Professional Documents
Culture Documents
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسسسنا ،
ومن سيئات أعمالنا من يهده اللسسه فل مضسسل لسسه ومسسن يضسسلل فل هسسادي لسسه
وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله )
ه َولت َن ْظ ُْر ن َ ْ َ
ه ن الل س َ ه إِ ّ قوا الل س َ ت ل ِغَد ٍ َوات ّ ُ م ْ ما قَد ّ َ س َ ٌ ف قوا الل َ مُنوا ات ّ ُ نآ َ َ ذيَيا أي َّها ال ِ
م ُأول َئ ِ َ م أ َن ْ ُ َ
م ك هُ س ُ س سه ُ ْ ف َ سسساهُ ْ ه فَأن ْ َ سوا الل س َ ن نَ ُ ذي َ كال ِ كوُنوا َ ن َول ت َ ُ مُلو َ ما ت َعْ َ خِبيٌر ب ِ َ َ
م َ َ َ
جن ّسةِ هُ س ُ ب ال َ حا ُ صس َ جن ّسةِ أ ْ ب ال َ حا ُ صس َ ب الن ّسسارِ وَأ ْ حا ُ صس َ وي أ ْ س ست َ ِن ل يَ ْ قو َ سس ُ فا ِ ال َ
َ َ
ة
ش سي َ ِ خ ْ ن َ مس ْ دعا ِ صس ّ مت َ َ شسسعا ُ خا ِ ه َ ل ل ََرأي ْت َ ُ جب َ ٍ ن ع ََلى َ قْرآ َ ذا ال ُ ن ل َوْ أن َْزلَنا هَ َ فائ ُِزو َ ال َ
و َ فك ُّرو َ َ مَثا ُ َ اللهِ وَِتل َ
ه ِإل هُ س َ ذي ل إ ِل س َ ه ال س ِ ن هُوَ الل ُ م ي َت َ َ س لَعلهُ ْ ضرِب َُها ِللّنا ِ ل نَ ْ ك ال ْ
ك مل ِس ُ ه ِإل هُسوَ ال َ ذي ل إ ِل َس َ ه ال ِ م هُوَ الل ُ حي ُ ن الّر ِ م ُ ح َ شَهاد َةِ هُوَ الّر ْ ب َوال ّ م الغَي ْ ِ عال ِ ُ َ
مسسا ن اللسهِ ع َ ّ حا َ س سب ْ َ مت َك َب ّسُر ُ جب ّسساُر ال ُ زيُز ال َ ن العَ ِ م ُ مهَي ْ ِ ن ال ُ م ُ مؤ ْ ِ م ال ُ سل ُ س ال ّ دو ُ ق ّ ال ُ
َ َ َ شرِ ُ
مسسا ه َ ح لس ُ سسب ّ ُ سسَنى ي ُ َ ح ْ ماُء ال ُ سس َ ه ال ْ صوُّر ل ُ م َ خال ِقُ الَبارِئُ ال ُ ه ال َ ن هُوَ الل ُ كو َ يُ ْ
م ( )الحشر (24:أما بعد . َ
كي ُ ح ِ زيُز ال َ ض وَهُوَ العَ ِ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ِفي ال ّ
فإن شرف العلم بشرف المعلوم ،شرف العلم مرتبط بشرف المعلوم ،
والكلم عن أسماء الله وصفاته من أشرف العلوم ،فمسسن أجسسل مسسن اللسسه ؟
ومن أعظم من الله ؟ ومن أرحم من الله ؟ ومن أحكم من الله ؟ هو الغني
بذاته ل يفتقر لحد من خلقه ،بسل الكسسل مفتقسر إليسه نواصسيهم بيسسديه ،أيسن
َ َ
ي ه هُ سوَ الغَن ِس ّ قَراُء إ َِلى الل سهِ َوالل س ُ ف َم ال ُ س أن ْت ُ ُ يذهبون منه إل إليه َ ) ،يا أي َّها الّنا ُ
ميد ُ ( )فاطر (15:فأي فضل في علم من العلوم أعظم من معرفة الحي ح ِ ال َ
القيوم ،الذي بين للناس كمال وصفه وسمو اسمه وعلو شأنه حين قال ) :
ْ
ما ت وَ َ ماَوا ِ س َ ما ِفي ال ّ ه َ م لَ ُ ة َول ن َوْ ٌ سن َ ٌ خذ ُه ُ ِ م ل ت َأ ُ قّيو ُ ي ال َ ح ّ ه ِإل هُوَ ال َ ه ل إ ِل َ َ الل ُ
َ َ
م فه ُ س ْ خل َ مسسا َ م وَ َ ديهِ ْ ن أي ْ ِ ما ب َي ْ َ م َ عن ْد َه ُ ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ ي َعْل َ ُ فعُ ِ ش َ ذي ي َ ْ ذا ال ِ ن َ م ْ ض َ ِفي الْر ِ
ض َ سسعَ ك ُْر ِ ما َ ن بِ َ حي ُ
ت َوالْر َ ماَوا ِ سس َ ه ال ّ سسي ّ ُ شساَء وَ ِ مهِ ِإل ب ِ َ عل ِ ن ِ م ْ يٍء ِ ش ْ طو َ َول ي ُ ِ
م ( )البقسسرة (255:انظسسر إلسسى اهتمسسام ظيس ُ ي العَ ِ ما وَهُوَ العَل ِس ّ فظهُ َ ُ ح ْ ؤود ُه ُ ِ َول ي َ ُ
الناس بعلم مسسن العلسسوم كسسالتي تتعلسسق بالفضسساء والنجسسوم ،ودراسسسة النبسسات
والنسان ،والرض والحيوان ،وغير ذلك مما هو معلوم ،تجد اهتماما بالغسسا
من مختلف الباحثين ،وجهودا تستغرق اليام والسنين ،دون كلسسل منهسسم ول
تعب ،ول يشعرون بملل ول نصب ،كل ذلك في جهد يتعلق بنوع واحد مسسن
أنواع الخلق ،بمخلوق من مخلوقات الحق ؟ أل يستحق مالك الملك ،الذي
خلسسق السسماوات والرض بسالحق ،أن يكسون العلسم بأسسمائه وصسسفاته علسسي
قائمة العقلء المحققين ،وشغلهم بذكره ومعرفتسسه زينسسة حيساة الموحسسدين ؟
ولسسذلك فسسإن البسساحثين الصسسادقين ،إذا نظسسروا إلسسى السسسماوات والرض ،أو
تأملوا في شيء من الملك ،دلهم ذلك على عظمة اللسسه وقسسدرته ،وحكمتسسه
وعزته ،فطلبوا راغبين طريق محبتسسه ،وازدادوا خشسسية فسسي عبسسادته ،خوفسسا
ممماءً ء َ ما ِ سم َ ن ال ّ مم َ ل ِ ه أ َن ْمَز َ ن اللم َ
َ
م ت َمَر أ ّ
َ
من عذابه وطمعا في جنته ) أل َ ْ
َ فأ َ ْ َ
مٌرح ْو ُ ض َ جدَدٌ ِبي ٌ ل ُ جَبا ِ ن ال ِ م َ و ِ
ها َ ، وان ُ َ خت َِلفا أل َم ْت ُ مَرا ٍ ه ثَ َ جَنا ب ِ ِ خَر ْ
همما – عسسروق تكسسون فسسي الجبسسال بيضسساء وحمسسراء وسسسوداء - َ
وان ُ َ ف أل َ خت َل ِ ٌ م ْ ُ
د -الغربيسسب هسسو الشسسديد السسسواد السسذي يشسسبه لسسونه لسسون سممو ٌ ب ُ وغَراِبيم ُ َ َ
ممما ن إ كَ ِ لَ ذ مَ ك ه ن وام َ
أل ف ل تخ ْ
ْ َ ِ ُ َ ِ ٌ م م عا نَ ل وا ب وا دوال س نا ال ن م و الغراب-
ِّ َ َ ُ ُ ِ َ ّ َ ّ َ ّ َ ِ َ
فوٌر ( )فاطر. (28: غ ُزيٌز َ ع ِه َ ن الل َ ماءُ إ ِ ّ َ
عل َه ال ُ
عَباِد ِ
ن ِ م ْه ِ شى الل َ خ َ يَ ْ
فالعلم بمخلوقات الله يبعث الخشية في القلوب ،فما بالك إذا كان العلم
بعلم الغيوب ،فالعلم بأسماء الله وصفاته وفقه معناهسسا والعمسسل بمقتضسساها
وسؤال الله من خللها من أشرف العلوم ،علم يحدث فسسي القلسسب تعظيمسسا
لله وحبا وخوفا منه وقربا ،وتوكل وصدقا ،فتسكن النفس بقربه وعبوديته ،
ويطمئن القلب بيقينه في عقيدته ،فيذكره المؤمن خوفا وطمعا ،خوفا من
الذنب إقرارا لعظمته ،وطمعا في القرب إدراكا لفضله ورحمته .
وينبغي أن نعلم أن ذكر الله ومدحه بأسمائه الحسنى يعود النفع فيه على
الذاكر دون المذكور ،بخلف ذكر النسان ومدح النسان للنسان ،فإن
النفع فيه يعود على الذاكر والمذكور ،فإن الذكر بين النسان والنسان
يكون إما لرفع خسيسة أو دفع نقيصة ،وإما لثبات وصف وذكر حقيقة ،
وإما لمبالغة كاذبة وأغراض خبيثة ،فترى الشخص ينفي النقص عن الخر
حتى تخلوا ساحته من النقائص والعيوب ،وربما هو في الحقيقة مذنب
مجرم معيوب ،أو صادق مظلوم وحقه مسلوب ،فذكر الخرين له بالكمال
في هذا الحال أمر مطلوب ،يدفع من أجله ما يسترد به حقه المسلوب ،أو
يدفع عن نفسه بالباطل مختلف التهم والعيوب .
وبسبب ذلك كانت الشفاعة بين الناس مختلفة عن الشفاعة عند رب
الناس إله الناس ،فالشفاعة عند الله من دلئل توحيده ،وكمال أسمائه
وصفاته ،ومن الخطأ الكبير ،ومن الظلم العظيم أن يسوى بعض الجاهلين
بين الشفاعة عند الله وما يتعلق بأحكامها ،وبين الشفاعة التي تحدث بين
الرعية وحكامها ،فالشفاعة عند المخلوق ليست كالشفاعة عند الله ،
فالمخلوق أحيانا يقبل الشفاعة إلزاما واضطرارا ،إما لوجود مصلحة تسعى
إليها قرابته ،أو إلزاما من حزبه لتبقى عليه سيادته ،أو لفضل من المملوك
على الملك ،أو قدرة المملوك علي تنحية الملك ،وعزله عن ملكه
وسلطانه ،أو التحكم في نقاط ضعفه بفضحه وإذاعة أسراره ،وكشف ما
هو مستور من مخازيه وسوء أحواله ،فيضطر الحاكم أو المير أو الملك
إلى قبول الشفاعة من المحكوم ،والتغاضي عن العدل وإنصاف المظلوم ،
كل ذلك بغير إذنهم مجبرين على الشفاعة مكرهين ،وهذه هي الفوضى
والمحسوبية التي علل بها أصحاب الفرق السلمية نفيهم للشفاعة
العظمي عن خير البرية صلى الله عليه وسلم ،قالوا الشفاعة محسوبية
وهذا ل يكون في الخرة ،فمن جهلهم أنهم قاسوا الشفاعة عند الخالق
على الشفاعة عند المخلوق ،وهذا جهل منهم بتوحيد الله ،فالله إذا أخبرنا
عن نفسه أنه سيقبل الشفاعة في الموحدين من المسلمين لو اقترفوا
بعض أنواع العصيان علمنا أنها ل تماثل شفاعة النسان للنسان ،ولذا قال
عند َه ُ ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ ( البقرة/ فعُ ِ ش َذي ي َ ْ ذا ال ّ ِ
ن َ م ْالله في أعظم آية في القرآن َ ) :
، 255فالله عز وجل لن يقبل الشفاعة من أحد ول في أحد ،إل إذا جاء
إلى الله عبدا موحدا ،مشابها في سلوكه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم
،فل بد أن يكون العبد خالصا من شوائب التشبيه والشرك ،مقرا لله
بالخلق والمر والملك ،وهذا شرط الشفاعة الذي حدده سيد الخلق ،فقد
ثبت عند البخاري من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله
َ
ه ِإل ل ل إ ِل َ َ ن َقا َ م ْ مة ِ َ قَيا َ م ال ْ ِ فاع َِتي ي َوْ َ ش َ س بِ َ سعَد ُ الّنا ِ عليه وسلم قال ) :أ ْ
ن قَل ْب ِهِ ( . م ْ صا ِ خال ِ ً ه َ الل ّ ُ
ما ِفي ت وَ َ ماَوا ِ س َ ما ِفي ال ّ ه َ فالتوحيد والذن شرط الشفاعة عند الله ) ،ل َ ُ
ع
ف ُعن ْد َه ُ ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ ()البقرة :من الية َ ) (255ول ت َن ْ َ فعُ ِ ش َ ذي ي َ ْ ذا ال ّ ِ ن َ م ْ ض َ ِ اْل َْر
عنده إّل ل ِم َ
تل ماَوا ِ س َ ك ِفي ال ّ مل َ ٍن َ م ْم ِ ه ()سسبأ ) (23:وَك َ ْ ن لَ ُ ن أذ ِ َ َ ْ ة ِ ْ َ ُ ِ فاع َ ُ ش َ ال ّ
ْ َ
ضى( )لنجم(26: شاُء وَي َْر َ ن يَ َ م ْ ه لِ َ ن الل ّ ُن ي َأذ َ َ ن ب َعْد ِ أ ْ م ْ شْيئا ً إ ِّل ِ م َ فاع َت ُهُ ْ ش َ ت ُغِْني َ
،من هو صاحب الفضل عليه ؟ من الذي ساعده في إنشاء الخلق ؟ أو
ق
خل َ ض َول َ ت َوالْر ِ
َ ماَوا ِ س َ خلقَ ال ّ م َ شهَد ْت ُهُ ْ ما أ َ ْ عاونه في تدبير الملك ؟ ) َ
ه
مد ُ ِلل ِ ح ْل ال َ ضدا ً ( )الكهف ) (51:وَقُ ِ ن عَ ُ ضّلي َ م ِ خذ َ ال ُ مت ّ ِ
ت ُ ما ك ُن ْ ُ م وَ َ سه ِ ْ ف ِ أ َن ْ ُ
ن الذ ّ ّ
ل م َ ي ِ ه وَل ِ ّ ن لَ ُ م ي َك ُ ْك وَل َ ْ مل ِ ك ِفي ال ُ ري ٌ ش ِ ه َ ن لَ ُ م ي َك ُ ْ خذ ْ وََلدا ً وَل َ ْ م ي َت ّ ِ ذي ل َ ْ ال ِ
وَك َب ّْره ُ ت َك ِْبيرا( )السراء (111:سبحانه ل شريك له في ملكه ،ول ظهير له ً
في تدبير شئون خلقه ،ليست له عثرة تقال ،ول حد يضرب له مثال ،
مازال بأسمائه وصفاته له الجلل والكمال والجمال ،وكما قال المام
الطحاوى ) :ما زال بصفاته قديما قبل خلقه ( فهو سبحانه وتعالى أول
ليس قبله شيء ،متصف بصفات الكمال قبل خلقه لكل شيء ،فأسماؤه
وصفاته أزلية أبدية ،فكما أنه في ذاته أول بل ابتداء فكذلك أسماؤه
وصفاته تابعة لذاته ،فهي أولية بأولية الله سبحانه وتعالى ،فلم يكن أول بل
أسماء ول صفات ثم سماه الناس وحدثت له الصفات ،تعالى الله عما
يقوله أهل الضلل من أصحاب العتزال ،الذين يقولون :لم تكن له صفات
في الزل قبل خلق الخلق ثم اكتسب الصفات بعد وجود من وصفه
وسماه ،فسبحان الله وتعالى عن قول الجاهلين ! فقولهم هذا يلزم منه أن
يكون الله ناقصا في فترة ،ثم اكتسب أسماء وأوصافا وكمال لم يكن من
قبل ،تعالى عما يقولون ،فالله عز وجل هو الغني عن سواه ،وجميع خلقه
هم الفقراء إلى الله ،ولذلك قال المام الطحاوى ) :لم يزدد بكونهم شيئا
لم يكن قبلهم من صفته ( أي وجود المخلوقات لم يزده كمال كان مفقودا
أو يزيل نقصا كان موجودا ،فل نقول كما قال الجاهلون لم يكن الله خالقا
إل بعد أن خلق الخلق ،ولم يكن رازقا إل بعد ظهور الملك ،فهذا شأن
المخلوق وليس شأن ملك الملوك ،المخلوق نقول عنه عالما بعد اكتساب
العلم وزوال الجهل ،وخبيرا بعد اكتساب الخبرة ومزاولة المهنة ،ونقول
عنه ملكا بعد اكتساب الملك وظهور العزة ،ونقول عنه حكيما بعد ظهور
الحكمة ،وطيبا رحيما بعد ظهور الرحمة ،أما ربنا تبارك وتعالى فله الكمال
في أزليته وأبديته ،قال المام الطحاوى :
) وكما كان بصفاته أزليا كذلك ل يزال عليها أبديا ليس بعد خلق الخلق
استفاد اسم الخالق ول بإحداث البرية استفاد اسم الباري ( من أسماء الله
عز وجل الباري ،يعني الخالق ،برى الخلق يعني خلقهم فهو الباري ،وهذا
السم ملزم لذاته ليست له بداية ول نهاية ،وهنا يظهر لنا الكمال ،فلو
ضربنا لكم مثال ،بقياس الولي ،نقول :الرجل إذا كان في قريته ذليل
فقيرا ضعيفا ،واكتسب أوصاف الكمال فأصبح عزيزا غنيا قويا ،فإن الناس
ل ينسون أوصاف نقصه ،حتى لو بلغ به الكمال فيه مبلغه ،يتذكرون حال
فقره ويذكرونه بضعفه ،يقولون :أنت فلن الذي كنت مهينا ذليل ،فقيرا
ضعيفا ،كل ذلك لنه اكتسب كمال لم يكن من قبل ،لكنه لو انتقل وهو في
حال الكمال إلى بلد آخر ل يعرفه الناس فيه فرأوه من بدايته عزيزا غنيا ،
منيعا قويا ،فإنهم ل يذكرونه على الدوام إل بالكمال ،ول يعرفون وصفه إل
مقترنا بالعزة في كل حال ،فيصفونه بالعزة والغنى والقوة ،ومن هنا
قيل :كان كراعا فصار ذراعا ،والكراع هو القزم الصغير وهذا يضرب مثل
للرجل الذليل يصير عزيزا كبيرا ،دخل أبو العباس السراج على أبي عمرو
الخفاف فقال له يا أبا العباس من أين جمعت هذا المال فقال يا أبا عمرو
بغيبة عن نيسابور مائة وعشرين سنة قال وكيف ذاك قال غاب أخي
إبراهيم أربعين سنة وغاب أخي إسماعيل أربعين سنة وغبت أنا مقيما
ببغداد أربعين سنة أكلنا العشب ولبسنا الخشن حتى جمعنا هذا المال ،
ولكن أنت يا أبا عمرو من أين جمعت هذا المال :أتذكر إذ لحافك جلد شاة
وإذ نعلك من جلد البعير ،فسبحان الذي أعطاك ملكا وعلمك الجلوس
على السرير ،ويقال أيضا أن ذلك حدث بين أعرابيين صديقين يعشيان
فقيرين بالبادية غير أن أحدهما ويقال له زيد ذهب إلى المدينة وتقرب من
الحجاج بن يوسف الثقفي حتى أمره على أصبهان ،فسمع عنه صديق
فقره الذي بالبادية ،فشد إليه الرحال حتى وصل إلى قصره وحاول لقاءه
فمنعه الحراس أياما حتى أذن له بالدخول ،فأخذه الحاجب وقال له سلم
على المير زيد ،فلم يلتفت إلى قوله ثم أنشد قائل ،فلست مسلما ما
دمت حيا على زيد بتسليم المير ،ثم قال لزيد :أتذكر إذ لحافك جلد شاة
وإذ نعلك من جلد البعير ،فقال :نعم أذكره ول أنساه قال له :فسبحان
الذي أعطاك ملكا وعلمك الجلوس على السرير .
فمن شهد النقص في شخص تحول عنه إلى الكمال ،يعز عليه أن ينسى
ما سبق له من سوء الحال ،فسيتكثر عليه مدحه بكماله ،ويسهل عليه
الذم وتذكيره بسوء حاله ،هذا فينا كبشر ،لكن رب البشر ما عرفنا إل ربا
معبودا له الجلل والكمال والجمال ،ما عرفناه إل ملكا قدوسا سلما مؤمنا
مهيمنا عزيزا جبارا متكبرا خالقا بارئا مصورا ،ولذلك قال المام الطحاوى :
) له معنى الربوبية ول مربوب ومعنى الخالق ول مخلوق ( هو رب العالمين
قبل وجود العالمين وحال وجود العالمين وبعد فناء العالمين هو رب
العالمين هو الرب قبل أن توجد المربوبات ،والرب معناه الخالق المدبر ،
المالك المتصرف ،السيد المصلح ،وهذه الصفات لزمة للذات ،فالله
يوصف بالربوبية بل بداية ول نهاية ،قبل وجود المربوبات وبعد فناء
المربوبات ،فالله غني بذاته عن العالمين له الكمال المطلق في أسمائه
وصفاته وربوبيته للخلق أجمعين .
يقول المام الطحاوى ) :ذلك بأن الله على كل شيء قدير وكل شيء
و
يٌء وَهُ َ ش ْ مث ْل ِهِ َ س كَ ِ إليه فقير وكل أمر عليه يسير ل يحتاج إلى شيء ) :ل َي ْ َ
صيُر ( )الشورى. (11: ميعُ الب َ ِ س ِ ال ّ
وهذا وصف أزلسسي ،ل يقسسال أن اللسسه مسسا وصسسف بالقسسدرة إل بعسسد أن خلسسق
وأوجد المخلوقات ،بل القدرة صفة أزلية ،وإنما وجود المخلوقات أثر ناتسسج
من كونه على كل شيء قدير ،وكل شسسيء إليسسه فقيسسر ،ل شسسيء يمكسسن أن
قسَراُء ف َ م ال ُ َ َ
س أن ْت ُس ُ يستغني عن الله ،كل شيء فقير إلى الله ) :ي َسسا أي ّهَسسا الن ّسسا ُ
م ذي ل َس ْ مسد ُ ِللسهِ ال س ِ ح ْ ل ال َ ميد ُ ( )فسساطر ) (15:وَقُس ِ ح ِ ي ال َ ه هُوَ الغَن ِ ّ إ َِلى اللهِ َوالل ُ
ل وَك َب ّسْرهُ ن السذ ّ ّ مس َ ي ِ ه وَل ِس ّ ن لَ ُ م ي َك ُ ْ ك وَل َ ْ مل ِ ك ِفي ال ُ ري ٌ ش ِ ه َ ن لَ ُ م ي َك ُ ْ خذ ْ وََلدا ً وَل َ ْ ي َت ّ ِ
ت َك ِْبيرًا( )السراء (111:ذلك بأن الله على كل شيء قسسدير وكسسل شسسيء إليسسه
و
يٌء وَهُس َ شس ْ مث ْل ِسهِ َ س كَ ِ فقير وكل أمر عليه يسير ل يحتسساج إلسسى شسسيء ) :ل َي ْس َ
صيُر ( . ميعُ الب َ ِ س ِ ال ّ
فإذا ذكرت الله بأسمائه فاعلم أنك أنت المستفيد ،النفع يعود عليسسك مسن
رب العبيد ،أما هو سبحانه فهو الغني الحميد ،يعود النفسسع فسسي السسذكر علسسى
مسا الذاكر ل المذكور ،أما ذكر غيره فالنفع يعود علسى السسذاكر والمسسذكور َ ) ،
زيٌز ( )الحج (74:73:من لم يوحد اللسسه قوِيّ ع َ ِ هل َ ن الل َ حقّ قَد ْرِهِ إ ِ ّ ه َ قَد َُروا الل َ
فما قدر الله حق قدره ،كيف يمكن لعاقل أن يسوى بين الخالق والمخلوق
فسسي الحسسب والخسسوف والرجسساء ،كيسسف يمكسسن لعاقسسل أن يسسسوى بيسسن الملسسك
والمملوك في الستغاثة والدعاء ،وصف الله حال المشسسركين فسسي الجحيسسم
فسسي ن ك ُن ّسسا ل ِ ن ت َسساللهِ إ ِ ْ مو َ صس ُ خت َ ِ م ِفيهَسسا ي َ ْ وهو يتنازعون ويختصمون َ ) :قاُلوا وَهُ ْ
َ
ن ( )الشسسعراء: مسسو َ جرِ ُ م ْ ضلَنا ِإل ال ُ ما أ َ ن وَ َ مي َ ب الَعال ِ م ب َِر ّ ويك ُ ْ س ّ ن إ ِذ ْ ن ُ َ مِبي ٍ ل ُ ضل ٍ َ
(99:95من السميع لما ذهبت إلي أصم أبكم ؟ ،ومن البصير لما استغثت
بعاجز عم ؟ ،ومن الغني لما توجهت إلي فقير معسسدم ؟ ،ومسسن القسسدير لمسسا
ك ذهبت إلي مقبور آدم ؟ ،ومن الرزاق الذي رزق يونس في اليسسم ؟ ) وََرّبسس َ
شاُء ك َما َأن َ َ ذو الرحمة إن ي َ ْ
م شأك ُ ْ َ ما ي َ َ م َ ن ب َعْد ِك ُ ْ م ْ ف ِ خل ْ ست َ ْ م وَي َ ْ شأ ي ُذ ْه ِب ْك ُ ْ ّ ْ َ ِ ِ ْ َ ي ُ الغَن ِ ّ
ه َ َ ن ذ ُّري ّةِ قَوْم ٍ آ َ
قَراُء ِإلي الل ِ ف َ م ال ُ س أن ْت ُ ْ ن ( )النعامَ ) : (123:يا أي َّها الّنا ُ ري َ خ ِ م ْ ِ
َ
م علي ْك ُ ْ ة اللهِ َ م َ س اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ ميد ُ ( )فاطرَ ) (15:يا أي َّها الّنا ُ ح ِ ي ال َ ه هُوَ الغَن ِ ّ َوالل ُ
َ َ
ه ِإل هُسوَ فَسأّني ض ل ِإلس َ ماِء َوال َْر ِ سس َ ن ال ّ مس ْ م ِ ق غ َي ْسُر اللسهِ ي َْرُزقُك ُس ْ خسسال ٍ ن َ م ْ هل ِ َ
صسسلي ي َ ن الن ِّبسس ّ ن أِبي ذ َّر ع َ ِ ن ( )فاطر (3:روى المام مسلم 2577ع َ ْ كو َ ت ُؤ ْفَ ُ
َ
م عب َسساِدي إ ِن ّك ُس ْ ه قَسسال :ي َسسا ِ ك َوتعالي أن ّ ُ ن اللهِ ت ََباَر َ ما َرَوي ع َ ِ م ِفي َ سل َ علي ْهِ وَ َ الله َ
َ ُ
ن عَبساِدي لسوْ أ ّ فُعسوِني َ ،يسا ِ فِعسي فَت َن ْ َ ن ت َب ْلُغسوا ن َ ْ ضسّروِني َولس ْ ضّري فَت َ ُ ن ت َب ْل ُُغوا َ ل ْ
َ َ
ما َزاد َ م َ من ْك ُ ْ حد ٍ ِ ل َوا ِ ج ٍ ب َر ُ قي َقل ِ كاُنوا على أت ْ َ م َ جن ّك ُ ْ م وَ ِ سك ُ ْ م وَإ ِن ْ َ خَرك ُ ْ م َوآ ِ أّولك ُ ْ
م ك َسساُنوا عبادي لو أ َ َ
جن ّك ُس ْ م وَ ِ سسك ُ ْ م وَإ ِن ْ َ خَرك ُ ْ م َوآ ِ ن أّولك ُ ْ ْ ّ شي ًْئا َ ،يا ِ َ ِ كي َ مل ِ ك ِفي ُ ذل َ َ
َ شسي ًْئا َ ،يسا ِ ذل َ َ
ن عَبساِدي لسوْ أ ّ
َ َ
كي َ مل ِ ن ُ م ْ ك ِ ص َ ق َ ما ن َ َ حد ٍ َ ل َوا ِ ج ٍ ب َر ُ جرِ َقل ِ على أفْ َ
َ
كل ت ُ سأُلوِني فَأع ْط َي ْ ُ حد ٍ ف َ َ صِعيد ٍ َوا ِ موا ِفي َ م َقا ُ جن ّك ُ ْ م وَ ِ سك ُ ْ م وَإ ِن ْ َ خَرك ُ ْ م َوآ ِ أّولك ُ ْ
إنسان م َ
خسسل ذا أ ُد ْ ِ ط إِ َ خي َس ُ م ْ ص ال ِ قس ُ مسسا ي َن ْ ُ دي ِإل ك َ َ عن ْس ِ مسسا ِ م ّ ك ِ ذلس َ ص َ ق َ ما ن َ َ ه َ سألت َ ُ ِْ َ ٍ َ ْ
ُ ُ ُ َ
ج سد َ ن وَ َ مس ْ م إ ِّياهَسسا فَ َ م أوَّفيك ُس ْ م ثُ ّ صيَها لك ُ ْ ح ِ مأ ْ مالك ُ ْ ي أع ْ َ ما ه ِ َ عَباِدي إ ِن ّ َ حَر َ ،يا ِ الب َ ْ
سه ( . ف َ ن ِإل ن َ ْ م ّ ك َفل ي َُلو َ ذل َ جد َ غ َي َْر َ ن وَ َ م ْ ه وَ َ مد ِ الل َ ح َ خي ًْرا َفلي َ ْ َ
مُنوا
نآ َ
ذي َفالله عز وجل بذكره تطمئن القلوب وتتلشى الذنوب ) :ال ِ
َ
ب ( )الرعد (28:ودعك قُلو ُ
ن ال ُ م ب ِذ ِك ْرِ اللهِ أل ب ِذ ِك ْرِ اللهِ ت َط ْ َ
مئ ِ ّ ن قُُلوب ُهُ ْ وَت َط ْ َ
مئ ِ ّ
ممن جعل الذكر ترك الذكر بحجة عدم النسان ،كما قال الزنديق الذي
ينطق بلسان الشيطان ،محي الدين ابن عربي داعي الكفر بحجة اليمان :
دع الذكر والتسبيح إن كنت عاشقا :فليس يديم الذكر إل
المنافق -إذا كان من تهواه في القلب حاضرا :وأنت تديم
الذكر كنت منافقا – ويقول أيضا :أل بذكر الّله تزداد الذنوب :
وتنعكس البصائر والقلوب -وترك الذكر أفضل كل شيء :
فشمس الذات ليس لها غروب .
فل عبرة بهذه البدعة الكفرية تحت حسن النية والتي يراها بعض
المعاصرين قمة إيمانية ،هذه البدعة يدعو فيها ابن عربي إلى ترك الذكر
بحجة انعدام النسيان ومتي كان عدم النسيان سببا في هلك الشيطان ؟
إنما الهلك في عدم امتثاله لمر ربه ،واستكبار وحسده وحقده .
فالله عز وجل فطر القلوب على ذكره وحبه ،فطرهم على عبادته لجلله
وكماله ،وجماله في أسمائه وصفاته وأفعاله ،أسماء الله كلها حسني وكلها
ل والكسسرام ( )الرحمسسن (78:أجمسسع جل ِ ك ِذي ال َ م َرب ّس َ سس ُ
كا ْ عظمسسي ) ،ت َب َسساَر َ
ك ِذي وكسسذلك فسسي مصسساحف أهسسل م َرب ّس َ سس ُ
كا ْ القراء ها هنا على الياء ،ت َب َسساَر َ
ك ِذو لنسسه جعسسل ذو م َرب ّس َسس ُكا ْ الحجاز والعراق ،وتفرد ابن عامر بالواو ت ََباَر َ
وصفا للسم ،وكذلك هي في مصاحف أهل الشام ،قال شيخ السسسلم فسسي
دقائق التفسير ) وهو في مصحف أهسسل الشسسام تبسسارك اسسسم ربسسك ذو الجلل
والكرام ،وهي قراءة ابن عامر فالسم نفسسسه موصسسوف بسسالجلل والكسسرام
وفي سسسائر المصسساحف وفسسي قسسراءة الجمهسسور ذي الجلل فيكسسون المسسسمى
نفسه موصوفا بالجلل والكرام ( .
ل والكرام ( والجلل منتهي الحسن والعظمسسة جل ِ ك ِذي ال َ م َرب ّ َ س ُ كا ْ ) ت ََباَر َ
في الذات والسماء والصفات ،وهو يقوم على ركنيسسن اثنيسسن :الركسسن الول
هو الكمال ،والركن الثاني هو الجمال ،فالكمسسال هسسو بلسسوغ الوصسف أعله ،
والجمال بلوغ الحسن منتهاه ،فانظر إلى حكمة الله وانفراده عمن سواه ،
فإن الله إن أعطي الكمال لحد سواه سلبه الجمسسال ،وإن أعطسسي الجمسسال
لحد سواه سلبه الكمال ،وإن أعطي الكمسسال والجمسسال لحسسد سسسواه سسسلبه
دوام الحال ،انظر إلي حكمة الله فيمن أعطاهم الكمال وسلبهم الجمسسال ،
غني بلغ الكمال في الغنسسي ولكنسسه مريسسض بالسسسكر أو قبيسسح فسسي المنظسسر أو
جاهل أكبر ،أو عقيم يشتهي الولد ويتمناه ،فهسسو ل يسسسعد بمسساله ول غنسساه ،
ول ينعم بلسسذة الحيسساة إل إذا أدرك الحكمسسة وحسسسن تقسسدير اللسسه ،وأن القسسدر
والبتلء سر الله في هذه الحياة ،فسلم لله وآمن بقدر الله ،أو انظسسر إلسسي
ف والحسسسب ، امرأة لها كمال في الخلق والنسب ،ولهسسا منزلسسة فسسي الشسسر ِ
وهي أبعد ما يكون عسسن الخيانسسة ،ومتصسسفة بالصسسدق والمانسسة ،ولكنهسسا فسسي
الجمال قبيحة ل تسر الناظرين ،دميمة ترعب الخاطبين ،أو انظر إلي مسسن
أعطاه الله أرضا كبيرة واسعة ،لكنه يفشل في استصلحها لي منفعة .
وعلى العكس من ذلك انظر إلي من أعطاهم الجمسال وسسلبهم الكمسال ،
رجل عالم ذكي قوي فتي ،لكنه فقير مهان يبيت جوعان ول يجد ثوبا يسسستر
النسان ،أو انظر إلسي امسرأة جمالهسا يتغنسى بسه الشسبان ،وقوامهسا ل تسراه
العينان ،لكنها تخون زوجها ،ول تصون عرضها ،وهسسي معسسرة علسسى أهلهسسا ،
وكل الناس يتمني موتهسسا ،أو انظسسر إلسسي فلح بسسسيط ليسسس لسسه مسسن الرض
سوي بضعة قراريط ،لكن زراعته بارعة ،وأشجاره طالعة ،وثمارها يانعة ،
مناه في الحياة أن تكون أرضه واسعة لكن الحلو ل يكمل .
وقد يعطي الله الكمال والجمل لحد من خلقه لكسسن يسسسلبه دوام الحسسال ،
سليمان أعطاه الله الملك والعزة ،فكان قويا غنيا ،وملكا نبيا ،لديه السسدنيا
ة الحياة بأنواعها ،وسخرها لله بالطاعسسة واليمسسان ،وسسسعادة بأسرها ،وبهج ُ
العيش وحسن توجيه الحق للنسسسان ،فسسانظر إلسسي قسسول سسسليمان وتوحيسسده
لرب العالمين ،عندما رأي عرش بلقيس منقول من اليمن إلسسي فلسسسطين ،
ضسسل َرب ّسسي ( )النمسسل(40: ن فَ ْ مس ْ ذا ِومستقرا بين يديه بقدرة اللسسه ) :قَسسال هَس َ
فالفضل ليس لي ول لجندي ،وإنما هسسو فضسسل ربسسي ،وقسسد اسسسترعاني فسسي
ه
سس ِ ف ِ شسك ُُر لن َ ْ مسسا ي َ ْشسك ََر فَإ ِن ّ َ ن َ م ْ فُر وَ َم أ َك ْ ُ َ
شك ُُر أ ْ ملكه واستخلفني ) لي َب ْل ُوَِني أ َأ َ ْ
م ( )النمل (40:فسليمان عليسسه السسسلم أعطسساه ري ٌ ي كَ ِن َرّبي غ َن ِ ّ فَر فَإ ِ ّ ن كَ َ م ْ وَ َ
الله الكمال والجمال لكنه سلبه دوام الحال ،لننسسا فسسي دار ابتلء ،والمسسوت
حكم الله في السماء ،فمات عليه السلم ،ولم ولن يبقي إل الحي الذي ل
ة المسوت وإنمسسا توفّسو ُ
نمس ْ م سة ِ ف َ َ قَيا َ م ال ِ م ي َسوْ َ جسسوَرك ُ ْ نأ ُ قس ُ َ ْ ِ َ ِ ّ َ ُ َ ْ َ ذائ ِ َس َ ف ٍ ل نَ ْ يموت ) ك ُ ّ
ُ
مَتاع ُ الغُسُرورِ ( )آل حَياة ُ الد ّن َْيا ِإل َ ما ال َ قد ْ َفاَز وَ َ ة فَ َ جن ّ َل ال َ خ َ ن الّنارِ وَأد ْ ِ ح عَ ِ حزِ َ ُز ْ
ل َوال ِك ْسَرام ِ ( جل ِ ذو ال َ ك ُ ه َرب ّس َ جس ُقسسى وَ ْ ن وَي َب ْ َ ن ع َل َي َْها فَسسا ٍ م ْ ل َ عمران ) (185:ك ُ ّ
م(يٍء ع َِلي س ٌ شس ْ ل َن وَهُ سوَ ب ِك ُس ّ ظاه ُِر َوالَباط ِ ُ خُر َوال ّ ل َوال ِ )الرحمن ) (27:هُوَ ال َوّ ُ
)الحديد. (3:
فالجلل في أسمائه وصفاته مبني على الكمسسال والجمسسال وليسسس ذلسسك إل
لرب العزة والجلل ،هو الملك له في ملكسسه الكمسال والجمسسال ،ملكسسه دائم
وهو في ملكه عليم قدير يفعل ما يشاء له مطلق الخلق والتسسدبير وهسسذا هسسو
الكمال ،أما الجمال في الملك فقيامه على الحسسق ،ل يظلسسم فيسسه أحسسدا ول
يشرك في حكمه أحدا ،ول يشفع عنده أحد إل بإذنه يقبل التوبة عسسن عبسساده
مسان إ ِن ّ َمو َ ظسال ِ ُل ال ّ مس ُ مسا ي َعْ َ غسافِل ً ع َ ّ ه َ ن الّلس َ سب َ ّ
ح َ وهو قادر على إهلكهم ) َول ت َ ْ
َ
صساُر( )إبراهيسسم ، (42:لكسن ملسوك السدنيا إن ص ِفيسهِ اْلب ْ َ خ ُ شس َ م ل ِي َوْم ٍ ت َ ْ خُرهُ ْ ي ُؤ َ ّ
استتب لهم كمال الملك وأحكموا قبضتهم على الخلق ،ضيعوا الجمسسال فسسي
الملك بظلم الخلق وضياع الحق ،وإن جمعوا بين الكمسسال والجمسسال سسسلبهم
دوام الحال ،فما يلبث أن يموت الخليفة العادل أو يغتال أو يقتل .
فالجلل للسسه وهسسو مبنسسي علسسى الكمسسال والجمسسال ،وقسسد يكسسون الكمسسال أو
الجمال ناقصا ،لكن هو في عين المحب كامل جميل ،فل يري المحب أحدا
أحسن من محبوبه على الرغم من نقصه وعيوبه ،كما يحكي أن عسسزة السستي
أحبها كثير ،وتغني بحبها حتى بلغ الفاق دخلت على الحجاج فقسسال لهسسا :يسسا
عزة والله ما أنت كما قال فيك كثير ،فقالت :أيها المير إنه لم يرن بالعين
التي رأيتني بها ،فالمحب يري قبح المحبوب في عينه جمسسال ،أل تسسري أنسسه
في المثل يقال ،القرد في عين أمه غزال .
وقد يكون الجمال في منتهاه والكمال في أعله ،ولكن المحب ل يشسسعر
بجمسسال محبسسوبه ول بكمسساله فتنعسسدم المحبسسة ،ولهسسذا أمسسرت النسسساء بسسستر
وجوههن عن الرجال ،فإن ظهور السسوجه وخصوصسسا وجسسوه الحسسسان ،يسسدعو
القلوب إلي النظر والفتتان ،ولهذا أيضا أجاز الشرع للخاطب أن ينظر إلي
المخطوبة ،فإنه إذا شاهد حسنها وجمالها ،ورأي الكمال في سلوكها ،كان
ذلك أدعي إلي حبها وباعثا للرغبة في التعلق بها ،روي ابسن ماجسسة وصسسححه
َ
ت ة رضي الله عنه أنه َقال ) :أت َي ْ ُ شعْب َ َ ن ُ مِغيَرة ب ْ ِ الشيخ اللباني من حديث ال ُ
ب فَسسان ْظ ُْر َ َ
خط ُب َُها َفقسسال :اذ ْهَس ْ مَرأة ً أ ْ ها ْ تل ُ النبي صلى الله عليه وسلم فَذ َك َْر ُ
خط َب ْت ُهَسسا َ َ َ َ إليها فَإن َ
صسسارِ فَ َ َ ن الن ْ َ مسمسَرأة ً ِ تا ْ ما َ ،قال :فَسأت َي ْ ُ م ب َي ْن َك ُ َ ن ي ُؤ ْد َ َجد َُر أ ْ هأ ْ ِّ ُ ِ َْ
َ َ َ
ها ما ك َرِ َ ول رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فَك َأن ّهُ َ ق ْ ما ب ِ َ خب َْرت ُهُ َ
ِإلي أب َوَي َْها وَأ ْ
ها ،فَ َ َ ذل َ ذل َ
نت :إِ ْ قسسال ْ خسد ْرِ َ ي فِسسي ِ مسْرأة ُ وَه ِس َ ك ال َ ت َ معَ ْ س ِ مِغيَرة :فَ َ ك َ ،قال ال ُ َ
ن ت َن ْظ ُسَر فَسسان ْظ ُْر وَِإل فَسإ ِّني َ مسَر َ َ َ
كأ ْ ن رسول الله صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم أ َ كا َ
جت َُها ( . ت ِإلي َْها فَت ََزوّ ْ مِغيَرة :فَن َظ َْر ُ ك -أل تفعل َ -قال ال ُ شد ُ َ أ َن ْ ُ
فمن حكمة الله أنه إن أعطسسي الكمسسال لحسسد سسسواه سسسلبه الجمسسال ،وإن
أعطي الجمال لحد سواه سلبه الكمال ،وإن أعطي الكمال والجمال لحسسد
سواه سسسلبه دوام الحسسال ،ومعلسسوم أن دوام الحسسال مسسن المحسسال ،فالوحيسسد
الذي اتصف بالكمال والجمال هو رب العزة والجلل ،كل اسم من أسسسمائه
ل والكرام ( فسسإذا أضسسفت جل ِ ك ِذي ال َ م َرب ّ َ س ُ
كا ْ فيه الكمال والجمال ) ،ت ََباَر َ
إلي كماله وجماله ما كان من إحسانه في ملكه ،وإنعامه على خلقه ،فسسإنه
ل يتخلسسف عسسن حبسسه إل الجاحسسدون وأصسسحاب القلسسوب والخبيثسسة ،والنفسسوس
الخسيسة ،فإن الله فطر القلوب على محبة المحسنين إليهسسم ،المتصسسفين
بالكمال لديهم ،وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها القلسسوب ،فمسسن
المعلوم أن مقلب القلوب ل أحد يعظمه إحسانا وجمال ،أو إنعامسسا وكمسسال ،
فل شيء أكمل من الله ،ول شيء أجمل من الله ،فكل كمال وجمسال فسي
المخلوق من آثار صنعته ،وكمال قسدرته وبسديع حكمتسه ،سسبحانه ل نحصسي
ثناء عليه هو كما أثني علسى نفسسه ،لسه علسى خلقسه وجنسه وإنسسه ،النعمسة
السابغة ،والحجة البالغة ،والسطوة الدامغة ،ليس فسسي أفعسساله عبسسث ،ول
في أوامره سفه ،بل أفعاله كلها ل تخرج عن المصلحة والحكمة ،والفضسسل
والرحمة ،كلمه صدق ،ووعده حق ،وعدله ظسساهر فسسي سسسائر الخلسسق ،إن
أعطي فبفضله ورحمته ،وكرمه ونعمته ،وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته
ن ،وقد وصفه نبينا بأنه جميل ،روي المام مسسسلم مسسن حسسديث ع َب ْسد ِ اللسهِ ب ْس ِ
ب حس ّ ل يُ ِ ميس ٌ ج ِ
ه َ ن اللس َ ن النبي صلى الله عليه وسسسلم أنسسه قَسسال ) :إ ِ ّ سُعود ٍ ع َ ِ م ْ َ
مال ( لسه جمسال السذات وجمسال الصسافات ،وجمسال الفعسال فسي سسائر ج َ ال َ
المخلوقات ،ل تقوى البصسسار فسسي هسسذه السسدار علسسى النظسسر إلسسي رب العسسزة
والجلل .
َ
سَنى ( )طه (8:فأي محبوب لنا أعظسسم ح ْ ماُء ال ُ س َ ه ال ْ ه ِإل هُوَ ل َ ُ ه ل إ ِل َ َ ) الل ُ
ممن خلقنا وإليه مرجعنسسا ،وأي كمسسال لغيسسره يضسساهي كمسسال ربنسسا وجمسساله ،
عوه ُ ب ِهَسسا وَذ َُروا س سَنى فَسساد ْ ُ َ
ح ْ ماُء ال ُ سس َ وحسنه وجلله ،يقول تعالى ) :وَِلل سهِ ال ْ
َ
ن ( )العسسراف(180: مُلسو َ مسا ك َسساُنوا ي َعْ َ ن َ جَزوْ َ
سسي ُ ْمائ ِهِ َ سس َ
ن ِفسي أ ْ دو َح ُ
ن ُيل ِ ذي َال ِ
َ َ َ
سسَنى ( ح ْماُء ال ُ سس َه ال ْ عوا فَل َس ُ مسسا ت َسد ْ ُن أي ّسسا َمس َ
ح َ ه أوِ اد ْع ُسسوا الّر ْ عوا الل س َ ل اد ْ ُ) قُ ِ
َ
ح
سسب ّ ُ
سسَنى ي ُ َ ح ْماُء ال ُ س َ ه ال ْ صوُّر ل َ ُ م َ خال ِقُ الَبارِئُ ال ُ ه ال َ)السراء ) (110:هُوَ الل ُ
َ
م ( )الحشر. (24: كي ُح ِ زيُز ال َ ض وَهُوَ العَ ِ ت َوالْر ِ ماَوا ِس َ ما ِفي ال ّ ه َ لَ ُ
وله الحياة كمالها فلجل ذا :ما للمات عليه من سلطان -وكذلك القّيوم
من أوصافه :ما للمنام لديه من غشيان -وكذاك أوصاف الكمال جميعها :
ثبتت له ومدارها الوصفان -فمصحح الوصاف والفعال وال :سماء حقا
ذانك الوصفان -ولجل ذا جاء الحديث بأنه :في آية الكرسي وذي عمران -
اسم الله العظم اشتمل على اسم الحي والقيوم مقترنان -فالكل مرجعها
إلى السمين يدري ذاك ذو بصر بهذا الشان ،سبحانك اللهم وبحمدك أشهد
أل إله إل أنت أستغفرك وأتوب إليك .