Professional Documents
Culture Documents
صراع مع الملاحدة حتى العظم
صراع مع الملاحدة حتى العظم
داء السلم
أع َ
2
دة
ح َ
مل ِ
معَ ال َ
صَراع ُ َ
ِ
حتى العظم
تأليف
عبد الرحمن حسن حبّنكة الميداني
دار القلم
دمشق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ،والصلة على خاتم أنبيائه
ملة رسالت الهدى ، ح َ
وإخوانه النبياء والمرسلين َ ،
عاة الخلق إلى الحق . ود ُ َ
اللهم ألِهمنا الصواب ،وآِتنا الحكمة وفصل
الخطاب .
داء
الهْ َ
إلى كل مفتون بتزييفات المبطلين ،مخدوع بزخارف أقوال
الملحدين .
اللهم أرنا الحق حقا ً وارزقنا اتباعه ،وأرنا الباطل باطل ً وارزقنا
اجتنابه ،ووفقنا لما تحب وترضى ،واجمع كلمة المسلمين على الهدى
والتقوى ،وانصر أولياءك على أعدائك ،وأّيد جندك على جند إبليس ،
وحقق وعدك إذ قلت وأنت ل تخلف الميعاد:
مقدمات
لول واجب حماية المسلمين
من تضليلت المضلين ،حتى
السخفاء والتافهين ،لما كان
)د .العظم( يستحق النظر فيه ،ول
اللتفات إليه .
)(1
دون كثيرون بوسائل مختلفة ، دى لمحاربة السلم متص ّ تص ّ
سرت على حقيقته الثابتة المتينة نظرياتهم وجدلياتهم طموا وتك ّ فتح ّ
وأقوالهم المزخرفة ،وتكشفت بنوره تزييفاتهم وأكاذيبهم وأباطيلهم وظل
السلم بحقه ونوره يتحدى كل مخالف له ،ويصرع كل مصارع ،ويطحن
كل محارب .
َ
م ُنورِهِ وَل َوْ ك َرِهَ
مت ِ ّ م وَٱلل ّ ُ
ه ُ فُئوا ْ ُنوَر ٱلل ّهِ ب ِأفْ َ
واهِهِ ْ ن ل ِي ُط ْ ِدو َ
ري ُ}ي ُ ِ
ن{كافُِرو َ ٱل ْ َ
)الصف 61/مصحف 109/نزول(
هذا وإني ما زلت أعتقد أنه من غير المستحسن إثارة معارك جدلية
مع الملحدين من أعداء السلم ،حتى ل تعطيهم هذه المعارك فرصة
لنشر آرائهم بين أبناء المسلمين ،وحتى ل تكسبهم هذه المعارك دعاية
يستغلونها لنشر أسمائهم ،وترديد أفكارهم وآرائهم الباطلة ،وبإهمالهم
يتساقطون تساقطا ً ذاتيا ً أمام سلطان الحق المالئ للوجود ،وينساهم
الزمان كما نسي أسلفهم ،وتطويهم الحقائق طي وفاة الهالكين ،ما
ي فريق من أهل الغيرة على ح عل ّ
زلت في هذا العتقاد إلى أن أل ّ
السلم ،أن أكشف زيف بعض الملحدة المعاصرين الذين تصدوا لمحاربة
السلم في جذوره الكبرى ،بمكتوباتهم ومنشوراتهم التي حاولوا أن
يضعوا لها هالة البحث العلمي ،والنقد الحر الجريء ،وبرر لي هؤلء
الحبة من أهل الغيرة ضرورة العمل ،وأنه قد أصبح واجبا ً إسلميا ً
متحتما ً ،باعتبار أن طائفة من طلئع فتياننا وفتياتنا قد أثرت في نفوسهم
وأفكارهم بعض أباطيل هؤلء الملحدة وسفسطاتهم ومغالطاتهم ،حتى
ددا ً حول ًنقلني إلحاحهم من موقع الرفض إلى موقع التردد ،وبقيت متر ّ
كامل ً ،حتى أعاد هؤلء الحبة الغيورون على إلحاحهم في صيف عام
1973-1393م ،فاستخرت الله ،وعزمت على تحقيق الطلب ،وكتبت
هذا الصراع العلمي المنطقي المحتشم ،التزاما ً بآداب المناظرة والجدال
بالتي هي أحسن ،ما لم يستدع رد الضربة الباطلة بكفئها من الحق .
ورجوت من هذا الصراع أن يحقق الله سنته التي أعلنها بقوله في
سورة )الرعد 13/مصحف 96/نزول(:
ل َزَبدا ً َ }أ َن ََز َ
سي ْ ُ ل ٱل ّ م َ حت َ َها فَٱ ْ قد َرِ َ ة بِ َ ت أوْدِي َ ٌسال َ ْ مآًء فَ َ مآِء َ س َ
ن ٱل ّ م َ ل ِ
َ
كه ك َ ٰذل ِ َ مث ْل ُ ُمَتاٍع َزب َد ٌ ّ حل ْي َةٍ أوْ َ ن عَل َي ْهِ ِفي ٱلّنارِ ٱب ْت َِغآَء ِ دو َ ما ُيوقِ ُ ّراِبيا ً وَ ِ
م ّ
َ يضرب ٱلل ّه ٱل ْحق وٱل ْباط َ َ
ع
ف ُما َين َما َ فآًء وَأ ّ ج َ ب ُ ما ٱلّزب َد ُ فَي َذ ْهَ ُ ل فَأ ّ َ ّ َ َ ِ ُ َ ْ ِ ُ
ل{. مَثا َ َ ل ه ّ لل ب ر ض ي َ
ك ل كذَ ض ر َ ل في ث ُ ك م َ
ْ ٱ ُ ٱ َ ْ ِ ُ ِ ٰ ْ ِ ٱ ِ ُ ٱلّنا َ َ ْ
ي ف س
والله ولي التوفيق ،وهو الهادي إلى سبيل الرشاد والسداد ،وهو
حسبي ونعم الوكيل.
)(2
أل فليعلم هذه الحقيقة شباب مضللون سائرون في طريق اللحاد ،
أو واصلون إلى غايته ،أو متطلعون إلى السير فيه .
)(3
)(4
قرأت فيما قرأت مقولت "نقد الفكر الديني" للدكتور صادق جلل
سوا الكفر في فكره إذ
العظم ،الحائز على لقب "دكتور" من الذين د ّ
منحوه هذا اللقب ،فرأيت في مقولته عجبا ً من المغالطات والباطيل
والفتراءات ،وسائر وسائل الجدال بالباطل لدحض قضية الحق .
فمن غريب ما فعل في منطقه الشاذ أنه جمع كل الديان ،وكل ما
فيها من حق وباطل ،وكل ما نسب إليها من ضعيف وقوي وفاسد وصحيح
،وقال :هذه هي الديان ،ثم وجه النقد اللذع للباطل الظاهر ،وللضعيف
البين ،وللفاسد المعروف فساده ،ثم صنع من ذلك مقدمة فاسدة استنتج
منها إبطال الدين كله .
لقد رأى في مقدمته الفاسدة أن التجاهات الدينية يوجد فيها ما هو
باطل مخالف للحقائق العلمية ،التي توصل إلهيا البحث العلمي ) ووضع
الديان المختلفة كلها في دائرة واحدة ( ثم زعم أنه لما كان الدين كله
يمثل جبهة واحدة ،وقد وجد الباطل في جانب من جوانب هذه الجبهة ،
ولما كان الدين متماسك الحلقات متى انتقض بعضه انتقض كله ،فالنتيجة
التي يستخلصها الفكر العلمي هي أن الدين كله مشكوك به ،ول يصح
العتماد عليه ول الخذ به .
هذه هي حجة )د .العظم( في إبطال الدين كله ،ولست أدري هل
يقبل إنسان يملك الحد الدنى من التفكير المنطقي السليم هذا النوع من
الستدلل العظمي الذي ليس له أسر 1يشده ،ول لحم يملؤه ،ول إهاب
يزينه ،أو تجرى فيه دماء حياء أو حياة .
على هذا القياس العظمي نستطيع أن نبطل العلوم المادية كلها ،
ونجعلها شيئا ً غير موثوق به مطلقا ً ،فنقول :إن التجاهات العلمانية التي
تعتمد على البحث العلمي المدروس بأناة واختبار وتجربة للوصول إلى
الحقائق هي اتجاهات باطلة مزيفة ،بدليل أننا نلحظ عند أصحاب هذه
التجاهات نظريات متناقضة ،ونلحظ بعضها فاسدا ً قطعا ً ،وبعد هذه
المقدمة ُنصدر وفق القياس العظمي حكما ً قطعيا ً عاما ً على كل التجاه
العلمي ،ونقول :هو اتجاه مشكوك به ،باعتبار أن فيه نظريات باطلة ،
وبما أن أصحاب التجاه العلماني ُيمثلون جبهة واحدة ،ومتى ظهر الفساد
في بعضها فل بد أن يكون الفساد أو الشك شامل ً لها كلها ،وبناًء على
ذلك فالتجاه العلماني باطل كله!.
لو قال هذا الكلم واحد من المتدينين لقال الناس جميعا ً – وفيهم
المتدينون أنفسهم : -هذا إنسان فاسد العقل فاسد التفكير .
أما سيادة العظم فيقول مثله تماما ً عن التجاه الديني كله ،وهو
يتظاهر بحرصه الشديد على المانة العلمية التي تنشد الحقيقة ،ثم ل يجد
بين العلمانيين الماديين من يوجه له نقدا ً أو تصحيحا ً منطقيا ً ،فأين المانة
العلمية التي يزعمونها ويتبجحون بها؟!
هل يصح في أصول العقل السليم تعميم مثل هذا التعميم؟ إن هذا
قال يصنفقال ول بائع خضراوات ،بل نرى الب ّ
التعميم الفاسد ل يفعله ب ّ
بقوله ،ويميز بين الفاسد والصحيح منها ،ونرى بائع الخضروات كذلك
يميز بين الفاسد والصحيح من خضرواته ،ثم ل يرفض أصحاب الحوائج كل
ما عندهما ،ول كل ما عند جميع البقالين وبائعي الخضراوات ،لن بعضهم
يوجد عنه فاسد من بقول أو فاسد من خضراوات .
وعلى هذا النمط تسير مغالطاتهم ضمن تلعبات كثيرة فيها خيانة
للعلم وللحقيقة .
إن الحق الذي تنكره اليوم أيها الجاحد لن تستطيع أن تنكره غدا ً
يوم الدين ،ولن تستطيع أن تجحده إذا أراد الله أن ينزل بك شيئا ً من
جل عقابه ،وعندئذٍ لن تستطيع الشيوعية العالمية ،ول اليهودية
مع ّ
العالمية ،ولن يستطيع ملحدة الدنيا أن ينقذوك من قبضة العدل اللهي .
إن عذاب الله لشديد ،ولئن استهنت به وأنت مغرور متمتع بصحتك
سك شيء منه ،إن ربك لبالمرصاد ،وإنه
وقوتك ،فلن تستهين به يوم يم ّ
ل يخلف الميعاد .
لن يضر الحق شيئا ً أن يجحده جاحدوه ،أو ينكره منكروه ،فالله
حق وبيده مقاليد كل شيء ،وهو على كل شيء قدير .
ولكن إنكار الحق تبارك وتعالى يضر المنكر وحده ،وجحوده تبارك
وتعالى يضر الجاحد وحده ،فهو بجحوده وإنكاره واستكباره يخسر نفسه
وسعادته ،ويقذف بهما إلى العذاب الليم .
)(2
دين والعلم ،ولكن بين طرق اكتساب فالمقابلة إذن ليست بين ال ّ
العلم الذي يأتي بلله الللدين ،وطلرق اكتسللاب المعرفلة النسلانية البحتللة ،
كطريللق الحللس المباشللر لدراك المعللارف ،وهللو الدراك القللائم علللى
المشاهدة والتجربة ،وكطريللق العقللل لسللتنباط المعللارف الللتي ل ت ُللدرك
بللالحس المباشللر ،وهللذه الوسللائل النسللانية المختلفللة وأدواتهللا الللتي
تستخدمها ،هي منحة مللن الللله لعبللاده ،حللتى يسللتخدموها فللي اكتسللاب
المعارف والعلوم ،ولذلك كان النسان مسؤول ً عنها عنللد الللله فللي مجللال
اكتساب العلم ،فقال الله في سورة )السراء 17/مصحف 50/نزول(:
ؤاد َ ك ُ ّ
ل صَر وَٱل ْ ُ
ف َ معَ وَٱل ْب َ َ
س ْ
ن ٱل ّ عل ْ ٌ
م إِ ّ س لَ َ
ك ب ِهِ ِ ما ل َي ْ َف َ ق ُ }وَل َ ت َ ْ
ؤو ً
ل{ س ُ
م ْه َن عَن ْ ُ كا َ ُأول ٰلئ ِ َ
ك َ
وة هللوثم إن الوحي الذي هو منحة من الله لعبللاده عللن طريللق النب ل ّ
أيضا ً طريق من طرق المعرفلة الصللحيحة ،فهلو يقللدم شللهادة بالحقيقلة ،
ومتى كان الخبر عن الللوحي يقينيلا ً مقطوعلا ً بلله فللإنه ل يمكللن بحللال مللن
الحوال أن يتناقض مع اليقين الذي ُتوصل إليه الوسائل النسللانية البحتللة .
ولو أمكن أن تتناقض لكان معنى ذلك أن الفاطر الحكيم لم يضع بين أيدينا
الوسائل الصحيحة التي تكسبنا المعللارف والعلللوم الحقللة ،أو لللم يصللدقنا
فيمللا أخبرنللا بلله عللن طريللق الللوحي ،وكللل مللن المريللن مسللتحيل عقل ً
وشرعا ً .
فالله تبارك وتعالى جعل وسائل المعرفة فينا مسللؤولية فللي ميللدان
المعرفة والبحث العلمي ،ومسؤوليتها هذه رهن بأنها من الطرق الموصلة
إلى الحقيقة ،كما جعلنا مسؤولين عن التسليم بما يخبرنللا بلله عللن طريللق
الوحي ،لن برهان العقل قد قللام لللدينا بللأن مللا يخبرنللا بلله الرسللول عللن
طريق الوحي صدق وحق ،والجلامع بيلن المريلن هلو أن كل ً منهملا يقلدم
شهادة بالحقيقة ،وبما أن الحقيقة واحدة فللإنه ل يمكللن أن تتنللاقض نتللائج
الطرق الصحيحة الموصلة إليها ،ومتى ظهر التناقض فل بد أن يكون ذلللك
لخلل أصابها أو أصاب واحدا ً منها .
فمن المثلة ما يلي :لقد أخبرنا الللله أنلله ل إللله إل هللو ،وهللذا خللبر
جاءنا به الوحي فقدم لنا شهادة بحقيقللة وحدانيللة الخللالق تبللارك وتعللالى ،
والبحث العلمي في هذا المجال ل بد أن يوصل إلى هذه الحقيقللة نفسللها ،
ولذلك قال الله تعالى في سورة )آل عمران 3/مصحف 89/نزول(:
م لا ً كلل ُ ُ شللهد ٱلّللل َ
ة وَأوُْلللوا ْ ٱل ْعِْلللم ِ َقآئ ِ َ هللوَ وَٱل ْ َ
مل َئ ِ َ ه ل َ إ َِللللٰ َ
ه إ ِل ّ ُ ه أّنلل ُ
ُ } َ ِ َ
ط.{..
س ِ ب ِٱل ْ ِ
ق ْ
فلدينا إذن حول هذه الحقيقة شللهادة الللله إذ أخبرنللا بوحللدانيته عللن
طريق الوحي والرسل ،ولدينا أيضا ً شهادة أولي العلم الذين توصلللوا إلللى
هذه الحقيقة عن طريق البحث العلمي .
وواجبنا لدى البحث عن الحقيقة أن نحرر تحريرا ً دقيقلا ً مللا تأتينللا بلله
الوسائل النسانية من المعارف ،وما يصلنا من أخبار الوحي .
-2وإما لن الذي نسب إلى الدين لم يصل إلى درجة القطع في
نقل النص الذي تضمنه .
ولما جاء السلم رفض هذا التثليث الدخيل علللى ديللن الللله ،ونللادى
بالوحدانية ،وقدم على ذلك شهادة من عنللد الللله ،نللزل بهللا الللوحي علللى
رسول الله محمد ، وشلهادة ملن أولللي العلللم ،فجعللل العقللل العلمللي
شاهدا ً على هذه الحقيقة ،وناقض مخالفيها على أساس من العقل والعلم
،واعتبر العقل فلي هللذا سللندا ً ُيسللتفتى وُيستشلهد بلله ،ولللو كلان البحللث
العلمي النساني السليم سيوصل إلى القطع بحقائق ل يوافق عليها الللدين
لما دعاه السلم إلى تقديم شهادته بالحقيقة ،ولما أرشد الله العلماء إليه
،ووضع في أيديهم وسائله ،ودفع بهم إليلله دفعلا ً ،فقللال الللله تعللالى فللي
سورة )يونس 10/مصحف 51/نزول(:
َ
ض.{...
ت وَٱلْر ِ ماَوا ِ
س َ
ذا ِفي ٱل ّ ل ٱنظ ُُروا ْ َ
ما َ }ق ُ ِ
وفي إثبات وجلود اللله نلاقش بلالمنطق العقللي البحلت فقلال اللله
تعالى في سورة )الطور 52/مصحف 76/نزول(:
م ٱل ْ َ َ َ
ن{.
قو َ
خال ِ ُ م هُ ُ
يٍء أ ْ ن غَي ْرِ َ
ش ْ قوا ْ ِ
م ْ خل ِ ُ
م ُ
}أ ْ
1
إلى غير ذلك من شواهد كثيرة
وظل رؤساء الدين عندهم يهيمنون على أتباعهم بهذه الحجة ،حللتى
قامت الثورة العلمية المادية الحديثة ،ففجرت جوانب البحث العلمللي فللي
كل مجال من المجالت العلمية التي يسللتطيع النسللان أن يتوصللل إليهللا ،
وأيقظت الفكر النصراني من سباته الذي لزمه قرابة خمسة عشللر قرنلا ً ،
ثم امتد أثره إلى المم الخرى ،ومع هذه اليقظللة العلميللة أخللذ المثقفللون
منهم يفكرون في قضية التثليث ،وفي قضايا مشابهة ،يقال عنها :إنها من
أمور الدين التي هي فوق مستوى العقل ،ويجب التسللليم بهللا ،ولللو كللان
العقل يرفضها قطعيا ً ويرى أنها مستحيلة ،فلم تهضللمها عقللولهم ،وبللدأوا
يتشككون في صحة ديللانتهم مللن أساسللها ،وقللام الصللراع المعللروف بيللن
قوتين :
قوة تقليدية لها مؤسسات ورياسات دينية وأنظمة حكم تدعمها .
وقوة أخرى أخذت سبيلها إلى النهللوض المللادي عللن طريللق البحللث
العلمي ،ومناقشة المور بالعقل والمنطق وسائر وسائل البحث النسللاني
للوصول إلى المعرفة الصحيحة .
ومن واجبنا أمام هذا التساؤل أن نحرر الجواب تحريرا ً شامل ً شافيًا:
سِلمت ل :من نعمة الله علينا في السلم أن أصوله وأركانه قد َ أو ً
من التغيير والتحريف ،فلم يصبها شيٌء ،مما أصاب أصول الديان الخرى
من ذلك ،فليس أمامنا مشكلة دين محرف مخللالف للحقيقللة ،أو مخللالف
لمنطق فليس أمامنا مشللكلة ديللن محللرف مخللالف للحقيقللة ،أو مخللالف
فللق لللدعمه الحجللج الخرافيللة ،علللى أن لمنطق العقللل والواقللع ،حللتى نل ّ
ل من الحللوال مللن المللؤمنين بلله أن يلفقللوا السلم ل يرضى ول يقبل بحا ٍ
الحجج الباطلة ،أو يختلقوا الشهادات الكاذبات ،ولو كان ذلك لدعم الحللق
الذي جاء به ،لن قبول هذا السلوب سيقضي على الدلة والحجللج الحقللة
الصادقة ،وسيقضي بالتالي على الدين من أساسه ،إذ قبللل بمبللدأ التأييللد
بالباطل ،فالحق ل يقبل التأييد والمناصرة إل بالحق .
تكاليف عملية نفسية وجسدية يطالب الناس بها .ومن نعمة الله
علينا في السلم أنها مشلتملة عللى ملا يصللح أوضلاع النلاس وأحلوالهم ،
ويرتقي بهم إلى أرفع درجة حضارية إنسانية ،سواٌء أكانت تكاليف عبادات
،أو تكاليف أخلق ،أو تكاليف معاملت ،أو تكاليف أخرى تدفع الناس إلى
الرتقاء المجيد في سّلم الحضارة النسللانية المثلللى ،الخاليللة مللن عيللوب
النهيار الخلقي والنفسي والسلوكي .
الول :أن يكون فهم النص السلمي من قبل بعض المجتهللدين أو
المؤولين فهما ً خاطئا ً .
ولكن هنا قد تقع مغالطة ل بلد ملن التنلبيه عليهلا ،وهلذه المغالطلة
تأتي من قبل ما ينسب إلى الحقيقة العلمية ،التيللة عللن طريللق الوسللائل
النسانية البحتة ،فكثيرا ً ما يدعي الماديون أن فرضية ملن الفرضلليات ،أو
نظرية ملن النظريللات ،قلد أصلبحت حقيقللة علميللة غيلر قابللة للنقلض أو
التعديل ،مع أن هللذه النظريللة ل تملللك أدلللة إثبللات يقينيللة تجعلهلا حقيقللة
نهائية ،أو حقيقة مقطوعا ً بهللا ضللمن مسللتواها ،وذلللك بشللهادة العلمللاء ،
الذين وضعوا هذه النظرية أو ساهموا في تدعيمها .
ومن أمثلة ذلك الداروينية بالنسبة إلى نشأة الكون وخلق النسان ،
فهي ل تملك أدلة إثبات قاطعة أو شديدة الترجيح ،ولكن كثيرا ً من العلماء
الماديين يقبلونها تسليما ً اعتقاديا ً ،ل تسليما ً علميا ً ،إذ ليس لللديهم اختيللار
بعللدها إل اليمللان بللالخلق الربللاني ،وهللذا أمللر ل يجللدون أنفسللهم الن
مستعدين لقبوله ،ما دام منطق اللحاد هو المسيطر علللى اعتقللادهم فلي
بيئاتهم .
وإني لجزم بكلل يقيلن أننلا للن نجلد مسلألة واحللدة يسلتحكم فيهلا
الخلف بين شهادة النصوص الدينية اليقينية قطعية الثبوت قطعية الدللة ،
وبين الشلهادة القاطعلة اللتي يقلدمها العقلل ،أو الشلهادة القاطعلة اللتي
يقدمها البحث العلمي النساني البحت .
فإن وصل بعضها وبعضها الخر لم يصللل أعلللن كلل علن مبلغله ملن
صر في المعرفة أو زاد ،وفي هذا ل يوجد تناقض أو خلف ،ولكللنالعلم ق ّ
يوجد بيان جزئي وبيان أشمل وأكمل ،أو بيان جزئي من جهة وبيان جزئي
من جهة أخرى ،وفق مثال العميان والفيل.1
وهذه النباء الدينية الغيبية تخلبر علن بعلض حقلائق الوجلود الكلبر ،
فمنها ما يتعلق بخصائص الخالق جل وعل ،ومنها ما يصف بعللض الحقللائق
الغيبية من واقع هذا الكون المخلوق لله تعالى ،كالملئكة والجن والعللرش
والكرسي ،ومنها ما يحكي أحداثا ً سبق أن حدثت فيما مضى من الزمان ،
وليس باستطاعة الوسائل النسانية أن تستعيد صللورتها الواقعيللة ،كقصللة
خلق آدم ،ومنها ما ُينبيء عن أحداث ستقع فيما يأتي من الزمان ،ضللمن
واقع هذا النظام الكللوني القللائم ،كأشللراط السللاعة ،أو سللوف تقللع فللي
نظام عالم آخر وحياة أخرى ،وهو ما جللاء عللن الخللرة زمان لا ً ودارا ً وحيللاة
وحسابا ً ونعيما ً وعذابا ً .
دم لهم فيل ليصفوه ،فوقعت يد كل منهم 1مثل أورده الغزالي وغيره ،خلصته أن عددا ً من العميان قُ ّ
على جانب منه ،ثم أخذ يصف الفيل عن طريق ما تلمسه بيده منه ،فوصف أحدهم ملسة الناب
وقسوته ،والخر خشونة الذيل ،والثالث ما تلمسه من الخرطوم ،والرابع ما تلمسه من رجله ...وهكذا
.
وموقف العقل ووسائل البحث العلمي النسانية بالنسبة إلى ما جللاء
في هذا القسم يتلخص بما يلي :
-1تحرير صدق الخبر وصحة دللته .
-2رفض ما لم يثبت صدقه ضمن قواعد تحرير صدق الخبار .
-3رفض ما خالف أحكام العقل القاطعة ،وهو ما يدخل في قسم
المستحيلت العقلية ،كالجمع بين النقيضين ،وكوجود شللريك لللله الخللالق
سبحانه وتعالى ،فأي نبأ من أنباء الغيللب يثبللت شلليئا ً يحكللم العقللل حكملا ً
قاطعا ً باستحالة وجوده هو خبر مرفوض عقل ً وشللرعا ً ،وأي نبللأ مللن أنبللاء
الغيب ينفي شيئا ً يحكللم العقللل حكم لا ً قاطع لا ً بللأنه واجللب الوجللود هللو نبللأ
مرفوض عقل ً وشرعا ًً .
قب عليه باستدراك خلصته :إن ما وراء العقل قد يكون بعيدا ً عن ع ّ
ً
تصور العقل وتوهمه ُبعدا بالغ النهاية ،لن العقل محجوب عنه في حللدوده
التي ل يسللتطيع أن يتعللداها ،لكنلله ل يمكللن أن يكللون وراء العقللل أشللياء
يحكم العقل حكما ً قاطعا ً باستحالتها ،فهنالك فرق كللبير بيللن مللا ل يللدركه
العقل فهو ل يتناوله بنفي ول إثبات ،لنلله ليللس مللن المللور الللتي يتناولهللا
بأحكامه ،وبين ما يحكم العقل حكما ً قاطعا ً بنفيه أو إثباته .
فمن الشياء التي ل يمكن أن يكون وضللعها فيمللا وراء العقللل علللى
خلف وضعها في أحكام العقل القاطعة لنها من المستحيلت العقلية :أن
يكون لله تعالى شريك ،أو أن يكون في مقدور الخالق جل وعل أن يخلللق
مثل ذاته سبحانه ،أو أن يجعل الحادث قديما ً ،أو ما أشبه ذلك .
وقد أوفيت هذا الموضوع بمزيد من الشرح والتفصلليل فللي كتللابي :
"العقيدة السلمية وأسسها".
-4ما له دلئل وقللرائن مللن العقللل تؤيللده فللإن موقللف العقللل منلله
موقف الشاهد المؤيد المسلم .
-5التسليم التام في كللل مللا يقللول فيلله العقللل :ل أدري ،إذ ليللس
لدي من الدلة الظاهرة في مقاييسي مللا أسللتطيع أن أثبللت بلله ،كمللا أنلله
ليس لدي منها ما أستطيع أن أنفي به .
وهذا التسليم تصديق لشهادة النص الديني الثابت من جهة الرواية ،
وفق أصول تحقيق المستندات الخبارية ،وتصديق شهادة النص الديني للله
مسللتند عقلللي قللاطع ،لن العقللول يقللول :مللا جربتلله مللن أنبللاء السلللم
الصحيحة النسبة بشكل يقيني لم أجد فيها إل الحق ،وكل مللا وجللدته فيهللا
مما استطعت الوصلول إللى حقيقتله الواقعللة بنفسلي كلان حقلا ً وصلدقا ً .
ويقول العقل أيضًا :إن من يملك تغيير سنن الكون الثابتللة بمللا يجريلله مللن
معجزات على أيدي أنبيائه ورسله ،ليعلمني بأن الكون كله خاضللع لقللدرته
وإرادته ،وليعلمني بأن أخباره التي يبلغها أنبياؤه ورسله أخبللار صللادقة ،ل
يمكن أن تكون أخباره عن الغيوب التي ل أسلتطيع الوصللول إليهلا بنفسلي
أخبارا ً مخالفة لحقيقة الغيب وواقعه .
لكل ذلك فإنه يجب التسليم بها تسليما ً قاطعا ً ل يداخله ريب .
)(4
منهج السلم في المعرفة
والقاعدة الكلية التي تأتي وراء هللذا السللاس هللي :أن كللل وسلليلة
صللحيحة تعطينللا صللورة صللادقة عللن الواقللع والحقيقللة هللي وسلليلة يجللب
العتماد عليها والثقلة بهلا فلي تحصليل المعرفلة ،والمرجلع الول والخيلر
دائما ً هو الواقع ،وبلالواقع تقلاس النتللائج .وعللى هلذه القاعللدة قلام بنللاء
الفكر السلمي .
ول يكون التعصب للجتهاد الذي أخطأ فيلله صللاحبه إل خدمللة للللذين
يحاولون بكل ما يستطيعون من جهد أن يثبتللوا التنللاقض بيللن مللا يللأتي بلله
الدين ،وبين الحقائق التي تللأتي بهللا الوسللائل النسللانية للبحللث العلمللي ،
لطعن الدين من أساسه ،ونسف قواعللده القائمللة علللى الحللق ،وإشللاعة
اللحاد والمادية التي ل تؤمن بالله .
وقد تأتي المشكلة أيضا ً من كون النص الديني نصا ً غيللر ثللابت ثبوت لا ً
ي الثبللوت ، قطعيا ً ،لنه لم تتوافر له الروايات الصحيحة التي تجعللله قطعل ّ
وبدهي في هذه الحالة أن يكون الدليل الحسي اليقينللي أو الللدليل العقلللي
اليقيني أقوى من دليل الخبر الظنللي الللذي لللم يبلللغ مبلللغ القطعيللة ،فللإن
أمكللن تأويللل النللص أقللوى مللن دليللل الخللبر الظنللي الللذي لللم يبلللغ مبلللغ
القطعية ،فإن أمكن تأويل النص بما يتفق مع النتائج اليقينية للدلة الخرى
أولناه ،وإل أخذنا بالنتائج اليقينية حتما ً ،وتركنللا النلص ودللتله ،ول يضلرنا
هذا في الدين ،لن قبولنا له من الساس قد كان بصفة ترجيحية ل بصللفة
قطعية .
فللإذا سللأل سللائل فقللال :هللل لنللا أن نللؤول النصللوص الدينيللة أو
نخصصها بدليل الحس أو بدليل العقل ،حتى تكون دللتها مطابقللة للواقللع
والحقيقة؟
كان جوابنا باليجاب حتما ً ،وبأن هللذا العمللل مللن القواعللد المقللررة
فللي علللوم الشللريعة السلللمية ،يقللول علمللاء أصللول الفقلله فللي أبللواب
تخصيص العام " :ل خلف في جواز تخصيص العموم" ويقررون في أبللواب
تأويل الظاهر " :أنه يجوز التأويل متى كللان دليللله أرجللح ملن دليللل العمللل
بالظاهر ،ويجب التأويل متى كان دليله دليل ً قاطعا ً ل يجللوز العللدول عنلله"
ويذكرون من أدلة تخصيص العموم " :دليل الحس ،ودليل العقللل" ونظيللر
ذلك يكون في تأويل الظاهر ،فيتم التأويل بناء على دليلل الحلس أو دليلل
العقل .
ولكن يجب الحذر الشديد لدى تطللبيق هللذا المنهللج ،حللتى ل يللدخل
علينا الدس الماكر باسم الحقائق العلمية التي توصلت إليهللا نتللائج البحللث
العلمي بالوسائل النسانية البحتة ،فكثير من النتائج التي ُتق لّرر علللى أنهللا
حقائق علمية عند أصحاب البحث العلمي المللادي ل تعللدو أنهللا نظريللات أو
فرضيات قابلة للتعديل أو التغيير أو النقض الكلي ،وليست حقللائق علميللة
يقينية عند أصللحابها ،ولكللن أصللحاب الهللواء أو صللغار المثقفيللن الللذين ل
يقدرون المعارف العلمية حق قدرها ،وينخدعون بدعايات الترويج التجاري
أو السياسي للنظريللات أو الفرضلليات العلميللة ،قلد يزعملون أنهللا حقلائق
ويقينيللات علميللة ،وليسللت هللي فللي الواقللع كللذلك ،ثللم يحملونهللا حمللل
الببغاوات أو حمل الجلراء ،ثللم يقولللون :إن بيللن الحقلائق العلميلة وبيلن
النصوص الدينية تناقضا ً ،ويقصللدون بالحقللائق العلميللة هللذه النظريللات أو
الفرضيات التي لم تثبت بعد في نظر واضعيها ثبوتا ً يقينيا ً أو نهائي لا ً ،فض لل ً
عن أن تكون يقينيات في نظر غيرهم من الذين يعارضون فيها .
وأمام هذه النظريللات أو الفرضلليات ل نجللد أنفسللنا ملزميللن علمي لا ً
بتحديد معاني النصوص الدينية التي تتناول الموضوع نفسه تحديدا ً قاطعا ً .
أما إذا كان قاطعا ً في دللته ،أو كان من المور المتعقلللة بالتشللريع
والحكام الدينية ،أو من الغيب العتقادي الذي ل تملك الوسائل النسللانية
الوصول إلى شيء منه ،فإنه يجب الخذ بمضللمونه وفللق أصللول الجتهللاد
في فهم النصوص ،فاليقيني منهلا نسللم بلله تسللليما ً تاملا ً ،وغيللر اليقينللي
نضعه في المستوى الذي يقتضيه الترجيح .
)(5
النتيجة
فهل لمضلل ملحد بعد هذا التحليل لموقف العلم والدين من
الحقيقة أن يزعم وجود التناقض بين السلم والعلم في المنهج الذي يجب
اعتماده للوصول إلى معرفة الحقائق ،أو في النتائج اليقينية المقطوع بهللا
الللتي يقررهللا الللدين والخللرى الللتي تنتهللي إليهللا وسللائل البحللث العلمللي
النساني ؟
إن أي مضلل ل يستطيع إثبات ادعائه وجود هللذا التنللاقض ،إل علللى
أساس ملن المغالطللات والكللاذيب وزخللرف ملن القللول وصللناعة الجللدال
بالباطل .
فمن المستحيل وجود التناقض بين الحقائق الللتي تللأتي عللن طريللق
الدين والحقائق التي تأتي عن طريق وسائل المعرفة النسانية البحتة .
النقد الذاتي
تحت عنوان "نقد الفكر الديني" تستر الناقد العظم ،إذ حاول
تقويض أسس السلم الكبرى ،وقواعده العظمى ،التي هي حللق ل يأتيهللا
الباطل من بين يديها ول من خلفها ،وربما استغل ما لدى بعض المسلمين
من مفاهيم خللاطئة عللن السلللم ،ليطعللن السلللم بللذلك ،علللى طريقللة
إبطال الطب كله لخطاء بعللض الطبللاء ،وإبطللال الهندسللة كلهللا لخطللاء
بعض المهندسين ،وإبطال ضرورة القضاء لفساد بعللض القضللاة ،وتعميللم
الحكام التي هي لبعض الفراد ،وإطلقها على كللل الفللراد ،ثللم إطلقهللا
على المبادئ الحقة التي يدعي هللؤلء الفللراد انتسللابهم إلهيللا ،ولللو كللانوا
مخالفين لها في مفاهيمهم أو في سلللوكهم ،وعلللى هللذا الجنللوح الفكللري
الخطير ،الخارج عن حدود كل منطق عقلي أو علمي سليم ،سللار العظللم
في جدلياته ومغالطاته .
ولكي ل يزعم القارئ أنني من الذين يبررون كل خطأ ،ما دام يعلن
انتسابه إلللى الللدين زورا ً وبهتانلا ً ،أو جهل ً وغفلللة ،أو خطللأ غيللر مقصللود ،
عقدت هذا الفصل ،لنقد فيه نقدا ً ذاتيا ً مللا دخللل علللى مفللاهيم كللثير مللن
ورا ً مشللوها ً غيللر صللحيح للسلللمون لديهم تص ّ المسلمين عن السلم ،وك ّ
الحق ،أو تطبيقا ً مشوها ً له ينم عن فسللاد فللي التصللور ،أو انحللراف فللي
السلوك .
)(2
أما السلم فهو دين رب الناس اللطيف الخبير للنللاس أجمعيللن }أل
يعلم من خلق وهو اللطيف الخللبير{ ،ومللن أجللل ذلللك كللانت تعللاليم هللذا
الدين مصلحة ومسعدة للناس كل الناس .
ولست في مجال بيان تفصيلي يوضلح هلذه الحقيقلة علن السللم ،
لدلل على أن تعاليم السلم الصافية من الشوائب الدخيلة كفيلة بتحقيللق
مجد النسان في هذه الحياة ،وكفيلة ببناء أفضل المؤسسات الجتماعية ،
وبتنظيم أرقى دولة مدنية آخذة بأوفى نصلليب خي لٌر مللن التقللدم الحضللاري
المتطور ،البعيد عن الشر ومعصية الله .
)(3
تأملت –ربما تكون غير مستقصية -من تأملت البحث العلمي ،
وضعت فيها إحدى يدي على السس السلللمية العامللة الللتي وعيتهللا خلل
دراستي الطويلة للعلوم السلمية ،ووضللعت فيهللا يللدي الخللرى علللى مللا
خبرته من واقع المسلمين خلل تجربة نيف وثلثين سنة ،جعلتنللي أتلمللس
الشللوائب الللتي تسللربت إلللى مفللاهيم المسلللمين ،فألصللقها لجللاهلون
والغافلون بالتعاليم السلمية وهي ليست منها ،وكللان مللن وراء الجللاهلين
والغافلين في كثير من الحيان ماكرون مختلفو الصباغ والقنعة والغراض
،يعملون في الخفاء لهدم السلم أسسا ً وقواعدا ً وبناًء شامخا ً .
ثم تحولت هللذه المفللاهيم الللتي هللي مللن قبيللل الشللوائب ل الصللل
النافع المفيد الخّير ،إلى تطبيقات عملية ،ومواريث ثقيلللة ،أحنللت ظهللور
منللاخ
الجيللال الللتي تحملهللا ،وعرقلللت سللبيل تقللدمها ،كمللا أنهللا هيلأت ال ُ
المناسب لفساد الجيال التي حملت شعار التخلص منها علللى غيللر بصلليرة
وغير هدى ،فتخلصت منها ومن الجوهر النافع ،الذي هو الصللل السللليم ،
المرافق لهلا فلي حشللد المفلاهيم المختلطللة ،وذلللك إذ للم تسلتطع هللذه
الجيال أن تميز بيللن الصللل النللافع المفيللد ،وبيللن الشللوائب الللتي ل خيللر
فيها .
أما الطعم في شباك الصيد فإنه يرجع إلى واحد من عدة أصول ،
ومنها الصول الخطيرة التالية:
)(4
ور عام لمنهج التعاليم السلمية وما طرأ عليه
مص ّ
وإنما يحظى بخيرات هذا المنهج القويم السامي السالكون فيه ،
المتقيدون بحدوده ،أفرادا ً وجماعللات ،وشللعوبا ً ودول ً ،والكللل مسللؤولون
عللن سلللوك هللذا المنهللج والللتزامه ،وعللن بنللاء الصللرح السلللمي الللديني
والدنيوي معا ً .
وهذا المنهج متى انكسرت حدوده أمسى عرضة للتساع ممللا وراءه
مللن مزالللق ومتاهللات ،وعرضللة لنللزلق سللالكيه والخللروج عللن جللادته ،
وعرضة لدخول الشوائب فيه .
)(5
* الصورة الولى:
وهي الصورة المختلطة المهزوزة في مفاهيم بعض الناس لحقيقة
التعاليم السلمية ،وتكون هذه الصللورة بللاختلط الحقللائق ،وعللدم إدراك
كل منها في مكانه الصحيح .
والشوائب فللي هللذه الصللورة ناتجللة عللن تللداخل عناصللر الصللورة ،
وتمازج بعضها في بعض ،وعدم تمايز حدود كل منها .
ومللن أمثلللة هللذه الصللورة فللي الواقللع مللا نشللاهده عنللد كللثير مللن
المنتسبين إلللى السلللم مللن المفللاهيم المختلطللة الغامضللة عللن التعللاليم
السلمية ،كالللذين يللرون أن أي عطللاء مللالي يعتللبر زكللاة كافيللة للمللال ،
ويكتفون بذلك فل تحاسبون أنفسهم على كل نصلليب زكللوي يجللب عليهللم
شرعا ً أن يؤدوه ،وكالذين يرون أن الديانات السماوية السلابقة للسلللم ل
تزال بعد بعثة محمللد صلللوات الللله عليلله مقبولللة عنللد الللله ،ومنجيللة مللن
عواقب الشرك والكفر بالله ،رغم كل التحريفات الواقعة فيها عن الصللل
الصحيح الذي أنزله الله على رسله عليهم الصلة والسلم ،ولول التحريف
لرأى هؤلء في ديانتهم ما يوجب عليهم اتباع محمد واليمللان بلله ،إلللى
غير ذلك من أمثلة كثيرة .
وسللبب وجللود هللذه الصللورة المهللزوزة المختلطللة الجهللل بالتعللاليم
السلمية الصحيحة ،وقلة أجهزة التثقيف السلمي العام في مختلللف بلد
المسلمين .
* الصورة الثانية:
وهي الصورة التي دخل فيها أخطاء لدى رسم المفاهيم السلمية
الصللحيحة ،وطللبيعي أن تكللون هللذه الخطللاء غيللر مطابقللة للحقيقللة
السلمية .
وملن المثللة لهلذه الصلورة ملا نلحظله ملن مفلاهيم غيلر صلحيحة
منسوبة إلى السلم ،وقد يسللهل المللر حينمللا يقللال :هللذا هللو رأي فلن
الذي فهمه عن المر الفلني من السلم ،ولكن الخطر حينما يقللال :هللذا
هو الحكم السلمي قطعا ً ،وكللل رأي مخللالف للله مللن الراء والجتهللادات
التي لها وجه من النظر ضلل وكفر .
ولكنه ليس للمجتهد الذي توصل إلى مفهوم إسلمي قائم على ما
ترجح لديه من ظن غالب أن يعطي ما توصل إليه اجتهاده أكثر من القيمللة
التي يستحقها ،فيفرض على السلللم رأيلله ،ويحللارب كللل رأي مخللالف ،
وكذلك ليس لنصار هذا المجتهللد أن يفعلللوا مثللل هللذا الفعللل لحتمللال أن
يكون الصواب في جانب رأي المخالف ،أو في جانب رأي آخر .
فإذا تعصب المجتهد لرأيه وفرضه على السلم فقد يؤدي به الحال
إلى أن يلصق بالسلم ما ل يقول به السلم نفسه ،فيضيف إلى الصللورة
السلمية خطأ من عنده .
ثم ل يصح لللذين أخلذوا بلرأي هلذا المجتهلد أن يتعصلبوا لله تعصلبا ً
أعمى ،لنهم بعملهم هللذا يجسللمون ويعظمللون بقللع الخطللأ الللتي رسللمها
الجتهاد الخاطئ في الصورة السلمية .
ويلحق بهذه الصورة التي دخلت فيهللا أخطللاء لللدى رسللم المفللاهيم
السلللمية الصللحيحة المقومللة لكللل مللا فللي الحيللاة رغللم تطللور أسللاليبها
وصورها الحضارية ،ما نلحظلله عنللد طائفللة مللن متللأخري طلب المعرفللة
السلميين مللن الغللراق فللي الشللتغال بالجللدليات الكلميللة والمماحكللات
اللفظية ،وصرف معظم جهد البحث العلمي في حدود اللفاظ والحروف ،
والبعد عن تصيد جواهر التعاليم السلمية النافعة ،وإخراجها منتظمللة فللي
عقود فكرية متكاملة متناسقة ،تعالج مشكلت الحياة ،وتللواكب أطوارهللا
الحضارية المتقدمة بإصلح وتقويم ،أو دفع وتدعيم .
وهي الصورة التي حصل فيها تغيير في الّنسب بين مفردات وأجزاء
التعاليم السلمية ،إذ أخذها بعضها من المساحة الكلية في أفكار ونفللوس
طائفللة مللن المسلللمين أكللثر مللن نصلليبه المقللدر للله فللي أصللل التشللريع
السلمي .
فإذا أردنا أن نمثل هذه الصورة الللتي تغيللرت فيهللا الّنسللب الصلللية
سام )كاريكاتير( فرسم سلليارة لركللوب النللاس ، وجدناها تشبه ما لو جاء ر ّ
طلُر كلل منهلا ملتران ،وجعلل لهلا أبوابلا ً صلغيرة ل
فجعل لهلا دواليلب ،قُ ْ
يستطيع أن يدخل منها النسان ،ومرتفعة عللن الرض بمقللدار قللامته ،ثللم
جعل لها من الداخل مقاعد ضيقة جدا ً ،بمقدار راحللة اليللد ،وطويلللة جللدا ً
بمقدار طول العمالقللة الخيللاليين ،وهكللذا تلعللب بالنسللب الصللحيحة فللي
الجزاء ،ووضع محركا ً بمقدار محرك دراجة نارية ،ثم كتللب علللى سلليارته
هذه ) :عدد الركاب ثمانون راكبًا(.
وفقدان هذا الدراك الشامل يتولد عنه نتللائج خطيللرة ،منهللا النتللائج
التالية:
أو ً
ل :فساد الّنسب لجزاء الصورة السلمية العظيمة .
ثالثًا :تشتت شمل وحدة المسلمين ،نظرا ً إلى أن لكل فريق منهم
صورة إسلمية خاصة به ،تتميز أجزاؤها بنسب مخالفة للنسب التي تتميللز
بها أجزاء الصور الخرى ،المر الذي يؤدي إلى تعصب كل فريللق للصللورة
التي يحملها ،وادعائه أنها هي السلم كل السلم .
ومما يزيد فلي الللم أن تكلون هلذه الجلزيئات اللتي تمتلص معظلم
طاقات العمل داخلة في حدود الشكال والرسوم ،ل فللي حللدود الجللواهر
والمعاني والرواح والقيم الحقيقية الذاتية .
ولكن المر الخطير جدا ً إنما هو إدخال التزويرات الجزئية على بعض
المفاهيم والتعاليم السلمية الثابتة ،وهذا ما اتجهت إليه أجهزة المكر في
هذا العصر ،وكانت لعبة ُقصد بهلا تحويلل المسللمين علن أسلس التعلاليم
السلمية باسم السلم .
ولكن الجنوح الخطير فكريا ً أو تطبيقيا ً أن يحتل ثعلب ماكر ،أو ثللور
مغامر ،أو ذئب غادر ،مكان النسان ،أو أن تحتل نظيراتهللا مللن النظمللة
الوضعية مكان نظام من أنظمة السلم ،أو مكان عدد منها .
أما السلم فهو شيء آخر غيرهللذا وغيللر ذلللك ،وإن كللان بيللن هللذه
النظم وبين التعاليم السلمية تشابه جزئي .
)(5
السباب وعلجها
ولقد تكون جريمته أخف إذا هو أرضى هواه عللن طريللق المعصللية ،
ولكنه يريد أن تظل سمعته الدينية حسنة بين الناس ،فهو يحللاول أن يجللد
لعمله مبررا ً ،فيدخل في التعاليم السلمية الشوائب الللتي ترضللي هللواه ،
ثم يتستر وراءها حذرا ً من سخط الناس ونقمتهللم ،وينسللى أو يتناسللى أن
نقمة الله أشد عليه وأقسى من نقمة الناس .
يضاف إلى ذلك أن نقمة اللله فلي التلعلب باللدين أشلد كلثيرا ً ملن
نقمته في المعصية التي يقترُفها العاصي ،وهو يعترف بها .
وعلج هذا السبب يكون بإصلح النفس عن طريق إثارة الخوف مللن
الله ،وحسن مراقبته ،وملحظة الجللر العظيللم لهللل طللاعته ،مللع تربيللة
دينية رصينة ،ورقابللة اجتماعيللة حصللينة ،ويكللون أيض لا ً بتبصللر المتصللدين
للفتاوى الدينية بالمزالق التي يضعها أهل الهواء .
وعلج هذا السلبب يكلون بحركلة تبصلير كللي شلامل علام للتعلاليم
السلمية ،وإعطاء كل حكم منها حقه صفة ومقدارا ً وأهميلة بالنسلبة إللى
سائر التعاليم .
ويضاف إلى ذلك ضرورة بيان الخطر الذي ينجم عن انعدام النظللرة
الشاملة إلى التعاليم السلمية الصحيحة .
وفهم هذه الحقيقة يحتاج إلى نسبة طيبة من التبصر والوعي والناة
وسعة الصدر .
وعلج هذا السبب يكون بيقظة حذرة ،ودراسة واعية ،أو يكون بعد
ذلك بصدمة موقظة ،أو خيبة أمل مخزية .
وهذا السبب يقابل السبب السابق له ،وهو على النقيض منه .
وعلج هذا السبب يكون بالرجوع إلى أسس التربية السلللمية الللتي
تأمر بالعتصام بالحق ،والبعد عن كل تعصب ذميم .
وتعاونهم يكون بأن يتعاونوا فكريا ً على فهم الحقيقة ،وبأن يتعاونوا
عمليا ً على مقدار نقاط التلقي بينهم ،وذلك إذا لم يتيسر ما هو خير منه ،
وهو التعاون الفعلي في كل المور على البر والتقوى .
* السبب العاشر – ممما يكيممده أعممداء السمملم مممن مكايممد ،
ويدخل تحت هذا السبب صممور كممثيرة ،وهممي ظمماهرة ل تحتمماج
إلى بيان وتفصيل:
مقدمة صراع
قد يجد القارئ في فصول
الصراع تكريرا ً في بعض الفكار ،
ص الناقد ،
ألجأت إليه ضرورة تق ّ
ومتابعة أقواله وتزييفاته المتكررة .
)(1
ظهر الناقد )د .العظم( في هذا العصر ،ضمن طائفة مللن الملحللدة
الجدليين الذين ينكللرون الللله واليللوم الخللر ،ويكللذبون الرسللل والنبيللاء ،
ويجحدون الكتب اللهيللة والمعجلزات ،ويرتلدون أقنعللة العلمانيللة والبحلث
العلمي المتقدم ،ويستغلون بالباطل كل ثقل التقدم العلمللي المللادي فللي
الصناعة والتكنولوجيا ،زاعميللن للناشللئين مللن أجيالنللا أن التقللدم العلمللي
الحديث يدعم مذهب اللحاد والكفر بالله .مع أن العللم الحلق إنملا يللدعم
اليمان بالله ل الكفر به ،أيا ً كان نوع هذا العلم ،أما الباطللل الللذي يلبللس
ثياب العلمانية فقد يدعم قضية اللحاد بالله وبآياته ،لنه باطل يرتدي ثياب
زور ،فهو يؤيد باطل ً مثله ،والباطل ينصر بعضه بعضًا.
لذلك كان ل بد من اللجوء إلى خطللة جللدال بللالتي هللي أحسللن مللع
الكللافرين والملحللدين ،لكشللف مغالطللاتهم ،وفضللح أهللدافهم وأهللداف
سادتهم من نشر اللحللاد فلي الرض ،والكلاذيب والمفتريللات ،والتلللبيس
والتدليس ،ولئل يعيثوا في الفكار فسادا ً ،ويلمؤوها ضلل ً وإلحادًا.
لقد رأيت بعد تردد طويل – كما ذكللرت فللي المقللدمات – أنلله يجللب
علي وعلى جميع الباحثين ملن أنصلار الحلق والخيلر والفضليلة أن نكشلف
زيف هؤلء المضللين ،وأن ُنبرز للمفتونين والمخدوعين وجه الحللق مؤيللدا ً
بدلئل العلللم القللويم والمنطللق السللليم ،وأن ننللاقش جللدليات الملحللدين
مناقشة عقلنية علمية هادئة ،وأن نجادلهم بالتي هي أحسن ،ثم ل يضرنا
بعد ذلك أن ُيصروا على كفرهم وإلحادهم ،فالله هو الذي يتللولى حسللابهم
وعذابهم ،أما نحن فما علينا إل البلغ المبين .
ورأيت أن من واجبنا أيضا ً أن نقيم بينهم وبين أجيالنا سدا ً منيعا ً مللن
المعرفة الرصينة الراسخة بحججها وبراهينها ،حتى ل تنخلدع هلذه الجيلال
بزيللف مللا يكتبللون ،وزخللرف مللا يقولللون ،ل سلليما حينمللا يلبللس هللؤلء
الملحللدون أقنعللة العلمانيللة المللزورة ،ويتسللترون وراء التقللدم العلمللي
الحديث ،ويستغلون لنفسهم مظاهر التقدم الصناعي والتكنولوجيا .
هل هذه العللوم تثبلت ببراهينهلا أنله ليلس لهلذا الكلون خلالق قلادر
مدبر؟
إننا إذا وجدنا ملحدا ً واحدا ً من علماء هذه العلوم وجللدنا فللي مقللابله
عشرات المؤمنين بالله من كبار هؤلء العلماء أنفسللهم ،ولللو أن علللومهم
قائمة على قاعدة اللحاد ،أو تشتمل على براهين تنفللي وجللود الللله لكللان
المر معكوسا ً تماما ً ،ولظهر لنا هؤلء العلماء أدلتهم وبراهينهللم ،ولثبتللوا
لنا ذلك في مكتوباتهم ،بيد أننا نجد في أقللوالهم الكللثيرة مللا يللدعم قضللية
اليمان بالله .
وهذا يوضح لنا أن قضية اللحاد بالله قضية سياسية عالميللة ،تخللدم
مصالح خاصة لفئات معينة من الناس ،وهذه الفئات تجند الذين يستجيبون
لدعوتها ،ثم تقدمهم وقودا ً لدعم سياستها وخدمة مخططاتها .
بخلف قضية اليمان فإن وراءها دوافع تدفعها إلللى الحركللة والنمللاء
والنتشار والبيان المستمر ،ومعهللا مئات الدلللة الللتي تللدعمها ،وإن نظللر
إليها بعض الناس بشك في بعض مراحل حياتهم .
إن المؤمنين بالله لهم أدلة ل تحصى على ما آمنوا به ،وكللل بللاحث
منهم يتكشف له في موضوع اختصاصه طائفة من هذه الدلة ،وهي تقللدم
له القناعة الكافية بأن الله حق .
أم الملحدون فليس لهللم أدلللة يمكللن أن يعتمللدوا عليهللا فللي نفللس
وجللود الخللالق جللل وعل ،إل مجللرد الرتبللاط بالمللادة المدَرك َللة بللالحواس
النسانية ،أو بالجهزة التي توصللل إليهللا النسللان فللي القللرن العشللرين ،
وهذا ل يستطيع أن يقدم أي دليل على النفي .
)(2
نحن نعلم أنه ل خوف على الحقائق الدينيللة السلللمية مللن جللدليات
الملحدين ،لنهم يجللادلون بالباطللل لُيدحضللوا بلله الحللق ،ولكللن قللد تللؤثر
جدلياتهم المشحونة بالتزييف على الناشللئين المطبللوعين بطللابع الثقافللات
الحديثة ،الموجهة شطر مبادئ ومذاهب معينة ،وضعت خصيص لا ً لمحاربللة
الدين وهدم مبادئه الحقة .
وقد وصف الله الكافرين عموما ً بأنهم يجادلون بالباطل ليدحضوا بلله
الحق ،فقال تبارك وتعالى في سورة )الكهف 18/مصحف 69/نزول(:
وقد يحاربون الللدين كللله مللن خلل رأي ضللعيف قللاله بعللض النللاس
المنتسبين إلى الدين .
أو يحاربون الديان كلها صحيحها وباطلها ،من خلل مللا فللي بعضللها
من تحريف عن الصل الرباني ،أو من خلل الديللان الباطلللة الللتي تحمللل
اسم دين ،وهي في الحقيقة أوضاع إنسانية مخترعة ،وليست دينا ً إلهيا ً .
"يجب أل يغيب عن بالنا أنه مرت على أوروبا فللترة تتجللاوز القرنيللن
ونصف القرن قبل أن يتمكن العلم من النتصار انتصارا ً حاسللما ً فللي حربلله
الطويلة ضد العقلية الدينية التي كانت سائدة فللي تلللك القللارة ،وقبللل أن
يثبت نفسه تثبيتا ً نهائيا ً في تراثها الحضاري .ول يزال العلم يحارب معركللة
مماثلة في معظم البلدان النامية ،بمللا فيهللا الللوطن العربللي ،علم لا ً بأنهللا
معركة تدور رحاهللا فللي الخفللاء ول تظهللر معالمهللا للجميللع إل بيللن الفينللة
والخرى ".
فهل يقبل مثل هذه الحجة الساقطة من لديه أبسط قواعد الحتجاج
المنطقي ،التي تعرفها الوليات الفكرية؟ إنها حجة مرفوضة بداهللة شللكل ً
ومضمونا ً ،وحينما يعتبرهلا الملحلد طريقلة منطقيلة كافيلة للحتجلاج فإننلا
نستطيع أن نستخدمها سلحا ً ضد اتجاهه الذي يزعللم أنلله اتجللاه علمللاني ،
فنقول له :إن أصحاب التجاه العلماني جبهة واحللدة ،ومللن المعللروف أن
لهم مذاهب شتى متناقضة في معظلم القضللايا اللتي بحثوهللا وفللق أصلول
البحث العملي الذي توصل إليه العلماء ،وفي كثير منهللا نظريللات باطلللة ،
إذن فالتجاه العلماني كله باطل .
مما ل شك فيه أننا ل نقبل هللذا الكلم لنفسللنا ،ولكننللا نكشللف بلله
فساد حجة الملحد الناقد للفكر الديني ،إذ نستخدم سلللحه ضللد اتجللاهه ،
ونحن نرفض مثل هذا الحتجاج أص ً
ل.
وصنيع الملحد في هذا تزييف مفضوح للحقيقة ،وتلعب شللائن فللي
العمليات الفكرية ،واستهانة شنيعة بالمنطق الفكري لجيالنا الناشللئة مللن
مثقفي هذا العصر ،فهل بلغ بهم المر أن تنطلي عليهم مثللل هللذه الحيلللة
من حيل التزييف الفكري ،حتى بدأ الملحدة يسللتخدمونها فللي تضللليلهم؟
أم فقد الملحدة صوابهم حتى أخذوا يحتجون بما ليس فيلله حجللة ول شللبه
حجة؟ إذ أفلست قواهم المادية في فرض مذاهبهم علللى الطلئع المثقفللة
فللي العللالم السلللمي ،ل سلليما حينمللا وجللدوا فللي هللذه الطلئع المثقفللة
جماهير مؤمنة بالله ،تنصر السلم وتعمل له ،وتلتزم بأحكامه وتعاليمه .
ولعل المرين موجودين معا ً ،فبعض أجيالنا الناشئة الموجهللة ضللمن
البرنامج اللحادي قد أمسللت مرجوجللة الصللول الفكريللة ،تخللدعها الحيللل
المصللبوغة بصللبغ الثقافللات المعاديللة للللدين ،والمقنعللة بقنللاع العلمانيللة
الكاديمية ،والمحاطة بهالللة مزخرفللة مللن العبللارات الللتي احتلللت مركللزا ً
ارستقراطيا ً بين المجتمعات المثقفة ،على الرغم من أنها عبللارات جوفللاء
ليس لها إل طنين يخدع صغار العقول ،وبعض أجيالنا الناشئة المثقفة هللي
– بحمد الله – مؤمنة بالله مسلمة حقا ً ،ذات منطق علمي سللليم ،تعللرف
الحق ،وتناقش بالحق ،وتجادل بالحق ،وتناصر الحق حيث وجدته .
إن ديللن الللله للنللاس ديللن واحللد ،وهللو ديللن الحللق الللذي اصللطفاه
لعباده ،وأنزله على رسله بحسب حاجات المللم ،الللتي اقتضللت أن ينللزل
إليها متدرجا ً على طريقة التكامل ،وكان ختم هذا الللدين بصللورته الكاملللة
التامة في رسالة السلم الذي اصطفى الللله لحمللله للنللاس محمللدا ً عليلله
الصلة والسلم .
إل أن الديان الولى لم يتوافر لها النقل الصحيح ،ودخللل إليهللا عللن
طريق بعض أتباعها التحريف والتغيير في النصوص وفي العقللائد ،فجعلهللا
غير ممثلة للدين الحق ،غذ دخللل إليهلا كللثير ملن الباطلل ،كمللا أن أديانلا ً
حملت هذا السلم وهي صناعة بشرية غير ربانيللة ،أفتحشللر هللذه الديللان
كلها بما فيها من حق وباطل ثم يصدر بحقها جميعا ً أحكام تتناسب مللا فللي
بعضها من باطل ،أو أحكام تناسب ما في بعضها من حق؟؟
هكذا كان عمل )د .العظم( لدعم مذهب اللحاد بالله وجحللود اليللوم
الخر .
)(3
ببالغ من التزييف الوقح بدأ الملحدون من أجراء صانعي الهزيمة
ملللون اللدين وزور الهزيملة اللتي اصللطنعوها ، العربية في عام 1967م يح ّ
ً ً
وكانوا قبل المعركللة وفللي أثنائهللا قللد عزلللوا الللدين عللزل كليلا عللن جميللع
ساحاتها ،حتى لم يبق له صوت ول سوط يرتفعان ،ثم يقولون :إن سبب
الهزيمللة هللو وجللود رواسللب مللن الللذهنيات الدينيللة الغيبيللة التكاليللة عنللد
الثوريين الذين قادوا المعركة .
وكل عارف بالحقيقة يعلم أن معركتهم لم تكن ضللد العللدو البللاغي ،
إن معركتهم معه لم تكن إل معركة صورية أو شبه صورية ،أمللا معركتهللم
الحقيقة فقد كانت ضد الدين الللذي يتللابع كتللابهم اليللوم محللاربته بللالتزييف
والتضليل ،بعد أن حاربوا دعاته بالتعذيب والتنكيل حربا ً ل هوادة فيها .
لقد أفلست عمليات الضللطهاد فللي تحقيللق كللل مللا يهللدفون إليلله ،
فلجؤوا إلى أسلحة التضليل الفكري .
أقل متأمللل فللي هللذا الكلم وأشللباهه يتللبين للله أنلله إرهللاص واضللح
بمرحلة جديللدة مللن مراحللل الحللرب اليهوديللة الماركسللية العالميللة ،ضللد
السلم داخل الوطن العربي ،لتحطيم الرصيد الباقي من أمل هللذه المللة
في إمكان ظفرها على عدوها ،إذا هي استطاعت أن تتحلرر ملن القيلود ،
وتستخدم ما لديها من طاقات محركة ،تصلها بدينها وأخلقها وقيمها .
إنهم يمهدون بهذا للثورة الثقافية الفكرية التي تريد اقتلع كل تراث
مجيد للمسلمين ،حتى ل يبقى لهم أي أمل بالظفر على عدوهم ،وحتى ل
يبقى لديهم أي نزوع لستعادة مركزهم القيادي في العالم .
وماذا ترجو المة ممن باع نفسه لعدوه وعدوها ،ورضي بللأن يكللون
سلحا ً نجسا ً مصلتا ً عليها في أيدي الخنازير؟!
فإن الجواب يأتينا من الواقع بأن العملة التي يشتري بها العدو شبابا ً
من أجيالنا الناشئة .ثم يجندهم في صف المواجهة ضدنا ،هي عملة تبللذل
للهواء والشهوات بغير حساب ،أمللا مادتهللا فللالمرأة الفللاجرة ،والشللهوة
العاهرة ،والخمرة المضلة ،والرشوة المذلة ،ومطامع المال والسلطان ،
وأحيانا ً أوراق مجد علمي ُتمنح على صللفة شللهادات عليللا ،ويجللري ضللمن
ذلك كله عمليات تغيير كلي لجهلاز التفكيلر ،وتغييلر كللي فلي المختزنلات
العاطفية ،وتبللديل تلام أو نللاقص لعناصللر الكيللان الللذاتي الللتي هللي قللوام
الشخصية .
وبعد هذا التغيير والتبديل تتللم عمليللة التجنيللد الطللوعي ،أو التجنيللد
المسللوق بالسلسللل ،والمللدفوع بالسللياط اللهبللة ،خللوف الحرمللان
والفضيحة ،وأخيرا ً خوف القتل بأي سبب ظاهر أو خفي .
م إذن إلى هذا التغيير ،لتفقد المة العربية كل كيانها وكل هل ّ
مقوماتها ،وعندئذ تسقط سقوطا ً كلامل ً فلي يللد عللدوها ،الللذي يسللتعبدها
ويسخرها فيما يريد .
وليس لها منا مجرد تحليلت ذهنية ،وتقديرات خيالية ،بل مكتوبللات
العدو السرية تنص عليه بصراحة ل تقبل التأويل .
قال الناقد )د .العظم( في كتابه "نقد الفكر الديني" فللي الصللفحة )
:(13
"قامت حركة التحرر بتجريد العلقة السللتعمارية فللي حيللاة الللوطن
العربللي عللن جملللة الظللروف التاريخيللة ،والوضللاع الجتماعيللة العربيللة
المتشابكة معها ،والمحيطة بها إلى درجة جعلت "السللتعمار" يبللدو وكللأنه
الحقيقللة المباشللرة الوحيللدة الماثلللة فللي مجللرى الحللداث فللي المنطقللة
والمحركة لها .أي :كان هناك اختلل أساسي في التوازن بالنسبة لنظللرة
حركة التحرر إلى نفسها وواقع مجتمعها ،وإلى أعللدائها والعللالم الخللارجي
المحيط بها ،بصورة عامة .بالغت عملية التجريد هذه في تبسيطها للواقع
التاريخي المعقد ،مما جعل )الستعمار( – أحيانا ً الصهيونية العالمية – يبدو
وكأنه القوة الوحيدة المتحكمة ،بصورة مباشرة أو غيللر مباشللرة ،بحركللة
المجتمع العربي ،وبالبيئة التي تثير ردود فعله .أدى هللذا القصللور إلللى مللا
يشبه الهمال التام لوضاع القوى والمؤسسات والتنظيمللات والمجهللودات
الذهنيللة الموجللودة دومللا ً فللي الللتركيب الجتمللاعي )العربللي( والفاعلللة
باستمرار في حياته ،والمهمة أيضا ً في تحديد ردود فعللله وأنمللاط سلللوكه
الجماعية والفردية .إن الوجه الخر لعملة تجريد العلقة الستعمارية علللى
هذا النحو هو التعصللب للللوهم المثللالي الكللبير القللائل :بللأن اليللديولوجيات
الغيبية والفكر الديني الواعي الللذي تفللرزه مللع مللا يلتللف حولهللا مللن قيللم
وعادات وتقاليد ...إلللخ هللي حصلليلة للللروح العربيللة الخالصللة الثابتللة عللبر
العصللور ،وليسللت أبللدا ً تعللبير عللن أوضللاع اقتصللادية متحولللة ،أو قللوى
اجتماعية صاعدة تارة ونازلة تارة أخرى ،أو بنيات طبقية خاضللعة للتحللول
التاريخية المستمر ،ول تتمتع إل بثبات نسبي".
أل يمثل هذا الكلم وقاحة بالغة النهاية ،ل يفعلها إل أجيلر ذليلل بلاع
نفسه للصهيونية العالمية عن طريق اللحاد الماركسي؟!
ول يشك خبير بحقللائق المللور أن سللبب تخلللف العللالم العربللي هللو
هجره لمفاهيم السلم الصحيحة المتقدمة جللدا ً ،ثللم تعلقلله بوافللدات تفللد
إليه من أعدائه ،الذين يخشون أن يصحو مللن نللومه العميللق ،ويستمسللك
من جديد بإسلمه ،ويثب وثباته المدهشة ،ويحتل قيادة العالم مرة ثانية .
أمللا الوافللدات الوبائيللة الللتي تفللد إلللى بلد المسلللمين مللن خللارج
حدودهم فالذين يحملونها بأمانة تامة للعدو وخيانة تامللة لمتهللم وتللاريخهم
معروفون تماما ً ،وأقوالهم وأعمالهم تدل عليهم ،ولئن اختفللوا حين لا ً فل بللد
أن يظهروا بعد حين .
)(4
ويقول أيضًا:
"يلعللب الفكللر اللديني دور السللح )النظلري( الملذكور علن طريلق
تزييف الواقع وتزوير الوعي لحقائقهلا :تزييلف حقيقلة العلقلة بيلن اللدين
السلللمي – مثل ً – والعلللم الحللديث .تزييللف حقيقللة العلمللة بيللن الللدين
والنظام السياسي مهما كان نوعه ".
إنه في هذا يخص السلم بالذكر إعلنا ً عن غرضه الللذي يهللدف فيلله
إلى تهديم السلم وإطفللاء نللوره ،عللن طريللق التهجللم الصللريح المقللرون
بالشتائم التي يطلقها زورا ً وبهتانا ً على الدين .
ونحن ل ننتظر منه ومن كل الملحدين وسائر أعداء السلم غير هللذا
،فهم يتميزون غيظا ً منه كل يوم ألف مرة ،لنه حق قللوي كاشللف لزيللف
المبطلين ،وكما يقول هذا الكاتب نفسه في أول كلمه في المقدمللة عللن
الفكر الديني :
"من نافل القول أن هذا النوع من الفكر يسيطر إلى حد بعيللد علللى
الحياة العقلية والشعورية للنسان العربي ،إن كللان ذلللك بصللورة صللريحة
وجلية ،أو بصورة ضمنية ل واعية".
وقبل أن نفند أقللواله عللن الللدين وعللن الفكللر الللديني الصللحيح غيللر
المزيف ،وأمام حملت الكذب والشتائم الوقحة ،نقول ما قال الله تعللالى
في سورة )التوبة 9/مصحف 113/نزول(:
َ
م ُنورِهِ وَل َوْ ك َرِهَ
مت ِ ّ م و َ ٱل ل ّ ُ
ه ُ واهِهِ ْ فُئوا ْ ُنوَر ٱل ّلل ِ
هل ب ِأفْ َ ن ل ِي ُط ْ ِ
دو َ
ري ُ}ي ُ ِ
ن{. ٱ ْلل َ
كافُِرو َ
أما ادعللاؤه "بللأن الفكللر الللديني يلعللب دور السلللح )النظللري( عللن
طريق تزييف الواقلع ،وتزويلر اللوعي لحقلائقه" ،فمجلرد شلتائم يطلقهلا
تعبيرا ً منه ومن رفاقه وسادتهم المديرين لحركاتهم عن مدى غيظهللم مللن
السلم ،وعن مبلغ حقدهم عليه ،وعلى المسلمين الملتزمين بإسلمهم .
وأنت خبير أن الشتائم ليس لها في ميادين الجدل المنطقي مقللام .
م فنلاظرني ،فقلال للك :هلذا فمن قلت له :أنا موجود هنا أخاطبلك ،هل ُل ّ
تزييف للواقع ،أنت مزور للحقيقة كاذب ،تريد أن تضللني وتللزور وعيللي ،
أنت وهم ،أنت خيال ،أنت ليست شيئا ً حقيقيا ً ،فمباذا تللرد عليلله؟ وبمللاذا
تجيبه؟
ل جواب للله عنللد العقلء إل العللراض عنلله ،أمللا الللدخول معلله فللي
حرب الشتائم فصناعة الغوغللائيين ،ل صللناعة الجللدليين المفكريللن الللذين
ينشدون الحق .
ولكنه حينما يقدم ما يراه دليل ً وحجة فإننا ل نسللكت عللن مناقشللتها
ونقضها وبيان المغالطات فيها .
وأما ادعاؤه " :أن الدين هو السلح النظري الساسي والصللريح بيللد
الرجعيللة العربيللة ،فللي حربهللا المفتوحللة ومناوراتهللا الخفيللة علللى القللوى
الثورية والتقدمية في الوطن".
فل شأن للسلم حقيقة في هذا ،والحق قد يتستر به المبطلون من
كل جانب ،ول يضير الطود المنيع أن يتستر في ظله من الوادَيين فريقللان
متصارعان متضادان في مذاهبهما .
وهؤلء الملحدة هللم ملن أخطللر جنللود تنفيللذ هللذه الخطللة اليهوديللة
العامة ،ول ضيرإذن أن يكون السلم سلحا ً ضللدهم لنهللم أعللداؤه ،وهللم
ومبللادئهم وأفكللارهم ومخططللاتهم أسلللحة فتاكللة مسلللطة ضللد السلللم
ومبادئه وعقائده وتشريعاته والمؤمنين به .
هذا عيب في الناس وليس عيب لا ً فللي الللدين نفسلله ،ونفللاق النللاس
للمذاهب والنظمة ،وتسترهم بها ،واحتمللاؤهم بقواهللا ،موجللود فللي كللل
موقع فكري أو جماعي ،ول يمكن أن يدفعه إل نظام صحيح ثابت ،له في
الرض قللوة تحمللي مبللادئه بحللق ،وتكشللف باسللتمرار المزيفيللن الللذين
يستخدمون اسمه وقوة الجماهير التي تنتسب إليه لدعم انحرافاتهم .
)(5
) أ ( إذا تركنا شتائم )العظم( للفكللر الللديني فللي هللذا النللص ،لننللا
عالجناها فيما سبق ،فإننا نلحظ أن الذي يلعب دور الللتزييف بكللل معللانيه
وصوره هو الفكر اللديني اللحادي ،ل الفكر الديني المؤمن .
) د ( وأما مللا ذكللره " مللن تزييللف الحقيقللة حلول التصللنيف الثللوري
الصارم للعداء والصدقاء ،على مستوى العلقات بين الدول في المرحلة
الحرجة )مؤتمر القمة السلمية(".
فإن السلم أشد حرصا ً علللى مقاومللة هللذا الللتزييف ،إن المللؤمنين
الصادقين أحرص من الملحدة على إيجاد التصنيف الصارم ،وعلللى إقامللة
الحدود الفاصلة بين العداء والصدقاء ،أي :بينهللم وبيللن الكللافرين ،ولللو
كانوا من أبنللاء جلللدتهم ،ويتكلمللون بألسللنتهم ،ولللو كللانوا منحللدرين مللن
السللت السلمية ،ولو كللانوا مللن أقللرب أقربللائهم ،فالسلللم ل يعللرف
مداهنة ول مصانعة على حساب الدين والعقيدة ،أو علللى حسللاب جماعللة
المسلمين ،ول يقر مبدأ المساومة في أي أمر مللن أمللور الللدين ،فالعللدو
عدو ولو كان أبا ً أو ابنا ً أو أخلا ً أو أقللرب القربيللن فللي النسللب ،والصللديق
صديق مهمللا كللان بعيللدا ً عللن وشللائج القرابللات ،فللالله يقللول فللي سللورة
)التوبة 9/مصحف 113/نزول(:
َ َ
ح ّبوا ْ
سلت َ َ ن ٱ ْ م أوْل َِيآَء إ َ ِ وان َك ُ ْ خ َم وَإ ِ ْ خذ ُ ۤوا ْ آَبآَءك ُ ْ مُنوا ْ ل َ ت َت ّ ِ ن آ َ َ ذي} ٰيأي َّها ٱّلل ِ
ل ِإن ن * ق ُل ْ مو َ ظللال ِ ُم ٱل ّ هل ُ ك ُ م فَأ ُوْل َ ٰلئ ِ َ م منك ُ ْ من ي َت َوَل ّهُ ْ ن وَ َ ما ِ للي َ ف َر عََلى ٱ َ ِ ٱ ْللك ُ ْ
َ َ
موهَللا ل ٱْقلت ََر فْت ُ ُ وا ٌ مل َ م وَأ ْ شيَرت ُك ُ ْ م وَعَ ِ جك ُ ْم وَأْزَوا ُ وان ُك ُ ْ خ َ
م وَإ ِ ْ م وَأب َْنآؤُك ُ ْ ن آَباؤُك ُ ْ كا َ َ
َ
ه
سللول ِ ِ ن ٱل ّلللهِ وََر ُ م مل َ ب إ ِل َي ْك ُ ْ ح ّ ضوْن ََهآ أ َ ن ت َْر َ ساك ِ ُ م َ ها وَ َ ساد َ َ ن كَ َ شوْ َ خ َ جاَرةٌ ت َ ْ وَت ِ َ
دي ٱلل َ َ ْ
مقللوْ َ ْ َ
ه ل ي َهْ ل ِ مرِهِ وَ ٱل للل ُ
ّ هل ب ِلأ ْ ي ٱل للل ُ
ّ حت ّ ٰى ي َأت ِ َ ْ
صوا َ سِبيل ِهِ فَت ََرب ّ ُ جَهادٍ ِفي َ وَ ِ
ن{ قي َ س ِ
فا ِ ٱ لل َ
ْ
)(6
وقد عمد إلى ذكر بلد إسلمية معينة لنها ما زالللت نوع لا ً مللا ترعللى
السلم ،وتحمي شعاراته ،وتطبق بعض أحكامه .
وأكتفي عند هذه النقطة بهذا القدر لنه ليس من خطتنا فللي الللدفاع
عن الدين وحقائقه أن ندخل معارك سياسية ذات طابع زمنللي ،وذلللك لن
الدين دين الله ،وهو تعاليم ومفاهيم وحقائق فكرية ،ومتى هبطنا بها إلللى
مستوى الصراع السياسي فإننا توّرط الدين توريطا ً سيئا ً ،إذ نجسللده فللي
واقع بشري ،مع أن الواقع البشري غير المعصللوم قللد يخللالف الللدين فللي
كثير مللن التصللرفات النسللانية ،والللدين ل يحمللل جريرتهللا ،وإنمللا يحمللل
جريرتهللا المخللالفون للللدين أنفسللهم ،وإن كللانوا مللن أهللل اليمللان بلله
والمطبقين لبعض تعاليمه ،ومن الللذين يرفعللون لللواءه ،ويحرصللون علللى
نصرته .
إن أي تجسيد للدين فللي واقللع بشللري غيللر معصللوم عللن الخطللأ أو
المخالفة يعتللبر تشللويها ً للللدين ،وتحللويرا ً فللي مفللاهيمه وتعللاليمه ،وهللذه
ليست خطة رشد في الدفاع عن الدين .
أما زعمه :أن الدين أصبح اليوم الحليف الول للوضللاع القتصللادية
الرأسمالية والبرجوازية ،والمدفع الرئيسللي عللن عقيللدة الملكيللة الخاصللة
وعن قداستها ...إلى آخر كلمه .
فالواقع أن هذا الكلم ليس فيه من النقد الفكري شيء ،بل هو
لون دعائي سياسي صحفي قائم على التضليل .
وأما قوله " :إن الدين قد أصبح المدافع الرئيسي عن عقيدة الملكية
الخاصة وعن قداستها".
تحت عنوان "الثقافة العلمية وبللؤس الفكللر الللديني" أثللار الناقللد )د.
صادق جلل العظم( حول الدين عدة موضوعات سماها "مشللكلت" ومللن
هذه الموضوعات عقيدة اليمان بالله تعالى.
مع أن الملحدين جميعا ً في سالف الللدهر وحاضللره ،لللم يسللتطيعوا
مجتمعين ول متفرقين ،أن يقدموا أية حجة منطقية أو واقعية مقبولة عنللد
العقلء تثبت عدم وجود خالق لهذا الكون .
وقد قرأنا ما كتبه هذا الملحد وما كتبه غيره مللن أسللاطين اللحللاد ،
فلم نجد لللديهم دليل ً واحللدا ً صللحيحا ً ينفللي وجللود الخللالق جللل وعل ،رغللم
الجهود الكبيرة التي بذلوها للقناع بمذهبهم ،بل لم نجد في كل مللا كتبللوه
دليل ً واحدا ً يقدم ظنا ً بعدم وجود الخالق ،فضل ً عللن تقللديم حقيقللة علميللة
في هذا الموضوع ،جل ما لديهم محاولت للتشكيك بعالم الغيب ،والتزام
بأن ل يثبتللوا إل مللا شللاهدوه مللن مللادة بالوسللائل العلميللة الماديللة ،وهللذا
الرتباط بحدود المادة التي لم يشهد العلم حتى العصللر حاضللرا ً إل القليللل
منها إن هو إل موقف يشبه موقف العمى الذي ينكر وجود اللللوان لنلله ل
يراها ،أو موقللف الصللم الللذي ينكللر وجللود الصللوات لنلله ل يسللمعها ،أو
موقف الحمقاء حبيسة القصر الللتي تللرى أن الوجللود كللله هللو هللذا القصللر
الذي تعيش فيه ،لنها لم تشاهد في حياتها غيره .
ومن أمثلة ذلك قانون الجاذبية ،إنه قانون غدا من الحقائق العلمية
الطبيعيللة لللدى العلمللاء المللاديين.فمللا هللي حقيقللة هللذه الطاقللة ؟ هللل
باستطاعة العلماء أن يشاهدوها بأدواتهم وأن يعرفوا كنهها؟ وكيف أثبتوها؟
إذا لم تصل أدلة الثبات لديهم إلى مستوى اليقيللن ،ألللم ترجللح لهللم
هذه الدلة احتمال وجود الخالق على عللدم وجللوده ؟ إنهللا مهمللا تكللن مللن
وجهة نظرهم فهي أقوى حتما ً من الحتمال الخر الذي هو احتمال النفللي ،
فكيف يأخذون باحتمال النفي دون دليل ،ويرفضون احتمال الثبللات ومعلله
الدلة الكثيرة ،ثم يسعون جاهللدين لمحاربللة اليمللان بكللل مللا لللديهم مللن
قوة؟
هل يكون عذرهم كافيا ً ومقبول ً إذا قالوا لربهم يوم الحساب :إنك يا
إلهنا وربنا وخالقنا لم ترينا نفسك حتى نؤمن بك؟
أل تسقط حجتهم هذه حينما يقللول الللله لهللم :ألللم أمنحكللم عقللول ً
تستنبطون بها وجودي من آياتي التي بثثتها في كوني وفللي أنفسللكم؟ ألللم
أرسللل لكللم رس لل ً مؤيللدين باليللات مللن عنللدي فللأبلغوكم عنللي ؟ فلمللاذا
كذبتموهم؟ إنني لم أضع فللي كللوني أيللة حجللة تقنللع أحللدا ً بعللدم وجللودي ،
فلماذا جحدتم وجودي ،ول حجة لكم في ذلك إل اتباع الهوى ،والسللتكبار
ي وشريعتي لعبادي؟ عن اليمان بي ،والرغبة بالتحرر من أوامري ونواه ّ
ويومئذ ل تنفعهم أحزابهم ،ول أئمة الشر الذين كانوا يزينون لهم
الكفر بالله وجحود آياته .
)(2
الحجة الشيطانية ودفعها
أخذ )د .العظم( يردد الحجة الشيطانية القديمة التي تقول في آخر
سلسلة التساؤل :ومن خلق الله؟ ثم اختار لنفسلله سللبيل التسللليم بقللدم
المادة وأزليتها .
"يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كللذا؟ ملن خللق كلذا؟ حللتى
يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ باللهِ ولينته".
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال :قال رسول الله :
"ل يزال الناس يتساءلون حتى يقال :هذا خلللق اللله الخللق ،فملن
خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا ً فليقل :آمنت بالله ورسله".
أما كلم )د .العظم( حول هذه الحجللة الشلليطانية القديمللة فل يزيللد
في مضمونه عن مثل هذا التساؤل ،مع العتراف بالعجز عن تقديم جواب
مقنع حول ادعائه أزلية هذا الكون بالنسبة إلى مادته الولى ،ول يفللوته أن
يقذف بلهيب حقده على خالقه جل وعل منذ مطلع كلملله ،ويغريلله بللالمر
حلم الله عليه ،وعدم وجود سلطة عادل في الرض تحاسبه .
سأترك كبيرته الولى الللتي أطلللق فيهللا علللى الللله الخللالق العظيللم
سبحانه عبارة الحتضار ،وسبقها فللي كلملله إطلق عبللارة المللوت اقتللداء
بالفيلسوف الملحللد )نيتشلله( لن مثللل هللذه العبللارات الللتي ليللس فيهلا إل
تطاول وحماقة وسللخرية ل تللدخل فلي أي مجللال أو فللي أي مسللتوى ملن
مستويات النقاش العلمي أو البحث المنطقي ،ول جواب لها فلي الحقيقلة
ة قاتلة من قواتل السماء تعطيه الرد العلمللي علللى إل صاعقة ربانية ،أو أي ّ ُ
تطللاوله ،ولكللن الللله تبللارك وتعللالى حليللم ،يمهللل كللثيرا ً ،حللتى إذا أخللذ
بالعذاب أخذ أخذا ً كبيرا ً .
وأبدأ بالتركيز عللى الحجللة الشليطانية الللتي تسلاءل فيهلا علن عللة
وجود المصدر الول للشياء ،وزعم فيها أن إحالة المؤمنين ذلك على الللله
تبارك وتعالى يساوي نظريا ً وقوف الملحدين عن السديم ،الللذي اعتللبروه
المللادة الولللى لهللذا الكللون ،وزعللم أن كل الفريقيللن ل يجللد جواب لا ً إل أن
يقول :ل أعرف إل أن وجود هللذا الصللل غيللر معلللول ،وزعللم أن الملحللد
اعلترف بهلذا قبلل الملؤمن بخطلوة واحلدة ،ثلم خلادع بلأن إعلن الجهلل
والعتراف به من متطلبللات المانللة الفكريللة حيللن ل توجللد أدلللة وشللواهد
وبراهين كافية .
ولدى البحث المنطقي الهادئ ،يتبين لكل ذي فكر صحيح ،أن هللذه
الحجلة اللتي سلاقها ليسلت إل مغالطلة ملن المغالطلات الفكريلة ،وهلذه
المغالطة قائمة على التسللوية بيللن أمريللن متبللاينين تباين لا ً كلي لا ً ،ول يصللح
التسوية بينهما في الحكم .وفيما يلي تعرية تامة لهذه المغالطللة مللن كللل
التلبيسات التي جللها بها .
فإذا وضعنا هذه المغالطة بعبارتها الصحيحة كللانت كالتللالي :مللا دام
الموجود الزلي غيللر معلللول الوجللود فلللم ل يكللون الموجللود الحللادث غيللر
معلول الوجود أيضًا؟
وكل ذي فكر صحيح سليم من الخلل يعلم علللم اليقيللن أنلله ل يصللح
أن ُيقاس الحادث على القديم الزلي الذي ل أول له ،فل يصح أن يشللتركا
بناء على ذلك في حكم واحد .
وعلى هذه الطريقة من القياس الفاسد من أساسلله صللنع مغللالطته
الجدلية .والملحدون حين يصنعون مثل هذا السللتدلل الفاسللد يسللارعون
إلى ستر فساد أدلتهم بعبارات التقدم العلمي ،والمناهج العلمية ،والتقدم
الصناعي ،والمناهج العقلية في تقصي المعرفة ،والتجاهات الثوريللة فللي
المجتمع والقتصاد ،ويخلطون هذه العبارات خلطا ً ،ويحشللرونها فللي كللل
مكان ومع كل مناقشة ،تمويها ً وتضليل ً ،كللأن التقللدم العلمللي والصللناعي
لللحاد وحده ،وليس لليمان ،مع أن الدنيا جميعها وملا فيهلا ملن ماديلات
قد كانت وما زالللت ولللن تللزال حللتى تقللوم السللاعة للمللؤمنين والكللافرين
وغيرهم على سواء ،ضمن سنن الللله الثابتللة الللتي ل تتغيللر ،وهللي مجللال
مفتوح لكل النللاس ،إذ يمتحللن الللله بهللا إرادتهللم وسلللوكهم فللي الحيللاة ،
ليبلوهم أيهم أحسن عمل ً .
م ل تكون المادة الولى لهللذا الكللون )كالسللديم فإذا قال الملحد :ول ِ َ
مث ً
ل( قديمللة أزليللة غيللر حادثللة ،تنطلللق منهللا التحللولت ثللم ترجللع إليهللا
التحولت؟
فللإن جللوابه يأخللذه مللن هللذا الكللون نفسلله ،ومللا فيلله مللن صللفات
وخصائص .
إن هذا الكون يحمل دائملا ً وباسلتمرار صلفاته حلدوثه ،تشلهد بهلذه
الحقيقة النظرات العقلية المستندة إلى المشاهدات الحسية ،وتشللهد بهللا
أيضا ً البحوث العلمية المختلفللة فلي كلل مجللالت مللن مجللالت المعرفللة ،
صل إليها العلماء الماديون .
والقوانين العلمية التي تو ّ
وإذا ثبت أن هذا الكون حادث له بداية وله نهايللة كللان ل بللد للله مللن
علة تسبب له هذا الحدوث ،لستحالة تحول العدم نفسه إلللى وجللود ،أمللا
ما ل يحمل في ذاته صفات تدل على حدوثه فوجللوده هللو الصللل ،ولللذلك
فهو ل يحتاج أصل ً إلى موجد يوجده ،وكل تساؤل عن سبب وجوده تساؤل
باطل منطقيا ً ،لنه أزللي واجلب الوجلود ،وليلس حادثلا ً حلتى ُيسلأل علن
سبب وجوده .
ولو كانت صفات الكون تقتضي أزليته لقلنا فيه كذلك ،لكن صللفات
الكون المشاهدة والمدروسة تثبت حدوثه .
وهنا تكمن مغالطة الملحد ،إذ أراد أن يجعللل الكللون أزلي لا ً ،مللع أن
البراهين تثبت أنه حادث ،وذلك ليتخلص من الضرورة العقليللة الللتي تلللزم
باليمان بوجود خالق لهذا الكون الحادث ،لن الحدوث من العدم المطلللق
دون سبب موجود سابق عليه مستحيل عقل ً .
أما البرهان على أن هذا الكون حادث وليس بأزلي فتقدمه لنا الدلة
العقلية الفلسفية القديمة ،والقوانين العلمية الحديثة .
فالدلة العقلية الفلسفية تثبت لنا حدوث العللالم مللن ظللاهرة التغيللر
الملزملة لكلل شليء فيله ،وذلللك لن التغيلر نللوع ملن الحللدوث للصلورة
والهيئة والصفات ،وهذا الحدوث ل بد للله مللن عللل ،وتسلس لل ً مللع العلللل
للمتغيرات الولى ،سنصل حتما ً إلى نقطة بدء نقرر فيها أن هذا الكون للله
بداية ،في صفاته وأعراضه ،وفي ذاته ومادته الولى ،وحينمللا نصللل إلللى
هللذه الحقيقللة ل بللد أن نقللرر أن خالقلا ً أزليلا ً ل يمكللن أن يتصللف بصللفات
تقتضي حدوثه ،وهذا الخالق هو الللذي خلللق هللذا الكللون وأمللده بالصللفات
التي هو عليها .
وهذا القانون يثبت أنه ل يمكن أن يكون وجللود الكللون أزليلا ً ،إذ هللو
يفيد تناقص عمل الكون يوما ً بعد يوم ،ول بد من وقت تتساوى فيه حرارة
جميع الموجودات ،وحينئذ ل تبقى أية طاقة مفيدة للحياة والعمل ،وتنتهي
العمليات الكيميائية والطبيعية ،وبذلك تنتهي الحياة .
يذكر هذا التحقيللق العلمللي عللالم أمريكللي فللي علللم الحيللوان ،هللو
)إدوارد لوثر كيسل( ثم يقول :
"وهكللذا أثبتللت البحللوث العلميللة دون قصللد أن لهللذا الكللون بدايللة ،
فللأثبتت تلقائيلا ً وجللود الللله ،لن كللل شلليء ذي بدايللة ل يمكللن أن يبتللدئ
بذاته ،ول بد أن يحتاج إلى المحرك الولى الخالق الله".
"تؤمن العلوم الحديثة بأن )عملية تغير الحرارة( سوف تستمر حللتى
تنتهي طاقاتها كلية ،ولم تصل هذه العملية حللتى الن إلللى آخللر درجاتهللا ،
لنه لو حدث شيء مثل هذا لما كنا الن موجودين على ظهللر الرض حللتى
نفكر فيها ،إن هذه العملية تتقدم بسرعة مع الزمن ،ومن ثم ل بد لها من
بداية ،ول بد أنه قد حدثت عملية في الكون يمكن أن نسللميها )خلق لا ً فللي
وقت ما( حيث ل يمكن أن يكون هذا الكون أزليًا".
فحدوث هذا الكون أمللر معللترف بلله عنللد العلمللاء المللاديين ،ولكللن
الملحدين بالله يغالطون فللي الحقللائق ،ويتظللاهرون بالنتمللاء إلللى قافلللة
العلم والبحث العلمي زورا ً وبهتانا ً ،ليحتموا بحماها .
ورغم هذه الحقيقة التي ثبت بها حدوث الكون لدى العلماء الماديين
وي بين الله والكون المادي في موضللوع نرى الناقد )العظم( يحاول أن يس ّ
الزلية ،ليتوصل من ذلك إلللى التمللويه بللأن الكللون أزلللي أو ل نللدري علللة
وجوده ،كما أن المؤمنين بالله يرون أن الله أزلي ،أو ليدرون علة وجللود
الله .
وى في الحكللمومن هذا نلحظ أنه أقام كلمه على المغالطة ،إذ س ّ
بين الحادث والزلي ،فزعم أن الحادث أزللي وأن الزللي حلادث ،ملع أن
العلم والعقل يكذبانه ويعريان مغالطته .
على أن اّدعاءه أن المؤمن بالله ل يدري علة وجود الله مغالطة في
الحقيقة أيضًا.
فمن أصله الوجود ،ووجود أزلي ،فإنه ل يحتاج إلللى علللة لوجللوده ،
إذ السؤال عن هذه العلة أمر مخالف للمنطق السليم ،أو عبث من العبث
،أو مغالطة قائمة على اليهام بأنه حادث غير أزلي .
لكن الخبير ل يقبل أصل ً صيغة الدليل على هللذا الللوجه القللائم علللى
المغالطة .
فمغالطة الملحد في المقدمة التي أوهم بها قائمة على التعميم ،إذ
وضع )كل موجود( بدل )كل موجود حللادث( ،ومعلللوم أن عبللارة )موجللود(
تشمل الموجود الزلي والموجود الحادث .
وهكذا تجري مغالطات الملحللدين ،ليتصلليدوا بهللا الجهلللة والغللافلين
من المسلمين ،بغية استدراجهم وإحراجهم ،ونقلهلم ملن مرحللة اليملان
إلى مرحلة التشكك .
ما أصله العدم :ما هللي علللة عللدمه؟ لن مثللل هللذا وكما ل ُيسأل ع ّ
السؤال ل يرد إل على افتراض أن أصللله الوجللود ،وهللذا ينللاقش أن أصللله
العدم ،كذلك ما أصله الوجود ل ُيسأل عللن علللة وجللوده ول يبحللث عنهللا ،
لن أي سؤال أو بحللث عنهللا ل يكللون إل علللى افللتراض أن أصللله العللدم ،
وبهذه العلة تحول من العدم إلللى الوجللود ،لكللن هللذا الفللتراض مرفللوض
ابتداًء ،باعتبار أن أصله الوجود .
وبهذا يتضح لنا تماما ً أنه ل ُيسال ول يبحث عن علة وجود مللا الصللل
فيه الوجود .
وبهذا أيضا ً تسللقط المغالطللة الللتي طرحهللا الملحللد فللي مناقشللته ،
ويظهر فساد تسللويته بيللن الكللون الحللادث وبيللن الخللالق الزلللي .وحينمللا
نطالبه بعلة وجود الحادث وهو الكون فليس من حقه المنطقي أن يطالبنللا
بعلة وجود الله الزلي .
هذا من المستحيلت البدهية ،ول يقبللله عقللل فيلله مثقللال ذرة مللن
تفكير منطقي سليم .
إن هذا الكون الذي نحن جزء منه موجود حادث ذو بدايللة ،وكللل ذي
بداية ل بد له من علة كانت السبب في وجللوده ،وإيجللاده قللد كللان عمليللة
من عمليات الخلق ،وعملية الخلق إنمللا تتللم بخللالق قللادر ،وهللذا الخللالق
القادر ل بد أن يكون أزليا ً ،ول بد أن يكون متحليا ً بالكمال المطلللق ،هللذه
هي عقيدة المؤمنين بالله .
)(3
خلق الله هذا الكون في فترة معينة من الزمن ،بقوله :كن فكان ،
ول شك أنه يذكر حادثة طرد آدم وحواء من الجنة ،تلك الحادثللة الللتي بللدأ
بها تاريخ النسان على هذا الرض .ومن صلب المعتقللدات الدينيللة أن الللله
يرعللى مخلوقللاته بعنللايته وهللو يسللمع صلللواتنا وأحيانلا ً يسللتجيب لللدعائنا ،
ويتدخل من وقت لخر في نظام الطبيعة فتكون المعجزات ،أمللا الطبيعللة
فقد حافظت على سماتها الساسية منذ أن خلقها الللله ،أي :إنهللا تحتللوي
الن على نفس الجرام السماوية وأنواع الحيوانللات والنباتللات الللتي كللانت
موجودة فيها منذ اليوم الول لخلقها ".
مع أن هذا افتراء صللريح علللى الللدين ،تكللذبه بالنصللوص القرآنيللة ،
ولست أدري من أين جاء بهذه المفاهيم فألصقها الدين؟
لمللا تحللدث القللرآن عللن فئة الحيوانللات الللتي خلقهللا الللله لركللوب
النسان ،وليتخذها زينة له ،ألحقها بقوله تعالى } :ويخلق مللا ل تعلمللون{
بصيغة الفعل المضارع التي تدل على الحال والستقبال ،للدللللة علللى أن
عمليات التجديد في الخلق الرباني للشياء مسللتمرة غيللر منقطعللة ،قللال
الله تبارك وتعالى في سورة )النحل 16/مصحف 70/نزول(:
َ َ
ق
خلل َ ن* َ ُ
شلرِكو َ مللا ي ُ ْ حقّ ت َعَللال َ ٰى عَ ّ ض ب ِل ٱل ْ َ ت وَٱلْر َ ماَوا ِ سل َ خل َقَ ٱل ّ } َ
َ
ف لءٌ م ِفيهَللا دِ ْ ُ َ
قَها لك ْ َ
خل َ م َن * وَ ٱ للن َْعا َ مِبي ٌ م ّصي ٌ خ ِ ذا هُوَ َ فةٍ فَإ ِ َ ْ
من ن ّط َ ن ِ سا َ للن ْ َٱ ِ
ن* مللا ٌ ُ َ ُ ُ ْ
حو َ سلَر ُن تَ ْ حيل َ ن وَ ِ حللو َ ري ُ
ن تُ ِ حيل َ
ل ِ ج َ
م ِفيَها َ ن * وَلك ْ من َْها ت َأكلو َ مَنافِعُ وَ ِ وَ َ
َ
شلقّ ٱللن ُ َ
م ُ
ن َرب ّكل ْ س إِ ّ فل ِ ّ ْ ُ
م ت َكون ُللوا ب َللال ِِغيهِ إ ِل ب ِ ِ م إ ِلل ٰى ب َللدٍ لل ْ
ّ َ َ ُ َ
قللالك ْ ل أث ْ َ مل ُ ح ِ وَت َ ْ
مللا ل َ خل لقُ َُ ة وَي َ ْ َ
ميَر ل ِت َْركُبوهَللا وَِزين َل ً ح ِ ل و َ ٱل َ
ْ ل وَ ٱل ب َِغا َ
ْ خي ْ َ م * وَ ٱل َ
ْ حي ٌ ف ّر ِ ؤو ٌ لَر ُ َ
ن{. مو َ ت َعْل َ ُ
أليس في هذا إعلنلا ً صللريحا ً مخالفلا ً لمللا زعللم )د .العظللم( مللن أن
الدين يقرر أن الطبيعة قد حافظت على سماتها من أن خلقها الله .
أفل نجد أن المانة الفكرية التي تظاهر )د .العظم( بالغيرة عليها
ذبيحة بسكين َ
غدِره ،وختلللة ومخللادعته ،ومغالطللاته ،وافللتراءاته؟ ومثللله
سائر الملحدين .
لقللد غللدا معروف لا ً تمام لا ً أنهللم يطلقللون بعللض العبللارات الشللريفة
للتضليل فقط ،وهم ل يلتزمون أي مضمون من مضامينها الصحيحة .
فهو ُيشيُر بهذا إلى نظرية )لفوازيه( التي تقول :ل يخلق شلليء ملن
العدم المطلق ول يعدم شيء وإنما هي تحولت من مللادة لطاقللة ،أو مللن
طاقة لمادة ،أو من مادة لمادة .
والجواب :أنهم لم يفعلوا ذلك لنه ل يتسنى لهم بحال من الحللوال ،
وهم أبناء النهضة العلمية الحديثة ،على أن الدلة العلمية التي سبق بيانهللا
قد أثبتت أن لهذا الكون بداية ،وهذا يعني أنه لم يكللن ثللم كلان ،فهلو إذن
مخلوق من العدم ،بقدرة خالق موجود أزلي .
هذا ما يتعلق بتحديد البعد الزمني للنظرية ،أما تحديد البعد المكاني
لها فنقول فيه:
هل رصد واضعو هذه النظرية ومقرروها هذا الكون فللي كللل أبعللاده
المكانية؟
أل يحتمل وجود مكان سحيق فيه لم يرصدوه ولم يعرفوا ما فيه؟
أفيحكمون عليه إذن حكما ً غيابيلا ً قياسلا ً علللى مللا رصللدوه منلله فللي
المكنة التي استطاعت أن تبلغ إلى مداها أجهزتهم وملحظاتهم؟
إن هذا الحكم الغيابي مع جهالة الخصائص والصللفات حكللم باطللل ،
وهذا طبعا ً ل يعني ضرورة مخالفة الغللائب للحاضللر ،ولكللن ل يعنللي أيضلا ً
لزوم موافقته .
أما تحديد البعد الدراكي للنظرية فيتلخص بأن النظرية قلد اعتملدت
على ملحظة عالم الشهادة من الكون المنظور المدرك ،أما عللالم الغيللب
الذي ل تصل إليه الدراكات النسللانية المباشللرة أو عللن طريللق الجهللزة ،
فهو عالم خارج بطبيعته عللن مجللال النظريللة ،لللذلك فإنهللا ل تسللتطيع أن
تحكم عليه ،لن حكمهما عليه هو من قبيل الحكم علللى الغللائب المجهللول
ل ما تستطيعه النظريات في هذا المجللال هللي أن ج ّ في ذاته وفي صفاته ُ .
تعلق أحكامها تعليقا ً كليا ،أو تصدر أحكاما مشروطة احتمالية غير جازمة ،
ً ً
وهللذا مللا تقتضلليه الدراسللة العلميللة المنطقيللة الحياديللة ،وتللوجبه المانللة
الفكرية في البحث الجاد عن المعرفة والحقيقة .
لذلك نلحظ أن الراء العلمية في هذا المجال ترجع إلى أصول ثلثللة
كبرى:1
والقائلون بهذا الرأي قد استقر مذهبهم على "أن كللل حللي ل بللد أن
يتولد من حي مثله" .
ولقد رجعنا فوجدنا أن هذه المادة اللغوية ل تعني دائملا ً اليجللاد مللن
العدم المطلق ،بل كللثيرا ً مللا تسللتعمل مللرادا ً منهللا التحويللل فللي الصللفات
والعناصر التركيبية من حال إلى حال ،ومللن وضللع إلللى وضللع ،ومللن هيئة
إلى هيئة ،ومن خصللائص إلللى خصللائص ،دون زيللادة شلليء علللى المللادة
الولى من العدم المطلق ،وفي حدود هذا الستعمال نجد قول الله تعللالى
في سورة )المؤمنون 23/مصحف 74/نزول(:
ة ِفي ف ًجعَل َْناهُ ن ُط ْ َم َ ن * ثُ ّ طي ٍ سل َل َةٍ من ِ من ُ ن ِسا َ قَنا ٱ ِ
للن ْ َ خل َ ْ
قد ْ َ }وَل َ َ
خل َ ْ
قن َللا ة فَ َ ض لغ َ ًم ْ ة ُ قل َقن َللا ٱْللعَ ل َ َ خل َ ْ
ة فَ َ
قل ً ة عَل َ َ فل َقن َللا ٱل ّنلط ْ َخل َ ْم َن * ث ُل ّ كي ل ٍ م ِ قَ لَرارٍ ّ
ْ َ
ك ٱل ّللل ُ
هل خَر فَت َب َللاَر َ خْلقا ً آ َ شأَناهُ َ م أن َ حما ً ث ُ ّ م لَ ْظا َ سوَْنا ٱ ْللعِ َ ظاما ً فَك َ َع َ ة ِ ض غَ َم ْٱ ْلل ُ
ن{. ن ٱْلل َ َ
قي َخال ِ ِ س ُح َ أ ْ
وجاء في القرآن إطلق الخلق على تغييللر هيئة الطيللن وجعللله علللى
صورة طير ،نظرا ً إلى أن الخلللق ل يسللتدعي دائم لا ً أن يكللون إيجللادا ً مللن
العدم ،وذلك فللي قللول الللله لعيسللى عليلله السلللم كمللا جللاء فللي سللورة
)المائدة 5/مصحف 112/نزول(:
ن ط َْيللرا ً ُ
خ ِفيَها فَت َكو ُ ن ك َهَي ْئ َةِ ٱل طلي ْرِ ب ِإ ِذ ِْني فََتن ُ
ف ُ ّ
ن ٱل طلي ِ
ّ خل ُقُ ِ
م َ }وَإ ِذ ْ ت َ ْ
ب ِإ ِذ ِْني.{...
لكن مثل هذه الحقائق ل تسر الملحدين ،لنهم حريصون جللدا ً علللى
أن يظفروا بتناقض ما بين العلم والدين ،حتى يتخللذوا ذلللك ذريعللة لنقللض
الدين من أساسه .
ولن يظفروا مهما أجهدوا نفوسهم ،وستبوء كل مسللاعيهم بالفشللل
والخيبة ،لن القرآن حق ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ،تنزيل
من عزيز حميد ،عليم بكللل شلليء ،ل يعللزب عللن علملله مثقللال ذرة مللن
السماوات ول في الرض ،ول أصغر من ذلك ول أكبر .
)(4
مغالطة بطمس الشهادات المؤمنة للعلماء الماديين
لقللد رآه )د .العظللم( أضللعف المتجهيللن إلللى جللانب اليمللان بللالله
والمستدلين له ،فاستشهد بكلمه ،ليجعله الممثل الوحيد لفئة المؤمنين ،
في الحوار المغلق الذي رتب بنفسلله فصللوله كمللا راق للله ،لينصللر قضللية
اللحللاد بللالله ،وليللوهم أن مللا قللاله )جيمللس( هللو أقصللى مللا يحتللج بلله
المؤمنون.
وإمعانا في التضليل يصور للقارئ أن كل ثقل العلللم الحللديث يخللدم ً
قضللية اللحللاد ،مللع أن العلللم الحللديث كللله ل يملللك دليل ً صللحيحا ً واحللدا ً
يستطيع أن يثبت عدم وجود خالق مبدع لهذا الكون .
وفي غضون كلمه يعتبر مللن الحقللائق العلميللة المسلّلم بهللا نظريللة
)ماركس( في القتصاد والتفسير المللادي للتاريللخ ،ونظريللة )فرويللد( فللي
السلوك النساني والتفسير الجنسي ،ونظرية )داروين( في أصل النواع ،
ويمجد هؤلء الثلثة ،وهو يعلم أن ماركس وفرويد يهوديان وأن معظللم مللا
قدماه من أفكار إنما كان لخدمة اليهودية العالمية ،ومحاربللة الللدين ،وأن
عمت الدارونية وعملللت علللى نشللرها والدعايللة لهللا القيادات اليهودية قد د ّ
لرتباط أهدافها السياسية بنشر اللحاد ،ولقد أسللقطت التجللارب والعلللوم
بحمد الله أفكار ماركس ،وفرويد ،وداروين.
يرى كاتب القصة أن السديم الحار دار عبث لا ً فللي الفضللاء عصللورا ً ل
تعد ول تحصى ،ثم نشأت عن هذا الدوران هذه الكائنات المنظمة البديعللة
بطريق المصادفة ،وأن اصطداما ً كبيرا ً سيحدث فلي هلذا الكلون يعلود بله
كل شيء إلى سديم كما كان أول ً .
ويعلق )د .العظم( على هذه القصة الخيالية التي سماها قطعة أدبية
جميلة ،فيقول في الصفحة ).(26
" هذا المقطع الذي كتبلله )رسللل( يلخللص لنللا بكللل بسللاطة النظللرة
العلمية الطبيعية للقضللايا التاليللة :نشللوء الكللون وتطللوره ،نشللوء الحيللاة
وتطورهللا ،أصللل النسللان ونشللأته وتطللوره ،نشللوء الللديانات والعبللادات
والطقوس وتطورها ،وأخيرا ً يشدد على أن النهاية الحتمية لجميللع الشللياء
هي الفناء والعدم ،ول أمل لكائن بعللدها بشلليء ،إنلله مللن السللديم وإلللى
السديم يعود".
ثم استشهد )د .العظم( بكلم آخر قاله )رسل( فقال في الصفحة )
:(27
"وفي مناسبة أخرى عنللدما سللئل )رسللل( :هلل يحيللا النسلان بعللد
الموت؟ أجاب بالنفي ،وشرح جوابه بقوله :عندما ننظر إلى هذا السللؤال
من زاوية العلللم وليللس مللن خلل ضللباب العاطفللة نجللد أنلله مللن الصللعب
اكتشاف المبرر العقلي لستمرار الحياة بعد الموت ،فالعتقاد السائد بأننا
نحيا بعد الموت يبدو لي بدون أي مرتكز أو أساس علمي".
أهكذا ترفض الحقيقة التي جللاء بيانهللا بالخبللار الصللادقة عللن الللله ،
بمجرد الستبعاد؟
د{
جعُ ب َِعي ٌ مت َْنا وَك ُّنا ت َُرابا ً ذ َل ِ َ
ك َر ْ }أ َإ ِ َ
ذا ِ
ن{
مب ُْعوِثي َ
ن بِ َ
ح ُ
ما ن َ ْ حَيات َُنا ٱل ّ
دلن َْيا وَ َ ي إ ِل ّ َ }وََقال ُ ۤوا ْ إ ِ ْ
ن هِ َ
وعندئذ يمكن أن تأتي الدلة العقلية الللتي نب ّلله القللرآن عليهللا ،منهللا
قول الله تعالى في سورة )يس 36/مصحف 41/نزول(:
م *
مي ٌ
ي َر ِ
م وَهِ َ من ُيحِيي ٱْللعِ َ
ظا َ ل َه َقا َ خل ْ َ
ق ُ ي َ
س َمث َل ً وَن َ ِ ب ل ََنا َ
ضَر َ
}و َ َ
م {. ل َ ْمّرةٍ وَهُوَ ب ِك ُ ّ َ
هآ أوّ َ َ َ
حِييَها ٱل ّذِ ۤي أن َ قُ ْ
ق عَِلي ٌ
خل ٍ ل َ شأ َ ل يُ ْ
وحين قلت :إن )العظم( في الحوار المغلق الللذي صللنعه قللد جعللل
الفيلسوف المريكي )وليم جيمس( هو الممثل الوحيد للمؤمنين من علماء
النهضة العلمية الحديثة ،إذ رأى حجته أضعف حجللج المتجهيللن إلللى جللانب
اليمللان بللالله ،ليللوهم أن مللا قللاله )جيمللس( هللو أقصللى مللا يحتللج بلله
المؤمنون ،فإنني قلت هذا وفي جعبتي أقوال كثيرة مؤمنة قالها عدد كبير
من علماء النهضة العلمية الحديثة ،وهي تشتمل على أدلة وقرائن علمية ،
جعلتهم يؤمنون بالله خالق هذا الكون .
أي :إن النسان كان نتيجة اجتماع عناصر خاصة على كيفيللة خاصللة
على سبيل المصادفة فرد عليه )موريسن( بقوله:
"إن نظرية النشوء والرتقاء غيلر ثابتلة علميلا ً ول سلبيل إللى إثباتهلا
بالبرهان ،ونحن ل نؤمن بها إل لن الخيللار الوحيللد بعللد ذلللك هللو )اليمللان
بالخلق الخاص المباشر( وهذا ما ل يمكن حتى التفكير فيه".
ذكر أنه بينما كان ينظر إلى ابنته الصللغيرة اسللتلفتت أذناهللا نظللره ،
ذنفأخذ يفكر في أنه من المستحيل أن يوجد شيء معقد ودقيق كهللذه ال ُ ُ
بمحض اتفاق ،بل ل بد أنه وجد نتيجة إرادة مدبرة .لللن )ويتكللر شللامبرز(
طرد هذه الوسوسة عن قلبه حللتى ل يضللطر أن يللؤمن –منطقي لًا -بالللذات
التي أرادت فدبرت ،لن ذهنه لم يكن علللى اسللتعداد لتقبللل هللذه الفكللرة
الخيرة.
"إنني أعرف عددا ً كللبيرا ً مللن أسللاتذتي فللي الجامعللة ومللن رفقللائي
العلماء الذين تعرضوا مرارا ً لمثل هذه المشلاعر ،وهلم يقوملون بعمليلات
كيميائية وطبيعية في المعامل".1
ومن هذا يظهر لنا أن التعصب داء دوي صارف عن الحق ،وأخطللره
وأقبحه ما يحمل صغبة العلم ،ويتحلى بأثواب المعرفة .
وفي هذا الكتاب يطلع القارئ على نللوع مللن الدلللة العلميللة ،الللتي
تفرض سلطانهم على العلماء المللاديين ،مللن خلل ملحظللاتهم وتجللاربهم
واختباراتهم العلمية ،فتجعلهم يؤمنون بالله ،ويجد فيه أيضلا ً الللرد الكللافي
على مروجي اللحاد ،الذين يزعمون أن العللوم تبعلد علن اليملان بللالله ،
وأن جميع أو معظم العلماء الكونيين ملحدون .
-1فإما أن يكون هذا الكون مجرد وهم وخيال ،وهذا يتعارض مع ما
سلمنا به من أنه موجود .
-3وإما أن يكون هذا الكون أزلي الوجود ليس لنشأته بدايللة ،وهللذا
الحتمال يساوي ما يقوله المؤمنون بالله بالنسبة إلى أزلية الخللالق ،لكللن
قوانين الكون تدل على أن أصله وأساسلله مرتبللط بزمللان بللدأ مللن لحظللة
معينة ،فهو إذن حدث من الحللداث ،ول يمكللن إحالللة وجللود هللذا الحللدث
المنظم البديع إلى المصادفة عقل ً ،ولذلك فهذا الحتمال باطل أيضًا.
-4وإما أن يكون لهذا الكون خالق أزلي أبدعه ،وهو الحتمال الذي
تقبله العقول دون اعتراض ،وليس يرد على إثبات هذا الحتمال ما يبطللله
عقل ً ،فوجب العتماد عليه".
-1قسم يقولون فيه :إن لهذا الكون خالقا ً واحدا ً يجب اليمان به .
-2وقسم يخبروننا فيه عن بعض أمللور الغيللب الللتي سللتحدث ،أمللا
القسم الثاني فقد وقع كما أخبرونللا بلله بعللد مئات السللنين ،وأبللدت اليللام
وأثبت التاريخ صدق هذه النبوءات جميعا ً ،وهي من الشللياء الللتي عجللزت
العلوم حتى اليوم أن تجد لها تفسليرا ً ،فلدل ذللك عللى صلحة رسلالتهم ،
وصدق أخبللارهم ،ووجللب أن نصللدقهم فيمللا أخبرونللا بلله عللن الللله تعللالى
وصللفاته ،وهللو القسللم الول ،لن عقولنللا ل تمنللع منلله ،بللل عنللدنا مللن
الشعور الداخلي ما يثبته".
ثم قال " :إن اليمان بوجود الله من المور الخاصة الللتي تنبللت فللي
شعور النسان وضميره ،وتنمو في دائرة خبرته الشخصية".
فهذا العالم الذي اكتشف الللرادار لول مللرة يللدفعه إنصللافه وحيللاده
وأمانته الفكرية إلى إعلن إيمانه بالله ،مع التواضع الكريم المعلروف عنللد
العلماء حقا ً ،وهكذا العلماء المتحلون بالمانة الفكرية ،كلما ازداد علمهللم
زاد تواضلللعهم وزادت كملللالتهم الخلقيلللة ،فل يجحلللدون التلللوهم ،ول
يسللتكبرون عللن العللتراف بالحقيقللة ،والذعللان لمللا يترجللح لللديهم مللن
احتمالت وفق المنهج العلمي السليم .
أما الجهلة المتبجحون بللالعلم فللإن الغللرور بللالنفس يللدفع بهللم إلللى
مواقف العجب والكبر ،حتى يتطاولوا تطاول الحمقللى ،فيعلنللوا جحللودهم
بخالقهم ورازقهم ،استكبارا ً عن طاعته ،وتطلعا ً إلى التحللرر مللن أوامللره
ونواهيه ،تلبية لهوائهم الجامحة ،وشهواتهم الجانحة ،أو خدمة لسلليادهم
قادة المنظمات اللحادية في العالم .
-2من أمثلة ذلك كثير من اسللتنتاجاتنا اليوميللة فللي حياتنللا العاديللة ،
والعلوم الفلكية التي ليس بيننا وبينها اتصال مادي مباشر ،وبحوث الذرة ،
واستخدام قوانين الكتلة والطاقللة ،فللي اسللتنباط صللفات الللذرة وتركيبهللا
وخواصها ،مع العلم بأن العلماء لم يروا الذرة حتى الن بطريقة مباشرة ،
وقد أيدت القنبلة الذرية الولى ما وصل إليه العلماء من قوانين ونظريللات
حول تركيب الذرة غير المنظور ووظائفها .
ومن هذه المثلة وجود الله ،فإننا نستطيع أن نصل إلى معرفته عن
طريق الستدلل المنطقي ،الذي يقللوم علللى تفسللير النتللائج بنظائرهللا أو
مثيلتها .
-3برغم أن العلوم ل تؤيد وجود عالم غيللر مللادي تأييللدا ً كللامل ً ،لن
الدائرة التي تعمل فيها تقع في حللدود المللادة ،فإنهللا ل تسللتطيع أن تنفللي
بصورة قاطعة وجود عوالم أخرى غير مادية وراء العالم المادي .
ثم ختم مقاله بقوله" :إن جميع ما في الكون يشهد على وجللود الللله
سللبحانه ،ويللدل علللى قللدرته وعظمتلله ،وعنللدما نقللوم – نحللن العلمللاء –
بتحليل ظواهر هذا الكون ودراستها حتى باستخدام الطريقللة السللتدللية ،
فإننا ل نفعل أكثر من ملحظة آثار أيادي الله وعظمته".
بدأ الكلاتب مقلالته بكلملة )للورد كيلفلن( وهلو ملن علملاء الطبيعلة
البارزين في العالم " :إذا فكرت تفكيرا ً عميقا ً فإن العلوم سوف تضللطرك
إلى العتقاد بوجود الله".
وتدلنا الكيميلاء عللى أن بعلض الملواد فلي سلبيل اللزوال والفنلاء ،
ولكن بعضها يسير نحو الفناء بسرعة كبيرة ،والخر بسرعة ضئيلة ،وعلى
ذلك فإن المادة ليست أبدية ،ومعنى ذلك أيضلا ً أنهللا ليسللت أزليللة ،إذ إن
لها بداية .
وتستطيع العلوم أن تحدد لنا الوقت الذي نشأت فيه المواد ،وعلللى
ذلك فإن هذا العللالم المللادي ل بللد أن يكللون مخلوقلا ً ،وهللو منللذ أن ُ
خلللق
يخضع لقوانين وسنن كونية محددة ،ليس لعنصر المصادفة بينها مكان .
فإذا كان هذا العالم المللادي عللاجزا ً عللن أن يخلللق نفسلله ،أو يحللدد
القوانين التي يخضع لها فل بلد أن يكلون الخللق قلد تلم بقلدرة كلائن غيلر
مادي ،متصف بالعلم والحكمة".
-2لقد عمت بلدنلا فلي السلنوات الخيللرة موجللة ملن العلودة إللى
الدين ،ولم تتخط هذه الموجة معاهد العلم لدينا .
ل شك أن الكشوف العلمية الحديثة التي تشللير إلللى ضللرورة وجللود
إله لهذا الكون ،قللد لعبللت دورا ً كللبيرا ً فللي هللذه العللودة إلللى رحللاب الللله
والتجاه إليه .
يلحظ الكاتب الدول اللحادية التي ترى أن مصالحها مرتبطة بدعم قضية اللحاد . 1
السممبب الثمماني :المعقللدات الفاسللدة الللتي تجعللل النللاس منللذ
الطفولة يعتقدون بإله على صورة إنسان 1وعندما تنمو العقول بعللد ذلللك ،
وتتدرب على استخدام الطريقة العلمية فإن تلك الصورة التي تعلموها منذ
الصغر ل يمكن أن تنسجم مع أسلوبهم في التفكير ،أو مع منطق مقبول ،
وأخيرا ً عندما تخيب جميع المحاولت في التوفيق بين تلللك الفكللار الدينيللة
القديمة ،وبين مقتضيات المنطق والتفكير العلمي ،نجد هللؤلء المفكريللن
يتخلصون من الصراع بنبذ فكرة الله كلية ،ومن ثم فل يحبون العودة إلللى
التفكير في هذه الموضوعات التي تدور حول وجود الله.2
-2ثم وجه كاتب المقال إلى العتماد في اليمان بالله على أساس
روحاني ،وأوضح أن اليمان بالله مصدر لسعادة ل تنضللب فللي حيللاة كللثير
من البشر .
-3ثم قال :أما المشتغلون بالعلوم الذين يرجون الله فلديهم متعللة
كللبيرة يحصلللون عليهللا كلمللا وصلللوا إلللى كشللف جديللد فللي ميللدان مللن
الميادين ،إذ أن كل كشف جديد يللدعم إيملانهم بللالله ويزيلد مللن إدراكهلم
وإبصارهم ليادي الله في الكون".
-2استدل على وجود الله تعلالى بلدليل اتفلاق النلاس فلي الشلعور
المشترك بوجوده فقال:
وقد لمس الناس عامة –سواء بطريق فلسفية عقلية أو روحانية -أن
هناك قوة فكريللة هائلللة ونظاملا ً معجلزا ً فلي هلذا الكلون يفللوق ملا يمكلن
تفسيره على أساس المصادفة ،أو الحوادث العشوائية التي تظهللر أحيانللا ً
بين الشياء غير الحية ،التي تتحرك أو تسير على غيلر هلدى ،ول شلك أن
1وهو ما تمليه بعض الديان المحّرفة عن أصولها الصحيحة .
2لكن هذا السبب غير موجود بحمد الله في واقع المعتقدات السلمية ،إل أن دعاة اللحاد يحاولون
بكل ما لديهم من خداع وتضليل أن يصوروا العقائد السلمية تصويرا ً يخالف مقتضيات المنطق والتفكير
العلمي ،إذ يعممون هذا السبب تعميما ً تقريريا ً دون دليل ،أو يحشرون مفاهيم غير إسلمية ضمن بعض
مفاهيم إسلمية للتضليل .
اتجاه النسان وتطلعه إلى البحث عن عقل أكللبر مللن عقللله وتللدبير أحكللم
من تدبيره وأوسع ،لكي يستعين به على تفسير هذا الكون ،يعد في ذاتلله
دليل ً على وجود قوة أكبر وتدبير أعظم ،هي قوة الله وتدبيره ،وبرغم أننا
نعجز عن إدراكه إدراكا ً كليا ً أو وصفه وصفا ً ماديا ً ،فهنللا مللا ل يحصللى مللن
الدلة المادية على وجوده تعالى ،وتدل أياديه في خلقلله علللى أنلله العليللم
الذي ل نهاية لعلمه ،الحكيم الللذي ل حللدود لحكمتلله ،القللوي إلللى أقصللى
حدود القوة".
-1قال كاتب المقالة " :إنني أؤمن بالله ،بل وأكثر من ذلللك ،إننللي
أكل إليه أمري ،ففكرة اللوهية بالنسبة لي ليست مجرد قضية فلسللفية ،
بل إن لها في نفسي قيمتهللا العمليللة العظمللى ،وإيمللاني بللالله جللزء مللن
صميم حياتي اليومية".
-2ثم بعد أن قرر مبدأ المور البدهية التي نقبل بها قبول تسليم
وإيمان ،قال :
"وكذلك الحال فيما يتعلق بوجود الله ،فوجوده تعالى أمر بدهي من
الوجهة الفلسفية ،والستدلل بالشياء على وجود الله – كمللا فللي الثبللات
الهندسي -ل يرمي إلى إثبات البللدهيات ولكنلله يبللدأ بهللا ،فللإذا كللان هنللاك
اتفاق بين هذه البدهية وبين ما نشاهده من حقائق الكون ونظامه فإن ذلك
يعد في ذاته دليل ً على صحة البدهية التي اخترناها".
-3ثم قسم الدللة إللى أنلواع فقلال " :والدللة أنلواع :منهلا الدللة
الكونية ،ومنها الدلة التي تقللوم علللى أسللاس إدراك الحكمللة ،ثللم الدلللة
التي تكشف عنها الدراسات النسانية .
أما الدلة الللتي تبنللى عللى إدراك الحكمللة :فتقلوم عللى أسللاس أن
هناك غرضا ً معينا ً أو غاية وراء هذا الكون ،ول بد لذلك من حكيم أو مدبر .
فإذا قارنا بين الشواهد التي يستدل بها المؤمنللون علللى وجللود الللله
وتلك التي يستند إليها الملحدون في إنكار ذاته العلية ،لتضح لنا أن وجهللة
نظر الملحد تحتاج إلى تسليم أكثر مملا تحتللاج إليلله وجهللة نظللر المللؤمن ،
وبعبارة أخرى :نجد المؤمن يقيم إيمانه على البصيرة ،أما الملحللد فيقيللم
إلحاده على العمى .
وأنللا مقتنللع أن اليمللان يقللوم علللى العقللل ،وأن العقللل يللدعو إلللى
اليمان ،وإذا كان النسان يعجز أحيانا ً عن مشاهدة الدلة فقد يكللون ذلللك
راجعا ً إلى عدم قدرته على أن يفتح عينيه".
1
وهكذا مررنا على تلخيللص لمقللالت ثمللان مللن أصللل ثلثيللن مقالللة
لثلثين عالما ً من كبار علماء النهضة العلمية المعاصرة ،موجودة في كتاب
"الله يتجلى في عصر العلللم" ورأينللا منهللا أن العلللوم الماديللة تؤيللد قضللية
ل وعل ،ول تؤيد قضية اللحاد مطلقا ً . اليمان بالله ج ّ
)ك( أذاعت وكالة )رويتر( على العالم كله برقية جاء فيها ما يلي:
ليس كلمي هذا من جملللة عقللائد مللا وراء الطبيعللة المشللكوك فللي
صحتها ،بل من النتائج القطعية التي استنبطت من القواعد الثابتة للعلللم ،
كنسبية الحركة وقدم القوانين .
وكل من يخدم قضية اللحاد باندفاع وحماسة فهو جنللدي مللن جنللود
هللذه المنظمللة العالميللة ،وكللثيرا ً مللا يكللون غللرا ً ل يزيللد أجللره عنللد قللادة
المنظمة على أجر قاتل أمه وأبيه ،متى قتلهما ألحق بهما ،وقد كللان مللن
قبل يمنى بالمللاني العريضللة ،وتتحلللب أشللداقه علللى المواعيللد الحلللوة ،
وذلللك لن مللن اسللتخدمه حربللة لللم يسللتخدمة إل ليكسللره مللتى اسللتنفد
أغراضه منه .
إن أقوال العلماء الماديين المؤمنين الذين نشأوا فللي عصللر النهضللة
العلمية الماديللة الحديثللة لتقللدم للمتشللككين أدلللة كافيللة علللى أن العلللوم
المادية ليست علوما ً ملحدة في حقيقتها ،لكن اللحاد ملصق بهللا بطريقللة
صناعية مقصودة موجهة ،من قبل فئات خاصة لها في نشر اللحاد مصالح
سياسية واقتصادية ضد خيرية البشرية وسعادتها .
ومن هذه القوال يتبين لنا بوضوح أنهن ل يوجللد تنللاقض ول تعللارض
مطلقا ً في نظر جمهور العلماء الماديين بين الللدين والعلللم حللول السللاس
ل وعل ، الول من أسس العقيللدة الدينيللة ،وهللي عقيللدة اليمللان بللالله جل ّ
وبهذا تنهار المستندات اللحادية التي تزعم وجود هذا التناقض بالنسبة إلى
هذه النقطة بالذات ،باعتبارها مجال بحثنا الن ،وباعتبارهللا أعظللم نقطللة
في اليديولوجية اللحادية ،والتي يحاول الملحدون جهدهم أن يوجللدوا لهللا
المبررات النظرية ،أو المبررات العملية ،فل يجدون إل افتراء الكللاذيب ،
وصللناعة المغالطللات ،والحتمللاء المللزور بالتقللدم العملللي والصللناعي ،
وسرقة أسلحة العلم التي ل تملك في الحقيقة الدفاع عللن اللحللاد ،وإنمللا
هي في الصل أسلحة لقضية اليمللان ،يحسللن اسللتعمالها العللالمون بهللا ،
وتكون عند الجاهلين بها أسلحة معطلللة ،ويسللرقها الملحللدون فيحملونهللا
أمام الجاهلين ،فيتخيل الجاهلون بهللا أنهللا فعل ً أسلللحة للملحللدين ،وهللي
تدعم قضية اللحاد ،مع أن الحقيقللة بخلف ذلللك ،إنهللا أسلللحة للمللؤمنين
العالمين بها ،الذين يحسنون استعمالها .
وحينما ُيقال لهم :أرونا هذه الكتابة التي تشللهد لكللم يقولللون :فلن
قال هذا ،وفلن قال هذا ،وفلن قال هذا ،وكل هؤلء الذين ذكروهللم هللم
من فئة اللصوص أنفسهم ،أو من غيرهم ولكن يكذبون عليهللم ،ويظّلللون
حريصين على أن يبقى الوجه الثاني للمصكوكات الذهبية مطموسا ً ،حللتى
ل تنكشف لعبتهم القائمة على اللصوصية والتزوير .
)(5
هل تنسللجم هللذه النظللرة الغائيللة إلللى الكللون والحيللاة مللع النظللرة
العلمية التي تسود العللالم المعاصللر وثقللافته؟ لللو رجعنللا إلللى التفسلليرات
العلمية للكون من )نيوتن( إلى )أينشتاين( هل نجد في صلبها مقولت مثل
)الهداف السامية( أو )الحق والعدل( أو )الروح والجمللال والخللالق(؟ هللل
نجد لهذه المفاهيم الخلقية الدينية أي ذكر في النظريللة النسللبية ،أو فللي
ل؟ سؤال جللدير بللالتمحيص واليضللاح والمناقشللة علللى ميكانيكا الكموم مث ً
أقل تعديل".
ولكن إذا لم يكن لديه حقللائق ينللاقش بهللا أفل يطللرح أكللوام ألفللاظ
يغالط بها المراهقين ،ويوهمهم فيها أنه يصنع جدليات عالية؟
إن عمله يشبه عمل من ينكر وجود القطب الشمالي لنه لللم يوجللد
له ذكر في جدول الضرب ،ول في كتاب "تعلمي سيدتي كيف تطبخيللن" ،
ول في بطن "حصان طروادة" ،ول في "السمفونية التاسعة لبيتهوفن".
إن )أينشتاين( للو كلان يلرى أن نظريتله النسلبية تتنلافى ملع اللدين
لدعم بنظريته اللحاد ،ولعلن بهلا نقلض الللدين ،لكنله _كملا رأينلا_ عللى
العكس من ذلك حريص على إيقاظ الشعور الديني ،وإبقائه حيا ً في الذين
تهيأوا له .
لكن )د .العظم( حينما أورد اسم )أينشتاين( و)النظرية النسبية( في
غضون كلمه ،إنملا عملد إللى السفسلطة والمغالطلة ،واليهلام ،ليصلور
للقارئ الجاهل أنه يصلنع شليئا ً للدعم قضلية اللحلاد ،فهلو يلذكر السلماء
الكبيرة في مجال العلوم المادية ،ليستر بها تضليله وغوغائيته الجدلية .
وكما أوهم أن )أينشتاين( ملحد ،أوهم أيضا ً أن العالم )لبلس( مللن
فئة الملحدين ،على خلف ما عليه واقع حال هذا العالم .
إنه يحشر اسم العالم )لبلس( هنا ليموه بأنه من أنصار قضية
اللحللاد بللالنظرة العلميللة الللتي وصللل إليهللا النسللان عللن طبيعللة الكللون
والمجتمع والنسان ،ول يؤيد قضية اليمان بالله ،مللع أن )لبلس( مللؤمن
أخذا ً منن أقواله ،وله في الستدلل على وجود الله وََرد ّ أقللوال الجاحللدين
كلم طيللب ،يلغللي فكللرة العتمللاد علللى المصللادفات ،ويللرى أن النظللام
الكوني الرائع ل بد له من خالق .
لقد شرح )لبلس( دليل الحركة الكونية ،وأبان قوة هذا الدليل فللي
جسم الشبهات التي يثيرها الجاحدون فقللال "أمللا القللدرة الفللاطرة الللتي
عينت جسامة الجرام الموجودة في المجموعة الشمسية وكثافتها ،وثبتت
أقطار مداراتها ،ونظمت حركاتها بقوانين بسيطة ،ولكنها حكيمة ،وعينت
مللدة دوران السلليارات حللول الشللمس والتوابللع حللول السلليارات بللأدق
حساب ،بحيث إن النظام المستمر إلى ما شاء الله ل يعروه خلل..
هذا النظام المستند إلى حسللاب يقصللر عقللل البشللر عللن إدراكلله ،
والذي يضمن استمرار واستقرار المجموعة إزاء ما ل يعللد ول يحصللى مللن
المخاطر المحتملة ،ل يمكن أن يحمل علللى المصللادفة إل باحتمللال واحللد
من أربعللة تريوليونللات ،ومللا أدراك مللا أربعللة تريوليونللات؟ إنلله عللدد مللن
كلمتين ،ولكن ل يمكن أن يحصيه المحصى إل إذا لبث خمسين ألللف عللام
يعد الرقام ليل ً ونهارا ً ،على أن يعد في كل دقيقة ) (150عددًا"
ولكن قوله هذا ل يعني إنكاره للخالق ،وإنما يدل على شعوره بأن
الكون سائر وفق نظام مرسللوم خاضللع لسلسللل سللببية متتابعللة ،يمكللن
التنبؤ باللحق منها لدى معرفة السابق .
من كتاب "الدين في مواجهة العلم" ،تأليف وحيد الدين خان . 1
وأما ما نسبه )د .العظم( إليه من قوله لنابليون " :الله فرضية ل
حاجة لي بها في نظامي" فلست أدري مبلغه من الصحة أمام قللوله الللذي
قرأناه مما كتللب بنفسلله .وبكللل أسللف لللم نجللد لللدى الناقللد أثللرا ً للمانللة
الفكرية التي يتظاهر بالغيرة عليها .
يا عجبا ً لهذا الفريق الملحد من الناس ،ترى أحدهم مريض لا ً بمللرض
السرطان الفكري الطاغي ،ثم يتهم العضاء الرئيسية الساسية في البناء
الفكري الصحيح بأنها نمو سللرطاني ،وقللديما ً قللال العللرب فللي أمثللالهم :
"رمتني بدائها وانسلت".
)(6
بعد هذا التضليل والتمويه والتجاهل الذي صنعه )د .العظم( خطا
خطوة رفع فيها لواء تمجيد واضعي النظريللات الموجهللة خصيص لا ً لمحاربللة
المفاهيم السلمية ،والقائمة أساسا ً على إنكار وجود الله تبارك وتعللالى ،
من اليهود الذين تحملوا مهمللة وضللع هللذه النظريللات المناقضللة للمفللاهيم
السلمية باسم العلم ،وذلك بدفع مللن القيللادة اليهوديللة العالميللة ،فأخللذ
يمجللد بأسللماء هللؤلء اليهللود )دركهللايم( و)فرويللد( و)مللاركس( فقللال فللي
الصفحة ) (39من كتابه:
"حين نطرح المسألة بهذه البسللاطة وبهلذا التحديلد ،يبلدو أنلله ثمللة
تناقض واضح بين النظرة السلمية الغائيللة للكللون – كمللا سللردها سللماحة
موسللى الصللدر – وبيللن النظللرة العلميللة ،كمللا تبلللورت مللع تطللور العلللم
الحللديث وتقللدمه .مللن يراجللع تاريللخ العلللم الحللديث يكتشللف بسللرعة أن
واضعي دعللائمه وفلسللفته شللنوا حربلا ً ل هللوادة فيهللا علللى إقحللام العلللل
الغائيللة والمفللاهيم الخلقيللة فللي التفسلليرات العلمللي لظللواهر الطبيعللة ،
ورفضوا النظرة الغائية للكون رفضا ً باتا ً ،لنهم اعتبروهللا مللن إنتللاج خيللال
النسان السطوري ،ولنها تعيق تقدم العلم ،وانتشار تفسيراته للظللواهر
الطبيعية مهما كان نوعها ،إننا نجد هذا التيار المعادي للنظرة الغائيللة منللذ
البداية ،عند المفكرين والفلسفة الذين رسخوا دعائم العلم الحديث ،من
فرانسلليس بيكللون ،إلللى برترانللد رسللل ،مللرورا ً بللديكارت ،وسللبينوزا ً ،
وغاليليو ،وداروين ،وبافلوف ،ودركهايم ،وفرويد ،ومللاركس ،إلللى آخللر
القائمة الطويلة من السماء ".
هكلللذا ،وعللللى المسلللتوى ملللن التضلللليل الغوغلللائي ،أو الحلللرب
)الديماغوجية( وفق تعبيرات الملحللدة الماركسلليين ،يسللير )العظللم( فللي
نقده للفكر الديني .
إنه يعرض أقواله على طريقة الحقائق المسلم بها ،دون أن تقللترن
بحجج نظرية ،أو بشواهد واقعية ،ثلم يزعللم أنهلا حقلائق مسلللم بهللا عنلد
العلماء ،ويكتفللي بعللرض قائمللة مللن أسللماء الرجللال المشللهورين بللالعلم
والفلسفة ،ويحشر في كل مرة أسماء اليهود ،الللذين وضللعوا مللا أسللموه
بنظريات علمية ،ول تزيللد فللي حقيقللة حالهللا علللى أنهللا فرضلليات صلليغت
بعناية مقصودة لدعم قضية اللحاد ،ول يستطيع أن يكتم تمجيدها ،وتمجيد
كتبهم ،وما يسمى نظرياتهم ،ول يخجل وهو عربي العللرق أو يبللالغ بتأييللد
المخطط اليهودي العالمي ،في هذا العصر الذي تعاني أمته أقسى المحن
وأشهدها من اليهودية العالميللة ،ومللن مخططاتهللا الراميللة إلللى السللتيلء
على العالم العربي كله .
إنه لعجب كبير أن تبلغ الخيانة بإنسان ما إلى هذا الدرك الذي ليللس
من دونه درك أسفل منه .
وهذا واحد منهم وهو )أندرو كونللواي إيفللي( مللن العلمللاء الطللبيعيين
ذوي الشهرة العالمية من سنة )1925م( إلللى سللنة )1946م( يقللول فللي
مقال له تحت عنوان " :وجود الله حقيقة مطلقة":
أليس هذا التفكير الذي يعلن عنه هذا العلالم وملن قبلله )أينشلتاين(
تفكيرا ً قائما ً على النظرة الغائية للكون ،وعلى اعتبار القيم الخلقية؟
دركهللايم
إذا كانت هذه النظرة مناقضة لما يسمى بنظريات اليهللود ) ُ
– فرويد – ماركس( أو النظريات التي روجها اليهود كالنظرية الداروينية فل
بأس ،إن هؤلء أجراء المخطط اليهودي العالمي المعروف ،وقللد وضللعوا
مذاهبهم لهدم السس الدينية ،ل علللى أسللاس قناعللات علميللة صللحيحة ،
وقد أصبح مخططهم مكشوفا ً للعالم ،وكتب في كشف مكايدهم محققون
من العلماء المتتبعين .
)(7
يحاول الناقد )العظم( كما رأينا القناع بنسف السس الخلقية من
جللذورها بينمللا يتظللاهر فللي مللوطن آخللر مللن كتللابه بغيرتلله علللى المبللدأ
الساسي لخلق العتقاد ،فتعليقلا ً عللى بعلض آراء )وليللم جيمللس( اللذي
رجح جانب اليمان بالله استنادا ً إلللى المشللاعر النسللانية الداخليللة ،الللتي
ترجح جانب اليمان على جانب الكفر ،يقول في الصفحة ):(75
"هنا يثبت )جيمس( حق هذا النسان بأن يعتقد بوجود الله ،استنادا ً
إلى مللا تللوحيه للله طللبيعته العاطفيللة حللول هللذا الموضللوع ،أي :بالنسللبة
لجيمس يحق له أن يحسم المر باللجوء إلى عللواطفه ومشللاعره ،ضللاربا ً
بعرض الحائط المبدأ الساسي لخلق العتقاد".
ويتظاهر بحرصه علللى مبللدأ المانللة الفكريللة ،وهللو مبللدأ أخلقللي ،
فيقول في الصفحة ):(21
فهو بهذا ل يعترف أصل ً بالمفاهيم الخلقية ،ول بالحق والعدل ،ول
بالهداف السامية ،ول بللالروح والجمللال والخللالق ،فمللا للله وللللدفاع عللن
المانللة الفكريللة؟ ومللا للله وللغيللرة علللى أخلق العتقللاد؟ إن كللان يريللد
مناصرتها حقا ً فليكن منسجما ً مع نفسه على أقل تقدير ،وليبق لنفسه من
الخلق بقية يخاطب بها الناس .
إذا لم يكن للحق قيمة لديه فأين مكان المانة الفكرية إذن؟ أليست
المانة الفكرية أمانة على الحق في جانب المعرفللة؟ أليللس إلغللاؤه لمبللدأ
الحق خيانة لمبدأ المانة الفكرية؟ وحينما يلغي مبدأ الحق فماذا يأتي بعده
غير الباطل والضلل؟ فهل يطللالب الفكللار الحللرة بللأن تكللون أمينللة علللى
الباطل؟ وأي باطل هذا الذي يريد أن يحللرص عليلله؟ أل يللرى هللذا تناقضلا ً
شائنا ً مفضوحا ً غير مستور بأي شيء؟ أين أخلق العتقاد في مللوقفه هللذا
المّتسم بالتناقض الصريح؟
مادام قد نسف الخلق كلها من جذورها فأية أمانة لديه يعتمد عليها
فللي نقللل خللبر ،أو حكايللة قللول لنسللان ،أو تقريللر حقيقللة مللن الحقللائق
العلمية؟
مادام هذا مذهبه فمن الطبيعي أن ل يوثللق بشلليء يقللوله ،لنلله إن
صدق في واحدة أو أكثر فذلك ليغطللي بهللا فريللة يفتريهللا علللى الحقيقللة ،
خبرا ً كانت أو معرفة علمية ،وهذا مللا يكتشللفه النللاظر فللي أقللواله بللأدنى
تأمل ،إنه حينما يبحث فللي العلللم الحللديث ل يعللرض إل أقللوال الملحللدين
أمثاله ،ويجعلهم الممثلين الوحيدين للركب الحضاري كله ،وقللد يعللرض –
كما رأينا – على سبيل التضليل بعض العلم الكبرى في ضللمن مللا يعللرض
من قائمة أسللماء ،تمويهلا ً بللأن هللؤلء العلم الكللبرى مللن مؤيللدي قضللية
اللحاد ،مع أنهم في الواقع بخلف ذلك .
وأي ناظر في كتابه يرى أنه جندي مطيع ،يجعل من نفسه رأسه
حربة في يد الماركسية واليهودية العالمية ،لهدم كيان أمته ،وتهيئة أرضها
وأجيالهللا لحتلل العللدو احتلل ً شللامل ً ،يتنللاول الفكللار والنفللوس والقللوى
المختلفة ،والرض والموال وسائر الثروات والخيرات .
هذه هي الخطة اليهودية التي درسناها في كتبهم ،والتي رأينا جملة
كبيرة من تطبيقاتها في العالم .
والملحدة الماركسيون كتبية من كتائب جنللود التنفيللذ لهللذه الخطللة
اليهودية العالمية الكبرى ،التي غدت من الحقائق المكشوفة جدا ً ،بعد أن
كانت مستورة عن كثير من أعين الجماهير .
إنني لعجب كللل العجللب مللن هللذه الحللرب المسللتعرة علللى فكللرة
اليمان بللالله تعللالى ،وعلللى المبللادئ والقيللم الخلقيللة ،وعلللى الفضللائل
النسانية ،وعلى الحق والعدل والهداف السامية ،وعلى الللروح والجمللال
والخالق ،وعلى التفسيرات الغائية للكون والحيللاة ،فمللاذا تضللر البشللرية
هذه المور من وجهة نظرهم؟
إن هذه المبادئ التي ينادي بها الدين من شأنها أن تكف يد الجريمللة
في الناس ،وتخفف من شرورهم ،وتجلب للنسانية نفعلا ً عظيملا ً ،ولكلن
القيادة المجرمة الخفية فلي العلالم تخسلر بنشلر هلذه المبلادئ وتطبيقهلا
جنودا ً كثيرين تستطيع أن تجندهم عن طريق اللحللاد والباحيللة المطلقللة ،
ول تستطيع أن تجندهم عن طريق اليمان والتزام المفاهيم الخلقية .
)(8
-1فإذا هو أنكر الله وجحده وكلان الواقلع بخلف ذلللك فلإنه يعلّرض
نفسه لخسائر كبرى .
-2وإذا هو آمن به وكان الواقع بخلف ذلك فإنه ل يخسر شيئا ً .
ثم بلغ مني العجب مداه حين رأيت الناقد )د .العظم( ينللاقش بحللث
)جيمللس( مناقشللة مشللحونة بالمغالطللات الللتي تللأتي ببعللض العبللارات
الفلسفية ،وليس فيها من الفلسفة الصحيحة شيء ،وتسللتخدم العبللارات
ل مللا فيهللا سفسللطة ، العلمية ،وليس فيها من العلم الصللحيح شلليء ،ج ل ّ
ومغالطات ،وخطابيات ،وتقريرات ،وكلها ل تملك ملن الدلللة شلليئا ً حلتى
أضعفها .
هذا على الرغم من أن )وليم جيمللس( لللم يقللدم لقضللية اليمللان إل
أضعف الدلة ،وهو الدليل الذي صاغه الشاعر العربي الفيلسوف بقوله:
جل ً َأن ن َر ُ قت ُل ُللو َ ه أ َت َ ْ مللان َ ُم ِإي َ ن ي َك ْت ُل ُ ل فِْرعَلوْ َ نآ ِ مل ْ ن ّ م ٌ ملؤْ ِ ل ّ جل ٌ ل َر ُ }وََقا َ
كاِذب لا ً فَعَل َي ْلهِ ك َلذِب ُ ُ
ه ك َ م وَِإن ي َ ُ من ّرب ّك ُ ْ ت ِ م ِبل ٱْللب َي َّنا ِجآَءك ُ ْ هل وَقَد ْ َ ي ٱل ّلل ُ ل َرب ّ َقو َ يَ ُ
فسرِ ٌ م ْ ن هُوَ ُ م ْ دي َ هل ل َ ي َهْ ِ ن ٱل ّلل َ م إِ ّ ذي ي َعِد ُك ُ ْ ض ٱّلل ِ م ب َعْ ُ صاِدقا ً ي ُ ِ
صب ْك ُ ْ ك َ وَِإن ي َ ُ
َ
فلي ٱللْر ِ ك ٱْللي َوْ َ م ٱْلل ُ ب * ٰي َ
ملن صلُرَنا ِ ملن َين ُ ض فَ َ ن ِ ري َ ظلاهِ ِ م َ ملْ ُ قوم ِ ل َك ُ ُ ذا ٌ كَ ّ
َ َ ُ ْ
لسلِبي َ م إ ِل ّ َديك ُ ْ هل ِ مآ أ ْ مآ أَر ٰى وَ َ م إ ِل ّ َ مآ أِريك ُ ْ ن َ ل فِْرعَوْ ُ جآَءَنا َقا َ س ٱلل ّهِ ِإن َ ب َأ ِ
شاِد{. ٱ ل ّرل َ
وُيطرح هذا الدليل عند آخر مرحلة من مراحل النقاش الذي يرفللض
فيه الملحد أدلة اليمان الكثيرة ،ويعلللن تشللككه بهللا ،أو يطللرح فللي أول
مرحلللة مللن مراحللل النقللاش ،لتللوجيه النفللس إلللى منطقللة اليمللان منللذ
النطلقة الفكرية الولى ،ثم تطرح من بعده الدلة والبينات الخرى ،فهو
إما دافع إلللى النقلللة الولللى الللتي تتجللاوز منطقللة الشللك المطلللق ،وإمللا
ممسك بلالنفس فلي منطقلة اليملان قبلل أن تنزللق إللى منطقلة الشلك
المطلق .
ولست أدري كيف بلغ )العظم( هذا المستوى الذي نللراه فللي كلملله
من ضللعف الدراك لصللل الموضللوع ،حينمللا نللاقش )جيمللس( حللول هللذا
الدليل .
فهو ينقل بعض أقوال )وليم جيمس( ثم يعلللق عليهلا تعليقلا ً عجيبلا ً ،
يللد ّ
ل علللى ضللعف إدراكلله للمشللكلة ،أو اسللتهانته بقللارئي كتللابه اسللتهانة
بالغة ،إذ يحللاول تضللليلهم حللتى فللي البللدهيات ،انظللر هللذا المقطللع مللن
الصفحتين ) (76و) (77من كتابه:
يا عجبا ً له ولهذا المنطق العور ،من منهمللا يسلليء فهللم المشللكلة
)جيمس( أو )العظم(؟
إنها قضية حياة ،قضية سعادة ،قضية مصير ،إن اللعب فيهللا لعللب
بالنار .
هل يفعل )العظم( مثل هذا في مشللكلته الحياتيللة المصلليرية ،مللن
أمور معاشه أو صحته ومرضه أو سلمته وتهلكاته أو تجللارته واسللتمثاراته؟
أو نحو ذلك .
إنه هو الذي يسيء فهللم المشللكلة ،أو هللو الللذي يفسللد تصللويرها ،
لتضليل المراهقين فكريا ً ونفسيًا.
"المشكلة بكل بساطة :هل القضية )الله موجللود( قضللية صللادقة أم
كاذبة؟ أم أن صدقها جائز جواز كذبها؟".
ثم قال:
يبللدو أنلله قللد بلللغ مللن السللخف الفكللري مللداه ،حيللن انتقللد )وليللم
جللح احتمللالجيمس( في ترجيحه جانب اليمللان علللى جللانب اللحللاد ،بمر ّ
الربح الذي ل يقابله احتمال خسللارة ،بينمللا رجللح )العظللم( جللانب اللحللاد
بدون مرجح مطلقا ً ،مع قيام مرجح احتمال الخسارة فللي جللانب اللحللاد ،
ومرجح احتمال الربح في جانب اليمان ،وكلهما لصالح قضية اليمان ،إل
أنه ألغاهما من الحساب اعتباطا ً وحماقة ،وزعلم أنله ل علقلة لهملا أصلل ً
بالقضية .
أما اختيار سلبيل النكلار والكفلر بلالله فلإن )جيملس( يلراه اختيلارا ً
متعنتا ً لجانب ل دليل عليلله مطلقلا ً ،وليللس فيله اسللتجابة لنلداء الفطللرة ،
وفيه مخاطرة حمقاء توقع النسللان فللي احتمللالت خسللارة كللبرى وشللقاء
أبدي .
والوهام المفتراة يقول عنها بجزم وتأكيد :إنها حقائق ثابتة .
ومنهجه الجدلي أن يبيح لنفسه أن يغالط كما يشللاء ،وأن يزيللف أي
شلليء يريللد تزييفلله ،وأن يلبللس أثللواب الللزور ،فيرتللدي أرديللة البحللث
العلمي ،وكلمه مناقض للبحللث العلمللي ،ويحمللل شللعار المانللة الفكريللة
وأخلق العتقللاد ،وهللو فللي حللرب ضللروس ضللد المانللة الفكريللة وأخلق
العتقاد وسائر الخلق والقيم .
انظر هذا المقطع الثاني من نقللده لبحللث )وليللم جيمللس( لللترى مللا
حشر فيه من مغالطات ،يقول في الصفحة ) (77من كتابه:
" -2يقول جيمس فللي دفللاعه عللن نفسلله :إن النسللان الللذي يعلللق
الحكم في موضوع وجود الللله يرضللخ بللذلك إلللى تخللوفه مللن الوقللوع فللي
الخطأ والوهم ،بينما كان الحرى به أن يعتقد بوجوده تمشيا ً مع أمللله فللي
أن يكون اعتقاده صادقًا".
"ولكللن جيمللس مخطللئ ،لن خوفنللا مللن الوقللوع فللي الخطللأ أهللم
بدرجات من أملنا في العثور على الحقيقللة ،أو مللن رجائنللا فللي أن يكللون
اعتقادنا صادقًا".
هكذا يقرر)العظم( ثم يأتي بما زعم أنه دليل ،ولكنه لو لم يللأت بلله
لكان أستر له ،إنه يقول في دليله الذي ساقه:
"ذلللك لن عللدد الخطللاء الللتي يمكللن أن نقللع بهللا غيللر متنللاه ،أمللا
الحقيقة فواحدة ،وبما أن احتمللالت الوقللوع فللي الخطللأ أكللبر بكللثير مللن
احتمالت العثور على الحقيقة ،أو احتمال الوقوع على العتقللاد الصللادق ،
لللذلك يضللطر النسلان لن يضلع ضلوابط صلارمة وحازملة فلي بحثلله علن
المعرفة ،أمل ً منه في أن يخفض احتمالت الخطلأ إللى أقلل حلد ممكلن .
وبالرغم من ذلك يظل عدد هذه الحتمالت مخيفًا".
إنها قصة في البحث العلمللي ،ولكللن ليللس هللذا مكانهللا ،إنلله يضللع
الشللياء فللي غيللر مواضللعها ،إمللا علللى سللبيل الجهللل واختلل المللوازين
المنطقية لديه ،وإما على سبيل المغالطة واستغفال القارئ والتغرير بلله ،
ولكن أي قارئ حصيف قادر على كشف هذا الزيف الذي صنعه .
وبعد هذا التزييف المقصللود الللذي أراد بلله السفسللطة والمخادعللة ،
ظن أنه ملك ناصية حجة متينللة وبلللغ مللا يريللد مللن تهللديم للبنيللة الفكريللة
اليمانية فقال في الصفحة ).(77
وهنا نلحظ أنه قللد يكللون دارسلا ً لمنهللج التفكيللر العلمللي ،ولكللن ل
يعرف مواضللع تطللبيقه ،والعجللب مللن ذلللك أنلله يأخللذ لنفسلله بالحتمللال
المقابل ،دون أن يناقش نفسه بما ناقش به )جيمللس( ،وهللذا يللدل علللى
أنه يغالط ويراوغ ،ويجادل بالباطل .
لقد أثبت هذا الملحد على نفسه وعلى طرائق الملحدين صورا ً فيهللا
الكثير مما يضحك العقلء ،إن كان يستهين بمنطق القراء ومدى ثقافللاتهم
فليعلللم أن صللغار المثقفيللن السلللميين قللادرون علللى كشللف مغالطللاته
وتزييفاته .
ونحن ل نريد أن نعلق على هذه المناقشة الضللعيفة الواهنللة كللثيرا ً ،
لن موضوعنا ل يهمنا ،باعتبار أن قضية اليمللان بللالله وتعللالى وبمللا جاءنللا
عنه ،هللي بالنسللبة إلينللا قضللية علميللة ،توصلللنا إليهلا بلالمنطق السللليم ،
والحجة الدامغة ،والبرهان القللاطع ،ول شللأن لنللا بمللن أنكرهللا أو أغمللض
بصيرته عنها .
في كلمه هذا اعتراف ضمني بدليل الفطللرة الللتي تهللديه وتنللزع بلله
إلى اليمان )فطرة الله التي فطر الله عليها( ولكنه يكبللت فطرتلله بأوهللام
الجحود والنكار ،وبما أسماه من قناعات ،وهي ل تزيد على أنهللا مواقللف
عنادية ،مشحونة بالكاذيب والمغالطات والسفسطات الجدلية .ففي كللل
أقواله وجدلياته ،وفي كل ما ساقه من أقوال لساتذته ،لم نجللد مللا يول ّللد
أية قناعة لباحث عن الحقيقة صادق في بحثه .
أما زعمه بأن المؤمن بالله ل تسمح له القناعات الفكرية بأن يعتقللد
بوجود الله دون أن يقع في تناقض ذاتي ،ودون أن يضحي بوحللدة تفكيللره
ومنطقه ،فزعم لم يقم عليه دليل ً فللي كللل مللا كتللب ،وإنمللا ألقللاه كلملا ً
تقريريا ً خاليا ً من أية حجة صحيحة ،وما ساق من جدليات مختلفة لم يحت ل ِ
و
على شيء مما يدعم بصللدق هللذا الزعللم ،أو يقللدم لصللاحبه عللذرا ً فكريلا ً
مقبول ً عند الله أو عند العقلء من الناس .
أي :ما سبق في كلمه من توجيهه حربه الشعواء على الدين ،ل
يعني أن الشعور الديني غير موجود بصفة أصيلة في الفطرة النسانية بللل
هذا الشعور موجود ،وهو ينزع في داخل النفللس النسللانية نللزوع الللدوافع
الفطرية الصيلة ،التي تتطلب تلبية نفسللية وروحيللة وماديللة ،وتلبيللة هللذا
الشعور يكون باليمان والعبادة .
لكن )العظم( يعترف بوجود هذا الشعور الديني ،ويحاول عزله عللن
التلبية الصحيحة ،إذ ُيغرية بأوهام ل ُتلبي دوافعه تلبيللة صللحيحة ،فيصللرفه
عن عبادة الله الحق إلى أوهام عبادات وثنية مختلفة يخترعها للله ،كعبللادة
الجمال ،أو عبادة البحث عن الحقيقللة ،أو عبللادة الهللواء والشللهوات ،أو
عبادة مطالب الحياة والعمال المؤدية إليهللا ،ويلحللق بللذلك عبللادة القللادة
والسياد ،وعبادة الحزاب ،وعبادة الشياطين .
إنه بهذا يريللد أن ُيرجلع النللاس إلللى الجاهليللة الوللى ،وإللى عبلادة
الوثان ،وبعد أن حاول صرف الشعور الديني عن الله ج ّ
ل وعل ،وتللوجيهه
للوثنيات المادية والخيالية قال:
"وقد يتمثللل الشلعور الللديني بهللذا المعنللى فلي موقلف الفنلان ملن
الجمال ،أو في موقف العللالم مللن البحللث عللن الحقيقللة ،أو فللي موقللف
المناضل من الغابات التي يعمل لتحقيقها ،أو في موقف النسللان العللادي
من أداء واجباته الحياتية واليومية".
لقد كان بإمكانه أن يعبد الله وحده وهو في هذه المواقف كلها ،لن
عبادة الله بمعناها الواسع تتمثل في كل عمل أو تصور أو عاطفة ،مما أذن
الله به إذا ابتغلى بلله النسلان مرضلاة الللله تعلالى ،لكنله – وكللذلك سللائر
الملحدين – يكرهون الخضوع لمن خلقهم ،ويلذ لهم أن يخضعوا لخلقه .
إنها صبغة الله ،وفطرته التي فطر الناس عليها ،هلذه حقيقلة بّينهلا
الله بقوله في سورة )البقرة 2/مصحف 87/نزول(:
ة ٱل ّللهل وم َ
ن{
عاِبدو َ ن لَ ُ
ه َ ح ُ
ة وَن َ ْ
صب ْغَ ً ن ٱل ّلل ِ
هل ِ م َ
ن ِ
س ُ
ح َ
نأ ِْ َ َ ْ صب ْغَ َ
} ِ
ولكللن قللد نجللد هللذه الفطللرة مغشللى عليهللا فللي نفللوس بعللض
الملحدين ،ولهذا الغشاء سبب ،فلالفطرة هللذه ل تنطمللس إل فلي نفللس
من بالغ في النحراف من الناس ،بدافع غير أخلقي ،كللالكبر والعنللاد ،أو
الرغبللة بللالفجور ،والنطلق فللي الهللواء والشللهوات ،مللع التهللرب مللن
مشاعر العدالة اللهية ،وملحقة الضلمير اللديني للسللوك .أو فلي نفلس
ل لعبت بأفكاره وعبثت بشهواته شياطين النس ،من ذوي المصلللحة مضل ّ ٍ
ُ
الساسللية فللي نشللر اللحللاد والكفللر بللالله فللي الرض .ولكللن المشللاعر
الفطرية لللدى هللؤلء وأولئك تظللل مكبوتللة محرومللة مللن التلبيللة وتنفيللس
الكرب الذي يتولد عن الكبت ،ثللم تحللاول التنفيللس بطللرق غيللر طبيعيللة ،
وهذا التنفيس يظهر في صورة هيستيريا عصبية انفعالية ،مع الفللن تللارة ،
ومع الخمر والمخدرات تللارة أخللرى ،ومللع النتحللار أحيان لا ً ،ومللع )الهي ّي ّللة(
أحيانا ً أخرى ،وفي جنون الحرب ،وفي جنون النعزالية والنطوائية ،وفي
جنون العظمة وادعاء الربوبية ،إلى غير ذلك مما ل يحصى.
ومع ذلك فإن هذه الفطللرة فقللد تللتيقظ فللي نفللوس أعللتى الكفللرة
والملحدة المجرمين ،وذلك حينما تشتد عليهم مصللائب الحيللاة ،ويقعللون
في مخاطر محدقة بهم ،ول يجدون وسيلة مادية لدفعها ،وهذا مللا حصللل
لفرعون حينما أدركه الغرق فقللال " :آمنللت بللرب موسللى وهللارون آمنللت
بالذي آمنت به بنو إسرائيل".
جللاك ُ ْ
م ن إ ِل ّ إ ِّياهُ فَل َ ّ
مللا ن َ ّ عو َ
من ت َد ْ ُ ض ّ
ل َ ح رِ َض ّر ِفي ٱْللب َ ْ م ٱْلل ّ سك ُ ُ م ّذا َ}وَإ ِ َ
َ
فورًا{
ن كَ ُ سا ُ ن ٱ ِ
للن ْ َ كا َم وَ َضت ُ ْإ َِلى ٱْللب َّرل أعَْر ْ
ن
جَري ْ َ ك وَ َ فلْ ِ م ِفي ٱْلل ُ كنت ُ ْذا ُ حت ّ ٰى إ ِ َ ح رِ َ م ِفي ٱْللب َّر وَ ٱل ْب َ ْ سي ُّرك ُ ْ ذي ي ُ َ }هُوَ ٱّلل ِ
ملن ك ُل ّ
ل ج ِ م لوْ ُم ٱْلل َ جلآَءهُ ُ ف وَ َصل ٌ عا ِ ح َ جآَءت ْهَللا ِريل ٌ حوا ْ ب َِها َ ريٍح ط َي ّب َةٍ وَفَرِ ُ ب ِِهم ب ِ ِ
َ ُ َ
نمل ْ جي ْت ََنا ِ ن أن ْ َ ن ل َئ ِ ْ
دلي َ ه ٱل ّ ن لَ ُ
صي َ خل ِ ِ م ْ هل ُ م د َعَوُا ْ ٱل ّلل َ ط ب ِهِ ْ حي َ مأ ِ ن وَظ َن ّ ۤوا ْ أن ّهُ ْ م َ
كا ٍ َ
َ َ
ن ِفي ٱللْر ِ ن ٱل شلاك ِ ِ هَ ٰلذِهِ ل َن َكون َ ّ
ر
ض ب ِغَي ْ ِ م ي َب ُْغو َ َ
م إ ِذا هُ ْ جاهُ ْ مآ أن َ َ َ
ن * فل ّ ري َ ّ م َن ِ ُ َ
َ
َ
م إ ِلين َللا ُ
دلن َْيا ث ل ّ ح َياةِ ٱ للل ّ مَتاعَ ٱ لل َ
ْ م ّ ُ
سك ْ ف ِ م عَل ٰى أن ُ َ ُ
ما ب َغْي ُك ْ س إ ِن ّ َ ح قّ ٰيأي َّها ٱ ل ّنلا ُ ٱ ْلل َ
ن {.مُلو َ م ت َعْ َ كنت ُ ْما ُ م بِ َ م فَن ُن َب ّئ ُك ُ ْ جعُك ُ ْ مْر َِ
قال:
"ولكن أرى من الضروري التمييز بين الدين وبيللن الشللعور الللديني ،
ذلك الشعور المسحوق تحت عبء المعتقدات الدينية التقليدية المتحجرة ،
وتحت ثقل الطقوس والشعائر الجامدة".
يبللدو أنلله يلقللي مللا فللي فكللره ونفسلله مللن تحجللر وجمللود علللى
المعتقدات السلمية والشعائر الدينية ،حسبه جمللودا ً وتحجللرا ً أنلله يرفللض
الحق المدعم بالدلة الواضحة ،ويكابد ويكدح وراء أوهام وخيالت ل دليللل
عليها .
يريد أن يجعل بدل الصلة مثل ً )رقص الباليه( ،وبدل الحج إلى بيللت
الله الحرام الحج إلى محنط )لينين( ،وبدل ارتياد المساجد ارتياد المللواخير
والحانللات ،وبللدل عبللادة الللله عبللادة الوثللان والشللخاص ،ليتخلللص مللن
الشعائر الدينية الجامدة بزعمه .
وإنني غيرة عليه – وعلى كل كافر بالله ملحللد – أنصللحه بللأن يرتللدع
عن غيه ،قبل أن ينزل الله به نقمته ،ببلء ل ينقذه منه أحد إل الله .
إن ربك لبالمرصاد ،وإنه لشديد العقاب ،وإنه سبحانه يمهللل ليفتللح
طريق الرجعة إليه والتوبة والستغفار ،ول يهمل ،إنه يملي للكافرين ،ثم
يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ،وليسمع قول الله تعالى في سورة )العللراف7/
مصحف 39/نزول(:
ُ
ن{.
مِتي ٌ ن ك َي ْ ِ
دي َ مِلي ل َهُ ْ
م إِ ّ }وَأ ْ
ر{.
كي ِ
ن نَ ِ ف َ
كا َ م فَك َي ْ َ م أَ َ
خذ ْت ُهُ ْ ن ثُ ّ
ري َ ت ل ِل ْ َ
كافِ ِ مل َي ْ ُ
}َفأ ْ
ليس غريبا ً على )رسل( بعد أن اختار سللبيل اللحللاد بللالله ،واعتبللار
الكون ظاهرة مادية بحتة ،على خلف ملا قلدمته الدلللة العلميللة والعقليللة
في هذا المضمار ،أن يصعب عليه – في الطار المادي البحت – اكتشللاف
المبرر العقلي لستمرار الحياة بعد الموت .
وليللس غريب لا ً عليلله بعللد ذلللك أيض لا ً أن ل يجللد لعقيللدة الحيللاة بعللد
الموت ،وعقيدة الللدار الخللرة للحسللاب والجللزاء ،مرتكللزا ً علمي لا ً يسللتند
إليه .
نعم ،إن من ينكر حياة كائن ما بغير دليل يجد من الصللعب عليلله أن
يكتشف المبرر العقلي لوجود إرادة لهلذا الكللون ،لن إرادتله فللرع لتصلور
سيجد القارئ دراسة لهذا الفيلسوف الملحد في الفصل )السابع( من هذا الكتاب . 1
حياته ،وبعد إنكار الصل يكون إنكار الفرع شلليئا ً طبيعي لا ً ،ومللذهبا ً سللهل ً ،
لكن هذا النكار ل يعبر عن الواقع بحال من الحوال .
إن اليمان بالحياة بعد الموت للحسللاب والجللزاء فللي دار غيللر هللذه
الدار قضية خبرية ،أي :ذات مستند خلبري ،وليسللت قضلية عقليلة بحتللة
ل عليها دون الستناد إلى اليمللان حتى ن َْبحث في نطاق العقل عن دليل يد ّ
بالله .فلو أن عالما ً من علماء الحيوان تحدث عن وجود حيوان بري غريب
ماك فقللال :ل رآه بعينيه ،وأخذ يصف مشاهداته الحسية للله ،ثللم جلاء سل ّ
أجد المبرر العقلي لوجود هذا الحيوان الغريب الذي يتحدث عنه هذا العالم
،لما كان كلمه أكثر سقوطا ً مللن ناحيللة السللتدلل العلمللي والعقلللي مللن
كلم )رسل( إذ أنكر وجود الحياة بعللد المللوت ،فللي ظللروف غيللر ظللروف
هذه الحياة الدنيا ،على الرغم من أن هذا الرجللل فيلسللوف وعللالم واسللع
ول عقللل الفيلسللوف الكللبير إلللى عقللل الطلع ،إل أن الهللوى قللد يحلل ّ
ماك .
الس ّ
إن )رسللل( بقياسلله هللذا يشللبه مللن يللزن الضللغط الجللوي بميللزان
البقال ،أو يزن الكثافة بميزان الحرارة ،أو قيللس مقللدار الللذكاء بمسللاحة
الجمجمة ،أو يزن بحور الشعر بالسانتمتر .
فللإذا قللال فيلسللوف كللبير :ل أجللد مللبررا ً عقلي لا ً أو علمي لا ً يؤكللد أن
منشأتين من هذا القبيل ستحدثان ،أفيكون كلمه مقبول ً عند العقلء الذين
علموا بقرار الدولة؟
من البدهي أن استدلل )رسل( استدلل غير منطقي وغيللر علملي ،
وكشف هذا الزيف ل يحتاج إلى فلسللفة راقيلة ،وإنملا تكفلي فيلله البديهللة
العقلية المسّلمة عند جميع العقلء ،وكان الولى له أن يبني إنكاره لقضية
الحياة بعد الموت والدار الخرة على إنكاره لخالق الكون ،فبما أنلله جحللد
الساس الول فكل ما يأتي عنه من أنباء وأخبار وقرارات وأحكام مرفوض
من وجهة نظره ،وعندئذ تكون معالجته من مواقللع هللذا السللاس ،ل ممللا
يتفرع عنه ويبنى عليه .
واعتبللاره عقيللدة اليللوم الخللر والللدار الخللرة ناشللئة عللن الصللدى
النفعالي الذي يحدثه الخوف من الموت ،إنما هو ثمرة من ثمرات جحوده
للخالق ،وتخّيله أن هذا الكون كله ،وما فيه من نظم رفيعة معقدة جللدا ً ،
وما ظهر فيلله مللن حيللاة وفكللر ،إنمللا هللو نتيجللة مصللادفات عللثرت عليهللا
حركات ذرات الكون العشوائية ،فهذه الحركات العشوائية توّللد عنهلا هللذا
النظام البديع ،وهذا الوجود كله خال من أي أثر لعقل محّرك ،وحياة ذات
إرادة وخلق وتدبير .
فلما كان هذا الكون كله كذلك مللن وجهللة نظللره الملحللدة الكللافرة
بالله الخالق الملدبر الحكيلم ،كلان طبيعيلا ً أن ل يجلد هلذا الكللون المللادي
الجاهل العمى الخالي من كل تدبير حكيم عليم مهتم لا ً بالمللال والرغبللات
التي تقوم في نفوس الناس ،ولذلك قال:
وبهذا التحليل يتبين لنا أن المر على عكس ما ادعاه )رسل( ،إذ إن
عقيدة الدار الخرة عقيدة قائمة على مفهللوم الجللزاء والعللدل ،والنسللان
ميال بأهوائه وعواطفه إلى أن يصرف عن تصوره قانون العدل اللهي وما
يتصل به ،لينطلللق فللي الحيللاة الللدنيا انطلقلا ً فللاجرا ً ،دون أن تقللف فللي
طريقه تصورات قانون العدل ،لكن الله غيللر مسلتعد لن يغيلر ملن سلننه
وأحكامه ومقاديره القائمة على أسس من علمه وحكمتلله وعللدله ورحمتلله
وفضله ،تلبية لهواء وشهوات الجانحين الفاجرين .
إن مللن ل يللؤمن أساسلا ً بقللانون العللدد مللن الواحللد فمللا فللوق مللن
المستحيل منطقيا ً مناقشته في قواعد العمال الحسابية .ومن هو مصاب
بعمى اللوان فهو ل يرى أيا ً منها ويجحللدها يسللتحيل مناقشللته فللي أجمللل
اللوان وأكثرها إرضاء للذوق .ومن يجحد مبدأ الحق من أساسه يغدو مللن
العبث مناقشته ومناظرته حول حق المال ،أو حق الحياة ،أو حق العرض
والكرامة ،أو أي فرع من فروع الحق .ومن يجحللد مبللدأ الخيللر والفضلليلة
من أساسه يستحيل منللاظرته حللول فللروع الخيللر والفضلليلة ،مللا لللم يكللن
متناقضا ً مع نفسه ،يسّلم ببعض الفروع دون أن يسّلم بالصللول وبللالفروع
الخرى ،وحينئذ يمكن جذبه عن طريق اللزام ،ونقللله مللن الفللروع الللتي
يسلم بها إلى الصول ،وهذا من أساليب المناظرة البارعة .
)(2
أما الذين يسّلمون تسليما ً كليا ً أو جزئيا ً بعقيدة اليمان بالله تعالى ،
إل أنهم ينكرون البعث والحياة الخرى ،أو يش ل ّ
كون بللذلك ،فإننللا نسللتطيع
أن نقيم لهم عددا ً من الدلة ،ونناقشهم بجملة من المناقشات .
ومفتاح الدلة النظرية لهذا الموضوع موجود في قول الله تعالى في
سورة )المؤمنون 23/مصحف 74/نزول(:
َ }أ َفَحسبت َ
ن * فَت ََعاَلى ٱل ّلل ُ
هل م إ ِل َي َْنا ل َ ت ُْر َ
جُعو َ م عََبثا ً وَأن ّك ُ ْ خل َ ْ
قَناك ُ ْ ما َ
م أن ّ َ َ ِ ُْ ْ
ريم ِ { ش ٱ للك ِ
َ ْ
ب ٱ للعَ ْر ِ
ْ ه إ ِل ّ هُوَ َر ّح قّ ل َ إ ِل ٰل َ
َ ك ٱ ْلل َ ٱ ْلل َ
ملِ ُ
إن الوجود النساني كله عبر تاريخه الطويل يسمى مسرحية من
مسرحيات العبث ،لو أن حياة النسان تنتهي كلها في ظروف هذه الحيللاة
الدنيا ،ثم ل شيء وراءها .
إن المنطق الحق والضمير النقي ليشعر بداهة – ولو لم تتنزل آيللات
الوعد والوعيد ،وأنباء اليوم الخر وما فيه من حساب وجزاء – بأن مرحلللة
حياتية غير هذه المراحل ل بد أن يتم فيها تحقيق العدل اللهي ،ول بللد أن
يلقي الناس فيها جزاء أعمالهم ،إن خيللرا ً فخيللر ،وإن شللرا ً فشللر ،ولئن
كنا نشاهد أن بعض تطبيقات العدل اللهي جارية في ظللروف هللذه الحيللاة
الدنيا ،ضمن سنن الله الثابتة ،فإن الصورة الكاملة للعدل غير مسللتكملة
في هذه الحياة ،ولللذلك كللانت الضللرورة الخلقيللة واليمانيللة تقضللي بللأن
نفهم أن الله قد أعد ّ ظروف حياة أخللرى غيللر هللذه الحيللاة ،لقامللة عللدله
سبحانه .
وقد تأمل كثير من أهل الفكر والنظر في ظروف هذه الحيللاة الللدنيا
دون ملحظة الخرة وما فيها من جزاء ،فرأوا أن تاريخ النسان فيها صور
للجرائم والمصائب وتهريج ل جدوى منه ،وسجل للجرائم والحماقة وخيبللة
المل ،وقصة ل تعني شيئا ً ،ونحو ذلك.
وقال هربرت سبنسر" :إن التاريخ تهريج وكلم فارغ ل جدوى منه".
وقال إدوارد جين" :إن تاريخ النسان ل يعدو أن يكون سجل ً للجرائم
والحماقة وخيبة المل".
كل" :إن الدرس الوحيد الذي تعلمته الحكومة والشعب مللن وقال هي ِ
ً 1
مطالعة التاريخ هو أنهم لم يتعلموا من التاريخ شيئا" .
"وهللل قللامت مسللرحية العللالم كلهللا لتنتهللي إلللى كارثللة أليمللة؟ إن
فطرتنا تقول :ل ..فدواعي العدالة والنصاف في الضمير النساني تقتضي
هذه القوال مقتبسة من كتاب "السلم يتحدى" ،للمفكر السلمي وحيد الدين خان ،ص . 143-142 1
عدم حدوث هذا المكان ،ل بد من يوم يميز بيللن الحللق والباطللل ،ول بللد
للظالم والمظلوم أن يجنيا ثمارهمللا ،وهللذا مطلللب ل يمكللن إقصللاؤه مللن
مقومات التاريخ ،كما ل يمكن إبعاده عن فطرة النسان .
إن هذا الفراغ الشاسع الذي يفصل ما بين الواقع والفطللرة يقتضللي
ما يشغله .إن المسافة الهائلة بين ما يحدث وبين ما ينبغي أن يحدث تدل
على أن مسرحا ً آخر قد أعد ّ للحياة ،وأنه ل بد ّ من ظهللوره ،فهللذا الفللراغ
العظيم يدعو إلى تكميل الحياة ...
إذا لم تكن هنلاك قياملة فملن ذا اللذي سلوف يكسلر رؤوس هلؤلء
الطواغيت الطغاة؟".
من هذه النظرات تبين لنا أن مفتاح الدليل النظللري لقضللية اليمللان
بالخرة وما فيهللا مللن جللزاء قللول الللله تعللالى فللي سللورة )المؤمنللون23/
مصحف 74/نزول(:
ن{. َ َ ُ َ ً ُ َ }أ َفَحسبت َ
جُعو َم إ ِلي َْنا ل ت ُْر َ
م عََبثا وَأن ّك ْ
قَناك ْ
خل ْما َ
م أن ّ َ
َ ِ ُْ ْ
وقد اهتدينا من هللذا المنطلللق الفكللري الللذي نبلله عليلله مفتللاح هللذا
الدليل النظري إلى أن اليمان بالخرة ضرورة أخلقيللة ،تقتضلليها مفللاهيم
العدل اللهي والفضل اللهي .
فهذه النصوص القرآنية مفاتيح تفتح أمام الفكر النساني الذي آمن
بالله الخالق أبواب الدليل النظري ،الذي يجعل قضية اليمان باليوم الخر
ل وعل .قضية حتمية في مدركات العقل الصرف بعد اليمان بالله ج ّ
فلول ترتيب يوم الدين هذا في هذا الوجود ،لكان خلللق هللذا الكللون
وفق ظروفه الحالية مظهرا ً من مظاهر اللعب أو اللهو والعبث الباطل .
لكللن الللله العليللم الحكيللم القللادر ل بللد أن يكللون منزهلا ً عللن اللهللو
واللعب والعبث ،إن أعماله كلها هادفة لحكم عظيمة وغايللات جليلللة ،قللد
ندرك طرفا ً منها ويخفى عنا منها الكثير .
ور اللعللب إن هذه الجديللة الملحظللة فللي الكللون ل تللدع مجللال ً لتصل ّ
ورات اللعللب واللهللو واللهو والعبث .وفي اللحظللة الللتي تسللقط فيهللا تص ل ّ
والعبث عن هذا الكون تبدأ التصورات الصحيحة الباحثة عللن الغايللات الللتي
تهدف إلهيا المقادير العظمى .وهذا هو مفتاح النور لدراك الحقيقة الدينية
التي لم يرد الملحدون أن يدركوها تعنتا ً وعنادا ً واستكبارا ً ورغبللة بللالفجور ،
ولذلك أنكروا المتحان والجزاء واليوم الخر ،بعد أن جحللدوا الخللالق ج ل ّ
ل
وعل ،وربما جحدوه لنهم أرادوا أن يبعدوا عللن تصللورهم قللانون المتحللان
والجزاء ،لينطلقوا في أعمالهم الفاجرة المجرمللة دون خللوف مللن النتللائج
الوخيمة ،والعواقب الوبيلة .
-2دراسللة الغايللة مللن الخلللق الللتي تهللدي إليهللا ملحظللة الكللون ،
وأحداثه الكبرى ،وقوانينه الصارمة ،وسننه الثابتللة ،ل تللدع مجللال ً لتصللور
اللعب واللهو والعبث في أي حدث من أحداثه ،بل كل ما فيه ج لد ّ ل هللزل
يصاحبه ،ول عبث يخالطه .
-3دراسة العلقة الخلقية والتكوينية بين الخالق الحكيللم والنسللان
المدرك المريد ،تهدي إلى أن النسان خلللق فللي هللذه الحيللاة للمتحللان ،
والمتحان يستلزم الجزاء في جدية قوانين الوجود وسننه الثابتة .
عمللة
بهللذه الدراسللة النظريللة المتسلسلللة علللى هللذا الللوجه ،والمد ّ
بالدلللة العقليللة ،المسللتندة إلللى دراسللة ظللواهر هللذا الكللون المشللاهد ،
استطعنا أن نهتدي إلى ضرورة اليوم الخر ،وإلى اليمان به .
)(3
شرح المفاتيح القرآنية
للدليل النظري الدال على الحياة الخرى
فهذا النص يكشف لنا أنه لو لم يكن وراء هذه الحياة التي تنتهي
بالموت حياة أخرى ،تكون فيها الرجعة إلى الله للحساب والجللزاء وإقامللة
محكمة العدل والفضل اللهية ،لكانت عملية هذا الخلق ضربا ً من العبث ،
والله تبارك وتعالى منّزه عنه ،فل يكلون فلي شليء ملن أفعلاله وأحكلامه
وأوامره ونواهيه وشرائعه هذا العبث ،بل ل بللد فللي كللل ذلللك مللن غايللات
حكيمة تحددها إرادة الخللالق المسللتندة إلللى علملله المحيللط بكللل شلليء ،
ة الصللارمة هللي المظهللر البللارز فللي كللل أحللداث الكللون وقللوانينه
والجدي ل ُ
وسننه ،وإشارة إلى كون الله منّزها ً عن العبث في عمليللات الخلللق الللتي
يجريها قال الله تعالى في هذا النص } :فتعالى الله الملك الحللق ل إللله إل
هو رب العرش الكريم{
وتفسير العملية كلها يتضح بأن هللذه الحيللاة كلهللا ل تزيللد علللى أنهللا
مجال مفتوح لمتحان الناس على سللواء ،كقاعللة المتحللان حينمللا يللدخلها
دون والهازلون الكسالى ،والمتلعبون الظالمون . الدارسون المج ّ
من المتحتم أن القصة ل تنتهي بانتهاء المدة الزمنية للمتحللان ،بللل
ل على مقدار عمله . ل بد من زمن آخر تعلن فيه النتائج ،وينال فيه ك ّ
وي في أحكلامه بيلن الظلالم والمظللوم ،أو إن أحدنا ل يقبل أن ُيس ّ
بيللن المحسللن والمسلليء ،أو بيللن المجللد ّ والكسللول ،أو بيللن العللالم
ة نقللص كللبير فللي أخلقلله .
سللم َ
والجاهل ،ولو فعل ذلك واحللد منللا لكللان ِ
ل وعل؟ أفنكّرم أنفسنا عنه ونرضاه للخالق ج ّ
إنه أمر مرفوض بداهة ،ورفضه يعنللي حتميللة اليللوم الخللر والحيللاة
الخرى .
إن هذا النص القرآني يكشف لنا عن حقيقة فكرية مهمة جدا ً ،وهي
أن مقتضيات العدل اللهي توجب التسللليم بللأن التسللوية فللي الجللزاء بيللن
الذين اجترحوا السيئات والذين آمنللوا وعملللوا الصللالحات قضللية مرفوضللة
حتما ً ،لنها تتنافى مع صفتي عدل الله وحكمته الثابتتين بالللدليل العقلللي ،
والثابتتين أيضا ً في ظواهر شللتى ملن واقللع حياتنللا المدروسللة ،وإذا كللانت
هذه التسوية مرفوضة عقل ً فما بالنا نلحظ في هللذه الحيللاة أن كللثيرا ً مللن
الذين اجترحوا السيئات ينالون منها مثل ما ينال منها الللذين آمنللوا وعملللوا
الصالحات ،أو أكثر في بعض الحيان ،وأن كثيرا ً من الللذين آمنللوا وعملللوا
الصالحات قد تتوالى عليهم المصائب واللم ؟ فأين تطللبيق قواعللد العللدل
والحكمة اللهية؟
وهنا يأتي الجواب العقلي الذي ل يحتاج إلى بحث وتأمل كثيرين:
إن هذه الحياة ليست نهاية قصة حياة النسان ،ولكنها فصل منهللا ،
ومرحلة قصيرة أعدت في برنامج الوجود الكبير لغاية البتلء ،ول بد حتم لا ً
من ظروف حيلاة أخلرى تلأتي بعلد انتهلاء هلذه الحيلاة اللدنيا اللتي أعلدت
للمتحان ،وعندئذٍ تظهر تطبيقات قواعللد العللدل اللهللي ،وتظهللر مراحللل
الجزاء ،وهنا نبهنا هذا النص القرآني على أن تطبيق قواعد الجزاء يبدأ مع
بدايللة مرحلللة المللوت ،الللذي هللو عمليللة انفصللال بيللن الللروح المدركللة
المحسة ،وبين الجسد الذي هو ثوب هذه الروح في حياتها الولى .
دة الحيللاة
فهذه الية تشير إلى التطبيقات الجزائية التي تكون في م ّ
البرزخية بعد الموت وقبل البعث ،وهو ما يطلق عليه نعيم القبر وعذابه .
أي :إنه لم ُيخلق في هذه الحياة ليأكلل ويشلرب ،ويتمتلع ويظللم ،
ويطغى ويفسد في الرض ،وينزل اللم بالخرين ويكفر بربلله ،ثللم يللترك
سدى دون جزاء عادل ،أو ليستقيم ويعمل الصالحات ،ويعدل بيللن النلاس
ويحسن إليهم ،ويمسح عنهم اللم ويعبد ربه ،ثم يلترك سلدى دون جلزاء
كريم .
إن هذا الظن من النسلان لمللر عجيللب ،أفيظلن مللا ل يليللق بعللدل
ن ظنلا ً تقللوم براهيللن العقللل ودلئل الواقللع علللى
الخللالق وحكمتلله؟ أفيظل ّ
نقيضه؟
إن النسان في هذا الوجود لن يترك سدى بعد ظللروف هللذه الحيللاة
التي يعيشها ،والتي لو كانت نهاية قصة حياة النسان لكانت حياة ل معنى
لها ول مغزى .
وهل يليق بحكمة الخالق العظيم القادر العليم أن يخلق خلقلا ً بلاطل ً
ل مغزى له؟ إن هذا ضرب من اللعب واللهو والعبث ،والله تبارك وتعللالى
منزه عن ذلك ،إن كل أمره جد ل هزل فيه .
وإذا ثبت بالدليل النظللري أن النسللان لللن يللترك سللدى فل بللد مللن
ظروف حياة غير هذه الحياة يتم فيهللا تحقيللق الغايللة مللن خلللق النسللان ،
ويتم فيها تطبيق قواعد الجللزاء الربللاني وفللق مقتضلليات الحكمللة والعللدل
والكرم .
ثم بعد هذا وبعد مناقشات له جاء قول الله تعالى :
َ
ن{ ما ل َ ِ
عِبي َ ما ب َي ْن َهُ َ مآءَ وَ ٱللْر َ
ض وَ َ قَنا ٱل ّ
سل َ خل َ ْ
ما َ
}و َ َ
أي :لو كانت قصة هذه الحياة تنتهي بحادثة الموت التي يختم بها
هذا الفصل لكانت عملية خلق السماء والرض وما بينهما لعبا ً من اللعب .
أفيكون العليللم الحكيللم القللادر لعبلا ً لهيلا ً هللازل ً فللي كللل الحللداث
الجادة المشحونة بالمتاعب واللم في هذا الفصل ؟
فالله في هذا يتنزل إلى مستوى عقول هؤلء المنكرين لليوم الخللر
والمنكرين للرسالة ،إذ لزم من مذهبهم أن تكون عملية خلللق السللماوات
والرض وما بينهما ضربا ً من اللعب واللهو والعبث فيقول لهم } :لللو أردنللا
أن نتخذ لهوا ً لتخذناه من لدنا{ ،أي :لكنا اتخذنا لهوا ً بعيدا ً عللن مخلوقللات
ذات إحساسات وعواطللف وانفعللالت ،وآلم وآمللال ،وأكللدار ومسللرات ،
ولما كان من العدل والرحمة والحكمة أن نعبللث هللذا العبللث بهللذه الحيللاء
المدركللة المحسللة ،فنلهللو بآلمهللا ،ونعبللث بأكللدارها ،ونلعللب بعواطفهللا
وانفعالتها ،وحبها وذلها عبادتها ،لو أردنا لكنا نفعل هذا اللهو بعيلدا ً عنهلا ،
ول نجعلها ساحة عبثنا ،هذا إن كنلا فلاعلين شلليئا ً ملن ذلللك ،لكلن اللعلب
واللهو والعبث ليس من شأننا .
تعالى الله عن ذلك علوا ً كبيرا ً ،إن كل أفعاله سبحانه تشتمل على
ت جليلة تناسب مسللتوى علملله وحكمتلله ح َ
كم والغايا ُ ح َ
كم يريدها ،وهذه ال ِ ِ
وقدرته سبحانه .
ولما كان مذهب المنكرين يسلتزم اتهام الخالق سبحانه بالعبث فللي
خلقه كان ل بد من تهديد لهم بالويل على ما يصفون الله به ،فقال تعللالى
لهم:
م َ
ذا هُلوَ َزاهِلقٌ وَلك ُل ُ
ه ف َ لإ ِ َ ح قّ عَلللى ٱللَباط ِل ِ
ل فَي َلد ْ َ
مغ ُ ُ ْ َ ف ِبلل ٱلل َ
ْ قلذِ ُ ل نَ ْ}ب َ ْ
ن{ فو َص ُ
ما ت َ ِم ّ ل ِٱ ْللوَ ي ْ ُ
ُ
ن* ري َ ش ِ من َ ن بِ ُح ُ ما ن َ ْ موْت َت َُنا ٱلوْل َ ٰى وَ َ ي إ ِل ّ َ ن هِ َ ن * إِ ْ قوُلو َ ن هَ ٰلؤُل َِء ل َي َ ُ }إ ِ ّ
ممللن قَب ْل ِهِ ل ْ ن ِ ذي َم ت ُب ّلٍع وَ ٱللل ِ
ّ م قَ لوْ ُ
َ
خي ْلٌر أ ْ م َ َ
ن * أه ُ ْ صادِِقي َ م َ كنت ُ ْ فَأ ُْتوا ْ ِبآَبآئ َِنا ِإن ُ
َ َ
مللامللا ب َي ْن َهُ َ
ض وَ َ ت وَ ٱللْر َ ماَوا ِ سل َ قَنا ٱل ّ خل َ ْ
ما َ ن * وَ َ مي َ جرِ ِم ْكاُنوا ْ ُ م َ م إ ِن ّهُ ْأهْل َك َْناهُ ْ
م
ن َيللوْ َ ن * إِ ّ مللو َ م ل َ ي َعْل َ ُ ن أ َك ْث ََر ُ
هلل ْ حق وَل َ ٰلللك ِ ّ مللآ إ ِل ّ ِبلل ٱل ْ َ قَناهُ َ خل َ ْمللا َ ن* َ عِبيلل َ لَ ِ
َ ٱ ْلل َ
م شلْيئا ً وَل َ هُل ْ ملوًْلى َ ملوًْلى عَللن ّ م ل َ ي ُغْن ِللي َ ن * ي َلوْ َ مِعيل َ ج َمأ ْ قات ُهُ ْ مي َ ل ِ ص ِ ف ْ
م{ زيُز ٱل ّرل ِ
حي ُ ه هُوَ ٱْللعَ ِ م ٱل ّلل ُ
هل إ ِن ّ ُ ح َ من ّر ِ ن * إ ِل ّ َ صُرو َ ُين َ
هذا النص يحكي لنا مقالة منكري الخرة إذ قالوا } :إن هي إل
موتتنا الولى وما نحن بمنشرين{.
وفي نص آخر حكى القللرآن عنهللم أنهللم قللالوا } :إن هللي إل حياتنللا
الدنيا وما نحن بمبعوثين{.
ومهما تنوعت أقوال منكري الخرة فهي تتلخص بللأنهم يزعمللون أن
قصة الحياة واحدة تنتهي بالموت ثم ل شيء وراءه ،وليس لهم حجللة فللي
النكللار إل المطالبللة بالمشللاهدة الحسللية للحيللاة بعللد المللوت ،فقللالوا
لرسلهم :أعيدوا لنا آباءنا إلى الحياة حتى نؤمن بما تقولون ،وتوقفوا عنللد
المطالبة بالدليل الحسلي التجريللبي ،وحجبللوا عقللولهم علن إدراك اللدليل
النظري الذي يجعل قضية الحياة الخرى قضللية ممكنللة بحللد ذاتهللا ،فللإذا
نظرنا إليها من زاوية حكمة الخالق الحكيم ،ومن زاوية واقللع هللذه الحيللاة
الدنيا كانت قضية حتمية الوقوع ،فهي المرحلة التي يتم فيها بقيلة برناملٍج
خلق النسان وفق الصورة التي أرادها الخالق الحكيللم ،وإل كللان برنامجلا ً
ناقصا ً أشبه ما يكون باللهو والعبث ،والله الحكيم العليم القادر من لّزه عللن
أن يعد برنامجا ً ناقصا ً ل يليق بكماله سبحانه ،أو أن يقتصر على فصل منه
ي ُعَد ّ القتصار عليه ضربا ً من اللعب .
أما العنصر الول فقد جاءت معالجته بعرض أمثللة تاريخيلة تلم فيهلا
تحقيق بعض الجزاء المعجل لمللم سللافلة ،عللاقبهم الللله فللي الللدنيا علللى
كفرهللم وتمّردهللم علللى رسلللهم ،ومعلللوم أن تحقيللق نمللاذج مللن الجللزاء
المعجل ل بد أن يلفت النتباه إلى قانون الجزاء بوجه عام ،ول بد أن ينبلله
أيضا ً على أن ما لم يتحقق منله فلي ظلروف هلذه الحيلاة اللدنيا سليتحقق
حتما ً في ظروف حياة أخرى .
وقللد دل علللى هللذا قللول الللله تعللالى فللي هللذا النللص مللن سللورة
)الدخان(:
َ َ }أ َ ُ
كلاُنوا ْ
م َ م أهْل َك َْنلاهُ ْ
م إ ِن ُّهل ْ ملن قَب ْل ِِهل ْ
ن ِ م ت ُّبلٍع وَ ٱّللل ِ
ذي َ م َقلوْ ُ
خْيلٌر أ ْ
م َ
هل ْ
ن{ مي َ
جرِ ِ
م ْ
ُ
أي :كان إهلك الله لهم على صورة فيها تعللذيب عللام بسللبب أنهللم
كانوا مجرمين .
وأمللا العنصللر الثللاني فقللد جللاءت معللالجته بلفللت النظللر إلللى أن
مقتضيات حكمة الخالق تقضي بأنه من غير الممكن أن تكون هللذه الحيللاة
الدنيا هي نهاية قصة وجود النسان ،وذلك لنه لللو كللانت حيللاته هللذه هللي
كامل قصة وجوده ونهايتها لكان خلقه ضربا ً من اللعب تنّزه الخللالق عنلله ،
ولما كان هذا أمرا ً مستحيل ً عقل ً كان ل بد من وجود حياة أخللرى تسللتكمل
فيها وقللائع قصللته ،وفللق مقتضلليات الحكمللة العظيمللة الللتي تتناسللب مللع
صفات الخالق العظيم ،وهذا ما نبه عليه قول الله تعللالى فللي هللذا النللص
أيضًا:
َ
مآ إ ِل ّ خل َ ْ
قَناهُ َ ما َ
ن* َ ما ل َ ِ
عِبي َ ما ب َي ْن َهُ َ ت وَ ٱللْر َ
ض وَ َ ماَوا ِ قَنا ٱل ّ
سل َ خل َ ْما َ}و َ َ
َ َ
ن{.
مو َ َ
م ل ي َعْل ُ َ ْ
ن أكثَرهُ ْ حقّ وَل َ ٰلك ِ ّ
ب ِٱل ْ َ
حينما نتساءل عن هذا الحق يأتينا الجواب القرآنللي ،فيوضللح لنللا أن
الغاية هي ابتلء النسان في الحياة الدنيا ،وبعد المتحان يأتي الجللزاء فللي
الحياة الخرى .
فمن النصوص التي أعلنت هذه الحقيقة قول الله تعالى فللي سللورة
)الملك 67/مصحف 77/نزول(:
خَللل َ
ق ديٌر * ٱّللل ِ
ذي َ يٍء قَ ِ
ش ْ ل َ ك وَهُوَ عَل َ ٰى ك ُ ّملْ ُ ذي ب ِي َدِهِ ٱْلل ُ ك ٱّلل ِ }ت ََباَر َ
زيُز ٱ ْللغَ ُ َ َ
فوُر{ مل ً وَهُوَ ٱ ْللعَ ِ
ن عَ َ
س ُح َمأ ْ ح َياةَ ل ِي َب ْل ُوَك ُ ْ
م أي ّك ُ ْ ت وَ ٱ ل ْ َ ٱْلل َ
م وْ َ
فاليمان باليوم الخللر ركللن أساسللي مللن أركللان اليمللان يللأتي فللي
التسلسل الفكري بعد اليمان بالله تعالى وبكمال صفاته وعظيم حكمته .
)(4
اليمان بالخرة مبدأ ضروري
لسعادة الجماعة النسانية
وبهذا التحليل تغدو قضية اليمان باليوم الخر ضرورة إنسللانية لحللل
مشكلة الجنوح النساني ،ولمنح المجتمعات النسانية أفضل صورة ممكنة
من السعادة الجماعية في ظروف هذه الحياة ،ولدفع النسللان إلللى فعللل
الخير والرتقاء في سلم الفضائل الفردية والجماعية .
إذا لم تكن هللذه السلللطة ملجمللة بلجللام الخللوف مللن الللله وجللزائه
العادل فإنها تفعل ما تهوى دون ضابط .
ولكن نقول لهم :وما هي وسيلتنا ليجاد هذا الضمير الخلقللي وقللد
دلتنا الملحظة أن معظم الجماهير التي ل تللؤمن بللالله ول بللاليوم الخللر ل
تستطيع أن تكتسب ضميرا ً أخلقيا ً مقوملا ً لسلللوكها مللن منبللع آخللر ،لنهللا
تسيطر عليها حينئذ أنانياتها وشهواتها ،ول يردعها عللن الجنللوح خللوف ،ول
يجذبها إلى الستقامة طمع ،وحينما تخشى من العقللاب المللادي النسللاني
فإنها تستقيم استقامة الحذر من العدو ،وترصد النحراف كراصد الصلليد ،
ض على فريسته . متى وجد الفرصة متاحة له انق ّ
ولكننا نقول لهم :لئن صلحت هلذه الوسلائل لتربيلة ضلمير أخلقلي
لدى فيلسوف عالي الفطرة ،له نظرات تأملية بعيدة عن غمرة الماديللات
والمطامع والهواء والشهوات ،فإنها لن تصلح لتربية ضللمير أخلقللي لللدى
ألوف مؤّلفة من البشر ،ل يتحّلون بخصائص ذلك الفيلسوف النادر .
وجوابنا على هذا السؤال سلليكون مللع الللذين سلللموا معنللا بالقضللية
الولى ،وهي قضية اليمان بللالله تعللالى ،أمللا الملحللدة الللذين ل يؤمنللون
بالله فإنهم ل يشعرون بموجب لضبط السلوك النسللاني أص لل ً ،ول يللرون
في أي سلوك جنوحا ً ،ونظرتهم إلى الحياة تقتضللي بللأن القللوة هللي الللتي
تحللدد مفهللوم السلللوك ،فللالقوة تسللتطيع أن تجعللل الفضللائل رذائل ،
والرذائل فضائل ،والحق باطل ً ،والباطل حقا ً ،وهكللذا ل قيمللة عنللدهم إل
للقوة .
أما كلمنا مع الذين سلموا بالقضية الولى قضية اليمان بالله تعللالى
فيكون على الوجه التالي:
هذا غير معقول ،إن الخالق الحكيم لن يترك كائنات من هذا القبيللل
تفسد في الرض دون أن يجعللل لهللا نظام لا ً يشللتمل علللى عناصللر الجللزاء
الحكيم ،وهذا يهدي فعل ً إلللى اعتبللار اليللوم الخللر ضللرورة لضللبط سلللوك
النسللان فللي الحيللاة ،وهللذا النظللام ل بللد ملن بيللانه للنللاس حللتى يعلمللوا
مسؤوليتهم ويعرفوا مصيرهم ،ولللذلك أرسللل الللله لهللم الرسللل ،فبّلغللوا
الناس ملا يجلب عليهللم مللن سلللوك ،وملا ينتظرهللم ملن ثلواب وعقلاب ،
بحسب أعمالهم فللي حيللاتهم ،وأن وراء هللذه الحيللاة الولللى حيللاة أخللرى
يرجعون فيها إلى الله ،فيحاسبهم ويجازيهم ،وقد أعد للثواب جنة خالدة ،
وأعد للعقاب نارا ً حامية وعذابا ً أليمًا.
)(5
نقض علمي لمذهب الملحدين
الذين ينكرون استمرار وجود الروح
يتساءل بعض الناس :هل نجد نقضا ً علميا ً للمذهب اللحادي الذي
يرى أن الحياة ظلاهرة ماديلة فقلط ،وليلس وراء هلذه الحيلاة الماديلة إذا
انتهت بالموت استمرار لوجود روحي ،أو إمكان لحياة أخرى؟
وجوابنا إيجابي حتما ً ،فلدينا أدلة علميللة توصللل إلهيللا البللاحثون مللن
علمللاء الطبيعللة تثبللت الحيللاة بعللد المللوت ،علللى المسللتوى التجريللبي
والمعملي .
إن هناك خصائص كثيرة يتمتع بها النسان من قديم الزمللان ،ولكنللا
لم نلق الضوء عليها إل حديثا ً ،ومن هذه الخصائص )الرؤيا( الللتي تعللد مللن
أقدم مميلزات الجنلس البشلري ،والحقلائق الملثيرة اللتي كشلفها علملاُء
النفس عن هذه الميزة لم يكن قدماؤنا على علم بها .
ومن هذه البحوث ما نسميه )بالبحوث الروحية( وهي فرع مللن علللم
النفس الحديث ،وهللدفها محاولللة الكشللف عللن المميللزات النسللانية غيللر
العادية ،وقد أقيم أول معهد لجراء هذا النمط من البحوث عام )1882م(
في إنكلترا ،وبدأ علماء هذا المعهد عملهلم سلنة )1889م( بعلد أن قلاموا
بمسح واسع النطاق على ) (17ألفا ً من المواطنين ،ول يزال هللذا المعهللد
موجودا ً باسم )جمعية البحوث الروحيللة( وقللد انتشللرت الن معاهللد كللثيرة
فللي مختلللف بلللدان العللالم ،وأثبتللت هللذه المعاهللد بعللد بحوثهللا وتجاربهللا
الواسعة النطاق أن الشخصية النسللانية تواصللل بقاءهللا بعللد فنللاء الجسللد
المادي في صورة غريبة...
تأليف :وحيد الدين خان ،تعريب :ظفر السلم خان ،من صفحة 154إلى صفحة . 159 1
على أثرها – أن يللؤمن بالحيللاة الخللرة ،مجللردة علن قضللايا الللدين ،وهللو
يكتب في آخر الباب السابع من كتبه قائ ً
ل:
ولدينا أيضا ً أدلة أخرى في هللذا المجللال ممللا توصلللت إليلله البحللوث
النفسية .
فلول أن شيئا ً روحيا ً غير هلذا الجسلد الملادي يظلل مسلتمرا ً يحملل
الخصائص النسانية العليا ،لما استطاع النسان المحافظة على مكتسللباته
السابقة ،بعد فناء جسده السللابق ،أو بعللد تعرضلله لمراحللل متعللددة مللن
الفناء في حياته .
"لقد أثبت البحث النفسي الذي ذكرنا آنفا ً أن جميع أفكار النسللان –
مخه – تبقى بصفة دائملة ،وهلذا الواقلع يثبلت أو بعبارة أخرى :جميع خليا ُ
بصراحة أن عقل النسان ليس بجزء من جسمه ،فإن جميع خليا وأنسجة
الجسم تتغير تغيرا ً كامل ً في بضعة أعوام ،ولكن سللجل اللشللعور ل يقبللل
أي تغير أو مغالطة أو شبهة على رغم مرور مئات السنين .ولللو كللان هللذا
السجل الحافظ كائنا ً في الجسم فل أدري أين مكللانه منلله؟ وفللي أي جللزء
يكمن على وجه الخصوص؟ ولو كان في أحد أجزاء هللذا الجسللم فلمللاذا ل
يزول عندما تزول هذه الجزاء بعد سنوات عديدة؟ ما أعجب هللذا السللجل
الذي تتحطم جميع لوحاته تلقائيا ً ،ولكنه ل يفنى ول يزول؟!
إن هذه البحوث الجديللدة فلي علللم النفلس تؤكلد بصللفة قاطعلة أن
الوجود النساني ل تنحصر حقيقته فلي ذلللك الجسللم الملادي الللذي يخضللع
دوما ً لعمليات التحكم والحتكاك والفناء ،بل هو شيء آخر غير هللذا كللله ،
وهو ل يفنى ،بل يبقى مستقل ً ول يزول".
)(6
نقض توهمات منكري الحياة الخرى
جة منكللري الحيللاة الخللرى مللن وقد رأينا أن طريقة القرآن في محا ّ
الماديين الملحدين ،الذين ل يؤمنون بالله ،طريقة تتضمن العودة بهم إلى
نقطة الخلف الولى الساسية ،وهي اليمان بالله تعالى ،فهلو يقيلم لهلم
دليل ً مزدوج الهدف ،يلفت النظر إلى حقيقة اليمان بللالله تعللالى وبكمللال
جه إلى أن الخالق الحكيم ل يمكن أن يخلق هذا الكللون عبث لا ً ، صفاته ،ويو ّ
تنتهي حياة النسان فيه بنهاية حياته الولللى .ومللتى أدرك المتفكللر هللاتين
الحقيقتين تفتحت مغللاليق فكللره وفللؤاده للتسللليم بالحيللاة الخللرى ،كمللا
جاءت بها الخبار الصحيحة الصريحة الصادقة التي أخبر بها الرسول .
فمن يسّلم بأن الله قد بدأ الخلق حتم عليلله بللأن يس لّلم بللأنه تعللالى
قادر على إعادته ،بل هو أهون عليه .
ي بن خلف شبهته هذه ،بقول الله تعالى فللي وقد رد القرآن على أب ّ
سورة )يس 36/مصحف 41/نزول(:
م*ميلل ٌ
ي َر ِ
هلل َ
م وَ ِ من ُيحِيي ٱْللعِ َ
ظا َ ل َ ه َقا َ خل ْ َ
ق ُ ي َس َمث َل ً وَن َ ِب ل ََنا َ
ضَر َ
}و َ َ
م{. ل َ ْمّرةٍ وَهُوَ ب ِك ُ ّ َ
هآ أوّ َ َ َ
حِييَها ٱل ّذِ ۤي أن َ قُ ْ
ق عَِلي ٌ
خل ٍ ل َ شأ َ ل يُ ْ
وأكد حقيقة التساوي بين العادة والبتداء بقللوله تعللالى فللي سللورة
)مريم 19/مصحف 44/نزول(:
َ ُ ن أ َإ ِ َ
ن ُ َ ً
حي ّا * أوَل ي َذ ْكُر إل ِن ْ َ
سللا ُ ج َ
خَر ُ
فأ ْسوْ َ َ
تل َم ّما ِذا َ سا ُ ل ٱ ِ
للن ْ َ قو ُ}وَي َ ُ
ً
شْيئا{. ُ
م ي َك َ َ
ل وَل ْ َ
من قب ْ ُ قَناهُ ِ أ َّنا َ
خل َ ْ
* الطريق الثاني:
طريق التنبيه على مظاهر قدرة الله في السماوات والرض ،وذلك
أنه إذا كابر المنكر بعد إقامللة الللدليل بإظهللار واقللع التسللاوي بيللن العللادة
والبدء ،فقال :العادة أشد من البدء مصرا ً على توهمه هذا ،أتاه الجواب
القرآني بنقله إلى ما هو أكبر في تصوره من ابتداء خلق النسان وإعادته ،
أل وهو خلق السماوات والرض .
أي :فخلق السماوات والرض شاهد على إمكان إعادة خلق النسان
بعد فناء جسده ،والداعي لهذه العادة قانون الجزاء الحكيم .
* التوهم الثاني:
توهم أن خلق السماوات والرض وخللق الحيللاء قللد أصللاب الخللالق
بالعياء تعالى الله عن ذلك علوا ً كبيرا ً .
خلق ثم
أي :بل هم في شك من إمكان خلق جديد لمن سبق له أن ُ
مات وفني جسمه .
وبين الله مدى قدرته العظيمللة علللى مللا خلللق مللا يريللد مللن شلليء
بمجرد توجيه أمر التكوين له ،فقال تعالى في سللورة )يللس 36/مصللحف/
41نزول(:
ن{ كن فَي َ ُ
كو ُ ل لَ ُ
ه ُ شْيئا ً َأن ي َ ُ
قو َ ذآ أ ََراد َ َ
مُرهُ إ ِ َ َ
مآ أ ْ
}إ ِن ّ َ
* التوهم الثالث:
توهم المنكرين أن من يموت من الناس يضل رفاته في الرض ،
فتذهب صورته وصفاته ،فكيف يرجع الله هذه الللذوات والصللفات ،وكيللف
يجمع هذه الذات المتفتتة من عظامهم؟
وأثر هذا التوهم يظهر فللي تللوهمهم أن علللم الللله غيللر محيللط بكللل
صغيرة وكبيرة من أعداد الذين يموتون من الناس ،وغير محيللط بصللفاتهم
وأوضاعهم وأعمالهم .
وقد ذكر الله مقالتهم التي تللدل علللى هللذا التللوهم مللن توهمللاتهم ،
بقوله تعالى في سورة )السجدة 32/مصحف 75/نزول(:
َ َ }وََقال ُ ۤوا ْ أ َإ ِ َ
ضللَنا ِفي ٱللْر ِ
م
قآِء َرب ّهِ ْ َ
هم ب ِل َ ديدٍ ب َ ْ
ل ُ ج ِ
ق َ في َ ْ
ض أإ ِّنا ل َ ِ ذا َ َ ْ
خل ٍ
ن{ َ
كافُِرو َ
أي :بل علة نفوسهم أنهم ل يريدون أن يقبلوا مبدأ لقاء ربهم ،حتى
ل يحجزهم اعتقاد هذا المبدأ عن النطلق في الفجور ،وما يللوردونه علللى
لت.قضية الخرة وما فيها من حساب وجزاء ليس إل تع ّ
وفي الرد على هذا التوهم الذي يحتمل أن يكللون مصللدر تعجبهللم إذ
قالوا:
ً
"أئذا متنا وكنا ترابا؟ ذلك رجع بعيد" قال تعللالى فللي سللورة )ق50/
مصحف 34/نزول(:
َ
في ٌ
ظ{ ح ِ
ب َ
عند ََنا ك َِتا ٌ
م وَ ِ
من ْهُ ْ ص ٱللْر َ
ض ِ ق ُما َتن ُ }قَد ْ عَل ِ ْ
مَنا َ
وأثبللت الللله إحاطللة علملله بكللل صللغيرة وكللبيرة فللي مقللام عللرض
إنكارهم للساعة وذلك على سبيل الرد عليهم فقال تعالى في سورة )سبأ/
34مصحف 58/نزول(:
ْ َ َ ْ ْ
عللال ِم ِ
م َ ُ ُ
ةق ْ
ل ب َل ٰى وََرّبي لَتللأت ِي َن ّك ْ ساعَ ُ َ
فُروا ل ت َأِتيَنا ٱل ّ ن كَ َ ل ٱل ّ ِ
ذي َ }وََقا َ
َ َ
صللغَُر ض وَل َ أ ْ ت وَل َ ِفي ٱ للْر ِ ماَوا ِسل َل ذ َّرةٍ ِفي ٱ ل ّ قا ُ مث ْ َ
ه ِ ب عَن ْ ُب ل َ ي َعُْز َ
َ
ٱ ْللغَ ي ْ ِ
ن{
مِبي ٍ
ب ّ ك وَل َ أك ْب َُر إ ِل ّ ِفي ك َِتا ٍ من ذ َل ِ َ ِ
وشاهد هذا الشمول العلمي لله تعالى سير كل شيء في هذا الكون
ضمن نظام محكم دقيق ل يعتريه أي خلل ،وهذا يسقط توهمهم .
وفي بيان إحاطة علمه تعالى بما توسوس به نفوس النللاس دون أن
يطلعوا عليه أحدا ً ،قال سبحانه في سورة )ق 50/مصحف 34/نزول(:
فسه ونح َ
ب إ ِل َْيلل ِ
ه ن أقَْر ُ
س ب ِهِ ن َ ْ ُ ُ َ َ ْ ُ
سوِ ُ
ما ت ُوَ ْ ن وَن َعْل َ ُ
م َ سا َ قَنا ٱ ِ
للن َ خل َ ْ }وَل َ َ
قد ْ َ
د{ ل ٱْللوَ ِري ِ حب ْ ِ
ن َ
م ْ
ِ
وفي بيان مراقبة أقوال الناس وحفظها قال الله تعللالى فللي سللورة
)ق 50/مصحف 34/نزول(:
د{ب عَِتي ٌ َ ّ من قَوْ ٍ
ل إ ِل لد َي ْهِ َرِقي ٌ ف ُ
ظ ِ ما ي َل ْ ِ
} ّ
على أنهم لو نظروا فيما انتهت إليه البحللوث العلميللة لللرأوا أنهلا قللد
أثبتت هذا السجل الكوني الكبير ،الذي تسجل فيه العمال كلها ،والقوال
،وخواطر النفس ،ووساوسها ،ونياتها .
لقد أثبت العلماء أن كل حرف نقوله وكللل عمللل يصللدر عنللا يسللجل
في الثير ،ويمكن عرضه في أي وقت من الوقللات بكللل تفاصلليله ،مللتى
تهيأت الجهزة القادرة على كشف ما فللي هللذا السللجل الكللبير ،والتحكللم
بموجاته ،فصور كل كائن من القرون الولى وأصللوات كللل كللائن مسللجلة
تسجيل ً كامل ً ،منذ وجوده حتى آخر وجللوده لحظللة بلحظللة ،ل يضلليع منلله
شيء صغيرا ً كان أو كبيرا ً ،في النور أو في الظلمللات ،فللي السلّر أو فللي
العلن ،وأثبتت التجلارب العلميلة أن جميلع أفكارنلا وخواطرنلا تحفلظ فلي
شكلها الكامللل وفللق تسلسلللها ،ولسللنا بقللادرين علللى محوهللا أبللدا ً ،وإن
نسيناها في عقلنا الظاهر أو في مستوى شعورنا ،إنها تظل محفوظة أبدا ً
لدينا فيما يسمى عند علماء النفس )مللا تحللت الشللعور( ومللا هللو محفللوظ
فيما تحت الشعور هو الجانب الكبر مللن مجمللوع المحفوظللات فللي كياننللا
النساني ،فالقضللية ل تحتللاج يللوم القيامللة أكللثر مللن كشللف الغطللاء عللن
مستوى ما تحت الشعور ،وعرض شريط صور )فيلم( حياتنا كلها المسجل
في الثير. 1
فهذا التوهم القديم الذي لم يكن يتصور مدى هذا التسجيل قد أصبح
ساقطا ً اليوم بالمكتشفات العلمية ،وتحقق قول الله عز وجل فللي سللورة
)فصلت 41/مصحف 61/نزول(:
َ َ
ق ه ٱلل َ
حل ّ ْ م أن ّل ُ َ حت ّ ٰى ي َت َب َي ّ َ
ن لهُ ْ م َ
سه ِ ْ
ف ِق وَفِ ۤي أن ُم آَيا َت َِنا ِفي ٱللَفا ِ
ريهِ ْ
سن ُ ِ
} َ
َ َ
د{شِهي ٌيٍء َ
ش ْل َ ُ
ه عَل ٰى ك ّ َ
ف ب َِرب ّك أن ّ ُ أوَل َ ْ
م ي َك ْ ِ
وكثير مما كان يثبته النسان القديم وما يزال يثبته النسان الحللديث
ل يعتبر داخل ً في نطاق المور التي يمكن إدراكها بالحس ،كالعقل والروح
،والقوى التي ل تشاهد إل آثارها وظواهرها .
1تم اختراع آلت دقيقة لتصوير الموجات الحرارية التي تخرج عن أي كائن ،وهي تعطي صورة
فوتوغرافية للكائن حينما خرجت منه الموجات الحرارية ،غير أن هذه اللت التي تم اختراعها حتى الن
ل تستطيع تصوير الموجات الحرارية إل خلل ساعات قليلة من وقوع الحادث ،أما الموجات القديمة فل
تستطيع تصويرها لضعفها .وتستعمل في هذه اللت )أشعة انفرارد( التي تصور في الظلم والضوء
على حد سواء ،ولقد بدأ العلماء في بريطانيا والوليات المتحدة المريكية استغلل هذا النوع من اللت
في تحقيقاتهم ،وذات ليلة حّلقت طائرة مجهولة في سماء نيويورك ،فصوروا الموجات الحرارية لفضاء
نيويورك بهذا النوع من اللت ،وأدى ذلك إلى معرفة طراز الطائرة ونوعها ،وقد أطلق على هذه اللة
اسم )آلة تصوير الحرارة(.
ومع كل هذا فقد تنّزل القرآن إلى مستوى مللداركهم فضللرب أمثلللة
مدركة بالحس دائمللة الوقللوع فللي الكللون ُ ،تقلّرب إللى تصللوراتهم صللورة
الحياة بعد الموت .
إن جفاف الزرع وانقطلاع تغلذيته ملن الرض ،وحصلاده وتحطملله ،
يشبه حالة المللوت فللي الحيللاء ،ثللم إن السللنة الكونيللة الدائمللة الظللاهرة
المشاهدة في عملية انشقاق الحبوب في بطن الرض ،ونباتها بعد ما سبق
من حالتهلا اللتي تشلبه حاللة الملوت ،وعودتهلا إللى الحيلاة والنضلر كلّرة
أخرى ،وذلك عند وجودهللا فللي الللبيئة الملئمللة مللن مللاء ممللتزج بللالتراب
الصالح ،لتعطللي تقريللرا ً حسلليا ً مشللاهدا ً باسللتمرار فللي الظللواهر الكونيللة
لقصة بعث الحياة بعلد ملوت الجسلاد الحيلة ،وتفلّرق أجزائهلا فلي تلراب
الرض ز
وقد نّبه القرآن على هللذا الشللاهد الكللوني الللذي يقللرب إلللى تصللور
أصحاب هذا التوهم إمكان الحياة الخرى ،وأنهللا تشللبه عللودة الحيللاة إلللى
الزروع والنباتات بعد جفافها وما يشبه حالة الموت فيها .
ومن ذلك أيضا ً قصة )العزيز( الرجل الصالح مللن بنللي إسللرائيل ،إذ
مر على قرية أموت فقال " :أنى يحيي هذه الله بعد موتهللا؟" فأمللاته الللله
مئة عام ثم بعثه وشاهد مشاهدة حسية كيف أحياه الله بعد أن أماته ورأى
بنو إسرائيل من أهل قريته هذا الحدث التاريخي العجيب ،وقد أخبرنا الللله
تعالى بهذه القصة في سورة )البقرة 2/مصحف 87/نزول( فقال:
ة عَل َ ٰى عُروشها َقا َ َ َ
حِيلللي ل أن ّ ٰ ى ي ُ ْ ُ ِ َ خاوِي َ ٌ ي َ مّر عَل َ ٰى َقَْري َةٍ وَهِ َ ذي َ }أوْ ك َٱل ّ ِ
ل ل َب ِث ْ ُ
ت ت َقا َ م ل َب ِث ْ َ
ل كَ ْ ه َقا َم ب َعَث َ ُعام ٍ ث ُ ّ
ة َ مئ َ َه ِ ه ٱل ّلل ُ مات َ ُ موْت َِها فَأ َهل ب َعْد َ َ هَ ٰلذِهِ ٱل ّلل ُ
َ
ك ل َل ْ
م شلَراب ِ َ ك وَ َ مل َ عام ٍ فَٱن ْظ ُْر إ ِل َ ٰى ط ََعا ِ ة َ مئ َ َت ِ ل َبل ل ّب ِث ْ َ ض ي َوْم ٍ َقا َ وما ً أوْ ب َعْ َ يَ ْ
ف س وَ ٱن ْظ ْر إ ِلى ٱل عِ ظللام ِ كي ْل َ
َ َ َ ُ
ة ِلل َّنا ِ جعَلك آي َ ً َ َ َ
مارِك وَل ِن َ ْ ه وَ ٱْنلظ ْر إ ِل ٰى ِ
ح َ َ ُ سن ّ ْ ي َت َ َ
ُ َ ّ َ َ ه َقا َ َ َ ً َ ْ
يءٍ شل ْ ل َ ه عَلل ٰى كل ّ ن ٱللل َ مأ ّ ل أعْل ُ نل ُ ما ت َب َي ّ َ حما فَل ّ ها ل ْ سو َ م ن َك ُ ها ث ُ ّ
شُز َ ن ُن ْ ِ
ديٌر{ قَ ِ
ومن ذلك أيضا ً قصة إماتة اللوف من بني إسرائيل حين أمروا بقتال
عدوهم ،فخرجوا من ديارهم فارين من مقابلة العدو حذو الموت ،ثم بعللد
هذه الماتة الجماعية أحياهم الله ليعملللوا أن الفللرار مللن القتللال ل يحمللي
من الموت ،وليعلموا أن البعث حق ،وقد ذكر الله قصة هؤلء في سللورة
)البقرة 2/مصحف 87/نزول( فقال تعالى :
ُ َ
تم لوْ ِحلذ ََر ٱْلل َ
ف َ م أُللو ٌهل ْ
م وَ ُ
ملن دَِيلارِهِ ْ جلوا ْ ِ خَر ُن َ ذي َم ت ََر إ َِلى ٱّلل ِ
}أ ل َ ْ
ل ل َهم ٱلل ّه موتوا ْ ث ُ َ
س وَل َ ٰل لك ِ ّ
ن ضل ٍ َ
ل عَلللى ٱلن ّللا ِ ذو فَ ْ ه لَ ُ
ن ٱلل ّ َ م إِ ّحَياهُ ْ
مأ ْ ّ ُ ُ ُ قا َ ُ ُ فَ َ
َ
ن{شك ُُرو َ س ل َيَ ْ أك ْث ََر ٱل ّنلا ِ
ومن ذلك أيضا ً قصة إحياء قتيل بني إسرائيل ،لسؤاله عللن القاتللل ،
وهللذه القصللة قللد أخبرنللا الللله بهللا فللي أوائل سللورة )البقللرة( وقللد أوجللز
المفسرون هذه القصة بأنه كان في بني إسرائيل شيخ موسر له ابن واحد
،قتله ابن عمه طمعا ً فلي ميراثله ،ثلم جلاء يطلالب بلدمه قوملا ً آخريلن ،
فأنكر المتهمون قتله ،وترافع القوم إلى موسى عليه السلللم ،كللل منهللم
يدرأ التهمة عن نفسه ،فقال لهم موسى :إن الله يأمركن أن تذبحوا بقرة
،وذلك ليتبين لهم القاتل الحقيقي فقالوا للله :أتهللزأ بنللا؟ فقللال موسللى :
معاذ الله أن أكون من الجاهلين ،فسأل بنو إسرائيل موسى عليه السلللم
عن أوصافها ،وشددوا على أنفسهم فشدد الللله عليهللم ،ثللم عللثروا عليهلا
وذبحوها وما كادوا يفعلون ،ثللم ضللربوا جسللد القتيللل ببعلض البقللرة الللتي
ذبحوها وفق المر اللهي ،فأحيا الله القتيل وأخبر عن قاتله .
ومن ذللك أيضلا ً قصلة إحيلاء الطيللور الربعللة لسليدنا إبراهيللم عليلله
السلم ،لما سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى .
ومن ذلك أيضا ً معجزة عيسى عليه السلللم ،إذ كللان يحيللي المللوتى
بإذن الله ،كما هو معلوم من معجزاته وآيات رسالته .
وهذا التوهم فيه اتهللام لحكمللة الخللالق بللالعبث ،وهللو مللا سللبق أن
ناقشنا به منكري اليوم الخر قبل أن نطللرح توهمللاتهم للمناقشللة ،وذلللك
لن منحة العقللل ،والرادة الحللرة ،وبعللض القللدرة علللى التنفيللذ تسللتلزم
المسؤولية ،وإل نجم عنها الفساد الذي ل حللدود للله دون غايللة ،وهلو أملر
ينللافي الحكمللة ،والمسللؤولية تسللتلزم المحاسللبة والجللزاء ،وإل كللانت
مسؤولية شللكلية ل قيمللة لهللا ،وهللو أمللر ينللافي الحكمللة أيضلا ً ،والجللزاء
يقتضي العقاب والثواب ،وإل كانت مسؤولية ناقصللة تنهللى عللن الشللر ول
تأمر بالخير ،أو ل تشجع علللى الرتقللاء فللي درجللات الفضللائل ،وهللو أمللر
ينافي كمال الحكمة أيضا ً ،والله تبارك وتعالى قادر حكيم منّزه عن النقص
في ذاته وصفاته وأفعللاله ،فل يصللدر عنلله سللبحانه إل الكمللال ،ول تكللون
أفعاله إل مطابقة لكمال الحكمة .
ونصللوص أخللرى نفللى الللله فيهللا عللن نفسلله أن يكللون قللد خلللق
السماوات والرض وما بينهما باطل ً ،أو خلقها على سللبيل اللهللو واللعللب ،
بل خلقها لحكمللة ،وهلذه الحكمللة تقتضلي مسلؤولية النسللان ومللن عللى
شاكلته ،والمسؤولية تستلزم الجزاء بالثواب وبالعقاب ،وظللروف الجللزاء
الكامل غير موجودة في هذه الحياة الدنيا ،فل بلد ملن حيلاة أخلرى يكلون
فيها هذا الجزاء .
ول ننسى أن هذا التوهم قد ورد في مقالت منكري الحياة الخللرة ،
وقد حكى الله مقالتهم التي تنللم عللن هللذا التللوهم مللن توهمللاتهم ،فقللال
تعالى في سورة )الدخان 44/مصحف 64/نزول(:
ُ
ن{
ري َ من َ
ش ِ ن بِ ُ
ح ُ موْت َت َُنا ٱلوْل َ ٰى وَ َ
ما ن َ ْ ي إ ِل ّ َ
ن هِ َ قوُلو َ
ن * إِ ْ ن هَ ٰلؤُل َِء ل َي َ ُ
}إ ِ ّ
وكان مطلبهم أن ينزل الله ملئكة يبلغللونهم الخبللار عنلله ،أو يللرون
الله ويخاطبهم خطابا ً مباشرا ً ،وقد ذكر الله مطلبهم هذا بقوله تعالى فللي
سورة )الفرقان 25/مصحف 42/نزول(:
َ ُ
ة أوْ ن ََر ٰى َرب َّنللا ل عَل َي َْنا ٱل ْ َ
مل َئ ِك َ ُ قآَءَنا ل َوْل َ أن ْزِ َ
ن لِ َجو َ ن ل َ ي َْر ُ ل ٱل ّ ِ
ذي َ }وََقا َ
َ
ست َك ْب َُروا ْ فِ ۤي أن ُ
وا عُت ُوّا ً ك َِبيرًا{
م وَعَت َ ْ
سه ِ ْ
ف ِ قدِ ٱ ْ
لَ َ
والرد على أصحاب هذا التوهم يأتي ببساطة ،ويتلخص بأن وعد الله
بالللدار الخللرة والحيللاة بعللد المللوت جللاء علللى ألسللنة الرسللل المؤيللدين
بالمعجزات الباهرات ،والله سبحانه ل يؤيللد بمعجزاتلله مللن يكللذب عليلله ،
وبأن الله يستحيل عليه – سبحانه – الكذب فللي الخبللار ،وقللد أخبرنللا فللي
كتابه المنزل بذلك .
هذا إحصللاء توهمللات منكللري الحيللاة الخللرة ،ومللا فيهللا مللن جللزاء
بالثواب وبالعقاب .
وبعد إسقاط هذه التوهمات ودفعها ،وبيان أنهللا ل تصلللح بحللال مللن
الحوال لن تكون مستندا ً لرفض اليمان بالخرة وما فيها من جللزاء ،مللن
قبل المعللترفين بوجللود الخللالق العظيللم لهللذا الكللون ،وبعللد هللذا الحصللار
الفكللري للمنكريللن حصللارا ً تاملا ً ،ل يبقللى لهللم مخللرج إل طريللق اليمللان
والتسليم ،إذا كانوا حريصين على احللترام عقللولهم ،وحللذرين مللن عاقبللة
إنكارهم .أما إذا لم يكن لديهم هذا الحرص وهذا الحللذر فباسللتطاعتهم أن
يظلوا جاحدين بوقاحة ،ومنكريللن بعنللاد ل مللبرر للله ،ومللورطين أنفسللهم
بكبرهم في إصرار من ورائه عذاب شديد ،وشقاء ل نهاية له ،ثللم إنهللم ل
يظفرون بأي كسب مادي أو نفسي لحياتهم الدنيا من جللراء هللذا النكللار ،
إل أوهام الستكبار والعناد ،والرغبة بالنطلق فللي الجللرائم والثللام ،دون
أن ت تحرك قلوبهم بالخوف من مغبة ما يفعلون .
ولقد كشف الله عن هذه الدوافع التي تدفع المنكرين إلللى التكللذيب
بالحياة الخرى .
أما الكبر الذي جعل قلوبهم تنكر ،فنجده في قللول الللله تعللالى فللي
سورة )النحل 16/مصحف 70/نزول(:
)(7
مع العظم واستناده إلى أقوال )برتراند رسل(
بعد أن عرض الناقد )د .العظم( أقللوال )برترانللد رسللل( الللتي أنكللر
فيها الحياة الخرى ووجود الله تبارك وتعالى ،وعرض فيها نظرة المللاديين
الملحدين إلى الكون والحياة والنسان ،والتي سللبق أن نقضللناها وكشللفنا
زيفها فكريا ً وعلميلا ً ،قللال )د .العظللم( بأسلللوبه الللتزييفي فللي الصللفحة )
: (27
هذا كلمه حرفيلا ً ،ولسللت أدري كيلف يسللمح لنفسلله هللذا النسللان
ومللن هللو علللى شللاكلته مللن الملحللدين أن يبلغللوا هللذا المسللتوى التللافه
السخيف من التدجيل والتزييف ،الذي ل يقبله صغار المثقفين ،فضل ً عللن
الذين أخذوا من جوانب المعرفة قدرا ً مناسبا ً ،وعرفوا مداخل الزيف .
وأدهى من ذلك وأمر مللا نجللده مللن خلللط عجيللب ل يفعللله إل وقللح
شللديد الوقاحللة ،أو جاهللل بالللدين شللديد الجهللل ،وذلللك إذ يزعللم " :أن
الغيبيات والملئكة والصلوات والمعجزات والجن تؤلف جللزءا ً ل يتجللزأ مللن
التعليل الديني لنشأة الكون وطبيعته ،كذلك المر بالنسبة لتاريلخ النسلان
ومصيره".
فهل يجد أحد في الدين أن الصلوات كان لها أثللر فللي نشللأة الكللون
وطبيعته؟
هل يجد أحد في الدين أن الجللن جللزء ل يتجللزأ مللن التعليللل الللديني
لنشأة الكون وخلقه في عقيلدة المسللمين؟ هلل سلاهم الجلن فلي نشلأة
الكون وخلقه؟
إن الللدين يقللرر أن الكللون قللد نشللأ بخلللق الللله للله ،ضللمن نظللام
السباب والمسببات ،التي إذا اكتشف الباحثون شيئا ً منها س ل ّ
موها قللوانين
طبيعية .
فمللا هللذا الخلللط العجيللب المفللترى علللى الللدين؟! مللا هللذا الخلللط
العجيب الذي ل نجد له مثيل ً إل في أوكلار الحشاشلين ،أو فلي مستشللفى
المجانين؟ أو في أقوال المهرجين؟!
أو لعله نظر من بعيد فرأى أن المسلمين يصللون للله خلالق الكلون
وفاطره ،ويعتقدون بأنه يوجد مخلوقللات أخللرى غيرهللم خلقهللم الللله كمللا
خلق البشر ،إل أنهم مزودون بخصائص وصفات ليس لدى البشر نظيرها ،
فمن هذه المخلوقات الملئكللة ،ومنهللا الجللن .والمسلللمون يعتقللدون بهللا
تصديقا ً لخبر الله ،دون أن يعتقدوا بأن لها مشاركة في تعليل نشأة الكون
وطبيعته ،وإنما لها تاريخ فيه كما للنسان فيه تاريللخ ،ولهلا وظلائف فيلله ،
كما للنسان فيه وظائف ،ثم بنى )العظم( على نظرته هللذه الللتي نظرهللا
من بعيد إلى المسلمين وعقائدهم ،فزعم أن كل هذه المور جزء ل يتجزأ
من التعليل الديني لنشأة الكون وطبيعته وتاريخ النسان ومصيره .
إن مثل )د .العظم( في صنيعه هذا كمثل من يراقب مطبللخ الجيللش
المحارب من بعيد ،فيرى فيه الكوسا والباذنجللان وأكيللاس البصللل وأوانللي
الطعمة المحفوظة وأدوات الطبخ وأسياخ شللي اللحللم ،فينسللى وظللائف
هذه الشياء فيقول :إن هذا الجيش المحارب يستخدم في حربه )الكوسللا
والباذنجان والبصل وعلب الطماطم( ويعدد ما شاهد فلي مطبللخ الجيللش ،
ثم يقول :إن هذه الشياء تمثل عند عدونا ً جزءا ً ل يتجزأ من القيادة العامة
للجيش .
انظر كتاب " :مكايد يهودية عبر التاريخ" ،للمؤلف . 1
إننا نشاهد عددا ً من الباحثين يتفقون على منهج البحث ،ثم
يختلفون في النتائج اختلفا ً بينا ً ،وقد يكون الختلف متناقضا ً تماما ً .
إذا كان المر كما يزعم )د .العظم( فعلينا إذن التسليم بكل
النظريات المتعارضة المتناقضة التي تقول بها المدارس العلمية في العالم
،لنها كلها تعتمد المنهج العلمي التجريبي أو النظري ،ففي القتصاد علينا
أن نسلم بالنظريتين المتناقضتين :الرأسمالية والشتراكية العلمية ،وفي
السياسة علينا أن نسلم بالنظريتين المتناقضتين :الديمقراطية
والديكتاتورية .
إن هذا هراء سخيف ل يقول به عاقل .إن عددا ً من الذين يحلون
مسألة رياضية قد يختلفون في النتائج ،على الرغم من أنهم يلتزمون
قوانين رياضية واحدة ،وهذا يرجع إلى كبوات الخطأ التي قد يقع بعضهم
فيها ،فكيف يكون المر في الموضوعات الستنتاجية التي ل يملك الباحث
العلمي بالنسبة إليها وسائل تجريبية ،كفرضية )داروين( بالنسبة إلى خلق
النسان ،وكفرضية )فرويد( في مجال الدراسات النفسية ،على أنه توجد
مدارس نفسية أخرى تعارض ما ذهب إليه )فرويد( فهل هذه المدارس
العلمية كلها ملزمة برأي )فرويد( إكراما ً لعواطف الناقد )د .العظم( نحو
إمامه هذا؟ وهل المدارس القتصادية في العالم ملزمة بالخذ بالشتراكية
العلمية ،إكراما ً لعواطف )د .العظم( نحو إمامه في مجال القتصاد ،
اليهودي )كارل ماركس(؟
إن هذا المنطق اللحادي المتعصب تعصبا ً أعمى أصم ل يستحق عند
العقلء أكثر من السخرية .ومع ذلك فإننا نحن المسلمين ل نسلك هذا
الطريق ،بل نناقش بالمنطق والعقل ول نسخر ،ونرتقي في الجدال مع
الخصوم ومع العداء الصرحاء إلى المستوى الجدلي العاقل الرصين ،
احتراما ً للحقيقة التي نبحث للوصول إليها ،ولتأييدها والتبشير بها ،
واحتراما ً لمفاهيمنا ومبادئنا التي ل هزل فيها ،ول تدفع إليها أغراض
شخصية ،بل هي مبادئ الحق التي تنزلت بها شريعة الله للناس .
)(2
مع برتراند رسل
إن الباطل متاهة يضل فيها أزكى الناس وأعلمهم ،ما دام مصرا ً –
لهوى في نفسه – أن يحيد عن الطريق التي سلكها من قبله جماهير
العقلء ،إنه لن يجد هذه الفلسفة المنشودة في المتاهة الفكرية التي
سلكها بعيدا ً عن الطريق ،لنه متى اهتدى فل بد أن يعود إلى الطريق ،
بيد أنه مصر على أن يظل بعيدا ً عنه فكيف يهتدي؟.
إنه سيستمر في المتاهة ،وسيظل باحثا ً عن فلسفة متكاملة في
مكان ل توجد فيه هذه الفلسفة ،شأنه في هذا كشأن من يحفر في
جوانب الصخرة الصماء ليجد فيها عين ماء ُتروي ظمأه ،وهذه الصخرة
منقطعة عن الرض من كل جوانبها ،فهي ل تتصل بأي عرق من عروق
الماء .
واقتباسا ً مما كتبه المفكر السلمي )وحيد الدين خان( ، 1أجمع هذه
الدراسة عن هذا الفيلسوف الملحد .
ذكر وحيد الدين خان أنه قرأ كل أعمال "برتراند رسل" واستطاع
بعد قراءتها أن يلتقط من أقواله ما يكشف عن النهايات الفكرية التي
انتهى إليها .
ويبلغ المر به إلى أن يقول " :إن أفكار الناس ل توجد إل في
مخيلتهم فحسب" أي :إن التجربة ل تستطيع أن تثبت مطابقة هذه
الفكار للواقع .
وانتهى )رسل( أيضا ً إلى أن التجربة أعطيت لها أكبر أهمية ،ولذلك
يجب أن تخضع "التجريبية" كفلسفة لتحديات هامة .
ولكن هكذا راق لل)د .العظم( أن يضلل .لقد قرر أنه ل وجود للحق
والعدل والروح والجمال والخالق ،كما صّرح بذلك في الصفحة ) (38من
كتابه ،لذلك فل مانع عنده من أن ما يراه )رسل( تخيل ً يصح أن يطلق
عليه عبارة النظرة العلمية المحققة ،فالقضية عنده ل تزيد على أنها
وسائل دعائية جدلية لدعم مذهبه اللحادي ،أما أن يكون الكلم حقا ً أو
باطل ً ،صدقا ً أو كذبا ً ،قضية علمية أو تصورا ً تخيليا ً .فهذا غير مهم أل
يمكن أن يكون طرح مثل هذا التزييف وسيلة لتضليل بعض الناس؟ أل
يمكن أن يكون مثل هذا التزييف شبكة لصيد بعض المغفلين ،حتى يكونوا
جنودا ً مسخرين في أيدي المنظمة اللحادية العالمية ،التي تعمل لخدمة
مصالح معينة لفئة خاصة من الناس؟
)(3
ة الستنباطية الترجيحية
فما الذي صده عن اليمان بالله ،والدل ُ
عليه أقوى بكثير من التخيلت الخرى التي يفسر بها الملحدون نشأة
الكون وتطوره ،ونشأة الحياة وتطورها؟
هنا تظهر عقدة الهوى والتعصب ضد الدين عند )رسل( وعند سائر
الملحدين ،وهذا التعصب ل تدعمه أدلة مرجحة لقضية اللحاد ،بل ليس
لللحاد في الحقيقة أي دليل غير مجرد سفسطات وتخيلت تقوم في
رؤوس أصحابها فقط ،إن التفسير البديل لقضية اليمان بالخلق الرباني
إنما هو فرضية الرتقاء وأزلية المادة ،أما أزلية المادة فقضية مرفوضة
علميا ً ،وأما الرتقاء فيعبر عنه السير "آرثر كيث" من علماء هذا العصر
بقوله " :الرتقاء غير ثابت ،ول يمكن إثباته ،ونحن نؤمن بهذه النظرية لن
البديل الوحيد هو )اليمان( بالخلق المباشر ،وهو أمر ل يمكن حتى
التفكير فيه".
وإذا تساءلنا لماذا ل يمكن التفكير فيه؟ كان الجواب الوحيد :لنه ل
يسمح له هواه بأن يعترف بالله الخالق ،وبأن يخضع له بعد ذلك خضوع
العبادة والطاعة .
فتمرده وتمرد نظرائه تمرد المستكبرين المعاندين ،ل ضلل
الجاهلين الذين لم تكشف لهم أضواء المعرفة طريق الحق .
ما ُ
ل أثقال في مؤخرة ركب الملحدين ،يردد ما و)د .العظم( ح ّ
يقولون ،وينعق بما يهرفون .
إن هذه المؤثرات التي تجنح عنهم عن سواء السبيل تسوقهم إلى
الشقاء البدي والعذاب الليم ،وتجعلهم يؤثرون الضلل على الهدى ،
والظلمات على النور .
)(3
مع فرويد
إني لعجب أبلغ العجب حينما أجد مثقفا ً عربيا ً يندفع في تمجيد
أمثال )فرويد( وهو يعلم أنه يهودي متعصب ليهوديته ،وصديق حميم
لهرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة .
أفل يخطر على باله ولو من قبيل الشك والحذر ،أن التحليلت
النفسية التي قدمها )فرويد( تحت ستار الدراسة العلمية المتجردة ،إنما
صاغها على الوجه الذي قدمها به ليخدم القضية اليهودية الصهيونية في
العالم؟.
أفل يخطر على باله أن اللحاد الذي أعلنه لم يكن أكثر من طرح
نظري جدلي ،ليفتن الناس به ،وهو في حقيقة وجداني يهودي صميم
شديد التعصب ليهوديته ،يخدم عن طريق ستار العلم أغراض الصهيونية؟
مع العلم بأن اللحاد الذي أعلنه )فرويد( لم يكن إل خطة سياسية
أخفى بها أهدافه اليهودية الصهيونية .كما فعل اليهود بنظرية )داروين( ،
دمها باسم البحث العلميوكما فعل )دوركهايم( في بحوثه العلمية التي ق ّ
وتحت ستاره .ليخفي أغراضه اليهودية الخاضعة لخطط مرسومة من قبل
القيادات اليهودية السرية في العالم .
ويعلق الكاتب على قوله " :وظللت يهوديا ً أنا نفسي" بأن في قوله
هذا إيماًء واضحا ً بأنه لم يتخل يوما ً عن يهوديته ،على الرغم من إعلنه
لللحاد لن إلحاده هذا لم يكن إل إلحادا ً ذهنيا ً ،لم يصل قط إلى وجدانه ،
ولم يغير شيئا ً من محتويات ذلك الوجدان واتجاهاته .
ثم عقد المشابهة بين إلحاده وإلحاد )بن غوريون( وغيرهما من
اليهود الذين يعلنون عن إلحادهم ،وذكر أنه مثل إلحاد فرويد في ذاته ،
ومن خصائصه أنه ل يرى حرجا ً أو تناقضا ً في الجمع بين إنكار الله وبين
اليمان بدعوة دينية عنصرية متعصبة تستند إلى كتاب مقدس .
ثم فرق الكاتب بين )بن غوريون( و)فرويد( ،فقال " :ولعل الفارق
بينهما أن )بن غوريون( أعلن عن إلحاده ،ثم اتجه في الوقت نفسه إلى
العمل السافر من أجل الدعوة العنصرية المتعصبة ،بينما جعل )فرويد(
من إلحاده قناعا ً يحاول أن يخفي وراءه الوجه القبيح لهذه الدعوة".
وذكر الكاتب :أن )فرويد( كان يعتز جدا ً بيهوديته ،وكان على
معرفة متضلعة بالحياة اليهودية ،وبالجوانب العقائدية لها ،وبالطقوس
الخاصة بها ،وكان يرجع إلى التوراة ويقرؤها ويعجب بما فيها من فكر
وفلسفة ،وهذا على خلف ما أعلنه من إلحاد مزيف .
أل فليعلم )د .العظم( وسائر ملحدي العرب وغير العرب الذين
يتنكرون لدينهم أمتهم هذه الحقائق عن )فرويد( وأمثاله قبل أن يتبعوهم .
ففي الوقت الذي يكون فيه اليهودي متعصبا ً شديد التعصب لدينه ،
شديد اليمان به ،والثقة بتعاليمه ،يرى من وسائل خدمة دينه وخدمة
الشعب اليهودي ،وخدمة أهدافه السياسية ،أن يتظاهر باللحاد وإنكار
الله ،وبعدم تمسكه بالدين ،ثم يقدم في أوساط أبناء المم الخرى
أفكارا ً ومذاهب وعقائد مناقضة لما في الدين ،ويزينها بزخرف من
الصياغة النظرية ،وُيلبسها أثواب البحث العلمي المتجرد ،لتفتتن بها
الجيال الناشئة ،وتتلقفها دون أن تشعر بالحذر من أغراض صاحبها ،لن
صاحبها ل ينتمي فكريا كما أعلن إلى أي دين حتى يتعصب له ويعمل من
أجله .
)(4
نشأ )فرويد( نشأ يهودية مغلقة ،تلقى فيها كل سمات الناشئ
اليهودي ،في أسرة شديدة التمسك بيهوديتها .
يقول )د .جرجس( " :وإذا شئنا في هذا الصدد الستعارة من الفكر
الفرويدي نفسه ،وبالتحديد ما أكده من أهمية السنوات الولى من حياة
الطفل في صياغة شخصيته فيما بعد ،لكان جليا ً أن المؤثرات الصهيونية
التي أحاطت بفرويد منذ نشأته ،وأحاطت بأسرته لعدة قرون من قبل أن
يولد ،صبغت شخصيته وفكره على نحو لم يستطع إخفاءه دائمًا".
وقد ل يهمنا تطبيق آرائه ونظرياته عليه كما يقول الكاتب ،لكن
حياته في الواقع قد كانت فعل ً مشحونة بالشعور بالذاتية اليهودية ،ذات
السمات المعروفة في عامة اليهود .
يقرر الكاتب المتتبع أن يهودية )فرويد( قد كانت ممتدة إلى
الجوانب الثقافية والوجدانية في حياته كلها ،ففضل ً عن علقاته المهنية
والشخصية الوثيقة ،التي كادت أن تكون مقصورة على أفراد من اليهود ،
فقد كان أيضا ً على معرفة متضلعة بالحياة وبالجوانب العقائدية
وبالطقوس اليهودية ،كما كان على استيعاب شامل للتاريخ والدب
اليهودي ،ولفلسفة اليهود وعاداتهم ونكاتهم وأقوالهم المأثورة ،وأن
)فرويد( على الرغم من مجاهرته بعدم اليمان قد كان يهوديا ً في أعماق
وجدانه ،وهذا ما جعله شديد الحساسية لية بادرة يشتبه في اتجاهها
المضاد لليهود ،وكانت استجابته لجميع هذه المواقف عنيفة أشد العنف ،
وعلى الرغم من أنه لم يشاهد في حياته أي اضطهاد من أجل يهوديته ،إذ
ترقى في الدراسة والوظيفة حتى حصل على منصب أستاذ مساعد في
الجامعة ،إل أنه كان يشعر بالضطهاد في داخل نفسه من أجل يهوديته ،
ولذلك كان ينطوي على نفسه وداخل دائرة من أصدقائه ،وكلهم من
اليهود ،إذ إنه ما كان ليأنس إلى صديق أو يطمئن إليه إل أن يكون يهوديًا.
وكان انتماؤه ليهوديته ل للبلد التي عاش فيها حياته ،وهذا ما صّرح
به هو عن نفسه ،فقد قال ذات مرة " :إنه يهودي ،وليس نمساويا ً أو
ألمانيًا" .كذا نقل عنه )جونز( مؤرخ سيرته .
وذكر اليهودي )ماكس جراف( أنه كثيرا ً ما كان يزور )فرويد( ويدخل
معه في نقاش حول ما أسماه "المسألة اليهودية" ،فكان يلحظ دائما ً
اعتزاز )فرويد( بيهوديته ،وفخره بانتسابه إلى الشعب اليهودي ،الذي
قدم التوراة إلى العالم .
وتساءل )ماكس جراف( ذات مرة عما إذا كان من الخير أن يوجه
اليهود أبناءهم إلى اعتناق المسيحية ،إذا اقتضى المر ذلك ،فإذا بفرويد
ل" :إذا لم تنشيء ابنك على أنه يهودي ،فسوف تحرمه يعترض بشدة قائ ً
من مصدر طاقة ل يمكن أن يعوض بشيء آخر ،إن عليه كيهودي أن
يكافح ،ومن واجبك أن تنمي فيه نفسه كل الطاقة اللزمة لذلك الكفاح ،
فل تحرمه من هذه الميزة".
قال الكاتب المتتبع " :وقد كرر )فرويد( بأن اليهودية مصدر للطاقة
في كثير مما كتب.
)(5
1وكان )فرويد( يولي )تيودور هرتزل( الحترام والتقدير ،وقد أرسل إليه أحد كتبه مع عبارة )إهداء
شخصي( عليه .
ومن المعروف أن جمعية )بناي برث( ل تقبل بين أعضائها غير
اليهود ،وليست على غرار الجمعيات اليهودية الخرى كالماسونية ،وهدف
هذه الجمعية في الظاهر رعاية المصالح اليهودية الحضارية والثقافية
والخيرية ،أما هدفها الحقيقي فهو العمل في خدمة الصهيونية العالمية .
وقد أنشئت هذه الجمعية أول المر في أمريكا ،ثم تكونت لها فروع
في كثير من البلد الوروبية ،وكان لها نشاط قوي وملحوظ تغلغلت عن
طريقه في صميم الحياة الجتماعية والسياسية والقتصادية للبلد التي
ُأنشئت فيها ،ل سيما بريطانيا وأمريكا .وسارت في سبيل تحقيق
المخطط الصهيوني عن طريق التحالف مع رأس المال اليهودي ،
للسيطرة على أجهزة العلم ،وفي مقدمتها الصحافة ودور النشر ،
وللقضاء على كل من تسول له نفسه أن يتصدى لها ويكشف عن خبائثها .
أما الترويج لفكاره فقد شهدنا آثاره بشكل منقطع النظير ،حتى
أمست آراؤه وأفكاره على ألسنة معظم المثقفين ،وصارت متداولة
تداول الحقائق ،وفتن بها الكثيرون ،بتأثير الدعاية اليهودية العالمية .
وأما تمجيده وتكريمه بشكل خاص فنجده فيما فعلته جمعية )بناي
برث( الصهيونية ،إذ أقامت حفل ً له بمناسبة بلوغه من العمر سبعين
سنة ،ولم يحضر فرويد هذا الحفل ،ولكن أناب عنه في حضوره طبيبه
الخاص البروفسور )لدفيج براون( الذي ألقى كلمة فرويد فيه ،وقد جاء
في كلمة )فرويد( ما يلي:
" ...إن كونكم يهودا ً لمر يوافقني كل الموافقة ،لنني أنا نفسي
يهودي ،فقد بدا لي دائما ً أن إنكار هذه الحقيقة ليس أمرا ً غير خليق
بصاحبه فحسب ،بل هو عمل فيه حماقة إيجابية ،إنه لتربطني باليهودية
أمور كثيرة ،تجعل إغراء اليهودية واليهود أمرا ً ل سبيل إلى مقاومته ،
قوي انفعالية غامضة كثيرة كلما زادت قوتها تعذر التعبير عنها في كلمات ،
بالضافة إلى شعور واضح بالذاتية الداخلية...
وبالضافة إلى كونه عضوا ً في جمعية )بناي برث( الصهيونية كما بيّنا
كان عضوا ً فخريا ً في منظمة )كاديما( وهي منظمة صهيونية معروفة ،وإذ
اكتفى بالعضوية الفخرية بالنسبة إلى هذه المنظمة فقد دفع أحد أبنائه
ليكون عضوا ً عامل ً فيها .
أخذا من تتبعات دكتور صبر جرجس في كتابه " :التراث اليهودي والفكر الفرويدي". 2
ومعلوم أن الحركة الصهيونية حركة ذات طابع ديني وقومي مفرط
في التعصب ضد المم والديان الخرى ،وما كان )فرويد( ليعمل فيها
ويدفع إلى العمل فيها أحد أبنائه لو لم يكن مؤمنا ً بمبادئها ،ومن مبادئها ما
أعلنه )تيودور هرتزل( لدى افتتاح المؤتمر الصهيوني الول بقوله :إننا هنا
لنضع حجر الساس لبناء المأوى الذي يأوي الشعب اليهودي إليه ...إن
الصهيونية هي عودة اليهود إلى اليهودية قبل عودتهم إلى الرض اليهودية .
إن الصهيونية هي القومية الجديدة للشعب اليهودي ".
أفل يدل هذا دللة قاطعة على أن تظاهر )فرويد( باللحاد وعدم
إيمانه بأي دين قد كان عملية من عمليات المكر والمخادعة ،ليضم إلى
فكرة اللحاد أنصارا ً من المم غير اليهودية ،وبذلك يجندون أنفسهم في
الكتائب المنفذة للمخططات اليهودية العالمية .
يقول الكاتب المتتبع لفرويد " :فإذا كان المر كذلك فقد كان شأنه
فيه – كشأنه في كل المناسبات الصهيونية العنصرية التي ناصرها فعل ً –
الحذَر والبعد عن الضواء ،حتى ل يثير الريبة فيما أحيط به من هالة
الموضوعية تفكيرا ً ،واللحاد عقيدة ،والحقيقة العلمية هدفًا...
)(6
أما دور )فرويد( وتلميذ مدرسته في هذا المجال ،فقد كان يعتمد
على تسخير مبدأ التحليل النفسي لتزييف الواقع والحقيقة ،وتمجيد اليهود
وخدمة الصهيونية .
وقد ذكر )فرويد( في تحليلته أن أسباب كراهية المم لليهود كثيرة ،
واعتبر أنها ترجع إلى صنفين:
* الصنف الول :
ظاهر وليس بعميق ،وذكر من هذا الصنف سببين:
الول :كون اليهود غرباء من الوطان التي يقيمون فيها .
* الصنف الثاني:
ما أسماه )فرويد( بالسباب العميقة ،وزعم أنها ترجع إلى الماضي
السحيق ،وأنها منبعثة من اللشعور ،وهي في رأيه تتلخص فيما يلي:
-1غير الشعوب الخرى من اليهود ،لنهم آثُرهم عند الله ،بوصفهم
أكبر أبناء الله .
-2تمسك اليهود بعادة الختان .
-3أن الشعوب غير اليهودية لما تركت وثنياتها الولى تحت قوة
الضغط حقدت على أديانها الجديدة في مستوى اللشعور منها ،فأسقطت
حقدها على اليهود ،لنها ل تستطيع أن تكره دينها الجديد .
فليست الغربة إذن من أسباب كراهية المم لهم ،إل أن ينضم إليها
شيء آخُر من اليهود أنفسهم ،كالستغلل والنانية وعقدة الستعلء
وحقدهم هم على المم .
أما غيرة الشعوب الخرى من اليهود لنهم آثرهم عند الله بوصفهم
أكبر أبنائه ،فل أحد يعترف لهم بهذه الميزة حتى يغار منهم ،ولكن الحسد
والغيرة من سمات اليهود منذ تاريخهم القديم .
وأما تمسك اليهود بعادة الختان فمع بالغ السخرية نقول :إن غير
اليهود يختتنون أيضا ً ،والمم الخرى ل تكرههم لذلك .
أما فكرة تحليل دوافع النفس إلى السلوك فهي فكرة إنسانية
قديمة ،وليست هي بحد ذاتها من مبتكرات )فرويد( إل أن هذا الرجل قد
أفرط في السبح الخيالي في تحليل تصرفات النسان ،إفراطا ً حشد فيه
أوهاما ً وفرضيات أقرب ما تكون إلى التخريف المطلق منها إلى الدراسة
العلمية الموضوعية .
بيد أنه باتجاهه نبه الباحثين النفسيين على البحث الموضوعي في
مجال التحليلت النفسية ،حتى تكونت مدارس التحليل النفسي في عالم
العلم ،وأصبحت مدرسة فرويد اليهودية في نظر العلماء بدائية متخلفة
جدا ً .والسر في هذا أن فرويد كان مسخرا ً أساسا ً لمحاربة الديان ،
وتهديم القيم الخلقية والجتماعية ،وقد فرضت عليه الخطة اليهودية
العالمية أن يضع نظرية تتستر بالعلم لتحقيق هذه الغاية ،فاستخدم
التحليل النفسي طريقا ً إلى ذلك ،كما استخدم غيره من اليهود طرقا ً
أخرى تحت ستار البحث العلمي لتحقيق الغاية نفسها ،وطبيعي أن تكون
مكرهة على الدراسة العلمية الموجهة أساسا ً لبطال حقيقة من الحقائق ُ
أن تحمل في حقيبتها وعلى ظهرها أكداسا ً من التخيلت والوهام
مكره على أن تصوغ نظرية تجمع والفروض التي ل سند لها من الواقع ،و ُ
في لبناتها بعض الحقائق لقامة بعض الزوايا ،ثم تمل سائر الثغرات
بأوراق ملونة مصبوغة ،تشبه في ظاهرها صورة لبن البناء وقواعده ،
وهي في حقيقتها وهم خداع تمزقه أية يد تمتد إليه بالفحص والبحث
العلمي .
فليس لراء )فرويد( تلك الهالة التي يحاول بعض مناصريها أن
ُيلبسوها ثوب الحقائق العلمية ،أو كما تحاول بعض الجهات العالمية أن
تحيطها بالدعاية .
-2تعتبر هذه النظرية امتدادا ً لفلسفة أفلطونية ،إل أن أفلطون
كان يحاول أن يسير بالنفس النسانية نحو المثالية ،أما )فرويد( فقد
تشبث – كما يقول تلمذته – بالدافع الجنسي ،ليظل هو الدافع والوسيلة
والغاية .
أما مكدوجل فقد ذكر عدة دوافع سماها غرائز ،وقد أوصلها بعد
وة في حمايةعدة تعديلت إلى عشرة غرائز أو تزيد .منها غريزة الب ّ
الصغار ،وغريزة المقاتلة مع انفعال الغضب وغريزة الهروب من الخطر
مع انفعال مصحوب بالخوف ،وغريزة حب الستطلع ،وغريزة تقدير
الذات مع الشعور بالتفوق ،وغريزة البحث عن الطعام ،وغريزة التجمع
مع الشعور بالعزلة ،وغيرها ...
فهل بعد هذا يسوغ لكاتب عربي أن يمجد آراء فرويد ونظريته ،وأن
يعتبرها كما ذكر )د .العظم( من أهم النتائج التي توصلت إليها البحوث
العلمية في مجال الدراسات النفسية ،إل أن يكون أجيرا ً ذليل ً وخادما ً
مطيعا ً للصهيونية العالمية؟
أثار الناقد )د .العظم( ما أسماه مشكلة النزاع بين العلم والدين ،
وفسر الدين بقوله" :أي :السلم بصورة رئيسية بالنسبة لنا".
ثم أعلن أنه يريد أن يسترسل في شرح وجهة النظر التي ترى أن
الدين كما يدخل في صميم حياتنا ،وكما يؤثر في تكويننا الفكري والنفسي
،يتعارض مع العلم ومع المعرفة العلمية قلبا ً وقالبا ً روحا ً ونصا ً .
وح بأن هذا الخط المحارب للدين السلمي سينتصر كما انتصر ثم ل ّ
على العقلية الدينية التي كانت سائدة في أوروبا .بعد مرور قرنين ونصف
من الحرب الطويلة بين العلم والدين هناك ،فقال في الصللفحة ) (21مللن
كتابه:
"يجللب أن ل يغيللب عللن بالنللا أنلله مللرت علللى أوروبللا فللترة تتجللاوز
القرنين ونصف القرن ،قبل أن يتمكن العلم من النتصار انتصللارا ً حاسللما ً
في حربه الطويلة ضد العقلية الدينية الي كانت سللائدة فللي تلللك القللارة ،
وقبل أن يثبت نفسلله تثبيت لا ً نهائي لا ً فللي تراثهللا الحضللاري ،ول يللزال العلللم
يحارب معركة مماثلة في معظم البلدان النامية ،بما فيها الوطن العربي ،
علما ً بأنها معركة تدور رحاها في الخفاء ،ول تظهر معالمها للجميع إل بيللن
الفينة والخرى".
هللذا مللا قللاله )د .العظللم( بلسللانه عللن نفسلله ،وعللن سللائر كتللائب
ملحدي هذا العصر ،ونحن نقول :ل ضير ول خوف علللى الللدين السلللمي
من هذه الحللرب الشللعواء الللتي يشللنها الملحللدة المتسللترون بالعلمانيللة ،
فالدين السلمي بمفاهيمه الصحيحة الثابتة ،وأصوله الفكريللة الراسللخة ل
يخشى العلم الصحيح الذي يستطيع أن يثبت نفسه بالدلللة الصللحيحة عللبر
الزمان ،وستسفر المعركة إن وجدت بين السلم والعلللم عللن التقللاء تللام
على خط واحد بين الصحيح مما نسب إلللى الللدين ،والصللحيح ممللا نسللب
إلللى العلللم ،وانتصللار السلللم والمفللاهيم السلللمي علللى النظريللات
والفرضيات الباطلة المنسوبة إلى العلم ،ول ضللير مللن تصللحيح المفللاهيم
الجتهادية التي فهمها بعللض العلمللاء المسلللمين فللي عصللور مختلفللة ،إذا
استطاع العلم أن يثبت صحة نظرياته المخالفة لهذه المفاهيم .
ومع كل هذه الثقال العتادية التي تحملها هذه الحللرب ضللد السلللم
والمسلمين فإننا واثقون مللن أن العقيللدة السلللمية والمفللاهيم السلللمية
الصحيحة ستنتصر أخيللرا ً ،علللى كللل الحملت الغازيللة ،لن الحللق مؤهللل
بطبيعته لن يكون هو المنتصر في آخر المر ،وإن أصابته أثناء معاركه مللع
الباطل متاعب ومشقات ،وإن سقط من جنوده شللهداء كللثيرون ،ومهمللا
بدا في أول المر ظهور مزيف للباطل ،إن هذا الظهلور َزب َلد ٌ ل قيمللة للله ،
وسيذهب جفاء ،وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض مع مكث الحقللائق
واستقرارها .
والتاريخ يشهد لهذه الحقيقة ،فقد جاءت من قبل جيوش غازية إلى
بلد المسلمين ،ففتكت فتكا ً ذريعا ً ،ودمرت تدميرا ً منكرا ً ،ولكنها رجعللت
في آخر المر تحمل السلم في قلوبهم وفي سلوكها وأعمالهللا ،لقللد غللزا
الحق الرباني قلوبهللا ونفوسللها وأفكارهللا ،بعللد أن دخلللت غازيللة للله تريللد
تحطيمه وتدمير كل ما يتصل به .
وأما تلويح )د .العظم( بانتصار اللحللاد تحللت سللتار العلللم ،وقياسلله
الدين السلمي على غيره ،وقياسه المسلمين على الشللعوب الوروبيللة ،
فهو تنبلؤ ٌ منلله يحمللل تفللاؤل ً مفرطلا ً لقضللية اللحللاد ونشللره فللي الرض ،
واكتساحه للعقائد اليمانية ،وهذا الفللراط فللي التفللاؤل يطمعلله بلله بعلض
النتصارات الزمنية التي حققها اليهود على الجيوش العربية ،إذ استطاعت
دسائسهم أن تعزل السلم والمسلمين الواعين عن المعركة .
وطبيعي أن هذا السبب الثاني غير موجللود فللي العقللائد السلللمية ،
لنها قائمة على الحق الموافق للبراهين العقلية والدلة العلمية .
)(2
وقد غدا واضحا ً أن سبيله وسبيل سائر الملحللدين فللي مغالطللاتهم ،
أن يقرروا من عنلدهم أملورا ً ينسلبونها إللى السللم ،وملا هلي بلالمفهوم
الصحيح له ،ليغالطوا الناس بها .
وقد أحصيت في الفصل الول من هذا الكتللاب أصللول مغالطللاتهم ،
وهي ترجع إلى تعميم أمر خاص ،أو تخصلليص أمللر عللام ،أو ضللم زيللادات
وإضافات ليست في الصل ،أو حذف قيللود وشللروط لزمللة ،أو التلعللب
في معاني النصوص ،أو طرح فكرة مختلقة من أساسللها ،أو تصلليد بعلض
الجتهادات الضعيفة لبعض العلماء وجعلها هي السلم ،أو التقاط مفللاهيم
شاذة موجودة عند بعض الفرق التي تنتسب إلى السلم ،أو نسللبة أقلوال
إلى غير قائليها أو إلى غير رواتها ،أو كتمان أقوال صحيحة وعدم التعللرض
إليها مع العلم بها وشهرتها ،أو نحو ذلك ممللا يتصللل بهللذا التضللليل القللائم
على التلعب بالحقائق ،بغية تهديم السلم وعقيدة اليمللان بللالله ،ودعللم
قضية اللحاد ونشر الكفر والفساد في الرض ،وهم يخدمون في كل ذلك
مصالح شياطين النس ،مقابل أجر يدفع لهم مللن دمللائهم ودمللاء أمتهللم ،
كالهر الذي يلعق المبرد ليجزيه الملبرد ملن قطلرات اللدم ،وليسلت هلذه
القطرات إل من دماء اللعق ،والتخللدير الللذي يحقللن العللدو بلله أعصللابهم
كفيل بأن يلغي الحساس بالمل ،ريثما تتم عملية الستنزاف .
ولبيان فساد فرية النزاع بين السلم والعلم نللذكر القللارئ بمللا جللاء
في الفصل الثاني من هذا الكتاب "الحقيقة بين الدين والعلم" ونزيللده هنللا
بعض تفصيلت تستدعيها طبيعة الجدال والمناظرة .
إن السلم والعلم الصحيح يسيران علللى منهللج واحللد فللي الوصللول
إلى المعارف والبحث عن الحقائق ،حتى يصل البحللث إلللى منطقللة عللالم
الغيب ،فإذا وصللل البحلث إلللى هللذه المنطقللة تللوقفت الوسللائل الحسللية
وبقي المنهج الستدللي ،وضللمن المنهللج السللتدللي يبحثللان وفللق منهللج
واحد ،وعنللد الخلف المحتمللل يبللدو الفكللر السلللمي هللو المرجللح بللأدلته
الستدللية ،وبمفاهيم نصوصه التية من عالم الغيللب نفسلله ،ول بللد مللن
مراعاة الصول المنطقية العامة لدى فهم دللت هذه النصوص .
ويظل حال التوافق بين السلم والعلم على المنهج السللتدللي فللي
مسيرة البحث عما في عللالم الغيللب مللن حقللائق ،حللتى تنقطللع الوسللائل
السلتدللية ،عنلدئذ ٍ يقلول العللم :لقلد انتهلت رسلائلي ،ولكنلي ل أملانع
احتمال وجود وسائل أخرى قد يأتي عن طريقها معارف وحقائق داخلة في
عالم الغيللب ،وقللد عجللزت وسللائلي الحسللية والسللتدللية عللن إدراكهللا ،
والحكم عليها بإثبات أو نفي .
وهنا يأتي الدين فيقدم ماعني بالرشاد إليه والتعريلف بله .مملا هلو
داخل في عالم الغيب ،ول تملك الوسائل الحسية والسللتدللية إدراكلله ول
الحكم عليلله بإثبللات أو نفللي ،ول يملللك العلللم النسللاني هنللا إل أن يللذعن
للدين ،أو يقول :ل أدري ،لكني علمت أن ما جللاء بلله الللدين ممللا علمتلله
بوسائلي قد كان حقا .
أما منطقة التكاليف الدينية والتعاليم الشللرعية فهللي أوامللر قيللادة ،
يقصد منها بالدرجة الولى امتحان الرادة فللي مجللال الطاعللة والمعصللية ،
ويكفي فيها باعتبار الصل أن تكون كيفية تتبع ما تراه القيادة دون مناقشة
،إل أن السلم كان فللي أوامللره القياديللة حكيملا ً ،إذ راعللى فيهللا مصللالح
الفراد والجماعات ،وما يحقق لهم سعادة الحيللاة الللدنيا ،إضلافة إلللى مللا
وعدهم به من أجر عظيم ينالونه في الخرة ،إذا هم رعوها حللق رعايتهللا .
وامتثلوا ما جاء فيها .
لكن الناقد )د .العظم( يقول لنا :هذا كلم تقريري منكللم ،ول ينفللع
في إثبات الحقائق مجرد إيراد أقوال تقريرية خطابيللة عامللة ،غيللر مؤيللدة
بدلئل واقعية ،وإذ يقول هذا الكلم يصر على طللرح دعللوى التنللاقض بيللن
السلم والعلم في المنهج الذي يجب اعتماده في الوصلول إللى القناعلات
والمعارف والعلوم .
وحين نتابع كلمه نجده يفتري على السلم بمجللرد الللدعوى فقللط ،
ول يقدم غير كلم تقريري غير مدعم بأي دليل واقعي ،وحينما يللأتي بكلم
يراه دليل ً نجده في الحقيقللة تقريللرا ً جديللدا ً كللذبا ً ،أو مغلفلا ً بمغالطللة مللن
مغالطاته .
هذه هي خطته العامة كما رأينا ،ولكن سنكشف كذبه وافتراءه فللي
قوله لنا :هذا كلم تقريري منكم للتوفيق بين السلم والعلم ،وفي دعواه
وجود التناقض بين السلللم والعلللم فللي المنهللج الللذي يجللب اعتمللاده فللي
الوصول إلى القناعات والمعارف والعلوم .
لو كان هللذا الكلم صللحيحا ً بالنسللبة إلللى تركيللب الكللون وطللبيعته ،
وتاريخ النسللان وحيللاته خلل العصللور ،فمللن أيللن نشللأت الللثروة العلميللة
العظيمة في هذه المجالت عنللد المسلللمين ،والللتي كلانت مصللدر انطلق
الحضارة الحديثة في علومها وبحوثهلا وكشلوفها ومنهجهلا ،بلاعتراف كبلار
علماء هذه الحضارة نفسها ،وباعتراف كبار مؤرخيها .
إن أصغر دارس لعلوم المسلمين يكذب هذه الفريللة ،قللد نجللد فللي
مقدمة كل علم شواهد دينية تحث على دراسة الكللون ،واكتشللاف صللفاته
سللننه ،وقللد نجللد فللي ثنايللاه نصوصلا ً دينيللة تشللير إلللى بعللض
وخصائصه و ُ
المعارف التي اشتمل عليها ،باعتبارها أحد وسائل المعرفللة ،ولكللن ليللس
معنى هذا انحصار منهج المعرفة عند المسلمين بتفسللير النصللوص الدينيللة
وشرحها .
هل علم الكيميلاء اللذي شلق المسلللمون طريقله قللد كلان تفسلليرا ً
لنصوص قرآنية أو نبوية؟ ومعلوم أن هذا العلم من دراسة طبيعة الكون .
هل علم الفلللك الللذي بللرز فيلله المسلللمون قللد كللان مجللرد تفسللير
لنصوص دينية؟ وهذا العلم من دراسة طبيعة الكون .
هل علما الطب الذي أبدع فيه المسلمون قد كان مجرد تفسيرات
لنصوص دينية؟ وهو من دراسة طبيعة النسان وحياته.
هل علم الرياضيات العقلية)الحساب – الجبر – الهندسة( وغيره مللن
العلللوم التجريبيللة والسللتدللية والخبريللة والعقليللة البحتللة قللد كللانت عنللد
المسلمين مجرد تفسيرات لنصوص دينية واردة في مجالتها؟
فما افتراه )د .العظم( علللى المنهللج السلللمي هللراء ظللاهر صللنعته
المغالطللة التعميميللة ،ولكشللف زيفلله وافللتراءاته نفصللل منهللج السلللم
للوصول إلى المعرفة .
)(3
منهج السلم للوصول إلى المعرفة
إن المنهج الذي رسمه السلم للوصول إلى معرفة حقائق المور
هو المنهللج المثللل فللي تاريللخ الفكللر النسللاني ،بتحديللد أصللوله وقواعللده
العامة .
وبعللد هللذا السللاس الول تللأتي قاعللدة كليللة وراءه ،وهللي أن كللل
وسيلة صحيحة تعطينا صورة صادقة عن الواقع والحقيقة هي وسيلة يجللب
العتماد عليها ،والثقة بها في تحصيل المعرفة ،وإذا لم تسللتطع الوسللائل
أن تعطينللا صللورة صللادقة عللن الواقللع والحقيقللة بشللكل قطعللي ،فللإن
الضرورة تدعونا في الواقع النساني إلى قبول الصور التي ترجح مطابقتها
للواقع بصورة ظنيللة ،وذلللك ريثمللا يللأتي مللا هللو أقللوى ،أو تللأتي الصللورة
المطابقة للواقع بيقين .والمرجح الول والخير دائما ً هو الواقع والحقيقة ،
وبهما تقاس النتائج .
ونجد هذا في أوائل متون العلوم التي كتبها المسلمون ،إذ يقللررون
أن العلم هو الصللورة الذهنيللة المطابقللة للواقللع ،أو هللو الدراك المطللابق
للواقع ،وإذ يقلررون أن الصلدق هلو الكلم المطلابق للواقلع ،وإذ يقلرون
جواز العلم بالحتمال الراجح إذا لم يتوافر لنا اليقين .
ومن هذا يتبين لنا أن الواقع على ما هو عليله فلي حقيقلة أملره هلو
المرجع الول والخير للمعرفة في الفكر السلمي ،وما عدا ذلك ممللا للله
صلة باكتساب المعرفة فل يعدو أنه من قبيل الوسائل التي قد توصل إليهللا
.
أفل يحق لنا أن نقول :إن مناهللج العلللوم الحديثللة قللد اقتبسللها مللن
مناهج البحللث عللن المسلللمين ،الللذين أخللذوا بهللا إذ حثهللم السلللم علللى
استخدامها ،للتعرف على الظللواهر الكونيللة ،ومللا فللي عللالم الحللس مللن
حقائق ،ولتكون مادة يستدل منها على قوانين الكون وسننه وخفاياه؟
ولئن أنكر )د .العظم( هذه الحقيقة فقد اعترف بها كت ّللاب كبللار مللن
مللؤّرخي الحضللارة الوروبيللة الحديثللة وعلمائهللا ،وأعلنللوا فضللل حضللارة
المسلمين على الحضارة الحديثة ،في مناهجها وفي نتائجها.1
ف لكشللف إن عرض هذه الحقيقة وحللدها عللن الفكللر السلللمي كللا ٍ
التزييف الحقير الذي صنعه الناقللد )د .العظللم( العميللل لمنظمللات عالميللة
تخدم الصهيونية في الللوطن العربللي ،إذ زعللم أن منهللج الفكللر السلللمي
للوصول إلى القناعات والمعارف عن طبيعة الكون وتركيبه ونشوئه ،وعن
تاريخ النسان وأصله وحياته خلل العصور ،هو الرجوع فقط إلللى نصللوص
معينة تعتبر مقدسة أو منّزلللة ،أو الرجللوع إلللى كتابللات الحكمللاء والعلمللاء
الذين درسوا وشرحوا هذه النصوص .
فلما قرر )د .العظم( فريته عن الفكللر السلللمي وعللن منهجلله فللي
تحصيل المعارف ،وصنع المغالطة كما راق للله ،قللال فللي الصللفحة )(22
وما بعدها من كتابه:
"لذلك نجد أنظار المؤمنين دائما ً موجهة إلى الوراء ،إلى تلك الفترة
التي يعتقدون أنه تم فيها كشف هذه الحقائق والمعارف من قبل الله ،عن
طريق الملئكللة والرسللل ،وينتللج عللن ذلللك أن وظيفللة المللؤمن والحكيللم
والفيلسوف والعالم ليست اكتشاف حقائق جوهريللة جديللدة ،أو اكتشللاف
معارف هامة لم تكن معروفة من قبل ،وإنما العمل للوصللول إلللى نظللرة
أعمق ،وفهم أشمل للنصللوص المنزلللة ،والعمللل للربللط بيللن أجللزاء هللذه
النصوص وتأويلها ،ومن ثم تأويل التأوليات ،حتى تستنبط معانيها الدفينة ،
ويتوصل إلللى الحقللائق والمعللارف الكامنللة فيهللا منللذ الزل ،وهللذا العمللل
ضروري وجوهري استنادا ً إلى الية القرآنية} :وما فرطنا فللي الكتللاب مللن
شيء{ ،فل عجب إذن إذا وجدنا التاريللخ الفكللري للللدين يتللألف دائملا ً مللن
تفاسير وشروح ،وشروح لشروح الشروح".
هللذا مللا قللاله حرفيللا ً ،فهللل ينطبللق علللى واقللع العلللوم الطبيعيللة
والرياضية والنسللانية الللتي دّونهللا المسلللمون ،واكتشللفوا فيهللا وأبللدعوا .
دة الفكر الوروبي الحديث في هذا المضمار؟! وكانوا را َ
إنه كلم ل يقبله أصغر طلبة العلوم السلمية ،أمللا أن يعللرض علللى
العالم السلمي في كتاب مطبوع فللذلك هللو البهتللان المللبين ،والسللتهانة
بعلماء المسلمين ،والستخفاف بالجيال الحديثة الللتي يتصللور الناقللد أنهللا
غللدت تتقبللل كللل زيللف وكللذب ومغالطللات ،دون تحريللر ول تمحيللص ،أل
فليعلم أن في الجيال المسلمة الحديثة مؤمنين مفكرين ،قادرين على أن
يكشفوا الزيف المقنع بالقنعة الكثيرة ،فضل ً عن الزيف المكشوف .
ولما كانت الوسيلة الخبارية وسيلة قد يدخلها الكذب 1أو الوهم فللي
نقل الخبر ،إذا كان المخبر إنسللانا ً عاديلا ً غيللر مؤيللد بللالمعجزة ،أي :غيللر
معصوم عن الكذب أو الخطأ ،وضع السلم منهجا ً دقيق لا ً جللدا ً فللي تحللري
الخبار ،وفي تمييز مستوياتها – ثقة وضبطا ً وفي اتخاذ ما يجب اتخاذه من
احتياطللات وتحفظللات ، -ونهللض علمللاء المسلللمين بللالتحرير والتمحيللص ،
وكان لهم في هذا المجال أدق الضوابط ،وأكثرها سلمة وإتقانا ً ،ل سلليما
ما يتعلق منها بنقل النصوص الدينية ،وأعرض فيما يلي فكرة وجيللزة عللن
منهج السلم بالنسبة إلللى المسللتندات الخباريللة .ليكشللف القللارئ مللدى
مغالطات الناقد )د .العظم( حول منهج السلم.
أما القسلم الول وهلو الخلبر المقطلوع بصلدقه فيجلب قبلوله عقل ً
وشرعا ً ،لنه خبر ل يخللالطه احتمللال الخطللأ أو الكللذب عقل ً ،وقللد أوضللح
السلم أنه ل بد أن يأتي عن أحد مسلكين:
الول :أن يخبر بالخبر جمع من الناس يستحيل في مقياس العقل
السليم اتفاقهم على الكذب فيه ،ويكون ذلك حينما يروي الخبر جمع غفير
من الناس تباينت أغراضهم ،وافترقت مصالحهم وكللانوا بحالللة ل يجمعهللم
فيها على الكذب جامع .
الثاني :أن يرد الخبر على لسان نبي من أنبياء الله تعالى أو رسوله
من رسله ،وقد أحاط الله النبياء والرسل الذين يبلغون عنه بوضللع يجعللل
التسليم بنقولهم وأخبارهم عن الله قضية مقطوعا ً بها عند كللل المنصللفين
من العقلء ،ذلك بسبب مللا صللانهم بلله مللن العصللمة عللن الكللذب وسللائر
المعاصي ،وبسبب ما أيدهم به من المعجزات الباهرات التي ل يأتي بها أو
بمثلهللا إل رسللول مؤيللد مللن عنللد الللله ،ومصللدق مللن قبللله بلسللان حللال
المعجزات ،فالمعجزات التي يجريها الله عللى أيلدي رسلله وأنبيلائه دليلل
قاطع على صدق رسالتهم ،وصدق أخبارهم التي يخبرون بها عن ربهم .
فمتى ورد الخبر عن طريق أحد هذين المسلكين كان مقطوعا ً به
ووجب تصديقه .
أما إذا كان تحديد المعنى غير مقطوع به فإنهم يطلقون عبارتي
"قطعي الثبوت ،ظنللي الدللللة" ،وفللي هللذه الحالللة يجللب التسللليم عقل ً
وشرعا ً بصحة نقل لفظ الخبر ،وتبقى الدللللة فللي مسللتوى الرجحللان ،أو
قيد الدراسة والبحث لتحديد المعنى .
فل تلزم بين كون النص قطعيا ً وكون معناه قطعيا ً أيضا ً ،بل ل بد
في ذلك من اتباع منهج علمي دقيللق أوضللحه علمللاء المسلللمين فللي علللم
أصول الفقه السلمي .
من أجل ذلك ليس لحد أن يغللالط فللي دللت النصللوص القاطعللة ،
اعتمادا ً على ثبوت لفظها ثبوت لا ً قطعي لا ً ،إن لفهللم النصللوص منهج لا ً دقيق لا ً
وضع له علماء المسلمين علما ً قائما ً بذاته ،إنه علم أصول الفقه .
وأما القسم الثاني وهو الخبر الذي يترجح صدقه على كذبه فهو خبر
يوثق به في منهج السلم وثوقا ً ترجيحيا ً ،قابل ً لحتمال النقض أو التعللديل
بدليل أقوى منه ،ول يوثللق بلله وثوق لا ً إلزامي لا ً قاطع لا ً ،لحتمللال الخطللأ أو
الكذب فيه ،وإن كان بحسب الظاهر احتمال ً ضعيفًا.
وأما القسم الثالث :وهو الخبر الذي يترجح احتمال كذبه على
احتمال صدقه ،فهو خبر معزول عن الثقة به عزل ً ترجيحي لا ً قللابل ً لحتمللال
التوثيق بمعاضدة أدلة أخرى ،ول يرفض رفضا ً نهائيلا ً مبتوتلا ً بلله ،لحتمللال
براءته من الكذب أو الخطأ ،وإن كان بحسب الظاهر احتمال ً ضعيفا ً .
وأما القسم الرابع وهو الخبر المقطوع بكذبه حسا ً أو عقل ً فهو خللبر
مرفوض بصفة قطعية .
ولكن قد يكون الكذب في رواية اللفظ فقللط ،مللع صللحة المعنللى ،
وفي هذه الحالة ل نرفض المعنى من أجل ثبوت الكللذب فللي اللفللظ ،بللل
نقتصر على رفض اللفظ فقط ،وننظر إلى المعنى مللن خلل أدلللة أخللرى
خبرية أو حسية أو استدللية .
وأما القسم الخامس وهو الخبر المشكوك فيه ،أي :ما استوى فيه
طرفا التصديق والتكذيب من غير رجحان لحدهما على الخر ،فهو خللبر ل
يحكم عليه بإثبات ول بنفي ويوضللع قيللد الدراسللة والبحللث ،حللتى يللرد مللا
يرجح تصديقه أو تكذيبه .
وقد تكفل علم مصطلح الحديث بتحديد هذا المنهج وتحريره وبيانه ،
فلت كتب تراجم الرجللال ببيللان وتفصيل مسالكه على أحسن وجه ،كما تك ّ
أحوالهم وأوضاعهم ،ودرجة الثقة برواية كل منهللم ،والعصللر الللذي عللاش
فيه ،إلى غير ذلك مما تستدعيه أصول البحث السليم .
إن بعض الموضوعات تحتاج إلى قوة فللي المسللتند الخللبري ترتقللي
إلى مرتبة اليقين الذي ل يقبل احتمال الخطأ ،وبعضها يكفي فيه دون ذلك
.
-1فالنقل المباشر عن اللوحي شلرطه النبلوة المسلتجمعة لصلفتي
العصمة والتأييد بالمعجزة .
-2والمستند الخباري الذي ينقل لنا نص آية قرآنية ،أو يثبت لنا
عقيدة من عقللائد الللدين ،أو أصلل ً مللن أصللوله الولللى ممللا يكفللر جاحللده
يشترط فيه التللواتر ،أي يشللترط فيلله القطعيللة الللتي ل تتعللرض لحتمللال
الخطأ أو الكذب .
فإذا لم ينقل النص القرآني بمستند إخباري قطعي لم يثبللت قرآنللا ً ،
وإذا لللم تنقللل عقللائد الللدين وأصللوله بمسللتند إخبللاري قطعللي لللم يكفللر
جاحدها ،ما لم يكن لها دليل قاطع آخر .
-3وإثبات التهام بالزنى يحتاج في أدنى الحدود إلى قوة ترجيح فللي
المستند الخباري تتألف من أربع وحدات إخبارية صحيحة .
-4وإثبات الحقوق بين الناس يحتاج إلللى قللوة ترجيللح فللي المسللتند
الخباري تتألف من وحدتين إخباريتين صحيحتين .
-6والخبار التي تتضمن مصلحة الشخص الذي يرد إليلله الخللبر فللي
أمر من أموره الخاصة في حيللاته ،دون أن تتضللمن هضللما ً لحللق آخللر ،أو
اتهاما ً له ،أو إساءة لحد ،أو مخالفللة لمللر مللن أمللور الللدين ،يكفللي فيهللا
انفتاح النفس لقبللول صللحة الخللبر ،والقتنللاع بلله ،دون النظللر فللي حالللة
المخللبر وصللفته ،لن موضللوعه ل يتطلللب أكللثر مللن اتخللاذ الحتياطللات
والسللباب اللزمللة لللدفع الخطللر أو القللرار منلله ،أو اقتنللاص المنفعللة
المرتقبة .
فهل يجد الناقللد )د .العظللم( أو غيللره مللن أعللداء السلللم فللي هللذا
المنهج الذي أبدع فيه الفكر السلمي أيما إبداع ثغرة يعلق عليهللا بانتقللاد؟
علما ً بأننا لم نرسم في بياننا هذا غير الخطوط العريضة له .
ولدى اختلف نتائج وسائل المعرفة حول فكرة واحدة ،أو اختلف
نتائج الباحثين في حدود وسيلة واحدة ،يجب التوقف عن الجزم والقطللع ،
ويقضي المنهج المثل بمتابعللة البحلث فلي كلل الوسلائل الممكنلة للظفلر
باليقين العلمي ،ول يمنع هذا مللن العمللل فللي تطبيقللات الحيللاة بمقتضللى
النتائج ،ولكل باحث أن يعمل بما ترجح لديه ،دون أن ُينحي باللئمة علللى
من خالفه ،لحتمال أن يكون هو المخطئ ل من خالفه فيما توصللل إليلله ،
ما لم يظهر فساد الرأي المخالف بيقين ،أو برجحان شبيه اليقيللن ،وعنللد
الظفر باليقين العلمي عن طريق أيللة وسلليلة مللن وسللائل المعرفللة يتللبين
فسللاد كللل الراء المخالفللة للله ،ويحكللم عليهللا عنللدئذ ٍ بللالمحو مللن ديللوان
المعرفة ،وبالعزل عن مجالت النظر .
ولهللذا أمثلللة فللي الواقللع العلمللي ،لقللد سللبق فللي تاريللخ المعرفللة
النسللانية أن دليللل الحللس البصللري قللدم لنللا صللورة حسللية عللن شللروق
الشمس وغروبها ،فقللرر المشللاهدون المبصللرون أن الشللمس هللي الللتي
تتحرك وتسير في السماء من الشرق إلى الغرب ،وأن الرض ثابتة .
وهنا نلحظ وجود التناقض بين النتيجة الللتي قللدمها الحللس البصللري
والنتيجة الخرى التي قدمها الستدلل العقلللي ،وقللام الجللدل بيللن أنصللار
شهادة الحس البصري ،وأنصار شهادة الستدلل العقلي .
وكان على النسان أمللام هللذا التنللاقض فللي النتللائج أن يعيللد النظللر
لستبانة المخطئ من الوسلليلتين للظفللر بللاليقين العلمللي ،نظللرا ً إلللى أن
أمارات العقل لم تقدم في حدودها الولى يقينا .
ولدى إعادة النظر تبين للنسان وجود احتمال كون الحللس البصللري
هللو المخطللئ ،وذلللك حيللن دخللل محطللة انطلق قطللارات سللكة الحديللد
،وركب في أحدها ،وكان في جواره قطار ساكن ،ولما انطق القطار الذي
هو فيه خللدعه حسلله البصللري فحسللب أن القطللار المجللاور للله هللو الللذي
انطلق ،وكلان هلذا ملن الحلس البصللري شلهادة مخطئة ،ثلم لمللا انطللق
القطار بعيدا ً تبين له أن الحقيقة بخلف ما حسبه من قبل .
وبهذه المراجعة الولى بدأ النسان يشك بشهادة حسه البصري عللن
الحركة ،وبدأ يترجح لديه جانب الستدلل العقلي في هذا الموضللوع ،دون
أن يستطيع كثير من الباحثين تقللديم يقيللن كامللل فللي أول المللر يثبللت أن
الرض هي التي تدور حول نفسها ،وأن الشمس بالنسبة إلى هذه الحركللة
بالذات ثابتة .
وتابع البحث العملي خطواته ،وصلعد النسلان إللى الجلواء العليلا ،
وتحرر من سلطان خللداع الحسللب البصللري علللى سللطح الرض ،وتحقللق
بالمشاهدة البصرية النتيجة التي قدمها السللتدلل العقلللي ،وأثبللت بيقيللن
علمي أن الرض هي التي تدور حللول نفسللها فللي كللل يللوم مللرة ،وبللذلك
تفسر ظاهرة الليل والنهار ،وأنها تدور حول الشمس في كل عام شمسي
،وهو السبب في كثير من الظواهر التي تحدث في الرض .
وهكذا لما برئت شهادة الحس البصري من علللة الخطللأ الللتي كللانت
واقعة فيها اتحدت النتيجة ،فكان ما أثبته الحس عيللن مللا أثبتلله السللتدلل
العقلي ،ووصل النسان إلى معرفة هذه الحقيقة إلى مرتبة اليقين .
أما النصوص الدينية في هذا المجللال فل نجللد فيهللا نصلا ً ثابتلا ً قللاطع
الدللة على ما يخلالف هلذه الحقيقلة اللتي أثبتهلا السلتدلل العقللي ،ثلم
شهدها الحس لما تحرر من منطقة الخداع البصري ،بل نجد في النصوص
الدينية ما يفهم من عمومها دللت توافق مللا انتهللى إليلله دليللل العقللل ثللم
دليللل الحللس ،وحيللن نجللد بعللض العلمللاء السللابقين قللد فهمللوا مللن هللذه
النصوص فهما ً مخالفا ً لهذه الحقيقة فما علينا إل أن نصحح فهمهم ،ونعيللد
النظر في اجتهادهم ،لن النصوص الدينية المبلغللة عللن الللله بطللرق ثابتللة
يقينيللة ل يمكللن أن تكللون دللتهللا الصللحيحة مناقضللة للحقيقللة والواقللع ،
وعمليللة المراجعللة هللذه ل تمللس النصللوص الدينيللة ذاتهللا ،وإنمللا تمللس
المفاهيم الجتهادية التي فهمها مجتهدون ليسللوا بمعصللومين عللن الخطللأ ،
على أن كثيرا ً من العلماء المسلمين السابقين قد فهموا من هذه النصوص
الدينية مفاهيم تتفق مع النتيجة العلمية التي انتهت إلهيا وسائل السللتدلل
العقلي والدراك الحسي .
ح َ
كم على كل وسائل الستدلل . والواقع في كل الحوال هو ال َ
)(5
وما أعتقد أنه يجهل هذه الحقائق كلها أو بعضها عن السلم ومنهجه
العلمي ،ولكن المبطلين كثيرا ً ما يعرفون الحللق إل أنهللم يراوغللون عنلله ،
ويحاولون طمس وجهه المشرق الجميل ،لنه يخلالف أهلواءهم ول يحقلق
لهم ما يشتهون ،وهذه هي علتهم النفسية .
لما زعم الناقد )د .العظم( أن المنهج الذي اعتمده السلم للوصول
إل المعارف والعلوم والقناعات عن الكون وتركيبه وطللبيعته ،وعللن تاريللخ
النسان وأصله وحياته خلل العصور هو الرجللوع فقللط إلللى نصللوص دينيللة
معينة تعتبر مقدسلة أو منزللة ،ورتلب فريتله كملا اشلتهى ،وخلالف فيملا
ادعاه حقيقة المنهج السلمي الذي وضللحت لنللا خطللوطه الكليللة العامللة ،
وأدخللل فللي كلملله مغالطللات مكشللوفة ،أورد تعليقللة التللالي فقللال فللي
الصفحة ) (23من كتابه:
ففي هذا النص القرآني دعوة آمرة للبحللث العملللي فللي السللماوات
والرض عن طريق النظر ،ل عن طريق تفسير النصوص .
في هذا النص دعوة إلى البحث العلمي في الرض وفي النفس
النسانية للتعرف علللى آيللات الللله فيهمللا ،وهللذا البحللث العلملي ل بللد أن
يعتمد على وسائل الدراك الحسي والستدلل العقلي .
فهل بعد هذا تبقى أية قيمة لفتراءات الناقد )د .العظم( ؟
إن مثل هذا الفتراء ل يدخل إلى على الجاهلين بالسلللم ،والغللرار
المضللين ،أما من قرأ شيئا ً عن السلم مما كتبه كتاب مسلمون ،أو مللن
المصادر السلمية المعتمدة فللإنه يسللتطيع بسللرعة أن يكشللف زيللف هللذا
الكلم وما فيه من أباطيل .
)(6
نقل ً من كتاب "منهج التربية السلمية" للستاذ محمد قطب . 1
يقول الناقد )د .العظم( في الصفحة ) (24من كتابه:
"هناك تشابه بين الدين والعلم في أن كليهما يحاول أن يفسر
الحداث ،وأن يحدد السباب .إن الدين بديل خيالي عن العلم ،ولكن تنشأ
المشكلة عندما يدعي الدين لنفسه ولمعتقداته نوعا ً مللن الصللدق ل يمكللن
لي بديل خيالي أن يتصف به".
إن أي ناظر فللي هللذا الكلم )العظمللي( ل يللرى فيلله أي شلليء مللن
النقد العلمي ،ومللا زعملله دليل ً فيمللا كتبلله حللول هللذا الموضللوع سللبق أن
كشفنا زيفه .
إذا كان يريد نقدا ً علميا ً صيحا ً فما باله يعطي من عنده تقريرا ً يلقيلله
جزافا ً من غير أي دليل صللحيح ،ويتهللم فيلله الللدين بلأنه بلديل خيلالي علن
العلم؟
إنه لمر طلبيعي فلي الملحلدة – بعلد أن جحلدوا وجلود اللله تبلارك
وتعالى وهو مصدر الدين والمنزل لتعاليمه -أن يعتبروا مللا جللاء فللي الللدين
من أخبار صادقة أمورا ً خياليللة ،وأن يتهمللوا الللدين بللأنه بللديل خيللالي عللن
العلللم ،لكللن الللبراهين العلميللة نفسللها تلزمهللم باليمللان بللالله لللو كللانوا
مخلصين حقيقة للعلم ،إنهم يهربون من الدين إلى التذرع بالعلم ،وحينمللا
تردهم البراهين العلمية إلللى الللدين يراوغللون ويخللادعون ،فيللترددون فللي
منطقة مظلمة ل تشرق عليها أنوار الللدين ول تشللرق عليهللا أنللوار العلللم ،
ويعصبون أعينهم عن الحقيقة وينادون بالنكار ،والنكار موقف سلبي تجاه
الحقيقة ،ل يكلف صاحبه أكثر من كلمة :ل أعترف ،أو أنكللر ،أو أجحللد ،
أو هذا غير صحيح ،أو العلللم ل يقبللله ،أو العقللل ل يقبللله ،أو نحللو ذلللك ،
ف، وكلما جئته بدليل عقلي أو علمي قال :ل أسلم ،أو هذا دليل غيللر كللا ٍ
أو لم يعطني قناعة كافية .
ولكن إذا للم يكلفلله النكللار غيللر مثللل هللذه القللوال عنللد المنللاظرة
فسيكلفه الكللثير الكللثير عنللد الجللزاء العللادل ،وسلليكلفه خسللارة سللعادته
البديللة ،وحمللل ثقللل الشللقاء الخالللد مللع العللذاب الليللم ،دون أن يحقللق
لنفسه أي كسب في الحياة الدنيا من موقفه السلبي النكاري .
لقد كان من الهون عليه يوم الجزاء لو آمن وعصى ،وعّرض نفسه
مى نفسه من عقاب الكفللر الللذي ل نهايللة للله ، ح َ
لعقاب العصيان فقط ،و َ
هذا إذا كان الدافع له إلى سبيل الكفر رغبته بالفجور ،والنطلق في تلبية
أهوائه وشهواته .أمللا إذا كللان العنللاد والكللبر همللا الللدافع للله إلللى اللحللاد
والكفر فهذا شيء آخر ل دواء له إل التنازل عن الكبر والعنللاد ،أو ليتحمللل
نتيجة كبره وعناده .
وحين قال )د .العظم(" :إن الللدين بللديل خيللالي عللن العلللم ،ولكللن
دعي الدين لنفسه ولمعتقللداته نوع لا ً مللن الصللدق ل تنشأ المشكلة عندما ي ّ
يمن لي بديل خيالي أن يتصف به".
فقد اعترف ضمنا ً بأنه ل يمكن لي بديل خيالي أن يظفر بالثقة التي
يظفللر بهللا الللدين ،بمللا فللي ذلللك الراء اللحاديللة الللتي يجهللد الملحللدون
بزخرفتها وتزيينها ،ومد الصبغة والطلءات عليها .
وحينما يخبر الللدين بأخبللار صللحيحة ثابتللة يقينيللة عللن أمللور غيبيللة ل
تستطيع الوسائل النسانية التوصل إليها بإثبات أو نفي ،فهللي أخبللار ليللس
من حق العلم النساني أن ينفيها ،ولكن لما ثبت أن الللدين مللن عنللد الللله
،وثبت ببرهان المعجزات صدق الرسول ،ورأينا صدق الخبار الدينية الثابتة
في كل المور التي استطاع العلم بوسائله النسللانية التوصللل إليهللا ،كللان
كل ذلك شهادة بأن الخبار الخرى عن أمور الغيب وحللق وصللدق ،ويجللب
اليمان والتسليم بها .
)(7
ولذلك فهو يصطنع أسسا ً وهمية لما يريد أن يثبتلله ،ثللم يبنللي عليهللا
أبنيللة خياليللة ل وجللود لهللا إل فللي رؤوس أصللحابها ،أو فللي رؤوس الللذين
ينخدعون بأقوالهم ،ويسلمون بها دون محاكمة علمية منطقية رصينة .
يا عجبا ً ،وأية علقة للتقدم الصناعي بموضلوع إثبلات اللله أو نفيله؟
وأية علقة أيضا ً للتجاهات الثورية في المجتمللع والقتصللاد بهللذا الموضللوع
نفسه؟
لكنه صاحب مذهب معين أعماه التعصب لمذهبه ،فصار يحشر كل
العبارات التي يرددها رفاقه في كل مكان ،ولو لللم يكللن لهللا أدنللى علقللة
بالموضوع ،حتى لو رأى العالم الطبيب الجراح في غرفة العمليات يجللري
عمليللة خطيللرة فللي القلللب لقللال للله :مللا هللذه العمليللة الرجعيللة ؟ إن
التجاهللات الثوريللة فللي المجتمللع والقتصللاد تتطلللب الرجللوع قبللل إجللراء
العمليللة إلللى مفللاهيم الحللزب الثللوري الللذي بنللى علللى المعرفللة العمليللة
والمناهج الثورية في تقصللي المعرفللة .ولللو رأى الم ترضللع ولللدها وتحنللو
عليه وكان هو ل يرغب بذلك لطلق العبارات نفسها ،فقللال لهللا :مللا هللذا
التخلللف؟ إن التجاهللات الثوريللة فللي المجتمللع والقتصللاد المبنيللة علللى
المعرفة العلمية والمناهج الثوريللة فللي تقصللي المعرفللة تتنللاقض ملع هللذه
العملية الرجعية السحيقة في القدم تناقضا ً كليا ،فعمليللة إرضللاع المهللات
أطفالهن تطبيق مناقض للعلم والتجاهات الثورية ،وهي قائمة على تصللور
باطل للكون والحياة والنسان ،ل سيما نظرية التطور ،والثورة الفرنسية
،والحقائق العلميللة الللتي اشللتمل عليهللا كتللاب "أصللل النللواع" لللداروين ،
وكتاب "رأس المال" لكارل ماركس.
فهو كلما رأى شيئا ً يخالف مذهبه الباطل أو يخالف هللواه جللاء بهللذه
العبارات نفسها فرددها دون وعي لمضمونها ،ودون ملحظللة أيللة مناسللبة
بينها وبين الموضوع الذي يستعملها فيه.
ي
وقد ذكرني هذا بقصة الثري الغبي وبللائع الببغللاء ،قللالوا :م لّر ثللر ٌ
غبي على بائع الطيور النادرة فوجده يعرض للبيع ببغاء تتكلللم كللل شلليء ،
حتى إنها تتكلم بمختلف اللغللات ،فتعلقللت نفللس الللثري الغللبي بشللرائها ،
ولكنه أراد أن يستوثق من البائع عن صحة دعواه ،فقال له البللائع الخللبيث
سل الببغاء فإنها تجيبك .فقال الثري لها :يا ببغلاء أحقلا ً أنللك تتكميللن كلل
اللغات؟ فأجابته الببغاء :وهل أنت فللي شللك مللن ذلللك؟ فقللال لهللا :فهللل
تتكلمين الفرنسية فقالت له :وهل أنت فللي شللك مللن ذلللك؟ فقللال لهللا :
والنكليزيلة؟ فقلالت لله :وهلل أنلت فلي شلك ملن ذللك؟ فانخلدع بلالمر
فاشتراها بثمن عظيم إذ استغل البائع الخلبيث غفلتله .ولملا انصلرف إللى
بيتلله دعللا أقرانلله مللن الوجهللاء والعيللان ليطلعهللم عللى تحفتلله الجديللدة ،
وأخرجها إليهم وقال لهم :كلموها تجبكم بكل شيء ،فجعلوا يكلمونهللا فل
تجيب إل بقولها :وهل أنت في شك من ذلك؟ عندئذٍ قال لها الللثري :لقللد
ت غبيا ً جدا ً بل حمارا ً إذ اشتريتك أليس كذلك؟ فقالت له :وهل أنت فلي كن ُ
شك من ذلك؟
وهذا هو الجواب الوحيد الذي صدقت بلله ،ومللا كللان لهللا أن تصللدق
بغيره ،لن بائعها لم ُيعلمها غير هذه العبارة .
لذلك فل عجب أن نجللد مللن نحللن فللي صللدده متهافتلا ً فللي كلملله ،
متخبطا ً في أفكاره ،يلبس بنطاله من يديه ،ويلبس معطفلله مللن رجليلله ،
ويجري التبادل المضحك بين ألبسة الرؤوس والقدام .
أكل المشكلة الخاصة الللتي زعللم سلليادة الناقللد أنهللا تحللدث القلللق
والتوتر هي أن يعتقد المثقف العصري بآدم وحواء ،وبالجحيم والنعيم ،أي
بقانون الجزاء الرباني ،وبالمعجزات الللتي يجريهللا الللله علللى أيللدي رسللله
ليشهد لهم بصدقهم فيما يبلغون عنه؟
ما هو مدى تأثير هللذه العقللائد علللى أي تقللدم فللي الصللناعة أو فللي
الفيزيلللاء ،أو فللي الكيميلللاء أو فلللي الطلللب والزراعلللة ،أو فلللي الفللللك
والرياضيات أو في التكنولوجيا أو في أي مجال نافع من مجالت الحياة؟
هل إنكار آدم وحواء يمثل قاعدة الرتقاء فللي المعرفللة ،فمللن آمللن
بهما توقف ومن أنكرهما وارتقى؟
هل تنحل مشكلة القلق والتلوتر إذا هلو آملن بجلد ّ ملن القلرود بلدل
آدم ،وبجدة قردة بدل حواء؟
هل اليمان بالخرة وقانون الجزاء الرباني للتزام فعل الخيللر وتللرك
الشر يعتبر معوقا ً من معوقات التقدم العلمي والصناعي؟ وهل الكفر بهما
يعطي شحنة دافعة للتقدم العلمي والصناعي ؟
إن ما زعمه الناقد )د .العظم( فيما أسماه بالمشللكلة الخاصللة الللتي
تحدث في نفس المثقف ثقافة علمية توترا ً وقلقا ً ،حينمللا يحللاول التوفيللق
بين عقائده الدينية ومعارفه العلميللة يشللبه مشللكلة المدينللة الللتي داهمللت
الجيوش الغازية أسوارها ،وأهلها ل يخرجون للللدفاع وصللد الغللزاة ؛ لنهللم
يعانون توترا ً فكريا ً وقلقا ً خطيرا ً حول السؤال التالي :هل وجللود الدجاجللة
كان سابقا ً لوجود البيضة؟ أم وجود البيضة كان سابقا ً لوجود الدجاجة؟
الواقع أنه ل توجللد حقللائق علميللة تنفللي آدم وحللواء وقصللتهما ،أمللا
الداروينية فإنها فرضية ل تمثل الحقيقللة مللن جهللة ،ول تملللك أدلللة إثبللات
صحيحة ،ول تستطيع أن تنقض خلبرا ً دينيلا ً ،أو تقلوى عللى ملا يفهلم ملن
ظاهره حتى نلجأ إلى تلأويله بملا يتفلق ملع الحقيقلة العلميلة ،للذلك فلإن
المؤمنين بالدين ل يعانون تناقضا ً في هلذه المسلألة بيلن عقيلدتهم الدينيلة
ومفاهيمهم العلمي ،إنهم يقولون للعم :تابع بحثك حتى تصل إلللى اليقيللن
العلمللي ،الللذي ل يرتبللط بتقللدم فللي المعرفللة أو فللي الصللناعة ،أو فللي
الختراع والبداع ،أو فللي الحضللارة وسللعادة النسللان ،وليللس مللن شللأن
الخلف العلمي فيها أن يحدث قلقا ً وتوترا ً ،حتى يعطيه سليادة الناقللد كلل
هذه الهمية .
ولكن كيف يجد الملحدة مشكلت يهزون بها واقللع الصللدقة المتينللة
بين السلم والعلم؟ إنهم إذا لم يجدوها فللي الواقللع فل بللد أن يصللطنعوها
بالتزوير والكذب ،وبإيجاد النظريات التي ينسبونها إلى العلم ،والعلم منها
خرون لترويجها عناصر كثيرة يشترونها بوسائلهم المختلفة . بريء ،ويس ّ
فل نزاع بين العلم والدين ،ولكن النزاع بيللن اليمللان العلمللي وبيللن
الكفر الجاهل المخادع الذي يلبس أثواب العلم زورا ً وبهتانا ً .
وأما معجزات الرسل فقضية تتصل بقدرة الله الخللالق القللادر علللى
تغيير ما يشاء من أنظمة كونه ،لثبات قضية اليمان لعباده وتصديق رسله
فيما يبلغون عنه ،وهذه قضية ل تتعارض مع العقل ول مع العلم الصحيح .
)(8
"إذا صح قول الدكتور الصالح بأن الباحث يجد في السلللم مللا يريللح
قلبه وأعصابه ،ويرضي فكللره وفلسللفته ،حللول النسللان وطبيعللة الحيللاة
وحرية الرادة ضمن المشلليئة اللهيللة ،تكللون المشللكلة قللد انحلللت أصلل ً
وسلللفا ً ،ول داعللي لكللل هللذا الضللجيج حللول انسللجام السلللم مللع العلللم
الحديث ،وكل هذا الهجوم علللى اللحللاد والملحللدين ،وكللل هللذا الهتمللام
والجدل والنقاش حللول مشللاكل الشللباب المسلللم ،أمللام تحللديات الحيللاة
العصرية والقرن العشرين".
ل يخفى على أي ناظر مللا فللي هللذا الكلم مللن سفسللطة واضللحة ،
ومغالطة مكشوفة .
إن الضجيج يأتي من غوغائية الملحدين ،الللذين يحللاولون أن يقيمللوا
الحرب بين السلم والعلم ،ليفتنوا الشاب المسلم عن دينهم ول يأتي من
قبل الباحثين السلميين ضد العلم الصحيح ،ولئن وجد شيء من الضللجيج
من قبل بعض المسلمين فهو ضد النظريات المدسوسة على العلم ،وهللي
تخالف العقائد والمفللاهيم السلللمية ،علللى أن هللذه النظريللات ل يتحمللل
العلم اليقيني وزرها .
ومن هنللا تللأتي سفسللطة )العظللم( فبينمللا يكللون البحللث فللي دائرة
التحليللل للحقلائق علللى مسللتوى النظللرة المجللردة ،البعيللدة علن الحللدود
الضيقة لراء الناس ،إذا به يستدل بآراء الناس المختلفة ،لثبات ما ادعاه
حول طريقين من طرق المعرفة ،ومغالطته هنا تقوم على أساس التعميم
العجيب بين الدين ومفاهيم المجتهدين على اختلفهللم وجمللاهير المتللدينين
من جهة ،ويجعل كل أولئك حزبلا ً متكللافل ً متضللامنا ً ،وبيللن العلللم اليقينللي
والنظريات والفرضيات المنسوبة إلى العلم بغير حق ،وجمللاهير المللاديين
والملحدة من جهة أخرى ،ويجعل كل هذه حزبا ً متكافل ً متضامنا ً .
مع أن حقائق العلم هي التي تقارن بها حقللائق السلللم ،ول تقللارن
حقللائق السلللم بالنظريللات والفرضلليات ومللذاهب المللاديين غيللر الثابتللة ،
وأهواء الملحدة الذين يحاولون أن يتخذوا من العلم دريئة لهللم ،فل يقللدم
لهم غير فرضيات احتمالية ل دليللل عليهللا .هللذه ليسللت بعلللم وإن سللماها
أصحابها علما ً ،وحينما يوجد بينها وبين حقللائق الللدين تنللاقض فهللو تنللاقض
يشرف الدين ويرفع من قيمته ،ويجعله مزيجا ً من حقائق وظنون وأوهام.
وفي مقابل كل هذا فإن حقائق السلم هي التي تقللارن بهللا حقللائق
العلم ،ول تقارن حقائق العلم بظنون المجتهدين ،أو بللأغلط المخرفيللن ،
على أنها من جوهر الدين ،ول تقارن أيضا ً بأهواء أصحاب الضلللت الللذين
ينتسبون إلى الدين ،ويحاولون أن يتخذوا منه دريئة لهم ،ليحموا أنفسللهم
ومصالحهم ويبرروا ضللتهم .
إن قضية البحث العلمي ليست بمثل السهولة التي أراد أن يصللورها
)د .العظم( بهللا ،فيتخللذ مللن التعميللم الفاسللد أحكاملا ً وهميللة باطلللة ،إن
البحث العلمي يحتاج إلى تحليل عناصر الموضوع المطروح للبحللث ،وبعللد
تحليل العناصر يحكم على كل جزء مهما صغر بالحكم الملئم له.
إن العلللم ل يحمللل أباطيللل الملحللدين ول ُيعتللبر مسللؤول ً عنهللا ،ول
يحمل ظنون المخطئين ول ُيعتبر مسؤول ً عنها .وكذلك الدين فإنه ل يحمل
أباطيل المخّرفين ،ول يعتبر مسؤول ً عنهللا ،ول يحمللل أخطللاء المجتهللدين
ول يعتبر مسؤول ً عنها .
فحينما يقام جدل بين جبهة المتدينين وجبهللة غيللر المتللدينين فللإنه ل
يمثل جدل ً ونزاعا ً بين الدين والعلم ،وإنما يمثل جدل ً ونزاع لا ً بيللن منتسللب
إلى العلم بالباطل وبين منتسب إلى الدين بغير حق ،أو بين منتسللب إلللى
العلم بالباطل وبين الدين الحق ،أو بيللن منتسللب إلللى الللدين بغيللر الحللق
وبين العلم الحق .أما الدين الحق والعلم الحق فل نللزاع بينهمللا ول جللدال
في الحقيقة .
-3ما يبدو من تناقص بين ما ينسب إلى الدين وما ينسب إلى العلم
،فإنه ل يخلو إما أن ما نسب إلى العلم أمر باطل أو ما نسلب إللى اللدين
أمر باطللل أو فهللم خللاطئ ،أو كل ّ
ل ممللا نسللب إليهمللا فاسللد النسللبة غيللر
صحيح ،وفي هذه الحوال يجب متابعة البحث لتصحيح الخطللأ فيمللا نسللب
إلى العلم أو فيما نسب إلى الدين .
إنها لمفارقة عجيبة ،بل إنها لوقاحة عجيبللة!! وهللذه الوقاحللة سللمة
كل المبطلين المصرين على باطلهم ولو عرفوا أنه باطل .
"في الواقع يفتقر كلمهم حتى لكثر أدوات التحليل الفكري بدائيللة ،
كما يفتقر إلى أبسط القواعد المنهجية فللي التمحيللص والتفكيللر العلمللي ،
حتى قواعد )ديكارت( في منهج البحللث السللليم الللتي وضللعها فللي القللرن
السابع عشر وأصبحت أمورا ً بدائية وفجة جدا ً في عصرنا ل نجد لها أي أثللر
في أبحاث الموفقين الخطابيين .من قواعللد )ديكللارت( الساسللية :طللرح
المشكلة المراد حلها بالتحديد ،ومن ثم تقسيمها بصورة منتظمة إلى عدد
من القضايا الجزئية التي تتكون منهللا ،ومللن ثللم معالجللة الجللزاء البسللط
استعدادا ً للنتقال إلللى المسللألة الكللثر تعقيللدا ً وتركيبلا ً ،إلللى آخللر القصللة
الديكارتية المعروفة حتى في المدارس الثانوية".
هذا كلم الناقد )د .العظم( عن المنهج الديكارتي ،والذي أصبح فللي
نظره من المور البدائية والفجة ،وجاء بعده ما هو أدق منه وأكمل .
إن مناقشاته لتفتقر إلى أبسط أصول الفكر النساني الموجودة عند
الشعوب البدائية فضل ً عن الشعوب المتقدمة حضللاريًا ،فض لل ً عللن معاهللد
العلم والدراسة ،فضل ً عن المستوى الكاديمي ،فأين هو مللن تطللبيق مللا
يعرف؟.
لكن التعصب للباطل والصرار عليه يجعلن النسان يخرج حتما ً عن
دائرة المنهللج السللوي ،ويجعلنلله متخبطللا ً فللي مناقشللاته ،سللاقطا ً فللي
مناظراته ،متهافتا ً في كلمه .إن المنهج السوي ل يقللدم لقللواله الباطلللة
أدلة إثبات ،لذلك فهو مضطر إلى أن يلجأ إلى المراوغة والحيلة والكذب ،
وهذه ل تقع ضمن خريطة المناهج الفكريللة السللليمة ،ول تسللتقيم مللع أي
منطق عقلي .أين التحليل؟ وأين تجزئة المشللكلة إلللى عللدد مللن القضللايا
الجزئية التي تتكون منها؟ ما أصللدق تطللبيق المثللل العربللي عليلله "رمتنللي
بدائها وانسلت"!فما يرتكبه هو من الخروج عن منهجه المعرفللة الصللحيحة
والمناقشة السليمة ،يقلذفه عللى أنصلار الحلق اللذين يعلنلون مفلاهيمهم
على الجماهير ،بالساليب التي تفهمها هذه الجماهير ،إذ ليس باسللتطاعة
الجماهير أن تشارك في مناقشة القضايا الجزئية مناقشة البحث العلمللي ،
وإنما ُتطلب من الباحثين تقديم نتائج بحوثهم .
لكن العجب كل العجب أن يلأتي الناقللد )د .العظلم( وملن هلو عللى
شاكلته فيتصللدى للجللدل النقللدي ،ثللم ل يجللادل إل مللن مواقللع النحللراف
الخطيللر عللن المنهللج الللذي يللدعو خصللومه للللتزامه ،ينهللي خصللومه عللن
مستوى التعميمللات الخطابيللة ،ويسللتخدم تعميمللات المغالطللة!!! يطللالب
بالتحليل الدقيق للمشكلة وبتقسيمها إلى عللدد ملن القضللايا الجزئيلة الللتي
تتكون منها ،ثم يأتي هو إلى قضايا متعددة في أصلها ،فيضمها في قضللية
واحدة ويصدر عليهللا حكملا ً واحللدا ً .يطللالب بللالتزام قواعللد ديكللارت الللتي
أصللبحت فلي نطللره أمللورا ً بدائيللة وفجللة جللدا ً فللي عرنللا ،ثللم يرمللي فلي
مناقشاته بكل قواعد ديكارت وبكللل القواعللد المنطقيللة رمللي النللواة ،فل
يلتزم شلليئا ً ،ول يأخللذ بللأي واجللب مللن واجباتهللا ،ويتظللاهر مللع كللل ذلللك
بالغيرة على الحقيقة والمانة العلمية ،أهذه هي المانة العلمية لللديه؟ أفل
يكون منسجما ً مع نفسه ومع قواعد البحث العلمي السليم ،قبل أن يللدعو
خصللومه للللتزام قواعللد البحللث العلمللي السللليم ،علللى أنهللم فللي أغلللب
أحوالهم ملتزمون ،وحينما يبصرون بالخطأ يتراجعون .
أيها الملحدون ل تلبسوا أثواب العلم فلإن العلللم الصللحيح لللن ينصللر
إلحادكم وكفركم بخالقكم وإنكاركم لليوم الخر ،وإنكاركم لنشأتكم الولى
،وجحودكم لمصدر وجودكم ،واستهانتكم بمسؤولياتكم في حياتكم الدنيا ،
إن العلم الحق نصير لقضية اليمان ل لقضية الكفر ،وأما الفرضيات الللتي
تعتمدون عليها فأبعدوها عن مستوى الحقائق العلمية ،ول تحشللروها فيهللا
كذبا ً وزورا ً وبهتانلا ً ،إن العلللم الحللق سلليطردها مللن قصللره مهمللا حللاولتم
إدخالها فيه .
)(9
"إن نظرية النشوء والرتقاء غير ثابتة علميا ً ،ول سللبيل إلللى إثباتهللا
بالبرهان ،ونحن ل نلؤمن بهلا إل لن الخيلار الوحيلد بعلد ذللك هلو اليملان
بالخلق الخاص المباشر ،وهذا ما ل يمكن حتى التفكير فيه".1
لنه اتخذ لنفسه اللحاد مذهبا ً ،فهو ل يريد أن ينقض مذهبه ،تعصبا ً
له وإنكارا ً للحقيقة اللهية .وهكذا سائر الملحدين .
يا سبحان الله!! يبدو أن الناقللد )د .العظللم( عللالي الثقافللة؟! فهللول
يفقه معظم هذه السماء التي يغري أبناء المسلللمين بللأن يجحللدوها ،عللن
طريق تساؤلته الستنكارية ،والظاهر أنه أخذها عن مكتوبات الماركسيين
غير المسلمين ،ونقلها نقل ً ببغاويا ً بالترجمة الحرفيللة ،دون أن يرجللع إلللى
المصادر السلمية ويعللرف دللتهللا منهللا ،ففلي إيللراده لهلاروت ومللاروت
ويأجوج ومأجوج على أنها كائنات غير مرئية كالجن والملئكة وإبليس جهللل
فاضح جدا ً ،فمن هذا الللذي قللال :إن هللاروت ومللاروت ويللأجوج ومللأجوج
مخلوقات غير مرئية كالجن والملئكة؟
)يا غوغا ماغوغا( من القبائل المعروفة عند مؤرخي بلد الصين. 1
العظيللم ,وحجللز قبللائل يللأجوج ومللأجوج ،وتعللذر عليهللم الظهللور عليلله
واستئناف غارات الفساد التي كانوا يغيرونها .
لللو أنلله قللرأ سللورة )الكهللف( أو سللمعها مللن المللذياع ،أو لللم يللرد
التضليل الديماغوجي لما سقط في هذه الفضيحة التي تعبر عن جهل كللبير
،في موضوع يتصللدى لنقللده ومهللاجمته ،بغيللة التبشللير بمللذهبه اللحللادي
الكافر بكل القيم .
أو لعله استغرب اسمي يأجوج ومأجوج فاعتبرهما كائنات غير مرئيللة
كالجن والملئكة؟ إذا كان المر كذلك فالسللماء الغريبللة عليلله كللثيرة فللي
عالم الناس ،وفي عالم العلم ،فليجعلها كلهلا أسلماء لكائنللات غيبيلة غيلر
مرئية كالجن والملئكة .
ولكن هكذا يخبط خبط عشواء ،ويخلط خلط عميللاء ،دون الرجللوع
إلى مصادر الدين السلمي ومعرفة المراد منها؟
إذا كانت هذه هللي قواعللده فهيهللات أن يصللل إلللى أيللة حقيقللة مللن
الحقائق ،وعليه أن يرتطم دائما ً في حفر الجهالة والضللة ،ومللا دام هللذا
مستواه فل بد أن يسقط فللي حبللائل المؤسسللات اللحاديللة فللي العللالم ،
وهي المؤسسات التي ترعاها وتديرها من وراء الستار اليهودية العالميللة ،
لغاية في نفوس اليهود يريدون تحقيقها في شعوب الرض .
إن هاروت وماروت اسمان لشخصين وجدا قللديما ً فللي بابللل ،وكانللا
على صورة آدمين يخاطبان الناس ،ويعلمانهم السللحر الللذي علمهمللا الللله
إياه ،ويلأمران النلاس بلأن ل يكفلروا بلالله علن طريلق تعلمهلم السلحر ،
وعنهما توارث الناس علم السحر ،وقد أخبرنا الله فلي القللرآن أنهملا فلي
حقيقة حالهما ملكان ظهرا على صورة آدميين ،على أن في كونهما ملكين
وفي تعليمهما الناس السحر خلفا ً عن المفسللرين ،ومهمللا يكللن مللن أمللر
فليسا كما زعم )العظم( نقل ً عن كتب الماركسيين أنهما من الكائنات غيللر
المرئية ،بل كانا شخصيتين مرئيتين ،وكانت لهما قصة مشهورة في تاريللخ
الناس ،وتوارث الناس عنهما أو عن غيرهمللا علم لا ً مللا زالللت للله رواسللب
معروفة عند بعض المخصصين بعلم السحر ،وإذا كان يجهل ذلك فليسللأل
سحرة اليهود فإنهم يخبرونهم .
وقد تعرض القرآن لقصتهما في معللرض الكلم علللى بنللي إسللرائيل
في سورة )البقرة 2/مصحف 87/نزول( :فقال تعالى :
ن
ما ُ سلي ْ َ َ فَر ُ َ
ما ك َ ن وَ َ ما َ سل َي ْ َ
ك ُ مل ْ ِ
ن عَل َ ٰى ُ طي ُ شَيا ِ ما ت َت ُْلوا ْ ٱل ّ }وَٱت ّب َُعوا ْ َ
ل عََلى ٱْلل َ َ ُ
ن م ل ك َي ْ ِ مآ أن ْزِ َ ح َر وَ َ سل ْس ٱل ّ ن ٱل ّنلا َ مو َ فُروا ْ ي ُعَل ّ ُ ن كَ َ طي َشلْيا ِ ن ٱل ّ وَل َ ٰلك ِ ّ
ة فَل َ هاروت وماروت وما يعل ّمان م َ
ن فِت ْن َل ٌ حل ُ مللا ن َ ْ قللول َ إ ِن ّ َ حت ّل ٰى ي َ ُ حدٍ َ نأ َ ل َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َُ َ ِ ِ ْ ب َِباب ِ َ
ن ِبللهِ ضآّري َ هم ب ِ َ ما ُ جه ِ و َ َ م ْر ِء وََزوْ ِ ن ٱلل َ
ْ ن ب ِهِ ب َي ْ َ فّرُقو َ ما ي ُ َما َ من ْهُ َ
ن ِ مو َ ّ
فْر فَي َت َعَل ُ ت َك ْ ُ
َ
نمل ِ
َ
مللوا ل َ ْ ق لد ْ عَل ِ ُ َ
م وَل َ فعُهُل ْ م وَل َ َين َ ض لّرهُ ْ ما ي َ ُ ن َ مو َ ّ
هل وَي َت َعَل ُ ن ٱل لل ِ
ّ حدٍ إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ نأ َ م ْ ِ
م ل َلوْ ك َللاُنوا ْ َ
شَروْا ْ ب ِهِ أن ْ ُ ه ِفي ٱ لل ِ ٱ ْ
سهُ ْ ف َ ما َ س َ ق وَل َب ِئ ْ َ خل َ ٍ ن َ م ْخ َر ةِ ِ ما ل َ ُ شلت ََراهُ َ
ن{ مو َ ي َعْل َ ُ
وهكذا ظهر لنا جهل )د .العظم( الفاضح في المسألة الثانية التي
يردد ألفاظها ،وهو ل يعلم مضمونها ،ثم يتصدى لنقدها وفق تصور خيللالي
لديه .
أما تساؤلها عن الملئكة والجن وإبليس فهذه فعل ً كائنات غير مرئية
بالنسللبة إلللى مسللتواك إدراك النللاس ،والملحللد بللالله وبالللدين وبالخبللار
الواردة في الدين الحق ينكر هذه الكائنات لن العلم الحديث ل يملك حتى
الن أدلة إثبات لها .
ولكن هل استقصى العلم المادي الحلديث كلل ملا فلي الوجلود ملن
كائنات وأسرار ،حتى يدعي نفي وجود ما لم يشاهده بوسائله؟
لو كلان الملر كلذلك لكلان عللى العلملاء البللاحثين أن يتوقفللوا علن
متابعة البحث ،الذي يضنون أنفسهم فيه لكتشاف مجاهيل مللن الطاقللات
ن هذا ل يدعيهوالكائنات الكونية التي يدركون أنهم ما يزالون يجهلونها ،لك ّ
عالم يقدر العلم ويحترم نفسه .
إن العلوم الحديثة ل تملك حتى الن أي دليلل تسللتطيع أن تنفلي بله
وجود الجن أو الملئكة ،بيد أن كثيرا ً مللن التجللارب النسللانية تثبللت وجللود
كائنات خفية روحية غير مدركة بالحس ،وغيللر مدركللة بللالجهزة العلميللة ،
عللى أن إنكلار المنكريللن لهلا ل يلؤثر عللى وجودهللا شلليئا ً ،كملا أن إنكلار
المنكرين لعالم الجراثيم والميكروبات المرئية وغيللر المرئيللة ل يللؤثر علللى
وجودها في العالم شيئا ً .
) ( 10
ثللم نقللول مللن ناحيللة أخللرى :لقللد توصللل العلللم الحللديث إلللى أن
القوانين العلمية ل تملك التفسير الكامل للحداث الكونيللة ،وإنمللا تكشللف
عن حلقة من الحلقات السببية ل غير ،وهي بحد ذاتها بحاجة إلى تفسير .
"إن الكون كون فكري .الكون ل يقبللل التفسللير المللادي فللي ضللوء
علم الطبيعة الجديدة ،وسببه – في نظري – أن التفسير المادي قد أصللبح
الن فكرة ذهنية .
من الصحيح أن نهر العلم قد تحول إلللى مجللرى جديللد فللي العللوام
الخيرة ...
لقد كنا نظن قبل ثلثين سنة – ونحن ننظر إلللى الكللون – أننللا أمللام
حقيقة من النوع الميكانيكي .
إن العلم الجديد يفرض علينا أن نعيد النظر في أفكارنا عن العللالم ،
تلك التي كنا أقمناها على عجل .لقد اكتشفنا أن الكون يشهد بوجود قللوة
منظمة".
أل فليعد )العظم( دراسته ،وليراجع أفكاره وفق ما تطور إليه العلم
الحديث ،وحسبه تجديفا ً في المستنقعات النتنة القذرة .
أما قوله " :إن نمو الخلية يخضع لقوانين تمكننا من التحكم بنموها ،
بتللأخيره أو إسللراعه أو تشللويهه" فهللو ل يتعللارض بحللال مللن الحللوال مللع
العقيدة اليمانية ،لننا جميعا ً في حياتنا على وجه الرض ل في عالم الجنة
نخضع لقوانين ربانيلة تمكننلا ملن التحكلم بعلض الشليء بنملو أجسلادنا أو
تشويهها أو إتلفها ،نظير تحكمنا بالجنة ،والنسان القللديم يعلللم هللذا كللل
العلم ،ول يجد فيه معارضللة لنظللام الخلللق الربللاني ول لقاعللدته العامللة .
فالمؤمن يعلم أن لكل ظاهرة سببا ً يخضع لسّنة الله في كللونه ،ويعلللم أن
الخلق الحقيقي من وراء السباب هو الله تعللالى ،إن القضللية فللي نظللره
ح بسببها ،ولكن السللبب تشبه عملية إدارة زر الكهرباء التي يضيء المصبا ُ
ح بسللببها ،
الحقيقي في الضاءة هي القللوة الكهربللاء الللتي يضلليء المصللبا ُ
ولكن السبب الحقيقي في الضاءة هي القللوة الكهربائيللة السللارية ،ومللن
ورائها المولد الكهربائي ،ومن ورائه صانع هذا المولد ومللديره ،ولللو شللاء
لقطع التيار الكهربائي من عنده فلم يكللن لدارة الللزر الكهربللائي الفرعللي
أي أثر ،ولنعدمت بذلك كل الظواهر ،ولللم يكللن للسللباب الوسلليطة أيللة
قيمة .
) ( 11
من العجيب أن نجد الناقد )د .العظم( ينكر على الباحثين السلميين
دعوتهم المسلمين إلى الخذ بأسباب العلللم فللي كللل مجللال مللن مجللالت
المعرفة ،ويرى أن السلم يدعو فقط إلى تعلم علوم الللدين ،أمللا العلللوم
الخرى فللإنه ل يهتللم بهللا ول يشللجع عليهللا ،ويللرى أن الللذين يقولللون :إن
السلم يحث على تعلم كل العلوم النافعللة موفقللون خطللابيون ،يحللاولون
أن يثبتوا النسجام بين السلم والعلللم بوسللائلهم الخطابيللة ،دون براهيللن
صحيحة ،ثم يزعم أن كل النصوص السلمية التي دعت إلى العلم والعقل
والتفكر موجهة فقط إلى العلوم الدينية والشرعية وملا يتعللق بهلا ويتفلرع
عنها ،ل إلى الفيزياء والكيمياء وغيرهما من العلوم الطبيعية.
لست أدري أي شيء يزعجه إذا كان السلللم فعل ً يحللث علللى تعلللم
كل العلوم الدينية والطبيعية والعقلية؟
لكن يبدو أن هذه الحقيقة تؤثر جذريا ً على دعوة اللحاد التي تحللاول
أن تتخذ من العلم دريئة لها ،وتحاول أن تقنع الجيال بأن الدين والحقللائق
العلمية على طرفي نقيلض ،لتصللرفهم علن الللدين وتضلمهم إللى جيللوش
الملحدين ،يضاف إلى ذلك أن الملحدين يخشون أيضا ً مللن دخللول السلللم
والمسلمين إلى معاقللل العلللم الصللحيح ،لن هللذا الللدخول يشللكل خطللرا ً
حقيقيا ً على قضية اللحاد من أساسها ،إذ يكشف الباحثون المسلمون عن
طريق العلم الصحيح زيف المادية اللحادية التي تتستر بالعلم ،وتزييف ما
يستطيع تزييفه لدعم مذهبها الذي ليس له سند صحيح مللن علللم صللحيح ،
ول من واقع مشهود .
وأما كون السلم لم يحث على تعلم العلوم الطبيعية المادية ،الللتي
مللن شللأنها أن تحقللق المنللافع الحسللنة للنللاس ،وتخللدم قضللايا الرفاهيللة
والجمال والقوة والراحة واختصار الزمن وتنظيم الحياة ،فهذا باطل .
فمنذ النهضة الفقهية عند علماء المسلللمين قللرر الفقهللاء أنلله يجللب
على جماعة المسلمين تعلم جميع العلللوم النافعللة للنللاس ،بمللا فللي ذلللك
العلوم الصناعية ،فضل ً عن العلوم الضرورية كللالطب والزراعللة ،والعلللوم
المتصلة بإعداد المستطاع من القوة ،وقرروا أن هذا واجب على الكفاية ،
تقع فيه المسؤولية على جماعللة المسلللمين عامللة ،فللإذا قللام بلله البعللض
سقط الطلب عن الباقين ،وإذا لللم يقومللوا بلله أثمللوا جميعلا ً ،واسللتنبطوا
حكمهم هذا من مصادر التشريع السلمي ،ونصوصلله الرئيسللية ،والمللام
الغزالي من الذين قالوا بهذا وقرروه على خلف ما أوحللى بلله )العظللم( إذ
قال في غضون ملا غللالط بله ) :راجلع كتلاب العلللم فلي الجلزء الول ملن
"إحياء علوم الدين" ،للمام الغزالي(.
أما كون دراسة مختلف العلوم الطبيعية هادية لهم إلى معرفللة الللله
وعظيم قدرته وبديع صنعته فهللو يمثللل النظللر البعيللد إلللى آخللر حلقللة فللي
سلسلة المعارف الطبيعية ،ولكن هذا النظر البعيد يجعلهم يتابعون حلقات
السلسلة حتى غايتها ،ضمن حدود الستطاعة النسللانية الللتي تتهيللأ لهللم ،
وليس من شأنه أن يقف بهللم عنللد الحلقللات الولللى ،لن السلللم يحثهللم
علللى المتابعللة والنظللر فللي كللل مراحللل الطريللق ،وبللذلك يسللتطيعون
استخراج كل ما ينفع من حقائق علمية .
ومعلوم أن السلم يحرص دائما ً على الربللط بيللن العلللم واليمللان ،
بين العلم والغاية المثلى منه ،كما يحرص على الربط بين الللدنيا والخللرة ،
بين العملل وغايللة الخيلر منله ،بيلن اللللذة والمنعللم بهلا وغايلة الخيلر ملن
ورائها ،وبذلك يظهر كمال النسان .
) ( 12
حول المعجزات
لجل هللذا فللإن معالجتنللا لهللم يجللب أن تبللدأ مللن مسللتوى القاعللدة
اليمانية الولى ،وهي اليمان بالله وبكمال صفاته ،وبقدرته على خلق مللا
يشاء ،وبقدرته على خرق السنن التي جعلها هو ثابتة في كللونه ،ولللو أنلله
شاء أن يجعلها على خلف ذلك لجعلها ،ولكن أسلوبه في الخلق كان على
هذا الوضع القائم على نظام الترابط السببي بين الشللياء ،وبيللن الحللداث
والتغيرات فيها .
وهنا تكمن فضيلة اليمان بللالغيب القللائم علللى السللتدلل العقلللي ،
والنتقال من السبب الذي ل يملك تعليل ً عقليا ً ،إلى مسبب السباب كلهللا
انظر لستكمال هذا الموضوع كتاب "أسس الحضارة السلمية ووسائلها" ،للمؤلف . 1
الذي تنحصر فيه كل التعليلت العقلية الصحيحة ،والمفسرة لكل الظواهر
الكونية ،بعد تجاوز سلسلة السباب مهما كثرت حلقاتها .
وهنللا أيضلا ً تكمللن رذيلللة جحللود الحقيقللة الغيبيللة الكللبرى ،لن هللذا
الجحللود القللائم علللى طللرح الدلللة العقليللة السللتدللية والدلللة الفطريللة
الوجدانية ،والتشبث ببعض حلقات السلسلة السببية ،مع أنها ل تملك في
الحقيقة أي دليلل يصلح أن تفسلر بله الظلاهرة الكونيلة ،إل أن الملحظلة
كشفت عن ارتباط الظاهرة الكونية بهللا ،كارتبللاط رأس الحمللار بسلسلللة
رسنه المعقود بذيل آخر جمل في قافلللة طويلللة تسللير فللي ليللل دامللس ،
والغبي أو الحمللق أو المعانللد المكللابر هللو الللذي يقللف تفكيللره عنللد رأس
الحمللار ،أو عنللد بعلض حلقلات السلسلللة الللتي فللي رسللنه ،أو عنللد ذيللل
البعير .
فالنقاش المنطقي حول هذه النطقة يدعونا إلى الرجوع إلللى قضللية
اليمان بالله ،وقد سبق أن عالجناها ببيان كاف فإليها نحيل القارئ .
على أننا نقللول هنللا :إن الملحللدين قللد جعلللوا معجللزة الخلللق كلهللا
ظاهرة طبيعية ،وقطعوا الصلة بينها وبين الخالق ،أفيقبلللون فكللرة خللرق
قوانين الكون وسننه بفعل الخالق لحكمة يريللدها ،وقللد رفضللوا العللتراف
ل؟بوجود خالق أص ً
إن إنكار الحداث الللتي جللرت فعل ً فللي تاريللخ الكللون ل يسللوغ مللن
وجهللة نظللر العلللم أو مللن وجهللة نظللر العقللل لمجللرد كونهللا مخالفللة فللي
مفاهيمنا للقللوانين الللتي اسللتخرجناها مللن مشللاهدات الطبيعللة وأحللداثها ،
وإنما يجب بعد ثبوتها في الواقع محاولة استنباط تفسير وتعليللل لهللا .أمللا
مجرد الرفض والنكار فليس عمل ً علميا ً ول عقليا ً .
ولو كان نظام الكون سائرا ً في متكرر العادة علللى أن المللاء يجللري
من أسفل الوادي إلى أعلى الجبل بنفسه ،من غيللر أن تكللون للله حافللات
تسنده ،ول روافع ترفعه ،لكان ذلك هو قانون المللاء الثللابت فللي نظرنللا ،
ولكان خلف ذلك هو المعجزة التي يتشكك بها ويطلب إثابتها بالدليل .
لو أخذنا منطق الحيللاء البحريللة لكللانت الحيللاة بنظللام غيللر نظامهللا
معجزة من المعجزات ،ولو أخذنا معتاد الحياة الرضية لكانت الحيللاة بغيللر
إمداد بالنظام الغذائي المعروف أمرا ً من المعجزات ،مع أنه ليس فللي أي
شيء من ذلك ارتباط عقلي يوجه العقل ،ولكللن هللذا هللو السلللوب الللذي
جرى عليه نظام الكون ،ولو جرى أسلوب الكون على غير هذا النظام لما
وجد العقللل مانعلا ً ملن ذللك ،ولملا وجلد أنله يتنلافى ملع أي أصللل عقللي
منطقي أو رياضي ،وهذا البرهان يثبت لنا أن رفض المعجزات بللدليل مللن
واقع القوانين والسنن الطبيعية رفض فاسد عقلي لا ً وعلمي لا ً ،ول سللند للله ،
وتبقى قضللية المعجللزات مللن وجهللة نظللر العلللم والعقللل احتمللال ً إمكانيلا ً
بالمكان العقلي ،ولكنه ل يسلم به واقعيا ً إل أن يقترن بأدلة إثبللات يقبلهللا
العلم والعقل .
لكن هذا هو شأن الملحدين ،إنهم يتناقضون بين ما يقبلون وبين مللا
يرفضون ،تعصبا ً للحادهم ،ومعاندة لخالقهم ومكابرة على الباطل .
) ( 13
حول الشهب
تعليقا ً على هذه الفقرة من كلمه نرى أنه من المستبعد جدا ً أنه لللم
طلع بعد ُ على مكتوبات الباحثين المسلمين المؤمنين بالله وكتللابه ،الللذيني ّ
لم يقتروا على مجرد إطلق التعميمات الشاملة البديعة ،التي تعلن وجللود
التوافق التام بين الصللحيح الثللابت مللن المفللاهيم السلللمية ،وبيللن الحللق
الثابت من النظريات العلمية ،بل تابعوا معظم المسائل بالدراسة والبحث
والمناقشة للموضوعات بشكل موضوعي محدد .
القضية الثانية :تتنللاول الجللانب الللذي للم يصللل العلللم بعللد إلللى
اكتشافه ودرسه .
أما القضية الولى اللتي تتنلاول الجلانب الملدروس ملن الشلهب فل
يبدو فيها تناقض بين ما أعلنه أو أشار إليه القرآن ،وبيللن مللا توصللل إلهللي
العلم بالبحث المادي والدراسة النظرية ،وليتبين لنللا هللذا المللر ل بللد مللن
عرض النصوص القرآنية في هذا الموضوع ،ومقارنة ما جاء فيها بما يقوله
العلماء الماديون ذوو الختصاص في هذا الموضوع أيضا ً .
فظ َْناهَللا ِ
مللن ح ِن * وَ َري َ
ها َِللن ّللاظ ِ ِماِء ب ُُروجا ً وََزي ّّنا َ جعَل َْنا ِفي ٱل ّ
سل َ }وَل َ َ
قد ْ َ
ن{مِبي ٌ
ب ّشَها ٌه ِ م عَ فَأت ْب َعَ ُ سلت ََر قَ ٱل ّ
سل ْ ن ٱ ْ جيم ٍ * إ ِل ّ َ
م ِ ن ّر ِ طا ٍ شي ْ َ ُ
كل َ
هذه هي عناصر القضية الولى ،وهي القضية المادية التي يمكن أن
تقارن بالعلم المادي وما توصل إليه من معارف في هذا الشأن .
يقولون :إن النجوم يحدث فيها انفجلارات ملن قلوت لخلر ،وبقلوة
هائلة ،فيطير منها في كل انفجار مئات الطنان مللن الللتراب النللاعم ،ثللم
يتجمع بعضه على بعض فتتكون منه النيازك والمذنبات .
"إن مذنب بيل ظهر منشقا ً إلى جزئين في عام )1846م( ثللم ظهللر
هذان الجزءان في عام )1852م( على صورة مذنبين منفصلين ،ثم اختفيا
بعد ذلك ،وظهرت بدل ً منهما جموع حاشدة من مللتيورات مضلليئة صللغيرة
في جو الرض".
أليست هذه الرجلوم اللتي مصلدرها نجلوم السلماء وكواكبهلا ،وقلد
حدثت في فترة نعرفهللا ،وهللذا يقلّرب إلللى التصللور مللا حللدث فللي عصللر
الرسالة المحمدية .
من كل هذا يتبّين لنا أن الحقائق العلمية المادية تتفق مع ما جاء في
القرآن ،وهذا ما يتعلق بالقضية الولى .
فكان الولى بالعظم حول هذا الموضوع أن يعتصم بالصللمت إذا لللم
يشأ أن يذعن للدين وما جاء فيه .
) ( 14
حول المعرفة الدينية والمعرفة بمعناها العقلي
والعلمي
"ورد معنا ذكر طائفة ملن المفكريلن يقوللون :إن المعرفلة الدينيلة
تختلف اختلفا ً جذريا ً وكليا ً عن المعرفة بمعناها العقلللي أو العلمللي ،لللذلك
نجدها دائما ً مناقضة للمنطق ومتنافية مع العقل".
قبل أن أتابع ذكر بقية كلمه حول هلذه المقدملة ،ل بلد ملن التنلبيه
على أن هذا الكلم كذب على السلم والمسلمين ل أصل له مطلق لا ً .إنلله
ل يوجد واحللد مللن علمللاء المسلللمين يقللول :إن المعرفللة الدينيللة تختلللف
اختلفا ً جذريا ً وكليا ً عن المعرفللة بمعناهللا العقلللي ،ولللذلك نجللد المعللارف
الدينية مناقضة للمنطق ومتنافية مع العقل .
فلست أدري من أين جاء بهذه الفرية على السلم والمسلمين على
المعارف الدينية السلمية؟!
إن الذي يقوله جميع علماء المسلمين يقضي بأن جميع ما ثبللت فللي
الدين يتفق مع مفاهيم المنطق السليم ،والعقل الصحيح ،والعلم الثابت .
وقد سبق أن بيّنا أن التناقض أو التنافي لو وجد فهو ليس بين ما
ثبت في الدين بشكل قاطع وما ثبت فللي العلللم أو العقللل بشللكل قللاطع ،
وإنما بين ما نسب إلى الدين وهو ليس منه وبين الحقائق العلمية الثابتللة ،
أو بين ما نسب إلى العلم وهو ليس منه وبين الحقللائق الدينيللة الثابتللة ،أو
ح نسللبته بين ما نسب إلى الدين وما نسب إلى العلم وكللل منهمللا لللم تص ل ّ
إلى صاحبه .
وبعد هذه المقدمة التي افتراها على السلم والمسلمين ،قال في
متابعة كلمه:
"يقول أصللحاب هللذا المللذهب :إن العقللل النسللاني قاصللر عللن أن
يعرف طبيعة الله ،وعن أن يحيط به ولو إحاطللة جزئيللة .إنلله عللاجز عللن
عر البعض عن هللذا الللرأي بقللولهم عللن تصوره وعن التعبير عن طبيعته ،و ّ
الله ) :كل ما يخطر في بالك فهو خلف ذلك(.
وقبل أن نتابع بقية كلمه نقول :هذا كلم ل علقة له بالمقدمة التي
ل وعل ، افتراها ،فكون العقل النساني قاصرا ً عن تصللور ذات الخللالق ج ل ّ
وعاجزا ً عن معرفة كنه هذه الللذات ،ل يعنللي بحللال مللن الحللوال أن ذاتلله
جل ّ
ل مللا فللي المللر إثبللات سبحانه مناقضة للمنطق ومتنافيللة مللع العقللل ُ .
العجز للجهاز المدرك ،علما ً بأن العقل عاجز عن إدراك أو تصور كثير مللن
الحقائق العلمية الثابتة في الكون المادي المللدروس ،حللتى إن العقللل لللم
يستطع إلى يوم الناس هذا أن يللدرك كنلله ذات نفسلله ،فهللل جهللله بللذات
ف مللعنفسه ينفي وجوده ،باعتبار أن هذا الجهللل منللاقض للمنطللق ومتنللا ٍ
العقل بحسب دعوى )د .العظم(؟
هذا كلم فارغ وسخيف ومتهافت ل يقبله مللن لللديه مثقللال ذرة مللن
عقل ،وهو في حقيقته يسخر من قائله ول يخدع قارئه.
ل :هل بإمكاني أن أقيم "توجد عدة اعتراضات على هذا الموقف .أو ً
علقات جدية بيني وبين هللذا الللله ،الللذي تتجللاوز طللبيعته تجللاوزا ً مطلقلا ً
منطقي ومشاعري وأفكاري ومثلي وآمالي؟ هل بإمكاني أن أجد عزاء في
ج ّ
ل ما أعرفه عنه أنلله مهمللا خللط فللي بللالي مللن أفكللار وصللفات فهللو إله ُ
ً ً
يختلف عنها اختلفا مطلقا؟ إن وجود مثل هللذا الللله وعللدم وجللوده سلليان
بالنسبة إليه .إن هذا الله ليس إل تجريدا ً فارغا ً من كل معنللى ومحتللوى ،
ول يمكن لرادة إنسان أن تتعلق بتجريلد محلض ،تجلاوز بمراحلل التجريلد
الذي وصفه أرسلطو باسللم )المحلرك الول( فلإذا كلان بإمكانللك أن تلوجه
ابتهال ً أو دعاء إلى المحرك الول فمن المؤكد أنللك لللن تسللتطيع أن تللوجه
لله ل يمكنك أن تصفه بشيء على الطلق ،لنه بطبيعته مخالف لكل مللا
يرد في ذهنك من أفكار وكل ما تنطق به من صفات".
جهلله ،وهللو بهللذا الكلم يضلليف إلللى هذا هو العتراض الول الذي و ّ
افترائه في المقدمة ومغالطته فيما بنللى عليهللا ،فيطللرح هنللا كللذبا ً جديللدا ً
دعي على الفكللر السلللمي تعميملا ً كاذبلا ً مخالفلا ً ومغالطة في الحقائق وي ّ
للحقيقة تماما ً .
لكن الذي يقوله المسلمون إنملا هلو منحصلر فلي معرفللة كنلله ذات
الخالق ،والذات شيء والصفات ذات الفعلال والثلار شليء آخللر ،فقلول
المسلمين " :كل ما خطر في بالك فالله بخلف ذلك" ،قول منحصللر فللي
معرفة كنه ذات الخالق ،ل في معرفة صفاته ،وذلك لن تصورات الفكللار
كلها مقتبسة من صور الكون الحادث ،وهذه الصور المادية ل تليق بكمللال
الله ج ّ
ل وعل ،إذ ليللس كمثللله شلليء ،ول يتوقللف عللى معرفللة كنلله ذات
الخالق شيء من اليمان ول من العلقة به .
إننا نتعامل مع كثير مللن طاقللات الكللون دون أن نعللرف كنلله ذاتهللا .
عقولنا ل نعرف كنه ذاتها .معظم ما هو داخل في أجسللامنا ل نعللرف كنلله
ذاته .أفيؤثر هذا على إيماننا بها وتعاملنا معها؟
لقد جعل الشيء الذي يعجز العقل عن إدراكه وتصوره شيئا ً مناقضا ً
للمنطق ومنافيا ً للعقل ،وهذا باطل بداهة كمللا أوضللحنا ،إن أمللورا ً كللثيرة
جدا ً يعجز العقل عن تصورها وتحديد ذاتها وهي واقعة فعل ً ،وحينما يدركها
العقل ل يرى فيها مناقضة للمنطق ول منافاة للعقللل .العمللى يعجللز عللن
تصور اللوان ،مع أن اللوان ل تناقض المنطلق ول تتنللافى ملع العقلل ،ل
في مفهوم المبصرين ول في مفهوم العميان .
ليكن واضحا ً لدينا تماما ً أن قصور الجهللاز المللدرك عللن إدراك بعللض
الحقللائق ل يعنللي بحللال مللن الحللوال أن هللذه الحقللائق مناقضللة لمنطللق
وهالشياء .هذه بديهة ولكن )د .العظللم( أراد أن يغللالط بهللا ،وأراد أن يمل ّ
بها على السذج من المخدوعين المفتونين بعبارات )أصول البحث العلمي(
و)قواعد المنطق الحديث( و)ما توصلت إليه الحقائق العلمية( وأمثالها مللن
العبللارات الللتي غللدت شلعارات للتملويه والتضللليل فقللط يسللتعملها بعلض
أصللحاب المللذاهب ذات الغللراض الخاصللة ،كسللائر الشللعارات الجميلللة ،
سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية ،إن هللذه الشللعارات تحمللل بريق لا ً
لفظيا ً يسّر السامعين ويعجبهم ،ولكن ليللس لهللا عنللد مسللتغليها مضللمون
عملي تطبيقي .
وبعد أن بنى )د .العظم( هذا البنللاء الللوهمي علللى المقدمللة الكاذبللة
جه عدة اعتراضات عليه ،وهذه العتراضات وجهها علللى اعتبللار الولى ،و ّ
أن من نسب إليهم هللذا المللذهب مللن المفكريللن المسلللمين يللرون أنلله ل
يمكن إدراك أي شيء عن ذات الخالق ول عن صفاته .
وهنا تكمن مغالطته الثانية ،وهي مغالطة تعتمد على تعميم تمويهي
كاذب لقضية خاصة ،وذلللك لن عبللارة " :كللل مللا يخطللر فللي بالللك فللالله
بخلف ذلك" عبللارة خاصللة بتصللور كنلله ذات الللله ،وليسللت شللاملة لللذاته
مم في دللتها وفي مفهومهللا تعميملا ً بللاطل ً ، وصفاته ،ولكن )د .العظم( ع ّ
ً ً
ليوجه اعتراضه على منطقة التعميم التي ادعاها زورا وبهتانا .
إن صللنيعه يشللبه صللنع مللن قللال :إن المللاء صللخر جامللد ،والللذين
يقولون :إن السفن الشللراعية تجللري بللالهواء ل بللد أن يسلللموا بللأن هللذه
السفن تجري في الجبال والصخور والرمللال ،وكلمهللم هللذا معللترض مللن
وجوه:
وعلى مثل هذا المنطق يريدون أن يصنعوا جيل ً عربيا ً تقدميا ً .
من الطبيعي بعد أخذ المجال التعميمي الذي ادعاه كذبا ً على الفكللر
السلمي أن يصل إلى منطقة تجريللد مطلللق ل يفهللم منلله شليء ،فبينمللا
كان أصل الموضوع منحصرا ً في كنه ذات الله ،إذا به يجعله شامل ً للللذات
والصفات كلها وسائر المفاهيم ،وهذا ما ل يقول به أحد في الوجود ،ولما
وصل في أكذوبته إلى هلذا المسلتوى وجله اعتراضله كملا راق لله فقلال :
"هل بإمكاني أن أقيم أية علقات جدية بيني وبيللن هللذا الللله ...إلللى آخللر
كلمه".
من الطبيعي أن إله لا ً ل يفهللم عنلله شلليء مللن ذات ول مللن صللفات
مطلقا ً أن يكون تجريللدا ً فارغلا ً ملن كللل معنلى ومحتللوى .لكلن أحللدا ً مللن
المؤمنين بالله ل يقول بمثل هذا الكلم الباطل .
إن المؤمنين يثبتون لله صفات كثيرة من صللفات الكمللال ،بللل هللم
يثبتللون للله كللل صللفات الكمللال ،وينفللون عنلله كللل صللفات النقصللان ،
ويسللتطيعون أن يتصللوروا مللن صللفاته علللى مقللدار عقللولهم ،ويطلقللون
الحدود دون حصر ،إنهم يؤمنون بصفة وجوده الواجب سبحانه ،ويحسنون
تصور هذه الصفة عللى مقللدار عقللولهم ،ويؤمنللون بصللفة قللدرته الكاملللة
القادرة على خلق كل ممكن ،ويحسنون تصللور هللذه الصللفة علللى مقللدار
عقولهم ،ويؤمنون بصفة إرادتلله واختيللاره الللتي تختللار مللن الممكنللات مللا
تشاء ،ويحسنون تصور هذه الصفة على مقدار عقللولهم ،ويؤمنللون أيض لا ً
بصفات علمه وسمعه وبصره وصللفات أفعللاله ،ويسللتطيعون أن يتصللوروا
من هذه الصفات على مقدار عقولهم ،وهكذا إلى كثير من صفاته سبحانه
.
فهل هذا هو التجريد المطلق الذي اّدعاه )د .العظم( كذبا ً وبهتانًا؟!
أل يسوغ في منطق العقل أن نؤمن بموجد نعلم كل صفاته التي لها
آثار متصلة بنا ،من خلق ورزق ،وإحيللاء وإماتللة ،وعللدل وجللزاء ،ورحمللة
وعقاب ،وغير ذلك دون أن نعلم كنه ذاته وطبيعتها الخاصة؟
يا عجبا ً لمنطق الملحدين!! إنهم يقيمللون علقللات جديللة مللع أوهللام
إلحادية ،وعلقات جدية مع قللوانين طبيعيللة ل يعرفللون كنلله ذاتهللا ،وإنمللا
تظهر لهم بعض آثارها التي تدلهم على بعض صفاتها ،ثللم يسللتكبرون عللن
أن يقيموا علقات جدية مع الله ،الذي يظهر لهم من آثاره أنه قادر عليم ،
عادل حكيم ،خالق رازق ،محيي مميت ،سميع بصير ،نافع ضار ،يجللازي
المحسنين والمسيئين .
مرة ثالثة يلجأ في هذا الموضوع بالذات إلى المغالطة والتمويه عللن
طريق التعميم الفاسد .
فبعد المغالطة السابقة التي اعتمد فيها على تعميم العجز البشري
في واقعهم الدنيوي عن إدراك ذات الله وكنهها ،بالنظر إلى أن البصللار ل
تدركه سبحانه ،وبعد أن جعل هذا العجز البشري شللامل ً للللذات والصللفات
وهو ما لم يقل به أحد ،فقز قفزة جديدة إلى مغالطة جديدة ،تعتمد على
تعميم خلط فيه جميع ما نسب إلى الله من صفات في النصوص ،ليعطيها
حكما ً واحدا ً عاما ً ،باعتبار أن بعضها مما يوهم التشبيه بالمخلوقات قد ثللار
حوله حوار في فهم المراد منه بين المفكرين من علماء المسلمين .
ويبدو أعن علمية المغالطة القائمة على تعميم الخللاص أهللم عناصللر
مغالطاته ،كما أنها أهم عناصر مغالطات )فرويد( أحد قادته المثاليين فللي
نظره ،إذ كان )فرويد( يأخللذ مللن الحللالت الشللاذة النللادرة أحكام لا ً عامللة
مطلقة ،مخالفا ً بذلك كل منهج علمي .
إن ادعاء )د .العظم( بأننا ل نفهم شيئا ً عللن صللفات الللله تعللالى وإل
وقعنا في التشللبيه ادعللاء باطللل ،ونسللتطيع بالتحليللل العلمللي أن نكشللف
بطلنه .
ونقول نظير ذلللك فللي الرادة ،وفللي العلللم ،وفللي السللمع ،وفللي
البصر ،وفي الرحمة وفي العدل وهكذا .
ومغالطة التشبيه التي جاء بها )د .العظم( إنما جاء بها ملن الصلفات
الواردة في النصوص مما يوهم ظاهره التشبيه الجسدي ،كالصللفات الللتي
تثبت لله وجها ً ويدا ً ونحو ذلك ،فهذه هي التي جرى بين علماء المسلللمين
حول المراد منها ،بين الثبات من غير كيف ،والتأويللل والتفللويض ،ولكللن
هذه ل تؤثر على سائر الصفات التي ل خلف في فهمها وإدراك معانيها .
وحين يتصور )د .العظم( أنه بلغ ما يريد طرح حول الموضوع نفسلله
مسألة القضاء والقدر ،فقال :
لقد أوفيت بحث هذا الموضوع في كتاب "العقيدة السلمية وأسسها". 1
وربما يكون قد قرأها في كتاب علمي معتمد إل أنلله طمللس مللذهب
أهل الحق في هذا الموضللوع ،وأخللذ رأي الجللبريين الللذين كللذبهم القللرآن
فيما اّدعوه ،ورفض مذهبهم جمهور علماء المسلمين ،وبعللد أن أخللذ رأي
الجبريين جعله هو الرأي السلمي ،وأخذ يلوجه عليله اعتراضلاته لملا فيله
من تناقض ،وغرضه هدم السلم كله من خلل رأي فاسد قاومه القرآن ،
ورفضه علماء المسلمين .
أما تكذيب القرآن لرأي الجبريين فيما ذهبوا إليلله ،باعتبللار معارض لا ً
لمبدأ امتحان النسان وتكليفه وجزائه بالعقاب أو بالثواب فنجللد فللي قللول
الله تعالى في سورة )النعم 6/مصحف 55/نزول(:
مَنا شَرك َْنا وَل َ آَباؤَُنا وَل َ َ
حّر ْ مآ أ َ ْ هل َ شآَء ٱل ّلل ُ كوا ْ ل َوْ َ
شَر ُ ن أَ ْ ل ٱّلل ِ
ذي َ قو ُ سي َ ُ } َ
ْ
كم عنلد َ ُ
ل ِ س لَنا قُل ْ
ل هَ ل ْ ذاُقوا ْ ب َأ َ حت ّ ٰى َ من قَب ْل ِِهم َ ن ِ ذي َب ٱل ّ ِ ك ك َذ ّ َ يٍء ك َ ٰذل ِ َ ش ْمن َ ِ
َ
ن * قُللْ صللو َ
خُر ُ ّ َ
م إل ت َ ْ ن أنت ُل ْ نل وَإ ِ ْ ن إ ِل ٱل ظلل ّ
ّ ّ َ
جوهُ لن َللآ ِإن ت َت ّب ِعُللو َ خرِ ُ َ
علم ٍ فت ُ ْ ْ ن ِم ْ
َ ة ٱللَبال ِغَ ُ
ن{ مِعي َ ج َمأ ْ ُ
داك ْ َ
شآَء لهَ َ َ
ة فلوْ َ َ ْ ج ُح ّ فَل ِل ّهِ ٱلل ُ
ْ
إن قول المشركين } :لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن
ول آباؤنللا ،ول حّرمنللا مللن دونلله مللن شلليء{ ،مسللتند إلللى ادعللاء جللبري
يتضمن أن الله قد شاء لهم الشراك به ،وشاء لهم عبللادة غيللره ،ولللذلك
ذبهم اللله فلي هلذا كانوا مشركين به في عقيدتهم وفي عبادتهم ،ولذلك ك ّ
ذب الللذين مللن قبلهللم حللتى الدعاء ،وأوعدهم بالعذاب فقال } :كللذلك ك ل ّ
ذاقوا بأسنا{ وأمر رسوله بأن يطالبهم بالدليل على ما ادعوه ،فقللال للله :
}قل :هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ إن تتبعون إل الظللن وإن أنتللم إل
تخرصون{ ،أي :هل عندكم من خبر عللن الللله يثبللت مللدعاكم هللذا؟ فللإن
كان عندكم شيء من ذلك تحتجون به فأخرجوه لنا ،ولكنكم فللي الحقيقللة
ل تعتمدون في ادعائكم هذا على أي مستند علمي ،وإنما تتبعللون الظنللون
الكاذبة التي هللي أوهللام بعيللدة عللن الحقيقللة ،فمللا أنتللم فللي الحقيقللة إل
تخرصون ،أي تكذبون .
ثم عّلم الله رسوله أن يقول لهم } :قل :فلللله الحجللة البالغللة فلللو
شاء لهداكم أجمعين{ ،أي :إن الللله قللد شللاء أن يمنحكللم الرادة الحللرة ،
ليمتحنكم في حدود ما وهبكم من استطاعة ،ولو شللاء غيللر ذلللك ،أي لللو
شاء أن يجعلكم مجبرين ل خيرة لكم فيما تقومون بلله مللن أعمللال لكللانت
حكمته تقتضي بأن يهديكم أجمعين ،وفلي هلذا حجلة عليهلم بالغلة صلميم
الحقيقة ،ولله الحجة البالغة .
لكن الملحدين ل يروق لهم البيلان الحللق علن الللدين ،إنملا يريللدون
مفاهيم فاسدة تنتشر بين المسلمين ليحاربوا الدين بها .
"إن محاولة طمس معالم النزاع بين الدين والعلم ليست إل محاولة
يائسة للدفاع عن الدين ،يلجأ إليها كلما اضطر الدين أن يتنازل عن موقللع
من مواقعه التقليدية ،أو كلما اضطر لن ينسحب مللن مركللز كللان يشللغله
في السابق .إن نمط هذه العملية معروف جللدا .إنهللا تبللدأ بصللدام شللديد
بيللن النظللرة العلميللة الجديللدة حللول موضللوع مللا ،وبيللن النظللرة الدينيللة
السائدة إلى الموضوع ذاته ،وبعللد نللزاع قللد يسللتمر سللنين طويلللة تنتصللر
النظرة العلمية الجديدة ،وتسود بين كبار المفكرين ،وتنتشللر بيللن الفئات
المثقفة تماما ً عندما يوشك العلم أن يتجاوزهلا إللى نظلرة أفضلل .عنلدئذٍ
يقول أصحاب النظرة الدينية :إنه لم يكن من مللوجب لهللذا النللزاع أصلل ً ،
لن الخلف لم يكن بين جوهر الدين وروحه من جهة وبين العلم مللن جهللة
أخرى ،لذلك ل يضير الللدين أن يتنللازل للعلللم عللن أمللور ل تمللس روحلله .
ولكن الحق يقال :إن هذا النمط من التكفير يخللبئ وراءه سلسلللة طويلللة
من التراجعات الهامة والحاسمة ،اضللطر إليهللا الللدين عنللدما وقللف وجهلا ً
لوجه أمام العلم .بالرغم من هذا الكلم الجميل عللن روح الللدين وجللوهره
لم يتراجع الدين ولو مرة واحدة أمام العلم إل بعد معركة ضارية ،أو تحت
الضللغط المتزايللد للثقافللة العلميللة الحديثللة ،أو تحللت إلحللاح الضللرورات
الحيوية للتكليف مع موجة العلمنة والتقدم التي تفرض نفسللها علللى حيللاة
المجتمعات في النهاية".
لنا حللول هللذا الكلم "العظمللي" نظللرات ،كللل واحللدة منهللا تحتللاج
مناقشة مستقلة .
إن هذا العمل بعيد كل البعد عن الروح العلمية النقدية ،لو أنله كلان
صادقا ً في طلب الحقيقة والبحث عنها .
)ب( وفي النظلرة الثانيلة نلحلظ أن الناقلد قلد أطللق كلملة اللدين
وقصد بها التعاليم الدينية الساسية ،والتفسيرات الجتهادية التي يقول أي
إنسان منتسب إلى الدين ،وإن كانت اجتهادات ظاهرة الفسللاد ،وآخللرون
من علماء المسلمين يخللالفونه فيهلا ،وإن كلانت مفلاهيم باطلللة لطللوائف
منحرفة عن الدين تقول أقوال ً شاذة مرفوضة .
وبعد هذا التعميم الباطل يطلق حكمه علللى الللدين نفسلله مللن خلل
حكمه على هذه الراء التي جانب أصحابها فيها وجه الصواب .
لو قبلنا هذا التعميم لكان علينا أن نقبللل أي فهللم يفهملله أي إنسللان
من نص قانوني ،أو نص دستوري ،أو نظام من النظمللة ،أو مللذهب مللن
المذاهب النسانية ،ثم نجعل هذا الفهم جزءا ً مللن القللانون أو الدسللتور أو
النظام أو المذهب ،ثم نوجه إليها النقد على أساس هذا الفهللم الخللاطئ .
لكننا نعلم أن هذا العمل مغالطة حقيرة ل تتفق مع أصول المنهللج العلمللي
النقدي السللليم ،لللذلك فإننللا ل نفعللله ،لن السلللم يفللرض علينللا الللتزام
المانللة الفكريللة ،ويفللرض علينللا أن نحللافظ علللى أخلق البحللث العلمللي
السليم ،والمنهج النقدي الصحيح .
إننا نسمي هذا تقدما ً في البحث العلملي إللى المواقلع الغائيلة اللتي
يحتلها الدين الحق ،ولو أردنا أن نجاري )د .العظم( في تعبيراته لقلنا :إن
البحوث العلمية تتراجع من مواقع النظللرات الماديللة اللحاديللة إللى مواقلع
النظرات الغائية اليمانية ،وهي المواقع التي يحتلها الدين بثبات واستقرار
،دون تحول أو تراجع ،لن الللدين الحللق اللهللي ،وهللو يقللف عنللد مواقللع
الحق ،وحينما يصل العلم إلى الحق ،تماما ً يجد نفسه عند مواقع الدين .
وهذا الكلم منا يحتاج إلى أدلة مللن الواقللع العلمللي ،حللتى ل يكللون
ادعاء ل قيمة له ،وسأعتمد في هذا على أقوال كبار العلماء المللاديين مللن
علماء القرن العشرين .
ما هذه العلقة الضعيفة جدا ً بين الدراسلات الطبيعيلة للشلياء وبيلن
حقائق الشياء؟
إن هذا العالم الطبيعي من كبار علماء القرن العشرين ليقلللل كللثيرا ً
دعيها المللاديون ،والللتي كللانوا
من قيمة الدعللاءات العريضللة الللتي كللان ي ل ّ
يزعمون فيها أن العلوم الطبيعية قد بلغت بدراساتها معرفة حقائق الشياء
أو كادت تصل إليها .إن علمللاء اليللوم المنصللفين قللد بللدأوا ينقضللون هللذه
القوال ويستخفونها ،ويعتبرونها تجاوزا ً كبيرا ً للحدود التي بلغها علم الناس
،وهؤلء العلماء قد بدأوا يعلنون ما كان أعلنه القرآن عن مبلغ علم الناس
بقوله تعالى في سورة )السراء 17/مصحف 50/نزول(:
أليس هذا تراجعا ً ظاهرا ً في موقف العلم إلى مواقع الفكر الللديني ،
وهذا التراجع أو التقدم في الحقيقة نتج عللن واقللع تقللدم البحللوث العمليللة
الطبيعية ،إن العلم النساني بدأ يتعرف على حدوده .
إن العلماء الذين أدلوا بهذه الراء هم علماء علللى درجللة كللبيرة مللن
الهمية في دنيا العلم ،ويلخص البروفيسور )ج .و .ن .سوليفان( أفكللارهم
في الجملة التالية:
"إن الطبيعة النهائية للكون طبيعة عقلية".
أي :ليست كما يزعم الملحدون الماديون مجرد حركة عشوائية غير
عاقلة ظهر عنها في بليين القرون هللذا النظللام الكللوني المشللاهد ،وهللذه
صل إلهيا لعلمللاء تلغللي بكللل تأكيللد الركللائز الخياليللة
النتائج العلمية التي تو ّ
التي كان يستند إليها الملحدون ،وتجعل العلم يقترب من الحقائق الدينيللة
التي تقرر أن الكون عمل موجود عظيم قادر حي سميع بصير .
هل يدرك الملحدون هذه الرجعة العلمية إلى الدين؟ أم يظلون فللي
البقعة العمياء التي يقفون فيها فل يتقدمون مع تقدم أضواء المعرفة؟
"من الصحيح أن نقول :إن نهر العلم قد تحول إلى مجرى جديد في
العوام الخيرة ...
لقد كنا نظن قبل ثلثين سنة – ونحللن ننظللر إلللى الكللون -أننللا أمللام
حقيقة من النوع الميكانيكي .وكان يبدو لنا أن الكون يشللتمل علللى ركللام
مللن المللادة المبعللثرة ،وقللد اجتمعللت أجللزاؤه بالصللدفة ،وأن عمللل هللذه
المادة ينحصر في أن ترقص لبعض الوقت رقصا ً ل معنى للله ،تحللت تللأثير
قوى عمياء ل هدف لها ،وأنه بعد نهاية الرقللص سللتنتهي هللذه المللادة فللي
صورة كون ميت ،وأن الحياة قللد وجللدت صللدفة خلل عمللل هللذه القللوى
العمياء ،وأن بقعة صغيرة جدا ً من الكون قد نعمت بهذه الحيللاة ،أو علللى
سبيل الحتمال يمكن أن توجد هذه الحياة في بقللاع أخللرى ،وأن كللل هللذا
سينتهي يوما ً ،وسيبقى الكون فاقد الروح .
ولكن توجد اليوم أدلة قوية تضطر علم الطبيعة إلى قبللول الحقيقللة
القائلة بأن نهر العلم ينساب نحو حقيقة غير ميكانيكية .
إن الكون أشبه بفكر عظيم منلله بماكينللة عظيمللة .إن )الللذهن( لللم
يدخل إلى هذا العالم المادي كأجنبي عنه ،ونحن الن إلى مكان يجللدر بنللا
فيه استقبال )الذهن( كخالق هذا الكون وحللاكمه .إن هللذا الللذهن بل شللك
ليس كأذهاننا البشرية ،بل ذهن خلق الذهن النساني من "الللذرة المللادة"
وهذا كله كان موجللودا ً فلي ذلللك الللذهن الكللوني فلي صللورة برنامللج معللد
مسبقا ً .إن العلم الجديد يفرض علينا أن نعيد النظر في أفكارنا عن العالم
،تلك التي كنا أقمناها على عجللل .لقلد اكتشلفنا أن الكلون يشلهد بوجللود
قوة منظمة أو مهيمنة ،وهللذه القللوة تشللبه أذهاننللا إلللى حللد كللبير ،وهللذا
الشبه ليس من ناحية العواطف والحاسليس وإنملا هلو شلبه يتعللق بلذلك
النهج الفكري الذي يمكننا تسميته بالذهن الرياضي".
هذا كلم عالم من أعظم علماء القرن العشللرين ،شللهد آيللات الللله
في الكون عن طريق وسائل المعرفة النسللانية التقدميللة ،وكللان منصللفا ً
بريئا ً من داء التعصب ،فللأعلن شللهادته المسللتندة إلللى المعرفللة العلميللة ،
وأبان بوضوح أن نهر العلم قد تحول فعل ً إلى مجرى جديد سائر في اتجللاه
مواقع اليمان بالله الخالق القادر العليم الحكيم .
وتحقق بعض ما جاء في الوعد اللهي إذ قال سبحانه في سورة
)فصلت 41/مصحف 61/نزول(:
َ َ
ق ه ٱلل َ
ح ّ ْ م أن ّ ُ َ حت ّ ٰى ي َت َب َي ّ َ
ن لهُ ْ م َ
سهِ ْ ق وَفِ ۤي أن ُ
ف ِ م آَيا َت َِنا ِفي ٱللَفا ِ
ريهِ ْ
سن ُ ِ
} َ
َ َ
د{ يٍء َ
شِهي ٌ ش ْل َ ُ
ه عَل ٰى ك ّ َ
ف ب َِرب ّك أن ّ ُ أوَل َ ْ
م ي َك ْ ِ
إل أن داء الهوى وداء التعصب كثيرا ً ما يصيبان الباحثين فللي طريللق
العلم والمعرفة ،كما يصيبان الخرين من الناس .
يقول المفكر السلمي )وحيد الدين خان(:1
"وبالرغم من هذه التغييرات في دنيا العلم لم يطرأ تغير يللذكر علللى
العقلية المنكرة للدين .بل على العكس من ذلللك ينهمللك معارضللو الللدين
في تدبيج قضيتهم ضد الدين بأساليب جديدة ،وليس سللبب هللذا الموقللف
اكتشافا ً علميا ً خطيرا ً ،وإنما هو التعصب ول غير .إن التاريخ ليحفل بما ل
يحصى من الوقللائع الللتي تللبرهن علللى أن البشللر رفضللوا الحقيقللة – رغللم
تجليهللا بوضللوح – لن تعصللبهم لفكللرة ملا للم يسلمح لهللم بقبولهلا .وهلذا
التعصللب العمللى هللو الللذي جعللل العلمللاء اليطللاليين قبللل أربعللة قللرون
يرفضون نظرية )جاليليو( كبديل لنظرية أرسطو القديمة ،على الرغم مللن
أن الكرتين اللتين أسقطهما )جللاليليو( مللن قمللة منللارة )ليننللج( قللد جعلتللا
نظريته حقيقة مرئية للعيان ،وهلذا هلو التعصلب اللذي جعلل العلملاء فلي
نهاية القللرن الماضللي يسللخرون مللن نظريللة البروفيسللور )مللاكس بلنللك(
سرة لظواهر الضوء ،والتي أبطلت نظرية )نيوتن( وتلك هي النظريللة المف ّ
التي تسمى اليوم بنظرية الكمية )الكوانتم( ،وتعتبر من أهللم أسللس علللم
الطبيعة الحديث .
وإذا كان أحدنا يظن أن داء التعصب يمكللن أن يصلليب الخريللن دون
العلماء فإنني سأذكره بما قاله أحد العلماء المعاصرين وهو الللدكتور )أ .و.
هيلز(:
فنحن أمام دنيا يمزقها التعصب .فكيف لنا أن نتوقللع أن نظريللة مللا
سوف تحظى بقبول الجميع لمجرد أن المنطق أو العلم قد أثبتها؟!
إن تجربة التاريخ الطويل تدلنا على أن العواطف ل العقل هلي اللتي
كانت تقود النسان ،وبالرغم من أن العقل هو الذي يحظى بالمقام الرفع
علميا ً ومنطقيا ً ،لكن العواطف في أغلب الحايين هي التي كللانت تسللتعبد
العقل ،وكان العقل دوما ً يخترع المعاذير للعواطف".اهل.
)(1
كتب )د .العظم( في كتابه "نقد الفكر الديني" فصل ً خاصا ً بعنوان :
"مأساة إبليس" ،وكان هذا الفصل محاضرة ألقاها .
ف باعتبار قصة إبليس الواردة في القرآن قصة أسطورية ، ولم يكت ِ
بل هو يعتبر سائر القصص الدينية الصحيحة من قبل القصص السطورية ،
فقصة إبراهيم وأمر الله له بذبح ولده أسطورة مأساة درامية خيالية في
نظره ،وقصة أيوب وبلئه أسطورة مأساة ،وهكذا ،ولكن أعظم بطل ذي
قصة مأساوية في نظره هو إبليس ،لنه تحدى الموقف المأساوي ببطولة
.
من الطبيعي أن ينكر القصص الدينية بعد أن أنكر وجود الله ،وأنكر
ل وعل .الشرائع السماوية كلها ،وأنكر القرآن وصحة نسبته إلى الله ج ّ
إن العقيدة السلمية بكل أركانها وفروعها مبنية على أصل واحد هو
اليمان بالله ،فمن اجتث من فكره وقلبه ووجدانه هذا الصل فكل كلمه
في الفروع كلم جدلي محض ل أساس له ،ول بد أن تكون مناقشته فيه
متسمة بالمغالطات والكاذيب والمشاغبات والعمل على طي الحقائق
وكتمانها ،والقتصار على الجوانب التي تفيده في المعركة الجدلية ،مثله
ة لخصمه ،ثم في ذلك مثل المصارع الذي يصنع بيده وعلى وفق هواه دمي ً
يدخل معها إلى حلبة الصراع على أنها هي خصمه الحقيقي ،ويصارعها
كما يشاء ،ويلعب بها كما يشاء ،ثم يظهر انتصاره عليها .أو كمثل
المصارع الذي يستخدم بعض المرتزقة من المصارعين ،ويطلب منه أن
يلبس قناع خصمه الحقيقي ،وينزل بدل الخصم في حلبة المصارعة ،
على أن يصارع مصارعة ضعيفة ،ينهزم في أعقابها عند حلول الزمان
المعلوم ،ووفق صورة مرسومة متفق عليها سابقا ً .
ومن عجيب أمر )د .العظم( أنه أقام من نفسه عارضا ً للصورة
السلمية كما يهوى ،ومدعيا ً على السلم وفق الصورة التي رسمها هو ،
ومحاميا ً عنه كما يشتهي ،ومحاميا ً ضده كما يريد ،وقاضيا ً مشاركا ً في
دراسة الدعوى ،وأخيرا ً جعل من نفسه حاكما ً ل يقبل حكمه الستئناف ول
التمييز ،وهو قبل كل ذلك الخصم الذي يدبر المكايد ،ويصنع الكاذيب ،
ويلفق الحيل لهدم السلم هدما ً كليا ً ،ول يألوا جهدا ً في توجيه أي حرب
ضده وضد المسلمين ،خدمة للماركسي ،ومن ورائها اليهودية العالمية .
وقد أثبت القرآن الفرق بين عنصري النس والجن وفق الصورة
نفسها التي وردت في هذا الحديث ،فقال الله تعالى في سورة )الرحمن/
55مصحف 97/نزول(:
من
مارٍِج ّ
من ّ
ن ِ خل َقَ ٱْلل َ
جآ ّ خارِ * وَ َ كل ٱْلل َ
ف ّ ل َ صل ْ َ
صا ٍ من َ
ن ِ
سا َ خل َقَ ٱ ِ
للن َ } َ
ّناٍر{
وفي احتجاج إبليس إذ رفض أمر الله له بأن يسجد لدم قال فيما
يحكيه الله عنه في سورة )العراف 7/مصحف 39/نزول(:
ن{طي ٍ
من ِ
ه ِ خل َ ْ
قت َ ُ من ّنارٍ وَ َ خل َ ْ
قت َِني ِ ه َ
من ْ ُ }أ َن َا ْ َ
خي ٌْر ّ
والجن أيضا ً مخلوقون قبل النسان ،بدليل قول الله تعالى في
سورة )الحجر 15/مصحف 54/نزول(:
ن ن * وَ ٱْلل َ
جآ ّ سُنو ٍ
م ْ
مإ ٍ ّ
ح َ
ن َ
لم ْ صل ْ َ
صا ٍ من َ ن ِ سا َ قَنا ٱ ِ
للن َ خل َ ْقد ْ َ}وَل َ َ
موم ِ {سل ُمن ّنارِ ٱل ّل ِ من قَب ْ ُ خل َ ْ
قَناهُ ِ َ
إذن فقد كان إبليس بين الملئكة عنصرا ً دخيل ً ،وقد كشفه المتحان
،والذي سمح له بأن يدخل بين صفوف الملئكة وجود التشابه الصوري ،
والمشاركة في بعض الخصائص بين الجن والملئكة ،حتى كان إبليس يعبد
مثل عبادة الملئكة ويخالطهم في بعض أعمالهم ،وهذا ما يظهر من
تفسير دخوله في عموم أمر الله الملئكة بالسجود لدم ،ويحتمل أن
يكون المر بالساس موجها ً للملئكة والجن معا ً بالسجود لدم فسجدوا إل
إبليس أبى واستكبر ،والله أعلم بالحقيقة ،لكن كون إبليس من عنصر
الجن ل من الملئكة أمر محقق بصريح النص الذي ل يحتمل التأويل .
ويؤكد هذه الحقيقة ظهور المعصية منه بعد المتحان ،وذلك لن
الملئكة من خصائصهم التكوينية أنهم ل يعصون لله ما أمرهم ويفعلون ما
يؤمرون ،وقد دلت على هذه الحقيقة نصوص قرآنية كثيرة ،منها قول
الله تعالى في سورة )النبياء 21/مصحف 73/نزول(:
َ
ن ست َك ْب ُِرو َ
ن عَ ْ عن ْد َهُ ل َ ي َ ْن ِ م ْ ت وَ ٱللْر ِ
ض وَ َ ماَوا ِ من ِفي ٱل ّ
سل َ ه َ }وَل َ ُ
ن{. فت ُُرو َ ل وَ ٱل ّنلَهاَر ل َ ي َ ْ
ن ٱْللّللي ْ َ
حو َسب ّ ُ
ن * يُ َ
سُرو َ
ح ِ
ست َ ْعَباد َت ِهِ وَل َ ي َ ْ
ِ
وقد ذكرني هذا بالنقاد )د .العظم( ،إذ دافع عن إبليس بما لم يدافع
به إبليس عن نفسه بين يدي ربه ،فتمم له بعد أن نفذ فيه حكم الطرد
من رحمة الله بنود الدفاع التي كان قد نسيها وهو بين يدي المحاكمة
الربانية ،وما أظن أن المحاكمة ستستأنف ،لورود حيثيات جديدة تنّبه إليها
دعى عليه إبليس يوم رفض السجود )د .العظم( ولم يكن قد تبّنه إليها الم ّ
لدم .
لقد تلعب "سيادته" بمضامين القصة ،وهو غير مؤمن بها أصل ً ،
ليشوش على المؤمنين مفاهيمهم وعقائدهم .
أما "سيادته" فهو يحمل كل هذه الصفات مضافا ً إليها الجحود بالله
والكفر به وإنكار وجوده أصل ً ،فهو بهذا أكثر إيغال ً في الكفر ،وأكثر عنادا ً
وتمردا ً ،وأقدر على المجادلة بالباطل .
)(3
قال )د .العظم( في الصفحة ) (91من كتابه:
"بّرر إبليس رفضه السجود لدم تبريرا ً منطقيا واضحا إذ قال ) :أنا
ً ً
خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين( ".
لو قال هذا الكلم واحد من المصابين بداء الكبر الطبقي العنصري
الرستقراطيين لكان كلمه منسجما ً مع مذهبه ،أما أن يقوله ماركسي
يحارب الرستقراطية والكبر الطبقي العنصري فهو شيء عجيب ،لكن ما
دام مثل هذا الكلم يخدم قضية اللحاد فل مانع لديه من أن يتبناه ويجعله
أصل ً منطقيا ً ،ويدافع به عن إبليس ؛ ويجعل حجته فيه حجة منطقية ،
ويسهب في شرحها وتأييدها ،فيقول في دفاعه عنه:
"عن إمعان النظر بحجة إبليس الولى التي تتألف من مفاضلته بين
جوهره )النار( وبين جوهر آدم )الصلصال( نجد أنها لم تكن استكبارا ً
وفخارا ً ،بقدر ما كانت استذكارا ً لحقيقة أساسية شاءها الله وأوجدها على
ما هي عليه .وهذه الحقيقة هي أن الله لم يخلق الطبائع على درجة
واحدة من السمو والكمال إنما مّيز بينها ،ليس من حيث خصائصها
ً
الطبيعية والمادية فحسب بل من حيث درجات كمالها ورفعتها أيضا .وبناًء
عليه ففي إمكاننا أن نصّنف الكائنات والنواع في نظام تقديري معّين يبدأ
ل حسب درج كماله التي بالكمال المطلق ذاته ،ثم يتدرج بالنواع ك ّ
أسبغها الله عليه ،إلى أن نقترب من العدم باعتباره الحد الذي نقف عنده
،ول ريب أن النار بطبيعتها وجوهرها تحتل مرتبة أسمى وأرفع في هذا
الترتيب من المرتبة التي يحتلها الصلصال .بعبارة أخرى تنطوي مفاضلة
إبليس بين جوهره وبين جوهر آدم على نظرة فلسفية معينة لنظام الكون
وترتيب الطبائع وفقا ً لدرجات الكمال التي تتصف بها .لذلك كان إبليس
على حق في جوابه ،لن الخالق جعل الشياء على ما هي عليه من
درجات الكمال والسموّ ،وأمر السجود لدم يشكل مخالفة صريحة لهذا
النظام وخروجا ً على الترتيب الذي شاءه الله وأوجده .فإذا كان جوهر
إبليس أرفع في سلم الكمالت من جوهر آدم فلن تستطيع النار عندئذٍ أن
ف لدرجة الكمال تذل للصلصال إل بالسير في اتجاه مضاد لطبيعتها ومنا ٍ
التي أسبغها الله عليها ،وهذا أمر محال ما لم يطرأ تحول جذري على
المشيئة اللهية فتغير ترتيب الطبائع عما كانت عليه منذ أن أوجدها الله ".
ل :من أين له بأن يحكم حكما ً قاطعا ً للنار المتلفة المحرقة بأنهاأو ً
ً
أرفع عنصرا من الماء والتراب المنبتين المخصبين اللذين فيهما الخير
الكثير ،وهما مادة لحياة فيها كمال عجيب ،وهما وفق نظرية النشوء
والرتقاء التي يعتقدها اتباعا ً للداروينية يقعان في درجة أرقى وأرفع من
الدرجة التي تحتلها النار ،لن الرض كانت نارا ً فبردت صارت على ما هي
عليه بعد أن مرت بدرجات ارتقائية متعددة ،فكان منها الحيوان ثم كان
منها النسان .
ثانيًا :هل العبر بأصل العنصر ،أم العبرة بما نتج عنه وخلق منه
وظهر فيه؟
ثالثًا :لو كان سجود إبليس لدم أمرا ً منافيا ً لطبيعته المخلوقة من
النار لكانت الملئكة بذلك أحرى منه ،لنهم مخلوقون من عنصر هو أرفع
من الطين من النار ،أل وهو عنصر النور ،ومع ذلك فإنهم قد سجدوا
ص الله منهم أحد ،فظهر أن إبليس لم يكن له عذر كلهم أجمعون ولم يع ِ
مقبول في رفض السجود ،وأن هذا السجود ،ما كان ليضاد طبيعته التي
فطره الله عليها .
رابعًا :حينما رفض إبليس أن يسجد لدم إنما رفض أمر التكليف
الرباني له ،وأمر التكليف في مجال المتحان ل بد أن يشتمل على عنصر
مخالفة للنفس ،واجتياز عقبة من عقباتها ،وإل لم يكن تكليفا ً كاشفا ً
للطاعة أو للمعصية لدى الرادة الحرة ،ولو كان التكليف موافقا ً لهواء
النفس وشهواتها لما كان في الحقيقة امتحانا ً للرادة بين طريقي الطاعة
والمعصية .وهذه العقبة في إبليس كانت كبر نفسه ،فعّلته الحقيقية هي
مرض الكبر العنصري الطبقي الرستراطي ،وحين امتحن في مجال هذه
العقبة النفسية سقط في المتحان ،ثم أصّر ولم يتراجع .
صغارا ً وذل ّ
ة ،ولم يدافع إبليس عن فكانت عقوبة التكبر الذي تكبره َ
نفسه بأنه لم يتكبر ،أو بأن السجود كان منافيا ً لطبيعته التي فطره الله
عليها ،وإنما أصّر وعاند .
فهذه النصوص كلها تحقق أن علة رفض إبليس السجود إنما كان
عنصر الستكبار في نفسه .
فلعل هذا هو ما امتاز به آدم أبو البشر على الملئكة الذين أعلنوا
أنهم ل يعلمون إل ما يعلمهم الله إياه بطريق مباشر ،أما أن يعلموا
سمات الشياء وخصائصها عن طريق الستنباط العقلي فهذا أمر ل
يملكونه ،ولما وضع الله آدم موضع المتحان أظهر براعته بهذا الشأن ،
وبذلك ظهرت للملئكة حكمة الله الجليلة في خلق النسان وإبداعه .
فهذا النص يشعر بامتياز النسان على سائر ما خلق الله وسائر من
خلق الله بأنه مخلوق في أحسن تقويم .
ول ينقص هذا المتياز كون الملئكة والجن أقدر من النسان في
كثير من العمال الجسدية المباشرة ،بحسب تصورنا للملئكة والجن
المقتبس من دللت النصوص الدينية ،لننا حينما نلحظ الجوانب الفكرية
والنفسية للنسان يظهر لنا أن النسان باستطاعته أن يستخدم كل
الطاقات الكامنة في الكون بالبحث عن سماتها وخصائصها ،والحيلة في
النفاذ إليها وتسخيرها تسخيرا ً هائل ً ضمن أغراضه ومصالحه ،وهذا ما
تعجز عنه الجن والملئكة ،وهو يدل فعل ً على أن النسان مخلوق في
أحسن تقويم .
وينجو من هذا الرد ّ الشائن المهين الذين آمنوا بربهم وبما جاءهم
من لدنه ،وعملوا الصالحات في حياتهم ،فهؤلء يحافظون على بعض
مستويات المتياز الذي وهبوه في أصل الخلق ،ومن هؤلء من يحافظ
على المستوى الرفيع ،فيبقى أفضل من الملئكة ،ومنهم من ينزل عنه
على قدر معاصيه وتقصيراته ،ولذلك قال الله تعالى في سورة )التين95/
مصحف 28/نزول(:
َ َ
ن*سافِِلي َ ف َ
ل َ س َ ويم ٍ * ث ُ ّ
م َرد َد َْناهُ أ ْ ق ِن تَ ْس ِ
ح َن ف ِ ۤي أ ْ سا َ لن َقَنا ٱ ِ خل َ ْقد ْ َ}ل َ َ
َ
ن{مُنو ٍ م ْجٌر غَي ُْر َمأ ْ ت فَل َهُ ْ
حا ِ مُلوا ْ ٱل ّ
صلال ِ َ مُنوا ْ وَعَ ِ نآ َ ذي َ إ ِل ّ ٱّلل ِ
تشتمل هذه القصة على عرض سابق من الله للملئكة بأنه سيخلق
بشرا ً ،وعّلم الملئكة بأن هذا المخلوق الجديد سيزّود بخصائص نفسية
وإرادية وفكرية تجعله يفسد في الرض ويسفك الدماء ويعصي الله
جهوا إلى الله تساؤل ً فيه رائحة العتراض على حكمة الله في تعالى ،فو ّ
الخلق ،فكان الجواب الولى لهم يتضمن أن الله يعلم ما ل يعلمون ،
وكان الجواب الثاني لهم جوابا ً تطبيقيا ً عمليا ً ،إذ مّيز الله آدم بعلم
السماء كلها ،أي :بمعرفة سمات الشياء وخصائصها واستنباط ما في
بواطنها ،وهذا أمر أعلن الملئكة عجزهم عنه ،وكان ل بد من تكفير على
التساؤل الذي بدت منه رائحة العتراض على حكمة الله في الخلق ،فأمر
الله الملئكة بالسجود لهذا المخلوق نفسه الذي تساءلوا عن الحكمة من
فروا بسجودهم هذا عن سابق تساؤلهم ،ولم يكن خلقه ،فسجدوا له ،وك ّ
أي سجود آخر دليل ً على الذعان والتكفير في هذا الموضوع بالذات ،لن
الملئكة ساجدون لله ،عابدون له ،مسّبحون بحمده ،مقدسون له دائما ً ،
فلو قال لهم اسجدوا لي لكان أمرا ً بتحصيل الحاصل الذي لم ينقطعوا
ولن ينقطعوا عنه ،وكان هذا المر نفسه اختبارا ً لبليس وكشفا ً لهويته
الحقيقية ،إذ لم يكن عنصرا ً نورانيا ً ملئكيا ً ،وإنما كان ناريا ً جنيا ً وكان بين
الملئكة دخيل ً ولم يكن فيهم عنصرا ً أصي ً
ل.
وبهذا البيان يتضح لنا مبلغ التحويرات والمغالطات والمفاهيم
الفاسدة التي قدمها الناقد )د .العظم(.
)(4
ما شاء الله !! فهم غريب لم يفهمه إبليس نفسه ،لذلك فهو لم
يذكره في حجته ،ولم تفهمه الملئكة فسجدت فأشركت بالله من حيث ل
تدري ،ثم جاء نصيره من أبناء القرن العشرين ومن قبله باطنيون شوهوا
صورة المفاهيم السلمية بأباطيلهم وفلسفاتهم ،ووضعوا من عندهم
قصصا ً خرافية ،أفسدوا فيها حقائق السلم الصافي ،فاكتشفوا فهما ً
جديدا ً لم يستطع أن يتوصل إليه أصحاب العلقة أنفسهم .
إذا تقررت لدينا هذه الحقيقة علمنا أن أمر الله الملئكة بالسجود
لدم ليس أمرا ً بعبادته قطعا ً ،لن الله نهى عن الشرك به .
ويمكن تفسير أمر السجود بعد هذا بأنه سجود احترام ل سجود
عبادة ،ويمكن تفسيره أيضا ً بأنه سجود عبادة لله تعالى ،وكان آدم في
هذا السجود قبلة التوجه الجسدي فقط ،كما أن الكعبة قبلتنا حينما نعبد
الله في الصلة .
الوجه الثاني :أن أصل الشرك بالله هو اعتقاد أنه يوجد إله غير
الله ينفع أو يضر أو يستحق العبادة لذاته ،ولهذا الشرك تعبيرات قولية أو
عملية .
ومن هذا يظهر لنا بوضوح أن عملية السجود ليست تعبيرا ً ملزما ً
لمعنى العبادة في كل الحوال ،أو في كل المصطلحات ،ولذلك كان من
يسجد صورة لله وهو في قلبه ونفسه غير ساجد له فإنه ل يكون لله عابدا ً
.
وهكذا تظهر لنا مغالطته في نقل مصطلحات حديثة إلى زمن لم
يكن فيه للشرك وجود مطلقا ً ،والمغالطة هنا تعتمد على تعميم
المصطلحات الزمنية وجعلها مصطلحات ثابتة من الزل إلى البد .
لقد تأكد لدينا بعد هذا البيان أن التناقض في الوامر اللهية مستحيل
بداهة ،وممنوع قبوله في المفاهيم الدينية ،ول يقع هذا التناقض إل في
ذهن جاهل أساء الفهم أساء التصور ،أو في أقوال مضّلل هدفه أن يشك
الناس بدينهم .
)(5
دعي الناقد )د .العظم( وجود التناقض بين المر اللهي والمشيئة
وي ّ
اللهية ،فيقول في الصفحة ) (89من كتابه:
"لقد شاء الله وجود أشياء كثيرة غير أمر عباده بالبتعاد عنها ،كما
أنه أمرهم بأشياء ولكنه أرادهم أن يحققوا أشياء أخرى ،لذلك باستطاعتنا
القول بأن الله أمر إبليس بالسجود لدم ،ولكنه شاء له أن يعصي المر ،
ولو شاء الله لبليس أن يقع ساجدا ً لوقع ساجدا ً لتوه ،إذ ل حول ول قوة
للعبد على رد ّ المشيئة اللهية".
هذا كلم يخدع بظاهره ،ولكنه يتضمن مفاهيم فاسدة مأخوذة من
مفاهيم الجبريين ،ومذهب الجبريين مذهب فاسد استغله "سيادة" الناقد
هنا ،ليظهر أن الصفات اللهية في مفاهيم المسلمين قد تتناقض ،وأن
المسلمين يقبلون فيها هذا التناقض ،ثم ليتخذ كل ذريعة لنقض قضية
اليمان من أساسها .
لقد أوضحنا فيما سبق أن المشيئة اللهية ل تتناقض مع نفسها بحال
من الحوال ،فل يمكن أن تتوجه مشيئتان متناقضتان لشيء واحد في
وقت واحد .فإذ تتوجه المشيئة اللهية ليجاد الكون في وقت معين ،
جه هذه المشيئة نفسها لعدم إيجاد الكون فييستحيل عقل ً وواقعا ً أن تتو ّ
ذلك الوقت ،والمشيئة النافذة هي المشيئة وغير النافذة ليست بمشيئة .
ثانيًا :يستحيل عقل ً أن يتوجه أمر التكليف اللهي لكائن ل يملك في
ل وعل حكيم ،ولنفسه القدرة على اختيار الطاعة ،وذلك لن الله ج ّ
يوجه أوامر التكليف لمجرد العبث ،إنه تعالى منّزه عن العبث .
ومن هذا يظهر لنا ارتفاع المؤاخذة عن الخطاء التي تخرج عن
دائرة سلطة الرادة ،مما ل يملك النسان دفعه ،وأن المسؤولية رهن بما
تعمدت القلوب من أعمال ،وما تعمدته القلوب هو ما توجهت الرادة
لفعله .
فإذا أضفنا إلى هذا قول الله تعالى في سورة )البقرة 2/مصحف/
87نزول(:
سعََها.{.. ّ ً
فسا إ ِل وُ ْ ف ٱل لل ُ
هل ن َ ْ ّ ّ َ
}ل َ ي ُكل ُ
فكل نقاش بناه "الناقد" على هذا الرأي المرفوض نقاش ساقط ل
قيمة له .
وقد توجهت المشيئة اللهية فعل ً إلى اختيار الحتمال الثالث بالنسبة
إلى الناس والجن ،فاستحال أن تتوجه إلى أضدادها .
وحينما يختار المخلوق أمرا ً مما جعل الله له فيه سلطة الختيار فإن
اختياره لذلك المر ل يعتبر بحال من الحوال معاندا ً لرادة الله في كل
شيء ،لن الله تعالى هو الذي أراد أن يمنحه سلطة الختيار ليمتحنه ،
ل وعل هو الذي أجبره على أن يختار هذا كما أنه ل يقتضي أن يكون الله ج ّ
ً
ل وعل راضيا عن كل ما يختاره الختيار ،ول يقتضي أيضا ً أن يكون الله ج ّ
المخلوق ذو الرادة الحرة .
ويظهر لنا هذا الموضوع تماما ً في تجاربنا النسانية ،فإن من نمنحه
حرية التصرف في عمل ما ،قد يفعل ما يسرنا ويرضينا ،وقد يفعل ما
يسوؤنا ويغضبنا ،مع إمكاننا أن نعزله عن ذلك العمل ،ونسلبه حرية
التصرف فيه ،ول يكون عمله معاندا ً لرادتنا ،بل قد نمد له ،ونبقي له
طاقة العمل وساحة التنفيذ بين يديه ،لنمتحنه ونختبره ،وقد نوبخه ونؤدبه
،وقد ننذره ونحذره ،حتى يحين وقت مؤاخذته ،ونحن في كل ذلك
نشاهد سوء تصرفه ،وقد نرى من الحكمة أن ل نعارضه ،وأن ل نضع
العراقيل في طريقه ،أو نكفه عن العمل الذي منحناه فيه حرية
ومالتصرف ،وقد نرى من الحكمة أن نملي له ،ليصلح من تصرفه ويق ّ
من سلوكه ،حتى يجتاز المتحان بنجاح ،وعملنا هذا ل شيء فيه من
التناقض ،بل هو من مقتضيات الحكمة التي تقتضيها ظروف المتحان
المثل .
)(6
بعد أن صنع )د .العظم( التزييف الذي أراده ،واستند إلى المفاهيم
الجبري والباطنية الباطلة الفاسدة ،ووضع المقدمات التي أقامها على
ل وعل ،ووصفه بالمكر الكذب والمغالطة ،انتهى إلى شتيمة الخالق ج ّ
والمخادع والستهزاء ،وفق الصور والمفاهيم القبيحة التي ل تليق
بالمخلوق فضل ً عن الخالق ،وتلعب بمفاهيم النصوص الواردة في هذا
المجال وفق خطته التي عرفناها في كل جدلياته ومغالطاته .
فمن النصوص التي استشهد بها قول الله تعالى في سورة )آل
عمران 3/مصحف 89/نزول(:
ن{ري َ خي ُْر ٱْلل َ
ماك ِ ِ ه وَ ٱل ّلل ُ
ه َ مك ََر ٱل ّلل ُ
مك َُروا ْ وَ َ
}و َ َ
وإذا أردنا أن نحقق تحقيقا ً لغويا ً في أصل معنى المكر ،وجدنا أن
معناه هو تدبير أمر في خفاء عمن دبر له أو عليه ،وهذا التدبير هو بحد
ذاته ليس فيه ما يذم ،وإنما هو لون من الحكمة الداعية إلى كتمان المور
وإخفائها ،ولكن قد يكتسب المكر الذم من غايته ،فإذا كانت الغاية منه
شرا ً كان مكرا ً مذموما ً ،وإذا كانت الغاية منه خيرا ً كان مكرا ً محمودا ً ،
وهو يدل على الحكمة في التصرف .
فالمكر قد يكون مكرا ً محمودا ً إذا كان المر الذي دبر فيه مؤديا ً إلى
نتيجة محمودة ،وقد يكون مكرا ً مذموما ً إذا كان المر المدبر فيه مؤديا ً
إلى نتيجة مذمومة ،وتدبير المر في الخفاء ل يوصف لذاته بحسن أو
قبح ،بل ربما كان أصله أقرب إلى المدح منه إلى الذم ،لنه من الكتمان
الحكيم .
إن الب في ذلك يمكر بولده مكرا ً محمودا ً ،وهو بذلك يفعل خيرًا.
وعلم صاحب القصر بما دبروا ،وعرف الجدار الذي عزما على نقبه
،فدبر خطة في الجدار يهلكون فيها بأيديهم دون أن يقاتلهم أحد من رجال
القصر .
ولما حان الوقت المقرر فيما بينهم جاءوا متسللين ظانين أن أحدا ً
ل شيعر بهم ،ولكن صاحب القصر وأعوانه يراقبون كل حركة من
حركاته ،وهم في مكان يرون فيه اللصوص من حيث ل يرونهم ،وأخذ
اللصوص ينقبون الجدار حسب الخطة المدبرة ،ولما زعموا أنهم كادوا
ض عليهم الجدار فهلكوا تحت أنقاضه .
يظفرون بما يريدون انق ّ
وكذلك مكر الله ،وهو خير الماكرين ،لنه ل يمكر إل بخير ،
وسبحان الله وتعالى عما يصفون .
هذا ما يتعلق بصفة المكر ،أما صفة الستهزاء ،فقد استشهد الناقد
)د .العظم( لها بقول الله تعالى في سورة )البقرة 2/مصحف 87/نزول(:
ن{
مُهو َ م ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ
م ي َعْ َ مد ّهُ ْ
م وَي َ ُ
زىُء ب ِهِ ْ
ست َهْ ِ }لٱل ّلل ُ
ه يَ ْ
فإذا قرأنا سوابق هذا النص الذي استشهد به )د .العظم( تغير
المعنى القبيح الذي أراد أن يصوره ،وحل محله معنى جميل دل عليه
النص في واقع المر .
ففي هذا النص يبين الله تعالى أن عقاب هؤلء المخادعين هو من
جنس عملهم ،وفيه معنى آخر صّرحت به الية التي في أوائل سورة
)البقرة 2/مصحف 87/نزول(:
َ
ما
سُهم وَ َ ن إ ِل ّ أن ْ ُ
ف َ عو َ
خد َ ُ
ما ي َ ْ
مُنوا وَ َ
نآ َ
ذي َهل َول ٱّلل ِ
ن ٱل ّلل َ
عو َ
خادِ ُ
}ي ُ َ
ن{ يَ ْ
شعُُرو َ
أو ً
ل :إن الله تعالى ل يأمر المترفين بأن يفسقوا ،ولكنه يأمرهم بأن
ً
يؤمنوا ويعملوا صالحا ،فيفسقون ويخالفون أمر الطاعة ،فمن صفات أمر
الله ونهيه أنه يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي القربى ،وينهى عن
الفحشاء والمنكر والبغي .
ثم إن ترتيب الجزاء إنما يكون على عصيان المر كما هو معلوم
بالبديهة ،ل على طاعة المر .
أي :ل يهلك الله القرى الظالمة التي استحقت الهلك بجرائهما
حتى يبعث الله إليها رسول ً ،فيأمرهم هذا الرسول بالطاعة ،فيعصي
مترفوهم والمل منهم .ويتبعهم حكما ً وتقليدا ً من دونهم ،فيحق عليهم
قانون الجزاء ،فيهلكهم الله تبارك وتعالى جزاء وفاقا ً .
وهكذا ظهر لنا بوضوح تلعب "سيادة الناقد" بمعاني النصوص
الدينية ،وبالحقائق كلها ،ليؤيد مذهبه ،ويدعم قضية اللحاد والكفر بالله ،
محاربا ً قضية اليمان والستقامة على الخير والفضيلة .
الكفر والكافرون
اقتباسا ً من المفاهيم الدينية ،ودللت النصوص القرآنية كتبت هذا
الفصل عن الكفر والكافرين لكشف به حقيقة الكفر ،وواقع حال الكافرين
،وأسباب كفرهم ودواعيه ،ومناخ نمائه ونشاطه ،وموقف المؤمنين منهم
،وموقفهم من المؤمنين ،وجدلياتهم ،وأنللواع عقوبللاتهم العاجلللة والجلللة
التي حذرهم الله منها إذا استمروا على كفرهم .
)(1
ما هو الكفر؟
ويقال لليل المظلم :كافر ،لنه يستر بظلمته كللل شلليء ،ويقللال :
كفر الليل الشيء وكفر عليه إذا غ ّ
طاه ،ويقال للبحر :كافر ،لنه يستر ما
فيه ،وهكذا تدور الكلمة في اللغة حول الستر والتغطية .
فل يتم إيمللان المللؤمن حللتى يكفللر بكللل الطللواغيت ويللؤمن بللالله ،
ولذلك اشتملت عبارة التوحيد علللى السلللب واليجللاب ) ل إللله إل الللله ( ،
فهي تشتمل على الكفر بكل إله سوى الللله وعلللى اليمللان بللالله وحللده ل
شريك له .
أما غيللر المللؤمنين بالعقيللدة السلللمية إيمانلا ً صللحيحا ً فقللد عكسللوا
القضية ،فآمنوا بالباطل وكفروا بالحق ،سواء أكان ذلك بصفة كلية لجميع
أركان العقيدة السلمية ،أو بصفة جزئية ،وفي هذا يقول الله تعللالى فللي
سورة )النحل 16/مصحف 70/نزول(:
َ
ن
دو ِمللن ُ ن ِدو َن * وَي َعُْبلل ُفُرو َ ْ مةِ ٱل للهِ هُ ْ
م ي َك ُ ّ ن وَب ِن ِعْ َ
مُنو َل ي ُؤْ ِ}أفَِبل ٱْللَباط ِ ِ
َ
ن{ طيُعو َ شْيئا ً وَل َ ي َ ْ
ست َ ِ ض َ ت وَ ٱ للْر ِ ماَوا ِ ن ٱل ّ
سل َ م َم رِْزقا ً ّ ك ل َهُ ْ
مل ِ ُ ٱ ل ّللهِ َ
ما ل َ ي َ ْ
فمن أنكر السلم ولم يقبل ما جاء فيه مللن حللق فهللو كللافر ،ومللن
أنكر أي شيء ثابت في السلم بصفة قطعية فهو كللافر ،لنلله جاحللد ديللن
الله مك ّ
ذب لرسوله فيما جاء عن ربه .
والكفر دركللات بعضلله أشللد مللن بعللض ،وبعضلله أقبللح مللن بعللض ،
واللحاد القائم على إنكار الخالق إنكارا ً كليا ً أشد وأقبح أنواع الكفر .
* أصناف الكافرين:
إذا أحصينا أحوال الكافرين وجدناهم أصنافا ً ل صنفا ً واحداً.
لذلك حكم الله بالكفر على الللذين قللالوا :إن الللله هللو المسلليح بللن
مريم ،فقال تعالى في سورة )المائدة 5/مصحف 112/نزول(:
مللنل فَ َ م قُ ل ْمْري َل َ نل َ ح ٱْبلل ُ سي ُم ِ هل هُوَ ٱْلل َ ن ٱل ّلل َ ن َقآل ُ ۤوا ْ إ ِ ّ ذي َ فَر ٱّلل ِ قد ْ ك َ َ}ل ّ َ
ُ ن أ ََراد َ َأن ي ُهْل ِ َ
ملن ِفلي ه وَ َ
مل ُم وَأ ّ مْري َ َنل َ ح ٱْبل َسي َ م ِ ك ٱْلل َ شْيئا ً إ ِ ْن ٱل ّللهِ َ م َ مل ِ ُ
ك ِ يَ ْ
َ َ
شللآءُمللا ي َ َخل ُلقُ َ مللا ي َ ْما ب َي ْن َهُ َض وَ َ ت وَ ٱ للْر ِ ماَوا ِ سل َ ك ٱل ّ مل ْ ُ
ميعا ً َولل ّهِ ُ ج ِض َ ٱ للْر ِ
ديٌر{ يٍء قَ ِ ش ْ ل َ ه عَل َ ٰى ك ُ ّ وَٱلل ّ ُ
أي فالذي ل يستطيع دفع الهلك عن نفسه إذا أراد الله أن يهلكه
دعي له اللهية ،واللهية هي للرب الخالق ل للعبد المخلوق .
كيف ت ّ
والمسيح عيسى عليه السلم أمر قومه في دعوته لهللم بللأن يعبللدوا
الله ول يشركوا بلله شلليئا ً ،وأوضللح لهللم أن الللله ربلله وربهللم ،خلقلله كمللا
خلقهم ،وأوضح لهم أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومللأواه
جهنم بسبب كفره وظلمه الكبير ،قال الله تعللالى فللي سللورة )المللائدة5/
مصحف 112/نزول(:
م وََقلا َ
ل مْرَيل َ
نل َ ح ٱْبلل ُسللي ُم ِ هلوَ ٱْلل َ ن ٱل ّللل َ
هل ُ ن َقلال ُ ۤوا ْ إ ِ ّ ذي َفلَر ٱّللل ِ قد ْ ك َ َ}ل َ َ
ك ِبلل ٱل ّلل ِ
ه ش لرِ ْ مللن ي ُ ْه َ م إ ِن ّل ُه َرّبي وََرب ّك ُل ْ دوا ْ لٱّلل َ لٱ ْ
علب ُ ُ سَراِئي َ ح َياب َن ِ ۤي إ ِ ْ سي ُ
م ِ ٱ ْلل َ
َ ْ
صاٍر{ ن أن َ م ْن ِ مي َظال ِ ِ ما ِلل ّ مأَواهُ ٱل ّنلاُر وَ َ ة وَ َ ه عََليهِ ٱْلل َ
جن ّ َ م ٱل ّلل ُ حّر َ فَ َ
قد ْ َ
وحكم الله بالكفر على الذين قالوا :إن الله ثالث ثلثة لنهم جحدوا
إحدى الحقائق الكللبرى مللن حقللائق اليمللان ،وهللي حقيقللة أن الللله واحللد
وليس مركبا ً من ثلثة ،فقال تبارك وتعالى عقب الية السابقة:
حد ٌ ن إ ِل َ ٰلهٍ إ ِل ّ إ ِل َ ٰل ٌ
ه َوا ِ م ْ
ما ِ ث ث َل َث َةٍ وَ َ
ه َثال ِ ُن ٱلل ّ َن َقاُلوۤا ْ إ ِ ّ
ذي َفَر ٱل ّ ِ }ل ّ َ
قد ْ ك َ َ
َ
م{ ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ فُروا ْ ِ
من ْهُ ْ ن كَ َذي َ ن ٱّلل ِس ّ
م ّ ن ل َي َ َ
قوُلو َ م َينت َُهوا ْ عَ ّ
ما ي َ ُ وَِإن ل ّ ْ
ذبوا بالقرآن ،فقال تعالى في سورة وحكم الله بالكفر على الذين ك ّ
صلت 41/مصحف 61/نزول(: )ف ّ
ْ فُروا ِبل ٱل ّ
ّ
زي لٌز * ل ي َلأِتيهِ
ب عَ ِ َ
ه لك ِت َللا ٌم وَإ ِن ّل ُجللآَءهُ ْما َ َ ْ
ذلك رِ ل ّ ْ َ
نك َ ذي َن ٱلل ِ
ّ }إ ِ ّ
د{مي ٍ
ح ِ كيم ٍ َح ِ ن َ م ْ ل ّزي ٌ فهِ َتن ِ ْ
خل ِ ن َ ن ي َد َي ْهِ وَل َ ِ
م ْ من ب َي ْ ِل ِ ٱ ْللَباط ِ ُ
فجعل تكذيبهم للرسول ،كفرا ً لنه في حقيقته تكذيب لله وكفر به
وكفر بآياته .
ذب بيوم الدين ،فقال تعالى في سورة وحكم الله بالكفر على من ك ّ
)العنكبوت 29/مصحف 85/نزول(:
ُ
مت ِللي
ح َ سللوا ْ ِ
مللن ّر ْ قللآئ ِهِ أوْل َ ٰل لئ ِ َ
ك ي َئ ِ ُ ت ٱلل ّلهِ وَل ِ َ
ف لُروا ْ ِبآي َللا ِ
ن كَ َ }وَٱل ّل ِ
ذي َ
َ وَأ ُوْل َ ٰلئ ِ َ
م{ ب أِلي ٌ م عَ َ
ذا ٌ ك ل َهُ ْ
ففي هذا دليل واضح على أن اليمان ل يقبل التفريق بين أركانه .
وفي هذا النص دليل واضللح أيض لا ً علللى أن عناصللر اليمللان ل تقبللل
التفريق .
فاليمللان وحللدة متماسللكة مللتى انفكللت عللروة مللن عراهللا انحلللت
سائرها وانفرط عقدها .
)(2
حرص السلم على إيمان الناس
وإنقاذهم من الكفر وشروره
من روائع مضمون رسالة السلم أنها تحرص أشد الحرص على
إيمان الناس وهدايتهم ،رغبة بإنقاذهم ونجاتهم وسلمتهم وسعادتهم .
فالدوافع لهداية الناس إلى اليمان وفعل الصالحات تنبللع مللن منللابع
الحب وإرادة الخير للناس أجمعين .
ولو أن الناس كلهم كفروا بالله وعصوه لما كانوا يضرون الله شيئا ً ،
ولو أنهم جميعا ً آمنوا به وأطاعوه لما نفعوا الله شيئا ،ولما زادوا في ملكه
شيئا ً ،ولكن الله يحب لعباده أن يؤمنللوا ويصلللحوا حللتى يسللعدوا ،ويكللره
لهم أن يكفروا ويفسدوا حتى ل يكونوا من أهل الشقاوة والعذاب .
وقد جاء في الحديث القدسي الثابت فللي الصللحيح ،أن الللله تعللالى
قال " :يا عبللادي :إنكللم للن تبلغللوا ضللري فتضللروني ،ولللن تبلغللوا نفعللي
فتنفعوني ،يا عبادي :لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى
قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ً .يا عبادي :لو أن أولكم
وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحللد منكللم مللا نقللص
ذلك من ملكي شيئا ً .يا عبللادي :لللو أن أولكللم وآخركللم وإنسللكم وجنكللم
قاموا في صعيد واحد ،فسألوني ،فأعطيت كل إنسان مسألته ،ما نقللص
مخَيط إذا أدخل البحر .يا عبادي :إنما هللي ذلك مما عندي إل كما ينقص ال ِ
أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ،فمن وجد خيرا ً فليحمد الله ،ومللن
ن إل نفسه".وجد غير ذلك فل يلوم ّ
وما تضمنه هذا الحديث القدس نجده في نصوص عللدة مللن القللرآن
الكريم .
فالله تبارك وتعالى يخفف عن رسوله صلوات الله عليه حالة الحزن
التي كانت تعتريه ،حين يشاهد بعض قومه يسارعون في الكفر ،ويبين له
أن وظيفته في الناس التبليغ والدعوة إلى الللله ،وليسللت وظيفتلله تحويللل
الناس إلى الهداية ،فإنهم هم المسؤولون عن أنفسهم وعن سلوك سللبيل
الهداية ،ويبّين له أيضا ً أن الذين يسارعون في الكفر والذين اشتروا الكفر
باليمان لن يضروا الله شيئًا.
ة فلي
ة لهلم وغيلَرةٌ عليهلم ورغبل ٌ
أي :فالحرص علللى إيملانهم خدمل ٌ
نجاتهم وسعادتهم .
فهؤلء الذين اختاروا الكفر ،وأضلافوا إليلله الصللد علن سللبيل اللله .
ومعاداة الرسول ،من بعد ما تبين لهم الهدى ،إنهم في أعمالهم هذه كلها
لللن يضللروا الللله شلليئا ً ،ومللا يعملللونه مللن أعمللال للصللد عللن سللبيل الللله
ومناهضة الرسول ومقاومة السلم والمسلمين فسيحبطها الللله وسينصللر
أولياءه .
فلن يضروا الله شيئا ً ،ولن يضروا أوليللاه وحملللة رسللالته إذا صللدق
هؤلء مع الله ،ولن ينالوا منهم إل أذى قد يصيبهم في الدنيا فللي أنفسللهم
أو أمللوالهم أو أرضللهم ،وعاقبللة الظفللر والنصللر سللتكون لهللم بتأييللد الللله
ونصره المبين ،وهذا ما بينه الله بقوله في سورة )آل عمران 3/مصللحف/
89نزول( خطابا ً للمؤمنين في معرض الحديث عن اليهود:
ن{صُرو َم ل َ ُين َ
َ
م ٱللد َُباَر ث ُ ّ
م ي ُوَّلوك ُ ُ
قات ُِلوك ُ ْ م إ ِل ّ أ َ ً
ذى وَِإن ي ُ َ }َلن ي َ ُ
ضّروك ُ ْ
وأوضح الله تبارك وتعالى أنه غني عن عباده ،ولكن ل يرضى لعباده
رجس الكفر ورذائل الفسق والعصلليان ،بللل يحللب لهللم طهللارة اليمللان ،
وفضائل الستقامة والطاعة ،ثم يجازيهم على أعمالهم بالعدل .فقال الله
تعالى في سورة )الزمر 39/مصحف 59/نزول(:
ف لَر وَِإنض ل ٰى ل ِعِب َللادِهِ ٱللك ْ
ُ ْ عنك ُل ْ
م وَل َ ي َْر َ ي َ ن ٱل ّللل َ
هل غَن ِل ّ فُروا ْ فَلإ ِ ّ }ِإن ت َك ْ ُ
ُ
م جعُ ُ
كل ل ْ مْر ِ م ّ م إ ِل َل ٰى َرب ّك ُل ْخ لَر ٰىث ُل ّ م وَل َ ت َلزُِر َوازَِرةٌ وِْزَر أ ْ ه ل َك ُل ْ ضل ُ ش لك ُُروا ْ ي َْر َ تَ ْ
دوِر{ صل ُت ٱل ّ ذا ِ م بِ َ
ه عَِلي ٌن إ ِن ّ ُ ُ
ملو َ م ت َعْ َ ُ
ما كنت ُ ْ م بِ َ ُ
فَي ُن َب ّئ ُكل ْ
ومن كفر فعليه كفره ،ول يزيده كفره عند ربه إل مقتا ً وخسارا ً ،
وفي هذا يقول الله تعالى في سورة )فاطر 35/مصحف 43/نزول(:
َ
فلُرهُ وَل َ فلَر فَعَل َي ْلهِ ك ُ ْ مللن ك َ َ
ض فَ َ ف فِللي ٱللْر ِ خل َئ ِ َم َ جعَل َك ُ ْ
ذي َ }هُوَ ٱّلل ِ
م إ ِل ّ
فُرهُل ْ ن كُ ْ
ري َ زيلد ُ ٱْلل َ
كللافِ ِ قتلا ً وَل َ ي َ ِ م إ ِل ّ َ
م ْ عند َ َرب ّهِل ْ
م ِ فُرهُ ْن كُ ْري َ زيد ُ ٱْلل َ
كافِ ِ يَ ِ
ً
سارا{ خ َ َ
ويقابل هذا أن من آمن وعمل صالحا ً فلنفسه يقدم الخير ،وهللذا مللا
بّينه الله تعالى بقوله في سورة )الروم 30/مصحف 84/نزول(:
ل صاِلحا ً فَ َ فَر فَعَل َي ْهِ ك ُ ْمن ك َ َ
ي
جزِ َن * ل ِي َ ْ
دو َمه َ ُ
م يَ ْ سهِ ْ
ف ِلن ُ م َ َ ن عَ ِ
م ْ
فُرهُ وَ َ } َ
ن{ ري َكافِ ِب ٱ ْلل َ ح ّه ل َيُ ِ من فَ ْ
ضل ِهِ إ ِن ّ ُ ت ِ حا ِصلال ِ َمُلوا ْ ٱ ل ّ مُنوا ْ وَعَ ِ
نآ َ ٱ ّلل ِ
ذي َ
من كل ذلك تتضح لنا الحقائق التالية:
-1أن الله غني عن إيمان عباده وطاعتهم .
-2أن الكافرين ل يضرون الله شيئا ً .
-3أن أعمللال الكللافرين لللن تضللر المللؤمنين الصللادقين مللع الللله إل
أذى .
-4أن من كفر فعليه كفره .
ً
-5أن من آمن وعمل صالحا فله عمله .
)(3
أسباب الكفر والضلل
أي :ما يتبع الذين يدعون من دون الله شللركاء حقيقييللن ،لن الللله
واحلد ل شلريك لله ،إن يتبعلون إل الظلن التلوهمي الكلذاب ،وإن هلم إل
يخرصون ،أي :وإن هم إل يكذبون على الحقيقللة بللالتوهم الكللاذب والظللن
الضعيف الذي ل قيمة له في تحصيل المعارف .
وقد يكون الباعث علللى قبللول الظللن الللذي ل قيمللة للله فللي مجللال
اكتساب المعرفة كونه موافقا ً لهللوى النفللس ،وهللذا الهللوى يزي ّللن ضللعيف
الظنون ويحسنه لدى النفوس ويكبره ويجسمه بالوهم وبالتخيللل الكللاذب ،
ول يزل ينفللخ فيلله حللتى يسلليطر علللى المشللاعر ،ويسللتحوذ علللى الفكللر
أخيرا ً ،وعندئذٍ يتبع صاحب هذا الظن الضللعيف ظنلله معتقللدا ً أنلله حقيقللة ،
وهو فلي أصللله خللرص مللن نسلليج الخيللال وحياكللة الللوهم الكللاذب ،وهللذا
الرديف ملن الهلوى هلو اللذي سلاعد عللى دفلع المشلركين اللوثنيين إللى
ضللتهم ،ولذلك خاطبهم الله بقوله عن معقتداتهم في سورة )النجم53/
مصحف 23/نزول(:
َ َ َ
مللن هل ب ِهَللا ِل ٱل للل ُ
ّ مللآ أن َلَز َ ُ
م َوآب َللآؤُكم ّ
هآ أنت ُ ْ مو َ مي ْت ُ ُ
س ّ مآٌء َ
س َي إ ِل ّ أ ْ
ن هِ َ }إ ِ ْ
َ
وى ٱللن ُ
م
مللن ّرب ّهِ ل ُ هم ّ جللآَء ُ
ق لد ْ َ َ
س وَل َ
فل ُ ما ت َهْ َن وَ َ ن إ ِل ّ ٱل ظل ّ
ّ ن ِإن ي َت ّب ُِعو َ سل ْ َ
طا ٍ ُ
ٱل ْهُد َ ٰى{
وقد يسعى مبشرا ً بها بين السذج وضعفاء التكفير والجاهلين ،مزينا ً
حجته بزخرف من القول ،أو مستخدما ً قوة شخصيته أو قللوة نفللوذه ،ثللم
يكون له مؤيدون وأنصار يتابعونه على ضللته الللتي انخللدع هللو بهللا بعامللل
الغرور بالنفس والعجاب بالرأي .
وقد نشأ في التاريخ فرق متعددة تحمل مذاهب فكرية باطلة ،
وذلك بسللبب إصللابة واحللد مللن النللاس أو مجموعللة منهللم بمللرض الغللرور
بالنفس والعجاب بالرأي ،ثم كان منه ومن عوامل أخرى ضللت موروثة
،استمسكت بها أجيال متلحقة ،بللات مللن العسللير التخلللص منهللا إل فللي
ظروف معالجات فكرية ونفسية مؤثرة .
-3التقليد العمى:
من الملحظ أن النسان ينشأ في بيئة من البيئات الجتماعية
فيكتسللب منهللا معللارف ومهللارات وعللادات وأخلقللا ً كللثيرة ،ومللن هللذه
المكتسبات ما هو حق ،ومنها ما هللو باطللل ،ومنهللا أيض لا ً مللا هللو صللالح ،
ومنها ما هو فاسد ،وبمقتضى نشوئه في هذه البيئة الجتماعية يتكون لديه
بدافع النانية خلق التعصب لهله وعشيرته وقومه ،والتعصب لجميع ما هو
في بيئته من مفاهيم وعادات وأخلق ،لنه يتصور أنلله بتعصللبه هللذا يللدافع
عللن كيللانه الللذاتي ،ولكنلله دفللاع ليللس فللي محللله ،إذ هللو دفللاع عللن
النحراف .ولو أنه سللمح لقللواه العقليلة المتجللردة علن ملؤثرات اللبيئة أن
تبحث وتناقش وتميز بين الحق والباطل والخير والشر والصالح والفاسللد ،
لوجللد أن دفللاعه عللن ذاتيتلله إنمللا يكللون بتقويمهللا وإصلللح عوجهلا ،وهجللر
الموروثات الباطلة ،والستمساك بالحق منها .
خل ُممق
* السبب الثمماني – النحممراف النفسممي عممن منهممج ال ُ
القويم:
ً ً
نلحظ لدى دراسة أحوال الناس أن فريقا كبيرا من ذوي الضللة
في الرض لم يضلوا لجهلهم بالحقيقة بسبب عامل من عوامللل النحللراف
الفكري عن منهج التفكير السليم ،وإنما ضلوا أو أجرمللوا بسللبب هروبهللم
من وجه الحقيقة إرضاء لشهوة من شهوات نفوسهم ،ورغبة من رغائبها .
فمن طبع أهواء النفوس وشهواتها أنها تؤثر العاجلة ،وتذر الخللرة ،
مللا لللم يضللبطها ضللابط مللن العقللل الصللحيح الراجللح ،المقللرون بللالرادة
الحازمللة ،أو ضلابط ملن اليملان الراسللخ والللدين المهيملن عللى النفلس
ل جلله. والمتغلغل في أعماق القلب والوجدان والمقرون بتقوى الله ج ّ
وقللد أوضللح الللله أن اتبللاع الشللهوات كللان سللببا ً فللي ضلللل ذريللة
الصالحين ،فقال تعالى في سورة )مريم 19/مصحف 44/نزول(:
صللل َةَ َول ٱّتلب َعُللوا ْ ٱل ّ خل ْل ٌ َ
ت
وا ِشللهَ َ عوا ْ ٱل ّ
ضللا ُ
فأ َ م َ
مللن ب َعْ لدِهِ ْ
ف ِ خل َل َ}ف َ َ
ن غَي ًّا{
قو َ ف ي َل ْ ُ فَ َ
سوْ َ
وحذرنا الله مللن مكللائد الللذين يتبعللون الشللهوات ومللن تضللليلتهم ،
فقال تعالى في سورة )النساء 4/مصحف 92/نزول(:
َ ن ٱل ّ َ
ت أنوا ِ
شللهَ َ ن ي َت ّب ِعُللو َ ريلد ُ ٱّللل ِ
ذي َ ب عَل َي ْك ُل ْ
م وَي ُ ِ ريد ُ أن ي َُتو َ }وَ ٱل ّلل ُ
ه يُ ِ
ظيمًا{ مي ْل ً عَ ِميُلوا ْ َ
تَ ِ
مطلٍغ
ومن اتبللاع الهللواء والشللهوات اتبللاع وسللائل الللترف بللإفراط ُ
وسرف مفسد للنفوس ،وباعث على الكبر والعجب ،ومسبب للغفلة عللن
الحق والخير ،ونسيان العواقب وعدم النظر إليها.
-1الحسد القبيح:
إن الحسد القبيح مرض خبيث من أمراض النفوس ،يغري صاحبه
أن يغمللط الحللق وينكللره ويجحللد بلله ،مهمللا كللان ظللاهرا ً مؤيللدا ً بالحجللج
والبراهين .
وإذا تصفحنا التاريخ القديم والحديث وجلدنا أمثلللة كلثيرة عللى ذلللك
من الواقع النسلاني ،وملن أمثلتله حسللد اليهللود للعللرب إذ جلاء الرسلول
المنتظر منهمل من بني إسرائيل كما كانوا يودون ويهوون .
-2النانية الضيقة:
والنانية حب النسان لنفسلله فقللط أو لمحيطلله الضلليق ،مللع قصللر
نظر عللن العللواقب ،وهللي تولللد فللي المجتمعللات النسللانية حللب الثللرة ،
واحتكار كل خير ومتعلة ،وادعلاء كللل فضلليلة وشلرف ،وذللك يلؤدي إلللى
التنازع والتشاحن والبغضاء ،وتبديللد طاقللات الجماعللة تبديللدا ً داخلي لا ً بللدل
تجميعها ضد عدوها وعدو الحق والخير والفضيلة والجمال .
وكم كان لهذه النانية الضيقة من نتائج سيئة شنيعة ،قوضلت كلثيرا ً
من أبنية حضارية شامخة ورمت بأمم كثيرة من قمم المجللد إلللى حضلليض
المذلة والمهانة ،وورثتها مفاهيم فاسدة .وجعلتها تتخلف أجيال ً وقرونا ً عن
مواكب ركب الحضارة والتقدم ،ونور العلم والخير والفضيلة .
-4الكبر :
وكثيرا ً ما يكللون الكللبر عللامل ذا أهميللة مللن العوامللل الصللارفة عللن
ً
الستجابة للحق ،والباعثة إلى التمرد عليلله ،والخللروج عللن دائرة الطاعللة
ل وعل ،وعامل ً أيضا ً في تكوين معتقدات ومفاهيم باطلة وتقاليد للخالق ج ّ
وعادات فاسدة ،ومتى نفخ الكبر في أنف صللاحبه واسللتولى علللى إرادتلله
شى على عقله وساقه بعنف إلى غمط الحق وطمس معللالمه ،وانتحللال غ ّ
صور من الباطل على تزيينها وتحسينها بالحجج التافهة التي ل تقللوى علللى
النهوض أمام قوة الحق لدى ذوي العقول السليمة .
وقديما ً كان الكبر هو الصللارف لبليللس عللن طاعللة الللله ،كمللا كللان
الصارف لبعض زعماء العرب عن الدخول في السلم أيام نزول الرسالة ،
والكبر هو الصارف لكثير من المترفين عن النخراط مع جماعة المسلمين
،حتى يظلوا مللترفعين فللي أبراجهللم الذهبيللة ،فهللم ل يشللعرون بمشلاعر
العامة ،ول يشاركون في مختلف مظاهر وحدتها وتكاتف صفها .
ويكون هذا التباع لهم إما فتنة بهم ،أو طمعا ً باسترضائهم لتحيل
المنافع عن طريقهم ،وإما خوفا ً من عقوباتهم .
والقادة المضلللون إمللا مسللتكبرون ،أو أصللحاب أهللواء ،أو متبعللون
للشللهوات ،بجنللوح وطغيللان ،أو مقلللدون متبعللون لسلللفهم أو مقلللدون
مفاخرون متبعون لنظرائهم من ذوي السلطان في الرض .
وقد حذر الله من اتبللاع القللادة المضلللين بأسلللوب بيللان واقللع حللال
بعض الظالمين الذين عصوا رسل ربهم .فمن ذلللك مللا ذكللره الللله تعللالى
في شأن عاد قوم هود مللن أن سللبب ضللللهم أنهللم اتبعللوا أمللر كللل جبللار
عنيد ،فعصوا رسل ربهم وجحدوا بآياته ،فقال تعالى في سورة )هللود11/
مصحف 52/نزول(:
َ
جب ّللاٍر
ل َ ُ ه وَتٱ ّب َعُل ۤوا أ ْ
ملَر كل ّ ْ َ
سلل ُ ْ
صوْا ُر ُ
م وَعَ َ
ت َرب ّهِ ْ ْ
دوا ِبآَيا ِ
ح ُ
ج َعاد ٌ َ }وَت ِل ْ َ
ك َ
د{
عَِني ٍ
ومن ذلك أيضا ً ما ذكره الله في شأن اتباع فرعون الذين كانوا مله
ومنفللذي أمللره وأكللابر قللومه ،إذ اتبعللوا أمللره فجحللدوا بربهللم وبرسللله ،
وباليات التي جاءهم بها موسى عليه السلم ،قال الله تعللالى فللي سللورة
)هود 11/مصحف 52/نزول(:
}ول َ َ َ
مل َئ ِ ِ
ه ن وَ َ ن * إ َِلل ٰى فِْر َ
علوْ َ مِبيل ٍ
ن ّ سلل ْ َ
طا ٍ سل ٰىِبآَيات َِنلا وَ ُ سلل َْنا ُ
مو َ قد ْ أْر َ َ
د{ شي ر ب ن وع ر ف رمَ أ مآو ن و ع ر ف ر م َ أ ْ ا و فَٱت ّب َعُ ۤ
ْ َ ِ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُ ِ ْ َ ْ َ َِ ِ ٍ
)(4
مناخ نماء الكفر ونشاطه
قد يبدو لكل عاقل بعد أن يرى الحق في جانب اليمان ،ويأتيه خبر
الوعد بالسعادة الخالدة للمؤمنين ،وخبر الوعيد بالشللقاء الللدائم والعللذاب
الليم في نار جهنللم للكللافرين ،أنلله ل يوجللد أي داع للنسللان حللتى يختللار
لنفسه سبيل الكفر على سبيل اليمان ،ل سيما حيللن يلحللظ أنلله ل توجللد
في مواقع الكفر مزايا من متاع الدنيا يصيبها الكافر ول يستطيع أن يصلليبها
المؤمن ،علما ً بأن مقدروه أن يصيب مللا يريللد مللن شللهوات محرمللة عللن
طريق المعصية ،ل عن طريق الكفر بالجحود أو يرفض الذعان للطاعللة ،
فطريق المعاصي ليس فيه خلود في العذاب والشقاء ،أمللا طريللق الكفللر
فهو طريق الخلود في العذاب والشقاء البدي .
والتساؤل الوارد في هذا المجال قللد أجللاب القللرآن عنلله ،فللبين أن
الكافرين واقعون في الكفر بسبب مؤثرات نفسية شتى جانحة خلقيللا ً ،إل
أن الذي غ ّ
شى علللى منطقهللم فللي الحيللاة أمللران :زينللة وغللرور ،وهللذان
المران هما المناخ الذي تنشط فيه بواعث الكفر ودواعيه .
فالزينللة :حسللنت للكللافرين الحيللاة الللدنيا ،وحسللنت لهللم سللوء
عملهم ،وصبغته بالصباغ الخادعة ،وجعلت له المبررات المزّورة .
ولكن ينعكس المر يوم القيامة فيقتص منهللم الللذين آمنللوا سللخرية
بسخرية .
والغرض من جعل الحياة الدنيا هكذا زينة تفتتللن النفلوس بهلا تللوافر
ظروف البتلء المثل ،وهذا ملا بينلله الللله بقلوله فلي سللورة )الكهلف18/
مصحف 69/نزول(:
َ َ َ
ما عَلى ٱللْر ِ
ً
مل * وَإ ِن ّللا
ن عَ َ
سل ُ
ح َ
م أي ُّهم أ ْ ُ ّ
ة لَها ل ِن َب ْلوَهُ ْ
ض ِزين َ ً َ جعَل َْنا َ
}إ ِّنا َ
ً
جُرزا { ً
صِعيدا ُ َ
ما عَلي َْها َن َ عُلو َ لَ َ
جا ِ
أي :سيأتيهم يوم تفقد فيه زينتها فيغدو سطحها صلدا ً يابسلا ً ل نبلات
دم كللل مللافيه ول زرع ،قد احترق كل ما عليها من خضللرة ونضللرة ،وته ل ّ
عليها من قصر مشيد .
وأخطللر مللا فللي المللر أن يغللتر النسللان بزينللة القللوال والفكللار
الباطلة ،وبزينة العمال السيئة ،فيرى الباطل حقا ً ،ويرى السيء حسنا ً ،
فيندفع وراء الباطل مؤيدا ً له وناصرا ً ،ويعمل العمال السيئة متعاظما ً بهللا
ومفاخرا ً ،زاعما ً أنه من المحسنين ،وهنا تكون المحنللة الكللبرى ،والفتنللة
العظمى .
ونقيض هذا من كللان علللى بينللة مللن ربلله ،يللرى الحللق حقلا ً فيتبعلله
ويعمل بموجبه ،ويرى الباطل باطل ً فيجتنبه ويحذر من العمللل بمللا يفضللي
إليه .
فمن كان على بّينة من ربه فإنه يكون صحيح التصور للمور ،
مستقيم العمل غالبا ً انسجاما ً مع تصوراته الصحيحة ،ومللن زي ّللن للله سللوء
عمله فل بد أن يكون فاسد التصور فاسللد العمللل متبعلا ً أهللواءه المنحرفللة
الجانحة ،متخبطا ً في ظلمات البغي والفساد ،والظلم طغيان .
ويوبخ الله الذين زين لهم سوء عملهم ،فكفروا بربهم فأضلهم الللله
بذلك قال تعالى في سورة )فاطر 35/مصحف 43/نزول(:
ت حا ِ صللال ِ َملللوا ٱل ّ
ْ ُ مُنوا ْ وَعَ ِ نآ َذي َ ديد ٌ وَ ٱّلل ِش ِ ب َ ذا ٌ م عَ َفُروا ْ ل َهُ ْن كَ َ ذي َ }لٱّلل ِ
َ َ
هلن ٱل ّللل َ سللنا ً فَ لإ ِ ّ
ح َ مل ِلهِ فَ لَرآهُ َ س ۤوَء عَ َ ه ُ ن لَ ُمن ُزي َ جٌر ك َِبيٌر * أفَ َ فَرةٌ وَأ ْ مغ ْ ِل َُهم ّ
ن ٱل ّللل َ
ه ت إِ ّ سَرا ٍ ح َ م َ ك عَل َي ْهِ ْس َف ُ ب نَ ْ شآُء فَل َ ت َذ ْهَ ْ من ي َ َ دي َ شآُء وَي َهْ ِ من ي َ َ ل َ ض ّ يُ ِ
ن{ صن َُعو َ ما ي َ ْم بِ َ عَِلي ٌ
ففي هذا النص تلحظ أن الله يخللاطب رسللوله بقللوله } :فل تللذهب
نفسك عليهم حسرات{ أي :فل تهلك نفسللك حزن لا ً علللى الكللافرين الللذين
زين لهم سوء عملهم ،فهم قد اختاروا بأنفسهم سبيل الكفللر علللى سللبيل
اليمان ،فحق عليهم عذاب شديد من الله ،وكان بمقللدورهم أن يختللاروا
سبيل اليمان والهداية ،فقد بين الللله لهللم الحللق فللي كتبلله وعلللى ألسللنة
رسله ،فل عذر لهم بجهل وعدم بيان .
وقال الله تعالى في وصف النسان في سورة )يونس 10/مصللحف/
51نزول(:
َ َ
مللاعللدا ً أوْ َقآِئم لا ً فَل َ ّ جنب ِلهِ أوْ َقا ِ عان َللا ل ِ َ ن ٱل ّ
ضللّرل د َ َ سللا َ للن َ س َٱ ِ
مل ّ ذا َ}وَإ ِ َ
مللا
ن َ سلرِِفي َ م ْ ن ل ِل ْ ُ
ك ُزي ّ َه ك َ ٰذل ِ َ
س ُ م ّ ضّر ّ م ي َد ْعَُنآ إ ِل َ ٰى ُمّر ك َأن ل ّ ْ
ضّرهُ َ ه ُ فَنا عَن ْ ُ كَ َ
ش ْ
ن{ مُلو َ كاُنوا ْ ي َعْ َ
َ
فمن خلئق النسان أنه إذا مسه الضر رجللع إلللى ربلله ،فالتجللأ إليلله
داعيا ً أن يكشلف عنله ضلره ،عللى أيلة حاللة كلان مضلطجعا ً أو قاعلدا ً أو
قائما ً .إنه في حالة ضره تتيقظ فطرة اليمان في داخله ،فيرجع إلى ربلله
مستغيثا ً ،ولكنه حينما يكشف الله عنه الضر ويعود إلللى مللا كللان فيلله مللن
متاع الحياة الدنيا وزينتها ينسى ربه ،ويمر في حياته غير معترف بخللالقه ،
كأنه لم يرجع إلى ربه في ساعة ضره ،فيدعوه ويلتجئ إليه ،وهكذا حللال
المسرفين يعملون العمال السيئة القبيحة ويرونها حسنة ،اغترارا ً بزينتهللا
في نفوسهم وأهوائهم .
ومن أمثلة الحكام الباطلة التي زينللت لللدى الكللافرين تلعبهللم فللي
الشهر الحرم بالتقديم والتأخير ،ليبيحوا لنفسهم في الشهر الحرم ما هو
محرم عليهم ،وفي هذا يقول الله تعللالى فللي سللورة )التوبللة 9/مصللحف/
113نزول(:
عاما ً ه َ حّلون َ ُ
فُروا ْ ي ُ ِ
ن كَ َ ل ب ِهِ ٱّلل ِ
ذي َ ض ّف رِ ي ُ َس ۤي ُء زَِياد َةٌ ِفي ٱْللك ُ ْ ما ٱل ّنل ِ }إ ِن ّ َ
م َ
ن له ُ ل ْ
هل ُزي ّل َ م ٱل لل ُ
ّ حّر َ
ما َ ْ
حلوا َّ َ
ه في ُ ِ م ٱل لل ُ
ّ حّر َ ما َ عد ّةَ َ ْ ُ
واط ِئوا ِ ّ ً
عاما لي ُ َ ه َ مون َ ُ حّر ُ
وَي ُ َ
َ
ن{ ري َ م ٱللكافِ ِ
َ ْ ق وْ َدي ٱلل َ
ْ َ
ه ل ي َهْ ِم و َ ٱل ل ُ
ّ مال ِهِ ْس ۤوُء أعْ َ ُ
وهكذا تفعل الزينة فتسقط الظالمين والمسرفين والكافرين في
الغرور .
أما جوهر الحقيقة فهم عنه معرضون ،وبينهم وبينله غشلاوات عللى
قلللوبهم وأفكللارهم وأسللماعهم وأبصللارهم ،فللالغرور مللتى اسللتولى علللى
إنسان أعماه وأصمه عن كل بيان يكشف له زيف ما هو مغرور به .
أملا الشلياء اللتي زينلت لهلم فلاغتروا بهلا ،فإنهلا تلأتي فلي نطلاق
العناصر التالية:
-1أول ما زين لهم فغّرهم وجذبهم إليه متاع الحياة الللدنيا ،ومللا فيهللا مللن
شهوات وأهواء وجاه ومال وسلطان ولهو ولعب .
-2ثم غرتهم الماني .
-3ثم غرتهللم زخللارف القللوال المللزورة الللتي تللوحي بهللا شللياطين الجللن
والنس .
-4ثم غرتهم مفترياتهم وأكاذبيهم التي كانوا قد افتروها ،لستر انحرافاتهم
،فمر عليها فصدقوها ،وحسبوها أمورا ً صللحيحة ،ونسللوا أنهللم هللم الللذين
اختلقوها .
-5ثم انغمسوا فللي الغشللوات الكللثيرة ،وحجبللوا أنفسلهم عللن الحقيقللة ،
ونسوا الله وعميت أبصارهم وبصائرهم عن آياته .
فعلى النسان أن يعقل أمره ول يغتر بزخرف الحياة الدنيا وزينتها .
ولذلك حذر الله الناس جميعا ً من الغللترار بللذلك فقللال تعلالى فللي سللورة
)لقمان 31/مصحف 57/نزول(:
َ
عن وَل َدِهِ وَل َ زي َوال ِد ٌ َ ج ِوما ً ل ّ ي َ ْ
ش وْ ا ْ ي َ ْ م وَ ٱ ْ
خ َ قوا ْ َرب ّك ُ ْس ٱّتل ُ
} ٰيأي َّها ٱل ّنلا ُ
ح َياةُ ٱللل ّ
دلن َْيا م ٱْلل َ
حقّ فَل َ ت َغُّرن ّك ُ ُ هل َ ن وَعْد َ ٱل ّلل ِشْيئا ً إ ِ ّ
عن َوال ِدِهِ َ جازٍ َ موُْلود ٌ هُوَ َ
َ
وَل ي َغُّرن ّكم ِبل ٱل للهِ ٱللغَ ُروُر{
ْ ّ ُ َ
ثم بين الله تبارك وتعالى أن الكافرين مغرورون بالحياة الدنيا ،
فقال لرسوله في سورة )النعام 6/مصحف 55/نزول(:
ح َياةُ ٱل ّ
دلن َْيا{ م ٱْلل َ
م ل َِعبا ً وَل َْهوا ً وَغَّرت ْهُ ُ
ذوا ْ ِدين َهُ ْ ن ٱّتل َ
خ ُ }وَذ َرِ ال ّ ِ
ذي َ
وبعد أن يدخلهم الله دار العذاب يخاطبهم بمثل ذلك ما جاء في
قوله تعالى في سورة )الجاثية 45/مصحف 65/نزول(:
َ
ه
مت ِل ِ ح َ م فِللي َر ْ م َرب ّهُ ل ْ خل ُهُ ْ ت فَي ُلد ْ ِ حا ِ صلال ِ َ مُلوا ْ ٱل ّ مُنوا ْ وَعَ ِ نآ َ ذي َ ما ٱّلل ِ }فَأ ّ
َ َ
م ن آي َللاِتي ت ُت ْل َل ٰى عَل َي ْك ُل ْ م ت َك ُ ْ فُروا ْۤ أفَل َ ْ ن كَ َ ذي َ ما ٱل ّ ِ ن * وَأ ّ مِبي ُ فوُْز ٱل ْ ُ ك هُوَ ٱل ْ َ ذ َل ِ َ
ة
سللاعَ ُ ح لقّ وَ ٱل ّ هل َ ن وعْد َ ٱل ّلل ِ ل إِ ّ ذا ِقي َ ن * وَإ ِ َ مي َ جرِ ِ م ْ وما ً ّ م قَ ْ كنت ُ ْ م وَ ُ سلت َك ْب َْرت ُ ْ َفل ٱ ْ
ن قِني َست َي ْ ِ
م ْ ن بِ ُ
ح ُ ما ن َ ْ ن إ ِل ّ ظ َن ّا ً وَ َ ة ِإن ن ّظ ُ ّ سلاعَ ُ ما ٱل ّ ما ن َد ِْري َ ب ِفيَها قُل ُْتم ّ ل َ َري ْ َ
ل ن * وَِقيل َ س لت َهْزُِئو َ مللا ك َللاُنوا ْ ب ِلهِ ي َ ْ حللاقَ ب ِهِللم ّ مل ُللوا ْ وَ َ ما عَ ِ ت َ سيَئا ُ م َ دا ل َهُ ْ * وَب َ َ
ْ
م مللن ُ َ
مللا لك ل ْ م ٱ ل ّنللاُر وَ َ ُ
م لأَواك ُ ذا وَ َ م ه َ ٰل َ ُ
مك ْ قآَء ي َوْ ِ م لِ َ سيت ُ ْ ما ن َ ِ َ
مك َ ُ
ساك ْ م َنن َ ٱ ْللي َوْ َ
َ
ح ي َللاةُ ٱل ل ّ
دلن َْيا م ٱْلل َ هل هُلُزوا ً وَغَّرت ْك ُل ُ ت ٱل ّللل ِ م آي َللا ِ خ ذ ْت ُ ْ م ٱّتل َ كم ب ِأن ّك ُ ُ ن * ذ َل ِ ُ ري َ ص ِّنا ِ
ن{. ست َعَت َُبو َ م يُ ْ َ
من َْها وَل هُ ْ ن ِ جو َ خَر ُ م ل يُ ْ َ َفل ٱْللي َوْ َ
وهكذا ظهر لنا أثر الغرور بالحياة الدنيا وزينتهللا وزخرفهللا ،وظهللرت
لنا نتائجه الوخيمة .
فالمشركون تتعلللق أمللانيهم باللهللة الللتي يعبللدونها مللن دون الللله ،
فتخيب أمانيهم التي تعلقت بهذه اللهة ،لنها تعلقت بأوهام ل حقيقة لهلا ،
يدعونهم فل يستجيبون لهم .
إنها الخطة التضليلية التي رسمها إبليس لغواء بني آدم ،والتي بينها
الله لنا بقوله في سورة )السراء 17/مصحف 50/نزول(:
َ َ
جد ُ سل ُل أأ ْ س قللا َ َ دوا ْ إ َل ّ إ ِب ِْليل َ ج ُ سل َ م فَ َ دوا ْ لد َ َ ج ُ سلل ُ م ۤلئ ِك َلةِ ٱ ْ }وَإ ِذ ْ قُل َْنا ل ِل ْ َ
َ َ َ َ
ن إ ِل ٰى ي َوْم ِ خْرت َ ِنأ ّ ي ل َئ ِ ْ ت عَل َ ّ م َ ذي ك َّر ْ ذا ٱل ّ ِ ك ه َ ٰل َ ل أَرأي ْت َ َ طينا ً * َقا َ ت ِ ق َ خل َ ْ
ن َ م ْ
لِ َ
م ف َ لإ ِ ّ َ لٱ ْ ً ّ َ َ َ ٱ لل ِ
ْ
م جهَن ّل َ ن َ من ْهُل ْ من ت َب ِعَك ِ بل فَ َ ذلهَ ْ ه إل قَِليل * َقا َ ن ذ ُّري ّت َ ُ حت َن ِك ّ م ةِ ل ْ ق َيا َ
َ
ب جل ِل ْ َ
ص لوْت ِك وَأ ْ م بِ َ من ْهُ ل ْ ت ِ َ
سللت َط عْ َ ن ٱ ْ مل َ ِ فزِْز َ ستَ ْ موُْفورا * وَ ٱ ْ ً جَزاًء ّ م َ ُ
جَزآؤُك ْ َ
َ
ل وَ ٱللْولدِ وَ ِ
م مللا ي َعِلد ُهُ ُ م وَ َ ع لد ْهُ ْ وا ِ م َ م ِفي ٱلل ْ ْ
شارِكهُ ْ ك وَ َ جل ِ َ ك وََر ِ خي ْل ِ َ
عَلي ِْهم ب ِ َ َ
كيل ً ك وَ ِ ف ٰى ب َِرب ّ َ ن وَك َ َ َ
سلطا ٌ ْ م ُ َ
ك عَلي ْهِ ْ سل َ َ َ
عَباِدي لي ْ َ ن ِ ً
ن إ ِل ّ غُُرورا * إ ِ ّ طا ُ شي ْ َ ٱل ّ
{
وقللد امتحللن إبليللس التغريللر بللآدم وزوجلله ،وحلللف لهمللا أنلله مللن
الناصحين ،فأوقعهما بمخالفة الله ،وتسببلهم بالخروج من الجنللة ،وكللانت
وسيلته التغريريللة تشللتمل علللى تللدرج مللاكر ،وقللد عللبر الللله عنلله بقللوله
تعالى } :فدلهما بغرور{ ،أي :أنزلهما في هوة المعصية كمن يدلي إنسانا ً
في بئر ليشرب من مائها ،ولكن هذه البئر ل ماء فيها ،التدلية مشتقة من
إنزال الدلو في البئر ،ومعلوم أن هذا النزال يكون شيئا ً فشلليئا ً ،فالتدليللة
تتضمن معنى التغرير بتدرج .
وقد أوضح الله قصة هذه التدلية الشيطانية فللي سللورة ]العللراف ،
اليات.[23-19 :
ويعد الظالمون بعضللهم بعضلا ً مواعيللد ل تخللرج عللن دائرة الغللرور ،
وفي هذا يقول الله تعالى في سورة )فاطر 35/مصحف 43/نزول(:
ضُهم ب َْعضا ً إ ِل ّ غُُرورًا{
ن ب َعْ ُ
مو َ ل ِإن ي َعِد ُ ٱل ّ
ظلال ِ ُ }ب َ ْ
كرنا بطمع أشعب واغتراره بما كان يفتريه هو للصللبيان مللن وهذا يذ ّ
ولئم ليصرفهم عنه ،حتى إذا انصرفوا عنه إلى جهة الوليمة التي اختلقتهللا
لهم لحقهم طمعا ً بأن يجد تلك الوليمة فعل ً ،وينسيه طمعه أنلله هللو صللانع
الكذوبة .
وبدأ ناقصو العقول ملن الرجلال والنسلاء يفللدون إللى هللذا الضللريح
للتبرك ،ويبذلون له القرابين والموال ،ويستولي عليها هللذا اللصللان ،ثللم
طمع أحدهما بما جمعه قرينلله مللن مللال فسللرقه منلله ،فاختصللما ،فللأنكر
السارق ،فاستحلفه خصمه ،فحلف له بالشيخ زنكللي أنلله لللم يسللرق منله
شيئا ً ،فقال له قرينه :ما هذا القسم؟ كلب دفنللاه معلا ً ،أفصللدقت الفريللة
التي افتريناها معًا؟ أم تريد أن تحتللال علللي وتخللدعني ،واقتتل فقتللل كللل
منهما صاحبه .
إن القبيح شديد القبح إذا زعم أنه جميل واستطاع بحيلتلله أن يخللدع
فئة من الغبياء ،فأخذ هؤلء يثنون على جماله ،فإنه كثيرا ً ما يسللقط فللي
الغرور فيعتقد نفسه جميل ً جدا ً ،مع أنه في نظر غيللر هللؤلء الغبيللاء قبيللح
جدا ً .
فهؤلء الذين أوتوا نصيبا ً من الكتاب قد افتروا على ربهم فقالوا :
لن تمسنا النار إل أياما ً معللدودات ،ثللم صللدقوا فريللة أنفسللهم ،واتخللذوها
عقيدة من عقائدهم ،وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون من أكللاذيب علللى
ربهم .
وما أكثر الكاذيب التي يفتريها الناس في العقللائد ،ثللم تتحللول هللذه
الكاذيب بتطاول الزمن واستجابة الجهلة لها وبعض المصادفات المؤيللدة ،
إلى عقائد راسخة في الدين ،حتى في نفوس واضللعيها ومختلقيهللا ،وهللذا
أقبح الغرور أن يغتر النسان بما افتراه هو .
)(5
الطبع على قلوب الكافرين
من فطرة النسان إذا هو عاند وأصر على الباطل بعد معرفة الحللق
المبين ،وأعلن تكذيبه وكفره بالحق ،أن يصاب قلبلله بالصللمم ،وأن يتبلللد
حسه تجاه الحق والخير ،فإذا ألقي عليه الهدى أعللرض عنلله ولللم يسللتمع
إليه ،ولم يدرك جوانب الحق فيه ،ولللم يتحللرك وجللدانه وضللميره بعاطفللة
إيجابية نحو الخير ،ويكون كالصخر الصم الذي ل يقبللل نللدى معرفللة ،ول
يندى بعاطفة ،فإذا وصل النسان إلى هذا المستوى مللن القسللوة وجفللاف
عواطف الخير ،فإنه يكون مغلف القلب مسدود المنافللذ محجوب لا ً بحجللاب
غليظ ،حتى يكون بمثابة البيت الذي أغلق بابه ،وضللرب عليلله بالقفللال ،
ثم ختمت القفللال بطللابع الطيللن أو الشللمع ،إشللعارا ً بوصللولها إلللى غايللة
إقفالها ،أو بمثابة المعدن الذي يعلللوه الصللدأ حللتى يغشلليه تغشللية تامللة ،
شللي قلللوب الكللافرين ويحجبلله حجبللا ً كللامل ً ،وهللذا هللو الللران الللذي يغ ّ
المكللذبين ،وهللو مللا ورد فللي قللول الللله تعللالى فللي شللأنهم فللي سللورة
)المطففين 83/مصحف 86/نزول(:
م
علن ّرب ّهِل ْ ن * ك َل ّ إ ِن ّهُل ْ
م َ سلُبو َ ْ
كلاُنوا ي َك ْ ِ
ملا َ م ّ ن عَل َ ٰى قُل ُللوب ِهِ ْ }ك َل ّ ب َ ْ
ل َرا َ
م{. حي ِ ج ِصالو ٱلل َ
ْ ُ مل َ َ ن * ثُ ّ
م إ ِن ّهُ ْ جوُبو َ ح ُم ْ مئ ِذٍ ل ّ َ
ي َوْ َ
دل على هذا جملة من النصوص القرآنية ،ويظهر لنا أيضا ً من واقللع
حال الكافرين المعاندين المكذبين ،إذ تكون قلوبهم في حجاب كامل عللن
قبول أية معرفة تتصل بالحق الذي كذبوا بله وجحلدوه ،وتكللون ضلمائرهم
ميتة ل تحس بمشاعر الخير الذي يدعوهم الحق إليه.
وسبب هللذا الطبلع الللذي تصللاب بلله قلللوبهم كفرهللم وتملاديهم فلي
الغي ،واستغراقهم في معاصيهم وذنوبهم .وهذه النتيجة هي مللن السللنن
ذر الللله أهللل القللرى منهللا ،فقللال – تعللالى – فللي سللورة الكونية الللتي حل ّ
)العراف 7/مصحف 39/نزول(:
َ َ َ َ
ّ
مللن ب َعْلدِ أهْل ِهَللآ أن للوْ ن َ َ
شللآُء ض ِ ن ٱللْر َ ن ي َرِث ُللو َ م ي َهْدِ ل ِل ّ ِ
ذي َ }أوَل َ ْ
ك ٱل ْ ُ ن * ت ِل ْ َ َ
صقلل ّ قَر ٰى ن َ ُ مُعو َ م ل َ يَ ْ
س َ م وَن َط ْب َعُ عَل َ ٰى قُُلوب ِهِ ْ
م فَهُ ْ م ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ
صب َْناهُ ْ
أ َ
ما ك َلذ ُّبوا ْ
مُنوا ْ ب ِ َ
كاُنوا ْ ل ِي ُؤْ ِ
ما َ سل ُُهم ِبل ٱْللب َي َّنا ِ
ت فَ َ م ُر ُ
جآَءت ْهُ ْقد ْ َن َأنَبآئ َِها وَل َ َ م ْ ك ِ عَل َي ْ َ
ن{. ري َ
كافِ ِب ٱْلل َ هل عَل َ ٰى قُُلو ِ ك ي َط ْب َعُ ٱل ّلل ُ ل ك َذ َل ِ َمن قَب ْ ُ ِ
فأوضح الله تعالى فلي هللذا النللص أن ملن سللنن كللونه الطبللع علللى
قلوب الكافرين ،فهو نتيجة تحصل بسللبب مللا يكسللب الكللافرون بكفرهللم
وجحودهم من ذنوب ،وبسبب طول المل عليهم وهم مك ّ
ذبون .
وفي نص آخر بّين الله تبلارك وتعلالى أن سللبب الطبلع علللى قلللوب
اليهود إنما هو كفرهللم ،فقللال تعللالى فللي سللورة )النسللاء 4/مصللحف92/
نزول(:
َ
م ٱللن ْب َِيآَء ب ِغَي ْرِ َ
ق
ح ّ ت ٱل للهِ وَقَت ْل ِهِ ُ
ّ هم َبآَيا ِ فرِ ِ ُ
م وَك ْ ميَثاقَهُ ْم ّضه ِ ْ
ق ِ }فَب ِ َ
ما ن َ ْ
ل{ن إ ِل ّ قَِلي ً م فَل َ ي ُؤْ ِ
مُنو َ فرِهِ ْ ُ َ
ه عَلي َْها ب ِك ْ ل طب َعَ ٱل لل ُ
ّ َ ف بَ ْم قُُلوب َُنا غُل ٌ
ْ وَقَوْل ِهِ ْ
فالطبع على قلوبهم قد كان بسبب كفرهم وكللان نتيجللة للله ،ولكللن
النتائج الطبيعيللة السللببية والسللنن الكونيللة إنملا تتللم بخلللق الللله ،ولللذلك
تنسب إلى الله تبارك وتعالى خلقا ً وتقديرا ً ،مع أنها نتللائج طبيعيللة لعمللال
يكسبها الناس .
ففي هذه الية دللة على أن الطبع على قلوبهم قد جعلهللا محجوبللة
عن تقبل المعارف الربانية ،فهم ل يفقهون منها ما يهديهم .
وقد تكرر في القرآن بيان الطبع على قلوب المنافقين ،وأنهم بذلك
ل يفقهون ما يلقى إليهم من هداية ،ول يعلمون مللا يضللرهم وينفعهللم فلي
عاقبة أمرهم ،فقللال تبللارك وتعللالى فللي سللورة )التوبللة 9/مصللحف113/
نزول(:
َ
ف
واِللل ِ معَ ٱْلل َ
خ َ كوُنوا ْ َ
ضوا ْ ب ِأن ي َ ُ
ن * َر ُ
دي َ
ع ِ معَ ٱْلل َ
قا ِ ن ّ }...وََقاُلوا ْ ذ َْرَنا ن َك ُ ْ
ن{ قُهو َ م ل َ يَ ْ
ف َ م فَهُ ْ وَط ُب ِعَ عَل َ ٰى قُُلوب ِهِ ْ
أي :ل يقتصر على الطبع على بعض قلبه ،بل يكون عليه جميعا ً .
وتعبير غير مباشر ،وذلك بالنسبة إلى قلللوبهم ،فقللال تعللالى } :أم
على قلوب أقفالها{ ،وهذا كناية عن الحجب التي تحجب بها قلوبهم بسبب
كفرهم ونفاقهم .
فهؤلء الذين كفروا بعد بيان الحق لهم وأصروا على كفرهم
وعنادهم قد وصلوا إلى حالة من انطمللاس البصلليرة وتبل ّللد الحللس ل ينفللع
معها النذار بسوء المصير ،لنهم جحدوا اليوم الخر ومللا فيلله مللن جللزاء ،
فالنذار وعدمه بالنسبة إليهم سواء }سواء عليهم أأنذرتهم أم لللم تنللذرهم
ل يؤمنون{ ،وظاهر أن السبب في ذلك هو ما وصلوا إليه من الختللم علللى
قلوبهم وعلى سمعهم ،وما جّلل أبصارهم مللن غشللاوة حجبتهللا عللن رؤيللة
آيات الله ودلئل وجوده ،وحكمته وعدله .وهذا الختم وهذه الغشاوة همللا
من النتائج الطبيعية لما هم فيه من الكفللر المعانللد ،بعللد بيللان الحللق لهللم
بمختلف الوسائل .
ونجد التعبير بالختم فللي قللول الللله تعللالى فللي سللورة )الجاثيللة45/
مصحف 65/نزول(:
َ ْ َ ّ ّ َ َ َ َ
م عَل ل ٰى خت َل َ
عل لم ٍ وَ َه عَل ل ٰى ِ ٱل ل ُه ل ضل ُواهُ وَأ َ خذ َ إ ِل ٰلهَ ُ
ه هَ َ ن ٱت ّ َ ِ م
ت َ}أفََرأي ْ َ
مللن ب َعْلدِ ٱل ّلللهِ أ َفَل َ ديهِ ِ شللاوَةً فَ َ
مللن ي َهْل ِ ل عَل َل ٰى ب َ َ
ص لرِهِ ِغ َ جع َ َمعِهِ وَقَل ْب ِهِ وَ َ
س ْ
َ
ن{ ّ
ت َذ َكُرو َ
فهذا فريق من الناس قد اتخذ إلهه هواه ،فهو يعبد أهواء نفسه ،
فيطيعها في أوامرها ونواهيها ،ويسارع في تحقيق مطالبها وشهواتها ،ولو
كان في ذلك أذاه وضره وهلكه ،وملن اتخللذ إلهله هللواه فقللد ضلل سلواء
السبيل ،ومن ضل بجنوحه واتباعه أهواء نفسله أضلّله اللله ،فحكلم عليله
بالضلل حكما ً مبينا ً على علم بواقع حالة الضال ،وإذا وصللل النسللان إلللى
هذا المستوى من الضلل واتباع الهوى قسا قلبه ،وران عليه ما كسب من
جللب عللن إدراك الحقللائق الدينيللة الربانيللة ،غل ّللف بغلف شللامل
ح ِ
إثللم ،ف ُ
،وختم على هذا الغلف ،وكلان شللأن أدوات المعرفللة لللديه كشللأن قلبلله ،
فيختم على سمعه أيضا ً ،فل يستمع إلى نصيحة ،ول يتقبل موعظمللة مللن
مواعظ الهداية الربانية ،وُيجعل على بصره غشللاوة ،فل يللرى آيللات علللم
الله وحكمته وعدله المنبثة في الوجود .
وقد يصغي المختوم على قلبه وسمعه إلى المواعظ إصغاًء صللوريا ً ،
إل أن هذا الصغاء الصوري ليس له أثر في النفس ،فوجود كَعدمه ،ويبقى
بعده الصرار والستكبار ،كأن السامع لم يسمع من الهدايللة شلليئا ً ،وهللذا
المعنى قللد بّينلله الللله تعللالى بقللوله فللي سللورة )الجاثيللة 45/مصللحف65/
نزول(:
َ
ه
هل َوآَيات ِ ِث ب َعْد َ ٱل ّلل ِدي ٍح ِحق فَب ِأي َ ك ِبل ٱْلل َ ها عَل َي ْ َت ٱل ّللهِ ن َت ُْلو َ ك آَيا ُ }ت َل ْ َ
َ َ
صلّر م يُ ِ ت ٱلّللهِ ت ُت َْلل ٰى عَل َْيلهِ ُثل ّ معُ آَيلا ِ سل َ ك أِثيلم ٍ * ي َ ْ كلل أّفلا ٍ لل ُ ن * وَي ْ ٌ مُنو َ ي ُؤْ ِ
ش لْيئا ًن آَيات ِن َللا َ َ
ب أِلي لم ٍ * وَإ ِ َ َ
معَْها فَبشْرهُ ب ِعَ َ ّ َ َ ً ْ
مل ْ م ِ
ذا عَل ِل َ ذا ٍ س َ
م يَ ْست َكِبرا كأن ل ْ م ْ ُ
ن{ م عَ َ َ َ َ ُ ً خذ َ َ
مِهي ٌ ب ّذا ٌ ها هُُزوا أوْل ٰلئ ِك لهُ ْ ٱت ّ َ
فهذا الفاك الثيم يسمع آيات الله تتلى ،ويظللل مصللرا ً علللى كفللره
،مسللتكبرا ً فللي نفسلله ،فكللأنه لللم يسللمع شلليئا ً ،إن بينلله وبيللن السللتماع
الحقيقي المؤثر حجابا ً من كبر نفسه واتباعه الهوى ،فهو مختوم على قلبه
وسمعه .
وقبل القفال تتوارد النكت السوداء على القلوب نكتة فنكتة 1بسبب
المعاصي القلبية حتى يجللها الران ،وهذا قد تتعرض للله قلللوب المللؤمنين
ولكن في مستوى ما دون الران .
)(6
وصف الكافرين بأنهم كالنعام بل هم أضل
وبما أنهم عطلوا ما وهبهم الله عما يجب عليهم أن يستعملوه فيلله ،
كانوا هم وفاقد هذه المواهب سواء بحكم النتيجة .
لقد خلق الله فيهم عقولهم ووسللائل إدراكهللم لينظللروا فللي الكللون
ويدرسوا خصائصلله ،وليسللتدلوا منلله عللى خلالقه ومبللدعه ومللدبر أمللره ،
لكنهم نظروا في الكون فوقفوا عند حدود الظواهر وأسبابها القريبللة الللتي
لهم بها مصلحة في حياتهم الدنيا ،ثم أنكروا خالقه ومبدعه ومللدبر أمللره ،
فكانوا بالنسبة لهذا القطاع الفكري كالنعام ،بل هللم لللدى التحقيللق أسللوأ
حال ً وأضل سبيل ً ،لن فاقللد الشلليء أصلل ً وهللو ل يملللك وسلليلة لتحصلليله
واكتسابه معذور بفطرته .فالحيوان الذي ل عقللل عنللده ول بصلليرة تهللديه
معذور بضللته إذا ضل ،وربمللا تضللل غريزتلله علن المعللان فللي الضلللل .
بخلف النسان الذي يعطل عقله عملا خللق ملن أجلله فهلو غيلر معلذور ،
والمسؤولية تلحقه علللى مقللدار مللا وهبلله الللله مللن قللوة إدراك معطلللة ،
خر عقللله ومؤاخللذاته تكللون أشللد ،ومسللؤولياته تكللون أعظللم حينمللا يس ل ّ
ومواهب فهمه وإدراكه في خدمة أهواء نفسه الجانحللة الجامحللة ،وعنللدئذٍ
ينطلللق فللي ميللادين الشللر والفسللاد بللذكاء وحيلللة ،ول يقللف عنللد حللدود
محدودة ،فل لجام من غريزتلله ،ول ضلابط ملن عقللله ،وملواهبه الذهنيلة
مسخرة لهواء نفسه في الضلل والفساد والشر ،فهو بذلك أضللل سللبيل ً
من النعام ،ويصح أن يحكم عليه بأنه شر الدواب عند الله .
وإذا عرضت عليه آيات الله البينات في نفسه وفي الكون من حللوله
لم يَر منها شيئا ً ،لن بصيرته محجوبة بحجب الهللواء والشللهوات ومصللالح
الللدنيا ولللذاتها ،فل يللرى مللن اليللات إل ظواهرهللا الدنيويللة ،أمللا دللتهللا
الحقيقية الربانية فل يرى منها شيئا ً ،وتظل بصيرته في عمى عنها ،بسبب
كفره بربه وبجزائه واليوم الخر ،وبسبب انحصار كل تصللوراته فللي حللدود
الحياة الدنيا ومتعها وزينتها وهمومها وأحزانها .
ومن البديع أن الله تبارك وتعالى قد أثبت لهم قلوبا ً وأعينا ً وآذانا ً ،
ولكنه أثبت أيضا ً أنهم ل يفقهللون الحللق بقلللوبهم ،ول يبصللرون آيللات الللله
بأعينهم ،ول يسمعون أقوال الهدى بآذانهم ،لللذلك فهللم كالنعللام بللل هللم
أضل وهذه الغشاوات على مللداركهم إنملا تراكبللت عليهللم بسللبب غفلتهللم
وانشغالهم بمتاع الحياة اللدنيا ،قلال اللله تعلالى فلي سللورة )العلراف7/
مصحف 39/نزول(:
ن وَ ٱ ْ
ن
قهُللو َ ب ل ّيَ ْ
ف َ م قُل ُللو ٌ س ل َهُ ل ْ
ِ للن ْ
ِ ن ٱْلل ِ
ج ّ م َ م ك َِثيرا ً ّ جهَن ّ َقد ْ ذ ََرأَنا ل ِ َ }وَل َ َ
َ
كل ٱللن َْعام ِ ب َ ْ ُ
ن ب َِهآ أوْل َ ٰلئ ِ َ بها ول َه َ
ل ك َ مُعو َ ن ل ّيَ ْ
س َ ذا ٌمآ َن ب َِها وَل َهُ ْ صُرو َ ن ل ّ ي ُب ْ ِ م أعْي ُ ٌ َِ َ ُ ْ
ن{ لو ُ ف غا ْ
لل ٱ م ه َ
ك ئ ل ٰ َ لو ُ أ ّ
ل ض هُ َ
َ َ ِ ُ ُ ْ ِ مأ َْ
ومن أجل ذلك كانوا شر الدواب عند الله ،وهذا ما أعلنه الله بقللوله
تعالى في سورة )النفال 8/مصحف 88/نزول(:
َ َ َ
م ه وَأن ْت ُل ْ
وا عَن ْل ُ ّ َ
ه وَل ت َوَل ل ْ َ
سللول ُ ه وََر ُ طيعُللوا ْ ٱل ّللل َ من ُل ۤوا ْ أ ِ نآ َ ذي َ } ٰيأي ّهَللا ٱّللل ِ
ش لّر ن َ ن * إِ ّ مُعو َ م ل َيَ ْ
سل َ معَْنا وَهُ ل ْ سل ِ ن قَللاُلوا َ ذي َ كال ّل ِ
كون ُللوا ْ َن * وَل َ ت َ ُ مُعو َ سل َتَ ْ
مهل ِفيِهلل ْ م ٱ ل للل ُ
ّ َ
ن * وَلوْ عَل ِ َ قلو َُ ن ل َ ي َعْ ِ ذي َم ٱ لل ِ
ّ مل ٱ للب ُك ْ ُ
ْ صل ّعند َ ٱ ل للهِ ٱ ل ّ
ّ دلَواب ِ ٱل ّ
ن{ ْ ّ َ َ َ َ ً
ضو َ معْرِ ُ م ّ م لت َوَلوا وّهُ ْ معَهُ ْ س َ م وَلوْ أ ْ معَهُ ْ س َ خْيرا ل ْ َ
وأوضح الله في آية أخرى أن شر الللدواب عنللد الللله الللذين كفللروا ،
فدل ذلك على أنهم هم الصم البكللم الللذين ل يعقلللون ،فقللال تعللالى فللي
سورة )النفال 8/مصحف 88/نزول(:
ن{.مُنو َ َ
م ل ي ُؤْ ِ َ ْ
فُروا فهُ ْ َ
نك َ هل ٱّلل ِ
ذي َ عند َ ٱل ّلل ِ
ب ِ شّر ٱل ّ
دلَوا ّ ن َ
}إ ِ ّ
)(7
موقف الكافرين من المؤمنين
أمللا موقللف الكللافرين مللن المللؤمنين فهللو موقللف كراهيللة وعللداء ،
وإرادة تكفير ومحاولت تضليل ،ويرافق ذلك حقللد وتغيللظ كلمللا رأوا خيللرا ً
أصاب المؤمنين ،ومع الكراهيللة والعللداء والحقللد والتغيللظ تللأتي مكايللدهم
الظاهرة والخفية ،وألوان حروبهم الساخنة والباردة ،المادية والمعنوية .
وقد تعرضت البيانات القرآنية إلى كللل ذلللك ،وحللذرتنا مللن الركللون
إليهم ،ومن النللزلق فلي مزالقهلم ،والوقلوع فلي حبلائلهم ،والسلتجابة
لوساوسللهم ودسائسللهم الللتي يقللدمونها لنللا علللى صللفة نصللائح ،لنعللرف
خصومنا وأعداءنا ،فنكون على حذر من مكائدهم ودسائسللهم ،ونسللتطيع
أن نواجه كل مكيدة بما يفعلها ،ونمل الثغللور الللتي يمكللن أن ينفللذوا منهللا
بالحراس السود اليقظين .
* البيانات القرآنية:
أما البيانات القرآنية في هذا المجال فمتعددة ،منها البيانات التالية:
) أ ( يقول الله تعالى في سورة )البقرة 2/مصحف 87/نزول(:
ن َأن ي ُن َّز َ
ل كي َ م ْ
ش رِ ِ ب وَل َ ٱْلل ُ ل ٱْللك َِتا ِ
َ
ن أه ْ ِ م ْ فُروا ْ ِن كَ َ ما ي َوَد ّ ٱّلل ِ
ذي َ } ّ
ذوه ُ شللآُء وَ ٱل للل ُ
ّ مللن ي َ َ مت ِلهِ َ
ح َ
ص ب َِر ْ
خت َل ّ
ه يَ ْ م وَ ٱل للل ُ
ّ ُ
مللن ّرب ّكل ْخي ْلرٍ ّن َ مل ْ
م ّ عَل َي ْك ُل ْ
م{ظي ِل ٱ ْللعَ ِ ض ِف ْ ٱ ْلل َ
ففي هذا النص يكشف الله عددا ً مللن العناصللر الللتي يشللتمل عليهللا
موقف الكافرين مللن المللؤمنين ،بعللد أن ينهللى المللؤمنين عللن أن يتخللذوا
بطانة من دونهم .
} -1يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا بطانة ملن دونكللم{ ،أي :ل تتخللذوا
أقواما ً من غيركم من الكفار والمنافقين بطانللة يللداخلونكم ويخللالطونكم ،
ويطلعون على أسراركم ،ويقدمون إليكم نصائحهم ومشوراتهم.
وبطانة الرجل أهل سللره ممللن يسللكن إليهللم ويثللق بهللم ،والكلمللة
مستعارة من بطانة الثوب التي تكون مداخلة مخالطة ،وتكون أقرب إلللى
ملمسة الجسد .
} -7ها أنتللم أولء تحبللونهم ول يحبللونكم{ ،أي :فل تكونللوا مغفليللن
بعد أن عرفتم موقفهم العدائي منكم أيها المؤمنون .
نزل هذا النص لتربية المللؤمنين بمناسللبة مللا فعللل حللاطب بللن أبللي
بلتعة ،إذ حللاول أن يرسللل إلللى مشللركي مكللة خللبر عللزم الرسللول علللى
التوجه إليهم ،وكان ذلك قبيل فتح مكة .
وقد اشتمل هذا النص على بيللان موقللف الكللافرين مللن المللؤمنين ،
ليقف المؤمنون منهم موقف الحذر وعدم الموالة .
-2وسبب عدائهم أنهم كفروا بما جاءكم مللن الحللق فهللم مخللالفون
لكللم فللي أصللل العقيللدة والخلف فللي العقيللدة يمثللل تباينللا ً جللذريا ً بيللن
المتخالفين }وقد كفروا بما جاءكم من الحق{.
إن رغبتهم ببسللط اليللدي واللسللن بالسللوء إليكللم رغبللة متربصللة ،
تنتظر فرصة سانحة حتى تتحول إلى تنفيذ مادي وتطبيق عملي .
) ح ( من أجلل كلل ذللك حلذر اللله اللذين آمنلوا ملن طاعلة اللذين
كفروا ،فقال تعالى في سورة )آل عمران 3/مصحف 89/نزول(:
َ َ
م م عَل َ ٰى أعْ َ
قللاب ِك ُ ْ فُروا ْ ي َُر ّ
دوك ُ ْ ن كَ َ
ذي َ مُنوۤا ْ ِإن ت ُ ِ
طيُعوا ْ ٱل ّ ِ نآ َ
ذي َ}َيا أي َّها ٱل ّ ِ
ن{ري َ س ِ
خا ِقل ُِبوا ْ َ
فََتن َ
)(8
جدليات الكافرين
والجدال بالباطل صفة ملزمة للكافرين فللي كللل عصللر ،قللال الللله
تعالى في سورة )غافر 40/مصحف 60/نزول(:
م ِفي ّ
قلب ُهُ ْ ك تَ َ ْ
فُروا فَل َ ي َغُْرْر َ ن كَ َ ذي َ ت ٱل ّللهِ إ ِل ّ ٱّلل ِ ل فِ ۤي آَيا ِ جادِ ُ ما ي ُ َ } َ
ُ َ
ة
مل ٍلأ ّ كل ل ّ ت ُ مل ْ م وَهَ ّ مللن ب َعْلدِهِ ْ ب ِ ح لَزا ُ م ُنوٍح َولٱ لل ْ م قَوْ ُ َ
ت قَب ْلهُ ْ كلذ ّب َ ْ ٱْللب ِل َدِ * َ
فم فَك َي ْل َ خلذ ْت ُهُ ْ قل فَأ َ َ
حل ّ ضللوا ْ ب ِلهِ ٱْلل َ
ح ُ ل ل ِي ُد ْ ِجاد َُلوا ِبل ٱْللَباط ِ ِ
ذوهُ وَ َ خ ُم ل ِي َأ ْ ُسول ِهِ ْ
ب َِر ُ
ب{ قا ِع َ ن ِ َ
كا َ
فالذين كفروا من قوم نوح والذين كفروا من بعد قوم نوح إلى
مشللركي قريللش وكفللار أهللل الكتللاب إلللى غيرهللم كللل أولئك قللد جللادلوا
بالباطل ليدحضوا به الحق ،ولللذلك أعطللى الللله الكللافرين هللذا الوصللف ،
وجعله وصفا ً مستمرا ً فلي كلل الكلافرين ،ومتجلددا ً ملا تجلدد فلي النللاس
كفر .
وهذا شيء طللبيعي فيهللم مللا دامللوا ملللتزمين جللانب الباطللل ،إنهللم
يريدون أن يبرروا سلوكهم ،ويدعموا آراءهم ومذاهبهم بأية وسلليلة ،لكللن
شلليئا ً مللن الحللق ل ينصللرهم ول يللدعم مللا هللم فيلله ،ول يللبرر سلللوكهم ،
فاقتضى واقع حالهم أن يزينوا الباطل ويزخرفوه ويجادلوا به ،ليدحضوا به
الحق القوي الثابت .
ت مللن قبللل داء الكللبر ،إنهللم يسللتكبرون عللن أن ومرض نفوسهم آ ٍ
يعترفوا بالحق ،وهم ملتزمون جللانب الباطللل بتللأثير أهللوائهم ،ويجللادلون
شللوا بالباطل المزخرف ،ليعطوا أنفهسم صورة الكمللال بيللن النللاس ،ولي ُغَ ّ
على بصائرهم حتى ل تنزل مكانتهم في نفوسهم ،وهذا ما نبلله الللله عليلله
بقوله تعالى في سورة )غافر 40/مصحف 60/نزول(:
َ
قتلا ً ِ
عنلد َ م ك َب ُلَر َ
م ْ ن أت َللاهُ ْ طا ٍ ت ٱل ّللهِ ب ِغَي ْرِ ُ
سل ْ َ ن فِ ۤي آَيا ِ جادُِلو َ
ن يُ َذي َ}لٱّلل ِ
جّباٍر{ مت َك َب ّرٍ َب ُل قَل ْ ِ كل ّه عَل َ ٰى ُ ك ي َط ْب َعُ ٱلل ّ ُ
مُنوا ْ ك َذ َل ِ َ
نآ َ عند َ ٱل ّ ِ
ذي َ ٱلل ّهِ وَ ِ
فهؤلء الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ،أي :بغير
حق ول حجة منه ،هللم مللن المتكللبرين الجبللابرة ،الللذين طبللع الللله علللى
قلوبهم ،إذ حجبوها عن رؤية الخير والهدى ،بما جمعوا فللي نفوسللهم مللن
كبر متجبر .
ولما أكثر الكافرون على الرسول محمللد مللن جللدلياتهم الباطلللة
كشف الله له داء نفوسهم هذا ،وأمره بأن يستعيذ به ،ليقوى على الصللبر
عليهم ،وليفتح الله له من الحجج ما يلدمغهم ،فقلال اللله لله فلي سلورة
)غافر 40/مصحف 60/نزول(:
ك م لدِ َرب ّل َح ْح بِ َ
س لب ّ ْ
ك وَ َ ذنب ِ َ
فل لْر ل ِل َ ح لق ّ و َ ٱ ْ
سلت َغْ ِ ن وَعْد َ ٱل ّللل ِ
هل َ }َفل ٱ ْ
صلب ِْر إ ِ ّ
َ
من أَتاهُ ْ َ
سلطا ٍ ْ هل ب ِغَي ْرِ ُ ت ٱل لل ِ
ّ ن فِ ۤي آَيا ِ ُ
جادِلو َ ن يُ َذي َ ن ٱلل ِ
ّ كارِ * إ ِ ّ ي وَ ٱ ِ
للب ْ َ ش ِّبل ٱْللعَ ِ
ع
مي ُ سلل ِ ه هُلوَ ٱل ّ سللت َعِذ ْ ِبلل ٱل ّللهِ إ ِّنل ل ُ
هم ب َِبال ِِغيهِ َفل ٱ ْ ملا ُ م إ ِل ّ ك ِب ٌْر ّ
دورِهِ ْ ص ُ
ِإن ِفي ُ
ٱ ْللب َ ِ
صيُر{
أي :فهم يصرفون إلى سبل شتى من سبل الباطل والزيغ ،
ويتعلقون في جدالهم بما ليس فيه حجة مقبولة .
وأما القادة فقد ذكرهم الله بقللوله فللي سللورة )الحللج 22/مصللحف/
103نزول(:
ر
مِني ٍ
ب ّ دى وَل َ ك َِتا ٍ عل ْم ٍ وَل َ هُ ً ل ِفي ٱل ّلل ِ
هل ب ِغَي ْرِ ِ جادِ ُ
من ي ُ َ س َن ٱل ّنلا ِ م َ }و ِ
مه ي َلوْ َ
ق ُ
ذي ُخلْزيٌ وَن ُل ِ ه فِللي ٱللل ّ
دلن َْيا ِ ل ٱل ّلللهِ ل َل ُ
س لِبي ِ
ل عَللن َ ض ّ فهِ ل ِي ُ ِعط ْ ِ ي ِ * َثان ِ َ
ق{ري ِح ِب ٱ ْلل َ ذا َ م ةِ ع َ َ ٱ ْلل ِ
ق َيا َ
فهؤلء يجادلون في الله بغيللر علللم ول هللدى ول كتللاب منيللر ،وهللم
يستكبرون بين الناس متعالين بموقفهم القيادي ،ويعرضللون إعللراض كللبر
وترفع ،ليحافظوا على منزلتهم في نفوس أتباعهم وفلي نفللوس الخريلن ،
ويزيد ذلك حينما تنكشف أو تبدأ تنكشف ثغرات الضعف في حججهم الللتي
يسوقونها ،فيلحظ أن أحدهم كلما شعر بضعف موقفه فللي النقللاش ثنللى
عطفه استكبارا ً ليضل عن سبيل الله ،ومن أجللل ذلللك كللان للله عنللد الللله
عقابان ،فله في الدنيا خزي ،وله في الخرة عذاب الحريق .
أمام هذا الواقع الذي عليه الكافرون اقتضت ضرورة حماية الللدعوة
وتثبيتها وتأييدها مقارعة السلح بنظيره .فكان على المللؤمنين أن يقللاوموا
الجدال بالجدال ،ويقارعوا الحجة بالحجة ،ويدحضوا الباطل بالحق ،ولكن
جدال المؤمنين يجب أن يكون جدال ً بالتي هي أحسن ،وهذا مللا أمللر الللله
به رسوله إذ قال له في سورة )النحل 16/مصحف 70/نزول(:
جادِل ُْهمس ن َةِ وَ َ
ح َ عظ َةِ ٱْلل َ م ة ِ و َ ٱل ْ َ
م وْ ِ حك ْ َ ك ِبل ٱْلل ِ
ل َرب ّ َ سِبي ِعل إ ِل ِ ٰى َ}لٱد ْ ُ
َ َ َ
سلِبيل ِهِ وَهُلوَ أعْل َل ُ
م علن َ ل َضل ّ مللن َ م بِ َك هُلوَ أعْل َل ُ ن َرب ّل َن إِ ّ
سل ُ
ح َ
يأ ْ ِبلل ٱّللِتي هِل َ
ن{دي َ ِبل ٱْلل ُ
م هْ ت َ ِ
وجادل كفار قريش رسول الله محمدا ً صلوات الله عليه في قضية
التوحيد ،ولم يكن لهم حجة إل التعجب من جعل اللهة إلها ً واحدا ً ،واتهللام
الرسول بالختلف والفتراء على الله ،وقد وصف الله حالهم ومقالتهم
في سورة )ص 38/مصحف 38/نزول( فقال تعالى:
َ
ب* ذا ٌ َ
حٌر ك ّ سا ِذا َ ن ه َ ٰل َكافُِرو َل ٱل ْ َ م وََقا َ منذٌِر من ْهُ ْ هم ّ جآَء ُ جُبوۤا ْ أن َ }وَعَ ِ
َ ُ َ
ن
مأ ِ من ُْهلل ْ
م لل ِ ب * وَ ٱن ط ل قَ ٱلل َ
ْ َ َ جا ٌيٌء عُ َش ْ َ
ذا ل َ ن ه َ ٰل َ
حدا إ ِ ًّ ة إ ِل ٰلها َوا ِ
ً َ ل ٱللل ِهَ َ جعَ َ أ َ
ذا فِللىمعَْنا ب ِهَ ٰل ل َ
سل ِمللا َ يٌء ي ُلَراد ُ * َش ْذا ل َ َن ه َ ٰل َم إِ ّ صب ُِروا ْ عَل َ ٰى آل ِهَت ِك ُ ْ شوا ْ وَا ْ ْ م ُ ٱ ْ
ق{ ذا إ ِل ّ ٱ ْ
خلت ِل َ ٌ ن ه َ ٰل َ خ َر ةِ إ ِ ْم ل ةِ ٱ لل ِّ ٱ لل ِ
ْ
ويحكي الله لنا مقالة المل من قوم نوح فللي سللورة )المؤمنللون23/
مصحف 74/نزول(:
َ
ريد ُ أن م يُ ِ ُ ُ
مثلك ْْ شٌر ّ ّ
ذا إ ِل ب َ َما هَ ٰل َ
مهِ َ َ
من قوْ ِ ْ
فُروا ِ َ
نك َ ذي َ م ل ُ ٱل ِ
ّ ل ٱل ْ َ
قا َ}ف َ َ
ذا فِل ۤي آَبآئ ِن َللا معَْنا ب ِهَ ٰلل َ َ
سل ِمللا َ مل َئ ِك َل ً
ة ّ ل َ ه لنلَز َ شللآَء ٱلل ّل ُ م وَل َلوْ َ
ل عَل َي ْك ُل ْ
ضل َ ف ّ
ي َت َ َ
ْ ّ َ
ن{ حي ٍ
حت ّ ٰى ِ صوا ب ِهِ َ ة فَت ََرب ّ ُ
جن ّ ٌ ل ب ِهِ ِ ج ٌن هُوَ إ ِل َر ُن * إِ ْ ٱلوِّلي َ
فهؤلء بعد أن قدموا التعجب كحجة لهم انتقلوا إلى الحتجللاج بللأنهم
ما سمعوا بهذا فللي آبللائهم الوليللن ،وفللي هللذا تللبرر للتعجللب مللن جهللة ،
واحتجاج بالتقليد العمى من جهة أخرى ،ثم انتقلوا إلللى إطلق الشللتائم ،
وكل هذا ليس له في مجال الحتجاج المنطقي نصيب ،ولكللن دافللع الكللبر
كان حجابا ً لهم على الستجابة له ،أومأ إلى ذلك قللولهم "يريللد أن يتفضللل
عليكم".
ومثلما قال قوم نوح قال أيضا ً من بعدهم قوم هود ،يقول الله
تعالى حكاية لقولهم في سورة )المؤمنون 23/مصحف 74/نزول(:
ة
خللَر ِ قللآِء ٱلل ِ كللذ ُّبوا ْ ب ِل ِ َ فللُروا ْ وَ َ ن كَ َ ذيمهِ ٱل ّللل ِ مللن َقللوْ ِ لل ِل ٱْللم ُ }وََقللا َ
َ َ
ْ ْ َ
ه
مْنلل ُ ن ِ ما ت َأك ُُلو َ م ّ ل ِ م ي َأك ُ ُ شٌر مث ْل ُك ُ ْ ذا إ ِل ّ ب َ َ ما هَ ٰل َ حيلاةِ ٱلد ّن َْيا َ م ِفي ٱل ْ َ وَأت َْرفَْناهُ ْ
م ِإذا ً ل ّ َ ش لربون * ول َئ ِ َ
ن* س لُرو َ خا ِ م إ ِن ّك ُل ْ شللرا ً مث ْل َك ُل ْ م بَ َ ن أط َعْت ُل ْ َ ْ ما ت َ ْ َ ُ َ م ّ
ب ِ شَر ُ وَي َ ْ
َ َ َ
ت ت هَي ْهَللا َ ن * هَي ْهَللا َ جللو َ خَر ُ م ْ م ّ عظاما ً أن ّك ُل ْ م ت َُرابا ً وَ ِ م وَ ُ
كنت ُ ْ مت ّ ْ
ذا ِ م أن ّك ُ ْ
م إِ َ أي َعِد ُك ُ ْ
ن ن * إِ ْ مب ُْعوِثي َ ن بِ َ ح ُ ما ن َ ْ حَيا وَ َ ت وَن َ ْ مو ُ حَيات َُنا ٱل ّ
دلن َْيا ن َ ُ ي إ ِل ّ َ ن هِ َ ن * إِ ْ دو َ ما ُتوعَ ُ لِ َ
ن{ مِني َ مؤْ ِ ه بِ ُ َ
نل ُ ح ُ ما ن َ ْ ذبا وَ ًَ ل ٱف ت ََر ٰى عَل ٰى ٱل للهِ ك ِ
َ ّ َ ج ٌهُوَ إ ِل ّ َر ُ
ودرج مشركو قريش وسائر كفار العرب على طريقة أسلفهم في
الحتجاج لرفض رسالة الرسللول محمللد ، ويقللص علينللا أنبللاء جللدلياتهم
ل وعل في سورة )الفرقان 25/مصحف 42/نزول(: فيقول ج ّ
ق ل لوْ ۤل َ ْ
َ وا ِ سل َ شللي فِللي ٱل ْ م ِ م وَي َ ْ ل ٱلطَعا َ
ّ ُ
ل ي َأك ُ سو ِ ذا ٱلّر ُ ما ل ِهَ ٰل َ }وََقاُلوا َ
ْ
ْ َ َ ُأنزِ َ
ة ي َأك ُل ُ
ل جن ّل ٌ
ه َ ن ل َل ُ
كو ُ ق ٰى إ ِل َي ْهِ ك َن ٌْز أوْ ت َ ُ ذيرا ً * أوْ ي ُل ْ َ ه نَ ِ
مع َ ُ
ن َ كو َ ك فَي َ ُ مل َ ٌ
ل إ ِل َي ْهِ َ
كضَرُبوا ْ ل َ َ ف َ حورا ً * ٱن ُ
ظلْرل ك َي ْ َ س ُ م ْ جل ً ّن إ ِل ّ َر ُ ن ِإن ت َت ّب ُِعو َ مو َ ظلال ِ ُل ٱل ّ من َْها وََقا َ ِ
َ
ل{ سِبي ً ن َ طيُعو َ ست َ ِ ْ
ضلوا فَل َ ي َ ْ ّ ل فَ َ م َثا َ ٱ لل ْ
هذه مقالت قالوها ردا ً على دعللوة الرسللول لهللم ،وهللي كمللا رأينللا
تشبه مقالت المم قبلها ،وهي تمثل صورة الجدال المتعنت ،الذي اشتط
في مطالبه ،زاعما ً أنه يريد أن يستوثق من صحة رسالة الرسللول وصللدق
نبوته .
وقد جاء الرد القرآني على مقالتهم هذه فللي قللول الللله تعللالى فللي
سورة )النعام 6/مصحف 55/نزول(:
َ َ }وََقاُلوا ْ ل َوْ ۤل ُأنزِ َ
م لَ ي ٱلل ْ
م ُر ث ُ ّ ض َ ق ِمَلكا ً ل ّ ُ
ك وَل َوْ أنَزل َْنا َ مل َ ٌ
ل عَل َي ْهِ َ
ن{. سو َما ي َل ْب ِ ُ
سَنا عَل َي ِْهم ّجل ً وَل َل َب َ ْ
جعَل َْناهُ َر ُ
مَلكا ً ل ّ َ
جعَل َْناهُ َ
ن * وَل َوْ َُينظ َُرو َ
فإذا أردنا أن نحلل هذا الرد القرآني إلللى عناصللره وجللدنا فيلله بيان لا ً
كافيا ً مفحما ً .
إن يتضمن بيان فساد ما زعموه من ضللرورة كللون الرسللول ملك لا ً ،
وبيان أن الحكمة تقتضي أن يكون الرسول إلللى البشللر مللن البشللر ل مللن
الملئكة ،فلو كان في الرض ملئكة يمشون مطمئنيللن لنلّزل الللله عليهللم
ملكا ً رسول ً ،لكنهم بشر ،فالحكمة تقتضي أن يكللون الرسللول إليهللم مللن
جنسهم ،لن الرسول مبلغ رسالة ربه ،وقائد أمته ،وأسوة لهللم فللي كللل
الشؤون التي يعظهم بها ،فلو كان الرسول إلى البشر من الملئكللة ل مللن
الناس لكانت حجة الناس عليه أنه ل يشعر بمثل مشاعرهم ،وليس له من
الغرائز والشهوات والهللواء مثللل مللا لهللم ،لللذلك فهللو ل يصلللح أن يكللون
أسوة لهم ،ثم ل يكون حجة عليهم في استقامته والتزام شريعة ربه ،ولللو
كان ملكا ً لكان أبسط جواب يردون عليه أن يقولوا له :لللو كللان لللك مثللل
غرائزنا وأهوائنا وشهواتنا لعصيت مثلنا ،ولما استقمت على صللراط الللله ،
ولكنه لما كان كامل البشرية مستجمعا ً لكل عناصرها وخصائصها كان حجة
عليهم في سلوكه ،وأسوة لهم في جميع المور .
وكان للكافرين مطلب آخر أخلف من مطلب كللون الرسللول ملك لا ً ،
فقد طالبوا أن يكون مع الرسول شاهد من الملئكة يراه الناس ويبّلغ عللن
الله ،ثم يقوم الرسول من البشر بوظائف الرسالة .
مَلكلا ً
وقد جاء الرد القرآني على هذا في قللوله تعللالى }:ولللو أنزلنللا َ
لقضي المر ثم ل ينظرون{.
وهذا الرد يتضللمن بيللان طبيعللة الملئكللة ،وأنهللم إذا نزلللوا وظهللروا
للناس بيهئتهم الحقيقة فإن أمرا ً خطيرا ً مللن أمللور الغيللب ينكشللف عنللدئذٍ
للناس ،وعندئذٍ ل يبقى للكافرين أي عذر يعتذرون بلله ،ول يبقللى للمهللال
أي معنى ،فإذا أصروا علللى الكفللر بعللد ذلللك فللإن أمللر إهلكهللم ل بللد أن
يقضى في الحال ،وعندئذ ٍ فهم ل ينظرون ،فليس بعد كشف الغيب مجال
للمهال ،كما أنه ليللس بعللد انكشللاف الغيللب عنللد المللوت مجللال للتوبللة ،
وليس بعد ظهور اليات الكبرى كطلوع الشمس من مغربهللا مجللال للتوبللة
أيضا ً ،فمن رحمة الله بهم أن ل ينللزل إليهللم الملئكللة بصللورهم وهيئاتهللم
الحقيقية ،ليترك لهم مجال ً للتوبة واليمان بعد روية وأناة وتبصر بالحقللائق
الكبرى .
وجاء في الرد القرآني أيضا ً قوله تعالى }ولللو جعلنللاه ملكلا ً لجعلنللاه
رجل ً ،وللبسنا عليهم ما يلِبسون{.
ويتضمن هذا الرد أن الله لو استجاب لهم فأرسل لهم رسللول ً ملكللا ً
في حقيقته لكان مقتضى الحكمة ُيلزم بللأ ،ل ينللزل إليهللم بصللورته وهيئتلله
الملئكية ،وعندئذٍ فإن أفضل صورة ملئمة يحسن أن يتمثل بها هي صورة
رجل من الناس ،ولو أنزل الله ملكا ً على صورة رجل ملن النلاس للتبلس
عليهم المر ،ولما علموا هل هو بشر أو ملك؟ ولنتهى بهم المر إلى مثللل
مللا هللم فيلله مللن لبللس ،إذ يلبسللون علللى أنفسللهم الحقللائق ،فيكفللرون
بالرسالة .
ولكن من حقه أن يطالبوا بآيات صدق نبوته ورسالته ،وقد آتى الللله
كل رسول من اليات ما يكفي لثبات أنه رسللول الللله حق لا ً ،وهنللا تنقطللع
حجة الكافرين ،وتدمغهم حجة الحق ،ول يبقى لهم إل العناد .
أما اقتراحهم أن ُيلقى إلى الرسول كنللز أو أن تكللون للله جنللة يأكللل
منها فهو اقتراح تعنتي عنادي ليس له قيمة جدلية ول منطقية ،عللى أنهلم
لم يقتصروا على المطالبة بأن يلقى إليه كنز أو تكون له جنة ،بل أضافوا
إلى ذلك مقترحات أخرى مشابهة ،منها مللا تضللمنه قللول الللله تعللالى فللي
سورة )السراء 17/مصحف 50/نزول(:
َ
ل فَلأب َ ٰى أك ْث َلُر َ مللن ك ُل ّ ذا ٱل ْ ُ }وَل َ َ
َ
مث َل ٍ ل َ ن ِ قلْرآ ِ س فِللي هَ ٰلل َ صّرفَْنا ِللن ّللا ِ قد ْ َ
ض ي َن ُْبوعلا ً *
َ ن ٱ للْر ِ م َجَر ل ََنا ِ حت ّ ٰى ت َ ْ
ف ُ
َ
ك َ ن لَ َم َ فورا ً * وََقاُلوا ْ َلن ن ّؤْ ِ س إ ِل ّ ك ُ ُ ٱ ل َّنلا ِ
قطَ سل ِ جيرا * أوْ ت ُ ْ ً ف ِ َ
خللَها ت َ ْ جَر ٱللن َْهاَر ِ ف ّ َ
ب فت ُ َعن َ ٍ ل وَ ِخي ٍ من ن ّ ِ ة ّ جن ّ ٌ َ
ن لك َ َ ُ
أوْ ت َكو َ
َ ْ َ
ن م ۤلئ ِك لةِ قِبيل * أوْ ي َكللو َ
ُ ً َ َ ي ب ِل ٱللهِ وَٱل َ
ْ ّ ً
سللفا أوْ ت َلأت ِ َ َ
ت عَلي ْن َللا ك ِ َ م َ ما َزعَ ْ مآَء ك َ َ س َ لٱ ّ
َ
ل حت ّللى ت ُن َلّز َ َ
ن ل ُِرقِي ّلك َ م َ َ
مآِء وَلللن ن ّلؤْ ِ سلل َ ف أوْ ت َْرقَ ٰى ِفي ٱل ّ خُر ٍ من ُز ْ ت ّ لَ َ
ك ب َي ْ ٌ
ع
من َل َ مللا َ سللول ً * وَ َ شللرا ً ّر ُ ت إ َل ّ ب َ َ كنل ُل ُ ن َرب ّللي هَل ْ حا َسلب ْ َ ل ُ قَرؤُهُ قُ ْ عَل َي َْنا ك َِتابا ً ن ّ ْ
َ َ َ
ل{ سو ً شرا ً ّر ُ هل ب َ َ ث ٱ ل ّلل ُ م ٱ ْللهُ د َ ٰى إ ِل ّ أن َقال ُ ۤوا ْ أب َعَ َ جآَءهُ ُ من ُ ۤوا ْ إ ِذ ْ َ س أن ي ُؤْ ِ ٱ ل ّنلا َ
القتراح الثاني :أن ينزل إلللى الرسللول ملللك يؤيللده ويشللهد للله
ويدعو إلى الله معه ،يراه الناس ويخاطبونه .
القتراح الثالث :أن يلقي إليه كنز عظيم فيكون أغنى قومه .
القتراح الرابع :أن تكللون لله فلي الللدنيا جنللة كللبيرة مللن نخيللل
وعنللب تتفجللر النهللار خللهللا تفجيللرا ً ،فللإذا اكتسللب مجللد الللثراء والغنللى
والرفاهية مثل عظماء الرض اتبعوه .
القتراح السممابع :أن ينللزل عليهللم العللذاب الللذي أنللذرهم بلله ،
فيسللقط السللماء عليهللم كسللفا ً )أي قطع لا ً تهلكهللم( وهللذا إمعللان منهللم
بتكذيبه ،وليس طلبا ً حقيقيا ً للعذاب .
القتراح الثامن :أن يأتي بالله وملئكته قبيل ً )أي :طرفا ً سماويًا(
يحاربهم وينصر الرسول إن كان صادقا ً ،وهذا أيض لا ً إمعللان منهللم بتكللذيب
رسالته .
القتراح التاسع :أن يرقى في السماء ،ومع ذلك فلن يؤمنوا به
لمجرد رقيه ،بل ل بللد مللن أن ينلّزل عليهللم مللن السللماء كتابلا ً مسللطورا ً
يقرؤونه .
ولدى التحقيق نجد أن الباعث لكل هذه المطالب المتعنتللة كللبر فللي
صدورهم وهوى في نفوسهم .لقد رفضوا اتباع بشر منهم ،واسللتكبروا أن
يكون الرسول إنسانا ً ليس له ملك ول ثلراء ،وليلس للله جلاه عريلض عنلد
الناس ،وقد صرحوا بكبرهم هذا ،وقص الللله علينللا تصللريحهم بقللوله فللي
سورة )الزخرف 43/مصحف 63/نزول(:
َ ْ ُ
ن * وَقَللالوا ل لوْل َ حٌر وَإ ِّنا ب ِهِ ك َللافُِرو َس ْ ذا ِ حقّ َقاُلوا ْ هَ ٰل َ م ٱل ْ َ
جآَءهُ ُما َ }وَل َ ّ
َ ن ٱْلل َ
ةمل َ
ح َ ن َر ْ مو َ
سل ُ
ق ِ
م يَ ْ
ظيم ٍ * أهُ ل ْ ن عَ ِ ق ْر ي َت َي ْ ِ م َل ّ ن عَل َ ٰى َر ُ
ج ٍ ذا ٱْلل ُ
ق ْرآ ُ ل ه َ ٰل َ ن ُّز َ
ك.{... َرب ّ َ
على أن الله تعالى لو استجاب لهم فأنزل عليهم كتاب لا ً مللن السللماء
فلمسوه بأيديهم لما آمنوا به ،لنهم متعنتون ،وقد بيللن الللله واقعهللم هللذا
بقوله تعالى في سورة )النعام 6/مصحف 55/نزول(:
َ
ن ل ٱّللل ِ
ذي َ م لَ َ
قللا َ ديهِ ْ
سللوهُ ب ِأي ْل ِ س فَل َ َ
م ُ َ ً }وَل َوْ ن َّزل َْنا عَل َي ْ َ
ك ك َِتابا ِفي قِْرطللا ٍ
ن{ مِبي ٌ
حٌر ّ س ْ ذآ إ ِل ّ ِ ن ه َ ٰل َ فُروا ْ إ ِ ْ
كَ َ
وأما مطالبهم التي تستند إلى عنصر الكبر الطبقي فهللي مطللالب ل
تستحق الجابة أصل ً ،لنها فاسدة في قواعدها الكفرية والخلقية والدينية
،وما كان المتياز بالمال والثراء وامتلك الجنات ليؤهل للتكريللم عنللد الللله
ول عند العقلء من الناس ،فليس مللن شللأن ديللن ربللاني ول مللن شللأن أي
مبدأ صحيح أن يعترف بمثل هذا المتياز الذي ليس له أساس مقبللول ،ول
أن يستجيب للمطالب التي تتعلق به ،فالستجابة توحي بالعتراف ،وهللذا
يخالف أصل المبدأ ،وقد اختار الله لخاتم أنبيائه أن ل يكون من أهل الغنى
والثراء الكبير ،وأن ل يكون ملكا ً من الملوك ،لتصحيح مفاهيم الناس عن
عناصللر التفاضللل الصللحيح ،لللذلك فل ينقللض الللله حكمتلله هللذه ،وقضللية
الرسالة تحتاج إلى خصائص ل يدخل المال والللثراء وامتلك الجنللات فيهلا ،
والصطفاء بالرسالة فضل من الله ورحمة ،والله يختللص بفضللله ورحمتلله
من يشاء .
بقي ما طلبوه من اليات المادية كتفجير النهار في مكة وما حولها ،
وإزاحة جبالها وتوسيع أراضيها ،وغير ذلك من آيللات تشللبه اليللات الماديللة
التي أجراها الله على أيدي موسى وعيسى وصلالح وغيرهلم ملن النلبيين ،
وهذا المطلب قد أكدوه وألحوا عليه ،وذكره الله فللي مناسللبات متعللددة ،
منها قوله تعالى في سورة )الرعد 13/مصحف 96/نزول(:
ه.{..من ّرب ّ ِ
ة ّ فُروا ْ ل َوْل َ ُأنزِ َ
ل عَل َي ْهِ آي َ ٌ ن كَ َ ل ٱّلل ِ
ذي َ قو ُ
}وَي َ ُ
وقد يبدو للنظر الول تساؤل يتضمن الميل إلى تلبية طلبهم اليات ،
إل أن واقع حالهم ما كان ليفتقر إلى إقامللة الدلللة للقتنللاع بصللدق رسللالة
محمد ، فقد أنزل الله مللن اليللات مللا فيلله الكفايللة لمللن أراد أن يقتنللع
بالحق ،وفي مقدملة هلذه اليلات معجلزة القلرآن ،وإنملا كلانوا يطلالبون
باليات المادية على سبيل التشهي والتعنت ،والله تبللارك وتعللالى ل يتخللذ
خرق سننه الدائمة ألعوبة فللي أيللدي المتعنللتين أو المتفكهيللن المتشللهين ،
إنما يخرقها بمقدار حاجة الناس إلى إقامة الدليل الذي يدلهم علللى صللدق
رسالة الرسول ،على أن الله لو أنزل هذه الية التي طلبوها لكللذبوا بهللا ،
فقد كذب بها من قبلهم من المم ،وفي هذا يقول الللله تعللالى فللي سللورة
)السراء 17/مصحف 50/نزول(:
َ َ َ
مللود َ ب ب َِها ٱللوّ لللو َ
ن َوآت َي ْن َللا ث َ ُ ُ َ ّ
ت إ ِل أن كذ ّ َ ل ِبل ٱللَيا ِس َمن َعََنآ أن ن ّْر ِ
ما َ}و َ َ
ً
ويفا{ خ ِ ّ
ت إ ِل ت َ ْ ل ِبلٱ للَيا ِ
س ُما ن ُْر ِ ْ
موا ب َِها وَ َ َ َ
صَرةً فَظل ُ مب ْ ِ ٱل ّنلاقَ َ
ة ُ
وبعد أنواع ذات مراحل من جدال الذين كفروا حول رسالة الرسول
وإقامة الحجة عليهم بأدلة مختلفة ،لم يكللن مللن فريللق منهللم إل الصللرار
على موقف النكار ،ولم ُتجدِ فيهم حجللج ول براهيللن ،ومللوقفهم هللذا قللد
أعلنه الله في آخر سورة )الرعد 13/مصحف 96/نزول(:
ً فل ٰىِبلل ٱل للهِ َ
شلِهيدا ب َي ْن ِللي ّ ل كَ َ
سلل ً ُقل ْ
مْر َ
ت ُ
سل َفُروا ْ ل َ ْ
ن كَ َذي َ ل ٱّلل ِ
قو ُ }وَي َ ُ
ب{م ٱللك َِتا ِ
ْ ْ
عل ُعند َهُ ِ ن ِم ْ
م وَ َ وَب َي ْن َك ُ ْ
ولما لم تنفع فيهم ألوان المعالجة بالحجة المقنعة ،ولللم ُتجللد فيهللم
البراهين ،كان ملن الخيللر حسللم المللر معهللم ،وقطللع أطللراف الجللدال ،
وإعلن الستغناء عنهم فقال الله لرسوله }:قلل :كفلى بلالله شلهيدا ً بينلي
وبينكم ومن عنده علم الكتاب{ ،وفللي هللذا إشللعار بنفللض اليللد مللن رجللاء
إصلحهم ،وبإنهاء معالجتهم والصبر على مجادلتهم ،وفيلله أيضللا ً إعلن أن
الرسول ليس بحاجة إلى شهادة منهم على أنه رسول الله ،وإنمللا غرضلله
هدايتهم ،وإخراجهم من الظلمات إلى النور ،والخذ بأيديهم إلى السللعادة
الخالدة ،أما الشهادة له بأنه رسول الله حقا ً فيكفيه منها شهادتان:
الولى :شهادة الله له بها ،وذلللك فيمللا أتللاه مللن آيللات عظيمللة ،
وفي مقدمتها القرآن المعجز في لفظه ومعناه .
ومن قبل محمد - -جاء عيسى عليه السلللم قللومه بطائفللة مللن
اليات البينات والمعجزات الباهرات ،فقللال الللذين كفللروا مللن قللومه }إن
هذا إل سحر ملبين{ وأخلذوا يجلادلون فلي آيلات اللله عللى هلذا السلاس
الفاسد ،وهذا مللا بّينلله الللله بقللوله فللي سللورة )المللائدة 5/مصللحف112/
نزول(:
ك ك وَعَللل ٰى َوال ِلد َت ِ َ َ َ
مِتي عَلي ْ َ م ٱذ ْك ُْر ن ِعْ َ مْري َ َ ن َ سى ٱب ْ َ ه ٰيِعي َ ّ
ل ٱلل ُ }إ ِذ ْ َقا َ
ب ك ٱللك ِت َللا َ
ْ مت ُ َ ّ
م هْ دِ وَك َهْل ً وَإ ِذ ْ عَل ْ س ِفي ٱلل َ
ْ م ٱل ّنلا َ ّ
س ت ُك َل ُ قدُ ِ ك ب ُِروِح ٱلل ُ
ْ إ ِذ ْ أ َّيدت ّ َ
طلين ك َهَي ْئ َةِ ٱل ّ
ن ٱل َ ِ ة وَ ٱل ّتلوَْراةَ وَ ٱ ِ وَ ٱْلل ِ
طلي ْرِ ب ِإ ِذ ِْني فََتن ُ
ف ُ
خ ّ م َ خل ُقُ ِ ل وَإ ِذ ْ ت َ ْ جي َ للن ْ ِ م َ حك ْ َ
َ
جخ لرِ ُ ص ب ِلإ ِذ ِْني وَإ ِذ ْ ت ُ ْ ه وَ ٱللْبللَر َ ملل َ رىللُء ٱللك ْ َ ن ط َْيللرا ً ب ِلإ ِذ ِْني وَت ُب ْ ِ ِفيهَللا فَت َك ُللو ُ
ل قلا َ ت فَ َ م ِبلٱ ْللب َي ّن َللا ِ
جئ ْت َُهل ْ عنل َ
ك إ ِذ ْ ِ ل َ سلَراِئي َ ت ب َن ِل ۤي إ ِ ْ فل ُ ي وَإ ِذ ْ ك َ َ
ف ْ موت َ ٰى ب ِلإ ِذ ْن ِ ِ ٱ ْلل َ
ن{ مِبي ٌحٌر ّ س ْ ذا إ ِل ّ ِ ن ه َ ٰل َ م إِ ْ فُروا ْ ِ
من ْهُ ْ ن كَ َ ذي َٱل ّ ِ
هذا مع أن اليات التي جاء بها عيسى عليلله السلللم آيللات عظيمللة ،
وهي حق وليست بسحر ،ولكن المصرين على الكفر بالمكللابرة ل يجللدون
سبيل ً إل أن يجادلوا بالباطل ،فيجعلوا ما هو حللق واضللح مشللاهد ململلوس
سحرا ً من السحر .
وهذا اللون من ألوان جدال الكافرين لون يعتمد على جحود الواقع
الملموس واعتباره وهما ً من الوهام ،وسحرا ً من السللحر الللذي تنخللدع بلله
البصار ،دون أن يكللون للله فللي الواقللع حقيقللة تطللابق مللا أدركلله الحللس
بللالتوهم أو بالتخيللل ،ومللا دام الكللافرون مصللرين علللى موقللف الجحللود
والنكار مهما ظهر لهم وجه الحق ،فليس لهم حجللة أمللام البينللات الماديللة
المدركة بالحس إل أن يقولوا ك }إن هذا إل سحر مبين{.
وقد أوضح الله هذه الحيلة الجدلية من حيل الكافرين بقوله لرسوله
في سورة )النعام 6/مصحف 55/نزول(:
م لَ َ َ
قللا َ
ل ديهِ ْ
سللوهُ ب ِأي ْل ِ س فَل َ َ
م ُ َ ً }وَل َوْ ن َّزل َْنا عَل َي ْ َ
ك ك َِتاب لا فِللي قِْرطللا ٍ
ن{ مِبي ٌ
حٌر ّ ذآ إ ِل ّ ِ
س ْ ن ه َ ٰل َ فُروا ْ إ ِ ْ
ن كَ َ ٱل ّ ِ
ذي َ
لقد عرض القرآن جللدلياتهم فللي هللذا الموضللوع ،فمنهللا قللول الللله
تعالى في سورة )النمل 27/مصحف 48/نزول(:
َ فُر ۤوا ْ أ َإ ِ َ
عللد َْنا قللد ْ وُ ِ َ
ن*ل َ جو َ خَر ُ م ْذا ك ُّنا ت َُرابا ً َوآَبآؤَُنآ أإ ِّنا ل ُ
َ ن كَ َ ذي َل ٱل ّ ِ }وََقا َ
َ َ
ْ
سلليُروا فِللي ل ِ ن * قُ ل ْ طيُر ٱللوّ ِلي ل َ سللا ِ ّ
ذآ إ ِل أ َ ن ه َ ٰل َ ل إِ ْ من قَب ْ ُ ن َوآَبآؤَُنا ِ ح ُ ذا ن َ ْ ه َ ٰل َ
َ
ُ
م وَل َ ت َكللن َ
ن عَلي ْهِل ْ حلَز ْ ن * وَل َ ت َ ْ ميل َ ج رِ ِم ْ ة ٱ لل ُ
ْ عاقِب َ ُ ن َ ف كا ََ َ ْ
ض فَانظُروا كي ْ َ ُ ْ
ٱ للْر ِ
لن * قُ ْ صادِِقي َ م َ ذا ٱللوَ عْد ُ ِإن ُ
كنت ُ ْ ْ مت َ ٰى هَ ٰل َ ن َ قولو َ ُ ن * وَي َ ُ مك ُُرو َ ما ي َ ْ م ّ
ق ّ ضي ْ ٍ
ِفي َ
َ
ل
ضل ٍ ذو فَ ْ َ
ك لل ُ ن َرب ّل َ ن * وَإ ِ ّ جلو َُ س لت َعْ ِذي ت َ ْ ض ٱلل ِ
ّ كم ب َعْ ُ فل ُ َ ن َردِ َ كو َ س ٰى أن ي َ ُ عَ َ
َ َ َ
ن{ شك ُُرو َ م ل َيَ ْ ن أك ْث ََرهُ ْ س وَل ٰلك ِ ّ عَلى ٱلّنا ِ
العنصر الثاني :النكار القائم على بعللد أجللل يللوم الللدين ومللرور
أجيال من الباء والجداد دون أن يأتي وقت تحقيق الموعود بلله ،وهللذا مللا
جعلهم يتوهمون أن قضية الخرة أسطورة ل تتحقق .
وظاهر أن هذا التصور فاسللد مللن أساسلله ،لن نظللام هللذه الحيللاة
الدنيا ل يكفي له عشرات اللوف من السللنين ،حللتى إذا طللال أمللد بقللائه
كان ذلك دليل ً على استمراره بل نهاية ،وأنه ليس وراءه نظام آخر أو حياة
أخرى.
إن هذا النظام الكبير الذي تقوم عليه الحياة الدنيا ،وما رتب له من
خلئق ،وما جعل فيه مللن ظللروف امتحللان لللذوي الرادات الحللرة ،ومللن
ُقضي لهم أن يمروا في هذا المتحان ،كل ذلك ل يكفيه ألوف مؤّلفللة مللن
القرون ،ول يستكثر عليه طول زمن مهما طال ،فالخرة حياة خلود وبقاء
دائم ،ومهما طال عمر الدنيا فإنه بالنسبة إلى الخللرة يسللير جللدا ً ،ولكللن
النسان قصير النظر يقيس الملور عللى نفسله وحللدود أجلله ،ول يتصلور
البد الخالد تصورا ً صحيحا ً ،حتى يتضاءل في نظره عمر الدنيا مهما طال ،
وآجال الحادثات تقاس بواقع نظام تكوينها ،وبمقادير وظائفها في الوجلود ،
ولذلك نشاهد أن عمر بعض الجراثيم قصير جدا ً يناسب مقدار وظيفته في
الحياة ،بينما يطول نسبيا ً عمر بعض الحشرات ذات الوظيفة السنوية ،ثللم
يطول عمر بعض الحيوانات الخرى ،وهكذا ضللمن سلللم تصللاعدي ،ويزيللد
طول ً عمر بعض حيتان البحر ،والنظام العام الذي يحوي كل ذلك ل بللد أن
يستوعب كل ما ربت له أن يمر فيه .
أما الحياة الخرى فهي دار الخلللود ،والللدنيا بالنسللبة إلهيلا كلمحلات
عابرة من دهر مديد.
وكانت طريقة القرآن في الرد عليهم تشتمل على لفت نظرهم إلى
مظاهر عدل الله في الذين كذبوا بيللوم الللدين مللن أهللل القللرون الولللى ،
جل ً من عقابه في الحياة الدنيا قبللل يللوم الحسللاب وكيف أ،زل الله بهم مع ّ
ليقيم البرهان بتنفيذ معجل الجزاء على صدق مؤجله ،وأحالهم على دليللل
المشاهدة في واقع الرض ،وما جرى فيها من أحداث عقللاب مللدمر علللى
الذين كفروا وكذبوا بيوم الدين ،فقال الله تعالى } :قل سيروا في الرض
فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين{ ،ثم قال لرسوله } :ول تحزن عليهم
كن في ضيق مما يمكرون{ ،وذلك لنهم ل يستحقون أن تحللزن مللن ،ول ت ُ
أجلهللم ،إذ اختللاروا لنفسللهم سللبيل الجحللود والتكللذيب بللالحق ،ورضللوا
لنفسهم مصير هذا التكذيب ،وأما مكرهم بك وبدعوتك فل تكن في ضلليق
منه لن الله ناصرك .
ثم إنهم في جدلهم يتساءلون عن الزمن اللذي يتحقلق فيله الوعلد ،
فيقولون للرسل) :متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟(.
وبما أن الله قد أخفى عن عباده أجل قيام الساعة كما بّين لهم ذلك
في نصوص متعددة ،فإن أحسن جواب لهم على سللؤالهم تهديللدهم بللأنهم
سيأتيهم بعض الجزاء الذي وعدوا به ،فيلنتظروه معجل ً فللي ظللروف هللذه
الحياة الدنيا ،إذا أصللروا علللى كفرهللم وعنللادهم وتكللذيبهم ،فقللال تعللالى
لرسوله } :قل :عسى أن يكون َرِدف لكم بعض الذي تستعجلون{.
ففي هذا تلويح تهديدي بقرب أجل عقابهم المعجل في الدنيا ،إنهللم
يسللتعجلون الخللرة ،وهللذا يعنللي أنهللم يسللتعجلون عقللابهم ،فقللل لهللم :
)عسى أن يكون َردف لكم بعللض الللذين تسللتعجلون( ،ومعنللى َرِدف لكللم:
ف( يللدل علللى أن الشلليء قللد تبعكم ، 1واستعمال الفعل الماضي فللي )َردِ َ
صار قريب الحصول جدا ً ،حتى كأنه قد وقع فعل ً ،فهو نظير قول المللؤذن
قد قامت الصلة ،مع أن المباشرة بهلا للم تحلدث فعل ً ،ولكلن السلتعداد
التام للمباشرة بها والتجللاه للتنفيللذ يجعللل الصلللة كأنهللا قللد قللامت فعل ً ،
فيصبح بهذا العتبار الفعل الماضي الموضوع أصل ً للدللة على أمر قد وقع
فعل ً ،دال ً على أن المر قد صار قريب الوقوع .
وربما يكون تعبيرا ً عن أن أمر عقللابهم قللد قضللي فللي السللماء كمللا
تطلق القذيفة ،فهي في طريقها لتصل إلى هدفها .
ثم بّين سبحانه وتعالى أن تأخير عقابه فضل منه على عباده ،ليترك
لهم فرصة للتوبة ،لكن أكثر الناس ل يشكرون ،فقال تعالى } :وإن ربللك
لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم ل يشكرون{.
ومما عَرض القرآن من جدلياتهم فللي موضللوع الخللرة والبعللث بعللد
الموت للحساب والجزاء ،قول الله تعالى في سللورة )ق 50/مصللحف34/
نزول(:
َ
ل م فَ َ
قللا َ من ُْهلل ْ
منللذٌِر ّ م ّ جللآَءهُ ْ جُبلل ۤوا ْ أن َ ل عَ ِ جيللدِ * َبلل ْ ن ل ْٱ َ
م ِ } ۤق وَٱل ْ ُ
قللْرآ ِ
د{ مت َْنا وَك ُّنا ت َُرابا ً ذ َل ِ َ َ
ب * أإ ِ َ ذا َن ه َ ٰل َ ٱل ْ َ
جعُ ب َِعي ٌ
ك َر ْ ذا ِ جي ٌيٌء عَ ِ ش ْ كافُِرو َ
1يقال لغة :ردف له وردفه إذا اّتبعه فكان رديفا ً له ،أي :تابعا ً مباشرا ً له في اللحوق ،فهذا التعبير
يلوح لهم بأن عقابهم المعجل سيأتيهم سريعا ً لنه سيردفهم .
ففي هذا تنبيه قوي على الدليل الكبير الدال على أن الله قادر علللى
أن يخلقهم خلقا ً جديدا ً ،فالذي خلق السماوات والرض قللادر علللى إعللادة
خلقهم بعد فناء أجسادهم ،فل مجال لستغرابهم واستبعادهم .
وبعد أنواع ذات مراحل من جدال الذين كفروا حول الخللرة والبعللث
بعد الموت للحساب والجزاء ،وبعد إقامة الحجة عليهم بأدلة مختلفة ،لللم
يكن من فريق منهم إل الصرار على موقف ال،كار ،ولم تجلد فيهلم حجلج
واضحة ول براهين دامغة ،وقد عرض الله موقفهم المتنعت هذا فللي أوائل
سورة )سبأ 34/مصحف 58/نزول(:
ْ َ َ ْ
عللال ِم ِ م َ ُ
ل ب َل ٰى وََربي لَتللأت ِي َن ّك ْ ُ
ةق ْ ساعَ ُ فُروا ْ ل َ ت َأِتيَنا ٱل ّ ن كَ َ ذي َ ل ٱل ّ ِ }وََقا َ
َ َ
صللغَُر ض وَل َ أ ْ ت وَل َ ِفي ٱ للْر ِ ماَوا ِ سل َ ل ذ َّرةٍ ِفي ٱ ل ّ قا ُ مث ْ َ
ه ِ ب عَن ْ ُ ب ل َ ي َعُْز َ
َ
ٱ ْللغَ ي ْ ِ
مل ُللوا ْ من ُللوا ْ وَعَ ِ نآ َ ذي َج لزِيَ ٱّللل ِ ن * لي َ ْ مِبي ل ٍ
ب ّ ك وَل َ أك ْب َلُر إ ِل ّ فِللي ك ِت َللا ٍ مللن ذ َل ِل َ ِ
وا فِ ل ۤي آَيات ِن َللا ُ
س لع َ ْن َ م * وَلٱل ِ
ذي َ ّ ري ل ٌ َ
مغْفِ لَرةٌ وَرِْزقٌ َك ِ م ّ ت أوْل ٰل لئ ِك لهُ ل ْ
َ َ َ حا ِ صللال ِ َ ٱل ّ
م{ م عَ َ َ َ َ ُ
جزٍ أِلي ٌ ب من ر ْ ذا ٌ ن أوْل ٰلئ ِك لهُ ْ زي َ ج ِمَعا ِ ُ
وموقف الرسول هنا موقف إصرار على اليملان فللي مقابلل إصللرار
الكافرين على الكفر .
من الطبيعي أن الكافرين ليس لهم ما يقولونه عللن القللرآن بعللد أن
كذبوا به إل أنه أساطير الولين ،أو أن الرسول وضعه مللن عنللده وافللتراه
على ربه ،وأن يتهموا قوة تأثيره علللى العقللول والنفللوس بأنهللا مللن قبيللل
السحر ،وقد ذكر الله مقالتهم هذه في عللدة مواضللع مللن القللرآن ،منهللا
قول الله تعالى في سورة )الفرقان 25/مصحف 42/نزول(:
َ
م َ َ
ه عَلي ْلهِ قلوْ ٌ ك ٱْفلَتللَراهُ وَأعَللان َ ُ ن ه َ ٰل ل َ
ذا إ ِل ّ إ ِفْل ٌ ف لُر ۤوا ْ إ ِ ْن كَ َ ذي َل ٱّللل ِ }وََقا َ
ن ٱ ْ َ َ
كلت َت َب َهَللا فَهِل َ
ي طيُر ٱللوّ ِليل َ سللا ِ جللآُءوا ظ ُْلملا ً وَُزورا ً * وَقَللال ُ ۤوا ْ أ َ قد ْ َ ن فَ َ
خُرو َ آ َ
َ َ
ت ماَوا ِ
سلل َسللّر فِللي ٱل ّ م ٱل ّ َ
ذي ي َعْلل ُ ه ٱللل ِ
ّ َ
ل أنَزلل ُ صيل * قُ ْ ً مل ٰى عَلي ْهِ ب ُكَرةً وَأ ِ
ْ َ َ تُ ْ
َ
وَ ٱللْر ِ
ً
حيما {. ً
فورا ّر ِ ن غَ ُ َ
ه كا َ ض إ ِن ّ ُ
ومنها قول الله تعالى في سورة )سبأ 34/مصحف 58/نزول(:
َ
م ُ
ص لد ّك ْري لد ُ أن ي َ ُ ج ٌ
ل يُ ِ ذا إ ِل ّ َر ُ ت َقاُلوا ْ َ
ما هَ ٰل َ م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ ذا ت ُت ْل َ ٰى عَل َي ْهِ ْ }وَإ ِ َ
فلُروا ْن ك ََ ذي َ ل ٱللل ِ
ّ فت َلًرى وََقلا َ م ْ ٌ ّ
ذآ إ ِل إ ِفْلك ّ ما هَ ٰلل َ ْ ُ
م وََقالوا َ ُ
ن ي َعْب ُد ُ آَبآؤُك ْ ما َ
كا َ عَ ّ
ن{ مِبي ٌحٌر ّس ْ ّ
ذآ إ ِل ِ ن ه َ ٰل َ م إِ ْ
جآَءهُ ْ ما َ َ
حق ّ ل ّل ِل ْ َ
وهكذا كان جدلهم حول القرآن مترددا ً بين ثلث حجللج باطلللة ،هللي
في حقيقتها دعاَوى وليست بحجج .
إن البديهة تقضي برفض ادعائهم الذي يحمل تكذيب نفسه بنفسه ،
إن هذا القرآن كلم عربي معجز ببيللانه العربللي وأسللاليبه العربيللة ،فكيللف
يزعمون أنه يعلمه إياه رجل أعجمي ،وهم العللرب بفصللاحتهم وبلغتهللم ل
يستطيعون أن يأتوا بمثل سورة منه .
الثالثة :ادعاؤهم أن القرآن هللو مللن قبيللل السللحر ،أي :إن قللوة
تأثيره على القلوب والنفوس مستمدة من قوة سحرية ،وهذا ادعاء يمثللل
الهروب من وجه الحقيقة الناصعة ،ذات التأثير المستمر .
وليس من شأن مثل هذه الدعوى أن يكللون لهللا نصلليب مللن الثبللات
حينما تستمر قللوة تللأثير القللرآن .إن السللحر وفللق مفللاهيم مللدعيه عمللل
عارض يخدع ول حقيقة له ،وواقع القللرآن حقيقللة مسللتمرة باقيللة ،لللذلك
فليس من شأن مثل هذه الدعوى الباطلة أن تنفع فللي جللدال نظللري ،مللا
دامت ساقطة سقوطا ً ذاتيا ً بشهادة الواقع .
إنهم ما داموا مصرين مكابرين فإنهم لن يؤمنللوا ولللو رأوا كللل آيللة ،
ويفّرون إلى إطلق الباطيل الجدلية ،وهذا ما بّينه الله بقللوله فللي سللورة
)النعام 6/مصحف 55/نزول(:
قهُللوهُ وَفِ ل ۤي َ َ
ف َة أن ي َ ْم أك ِن ّل ً جعَلَنا عَل ٰىقلوب ِهِ ْ
ُ ُ َ ْ ك وَ َمعُ إ ِل َي ْ َ ست َ ِ
من ي َ ْ م ّ
من ْهُ ْ}و َ ِ
قللو ُ
ل َ ُ
جادِلوَنللك ي َ ُ َ
جآُءوك ي ُ َ ذا َ حت ّ ٰى إ ِ َ ْ ّ
ل آي َةٍ ل ي ُؤْ ِ
مُنوا ب َِها َ ُ ْ ً
م وَْقرا وَِإن ي ََروْا ك ّ ذان ِهِ ْآ َ
َ َ
ن{ طيُر ٱ للوّ ِلي َسا ِ ّ
ذآ إ ِل أ َ ن ه َ ٰل َ فُر ۤوا إ ِ ْ
ْ َ
نك َ ذي َ ٱ لل ِ
ّ
وبعد أنواع ذات مراحل من جدال الذين كفروا حول القرآن ،
وسقوط أدلتهم وحججهم ودعاويهم الباطلة ،لم يكللن مللن فريللق منهللم إل
الصرار على موقف الجحود والنكار ،فوقفوا أخيرا ً منه موقف المتعنللت ،
فأعلنوا رفضهم اليمان به ،رغم كل البراهين التي اقترنت بالقرآن والدالة
على أنه كلم الله حقا ً ،وقد بين الله موقفهم هذا بقوله في سللورة )سللبأ/
34مصحف 58/نزول(:
ه
ن ي َلد َي ْ ِ ذي ب َي ْل َ ن وَل ِبل ٱللل ِ
ّ َ ق لْرآ ِ ذا ٱلل ُ
ْ ن ب ِهَ ٰل ل َ م َ فُروا لن ن ّؤْ ِ َ ْ ن كَ َ ذي َ ل ٱّلل ِ }وََقا َ
ض ٱْلل َ
ق وْ َ
ل م إ ِل ٰى ب َعْ ٍ
ضه ُ ْ َ جعُ ب َعْ ُ م ي َْر ِ عند َ َربهِ ْ ن ِ موُْقوُفو َ ن َ مو َ ظلال ِ ُ وَل َوْ ت ََر ٰى إ ِذِ ٱل ّ
َ
ل ن * قَللا َ مِني َم لؤْ ِ م ل َك ُن ّللا ُ سلت َك ْب َُروا ْ ل َلوْل َ أنت ُل ْ ن ٱ ْ ذي َ فوا ْ ل ِل ّ ِ ض عِ ُ سلت ُ ْ ن ٱ ْ ذي َ ل ٱّلل ِ قو ُ يَ ُ
َ
ن ٱلهُ لد َ ٰى ب َعْ لد َ إ ِذ ْ ْ
م ع َل ِ ُ
ددَناك ْ صل َ ن َ حل ُ فوۤا أن َ ْ ْ ضع ِ ُ ست ُ ْ نٱ ْ ذي َ ّ ْ
ست َكب َُروا ل ِل ِ ْ نٱ ْ ذي َ ٱل ّ ِ
ل سللت َك ْب َُروا ْ ب َل ْ ن ٱ ْ ذي َ فوا ْ ل ِّلل ِ ض عِ ُ سلت ُ ْ ن ٱ ْ ذي َ ل ٱّلل ِ ن * وََقا َ مي ْ َ جرِ ِ م ْ م ّ كنت ُ ْ ل ُ م بَ ْ جآَءك ُ ْ َ
ل ل َله َأنلدادا ً وأ َ َ
سلّروا ْ َ َ َ ُ جع َ ل َ فَر ِبلل ٱل للهِ وَن َ ْ
ّ ْ
مُرون ََنآ أن ن ّك ُ ل وَ لٱن َّهارِ إ ِذ ْ ت َأ ُ مكُر ٱللللي ْ ِ
ّ ْ ْ َ
ٱ َ ۤ َ ٱ ٱ َ
ل ْ
فلُروا هَل ْ ن كَ َ َ ذي ِ ّ
للل ق
ِ لال َ نْ ع أ ي فل
ِ َ
ل َ ل ْ غ لل لا لَ نْ ل َ ع ج
َ َ و ب َ َ
ذا َ ع َ ل ْ ْ ا و
ّ َ ُ أ ر ما َ ل ة
َ م ٱ ل ّنل َ َ
دا
ن{ ملو َ ُ ْ
كاُنوا ي َعْ َ ما َ ن إ ِل ّ َ جَزوْ َ يُ ْ
فهؤلء الذين كفروا قد انتهوا بعد الجدال الطويل حول القرآن ،
ودمغهم بالحجج القواطع إلى الصرار علللى عللدم اليمللان ،فقللالوا } :لللن
نؤمن بهذا القرآن ول بالذي بين يللديه{ ،فللانتقلوا مللن الكفللر بللالقرآن إلللى
الكفر بالذي سبقه من الكتب الربانية .
وموقف الرسالة تجاه هذا الصرار المتعنت هو موقف المعرف الذي
يتحول من موقف المجابهة بالجدال إلى موقف العراض ،مع بيللان عاقبللة
النكار بغير حق ،وبيان مصير المنكرين أتباعا ً ومتبللوعين ،وإثللارة مشللاعر
الخوف من هذا المصير الوخيم ،وهذا هو الموقف الذي ل سبيل سواه .
ومن البديع في النص القرآني هذه النقلة التي نقلهم بها إلى مشللهد
مللن مشللاهد يللوم الللدين ،إذ يتجللادل الكللافرون يللومئذٍ ،فيلقللي التبللاع
مسؤولية التضليل على قللادتهم فللي الحيللاة الللدنيا ،ويتللبرأ القللادة منهللم ،
ويجعلونهم مسؤولين عن أنفسهم وعن جرائمهم ،والصورة الجدلية تكللون
بينهم على الوجه التالي:
المستضعفون :لول أنتم لكنا مؤمنين .
* أسلوب الشتائم:
ومن الشتائم اتهام داعي الحق بأنه مبطل ،واتهام الحق بأنه باطل
أو سحر أو كذب أو نحو ذلك .
وقللد بي ّللن الللله لرسللوله هللذا السلللوب السللفيه مللن أسللاليب دفللع
الكافرين لليات البينات التي سيأتيهم بها ،ليهيئه نفسيا ً لتحمللل الصللدمات
القاسيات التي يوجهونها له ،وتحمللل أنللواع المكللابرات والفللتراءات الللتي
يفترونها عليه .
إنلله سلليأتيهم بللالحق المللبين فيقولللون للله :إن أنللت إل مبطللل مللن
المبطلين ،فما عليه إل أن يصير عليهللم ،ويلزم نشللر ديللن الللله والللدعوة
إليه ،فحجتهم الجدلية في هذا إنما هلي مقابللة الحلق باتهلام صلاحبه بلأنه
مبطل ،وليس هذا في الحقيقة حجة ،إنمللا هللو دافللع بالسللباب ،ومقابلللة
للحق بالشتائم .
هذا العداد النفسي من الله لرسوله ،ولكل داٍع إلى الحق من بعللد
الرسول ،نجده في قول الله تعللالى فللي سللورة )الللروم 30/مصللحف84/
نزول(:
ة
م ِبآي َل ٍ ل وَل َِئن ِ
جئ ْت َهُل ْ مث َ ٍ
ل َمن ك ُ ّ ن ِ ق ْرآ ِذا ٱْلل ُس ِفي هَ ٰل َ ضَرب َْنا ِللّنا َ ِ قد ْ َ }وَل َ َ
ه عَل َل ٰى قُل ُللو ِ
ب ٱل ّل ُ
ك ي َط ْب َعُ لن * ك َذ َل ِ َ مب ْط ُِلو َ م إ ِل ّ ُ فُروۤا ْ إ ِ ْ
ن أنت ُ ْ ن كَ َ ذي َ ن ٱل ّ ِ قول َ ّل ّي َ ُ
ن لَ ذي َك ٱ ّللل ِ فن ّ َ
خ ّ ح لقّ وَل َ ي َ ْ
س لت َ ِ هل َ ن وَعْلد َ ٱ ل ّللل ِ صللب ِْر إ ِ ّن * َفلٱ ْ مللو َن ل َ ي َعْل َ ُ ذي َٱّلل ِ
ن {. ُيوقُِنو َ
وظاهر أن هذه الوصية التي أوصى الله بها رسوله وصية يطالب بهللا
كل داٍع إلى الللله ،فالجللدال مللتى بلللغ حللد الغضللب تحللول عللن مقصللده ،
وارتدى رداء التعصب والنتصار للنفللس ،وسلللك مسللالك الهللوى ،وأدخللل
فيه الشيطان وساوسه ودسائسه ،وربما انحرف المحقون بسبب ذلك عن
منهج الستقامة .
وقد لجأ الكافرون فعل ً إلى خطة الشتائم ،فأخذوا يتهمون الرسللول
صلوات الله عليه بأقوال شتى ،منها المقالت التالية :
ساحر كذاب – إنه لمجنون – شاعر مجنون – قللد افللترى علللى الللله
كذبا ً – بل افتراه ،بل هو شاعر . -
وقد ذكر الله في القرآن أقوالهم التي أطلقوها وفيما يلي طائفة
من النصوص القرآنية التي حكت أقوالهم :
ففي هذا النص يحكي الله لنا مقالة الكافرين عن الرسللول صلللوات
الله عليه ،إذ قالوا :هذا ساحر كذاب ،وإذ قالوا عللن القللرآن :إن هللذا إل
اختلق ،وأمللام هللذا التهجللم بالسللباب لللم يب لقَ مللن معللالجتهم إل النللذار
بالعذاب القريب ،وذلك في قوله تعالى } :بل لما يذوقوا عذاب{.
وهذه الوقاحة مقرونة بالسخرية ،إذ كان بدء كلمهم يصفه بأنه قد
نّزل عليه الللذكر ،فلملا أتبعلوه بقللولهم لله :إنللك لمجنلون د ّ
ل عللى أنهلم
مستهزئون بما قالوا أو ً
ل.
إنهم لم تنقصهم الدلة ،ولكنهم متعّنتللون معانللدون ،ولللو رأوا أقللوى
اليات لتعللوا في رفضها بأوهى التعلت ،وقد بيللن الللله هللذا مللن واقعهللم
بقوله في السورة نفسها سورة )الحجر 15/مصحف 54/نزول(:
مللا ْ ُ
قالوا إ ِن ّ َ َ
ن*ل َ ماِء فَظ َّلوا ْ ِفيهِ ي َعُْر ُ
جو َ ن ٱل ّ
سل َ م َحَنا عَل َي ِْهم َبابا ً ّ}وَل َوْ فَت َ ْ
َ
ن{ حوُرو َس ُ
م ْم ّن قَوْ ٌح ُل نَ ْ صاُرَنا ب َ ْت أب ْ َسك َّر ْ
ُ
وكذلك قال فرعون عن موسى ،وقد حكى الللله لنللا مقالللة فرعللون
في سورة )الذاريات 51/مصحف 67/نزول(:
ّ َ ْ َ
ه ْ َ
ن * فت َوَل ٰى ب ُِركن ِل ِ
مِبي ٍ
ن ّ
سلطا ٍ سل َْناهُ إ ِل َ ٰى فِْرعَوْ َ
ن بِ ُ س ٰى إ ِذ ْ أْر َ مو َ}وَِفي ُ
ن{ َ وََقا َ
جُنو ٌ م ْحٌر أوْ َ
سا ِ
ل َ
وما من رسول إل قال عنه قومه مثل ذلك ،قال الله تعالى في
سورة )الذرايات 51/مصحف 67/نزول(:
حر أوَ َ
سللا ِ ٌ ْ ْ ُ
ل إ ِل ّ قَللالوا َ
سللو ٍ
مللن ّر ُ مللن قَب ْل ِهِل ْ
م ّ ن ِ مللآ أت َللى ٱّللل ِ
ذي َ }ك َذ َل ِ َ
ك َ
ن{
جُنو ٌ
م ْ
َ
وهذه هي التعلة التي يفر إليها المكذبون بالحق ،لشتيمة داعيه ،
وصرف الجماهير من الناس عن اتباعه .
لما انقطعت حجتهم حلول القلرآن ،ورأوا أن لله تلأثيرا ً عجيبلا ً عللى
قلوب الناس ،وأن تأثيره هذا قد أخذ يجلبهم إلى السلم ،ويفتح بصائرهم
علللى الحللق ،فتسللتنير بنللور المعرفللة الربانيللة ،قللال بعضللهم لبعللض :ل
تسمعوا لهذا القرآن والَغوا فيه لعلكم تغلبون .
وفي بيان مقالة الكافرين هذه قال الله تعالى فللي سللورة )فصلللت/
41مصحف 61/نزول(:
ن وَ ٱل غَ لوْ ا ِفي لهِ لعَلك ُل ْ
م ّ َ ْ ْ ذا ٱلل ُ
قللْرآ ِ ْ مُعوا ل ِهَ ٰل ل َ
ْ س َ ْ ن كَ َ
فُروا ل َ ت َ ْ ل ٱّلل ِ
ذي َ }وََقا َ
ن{ت َغْل ُِبو َ
إنه ل سبيل بعد موقفهم العدائي الذي سدوا فيه كل مسلك من
مسالك البحث والمناقشة والقناع والقتناع إل سبيل التهديد والوعيد بسوء
المصير ،وعليهم بعد ذلك أن يتحملوا عاقبة كفرهم بالحق ،وإنكلارهم لملا
جاء به الرسل من لدن عزيز حكيم ،ل يضره كفرهم شيئا ً ،وهو غني عللن
إيمانهم وعلن طلاعتهم ،ولكلن يهلديهم بملا أنلزل فلي اللدين إللى طريلق
نجاتهم وسعادتهم الخالدة .
ومقالتهم هذه نظير مقللالتهم الخللرى الللتي ذكرهللا الللله بقللوله فللي
سورة )الحقاف 46/مصحف 66/نزول(:
قوَنآ إ ِل َي ْهِ وَإ ِذ ْ ل َل ْ
م سب َ ُ خْيرا ً ّ
ما َ ن َ مُنوا ْ ل َوْ َ
كا َ نآ َ فُروا ْ ل ِل ّ ِ
ذي َ ن كَ َ ل ٱّلل ِ
ذي َ }وََقا َ
م{ ك قَ ِ
دي ٌ ذآ إ ِفْ ٌ قوُلو َ
ن ه َ ٰل َ سي َ ُدوا ْ ب ِهِ فَ َ
ي َهْت َ ُ
فهم بدافع الكبر الطبقي يرون أنفسهم أحق بأن يسبقوا إلى كل
خير ،وإذا لم يسبقوا إلى اليمان بللل سللبقهم إليلله الللذين هللم دونهللم فللي
الطبقة الجتماعية ،فهو إذن ليس بخير .
وهذا غاية الغرور بالنفس ،إذ يجعل صاحبه يتصور لنفسه العصمة
عن الخطأ ،لذلك فهو غير مسللتعد لن يغيللر مللوقفه ،أو يغيللر مللذهبه ،أو
يتنازل عن كفره أو شركه أو سلوكه .
وإذ ْ لم يهتدِ هؤلء الكافرون بهدى الله ،ولم يؤمنوا بدينه ،فل بللد أن
يقولوا عن الدين :هذا إفك قديم ،وظاهر أن هذا جدل كلمي ل أساس له
حتى يكون حجة تطرح بين العقلء ،وهو ل يعدو أن يكللون لونلا ً ملن ألللوان
السباب والشتائم التي ل تصدر إل عن الجاهلين .
أي :فلللم يح لم ِ هللؤلء مللن نللزول عللذاب الللله فيهللم علللو طبقتهللم
الجتماعيللة الللتي يللدل عليهللا حسللن أثللاثهم ،وحسللن مظهرهللم وشللارتهم
وهيئتهم ،ولم تغن عنهم مكانتهم الجتماعية شيئا ً عنللد الللله ،لقللد أهلكهللم
الله بكفرهم ودمر عليهم تدميرا ً .
وهذا البرهان الواقعي من أقوى البراهين الدالة على فسللاد حجتهللم
التي احتجللوا بهللا ،إذ زعمللوا أن امتيللاز طبقتهللم الجتماعيللة يلزملله صللحة
رأيهم ،إذ اختاروا لنفسهم سبيل الكفر بالله على اليمان به .
وما أكثر ما يفتتن الناس بزخرف هذا الدليل ،فيتبعون آراء أصللحاب
المكانات الجتماعية القائمة على المتياز بمتاع الحياة الدنيا وزينتها وجاهها
،معطليللن أفكللارهم وعقللولهم عللن البحللث والتتبللع للحقللائق ببصللر نافللذ
ومنطق سديد .
سبق معنا بيان تعللهم بالقضاء والقدر وفق المذهب الجبري الفاسد
،الللذي كللذبهم الللله بلله ،إذ ادعللوا فيلله علللى الللله مللا ليللس مللن مقللاديره
الجبرية ،فقالوا :لو شللاء الللله مللا أشللركنا ول آباؤنللا ،أي :إنهللم أشللركوا
بحكم كونهم مجبرين بالقضاء والقدر على الشرك .وقالوا :لللو شللاء الللله
ما حرمنا من شيء ،أي :إنهم حرموا أشللياء ممللا أبللاح الللله فللي شللريعته
لعبللاده بحكللم كللونهم خاضللعين لسلللطان القضللاء والقللدر ليللس لهللم فللي
أعمالهم كسب اختياري .وقالوا لو شاء الرحمللن مللا عبللدناهم ،أي :إنهللم
عبدوا آلهتهم من دون الله بمقتضى سلطان القضاء والقدر وليس لهم فلي
ذلك كسب إرادي ،أو على معنى أن هذه الشياء قد أذن الله بها ،فلو لللم
ب، يأذن بها لمللا مك ّن َن َللا منهللا ،ولسللتخدم قللدرته فللي جبرنللا علللى مللا يحل ّ
وتجاهلوا أنهم موضوعون موضع المتحان في الحياة .
وقد كذبهم الله بكل ذلك وأبان أنهم يخرصون على الللله ،فمللا لهللم
بما زعموا من علم عقلي أو نقلي يعتمدون عليه .
أي :فلو شاء أن يسلبكم ما منحكم مللن حريللة الختيللار فللي الحيللاة
ويجبركم على نجد واحد من نجديها لهداكم أجمعين .
وهنا نلحظ أنهم لما تصوروا أنهم ملكوا بمقالتهم ناصية حجة
مفحمة ،قالوا للذين آمنوا :إن أنتم إل في ضلل مبين ،أي :إذ تدعوننا إلى
النفاق من أموالنا للفقللراء والمسللاكين ذوي الحاجللات ،وإذ تنفقللون أنتللم
عليهم من أموالكم .
وحين نلدرك فلسللفة الحيلاة وحكملة الخلالق يظهللر لنلا فسلاد هللذه
الحجة التي ساقوها ،وذلك لنه ل يلزم مللن الفقللار فللي الحيللاة الللدنيا أن
يكللون الغللرض منلله الهانللة ،كللا ل يلللزم مللن الغنللاء أن يكللون للتكريللم ،
لحتمال أن الغرض من كل منهما البتلء .
وقد رفض القرآن فهمهم هذا رفضا ً كليا ً وأبان أن الغرض الساسللي
من الغناء والفقار هو امتحان النسان في أي من هللذين المريللن ،فليللس
الغناء للتكريم ،وليس الفقار للهانللة ،وفللي ذلللك يقللول الللله تعللالى فللي
سورة )الفجر 89/مصحف 10/نزول(:
َ َ َ
ن ل َرب ل ۤي أكَر َ
مل ِ ْ قللو ُه فَي َ ُ مل ُ ه وَن َعّ َ
م ُ ْ
ه فَأكَر َ ما ٱب ْت َل َهُ َرب ّ ُ ن إِ َ
ذا َ سا ُ لن َِ ما ٱ }فَأ ّ
ن
مللو َ ن * ك َل ّ َبل ل ّ ت ُك ْرِ ُ هان َ ِل َرب ۤي أ َ َ قو ُ ه فَي َ ُ ما ٱب ْت َل َهُ فَ َ
قد ََر عَل َي ْهِ رِْزقَ ُ ذا َ مآ إ ِ َ َ
* وَأ ّ
ن{ كي ِس ِم ْ ن عَل َ ٰى ط ََعام ِ ٱ ْلل ِ ضو َ حا ّ م * وَل َ ت َ َ ٱ ْللي َِتي َ
فالمران كلهما للبتلء ،إذ يبتلي الله الغني بالغنى ويأمره بالنفاق
ليبلوه هل يشكر نعمة الله أو يكفرها ،ويبتلي الفقير بالفقر ويأمره بالرضا
والصبر والمشي في مناكب الرض بحثلا ً عللن الللرزق ،ليبلللوه هللل يرضللى
ويصبر أو يسخط ويضجر .
ولما أورد الكافرون حجتهم " :أنطعللم مللن لللو يشللاء الللله أطعملله"،
قصدوا منها أن الله أراد فعل ً أن ل يطعم هذا الفقير ،وهذا كذب على الله
،بل أراد أن يمتحن الغني بإطعامه ،فالله قد أطعمه بللالمر التكليفللي ،إذ
أمر الغنياء بسد حاجات الفقراء ،وأطعم الخرين بتيسير سبل الرزق لهم
.وذلك زجرهم عن مقالتهم الكاذبة فقال تعالى في النص " :كل" ،ثم أبللان
تعالى أن علتهم الحقيقية هي داء الشح في نفوسهم ،فقال لهللم " :بللل ل
تكرمون اليتيم ول تحاضون على طعام" ،أي :مع أن الله قد أمركم بذلك ،
فأنتم تعصون المر اللهي وتتعللون بالقدر ،تعلل ً تكللذبون بلله علللى الللله ،
فتضيفون إلى معصية أمر التكليف الذي أمركم به جريمة الكذب عليه ج ل ّ
ل
وعل .
)(9
عقوبات الكافرين المعجلة والمؤجلة
للكافرين عقوبات ربانية يعاقبهم الله بها جزاء كفرهللم ،قسللم منهللا
معجل يجري ضمن ظروف هذه الحياة الدنيا ،وضللمن سللننها ومقاديرهللا ،
وقسم آخر مؤجل إلى مابعد ظروف هذه الحياة الدنيا .
أول ما يخسره الكافر بكفره معونة الله التي يمللد بهللا أوليللاءه ،ثللم
يصيبه مقت من الله يضيق به صللدره ،وتتكللدر بلله نفسلله ،فل يكللون فللي
داخللل نفسلله منشللرحا ً ول مسللرورا ً ،لنلله يكللون محرومللا ً مللن الرضللا
بالمقادير ،وهذا يجعله فريسة للحزن والهللم ،فهللو دائملا ً حزيللن علللى مللا
ض
فاته من خير ،مهموم لما يطمع بالحصول عليه ،وفي ذلك عذاب له ُيق ّ
رمه من التمتللع الصللحيح بمللا يصلليب مللن مضجعه وينغص عليه حياته ،ويح ِ
ذات ،حتى إذا ضاقت به الحيللاة ،وقلللت عليلله نسللمات آمالهللا ،وكللثرت ل ّ
عليه خوانق أكدارها وآلمها ،وصلار صللدره ضلليقا ً حرجلا ً كأنمللا يصلعد فللي
السماء ،أو كأنما يهوي منها فيتمزق فتخطفه الطير من كل جانب ،عندئذٍ
يحاول أن يفر من الحياة ،بالخمر والقمار ،أو بالمخدرات أو بالنتحار .
يضاف إلى ذلك أنواع الخيبة التي ُتمنى بها أعمالهم وتدبيراتهم الللتي
يواجهون بها أولياء الله الصادقين العاملين بما أمرهم الله ،وصور الخذلن
والهزيمة إذ ينصر الله المؤمنين الصادقين عليهم ،وأنواع العقوبات المادية
والمهلكات الجسدية والنفسية التي ينزلها الله بهم ،ثم ما ينال بعضهم من
تدمير شامل ،كما حصل لبعض المم التي كفرت برسل ربها وكتبه واليللوم
الخر وأكثرت في الرض الفساد .
والنصوص القرآني التي بينت عقوباتهم المعجلللة كللثيرة .فمنهللا مللا
يبّين واقع حالهم النفسي القلق المضطرب المتمزق ،المشللحون بللالهموم
والكدار .ومنها ما يشتمل على وعيد الكافرين بأنواع العقوبات المعجلللة ،
وهذا الوعيد قد يكون وعيدا ً جازما ً مقطوعا ً به ،وقد يكون تهديدا ً صللريحا ً ،
وقد يكون تلويحا ً وتعريضا ً بالتهديد ،وألوان التربية القرآنية في هللذا كللثيرة
ومتنوعة .ومنها ما يشتمل على وعد المؤمنين الصللادقين بللالظفر والنصللر
والتأييد ضد أعدائهم ،وهلذا يتضللمن وعيلدا ً للكلافرين بلأن اللله سلليخذلهم
ويذلهم وينصر المؤمنين عليهم .ومنها ما يشتمل على بيان قصص ووقللائع
تاريخية أنزل الله فيها بالكافرين عقوباتهم المعجلة في الدنيا ،وفي عرض
هذه القصص بيان لسنة الله في عباده حتى يعتبر بها الذين كفروا إن كانوا
من الذين يعتبرون ويتّعظون .
والعنوان الشامل لعقوبات الكللافرين معلللن فلي قللول الللله تعللالى :
}فمن كفر فعليه كفره{ ،أي :فكفره يكللون عليلله ضللررا ً وأذى ،ول يكللون
لمصلحته بحال من الحوال ،ل في الحياة الللدنيا ول فللي الخللرة ،وحينمللا
يتصور أن كفره سيجلب له فائدة أو مصلللحة أو خيللرا ً عللاجل ً فللإن كفللره ل
يزيده إل خسارا ً ،كل هذا نجده موضحا ً فللي قللول الللله تعللالى فللي سللورة
)فاطر 35/مصحف 43/نزول(:
َ
ف فِللي ٱللْر ِ }هُوَ ٱّلل ِ
فلُرهُ وَل َ فلَر فَعَل َي ْلهِ ك ُْ مللن ك ََ َ
ضف َ خل َئ ِ َم َ جعَل َك ُ ْ
ذي َ
م إ ِل ّ
فُرهُل ْ ن كُ ْ
ري َ زيلد ُ ٱْلل َ
كللافِ ِ قتلا ً وَل َ ي َ ِ م إ ِل ّ َ
م ْ عند َ َرب ّهِل ْ
م ِ فُرهُ ْن كُ ْري َ زيد ُ ٱْلل َ
كافِ ِ يَ ِ
ً
سارا{ خ َ َ
والمقت الذي ينزل عليهم يمل صدورهم ضيقا ً وحرجا ً ،وهما ً وحزنا ً ،
والخسارة يلحقهم حيثما توجهوا ،كللل ذلللك بسللبب كفرهللم بمللا يجللب أن
يؤمنوا به مما أنزل الله على عباده.
وأما توهين كيدهم فيدل عليه قول الله تعالى في سورة )النفللال8/
مصحف 88/نزول(:
َ
ن{ ن كي ْدِ ٱللكافِ ِ
ري َ َ ْ َ موهِ ُ ن ٱل لل َ
ه ُ ّ } ٰذل ِك ُ ْ
م وَأ ّ
فمن صور التلويح بالتهديد قللول الللله تعللالى فللي سللورة )النللور24/
مصحف 102/نزول(:
م ٱل ّنللاُر ْ َ
ن فِللي ٱللْر ِ ن ٱللل ِ
م لأَواهُ ُ
ض وَ َ زي ل َ
ج ِ
مع ْ ِ ْ
ف لُروا ُ َ
نك َذي َ ّ س لب َ ّ
ح َ}ل َ ت َ ْ
صيُر{ م ِ س ٱْلل َ
وَل َب ِئ ْ َ
ة للرسول والمؤمنين بوجهها الصريح ، وقد جاءت هذه الية طمأن ً
واشتملت أيضا ً على تلويح تهديدي للكافرين بموجب دللتها المتعلقة بهللم ،
ولو لم يكن الخطاب فيها موجها ً بصراحة لهم ،لكن آية أخرى قد جاء فيهللا
توجيه الخطاب للكافرين بأنهم غيللر معجللزي الللله ،فقللال تعللالى يخللاطب
المشركين في سورة )التوبة 9/مصحف 113/نزول(:
زي ٱلل َ َ َ
ن{ري َ
كافِ ِ ْ خ ِ
م ْ ن ٱل ّلل َ
ه ُ زي ٱل ّلل ِ
هل وَأ ّ ج ِ
معْ ِ م ۤوا ْ أن ّك ُ ْ
م غَي ُْر ُ }و َ ٱ ْ
علل َ ُ
ومهما تكن مكايد الكافرين كثيرة وخطيرة وذكية فإن الله قد ضمن
للمللؤمنين تللوهين هللذه المكايللد ،وردهللا عليهللم ،مللتى صللدق المؤمنللون
وأخلصوا لله في جهادهم ،وبللذلوا مللا فللي وسللعهم فللي سللبيل الللله وهللذا
الضمان نلحظه في قول الله الللذي ذكرنللاه قريب لا ً مللن سللورة )النفللال8/
مصحف 88/نزول(:
َ
ن{ ن كي ْدِ ٱللكافِ ِ
ري َ َ ْ َ موهِ ُ ن ٱل لل َ
ه ُ ّ } ٰذل ِك ُ ْ
م وَأ ّ
لقللد كللان التكليللف أول المللر يلللزم المللؤمنين بللأن يقللابلوا عشللرة
أضعافهم ،ثم خفف الله هذه النسبة إلللى ضللعف واحللد ،نظللرا ً إلللى حالللة
الضعف النفسي الذي عليه الناس مهما بلغ إيمانهم ،إذ ل يرتقي شعورهم
الجماعي العام إلى مستوى النسبة العظمى ،ولو بلغ شللعورهم الجمللاعي
إلى هذا المستوى لكتب الله لهللم النصللر علللى عللدوهم ،وإن كللانت قللوته
عشرة أضعاف قوتهم أو أكثر ،وهذا ما بينه الله بقوله في سورة )النفال/
8مصحف 88/نزول(:
َ َ
ين * ٰيأي َّها ٱل ّنلب ِ ّ ن ٱلل ُ
م ؤْ ِ
مِني َ ْ م َ ن ٱّتلب َعَك ِ
َ م ِ هل وَ َسب ُك ٱل لل ُ
ّ َ ح ْي َ } ٰيأي َّها ٱل ّنلب ِ ّ
ن ي َغْل ِب ُللوا ْ
صللاب ُِرو َ ن َ ش لُرو َ ع ْم ِ ل ِإن ي َك ُللن منك ُل ْ ن عَل َللى ٱْلل ِ
ق ت َللا ِ مِني َ ض ٱْلل ُ
م ؤْ ِ حر ِ َ
َ َ
م لّ م قَلوْ ٌ ْ
فلُروا ِبلأن ّهُ ْ َ
نك َ ذي َ ن ٱللل ِ
ّ ة ي َغْل ِب ُل ۤوا ألفلا مل َ
ً ْ ْ م مئ َ ٌ ُ
ن منكل ْ ُ
ن وَِإن ي َكل ْ مئ َت َي ْل ِ
ِ
ن{
قُهو َ
ف َ
يَ ْ
أي :ليس لهم غاية يفقهونها فترفع قواهم المعنوية على القتال ،ول
أمل لهم فيما بعد الحياة الدنيا ،لذلك فهم شللديدو الحللرص علللى الحيللاة ،
وهذا هو مولد الجبن في قلوبهم .
ففي هذا وعد من الله بأن ينصر المؤمنين الصادقين الصابرين على
عدوهم ،ولو كان عدده ضعف عددهم ،على أنهم لو وثقوا بالله حق الثقة
،وصبروا وصدقوا لنصرهم علللى عللدوهم ولللو كللان عللدده ضللعف عللددهم
عشر مرات ،فالوعد الول لم ينقطع ،ولكن التكليف بالمواجهة هللو الللذي
جاء فيه التخفيف ،ولذلك جلاءت اليللة مصللدرة بقللول الللله تعللالى } :الن
خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا{.
ولنأخللذ حيللاة الرسللول محمللد لنللرى كيللف نصللره الللله فللي كللل
مواقفه على أعدائه ،وكيف خذل الكافرين .
لقد نصره الللله يللوم هللاجر مللن مكللة إلللى المدينللة ،بوسللائل خفيللة
غيبية ،وأخرى مشهودة ما كان الكافرون ليحسللبوا حسللابها ،وقللد تحللدث
الله عن هذا النصر بقوله لصحاب الرسول في سورة )التوبللة 9/مصللحف/
113نزول(:
َ
ي ٱْثلن َي ْل ِ ه ٱلل ِ صَرهُ ٱل لل ُ
ن إ ِذ ْ ْ
ف َُروا َثان ِ َ َ
نك َ ذي َ ّ ج ُخَر َه إ ِذ ْ أ ْ ّ قد ْ ن َ َ َ
صُروهُ ف َ }إ ِل ّ َتن ُ
ه
كين َت َ ُسل ِهل َ ل ٱل ّلل ُ معََنا فَأنَز َ
ه َ ن ٱل ّلل َ ن إِ ّ حَز ْ حب ِهِ ل َ ت َ ْصا ِ ل لِ َ قو ُ ما ِفي ٱْللَغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ هُ َ
َ ْ ّ ّ َ
ةمل ُ َ
فل ٰى وَكل ِ َ سل ْ فلُروا ٱل ّ َ
نك َ ذي َة ٱل ل ِ مل َ َ
ل كل ِ َ ج ع َل َ
م ت ََروْهَللا وَ َ جُنودٍ ل ْ عَل َي ْهِ وَأي ّد َهُ ب ِ ُ
م{ كي ٌ ح ِزيٌز َ ه عَ ِ ي ٱْللعُ ل َْيا وَ ٱ ل ّلل ُ ٱ ل ّللهِ هِ َ
وفي غزوة أحد نصر الله المؤمنين في أوائل المللر ،ثللم حللول الللله
عنهم رياح النصر بسبب معصيتهم أوامر الرسول صلوات الله عليه .
وفي غزوة حنين حين تحولت أول المر رياح النصر عللن المسلللمين
بسبب اغترارهم بكثرتهم واعتمادهم على أنفسهم ،ثم نصللرهم الللله وأيللد
رسللوله والمللؤمنين الصللادقين ،وأنللزل جنللودا ً مللن عنللده ،وخللذل الللذين
كفروا ،وبين الله هللذا بقللوله تعللالى فللي سللورة )التوبللة 9/مصللحف113/
نزول(:
َ
م ك َث َْرت ُك ُ ْ
م جب َت ْك ُ ْ
ن إ ِذ ْ أعْ َ حن َي ْ ٍم ُ ن ك َِثيَرةٍ وَي َوْ َ
واط ِ َ م َ هل ِفي َ م ٱل ّلل ُ صَرك ُ ُ قد ْ ن َ َ }ل َ َ
َ
ن* ري َ مللد ْب ِ ِ م وَل ّي ُْتم ّ ت ثُ ّ حب َ ْ ما َر ُ ض بِ َ م ٱللْر ُ ت عَل َي ْك ُ ُ ضاقَ ْشْيئا ً وَ َ م َ عنك ُ ْن َ م ت ُغْ ِفَل َ ْ
َ م أ ََنز َ
م ت ََروْهَللا جُنودا ً ل ّ ْ ل ُ ن وَأنَز َ مِني َ م ؤْ ِسول ِهِ وَعََلى ٱْلل ُ ه عَل َ ٰى َر ُ كين َت َ ُس ِ ه َ ل ٱل ّلل ُ ثُ ّ
ن{ جَزآُء ٱللكافِ ِ
ري َ َ ْ فُروا وَ ٰذل ِك َ
َ ْ َ
نك َ ذي َ ب ٱلل ِ
ّ َوعذ ّ َ
فأصاب الله المؤمنين يوم حنين بما أصابهم به أول ً ليؤدبهم ويربيهم
حتى ل يغتروا بأنفسهم ،وحتى ل ينقطعوا عن العتماد على الله والثقة به
والتوكللل عليلله ،ثللم تللدارك القلللة الباقيللة منهللم بنصللره المللبين ،ليثبللت
للمؤمنين أن النصر من عنده سبحانه ،يرفعه متى شاء ،ويضعه حيث شاء
.
وفي غزوة الخندق كان نصر الله للمؤنين برد الكللافرين عللن حصللار
المدينة ،وهم يعانون آلم غيظهم ،إذ لم ينالوا خيرا ً من حملتهللم الظالمللة
الثمة ،وقد بين الله ذلك بقوله تعالى في سللورة )الحللزاب 33/مصللحف/
99نزول(:
فللى ٱل للل ُ
ه ّ َ ً
خي ْللرا وَك َ ْ ُ
م ي َن َللالوا َ َ
م لل ْ ْ
ف لُروا ب ِغَي ْظ ِهِ ل ْ َ
نك َ ذي َ ه ٱللل ِ
ّ }وََرد ّ ٱل للل ُ
ّ
ً
زيزا{ ً
هل قَوِي ّا عَ ِن ٱ ل لل ُ
ّ كا َل وَ َ ن ٱ ْلل ِ
ق َتا َ ٱ ْلل ُ
م ؤْ ِ
مِني َ
وفي غزوة بني قريظة كان نصر الله للمؤمنين بقذف الرعب في
قلوب اليهود وإنزالهم من حصونهم ،واستسلمهم للقتل والسر ،وقد بين
الله هذا النصر بقوله تعالى في سورة )الحزاب 33/مصحف 90/نزول(:
َ }وََأنَز َ
فم وَقَذ َ َ صيهِ ْ صَيا ِ
من َ ل ٱْللك َِتا ِ
ب ِ ن أ ْهْ ِ م ْ هم ّ ظاهَُرو ُ ن َ ل ٱّلل ِ
ذي َ
قتل ُللون وتأسلرون فَريقلا ً * وأ َورث َك ُل َ
م
ض له ُ ْ
م أْر َ ْ َ َْ َ ََ ِ ُ َ ِ ريقلا ً ت َ ْ ُب فَ ِ م ٱل ّرلعْ ل َ ِفي قُل ُللوب ِهِ ُ
ديرًا{. ه عَل َ ٰى ك ُ ّ َ َ
يٍء قَ ِ
ش ْل َ ن ٱلل ّ ُ كا َ م ت َط َُئو َ
ها وَ َ م وَأْرضا ً ل ّ ْ وال َهُ ْم َ
م وَأ ْ وَدَِياَرهُ ْ
وفي غزوة بني النضير كان نصر الله للمؤمنين بأن قذف الرعب
في قلوب بني النضير من اليهود ،وتم إجلؤهم عللن المدينللة ،ونصللر الللله
رسوله والمؤمنين معه ،ونزل في أحداث هللذه الواقعللة الللتي تمللت بنصللر
المؤمنين وخذل الكافرين سورة )الحشر 59/مصللحف 101/نللزول( ،وفللي
هذه السورة يقول الله تعالى:
زيُز ٱلل َ َ
م* كي ُ ح ِ ْ ض وَهُوَ ٱللعَ ِ
ْ
ما ِفي ٱللْر ِ ت وَ َ
َ
ماَوا ِ سل َ ما ِفي ٱل ّ ح ل ِل ّهِ َ سب ّ َ
َ
} َ
ل ٱلل َ َ
ر
شلل ِ ح ْ ْ م ل َوّ ِ من دَِيللارِهِ ْ ب ِ ل ٱللك َِتا ِ
ْ ن أه ْ ِ م ْ ْ
فُروا ِ َ
نك َ ذي َ ج ٱلل ِ
ّ خَر َ هُوَ ٱّللذِ ۤي أ ْ
َ م َأن ي َ ْ
م ٱل ّللل ُ
ه هل فَأَتللاهُ ُ ن ٱل ّلل ِ َ صون ُُهم م ُ حم ُ مان ِعَت ُهُ ْ م ّجوا ْ وَظ َن ّ ۤوا ْ أن ّهُ ْ خُر ُ ما ظ ََننت ُ ْ َ
َ
مديهِ ْ م ب ِأي ْل ِ ن ب ُي ُللوت َهُ ْ خرِب ُللو َ ب يُ ْ م ٱل ّرلعْ َ ُ
ف ِفي قُلوب ِهِ ُ ْ
سُبوا وَقَذ َ َ حت َ ِم يَ ْ َ
ثل ْ حي ْ ُ ن َ م ْ ِ
َ َ ُ َ
م َ
هل عَلي ِْهل ُ ب ٱل للل ُ
ّ َ َ
صللارِ * وَللوْل أن كَتل َ َ علت َب ُِروا ٰيأوِْلي ٱللب ْ َ ْ ن َفل ٱ ْ مِني َ م ؤْ ِ دي ٱلل ُ
ْ وَأي ْ ِ
ب ٱ ل ّنلاِر{ ذا ُ خ َر ةِ عَ َ م ِفي ٱ لل ِ َ
دلن َْيا وَلهُ ْ م ِفي ٱ ل ّ َ
ج ل َء لعَذ ّب َهُ ْ َ ٱ ْلل َ
وهكذا وضح لنا بالشواهد الواقعية كيف يعاقب الله الكفارين بأنواع
من العقاب المعجل في الدنيا ،ولعذاب الخرة أكبر وأشق ،وهذا العقللاب
المعجل للكافرين ليس عقابا ً كامل ً ،وإنما هو عقاب جزئي للتذكير والتربية
والعتبار ،وهو أيضا ً بشرى للمؤمنين ومثوبة لهم .
ويدل علللى ذلللك أيض لا ً قللول الللله تعللالى فللي سللورة )السللجدة32 /
مصحف 75/نزول(:
َ َ
مب ٱللك َبللرِ لعَلُهلل ْ
ّ َ ْ ن ٱللَعلل َ
ذا ِ ْ دو َ ب ٱللد َْنلل ٰى ُ ن ٱللَعلل َ
ذا ِ ْ م ملل َ قن ّهُ ْ }وَل َُنلل ِ
ذي َ
َ َ
ن
مل َ ض عَن ْهَللآ إ ِن ّللا ِ
م أعْلَر َ ت َرب لهِ ث ُل ّ مللن ُ
ذك لَر ِبآي َللا ِ م ّ
م ِ ن أظ ْل َل ُ مل ْ ن * وَ َ جعُللو َ ي َْر ِ
ن{ مو َ ق ُمنت َ ِن ُ مي َ ج رِ ِ ٱ ْلل ُ
م ْ
فمن أمثلة ذلك إهلك الله أهل سبأ ،لقللد كللان إهلكهللم جللزاء لهللم
بسبب كفرهم وبغيهم ،قال الله تعالى فللي سللورة )سللبأ 34/مصللحف58/
نزول(:
مللن ْ ُ
ل ك ُلللوا ِ ما ٍشل َ ن وَ ِ سك َن ِهِ ْ قد ْ َ َ
َ مي ٍ عن ي َ ِ
َ
ن َ جن َّتا ِة َ م آي َ ٌ م ْ سب َإ ٍ ِفي َ ن لِ َ كا َ }ل َ
م َ
س للَنا عَلي ْهِل ْ ْ ضوا فَأْر َ ْ فوٌر * فَأعَْر ُ ب غَ ُ ة وََر ّ َ
ه ب َلد َةٌ طي ّب َ ٌ ْ َ ْ
ش ك ُُروا ل ُ م وَ ٱ ْ ق َرب ّك ُ ْ ّرْز ِ
َ ُ
مللن يٍء ّ شل ْ ل وَ َط وَأث ْل ٍ مل ٍ خ ْ ل َ ي أك ُل ٍ ن ذ ََوات َ ْ جن ّت َي ْ ِ م َ جّنات ِهِ ْ م بِ َ ل ٱْللعَ رِ م ِ وَب َد ّل َْناهُ ْ سي ْ َ
َ
م ه ني ب نا
َ َ َ َ ََُْ ْ ْ ل ع ج و * ر
َ فو ُ َ ك ْ
لل ٱ ّ ل ِ إ ي ۤ ز ج ن
َ َ ُ ْ ِ لْ ه و ْ ا رو ُ َ فَ ك ما ب م
َ َ َْ ُ ْ ِ َه نا ي زج َ
ك ِ لَ ذ * ل َ
سد ْ ٍ ِ ٍ
لي ق ر ِ
سيُروا ْ ِفيَها ّ َْ ِر ي سل ل ٱ ها في نا
ِ َ ً َ ّْ َ ِ َ ر دَ ق و ة ر ه َ
ظا رى ً ُ ق ها في نا
َ َ َ ِ َ ْ ك ر با تي ِ للّ ٱ رى َ ُ ق ْ
لل ٱ ن ي
ََْ َ ب و
مس له ُ ْ م ل ۤوا ْ َأن ُ
ف َ فارَِنا وَظ َل َ ُ سل َ ع لد بي ل َ
نأ ْ قللاُلوا ْ َرب ّن َللا َبا ِ ْ َ ْ َن * فَ َ مِني ل َ
َ
ي وَأّيام لا ً آ ِ ل َي َللال ِ َ
ت ل ّك ُل ّ َ
صلّباٍرل َ ك لي َللا ٍن فِللي ذ َل ِل َ
ق إِ ّ
ملّز ٍ
م َ
ل ُ م ك ُل ّ مّزقْن َللاهُ ْث وَ َحللاِدي َ
مأ َ جعَل َْناهُ ْ فَ َ
شكوٍر{ ُ َ
فمن ذلك ما قصه الله تعالى من قصة قوم نوح وإهلكهم وإنقاذ نوح
ومن آمن معه ،ليتعظ بها قوم محمد ، فقال تعالى في سورة )القمللر/
54مصحف 37/نزول(:
عا َ
جَر * فد َ َ ن وَ ٱْز د ُ ِ جُنو ٌم ْ ْ ُ َ ْ َ
م ُنوٍح فكذ ُّبوا عَب ْد ََنا وَقالوا َ َ م قَوْ ُ ت قَب ْل َهُ ْ }ك َذ ّب َ ْ
َ رب َ
جْرن َللا ملرٍ * وَفَ ّ من ْهَ ِ
ملاٍء ّ مآِء ب ِ َ سلل َ ب ٱل ّوا َحَنآ أب ْل َ فت َ ْص ْر * فَ َ ب َفل ٱن ت َ ِ مغُْلو ٌ ه أّني َ َ ّ ُ
ْ َ َ ْ َ َ ْ ً ٱل َْر
واٍح ت أل ل َ ذا ِ ملن َللاهُ عَل ل ٰى َ ح َمرٍ قَد ْ قُدَِر * وَ َ مآُء عَل ٰىأ ْ قى ٱل َ ض عُُيونا َفالت َ َ َ
ن ك ُفِ لَر * وَل َ َ َ
مللن ل ِ ة فَهَل ْ ق لد ْ ت َّرك َْناهَللا آي َل ً من ك َللا َ جَزآًء ل ّ َري ب ِأعْي ُن َِنا َ ج ِ سرٍ * ت َ ْ وَد ُ ُ
ذاِبي وَن ُذ ُِر{ ن عَ َ ف كا ََ َ
مد ّك ِرٍ * فَكي ْ َ ّ
فعقاب قوم نوح وإنقاذ نوح بالمعجزة الربانية كان ذلك جزاء لنوح
فر – أي :كفر به قومه وكذبوه – وهذا جزاء بللالثواب ،وكللان أيض لا ً
الذي ك ُ ِ
جزاء بالعقاب للكافرين المكذبين ،إذ كانوا هم الطرف المعاقب المهَلك .
ففي النص السابق نلحظ في آخللره قللول الللله تعللالى }:فهللل مللن
دكر؟ فكيف كان عذابي ونذر؟{.
م ّ
ونلحظ في القرآن تنبيها ً عاما ً على العتبار بجميع ما أجراه الله في
المم السابقة ،فمن ذلك قول الله تعالى يخاطب رسللوله محمللدا فللي
سورة )فاطر 35/مصحف 43/نزول(:
سل ُُهم ِبل ٱْللب َي َّنللا ِ
ت م ُر ُ جآَءت ْهُ ْ
م َ من قَب ْل ِهِ ْ ن ِذي َ ب ٱّلل ِ قد ْ ك َذ ّ َ
ك فَ َ }وَِإن ي ُك َذ ُّبو َ
َ
كيرِ {. ن نَ ِ ف َ
كا َ فُروا ْ فَك َي ْ َ ن كَ َ ذي َ ت ٱّلل ِخذ ْ ُ
مأ َ م ِنيرِ * ث ُ ّ ب ٱْلل ُوَِبل ٱل ّزلب ُرِ وَِبل ٱْللك َِتا ِ
ففي قوله تعالى } :فكيف كان نكير؟{ توجيه ظاهر للتعاظ
والعتبار بكل ما جرى للمم السابقة من عقاب لهم على كفرهم وتكذيبهم
.
ففي هذا النص تصريح بأن الغرض من عرض قصص الولين أن
تكللون عللبرة لولللي اللبللاب ،وهللم أصللحاب القلللوب الواعيللة والبصللار
المدركة .
ومن هذا نلحللظ أن القللرآن يعتمللد – فللي ضللمن مللا يعتمللد – علللى
التربية بالقصة ،لما للقصة الواقعية من تلأثير قللوي فلي النفللوس ،وتنللبيه
دكار ،ومعلوم في الظواهر التاريخية أن تكرر النتائج قوي على العتبار وال ّ
ة الكونية ،فهي تدل عند ذوي العقول على للمقدمات دليل على ثبات السن ّ
أن للمسللتقبل حكللم مللا جللرى فللي الماضللي ،لللذلك كللان مللن الطللبيعي
الستشهاد بأحداث الماضي دليل ً على ما يجللري فلي المسللتقبل ،وباعتبللار
أن ذلك من سنن الله الثابتة .
وذلك جعل الله أنبياء الولين أدلة لولي اللباب ،يحاسللبون عليهللا ،
ويلمون على الستهانة بها ،وعدم العتبار والتعاظ بما اشتملت عليه مللن
مواطن عظة واعتبار ،وهذا ما نلحظه في قول الله الموجه للللذين كفللروا
بمحمد في سورة )التغابن 64/مصحف 108/نزول(:
َ ُ ْ َ
بذا ٌم عَ َ َ
م وَلهُ ْ مرِهِ ْ لأ ْذاُقوا ْ وََبا َ ل فَ َمن قَب ْ ُ فُروا ْ ِ ن كَ َ ذي َ م ن َب َأ ٱّلل ِم ي َأت ِك ُ ْ }أ ل َ ْ
قال ُ ۤوا ْ أ َب َ َ ْ أ َليم * ذ َل َ َ
ف لُروا ْ
دون ََنا فَك َ َش لٌر ي َهْ ل ُ ت فَ َ سل ُُهم ب ِٱل َْبيَنا ِ م ُر ُ كاَنت ت ّأِتيهِ ْ ه َ ك ب ِأن ّ ُ ِ ِ ٌ
ميد ٌ {ح ِ ي َ ه غَن ِ ّ هل وَ ٱل ل ّ ُ سلت َغْن َ ٰى ٱل ّلل ُ وَت َوَّلوا ْ وّ ٱ ْ
ففي هذا النص نلحظ توجيه اللوم والتوبيخ لهم إذ لم يتعظوا ولم
يعتبروا بأنباء الذين كفروا من قبل .
جل من أمور الغيب التي ولما كان البحث عن واقع هذا الجزاء المؤ َ
ل يستطيع العقل المجرد أن يتحكم فللي صللورها وأشللكالها أو يحكللم علللى
مراحلها ،لن بينها وبين العقل حجاب الزمان والمكان ،كان المرجللع فيهللا
النصوص الدينية الصحيحة ومفاهيمها المقبولة .
ثانيتها :مرحلة يوم الحساب ،وهي تكون بعد البعللث وقبللل دخللول
أهل الجنة الجنة وأهل النار النار .
وفي هذه المراحل الثلث أيضا ً يتلقى المؤمنون المتقون أنواعا ً مللن
ثوابهم ،وثوابهم الكبر يكون في المرحلة الخيرة ،إذ يدخلهم الله جنته .
فدل هذا على أن عرضهم على النار غللدوا ً وعشليا ً يكلون قبللل قيللام
السللاعة ،أي :قبللل البعللث .ثللم بعللد البعللث يحاسللبون ويقللال لملئكللة
العذاب :أدخلوا آل فرعون أشد العذاب .
أما كون عذاب الروح أو نعيمهللا فللي هللذه المللدة ذا صلللة بالجسللاد
الميتة أو البالية أو غير ذي صلة بها فل شأن لنا به ،وقللدرة الللله ل ُيعجزهللا
شيء تتعلق به مشيئته سبحانه ،علللى أنلله يكفللي لتحقيللق مللا دلللت عليلله
النصوص بالنسبة إلى هذه المرحلة أن يكون العذاب والنعيم للروح ولو لم
يكن للروح أية صلة بأبدانها .
وحين يرون العذاب قريبا ً منهم تكون حالتهم حالة من علم مصيره
المحتوم ،فغلى فؤاده باللم ،وظهرت المساءة علللى وجهلله ،وفللي بيللان
هذا يقول الله تعالى في سورة )الملك 67/مصحف 77/نزول(:
ُ ذا ٱللل ِ
ذي كنت ُللم ّ ل ه َ ٰل َ
فُروا ْ وَِقي َ
ن كَ َ جوهُ ٱّلل ِ
ذي َ سيئ َ ْ
ت وُ ُ ة ِ ما َرأ َوْهُ ُزل ْ َ
ف ً }فَل َ ّ
ن{ عو َب ِهِ ت َد ّ ُ
وحين يعرضون على النار يساقون إليها زمرا ً بحسللب أنللواع كفرهللم
وظلمهم ،أو بحسب كتلهم وزمرهم في الدنيا ،وفي بيان هللذا بقللول الللله
تعالى في سورة )الزمر 39/مصحف 59/نزول(:
َ
واب َُها
ت أب ْ َح ْ ها فُت ِ َ جآُءو َ ذا َ حت ّ ٰى إ ِ َ مرا ً َ م ُز َ جهَن ّ َفُروۤا ْ إ ِل َ ٰى َ ن َ
كل َ ذي َسيقَ ٱل ّ ِ }و َ ِ
َ ُ ْ َ َ
م ُ
م وَُين لذُِرون َك ْ ُ
ت َرب ّك ْ م آَيا ِ ُ
ن عَلي ْك ْ م ي َت ْلو َ ُ
منك ْ ل ّ س ٌم ُر ُ ُ
م ي َأت ِك ْ خَزن َت َُهآ أل ْ م َ ل ل َهُ ْ وََقا َ
ن* ري َ ب عَلللى ٱلل َ
كللافِ ِ ْ َ ذا ِ ة ٱللعَ َ
ْ م ُت ك َل ِ َ ق ْ ح ّ ن َ ذا َقالوا ب َل ٰى وَل ٰلك ِ ْ
َ َ ْ ُ م ه َ ٰل َ مك ُ ْقلآَء ي َوْ ِ
لِ َ
َ
ن {. ري َ كلب ّ ِ وى ٱلل ُ
مت َ َ ْ مث ْ َ
س َ ن ِفيَها فَب ِئ ْ َ دي َ
خال ِ ِ
م َ جهَن ّ َ ب َ وا َ خ ل ۤو ا أب ْ َ
ْ ُ ل ٱ ْ
دل ُ ِقي َ
دع إلى جهنم ل بد أن ينتهي إلى كبكتهم فيهللا علللى وجللوههم وهذا ال ّ
كالركام الذي يقذف بعضه على بعض ،قال الله تعالى في سورة )النمللل/
27مصحف 48/نزول(:
مللا ّ
ن إ ِل َ
ج لَزوْ َ م فِللي ٱل ّنللارِ هَ ل ْ
ل تُ ْ جللوهُهُ ْ
ت وُ ُ ُ َ َ جآَء ِبل ٱل ّ
سلي ّئةِ فكب ّ ْ من َ }و َ َ
مُلو َ
ن{ م ت َعْ َ ُ
كنت ُ ْ
فوصف العذاب هنا بأنه مهين ،أي فيه إهانة شديدة لهم وإذلل بالغ
جزاء كبرهم واستعلئهم .
ففي هذه الية بيان أن جلود الكافرين المعذبين في نار جهنم كلما
نضجت واحترقت وانقطع إحساسها خلق الله لهم جلللودا ً غيرهللا ،ليللذوقوا
العذاب المتجدد.
فقد جاء وصف النار هنا بأنهللا جحيللم ،أي مؤججللة مضللرمة شللديدة
الحرارة .
وفي هذا النص وصف شهيق جهنم وفورانها من شدة حرها كأنها
قللون فيهللا أفواجلا ً أفواجلا ً ،
تتميز من الغيظ ،وفيه بيان أن أصحاب النار يل َ
ول يقذفون فيها دفعة واحدة ،وفيه بيان أن كللل فللوج يسللأله خزنللة جهنللم
من الملئكة فيقولللون للله :ألللم يللأتكم نللذير؟ فيقولللون :بلللى ،ويعللترفون
سرون على أنفسهم .وهذا تطبيق مللا جللاء فللي قللوله تعللالى : بذنبهم ويتح ّ
ً
}وما كنا معذبين حتى نبعث رسول{ ،فما مللن فللوج كللافر يللدخل النللار إل
ُيسأل هذا السؤال :ألم يأتكم نذير؟ فيقولون :بلى قد جاءنللا نللذير فكللذبنا
وقلنا :ما أنزل الله من شيء إن أنتم إل في ضلل كبير.
* أما النصوص التي جاء فيها مزيد من تفصيل عقاب الكللافرين فللي
هذه المرحلة الثالثة الخيللرة فكللثيرة ،ونسللتعرض فيمللا يلللي طائفللة منهللا
مقتبسين ما فيها من تفصيلت:
-1لقد جاء في القرآن بيان شراب الكافرين في جهنم فقال الله
تعالى في سورة )يونس 10/مصحف 51/نزول(:
َ
كاُنوا ْ
ما َ
م بِ َ
ب أِلي ٌ ميم ٍ وَعَ َ
ذا ٌ ح ِ
ن َ
م ْ
ب ّ
شَرا ٌ فُروا ْ ل َهُ ْ
م َ ن كَ َ }وَ ٱّلل ِ
ذي َ
ن{ ي َك ْ ُ
فُرو َ
والزقوم شجر منتن الللراحئة ملّر الطعللم كللالمهل ، 1ينبتلله الللله فللي
طلع 2هللذاأصل الجحيم /وإذا أكله آكله غلى فللي بطنلله كغلللي الحميللم ،و َ
الشجر كأنه رؤوس الشياطين ،ولكن الكللافرين يجللدون أنفسللهم فللي دار
عذابهم مضطرين لن يأكلوا من شجر الزقوم ،فيملؤوا بطونهم منلله ،ثللم
بعد ذلك يسرعون فيشربون وهم ظللامئون مللن الحميللم ،لكللن الحميللم ل
يطفئ شدة ظمئهلم ،وملا يغللي فلي بطلونهم ،فيسلتزيدون ويسلتزيدون
ويشربون شرب الهيم ،والهيم هي البل الللتي يصلليبها د اء يقللال للله :داء
الهَُيام ،فهي تشرب ول تروى .
المهل :المعدن المذاب ،أو دردري الزيت ،أو القيح والصديد . 1
ولهم أيضا ً طعام آخر من غسلين ،وهللو فللي كلم العللرب مللا يخللرج
من الشياء المستقذرة كالجراحة ونحوها عند غسلها ،قال الله تعالى فللي
سورة )الحاقة 69/مصحف 78/نزول(:
ْ
ن * ل ّ َيللأك ُل ُ ُ
ه سِلي ٍ
ن ِغ ْ
م ْ م * وَل َ ط ََعا ٌ
م إ ِل ّ ِ مي ٌ
ح ِ
ها هَُنا َ ه ٱْللي َوْ َ
م َ س لَ ُ
}فَل َي ْ َ
ن{ خاط ُِئو َإ ِل ّ ٱْلل َ
-3وجاء في القللرآن بيللان لباسللهم فللي دار عللذابهم ،إن لهللم ثيابلا ً
طع لهم عللى مقلادير أجسلادهم ،قلال اللله تعلالى فلي خاصة من نار ُ ،تق ّ
سورة )الحج 22/مصحف 103/نزول(:
م ت لُهل َْ ّ ْ
فلُروا قُطَعل ْ ن كَ َذي َ م َفل ٱللل ِ
ّ موا ْ ِفلي َرب ِّهل ْ ص ُخلت َ َن ٱ ْ ما ِ ص َخ ْ ن َ ذا ِ} ه َ ٰل َ
م طللون ِهِ ْما ِفللي ب ُ ُ صهَُر ب ِهِ َ م * يُ ْ مي ُ
ح ِم ٱْلل َ سه ِ ُ ق ُرُءو ِ من فَوْ ِ ب ِ ص ّ من ّنارِ ي ُ َ ب ّث َِيا ٌ
َ َ
مللآ أَراد ُ ۤوا ْ أن ي َ ْ
م ن غ َل ّمل ْ جللوا ْ ِ
من ْهَللا ِ خُر ُ دي لدٍ * ك ُل ّ َ ح ِ ن َ م ْمع ُ ِ قا ِم َ
م ّ جُلود ُ * وَل َهُ ْوَٱل ْ ُ
ق{ ري ِح ِب ٱْلل َ ذا َذوُقوا ْ عَ َ دوا ْ ِفيَها وَ ُعي ُ أُ ِ
فهم يدعون ربهم وهم في نار جهنم أن يعيدهم الله إلى دار البتلء
ليؤمنوا ويعملوا صالحا ً ،ولكن الله ل يستجيب إلى طلبهم هذا ،ويقول لهم
" :أوَلللم نعمركللم؟" أي :أوَلللم نجعللل لكللم فللي دار البتلء عمللرا ً كافيللا ً
لختباركم وامتحانكم ،فأصررتم على كفركم وعنادكم ،ويقول لهللم أيض لًا:
"وجاءكم النذير" ،أي :وقد جاءكم رسول فأنذركم عاقبللة كفركللم فكللذبتم
وعصيتم .
على أنهم لو ردوا إلى دار البتلء لعللادوا لمللا ُنهللوا عنلله ،ألمللح إلللى
هذه الحقيقة قول الله تعالى في النص } :إن الللله عللالم غيللب السللماوات
والرض إنه عليم بذات الصدور{ ،فهو يعلم ما تنطوي عليله صلدورهم ملن
كبر وعناد ،فلو أعيدوا إلى دار البتلء لعادوا إلى اختيار الكفر على اليمان
،لن إعادتهم حينئذٍ سيرافقها محو ذكريات العذاب في نار جهنللم ،فللترجع
إليهللم حينئذ ٍ نفسلليتهم الولللى المسللتكبرة المعانللدة ،ويعللودون سلليرتهم
الولى ،وليست المقادير ألعوبة في أيدي المتش لّهين المتلعللبين ،وص لّرح
بهذه الحقيقة أيض لا ً قللول الللله تعللالى فللي سللورة )النعللام 6/مصللحف55/
نزول(:
ت َربَنللا ب ِبآَيا ِكذ َ قاُلوا ْ ٰيل َي ْت ََنا ن َُرد ّ وَل َ ن ُ َ
فوا ْ عََلى ٱلّنارِ فَ َ }وَل َوْ ت ََر ٰى إ ِذ ْ وُقِ ُ
دوا ْ
ل وَل َلوْ ُر ّمللن قَب ْل ُ ن ِفللو َ مللا ك َللاُنوا ْ ي ُ ْ
خ ُ م ّدا ل َهُل ْ ن * بَ ْ
ل بَ َ مِني َ ن ٱْلل ُ
م ؤْ ِ م َن ِ كو َ وَن َ ُ
ن{ كاذُِبو َم لَ َ ما ن ُُهوا ْ عَن ْ ُ
ه وَإ ِن ّهُ ْ دوا ْ ل ِ َ
ل ََعا ُ
ففي هذا النص تصريح بأنهم لو ردوا إلى دار البتلء لعادوا إلى ما
نهوا عنه من الكفلر والتكللذيب ،إل أن تمنيهلم العللودة إللى دار البتلء هنللا
يكون حينما يوقفون على النلار ،ويشللاهدون دار عللذابهم ،بينمللا نجلد فلي
النص السابق أن طلبهم العودة إلى دار البتلء يكللون بعللد دخللولهم النللار ،
وتقلبهم في ألوان عذابها .
ويطلب الكافر مثل هذا الطلب أيضا ً إذا جللاءه المللوت وعلللم منزللله
من العذاب ،عندئذٍ يسأل ربه أن يرجعه إلى الحياة ليؤمن ويعمل صللالحا ً ،
ولكن طلبه يرفض لنتهاء زمن امتحانه ،وفي بيان ذلللك يقللول اللله تعلالى
في سورة )المؤمنون 23/مصحف 74/نزول(:
َ َ
لمل ُ ن * ل َعَل ّل ۤي أعْ َ جعُللو ِ ب ٱْر ِ ل َر ّ ت قَللا َ م لوْ ُ م ٱل ْ َ ح لد َهُ ُ جللآَء أ َ ذا َ حت ّل ٰى إ ِ َ } َ
َ م ب َلْرَز ٌ ُ
ة هُلوَ َقآئ ِلهَللا وَ ِ َ ّ َ ْ صاِلحا ً ِفي َ
خ إ ِل ل ٰى ي َلوْم ِ مللن وََرآئ ِهِل ْ
َ
مل ٌ ت كل إ ِن َّها كل ِ َ ما ت ََرك ُ َ
من َ َ ف * ن
َ لو ُ َ ء سآ
َ َ تَ ي َ ل َ و ٍ ذِ ئ م وَ
ُ ْ ْ َ ي م هَ نْ يَ ب ب
َ سا
َ أن َ ل َ ف ر
ّ ِ صلو ل ٱ في ِ َ
خ ف
ِ ُ ن ذاَ إ َ ف * نَ ُ
ثو َ ع ْ بُ ي
ه فأ ُوْل َ ٰللئ ِ َ ْ َ َ قل َلت ملوازين ِه فَأ ُ
ك واِزين ُُ ْ َ َل م ت ل ّ ف خ
َ ن ل
َ َ ْ م و * نَ لو ل ح
ُ ِ ل ْ ف م
ُ ل ٱ م ُ ل ُ ه ك ِ ئ ل ل ٰ ل ْ و ثَ ُ ْ َ َ ِ ُ ُ
َ
م ِفيَهللا م ٱ ل ّنلاُر وَهُ ْ جوهَهُ ُ ح وُ ُ ف ُ ْ
ن * ت َل َ دو َ خال ِ ُ م َ جهَن ّ َ م ِفي َ سهُ ْ ف َ سُر ۤوا أن ُ ْ خ ِ ن َ ذي َ ٱ ّلل ِ
َ
ت ن * قَللاُلوا ْ َرب ّن َللا غَل َب َل ْ م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َ م فَك ُن ْت ُ ْ ن آَياِتي ت ُت ْل َ ٰى عَل َي ْك ُ ْ م ت َك ُ ْ ن * أل َ ْ حو َ كال ِ ُ َ
َ َ ّ ً َ
ن* مو َ ن عُد َْنا فَإ ِّنا ظللال ِ ُ من َْها فَإ ِ ْ جَنا ِ خرِ ْ ن * َرب َّنآ أ ْ ضآلي َ وما َ قوَت َُنا وَك ُّنا قَ ْ ش ْعَلي َْنا ِ
ن{ مو ِ س ُئوا ْ ِفيَها وَل َ ت ُك َل ّ ُ خل َ ل ٱ ْ َقا َ
ففي هذا النص بيان طلبهم الرجعة إلى الحيللاة الللدنيا عنللد مللوتهم ،
رجاء أن يعملوا صالحا ً ،فيرفض طلبهم .
وفيه أيضا ً بيان أنهم يطلبون هذا الطلب حينمللا تلفللح وجللوههم النللار
وهم فيها كالحون ،إذ يقولون :ربنا أخرجنا منهللا ،فللإن عللدنا إلللى مللا كنللا
عليه من الكفر والتكذيب فإنا ظالمون ،فيقول الله لهم :اخسؤوا فيها ول
مذ َّلين مهانين .
تكلمون ،أي :ابتعدوا مطرودين ُ
ويطلب الكافر مثل هذا الطلب أيضا ً وهو في موقف الحساب ،وقد
ل على ذلك قول الله تعالى في سورة )السجدة 32/مصحف 75/نزول(: د ّ
َ
صلْرَنا م َرب ّن َللآ أب ْ َ عن لد َ َربهِل ْم ِ س له ِ ْ ْ
سللوا ُرُءو ِ ن َناك ِ ُ مو َ ج رِ ُم ْ }وَلوْ ت ََر ٰى إ ِذِ ٱلل ُ
ْ َ
هادا َ س هُ َ فَ ٍ ل نَ ْ ُ
شئ َْنا لت َي َْنا ك ّ َ
ن * وَلوْ ِ موقُِنو َ ً
صاِلحا إ ِّنا ُ ل َ م ْ ج عَْنا ن َعْ َمعَْنا َفل ٱْرل ِ س ِ وَ َ
َ َ
ج ن ّلةِ وَ ٱل ّنللا ِ ن ٱلل ِ ح لقّ ٱلل َ وَل َ ٰل لك ِ ْ
ن* مِعي ل َ ج َسأ ْ ْ مل َ م ِجهَن ّل َ ن َ مل ّ منللي ل ْ ل ِ قللوْ ُ ْ ن َ
مللاخ ل ْلدِ ب ِ َ ب ٱْلل ُ ذا َذوُقلوا ْ عَل َ م وَ ُ سيَناك ُ ْ م ه َ ٰل َ
ذآ إ ِّنا ن َ ِ مك ُ ْقآَء ي َوْ ِ م لِ َ
سيت ُ ْ ما ن َ ِ ذوُقوا ْ ب ِ َ فَ ُ
ن{ ُ
ملو َ م ت َعْ َكنت ُ ُْ
ومن جملة هذه النصوص يتضح لنا أن الكافرين يطلبون الرجعة إلى
دار البتلء أربع مرات .
الثالثة :عندما يعرضون على النار بعللد الحسللاب ،ويللرون مللا فللي
النار من عذاب .
إن عفو الله وغفرانه يوم القيامللة مللن المنللح الللتي يختللص الللله بهللا
عصاة المؤمنين ،فل يكون للكافرين منها نصيب .
أما في الدنيا فباب العفو والغفران مفتوح لهم إن آمنوا ،فإذا مللاتوا
مصرين معاندين فقد قطعوا بأيديهم عن أنفسهم حبل الرجاء ،وقللد أعلللن
الله لهم وهم في الحياة الدنيا أنه لن يغفر لهم إذا ماتوا وهللم كفللار ،ولللن
يقبل منهم أية فدية ،على أنهم يومئذٍ ل يملكون فدية يقدمونها .
فمن هذه النصوص القرآنية تتضح لنا القاعدة اللهية العامة في
الغفران ،وهي أن الله ل يغفر ذنب الكافر به أو الشللراك بلله ،ويغفللر مللا
دون ذللك لملن يشلاء ،فلالمر بالنسلبة إللى الللذنوب الواقعللة فلي مجلال
احتمال الغفران منوط بمشيئة الله تبارك وتعالى .
ول طريق للكافرين والمشركين الذين مللاتوا مللن قبللل أن يتوبللوا إل
طريق جهنم خالدين فيها ،قال الله تعالى في سورة )النسللاء 4/مصللحف/
92نزول(:
م َ
م وَل ل ِي َهْلدِي َهُ ْ َ ن ٱل للل ُ
ه ل ِي َغْفِلَر لهُل ْ ّ ُ
م ي َك ل ِ
َ ْ
مللوا لل ْ َ َ
فُروا وَظل ُ ْ َ
نك َ ن ٱلل ِ
ذي َ ّ }إ ِ ّ
َ
ً
سيرا{ ن ٰذل ِك عَلى ٱل لل ِ
هل ي َ ِ ّ َ َ َ ً
ن ِفيَهآ أَبدا وَكا َ دي َ خال ِ ِ
م َجهَن ّ َريقَ َ ريقا ً * إ ِل ّ ط ِ
َ طَ ِ
أما عدم قبول الفدية منهم فقد دل عليه قول الله تعالى في سورة
)آل عمران 3/مصحف 89/نزول(:
َ فللاٌر فَل َللن ي ُ ْ
م ْ
للءُ هم ّ ح لدِ ِ
نأ َ مل ْل ِ قب َل َ م كُ ّمللاُتوا ْ وَهُل ْ ف لُروا ْ وَ َ
ن كَ َ ن ال ّ ِ
ذي َ }إ ِ ّ
َ ُ َ
ن{ري َ
ص ِ
من ّنا ِ م ّما ل َهُ ْ
م وَ َ ب أِلي ٌ م عَ َ
ذا ٌ ك ل َهُ ْ
هبا ً وَل َوِ ٱفْت َد َ ٰى ب ِهِ أوْل َ ٰلئ ِ َ ض ذَ َ
ٱلْر ِ
وقول الله تعالى في سورة )يونس 10/مصحف 51/نزول(:
للر ض ل َفْتلدت بله وأ َ َ َ
مللا فِللي ٱ ْ ِ
سلّروا ْ ت َ مل ْ س ظ َل َ َ ن ل ِك ُل ّ }وَل َلوْ أ ّ
َ َ ْ ِ ِ َ َ فل ٍل نَ ْ
ن{ م ل َ ي ُظ ْل َ ُ
مو َ ط وَهُ ْ
س ِ م ِبلٱ ْلل ِ
ق ْ ي ب َي ْن َهُ ْض َ ب وَقُ ِ
ذا َ ما َرأ َوُا ْ ٱْللعَ َ
ة لَ ّ
م َ ٱ ل ّنل َ
دا َ
ويظل الكبر ملزما ً لهم حتى رؤية العذاب ،لذلك فهم يخفون
ندامتهم .
كان الفراغ منه في ليلة الثنين 20من جمادى الولى سنة 1394هل
الموافق لل 1من حزيران )يونيه( لسنة 1974م بمكة المكرمة .
والله أسأل أن ينفع به ويهدي ،ومن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ،ومن ضل
فإنما يضل عليها.