You are on page 1of 52

 

 
‫‪٢‬‬ ‫‪ ‬‬

‫الفصل األول‬

‫أغلقت الباب خلفھا وأسرعت إلى المصعد وأمام المرآ ه أحكمت حجابھا ثم راحت‬
‫تتأمل وجھھا وتصلح ھندامھا مازال شكلھا بالحجاب يثير دھشتھا رغم أنھا ترتديه‬
‫منذ عامين ‪ ..‬خرجت من المصعد ووقفت أمام العمارة فتوقفت أمامھا سيارة أجرة‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﳜﺘﻠﻂ اﻟﺤﺎﺑﻞ ﺑﺎﻟﻨﺎﺑﻞ ﻓﺘﻨﻬﺎر اﻟﻘﻴﻢ واﳌﺒﺎدىء‪ ،‬وﻳﺼﲑ اﻟﻔﺴﺎد ﻣﺬﻫﺒًﺎ واﻻﺳﺘﺒﺪاد‬
‫وھتف سائقھا الدميم الذى بدا فى الستين من عمره ھاتفا بھا فى سماجة‪:‬‬
‫ﻋﻘﻴﺪة‪ ،‬وﻳﺼﺒﺢ اﻟﺸﻌﺐ أﺳﻮأ ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻣﻪ‪..‬‬
‫‪ -‬ما تركب معايا يا قمر‪..‬‬

‫تجاھلت النظر إليه حتى انصرف ومرت إحدى سيارات األجرة فأشارت لھا وتوقفت‬ ‫ﻳﺘﺤﺘﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺘﻮﻗﻊ اﻷﺳﻮأ‪..‬‬
‫السيارة فاستقلتھا قائلة للسائق‪ - :‬نقابة الصحفيين من فضلك‬

‫فى الطريق ھبت نسمة ھواء رطبة وصافية‪ ،‬وداعبت النسمة وجنتيھا فخفق قلبھا‬ ‫وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﻌﺪم اﻟﺮؤﻳﺔ ﰲ ﺿﺒﺎب ﻛﺎﺑﻮس اﻟﻮاﻗﻊ اﳌﺮﻳﺮ‪ ،‬ﻳﺼﺒﺢ اﻟﺴﻘﻮط ﻓﻰ ﻫﺎوﻳﺔ‬
‫وتذكرت كيف كان شعرھا الناعم الطويل ينسدل خلفھا ويطير مع النسيم قبل أن‬ ‫اﻟﺘﻄﺮف أواﻟﺤﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ‪ :‬اﺣﺘﻤﺎل وارد‪..‬‬
‫ترتدى الحجاب ورغم أنھا لم تعتبر نفسھا عورة فى يوم من األيام إال أنھا وجدت‬
‫نفسھا محاطة بسيل من المواعظ فى الكلية والمنزل والعائلة حتى صديقاتھا كلھن‬
‫ﻰ‪ ..‬ﺗﻮﻟﺪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ ﺷﻤﺲ اﻟﻌﺪل ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ‪..‬‬
‫ﻓﻰ ﻇﻞ اﻟﻈﻠﻢ‪ ،‬ﻳﺸﺘﺪ اﻟﺘﻮق إﱃ ﻧﺒ ‪‬‬
‫محجبات ھذا غير التحرشات التى كانت تكابدھا فى الشارع والمترو‪ .‬لقد كانت‬
‫انتصار دائما خاضعة للمجتمع فى المظاھر والتقاليد إال أنھا لم تستطع منع نفسھا‬
‫من الميل للسياسة ثم العمل بھا ألول مرة من خالل حركة كفاية ربما كان ھتافھا ضد‬ ‫وﻷن ﻋﺼﺮ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻗﺪ وﱃ ﺑﻼ رﺟﻌﺔ‪ ،‬وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺒﺤﺚ ﺣﻮﻟﻨﺎ وداﺧﻠﻨﺎ‪..‬‬
‫الحكومة و النظام يشبع رغبة جياشة بداخلھا للھتاف فى وجه أبيھا المستشار‬
‫والذى عمل فى بداية حياته ضابط شرطة وكانت دائما تسخر منه وتشبھه بعسكرى‬ ‫ﻟﻌﻠﻨﺎ ﳒﺪ ﻣﻨﺎ أﻧﺒﻴﺎء ﻳﻄﻬﺮون اﻷرض ﻣﻦ رﺟﺴﻬﺎ‪..‬‬
‫الدرك الذى كان يصرخ فى األفالم القديمة‪ - :‬ھا مين ھناك‪..‬‬
‫أﻧﺒﻴﺎء ﺑﻼ وﺣﻰ‪..‬‬
‫كان صارما للغاية وكأنه ماكينة كبرى تصدر األوامر فقط ‪ ..‬وظلت انتصار فى أسره‬
‫حتى تمت إعارته إلى السعودية وقتھا فقط شعرت انتصار بالحرية الحقيقية‪ ..‬كانت‬
‫‪@ @oy‡à@ò†bïà‬‬
‫تنظر إلى خالھا اليسارى الكبير الذى توفى منذ عامين على أنه مثلھا األعلى‪ ،‬كان ال‬
‫يمل من الحديث معھا لساعات يجيب على أسئلتھا ويشرح لھا موقفه من الحياة‬
‫ويقص عليھا ذكرياته‪ ،‬وفجأة رحل خالھا مزدردا إھانة لم يتحملھا حينما اختطف بعد‬
‫مشاركته فى إحدى الوقفات االحتجاجي ة وضربه أحد المخبرين على قفاه‪..‬‬
‫‪٣‬‬ ‫‪ ‬‬

‫ابتسم بيتر عونى للكاميرا فى إرھاق وأمسك الميكروفون ليبدأ فى سرد تقريره‬ ‫لم يتحمل وھو فى الخامسة والستين ما كان يتحمله فى الثالثين فمات‪ .‬وبانضمامھا‬
‫المصور عن أحداث يوم االستفتاء على تعديل المادتين ‪ ٦٧‬و‪ ٧٧‬من الدستور‬ ‫إلى حركة كفاية كانت تشعر بأنھا تكمل مسيرة خالھا وتمارس حقھا فى الصراخ‬
‫المصرى قائال‪ - :‬لن تنسى م نطقة وسط البلد ھذا اليوم من عام ‪ ٢٠٠٥‬حيث‬ ‫والھتاف والرفض‪ .‬وعندما انخرطت فى الحركة وبدأت تشارك فى المظاھرة تلو‬
‫حاصرت جحافل قوات األمن المركزي المنطقة‪ ،‬المشھد يوحى أن ثمة معركة حربية‬ ‫األخرى نما وعيھا أكثر‪ ،‬لم تعد المسألة شخصية فى نظرھا بدأت تقرأ وتفھم وتعرف‬
‫على وشك الحدو ث‪ ،‬وعلى سلم نقابة الصحفيين كانت ھناك حشود غفيرة من‬ ‫أن أى وضع فردى خاطىء أو مأساوى ھو بالضرورة انعكاس للوضع العام وألول‬
‫المدنيين يتظاھرون‪ ،‬بالقرب من ميدان التحرير‪ ،‬وعلى كورنيش النيل كان ھناك‬ ‫مرة تحب انتصار كلية الحقوق التى التحقت بھا دون رغبتھا وصار حلمھا أن تمتلك‬
‫جيشا من السيارات والميكروباصات التصقت ببعضھا واختنقت في زحام ليس له‬ ‫مكتبا للمحاماة بعد التخرج وأن تتزوج بطال قوميا أو على األقل عضوا سياسيا نشطا‬
‫مثيل حيث اتضح لنا من مشھد الركاب المتذمرون في صمت أن المواجھة في وسط‬ ‫فى كفاية‪ ..‬سألتھا إحدى صديقاتھا ذات مرة‪ - :‬مش خايفة على نفسك من البوليس؟‬
‫البلد قد حكمت عليھم أن تتوقف حياتھم وأن يوقفوا ساعات اليد عن الخفقان حتى‬
‫‪ -‬واخاف ليه؟ والدى مستشار كبير وأنا مسنودة و خالى علمنى أن الغضب الذى‬
‫تحسم نتيجة المعركة غير المتكافأة‪ .‬في أحد الميكروباصات التى كنت أقف إلى‬
‫يسببه الظلم سيأتى عليه لحظة حتمية ويصبح أقوى بكثير من أى خوف‪..‬‬
‫جوارھا دارت مناقشة حامية الوطيس حول ما إذا كان السبب في ھذا الزحام ووقف‬
‫الحال المتظاھرون أم قوات األمن‪.‬‬ ‫ساعتھا نبھتھا تلك الصديقة إلى أنھا بدأت تستخدم الفصحى كثيرا فى حوارھا كما‬
‫أن حديثھا أصبح ممال وصعب الفھم‪ ،‬وفى خالل أشھر قليلة من بداية نشاطھا‬
‫ومن أحد أوتوبيسات النقل العام أخرج المواطنون رؤوسھم ليشاھدوا بيتر وھو‬
‫السياسى كانت عالقة انتصار قد انقطعت بصديقاتھا كلھن إما ألنھن عجزن عن‬
‫يتحدث أمام الكاميرا وراح البعض يلوح للعدسات فى بالھة والتفت أحد الركاب إلى‬
‫التواصل مع اھتماماتھا الجديدة وإما لخوفھن من التورط أمنيا‪..‬‬
‫رفيقه فى المقعد المجاور قائال‪ - :‬ھما الجماعة المعارضين دول فاكرين نفسھم‬
‫ھيغيروا الكون؟ ھيستفيدوا إيه لما يعطلونا ويغضبوا النظام؟‬ ‫وصلت السيارة إلى نقابة الصحفيين فترجلت انتصار بعد أن أعطت السائق أجرته‬
‫وعبرت الشارع إلى مقر النقابة حيث كان ھناك تجمع كبير من الناشطين على‬
‫وازدرد الرجل األخر لعابه ولم يجب بل أدار وجھه للناحية األخرى وكأنه لم يسمع‬
‫الساللم وكان ھناك كردونا أمنيا ضخما يحاصر منطقة وسط البلد كلھا ‪،‬وفى داخلھا‬
‫فتبرع أحد الركاب والذى كان واقفا ويستند بكلتا يديه إلى المقعد الذى كانا يجلسان‬
‫ارتجفت انتصار للحظة ولكنھا شجعت نفسھا قائلة‪:‬‬
‫عليه ويكاد عرقه يسيل على وجوھھم قائال‪:‬‬
‫‪ -‬يالال يا انتصار دى مش المرة األولى اللى تنزلى فيھا مظاھرة‬
‫‪ -‬انت عايزھم يسكتوا على الفساد والرشوة واالستبداد؟ ثم يا أخي كتر خيرھم أھم‬
‫بيثورلنا سلف‪ ،‬وبيتبھدلوا في المعتقالت نيابة عننا‪.‬‬ ‫وھمت انتصار بعبور الشارع ولكن األرض انشقت فجأة عن سيارة ميكروباص‬
‫زرقاء زجاجھا معتم وفى لحظة وجدت انتصار نفسھا داخل السيارة التى دفعھا إليھا‬
‫يقاوح المواطن اليائس األول معترضا‪ - :‬دى مش ثور ة ده غباء‪ ،‬وھو إحنا كنا‬
‫مخبر ضخم وحاولت انتصار المقاومة لكن الضرب الذى انھال عليھا من ثالثة‬
‫استفدنا إيه من المظاھرات وقال أعضاء كفاية مسميينا األغلبية الصامتة‪ ..‬صامته‬
‫وحوش كانوا داخل الميكروباص المخيف أفقدھا الوعى تماما‪..‬‬
‫ازاى ده إحنا حتى مبنبطلش كالم‪ ،‬ھو إحنا بنعمل حاجة طول حياتنا غير الكالم؟ ثم‬
‫إن الثورة إللى متوصلش أصحابھا للحكم متبقاش ثورة‪.‬‬
‫‪٤‬‬ ‫‪ ‬‬

‫جلس "عماد" وكيل النيابة الشاب على مكتب أنيق مرتديا بذلة كاملة وربطة عنق‬ ‫استبد الحر والقھر بالمواطن اليائس الثاني وتصور أن غريمه في النقاش ھو أحد‬
‫فكھا قليال ثم قام ليخلع الجاكت ووضعه على ظھر المقعد بعناية وھو يرمق بإعجاب‬ ‫أعوان النظام فيحتد عليه صارخا‪ - :‬أنت إيه يا أخي شانن حرب نووية على اللي‬
‫الفتاة التى دخ لت عليه للتو وأشار إلى الكاتب أن يسجل وقائع التحقيق مع‬ ‫بيتظاھروا ليه؟ أنت مرشد لألمن وال إيه نظامك؟ يثور اآلخر ويرغى ويزبد‪ - :‬أنا‬
‫الصحفية الشابة التى جلست متھالكة على المقعد أمام الوكيل ليسألھا‪ - :‬اسمك‬ ‫مرشد يا ابن ال‪......‬؟ ويتحول النقاش بالكلمات إلى صراع باللكمات وعلى الناصية‬
‫وسنك وعنوانك ووظيفتك‪ ..‬وتجيبه الصحفية التى كانت مالبسھا ممزقة وتستر‬ ‫األخرى يواصل بيتر عونى تقريره أمام الكاميرا قائال‪ - :‬والغريب أننا التقطنا في ھذا‬
‫جسدھا المرتجف بجاكيت رجالى أسود اللون‪:‬‬ ‫اليوم أكثر من ثالثين مشھدا لمشادات بين الناس في إشارات المرور في وسط البلد‬
‫وال أستبعد أن يكون السبب واحد‪ ،‬يبدو أن الناس فى مصر غاضبون من الحكومة‬
‫‪ -‬ھدى محمود قدري‪ ٢٨ ،‬سنة صحفية بجريدة الرأي‪ ،‬عنوانى ‪ ٤‬ش الخلفاوى‬
‫ولكنھم يفضلون تفريغ ھذا الغضب في صدور بعضھم البعض بدال من إطالقه في‬
‫‪ -‬لقد قدمتى بالغ يفيد بتعرضك لھتك العرض العلني على مدخل مقر نقابة الصحفيين‬ ‫وجه النظام‪ ،‬إما لخوفھم من بطشه وإما ألن إعالمه قد غيبھم حتى صاروا ال‬
‫في المظاھرات التى قامت بھا حركة كفاية لالحتجاج على استفتاء تعديل المادة ‪٧٦‬‬ ‫يعرفون لھم عدوا فال يحاربون غير طواحين الھواء‪ .‬غير أن أكثر ما أثار انتباھي‬
‫من الدستور‪ - ..‬ما سبب تواجدك ھناك؟‬ ‫ھو أحد العساكر في أواخر العقد الثالث من عمره قوى البنية م المحه متيبسة‬
‫وعيونه ميتة يضرب بعنف وقسوة ولكن بدون أدنى تعبير عن الغضب على وجھه‪،‬‬
‫‪ -‬كنت مكلفة من الجريدة بتغطية أحداث المظاھرة وذھبت إلى ھناك لتأدية عملي‬
‫ولوال أنى أعلم أن مصر من الدول المتخلفة تكنولوجيا لقلت أن ھذا العسكري ما ھو‬
‫‪ -‬وعملك ھذا إجبارى ألم يكن من الممكن أن تعتذري عنه؟‬ ‫إال إنسان آلى ابتكرته قوات األمن في مصر لتضمن وجود عسكري مطيع لألوامر‬
‫وبدون نقاش وعنده القدرة على ال تنفيذ بدون ضمير يردعه وال عقل يمنعه‪ .‬لقد‬
‫ردت ھدى بعصبية واستنكار‪ - :‬ھو سيادتك بتحقق معايا أنا بدل ما تستدعى‬ ‫أذھلني أن أعرف أن زمالءه يطلقون عليه لقب "عسكري الدرك"‪ ،‬وھو اللقب الذى‬
‫المجرمين اللى ارتكبوا الواقعة وتحقق معاھم؟‬ ‫كان يطلق قديما على العسكري المكلف بحراسة الشوارع ومنع حدوث حوادث‬
‫فمال عماد إلى االمام ورد متأمال ھدى‪ - :‬ما ھو لما واحدة بالجمال واألنوثة دى‬ ‫السرقة واالغتصاب وما إلى ذلك‪ ،‬ھذا ما فھمته من صديقي المصري‪ ،‬ولكن ما لم‬
‫كلھا تنزل مظاھرة فيھا أشكال مش والبد من البديھى أن تتعرض لكوارث‪ ..‬متوقعة‬ ‫أتمكن من فھمه كيف يسميه زمالؤه "عسكري الدرك" في الوقت الذي كان يرى‬
‫ايه من شوية شباب ضايعين بيعملوا ھرج ومرج‪ ..‬ثم التفت إلى كاتبه وصرخ فيه‪:‬‬ ‫ويسمع بل ويشارك في عمليات ھتك أعراض المتظاھرات بل إننى لمحت في عينيه‬
‫السعادة وھو يمزق مالبس إحداھن ويتطاول على حرمة جسدھا‪ ،‬لقد رأيته يضرب‬
‫‪ -‬انت بتكتب إيه يا زفت؟ متكتبش السؤال اللى فات يا غبى‪ ..‬اشطبه‬ ‫زميال له أقل بكثير في الحجم ليأخذ منه ھاتفا نقاال كان يخص أحد المتظاھرين ثم‬
‫ثم يلتفت إلى ھدى التى تجيبه بحسرة‪ - :‬الشباب اللى حضرتك تقصدھم كانوا‬ ‫يدسه في جيبه وكأنه حق مكتسب له؟ ھل يعتقد ھذا العسكري أن الناشطين‬
‫بيعبروا عن رأيھم مش أكتر‪ ،‬ومتنساش يا فندم إن الشباب دول ھم اللي خلصوني‬ ‫السياسيين والحقوقيين لصوص؟ ترى ھل استغلوا جھله ليوھموه بذلك؟ أم أنه يعلم‬
‫وستروني بھدومھم‪ ،‬اللي عملوا كده كانوا من األمن يا فندم‬ ‫حقيقتھم ويعلم حقيقته فيصر على إلصاق ھذا اللقب بنفسه حتى ينفى عنه تھمة‬
‫اللصوصية؟ كان معكم‪ :‬بيتر عوني ‪ -‬القاھرة ‪ -‬من أمام نقابة المحامين‬
‫يرد عماد باستھزاء‪ - :‬طب احكى لى يا ھانم اللي حصل لك‪..‬‬
‫‪٥‬‬ ‫‪ ‬‬

‫أكملت ھدى سرد الوقائع ووكيل النيابة مشدوھا بما يسمع وقبل أن تخرج ھدى من‬ ‫ارتجفت ھدى وامتقع وجھھا شديد البياض وقالت‪ - :‬حوالى الساعة العاشرة صباحا‬
‫المكتب التفتت إلى وكيل النيابة وكأنھا قد تذكرت شيئا مھما‪:‬‬ ‫كنت أمام نقابة الصحفيين ومعي زميلي المصور الذي يرقد اآلن في المستشفى بعد‬
‫أن تم ضربه ضربا مبرحا‪ ،‬بدأت في إجراء بعض الحوارات السريعة مع المتظاھرين‬
‫‪ -‬آه ‪ ..‬على فكرة يا عماد بك أقذر واحد من الستة اللي كانوا حواليه كان عسكري‬
‫بينما كان زميلي يلتقط صورا للمظاھرة‪ ،‬عندما الحظت اقتراب بعض الشباب من‬
‫أمن مركزي أسمر وشكله وحش وواضح عليه الغباوة وھو يا فندم الذى وضع يده‬
‫الجھة المواجھة لنا والذين كانوا يھتفون للنظام يقتربون منى ثم حاصرونى في‬
‫فى‪..‬‬
‫شكل دائرة كنت فى منتصفھا ومعى إحدى عضوات حركة كفاية وبدأ ھجومھم علينا‬
‫تطرق خجال فيسألھا‪ - :‬عرفتى اسمه؟‬ ‫بالضرب ثم مزقوا مالبسنا وھتكوا عرضنا‬

‫‪ -‬ال لكن كان زمايله كانوا بيقولوا له " يا عسكري الدرك"‪..‬‬ ‫‪ -‬ھل تذكرين عددھم ومالمحھم بالتفصيل؟ تبكى ھدى ثم تمسح دموعھا قائلة‪- :‬‬
‫كانوا ستة ولقد اخذوا أوامر مباشرة من الرائد وليد لقد سمعته بنفسي وھو يأمرھم‬
‫انصرفت ھدى مكسورة إلى منزل ھا واستدعى وكيل النيابة الشھود الذين أكدوا ما‬
‫قائال‪" :‬قلعوھا ھدموھا بنت الكلب دى"‪ .‬اعتدل وكيل النيابة في جلسته وبدا مذھوال‬
‫قالته ھدى بل زاد بعضھم على ما قالته عما تعرضت له غيرھا من الصحفيات‬
‫مما يسمعه وقال لنفسه‪ - :‬أنا عارف إن الضباط وسخين بس مش ممكن يكونوا‬
‫وناشطات المجتمع المدني من ھتك عرض وتحرش وسرقة‪.‬‬
‫وصلوا لالنحطاط ده‪ .‬ثم نظر لھدى بحزم ورفع صوته فيھا‪ - :‬انتى عارفه انتى‬
‫بعد االنتھاء من أخذ أقوال الشھود التفت الكاتب إلى وكيل النيابة ليسأله‪:‬‬ ‫بتقولى إيه؟‪..‬اللي انتى بتقوليه ده لو صحيح يبقى عليه العوض في البلد‪..‬‬

‫‪ -‬معقول اللى سمعناه يا فندم؟ يعنى الولية أم فاروق ممكن تنزل الشارع باحترامھا‬ ‫أجھشت ھدى بالبكاء وقالت‪ - :‬يبقى عليه العوض في البلد يا فندم‬
‫وأالقيھا راجعالى ملط؟ طب ساعتھا أبلغ مين؟ البوليس؟ طب افرض أن البوليس ھو‬
‫‪ -‬كملي يا ھدى‬
‫اللى كان مقلعھا ساعتھا أقدم بالغ لمين؟‬
‫‪ -‬اقتربوا منى وأخذوا حقيبتي وھاتفي المحمول‪ ،‬ثم بدأ اثنان من ھم في التطاول‬
‫لم يرد وكيل النيابة على سؤال الكاتب ولكنه قال له‪:‬‬
‫على جسدي وتمزيق مالبسي‪ ،‬وبدأت أصرخ وخصوصا أنھم كانوا قد أوقعوني على‬
‫‪ -‬جھز نفسك بكرة نروح مستشفى المنيل الجامعي‪ ،‬عشان ناخد أقوال المصور‬ ‫األرض في محاولة اغتصاب حقيقية‪ ،‬ورأيتھم يضربون أحد المتظاھرين الذي حاول‬
‫المضروب‬ ‫انتزاعي من أيديه م‪ .‬وعندما انتبه زميلي لغيابي ورآني في ھذا الوضع اقترب‬
‫صارخا باسمي وسمعت واحد منھم بيقول لزميله‪ :‬الواد ده حلو قوى وھيعجب وليد‬
‫ثم يحدث نفسه قائال‪:‬‬ ‫بيه تعالى نمسكه‪ ،‬واتجھا إلى زميلي محمد ليجروه إلى سيارة زرقاء ميكروباص‬
‫‪ -‬أنا ورا الموضوع لما اعرف إيه اللي بيحصل في البلد‪.‬‬ ‫تابعة للشرطة‪ ،‬بينما ھذا الوليد بيه يرمقه باشتھاء غير طبيعي‪ ،‬وبعدھا انشغلت بما‬
‫يحدث لي حتى تمكن زميلين من الصحفيين من انتشالي من أيديھم وسترى‬
‫بمالبسھما‪ .‬وبعدھا عرفت أن محمد قاومھم بضراوة حتى انھم يئسوا من أمره‬
‫فأشبعوه ضربا وألقوه على رصيف الشارع‪..‬‬
‫‪٦‬‬ ‫‪ ‬‬

‫فى إحدى الغرف بمستشفى المنيل الجامعي جلس عماد "وكيل النيابة" في غرفة‬ ‫فى اليوم الذى تلى االستفتاء على تعديل المادتين ‪ ٧٧،٧٦‬من الدستور وفى مقر‬
‫محمد المصور الصحفى الذي تم ضربه في مظاھرات االستفتاء‪ ،‬وخرج الطبيب من‬ ‫إحدى الصحف القومية كان رئيس التحرير البدين جالسا فى مكتبه الفخم و يتحدث‬
‫الغرفة بعد أن طلب من وكيل النيابة عدم إرھاق المريض باألسئلة‪ ..‬اتجه عماد‬ ‫في الھاتف بسعادة بالغة وعال صوته وھو يقول لمحدثه‪ - :‬احنا تحت أمرك يا فندم‬
‫بنظره الى محمد الذى اختفى وجھه خلف الضمادات وسأله‪ - :‬اسمك وسنك‬ ‫اعتبرنا خداميك يا سعادة اللواء ‪ ،‬ھھھھھه وإحنا في ديك الساعة لما ننفذ أوامر‬
‫وعنوانك ومھنتك‬ ‫معاليك‪ ..‬يرتج جسده الھالمي من الضحك وھو يمسك بالعدد اليومي من جريدته‬
‫ويقرأ المانشيت الرئيسي‪ - :‬الشعب يقول كلمته بحرية‪ ..‬نعم لتعديل المادة ‪ ٧٦‬من‬
‫‪ -‬محمد على ‪ ٢٦‬عام مصور صحفي ساكن في بلوك ‪ ٤‬المساكن إمبابة‬
‫الدستور‪ ..‬ما رأيك يا باشا؟ ويرد عليه الضابط الكبير بنبرة سخرية‪ - :‬عظيم جدا يا‬
‫‪ -‬ياريت تركز يا محمد وتحكي لى بالتفصيل الذى حدث لك‬ ‫أجدع جورنالجى في مصر‪ ،‬وتبدل صوته وھو يقول بحده‪ - :‬انت مدرك فداحة اللى‬
‫ھببته يا أفندي؟ ‪ -‬ايه اللى انا عملته يا فندم؟‬
‫يرد محمد والدموع تمأل عينيه‪ - :‬ياريت انت يا باشا تحكيلى وتفھمني ايه اللى‬
‫حصل للبلد‪ ،‬اللى حصل لى حصل وانتھينا ولكن نفسي افھم ليه حصل؟‬ ‫‪ -‬انت أثبت علينا تھمة تزوير نتيجة االستفتاء‪ ..‬ازاى تكون النتيجة الرسمية لم‬
‫تعلن بعد وأنت بتقول في جريدتك اللى كانت فى السوق من امبارح أن الشعب قال‬
‫‪ -‬ھل لك اتجاه سياسي معين؟‬
‫نعم؟‬
‫‪ -‬وال حتى بافھم في السياسة‪ ،‬التقاط الصور ده أكل عيشي يا فندم‪ ،‬لكن الحيوانات‬
‫ارتجف الصحفي ثم برقت عينيه وقال‪ - :‬وھو الشعب يقدر يقول ال يا فندم؟ ده يبقى‬
‫ضربوني وسحلوني والضرب ده زى ما عرفت من الممكن أن يؤثر في قدرتي على‬
‫حقيقي شعب ناكر للجميل وقليل الرباية لما يعترض على تعديل تقدم به رب عائلة‬
‫الزواج مستقب ال‪ .‬واضح إن الضابط الشاذ اغتاظ لعدم قدرته على اصطيادي فأمر‬
‫مصر‪ ..‬وعندما الحظ صمت اللواء أكمل في حماس قائال‪ - :‬وبعدين المعارضة كده‬
‫رجاله بحرماني من رجولتي دول كانوا متعمدين الضرب في مكمن رجولتي‪..‬‬
‫كده كانت ھتقول أن االستفتاء مزور وتتھم الشرطة بتزوير النتيجة احنا كده نبقى‬
‫اختنق المصور بالدموع وشعر عماد أنه ال فائدة من استجواب رجل يبكى على أغلى‬ ‫حطينا حصوة في عين اللي مبيختشوش وإذا اتھموكوا ھنقول إن إحنا أعلنا النتيجة‬
‫ما يملك وقد كان في حالة من الذھول تعجزه حتى عن التفكير فما بالكم بالرد على‬ ‫قبلكوا وذلك بناءا على توجيھات السيد الرئيس‪ ..‬يصرخ اللواء في جزع‪ - :‬ايه؟‬
‫األسئلة الرسمية بإجابات شافية‪ .‬خرج وكيل النيابة من الغرفة متألما وقد بدأ يصدق‬
‫‪ -‬آسف يافندم أقصد بناء على ننتائج استطالعات الرأي التى قامت بھا الجريدة‬
‫ما يسمعه ويستوعب فكرة إن الذي حدث من جرائم كان حقيقيا‪ ،‬وراح عماد يحدث‬
‫نفسه صحيح أنه قد تغير بعد أن التحق بالعمل فى النيابة ففسخ خطبته من ابنة‬ ‫‪ -‬يا سالم يا اخويا وانتوا عندكو مركز الستطالعات الرأى‬
‫الجيران ليخطب ابنه أحد المستشارين من ر ؤسائه وصحيح أنه يقبل بعض الھدايا‬
‫‪ -‬نعمله يا فندم وبتاريخ السنة الى فاتت‪ ..‬وبعدين ھو يعنى حد ھيفتش ورانا؟ اطمن‬
‫واالكراميات لكنه كان يرى أن ذلك ال يؤثر على عمله وال يمنع أنه بالفعل يحب‬
‫خالص سعادتك ده إحنا الكالب المخلصة للحكومة يا بيه‪ ..‬يضحك اللواء ويقول‬
‫مصر وھو لم يؤذى أحدا أبدا أو ھكذا كان يرى ولعل ھذه القضية تكون فرصته‬
‫للصحفي‪ - :‬أما انت يا عبده عليك حركات‪ ..‬أتاريك موصلتش بالسھل‪..‬‬
‫ليفعل شيئا يفتخر به من خالل موقعه فھو مقتنع تماما أنه ليس سيئا مئة فى‬
‫المائة‪..‬‬ ‫ويضحك رئيس التحرير‪..‬‬
‫‪٧‬‬ ‫‪ ‬‬

‫فيسأل رئيس الحزب‪ - :‬تقصد مين؟‬ ‫وبينما كان عماد يھبط فى أسانسير المستشفى والخاص بنقل المصابين والمرضى‬
‫بعد أن فتحه له أحد األطباء‪ ،‬وبينما راح ذلك الطبيب يطلب من عماد تقضية مصلحه‬
‫ورد نائب الحزب مداھنا‪ - :‬أكيد يقصد سيادتك يا فندم‬
‫له فى المرور كان كاتب النيابة يقنع أم المصور بدفع عشرة جنيھات بحجة إنھم‬
‫‪ -‬وھو أنا يا دكتور لو اترشحت ھنجح؟ وبعدين انتوا عايزينى أقف قدام الريس كده‬ ‫رسوم تحقيق‪ ،‬ولم تتخلص المرأة من سماجته ح تى جاء أحد أصدقاء ولدھا وعرف‬
‫حته واحده؟ انت عايز الصحافة القومية تتھمني بالسعى للحكم؟‬ ‫الموضوع فضربه وھدده باإلبالغ عنه بتھمة طلب رشوة‪ ،‬فرفعت األم وجھھا إلى‬
‫السماء وھى تقول‪ - :‬بقى ياربى يحطموا ابني وكمان عايز ين يا خدوا فلوس حالوة‬
‫يرد السكرتير العام‪ - :‬أظن السعي للحكم لم يعد تھمة بعد التعديل األخير في الدستور‬
‫ما ضيعوه‪..‬حسبنا ﷲ ونعم الوكيل‪..‬‬
‫رئيس الحزب‪ - :‬ھه انت بتصدق؟‬
‫وفى السيارة ينھر عالء الكاتب قائال‪ - :‬انت مبتشبعش أبدا يا بني آدم؟ ھو مفيش‬
‫ويرد النائب‪ - :‬الزم كلنا نصدق يا فندم‪ ..‬ده حتى النظام ھيفرح أوى إننا ھنشاركه‬ ‫تمييز؟ يدعى الكاتب عدم فھمه لما يقال‪ ،‬فقال عماد‪ - :‬أنا عارف انت تأخرت فوق‬
‫الفيلم اللي ھو عامله وف اآلخر نطلع إحنا كومبارسات و نطلعه ھو وحش الشاشة‬ ‫ليه؟ وارتبك الكاتب قليال ثم قال‪ - :‬عالم بخالء يا عالء بيه‪ ..‬إال ماعزموا عليا‬
‫اللي ھيكتسح األصوات رغم وجود منافسين‪ ،‬وبھذا نكون ضربنا عصفورين بحجر‪،‬‬ ‫بسيجارة‪..‬‬
‫كسبنا رضا النظام وعملنا بروباجندا حلوة للحزب في الشارع السياسي‪.‬‬
‫‪ -‬سيجارة إيه يا ابن العبيطة انت في فرح؟ الناس حزينة على ابنھا وأنت بتفكر في‬
‫رئيس الحزب شاردا ببصره‪ - :‬وﷲ فكرة مش بطالة‪ ..‬بس تفتكر بجد إن الريس‬ ‫السجاير والمينى رشوة بتاعتك‪ ..‬فسبه الكاتب في سره قائال‪ - :‬سيبنا لك الرشاوى‬
‫ھيرضى عنا لو عملنا كده؟‬ ‫الكبيرة يا عالء بيه‪ ..‬وانطلقت السيارة إلى مقر النيابة‬

‫يھز وكيل الحزب رأسه بابتسامة‪ - :‬بالتأكيد يا حاج وبعدين متنساش أن كل مرشح‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ھايحصل على دعم مالى كبير من الحكومة أنا سمعت أنه ممكن يتجاوز النص مليون‬
‫فى مقر أحد األحزاب المعرضة بعد يومين من االستفتاء دار نقاش ساخن بين الثالثة‬
‫وده مبلغ ممكن ينفع الحزب ويتبقى شوية تعينھم للمستقبل‬
‫الكبار فى الحزب بدأه نائب رئيس الحزب قائال‪:‬‬
‫تلمع عيون رئيس الحزب ‪-‬الذى بلغ من العمر أرذله‪ -‬وقد راقته الفكرة ويبتسم‬
‫‪ -‬البد أن يقاطع حزبنا االنتخابات الرئاسية القادمة مثلما قاطعنا االستفتاء‬
‫ابتسامة عريضة أظھرت لمعان السنة الوحيدة التى أبقتھا األيام فى فمه‪..‬‬
‫فيرد سكرتير عام الحزب‪ - :‬ھو العفريت اللي عليك اسمه نقاطع؟ إذا كنا نسعى‬
‫ويتنھد سكرتير عام الحزب فى ذھول وحسره قائال فى سره‪:‬‬
‫لوجود حقيقي في الشارع فمن الضرورى أن نشارك ال أن نقاطع‬
‫اللھم ال تؤاخذنا بما فعل السفھاء منا!‬
‫ويستيقظ رئيس الحزب من نومه ليسأل‪ - :‬تقصد إيه؟‬

‫واجابه السكرتير العام‪ - :‬أقصد أن يرشح الحزب أحد كوادره في انتخابات الرئاسة‬
‫‪٨‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪ -‬نتمنى أن يتم ذلك وأن تعدلوا الئحة حزبكم لتتناسب مع الليبرالية التي تطالبون‬ ‫وفى مقر حزب معارض عريق فى منطقة راقية جلس رئيس الحزب فى صالون فخم‬
‫النظام بھا‪ ..‬وھنا يتململ رئيس الحزب في نفاذ صبر قائال‪:‬‬ ‫مرتديا حلة أنيقة للغاية ‪ -‬خلفه صورة زعيم الحزب الراحل‪ -‬وجلس أمامه فى نفس‬
‫الصالون بيتر عونى ودار بينھما حوار تليفزيونى بدأه بيتر عندما سأل رئيس‬
‫‪ -‬أوعدك إن الموضوع ده يكون محل دراسة‬
‫الحزب‪ - :‬ما رأيكم في التجاوزات التي حدثت يوم االستفتاء؟‬
‫‪ -‬ھل لديكم تعليق أو جمله تودون الختام بھا‬
‫أجاب رئيس الحزب فى بالغة‪ - :‬ھذه ليست تجاوزات إنھا جرائم بشعة‪ :‬ھتك عرض‬
‫‪ -‬نعم‪ .‬أود أن أؤكد على قيم الديمقراطية وأطالب الحكومة وباقي أحزاب المعارضة‬ ‫وضرب مبرح واعتقاالت وسحل‪ ..‬وسط البلد تحولت لساحة حرب بسبب عنف األمن‬
‫باالقتداء بحزبنا العريق وبالممارسات الديمقراطية داخله‬ ‫غير المبرر‪ ،‬ھذه وسائل ال تستخدمھا إال النظم الشمولية المستبدة‪..‬‬

‫‪ -‬شكرا يا فندم‬ ‫ويعقب بيتر‪ - :‬ولكن األمن يبرر‪ ..‬يقاطعه رئيس الحزب بحده قائال‪:‬‬

‫وانصرف بيتر وھو يضرب أخماسا فى أسداس ليدخل السكرتير الخاص لرئيس‬ ‫‪ -‬متقاطعنيش أنا لسه مكملتش‪ ..‬مفيش مبرر أيا كان يجعلك تتعدى على الصحفيين‬
‫الحزب قائال‪ - :‬األستاذ منصور خارج المكتب يا فندم وعايز يقابلك عشان يناقش‬ ‫أثناء أداء عملھم‪ ،‬أو تعتقل شباب يعبرون عن رأيھم في عصر انت بتزعم أنه أزھى‬
‫قرار تعيين مصطفى السماك في الھيئة العليا للحزب‪ - ..‬يعنى إيه يناقشني؟‬ ‫عصور الديمقراطية في مصر‬

‫‪ -‬ھو بيقول إن مصطفى ده يا فندم ال يتسم بطھارة اليد كما أنه ناصري قديم فكيف‬ ‫و تشرق ابتسامة مرحة على وجه بيتر الخمرى وھو يسأل‪:‬‬
‫ينضم إلى حزب ليبرالي؟ ومنصور يحتج على ‪....‬‬
‫‪ -‬بمناسبة الديمقراطية وندائكم بتحديد فترات الرئاسة بحيث ال تزيد على اثنتين‪ ،‬ھل‬
‫‪ -‬يحتج؟؟ افصلوه‪ ..‬اكتب لى قرار فصله من الحزب حاال‬ ‫تطبقون ھذه القاعدة في حزبكم الذى من المفترض أنه حزب ليبرالي؟‬

‫‪ -‬لكن يافندم منصور من أھم الكوادر الشابة عندنا و‪..‬‬ ‫‪ -‬لقد نادينا بالفعل بتحديد الفترات الرئاسية أسوة بالدول المتقدمة‪ ،‬ويضحك قائال‪:‬‬
‫أما بالنسبة لحزبنا فالوضع مختلف تماما وذو طبيعة خاصة فنحن حزب ال توجد فيه‬
‫رئيس الحزب‪ - :‬أنا قلت افصلوه فورا وإذا طولت في الكالم عن كده ھافصلك انت‬
‫رئاسة بل زعامة وأبوة والئحة الحزب ال تنص على تحديد فترات رئاسته‪ ،‬فھل‬
‫كمان‪- ..‬أمرك يا فندم‬
‫تريدنا أن نخالف الئحة الحزب؟‬
‫ويدق جرس الھاتف ليرد رئيس الحزب الليبرالي‪ :‬الو‪ ..‬أھال يا دكتور ازيك‪...‬طبعا‬
‫سأله بيتر باستنكار‪:‬‬
‫سنحتج وسنواصل الھجوم على النظام الشمولي ده‪ ..‬أنا وصلتني مستندات خطيرة‬
‫من فاعل خير تفضح ممارسات األمن يوم االستفتاء‪ ..‬آه فاعل خير مسمى نفسه‬ ‫‪ -‬وھل دستور جمھورية مصر العربية ينص على تحديد فترات الرئاسة؟‬
‫عسكري الدرك‪ ..‬أنا لن أسكت‪ ..‬إحنا أھم حاجة عندنا زى ما انت عارف ھى‬
‫فاجاب رئيس الحزب‪ - :‬ال‪ ..‬ولكننا نطالب بتعديل الدستور‬
‫الديموقراطية‪ ..‬الديموقراطية يا عزيزي‪.‬‬
‫‪٩‬‬ ‫‪ ‬‬

‫يعرف أبدا لماذا سمته أمه بھذا االسم‪ ،‬وكان مظلوم كالقبلة التي يقصدھا كل محتاج‬ ‫فى أحد معسكرات األمن المركزي جلس عبد الجبار في ركن في حوش المعسكر وقد‬
‫وذو مظلمة في البلد‪ ،‬ولم ال وھو المناضل القديم الذي عاش شبابه المبكر مقربا من‬ ‫ارتسمت عليه عالمات التعب كان أسمر اللون أقرب للدمامة ضخم الجثة كان يعيش‬
‫نجيب سرور وشھدي عطية ورؤساء الحركة الشيوعية في مصر في فترة الستينات‪.‬‬ ‫اآلن أھم لحظات حياته ‪ ..‬اللحظة التي اكتشف فيھا أ خيرا أن بإمكانه أن يكون‬
‫وينادى عليه أكبرھم سنا‪ - :‬السالم عليكم يا أبو عبد الجبار‬ ‫مھما‪ ..‬تنشر الجرائد صوره فى صفحتھا األولى وھو يوسع المتظاھرين ضربا ولكنه‬
‫لم يصل إلى ھذا النجاح إال بشق األنفس‪ ..‬يستند العسكري بظھره إلى الجدار ويجول‬
‫‪ -‬وعليكم السالم ورحمة ﷲ وبركاته‪ ..‬اتفضلوا يا رجالة‬
‫بعينيه في السماء‪ ،‬أما ذاكرته فتسافر إلى قريته في إحدى محافظات الوجه القبلي‬
‫وجلس الرجال ليبثوا مظلوم شكواھم من العمدة المفترى الذي يأتمر بأمر مأمور‬ ‫منذ خمسة عشر عاما حينما كان في الثالثة عشر من عمره‪ .‬يرى نفسه سعيدا‬
‫المركز وباشاوات مصر واستمع لھم باھتمام وعالمات األسى تمال وجھه األسمر‪..‬‬ ‫ويضحك بينما يجرى في الحقول مع أقرانه كانت بلدته جميلة للغاية الجبل خلفھا‬
‫ثم قال‪ - :‬أنا قلت ميت مرة البد نسيب خناق بعض شويه ونمسك في خناق الظلمة‬ ‫والنيل أمامھا وأھلھا طيبون وبسطاء إال أنه لم يدرك أبدا كنه الشيء الذي كان‬
‫وناخد تارنا منھم لكن محدش سمع كالمي‪ ..‬وھنا ھتف أحد الرجال‪ - :‬خناق مين يا‬ ‫يدفعھم إلى تقديس القھر ففي العھود التي لم يحكمھم فيھا عمدة ظالم كانوا يظلمون‬
‫مظلوم ؟ إحنا قدھم‬ ‫ھم أنفسھم وتنتشر جرائم القتل ثم الثأر للقتل بالقتل‪ ،‬حتى أنه كان دائما يعتقد أن‬
‫أھل قريته يعشقون الحزن ويحبون ّخناقھم تماما مثل القطط‪ .‬يقطع عليه حبل أفكاره‬
‫‪ -‬لو نظمنا نفسنا وحددنا مطالبنا واحد اثنين تالته ھنكون قدھم ونص‪ ،‬دلوقتى‬
‫صوت زميله عيد وھو ينادى عليه ألن عبد القوى باشا يريده‪ ،‬يقف العسكري وفى‬
‫األرض بتاعة قناوي وعبد الرحمن ھياخدوھا وتدخل كردون مباني ألن الباشا اللواء‬
‫عينيه مزيج من الذل والغضب المكتوم ويھتف في سره‪ - :‬عايز إيه تانى؟ يا ترى‬
‫عايز يعمل فوقھا مدرسة وإحنا عارفين انه بعد ما طلع معاش عايز يدخل االنتخابات‬
‫ھيضربنى بإيه المرة دى؟‬
‫بتاعة مجلس الشعب وعايز يبنى المدرسة على أرض مش بتاعته بفلوس حرام‬
‫أخدھا من الرشاوى‪ ..‬يعنى من دقنه وافتلله‪ ..‬الزم كلنا نتحد ونواجھه ھو عنده‬ ‫ويسير العسكري متثاقال حتى يصل إلى باب غرفة الباشا مدير المعسكر وعلى الباب‬
‫خمسين فدان في بلدنا لو عايز يعمل مدرسه يعملھا على أرضه‪ - ..‬أنت في دماغك‬ ‫يقف العسكري اآلخر وفى عينيه الخوف والتقدير للقادم ويفتح له الباب قائال في‬
‫حاجه يا مظلوم ؟‬ ‫إعزاز‪ - :‬اتفضل يا عسكري الدرك‬

‫‪ -‬أيوه يا عم محمدين أنا عندي خطة‪ ..‬اسمعوا يا جماعه‪ ..‬ويشرح مظلوم خطته‬ ‫ويدخل عسكري الدرك إلى مكتب عبد القوى الذي ال يرحم وال يترك رحمة ﷲ تنزل‬
‫لمواجھة مخطط الضابط وعصابته والرجال يستمعون في اھتمام ويحدث محمدين‬ ‫على عباده ويغلق الباب خلفه وھو ال يعلم أن ثمة باب من الجحيم قد انفتح على‬
‫نفسه قائال‪ - :‬يا سالم على كالمك يا مظلوم طول عمرك حديتك مزوج ومترتب‬ ‫البلد ولن يستطيع ھو وال غيره أن يغلقه‪..‬‬
‫بتعرف تتكلم بجد"‪ ..‬ومن بعيد كان عبد الجبار يلھو مع أقرانه وينافسھم في العوم‬
‫ويقف عبد الجبار مرتعدا أمام الباشا بينما تسافر ذاكرته إلى ‪ ١٩٩٠‬فى قريته‬
‫ويسبقھم وخلفه رفيقيه "الزعيم" و "ورداني" وھما يتندران على جسد عبده اللي‬
‫الصغيرة بالصعيد‪ ..‬كان والد عبد الجبار جالسا في حقله ممسكا بناي يعزف عليه‬
‫زى الطور ومن لسانه الذي ال يستخدمه ربع ما يستخدم ايديه المرزبات‪ ..‬ويضحك‬
‫لحنا شجيا‪ ،‬وكان عبد الجبار صبيا يلھو مع أقرانه بعد أن فرغ م ن تناو ل الغذاء‬
‫الزعيم قائال "ھو بيعرف يتكلم أصال؟"‪ ..‬فيرد ورداني‪ - :‬على رأيك رغم إن أبوه‬
‫مع والده‪ ،‬بينما أتى من الجانب اآلخر رھط من الرجال قاصدين "مظلوم" الذى لم‬
‫كالمنجى إنما إيه!!!!!!‬
‫‪١٠‬‬ ‫‪ ‬‬

‫وبعد أن امتألت معدة عبد الجبار بدأ رعبه يزول تدريجيا ليبقى بداخله مرا رة الذل‬ ‫وجد عبد الجبار نفسه في مواجھة "عبد القوى" باشا ألول مرة منذ ضربه بالقلم‬
‫وعار اإلھانة‪ ..‬وكان بداخله يعرف أنه لن يقدر على مواجھة عبد القوى ولو فعل‬ ‫على وجھه يخمد عبد الجبار سيف جبروته فكل مفترى له مفترى أقوى يلمه‪ ،‬يقول‬
‫لكان ھو الخاسر الوحيد فھو مجرد عسكري حقير‪ ..‬كما أنه يفك الخط بالعافية فكيف‬ ‫عبد القوى بدون أن ينظر تجاھه‪ - :‬الجرائد المعارضة كلھا كاتبة عن عسكري في‬
‫ي كتب تقارير ويرسلھا إلى صحف أجنبية صحيح أنه يشعر بالفخر وھو يرى‬ ‫األمن المركزي يشيع الرعب فى الشارع وناشره صورك نقال عن النيويورك تايمز‬
‫صورته تزين الجرائد بالرغم من أنه ال يفھم الكالم المكتوب تحتھا إال أنه ال يملك‬ ‫واعترافات فى رسائل تدين أجھزة األمن في تلفيق قضايا وتزوير وھتك عرض‪..‬‬
‫الجرأة ليراسل جريدة أو مجلة بل إنه أصال لم يكتب خطابا فى حياته‪ ..‬شعر بالذل‬
‫‪ -‬احم احم‪ ..‬الحقيقة إن فيھا حاجات تم ارتكابھا في معسكرنا ھنا‪ ..‬قصدي يعنى‪..‬‬
‫وبالغضب وقلة الحيلة وفجأة تذكر انتصار الفتاة الجميلة ابنة المستشار التي تم‬
‫بيدعوا إنھا حصلت ھنا‪ ..‬ويلوح شبح ابتسامة تشفى على وجه عبد الجبار ثم‬
‫اختطافھا من مظاھره في وسط البلد واحتجازھا في المعسكر والتي اعتاد الرائد‬
‫يتدارك األمر بسرعة وينظر في عيني عبد القوى باشا ويھز كتفيه وكأنه ال يعلم‪..‬‬
‫عالء ضابط أمن الدولة الذى يأتى للتحقيق مع المحتجزين التحرش بھا وعندما كان‬
‫فيقول الباشا في غضب عارم‪ - :‬الرسائل دى موقعة باسمك؟‬
‫عبد الجبار يحاول مغازلتھا كانت تبصق في وجھه‪ ..‬اقتحم عبد الجبار الغرفة التي‬
‫يحتجزونھا فيھا وكعادته لم يتحدث بل استخدم يده وسالحه بعد أن حشا فمھا‬ ‫‪ -‬عبد الجبار مظلوم يا فندم؟‪..‬‬
‫بمنديله حتى ال تصرخ‪..‬‬
‫– ال التانى‪ ..‬اسم الشھرة‪ ،‬اللقب بتاعك عسكري الدرك‪..‬‬
‫________________‬
‫يرتجف عبد الجبار متھتھا‪ - :‬العساكر كتير يا باشا وبعدين أنا مقدرش اعمل حاجة‬
‫فى أحد أيام يوليو وداخل شقة سكنية بأحد األبراج بحى فيصل اجتمع عدد من ضباط‬ ‫زى كده يا فندم‪ ..‬وھنا ھب عبد القوى واقفا ودار حول عبد الجبار الذي تحول لونه‬
‫الجيش والشرطة‪ ،‬يبدو على وجوھھم الغضب واإلحباط‪ ،‬وبدا على وجه أكثر من‬ ‫األسود الى صفار يميل إلى الزرقة وكأنه جثه واقفة على قدمين‪ ..‬وھمس مھددا ‪:‬‬
‫واحد منھم ميال للزعامة وإعجابا شديد بالنفس‪ ،‬يبدو انه اجتماع ھام للغاية وبدأ‬
‫‪ -‬لو تأكدنا انه أنت مش ھنرحمك ثم يضربه على قفاه أنت عارف ھنعمل فيك إيه‬
‫الحديث رائد الجيش ناجى الذى يبدو أنه زعيمھم‪ - :‬لقد جمعتكم اليوم بعد أن تأكدت‬
‫وھنوديك فين يا ابن ال‪...‬‬
‫أنكم من أفضل عناصر الجيش والشرطة وبعد أن قام كل منكم بإثبات انتمائه للوطن‪،‬‬
‫ولقد رأيت فيكم النقمة على األوضاع التي آلت إليھا مصر في العھد الحالي من فساد‬ ‫وانھالت االھانات والركالت واللكمات على عبد الجبار وھوال يجد على لسانه إال‬
‫ورشوة ومحسوبية وغالء‪ ،‬لقد رأيتم كيف قامت الحكومة منذ أيام برفع أسعار‬ ‫كلمات متلعثمة‪ - :‬مش أنا يا باشا ‪ ..‬مش أنا يا فندم‬
‫البنزين والسوالر وكيف ارتفعت أسعار تذاكر المترو‪.‬‬
‫وبعد أن تعب عبد القوى من الضرب طرد عبد الجبار من مكتب ه‪..‬ثم استدعى‬
‫يرد عصام نقيب فى األمن المركزى‪ - :‬ھو المترو بس؟ المترو والميكروباص‬ ‫عسكري آخر وطلب منه مراقبة عبد الجبار سكناته وحركاته وموافاته بتقارير عما‬
‫والتاكسيات والعيش بس احنا ايه دخلنا بده انا عن نفسى عربية الشغل بتودينى‬ ‫يالحظه أما عبد الجبار فقد انتابته رعشه في جسده كله وشعر بدقات قلبه تتزايد‬
‫وتجيبنى أدخل فى المفيد يا ناجى بيه‪.‬‬ ‫وبجسده يبرد فاندفع بكامل قوته إلى مطبخ المعسكر وضرب الطباخ ثم فتح الثالجة‬
‫والتھم معظم ما كان فيھا مما أثار خوف وذھول الطباخ‪..‬‬
‫‪١١‬‬ ‫‪ ‬‬

‫لطموح أكبر من خالل الحركة الجديدة؟ قطع عالء حبل أفكاره مناديا‪ - :‬اعمل لنا‬ ‫يرمقه ناجى بحده قائال‪ - :‬وفي الوقت الذي تشن فيه إسرائيل حربا فيه على‬
‫شاي يا عبد الجبار‪ ..‬أسرع عبد الجبار الى المطبخ وھو يتعجب من محمود بك بتاع‬ ‫فلسطين ولبنان وقد نجحت باألمس في التوغل في الجنوب اللبناني‪ ،‬سكت نظامنا‬
‫البنات الذى دخل الھوجة بعد ما اتصاحب على بنت من حركة كفاية اسمھا والء‬ ‫الجبان واكتفى بإدانة نصر ﷲ لقد التحقت بالحربية ألحارب في سبيل وطني‬
‫البنت ملھاش في الوطنية وال التغيير ھي بس دخلت الحركة عشان تجيب عريس‬ ‫ورفعته‪ ،‬ولكنني اشعر اآلن أننى وزمالئي في الجيش المصري قد أصبحنا كما مھمال‬
‫وألن كل شباب كفاية ھارشينھا محدش بصلھا غير الضابط الخايب اللى اسمه‬ ‫نأخذ مرتباتنا لقاء التمرينات التي نقوم بھا ونظل قابعين في الثكنات والخنادق الى‬
‫محمود واللى بقى بيزايد على بتوع كفاية عشان يعجب المزه‪ ..‬وال عصام نقيب‬ ‫أن تظھر أى بادرة تحرك من الشعب أو حتى من فئة من فئاته يخرجونا لقمعھم‬
‫األمن المركزي ھو كويس وجدع وايده فرطه بيدينى كل ما يقابلني لكن أنا مش فاھم‬
‫يقول عالء "رائد شرطة"‪ - :‬زى اللى حصل من جنود األمن المركزي في‬
‫ازاى واحد قزعه زيه والبس نظارة قعر كباية يبقى ضابط وال يدخل الشرطة أساسا‪،‬‬
‫الثمانينيات‪ ..‬يجيبه ناجى‪ - :‬أيوه ووقتھا بس يمارس الجيش وظيفته التي أرادھا‬
‫الحكاية وما فيھا إن أبوه لوا‪ ،‬وطبعا لو ابن اللوا ميبقاش ظابط البلد ھتخر ب‪ .‬وراح‬
‫المستبد‪ ..‬ينزل الشارع ويقمع أى انتفاضة للشعب ثم يعود إلى ثكناته‪ ..‬ويرد عصام‬
‫يتذكر عبد الجبار كيف تمت مجازاته وضربه لمجرد اشتباه القيادات انه أرسل‬
‫)نقيب أمن مركزي(‪ - :‬مش الجيش لوحده‪ ،‬شوف األمن المركزي بقت وظيفته‬
‫بملفات تحوى تجاوزات الشرطة الى صحف المعارضة‪ ،‬بينما لم تتحرك تلك القيادات‬
‫محاربة المتظاھرين وقمعھم بقينا قطاع طرق وھاتكي أعراض عمرى ما ھانسى‬
‫بعد أن ضبطه رائد عالء في غرفة االحتجاز مع انتصار بعد أن كان قد فرغ من‬
‫اللى حصل في المظاھرة التي تمت في وسط البلد بعد نتائج انتخابات الرئاسة بقليل‬
‫اغتصابھا للتو وكل ما حدث ھو أن عالء بيه تفاجأ ثم ضحك قائال لزميل ه‪ :‬اشمعنى‬
‫ده انا شفتھم بيسحلوا أعضاء حركة كفاية في الشوارع شفت عسكرى بيتحرش‬
‫ھو أھو طباخ السم بيدوقه وبعدھا كلما كان يحلو لعالء بيه أن يفترس انتصار كان‬
‫بست في عمر أمي‪ ..‬تخيلوا ان واحد من ضباط أمن الدولة أمرني بجلب إحدى‬
‫يصحب معه عبد الجبار ليسجل بالكاميرا تلك اللحظات وكان عالء بيه يبرر تصرفه‬
‫المتظاھرات إلى مكتبه ألنھا عجبته وعندما رفضت بص لى بصة عمرى ما ھانساھا‬
‫دائما بأن ھذه الصور ستبق ى المزه تحت التصرف حتى بعد خروجھا من المعتقل‪.‬‬
‫وفضلت بعدھا بعشر شھور أعانى من شروره ومضايقاته لغاية ما اتنقلت الصعيد‪.‬‬
‫وسأل عبد الجبار نفسه ‪ :‬ھما دول اللى ھيحرروا البلد م الفساد ؟؟ صحيح أنا كمان‬
‫يا زمالئي األعزاء أنا مش بأدعى أنى مالك ده حتى المنصب ياما خدعنى وغرتنى‬
‫مجرم زيھم ومسمى نفسي عسكري الدرك رغم انى عارف إن أنا حراميھا لكن مش‬
‫البدلة الميرى وكنت مغرور لغاية ما اكتشفت أن الجھاز االمنى في مصر ليس قمعيا‬
‫بادعى انى اسمه إيه ده المنتظر اللي ھينضف الكون‪ ..‬ويصب عبد الجبار الشاي في‬
‫فقط ضد المعارضة لكنه جھاز يقمع بعضه بعضا‪ ..‬يأخذ ناجى نفسا عميقا ثم‬
‫األكواب ويتجه إلى غرفة الجلوس ليجد الضباط قد انتقلوا برابطة المعلم إلى مائدة‬
‫يستطرد‪ - :‬اخوانى لقد طفح الكيل واستبد الغضب واليأس بالجميع وما نحن إال نبته‬
‫الطعام الخالية إال من مصحف في منتصفھا ويسمع صوت الرائد ناجى‪ - :‬لنتعاھد‬
‫من تراب ھذا الوطن و‪ ..‬واصل ناجى خطبته المؤثرة بينما جلس "عبد الجبار" في‬
‫سويا على مبادئ الحق والخير والمساواة من أجل ﷲ والوطن‪ ،‬لنتعاھد على الكتمان‬
‫احد األركان وعلى وجھه ابتسامة‪ ،‬لقد كان يعلم في قرارة نفسه أن ناجى صادق‬
‫والسرية حتى تقوى جماعتنا ويشتد عودھا ويأتي وقت النضال‪ ..‬لنضع أيدينا على‬
‫تماما فيما يقوله وأنه مؤمن بكل حرف يردده ولكن من الذين التفوا حوله؟ ھذا‬
‫المصحف ونتعھد باإلخالص لجماعتنا اإلصالحية‪ ..‬ضباط من أجل التغيير‪ ..‬وترتعد‬
‫الرائد عالء صاحب الشقة التي يعقد فيھا الضباط اجتماعھم‪ ،‬ضابط الشرطة الذي‬
‫الصينية في يد عبد الجبار ويدخل في روعه أن شيئا كبيرا سيحدث ولكنه لم يتوقع‬
‫ھتك عرض انتصار في معسكر األمن المركزي حيث كانوا يحتجزونھا‪ .‬أليس ھو‬
‫خيرا‪..‬‬
‫الذئب الذي ألھم عبد الجبار باغتصابھا؟ ھل استيقظ ضميره فجأة؟ أم انه يسعى‬
‫‪١٢‬‬ ‫‪ ‬‬

‫اعتراف منھا فقد حاكموھا واتھموھا وما كان الخطف إال لتنفيذ الحكم الذى أصدره‬ ‫خرجت انتصار من االحتجاز فى أحد معسكرات األمن المركزى إلى الظوغلى حيث‬
‫ھؤالء الذئاب‪ ..‬لو أنھم فقط حققوا معھا لكان عذابھا قد ھان ولكانت بررت لنفسھا‬ ‫بقيت ثالثة أيام أسود من ليالى الشتاء ثم أطلقوا سراحھا‪ ،‬أخذوھا فى نفس السيارة‬
‫ما تحملته بأنه ثمن لرأيھا وحريتھا‪ ..‬لطالما سألت نفسھا قبل اختطافھا ھل ما تفعله‬ ‫التى اختطفت فيھا ثم ألقوا بھا إلى قارعة الطريق وكان الوقت متأخرا للغاية ولم تدر‬
‫حبا للوطن أم سعيا وراء الشھرة أم تحد غير مباشر لقھر والدھا لھا ؟ أما بعد‬ ‫أين تذھب ھل تذھب ألمھا ؟ ترى كيف تحملت أيام الغياب وما الذى حدث لھا؟ ترى‬
‫اختطافھا كان ھناك شعور واحد ترسب بداخلھا وھو أنھا كانت تستعرض جسدھا فى‬ ‫ھل علم والدھا بغيابھا وارتعدت لمجرد احتمال ان يكون علم بغيابھا تلك األيام‬
‫ميدان المظاھرات حتى أعجبتھم وأن ما فعلوه لم يكن إال تجاوبا مع رغبتھا المدفونة‬ ‫السبعة‪.‬‬
‫وردا على رسالتھا غير المعلنة وأما المرآه وقفت تسأل نفسھا‪:‬‬
‫نظرت انتصار الى السماء ثم اختنقت بالدموع وفتحت حقيبة يدھا التى تقطعت فى‬
‫‪ -‬معقول؟ معقول أكون رخيصة كده؟ مش ممكن بس لو انا مش رخيصة ولو انا‬ ‫أيديھم أثناء التفتيش وبالطبع لم تجد النقود لكنھا وجدت مفاتيحھا وكان بينھا مفتاح‬
‫خطر فعال على أمن الدولة ولو أنا مناضلة حقيقية مش كانوا حتى استجوبونى على‬ ‫شقة خالھا والتى كانت تذھب اليھا كلما أحست بالقھر وألن الوقت كان قد تجاوز‬
‫األقل؟‬ ‫منتصف الليل رأت انتصار أن المكان لديھا إال تلك الشقة وذھبت متجاوزة مضايقات‬
‫أطفال الشوارع وراكبى السيارات الفارھة ونظرات البواب وشھقات زوجته عندما‬
‫كادت انتصار أن تفقد عقلھا واتجھت إلى الغرفة الصغيرة والتى كانت تبيت فيھا‬
‫رأوھا وقد تمزقت مالبسھا وازرق وجھھا وما ظھر من جسدھا وطار حجابھا من‬
‫وخالھا على قيد الحياة والتقطت بذلة محتشمة كانت قد اشترتھا بعد ارتدائھا‬
‫فوق رأسھا وظھر شعرھا أشعث ومتمزق مثل روحھا وجسدھا وفتحت باب الشقة‬
‫للحجاب ‪ -‬والحقيقة أن مالبسھا كانت غالبا محتشمة أو تميل إلى االحتشام حتى قبل‬
‫ثم دخلت وصفقت الباب خلفھا‪.‬‬
‫الحجاب ‪ -‬ولكن البذلة نظيفة أما ھى فلم تعد كذلك‪ ..‬ترى أى ماء ذلك الذى سيطھر‬
‫كل ھذا الرجز؟ إنھا تحتاج أن تغتسل فى الجحيم لعلھا تتطھر وارتدت البذلة بدون‬ ‫وخلف الباب افترشت األرض ونامت عشر ساعات متواصلة واستيقظت لتجبر‬
‫استحمام وتناولت غطاء للرأس ووضعته بال عناية فوق شعرھا وغادرت‪..‬‬ ‫نفسھا على النوم مرة أخرى وعندما استيقظت بعد خمس ساعات اتجھت بجسد‬
‫مثقل إلى أقرب مرآه لتشيح بوجھھا على الفور والدموع فى عينيھا‪ ..‬كانت تلك أول‬
‫مرة ترى فيھا وجھھا منذ أيام ولم تره فى حياتھا بھذا القبح‪ ،‬وكأنھا ترى فى كل‬
‫كدمة تفاصيل العذاب الذى القته واألھوال التى رأتھا‪ ،‬كأنھا تسمع من جديد كل سبة‬
‫وكل كلمة جارحة‪ ،‬كانھا تشعر من جديد بكل األنياب واألظافر التى نشبوھا فى‬
‫جسدھا المستباح‪ .‬لقد نسيت شعور الخجل بعد أن مزقوا حجابھا فى سيارة الشرطة‬
‫قبل وصولھا الى مقر االحتجاز ولكنھا تتذكر جيدا الھلع والرعب وجسدھا يتعرى‬
‫بين أغراب‪..‬‬

‫مازال البرد يلسعھا فيصيب جسدھا بالرعشة ويسلمھا لحالة ال نھائية من الغثيان‬
‫والدوار والضياع‪ .‬لم يستجوبھا أحد ولم يوجه لھا اتھام ولم يحاولوا انتزاع اى‬
‫‪١٣‬‬ ‫‪ ‬‬

‫ينظر لھا عماد في دھشة فتجاوبه قبل أن يسأل‪ - :‬الحقيقة محمد شاف إن شغل‬ ‫الفصل الثانى‬
‫الصحافة مش جايب ھمه غير إن الرقاصات ھيعرفوا يحموه كويس ويجيبوله حقه‬
‫ھبطت ھدى من التاكسى الذى كانت تستقله ونظرت إلى مقر نيابة أمن الدولة‬
‫لو حد اعتدى عليه واھى ماشية معاه اشترى شقه صغيرة وعربية يعنى‪..‬‬
‫وھاجمتھا ذكريات يوم االستفتاء المشئوم وما حدث لھا ثم كيف أغلقت القضية دون‬
‫‪ -‬وانتى يا ھدى؟‬ ‫الوصول إلى الجناة رغم أنھم كانوا معلومين للجميع وكيف تلوثت سمعتھا وكادت‬
‫تبقى بدون زواج إلى األبد لوال أن تقدم لھا أحد زمالئھا فى قسم اإلعالنات فتزوجته‬
‫‪ -‬أنا اتجوزت من شھرين وحصلت أخيرا على عضوية النقابة وجاية دلوقت بتكليف‬
‫رغم كل تحفظاتھا عليه لتعيش حياة أقرب للجحيم وھا ھى اآلن تقف أمام مكتب‬
‫من رئيس قسم الحوادث عشان اعمل مع حضرتك ريبورتاج عن أظرف الجرائم اللى‬
‫عماد الذى أصبح وكيال لنيابة أمن الدولة فى صيف ‪ ٢٠٠٦‬وطلبت من العسكري‬
‫قابلتك في تاريخك المھني‪ ..‬وبلھجة ساخرة تكمل‪ - :‬باعتبارك واحد من أنزه رجال‬
‫الواقف على باب المكتب الدخول‪ - :‬أنا عندي ميعاد مع عماد بك‪ ،‬بلغه إن الصحفية‬
‫النيابة في مصر‪ ..‬تصله سخريتھا لكنھا ال تؤلمه‪ ..‬نعم لقد أقفل القضية الخاصة‬
‫ھدى قدرى من جريدة الرأى فى انتظاره‪ ..‬ويرد العسكري بحماس واحترام‪- :‬‬
‫بھتك عرض الصحفيات في الشوارع يوم االستفتاء وقيدھا ضد مجھول لكنه نال‬
‫سيادته سايب خبر يا افندم ‪ ..‬اتفضلي‬
‫أكثر مما كان يحلم وتم نقله الى نيابة أمن الدولة ونال ورضا قياداته عنه‪ ..‬ولو لم‬
‫يوافق على أوامرھم كانوا سيعاقبونه وسيأتي من بعده من يتنازل ويقبض الثمن‪..‬‬ ‫وتنظر ھدى خلفھا فى فزع شاعرة بأن يدا ما تنتھكھا من الخلف ثم تدرك أنھا‬
‫تھيؤات كالعادة‪ ..‬تھيؤات تقتحمھا منذ اليوم المشؤوم عندما انتھكھا األمن فى‬
‫لم ينس إلى اآلن تفاصيل االتصال الھاتفى الذى جاءه من قيادة كبرى فى وزارة‬
‫الشارع و دخلت ھدى ليقف عماد وفى عينيه إعجاب قديم يتجدد‪ ،‬يمد يده مصافحا‬
‫العدل تأمرة بإغالق ملف قضية التحرش العنى بصحفيات وناشطات فى يوم‬
‫فتمد يدھا ليأخذھا ويلثمھا قائال‪ - :‬آخر مرة شفتك كان من سنة تقريبا‪..‬‬
‫االستفتاء مقابل ترقية ال يحلم بھا وعندما حاول االعتراض ھدده المسئول بمجازاته‬
‫ونقله الى آخر الدنيا ولم يتردد عماد كثيرا فى نفس اليوم كان قد حسم رأيه وفى أقل‬ ‫تضحك في دالل وتقول‪ - :‬انت لسه فاكر يا عماد بك‬
‫من شھر كان قد نقل الى نيابة أمن الدولة يبتسم فى مرارة قائال فى سره‪ - :‬ھى دى‬
‫‪ -‬ھو اللي في جمالك تتنسى؟ الشعر األصفر والعيون الخضرا وال ‪ ..‬إحم‬
‫مصر يا ھدى!!!‬
‫تبتسم وال ترد فيبادرھا بالسؤال عن زميلھا المصور‪:‬‬
‫وسألته ھدى عن الكاتب الذي كان معه منذ عام فيقول دون أن يرفع عينيه إليھا‪:‬‬
‫‪ -‬زميلك المصور عامل إيه دلوقت؟‬
‫‪ -‬اتفصل ‪ ..‬ضبطوه بياخد عشرين جنيه رشوه ففصلوه‪..‬‬
‫ساب المستشفى تسكت برھة وتنظر في عيني عماد قائلة‪:‬‬ ‫‪ -‬محمد؟ الحمد‬
‫وتصمت ھدى فى ذھول‪ ..‬ثم تعلق‪ - :‬ھى كده دايما اللى بيسرق لقمة ھو اللى‬
‫بيتمسك‪ ،‬واللى بيسرق طابونة العيش كلھا بيفلت بالفرن واللى فيه وتكمل فى‬ ‫‪ -‬وساب الجريدة برضه‬
‫سرھا‪ - :‬وبيترقى كمان‬
‫‪ -‬راح جريدة ثانية؟‬
‫ينظر إليھا فى غضب فتغير الموضوع وتشغل جھاز التسجيل وتبدأ العمل‬
‫‪ -‬ال اشتغل مصور فنانات‪ ..‬رقاصات بمعنى أدق‬
‫‪١٤‬‬ ‫‪ ‬‬

‫ابتسامة صفراء بغيضة قائال‪ - :‬الواد ده أصله مجنون يا باشا والبلد كلھا عارفة‬ ‫فى صيف ‪ ١٩٩٣‬وفى كفر المساطيل في الصعيد في منزل عبد الجبار كان والده‬
‫مش كده يا عمدة؟ يرتجف العمدة "عبد الملك" وينظر بشفقه على الفالح المكلوم ثم‬ ‫"مظلوم" في غرفة نومه يرتدى جلبابه األبيض ويستعد للخروج‪ ،‬بينما كانت‬
‫يشيح بوجھه وھو يقول ‪ -:‬ايوه يا باشا ده مجنون ابن مجنون‪ ..‬ويقول المأمور‬ ‫"ستھم" أم عبد الجبار تنوح وتلطم خديھا بعد فشل محاوالتھا إلثناء زوجھا عن‬
‫وھو ينظر في ساعته‪ - :‬عموما أنا كلمت اللي ھيعقلوه وزمانھم جايين‪ ..‬في نفس‬ ‫الخروج الى مشواره‪ ،‬وھدأ مظلوم من روعھا قائال‪ - :‬يا ستھم "قل لن يصيبنا إال‬
‫اللحظة ينجح مظلوم في اختراق الحاجز االمنى ويھتف بأعلى صوته‪ - :‬ھو اللي‬ ‫ما كتب ﷲ لنا" وبعدين ھو أنا رايح أحارب يا وليه؟‬
‫يدافع عن حقه في البلد دى يبقى مجنون يا سعادة المأمور؟ يرتعد المأمور قليال ثم‬
‫‪ -‬حرام عليك يا مظلوم‪ ..‬إحنا عايزينك يا اخويا ‪ ..‬عبد الجبار لساه صغار‬
‫يتذكر أنه محاط بقوات األمن التي ستحميه من أى اعتداء فيتقدم نصف خطوة‬
‫ويحاول رفع صوته بقوة‪ - :‬إيه اللي جابك الساعة دى يا مظلوم ؟ متدخلش في اللى‬ ‫‪ -‬عبد الجبار راجل من ظھر راجل‪ ..‬أنا عايزه لما يكبر يتباھى بأبوه ‪ ..‬سيبينى بجى‬
‫ميخصكش‪ - ..‬اللي بيحصل لعنتر يخصني ويخص كل نفر في البلد دى‪ ..‬اللي‬ ‫عشان ألحج الناس اللى مستنظرين في الغيط‪ ..‬ويندفع مظلوم الى غيط "عنتر"‬
‫بياخدوا أرضه النھار ده بدون وجه حق ممكن بكره ياخدوا أرضى أو أرض اى حد‬ ‫الذي يريد المأمور وضع يده عليه بحجة أنه "مش ملك حد"‪ ،‬وذلك بعد أن أعلن‬
‫تانى‪ ..‬اتقى ﷲ يا سيد بيه النجوم اللي على أكتافك اللي انت وريتھالنا في عز الظھر‬ ‫عنتر المسكين أن ھناك دفينة "قبرا فرعونيا" تحت غيطه وبالطبع لم يصدقه أحد‬
‫مش ھتنفعك يوم العرض عليه‪ - ..‬بقى انت يا شيوعي بتفكرنى بربنا؟ ينظر مظلوم‬ ‫من البلد أوال الن البلد بأكملھا ال يوجد بھا دفينة واحدة والكثير حاولوا ولم يعثروا‬
‫للناس ألھل القرية ويصرخ فيھم‪ - :‬يا أھل بلدي أرض عنتر عرضه وعرضه‬ ‫على اى شيء‪ ،‬وثانيا ألن عنتر المسكين كالمه كله نخع وفشر فھو أفقر وأقبح‬
‫عرضكم‪ ..‬ھتسيبوا المأمور يھتك عرضكو؟ وتندفع صيحات الغضب من أفواه أھل‬ ‫واضعف خلق ﷲ مما كان يدفعه الختالق الكذبة تلو األخرى لكي يلفت األنظار‪.‬‬
‫القرية المسلحين بالشوم ويتجھون نحو قوات األمن في غضب عيونھم تلمع‬ ‫ولسوء حظه سمعه "أبو شناف" شيخ الغفر في القرية الذي كان مكلفا بحماية البلد‬
‫باإلصرار وأذرعھم السمراء ترتفع بالشوم ‪..‬لونھم كلون طمي النيل‪ ..‬واندفاعھم‬ ‫والزرايب في فترة الليل والمعروف بتحالفه مع اللصوص والحكومة على حد سواء‪،‬‬
‫كتدفقه في الفيضان‪..‬‬ ‫وبالطبع كان أبو شناف غريبا عن البلد بال أرض وال جاه وكان يأمل أن المأمور‬
‫عندما يستولى على قيراطين األرض بتوع عنتر ويكتشف أنه ليس بھا كنز وال‬
‫ومن بعيد وقف عبد الجبار الصامت دائما وعيونه تكاد تنطق فخرا بوالده الشجاع‪..‬‬
‫يحزنون فسوف يبيعھا بثمن زھيد وبھذا يشتريھا أبو شناف بسعر رخيص ويذ ل‬
‫ويھزه الزعيم قائال‪ :‬أبوك ده وال شجيع السيما يا عبد الجبار‪..‬‬
‫أھل القرية الذين رفضوا أن يبيعوا البو شناف قيراط أرض واحد‪.‬‬
‫وينتظر الصبية الموقعة الكبرى ولكن تأتى اللحظة غير المنتظرة‪ ..‬لحظة يبدو أن‬
‫وصل مظلوم بمالمحه الطيبة وقامته المفرودة إلى غيط عنتر ليرى عساكر األمن‬
‫الزمن قد توقف فيھا لحظات‪ ..‬تجمدت األذرع السمراء على الشوم انطفأت شمس‬
‫المركزي تحاصر الغيط وتھدم عشة عنتر الذي انخرط في البكاء وراح يحط من طين‬
‫اإلصرار في العيون‪ ..‬وسكنھا ليل الخوف عندما ھبط من سيارتي األمن المركزي‬
‫األرض على رأسه وھو يصرخ‪ - :‬وشرف أمي يا سيد بيه األرض مفيھاش‬
‫عشرات الجنود فيما يشبه جيشا صغيرا انضم إلى الجنود الذين كانوا يحاص رون‬
‫مساخيط‪ ،‬أنى كنت بافشر يا باشا‪ ،‬األرض مفيھاش مساخيط غيري يا باشا‪ ،‬أنى‬
‫أرض عنتر ‪ ،‬في نفس اللحظة التي اخترقت سيارة بيضاء الجموع متجھة نحو‬
‫المسخوط الوحيد الى فيھا يا باشا‪ ..‬خدونى وسيبوا األرض يا عالم‪ ..‬غيتونى يا‬
‫المكان ونزل منھا طبيب ورجالن شديدان ومعھما ما يشبه المالءة البيضاء وأشار‬
‫ھووه‪ ..‬ويميل "سيد" بيه ‪ -‬المأمور‪ -‬على قائد قوة تنفيذ األحكام وعلى وجھه‬
‫لھما المأمور إلى حيث انبطح عنتر أرضا‪ ..‬وكان مظلوم ھو أول من أدرك الموقف‬
‫‪١٥‬‬ ‫‪ ‬‬

‫وفى حوش ليمان طرة ‪ -‬حيث تم نقل عبد الجبار لمھمة محددة وھى مراقبة أحد فى‬ ‫فصرخ في الناس‪ - :‬يا ناس‪ ..‬يا أھل بلدي‪ ..‬اجمدوا‪ ..‬الى يحارب عشره يحارب‬
‫المعتقلين عن كثب وانتظار األمر بتصفيته‪ -‬جلست مجموعه من شباب المعتقلين‬ ‫عشرين‪ ..‬الباشا جايب الدكتور عشان ياخدوا عنتر على مستشفى المجانين‪ ..‬ده‬
‫فى حوش الليمان يتناقشون فى األمور السياسية ويلقون بالدعابات بين الحين‬ ‫إحنا منبقاش رجاله لو أخذوه من وسطنا‪..‬‬
‫واآلخر‪ ،‬وھم‪" :‬عادل" المھندس اليسارى الذى ينتمى إلى أسرة متوسطة تعيش فى‬
‫ويرفع زكى شومته ويھوش بھا يمينا ويسارا إلبعاد رسل العباسية عن عنتر‬
‫امبابة‪ ،‬مثقف جدا ومتفانى فى سبيل مبادئه ألبعد الحدود‪ ،‬و"سامى" عضو حركة‬
‫المسكين ولكن العمدة يضربه على ذراعه فوقعت الشومة من يده وعندما ھم‬
‫اإلخوان المحظورة‪ ،‬ابن الوجه البحرى الذى جاء ليشارك فى إحدى مظاھرات كفاية‬
‫بالتقاطھا اخرج المأمور مسدسه من خلف ظھره وراح يطلق الرصاص في الھواء‬
‫فتم اعتقاله‪ ،‬ومعھم جلس "وائل" الصحفى الليبرالى الذى تمت محاكمته بسبب‬
‫وأمر قائد قوة تنفيذ األحكام الجنود أن يضربوا في المليان إذا اقترب احدھم من‬
‫مقالة كتبھا عن الظلم والديكتاتورية اعتبرھا النظام إھانه له‪ ،‬وإلى جوارھم جلس‬
‫األرض أو من المأمور‪ ،‬ويقترب أبو شناف ببطء من مظلوم الذي وقف من جديد‬
‫"النمنم" شاب نصف أمى مرح ال يمل الدعابات قرر االستفادة من األفندية المتعلمين‬
‫على قدميه وراح يركض باتجاه عنتر الذي كف عن البكاء وصار كالطفل بين يدي‬
‫والسير فى ركابھم أمال فى أن يخرج من طرة بطال بعد أن دخله لصا‪ ،‬والغريب أنه‬
‫من حملوه من تأثير المھدئ الذي حقنوه به ولكن عيناه ظلت مذھولتان خائفتان‬
‫لم يتم القبض عليه وھو يسرق بل ألنه كان يراقب فى إعجاب أعضاء حركة كفاية‬
‫ويداه ضارعتان تناديان مظلوم الذي حاول اللحاق به دون أن يستطيع ونادى على‬
‫المشاركين فى إحدى المظاھرات وكانت تلك أول مرة يرى فيھا النمنم مظاھرة‬
‫الناس أن يثبتوا ولكنھم كانوا قد تفرقوا بالفعل قلم يعد ھناك أحد سواه في داخل‬
‫واعتقد العسكر أنه مع كفاية فاعتقلوه معھم‪.‬‬
‫الدائرة األمنية الجھنمية وينظر أبو شناف الى المأمور وكأنه يأخذ منه إذنا بعمل‬
‫وكان النمنم دائما يتندر بين زمالء المعتقل‪ - :‬أنا من يوم ما اتولدت وانا باسرق‬ ‫شيء ما وعندما أخذ اإلشارة ھتف بأعلى صوته‪:‬‬
‫مفيش مرة اتعملى محضر وال اتاخدت تحرى قوم لما أقف فى مظاھره ألول مرة فى‬
‫‪ -‬الحقنى يا باشا مظلوم معاه مسدس‪..‬‬
‫حياتى وعشان اتفرج مش عشان اتظاھر قوم يعتقلونى؟ طب وحياة من خلق العالم‬
‫دول بالغباوة دى كلھا الكون معارضھم من ھنا ليوم القيامة كرامة لمخھم الضلم‪.‬‬ ‫ويستدير عساكر األمن المركزي ليواجھوا خطر مظلوم األعزل بطلقات الرشاشات‬
‫وتندفع الدماء خارج مظلوم وكأنھا تثور في وجه من غدروا به‪ ،‬ويسقط مظلوم‬
‫ويضحك عادل قائال‪ - :‬انت ايه اللى رماك ع السرقة يا نمنم؟‬
‫ببطء وعيناه مثبتتان على وجه "عبد الجبار" الذي اكتسى وجھه بذھول ظل‬
‫يتنھد نمنم ويتحسس شعره الذى أطاله ليقترب من كتفه قائال‪ - :‬يعنى يا باشمھندز‬ ‫مرسوما على وجھه شھورا طويلة وبنظرة أخرى ال يمكن أن يرمق بھا ولدا والده‬
‫عادل واحد أبوه جه م العراق جثه فى صندوق بعد سنين غربة ويا ريته جه ومعاه‬ ‫الذي يحتضر‪ ..‬لقد كانت نظرة لوما وعتابا‪ ..‬عتاب ظل في داخله طيلة حياته وشعور‬
‫حاجه إال يا موالى كما خلقتنى‪ ،‬وامى عرفت السكة‪ ،‬اللقمة الل ى ھيجيبھا الحالل‬ ‫أن والده قد عشمه وخلى به‪ ..‬إن والده ركب فرس البطولة وھو غير جدير به ‪ ..‬لقد‬
‫مش ھتشبع عيالھا باعت نفسھا بعقد عرفى لواحد عجوز من الخليج على أمل انه‬ ‫كان يفخر بوالده كثيرا وھا ھو والده يسقط جثه في الوحل أمام أھل البلد جميعا‪..‬‬
‫يتكفل بيا وباخواتى خدھا على بلده قعدت معاه سنتين مشافتناش ولما نزلت بمعجزة‬ ‫أھل البلد الذي مات من أجلھم‪ ..‬أھل البلد الذين تخلوا عنه وتركوه يواجه الموت‬
‫ومعاھا ميتين دوالر ماتت تانى يوم فى فرشته ا‪ .‬واحد زيى كان ھيطلع ايه‬ ‫وحده‪ ..‬من اليوم صار أھل البلد أعداءه‪ ..‬وفى داخله ترددت كلمة واحده‪ -:‬يا ويلكم‬
‫يعنى‪..‬عالم ذرة؟‬ ‫منى يا أھل كفر المساطيل‪.‬‬
‫‪١٦‬‬ ‫‪ ‬‬

‫ويرفع سامى اصبعه محذرا‪ - :‬يا أخ عادل أنا قبل كده حذرتك من أسلوب االستھزاء‬ ‫ويشارك سامى فى الحوار قائال‪ - :‬احنا الزم ان شاء ﷲ نعمل قعدة طويلة كل واحد‬
‫ده أنا مبسخرش من مبدأك يا أخى عشان انت كل شويه تسخر منى ومن مبادئى‪..‬‬ ‫فينا يتكلم فيھاعن حياته وعن اللى رماه على المعتقل‪ .‬وينضم الشاعر الشاب على‬
‫رغم ان مبادئك مغلوطة وبعيدة عن روح الدين‪..‬‬ ‫إلى الجلسه ويشاغبه وائل قائال‪ - :‬أھال بشاعر البادية‪..‬يا ترى مين آخر ملھمة‬
‫كتبت فيھا شعر فى زنزانة األنس؟ تنحنح على قائال‪ - :‬الحقيقة ھو ملھم مش‬
‫ويضحك عادل ستنكرا‪ - :‬ھو انت عندك مبادىء بجد يا سامى؟‬
‫ملھمة‪..‬‬
‫وقبل أن يرد االخوانى الشاب الذى احمر وجھه وراح يرغى ويزبد قام نمنم‬
‫ويضحك الجميع متسائلين من ھو فيجيب‪ - :‬ھتعرفوه لما تسمعوا آخر كتاباتى‪..‬‬
‫باصطحابه بعيدا بحجة االستفسار عن بعض األشياء الشرعية وذلك حتى يمنع‬
‫اسمعوا‪ ..‬يا عسكرى الدرك أفزعنى منظرك‪ ..‬ويضحك الجميع ليواصل على‪ :‬يا‬
‫صداما محتوما بين الناشط اليسارى وعضو الحركة المحظورة‪ .‬وتنتھى الفسحة‬
‫عسكرى الحكومة بينك وبينى تار‪ ..‬دم البلد والنيل واألرض والثوار‪ ..‬وتحتبس‬
‫ليعود المعتقلين إلى زنازينھم‪..‬‬
‫الكلمات فى حلق "على" عندما يلمح الجمود الذى أصاب أعين زمالئه والتى تصلبت‬
‫وفى الزنزانة يسأل النمنم سامى‪:‬‬ ‫جميعھا خلف ظھره ويستدير على ليرى وجه عبد الجبار الدميم ثم فقد وعيه إثر‬
‫لكمة قوية فى وجھه قبل أن يتم اصطحابه إلى زنزانة التأديب أو ما يعرف بالحبس‬
‫‪ -‬قول لى يا شيخ سامى ھو السالم على المسيحيين باليد حرام؟‬
‫االنفرادى‪..‬‬
‫فيجيبه سامى بلھجة الخبير‪ - :‬ال‪ ..‬لكنه مكروه ويجب أن يبدأ ھو بالسالم وخذ بالك‬
‫ويقول النمنم‪ - :‬انتو مش مالحظين يا جماعة إن الجدع اللى اسمه عبد الجبار‬
‫يا نمنم أن السالم على مسيحى ينقض الوضوء‪..‬‬
‫مبيتكلمش خالص ‪ ..‬أنا كنت فاكره اخرس لوال انى سمعته بيشتم واحد من الجدعان‬
‫وھنا يمتعض وائل بشدة ويقول بانفعال‪ - :‬أنا قرأت فقه السنة بكامل أجزائه ولم يرد‬ ‫المعتقلين الجدد‪.‬‬
‫فيه أن السالم على المسيحى يعتبر من نواقض الوضوء‪..‬‬
‫يرد عليه عادل‪ - :‬الشىء اللى محيرنى ايه اللى يخلى عبد الجبار واللى زيه يكونوا‬
‫ويثور سامى ھاتفا‪ - :‬يعنى انت ھتعرف أكتر منى؟ ويھم وائل بالرد عليه لوال أنھم‬ ‫بالقسوة دى رغم ان المفروض انھم غالبه ومطحونين ومن الشعب الغلبان‪..‬‬
‫يسمعون أصوات العسكر خارج الزنزانة فيصمت الجميع‬
‫ويرد سامى االخوانى‪ - :‬اللى معندوش دين يعمل أكتر من كده‪ ..‬أنا عمرى ما شفته‬
‫بيصلى‪..‬‬

‫وھنا يقول عادل فى لھجه ساخرة‪- :‬ھل تعتقد يا شيخ سامى أن المدعو أبو لھب ‪-‬‬
‫عفوا‪ -‬عبد الجبار ملحد؟ ودون أن ينتظر اإلجابة يكمل فى سخرية‪ - :‬ما تدعيله يا‬
‫بركة يمكن ربنا يھديه ويشھر إسالمه‪..‬‬
‫‪١٧‬‬ ‫‪ ‬‬

‫وھنا تتدخل ستھم ھاتفة‪ - :‬انتو عايزين ايه م الواد مش كفاية ابوه‪ ..‬حلوا عنا بجة‬ ‫جلس عبد الجبار وعالمات الضيق مرتسمة على وجھه‪ ،‬لقد كان الكثير من الغضب‬
‫كفاية مرار‪ ..‬وتطرد الزعيم من الدار‪..‬‬ ‫والحنق يمأل صدره تجاه "على" إنه ال يدرى لماذا يسخر ھذا الخنفس منه؟ ثم ما‬
‫نوع الثأر الذى تحدث عنه؟ ‪ -‬ھياخد تاره منى آنى؟ طب ما ياخده من عالء بيه‬
‫ويبدأ الصراع داخل عبد الجبار ھل يذھب؟ انه ال يطيق النظر إلى وجوھھم الكئيبة‪،‬‬
‫الظابط اللى عمل فلوس كتير وال من صاحبه عماد بيه وكيل النيابه؟ لكن ياخد تاره‬
‫ولكن ماذا يضيره لو ذھب؟ من الممكن أن يذھب لينفجر فى وجوھھم غضبا‬
‫منى انى؟ انى عبد المامور اضرب يا عبد الجبار أضرب‪ ،‬صور انتصار وكتفھا على‬
‫ليصارحھم بجبنھم وان مفيھومش راجل‪ ..‬فى النھاية يقرر أال يذھب ‪ ..‬ويقرر أيضا‬
‫ما اخلص أنفذ‪ .‬ذنبى انى إيه؟ وفى داخله المريض يتيقن عبد الجبار ان على ال‬
‫ترك المدرسة ‪ ..‬سيراعى أرضه ويكسب حريته لقد كان يسير متعثرا فى دراسته‬
‫يختلف عن أھل القرية الذين باعوا والده وتركوه يقتل أمام اعينھم‪ ..‬وسافر عبد‬
‫حتى يرضى والده أما اآلن فقد مات والده ‪ ..‬والده الذى خدعه وغرر به ثم تركه‬
‫الجبار فى احالمه بوعد عالء بيه له اذا نجحت الحركة بتاعة ضباط من اجل التغيير‬
‫ورحل‪ ..‬إن مظلوم الذى عشق القراءة والكتب جلب عليه العار والمرار ‪ ..‬ان مظل‬
‫انه سيعينه السكرتير الخصوصى له‪ - ..‬آه ماھو اللى زى عالء ده ممكن ينط على‬
‫وم ضعيف وھو يريد أن يكون قويا مثل عبد الملك وابو شناف الذى حاز االن ارض‬
‫أى وزارة بسھوله لو عملوا جلبان وال شجلبة لنظام الحكم ‪..‬أما تبقى البليه لعبت‬
‫عنتر واثنان اخران من الفالحين‪..‬‬
‫معاك يا عبد الجبار!‪..‬‬
‫ويقطع حبل أفكاره دق على باب الدار يقوم ليفتح ليجد إمام زاوية اإلخوان‪ ..‬ان عبد‬
‫ويسمع عبد الجبار صوت على وھو يصرخ صرخة مكتومة حيث يبدو أنه اصطدم‬
‫الجبار يعرف انه من االخوان وان كان ال يعلم على وجه الدقة ما الذى تعنيه كلمة‬
‫بإحدى حشرات الزنزانة‪ ..‬وفى داخله يضحك عبد الجبار‪ - :‬أنى أول ما شفت الواد‬
‫اإلخوان‪ ،‬يقول االمام‪ - :‬السالم عليكم ورحمة ﷲ يا عبد الجبار ‪ -‬وعليكم‪..‬‬
‫ده قلت انه خنفس حجيجى‪ ..‬واد خرع صحيح‪ ..‬كل بتوع الكالم كده خرعين‬
‫فيبتسم الشيخ قائال‪ - :‬إذا حييتم بتحية فردوا بمثلھا أو بخير منھا‬ ‫بيجعجعوا ع الفاضى والناس العبط بيصدجوا ويمشوا وراھم والكلمنجيه األعبط‬
‫بيفتكروا ان الناس ھتنفعھم لكن الناس الجبانة المنفوخين ھوا ومشحونين كالم‬
‫و بدا على عبد الجبار عدم الفھم وعدم االكتراث بالفھم فسأله الرجل‪ - :‬ممكن ادخل؟‬
‫بيسيبوا الكلمنجيه يغرجوا اول ما بييجى الطوفان‪ ،‬بس مش كل الكلمنجيه بيغرجوا‬
‫افسح عبد الجبار الطريق له قائال فى فتور‪ - :‬اتفضل‬
‫يا واد يا عبد الجبار ما عمدة بلدكو كلمنجى ووعوده كدابه واھو فضل عمده لحد ما‬
‫وجلسا في المضيفة ليخرج الشيخ من جيبه مبلغا من المال ويناوله اياه‪ - :‬اتفضل‬ ‫مات‪..‬‬
‫يا عبد الجبار دول ميت جنيه يساعدوا ع المعايش يا ولدى‪ ..‬و تلمع عينا عبد‬
‫وتسافر ذاكرته مرة أخرى الى بلدته‪ ..‬فى أحد االيام بعد مقتل والده بشھور قليلة‬
‫الجبار ويقول في سره ‪ :‬ميت جنيه حته واحده؟ يأخذ عبد الجبار النقود ممتنا ثم‬
‫تلقى "عبد الجبار" دعوه شفاھيه من رجال القرية لحضور جلسه مھمة‪ ،‬وينظر عبد‬
‫يطلب الشاي للشيخ الذي عرض خدماته على عبد الجبار ويؤذن لصالة المغرب‬
‫الجبار الى الزعيم زميله الذى أبلغه الرسالة ثم يھز رأسه ويسأل‪ - :‬عايزين ايه‬
‫فيدعو الشيخ عبد الجبار إلى المسجد ليصلى جماعة‪ - :‬أصلى لمين يا شيخ؟‬
‫منى؟‬
‫فأجابه الشيخ باندھاش‪ - :‬لربنا يا ولدى‪ - ..‬طب روح أنت وأنا وراك على طول‬
‫يرد الزعيم‪ - :‬مخابرش لما تيجى ھتعرف‪..‬‬
‫‪١٨‬‬ ‫‪ ‬‬

‫وفى أحد األيام كان عبد الجبار يستريح قليال من العمل فى الغيط‪ ،‬وبينما راح يقتات‬ ‫وينصرف الشيخ إلى الجامع لكن عبد الجبار لم يذھب خلفه فمن اللحظة التي قتل‬
‫بكسرة خبز و قطعه من الجبن القديم لمح من بعيد عسكرى الدرك "أبو شناف"‬ ‫فيھا والده فقد إيمانه ليس بوالده وال بأھل قريته فقط لكنه فقد إيمانه بكل شيء لم‬
‫وارتجف عبد الجبار‪ ،‬إنه يعلم أن أبو شناف ال يحمل فى قدميه إال الخراب فأسرع‬ ‫يعد لديه شيء مقدس ‪ ..‬لو كان ھناك إله عادل في السماء لما حدث لوالده ما حدث‬
‫يجرى باتجاھه ليصل اليه قبل أن يصل إلى حدود الغيط‪ ،‬ووقف عبد الجبار ينظر إلى‬ ‫ولما أخذوا أرض عنتر منه وال ادخلوه السرايه الصفرا ظلما وعدوانا‪ ..‬لمن‬
‫الخفير العمالق بمزيج من الرھبة واالنبھار وفى داخله سؤال‪:‬‬ ‫سأصلى؟‬

‫‪ -‬بجى مكانش ده يبجى ابويا؟ ده مكانش حد فى البلد داسلى على طرف‪..‬‬ ‫ويعطى عبد الجبار نصف المبلغ ألمه بينما يخبىء النصف اآلخر معه‪ ..‬وفرحت‬
‫ستھم وقتھا بما اعتقدته عقالنيه من ولدھا حيث ابتعد عن ھذا الشيخ الذى قضى‬
‫ويربت أبو شناف على كتف عبد الجبار بيد من حديد قائال‪ - :‬وﷲ أرضك حلوه يا‬
‫نصف عمره معتقال دون أن تكلف نفسھا بإعادته إلى نفسه وإلى دينه‪ ..‬لقد اعتبرت‬
‫واد‪ ..‬وزرعتك تفرح بصحيح‪ ..‬لما تبيع المحصول انا ليا النص‪..‬‬
‫رفضه لدعوة الصالة جماعة عقال دون أن تدرك أن ولدھا رفض الصالة مع اإلخوان‬
‫وتجف الكلمات فى حلق عبد الجبار لقد جاء الدور على أرضه وال يدرى لماذا‬ ‫كفرا برب اإلخوان لم تدرك المسكينة أن ولدھا قد صار عبدا إلله آخر‪..‬‬
‫ترددت آخر كلمات والده فى أذنيه لحظتھا؟ ‪ -‬يا اھل بلدى أرض عنتر عرضه‬
‫مر عامان على عبد الجبار وھو يعمل فى حقله الصغير‪ ،‬يتجنب أھل البلد ويتحاشى‬
‫وعرضه عرضكم‪ ..‬ھتسيبوا المأمور يھتك عرضكو؟‬
‫الصدام مع األعيان‪ ،‬وفى رحلة بحث عبد الجبار عن النقود باع كل كتب أبيه والتى‬
‫ولكن ھذه المرة لم يكن المأمور‪ ،‬انه ابو شناف‪ ،‬وعبد الجبار ال يستطيع ان يقول له‬ ‫لم يفاجأ أن سعرھا لم يتجاوز عشرون جنيھا‪ ،‬لقد كان أبوه يتحدث عن الكتب وكأنھا‬
‫ال ولكنه أيضا ال يقدر على التفوه بكلمة "موافق"‪ .‬لقد بلغ عبد الجبار الحلم وفى‬ ‫كنز وھو قد عرف أن والده كاذب منذ سقط مضرجا فى دمائه‪ ،‬وألن المثل االعلى‬
‫بلدته الصغيره البد أن يمر ا لرجال بتجربة أولى ال مھرب منھا والتجربه ھى أن‬ ‫للصبى الصغير قد سقط ‪ ،‬فقد قرر البحث عن قدوة أخرى ‪ ،‬وكان من أعاجيب الزمن‬
‫تقول نعم وقلبك يقول ال‪ ،‬أن تبتسم فى وجه الظالم والكره والحزن يثوران بداخلك‪،‬‬ ‫أن تكون قدوة عبد الجبار ابن المناضل اليسارى بطل العصيان المدنى ھو العسكرى‬
‫تجربة كظم الغيظ‪ .‬النظام كده فى البلد دى الراجل العاقل اللى عايز يعيش ھو اللى‬ ‫ال متجبر رمز القھر العسكرى‪ ..‬وأتى زمن يقتدى فيه ابن القتيل بقاتل ابيه‪ ..‬ترى‬
‫يكظم غيظه‪ ،‬كظم الغيظ ھو موضوع خطبة الجمعه التى يلقيھا اما م وزارة االوقاف‬ ‫ھل يقع اللوم على أبو شناف خفير الحكومة؟ أم على مظلوم الذى ضحى بنفسه من‬
‫بعد كل مصيبة تحدث فى البلد‪ ،‬كظم الغيظ والعفو عند المقدرة ھو عنوان وموضوع‬ ‫أجل حفنه من الجبناء؟ أم أن المشكله فى عبد الجبار نفسه وراجعه لخلل ما فى‬
‫خطبه الجمعه التى تلت قتل والده بيوم واحد‪ ،‬تداعت كل ھذه األفكار فى ذھن الصبى‬ ‫تفكيره؟ عندما قص على قصة تتلمذه على يد أبى شناف لم يطاوعنى قلبى أن القى‬
‫وھو يھز رأسه بوھن ھزة الموافقه موافقه من ال يوافق ولكنه ال يملك أن يقول ال ‪،‬‬ ‫باللوم على عاتقه‪ ،‬فكيف ألومه على خلل فى تفكيره فى بلد اختلت فيه كل الموازين؟‬
‫ولم يدر عبد الج بار يومھا أن ھذه ستكون الخطوة األولى فى سلسلة موافقات‬ ‫كيف أقنعه أن أباه بطل وھو يحتفظ بالجريدة التى نشر فيھا خبر مصرع والده تحت‬
‫وتنازالت ال حصر لھا‪ ..‬تنازالت فشلت أن تعلمه الغضب والثورة على من قھره‬ ‫عنوان " مقتل أحد االشقياء فى مواجھات مع األمن"‪ ،‬كيف أصارحه ان أبو شناف‬
‫ولكنھا نجحت ببراعة فى تحويله إلى عباده القھر وتقديس الظالم حتى أھمل أرضه‬ ‫ھو الشيطان وھو يراه مستمتعا فى جنات مصر متربعا على عروشھا‪ ،‬ففى كل قرية‬
‫وكره فأسه وصار حلم حياته أن يكون مثل أبو شناف العسكرى القوى الغنى‪ ،‬إن‬ ‫ھناك أبو شناف‪ ،‬وفى كل مؤسسه ھناك عبد الملك‪.‬‬
‫عبد الجبار يعشق النقود ولقد تعلم أن القوة تاتى بالنقود‪ :‬لو أنه قوى فإنه لن‬
‫‪١٩‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪ -‬يا ولدى ابو شناف العسكرية ممكفياھوش رايد يكوش على أراضى البلد كلتھا‪..‬‬ ‫يضطر للعمل‪ ،‬سيترك الضعفاء يعملون ويكدون ثم يأخذ منھم ما يكفيه‪ ،‬سيذل من‬
‫فوج يا ولدى أحب على يدك‬ ‫تخلوا عن أبيه ‪ ،‬وفى داخله تبلور القرار‪ ،‬لقد قرر عبد الجبار أن يبيع أرضه البو‬
‫شناف على ان يكون غفيرا معه‬
‫ومن الخارج يسمع عبد الجبار نداء قائده فيخرج ليتلقى األمر العسكرى الثانى‪:‬‬
‫وبالفعل ذھب عبد الجبار إلى شيخ الخفر أو عسكرى الدرك كما كان يحلو ألبى‬
‫‪ -‬امسك نوبة الحراسة لحد الفجر ‪ ..‬مبروك انت م الليله دى عسكرى الدرك الثانى‬
‫شناف أن يسمى نفسه عارضا بيع الغيط بالثمن الذى يحدده شيخ الغفر على أن‬
‫فى البلد‬
‫يقبله معه فى خدمة الدرك وحراسة األرض والمواشى لي ال‪ .‬ولكن العرضحالجى‬
‫‪ -‬لكن يا ابو شناف ‪..‬‬ ‫صاحب شيخ الغفر يقول له‪ - :‬انت لسه قاصر ھتبيع ازاى؟ مين الوصى عليك؟‬

‫‪ -‬ابو شناف حاف كده‪ ..‬انى حكمدار البلد يا غبى‬ ‫‪ -‬أمى؟ ويلتفت ابو شناف لرفيقيه ‪ -‬مين أمه؟‬

‫‪ -‬يا حكمدار البلد امى لوحدھا فى الدار ‪ ..‬ومينفعش اسيب كول‪..‬‬ ‫ويجيبه أحدھم‪ - :‬ستھم بنت ابو اسماعيل الكالف‪ ..‬ثم يميل على أذنه ھامسا بصوت‬
‫كالفحيح‪ - :‬كانت أجمل بنت فى البلد‬
‫تخرسه لطمة قويه على خده‪ - :‬جرالك ايه يا ابن مظلوم انت ھتنسى روحك وتعمل‬
‫زعيم زى ابوك‪ ،‬ده انى عسكرى الدرك اللى باحمى البلد كلھا يعنى امك فى أمان‬ ‫ويأتيه األمر العسكرى األول فى حياته‪ - :‬خدنى المك يا ابن مظلوم‬
‫معايا وانى ھاخد الحجة منھا وامشى على طول انى مش فاضى‪..‬‬
‫يصل أبو شناف إلى منزل المرحوم مظلوم مع عبد الجبار فى الساعة الثانية عشر‬
‫ثم يخرج من جيبه ألف جنيه يدسھا فى يده‪ - :‬وادى ثمن األرض مجدما‬ ‫منتصف الليل‪ ،‬كانت البلد كلھا نائمة كأنما ماتت منذ عشرات السنين‪ ،‬يھم عبد‬
‫الجبار بدق الباب ليلفت انتباه أمه الى وجود ضيف معه‪ ،‬ولكن تسبقه يد أبو شناف‬
‫ويخرج عبد الجبار لكنه يظل يحوم حول بيته بمسافه تسمح له بسماع صراخ أمه لو‬
‫فتفتح الباب عنوة‪ ،‬يدخال إلى حوش المنزل يبدو أن ستھم كانت نائمة غافله عما‬
‫استغاثت وفى الداخل يدخل ابو شناف إلى مخدع االم التى كانت تبكى وتھم بالصراخ‬
‫حولھا‪ ،‬يقف عبد الجبار ذو السبعة عشر ربيعا وبداخله قيودا ال يراھا لكنه يشعر‬
‫فيكممھا ويدس سمومه فى أذنيھا وھو يعتصر ذراعھا‪:‬‬
‫بثقلھا فوق كاھله‪ ..‬وھتف به أبو شناف فى خشونة‪ - :‬روح صحيلى أمك‬
‫‪ -‬ابنك مع رجالتى بره لو صرختى ھيقتلوه‪ ..‬فين حجة األرض؟‬
‫وذھب عبد الجبار ليوقظ أمه ويبلغھا ان ابو شناف قد جاء ليأخذ منھا حجة األرض‪،‬‬
‫تشير إلى الدوالب فيفتحه بعنف حتى أن ضلفته قد انخلعت فى يده محدثة جلبة ويجد‬ ‫فضربت أمه صدرھا بكفھا وقالت وھى تلطم ‪:‬‬
‫الحجة فى صندوق مغلق فيأخذھا ويدسھا فى جيب الجلباب ثم يخلعه ويغلق الباب‬
‫‪ -‬ھتبيع أرض ابوك يا واكل ناسك؟ ده ابوك اللى كنت باجول عليه مجنون‬
‫مانعا ستھم من الھرب ويضربھا على رأسھا فتفقد الوعى ليتكفل ھو بإفقادھا‬
‫معملھاش‪..‬‬
‫الشرف‪..‬‬
‫‪ -‬يا امه أنى ھابجى عسكرى كد الدنيا ‪ ..‬ھابجى زى ابو شناف‬
‫‪٢٠‬‬ ‫‪ ‬‬

‫يخرج "على" من الزنزانة االنفرادية وھو في حالة يرثى لھا‪ ،‬ويالحظ باندھاش‬ ‫وعندما طالت غيبة أبو شناف بالداخل استبد القلق بعبد الجبار فدخل الدار وحاول‬
‫نظرات التشفي التي تمأل وجه عبد الجبار‪ ،‬ويسرع المعتقلين في تحية على‬ ‫فتح الباب باكيا بال دموع راجيا ابو شناف أن يفتح لكن ابو شناف ال يرد وال يسمع‬
‫واالطمئنان عليه‪ ،‬ويجلسون في حوش الليمان يتبادلون النكات ويسمعون آخر‬ ‫عبد الجبار إال صوت مالبس أمه تتمزق‪ ..‬ويقف خائرا عاجزا ‪ ..‬يجرى إلى باب‬
‫األخبار في الجرائد القديمة التى تأتيھم من خالل الزيارات أو العساكر المرتشين‪،‬‬ ‫الدار يھم بالصراخ‪ ،‬ولكنه لو صرخ سيفضح أمه‪ ..‬يجرى مره أخرى إلى باب الغرفة‬
‫يقرأ سامي ما نشر فى إحدى الجرائد المستقلة‪ - :‬ولقد نظمت جماعة اإلخوان‬ ‫يھم بكسره لكنه يخشى من أبو شناف‪ ..‬قد يقتل امه لو كسر الباب وقد يقتله ھو‬
‫المسلمين مسيرات احتجاجية في الجامع األزھر وفى المحافظات‪..‬‬ ‫شخصيا‪ ..‬يتحسس األلف جنيه فى جيبه وكأنھا ثعبان يلدغه فيخرجھا ويلقيھا أرضا‬
‫ويمزق جلبابه ويلطم ثم يتكوم كخرقة من القماش ويبكى‪ ..‬وبعد مرور بعض الوقت‬
‫ويغلق الجريدة ثم يتابع فى لھجة خطابية قائال‪ - :‬إحنا يا جماعة بنتحرك مع الشعب‬
‫الذى بدا لعبد الجبار أنه دھر‪ ،‬خرج أبو شناف من الغرفه شبه عاري وعلى وجھه‬
‫ورسوله‪ ..‬الحرب اللى بتشنھا إسرائيل‬ ‫وتحركنا مشاعر الدين الفياضة وحبنا‬
‫عالمات االنتصار مسلطا عينيه الحادتين الضيقتين على وجه عبد الجبار الذى أكل‬
‫على لبنان وفلسطين دلو قت ھى حرب دينية بالدرجة األولى‪ ..‬ثم يرفع صوته قائال‬
‫البكاء عينيه فحاول جاھدا أن يقوم من مكانه ويھاجم أبو شناف لكنه لم يستطع‪،‬‬
‫بشكل خطابى‪ :‬إنھا حرب على اإلسالم ‪ ..‬حرب على ﷲ ورسوله‪ .‬لقد استبد الھلع‬
‫فنكس رأسه‪ ،‬وبعد عودته من الحمام دخل مرة أخرى إلى الغرفه وسمع عبد الجبار‬
‫باسرائيل وأمريكا عندما وجدوا سلطة دينية فى منتھى القوة متمثلة فى حماس‬
‫صوت صرخة مكتومة‪ ..‬إنھا أمه لقد استفاقت على المصيبه التى حدثت تنادى على‬
‫وحزب ﷲ‪..‬ھم عارفين إن الحكومة اإلسالمية لو قامت فى دول العرب ستكون قادرة‬
‫ولدھا الذى يقف على أرجل من الھالم ثم يسقط ويزحف على بطنه حتى يصل إلى‬
‫على سحقھم ودحرھم‪..‬‬
‫الغرفة ليجد عسكرى الدرك وقد قيد أمه فى الفراش وحشا فمھا بمنديل حتى ال‬
‫يستمع عادل وعلى وجھه ابتسامه ھادئة ھى أقرب للسخرية‪ ،‬بينما يميل النمنم على‬ ‫تصرخ وراح يعيد الكره وھذه المرة يغلق عبد الجبار الباب بنفسه حتى ال يرى‬
‫أذنه ھامسا‪ - :‬يعنى حماس وحزب ﷲ ھما بس اللى مسلمين يا باشمھندز؟ أمال‬ ‫المزيد‪ ،‬ثم سقط مغشيا عليه‪ ..‬فى الصباح استرد وعيه ليجد كل شىء فى حالة‬
‫حكومتنا ملتھا ايه ؟‬ ‫ھدوء حتى انه لم يعد يميز ھل ما حدث باألمس كان كابوسا أم حقيقة ولكن مالبسه‬
‫الممزقة والنقود الملقاة على األرض وأعقاب السجائر التى كان يشربھا الوحش‬
‫يقول عادل ضاحكا‪ - :‬حكومتنا بزرميط يا نمنم‪..‬‬
‫باألمس جعلته يتأكد أنھا الحقيقة‪ ،‬ويجرى إلى الغرفة المشئومة ليجدھا فارغة لم‬
‫ثم يرفع عادل صوته موجھا الحديث إلى سامى‪ - :‬فيه سؤال محيرنى يا أخ سامى يا‬ ‫يجد ألمه أثر‪ ،‬وسمع صياحا من بعيد واصوات جلبه‪ ،‬وخرج عبد الجبار ليجد الناس‬
‫ترى ممكن تجاوبنى عليه؟‬ ‫ينظرون له نظرات غريبة وسار بينھم ال يدرى ما يحدث حتى قابله أحد أصدقاء‬
‫والده فبصق فى وجھه وھنا راح يجرى كالملسوع حتى وصل إلى شريط القطار‬
‫يھتز سامى قليال ثم يقول وھو يتحسس لحيته الخفيفة‪:‬‬ ‫خارج البلد كانت ھناك جثتان وفوقھما وقف ابو شناف ينظر بتشفى قائال‪ - :‬سيبوه‬
‫‪ -‬طبعا‪ ..‬ولو انى عارف ان اسئلتك كلھا جدال ومراء‬ ‫ده ابن المرحومة‬

‫‪ -‬ليه اإلخوان متحركوش لما اتقتل جنديين مصريين داخل الحدود المصرية‬ ‫‪ -‬المرحومة؟ أمى مرحومة؟‬
‫برصاص اسرائيلى ‪ ..‬فى حين المنشورات ملت البلد والمظاھرات بتاعتكو زحمت‬ ‫كشف الغطاء ليجد أبشع ما يمكن أن يراه إنسان‪.‬‬
‫‪٢١‬‬ ‫‪ ‬‬

‫وتقطع جموع المعتقلين كالم وائل استنكارا لما يقوله ويكاد الجدل أن يتصاعد‬ ‫الدنيا لما الضرب ابتدا فى حكومة حماس واتخطف ‪ ٨‬من وزرائھا؟ مش من باب‬
‫وينفجر ولكن الصفارة انطلقت معلنة موعد العودة إلى الزنازين وعلى باب الزنزانة‬ ‫أولى كنتوا تغضبوا للمصريين؟‬
‫يقطع سامى الطريق على عادل قائال فى نبرة تھديد‪:‬‬
‫ارتبك سامى وبدأ الغضب يغزو مالمحه وھو يھتف‪:‬‬
‫‪ -‬ياريت تھدى شوية وتتعظ م اللى حصل النھاردة وتعرف ان الناس معانا‬
‫‪ -‬أھى دى التيارات العلمانية والقومية يا إخوانى‪ ..‬دى التيارات اللى بتشجعنا على‬
‫‪ -‬الناس مش معاكو الناس ضد الظالم وبتلتف حواليكو عشان تغيظه‪ ..‬ولو مكانش‬ ‫العنصريه واننا ال نثور على مايحدث فى لبنان وفلسطين ألنھم مش مصريين‪..‬‬
‫شعبنا مغيب مكانش ده بقى حاله وال حالكو‬
‫‪ -‬متحورش الكالم يا سامى‪ ..‬أنا كالمى واضح ‪..‬ليه مبتتحركوش عشان قضايا البلد‬
‫‪ -‬فوق يا أخ عادل فتح عينيك وانت تعرف ان شمس اليسار غربت من زمااان‬ ‫فى حين ان قلبكو واكلكو اوى على الزھار وھنية ونصر ﷲ؟ لما انتوا مع الحركات‬
‫والنھار الجاى لينا‬ ‫الحرة مسم عناش واحد اخوانى بيتكلم عن جيفارا أو حتى عن عبد الناصر؟ ليه‬
‫ماسكين أوى فى الحركات الدينيه اللى قدرت تنط على كرسى الحكم أو بتحاول؟‬
‫‪ -‬المصيبة الحقيقية يا سامى ان التيارات السلفيه ملھاش شمس عشان تشرق ولو‬
‫حكمتوا فى يوم م االيام ھيكون حكمكم بداية ليل طويل يا عالم ھنخرج منه امتى!‬ ‫‪ -‬جيفارا كان مجرد مغامر لم يخوض حروبه فى سبيل ﷲ‪ ..‬أما عبد الناصر فكان‬
‫يعتقل ويقتل أبناء وطنه الذين يختلفون معه فى الرأى‬
‫ويفاجأ االثنان بكرباج عبد الجبار يمزق ظھريھما دافعا كل واحد منھما إلى زنزانته‬
‫دفعا‪ ..‬يدخل عادل ويغلق بنفسه باب الزنزانة‪ ..‬بينما يقف سامى وظھرة لزنزانته‬ ‫‪ -‬و ھل يا ترى حماس ايديھا مش ملوثه بدم ناس من حركة فتح؟ وھل يا ترى نصر‬
‫ووجھه وعينيه يرمقان عبد الجبار فى ثبات ثم يبتسم ابتسامة عجيبة تدفع عبد‬ ‫ﷲ الشيعى بقى فجأة حلو ومن عداد المسلمين لمجرد أنه على نفس الموجه؟‬
‫الجبار إلى جذبه خارج الزنزانه ثم لطمه على وجھه فاتسعت ابتسامته فلطمه عبد‬
‫وترتفع صيحات االستنكار ضد عادل وما يقوله ويبادر وائل الليبرالى‪:‬‬
‫الجبار ثانية لتطير احدى أسنان سامى الذى يخلص نفسه من يد عبد الجبار بصعوبه‬
‫قائال‪ - :‬مش دلوقت يا عبد الجبار‪ ..‬المواجھة بيننا وبينكم مش دلوقت يا عسكر‬ ‫‪ -‬غلط انك تكون ضد نصر ﷲ لمجرد اختالفك معاه فى المذھب يا عادل‪..‬‬
‫وينظر له عبد الجبار فى استھزاء ليضربه على قفاه ثم يلقى به إلى الزنزانة‪..‬‬
‫‪ -‬أنا مش ضد نصر ﷲ وال الشيعة لكن باتعجب لالخوان اللى بقوا مع نصر ﷲ‪ ،‬فى‬
‫وفى داخل عبد الجبار يبدأ السؤال‪ - :‬الواد ده يقصد ايه؟ ھو فى حد يقدر ع العسكر؟‬ ‫نفس الوقت اللى لسه فيه بيھاجموا عبد الناصر ويتھموه انه تسبب فى نكسة ‪،٦٧‬‬
‫ھو اللى عمله نصر ﷲ يختلف عن اللى كان بيعمله عبد الناصر؟‬
‫ويذھب عبد الجبار إلى الفراش استعدادا إلجازة يومين تبدأ من باكر‪ ..‬سيذھب إلى‬
‫عالء بيه ألن انتصار على موعد معه وھو معتاد أن يرتب الشقة لھذا اللقاء وأحيانا‬ ‫ويقول وائل‪ - :‬انا كليبرالى ضد االتنين‪ ،‬ومازلت أؤكد ان حسن نصر ﷲ ھو‬
‫يكون البيه مزاجه حلو فيترك له المناضلة بعد فراغه منھا‪ ..‬انه يعجب انه لم يرھا‬ ‫المستفيد الوحيد مما يحدث من دمار فى لبنان‪ ،‬ھو من أصبح بطال على حساب دماء‬
‫ولو لمرة سعيده بضمة أو بقبله من عالء بيه أو منه بل إنھا تقاومھما بضراوة كل‬ ‫أبناء بلده‪ ،‬وبعدين إيه النصر العسكرى اللى حققه نصر ﷲ من بدايه الضرب‬
‫مرة رغم أنھا تأتى بكامل إرادتھا‪ ..‬ويتوقف عبد الجبار مع نفسه قليال متسائال‪:‬‬ ‫لدلوقت؟ وليه مبيضربش األماكن الحيوية فى اسرائيل ايه اللى حايشه؟‬
‫‪٢٢‬‬ ‫‪ ‬‬

‫مافعله ويفعله وسيفعله من شر لن يمحو عاره ولن يھدىء خواطره المتألمه‪ ..‬كان‬ ‫‪ -‬وھى لوال الصور اللى مع عالء بيه كانت تيجى؟ وال ترضى بالوضع ده دى بنت‬
‫البد أن يأخذ بثأر أمه ‪..‬‬ ‫ناس‪ ..‬المرة اللى فاتت شفت فى ايديھا دبله وسمعت من عالء بيه انھا اتخطبت‬
‫لدكتور فى الجامعه‪..‬فينك يا امه تشوفى ابنك وھو بيذل بنت مستشار و خطيبة‬
‫يوم خروجه من الوحدة الصحية‪ ..‬كان مشتت الذھن ال يدرى أين يذھب‪ ..‬انتظر‬
‫دكتور فى الجامعه امال ايه مش عسكرى يعنى حكومة‪ ..‬وھو يا عبد الجبار‬
‫الليل ودخل إلى قريته ليفاجأ بأن منزله قد سوى باألرض‪ ..‬وليجد نفسه أمام واقع‬
‫المستشار مش حكومة ؟‪ ..‬سأل مرة ھذا السؤال لعالء بك فضحك وقال له‪ :‬يا مغفل‬
‫مر‪ ..‬صبى فى السابعة عشر من عمرة بال أب وال أم وال منزل وال أرض‪ ..‬حتى ثمن‬
‫أمن الدوله دول ھما النظام‪ ..‬عارف يعنى ايه النظام ؟ يومھا فھم عبد الجبار أن‬
‫األرض ضاع ‪..‬‬
‫النظام ھو شىء أھم من الحكومة وأخطر‪ ..‬يعنى عالء بيه أكبر من العمدة‬
‫ويقرر عبد الجبار العوده إلى المركز لعله يجد عمل فى المدينه لكنه يفاجأ بيد من‬ ‫والحكومة؟ ال بس انى باذل المعتقلين ھنا‪ ..‬باحبس عادل المھندس واضرب سامى‬
‫حديد تربت بقسوة على كتفيه ويستدير ليجد نفسه وجھا لوجه أمام أبو شناف‪ ..‬قاتل‬ ‫الدكتور وادلع نفسى مع بنت المستشار ‪...‬ويضحك عبد الجبار وھو ينظر فى المرآة‬
‫أمه وأبيه وسبب كربه‪ ..‬كان داخل عبد الجبار بركة من غضب و لكن فى داخله‬ ‫ھاتفا‪:‬‬
‫أيضا كانت شالالت من الخوف منعته حتى من إظھار مقته‪ ..‬و احتقر نفسه لكن ھذه‬
‫‪ -‬آنى النظام ‪ ..‬النظام أنى‪ ..‬وينفخ صدره ثم ينام متوقعا أحالم سعيده بابنة‬
‫الليله علمته كيف أن الخوف لو تمكن من اإلنسان يكون كفيال بإطفاء غضبه وقتل‬
‫المستشار تبكى من الذل بين أحضانه‪..‬‬
‫نخوته‪ ..‬لقد تعلم فيما بعد على يد أبى شناف أن الخوف يخرج من الناس أسوأ ما‬
‫فيھم‪ ..‬فيجبر النسوان أن يسلمن أجسادھن لمن يشھر عليھن المطاوى‪ ،‬و يجعل‬
‫الشاھد ينكر انه شاھد ومن لم ير يشھد زورا أنه رأى‪ ،‬الخوف ھو الذى دفع الناس‬
‫لكنه ظل طيلة الليل فى كابوس حقيقى راح يعيد عليه عرض اغتصاب أمه وقتل أبيه‬
‫إلى ترك والده يقتل ثم ينزف لمدة ساعة دون أن ينقذه أحد‪ ،‬الخوف ھو ما جعله‬
‫على يد أبى شناف ثم مشھد أمه ملقاة على شريط القطار كانت أمه عاريه تماما‬
‫يسلم أمه لذئب بشرى يغتصبھا ثم يقتلھا‪ ،‬الخوف من العسكر ھو ما دفعه إلى‬
‫ولسانھا يتدلى خارجا مما يؤكد أن أحدا قد خنقھا حتى الموت‪ ..‬أما الجثة الثانية‬
‫التضحية بكل شيء لكى يصبح منھم يوما ما‪ ..‬الخوف ھو الذى صنع منه كلب أبى‬
‫فكانت للشيخ على إمام زاويه االخوان‪..‬‬
‫شناف المطيع منذ تلك الليله بالرغم من أن األخير ھو من أخذ أرضه وسلبه عرضه‬
‫وقتل أباه وأمه وھدم منزله‪ ..‬الخوف ‪..‬الخوف‪..‬‬ ‫ويرفع عبد الجبار عينه الى أبى شناف وھو يقص أكاذيبه على العمدة والمأمور ‪:‬‬

‫‪ -‬دول كانوا‪ ..‬استغفر ﷲ العظيم وليلة امبارح اختلفوا مع بعضيھم فھددته بفضحه‬
‫جام جتلھا ولما ضبطته واعترف لى كنت ھاجبض عليه ولكنه حاول الھرب جمت‬
‫ضربت عليه سالحى الميرى فجتلته ‪ ..‬ده كان مسلح وخطير يا سيادة المأمور‪..‬‬
‫وأنى والغفر‪..‬‬

‫لم يسمع عبد الجبار شيئا مما تلى ذلك ألنه فقد الوعى ونقلوه إلى الوحدة الصحية‬
‫وقد فقد الوعى واالرادة‪ ..‬ويستيقظ مفزوعا قرب الفجر لتعاوده الحقيقة المرة‪ ،‬كل‬
‫‪٢٣‬‬ ‫‪ ‬‬

‫حلت بھا وبھم‪ ..‬خوفھم ووحشيتھم وجبنھم جعلھم دائما يشجعون القوى ويدھسون‬ ‫فى منزل عالء ضابط أمن الدولة‪ ..‬تخرج انتصار من غرفة النوم وعلى وجھھا‬
‫الضعيف‪ ،‬جھل الناس وظلمھم يجعلھم يلقون دائما باللوم على المغتصبة ليس على‬ ‫أقسى آثار االمتعاض والغثيان‪ ،‬تجلس على األريكة ويلحق بھا عالء مترنحا وفى‬
‫المغتصبين‪ ،‬وسألت نفسھا ‪ :‬ترى ھل نجح حكم العسكر إلى ذلك الحد فى زرع مخبر‬ ‫يده كأس من الخمر‪ ،‬وترجوه باكية أن يسلمھا الصور التي التقطھا لھا في المعتقل‬
‫داخل كل مواطن؟ ھل نجح الجبروت فى جعلنا نقھر بعضنا البعض؟‬ ‫لكنه يرفض‪ ،‬فتصرخ في وجھه‪ - :‬أنت عايز إيه منى؟ مش كفاية لغاية كده فتيات‬
‫الليل ماليين البلد‪ ..‬ارحمنى وسيبنى أعيش حياتى‪..‬‬
‫وتذكرت انتصار عندما كانت فى الثانوية العامة وقامت انتفاضة فلسطين الثانية‪ ،‬لم‬
‫تر المصريين يتحركون فى حياتھا كمثل تلك األيام حتى أطفال االبتدائى خرجوا إلى‬ ‫يحك رأسه شعره القصير للغاية ثم يسألھا كأنه لم يسمع ما قالته ‪:‬‬
‫الشوارع فى المظاھرات‪ ،‬وقامت مظاھرة فى حوش المدرسة وجاءت زميلتھا نور‬
‫‪ -‬انتى خطيبك فى جماعة ‪ ٩‬مارس؟‬
‫التى كانت تقرأ القرآن فى اإلذاعه المدرسية كل صباح ووقفت فى منتصف الحوش‬
‫وعيونھا حبلى بالدمع لتخلع حجابھا األبيض وترسم عليه نجمة زرقاء سداسية‬ ‫‪- ....................‬‬
‫الشكل ثم تشعل فيھا النار‪ ،‬لم تنس انتصار أبدا كيف خرجت مدرسة البنات فى‬
‫يثيره صمتھا فيمسك بذراعھا بشده وھو يقول‪ - :‬أنا عايزك تبلغينى أول بأول‬
‫المرواح فى مظاھرة كبرى لتلتحم بمظاھرة أخرى للشباب فى المدرسة الثانويه‬
‫مواعيد االجتماعات ونص الكالم اللى بيتقال وأسماء كل أساتذة الجامعه من أعضاء‬
‫للبنين التى كانت بجوارھم‪ ،‬مشھد لم يحدث منذ ثورة ‪ ،١٩‬انتابھا الخوف للحظة‬
‫الحركة وھل فيھم إخوان وكام واحد؟ أنا سمعت ان فيھم واحد بھائى عايز اعرف‬
‫فلقد كانت حوادث التحرش من قبل مدرسة البنين ال تعد وال تحصى قبل ذلك اليوم ‪،‬‬
‫عنه كل‪ ..‬تقاطعه صارخة فى وجھه‪ - :‬انت عايزنى اشتغل مرشدة ألمن الدوله يا‬
‫ولكنھا فوجئت بأنھا تسير محاطة بالفتيان ولم يمسسھا احد منھم بسوء لقد كانوا‬
‫ابن ال‪ ..‬تخرسھا لطمة قويه على وجھھا ويصرخ فيھا وقد احمر وجھه‪ - :‬وانتى‬
‫يھتفون من أجل الحق‪ ،‬لم يعودوا يشعرون بالكبت حتى يفرغونه فى األجساد‬
‫كنتى من خمس دقايق بتشتغلى ايه فى أودة نومى؟ على األقل مرشدة أنظف من‪ ..‬لم‬
‫االنثوية الغضة التى تحولت إلى أجساد مشتعلة بثورة على الظلم والعدوان وحناجر‬
‫تسمع باقى ما قاله كان بداخلھا بركان متفجر من الغضب ليس منه فقط ولكن من‬
‫تھتف بالحق كحناجر الرجال‪ .‬كان يوم نزعوا فيه االغالل فظھر أجمل وأنبل ما‬
‫نفسھا‪ ،‬من خوفھا الذى جعلھا تأتى إليه بنفسھا بدال من المرة خمسة وعشره وفى‬
‫فيھم‪ ،‬كانت تشعر أنھا فى مظاھرة للطيور‪ ،‬عرفوا فيھا للمرة االولى ان لھم أجنحة‬
‫النھايه لم يعطھا الصور‪ ،‬وراحت تسأل نفسھا أين ذھبت شجاعتھا ھى من كانت‬
‫يطيرون بھا إلى الشمس دون أن تحرقھم‪ ،‬نظروا يومھا إلى السماء واكتشفوا‬
‫تقف فى المظاھرات لتھتف باسم مصر‪ ،‬ھى التى كانت تلقى الخطب الحماسية فى‬
‫جمالھا ورحابتھا فلم تعد داخلھم حاجة للنظر إلى األعضاء التناسلية لآلخرين‪،‬‬
‫الجامعه ضد الخوف والقھر‪ ،‬وفى داخلھا تأكدت أن ضعفھا ھو السبب الذى جعل‬
‫ولكنھا ايضا لم تنس كيف اقتحمت الغربان السود سماء غضبھم المقدس‪ ،‬كيف‬
‫خوفھا يحولھا إلى أسيرة وعبده لھذا الحيوان‪ ..‬وخرجت انتصار مھزومة من منزل‬
‫ضربوھم بالعصى المكھربة‪ ،‬وكيف حشروا األوالد فى صناديق ضخمة ھى اشبه ما‬
‫عالء تسير على غير ھدى وقد جعلتھا لحظة الضياع تلتقى بنفسھا مجددا وتكتشف‬
‫تكون باقفاص القرود ليأخذوھم إلى مكان مجھول‪ ..‬وفى الصباح دخلت الفصل حصة‬
‫الحقيقة المؤلمة‪ :‬نعم إن من اغتصبھا كان عالء الكلب وذلك العسكرى القذر‪ ،‬ولكن‬
‫الدين كانت اولى حصص اليوم‪ ،‬دخلت المعلمة وفى فمھا لبانة تتشدق بھا ونادت‬
‫من دفعھا إلى االستسالم لھما مرة تلو األخرى ؟ خوفھا؟ ولكن لماذا خافت أن‬
‫على نور تؤنبھا أمام الجميع على خلع حجابھا الذى رسمت عليه علم اسرائيل ثم‬
‫ينشروا صورھا معھما أو يستغلوھا بأى شكل؟ ھل ھو خجلھا أن يراھا الناس‬
‫أحرقته‪ ،‬تصرخ فيھا‪:‬‬
‫عارية؟ أم خوفھا من كالم الناس؟ الناس! الناس! ھما الناس سبب المصائب التى‬
‫‪٢٤‬‬ ‫‪ ‬‬

‫جلس بعض المعتقلين فى الحوش يتناقشون حول وفاة نجيب محفوظ التى حدثت منذ‬ ‫‪ -‬انتى مش عارفه ان كده حرام؟ تخلعى حجابك وتمشى مع الشبان من غيره اطلعى‬
‫أربعة أيام فى ‪ ..٢٠٠٦‬كان وائل أكثرھم تأثرا فقد كان يرى أن نجيب محفوظ ھو‬ ‫بره الفصل ومتحضريش حصتى تانى‪ ..‬وجاءت الحصة الثانية‪ ،‬حصة التربية‬
‫اإلبن البار لتاريخ الليبرالية المصرية‪ ،‬ووافقه عادل على ھذا الرأى وإن كان يرى‬ ‫القومية‪ ،‬تدخل المخبرة عفوا المعلمة لتعطھم درسا فى األخالق وكيف ان من‬
‫أن لنجيب محفوظ اھتماما بالبسطاء وعالقات جيدة باليسار‪ ،‬وھنا يتخل شوقى‬ ‫اشتركن فى المظاھرة باالمس كن من الساقطات خرجن ليقابلن شباب المدرسة‬
‫اليسارى المتشدد ليقول‪ - :‬انا كان عندى يدوا نوبل لواحد زى أحمد فؤاد نجم وال‬ ‫الثانوية للبنين وأن العديد من المساخر ارتكبت وأن بعض الفتيات اختتمن المظاھرة‬
‫يوسف ادريس وال حتى نجيب سرور أحسن مليون مرة من سى نجيب محفوظ ده‪..‬‬ ‫فى شقق مفروشة مع األوالد‪ ،‬وﷲ يعلم أنھا كاذبه وﷲ يعلم أن من اشتركوا من‬
‫ويسأل نمنم فى حيرة‪ - :‬انتوا مھتمين بالراجل ده ليه كده‪ ،‬ھو يعنى مدوبش ھدوم‬ ‫أوالد وبنات قد تحرروا ولو لمرة من قيود الجنس‪ ،‬فثارت انتصار مما قالته‬
‫الفرح ده حتى كان عنده أكتر من تسعين سنه؟‪ ..‬ويجيبه سامى وھو يعبث بلحيته‬ ‫المدرسة عن وجوب حب الرئيس وعن الحكومة اللى طفحانه الدم عشان تأكل بنات‬
‫الخفيفة‪ - :‬أنا مش عارف سر حزنكم على ھذا الزنديق‪ ..‬ده كان البد أن يستتاب قبل‬ ‫فاجرات مثل الالتى اشتركن فى المظاھرة وعن حب األھل والمحافظة على كرامتھم‪..‬‬
‫موته عموما أھو راح فى داھية‪ ..‬ويقطع حديثھم صوت أحد العساكر‪ - :‬سامى عبد‬ ‫وطلبت انتصار الكلمة وبدأت توضح الحقيقة فطردتھا المعلمة خارج الفصل‪ ..‬فى‬
‫الصادق ‪ ..‬زيارة‬ ‫المرواح وجدت الفتيات يضعن الروج خلسة قبل أن يخرجن إلى الشارع‪ ،‬ورأت‬
‫الفتيان وعدد ال بأس به منھم حليقى الرأس ‪-‬على الزيرو‪ -‬وقد خرجوا من أقفاص‬
‫ويقوم سامى إلى زائريه تاركا خلفه عالمات استفھام من الجميع لماذا وكيف يكون‬
‫الحكومة رأتھم يتسكعون أمام المدرسة وفى عيونھم نھم غريب‪ ..‬سكتت أصوات‬
‫ھو الوحيد المسموح له بالزيارة بالرغم من أنه اخوان؟ وفى مكتب نائب مدير‬
‫الغضب وارتفعت أصوات ضحك البنات بشكل ھستيري والصواريخ والبمب فى يد‬
‫المعتقل يدخل سامى ليجد محاميه وأحد كبار رجال االعمال من االخوان وھو يسلم‬
‫الوالد ومن خلفھا جاء أحد الفتيان ووضع يده فى مكان حساس من جسدھا ووقتھا‬
‫الضابط ظرفا مكتظا ليخرج ويتركھم بمفردھم ويميل سامى على محاميه ھامسا‪- :‬‬
‫عرفت أنھا لن تطير مرة أخرى أبدا‪..‬‬
‫أنا تعبت أوى يا أستاذ منتصر أرجوك شوفلى صرفة دول بيرمولنا األكل ع األرض‬
‫من غير أطباق ده غير التعذيب واإلھانة‪ ..‬فيطمأنه المحامى‪ - :‬متخافش يا سامى‬ ‫ومرت سنوات وعرفت انتصار أن معلمة الدين قد تم سجنھا بعد أن سرقت مرتبات‬
‫احنا قالبين الدنيا بره ومش ھنسكت غير لما نطلعك انت وزمايلك عموما ماھيتك‬ ‫زمالئھا من خزنة المدرسة التى كانت فى عھدة صديقتھا السكرتيرة‪ ..‬وأن معلمة‬
‫ماشية وبتوصل ألھلك فى المنصورة بانتظام‪ ..‬وقال له رجل األعمال‪ - :‬خد يا سامى‬ ‫التربية القومية التى أعطتھن درسا فى األخالق قد ضبطھا زوجھا عارية فى أحضان‬
‫القرشين دول ھينفعوك ھنا وعايزك تشوف مذاكرتك االمتحانات قربت يا دكتور‪..‬‬ ‫رجل آخر وسمعت انه قد رفع قضية زنا عليھا‪ ،‬ولكن االخبار تسربت فى المدرسة‬
‫قوللى العيال بتوع الطائفة المنصورة اللى قبضوا عليھم من كام شھر انا عرفت انھم‬ ‫انه قد سجن فى قضية اتجار بالمخدرات وان المعلمة قد تزوجت من الرجل اآلخر‬
‫ھنا ايه رأيك فيھم؟‬ ‫الذي كان ضابط شرطة فى مكتب مكافحة المخدرات!!‬

‫‪ -‬دول ال طائفة وال منصورة الظاھر انھم اتاخدوا غلط بس انا اتكلمت معاھم‬ ‫وعندھا تأكدت أن مصر فى خطر‪ ،‬وعاھدت نفسھا على أال تطفىء جذوة غضبھا‪،‬‬
‫وواضح انھم من المحبين‬ ‫وأال تتخلى عن اجنحتھا مھما امتألت سماء البلد بالبوم والغربان‪ ..‬واتخذت انتصار‬
‫قرارھا باالعتراف لخطيبھا بكل ما حدث لھا فى االحتجاز وقررت عدم الذھاب إلى‬
‫عالء مرة أخرى وليحدث ما يحدث‪.‬‬
‫‪٢٥‬‬ ‫‪ ‬‬

‫الجزمة يا غبى‪ ..‬ثم ينظر لوائل مبتسما ابتسامة صفراء‪ :‬انا آسف يا أستاذ وائل ال‬ ‫‪ -‬طب عال عموما حاول تقربلھم وتخليھم مش بس محبين أل وعاملين كمان ضمھم‬
‫مؤاخذه أصله طور بعيد عنك‪..‬‬ ‫لصفوفنا ‪ ..‬احنا ھنحتاجھم بعدين‬

‫يبتسم وائل فى سخرية بينما يواصل الضابط‪ - :‬احنا بنعتذر عن أى خطأ وقع على‬ ‫وتنتھى الزيارة لينفرد سامى بنفسه ولم يدر لماذا عاوده ھاجس قديم كان يلح على‬
‫احد فيكم ونوعدكم المعاملة ھتتغير وانتوا شوفتوا امبارح والنھارده كنا فى غاية‬ ‫ذھنه أن حسن المسئول عن تفجيرات األزھر كان وراءه اإلخوان لقد قابله مرة فى‬
‫الذوق واألكل اتغير‪ ..‬فھتف عادل فى سخرية‪ - :‬اه فعال بقى فى اطباق بعد ما كان‬ ‫أحد االجتماعات بالقاھرة ترى فيم سيحتاجون أعضاء الطايفة المنصورة؟ وترددت‬
‫بيترمى على األرض واحنا نلحس‪..‬ونظر اليه الضابط نظرة وعيد وكأنه يقول‪:‬‬ ‫فى أذنيه آخر كلمات الرجل المھم فى الزيارة‪ - :‬ھييجى ناس يفتشوا ويصوروكو‬
‫حسابنا بعدين‪ ..‬ويدخل المعتقلون الى العنابر بعد حالة ھرج ومرج وبعد ان اعلنوا‬ ‫عايزك تقول ان االوضاع فى المعتقل تمام فاھم؟‬
‫اصرارھم على فضح المعتقل أمام اللجنه وامام القناة االمريكية التى ستصور‬
‫وحتى لو مش فاھم سينفذ ما دام مرتبه لم ينقطع يبقى خالص‪ ..‬مئتى جنيه يأخدھم‬
‫ويجتمع ضباط المعتقل مع مندوب الداخلية لمناقشة كيفية لم ھؤالء المعتقلين على‬
‫أول كل شھر مبلغ متواضع؟ ربما لكنه على األقل أكبر من إعانة البطالة التى وعد‬
‫ما اللجنة تمشى ومعاھا القناة االمريكية‪.‬‬
‫بھا أيمن نور فى برنامجه االنتخابي بل إنھا حتى أكبر من مرتبات كثير من موظفى‬
‫وفى الصباح تم خلط مياة الشرب والعصائر ببعض حبوب الھلوسه والعقاقير التى‬ ‫الحكومة القيادات يسمونھا مساعدة ولكنه كان يعلم علم اليقين ان ھذا المبلغ ما ھو‬
‫تسلب المرء إرادته ثم تم توزيعھا على المعتقلين وجاءت اللجنه فى الصباح ومعھم‬ ‫اال مرتب نظير خدماته‪..‬وسأل نفسه ‪ :‬يا ترى مين الزوار اللى ھييجوا يصوروا؟‬
‫فريق تصوير أحد البرامج فى قناة أمريكية و بيتر عونى مدير مكتب القناة فى‬
‫انتشرت األخبار فى المعتقل وجمع عبد الجبار المعتقلين ليبلغھم أن التليفزيون‬
‫القاھرة وقام مدير المعتقل بمصاحبتھم فى الجولة التى بدأت بزنزانة انفرادية تم‬
‫األمريكى سيقوم بتصوير حملة تفتيش ستقوم بھا زارة العدل على المعتقل وأن‬
‫تنظيفھا ووضع فراش ولمبه حمرا وفتح الباب ليفاجأ الزوار بالمعتقل نمنم فى حالة‬
‫الجميع البد أن يكونوا على مستوى المسئوليه وأال يشوھوا سمعة مصر أمام‬
‫سكر بين ومعه فتاة جميلة فى وضع مخل ورفع أحد وكالء النيابه صوته صائحا‪:‬‬
‫األجانب ثم نظر لھم نظرة تحمل الكثير من الوعيد والتھديد وقال‪ - :‬مشاكلنا نح ن‬
‫ايه القرف ده‬
‫نحلھا ف ف الداخل‪ ..‬وكان المعتقلون يكتمون ضحكھم بصعوبه على مشھد عبد‬
‫وارتبك مدير المعتقل ثم استجمع شتات نفسه مبررا‪ :‬يا فندم دى زنزانة للخلوة‬ ‫الجبار وھو يتقمص شخصية المسؤول الحكومى ويعرفھم معنى الوطنية وعلى‬
‫الشرعية بين المعتقلين وزوجاتھم احنا فى المستقبل بنسعى يكونوا تالته او اربعه‬ ‫تھتھته فى الكالم التى تتعارض مع نظراته الحادة وجسده الضخم‪ ..‬ورد عليه وائل‪:‬‬
‫عشان يكفوا خصوصا الموضوع ده شغال دلوقت بالدور وبيبقى عليه خناقات بين‬ ‫‪ -‬اسمع يا عسكرى انت اللجنه بتاعة بكره جايه تحقق فى واقعة موت شاب ھنا فى‬
‫المعتقلين‪ ..‬واندھش بيتر وسأله ‪ :‬لكن القانون المصرى ال ينص على إعطاء‬ ‫المعتقل وھتك عرض آخر واحنا مش ھنخبى حاجه وبعدين ازاى نبقى احنا طالبينھم‬
‫السجين حق الخلوة الشرعية فما بالكم بالمعتقل؟؟‬ ‫ييجوا يحققوا وبعدين لما ييجوا نقولھم مفيش حاجه كنا بنضحك عليھم مثال؟‬

‫ورد عليه المدير‪ :‬نحن ال نؤمن بالبيروقراطية واحنا عاملين يوم فى األسبوع‬ ‫ورفع عبد الجبار بندقيته فى غضب ليضرب بھا الصحفى الليبرالى ولكن أوقفته‬
‫للزيارات العائلية والخلوات اللى زى كده‪ ..‬وصاحت المذيعة االمريكية‪ - :‬واو اتس‬ ‫صيحه من محمد بيه‪ :‬عندك يا زفت ويقف بينه وبين وائل ھاتفا ‪ :‬حاسب يا ابن‬
‫فانتاستيك‪..‬‬
‫‪٢٦‬‬ ‫‪ ‬‬

‫كانت ذكريات المرة االولى فى حياة عبد الجبار الجنسية تجتاحه‪ ..‬كانت فتاة فى‬ ‫والتفت النمنم اليھم صارخا‪ - :‬ايه ده بقى انتوا مش قلتوا خد راحتك يا نمنم والمزة‬
‫الخامسة عشر من عمرھا أمھا كانت ماشطة البلد وابوھا كان حالق الصحة يعنى‬ ‫دى بتاعتك النھاردة كله؟ ھاخد راحتى ازاى وانتوا واقفين تتفرجوا كده زى‬
‫المقابل للكوافير والجراح تخيلوا كوافيرة متجوزة جراح كانوا اغنى بيت فى البلد‬ ‫المحاريم؟ زغده احد الضباط الشباب وھمس له‪ :‬اسكت وخليك فى اللى ف ايدك‬
‫بعد دوار العمدة‪ ..‬وكانت دى بنتھم الوحيده التى انقطعت امھا عن الوالده بعدھا‬ ‫فضحتنا ﷲ يفضحك وابتسم المدير فى ارتباك نسيبھم براحتھم وناخدكوا للزنزانة‬
‫بسبب مشاكل فى الوالده يقال ان السبب فيھا ھو الزوج ‪ -‬حالق الصحة ‪ -‬الذى أصر‬ ‫اللى بعد كده وأخذھم الى زنزانة سامى الذى كان الوحيد الفايق فى المعتقل والذى‬
‫على القيام بتوليد زوجته بنفسه‪ .‬المھم ان البنت كبرت قبل االوان لتصير أجمل بنات‬ ‫راح يمدح فى إدارة المعتقل وفى الجو الھادىء الذى يساعده على استذكار دروسه‪..‬‬
‫القرية‪ ..‬كان عبد الجبار أيامھا فى السادسة عشر من عمره وقد أصبح من الرجال‬ ‫ثم فوجىء الجميع بجرس الفسحة اليومية الذى جاء يبدو على غير اتفاق وال ترتيب‬
‫المقربين لشيخ الغفر وقد كلفه ان يقوم بالحراسة الليلية دائما ومن ھنا جاء اللقب‬ ‫حتى ان الضباط قد ارتبكوا جميعا دون ان يعلموا ان عبد الجبار ھو من اخرج‬
‫الذى اشتھر به عبد الجبار" عسكرى الدرك"‪ ..‬يذكر عبد الجبار جيدا ان البلد وقتھا‬ ‫المعتقلين من الزنازين بحجة انه يوريھم سعادة المساجين على الطبيعة‪ ..‬وخرج‬
‫صارت بال رجل تقريبا كان ھناك رجال لكنھم كانوا مثل الفراريج جبناء ال يتحدثون‬ ‫المساجين ومع بعضھم فتيات وسيدات ومع بعضھم االخر اجھزة كاسيت يسمعون‬
‫اال فى التفاھات‪ ..‬وكان اكثرمن يتحدث ھو حالق الصحة‪ ..‬الحالقين كلھم كثيرو‬ ‫بھا اغانى ھابطة انتقاھا عبد الجبار وذھبت المذيعة الى مجموعه تغنى مع شعبوال‬
‫الكالم ال يصمتون اال بالموت‪ ..‬وكان سعد من ھؤالء‪ ..‬وكان شيخ الغفر يحب قعدة‬ ‫يا عم عربى اصحى‪ ..‬ليقول احد المعتقلين والذى كان يبدو على جسده نصف العارى‬
‫سعد ورغيه وخوضه فى أعراض ستات وبنات القرية‪ ..‬لم يترك واحده اال وادعى‬ ‫آثار تعذيب‪ :‬يا اھال بالضيوف! يسأله بيتر‪ :‬ترى ما سر الكدمات التى اراھا على‬
‫ان له معھا حكاية‪ .‬وكان ممكن ان يستمر االمر على ھذا المنوال لوال ان جاءت‬ ‫وجھك وجسدك؟ فقال‪ :‬انا السبب يا بية قعدت اضرب نفسى فى الحيط لما جبت‬
‫الليلة الموعوده ‪..‬‬ ‫اخرى ‪ -‬ولماذا؟ نظر الى الفراغ فى بالھة قائال‪ - :‬ھاه؟ عقدة نقص يا بيه‬

‫كانت ليلة زفاف بنت شيخ الغفر التى كانت فى الثانية والعشرين من عمرھا ‪ -‬عانس‬ ‫وتسأل المذيعة عادل‪ - :‬ھل حقا تعيشون االن ازھى عصور الديمقراطية؟‬
‫فى نظر اھل القرية من تتزوج فى ھذا السن ‪ -‬ففى قرية عبد الجبار تتزوج الفتاة فى‬
‫‪ -‬أل طبعا‪ ..‬ويجف حلق مدير المعتقل‪..‬‬
‫الثامنة عشر على اكثر تقدير‪ -‬كان فرح كبير تاجل الكثر من مرة بعد دور تعب الم‬
‫بشيخ الغفر والزمة المستشفى فى البندر لشھر كامل‪ ..‬فى ھذه الليلة ذھبت‬ ‫ويضحك عادل قائال وھو يرقص‪ - :‬نحن نعيش اآلن أزھى عصور المھلبية‪...‬‬
‫"جماالت" الماشطة الى منزل شيخ الغفر لتزيين ابنته وبعد ان انتھت من عملھا‬
‫‪ -‬ازاى‬
‫وتناولت العشاء وأخذت معھا طعام يكفيھا واسرتھا ليومين على اقل تقدير فوجئت‬
‫بأبى شناف يعترض طريقھا ويلح عليھا فى المبيت حتى تقوم بتزيين ابنته فى‬ ‫‪ -‬يعنى يا مھلبية يا وكل ريس يعمل اللى على ھواه ويستغرق فى ضحك ھيستيرى‬
‫الصباحية قبل ان يأتى المھنئون‪.‬‬ ‫ويغادر الزوار مسرعين والغضب والذھول يرتسم على وجوھھم‪.‬‬
‫‪ -‬انتى عارفة يا ام صباح ان البت وشھا عفش زى امھا ﷲ يجحمھا مطرح ما‬ ‫بالطبع كانت فضيحة تناقلتھا وكاالت االنباء العالمية شھورا طويلة عن االخمور‬
‫راحت‪ ..‬وانى خايف لو حماتھا شافتھا من غير احمر واخضر تفض الجوازة واحنا‬ ‫والجنس الذين عما المعتقل المصرى‪ .‬وراح فيھا مدير المعتقل وبعض الضباط‬
‫ما صدقنا‪ ..‬وان كان ع الوكل ھاشيعھولك ع الدار حدا سعد وصباح‪..‬‬
‫‪٢٧‬‬ ‫‪ ‬‬

‫شىء حتى وصلت الى منزلھا وراحت فى نوم عميق حتى انھا لم تستيقظ اال قبيل‬ ‫حاولت جماالت التملص ولكن االمر بالمبيت صدر واللى كان كان‪ ..‬انتھت الحفلة‬
‫المغرب بدقائق‪..‬‬ ‫وذھب كل الى داره ودخل العريس والعروس الى غرفتھما وأغلقا بابھا‪ ..‬ودخلت‬
‫جماالت الى الغرفة والخوف يعتصرھا فسمعة ابو شناف معروفة وحاولت البحث‬
‫كان اول شىء فعله ابوشناف فى الصباح الذھاب الى محل الحالق سعد ليستطلع‬
‫عن مفتاح تقفل به الغرفة فلم تجد ورقدت على الفراش تفكر وتفكر حتى مر وقت‬
‫االمر ليجده يقوم له بكل توقير وترحاب خالى من التشفى او الغيظ مما طمأن ابو‬
‫كثير وھدأ الجو تماما فخالت ان ابوشناف قد نام ومع الوقت بدأ النوم يغزو عينيھا‬
‫شناف‪ ،‬وكان من الممكن ان يمر االمر بسالم لوال ان ابو شناف راح يحكى لسعد‬
‫ويخدر جسدھا وبدأ يراودھا كابوس بان انفاسھا تختنق وكأن شىء ثقيل يجثم فوقھا‬
‫عن مغامراته الليلة الماضية مع الغجرية التى رقصت فى فرح ابنته‪ ..‬ولمدة‬
‫وبدأت تناضل لحصول على جرعة ھواء حتى استيقظت وليتھا ما فعلت‪..‬‬
‫اسبوعين راح يذيع حكاية الغجرية فى القرية ‪ ..‬حتى وصلت الحكاية الى جماالت‬
‫الوحيدة التى تعرف الحقيقة كاملة‪ .‬وفى احدى اليالى فى ساعة صفا كان سعد يحكى‬ ‫فقد وجدت ابو شناف يجثم فوقھا كما يجثم االسد فوق فريسته صرخت فم تخرج‬
‫لزوجته عن الغجرية وعمايل ابو شناف معاھا ففوجىء بزوجته تضحك بسخرية‬ ‫الصرخة فقد كانت مكممة حاولت دفعه عنھا فاكتشفت انا مقيدة اليدين والقدمين‬
‫فقال لھا‪:‬‬ ‫تذكرت ابنتھا وزوجھا فانفجرت الدموع من عينيھا على حظھا االسود الذى كتب‬
‫عليھا ان تفقد شرفھا دون ادنى مقاومة منھا تركت ابو شناف يفعل ما يريده وقد‬
‫ايه يا ولية مش مالى عينيك اياك؟ مامصدقاش انى اقدر اعمل زيه؟‬
‫قررت االنتحار بمجرد ان يطلق سراحھا نعم ستلقى بنفسھا فى النيل بمجرد ان‬
‫فاندفعت جماالت بغباء شديد قائلة‪ - :‬وھو ابو شناف بيعرف يعمل حاجه اصال؟ ده‬ ‫تخرج من بيت الذئب‪..‬‬
‫منظر منفوخ ع الفاضى اه لو تعرف الحقيقة يا ابو صباح والنبى كنت تضحك‪..‬‬
‫وعندما قاربت اللحظة التى تخشاھا اى امراة انتابت جسدھا رعشة قوية من شده‬
‫ھب سعد بغضب وحيرة سائال اياھا والشك يمأل عينيه‪ :‬وھى ايه الحقيقة يا جماالت؟‬ ‫الخوف وااللم ‪ ..‬ولكن شيئا لم يحدث ‪ ..‬فجأة وجدت ابو شناف يبتعد عنھا كالملسوع‬
‫ارتبكت جماالت وقد ادركت غباءھا بعد فوات االوان‪ - :‬وانا وانا ايه عرفنى اھم‬ ‫والذھول يمأل عينيه‪ ..‬لم تفھم جماالت اال بعد ان عاود ابو شناف الھجوم عليھا مرة‬
‫بيقولوا انه‪ - ..‬انه ايه انطقى‪ - ..‬انه مبيعرفش‪ ..‬المرض الى جاله اثر عليه وعجزه‬ ‫اخرى وللمرة الثانية لم يفلح‪ ..‬ومرت الليلة فى محاوالت فاشلة حتى اقترب الفجر‬
‫وتحول ھياج شيخ الغفر وغضبه الى انكسار وشعور بالمھانة ودموع‪ ..‬لقد كانت‬
‫وبالطبع البقية معروفه تطور النقاش بين الحالق وزوجته وانتھى بعلقه ساخنة‬
‫جماالت اول مواطنه فى القرية المنكوبة ترى دموع ابو شناف‪ ..‬وامتألت عيناھا‬
‫وباعترافھا بتفاصيل الليلة المشئومة ‪..‬‬
‫بابتسامة شماته وتشفى وفرحة الن ﷲ انقذھا‪ .‬فما كان من ابوشناف اال ان أوسعھا‬
‫كان الحالق جبانا كبقية اھل القرية كان بداخله غضب وتشفى ال يمكنه كتمانھما‪..‬‬ ‫ضربا واستدعى عبد الجبار لينقلھا الى الزريبة ويربطھا ھناك حتى ينظر فى أمرھا‬
‫والنه كان ضعيفا لم يجد اال سالح الثرثرة لينتقم به من ابو شناف وفى اقل من‬ ‫‪.‬‬
‫اسبوع مالت شائعات عجز ابو شناف الجنسى القرية وأجوارھا‪ .‬وجن جنون ابو‬
‫المھم انه لسبب ما تركھا تمضى بعد ان نبه عليھا اال تذكر شيئا مما حدث الى‬
‫شناف وراح يتقصى حتى علم ان وراء الخبر الغجرية التى قالت للحالق والن ابو‬
‫مخلوق واال فانه سيقتلھا ھى وزوجھا وابنتھما‪ ..‬وخرجت الماشطة ال تلوى على‬
‫شناف يعلم جيدا ان الغجرية ال تعلم فقد تأكد له ان الحالق ھو من قال وھنا قرر‬
‫العقاب‪..‬‬
‫‪٢٨‬‬ ‫‪ ‬‬

‫الفتاة المسكينة ويحشو فمھا بمنديل لكى تكف عن الصراخ وراح يفعل بھا ما فعله‬ ‫مازال عبد الجبار يذكر تلك الليلة كانت ليلة سوداء بكل ما تحمله الكلمة من معنى لم‬
‫أبو شناف بأمه‪ ..‬مرة واثنان حتى سقط متعبا وراح فى نوم عميق‪...‬‬ ‫يطلع القمر وكانت الذئاب تعوى اكثر من اى وقت مضى ‪ ..‬وتحركت كتيبة االعدام‬
‫التى شملت ابو شناف وعبد الجبار ورجلين اخرين الى منزل سعد اقتحموه عنوة‬
‫يعد تلك الليلة علم ان الفتاة تم إرسالھا إلى الغجرية التى سافرت بھا إلى شمال الدلتا‬
‫وقيدوا االثالثة الرجل وزوجته وابنتھما‪ ..‬ووقف ابو شناف فى صحن الدار قائال‪:‬‬
‫لتعمل غازية فى الموالد واألفراح وظلت ھذه الفتاة أمل عبد الجبار وغايته حتى‬
‫يومنا ھذا‪..‬‬ ‫بقى بتفضحنى يا حالق الغبرة؟ طيب واشار الى رجليه لياتياه بجماالت وفكوھا‬
‫وجردھا من مالبسھا والقوھا تحت قدمى ابو شناف الذى امرھم بربطھا ھكذا‬
‫كان والد انتصار فى غاية السعادة وقد عاد من أربع سنوات قضاھا فى السعودية لم‬
‫وتركھا ثم وقعت عيناه على الفتاه الجميلة فثارت شھوته فأمرھم بجلبھا اليه‬
‫يدر ما حدث البنته خاللھا كل ما يعلمه أنھا تتزوج من شاب ممتاز وانھا أجمل‬
‫وارتمت تحت قدميه عارية فھجم عليھا وراح يحاول ولكنه فشل ليلمح التشفى فى‬
‫عروس رآھا فى حياته ‪..‬‬
‫عين الحالق مما اثار كل الشر واالستبداد بداخله فأمر رجليه باغتصاب الزوجه‬
‫يداعبه نائب رئيس نادى القضاة قائال‪ - :‬أبو العروسة فاضى ومشغول؟‬ ‫ففعال والحالق يصرخ صرخات مكتومة من تحت الكمامة وانتحى عبد الجبار جانبا‬
‫وقد انتابته حالة عصبية بعد ان تذكر مشھد اغتصاب امه وراح يھذى‪ :‬اه يا امه اه‬
‫فقال ابو انتصار‪ - :‬ال يا فريد باشا أمھا وانت الصادق؟‬
‫يا امه‪..‬‬
‫وضحك الجميع‪ ..‬وجلس داوود والد انتصار الى جوار نائب رئيس نادى القضاه‬
‫وشعر ابو شناف بالخطر فھا ھو واحد من جنوده يرق قلبه للضحية فأخذه وخرج‬
‫وسأله‪ - :‬انا كنت متابع أخبار االزمة بينكو وبين الحكومة‬
‫بعد ان امر رجليه بجلب الفتاه الى عشة الخوص اللى بره البلد وبحرق المنزل ومن‬
‫‪ -‬األزمة لم تنتھى بعد يا داوود‬ ‫فيه‪..‬‬

‫‪ -‬يا عم ما تلموا الحكاية بقى ‪ ..‬يعنى الحكومة بتفكر ترفع سن امعاش ‪ ٧٠‬سنة‬ ‫وراح ابو شناف طيلة الطريق يھدىء من روع عبد الجبار ويفھمه ان امه اغتصبت‬
‫وماله مصلحة احنا المستفيدين‪ ..‬لكن زكريا عبد العزيز يطلع يشاغب كالعادة ويقول‬ ‫النه لم يكن من رجاله وقتھا والنه لم يكن فى وعيه يومھا ثم بدأ التھديد وانت‬
‫ده خطر طب خطر على مين‪ ..‬علينا؟‬ ‫عارف انك لو خرجت دلوقت عن طوعى اختك مش ھتبقى فى امان‪ ..‬وللمره الثانية‬
‫غلب خوف عبد الجبار غضبه‪ ..‬وخصوصا عندما جاء الرجلين ومعھما الفتاة‬
‫‪ -‬ھو احنا منتحركشى اال لو كان الخطر علينا؟ الخطر ع البلد يا داوود واحنا مش‬ ‫الجميلة وبدأ ابو شناف يغوى بھا عبد الجبار ويقول له‪ :‬انا لم انجب وانت ولدى‬
‫أنصاف الھه عشان نفضل فى اماكنا ومن اصبنا لالبد وكمان الحكومة مش مع‬ ‫وساعدى االيمن انا لو شفتك معاھا ھايبقى كانى ان بالظبط الى معاھا‪..‬‬
‫القضاة وال غيرھم الحكومة مع مصالحھا ومصالح رجال االعمال الفسدة ومع كل‬
‫اللى بيطرمخ على مصايبھم السوده‪ ..‬انت عارف ان ابنى رئيس محكمة وكان فى‬ ‫وبدأت شھوة عبد الجبار تتحرك ولكن دموع البنت ولھفتھا على ابويھا كانتا تمنعاه‬
‫االنتخابات االخيرة تعرف ان الضباط ضربوه لما رفض دخولھم اللجنة ومش بس‬ ‫وھنا جاءه ابو شناف ابشع من الشيطان ليوسوس فى اذنيه‪ - :‬غمض عينك وتخيل‬
‫كده أل دول حبسوة فى الحمام وسودوا البطايق االنتخابية بمعرفتھم عشان مرشح‬ ‫أنھا مرات واحد أنت بتكرھه‪ ..‬وبالفعل أغمض عينيه وتخيل‪ ..‬تخيل انھا ابنة ابو‬
‫شناف والذى اغتصب أمه ويريد تحويله ھو اآلخر إلى مغتصب وفتح عينيه ليقيد‬
‫‪٢٩‬‬ ‫‪ ‬‬

‫وانفتاحه وعندما غابت قرابة الشھر بعد ما حدث لھا وانقطعت عن دراستھا العليا لم‬ ‫المعارضة ميكسبش عارف يعنى ايه رئيس محكمة يتحبس فى دورة المياة يا سيادة‬
‫يكن منه إال أن بادر باالتصال بھا واالطمئنان عليھا‪ ..‬كان يعلم تماما نشاطھا‬ ‫المستشار؟؟؟؟‬
‫السياسى لكنھا لم تصارحه بواقعة اختطافھا واحتجازھا ولو أنھا فعلت لسألھا ولو‬
‫يھم داوود بالمقاطعة ولكن زميله يكمل‪ - :‬وال رئيس المحكمة التانى الى انضرب‬
‫سألھا لما أجابت ولو أجابت كان سيتركھا‪..‬‬
‫بالجزمة فى وشه فى الشارع‪ ..‬البلد باظت‪ ..‬كالب ابن المحضر بقت بتضرب القضاة‬
‫وتمت الخطبة وعزمت ألف مرة على مصارحته ومواجھته بالحقيقة ولكنھا لم‬ ‫بالجزمة شوفت الزمن؟‬
‫تستطع وحارت فى سبب إحجامھا عن مصارحته ھل ھو خجلھا؟ أم خوفھا أن تفقد‬
‫وفى ركن قصى من القاعة الفاخرة وقفت أم انتصار مستندة إلى الحائط ويدھا على‬
‫احترامه؟ أم اضطرارھا لمصارحته أنھا ما تزال تذھب لمغتصبيھا المرة تلو األخرى‬
‫قلبھا كانت ابنتھا فى نظرھا أجمل عروس وكان يوم عرسھا ليكون أسعد األيام لوال‬
‫رغم وجود دبلته فى اصبعھا؟ أم تراه شكھا فى تفتحه واستنارته؟ وعدم تصديقھا‬
‫تلك األيام السبع التى قضتھا خارج البيت محتجزة‪ ..‬عندما عادت ابنتھا لم تسألھا‬
‫لصورة الرجل المتحرر التى كان يرسمھا لنفسه حتى أنه ناقشھا فى الحجاب أكثر‬
‫عن شىء فقد كانت آثار التعذيب بادية عليھا ولكنھا أبدا لم تتأكد ان كانوا سلبوھا‬
‫من مرة وأنه يرى أنه مجرد عادة ال عبادة وعندما سألته لم اختارھا وھى محجبة لم‬
‫عذريتھا أم ال ولم تحاول أبدا أن تسأل انتصار فلو كانت أجابتھا بنعم لكانت غادرت‬
‫يجد ردا مقنعا يجيبھا به‪.‬‬
‫الحياة كمدا كل ما فعلته ھو أنھا انتظرت شھرا تلو اآلخر ولما لم تظھر عالمات‬
‫لو كان جاءھا قبل ما حدث لكانت أسعد فتاة ولخلعت الحجاب بنفس راضية وضمير‬ ‫الحمل على ابنتھا اطمأنت وإن كانت طمأنينه وھمية‪..‬‬
‫ھادىء ولكن بعد ما حدث صارت تشعر أن حجابھا ضرورة لستر ما انكشف أو ربما‬
‫لم تمنعھا من توجيه تلك النظرة الى ابنتھا من حين آلخر وكانت انتصار تجيب‬
‫مخبأ تخبىء خلفه ضعفھا وجبنھا وجسدھا الذى انتھك غصبا ثم صمتا منھا مرة تلو‬
‫باحناء رأسھا فى األرض أو بإشاحة وجھھا إلى الفراغ‪ ..‬وراحت أم انتصار تدعو‬
‫األخرى‪ ..‬ربما كانت ستتناسى وتعيش الليلة فى سعادة مصطنعة لوال ذلك الحقير‬
‫ﷲ أن يستر ابنتھا بل لقد ورد لھا خاطر أن ﷲ لو أخذ عريسھا ھذه الليل ة لسترھا‬
‫عالء الذى تعمد االتصال بھا وھى عند مصفف الشعر وحجته تھنئتھا بالزفاف‬
‫وتصبح فى نظر الناس أرملة وتختفى الحقيقة المفجعة إلى األبد‪.‬‬
‫السعيد! ربما كانت ستنسى لو أن عريسھا لم يھمس لھا على باب جناحھما بالفندق‬
‫أنه أسعد انسان فى الدنيا ألنه سيكون أول من يعثر على كنز أنوثتھا‪.‬‬ ‫أما انتصار فقد جلست على الكوشة وكأنھا جالسة على كرسى من جمر واختلست‬
‫نظرة إلى عريسھا الذى علت وجھه ابتسامة فرحة وظفر فقد فاز بعروس جميلة‬
‫ومثقفة وابنة ناس ولكنه لم يكن يعلم أن ھناك من ظفر بھا قبله‪.‬‬

‫وسألت انتصار نفسھا ترى ھل لو عرف الحقيقة ستظل تلك االبتسامة على وجھه؟‬
‫ثم سألت نفسھا إذا ما كانت تحبه أم ال ولم تدر لسؤالھا إجابه فما حدث لھا أفقدھا‬
‫أى قدرة على التمييز بين الحق والباطل أو بين الحب واالدعاء‪ ،‬كل ما كانت تعرفه‬
‫ھو أنھا كانت تتمنى أن تتزوج من بطل قومى وزوجھا رجل وسيم ومدرس فى‬
‫الجامعة ومعارض للنظام كما أنه كان أستاذھا والبد أنھا انبھرت به وبثقافته‬
‫‪٣٠‬‬ ‫‪ ‬‬

‫وتذھب إليه‪ ..‬وفتح لھا باب شقته وعلى وجھه ابتسامة ظفر واستھتار فى آن واحد‬ ‫الفصل األخير‬
‫وانتابھا نفس الشعور بالخوف والغثيان وھى تنظر إلى وجھه األبيض الالمع وشعره‬
‫مرت سنوات على انتصار وعلى مصر‪ ..‬تم فيھا بيع جميع البنوك الوطنية واشتدت‬
‫المحلوق ليظھر شديد القصر‪ ..‬كان كل شىء فيه يلمع ولم تكن قسوته قسوة‬
‫شوكة االخوان المسلمين وتعددت حوادث االختفاء القسرى للمعارضين‪ ..‬تمت‬
‫حيوانات وال بدا لھا يوما أنه وحش‪ ،‬كانت قسوته من نوع مختلف كقسوة آله‬
‫محاكمة خمسة رؤساء تحرير لجرائد حزبية ومستقلة وتم الزج بأحدھم الى معتقل‬
‫حديدية براقة والمعه تدھس من أمامھا بال رحمة وبال حتى أى مظاھر استمتاع‬
‫الواحات بتھمة تكدير الصفو العام‪ ..‬وفى ليمان طرة وفى ظروف غامضة تم قتل أحد‬
‫بسحق من أمامه‪..‬‬
‫زعماء المعارضة وأعلنت وزارة الداخلية انتحاره وذلك بعد القبض عليه للمرة‬
‫خانت انتصار زوجھا معه وفى الفراش كتبت تقريرا فى زوجھا أودى به الى المعتقل‬ ‫الثانية فى قضية تحرش بأنثى‪ ..‬وفى عام واحد قام المستثمرين األجانب بتشريد‬
‫مع ثالثة من زمالئه فى حركة ‪ ٩‬مارس ورفعت ضده دعوى تطليق وقبل أن تحصل‬ ‫نصف مليون موظف وعامل فى المصانع والشركات وقطاعى الصحة والتعليم وفى‬
‫على الطالق تعرفت على وائل الصحفى الليبرالى الشاب الذى خرج لتوه من المعتقل‬ ‫نفس العام ولدت انتصار طفال ميتا وفى الحقيقة لم تكن تعلم أيھما والده زوجھا أم‬
‫والغريب أنھا تعرفت عليه جلسة محاكمة زوجھا وزمالئه وكان ھو حاضرا لمساندة‬ ‫عالء‪..‬‬
‫أساتذة الجامعة المتھمين أما ھى فكانت ذاھبة للتشفى فى زوجھا‪..‬‬
‫وخصخصت الدولة كل شىء من البنوك إلى وسائل المواصالت ولم يبق فى يدھا‬
‫ووقعت انتصار فى حب وائل بعدما ساندھا فى أزمتھا بعد الطالق ووفاة والدھا‪..‬‬ ‫سوى الجيش والشرطة ووزارة االعالم التى استغلھا نجل الرئيس فى تقديم برنامج‬
‫وفى احد لقاءاتھما صارحھا وائل بحبه ورغبته فى الزواج منھا حيث نظر إلى‬ ‫يومى يشرح فيه خطته للخروج من االزمة االقتصادية الطاحنة التى تزيد يوما بعد‬
‫عينيھا بحب وقال لھا‪ - :‬ليه يا حبيبتى ما بينا ايما سفر ده البعد ذنب كبير ال يغتفر‪..‬‬ ‫يوم ويطالب الموطنين بالدعاء لوالده بالشفاء العاجل ولوالدته بالرحمة‪ ..‬وكان‬
‫التلفزيون المصرى ھو آخر المحطات التى أذاعت خبر اجتياح الجيوش االمريكية‬
‫فضحكت انتصار بدالل‪ - :‬صالح جاھين؟ ‪ -‬ال‪ ..‬ده قلبى‬
‫لدمشق وإعدام الرئيس السورى‪ ،‬فقد كان منشغال بإذاعة بيانات لجنة السياسات‬
‫يضحكان سويا وفجأة يباغتھا‪ - :‬تقبلى تتجوزينى؟‬ ‫وتغطية الحرب األھلية بين غزة والضفة فى أراضى الحكم الذاتى للعرب فى إسرائيل‬
‫وعرض الحلقة الثالثون بعد األلف من مسلسل أجنبى فشل فى الدولة التى أنتجته‬
‫وارتعدت انتصار عندما سمعت سؤاله ولم تدر لم؟! ھل ھو خوفھا من تكرار‬
‫فشال ذريعا‪ ..‬وفى خضم ھذه األحداث الجسام زادت الحركات االحتجاجية‬
‫التجربة؟ أم شعورھا بأنھا ال تستحق رجال فى احترام وائل وھمھمت بصوت‬
‫واإلضرابات التى عمت مصر من االسكندرية إلى أسوان واستشرى الفساد حتى‬
‫مرتجف‪ - :‬أرجوك اصبر على أنا لسه خارجة من تجربة مريرة‪ ..‬وصبر وائل عام‬
‫طالب بعض النواب بإلغاء عقوبة الرشوة من قانون العقوبات‪..‬‬
‫واثنان بال فائدة لتقرر فجأة تركه وقد فاجأھا ھذا القرار كما فاجأه ولم تجد لنفسھا‬
‫مبررا سوى انه لم يمتھن كرامتھا نعم لقد تغيرت انتصار فقد جعلتھا المھانة التى‬ ‫وبين كل ھذه األحداث تاھت انتصار فى تعاستھا الزوجية مع زوج يعانى من انفصام‬
‫تجرعتھا لسنوات شخصا مريضا تستعذب عذابھا تستمتع بسباب عالء لھا أثناء‬ ‫فى الشخصية فھو خارج المنزل مناضل تقدمى وداخل المنزل حيوان تحكمه الغريزة‬
‫لقائھما ومعاملته العنيفة لھا ‪ ..‬صارت تجد لذة غامضة فى العذاب الذى تشعر فى‬ ‫ال مباالة لديه بمشاعرھا بل حتى بوجودھا‪ ..‬ثم اكتشفت خيانته لھا مع احدى فتيات‬
‫قرارة نفسھا أنھا تستحقه‪..‬‬ ‫االعالنات مما فجر داخلھا غضبا ال حدود له وجدت نفسھا بدون وعى تتصل بعالء‬
‫‪٣١‬‬ ‫‪ ‬‬

‫استيقظ عبد الجبار من نومه بصعوبة شديدة فقد نام بعد الرابعة فجرا وذلك بسبب‬ ‫وفى أحد اللقاءات الساخنة صارحھا عالء بانضمامه الى تنظيم من ضباط الجيش‬
‫كابوس أرقه فى أول الليل كان يتكرر دائما منذ حادث مقتل والده وكان عبد الجبار‬ ‫والشرطة يسعى الى قلب نظام الحكم فنظرت له بذھول صامت ليقول لھا‪:‬‬
‫قد نال ترقية استثنائية والت حق بأمن الدولة بمساعدة عالء بك الذى وعده بترقيته‬
‫‪ -‬مستغربة ليه؟ ‪ ..‬ھمت بقول شىء ما فأجابھا قبل ان تسأل‪:‬‬
‫ضابطا اذا نجحت الحركة المباركة فى الوصول الى الحكم‪..‬‬
‫‪ -‬أيوه ‪ ..‬ھى الجماعة اللى بتوزع منشورات فى مصر من سنتين‬
‫استند عبد الجبار الى جدار الزنزانة التى كان مقيما فيھا داخل ليمان طرة وقد كان‬
‫حارسا عليھا وسجانا لمن داخلھا يوما ما وھو يتذكر كيف ان الباشا الكبير خال‬ ‫‪ -‬بس ازاى؟ أنت ظابط أمن دولة؟‬
‫عالء بك والذى كان يشغل منصبا رفيعا فى الحكومة لسنوات طويلة كان أيضا‬
‫‪ -‬أيوه أنا أمن دولة عارفة يعنى ايه ضابط أمن دولة ؟ نتعب ونشقى نفقد كل متعة‬
‫يحضر اجتماعات حركة ضباط من أجل التغيير ويباركھا ولم ينس أبدا الحوار الذى‬
‫فى الحياة وتطاردنا الكوابيس بالليل باللى بنعمله بالنھار لحد ما ماتت أرواحنا وبقينا‬
‫دار بين البك الكبير وبين الرائد ناجى حين قال االول‪:‬‬
‫وحوش وكل ده عشان إيه؟ عشان البيه الرقيع المدلل يتولى مقاليد الحكم بعد أبوه؟‬
‫‪ -‬صدقنى يا سيادة الرائد أن النظام يوشك على السقوط وأنا مش عايز أس قط‬ ‫طيب ايه اللى بيميزه عنى؟ وامتى تيجى فرصتى بعد عشرين سنة؟ وھابقى ايه فى‬
‫وعايزك تتأكد أننى أدعمكم بقوة ومش من المعقول وال المنطقى أن أشى بكم ألى‬ ‫اآلخر لواء؟ وزير؟ االنقالب ده لو نجح ممكن أوى أبقى وزير من بكره ومش بعيد‬
‫سبب كان ويكفى أن يبقالكم ظھر قوي زيى فى الحكومة ‪..‬‬ ‫أبقى رئيس مرة واحدة‪.‬‬
‫وينظر له ناجى باستخفاف ملوحا بيديه قائال‪ - :‬كنت‪ ..‬كنت قوي يا معالى الوزير‬ ‫تتسع حدقتا انتصار فى ذھول غير مصدقة لما تسمعه فيضحك عالء ضحكته‬
‫بس حاليا االضواء انحسرت عنك و النفوذ راح من ايدك‬ ‫المعدنية ويقول‪ - :‬فاكرة الصور اللى تم ارسالھا للصحافة وكليبات التعذيب التى‬
‫تسربت منذ سنوات عن تجاوزات االمن وكانت تصل احيانا بتوقيع عسكرى الدرك؟‬
‫‪ -‬ممكن يكون عندك حق أن االضواء انحسرت عنى لكن النفوذ لسه فى ايدى‬
‫نعم احنا اللى سربناھا الصحافة والمدونات‪ ..‬مستغربيش كده عشان كل ده ضرب فى‬
‫وھاتشوف‪ ..‬يا سيادة الرائد أنا كنت وزير وأنت لسه عيل وفضلت وزير رغم تعاقب‬
‫النظام وتجييش لمشاعر الناس عشان يساندونا لما نيجى‪ ..‬ثم يقول فى لھجة‬
‫ثالثة رؤساء ويضع يديه على كتف ناجى ھامسا بصوت يشبه الفحيح‪:‬‬
‫استعراضية وكأنه يقف على خشبة المسرح ‪ :‬تخيلى ضباط ضد التعذيب ضباط‬
‫‪ -‬أنا كنت أقوى من الرؤساء وأكثر قدرة على البقاء فى منصبى‬ ‫يواجھون الضباط والنظام عشان الناس‪ ..‬تخيلى رد فعل الشعب؟ دول مش ھايحبونا‬
‫بس دول ھايعملولنا تماثيل‪..‬‬
‫‪ -‬ألنك قوى؟ وال ألنك بتتلون زى الحرباية باللون اللى يناسب كل عھد من الثالثة؟‬
‫وتلمع عينيه ببريق مخيف وخيل لھا للحظة انه قد فقد قواه العقلية وتسأله بحذر‪- :‬‬
‫لم يسمع عبد الجبار باقى الحديث لكنه كان مذھوال مما سمعه يومھا وغير قادر على‬
‫مش شايف انھا غريبة جدا أنك تكشف لى معلومات بالخطورة دى ‪ ..‬انت؟ ‪........‬‬
‫استيعاب أكثر من نصف الكالم لكن الحقيقة الوحيدة التى كان يدركھا أنه فى طريقه‬
‫انت ناوى تقتلنى مش كده؟‬
‫لمزيد من القوة والجبروت طالما يسير فى ركب عالء بك فھو رجل شديد وقوى انه‬
‫أقوى بكثير من شيخ الغفر‪ ..‬شيخ الغفر الذى انتقم منه عبد الجبار فقد تزوج ابنته‬ ‫يبتسم عالء فى جزل ثم يقول‪ - :‬ال ‪ ..‬مش ھاقتلك‪ ..‬أنا ھاتجوزك‬
‫‪٣٢‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪ -‬طلباتك يا عالء بيه؟‪ .‬وضع عالء يده على كتف عبد الجبار قائال‪:‬‬ ‫الدميمة بعد طالقھا وأذاقھا الويالت‪ ..‬كان يتركھا كالكم المھمل فى القرية وال‬
‫يزورھا بالشھور‪ ..‬لم يذكر أنه لمسھا يوما اال ليضربھا‪ ..‬وكان زواجه بھا ھو أول‬
‫‪ -‬شوف يا سيدى أنا مش من ھواة المواشى وھاسيبلك الدار كمان‪ ..‬ثم مال على‬
‫خطوات االنتقام من أبى شناف ذلك المجرم الذى قتل أبيه وأمه وأخذ أرضه‬
‫العسكرى الذى تحول وجھه إلى اللون األزرق قائال‪ - :‬أنا عايز األرض‬
‫بالبخس‪..‬‬
‫وأسقط فى يد عبد الجبار‪ ..‬صمت لمدة ال يذكرھا كل ما يذكره ھو أنه صرخ فجأة فى‬
‫لم ينس كيف انه عاد الى البلد اجازة لمدة اسبوع نجح خاللھا فى تفتيت عصابة أبى‬
‫وجه عالء وألول مرة منذ زمن يستطيع عبد الجبار نطق جملة كاملة بدون تلعثم‪:‬‬
‫شناف فھذا متھرب من التجنيد فيبلغ عنه وذلك عليه ثأر فيدل أھل الثأر عليه ھكذا‬
‫‪ -‬إال األرض يا عالء بك‬ ‫حتى صار شيخ الغفر العجوز وحيدا ومشلوال كان ال يحلو له ضرب زوجته الدميمة‬
‫ومعايرتھا بخلقتھا التى تشبه وجه القرد اال امام والدھا‪ ..‬ثم ألقى بالسفاح العجوز‬
‫اتسعت عينا عالء فى ذھول ثم صرخ فى وجه عبد الجبار‪:‬‬
‫فى مضيفة العمدة لكنه لم يطق فكرة بعده عن سيطرته فأعاده بعد شھرين وھو شبه‬
‫‪ -‬نعم يا روح أمك؟ ده لوالى ما كنتش خدت اللى خدته يا غبى‬ ‫جثة ليدخل عليه ليال كلما كان فى اجازة ويوسعه ضربا بالسوط وبالحذاء‪ ..‬كم ليلة‬
‫باتتھا ابنة ابو شناف مقيدة وعارية فى شتاء طوبة وسط المواشى فى الزريبة‪ ..‬لم‬
‫‪ -‬دى أرض دفعت ثمنھا غالي‪ ..‬دفعت فيھا عمرى كله أنا ممكن أراضيك يا باشا لكن‬ ‫يترك وسيلة لتعذيب عدوه القديم وابنته اال واستخدمھا وفى ليلة شديدة البرودة مات‬
‫تأخذ االرض كلھا ده بعينك‬ ‫أبو شناف وقبل أن تصرخ على والدھا أجبر عبد الجبار زوجته على التنازل له ‪-‬فى‬
‫لم يدر بعدھا عبد الجبار من أين يأتيه الضرب لكنه خرج من مكتب عالء بك وجسده‬ ‫عقود جھزھا له عالء بك‪ -‬عن كل ما تملكه من طين ومواشى حتى الدار‪ ..‬مازال‬
‫أزرق اللون من آثار الركالت والضرب بكعب المسدس الميرى وذھب الى عنبر النوم‬ ‫يذكر كيف كان يحرقھا بماء النار ثم يكتم الجرح بالملح لتصرخ المسكينة وتبصم‬
‫متورما ولم يجرؤ أحد العساكر على االقتراب منه أو سؤاله عن سبب ما حدث ودخل‬ ‫على عقد وھكذا حتى جردھا مما تملك ثم ألقاھا بثوبھا المتھالك على قارعة الطريق‬
‫حسن العسكرى الفالح الذى كان مبھورا بقوة عبد الجبار وقربه من الباشا كان معه‬ ‫تتكفف الناس‪..‬‬
‫كوبا من الشاى قدمه لعبد الجبار الذى احتساه ثم غاب فى غفوة وأفاق على آذان‬ ‫وعاد عبد الجبار الى القاھرة مرفوع الرأس بداخله شعور باالرتواء المؤلم وكأنه‬
‫الفجر لم يكن حسن موجودا فى عنبر النوم ولم يكن سالحه الميرى موجودا أيضا‪..‬‬ ‫كان ظمآن أللف سنه ووجد نفسه فجأة فى حضن النيل فشرب نصفه‪ ..‬ولكنه فوجىء‬
‫تفاصيل كثيرة مرت فى ذھن عبد الجبار منذ محاكمته عسكريا لضياع سالحه‬ ‫بسكين ينغرس فى بطنه ويطالب بنصيبه من الماء‪ ..‬كان ذلك عالء بك يطالب‬
‫الميرى فطرده من الخدمة ثم اختطافه من الشارع والزج به فى زنزانة الحبس‬ ‫بنصيبه من التركه واالطيان لم ينس عبد الجبار الجشع الذى طل من عينى عالء‬
‫االنفرادى فى ليمان طرة‪ ..‬لقد كافح كثيرا بل ووضع يده فى يد قاتل أبيه وأمه حتى‬ ‫وھو يقول‪ - :‬عشرين فدان يا عسكرى؟ وخمسين راس مواشى؟ انت مش شايف ان‬
‫يصير من الغفر ثم صار من العسكر وفى اللحظة التى ظن فيھا أنه بلغ مراده أخيرا‬ ‫الوليمة كبيرة عليك لوحدك؟ وبعدين متنساش انى انا اللى جھزت لك العقود وانا‬
‫وملك الدنيا ھا ھو االن ملقى فى زنزانة مظلمة مجردا من شرائطه ومن حلته‬ ‫اللى دليتك على الطريق اللى تاخد بيه حقك‬
‫الميرى‪..‬‬ ‫انتفض عبد الجبار غضبا وخوفا فى آن واحد وقال بصوت مقھور ومبحوح‪:‬‬
‫‪٣٣‬‬ ‫‪ ‬‬

‫بحور الدم؟ أما عن المرشح الرابع فھو مازال شديد الغموض ولم يعلن عن برنامج‬ ‫وأشرقت الشمس منقبضة القلب فى ذلك اليوم وكانھا كانت تشعر بحجم الكارثة‬
‫انتخابى محدد وإن كان يلقى قبوال فى أوساط األقباط ويھود مستوطنة أبى حصيرة‬ ‫الموشكة على الوقوع‪ ..‬كانت مصر قد شھدت خمسة تفجيرات كبرى فى القاھرة‬
‫الذين بلغ عددھم طبقا آلخر اإلحصاءات ألفى يھودى‪ ..‬ترى من منھم سيحكم مصر؟‬ ‫وشرم الشيخ وأسوان وانتشرت أعمال البلطجة الجماعية المنظمة وصار المواطن‬
‫العادى ال يجد حماية إال لو كان إخوان سواء بالتنظيم أو بالتعاطف‪ ،‬أو أمن إما بحكم‬
‫وتنزل التيترات لتعلن نھاية الحلقة وينزع بيتر السماعة من أذنه فى نفس اللحظة‬
‫الرتبة أو بالعمل لصالح جھة أمنية ما سواء أمن دولة أو أمن قومى أو حتى فى‬
‫التى يقتحم فيھا االستديو خمسة رجال مسلحين يرتدون المالبس الميرى ويتقدمھم‬
‫حمى فالن بك أو عالن باشا‪..‬‬
‫ناجى ضابط الجيش فيسألھم بيتر مندھشا‪ - :‬ايه ده ؟‬
‫فى ذلك الصباح تم اإلعالن عن وفاة رئيس الجمھورية وتم تحديد موعد إلقامة‬
‫ويجيبه الضابط بابتسامه عريضة‪ - :‬الجيش قال كلمته‬
‫االنتخابات الرئاسية بعد أربعين يوما‪ ..‬وكانت الشروط الالزم توافرھا فى المرشحين‬
‫كانت جماعة ضباط من أجل التغيير والتى انضم لھا مؤخرا وزير الدفاع نفسه قد‬ ‫والتى نص عليھا الدستور المصرى بعد عشرات التعديالت التى جرت عليه ال تنطبق‬
‫استولت على كل استديوھات التلفزيون المصرى ومعظم مكاتب الفضائيات العربيية‬ ‫إال على أربعة أشخاص وھم‪ :‬ابن الرئيس الراحل والذى كان يحمل الجنسية‬
‫واالجنبية فى مصر وتولت العناصر القليلة التى تنتمى الى الشرطة وبمساعدة ألوية‬ ‫االنجليزية بجوار جنسيته المصرية‪ ..‬ورجل أعمال ملياردير‪ ..‬والمرشد العام‬
‫من االجيش القاء القبض على كبار رجال الداخلية والجيش وتصفية بعضھم جسديا‬ ‫لالخوان المسلمين الذى نجح فى انتخابات برلمانية تم وصفھا باالعجوبة وقتل فيھا‬
‫كما استولوا على الكثير من أقسام الشرطة وأحكموا قبضتھم على العساكر واالسلحة‬ ‫مئتين وخمسين من كوادر االخوان والمتحمسين لھم‪ ..‬أما الرابع فقد كان مرشحا‬
‫بل واستعانوا ببعض المحتجزين فى ھذه االقسام بحجة انھم جاؤوا النقاذھم من‬ ‫شابا والده من أقباط المھجر وأمه من يھود اسرائيل‪..‬‬
‫التعذيب واالمتھان وكان النمنم ذلك النشال السابق محتجز فى قسم الشرطة بتھمة‬
‫وقف بيتر عونى مدير مكتب احدى الفضائيات أمام الكاميرا قائال‪:‬‬
‫نشل محفظة أمين شرطة وخرج من الحجز سعيدا بالثورة وھم بالتقاط سالح من‬
‫السالحليك لينضم للضباط االحرار كما سماھم عندما اصطدمت عينه بعالء بك ضابط‬ ‫‪ -‬ان االسابيع القليلة القادمة ھى أخطر مرحلة تمر بھا مصر‪ ..‬ترى ھل يصمد ھذا‬
‫أمن الدولة الفاسد الذى حقق معه والصق به تھمة التظاھر التى ألقت به فى ليمان‬ ‫الوطن الذى أشرق فيه فجر الضمير أم أن شمس مصر ستغرب فى بحور الحرب‬
‫طرة وقتھا عادت الذاكرة بالنمنم إلى المعتقل وتذكر وائل الليبرالى الذى قال له يوما‬ ‫األھلية التى شبت فى الشوارع والحارات حتى فى مقار األحزاب السياسية ؟ لقد‬
‫ردا على سؤاله حول إمكانية أن يحكم الجيش ويصلح الحال مثلما فعل الضباط‬ ‫تحول الصراع فى الماراثون الرئاسى إلى قتال فى بعض األحيان ومن المعروف أن‬
‫األحرار وقتھا ضحك االستاذ وائل ثم قال للنمنم‪ - :‬الجيش من الممكن أن يحمى‬ ‫رجل األعمال الشھير قد تراجع عن الترشح لمنصب الرئيس لصالح صديقه ابن‬
‫ديموقراطية موجودة بالفعل لكنه ال يصنع ديموقراطية وال يمارسھا‪..‬‬ ‫الرئيس الراحل الذى يلقى مساندة الحزب الحاكم ورجال االعمال ورجال الشرطة‪..‬‬
‫بينما تقف قطاعات عريضة من الشعب مع مرشد االخوان‪ ..‬بينما لم يقل الجيش‬
‫وقتھا لم يفھم النمنم حرفا واحدا مما قاله أستاذه ولكن وجود عالء أمامه لم يريحه‬
‫كلمته بعد وما يزال موقف الجيش غير واضحا حتى ھذه اللحظة وإن كان وزير‬
‫فآثر الفرار إلى منزله فى الدويقه واالختباء ھناك ولكنه لم يكد يصل إلى ھناك حتى‬
‫الدفاع قد صرح أن الجيش موقفه محايد حتى ھذه اللحظة ولكنه سيتدخل إن تم‬
‫فوجىء بعدم وجود منزله وال عشرين منزال مجاورين له وعندما رأى الكتلة‬
‫تھديد النظام وال يعرف أحد متى سيشعر الجيش بالخطر والشوارع تكاد تغرق فى‬
‫الصخرية الضخمة تحتل مكان البيوت المختفية حتى علم أن ما حدث فى ‪ ٢٠٠٨‬قد‬
‫‪٣٤‬‬ ‫‪ ‬‬

‫يعد النقود التى بھا وھجم عليه جائع ثالث وھو يلھث‪ - :‬ده البس سلسله دھب‪..‬‬ ‫حدث مرة أخرى وتذكر خيبة الجيش وقتھا وكيف أن األھالى كانوا يحفرون االنقاض‬
‫وانتزع السلسه وراح ينظر لھا فى سعاده بينما صرخت المرأة ‪:‬‬ ‫بأظافرھم بحثا عن ذويھم‪ ..‬ولكن ھذه المرة لم يكن ھناك أھالى وال خيام وھام نمنم‬
‫على وجھه فى شوارع المحروسة وھو يسب ويضحك بھستيريا‪ - :‬أموت واعرف‬
‫‪ -‬إيه ده ؟ ده صليب‪ ..‬الجدع مسيحى‬
‫مين ابن المتضايقة اللى سماھا محروسة ‪ ..‬دى موكوسة ‪ ..‬مھروسة‪..‬‬
‫اعتصره الضخم فى قبضته قائال‪ - :‬انت وقعت وال الھوى رماك‪..‬‬
‫وقادته قدماه الى منزل وائل زميل المعتقل المثقف دق جرس الباب فتح له وائل‬
‫والتفت ناظرا إلى من حوله ‪ - :‬تالقيه ابن الجدع ده اللى اسمه ساويرس‪..‬‬ ‫الذى كانت عيناه مغرورقتان بالدموع وخلفه شاشة تلفاز تعرض مشاھد القتال فى‬
‫الشوارع ألقى نمنم نفسه فى أحضان وائل وقال بصوت تخنقه الدموع‪ - :‬مين اللى‬
‫ثم نظر إلى بيتر متوعدا‪ - :‬ده انت وقعة أمك سودة‪ ..‬وانھار بيتر باكيا‪ - :‬أل ‪..‬‬
‫سماھا محروسة يا أستاذ ؟ أموت واشوفه ابن الوسخة‪..‬وانخرطا فى البكاء سويا‪..‬‬
‫أرجوك شوف انا معايا كريديت كارد وخدوا العربية ‪..‬وخلع الساعة قائال‪- :‬‬
‫والساعة دى تمنھا خمس تالف جنيه خدوھا مش عايزھا بس سيبونى أروح‪..‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وضحكت المرأة ثم اقتربت منه قائلة‪ - :‬والنبى حلو واسمرانى ‪ ..‬ثم اقتربت منه‬
‫خرج بيتر من االستوديو والذھول يعتريه‪ ،‬لطالما كان رأيه أن النتيجة الطبيعية لما‬
‫أكثر ھامسة‪:‬‬
‫حدث فى مصر طيلة السنوات الماضية ھو انقالب عسكرى لنظام الحكم أو ثورة‬
‫‪ -‬ما تسلم واتجوزك يا عسل‬ ‫شعبية يركبھا االخوان المسلمون لكن أن تتوقع شيئا غير أن تراه بعينك‪ ،‬و ما حدث‬
‫على أرض الواقع لم يكن مجرد انقالب بل كان انقالبا دمويا عنيفا مصحوبا بحركة‬
‫وانھار بيتر على ركبتيه غير مصدق لما يحدث عندما انقضت عليه المرأة تقبله‬
‫اعدام لمعظم رموز الحكم فى العھد السابق‪ ،‬انقالب لم يأت إال بعد ثورة للجياع‬
‫فضربھا الضخم ثم استدار إلى بيتر وأوسعه ضربا بمشاركة اآلخرين حتى طرحوه‬
‫اندلعت فى شوارع مصر كانت ثورة أبشع فى ضراوتھا من الثورة الفرنسية‪.‬‬
‫أرضا بين الوعى واإلغماء وأخذوا السيارة وفروا بھا بعيدا‪ ..‬وظل بيتر يرتجف من‬
‫األلم والصدمة ولم يدر كم من الوقت مضى عليه وھو فى ھذه الحاله حتى استطاع‬ ‫وفجأة انتزع بيتر من أفكاره انتزاعا على جذع شجرة يلقى فى طريق سيارته‬
‫أن يستجمع قواه وينھض ليكتشف أن وسيلة المواصالت الوحيدة المتاحة أمامه‬ ‫ويجبره على التوقف‪ .‬وترجل بيتر ليجد نفسه محاصرا من مجموعة ممن كان‬
‫حتى المنزل ھى قدميه وكان االكتشاف فى حد ذاته مرعبا ولكن لم يكن أمامه‬ ‫يسميھم قبال بالجياع كانت رؤيتھم عن قرب ونظرة الجوع والحقد تتملكھم‪ ..‬كان‬
‫اختيارات وبدأ الرحلة التى شاھد فيھا العجائب‪ ،‬جثث فى الشارع فاحت رائحتھا دون‬ ‫منظرھم مرعبا لبيتر الذى عاش عمره فى أمريكا فى رفاھية ورخاء ‪ ..‬كانت‬
‫أن تجد من يدفنھا‪ ،‬شعارات ضد ابن الرئيس وضد الحكم والحزب الحاكم على‬ ‫أظافرھم متسخة وطويلة وشعورھم غير مصففة ومن بينھم كانت امرأة لم يتبين‬
‫الجدران‪ ،‬منشورات ملقاة على قارعة الطريق تدعو الناس للتوحد خلف راية‬ ‫جمالھا من قبحھا من ذلك التراب الذى غطى وجھھا‪ ..‬اقترب أكثرھم ضخامة من‬
‫اإلخوان‪ ،‬ودبابات تسر فى الشوارع بدال من السيارات وأوتوبيسات النقل العام‪،‬‬ ‫بيتر وأمسك بياقة قميصه الذى بلله عرق الخوف والحر وھزه بعنف قائال‪:‬‬
‫مصاحف ممزقة وملقاه على األرض وراھبة مقتولة ونصفھا السفلى ممزق بكل ما‬
‫‪ -‬األمور ابن مين فى البلد بقى؟ ارتجف بيتر وازدرد لعابه فى بطء دون أن ي‬
‫تحمله الكلمة من معنى وفى منتصف الطريق انتابته حالة من الرعب عندما رأى‬
‫ستطيع الرد وھاجمه آخر وراح يفتش فى جيوبه حتى وجد محفظته فأخذھا وراح‬
‫مجموعه من الملتحين ذوى الجالليب البيضاء يقتربون من راھبتين وقفتا تنتحبان‬
‫‪٣٥‬‬ ‫‪ ‬‬

‫وھجمت زوجة البواب على بيتر وأوسعته ضربا ثم تناولت المكواة وقذفتھا فى‬ ‫جوار جثة زميلتھم‪ ،‬فقفز إلى صندوق كبير للقمامة كان فارغا حيث نبشه الجياع‬
‫وجھه لكنھا أخطأت التصويب فجاءت فى رأس زوجھا الذى استشاط غضبا‪:‬‬ ‫وأخرجوا كل ما فيه وأخرج عينيه ليراقب ما سيحدث ورسم صليبا على وجھه‬
‫وصدره ودعا ﷲ ودعا ﷲ أن يسامحه ألنه لن يساعد ھاتين الراھبتين ولكنه‬
‫‪ -‬ملكيش دخل انتى يا مرة‪ ..‬وطرح بيتر أرضا وراح يخنقه بقسوة حتى كاد يلفظ‬
‫فوجىء بھما تخرجان مسدسان وتطلقان الرصاص على الرجال ذوى الجالليب‬
‫أنفاسه االخيره ثم تركه قائال‪ - :‬أنا ھاسيبك تمشى ومش ھاموتك بس حسك عينك‬
‫البيضاء‪ ..‬كان ما يراه ضربا من الجنون لم يصدق عيناه لم يصدق كل ما سمعه من‬
‫ترجع تانى انت فاھم؟؟؟؟ ثم حمله حمال وألقاه خارج الشقة وأغلق الباب ووقع بيتر‬
‫قبل عن التعصب والفتنة فى مصر‪ ،‬فقط كان يصدق إن كانت الضحية من األقباط‪،‬‬
‫على وجھه أمام شقته وراح يعبث بالكرا تين المصطفة خارج الباب وأخذ منھا بعض‬
‫فقط كان يصدق عندما يكون الجانى من االرھابيين االسالميين‪ ..‬عندما جاء إلى‬
‫األغراض على عجل وغادر الشقة والبناية كلھا‪..‬‬
‫مصر بصفة شبه دائمة للعمل واإلقامة جاء بحبه للبلد وإيمانه أن األقباط‬
‫وفى طريقه وجد إحدى الفيالت المھجورة فقفز الى داخلھا وبدا فى فرز األغراض‬ ‫مضطھدون فيھا وبأنه نصف خواجه وھو ما يجعله مميزا عمن يعيشون فى مصر‬
‫كان ھناك قميصان وبلوفر شتوى وحقيبة صغيرة بھا بعض األوراق وكان على‬ ‫من المسلمين أو حتى من أتباع المسيح وظل قرابة نصف الساعة مختبئا فى‬
‫السطح ملف بعنوان " اضطھاد األقباط فى مصر" وابتسم بيتر فى سخرية ثم تناول‬ ‫صندوق القمامة وعندما شعر بھدوء نسبى فى الشارع قفز إلى الخارج وراح يعدو‬
‫أول ورقة وراح يعيد قراءتھا مرات عديدة فاليوم يراھا بمنظور جديد يجعله يدرك‬ ‫بكل قوته فى اتجاه منزله فى المھندسين وعندما وصل اندفع إلى المصعد وبمجرد‬
‫كم كان غبيا ومضلال قبل ذلك وبدأ يقرأ الرسالة بتأنى للمرة الثالثة وكان ھذا نصھا‪:‬‬ ‫أن أغلق باب المصعد انھمر فى البكاء وتوقف المصعد وبمجرد أن خرج بيتر منه‬
‫احمد المسلم ذبح شريكه القبطى رومانى راجى عبده باسوان ومازال مسلسل‬ ‫اصطدمت عيناه بباب شقته وقد انفتح على آخره واصطفت بعض أغراضه فى‬
‫اضطھاد و قتل االقباط مستمرا الجبارھم علي الدخول في االسالم او يقتلون علي يد‬ ‫كراتين مفتوحه وتوجه ببطء نحو الشقه والخوف يعتريه وقد تيقن أن ثمة من اقتحم‬
‫الجماعه االرھابيه االسالميه في كوم امبو في اسوان و بسبب بعض شيوخ االزھر‬ ‫شقته وفى نفسه قال‪ - :‬مش مھم ياخدوا اللى ياخدوه المھم يسيبوا السرير‬
‫فھذه ھي نتائج و ردود افعال تعاليمكم علي الشباب المسلم فيعتقدون ان كل‬
‫وسمع صوت البواب فاطمأن وخطر له أن البواب قد طرد المقتحمين ودخل الشقه‬
‫المسيحيين كفره و يجب ان يدخلوا في االسالم او يقتلوا واقربھا البارحه الشيخ‬
‫ليجد زوجة البواب تمسك فى يدھا اليمنى مكواة وفى اليسرى خالطا وراحت تنادى‬
‫محمد اسماعيل قال ان المسيحي لو مات في القتال ال يعتبر شھيدا و اليدخل الجنه‬
‫على زوجھا ‪ - :‬متنساش االنسالل الدھب أبو قلوب والمادالية الحلوة دى االلماظ‬
‫== ولكن عشمي االن في القضاء المصري غير الوھابي انظروا الي حميه وغيره‬
‫واال ما ادرى البالتينه‪ ..‬وصرخ بيتر ‪ - :‬انتو بتعملوا ايه يا حيوانات؟ وصرخت‬
‫القاضي في الشرقيه للسيده المسلمه التي اغتصبھا ‪ ١٠‬مسلمين واصدر حكما‬
‫زوجة البواب ليأتى زوجھا وفى عينيه نظرة تفيض كرھا واستھزاءا فى ذات الوقت‪:‬‬
‫باعدامھم جميعا فھل يا تري نامل في حكم مماثل وعادل من القضاء المصري الحمد‬
‫‪ -‬انت شرفت يا خواجه؟؟ أشار بيتر بيديه إلى الباب‪ - :‬امشى اطلع بره انت‬
‫القاتل المسلم للمسيحي روماني من كوم امبو اسوان لكي يجبره علي الدخول في‬
‫والحيوانة دى‪ - ..‬نطلع بره؟ نروح فين ؟ دى بلدنا ‪..‬انت اللى تطلع بره يا مستر‬
‫االسالم فرفض فقتله ارجوكم ارجوكم نھضه مصر وتقدمھا ووقف ھذه االعمال‬
‫بيتر‪ ..‬وانقض عليه بيتر ولكمه فى أنفه صارخا‪ - .. fuck you :‬انا قلت تطلع‬
‫االجراميه في يد القضاء االن ال نريد قاضي ينخدع باقوال زائفه من المحامين او‬
‫بره يبقى تطلع بره‬
‫يميل الي تصديقھم ويصدق االدعاء الكاذب بان روماني كان علي عالقه بزوجه‬
‫احمد القاتل اظن شبعنا من ھذه الفكره كما حدث في دفش بالمنيا من الحكم علي‬ ‫‪ -‬انت ھاترطن باالنجليزى يا ابن المجنونة ؟‬
‫‪٣٦‬‬ ‫‪ ‬‬

‫أقام عالء وانتصار حفل عشاء عائلى فى أحد المطاعم العائمة بالزمالك بمناسبة‬ ‫المسلم قاتل الشاب المسيحي بسنه سجن مع وقف التنفيذ ارجوكم يا قضاه مصر‬
‫زواجھما وبعد انتھاء الحفل اصطحبھا إلى شقة خالھا فى الحى الراقى حيث استقر‬ ‫اوقفوا سرطان الفتنه الطائفيه باحكامكم العادله كلما قتل قبطي قال محامي الشياطين‬
‫رأيه على أنھا أنسب مكان لعش الزوجية‪ ،‬أنسب بكثير من شقته فى حى فيصل ومن‬ ‫انة كان علي عالقة جنسية مع واحدة وكان االقباط ناقصين نسوان او كان نساء‬
‫اإلقامة مع أمھا التى صارت وحيدة بعد وفاة والد انتصار ودخال الشقة فى صمت‬ ‫المسلمات ھكذا في منتھي السھولة ثم ياتي قاضي القت بة الظروف السوداء‬
‫فتح الباب ودخل إلى غرفة الجلوس أضاء النور وجلس وأغلقت انتصار باب الشقة‬ ‫والجھل والتاخر والتعصب االعمي الي اقدس مكان وھو كرسي القضاء المقدس‬
‫ودخلت خلفه متألمة من تجاھله وا زدرائه ولكن ‪ -‬ولدھشتھا‪ -‬شاعرة بنشوة ال‬ ‫فيحكم كاالعمي تسوقة غباوتة وتعصبة وانا ال القي االتھامات جزافا‪ ،‬افيدونا يا اھل‬
‫تعرف لھا وصفا تلك اللذة التى صارت تشعر بھا فى كل شىء يحدث لھا على يد‬ ‫الخير كم قاتل مسلم تم تنفيذ حكم االعدام فية؟ الم يقل قاضي الظلم للمنتصرة مرثا‬
‫عالء من إھانات وضرب وممارسة عنيفة فى الفراش‪ ..‬تلك اللذة المريضة التى‬ ‫لو معي سكين لذبحتك؟ يا للفضيحة يا مصر الي اين ذھب بك مبارك والي اين‬
‫تدفعھا دفعا إلى االستحمام بماء ساخن لدرجة الغليان أحيانا‪ ..‬كم أحبت وائل ولكنه‬ ‫سيذھب؟ ھل الي المحكمة الدولية ام الي خراب مصر ام الي نھاية مصر المحتومة‬
‫كان وديعا لدرجة مقززة‪ ،‬رقيقا إلى حد يصيبھا بالغثيان‪ ،‬لو أنه فقط كان قاسيا معھا‬ ‫نحن نثق في عدل ﷲ ھل تذكروا ايام استخدمتم الكيماوي لقتل الشعب اليمني بعدھا‬
‫قليال‪ ،‬لو أنه لم يحترمھا بھذا الشكل‪ ،‬لو أنه قابلھا قبل كل ما حدث لھا‪..‬‬ ‫كانت فضيحة ‪ ٦٧‬وھل نسيتم ماذا حدث بعد مذبحة الكشح؟ الم يحرق الرب قطارا‬
‫بمن فية الم تغرق عبارة بمن فيھا يا مسلمو مصر خافوا من يوم تقولون فية للجبال‬
‫‪ -‬بتعملى ايه يا مدام؟ ھستناكى الليل بطوله وال ايه؟‬
‫انطرحي وغطينا ويا اكام اھبطي علينا من وجة ﷲ العادل الجالس علي العرش‬
‫انتزعھا صوت عالء من خواطرھا فخلعت حجابھا وألقته على األرض وھرولت إليه‬ ‫واقول الھلي االقباط ال تخافوا وال ترتاعوا نموت بالسرطان بالمرض بالحوادث ال‬
‫وھمت بخلع الفستان لوال أن أوقفتھا نظراته المستھترة الباردة وھو يقول‪:‬‬ ‫يھم ولكننا سنموت رجاال وعلي اسم سيدنا ومخلصنا يسوع المسيح نحيا ونموت اما‬
‫اوالد االثم والھالك فھم للھالك يدعون وليتمجد اسم الرب ولتكن اجسادنا ذبيحة حية‬
‫‪ -‬أنا مليش نفس‪ ..‬زى ما تقولى كده نفسى غامة عليا‪ ..‬ثم وضع ساقا فوق األخرى‬
‫لمجد اسمة لالبد وكما قال موسي النبي العظيم )قفوا وانظروا خالص الرب( يسوع‬
‫وسألھا‪ - :‬عندنا ايه يتاكل؟ أصلى جعت والعشا مكانش أد كده فى األوتيل‪..‬‬
‫قريب‪ ..‬الي اسرة الضحية والي كل قبطي فوق العالي عليا وفوق المتسلط متسلطا‬
‫انھارت انتصار على أقرب مقعد وقد أصابھا االحباط وقالت بحذر‪:‬‬ ‫وفوق الكل واحد ھو ﷲ لقد تفرعن االرھابيين بسبب خوف الحكومة منھم بل‬
‫وتعاونھا معھم في االھداف وترك الحبل علي الغارب لھم في اتفاقيات علي حساب‬
‫‪ -‬بس انت أكلت كويس ھناك ‪ ..‬ده انت اكتر واحد أكل‪..‬‬ ‫االقباط ولم يعرفوا ان عدل ﷲ ال يھتز ليقرواء سفر اشعياء ماذا سيفعل الرب في كل‬
‫‪ -‬انت ھاتعدى عليا األكل يا روح امك‪ ..‬قومى ومتورنيش خلقتك غير لما السفرة‬ ‫فرعون وكل متفرعن قريبا سنراكم تبولوا امام صغيرات جيش دفاع اسرائيل وتبكوا‬
‫تكون جاھزة‪..‬‬ ‫وتتباكوا للمجتمع الدولي طالبين الرحمة والعفو والرضا وتتفرعنوا علينا نشكوكم‬
‫الي كل مسلم في المنتدي ھل تتوقعوا ان يكون راينا في االسالم ايجابيا؟؟ وانتم‬
‫وقامت انتصار إلى المطبخ وراحت تعد الطعام وجاءھا للمرة األلف نفس الخاطر أن‬ ‫تقتلوا اھلنا وتحرقوھم نشكوكم انتم وما تؤمنون بة الحقيقي العادل‬
‫تتناول سكينا حامية وتذبحه بھا ذبحا لكنھا تذكرت آخر مرة فعلتھا وكيف انھار‬
‫كرھھا له أمام كرھھا لنفسھا فألقت السكين وانھارت تحت قدميه ليوسعھا ضربا‪..‬‬ ‫)رئيس الجمعيه الوطنيه القبطيه االمريكيه(‬
‫‪٣٧‬‬ ‫‪ ‬‬

‫نظرت له انتصار فى شغف وابتلعت ريقھا فى صعوبة وقالت‪ - :‬أنا تحت أمرك‬ ‫لطالما كرھت نفسھا منذ طفولتھا كان والدھا غاضب عليھا باستمرار لم يحدث أن‬
‫أخطأ مرة واحدة وأخذھا فى حضنه ‪ ،‬كان يوسعھا ضربا ألتفه األسباب وش بت‬
‫‪ -‬أنا ارميلك األكل على األ رض وانتى وطى وكليه من غير ما تستعملى ايدك خالص‬
‫كارھة لنفسھا معتقدة أن كل ما تفعله بنية حسنة ينقلب عليھا وعلى من حولھا شرا‪،‬‬
‫ولو استعملتى ايدك ھاجلدك بالكرباج السودانى الجديد‪..‬‬
‫لم تكن راضية عن نفسھا كانت تقف بالساعات أمام المرآه وتفكر ماذا لو كانت‬
‫وھزت انتصار رأسھا بالموافقة فألقى لھا بقطعة لحم بعد أن داس عليھا بالحذاء‬ ‫أقصر قامة ؟ لماذا تكون بھذا الطول الذى يجعلھا ال تجيد االختفاء وان حاولت؟‬
‫وعندما ھمت انتصار بالتقاطھا داس بحذائه على رأسھا لتتأوه فى ألم يشعرھا‬ ‫ولماذا لم تكن بشرتھا أفتح من ذلك؟ حتى جسدھا الفائر كانت تعتبر بروزاته عيوبا‬
‫باالشباع المھين وفى داخلھا انحدرت دمعه ساخنة عندما تذكرت ما قاله لھا وائل‬ ‫واستدارته عاھة‪ ..‬وحده خالھا كان يعطيھا بعضا من الثقة وقليال من االحترام‬
‫فى أحد لقاءاتھما عن أبطال المعارضة أيام العھد البائد‪ -‬كما يسميه عالء‪ -‬كان وائل‬ ‫لذاتھا‪ ..‬لم تشعر يوما باالشباع كانت فى داخلھا جائعة وال تدرى ما الذى يمكنه أن‬
‫يقول لھا‪ - :‬يا حبيبة قلبى انتى بريئة ومش فاھمة الموقف فى أوساط المعارضة‪..‬‬ ‫يشبعھا ويطمئن خوفھا المسعور الذى كان يأكلھا من الداخل عما ت لو اآلخر دون‬
‫مش بس جوزك اللى بيعيش فى ازدواجية‪ ..‬المعارضين كلھم كده اللى يتشھر منھم‬ ‫أن ترى له مبررا منطقيا منذ صغرھا كانت تعاقب نفسھا باالمتناع عن الطعام‬
‫ويبقى بطل اعرفى انه أكثرھم استفادة من المبادىء وان المخلص الحقيقى بيضيع‬ ‫وبالبكاء وعدم النوم اال انھا صارت عنيفة مع نفسھا بعد أن عرفت عالء وذاقت‬
‫عارفة ليه يا حبيبتى؟ ألن فى مصر البطولة بأجر واالستشھاد مجانا‪..‬‬ ‫األمرين على يديه وعلى يد عبد الجبار ذلك العسكرى المقزز المتوحش كالحيوانات‪..‬‬
‫كثيرا ما سألت انتصار نفسھا ھل يعقل أن يكون ھناك بشر بھذا التوحش؟ لم يكن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫لدى عبد الجبار كلمات بل لكمات لم تكن لديه مشاعر بل انفعاالت يفرغھا فى جسدھا‬
‫استقل عماد سيارته الفارھة فى فخر وتوجه إلى مقر محكمة الثورة التى تم اختياره‬ ‫وھى راضية‪ ،‬كانت تبكى بين ذراعيه وبداخلھا رضا ألنھا تؤمن ان ھذا ھو ما‬
‫فيھا كقاضى للحكم فيما يسميه الرأى العام بقضايا التصفية أى تصفية أذناب العھد‬ ‫تستحقه فھى ال تستحق حنانا وال حبا‪ ،‬كان داخلھا ھاجس يؤرقھا أنھا مثل عبد‬
‫البائد والنظام الفاسد‪ ..‬وقد خرج عماد من منزله وقد عقد العزم على أن يصفيھم‬ ‫الجبار حيوانة لكن ﷲ وضع الحيوان بداخلھا فى قالب جميل من األنوثة الفائرة ‪.‬‬
‫واحدا واحدا فھى فرصة عمره لكى يصبح بطال قوميا كما كان يحلم فى مراھقته ‪،‬‬
‫الشىء الوحيد الذى جعل انتصار تشعر فى مرحلة من مراحل عمرھا باالحترام كان‬
‫ذلك الحلم الذى نسيه مع عمله فى النيابة وزواجه بامرأة تفتقر إلى األنوثة‪ ،‬كل‬
‫عملھا فى السياسة لكن المفارقة التى تضحكھا أن عملھا فى السياسة كان ھو ما جر‬
‫مقوماتھا أنھا ابنة مستشار كبير ومسنود مع الوقت بدأ يشعر أنه صار بطال بحق‬
‫عليھا كل ھذه المآسى المروعة‪ ،‬وھو ما جعلھا تكره مصر وتكره أھلھا فقد اكتشفت‬
‫مع الثروة والنفوذ‪..‬‬
‫من خالل قربھا من المعارضة أن معارضة مصر أسوأ من حكومتھا وأن المسأله ال‬
‫ورغم شعوره بالحنين للحلم القديم إال أن عقله كان يفيقه فى اللحظة األخيرة كى ال‬ ‫تتعدى كونھا حسابات مصالح فھناك من رأى مصلحته مع النظام وھناك من اكتشف‬
‫يضيع كل ما كسبه وصل اليه ‪ ،‬وبمجرد وصوله إلى المحكمة جلس مزھوا بنفسه‬ ‫أنه فى المعارضة يكسب أكثر وفى النھاية كانت ھى وغيرھا من المغفل ين الذين‬
‫شاعرا بالعظمة واالرتواء وكاميرات التلفزة موجھه إليه وھو يحاكم ابن الرئيس‬ ‫صدقوا الشعارات الجوفاء ضحايا لھذه المھزلة السياسية‪ .‬وخرجت انتصار بالطعام‬
‫السابق وعصبته وبالطبع جاءت ا ألحكام رادعة ما بين اعدام ونفى ومصادرة‬ ‫ووضعته أمام عالء الذى ابتسم قائال فى مرح له بريق المعادن‪ - :‬ما تيجى نلعب‬
‫أموال‪ ..‬وكتب بيتر فى مذكراته عن أحكام محكمة الثورة قائال‪:‬‬ ‫لعبة جديدة‪..‬‬
‫‪٣٨‬‬ ‫‪ ‬‬

‫بعض رجال الكنيسة وتھميشه من قبل جماعات أقباط المھجر فلم يجد لنفسه ملجأ‬ ‫" كانت أحكاما باردة مزيفه رغم حدتھا الظاھرة ‪..‬أحكام لم تأت من غضب حقيقى‬
‫إال عند وائل الذى تحول منزله الفاخر الى ملجأ للمطاردين والمغضوب عليھم من‬ ‫بل جاءت من نفوس أمارة بالسوء كل ما كانت تسعى إليه ھو مزيد من الشھرة‬
‫بيتر المصرى االمريكى إلى النمنم اللص البسيط الذى صار وطنيا بالصدفة‪ ..‬إلى‬ ‫والفرقعة االعالمية ‪ .‬كانت الجلسه التى يرأسھا مستشار ذو ميول إسالمي ة تصدر‬
‫عبد الجبار ذلك العسكرى الذى بطش بھم فى المعتقل قبل ذلك وصار كسيرا ذليال ال‬ ‫األحكام جزافا على كل علمانى أو يسارى حتى وان كان متدينا فى حياته الخاصة‬
‫حول له وال قوة‪.‬‬ ‫وكانت الجلسه التى يرأسھا مستشار من محكمة أمن الدولة فى العھد البائد تسفك دم‬
‫أى شخص كان له عالقة ولو سطحية بالحزب الوطنى أو بالحكومة المخلوعه‬
‫فى ھذا البيت قضى بيتر أسعد وأغلى أيام عمره‪ ،‬فى ھذا البيت صار بيتر مصريا‬
‫وكأنھم يطھرون أنفسھم بدماء اآلخرين من تھمة الدياثة السياسية فى العھد‬
‫مصريا بعد أن تخلص من رواسب التفوق األمريكى ونزعة التكبر والفخر التى كانت‬
‫الماضى‪ ،‬وفى كل جلسه كان ھناك مندوبان من الجيش أو بعض قطاعات الشرطة‬
‫تمأله عندما يناديه الناس "يا خواجه"‪ ،‬وألول مرة يأكل بيتر الفول المدمس‬
‫يس جنان رئيس الجلسه بينھما وكأنھما ناكر ونكير‪ ،‬كانت أحكام الثورة حق يراد به‬
‫والكشرى وألول مرة أيضا يبكى من اجل مصر وعلى حالھا فقد صار يحبھا كوطن‬
‫باطل وخير أتى على يد رجال امتھنوا الشر عقودا طويلة من الظلم والظالم‪ ..‬ليت‬
‫بعد أن كان يحبھا كبلد سياحى يقضى بھا اجازاته ويفتخر أمام األمريكان بأنه حفيد‬
‫كل رجال الثورة كانوا مثل ناجى ذلك الضابط الوسيم الجرىء الذى يتمتع بقدر كبير‬
‫تلك الحضارة العظيمة ثم يعود فينكر صلته بمصر المعاصرة أمامھم‪..‬‬
‫من الصدق والمحبة للوطن‪ ،‬كان ناجى مسلما مخلصا ومصريا صادقا لكنه ذھب بال‬
‫أصبح بيتر ينزعج لو أخطأ النمنم وناداه بكلمة خواجه ويضحك من قلبه عندما‬ ‫رجعه فمثله ال يعيشون فى وطن صار مرتعا للذئاب ولكن أنى له أن يستمر فى ثورة‬
‫يمسك عبد الجبار بالنمنم ويوسعه ضربا على قفاه عندما يسرق األخير الخبز من‬ ‫اقتسمھا الجيش واألخوان فقسموا ظھرھا وقلبوا حقھا باطال ثم انقسم االخوان‬
‫تحت مخدته‪ ..‬كم تمنى لو أن تلك األيام تدوم وتزول الغمة عن مصر‪ ،‬كم مرة حسد‬ ‫وأقاموا محكمة القيم ‪ ..‬أول محكمة ال تنعقد لھا جلسات وال يدافع فيھا المتھم عن‬
‫فيھا وائل وھو يحكى عن طفولته فى رمضان وعن الفوانيس والكنافة وألف ليلة‬ ‫نفسه والحكم فيھا ينفذ فوريا وبال تريث‪ ..‬حتى غرقت مصر فى بحور الدم من جديد‬
‫وليلة والفوازير‪ ،‬حتى النمنم اكتشف بيتر انه قضى أوقاتا سعيدة وساحرة فوق‬ ‫بعد ھدوء نسبى لم يدم شھورا قليلة"‪..‬‬
‫سطوح بيتھم فى الدويقة وعند أصدقائه فى الحسين والسيدة عيشة وعن حفالت‬
‫كتب بيتر ھذه السطور قبل أيام من مطاردة نفس المحكمة له بدعوى أنه من‬
‫شعبان عبد الرحيم وأغانى شفيقة التى كان يحب عليھا توحة بنت الجيران التى‬
‫المبشرين وعمالء االستعمار الكافر وأنه جاسوس للواليات المتحدة األمريكية ولدو‬
‫ماتت محروقة بعد انفجر فى وجھھا وابور الجاز‪..‬‬
‫لة اسرائيل وبالطبع لم يفت اإلمام االكبر للجماعة وھيئة العلماء أن يھدروا دمه‪،‬‬
‫وجد بيتر نفسه واكتشف انه كان يحيا حياة شخص غيره ال حياة تليق بمواطن‬ ‫وبعد أن وجد بيتر أن استمراره فى الدير صار خطرا عليه بعد أن صارت الجوامع‬
‫مصرى‪ ..‬ولكن لألسف كان يشعر وكأنه ولد تائه تعرف على أمه بعد موتھا فما‬ ‫واألديرة ساحات للحرب األھلية ولتصفية العناصر المارقة من أتباع الديانتين على‬
‫الذى سيفعله اآلن وقد صارت شوارع مصر ملتھبة وقاسية وفى داخله شعر بالندم‬ ‫حد سواء‪ ،‬وبعد أن صدر له كتاب عن عظماء االسالم وذلك بعد ان دعته الفتنة الى‬
‫ألنه لم يأكل ترمس على شاطىء النيل وال تذوق القطائف فى رمضان وال واظب‬ ‫دراسة الدين االسالمى دراسة وافيه جعلته يتحول من احتقار االسالم الى احترام‬
‫على حضور الكنيسة كل أحد حتى عندما اختبأ فى أحد االديرة لم يقرب الصالة ولم‬ ‫تعاليمه وجعلته يفرق تماما بين من يراھم من المسلمين فى الشوارع يقتتلون على‬
‫يشعل شمعه واحدة‪.‬‬ ‫اھون سبب ويكفرون اآلخرين وبين االسالم وھو ما كان كفيال بإھدار دمه من قبل‬
‫‪٣٩‬‬ ‫‪ ‬‬

‫أما بيتر فقد شعر بالذنب ألنه كان متشككا فى عبد الجبار متوجسا منه خيفة وظن‬ ‫أما عبد الجبار فقد كان نادما على شىء واحد فقط ‪..‬أنه لم يستجب لعالء بيه‪ .‬كان‬
‫بيتر أن عبد الجبار قد أحس بريبته فآثر االبتعاد‪..‬وغرق وائل فى نوبة قلق عميق‬ ‫دائما يؤنب نفسه على غبائه الذى ضيع منه كل شىء فى لحظة غباء وعند لقد‬
‫على مصير عبد الجبار لو ظل وحده فى الشارع أو لو التقى بعالء ورآه خارج‬ ‫عاش عمره كله ال يقول سوى نعم وحاضر وأوامر سعادتك‪ ،‬وعندما قال ال للمرة‬
‫السجن‪.‬‬ ‫الوحيدة فى حياته خسر كل شىء‪ .‬صحيح أن وائل كان يعامله معاملة حسنة وأن‬
‫النمنم وبيتر تقبلوه وعاملوه بلطف لم يشاھده فى حياته من قبل إال أن كل ھذا لم‬
‫لكن أحدا منھم لم يعرف إلى أين ذھب حتى النمنم ذھب ليبحث عنه وعاد بعد‬
‫يكن يرضيه‪.‬‬
‫ساعات سفر اليدين لم يكن أحد منھم يعلم أن عبد الجبار لديه مكان آخر يذھب إليه‪..‬‬
‫مكان قد يحقق فيه ما يصبو اليه منذ زمن‪ ..‬لقد ذھب إلى سامى ذلك المعتقل الذى‬ ‫كان شبح الخوف يحوم فوق رأسه وھو يتخيل فرقة من الجيش أو مجموعه من‬
‫كان طالبا فى كلية الطب وقد تخرج وصار طبيبا مرموقا ومن مراكز النفوذ فى‬ ‫اآلمرين بالمعروف يقتحمون بيت وائل ويعدمونھم جميعا بال رحمة‪ ..‬كان متيقنا فى‬
‫جماعة اإلخوان التى سيطرت على نصف مصر بعد االنقالب الذى تم فى أغسطس‪،‬‬ ‫داخله ان ذلك سيحدث ان آجال أو عاجال وھو لم يكن يريد الموت بل كان االنتقام ھو‬
‫وكان سامى ھو من اقترح اطالق سراح عبد الجبار بل وقابله بعد خروجه واعطاه‬ ‫الشىء الوحيد الذى يتحكم فيه‪ ،‬رغبة شديدة فى االنتقام من أى شخص وبأى و‬
‫أرقام تليفوناته وعنوان مكتبه وھو نفسه الذى أعطاه ھاتف وائل ليتصل به وينزرع‬ ‫سيلة كان وائل فى نظره رجل ثرى ال يدرى أين ينفق نقوده أما بيتر فھو خواجه‬
‫فى بيته بصفه مؤقته حتى يؤدى الدور المرسوم له بدقه وقد فعل وعندما وصل إلى‬ ‫يعانى من فراغ قاتل يريد مأله باألحداث الدامية والنمنم مجرد شخص حقير كأھل‬
‫مكتب سامى بعد أن ترك منزل وائل كانت أمامه مھمة أخرى كلفه بھا سامى وأقسم‬ ‫قريته الذين أدمنوا العيش فى القذارة كالخنازير‪ ،‬يقبلون بالفتات ويضحكون على‬
‫عليھا عبد الجبار أمام مجلس العلماء فى مشھد مھيب كان بدنه ليقشعر من ھيبته‬ ‫خيبتھم‪ .‬لقد سقطت من عبد الجبار أشياء كثيرة فى رحلته لكن شيئا واحدا ظل‬
‫لوال أنه ال يؤمن أصال بوجود إله وال بفائدة الدين‪ ،‬إنما كان قسمه صادقا ألنه يوافق‬ ‫مالزما له كظله يجرى فى عروقه الصعيدية‪ ..‬الثأر‪ ،‬ذلك الحلم الذى يؤرقه ليال‬
‫ھوى نفسه التى تجنح لالنتقام‪ ..‬لقد كان عبد الجبار ھو الوحيد الذى يعرف أسماء‬ ‫ويعذبه نھارا لدرجة أنه كلما رأى الشوارع تفيض دما وتشتعل عنفا كان يشعر‬
‫وعناوين وتحركات وخطط الضباط الذين كونوا نواة االنقالب وكان عالء منھم‪،‬‬ ‫باالرتواء ولذلك لم يتوقف عن ضرب النمنم حتى بعد أن صارا يتشاركان الفراش‬
‫أخيرا اقترب الثأر الكبير‪ ..‬ولم يضيع عبد الجبار وقتا بل ذھب لتوه الى مكتب‬ ‫واللقمة ولم يحب بيتر رغم معاملته الحسنة ووجھه البشوش وال شعر أنه يمكن أن‬
‫غريمه عالء بك وبمجرد أن سمع عالء اسمه شعر بذھول وغضب ولكنه سمح له‬ ‫ياتى عليه اليوم الذى يخدم فيه وائل كما كان يخدم عالء بك ولذا لم يتحمل عبد‬
‫بالدخول ليدخل عبد الجبار مندفعا وينحنى أمام عالء ويحاول تقبيل يده متصنعا‬ ‫الجبار البقاء فى بيت وائل أكثر من ذلك‪ ،‬وذات صباح استيقظوا ولم يجدوه بينھم‪،‬‬
‫البكاء متلعثما يستعطفه‪:‬‬ ‫الغريب أنھم حزنوا لفراقه فالنمنم بكى كثيرا وقال انه كان يؤنس وحدته فى الليل‬
‫وكان يستمع بال ملل لحديثه الذى يستمر حتى الصباح‪..‬‬
‫‪ -‬س‪ ..‬سامحنى يا عالء ب‪ ..‬بيه أنى ابن ك‪..‬كلب وجزمة‬
‫لم يكن النمنم يعلم أن قدرة عبد الجبار على االستماع لم تكن نابعة من طيبة قلبه وال‬
‫ويمسكه عالء من تالبيبه ويضربه على قفاه‪:‬‬
‫من اھتمامه بالنمنم وثرثرته ولكنھا كانت عجزا عن إقامة حوار وإعاقة نفسية‬
‫‪ -‬انت طلعت ازاى يا حيلتھا؟ وعرفت طريق مكتبى منين يا روح امك؟‬ ‫تمنعه من التفاعل مع اآلخرين لذا لم يكن لديه حل سوى أن يترك النمنم يثرثر‬
‫ويثرثر‪.‬‬
‫‪٤٠‬‬ ‫‪ ‬‬

‫توطدت العالقة بين وائل وبيتر والنمنم وبرغم اختالفھم فى كثير من األشياء اال أنھم‬ ‫‪ -‬و‪..‬و ھو مكتبك حد يتوه عنه يا باشا؟‬
‫قد اتفقوا فى حب مصر والتشبث باألمل فى خالص يأتيھا مما ھى فيه‪ ،‬وبدأ بيتر‬
‫ثم انحنى عبد الجبار وقبل حذاء عالء الذى أمسك به ودفعه إلى الحائط بعنف سائال‬
‫يتحول من نصف مصرى إلى مصرى خالص يفيض حبا للبلد‪ .‬فى تلك الشھور‬
‫إياه‪ - :‬امشى يا يالال وحسك عينك اشوف خلقة القرد دى تانى‪..‬‬
‫القليلة تابع بيتر كالسيكيات السينما المصرية وبدأ يستمع إلى األغانى الشرقية فكان‬
‫يجلس مع وائل يستمتعان بأم كلثوم وفيروز وعبد الحليم ومنير ثم يحتج النمنم‬ ‫وبعد رجاء ومذلة نجح عبد الجبار فى اقناع عالء بأنه سيصبح كلبه المخلص مرة‬
‫بأنھم ال يعطونه الفرصة لكى )يروقھم( حسب تعبيره وكان الترويق من وجھة نظره‬ ‫أخرى وأنه تاه بعده ولم يجد له مأوى وأنه على استعداد لفعل أى شىء فى خدمته‬
‫ھو أن يسمعھم سعد الصغير الذى أصبح مطرب الجيش وشعبوال الذى أصبح الشيخ‬ ‫حتى لو كان سينظف له المنزل ورن جرس الھاتف ليرد عالء ومن المكالمة والدبلة‬
‫شعبوال وصار القاسم المشترك فى كل احتفالية يقيمھا اإلخوان بمناسبة استيالئھم‬ ‫الفضية فى يده اليسرى عرف عبد الجبار أن عالء قد تزوج وبمجرد أن أنھى عالء‬
‫على حى جديد أو انتصارھم فى معركة ضد الجيش وكانت األغنية المفضلة لدى‬ ‫المكالمة ھتف عبد الجبار‪ - :‬ألف مبروك يا باشا وو عج عجبال البكارى‪ ..‬أنى‬
‫النمنم ھى‪ - :‬اسمع كالم الشيخ طول عمرك مش ھاتشيخ‪ ..‬وكالم ولى األمر نمشيله‬ ‫مستعد اعمل أى حاجة الجل ترضى انشا انضف البيت مع الجماعه ‪..‬‬
‫ولو ع الجمر اييييييييييييييييييه‬
‫ولطمه عالء على وجھه بقوة وصرخ فيه‪ - :‬انت مالك ومال الجماعة يا فسل‪..‬‬
‫وعندما كان وائل وبيتر ينزعجان من صراخ النمنم وصوت شعبوال كان النمنم ‪ -‬فى‬
‫فصرخ عبد الجبار‪ - :‬اسف اسف فھدأ عالء قليال ثم قال له‪ - :‬أنا ھاوديك شقة‬
‫محاولة منه إلرضائھما‪ -‬يطفىء التسجيل ثم يشغل أغنية لشفيقة قائال‪:‬‬
‫فيصل أنا احتفظت بيھا لمزاجى أھو تخدم ع القعدة وتشوف طلباتى ولو رضيت عنك‬
‫‪ -‬أھو جبتلكو حاجة طرب اھو لحسن تقولوا انى مش بافھم فى الذوق‬ ‫ھابقى اسيبلك المزز بعد ما اخلص‪..‬‬
‫وفى احدى جلسات الفضفضة بين بيتر و النمنم تعجب األخير من أن بيتر لم يجلس‬ ‫فرح عبد الجبار وسأل فى بالھة‪ - :‬مزز ؟ ومزة زمان ؟ نظر له عالء شزرا فسكت‬
‫يوما على قھوة بلدى‪ - :‬ازاى يا خواجه‪ ..‬ال مؤاخذه قصدى يا أستاذ بيتر ازاى‬ ‫وظل صامتا وھم فى السيارة متجھين إلى شقة فيصل ثم أشار الى يد عالء اليمنى‬
‫مقعدتش عمرك على قھوة بلدى؟ ال ال سيب الموضوع ده عليا‪ ..‬ثم يميل على بيتر‬ ‫وسأل‪ - :‬ال ‪ ..‬الخاتم الدھب؟‬
‫ھامسا‪ - :‬شوف احنا نتسحب كده بشويش من ورا االستاذ وائل ونروح انا وانت‬
‫ضحك عالء وقال‪ - :‬الااااا رميته من زمان حتى الدبلة فضة زى ما انت شايف اصل‬
‫نسھر سھرة صباحى على قھوة انما كده فى سيدنا الحسين‬
‫بيقولوا الدھب حرام للرجاله ‪ ..‬ھابقى اديھولك لما نوصل أھو ينفعك‬
‫ويبتسم بيتر مندھشا من قدرة النمنم على الدعابة والمرح رغم كل ما حدث له وما‬
‫‪ -‬مش سعادتك جلت انه حرام؟‬
‫حدث للبلد‪ ..‬وبالفعل ذھبا إلى المقھى الشعبى بدون علم وائل الذى كان يخشى‬
‫عليھما وبالذات على بيتر من الخروج الى الشارع المحتقن طائفيا وجلسا إلى احدى‬ ‫‪ -‬للرجالة يا قفا ‪ ..‬انما للى زيك حالل ھھھھھھھھھھھھھھھھھھھه‬
‫الطاوالت وطلب النمنم شيشة تفاح لبيتر أما ھو فقد طلب جوزة وبدأ الحديث بينھما‬
‫والضحك على نكات النمنم ثم مرت فتاة شبه جميلة وكان حدثا نادرا أن تسير فتاة‬ ‫يغرق عالء فى الضحك بينما يستبد الغضب بعبد الجبارلكنه يصمت ففى داخله اليقين‬
‫بمفردھا فى شوارع القاھرة فى تلك األيام العصيبة فالتفت نحوھا كل من كانوا على‬ ‫بأنه ھو من سيضحك فى آخر المطاف‪.‬‬
‫‪٤١‬‬ ‫‪ ‬‬

‫كانت تلك الليلة فارقة فى حياة بيتر وفى تفكيره فقد بدأ يفيق على حقائق كانت‬ ‫المقھى وبدأ سيل من التعليقات ينھال عليھا وعلى مالبسھا وجسدھا وحجابھا حتى‬
‫غائبة عنه وبدأ يؤمن أن شعب مصر مازال به أخيار لم تلوث األحداث قلوبھم‪،‬‬ ‫صدر التعليق القنبلة من النمنم الذى ھتف فى سعادة وحماس‪ - :‬يا حلو انت يا‬
‫وللمفارقة العجيبة التى لفت وائل نظره اليھا أن ھؤالء األخيار كان يطلق عليھم فيما‬ ‫معصعص!‬
‫مضى األغلبية الصامته ھؤالء الذين أبوا أن يدخلوا لعبة السياسة فظلوا بمنأى عن‬
‫ولم يتمالك مرتادى المقھى أنفسھم من الضحك حتى الفتاة نفسھا أغرقت فى الضحك‬
‫ظلم الحكومة وفساد المعارضة كانوا يشاھدون عن بعد ويضحكون على ما‬
‫وھرولت فى حياء وقد احمر وجھھا وھرول خلفھا النمنم غير مبال بنداء بيتر عليه‬
‫يشاھدونه‪..‬‬
‫فقد أشعل خجلھا النار فى قلبه‪ ،‬ووجد بيتر نفسه وحيدا على مقھى شعبى وراح‬
‫وفى ألم وحسرة قال وائل‪ - :‬يبدو أن األمل فى األغلبية الصامتة مش فى األبطال‬ ‫يتفرس الوجوه وقلبه يرتجف خوفا وھلعا وشد بيتر كم قميصه ليتأكد من إخفاء‬
‫الورقيين وأشاوس المعارضة المزعومة ‪ ..‬احنا راھنا على قدرتنا على الصمود‬ ‫الصليب الذى وشمه أبوه على يده فى طفولته ثم مالبثت خواطره أن ھدأت عندما‬
‫واتحاد فئات المعارضة ولكننا لألسف خسرنا الرھان وخسرنا أنفسنا وخسرنا البلد‪.‬‬ ‫راح يتابع دور طاولة يلعبه اثنان من رواد المقھى فى انسجام وعندما اختلفا احتكما‬
‫إليه فاعتذر لھما بأنه لم يلعب الطاولة فى حياته وبدأ يتجاذب الحديث معھم فى حذر‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ما لبث أن انقلب إلى أريحية لم يتصورھا ولم يتصور أن مصر فيھا بشر بھذه‬
‫اتجه عالء إلى مكتب ناجى المنسق العام لحركة ضباط من أجل التغيير والقائم‬ ‫الطيبة والتلقائية حتى انه انتقل للجلوس إلى طاولتھم واستمر الحوار حتى سأله‬
‫بأعمال نائب رئيس الجمھورية ورئيس مجلس الوزراء وذلك بناءا على استدعاء‬ ‫احدھم وھو يرتشف الشاى بالنعناع‪ - :‬ھو اسم الكريم ايه؟‬
‫ناجى له‪ ،‬ورغم االحترام واالجالل الذى يظھره عالء تجاه ناجى إال ان الحقد كان‬
‫ارتبك بيتر ثم اجابه أن اسمه أحمد فابتسم الرجل قائال‪ - :‬عاشت األسامى يا سى‬
‫يتأجج بداخله على ناجى الذى كان يحوز احترام الجميع داخل حركة الضباط وشعبية‬
‫أحمد تعرف انا عندى ولد من دورك كده بيشتغل فى ايطاليا‪..‬‬
‫جارفة وسط جموع المواطنين‪ ..‬كان ناجى شخصية مثالية قلما وجد مثلھا كثير من‬
‫األحيان كان يخيل إلى عالء أن ناجى ال يخطىء فھو صادق وشجاع وشھم وبلغت‬ ‫‪ -‬وايه اللى وداه ھناك؟ ليه مشتغلش ھنا؟ ابتسم الرجل فى سخرية ومرارة‪- :‬‬
‫به المثالية المفرطة أن رفض الزواج لكى ال يظلم بنات الناس معه‪ ،‬كان ناجى ال‬ ‫بالذمة ده سؤال؟‬
‫يريد انجاب أطفال فى وطن مستقبله مجھول‪ ،‬وكان يكتم مشاعره تجاه أى فتاة لكى‬
‫وبعد نصف ساعة تقريبا عاد النمنم محلقا من السعادة وعلى وجھه ابتسامة رضا‬
‫ال يعطى لنفسه فرصة للتخلى عن ھدفه األسمى أال وھو النضال من أجل وطن أفضل‬
‫واعتداد بالنفس حتى أن مشھده قد أضحك بيتر‪ ..‬واستأذن بيتر الرجل فى‬
‫ومستقبل به شىء من التفاؤل واألمل‪.‬‬
‫االنصراف‪ - :‬بعد اذنك يا حاج‪.........‬؟‬
‫وصل عالء الى مكتب ناجى فدخل بدون اسئذان ليجده متجھما ومد عالء يده للسالم‬
‫‪ -‬بطرس اسمى بطرس يا ابنى وده عمك مصطفى‬
‫فلم يصافحه ناجى بل قال له دون أن ينظر اليه‪ - :‬اقعد يا عالء‬
‫ذھل بيتر وتسمر فى مكانه من المفاجأة وھو ال يصدق الموقف وانتزعه النمنم‬
‫انتزاعا من المقھى وقد استبد به الذھول فلم يجد على لسانه سوى كلمة واحدة‪- :‬‬
‫ازاى؟ ازاى؟‬
‫‪٤٢‬‬ ‫‪ ‬‬

‫نظر له ناجى نظرة استياء وشفقة ولم يتحدث فأدى له عالء التحية العسكرية وخرج‬ ‫وجلس عالء وقد بدأ يضطرب وھو يراقب ناجى يقلب فى بعض األوراق أمامه وبعد‬
‫دون كلمة واحدة‪ ..‬ذھب عالء الى منزله وقد اشتعلت نيران الغل فى قلبه‪ ،‬وكاد‬ ‫دقيقتين رفع ناجى وجھه وسلط عينيه الثاقبيتين على عالء وقال فى غضب حاول‬
‫عقله ينفجر من كثرة االفكار السوداء التى أحاطت به فكل ما حلم به صار على شفا‬ ‫أن يكتمه‪ - :‬ھناك الكثير من الشكاوى المقدمة ضدك من المواطنين‬
‫االنھيار وكل ما وصل اليه من نفوذ وثروة ومتعه مھدد بالضياع والى االبد ولم يكن‬
‫ضحك عالء فى محاولة لتخفيف حدة الموقف وقال‪ - :‬ايه يا ناجى انت قلبتھا جد‬
‫عالء ليسمح بذلك البد من مخرج ھذا ما عرفه دائما أن لكل أزمة مخرج وبعد تفكير‬
‫وبتتكلم بالنحوى ليه؟ ضغط ناجى على أسنانه من الغيظ وقال فى حزم‪ - :‬أنا‬
‫مضنى وصل للحل الذى سيريحه من كل شىء ويطفىء نار قلبه‪ ..‬ونادى على‬
‫استدعيتك النھاردة بشكل ودى عشان اسألك عن الفضايح اللى سمعتھا عنك ‪..‬‬
‫انتصار التى جاءته تلھث من اللھفة وھى تمنى نفسھا بوصلة تعذيب جديدة تطفىء‬
‫ونظر فى الورق الذى أمامه وھو يعد على أصابعه قائال‪ - :‬رشوة‪ ..‬ھتك عرض‪..‬‬
‫شعورھا بالذنب ولو قليال وكانت تتساءل فى طريقھا من غرفة الجلوس إلى غرفة‬
‫تزوير فى أوراق رسمية ‪ ..‬استغالل نفوذ‪ ..‬تقديم أبرياء لمحاكمات عسكرية وتلفيق‬
‫النوم عن الوسيلة التى سيعذبھا بھا ھذه المرة ترى ھل يسبھا أم يضربھا بالكرباج‬
‫تھم و‪ ..‬قاطعه عالء فى حده‪ - :‬مين ابن الكلب اللى قال كده‬
‫أم سيسعدھا الحظ ويدوس عليھا بحذائه وما إن وصلت اليه حتى ھتف بھا‪ - :‬ايه يا‬
‫مرة ساعة عشان تيجى ؟ اتلقحى اقعدى يا زفته‪ ..‬تجلس تحت قدميه فيجذبھا من‬ ‫اشتعلت عينا ناجى بالغضب فاضطر عالء للصمت ثانيتين ثم قال فى لھجة حاول أن‬
‫شعرھا ويجلسھا إلى جواره ويعتصر ذراعھا فى قسوة‪ - :‬سيبك م الوساخة اللى فى‬ ‫يطليھا بشىء من المشاعر والود‪ - :‬احنا اصحاب من مده يا ناجى ‪ ..‬تصدق فيا‬
‫دماغك دى مش وقتھا واسمعينى كويس‬ ‫كده؟ فاكر لما كنا بنجتمع دايما فى شقتى وانا ظابط امن دولة يعنى رقبتى كانت‬
‫ممكن تطير فيھا‪ ..‬نكس ناجى رأسه وقال‪ - :‬أنا آسف‪ .‬كنت أتمنى االتھامات تكون‬
‫ارتعدت خوفا وقالت ‪ - :‬حاضر ‪ ..‬أمرك ‪ ..‬سامعاك‬
‫باطلة لكن فيه أدلة كتير ضدك وشھود‬
‫‪ -‬أنا تعبان‪ ..‬تشعر بالشماته داخلھا ولكنھا تقول له‪ - :‬ألف سالمة‬
‫تلمع عينا عالء ويقول وھو ينحنى على ناجى‪ - :‬يعنى ايه مش فاھم؟‬
‫‪ -‬انتى غبية ؟ أنا مش تعبان‪ ..‬بس انتى ھتقولى انى تعبان‪ ..‬وال أقولك ھتقولى انى‬
‫‪ -‬أنا مضطر أحولك للمحاكمة العسكرية إال فى حالة واحدة‪ ..‬تتنحى عن كل مناصبك‬
‫حاولت انتحر‪ ..‬اتسعت حدقتا انتصار فى ذھول وسألته‪ - :‬أقول لمين؟‬
‫وتتخلى عن صالحياتك كلھا وسيتم تسريحك من الجيش‬
‫وطعنھا فى قلبھا عندما قال لھا أن المقصود ھو ناجى‪ ،‬ذلك البطل الوحيد الذى لم‬
‫كاد عالء أن يجن لكنه حاول التحكم فى نفسه فقد كان يعلم أن ناجى قوى الشكيمة‬
‫تفقد انتصار احترامھا له ھو ووائل كانا فى نظرھا أيقونتان للوطنية واالخالص‬
‫وأنه ان قال كلمة فھو يقصدھا تماما‪ ..‬حتى لو دخل مع ناجى فى عراك بالذراع‬
‫وكانت ترتعد من الغثيان والخوف وھو يشرح لھا خطته الدنيئة وما إن فرغ من‬
‫سيغلبه ناجى وفى داخله أدرك عالء أن ھذه المعركة ال تحسمھا القوة ولكن يحسمھا‬
‫كالمه حتى ثارت فى وجھه‪ :‬اللى انت بتقوله ده مستحيل‪ .‬أنا مش ممكن أعمل كده‪..‬‬
‫الدھاء‪.‬‬
‫وجاءھا الرد ضربا عنيفا مبرحا أسال من جسدھا الدماء وھددھا بقتل أمھا واغتيال‬
‫نكس عالء رأسه وھو يقول‪ - :‬اللى تشوفه يا ناجى ‪ ..‬بس سيبنى اروح النھاردة‬
‫شقيقھا فى فرنسا وذكرھا بأنه اآلن يده طائلة أكثر من ذى قبل واضطرت لموافقته‬
‫مكتبى عشان محدش يحس بحاجة وبكرة الصبح استقالتى ھاتكون على مكتبك‬
‫فلم يكن بيدھا حيلة‪..‬‬
‫‪٤٣‬‬ ‫‪ ‬‬

‫وقد أكل البكاء عينيھا وبمجرد أن دخل الشقة ھجمت عليه وأمسكت بمالبسه‬ ‫فى تمام الساعة الثانية صباحا أمسكت بالھاتف وحاولت االتصال بناجى وھى فى‬
‫وصرخت‪ - :‬قتلته؟ قتلت أنظف واحد فى البلد؟‬ ‫حالة انھيار تام ولكنھا لم تستطع اتمام الرقم ودخلت فى نوبة انھيار عصبى حاد‬
‫فبصق عالء فى وجھھا وتوجه مسرعا إلى شقته فى فيصل وفور وصوله أيقظ عبد‬
‫دفعھا بيده فاصطدمت بالحائط وھى تصرخ فى لوعه فقد كان قلبھا يتمزق على‬
‫الجبار من نومه وشرح له الخطة وأمره بالتنفيذ وبالفعل اتصل عبد الجبار بناجى‬
‫ناجى‪ ،‬صحيح أن السنوات الماضية قد حولتھا إلى مسخ مريض نفسيا إال أن جزءا‬
‫وھو يصرخ‪ - :‬الحجنى يا ناجى باشا ‪..‬عالء بيه انتحر أيوه ‪ ..‬أنى عبد الجبار‬
‫منھا أبى التحول إلى الشر‪ ..‬ھل ذھب ناجى؟ ضاع لألبد؟ ابتسامته الحزينة وعيناه‬
‫فاكرنى؟ تعالى فيصل‪ ..‬وفى أقل من ثلث الساعة كان ناجى فى شقة عالء تلك الشقة‬
‫الثاقبتان وجسده فارع الطول‪ ..‬كل ھذا الكبرياء سقط فى شراك الموت؟ تكومت‬
‫التى شھدت اجتماعات ضباط من أجل التغيير وشھدت على صداقة وثيقة بين عالء‬
‫انتصار على األرض فى وضع الجنين وھى ترتجف وتذكرت آخر زيارات ناجى لھما‬
‫وناجى كان ناجى يكن معزة حقيقية لعالء وكان دائما يفخر به أمام ضباط الجيش‬
‫حين قال لھا عندما ھم باالنصراف‪ - :‬اسمعى انتى أختى الصغيرة أى شىء تحتاجيه‬
‫الذين كانوا يعاملونه بتحفظ على أساس انه ينتمى للشرطة وألمن الدولة لكن ناجى‬
‫كلمينى ولو عالء زعلك أنا اللى ھأقف له‪ ..‬كم كان حنونا وشامخا ‪ ،‬كانت تعتبره أبا‬
‫كان يرى فيه بطوله وشھامة ألنه اعتقد فى عالء االخالص والتضحية برغم منصبه‬
‫ال أخا كبيرا‪ ..‬فى داخلھا تمنت انتصار لو أنھا ھى التى ماتت‪ ..‬أما عالء فقد كانت‬
‫فى مكان حساس‪ ..‬وما إن وصل ناجى الى شقة عالء وفتح له عبد الجبار باب‬
‫ليلة قتل ناجى من أسعد لياليه ألنه كان يعتبر ناجى العقبة الوحيدة أمام طموحاته‬
‫الشقة حتى صرخ فى لھفة وقلق ‪ - :‬عالء فين؟ عمل إيه فى نفسه المجنون؟‬
‫رغم أنه ھو من أعطاه كافة صالحياته وعينه نائبا له إال أن فرصة عالء فى اكتساب‬
‫شعبية كانت ضعيفة فى وجود ناجى الذى كان كالشمس حين تسطع فى أول الصباح‬ ‫وأشار له عبد الجبار على غرفة النوم الرئيسية المقابلة لباب الشقة ودخل ناجى‬
‫نورھا يشع دفئا وبھجة أما عالء فقد كان باردا وكأنه قد من صخر المع أو من لوح‬ ‫مسرعا إلى الغرفة ليفاجأ بعالء جالسا يرتدى مالبسه كاملة وفى يده مسدس وقبل‬
‫جليدى‪..‬‬ ‫أن ينطق ناجى بكلمة واحده انطلقت رصاصة من مسدس عالء تعمد أن تخطىء‬
‫الطريق الى قلب ناجى لتصيب صدره وينزف بغزارة ولكنه يأبى السقوط على‬
‫وفى الصباح استيقظ عالء على مكالمة ھاتفية من مقر القيادة تخبره بأنھم وجدوا‬
‫األرض وھو يتمتم فى ذھول ‪ - :‬مش ممكن‪ ..‬ثم ينظر إلى عالء ويسأله‪ - :‬ليه؟‬
‫ناجى مقتوال فى مكتبه وذھب عالء وقد حاول ان يرسم بعض التأثر على مالمحه‬
‫الجامدة وأمر على الفور بتشكيل لجنة تحقيق انتھت فى نفس اليوم إلى إدانة عدد‬ ‫يجيبه عالء فى برود ‪ - :‬ياروح ما بعدك روح ‪ ..‬انت كنت عايز تزيحنى من طريقك‬
‫من ضباط الجيش الذين اعترضوا قبل ذلك على تعيين عالء وھو من الشرطة كنائب‬ ‫مكانش قدامى غير كده‬
‫لناجى فى حركة قوامھا ضباط الجيش باألساس‪ ..‬وفى خالل أسابيع قليلة استتب‬
‫‪ -‬انت فاكر الشعب ممكن يسكت على قتلى؟ ابتسم عالء فى سخرية وضغط بقوة‬
‫األمر لعالء بعد أن أصبح الرجل الثانى فى الدولة رسميا واألول فعليا وبدأت انتصار‬
‫على جرح ناجى وھو يقول‪ - :‬يا ناجى يا حبيبى الشعب المصرى بقى أوسخ من‬
‫تشعر بغثيان شديد بعد مقتل ناجى‪ ،‬غثيان لم يعد اى شىء يسكنه‪ ،‬رغبه حارقة‬
‫حكامه‪ ..‬ھم ناجى بقول شىء ما لكن رصاصه انطلقت من مسدس عبد الجبار‬
‫وجامحة فى التطھر جعلتھا تصارح عالء بأنھا فى حاجة ماسة لزيارة طبيب نفسى‬
‫وأصابت رأسه أخرسته لألبد‪ ..‬وتوجه عالء إلى مكتب ناجى وأحرق كل األوراق‬
‫وكل مرة كان يقابل رغبتھا ھذه بالسخرية وبأن عقدھا تستعصى على أطباء العالم‪،‬‬
‫التى تدينه ووضع جثة ناجى على مقعده فى المكتب وذھب إلى الزمالك ليجد انتصار‬
‫وكأنه نسى أن أغلب ھذه العقد كان ھو السبب المباشر لھا‪..‬‬
‫‪٤٤‬‬ ‫‪ ‬‬

‫المبتسرة فوجد اسمھا‪ ،‬رغم مرور أكثر من عامين على آخر لقاء بينھما لم يستطع‬ ‫ذات مساء واجھته بقوة وبأنھا ستذھب إلى الطبيب النفسى حتى لو اضطررت إلى‬
‫أن ينساھا بل ولم يحاول وظل اسمھا مسجال فى ذاكرة ھاتفه وفى ذاكرة قلبه‪ ،‬قلبه‬ ‫فعل ذلك رغما عنه وبأنھا لو كانت سوية نفسيا لما قبلت الزواج من جماد مثله‪..‬‬
‫الذى انتفض فى عنف مكذبا عيناه عندما رأى اسمھا يضىء شاشة ھاتفه‪ ..‬وضع‬ ‫ولم تكمل فقد انھال عليھا الضرب من حيث ال تدرى حتى سقطت مغشيا عليھا‬
‫وائل ھاتفه فى اضطراب أدى إلى إسقاط فنجان القھوة فوق األوراق وحاول التماسك‬ ‫وعندما أفاقت كان جالسا على األريكة يرتدى حذاءه تأھبا للخروج وقبل أن يتناول‬
‫وبدأت التساؤالت تجتاح كيانه ترى ھل أخطأت فطلبت رقمه عن طريق الخطأ؟ أم أن‬ ‫مفاتيح السيارة ھمس لھا‪ - :‬اعمليھا وھتشوفى الجحيم بعينك ‪ ..‬ھخليكى تتمنى‬
‫زوجھا ھو الذى رأى اسمه فھاتفه للتاكد من ھوية صاحب الرقم؟ حتى وإن كان‬ ‫الموت عشان ترتاحى من العذاب اللى ھتشوفيه انتى وأھلك‪ ..‬ثم تركھا ومضى إلى‬
‫األمر كذلك قرر وائل أن يتصل وليحدث ما يحدث‪ ،‬وبالفعل اتصل وائل وقطعت‬ ‫شقة فيصل‪ ،‬كانت تعلم أين يذھب كل ليلة وماذا يفعل ولم تعترض يوما وال حاول ھو‬
‫انتصار بكاءھا لترد من بين دموعھا‪ - :‬ألو‪ ..‬تنھد وائل تنھيدة كادت تحرق قلبه‬ ‫اخفاء ما يفعله بل كان يحدث عشيقاته أمامھا ويتغزل فى مفاتنھن ويقارن بينھن‬
‫وھو يھمس‪ - :‬وحشتينى‬ ‫وبينھا حتى فى أكثر لحظاتھما خصوصية‪ ،‬ولوھله فكرت أن تذھب اليه وتفضحه‬
‫وفى داخلھا لم تجد إال صورة واحدة تمأل كيانھا صورة طاھرة لرجل بحق كان أجمل‬
‫‪ -‬ممكن أشوفك؟‬
‫شىء حدث لھا ولكنه أتاھا فى الوقت الخطأ ‪ ..‬لقد كانت ھى من تركته وھربت منه‬
‫‪ -‬أكيد‪ ..‬ولم تنتظر انتصار‪ ..‬أنھت المكالمة وارتدت ملالبسھا على عجل وذھبت الى‬ ‫ولكنه لم يكن ھروب خداع أو استغناء بل كان أقرب إلى ھروب الليل من النھار‪،‬‬
‫منزله ولم يكد يفتح الباب حتى ارتمت بين ذراعيه وغابت فى بكاء مرير وھى تردد‪:‬‬ ‫ھروب الجبان من الشجاع‪ ،‬ھروب الباطل من الحق‪ .‬شعرت انتصار أنھا فى أمس‬
‫الحاجة لوائل ‪ ،‬كانت تحتاج حمايته من بطش عالء ومن ذلك الجالد الذى يحتل‬
‫‪ -‬سامحنى‪ ..‬أرجوك سامحنى يا وائل أنا حاولت أعيش من غيرك مقدرتش‪..‬‬
‫ضميرھا ويتلذذ بعذابھا وإغراقھا فى النجاسة والوحل‪ ،‬عيناه الواسعتين البريئتين‬
‫حاول وائل تھدئتھا بال جدوى فأدخلھا وقال لھا‪ - :‬احنا مش لوحدنا يا انتصار‬ ‫بدا وكأنھما ميناء سالم لھا ودون وعى منھا امتدت يدھا إلى ھاتفھا المحمول‬
‫تماسكى شوية أرجوكى‪ ..‬وأفاقت انتصار من انھيارھا فوجدت بيتر يقف بالبيجامة‬ ‫وطلبت رقمه‪ ،‬لم تجد صعوبة فى تذكر الرقم فھى أبدا لم تنساه ‪ .‬ترى ھل مازال‬
‫مذھوال من تلك الزائرة الجميلة المنھارة ومن الجانب األيمن خرج النمنم وھو‬ ‫يحتفظ بنفس الرقم ؟ وسمعت جرس الھاتف ولم تحتمل أعصابھا أكثر من ذلك‬
‫يرتدى مالءة مطبخ وفى يده مغرفة وعندما رآھا تقدم نحوھا فى فضول شديد‬ ‫فأغلقت المكالمة وانھارت فوق األريكة تبكى‪.‬‬
‫وسألھا ووجھه يكاد يلتصق بوجھھا ‪ - :‬ھى المزة زعالنة ليه؟‬
‫كان وائل فى نفس الوقت يكتب مقالة عن ضحايا ما سمى بفترة االصالح السياسى‬
‫تراجعت انتصار وقالت وھى تتشبث بوائل ‪ - :‬ملكش دعوة ‪ ..‬أنا جايه لوائل‬ ‫فى مصر وكانت انتصار ‪ -‬من وجھة نظره‪ -‬نموذجا مثاليا للضحية كما كان أوديب‬
‫نموذجا مثاليا للبطل التراجيدى بمعايير المسرح اإلغريقى أما ناجى فقد مثل لوائل‬
‫ھرش النمنم شعره الذى أغرقه الفازلين ثم قال بابتسامة بلھاء‪ - :‬أنا وائل ‪..‬‬ ‫بطال إغريقيا صميما سعى وراء معرفة الحق وكلما عرف أكثر تألم أكثر وبيده رسم‬
‫وزجره وائل ثم أخذه بيتر بصعوبه ليعيده الى المطبخ وھو يھتف‪:‬‬ ‫نھايته عندما أحاط نفسه برجال ال ھم أكفاء وال شرفاء وأدرك وائل كما أدرك‬
‫كثيرون من الشعب أن ناجى قد قتل على يد رجاله ولكن أحدا لم يحرك ساكنا‪ ،‬وفجأة‬
‫‪ -‬طب اعتبرينى وائل ‪ ..‬يا سالم مزة مزة يعنى‬ ‫سمع وائل رنين ھاتفه ونظر إلى الشاشة فى فضول ليعرف صاحب المكالمة‬
‫‪٤٥‬‬ ‫‪ ‬‬

‫ولو لمرة وشعرت انتصار أنھا بين أخويھا ومعھا حبيبھا والطبيب المعالج كانت‬ ‫دخل وائل وانتصار إلى غرفة المعيشة وجلسا على األريكة فى صمت طويل وكل‬
‫تتمنى لو تقضى باقى حياتھا ھكذا‪ ..‬كانت الساعات القليلة التى تقضيھا فى بيت وائل‬ ‫منھما يتأمل اآلخر ويرى ما تغير فيه وبادرھا وائل‪ - :‬انتى خلعتى الحجاب؟‬
‫تھون عليھا كل شىء وبدأت شجاعتھا تزيد يوما بعد يوم حتى أنھا بدأت تغلق باب‬
‫‪ -‬لبسته غصب وخلعته غصب‪..‬‬
‫غرفتھا ليال بالمفتاح غير عابئة بغضب عالء وال باندھاشه للتغير الطارىء الذى بدا‬
‫عليھا ونفورھا الشديد منه بل وعصيانھا عليه حتى نظرات الشك والوعيد الصامت‬ ‫نظر لھا متسائال فقالت‪ - :‬ھو قال لى اخلعيه مش عايز مراتى تبقى شبه الغفر‪..‬‬
‫لھا أثناء تناوله الطعام لم تثر داخلھا الخوف وال حتى ارتابت لوھله أنه يكترث‬
‫تعجب وائل فى داخله تساءل ل ماذا تركته انتصار وتزوجت عالء وھى تكرھه‬
‫ألمرھا‪.‬‬
‫لدرجة انھا ال تريد ذكر اسمه فتشير إليه بـ"ھو"؟ ولماذا عادت اآلن وھى فى ھذه‬
‫ومرت أسابيع وھى على تلك الحالة حتى شعرت بالتعافى التام والحظ وائل ذلك‬ ‫الحالة؟ وكانھا سمعته فقالت أنھا ستخبره بكل شىء منذ طفولتھا وصارحته بكل‬
‫فبادرھا بأنھا البد أن تطلب الطالق من عالء وأنھا ال يصح أن تفنى عمرھا تحت‬ ‫شىء لم تصارحه بشىء أبدا عندما كانا سويا‪ ،‬كانت دائما غامضة وحزينة وشارده‬
‫قدمى شخص بساديته وال بسمعته السيئة ونظرت اليه انتصار والدموع تمأل عينيھا‬ ‫واليوم فقط عرف كل شىء وفھم كل شىء‪ ،‬لماذا احتملت كل ھذا الحزن وحدھا؟ آه‬
‫ثم أمسكت يديه وأخبرته أنھا ستفعل ذلك من أجله ومن أجل أن يظال سويا وشردت‬ ‫لو كانت صارحته لما كان تركھا أبدا‪ ..‬كان سيدافع عنھا ويحميھا ولو كلفه األمر‬
‫ببصرھا وھى تتخيل حياتھما معا وطفل صغير يشبه وائل واستمر حديثھا الشارد‬ ‫حياته لكنھا فضلت الفرار وھا ھى تعود اليه محطمة وفى حزم قال لھا‪:‬‬
‫دون أن تالحظ يد وائل التى انسحبت من يدھا وعيناه اللتان ابتعدتا فى اتجاه آخر‪..‬‬
‫‪ -‬انتى الزم تروحى لطبيب نفسى‬
‫نعم لقد أحبھا بكل جوارحه ولم يستطع نسيانھا فى سنوات الغياب إال أنه بعد عودتھا‬
‫شعر بانكسار فى قلبه ربما لو لم تكن صارحته بالحقيقة كاملة بكل فجاجتھا‪ ،‬لقد‬ ‫‪ -‬عالء لو عرف ھيدبحنى‪ ..‬وتنظر إلى خارج الغرفة فى حذر وارتياب فيطمأنھا‬
‫تغيرت انتصار لم تعد تلك المرأة التى أحبھا وأحب صمتھا وغموضھا وتماسكھا‪ ،‬لو‬ ‫وائل أن النمنم وبيتر صديقان وفيان له وانھما لن يبوحا بسرھا‬
‫كانت احتفظت ببعض ھذا الغموض؟ لكنھا عندما عادت وصارحته كل ما خفى عنه‬
‫مات جزء من حبھا داخله وحل محله نوع من أنواع الشفقة والمسئوليه تجاھھا‬ ‫وطالت جلستھما ساعتين وثالثة لم يقطع حديثھما سوى النمنم الذى كان يدخل‬
‫ألنھا كانت حبيبته فى يوم من األيام وال يمكن أن يتركھا فى مھب الريح بمفردھا‪.‬‬ ‫عليھما من وقت آلخر بحجة تقديم مشروب أو أخذ مطفئة سجائر وانتھى اللقاء على‬
‫كانت تلك اللحظة من أصعب االوقات التى مرت على وائل‪ .‬وھم بمصارحة انتصار‬ ‫وعد بأن يتكرر وخرجت انتصار من بيت وائل وھى تشعر بأمان غير عادى كان‬
‫بكل ما فى داخله فھو أبدا ال يرضى اعطاءھا أمال كاذبا فى حياة مشتركة بينھما لوال‬ ‫لديھا فى تلك اللحظة قدرة على تحدى أكثر القوى بطشا فى العالم‪ .‬خرجت وقد‬
‫أن سمع النمنم يھتف ويسب فى حماس ثم ما لبث ان دق على الباب بعنف مطالبا‬ ‫استردت شعورھا بالكرامة واألنوثة والسعادة‪ .‬وبمجرد أن وصلت إلى منزلھا نقلت‬
‫وائل بالخروج فورا‪ ،‬وخرج وائل لتسمعه انتصار يھتف فى سعادة ويرحب بشخص‬ ‫أشياءھا خارج غرفة عالء فقد آن األوان ألن توقف بيدھا حفالت التعذيب التى كان‬
‫ما ويسأله عن سبب غيابه المفاجىء‪ ..‬وسمعت بيتر يقول للزائر المفاجىء‪ - :‬تعالى‬ ‫يقيمھا على شرف كرامتھا وآدميتھا ليلة بعد ليلة‪ ..‬كان االمل يغمرھا بعد وعد وائل‬
‫بقى لما اعرفك بالسكرة اللى نورت البيت مؤخرا وانفتح باب غرفة الجلوس لتراه‬ ‫لھا بأنه سيأتى بصديق له يعمل طبيبا نفسيا ليعالجھا فى منزله دون أن تضطر إلى‬
‫انتصار وجھا لوجه أمامھا‪ ..‬وجدت نفسھا أمام عبد الجبار‪..‬‬ ‫الذھاب إلى عيادة الطبيب وقد كان وبدأت جلسات العالج فى منزل وائل وبين النمنم‬
‫وبيتر عرفت الضحكة طريقا الى انتصار بعد غياب سنوات لم يرتفع صوت ضحكھا‬
‫‪٤٦‬‬ ‫‪ ‬‬

‫انھارت انتصار تماما بمجرد أن رأت عبد الجبار أمامھا‪ ،‬شعرت كأن أذنيھا فقدتا‬ ‫ألول مرة فى حياته يشعر عالء أن بداخله بركان‪ ،‬كان دوما باردا ال شىء يفلح فى‬
‫القدرة السمع وان عينھا لم تعد ترى إال ضباب حتى احساسھا فقدته لم دة لم تدرك‬ ‫ھز ثقته بنفسه أو إتالف أعصابه لكنه لم يتعرض لمثل ھذا الضغط من قبل وقد كان‬
‫دقائق كانت أم ساعات؟ صارت يدھا وكأنما قدت من جليد وراح العرق يتصبب من‬ ‫الشىء الوحيد الذى يستفزه ھو أن يشعر أن زمام األمور قد أفلت من يده‪ ،‬فانتصار‬
‫جبھتھا وبدأت ترتجف وراحت دقات قلبھا تتسارع حتى شعرت أن أحدا قد ألقاھا من‬ ‫أصبحت فجأة تعصاه وتھرب منه بل وتواجھه بحده وتقاوم ضربه لھا بعد أن كانت‬
‫السماء السابعة وتركھا تخترق الغالف الجوى بجسدھا األعزل وأسرع نحوھا وائل‬ ‫تستمتع باالھانة وتستلذ بالتعذيب‪ ،‬ومجموعة ضباط الجيش انقلبوا عليه وبدأ‬
‫وھو يحاول معرفة ما أصابھا بينما وقف كل من النمنم وبيتر فى حالة ذھول وقلق‪،‬‬ ‫عصيان أوامره على اعتبار أنه ضابط شرطة وأن الحركة قوامھا رجال الجيش وھم‬
‫أما عبد الجبار فقد ھاجت شھوته وھو يتذكر لقاءاتھما الساخنة فى شقة عالء‬ ‫األحق بالقيادة ولم تفلح الرشاوى وال خطط التفريق بينھم فى ردع مواجھتھم له‬
‫وجلس على األريكه بجوارھا وبدأ يتحسسھا بدعوى محاولة افاقتھا فنظرت له فى‬ ‫واطاحتھم برجاله المقربين الرجل تلو اآلخر مرة بقضية فساد ومرة بحادث اغتيال‬
‫رعب شديد وسقطت مغشيا عليھا فحملھا وائل بين ذراعيه وذھب بھا الى غرفة‬ ‫حتى صارت األرض تميد من تحت قدميه‪ ،‬حار عالء أشد الحيرة وراح يراجع قصة‬
‫النوم وتبعه عبد الجبار لكنه أوقفه بنظره حادة من عينيه فعاد إلى غرفة الجلوس‬ ‫حياته منذ طفولته ألب ضابط شرطة وأم تعمل معلمة بالمرحلة االبتدائية وكيف كان‬
‫وھمس إلى النمنم‪:‬‬ ‫ولدا وحيدا بعد وفاة شقيقه التوأم ‪ ،‬كانت أوامره كلھا مجابة لوم يشعر بالحرمان‬
‫مرة رغم أن والده لم يكن ثريا والمفترض أنه لم يكن يملك سوى مرتبه‪ ،‬كانت فترة‬
‫‪ -‬ھى ال‪..‬المزة د ‪ ..‬دى خصوصى لألستاذ ؟ انت والخواجه ايه نظامكو؟‬
‫طفولته جميلة وكان يعامل من الكل على أنه ملك متوج‪ .‬مازال عالء يذكر ذلك اليوم‬
‫عاتبه النمنم فى غضب‪ - :‬عيب عليك يا عبده ‪ ..‬دى خطيبة األستاذ‬ ‫الذى خالفه فيه احد العساكر عند والده حيث كان عالء يريد أن يركب العسكرى‬
‫كحمار ويمشى به فى النادى أمام أصدقائه ولكن العسكرى رفض وقال له‪ - :‬أنا مش‬
‫ولكن عبد الجبار ابتسم فى سخرية وأصر على مكاشفة النمنم وبيتر‪ ،‬حيث أخبرھم‬
‫حمار أنا بنى آدم زيك‪ ..‬يومھا ذھب عالء إلى والده متظاھرا بالبكاء فما كان من‬
‫أن التى يحسبونھا خطيبة وائل ما ھى إال مومس وانه بنفسه قد مارس معھا الجنس‬
‫والده إال أن أجبر العسكرى على االنحناء وقال لعالء‪ - :‬اركبه واديله بالجزمة‪..‬‬
‫مرات عديدة وعلى استعداد أن يخبر األستاذ بعالمات فى جسدھا‪ ..‬وواجھه بيتر بأنه‬
‫وبالفعل ركب عالء وراح يسوس العسكرى بالحذاء بدال من الكرباج ومن يومھا لم‬
‫ال يصدقه فما الذى يجعل واحدة مثل انتصار تعرف عبد الجبار وأمثاله‪ ،‬وحكى لھم‬
‫ينزل عالء كان دائما فى وضع الركوب يدوس بحذائه على أى شىء وعلى أى‬
‫عبد الجبار حكايته معھا‪.‬‬
‫شخص فى سبيل فعل ما يسعده ويريح باله‪ ،‬حتى أنه كثيرا كان يخيل إليه أن القدر‬
‫استردت انتصار وعيھا فشھقت برعب ولكن وائل طمأنھا وعندما ھدأت نفسھا‬ ‫يسير وفق ھواه إال ھذه األيام وكأن القدر قد شاء على حين غرة أن يتحدى إرادته‬
‫سألھا عن سبب ارتباكھا فصارحته أن عبد الجبار ھو نفسى العسكرى الشرس الذى‬ ‫ويقف فى سبيل طموحه حتى شعر أنه على شفا الجنون ولم يكن عالء ليرضى أبدا‬
‫كان خادما مطيعا لعالء وشاركه جريمته فى حقھا‪ ،‬ولكن وائل طمأنھا بأن عبد‬ ‫بالھزيمة ولو اضطره األمر للتحالف مع الشيطان فى سبيل الحفاظ على كل ما وصل‬
‫الجبار قد تغير تماما وروى لھا قصة خالفه مع عالء وكيف غدر به ولكن انتصار‬ ‫إليه وتحقيق ما يحلم به من الوصول إلى رأس الدولة ولكن ھدفه ھذه المرة ليس‬
‫أصرت على أن تترك المنزل حاال وھو ما فعلته‪..‬‬ ‫مع تقال ضعيفا وال فتاة غريرة ان عدوه ھذه المرة ھو الجيش‪ ،‬كيف سينجح بمفرده‬
‫فى تطويع جيش بھذا الحجم وھو وحده؟ كيف؟‬
‫‪٤٧‬‬ ‫‪ ‬‬

‫خالف ذلك القول نيته فاالقامة معھم تعنى التعرض لالعتقال أو القتل إن آجال أم‬ ‫وحاول عبد الجبار التحجج بأى وسيلة ليلحق بھا ولكن النمنم أبطل حججه وأمسك‬
‫عاجال وبمجرد أن خلد الجميع للنوم ھم عبد الجبار بمغادرة المنزل ولكن النمنم شعر‬ ‫به قائال‪ - :‬عليا الحرام ما انت ماشى قبل ما اغلبك عشرتين طاوله‬
‫به فتبعه إلى باب الشقة وتشبث به مقسما أنه لن يتركه يرحل مرة أخرى ولكن عبد‬
‫وعندما طلب عبد الجبار من وائل االختالء به صده وأخبره بأنه يعلم ما يريد أن‬
‫الجبار أخرسه بلكمة قوية طرحته أرضا ومضى إلى الخارج بسرعة وارتباك جعله ال‬
‫يقوله وھو ما أثار فضول النمنم واستغرابه فھو ال يعلم عن األستاذ أن له عالقات‬
‫يلتفت إلى مفتاح شقة عالء الذى وقع منه على الباب والتقطه النمنم وعاد إلى غرفة‬
‫مشبوھة وال انتصار يبدو أنھا واحده من إياھم ولكنه قال لنفسه مبررا ما سمعه من‬
‫النوم وھو حزين ولكن حزنه ھذه المرة لم يكن بسبب فراق عبد الجبار ولكن بسبب‬
‫عبد الجبار‪ - :‬صحيح يا والد ‪..‬القھر وحش‬
‫االكتشاف المؤلم بأن عبد الجبار سيظل كما ھو وبأن عشرتھم الطيبة معه لم يكن‬
‫لھا أثر فيه‪..‬‬ ‫استبد القلق بوائل كان قلقا على انتصار ومندھشا من الظھور المفاجىء لعبد الجبار‬
‫بعد رحيله المفاجىء أيضا وعلى غير عادته فشل وائل فى التحكم فى أعصابه فغادر‬
‫وعاد عبد الجبار الى شقة عالء وعلى باب الشقة اتسعت عيناه فى ھلع وقد اكتشف‬
‫غرفة مكتبه فى غضب وأمسك بتالبيب عبد الجبار وھدده انه سيقتله ويدفنه فى‬
‫أنه أضاع المفتاح وفى توتر شديد بدأ يبحث فى جيوبه وتحت عتبة الباب وع لى‬
‫حديقة المنزل لو لم يصارحه بكل ما حدث منذ تركھم فجأة إلى أن عاد‪ ،‬وأخبره عبد‬
‫الساللم وعندما باء بحثه بالفشل لم يكن أمامه بد من أن يجلس على السلم منتظرا‬
‫الجبار أنه ھام على وجھه ثم ذھب إلى قريته ومكث فيھا ھذه الشھور إلى أن فاض‬
‫وصول عالء فى موعده الذى ال يخلفه كل ليله‪ ..‬وجاء عالء بعد منتصف الليل وقد‬
‫به فلم يعد فى القرية أحد من أھله وال ظل شىء على حاله ھناك فقرر العودة‬
‫بدا عليه اعتالل المزاج وعندما وجد عبد الجبار على السلم استشاط غضبا وغاصت‬
‫لرؤيتھم وعندما سأله وائل إذا ما كان سيقيم معھم باستمرار ارتبك عبد الجبار ثم‬
‫أصابعه فى لحم عبد الجبار وھو يسأ له عن سبب انتظاره بالخارج وحاول عبد‬
‫اجابه بانه سيقيم معه م ولكنه وجد عمال كعتال ولذلك سيخرج إلى عمله ثم يعود‬
‫الجبار اخباره بأنه نزل لشراء بعض لوازم الشقة لكنه لالسف لم يكن معه نقود‬
‫لينام معھم ورغم ان وائل لم يصدقه إال أنه لم يكن ليغلق بابه فى وجه محتاج كما‬
‫عندما توجه الى بيت وائل إال ثمن األجرة مما أبطل حجته وألجم لسانه عندما سأله‬
‫انه اراد ان يكون عبد الجبار تحت نظره فربما يعرف السر الذى يخفيه‪..‬‬
‫عالء عن األشياء التى اشتراھا وفتح عالء باب الشقة ثم دفع عبد الجبار داخل ھا‬
‫وأوسعه ضربا وھو يصرخ فى وجھه بأنه لن يرحمه وأنه سيعيده إلى المعتقل إن لم‬ ‫والحق أن عبد الجبار نفسه لم يكن يعلم ما الذى دفعه للعودة الى بيت وائل لقد كان‬
‫يعترف له لماذا خرج وأين كان ولمن أعطى مفتاح شقته؟‬ ‫يحوم حول البيت ربما ليطمأن أن البيت لم يتعرض لھجوم الجيش وال االخوان‪ ،‬ربما‬
‫تأثر قلبه الحديدى بكرم وائل وطيبة النمنم وتواضع بيتر‪ ،‬لم يكن يدرى سببا لعودته‬
‫وحاول عبد الجبار أن يخترع أى قصة بھا بعض من المنطق ولكنه لم يفلح ولم‬
‫وال كان فى نيته الدخول إلى المنزل لوال أن رآه النمنم من النافذه ولربما أيضا كان‬
‫يسعفه ذكاؤه المتواضع وللمرة األلف فى حياته تحكم فيه خوفه‪ ،‬كانت قلة حيلته‬
‫السبب الذى تركھم من أجله وھو الخوف من الخطر وتنفيذ مخططه لالنتقام من‬
‫تخذله دائما فى أى موقف ال يصح أن يستخدم فيه العضالت الن العضالت كانت‬
‫عالء ونيل المكافأة التى وعده سامى بھا‪ ،‬ربما كان ذلك السبب لم يزل بل وكان‬
‫حيلته الوحيدة وبدونھا كان عاجزا إلى حد الشلل ‪ .‬ولم يستطع إال ان يقول لعالء انه‬
‫الخوف أكثر أن يرى فى بيت وائل الذى كتب يھاجم الشرطة والجيش واالخوان‪،‬‬
‫خرج للشارع بعد أن شعر انه مخنوق وكان ال يقصد اى شىء سوى التسكع قليال ثم‬
‫ربما كان فى وجوده فى منزل وائل خطرا مضاعفا يعرضه لغضب عالء وسامى‬
‫العودة وعندما سأله عالء عن السبب الذى ھز كيانه وجعله يفقد المفتاح ارتبك عبد‬
‫ولكنه اضطر إلى اسكات وائل باخباره أنه سيعود لالقامة معھم من جديد حتى وإن‬
‫الجبار بشدة ولم يجد أمامه سوى أن يخبر عالء بأنه رأى انتصار فى الشارع وبھت‬
‫‪٤٨‬‬ ‫‪ ‬‬

‫لكن عالء ال يعرف اليأس وال يتسامح مع من يخرج عن سيطرته ويعلن التمرد عليه‬ ‫عالء وكساه الصمت والسكون حتى خيل لعبد الجبار أنه قد تجمد فى مكانه فراح‬
‫وقد توجه كالمجنون إلى منزل الزوجيه فى الزمالك ليواجه انتصار ولكنه لم يجدھا‬ ‫يذكره بھا ظنا انه قد نسيھا وبانھا تلك الفتاة فى المعتقل التى كانت تأتى الشقة زمان‬
‫ولم يجد أشياءھا‪ ،‬كل ما تركته كان خطاب تخبره فيه أنھا خرجت لألبد من حياته‬ ‫وانھا وانھا وراح يصف شكلھا ويذكره بھا‪ ،‬إلى أن قاطعه عالء‪:‬‬
‫وتنصحه أال يحاول أن يتعرض المھا ألنھا ببساطة ال تعرف طريقھا ولن تعرفه‪ .‬لم‬
‫‪ -‬وايه يعنى لما تمشى فى الشارع وانت ايه دخلك بيھا‬
‫يفلح تحطيم مرايا المنزل ومزھرياته فى تخفيف غضب عالء وفى ثورة غضبه تلقى‬
‫اتصاال ھاتفيا من مقر القيادة يخبره بوقوع تمرد صغير فى معتقل ليمان طرة الذى‬ ‫ارتبك عبد الجبار ثم قال لعالء انھا لم تكن بمفردھا بل كانت بصحبة رجل واستقلت‬
‫تم تخصيصه لضباط الجيش المنقلبون على الثورة ولرموز النظام السابق وبمواجھة‬ ‫معه سيارته ولم يدر بعدھا عبد الجبار من أين يأ تيه الضرب وبدأ عالء يستجوبه‬
‫بين عناصر مسلحة من اإلخوان وفرقة للجيش وأخى من األمن المركزى انتھت‬ ‫حول شكل وعمر ذلك الرجل وأين رآھما وأين ذھبا وعن شكل السيارة ولونھا‬
‫بسيطرة االخوان على محطة مترو البحوث بعد استسالم فرقة الجيش وانضمام‬ ‫وموديلھا وبدأ عبد الجبار يصف السيارة والرجل ثم يعيد عالء سؤاله فيتغير‬
‫قائدھا لصفوف اإلخوان‪ ،‬وباستدعاء من قائد الثورة يطالبه بالحضور حاال الى مقر‬ ‫الوصف مما يزيد جنون عالء ولم يدر كيف اخرج مسدسه وضرب رأس عبد الجبار‬
‫القيادة‪ ،‬كان كل شىء ينھار من حوله فجأة ليتعقد كل شىء وكأنه دم ناجى يلقى‬ ‫بكعب المسدس ليغشى عليه ويترك عالء فى حيرة وجنون ان زوج انتصار األول ما‬
‫عليه لعنة تطالب بالقصاص‪ ،‬اتجه عالء إلى مقر القيادة وھو يحدث نفسه‪ ،‬لقد اعتقد‬ ‫يزال فى السجن ولم يفرج عنه ‪ ،‬ترى ھل تعرف رجال غيره؟ ومن يكون ولماذا‬
‫أن التخلص من ناجى سيكون خطوة كبيرة فى طريق الصعود ليفاجأ بالعكس تماما‬ ‫يكذب عبد الجبار ويحاول اخفاء ھوية الرجل الذى كان مع انتصار؟‬
‫فقد كان قتل ناجى خطوة فى طريق االنھيار المباغت الذى وقف عقل عالء حائرا‬
‫والتقط عالء سيجارة من علبة السجائر لكنه لم يطق صبرا ليشعلھا فرماھا وقيد عبد‬
‫امامه وعند ھذه النقطة توقف عالء وأوقف سيارته وقد اكتشف انه وللمرة األولى‬
‫الجبار وجاء بدلو ماء وألقاه فى وجھه وراح يركله بقدميه حتى استعاد الوعى فبدأ‬
‫نسى عقله وحكم انفعاالته‪ ،‬لم يكن ليصدق أن قتل ناجى خطأ أو خطيئة فالصواب‬
‫استجوابه من جديد حتى اضطر عبد الجبار لالعتراف بكل شىء فقد كان على غير‬
‫والخطأ عنده كان لھما معيار واحد فقط‪ ..‬مصلحته‪ ..‬فما يوافق مصلحته كان‬
‫استعداد ألن يضحى بمخططه الكبير لالنتقام من عالء والصعود إلى مصاف المرضى‬
‫الصواب بعينه وما كان يخالفھا كان الخطأ بذاته‪ ،‬ومن أجل مصلحته وطموحه كان‬
‫عنھم من قبل االخوان وقد أصبحوا قوة ال يسته ان بھا وقد وعده سامى بمنصب‬
‫البد لعالء ان يقوم عالء بزيارة مھمة جدا قبل التوجه إلى مقر القيادة وقد كان‪.‬‬
‫كبير وبإعادة أرضه وممتلكاته التى سلبھا عالء بدون وجه حق وكالعادة أقنع عبد‬
‫استرد عبد الجبار وعيه وناضل حتى تخلص من قيوده وحاول الخروج ولكن باب‬ ‫الجبار نفسه أن ما باليد حيلة وأنه البد ان يعترف فھو ليس من القوة ليواجه عالء‬
‫الشقة كان مغلقا بإحكام من الخارج ولم يجد أمامه سوى الھرب من نافذة المطبخ‪..‬‬ ‫بك‪ ،‬كما أن اعتراف مثل ذلك لن يضير وائل فى شىء فبرغم انفعال عالء وغيرته‬
‫كان عبد الجبار متيقنا ان ھذه المرة لن يرحمه عالء فھو يفضل أن يقتل لمجرد‬ ‫على ان تصار والتى عجز عبد الجبار عن ايجاد مبرر منطقى لھا إال أنه لم يجد‬
‫الشك وبالطبع لم يكن يستطيع الذھاب مرة اخرى إلى منزل وائل ولذا كان امامه حال‬ ‫غضاضة فى أن يعترف بأنه رآھا مع وائل وقد وصفه ووصف سيارته فقط ولم يقل‬
‫وحيدا ھو الذھاب إلى سامى مرة أخرى فقد عرف عبد الجبار مخبأ عالء وخفاياه‬ ‫اسمه وخطر بباله ان عالء ال يمكن أن يصل إلى وائل من مجرد وصفه ووصف‬
‫التى تتيح فضح كوارثه أمام العامة‪ ،‬من نافذة المنور قفز عبد الجبار إلى مدخل‬ ‫سيارته بدون رقمھا وأنه حتى انتصار لم تعد على عالقة به‪ ،‬ال يمكن أن تكون واال‬
‫العمارة وكان يھم بالخروج عندما اصطدم بانتصار وكانت صدمة لكليھما ولكن‬ ‫كان رآھا فى النساء الالتى يأتين إلى الشقة‪.‬‬
‫‪٤٩‬‬ ‫‪ ‬‬

‫عاد بيتر من الكنيسة مضرجا فى دمائه وفى حالة ذھول مما حدث له ففى الصباح‬ ‫انتصار وقبل أن ينطق بحرف واحد جذبته من ذراعه إلى سيارتھا وقد استجاب‬
‫حاول وائل منعه من الخروج الى الشارع خوفا من استھدافه بعد التھديدات المختلفة‬ ‫تماما ولم يبد أى اعتراض بل اعتقد أنھا قد اشتاقت إليه‪ ،‬وفى السيارة سألھا كيف‬
‫التى تلقاھا من جھات متطرفة ردا على تقارير قدمھا فى برنامجه عن وحشية تيار‬ ‫عرفت بطريقه فأجابته أنھا لم تكن تعرف طريقه ولكنھا كانت آتيه إلى زوجھا لكى‬
‫االسالم السياسى فى مصر‪ ،‬وعن مخالفات حادة للشريعة االسالمية ارتكبھا بعض‬ ‫تفضحه فھى تعرف تماما ما يفعله فى ھذه الشقة فسألھا فى بالھة‪ - :‬ھو جوزك‬
‫رموز ھذه الحركة ولذلك كان وائل ينصحه دائما بتوخى الحذر وھذا الصباح فعل‬ ‫كمان واخد شجه ھنا؟‬
‫معه المستحيل ليقنعه بعدم الخروج ولكنه أصر على حضور الصالة فى الكنيسة‪،‬‬
‫ابتسمت وصارحته بتشفى انھا زوجة عالء وراحت تشرح له كيف تزوجھا وأنھا‬
‫وفى الكنيسة تم ضربه ضربا مبرحا بعد أن اختلف مع بعض الشباب المتعصبين‬
‫كانت متأكده تماما أنه مازال مساعده المخلص وأنه سيشى بھا إلى عالء‪ ..‬وفھم‬
‫الذين ھاجموه بسبب اقامته عند مسلم ورفضه االقامة لدى أحدھم وھو محاسب‬
‫اخيرا عبد الجبار سبب الغضب الرھيب الذى انتاب عالء عندما اخبره انه رأى‬
‫متعصب واضطر بيتر للدفاع عن وائل وعن االسالم مما عرضه لغضبھم االشديد‬
‫انتصار مع رجل آخر‪ ..‬وحكى لھا عبد الجبار أيضا ما خفى عنھا من استيالء زوجھا‬
‫حتى أن واعظ الكنيسة لم تفلح محاوالته لتخفيف الضرب عن بيتر ولكنه لم يفلح‪،‬‬
‫على ممتلكاته والزج به فى أحد المعتقالت بدون أن يأتى على ذكر اتفاقه مع سامى‪..‬‬
‫وتم طرد بيتر من الكنيسة ليخرج وھو متاكد أن الكنيسة االرثوذكسية لم تعد مكانا‬
‫لدين الرب بل مكانا للكره والحقد وتأليب شعب الكنيسة على أتباع الديانات األخرى‬ ‫وبمجرد ان فرغ من قصته ابتسمت انتصار وأخبرته انھما البد ان يتفقا على تدمير‬
‫بل وعلى الملل المسيحية األخرى‪ .‬تذكر بيتر أبواه األرثوذكسيان وحرصھما على‬ ‫عالء فابتسم ابتسامة أظھرت أسنانه المتسوسه وأضفت عليه قبحا اضافيا‪ ،‬واخبرھا‬
‫الصالة كل أحد فى الكنيسة‪ ،‬أى كنيسة‪ .‬كانت والدته تقول أن كلھا بيوت الرب وكل‬ ‫انه موافق على قتل عالء ولكن بشرط وحيد وھو أن تھبه نفسھا اآلن وتتزوجه بعد‬
‫بيت للرب صالح للصالة والعبادة‪ .‬وتساءل بيتر لماذا لم تعد تلك الكنائس بيوتا للرب‬ ‫مصرع عالء‪.‬‬
‫لمجرد أن قال أحدھم بحرمانية الصالة فيھا؟ وكيف تستطيع كلمة واحدة من رجل‬
‫لوھلة ترددت انتصار فكيف تعود إلى الوحل بعد أن من ﷲ عليھا بالشفاء؟ ولكنھا‬
‫دين أن تھدم أساس عقيدة قوامھا كان الحب والتسامح؟ لقد سمع وقرا الكثير عن‬
‫كانت يائسة وفكرت انھا قد نجست جسدھا كثيرا بال طائل وبال مقابل وبال سبب‬
‫اضطھاد االقباط فى مصر ولكنه عندما ترك الواليات المتحدة االمريكية ليستقر فى‬
‫سوى الخوف‪ ،‬اذن فلتنجسه مرة واحده أخيرة للخالص من ذلك الوغد الذى دمر‬
‫مصر بحكم عمله لم يجد فى األقباط مالئكة وال فى العرب ‪ -‬كما كان يسمى المسلمين‬
‫حيات ھا فوافقت وكان عليھما البحث عن مكان ال يخضع لسلطة االخوان واال لقتال‬
‫فى مصر‪ -‬شياطين بل وجد قطعانا من المشاة يسوقھا رجال الدين أنى شاؤوا‬
‫فى التو واللحظة وأقيم عليھما حد الزنا ‪ ،‬وأيضا مكان ال يخضع للجيش وقد صار‬
‫ولألسف كانت مشيئة رجال الدين فى كال الطرفين تميل الى الدم والعنف وحب‬
‫عالء متحكما فى بعض رجاله وھاما بالسيارة على الطرق النائية وحاولت انتصار‬
‫السيطرة وكراھية اآلخ ر‪ .‬واندھش بيتر أنه لم يصبح متدينا ولم يفكر فى الصالة فى‬
‫ان تتحجج بعدم وجود مكان وبانه من األجدر به ما ان يؤجال اللقاء ولكن عبد‬
‫كنيسته اال بعد ان أقام بين وائل والنمنم ورأى بعض المظاھر الدينية عندھم وشعر‬
‫الجبار لم يكن على استعداد ألن يسمعھا فلقد اشتعل جسده والبد أن يطفأه حاال بغض‬
‫بصلة غريبة بين حرص وائل على صالة الجمعة فى المسجد وان كانت الشوارع‬
‫النظر عن أى شىء ولذا فقد وجد ضالته فى عشش الزبالة على الطريق الدائرى‬
‫غيرآمنة وبين حرص والده على الصالة كل أحد فى الكنيسة‪ ،‬بل لقد راود بيتر‬
‫وبتھديد السالح فتحت له احدى العشش وغاصت انتصار فى الوحل برضا تام ھذه‬
‫شعور غريب أن مصريته لن تكتمل إال ان أصبح متدينا مواظبا على ارتياد الكنيسة‬
‫المرة ألنھا كانت تعلم فى داخلھا أنھا ستكون المرة األخيرة‪.‬‬
‫والتناول‪.‬‬
‫‪٥٠‬‬ ‫‪ ‬‬

‫ولدھشته الشديده وجد ضابطا برتبة مقدم يترجل منھا ويدخل المنزل مسلما على‬ ‫ووصل بيتر الى منزل وائل ليجد النمنم يبكى ويلطم خديه وعندما راى بيتر والدماء‬
‫وائل بحرارة واصطحب بيتر وحقائبه الى السيارة وعلى الباب قال له وائل وقد بدأ‬ ‫تنزف من جسده زادت حدة اللطم فجزع بيتر وساله عن سبب ما يفعله وعندما‬
‫العرق يتصبب من جبينه وجسده بغزارة‪:‬‬ ‫صارحه النمنم بأن وائل قد تلقى تھديدا من شعبة القصاص والحرابة فى جماعة‬
‫السلف الصالح‪ -‬وھى جماعة تكفر الجيش واالخوان معا‪ -‬بالقتل واحراق المنزل بمن‬
‫‪ -‬مش ھاوصيك يا باسم‬
‫فيه حتى انتابت بيتر حالة من الضحك الھيستيرى وھو ال يكاد يصدق ما يحدث فقد‬
‫‪ -‬فى عينيه يا وائل مش ھاسيبه غير لما اطمن انه فى الطيارة وانھا اقلعت‪..‬‬ ‫كانت المشكلة منذ سنوات قليلة بين المسلم وجماعة من المسيحيين أو العكس لكن‬
‫واحتضن بيتر وائل بشدة وانضم لھما النمنم وھو يتشبث بكليھما وكأنه طفل صغير‬ ‫أن تصبح المشكلة بين المسيحى والمسيحى وان يصير االقتتال بين المسلم والمسلم‬
‫بين أبيه وأمه ووقف وائل والنمنم خارج المنزل يلوحان للسيارة التى أقلت بيتر‬ ‫فى نفس الوطن فھذا ھو شر البلية وشر البلية ما يضحك وما ھى اال دقائق قليلة‬
‫حتى غابت عن نظرھما‪ ..‬وسقط وائل على األرض فحمله النمنم إلى الداخل ووضعه‬ ‫حتى دخل وائل الى المنزل وھو يضع يده على قلبه فأسرع بيتر اليه ملھوفا وكف‬
‫على األريكه التى فى المدخل وكان وائل غير قادر على التنفس بشكل طبيعى فالتقط‬ ‫النمنم عن البكاء ونظر نحو وائل فى فزع يحاول تفحصه واالطمئنان أنه بخير‬
‫النمنم الھاتف وراح يبحث عن رقم الطبيب ولكن وائل اشار له أن يقترب فجلس‬ ‫وطمأنھما وائل بأنه بخير ثم اخرج تذكرة طيران وأعطاھا لبيتر الذى تناولھا ونظر‬
‫النمنم على األرض بجوار األريكة وھو يبكى وصارحه وائل بأنه ال فائدة فھو يرى‬ ‫فيھا مدققا ثم سأل وائل مندھشا اذا ما كان ينوى السفر الى الواليات المتحدة‬
‫أشباح الموت أمامه وبأن الطبيب لن يدركه فازداد بكاء النمنم ولكن وائل منعه قائال‪:‬‬ ‫االمريكية ولكن وائل قال له‪:‬‬

‫‪ -‬اللى يحب البلد دى ويشيل ھمھا فى زمن صعب زى ده الزم يتجنن أو يموت‬ ‫‪ -‬انت اللى ھتسافر يا بيتر القناة بتاعتك فجروھا النھاردة والتھديد بالقتل فى‬
‫بالقلب‬ ‫انتظارك من الجماعات المتشددة عندنا وعندكم وانت مش واخد على الحياة ھنا‬
‫و‪...‬قاطعه بيتر ثائرا وقال انه لن يترك مصر مھما حدث فھو مصرى مثلھم تماما‬
‫وابتسم وائل ابتسامة طالت وطال الصمت حتى عندما طلب النمنم الطبيب وجاء‬
‫وليس أقل منھم وطنية ليترك وطنه فى ھذه الظروف الصعبة وھو ليس جبانا‬
‫الطبيب وأكد أن قلب وائل قد توقف‪ ،‬حتى وھم يغسلونه ظلت االبتسامة المرة‬
‫ليھرب‪ ..‬ولكن وائل رفض ان يستمع اليه قائال انه ھذه المرة لن يلتزم الديموقراطية‬
‫الحزينه على وجھه وأبت عينيه االنغالق حتى كفنوه وكأنه كان ينتظر أن يرى شيئا‬
‫التى آمن بھا عمره وقال لبيتر أن وجوده خارج مصر سيكون أكثر نفعا فقد تم‬
‫ما قبل الرحيل وكأن نظره يأبى النوم قبل أن يرى ما تمنى‪..‬‬
‫قصف االقالم الحرة أو استعبادھا بالمال او االرھاب ووجوده فى امريكا سيكون‬
‫كانت الجنازة شبه سرية ليس بھا سوى النمنم وشقيق وائل وضابط الجيش الذى‬ ‫مھما وسيوفر لوائل الحرية فى ارسال ونشر المقاالت التى تتم مصادرتھا فى مصر‬
‫أوصل بيتر إلى المطار‪ .‬ألول مرة يشعر النمنم باليتم ورغم أن فارق السن بينھما لم‬ ‫كما أنه بعد أن رأى المھازل التى تحدث فى الوطن سيكون خير داعيا للقضية‬
‫يكن كبيرا إال أن وائل كان بمثابة أب له كان ھو من ثقفه وعلمه وآواه حتى ل قد‬ ‫الوطنية فى الخارج وانه ربما يقوم بجھود فعالة للحول دون خطة غزو مصر‪ ،‬كان‬
‫كتب له المنزل مناصفة مع بيتر وترك باقى ممتلكاته ألھله‪ ،‬كيف غاب وھو بعد فى‬ ‫وائل يتحدث والدموع تسيل على خدى بيتر تأثرا بالفراق والن وائل كان قد رتب كل‬
‫عنفوانه كيف لم يحتمل قلبه الحياة؟ ووصلت الجنازة إلى المقبرة ليجد النمنم‬ ‫شىء النقاذ صديقه ماھى اال دقائق حتى جاءت سيارة تابعة للجيش وولول النمنم‬
‫تجمھرا كبيرا لم يتخيله كان تجمھر غريب به كتاب ومشاھير وبه بسطاء ساعدھم‬ ‫خوفا من ان تكون قد جاءت العتقال وائل الرائه المتشددة ضد الحكم العسكرى ولكن‬
‫‪٥١‬‬ ‫‪ ‬‬

‫ساقين وكيف تفعل وھى حتى ال تملكھما؟ وفتح عبد الجبار باب الشقة ولكنه لم‬ ‫وائل كل ھؤالء جاؤوا رغم التھديدات والتحذيرات ورغم أنف اإلخوان ورغما عن‬
‫يغادرھا فقد وجد عالء أمامه ومعه مجموعه عرف عبد الجبار من زيھم ولحاھم إلى‬ ‫العسكر‪.‬‬
‫من ينتمون‪.‬‬
‫فى المدافن عرف النمنم كم كانت حياة وائل غالية وكم كان رجال عظيما وفى‬
‫وأسرعت انتصار الى المطبخ وعالء يتلو على عبد الجبار تھمته وھى الزنا‬ ‫المدافن عرف النمنم ما كان يعنيه وائل النتصار عندما رآھا تنھار على قبره باكية‬
‫وعقوبته وھى القتل وخرجت انتصار وقد احمر وجھھا وتھدجت انفاسھا غضبا‬ ‫حتى فقدت الوعى ورأى معجزة عندما لمح دمعه تلمع فى عيون عبد الجبار القاسية‬
‫وغال وھى تصرخ‪ - :‬بس انت نسيت يا عالء بيه‪ ..‬ثم قالت بسخرية وھى تنظر إلى‬ ‫وعلى باب عينيه وقفت غلظته حائال بينھا وبين وجنتيه‪.‬‬
‫لحيته الصغيرة‪ :‬قصدى يا شيخ عالء أنه عبد الجبار مش محصن يعنى يتجلد بس‬
‫وعاد النمنم الى بيت وائل وجلس فى غرفة المكتب بين الكتب وراح يقرأ ويقرأ فى‬
‫مش اعدام وقفزت نحو عالء شاھرة سكين مطبخ ليعاجلھا أحد الرجال بسيف فيقطع‬
‫البداية كانت القراءة تشكل عبئا عليه وكان يتعتع ولكن فى آخر الليل كان يقرأ‬
‫رقبتھا‪ ،‬بينما اقترب رجالن من عبد الجبار وشال حركته بعد أن شلت الصدمه لسانه‬
‫بسالسة أدھشته كما أدھشه أن القراءة كانت تعزيه وتخفف أالم الفراق‪.‬‬
‫تماما واقترب السياف من عبد الجبار وقال له عالء وھو يقلب جثة انتصار بين‬
‫قدميه‪ - :‬اتشاھد يا عبده يمكن ربنا يرضى عليك‬ ‫قضى النمنم شھورا طويلة فى القراءة‪ ،‬شھورا صدر فيھا قرار بمنع بيتر من دخول‬
‫مصر ووضعه على قوائم الترقب‪ ،‬شھورا زادت االوضاع سوءا وسط ترقب اجتياح‬
‫ونظر له عبد الجبار بغل شديد ثم قال ودون ان يتلعثم‪ - :‬لو فيه ربنا مكانش كل ده‬
‫أمريكى وبين مناقشات فى الكونجرس والكنيست عن نوع االجتياح واذا ما كان‬
‫يحصل ولو فيه ربنا يبجى انا استحج الجحيم النى فى يوم خدمت كلب زيك‪..‬‬
‫يفضل ان يكون امريكيا اسرائيليا أم تكتفى أمريكا بالضرب جوا وتترك االجتياح‬
‫ونظر عالء الى السياف وارتفع السيف ثم ھوى وسكت عبد الجبار إلى األبد‪..‬‬ ‫البرى السرائيل وعن إمكانية استخدام السالح النووى فى مصر من عدمھا‪..‬‬
‫ليبتسم عالء فى راحة وظفر فقد عرف من أين تؤكل الكتف‪..‬‬
‫فى تلك الشھور أدمنت انتصار الخمر والحشيش وكل ما كانت تطوله يد عبد الجبار‬
‫ولكن جھاز االسلكى الذى يحمله أطلق صافرته ليرد على سامى الذى كان يعوى‪- :‬‬ ‫من مخدرات وممنوعات يزوده بھا أصدقاؤه فى مكتب سامى بك أو االخ سامى كما‬
‫أمريكا بتضرب المطارات واسرائيل دخلت سينا يا أخ عالء وانا اخترتك تتقدم‬ ‫كان يطلق عليه فى الجماعة‪ ،‬شھور ماطل فيھا عبد الجبار فى الخالص من عالء‬
‫الصفوف للجھاد فى سيناء فھى تحت سيطرتنا ونحن المسؤولون عنھا‬ ‫الن االمر لم يأته من الجماعة‪ ،‬وبدأ خاللھا يصطحب انتصار الى منزل األخ سامى‬
‫لتعمل بحق ما تحتسيه من منكر‪ ..‬إلى ان جاء يوم ثارت فيه على عبد الجبار وقالت‬
‫ولكن عالء صرخ ‪ - :‬وليه انت متتقدمش الصفوف يا أخ سامى؟ واھو تدخل الجنه‬
‫له انھا ستقتل عالء بنفسھا ان لم يفعل وانھا لن تتزوجه بعدھا فھو أخلف وعده لھا‬
‫وتلحق بالسلف الصالح‬
‫ووافقھا عبد الجبار ووعدھا أنه سيفعل ولكن عليھا أن تصبر عليه قليال ولكنھا‬
‫‪ -‬يا اخ عالء التزم باألمر وال تعصاه فتغضب ربك‬ ‫تناولت سكينا من المطبخ ووضعته فى حقيبتھا وھمت بالخروج وحاول ھو منعھا‬
‫وأخذ منھا السكين وقال أنه ھو من سيفعلھا حتى ال تعرض نفسھا لألذى ونظر لھا‬
‫‪ -‬يا اخ سامى ‪..‬اذھب الى الجحيم‬
‫نظرة لم تراھا فى عينيه من قبل‪ ،‬آه لو علمه أحد فن الكالم لكان قالھا لھا ولكنه لم‬
‫يكن يستطيع أن يقول لھا أحبك كان األمر أشبه بأن تطلب من أفعى ان تمشى على‬
‫‪٥٢‬‬ ‫‪ ‬‬

‫على باب المطار ترجل بيتر من التاكسى حامال حقائبه ووجد عدد من اصدقائه‬ ‫وينھى عالء المكالمة ليفر بنفسه الى المنزل االمن الذى لم يكن أحد يعرف طريقه‬
‫االمريكان فى انتظاره لوداعه وطلب منه أحدھم أن يرسل له تقارير مصورة من‬ ‫تاركا رجاله فى حيره وھم ال يعلمون ما الذى يحدث وكل ما كان يشغل باله فى‬
‫مصر مادام سيكون ه ناك ولكن بيتر اعتذر له النه ذاھب الى ھناك كمصرى ليحمل‬ ‫الطريق ھو شىء واحد فقط ‪ :‬كيف يجد وسيلة اتصال مع األمريكان؟‬
‫السالح فى وجه الغزاة االمريكان واالسرائيليين‪ ،‬ليس كمراسل أجنبى‪.‬‬
‫تحول منزل وائل إلى ثكنة عسكرية لتدريب كوادر المقاومة على يد المقدم باسم‬
‫وعندما سأله احدھم معاتبا كيف يقبل ان يرفع سالحه فى وجه الجيش االمريكى رد‬ ‫وكان النمنم يخدم رجال المقاومة فى سعادة و يقرأ لھم أشعار بيرم التونسى وصالح‬
‫بيتر فى حزم أنه مصرى ال أمريكى واذا كان دفاعه عن وطنه يغضب الحكومة‬ ‫جاھين واالبنودى واحمد فؤاد نجم وكان يتندر بالخالف بين االبنودى والفاجومى‬
‫االمريكية فليسقطوا عنه جنسية امريكا وعلى باب الطائرة سأله الشرطى وھو‬ ‫وھو يقول للرجال‪ - :‬أھو االتنين مكانوش يطيقوا بعض لكن شوفوا االتنين ازاى‬
‫يراجع جواز سفره ‪:‬‬ ‫كانوا بيموتوا فى مصر؟ ﷲ يرحمھم بقى‬

‫‪ -‬مستر بيتر عونى؟ اسمك بيتر أم بيير؟‬ ‫وساله احد الشباب الذى كان قھوجيا ‪ - :‬زى الخالف بين اخواننا البعدا وحكومة‬
‫العسكر كده؟‬
‫ابتسم بيتر ابتسامة أضاءت وجھه الخمرى وھو يقول‪:‬‬
‫ضربه بيتر على قفاه وھو يقول فى غضب‪ - :‬يا جاھل وھما دول بيحبوا مصر؟‬
‫‪ -‬بطرس‪ ..‬اسمى بطرس عونى يا خواجه‬
‫ويرن ھاتف نمنم المحمول ويرد بسعادة عندما يرى الرقم‪ - :‬أستاذ بيتر‪ ..‬حبيب‬
‫)تمت(‬
‫قلبى‪ ..‬حقيقى؟ جاى؟ ازاى؟ ﷲ أكبر ھاستناك يا صديقى‪..‬‬

‫وأغلق النمنم ھاتفه وصاح فى سعادة‪ - :‬أبشروا يا رجالة المقاومة الحاج قصدى‬
‫الخواجه ‪ ..‬يووه المقدس بيتر جاى وھاينضم الخوانه فى الجھاد‪..‬‬

‫نظر له شابان ملتحيان باعتراض فنظر لھما شذرا ورفع قبضة يده قائال‪ - :‬اييه‪..‬‬
‫حد فيكو عنده اعتراض؟ وعلى فكرة ھينام معاكو فى نفس األوده وضحك الجميع‪..‬‬

‫ولكن المقدم باسم صاح فيھم ‪ - :‬كفاية ھرج ومرج‪ ..‬نظاااااااااااااام‬

‫وعاد الجميع الى التدريبات الشاقة‬

You might also like