You are on page 1of 9

‫الجلل في الكمال والجمال‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫منهج السلف في فهم السماء الحسنى‬
‫المحاضرة الولي – الجلل في الكمال والجمال‬

‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسسسنا ‪،‬‬
‫ومن سيئات أعمالنا من يهده اللسسه فل مضسسل لسسه ومسسن يضسسلل فل هسسادي لسسه‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله )‬
‫ه َولت َن ْظ ُْر ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ن الل س َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫قوا الل س َ‬ ‫ت ل ِغَد ٍ َوات ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ٌ‬ ‫ف‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫َيا أي َّها ال ِ‬
‫م ُأول َئ ِ َ‬ ‫م أ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ك هُ س ُ‬ ‫س سه ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫سسساهُ ْ‬ ‫ه فَأن ْ َ‬ ‫سوا الل س َ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ِ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫ن َول ت َ ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جن ّسةِ هُ س ُ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫صس َ‬ ‫جن ّسةِ أ ْ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫صس َ‬ ‫ب الن ّسسارِ وَأ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫صس َ‬ ‫وي أ ْ‬ ‫س ست َ ِ‬‫ن ل يَ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫سس ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ال َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ش سي َ ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مس ْ‬ ‫دعا ِ‬ ‫صس ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫شسسعا ُ‬ ‫خا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ل ََرأي ْت َ ُ‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫ن ع ََلى َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ذا ال ُ‬ ‫ن ل َوْ أن َْزلَنا هَ َ‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫ال َ‬
‫و‬ ‫َ‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫َ‬ ‫مَثا ُ‬ ‫َ‬ ‫اللهِ وَِتل َ‬
‫ه ِإل هُ س َ‬ ‫ذي ل إ ِل س َ‬ ‫ه ال س ِ‬ ‫ن هُوَ الل ُ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫س لَعلهُ ْ‬ ‫ضرِب َُها ِللّنا ِ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ك ال ْ‬
‫ك‬ ‫مل ِس ُ‬ ‫ه ِإل هُسوَ ال َ‬ ‫ذي ل إ ِل َس َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫م هُوَ الل ُ‬ ‫حي ُ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫شَهاد َةِ هُوَ الّر ْ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫م الغَي ْ ِ‬ ‫عال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫مسسا‬ ‫ن اللسهِ ع َ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫س سب ْ َ‬ ‫مت َك َب ّسُر ُ‬ ‫جب ّسساُر ال ُ‬ ‫زيُز ال َ‬ ‫ن العَ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مهَي ْ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ُ‬ ‫سل ُ‬ ‫س ال ّ‬ ‫دو ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫ال ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شرِ ُ‬
‫مسسا‬ ‫ه َ‬ ‫ح لس ُ‬ ‫سسب ّ ُ‬ ‫سسَنى ي ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ماُء ال ُ‬ ‫سس َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫صوُّر ل ُ‬ ‫م َ‬ ‫خال ِقُ الَبارِئُ ال ُ‬ ‫ه ال َ‬ ‫ن هُوَ الل ُ‬ ‫كو َ‬ ‫يُ ْ‬
‫م ( )الحشر‪ (24:‬أما بعد ‪.‬‬ ‫َ‬
‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيُز ال َ‬ ‫ض وَهُوَ العَ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ِفي ال ّ‬
‫فإن شرف العلم بشرف المعلوم ‪ ،‬شرف العلم مرتبط بشرف المعلوم ‪،‬‬
‫والكلم عن أسماء الله وصفاته من أشرف العلوم ‪ ،‬فمسسن أجسسل مسسن اللسسه ؟‬
‫ومن أعظم من الله ؟ ومن أرحم من الله ؟ ومن أحكم من الله ؟ هو الغني‬
‫بذاته ل يفتقر لحد من خلقه ‪ ،‬بسل الكسسل مفتقسر إليسه نواصسيهم بيسسديه ‪ ،‬أيسن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ه هُ سوَ الغَن ِس ّ‬ ‫قَراُء إ َِلى الل سهِ َوالل س ُ‬ ‫ف َ‬‫م ال ُ‬ ‫س أن ْت ُ ُ‬ ‫يذهبون منه إل إليه ‪َ ) ،‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ميد ُ ( )فاطر‪ (15:‬فأي فضل في علم من العلوم أعظم من معرفة الحي‬ ‫ح ِ‬ ‫ال َ‬
‫القيوم ‪ ،‬الذي بين للناس كمال وصفه وسمو اسمه وعلو شأنه حين قال ‪) :‬‬
‫ْ‬
‫ما‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ة َول ن َوْ ٌ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫خذ ُه ُ ِ‬ ‫م ل ت َأ ُ‬ ‫قّيو ُ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ِإل هُوَ ال َ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫الل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫فه ُ س ْ‬ ‫خل َ‬ ‫مسسا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َه ُ ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ ي َعْل َ ُ‬ ‫فعُ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ذي ي َ ْ‬ ‫ذا ال ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫سسعَ ك ُْر ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حي ُ‬
‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سس َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫سسي ّ ُ‬ ‫شساَء وَ ِ‬ ‫مهِ ِإل ب ِ َ‬ ‫عل ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫طو َ‬ ‫َول ي ُ ِ‬
‫م ( )البقسسرة‪ (255:‬انظسسر إلسسى اهتمسسام‬ ‫ظيس ُ‬ ‫ي العَ ِ‬ ‫ما وَهُوَ العَل ِس ّ‬ ‫فظهُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ؤود ُه ُ ِ‬ ‫َول ي َ ُ‬
‫الناس بعلم مسسن العلسسوم كسسالتي تتعلسسق بالفضسساء والنجسسوم ‪ ،‬ودراسسسة النبسسات‬
‫والنسان ‪ ،‬والرض والحيوان ‪ ،‬وغير ذلك مما هو معلوم ‪ ،‬تجد اهتماما بالغسسا‬
‫من مختلف الباحثين ‪ ،‬وجهودا تستغرق اليام والسنين ‪ ،‬دون كلسسل منهسسم ول‬
‫تعب ‪ ،‬ول يشعرون بملل ول نصب ‪ ،‬كل ذلك في جهد يتعلق بنوع واحد مسسن‬
‫أنواع الخلق ‪ ،‬بمخلوق من مخلوقات الحق ؟ أل يستحق مالك الملك ‪ ،‬الذي‬
‫خلسسق السسماوات والرض بسالحق ‪ ،‬أن يكسون العلسم بأسسمائه وصسسفاته علسسي‬
‫قائمة العقلء المحققين ‪ ،‬وشغلهم بذكره ومعرفتسسه زينسسة حيساة الموحسسدين ؟‬
‫ولسسذلك فسسإن البسساحثين الصسسادقين ‪ ،‬إذا نظسسروا إلسسى السسسماوات والرض ‪ ،‬أو‬
‫تأملوا في شيء من الملك ‪ ،‬دلهم ذلك على عظمة اللسسه وقسسدرته ‪ ،‬وحكمتسسه‬
‫وعزته ‪ ،‬فطلبوا راغبين طريق محبتسسه ‪ ،‬وازدادوا خشسسية فسسي عبسسادته ‪ ،‬خوفسسا‬
‫ممماءً‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬ ‫سم َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مم َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه أ َن ْمَز َ‬ ‫ن اللم َ‬
‫َ‬
‫م ت َمَر أ ّ‬
‫َ‬
‫من عذابه وطمعا في جنته ) أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫فأ َ ْ‬ ‫َ‬
‫مٌر‬‫ح ْ‬‫و ُ‬ ‫ض َ‬ ‫جدَدٌ ِبي ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫و ِ‬
‫ها ‪َ ،‬‬ ‫وان ُ َ‬ ‫خت َِلفا أل َ‬‫م ْ‬‫ت ُ‬ ‫مَرا ٍ‬ ‫ه ثَ َ‬ ‫جَنا ب ِ ِ‬ ‫خَر ْ‬
‫همما – عسسروق تكسسون فسسي الجبسسال بيضسساء وحمسسراء وسسسوداء ‪-‬‬ ‫َ‬
‫وان ُ َ‬ ‫ف أل َ‬ ‫خت َل ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫د ‪ -‬الغربيسسب هسسو الشسسديد السسسواد السسذي يشسسبه لسسونه لسسون‬ ‫سممو ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫وغَراِبيم ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ممما‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫وا‬‫م‬ ‫َ‬
‫أل‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ت‬‫خ‬ ‫ْ‬
‫ْ َ ِ ُ َ ِ ٌ‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫عا‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫د‬‫وال‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫الغراب‪-‬‬
‫ِّ َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ِ َ ّ َ ّ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ِ َ‬
‫فوٌر ( )فاطر‪. (28:‬‬ ‫غ ُ‬‫زيٌز َ‬ ‫ع ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ماءُ إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫عل َ‬‫ه ال ُ‬
‫عَباِد ِ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫شى الل َ‬ ‫خ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫فالعلم بمخلوقات الله يبعث الخشية في القلوب ‪ ،‬فما بالك إذا كان العلم‬
‫بعلم الغيوب ‪ ،‬فالعلم بأسماء الله وصفاته وفقه معناهسسا والعمسسل بمقتضسساها‬
‫وسؤال الله من خللها من أشرف العلوم ‪ ،‬علم يحدث فسسي القلسسب تعظيمسسا‬
‫لله وحبا وخوفا منه وقربا ‪ ،‬وتوكل وصدقا ‪ ،‬فتسكن النفس بقربه وعبوديته ‪،‬‬
‫ويطمئن القلب بيقينه في عقيدته ‪ ،‬فيذكره المؤمن خوفا وطمعا ‪ ،‬خوفا من‬
‫الذنب إقرارا لعظمته ‪ ،‬وطمعا في القرب إدراكا لفضله ورحمته ‪.‬‬
‫وينبغي أن نعلم أن ذكر الله ومدحه بأسمائه الحسنى يعود النفع فيه على‬
‫الذاكر دون المذكور ‪ ،‬بخلف ذكر النسان ومدح النسان للنسان ‪ ،‬فإن‬
‫النفع فيه يعود على الذاكر والمذكور ‪ ،‬فإن الذكر بين النسان والنسان‬
‫يكون إما لرفع خسيسة أو دفع نقيصة ‪ ،‬وإما لثبات وصف وذكر حقيقة ‪،‬‬
‫وإما لمبالغة كاذبة وأغراض خبيثة ‪ ،‬فترى الشخص ينفي النقص عن الخر‬
‫حتى تخلوا ساحته من النقائص والعيوب ‪ ،‬وربما هو في الحقيقة مذنب‬
‫مجرم معيوب ‪ ،‬أو صادق مظلوم وحقه مسلوب ‪ ،‬فذكر الخرين له بالكمال‬
‫في هذا الحال أمر مطلوب ‪ ،‬يدفع من أجله ما يسترد به حقه المسلوب ‪ ،‬أو‬
‫يدفع عن نفسه بالباطل مختلف التهم والعيوب ‪.‬‬
‫وبسبب ذلك كانت الشفاعة بين الناس مختلفة عن الشفاعة عند رب‬
‫الناس إله الناس ‪ ،‬فالشفاعة عند الله من دلئل توحيده ‪ ،‬وكمال أسمائه‬
‫وصفاته ‪ ،‬ومن الخطأ الكبير ‪ ،‬ومن الظلم العظيم أن يسوى بعض الجاهلين‬
‫بين الشفاعة عند الله وما يتعلق بأحكامها ‪ ،‬وبين الشفاعة التي تحدث بين‬
‫الرعية وحكامها ‪ ،‬فالشفاعة عند المخلوق ليست كالشفاعة عند الله ‪،‬‬
‫فالمخلوق أحيانا يقبل الشفاعة إلزاما واضطرارا ‪ ،‬إما لوجود مصلحة تسعى‬
‫إليها قرابته ‪ ،‬أو إلزاما من حزبه لتبقى عليه سيادته ‪ ،‬أو لفضل من المملوك‬
‫على الملك ‪ ،‬أو قدرة المملوك علي تنحية الملك ‪ ،‬وعزله عن ملكه‬
‫وسلطانه ‪ ،‬أو التحكم في نقاط ضعفه بفضحه وإذاعة أسراره ‪ ،‬وكشف ما‬
‫هو مستور من مخازيه وسوء أحواله ‪ ،‬فيضطر الحاكم أو المير أو الملك‬
‫إلى قبول الشفاعة من المحكوم ‪ ،‬والتغاضي عن العدل وإنصاف المظلوم ‪،‬‬
‫كل ذلك بغير إذنهم مجبرين على الشفاعة مكرهين ‪ ،‬وهذه هي الفوضى‬
‫والمحسوبية التي علل بها أصحاب الفرق السلمية نفيهم للشفاعة‬
‫العظمي عن خير البرية صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قالوا الشفاعة محسوبية‬
‫وهذا ل يكون في الخرة ‪ ،‬فمن جهلهم أنهم قاسوا الشفاعة عند الخالق‬
‫على الشفاعة عند المخلوق ‪ ،‬وهذا جهل منهم بتوحيد الله ‪ ،‬فالله إذا أخبرنا‬
‫عن نفسه أنه سيقبل الشفاعة في الموحدين من المسلمين لو اقترفوا‬
‫بعض أنواع العصيان علمنا أنها ل تماثل شفاعة النسان للنسان ‪ ،‬ولذا قال‬
‫عند َه ُ ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ ( البقرة‪/‬‬ ‫فعُ ِ‬ ‫ش َ‬‫ذي ي َ ْ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫الله في أعظم آية في القرآن ‪َ ) :‬‬
‫‪ ، 255‬فالله عز وجل لن يقبل الشفاعة من أحد ول في أحد ‪ ،‬إل إذا جاء‬
‫إلى الله عبدا موحدا ‪ ،‬مشابها في سلوكه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،‬فل بد أن يكون العبد خالصا من شوائب التشبيه والشرك ‪ ،‬مقرا لله‬
‫بالخلق والمر والملك ‪ ،‬وهذا شرط الشفاعة الذي حدده سيد الخلق ‪ ،‬فقد‬
‫ثبت عند البخاري من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله‬
‫َ‬
‫ه ِإل‬ ‫ل ل إ ِل َ َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫مة ِ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫فاع َِتي ي َوْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫سعَد ُ الّنا ِ‬ ‫عليه وسلم قال ‪ ) :‬أ ْ‬
‫ن قَل ْب ِهِ ( ‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫خال ِ ً‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ما ِفي‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫فالتوحيد والذن شرط الشفاعة عند الله ‪ ) ،‬ل َ ُ‬
‫ع‬
‫ف ُ‬‫عن ْد َه ُ ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ ()البقرة‪ :‬من الية ‪َ ) (255‬ول ت َن ْ َ‬ ‫فعُ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ذي ي َ ْ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫اْل َْر‬
‫عنده إّل ل ِم َ‬
‫تل‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫مل َ ٍ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ه ()سسبأ‪ ) (23:‬وَك َ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن أذ ِ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ة ِ ْ َ ُ ِ‬ ‫فاع َ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ال ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضى( )لنجم‪(26:‬‬ ‫شاُء وَي َْر َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫ن ي َأذ َ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شْيئا ً إ ِّل ِ‬ ‫م َ‬ ‫فاع َت ُهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ُغِْني َ‬
‫‪ ،‬من هو صاحب الفضل عليه ؟ من الذي ساعده في إنشاء الخلق ؟ أو‬
‫ق‬
‫خل َ‬ ‫ض َول َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬
‫َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خلقَ ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫شهَد ْت ُهُ ْ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫عاونه في تدبير الملك ؟ ) َ‬
‫ه‬
‫مد ُ ِلل ِ‬ ‫ح ْ‬‫ل ال َ‬ ‫ضدا ً ( )الكهف‪ ) (51:‬وَقُ ِ‬ ‫ن عَ ُ‬ ‫ضّلي َ‬ ‫م ِ‬ ‫خذ َ ال ُ‬ ‫مت ّ ِ‬
‫ت ُ‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ن الذ ّ ّ‬
‫ل‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬‫ك وَل َ ْ‬ ‫مل ِ‬ ‫ك ِفي ال ُ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫خذ ْ وََلدا ً وَل َ ْ‬ ‫م ي َت ّ ِ‬ ‫ذي ل َ ْ‬ ‫ال ِ‬
‫وَك َب ّْره ُ ت َك ِْبيرا( )السراء‪ (111:‬سبحانه ل شريك له في ملكه ‪ ،‬ول ظهير له‬ ‫ً‬
‫في تدبير شئون خلقه ‪ ،‬ليست له عثرة تقال ‪ ،‬ول حد يضرب له مثال ‪،‬‬
‫مازال بأسمائه وصفاته له الجلل والكمال والجمال ‪ ،‬وكما قال المام‬
‫الطحاوى ‪ ) :‬ما زال بصفاته قديما قبل خلقه ( فهو سبحانه وتعالى أول‬
‫ليس قبله شيء ‪ ،‬متصف بصفات الكمال قبل خلقه لكل شيء ‪ ،‬فأسماؤه‬
‫وصفاته أزلية أبدية ‪ ،‬فكما أنه في ذاته أول بل ابتداء فكذلك أسماؤه‬
‫وصفاته تابعة لذاته ‪ ،‬فهي أولية بأولية الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬فلم يكن أول بل‬
‫أسماء ول صفات ثم سماه الناس وحدثت له الصفات ‪ ،‬تعالى الله عما‬
‫يقوله أهل الضلل من أصحاب العتزال ‪ ،‬الذين يقولون ‪ :‬لم تكن له صفات‬
‫في الزل قبل خلق الخلق ثم اكتسب الصفات بعد وجود من وصفه‬
‫وسماه ‪ ،‬فسبحان الله وتعالى عن قول الجاهلين ! فقولهم هذا يلزم منه أن‬
‫يكون الله ناقصا في فترة ‪ ،‬ثم اكتسب أسماء وأوصافا وكمال لم يكن من‬
‫قبل ‪ ،‬تعالى عما يقولون ‪ ،‬فالله عز وجل هو الغني عن سواه ‪ ،‬وجميع خلقه‬
‫هم الفقراء إلى الله ‪ ،‬ولذلك قال المام الطحاوى ‪ ) :‬لم يزدد بكونهم شيئا‬
‫لم يكن قبلهم من صفته ( أي وجود المخلوقات لم يزده كمال كان مفقودا‬
‫أو يزيل نقصا كان موجودا ‪ ،‬فل نقول كما قال الجاهلون لم يكن الله خالقا‬
‫إل بعد أن خلق الخلق ‪ ،‬ولم يكن رازقا إل بعد ظهور الملك ‪ ،‬فهذا شأن‬
‫المخلوق وليس شأن ملك الملوك ‪ ،‬المخلوق نقول عنه عالما بعد اكتساب‬
‫العلم وزوال الجهل ‪ ،‬وخبيرا بعد اكتساب الخبرة ومزاولة المهنة ‪ ،‬ونقول‬
‫عنه ملكا بعد اكتساب الملك وظهور العزة ‪ ،‬ونقول عنه حكيما بعد ظهور‬
‫الحكمة ‪ ،‬وطيبا رحيما بعد ظهور الرحمة ‪ ،‬أما ربنا تبارك وتعالى فله الكمال‬
‫في أزليته وأبديته ‪ ،‬قال المام الطحاوى ‪:‬‬
‫) وكما كان بصفاته أزليا كذلك ل يزال عليها أبديا ليس بعد خلق الخلق‬
‫استفاد اسم الخالق ول بإحداث البرية استفاد اسم الباري ( من أسماء الله‬
‫عز وجل الباري ‪ ،‬يعني الخالق ‪ ،‬برى الخلق يعني خلقهم فهو الباري ‪ ،‬وهذا‬
‫السم ملزم لذاته ليست له بداية ول نهاية ‪ ،‬وهنا يظهر لنا الكمال ‪ ،‬فلو‬
‫ضربنا لكم مثال ‪ ،‬بقياس الولي ‪ ،‬نقول ‪ :‬الرجل إذا كان في قريته ذليل‬
‫فقيرا ضعيفا ‪ ،‬واكتسب أوصاف الكمال فأصبح عزيزا غنيا قويا ‪ ،‬فإن الناس‬
‫ل ينسون أوصاف نقصه ‪ ،‬حتى لو بلغ به الكمال فيه مبلغه ‪ ،‬يتذكرون حال‬
‫فقره ويذكرونه بضعفه ‪ ،‬يقولون ‪ :‬أنت فلن الذي كنت مهينا ذليل ‪ ،‬فقيرا‬
‫ضعيفا ‪ ،‬كل ذلك لنه اكتسب كمال لم يكن من قبل ‪ ،‬لكنه لو انتقل وهو في‬
‫حال الكمال إلى بلد آخر ل يعرفه الناس فيه فرأوه من بدايته عزيزا غنيا ‪،‬‬
‫منيعا قويا ‪ ،‬فإنهم ل يذكرونه على الدوام إل بالكمال ‪ ،‬ول يعرفون وصفه إل‬
‫مقترنا بالعزة في كل حال ‪ ،‬فيصفونه بالعزة والغنى والقوة ‪ ،‬ومن هنا‬
‫قيل ‪ :‬كان كراعا فصار ذراعا ‪ ،‬والكراع هو القزم الصغير وهذا يضرب مثل‬
‫للرجل الذليل يصير عزيزا كبيرا ‪ ،‬دخل أبو العباس السراج على أبي عمرو‬
‫الخفاف فقال له يا أبا العباس من أين جمعت هذا المال فقال يا أبا عمرو‬
‫بغيبة عن نيسابور مائة وعشرين سنة قال وكيف ذاك قال غاب أخي‬
‫إبراهيم أربعين سنة وغاب أخي إسماعيل أربعين سنة وغبت أنا مقيما‬
‫ببغداد أربعين سنة أكلنا العشب ولبسنا الخشن حتى جمعنا هذا المال ‪،‬‬
‫ولكن أنت يا أبا عمرو من أين جمعت هذا المال ‪ :‬أتذكر إذ لحافك جلد شاة‬
‫وإذ نعلك من جلد البعير ‪ ،‬فسبحان الذي أعطاك ملكا وعلمك الجلوس‬
‫على السرير ‪ ،‬ويقال أيضا أن ذلك حدث بين أعرابيين صديقين يعشيان‬
‫فقيرين بالبادية غير أن أحدهما ويقال له زيد ذهب إلى المدينة وتقرب من‬
‫الحجاج بن يوسف الثقفي حتى أمره على أصبهان ‪ ،‬فسمع عنه صديق‬
‫فقره الذي بالبادية ‪ ،‬فشد إليه الرحال حتى وصل إلى قصره وحاول لقاءه‬
‫فمنعه الحراس أياما حتى أذن له بالدخول ‪ ،‬فأخذه الحاجب وقال له سلم‬
‫على المير زيد ‪ ،‬فلم يلتفت إلى قوله ثم أنشد قائل ‪ ،‬فلست مسلما ما‬
‫دمت حيا على زيد بتسليم المير ‪ ،‬ثم قال لزيد ‪ :‬أتذكر إذ لحافك جلد شاة‬
‫وإذ نعلك من جلد البعير ‪ ،‬فقال ‪ :‬نعم أذكره ول أنساه قال له ‪ :‬فسبحان‬
‫الذي أعطاك ملكا وعلمك الجلوس على السرير ‪.‬‬
‫فمن شهد النقص في شخص تحول عنه إلى الكمال ‪ ،‬يعز عليه أن ينسى‬
‫ما سبق له من سوء الحال ‪ ،‬فسيتكثر عليه مدحه بكماله ‪ ،‬ويسهل عليه‬
‫الذم وتذكيره بسوء حاله ‪ ،‬هذا فينا كبشر ‪ ،‬لكن رب البشر ما عرفنا إل ربا‬
‫معبودا له الجلل والكمال والجمال ‪ ،‬ما عرفناه إل ملكا قدوسا سلما مؤمنا‬
‫مهيمنا عزيزا جبارا متكبرا خالقا بارئا مصورا ‪ ،‬ولذلك قال المام الطحاوى ‪:‬‬
‫) له معنى الربوبية ول مربوب ومعنى الخالق ول مخلوق ( هو رب العالمين‬
‫قبل وجود العالمين وحال وجود العالمين وبعد فناء العالمين هو رب‬
‫العالمين هو الرب قبل أن توجد المربوبات ‪ ،‬والرب معناه الخالق المدبر ‪،‬‬
‫المالك المتصرف ‪ ،‬السيد المصلح ‪ ،‬وهذه الصفات لزمة للذات ‪ ،‬فالله‬
‫يوصف بالربوبية بل بداية ول نهاية ‪ ،‬قبل وجود المربوبات وبعد فناء‬
‫المربوبات ‪ ،‬فالله غني بذاته عن العالمين له الكمال المطلق في أسمائه‬
‫وصفاته وربوبيته للخلق أجمعين ‪.‬‬
‫يقول المام الطحاوى ‪ ) :‬ذلك بأن الله على كل شيء قدير وكل شيء‬
‫و‬
‫يٌء وَهُ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫مث ْل ِهِ َ‬ ‫س كَ ِ‬ ‫إليه فقير وكل أمر عليه يسير ل يحتاج إلى شيء ‪ ) :‬ل َي ْ َ‬
‫صيُر ( )الشورى‪. (11:‬‬ ‫ميعُ الب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ال ّ‬
‫وهذا وصف أزلسسي ‪ ،‬ل يقسسال أن اللسسه مسسا وصسسف بالقسسدرة إل بعسسد أن خلسسق‬
‫وأوجد المخلوقات ‪ ،‬بل القدرة صفة أزلية ‪ ،‬وإنما وجود المخلوقات أثر ناتسسج‬
‫من كونه على كل شيء قدير ‪ ،‬وكل شسسيء إليسسه فقيسسر ‪ ،‬ل شسسيء يمكسسن أن‬
‫قسَراُء‬ ‫ف َ‬ ‫م ال ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س أن ْت ُس ُ‬ ‫يستغني عن الله ‪ ،‬كل شيء فقير إلى الله ‪ ) :‬ي َسسا أي ّهَسسا الن ّسسا ُ‬
‫م‬ ‫ذي ل َس ْ‬ ‫مسد ُ ِللسهِ ال س ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ميد ُ ( )فسساطر‪ ) (15:‬وَقُس ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ه هُوَ الغَن ِ ّ‬ ‫إ َِلى اللهِ َوالل ُ‬
‫ل وَك َب ّسْرهُ‬ ‫ن السذ ّ ّ‬ ‫مس َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ه وَل ِس ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ك وَل َ ْ‬ ‫مل ِ‬ ‫ك ِفي ال ُ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫خذ ْ وََلدا ً وَل َ ْ‬ ‫ي َت ّ ِ‬
‫ت َك ِْبيرًا( )السراء‪ (111:‬ذلك بأن الله على كل شيء قسسدير وكسسل شسسيء إليسسه‬
‫و‬
‫يٌء وَهُس َ‬ ‫شس ْ‬ ‫مث ْل ِسهِ َ‬ ‫س كَ ِ‬ ‫فقير وكل أمر عليه يسير ل يحتسساج إلسسى شسسيء ‪ ) :‬ل َي ْس َ‬
‫صيُر ( ‪.‬‬ ‫ميعُ الب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ال ّ‬
‫فإذا ذكرت الله بأسمائه فاعلم أنك أنت المستفيد ‪ ،‬النفع يعود عليسسك مسن‬
‫رب العبيد ‪ ،‬أما هو سبحانه فهو الغني الحميد ‪ ،‬يعود النفسسع فسسي السسذكر علسسى‬
‫مسا‬ ‫الذاكر ل المذكور ‪ ،‬أما ذكر غيره فالنفع يعود علسى السسذاكر والمسسذكور ‪َ ) ،‬‬
‫زيٌز ( )الحج‪ (74:73:‬من لم يوحد اللسسه‬ ‫قوِيّ ع َ ِ‬ ‫هل َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫حقّ قَد ْرِهِ إ ِ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫قَد َُروا الل َ‬
‫فما قدر الله حق قدره ‪ ،‬كيف يمكن لعاقل أن يسوى بين الخالق والمخلوق‬
‫فسسي الحسسب والخسسوف والرجسساء ‪ ،‬كيسسف يمكسسن لعاقسسل أن يسسسوى بيسسن الملسسك‬
‫والمملوك في الستغاثة والدعاء ‪ ،‬وصف الله حال المشسسركين فسسي الجحيسسم‬
‫فسسي‬ ‫ن ك ُن ّسسا ل ِ‬ ‫ن ت َسساللهِ إ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫صس ُ‬ ‫خت َ ِ‬ ‫م ِفيهَسسا ي َ ْ‬ ‫وهو يتنازعون ويختصمون ‪َ ) :‬قاُلوا وَهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن ( )الشسسعراء‪:‬‬ ‫مسسو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضلَنا ِإل ال ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫م ب َِر ّ‬ ‫ويك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ن إ ِذ ْ ن ُ َ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫َ‬
‫‪ (99:95‬من السميع لما ذهبت إلي أصم أبكم ؟ ‪ ،‬ومن البصير لما استغثت‬
‫بعاجز عم ؟ ‪ ،‬ومن الغني لما توجهت إلي فقير معسسدم ؟ ‪ ،‬ومسسن القسسدير لمسسا‬
‫ك‬ ‫ذهبت إلي مقبور آدم ؟ ‪ ،‬ومن الرزاق الذي رزق يونس في اليسسم ؟ ) وََرّبسس َ‬
‫شاُء ك َما َأن َ َ‬ ‫ذو الرحمة إن ي َ ْ‬
‫م‬ ‫شأك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َعْد ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خل ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫شأ ي ُذ ْه ِب ْك ُ ْ‬ ‫ّ ْ َ ِ ِ ْ َ‬ ‫ي ُ‬ ‫الغَن ِ ّ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ذ ُّري ّةِ قَوْم ٍ آ َ‬
‫قَراُء ِإلي الل ِ‬ ‫ف َ‬ ‫م ال ُ‬ ‫س أن ْت ُ ْ‬ ‫ن ( )النعام‪َ ) : (123:‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫علي ْك ُ ْ‬ ‫ة اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫س اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫ميد ُ ( )فاطر‪َ ) (15:‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ه هُوَ الغَن ِ ّ‬ ‫َوالل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ِإل هُسوَ فَسأّني‬ ‫ض ل ِإلس َ‬ ‫ماِء َوال َْر ِ‬ ‫سس َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مس ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ق غ َي ْسُر اللسهِ ي َْرُزقُك ُس ْ‬ ‫خسسال ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫هل ِ‬ ‫َ‬
‫صسسلي‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ِّبسس ّ‬ ‫ن أِبي ذ َّر ع َ ِ‬ ‫ن ( )فاطر‪ (3:‬روى المام مسلم ‪ 2577‬ع َ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫ت ُؤ ْفَ ُ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫عب َسساِدي إ ِن ّك ُس ْ‬ ‫ه قَسسال ‪ :‬ي َسسا ِ‬ ‫ك َوتعالي أن ّ ُ‬ ‫ن اللهِ ت ََباَر َ‬ ‫ما َرَوي ع َ ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سل َ‬ ‫علي ْهِ وَ َ‬ ‫الله َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫عَبساِدي لسوْ أ ّ‬ ‫فُعسوِني ‪َ ،‬يسا ِ‬ ‫فِعسي فَت َن ْ َ‬ ‫ن ت َب ْلُغسوا ن َ ْ‬ ‫ضسّروِني َولس ْ‬ ‫ضّري فَت َ ُ‬ ‫ن ت َب ْل ُُغوا َ‬ ‫ل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما َزاد َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫قي َقل ِ‬ ‫كاُنوا على أت ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫جن ّك ُ ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م وَإ ِن ْ َ‬ ‫خَرك ُ ْ‬ ‫م َوآ ِ‬ ‫أّولك ُ ْ‬
‫م ك َسساُنوا‬ ‫عبادي لو أ َ َ‬
‫جن ّك ُس ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫سسك ُ ْ‬ ‫م وَإ ِن ْ َ‬ ‫خَرك ُ ْ‬ ‫م َوآ ِ‬ ‫ن أّولك ُ ْ‬ ‫ْ ّ‬ ‫شي ًْئا ‪َ ،‬يا ِ َ ِ‬ ‫كي َ‬ ‫مل ِ‬ ‫ك ِفي ُ‬ ‫ذل َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫شسي ًْئا ‪َ ،‬يسا ِ‬ ‫ذل َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫عَبساِدي لسوْ أ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كي َ‬ ‫مل ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫حد ٍ َ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫جرِ َقل ِ‬ ‫على أفْ َ‬
‫َ‬
‫كل‬ ‫ت ُ‬ ‫سأُلوِني فَأع ْط َي ْ ُ‬ ‫حد ٍ ف َ َ‬ ‫صِعيد ٍ َوا ِ‬ ‫موا ِفي َ‬ ‫م َقا ُ‬ ‫جن ّك ُ ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م وَإ ِن ْ َ‬ ‫خَرك ُ ْ‬ ‫م َوآ ِ‬ ‫أّولك ُ ْ‬
‫إنسان م َ‬
‫خسسل‬ ‫ذا أ ُد ْ ِ‬ ‫ط إِ َ‬ ‫خي َس ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ص ال ِ‬ ‫قس ُ‬ ‫مسسا ي َن ْ ُ‬ ‫دي ِإل ك َ َ‬ ‫عن ْس ِ‬ ‫مسسا ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذلس َ‬ ‫ص َ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫سألت َ ُ‬ ‫ِْ َ ٍ َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ج سد َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مس ْ‬ ‫م إ ِّياهَسسا فَ َ‬ ‫م أوَّفيك ُس ْ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫صيَها لك ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫مالك ُ ْ‬ ‫ي أع ْ َ‬ ‫ما ه ِ َ‬ ‫عَباِدي إ ِن ّ َ‬ ‫حَر ‪َ ،‬يا ِ‬ ‫الب َ ْ‬
‫سه ( ‪.‬‬ ‫ف َ‬ ‫ن ِإل ن َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ك َفل ي َُلو َ‬ ‫ذل َ‬ ‫جد َ غ َي َْر َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫مد ِ الل َ‬ ‫ح َ‬ ‫خي ًْرا َفلي َ ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫فالله عز وجل بذكره تطمئن القلوب وتتلشى الذنوب ‪ ) :‬ال ِ‬
‫َ‬
‫ب ( )الرعد‪ (28:‬ودعك‬ ‫قُلو ُ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م ب ِذ ِك ْرِ اللهِ أل ب ِذ ِك ْرِ اللهِ ت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫ن قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫وَت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬
‫ممن جعل الذكر ترك الذكر بحجة عدم النسان ‪ ،‬كما قال الزنديق الذي‬
‫ينطق بلسان الشيطان ‪ ،‬محي الدين ابن عربي داعي الكفر بحجة اليمان ‪:‬‬
‫دع الذكر والتسبيح إن كنت عاشقا ‪ :‬فليس يديم الذكر إل‬
‫المنافق ‪ -‬إذا كان من تهواه في القلب حاضرا ‪ :‬وأنت تديم‬
‫الذكر كنت منافقا – ويقول أيضا ‪ :‬أل بذكر الّله تزداد الذنوب ‪:‬‬
‫وتنعكس البصائر والقلوب ‪ -‬وترك الذكر أفضل كل شيء ‪:‬‬
‫فشمس الذات ليس لها غروب ‪.‬‬
‫فل عبرة بهذه البدعة الكفرية تحت حسن النية والتي يراها بعض‬
‫المعاصرين قمة إيمانية ‪ ،‬هذه البدعة يدعو فيها ابن عربي إلى ترك الذكر‬
‫بحجة انعدام النسيان ومتي كان عدم النسيان سببا في هلك الشيطان ؟‬
‫إنما الهلك في عدم امتثاله لمر ربه ‪ ،‬واستكبار وحسده وحقده ‪.‬‬
‫فالله عز وجل فطر القلوب على ذكره وحبه ‪ ،‬فطرهم على عبادته لجلله‬
‫وكماله ‪ ،‬وجماله في أسمائه وصفاته وأفعاله ‪ ،‬أسماء الله كلها حسني وكلها‬
‫ل والكسسرام ( )الرحمسسن‪ (78:‬أجمسسع‬ ‫جل ِ‬ ‫ك ِذي ال َ‬ ‫م َرب ّس َ‬ ‫سس ُ‬
‫كا ْ‬ ‫عظمسسي ‪ ) ،‬ت َب َسساَر َ‬
‫ك ِذي وكسسذلك فسسي مصسساحف أهسسل‬ ‫م َرب ّس َ‬ ‫سس ُ‬
‫كا ْ‬ ‫القراء ها هنا على الياء ‪ ،‬ت َب َسساَر َ‬
‫ك ِذو لنسسه جعسسل ذو‬ ‫م َرب ّس َ‬‫سس ُ‬‫كا ْ‬ ‫الحجاز والعراق ‪ ،‬وتفرد ابن عامر بالواو ت ََباَر َ‬
‫وصفا للسم ‪ ،‬وكذلك هي في مصاحف أهل الشام ‪ ،‬قال شيخ السسسلم فسسي‬
‫دقائق التفسير ) وهو في مصحف أهسسل الشسسام تبسسارك اسسسم ربسسك ذو الجلل‬
‫والكرام ‪ ،‬وهي قراءة ابن عامر فالسم نفسسسه موصسسوف بسسالجلل والكسسرام‬
‫وفي سسسائر المصسساحف وفسسي قسسراءة الجمهسسور ذي الجلل فيكسسون المسسسمى‬
‫نفسه موصوفا بالجلل والكرام ( ‪.‬‬
‫ل والكرام ( والجلل منتهي الحسن والعظمسسة‬ ‫جل ِ‬ ‫ك ِذي ال َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫س ُ‬ ‫كا ْ‬ ‫) ت ََباَر َ‬
‫في الذات والسماء والصفات ‪ ،‬وهو يقوم على ركنيسسن اثنيسسن ‪ :‬الركسسن الول‬
‫هو الكمال ‪ ،‬والركن الثاني هو الجمال ‪ ،‬فالكمسسال هسسو بلسسوغ الوصسف أعله ‪،‬‬
‫والجمال بلوغ الحسن منتهاه ‪ ،‬فانظر إلى حكمة الله وانفراده عمن سواه ‪،‬‬
‫فإن الله إن أعطي الكمال لحد سواه سلبه الجمسسال ‪ ،‬وإن أعطسسي الجمسسال‬
‫لحد سواه سلبه الكمال ‪ ،‬وإن أعطي الكمسسال والجمسسال لحسسد سسسواه سسسلبه‬
‫دوام الحال ‪ ،‬انظر إلي حكمة الله فيمن أعطاهم الكمال وسلبهم الجمسسال ‪،‬‬
‫غني بلغ الكمال في الغنسسي ولكنسسه مريسسض بالسسسكر أو قبيسسح فسسي المنظسسر أو‬
‫جاهل أكبر ‪ ،‬أو عقيم يشتهي الولد ويتمناه ‪ ،‬فهسسو ل يسسسعد بمسساله ول غنسساه ‪،‬‬
‫ول ينعم بلسسذة الحيسساة إل إذا أدرك الحكمسسة وحسسسن تقسسدير اللسسه ‪ ،‬وأن القسسدر‬
‫والبتلء سر الله في هذه الحياة ‪ ،‬فسلم لله وآمن بقدر الله ‪ ،‬أو انظسسر إلسسي‬
‫ف والحسسسب ‪،‬‬ ‫امرأة لها كمال في الخلق والنسب ‪ ،‬ولهسسا منزلسسة فسسي الشسسر ِ‬
‫وهي أبعد ما يكون عسسن الخيانسسة ‪ ،‬ومتصسسفة بالصسسدق والمانسسة ‪ ،‬ولكنهسسا فسسي‬
‫الجمال قبيحة ل تسر الناظرين ‪ ،‬دميمة ترعب الخاطبين ‪ ،‬أو انظر إلي مسسن‬
‫أعطاه الله أرضا كبيرة واسعة ‪ ،‬لكنه يفشل في استصلحها لي منفعة ‪.‬‬
‫وعلى العكس من ذلك انظر إلي من أعطاهم الجمسال وسسلبهم الكمسال ‪،‬‬
‫رجل عالم ذكي قوي فتي ‪ ،‬لكنه فقير مهان يبيت جوعان ول يجد ثوبا يسسستر‬
‫النسان ‪ ،‬أو انظر إلسي امسرأة جمالهسا يتغنسى بسه الشسبان ‪ ،‬وقوامهسا ل تسراه‬
‫العينان ‪ ،‬لكنها تخون زوجها ‪ ،‬ول تصون عرضها ‪ ،‬وهسسي معسسرة علسسى أهلهسسا ‪،‬‬
‫وكل الناس يتمني موتهسسا ‪ ،‬أو انظسسر إلسسي فلح بسسسيط ليسسس لسسه مسسن الرض‬
‫سوي بضعة قراريط ‪ ،‬لكن زراعته بارعة ‪ ،‬وأشجاره طالعة ‪ ،‬وثمارها يانعة ‪،‬‬
‫مناه في الحياة أن تكون أرضه واسعة لكن الحلو ل يكمل ‪.‬‬
‫وقد يعطي الله الكمال والجمل لحد من خلقه لكسسن يسسسلبه دوام الحسسال ‪،‬‬
‫سليمان أعطاه الله الملك والعزة ‪ ،‬فكان قويا غنيا ‪ ،‬وملكا نبيا ‪ ،‬لديه السسدنيا‬
‫ة الحياة بأنواعها ‪ ،‬وسخرها لله بالطاعسسة واليمسسان ‪ ،‬وسسسعادة‬ ‫بأسرها ‪ ،‬وبهج ُ‬
‫العيش وحسن توجيه الحق للنسسسان ‪ ،‬فسسانظر إلسسي قسسول سسسليمان وتوحيسسده‬
‫لرب العالمين ‪ ،‬عندما رأي عرش بلقيس منقول من اليمن إلسسي فلسسسطين ‪،‬‬
‫ضسسل َرب ّسسي ( )النمسسل‪(40:‬‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫مس ْ‬ ‫ذا ِ‬‫ومستقرا بين يديه بقدرة اللسسه ‪ ) :‬قَسسال هَس َ‬
‫فالفضل ليس لي ول لجندي ‪ ،‬وإنما هسسو فضسسل ربسسي ‪ ،‬وقسسد اسسسترعاني فسسي‬
‫ه‬
‫سس ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫شسك ُُر لن َ ْ‬ ‫مسسا ي َ ْ‬‫شسك ََر فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫فُر وَ َ‬‫م أ َك ْ ُ‬ ‫َ‬
‫شك ُُر أ ْ‬ ‫ملكه واستخلفني ) لي َب ْل ُوَِني أ َأ َ ْ‬
‫م ( )النمل‪ (40:‬فسليمان عليسسه السسسلم أعطسساه‬ ‫ري ٌ‬ ‫ي كَ ِ‬‫ن َرّبي غ َن ِ ّ‬ ‫فَر فَإ ِ ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫الله الكمال والجمال لكنه سلبه دوام الحال ‪ ،‬لننسسا فسسي دار ابتلء ‪ ،‬والمسسوت‬
‫حكم الله في السماء ‪ ،‬فمات عليه السلم ‪ ،‬ولم ولن يبقي إل الحي الذي ل‬
‫ة المسوت وإنمسسا توفّسو ُ‬
‫ن‬‫مس ْ‬ ‫م سة ِ ف َ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫م ي َسوْ َ‬ ‫جسسوَرك ُ ْ‬ ‫نأ ُ‬ ‫قس ُ َ ْ ِ َ ِ ّ َ ُ َ ْ َ‬ ‫ذائ ِ َ‬‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫يموت ) ك ُ ّ‬
‫ُ‬
‫مَتاع ُ الغُسُرورِ ( )آل‬ ‫حَياة ُ الد ّن َْيا ِإل َ‬ ‫ما ال َ‬ ‫قد ْ َفاَز وَ َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫جن ّ َ‬‫ل ال َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن الّنارِ وَأد ْ ِ‬ ‫ح عَ ِ‬ ‫حزِ َ‬ ‫ُز ْ‬
‫ل َوال ِك ْسَرام ِ (‬ ‫جل ِ‬ ‫ذو ال َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ه َرب ّس َ‬ ‫جس ُ‬‫قسسى وَ ْ‬ ‫ن وَي َب ْ َ‬ ‫ن ع َل َي َْها فَسسا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عمران‪ ) (185:‬ك ُ ّ‬
‫م(‬‫يٍء ع َِلي س ٌ‬ ‫شس ْ‬ ‫ل َ‬‫ن وَهُ سوَ ب ِك ُس ّ‬ ‫ظاه ُِر َوالَباط ِ ُ‬ ‫خُر َوال ّ‬ ‫ل َوال ِ‬ ‫)الرحمن‪ ) (27:‬هُوَ ال َوّ ُ‬
‫)الحديد‪. (3:‬‬
‫فالجلل في أسمائه وصفاته مبني على الكمسسال والجمسسال وليسسس ذلسسك إل‬
‫لرب العزة والجلل ‪ ،‬هو الملك له في ملكسسه الكمسال والجمسسال ‪ ،‬ملكسسه دائم‬
‫وهو في ملكه عليم قدير يفعل ما يشاء له مطلق الخلق والتسسدبير وهسسذا هسسو‬
‫الكمال ‪ ،‬أما الجمال في الملك فقيامه على الحسسق ‪ ،‬ل يظلسسم فيسسه أحسسدا ول‬
‫يشرك في حكمه أحدا ‪ ،‬ول يشفع عنده أحد إل بإذنه يقبل التوبة عسسن عبسساده‬
‫مسا‬‫ن إ ِن ّ َ‬‫مو َ‬ ‫ظسال ِ ُ‬‫ل ال ّ‬ ‫مس ُ‬ ‫مسا ي َعْ َ‬ ‫غسافِل ً ع َ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الّلس َ‬ ‫سب َ ّ‬
‫ح َ‬ ‫وهو قادر على إهلكهم ) َول ت َ ْ‬
‫َ‬
‫صساُر( )إبراهيسسم‪ ، (42:‬لكسن ملسوك السدنيا إن‬ ‫ص ِفيسهِ اْلب ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫شس َ‬ ‫م ل ِي َوْم ٍ ت َ ْ‬ ‫خُرهُ ْ‬ ‫ي ُؤ َ ّ‬
‫استتب لهم كمال الملك وأحكموا قبضتهم على الخلق ‪ ،‬ضيعوا الجمسسال فسسي‬
‫الملك بظلم الخلق وضياع الحق ‪ ،‬وإن جمعوا بين الكمسسال والجمسسال سسسلبهم‬
‫دوام الحال ‪ ،‬فما يلبث أن يموت الخليفة العادل أو يغتال أو يقتل ‪.‬‬
‫فالجلل للسسه وهسسو مبنسسي علسسى الكمسسال والجمسسال ‪ ،‬وقسسد يكسسون الكمسسال أو‬
‫الجمال ناقصا ‪ ،‬لكن هو في عين المحب كامل جميل ‪ ،‬فل يري المحب أحدا‬
‫أحسن من محبوبه على الرغم من نقصه وعيوبه ‪ ،‬كما يحكي أن عسسزة السستي‬
‫أحبها كثير ‪ ،‬وتغني بحبها حتى بلغ الفاق دخلت على الحجاج فقسسال لهسسا ‪ :‬يسسا‬
‫عزة والله ما أنت كما قال فيك كثير ‪ ،‬فقالت ‪ :‬أيها المير إنه لم يرن بالعين‬
‫التي رأيتني بها ‪ ،‬فالمحب يري قبح المحبوب في عينه جمسسال ‪ ،‬أل تسسري أنسسه‬
‫في المثل يقال ‪ ،‬القرد في عين أمه غزال ‪.‬‬
‫وقد يكون الجمال في منتهاه والكمال في أعله ‪ ،‬ولكن المحب ل يشسسعر‬
‫بجمسسال محبسسوبه ول بكمسساله فتنعسسدم المحبسسة ‪ ،‬ولهسسذا أمسسرت النسسساء بسسستر‬
‫وجوههن عن الرجال ‪ ،‬فإن ظهور السسوجه وخصوصسسا وجسسوه الحسسسان ‪ ،‬يسسدعو‬
‫القلوب إلي النظر والفتتان ‪ ،‬ولهذا أيضا أجاز الشرع للخاطب أن ينظر إلي‬
‫المخطوبة ‪ ،‬فإنه إذا شاهد حسنها وجمالها ‪ ،‬ورأي الكمال في سلوكها ‪ ،‬كان‬
‫ذلك أدعي إلي حبها وباعثا للرغبة في التعلق بها ‪ ،‬روي ابسن ماجسسة وصسسححه‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ة رضي الله عنه أنه َقال ‪ ) :‬أت َي ْ ُ‬ ‫شعْب َ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫مِغيَرة ب ْ ِ‬ ‫الشيخ اللباني من حديث ال ُ‬
‫ب فَسسان ْظ ُْر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خط ُب َُها َفقسسال ‪ :‬اذ ْهَس ْ‬ ‫مَرأة ً أ ْ‬ ‫ها ْ‬ ‫تل ُ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم فَذ َك َْر ُ‬
‫خط َب ْت ُهَسسا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إليها فَإن َ‬
‫صسسارِ فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ن الن ْ‬ ‫َ‬ ‫مس‬‫مسَرأة ً ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫ما ‪َ ،‬قال ‪ :‬فَسأت َي ْ ُ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ َ‬ ‫ن ي ُؤ ْد َ َ‬‫جد َُر أ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫ِ َْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫ما ك َرِ َ‬ ‫ول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فَك َأن ّهُ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫خب َْرت ُهُ َ‬
‫ِإلي أب َوَي َْها وَأ ْ‬
‫ها ‪ ،‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ذل َ‬ ‫ذل َ‬
‫ن‬‫ت ‪ :‬إِ ْ‬ ‫قسسال ْ‬ ‫خسد ْرِ َ‬ ‫ي فِسسي ِ‬ ‫مسْرأة ُ وَه ِس َ‬ ‫ك ال َ‬ ‫ت َ‬ ‫معَ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫مِغيَرة ‪ :‬فَ َ‬ ‫ك ‪َ ،‬قال ال ُ‬ ‫َ‬
‫ن ت َن ْظ ُسَر فَسسان ْظ ُْر وَِإل فَسإ ِّني‬ ‫َ‬ ‫مسَر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كأ ْ‬ ‫ن رسول الله صسسلى اللسسه عليسسه وسسسلم أ َ‬ ‫كا َ‬
‫جت َُها ( ‪.‬‬ ‫ت ِإلي َْها فَت ََزوّ ْ‬ ‫مِغيَرة ‪ :‬فَن َظ َْر ُ‬ ‫ك ‪ -‬أل تفعل ‪َ -‬قال ال ُ‬ ‫شد ُ َ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫فمن حكمة الله أنه إن أعطسسي الكمسسال لحسسد سسسواه سسسلبه الجمسسال ‪ ،‬وإن‬
‫أعطي الجمال لحد سواه سلبه الكمال ‪ ،‬وإن أعطي الكمال والجمال لحسسد‬
‫سواه سسسلبه دوام الحسسال ‪ ،‬ومعلسسوم أن دوام الحسسال مسسن المحسسال ‪ ،‬فالوحيسسد‬
‫الذي اتصف بالكمال والجمال هو رب العزة والجلل ‪ ،‬كل اسم من أسسسمائه‬
‫ل والكرام ( فسسإذا أضسسفت‬ ‫جل ِ‬ ‫ك ِذي ال َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫س ُ‬
‫كا ْ‬ ‫فيه الكمال والجمال ‪ ) ،‬ت ََباَر َ‬
‫إلي كماله وجماله ما كان من إحسانه في ملكه ‪ ،‬وإنعامه على خلقه ‪ ،‬فسسإنه‬
‫ل يتخلسسف عسسن حبسسه إل الجاحسسدون وأصسسحاب القلسسوب والخبيثسسة ‪ ،‬والنفسسوس‬
‫الخسيسة ‪ ،‬فإن الله فطر القلوب على محبة المحسنين إليهسسم ‪ ،‬المتصسسفين‬
‫بالكمال لديهم ‪ ،‬وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها القلسسوب ‪ ،‬فمسسن‬
‫المعلوم أن مقلب القلوب ل أحد يعظمه إحسانا وجمال ‪ ،‬أو إنعامسسا وكمسسال ‪،‬‬
‫فل شيء أكمل من الله ‪ ،‬ول شيء أجمل من الله ‪ ،‬فكل كمال وجمسال فسي‬
‫المخلوق من آثار صنعته ‪ ،‬وكمال قسدرته وبسديع حكمتسه ‪ ،‬سسبحانه ل نحصسي‬
‫ثناء عليه هو كما أثني علسى نفسسه ‪ ،‬لسه علسى خلقسه وجنسه وإنسسه ‪ ،‬النعمسة‬
‫السابغة ‪ ،‬والحجة البالغة ‪ ،‬والسطوة الدامغة ‪ ،‬ليس فسسي أفعسساله عبسسث ‪ ،‬ول‬
‫في أوامره سفه ‪ ،‬بل أفعاله كلها ل تخرج عن المصلحة والحكمة ‪ ،‬والفضسسل‬
‫والرحمة ‪ ،‬كلمه صدق ‪ ،‬ووعده حق ‪ ،‬وعدله ظسساهر فسسي سسسائر الخلسسق ‪ ،‬إن‬
‫أعطي فبفضله ورحمته ‪ ،‬وكرمه ونعمته ‪ ،‬وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته‬
‫ن‬ ‫‪ ،‬وقد وصفه نبينا بأنه جميل ‪ ،‬روي المام مسسسلم مسسن حسسديث ع َب ْسد ِ اللسهِ ب ْس ِ‬
‫ب‬ ‫حس ّ‬ ‫ل يُ ِ‬ ‫ميس ٌ‬ ‫ج ِ‬
‫ه َ‬ ‫ن اللس َ‬ ‫ن النبي صلى الله عليه وسسسلم أنسسه قَسسال ‪ ) :‬إ ِ ّ‬ ‫سُعود ٍ ع َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫مال ( لسه جمسال السذات وجمسال الصسافات ‪ ،‬وجمسال الفعسال فسي سسائر‬ ‫ج َ‬ ‫ال َ‬
‫المخلوقات ‪ ،‬ل تقوى البصسسار فسسي هسسذه السسدار علسسى النظسسر إلسسي رب العسسزة‬
‫والجلل ‪.‬‬
‫َ‬
‫سَنى ( )طه‪ (8:‬فأي محبوب لنا أعظسسم‬ ‫ح ْ‬ ‫ماُء ال ُ‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫ه ِإل هُوَ ل َ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫) الل ُ‬
‫ممن خلقنا وإليه مرجعنسسا ‪ ،‬وأي كمسسال لغيسسره يضسساهي كمسسال ربنسسا وجمسساله ‪،‬‬
‫عوه ُ ب ِهَسسا وَذ َُروا‬ ‫س سَنى فَسساد ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ح ْ‬ ‫ماُء ال ُ‬ ‫سس َ‬ ‫وحسنه وجلله ‪ ،‬يقول تعالى ‪ ) :‬وَِلل سهِ ال ْ‬
‫َ‬
‫ن ( )العسسراف‪(180:‬‬ ‫مُلسو َ‬ ‫مسا ك َسساُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫جَزوْ َ‬
‫سسي ُ ْ‬‫مائ ِهِ َ‬ ‫سس َ‬
‫ن ِفسي أ ْ‬ ‫دو َ‬‫ح ُ‬
‫ن ُيل ِ‬ ‫ذي َ‬‫ال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سسَنى (‬ ‫ح ْ‬‫ماُء ال ُ‬ ‫سس َ‬‫ه ال ْ‬ ‫عوا فَل َس ُ‬ ‫مسسا ت َسد ْ ُ‬‫ن أي ّسسا َ‬‫مس َ‬
‫ح َ‬ ‫ه أوِ اد ْع ُسسوا الّر ْ‬ ‫عوا الل س َ‬ ‫ل اد ْ ُ‬‫) قُ ِ‬
‫َ‬
‫ح‬
‫سسب ّ ُ‬
‫سسَنى ي ُ َ‬ ‫ح ْ‬‫ماُء ال ُ‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫صوُّر ل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫خال ِقُ الَبارِئُ ال ُ‬ ‫ه ال َ‬‫)السراء‪ ) (110:‬هُوَ الل ُ‬
‫َ‬
‫م ( )الحشر‪. (24:‬‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫زيُز ال َ‬ ‫ض وَهُوَ العَ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫لَ ُ‬
‫وله الحياة كمالها فلجل ذا ‪ :‬ما للمات عليه من سلطان ‪ -‬وكذلك القّيوم‬
‫من أوصافه ‪ :‬ما للمنام لديه من غشيان ‪ -‬وكذاك أوصاف الكمال جميعها ‪:‬‬
‫ثبتت له ومدارها الوصفان ‪ -‬فمصحح الوصاف والفعال وال ‪ :‬سماء حقا‬
‫ذانك الوصفان ‪ -‬ولجل ذا جاء الحديث بأنه ‪ :‬في آية الكرسي وذي عمران ‪-‬‬
‫اسم الله العظم اشتمل على اسم الحي والقيوم مقترنان ‪ -‬فالكل مرجعها‬
‫إلى السمين يدري ذاك ذو بصر بهذا الشان ‪ ،‬سبحانك اللهم وبحمدك أشهد‬
‫أل إله إل أنت أستغفرك وأتوب إليك ‪.‬‬

You might also like