،‬لذلك فهم شللديدو الحللرص علللى الحيللاة ‪،‬‬
‫وهذا هو مولد الجبن في قلوبهم ‪.‬‬

‫وعقب ذلك جاء التخفيف في هذا المستوى من التكليللف اللزامللي ‪،‬‬


‫فقال تعالى في سورة )النفال‪ 8/‬مصحف‪ 88/‬نزول(‪:‬‬
‫عنك ُم وعَل ِ َ‬
‫ة‬‫مئ َ ٌ‬
‫م ّ‬‫منك ُل ْ‬ ‫ن ّ‬ ‫ضْعفا ً فَلِإن ي َك ُل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفيك ُ ْ‬ ‫مأ ّ‬ ‫َ‬ ‫ه َ ْ َ‬ ‫ف ٱل ّلل ُ‬
‫ف َ‬‫خ ّ‬‫نل َ‬ ‫}لٱل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫مل َ‬ ‫ه َ‬‫ن ٱل ّللهِ وَ ٱل ّللل ُ‬‫ن ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫في ْ ِ‬‫ف ي َغْل ِب ُ ۤوا ْ أل ْ َ‬
‫م أل ْ ٌ‬‫منك ُ ْ‬ ‫ن وَِإن ي َ ُ‬
‫كن ّ‬ ‫صاب َِرةٌ ي َغْل ُِبوا ْ ِ‬
‫مئ َت َي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫ري‬
‫ّ ِ ِ َ‬ ‫ب‬ ‫صلا‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬

‫ففي هذا وعد من الله بأن ينصر المؤمنين الصادقين الصابرين على‬
‫عدوهم ‪ ،‬ولو كان عدده ضعف عددهم ‪ ،‬على أنهم لو وثقوا بالله حق الثقة‬
‫‪ ،‬وصبروا وصدقوا لنصرهم علللى عللدوهم ولللو كللان عللدده ضللعف عللددهم‬
‫عشر مرات ‪ ،‬فالوعد الول لم ينقطع ‪ ،‬ولكن التكليف بالمواجهة هللو الللذي‬
‫جاء فيه التخفيف ‪ ،‬ولذلك جلاءت اليللة مصللدرة بقللول الللله تعللالى ‪} :‬الن‬
‫خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا{‪.‬‬

‫والوقائع والحداث التاريخية قد أيدت هذه الحقيقة ‪ ،‬فالله قد نصر ر‬


‫سله بالحق على الذين كفروا وظلمللوا مللن أقللوامهم ‪ ،‬ونصللر الللذين آمنللوا‬
‫وصبروا وصدقوا واستقاموا في كل وقائعهم ضد الذين كفروا ‪ ،‬ولم تتحلول‬
‫رياح النصر عن المؤمنين إل بذنوب قللد ارتكبوهللا ‪،‬وقللد حقللق الللله بنصللره‬
‫لرسله وللمؤمنين الصابرين الصادقين سللننه الللتي وضللعها ‪ ،‬وحقللق وعللده‬
‫الذي وعد به أوليللاءه ‪ ،‬والللذي أعلنلله بقللوله تعللالى فللي سللورة )غللافر‪40/‬‬
‫مصحف‪ 60/‬نزول(‪:‬‬
‫م‬‫قللو ُ‬
‫م يَ ُ‬ ‫ح ي َللاةِ ٱل ل ّ‬
‫دلن َْيا وَي َلوْ َ‬ ‫من ُللوا فِللي ٱلل َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫سللَنا َول ٱللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫صلُر ُر ُ‬ ‫}إ ِّنا ل ََنن ُ‬
‫سلل ۤوُء‬ ‫م ُ‬ ‫ة وَل َُهلل ْ‬ ‫م ٱل ْل ّعَْنلل ُ‬
‫م وَل َُهلل ُ‬
‫مْعللذَِرت ُهُ ْ‬‫ن َ‬
‫مي َ‬ ‫فللعُ ٱل ّ‬
‫ظللال ِ ِ‬ ‫م ل َ َين َ‬‫شللَهاد ُ * َيللوْ َ‬ ‫ٱل َ ْ‬
‫دلاِر {‬
‫ٱل ّ‬

‫وبنظرة تفصيلية نلحظ أن الله تبارك وتعالى قد نصر نوحا ً على‬


‫قومه فأغرقهم وأنجاه والذين آمنللوا معلله ‪ ،‬ونصللر هللودا ً وصللالحا ً وإبراهيللم‬
‫ولوطا ً على أقوامهم ‪ ،‬ونصر موسى علللى فرعللون وملئه وجنللوده ‪ ،‬ونصللر‬
‫داود وسليمان ‪ ،‬ونصر عيسى فأنجاه من قومه ‪ ،‬ونصر محمللدا ً والمللؤمنين‬
‫معه وتوج لهم جهادهم بالفتح المللبين ‪ ،‬ونصللر المجاهللدين المسلللمين مللن‬
‫بعده ‪ ،‬ففتح لهم أبواب ممالك الرض ‪ ،‬وما توقللف عنهللم النصللر إل حينمللا‬
‫عصوا فللي الواجبللات والشللروط الللتي فرضللها الللله عليهللم ‪ ،‬والللتي كللانوا‬
‫يستحقون بها إمداد الله لهم بمعونته ونصره ‪.‬‬

‫ولنأخللذ حيللاة الرسللول محمللد ‪ ‬لنللرى كيللف نصللره الللله فللي كللل‬
‫مواقفه على أعدائه ‪ ،‬وكيف خذل الكافرين ‪.‬‬

‫لقد نصره الللله يللوم هللاجر مللن مكللة إلللى المدينللة ‪ ،‬بوسللائل خفيللة‬
‫غيبية ‪ ،‬وأخرى مشهودة ما كان الكافرون ليحسللبوا حسللابها ‪ ،‬وقللد تحللدث‬
‫الله عن هذا النصر بقوله لصحاب الرسول في سورة )التوبللة‪ 9/‬مصللحف‪/‬‬
‫‪ 113‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ي ٱْثلن َي ْل ِ‬ ‫ه ٱلل ِ‬ ‫صَرهُ ٱل لل ُ‬
‫ن إ ِذ ْ‬ ‫ْ‬
‫ف َُروا َثان ِ َ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ج ُ‬‫خَر َ‬‫ه إ ِذ ْ أ ْ‬ ‫ّ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫َ‬
‫صُروهُ ف َ‬ ‫}إ ِل ّ َتن ُ‬
‫ه‬
‫كين َت َ ُ‬‫سل ِ‬‫هل َ‬ ‫ل ٱل ّلل ُ‬ ‫معََنا فَأنَز َ‬
‫ه َ‬ ‫ن ٱل ّلل َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫حب ِهِ ل َ ت َ ْ‬‫صا ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ِفي ٱْللَغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ‬ ‫هُ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫مل ُ‬ ‫َ‬
‫فل ٰى وَكل ِ َ‬ ‫سل ْ‬ ‫فلُروا ٱل ّ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬‫ة ٱل ل ِ‬ ‫مل َ‬ ‫َ‬
‫ل كل ِ َ‬ ‫ج ع َل َ‬
‫م ت ََروْهَللا وَ َ‬ ‫جُنودٍ ل ْ‬ ‫عَل َي ْهِ وَأي ّد َهُ ب ِ ُ‬
‫م{‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ي ٱْللعُ ل َْيا وَ ٱ ل ّلل ُ‬ ‫ٱ ل ّللهِ هِ َ‬

‫وتحدث الله عن هذا النصر أيضا ً بقوله لرسوله في سورة )النفال‪/‬‬


‫‪ 8‬مصحف‪ 88/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جللو َ‬
‫ك‬ ‫خرِ ُ‬ ‫قت ُُلللو َ‬
‫ك أوْ ي ُ ْ‬ ‫فللُروا ْ ل ِي ُث ْب ُِتللو َ‬
‫ك أوْ ي َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ك ٱّلللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫كللُر ِبلل َ‬ ‫م ُ‬ ‫}وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ ِ‬‫خي ُْر ٱْلل َ‬
‫ه َ‬ ‫هل َول ٱل ّلل ُ‬‫مك ُُر ٱل ّلل ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫وَي َ ْ‬

‫ثم نصر الله الرسول والمؤمنين في غزوة بدر الكبرى على‬


‫الكافرين أعدائهم وأعداء الللله ‪ ،‬وسللورة النفللال تللدور حللول أحللداث هللذه‬
‫الموقعة العظيمة وما أظهر الله فيها من آيلات نصلرة لرسلوله والملؤمنين‬
‫ن الله عليهم بهللذا النصللر ‪ ،‬فقللال‬ ‫معه ‪ ،‬رغم أنهم كانوا أقلة أذلة ‪ ،‬وقد امت ّ‬
‫تبارك وتعالى في سورة )آل عمران‪ 3/‬مصحف‪ 89/‬نزول(‪:‬‬
‫ن * إ ِذ ْ‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬‫قوا ْ ٱل ّلل َ‬ ‫ة َفل ٱّتل ُ‬ ‫م أ َذِل ّ ٌ‬ ‫َ‬
‫هل ب ِب َد ْرٍ وَأن ْت ُ ْ‬ ‫م ٱل ّلل ُ‬ ‫صَرك ُ ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫}وَل َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ۤلئ ِك َل ِ‬
‫ة‬ ‫ن ٱل ْ َ‬ ‫مل َ‬ ‫ف ّ‬ ‫م ب ِث َل َث َلةِ آل َ ٍ‬ ‫م َرب ّك ُل ْ‬ ‫ملد ّك ُ ْ‬ ‫م أن ي ُ ِ‬ ‫فيك ُل ْ‬ ‫ن ي َك ْ ِ‬ ‫ن أل َل ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫ملؤْ ِ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬ ‫قللو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫ْ‬ ‫ن * بَ َ ۤ‬
‫م‬ ‫م َرب ّ ُ‬
‫كل ْ‬ ‫ملدِد ْك ُ ْ‬ ‫ذا ي ُ ْ‬ ‫م ه َ ٰل ل َ‬ ‫ملن فَلوْرِهِ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫قوا ْ وََيلأُتوك ُ ْ‬ ‫صب ُِروا ْ وَت َت ّ ُ‬ ‫لى ِإن ت َ ْ‬ ‫منَزِلي َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ى‬ ‫ٰ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫ب‬ ‫ّ‬
‫ُ ِ ُ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ل‬ ‫ٱ‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫لا‬
‫ل‬ ‫م‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫و‬‫ل‬ ‫س‬
‫َ ِ ِ ُ َ ّ ِ َ‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ئ‬ ‫ۤ‬
‫مل‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ٍ ّ َ‬ ‫ف‬ ‫ۤ‬
‫آل‬ ‫بِ َ ْ َ ِ‬
‫ة‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫خ‬
‫م{‬ ‫كي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزِ ٱْلل َ‬ ‫هل ٱْللعَ ِ‬ ‫عندِ ٱل ّلل ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ص ُر إ ِل ّ ِ‬ ‫ما ٱل ّنل ْ‬ ‫م ب ِهِ وَ َ‬ ‫ن قُُلوب ُك ُ ْ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫وَل ِت َط ْ َ‬

‫أي فبعزتلله ينصللر ‪ ،‬وبحكمتلله يقضللي بنصللره للمللؤمنين الصللابرين‬


‫الصادقين على الكافرين المصرين المعاندين الصادين عن سبيل الله ‪.‬‬

‫وفي غزوة أحد نصر الله المؤمنين في أوائل المللر ‪ ،‬ثللم حللول الللله‬
‫عنهم رياح النصر بسبب معصيتهم أوامر الرسول صلوات الله عليه ‪.‬‬

‫وفي غزوة حنين حين تحولت أول المر رياح النصر عللن المسلللمين‬
‫بسبب اغترارهم بكثرتهم واعتمادهم على أنفسهم ‪ ،‬ثم نصللرهم الللله وأيللد‬
‫رسللوله والمللؤمنين الصللادقين ‪ ،‬وأنللزل جنللودا ً مللن عنللده ‪ ،‬وخللذل الللذين‬
‫كفروا ‪ ،‬وبين الله هللذا بقللوله تعللالى فللي سللورة )التوبللة‪ 9/‬مصللحف‪113/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫م ك َث َْرت ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫جب َت ْك ُ ْ‬
‫ن إ ِذ ْ أعْ َ‬ ‫حن َي ْ ٍ‬‫م ُ‬ ‫ن ك َِثيَرةٍ وَي َوْ َ‬
‫واط ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫هل ِفي َ‬ ‫م ٱل ّلل ُ‬ ‫صَرك ُ ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫}ل َ َ‬
‫َ‬
‫ن*‬ ‫ري َ‬ ‫مللد ْب ِ ِ‬ ‫م وَل ّي ُْتم ّ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫حب َ ْ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫م ٱللْر ُ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬‫شْيئا ً وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫عنك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ت ُغْ ِ‬‫فَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫م أ ََنز َ‬
‫م ت ََروْهَللا‬ ‫جُنودا ً ل ّ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن وَأنَز َ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ؤْ ِ‬‫سول ِهِ وَعََلى ٱْلل ُ‬ ‫ه عَل َ ٰى َر ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ٱل ّلل ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن{‬ ‫جَزآُء ٱللكافِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫فُروا وَ ٰذل ِك َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ٱلل ِ‬
‫ّ‬ ‫َوعذ ّ َ‬

‫فأصاب الله المؤمنين يوم حنين بما أصابهم به أول ً ليؤدبهم ويربيهم‬
‫حتى ل يغتروا بأنفسهم ‪ ،‬وحتى ل ينقطعوا عن العتماد على الله والثقة به‬
‫والتوكللل عليلله ‪ ،‬ثللم تللدارك القلللة الباقيللة منهللم بنصللره المللبين ‪ ،‬ليثبللت‬
‫للمؤمنين أن النصر من عنده سبحانه ‪ ،‬يرفعه متى شاء ‪ ،‬ويضعه حيث شاء‬
‫‪.‬‬
‫وفي غزوة الخندق كان نصر الله للمؤنين برد الكللافرين عللن حصللار‬
‫المدينة ‪ ،‬وهم يعانون آلم غيظهم ‪ ،‬إذ لم ينالوا خيرا ً من حملتهللم الظالمللة‬
‫الثمة ‪ ،‬وقد بين الله ذلك بقوله تعالى في سللورة )الحللزاب‪ 33/‬مصللحف‪/‬‬
‫‪ 99‬نزول(‪:‬‬
‫فللى ٱل للل ُ‬
‫ه‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫خي ْللرا وَك َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م ي َن َللالوا َ‬ ‫َ‬
‫م لل ْ‬ ‫ْ‬
‫ف لُروا ب ِغَي ْظ ِهِ ل ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫}وََرد ّ ٱل للل ُ‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫زيزا{‬ ‫ً‬
‫هل قَوِي ّا عَ ِ‬‫ن ٱ ل لل ُ‬
‫ّ‬ ‫كا َ‬‫ل وَ َ‬ ‫ن ٱ ْلل ِ‬
‫ق َتا َ‬ ‫ٱ ْلل ُ‬
‫م ؤْ ِ‬
‫مِني َ‬

‫وفي غزوة بني قريظة كان نصر الله للمؤمنين بقذف الرعب في‬
‫قلوب اليهود وإنزالهم من حصونهم ‪ ،‬واستسلمهم للقتل والسر ‪ ،‬وقد بين‬
‫الله هذا النصر بقوله تعالى في سورة )الحزاب‪ 33/‬مصحف‪ 90/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫}وََأنَز َ‬
‫ف‬‫م وَقَذ َ َ‬ ‫صيهِ ْ‬ ‫صَيا ِ‬
‫من َ‬ ‫ل ٱْللك َِتا ِ‬
‫ب ِ‬ ‫ن أ ْهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫ظاهَُرو ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬
‫قتل ُللون وتأسلرون فَريقلا ً * وأ َورث َك ُل َ‬
‫م‬
‫ض له ُ ْ‬
‫م أْر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ ََ ِ ُ َ ِ‬ ‫ريقلا ً ت َ ْ ُ‬‫ب فَ ِ‬ ‫م ٱل ّرلعْ ل َ‬ ‫ِفي قُل ُللوب ِهِ ُ‬
‫ديرًا{‪.‬‬ ‫ه عَل َ ٰى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يٍء قَ ِ‬
‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ن ٱلل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م ت َط َُئو َ‬
‫ها وَ َ‬ ‫م وَأْرضا ً ل ّ ْ‬ ‫وال َهُ ْ‬‫م َ‬
‫م وَأ ْ‬ ‫وَدَِياَرهُ ْ‬

‫وفي غزوة بني النضير كان نصر الله للمؤمنين بأن قذف الرعب‬
‫في قلوب بني النضير من اليهود ‪ ،‬وتم إجلؤهم عللن المدينللة ‪ ،‬ونصللر الللله‬
‫رسوله والمؤمنين معه ‪ ،‬ونزل في أحداث هللذه الواقعللة الللتي تمللت بنصللر‬
‫المؤمنين وخذل الكافرين سورة )الحشر‪ 59/‬مصللحف‪ 101/‬نللزول(‪ ،‬وفللي‬
‫هذه السورة يقول الله تعالى‪:‬‬
‫زيُز ٱلل َ‬ ‫َ‬
‫م*‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬ ‫ض وَهُوَ ٱللعَ ِ‬
‫ْ‬
‫ما ِفي ٱللْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬
‫َ‬
‫ماَوا ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ما ِفي ٱل ّ‬ ‫ح ل ِل ّهِ َ‬ ‫سب ّ َ‬
‫َ‬
‫} َ‬
‫ل ٱلل َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫شلل ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬ ‫م ل َوّ ِ‬ ‫من دَِيللارِهِ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ل ٱللك َِتا ِ‬
‫ْ‬ ‫ن أه ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ج ٱلل ِ‬
‫ّ‬ ‫خَر َ‬ ‫هُوَ ٱّللذِ ۤي أ ْ‬
‫َ‬ ‫م َأن ي َ ْ‬
‫م ٱل ّللل ُ‬
‫ه‬ ‫هل فَأَتللاهُ ُ‬ ‫ن ٱل ّلل ِ‬ ‫َ‬ ‫صون ُُهم م‬ ‫ُ‬ ‫ح‬‫م ُ‬ ‫مان ِعَت ُهُ ْ‬ ‫م ّ‬‫جوا ْ وَظ َن ّ ۤوا ْ أن ّهُ ْ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ما ظ ََننت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ديهِ ْ‬ ‫م ب ِأي ْل ِ‬ ‫ن ب ُي ُللوت َهُ ْ‬ ‫خرِب ُللو َ‬ ‫ب يُ ْ‬ ‫م ٱل ّرلعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ف ِفي قُلوب ِهِ ُ‬ ‫ْ‬
‫سُبوا وَقَذ َ َ‬ ‫حت َ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫َ‬
‫ثل ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫هل عَلي ِْهل ُ‬ ‫ب ٱل للل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صللارِ * وَللوْل أن كَتل َ‬ ‫َ‬ ‫علت َب ُِروا ٰيأوِْلي ٱللب ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َفل ٱ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ؤْ ِ‬ ‫دي ٱلل ُ‬
‫ْ‬ ‫وَأي ْ ِ‬
‫ب ٱ ل ّنلاِر{‬ ‫ذا ُ‬ ‫خ َر ةِ عَ َ‬ ‫م ِفي ٱ لل ِ‬ ‫َ‬
‫دلن َْيا وَلهُ ْ‬ ‫م ِفي ٱ ل ّ‬ ‫َ‬
‫ج ل َء لعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٱ ْلل َ‬

‫وهكذا وضح لنا بالشواهد الواقعية كيف يعاقب الله الكفارين بأنواع‬
‫من العقاب المعجل في الدنيا ‪ ،‬ولعذاب الخرة أكبر وأشق ‪ ،‬وهذا العقللاب‬
‫المعجل للكافرين ليس عقابا ً كامل ً ‪ ،‬وإنما هو عقاب جزئي للتذكير والتربية‬
‫والعتبار ‪ ،‬وهو أيضا ً بشرى للمؤمنين ومثوبة لهم ‪.‬‬

‫* العقوبة بالقوارع الجزئية‪:‬‬


‫ومللن العقوبللات الماديللة المعجلللة الللتي ينزلهللا الللله بالللذين كفللروا‬
‫وأصروا على كفرهم وعنادهم أنواع القللوارع والمصللائب الللتي تحللل بهللم ‪،‬‬
‫وقد بين الله ذلك بقوله تعالى في سورة )الرعد‪ 13/‬مصحف‪ 96/‬نزول(‪:‬‬
‫فروا ْ تصيبهم بما صنعوا ْ َقارعَ ٌ َ‬
‫ريبلا ً ّ‬
‫مللن‬ ‫ل قَ ِ‬
‫ح ّ‬
‫ة أوْ ت َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ ُُ ِ َ َ َُ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ل ٱّلل ِ‬‫}وَل َ ي ََزا ُ‬
‫ْ‬
‫د{‬ ‫ف ٱْلل ِ‬
‫ميَعا َ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫ن ٱل ّلل َ‬
‫ه ل َيُ ْ‬ ‫ي وَعْد ُ ٱل ّلل ِ‬
‫هل إ ِ ّ‬ ‫حت ّ ٰى ي َأت ِ َ‬‫م َ‬
‫دارِهِ ْ‬
‫َ‬

‫ويدل علللى ذلللك أيض لا ً قللول الللله تعللالى فللي سللورة )السللجدة‪32 /‬‬
‫مصحف‪ 75/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ب ٱللك َبللرِ لعَلُهلل ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ٱللَعلل َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ب ٱللد َْنلل ٰى ُ‬ ‫ن ٱللَعلل َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ْ‬ ‫م ملل َ‬ ‫قن ّهُ ْ‬ ‫}وَل َُنلل ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مل َ‬ ‫ض عَن ْهَللآ إ ِن ّللا ِ‬
‫م أعْلَر َ‬ ‫ت َرب لهِ ث ُل ّ‬ ‫مللن ُ‬
‫ذك لَر ِبآي َللا ِ‬ ‫م ّ‬
‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َل ُ‬ ‫مل ْ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫جعُللو َ‬ ‫ي َْر ِ‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫ق ُ‬‫منت َ ِ‬‫ن ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ج رِ ِ‬ ‫ٱ ْلل ُ‬
‫م ْ‬

‫والعذاب الدنى هو العذاب المعجل في الدنيا والغرض منه رجاء‬


‫إصلحهم أو التعاظ بهم ‪ ،‬وقد يللدخل فللي العللذاب الدنللى عللذاب مللا بيللن‬
‫الموت والبعث ‪.‬‬

‫* العقوبة بالهلك العام والتدمير الشامل‪:‬‬


‫ويأتي في قمة أنواع العذاب المعجل للكافرين عقابهم بالهلك‬
‫العام والتدمير الشامل ‪ ،‬لقمع بؤرة الشر الللتي لللم ُتجلدِ فيهللا كللل وسللائل‬
‫الصلح ‪ ،‬وليكون هذا العقاب عللبرة لغيرهللم ‪ ،‬حللتى يرتللدعوا عللن كفرهللم‬
‫وطغيانهم وتماديهم في الفساد ‪ ،‬ولينصر الله بذلك رسله والمؤمنين ‪.‬‬

‫لما اشتد اسلتهزاء الكللافرين برسلول الللله ‪ ‬خلاطبه اللله مطمئنلا ً‬


‫ومسليا ً له بقوله في سورة )الرعد‪ 13/‬مصحف‪ 96/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫قد ٱسلت ه زىَء برسل من قَبل َ َ‬
‫م‬‫خ لذ ْت ُهُ ْ‬
‫مأ َ‬‫فُروا ْ ث ُل ّ‬
‫ن كَ َ‬ ‫ت ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مل َي ْ ُ‬
‫ك فَأ ْ‬‫ِْ‬ ‫ُِ ُ ٍ ّ‬ ‫ْ ُ ْ ِ‬ ‫}وَل َ َ ِ‬
‫ب{‬ ‫قا ِ‬
‫ع َ‬
‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬
‫فَك َي ْ َ‬

‫فكان عقاب الله لهم بالهلك العام ‪ ،‬والعذاب الشامل ‪.‬‬

‫وقص الله علينا في القرآن طائفة من قصص إهلك الولين ‪ ،‬ليكون‬


‫ذلك عبرة لولي البصار ‪ ،‬وأوضح لنللا أن إهلكهللم كللان جللزاء لهللم بسللبب‬
‫كفرهللم وتمللاديهم فللي الغللي والفسللاد ‪ ،‬وانتصللارا ً لرسللله الللذين كللذبوهم‬
‫وسخروا منهم وكادوهم كيدا ً كبيرًا‪.‬‬

‫فمن أمثلة ذلك إهلك الله أهل سبأ ‪ ،‬لقللد كللان إهلكهللم جللزاء لهللم‬
‫بسبب كفرهم وبغيهم ‪ ،‬قال الله تعالى فللي سللورة )سللبأ‪ 34/‬مصللحف‪58/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫مللن‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ل ك ُلللوا ِ‬ ‫ما ٍ‬‫شل َ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫سك َن ِهِ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫مي ٍ‬ ‫عن ي َ ِ‬
‫َ‬
‫ن َ‬ ‫جن َّتا ِ‬‫ة َ‬ ‫م آي َ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫سب َإ ٍ ِفي َ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫}ل َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫س للَنا عَلي ْهِل ْ‬ ‫ْ‬ ‫ضوا فَأْر َ‬ ‫ْ‬ ‫فوٌر * فَأعَْر ُ‬ ‫ب غَ ُ‬ ‫ة وََر ّ‬ ‫َ‬
‫ه ب َلد َةٌ طي ّب َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ش ك ُُروا ل ُ‬ ‫م وَ ٱ ْ‬ ‫ق َرب ّك ُ ْ‬ ‫ّرْز ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫مللن‬ ‫يٍء ّ‬ ‫شل ْ‬ ‫ل وَ َ‬‫ط وَأث ْل ٍ‬ ‫مل ٍ‬ ‫خ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ي أك ُل ٍ‬ ‫ن ذ ََوات َ ْ‬ ‫جن ّت َي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جّنات ِهِ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ل ٱْللعَ رِ م ِ وَب َد ّل َْناهُ ْ‬ ‫سي ْ َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ب‬ ‫نا‬
‫َ َ َ َ ََُْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬
‫لل‬ ‫ٱ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ۤ‬ ‫ز‬ ‫ج‬ ‫ن‬
‫َ َ ُ ْ ِ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫َ َ َْ ُ ْ ِ َ‬‫ه‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ز‬‫ج‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫*‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫سد ْ ٍ ِ ٍ‬
‫لي‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ِ‬
‫سيُروا ْ ِفيَها‬ ‫ّ َْ ِ‬‫ر‬ ‫ي‬ ‫سل‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫نا‬
‫ِ َ ً َ ّْ َ ِ َ‬ ‫ر‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ظا‬ ‫رى‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫نا‬
‫َ َ َ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫با‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫لل‬‫ّ‬ ‫ٱ‬ ‫رى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬
‫لل‬ ‫ٱ‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫ََْ َ‬ ‫ب‬ ‫و‬
‫م‬‫س له ُ ْ‬ ‫م ل ۤوا ْ َأن ُ‬
‫ف َ‬ ‫فارَِنا وَظ َل َ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ع لد بي ل َ‬
‫نأ ْ‬ ‫قللاُلوا ْ َرب ّن َللا َبا ِ ْ َ ْ َ‬‫ن * فَ َ‬ ‫مِني ل َ‬
‫َ‬
‫ي وَأّيام لا ً آ ِ‬ ‫ل َي َللال ِ َ‬
‫ت ل ّك ُل ّ‬ ‫َ‬
‫صلّباٍر‬‫ل َ‬ ‫ك لي َللا ٍ‬‫ن فِللي ذ َل ِل َ‬
‫ق إِ ّ‬
‫ملّز ٍ‬
‫م َ‬
‫ل ُ‬ ‫م ك ُل ّ‬ ‫مّزقْن َللاهُ ْ‬‫ث وَ َ‬‫حللاِدي َ‬
‫مأ َ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫شكوٍر{‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫فهؤلء السبئيون في القديم قد عاقبهم الله بالسيل العرم ‪،‬‬


‫وجازاهم بسبب كفرهم العنيد الظالم ‪ ،‬بعللد أن وسللع عليهللم فللي الللرزق ‪،‬‬
‫وعاملهم بعفوه وغفرانه )بلدة طيبة ورب غفور( لكنهم ما رعوا نعمللة الللله‬
‫حق رعايتها ‪ ،‬فبدلهم الله بجنتيهم الطيبتين جنتين ذواتللي أكللل خمللط ‪ ،‬ثللم‬
‫أهلكهم ومزقهم كل ممزق ‪.‬‬

‫وأوضح القرآن أن عقاب الكافرين يحمل غايتين ‪:‬‬


‫الغاية الولى ‪ :‬الجزاء بالعقاب للكافرين ‪.‬‬
‫الغاية الثانية ‪ :‬الجزاء بالثواب للمؤمنين الصادقين ‪.‬‬

‫فمن ذلك ما قصه الله تعالى من قصة قوم نوح وإهلكهم وإنقاذ نوح‬
‫ومن آمن معه ‪ ،‬ليتعظ بها قوم محمد ‪ ، ‬فقال تعالى في سورة )القمللر‪/‬‬
‫‪ 54‬مصحف‪ 37/‬نزول(‪:‬‬
‫عا‬ ‫َ‬
‫جَر * فد َ َ‬ ‫ن وَ ٱْز د ُ ِ‬ ‫جُنو ٌ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ُنوٍح فكذ ُّبوا عَب ْد ََنا وَقالوا َ‬ ‫َ‬ ‫م قَوْ ُ‬ ‫ت قَب ْل َهُ ْ‬ ‫}ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫رب َ‬
‫جْرن َللا‬ ‫ملرٍ * وَفَ ّ‬ ‫من ْهَ ِ‬
‫ملاٍء ّ‬ ‫مآِء ب ِ َ‬ ‫سلل َ‬ ‫ب ٱل ّ‬‫وا َ‬‫حَنآ أب ْل َ‬ ‫فت َ ْ‬‫ص ْر * فَ َ‬ ‫ب َفل ٱن ت َ ِ‬ ‫مغُْلو ٌ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫َ ّ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ٱل َْر‬
‫واٍح‬ ‫ت أل ل َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ملن َللاهُ عَل ل ٰى َ‬ ‫ح َ‬‫مرٍ قَد ْ قُدَِر * وَ َ‬ ‫مآُء عَل ٰىأ ْ‬ ‫قى ٱل َ‬ ‫ض عُُيونا َفالت َ َ‬ ‫َ‬
‫ن ك ُفِ لَر * وَل َ َ‬ ‫َ‬
‫مللن‬ ‫ل ِ‬ ‫ة فَهَل ْ‬ ‫ق لد ْ ت َّرك َْناهَللا آي َل ً‬ ‫من ك َللا َ‬ ‫جَزآًء ل ّ َ‬‫ري ب ِأعْي ُن َِنا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سرٍ * ت َ ْ‬ ‫وَد ُ ُ‬
‫ذاِبي وَن ُذ ُِر{‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ف كا َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫مد ّك ِرٍ * فَكي ْ َ‬ ‫ّ‬

‫فعقاب قوم نوح وإنقاذ نوح بالمعجزة الربانية كان ذلك جزاء لنوح‬
‫فر – أي ‪ :‬كفر به قومه وكذبوه – وهذا جزاء بللالثواب ‪ ،‬وكللان أيض لا ً‬
‫الذي ك ُ ِ‬
‫جزاء بالعقاب للكافرين المكذبين ‪ ،‬إذ كانوا هم الطرف المعاقب المهَلك ‪.‬‬

‫ومن الملحظ بوضوح أن ما عرضه الله في كتابه من قصص الولين‬


‫‪ ،‬قد كان الغرض منه إيقاظ مشاعر العتبار والتعللاظ ‪ ،‬ولللم يكللن الغللرض‬
‫منه مجرد علرض قصلص ملن القصللص التاريخيللة ‪ ،‬مهملا كلانت المواقللف‬
‫الفنية المللثيرة ظللاهرة فيهلا ‪ ،‬ولللذلك تللبرز فلي القصللة القرآنيللة الحللداث‬
‫المشتملة علللى مللواطن العظللة والعتبللار ‪ ،‬ويللأتي فيهللا لفللت النظللر إلللى‬
‫التعاظ والعتبار ‪ ،‬في آخر عرض القصة أو في أوله أو في أثنائه ‪.‬‬

‫ففي النص السابق نلحظ في آخللره قللول الللله تعللالى ‪}:‬فهللل مللن‬
‫دكر؟ فكيف كان عذابي ونذر؟{‪.‬‬
‫م ّ‬

‫ونلحظ في القرآن تنبيها ً عاما ً على العتبار بجميع ما أجراه الله في‬
‫المم السابقة ‪ ،‬فمن ذلك قول الله تعالى يخاطب رسللوله محمللدا ‪ ‬فللي‬
‫سورة )فاطر‪ 35/‬مصحف‪ 43/‬نزول(‪:‬‬
‫سل ُُهم ِبل ٱْللب َي َّنللا ِ‬
‫ت‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جآَءت ْهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬‫ذي َ‬ ‫ب ٱّلل ِ‬ ‫قد ْ ك َذ ّ َ‬
‫ك فَ َ‬ ‫}وَِإن ي ُك َذ ُّبو َ‬
‫َ‬
‫كيرِ {‪.‬‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫ف َ‬
‫كا َ‬ ‫فُروا ْ فَك َي ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ٱّلل ِ‬‫خذ ْ ُ‬
‫مأ َ‬ ‫م ِنيرِ * ث ُ ّ‬ ‫ب ٱْلل ُ‬‫وَِبل ٱل ّزلب ُرِ وَِبل ٱْللك َِتا ِ‬
‫ففي قوله تعالى ‪} :‬فكيف كان نكير؟{ توجيه ظاهر للتعاظ‬
‫والعتبار بكل ما جرى للمم السابقة من عقاب لهم على كفرهم وتكذيبهم‬
‫‪.‬‬

‫ومن ذللك أيضلا ً قلوله تعللالى فللي سللورة )يوسللف‪ 12/‬مصللحف‪53/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جال ّنو ِ ۤ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫قلَر ٰى أفَلل ْ‬ ‫ل ٱل ُ‬ ‫ن أه ْ ل ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫م ّ‬ ‫حي إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫من قَب ْل ِك إ ِل رِ َ‬ ‫سلَنا ِ‬ ‫مآ أْر َ‬ ‫}و َ َ‬
‫داُر ٱلل ِ‬ ‫ة ٱلل ِ‬ ‫َ‬
‫سيُروا ِفي ٱ َللْر ِ‬
‫ة‬
‫خ َر ِ‬ ‫َ‬
‫م وَل َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ف كا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض فََينظُروا كي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫يَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م قَلد ْ‬ ‫ل وَظن ّل ۤوا أن ّهُل ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سل ُ‬ ‫س لٱّر ُ‬ ‫سلت َي ْأ ْ َ‬‫ذا ٱ ْ‬ ‫حت ّ ٰى إ ِ َ‬ ‫ن* َ‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قوا أفَل ت َعْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن ٱت ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫خي ٌْر ل ّل ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫مي َ‬ ‫ج رِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ق وْ م ِ ٱلل ُ‬
‫ْ‬ ‫ن ٱلل َ‬
‫ْ‬
‫سَنا عَ ِ‬ ‫َ‬
‫شآُء وَل ي َُرد ّ ب َأ ُ‬ ‫من ن ّ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ج َ‬ ‫صُرَنا فَن ُ ّ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫جآَءهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫كذُِبوا َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫قد ْ َ‬‫لَ َ‬
‫كن‬ ‫فت َلَر ٰى وَل ٰلل ِ‬ ‫ديثا ي ُ ْ‬ ‫حل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مللا كللا َ‬ ‫ب َ‬ ‫عب َْرةٌ لوْل ِللي ٱللب َللا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫صه ِ ْ‬ ‫ص ِ‬‫ن ِفي قَ َ‬ ‫كا َ‬
‫ن{‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫ة لّ َ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫دى وََر ْ‬ ‫يٍء وَهُ ً‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫صي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَت َ ْ‬ ‫ذي ب َي ْ َ‬ ‫ديقَ ٱّلل ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫تَ ْ‬

‫ففي هذا النص تصريح بأن الغرض من عرض قصص الولين أن‬
‫تكللون عللبرة لولللي اللبللاب ‪ ،‬وهللم أصللحاب القلللوب الواعيللة والبصللار‬
‫المدركة ‪.‬‬

‫ومن هذا نلحللظ أن القللرآن يعتمللد – فللي ضللمن مللا يعتمللد – علللى‬
‫التربية بالقصة ‪ ،‬لما للقصة الواقعية من تلأثير قللوي فلي النفللوس ‪ ،‬وتنللبيه‬
‫دكار ‪ ،‬ومعلوم في الظواهر التاريخية أن تكرر النتائج‬ ‫قوي على العتبار وال ّ‬
‫ة الكونية ‪ ،‬فهي تدل عند ذوي العقول على‬ ‫للمقدمات دليل على ثبات السن ّ‬
‫أن للمسللتقبل حكللم مللا جللرى فللي الماضللي ‪ ،‬لللذلك كللان مللن الطللبيعي‬
‫الستشهاد بأحداث الماضي دليل ً على ما يجللري فلي المسللتقبل ‪ ،‬وباعتبللار‬
‫أن ذلك من سنن الله الثابتة ‪.‬‬

‫وذلك جعل الله أنبياء الولين أدلة لولي اللباب ‪ ،‬يحاسللبون عليهللا ‪،‬‬
‫ويلمون على الستهانة بها ‪ ،‬وعدم العتبار والتعاظ بما اشتملت عليه مللن‬
‫مواطن عظة واعتبار ‪ ،‬وهذا ما نلحظه في قول الله الموجه للللذين كفللروا‬
‫بمحمد ‪ ‬في سورة )التغابن‪ 64/‬مصحف‪ 108/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ذا ٌ‬‫م عَ َ‬ ‫َ‬
‫م وَلهُ ْ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫لأ ْ‬‫ذاُقوا ْ وََبا َ‬ ‫ل فَ َ‬‫من قَب ْ ُ‬ ‫فُروا ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ن َب َأ ٱّلل ِ‬‫م ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫}أ ل َ ْ‬
‫قال ُ ۤوا ْ أ َب َ َ‬ ‫ْ‬ ‫أ َليم * ذ َل َ َ‬
‫ف لُروا ْ‬
‫دون ََنا فَك َ َ‬‫ش لٌر ي َهْ ل ُ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫سل ُُهم ب ِٱل َْبيَنا ِ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫كاَنت ت ّأِتيهِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ك ب ِأن ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٌ‬
‫ميد ٌ {‬‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ه غَن ِ ّ‬ ‫هل وَ ٱل ل ّ ُ‬ ‫سلت َغْن َ ٰى ٱل ّلل ُ‬ ‫وَت َوَّلوا ْ وّ ٱ ْ‬

‫ففي هذا النص نلحظ توجيه اللوم والتوبيخ لهم إذ لم يتعظوا ولم‬
‫يعتبروا بأنباء الذين كفروا من قبل ‪.‬‬

‫وعلى هذا الساس التوجيهي التربوي جاءت قصص القرآن ‪.‬‬

‫)ب( العقوبات المؤجلة‪:‬‬


‫الجزاء المؤجل إلى ما وراء ظللروف هللذه الحيللاة الللدنيا هللو الجللزاء‬
‫الكبر ‪ ،‬وربما يدخر الله لبعض الناس كل جزائهم فينالون كل نصلليبهم مللن‬
‫هذا الجزاء الكبر ‪.‬‬

‫جل من أمور الغيب التي‬ ‫ولما كان البحث عن واقع هذا الجزاء المؤ َ‬
‫ل يستطيع العقل المجرد أن يتحكم فللي صللورها وأشللكالها أو يحكللم علللى‬
‫مراحلها ‪ ،‬لن بينها وبين العقل حجاب الزمان والمكان ‪ ،‬كان المرجللع فيهللا‬
‫النصوص الدينية الصحيحة ومفاهيمها المقبولة ‪.‬‬

‫وقد دلت النصوص الدينية الصحيحة على أن أنواع العقللاب المؤجللل‬


‫تبدأ منذ فترة المللوت فمللا بعلد الملوت ‪ ،‬ثللم يكلون عقلاب أشلد فلي يللوم‬
‫الحساب ‪ ،‬وهي المدة التي تكللون بعللد البعللث إلللى الحيللاة الجسللدية مللرة‬
‫أخرى ‪ ،‬وتستمر حتى إصدار الحكام النهائية ‪،‬ثم يكون العقاب الشد الكبر‬
‫في دار العذاب التي أعدها الله للمجرمين ‪.‬‬

‫فهي مراحل ثلث‪:‬‬


‫أولهمما‪ :‬مرحلللة الللبرزخ ‪ ،‬وهللي المللدة الفاصلللة بيللن الحيللاتين‬
‫الماديتين ‪.‬‬

‫ثانيتها‪ :‬مرحلة يوم الحساب ‪ ،‬وهي تكون بعد البعللث وقبللل دخللول‬
‫أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ‪.‬‬

‫ثالثها‪ :‬مرحلة دار الجزاء الكبر ‪.‬‬

‫وفي هذه المراحل الثلث أيضا ً يتلقى المؤمنون المتقون أنواعا ً مللن‬
‫ثوابهم ‪ ،‬وثوابهم الكبر يكون في المرحلة الخيرة ‪ ،‬إذ يدخلهم الله جنته ‪.‬‬

‫* عقاب الكافرين في المرحلة الولى‪:‬‬


‫لقد دلت النصوص السلمية دللة صريحة على وجود عقاب‬
‫للكافرين في المرحلة البرزخية التي تبدأ بللالموت ‪ ،‬وتسللتمر حللتى يبعثهللم‬
‫الله إلى الحياة الجسدية مرة أخرى ‪.‬‬

‫والموت إنما هو انفصال الروح عن الجسد ‪،‬ومفارقتها له ‪،‬كمللا يخلللع‬


‫لبس الثوب ثوبه ‪.‬‬

‫لقد قص الله علينا طرفا ً من قصة موسى مع فرعون وآل فرون‬


‫ومن آمللن مللن آل فرعللون ‪ ،‬ثللم ختللم ذلللك بقللوله فللي سللورة )غللافر‪40/‬‬
‫مصحف‪ 60/‬نزول(‪:‬‬
‫ب*‬ ‫سلل ۤوُء ٱللَعلل َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬
‫حاقَ ِبآ ِ‬ ‫ْ‬
‫مكلُروا وَ َ‬‫َ‬ ‫ما َ‬‫ت َ‬ ‫َ‬
‫سي ّئا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫}َفوَقاهُ ٱل ّلل ُ‬
‫خُلل ۤوا ْ آ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ل فِْرعَلوْ َ‬ ‫ة أد ْ ِ‬ ‫م ٱل ّ‬
‫سلاعَ ُ‬ ‫قلو ُ‬ ‫شلي ّا ً وََيلوْ َ‬
‫م تَ ُ‬ ‫ن عَل َي َْها غُد ُوّا ً وَعَ ِ‬ ‫ٱلّناُر ي ُعَْر ُ‬
‫ضو َ‬
‫ب {‪.‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫أَ َ‬
‫شد ّ ٱْللعَ َ‬
‫الضمير في }فوقاه الله سيئات ما مكروا{ يعود على الرجل الذي‬
‫آمن من آل فرعون ‪ ،‬فللوقى الللله مللؤمن آل فرعللون سلليئات مللا مكللر آل‬
‫فرعون ‪ ،‬ونزل بفرعون وآله سوء العللذاب مللن الللله ‪ ،‬وجللاء تفسللير سللوء‬
‫العذاب هذا بيان عرضهم على النار غدوا ً وعشيا ً ‪ ،‬وهذا العرض علللى النللار‬
‫واضح أنه يكون في مدة البرزخ بين الموت والبعث بدليل قول الللله تعللالى‬
‫عقب ذلك }ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب{‪.‬‬

‫فدل هذا على أن عرضهم على النار غللدوا ً وعشليا ً يكلون قبللل قيللام‬
‫السللاعة ‪ ،‬أي ‪ :‬قبللل البعللث ‪ .‬ثللم بعللد البعللث يحاسللبون ويقللال لملئكللة‬
‫العذاب ‪ :‬أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ‪.‬‬

‫وفي أقوال الرسول ‪ ‬نصوص كثيرة تثبت ما في هذه المرحلة من‬


‫نعيم وعذاب ‪.‬‬

‫أما كون عذاب الروح أو نعيمهللا فللي هللذه المللدة ذا صلللة بالجسللاد‬
‫الميتة أو البالية أو غير ذي صلة بها فل شأن لنا به ‪،‬وقللدرة الللله ل ُيعجزهللا‬
‫شيء تتعلق به مشيئته سبحانه ‪ ،‬علللى أنلله يكفللي لتحقيللق مللا دلللت عليلله‬
‫النصوص بالنسبة إلى هذه المرحلة أن يكون العذاب والنعيم للروح ولو لم‬
‫يكن للروح أية صلة بأبدانها ‪.‬‬

‫* عقاب الكافرين في المرحلة الثانية‪:‬‬


‫علمنا أن هذه المرحلة تبدأ بالبعث إلى الحياة بعد الموت للحساب‬
‫والجزاء الكبر ‪.‬‬

‫وقد دلت النصوص السللمية عللى أن هلذه المرحللة تشلتمل عللى‬


‫عذاب الموقف الطويل ‪ ،‬فللي حللر شللمس دانيللة مللن رؤوس الخلئف ‪ ،‬ول‬
‫ينجو منه إل المؤمنون الذين أكرمهم الللله بللأن يسللتظلوا فللي ظللل عللرش‬
‫الرحمن يومئذٍ ‪ ،‬يوم ل ظلل إل ظللله ‪ ،‬وتكلون درجلة علذاب هللذا الموقللف‬
‫مناسبة لحال الواقف وكفره وكثرة معاصلليه شللدة وضللعفا ً ‪ ،‬ويسللتمر هللذا‬
‫الموقف زمنا ً يعلمه الله ‪ ،‬حللتى يتمنللى الكللافرون أن يقضللى عليلله بعللذاب‬
‫جهمنم ‪ ،‬لينصرفوا إليها وينتهوا من موقف الحساب ‪.‬‬

‫وفي هذا الموقف أو في مرحلللة مللن مراحللله يعللرض الللذين كفللروا‬


‫على النار دار عذابهم ‪ ،‬ويقال لهم مع هذا العللرض ‪ :‬أذهبتللم طيبللاتكم فللي‬
‫حيللاتكم الللدنيا واسللتمتعتم بهللا؟! فللاليوم تجللزون عللذاب الهللون بمللا كنتللم‬
‫تستكبرون في الرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ‪ ،‬وفي بيان هذا يقللول‬
‫الله تعالى في سورة )الحقاف‪ 46/‬مصحف‪ 66/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫حي َللات ِك ُ‬
‫م فِللي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م طي َّبات ِك ْ‬ ‫فُروا ْ عََلى ٱل ّنلارِ أذ ْهَب ْت ُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض ٱّلل ِ‬ ‫م ي ُعَْر ُ‬ ‫}وَي َوْ َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫سللت َكب ُِرو َ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ُ‬
‫ما كنُتلل ْ‬ ‫ن بِ َ‬‫ب ٱ للُهو ِ‬‫ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬‫جَزوْ َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫م ب َِها َفلٱ للي َوْ َ‬
‫ْ‬ ‫م ت َعْت ُ ْ‬
‫سلت َ ْ‬‫دلن َْيا وَ ٱ ْ‬
‫ٱل ّ‬
‫ض ب ِغَي ْرِ ٱلل َ‬ ‫َ‬
‫ِفي ٱللْر ِ‬
‫ن{‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬
‫ف ُ‬‫م تَ ْ‬ ‫ُ‬
‫ما كنت ُ ْ‬ ‫قل وَب ِ َ‬‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫ويقال لهم بعد عرضهم على النار ‪ :‬أليس هذا بالحق ؟ فيقولون‪:‬‬
‫بلللى وربنللا ‪ .‬ولكلن هلذا العللتراف يلومئذٍ ل ينفعهللم ‪ ،‬لنهللم يعلترفون بمللا‬
‫يشهدون ‪،‬وهم عليه معروضون وإليه واردون ‪ ،‬ولذلك يقللال لهللم ‪ :‬فللذوقوا‬
‫العذاب بما كنتم تكفرون ‪ ،‬وهذا ما بينه الله بقوله في سورة )الحقاف‪46/‬‬
‫مصحف‪ 66/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حقّ َقالوا ب َل ٰى‬ ‫س ه َ ٰل َ‬
‫ذا ب ِٱل َ‬ ‫فُروا عَل ٰى ٱلّنارِ ألي ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬‫ض ٱل ّ ِ‬
‫م ي ُعَْر ُ‬
‫}وَي َوْ َ‬
‫ن{‬ ‫م ت َك ْ ُ‬
‫فُرو َ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ما ُ‬ ‫ب بِ َ‬‫ذا َ‬‫ذوُقوا ٱللعَ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل فَ ُ‬‫وََرب َّنا َقا َ‬

‫وحين يرون العذاب قريبا ً منهم تكون حالتهم حالة من علم مصيره‬
‫المحتوم ‪ ،‬فغلى فؤاده باللم ‪ ،‬وظهرت المساءة علللى وجهلله ‪ ،‬وفللي بيللان‬
‫هذا يقول الله تعالى في سورة )الملك‪ 67/‬مصحف‪ 77/‬نزول(‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ذا ٱللل ِ‬
‫ذي كنت ُللم‬ ‫ّ‬ ‫ل ه َ ٰل َ‬
‫فُروا ْ وَِقي َ‬
‫ن كَ َ‬ ‫جوهُ ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سيئ َ ْ‬
‫ت وُ ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫ما َرأ َوْهُ ُزل ْ َ‬
‫ف ً‬ ‫}فَل َ ّ‬
‫ن{‬ ‫عو َ‬‫ب ِهِ ت َد ّ ُ‬

‫أي‪ :‬هذا الذي كنتم به تك ّ‬


‫ذبون ‪ ،‬إذ كنتم بسببه أو في موضوعه‬
‫تدعون الباطيل والكاذيب ‪.‬‬

‫وحين يعرضون على النار يساقون إليها زمرا ً بحسللب أنللواع كفرهللم‬
‫وظلمهم ‪ ،‬أو بحسب كتلهم وزمرهم في الدنيا ‪ ،‬وفي بيان هللذا بقللول الللله‬
‫تعالى في سورة )الزمر‪ 39/‬مصحف‪ 59/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫واب َُها‬
‫ت أب ْ َ‬‫ح ْ‬ ‫ها فُت ِ َ‬ ‫جآُءو َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حت ّ ٰى إ ِ َ‬ ‫مرا ً َ‬ ‫م ُز َ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫فُروۤا ْ إ ِل َ ٰى َ‬ ‫ن َ‬
‫كل َ‬ ‫ذي َ‬‫سيقَ ٱل ّ ِ‬ ‫}و َ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫م وَُين لذُِرون َك ْ‬ ‫ُ‬
‫ت َرب ّك ْ‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫ُ‬
‫ن عَلي ْك ْ‬ ‫م ي َت ْلو َ‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫س ٌ‬‫م ُر ُ‬ ‫ُ‬
‫م ي َأت ِك ْ‬ ‫خَزن َت َُهآ أل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫وََقا َ‬
‫ن*‬ ‫ري َ‬ ‫ب عَلللى ٱلل َ‬
‫كللافِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ة ٱللعَ َ‬
‫ْ‬ ‫م ُ‬‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذا َقالوا ب َل ٰى وَل ٰلك ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫م ه َ ٰل َ‬ ‫مك ُ ْ‬‫قلآَء ي َوْ ِ‬
‫لِ َ‬
‫َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫كلب ّ ِ‬ ‫وى ٱلل ُ‬
‫مت َ َ‬ ‫ْ‬ ‫مث ْ َ‬
‫س َ‬ ‫ن ِفيَها فَب ِئ ْ َ‬ ‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫وا َ‬ ‫خ ل ۤو ا أب ْ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل ٱ ْ‬
‫دل ُ‬ ‫ِقي َ‬

‫إنهم يؤمرون بالدخول ‪ ،‬وليس الدخول أمرا ً سهل ً ‪ ،‬فمن الطبيعي‬


‫م لذ َّلين ‪ ،‬قللال‬ ‫أن يحجموا ‪ ،‬لذلك فهم يدعون دعّا ً فُيدفعون بشدة ‪ ،‬مهانين ُ‬
‫الله تعالى في سورة )الطور‪ 52/‬مصحف‪ 76/‬نزول(‪:‬‬
‫ً‬
‫ورا *‬ ‫مل ْ‬ ‫مآُء َ‬ ‫موُر ٱل ّ‬
‫سل َ‬ ‫م تَ ُ‬‫دافٍِع * ي َوْ َ‬ ‫من َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫واقِعٌ * ّ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ب َرب َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫ض‬
‫خلوْ ٍ‬ ‫م ِفلي َ‬ ‫هل ْ‬‫ن ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن * ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫مكلذِبي َ‬ ‫ْ‬
‫مئ ِذٍ لل ُ‬ ‫ل َيلوْ َ‬ ‫سلْيرا * فَوَْيل ٌ‬‫ً‬ ‫ل َ‬ ‫ج َبا ُ‬ ‫سيُر ٱْلل ِ‬ ‫وَت َ ِ‬
‫عا * هَ ٰلذِهِ ٱل ّنلاُر ٱللِتي كنُتم ب َِها ت ُكذُبو َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫م دَ ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫ن إ ِل ٰى َنارِ َ‬ ‫َ‬ ‫عو َ‬ ‫م ي ُد َ ّ‬ ‫ن * ي َوْ َ‬ ‫ي َل ْعَُبو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وآٌء‬ ‫سل َ‬ ‫صلب ُِر ۤوا ْ أوْ ل َ ت َ ْ‬
‫صلب ُِروا ْ َ‬ ‫ها فَٱ ْ‬
‫صلل َوْ َ‬‫ن*ٱ ْ‬ ‫صلُرو َ‬ ‫م ل َ ت ُب ْ ِ‬ ‫م أنت ُ ْ‬ ‫ذا أ ْ‬ ‫حٌر هَ ٰل َ‬ ‫س ْ‬‫* أف َ ِ‬
‫ن{‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬‫كنت ُ ْ‬‫ما ُ‬ ‫ن َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ َ‬

‫دع إلى جهنم ل بد أن ينتهي إلى كبكتهم فيهللا علللى وجللوههم‬ ‫وهذا ال ّ‬
‫كالركام الذي يقذف بعضه على بعض ‪ ،‬قال الله تعالى في سورة )النمللل‪/‬‬
‫‪ 27‬مصحف‪ 48/‬نزول(‪:‬‬
‫مللا‬ ‫ّ‬
‫ن إ ِل َ‬
‫ج لَزوْ َ‬ ‫م فِللي ٱل ّنللارِ هَ ل ْ‬
‫ل تُ ْ‬ ‫جللوهُهُ ْ‬
‫ت وُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جآَء ِبل ٱل ّ‬
‫سلي ّئةِ فكب ّ ْ‬ ‫من َ‬ ‫}و َ َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن{‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫كنت ُ ْ‬

‫وقال تعالى في سورة )الشعراء‪ 26/‬مصحف‪ 47/‬نزول(‪:‬‬


‫ل ل َه َ‬
‫مللن‬‫ن* ِ‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َعْب ُل ُ‬ ‫ملا ُ‬
‫كنت ُل ْ‬ ‫ن َ‬‫م أْيل َ‬ ‫ن * وَِقي َ ُ ْ‬‫م ل ِل َْغاِوي َ‬‫حي ُ‬ ‫ت ٱْلل َ‬
‫ج ِ‬ ‫}وَب ُّرَز ِ‬
‫َ‬
‫ن*‬ ‫م وَ ٱل غَللاُوو َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن * فَكب ْك ِب ُللوا ِفيهَللا هُل ْ‬ ‫ص لُرو َ‬
‫م أوْ َينت َ ِ‬ ‫ُ‬
‫ص لُرون َك ْ‬‫ل َين ُ‬ ‫هل هَل ْ‬‫ن ٱل ّلل ِ‬‫دو ِ‬‫ُ‬
‫ن{‬ ‫َ‬
‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬‫سأ ْ‬ ‫جُنود ُ إ ِب ِْلي َ‬
‫وَ ُ‬

‫وبعد هذا الدعّ وبعد الكبكبة في النار ل بد أن يباغتوا بمس النار‬


‫فتبهتهلم فل يسلتطيعون ردهلا ‪ ،‬قلال اللله تعلالى فلي سللورة )النبيللاء‪21/‬‬
‫مصحف‪ 73/‬نزول(‪:‬‬
‫م ٱل ّنللاَر وَل َ عَللن‬
‫جللوهِهِ ُ‬ ‫ن عَللن وُ ُ‬ ‫فو َ‬ ‫ن ل َ ي َك ُ ّ‬ ‫فُروا ْ ِ‬
‫حي ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬‫م ٱّلل ِ‬‫}ل َوْ ي َعْل َ ُ‬
‫ها وَل َ‬
‫ن َرد ّ َ‬
‫طيُعو َ‬ ‫م فَل َ ي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ة فَت َب ْهَت ُهُ ْ‬
‫ل ت َأِتيِهم ب َغْت َ ً‬‫ن * بَ ْ‬ ‫صُرو َ‬
‫م ُين َ‬ ‫م وَل َ هُ ْ‬ ‫ظ ُُهورِهِ ْ‬
‫ن{‬ ‫م ُينظ َُرو َ‬ ‫هُ ْ‬

‫س النار يأتي مباغتا ً ‪ ،‬والدفع يأتي بعد إحجام ‪ ،‬والمر بالدخول‬


‫فم ّ‬
‫يأتي قبل ذلك والله أعلم ‪.‬‬

‫* عقاب الكافرين في المرحلة الثالثة‪:‬‬


‫وهي مرحلة دخولهم دار العذاب ‪ ،‬وقد جاء في نصوص القرآن‬
‫لمحات تفصيلية للوان العذاب في جهنم ‪ ،‬إل أن معظم النصللوص تحللدثت‬
‫عن عذاب جهنم وشدته وشدة إيلمه بشكل عام‪.‬‬

‫* وفيما يلي طائفة من النصوص التي تتحدث عممن عممذاب‬


‫الكافرين في النار بشكل عام‪:‬‬
‫‪ -1‬فمنها قول الله تعالى في سورة )الحج‪ 22/‬مصحف‪ 103/‬نزول(‪:‬‬
‫ن{‬
‫مِهي ٌ‬
‫ب ّ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫فُروا ْ وَك َذ ُّبوا ْ ِبآيات َِنا فَأ ُوْل َ ٰلئ ِ َ‬
‫ك ل َهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫}وَٱل ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫فوصف العذاب هنا بأنه مهين ‪ ،‬أي فيه إهانة شديدة لهم وإذلل بالغ‬
‫جزاء كبرهم واستعلئهم ‪.‬‬

‫‪ -2‬ومنها قول الله تعالى في سورة )البقرة‪ 2/‬مصحف‪ 87/‬نزول(‪:‬‬


‫ب ٱل ّنللارِ ُ‬ ‫كللذ ّبوا ْ بآيات ِنللآ ُأول َ ٰلللئ ِ َ َ‬
‫م ِفيهَللا‬
‫هلل ْ‬ ‫حا ُ‬
‫صلل َ‬
‫كأ ْ‬ ‫فللروا ْ وَ َ ُ ِ َ َ‬‫ن كَ َ‬ ‫}وَ ٱّللل ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬
‫خال ِ ُ‬
‫َ‬

‫فهم أصحاب النار ‪ ،‬وهم خالدون فيها ل يخرجون منها ‪.‬‬

‫‪ -3‬ومنها قول الله تعالى في سورة )آل عمران‪ 3/‬مصحف‪89/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫زيلٌز ُ‬
‫ذو‬ ‫ديد ٌ وَ ٱل للل ُ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ب َ‬
‫شل ِ‬ ‫عل َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ت ٱل لللهِ لُهل ْ‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا ِبآَيلا ِ‬ ‫ن ٱلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫م{‬ ‫ٱ ْنلت ِ َ‬
‫قا ٍ‬

‫فجاء وصف العذاب هنا بأنه عذاب شديد ‪.‬‬

‫‪ -4‬ومنها قول الله تعالى في سورة )النساء‪ 4/‬مصحف‪ 92/‬نزول(‪:‬‬


‫جل ُللود ُهُ ْ‬
‫م‬ ‫ت ُ‬‫ج ْ‬‫ضل َ‬ ‫م ن َللارا ً ك ُل ّ َ‬
‫مللا ن َ ِ‬ ‫صِليهِ ْ‬
‫ف نُ ْ‬‫سوْ َ‬‫فُروا ْ ِبآَيات َِنا َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱّلل ِ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫ً‬
‫كيما{‬ ‫ح ِ‬ ‫ً‬
‫زيزا َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫َ‬
‫هل كا َ‬ ‫ن ٱل لل َ‬
‫ّ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ذوُقوا ٱللعَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ها ل ِي َ ُ‬ ‫ً‬
‫جلودا غَي َْر َ‬‫ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ب َد ّل َْناهُ ْ‬

‫ففي هذه الية بيان أن جلود الكافرين المعذبين في نار جهنم كلما‬
‫نضجت واحترقت وانقطع إحساسها خلق الله لهم جلللودا ً غيرهللا ‪ ،‬ليللذوقوا‬
‫العذاب المتجدد‪.‬‬

‫‪-5‬ومنها قول الله تعالى في سورة )المائدة‪ 5/‬مصحف‪ 112/‬نزول(‪:‬‬


‫فروا ْ وك َذ ّبوا ْ بآيات ِنآ أ ُول َ ۤلئ ِ َ َ‬
‫م{‬
‫حي ِ‬ ‫ب ٱْلل َ‬
‫ج ِ‬ ‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫كأ ْ‬ ‫َ ُ ِ َ َ ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫}وَ ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬

‫فقد جاء وصف النار هنا بأنهللا جحيللم ‪ ،‬أي مؤججللة مضللرمة شللديدة‬
‫الحرارة ‪.‬‬

‫‪ -6‬ومنهللا قللول الللله تعللالى فللي سللورة )المللائدة‪ 5/‬مصللحف‪112/‬‬


‫نزول(‪:‬‬
‫حد ٌ‬
‫ه َوا ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ٰلهٍ إ ِل إ ِل ٰل ٌ‬‫م ْ‬
‫ما ِ‬ ‫َ‬
‫ث ث َلث َةٍ وَ َ‬‫ه َثال ِ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ٱلل َ‬ ‫ن َقالوۤا إ ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫فَر ٱل ِ‬ ‫َ‬
‫قد ْ ك َ‬ ‫ّ‬
‫}ل َ‬
‫َ‬
‫م{‬ ‫ب أِلي ٌ‬‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬‫من ْهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫فُروا ِ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ٱلل ِ‬
‫ّ‬ ‫س ّ‬
‫م ّ‬ ‫َ‬
‫ن لي َ َ‬ ‫ُ‬
‫قولو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ْ‬
‫م َينت َُهوا عَ ّ‬ ‫وَِإن ل ّ ْ‬

‫فجاء وصف العذاب هنا بأنه عذاب أليم ‪.‬‬

‫‪ -7‬ومنها قول الله تعالى في سورة )الملك‪ 67/‬مصحف‪ 77/‬نزول(‪:‬‬


‫قللوا ْ ِفيهَللا‬‫ذآ أ ُل ْ ُ‬
‫صلليُر * إ ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫س ٱْلل َ‬ ‫م وَب ِئ ْ َ‬‫جهَن ّ َ‬‫ب َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م عَ َ‬‫فُروا ْ ب َِربهِ ْ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫}وَل ِل ّ ِ‬
‫ُ‬
‫ي ِفيهَللا فَلوْ ٌ‬
‫ج‬ ‫قل َ‬ ‫مللا أل ْ ِ‬‫ظ ك ُل ّ َ‬‫ن الغَي ْل ِ‬ ‫م َ‬ ‫مي ُّز ِ‬‫كاد ُ ت َ َ‬‫فوُر * ت َ َ‬ ‫ي تَ ُ‬‫شِهيقا ً ْوَهِ َ‬ ‫مُعوا ْ ل ََها َ‬ ‫س ِ‬‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ذيٌر فَكلذ ّب َْنا وَقُلن َللا َ‬
‫مللا‬ ‫جآَءن َللا ن َل ِ‬‫ذيٌر * َقالوا ب َل ٰى قَلد ْ َ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫ُ‬
‫م ي َأت ِك ْ‬
‫خَزن َت َُهآ أل ْ‬ ‫م َ‬‫سأل َهُ ْ‬ ‫َ‬
‫شيٍء إن َأنتم إل ّ في ضل َل ك َبي لر * وقَللاُلوا ْ ل َلو ك ُنللا نس لمع أوَ‬
‫ْ ّ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ٍ ِ ٍ‬ ‫من َ ْ ِ ْ ُ ْ ِ ِ‬ ‫هل ِ‬ ‫ل ٱل لل ُ‬
‫ّ‬ ‫ن َّز َ‬
‫َ‬ ‫سللِعيرِ * َفلل ٱ ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫حا ِ‬‫صل َ‬ ‫حقا ل ْ‬ ‫ً‬ ‫سل ْ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫ذنب ِهِ ْ‬ ‫ْ‬
‫علت ََر ُفوا ب ِل َ‬ ‫ب لٱ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫صل َ‬ ‫ما كّنا فِ ۤي أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن َعْ ِ‬
‫سلِعيرِ {‬ ‫ٱل ّ‬

‫وفي هذا النص وصف شهيق جهنم وفورانها من شدة حرها كأنها‬
‫قللون فيهللا أفواجلا ً أفواجلا ً ‪،‬‬
‫تتميز من الغيظ ‪ ،‬وفيه بيان أن أصحاب النار يل َ‬
‫ول يقذفون فيها دفعة واحدة ‪ ،‬وفيه بيان أن كللل فللوج يسللأله خزنللة جهنللم‬
‫من الملئكة فيقولللون للله ‪ :‬ألللم يللأتكم نللذير؟ فيقولللون‪ :‬بلللى ‪ ،‬ويعللترفون‬
‫سرون على أنفسهم ‪ .‬وهذا تطبيق مللا جللاء فللي قللوله تعللالى ‪:‬‬ ‫بذنبهم ويتح ّ‬
‫ً‬
‫}وما كنا معذبين حتى نبعث رسول{ ‪ ،‬فما مللن فللوج كللافر يللدخل النللار إل‬
‫ُيسأل هذا السؤال ‪ :‬ألم يأتكم نذير؟ فيقولون ‪ :‬بلى قد جاءنللا نللذير فكللذبنا‬
‫وقلنا ‪ :‬ما أنزل الله من شيء إن أنتم إل في ضلل كبير‪.‬‬

‫* أما النصوص التي جاء فيها مزيد من تفصيل عقاب الكللافرين فللي‬
‫هذه المرحلة الثالثة الخيللرة فكللثيرة ‪ ،‬ونسللتعرض فيمللا يلللي طائفللة منهللا‬
‫مقتبسين ما فيها من تفصيلت‪:‬‬
‫‪ -1‬لقد جاء في القرآن بيان شراب الكافرين في جهنم فقال الله‬
‫تعالى في سورة )يونس‪ 10/‬مصحف‪ 51/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫كاُنوا ْ‬
‫ما َ‬
‫م بِ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ميم ٍ وَعَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ب ّ‬
‫شَرا ٌ‬ ‫فُروا ْ ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫}وَ ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن{‬ ‫ي َك ْ ُ‬
‫فُرو َ‬

‫فلهم شراب من حميم ‪ ،‬أي ‪ :‬شراب من ماء حار يغلي ‪.‬‬

‫‪ -2‬وجاء في القرآن بيان طعامهم وشرابهم فيها ‪ ،‬فقال الله تعالى‬


‫في سورة )الدخان‪ 44/‬مصحف‪ 64/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫ل ي َغِْلي فِللي ٱللب ُطللو ِ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫م ٱللِثيم ِ * كل ٱلل ُ‬
‫م هْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫جَرةَ ٱل ّزلّقوم ِ * ط ََعا ُ‬ ‫ش َ‬‫ن َ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫ْ‬
‫صلّبوا فَلوْ َ‬
‫ق‬ ‫م ُ‬ ‫حي لم ِ * ث ُل ّ‬ ‫وآِء ٱلل َ‬
‫ج ِ‬ ‫ْ‬ ‫سل َ‬‫علت ِلوهُ إ ِلل ٰى َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ذوهُ َفل ٱ ْ‬
‫خ ُ‬
‫ميم ِ * ُ‬‫ح ِ‬ ‫ي ٱْلل َ‬ ‫ِ‬ ‫* ك َغَل ْ‬
‫ذاب ٱل ْحميم * ذ ُقْ إنل َ َ‬ ‫ْ‬
‫مللا‬
‫ذا َ‬ ‫ن ه َ ٰل ل َ‬
‫م * إِ ّ‬ ‫زيلُز ٱل ْك َ ِ‬
‫ريل ُ‬ ‫ت ٱل ْعَ ِ‬
‫ك أنل َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ن عَ َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سه ِ ِ‬ ‫َرأ ِ‬
‫ن{‬‫مت َُرو َ‬‫م ب ِهِ ت َ ْ‬‫كنت ُ ْ‬‫ُ‬

‫وقال تعالى في سورة )الواقعة‪ 56/‬مصحف‪ 46/‬نزول(‪:‬‬


‫}ث ُم إنك ُ َ‬
‫جرٍ من َزّقللوم ٍ *‬ ‫ش َ‬ ‫من َ‬‫ن ِ‬‫ن * لك ُِلو َ‬‫كذُبو َ‬ ‫ن ٱْلل ُ‬
‫م َ‬ ‫م أي َّها ٱلضآ ّلو َ‬ ‫ّ ِّ ْ‬
‫ب‬
‫شلْر َ‬‫ن ُ‬ ‫َ‬
‫مي لم ِ * ف َ‬
‫شللارُِبو َ‬ ‫ن ٱلل َ‬
‫ح ِ‬ ‫ْ‬ ‫مل َ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْهِ ِ‬‫شارُِبو َ‬ ‫َ‬
‫ن*ف َ‬ ‫من َْها ٱللب ُطو َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مال ُِئو َ‬
‫فَ َ‬
‫نل {‬‫م ٱ لدي ِ‬ ‫ٱ ْللِهيم ِ * هَ ٰل َ‬
‫ذا ن ُُزل ُهُ ْ‬
‫م ي َوْ َ‬

‫وقال تعالى في سورة )الصافات‪ 37/‬مصحف‪ 56/‬نزول(‪:‬‬


‫َ‬ ‫}أ َذ َل ِ َ‬
‫ن*‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ة للظلال ِ ِ‬ ‫هلا فِت ْن َل ً‬‫جعَل َْنا َ‬ ‫جَرةُ ٱل ّزلقّللوم ِ * إ ِّنلا َ‬ ‫ش َ‬‫م َ‬ ‫خي ٌْر ن ُّزل ً أ ْ‬
‫ك َ‬
‫س ٱل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫طي ِ‬‫شللَيا ِ‬ ‫ه ُرُءو ُ‬ ‫حي لم ِ * ط َل ْعُهَللا ك َلأن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ل ٱْلل َ‬ ‫صل ِ‬‫ج ف ِ ۤي أ ْ‬ ‫خُر ُ‬ ‫جَرةٌ ت َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫إ ِن َّها َ‬
‫ن‬‫مل ْ‬‫وبا ً ِ‬ ‫شل ْ‬ ‫م عَل َي ْهَللا ل َ َ‬‫ن ل َهُ ل ْ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ن * ث ُل ّ‬ ‫طو َ‬‫من َْها ٱْللب ُ ُ‬‫ن ِ‬ ‫مال ُِئو َ‬
‫من َْها فَ َ‬‫ن ِ‬ ‫م لك ُِلو َ‬ ‫فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن * فَهُ ل ْ‬
‫م‬ ‫ضللآلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ف لوْا ْ آب َللآَءهُ ْ‬ ‫م أل ْ َ‬ ‫حيم ِ * إ ِن ّهُ ْ‬‫ج ِ‬ ‫م ل َِلى ٱْلل َ‬ ‫جعَهُ ْ‬‫مْر ِ‬‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ميم ٍ * ث ُ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫عو‬ ‫ر‬ ‫ه‬
‫ِ ِ ْ ُْ َ ُ َ‬‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ثا‬ ‫آ‬ ‫ى‬ ‫ٰ‬ ‫عَل َ‬

‫فمن هذه النصوص يتبين لنا أن طعامهم في دار العذاب من شجر‬


‫فيها من زقوم ‪ ،‬وأن شرابهم على هذا الطعام من الحميم ‪.‬‬

‫والزقوم شجر منتن الللراحئة ملّر الطعللم كللالمهل‪ ، 1‬ينبتلله الللله فللي‬
‫طلع‪ 2‬هللذا‬‫أصل الجحيم ‪ /‬وإذا أكله آكله غلى فللي بطنلله كغلللي الحميللم ‪ ،‬و َ‬
‫الشجر كأنه رؤوس الشياطين ‪ ،‬ولكن الكللافرين يجللدون أنفسللهم فللي دار‬
‫عذابهم مضطرين لن يأكلوا من شجر الزقوم ‪ ،‬فيملؤوا بطونهم منلله ‪ ،‬ثللم‬
‫بعد ذلك يسرعون فيشربون وهم ظللامئون مللن الحميللم ‪ ،‬لكللن الحميللم ل‬
‫يطفئ شدة ظمئهلم ‪ ،‬وملا يغللي فلي بطلونهم ‪ ،‬فيسلتزيدون ويسلتزيدون‬
‫ويشربون شرب الهيم ‪ ،‬والهيم هي البل الللتي يصلليبها د اء يقللال للله ‪ :‬داء‬
‫الهَُيام ‪ ،‬فهي تشرب ول تروى ‪.‬‬

‫المهل ‪ :‬المعدن المذاب ‪ ،‬أو دردري الزيت ‪ ،‬أو القيح والصديد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الطلع‪ : :‬نور النخلة ‪ ،‬وهو أول ما يطلع من ثمرها ‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ثم ُيعَتل الكافر ويؤخذ إلى سواء الجحيم ‪ ،‬ثم يصب فوق رأسلله مللن‬
‫عذاب الحميم ‪ ،‬ويقال له على سبيل الهانة والذلل ‪ :‬ذق إنك أنت العزيللز‬
‫الكريم‪.‬‬

‫ولهم أيضا ً طعام آخر من غسلين ‪ ،‬وهللو فللي كلم العللرب مللا يخللرج‬
‫من الشياء المستقذرة كالجراحة ونحوها عند غسلها ‪ ،‬قال الله تعالى فللي‬
‫سورة )الحاقة‪ 69/‬مصحف‪ 78/‬نزول(‪:‬‬
‫ْ‬
‫ن * ل ّ َيللأك ُل ُ ُ‬
‫ه‬ ‫سِلي ٍ‬
‫ن ِغ ْ‬
‫م ْ‬ ‫م * وَل َ ط ََعا ٌ‬
‫م إ ِل ّ ِ‬ ‫مي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫ها هَُنا َ‬ ‫ه ٱْللي َوْ َ‬
‫م َ‬ ‫س لَ ُ‬
‫}فَل َي ْ َ‬
‫ن{‬ ‫خاط ُِئو َ‬‫إ ِل ّ ٱْلل َ‬

‫‪ -3‬وجاء في القللرآن بيللان لباسللهم فللي دار عللذابهم ‪ ،‬إن لهللم ثيابلا ً‬
‫طع لهم عللى مقلادير أجسلادهم ‪ ،‬قلال اللله تعلالى فلي‬ ‫خاصة من نار ‪ُ ،‬تق ّ‬
‫سورة )الحج‪ 22/‬مصحف‪ 103/‬نزول(‪:‬‬
‫م‬ ‫ت لُهل ْ‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫فلُروا قُطَعل ْ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫م َفل ٱللل ِ‬
‫ّ‬ ‫موا ْ ِفلي َرب ِّهل ْ‬ ‫ص ُ‬‫خلت َ َ‬‫ن ٱ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ص َ‬‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذا ِ‬‫} ه َ ٰل َ‬
‫م‬ ‫طللون ِهِ ْ‬‫ما ِفللي ب ُ ُ‬ ‫صهَُر ب ِهِ َ‬ ‫م * يُ ْ‬ ‫مي ُ‬
‫ح ِ‬‫م ٱْلل َ‬ ‫سه ِ ُ‬ ‫ق ُرُءو ِ‬ ‫من فَوْ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫من ّنارِ ي ُ َ‬ ‫ب ّ‬‫ث َِيا ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مللآ أَراد ُ ۤوا ْ أن ي َ ْ‬
‫م‬ ‫ن غ َل ّ‬‫مل ْ‬ ‫جللوا ْ ِ‬
‫من ْهَللا ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫دي لدٍ * ك ُل ّ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫مع ُ ِ‬ ‫قا ِ‬‫م َ‬
‫م ّ‬ ‫جُلود ُ * وَل َهُ ْ‬‫وَٱل ْ ُ‬
‫ق{‬ ‫ري ِ‬‫ح ِ‬‫ب ٱْلل َ‬ ‫ذا َ‬‫ذوُقوا ْ عَ َ‬ ‫دوا ْ ِفيَها وَ ُ‬‫عي ُ‬ ‫أُ ِ‬

‫فللكافرين ثياب من نللار مقطعللة مفصلللة علللى مقللادير أجسللامهم ‪،‬‬


‫ويعذبون بسائل يغلي من شدة حرارته ‪ ،‬يصب من فللوق رؤوسللهم فيصللهر‬
‫به ما في بطونهم ‪ ،‬وتصهر بلله جلللودهم ‪ ،‬ويحللاولون الخللروج مللن عللذابهم‬
‫وغمهللم ‪ ،‬فتلحقهللم ملئكللة العللذاب بمقللامع‪ 1‬مللن حديللد ‪ ،‬فيضللربونهم ‪،‬‬
‫ويعيدونهم في العذاب ‪ ،‬ويقولون لهم ‪ :‬ذوقوا عذاب الحريق ‪.‬‬

‫‪ -4‬وجاء في القرآن بيان ما يوضللح فللي أعنلاق الكللافرين مللن أغلل‬


‫حامية يعذبون بها في دار عذابهم ‪ ،‬فقال الله تعللالى فللي سللورة )سللبأ‪34/‬‬
‫مصحف‪ 58/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫جعَل َْنا ٱ َ‬
‫كللاُنوا ْ‬
‫ما َ‬ ‫ّ‬
‫ن إ ِل َ‬
‫جَزوْ َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا هَ ْ‬
‫ل يُ ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ق ٱلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ل فِ ۤي أعَْنا ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫للغ ل َ‬ ‫}‪...‬وَ َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن{‬ ‫ي َعْ َ‬

‫وقال تعالى في سورة )الرعد‪ 13/‬مصحف‪ 96/‬نزول(‪:‬‬


‫ُ‬ ‫ل فل ۤ َ‬ ‫م وَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫} أ ُوْل َ ٰلئ ِ َ‬
‫َ‬
‫م وَأوْل ٰللئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫ي أعَْنلاقِهِ ْ‬ ‫ك ٱل َغْل َ ُ ِ‬ ‫فُروا ْ ب َِرب ِّهل ْ‬
‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬‫ك ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫خاِلدو َ‬ ‫م ِفيَها َ‬‫ب ٱل ّنلارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫أ ْ‬

‫‪ -5‬ويعذب الكافرون في النار بسلسل محمية يسلكون فيها ‪ ،‬طللول‬


‫كل واحدة منها سبعون ذراعلا ً ‪ ،‬قللال الللله تعللالى فللي سللورة )الحاقللة‪69/‬‬
‫مصحف‪ 78/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬
‫م أد ِْر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قو ُ‬ ‫مال ِهِ فَي َ ُ‬ ‫}وأ َما م ُ‬
‫ه * وَل ْ‬ ‫ت ك َِتاب ِي َ ْ‬ ‫م أو َ‬ ‫ل ٰيلي ْت َِني ل ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫ي ك َِتاب َ ُ‬ ‫ن أوت ِ َ‬ ‫َ ّ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عنللي‬ ‫َ‬
‫ه * هّللك َ‬ ‫مللال ِي َ ْ‬
‫عنللي َ‬ ‫مللآ أغْن َل ٰى َ‬ ‫ة* َ‬ ‫ضلي َ َ‬‫قا ِ‬ ‫ت ٱل َ‬ ‫ه * ٰيل َي ْت َهَللا كللان َ ِ‬
‫َ‬ ‫ساب ِي َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ما ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫سللةٍ ذ َْرعُهَللا‬ ‫سل ِ‬ ‫ْ‬ ‫م فِللي ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ث‬ ‫*‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫لو‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ص‬
‫َ َ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫حي‬‫ِ‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫لل‬ ‫ٱ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ث‬ ‫*‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫لو‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫ذو‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫*‬ ‫ه‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫س‬ ‫ُ‬
‫ض عَل َ ٰى‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ظي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ل‬ ‫ٱ‬ ‫ب‬
‫ُ ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ه‬
‫ِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫*‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫راع‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫سب ْ‬
‫َ‬
‫المقامع ‪ :‬قضبان يضرب بها للقمع ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ن‬‫مل ْ‬ ‫م إ ِل ّ ِ‬ ‫م * وَل َ ط ََعلا ٌ‬ ‫ميل ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫هلا هَُنلا َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ٱْللي َلوْ َ‬ ‫س َلل ُ‬‫ن * فَل َْيل َ‬ ‫كي ِ‬ ‫سل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ََعلام ِ ٱْلل ِ‬
‫ْ‬
‫ن{‬ ‫خاط ُِئو َ‬ ‫ه إ ِل ّ ٱْلل َ‬ ‫ن * ل ّ ي َأك ُل ُ ُ‬ ‫سِلي ٍ‬ ‫ِغ ْ‬
‫‪ -6‬وجاء في البيانات القرآنية أن عذاب الكافرين في نار جهنم‬
‫عذاب دائم ل نهاية له ‪ ،‬وأنهم ل يقضى عليهللم فيموتللوا ‪ ،‬بللل حيللاتهم فيهللا‬
‫مستمرة ‪ ،‬وعذابهم فيها ل ينقطع ‪ ،‬كملا أنله ل يخفلف عنهلم ملن علذابها ‪،‬‬
‫قال الله تعالى في سورة )فاطر‪ 35/‬مصحف‪ 43/‬نزول(‪:‬‬
‫ف‬ ‫فل ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫ْ‬
‫موت ُللوا وَل َ ي ُ َ‬ ‫م فَي َ ُ‬ ‫ض ل ٰى عَل َي ْهِ ل ْ‬ ‫ق َ‬ ‫م ل َيُ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫م َناُر َ‬ ‫فُروا ْ ل َهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}وَٱل ّ ِ‬
‫جن َللا‬
‫خرِ ْ‬ ‫ن ِفيَها َرب َّنآ أ َ ْ‬ ‫خو َ‬ ‫صط َرِ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫فورٍ * وَهُ ْ‬ ‫ل كَ ُ‬ ‫زي ك ُ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ذاب َِها ك َذ َل ِ َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫عَن ْهُ ْ‬
‫َ‬
‫مللن ت َلذ َك َّر‬ ‫مللا ي َت َلذ َك ُّر ِفي لهِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫مْرك ُل ْ‬ ‫م ن ُعَ ّ‬ ‫ل أوَل َ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫كلّنا ن َعْ َ‬ ‫ذي ُ‬ ‫صاِلحا ً غَي َْر ٱّلل ِ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َعْ َ‬
‫ب‬ ‫م غَي ْل ِ‬ ‫هل عَللال ِ ُ‬‫ن ٱل ّللل َ‬ ‫صلليرٍ * إ ِ ّ‬ ‫مللن ن ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫مللا ِللظ ّللال ِ ِ‬ ‫ذوُقوا ْ فَ َ‬ ‫ذيُر فَ ُ‬ ‫م ٱل ّنل ِ‬ ‫جآَءك ُ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫دوِر{‬ ‫صل ُ‬ ‫ت ٱل ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬ ‫ت وَ ٱ للْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سل َ‬ ‫ٱل ّ‬

‫فهم يدعون ربهم وهم في نار جهنم أن يعيدهم الله إلى دار البتلء‬
‫ليؤمنوا ويعملوا صالحا ً ‪ ،‬ولكن الله ل يستجيب إلى طلبهم هذا ‪ ،‬ويقول لهم‬
‫‪" :‬أوَلللم نعمركللم؟" أي‪ :‬أوَلللم نجعللل لكللم فللي دار البتلء عمللرا ً كافيللا ً‬
‫لختباركم وامتحانكم ‪ ،‬فأصررتم على كفركم وعنادكم ‪ ،‬ويقول لهللم أيض لًا‪:‬‬
‫"وجاءكم النذير" ‪ ،‬أي‪ :‬وقد جاءكم رسول فأنذركم عاقبللة كفركللم فكللذبتم‬
‫وعصيتم ‪.‬‬

‫على أنهم لو ردوا إلى دار البتلء لعللادوا لمللا ُنهللوا عنلله ‪ ،‬ألمللح إلللى‬
‫هذه الحقيقة قول الله تعالى في النص ‪} :‬إن الللله عللالم غيللب السللماوات‬
‫والرض إنه عليم بذات الصدور{‪ ،‬فهو يعلم ما تنطوي عليله صلدورهم ملن‬
‫كبر وعناد ‪ ،‬فلو أعيدوا إلى دار البتلء لعادوا إلى اختيار الكفر على اليمان‬
‫‪ ،‬لن إعادتهم حينئذٍ سيرافقها محو ذكريات العذاب في نار جهنللم ‪ ،‬فللترجع‬
‫إليهللم حينئذ ٍ نفسلليتهم الولللى المسللتكبرة المعانللدة ‪ ،‬ويعللودون سلليرتهم‬
‫الولى ‪ ،‬وليست المقادير ألعوبة في أيدي المتش لّهين المتلعللبين ‪ ،‬وص لّرح‬
‫بهذه الحقيقة أيض لا ً قللول الللله تعللالى فللي سللورة )النعللام‪ 6/‬مصللحف‪55/‬‬
‫نزول(‪:‬‬
‫ت َربَنللا‬ ‫ب ِبآَيا ِ‬‫كذ َ‬ ‫قاُلوا ْ ٰيل َي ْت ََنا ن َُرد ّ وَل َ ن ُ َ‬
‫فوا ْ عََلى ٱلّنارِ فَ َ‬ ‫}وَل َوْ ت ََر ٰى إ ِذ ْ وُقِ ُ‬
‫دوا ْ‬
‫ل وَل َلوْ ُر ّ‬‫مللن قَب ْل ُ‬ ‫ن ِ‬‫فللو َ‬ ‫مللا ك َللاُنوا ْ ي ُ ْ‬
‫خ ُ‬ ‫م ّ‬‫دا ل َهُل ْ‬ ‫ن * بَ ْ‬
‫ل بَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ٱْلل ُ‬
‫م ؤْ ِ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫وَن َ ُ‬
‫ن{‬ ‫كاذُِبو َ‬‫م لَ َ‬ ‫ما ن ُُهوا ْ عَن ْ ُ‬
‫ه وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫دوا ْ ل ِ َ‬
‫ل ََعا ُ‬

‫ففي هذا النص تصريح بأنهم لو ردوا إلى دار البتلء لعادوا إلى ما‬
‫نهوا عنه من الكفلر والتكللذيب ‪ ،‬إل أن تمنيهلم العللودة إللى دار البتلء هنللا‬
‫يكون حينما يوقفون على النلار ‪ ،‬ويشللاهدون دار عللذابهم ‪ ،‬بينمللا نجلد فلي‬
‫النص السابق أن طلبهم العودة إلى دار البتلء يكللون بعللد دخللولهم النللار ‪،‬‬
‫وتقلبهم في ألوان عذابها ‪.‬‬

‫ويطلب الكافر مثل هذا الطلب أيضا ً إذا جللاءه المللوت وعلللم منزللله‬
‫من العذاب ‪ ،‬عندئذٍ يسأل ربه أن يرجعه إلى الحياة ليؤمن ويعمل صللالحا ً ‪،‬‬
‫ولكن طلبه يرفض لنتهاء زمن امتحانه ‪ ،‬وفي بيان ذلللك يقللول اللله تعلالى‬
‫في سورة )المؤمنون‪ 23/‬مصحف‪ 74/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫مل ُ‬ ‫ن * ل َعَل ّل ۤي أعْ َ‬ ‫جعُللو ِ‬ ‫ب ٱْر ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ت قَللا َ‬ ‫م لوْ ُ‬ ‫م ٱل ْ َ‬ ‫ح لد َهُ ُ‬ ‫جللآَء أ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حت ّل ٰى إ ِ َ‬ ‫} َ‬
‫َ‬ ‫م ب َلْرَز ٌ‬ ‫ُ‬
‫ة هُلوَ َقآئ ِلهَللا وَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫صاِلحا ً ِفي َ‬
‫خ إ ِل ل ٰى ي َلوْم ِ‬ ‫مللن وََرآئ ِهِل ْ‬
‫َ‬
‫مل ٌ‬ ‫ت كل إ ِن َّها كل ِ َ‬ ‫ما ت ََرك ُ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫*‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫سآ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫م‬ ‫و‬‫َ‬
‫ُ ْ ْ َ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫سا‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬
‫ّ ِ‬ ‫صلو‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫خ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫*‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ثو‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ي‬
‫ه فأ ُوْل َ ٰللئ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قل َلت ملوازين ِه فَأ ُ‬
‫ك‬ ‫واِزين ُُ‬ ‫ْ َ َ‬‫ل‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ل‬
‫َ َ ْ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫لو‬ ‫ل‬ ‫ح‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ٰ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫ثَ ُ ْ َ َ ِ ُ ُ‬
‫َ‬
‫م ِفيَهللا‬ ‫م ٱ ل ّنلاُر وَهُ ْ‬ ‫جوهَهُ ُ‬ ‫ح وُ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ْ‬
‫ن * ت َل َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫سُر ۤوا أن ُ‬ ‫ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ٱ ّلل ِ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ن * قَللاُلوا ْ َرب ّن َللا غَل َب َل ْ‬ ‫م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َ‬ ‫م فَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن آَياِتي ت ُت ْل َ ٰى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ن * أل َ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫كال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫مو َ‬ ‫ن عُد َْنا فَإ ِّنا ظللال ِ ُ‬ ‫من َْها فَإ ِ ْ‬ ‫جَنا ِ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ن * َرب َّنآ أ ْ‬ ‫ضآلي َ‬ ‫وما َ‬ ‫قوَت َُنا وَك ُّنا قَ ْ‬ ‫ش ْ‬‫عَلي َْنا ِ‬
‫ن{‬ ‫مو ِ‬ ‫س ُئوا ْ ِفيَها وَل َ ت ُك َل ّ ُ‬ ‫خل َ‬ ‫ل ٱ ْ‬ ‫َقا َ‬

‫ففي هذا النص بيان طلبهم الرجعة إلى الحيللاة الللدنيا عنللد مللوتهم ‪،‬‬
‫رجاء أن يعملوا صالحا ً ‪ ،‬فيرفض طلبهم ‪.‬‬

‫وفيه أيضا ً بيان أنهم يطلبون هذا الطلب حينمللا تلفللح وجللوههم النللار‬
‫وهم فيها كالحون ‪ ،‬إذ يقولون ‪ :‬ربنا أخرجنا منهللا ‪ ،‬فللإن عللدنا إلللى مللا كنللا‬
‫عليه من الكفر والتكذيب فإنا ظالمون ‪ ،‬فيقول الله لهم ‪ :‬اخسؤوا فيها ول‬
‫مذ َّلين مهانين ‪.‬‬
‫تكلمون ‪ ،‬أي ‪ :‬ابتعدوا مطرودين ُ‬

‫ويطلب الكافر مثل هذا الطلب أيضا ً وهو في موقف الحساب ‪ ،‬وقد‬
‫ل على ذلك قول الله تعالى في سورة )السجدة‪ 32/‬مصحف‪ 75/‬نزول(‪:‬‬ ‫د ّ‬
‫َ‬
‫صلْرَنا‬ ‫م َرب ّن َللآ أب ْ َ‬ ‫عن لد َ َربهِل ْ‬‫م ِ‬ ‫س له ِ ْ‬ ‫ْ‬
‫سللوا ُرُءو ِ‬ ‫ن َناك ِ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ج رِ ُ‬‫م ْ‬ ‫}وَلوْ ت ََر ٰى إ ِذِ ٱلل ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ها‬‫دا َ‬ ‫س هُ َ‬ ‫فَ ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ُ‬
‫شئ َْنا لت َي َْنا ك ّ‬ ‫َ‬
‫ن * وَلوْ ِ‬ ‫موقُِنو َ‬ ‫ً‬
‫صاِلحا إ ِّنا ُ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج عَْنا ن َعْ َ‬‫معَْنا َفل ٱْرل ِ‬ ‫س ِ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ج ن ّلةِ وَ ٱل ّنللا ِ‬ ‫ن ٱلل ِ‬ ‫ح لقّ ٱلل َ‬ ‫وَل َ ٰل لك ِ ْ‬
‫ن*‬ ‫مِعي ل َ‬ ‫ج َ‬‫سأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫مل َ‬ ‫م ِ‬‫جهَن ّل َ‬ ‫ن َ‬ ‫مل ّ‬ ‫منللي ل ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قللوْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬
‫مللا‬‫خ ل ْلدِ ب ِ َ‬ ‫ب ٱْلل ُ‬ ‫ذا َ‬‫ذوُقلوا ْ عَل َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫سيَناك ُ ْ‬ ‫م ه َ ٰل َ‬
‫ذآ إ ِّنا ن َ ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫قآَء ي َوْ ِ‬ ‫م لِ َ‬
‫سيت ُ ْ‬ ‫ما ن َ ِ‬ ‫ذوُقوا ْ ب ِ َ‬ ‫فَ ُ‬
‫ن{‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬‫كنت ُ ْ‬‫ُ‬

‫ومن جملة هذه النصوص يتضح لنا أن الكافرين يطلبون الرجعة إلى‬
‫دار البتلء أربع مرات ‪.‬‬

‫الولى ‪ :‬عند موتهم ومشاهدتهم منازلهم في دار العذاب ‪.‬‬

‫الثانيممة ‪ :‬فللي موقللف الحسللاب إذ يقفللون عنللد ربهللم ناكسللي‬


‫رؤوسهم ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬عندما يعرضون على النار بعللد الحسللاب ‪ ،‬ويللرون مللا فللي‬
‫النار من عذاب ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬حينما يكونون في نار جهنللم وهللم يللذوقون ألللوان عللذابها‬


‫الليم ‪.‬‬

‫وفي كل هذه المرات ُيرفض طلبهم ‪ ،‬وترد عليهم تمنياتهم ‪.‬‬


‫‪ -7‬وجاء في القرآن بيان أن الكافرين الذين ماتوا وهم كفار ل يغفر‬
‫الله لهم ‪ ،‬ول يقبللل منهللم فديللة ‪ ،‬إنهلم قلد ختمللوا حيلاتهم فلي دار البتلء‬
‫بالكفر والعناد وتحدي الحقيقة اللهية الكبرى ‪ ،‬وقضي المر ‪ ،‬فل رجعة ول‬
‫استئناف ول غفران ول فدية ‪.‬‬

‫إن عفو الله وغفرانه يوم القيامللة مللن المنللح الللتي يختللص الللله بهللا‬
‫عصاة المؤمنين ‪ ،‬فل يكون للكافرين منها نصيب ‪.‬‬

‫أما في الدنيا فباب العفو والغفران مفتوح لهم إن آمنوا ‪ ،‬فإذا مللاتوا‬
‫مصرين معاندين فقد قطعوا بأيديهم عن أنفسهم حبل الرجاء ‪ ،‬وقللد أعلللن‬
‫الله لهم وهم في الحياة الدنيا أنه لن يغفر لهم إذا ماتوا وهللم كفللار ‪ ،‬ولللن‬
‫يقبل منهم أية فدية ‪ ،‬على أنهم يومئذٍ ل يملكون فدية يقدمونها ‪.‬‬

‫ل على ذلك قول الله تعللالى فللي سللورة )محمللد‪ 47/‬مصللحف‪95/‬‬ ‫د ّ‬


‫نزول(‪:‬‬
‫فللاٌر فَل َللن‬ ‫ماُتوا ْ وَهُ ل ْ‬
‫م كُ ّ‬ ‫ل ٱل ّلل ِ‬
‫هل ث ُ ّ‬
‫م َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دوا ْ َ‬
‫عن َ‬ ‫فُروا ْ وَ َ‬
‫ص ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ن ٱّلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫م{‬ ‫َ‬
‫ه لهُ ْ‬‫فَر ٱل ّلل ُ‬
‫ي َغْ ِ‬

‫وقول الله تعالى في سورة )النساء‪ 4/‬مصحف‪ 92/‬نزول(‪:‬‬


‫مللن‬ ‫من ي َ َ‬
‫شللآُء وَ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫دو َ‬
‫ما ُ‬
‫فُر َ‬
‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫فُر َأن ي ُ ْ‬
‫شَر َ‬ ‫ن ٱل ّلل َ‬
‫هل ل َ ي َغْ ِ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫ً‬
‫ظيما{‬ ‫ً‬
‫قدِ ٱفْت ََر ٰى إ ِْثما عَ ِ‬ ‫ك ب ِٱلل ّهِ فَ َ‬
‫شرِ ْ‬
‫يُ ْ‬

‫وقول الله تعالى في سورة )النساء‪ 4/‬مصحف‪ 92/‬نزول(‪:‬‬


‫مللن‬ ‫من ي َ َ‬
‫شللآُء وَ َ‬ ‫ن ٰذل ِ َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫دو َ‬
‫ما ُ‬
‫فُر َ‬
‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫فُر َأن ي ُ ْ‬
‫شَر َ‬ ‫ه ل َ ي َغْ ِ‬‫ن ٱلل ّ َ‬‫}إ ِ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ضلل ب َِعيدا{‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬‫قد ْ َ‬ ‫ك ِبل ٱل للهِ ف َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫شرِ ْ‬
‫يُ ْ‬

‫فمن هذه النصوص القرآنية تتضح لنا القاعدة اللهية العامة في‬
‫الغفران ‪ ،‬وهي أن الله ل يغفر ذنب الكافر به أو الشللراك بلله ‪ ،‬ويغفللر مللا‬
‫دون ذللك لملن يشلاء ‪ ،‬فلالمر بالنسلبة إللى الللذنوب الواقعللة فلي مجلال‬
‫احتمال الغفران منوط بمشيئة الله تبارك وتعالى ‪.‬‬

‫ول طريق للكافرين والمشركين الذين مللاتوا مللن قبللل أن يتوبللوا إل‬
‫طريق جهنم خالدين فيها ‪ ،‬قال الله تعالى في سورة )النسللاء‪ 4/‬مصللحف‪/‬‬
‫‪ 92‬نزول(‪:‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫م وَل ل ِي َهْلدِي َهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ٱل للل ُ‬
‫ه ل ِي َغْفِلَر لهُل ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫م ي َك ل ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫مللوا لل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فُروا وَظل ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ن ٱلل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ً‬
‫سيرا{‬ ‫ن ٰذل ِك عَلى ٱل لل ِ‬
‫هل ي َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ن ِفيَهآ أَبدا وَكا َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫م َ‬‫جهَن ّ َ‬‫ريقَ َ‬ ‫ريقا ً * إ ِل ّ ط ِ‬
‫َ‬ ‫طَ ِ‬

‫أما عدم قبول الفدية منهم فقد دل عليه قول الله تعالى في سورة‬
‫)آل عمران‪ 3/‬مصحف‪ 89/‬نزول(‪:‬‬
‫َ‬ ‫فللاٌر فَل َللن ي ُ ْ‬
‫م ْ‬
‫للءُ‬ ‫هم ّ‬ ‫ح لدِ ِ‬
‫نأ َ‬ ‫مل ْ‬‫ل ِ‬ ‫قب َل َ‬ ‫م كُ ّ‬‫مللاُتوا ْ وَهُل ْ‬ ‫ف لُروا ْ وَ َ‬
‫ن كَ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن{‬‫ري َ‬
‫ص ِ‬
‫من ّنا ِ‬ ‫م ّ‬‫ما ل َهُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬
‫هبا ً وَل َوِ ٱفْت َد َ ٰى ب ِهِ أوْل َ ٰلئ ِ َ‬ ‫ض ذَ َ‬
‫ٱلْر ِ‬
‫وقول الله تعالى في سورة )يونس‪ 10/‬مصحف‪ 51/‬نزول(‪:‬‬
‫للر ض ل َفْتلدت بله وأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مللا فِللي ٱ ْ ِ‬
‫سلّروا ْ‬ ‫ت َ‬ ‫مل ْ‬ ‫س ظ َل َ َ‬ ‫ن ل ِك ُل ّ‬ ‫}وَل َلوْ أ ّ‬
‫َ َ ْ ِ ِ َ َ‬ ‫فل ٍ‬‫ل نَ ْ‬
‫ن{‬ ‫م ل َ ي ُظ ْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ط وَهُ ْ‬
‫س ِ‬ ‫م ِبلٱ ْلل ِ‬
‫ق ْ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬‫ض َ‬ ‫ب وَقُ ِ‬
‫ذا َ‬ ‫ما َرأ َوُا ْ ٱْللعَ َ‬
‫ة لَ ّ‬
‫م َ‬ ‫ٱ ل ّنل َ‬
‫دا َ‬

‫ويظل الكبر ملزما ً لهم حتى رؤية العذاب ‪،‬لذلك فهم يخفون‬
‫ندامتهم ‪.‬‬

‫وقول الله تعالى في سورة )المائدة‪ 5/‬مصحف‪ 112/‬نزول(‪:‬‬


‫ن ل َه لم مللا فِللي ٱ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫معَل ُ‬‫ه َ‬ ‫َ‬
‫مث ْل ل ُ‬ ‫ميع لا ً وَ ِ‬ ‫ج ِ‬
‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫للْر‬ ‫ف لُروا ْ ل َلوْ أ ّ ُ ْ ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ٱّلل ِ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫م*‬ ‫ب أِليل ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَل َ‬ ‫َ‬
‫م وَلهُل ْ‬ ‫من ْهُل ْ‬
‫ل ِ‬‫قب ّل َ‬‫مللا ت ُ ُ‬
‫م لةِ َ‬
‫ق َيا َ‬‫ب ي َلوْم ِ ٱلل ِ‬
‫ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَل َ‬ ‫مل ْ‬ ‫دوا ْ ب ِهِ ِ‬
‫فت َ ُ‬
‫ل ِي َ ْ‬
‫َ‬
‫م{‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬‫ب ّ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬
‫من َْها وَلهُ ْ‬ ‫ن ِ‬‫جي َ‬ ‫خارِ ِ‬ ‫هم ب ِ َ‬
‫ما ُ‬ ‫ن ٱل ّنلارِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬‫ن أن ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫يُ ِ‬

‫وهكذا تؤكد النصوص أن الكافرين في الخرة محرومون من فضل‬


‫المغفرة بسبب كفرهم ‪ ،‬وأنهم ل سبيل إليهم إلى فداء يفتدون به ‪ ،‬وأنهللم‬
‫ل نصير لهم ‪ ،‬وأنهم ل مخرج لهم من العذاب ‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫أل فليعلم الذين اختاروا لنفسهم سبيل الكفر بالله عن طريق‬


‫الشرك به ‪ ،‬أو عن طريق الجحود واللحاد هذه الحقائق ‪ ،‬فهللي ن ُل ُ‬
‫ذر لهللم ‪،‬‬
‫ول يلوموا بعد ذلك إل أنفسهم ‪.‬‬

‫ما على الرسول إل البلغ ‪.‬‬


‫وما على مبّلغ رسالة الرسول إل البلغ ‪.‬‬
‫فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ‪.‬‬
‫إن الله بصير بالعباد ‪ ،‬يقيم فيهم عدله ‪ ،‬ويمنح محسنيهم فضله ‪.‬‬
‫ول يظلم ربك أحدا ً ‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫كان الفراغ منه في ليلة الثنين ‪ 20‬من جمادى الولى سنة ‪ 1394‬هل‬
‫الموافق لل ‪ 1‬من حزيران )يونيه( لسنة ‪ 1974‬م بمكة المكرمة ‪.‬‬

‫والله أسأل أن ينفع به ويهدي ‪ ،‬ومن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ‪ ،‬ومن ضل‬
‫فإنما يضل عليها‪.‬‬

‫عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني‬

You might also like