Professional Documents
Culture Documents
com
خطب فضيلة
الشيخ
www.yaqob.com
لشك أن تأسيس العقيدة السليمة منذ الصغر أمر بالغ الهمية في منهج التربية السلمية،
وأمر بالغ السهولة كذلك.
ولذلك اهتم السلم بتربية الطفال على عقيدة التوحيد منذ نعومة أظفارهم ،ومن هنا جاء
استحباب التأذين في أذن الـمـولود ،وسر التأذين -وال أعلم -أن يكون أول ما يقرع سمع
النسان كلماته المتضمنة لكبريـاء الـرب وعـظـمـتـه ،والـشهادة التي أول ما يدخل بها في
السلم ،فكان ذلك كتلقينه شعار السلم عند مـجـيـئـه إلـى الدنيا ،كما يلقن كلمة التوحيد
عند خروجه منها.
ومن ثم يتولى المربي رعاية هذه النبتة الغضة ،لئل يفسد فطرتها خبـيـث الـمؤثرات ،ول
يهـمـل تعليمه العقيدة الصحيحة بالحكمة والموعظة الحسنة ،لن العقيدة غـــذاء ضـروري
للــروح ـكضرورة ـالطعام ـللجسـام ،ـوالقلـب ـوعاء ـتنسـاب ـإليـه ـالعقائـد ـمـن ـغير ـشعور
صاحبه ،ـفإذا ـترك ـالطفـل ـوشأنـه ـكان ـعرضـة ـلعتناق ـالعقائـد ـالباطلة ـوالوهام ـالضارة،
وهذا يقتضينا أن نخـتـار له من العقائد الصحيحة ما يلئم عقله ويسهل عليه إدراكه وتقبله،
وكلما نما عقله وقــوي إدراكـــه غذيناه بما يلئمه بالدلة السهلة المناسبة ،وبذلك يشب
على العقائد الصحيحة ،ويكون لـه مـنهـا عـنــد بلوغه ذخر يحول بينه وبين جموح الفكر
والتردي في مهاوي الضلل.
أما إن أخطأ المربون في تعرف اهـتـمـامـــات الطفل الدينية فقدموا له تفسيرات دينية غير
ملئمة ،فحينئذ "إما أن ينبذها كما يـنـبـذ أية فكرة ل تتسق مع تكوينه النفسي المتكامل،
وإما أن يتقبلها على مضض مجاملة للهل ،وضماناً لستمرار عطفهم ،ولكنه تقبل مؤقت
يخفي معارضة مكبوتة.
فالجابة السليمة الواعية على تساؤلت الطفال الدينية ،بما يتناسب مع سنهم ومستوى
إدراكهم وفهمهم أمر ضروري ،مع العتدال في التربية الدينية لهم ،وعدم تحميلهم مال
طاقة لهم به ...وكذا عدم اهمالهم بحجة أنهم صغار ل يفهمون -كما يظن البعض ...-فهذا
رسولنا الكريم قد تعهد أصحابه -حتى الطفال منهم -فغرس في نفوسهم أسس العقيدة ،قال
معلماً لبن عباس -رضي ال عنه:-
«يا غلم إني أعلمك كلمات؛ احفظ ال يحفظك ،احفظ ال تجده تجاهك ،وإذا سألت
فاسأل ال ،وإذا استعنت فاستعن بال».
بمثل هذه التوجيهات الحكيمة نستطيع أن نحصن عقائد أبـنـائـنـا ،وفي كل تصرف من
تصرفات المربي وكل كلمة من كلماته يراقـب ربـه ،ويحـاسـب نفسه لئل تفوته الحكمة
والموعظة الحسنة ،وحتى لتوقع أخطاء التربية أبناءنا في متاهات المبادئ ،يتخبطون بين
اللهو والتفاهة ،إلى الشطط والغلو ،كل ذلك عند البعد عند التربية الحكيمة المتوازنة التي
تسير على هدي تعاليم السلم الحنيف.
أ-اليمان بال -جل وعل:-
إن أهم واجبات المربي حماية الفطرة من النحراف ،وصيانة العقيدة من الشرك ،لذا
نهى رسول ال -صلى ال عليه وسلم -عن تعليق التمائم تعويداً للصغير العتماد على
ال وحده:
«من علق تميمة فل أتم ال له».
وإذا عرفنا أن وضع التميمة والعتقاد فيها شرك ،جنبنا أطفالنا هذا الشرك ،وبعد ذلك
يوجـه ـالمربـي ـجهده ـنحـو ـغرس ـعقيدة ـاليمان ـبال ــفـي ـنفـس ـالصـغير؛ ـفهذه ـأـم ـسليم
الرميصاء أم أنس بن مالك خادم الرسول -صلى ال ـعليه وسلم -ورضي ال ـعنهم
أجمعين أسلمت وكان أنس صغيراً لم يفطم بعد ،فجعلت تلقن أنساً؛قل :ل إله إل ال ،قل:
أشهد أن ل إله إل ال ،ففعل ،فيقول لها أبوه :ل تفسدي على ابني فتقول :إني ل أفسده.
كان أبوه مـا يزال ـمشركاً يعتبر أن التلفـظ بعقيدة ـالتوحيـد ـوالنطـق ـبالـشـهـادتين ـإفسادًا
لطفله ،تماماً كما يرى كثير من المل حدة -أصحاب المذاهب الهدامة والطــواغـيـت في
الرض في هذا العصر -أن غرس اليمان وعقيدة التوحيد إفساد للناشئة وإبعاد لهم عن
التقدمية كما يزعمون.
يتعرف الطفل أنه مسلم ،وأن دينه السلم وهو الدين الذي ارتضاه ال له ول يقبل من
عباده سواه ،والتركيز في التربية على ما وصفها ابن تيمية -رحمه ال( -محبة العامة
وهي محبة ال تعالى لجل إحسانه لعباده ،وهذه المحبة على هذا الصل ل ينكرها أحد،
فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها).
فال ـتعالى أعطانا العينين والطعام اللذيذ وكل ما يحبه هذا الصغير ،فل يملك صغيرنا
إل أن ينشأ على محبة خالقه -جل وعل.-
ويـبـتـعـد المربي عن تلقين الطفال اسم ال من خلل الحداث الليمة ،لن للـخـبـرات
الليمة أثرها في تشكيك المؤمن في عقائده وانحيازه إلى النزعة اللدينية".
ومـن ـالحداث ـالليمـة ـعنـد ـالطفـل ـمثلً أـن ـنقرن ـلـه ـولدة ـالطفـل ـبشـق ـبطـن ـأمه ـمثلً..
"فيتصور أن فـعـل الميلد أمر بشع ،وحيث إن مولد طفل جديد يثير قلقه ..فمن المحتمل
أن تكون أولى خبرات الطفل بال خبرات أليمة".
لذا ،ينبغي أن نذكر اسم ال ـأمام الطفل من خلل مواقف محببة سارة ،فالطفل مثلً قد
يستوعب حركة الـسـبـابـــة عند ذكر كلمة الشهادتين ،يتلفظ بها الكبير أمامه ،الم أو الب
أو أحد الخوة الكبار ،وذلك منذ الشهر الرابع من عمره ،فإذا به يرفع أصبعه مقلداً الكبار.
كـم ـهـي ـحركـة ـلطيفـة ـومحببـة ـعنـد ـالهـل ـالذيـن ـل ـيملكون ـإزاءهـا ـإل ـضـم ـصغيرهم
وتشجيعه وهو يشير بأصبعه عند ذكر اسم ال ...فيرسخ اسم ال ـفي نفسه بمحبة عارمة
من والديه ،ويغرس حب ال في قلبه..
وإذا نما صغيرنا وترعرع نلفت نظره إلى مظاهر قدرة ال ـونعمه التي ل تحصى :إذا
خلُقي".
خلْقي فحسن ُ نظر في المرآة نقول له معلمين قل" :اللهم كما حسنت َ
وإن لبس الجديد حمد ال على نعمه ،وكذا إن أكل أو شرب قال" :الحمد ل الذي أطعمنا
وسقانا وجعلنا مسلمين".
وهكذا ،فيعرف نعمة ال ويعتاد شكره ،مع لفت النظر إلى مظاهر قدرة ال ونعمه التي ل
تحصى ..كل ذلك بأسلوب رفيق ولهجة رقيقة من غير إسراف في عرض الفكرة ول غلو
فيها ،وإنما بطريقة محببة تناسب الطفولة فتتمشى معها.
"ول يجوز للمربي أن يتكـئ على خـــط الخوف حتى يـرعـب الطفل بغير موجب بكثرة
الحديـث ـعـن ـغضـب ـال ـوعذابه .والــنـــار ـوبشاعتها ..إنمـا ـينبغـي ـأن ـنبدأ ـبالترغيب ـل
بالترهيب حتى يتعلق قلب الطفل بال من خيط الرجاء أولً فـهـــو أحـــوج في صغره إلى
الحب".
علينا أن نذكر اسم ال -تبارك وتعالى -ونحن نستشعر عناية ال بالنـســان وتكريمه له
"حيث سخر له ما في سماواته وأرضه ،وما بينهما حتى ملئكته ..جعلهم حفـظـة له في
منامه ويقظته وأنزل إليه وعليه كتبه ..فللنسان شأن ليس لسائر المخلوقات".
هذا فضلً عن فائدة أخرى:
"إن العتقاد بكرامة النسان على ال ،يرفع من اعتباره في نظر نفسه ،ويثير في
ضميره الحياء من التدني عن المرتبة التي رفعه ال إليها ..ونظافة المشاعر تجيء نتيجة
مباشرة للشعور بكرامة النسان على ال ثم برقابة ال على الضمائر واطلعه على
السرائر".
وهكذا ـننمـي ـعنـد ـالطفال ـالشعور ـالدينـى ـالقائـم ـعلـى ـحـب ـال؛ـ ـحيـث ـنركـز ـعلـى ـمعاني
الحب والرجاء ومظاهر رحمة ال تعالى الواسعة بالناس .كما نروض الطفل على محبة ال
واحترام أمر ال ،وارتباطه بأحكام دين ال ،فإذا به شاب نشأ في رضوان ال ل يعرف
غير السلم شرعة ومنهاجاً .نشعره أن ال ـيحبنا فل يكلف نفساً إل وسعها ،وإذا أمرنا
بشىء فالواجب أن نأتي منه ما نستطيع ،أما الحرام فل نقربه مطلقاً ..فإن ال تعالى يحب
الـمـطيعين له ول يحب الكافرين:
{ ُقلْ أَطِيعُوا الَّ والرّسُولَ فَإن َتوَّلوْا فَإنّ الَّ ل يُحِبّ الكَافِرِينَ}
[ آل عمران.]32 :
ويـردد الـمبدأ على مسمع الطفال ..ويـغـرس في قلوبهم،فتنمو في نفوسهم مشاعر الخوة
اليمانيـة ـوالرابطـة ـالسـلمية ،ـوالمفاصـلة ـمـع ـأعداء ـديـن ـال ـالكافريـن ـبـه ،ـوهذا ـمطلب
تربوي هام وديني قبل كل شيء.
سوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ والّـذِيـنَ مَـعَهُ إذْ قَالُوا لِ َقوْ ِم ِهمْ إنّا بُرَآءُ مِنكُمْ ومِمّا {قَدْ كَانَتْ لَ ُكمْ أُ ْ
حتّى ُتؤْ ِمنُوا بِالِّ
َت ْعبُدُونَ مِن دُونِ الِّ كَفَ ْرنَا ِب ُكمْ وبَدَا َبيْ َننَا و َب ْي َنكُمُ العَدَاوَةُ وا ْل َب ْغضَاءُ َأبَداً َ
وحْ َدهُ}
[الممتحنة.]60:
ولن تخيب نفس ألهمت رشدها ،فسارت على هدي رسولنا الكريم في تربية النشء ،ليعينها
رصيد الفطرة المركوز بها ،تستشفه من خلل إشارات طفلها إلى علو ال ،ومن كلماته
في الرضى والغضب والتي يبين فيها أن ال تعالى منصف للمظلومين ،وليس أفضل من
كتاب ال ـيذكرنا بوصية لقمان لبنه" :وإنها لعظة غير متهمة ،فما يريد الوالد لولده إل
الخير ،وما يكون الوالد لولده إل ناصحاً
عـلـى الـوالـديـن وموجهي الطفال أن يغرسوا حب رسول ال -صلى ال عليه وسلم -
في ـنفوس ـالناشئـة ،ـفـحـب ـرســول ـال ـمـن ـحـب ـال ـ -جـل ـوعل ـ -ول ـيكون ـالمرء
مؤمناً إل بحب ال ورسوله.
عن أنس -رضي ال عنه -قال ،قال رسول ال -صلـى ال عـلـيـه وسـلـم:-
«ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» .
وعلينا أن نُفهم الطفل بعض الشمائل الطيبة ،نقتبسها من السيرة النبوية ،مـن صـفـاته
-صلى ـال ـعليـه ـوسـلم -مثـل :الرحمـة ـبالصـغار ،ـوبالحيوان ـوبالخدم ...وأـن ـنحكـي ـله
بعض القصص المحببة في هذا الشأن من سيرته -عليه الصلة والسلم -ومن سيرة
أصحابه الـكـرام ،وذلك حـتـى يـتـخـلق بخلق رسول ال ،فيرحم الصغار والضعاف،
ول يؤذي الحيوان.
ونغرس في نفوس أطفالنا خلل سردنا لمواقف من سيرة الرسول -صلى ال عليه وسلم-
أثـر ـتطـبيق ـالديـن ـفـي ـالسـلوك ـوالخلـق ـوالعبادة ...فتتأثـر ـنفوسـهم ،ـوتتفاعـل ـقلوبهـم ـبحب
الرسول -عليه الصلة والسلم -وحـب رسـالـتـه ،وفي ذلك المغفرة وجنات النعيم
{ ُقلْ إن كُنتُمْ تُحِبّونَ الَّ فَاتّبِعُونِي يُحْ ِببْ ُكمُ الُّ ويَغْفِرْ لَ ُكمْ ُذنُو َبكُمْ والُّ غَفُورٌ رّحِيمٌ}
[آل عمران.]31:
وعلـى ـالمربـي ـأـن ـيعلّم ـالطفال ـالصـلوات ـالبراهيميـة ـوأـن ـيحفظوهـا ـإـن ـأطاقوا ـذلك،
فالصلة على النبي ترفع الدرجات ،وتضمن شفاعـة الـمصطفى -صلى ال عليه وسلم-
سلِيماً}
سلّمُوا تَ ْ
صلّوا عَ َليْهِ و َ
صلّونَ عَلَى ال ّنبِيّ يَا َأ ّيهَا ا َلذِينَ آ َمنُوا َ
{إنّ الَّ ومَل ِئ َكتَهُ ُي َ
[الحزاب،]56:
اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ج -اليمان بالملئكة
الملئكـة ـجنـد ـال،ـ ـيأتمرون ـبأمره ـول ـيعصـونه ..إن ـفـي ـالعالـم ـمخلوقات ـكـثـيـرة ـل
نعرفها ،يعلمها خالقها -جل وعل -ومن بينها الملئكة ...بهذه الصورة يمكن أن نتحدث
عن ـهذا ـالركـن ـاليمانـي ـالغيـبي ـأمام ـالطفال ،ـونضيـف ـلهـم ـبأـن ـأعمال ـالملئكة ـكثيرة
نستشفها من بعض اليات الكريمة،ومن ذلك حفظ النسان:
ع َل ْيهَا حَافِظٌ}
{إن ُكلّ نَفْسٍ لّمّا َ
[الطارق.]4:
وكتابة ما يعمله في حياته:
عتِيدٌ}
{مَا َيلْفِظُ مِن َق ْولٍ إلّ لَ َديْهِ رَقِيبٌ َ
[ ق]18:
وكم يسعد الطفال عندما تجمعهم أمهم ،لتحدثهم عن الجنة ونعـيـمـهـا ،والملئكة فيها ،إذ
تبشر المؤمنين كقوله -تعالى :-
ع َل ْي ِهمُ المَلئِكَةُ أَلّ تَخَافُوا ول تَحْ َزنُوا
ستَقَامُـوا َتتَنَ ّزلُ َ
{إنّ الَذِينَ قَالُوا رَ ّبنَا الُّ ُثمّ ا ْ
حيَاةِ ال ّد ْنيَا وفِي الخِرَةِ و َلكُمْ
جنّةِ الَتِي كُن ُتمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ َأوْ َليَا ُؤكُمْ فِي ال َ وَأبْشِرُوا بِالْ َ
سكُمْ ولَ ُكمْ فِيهَا مَا تَدّعُونَ * نُزُلً مّنْ غَـفُـورٍ رّحِـيـمٍ * ومـَـنْ أَحْـسَـنُ ش َتهِي أَنفُ ُ
فِيهَا مَا تَ ْ
قَـوْلً مّمّن دَعَا إلَى الِّ وعَ ِملَ صَالِحاً وقَالَ إنّـنِـي مِـنَ المُسْلِمِينَ}
[ فصلت.]33-30:
فالم ـبذلك تسـتفيد ـمن صفات ـطفولة أبنائها ،ـفي خدمة عقيدتها ،ويجددون ـمرضاة ـال
(تعالى).
فبدلً من إرضاء الخيال النامي عندهم بقصص خرافية وأساطير وهمية ،قد ل تجلب لهم
إل العنف والبعد عن الواقعية ..نكون بذلك قد تعاملنا مع طفولتهم بما يرتضيه الشرع
الحنيف ..على أن ل يكون في هذا شطط ول غلو ،إن الغلو في أي شيء إفراط قد يؤدي
إلى خلف ما يقصد المربي.
وينبغـى ـأل ـيثبّت ـالمربون ـصـورة ـخاطئـة ـفـي ـعقول ـالطفال ـعـن ـشكـل ـالملئكة ـمثلً..
ولسـيما ـأـن ـأكثـر ـوسـائل ـالعلم ـتصـور ـالملئكـة ـبأشكال ـمعينـة ـلهـا ـأجنحـة ،ـوتصور
الشيطان بأن له قروناً ..وذلك حتى لتثبت هذه الصورة الخاطئة في نفس الطفل.
:د -عدم التركيز على الخوف الشديد من النار
إن الطفل ذو نفس مرهفة شفافة ،فل ينبغي تـخـويـفـه ول ترويعه ،لن نفسه تتأثر تأثرًا
عكسياً ..يمكن للمربي أن يمر على قـضـيـة جـهـنـم مراً خفيفاً رفيقاً أمام الطفال ،دون
التركيز المستمر على التخويف من النار ،ظناً منه أن هذه وسيلة تربوية ناجعة..
أخـرج الحـاكـم والـبـيـهـقـي عن سهل بن سعد -رضي ال عنه :-أن فتى من النصار
دخلته خشية ال ،فكان يبـكـي عـند ذكر النار حتى حبسه ذلك في البيت ،فذُكر ذلك لرسول
ال ـ-صلى ال ـعليه وسلم -فـجـاءه فـي الـبـيت ،فلما دخل عليه اعتنقه النبي وخر ميتاً ،
فقال النبي -صلى ال عليه وسلم:-
«جهّزوا صاحبكم ،فإن الفَرَق َفلَذَ كبده!».
إن الفقه في دين ال هو أل يقنط الناس من رحمة ال وأل يستهينوا بمعاصيه .فعن علي -
رضى ال عنه -قال" :أل أنبئكم بالفقيه حق الفقه؟ من لم يقنط الناس من رحمة ال ،ولم
يرخص لهم في معاصي ال ،ولم يؤمنهم مكر ال ،ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره،
ول خير في عبادة ليس فيها تفقه ،ول خير في فقه ليس فيه تفهم".
هـ -اليمان بالقدر:
وعلينا أن نزرع في نفس الطفل عقيدة اليمان بالقدر منذ صغره ،فيفهم أن عمره محدود،
وأن الرزق مقدر ،ولذلك فل يسأل إل ال ،ول يستعين إل به ،وأن الناس ل يستطيعون أن
يغيروا ما قدره ال -سبحانه وتعالى -ضراً ول نفعاً،
قال -تعالى :-
{قُل لّن ُيصِي َبنَا إلّ مَا كَتَبَ الُّ َلنَا}
[التوبة.]51:
أما كيف يتم ذلك؟ فمن خلل انتهاز الفرص المناسبة ،ولعل أبرز الظواهر التي تلفت
نظر الطفال في هذا المجال ظاهرة الموت؛ فهم قد يتقبلونه تقبلً معتدلً ،وذلك في ظل
أسرة ل تبدي جزعها من الموت ،وتُشعر الطفال -وببساطة -أن من ينتهي عمره يموت.
أما إن شعر الطفال -بطريقة ما -أن الموت عقوبة وذلك من خلل التعليق على موت
أحد الناس" :وال إنه ل يستأهل هذا الموت"! كما تقول بعضهن في لحظة انفعال ،نسأل ال
المغفرة ـوالهدايـة ،ـوكذا ـإـن ـهددت ـالمـ ـطفلهـا ـبالضرب ـوالتمويـت؛ ـفيزرع ـفـي ـذهنـه ـأن
الموت عقوبة وليس نهاية طبيعية ومنتظرة للجميع،مما يجعله يجزع منه مستقبلً ،وهذا ما
يتنافى مع عقيدة اليمان بالقدر.
وكذا بالنسبة للرزق :جميل بالمربية أن تتعمد أمام طفلها حمد ال -تعالى -على ما أعطى
من الرزق ،فذلك يرسخ في ذهنه أن المال مال ال ،والخير كله منه ..وإن قال لها مستنكراً:
إل أن المال من مكان "كذا" لمكان عمل والده -فهي الفرصة لن تغرس في نفسه أنه لبد
من ـاتخاذ ـالسـباب ـالمؤديـة ـإلـى ـالنتائـج ـبحسـب ـالسـنة ـالجارية ..ومـن ـثـم ـيــحـس ـبوجـوده
الـذاتـي ويـعـمـل ،دون أن يفـتن بنفـسه ول بعمله ،ودون أن يفـتـن بالسباب.
وإـن ـاتخاذ ـالسـباب ـمـع ـاليمان ـبالقدر ـيجعـل ـمـن ـالمسـلم ـإنسـاناً ـمقداماً ـل ـيخشـى ـإل ـال،
كريماً ل يخاف على نفسه الفقر ،صبوراً ل يهلع أمام كل مصيبة مادامت مقدّرة.
فهذا المعتقد يُحدث في حسن المؤمن توازناً جميلً رائعاً ،يعينه على القيام بدور الخلفة
الراشدة في الرض ،ويجعله يعمل في الرض وقلبه متطلع إلى ال في السماء.
إنـه ـيتخـذ ـالسـباب ـعبادة ـل،ـ ـوانطلقاً ـمـع ـسـنة ـال ـالجاريـة ،ـويحـس ـفـي ـالوقـت ـذاتـه ـأن
النتيجة التي وصل إليها هي قدر قدّره ال وليست حصيلة أسبابه التي اتخذها ،وأن السباب
ل تؤدي بذاتها أداءً حتمياً إلى النتيجة إنما تؤدي إلى النتيجة بقدر من ال.
فهذه المعاني تدفع الطفل إلى عدم التخاذل ،فل يداهن ول يراوغ ،لنه
حصّن بقوة العقيدة ،ول يمكن أن ينحني رأسه أمام مغريات الدنيا ول
قد ُ
إرهاب المتجبرين؛ لنه اعتاد أن ينحني ويسجد ل فقط.