Professional Documents
Culture Documents
بطرس
بطرس
٢
الفصل األول
أغلقت الباب خلفھا وأسرعت إلى المصعد وأمام المرآ ه أحكمت حجابھا ثم راحت
تتأمل وجھھا وتصلح ھندامھا مازال شكلھا بالحجاب يثير دھشتھا رغم أنھا ترتديه
منذ عامين ..خرجت من المصعد ووقفت أمام العمارة فتوقفت أمامھا سيارة أجرة
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﳜﺘﻠﻂ اﻟﺤﺎﺑﻞ ﺑﺎﻟﻨﺎﺑﻞ ﻓﺘﻨﻬﺎر اﻟﻘﻴﻢ واﳌﺒﺎدىء ،وﻳﺼﲑ اﻟﻔﺴﺎد ﻣﺬﻫﺒًﺎ واﻻﺳﺘﺒﺪاد
وھتف سائقھا الدميم الذى بدا فى الستين من عمره ھاتفا بھا فى سماجة:
ﻋﻘﻴﺪة ،وﻳﺼﺒﺢ اﻟﺸﻌﺐ أﺳﻮأ ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻣﻪ..
-ما تركب معايا يا قمر..
تجاھلت النظر إليه حتى انصرف ومرت إحدى سيارات األجرة فأشارت لھا وتوقفت ﻳﺘﺤﺘﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺘﻮﻗﻊ اﻷﺳﻮأ..
السيارة فاستقلتھا قائلة للسائق - :نقابة الصحفيين من فضلك
فى الطريق ھبت نسمة ھواء رطبة وصافية ،وداعبت النسمة وجنتيھا فخفق قلبھا وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﻌﺪم اﻟﺮؤﻳﺔ ﰲ ﺿﺒﺎب ﻛﺎﺑﻮس اﻟﻮاﻗﻊ اﳌﺮﻳﺮ ،ﻳﺼﺒﺢ اﻟﺴﻘﻮط ﻓﻰ ﻫﺎوﻳﺔ
وتذكرت كيف كان شعرھا الناعم الطويل ينسدل خلفھا ويطير مع النسيم قبل أن اﻟﺘﻄﺮف أواﻟﺤﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ :اﺣﺘﻤﺎل وارد..
ترتدى الحجاب ورغم أنھا لم تعتبر نفسھا عورة فى يوم من األيام إال أنھا وجدت
نفسھا محاطة بسيل من المواعظ فى الكلية والمنزل والعائلة حتى صديقاتھا كلھن
ﻰ ..ﺗﻮﻟﺪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ ﺷﻤﺲ اﻟﻌﺪل ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ..
ﻓﻰ ﻇﻞ اﻟﻈﻠﻢ ،ﻳﺸﺘﺪ اﻟﺘﻮق إﱃ ﻧﺒ
محجبات ھذا غير التحرشات التى كانت تكابدھا فى الشارع والمترو .لقد كانت
انتصار دائما خاضعة للمجتمع فى المظاھر والتقاليد إال أنھا لم تستطع منع نفسھا
من الميل للسياسة ثم العمل بھا ألول مرة من خالل حركة كفاية ربما كان ھتافھا ضد وﻷن ﻋﺼﺮ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻗﺪ وﱃ ﺑﻼ رﺟﻌﺔ ،وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺒﺤﺚ ﺣﻮﻟﻨﺎ وداﺧﻠﻨﺎ..
الحكومة و النظام يشبع رغبة جياشة بداخلھا للھتاف فى وجه أبيھا المستشار
والذى عمل فى بداية حياته ضابط شرطة وكانت دائما تسخر منه وتشبھه بعسكرى ﻟﻌﻠﻨﺎ ﳒﺪ ﻣﻨﺎ أﻧﺒﻴﺎء ﻳﻄﻬﺮون اﻷرض ﻣﻦ رﺟﺴﻬﺎ..
الدرك الذى كان يصرخ فى األفالم القديمة - :ھا مين ھناك..
أﻧﺒﻴﺎء ﺑﻼ وﺣﻰ..
كان صارما للغاية وكأنه ماكينة كبرى تصدر األوامر فقط ..وظلت انتصار فى أسره
حتى تمت إعارته إلى السعودية وقتھا فقط شعرت انتصار بالحرية الحقيقية ..كانت
@ @oy‡à@ò†bïà
تنظر إلى خالھا اليسارى الكبير الذى توفى منذ عامين على أنه مثلھا األعلى ،كان ال
يمل من الحديث معھا لساعات يجيب على أسئلتھا ويشرح لھا موقفه من الحياة
ويقص عليھا ذكرياته ،وفجأة رحل خالھا مزدردا إھانة لم يتحملھا حينما اختطف بعد
مشاركته فى إحدى الوقفات االحتجاجي ة وضربه أحد المخبرين على قفاه..
٣
ابتسم بيتر عونى للكاميرا فى إرھاق وأمسك الميكروفون ليبدأ فى سرد تقريره لم يتحمل وھو فى الخامسة والستين ما كان يتحمله فى الثالثين فمات .وبانضمامھا
المصور عن أحداث يوم االستفتاء على تعديل المادتين ٦٧و ٧٧من الدستور إلى حركة كفاية كانت تشعر بأنھا تكمل مسيرة خالھا وتمارس حقھا فى الصراخ
المصرى قائال - :لن تنسى م نطقة وسط البلد ھذا اليوم من عام ٢٠٠٥حيث والھتاف والرفض .وعندما انخرطت فى الحركة وبدأت تشارك فى المظاھرة تلو
حاصرت جحافل قوات األمن المركزي المنطقة ،المشھد يوحى أن ثمة معركة حربية األخرى نما وعيھا أكثر ،لم تعد المسألة شخصية فى نظرھا بدأت تقرأ وتفھم وتعرف
على وشك الحدو ث ،وعلى سلم نقابة الصحفيين كانت ھناك حشود غفيرة من أن أى وضع فردى خاطىء أو مأساوى ھو بالضرورة انعكاس للوضع العام وألول
المدنيين يتظاھرون ،بالقرب من ميدان التحرير ،وعلى كورنيش النيل كان ھناك مرة تحب انتصار كلية الحقوق التى التحقت بھا دون رغبتھا وصار حلمھا أن تمتلك
جيشا من السيارات والميكروباصات التصقت ببعضھا واختنقت في زحام ليس له مكتبا للمحاماة بعد التخرج وأن تتزوج بطال قوميا أو على األقل عضوا سياسيا نشطا
مثيل حيث اتضح لنا من مشھد الركاب المتذمرون في صمت أن المواجھة في وسط فى كفاية ..سألتھا إحدى صديقاتھا ذات مرة - :مش خايفة على نفسك من البوليس؟
البلد قد حكمت عليھم أن تتوقف حياتھم وأن يوقفوا ساعات اليد عن الخفقان حتى
-واخاف ليه؟ والدى مستشار كبير وأنا مسنودة و خالى علمنى أن الغضب الذى
تحسم نتيجة المعركة غير المتكافأة .في أحد الميكروباصات التى كنت أقف إلى
يسببه الظلم سيأتى عليه لحظة حتمية ويصبح أقوى بكثير من أى خوف..
جوارھا دارت مناقشة حامية الوطيس حول ما إذا كان السبب في ھذا الزحام ووقف
الحال المتظاھرون أم قوات األمن. ساعتھا نبھتھا تلك الصديقة إلى أنھا بدأت تستخدم الفصحى كثيرا فى حوارھا كما
أن حديثھا أصبح ممال وصعب الفھم ،وفى خالل أشھر قليلة من بداية نشاطھا
ومن أحد أوتوبيسات النقل العام أخرج المواطنون رؤوسھم ليشاھدوا بيتر وھو
السياسى كانت عالقة انتصار قد انقطعت بصديقاتھا كلھن إما ألنھن عجزن عن
يتحدث أمام الكاميرا وراح البعض يلوح للعدسات فى بالھة والتفت أحد الركاب إلى
التواصل مع اھتماماتھا الجديدة وإما لخوفھن من التورط أمنيا..
رفيقه فى المقعد المجاور قائال - :ھما الجماعة المعارضين دول فاكرين نفسھم
ھيغيروا الكون؟ ھيستفيدوا إيه لما يعطلونا ويغضبوا النظام؟ وصلت السيارة إلى نقابة الصحفيين فترجلت انتصار بعد أن أعطت السائق أجرته
وعبرت الشارع إلى مقر النقابة حيث كان ھناك تجمع كبير من الناشطين على
وازدرد الرجل األخر لعابه ولم يجب بل أدار وجھه للناحية األخرى وكأنه لم يسمع
الساللم وكان ھناك كردونا أمنيا ضخما يحاصر منطقة وسط البلد كلھا ،وفى داخلھا
فتبرع أحد الركاب والذى كان واقفا ويستند بكلتا يديه إلى المقعد الذى كانا يجلسان
ارتجفت انتصار للحظة ولكنھا شجعت نفسھا قائلة:
عليه ويكاد عرقه يسيل على وجوھھم قائال:
-يالال يا انتصار دى مش المرة األولى اللى تنزلى فيھا مظاھرة
-انت عايزھم يسكتوا على الفساد والرشوة واالستبداد؟ ثم يا أخي كتر خيرھم أھم
بيثورلنا سلف ،وبيتبھدلوا في المعتقالت نيابة عننا. وھمت انتصار بعبور الشارع ولكن األرض انشقت فجأة عن سيارة ميكروباص
زرقاء زجاجھا معتم وفى لحظة وجدت انتصار نفسھا داخل السيارة التى دفعھا إليھا
يقاوح المواطن اليائس األول معترضا - :دى مش ثور ة ده غباء ،وھو إحنا كنا
مخبر ضخم وحاولت انتصار المقاومة لكن الضرب الذى انھال عليھا من ثالثة
استفدنا إيه من المظاھرات وقال أعضاء كفاية مسميينا األغلبية الصامتة ..صامته
وحوش كانوا داخل الميكروباص المخيف أفقدھا الوعى تماما..
ازاى ده إحنا حتى مبنبطلش كالم ،ھو إحنا بنعمل حاجة طول حياتنا غير الكالم؟ ثم
إن الثورة إللى متوصلش أصحابھا للحكم متبقاش ثورة.
٤
جلس "عماد" وكيل النيابة الشاب على مكتب أنيق مرتديا بذلة كاملة وربطة عنق استبد الحر والقھر بالمواطن اليائس الثاني وتصور أن غريمه في النقاش ھو أحد
فكھا قليال ثم قام ليخلع الجاكت ووضعه على ظھر المقعد بعناية وھو يرمق بإعجاب أعوان النظام فيحتد عليه صارخا - :أنت إيه يا أخي شانن حرب نووية على اللي
الفتاة التى دخ لت عليه للتو وأشار إلى الكاتب أن يسجل وقائع التحقيق مع بيتظاھروا ليه؟ أنت مرشد لألمن وال إيه نظامك؟ يثور اآلخر ويرغى ويزبد - :أنا
الصحفية الشابة التى جلست متھالكة على المقعد أمام الوكيل ليسألھا - :اسمك مرشد يا ابن ال......؟ ويتحول النقاش بالكلمات إلى صراع باللكمات وعلى الناصية
وسنك وعنوانك ووظيفتك ..وتجيبه الصحفية التى كانت مالبسھا ممزقة وتستر األخرى يواصل بيتر عونى تقريره أمام الكاميرا قائال - :والغريب أننا التقطنا في ھذا
جسدھا المرتجف بجاكيت رجالى أسود اللون: اليوم أكثر من ثالثين مشھدا لمشادات بين الناس في إشارات المرور في وسط البلد
وال أستبعد أن يكون السبب واحد ،يبدو أن الناس فى مصر غاضبون من الحكومة
-ھدى محمود قدري ٢٨ ،سنة صحفية بجريدة الرأي ،عنوانى ٤ش الخلفاوى
ولكنھم يفضلون تفريغ ھذا الغضب في صدور بعضھم البعض بدال من إطالقه في
-لقد قدمتى بالغ يفيد بتعرضك لھتك العرض العلني على مدخل مقر نقابة الصحفيين وجه النظام ،إما لخوفھم من بطشه وإما ألن إعالمه قد غيبھم حتى صاروا ال
في المظاھرات التى قامت بھا حركة كفاية لالحتجاج على استفتاء تعديل المادة ٧٦ يعرفون لھم عدوا فال يحاربون غير طواحين الھواء .غير أن أكثر ما أثار انتباھي
من الدستور - ..ما سبب تواجدك ھناك؟ ھو أحد العساكر في أواخر العقد الثالث من عمره قوى البنية م المحه متيبسة
وعيونه ميتة يضرب بعنف وقسوة ولكن بدون أدنى تعبير عن الغضب على وجھه،
-كنت مكلفة من الجريدة بتغطية أحداث المظاھرة وذھبت إلى ھناك لتأدية عملي
ولوال أنى أعلم أن مصر من الدول المتخلفة تكنولوجيا لقلت أن ھذا العسكري ما ھو
-وعملك ھذا إجبارى ألم يكن من الممكن أن تعتذري عنه؟ إال إنسان آلى ابتكرته قوات األمن في مصر لتضمن وجود عسكري مطيع لألوامر
وبدون نقاش وعنده القدرة على ال تنفيذ بدون ضمير يردعه وال عقل يمنعه .لقد
ردت ھدى بعصبية واستنكار - :ھو سيادتك بتحقق معايا أنا بدل ما تستدعى أذھلني أن أعرف أن زمالءه يطلقون عليه لقب "عسكري الدرك" ،وھو اللقب الذى
المجرمين اللى ارتكبوا الواقعة وتحقق معاھم؟ كان يطلق قديما على العسكري المكلف بحراسة الشوارع ومنع حدوث حوادث
فمال عماد إلى االمام ورد متأمال ھدى - :ما ھو لما واحدة بالجمال واألنوثة دى السرقة واالغتصاب وما إلى ذلك ،ھذا ما فھمته من صديقي المصري ،ولكن ما لم
كلھا تنزل مظاھرة فيھا أشكال مش والبد من البديھى أن تتعرض لكوارث ..متوقعة أتمكن من فھمه كيف يسميه زمالؤه "عسكري الدرك" في الوقت الذي كان يرى
ايه من شوية شباب ضايعين بيعملوا ھرج ومرج ..ثم التفت إلى كاتبه وصرخ فيه: ويسمع بل ويشارك في عمليات ھتك أعراض المتظاھرات بل إننى لمحت في عينيه
السعادة وھو يمزق مالبس إحداھن ويتطاول على حرمة جسدھا ،لقد رأيته يضرب
-انت بتكتب إيه يا زفت؟ متكتبش السؤال اللى فات يا غبى ..اشطبه زميال له أقل بكثير في الحجم ليأخذ منه ھاتفا نقاال كان يخص أحد المتظاھرين ثم
ثم يلتفت إلى ھدى التى تجيبه بحسرة - :الشباب اللى حضرتك تقصدھم كانوا يدسه في جيبه وكأنه حق مكتسب له؟ ھل يعتقد ھذا العسكري أن الناشطين
بيعبروا عن رأيھم مش أكتر ،ومتنساش يا فندم إن الشباب دول ھم اللي خلصوني السياسيين والحقوقيين لصوص؟ ترى ھل استغلوا جھله ليوھموه بذلك؟ أم أنه يعلم
وستروني بھدومھم ،اللي عملوا كده كانوا من األمن يا فندم حقيقتھم ويعلم حقيقته فيصر على إلصاق ھذا اللقب بنفسه حتى ينفى عنه تھمة
اللصوصية؟ كان معكم :بيتر عوني -القاھرة -من أمام نقابة المحامين
يرد عماد باستھزاء - :طب احكى لى يا ھانم اللي حصل لك..
٥
أكملت ھدى سرد الوقائع ووكيل النيابة مشدوھا بما يسمع وقبل أن تخرج ھدى من ارتجفت ھدى وامتقع وجھھا شديد البياض وقالت - :حوالى الساعة العاشرة صباحا
المكتب التفتت إلى وكيل النيابة وكأنھا قد تذكرت شيئا مھما: كنت أمام نقابة الصحفيين ومعي زميلي المصور الذي يرقد اآلن في المستشفى بعد
أن تم ضربه ضربا مبرحا ،بدأت في إجراء بعض الحوارات السريعة مع المتظاھرين
-آه ..على فكرة يا عماد بك أقذر واحد من الستة اللي كانوا حواليه كان عسكري
بينما كان زميلي يلتقط صورا للمظاھرة ،عندما الحظت اقتراب بعض الشباب من
أمن مركزي أسمر وشكله وحش وواضح عليه الغباوة وھو يا فندم الذى وضع يده
الجھة المواجھة لنا والذين كانوا يھتفون للنظام يقتربون منى ثم حاصرونى في
فى..
شكل دائرة كنت فى منتصفھا ومعى إحدى عضوات حركة كفاية وبدأ ھجومھم علينا
تطرق خجال فيسألھا - :عرفتى اسمه؟ بالضرب ثم مزقوا مالبسنا وھتكوا عرضنا
-ال لكن كان زمايله كانوا بيقولوا له " يا عسكري الدرك".. -ھل تذكرين عددھم ومالمحھم بالتفصيل؟ تبكى ھدى ثم تمسح دموعھا قائلة- :
كانوا ستة ولقد اخذوا أوامر مباشرة من الرائد وليد لقد سمعته بنفسي وھو يأمرھم
انصرفت ھدى مكسورة إلى منزل ھا واستدعى وكيل النيابة الشھود الذين أكدوا ما
قائال" :قلعوھا ھدموھا بنت الكلب دى" .اعتدل وكيل النيابة في جلسته وبدا مذھوال
قالته ھدى بل زاد بعضھم على ما قالته عما تعرضت له غيرھا من الصحفيات
مما يسمعه وقال لنفسه - :أنا عارف إن الضباط وسخين بس مش ممكن يكونوا
وناشطات المجتمع المدني من ھتك عرض وتحرش وسرقة.
وصلوا لالنحطاط ده .ثم نظر لھدى بحزم ورفع صوته فيھا - :انتى عارفه انتى
بعد االنتھاء من أخذ أقوال الشھود التفت الكاتب إلى وكيل النيابة ليسأله: بتقولى إيه؟..اللي انتى بتقوليه ده لو صحيح يبقى عليه العوض في البلد..
-معقول اللى سمعناه يا فندم؟ يعنى الولية أم فاروق ممكن تنزل الشارع باحترامھا أجھشت ھدى بالبكاء وقالت - :يبقى عليه العوض في البلد يا فندم
وأالقيھا راجعالى ملط؟ طب ساعتھا أبلغ مين؟ البوليس؟ طب افرض أن البوليس ھو
-كملي يا ھدى
اللى كان مقلعھا ساعتھا أقدم بالغ لمين؟
-اقتربوا منى وأخذوا حقيبتي وھاتفي المحمول ،ثم بدأ اثنان من ھم في التطاول
لم يرد وكيل النيابة على سؤال الكاتب ولكنه قال له:
على جسدي وتمزيق مالبسي ،وبدأت أصرخ وخصوصا أنھم كانوا قد أوقعوني على
-جھز نفسك بكرة نروح مستشفى المنيل الجامعي ،عشان ناخد أقوال المصور األرض في محاولة اغتصاب حقيقية ،ورأيتھم يضربون أحد المتظاھرين الذي حاول
المضروب انتزاعي من أيديه م .وعندما انتبه زميلي لغيابي ورآني في ھذا الوضع اقترب
صارخا باسمي وسمعت واحد منھم بيقول لزميله :الواد ده حلو قوى وھيعجب وليد
ثم يحدث نفسه قائال: بيه تعالى نمسكه ،واتجھا إلى زميلي محمد ليجروه إلى سيارة زرقاء ميكروباص
-أنا ورا الموضوع لما اعرف إيه اللي بيحصل في البلد. تابعة للشرطة ،بينما ھذا الوليد بيه يرمقه باشتھاء غير طبيعي ،وبعدھا انشغلت بما
يحدث لي حتى تمكن زميلين من الصحفيين من انتشالي من أيديھم وسترى
بمالبسھما .وبعدھا عرفت أن محمد قاومھم بضراوة حتى انھم يئسوا من أمره
فأشبعوه ضربا وألقوه على رصيف الشارع..
٦
فى إحدى الغرف بمستشفى المنيل الجامعي جلس عماد "وكيل النيابة" في غرفة فى اليوم الذى تلى االستفتاء على تعديل المادتين ٧٧،٧٦من الدستور وفى مقر
محمد المصور الصحفى الذي تم ضربه في مظاھرات االستفتاء ،وخرج الطبيب من إحدى الصحف القومية كان رئيس التحرير البدين جالسا فى مكتبه الفخم و يتحدث
الغرفة بعد أن طلب من وكيل النيابة عدم إرھاق المريض باألسئلة ..اتجه عماد في الھاتف بسعادة بالغة وعال صوته وھو يقول لمحدثه - :احنا تحت أمرك يا فندم
بنظره الى محمد الذى اختفى وجھه خلف الضمادات وسأله - :اسمك وسنك اعتبرنا خداميك يا سعادة اللواء ،ھھھھھه وإحنا في ديك الساعة لما ننفذ أوامر
وعنوانك ومھنتك معاليك ..يرتج جسده الھالمي من الضحك وھو يمسك بالعدد اليومي من جريدته
ويقرأ المانشيت الرئيسي - :الشعب يقول كلمته بحرية ..نعم لتعديل المادة ٧٦من
-محمد على ٢٦عام مصور صحفي ساكن في بلوك ٤المساكن إمبابة
الدستور ..ما رأيك يا باشا؟ ويرد عليه الضابط الكبير بنبرة سخرية - :عظيم جدا يا
-ياريت تركز يا محمد وتحكي لى بالتفصيل الذى حدث لك أجدع جورنالجى في مصر ،وتبدل صوته وھو يقول بحده - :انت مدرك فداحة اللى
ھببته يا أفندي؟ -ايه اللى انا عملته يا فندم؟
يرد محمد والدموع تمأل عينيه - :ياريت انت يا باشا تحكيلى وتفھمني ايه اللى
حصل للبلد ،اللى حصل لى حصل وانتھينا ولكن نفسي افھم ليه حصل؟ -انت أثبت علينا تھمة تزوير نتيجة االستفتاء ..ازاى تكون النتيجة الرسمية لم
تعلن بعد وأنت بتقول في جريدتك اللى كانت فى السوق من امبارح أن الشعب قال
-ھل لك اتجاه سياسي معين؟
نعم؟
-وال حتى بافھم في السياسة ،التقاط الصور ده أكل عيشي يا فندم ،لكن الحيوانات
ارتجف الصحفي ثم برقت عينيه وقال - :وھو الشعب يقدر يقول ال يا فندم؟ ده يبقى
ضربوني وسحلوني والضرب ده زى ما عرفت من الممكن أن يؤثر في قدرتي على
حقيقي شعب ناكر للجميل وقليل الرباية لما يعترض على تعديل تقدم به رب عائلة
الزواج مستقب ال .واضح إن الضابط الشاذ اغتاظ لعدم قدرته على اصطيادي فأمر
مصر ..وعندما الحظ صمت اللواء أكمل في حماس قائال - :وبعدين المعارضة كده
رجاله بحرماني من رجولتي دول كانوا متعمدين الضرب في مكمن رجولتي..
كده كانت ھتقول أن االستفتاء مزور وتتھم الشرطة بتزوير النتيجة احنا كده نبقى
اختنق المصور بالدموع وشعر عماد أنه ال فائدة من استجواب رجل يبكى على أغلى حطينا حصوة في عين اللي مبيختشوش وإذا اتھموكوا ھنقول إن إحنا أعلنا النتيجة
ما يملك وقد كان في حالة من الذھول تعجزه حتى عن التفكير فما بالكم بالرد على قبلكوا وذلك بناءا على توجيھات السيد الرئيس ..يصرخ اللواء في جزع - :ايه؟
األسئلة الرسمية بإجابات شافية .خرج وكيل النيابة من الغرفة متألما وقد بدأ يصدق
-آسف يافندم أقصد بناء على ننتائج استطالعات الرأي التى قامت بھا الجريدة
ما يسمعه ويستوعب فكرة إن الذي حدث من جرائم كان حقيقيا ،وراح عماد يحدث
نفسه صحيح أنه قد تغير بعد أن التحق بالعمل فى النيابة ففسخ خطبته من ابنة -يا سالم يا اخويا وانتوا عندكو مركز الستطالعات الرأى
الجيران ليخطب ابنه أحد المستشارين من ر ؤسائه وصحيح أنه يقبل بعض الھدايا
-نعمله يا فندم وبتاريخ السنة الى فاتت ..وبعدين ھو يعنى حد ھيفتش ورانا؟ اطمن
واالكراميات لكنه كان يرى أن ذلك ال يؤثر على عمله وال يمنع أنه بالفعل يحب
خالص سعادتك ده إحنا الكالب المخلصة للحكومة يا بيه ..يضحك اللواء ويقول
مصر وھو لم يؤذى أحدا أبدا أو ھكذا كان يرى ولعل ھذه القضية تكون فرصته
للصحفي - :أما انت يا عبده عليك حركات ..أتاريك موصلتش بالسھل..
ليفعل شيئا يفتخر به من خالل موقعه فھو مقتنع تماما أنه ليس سيئا مئة فى
المائة.. ويضحك رئيس التحرير..
٧
فيسأل رئيس الحزب - :تقصد مين؟ وبينما كان عماد يھبط فى أسانسير المستشفى والخاص بنقل المصابين والمرضى
بعد أن فتحه له أحد األطباء ،وبينما راح ذلك الطبيب يطلب من عماد تقضية مصلحه
ورد نائب الحزب مداھنا - :أكيد يقصد سيادتك يا فندم
له فى المرور كان كاتب النيابة يقنع أم المصور بدفع عشرة جنيھات بحجة إنھم
-وھو أنا يا دكتور لو اترشحت ھنجح؟ وبعدين انتوا عايزينى أقف قدام الريس كده رسوم تحقيق ،ولم تتخلص المرأة من سماجته ح تى جاء أحد أصدقاء ولدھا وعرف
حته واحده؟ انت عايز الصحافة القومية تتھمني بالسعى للحكم؟ الموضوع فضربه وھدده باإلبالغ عنه بتھمة طلب رشوة ،فرفعت األم وجھھا إلى
السماء وھى تقول - :بقى ياربى يحطموا ابني وكمان عايز ين يا خدوا فلوس حالوة
يرد السكرتير العام - :أظن السعي للحكم لم يعد تھمة بعد التعديل األخير في الدستور
ما ضيعوه..حسبنا ﷲ ونعم الوكيل..
رئيس الحزب - :ھه انت بتصدق؟
وفى السيارة ينھر عالء الكاتب قائال - :انت مبتشبعش أبدا يا بني آدم؟ ھو مفيش
ويرد النائب - :الزم كلنا نصدق يا فندم ..ده حتى النظام ھيفرح أوى إننا ھنشاركه تمييز؟ يدعى الكاتب عدم فھمه لما يقال ،فقال عماد - :أنا عارف انت تأخرت فوق
الفيلم اللي ھو عامله وف اآلخر نطلع إحنا كومبارسات و نطلعه ھو وحش الشاشة ليه؟ وارتبك الكاتب قليال ثم قال - :عالم بخالء يا عالء بيه ..إال ماعزموا عليا
اللي ھيكتسح األصوات رغم وجود منافسين ،وبھذا نكون ضربنا عصفورين بحجر، بسيجارة..
كسبنا رضا النظام وعملنا بروباجندا حلوة للحزب في الشارع السياسي.
-سيجارة إيه يا ابن العبيطة انت في فرح؟ الناس حزينة على ابنھا وأنت بتفكر في
رئيس الحزب شاردا ببصره - :وﷲ فكرة مش بطالة ..بس تفتكر بجد إن الريس السجاير والمينى رشوة بتاعتك ..فسبه الكاتب في سره قائال - :سيبنا لك الرشاوى
ھيرضى عنا لو عملنا كده؟ الكبيرة يا عالء بيه ..وانطلقت السيارة إلى مقر النيابة
يھز وكيل الحزب رأسه بابتسامة - :بالتأكيد يا حاج وبعدين متنساش أن كل مرشح ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ھايحصل على دعم مالى كبير من الحكومة أنا سمعت أنه ممكن يتجاوز النص مليون
فى مقر أحد األحزاب المعرضة بعد يومين من االستفتاء دار نقاش ساخن بين الثالثة
وده مبلغ ممكن ينفع الحزب ويتبقى شوية تعينھم للمستقبل
الكبار فى الحزب بدأه نائب رئيس الحزب قائال:
تلمع عيون رئيس الحزب -الذى بلغ من العمر أرذله -وقد راقته الفكرة ويبتسم
-البد أن يقاطع حزبنا االنتخابات الرئاسية القادمة مثلما قاطعنا االستفتاء
ابتسامة عريضة أظھرت لمعان السنة الوحيدة التى أبقتھا األيام فى فمه..
فيرد سكرتير عام الحزب - :ھو العفريت اللي عليك اسمه نقاطع؟ إذا كنا نسعى
ويتنھد سكرتير عام الحزب فى ذھول وحسره قائال فى سره:
لوجود حقيقي في الشارع فمن الضرورى أن نشارك ال أن نقاطع
اللھم ال تؤاخذنا بما فعل السفھاء منا!
ويستيقظ رئيس الحزب من نومه ليسأل - :تقصد إيه؟
واجابه السكرتير العام - :أقصد أن يرشح الحزب أحد كوادره في انتخابات الرئاسة
٨
-نتمنى أن يتم ذلك وأن تعدلوا الئحة حزبكم لتتناسب مع الليبرالية التي تطالبون وفى مقر حزب معارض عريق فى منطقة راقية جلس رئيس الحزب فى صالون فخم
النظام بھا ..وھنا يتململ رئيس الحزب في نفاذ صبر قائال: مرتديا حلة أنيقة للغاية -خلفه صورة زعيم الحزب الراحل -وجلس أمامه فى نفس
الصالون بيتر عونى ودار بينھما حوار تليفزيونى بدأه بيتر عندما سأل رئيس
-أوعدك إن الموضوع ده يكون محل دراسة
الحزب - :ما رأيكم في التجاوزات التي حدثت يوم االستفتاء؟
-ھل لديكم تعليق أو جمله تودون الختام بھا
أجاب رئيس الحزب فى بالغة - :ھذه ليست تجاوزات إنھا جرائم بشعة :ھتك عرض
-نعم .أود أن أؤكد على قيم الديمقراطية وأطالب الحكومة وباقي أحزاب المعارضة وضرب مبرح واعتقاالت وسحل ..وسط البلد تحولت لساحة حرب بسبب عنف األمن
باالقتداء بحزبنا العريق وبالممارسات الديمقراطية داخله غير المبرر ،ھذه وسائل ال تستخدمھا إال النظم الشمولية المستبدة..
-شكرا يا فندم ويعقب بيتر - :ولكن األمن يبرر ..يقاطعه رئيس الحزب بحده قائال:
وانصرف بيتر وھو يضرب أخماسا فى أسداس ليدخل السكرتير الخاص لرئيس -متقاطعنيش أنا لسه مكملتش ..مفيش مبرر أيا كان يجعلك تتعدى على الصحفيين
الحزب قائال - :األستاذ منصور خارج المكتب يا فندم وعايز يقابلك عشان يناقش أثناء أداء عملھم ،أو تعتقل شباب يعبرون عن رأيھم في عصر انت بتزعم أنه أزھى
قرار تعيين مصطفى السماك في الھيئة العليا للحزب - ..يعنى إيه يناقشني؟ عصور الديمقراطية في مصر
-ھو بيقول إن مصطفى ده يا فندم ال يتسم بطھارة اليد كما أنه ناصري قديم فكيف و تشرق ابتسامة مرحة على وجه بيتر الخمرى وھو يسأل:
ينضم إلى حزب ليبرالي؟ ومنصور يحتج على ....
-بمناسبة الديمقراطية وندائكم بتحديد فترات الرئاسة بحيث ال تزيد على اثنتين ،ھل
-يحتج؟؟ افصلوه ..اكتب لى قرار فصله من الحزب حاال تطبقون ھذه القاعدة في حزبكم الذى من المفترض أنه حزب ليبرالي؟
-لكن يافندم منصور من أھم الكوادر الشابة عندنا و.. -لقد نادينا بالفعل بتحديد الفترات الرئاسية أسوة بالدول المتقدمة ،ويضحك قائال:
أما بالنسبة لحزبنا فالوضع مختلف تماما وذو طبيعة خاصة فنحن حزب ال توجد فيه
رئيس الحزب - :أنا قلت افصلوه فورا وإذا طولت في الكالم عن كده ھافصلك انت
رئاسة بل زعامة وأبوة والئحة الحزب ال تنص على تحديد فترات رئاسته ،فھل
كمان- ..أمرك يا فندم
تريدنا أن نخالف الئحة الحزب؟
ويدق جرس الھاتف ليرد رئيس الحزب الليبرالي :الو ..أھال يا دكتور ازيك...طبعا
سأله بيتر باستنكار:
سنحتج وسنواصل الھجوم على النظام الشمولي ده ..أنا وصلتني مستندات خطيرة
من فاعل خير تفضح ممارسات األمن يوم االستفتاء ..آه فاعل خير مسمى نفسه -وھل دستور جمھورية مصر العربية ينص على تحديد فترات الرئاسة؟
عسكري الدرك ..أنا لن أسكت ..إحنا أھم حاجة عندنا زى ما انت عارف ھى
فاجاب رئيس الحزب - :ال ..ولكننا نطالب بتعديل الدستور
الديموقراطية ..الديموقراطية يا عزيزي.
٩
يعرف أبدا لماذا سمته أمه بھذا االسم ،وكان مظلوم كالقبلة التي يقصدھا كل محتاج فى أحد معسكرات األمن المركزي جلس عبد الجبار في ركن في حوش المعسكر وقد
وذو مظلمة في البلد ،ولم ال وھو المناضل القديم الذي عاش شبابه المبكر مقربا من ارتسمت عليه عالمات التعب كان أسمر اللون أقرب للدمامة ضخم الجثة كان يعيش
نجيب سرور وشھدي عطية ورؤساء الحركة الشيوعية في مصر في فترة الستينات. اآلن أھم لحظات حياته ..اللحظة التي اكتشف فيھا أ خيرا أن بإمكانه أن يكون
وينادى عليه أكبرھم سنا - :السالم عليكم يا أبو عبد الجبار مھما ..تنشر الجرائد صوره فى صفحتھا األولى وھو يوسع المتظاھرين ضربا ولكنه
لم يصل إلى ھذا النجاح إال بشق األنفس ..يستند العسكري بظھره إلى الجدار ويجول
-وعليكم السالم ورحمة ﷲ وبركاته ..اتفضلوا يا رجالة
بعينيه في السماء ،أما ذاكرته فتسافر إلى قريته في إحدى محافظات الوجه القبلي
وجلس الرجال ليبثوا مظلوم شكواھم من العمدة المفترى الذي يأتمر بأمر مأمور منذ خمسة عشر عاما حينما كان في الثالثة عشر من عمره .يرى نفسه سعيدا
المركز وباشاوات مصر واستمع لھم باھتمام وعالمات األسى تمال وجھه األسمر.. ويضحك بينما يجرى في الحقول مع أقرانه كانت بلدته جميلة للغاية الجبل خلفھا
ثم قال - :أنا قلت ميت مرة البد نسيب خناق بعض شويه ونمسك في خناق الظلمة والنيل أمامھا وأھلھا طيبون وبسطاء إال أنه لم يدرك أبدا كنه الشيء الذي كان
وناخد تارنا منھم لكن محدش سمع كالمي ..وھنا ھتف أحد الرجال - :خناق مين يا يدفعھم إلى تقديس القھر ففي العھود التي لم يحكمھم فيھا عمدة ظالم كانوا يظلمون
مظلوم ؟ إحنا قدھم ھم أنفسھم وتنتشر جرائم القتل ثم الثأر للقتل بالقتل ،حتى أنه كان دائما يعتقد أن
أھل قريته يعشقون الحزن ويحبون ّخناقھم تماما مثل القطط .يقطع عليه حبل أفكاره
-لو نظمنا نفسنا وحددنا مطالبنا واحد اثنين تالته ھنكون قدھم ونص ،دلوقتى
صوت زميله عيد وھو ينادى عليه ألن عبد القوى باشا يريده ،يقف العسكري وفى
األرض بتاعة قناوي وعبد الرحمن ھياخدوھا وتدخل كردون مباني ألن الباشا اللواء
عينيه مزيج من الذل والغضب المكتوم ويھتف في سره - :عايز إيه تانى؟ يا ترى
عايز يعمل فوقھا مدرسة وإحنا عارفين انه بعد ما طلع معاش عايز يدخل االنتخابات
ھيضربنى بإيه المرة دى؟
بتاعة مجلس الشعب وعايز يبنى المدرسة على أرض مش بتاعته بفلوس حرام
أخدھا من الرشاوى ..يعنى من دقنه وافتلله ..الزم كلنا نتحد ونواجھه ھو عنده ويسير العسكري متثاقال حتى يصل إلى باب غرفة الباشا مدير المعسكر وعلى الباب
خمسين فدان في بلدنا لو عايز يعمل مدرسه يعملھا على أرضه - ..أنت في دماغك يقف العسكري اآلخر وفى عينيه الخوف والتقدير للقادم ويفتح له الباب قائال في
حاجه يا مظلوم ؟ إعزاز - :اتفضل يا عسكري الدرك
-أيوه يا عم محمدين أنا عندي خطة ..اسمعوا يا جماعه ..ويشرح مظلوم خطته ويدخل عسكري الدرك إلى مكتب عبد القوى الذي ال يرحم وال يترك رحمة ﷲ تنزل
لمواجھة مخطط الضابط وعصابته والرجال يستمعون في اھتمام ويحدث محمدين على عباده ويغلق الباب خلفه وھو ال يعلم أن ثمة باب من الجحيم قد انفتح على
نفسه قائال - :يا سالم على كالمك يا مظلوم طول عمرك حديتك مزوج ومترتب البلد ولن يستطيع ھو وال غيره أن يغلقه..
بتعرف تتكلم بجد" ..ومن بعيد كان عبد الجبار يلھو مع أقرانه وينافسھم في العوم
ويقف عبد الجبار مرتعدا أمام الباشا بينما تسافر ذاكرته إلى ١٩٩٠فى قريته
ويسبقھم وخلفه رفيقيه "الزعيم" و "ورداني" وھما يتندران على جسد عبده اللي
الصغيرة بالصعيد ..كان والد عبد الجبار جالسا في حقله ممسكا بناي يعزف عليه
زى الطور ومن لسانه الذي ال يستخدمه ربع ما يستخدم ايديه المرزبات ..ويضحك
لحنا شجيا ،وكان عبد الجبار صبيا يلھو مع أقرانه بعد أن فرغ م ن تناو ل الغذاء
الزعيم قائال "ھو بيعرف يتكلم أصال؟" ..فيرد ورداني - :على رأيك رغم إن أبوه
مع والده ،بينما أتى من الجانب اآلخر رھط من الرجال قاصدين "مظلوم" الذى لم
كالمنجى إنما إيه!!!!!!
١٠
وبعد أن امتألت معدة عبد الجبار بدأ رعبه يزول تدريجيا ليبقى بداخله مرا رة الذل وجد عبد الجبار نفسه في مواجھة "عبد القوى" باشا ألول مرة منذ ضربه بالقلم
وعار اإلھانة ..وكان بداخله يعرف أنه لن يقدر على مواجھة عبد القوى ولو فعل على وجھه يخمد عبد الجبار سيف جبروته فكل مفترى له مفترى أقوى يلمه ،يقول
لكان ھو الخاسر الوحيد فھو مجرد عسكري حقير ..كما أنه يفك الخط بالعافية فكيف عبد القوى بدون أن ينظر تجاھه - :الجرائد المعارضة كلھا كاتبة عن عسكري في
ي كتب تقارير ويرسلھا إلى صحف أجنبية صحيح أنه يشعر بالفخر وھو يرى األمن المركزي يشيع الرعب فى الشارع وناشره صورك نقال عن النيويورك تايمز
صورته تزين الجرائد بالرغم من أنه ال يفھم الكالم المكتوب تحتھا إال أنه ال يملك واعترافات فى رسائل تدين أجھزة األمن في تلفيق قضايا وتزوير وھتك عرض..
الجرأة ليراسل جريدة أو مجلة بل إنه أصال لم يكتب خطابا فى حياته ..شعر بالذل
-احم احم ..الحقيقة إن فيھا حاجات تم ارتكابھا في معسكرنا ھنا ..قصدي يعنى..
وبالغضب وقلة الحيلة وفجأة تذكر انتصار الفتاة الجميلة ابنة المستشار التي تم
بيدعوا إنھا حصلت ھنا ..ويلوح شبح ابتسامة تشفى على وجه عبد الجبار ثم
اختطافھا من مظاھره في وسط البلد واحتجازھا في المعسكر والتي اعتاد الرائد
يتدارك األمر بسرعة وينظر في عيني عبد القوى باشا ويھز كتفيه وكأنه ال يعلم..
عالء ضابط أمن الدولة الذى يأتى للتحقيق مع المحتجزين التحرش بھا وعندما كان
فيقول الباشا في غضب عارم - :الرسائل دى موقعة باسمك؟
عبد الجبار يحاول مغازلتھا كانت تبصق في وجھه ..اقتحم عبد الجبار الغرفة التي
يحتجزونھا فيھا وكعادته لم يتحدث بل استخدم يده وسالحه بعد أن حشا فمھا -عبد الجبار مظلوم يا فندم؟..
بمنديله حتى ال تصرخ..
– ال التانى ..اسم الشھرة ،اللقب بتاعك عسكري الدرك..
________________
يرتجف عبد الجبار متھتھا - :العساكر كتير يا باشا وبعدين أنا مقدرش اعمل حاجة
فى أحد أيام يوليو وداخل شقة سكنية بأحد األبراج بحى فيصل اجتمع عدد من ضباط زى كده يا فندم ..وھنا ھب عبد القوى واقفا ودار حول عبد الجبار الذي تحول لونه
الجيش والشرطة ،يبدو على وجوھھم الغضب واإلحباط ،وبدا على وجه أكثر من األسود الى صفار يميل إلى الزرقة وكأنه جثه واقفة على قدمين ..وھمس مھددا :
واحد منھم ميال للزعامة وإعجابا شديد بالنفس ،يبدو انه اجتماع ھام للغاية وبدأ
-لو تأكدنا انه أنت مش ھنرحمك ثم يضربه على قفاه أنت عارف ھنعمل فيك إيه
الحديث رائد الجيش ناجى الذى يبدو أنه زعيمھم - :لقد جمعتكم اليوم بعد أن تأكدت
وھنوديك فين يا ابن ال...
أنكم من أفضل عناصر الجيش والشرطة وبعد أن قام كل منكم بإثبات انتمائه للوطن،
ولقد رأيت فيكم النقمة على األوضاع التي آلت إليھا مصر في العھد الحالي من فساد وانھالت االھانات والركالت واللكمات على عبد الجبار وھوال يجد على لسانه إال
ورشوة ومحسوبية وغالء ،لقد رأيتم كيف قامت الحكومة منذ أيام برفع أسعار كلمات متلعثمة - :مش أنا يا باشا ..مش أنا يا فندم
البنزين والسوالر وكيف ارتفعت أسعار تذاكر المترو.
وبعد أن تعب عبد القوى من الضرب طرد عبد الجبار من مكتب ه..ثم استدعى
يرد عصام نقيب فى األمن المركزى - :ھو المترو بس؟ المترو والميكروباص عسكري آخر وطلب منه مراقبة عبد الجبار سكناته وحركاته وموافاته بتقارير عما
والتاكسيات والعيش بس احنا ايه دخلنا بده انا عن نفسى عربية الشغل بتودينى يالحظه أما عبد الجبار فقد انتابته رعشه في جسده كله وشعر بدقات قلبه تتزايد
وتجيبنى أدخل فى المفيد يا ناجى بيه. وبجسده يبرد فاندفع بكامل قوته إلى مطبخ المعسكر وضرب الطباخ ثم فتح الثالجة
والتھم معظم ما كان فيھا مما أثار خوف وذھول الطباخ..
١١
لطموح أكبر من خالل الحركة الجديدة؟ قطع عالء حبل أفكاره مناديا - :اعمل لنا يرمقه ناجى بحده قائال - :وفي الوقت الذي تشن فيه إسرائيل حربا فيه على
شاي يا عبد الجبار ..أسرع عبد الجبار الى المطبخ وھو يتعجب من محمود بك بتاع فلسطين ولبنان وقد نجحت باألمس في التوغل في الجنوب اللبناني ،سكت نظامنا
البنات الذى دخل الھوجة بعد ما اتصاحب على بنت من حركة كفاية اسمھا والء الجبان واكتفى بإدانة نصر ﷲ لقد التحقت بالحربية ألحارب في سبيل وطني
البنت ملھاش في الوطنية وال التغيير ھي بس دخلت الحركة عشان تجيب عريس ورفعته ،ولكنني اشعر اآلن أننى وزمالئي في الجيش المصري قد أصبحنا كما مھمال
وألن كل شباب كفاية ھارشينھا محدش بصلھا غير الضابط الخايب اللى اسمه نأخذ مرتباتنا لقاء التمرينات التي نقوم بھا ونظل قابعين في الثكنات والخنادق الى
محمود واللى بقى بيزايد على بتوع كفاية عشان يعجب المزه ..وال عصام نقيب أن تظھر أى بادرة تحرك من الشعب أو حتى من فئة من فئاته يخرجونا لقمعھم
األمن المركزي ھو كويس وجدع وايده فرطه بيدينى كل ما يقابلني لكن أنا مش فاھم
يقول عالء "رائد شرطة" - :زى اللى حصل من جنود األمن المركزي في
ازاى واحد قزعه زيه والبس نظارة قعر كباية يبقى ضابط وال يدخل الشرطة أساسا،
الثمانينيات ..يجيبه ناجى - :أيوه ووقتھا بس يمارس الجيش وظيفته التي أرادھا
الحكاية وما فيھا إن أبوه لوا ،وطبعا لو ابن اللوا ميبقاش ظابط البلد ھتخر ب .وراح
المستبد ..ينزل الشارع ويقمع أى انتفاضة للشعب ثم يعود إلى ثكناته ..ويرد عصام
يتذكر عبد الجبار كيف تمت مجازاته وضربه لمجرد اشتباه القيادات انه أرسل
)نقيب أمن مركزي( - :مش الجيش لوحده ،شوف األمن المركزي بقت وظيفته
بملفات تحوى تجاوزات الشرطة الى صحف المعارضة ،بينما لم تتحرك تلك القيادات
محاربة المتظاھرين وقمعھم بقينا قطاع طرق وھاتكي أعراض عمرى ما ھانسى
بعد أن ضبطه رائد عالء في غرفة االحتجاز مع انتصار بعد أن كان قد فرغ من
اللى حصل في المظاھرة التي تمت في وسط البلد بعد نتائج انتخابات الرئاسة بقليل
اغتصابھا للتو وكل ما حدث ھو أن عالء بيه تفاجأ ثم ضحك قائال لزميل ه :اشمعنى
ده انا شفتھم بيسحلوا أعضاء حركة كفاية في الشوارع شفت عسكرى بيتحرش
ھو أھو طباخ السم بيدوقه وبعدھا كلما كان يحلو لعالء بيه أن يفترس انتصار كان
بست في عمر أمي ..تخيلوا ان واحد من ضباط أمن الدولة أمرني بجلب إحدى
يصحب معه عبد الجبار ليسجل بالكاميرا تلك اللحظات وكان عالء بيه يبرر تصرفه
المتظاھرات إلى مكتبه ألنھا عجبته وعندما رفضت بص لى بصة عمرى ما ھانساھا
دائما بأن ھذه الصور ستبق ى المزه تحت التصرف حتى بعد خروجھا من المعتقل.
وفضلت بعدھا بعشر شھور أعانى من شروره ومضايقاته لغاية ما اتنقلت الصعيد.
وسأل عبد الجبار نفسه :ھما دول اللى ھيحرروا البلد م الفساد ؟؟ صحيح أنا كمان
يا زمالئي األعزاء أنا مش بأدعى أنى مالك ده حتى المنصب ياما خدعنى وغرتنى
مجرم زيھم ومسمى نفسي عسكري الدرك رغم انى عارف إن أنا حراميھا لكن مش
البدلة الميرى وكنت مغرور لغاية ما اكتشفت أن الجھاز االمنى في مصر ليس قمعيا
بادعى انى اسمه إيه ده المنتظر اللي ھينضف الكون ..ويصب عبد الجبار الشاي في
فقط ضد المعارضة لكنه جھاز يقمع بعضه بعضا ..يأخذ ناجى نفسا عميقا ثم
األكواب ويتجه إلى غرفة الجلوس ليجد الضباط قد انتقلوا برابطة المعلم إلى مائدة
يستطرد - :اخوانى لقد طفح الكيل واستبد الغضب واليأس بالجميع وما نحن إال نبته
الطعام الخالية إال من مصحف في منتصفھا ويسمع صوت الرائد ناجى - :لنتعاھد
من تراب ھذا الوطن و ..واصل ناجى خطبته المؤثرة بينما جلس "عبد الجبار" في
سويا على مبادئ الحق والخير والمساواة من أجل ﷲ والوطن ،لنتعاھد على الكتمان
احد األركان وعلى وجھه ابتسامة ،لقد كان يعلم في قرارة نفسه أن ناجى صادق
والسرية حتى تقوى جماعتنا ويشتد عودھا ويأتي وقت النضال ..لنضع أيدينا على
تماما فيما يقوله وأنه مؤمن بكل حرف يردده ولكن من الذين التفوا حوله؟ ھذا
المصحف ونتعھد باإلخالص لجماعتنا اإلصالحية ..ضباط من أجل التغيير ..وترتعد
الرائد عالء صاحب الشقة التي يعقد فيھا الضباط اجتماعھم ،ضابط الشرطة الذي
الصينية في يد عبد الجبار ويدخل في روعه أن شيئا كبيرا سيحدث ولكنه لم يتوقع
ھتك عرض انتصار في معسكر األمن المركزي حيث كانوا يحتجزونھا .أليس ھو
خيرا..
الذئب الذي ألھم عبد الجبار باغتصابھا؟ ھل استيقظ ضميره فجأة؟ أم انه يسعى
١٢
اعتراف منھا فقد حاكموھا واتھموھا وما كان الخطف إال لتنفيذ الحكم الذى أصدره خرجت انتصار من االحتجاز فى أحد معسكرات األمن المركزى إلى الظوغلى حيث
ھؤالء الذئاب ..لو أنھم فقط حققوا معھا لكان عذابھا قد ھان ولكانت بررت لنفسھا بقيت ثالثة أيام أسود من ليالى الشتاء ثم أطلقوا سراحھا ،أخذوھا فى نفس السيارة
ما تحملته بأنه ثمن لرأيھا وحريتھا ..لطالما سألت نفسھا قبل اختطافھا ھل ما تفعله التى اختطفت فيھا ثم ألقوا بھا إلى قارعة الطريق وكان الوقت متأخرا للغاية ولم تدر
حبا للوطن أم سعيا وراء الشھرة أم تحد غير مباشر لقھر والدھا لھا ؟ أما بعد أين تذھب ھل تذھب ألمھا ؟ ترى كيف تحملت أيام الغياب وما الذى حدث لھا؟ ترى
اختطافھا كان ھناك شعور واحد ترسب بداخلھا وھو أنھا كانت تستعرض جسدھا فى ھل علم والدھا بغيابھا وارتعدت لمجرد احتمال ان يكون علم بغيابھا تلك األيام
ميدان المظاھرات حتى أعجبتھم وأن ما فعلوه لم يكن إال تجاوبا مع رغبتھا المدفونة السبعة.
وردا على رسالتھا غير المعلنة وأما المرآه وقفت تسأل نفسھا:
نظرت انتصار الى السماء ثم اختنقت بالدموع وفتحت حقيبة يدھا التى تقطعت فى
-معقول؟ معقول أكون رخيصة كده؟ مش ممكن بس لو انا مش رخيصة ولو انا أيديھم أثناء التفتيش وبالطبع لم تجد النقود لكنھا وجدت مفاتيحھا وكان بينھا مفتاح
خطر فعال على أمن الدولة ولو أنا مناضلة حقيقية مش كانوا حتى استجوبونى على شقة خالھا والتى كانت تذھب اليھا كلما أحست بالقھر وألن الوقت كان قد تجاوز
األقل؟ منتصف الليل رأت انتصار أن المكان لديھا إال تلك الشقة وذھبت متجاوزة مضايقات
أطفال الشوارع وراكبى السيارات الفارھة ونظرات البواب وشھقات زوجته عندما
كادت انتصار أن تفقد عقلھا واتجھت إلى الغرفة الصغيرة والتى كانت تبيت فيھا
رأوھا وقد تمزقت مالبسھا وازرق وجھھا وما ظھر من جسدھا وطار حجابھا من
وخالھا على قيد الحياة والتقطت بذلة محتشمة كانت قد اشترتھا بعد ارتدائھا
فوق رأسھا وظھر شعرھا أشعث ومتمزق مثل روحھا وجسدھا وفتحت باب الشقة
للحجاب -والحقيقة أن مالبسھا كانت غالبا محتشمة أو تميل إلى االحتشام حتى قبل
ثم دخلت وصفقت الباب خلفھا.
الحجاب -ولكن البذلة نظيفة أما ھى فلم تعد كذلك ..ترى أى ماء ذلك الذى سيطھر
كل ھذا الرجز؟ إنھا تحتاج أن تغتسل فى الجحيم لعلھا تتطھر وارتدت البذلة بدون وخلف الباب افترشت األرض ونامت عشر ساعات متواصلة واستيقظت لتجبر
استحمام وتناولت غطاء للرأس ووضعته بال عناية فوق شعرھا وغادرت.. نفسھا على النوم مرة أخرى وعندما استيقظت بعد خمس ساعات اتجھت بجسد
مثقل إلى أقرب مرآه لتشيح بوجھھا على الفور والدموع فى عينيھا ..كانت تلك أول
مرة ترى فيھا وجھھا منذ أيام ولم تره فى حياتھا بھذا القبح ،وكأنھا ترى فى كل
كدمة تفاصيل العذاب الذى القته واألھوال التى رأتھا ،كأنھا تسمع من جديد كل سبة
وكل كلمة جارحة ،كانھا تشعر من جديد بكل األنياب واألظافر التى نشبوھا فى
جسدھا المستباح .لقد نسيت شعور الخجل بعد أن مزقوا حجابھا فى سيارة الشرطة
قبل وصولھا الى مقر االحتجاز ولكنھا تتذكر جيدا الھلع والرعب وجسدھا يتعرى
بين أغراب..
مازال البرد يلسعھا فيصيب جسدھا بالرعشة ويسلمھا لحالة ال نھائية من الغثيان
والدوار والضياع .لم يستجوبھا أحد ولم يوجه لھا اتھام ولم يحاولوا انتزاع اى
١٣
ينظر لھا عماد في دھشة فتجاوبه قبل أن يسأل - :الحقيقة محمد شاف إن شغل الفصل الثانى
الصحافة مش جايب ھمه غير إن الرقاصات ھيعرفوا يحموه كويس ويجيبوله حقه
ھبطت ھدى من التاكسى الذى كانت تستقله ونظرت إلى مقر نيابة أمن الدولة
لو حد اعتدى عليه واھى ماشية معاه اشترى شقه صغيرة وعربية يعنى..
وھاجمتھا ذكريات يوم االستفتاء المشئوم وما حدث لھا ثم كيف أغلقت القضية دون
-وانتى يا ھدى؟ الوصول إلى الجناة رغم أنھم كانوا معلومين للجميع وكيف تلوثت سمعتھا وكادت
تبقى بدون زواج إلى األبد لوال أن تقدم لھا أحد زمالئھا فى قسم اإلعالنات فتزوجته
-أنا اتجوزت من شھرين وحصلت أخيرا على عضوية النقابة وجاية دلوقت بتكليف
رغم كل تحفظاتھا عليه لتعيش حياة أقرب للجحيم وھا ھى اآلن تقف أمام مكتب
من رئيس قسم الحوادث عشان اعمل مع حضرتك ريبورتاج عن أظرف الجرائم اللى
عماد الذى أصبح وكيال لنيابة أمن الدولة فى صيف ٢٠٠٦وطلبت من العسكري
قابلتك في تاريخك المھني ..وبلھجة ساخرة تكمل - :باعتبارك واحد من أنزه رجال
الواقف على باب المكتب الدخول - :أنا عندي ميعاد مع عماد بك ،بلغه إن الصحفية
النيابة في مصر ..تصله سخريتھا لكنھا ال تؤلمه ..نعم لقد أقفل القضية الخاصة
ھدى قدرى من جريدة الرأى فى انتظاره ..ويرد العسكري بحماس واحترام- :
بھتك عرض الصحفيات في الشوارع يوم االستفتاء وقيدھا ضد مجھول لكنه نال
سيادته سايب خبر يا افندم ..اتفضلي
أكثر مما كان يحلم وتم نقله الى نيابة أمن الدولة ونال ورضا قياداته عنه ..ولو لم
يوافق على أوامرھم كانوا سيعاقبونه وسيأتي من بعده من يتنازل ويقبض الثمن.. وتنظر ھدى خلفھا فى فزع شاعرة بأن يدا ما تنتھكھا من الخلف ثم تدرك أنھا
تھيؤات كالعادة ..تھيؤات تقتحمھا منذ اليوم المشؤوم عندما انتھكھا األمن فى
لم ينس إلى اآلن تفاصيل االتصال الھاتفى الذى جاءه من قيادة كبرى فى وزارة
الشارع و دخلت ھدى ليقف عماد وفى عينيه إعجاب قديم يتجدد ،يمد يده مصافحا
العدل تأمرة بإغالق ملف قضية التحرش العنى بصحفيات وناشطات فى يوم
فتمد يدھا ليأخذھا ويلثمھا قائال - :آخر مرة شفتك كان من سنة تقريبا..
االستفتاء مقابل ترقية ال يحلم بھا وعندما حاول االعتراض ھدده المسئول بمجازاته
ونقله الى آخر الدنيا ولم يتردد عماد كثيرا فى نفس اليوم كان قد حسم رأيه وفى أقل تضحك في دالل وتقول - :انت لسه فاكر يا عماد بك
من شھر كان قد نقل الى نيابة أمن الدولة يبتسم فى مرارة قائال فى سره - :ھى دى
-ھو اللي في جمالك تتنسى؟ الشعر األصفر والعيون الخضرا وال ..إحم
مصر يا ھدى!!!
تبتسم وال ترد فيبادرھا بالسؤال عن زميلھا المصور:
وسألته ھدى عن الكاتب الذي كان معه منذ عام فيقول دون أن يرفع عينيه إليھا:
-زميلك المصور عامل إيه دلوقت؟
-اتفصل ..ضبطوه بياخد عشرين جنيه رشوه ففصلوه..
ساب المستشفى تسكت برھة وتنظر في عيني عماد قائلة: -محمد؟ الحمد
وتصمت ھدى فى ذھول ..ثم تعلق - :ھى كده دايما اللى بيسرق لقمة ھو اللى
بيتمسك ،واللى بيسرق طابونة العيش كلھا بيفلت بالفرن واللى فيه وتكمل فى -وساب الجريدة برضه
سرھا - :وبيترقى كمان
-راح جريدة ثانية؟
ينظر إليھا فى غضب فتغير الموضوع وتشغل جھاز التسجيل وتبدأ العمل
-ال اشتغل مصور فنانات ..رقاصات بمعنى أدق
١٤
ابتسامة صفراء بغيضة قائال - :الواد ده أصله مجنون يا باشا والبلد كلھا عارفة فى صيف ١٩٩٣وفى كفر المساطيل في الصعيد في منزل عبد الجبار كان والده
مش كده يا عمدة؟ يرتجف العمدة "عبد الملك" وينظر بشفقه على الفالح المكلوم ثم "مظلوم" في غرفة نومه يرتدى جلبابه األبيض ويستعد للخروج ،بينما كانت
يشيح بوجھه وھو يقول -:ايوه يا باشا ده مجنون ابن مجنون ..ويقول المأمور "ستھم" أم عبد الجبار تنوح وتلطم خديھا بعد فشل محاوالتھا إلثناء زوجھا عن
وھو ينظر في ساعته - :عموما أنا كلمت اللي ھيعقلوه وزمانھم جايين ..في نفس الخروج الى مشواره ،وھدأ مظلوم من روعھا قائال - :يا ستھم "قل لن يصيبنا إال
اللحظة ينجح مظلوم في اختراق الحاجز االمنى ويھتف بأعلى صوته - :ھو اللي ما كتب ﷲ لنا" وبعدين ھو أنا رايح أحارب يا وليه؟
يدافع عن حقه في البلد دى يبقى مجنون يا سعادة المأمور؟ يرتعد المأمور قليال ثم
-حرام عليك يا مظلوم ..إحنا عايزينك يا اخويا ..عبد الجبار لساه صغار
يتذكر أنه محاط بقوات األمن التي ستحميه من أى اعتداء فيتقدم نصف خطوة
ويحاول رفع صوته بقوة - :إيه اللي جابك الساعة دى يا مظلوم ؟ متدخلش في اللى -عبد الجبار راجل من ظھر راجل ..أنا عايزه لما يكبر يتباھى بأبوه ..سيبينى بجى
ميخصكش - ..اللي بيحصل لعنتر يخصني ويخص كل نفر في البلد دى ..اللي عشان ألحج الناس اللى مستنظرين في الغيط ..ويندفع مظلوم الى غيط "عنتر"
بياخدوا أرضه النھار ده بدون وجه حق ممكن بكره ياخدوا أرضى أو أرض اى حد الذي يريد المأمور وضع يده عليه بحجة أنه "مش ملك حد" ،وذلك بعد أن أعلن
تانى ..اتقى ﷲ يا سيد بيه النجوم اللي على أكتافك اللي انت وريتھالنا في عز الظھر عنتر المسكين أن ھناك دفينة "قبرا فرعونيا" تحت غيطه وبالطبع لم يصدقه أحد
مش ھتنفعك يوم العرض عليه - ..بقى انت يا شيوعي بتفكرنى بربنا؟ ينظر مظلوم من البلد أوال الن البلد بأكملھا ال يوجد بھا دفينة واحدة والكثير حاولوا ولم يعثروا
للناس ألھل القرية ويصرخ فيھم - :يا أھل بلدي أرض عنتر عرضه وعرضه على اى شيء ،وثانيا ألن عنتر المسكين كالمه كله نخع وفشر فھو أفقر وأقبح
عرضكم ..ھتسيبوا المأمور يھتك عرضكو؟ وتندفع صيحات الغضب من أفواه أھل واضعف خلق ﷲ مما كان يدفعه الختالق الكذبة تلو األخرى لكي يلفت األنظار.
القرية المسلحين بالشوم ويتجھون نحو قوات األمن في غضب عيونھم تلمع ولسوء حظه سمعه "أبو شناف" شيخ الغفر في القرية الذي كان مكلفا بحماية البلد
باإلصرار وأذرعھم السمراء ترتفع بالشوم ..لونھم كلون طمي النيل ..واندفاعھم والزرايب في فترة الليل والمعروف بتحالفه مع اللصوص والحكومة على حد سواء،
كتدفقه في الفيضان.. وبالطبع كان أبو شناف غريبا عن البلد بال أرض وال جاه وكان يأمل أن المأمور
عندما يستولى على قيراطين األرض بتوع عنتر ويكتشف أنه ليس بھا كنز وال
ومن بعيد وقف عبد الجبار الصامت دائما وعيونه تكاد تنطق فخرا بوالده الشجاع..
يحزنون فسوف يبيعھا بثمن زھيد وبھذا يشتريھا أبو شناف بسعر رخيص ويذ ل
ويھزه الزعيم قائال :أبوك ده وال شجيع السيما يا عبد الجبار..
أھل القرية الذين رفضوا أن يبيعوا البو شناف قيراط أرض واحد.
وينتظر الصبية الموقعة الكبرى ولكن تأتى اللحظة غير المنتظرة ..لحظة يبدو أن
وصل مظلوم بمالمحه الطيبة وقامته المفرودة إلى غيط عنتر ليرى عساكر األمن
الزمن قد توقف فيھا لحظات ..تجمدت األذرع السمراء على الشوم انطفأت شمس
المركزي تحاصر الغيط وتھدم عشة عنتر الذي انخرط في البكاء وراح يحط من طين
اإلصرار في العيون ..وسكنھا ليل الخوف عندما ھبط من سيارتي األمن المركزي
األرض على رأسه وھو يصرخ - :وشرف أمي يا سيد بيه األرض مفيھاش
عشرات الجنود فيما يشبه جيشا صغيرا انضم إلى الجنود الذين كانوا يحاص رون
مساخيط ،أنى كنت بافشر يا باشا ،األرض مفيھاش مساخيط غيري يا باشا ،أنى
أرض عنتر ،في نفس اللحظة التي اخترقت سيارة بيضاء الجموع متجھة نحو
المسخوط الوحيد الى فيھا يا باشا ..خدونى وسيبوا األرض يا عالم ..غيتونى يا
المكان ونزل منھا طبيب ورجالن شديدان ومعھما ما يشبه المالءة البيضاء وأشار
ھووه ..ويميل "سيد" بيه -المأمور -على قائد قوة تنفيذ األحكام وعلى وجھه
لھما المأمور إلى حيث انبطح عنتر أرضا ..وكان مظلوم ھو أول من أدرك الموقف
١٥
وفى حوش ليمان طرة -حيث تم نقل عبد الجبار لمھمة محددة وھى مراقبة أحد فى فصرخ في الناس - :يا ناس ..يا أھل بلدي ..اجمدوا ..الى يحارب عشره يحارب
المعتقلين عن كثب وانتظار األمر بتصفيته -جلست مجموعه من شباب المعتقلين عشرين ..الباشا جايب الدكتور عشان ياخدوا عنتر على مستشفى المجانين ..ده
فى حوش الليمان يتناقشون فى األمور السياسية ويلقون بالدعابات بين الحين إحنا منبقاش رجاله لو أخذوه من وسطنا..
واآلخر ،وھم" :عادل" المھندس اليسارى الذى ينتمى إلى أسرة متوسطة تعيش فى
ويرفع زكى شومته ويھوش بھا يمينا ويسارا إلبعاد رسل العباسية عن عنتر
امبابة ،مثقف جدا ومتفانى فى سبيل مبادئه ألبعد الحدود ،و"سامى" عضو حركة
المسكين ولكن العمدة يضربه على ذراعه فوقعت الشومة من يده وعندما ھم
اإلخوان المحظورة ،ابن الوجه البحرى الذى جاء ليشارك فى إحدى مظاھرات كفاية
بالتقاطھا اخرج المأمور مسدسه من خلف ظھره وراح يطلق الرصاص في الھواء
فتم اعتقاله ،ومعھم جلس "وائل" الصحفى الليبرالى الذى تمت محاكمته بسبب
وأمر قائد قوة تنفيذ األحكام الجنود أن يضربوا في المليان إذا اقترب احدھم من
مقالة كتبھا عن الظلم والديكتاتورية اعتبرھا النظام إھانه له ،وإلى جوارھم جلس
األرض أو من المأمور ،ويقترب أبو شناف ببطء من مظلوم الذي وقف من جديد
"النمنم" شاب نصف أمى مرح ال يمل الدعابات قرر االستفادة من األفندية المتعلمين
على قدميه وراح يركض باتجاه عنتر الذي كف عن البكاء وصار كالطفل بين يدي
والسير فى ركابھم أمال فى أن يخرج من طرة بطال بعد أن دخله لصا ،والغريب أنه
من حملوه من تأثير المھدئ الذي حقنوه به ولكن عيناه ظلت مذھولتان خائفتان
لم يتم القبض عليه وھو يسرق بل ألنه كان يراقب فى إعجاب أعضاء حركة كفاية
ويداه ضارعتان تناديان مظلوم الذي حاول اللحاق به دون أن يستطيع ونادى على
المشاركين فى إحدى المظاھرات وكانت تلك أول مرة يرى فيھا النمنم مظاھرة
الناس أن يثبتوا ولكنھم كانوا قد تفرقوا بالفعل قلم يعد ھناك أحد سواه في داخل
واعتقد العسكر أنه مع كفاية فاعتقلوه معھم.
الدائرة األمنية الجھنمية وينظر أبو شناف الى المأمور وكأنه يأخذ منه إذنا بعمل
وكان النمنم دائما يتندر بين زمالء المعتقل - :أنا من يوم ما اتولدت وانا باسرق شيء ما وعندما أخذ اإلشارة ھتف بأعلى صوته:
مفيش مرة اتعملى محضر وال اتاخدت تحرى قوم لما أقف فى مظاھره ألول مرة فى
-الحقنى يا باشا مظلوم معاه مسدس..
حياتى وعشان اتفرج مش عشان اتظاھر قوم يعتقلونى؟ طب وحياة من خلق العالم
دول بالغباوة دى كلھا الكون معارضھم من ھنا ليوم القيامة كرامة لمخھم الضلم. ويستدير عساكر األمن المركزي ليواجھوا خطر مظلوم األعزل بطلقات الرشاشات
وتندفع الدماء خارج مظلوم وكأنھا تثور في وجه من غدروا به ،ويسقط مظلوم
ويضحك عادل قائال - :انت ايه اللى رماك ع السرقة يا نمنم؟
ببطء وعيناه مثبتتان على وجه "عبد الجبار" الذي اكتسى وجھه بذھول ظل
يتنھد نمنم ويتحسس شعره الذى أطاله ليقترب من كتفه قائال - :يعنى يا باشمھندز مرسوما على وجھه شھورا طويلة وبنظرة أخرى ال يمكن أن يرمق بھا ولدا والده
عادل واحد أبوه جه م العراق جثه فى صندوق بعد سنين غربة ويا ريته جه ومعاه الذي يحتضر ..لقد كانت نظرة لوما وعتابا ..عتاب ظل في داخله طيلة حياته وشعور
حاجه إال يا موالى كما خلقتنى ،وامى عرفت السكة ،اللقمة الل ى ھيجيبھا الحالل أن والده قد عشمه وخلى به ..إن والده ركب فرس البطولة وھو غير جدير به ..لقد
مش ھتشبع عيالھا باعت نفسھا بعقد عرفى لواحد عجوز من الخليج على أمل انه كان يفخر بوالده كثيرا وھا ھو والده يسقط جثه في الوحل أمام أھل البلد جميعا..
يتكفل بيا وباخواتى خدھا على بلده قعدت معاه سنتين مشافتناش ولما نزلت بمعجزة أھل البلد الذي مات من أجلھم ..أھل البلد الذين تخلوا عنه وتركوه يواجه الموت
ومعاھا ميتين دوالر ماتت تانى يوم فى فرشته ا .واحد زيى كان ھيطلع ايه وحده ..من اليوم صار أھل البلد أعداءه ..وفى داخله ترددت كلمة واحده -:يا ويلكم
يعنى..عالم ذرة؟ منى يا أھل كفر المساطيل.
١٦
ويرفع سامى اصبعه محذرا - :يا أخ عادل أنا قبل كده حذرتك من أسلوب االستھزاء ويشارك سامى فى الحوار قائال - :احنا الزم ان شاء ﷲ نعمل قعدة طويلة كل واحد
ده أنا مبسخرش من مبدأك يا أخى عشان انت كل شويه تسخر منى ومن مبادئى.. فينا يتكلم فيھاعن حياته وعن اللى رماه على المعتقل .وينضم الشاعر الشاب على
رغم ان مبادئك مغلوطة وبعيدة عن روح الدين.. إلى الجلسه ويشاغبه وائل قائال - :أھال بشاعر البادية..يا ترى مين آخر ملھمة
كتبت فيھا شعر فى زنزانة األنس؟ تنحنح على قائال - :الحقيقة ھو ملھم مش
ويضحك عادل ستنكرا - :ھو انت عندك مبادىء بجد يا سامى؟
ملھمة..
وقبل أن يرد االخوانى الشاب الذى احمر وجھه وراح يرغى ويزبد قام نمنم
ويضحك الجميع متسائلين من ھو فيجيب - :ھتعرفوه لما تسمعوا آخر كتاباتى..
باصطحابه بعيدا بحجة االستفسار عن بعض األشياء الشرعية وذلك حتى يمنع
اسمعوا ..يا عسكرى الدرك أفزعنى منظرك ..ويضحك الجميع ليواصل على :يا
صداما محتوما بين الناشط اليسارى وعضو الحركة المحظورة .وتنتھى الفسحة
عسكرى الحكومة بينك وبينى تار ..دم البلد والنيل واألرض والثوار ..وتحتبس
ليعود المعتقلين إلى زنازينھم..
الكلمات فى حلق "على" عندما يلمح الجمود الذى أصاب أعين زمالئه والتى تصلبت
وفى الزنزانة يسأل النمنم سامى: جميعھا خلف ظھره ويستدير على ليرى وجه عبد الجبار الدميم ثم فقد وعيه إثر
لكمة قوية فى وجھه قبل أن يتم اصطحابه إلى زنزانة التأديب أو ما يعرف بالحبس
-قول لى يا شيخ سامى ھو السالم على المسيحيين باليد حرام؟
االنفرادى..
فيجيبه سامى بلھجة الخبير - :ال ..لكنه مكروه ويجب أن يبدأ ھو بالسالم وخذ بالك
ويقول النمنم - :انتو مش مالحظين يا جماعة إن الجدع اللى اسمه عبد الجبار
يا نمنم أن السالم على مسيحى ينقض الوضوء..
مبيتكلمش خالص ..أنا كنت فاكره اخرس لوال انى سمعته بيشتم واحد من الجدعان
وھنا يمتعض وائل بشدة ويقول بانفعال - :أنا قرأت فقه السنة بكامل أجزائه ولم يرد المعتقلين الجدد.
فيه أن السالم على المسيحى يعتبر من نواقض الوضوء..
يرد عليه عادل - :الشىء اللى محيرنى ايه اللى يخلى عبد الجبار واللى زيه يكونوا
ويثور سامى ھاتفا - :يعنى انت ھتعرف أكتر منى؟ ويھم وائل بالرد عليه لوال أنھم بالقسوة دى رغم ان المفروض انھم غالبه ومطحونين ومن الشعب الغلبان..
يسمعون أصوات العسكر خارج الزنزانة فيصمت الجميع
ويرد سامى االخوانى - :اللى معندوش دين يعمل أكتر من كده ..أنا عمرى ما شفته
بيصلى..
وھنا يقول عادل فى لھجه ساخرة- :ھل تعتقد يا شيخ سامى أن المدعو أبو لھب -
عفوا -عبد الجبار ملحد؟ ودون أن ينتظر اإلجابة يكمل فى سخرية - :ما تدعيله يا
بركة يمكن ربنا يھديه ويشھر إسالمه..
١٧
وھنا تتدخل ستھم ھاتفة - :انتو عايزين ايه م الواد مش كفاية ابوه ..حلوا عنا بجة جلس عبد الجبار وعالمات الضيق مرتسمة على وجھه ،لقد كان الكثير من الغضب
كفاية مرار ..وتطرد الزعيم من الدار.. والحنق يمأل صدره تجاه "على" إنه ال يدرى لماذا يسخر ھذا الخنفس منه؟ ثم ما
نوع الثأر الذى تحدث عنه؟ -ھياخد تاره منى آنى؟ طب ما ياخده من عالء بيه
ويبدأ الصراع داخل عبد الجبار ھل يذھب؟ انه ال يطيق النظر إلى وجوھھم الكئيبة،
الظابط اللى عمل فلوس كتير وال من صاحبه عماد بيه وكيل النيابه؟ لكن ياخد تاره
ولكن ماذا يضيره لو ذھب؟ من الممكن أن يذھب لينفجر فى وجوھھم غضبا
منى انى؟ انى عبد المامور اضرب يا عبد الجبار أضرب ،صور انتصار وكتفھا على
ليصارحھم بجبنھم وان مفيھومش راجل ..فى النھاية يقرر أال يذھب ..ويقرر أيضا
ما اخلص أنفذ .ذنبى انى إيه؟ وفى داخله المريض يتيقن عبد الجبار ان على ال
ترك المدرسة ..سيراعى أرضه ويكسب حريته لقد كان يسير متعثرا فى دراسته
يختلف عن أھل القرية الذين باعوا والده وتركوه يقتل أمام اعينھم ..وسافر عبد
حتى يرضى والده أما اآلن فقد مات والده ..والده الذى خدعه وغرر به ثم تركه
الجبار فى احالمه بوعد عالء بيه له اذا نجحت الحركة بتاعة ضباط من اجل التغيير
ورحل ..إن مظلوم الذى عشق القراءة والكتب جلب عليه العار والمرار ..ان مظل
انه سيعينه السكرتير الخصوصى له - ..آه ماھو اللى زى عالء ده ممكن ينط على
وم ضعيف وھو يريد أن يكون قويا مثل عبد الملك وابو شناف الذى حاز االن ارض
أى وزارة بسھوله لو عملوا جلبان وال شجلبة لنظام الحكم ..أما تبقى البليه لعبت
عنتر واثنان اخران من الفالحين..
معاك يا عبد الجبار!..
ويقطع حبل أفكاره دق على باب الدار يقوم ليفتح ليجد إمام زاوية اإلخوان ..ان عبد
ويسمع عبد الجبار صوت على وھو يصرخ صرخة مكتومة حيث يبدو أنه اصطدم
الجبار يعرف انه من االخوان وان كان ال يعلم على وجه الدقة ما الذى تعنيه كلمة
بإحدى حشرات الزنزانة ..وفى داخله يضحك عبد الجبار - :أنى أول ما شفت الواد
اإلخوان ،يقول االمام - :السالم عليكم ورحمة ﷲ يا عبد الجبار -وعليكم..
ده قلت انه خنفس حجيجى ..واد خرع صحيح ..كل بتوع الكالم كده خرعين
فيبتسم الشيخ قائال - :إذا حييتم بتحية فردوا بمثلھا أو بخير منھا بيجعجعوا ع الفاضى والناس العبط بيصدجوا ويمشوا وراھم والكلمنجيه األعبط
بيفتكروا ان الناس ھتنفعھم لكن الناس الجبانة المنفوخين ھوا ومشحونين كالم
و بدا على عبد الجبار عدم الفھم وعدم االكتراث بالفھم فسأله الرجل - :ممكن ادخل؟
بيسيبوا الكلمنجيه يغرجوا اول ما بييجى الطوفان ،بس مش كل الكلمنجيه بيغرجوا
افسح عبد الجبار الطريق له قائال فى فتور - :اتفضل
يا واد يا عبد الجبار ما عمدة بلدكو كلمنجى ووعوده كدابه واھو فضل عمده لحد ما
وجلسا في المضيفة ليخرج الشيخ من جيبه مبلغا من المال ويناوله اياه - :اتفضل مات..
يا عبد الجبار دول ميت جنيه يساعدوا ع المعايش يا ولدى ..و تلمع عينا عبد
وتسافر ذاكرته مرة أخرى الى بلدته ..فى أحد االيام بعد مقتل والده بشھور قليلة
الجبار ويقول في سره :ميت جنيه حته واحده؟ يأخذ عبد الجبار النقود ممتنا ثم
تلقى "عبد الجبار" دعوه شفاھيه من رجال القرية لحضور جلسه مھمة ،وينظر عبد
يطلب الشاي للشيخ الذي عرض خدماته على عبد الجبار ويؤذن لصالة المغرب
الجبار الى الزعيم زميله الذى أبلغه الرسالة ثم يھز رأسه ويسأل - :عايزين ايه
فيدعو الشيخ عبد الجبار إلى المسجد ليصلى جماعة - :أصلى لمين يا شيخ؟
منى؟
فأجابه الشيخ باندھاش - :لربنا يا ولدى - ..طب روح أنت وأنا وراك على طول
يرد الزعيم - :مخابرش لما تيجى ھتعرف..
١٨
وفى أحد األيام كان عبد الجبار يستريح قليال من العمل فى الغيط ،وبينما راح يقتات وينصرف الشيخ إلى الجامع لكن عبد الجبار لم يذھب خلفه فمن اللحظة التي قتل
بكسرة خبز و قطعه من الجبن القديم لمح من بعيد عسكرى الدرك "أبو شناف" فيھا والده فقد إيمانه ليس بوالده وال بأھل قريته فقط لكنه فقد إيمانه بكل شيء لم
وارتجف عبد الجبار ،إنه يعلم أن أبو شناف ال يحمل فى قدميه إال الخراب فأسرع يعد لديه شيء مقدس ..لو كان ھناك إله عادل في السماء لما حدث لوالده ما حدث
يجرى باتجاھه ليصل اليه قبل أن يصل إلى حدود الغيط ،ووقف عبد الجبار ينظر إلى ولما أخذوا أرض عنتر منه وال ادخلوه السرايه الصفرا ظلما وعدوانا ..لمن
الخفير العمالق بمزيج من الرھبة واالنبھار وفى داخله سؤال: سأصلى؟
-بجى مكانش ده يبجى ابويا؟ ده مكانش حد فى البلد داسلى على طرف.. ويعطى عبد الجبار نصف المبلغ ألمه بينما يخبىء النصف اآلخر معه ..وفرحت
ستھم وقتھا بما اعتقدته عقالنيه من ولدھا حيث ابتعد عن ھذا الشيخ الذى قضى
ويربت أبو شناف على كتف عبد الجبار بيد من حديد قائال - :وﷲ أرضك حلوه يا
نصف عمره معتقال دون أن تكلف نفسھا بإعادته إلى نفسه وإلى دينه ..لقد اعتبرت
واد ..وزرعتك تفرح بصحيح ..لما تبيع المحصول انا ليا النص..
رفضه لدعوة الصالة جماعة عقال دون أن تدرك أن ولدھا رفض الصالة مع اإلخوان
وتجف الكلمات فى حلق عبد الجبار لقد جاء الدور على أرضه وال يدرى لماذا كفرا برب اإلخوان لم تدرك المسكينة أن ولدھا قد صار عبدا إلله آخر..
ترددت آخر كلمات والده فى أذنيه لحظتھا؟ -يا اھل بلدى أرض عنتر عرضه
مر عامان على عبد الجبار وھو يعمل فى حقله الصغير ،يتجنب أھل البلد ويتحاشى
وعرضه عرضكم ..ھتسيبوا المأمور يھتك عرضكو؟
الصدام مع األعيان ،وفى رحلة بحث عبد الجبار عن النقود باع كل كتب أبيه والتى
ولكن ھذه المرة لم يكن المأمور ،انه ابو شناف ،وعبد الجبار ال يستطيع ان يقول له لم يفاجأ أن سعرھا لم يتجاوز عشرون جنيھا ،لقد كان أبوه يتحدث عن الكتب وكأنھا
ال ولكنه أيضا ال يقدر على التفوه بكلمة "موافق" .لقد بلغ عبد الجبار الحلم وفى كنز وھو قد عرف أن والده كاذب منذ سقط مضرجا فى دمائه ،وألن المثل االعلى
بلدته الصغيره البد أن يمر ا لرجال بتجربة أولى ال مھرب منھا والتجربه ھى أن للصبى الصغير قد سقط ،فقد قرر البحث عن قدوة أخرى ،وكان من أعاجيب الزمن
تقول نعم وقلبك يقول ال ،أن تبتسم فى وجه الظالم والكره والحزن يثوران بداخلك، أن تكون قدوة عبد الجبار ابن المناضل اليسارى بطل العصيان المدنى ھو العسكرى
تجربة كظم الغيظ .النظام كده فى البلد دى الراجل العاقل اللى عايز يعيش ھو اللى ال متجبر رمز القھر العسكرى ..وأتى زمن يقتدى فيه ابن القتيل بقاتل ابيه ..ترى
يكظم غيظه ،كظم الغيظ ھو موضوع خطبة الجمعه التى يلقيھا اما م وزارة االوقاف ھل يقع اللوم على أبو شناف خفير الحكومة؟ أم على مظلوم الذى ضحى بنفسه من
بعد كل مصيبة تحدث فى البلد ،كظم الغيظ والعفو عند المقدرة ھو عنوان وموضوع أجل حفنه من الجبناء؟ أم أن المشكله فى عبد الجبار نفسه وراجعه لخلل ما فى
خطبه الجمعه التى تلت قتل والده بيوم واحد ،تداعت كل ھذه األفكار فى ذھن الصبى تفكيره؟ عندما قص على قصة تتلمذه على يد أبى شناف لم يطاوعنى قلبى أن القى
وھو يھز رأسه بوھن ھزة الموافقه موافقه من ال يوافق ولكنه ال يملك أن يقول ال ، باللوم على عاتقه ،فكيف ألومه على خلل فى تفكيره فى بلد اختلت فيه كل الموازين؟
ولم يدر عبد الج بار يومھا أن ھذه ستكون الخطوة األولى فى سلسلة موافقات كيف أقنعه أن أباه بطل وھو يحتفظ بالجريدة التى نشر فيھا خبر مصرع والده تحت
وتنازالت ال حصر لھا ..تنازالت فشلت أن تعلمه الغضب والثورة على من قھره عنوان " مقتل أحد االشقياء فى مواجھات مع األمن" ،كيف أصارحه ان أبو شناف
ولكنھا نجحت ببراعة فى تحويله إلى عباده القھر وتقديس الظالم حتى أھمل أرضه ھو الشيطان وھو يراه مستمتعا فى جنات مصر متربعا على عروشھا ،ففى كل قرية
وكره فأسه وصار حلم حياته أن يكون مثل أبو شناف العسكرى القوى الغنى ،إن ھناك أبو شناف ،وفى كل مؤسسه ھناك عبد الملك.
عبد الجبار يعشق النقود ولقد تعلم أن القوة تاتى بالنقود :لو أنه قوى فإنه لن
١٩
-يا ولدى ابو شناف العسكرية ممكفياھوش رايد يكوش على أراضى البلد كلتھا.. يضطر للعمل ،سيترك الضعفاء يعملون ويكدون ثم يأخذ منھم ما يكفيه ،سيذل من
فوج يا ولدى أحب على يدك تخلوا عن أبيه ،وفى داخله تبلور القرار ،لقد قرر عبد الجبار أن يبيع أرضه البو
شناف على ان يكون غفيرا معه
ومن الخارج يسمع عبد الجبار نداء قائده فيخرج ليتلقى األمر العسكرى الثانى:
وبالفعل ذھب عبد الجبار إلى شيخ الخفر أو عسكرى الدرك كما كان يحلو ألبى
-امسك نوبة الحراسة لحد الفجر ..مبروك انت م الليله دى عسكرى الدرك الثانى
شناف أن يسمى نفسه عارضا بيع الغيط بالثمن الذى يحدده شيخ الغفر على أن
فى البلد
يقبله معه فى خدمة الدرك وحراسة األرض والمواشى لي ال .ولكن العرضحالجى
-لكن يا ابو شناف .. صاحب شيخ الغفر يقول له - :انت لسه قاصر ھتبيع ازاى؟ مين الوصى عليك؟
-ابو شناف حاف كده ..انى حكمدار البلد يا غبى -أمى؟ ويلتفت ابو شناف لرفيقيه -مين أمه؟
-يا حكمدار البلد امى لوحدھا فى الدار ..ومينفعش اسيب كول.. ويجيبه أحدھم - :ستھم بنت ابو اسماعيل الكالف ..ثم يميل على أذنه ھامسا بصوت
كالفحيح - :كانت أجمل بنت فى البلد
تخرسه لطمة قويه على خده - :جرالك ايه يا ابن مظلوم انت ھتنسى روحك وتعمل
زعيم زى ابوك ،ده انى عسكرى الدرك اللى باحمى البلد كلھا يعنى امك فى أمان ويأتيه األمر العسكرى األول فى حياته - :خدنى المك يا ابن مظلوم
معايا وانى ھاخد الحجة منھا وامشى على طول انى مش فاضى..
يصل أبو شناف إلى منزل المرحوم مظلوم مع عبد الجبار فى الساعة الثانية عشر
ثم يخرج من جيبه ألف جنيه يدسھا فى يده - :وادى ثمن األرض مجدما منتصف الليل ،كانت البلد كلھا نائمة كأنما ماتت منذ عشرات السنين ،يھم عبد
الجبار بدق الباب ليلفت انتباه أمه الى وجود ضيف معه ،ولكن تسبقه يد أبو شناف
ويخرج عبد الجبار لكنه يظل يحوم حول بيته بمسافه تسمح له بسماع صراخ أمه لو
فتفتح الباب عنوة ،يدخال إلى حوش المنزل يبدو أن ستھم كانت نائمة غافله عما
استغاثت وفى الداخل يدخل ابو شناف إلى مخدع االم التى كانت تبكى وتھم بالصراخ
حولھا ،يقف عبد الجبار ذو السبعة عشر ربيعا وبداخله قيودا ال يراھا لكنه يشعر
فيكممھا ويدس سمومه فى أذنيھا وھو يعتصر ذراعھا:
بثقلھا فوق كاھله ..وھتف به أبو شناف فى خشونة - :روح صحيلى أمك
-ابنك مع رجالتى بره لو صرختى ھيقتلوه ..فين حجة األرض؟
وذھب عبد الجبار ليوقظ أمه ويبلغھا ان ابو شناف قد جاء ليأخذ منھا حجة األرض،
تشير إلى الدوالب فيفتحه بعنف حتى أن ضلفته قد انخلعت فى يده محدثة جلبة ويجد فضربت أمه صدرھا بكفھا وقالت وھى تلطم :
الحجة فى صندوق مغلق فيأخذھا ويدسھا فى جيب الجلباب ثم يخلعه ويغلق الباب
-ھتبيع أرض ابوك يا واكل ناسك؟ ده ابوك اللى كنت باجول عليه مجنون
مانعا ستھم من الھرب ويضربھا على رأسھا فتفقد الوعى ليتكفل ھو بإفقادھا
معملھاش..
الشرف..
-يا امه أنى ھابجى عسكرى كد الدنيا ..ھابجى زى ابو شناف
٢٠
يخرج "على" من الزنزانة االنفرادية وھو في حالة يرثى لھا ،ويالحظ باندھاش وعندما طالت غيبة أبو شناف بالداخل استبد القلق بعبد الجبار فدخل الدار وحاول
نظرات التشفي التي تمأل وجه عبد الجبار ،ويسرع المعتقلين في تحية على فتح الباب باكيا بال دموع راجيا ابو شناف أن يفتح لكن ابو شناف ال يرد وال يسمع
واالطمئنان عليه ،ويجلسون في حوش الليمان يتبادلون النكات ويسمعون آخر عبد الجبار إال صوت مالبس أمه تتمزق ..ويقف خائرا عاجزا ..يجرى إلى باب
األخبار في الجرائد القديمة التى تأتيھم من خالل الزيارات أو العساكر المرتشين، الدار يھم بالصراخ ،ولكنه لو صرخ سيفضح أمه ..يجرى مره أخرى إلى باب الغرفة
يقرأ سامي ما نشر فى إحدى الجرائد المستقلة - :ولقد نظمت جماعة اإلخوان يھم بكسره لكنه يخشى من أبو شناف ..قد يقتل امه لو كسر الباب وقد يقتله ھو
المسلمين مسيرات احتجاجية في الجامع األزھر وفى المحافظات.. شخصيا ..يتحسس األلف جنيه فى جيبه وكأنھا ثعبان يلدغه فيخرجھا ويلقيھا أرضا
ويمزق جلبابه ويلطم ثم يتكوم كخرقة من القماش ويبكى ..وبعد مرور بعض الوقت
ويغلق الجريدة ثم يتابع فى لھجة خطابية قائال - :إحنا يا جماعة بنتحرك مع الشعب
الذى بدا لعبد الجبار أنه دھر ،خرج أبو شناف من الغرفه شبه عاري وعلى وجھه
ورسوله ..الحرب اللى بتشنھا إسرائيل وتحركنا مشاعر الدين الفياضة وحبنا
عالمات االنتصار مسلطا عينيه الحادتين الضيقتين على وجه عبد الجبار الذى أكل
على لبنان وفلسطين دلو قت ھى حرب دينية بالدرجة األولى ..ثم يرفع صوته قائال
البكاء عينيه فحاول جاھدا أن يقوم من مكانه ويھاجم أبو شناف لكنه لم يستطع،
بشكل خطابى :إنھا حرب على اإلسالم ..حرب على ﷲ ورسوله .لقد استبد الھلع
فنكس رأسه ،وبعد عودته من الحمام دخل مرة أخرى إلى الغرفه وسمع عبد الجبار
باسرائيل وأمريكا عندما وجدوا سلطة دينية فى منتھى القوة متمثلة فى حماس
صوت صرخة مكتومة ..إنھا أمه لقد استفاقت على المصيبه التى حدثت تنادى على
وحزب ﷲ..ھم عارفين إن الحكومة اإلسالمية لو قامت فى دول العرب ستكون قادرة
ولدھا الذى يقف على أرجل من الھالم ثم يسقط ويزحف على بطنه حتى يصل إلى
على سحقھم ودحرھم..
الغرفة ليجد عسكرى الدرك وقد قيد أمه فى الفراش وحشا فمھا بمنديل حتى ال
يستمع عادل وعلى وجھه ابتسامه ھادئة ھى أقرب للسخرية ،بينما يميل النمنم على تصرخ وراح يعيد الكره وھذه المرة يغلق عبد الجبار الباب بنفسه حتى ال يرى
أذنه ھامسا - :يعنى حماس وحزب ﷲ ھما بس اللى مسلمين يا باشمھندز؟ أمال المزيد ،ثم سقط مغشيا عليه ..فى الصباح استرد وعيه ليجد كل شىء فى حالة
حكومتنا ملتھا ايه ؟ ھدوء حتى انه لم يعد يميز ھل ما حدث باألمس كان كابوسا أم حقيقة ولكن مالبسه
الممزقة والنقود الملقاة على األرض وأعقاب السجائر التى كان يشربھا الوحش
يقول عادل ضاحكا - :حكومتنا بزرميط يا نمنم..
باألمس جعلته يتأكد أنھا الحقيقة ،ويجرى إلى الغرفة المشئومة ليجدھا فارغة لم
ثم يرفع عادل صوته موجھا الحديث إلى سامى - :فيه سؤال محيرنى يا أخ سامى يا يجد ألمه أثر ،وسمع صياحا من بعيد واصوات جلبه ،وخرج عبد الجبار ليجد الناس
ترى ممكن تجاوبنى عليه؟ ينظرون له نظرات غريبة وسار بينھم ال يدرى ما يحدث حتى قابله أحد أصدقاء
والده فبصق فى وجھه وھنا راح يجرى كالملسوع حتى وصل إلى شريط القطار
يھتز سامى قليال ثم يقول وھو يتحسس لحيته الخفيفة: خارج البلد كانت ھناك جثتان وفوقھما وقف ابو شناف ينظر بتشفى قائال - :سيبوه
-طبعا ..ولو انى عارف ان اسئلتك كلھا جدال ومراء ده ابن المرحومة
-ليه اإلخوان متحركوش لما اتقتل جنديين مصريين داخل الحدود المصرية -المرحومة؟ أمى مرحومة؟
برصاص اسرائيلى ..فى حين المنشورات ملت البلد والمظاھرات بتاعتكو زحمت كشف الغطاء ليجد أبشع ما يمكن أن يراه إنسان.
٢١
وتقطع جموع المعتقلين كالم وائل استنكارا لما يقوله ويكاد الجدل أن يتصاعد الدنيا لما الضرب ابتدا فى حكومة حماس واتخطف ٨من وزرائھا؟ مش من باب
وينفجر ولكن الصفارة انطلقت معلنة موعد العودة إلى الزنازين وعلى باب الزنزانة أولى كنتوا تغضبوا للمصريين؟
يقطع سامى الطريق على عادل قائال فى نبرة تھديد:
ارتبك سامى وبدأ الغضب يغزو مالمحه وھو يھتف:
-ياريت تھدى شوية وتتعظ م اللى حصل النھاردة وتعرف ان الناس معانا
-أھى دى التيارات العلمانية والقومية يا إخوانى ..دى التيارات اللى بتشجعنا على
-الناس مش معاكو الناس ضد الظالم وبتلتف حواليكو عشان تغيظه ..ولو مكانش العنصريه واننا ال نثور على مايحدث فى لبنان وفلسطين ألنھم مش مصريين..
شعبنا مغيب مكانش ده بقى حاله وال حالكو
-متحورش الكالم يا سامى ..أنا كالمى واضح ..ليه مبتتحركوش عشان قضايا البلد
-فوق يا أخ عادل فتح عينيك وانت تعرف ان شمس اليسار غربت من زمااان فى حين ان قلبكو واكلكو اوى على الزھار وھنية ونصر ﷲ؟ لما انتوا مع الحركات
والنھار الجاى لينا الحرة مسم عناش واحد اخوانى بيتكلم عن جيفارا أو حتى عن عبد الناصر؟ ليه
ماسكين أوى فى الحركات الدينيه اللى قدرت تنط على كرسى الحكم أو بتحاول؟
-المصيبة الحقيقية يا سامى ان التيارات السلفيه ملھاش شمس عشان تشرق ولو
حكمتوا فى يوم م االيام ھيكون حكمكم بداية ليل طويل يا عالم ھنخرج منه امتى! -جيفارا كان مجرد مغامر لم يخوض حروبه فى سبيل ﷲ ..أما عبد الناصر فكان
يعتقل ويقتل أبناء وطنه الذين يختلفون معه فى الرأى
ويفاجأ االثنان بكرباج عبد الجبار يمزق ظھريھما دافعا كل واحد منھما إلى زنزانته
دفعا ..يدخل عادل ويغلق بنفسه باب الزنزانة ..بينما يقف سامى وظھرة لزنزانته -و ھل يا ترى حماس ايديھا مش ملوثه بدم ناس من حركة فتح؟ وھل يا ترى نصر
ووجھه وعينيه يرمقان عبد الجبار فى ثبات ثم يبتسم ابتسامة عجيبة تدفع عبد ﷲ الشيعى بقى فجأة حلو ومن عداد المسلمين لمجرد أنه على نفس الموجه؟
الجبار إلى جذبه خارج الزنزانه ثم لطمه على وجھه فاتسعت ابتسامته فلطمه عبد
وترتفع صيحات االستنكار ضد عادل وما يقوله ويبادر وائل الليبرالى:
الجبار ثانية لتطير احدى أسنان سامى الذى يخلص نفسه من يد عبد الجبار بصعوبه
قائال - :مش دلوقت يا عبد الجبار ..المواجھة بيننا وبينكم مش دلوقت يا عسكر -غلط انك تكون ضد نصر ﷲ لمجرد اختالفك معاه فى المذھب يا عادل..
وينظر له عبد الجبار فى استھزاء ليضربه على قفاه ثم يلقى به إلى الزنزانة..
-أنا مش ضد نصر ﷲ وال الشيعة لكن باتعجب لالخوان اللى بقوا مع نصر ﷲ ،فى
وفى داخل عبد الجبار يبدأ السؤال - :الواد ده يقصد ايه؟ ھو فى حد يقدر ع العسكر؟ نفس الوقت اللى لسه فيه بيھاجموا عبد الناصر ويتھموه انه تسبب فى نكسة ،٦٧
ھو اللى عمله نصر ﷲ يختلف عن اللى كان بيعمله عبد الناصر؟
ويذھب عبد الجبار إلى الفراش استعدادا إلجازة يومين تبدأ من باكر ..سيذھب إلى
عالء بيه ألن انتصار على موعد معه وھو معتاد أن يرتب الشقة لھذا اللقاء وأحيانا ويقول وائل - :انا كليبرالى ضد االتنين ،ومازلت أؤكد ان حسن نصر ﷲ ھو
يكون البيه مزاجه حلو فيترك له المناضلة بعد فراغه منھا ..انه يعجب انه لم يرھا المستفيد الوحيد مما يحدث من دمار فى لبنان ،ھو من أصبح بطال على حساب دماء
ولو لمرة سعيده بضمة أو بقبله من عالء بيه أو منه بل إنھا تقاومھما بضراوة كل أبناء بلده ،وبعدين إيه النصر العسكرى اللى حققه نصر ﷲ من بدايه الضرب
مرة رغم أنھا تأتى بكامل إرادتھا ..ويتوقف عبد الجبار مع نفسه قليال متسائال: لدلوقت؟ وليه مبيضربش األماكن الحيوية فى اسرائيل ايه اللى حايشه؟
٢٢
مافعله ويفعله وسيفعله من شر لن يمحو عاره ولن يھدىء خواطره المتألمه ..كان -وھى لوال الصور اللى مع عالء بيه كانت تيجى؟ وال ترضى بالوضع ده دى بنت
البد أن يأخذ بثأر أمه .. ناس ..المرة اللى فاتت شفت فى ايديھا دبله وسمعت من عالء بيه انھا اتخطبت
لدكتور فى الجامعه..فينك يا امه تشوفى ابنك وھو بيذل بنت مستشار و خطيبة
يوم خروجه من الوحدة الصحية ..كان مشتت الذھن ال يدرى أين يذھب ..انتظر
دكتور فى الجامعه امال ايه مش عسكرى يعنى حكومة ..وھو يا عبد الجبار
الليل ودخل إلى قريته ليفاجأ بأن منزله قد سوى باألرض ..وليجد نفسه أمام واقع
المستشار مش حكومة ؟ ..سأل مرة ھذا السؤال لعالء بك فضحك وقال له :يا مغفل
مر ..صبى فى السابعة عشر من عمرة بال أب وال أم وال منزل وال أرض ..حتى ثمن
أمن الدوله دول ھما النظام ..عارف يعنى ايه النظام ؟ يومھا فھم عبد الجبار أن
األرض ضاع ..
النظام ھو شىء أھم من الحكومة وأخطر ..يعنى عالء بيه أكبر من العمدة
ويقرر عبد الجبار العوده إلى المركز لعله يجد عمل فى المدينه لكنه يفاجأ بيد من والحكومة؟ ال بس انى باذل المعتقلين ھنا ..باحبس عادل المھندس واضرب سامى
حديد تربت بقسوة على كتفيه ويستدير ليجد نفسه وجھا لوجه أمام أبو شناف ..قاتل الدكتور وادلع نفسى مع بنت المستشار ...ويضحك عبد الجبار وھو ينظر فى المرآة
أمه وأبيه وسبب كربه ..كان داخل عبد الجبار بركة من غضب و لكن فى داخله ھاتفا:
أيضا كانت شالالت من الخوف منعته حتى من إظھار مقته ..و احتقر نفسه لكن ھذه
-آنى النظام ..النظام أنى ..وينفخ صدره ثم ينام متوقعا أحالم سعيده بابنة
الليله علمته كيف أن الخوف لو تمكن من اإلنسان يكون كفيال بإطفاء غضبه وقتل
المستشار تبكى من الذل بين أحضانه..
نخوته ..لقد تعلم فيما بعد على يد أبى شناف أن الخوف يخرج من الناس أسوأ ما
فيھم ..فيجبر النسوان أن يسلمن أجسادھن لمن يشھر عليھن المطاوى ،و يجعل
الشاھد ينكر انه شاھد ومن لم ير يشھد زورا أنه رأى ،الخوف ھو الذى دفع الناس
لكنه ظل طيلة الليل فى كابوس حقيقى راح يعيد عليه عرض اغتصاب أمه وقتل أبيه
إلى ترك والده يقتل ثم ينزف لمدة ساعة دون أن ينقذه أحد ،الخوف ھو ما جعله
على يد أبى شناف ثم مشھد أمه ملقاة على شريط القطار كانت أمه عاريه تماما
يسلم أمه لذئب بشرى يغتصبھا ثم يقتلھا ،الخوف من العسكر ھو ما دفعه إلى
ولسانھا يتدلى خارجا مما يؤكد أن أحدا قد خنقھا حتى الموت ..أما الجثة الثانية
التضحية بكل شيء لكى يصبح منھم يوما ما ..الخوف ھو الذى صنع منه كلب أبى
فكانت للشيخ على إمام زاويه االخوان..
شناف المطيع منذ تلك الليله بالرغم من أن األخير ھو من أخذ أرضه وسلبه عرضه
وقتل أباه وأمه وھدم منزله ..الخوف ..الخوف.. ويرفع عبد الجبار عينه الى أبى شناف وھو يقص أكاذيبه على العمدة والمأمور :
-دول كانوا ..استغفر ﷲ العظيم وليلة امبارح اختلفوا مع بعضيھم فھددته بفضحه
جام جتلھا ولما ضبطته واعترف لى كنت ھاجبض عليه ولكنه حاول الھرب جمت
ضربت عليه سالحى الميرى فجتلته ..ده كان مسلح وخطير يا سيادة المأمور..
وأنى والغفر..
لم يسمع عبد الجبار شيئا مما تلى ذلك ألنه فقد الوعى ونقلوه إلى الوحدة الصحية
وقد فقد الوعى واالرادة ..ويستيقظ مفزوعا قرب الفجر لتعاوده الحقيقة المرة ،كل
٢٣
حلت بھا وبھم ..خوفھم ووحشيتھم وجبنھم جعلھم دائما يشجعون القوى ويدھسون فى منزل عالء ضابط أمن الدولة ..تخرج انتصار من غرفة النوم وعلى وجھھا
الضعيف ،جھل الناس وظلمھم يجعلھم يلقون دائما باللوم على المغتصبة ليس على أقسى آثار االمتعاض والغثيان ،تجلس على األريكة ويلحق بھا عالء مترنحا وفى
المغتصبين ،وسألت نفسھا :ترى ھل نجح حكم العسكر إلى ذلك الحد فى زرع مخبر يده كأس من الخمر ،وترجوه باكية أن يسلمھا الصور التي التقطھا لھا في المعتقل
داخل كل مواطن؟ ھل نجح الجبروت فى جعلنا نقھر بعضنا البعض؟ لكنه يرفض ،فتصرخ في وجھه - :أنت عايز إيه منى؟ مش كفاية لغاية كده فتيات
الليل ماليين البلد ..ارحمنى وسيبنى أعيش حياتى..
وتذكرت انتصار عندما كانت فى الثانوية العامة وقامت انتفاضة فلسطين الثانية ،لم
تر المصريين يتحركون فى حياتھا كمثل تلك األيام حتى أطفال االبتدائى خرجوا إلى يحك رأسه شعره القصير للغاية ثم يسألھا كأنه لم يسمع ما قالته :
الشوارع فى المظاھرات ،وقامت مظاھرة فى حوش المدرسة وجاءت زميلتھا نور
-انتى خطيبك فى جماعة ٩مارس؟
التى كانت تقرأ القرآن فى اإلذاعه المدرسية كل صباح ووقفت فى منتصف الحوش
وعيونھا حبلى بالدمع لتخلع حجابھا األبيض وترسم عليه نجمة زرقاء سداسية - ....................
الشكل ثم تشعل فيھا النار ،لم تنس انتصار أبدا كيف خرجت مدرسة البنات فى
يثيره صمتھا فيمسك بذراعھا بشده وھو يقول - :أنا عايزك تبلغينى أول بأول
المرواح فى مظاھرة كبرى لتلتحم بمظاھرة أخرى للشباب فى المدرسة الثانويه
مواعيد االجتماعات ونص الكالم اللى بيتقال وأسماء كل أساتذة الجامعه من أعضاء
للبنين التى كانت بجوارھم ،مشھد لم يحدث منذ ثورة ،١٩انتابھا الخوف للحظة
الحركة وھل فيھم إخوان وكام واحد؟ أنا سمعت ان فيھم واحد بھائى عايز اعرف
فلقد كانت حوادث التحرش من قبل مدرسة البنين ال تعد وال تحصى قبل ذلك اليوم ،
عنه كل ..تقاطعه صارخة فى وجھه - :انت عايزنى اشتغل مرشدة ألمن الدوله يا
ولكنھا فوجئت بأنھا تسير محاطة بالفتيان ولم يمسسھا احد منھم بسوء لقد كانوا
ابن ال ..تخرسھا لطمة قويه على وجھھا ويصرخ فيھا وقد احمر وجھه - :وانتى
يھتفون من أجل الحق ،لم يعودوا يشعرون بالكبت حتى يفرغونه فى األجساد
كنتى من خمس دقايق بتشتغلى ايه فى أودة نومى؟ على األقل مرشدة أنظف من ..لم
االنثوية الغضة التى تحولت إلى أجساد مشتعلة بثورة على الظلم والعدوان وحناجر
تسمع باقى ما قاله كان بداخلھا بركان متفجر من الغضب ليس منه فقط ولكن من
تھتف بالحق كحناجر الرجال .كان يوم نزعوا فيه االغالل فظھر أجمل وأنبل ما
نفسھا ،من خوفھا الذى جعلھا تأتى إليه بنفسھا بدال من المرة خمسة وعشره وفى
فيھم ،كانت تشعر أنھا فى مظاھرة للطيور ،عرفوا فيھا للمرة االولى ان لھم أجنحة
النھايه لم يعطھا الصور ،وراحت تسأل نفسھا أين ذھبت شجاعتھا ھى من كانت
يطيرون بھا إلى الشمس دون أن تحرقھم ،نظروا يومھا إلى السماء واكتشفوا
تقف فى المظاھرات لتھتف باسم مصر ،ھى التى كانت تلقى الخطب الحماسية فى
جمالھا ورحابتھا فلم تعد داخلھم حاجة للنظر إلى األعضاء التناسلية لآلخرين،
الجامعه ضد الخوف والقھر ،وفى داخلھا تأكدت أن ضعفھا ھو السبب الذى جعل
ولكنھا ايضا لم تنس كيف اقتحمت الغربان السود سماء غضبھم المقدس ،كيف
خوفھا يحولھا إلى أسيرة وعبده لھذا الحيوان ..وخرجت انتصار مھزومة من منزل
ضربوھم بالعصى المكھربة ،وكيف حشروا األوالد فى صناديق ضخمة ھى اشبه ما
عالء تسير على غير ھدى وقد جعلتھا لحظة الضياع تلتقى بنفسھا مجددا وتكتشف
تكون باقفاص القرود ليأخذوھم إلى مكان مجھول ..وفى الصباح دخلت الفصل حصة
الحقيقة المؤلمة :نعم إن من اغتصبھا كان عالء الكلب وذلك العسكرى القذر ،ولكن
الدين كانت اولى حصص اليوم ،دخلت المعلمة وفى فمھا لبانة تتشدق بھا ونادت
من دفعھا إلى االستسالم لھما مرة تلو األخرى ؟ خوفھا؟ ولكن لماذا خافت أن
على نور تؤنبھا أمام الجميع على خلع حجابھا الذى رسمت عليه علم اسرائيل ثم
ينشروا صورھا معھما أو يستغلوھا بأى شكل؟ ھل ھو خجلھا أن يراھا الناس
أحرقته ،تصرخ فيھا:
عارية؟ أم خوفھا من كالم الناس؟ الناس! الناس! ھما الناس سبب المصائب التى
٢٤
جلس بعض المعتقلين فى الحوش يتناقشون حول وفاة نجيب محفوظ التى حدثت منذ -انتى مش عارفه ان كده حرام؟ تخلعى حجابك وتمشى مع الشبان من غيره اطلعى
أربعة أيام فى ..٢٠٠٦كان وائل أكثرھم تأثرا فقد كان يرى أن نجيب محفوظ ھو بره الفصل ومتحضريش حصتى تانى ..وجاءت الحصة الثانية ،حصة التربية
اإلبن البار لتاريخ الليبرالية المصرية ،ووافقه عادل على ھذا الرأى وإن كان يرى القومية ،تدخل المخبرة عفوا المعلمة لتعطھم درسا فى األخالق وكيف ان من
أن لنجيب محفوظ اھتماما بالبسطاء وعالقات جيدة باليسار ،وھنا يتخل شوقى اشتركن فى المظاھرة باالمس كن من الساقطات خرجن ليقابلن شباب المدرسة
اليسارى المتشدد ليقول - :انا كان عندى يدوا نوبل لواحد زى أحمد فؤاد نجم وال الثانوية للبنين وأن العديد من المساخر ارتكبت وأن بعض الفتيات اختتمن المظاھرة
يوسف ادريس وال حتى نجيب سرور أحسن مليون مرة من سى نجيب محفوظ ده.. فى شقق مفروشة مع األوالد ،وﷲ يعلم أنھا كاذبه وﷲ يعلم أن من اشتركوا من
ويسأل نمنم فى حيرة - :انتوا مھتمين بالراجل ده ليه كده ،ھو يعنى مدوبش ھدوم أوالد وبنات قد تحرروا ولو لمرة من قيود الجنس ،فثارت انتصار مما قالته
الفرح ده حتى كان عنده أكتر من تسعين سنه؟ ..ويجيبه سامى وھو يعبث بلحيته المدرسة عن وجوب حب الرئيس وعن الحكومة اللى طفحانه الدم عشان تأكل بنات
الخفيفة - :أنا مش عارف سر حزنكم على ھذا الزنديق ..ده كان البد أن يستتاب قبل فاجرات مثل الالتى اشتركن فى المظاھرة وعن حب األھل والمحافظة على كرامتھم..
موته عموما أھو راح فى داھية ..ويقطع حديثھم صوت أحد العساكر - :سامى عبد وطلبت انتصار الكلمة وبدأت توضح الحقيقة فطردتھا المعلمة خارج الفصل ..فى
الصادق ..زيارة المرواح وجدت الفتيات يضعن الروج خلسة قبل أن يخرجن إلى الشارع ،ورأت
الفتيان وعدد ال بأس به منھم حليقى الرأس -على الزيرو -وقد خرجوا من أقفاص
ويقوم سامى إلى زائريه تاركا خلفه عالمات استفھام من الجميع لماذا وكيف يكون
الحكومة رأتھم يتسكعون أمام المدرسة وفى عيونھم نھم غريب ..سكتت أصوات
ھو الوحيد المسموح له بالزيارة بالرغم من أنه اخوان؟ وفى مكتب نائب مدير
الغضب وارتفعت أصوات ضحك البنات بشكل ھستيري والصواريخ والبمب فى يد
المعتقل يدخل سامى ليجد محاميه وأحد كبار رجال االعمال من االخوان وھو يسلم
الوالد ومن خلفھا جاء أحد الفتيان ووضع يده فى مكان حساس من جسدھا ووقتھا
الضابط ظرفا مكتظا ليخرج ويتركھم بمفردھم ويميل سامى على محاميه ھامسا- :
عرفت أنھا لن تطير مرة أخرى أبدا..
أنا تعبت أوى يا أستاذ منتصر أرجوك شوفلى صرفة دول بيرمولنا األكل ع األرض
من غير أطباق ده غير التعذيب واإلھانة ..فيطمأنه المحامى - :متخافش يا سامى ومرت سنوات وعرفت انتصار أن معلمة الدين قد تم سجنھا بعد أن سرقت مرتبات
احنا قالبين الدنيا بره ومش ھنسكت غير لما نطلعك انت وزمايلك عموما ماھيتك زمالئھا من خزنة المدرسة التى كانت فى عھدة صديقتھا السكرتيرة ..وأن معلمة
ماشية وبتوصل ألھلك فى المنصورة بانتظام ..وقال له رجل األعمال - :خد يا سامى التربية القومية التى أعطتھن درسا فى األخالق قد ضبطھا زوجھا عارية فى أحضان
القرشين دول ھينفعوك ھنا وعايزك تشوف مذاكرتك االمتحانات قربت يا دكتور.. رجل آخر وسمعت انه قد رفع قضية زنا عليھا ،ولكن االخبار تسربت فى المدرسة
قوللى العيال بتوع الطائفة المنصورة اللى قبضوا عليھم من كام شھر انا عرفت انھم انه قد سجن فى قضية اتجار بالمخدرات وان المعلمة قد تزوجت من الرجل اآلخر
ھنا ايه رأيك فيھم؟ الذي كان ضابط شرطة فى مكتب مكافحة المخدرات!!
-دول ال طائفة وال منصورة الظاھر انھم اتاخدوا غلط بس انا اتكلمت معاھم وعندھا تأكدت أن مصر فى خطر ،وعاھدت نفسھا على أال تطفىء جذوة غضبھا،
وواضح انھم من المحبين وأال تتخلى عن اجنحتھا مھما امتألت سماء البلد بالبوم والغربان ..واتخذت انتصار
قرارھا باالعتراف لخطيبھا بكل ما حدث لھا فى االحتجاز وقررت عدم الذھاب إلى
عالء مرة أخرى وليحدث ما يحدث.
٢٥
الجزمة يا غبى ..ثم ينظر لوائل مبتسما ابتسامة صفراء :انا آسف يا أستاذ وائل ال -طب عال عموما حاول تقربلھم وتخليھم مش بس محبين أل وعاملين كمان ضمھم
مؤاخذه أصله طور بعيد عنك.. لصفوفنا ..احنا ھنحتاجھم بعدين
يبتسم وائل فى سخرية بينما يواصل الضابط - :احنا بنعتذر عن أى خطأ وقع على وتنتھى الزيارة لينفرد سامى بنفسه ولم يدر لماذا عاوده ھاجس قديم كان يلح على
احد فيكم ونوعدكم المعاملة ھتتغير وانتوا شوفتوا امبارح والنھارده كنا فى غاية ذھنه أن حسن المسئول عن تفجيرات األزھر كان وراءه اإلخوان لقد قابله مرة فى
الذوق واألكل اتغير ..فھتف عادل فى سخرية - :اه فعال بقى فى اطباق بعد ما كان أحد االجتماعات بالقاھرة ترى فيم سيحتاجون أعضاء الطايفة المنصورة؟ وترددت
بيترمى على األرض واحنا نلحس..ونظر اليه الضابط نظرة وعيد وكأنه يقول: فى أذنيه آخر كلمات الرجل المھم فى الزيارة - :ھييجى ناس يفتشوا ويصوروكو
حسابنا بعدين ..ويدخل المعتقلون الى العنابر بعد حالة ھرج ومرج وبعد ان اعلنوا عايزك تقول ان االوضاع فى المعتقل تمام فاھم؟
اصرارھم على فضح المعتقل أمام اللجنه وامام القناة االمريكية التى ستصور
وحتى لو مش فاھم سينفذ ما دام مرتبه لم ينقطع يبقى خالص ..مئتى جنيه يأخدھم
ويجتمع ضباط المعتقل مع مندوب الداخلية لمناقشة كيفية لم ھؤالء المعتقلين على
أول كل شھر مبلغ متواضع؟ ربما لكنه على األقل أكبر من إعانة البطالة التى وعد
ما اللجنة تمشى ومعاھا القناة االمريكية.
بھا أيمن نور فى برنامجه االنتخابي بل إنھا حتى أكبر من مرتبات كثير من موظفى
وفى الصباح تم خلط مياة الشرب والعصائر ببعض حبوب الھلوسه والعقاقير التى الحكومة القيادات يسمونھا مساعدة ولكنه كان يعلم علم اليقين ان ھذا المبلغ ما ھو
تسلب المرء إرادته ثم تم توزيعھا على المعتقلين وجاءت اللجنه فى الصباح ومعھم اال مرتب نظير خدماته..وسأل نفسه :يا ترى مين الزوار اللى ھييجوا يصوروا؟
فريق تصوير أحد البرامج فى قناة أمريكية و بيتر عونى مدير مكتب القناة فى
انتشرت األخبار فى المعتقل وجمع عبد الجبار المعتقلين ليبلغھم أن التليفزيون
القاھرة وقام مدير المعتقل بمصاحبتھم فى الجولة التى بدأت بزنزانة انفرادية تم
األمريكى سيقوم بتصوير حملة تفتيش ستقوم بھا زارة العدل على المعتقل وأن
تنظيفھا ووضع فراش ولمبه حمرا وفتح الباب ليفاجأ الزوار بالمعتقل نمنم فى حالة
الجميع البد أن يكونوا على مستوى المسئوليه وأال يشوھوا سمعة مصر أمام
سكر بين ومعه فتاة جميلة فى وضع مخل ورفع أحد وكالء النيابه صوته صائحا:
األجانب ثم نظر لھم نظرة تحمل الكثير من الوعيد والتھديد وقال - :مشاكلنا نح ن
ايه القرف ده
نحلھا ف ف الداخل ..وكان المعتقلون يكتمون ضحكھم بصعوبه على مشھد عبد
وارتبك مدير المعتقل ثم استجمع شتات نفسه مبررا :يا فندم دى زنزانة للخلوة الجبار وھو يتقمص شخصية المسؤول الحكومى ويعرفھم معنى الوطنية وعلى
الشرعية بين المعتقلين وزوجاتھم احنا فى المستقبل بنسعى يكونوا تالته او اربعه تھتھته فى الكالم التى تتعارض مع نظراته الحادة وجسده الضخم ..ورد عليه وائل:
عشان يكفوا خصوصا الموضوع ده شغال دلوقت بالدور وبيبقى عليه خناقات بين -اسمع يا عسكرى انت اللجنه بتاعة بكره جايه تحقق فى واقعة موت شاب ھنا فى
المعتقلين ..واندھش بيتر وسأله :لكن القانون المصرى ال ينص على إعطاء المعتقل وھتك عرض آخر واحنا مش ھنخبى حاجه وبعدين ازاى نبقى احنا طالبينھم
السجين حق الخلوة الشرعية فما بالكم بالمعتقل؟؟ ييجوا يحققوا وبعدين لما ييجوا نقولھم مفيش حاجه كنا بنضحك عليھم مثال؟
ورد عليه المدير :نحن ال نؤمن بالبيروقراطية واحنا عاملين يوم فى األسبوع ورفع عبد الجبار بندقيته فى غضب ليضرب بھا الصحفى الليبرالى ولكن أوقفته
للزيارات العائلية والخلوات اللى زى كده ..وصاحت المذيعة االمريكية - :واو اتس صيحه من محمد بيه :عندك يا زفت ويقف بينه وبين وائل ھاتفا :حاسب يا ابن
فانتاستيك..
٢٦
كانت ذكريات المرة االولى فى حياة عبد الجبار الجنسية تجتاحه ..كانت فتاة فى والتفت النمنم اليھم صارخا - :ايه ده بقى انتوا مش قلتوا خد راحتك يا نمنم والمزة
الخامسة عشر من عمرھا أمھا كانت ماشطة البلد وابوھا كان حالق الصحة يعنى دى بتاعتك النھاردة كله؟ ھاخد راحتى ازاى وانتوا واقفين تتفرجوا كده زى
المقابل للكوافير والجراح تخيلوا كوافيرة متجوزة جراح كانوا اغنى بيت فى البلد المحاريم؟ زغده احد الضباط الشباب وھمس له :اسكت وخليك فى اللى ف ايدك
بعد دوار العمدة ..وكانت دى بنتھم الوحيده التى انقطعت امھا عن الوالده بعدھا فضحتنا ﷲ يفضحك وابتسم المدير فى ارتباك نسيبھم براحتھم وناخدكوا للزنزانة
بسبب مشاكل فى الوالده يقال ان السبب فيھا ھو الزوج -حالق الصحة -الذى أصر اللى بعد كده وأخذھم الى زنزانة سامى الذى كان الوحيد الفايق فى المعتقل والذى
على القيام بتوليد زوجته بنفسه .المھم ان البنت كبرت قبل االوان لتصير أجمل بنات راح يمدح فى إدارة المعتقل وفى الجو الھادىء الذى يساعده على استذكار دروسه..
القرية ..كان عبد الجبار أيامھا فى السادسة عشر من عمره وقد أصبح من الرجال ثم فوجىء الجميع بجرس الفسحة اليومية الذى جاء يبدو على غير اتفاق وال ترتيب
المقربين لشيخ الغفر وقد كلفه ان يقوم بالحراسة الليلية دائما ومن ھنا جاء اللقب حتى ان الضباط قد ارتبكوا جميعا دون ان يعلموا ان عبد الجبار ھو من اخرج
الذى اشتھر به عبد الجبار" عسكرى الدرك" ..يذكر عبد الجبار جيدا ان البلد وقتھا المعتقلين من الزنازين بحجة انه يوريھم سعادة المساجين على الطبيعة ..وخرج
صارت بال رجل تقريبا كان ھناك رجال لكنھم كانوا مثل الفراريج جبناء ال يتحدثون المساجين ومع بعضھم فتيات وسيدات ومع بعضھم االخر اجھزة كاسيت يسمعون
اال فى التفاھات ..وكان اكثرمن يتحدث ھو حالق الصحة ..الحالقين كلھم كثيرو بھا اغانى ھابطة انتقاھا عبد الجبار وذھبت المذيعة الى مجموعه تغنى مع شعبوال
الكالم ال يصمتون اال بالموت ..وكان سعد من ھؤالء ..وكان شيخ الغفر يحب قعدة يا عم عربى اصحى ..ليقول احد المعتقلين والذى كان يبدو على جسده نصف العارى
سعد ورغيه وخوضه فى أعراض ستات وبنات القرية ..لم يترك واحده اال وادعى آثار تعذيب :يا اھال بالضيوف! يسأله بيتر :ترى ما سر الكدمات التى اراھا على
ان له معھا حكاية .وكان ممكن ان يستمر االمر على ھذا المنوال لوال ان جاءت وجھك وجسدك؟ فقال :انا السبب يا بية قعدت اضرب نفسى فى الحيط لما جبت
الليلة الموعوده .. اخرى -ولماذا؟ نظر الى الفراغ فى بالھة قائال - :ھاه؟ عقدة نقص يا بيه
كانت ليلة زفاف بنت شيخ الغفر التى كانت فى الثانية والعشرين من عمرھا -عانس وتسأل المذيعة عادل - :ھل حقا تعيشون االن ازھى عصور الديمقراطية؟
فى نظر اھل القرية من تتزوج فى ھذا السن -ففى قرية عبد الجبار تتزوج الفتاة فى
-أل طبعا ..ويجف حلق مدير المعتقل..
الثامنة عشر على اكثر تقدير -كان فرح كبير تاجل الكثر من مرة بعد دور تعب الم
بشيخ الغفر والزمة المستشفى فى البندر لشھر كامل ..فى ھذه الليلة ذھبت ويضحك عادل قائال وھو يرقص - :نحن نعيش اآلن أزھى عصور المھلبية...
"جماالت" الماشطة الى منزل شيخ الغفر لتزيين ابنته وبعد ان انتھت من عملھا
-ازاى
وتناولت العشاء وأخذت معھا طعام يكفيھا واسرتھا ليومين على اقل تقدير فوجئت
بأبى شناف يعترض طريقھا ويلح عليھا فى المبيت حتى تقوم بتزيين ابنته فى -يعنى يا مھلبية يا وكل ريس يعمل اللى على ھواه ويستغرق فى ضحك ھيستيرى
الصباحية قبل ان يأتى المھنئون. ويغادر الزوار مسرعين والغضب والذھول يرتسم على وجوھھم.
-انتى عارفة يا ام صباح ان البت وشھا عفش زى امھا ﷲ يجحمھا مطرح ما بالطبع كانت فضيحة تناقلتھا وكاالت االنباء العالمية شھورا طويلة عن االخمور
راحت ..وانى خايف لو حماتھا شافتھا من غير احمر واخضر تفض الجوازة واحنا والجنس الذين عما المعتقل المصرى .وراح فيھا مدير المعتقل وبعض الضباط
ما صدقنا ..وان كان ع الوكل ھاشيعھولك ع الدار حدا سعد وصباح..
٢٧
شىء حتى وصلت الى منزلھا وراحت فى نوم عميق حتى انھا لم تستيقظ اال قبيل حاولت جماالت التملص ولكن االمر بالمبيت صدر واللى كان كان ..انتھت الحفلة
المغرب بدقائق.. وذھب كل الى داره ودخل العريس والعروس الى غرفتھما وأغلقا بابھا ..ودخلت
جماالت الى الغرفة والخوف يعتصرھا فسمعة ابو شناف معروفة وحاولت البحث
كان اول شىء فعله ابوشناف فى الصباح الذھاب الى محل الحالق سعد ليستطلع
عن مفتاح تقفل به الغرفة فلم تجد ورقدت على الفراش تفكر وتفكر حتى مر وقت
االمر ليجده يقوم له بكل توقير وترحاب خالى من التشفى او الغيظ مما طمأن ابو
كثير وھدأ الجو تماما فخالت ان ابوشناف قد نام ومع الوقت بدأ النوم يغزو عينيھا
شناف ،وكان من الممكن ان يمر االمر بسالم لوال ان ابو شناف راح يحكى لسعد
ويخدر جسدھا وبدأ يراودھا كابوس بان انفاسھا تختنق وكأن شىء ثقيل يجثم فوقھا
عن مغامراته الليلة الماضية مع الغجرية التى رقصت فى فرح ابنته ..ولمدة
وبدأت تناضل لحصول على جرعة ھواء حتى استيقظت وليتھا ما فعلت..
اسبوعين راح يذيع حكاية الغجرية فى القرية ..حتى وصلت الحكاية الى جماالت
الوحيدة التى تعرف الحقيقة كاملة .وفى احدى اليالى فى ساعة صفا كان سعد يحكى فقد وجدت ابو شناف يجثم فوقھا كما يجثم االسد فوق فريسته صرخت فم تخرج
لزوجته عن الغجرية وعمايل ابو شناف معاھا ففوجىء بزوجته تضحك بسخرية الصرخة فقد كانت مكممة حاولت دفعه عنھا فاكتشفت انا مقيدة اليدين والقدمين
فقال لھا: تذكرت ابنتھا وزوجھا فانفجرت الدموع من عينيھا على حظھا االسود الذى كتب
عليھا ان تفقد شرفھا دون ادنى مقاومة منھا تركت ابو شناف يفعل ما يريده وقد
ايه يا ولية مش مالى عينيك اياك؟ مامصدقاش انى اقدر اعمل زيه؟
قررت االنتحار بمجرد ان يطلق سراحھا نعم ستلقى بنفسھا فى النيل بمجرد ان
فاندفعت جماالت بغباء شديد قائلة - :وھو ابو شناف بيعرف يعمل حاجه اصال؟ ده تخرج من بيت الذئب..
منظر منفوخ ع الفاضى اه لو تعرف الحقيقة يا ابو صباح والنبى كنت تضحك..
وعندما قاربت اللحظة التى تخشاھا اى امراة انتابت جسدھا رعشة قوية من شده
ھب سعد بغضب وحيرة سائال اياھا والشك يمأل عينيه :وھى ايه الحقيقة يا جماالت؟ الخوف وااللم ..ولكن شيئا لم يحدث ..فجأة وجدت ابو شناف يبتعد عنھا كالملسوع
ارتبكت جماالت وقد ادركت غباءھا بعد فوات االوان - :وانا وانا ايه عرفنى اھم والذھول يمأل عينيه ..لم تفھم جماالت اال بعد ان عاود ابو شناف الھجوم عليھا مرة
بيقولوا انه - ..انه ايه انطقى - ..انه مبيعرفش ..المرض الى جاله اثر عليه وعجزه اخرى وللمرة الثانية لم يفلح ..ومرت الليلة فى محاوالت فاشلة حتى اقترب الفجر
وتحول ھياج شيخ الغفر وغضبه الى انكسار وشعور بالمھانة ودموع ..لقد كانت
وبالطبع البقية معروفه تطور النقاش بين الحالق وزوجته وانتھى بعلقه ساخنة
جماالت اول مواطنه فى القرية المنكوبة ترى دموع ابو شناف ..وامتألت عيناھا
وباعترافھا بتفاصيل الليلة المشئومة ..
بابتسامة شماته وتشفى وفرحة الن ﷲ انقذھا .فما كان من ابوشناف اال ان أوسعھا
كان الحالق جبانا كبقية اھل القرية كان بداخله غضب وتشفى ال يمكنه كتمانھما.. ضربا واستدعى عبد الجبار لينقلھا الى الزريبة ويربطھا ھناك حتى ينظر فى أمرھا
والنه كان ضعيفا لم يجد اال سالح الثرثرة لينتقم به من ابو شناف وفى اقل من .
اسبوع مالت شائعات عجز ابو شناف الجنسى القرية وأجوارھا .وجن جنون ابو
المھم انه لسبب ما تركھا تمضى بعد ان نبه عليھا اال تذكر شيئا مما حدث الى
شناف وراح يتقصى حتى علم ان وراء الخبر الغجرية التى قالت للحالق والن ابو
مخلوق واال فانه سيقتلھا ھى وزوجھا وابنتھما ..وخرجت الماشطة ال تلوى على
شناف يعلم جيدا ان الغجرية ال تعلم فقد تأكد له ان الحالق ھو من قال وھنا قرر
العقاب..
٢٨
الفتاة المسكينة ويحشو فمھا بمنديل لكى تكف عن الصراخ وراح يفعل بھا ما فعله مازال عبد الجبار يذكر تلك الليلة كانت ليلة سوداء بكل ما تحمله الكلمة من معنى لم
أبو شناف بأمه ..مرة واثنان حتى سقط متعبا وراح فى نوم عميق... يطلع القمر وكانت الذئاب تعوى اكثر من اى وقت مضى ..وتحركت كتيبة االعدام
التى شملت ابو شناف وعبد الجبار ورجلين اخرين الى منزل سعد اقتحموه عنوة
يعد تلك الليلة علم ان الفتاة تم إرسالھا إلى الغجرية التى سافرت بھا إلى شمال الدلتا
وقيدوا االثالثة الرجل وزوجته وابنتھما ..ووقف ابو شناف فى صحن الدار قائال:
لتعمل غازية فى الموالد واألفراح وظلت ھذه الفتاة أمل عبد الجبار وغايته حتى
يومنا ھذا.. بقى بتفضحنى يا حالق الغبرة؟ طيب واشار الى رجليه لياتياه بجماالت وفكوھا
وجردھا من مالبسھا والقوھا تحت قدمى ابو شناف الذى امرھم بربطھا ھكذا
كان والد انتصار فى غاية السعادة وقد عاد من أربع سنوات قضاھا فى السعودية لم
وتركھا ثم وقعت عيناه على الفتاه الجميلة فثارت شھوته فأمرھم بجلبھا اليه
يدر ما حدث البنته خاللھا كل ما يعلمه أنھا تتزوج من شاب ممتاز وانھا أجمل
وارتمت تحت قدميه عارية فھجم عليھا وراح يحاول ولكنه فشل ليلمح التشفى فى
عروس رآھا فى حياته ..
عين الحالق مما اثار كل الشر واالستبداد بداخله فأمر رجليه باغتصاب الزوجه
يداعبه نائب رئيس نادى القضاة قائال - :أبو العروسة فاضى ومشغول؟ ففعال والحالق يصرخ صرخات مكتومة من تحت الكمامة وانتحى عبد الجبار جانبا
وقد انتابته حالة عصبية بعد ان تذكر مشھد اغتصاب امه وراح يھذى :اه يا امه اه
فقال ابو انتصار - :ال يا فريد باشا أمھا وانت الصادق؟
يا امه..
وضحك الجميع ..وجلس داوود والد انتصار الى جوار نائب رئيس نادى القضاه
وشعر ابو شناف بالخطر فھا ھو واحد من جنوده يرق قلبه للضحية فأخذه وخرج
وسأله - :انا كنت متابع أخبار االزمة بينكو وبين الحكومة
بعد ان امر رجليه بجلب الفتاه الى عشة الخوص اللى بره البلد وبحرق المنزل ومن
-األزمة لم تنتھى بعد يا داوود فيه..
-يا عم ما تلموا الحكاية بقى ..يعنى الحكومة بتفكر ترفع سن امعاش ٧٠سنة وراح ابو شناف طيلة الطريق يھدىء من روع عبد الجبار ويفھمه ان امه اغتصبت
وماله مصلحة احنا المستفيدين ..لكن زكريا عبد العزيز يطلع يشاغب كالعادة ويقول النه لم يكن من رجاله وقتھا والنه لم يكن فى وعيه يومھا ثم بدأ التھديد وانت
ده خطر طب خطر على مين ..علينا؟ عارف انك لو خرجت دلوقت عن طوعى اختك مش ھتبقى فى امان ..وللمره الثانية
غلب خوف عبد الجبار غضبه ..وخصوصا عندما جاء الرجلين ومعھما الفتاة
-ھو احنا منتحركشى اال لو كان الخطر علينا؟ الخطر ع البلد يا داوود واحنا مش الجميلة وبدأ ابو شناف يغوى بھا عبد الجبار ويقول له :انا لم انجب وانت ولدى
أنصاف الھه عشان نفضل فى اماكنا ومن اصبنا لالبد وكمان الحكومة مش مع وساعدى االيمن انا لو شفتك معاھا ھايبقى كانى ان بالظبط الى معاھا..
القضاة وال غيرھم الحكومة مع مصالحھا ومصالح رجال االعمال الفسدة ومع كل
اللى بيطرمخ على مصايبھم السوده ..انت عارف ان ابنى رئيس محكمة وكان فى وبدأت شھوة عبد الجبار تتحرك ولكن دموع البنت ولھفتھا على ابويھا كانتا تمنعاه
االنتخابات االخيرة تعرف ان الضباط ضربوه لما رفض دخولھم اللجنة ومش بس وھنا جاءه ابو شناف ابشع من الشيطان ليوسوس فى اذنيه - :غمض عينك وتخيل
كده أل دول حبسوة فى الحمام وسودوا البطايق االنتخابية بمعرفتھم عشان مرشح أنھا مرات واحد أنت بتكرھه ..وبالفعل أغمض عينيه وتخيل ..تخيل انھا ابنة ابو
شناف والذى اغتصب أمه ويريد تحويله ھو اآلخر إلى مغتصب وفتح عينيه ليقيد
٢٩
وانفتاحه وعندما غابت قرابة الشھر بعد ما حدث لھا وانقطعت عن دراستھا العليا لم المعارضة ميكسبش عارف يعنى ايه رئيس محكمة يتحبس فى دورة المياة يا سيادة
يكن منه إال أن بادر باالتصال بھا واالطمئنان عليھا ..كان يعلم تماما نشاطھا المستشار؟؟؟؟
السياسى لكنھا لم تصارحه بواقعة اختطافھا واحتجازھا ولو أنھا فعلت لسألھا ولو
يھم داوود بالمقاطعة ولكن زميله يكمل - :وال رئيس المحكمة التانى الى انضرب
سألھا لما أجابت ولو أجابت كان سيتركھا..
بالجزمة فى وشه فى الشارع ..البلد باظت ..كالب ابن المحضر بقت بتضرب القضاة
وتمت الخطبة وعزمت ألف مرة على مصارحته ومواجھته بالحقيقة ولكنھا لم بالجزمة شوفت الزمن؟
تستطع وحارت فى سبب إحجامھا عن مصارحته ھل ھو خجلھا؟ أم خوفھا أن تفقد
وفى ركن قصى من القاعة الفاخرة وقفت أم انتصار مستندة إلى الحائط ويدھا على
احترامه؟ أم اضطرارھا لمصارحته أنھا ما تزال تذھب لمغتصبيھا المرة تلو األخرى
قلبھا كانت ابنتھا فى نظرھا أجمل عروس وكان يوم عرسھا ليكون أسعد األيام لوال
رغم وجود دبلته فى اصبعھا؟ أم تراه شكھا فى تفتحه واستنارته؟ وعدم تصديقھا
تلك األيام السبع التى قضتھا خارج البيت محتجزة ..عندما عادت ابنتھا لم تسألھا
لصورة الرجل المتحرر التى كان يرسمھا لنفسه حتى أنه ناقشھا فى الحجاب أكثر
عن شىء فقد كانت آثار التعذيب بادية عليھا ولكنھا أبدا لم تتأكد ان كانوا سلبوھا
من مرة وأنه يرى أنه مجرد عادة ال عبادة وعندما سألته لم اختارھا وھى محجبة لم
عذريتھا أم ال ولم تحاول أبدا أن تسأل انتصار فلو كانت أجابتھا بنعم لكانت غادرت
يجد ردا مقنعا يجيبھا به.
الحياة كمدا كل ما فعلته ھو أنھا انتظرت شھرا تلو اآلخر ولما لم تظھر عالمات
لو كان جاءھا قبل ما حدث لكانت أسعد فتاة ولخلعت الحجاب بنفس راضية وضمير الحمل على ابنتھا اطمأنت وإن كانت طمأنينه وھمية..
ھادىء ولكن بعد ما حدث صارت تشعر أن حجابھا ضرورة لستر ما انكشف أو ربما
لم تمنعھا من توجيه تلك النظرة الى ابنتھا من حين آلخر وكانت انتصار تجيب
مخبأ تخبىء خلفه ضعفھا وجبنھا وجسدھا الذى انتھك غصبا ثم صمتا منھا مرة تلو
باحناء رأسھا فى األرض أو بإشاحة وجھھا إلى الفراغ ..وراحت أم انتصار تدعو
األخرى ..ربما كانت ستتناسى وتعيش الليلة فى سعادة مصطنعة لوال ذلك الحقير
ﷲ أن يستر ابنتھا بل لقد ورد لھا خاطر أن ﷲ لو أخذ عريسھا ھذه الليل ة لسترھا
عالء الذى تعمد االتصال بھا وھى عند مصفف الشعر وحجته تھنئتھا بالزفاف
وتصبح فى نظر الناس أرملة وتختفى الحقيقة المفجعة إلى األبد.
السعيد! ربما كانت ستنسى لو أن عريسھا لم يھمس لھا على باب جناحھما بالفندق
أنه أسعد انسان فى الدنيا ألنه سيكون أول من يعثر على كنز أنوثتھا. أما انتصار فقد جلست على الكوشة وكأنھا جالسة على كرسى من جمر واختلست
نظرة إلى عريسھا الذى علت وجھه ابتسامة فرحة وظفر فقد فاز بعروس جميلة
ومثقفة وابنة ناس ولكنه لم يكن يعلم أن ھناك من ظفر بھا قبله.
وسألت انتصار نفسھا ترى ھل لو عرف الحقيقة ستظل تلك االبتسامة على وجھه؟
ثم سألت نفسھا إذا ما كانت تحبه أم ال ولم تدر لسؤالھا إجابه فما حدث لھا أفقدھا
أى قدرة على التمييز بين الحق والباطل أو بين الحب واالدعاء ،كل ما كانت تعرفه
ھو أنھا كانت تتمنى أن تتزوج من بطل قومى وزوجھا رجل وسيم ومدرس فى
الجامعة ومعارض للنظام كما أنه كان أستاذھا والبد أنھا انبھرت به وبثقافته
٣٠
وتذھب إليه ..وفتح لھا باب شقته وعلى وجھه ابتسامة ظفر واستھتار فى آن واحد الفصل األخير
وانتابھا نفس الشعور بالخوف والغثيان وھى تنظر إلى وجھه األبيض الالمع وشعره
مرت سنوات على انتصار وعلى مصر ..تم فيھا بيع جميع البنوك الوطنية واشتدت
المحلوق ليظھر شديد القصر ..كان كل شىء فيه يلمع ولم تكن قسوته قسوة
شوكة االخوان المسلمين وتعددت حوادث االختفاء القسرى للمعارضين ..تمت
حيوانات وال بدا لھا يوما أنه وحش ،كانت قسوته من نوع مختلف كقسوة آله
محاكمة خمسة رؤساء تحرير لجرائد حزبية ومستقلة وتم الزج بأحدھم الى معتقل
حديدية براقة والمعه تدھس من أمامھا بال رحمة وبال حتى أى مظاھر استمتاع
الواحات بتھمة تكدير الصفو العام ..وفى ليمان طرة وفى ظروف غامضة تم قتل أحد
بسحق من أمامه..
زعماء المعارضة وأعلنت وزارة الداخلية انتحاره وذلك بعد القبض عليه للمرة
خانت انتصار زوجھا معه وفى الفراش كتبت تقريرا فى زوجھا أودى به الى المعتقل الثانية فى قضية تحرش بأنثى ..وفى عام واحد قام المستثمرين األجانب بتشريد
مع ثالثة من زمالئه فى حركة ٩مارس ورفعت ضده دعوى تطليق وقبل أن تحصل نصف مليون موظف وعامل فى المصانع والشركات وقطاعى الصحة والتعليم وفى
على الطالق تعرفت على وائل الصحفى الليبرالى الشاب الذى خرج لتوه من المعتقل نفس العام ولدت انتصار طفال ميتا وفى الحقيقة لم تكن تعلم أيھما والده زوجھا أم
والغريب أنھا تعرفت عليه جلسة محاكمة زوجھا وزمالئه وكان ھو حاضرا لمساندة عالء..
أساتذة الجامعة المتھمين أما ھى فكانت ذاھبة للتشفى فى زوجھا..
وخصخصت الدولة كل شىء من البنوك إلى وسائل المواصالت ولم يبق فى يدھا
ووقعت انتصار فى حب وائل بعدما ساندھا فى أزمتھا بعد الطالق ووفاة والدھا.. سوى الجيش والشرطة ووزارة االعالم التى استغلھا نجل الرئيس فى تقديم برنامج
وفى احد لقاءاتھما صارحھا وائل بحبه ورغبته فى الزواج منھا حيث نظر إلى يومى يشرح فيه خطته للخروج من االزمة االقتصادية الطاحنة التى تزيد يوما بعد
عينيھا بحب وقال لھا - :ليه يا حبيبتى ما بينا ايما سفر ده البعد ذنب كبير ال يغتفر.. يوم ويطالب الموطنين بالدعاء لوالده بالشفاء العاجل ولوالدته بالرحمة ..وكان
التلفزيون المصرى ھو آخر المحطات التى أذاعت خبر اجتياح الجيوش االمريكية
فضحكت انتصار بدالل - :صالح جاھين؟ -ال ..ده قلبى
لدمشق وإعدام الرئيس السورى ،فقد كان منشغال بإذاعة بيانات لجنة السياسات
يضحكان سويا وفجأة يباغتھا - :تقبلى تتجوزينى؟ وتغطية الحرب األھلية بين غزة والضفة فى أراضى الحكم الذاتى للعرب فى إسرائيل
وعرض الحلقة الثالثون بعد األلف من مسلسل أجنبى فشل فى الدولة التى أنتجته
وارتعدت انتصار عندما سمعت سؤاله ولم تدر لم؟! ھل ھو خوفھا من تكرار
فشال ذريعا ..وفى خضم ھذه األحداث الجسام زادت الحركات االحتجاجية
التجربة؟ أم شعورھا بأنھا ال تستحق رجال فى احترام وائل وھمھمت بصوت
واإلضرابات التى عمت مصر من االسكندرية إلى أسوان واستشرى الفساد حتى
مرتجف - :أرجوك اصبر على أنا لسه خارجة من تجربة مريرة ..وصبر وائل عام
طالب بعض النواب بإلغاء عقوبة الرشوة من قانون العقوبات..
واثنان بال فائدة لتقرر فجأة تركه وقد فاجأھا ھذا القرار كما فاجأه ولم تجد لنفسھا
مبررا سوى انه لم يمتھن كرامتھا نعم لقد تغيرت انتصار فقد جعلتھا المھانة التى وبين كل ھذه األحداث تاھت انتصار فى تعاستھا الزوجية مع زوج يعانى من انفصام
تجرعتھا لسنوات شخصا مريضا تستعذب عذابھا تستمتع بسباب عالء لھا أثناء فى الشخصية فھو خارج المنزل مناضل تقدمى وداخل المنزل حيوان تحكمه الغريزة
لقائھما ومعاملته العنيفة لھا ..صارت تجد لذة غامضة فى العذاب الذى تشعر فى ال مباالة لديه بمشاعرھا بل حتى بوجودھا ..ثم اكتشفت خيانته لھا مع احدى فتيات
قرارة نفسھا أنھا تستحقه.. االعالنات مما فجر داخلھا غضبا ال حدود له وجدت نفسھا بدون وعى تتصل بعالء
٣١
استيقظ عبد الجبار من نومه بصعوبة شديدة فقد نام بعد الرابعة فجرا وذلك بسبب وفى أحد اللقاءات الساخنة صارحھا عالء بانضمامه الى تنظيم من ضباط الجيش
كابوس أرقه فى أول الليل كان يتكرر دائما منذ حادث مقتل والده وكان عبد الجبار والشرطة يسعى الى قلب نظام الحكم فنظرت له بذھول صامت ليقول لھا:
قد نال ترقية استثنائية والت حق بأمن الدولة بمساعدة عالء بك الذى وعده بترقيته
-مستغربة ليه؟ ..ھمت بقول شىء ما فأجابھا قبل ان تسأل:
ضابطا اذا نجحت الحركة المباركة فى الوصول الى الحكم..
-أيوه ..ھى الجماعة اللى بتوزع منشورات فى مصر من سنتين
استند عبد الجبار الى جدار الزنزانة التى كان مقيما فيھا داخل ليمان طرة وقد كان
حارسا عليھا وسجانا لمن داخلھا يوما ما وھو يتذكر كيف ان الباشا الكبير خال -بس ازاى؟ أنت ظابط أمن دولة؟
عالء بك والذى كان يشغل منصبا رفيعا فى الحكومة لسنوات طويلة كان أيضا
-أيوه أنا أمن دولة عارفة يعنى ايه ضابط أمن دولة ؟ نتعب ونشقى نفقد كل متعة
يحضر اجتماعات حركة ضباط من أجل التغيير ويباركھا ولم ينس أبدا الحوار الذى
فى الحياة وتطاردنا الكوابيس بالليل باللى بنعمله بالنھار لحد ما ماتت أرواحنا وبقينا
دار بين البك الكبير وبين الرائد ناجى حين قال االول:
وحوش وكل ده عشان إيه؟ عشان البيه الرقيع المدلل يتولى مقاليد الحكم بعد أبوه؟
-صدقنى يا سيادة الرائد أن النظام يوشك على السقوط وأنا مش عايز أس قط طيب ايه اللى بيميزه عنى؟ وامتى تيجى فرصتى بعد عشرين سنة؟ وھابقى ايه فى
وعايزك تتأكد أننى أدعمكم بقوة ومش من المعقول وال المنطقى أن أشى بكم ألى اآلخر لواء؟ وزير؟ االنقالب ده لو نجح ممكن أوى أبقى وزير من بكره ومش بعيد
سبب كان ويكفى أن يبقالكم ظھر قوي زيى فى الحكومة .. أبقى رئيس مرة واحدة.
وينظر له ناجى باستخفاف ملوحا بيديه قائال - :كنت ..كنت قوي يا معالى الوزير تتسع حدقتا انتصار فى ذھول غير مصدقة لما تسمعه فيضحك عالء ضحكته
بس حاليا االضواء انحسرت عنك و النفوذ راح من ايدك المعدنية ويقول - :فاكرة الصور اللى تم ارسالھا للصحافة وكليبات التعذيب التى
تسربت منذ سنوات عن تجاوزات االمن وكانت تصل احيانا بتوقيع عسكرى الدرك؟
-ممكن يكون عندك حق أن االضواء انحسرت عنى لكن النفوذ لسه فى ايدى
نعم احنا اللى سربناھا الصحافة والمدونات ..مستغربيش كده عشان كل ده ضرب فى
وھاتشوف ..يا سيادة الرائد أنا كنت وزير وأنت لسه عيل وفضلت وزير رغم تعاقب
النظام وتجييش لمشاعر الناس عشان يساندونا لما نيجى ..ثم يقول فى لھجة
ثالثة رؤساء ويضع يديه على كتف ناجى ھامسا بصوت يشبه الفحيح:
استعراضية وكأنه يقف على خشبة المسرح :تخيلى ضباط ضد التعذيب ضباط
-أنا كنت أقوى من الرؤساء وأكثر قدرة على البقاء فى منصبى يواجھون الضباط والنظام عشان الناس ..تخيلى رد فعل الشعب؟ دول مش ھايحبونا
بس دول ھايعملولنا تماثيل..
-ألنك قوى؟ وال ألنك بتتلون زى الحرباية باللون اللى يناسب كل عھد من الثالثة؟
وتلمع عينيه ببريق مخيف وخيل لھا للحظة انه قد فقد قواه العقلية وتسأله بحذر- :
لم يسمع عبد الجبار باقى الحديث لكنه كان مذھوال مما سمعه يومھا وغير قادر على
مش شايف انھا غريبة جدا أنك تكشف لى معلومات بالخطورة دى ..انت؟ ........
استيعاب أكثر من نصف الكالم لكن الحقيقة الوحيدة التى كان يدركھا أنه فى طريقه
انت ناوى تقتلنى مش كده؟
لمزيد من القوة والجبروت طالما يسير فى ركب عالء بك فھو رجل شديد وقوى انه
أقوى بكثير من شيخ الغفر ..شيخ الغفر الذى انتقم منه عبد الجبار فقد تزوج ابنته يبتسم عالء فى جزل ثم يقول - :ال ..مش ھاقتلك ..أنا ھاتجوزك
٣٢
-طلباتك يا عالء بيه؟ .وضع عالء يده على كتف عبد الجبار قائال: الدميمة بعد طالقھا وأذاقھا الويالت ..كان يتركھا كالكم المھمل فى القرية وال
يزورھا بالشھور ..لم يذكر أنه لمسھا يوما اال ليضربھا ..وكان زواجه بھا ھو أول
-شوف يا سيدى أنا مش من ھواة المواشى وھاسيبلك الدار كمان ..ثم مال على
خطوات االنتقام من أبى شناف ذلك المجرم الذى قتل أبيه وأمه وأخذ أرضه
العسكرى الذى تحول وجھه إلى اللون األزرق قائال - :أنا عايز األرض
بالبخس..
وأسقط فى يد عبد الجبار ..صمت لمدة ال يذكرھا كل ما يذكره ھو أنه صرخ فجأة فى
لم ينس كيف انه عاد الى البلد اجازة لمدة اسبوع نجح خاللھا فى تفتيت عصابة أبى
وجه عالء وألول مرة منذ زمن يستطيع عبد الجبار نطق جملة كاملة بدون تلعثم:
شناف فھذا متھرب من التجنيد فيبلغ عنه وذلك عليه ثأر فيدل أھل الثأر عليه ھكذا
-إال األرض يا عالء بك حتى صار شيخ الغفر العجوز وحيدا ومشلوال كان ال يحلو له ضرب زوجته الدميمة
ومعايرتھا بخلقتھا التى تشبه وجه القرد اال امام والدھا ..ثم ألقى بالسفاح العجوز
اتسعت عينا عالء فى ذھول ثم صرخ فى وجه عبد الجبار:
فى مضيفة العمدة لكنه لم يطق فكرة بعده عن سيطرته فأعاده بعد شھرين وھو شبه
-نعم يا روح أمك؟ ده لوالى ما كنتش خدت اللى خدته يا غبى جثة ليدخل عليه ليال كلما كان فى اجازة ويوسعه ضربا بالسوط وبالحذاء ..كم ليلة
باتتھا ابنة ابو شناف مقيدة وعارية فى شتاء طوبة وسط المواشى فى الزريبة ..لم
-دى أرض دفعت ثمنھا غالي ..دفعت فيھا عمرى كله أنا ممكن أراضيك يا باشا لكن يترك وسيلة لتعذيب عدوه القديم وابنته اال واستخدمھا وفى ليلة شديدة البرودة مات
تأخذ االرض كلھا ده بعينك أبو شناف وقبل أن تصرخ على والدھا أجبر عبد الجبار زوجته على التنازل له -فى
لم يدر بعدھا عبد الجبار من أين يأتيه الضرب لكنه خرج من مكتب عالء بك وجسده عقود جھزھا له عالء بك -عن كل ما تملكه من طين ومواشى حتى الدار ..مازال
أزرق اللون من آثار الركالت والضرب بكعب المسدس الميرى وذھب الى عنبر النوم يذكر كيف كان يحرقھا بماء النار ثم يكتم الجرح بالملح لتصرخ المسكينة وتبصم
متورما ولم يجرؤ أحد العساكر على االقتراب منه أو سؤاله عن سبب ما حدث ودخل على عقد وھكذا حتى جردھا مما تملك ثم ألقاھا بثوبھا المتھالك على قارعة الطريق
حسن العسكرى الفالح الذى كان مبھورا بقوة عبد الجبار وقربه من الباشا كان معه تتكفف الناس..
كوبا من الشاى قدمه لعبد الجبار الذى احتساه ثم غاب فى غفوة وأفاق على آذان وعاد عبد الجبار الى القاھرة مرفوع الرأس بداخله شعور باالرتواء المؤلم وكأنه
الفجر لم يكن حسن موجودا فى عنبر النوم ولم يكن سالحه الميرى موجودا أيضا.. كان ظمآن أللف سنه ووجد نفسه فجأة فى حضن النيل فشرب نصفه ..ولكنه فوجىء
تفاصيل كثيرة مرت فى ذھن عبد الجبار منذ محاكمته عسكريا لضياع سالحه بسكين ينغرس فى بطنه ويطالب بنصيبه من الماء ..كان ذلك عالء بك يطالب
الميرى فطرده من الخدمة ثم اختطافه من الشارع والزج به فى زنزانة الحبس بنصيبه من التركه واالطيان لم ينس عبد الجبار الجشع الذى طل من عينى عالء
االنفرادى فى ليمان طرة ..لقد كافح كثيرا بل ووضع يده فى يد قاتل أبيه وأمه حتى وھو يقول - :عشرين فدان يا عسكرى؟ وخمسين راس مواشى؟ انت مش شايف ان
يصير من الغفر ثم صار من العسكر وفى اللحظة التى ظن فيھا أنه بلغ مراده أخيرا الوليمة كبيرة عليك لوحدك؟ وبعدين متنساش انى انا اللى جھزت لك العقود وانا
وملك الدنيا ھا ھو االن ملقى فى زنزانة مظلمة مجردا من شرائطه ومن حلته اللى دليتك على الطريق اللى تاخد بيه حقك
الميرى.. انتفض عبد الجبار غضبا وخوفا فى آن واحد وقال بصوت مقھور ومبحوح:
٣٣
بحور الدم؟ أما عن المرشح الرابع فھو مازال شديد الغموض ولم يعلن عن برنامج وأشرقت الشمس منقبضة القلب فى ذلك اليوم وكانھا كانت تشعر بحجم الكارثة
انتخابى محدد وإن كان يلقى قبوال فى أوساط األقباط ويھود مستوطنة أبى حصيرة الموشكة على الوقوع ..كانت مصر قد شھدت خمسة تفجيرات كبرى فى القاھرة
الذين بلغ عددھم طبقا آلخر اإلحصاءات ألفى يھودى ..ترى من منھم سيحكم مصر؟ وشرم الشيخ وأسوان وانتشرت أعمال البلطجة الجماعية المنظمة وصار المواطن
العادى ال يجد حماية إال لو كان إخوان سواء بالتنظيم أو بالتعاطف ،أو أمن إما بحكم
وتنزل التيترات لتعلن نھاية الحلقة وينزع بيتر السماعة من أذنه فى نفس اللحظة
الرتبة أو بالعمل لصالح جھة أمنية ما سواء أمن دولة أو أمن قومى أو حتى فى
التى يقتحم فيھا االستديو خمسة رجال مسلحين يرتدون المالبس الميرى ويتقدمھم
حمى فالن بك أو عالن باشا..
ناجى ضابط الجيش فيسألھم بيتر مندھشا - :ايه ده ؟
فى ذلك الصباح تم اإلعالن عن وفاة رئيس الجمھورية وتم تحديد موعد إلقامة
ويجيبه الضابط بابتسامه عريضة - :الجيش قال كلمته
االنتخابات الرئاسية بعد أربعين يوما ..وكانت الشروط الالزم توافرھا فى المرشحين
كانت جماعة ضباط من أجل التغيير والتى انضم لھا مؤخرا وزير الدفاع نفسه قد والتى نص عليھا الدستور المصرى بعد عشرات التعديالت التى جرت عليه ال تنطبق
استولت على كل استديوھات التلفزيون المصرى ومعظم مكاتب الفضائيات العربيية إال على أربعة أشخاص وھم :ابن الرئيس الراحل والذى كان يحمل الجنسية
واالجنبية فى مصر وتولت العناصر القليلة التى تنتمى الى الشرطة وبمساعدة ألوية االنجليزية بجوار جنسيته المصرية ..ورجل أعمال ملياردير ..والمرشد العام
من االجيش القاء القبض على كبار رجال الداخلية والجيش وتصفية بعضھم جسديا لالخوان المسلمين الذى نجح فى انتخابات برلمانية تم وصفھا باالعجوبة وقتل فيھا
كما استولوا على الكثير من أقسام الشرطة وأحكموا قبضتھم على العساكر واالسلحة مئتين وخمسين من كوادر االخوان والمتحمسين لھم ..أما الرابع فقد كان مرشحا
بل واستعانوا ببعض المحتجزين فى ھذه االقسام بحجة انھم جاؤوا النقاذھم من شابا والده من أقباط المھجر وأمه من يھود اسرائيل..
التعذيب واالمتھان وكان النمنم ذلك النشال السابق محتجز فى قسم الشرطة بتھمة
وقف بيتر عونى مدير مكتب احدى الفضائيات أمام الكاميرا قائال:
نشل محفظة أمين شرطة وخرج من الحجز سعيدا بالثورة وھم بالتقاط سالح من
السالحليك لينضم للضباط االحرار كما سماھم عندما اصطدمت عينه بعالء بك ضابط -ان االسابيع القليلة القادمة ھى أخطر مرحلة تمر بھا مصر ..ترى ھل يصمد ھذا
أمن الدولة الفاسد الذى حقق معه والصق به تھمة التظاھر التى ألقت به فى ليمان الوطن الذى أشرق فيه فجر الضمير أم أن شمس مصر ستغرب فى بحور الحرب
طرة وقتھا عادت الذاكرة بالنمنم إلى المعتقل وتذكر وائل الليبرالى الذى قال له يوما األھلية التى شبت فى الشوارع والحارات حتى فى مقار األحزاب السياسية ؟ لقد
ردا على سؤاله حول إمكانية أن يحكم الجيش ويصلح الحال مثلما فعل الضباط تحول الصراع فى الماراثون الرئاسى إلى قتال فى بعض األحيان ومن المعروف أن
األحرار وقتھا ضحك االستاذ وائل ثم قال للنمنم - :الجيش من الممكن أن يحمى رجل األعمال الشھير قد تراجع عن الترشح لمنصب الرئيس لصالح صديقه ابن
ديموقراطية موجودة بالفعل لكنه ال يصنع ديموقراطية وال يمارسھا.. الرئيس الراحل الذى يلقى مساندة الحزب الحاكم ورجال االعمال ورجال الشرطة..
بينما تقف قطاعات عريضة من الشعب مع مرشد االخوان ..بينما لم يقل الجيش
وقتھا لم يفھم النمنم حرفا واحدا مما قاله أستاذه ولكن وجود عالء أمامه لم يريحه
كلمته بعد وما يزال موقف الجيش غير واضحا حتى ھذه اللحظة وإن كان وزير
فآثر الفرار إلى منزله فى الدويقه واالختباء ھناك ولكنه لم يكد يصل إلى ھناك حتى
الدفاع قد صرح أن الجيش موقفه محايد حتى ھذه اللحظة ولكنه سيتدخل إن تم
فوجىء بعدم وجود منزله وال عشرين منزال مجاورين له وعندما رأى الكتلة
تھديد النظام وال يعرف أحد متى سيشعر الجيش بالخطر والشوارع تكاد تغرق فى
الصخرية الضخمة تحتل مكان البيوت المختفية حتى علم أن ما حدث فى ٢٠٠٨قد
٣٤
يعد النقود التى بھا وھجم عليه جائع ثالث وھو يلھث - :ده البس سلسله دھب.. حدث مرة أخرى وتذكر خيبة الجيش وقتھا وكيف أن األھالى كانوا يحفرون االنقاض
وانتزع السلسه وراح ينظر لھا فى سعاده بينما صرخت المرأة : بأظافرھم بحثا عن ذويھم ..ولكن ھذه المرة لم يكن ھناك أھالى وال خيام وھام نمنم
على وجھه فى شوارع المحروسة وھو يسب ويضحك بھستيريا - :أموت واعرف
-إيه ده ؟ ده صليب ..الجدع مسيحى
مين ابن المتضايقة اللى سماھا محروسة ..دى موكوسة ..مھروسة..
اعتصره الضخم فى قبضته قائال - :انت وقعت وال الھوى رماك..
وقادته قدماه الى منزل وائل زميل المعتقل المثقف دق جرس الباب فتح له وائل
والتفت ناظرا إلى من حوله - :تالقيه ابن الجدع ده اللى اسمه ساويرس.. الذى كانت عيناه مغرورقتان بالدموع وخلفه شاشة تلفاز تعرض مشاھد القتال فى
الشوارع ألقى نمنم نفسه فى أحضان وائل وقال بصوت تخنقه الدموع - :مين اللى
ثم نظر إلى بيتر متوعدا - :ده انت وقعة أمك سودة ..وانھار بيتر باكيا - :أل ..
سماھا محروسة يا أستاذ ؟ أموت واشوفه ابن الوسخة..وانخرطا فى البكاء سويا..
أرجوك شوف انا معايا كريديت كارد وخدوا العربية ..وخلع الساعة قائال- :
والساعة دى تمنھا خمس تالف جنيه خدوھا مش عايزھا بس سيبونى أروح.. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وضحكت المرأة ثم اقتربت منه قائلة - :والنبى حلو واسمرانى ..ثم اقتربت منه
خرج بيتر من االستوديو والذھول يعتريه ،لطالما كان رأيه أن النتيجة الطبيعية لما
أكثر ھامسة:
حدث فى مصر طيلة السنوات الماضية ھو انقالب عسكرى لنظام الحكم أو ثورة
-ما تسلم واتجوزك يا عسل شعبية يركبھا االخوان المسلمون لكن أن تتوقع شيئا غير أن تراه بعينك ،و ما حدث
على أرض الواقع لم يكن مجرد انقالب بل كان انقالبا دمويا عنيفا مصحوبا بحركة
وانھار بيتر على ركبتيه غير مصدق لما يحدث عندما انقضت عليه المرأة تقبله
اعدام لمعظم رموز الحكم فى العھد السابق ،انقالب لم يأت إال بعد ثورة للجياع
فضربھا الضخم ثم استدار إلى بيتر وأوسعه ضربا بمشاركة اآلخرين حتى طرحوه
اندلعت فى شوارع مصر كانت ثورة أبشع فى ضراوتھا من الثورة الفرنسية.
أرضا بين الوعى واإلغماء وأخذوا السيارة وفروا بھا بعيدا ..وظل بيتر يرتجف من
األلم والصدمة ولم يدر كم من الوقت مضى عليه وھو فى ھذه الحاله حتى استطاع وفجأة انتزع بيتر من أفكاره انتزاعا على جذع شجرة يلقى فى طريق سيارته
أن يستجمع قواه وينھض ليكتشف أن وسيلة المواصالت الوحيدة المتاحة أمامه ويجبره على التوقف .وترجل بيتر ليجد نفسه محاصرا من مجموعة ممن كان
حتى المنزل ھى قدميه وكان االكتشاف فى حد ذاته مرعبا ولكن لم يكن أمامه يسميھم قبال بالجياع كانت رؤيتھم عن قرب ونظرة الجوع والحقد تتملكھم ..كان
اختيارات وبدأ الرحلة التى شاھد فيھا العجائب ،جثث فى الشارع فاحت رائحتھا دون منظرھم مرعبا لبيتر الذى عاش عمره فى أمريكا فى رفاھية ورخاء ..كانت
أن تجد من يدفنھا ،شعارات ضد ابن الرئيس وضد الحكم والحزب الحاكم على أظافرھم متسخة وطويلة وشعورھم غير مصففة ومن بينھم كانت امرأة لم يتبين
الجدران ،منشورات ملقاة على قارعة الطريق تدعو الناس للتوحد خلف راية جمالھا من قبحھا من ذلك التراب الذى غطى وجھھا ..اقترب أكثرھم ضخامة من
اإلخوان ،ودبابات تسر فى الشوارع بدال من السيارات وأوتوبيسات النقل العام، بيتر وأمسك بياقة قميصه الذى بلله عرق الخوف والحر وھزه بعنف قائال:
مصاحف ممزقة وملقاه على األرض وراھبة مقتولة ونصفھا السفلى ممزق بكل ما
-األمور ابن مين فى البلد بقى؟ ارتجف بيتر وازدرد لعابه فى بطء دون أن ي
تحمله الكلمة من معنى وفى منتصف الطريق انتابته حالة من الرعب عندما رأى
ستطيع الرد وھاجمه آخر وراح يفتش فى جيوبه حتى وجد محفظته فأخذھا وراح
مجموعه من الملتحين ذوى الجالليب البيضاء يقتربون من راھبتين وقفتا تنتحبان
٣٥
وھجمت زوجة البواب على بيتر وأوسعته ضربا ثم تناولت المكواة وقذفتھا فى جوار جثة زميلتھم ،فقفز إلى صندوق كبير للقمامة كان فارغا حيث نبشه الجياع
وجھه لكنھا أخطأت التصويب فجاءت فى رأس زوجھا الذى استشاط غضبا: وأخرجوا كل ما فيه وأخرج عينيه ليراقب ما سيحدث ورسم صليبا على وجھه
وصدره ودعا ﷲ ودعا ﷲ أن يسامحه ألنه لن يساعد ھاتين الراھبتين ولكنه
-ملكيش دخل انتى يا مرة ..وطرح بيتر أرضا وراح يخنقه بقسوة حتى كاد يلفظ
فوجىء بھما تخرجان مسدسان وتطلقان الرصاص على الرجال ذوى الجالليب
أنفاسه االخيره ثم تركه قائال - :أنا ھاسيبك تمشى ومش ھاموتك بس حسك عينك
البيضاء ..كان ما يراه ضربا من الجنون لم يصدق عيناه لم يصدق كل ما سمعه من
ترجع تانى انت فاھم؟؟؟؟ ثم حمله حمال وألقاه خارج الشقة وأغلق الباب ووقع بيتر
قبل عن التعصب والفتنة فى مصر ،فقط كان يصدق إن كانت الضحية من األقباط،
على وجھه أمام شقته وراح يعبث بالكرا تين المصطفة خارج الباب وأخذ منھا بعض
فقط كان يصدق عندما يكون الجانى من االرھابيين االسالميين ..عندما جاء إلى
األغراض على عجل وغادر الشقة والبناية كلھا..
مصر بصفة شبه دائمة للعمل واإلقامة جاء بحبه للبلد وإيمانه أن األقباط
وفى طريقه وجد إحدى الفيالت المھجورة فقفز الى داخلھا وبدا فى فرز األغراض مضطھدون فيھا وبأنه نصف خواجه وھو ما يجعله مميزا عمن يعيشون فى مصر
كان ھناك قميصان وبلوفر شتوى وحقيبة صغيرة بھا بعض األوراق وكان على من المسلمين أو حتى من أتباع المسيح وظل قرابة نصف الساعة مختبئا فى
السطح ملف بعنوان " اضطھاد األقباط فى مصر" وابتسم بيتر فى سخرية ثم تناول صندوق القمامة وعندما شعر بھدوء نسبى فى الشارع قفز إلى الخارج وراح يعدو
أول ورقة وراح يعيد قراءتھا مرات عديدة فاليوم يراھا بمنظور جديد يجعله يدرك بكل قوته فى اتجاه منزله فى المھندسين وعندما وصل اندفع إلى المصعد وبمجرد
كم كان غبيا ومضلال قبل ذلك وبدأ يقرأ الرسالة بتأنى للمرة الثالثة وكان ھذا نصھا: أن أغلق باب المصعد انھمر فى البكاء وتوقف المصعد وبمجرد أن خرج بيتر منه
احمد المسلم ذبح شريكه القبطى رومانى راجى عبده باسوان ومازال مسلسل اصطدمت عيناه بباب شقته وقد انفتح على آخره واصطفت بعض أغراضه فى
اضطھاد و قتل االقباط مستمرا الجبارھم علي الدخول في االسالم او يقتلون علي يد كراتين مفتوحه وتوجه ببطء نحو الشقه والخوف يعتريه وقد تيقن أن ثمة من اقتحم
الجماعه االرھابيه االسالميه في كوم امبو في اسوان و بسبب بعض شيوخ االزھر شقته وفى نفسه قال - :مش مھم ياخدوا اللى ياخدوه المھم يسيبوا السرير
فھذه ھي نتائج و ردود افعال تعاليمكم علي الشباب المسلم فيعتقدون ان كل
وسمع صوت البواب فاطمأن وخطر له أن البواب قد طرد المقتحمين ودخل الشقه
المسيحيين كفره و يجب ان يدخلوا في االسالم او يقتلوا واقربھا البارحه الشيخ
ليجد زوجة البواب تمسك فى يدھا اليمنى مكواة وفى اليسرى خالطا وراحت تنادى
محمد اسماعيل قال ان المسيحي لو مات في القتال ال يعتبر شھيدا و اليدخل الجنه
على زوجھا - :متنساش االنسالل الدھب أبو قلوب والمادالية الحلوة دى االلماظ
== ولكن عشمي االن في القضاء المصري غير الوھابي انظروا الي حميه وغيره
واال ما ادرى البالتينه ..وصرخ بيتر - :انتو بتعملوا ايه يا حيوانات؟ وصرخت
القاضي في الشرقيه للسيده المسلمه التي اغتصبھا ١٠مسلمين واصدر حكما
زوجة البواب ليأتى زوجھا وفى عينيه نظرة تفيض كرھا واستھزاءا فى ذات الوقت:
باعدامھم جميعا فھل يا تري نامل في حكم مماثل وعادل من القضاء المصري الحمد
-انت شرفت يا خواجه؟؟ أشار بيتر بيديه إلى الباب - :امشى اطلع بره انت
القاتل المسلم للمسيحي روماني من كوم امبو اسوان لكي يجبره علي الدخول في
والحيوانة دى - ..نطلع بره؟ نروح فين ؟ دى بلدنا ..انت اللى تطلع بره يا مستر
االسالم فرفض فقتله ارجوكم ارجوكم نھضه مصر وتقدمھا ووقف ھذه االعمال
بيتر ..وانقض عليه بيتر ولكمه فى أنفه صارخا - .. fuck you :انا قلت تطلع
االجراميه في يد القضاء االن ال نريد قاضي ينخدع باقوال زائفه من المحامين او
بره يبقى تطلع بره
يميل الي تصديقھم ويصدق االدعاء الكاذب بان روماني كان علي عالقه بزوجه
احمد القاتل اظن شبعنا من ھذه الفكره كما حدث في دفش بالمنيا من الحكم علي -انت ھاترطن باالنجليزى يا ابن المجنونة ؟
٣٦
أقام عالء وانتصار حفل عشاء عائلى فى أحد المطاعم العائمة بالزمالك بمناسبة المسلم قاتل الشاب المسيحي بسنه سجن مع وقف التنفيذ ارجوكم يا قضاه مصر
زواجھما وبعد انتھاء الحفل اصطحبھا إلى شقة خالھا فى الحى الراقى حيث استقر اوقفوا سرطان الفتنه الطائفيه باحكامكم العادله كلما قتل قبطي قال محامي الشياطين
رأيه على أنھا أنسب مكان لعش الزوجية ،أنسب بكثير من شقته فى حى فيصل ومن انة كان علي عالقة جنسية مع واحدة وكان االقباط ناقصين نسوان او كان نساء
اإلقامة مع أمھا التى صارت وحيدة بعد وفاة والد انتصار ودخال الشقة فى صمت المسلمات ھكذا في منتھي السھولة ثم ياتي قاضي القت بة الظروف السوداء
فتح الباب ودخل إلى غرفة الجلوس أضاء النور وجلس وأغلقت انتصار باب الشقة والجھل والتاخر والتعصب االعمي الي اقدس مكان وھو كرسي القضاء المقدس
ودخلت خلفه متألمة من تجاھله وا زدرائه ولكن -ولدھشتھا -شاعرة بنشوة ال فيحكم كاالعمي تسوقة غباوتة وتعصبة وانا ال القي االتھامات جزافا ،افيدونا يا اھل
تعرف لھا وصفا تلك اللذة التى صارت تشعر بھا فى كل شىء يحدث لھا على يد الخير كم قاتل مسلم تم تنفيذ حكم االعدام فية؟ الم يقل قاضي الظلم للمنتصرة مرثا
عالء من إھانات وضرب وممارسة عنيفة فى الفراش ..تلك اللذة المريضة التى لو معي سكين لذبحتك؟ يا للفضيحة يا مصر الي اين ذھب بك مبارك والي اين
تدفعھا دفعا إلى االستحمام بماء ساخن لدرجة الغليان أحيانا ..كم أحبت وائل ولكنه سيذھب؟ ھل الي المحكمة الدولية ام الي خراب مصر ام الي نھاية مصر المحتومة
كان وديعا لدرجة مقززة ،رقيقا إلى حد يصيبھا بالغثيان ،لو أنه فقط كان قاسيا معھا نحن نثق في عدل ﷲ ھل تذكروا ايام استخدمتم الكيماوي لقتل الشعب اليمني بعدھا
قليال ،لو أنه لم يحترمھا بھذا الشكل ،لو أنه قابلھا قبل كل ما حدث لھا.. كانت فضيحة ٦٧وھل نسيتم ماذا حدث بعد مذبحة الكشح؟ الم يحرق الرب قطارا
بمن فية الم تغرق عبارة بمن فيھا يا مسلمو مصر خافوا من يوم تقولون فية للجبال
-بتعملى ايه يا مدام؟ ھستناكى الليل بطوله وال ايه؟
انطرحي وغطينا ويا اكام اھبطي علينا من وجة ﷲ العادل الجالس علي العرش
انتزعھا صوت عالء من خواطرھا فخلعت حجابھا وألقته على األرض وھرولت إليه واقول الھلي االقباط ال تخافوا وال ترتاعوا نموت بالسرطان بالمرض بالحوادث ال
وھمت بخلع الفستان لوال أن أوقفتھا نظراته المستھترة الباردة وھو يقول: يھم ولكننا سنموت رجاال وعلي اسم سيدنا ومخلصنا يسوع المسيح نحيا ونموت اما
اوالد االثم والھالك فھم للھالك يدعون وليتمجد اسم الرب ولتكن اجسادنا ذبيحة حية
-أنا مليش نفس ..زى ما تقولى كده نفسى غامة عليا ..ثم وضع ساقا فوق األخرى
لمجد اسمة لالبد وكما قال موسي النبي العظيم )قفوا وانظروا خالص الرب( يسوع
وسألھا - :عندنا ايه يتاكل؟ أصلى جعت والعشا مكانش أد كده فى األوتيل..
قريب ..الي اسرة الضحية والي كل قبطي فوق العالي عليا وفوق المتسلط متسلطا
انھارت انتصار على أقرب مقعد وقد أصابھا االحباط وقالت بحذر: وفوق الكل واحد ھو ﷲ لقد تفرعن االرھابيين بسبب خوف الحكومة منھم بل
وتعاونھا معھم في االھداف وترك الحبل علي الغارب لھم في اتفاقيات علي حساب
-بس انت أكلت كويس ھناك ..ده انت اكتر واحد أكل.. االقباط ولم يعرفوا ان عدل ﷲ ال يھتز ليقرواء سفر اشعياء ماذا سيفعل الرب في كل
-انت ھاتعدى عليا األكل يا روح امك ..قومى ومتورنيش خلقتك غير لما السفرة فرعون وكل متفرعن قريبا سنراكم تبولوا امام صغيرات جيش دفاع اسرائيل وتبكوا
تكون جاھزة.. وتتباكوا للمجتمع الدولي طالبين الرحمة والعفو والرضا وتتفرعنوا علينا نشكوكم
الي كل مسلم في المنتدي ھل تتوقعوا ان يكون راينا في االسالم ايجابيا؟؟ وانتم
وقامت انتصار إلى المطبخ وراحت تعد الطعام وجاءھا للمرة األلف نفس الخاطر أن تقتلوا اھلنا وتحرقوھم نشكوكم انتم وما تؤمنون بة الحقيقي العادل
تتناول سكينا حامية وتذبحه بھا ذبحا لكنھا تذكرت آخر مرة فعلتھا وكيف انھار
كرھھا له أمام كرھھا لنفسھا فألقت السكين وانھارت تحت قدميه ليوسعھا ضربا.. )رئيس الجمعيه الوطنيه القبطيه االمريكيه(
٣٧
نظرت له انتصار فى شغف وابتلعت ريقھا فى صعوبة وقالت - :أنا تحت أمرك لطالما كرھت نفسھا منذ طفولتھا كان والدھا غاضب عليھا باستمرار لم يحدث أن
أخطأ مرة واحدة وأخذھا فى حضنه ،كان يوسعھا ضربا ألتفه األسباب وش بت
-أنا ارميلك األكل على األ رض وانتى وطى وكليه من غير ما تستعملى ايدك خالص
كارھة لنفسھا معتقدة أن كل ما تفعله بنية حسنة ينقلب عليھا وعلى من حولھا شرا،
ولو استعملتى ايدك ھاجلدك بالكرباج السودانى الجديد..
لم تكن راضية عن نفسھا كانت تقف بالساعات أمام المرآه وتفكر ماذا لو كانت
وھزت انتصار رأسھا بالموافقة فألقى لھا بقطعة لحم بعد أن داس عليھا بالحذاء أقصر قامة ؟ لماذا تكون بھذا الطول الذى يجعلھا ال تجيد االختفاء وان حاولت؟
وعندما ھمت انتصار بالتقاطھا داس بحذائه على رأسھا لتتأوه فى ألم يشعرھا ولماذا لم تكن بشرتھا أفتح من ذلك؟ حتى جسدھا الفائر كانت تعتبر بروزاته عيوبا
باالشباع المھين وفى داخلھا انحدرت دمعه ساخنة عندما تذكرت ما قاله لھا وائل واستدارته عاھة ..وحده خالھا كان يعطيھا بعضا من الثقة وقليال من االحترام
فى أحد لقاءاتھما عن أبطال المعارضة أيام العھد البائد -كما يسميه عالء -كان وائل لذاتھا ..لم تشعر يوما باالشباع كانت فى داخلھا جائعة وال تدرى ما الذى يمكنه أن
يقول لھا - :يا حبيبة قلبى انتى بريئة ومش فاھمة الموقف فى أوساط المعارضة.. يشبعھا ويطمئن خوفھا المسعور الذى كان يأكلھا من الداخل عما ت لو اآلخر دون
مش بس جوزك اللى بيعيش فى ازدواجية ..المعارضين كلھم كده اللى يتشھر منھم أن ترى له مبررا منطقيا منذ صغرھا كانت تعاقب نفسھا باالمتناع عن الطعام
ويبقى بطل اعرفى انه أكثرھم استفادة من المبادىء وان المخلص الحقيقى بيضيع وبالبكاء وعدم النوم اال انھا صارت عنيفة مع نفسھا بعد أن عرفت عالء وذاقت
عارفة ليه يا حبيبتى؟ ألن فى مصر البطولة بأجر واالستشھاد مجانا.. األمرين على يديه وعلى يد عبد الجبار ذلك العسكرى المقزز المتوحش كالحيوانات..
كثيرا ما سألت انتصار نفسھا ھل يعقل أن يكون ھناك بشر بھذا التوحش؟ لم يكن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لدى عبد الجبار كلمات بل لكمات لم تكن لديه مشاعر بل انفعاالت يفرغھا فى جسدھا
استقل عماد سيارته الفارھة فى فخر وتوجه إلى مقر محكمة الثورة التى تم اختياره وھى راضية ،كانت تبكى بين ذراعيه وبداخلھا رضا ألنھا تؤمن ان ھذا ھو ما
فيھا كقاضى للحكم فيما يسميه الرأى العام بقضايا التصفية أى تصفية أذناب العھد تستحقه فھى ال تستحق حنانا وال حبا ،كان داخلھا ھاجس يؤرقھا أنھا مثل عبد
البائد والنظام الفاسد ..وقد خرج عماد من منزله وقد عقد العزم على أن يصفيھم الجبار حيوانة لكن ﷲ وضع الحيوان بداخلھا فى قالب جميل من األنوثة الفائرة .
واحدا واحدا فھى فرصة عمره لكى يصبح بطال قوميا كما كان يحلم فى مراھقته ،
الشىء الوحيد الذى جعل انتصار تشعر فى مرحلة من مراحل عمرھا باالحترام كان
ذلك الحلم الذى نسيه مع عمله فى النيابة وزواجه بامرأة تفتقر إلى األنوثة ،كل
عملھا فى السياسة لكن المفارقة التى تضحكھا أن عملھا فى السياسة كان ھو ما جر
مقوماتھا أنھا ابنة مستشار كبير ومسنود مع الوقت بدأ يشعر أنه صار بطال بحق
عليھا كل ھذه المآسى المروعة ،وھو ما جعلھا تكره مصر وتكره أھلھا فقد اكتشفت
مع الثروة والنفوذ..
من خالل قربھا من المعارضة أن معارضة مصر أسوأ من حكومتھا وأن المسأله ال
ورغم شعوره بالحنين للحلم القديم إال أن عقله كان يفيقه فى اللحظة األخيرة كى ال تتعدى كونھا حسابات مصالح فھناك من رأى مصلحته مع النظام وھناك من اكتشف
يضيع كل ما كسبه وصل اليه ،وبمجرد وصوله إلى المحكمة جلس مزھوا بنفسه أنه فى المعارضة يكسب أكثر وفى النھاية كانت ھى وغيرھا من المغفل ين الذين
شاعرا بالعظمة واالرتواء وكاميرات التلفزة موجھه إليه وھو يحاكم ابن الرئيس صدقوا الشعارات الجوفاء ضحايا لھذه المھزلة السياسية .وخرجت انتصار بالطعام
السابق وعصبته وبالطبع جاءت ا ألحكام رادعة ما بين اعدام ونفى ومصادرة ووضعته أمام عالء الذى ابتسم قائال فى مرح له بريق المعادن - :ما تيجى نلعب
أموال ..وكتب بيتر فى مذكراته عن أحكام محكمة الثورة قائال: لعبة جديدة..
٣٨
بعض رجال الكنيسة وتھميشه من قبل جماعات أقباط المھجر فلم يجد لنفسه ملجأ " كانت أحكاما باردة مزيفه رغم حدتھا الظاھرة ..أحكام لم تأت من غضب حقيقى
إال عند وائل الذى تحول منزله الفاخر الى ملجأ للمطاردين والمغضوب عليھم من بل جاءت من نفوس أمارة بالسوء كل ما كانت تسعى إليه ھو مزيد من الشھرة
بيتر المصرى االمريكى إلى النمنم اللص البسيط الذى صار وطنيا بالصدفة ..إلى والفرقعة االعالمية .كانت الجلسه التى يرأسھا مستشار ذو ميول إسالمي ة تصدر
عبد الجبار ذلك العسكرى الذى بطش بھم فى المعتقل قبل ذلك وصار كسيرا ذليال ال األحكام جزافا على كل علمانى أو يسارى حتى وان كان متدينا فى حياته الخاصة
حول له وال قوة. وكانت الجلسه التى يرأسھا مستشار من محكمة أمن الدولة فى العھد البائد تسفك دم
أى شخص كان له عالقة ولو سطحية بالحزب الوطنى أو بالحكومة المخلوعه
فى ھذا البيت قضى بيتر أسعد وأغلى أيام عمره ،فى ھذا البيت صار بيتر مصريا
وكأنھم يطھرون أنفسھم بدماء اآلخرين من تھمة الدياثة السياسية فى العھد
مصريا بعد أن تخلص من رواسب التفوق األمريكى ونزعة التكبر والفخر التى كانت
الماضى ،وفى كل جلسه كان ھناك مندوبان من الجيش أو بعض قطاعات الشرطة
تمأله عندما يناديه الناس "يا خواجه" ،وألول مرة يأكل بيتر الفول المدمس
يس جنان رئيس الجلسه بينھما وكأنھما ناكر ونكير ،كانت أحكام الثورة حق يراد به
والكشرى وألول مرة أيضا يبكى من اجل مصر وعلى حالھا فقد صار يحبھا كوطن
باطل وخير أتى على يد رجال امتھنوا الشر عقودا طويلة من الظلم والظالم ..ليت
بعد أن كان يحبھا كبلد سياحى يقضى بھا اجازاته ويفتخر أمام األمريكان بأنه حفيد
كل رجال الثورة كانوا مثل ناجى ذلك الضابط الوسيم الجرىء الذى يتمتع بقدر كبير
تلك الحضارة العظيمة ثم يعود فينكر صلته بمصر المعاصرة أمامھم..
من الصدق والمحبة للوطن ،كان ناجى مسلما مخلصا ومصريا صادقا لكنه ذھب بال
أصبح بيتر ينزعج لو أخطأ النمنم وناداه بكلمة خواجه ويضحك من قلبه عندما رجعه فمثله ال يعيشون فى وطن صار مرتعا للذئاب ولكن أنى له أن يستمر فى ثورة
يمسك عبد الجبار بالنمنم ويوسعه ضربا على قفاه عندما يسرق األخير الخبز من اقتسمھا الجيش واألخوان فقسموا ظھرھا وقلبوا حقھا باطال ثم انقسم االخوان
تحت مخدته ..كم تمنى لو أن تلك األيام تدوم وتزول الغمة عن مصر ،كم مرة حسد وأقاموا محكمة القيم ..أول محكمة ال تنعقد لھا جلسات وال يدافع فيھا المتھم عن
فيھا وائل وھو يحكى عن طفولته فى رمضان وعن الفوانيس والكنافة وألف ليلة نفسه والحكم فيھا ينفذ فوريا وبال تريث ..حتى غرقت مصر فى بحور الدم من جديد
وليلة والفوازير ،حتى النمنم اكتشف بيتر انه قضى أوقاتا سعيدة وساحرة فوق بعد ھدوء نسبى لم يدم شھورا قليلة"..
سطوح بيتھم فى الدويقة وعند أصدقائه فى الحسين والسيدة عيشة وعن حفالت
كتب بيتر ھذه السطور قبل أيام من مطاردة نفس المحكمة له بدعوى أنه من
شعبان عبد الرحيم وأغانى شفيقة التى كان يحب عليھا توحة بنت الجيران التى
المبشرين وعمالء االستعمار الكافر وأنه جاسوس للواليات المتحدة األمريكية ولدو
ماتت محروقة بعد انفجر فى وجھھا وابور الجاز..
لة اسرائيل وبالطبع لم يفت اإلمام االكبر للجماعة وھيئة العلماء أن يھدروا دمه،
وجد بيتر نفسه واكتشف انه كان يحيا حياة شخص غيره ال حياة تليق بمواطن وبعد أن وجد بيتر أن استمراره فى الدير صار خطرا عليه بعد أن صارت الجوامع
مصرى ..ولكن لألسف كان يشعر وكأنه ولد تائه تعرف على أمه بعد موتھا فما واألديرة ساحات للحرب األھلية ولتصفية العناصر المارقة من أتباع الديانتين على
الذى سيفعله اآلن وقد صارت شوارع مصر ملتھبة وقاسية وفى داخله شعر بالندم حد سواء ،وبعد أن صدر له كتاب عن عظماء االسالم وذلك بعد ان دعته الفتنة الى
ألنه لم يأكل ترمس على شاطىء النيل وال تذوق القطائف فى رمضان وال واظب دراسة الدين االسالمى دراسة وافيه جعلته يتحول من احتقار االسالم الى احترام
على حضور الكنيسة كل أحد حتى عندما اختبأ فى أحد االديرة لم يقرب الصالة ولم تعاليمه وجعلته يفرق تماما بين من يراھم من المسلمين فى الشوارع يقتتلون على
يشعل شمعه واحدة. اھون سبب ويكفرون اآلخرين وبين االسالم وھو ما كان كفيال بإھدار دمه من قبل
٣٩
أما بيتر فقد شعر بالذنب ألنه كان متشككا فى عبد الجبار متوجسا منه خيفة وظن أما عبد الجبار فقد كان نادما على شىء واحد فقط ..أنه لم يستجب لعالء بيه .كان
بيتر أن عبد الجبار قد أحس بريبته فآثر االبتعاد..وغرق وائل فى نوبة قلق عميق دائما يؤنب نفسه على غبائه الذى ضيع منه كل شىء فى لحظة غباء وعند لقد
على مصير عبد الجبار لو ظل وحده فى الشارع أو لو التقى بعالء ورآه خارج عاش عمره كله ال يقول سوى نعم وحاضر وأوامر سعادتك ،وعندما قال ال للمرة
السجن. الوحيدة فى حياته خسر كل شىء .صحيح أن وائل كان يعامله معاملة حسنة وأن
النمنم وبيتر تقبلوه وعاملوه بلطف لم يشاھده فى حياته من قبل إال أن كل ھذا لم
لكن أحدا منھم لم يعرف إلى أين ذھب حتى النمنم ذھب ليبحث عنه وعاد بعد
يكن يرضيه.
ساعات سفر اليدين لم يكن أحد منھم يعلم أن عبد الجبار لديه مكان آخر يذھب إليه..
مكان قد يحقق فيه ما يصبو اليه منذ زمن ..لقد ذھب إلى سامى ذلك المعتقل الذى كان شبح الخوف يحوم فوق رأسه وھو يتخيل فرقة من الجيش أو مجموعه من
كان طالبا فى كلية الطب وقد تخرج وصار طبيبا مرموقا ومن مراكز النفوذ فى اآلمرين بالمعروف يقتحمون بيت وائل ويعدمونھم جميعا بال رحمة ..كان متيقنا فى
جماعة اإلخوان التى سيطرت على نصف مصر بعد االنقالب الذى تم فى أغسطس، داخله ان ذلك سيحدث ان آجال أو عاجال وھو لم يكن يريد الموت بل كان االنتقام ھو
وكان سامى ھو من اقترح اطالق سراح عبد الجبار بل وقابله بعد خروجه واعطاه الشىء الوحيد الذى يتحكم فيه ،رغبة شديدة فى االنتقام من أى شخص وبأى و
أرقام تليفوناته وعنوان مكتبه وھو نفسه الذى أعطاه ھاتف وائل ليتصل به وينزرع سيلة كان وائل فى نظره رجل ثرى ال يدرى أين ينفق نقوده أما بيتر فھو خواجه
فى بيته بصفه مؤقته حتى يؤدى الدور المرسوم له بدقه وقد فعل وعندما وصل إلى يعانى من فراغ قاتل يريد مأله باألحداث الدامية والنمنم مجرد شخص حقير كأھل
مكتب سامى بعد أن ترك منزل وائل كانت أمامه مھمة أخرى كلفه بھا سامى وأقسم قريته الذين أدمنوا العيش فى القذارة كالخنازير ،يقبلون بالفتات ويضحكون على
عليھا عبد الجبار أمام مجلس العلماء فى مشھد مھيب كان بدنه ليقشعر من ھيبته خيبتھم .لقد سقطت من عبد الجبار أشياء كثيرة فى رحلته لكن شيئا واحدا ظل
لوال أنه ال يؤمن أصال بوجود إله وال بفائدة الدين ،إنما كان قسمه صادقا ألنه يوافق مالزما له كظله يجرى فى عروقه الصعيدية ..الثأر ،ذلك الحلم الذى يؤرقه ليال
ھوى نفسه التى تجنح لالنتقام ..لقد كان عبد الجبار ھو الوحيد الذى يعرف أسماء ويعذبه نھارا لدرجة أنه كلما رأى الشوارع تفيض دما وتشتعل عنفا كان يشعر
وعناوين وتحركات وخطط الضباط الذين كونوا نواة االنقالب وكان عالء منھم، باالرتواء ولذلك لم يتوقف عن ضرب النمنم حتى بعد أن صارا يتشاركان الفراش
أخيرا اقترب الثأر الكبير ..ولم يضيع عبد الجبار وقتا بل ذھب لتوه الى مكتب واللقمة ولم يحب بيتر رغم معاملته الحسنة ووجھه البشوش وال شعر أنه يمكن أن
غريمه عالء بك وبمجرد أن سمع عالء اسمه شعر بذھول وغضب ولكنه سمح له ياتى عليه اليوم الذى يخدم فيه وائل كما كان يخدم عالء بك ولذا لم يتحمل عبد
بالدخول ليدخل عبد الجبار مندفعا وينحنى أمام عالء ويحاول تقبيل يده متصنعا الجبار البقاء فى بيت وائل أكثر من ذلك ،وذات صباح استيقظوا ولم يجدوه بينھم،
البكاء متلعثما يستعطفه: الغريب أنھم حزنوا لفراقه فالنمنم بكى كثيرا وقال انه كان يؤنس وحدته فى الليل
وكان يستمع بال ملل لحديثه الذى يستمر حتى الصباح..
-س ..سامحنى يا عالء ب ..بيه أنى ابن ك..كلب وجزمة
لم يكن النمنم يعلم أن قدرة عبد الجبار على االستماع لم تكن نابعة من طيبة قلبه وال
ويمسكه عالء من تالبيبه ويضربه على قفاه:
من اھتمامه بالنمنم وثرثرته ولكنھا كانت عجزا عن إقامة حوار وإعاقة نفسية
-انت طلعت ازاى يا حيلتھا؟ وعرفت طريق مكتبى منين يا روح امك؟ تمنعه من التفاعل مع اآلخرين لذا لم يكن لديه حل سوى أن يترك النمنم يثرثر
ويثرثر.
٤٠
توطدت العالقة بين وائل وبيتر والنمنم وبرغم اختالفھم فى كثير من األشياء اال أنھم -و..و ھو مكتبك حد يتوه عنه يا باشا؟
قد اتفقوا فى حب مصر والتشبث باألمل فى خالص يأتيھا مما ھى فيه ،وبدأ بيتر
ثم انحنى عبد الجبار وقبل حذاء عالء الذى أمسك به ودفعه إلى الحائط بعنف سائال
يتحول من نصف مصرى إلى مصرى خالص يفيض حبا للبلد .فى تلك الشھور
إياه - :امشى يا يالال وحسك عينك اشوف خلقة القرد دى تانى..
القليلة تابع بيتر كالسيكيات السينما المصرية وبدأ يستمع إلى األغانى الشرقية فكان
يجلس مع وائل يستمتعان بأم كلثوم وفيروز وعبد الحليم ومنير ثم يحتج النمنم وبعد رجاء ومذلة نجح عبد الجبار فى اقناع عالء بأنه سيصبح كلبه المخلص مرة
بأنھم ال يعطونه الفرصة لكى )يروقھم( حسب تعبيره وكان الترويق من وجھة نظره أخرى وأنه تاه بعده ولم يجد له مأوى وأنه على استعداد لفعل أى شىء فى خدمته
ھو أن يسمعھم سعد الصغير الذى أصبح مطرب الجيش وشعبوال الذى أصبح الشيخ حتى لو كان سينظف له المنزل ورن جرس الھاتف ليرد عالء ومن المكالمة والدبلة
شعبوال وصار القاسم المشترك فى كل احتفالية يقيمھا اإلخوان بمناسبة استيالئھم الفضية فى يده اليسرى عرف عبد الجبار أن عالء قد تزوج وبمجرد أن أنھى عالء
على حى جديد أو انتصارھم فى معركة ضد الجيش وكانت األغنية المفضلة لدى المكالمة ھتف عبد الجبار - :ألف مبروك يا باشا وو عج عجبال البكارى ..أنى
النمنم ھى - :اسمع كالم الشيخ طول عمرك مش ھاتشيخ ..وكالم ولى األمر نمشيله مستعد اعمل أى حاجة الجل ترضى انشا انضف البيت مع الجماعه ..
ولو ع الجمر اييييييييييييييييييه
ولطمه عالء على وجھه بقوة وصرخ فيه - :انت مالك ومال الجماعة يا فسل..
وعندما كان وائل وبيتر ينزعجان من صراخ النمنم وصوت شعبوال كان النمنم -فى
فصرخ عبد الجبار - :اسف اسف فھدأ عالء قليال ثم قال له - :أنا ھاوديك شقة
محاولة منه إلرضائھما -يطفىء التسجيل ثم يشغل أغنية لشفيقة قائال:
فيصل أنا احتفظت بيھا لمزاجى أھو تخدم ع القعدة وتشوف طلباتى ولو رضيت عنك
-أھو جبتلكو حاجة طرب اھو لحسن تقولوا انى مش بافھم فى الذوق ھابقى اسيبلك المزز بعد ما اخلص..
وفى احدى جلسات الفضفضة بين بيتر و النمنم تعجب األخير من أن بيتر لم يجلس فرح عبد الجبار وسأل فى بالھة - :مزز ؟ ومزة زمان ؟ نظر له عالء شزرا فسكت
يوما على قھوة بلدى - :ازاى يا خواجه ..ال مؤاخذه قصدى يا أستاذ بيتر ازاى وظل صامتا وھم فى السيارة متجھين إلى شقة فيصل ثم أشار الى يد عالء اليمنى
مقعدتش عمرك على قھوة بلدى؟ ال ال سيب الموضوع ده عليا ..ثم يميل على بيتر وسأل - :ال ..الخاتم الدھب؟
ھامسا - :شوف احنا نتسحب كده بشويش من ورا االستاذ وائل ونروح انا وانت
ضحك عالء وقال - :الااااا رميته من زمان حتى الدبلة فضة زى ما انت شايف اصل
نسھر سھرة صباحى على قھوة انما كده فى سيدنا الحسين
بيقولوا الدھب حرام للرجاله ..ھابقى اديھولك لما نوصل أھو ينفعك
ويبتسم بيتر مندھشا من قدرة النمنم على الدعابة والمرح رغم كل ما حدث له وما
-مش سعادتك جلت انه حرام؟
حدث للبلد ..وبالفعل ذھبا إلى المقھى الشعبى بدون علم وائل الذى كان يخشى
عليھما وبالذات على بيتر من الخروج الى الشارع المحتقن طائفيا وجلسا إلى احدى -للرجالة يا قفا ..انما للى زيك حالل ھھھھھھھھھھھھھھھھھھھه
الطاوالت وطلب النمنم شيشة تفاح لبيتر أما ھو فقد طلب جوزة وبدأ الحديث بينھما
والضحك على نكات النمنم ثم مرت فتاة شبه جميلة وكان حدثا نادرا أن تسير فتاة يغرق عالء فى الضحك بينما يستبد الغضب بعبد الجبارلكنه يصمت ففى داخله اليقين
بمفردھا فى شوارع القاھرة فى تلك األيام العصيبة فالتفت نحوھا كل من كانوا على بأنه ھو من سيضحك فى آخر المطاف.
٤١
كانت تلك الليلة فارقة فى حياة بيتر وفى تفكيره فقد بدأ يفيق على حقائق كانت المقھى وبدأ سيل من التعليقات ينھال عليھا وعلى مالبسھا وجسدھا وحجابھا حتى
غائبة عنه وبدأ يؤمن أن شعب مصر مازال به أخيار لم تلوث األحداث قلوبھم، صدر التعليق القنبلة من النمنم الذى ھتف فى سعادة وحماس - :يا حلو انت يا
وللمفارقة العجيبة التى لفت وائل نظره اليھا أن ھؤالء األخيار كان يطلق عليھم فيما معصعص!
مضى األغلبية الصامته ھؤالء الذين أبوا أن يدخلوا لعبة السياسة فظلوا بمنأى عن
ولم يتمالك مرتادى المقھى أنفسھم من الضحك حتى الفتاة نفسھا أغرقت فى الضحك
ظلم الحكومة وفساد المعارضة كانوا يشاھدون عن بعد ويضحكون على ما
وھرولت فى حياء وقد احمر وجھھا وھرول خلفھا النمنم غير مبال بنداء بيتر عليه
يشاھدونه..
فقد أشعل خجلھا النار فى قلبه ،ووجد بيتر نفسه وحيدا على مقھى شعبى وراح
وفى ألم وحسرة قال وائل - :يبدو أن األمل فى األغلبية الصامتة مش فى األبطال يتفرس الوجوه وقلبه يرتجف خوفا وھلعا وشد بيتر كم قميصه ليتأكد من إخفاء
الورقيين وأشاوس المعارضة المزعومة ..احنا راھنا على قدرتنا على الصمود الصليب الذى وشمه أبوه على يده فى طفولته ثم مالبثت خواطره أن ھدأت عندما
واتحاد فئات المعارضة ولكننا لألسف خسرنا الرھان وخسرنا أنفسنا وخسرنا البلد. راح يتابع دور طاولة يلعبه اثنان من رواد المقھى فى انسجام وعندما اختلفا احتكما
إليه فاعتذر لھما بأنه لم يلعب الطاولة فى حياته وبدأ يتجاذب الحديث معھم فى حذر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما لبث أن انقلب إلى أريحية لم يتصورھا ولم يتصور أن مصر فيھا بشر بھذه
اتجه عالء إلى مكتب ناجى المنسق العام لحركة ضباط من أجل التغيير والقائم الطيبة والتلقائية حتى انه انتقل للجلوس إلى طاولتھم واستمر الحوار حتى سأله
بأعمال نائب رئيس الجمھورية ورئيس مجلس الوزراء وذلك بناءا على استدعاء احدھم وھو يرتشف الشاى بالنعناع - :ھو اسم الكريم ايه؟
ناجى له ،ورغم االحترام واالجالل الذى يظھره عالء تجاه ناجى إال ان الحقد كان
ارتبك بيتر ثم اجابه أن اسمه أحمد فابتسم الرجل قائال - :عاشت األسامى يا سى
يتأجج بداخله على ناجى الذى كان يحوز احترام الجميع داخل حركة الضباط وشعبية
أحمد تعرف انا عندى ولد من دورك كده بيشتغل فى ايطاليا..
جارفة وسط جموع المواطنين ..كان ناجى شخصية مثالية قلما وجد مثلھا كثير من
األحيان كان يخيل إلى عالء أن ناجى ال يخطىء فھو صادق وشجاع وشھم وبلغت -وايه اللى وداه ھناك؟ ليه مشتغلش ھنا؟ ابتسم الرجل فى سخرية ومرارة- :
به المثالية المفرطة أن رفض الزواج لكى ال يظلم بنات الناس معه ،كان ناجى ال بالذمة ده سؤال؟
يريد انجاب أطفال فى وطن مستقبله مجھول ،وكان يكتم مشاعره تجاه أى فتاة لكى
وبعد نصف ساعة تقريبا عاد النمنم محلقا من السعادة وعلى وجھه ابتسامة رضا
ال يعطى لنفسه فرصة للتخلى عن ھدفه األسمى أال وھو النضال من أجل وطن أفضل
واعتداد بالنفس حتى أن مشھده قد أضحك بيتر ..واستأذن بيتر الرجل فى
ومستقبل به شىء من التفاؤل واألمل.
االنصراف - :بعد اذنك يا حاج.........؟
وصل عالء الى مكتب ناجى فدخل بدون اسئذان ليجده متجھما ومد عالء يده للسالم
-بطرس اسمى بطرس يا ابنى وده عمك مصطفى
فلم يصافحه ناجى بل قال له دون أن ينظر اليه - :اقعد يا عالء
ذھل بيتر وتسمر فى مكانه من المفاجأة وھو ال يصدق الموقف وانتزعه النمنم
انتزاعا من المقھى وقد استبد به الذھول فلم يجد على لسانه سوى كلمة واحدة- :
ازاى؟ ازاى؟
٤٢
نظر له ناجى نظرة استياء وشفقة ولم يتحدث فأدى له عالء التحية العسكرية وخرج وجلس عالء وقد بدأ يضطرب وھو يراقب ناجى يقلب فى بعض األوراق أمامه وبعد
دون كلمة واحدة ..ذھب عالء الى منزله وقد اشتعلت نيران الغل فى قلبه ،وكاد دقيقتين رفع ناجى وجھه وسلط عينيه الثاقبيتين على عالء وقال فى غضب حاول
عقله ينفجر من كثرة االفكار السوداء التى أحاطت به فكل ما حلم به صار على شفا أن يكتمه - :ھناك الكثير من الشكاوى المقدمة ضدك من المواطنين
االنھيار وكل ما وصل اليه من نفوذ وثروة ومتعه مھدد بالضياع والى االبد ولم يكن
ضحك عالء فى محاولة لتخفيف حدة الموقف وقال - :ايه يا ناجى انت قلبتھا جد
عالء ليسمح بذلك البد من مخرج ھذا ما عرفه دائما أن لكل أزمة مخرج وبعد تفكير
وبتتكلم بالنحوى ليه؟ ضغط ناجى على أسنانه من الغيظ وقال فى حزم - :أنا
مضنى وصل للحل الذى سيريحه من كل شىء ويطفىء نار قلبه ..ونادى على
استدعيتك النھاردة بشكل ودى عشان اسألك عن الفضايح اللى سمعتھا عنك ..
انتصار التى جاءته تلھث من اللھفة وھى تمنى نفسھا بوصلة تعذيب جديدة تطفىء
ونظر فى الورق الذى أمامه وھو يعد على أصابعه قائال - :رشوة ..ھتك عرض..
شعورھا بالذنب ولو قليال وكانت تتساءل فى طريقھا من غرفة الجلوس إلى غرفة
تزوير فى أوراق رسمية ..استغالل نفوذ ..تقديم أبرياء لمحاكمات عسكرية وتلفيق
النوم عن الوسيلة التى سيعذبھا بھا ھذه المرة ترى ھل يسبھا أم يضربھا بالكرباج
تھم و ..قاطعه عالء فى حده - :مين ابن الكلب اللى قال كده
أم سيسعدھا الحظ ويدوس عليھا بحذائه وما إن وصلت اليه حتى ھتف بھا - :ايه يا
مرة ساعة عشان تيجى ؟ اتلقحى اقعدى يا زفته ..تجلس تحت قدميه فيجذبھا من اشتعلت عينا ناجى بالغضب فاضطر عالء للصمت ثانيتين ثم قال فى لھجة حاول أن
شعرھا ويجلسھا إلى جواره ويعتصر ذراعھا فى قسوة - :سيبك م الوساخة اللى فى يطليھا بشىء من المشاعر والود - :احنا اصحاب من مده يا ناجى ..تصدق فيا
دماغك دى مش وقتھا واسمعينى كويس كده؟ فاكر لما كنا بنجتمع دايما فى شقتى وانا ظابط امن دولة يعنى رقبتى كانت
ممكن تطير فيھا ..نكس ناجى رأسه وقال - :أنا آسف .كنت أتمنى االتھامات تكون
ارتعدت خوفا وقالت - :حاضر ..أمرك ..سامعاك
باطلة لكن فيه أدلة كتير ضدك وشھود
-أنا تعبان ..تشعر بالشماته داخلھا ولكنھا تقول له - :ألف سالمة
تلمع عينا عالء ويقول وھو ينحنى على ناجى - :يعنى ايه مش فاھم؟
-انتى غبية ؟ أنا مش تعبان ..بس انتى ھتقولى انى تعبان ..وال أقولك ھتقولى انى
-أنا مضطر أحولك للمحاكمة العسكرية إال فى حالة واحدة ..تتنحى عن كل مناصبك
حاولت انتحر ..اتسعت حدقتا انتصار فى ذھول وسألته - :أقول لمين؟
وتتخلى عن صالحياتك كلھا وسيتم تسريحك من الجيش
وطعنھا فى قلبھا عندما قال لھا أن المقصود ھو ناجى ،ذلك البطل الوحيد الذى لم
كاد عالء أن يجن لكنه حاول التحكم فى نفسه فقد كان يعلم أن ناجى قوى الشكيمة
تفقد انتصار احترامھا له ھو ووائل كانا فى نظرھا أيقونتان للوطنية واالخالص
وأنه ان قال كلمة فھو يقصدھا تماما ..حتى لو دخل مع ناجى فى عراك بالذراع
وكانت ترتعد من الغثيان والخوف وھو يشرح لھا خطته الدنيئة وما إن فرغ من
سيغلبه ناجى وفى داخله أدرك عالء أن ھذه المعركة ال تحسمھا القوة ولكن يحسمھا
كالمه حتى ثارت فى وجھه :اللى انت بتقوله ده مستحيل .أنا مش ممكن أعمل كده..
الدھاء.
وجاءھا الرد ضربا عنيفا مبرحا أسال من جسدھا الدماء وھددھا بقتل أمھا واغتيال
نكس عالء رأسه وھو يقول - :اللى تشوفه يا ناجى ..بس سيبنى اروح النھاردة
شقيقھا فى فرنسا وذكرھا بأنه اآلن يده طائلة أكثر من ذى قبل واضطرت لموافقته
مكتبى عشان محدش يحس بحاجة وبكرة الصبح استقالتى ھاتكون على مكتبك
فلم يكن بيدھا حيلة..
٤٣
وقد أكل البكاء عينيھا وبمجرد أن دخل الشقة ھجمت عليه وأمسكت بمالبسه فى تمام الساعة الثانية صباحا أمسكت بالھاتف وحاولت االتصال بناجى وھى فى
وصرخت - :قتلته؟ قتلت أنظف واحد فى البلد؟ حالة انھيار تام ولكنھا لم تستطع اتمام الرقم ودخلت فى نوبة انھيار عصبى حاد
فبصق عالء فى وجھھا وتوجه مسرعا إلى شقته فى فيصل وفور وصوله أيقظ عبد
دفعھا بيده فاصطدمت بالحائط وھى تصرخ فى لوعه فقد كان قلبھا يتمزق على
الجبار من نومه وشرح له الخطة وأمره بالتنفيذ وبالفعل اتصل عبد الجبار بناجى
ناجى ،صحيح أن السنوات الماضية قد حولتھا إلى مسخ مريض نفسيا إال أن جزءا
وھو يصرخ - :الحجنى يا ناجى باشا ..عالء بيه انتحر أيوه ..أنى عبد الجبار
منھا أبى التحول إلى الشر ..ھل ذھب ناجى؟ ضاع لألبد؟ ابتسامته الحزينة وعيناه
فاكرنى؟ تعالى فيصل ..وفى أقل من ثلث الساعة كان ناجى فى شقة عالء تلك الشقة
الثاقبتان وجسده فارع الطول ..كل ھذا الكبرياء سقط فى شراك الموت؟ تكومت
التى شھدت اجتماعات ضباط من أجل التغيير وشھدت على صداقة وثيقة بين عالء
انتصار على األرض فى وضع الجنين وھى ترتجف وتذكرت آخر زيارات ناجى لھما
وناجى كان ناجى يكن معزة حقيقية لعالء وكان دائما يفخر به أمام ضباط الجيش
حين قال لھا عندما ھم باالنصراف - :اسمعى انتى أختى الصغيرة أى شىء تحتاجيه
الذين كانوا يعاملونه بتحفظ على أساس انه ينتمى للشرطة وألمن الدولة لكن ناجى
كلمينى ولو عالء زعلك أنا اللى ھأقف له ..كم كان حنونا وشامخا ،كانت تعتبره أبا
كان يرى فيه بطوله وشھامة ألنه اعتقد فى عالء االخالص والتضحية برغم منصبه
ال أخا كبيرا ..فى داخلھا تمنت انتصار لو أنھا ھى التى ماتت ..أما عالء فقد كانت
فى مكان حساس ..وما إن وصل ناجى الى شقة عالء وفتح له عبد الجبار باب
ليلة قتل ناجى من أسعد لياليه ألنه كان يعتبر ناجى العقبة الوحيدة أمام طموحاته
الشقة حتى صرخ فى لھفة وقلق - :عالء فين؟ عمل إيه فى نفسه المجنون؟
رغم أنه ھو من أعطاه كافة صالحياته وعينه نائبا له إال أن فرصة عالء فى اكتساب
شعبية كانت ضعيفة فى وجود ناجى الذى كان كالشمس حين تسطع فى أول الصباح وأشار له عبد الجبار على غرفة النوم الرئيسية المقابلة لباب الشقة ودخل ناجى
نورھا يشع دفئا وبھجة أما عالء فقد كان باردا وكأنه قد من صخر المع أو من لوح مسرعا إلى الغرفة ليفاجأ بعالء جالسا يرتدى مالبسه كاملة وفى يده مسدس وقبل
جليدى.. أن ينطق ناجى بكلمة واحده انطلقت رصاصة من مسدس عالء تعمد أن تخطىء
الطريق الى قلب ناجى لتصيب صدره وينزف بغزارة ولكنه يأبى السقوط على
وفى الصباح استيقظ عالء على مكالمة ھاتفية من مقر القيادة تخبره بأنھم وجدوا
األرض وھو يتمتم فى ذھول - :مش ممكن ..ثم ينظر إلى عالء ويسأله - :ليه؟
ناجى مقتوال فى مكتبه وذھب عالء وقد حاول ان يرسم بعض التأثر على مالمحه
الجامدة وأمر على الفور بتشكيل لجنة تحقيق انتھت فى نفس اليوم إلى إدانة عدد يجيبه عالء فى برود - :ياروح ما بعدك روح ..انت كنت عايز تزيحنى من طريقك
من ضباط الجيش الذين اعترضوا قبل ذلك على تعيين عالء وھو من الشرطة كنائب مكانش قدامى غير كده
لناجى فى حركة قوامھا ضباط الجيش باألساس ..وفى خالل أسابيع قليلة استتب
-انت فاكر الشعب ممكن يسكت على قتلى؟ ابتسم عالء فى سخرية وضغط بقوة
األمر لعالء بعد أن أصبح الرجل الثانى فى الدولة رسميا واألول فعليا وبدأت انتصار
على جرح ناجى وھو يقول - :يا ناجى يا حبيبى الشعب المصرى بقى أوسخ من
تشعر بغثيان شديد بعد مقتل ناجى ،غثيان لم يعد اى شىء يسكنه ،رغبه حارقة
حكامه ..ھم ناجى بقول شىء ما لكن رصاصه انطلقت من مسدس عبد الجبار
وجامحة فى التطھر جعلتھا تصارح عالء بأنھا فى حاجة ماسة لزيارة طبيب نفسى
وأصابت رأسه أخرسته لألبد ..وتوجه عالء إلى مكتب ناجى وأحرق كل األوراق
وكل مرة كان يقابل رغبتھا ھذه بالسخرية وبأن عقدھا تستعصى على أطباء العالم،
التى تدينه ووضع جثة ناجى على مقعده فى المكتب وذھب إلى الزمالك ليجد انتصار
وكأنه نسى أن أغلب ھذه العقد كان ھو السبب المباشر لھا..
٤٤
المبتسرة فوجد اسمھا ،رغم مرور أكثر من عامين على آخر لقاء بينھما لم يستطع ذات مساء واجھته بقوة وبأنھا ستذھب إلى الطبيب النفسى حتى لو اضطررت إلى
أن ينساھا بل ولم يحاول وظل اسمھا مسجال فى ذاكرة ھاتفه وفى ذاكرة قلبه ،قلبه فعل ذلك رغما عنه وبأنھا لو كانت سوية نفسيا لما قبلت الزواج من جماد مثله..
الذى انتفض فى عنف مكذبا عيناه عندما رأى اسمھا يضىء شاشة ھاتفه ..وضع ولم تكمل فقد انھال عليھا الضرب من حيث ال تدرى حتى سقطت مغشيا عليھا
وائل ھاتفه فى اضطراب أدى إلى إسقاط فنجان القھوة فوق األوراق وحاول التماسك وعندما أفاقت كان جالسا على األريكة يرتدى حذاءه تأھبا للخروج وقبل أن يتناول
وبدأت التساؤالت تجتاح كيانه ترى ھل أخطأت فطلبت رقمه عن طريق الخطأ؟ أم أن مفاتيح السيارة ھمس لھا - :اعمليھا وھتشوفى الجحيم بعينك ..ھخليكى تتمنى
زوجھا ھو الذى رأى اسمه فھاتفه للتاكد من ھوية صاحب الرقم؟ حتى وإن كان الموت عشان ترتاحى من العذاب اللى ھتشوفيه انتى وأھلك ..ثم تركھا ومضى إلى
األمر كذلك قرر وائل أن يتصل وليحدث ما يحدث ،وبالفعل اتصل وائل وقطعت شقة فيصل ،كانت تعلم أين يذھب كل ليلة وماذا يفعل ولم تعترض يوما وال حاول ھو
انتصار بكاءھا لترد من بين دموعھا - :ألو ..تنھد وائل تنھيدة كادت تحرق قلبه اخفاء ما يفعله بل كان يحدث عشيقاته أمامھا ويتغزل فى مفاتنھن ويقارن بينھن
وھو يھمس - :وحشتينى وبينھا حتى فى أكثر لحظاتھما خصوصية ،ولوھله فكرت أن تذھب اليه وتفضحه
وفى داخلھا لم تجد إال صورة واحدة تمأل كيانھا صورة طاھرة لرجل بحق كان أجمل
-ممكن أشوفك؟
شىء حدث لھا ولكنه أتاھا فى الوقت الخطأ ..لقد كانت ھى من تركته وھربت منه
-أكيد ..ولم تنتظر انتصار ..أنھت المكالمة وارتدت ملالبسھا على عجل وذھبت الى ولكنه لم يكن ھروب خداع أو استغناء بل كان أقرب إلى ھروب الليل من النھار،
منزله ولم يكد يفتح الباب حتى ارتمت بين ذراعيه وغابت فى بكاء مرير وھى تردد: ھروب الجبان من الشجاع ،ھروب الباطل من الحق .شعرت انتصار أنھا فى أمس
الحاجة لوائل ،كانت تحتاج حمايته من بطش عالء ومن ذلك الجالد الذى يحتل
-سامحنى ..أرجوك سامحنى يا وائل أنا حاولت أعيش من غيرك مقدرتش..
ضميرھا ويتلذذ بعذابھا وإغراقھا فى النجاسة والوحل ،عيناه الواسعتين البريئتين
حاول وائل تھدئتھا بال جدوى فأدخلھا وقال لھا - :احنا مش لوحدنا يا انتصار بدا وكأنھما ميناء سالم لھا ودون وعى منھا امتدت يدھا إلى ھاتفھا المحمول
تماسكى شوية أرجوكى ..وأفاقت انتصار من انھيارھا فوجدت بيتر يقف بالبيجامة وطلبت رقمه ،لم تجد صعوبة فى تذكر الرقم فھى أبدا لم تنساه .ترى ھل مازال
مذھوال من تلك الزائرة الجميلة المنھارة ومن الجانب األيمن خرج النمنم وھو يحتفظ بنفس الرقم ؟ وسمعت جرس الھاتف ولم تحتمل أعصابھا أكثر من ذلك
يرتدى مالءة مطبخ وفى يده مغرفة وعندما رآھا تقدم نحوھا فى فضول شديد فأغلقت المكالمة وانھارت فوق األريكة تبكى.
وسألھا ووجھه يكاد يلتصق بوجھھا - :ھى المزة زعالنة ليه؟
كان وائل فى نفس الوقت يكتب مقالة عن ضحايا ما سمى بفترة االصالح السياسى
تراجعت انتصار وقالت وھى تتشبث بوائل - :ملكش دعوة ..أنا جايه لوائل فى مصر وكانت انتصار -من وجھة نظره -نموذجا مثاليا للضحية كما كان أوديب
نموذجا مثاليا للبطل التراجيدى بمعايير المسرح اإلغريقى أما ناجى فقد مثل لوائل
ھرش النمنم شعره الذى أغرقه الفازلين ثم قال بابتسامة بلھاء - :أنا وائل .. بطال إغريقيا صميما سعى وراء معرفة الحق وكلما عرف أكثر تألم أكثر وبيده رسم
وزجره وائل ثم أخذه بيتر بصعوبه ليعيده الى المطبخ وھو يھتف: نھايته عندما أحاط نفسه برجال ال ھم أكفاء وال شرفاء وأدرك وائل كما أدرك
كثيرون من الشعب أن ناجى قد قتل على يد رجاله ولكن أحدا لم يحرك ساكنا ،وفجأة
-طب اعتبرينى وائل ..يا سالم مزة مزة يعنى سمع وائل رنين ھاتفه ونظر إلى الشاشة فى فضول ليعرف صاحب المكالمة
٤٥
ولو لمرة وشعرت انتصار أنھا بين أخويھا ومعھا حبيبھا والطبيب المعالج كانت دخل وائل وانتصار إلى غرفة المعيشة وجلسا على األريكة فى صمت طويل وكل
تتمنى لو تقضى باقى حياتھا ھكذا ..كانت الساعات القليلة التى تقضيھا فى بيت وائل منھما يتأمل اآلخر ويرى ما تغير فيه وبادرھا وائل - :انتى خلعتى الحجاب؟
تھون عليھا كل شىء وبدأت شجاعتھا تزيد يوما بعد يوم حتى أنھا بدأت تغلق باب
-لبسته غصب وخلعته غصب..
غرفتھا ليال بالمفتاح غير عابئة بغضب عالء وال باندھاشه للتغير الطارىء الذى بدا
عليھا ونفورھا الشديد منه بل وعصيانھا عليه حتى نظرات الشك والوعيد الصامت نظر لھا متسائال فقالت - :ھو قال لى اخلعيه مش عايز مراتى تبقى شبه الغفر..
لھا أثناء تناوله الطعام لم تثر داخلھا الخوف وال حتى ارتابت لوھله أنه يكترث
تعجب وائل فى داخله تساءل ل ماذا تركته انتصار وتزوجت عالء وھى تكرھه
ألمرھا.
لدرجة انھا ال تريد ذكر اسمه فتشير إليه بـ"ھو"؟ ولماذا عادت اآلن وھى فى ھذه
ومرت أسابيع وھى على تلك الحالة حتى شعرت بالتعافى التام والحظ وائل ذلك الحالة؟ وكانھا سمعته فقالت أنھا ستخبره بكل شىء منذ طفولتھا وصارحته بكل
فبادرھا بأنھا البد أن تطلب الطالق من عالء وأنھا ال يصح أن تفنى عمرھا تحت شىء لم تصارحه بشىء أبدا عندما كانا سويا ،كانت دائما غامضة وحزينة وشارده
قدمى شخص بساديته وال بسمعته السيئة ونظرت اليه انتصار والدموع تمأل عينيھا واليوم فقط عرف كل شىء وفھم كل شىء ،لماذا احتملت كل ھذا الحزن وحدھا؟ آه
ثم أمسكت يديه وأخبرته أنھا ستفعل ذلك من أجله ومن أجل أن يظال سويا وشردت لو كانت صارحته لما كان تركھا أبدا ..كان سيدافع عنھا ويحميھا ولو كلفه األمر
ببصرھا وھى تتخيل حياتھما معا وطفل صغير يشبه وائل واستمر حديثھا الشارد حياته لكنھا فضلت الفرار وھا ھى تعود اليه محطمة وفى حزم قال لھا:
دون أن تالحظ يد وائل التى انسحبت من يدھا وعيناه اللتان ابتعدتا فى اتجاه آخر..
-انتى الزم تروحى لطبيب نفسى
نعم لقد أحبھا بكل جوارحه ولم يستطع نسيانھا فى سنوات الغياب إال أنه بعد عودتھا
شعر بانكسار فى قلبه ربما لو لم تكن صارحته بالحقيقة كاملة بكل فجاجتھا ،لقد -عالء لو عرف ھيدبحنى ..وتنظر إلى خارج الغرفة فى حذر وارتياب فيطمأنھا
تغيرت انتصار لم تعد تلك المرأة التى أحبھا وأحب صمتھا وغموضھا وتماسكھا ،لو وائل أن النمنم وبيتر صديقان وفيان له وانھما لن يبوحا بسرھا
كانت احتفظت ببعض ھذا الغموض؟ لكنھا عندما عادت وصارحته كل ما خفى عنه
مات جزء من حبھا داخله وحل محله نوع من أنواع الشفقة والمسئوليه تجاھھا وطالت جلستھما ساعتين وثالثة لم يقطع حديثھما سوى النمنم الذى كان يدخل
ألنھا كانت حبيبته فى يوم من األيام وال يمكن أن يتركھا فى مھب الريح بمفردھا. عليھما من وقت آلخر بحجة تقديم مشروب أو أخذ مطفئة سجائر وانتھى اللقاء على
كانت تلك اللحظة من أصعب االوقات التى مرت على وائل .وھم بمصارحة انتصار وعد بأن يتكرر وخرجت انتصار من بيت وائل وھى تشعر بأمان غير عادى كان
بكل ما فى داخله فھو أبدا ال يرضى اعطاءھا أمال كاذبا فى حياة مشتركة بينھما لوال لديھا فى تلك اللحظة قدرة على تحدى أكثر القوى بطشا فى العالم .خرجت وقد
أن سمع النمنم يھتف ويسب فى حماس ثم ما لبث ان دق على الباب بعنف مطالبا استردت شعورھا بالكرامة واألنوثة والسعادة .وبمجرد أن وصلت إلى منزلھا نقلت
وائل بالخروج فورا ،وخرج وائل لتسمعه انتصار يھتف فى سعادة ويرحب بشخص أشياءھا خارج غرفة عالء فقد آن األوان ألن توقف بيدھا حفالت التعذيب التى كان
ما ويسأله عن سبب غيابه المفاجىء ..وسمعت بيتر يقول للزائر المفاجىء - :تعالى يقيمھا على شرف كرامتھا وآدميتھا ليلة بعد ليلة ..كان االمل يغمرھا بعد وعد وائل
بقى لما اعرفك بالسكرة اللى نورت البيت مؤخرا وانفتح باب غرفة الجلوس لتراه لھا بأنه سيأتى بصديق له يعمل طبيبا نفسيا ليعالجھا فى منزله دون أن تضطر إلى
انتصار وجھا لوجه أمامھا ..وجدت نفسھا أمام عبد الجبار.. الذھاب إلى عيادة الطبيب وقد كان وبدأت جلسات العالج فى منزل وائل وبين النمنم
وبيتر عرفت الضحكة طريقا الى انتصار بعد غياب سنوات لم يرتفع صوت ضحكھا
٤٦
انھارت انتصار تماما بمجرد أن رأت عبد الجبار أمامھا ،شعرت كأن أذنيھا فقدتا ألول مرة فى حياته يشعر عالء أن بداخله بركان ،كان دوما باردا ال شىء يفلح فى
القدرة السمع وان عينھا لم تعد ترى إال ضباب حتى احساسھا فقدته لم دة لم تدرك ھز ثقته بنفسه أو إتالف أعصابه لكنه لم يتعرض لمثل ھذا الضغط من قبل وقد كان
دقائق كانت أم ساعات؟ صارت يدھا وكأنما قدت من جليد وراح العرق يتصبب من الشىء الوحيد الذى يستفزه ھو أن يشعر أن زمام األمور قد أفلت من يده ،فانتصار
جبھتھا وبدأت ترتجف وراحت دقات قلبھا تتسارع حتى شعرت أن أحدا قد ألقاھا من أصبحت فجأة تعصاه وتھرب منه بل وتواجھه بحده وتقاوم ضربه لھا بعد أن كانت
السماء السابعة وتركھا تخترق الغالف الجوى بجسدھا األعزل وأسرع نحوھا وائل تستمتع باالھانة وتستلذ بالتعذيب ،ومجموعة ضباط الجيش انقلبوا عليه وبدأ
وھو يحاول معرفة ما أصابھا بينما وقف كل من النمنم وبيتر فى حالة ذھول وقلق، عصيان أوامره على اعتبار أنه ضابط شرطة وأن الحركة قوامھا رجال الجيش وھم
أما عبد الجبار فقد ھاجت شھوته وھو يتذكر لقاءاتھما الساخنة فى شقة عالء األحق بالقيادة ولم تفلح الرشاوى وال خطط التفريق بينھم فى ردع مواجھتھم له
وجلس على األريكه بجوارھا وبدأ يتحسسھا بدعوى محاولة افاقتھا فنظرت له فى واطاحتھم برجاله المقربين الرجل تلو اآلخر مرة بقضية فساد ومرة بحادث اغتيال
رعب شديد وسقطت مغشيا عليھا فحملھا وائل بين ذراعيه وذھب بھا الى غرفة حتى صارت األرض تميد من تحت قدميه ،حار عالء أشد الحيرة وراح يراجع قصة
النوم وتبعه عبد الجبار لكنه أوقفه بنظره حادة من عينيه فعاد إلى غرفة الجلوس حياته منذ طفولته ألب ضابط شرطة وأم تعمل معلمة بالمرحلة االبتدائية وكيف كان
وھمس إلى النمنم: ولدا وحيدا بعد وفاة شقيقه التوأم ،كانت أوامره كلھا مجابة لوم يشعر بالحرمان
مرة رغم أن والده لم يكن ثريا والمفترض أنه لم يكن يملك سوى مرتبه ،كانت فترة
-ھى ال..المزة د ..دى خصوصى لألستاذ ؟ انت والخواجه ايه نظامكو؟
طفولته جميلة وكان يعامل من الكل على أنه ملك متوج .مازال عالء يذكر ذلك اليوم
عاتبه النمنم فى غضب - :عيب عليك يا عبده ..دى خطيبة األستاذ الذى خالفه فيه احد العساكر عند والده حيث كان عالء يريد أن يركب العسكرى
كحمار ويمشى به فى النادى أمام أصدقائه ولكن العسكرى رفض وقال له - :أنا مش
ولكن عبد الجبار ابتسم فى سخرية وأصر على مكاشفة النمنم وبيتر ،حيث أخبرھم
حمار أنا بنى آدم زيك ..يومھا ذھب عالء إلى والده متظاھرا بالبكاء فما كان من
أن التى يحسبونھا خطيبة وائل ما ھى إال مومس وانه بنفسه قد مارس معھا الجنس
والده إال أن أجبر العسكرى على االنحناء وقال لعالء - :اركبه واديله بالجزمة..
مرات عديدة وعلى استعداد أن يخبر األستاذ بعالمات فى جسدھا ..وواجھه بيتر بأنه
وبالفعل ركب عالء وراح يسوس العسكرى بالحذاء بدال من الكرباج ومن يومھا لم
ال يصدقه فما الذى يجعل واحدة مثل انتصار تعرف عبد الجبار وأمثاله ،وحكى لھم
ينزل عالء كان دائما فى وضع الركوب يدوس بحذائه على أى شىء وعلى أى
عبد الجبار حكايته معھا.
شخص فى سبيل فعل ما يسعده ويريح باله ،حتى أنه كثيرا كان يخيل إليه أن القدر
استردت انتصار وعيھا فشھقت برعب ولكن وائل طمأنھا وعندما ھدأت نفسھا يسير وفق ھواه إال ھذه األيام وكأن القدر قد شاء على حين غرة أن يتحدى إرادته
سألھا عن سبب ارتباكھا فصارحته أن عبد الجبار ھو نفسى العسكرى الشرس الذى ويقف فى سبيل طموحه حتى شعر أنه على شفا الجنون ولم يكن عالء ليرضى أبدا
كان خادما مطيعا لعالء وشاركه جريمته فى حقھا ،ولكن وائل طمأنھا بأن عبد بالھزيمة ولو اضطره األمر للتحالف مع الشيطان فى سبيل الحفاظ على كل ما وصل
الجبار قد تغير تماما وروى لھا قصة خالفه مع عالء وكيف غدر به ولكن انتصار إليه وتحقيق ما يحلم به من الوصول إلى رأس الدولة ولكن ھدفه ھذه المرة ليس
أصرت على أن تترك المنزل حاال وھو ما فعلته.. مع تقال ضعيفا وال فتاة غريرة ان عدوه ھذه المرة ھو الجيش ،كيف سينجح بمفرده
فى تطويع جيش بھذا الحجم وھو وحده؟ كيف؟
٤٧
خالف ذلك القول نيته فاالقامة معھم تعنى التعرض لالعتقال أو القتل إن آجال أم وحاول عبد الجبار التحجج بأى وسيلة ليلحق بھا ولكن النمنم أبطل حججه وأمسك
عاجال وبمجرد أن خلد الجميع للنوم ھم عبد الجبار بمغادرة المنزل ولكن النمنم شعر به قائال - :عليا الحرام ما انت ماشى قبل ما اغلبك عشرتين طاوله
به فتبعه إلى باب الشقة وتشبث به مقسما أنه لن يتركه يرحل مرة أخرى ولكن عبد
وعندما طلب عبد الجبار من وائل االختالء به صده وأخبره بأنه يعلم ما يريد أن
الجبار أخرسه بلكمة قوية طرحته أرضا ومضى إلى الخارج بسرعة وارتباك جعله ال
يقوله وھو ما أثار فضول النمنم واستغرابه فھو ال يعلم عن األستاذ أن له عالقات
يلتفت إلى مفتاح شقة عالء الذى وقع منه على الباب والتقطه النمنم وعاد إلى غرفة
مشبوھة وال انتصار يبدو أنھا واحده من إياھم ولكنه قال لنفسه مبررا ما سمعه من
النوم وھو حزين ولكن حزنه ھذه المرة لم يكن بسبب فراق عبد الجبار ولكن بسبب
عبد الجبار - :صحيح يا والد ..القھر وحش
االكتشاف المؤلم بأن عبد الجبار سيظل كما ھو وبأن عشرتھم الطيبة معه لم يكن
لھا أثر فيه.. استبد القلق بوائل كان قلقا على انتصار ومندھشا من الظھور المفاجىء لعبد الجبار
بعد رحيله المفاجىء أيضا وعلى غير عادته فشل وائل فى التحكم فى أعصابه فغادر
وعاد عبد الجبار الى شقة عالء وعلى باب الشقة اتسعت عيناه فى ھلع وقد اكتشف
غرفة مكتبه فى غضب وأمسك بتالبيب عبد الجبار وھدده انه سيقتله ويدفنه فى
أنه أضاع المفتاح وفى توتر شديد بدأ يبحث فى جيوبه وتحت عتبة الباب وع لى
حديقة المنزل لو لم يصارحه بكل ما حدث منذ تركھم فجأة إلى أن عاد ،وأخبره عبد
الساللم وعندما باء بحثه بالفشل لم يكن أمامه بد من أن يجلس على السلم منتظرا
الجبار أنه ھام على وجھه ثم ذھب إلى قريته ومكث فيھا ھذه الشھور إلى أن فاض
وصول عالء فى موعده الذى ال يخلفه كل ليله ..وجاء عالء بعد منتصف الليل وقد
به فلم يعد فى القرية أحد من أھله وال ظل شىء على حاله ھناك فقرر العودة
بدا عليه اعتالل المزاج وعندما وجد عبد الجبار على السلم استشاط غضبا وغاصت
لرؤيتھم وعندما سأله وائل إذا ما كان سيقيم معھم باستمرار ارتبك عبد الجبار ثم
أصابعه فى لحم عبد الجبار وھو يسأ له عن سبب انتظاره بالخارج وحاول عبد
اجابه بانه سيقيم معه م ولكنه وجد عمال كعتال ولذلك سيخرج إلى عمله ثم يعود
الجبار اخباره بأنه نزل لشراء بعض لوازم الشقة لكنه لالسف لم يكن معه نقود
لينام معھم ورغم ان وائل لم يصدقه إال أنه لم يكن ليغلق بابه فى وجه محتاج كما
عندما توجه الى بيت وائل إال ثمن األجرة مما أبطل حجته وألجم لسانه عندما سأله
انه اراد ان يكون عبد الجبار تحت نظره فربما يعرف السر الذى يخفيه..
عالء عن األشياء التى اشتراھا وفتح عالء باب الشقة ثم دفع عبد الجبار داخل ھا
وأوسعه ضربا وھو يصرخ فى وجھه بأنه لن يرحمه وأنه سيعيده إلى المعتقل إن لم والحق أن عبد الجبار نفسه لم يكن يعلم ما الذى دفعه للعودة الى بيت وائل لقد كان
يعترف له لماذا خرج وأين كان ولمن أعطى مفتاح شقته؟ يحوم حول البيت ربما ليطمأن أن البيت لم يتعرض لھجوم الجيش وال االخوان ،ربما
تأثر قلبه الحديدى بكرم وائل وطيبة النمنم وتواضع بيتر ،لم يكن يدرى سببا لعودته
وحاول عبد الجبار أن يخترع أى قصة بھا بعض من المنطق ولكنه لم يفلح ولم
وال كان فى نيته الدخول إلى المنزل لوال أن رآه النمنم من النافذه ولربما أيضا كان
يسعفه ذكاؤه المتواضع وللمرة األلف فى حياته تحكم فيه خوفه ،كانت قلة حيلته
السبب الذى تركھم من أجله وھو الخوف من الخطر وتنفيذ مخططه لالنتقام من
تخذله دائما فى أى موقف ال يصح أن يستخدم فيه العضالت الن العضالت كانت
عالء ونيل المكافأة التى وعده سامى بھا ،ربما كان ذلك السبب لم يزل بل وكان
حيلته الوحيدة وبدونھا كان عاجزا إلى حد الشلل .ولم يستطع إال ان يقول لعالء انه
الخوف أكثر أن يرى فى بيت وائل الذى كتب يھاجم الشرطة والجيش واالخوان،
خرج للشارع بعد أن شعر انه مخنوق وكان ال يقصد اى شىء سوى التسكع قليال ثم
ربما كان فى وجوده فى منزل وائل خطرا مضاعفا يعرضه لغضب عالء وسامى
العودة وعندما سأله عالء عن السبب الذى ھز كيانه وجعله يفقد المفتاح ارتبك عبد
ولكنه اضطر إلى اسكات وائل باخباره أنه سيعود لالقامة معھم من جديد حتى وإن
الجبار بشدة ولم يجد أمامه سوى أن يخبر عالء بأنه رأى انتصار فى الشارع وبھت
٤٨
لكن عالء ال يعرف اليأس وال يتسامح مع من يخرج عن سيطرته ويعلن التمرد عليه عالء وكساه الصمت والسكون حتى خيل لعبد الجبار أنه قد تجمد فى مكانه فراح
وقد توجه كالمجنون إلى منزل الزوجيه فى الزمالك ليواجه انتصار ولكنه لم يجدھا يذكره بھا ظنا انه قد نسيھا وبانھا تلك الفتاة فى المعتقل التى كانت تأتى الشقة زمان
ولم يجد أشياءھا ،كل ما تركته كان خطاب تخبره فيه أنھا خرجت لألبد من حياته وانھا وانھا وراح يصف شكلھا ويذكره بھا ،إلى أن قاطعه عالء:
وتنصحه أال يحاول أن يتعرض المھا ألنھا ببساطة ال تعرف طريقھا ولن تعرفه .لم
-وايه يعنى لما تمشى فى الشارع وانت ايه دخلك بيھا
يفلح تحطيم مرايا المنزل ومزھرياته فى تخفيف غضب عالء وفى ثورة غضبه تلقى
اتصاال ھاتفيا من مقر القيادة يخبره بوقوع تمرد صغير فى معتقل ليمان طرة الذى ارتبك عبد الجبار ثم قال لعالء انھا لم تكن بمفردھا بل كانت بصحبة رجل واستقلت
تم تخصيصه لضباط الجيش المنقلبون على الثورة ولرموز النظام السابق وبمواجھة معه سيارته ولم يدر بعدھا عبد الجبار من أين يأ تيه الضرب وبدأ عالء يستجوبه
بين عناصر مسلحة من اإلخوان وفرقة للجيش وأخى من األمن المركزى انتھت حول شكل وعمر ذلك الرجل وأين رآھما وأين ذھبا وعن شكل السيارة ولونھا
بسيطرة االخوان على محطة مترو البحوث بعد استسالم فرقة الجيش وانضمام وموديلھا وبدأ عبد الجبار يصف السيارة والرجل ثم يعيد عالء سؤاله فيتغير
قائدھا لصفوف اإلخوان ،وباستدعاء من قائد الثورة يطالبه بالحضور حاال الى مقر الوصف مما يزيد جنون عالء ولم يدر كيف اخرج مسدسه وضرب رأس عبد الجبار
القيادة ،كان كل شىء ينھار من حوله فجأة ليتعقد كل شىء وكأنه دم ناجى يلقى بكعب المسدس ليغشى عليه ويترك عالء فى حيرة وجنون ان زوج انتصار األول ما
عليه لعنة تطالب بالقصاص ،اتجه عالء إلى مقر القيادة وھو يحدث نفسه ،لقد اعتقد يزال فى السجن ولم يفرج عنه ،ترى ھل تعرف رجال غيره؟ ومن يكون ولماذا
أن التخلص من ناجى سيكون خطوة كبيرة فى طريق الصعود ليفاجأ بالعكس تماما يكذب عبد الجبار ويحاول اخفاء ھوية الرجل الذى كان مع انتصار؟
فقد كان قتل ناجى خطوة فى طريق االنھيار المباغت الذى وقف عقل عالء حائرا
والتقط عالء سيجارة من علبة السجائر لكنه لم يطق صبرا ليشعلھا فرماھا وقيد عبد
امامه وعند ھذه النقطة توقف عالء وأوقف سيارته وقد اكتشف انه وللمرة األولى
الجبار وجاء بدلو ماء وألقاه فى وجھه وراح يركله بقدميه حتى استعاد الوعى فبدأ
نسى عقله وحكم انفعاالته ،لم يكن ليصدق أن قتل ناجى خطأ أو خطيئة فالصواب
استجوابه من جديد حتى اضطر عبد الجبار لالعتراف بكل شىء فقد كان على غير
والخطأ عنده كان لھما معيار واحد فقط ..مصلحته ..فما يوافق مصلحته كان
استعداد ألن يضحى بمخططه الكبير لالنتقام من عالء والصعود إلى مصاف المرضى
الصواب بعينه وما كان يخالفھا كان الخطأ بذاته ،ومن أجل مصلحته وطموحه كان
عنھم من قبل االخوان وقد أصبحوا قوة ال يسته ان بھا وقد وعده سامى بمنصب
البد لعالء ان يقوم عالء بزيارة مھمة جدا قبل التوجه إلى مقر القيادة وقد كان.
كبير وبإعادة أرضه وممتلكاته التى سلبھا عالء بدون وجه حق وكالعادة أقنع عبد
استرد عبد الجبار وعيه وناضل حتى تخلص من قيوده وحاول الخروج ولكن باب الجبار نفسه أن ما باليد حيلة وأنه البد ان يعترف فھو ليس من القوة ليواجه عالء
الشقة كان مغلقا بإحكام من الخارج ولم يجد أمامه سوى الھرب من نافذة المطبخ.. بك ،كما أن اعتراف مثل ذلك لن يضير وائل فى شىء فبرغم انفعال عالء وغيرته
كان عبد الجبار متيقنا ان ھذه المرة لن يرحمه عالء فھو يفضل أن يقتل لمجرد على ان تصار والتى عجز عبد الجبار عن ايجاد مبرر منطقى لھا إال أنه لم يجد
الشك وبالطبع لم يكن يستطيع الذھاب مرة اخرى إلى منزل وائل ولذا كان امامه حال غضاضة فى أن يعترف بأنه رآھا مع وائل وقد وصفه ووصف سيارته فقط ولم يقل
وحيدا ھو الذھاب إلى سامى مرة أخرى فقد عرف عبد الجبار مخبأ عالء وخفاياه اسمه وخطر بباله ان عالء ال يمكن أن يصل إلى وائل من مجرد وصفه ووصف
التى تتيح فضح كوارثه أمام العامة ،من نافذة المنور قفز عبد الجبار إلى مدخل سيارته بدون رقمھا وأنه حتى انتصار لم تعد على عالقة به ،ال يمكن أن تكون واال
العمارة وكان يھم بالخروج عندما اصطدم بانتصار وكانت صدمة لكليھما ولكن كان رآھا فى النساء الالتى يأتين إلى الشقة.
٤٩
عاد بيتر من الكنيسة مضرجا فى دمائه وفى حالة ذھول مما حدث له ففى الصباح انتصار وقبل أن ينطق بحرف واحد جذبته من ذراعه إلى سيارتھا وقد استجاب
حاول وائل منعه من الخروج الى الشارع خوفا من استھدافه بعد التھديدات المختلفة تماما ولم يبد أى اعتراض بل اعتقد أنھا قد اشتاقت إليه ،وفى السيارة سألھا كيف
التى تلقاھا من جھات متطرفة ردا على تقارير قدمھا فى برنامجه عن وحشية تيار عرفت بطريقه فأجابته أنھا لم تكن تعرف طريقه ولكنھا كانت آتيه إلى زوجھا لكى
االسالم السياسى فى مصر ،وعن مخالفات حادة للشريعة االسالمية ارتكبھا بعض تفضحه فھى تعرف تماما ما يفعله فى ھذه الشقة فسألھا فى بالھة - :ھو جوزك
رموز ھذه الحركة ولذلك كان وائل ينصحه دائما بتوخى الحذر وھذا الصباح فعل كمان واخد شجه ھنا؟
معه المستحيل ليقنعه بعدم الخروج ولكنه أصر على حضور الصالة فى الكنيسة،
ابتسمت وصارحته بتشفى انھا زوجة عالء وراحت تشرح له كيف تزوجھا وأنھا
وفى الكنيسة تم ضربه ضربا مبرحا بعد أن اختلف مع بعض الشباب المتعصبين
كانت متأكده تماما أنه مازال مساعده المخلص وأنه سيشى بھا إلى عالء ..وفھم
الذين ھاجموه بسبب اقامته عند مسلم ورفضه االقامة لدى أحدھم وھو محاسب
اخيرا عبد الجبار سبب الغضب الرھيب الذى انتاب عالء عندما اخبره انه رأى
متعصب واضطر بيتر للدفاع عن وائل وعن االسالم مما عرضه لغضبھم االشديد
انتصار مع رجل آخر ..وحكى لھا عبد الجبار أيضا ما خفى عنھا من استيالء زوجھا
حتى أن واعظ الكنيسة لم تفلح محاوالته لتخفيف الضرب عن بيتر ولكنه لم يفلح،
على ممتلكاته والزج به فى أحد المعتقالت بدون أن يأتى على ذكر اتفاقه مع سامى..
وتم طرد بيتر من الكنيسة ليخرج وھو متاكد أن الكنيسة االرثوذكسية لم تعد مكانا
لدين الرب بل مكانا للكره والحقد وتأليب شعب الكنيسة على أتباع الديانات األخرى وبمجرد ان فرغ من قصته ابتسمت انتصار وأخبرته انھما البد ان يتفقا على تدمير
بل وعلى الملل المسيحية األخرى .تذكر بيتر أبواه األرثوذكسيان وحرصھما على عالء فابتسم ابتسامة أظھرت أسنانه المتسوسه وأضفت عليه قبحا اضافيا ،واخبرھا
الصالة كل أحد فى الكنيسة ،أى كنيسة .كانت والدته تقول أن كلھا بيوت الرب وكل انه موافق على قتل عالء ولكن بشرط وحيد وھو أن تھبه نفسھا اآلن وتتزوجه بعد
بيت للرب صالح للصالة والعبادة .وتساءل بيتر لماذا لم تعد تلك الكنائس بيوتا للرب مصرع عالء.
لمجرد أن قال أحدھم بحرمانية الصالة فيھا؟ وكيف تستطيع كلمة واحدة من رجل
لوھلة ترددت انتصار فكيف تعود إلى الوحل بعد أن من ﷲ عليھا بالشفاء؟ ولكنھا
دين أن تھدم أساس عقيدة قوامھا كان الحب والتسامح؟ لقد سمع وقرا الكثير عن
كانت يائسة وفكرت انھا قد نجست جسدھا كثيرا بال طائل وبال مقابل وبال سبب
اضطھاد االقباط فى مصر ولكنه عندما ترك الواليات المتحدة االمريكية ليستقر فى
سوى الخوف ،اذن فلتنجسه مرة واحده أخيرة للخالص من ذلك الوغد الذى دمر
مصر بحكم عمله لم يجد فى األقباط مالئكة وال فى العرب -كما كان يسمى المسلمين
حيات ھا فوافقت وكان عليھما البحث عن مكان ال يخضع لسلطة االخوان واال لقتال
فى مصر -شياطين بل وجد قطعانا من المشاة يسوقھا رجال الدين أنى شاؤوا
فى التو واللحظة وأقيم عليھما حد الزنا ،وأيضا مكان ال يخضع للجيش وقد صار
ولألسف كانت مشيئة رجال الدين فى كال الطرفين تميل الى الدم والعنف وحب
عالء متحكما فى بعض رجاله وھاما بالسيارة على الطرق النائية وحاولت انتصار
السيطرة وكراھية اآلخ ر .واندھش بيتر أنه لم يصبح متدينا ولم يفكر فى الصالة فى
ان تتحجج بعدم وجود مكان وبانه من األجدر به ما ان يؤجال اللقاء ولكن عبد
كنيسته اال بعد ان أقام بين وائل والنمنم ورأى بعض المظاھر الدينية عندھم وشعر
الجبار لم يكن على استعداد ألن يسمعھا فلقد اشتعل جسده والبد أن يطفأه حاال بغض
بصلة غريبة بين حرص وائل على صالة الجمعة فى المسجد وان كانت الشوارع
النظر عن أى شىء ولذا فقد وجد ضالته فى عشش الزبالة على الطريق الدائرى
غيرآمنة وبين حرص والده على الصالة كل أحد فى الكنيسة ،بل لقد راود بيتر
وبتھديد السالح فتحت له احدى العشش وغاصت انتصار فى الوحل برضا تام ھذه
شعور غريب أن مصريته لن تكتمل إال ان أصبح متدينا مواظبا على ارتياد الكنيسة
المرة ألنھا كانت تعلم فى داخلھا أنھا ستكون المرة األخيرة.
والتناول.
٥٠
ولدھشته الشديده وجد ضابطا برتبة مقدم يترجل منھا ويدخل المنزل مسلما على ووصل بيتر الى منزل وائل ليجد النمنم يبكى ويلطم خديه وعندما راى بيتر والدماء
وائل بحرارة واصطحب بيتر وحقائبه الى السيارة وعلى الباب قال له وائل وقد بدأ تنزف من جسده زادت حدة اللطم فجزع بيتر وساله عن سبب ما يفعله وعندما
العرق يتصبب من جبينه وجسده بغزارة: صارحه النمنم بأن وائل قد تلقى تھديدا من شعبة القصاص والحرابة فى جماعة
السلف الصالح -وھى جماعة تكفر الجيش واالخوان معا -بالقتل واحراق المنزل بمن
-مش ھاوصيك يا باسم
فيه حتى انتابت بيتر حالة من الضحك الھيستيرى وھو ال يكاد يصدق ما يحدث فقد
-فى عينيه يا وائل مش ھاسيبه غير لما اطمن انه فى الطيارة وانھا اقلعت.. كانت المشكلة منذ سنوات قليلة بين المسلم وجماعة من المسيحيين أو العكس لكن
واحتضن بيتر وائل بشدة وانضم لھما النمنم وھو يتشبث بكليھما وكأنه طفل صغير أن تصبح المشكلة بين المسيحى والمسيحى وان يصير االقتتال بين المسلم والمسلم
بين أبيه وأمه ووقف وائل والنمنم خارج المنزل يلوحان للسيارة التى أقلت بيتر فى نفس الوطن فھذا ھو شر البلية وشر البلية ما يضحك وما ھى اال دقائق قليلة
حتى غابت عن نظرھما ..وسقط وائل على األرض فحمله النمنم إلى الداخل ووضعه حتى دخل وائل الى المنزل وھو يضع يده على قلبه فأسرع بيتر اليه ملھوفا وكف
على األريكه التى فى المدخل وكان وائل غير قادر على التنفس بشكل طبيعى فالتقط النمنم عن البكاء ونظر نحو وائل فى فزع يحاول تفحصه واالطمئنان أنه بخير
النمنم الھاتف وراح يبحث عن رقم الطبيب ولكن وائل اشار له أن يقترب فجلس وطمأنھما وائل بأنه بخير ثم اخرج تذكرة طيران وأعطاھا لبيتر الذى تناولھا ونظر
النمنم على األرض بجوار األريكة وھو يبكى وصارحه وائل بأنه ال فائدة فھو يرى فيھا مدققا ثم سأل وائل مندھشا اذا ما كان ينوى السفر الى الواليات المتحدة
أشباح الموت أمامه وبأن الطبيب لن يدركه فازداد بكاء النمنم ولكن وائل منعه قائال: االمريكية ولكن وائل قال له:
-اللى يحب البلد دى ويشيل ھمھا فى زمن صعب زى ده الزم يتجنن أو يموت -انت اللى ھتسافر يا بيتر القناة بتاعتك فجروھا النھاردة والتھديد بالقتل فى
بالقلب انتظارك من الجماعات المتشددة عندنا وعندكم وانت مش واخد على الحياة ھنا
و...قاطعه بيتر ثائرا وقال انه لن يترك مصر مھما حدث فھو مصرى مثلھم تماما
وابتسم وائل ابتسامة طالت وطال الصمت حتى عندما طلب النمنم الطبيب وجاء
وليس أقل منھم وطنية ليترك وطنه فى ھذه الظروف الصعبة وھو ليس جبانا
الطبيب وأكد أن قلب وائل قد توقف ،حتى وھم يغسلونه ظلت االبتسامة المرة
ليھرب ..ولكن وائل رفض ان يستمع اليه قائال انه ھذه المرة لن يلتزم الديموقراطية
الحزينه على وجھه وأبت عينيه االنغالق حتى كفنوه وكأنه كان ينتظر أن يرى شيئا
التى آمن بھا عمره وقال لبيتر أن وجوده خارج مصر سيكون أكثر نفعا فقد تم
ما قبل الرحيل وكأن نظره يأبى النوم قبل أن يرى ما تمنى..
قصف االقالم الحرة أو استعبادھا بالمال او االرھاب ووجوده فى امريكا سيكون
كانت الجنازة شبه سرية ليس بھا سوى النمنم وشقيق وائل وضابط الجيش الذى مھما وسيوفر لوائل الحرية فى ارسال ونشر المقاالت التى تتم مصادرتھا فى مصر
أوصل بيتر إلى المطار .ألول مرة يشعر النمنم باليتم ورغم أن فارق السن بينھما لم كما أنه بعد أن رأى المھازل التى تحدث فى الوطن سيكون خير داعيا للقضية
يكن كبيرا إال أن وائل كان بمثابة أب له كان ھو من ثقفه وعلمه وآواه حتى ل قد الوطنية فى الخارج وانه ربما يقوم بجھود فعالة للحول دون خطة غزو مصر ،كان
كتب له المنزل مناصفة مع بيتر وترك باقى ممتلكاته ألھله ،كيف غاب وھو بعد فى وائل يتحدث والدموع تسيل على خدى بيتر تأثرا بالفراق والن وائل كان قد رتب كل
عنفوانه كيف لم يحتمل قلبه الحياة؟ ووصلت الجنازة إلى المقبرة ليجد النمنم شىء النقاذ صديقه ماھى اال دقائق حتى جاءت سيارة تابعة للجيش وولول النمنم
تجمھرا كبيرا لم يتخيله كان تجمھر غريب به كتاب ومشاھير وبه بسطاء ساعدھم خوفا من ان تكون قد جاءت العتقال وائل الرائه المتشددة ضد الحكم العسكرى ولكن
٥١
ساقين وكيف تفعل وھى حتى ال تملكھما؟ وفتح عبد الجبار باب الشقة ولكنه لم وائل كل ھؤالء جاؤوا رغم التھديدات والتحذيرات ورغم أنف اإلخوان ورغما عن
يغادرھا فقد وجد عالء أمامه ومعه مجموعه عرف عبد الجبار من زيھم ولحاھم إلى العسكر.
من ينتمون.
فى المدافن عرف النمنم كم كانت حياة وائل غالية وكم كان رجال عظيما وفى
وأسرعت انتصار الى المطبخ وعالء يتلو على عبد الجبار تھمته وھى الزنا المدافن عرف النمنم ما كان يعنيه وائل النتصار عندما رآھا تنھار على قبره باكية
وعقوبته وھى القتل وخرجت انتصار وقد احمر وجھھا وتھدجت انفاسھا غضبا حتى فقدت الوعى ورأى معجزة عندما لمح دمعه تلمع فى عيون عبد الجبار القاسية
وغال وھى تصرخ - :بس انت نسيت يا عالء بيه ..ثم قالت بسخرية وھى تنظر إلى وعلى باب عينيه وقفت غلظته حائال بينھا وبين وجنتيه.
لحيته الصغيرة :قصدى يا شيخ عالء أنه عبد الجبار مش محصن يعنى يتجلد بس
وعاد النمنم الى بيت وائل وجلس فى غرفة المكتب بين الكتب وراح يقرأ ويقرأ فى
مش اعدام وقفزت نحو عالء شاھرة سكين مطبخ ليعاجلھا أحد الرجال بسيف فيقطع
البداية كانت القراءة تشكل عبئا عليه وكان يتعتع ولكن فى آخر الليل كان يقرأ
رقبتھا ،بينما اقترب رجالن من عبد الجبار وشال حركته بعد أن شلت الصدمه لسانه
بسالسة أدھشته كما أدھشه أن القراءة كانت تعزيه وتخفف أالم الفراق.
تماما واقترب السياف من عبد الجبار وقال له عالء وھو يقلب جثة انتصار بين
قدميه - :اتشاھد يا عبده يمكن ربنا يرضى عليك قضى النمنم شھورا طويلة فى القراءة ،شھورا صدر فيھا قرار بمنع بيتر من دخول
مصر ووضعه على قوائم الترقب ،شھورا زادت االوضاع سوءا وسط ترقب اجتياح
ونظر له عبد الجبار بغل شديد ثم قال ودون ان يتلعثم - :لو فيه ربنا مكانش كل ده
أمريكى وبين مناقشات فى الكونجرس والكنيست عن نوع االجتياح واذا ما كان
يحصل ولو فيه ربنا يبجى انا استحج الجحيم النى فى يوم خدمت كلب زيك..
يفضل ان يكون امريكيا اسرائيليا أم تكتفى أمريكا بالضرب جوا وتترك االجتياح
ونظر عالء الى السياف وارتفع السيف ثم ھوى وسكت عبد الجبار إلى األبد.. البرى السرائيل وعن إمكانية استخدام السالح النووى فى مصر من عدمھا..
ليبتسم عالء فى راحة وظفر فقد عرف من أين تؤكل الكتف..
فى تلك الشھور أدمنت انتصار الخمر والحشيش وكل ما كانت تطوله يد عبد الجبار
ولكن جھاز االسلكى الذى يحمله أطلق صافرته ليرد على سامى الذى كان يعوى- : من مخدرات وممنوعات يزوده بھا أصدقاؤه فى مكتب سامى بك أو االخ سامى كما
أمريكا بتضرب المطارات واسرائيل دخلت سينا يا أخ عالء وانا اخترتك تتقدم كان يطلق عليه فى الجماعة ،شھور ماطل فيھا عبد الجبار فى الخالص من عالء
الصفوف للجھاد فى سيناء فھى تحت سيطرتنا ونحن المسؤولون عنھا الن االمر لم يأته من الجماعة ،وبدأ خاللھا يصطحب انتصار الى منزل األخ سامى
لتعمل بحق ما تحتسيه من منكر ..إلى ان جاء يوم ثارت فيه على عبد الجبار وقالت
ولكن عالء صرخ - :وليه انت متتقدمش الصفوف يا أخ سامى؟ واھو تدخل الجنه
له انھا ستقتل عالء بنفسھا ان لم يفعل وانھا لن تتزوجه بعدھا فھو أخلف وعده لھا
وتلحق بالسلف الصالح
ووافقھا عبد الجبار ووعدھا أنه سيفعل ولكن عليھا أن تصبر عليه قليال ولكنھا
-يا اخ عالء التزم باألمر وال تعصاه فتغضب ربك تناولت سكينا من المطبخ ووضعته فى حقيبتھا وھمت بالخروج وحاول ھو منعھا
وأخذ منھا السكين وقال أنه ھو من سيفعلھا حتى ال تعرض نفسھا لألذى ونظر لھا
-يا اخ سامى ..اذھب الى الجحيم
نظرة لم تراھا فى عينيه من قبل ،آه لو علمه أحد فن الكالم لكان قالھا لھا ولكنه لم
يكن يستطيع أن يقول لھا أحبك كان األمر أشبه بأن تطلب من أفعى ان تمشى على
٥٢
على باب المطار ترجل بيتر من التاكسى حامال حقائبه ووجد عدد من اصدقائه وينھى عالء المكالمة ليفر بنفسه الى المنزل االمن الذى لم يكن أحد يعرف طريقه
االمريكان فى انتظاره لوداعه وطلب منه أحدھم أن يرسل له تقارير مصورة من تاركا رجاله فى حيره وھم ال يعلمون ما الذى يحدث وكل ما كان يشغل باله فى
مصر مادام سيكون ه ناك ولكن بيتر اعتذر له النه ذاھب الى ھناك كمصرى ليحمل الطريق ھو شىء واحد فقط :كيف يجد وسيلة اتصال مع األمريكان؟
السالح فى وجه الغزاة االمريكان واالسرائيليين ،ليس كمراسل أجنبى.
تحول منزل وائل إلى ثكنة عسكرية لتدريب كوادر المقاومة على يد المقدم باسم
وعندما سأله احدھم معاتبا كيف يقبل ان يرفع سالحه فى وجه الجيش االمريكى رد وكان النمنم يخدم رجال المقاومة فى سعادة و يقرأ لھم أشعار بيرم التونسى وصالح
بيتر فى حزم أنه مصرى ال أمريكى واذا كان دفاعه عن وطنه يغضب الحكومة جاھين واالبنودى واحمد فؤاد نجم وكان يتندر بالخالف بين االبنودى والفاجومى
االمريكية فليسقطوا عنه جنسية امريكا وعلى باب الطائرة سأله الشرطى وھو وھو يقول للرجال - :أھو االتنين مكانوش يطيقوا بعض لكن شوفوا االتنين ازاى
يراجع جواز سفره : كانوا بيموتوا فى مصر؟ ﷲ يرحمھم بقى
-مستر بيتر عونى؟ اسمك بيتر أم بيير؟ وساله احد الشباب الذى كان قھوجيا - :زى الخالف بين اخواننا البعدا وحكومة
العسكر كده؟
ابتسم بيتر ابتسامة أضاءت وجھه الخمرى وھو يقول:
ضربه بيتر على قفاه وھو يقول فى غضب - :يا جاھل وھما دول بيحبوا مصر؟
-بطرس ..اسمى بطرس عونى يا خواجه
ويرن ھاتف نمنم المحمول ويرد بسعادة عندما يرى الرقم - :أستاذ بيتر ..حبيب
)تمت(
قلبى ..حقيقى؟ جاى؟ ازاى؟ ﷲ أكبر ھاستناك يا صديقى..
وأغلق النمنم ھاتفه وصاح فى سعادة - :أبشروا يا رجالة المقاومة الحاج قصدى
الخواجه ..يووه المقدس بيتر جاى وھاينضم الخوانه فى الجھاد..
نظر له شابان ملتحيان باعتراض فنظر لھما شذرا ورفع قبضة يده قائال - :اييه..
حد فيكو عنده اعتراض؟ وعلى فكرة ھينام معاكو فى نفس األوده وضحك الجميع..