You are on page 1of 192

‫صفحة ‪1200 :‬‬

‫‪:‬وفي هذه القصيدة يقول الخطل يمدح عبد الملك‬


‫أظفره الله فليهنئ لـه الـظـفـر‬ ‫إلى امرئ ل تعـرينـا نـوافـلـه‬
‫خليفة الله يستسقى به الـمـطـر‬ ‫الخائض الغمر والميمـون طـائره‬
‫بالحزم والصمعان القلب والحـذر‬ ‫والهم بعد نجي النـفـس يبـعـثـه‬
‫في حافتيه وفي أوساطه العـشـر‬ ‫وما الفرات إذا جاشـت غـواربـه‬
‫فوق الجآجـيء مـن آذيه غـدر‬ ‫وزعزعته رياح الصيف واضطربت‬
‫منها أكافـيف فـيهـا دونـه زور‬ ‫مسحنفر من جبال الـروم يسـتـره‬
‫ول بأجهر منه حـين يجـتـهـر‬ ‫يوما بأجود منـه حـين تـسـألـه‬
‫ما إن يوازى بأعلى نبتها الشـجـر‬ ‫في نبعة من قريش يعصبون بـهـا‬
‫إذا ألمت بهم مكروهة صـبـروا‬ ‫حشد على الخبر عيافو الخنـا أنـف‬
‫ول يبين فـي عـيدانـهـم خـور‬ ‫ل يستقل ذوو الضغان حـربـهـم‬
‫وأعظم الناس أحلمـا إذا قـدروا مدح الرشيد بيتا للخطل‪ :‬أخبرنا الحسن‬ ‫شمس العداوة حتى يستقـاد لـهـم‬
‫بن علي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن أبيه‪ :‬أن الرشيد قال لجماعة من أهله وجلسائه‪ :‬أي‬
‫بيت مدح به الحلفاء منا ومن بني أمية أفخر? فقالوا وأكثروا‪ .‬فقال الرشيد‪ :‬أمدح بيت وأفخره قول ابن النصرانية في عبد‬
‫‪:‬الملك‬
‫وأعظم الناس أحلما إذا قدروا مدح آدم بن عمر بن عبد العزيز بيتا للخطل‬ ‫شمس العداوة حتى يستقاد لهـم‬
‫في مجلس المهدي فأغضبه‪ :‬أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أحمد بن الحارث عن المدائني قال‪ :‬قال‬
‫‪:‬المهدي يوما وبين يديه مروان بن أبي حفصة‪ :‬أين ما تقوله فينا من قولك في أمير المؤمنين المنصور‬
‫إذا كرها فيها عقاب ونـائل فاعترضه آدم بن عمر بن عبد العزيز فقال‪ :‬هيهات‬ ‫له لحظات عن حفافي سريره‬
‫‪:‬والله يا أمير المؤمنين أن يقول هذا ول ابن هرمة كما قال الخطل‬
‫وأعظم الناس أحلما إذا قدروا قال‪ :‬فغضب المهدي حتى استشاط وقال‪:‬‬ ‫شمس العداوة حتى يستقاد لهـم‬
‫كذب والله ابن النصرانية العاض بظر أمه وكذبت يا عاض بظر أمك والله لول أن يقال‪ :‬إني خفرت بك لعرفتك من أكثر شعرا‬
‫خذوا برجل ابن الفاعلة فأخرجوه عني فأخرجوه على تلك الحال‪ ،‬وجعل يشتمه وهو يجر ويقول‪ :‬يابن الفاعلة أراها في‬
‫‪ .‬رؤوسكم وأنفسكم‬
‫‪:‬صوت‬
‫لمستنكف بعيد النـوم لـواح‬ ‫إني أرقت ولم يأرق مع صاح‬
‫يكاد يدفعه من قام بـالـراح عروضه من البسيط‪ .‬الشعر لوس بن حجر وهكذا‬ ‫دان مسف فويق الرض هيدبه‬
‫رواه الصمعي‪ ،‬أخبرنا بذلك اليزيدي عن الرياشي عنه‪ ،‬ووافقه بعض الكوفيين‪ ،‬وغير هؤلء يرويه لعبيد بن البرص والغناء‬
‫‪:‬لبراهيم الموصلي ثقيل أول بإطلق الوتر في مجرى الوسطى‪ .‬ولحسين بن محرز لحن في البيت الثاني وبعده‬
‫فل محالة يوما أنـنـي صـاح وطريقته خفيف رمل بالوسطى‬ ‫‪ .‬إن شرب الخمر أو أغلى بها ثمنا‬
‫قوله‪ :‬مستكف‪ :‬يعني مستديرا؛ وكل طرة كفة‪ .‬أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الصمعي قال‬
‫سمعت أبا مهدي يقول وهو يصف شجاعا عرض له في طريقه‪ :‬تبعني شجاع من هذه الشجعان‪ ،‬فمر خلفي كأنه سهم زالج‪،‬‬
‫فحدت عنه‪ ،‬واستكف كأنه كفة حابل‪ ،‬فرميته فنظرت ثلثة أثنائه وكذلك يقال كفة الحابل وكفة الميزان بالكسر‪ ،‬والولى‬
‫مضمومة ‪ .‬ولواح‪ :‬من قولهم لح يلوح إذا ظهر‪ .‬ومسف‪ :‬قد أسف على وجه الرض إذا صار عليها أو قرب منها أو دنا إليها؛ ومن‬
‫هذا يقال‪ :‬أسف الطائر إذا طار على وجه الرض؛ ويقال ذلك للسهم أيضا‪ .‬وهيدبه‪ :‬الذي تراه كالمتعلق بالسحاب‪ .‬يقول‪ :‬هذا‬
‫‪ .‬السحاب يكاد من قال أن يمسه ويدفعه براحته لقربه من الرض؛ وهو أحسن ما وصف به السحاب‬

‫ذكر أوس بن حجر وشيء من أخباره‬


‫وقد اختلف في نسبه‪ ،‬فقال الصمعي؛ فيما أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي عن الرياشي عنه‪ ،‬هو أوس بن حجر بن مالك‬
‫‪ .‬بن حزن بن عقيل بن خلف بن نمير‪ .‬وقال ابن حبيب‪ ،‬فيما ذكره السكري عنه‪ :‬هو أوس بن حجر من شعراء الجاهلية وفحولها‬

‫صفحة ‪1201 :‬‬

‫‪ .‬وذكر أبو عبيدة أنه من الطبقة الثالثة‪ ،‬وقرنه بالحطيئة نابغة بني جعدة‬
‫في الشعر‪ :‬فأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة حدثنا يونس عن أبي عمرو‬
‫‪ .‬قال‪ :‬كان أوس شاعر مضر حتى أسقطه النابغة وزهير‪ ،‬فهو شاعر تميم في الجاهلية غير مدافع‬
‫أخبرنا أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا الصمعي قال سمعت أبا عمرو يقول‪ :‬كان أوس بن حجر فحل الشعراء؛ فلما نشأ‬
‫النابغة طأطأ منه‪ .‬وأما الكلبي فإنه زعم أن من هذه الطبقة لبيد ابن ربيعة والشماخ بن ضرار‪ .‬قال‪ :‬وتميم إلى الن مقيمة على‬
‫‪:‬تقديم أوس‪ .‬قال‪ :‬ومنهم من يقول بتقديم عدي؛ وأنشد لحارثة بن بدر الغداني‬
‫عند العبادي الذي ل يجهل وقال يعقوب بن سليمان قال حماد‪ :‬أدركت رجال من‬ ‫والشعراء كان مبيته ومظله‬
‫‪ .‬بني تميم ل يفضلون على عدي في الشعر أحدا‬
‫أخبرني اليزيدي عن الرياشي عن الصمعي قال‪ :‬تميم تروى هذه القصيدة الحائية لعبيد‪ ،‬وذلك غلط؛ ومن الناس من يخلطها‬
‫‪ .‬بقصيدته التي على وزنها ورويها لتشابهما‬
‫غنت فتاة أعرابية له في السحاب‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال أخبرنا أبو سعيد السكري قال حدثنا علي بن الصباح‬
‫قال حدثني عبيد الله بن الحسين بن المسود بن وردان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬خرج أعرابي مكفوف‬
‫ومعه ابنة عم له لرعي غنم لهما‪ .‬فقال الشيخ‪ :‬أجد ريح النسيم قد دنا‪ ،‬فارفعي رأسك فانظري‪ .‬فقالت‪ :‬أراها كأنها ربرب‬
‫معزى هزلي‪ .‬قال‪ :‬ارعي واحذري‪ .‬ثم قال لها بعد ساعة‪ :‬إني أجد ريح النسيم قد دنا‪ ،‬فارفعي رأسك فانظري‪ .‬فقالت‪ :‬أراها‬
‫كأنها بغال دهم تجر جللها‪ .‬قال‪ :‬ارعي واحذري‪ .‬ثم مكث ساعة ثم قال‪ :‬إني لجد ريح النسيم قد دنا‪ ،‬فانظري‪ .‬قالت‪ :‬أراها‬
‫كأنها بطن حمار أصحر‪ .‬فقال‪ :‬ارعي واحذري‪ .‬ثم مكث ساعة فقال‪ :‬إني لجد ريح النسيم‪ ،‬فما ترين? قالت‪ :‬أراها كما قال‬
‫‪:‬الشاعر‬
‫يكاد يدفعه من قال بـالـراح‬ ‫دان مسف فوق الرض هيدبه‬
‫ريط متشرة أو ضوء مصباح‬ ‫كأنما بين أعـله وأسـفـلـه‬
‫والمستكن كمن يمشي بقرواح فقال‪ :‬انجي ل أبا لك فما انقضى كلمه حتى‬ ‫فمن بمحفله كمن بنـجـوتـه‬
‫‪ .‬هطلت السماء عليهما‬
‫‪ .‬البيت الثاني من هذه البيات ليس من رواية ابن حبيب ول الصمعي‬
‫معنى قول الجارية‪ :‬كأنها بطن حمار أصحر‪ ،‬تعني أنه أبيض فيه حمرة‪ .‬والصحرة لون كذلك‪ .‬وقوله‪ :‬فمن بمحفله كمن بنجوته‪،‬‬
‫يعني من هو بحيث احتفل السيل واحتفال كل شيء معظمه كمن في نجوته‪ .‬وقد روي‪ :‬بمحفشه ‪ ،‬وهما واحد‪ ،‬ومعناهما مجرى‬
‫معظم السيل‪ .‬يقول‪ :‬فمن هو في هذا الموضع منه كمن بنجوته أي ناحية عنه سواء لكثرة المطر‪ .‬والقراح‪ :‬الفضاء؛ يقال قرواح‬
‫‪ .‬وقرياح‪ .‬ويقال في معنى المحفش‪ :‬حفشت الودية إذا سالت‪ ،‬وتحشفت المرأة على ولدها إذا قامت عليه‬
‫كان يسير ليل فصرعته ناقته‪ ،‬فأكرمه فضالة بن كلدة‪ ،‬فمدحه‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثني علي بن أبي‬
‫عامر السهمي المصري قال حدثني أبو يوسف الصبهاني قال حدثني أبو محمد الباهلي عن الصمعي‪ ،‬وذكر هذا الخبر أيضا‬
‫التوزي عن أبي عبيدة‪ ،‬فجمعت روايتيهما‪ ،‬قال‪ :‬كان أوس بن حجر عزل مغرما بالنساء؛ فخرج في سفر‪ ،‬حتى إذا كان بأرض بني‬
‫أسد بين شرج وناظرة ‪ ،‬فبينا هو يسير ظلما إذ جالت به ناقته فصرعته فاندقت فخذاه فبات مكانه؛ حتى إذا أصبح غدا جواري‬
‫الحي يجتنين الكمأة وغيرها من نبات الرض والناس في ربيع‪ .‬فبينا هن كذلك إذ بصرن بناقته تجول وقد علق زمامها في شجرة‬
‫وأبصرنه ملقى‪ ،‬ففزعن فهربن‪ .‬فدعا بجارية منهن فقال لها‪ :‬من أنت? قالت‪ :‬أنا حليمة بنت فضالة بن كلدة‪ ،‬وكانت أصغرهن؛‬
‫فأعطاها حجرا وقال لها‪ :‬اذهبي إلى أبيك فقولي له‪ :‬ابن هذا يقرئك السلم‪ .‬فأخبرته فقال‪ :‬يا بنية‪ ،‬لقد أتيت أباك بمدح طويل‬
‫أو هجاء طويل‪ .‬ثم احتمل هو وأهله حتى بنى عليه بيته حيث صرع وقال‪ :‬والله ل أتحول أبدا حتى تبرأ؛ وكانت حليمة تقوم عليه‬
‫‪:‬حتى استقل‪ .‬فقال أوس بن حجر في ذلك‬
‫بصحراء شرج إلى ناظره‬ ‫جدلت على ليلة سـاهـره‬
‫فليست بطلق ول ساكـره‬ ‫تزاد ليالي في طـولـهـا‬
‫وأعيت بها أختها الغابـرة وقال في حليمة‬ ‫‪:‬أنوء برجل بها ذهـنـهـا‬

‫صفحة ‪1202 :‬‬

‫حليمة إذ ألقى مراسي مقـعـد‬ ‫لعمرك ما ملت ثـواء ثـويهـا‬


‫وحل بشرج م القبـائل عـودي‬ ‫ولكن تلقت باليدين ضمـانـتـي‬
‫كما شئت من أكرومة وتخـرد‬ ‫ولم تلهها تلك التكالـيف إنـهـا‬
‫وقصرك أن يثنى عليك وتحمدي رثى فضالة بن كلدة حين مات‪ :‬قال‪ :‬ثم مات‬ ‫سأجزيك أو يجزيك عني مثـوب‬
‫‪:‬فضالة بن كلدة‪ ،‬وكان يكنى أبا دليجة‪ ،‬فقال فيه أوس بن حجر يرثيه‬
‫على فضالة جل الرزء العالي ويروى‪ :‬عيني‪ .‬العالي‪ :‬المر العظيم الغالب‪.‬‬ ‫يا عين ل بد من سكب وتهمال‬
‫‪:‬وهي طويلة جدا‪ .‬وفيها مما يغنى فيه‪ :‬صوت‬
‫أم من لشعث ذي طمرين ممحال‬ ‫أبا دليجة من توصـي بـأرمـلة‬
‫أمسوا من المر في لبس وبلبـال‬ ‫أبا دليجة من يكفي العـشـيرة إذ‬
‫على صداك بصافي اللون سلسال غنى فيه دحمان خفيف رمل بالوسطى عن‬ ‫ل زال مسك وريحـان لـه أرج‬
‫عمرو‪ .‬وذكر حبش أن فيه رمل بالوسطى عن عمرو‪ .‬وذكر حبش أن فيه لبن عائشة رمل بالبنصر‪ ،‬ولداود بن العباس ثاني‬
‫‪ .‬ثقيل‪ ،‬ولبن جامع خفيف ثقيل‬
‫‪:‬ومن فاضل مراثيه إياه ونادرها قوله‬
‫إن الذي تكرهين قد وقعـا‬ ‫أيتها النفس أجملي جـزعـا‬
‫نجدة والحزم والقوى جمعا‬ ‫إن الذي جمع السماحة وال‬
‫يمتع بضعف ولم يمت طبعا‬ ‫المخلف المتلف المرزأ لـم‬
‫شيء لمن قد يحاول البدعا وهي قصيدة أيضا يمدحه بها في حياته ويرثيه بعد‬ ‫أودى وهل تنفع الشاحة من‬
‫‪ .‬وفاته‪ .‬وله فيه قصائد غير هذه‬
‫‪:‬صوت‬
‫فأقبلت أسعى كالعجزل أبادر‬ ‫رأيت زهيرا كلكـل خـالـد‬
‫ويمنعه مني الحديد المظاهر عروضه من الطويل‪ .‬الشعر لورقاء بن زهير‪.‬‬ ‫فشلت يميني يوم أضرب خالدا‬
‫والغناء لكردم‪ ،‬خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق‪ ،‬وذكر عمرو بن بانة أنه لمعبد‪ ،‬وذكر إسحاق أنه ينسبه إلى‬
‫‪ .‬معبد من ل يعلم‪ ،‬وروى عن أبيه سياط عن يونس أنه أخذه من كردم وأعلمه أن الصنعة فيه له‬

‫خبر ورقاء بن زهير‬

‫‪:‬ونسبه وقصة شعره هذا‬


‫هو ورقاء بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان‪ ،‬يقول‬
‫لما قتل خالد بن جعفر بن كلب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة ‪،‬‬
‫أباها زهير بن جذيمة ‪ ?.‬وكان السبب في ذلك فيما أخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر قال حدثنا عمر بن‬
‫شبة‪ ،‬ونسخت بعض هذا الخبر عن الثرم ورواية ابن الكلبي‪ ،‬وأضفت بعض الروايات إلى بعض إل ما أفردته وجلبته عن راويه‪.‬‬
‫قال أبو عبيدة حدثني عبد الحميد بن عبد الواحد بن عاصم بن عبد الله بن رافع بن مالك بن عبد بن جلهمة ابن حداق بن يربوع‬
‫بن سعد بن تغلب بن سعد بن عوف بن جلن بن غنم بن أعصر‪ ،‬قال حدثني أبي عبد الواحد وعمي صفوان ابنا عاصم عن أبيهما‬
‫عاصم بن عبد الله عمن أدرك شأس بن زهير‪ .‬قال‪ :‬كان مولد عاصم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكان عاصم‬
‫جاهليا‪ .‬قال‪ :‬وقال عبد الحميد حدثني سيار بن عمرو أحد بني عبيد بن سعد بن عوف بن جلن بن غنم قال أبو عبيدة‪ :‬وكان‬
‫‪:‬أعلم غني عن شيوخهم‪ :‬مقتل شأس بن زهير أخيه والبحث عن قاتله ثم محاولة الثأر منه‬

‫صفحة ‪1203 :‬‬

‫أن شأس بن زهير بن جذيمة أقبل من عند ملك قال أبو عبيدة‪ :‬أراه النعمان وكان بينه وبين زهير صهر قال أبو عبيدة‪ :‬ثم‬
‫حدثني مرة أخرى قال‪ :‬كانت ابنة زهير عنده فأقبل شأس بن وهير من عنده وقد حباه أفضل الحبوة مسكا وكسا وقطفا‬
‫وطنافس‪ ،‬فأناخ ناقته في يوم شمال وقرعلى ردهة في جبل ورياح بن السك أحد بني رباع بن عبيد بن سعد بن عوف بن‬
‫رجلن على الردهة ليس غير بيته بالجبل؛ فأنشأ شأس يغتسل بين الناقة والبيت؛ فاستدبره رياح فأوى بسهم فبتر به صلبه‪ .‬قال‬
‫أبو عبيدة وحدثني رجل يخيل إلي أنه أبو يحيى الغنوي قال‪ :‬ورد شأس وقد حباه الملك بحبوة فيها قطيفة حمراء ذات هدب‬
‫وطيب‪ ،‬فورد منعجا وعليه خباء ملقى لرياح بن السك فيه أهله في الظهيرة؛ فألقى ثيابه بفنائه ثم قعد يهرقي عليه الماء‪،‬‬
‫والمرأة قريبة منه يعني امرأة رياح فإذا هو مثل الثور البيض‪ .‬فقال رياح لمرأته‪ :‬أنطيني قوسي؛ فمدت إليه قوسه وسهما‪،‬‬
‫وانتزعت المرأة نصله لئل يقتله؛ فأهوى عجلن إليه فوضع السهم في مستدق الصلب بين فقارتين ففصلهما‪ ،‬وخر ساقطا؛‬
‫وحفر له حفرا فهدمه عليه‪ ،‬ونحر جمله وأكله‪ .‬قال‪ :‬وقال عبد الحميد‪ :‬أكل ركوبته وأولج متاعه بيته‪ .‬وقال عبد الحميد‪ :‬وفقد‬
‫شأس وقص أثره ونشد‪ ،‬وركبوا إلى الملك فسألوه عن حاله‪ .‬فقال لهم الملك‪ :‬حبوته وسرحته‪ .‬فقالوا‪ :‬وما متعته به? قال‪:‬‬
‫مسك وكسا ونطوع وقطف‪ .‬فأقبلوا يقصون أثره فلم تتضح لهم سبيله‪ .‬فمكثوا كذلك ما شاء الله‪ ،‬ل أدري كم‪ ،‬حتى رأوا امرأة‬
‫رياح باعت بعكاظ قطيفة حمراء أو بعض ما كان من حباء الملك‪ .‬فعرفت وتيقنوا أن رياحا ثأرهم‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬وزعم الخر‬
‫قال‪ :‬نشد زهير بن جذيمة الناس‪ ،‬فانقطع ذكره على منعج وسط غني‪ ،‬ثم أصابت الناس جاءحة وجوع‪ ،‬فنحر زهير ناقة ‪،‬‬
‫فأعطى امرأة شطيها فقال‪ :‬اشترى لي الهدب والطيب‪ .‬فخرجت بذلك الشحم والسنام تبيعه حتى دفعت إلى امرأة رياح‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬إن معي شحما أبيعه في الهدب والطيب؛ فاشترت المرأة منها‪ .‬فأتت المرأة زهيرا بذلك‪ ،‬فعرف الهدب‪ ،‬فأتى زهير‬
‫غنيا‪ ،‬فقالوا‪ :‬نعم قتله رياح بن السك‪ ،‬ونحن برءاء منه‪ .‬وقد لحق بخاله من بني الطماح وبني أسد بن خزيمة‪ ،‬فكان يكون الليل‬
‫عنده ويظهر في أبان يريم الروى ؛ إلى أن أصبح ذات يوم وهو عنده وعبس تريغه ‪ .‬فركب خاله جمل وجعله على كفل وراءه‪.‬‬
‫فبينا هو كذلك إذ دنت‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هذه خيل عبس تطلبك‪ .‬فطمر في قاع شجر فحفر في أصل سوقه‪ .‬ولقيت الخيل خاله فقالوا‪:‬‬
‫هل كان معك أحد? قال‪ :‬ل‪ .‬فقالوا‪ :‬ما هذا المركب زراءك? لتخبرنا أو لنقتلنك قال‪ :‬ل كذب‪ ،‬هو رياح في ذلك القاع‪ .‬فلما دنوا‬
‫منه قال الحصينان‪ :‬يا بني عبس دعونا وثأرنا‪ ،‬فخنسوا عنهما‪ .‬فأخذ رياح نعلين من سبت فصيرهما على صدره حيال كبده‪،‬‬
‫ونادى‪ :‬هذا غزالكما الذي تبغيان‪ .‬فحمل عليه أحدهما فطعنه‪ ،‬فأزالت النعل الرمح إلى حيث شاكلته‪ ،‬ورماه رياح موليا فجذم‬
‫صلبه‪ .‬قال‪ :‬ثم جاء الخر فطعنه فلم يغن شيئا‪ ،‬ورماه موليا فصرعه‪ .‬فقالت عبس‪ :‬أين تذهبون إلى هذا والله ليقتلن منكم عدد‬
‫مراميه‪ ،‬وقد جرحاه فسيموت‪ .‬قال‪ :‬وأخذ رياح رمحيهما وسلبيهما وخرج حتى سند إلى أبان‪ .‬فأتته عجوز وهو يستدمي على‬
‫الحوض ليشرب منه وقالت‪ :‬استأسر تحي‪ ،‬فقال‪ :‬جنبيني حتى أشرب‪ .‬قال فأبت ولم تنته‪ .‬فلما غلبته أخذ مشقصا وكنع به‬
‫كرسوعي يديها‪ .‬قال فقال عبد الحميد‪ :‬فلما استبان لزهير بن جذيمة أن رياحا ثأره قال يرثي شأسا‪ :‬رثاء زهير بن جذيمة لبنه‬
‫‪:‬شأس‬
‫بماء غني آخر الـلـيل يسـلـب‬ ‫بكيت لشأس حـين خـبـرت أنـه‬
‫وما كان لول غرة اللـيل يغـلـب‬ ‫لقد كان مأتاه الـرداه لـحـتـفـه‬
‫كذاك لعمري الحين للمرء يجلـب‬ ‫فتيل غني ليس شكل كـشـكـلـه‬
‫وحق لشأس عبرة حين تسـكـب‬ ‫سأبكي عليه إن بكـيت بـعـبـرة‬
‫على مثل ضوء البدر أو هو أعجب‬ ‫وحزن علـيه مـا حـييت وعـولة‬
‫وكان لدي الهيجاء يخشى ويرهـب‬ ‫إذا سيم ضيما كان للضيم منـكـرا‬
‫أجاب لما يدعو له حـين يكـرب‬ ‫وإن صوت الداعي إلى الخير مـرة‬
‫فقلبي عليه لو بدا القلب ملـهـب‬ ‫ففـرج عـنـه ثـم كـان ولـيه‬

‫صفحة ‪1204 :‬‬

‫وقال زهير بن جذيمة حين قتل شأس‪ :‬شأس وما شأس والبأس وما البأس لول مقتل شأس‪ ،‬لم يكن بيننا بأس‪ .‬قال‪ :‬ثم‬
‫‪ .‬انصرف إلى قومه‪ ،‬فكان ل يقدر على غنوي إل قتله‬
‫قال عبد الحميد‪ :‬فغزت بنوعبس غنيا قبل أن يطلبوا قودا أو دية مع أخي شأس الحصين بن زهير بن جذيمة والحصين بن أسيد‬
‫بن جذيمة ابن أخي زهير‪ .‬فقيل ذلك لغني؛ فقالت لرياح‪ :‬انج‪ ،‬لعلنا نصالح على شيء أو نرضيهم بدية أو فداء‪ .‬فخرج رياح رديفا‬
‫لرجل من بني كلب وزعم أبو حية النميري أنه من بني جعد وكان معهما صفيحة فيها آراب لحم‪ ،‬ل يريان إل أنهما قد خالفا‬
‫وجهة القوم‪ ،‬فأرجفا أيديهما في الصحيفة فأخذ كل واخذ منهما وذرة ليأكلها‪ ،‬مترادفين ل يقدران على النزول‪ .‬قال‪ :‬فمر فوق‬
‫رؤوسهما صرد فصرصر‪ ،‬فألقيا اللحم وأمسكا بأيديهما وقال‪ :‬ما هذا ثم عادا إلى مثل ذلك فأخذ كل واحد منهما عظما‪ ،‬ومر‬
‫الصرد فوق رؤوسهما فصرصر؛ فألقيا العظمين وأمسكا بأيديهما وقال‪ :‬ما هذا ثم عادا الثالثة فأخذ كل واحد منهما قطعة‪ ،‬فمر‬
‫الصرد فوق رؤوسهما فصرصر‪ ،‬فألقيا القطعتين ؛ حتى فعل ذلك ثلث مرات‪ ،‬فإذا هما بالقوم أدنى ظلم وأدنى ظلم أي أدنى‬
‫شيء‪ ،‬وقد كانا يظنان أنهما قد خالفا وجهة القوم‪ .‬فقال صاحبه لرياح‪ :‬اذهب فإني آتي القوم أشاغلهم عنك وأحدثهم حتى‬
‫تعجزهم ثم ماض إن تركوني‪ .‬فانحدر رياح عن عجز الجمل فأخذ أدراجه وعدا أثر الراحلة حتى أتى ضفة فاحتفر تحتها مثل‬
‫مكان الرنب فولج فيه‪ ،‬ثم أخذ نعليه فجعل إحداهما على سرته والخرى على صفنه ثم شد عليهما العمامة‪ ،‬ومضى صاحبه‬
‫حتى لقي القوم‪ ،‬فسألوه فحدثهم وقال‪ :‬هذه غني كاملة وقد دنوت منهم‪ ،‬فصدقوه وخلوا سربه ‪ .‬فلما ولى رأوا مركب الرجل‬
‫خلفه‪ ،‬فقالوا‪ :‬من الذي كان خلفك? فقال‪ :‬ل مكذبة ذلك رياح في الوائل من السمرات‪ .‬فقال الحصينان لمن معهما‪ :‬قفوا علينا‬
‫حتى نعلم علمه فقد أمكننا الله من ثأرنا‪ ،‬ولم يريدا أن يشركهما فيه أحد‪ ،‬فمضيا ووقف القوم عنهما‪ .‬قالوا قال رياح‪ :‬فإذا هما‬
‫ينقلن فرسيهما‪ ،‬فما زال يريغاني‪ ،‬فابتدراني فرميت الول فبترت صلبه‪ ،‬وطعنني الخر قبل أن أرميه وأراد السرة فأصاب‬
‫الربلة ‪ ،‬ومر الفرس يهوي به‪ ،‬فاستدبرته بسهم فرشقت به صلبه فانفقر منحنى الوصال‪ ،‬وقد بترت صلبيهما‪ .‬قال أبو عبيدة‬
‫قال أبو حية‪ :‬بل قال رياح‪ :‬استدبرته بسهم وقد خرجت قدمه فقطعتها‪ ،‬فكأنما نشرت بمنشار‪ .‬قال عبد الحميد‪ :‬وند فرساهما‬
‫فلحقا بالقوم‪ .‬قال رياح‪ :‬فأخذت رمحيهما فخرجت بهما حتى أتيت رملة فسندت فغرزت الرمحين فيها ثم انحدرت‪ .‬قال‪ :‬وطلبه‬
‫القوم‪ ،‬حتى إذا رفع لهم الرمحان لم يقربوهما علم الله حتى وجدوا أثر رياح خارجا قد فات‪ .‬وانطلق رياح خارجا حتى ورد ردهة‬
‫عليها بيت أنمار بن بغيض وفيه امرأة ولها ابنان قريبان منها وجمل راتع في الجبل‪ ،‬وقد مات رياح عطشا‪ .‬فلما رأته يستدمي‬
‫طمعت فيه ورجت أن يأتيها ابناها‪ ،‬فقالت له‪ :‬استأسر‪ .‬فقال لها‪ :‬دعيني ويحك أشرب‪ ،‬فأبت‪ .‬فأخذ حديدة إما سكينا وإما‬
‫‪:‬مشقصا فجذم به رواهشها فماتت‪ ،‬وعب في الماء حتى نهل ثم توجه إلى قومه‪ .‬فقال رياح فيها وفي الحصينين‬
‫حينا ويعلو قولها قـولـي‬ ‫قالت لي استأسر لتكتفـنـي‬
‫مني غداة وقفت للـخـيل‬ ‫ولنت أجرأ من أسـامة أو‬
‫عدل الرجازة جانب المـيل قال الثرم‪ :‬الرجازة شيء يكون مع المرأة في‬ ‫إذ الحصين لدى الحصين كما‬
‫هودجها‪ ،‬فإذا هو مال أحد الجانبين وضعته في الناحية الخرى ليعتدل‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬يعني حصين بن زهير بن جذيمة‪ ،‬وحصين‬
‫‪ .‬بن أسيد بن جذيمة وهو ابن عمه‬
‫قال أبو عبيدة قال عبد الحميد‪ :‬والله لقد سمعت هذا الحديث على ما حدثتك به منذ ستين سنة قال عبد الحميد‪ :‬وما سمعت‬
‫أن بني عبس أدركوا بواحد منهم ول اقتادوا ول أنذروا‪ ،‬ول سمعت فيه من الشعر لنا ول لغيرنا في الجاهلية بأكثر مما أنشدتك‪.‬‬
‫وإلى هذا انتهى حديثنا وحديثه‪ ،‬ول والله ما قتل خالد بن جعفر زهير بن جذيمة في حربنا‪ ،‬غير أن الكميت بن زيد السدي‪،‬‬
‫وكانت له أمان من غني‪ ،‬ذكر من مقتل أخواله من غني في بني عبس ومن قتلوا من بني نمير بن عامر في كلمة له واحدة؛‬
‫‪:‬فلعله لهذا الحديث قالها وذكر إدراكاتهم وذكر قتل شبيب بن سالم النميري‪ ،‬فقال في ذلك‬

‫صفحة ‪1205 :‬‬

‫لمين فيهم في الفروع وفي الصل‬ ‫أنا ابن غني والـداي كـلهـمـا‬
‫وهم عدلوا بين الحصينين بالنـبـل‬ ‫هم استودعوا هوى شبيب بن سالـم‬
‫أباه زهيرا بالـمـذلة والـثـكـل‬ ‫وهم قتلوا شأس الملوك ورغـمـوا‬
‫بما قود يوما لـديهـا ول عـقـل قال أبو عبيدة‪ :‬فذكر عبد الحميد أنه أتى‬ ‫فما أدركت فيهم جـذيمة وتـرهـا‬
‫عليهم هنيئة من الدهر ل أدري كم وقت ذلك بعد انصرام أمر شأس‪ .‬قال‪ :‬فما زادوا على هذا فهو باطل‪ .‬قال الثرم‪ :‬هبيئة من‬
‫‪ .‬الدهر وهنيهة وبرهة وحقبة بمعنى الدهر‬

‫مقتل زهير بن جذيمة العبسي‬


‫قتله خالد بن جعفر وتعظيم هوازن له‪ :‬قتله خالد بن جعفر بن كلب‪ .‬قال أبو عبيدة قال أبو حية النميري‪ :‬كان بين انصراف‬
‫حديث شأس وحديث قتل خالد بن جعفر زهير بن جذيمة ما بين العشرين سنة إلى الثلثين سنة‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬وهوازن بن‬
‫منصور ل ترى زهير بن جذيمة إل ربا ‪ .‬قال‪ :‬وهوازن يومئذ ل خير فيها؛ ولم تكثر عامر بن صعصعة بعد‪ ،‬فهم أذل من يد في‬
‫رحم ‪،‬وإنما هم رعاء الشاء في الجبال‪ .‬قال‪ :‬وكان زهير يعشرهم ‪ ،‬وكان إذا كان أيام عكاظ أتاها زهير ويأتيها الناس من كل‬
‫وجه‪ ،‬فتأتيه هوازن بالتاوة التي كانت له في أعناقهم فيأتونه بالسمن والقط والغنم؛ وذلك بعد ما خلع ذلك من أبي الجناد أخي‬
‫‪ .‬بني أسيد بن عمرو بن تميم‪ .‬ثم إذا تفرق الناس عن عكاظ نزل زهير بالنفرات‬
‫حلف خالد أن يقتله وشعره في ذلك‪ :‬قال أبو عبيدة عن عبد الحميد وأبي حية النميري قال‪ :‬فأتته عجوز رهيش من بني نصر‬
‫بن معاوية بن بكر بن هوازن وقال أبو حية‪ :‬بل أتته عجوز من هوازن بسمن في نحي‪ ،‬واعتذرت إليه وشكت السنين التي تتابعن‬
‫على الناس‪ .‬فذاقه فلم يرض طعمه‪ ،‬فدعها بقوس في يده عطل في صدرها‪ ،‬فاستلقت لحلوة القفا فبدت عورتها؛ فغضب من‬
‫ذلك هوازن وحقدت عليه إلى ما كان في صدرها من الغيظ والدمن وأوحرها من الحسك ‪ .‬قال‪ :‬وقد أمرت عامر بن صعصعة‬
‫يومئذ؛ فآلى خالد بن جعفر فقال‪ :‬والله لجعلن ذراعي وراء عنقه حتى أقتل أو يقتل‪ .‬قال‪ :‬وفي ذلك يقول خالد بن جعفر بن‬
‫‪:‬كلب‬
‫وحذفة كالشجا تحت الـوريد‬ ‫أديروني إدارتـكـم فـإنـي‬
‫وألحفها ردائي في الجـلـيد‬ ‫مقـربة أسـويهـا بـجـزء‬
‫لها لبن الخلية والـصـعـود‬ ‫وأوصي الراعيين ليؤثـراهـا‬
‫كقلب العاج في الرسغ الجديد‬ ‫تراها في الغزاة هن شعـث‬
‫على عود الحشيش وغير عود‬ ‫يبيت رباطها باللـيل كـفـي‬
‫جهارا من زهـير أو أسـيد‬ ‫لعل الله يمكننـي عـلـيهـا‬
‫فمن أثقف فليس إلى الخلـود‬ ‫فإما تثقفوني فاقـتـلـونـي‬
‫قناتي في فوارس كالسـود‬ ‫وقيس في المعارك غادرتـه‬
‫تركناهـم كـجـارية وبـيد‬ ‫ويربوع بن غـيظ يوم سـاق‬
‫أرامل ما تحـن إلـى ولـيد‬ ‫تركت بها نساء بني عـصـيم‬
‫يقلن لحارث لـول تـسـود‬ ‫يلذن بحارث جزعـا عـلـيه‬
‫تبيد المـخـزيات ول تـبـيد‬ ‫ومني بالظويلـم قـارعـات‬
‫وقد أجروا إليها من بـعـيد‬ ‫وحكت بركها ببني جـحـاش‬
‫ونصرا قد تركت لها شهودي وصف مقتله وما كان قبله من حوادث‬ ‫‪:‬تركت ابني جذيمة في مكـر‬

‫صفحة ‪1206 :‬‬

‫قال أبو عبيدة وحدثني أبو سرار الغنوي قال‪ :‬كان زهير رجل عدوسا ‪ ،‬فانتقل من قومه ببنيه وبني أخويه زنباع وأسيد بركبة‬
‫يريغ الغيث في عشروات له وشول‪ .‬قال‪ :‬وبنو عامر قريب منهم ول يشعر بهم‪ .‬قال عبد الحميد وأبو حية‪ :‬بل بنو عامر بدمخ‬
‫وزهير بالنفرات وبينهم ليلتان أو ثلث‪ .‬قال فقال أبو سرار‪ :‬فأتى الحارث بني عامر‪ ،‬والله ما تغير طعم اللبن الذي زوده‬
‫الحارث بن عمرو بن الشريد السلمي حتى أتى بني عامر فأخبرهم‪ .‬قال أبو عبيدة أخبرني سليمان بن المزاحم المازني عن‬
‫أبيه قال‪ :‬بل كانت بنو عامر بالجريئة وزهير بالنفرات‪ ،‬وكانت تماضر بنت عمرو بن الشريد بن رياح بن يقظة بن عصية بن‬
‫خفاف السلمي امرأة زهير بن جذيمة وهي أم ولده‪ .‬فمر بها أخوها الحارث بن عمرو‪ .‬فقال زهير لبنيه‪ :‬إن هذا الحمار لطليعة‬
‫عليكم فأوثقوه‪ .‬فقالت أخته لبنيها‪ :‬أيزوركم خالكم فتوثقوه وتحرموه فخلوه‪ .‬فقالت تماضر لخيها الحارث‪ :‬إنه ليريبني اكبئنانك‬
‫وقروبك‪ ،‬فل يأخذن فيك ما قال زهير؛ فإنه رجل بيذارة غيذارة شنوءة ‪ .‬قال‪ :‬ثم حلبوا له وطبا وأخذوا منه يمينا أل يخبر عنهم‬
‫ول ينذر به أحدا‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬وزعم أبو حية النميري أنه لما أتوه بقراهم أراهم أنه يشربه في الظلمة وجعل يهوي به إلى‬
‫جيبه فيصبه بين سرباله وصدره أسفا وغيظا‪ .‬قال‪ :‬وكان الذي حلب له الوطب وقراه الحارث بن زهير‪ ،‬وبه سمي‪ .‬قال‪ :‬فخرج‬
‫يطير حتى أتى عامرا عند ناديهم‪ ،‬فأتى حاذة أو شجرة غيرها فألقى الوطب تحتها والقوم ينظرون‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيتها الشجرة‬
‫الذليلة اشربي من هذا اللبن فانظري ما طعمه‪ .‬فقال أهل المجلس‪ :‬هذا رجل مأخوذ عليه عهد وهو يخبركم خبرا‪ .‬فأتوه فإذا‬
‫هو الحارث بن عمرو‪ ،‬وذاقوا اللبن فإذا هو حلو لم يقرص بعد‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنه ليخبرنا أن طلبنا قريب‪ .‬فركب معه ستة فوارس‬
‫لينظروا ما الخبر‪ ،‬وهم خالد بن جعفر بن كلب على حذفة‪ ،‬وحندج بن البكاء‪ ،‬ومعاوية بن عبادة بن عقيل فارس الهرار وهو‬
‫الخيل جد ليلى الخيلية قال‪ :‬والخيل هو معاوية‪ ،‬قال‪ :‬وهو يومئذ غلم له ذؤابتان‪ ،‬وكان أصغر من ركب ثلثة فوارس من سائر‬
‫بني عامر؛ فاقتصوا أثر السير‪ ،‬حتى إذا رأوا إبل بني جذيمة نزلوا عن الخيل‪ .‬فقالت النساء‪ :‬إنا لنرى حرجة من عضاه أو غابة‬
‫رماح بمكان لم نكن نرى به شيئا‪ ،‬ثم راحت الرعاء فأخبروا بمثل ما للنساء‪ .‬قال‪ :‬وأخبرت راعية أسيد بن جذيمة أسيدا بمثل‬
‫ذلك؛ فأتى أسيد أخاه زهيرا فأخبره بما أخبرته به الراعية وقال‪ :‬إنما رأت الخيل بني عامر ورماحها‪ .‬فقال زهير‪ :‬كل أزب نفور‬
‫فذهبت مثل؛ وكان أسيد كثير الشعر خناسيا وأين بنو عامر أما بنو كلب فكالحية إن تركتها تركتك‪ ،‬وإن وطئتها عضتك‪ .‬وأما بنو‬
‫كعب فإنهم يصيدون اللي يريد الثور الوحشي ‪ .‬وأما بنو نمير فإنهم يرعون إبلهم في رؤوس الجبال‪ .‬وأما بنو هلل فيبيعون‬
‫‪ .‬العطر‪ .‬قال‪ :‬فتحمل عامة بني رواحة‪ ،‬وآلي زهير ل يبرح مكانه حتى يصبح‪ .‬وتحمل من كان معه غير ابنيه ورقاء والحارث‬

‫صفحة ‪1207 :‬‬

‫قال‪ :‬وكان لزهير ربيئة من الجن فحدثه ببعض أمرهم حتى أصبح‪ ،‬وكانت له مظلة حتى أصبح‪ ،‬وكانت له مظلة دوج يربط فيها‬
‫أفراسه ل تريمه حذرا من الحوادث‪ .‬قال‪ :‬فلما أصبح صهلت فرس منها حين أحست بالخيل وهي القعساء‪ .‬فقال زهير‪ :‬ما لها?‬
‫فقال ربيئته‪ :‬أحست الخيل فصهلت إليهن‪ .‬فلم تؤذنهم بهم إل والخيل دوائس محاضير بالقوم غدية‪ .‬فقال أنهم أهل اليمن‪ :‬يا‬
‫أسيد ما هؤلء الذين تعمي حديثهم منذ الليلة‪ .‬قال‪ :‬وركب أسيد فمضى ناجيا‪ .‬قال‪ :‬ووثب زهير وكان شيخا نبيل فتدثر القعساء‬
‫فرسه‪ ،‬وهو يومئذ شيخ قد بدن وهو يومئذ عقوق متهم‪ ،‬واعرورى ورقاء والحارث ابناه فرسيهما‪ ،‬ثم خالفوا جهة مالهم ليعموا‬
‫على بني عامر مكان مالهم فل يأخذوه‪ .‬فهتف هاتف من بني عامر‪ :‬يا ليحامر يريد يحامر وهو شعار لهل اليمن لن يعمي على‬
‫الجذميين من القوم‪ .‬فقال زهير‪ :‬هذه اليمن‪ ،‬قد علمت أنها أهل اليمن وقال لبنه ورقاء‪ :‬انظر يا ورقاء ما ترى? قال ورقاء‪:‬‬
‫أرى فارسا على شقراء يجهدها ويكدها بالسوط قد ألح عليها يعني خالدا ‪ .‬فقال زهير‪ :‬شيئا ما يريد السوط إلى الشقراء‪،‬‬
‫فذهبت مثل‪ ،‬وقال في المرة الثانية‪ :‬شيئا ما يطلب السوط على الشقراء‪ ،‬وهي حذفة فرس خالد بن جعفر‪ ،‬والفارس خالد بن‬
‫جعفر‪ .‬قال‪ :‬وكانت الشقراء من خيل غني‪ .‬قال‪ :‬وتمردت القعساء بزهير؛ وجعل خالد يقول‪ :‬ل نجوت إن نجا مجدع يعني‬
‫زهيرا ‪ .‬فلما تمعطت القعساء بزهير ولم تتلعق بها حذفة‪ ،‬قال خالد لمعاوية الخيل بن عبادة وكان على الهرار حصان أعوج ‪:‬‬
‫أدرك معاوي‪ ،‬فأدرك معاوية زهيرا‪ ،‬وجعل ابناه ورقاء والحارث يوطشان عنه أي عن أبيهما ‪ .‬قال فقال خالد‪ :‬اطعن يا معاوية‬
‫في نساها‪ ،‬فطعن إحدى رجليها فانخذلت القعساء بعض النخذال وهي في ذلك تمعط‪ .‬فقال زهير‪ :‬اطعن الخرى‪ ،‬يكيده بذلك‬
‫لكي تستوي رجلها فتحامل ‪ .‬فناداه خالد‪ :‬يا معاوية أفد طعنتك أي اطعن مكانا واحدا فشعشع الرمح في رجلها فانخذلت‪ .‬قال‪:‬‬
‫ولحقه خالد على حذقة فجعل يده وراء عنق زهير‪ ،‬فاستخف به عن الفرس حتى قلبه‪ ،‬وخر خالد فوقع فوقه‪ ،‬ورفع المغفر عن‬
‫رأس زهير وقال‪ :‬يا لعامر اقتلونا معا فعرفوا أنهم بنو عامر‪ .‬فقال ورقاء‪ :‬وا انقطاع ظهراه إنها لبنو عامر سائر اليوم‪ .‬وقال‬
‫غيره‪ :‬فقال بعض بني جذيمة‪ :‬وا انقطاع ظهري ‪ .‬قال‪ :‬ولحق حندج بن البكاء وقد حسر خالد المغفر عن رأس زهير فقال‪ :‬نح‬
‫رأسك يا أبا جزء‪ ،‬لم يحن يومك فنحى خالد رأسه وضرب حندج رأس زهير‪ ،‬وضرب ورقاء بن زهير رأس خالد بالسيف وعليه‬
‫درعان‪ ،‬وكان أسجر العينين‪ ،‬ازب أقمر‪ ،‬مثل الفالج‪ ،‬فلم يغن شيئا‪ .‬قال‪ :‬وأجهض ابنا زهير القوم عن زهير فانتزعاه مرتثا‪.‬‬
‫فقال خالد حين استنقذ زهيرا ابناه‪ .‬والهفتاه قد كنت أظن أن هذا المخرج سيسعكم ولم حندجا‪ .‬فقال حندج وكان لجللته‬
‫غصة إذا تكلم‪ .‬السيف حديد‪ ،‬والساعة شديد‪ ،‬وقد ضربته ورجلي متمكنتان في الركابين وسمعت السيف قال قب حين وقع‬
‫برأسه‪ ،‬ورأيت على ظبته مثل ثمر المرار‪ ،‬وذقته فكان حلوا‪ .‬فقال خالد‪ :‬قتلته بأبي أنت ‪ .‬ونظر بنو زهير فإذا الضربة قد بلغت‬
‫الدماغ‪ .‬ونهي بنو زهير أن يسقوا أباهم الماء‪ ،‬فاستسقاهم فمنعوه حتى نهك عطشا‪ .‬قال‪ :‬وذلك أن المأموم يخاف عليه الماء‪،‬‬
‫حتى بلغ منه العطش‪ ،‬فجعل يهتف‪ :‬أميت أنا عطشا ‪ .‬وينادي‪ :‬يا ورقاء قال أبو حية‪ :‬فجعل ينادي يا شأس فلما رأوا ذلك سقوه‬
‫‪:‬فمات لثالثة‪ .‬فقال ورقاء بن زهير‬
‫فأقبلت أسعى كالعجـول أبـادر‬ ‫رأيت زهيرا تحت كلكل خـالـد‬
‫يريغان نصل السيف والسيف نادر‬ ‫إلى بطلين ينهضـان كـلهـمـا‬
‫وأحرزه مني الحديد المظـاهـر قال أبو عبيدة‪ :‬وسمعت أبا عمرو بن العلء‬ ‫فشلت يميني إذ ضربت ابن جعفر‬
‫‪:‬ينشد هذا البيت فيها‬
‫وشل بناناها وشل الخناصـر قال أبو عبيدة‪ :‬وأنشدني أبو سرار أيضا فيها‬ ‫‪:‬وشلت يميني يوم أضرب خالدا‬
‫ويوم زهير لم تلدني تماضر تماضر بنت عمرو بن الشريد بن رياح بن يقظة بن‬ ‫فيا ليتني من قبل أيام خالـد‬
‫‪:‬عصية بن خفاف السلمي امرأة زهير بن جذيمة‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬أنشدني أبو سرار فيها‬
‫فماذا الذي ردت عليك البشائر شعر لخالد بن جعفر يمن على هوازن بقتله‬ ‫لعمري لقد بشرت بي إذ ولدتني‬
‫‪:‬زهير‬

‫صفحة ‪1208 :‬‬

‫وقال خالد بن جعفر يمن على هوازن بقتله زهيرا ويصدق الحديث قال أبو عبيدة أنشدنيه مالك بن عامر بن عبد الله بن بشر‬
‫‪:‬بن عامر ملعب السنة‬
‫أعتقتهم فتـوالـدوا أحـرارا‬ ‫بل كيف تكفرني هوازن بعدما‬
‫جدع النوف وأكثر الوتـارا‬ ‫وقتلت ربهم زهيرا بعـدمـا‬
‫أرضا فضاء سهلة وعشـارا‬ ‫وجعلت حزن بلدهم وجبالهم‬
‫عقل الملوك هجائنا أبكـارا قال أبو عبيدة‪ :‬أل ترى أنه ذكر في شعره أن زهيرا‬ ‫وجعلت مهر بناتهم ودمائهـم‬
‫‪ .‬كان ربهم وقد كان جدعهم‪ ،‬وأنه قتله من أجلهم ل من أجل غني‪ ،‬وأن غنيا ليسوا من ذلك في ذكر ول لهم فيه معنى‬
‫‪:‬شعر لورقاء بن زهير‪ :‬قال‪ :‬وقال ورقاء بن زهير‬
‫حتى يسالم ذئب الثلة الراعي‬ ‫أما كلب فإنا نسـالـمـهـا‬
‫إل أسيدا نجا إذ ثوب الداعي شعر للفرزدق ينعي فيه على بني عبس ضربة‬ ‫بنو جذيمة حاموا حول سيدهم‬
‫‪:‬ورقاء خالدا‪ :‬قال‪ :‬ثم نعى الفرزدق على بني عبس ضربة ورقاء خالدا‪ ،‬واعتذر بها إلى سليمان بن عبد الملك فقال‬
‫لتأخير نفس حتفها غير شاهـد‬ ‫إن يك سيف خان أو قدر أبـى‬
‫نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد‬ ‫فسيف بني عبس وقد ضربوا به‬
‫وتقطع أحيانا منـاط الـقـلئد‬ ‫كذاك سيوف الهند تنبو ظباتهـا‬
‫إلى علق تحت الشراسيف جامد قال‪ :‬وكان ضلع بني عبس مع جرير‪ ،‬فقال‬ ‫ولو شئت قد السيف ما بين عنقه‬
‫‪ .‬الفرزدق فيهم هذه البيات‪ .‬هذه رواية أبي عبيدة‬
‫وأما الصمعي فإنه ذكر‪ ،‬فيما رواه الثرم عنه‪ ،‬قال حدثني غير واحد من العراب أن سبب مقتل زهير العبسي أن ابنه شأس‬
‫بن زهير وفد إلى بعض الملوك فرجع ومعه حباء قد حبي به‪ ،‬فمر بأبيات من بني عامر بن صعصعة وأبيات من بني غني على‬
‫ماء لبني عامر أو غيرهم الشك من الصمعي ‪ .‬قال‪ :‬فاغتسل‪ ،‬فناداه الغنوي‪ :‬استتر فلم يحفل بما قال‪ .‬فقال‪ :‬استتر ويحك‬
‫البيوت بين يديك؛ فلم يحفل‪ .‬فرماه الغنوي رياح بن السك بسهم أو فقتله والحي خلوف ‪ ،‬فاتبعه أصحاب شأس وهم في عدة‪،‬‬
‫فركب الفلة واتبعوه فرهقوه ‪ ،‬فقتل حصينا وأخاه حصينا‪ ،‬ثم نجا على وجهه حتى أدركه العطش‪ ،‬فلجأ إلى منزل عجوز من بني‬
‫إنسان وبنو إنسان حي من بني جشم ‪ .‬فقالت له العجوز‪ :‬ل تبرح حتى يأتي بني فيأسروك‪ .‬قال الصمعي‪ :‬فأخبرني مخبران‬
‫‪:‬اختلفا؛ فقال أحدهما‪ :‬إنه أخذ سكينا فقطع عصبتي يديها‪ ،‬وقال الخر‪ :‬أخذ حجرا فشدخ به رأسها‪ ،‬ثم أنشأ يقول‬
‫مني غداة وقفـت لـلـخـيل‬ ‫ولنت أشجع مـن أسـامة أو‬
‫عدل الرجازة جانب الـمـيل‬ ‫إذ الحصين لدى الحصين كمـا‬
‫جاشت ليغلب قولها على قولي قال‪ :‬فضرب للزمان ضربانه ‪ ،‬فالتقى خالد بن جعفر‬ ‫وإذا أنهنهـهـا لفـتـلـهـا‬
‫بن كلب وزهير بن جذيمة العبسي‪ .‬فقال خالد لزهير‪ :‬أما آن لك أن تشتفي وتكف? قال الصمعي‪ :‬يعني مما قتل بشأس قال‪:‬‬
‫فأغلظ له زهير وحقره‪ .‬قال الصمعي‪ :‬وأخبرني طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب أن ذلك الكلم بينهما كان بعكاظ عند‬
‫قريش‪ .‬فلما حقره زهير وسبه قال خالد‪ :‬عسى إن كان يتهدده ثم قال‪ :‬اللهم أمكن يدي هذه الشقراء القصيرة من عنق زهير‬
‫بن جذيمة ثم أعني عليه‪ .‬فقال زهير‪ :‬اللهم أمكن يدي هذه البيضاء الطويلة من عنق خالد ثم خل بيننا‪ .‬فقال قريش‪ :‬هلكت‬
‫‪ .‬والله يا زهير ‪ .‬فقال‪ :‬إنكم والله الذين ل علم لكم‬

‫صفحة ‪1209 :‬‬

‫قال الصمعي‪ :‬ثم نرجع إلى حديث العبسيين والعامريين‪ ،‬وبعضه من حديث أبي عمرو بن العلء‪ .‬قال‪ :‬فجاء أخو امرأته‬
‫فاطمة بنت الشريد السلمية‪ ،‬وهي أم قيس بن زهير‪ ،‬وكان زهير قد أساء إليهم في شيء فجاء أخوها إلى بني عامر فقال‪ :‬هل‬
‫لكم في زهير بن جذيمة ينتج إبله ليس معه أحد غير أخيه أسيد بن جذيمة وعبد راع لبله وجئتكم من عنده‪ ،‬وهذا لبن حلبوه لي‪.‬‬
‫فذاقوه فإذا هو ليس بحازر ‪ ،‬فعلموا أنه قريب‪ .‬فخرج حندج بن البكاء وخالد ابن جعفر ومعاوية بن عبادة بن عقيل‪ ، ،‬ليس على‬
‫أحدهم درع غير خالد كانت عليه درع أعاره إياها عمرو بن يربوع الغنوي‪ ،‬وكانت درع ابن الجلح المرادي كان قتله فأخذها منه‪،‬‬
‫وكان يقال لها ذات الزمة‪ .‬وإنما سميت بذلك لنها كانت لها عرى تعلق فضولها بها إذا أراد أن يشمرها‪ .‬قال‪ :‬فطلعوا‪ .‬فقال‬
‫أسيد بن جذيمة قال الصمعي‪ :‬وكان أسيد شيخا كبيرا‪ ،‬وكان كثير شعر الوجه والجسد أتيت ورب الكعبة‪ .‬فقال زهير‪ :‬كل أزب‬
‫نفور‪ ،‬فذهبت مثل‪ .‬فلم يشعر بهم زهير إل في سواد الليل‪ ،‬فركب فرسه ثم وجهها فلحقه قوم أحدهم حندج أو العقيلي‬
‫واختلفوا فيهما فطعن فخذ الفرس طعنة خفيفة‪ ،‬ثم أراد أن يطعن الرجل الصحيحة‪ ،‬فناداه خالد‪ :‬يا فلن ل تفعل فيستويا‪ ،‬أقبل‬
‫على السقيمة‪ .‬قال‪ :‬فطعنها فانخذلت الفرس فأدركوه‪ .‬فلما أدركوه رمى بنفسه‪ ،‬وعانقه خالد فقال‪ :‬اقتلوني ومجدعا فجاء‬
‫حندج وكان أعجم اللسان فقال لخالد وهو فوق زهير‪ :‬نح رأسك يا أبا جزء‪ ،‬فنحى رأسه فضرب حندج زهيرا ضربة على دهش‪،‬‬
‫ثم ركبوا وتركوه‪ .‬قال فقال خالد‪ :‬ويحك يا حندج ما صنعت? فقال ساعدي شديد‪ ،‬وسيفي حديد‪ ،‬وضربته ضربة فقال السيف‬
‫قب‪ ،‬وخرج عليه مثل ثمرة المرار‪ ،‬فطعمته فوجدته حلوا يعني دماغه ‪ .‬قال‪ :‬إن كنت صدقت فقد قتلته‪ .‬قال‪ :‬فجاء قوم زهير‬
‫فاحتملوه ومنعوه الماء كراهة أن يبتل دماغه فيموت‪ .‬فقال‪ :‬يا آل غطفان أأموت عطشا فسقي فمات‪ ،‬وذلك بعد أيام‪ .‬ففي‬
‫‪:‬ذلك يقول ورقاء بن زهير وكان قد ضرب خالدا ضربة فلم يصنع شيئا‪ ،‬فقال‬
‫فأقبلت أسعى كالعجـول أبـادر‬ ‫رأيت زهيرا تحت كلكل خـالـد‬
‫يريدان نصل السيف والسيف نادر قال الصمعي‪ :‬فضرب الدهر من ضربانه إلى‬ ‫إلى بطلين ينهضان كـلهـمـا‬
‫‪ .‬أن التقى خالد بن جعفر والحارث بن ظالم‬

‫ذكر مقتل خالد بن جعفر بن كلب‬


‫مقتل خالد بن جعفر وسببه‪ :‬قتله الحارث بن ظالم المري‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬كان الذي هاج من المر بين الحارث بن ظالم وخالد‬
‫بن جعفر أن خالد بن جعفر أغار على رهط الحارث بن ظالم من بني يربوع بن غيظ ابن مرة وهم في واد يقال له حراض‪،‬‬
‫فقتل الرجال حتى أسرع ‪ ،‬والحارث يومئذ غلم‪ ،‬وبقيت النساء‪ .‬وزعموا أن ظالما هلك في تلك الوقعة من جراحة أصابته‬
‫يومئذ‪ .‬وكانت نساء بني ذبيان ل يحلبن النعم‪ ،‬فلما بقين بغير رجال طفقن يدعون الحارث‪ ،‬فيشد عصاب الناقة ثم يحلبنها‪،‬‬
‫ويبكين رجالهن ويبكي الحارث معهن‪ ،‬فنشأ على بغض خالد‪ .‬وأردف ذلك قتل خالد زهير بن جذيمة؛ فاستحق العداوة في‬
‫‪:‬غطفان‪ .‬فقال خالد بن جعفر في تلك الواقعة‬
‫أرامل يشتكـين إلـى ولـيد‬ ‫تركت نساء يربوع بن غـيظ‬
‫لك الخيرات مالك ل تسـود‬ ‫يقلن لحارث جزعـا عـلـيه‬
‫ونصرا قد تركت لدى الشهود‬ ‫تركت بني جذيمة في مكـر‬
‫تبيد المخـزيات ول تـبـيد‬ ‫ومني سوف تأتي قـارعـات‬
‫قناتي في فوارس كالسـود‬ ‫وقيس ابن المعارك غادرتـه‬
‫وقد مدوا إليها مـن بـعـيد‬ ‫وحلت بركها ببني جـحـاش‬
‫تركناهـم كـجـارية وبـيد‬ ‫وحي بني سـبـيع يوم سـاق‬

‫صفحة ‪1210 :‬‬

‫قال أبو عبيدة‪ :‬فمكث خالد بن جعفر برهة من دهره‪ ،‬حتى كان من أمره وأمر زهير بن جذيمة ما كان‪ ،‬وخالد يومئذ رأس‬
‫هوازن‪ .‬فلما استحق عداوة عبس وذبيان أتى النعمان بن المنذر ملك الحيرة لينظر ما قدره عنده‪ ،‬وأتاه بفرس؛ فألفى عنده‬
‫الحارث بن ظالم قد أهدى له فرسا فقال‪ :‬أبيت اللعن‪ ،‬نعم صباحك‪ ،‬وأهلي فداؤك هذا فرس من خيل بني مرة ‪ ،‬فلن تؤتى‬
‫بفرس يشق غباره‪ ،‬إن لم تنسبه انتسب‪ ،‬كنت ارتبطته لغزو بني عامر بن صعصعة؛ فلما أكرمت خالدا أهديته إليك‪ .‬وقام الربيع‬
‫بن زياد العبسي فقال‪ :‬أبيت اللعن نعم صباحك‪ ،‬وأهلي فداؤك هذا فرس من خيل بني عامر ارتبطت أباه عشرين سنة لم‬
‫يخفق في غزوة ولم يعتلك في سفر‪ ،‬وفضله على هذين الفرسين كفضل بني عامر على غيرهم‪ .‬قال‪ :‬فغضب النعمان عند ذلك‬
‫وقال‪ :‬يا معشر قيس‪ ،‬أرى خيلكم أشباها أين اللواتي كأن أذنابها شقاق أعلم وكأن مناخرها وجار الضباع‪ ،‬وكأن عيونها بغايا‬
‫النساء‪ ،‬رقاق المستطعم تعالك اللجم في أشداقها‪ ،‬تدور على مذاودها كأنما يقضمن حصى‪ .‬قال خالد‪ :‬زعم الحارث أبيت اللعن‬
‫أن تلك الخيل خيله وخيل آبائه‪ .‬فغضب النعمان عند ذلك على الحارث بن ظالم‪ .‬فلما أمسوا اجتمعوا عند قينة من أهل الحيرة‬
‫‪:‬يقال لها بنت عفزر يشربون‪ .‬فقال خالد‪ :‬تغني‬
‫ولميس قبل حوادث اليام وهن خالت الحارث بن ظالم‪ ،‬فغضب الحارث بن ظالم‬ ‫دار لهند والرباب وفرتني‬
‫حتى امتل غيظا وغضبا‪ ،‬وقال‪ :‬ما تزال تتبع أولى بآخره‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬ثم إن النعمان بن المنذر دعاهم بعد ذلك وقدم لهم‬
‫تمرا؛ فطفق خالد بن جعفر يأكل ويلقي نوى ما يأكل من التمر بين يدي الحارث‪ .‬فلما فرغ القوم قال خالد بن جعفر‪ :‬أبيت‬
‫اللعن انظر إلى ما بين يدي الحارث بن ظالم من النوى ما ترك لنا تمرا إل أكله‪ .‬فقال الحارث‪ :‬أما أنا فأكلت التمر وألقيت‬
‫النوى‪ ،‬وأما أنت فأكلته بنواه ‪ .‬فغضب خالد وكان ل ينازع‪ ،‬فقال‪ :‬أتنازعني يا حارث وقد قتلت حاضرتك وتركتك يتيما في حجور‬
‫النساء فقال الحارث‪ :‬ذلك يوم لم أشهده‪ ،‬وأنا مغن اليوم بمكاني‪ .‬قال خالد‪ :‬فهل تشكر لي إذ قتلت زهير بن جذيمة وجعلتك‬
‫‪ :‬سيد غطفان ‪ .‬قال‪ :‬بلى أشكرك على ذلك‪ .‬فخرج الحارث بن ظالم إلى بنت عفرز‪ ،‬فشرب عندها وقال لها تغني‬
‫من اليوم أو من بعده بابن جعفر‬ ‫تعلم أبيت اللعـن أنـي فـاتـك‬
‫فل تأمنن فتكي يد الدهر واحذر‬ ‫أخالد قد نبهتـنـي غـير نـائم‬
‫غداة حراض مثل جنان عبقـر‬ ‫أعيرتني أن نلت منا فـوارسـا‬
‫ومن ل يق الله الحوادث يعثـر‬ ‫أصابهم الدهر الختور بخـتـره‬
‫بكف فتى من قومه غير جيدر‬ ‫فعلك يوما أن تنـوء بـضـربة‬
‫لقاء أبي جزء بأبيض مبـتـر قال‪ :‬فبلغ خالد بن جعفر قوله فلم يحفل به‪ .‬فقال‬ ‫يغص بها عليا هوازن‪ ،‬والمنـى‬
‫عبد الله بن جعدة وهو ابن أخت خالد‪ ،‬وكان رجل قيس رأيا لبنه‪ :‬يا بني ائت أبا جزء فأخبره أن الحارث بن ظالم سفيه موتور‪،‬‬
‫فأخف مبيتك الليلة؛ فإنه قد غلبه الشراب‪ .‬فإن أبيت فاجعل بينك وبينه رجل ليحرسك‪ .‬فوضعوا رجل بإزائه‪ ،‬ونام ابن جعدة دون‬
‫الرجل‪ ،‬وخالد من خلف الرجل‪ .‬وعرف أن ابن عتبة وابن جعدة يحرسان خالدا‪ .‬فأقبل الحارث فانتهى إلى ابن جعدة فتعداه‪،‬‬
‫ومضى إلى الرجل وهو يحسبه خالدا فعجنه بكلكله حتى كسره وجعل يكدمه ل يعقل‪ ،‬فخلى عنه والرجل تحته‪ ،‬ومضى إلى خالد‬
‫‪:‬وهو نائم‪ ،‬فضربه بالسيف حتى قتله‪ .‬فقال لعروة ‪ :‬أخبر الناس أني قتلت خالدا‪ .‬وقال في ذلك‬
‫وحي كلب هل فتكت بخـالـد‬ ‫أل سائل النعمان إن كنت سـائل‬
‫وعروة يكل عمه غـير راقـد‬ ‫عشوت عليه وابن جعـدة دونـه‬
‫بكلكل مخشي الـعـداوة حـارد‬ ‫وقد نصبا رجل فباشرت جـوزه‬
‫فصمم حتى نال نوط الـقـلئد‬ ‫فأضربه بالسيف يأفـوخ رأسـه‬
‫وعروة من بعد ابن جعدة شاهدي فلما أبت غطفان أن تجيره غضبت لذلك بنو‬ ‫وأفلت عبد الله مـنـي بـذعـره‬
‫‪:‬عبس‪ .‬وبعث إليه قيس بن زهير بن جذيمة بهذه البيات‪ :‬شعر قيس بن زهير للحارث حين قتل خالدا وإجابته له‬

‫صفحة ‪1211 :‬‬

‫شفى من ذوي تبولته الخليل‬ ‫جزاك الله خيرا من خـلـيل‬


‫تمخخ أعظمي زمنا طـويل‬ ‫أزحت بها جوى ودخيل حزن‬
‫ولم تحفل به سيفا صـقـيل‬ ‫كسوت الجعفري أبا جـزيء‬
‫وكنت لمثلها ولها حـمـول‬ ‫أبأت به زهير بني بغـيص‬
‫يجلي العار والمر الجلـيل فأجابه الحارث بن ظالم‬ ‫‪:‬كشفت له القناع وكنت ممن‬
‫مقالة كاذب ذكر التبـول‬ ‫أتاني عن قييس بني زهير‬
‫لقاتل ثأركم حرزا أصـيل‬ ‫فلو كنتم كما قلتم لكـنـتـم‬
‫فقد جللتنا حدثـا جـلـيل‬ ‫ولكن قلتم جـاور سـوانـا‬
‫لما طردوا الذي قتل القتيل إباء غطفان جوار الحارث ولحوقه ببني تميم وطلب‬ ‫ولو كانوا هم قتلوا أخاكـم‬
‫بني عامر له‪ :‬قال أبو عبيدة‪ :‬فلما منعته غطفان لحق بحاجب بن زرارة‪ ،‬فأجاره ووعده أن يمنعه من بني عامر‪ .‬وبلغ بني عامر‬
‫مكانه في بني تميم‪ ،‬فساروا في عليا هوازن‪ .‬فلما كانوا قريبا من القوم في أول واد من أوديتهم‪ ،‬خرج رجل من بني غني‬
‫ببعض البوادي‪ ،‬فإذا هو بامرأة من بني تميم ثم من بني حنظلة تجتني الكمأة‪ ،‬فأخذها فسألها عن الخبر‪ ،‬فأخبرته بمكان الحارث‬
‫ابن ظالم عند حاجب بن زرارة وما وعده من نصر ومنعه‪ .‬فانطلق بها الغنوي إلى رحله؛ فانسلت في وسط من الليل‪ ،‬فأتى‬
‫الغنوي الحوص بن جعفر‪ ،‬فأخبره أن المرأة قد ذهبت وقال‪ :‬هي منذرة عليك‪ .‬فقال له الحوص‪ :‬ومتى عهدك بها? قال‪ :‬عهدي‬
‫بها والمني يقطر من فرجها‪ .‬قال‪ :‬وأبيك إن عهدك بها لقريب‪ .‬وتبع المرأة عامر بن مالك يقص أثرها حتى انتهى إلى بني زرارة‬
‫والمرأة عند حاجب وهو يقول لها‪ :‬أخبريني أي قوم أخذوك? قالت‪ :‬أخذني قوم يقبلون بوجوه الظباء‪ ،‬ويدبرون بأعجاز النساء‪.‬‬
‫قال‪ :‬أولئك بنو عامر‪ .‬قال‪ :‬فحدثيني من في القوم? قالت‪ :‬رأيتهم يغدون على شيخ كبير ل ينظر بمآقيه حتى يرفعوا له من‬
‫حاجبيه‪ .‬قال‪ :‬ذلك الحوص بن جعفر‪ .‬قالت‪ :‬ورأيت شابا شديد الخلق‪ ،‬كأن شعر ساعديه حلق الدرع يعذم القوم بلسانه عذم‬
‫الفرس العضوض‪ .‬قال‪ :‬ذلك عتبة بن بشير بن خالد‪ .‬قالت‪ :‬ورأيت كهل إذا أقبل معه فتيان ‪ .‬يشرف القوم إليه‪ ،‬فإذا نطق‬
‫أنصتوا‪ .‬قال‪ :‬ذلك عمرو بن خويلد‪ ،‬والفتيان ابناه زرعة ويزيد‪ .‬قالت‪ :‬ورأيت شابا طويل حسنا‪ ،‬إذا تكلم بكلمة أنصتوا لها ثم‬
‫يؤلون إليه كما تؤل الشول إلى فحلها‪ .‬قال‪ :‬ذلك عامر ابن مالك‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬فدعا حاجب الحارث بن ظالم فأخبره برأيه‬
‫وخبر القوم وقال‪ :‬يا ابن ظالم‪ ،‬هؤلء بنو عامر قد أتوك‪ ،‬فما أنت صانع? قال الحارث‪ :‬ذلك إليك‪ ،‬إن شئت أقمت فقاتلت‬
‫القوم‪ ،‬وإن شئت تنحيت‪ .‬قال حاجب‪ :‬تنح عني غير ملوم‪ .‬فغضب الحارث من ذلك وقال‪ :‬شعر الحارث حين أمره حاجب‬
‫‪:‬بالتنحي ورد حاجب عليه‬
‫ومن وائل جاورت في حي تغلب‬ ‫لعمري لقد جاورت في حـي وائل‬
‫لي القوم يا حار بن ظالم اذهـب‬ ‫فأصبحت في حي الراقم لم يقـل‬
‫بني عدس ظني بأصحاب يثـرب‬ ‫وقد كان ظني إذ عقلـت إلـيكـم‬
‫فلم يسلموا المرين من حي يحصب‬ ‫غداة أتاهم تـبـع فـي جـنـوده‬
‫تخاف ففيكم حد ناب ومـحـلـب‬ ‫فإن تك في عليا هـوازن شـوكة‬
‫فأعجب بها من حاجب ثم أعجـب فغضب حاجب فقال‬ ‫‪:‬وإن يمنع المرء الـزراري جـاره‬
‫لمنع جارا من كلـيب بـن وائل‬ ‫لعمر أبيك الخير يا حـار إنـنـي‬
‫على ذاك كنا في الخطوب الوائل‬ ‫وقد علم الحي المـعـدي أنـنـا‬
‫لبسنا له ثـوبـي وفـاء ونـائل‬ ‫وأنا إذا ما خـاف جـار ظـلمة‬
‫من الناس إل أولعت بالكـواهـل‬ ‫وأن تميما لم تـحـارب قـبـيلة‬
‫لعضت علينا عامر بـالنـامـل‬ ‫ولو حار بتنا عامر يا بن ظـالـم‬
‫سنوطئها في دارها بالقـنـابـل‬ ‫ولستيقنت علـيا هـوازن أنـنـا‬
‫ولو هجتها لم ألف شحـمة آكـل‬ ‫ولكنني ل أبعث الحرب ظالـمـا‬

‫صفحة ‪1212 :‬‬

‫قال‪ :‬فتنحى الحارث بن ظالم عن بني زرارة فلحق بعروض اليمامة‪ .‬ودعا معبدا ولقيطا ابني زرارة فقال‪ :‬سيرا في الظعن‪،‬‬
‫فموعدكما رحرحان؛ فإنا مقيمون في حامية الخيل حتى تأتينا بنو عامر‪ .‬وخرج عامر بن مالك إلى قومه بالخبر ‪.‬فقالوا‪ :‬ما ترى?‬
‫قال‪ :‬أن ندعهم بمكانهم ونسبقهم إلى الظعن‪ .‬قال‪ :‬فلقوها برحرحان‪ ،‬فاقتتلوا قتال شديدا فأصابوها‪ ،‬وأسر معبد وجرح لقيط‪.‬‬
‫فبعثوا بمعبد إلى رجل بالطائف كان يعذب السرى‪ .‬فقطعه إربا إربا حتى قتله‪ .‬وقال عامر بن مالك يرد على حاجب‪ :‬شعر‬
‫‪:‬لعامر بن مالك يرد به على حاجب‬
‫رئيس تميم في الخطوب الوائل‬ ‫ألكني إلى المرء الزراري حاجب‬
‫وخير تميم بين حاف ونـاعـل‬ ‫وفارسها فـي كـل يوم كـريهة‬
‫شآبيب من حرب تلقـح حـائل‬ ‫لعمري لقد دافعت عن حي مالك‬
‫وأجدر خوار العنان مـنـاقـل‬ ‫على كل جرداء السراة طمـرة‬
‫بقوم فل تعـدل بـأبـنـاء وائل‬ ‫نصحت له إن كـنـت لحـقـا‬
‫لسرنا إليهم بالقنا والـقـنـابـل‬ ‫ولو ألجأته عصـبة تـغـلـبـية‬
‫هناك أمورا غيها غـير طـائل‬ ‫ولو رمتم أن تمـنـعـوه رأيتـم‬
‫وعضت تميم كلها بـالنـامـل‬ ‫لشاب وليد الحي قبل مـشـيبـه‬
‫ينادون جهرا ليتنا لم نـقـاتـل قتل الحارث لبن النعمان‪ :‬قال‪ :‬فخرج الحارث بن‬ ‫وقامت رجال منكم خـنـدقـية‬
‫ظالم من فوره ذلك حتى اتى سلمى بنت ظالم وفي حجرها ابن النعمان‪ ،‬فقال لها‪ :‬إنه لن يجيرني من النعمان إل تحرمي‬
‫‪ .‬بابنه‪ ،‬فادفعيه إلي‪ .‬وقد كان النعمان بعث إلى جارات للحارث بن ظالم فسباهن؛ فدعاه ذلك إلى قتل الغلم فقتله‬
‫أخذ النعمان عم الحارث فاعتذر إليه فخلى عنه‪ ،‬وقال شعرا‪ :‬فوثب النعمان على عم الحارث بن ظالم فقال له‪ :‬لقتلنك أو‬
‫‪:‬لتأتيني بابن أخيك‪ .‬فاعتذر إليه فخلى عنه‪ .‬فأقبل ينطلق فقال‬
‫وانت أجرأ من ذي لبدة ضـاري‬ ‫يا حار إني أحيا مـن مـخـبـأة‬
‫أحللت بيتي بين السـيل والـنـار‬ ‫قد كان بيتي فيكم بالعـلء فـقـد‬
‫فلم أخفك على أمثالـهـا حـار‬ ‫مهما أخفك على شيء تجيء بـه‬
‫عبل الذراعين للقران هـصـار‬ ‫ولم أخفك على ليث لن تخاتـلـه‬
‫مما فعلت سوى القرار بالعـار‬ ‫وقد علمت بأني لـن ينـجـينـي‬
‫في قتل طفل كمثل البدر ومعطار‬ ‫فقد عدوت على النعمان ظـالـمة‬
‫وقد عدوت على ضرغامة شاري شعر للحارث في قتله ابن النعمان‪ :‬وقال‬ ‫فاعلم بأنك منه غير مـنـفـلـت‬
‫‪:‬الحارث بن ظالم في ذلك‬
‫محارب موله‪ ،‬وثكـلن نـادم‬ ‫قفا فاسمعا أخبركما إذ سألتـمـا‬
‫ولما تذق فتكي وأنفـك راغـم‬ ‫حسبت أبا قابوس أنك سابـقـي‬
‫أتؤكل جاراتي وجارك سـالـم‬ ‫أخصي حمار بات يكدم نـحـمة‬
‫أحاديث طسم‪ ،‬إنما أنت حـالـم‬ ‫تمنيته جهرا علـى غـير ريبة‬
‫فهذا ابن سلمى أمره متفـاقـم‬ ‫فإن تك أذوادا أصبت ونـسـوة‬
‫وكان سلحي تجتويه الجماجـم‬ ‫علوت بذي الحيات مفرق رأسه‬
‫وهل يركب المكروه إل الكارم‬ ‫فتكت به فتكا كفتكي بـخـالـد‬
‫وثالثة تبيض منها الـمـقـادم‬ ‫بدأت بهذي ثم أثني بمـثـلـهـا‬
‫كذلك يأبى المغضبون القماقـم فقال النعمان بن المنذر‪ :‬ما يعني بالثالثة‬ ‫شفيت غليل الصدر منه بضربة‬
‫غيري‪ .‬قال سنان بن أبي حارثة المري وهو يومئذ رأس غطفان‪ :‬أبيت اللعن والله ما ذمة الحارث لنا بذمة‪ ،‬ول جاره لنا بجار‪،‬‬
‫‪:‬ولو أمنته ما أمناه‪ .‬فبلغ ابن ظالم قول سنان بن أبي حارثة‪ ،‬فقال في ذلك‪ :‬شعر للحارث يخاطب به النعمان‬
‫فكيف بخطاب الحطوب العاظم‬ ‫أل أبلغ النعمان عـنـي رسـالة‬
‫فزوع إذا ما خيف إحدى العظائم‬ ‫وأنت طويل البغي أبلخ مـعـور‬
‫بأروع ماضي الهم من آل ظالم‬ ‫فما غره والمـرء يدرك وتـره‬
‫كميش التوالي عند صدق العزائم‬ ‫أخي ثقة ماضي الجنان مـشـيع‬

‫صفحة ‪1213 :‬‬

‫لعولي بهندي الحـديدة صـارم‬ ‫فأقسم لول من تعـرض دونـه‬


‫يعضون من غيظ أصول الباهم‬ ‫فأقتـل أقـوامـا لـئامـا أذلة‬
‫ويأمن‪ ،‬ما هذا بفعل المسـالـم‬ ‫تمنى سنان ضلة أن يخيفـنـي‬
‫كذبت ورب الراقصات الرواسم‬ ‫تمنيت جهدا أن تضيع ظلمتـي‬
‫ولم تتكنـفـه عـروق اللئم أخذ مصدق للنعمان إبل لديهث فاستجارت‬ ‫يمين امرئ لم يرضع اللؤم ثديه‬
‫بالحارث فردها إليها‪ :‬قال‪ :‬فأمنه النعمان‪ ،‬وأقام حينا‪ .‬ثم إن مصدقا للنعمان أخذ إبل لمرأة من بني مرة يقال لها ديهث؛ فأتت‬
‫الحارث فعلقت دلوها بدلوه ومعها بني لها‪ ،‬فقالت‪ :‬أبا ليلى إني أتيتك مضافة ‪ .‬فقال الحارث‪ :‬إذا أورد القوم النعم فنادي بأعلى‬
‫‪:‬صوتك‬
‫ذلك راعيك فنعم الراعي‬ ‫دعوت بالله ولم تـراعـي‬
‫يمشي لها بصارم قطـاع‬ ‫وتلك ذود الحارث الكساع‬
‫‪:‬يشفي به مجامع الصداع وخرج الحارث في أثرها يقول‬
‫كم قد أجرنا من حريب محروب‬ ‫أنا أبو ليلى وسيفي المـعـلـوب‬
‫وطعنة طعنتها بالمـنـصـوب‬ ‫وكم رددنا من سليب مسـلـوب‬
‫ذاك جهيز الموت عند المكروب ثم قال لها‪ :‬ل تردن عليك ناقة ول بعير تعرفينه إل أخذتيه ففعلت؛ فاتت على لقوح لها يحلبها‬
‫حبشي‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبا ليلى هذه لي‪ .‬فقال الحبشي‪ :‬كذبت‪ .‬فقال الحارث‪ :‬أرسلها ل أم لك فضرط الحبشي‪ .‬فقال الحارث‪:‬‬
‫‪:‬است الحالب أعلم‪ ،‬فسارت مثل‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬ففي ذلك يقول في السلم الفرزدق‬
‫وصرمته كالمغنم المـتـنـهـب‬ ‫كما كان أوفى إذ ينادي ابن ديهـث‬
‫وكان متى ما يسلل السيف يضرب‬ ‫فقام أبو ليلى إلـيه ابـن ظـالـم‬
‫بحبلين في مستحصد القد مكـرب خروج الحارث إلى صديق من كندة‪ :‬قال أبو‬ ‫وما كان جارا غير دلو تعلـقـت‬
‫عبيدة حدثني أبو محمد عصام العجلي قال‪ :‬فلما قتل الحارث بن ظالم خالد بن جعفر في جوار الملك خرج هاربا حتى أتى‬
‫صديقا له من كندة يحل شعبي قال‪ :‬شعبي غير ممدود فلما ألح السود في طلب الحارث قال له الكندي‪ :‬ما أرى لك نجاة إل‬
‫أن ألحقك بحضرموت ببلد اليمن فل يوصل إليك‪ .‬فسار معه يوما وليلة ‪،‬فلما غربه قال‪ :‬إنني أنقطع ببلد اليمن فاغترب بها‪،‬‬
‫‪ .‬وقد برئت منك خفارتي‬
‫لجوءه إلى بني عجل بن لجيم‪ :‬فرجع حتى أتى أرض بكر بن وائل‪ ،‬فلجأ إلى بني عجل بن لجيم‪ ،‬فنزل على زبان فأجاره‬
‫‪:‬وضرب عليه قبة‪ .‬وفي ذلك يقول العجلي‬
‫فظل يغني آمنا في خبائنـا قال أبو عبيدة‪ :‬فجاءته بنو ذهل بن ثعلبة وبنو عمرو‬ ‫ونحن منعنا بالرماح ابن ظالم‬
‫بن شيبان فقالوا‪ :‬أخرج هذا المشؤوم من بين أظهرنا‪ ،‬ل يعرنا بشر‪ ،‬فإنا ل طاقة بالملحاء والملحاء كتيبة السود فأبت عجل أن‬
‫‪:‬تخفره ‪ ،‬فقاتلوه فامتنعت بنو عجل‪ .‬فقال الحارث بن ظالم في الكندي وفيهم‬
‫أكابد فيها كل ذي صبة مثري الصبة‪ :‬قطعة من الغنم أو بقية منها‬ ‫يكلفني الكندي سير تـنـوفة‬
‫خلة لذهل والزعانف من عـمـرو‬ ‫وأقبل دوني جمـع ذهـل كـأنـنـي‬
‫وزبان جاري والخفير علـى بـكـر‬ ‫ودوني ركب من لجـيم مـصـمـم‬
‫وسعد بن عجل مجمعون على نصري لحوقه بطيء‪ :‬قال أبو عبيدة‪ :‬ثم قال‬ ‫لعمري ل أخشـى ظـلمة ظـالـم‬
‫‪:‬لهم الحارث‪ :‬إني قد اشتهر أمري فيكم ومكاني‪ ،‬وأنا راحل عنكم‪ .‬فارتحل فلحق بطيئ‪ .‬فقال الحارث في ذلك‬
‫إلى ناصر من طيئ غير خاذل‬ ‫لعمري لقد حلت بي اليوم ناقتي‬
‫على باذخ يعلو على المتطاول أخذ السود أموال جارات له فردها هو إليهن‬ ‫‪:‬فأصبحت جارا للمجرة منهـم‬

‫صفحة ‪1214 :‬‬

‫قال أبو عبيدة وحدثني أبو حية أن السود حين قتل الحارث خالدا سأل عن أمر يبلغ منه‪ .‬فقال له عروة بن عتبة‪ :‬إن له‬
‫جارات من بلي بن عمرو‪ ،‬ول أراك تنال منه شيئا أغيظ له من أخذهن وأخذ أموالهن‪ ،‬فبعث السود فأخذهن واستاق أموالهن‪.‬‬
‫فبلغ ذلك الحارث‪ ،‬فخرج من الحين فأنساب في غمار الناس حتى عرف موضع جاراته ومرعى إبلهن‪ ،‬فأتى البل فوجد حالبين‬
‫يحلبان ناقة يقال لها اللفاع‪ ،‬وكانت لبونا كأغزر البل‪ ،‬إذا حلبت اجترت‪ ،‬ودمعت عيناها‪ ،‬وأصغت برأسها ‪ ،‬وتفاجت تفاج البائل‪،‬‬
‫وهجمت في المخلب هجما حتى تسنمه ‪ ،‬وتجاوبت أحاليلها بالشخب هثا وهثيما حتى تصف بين ثلثة محالب ‪ .‬فصاح الحارث‬
‫‪:‬بهما ورجز فقال‬
‫فادعابا ليلى ول تراعـي‬ ‫إذا سمعت حنة اللـفـاع‬
‫يجبك رحب الباع والذراع‬ ‫ذلك راعيك فنعم الراعـي‬
‫منطقا بصارم قـطـاع خليا عنها فعرفاه فضرط البائن‪ .‬فقال الحارث‪ :‬است الضارط أعلم‪ ،‬فذهبت مثل قال الثرم‪ :‬البائن‬
‫الحالب اليمن‪ ،‬والمستعلي الحالب اليسر ثم عمد إلى أموال جاراته وإلى جاراته فجمعهن ورد أموالهن وسار معهن حتى‬
‫‪ .‬اشتلهن أي أنقذهم‬
‫رواية أخرى في قتله ابن الملك‪ :‬قال أبو عبيدة ولحق الحارث ببلد قومه مختفيا‪ .‬وكانت أخته سلمى بنت ظالم عند سنان بن‬
‫أبي حارثة المري‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬وكان السود بن المنذر قد تبنى سنان بن أبي حارثة المري ابنه شرحبيل‪ ،‬فكانت سلمى بنت‬
‫كثير بن ربيعة من بني غنم بن دودان امرأة سنان ابن أبي حارثة المري ترضعه وهي أم هرم‪ ،‬وكان هرم غنيا يقدر على ما‬
‫يعطي سائليه‪ .‬فجاء الحارث‪ ،‬وقد كان اندس في بلد غطفان‪ ،‬فاستعار سرج سنان‪ ،‬ول يعلم سنان‪ ،‬وهم نزول بالشربة‪ ،‬فأتى‬
‫به سلمى ابنة ظالم فقال‪ :‬يقول لك بعلك‪ :‬ابعثي بابن الملك مع الحارث حتى أستأمن له ويتخفر به‪ ،‬وهذا سرجه آية إليك‪.‬‬
‫‪:‬فزينته ثم دفعته إلى الحارث‪ ،‬فأتى بالغلم‪ ،‬ناحية من الشربة فقتله‪ ،‬ثم أنشأ يقول‬
‫محارب موله‪ ،‬وثكلن نادم ثكلن نادم‪ :‬يعني السود لنه قتل ابنه شرحبيل‪.‬‬ ‫قفا فاسمعا أخبركما إذ سألتما‬
‫محارب موله‪ :‬يعني الحارث نفسه‪ .‬موله‪ :‬سنان‬
‫أتؤكل جاراتي وجارك سالـم‬ ‫أخصيي حمار بات يكدم نجـمة‬
‫ولما تذق ثكل وأنفـك راغـم‬ ‫حسبت أبيت اللعن أنـك فـائت‬
‫فهذا ابن سلمى رأسه متفاقـم‬ ‫فإن تك أذوادا أصبت ونـسـوة‬
‫وكان سلحي تجتويه الجماجم‬ ‫علوت بذي الحيات مفرق رأسه‬
‫ول يركب المكروه إل الكارم‬ ‫فتكت به كما فتكت بـخـالـد‬
‫وثالثة تبيض منها الـمـقـادم قال‪ :‬ففي ذلك يقول عقيل بن علفة في السلم وهو‬ ‫بدأت بتلك وانثـنـيت بـهـذه‬
‫من بني يربوع بن غيظ بن مرة لما هاجى شبيب بن البرصاء‪ ،‬وأبوه يزيد‪ ،‬وهو من بني نشبة بن غيظ بن مرة ابن عم سنان بن‬
‫أبي حارثة‪ ،‬فعيره بقتل الحارث بن ظالم شرحبيل لنه ربيب بني حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ رهط شبيب‪ ،‬ففي ذلك يقول‬
‫‪:‬عقيل‬
‫بناصية المعلوب ضاحية غصبا‬ ‫قتلنا شرحبيل ربـيب لبـيكـم‬
‫بإحدى الدواهي ثم لم تطلعوا نقبا قال أبو عبيدة‪ :‬وهرب الحارث‪ ،‬فغزا‬ ‫فلم تنكروا أن يغمز القوم جاركم‬
‫السود بني ذبيان إذ نقضوا العهد وبني أسد بشط أريك‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬وسألته عنه فقال‪ :‬هما أريكان السود والبيض‪ ،‬ول أدري‬
‫بأيهما كانت الوقعة‪ .‬قال أبو عبيدة وقال آخرون‪ :‬إن سلمى امرأة سنان التي أخذ الحارث شرحبيل من عندها من بني أسد‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإنما غزا السود بني أسد لدفع السدية سلمى ابنه إلى الحارث‪ ،‬فقتل فيهم قتل ذريعا وسبى واستاق أموالهم‪ .‬وفي ذلك‬
‫‪:‬يقول العشى ميمون‬
‫ونساء كأنهـن الـسـعـالـي‬ ‫وشيوخ صرعى بشطـي أريك‬
‫د وذبيان والهجان الـغـوالـي‬ ‫من نواصي دودان إذ نقضوا العه‬
‫م وأسرى من معشـر أقـتـال‬ ‫رب رفد هرقـتـه ذلـك الـيو‬
‫ت نعال مـحـذوة بـمـثـال‬ ‫هؤلء هـم كــل احـــذي‬
‫ل وكعب الذي يطيعك عـالـي‬ ‫ورأى من عصاك أصبح مخـذو‬

‫صفحة ‪1215 :‬‬

‫وجود نعل شرحبيل بن السود في بني محارب وتعذيب السود لهم‪ :‬قال‪ :‬ووجد نعل شرحبيل عند أضاخ‪ .‬وهو من الشربة في‬
‫بني محارب بن خصفة بن قيس عيلن‪ .‬قال‪ :‬فاحمي لهم السود الصفا التي بصحراء أضاخ وقال لهم‪ :‬إني أحذيكم نعال‪،‬‬
‫فأمشاهم على الصفا المحمى فتساقط لحم أقدامهم‪ .‬فلما كان السلم قتل جوشن الكندي رجل من بني محارب فأقيد به‬
‫‪:‬جوشن بالمدينة‪ .‬وكان الكندي من رهط عباس بن يزيد الكندي فهجا بني محارب فعيرهم بتحريق السود أقدامهم فقال‬
‫صفا من أضاخ حاميا يتلهب قال أبو عبيدة‪ :‬وصار ذلك مثل يتوعد به الشعراء‬ ‫على عهد كسرى نعلتكم ملوكنا‬
‫من هجوه ويحذرونهم مثل ذلك‪ .‬ومن ذلك أن ابن عتاب الكلبي ورد على بني النوس من جديلة طيئ‪ ،‬فسرقوا سهاما له؛ فقال‬
‫‪:‬يحذرهم‬
‫كنعل شرحبيل التي في محـارب وقال في الجاهلية ابن أم كهف الطائي‬ ‫بني النوس ردوا أسهمي إن أسهمي‬
‫‪:‬في مدحه لمالك بن حمار الشمخي‪ ،‬فذكر نعل شرحبيل فقال‬
‫علنية شرحبيل ابن نعـل لنه لول النعل لم يعرف‪ ،‬وإنما عرف بما صنع أبو ببني‬ ‫ومولك الذي قتل ابن سلمى‬
‫‪ .‬محارب من أجل نعله التي وجدت في بني محارب‬
‫أخذ السود لسنان بن أبي حارثة الذي قتل ابنه عنده واعتذار الحارث بن سفيان عنه‪ :‬قال أبو عبيدة‪ :‬وأخذ السود سنان بن‬
‫أبي حارثة؛ فأتاه الحارث بن سفيان أحد بني الصارد ‪ ،‬وهو الحارث بن سفيان بن مرة بن عوف بن الحارث بن سفيان أخو سيار‬
‫بن عمرو بن جابر الفزاري لمه‪ ،‬فاعتذر إلى السود أن يكون سنان بن أبي حارثة أو اطلع‪ ،‬ولقد كان أطرد الحارث من بلد‬
‫غطفان‪ ،‬وقال‪ :‬علي دية ابنك ألف بعير دية الملوك‪ ،‬فحملها إياه وخلى عن سنان‪ ،‬فأدى إلى السود منها ثمانمائة بعير ثم مات‪.‬‬
‫فقال سيار بن عمرو أخوه لمه‪ :‬أنا أقوم فيما بقي مقام الحارث بن سفيان‪ .‬فلم يرض به السود‪ .‬فرهنه سيار قوسه‪ ،‬فأدى‬
‫‪:‬البقية‪ .‬فلما مدح قراد بن حنش الصاردي بني فزارة جعل الحمالة كلها لسيار بن عمرو فقال‬
‫بألف على ظهر الفزاري أقرعا‬ ‫ونحن رهنا القوس تمت فـوديت‬
‫ليوفي سيار بن عمرو فأسرعـا‬ ‫بعشر مئين للملوك سعى بـهـا‬
‫ثناياه للساعين في المجد مهيعـا قال ويقال‪ :‬بل قالها ربيع بن قعنب‪ ،‬فرد عليه‬ ‫رمينا صفاه بالمئين فأصبـحـت‬
‫‪:‬قراد فقال‬
‫ول الفزاري جوفان بن جوفان‬ ‫ما كان ثعلب ذي عاج ليحملها‬
‫على تكاليفها حار بن سفـيان وقال عويف القوافي بن عيينة بن حصن بن حذيفة‬ ‫ولكن تضمنها ألفا فأخرجـهـا‬
‫‪:‬بن بدر في السلم يفخر على أبي منظور الوبري حين هاجاه أحد بني وبر بن كلب‬
‫إذ رهن القوس بألف كامل‬ ‫فهل وجدتم حامل كحاملـي‬
‫فافتكها من قبل عام قابـل‬ ‫بدية ابن الملك الحـلحـل‬
‫سيار الموفي بها ذو السائل لحوق الحارث ببني دارم‪ :‬قال أبو عبيدة‪ :‬فلما قتل الحارث شرحبيل لحق ببني دارم فلجأ إلى بني‬
‫ضمرة‪ .‬قال‪ :‬وبنو عبد الله بن دارم يقولون‪ :‬بل جاور معبد بن زرارة فأجاره‪ ،‬فجر جواره يوم رحرحان‪ ،‬وجر يوم رحران يوم‬
‫‪ .‬جبلة‪ .‬وطلبه السود بن المنذر بخفرته‬
‫فلما بلغه نزوله ببني دارم أرسل فيه إليهم أن يسلموه فأبوا‪ .‬فقال يمن على بني قطن بن نهشل بن دارم بما كان النعمان بن‬
‫المنذر في أمر بني رشية وهي رميلة حين طلبهم من لقيط ابن زرارة حتى استنقذهم‪ .‬ورشية أمة كانت لزرارة بن عدس بن‬
‫زيد المجاشعي‪ ،‬فوطئها رجل من بني نهشل فأولدها؛ وكان زرارة يأتي بني نهشل يطلب الغلمة التي ولدت‪ ،‬وولدت الشهب‬
‫بن رميلة والرباب بن رميلة وغيرهما‪ ،‬وكانوا يسمعونه ما يكره‪ ،‬فيرجع إلى ولده فيقول‪ :‬أسمعني بنو عمي خيرا وقالوا‪ :‬سنبعث‬
‫بهم إليك عاجل‪ ،‬حتى مات زرارة‪ .‬فقام لقيط ابنه بأمرهم؛ فلما أتاهم أسمعوه ما كره‪ ،‬ووقع بينهم شر‪ .‬فذهب النهشلي إلى‬
‫الملك فقال‪ :‬أبيت اللعن ل تصلني وتصل قومي بأفضل من طلبتك إلى لقيط الغلمة ليكف عني‪ .‬فدعاه فشرب معه‪ ،‬ثم‬
‫‪:‬استوهبهم منه فوهبهم له‪ .‬فقال السود بن المنذر في ذلك‬
‫بني قطن فضل عليكم وأنعما‬ ‫كأين لنا من نعمة في رقابكم‬

‫صفحة ‪1216 :‬‬

‫وقتل كريم لم تعدوه مغـرمـا‬ ‫وكم منة كانت لنا في بيوتـكـم‬


‫ولم يمس باليدي الوشيج المقوما فأجابه ضمرة بن ضمرة فقال‬ ‫‪:‬فإنكم ل تمنعـون ابـن ظـالـم‬
‫بأسيافنا حتى يؤوب مسـلـمـا‬ ‫سنمنع جارا عائذا في بيوتـكـم‬
‫عوابس يعلكن الشكيم المعجمـا‬ ‫إذا ما دعونا دارما ما حال دونه‬
‫ول حوفه إل خميسا عرمرمـا‬ ‫ولو كنت حربا ما وردت طويلعا‬
‫وأشبهت تيسا بالحجاز مزنمـا‬ ‫تركت بني ماء السماء وفعلهـم‬
‫فإن له فضل علينا وأنـعـمـا قال‪ :‬وبلغ ذلك بني عامر‪ ،‬فخرج الحوص عازيا لبني‬ ‫ولن أذكر النعمان إل بصـالـح‬
‫دارم طالبا بدم أخيه خالد بن جعفر حين انطووا على الحارث وقاموا دونه‪ ،‬فغزاهم فالتقوا برحرحان‪ ،‬فهزمت بنو دارم‪ ،‬وأسر‬
‫‪ .‬معبد بن زرارة‪ ،‬فانطلقوا به حتى مات في أيديهم‪ ،‬وحديثه في يوم رحرحان يأتي بعد‬
‫أسر بني قيس وبني هزان للحارث وحديثه معهم‪ :‬ثم أسر بنو هزان الحارث بن ظالم‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬خرج الحارث من‬
‫عندهم‪ ،‬فجعل يطوف في البلد حتى سقط في ناحية من بلد ربيعة‪ ،‬ووضع سلحه وهو في فلة ليس فيها أثر ونام‪ ،‬فمر به نفر‬
‫من بني قيس بن ثعلبة ومعهم قوم من بني هزان من عنزة وهو نائم‪ ،‬فأخذوا فرسه وسلحه ثم أوثقوه‪ ،‬فانتبه وقد شدوه فل‬
‫يملك من نفسه شيئا‪ .‬فسألوه من انت? فلم يخبرهم وطوى عنهم الخبر‪ ،‬فضربوه ليقتلوه على تأن يخبرهم من هو فلم يفعل‪.‬‬
‫فاشتراه القيسيون من الهزانيين بزق خمر وشاة ويقال‪ :‬اشتراه رجل من بني سعد بإغلق بكرة وعشرين من الشاء ثم انطلقوا‬
‫به إلى بلدهم‪ .‬فقالوا له‪ :‬من أنت? وما حالك? فلم يخبرهم‪ .‬فضربوه ليموت فأبى‪ .‬قال‪ :‬وهو قريب من اليمامة‪ .‬قال‪ :‬فبينما‬
‫هم على تلك الحال وهم يريغونه ضربا مرة وتهددا أخرى ولينا مرة ليخبرهم بحاله وهو يأبى‪ ،‬حتى ملوه‪ ،‬فتركوه في قيد حتى‬
‫انفلت ليل‪ ،‬فتوجه نحو اليمامة وهي قريب منه‪ ،‬فلقي غلمة يلعبون‪ ،‬فنظر إلى غلم منهم أخلقهم للخير عنده فقال‪ :‬من أنت?‬
‫قال‪ :‬أنا بجير بن أبجر العجلي‪ ،‬وله ذؤابة يومئذ وأمه امرأة قتادة بن مسلمة الحنفي‪ .‬فأتاه وأخذ بحقويه والتزمه وقال‪ :‬أنا لك‬
‫جار‪ .‬فيقال‪ :‬إن عجل أجارته في هذا اليوم ل في اليوم الول الذي ذكرناه في أول الحديث‪ .‬فأتى الغلم أباه فأخبره وأجاره‬
‫‪ .‬وقال‪ :‬ائت عمك قتادة بن مسلمة الحنفي فأخبره؛ فأتى قتادة فأخبره فأجاره‬
‫قال أبو عبيدة‪ :‬وأما فراس فزعم أنه أفلت من بني قيس فأقبل شدا حتى أتى اليمامة‪ ،‬واتبعوه حتى انتهى إلى نادي بني حنيفة‬
‫وفيه قتادة بن مسلمة‪ .‬فلما رأوه يهوي نحوهم قال‪ :‬إن هذا لخائف‪ ،‬وبصر بالقوم خلفه فصاح به‪ :‬الحصن الحصن فأقبل حتى‬
‫ولج الحصن‪ .‬وجاءت بنو قيس‪ ،‬فحال دونه وقال‪ :‬لو أخذتموه قبل دخوله الحصن لسلمته إليكم‪ ،‬فأما إذ تحرم بي فل سبيل‬
‫إليه‪ .‬قال فقالوا‪ :‬أسيرنا اشتريناه بأموالنا‪ ،‬وما هو لك بجار ول تعرفه‪ ،‬وإنما أتاك هاربا من أيدينا‪ ،‬ونحن قومك وجيرانك‪ .‬قال‪:‬‬
‫أما أن أسلمه أبدا فل يكون ذلك‪ ،‬ولكن اختاروا مني‪ :‬إن شئتم فانظروا ما اشتريتموه به فخذوه مني‪ ،‬وإن شئتم أعطيته سلحا‬
‫كامل وحملته على فرس ودعوه حتى يقطع الوادي بينكم وبينه ثم دونكموه‪ .‬فقالوا‪ :‬رضينا‪ .‬فقال ذلك للحارث فقال نعم‪.‬‬
‫فألبسه سلحا كامل وحمله على فرسه وقال له‪ :‬إن أفلتهم فرد إلي الفرس والسلح لك‪ .‬قال‪ :‬فخرج‪ ،‬وتركوه حتى جاز الوادي‪،‬‬
‫ثم اتبعوه ليأخذوه‪ ،‬فلم يزل يقاتلهم ويطاردهم حتى ورد بلد بني قشير‪ ،‬وهو قريب من اليمامة أيضا بينهما أقل من يوم‪ .‬فلما‬
‫صار إلى بلد بني قشير يئسوا منه فرجعوا عنه‪ .‬وعرفه بنو قشير فانطووا عليه وأكرموه‪ .‬ورد إلى قتادة بن مسلمة فرسه‬
‫وأرسل إليه بمائة من البل‪ ،‬ل أدري أأعطاه إياها بنو قشير من أموالهم ليكافئ بها قتادة أم كانت له‪ ،‬لم يفسر أبو عبيدة أمرها‬
‫ول سألته عنها‪ .‬فقال الحارث بن ظالم في ابني حلكة وهما من الذين باعوه من القيسيين وفيما كان من أمره قال أبو عبيدة‪:‬‬
‫‪:‬ويقال أسره راعيان من بني هزان يقال لهما ابنا حلكة‬
‫أني أقسم في هزان أرباعا‬ ‫أبلغ لديك بني قيس مغلغلة‬
‫صفحة ‪1217 :‬‬

‫وباع ذو آل هزان بما بـاعـا‬ ‫ابنا حلكة باعاني بـل ثـمـن‬


‫حتى أقسم أفراسـا وأدراعـا‬ ‫يا بني حلكة لما تأخذا ثمـنـي‬
‫وكان قدما إلى الخيرات طلعا وقال في ذلك أيضا‬ ‫‪:‬قتادة الخير نالتـنـي حـذيتـه‬
‫فأبت لجيم ما تقول عـكـابة‬ ‫همت عكابة أن تضيم لجيمـا‬
‫وأسقي الخفير وطهري أثوابه‬ ‫فأسقي بجيرا من رحيق مدامة‬
‫كل وجدنـا أوفـياء ذؤابـه مروره برجل من بني أسد‪ :‬وزعم أبو عبيدة أن‬ ‫جاءت حنيفة قبل جيئة يشكـر‬
‫الحارث لما هزمت بنو تميم يوم رحرحان مر برجل من بني أسد بن خزيمة؛ فقال‪ :‬يا حار إنك مشؤوم وقد فعلت ما فعلت‪،‬‬
‫فانظر إذا كنت بمكان كذا وكذا من برقة رحرحان فإن لي به جمل أحمر فل تعرض له‪ .‬وإنما يعرض له ويكره أن يصرح فيبلغ‬
‫السود فيأخذه‪ .‬فلما كان الحارث بذلك المكان أخذ الجمل فنجا عليه‪ ،‬وإذا هو ل يساير من أمامه ول يسبق من ورائه‪ .‬فبلغ ذلك‬
‫‪:‬السود‪ ،‬فأخذ السود السدي وناسا من قومه‪ .‬وبلغ ذلك الحارث بن ظالم فقال كأنه يهجوهم لئل يتهمهم السود‬
‫ببرقة رحرحان وقد أراني‬ ‫أراني الله بالنعم المـنـدى‬
‫وحي نعامة وبني غـدان لحوقه بمكة وانتماؤه إلى قريش‪ :‬قال‪ :‬فلما بلغ قوله‬ ‫لحي النكدين وحي عبـس‬
‫‪:‬السود خلى عنهم‪ .‬ولحق الحارث بمكة وانتمى إلى قريش؛ وذلك قوله‬
‫ول بفزارة الشعر الرقابـا‬ ‫وما قومي بثعلبة بن سعـد‬
‫بمكة علموا مضر الضرابا قال‪ :‬فزوده وحمله رواحة الجمحي على ناقة؛ فذلك‬ ‫وقومي إن سألت بنو لـؤي‬
‫‪:‬قوله‬
‫بناجية ولم يطلـب ثـوابـا‬ ‫وهش رواحة الجمحي رحلي‬
‫وميثرتي كسين أقب جـابـا لحوقه بالشام عند ملك من غسان ومقتله‪ :‬يروى‪:‬‬ ‫كأن الرحل والنساع منـهـا‬
‫حش‪ ،‬و هش‪ ،‬وهما لغتان‪ .‬وحش سوى قال‪ :‬فلحق الحارث بالشام بملك من ملوك غسان يقال هو النعمان‪ ،‬ويقال بل هو يزيد‬
‫بن عمرو الغساني فأجاره‪ .‬وكانت للملك ناقة محماة في عنقها مدية وزناد وصرة ملح‪ ،‬وإنما يختبر بذلك رعيته هل يجترئ عليه‬
‫أحد منهم‪ .‬ومع الحارث امرأتان‪ ،‬فوحمت إحدى امرأتيه قال أبو عبيدة‪ :‬وأصابت الناس سنة شديدة فطلبت الشحم إليه‪ .‬قال‪:‬‬
‫ويحك وأنى لي بالشحم والوداء فألحت عليه‪ ،‬فعمد إلى الناقة فأدخلها بطن واد فلب في سبلتها أي طعن ‪ .‬فأكلت امرأته‬
‫ورفعت ما بقي من الشحم في عكتها‪ .‬قال‪ :‬وفقدت الناقة فوجدت نحيرا لم يؤخذ منها إل السنام‪ ،‬فأعلموا ذلك الملك‪ ،‬وخفي‬
‫عليهم من فعله‪ .‬فأرسل إلى الخمس التغلبي وكان كاهنا فقال‪ :‬من نحر الناقة? فذكر أن الحارث نحرها‪ .‬فتذمم الملك وكذب‬
‫عنه‪ .‬فقال‪ :‬إن أردت أن تعلم علم ذلك فدس امرأة تطلب إلى امرأته شحما‪ ،‬ففعل‪ .‬فدخل الحارث وقد أخرجت امرأته إليها‬
‫شحما‪ ،‬فعرف الداء فقتلها ودفنها في بيته‪ .‬فلما فقدت المرأة قال الخمس‪ :‬غالها ما غال الناقة‪ ،‬فإن كره الملك أن يفتشه عن‬
‫ذلك فليأمر بالرحيل‪ ،‬فإذا ارتحل بحث بيته‪ ،‬ففعل‪ .‬واستثار الخمس مكان بيته؛ فوثب عليه الحارث فقتله؛ فأخذ الحارث فحبس‪.‬‬
‫‪:‬فاستسقى ماء فأتاه رجل بماء فقال‪ :‬أتشرب? فأنشأ الحارث يقول‬
‫وقد حيل دون العيش هل أنت شارب‬ ‫لقد قال لي عند المجاهد صاحـبـي‬
‫بدى أروني ترمي ورائي الثعالـب الثعالب‪ :‬من مرة وهم رماة‪ .‬أرونى‪ :‬مكان‪.‬‬ ‫وددت باطراف البنـان لـو أنـنـي‬
‫وقال مرة أخرى‪ :‬الثعالب بنو ثعلبة‪ .‬يقول‪ :‬كانوا يرمون عني ويقومون بأمري قال‪ :‬فأمر الملك بقتله‪ .‬فقال‪ :‬إنك قد أجرتني فل‬
‫تغدرني ‪ .‬فقال‪ :‬ل ضير إن غدرت بك مرة فقد غدرت بي مرارا‪ .‬فأمر مالك بن الخمس التغلبي أن يقتله بأبيه‪ .‬فقال‪ :‬يا بن شر‬
‫الظماء أنت تقتلني فقتله‪ .‬وقال ابن الكلبي‪ :‬لما قام ابن الخمس إلى الحارث ليقتله قال‪ :‬من أنت? قال‪ :‬ابن الخمس‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪:‬أنت ابن شر السماء؛ فقتله فقال رجل من ضري وهم حي من جرهم يرثي الحارث بن ظالم‬
‫حرا قطـامـيا‬ ‫يا حـار حـنـيا‬
‫في البيت ضجعيا‬ ‫ما كنت تـرعـيا‬
‫ممـل عـــيا‬ ‫أدعى لـبـاخـيا‬

‫صفحة ‪1218 :‬‬

‫وأخذ ابن الخمس سيف الحارث بن ظالم المعلوب‪ ،‬فأتى به سوق عكاظ في الحرم‪ ،‬فجعل يعرضه على البيع ويقول‪ :‬هذا‬
‫سيف الحارث بن ظالم‪ .‬فاسترآه إياه قيس بن زهير بن جذيمة فأراه إياه‪ ،‬فعله به حتى قتله في الحرم‪ .‬فقال قيس بن زهير‬
‫‪:‬يرثي الحارث بن ظالم‬
‫أبر وأوفى منك حار بن ظالـم‬ ‫ما قصرت من حاضن ستر بيتها‬
‫وأضرب في كاب من النقع قاتم هذه رواية أبي عبيدة والبصريين‪ .‬وأما الكوفيين‬ ‫أعز وأحمى عنـد جـار وذمة‬
‫فإنهم يذكرون أن النعمان بن المنذر هو الذي قتله‪ .‬أخبرني بذلك علي بن سليمان الخفش قال حدثنا أبو سعيد عن محمد بن‬
‫حبيب عن ابن العرابي عن المفضل قال‪ :‬لما هرب الحارث إلى مكة أسف النعمان بن المنذر على فوته إياه‪ ،‬فلطف له‬
‫وراسله وأعطاه المان‪ ،‬وأشهد على نفسه وجوه العرب من ربيعة ومضر واليمن أنه ل يطلبه بذحل ول يسوءه في حال‪ ،‬وأرسل‬
‫به مع جماعة ليسكن الحارث إليهم‪ ،‬وأمرهم أن يتكلفوا له بالوفاء ويضمنوا له عنه أنه ل يهجيه‪ ،‬ففعلوا ذلك‪ .‬وسكن إليه‬
‫الحارث‪ ،‬فأتى النعمان وهو في قصر بني مقاتل‪ ،‬فقال للحاجب‪ :‬استأذن لي‪ ،‬والناس يومئذ عند النعمان متوافرون‪ ،‬فاستأذن‬
‫له‪ ،‬فقال النعمان‪ :‬ائذن له وخذ سيفه‪ .‬فقال له‪ :‬ضع سيفك وادخل‪ .‬فقال الحارث‪ :‬ولم أضعه? قال‪ :‬ضعه‪ ،‬فل بأس عليك‪ .‬فلما‬
‫ألح عليه وضعه ودخل ومعه المان‪ .‬فلما دخل قال‪ :‬أنعم صباحا أبيت اللعن‪ .‬قال‪ :‬ل أنعم الله صباحك ‪ .‬فقال الحارث‪ :‬هذا‬
‫كتابك ‪ .‬قال النعمان‪ :‬كتابي والله ما أنكره‪ ،‬أنا كتبته لك‪ ،‬وقد غدرت وفتكت مرارا‪ ،‬فل ضير أن غدرت بك مرة‪ .‬ثم نادى‪ :‬من‬
‫يقتل هذا? فقام ابن الخمس التغلبي وكان الحارث فتك بأبيه فقال‪ :‬أنا أقتله‪ .‬وذكر باقي الخبر في قصته مع ابن الخمس مثل‬
‫‪ .‬ما ذكر أبو عبيدة‬

‫خبر الحارث وعمرو بن الطنابة‬


‫‪ .‬وإنما ذكر هنا لتصاله بمقتل خالد بن جعفر‪ ،‬ولن فيما تناقضاه من الشعار أغاني صالح ذكرها في هذا الموضع‬
‫غضب عمرو بن الطنابة على الحارث لقتله خالدا وشعره في ذلك‪ :‬قال أبو عبيدة‪ :‬كان عمرو بن الطنابة الخزرجي ملك‬
‫الحجاز‪ ،‬ولما بلغه قتل الحارث بن ظالم خالد بن جعفر‪ ،‬وكان خالدا مصافيا له‪ ،‬غضب لذلك غضبا شديدا‪ ،‬وقال‪ :‬والله لو لقي‬
‫الحارث خالدا وهو يقظان لما نظر إليه‪ ،‬ولكنه قتله نائما ولو أتاني لعرف قدره؛ ثم دعا بشرابه ووضع التاج على رأسه ودعا‬
‫‪:‬بقيانه‪ ،‬فتغنين له‬
‫وأسقياني من الـمـروق ريا‬ ‫عللني وعـلـل صـاحـبـيا‬
‫لفتـيانـنـا وعـيشـا رخـيا‬ ‫إن فينا القيان يعزفن بـالـدف‬
‫ن خلل القرون مسكـا ذكـيا‬ ‫يتبارين في النعـيم ويصـبـب‬
‫ن سموطا وسنبـل فـارسـيا‬ ‫إنما همـهـن أن يتـحـلـي‬
‫ر فأحسن بجلـيهـن حـلـيا‬ ‫من سموط المرجان فضل بالشذ‬
‫ف إذا كانت السيوف عصـيا‬ ‫وفتى يضرب الكتيبة بالـسـي‬
‫إن فينا بها فتـى خـزرجـيا‬ ‫إننا ل نسر فـي غـير نـجـد‬
‫فتجافي عنه لـنـا يا مـنـيا‬ ‫يدفع الضيم والظلمة عنـهـا‬
‫ديد والناذر الـنـذور عـلـيا‬ ‫أبلغ الحارث بن ظالـم الـرع‬
‫تل يقظان ذا سـلح كـمـيا‬ ‫أنمـا يقـتـل الـنـيام ول يق‬
‫ر وأعددت صارما مشـرفـيا‬ ‫ومعي شكتي معابل كـالـجـم‬
‫ل كما ينسئ النسيء النـسـيا مسير الحارث إلى عمرو وانخذال عمرو عنه‬ ‫لو هبطت البلد أنسيتك القـت‬
‫‪:‬وشعر الحارث في ذلك‬

‫صفحة ‪1219 :‬‬

‫قال‪ :‬فلما بلغ الحارث شعره هذا ازداد حنقا وغيظا‪ ،‬فسار حتى أتى ديار بني الخزرج‪ ،‬ثم دنا من قبة عمرو بن الطنابة‪ ،‬ثم‬
‫نادى أيها الملك أغثني فإني جار مكثور وخذ سلحك‪ ،‬فأجابه وخرج معه‪ .‬حتى برز له عطف عليه الحارث وقال‪ :‬أنا أبو ليلى‬
‫فاعتركا مليا من الليل‪ .‬وخشي عمرو أن يقتله الحارث فقال له‪ :‬يا حار‪ ،‬إني شيخ كبير وإني تعتريني سنة‪ ،‬فهل لك في تأخير‬
‫هذا المر إلى غد? فقال‪ :‬هيهات ومن لي به في غد فتجاول ساعة‪ ،‬ثم ألقى عمرو الرمح من يده وقال‪ :‬يا حار ألم أخبرك أن‬
‫النعاس قد يغلبني قد سقط رمحي فاكفف‪ ،‬فكف‪ .‬قال‪ :‬أنظرني إلى غد‪ .‬قال‪ :‬ل أفعل‪ .‬قال‪ :‬فدعني آخذ رمحي‪ .‬قال‪ :‬خذه‬
‫قال‪ :‬أخشى أن تعجلني عنه أو تفتك بي إذا أردت أخذه‪ .‬قال‪ :‬وذمة ظالم ل أعجلتك ول قاتلتك ول فتكت بك حتى تأخذه‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪:‬وذمة الطنابة ل آخذه ول أقاتلك‪ .‬فانصرف الحارث إل قومه وقال مجيبا له‬
‫قبل أن يبكر المنون عـلـيا‬ ‫اعزفا لي بـلـذة قـينـتـيا‬
‫كنت قدما لمرهن عصـيا‬ ‫قبل أن يبكر العـواذل إنـي‬
‫حسبتني عواذلـي أم غـويا‬ ‫ما أبالي أراشد فاصبحـانـي‬
‫في حياتي ول أخون صفـيا‬ ‫بعد أل أصـر لـلـه إثـمـا‬
‫في زجاج تخالـه رازقـيا‬ ‫من سلف كأنها دم ظـبـي‬
‫فأنفـنـا وكـان ذاك بـديا‬ ‫قد بلغتنا مقالة المرء عمـرو‬
‫ولقينـاه ذا سـلح كـمـيا‬ ‫قد هممنا بقتلـه إذ بـرزنـا‬
‫م معدا بكفـه مـشـرفـيا‬ ‫غير ما نائم تعلل بـالـحـل‬
‫بوفاء وكنت قـدمـا وفـيا‬ ‫فمننا علـيه بـعـد عـلـو‬
‫من منا عليه بـعـد تـلـيا نسبة ما في هذا الخبر من الغاني‪ :‬منها في شعر عمرو‬ ‫ورجعنا بالصفح عنه وكان ال‬
‫‪:‬بن الطنابة‪ :‬صوت‪ :‬الغناء في شعر عمرو والحارث‬
‫واسـقـيانـي مـن الـــمـــروق ريا‬ ‫علـلنـي وعـلـل صـــاحـــبـــيا‬
‫إن فينا القيان يعزفن بالدف لفتياننا وعيشا رخيا غنته عزة الميلء من رواية حماد عن أبيه خفيف رمل بالوسطى‪ .‬قال حماد‬
‫‪:‬أخبرني أبي قال بلغني أن معبدا قال‪ :‬دخلت على جميلة وعندها عزة الميلء تغنيها في شعر عمرو بن الطنابة الخزرجي‬
‫عللني وعلل صاحبيا على معزفة لها وقد أسنت‪ ،‬فما سمعت قط مثلها وذهبت بعقلي وفتنتني‪ ،‬فقلت‪ :‬هذا وهي كبيرة مسنة‬
‫‪.‬فكيف لو أدركتها وهي شابة وجعلت أعجب منها‬
‫‪:‬ومنها في شعر الحارث بن ظالم‪ :‬صوت‬
‫أرشيدا حسبتيني أم غـويا‬ ‫ما أبالي إذا اصطحبت ثلثا‬
‫في زجاج تخاله رازقـيا غناه فليح بن أبي العوراء رمل بالبنصر عن عمرو بن بانة‪.‬‬ ‫من سلف كأنها دم ظبـي‬
‫‪ .‬وغناه ابن محرز خفيف ثقيل أول بالخنصر من رواية حبش‬
‫‪:‬ومنها‪ :‬صوت‬
‫فأنفنا وكـان ذاك بـديا‬ ‫بلغتنا مقالة المرء عمرو‬
‫ولقيناه ذا سلح كمـيا غناه مالك خفيف رمل بالبنصر من رواية حبش‪ ،‬وذكر إسحاق‬ ‫قد هممنا بقتله إذ برزنا‬
‫‪ .‬في مجرده أن الغناء في هذين البيتين ليونس الكاتب‪ ،‬ولم ينسب الطريقة ول جنسها‬
‫ونذكر ها هنا خبر رحرحان ويوم قتله إذ كان مقتل الحارث وخبره خبرهما‪ :‬يوم رحرحان الثاني والسبب فيه‪ :‬أخبرني علي بن‬
‫سليمان ومحمد بن العباس اليزيدي في كتاب النقائض قال قال أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري عن محمد بن حبيب عن‬
‫أبي عبيدة قال‪ :‬كان من خبر رحرحان الثاني أن الحارث بن ظالم المري لما قتل خالد بن جعفر بن كلب غدرا عند النعمان بن‬
‫المنذر بالحيرة هرب فأتى زرارة بن عدس فكان عنده‪ ،‬وكان قوم الحارث قد تشاءموا به فلموه‪ ،‬وكره أن يكون لقومه زعم‬
‫عليه و الزعم المنة فلم يزل في بني تميم عند زرارة حتى لحق بقريش‪ .‬وكان يقال ‪ :‬إن مرة بن عوف من لؤي بن غالب‪ ،‬وهو‬
‫‪:‬قول الحارث بن ظالم ينتمي إلى قريش‬
‫وبينت الشمائل والقـبـابـا‬ ‫رفعت السيف إذ قالوا قريش‬
‫ول بفزارة الشعر الرقابـا‬ ‫فما قومي بثعلبة بن سـعـد‬

‫صفحة ‪1220 :‬‬

‫وأتاهم لذلك النسب‪ ،‬فكان عند عبد الله بن جدعان‪ .‬فخرجت بنو عامر إلى الحارث بن ظالم حيث لجأ إلى زرارة وعليهم‬
‫الحوص بن جعفر‪ ،‬فأصابوا امرأة من بني تميم وجدوها تحتطب‪ ،‬وكان في رأس الخيل التي خرجت في طلب الحارث بن ظالم‬
‫شريج بن الحوص‪ ،‬وأصابوا غلمانا يجتنون الكمأة‪ .‬وكان الذي أصاب تلك المرأة رجل من غني‪ ،‬فأرادت بنو عامر أخذها منه‪،‬‬
‫فقال الحوص‪ :‬ل تأخذوا أخيذة خالي‪ .‬وكانت أم جعفر يعني أبا الحوص خبية بنت رياح الغنوي وهي إحدى المنجبات‪ .‬ويقال‪:‬‬
‫أتى شريج بن الحوص بتلك المرأة إليه ‪ ،‬فسألها عن بني تميم‪ ،‬فأخبرتهم أنهم لحقوا بقومهم حين بلغهم مجيئكم ففعها‬
‫الحوص إلى الغنوي فقال‪ :‬اعفجها الليلةواحذر أن تنفلت‪ .‬فوطئها الغنوي ثم نام‪ ،‬فذهبت على وجهها‪ .‬فلما أصبح دعوا بها‬
‫فوجدوها قد ذهبت‪ .‬فسألوه عنها فقال هذا حري رطبا من زبها‪ .‬وكانت المرأة يقال لها حنظلة ‪ ،‬وهي بنت أخي زرارة بن‬
‫عدس‪ .‬فأتت قومها‪ ،‬فسألها عمها زرارة عما رأت‪ ،‬فلم تستطع أن تنطق‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬اسقوها ماء حارا فإن قلبها قد برد من‬
‫الفرق‪ ،‬ففعلوا وتركوها حتى اطمأنت‪ .‬فقالت‪ :‬يا عم أخذني القوم أمس وهم فيما أرى يريدونكم‪ ،‬فاحذر أنت وقومك‪ .‬فقال‪ :‬ل‬
‫بأس عليك يا بنت أخي‪ ،‬فل تذعري قومك ول تروعيهم‪ ،‬وأخبريني ما هيئة القوم وما نعتهم‪ .‬قالت‪ :‬أخذني قوم يقبلون بوجوه‬
‫الظباء‪ ،‬ويدبرون بأعجاز النساء‪ .‬قال زرارة‪ :‬أولئك بنو عامر‪ ،‬فمن رأيت فيهم? قالت‪ :‬رأيت رجل قد سقط حاجباه على عينيه‬
‫فهو يرفع حاجبيه‪ ،‬صغير العينين‪ ،‬عن أمره يصدرون‪ .‬قال‪ :‬ذاك الحوص بن جعفر‪ .‬قلت‪ :‬ورأيت رجل قليل المنطق‪ ،‬إذا تكلم‬
‫اجتمع القوم لمنطقه كما تجتمع البل لفحلها‪ ،‬وهو من أحسن الناس وجها‪ ،‬ومعه ابنان له ل يدبر أبدا إل وهما يتبعانه‪ ،‬ول يقبل‬
‫إل وهما بين يديه‪ .‬قال‪ :‬ذلك مالك بن جعفر‪ ،‬وابناه عامر وطفيل‪ .‬قالت‪ :‬ورأيت رجل أبيض هلقامة جسيما والهلقامة الفوه‬
‫وقال‪ :‬ذلك ربيعة ابن عبد الله بن أبي بكر بن كلب‪ .‬قالت‪ :‬ورأيت رجل أسود أخنس قصيرا‪ ،‬إذا تكلم عذم القوم عذم‬
‫المنخوس‪ .‬قال‪ :‬ذلك رببيعة بن قرط بن عبد بن أبي بكر بن كلب ‪ .‬قالت‪ :‬ورأيت رجل صغير العينين‪ ،‬أقرن الحاجبين‪ ،‬كثير‬
‫شعر السبلة‪ ،‬يسيل لعابه على لحيته إذا تكلم‪ .‬قال‪ :‬ذلك حندج بن البكاء‪ .‬قالت‪ :‬ورأيت رجل صغير العينين‪ ،‬ضيق الجبهة طويل‬
‫يقود فرسا له‪ ،‬معه جفير ل يجاوز يده‪ .‬قال‪ :‬ذلك ربيعة بن عقيل‪ .‬قالت‪ :‬ورأيت رجل آدم‪ ،‬معه ابنان له حسنا الوجه أصهبان‪ ،‬إذا‬
‫أقبل نظر القوم إليهما حتى ينتهيا‪ ،‬وإذا أدبرا نظروا إليهما ‪ .‬قال‪ :‬ذلك عمرو بن خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلب ‪ ،‬وابناه يزيد‬
‫وزرعة‪ .‬ويقال قالت‪ :‬ورأيت فيهم رجلين أحمرين جسيمين ذوي غدائر ل يفترقان في ممشى ول مجلس‪ ،‬فإذا أدبرا اتبعهما‬
‫القوم بأبصارهم‪ ،‬وإذا أقبل لم يزالوا ينظرون إليهما حتى يجلسا‪ .‬قال‪ :‬ذانك خويلد وخالد ابنا نفيل‪ .‬قالت‪ :‬ورأيت رجل آدم‬
‫جسيما كأن رأسه مجز غضورة والغضورة‪ :‬حشيش دقاق خشن قائم يكون بمكة‪ .‬تريد أن شعره قائم خشن كأنه حشيش قد‬
‫جز ‪ .‬قال‪ :‬ذلك عوف بن الحوص‪ .‬قالت‪ :‬ورأيت رجل كأن شعر فخذيه حلق الدروع‪ .‬قال‪ :‬ذلك شريح بن الحوص‪ .‬قالت‪ :‬ورأيت‬
‫رجل أسمر طويل يجول في القوم كأنه غريب‪ .‬قال‪ :‬ذلك عبد الله بن جعدة‪ ،‬ويقال قالت‪ :‬ورأيت رجل كثير شعر الرأس‪ ،‬صخابا‬
‫‪ .‬ل يدع طائفة من القوم إل أصخبها ‪ .‬قال‪ :‬ذلك عبد الله بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة‬
‫‪:‬أسر معبد بن زرارة ومقتله‬

‫صفحة ‪1221 :‬‬

‫فسارت بنو عامر نحوهم‪ ،‬والتقوا برحرحان‪ ،‬وأسر يومئذ معبد بن زرارة‪ ،‬أسره عامر بن مالك‪ ،‬واشترك في أسره طفيل بن‬
‫مالك ورجل من غني يقال له أبو عميلة وهو عصمة بن وهب وكان أخا طفيل بن مالك من الرضاعة‪ .‬وكان معبد بن زرارة رجل‬
‫كثير المال‪ .‬فوفد لقيط بن زرارة على عامر بن مالك في الشهر الحرام وهو رجب‪ ،‬وكانت مضر تدعوه الصم؛ لنهم كانوا ل‬
‫يتنادون فيه يا لفلن ويا لفلن‪ ،‬ول يتغازون ول يتنادون فيه بالشعارات ‪ ،‬وهو أيضا منصل الل‪ .‬والل‪ :‬السنة؛ وكانوا إذا دخل‬
‫رجب أنصلوا ‪ ،‬السنة من الرماح حتى يخرج الشهر‪ .‬وسأل لقيط عامرا أن يطلق أخاه‪ .‬فقال‪ :‬أما حصتي فقد وهبتها لك‪ ،‬ولكن‬
‫أرض أخي وحليفي اللذين اشتركا فيه‪ .‬فجعل لقيط لكل واحد مائة من البل‪ ،‬فرضيا وأتيا عامرأ فأخبراه‪ .‬فقال عامر للقيط‪:‬‬
‫دونك أخاك‪ ،‬فأطلق عنه‪ .‬فلما أطلق فكر لقيط في نفسه فقال‪ :‬أعطيهم مائتي بعير ثم تكون لهم النعمة علي بعد ذلك ل والله‬
‫ل أفعل ذلك ورجع إلى عامر فقال‪ :‬إن أبي زرارة نهاني أن أزيد على مائة دية مضر‪ ،‬فإن أنتم رضيتم أعطيتكم مائة من البل‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬ل حاجة لنا في ذلك؛ فانصرف لقيط‪ .‬فقال له معبد‪ :‬مالي يخرجني من أيديهم‪ .‬فأبى ذلك عليه فقال‪ :‬إذا يقتسم العرب‬
‫بني زرارة‪ .‬فقال معبد لعامر بن مالك‪ :‬يا عامر أنشدك الله لما خليت سبيلي‪ ،‬فإنما يريد ابن الحمراء أن يأكل كل مالي ولم‬
‫تكن أمه أم لقيط ‪ .‬فقال له عامر‪ :‬أبعدك الله إن لم يشفق عليك أخوك فأنا أحق أل أشفق عليك‪ .‬فعمدوا إلى معبد فشدوا‬
‫‪:‬عليه القد وبعثوا به إلى الطائف‪ ،‬فلم يزل به حتى مات‪ .‬فذلك قول شريح بن الحوص‬
‫ولكن حلمك ل يهـتـدي‬ ‫لقيط وأنت امرؤ مـاجـد‬
‫ب واحتل بيتك في ثهمـد‬ ‫ولما أمنت وساغ الـشـرا‬
‫ش تهدي القصائد في معبد‬ ‫رفعت برجليك فوق الفرا‬
‫وتبخل بالمال أن تفـتـدي شعر لعوف بن عطية يعير لقيطا‪ :‬وقال في ذلك عوف بن‬ ‫وأسلمته عند جد القـتـال‬
‫‪:‬عطية بن الخرع التيمي يعير لقيط بن زرارة‬
‫عشرا تناوح في سـرارة واد‬ ‫هل فوارس رحرحان هجوتهم‬
‫ما إن يقوم عماده بـعـمـاد‬ ‫ل تأكل البل الغراث نبـاتـه‬
‫والعامري يقوده بـصـفـاد‬ ‫هل كررت على أخيك معبـد‬
‫والخيل تعدو بالصفـاح بـداد بداد ‪ :‬متفرقة‪ .‬والصفاح‪ :‬موضع‪ .‬والمحلق‪:‬‬ ‫وذكرت من لبن المحلق شربة‬
‫موسومة بحلق على وجوهها‪ ،‬يقول ذكرت لبنها‪ ،‬يعني إبله‬
‫بهجان أدم طـارف وتـلد‬ ‫لو كنت إذ ل تستطيع فديتـه‬
‫جزرا لخامعة وطير عـواد‬ ‫لكن تركته في عميق قعرها‬
‫قاتلت أو لفـديت بـالذواد وفيها يقول نابغة بني جعدة‬ ‫‪:‬لو كنت مستحيا لعرضك مرة‬
‫ظنت هوازن أن العز قد زال مما قاله الشعراء في وقعة رحرحان‪ :‬وفيها يقول‬ ‫هل سألت بيومي رحرحان وقد‬
‫‪:‬مقدام أخو بني عدس بن زيد في السلم‪ ،‬وقتلت بنو طهية ابنا للقعقاع بن معبد‪ ،‬فتوادوا فأخذت بنو طهية منهم الفضل‬
‫ومات أبوكم يا بني معبد هزل وقال المخبل السعدي يذكر معبدا‬ ‫‪:‬وأنتم بنو ماء السماء زعمتـم‬
‫فيومك فيهم بالمصيفة أبرد‬ ‫فإت تك نالتنا كليب بقـرة‬
‫وشاط بأيديهم لقيط ومعبد وفيها يقول عياض بن مرثد بن أسيد بن قريط بن‬ ‫هم قتلوا يوم المصيفة مالكا‬
‫‪:‬لبيد في السلم‬
‫فما افتك حتى مات من شدة السر‬ ‫نحن أسرنا معبـدا يوم مـعـبـد‬
‫أخاه بأطراف الردينية السـمـر وهذا يوم شعب جبلة‪ :‬السبب في يوم جبلة‬ ‫‪:‬ونحن قتلنابالصفا بعـد مـعـبـد‬

‫صفحة ‪1222 :‬‬

‫قال أبو عبيدة‪ :‬وأما يوم جبلة‪ ،‬وكان من عظام أيام العرب؛ وكان عظام أيام العرب ثلثة ‪ :‬يوم كلب ربيعة‪ ،‬ويوم جبلة‪ ،‬ويوم‬
‫ذي قار‪ .‬وكان الذي هاج ويوم جبلة أن بني عبس بن بغيض حين خرجوا هاربين من بني ذبيان بن بغيض وحاربوا قومهم خرجوا‬
‫متلددين ‪ .‬فقال الربيع بن زياد العبسي‪ :‬أما والله لرمين العرب بحجرها‪ ،‬اقصدوا لبني عامر؛ فخرج حتى نزل مضيقا من وادي‬
‫بني عامر ثم قال‪ :‬امكثوا‪ .‬فخرج ربيع وعامر ابنا زياد والحارث بن خليف حتى نزلوا على ربيعة بن شكل بن كعب بن الحريش ‪،‬‬
‫وكان العقد من بني عامر إلى بني كعب بن ربيعة وكانت الرياسة في بني كلب بن ربيعة ‪ .‬فقال ربيعة بن شكل‪ :‬يا بني عبس‪،‬‬
‫شأنكم جليل‪ ،‬وذحلكم الذي يطلب منكم عظيم‪ ،‬وأنا أعلم والله أن هذه الحرب أعز حرب حاربتها العرب قط‪ .‬ول والله ما بد‬
‫من بني كلب‪ ،‬فأمهلوني حتى أستطلع طلع قومي‪ .‬فخرج في قوم من بني كعب حتى جاؤوا بني كلب‪ ،‬فلقيهم عوف بن‬
‫الحوص فقال‪ :‬يا قوم‪ ،‬أطيعوني في هذا الطرف من غطفان‪ ،‬فاقتلوهم ‪ ،‬واغنموهم ل تفلح غطفان بعده أبدا‪ .‬والله إن تزيدون‬
‫على أن تسمنوهم وتمنعوهم ثم يصيروا لقومكم أعداء‪ .‬فأبوا عليه‪ ،‬وانقلبوا حتى نزلوا على الحوص بن جعفر فذكروا له من‬
‫أمرهم ‪ .‬فقال لربيعة بن شكل‪ :‬أظللتهم ظلك وأطعمتهم طعامك? قال نعم‪ ،‬قال‪ :‬قد والله أجرت القوم فأنزلوا القوم وسطهم‬
‫‪ .‬بحبوحة دارهم‬
‫وذكر بشر بن عبد الله بن حيان الكلبي أن عبسا لما حاربت قومها أتوا بني عامر وأرادوا عبد الله بن جعدة وابن الحريش‬
‫ليصيروا حلفاءهم دون كلب؛ فأتى قيس بن زهير وأقبل نحو بني جعفر هو والربيع بن زياد حتى انتهيا إلى الحوص جالسا قدام‬
‫بيته ‪ .‬فقال قيس للربيع‪ :‬إنه ل حلف ول ثقة دون أن أنتهي إلى هذا الشيخ‪ .‬فتقدم إليه قيس فأخذ بمجامع ثوبه من وراء فقال‪:‬‬
‫هذا مقام العائذ بك قتلتم أبي فما أخذت له عقل ول قتلت به أحدا‪ ،‬وقد أتيتك لتجيرنا‪ .‬نعم أنا لك جار مما أجير منه نفسي‪،‬‬
‫وعوف بن الحوص عن ذلك غائب‪ .‬فلما سمع عوف بذلك أتى الحوص وعنده بنو جعفر فقال‪ :‬يا معشر بني جعفر‪ ،‬أطيعوني‬
‫اليوم واعصوني أبدا‪ ،‬وإن كنت والله فيكم معصيا‪ .‬إنهم والله لو لقوا بني ذبيان لولوكم أطراف السنة إذا نكهوا في أفواههم‬
‫بكلم فابدأوا بهم فاقتلوهم واجعلوهم مثل البرغوث دماغه في دمه‪ .‬فأبوا عليه وحالفوهم‪ .‬فقال‪ :‬والله ل أدخل في هذا الحلف‬
‫قال‪ :‬وسمعت بهم حيث قر قرارهم بنو ذبيان‪ ،‬فحشدوا واستعدوا وخرجوا وعليهم حصن بن حذيفة بن بدر ومعه الحليفان أسد‬
‫وذبيان يطلبون بدم حذيفة‪ ،‬وأقبل معهم شرحبيل بن أخضر بن الجون والجون هو معاوية؛ سمي بذلك لشدة سواده ابن آكل‬
‫المرار الكندي في جمع من كندة‪ ،‬وأقبلت بنو حنظلة بن مالك والرباب عليهم لقيط بن زرارة يطلبون بدم معبد بن زرارة‬
‫ويثربي بن عدس‪ ،‬وأقبل معهم حسان بن عمرو بن الجون في جمع عظيم من كندة وغيرهم‪ ،‬فأقبلوا إليهم بوضائع كانت تكون‬
‫بالحيرة مع الملوك وهم الرابطة‪ .‬وكان في الرباب رجل من أشرافهم يقال له النعمان بن قهوس التيمي‪ ،‬وكان معه لواء من‬
‫سار إلى جبلة‪ ،‬وكان من فرسان العرب‪ .‬وله تقول دختنوس بنت لقيط بن زرارة يومئذ‪ :‬شعر لدختنوس بنت لقيط تعير ابن‬
‫‪:‬قهوس‬
‫ع بكفـه رمـح مـتـل‬ ‫قر ابن قهوس الـشـجـا‬
‫ع كـأنـه سـمـع أزل‬ ‫يعدو به حاظي البـضـي‬
‫غطفان إن ساروا ورحلوا متل‪ :‬مستقيم‪ ،‬يتل به كل شيء‪ .‬الخاظي‪ :‬الشيء المكتنز‪.‬‬ ‫إنـك مـن تـمـيم فـدع‬
‫‪ .‬والسمع‪ :‬ولد الضبع من الذئب والعسبار‪ :‬ولد الذئب من الكلبة‬

‫آباك إن هلكوا وذلوا‬ ‫ل منك عـدهـم ول‬


‫تها إذا الناس استقلوا‬ ‫فخر البغي بحدج رب‬
‫لرغال فيه مستظـل‬ ‫ل حدجها ركبـت ول‬
‫ط القوم يربق أو يجل‬ ‫ولقد رأيت أبـاك وس‬
‫ر كأنه في الجيد غل تشاور بني عامر في أمرهم‪ :‬يجل‪ :‬يلقط البعر‪ .‬والفرار‪ :‬أولد الغنم‪،‬‬ ‫متقلدا ربـق الـفـرا‬
‫‪ .‬واحدها فرارة‬

‫صفحة ‪1223 :‬‬

‫قال‪ :‬وكان معهم رؤساء بني تميم‪ :‬حاجب بن زرارة ولقيط بن زرارة وعمرو بن عمرو وعتيبة بن الحارث بن شهاب‪ ،‬وتبعهم‬
‫غثاء من غثاء الناس يريدون الغنيمة‪ ،‬فجمعوا جمعا لم يكن الجاهلية قط مثله أكثر كثرة‪ ،‬فلم تشك العرب في هلك بني عامر‪.‬‬
‫فجاؤوا حتى مروا ببني سعد بن زيد مناة‪ ،‬فقالوا لهم‪ :‬سيروا معنا إلى بني عامر‪ .‬فقالت لهم بنو سعد‪ :‬ما كنا لنسير معكم ونحن‬
‫نزعم أن عامر بن صعصعة ابن سعد بن زيد مناة ‪ .‬فقالوا‪ :‬أما إذا أبيتم أن تسيروا معنا فاكتموا علينا‪ .‬فقالوا‪ :‬أما هذا فنعم‪ .‬فلما‬
‫سمعت بنو عامر بمسيرهم اجتمعوا إلى الحوص بن جعفر‪ ،‬وهو يومئذ شيخ كبير قد وقع حاجباه على عينيه وقد ترك الغزو غير‬
‫أنه يدبر أمر الناس‪ ،‬وكان مجربا حازما ميمون النقيبة‪ ،‬فأخبروه الخبر‪ ،‬فقال لهم الحوص‪ :‬قد كبرت‪ ،‬فما أستطيع أن أجيء‬
‫بالحزم وقد ذهب الرأي مني‪ .‬ولكني إذا سمعت عرفت‪ ،‬فأجمعوا آراءكم ثم بيتوا ليلتكم هذه ثم اغدوا علي فاعرضوا علي‬
‫آراءكم‪ ،‬ففعلوا‪ .‬فلما أصبح غدوا عليه‪ ،‬فوضعت له عباءة بفتنائه فجلس عليها‪ .‬ورفع حاجبيه عن عينيه بعصابة ثم قال‪ :‬هاتوا ما‬
‫عندكم‪ .‬فقال قبس بن زهير العبسي‪ :‬بات في كنانتي الليلة مائة رأي‪ .‬فقال له الحوص يكفينا منها رأي واحد حازم صليب‬
‫مصيب‪ ،‬هات فانثر كنانتك‪ .‬فجعل يعرض كل رأي رآه حتى أنفد‪ .‬فقال له الحوص‪ :‬ما أرى بات في كنانتك الليلة رأي واحد‬
‫وعرض الناس آرائهم حتى أنفدوا‪ .‬فقال‪ :‬ما أسمع شيئا وقد صرتم إلي‪ ،‬احملوا أثقالكم وضعفاءكم ففعلوا‪ ،‬ثم قال‪ :‬احملوا‬
‫ظعنكم فحملوها‪ ،‬ثم قال‪ :‬اركبوا فركبوا‪ ،‬وجعلوه في محفة وقال‪ :‬انطلقوا حتى تعلوا في اليمين ‪ ،‬فإن أدرككم أحد كررتم‬
‫عليه‪ ،‬وإن أعجزتموهم مضيتم‪ .‬فسار الناس حتى أتوا وادي بحار ضحوة‪ ،‬فإذا الناس يرجع بعضهم على بعض‪ .‬فقال الحوص‪ :‬ما‬
‫‪ .‬هذا? قيل هذا عمرو بن عبد الله بن جعدة في فتيان من بني عامر يعقرون بمن أجاز بهم ويقطعون بالنساء حواياهن‬
‫فقال الحوص قدموني‪ ،‬فقدموه حتى وقف عليهم فقال‪ :‬ما هذا الذي تصنعون ? قال عمرو‪ :‬أردت أن تفضحنا وتخرجنا هاربين‬
‫من بلدنا ونحن أعز العرب‪ ،‬وأكثرهم عددا وجلدا وأحدهم شوكة تريد أن تجعلنا موالي في العرب إذ خرجت بنا هاربا ‪ .‬قال‪:‬‬
‫فكيف أفعل وقد جاءنا ما ل طاقة لنا به فما الرأي? قال‪ :‬نرجع إلى شعب جبلة فنحرز النساء والضعفة والذراري والموال في‬
‫رأسه ونكون في وسطه ففيه ثمل أي خصب وماء ‪ .‬فإن أقام من جاءك أسفل أقاموا على غير ماء ول مقام لهم‪ ،‬وإن صعدوا‬
‫عليك قاتلتهم من فوق رؤوسهم بالحجارة‪ ،‬فكنت في حرز وكانوا في غير حرز‪ ،‬وكنت على قتالهم أقوى منهم على قتالك‪ .‬قال‪:‬‬
‫هذا والله الرأي‪ ،‬فأين كان هذا عنك حين استشرت الناس? قال‪ :‬إنما جائني الن‪ .‬قال الحوص للناس‪ :‬ارجعوا فرجعوا‪ .‬ففي‬
‫‪:‬ذلك يقول نابغة لبني جعدة‬
‫لحسان وابن الجون إذ قيل أقـبـل‬ ‫ونحن حبسنا الحي عبسا وعـامـرا‬
‫كإصعاد نسر ل يرومون مـنـزل‬ ‫وقد صعدت وادي بحار نـسـاؤهـم‬
‫من الهضبة الحمراء عزا ومعقـل الضروس‪ :‬الناقة العضوض فدخلوا‬ ‫عطفنا لهم عطف الضروس فصادفوا‬
‫شعب جبلة‪ .‬وجبلة‪ :‬هضبة حمراء بين الشريف والشرف‪ .‬والشريف‪ :‬ماء لبني نمير‪ .‬والشرف ماء لبني كلب‪ .‬وجبلة‪ :‬جبل‬
‫عظيم له شعب عظيم واسع‪ ،‬ل يؤتى الجبل إل من قبل الشعب‪ ،‬والشعب متقارب المدخل وداخله متسع‪ ،‬وبه اليوم عرينة من‬
‫‪ .‬بجيلة‬
‫دخولهم شعب جبلة‪ :‬فدخلت بنوعامر شعبا منه يقال له مسلح‪ ،‬فحصنوا النساء والذراري والموال في رأس الجبل‪ ،‬وحلوا‬
‫البل عن الماء‪ ،‬واقتسموا الشعب بالقداح فأقرع بين القبائل في شظاياه ‪ ،‬فخرجت بنو تميم ومعهم بارق حي من الزد حلفاء‬
‫يومئذ لبني نمير‪ .‬وبارق هو سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء‪ .‬وسمي مزيقياء لنه كان يمزق عليه‬
‫كل يوم حلة فولجوا الخليف والخليف‪ :‬الطريق بين الشعبين شبه الزقاق لن سهمهم تخلف‪ .‬وفيه يقول معقر بن أوس بن حمار‬
‫‪:‬البارقي‬
‫يسيل بنا أمامهم الخليف‬ ‫ونحن اليمنون بنو نمير‬

‫صفحة ‪1224 :‬‬

‫قال‪ :‬وكان معقر يومئذ شيخا كبيرا ومعه هؤلء ابنة له تقود به جمله‪ .‬فجعل يقول لها‪ :‬من أسهل من الناس? فتخبره وتقول‬
‫هؤلء بنو فلن‪ ،‬وهؤلء بنو فلن‪ ،‬حتى إذ تناهى الناس قال‪ :‬اهبطي‪ ،‬ل يزال الشعب منيعا سائر هذا اليوم‪ ،‬وهبط ‪ .‬وكانت كبشة‬
‫بنت عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلب يومئذ حامل بعامر بن الطفيل‪ .‬فقالت‪ :‬ويلكم يا بني عامر ارفعوني فوالله إن في‬
‫بطني لعز بني عامر‪ .‬فصفوا القسي على عواتقهم ثم حملوها حتى أثووها بالقنة يقال قنة وقنان ‪ .‬فزعموا أنها ولدت عامرا يوم‬
‫‪ .‬فرغ الناس من القتال‬
‫من شهد الوقعة من القبائل‪ :‬فشهدت بنو عامر كلها جبلة إل هلل بن عامر وعامر بن ربيعة بن عامر‪ ،‬وشهدها مع بني عامر‬
‫من العرب بنو عبس بن رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سليم وكان لهم بأس وحزم وعليهم مرداس بن أبي عامر‪ ،‬وهو أبو‬
‫‪ .‬العباس بن مرداس‪ .‬وكانت بنو عبس بن رفاعة حلفاء بني عمرو بن كلب‬
‫تفرق بجيلة في بطون بني عامر‪ :‬وزعم بعض بني عامر أن مرداسا كان مع أخواله غني ‪ ،‬وكانت أمه فاطمة بنت جلهمة‬
‫الغنوية‪ .‬وشهدتها غني وباهلة وناس من بني سعد بن بكر وقبائل بجيلة كلها إل قسرا لحرب كانت بين قسر وقومها‪ ،‬فارتحلت‬
‫بجيلة فتفرقت في بطون بني عامر‪ ،‬فكانت عادية بن عامر ابن قداد من بجيلة في بني عامر بن ربيعة‪ ،‬وكانت سحمة من بجيلة‬
‫في بني جعفر بن كلب ويقال‪ :‬عمرو بن كلب وكانت عرينة من نجيلة في عمرو بن كلب وكانت بنو قيس كبة لفرس يقال لها‬
‫كبة من بجيلة في بني عامر بن ربيعة وكانت فتيان في بني عامر بن ربيعة‪ ،‬وبنو قطيعة من بجيلة في بني أبي بكر بن كلب‪،‬‬
‫ونصيب بن عبد الله من بجيلة في بني نمير‪ ،‬وكانت ثعلبة والخطام من بجيلة ‪ ،‬في بني عامر بن ربيعة‪ ،‬وبنو عامر بن معاوية بن‬
‫زيد من بجيلة في بني أبي بكر بن كلب معهم يومئذ نفير من عكل‪ ،‬فبلغ جمعهم ثلثين ألفا‪ .‬وعمي على بني عامر الخبر‪.‬‬
‫‪ .‬فجعلوا ل يدرون ما قرب القوم من بعدهم‬
‫ما فعله كرب بن صفوان لتميم وأسد‪ :‬وأقبلت تميم وأسد ولفهم نحو جبلة‪ ،‬فلقوا كرب بن صفوان بن شجنة بن عطارد بن‬
‫عوف بن كعب بن سعيد بن زيد مناة‪ ،‬فقالوا له‪ :‬أين تذهب? أتريد أن تنذر بنار بني عامر? قال ل‪ .‬قالوا‪ :‬فأعطنا عهدا وموثقا أل‬
‫تفعل؛ فأعطاهم فخلوا سبيله‪ .‬فمضى مسرعا على فرس له عري ‪ ،‬حتى إذا نظر إلى مجلس بني عامر وفيهم الحوص نزل‬
‫تحت شجرة حيث يرونه؛ فأرسلوا إليه يدعونه‪ ،‬قال‪ :‬لست فاعل‪ ،‬ولكن إذا رحلت فأتوا منزلي فإن الخبر فيه‪ .‬فلما جاؤوا منزله‬
‫إذا فيه تراب في صرة وشوك قد كسر رؤوسه وفرق جهته‪ ،‬وإذا حنظلة موضوعة‪ ،‬وإذا وطب معلق فيه لبن‪ .‬فقال الحوص‪:‬‬
‫هذا رجل قد أخذ عليه المواثيق أل يتكلم‪ ،‬وهو يخبركم أن القوم مثل التراب كثرة‪ ،‬وان شوكتهم كليلة وهم متفرقون ‪ ،‬وجاءتكم‬
‫بنو حنظلة‪ .‬أنظروا ما في الوطب‪ ،‬فاصطبوه فإذا فيه لبن حزر قرص ‪ .‬فقال القوم منكم على قدر حلب اللبن إلى أن يحزر‪.‬‬
‫فقال رجل من بني يربوع ويقال قالته دختنوس بنت لقيط بن زرارة‬
‫من دارم أحدا ول من نهـشـل‬ ‫كرب بن صفوان بن شجنة لم يدع‬
‫ولتحلفن بالله أن لـم تـفـعـل وذلك قول عامر بن الطفيل بعد جبلة بحين‬ ‫‪:‬أجعلت يربوعـا كـقـورة دائر‬
‫فبيتوا لن نهيجكم نـيامـا‬ ‫أل أبلغ لديك جموع سعـد‬
‫علينا إنكم كنتـم كـرامـا‬ ‫نصحتم بالمغيب ولم تعينـوا‬
‫كمن أودى وأصبح قد ألما صعود بني عامر الشعب وتشاور أعدائهم في الصعود‬ ‫ولو كنتم مع ابن الجون كنتم‬
‫إليهم‪ :‬فلما استيقنت بنو عامر بإقبالهم صعدوا الشعب‪ ،‬وأمر الحوص بالبل التي ظمئت قبل ذلك فقال‪ :‬اعقلوها كل بعير‬
‫بعقالين في يديه جميعا‪ .‬وأصبح لقيط والناس نزول به‪ ،‬وكانت مشورتهم إلى لقيط؛ فاستقبلهم جمل عود أجرب أخذ أعصل‬
‫كاشر عن أنيابه؛ فقال الحزاة من بني أسد والحازي العائف اعقروه‪ .‬فقال لقيط‪ :‬والله ل يعقر حتى يكون فحل إبلي غدا‪ .‬وكان‬
‫البعير من عصافير المنذر التي أخذها قرة بن هبيرة بن عامر بن سلمة بن قشير‪ .‬والعصافير‪ :‬إبل كانت للملوك نجائب ثم‬
‫‪:‬استقبلهم معاوية بن عبادة بن عقيل وكان أعسر فقال‬
‫الخير في والشر‬ ‫أنا الغلم العسر‬
‫والشر في أكثر‬

‫صفحة ‪1225 :‬‬

‫فتشاءمت بنو أسد وقالوا‪ :‬ارجعوا عنهم وأطيعونا‪ .‬فرجعت بنو أسد فلم تشهد جبلة مع لقيط إل نفيرا يسيرا‪ ،‬منهم شأس بن‬
‫أبي بلي أبو عمرو بن شأس الشاعر‪ ،‬ومعقل بن عامر بن موءلة المالكي‪ .‬وقال الناس للقيط‪ :‬ما ترى? فقال‪ :‬أرى أن تصعدوا‬
‫إليهم‪ .‬فقال شأس‪ :‬ل تدخلوا على بني عامر؛ فإني أعلم الناس بهم‪ ،‬قد قاتلتهم وقاتلوني وهزمتم وهزموني‪ ،‬فما رأيت قوما‬
‫قط أقلق بمنزل من بني عامر والله ما وجدت لهم مثل إل الشجاع؛ فإنه ل يقر في حجره قلقا‪ ،‬وسيخرجون إليكم‪ .‬والله لئن‬
‫بتم هذه الليلة ل تشعرون بهم إل وهم منحدرون عليكم‪ .‬فقال لقيط‪ :‬والله لندخلن عليهم‪ .‬فأتوهم وقد أخذوا حذرهم‪ .‬وجعل‬
‫الحوص ابنه شريحا على تعبئة الناس‪ .‬فأقبل لقيط وأصحابه مدلين فأسندوا إلى الجبل حتى ذرت الشمس‪ .‬فصعد لقيط في‬
‫الناس وأخذ بحافتي الشجن ‪ .‬فقالت بنو عامر للحوص‪ :‬قد أتوك‪ .‬فقال‪ :‬دعوهم‪ .‬حتى إذا نصفوا الجبل وانتشروا فيه‪ ،‬قال‬
‫الحوص‪ :‬حلة عقل البل ثم احدروها واتبعوا آثارها ‪ ،‬وليتبع كل رجل منكم بعيره حجرين أو ثلثة‪ ،‬ففعلوا ثم صاحوا بها‪ ،‬فلم‬
‫يفجأ الناس إل البل تريد الماء والمرعى‪ ،‬وجعلوا يرمونهم بالحجارة والنبل؛ وأقبلت البل تحطم كل شيء مرت به‪ ،‬وجعل‬
‫‪:‬البعير يدهدي بيديه كذا وكذا حجرا‪ .‬وقد كان لقيط واصحابه سخروا منهم حين صنعوا بالبل ما صنعوا‪ .‬فقال رجل من بني أسد‬
‫بلى إذا تقعقع الرحـائل‬ ‫زعمت أن العير ل تقاتل‬
‫وقالت البطال من ينازل‬ ‫واختلف الهندي والذوابل‬
‫بلى وفيها حسب ونائل شعر لبعض بني عامر في الوقعة‪ :‬فانحط الناس منهزمين من الجبل حتى السهل‪ .‬فلما بلغ الناس‬
‫السهل لم يكن لحد منهم همة إل أن يذهب على وجهه‪ ،‬فجعلت بنو عامر يقتلونهم ويصرعونهم بالسيوف في آثارهم‪ ،‬فانهزموا‬
‫‪:‬شر هزيمة‪ .‬فجعل رجل من بني عامر يومئذ يرتجز ويقول‬
‫يوم أتتنا أسد وحـنـظـلـه‬ ‫لم أر يوما مثل يوم جبـلـه‬
‫نضربهم بقضب منتخـلـه‬ ‫وغطفان والملوك أزفـلـه‬
‫حتى حدوناهم حداء الزومله وجعل معقل بن عامر يرتجز ويقول‬ ‫‪:‬لم تعد أن أفرش عنها الصقله‬
‫بكل عضب صارم ومعبله‬ ‫يوم حماة الشعب يوم جبله‬
‫‪ .‬وهيكل نهد معا وهيكلـه المعبلة‪ :‬السهم إذا كان نصله عريضا فهو معبلة‪ ،‬والرقيق‪ :‬القطبة‬
‫قتال بني تميم ضد بني عامر‪ :‬وخرجت بنو تميم من الخليف على الخيل فكركروا الناس يعني ردوهم وانقطع شريح بن‬
‫الحوص في فرسان حتى أخذ الجرف فقاتل الناس قتال شديدا هناك‪ ،‬وجعل لقيط يومئذ وهو على برذون له مجفف بديباج‬
‫‪:‬أعطاه إياه كسرى وكان أول عربي جفف يقول‬
‫لفارس أتلفتموه ما خـلـف‬ ‫عرفتكم والدمع م العين يكـف‬
‫والقينة الحسناء والكأس النف‬ ‫إن النشيل والشواء والرغـف‬
‫للطاعنين الخيل والخيل قطف وجعل ل يمر به أحد من الجيش إل قال له ‪:‬‬ ‫وصفوة القدر وتعجيل اللقـف‬
‫‪:‬أنت والله قتلتنا وشتمتنا ‪ .‬فجعل يقول‬
‫ولم أقاتل عامرا قبـل الـيوم‬ ‫يا قوم قد أحرقتموني بالـلـؤم‬
‫تقدموا وقدمونـي لـلـقـوم‬ ‫فاليوم إذ قاتلتـهـم فـل لـوم‬
‫والمضجع البارد في ظل الدوم وقال شأس بن أبي بلي يجيبه‬ ‫‪:‬شتان هذا والعنـاق والـنـوم‬
‫إذا كنت ل تعصي أموري في القوم وجعل لقيط يقول‪ :‬من كر فله خمسون‬ ‫لكن أنا قاتلـتـهـا قـبـل الـيوم‬
‫‪:‬ناقة‪ ،‬وجعل يقول‬
‫ولن تروه الدهر إل مقبل‬ ‫أكلكم يزجركم أرحب هل‬
‫وسائل في أهله ما فعل وجعل يقول أيضا‬ ‫‪:‬يحمل زغفا ورئيسا حجفل‬
‫وإن تأخر عن هياج تعقر ثم عاد يقول‬ ‫‪:‬أشقر إن لم تتقدم تنـحـر‬
‫‪:‬إن الشواء والنشيل والرغف فأجابه شريح بن الحوص‬
‫وقرب الشقر حتى تعـتـرف‬ ‫إن كنت ذا صدق فأقحمه الجرف‬
‫‪:‬وجوهنا إنا بنو البيض العطف سقوط لقيط في الموقعة‬

‫صفحة ‪1226 :‬‬

‫وبينه وبينه جرف منكر‪ ،‬فضرب لقيط فرسه وأقحمه عليه الجرف؛ فطعنه شريح فسقط ‪ .‬وقد اختلفوا في ذلك‪ ،‬فذكروا أن‬
‫‪:‬الذي طعنه جزء بن خالد بن جعفر‪ ،‬وبنو عقيل تزعم أن عوف بن المنتفق العقيلي قتله يومئذ وأنشأ يقول‬
‫جهل وأنـت حـلـيمة أمـس‬ ‫ظلت تلوم لما بـهـا عـرسـي‬
‫فلقد شفيت بسـيفـه نـفـسـي‬ ‫إن تقتلوا بكـري وصـاحـبـه‬
‫في الشرق قبل أن ترحل الشمس فزعموا أن عوفا هذا قتل يومئذ ستة نفر‪،‬‬ ‫فقتلته في الشعـب أول فـارس‬
‫وقتل ابن له وابن أخ له‪ .‬وأم العلماء فل يشكون أن شريحا قتله‪ ،‬وارتث وبه طعنات والرتثاث أن يحمل وهو مجروح‪ ،‬فإن حمل‬
‫‪:‬ميتا فليس بمرتث فبقي يوما ثم مات‪ .‬فجعل لقيط يقول عند موته‬
‫إذا اتاك الخبر المرسـوس‬ ‫يا ليت شعري عنك دختنوس‬
‫ل بل تميس إنها عـروس دختنوس بنت لقيط بن زرارة‪ ،‬وكانت تحت عمرو بن‬ ‫أتحلق القرون أم تـمـيس‬
‫‪:‬عمرو بن عدس‪ .‬وجعلت بنو عبس يضربونه وهو ميت‪ ،‬فقالت دختنوس‪ :‬شعر لدختنوس في أبيها‬
‫لضرب بني عبس لقيطا وقد قضى‬ ‫أل يا لها الويلت ويلت من بـكـى‬
‫وما تحفل الصم الجنادل مـن ردى‬ ‫لقد ضربوا وجها عـلـيه مـهـابة‬
‫لقيطا صبرتم لـلسـنة والـقـنـا‬ ‫فلو أنكم كـنـتـم غـداة لـقـيتـم‬
‫أصاب لها القناص من جانب الشرى‬ ‫غدرتم ولكن كنتم مـثـل خـضـب‬
‫شريح وأردتـه السـنة إذ هـوى‬ ‫فما ثـأره فـيكـم ولـكـن ثـأره‬
‫عليهم حـريقـا ل يرام إذا سـمـا‬ ‫فإن تعقب اليام من عـامـر يكـن‬
‫وما في دماء الحمس يا مال من بوا‬ ‫ليجزيهم بالقتل قتـل مـضـعـفـا‬
‫علينا من العار المجـدع لـلـعـل‬ ‫ولو قتلتنا غالـب كـان قـتـلـهـا‬
‫كلب وما أنتم هنـاك لـمـن رأى وقالت دختنوس أيضا‬ ‫‪:‬لقد صبرت كـعـب وحـافـظـت‬
‫عناء لقد آبت حميدا ضرابـهـا‬ ‫لعمري لئن لقت من الشـر دارم‬
‫ربيعة يدعى كعبها وكـلبـهـا‬ ‫فما جيئوا بالشعب إذ صبرت لهـم‬
‫براكاء موت ل يطير غرابـهـا براكاء‪ :‬مباركة القتال وهو الجد في القتال‪.‬‬ ‫عصوا بسيوف الهند واعتكرت لهم‬
‫‪:‬يقال للرجل إذا وقع خطب ل يطير غرابه ‪ .‬وقالت دختنوس‬
‫دف كهلها وشبابها‬ ‫بكر النعي بخير خن‬
‫عدت إلى أنسابهـا‬ ‫وبخيرها نسـبـا إذا‬
‫د الطير عن أربابها‬ ‫فرت بنو أسد خرو‬
‫يلووا لفيء عقابها من قتل في الموقعة ومن نجا وأخبارهم‪ :‬وقتل يومئذ قريظ بن معبد‬ ‫لم يحفلوا نسبا ولـم‬
‫بن زرارة‪ ،‬وزيد بن عمرو بن عدس قتله الحارث بن البرص بن ربيعة بن عامر بن عقيل‪ ،‬وقتل الفلتان بن المنذر بن سلمى بن‬
‫‪:‬جندل بن نهشل‪ ،‬وقتل أبو إياس بن حرملة بن جعدة بن العجلن بن حشورة بن عجب بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان وهو يقول‬
‫المعشر الحلة في القوم الحمس الحلة ‪ :‬لم يكونوا يتشددون في دينهم‪ .‬قال‪:‬‬ ‫أقدم قطين إنهم بنـو عـبـس‬
‫واستلحم عمرو بن حسحاس بن وهب بن أعياء ابن طريف السدي‪ ،‬فاستنقذه معقل بن عامر بن موءلة فداواه وكساه‪ .‬فقال‬
‫‪:‬معقل في ذلك‬
‫بأسفل ذي الجـذاة يد الـكـريم‬ ‫يديت على ابن حسحاس بن وهب‬
‫شهدت وغاب من له من حمـيم‬ ‫قصرت له من الدهمـاء لـمـا‬
‫مكان الفرقدين من الـنـجـوم‬ ‫ولو أني أشاء لكـنـت مـنـه‬
‫وأنك فوق عجـلـزة جـمـوم يقول‪ :‬إن الجرح الذي بك شوى لم يصب منك مقتل‬ ‫أخبره بـأن الـجـرح يشـوي‬
‫وإلحاق الملمة بالمليم‬ ‫ذكرت تعلة الفتيان يوما‬

‫صفحة ‪1227 :‬‬

‫قال‪ :‬وحمل معاوية بن يزيد الفزاري فأخذ كبشة بنت الحجاج بن معاوية بن قشير‪ ،‬وكانت عند مالك بن خفاجة بن عمرو بن‬
‫عقيل‪ ،‬فحمل معاوية بن خفاجة أخو مالك على معاوية بن يزيد فقتله واستنقذ كبشة‪ ،‬وقال‪ :‬يا بني عامر‪ ،‬إنهم يموتون‪ ،‬وقد كان‬
‫قيل لهم إنهم ل يموتون‪ .‬ونزل حسان بن عامر بن الجون وصاح‪ :‬يا آل كندة فحمل عليه شريح بن الحوص؛ فاعترض دون ابن‬
‫الجون رجل من كندة يقال له حوشب‪ ،‬فضربه شريح بن الحوص في رأسه فانكسر السيف فيه‪ ،‬فخرج يعدو بنصف السيف‬
‫وكان مما رعب الناس مكانه‪ .‬وشد طفيل بن مالك بن جعفر فأسر حسان بن الجون‪ ،‬وشد عوف بن الحوص على معاوية بن‬
‫الجون فأسره وجز ناصيته وأعتقه على الثواب‪ .‬فلقيته بنو عبس‪ ،‬فأخذه قيس بن زهير فقتله‪ .‬فأتاهم عوف فقال‪ :‬قتلتم طليقي‬
‫فأحيوه أو ائتوني بملك مثله‪ .‬فتخوفت بنو عبس شره وكان مهيبا‪ ،‬فقالوا‪ :‬أمهلنا‪ .‬فانطلقوا حتى أتوا أبا براء عامر بن مالك بن‬
‫جعفر يستغيثونه على عوف‪ ،‬فقال‪ :‬دونكم سلمى بن مالك فإنه نديمه وصديقه وكانا مشتبهين أحمرين أشقرين ضخمة أنوفهما‪،‬‬
‫وكان في سلمى حياء فأتوه فقال‪ :‬سأكلم لكم طفيل حتى يأخذ أخاه فإنه ل ينجيكم من عوف إل ذلك‪ ،‬وايم الله ليأتين شحيحا‪.‬‬
‫فانطلقوا إليه‪ ،‬فقال طفيل‪ :‬قد أتوني بك‪ ،‬ما أعرفني بما جئتم له أتيتموني تريدون مني ابن الجون تقيدون به من عوف‪ ،‬خذوه‬
‫فأعطاهم إياه؛ فأتوا به عوفا فجز ناصيته وأعتقه؛ فسمي الجزاز‪ .‬فذلك قول نافع بن الخنجر بن الحكم بن عقيل بن طفيل بن‬
‫‪:‬مالك في السلم‬
‫منية معبـد فـينـا هـزال قال‪ :‬وشهدها لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر وهو ابن‬ ‫قضينا الجون عن عبس وكانت‬
‫تسع سنين‪ ،‬ويقال‪ :‬كان ابن بضع عشرة سنة‪ ،‬وعامر بن مالك يقول له‪ :‬اليوم يتمت من أبيك إن قتل أعمامك‪ .‬وقتل يومئذ‬
‫زهير بن عمرو بن معاوية‪ ،‬وجد مقتول بين ظهراني صفوف بني عامر حيث لم يبلغ القتال؛ وهو معاوية الضباب بن كلب‪ .‬فقال‬
‫‪:‬أخوه حصين للذي قتله‬
‫تلتقم الهبر من السقب الـرذي‬ ‫يا ضبعا عثواء ل تستأنـسـي‬
‫وما على العزى تعزه غنـي‬ ‫أقسم بالله وما حجـت بـلـي‬
‫أعطيكم غير صدور المشرفي‬ ‫وقد حلفت عند منحر الـهـدي‬
‫هو الشجاع والخطيب اللوذعي‬ ‫فليس مثلي عن زهير بغـنـى‬
‫والحامل الثقل إذا ينـزل بـي وذكروا أن طفيل بن مالك لما رأى القتال يوم‬ ‫والفارس الحازم والشهم البي‬
‫جبلة قال‪ :‬ويلكم وأين نعم هؤلء فأغار على نعم عمرو وإخوته وهم من بني عبد الله بن غطفان ثم من بني الثرماء‪ ،‬فاستاق‬
‫ألف بعير‪ .‬فلقيه عبيدة بن مالك فاستجداه‪ ،‬فأعطاه مائة بعير‪ ،‬وقال‪ :‬كأني بك قد لقيت ظبيان بن مرة بن خالد فقال لك‪:‬‬
‫أعطاك من ألفه مائة فجئت مغضبا‪ .‬فلقي عبيدة ظبيان‪ ،‬فقال له‪ :‬كم أعطاك? قال‪ :‬مائة‪ .‬فقال‪ :‬أمائة من ألف فغضب عبيدة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وذكر أن عبيدة تسرع يومئذ إلى القتال‪ ،‬فنهاه أخواه عامر وطفيل أن يفعل حتى يرى مقاتل‪ ،‬فعصاهما وتقدم‪ ،‬فطعنه‬
‫رجل في كتفه حتى خرج السنان من فوق ثديه فاستمسك فيه السنان‪ ،‬فأتى طفيل فقال له‪ :‬دونك السنان فانزعه‪ ،‬فأبى أن‬
‫يفعل ذلك غضبا‪ ،‬فأتى عامرا فلم ينزعه منه غضبا‪ ،‬فأتى سلمى بن مالك فانتزعه منه‪ ،‬وألقي جريحا مع النساء حتى فرغ القوم‬
‫من القتال‪ .‬وقتلت بنو عامر يومئذ من تميم ثلثين غلما أغرل ‪ .‬وخرج حاجب بن زرارة منهزما‪ ،‬وتبعه الزهدمان زهدم وقيس‬
‫ابنا حزن بن وهب بن عويمر بن رواحة العبسيان‪ ،‬فجعل يطردان حاجبا ويقولن له‪ :‬استأسر وقد قدرا عليه‪ ،‬فيقول‪ :‬من أنتما?‬
‫فيقولن‪ :‬الزهدمان‪ ،‬فيقول‪ :‬ل أستأسر اليوم لموليين‪ .‬فبينما هم كذلك إذ أدركهم مالك ذو الرقيبة بن سلمة بن قشير‪ ،‬فقال‬
‫لحاجب‪ :‬استأسر‪ .‬قال‪ :‬ومن أنت? قال‪ :‬أنا مالك ذو الرقيبة‪ .‬فقال‪ :‬أفعل‪ ،‬فلعمري ما أدركتني حتى كدت أن أكون عبدا‪ .‬فألقى‬
‫إليه رمحه؛ واعتنقه زهدم فألقاه عن فرسه‪ .‬فصاح حاجب‪ :‬يا غوثاه‪ .‬وندر السيف‪ ،‬وجعل زهدم يريغ قائم السيف‪ .‬فنزل مالك‬
‫فاقتلع زهدما عن حاجب‪ .‬فمضى زهدم وأخوه فمضى زهدم وأخوه حتى أتيا قيس ابن زهير ابن جذيمة فقال‪ :‬أخذ مالك أسيرنا‬
‫من أيدينا‪ .‬قال‪ :‬ومن أسيركما? قال‪ :‬حاجب بن زرارة‪ .‬فخرج قيس يتمثل قول حنظلة بن الشرقي القيني أبي الطمحان رافعا‬
‫‪:‬صوته يقول‬

‫صفحة ‪1228 :‬‬

‫متى أستجر جارا وإن عز يغدر‬ ‫أجد بني الشرقي أولـع أنـنـي‬
‫فيا موزع الجيران بالغي أقصر حتى وقف على بني عامر فقال‪ :‬إن صاحبكم‬ ‫إذا قلت أوفى أدركـتـه دروكة‬
‫أخذ أسيرنا‪ .‬قالوا‪ :‬من صاحبنا? قال‪ :‬مالك ذو الرقيبة أخذ حاجبا من الزهدمين‪ .‬فجاءهم مالك فقال‪ :‬لم آخذه منهما‪ ،‬ولكنه‬
‫استأسر لي وتركهما‪ .‬فلم يبرحوا حتى حكموا حاجبا في ذلك وهو في بيت ذي الرقيبة‪ ،‬فقالوا‪ :‬من أسرك يا حاجب? فقال‪ :‬أما‬
‫من ردني عن قصدي ومنعني أن أنجو ورأى مني عورة فتركها فالزهدمان‪ .‬وأما الذي أستأسرت له فمالك؛ فحكموني في‬
‫نفسي‪ .‬قال له القوم‪ :‬قد جعلنا إليك الحكم في نفسك‪ .‬فقال‪ :‬أما مالك فله ألف ناقة‪ ،‬وللزهدمين مائة‪ .‬فكان بين قيس بن‬
‫‪:‬زهير وبين الزهدمين مغاضبة بعد ذلك؛ فقال قيس‬
‫وكنت المرء يجزى بالكرامه‬ ‫جزاني الزهدمان جزاء سوء‬
‫بني قرط وعمهم قـدامـه‬ ‫وقد دافعت قد علمت مـعـد‬
‫أثبتهم بها مـائة ظـلمـه وقال جرير في ذلك‬ ‫‪:‬ركبت بهم طريق الحق حتى‬
‫كأن عليه حـلة أرجـوان‬ ‫ويوم الشعب قد تركوا لقيطا‬
‫فحكم ذا الرقيبة وهو عاني وأما عمرو بن عمرو بن عدس فأفلت يومئذ‪ .‬فزعمت‬ ‫وكبل حاجب بشمام حـول‬
‫بنو سليم أن الخيل عرضت على مرداس بن أبي عامر يوم جبلة‪ ،‬وكان أبصر الناس بالخيل‪ ،‬فعرضت عليه فرس لغلم من بني‬
‫كلب‪ ،‬فقال‪ :‬والله ل أعجزها ول أدركها ذكر ول أنثى؛ فهذا ردائي بها خمس وعشرون ناقة‪ .‬فلما انهزم الناس يوم جبلة خرج‬
‫الكلبي على فرسه تلك يطلب عمرو بن عمرو‪ .‬قال الكلبي‪ :‬فراكضته نهارا على السواء‪ ،‬والله ما علمت أنه سبقني بمقدار‬
‫أعرفه‪ ،‬ثم زاد مكانه ونقصت ‪ .‬فقلت‪ :‬قمر والله مرداس‪ .‬وهوى عمرو إلى فرسه فضربها بالسوط فانكشفت‪ ،‬فإذا هي خنثى‪،‬‬
‫‪:‬ل ذكر ول أنثى‪ ،‬فأخبرتهم أني سبقت‪ ،‬فقال‪ :‬قمر السلمي‪ .‬فقلت ل‪ ،‬ثم أخبرتهم الخبر‪ .‬فقال مرداس‬
‫لعمرو بن عمرو بعدما مس باليد‬ ‫تمطت كميت كالهراوة ضامـر‬
‫لقاظ ضعيف النهض حق مقـيد‬ ‫فلول مدى الخنثى وبعد جرائهـا‬
‫وقد خفق السياف فوق المقلـد وزعم علماء بني عامر أنه لما انهزم الناس‬ ‫تذكر ربطا بـالـعـراق وراحة‬
‫خرجت بنو عامر وحلفاؤهم في آثارهم يقتلون ويأسرون ويسلبون‪ ،‬فلحق قيس بن النتفق بن عامر بن طفيل بن عقيل عمرو‬
‫بن عمرو فأسره‪ .‬فأقبل الحارث بن البرص بن ربيعة بن عقيل في سرعان الخيل ‪ ،‬فرآه عمرو مقبل فقال لقيس‪ :‬إن أدركني‬
‫الحارث قتلني وفاتك ما تلتمس عندي‪ ،‬فهل أنت محسن إلي وإلى نفسك تجز ناصيتي فتجعلها في كنانتك‪ ،‬ولك العهد لفين لك‪،‬‬
‫ففعل‪ .‬وأدركهما الحارث وهو ينادي قيسا ويقول‪ :‬اقتل اقتل‪ .‬فلحق عمرو بقومه‪ .‬فلما كان الشهر الحرام خرج قيس إلى عمرو‬
‫ويستثيبه‪ ،‬وتبعه الحارث بن البرص حتى قدما على عمرو بن عمرو؛ فأمر عمرو بن عمرو ابنة أخيه آمنة بنت زيد بن عمرو‬
‫فقال‪ :‬اضربي على قيس الذي أنعم على عمك هذه القبة‪ .‬وكان الحارث قتل أباها زيدا يوم جبلة‪ .‬فجاءت بالقبة فرأت الحارث‬
‫أهيأهما وأجملهما‪ ،‬فظنته قيسا فضربت القبة على رأسه وهي تقول‪ :‬هذا والله رجل لم يطلع الدهر عليه بما اطلع به علي‪ .‬فلما‬
‫رجعت إلى عمها عمرو قال‪ :‬يابنة أخي‪ ،‬على من ضربت القبة? فنعتت له نعت الحارث‪ .‬فقال‪ :‬ضربتها والله على رجل قتل‬
‫‪:‬أباك وأمر بقتل عمك‪ .‬فجزعت مما قال لها عمها‪ .‬فقال الحارث بن البرص‬
‫أمين بما أجن اليوم صـدري‬ ‫أمـا تـدرين يابــنة آل زيد‬
‫فتى الفتيان في عيص وقصر‬ ‫فكم من فارس لـم تـرزئيه‬
‫فأعيا أمره وشـددت أزري‬ ‫رأيت مكانه فصددت عـنـه‬
‫بأم عزيمة في جنب عمـرو‬ ‫لقد أمرته فعصـى إمـاري‬
‫فضيع أمره قـيس وأمـري‬ ‫أمرت به لتخمش حـنـتـاه‬

‫صفحة ‪1229 :‬‬

‫الحنة الزوجة‪ .‬يقال حنته‪ ،‬وطلته ‪ .‬ثم إن عمرا قال‪ :‬يا حار‪ ،‬ما الذي جاء بك فوالله ما لك عندي نعمة‪ ،‬ولقد كنت سيء الرأي‬
‫في‪ ،‬قتلت أخي وأمرت بقتلي‪ .‬فقال‪ :‬بل كففت عنك ‪ ،‬ولو شئت إذا أدركتك لقتلتك‪ .‬قال‪ :‬ما لك عندي من يد‪ ،‬ثم تذمم منه‬
‫فأعطاه مائة من البل‪ ،‬ثم انطلق فذهب الحارث فلما جاء عمرا قيس أعطاه إبل كثيرة‪ ،‬فخرج قيس بها‪ ،‬حتى إذا دنا من أهله‬
‫سمع به الحارث بن البرص فخرج في فوارس من بني أبيه عرض لقيس فأخذ ما كان معه‪ .‬فلما أتى قيس بني أبيه بني‬
‫المنتفق اجتمعوا إليه وأرادوا الخروج‪ .‬فقال‪ :‬مهل ل تقاتلوا إخوتكم؛ فإنه يوشك أن يرجع وأن يؤول إلى الحق فإنه رجل حسود‪.‬‬
‫‪ .‬فلما رأى الحارث أن قيسا قد كف عنه رد إليه ما أخذ منه‬
‫وأما عتيبة بن الحارث بن شهاب فإنه أسر يومئذ فقيد في القد‪ ،‬وكان يبول على قده حتى عفن‪ .‬فلما دخل الشهر الحرام هرب‬
‫‪ .‬فأفلت منهم بغير فداء‬
‫وغنم مرداس بن أبي عامر عنائم وأخذ رجل فأخذ منه مائة ناقة‪ ،‬فانتزعها منه بنو أبي بكر ابن كلب؛ فخرج مرداس إلى يزيد‬
‫‪:‬بن الصعق‪ ،‬وكان له خليل‪ ،‬فانتهى إليه مرداس وهو يقول‬
‫رجائي يزيدا بل رجائي أكثـر‬ ‫لعمرك ما ترجو معد ربيعهـا‬
‫بأقتادها إذا الرياح تصرصـر‬ ‫يزيد بن عمرو خير من شد ناقة‬
‫تداعت علي بالحزة بـربـر‬ ‫تداعت بنو بكر علي كـأنـمـا‬
‫وأنتم بأحدان الفوارس أبصـر ويروى بوحدان‪ .‬فركب يزيد حتى أخذ البل من‬ ‫تداعوا علي أن رأوني بخلـوة‬
‫بني أبي بكر فردها إليه‪ .‬فطرقه البكريون فسقوه الخمر حتى سكر‪ ،‬ثم سألوه البل فأعطاهم إياها‪ .‬فلما أصبح ندم‪ ،‬فخرج إلى‬
‫‪:‬يزيد فوجد الخبر قد جاءه‪ .‬فقال له يزيد‪ :‬أصاح أنت أم سكران ? فانصرف فاطرد إبل من إبل بني جعفر فذهب بها وأنشأ يقول‬
‫منازل منها حول قرى ومحضرا‬ ‫أجن بليلى قلـبـه أن تـذكـرا‬
‫ويرسون حسا بالعقال مؤطـرا الحس‪ :‬الفرس الخفيفة‪ .‬والمؤطر‪ :‬العطوف‬ ‫تخر الهدال فوق خيمات أهلهـا‬
‫وأصرف عنك العسر لست بأفقرا‬ ‫سآبى وأستغني كما قد أمرتـنـي‬
‫متى اتهم أجد لبـيي مـهـجـرا المهجر‪ :‬الموضع الصالح؛ يقال‪ :‬هذا أهجر من هذا‬ ‫وإن سليما والحجاز مـكـانـهـا‬
‫إذا كان أجود منه وأصلح‬
‫وأسرج لبدي خارجيا مصدرا‬ ‫يفرج عني حدهم وعديدهـم‬
‫إذا ما عدا بل الحزام وأمطرا الحالبين‪ :‬الراعيين‪ .‬يقول احتبستهما‬ ‫قصرت عليه الحالبين فجوده‬
‫على خذم ثم ارم للنـصـر جـعـفـرا‬ ‫فخذ إبل إن الـعـتـاب كـمـا تـرى‬
‫وذي النخل مصحى إن صحوت ومسكرا‬ ‫فإن بأكناف الـبـحـار إلـى الـمـل‬
‫وترعى من الطواء أثـل وعـرعـرا وانصرف يومئذ سنان بن أبي حارثة‬ ‫وأرعى من الظلف أثـل وحـمـضة‬
‫المري في بني ذبيان على حاميته‪ ،‬فلحق بهم معاوية بن الصموت بن الكامل الكلبي‪ ،‬وكان يسمى السد المجدع‪ ،‬ومعه حرملة‬
‫العكلي ونفر من الناس‪ ،‬فلحق بسنان بن أبي حارثة ومالك بن حمار الفزاري في سبعين فارسا من بني ذبيان‪ .‬فقال سنان‪ :‬يا‬
‫‪:‬مالك كر واحمنا ولك خولة بنت سنان ابنتي أزوجكها‪ .‬فكر مالك فقتل معاوية‪ ،‬ثم اتبعه حرملة العكلي وهو يقول‬
‫مودع ول ترى فيه الدعه فكر عليه مالك فقتله‪ ،‬ثم اتبعه رجل من بني كلب‪ ،‬فكر‬ ‫لي يوم يخبأ المرء السعه‬
‫‪:‬عليه مالك فقتله‪ ،‬ثم اتبعه رجلن من قيس كبة من بجيلة‪ ،‬فكر عليهما فقتلهما‪ ،‬ومضى مالك وأصحابه‪ .‬فقال مالك في ذلك‬
‫ولقيته لددا وخيلـي تـطـرد‬ ‫ولقد صددت عن الغنيمة حرمل‬
‫ذكرا فخر على اليدين البعـد‬ ‫أقبلته صدر الغر وصـارمـا‬
‫في صدر مارنة يقوم ويقعـد‬ ‫وابن الصموت تركت حين لقيته‬
‫وابنا غني عـامـر والسـود‬ ‫وابنا ربيعة في الغبار كلهمـا‬
‫أذهبت عنه والفرائص ترعـد النكظ الجهد‪ .‬قال‬ ‫‪:‬حتى تنفس بعد نكظ مجـحـرا‬
‫نهد المراكل ذو تليل أقود فخطب إليه مالك خولة فأبى أن يزوجه‬ ‫‪ .‬يعدو ببزي سابح ذو ميعة‬

‫صفحة ‪1230 :‬‬

‫وأما بنو جعفر فيزعمون أن عروة الرحال بن عتبة بن جعفر وجد سنان بن أبي حارثة وابنيه هرما ويزيد على غدير قد كاد‬
‫‪ .‬العطش أن يهلكهم‪ ،‬فجز نواصيهم وأعتقهم‪ .‬ثم إن عروة أتى سنانا بعد ذلك يستثيبه ثوابا يرضاه فلم يثبه شيئا‬
‫‪:‬فقال عروة في ذلك‬
‫ألوكا ل أريد بها عـتـابـا‬ ‫أل من مبلغ عني سـنـانـا‬
‫وعروة لم يثب إل الترابـا‬ ‫أفي الخضراء تقسم هجمتيكم‬
‫غداة الشعب لم تذق الشرابا‬ ‫فلو كان الجعافر طاوعوني‬
‫ول تجزي بنعمتها كـلبـا وأما بنو عامر فيزعمون أن سنانا انصرف ذات يوم هو‬ ‫أتجزي القين نعمتها عليكـم‬
‫‪:‬وناس من طيئ وغيرهم قبل الوقعة‪ ،‬فبلغه أن بني عامر يقولون‪ :‬مننا عليه‪ ،‬فأنشأ يقول‬
‫منت وحادرة المناكب صلدم‬ ‫والله ما منوا ولكن شكـتـي‬
‫ل عاجز ورع ول مستسلم وأما بارق فتدعي أسر سنان يومئذ على الثواب‪ ،‬ثم‬ ‫بخرير شول يوم يدعى عامر‬
‫‪:‬أتوه فلم يصنع بهم خيرا‪ .‬فقال معقر بن أوس بن حمار البارقي‬
‫فل تحمدنها الدهر بعد سنـان‬ ‫متى تك في ذبيان منك صنـيعة‬
‫لكم مائة يحدو بهـا فـرسـان‬ ‫يظل يمنينا بحـسـن ثـوابـه‬
‫وأكرم مثوى منكم من أتانـي‬ ‫مخاض أؤديها وجـل لـقـائح‬
‫رغوث ووطبا حازر مذقـان‬ ‫فجئناه للنعمى فكـان ثـوابـه‬
‫يؤامرهم فـينـا لـه أمـلن‬ ‫وظل ثلثا يسأل الحي مـا يرى‬
‫فل تثقن بالشكر في غطفـان تاريخ يوم جبلة‪ :‬قال‪ :‬وكان جبلة قبل السلم‬ ‫فإن كنت هذا الدهر ل بد شاكرا‬
‫بتسع وخمسين سنة قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بتسع عشرة سنة‪ .‬وولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل‪ ،‬ثم‬
‫أوحى إليه بعد أربعين سنة‪ ،‬وقبض وهو ابن ثلث وستين سنة‪ ،‬وقدم عليه عامر بن الطفيل في السنة التي قبض فيها صلى الله‬
‫‪ .‬عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬وهو ابن ثمانين سنة‬
‫‪:‬ما قيل في هذا اليوم من شعر‪ :‬وقال المعقر بن اوس بن حمار البارقي حليف بني نمير بن عامر‬
‫مع الليل أم زالت قبيل الباعـر‬ ‫أمن آل شعثاء الحمول البـواكـر‬
‫فليس علـيهـا يوم ذلـك قـادر‬ ‫وحلت سليمى في هضـاب وأيكة‬
‫كما قر عينا بالياب المسـافـر‬ ‫وألقت عصاها واستقرت بها النوى‬
‫عليها إذا أمست من الله نـاظـر‬ ‫وصبحها أملكـهـا بـكـتـيبة‬
‫وحسان في جمع الرباب مكاثـر‬ ‫معاوية بن الجون ذبـيان حـولـه‬
‫رجال بأطراف الرماح مساعـر‬ ‫فمروا بأطناب البـيوت فـردهـم‬
‫جراد هوى في هبوة متـطـاير‬ ‫وقد جمعوا جمعـا كـأن زهـاءه‬
‫لنا مسمعات بالدفوف وسـامـر‬ ‫فباتوا لنا ضيفا وبتنـا بـنـعـمة‬
‫صبوح لدينا مطلع الشمس حازر‬ ‫ولم نقرهم شيئا ولكن قصـدهـم‬
‫كأركان سلمى شبرها متـواتـر‬ ‫صبحناهم عند الشروق كـتـائبـا‬
‫وأعينهم تحت الحبيك جـواحـر الحبيك في البيض إحكام عملها وطرائقها‬ ‫كان نعام الدو بـاض عـلـيهـم‬
‫إذا غص بالريق القليل الحناجـر‬ ‫من الضاربين الكبش يمشون قدما‬
‫إذا دعيت بالسفح عبس وعامـر‬ ‫وظن سراة القـوم أل يقـتـلـوا‬
‫فلم يبق في الناجين منهم مفاخـر‬ ‫ضربنا حبيك البيض في غمر لجة‬
‫يوائل أو نهد مـلـح مـثـابـر‬ ‫ولم ينج إل من يكـون طـمـره‬
‫كما انقض أفنى ذو جناحين ماهر‬ ‫هوى زهدم تحت الغبار لحاجـب‬
‫أراد رئاس السيف والسيف نادر‬ ‫هما بطلن يعثران كـلهـمـا‬
‫وذبيان تسمو والرؤوس حواسـر‬ ‫ول فضل إل أن يكـون جـراءة‬
‫وقد علقت ما بينهن الظـافـر‬ ‫ينوء وكـفـا زهـدم مـن ورئه‬
‫مسح كسرحان القصيمة ضامـر القصيمة من الرمل‪ :‬ما أنبتت الغضى والرمث‬ ‫يفرج عنا كل ثـغـر نـخـافـه‬
‫إذا اغتمست في الماء فتخاء كاسر‬ ‫وكل طموح في العنان كـأنـهـا‬

‫صفحة ‪1231 :‬‬

‫كما مهدت للبعل حسناء عاقـر وبهذا البيت سمي معقرا واسمه سفيان بن‬ ‫لها ناهض في المهد قد مهدت له‬
‫أوس‪ .‬وإنما خص العاقر لنها أقل دل على الزوج من الولود فهي تصنع له وتداريه‬
‫محردة قد خردتها الضراء وقال عامر بن الطفيل بعد ذلك بدهر‬ ‫‪:‬تخاف نساء يبتدرن حليلهـا‬
‫كسونا رأسه عضبا حساما‬ ‫ويوم الجمع لقينا لقيطـا‬
‫ولم نترك لنسوته سوامـا‬ ‫أسرنا حاجبا فثوى بـقـد‬
‫صبحنا جمعهم جيشا لهاما وقال لبيد بن ربيعة في ذلك‬ ‫‪:‬وجمع الجون إذ دلفوا إلينا‬
‫أسد وذبيان الصفا وتـمـيم‬ ‫وهم حماة الشعب يوم تواكلت‬
‫حي بمنعرج المسيل مقـيم تم اليوم والحمد لله‬ ‫‪ .‬فارتث كلماهم عشية هزمهم‬
‫‪:‬صوت‬
‫وأنتم رجال فيكم عدد النمل‬ ‫أيجمل ما يؤتى إلى فتيانكـم‬
‫نساء حجال لم نقر بذا الفعل الشعير لعفيرة بنت عفار الجديسية التي يقال لها‬ ‫فلو أننا كنا رجال وكنـتـم‬
‫‪ .‬الشموس‪ .‬والغناء لعريب خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر‪ ،‬وفيه لحن من الثقيل الول قديم‬
‫عمليق ملك طسم وجديس وسبب قتله‪ :‬أخبرني بهذا الشعر والسبب الذي من أجله قيل علي بن سليمان الخفش عن‬
‫السكري عن محمد بن حبيب عن ابن العرابي عن المفضل أن عمليقا ملك طسم بن لوذ بن إرم بن سام ابن نوح عليه‬
‫السلم‪ ،‬وجديس بن لوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلم‪ ،‬وكانت منازلهم في موضع اليمامة‪ ،‬كان في أول مملكته قد‬
‫تمادى في الظلم والغشم والسيرة بغير الحق‪ ،‬وأن امرأة من جديس كان يقال لها هزيلة‪ ،‬وكان لها زوج يقال له قرقس ‪،‬‬
‫فطلقها وأراد أخذ ولدها منها‪ ،‬فخاصمته إلى عمليق‪ ،‬فقال‪ :‬أيها الملك إني حملته تسعا‪ ،‬ووضعته دفعا‪ ،‬وأرضعته شفعا‪ ،‬حتى إذا‬
‫تمت أوصاله‪ ،‬ودنا فصاله‪ ،‬أراد أن يأخذه مني كرها‪ ،‬ويتركني من بعده ورها ‪ .‬فقال لزوجها‪ :‬ما حجتك? قال‪ :‬حجتي أني قد‬
‫أعطيتها المهر كامل‪ ،‬ولم أصب منها طائل‪ ،‬إل وليدا خامل ‪ ،‬فافعل ما كنت فاعل‪ .‬فأمر بالغلم أن ينزع منهما جميعا ويجعل في‬
‫غلمانه‪ ،‬وقال لهزيلة‪ :‬ابغيه ولدا‪ ،‬ول تنكحي أحدا‪ ،‬وأجزيه صفدا ‪ .‬فقالت هزيلة‪ :‬أما النكاح فإنما يكون بالمهر‪ ،‬وأما السفاح فإنما‬
‫يكون بالقهر‪ ،‬ومالي فيهما من أمر‪ .‬فلما سمع ذلك عمليق أمر بأن تباع هي وزوجها‪ ،‬فيعطى زوجها خمس ثمنها‪ ،‬وتعطى هزيلة‬
‫‪:‬عشر ثمن زوجها‪ .‬فأنشات تقول‬
‫فأنفذ حكما في هزيلة ظالمـا‬ ‫أتينا أخا طسم ليحكـم بـينـنـا‬
‫ول كنت فيما تبرم الحكم عالما‬ ‫لعمري لقد حكمت ل متورعـا‬
‫وأصبح بعلي في الحكومة نادما أمر أل تزوج بكر من جديس حتى يفترعها‪:‬‬ ‫ندمت ولم أندم وأنى بعثـرتـي‬
‫فلما سمع عمليق قولها أمر أل تزوج بكر من جديس وتهدى إلى زوجها حتى يفترعها هو قبل زوجها فلقوا من ذلك بلء وجهدا‬
‫وذل‪ .‬فلم يزل يفعل هذا حتى زوجت الشموس وهي عفيرة بنت عباد أخت السود الذي وقع إلى جبل طيئ فقتلته طيئ وسكنوا‬
‫‪:‬الجبل من بعده‪ .‬فلما أرادوا حملها إلى زوجها انطلقوا بها إلى عمليق لينالها قبله‪ ،‬ومعها القيان يتغنين‬
‫وبادري الصبح لمر معجب‬ ‫ابدي بعمليق وقومي فاركبي‬
‫وما لبكر عنده من مهـرب تحريض عفيرة بنت عباد قومها عليه‪ :‬فلما أن دخلت‬ ‫فسوف تلقين الذي لم تطلبي‬
‫عليه افترعها وخلى سبيلها‪ .‬فخرجت إلى قومها في دمائها شاقة درعها من قبل ومن دبر والدم يسيل وهي في أقبح منظر‪،‬‬
‫‪:‬وهي تقول‬
‫أهكذا يفعـل بـالـعـروس‬ ‫ل أحـد أذل مـن جـــديس‬
‫أهدى وقد أعطى وسيق المهر‬ ‫يرضى بهذا يا لقومـي حـر‬
‫خير من أن يفعل ذا بعرسـه وقالت تحرض قومها فيما أتي إليها‬ ‫‪:‬لخذة الموت كذا لـنـفـسـه‬
‫وأنتم رجال فيكم عدد الـنـمـل‬ ‫أيجمل ما يؤتى إلى فـتـيانـكـم‬
‫جهارا وزفت في النساء إلى بعل‬ ‫وتصبح تمشي في الدماء عفـيرة‬
‫نساء لكنا ل نقر بذا الـفـعـل‬ ‫ولو أننا كنـا رجـال وكـنـتـم‬

‫صفحة ‪1232 :‬‬

‫ودبوا لنار الحرب بالحطب الجزل‬ ‫فموتوا كراما أو أميتوا عـدوكـم‬


‫إلى بلد قفر وموتوا من الـهـزل‬ ‫وإل فخلوا بطنهـا وتـحـمـلـوا‬
‫وللموت خير من مقام على الـذل‬ ‫فللبين خير من مقام عـلـى أذى‬
‫فكونوا نساء ل تعاب من الكحـل‬ ‫وإن أنتم لم تغضبوا بـعـد هـذه‬
‫خلقتم لثواب العروس وللغسـل‬ ‫ودونكم طيب العروس فـإنـمـا‬
‫ويختال يمشي بيننا مشية الفحـل ائتمار جديس للغدر به وبقومه‪ :‬فلما سمع‬ ‫فبعدا وسحقا للذي لـيس دافـعـا‬
‫السود أخوها ذلك وكان سيدا مطاعا قال لقومه‪ :‬يا معشر جديس إن هؤلء القوم ليسوا بأعز منكم في داركم إل بما كان من‬
‫ملك صاحبهم علينا وعليهم‪ ،‬ولول عجزنا وإدهاننا ما كان له فضل علينا‪ .‬ولو امتنعنا لكان لنا منه النصف ‪ .‬فأطيعوني فيما آمركم‬
‫به‪ ،‬فإنه عز الدهر‪ ،‬وذهاب ذل العمر‪ ،‬وأقبلوا رأيي‪ .‬قال‪ :‬وقد أحمى جديسا ما سمعوا من قولها فقالوا‪ :‬نطيعك‪ ،‬ولكن القوم‬
‫أكثر وأحمى وأقوى‪ .‬قال فإني أصنع للملك طعاما ثم أدعوهم له جميعا‪ .‬فإذا جاءوا يرفلون في الحلل ثرنا إلى سيوفنا وهم‬
‫عارون فأهمدناهم بها‪ .‬قالوا‪ :‬نفعل‪ .‬فصنع طعاما كثيرا وخرج به إلى ظهر بلدهم‪ ،‬ودعا عمليقا وسأله أن يتغدى عنده هو وأهل‬
‫بيته‪ ،‬فأجابه إلى ذلك وخرج مع أهله يرفلون في الحلي والحلل‪ ،‬حتى إذا أخذوا مجالسهم ومدوا أيديهم إلى الطعام‪ ،‬أخذوا‬
‫سيوفهم من تحت أقدامهم‪ ،‬فشد السود على عمليق فقتله‪ ،‬وكل رجل منهم على جليسه حتى أماتوهم‪ .‬فلما فرغوا من‬
‫‪:‬الشراف شدوا على السفلة فلم يدعوا منهم أحدا‪ .‬فقال السود في ذلك‬
‫فقد أتيت لعمري أعجب العجب‬ ‫ذوقي ببغيك يا طسم مـجـلـلة‬
‫والبغي هيج منا سورة الغضب‬ ‫إنا أبينا فلم ننفك نـقـتـلـهـم‬
‫ولن يكونوا كذى أنف ول ذنـب‬ ‫ولن يعود علينا بـغـيهـم أبـدا‬
‫كنا القارب في الرحام والنسب غزوة حسان بن تبع لجديس وهروب السود‬ ‫وإن رعيتم لنا قربـى مـؤكـدة‬
‫وقتل طيئ له‪ :‬ثم إن بقية طسم لجؤوا إلى حسان بن تبع‪ ،‬فغزا جديسا فقتلها وأخرب بلدها‪ .‬فهرب السود قاتل عمليق‪ ،‬فأقام‬
‫بجبلي طيئ قبل نزول طيئ إياهما‪ .‬وكانت طيئ تسكن الجرف من أرض اليمن‪ ،‬وهو اليوم محلة مراد وهمدان‪ ،‬وكان سيدهم‬
‫يومئذ أسامة بن لؤي بن الغوث بن طيئ‪ ،‬وكان الوادي مسبعة‪ ،‬وهم قليل عددهم‪ ،‬وقد كان ينتابهم بعير في أزمان الخريف ولم‬
‫يدر أين يذهب ولم يروه إلى قابل‪ ،‬وكانت الزد قد خرجت من اليمن أيام العرم ‪ ،‬فاستوحشت طيئ لذلك وقالت‪ :‬قد ظعن‬
‫إخواننا فصاروا إلى الرياف‪ .‬فلما هموا بالظعن قالوا لسامة‪ :‬إن هذا البعير يأتينا من بلد ريف وخصب‪ ،‬وإنا لنرى في بعره‬
‫النوى‪ .‬فلو أننا نتعهده عند انصرافه فشخصنا معه لكنا نصيب مكانا خيرا من مكاننا هذا‪ .‬فأجمعوا أمرهم على ذلك‪ .‬فلما كان‬
‫الخريف جاء البعير فضرب في إبلهم‪ ،‬فلما انصرف احتملوا واتبعوه يسيرون ويبيتون حيث يبيت حتى هبط على الجبلين‪ .‬فقال‬
‫‪:‬أسامة بن لؤي‬
‫لكل قوم مصبح وممسى قال‪ :‬وطريب اسم الموضع الذي كانوا ينزلون به‪.‬‬ ‫اجعل طريبا كحبيب ينسى‬
‫فهجمت طيئ على النخل في الشعاب وعلى مواش كثيرة‪ ،‬وإذا هم برجل في شعب من تلك الشعاب وهو السود بن عباد‪،‬‬
‫فهالهم ما رأوا من عظم خلقه وتخوفوه‪ ،‬وقد نزلوا ناحية من الرض واستبروها هل يرون بها أحدا غيره فلم يروا‪ .‬فقال أسامة‬
‫بن لؤي لبن له يقال له الغوث‪ :‬أي بني إن قومك قد عرفوا فضلك عليهم في الجلد والبأس والرمي‪ ،‬فإن كفيتنا هذا الرجل‬
‫سدت قومك آخر الدهر‪ ،‬وكنت الذي أنزلتنا هذا البلد‪ .‬فانطلق الغوث حتى أتى الرجل فكلمه وساءله‪ .‬فعجب السود من صغر‬
‫خلق الغوث فقال له‪ :‬من أين أقبلتم? قال‪ :‬من اليمن‪ ،‬وأخبره خبر البعير ومجيئهم معه‪ ،‬وأنهم رهبوا ما رأوا من عظم خلقه‬
‫‪ .‬وصغرهم عنه‪ ،‬وشغلوه بالكلم‪ ،‬فرماه الغوث بسهم فقتله‪ ،‬وأقامت طيئ بالجبلين بعده‪ ،‬فهم هنالك إلى اليوم‬
‫‪:‬صوت‬
‫ثناياه لم يحرج وكان له أجرا‬ ‫إذا أقبل النسان آخر يشتهـي‬
‫مثاقيل يمحو الله عنه بها وزرا الشعرلرجل من عذرة‪ .‬والغناء لعريب ثقيل أول‬ ‫فإن زاد زاد الله في حسنـاتـه‬
‫‪ .‬بالوسطى‬

‫صفحة ‪1233 :‬‬

‫حديث عمرو بن أبي ربيعة عن صاحبه الجعد بن مهجع العذري‪ :‬نسخت هذا الخبر من كتاب محمد بن موسى بن حماد قال‬
‫ذكر الرياشي قال قال حماد الراوية‪ :‬أتيت مكة فجلست في حلقة فيها عمرو بن أبي ربيعة‪ ،‬فتذاكروا من العذريين‪ ،‬فقال عمر‬
‫بن أبي ربيعة‪ :‬كان لي صديق من عذرة يقال له الجعد بن مهجع‪ ،‬وكان أحد سلمان‪ ،‬وكان يلقى مثل الذي ألقى من الصبابة‬
‫بالنساء والوجد بهن‪ ،‬على أنه كان ل عاهر الخلوة ول سريع السلوة‪ ،‬وكان يوافي الموسم في كل سنة؛ فإذا راث عن وقته‬
‫ترجمت عنه الخبار‪ ،‬وتوكفت له السفار حتى يقدم‪ .‬فغمني ذات سنة إبطاؤه حتى قدم حجاج عذرة‪ ،‬فأتيت القوم أنشد‬
‫صاحبي‪ ،‬وإذا غلم قد تنفس الصعداء ثم قال‪ :‬أعن أبي المسهر تسأل? قلت‪ :‬عنه أسأل وإياه أردت‪ .‬قال‪ :‬هيهات هيهات أصبح‬
‫‪:‬والله أبو المسهر ل مؤيسا فيهمل ول مرجوا فيعلل‪ ،‬أصبح والله كما قال القائل‬
‫أعيش ول أقضي به فأموت قال قلت‪ :‬وما الذي به? قال‪ :‬مثل الذي بك من‬ ‫لعمرك ما حبي لسماء تاركي‬
‫تهوركما في الضلل‪ ،‬وجركما أذيال الخسار‪ ،‬فكأنكما لم تسمعا بجنة ول نار‪ .‬قلت‪ :‬من أنت منه يابن أخي? قال‪ :‬أخوه‪ .‬قلت‪:‬‬
‫والله يابن أخي ما يمنعك أن تسلك مسلك أخيك من الدب وأن تركب إل انك وأخاك كالبرد والبجاد ل ترقعه ول يرقعك‪ ،‬ثم‬
‫‪:‬صرفت وجه ناقتي وأنا أقول‬
‫ولما يرح في القوم جعد بن مهجع‬ ‫أرائحة حـجـاج عـذرة وجـهة‬
‫متى ما يقل أسمع وإن قلت يسمع‬ ‫خليلن نشكو ما نلقي من الهـوى‬
‫فلى زفرات هجن ما بين أضلعي‬ ‫أل ليت شعري أي شيء أصـابـه‬
‫سألقى كما لقيت في كل مصرع ثم انطلقت حتى وقفت موقفي من عرفات‪.‬‬ ‫فل يبعدنك اللـه خـل فـإنـنـي‬
‫فبينا أنا كذلك إذ أنا بإنسان قد تغير لونه وساءت هيئته‪ ،‬فأدنى ناقته من ناقتي حتى خالف بين أعناقهما‪ ،‬ثم عانقني وبكى حتى‬
‫‪:‬اشتد بكاؤه‪ .‬فقلت‪ :‬ما وراءك? فقال‪ :‬برح العذل‪ ،‬وطول المطل‪ ،‬ثم أنشأ يقول‬
‫لقد علمت بأن الحـب داء‬ ‫لئن كانت عـدية ذات لـب‬
‫وإني ل يفارقني البـكـاء‬ ‫ألم تنظر إلى تغيير جسمي‬
‫لقف الكلم وانكشف الغطاء‬ ‫ولو أني تفرقت الذي بـي‬
‫حتوفهم الصبابة واللـقـاء‬ ‫فإن معاشري ورجال قومي‬
‫فذاك العبد يبكيه الرشـاء فقلت‪ :‬يا أبا المسهر إنها ساعة تضرب إليها أكباد البل‬ ‫إذا العذري مات خلي ذرع‬
‫من شرق الرض وغربها‪ ،‬فلو دعوت الله كنت قمنا أن تظفر بحاجتك وأن تنصر على عدوك‪ .‬قال‪ :‬فتركني وأقبل على الدعاء‪.‬‬
‫‪:‬فلما نزلت الشمس للغروب وهم الناس أن يفيضوا سمعته يتكلم بشيء‪ ،‬فأصغيت إليه‪ ،‬فإذا هو يقول‬
‫من محرم يشكو الضحى ولوحه‬ ‫يا رب كـل غـدوة وروحــه‬
‫أنت حسيب الخلق يوم الدوحه الجعد بن مهجع يذكر لعمر سبب عشقه ومسعى عمر في زواجه من عشقها‪ :‬فقلت له‪ :‬وما‬
‫يوم الدوحة? قال‪ :‬والله لخبرنك ولو لم تسألني‪ .‬فيممنا نحو مزدلفة‪ ،‬فأقبل علي وقال‪ :‬إني رجل ذو مال كثير من نعم وشاء‪،‬‬
‫وذو المال ل يصدره ول يرويه الثماد ‪ .‬وقطر الغيث أرض كلب‪ ،‬فانتجعت أخوالي منهم‪ ،‬فأوسعوا لي عن صدر المجلس‬
‫وسقوني جمة الماء‪ ،‬وكنت فيهم في خير أخوال‪ .‬ثم إني عزمت على موافقة إبلي لهم يقال له الحوذان‪ ،‬فركبت فرسي‬
‫وسمطت خلفي شرابا كان أهداه إلي بعضهم ثم مضيت‪ ،‬حتى إذا كنت بين الحي ومرعى النعم رفعت لي دوحة عظيمة‪ ،‬فنزلت‬
‫عن فرسي وشددته بغصن من أغصانها وجلست في ظلها‪ .‬فبينا أنا كذلك إذ سطع غبار من ناحية الحي ورفعت لي شخوص‬
‫ثلثة‪ ،‬ثم تبينت فإذا فارس يطرد مسحل وأتانا‪ ،‬فتأملته فإذا عليه درع أصفر وعمامة خز سوداء‪ ،‬وإذا فروع شعره تضرب‬
‫خصريه‪ ،‬فقلت‪ :‬غلم حديث عهد بعرس أعجلته لذة الصيد فترك ثوبه ولبس ثوب امرأته‪ .‬فما جاز علي إل يسيرا حتى طعن‬
‫‪:‬المسحل وثنى طعنة للتان فصرعهما‪ ،‬وأقبل راجعا نحوي وهو يقول‬
‫كرك لمين على نابل فقلت‪ :‬إنك قد تعبت وأتعبت‪ ،‬فلو نزلت فثنى رجله فنزل‬ ‫نطعنهم سلكى ومخلوجة‬
‫‪:‬فشد فرسه بغصن من أغصان الشجرة وألقى رمحه وأقبل حتى جلس‪ ،‬فجعل يحدثني حديثا ذكرت به قول أبي ذؤيب‬

‫صفحة ‪1234 :‬‬

‫جنى النحل في ألبان عوذ مطافل فقمت إلى فرسي فأصلحت من أمره ثم‬ ‫وإن حديثا منك لو تـبـذلـينـه‬
‫رجعت‪ ،‬وقد حسر العمامة عن رأسه‪ ،‬فإذا غلم كأن وجهه الدينار المنقوش‪ .‬فقلت‪ :‬سبحانك اللهم ما أعظم قدرتك وأحسن‬
‫صنعتك ‪ .‬فقال‪ :‬مم ذاك? قلت‪ :‬مما راعني من جمالك وبهرني من نورك‪ .‬قال‪ :‬وما الذي يروعك من حبيس التراب‪ ،‬وأكيل‬
‫الدواب‪ ،‬ثم ل يدري أينعم بعد ذلك أم يبأس‪ .‬قلت‪ :‬ل يصنع الله بك إل خيرا‪ .‬ثم تحدثنا ساعة‪ ،‬فأقبل علي وقال‪ :‬ما هذا الذي‬
‫أرى قد سمطت في سرجك? قلت‪ :‬شراب أهداه إلي بعض أهلك‪ ،‬فهل لك فيه من أرب? قال‪ :‬أنت وذاك‪ .‬فأتيته به‪ ،‬فشرب‬
‫منه وجعل ينكت أحيانا بالسوط على ثناياه‪ ،‬فجعل والله يتبين لي ظل السوط فيهن‪ .‬فقلت‪ :‬مهل فإني خائف أن تكسرهن‪،‬‬
‫‪:‬فقال‪ :‬ولم? قلت‪ :‬لنهن رقاق وهن عذاب‪ .‬قال‪ :‬رفع عقيرته يتغنى‬
‫ثناياه لم يأثم وكـان لـه أجـرا‬ ‫إذا قبل النسان آخر يشتـهـي‬
‫مثاقيل يمحو الله عنه بها الوزرا ثم قام إلى فرسه فأصلح من أمره ثم رجع‪.‬‬ ‫فإن زاد زاد الله في حسنـاتـه‬
‫قال‪ :‬فبرقت لي بارقة تحت الدرع‪ .‬فإذا ثدي كأنه حق عاج‪ .‬فقلت‪ :‬نشدتك الله أمرأة? قالت‪ :‬إي والله إل أني أكره العشير‬
‫وأحب الغزل‪ .‬ثم جلست فجعلت تشرب معي ما أفقد من أنسها شيئا حتى نظرت إلى عينيها كأنهما عينا مهاة مذعورة‪ .‬فوالله‬
‫ما راعني إل ميلها على الدوحة سكرى‪ .‬فزين لي والله الغدر وحسن في عيني‪ ،‬ثم إن الله عصمني منه‪ ،‬فجلست حجرة منها‪.‬‬
‫فما لبثت إل يسيرا حتى انتبهت فزعة‪ ،‬فلثت عمامتها برأسها‪ ،‬وجالت في متن فرسها‪ ،‬وقالت‪ :‬جزاك الله عن الصحبة خيرا‪.‬‬
‫‪:‬قلت‪ :‬أو ما تزودينني منك زادا? فناولتني يدها‪ ،‬فقبلتها فشممت والله منها ريح المسك المفتوت‪ ،‬فذكرت قول الشاعر‬
‫سحابة مالها عين ول أثـر قلت‪ :‬وأين الموعد? قالت‪ :‬إن لي أخوة شرسا وأبا‬ ‫كأنها إذ تقضى النوم وانتبهت‬
‫غيورا‪ .‬ووالله لن أسرك أحب إلي من أضرك‪ ،‬ثم انصرفت‪ .‬فجعلت أتبعها بصري حتى غابت‪ ،‬فهي والله يابن ربيعة أحلتني هذا‬
‫المحل وأبلغتني‪ .‬فقلت له‪ :‬يا أبا المسهر إن الغدر بك مع ما تذكر لمليح‪ .‬فبكى واشتد بكاؤه‪ .‬فقلت‪ :‬ل تبك؛ فما قلت إل مازحا‪،‬‬
‫ولو لم أبلغ في حاجتك بمالي لسعيت في ذلك حتى أقدر عليه‪ ،‬فقال لي‪ :‬خيرا‪ .‬فلما انقضى الموسم شددت على ناقتي وشد‬
‫على ناقته‪ ،‬ودعوت غلمي فشد على بعير له‪ ،‬وحملت عليه قبة حمراء من أدم كانت لبي ربيعة المخزومي‪ ،‬وحملت معي ألف‬
‫دينار ومطرف خز‪ ،‬وانطلقنا حتى أتينا بلد كلب‪ ،‬فنشدنا عن أبي الجارية فوجدناه في نادي قومه‪ ،‬وإذا هو سيد الحي وإذا الناس‬
‫حوله‪ .،‬فوقفت على القوم فسلمت‪ ،‬فرد الشيخ السلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬من الرجل? قلت‪ :‬عمرو بن أبي ربيعة بن المغيرة‪ .‬فقال‪:‬‬
‫المعروف غير المنكر‪ ،‬فما الذي جاء بك? قلت‪ :‬خاطبا‪ .‬قال‪ :‬الكف‪ ،‬والرغبة‪ .‬قلت‪ :‬إني لم آت ذلك لنفسي عن غير زهادة فيك‬
‫ول جهالة بشرفك‪ ،‬ولكني أتيت في حاجة ابن أختكم العذري‪ ،‬وها هو ذاك‪ .‬فقال‪ :‬والله إنه لكفيء الحسب رفيع البيت‪ ،‬غير أن‬
‫بناتي لم يقعن إل في هذا الحي من قريش‪ .‬فوجمت لذلك‪ ،‬وعرف التغير في وجهي فقال‪ :‬أما إني صانع بك ما لم أصنعه‬
‫بغيرك‪ .‬قلت‪ :‬وما ذاك فمثلي من شكر? قال‪ :‬أخيرها فهي وما اختارت‪ .‬قلت‪ :‬ما أنصفتني إذ تختار لغيري وتولي الخيار غيرك‪.‬‬
‫فأشار إلي العذري أن دعه يخيرها‪ .‬فأرسل إليها‪ :‬إن في المر كذا وكذا‪ .‬فأرسلت إليه‪ :‬ما كنت لستبد برأي دون القرشي‪،‬‬
‫فالخيار في قوله‪ ،‬حكمه‪ .‬فقال لي‪ :‬إنها قد ولتك أمرها فاقض ما أنت قاض‪ .‬فحمدت الله عز وجل وأثنيت عليه وقلت‪ :‬اشهدوا‬
‫أني قد زوجتها من الجعد ابن مهجع وأصدقتها هذا اللف الدينار‪ ،‬وجعلت تكرمتها العبد والبعير والقبة‪ ،‬وكسوت الشيخ المطرف‪،‬‬
‫وسألته أن يبني بها عليه في ليلته‪ .‬فأرسل إلى أمها‪ ،‬فقالت‪ :‬أتخرج ابنتي كما تخرج المة ‪ .‬فقال الشيخ‪ :‬هجري في جهازها‪،‬‬
‫فما برحت حتى ضربت القبة في وسط الحريم‪ ،‬ثم أهديت إليه ليل‪ ،‬وبت أنا عند الشيخ‪ .‬فلما أصبحت أتيت القبة فصحت‬
‫بصاحبي‪ ،‬فخرج إلي وقد أثر السرور فيه‪ ،‬فقلت‪ :‬كيف كنت بعدي وكيف هي بعدك? فقال لي‪ :‬أبدت لي والله كثيرا مما كانت‬
‫‪:‬أخفته عني يوم لقيتها‪ .‬فسألتها عن ذلك فأنشأت تقول‪ :‬صوت‬

‫صفحة ‪1235 :‬‬

‫وقلت فتى بعض الصـديق يريد‬ ‫كتمت الهوى لما رأيتك جـازعـا‬
‫يضر بها برح الهوى فـتـعـود‬ ‫وأن تطرحني أو تـقـول فـيتة‬
‫من الوجد برح فاعلمـن شـديد فقلت‪ :‬أقم على أهلك‪ ،‬بارك الله لك‬ ‫فوريت عما بي وفي داخل الحشى‬
‫‪:‬فيهم‪ ،‬وانطلقت وأنا أقول‬
‫وإني لعباء النـوائب حـمـال‬ ‫كفيت أخي العذري ما كان نابـه‬
‫إذا طرحت إني لمالـي بـذال وقال العذري‬ ‫‪:‬أما استحسنت مني المكارم والعل‬
‫فأف لدنيا ليس من أهلها عـمـر‬ ‫إذا ما الخطاب خـلـى مـكـانـه‬
‫ول سقيت أرض الحجازين بالمطر صوت‬ ‫‪:‬فل حي فتيان الحجـازين بـعـده‬
‫فوقفت في عرصاتهم أبكي‬ ‫إن الخليط قد أزمعوا تركي‬
‫مطلية الصداغ بالمسـك‬ ‫جنية برزت لتقـتـلـنـي‬
‫خرج العراق ومنبر الملك الشعر لبن قيس الرقيات يقوله في عائشة بنت طلحة‪.‬‬ ‫عجبا لمثلك ل يكـون لـه‬
‫والغناء لمعبد‪ ،‬ثقيل أول السبابة في مجرى البنصر‪ .‬والسبب في قول ابن قيس هذا الشعر فيها يذكر في أخبارها إن شاء الله‬
‫‪ .‬تعالى‬

‫أخبار عائشة بنت طلحة ونسبها‬


‫نسب عائشة بنت طلحة‪ :‬عائشة بنت طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم‪ .‬وأمها أم‬
‫كلثوم بنت أبي بكر الصديق‪ .‬أخبرني الحسن بن يحيى قال قال حماد قال أبي قال مصعب‪ :‬كانت ل تستر وجهها وعتاب مصعب‬
‫لها في ذلك‪ :‬كانت عائشة بنت طلحة ل تستر وجهها من أحد‪ .‬فعاتبها مصعب في ذلك‪ ،‬فقالت‪ :‬إن الله تبارك وتعالى وسمني‬
‫بميسم جمال أحببت أن يراه الناس ويعرفوا فضلي عليهم‪ ،‬فما كنت لستره‪ ،‬ووالله ما في وصممة يقدر أن يذكرني بها أحد‪.‬‬
‫وطالت مرادة مصعب إياها في ذلك‪ ،‬وكانت شرسة الخلق‪ .‬قال‪ :‬وكذلك نساء بني تميم هن أشرس خلق الله وأحظاه عند‬
‫أزواجهن‪ .‬وكانت عند الحسين بن علي صلوات الله عليهما ام إسحاق بنت طلحة‪ ،‬فكان يقول‪ :‬والله لربما حملت ووضعت وهي‬
‫‪ .‬مصارمة لي ل تكلمني‬
‫غضبت على مصعب فبعث إليها ابن قيس الرقيات‪ :‬قال‪ :‬نالت عائشة من مصعب وقالت‪ :‬علي كظهر أمي‪ ،‬وقعدت في غرفة‬
‫وهيأت فيها ما يصلحها‪ .‬فجهد مصعب أن تكلمه فأبت‪ .‬فبعث إليها ابن قيس الرقيات‪ ،‬فسألها كلمه‪ ،‬فقالت‪ :‬كيف بيميني?‬
‫فقال‪ :‬ها هنا الشعبي فقيه أهل العراق فاستفتيه‪ .‬فدخل عليها فأخبرته‪ ،‬فقال‪ :‬ليس هذا بشيء‪ .‬فقالت‪ :‬أتحلني وتخرج خائبا‬
‫‪:‬فأمرت له بأربعة آلف درهم‪ .‬وقال ابن قيس الرقيات لما رآها‬
‫مطلية القراب بالمسك وذكر باقي البيات‬ ‫‪ .‬جنية برزت لتقتـلـنـا‬
‫غضبت على مصعب فاسترضاها أشعب فرضيت‪ :‬أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن إسحاق اليعقوبي قال‬
‫حدثنا سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم قال‪ :‬كان أشعب يألف مصعبا‪ ،‬فغضبت عليه عائشة بنت طلحة يوما‪ ،‬وكانت‬
‫من أحب الناس إليه‪ ،‬فشكا ذلك إلى أشعب فقال‪ :‬ما لي إن رضيت? قال‪ :‬حكمك‪ .‬قال‪ :‬عشرة آلف درهم‪ .‬قال‪ :‬هي لك‪.‬‬
‫فانطلق حتى أتى عائشة فقال‪ :‬جعلت فداءك قد علمت حبي لك وميلي قديما وحديثا إليك من غير منالة ول فائدة‪ .‬وهذه حاجة‬
‫قد عرضت تقضين بها حقي وترتهنين لها شكري‪ .‬قالت‪ :‬وما عناك? قال‪ :‬قد جعل لي المير عشرة آلف درهم إن رضيت عنه‪.‬‬
‫قالت‪ :‬ويحك ل يمكنني ذلك‪ .‬قال‪ :‬بأبي أنت فارضي عنه حتى يعطيني ثم عودي إلى ما عودك الله من سوء الخلق‪ .‬فضحكت‬
‫منه ورضيت عن مصعب‪ .‬وقد ذكر المدائني أن هذه القصة كانت لها مع عمرو بن عبيد الله بن معمر‪ ،‬وأن الرسول إليها‬
‫‪ .‬والمخاطب لها بهذه المخاطبة ابن أبي عتيق‬
‫وصفت عزة الميلء لها ولعائشة بنت عثمان وأم القاسم بنت زكريا‪ :‬وأخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قال أبي حدثت‬
‫عن صالح بن حسان قال‪ :‬كان بالمدينة امرأة حسناء تسمى عزة الميلء يألفها الشراف وغيرهم من أهل المروءات‪ ،‬وكانت من‬
‫أظرف الناس وأعلمهم بأمور النساء‪ .‬فأتاها مصعب بن الزبير وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وسعيد بن العاص‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫إنا خطبنا فانظري لنا‪ .‬فقالت لمصعب‪ :‬يابن أبي عبد الله ومن خطبت? فقال‪ :‬عائشة بنت طلحة‪ .‬فقالت‪ :‬فأنت يابن أبي‬
‫‪ .‬أحيحة? قال‪ :‬عائشة بنت عثمان‪ .‬قالت‪ :‬فأنت يابن الصديق? قال‪ :‬أم القاسم بنت زكريا بن طلحة‬

‫صفحة ‪1236 :‬‬

‫قالت‪ :‬يا جارية هاتي منقلي تعني خفيها فلبستهما وخرجت ومعها خادم لها‪ ،‬فإذا هي بجماعة يزحم بعضهم بعضا‪ ،‬فقالت‪ :‬يا‬
‫جارية انظري ما هذا‪ .‬فنظرت ثم رجعت فقالت‪ :‬امرأة أخذت مع رجل‪ .‬فقالت‪ :‬داء قديم‪ ،‬امض ويلك‪ .‬فبدأت بعائشة بنت‬
‫طلحة فقالت‪ :‬فديتك كنا في مأدبة أو مأتم لقريش‪ ،‬فتذاكروا جمال النساء وخلقهن فذكروك‪ ،‬فلم أدر كيف أصفك فديتك‪.‬‬
‫فألقي ثيابك ففعلت فأقبلت وأدبرت فارتج كل شيء منها‪ .‬فقالت لها عزة‪ :‬خذي ثوبك فديتك‪ .‬فقال عائشة‪ :‬قد قضيت حاجتك‬
‫‪:‬وبقيت حاجتي‪ .‬قالت عزة‪ :‬وما هي بنفسي أنت? قالت‪ :‬تغنيني صوتا‪ .‬فاندفعت تغني لحنها‪ :‬صوت‬
‫وأترابها بين الصيفر والخبـل‬ ‫خليلي عوجا بالمحلة من جمـل‬
‫تعاقبها اليام بالريح والـوبـل‬ ‫نقف بمغان قد محا رسمها البلى‬
‫لندب أعلى جلدها مدرج النمل‬ ‫فلو درج النمل الصغار بجلدهـا‬
‫تشبه في النسوان بالشادن الطفل الشعر لجميل بن عبد الله بن معمر‬ ‫وأحسن خلق الله جيدا ومـقـلة‬
‫العذري‪ .‬والغناء لعزة الميلء ثقيل أول بالوسطى فقامت عائشة فقبلت ما بين عينيها ودعت لها بعشرة أثواب وبطرائف من‬
‫أنواع الفضة وغير ذلك‪ ،‬فدفعته إلى مولتها فحملته‪ .‬وأتت النسوة على مثل ذلك تقول لهن‪ ،‬حتى أتت القوم في السقيفة‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬ما صنعت? فقالت‪ :‬يابن أبي عبد الله‪ ،‬أما عائشة فل والله إن رأيت مثلها مقبلة ومدبرة‪ ،‬محطوطة المتنين‪ ،‬عظيمة‬
‫العجيزة‪ ،‬ممتلئة الترائب ‪ ،‬نقية الثغر وصفحة الوجه‪ ،‬فرعاء الشعر‪ ،‬لفاء الفخذين‪ ،‬ممتلئة الصدر‪ ،‬خميصة البطن‪ ،‬ذات عكن‪،‬‬
‫ضخمة السرة‪ ،‬مسرولة الساق‪ .‬يرتج ما بين أعلها إلى قدميها‪ .‬وفيها عيبان‪ ،‬أما أحدهما فيواريه الخمار‪ ،‬وأما الخر فيواريه‬
‫الخف‪ :‬عظم القدم والذن‪ .‬وكانت عائشة كذلك‪ .‬ثم قالت عزة‪ :‬وأما أنت يابن أبي أحيحة فإني والله ما رأيت مثل خلق عائشة‬
‫بنت عثمان لمرأة قط‪ ،‬ليس فيها عيب‪ .‬والله لكأنما أفرغت إفراغا‪ ،‬ولكن في الوجه ردة ‪ ،‬وإن استشرتني أشرت عليك بوجه‬
‫تستأنس به‪ .‬وأما أنت يابن الصديق فوالله ما رأيت مثل أم القاسم‪ ،‬كأنها خوط بانة تنثني‪ ،‬وكأنها جدل عنان‪ ،‬أو كأنها جان يتثنى‬
‫على رمل‪ ،‬لو شئت أن تعقد أطرافها لفعلت‪ .‬ولكنها شختة الصدر وأنت عريض الصدر؛ فإذا كا ذلك كان قبيحا‪ ،‬ل والله حتى يمل‬
‫‪ .‬كل شيء مثله‪ .‬قال‪ :‬فوصلها الرجال والنساء وتزوجوهن‬
‫أمها وخالتها‪ ،‬وزواجها من ابن خالها وأولدها منه‪ :‬أخبرني الطوسي وحرمي عن الزبير عن عمه‪ ،‬وأخبرني الحسين بن يحيى‬
‫عن حماد عن أبيه عن الزبيري والمدائني‪ ،‬ونسخت بعض هذه الخبار من كتاب أحمد بن الحارث عن المدائني وجمعت ذلك‪،‬‬
‫قالوا جميعا‪ :‬إن أم عائشة بنت طلحة أم كلثوم بنت أبو بكر الصديق‪ ،‬وأمها حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني‬
‫الخزرج بن الحارث‪ .‬قالوا‪ :‬وكانت عائشة بنت طلحة تشبه بعائشة أم المؤمنين خالتها‪ .‬فزوجتها عائشة عبد الله بن عبد الرحمن‬
‫بن أبي بكر وهو ابن أخيها وابن خال عائشة بنت طلحة‪ ،‬وهو أبو عذرها ‪ ،‬فلم تلد من أحد من أزواجها سواه؛ ولدت له عمران‬
‫وبه كانت تكنى‪ ،‬وعبد الرحمن‪ ،‬وأبا بكر‪ ،‬وطلحة‪ ،‬ونفيسة وتزوجها الوليد بن عبد الملك‪ ،‬ولكل هؤلء عقب‪ .‬وكان ابنها طلحة من‬
‫‪:‬أجواد قريش‪ ،‬وله يقول الحزين الديلي‬
‫عذافرة تستخف الـضـفـارا‬ ‫فإن تك يا طلح أعـطـيتـنـي‬
‫ول مرتـين ولـكـن مـرارا‬ ‫فما كان نـفـعـك لـي مـرة‬
‫وسار مع المصطفى حيث سارا‬ ‫أبوك الذي صدق المصطـفـى‬
‫إذا نسب الناس كانوا نـضـارا مصارمتها لزوجها وإيلؤه منها‪ :‬قال‪ :‬فصارمت عائشة‬ ‫وأمـك بـيضـاء تـمـيمـية‬
‫بنت طلحة زوجها‪ ،‬وخرجت من دارها غضبى‪ ،‬فمرت في المسجد وعليها ملحفة تريد عائشة أم المؤمنين‪ ،‬فرآها أبو هريرة‬
‫فقال‪ :‬سبحان الله كأنها من الحور العين‪ .‬فمكثت عند عائشة أربعة أشهر‪ .‬وكان زوجها قد آلى منها‪ ،‬فأرسلت عائشة‪ :‬إني‬
‫‪:‬أخاف عليك اليلء ‪ ،‬فضمها إليه وكان موليا منها فقيل له‪ :‬طلقها‪ ،‬فقال‬
‫مقيما علي الهم‪ ،‬أحـلم نـائم‬ ‫يقولون طلقها لصبح ثـاوبـا‬
‫لهم زلفة عندي لحدى العظائم زواجها من مصعب بن الزبير‬ ‫‪:‬وإن فراقي أهل بيت أحبـهـم‬

‫صفحة ‪1237 :‬‬

‫فتوفي عبد الله بعد ذلك وهي عنده‪ ،‬فما فتحت فاها عليه‪ ،‬وكانت عائشة أم المؤمنين تعدد عليها هذا في ذنوبها التي تعددها‪.‬‬
‫ثم تزوجها بعده مصعب بن الزبير‪ ،‬فأمهرها خمسمائة ألف درهم وأهدى لها مثل ذلك‪ .‬فبلغ ذلك أخاه فقال‪ :‬إن مصعبا قدم‬
‫أيره‪ ،‬وأخر خيره‪ .‬فبلغ ذلك من قوله عبد الملك بن مروان فقال‪ :‬لكنه أخر أيره وخيره‪ ،‬وكتب ابن الزبير إلى مصعب يؤنبه على‬
‫ذلك ويقسم عليه أل يلحق به بمكة ول ينزل المدينة ول ينزل إل بالبيداء‪ ،‬وقال له‪ :‬إني لرجو أن تكون الذي يخسف به البيداء‪،‬‬
‫‪ .‬فما أمرتك بنزولها إل لهذا‪ .‬وصار إليه وأرضاه عن نفسه‪ ،‬فأمسك عنه‬
‫كانت تعاسر مصعبا فاحتال له كاتبه ابن أبي فروة حتى ياسرته‪ :‬قال وحدثني المدائني عن سحيم بن حفص قال‪ :‬كان مصعب‬
‫بن الزبير ل يقدر عليها إل بتلح ينالها منه وبضربها‪ .‬فشكا ذلك إلى ابن أبي فروة كاتبه‪ .‬فقال له‪ :‬أنا أكفيك هذا إن أذنت لي‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم افعل ما شئت فإنها أفضل شيء نلته من الدنيا‪ .‬فأتاها ليل ومعه أسودان فاستأذن عليها‪ .‬فقالت له‪ :‬أفي مثل هذه‬
‫الساعة قال نعم‪ .‬فأدهلته‪ .‬فقال للسودين‪ :‬احفرا ها هنا بئرا‪ .‬فقالت له جاريتها‪ :‬وما تصنع بالبئر? قال‪ :‬شؤم ملتك‪ ،‬أمرني هذا‬
‫الفاجر أن أدفنها حية وهو أسفك خلق الله لدم حرام‪ .‬فقالت عائشة‪ :‬فانظرني أذهب إليه‪ .‬قال‪ :‬هيهات ل سبيل إلى ذلك‪ ،‬وقال‬
‫للسودين‪ :‬احفرا‪ .‬فلما رأت الجد منه بكت ثم قالت‪ :‬يابن فروة إنك لقاتلي ما منه بد? قال‪ :‬نعم‪ ،‬وإني لعلم أن الله سيجزيه‬
‫بعدك‪ ،‬ولكنه قد غضب وهو كافر الغضب‪ .‬قالت‪ :‬وفي أي شيء غضبه‪ .‬قال‪ :‬في امتناعك عنه‪ ،‬وقد ظن أنك تبغضينه وتتطلعين‬
‫إلى غيره فقد جن‪ .‬فقالت‪ :‬أنشدك الله إل عاودته‪ .‬قال‪ :‬إني أخاف أن يقتلني‪ .‬فبكت وبكى جواريها‪ .‬فقال‪ :‬قد رققت لك‪،‬‬
‫وحلف أنه يغرر بنفسه‪ ،‬ثم قال لها‪ :‬فما أقول? قالت‪ :‬تضمن عني أل أعود أبدا‪ .‬قال‪ :‬فما لي عندك? قالت‪ :‬قيام بحقك ما‬
‫عشت‪ .‬قال‪ :‬فأعطيني المواثيق‪ ،‬فأعطته‪ .‬فقال للسودين‪ :‬مكانكما‪ ،‬وأتى مصعبا فأخبره‪ .‬فقال له‪ :‬استوثق منها باليمان‪،‬‬
‫‪ .‬ففعلت وصلحت بعد ذلك لمصعب‬
‫أخبار لها مع مصعب‪ :‬قال‪ :‬ودخل عليها مصعب يوما وهي نائمة متصبحة ومعه ثماني لؤلؤات قيمتها عشرون ألف دينار‪ ،‬فأنبهها‬
‫‪ .‬ونثر اللؤلؤ في حجرها‪ .‬فقالت له‪ :‬نومتي كانت أحب إلي من هذ اللؤلؤ‬
‫قال‪ :‬وصارمت مصعبا مرة‪ ،‬فطالت له وشق ذلك عليها وعليه‪ ،‬وكانت لمصعب حرب فخرج إليها ثم عاد وقد ظفر‪ ،‬فشكت‬
‫عائشة مصارمته إلى مولة لها‪ .‬فقالت‪ :‬الن يصلح أن تخرجي إليه‪ .‬فخرجت فهنأته بالفتح وجعلت تمسح التراب عن وجهه‪.‬‬
‫‪ .‬فقال لها مصعب‪ :‬إني أشفق عليك من رائحة الحديد‪ .‬فقالت‪ :‬لهو والله عندي أطيب من ريح المسك الذفر‬
‫أخبرني ابن يحيى عن حماد عن أبيه عن المسعر قال‪ :‬كان مصعب من أشد الناس إعجابا بعائشة بنت طلحة‪ ،‬ولم يكن لها شبه‬
‫في زمانها حسنا ودمائة وجمال وهيئة ومتانة وعفة‪ ،‬وإنها دعت يوما نسوة من قريش فلما جئنها أجلستهن في مجلس قد نضد‬
‫فيه الريحان والفواكه والطيب و المجمر‪ ،‬وخلعت على كل امرأة منهن‪ ،‬خلعة تامة من الوشي والخز ونحوهما‪ ،‬ودعت عزة‬
‫‪:‬الميلء ففعلت بها مثل ذلك وأضعفت‪ ،‬ثم قال لعزة‪ :‬هاتي يا عزة فغنينا‪ ،‬فغنتهن في شعر امرئ القيس‬
‫لذيذ المقبل والمبـتـسـم‬ ‫وثغر أغر شتيت البـنـات‬
‫وبالظن يقضي عليك الحكم وكان مصعب قريبا منهن ومعه إخوان له‪ ،‬فقام فانتقل‬ ‫وما ذقته غـير ظـن بـه‬
‫حتى دنن منهن والستور مسبلة‪ ،‬فصاح‪ :‬يا هذه إنا قد ذقناه فوجدناه على ما وصفت‪ ،‬فبارك الله فيك يا عزة ثم أرسل إلى‬
‫عائشة‪ :‬أما أنت فل سبيل لنا إليك مع من عندك‪ ،‬وأما عزة فتأذنين لها أن تغنينا هذا الصوت ثم تعود إليك‪ ،‬ففعلت‪ .‬وخرجت‬
‫عزة إليه فغنته هذا الصوت مرارا وكاد مصعب أن يذهب عقله فرحا‪ .‬ثم قال لها‪ :‬يا عزة إنك لتحسنين القول والوصف‪ ،‬وأمرها‬
‫‪ .‬بالعود إلى مجلسها‪ ،‬وتحدث ساعة مع القوم ثم تفرقوا‬
‫‪:‬خطبها بشر بن مروان فتزوجت عمر بن عبيد الله‬

‫صفحة ‪1238 :‬‬

‫وقال المدائني‪ ،‬وذكر القحذمي أيضا في خبره‪ :‬فلما قتل مصعب عن عائشة خطبها بشر بن مروان‪ ،‬وقدم عمر بن عبيد الله‬
‫بن معمر التيمي من الشام فنزل الكوفة‪ ،‬فبلغه أن بشر بن مروان خطبها‪ ،‬فأرسل إليها جارية لها وقال‪ :‬قولي لبنة عمي‬
‫يقرؤك السلم ابن عمك ويقول لك أنا خير من هذا المبسور المطحول‪ ،‬وأنا ابن عمك وأحق بك‪ ،‬وإن تزوجت بك ملت بيتك‬
‫خيرا‪ ،‬وحرك أيرا‪ .‬فتزجته فبنى لها بالحيرة ومهدت له سبعة أفرشة عرضها أربع أذرع‪ ،‬فأصبح ليلة بنى بها عن تسع‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪ .‬فلقيته مولة لها فقالت‪ :‬أبا حفص فديتك قد كملت في كل شيء حتى في هذا‬
‫وقال مصعب في خبره إن بشرا بعث إليها عمر بن عبيد الله بن معمر يخطبها عليه‪ ،‬فقالت له‪ :‬يا مصارع قلة أما وجد بشر‬
‫رسول إلى ابنة عمك غيرك فأين بك عن نفسك ? قال‪ :‬أو تفعلين? قالت نعم‪ ،‬فتزوجها‪ .‬وقال مصعب الزبيري في خبره‪ :‬لما‬
‫‪:‬بنى بها عمر قال لها‪ :‬لقتلنك الليلة‪ ،‬فلم يصنع إل واحدة‪ .‬فقالت له لما أصبح‪ :‬قم يا قتال‪ .‬قال‪ :‬وقالت له حينئذ‬
‫وبلوناك فلم نرض الخبر وهذه الحكاية تحامل من مصعب الزبيري وعصبية‪ .‬والخبر‬ ‫قد رأيناك فلم تحل لـنـا‬
‫‪ .‬في رضاها عنه والحكاية في هذا غير ما حكاه وهو ما سبق‬
‫ما كان في يوم زواجها من عمر بن عبد الله‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه عن ابن أبي سعد عن القحذمي‬
‫أن عمر بن عبيد الله لما قدم الكوفة وتزوج عائشة بنت طلحة‪ ،‬فحمل إليها ألف ألف درهم‪ :‬خمسمائة ألف درهم مهرا‬
‫وخمسمائة ألف هدية‪ ،‬وقال لمولتها‪ :‬لك علي ألف دينار إن دخلت بها الليلة‪ .‬وأمر بالمال فحمل فألقي في الدار وغطي‬
‫بالثياب‪ .‬وخرجت عائشة فقالت لمولتها‪ :‬أهذا فرش أم ثياب? قالت‪ :‬انظري إليه‪ ،‬فنظرت فإذا مال‪ ،‬فتبسمت‪ .‬فقالت‪ :‬أجزاء‬
‫من حمل هذا أن يبيت عزبا قالت‪ :‬ل والله‪ ،‬ولكن ل يجوز دخوله إل بعد أن أتزين له وأستعد‪ .‬قالت‪ :‬فيم ذا فوجهك والله أحسن‬
‫من كل زينة‪ ،‬وما تمدين يدك إلى طيب أو ثوب أو مال أو فرش إل وهو عندك‪ .‬وقد عزمت عليك أن تأذني له‪ .‬قالت‪ :‬افعلي‪.‬‬
‫فذهبت إليه فقالت له‪ :‬بت بنا الليلة‪ .‬فجاءهم عند العشاء الخرة ‪ ،‬فأدني إليه طعام فأكل الطعام كله حتى أعرى الخوان‪،‬‬
‫وغسل يده‪ ،‬وسأل عن المتوضأ فأخبرته فتوضأ‪ ،‬وقام يصلي حتى ضاق صدري ونمت‪ ،‬ثم قال‪ :‬أعليكم إذن? قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فادخل‪،‬‬
‫فأدخلته وأسبلت الستر عليهما‪ .‬فعددت له في بقية الليل على قلتها سبع عشرة مرة دخل المتوضأ فيها‪ .‬فلما أصبحنا وقفت‬
‫على رأسه فقال‪ :‬أتقولين شيئا? قلت‪ :‬نعم والله ما رأيت‪ ،‬أكلت أكل سبعة‪ ،‬وصليت صلة سبعة‪ ،‬ونكت نيك سبعة‪ .‬فضحك‬
‫‪:‬وضرب بيده على منكب عائشة‪ ،‬فضحكت وغطت وجهها وقالت‬
‫وبلوناك فلم نرض الخبر ويدل أيضا على على بطلن خبره أنه لما مات ندبته قائمة‪،‬‬ ‫قد رأيناك فلم تحل لـنـا‬
‫ولم تندب أحدا من أزواجها إل جالسة فقيل لها في ذلك‪ ،‬فقالت‪ :‬إنه كان أكرمهم علي وأمسهم رحما بي‪ ،‬وأردت أل أتزوج بعده‬
‫وكانت ندبة المرأة زوجها قائمة مما تفعله من ل تريد أن تتزوج بعد زوجها أخبرني بذلك الحسن بن علي عن أحمد بن زهير بن‬
‫‪ .‬حرب عن محمد بن سلم‪ .‬وهذا دليل على خلف ما ذكره مصعب‬
‫ثم رجع الخبر إلى سياقة خبرها‪ :‬حديث امرأة عنها وقد اختلى بها عمر‪ :‬قال المدائني في خبره‪ :‬قالت امرأة‪ :‬كنت عند عائشة‬
‫بنت طلحة‪ ،‬فقيل لها‪ :‬قد جاء المير‪ ،‬فتنحيت‪ ،‬ودخل عمر بن عبد الله‪ ،‬وكنت بحيث أسمع كلمهما‪ ،‬فوقع عليها فجاءت‬
‫بالعجائب ثم خرج‪ ،‬فقلت لها‪ :‬أنت في نفسك وموضعك وشرفك تفعلين هذا فقالت‪ :‬إنا نتشهى لهذه الفحول بكل ما حركها‬
‫‪ .‬وكل ما قدرنا عليه‬
‫طلبت ضرتها من مولة لها أن تراها متجردة ثم ندمت أن رأتها‪ :‬قال المدائني‪ :‬وحدثني مسلمة بن محارب قال‪ :‬قالت رملة‬
‫بنت عبد الله بن خلف وكانت تحت عمر بن عبيد الله بن معمر‪ ،‬وقد ولدت منه ابنه طلحة الجود لمولة عائشة بنت طلحة‪:‬‬
‫أريني عائشة متجردة ولك ألفا درهم‪ .‬فأخبرت عائشة بذلك‪ .‬قالت‪ :‬فإني أتجرد‪ ،‬فأعليمها ول تعرفيها أني أعلم‪ .‬فقامت عائشة‬
‫كأنها تغتسل‪ ،‬وأعلمتها فأشرفت عليها مقبلة ومدبرة‪ ،‬فأعطت رملة مولتها ألفي درهم‪ ،‬وقالت‪ :‬لوددت أني أعطيتك أربعة آلف‬
‫‪:‬درهم ولم أرها‪ .‬قال‪ :‬وكانت رملة قد أسنت‪ ،‬وكانت حسنة الجسم قبيحة الوجه عظيمة النف‪ .‬وفيها وفي عائشة يقول الشاعر‬

‫صفحة ‪1239 :‬‬

‫وانبذ برملة نبذ الجورب الخلق ويقال‪ :‬إن رملة قد أسنت عند عمر بن عبيد‬ ‫انعم بعائش عيشا غير ذي رنق‬
‫‪:‬الله‪ ،‬فكانت تجتنبه أيام أقرائها ثم تغتسل‪ ،‬تريه أنها تحيض‪ ،‬وذلك بعد انقطاع حيضها‪ .‬فقال في ذلك بعض الشعراء‬
‫قطرت منك في حماليق عين أخبرنا بذلك الجوهري عن عمر بن شبة‬ ‫‪ .‬جعل الله كل قطـرة حـيض‬
‫أخبار لها مع عمر بن عبيد الله‪ :‬وذكر هارون بن الزيات عن أبي بكر بن عياش قال‪ :‬قال عمر بن عبيد الله لعائشة بنت طلحة‬
‫وقد أصاب منها طيب نفس‪ :‬ما مر بي مثل يوم أبي فديك ‪ .‬فقالت له‪ :‬اعدد أيامك واذكر أفضلها‪ ،‬فعد يوم سجستان ويوم‬
‫قطري بفارس ونحو ذلك‪ .‬فقالت عائشة‪ :‬قد تركت يوما لم تكن في أيامك أشجع منك فيه‪ .‬قال‪ :‬وأي يوم? قالت‪ :‬يوم أرخت‬
‫‪ .‬عليها وعليك رملة الستر‪ ،‬تريد قبح وجهها‬
‫قال‪ :‬فمكثت عائشة عند عمر بن عبيد الله بن معمر ثماني سنين‪ ،‬ثم مات عنها في سنة اثنتين وثمانين‪ ،‬فتأيمت بعده‪ ،‬فخطبها‬
‫‪ .‬جماعة فردتهم‪ ،‬ولم تتزوج بعده أحدا‬
‫قال المدائني‪ :‬كان عمر بن عبيد الله من أشد الناس غيرة‪ ،‬فدخل يوما على عائشة وقد ناله حر شديد وغبار‪ ،‬فقال لها‪ :‬انفضي‬
‫التراب عني‪ .‬فأخذت منديل تنفض به عنه التراب‪ ،‬ثم قالت له‪ :‬ما رأيت الغبار على وجه أحد قط كان أحسن منه على وجه‬
‫‪ .‬مصعب‪ ،‬قال‪ :‬فكاد عمر يموت غيظا‬
‫وقال أحمد بن حماد بن جميل حدثني القحذمي قال‪ :‬كانت عائشة بنت طلحة من أشد الناس مغايظة لزواجها‪ ،‬وكانت تكون‬
‫لمن يجيء يحدثها في رقيق الثياب‪ ،‬فإذا قالوا‪ :‬قد جاء المير ضمت عليها مطرفها وقطبت‪ .‬وكانت كثيرا ما تصف لعمر بن عبيد‬
‫‪ .‬الله مصعبا وجماله‪ ،‬تغيظه بذلك فيكاد يموت‬
‫طلبت من الوليد بن عبد الملك أعوانا حين حجت‪ :‬وقال المدائني حدثني مسلمة بن محارب وعبيد الله بن فائد‪ ،‬وأخبرنا به‬
‫حرمي عن الزبير عن عمه ومحمد بن الضحاك‪ ،‬قالوا‪ :‬دخلت عائشة بنت طلحة على الوليد بن عبد الملك وهو بمكة‪ ،‬فقالت‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬مر لي بأعوان فضم إليها قوما يكونون معها‪ ،‬فحجت ومعها ستون بغل عليها الهوادج والرحائل‪ .‬فعرض لها عروة‬
‫‪:‬بن الزبير فقال‬
‫أكل عام هكذا تحـجـين فأرسلت إليه‪ :‬نعم يا عرية‪ ،‬فتقدم إن شئت‪ ،‬فكف عنها‪.‬‬ ‫عائش يا ذات البغال الستين‬
‫‪ .‬ولم تتزوج حتى ماتت‬
‫حجت مع سكينة بنت الحسين وكانت أحسن آلة وثقل‪ :‬وقال غير المدائني‪ :‬إن عائشة بنت طلحة حجت وسكينة بنت الحسين‬
‫‪:‬عليهما السلم معا‪ ،‬وكانت عائشة أحسن آلة وثقل ‪ .‬فقال حاديها‬
‫أكل عام هكذا تحـجـين فشق ذلك على سكينة‪ ،‬ونزل حاديها فقال‬ ‫‪:‬عائش يا ذات البغال الستين‬
‫لول أبوها ما اهتدى أبوك فأمرت عائشة حاديها أن يكف فكف‬ ‫‪ .‬عائش هذي ضرة تشكوك‬
‫بهر موكب عاتكة بنت يزيد في الحج‪ :‬وقال‪ :‬إسحاق بن إبراهيم في خبره حدثني محمد بن سلم عن يزيد بن عياض قال‪:‬‬
‫استأذنت عاتكة بنت يزيد بن معاوية عبد الملك في الحج‪ ،‬فأذن لها وقال‪ :‬ارفعي حوائجك واستظهري؛ فإن عائشة بنت طلحة‬
‫تحج‪ ،‬ففعلت فجاءت بهيئته جهدت فيها‪ .‬فلما كانت بين مكة والمدينة إذا موكب قد جاء فضغطها وفرق جماعتها‪ .‬فقالت‪ :‬أرى‬
‫عائشة بنت طلحة‪ ،‬فسألت عنها فقالوا‪ :‬هذه خازنتها‪ .‬ثم جاء موكب آخر أعظم من ذلك فقالوا‪ :‬عائشة عائشة‪ ،‬فضغطهم‪،‬‬
‫فسألت عنه‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذه ماشطتها‪ .‬ثم جاءت مواكب على هذا إلى سننها ‪ .‬ثم أقبلت كوكبة فيها ثلثمائة راحلة عليها القباب‬
‫‪ .‬والهوادج‪ .‬فقالت عاتكة‪ :‬ما عند الله خير وأبقى‬
‫وقال هارون بن الزيات حدثني قبيصة عن ابن عائشة عن أمه عن سلمة مولة جدته أثيلة بنت المغيرة بن عبد الله بن معمر‬
‫قالت‪ :‬كان كبر عجيزتها مثار العجب‪ :‬زرت مع مولتي خالتها عائشة بنت طلحة وأنا يومئذ وصيفة ‪ ،‬فرأيت عجيزتها من خلفها‬
‫وهي جالسة كأنها غيرها‪ ،‬فوضعت أصبعي عليها لعلم ما هي‪ ،‬فلما وجدت مس أصبعي قالت‪ :‬ما هذا? قلت‪ :‬جعلت فداءك لم‬
‫‪ .‬أدر ما هو‪ ،‬فجئت لنظر‪ .‬فضحكت وقالت‪ :‬ما أكثر من يعجب مما عجبت منه‬
‫إعجاب أبي هريرة بجمالها‪ :‬وزعم بكر بن عبد الله بن عاصم مولى عرينة عن أبيه عن جده‪ :‬أن عائشة نازعت زوجها إلى أبي‬
‫‪ .‬هريرة‪ ،‬فوقع خمارها عن وجهها‪ ،‬فقال أبو هريرة‪ :‬سبحان الله ما أحسن ما غذاك أهلك لكأنما خرجت من الجنة‬

‫صفحة ‪1240 :‬‬

‫وفدت على هشام فأعجب سامروه بعلمها‪ :‬قال ابن عائشة وحدثني أبي أن عائشة بنت طلحة وفدت على هشام‪ ،‬فقال لها‪:‬‬
‫ما أوفدك? قالت‪ :‬حبست السماء المطر‪ ،‬ومنع السلطان الحق‪ .‬قال‪ :‬فإني أبل رحمك وأعرف حقك‪ ،‬ثم بعث إلى مشايخ بني‬
‫أمية فقال‪ :‬إن عائشة عندي‪ ،‬فاسمروا عندي الليلة فحضروا‪ ،‬فما تذاكروا شيئا من أخبار العرب وأشعارها وأيامها إل أفاضت‬
‫معهم فيه‪ ،‬وما طلع نجم ول غار إل سمته‪ .‬فقال لها هشام‪ :‬أما الول فل أنكره‪ ،‬وأما النجوم فمن أين لك? قالت‪ :‬أخذتها عن‬
‫‪ .‬خالتي عائشة‪ .‬فأمر لها بمائة ألف درهم وردها إلى المدينة‬
‫مر بها النميري الشاعر فاستنشدته وخبره معها‪ :‬أخبرني عمي عن الكراني عن المغيرة بن محمد المهلبي عن محمد بن عبد‬
‫الوهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله قال حدثني ابن عمران البزازي قال‪ :‬لما تأيمت عائشة بنت طلحة كانت تقيم بمكة سنة‪،‬‬
‫وبالمدينة سنة‪ ،‬تخرج إلى مال لها بالطائف عظيم وقصر لها فتنزه وتجلس فيه بالعشيات‪ ،‬فتناضل بين الرماة‪ .‬فمر بها النميري‬
‫الشاعر‪ ،‬فسألت عنه فنسب لها‪ ،‬فقالت‪ :‬ائتوني به‪ .‬فقالت له لما أتوها به‪ :‬أنشدني مما قلت في زينب ‪ .‬فامتنع وقال‪ :‬ابنة‬
‫‪:‬عمي وقد صارت عظاما بالية‪ .‬قالت‪ :‬أقسمت لما فعلت‪ .‬فأندشها قوله‬
‫يلبين للرحمـن مـعـتـمـرات‬ ‫نزلن بفـخ ثـم رحـن عـشـية‬
‫ويخرجن شطر الليل معتجـرات‬ ‫يخبئن أطراف الكف من التقـى‬
‫وكن من أن يلقـينـه حـذرات‬ ‫ولما رأت ركب النميري أعرضت‬
‫به زينب في نسـوة خـفـرات فقالت‪ :‬والله ما قلت إل جميل‪ ،‬ول وصفت‬ ‫تضوع مسكا بطن نعمان أن مشت‬
‫إل كرما وطيبا وتقى ودينا‪ ،‬أعطوه ألف درهم‪ .‬فلما كانت الجمعة الخرى تعرض لها‪ ،‬فقالت‪ :‬علي به فجاء‪ .‬فقالت‪ :‬أنشدني من‬
‫شعرك في زينب‪ .‬فقال‪ :‬أو أنشدك من قول الحارث فيك? فوثب مواليها‪ ،‬فقالت‪ :‬دعوه؛ فإنه أراد أن يستقيد لبنة عمه‪ ،‬هات‪.‬‬
‫‪:‬فأنشدها‬
‫وغدوا بلبك مطلع الشـوق‬ ‫ظعن المير بأحسن الخلـق‬
‫نهض الضعيف ينوء بالوسق‬ ‫وتنوء تثقلها عـجـيزتـهـا‬
‫إل غدا بكواكب الـطـلـق‬ ‫ما صبحت زوجا بطلعتـهـا‬
‫عبق الدهان بجانب الحـق‬ ‫قرشية عبق العبـير بـهـا‬
‫هذا الجنون وليس بالعشـق قالت‪ :‬والله ما ذكر إل جميل‪ ،‬ذكر أني إذا أصبحت‬ ‫بيضاء من تيم كلفـت بـهـا‬
‫زوجا بوجهي غدا بكواكب الطلق‪ ،‬وأني غدوت مع أمير تزوجني إلى الشرق‪ .‬أعطوه ألف درهم واكسوه حلتين‪ ،‬ول تعد لتياننا يا‬
‫‪ .‬نميري‬
‫أخر الحارث بن خالد الصلة لتتم طوافها‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة عن محمد بن سلم‪ :‬أن عبد‬
‫الملك ولى الحارث بن خالد على مكة‪ .‬فأذن المؤذن‪ ،‬وخرج للصلة‪ ،‬فأرسلت إليه عائشة بنت طلحة‪ :‬قد بقي من طوافي شيء‬
‫لم آته‪ ،‬وكان يتعشقها‪ ،‬فأمر المؤذن فكف عن القامة‪ ،‬ففرغت من طوافها‪ .‬وبلغ ذلك عبد الملك فعزله‪ .‬فقال‪ :‬ما أهون والله‬
‫‪ .‬غضبه وعزله إياي علي عند رضاها عني‬
‫كانت معناة بعجيزتها‪ :‬أخبرني أحمد بن عبد العزيز حدثني عمر بن شبة قال‪ :‬قال سلم بن قتيبة‪ :‬رأيت عائشة بنت طلحة بمنى‬
‫أو مسجد الخيف‪ ،‬فسألتني من أنت? قلت‪ :‬سلم بن قتيبة‪ .‬فقالت‪ :‬رحم الله مصعبا ثم ذهبت تقوم ومعها امرأتان تنهضانها‪،‬‬
‫‪:‬فأعجزتها أليتاها من عظمهما‪ ،‬فقالت‪ :‬إني بكما لمعناة‪ .‬فذكرت قول الحارث‬
‫نهض الضعيف ينوء بالوسق وروى هذا الخبر بن الزيات عن جعفر بن محمد عن أحمد‬ ‫وتنوء تثقلها عـجـيزتـهـا‬
‫بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو عمرو بن خلد عن المدائني قال‪ :‬قال أبو هريرة لعائشة بنت‬
‫طلحة‪ :‬ما رأيت شيئا أحسن منك إل معاوية أول يوم خطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فقالت‪ :‬والله لنا‬
‫‪ .‬أحسن من النار في الليلة القرة في عين المقرور‬
‫خطبها أبان بن سعيد على يد أخيه فأبت‪ :‬أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن‬
‫الحكم عن عوانة قال‪ :‬كتب أبان بن سعيد إلى أخيه يحيى يخطب عليه عائشة بنت طلحة‪ ،‬ففعل‪ .‬فقالت ليحيى‪ :‬ما أنزل أخاك‬
‫‪:‬أيلة? قال‪ :‬أراد العزلة‪ .‬قالت‪ :‬اكتب إلى أخيك‬
‫عدوا ول مستنقع بـك نـافـع‬ ‫حللت محل الضب ل أنت ضائر‬

‫صفحة ‪1241 :‬‬

‫‪:‬صوت‬
‫صنيعة تقوى أو صديق توامقه‬ ‫إذا المال لم يوجب عليك عطاءه‬
‫فلم يفتلتك المال إل حقـائقـه عروضه من الطويل‪ .‬توامقه‪ :‬تفاعله من‬ ‫منعت وبعض المنع حزم وقوة‬
‫الموامقة‪ ،‬أي توده ويودك؛ يقال‪ :‬ومقته أمقه أي أحببته‪ .‬ويفتلتك أي يخرجه من يدك وقبضتك‪ .‬الشعر لكثير‪ .‬والغناء لمالك بن‬
‫‪ .‬أبي السمح‪ ،‬إنه للهذلي‪ ،‬خفيف ثقيل أول بالبنصر‬
‫سئل ابن عمران الطلحي أن يعاون صيرفيا أفلس فتمثل ببيتين لكثير‪ :‬أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا طلحة بن عبد الله‬
‫قال حدثني أبو معمر عافية بن شيبة قال حدثني العتبي قال‪ :‬أفلس صيرفي بالمدينة‪ ،‬فخرج قوم يسألون له‪ ،‬فمروا بابن‬
‫‪:‬عمران الطلحي وقد فتح بابه واجتمع له أصحابه‪ ،‬فسألوه فقرع بمخصرته ثم رفع رأسه إليهم فقال‬
‫صنيعة تقوى أو صديق توامقه‬ ‫إذا المال لم يوجب عليك عطاءه‬
‫فلم يفتلتك المال إل حقـائقـه إنا والله ما نحيد عن الحق‪ ،‬ول نتدفق في‬ ‫بخلت وبعض البخل حزم وقوة‬
‫الباطل‪ ،‬وإن لنا لحقوقا تشغل فضول أموالنا‪ ،‬وما كل من أفلس من صيارفة المدينة قدرنا ان نجبره‪ ،‬فوموا‪ .‬قال‪ :‬فقمنا نستبق‬
‫‪ .‬الباب‬
‫أن يفرض له فأبى فتمثل البرش ببيتين لكثير‪ :‬أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو مسلمة‬
‫المديني قال أخبرني أبي قال‪ :‬كان رجل من النصار من بني حارثة مملقا ليس في ديوان ول عطاء‪ ،‬وكان صديقا لبراهيم ابن‬
‫هشام بن إسماعيل‪ .‬فقال له يوما‪ :‬إن أمير المؤمنين مسابق عدا بين الخيل‪ ،‬وقد أمرت الحرس أل يعرضوا لك حتى تكلمه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فسبق هشاما يومئذ ابن له‪ ،‬وكان السبق يشتد عليه‪ .‬فعرض له النصاري فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أنا امرؤ من النصار‪،‬‬
‫وقد بلغت هذه السن ولست في ديوان‪ ،‬فإن رأى أمير المؤمنين أن يفرض لي فعل‪ .‬قال‪ :‬فأقبل عليه هشام فقال‪ :‬والله ل‬
‫أفرض لك حتى مثل هذه الليلة من السنة المقبلة‪ ،‬ثم أقبل على البرش فقال‪ :‬يا أبرش أخطأ أخو النصار المسألة‪ .‬فقال‪ :‬يا‬
‫‪:‬أمير المؤمنين‪ ،‬ابن أبي جمعة يقول‬
‫صنيعة تقوى أو خليل توامقـه‬ ‫إذا المال لم يوجب عليك عطاءه‬
‫فلم يفتلتك المال إل حقـائقـه من شعر عمرو بن شأس‪ :‬صوت‬ ‫‪:‬منعت وبعض المنع حزم وقوة‬
‫ندمـت وبـان الــيوم مـــنـــي بـــغـــير ذم‬ ‫فوانـدمـي عـلــى الـــشـــبـــاب و وانـــدم‬
‫وإذ ل أجـيب الـعـاذلت مــن الـــصـــمـــم‬ ‫وإذ إخـوتـي حــولـــي وإذ أنـــا شـــامـــخ‬
‫عرارا لـعـمـري بـالـهـوان فـقــد ظـــلـــم‬ ‫أرادت عـــرارا بـــالـــهـــوان ومـــن يرد‬
‫فكـونـي لـه كـالـسـمـــن ربـــت لـــه الدم‬ ‫فإن كـنـت مـنـي أو تـريدين صـحـــبـــتـــي‬
‫تيمـم خـمــســـا لـــيس فـــي ورده يتـــم‬ ‫وإل فـبـينـي مــثـــل مـــا بـــان راكـــب‬
‫تعـافـيتـهـا مـنـه فـمـا أمـلــك الـــشـــيم‬ ‫فإن عـــرارا إن يكـــن ذا شــــكـــــــيمة‬
‫فإنـي أحـب الـجـون ذا الـمـكـنـب الـعــمـــم‬ ‫وإن عـــرارا إن يكـــن غـــير واضــــــح‬
‫وأسـري إذا مـا الـلـيل ذو الـظـلــم ادلـــهـــم‬ ‫وإنـي لـعـطـي غـثـهـا وســمـــينـــهـــا‬
‫حذارا على ما كان قدم والديإذا روحتهمحرجف تطرد الصرم عروضه من الطويل‪ .‬الشعر لعمرو بن شأس السدي‪ .‬والغناء في‬
‫الول والثاني من البيات لمعبد‪ .‬ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى‪ ،‬عن إسحاق‪ .‬وذكر عمرو أن فيهما لمالك خفيف رمل‬
‫بالبنصر‪ .‬وفي الثامن والتاسع لبن جامع هزج بالوسطى عن الهشامي وعلي بن يحيى‪ ،‬وفيهما لبراهيم ماخوري بالبنصر من‬
‫نسخة عمرو الثانية‪ ،‬ولبن سريج ثاني ثقيل بالبنصر عن حبش‪ ،‬وفيهما رمل مجهول وقيل‪ :‬إنه لسليم‪ .‬الشامخ‪ :‬الذي يشمخ‬
‫بأنفه زهوا وكبرا‪ .‬وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه‪ .‬و الشيمة‪ :‬الطبيعة‪ .‬ربت له‪ :‬يعني للسمن فل تفسده ‪ .‬والدم‬
‫جمع واحدها أديم وجمعها أدم‪ ،‬كما يقال أفيق وأفق ‪ .‬واليتم‪ :‬الغفلة والضيعة؛ واليتيم مأخوذ من هذا‪ .‬واليتيم من البهائم‪ :‬ما‬
‫اختلج عن أمه‪ .‬والعرب تقول‪ :‬ل تخلج الفصيل عن أمه‪ ،‬فإن الذئب عالم بمكان الفصيل اليتيم ‪ .‬ويقال‪ :‬فلن شديد الشكيمة أي‬
‫‪:‬شديد اللسان كثير البيان؛ ومنه شكيمة اللجام‪ ،‬وجمعها شكائم‪ .‬قال عويف القوافي‬

‫صفحة ‪1242 :‬‬

‫على الجرد في أفواهن الشكائم والواضح‪ :‬البيض‪ .‬والجون‪ :‬السود والبيض‬ ‫أقول لفتيان كـرام تـروحـوا‬
‫أيضا‪ ،‬وهو من الضداد‪ .‬والعمم‪ :‬الطويل؛ يقال رجل عمم‪ ،‬وامرأة عمم‪ ،‬ورجل عميم‪ ،‬وامرأة عميمة‪ ،‬ونخل عميم‪ ،‬ونبت عميم‪.‬‬
‫والسرى‪ :‬السير ليل‪ .‬وادلهم‪ :‬اشتد سواده‪ .‬والحرجف‪ :‬الريح الشديدة الباردة‪ .‬والصرم‪ :‬جمع صرمة وهي القطعة من البل‪.‬‬
‫‪ .‬يعني أن هذه الريح إذا هبت طرد الرعاء البل مراحها وأعطانها فتسكنها فيها‬

‫نسب عمرو بن شأس وأخباره‬

‫‪:‬في هذا الشعر وغيره‬


‫نسب عمرو بن شأس‪ :‬هو عمرو بن شأس بن عبيد بن ثعلبة بن ذؤيبة بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد‬
‫‪ .‬بن خزيمة‪ .‬وهذا الشعر يقوله في امرأته أم حسان وابنه عرار بن عمرو‪ ،‬وكانت تؤذيه وتعيره بسواده‬
‫كانت امرأته تؤذي عرارا وتشتمه ويشتمها‪ ،‬فقال هو شعرا يخاطبها به‪ :‬وأخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثنا محمد بن‬
‫الحسن الحول قال قال ابن العرابي‪ :‬كانت امرأة عمرو بن شأس من رهطه‪ ،‬ويقال لها أم حسان‪ ،‬واسمها حية بنت الحارث‬
‫‪:‬بن سعد‪ ،‬وكان له ابن يقال له عرار من أمة له سوداء وكانت تعيره وتؤذي عرارا وتشتمه ويشتمها‪ .‬فلما أعيت عمرا قال فيها‬
‫بدافقة الحومان فالسفح من رمـم‬ ‫ديار ابنة السعدي هيه تكـلـمـي‬
‫خلئق تؤبى في الثراء وفي العدم‬ ‫لعمر ابنة السعدي إنـي لتـقـي‬
‫إذا الحبل من إحدى حبائبي انصرم‬ ‫وقفت بها ولم أكن قبل أرتـجـي‬
‫عليه وإيقاعي المهند بالـعـصـم‬ ‫وإني لمزر بالمطي تـنـقـلـي‬
‫وأسرى إذا ما الليل ذو الظلم ادلهم‬ ‫وإني لعطي غثها وسـمـينـهـا‬
‫مناثر ملح في السهول وفي الكم‬ ‫إذا الثلج أضحى في الديار كـأنـه‬
‫إذا روحتهم حرجف تطرد الصرم‬ ‫حذارا على ما كان قـدم والـدي‬
‫وأوصاله من غير جرح ول سقم‬ ‫وأترك ندمـانـي يجـر ثـيابـه‬
‫معتقة صهبـاء راووقـهـا رذم‬ ‫ولكنـهـا مـن رية بـعـد رية‬
‫مذابح غزلن يطيب بها الشـمـم‬ ‫من العانيات من مـدام كـأنـهـا‬
‫وإذ ل أجيب العاذلت من الصمم‬ ‫وإذ أخوتي حولي وإذ أنا شـامـخ‬
‫تحالمت حتى ما أعارم من عـرم‬ ‫ألم يأتها أني صـحـوت وأنـنـي‬
‫مساغا لنابيه الشجـاع لـقـد أزم‬ ‫وأطرقت إطراق الشجاع ولو يرى‬
‫قديما وأني لست أهضم من هضم يقول‪ :‬ل أظلم أحدا من قومي وأتهضمه‬ ‫وقد علمت سعد بأني عـمـيدهـا‬
‫فيطلبني بمثل ذلك‪ ،‬أي أرفع نفسي عن هذا‬
‫قديما بنوا لي سورة المجد والكرم‬ ‫خزيمة رداني الفعال ومعـشـر‬
‫بنو أسد يوما على رغم من رغم‬ ‫إذا ما وردنا الماء كانت حمـاتـه‬
‫عرارا لعمري بالهوان فقد ظلـم لما يئس من الصلح بين امرأته وابنه طلقها‬ ‫أرادت عرارا بالهوان ومـن يرد‬
‫ثم ندم وقال شعرا‪ :‬وذكر باقي البيات‪ .‬قال ابن العرابي وأبو بكر الشيباني‪ :‬فجهد عمرو بن شأس أن يصلح بين ابنه وامرأته‬
‫‪:‬أم حسان فلم يمكنه ذلك‪ ،‬وجعل الشر يزيد بينهما‪ .‬فلما رأى ذلك طلقها‪ ،‬ثم ندم ولم نفسه؛ فقال في ذلك‬
‫على دبر لمـا تـبـين مـا ائتـمـر‬ ‫تذكر ذكرى أم حسـان فـاقـشـعـر‬
‫أمر بموساه الشـوارب فـانـتـحـر‬ ‫فكدت أذوق الموت لـو أن عـاشـقـا‬
‫رعان وقيعان بها الدهر الزهر والشجر‬ ‫تذكرتها وهـنـا وقـد حـال دونـهـا‬
‫لها ربعا حنت لـمـعـهـده سـحـر‬ ‫فكنت كذاب الـبـو لـمـا تـذكـرت‬
‫كذلك شأو المرء يخـلـجـه الـقـدر قال ابن العرابي‪ :‬الثيمة الفعيلة من‬ ‫حفاظـا ولـم تـنـزع هـراي أثـيمة‬
‫‪:‬الثم‪ ،‬وهي مرفوعة بفعلها‪ ،‬كأنه قال‪ :‬لم تنزع الثيمة هواي‪ .‬تخلجه‪ :‬تصرفه‪ .‬شأوه‪ :‬همه ونيته‪ .‬قال وقال فيها أيضا‬
‫إذا عبرة نهنهتها فتخلت‬ ‫ألم تعلمي يا أم حسان أنني‬

‫صفحة ‪1243 :‬‬

‫إذا قرعت صفرا من الماء صلت خبر ابنه عرار مع عبد الملك حين جاءه رسول‬ ‫رجعت إلى صدر كجرة حنـتـم‬
‫من قبل الحجاج‪ :‬أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن إسحاق بن محمد بن سلم‪ ،‬وأخبرني إبراهيم بن أيوب‬
‫عن ابن قتيبة قال قال ابن سلم‪ :‬لما قتل الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الشعث بعث برأسه مع عرار بن عمرو بن شأس‬
‫‪:‬السدي‪ ،‬فلما ورد به وأوصل كتاب الحجاج‪ ،‬جعل عبد الملك يعجب من بيانه وفصاحته مع سواده‪ ،‬فقال متمثل‬
‫فإني أحب الجون ذا المنكب العمم فضحك عرار من قوله ضحكا غاظ عبد‬ ‫وإن عمرارا إن يكن غير واضـح‬
‫الملك؛ فقال له‪ :‬مم ضحكت ويحك قال‪ :‬أتعرف عرارا يا أمير المؤمنين الذي قيل فيه هذا الشعر ? قال ل‪ .‬قال‪ :‬أنا والله هو‪.‬‬
‫‪ .‬فضحك عبد الملك ثم قال‪ :‬حظ وافق كلمة‪ ،‬وأحسن جائزته وسرحه‬
‫قال شعرا في قتل ملك من غسان يقال له عدي‪ :‬وقال الطوسي‪ :‬أغار ملك من ملوك غسان يقال له عدي وهو ابن أخت‬
‫الحارث بن أبي شمر الغساني علي بني أسد‪ ،‬فلقيته بنو سعد بن ثعلبة بن دودان بالفرات ورئيسهم ربيعة بن حذار ‪ ،‬فاقتتلوا‬
‫قتال شديدا‪ ،‬فقتلت بنو سعد عديا‪ ،‬اشترك في قتله عمرو وعمير ابنا حذار أخوا ربيعة‪ ،‬وأمهما امرأة من كنانة يقال لها تماضر‬
‫‪:‬إحدى بني فراس بن غنم وهي التي يقال لها مقيدة الحمار‪ .‬فقالت فاختة بنت عدي‬
‫رماح بني مقيدة الحمـار‬ ‫لعمرك ما خشيت على عدي‬
‫رماح الجن أو إياك حـار تغنى الحارث بن أبي شمر خاله‬ ‫ولكني خشيت علـى عـدي‬
‫بعيد الهم طلع النجار ويروى‪ :‬جواب الصحارى‪ .‬فقال عمرو بن شأس في ذلك‪:‬‬ ‫قتيل ما قتيل ابني حذار‬
‫‪:‬صوت‬
‫لليلى بأعلى ذي معارك تـدمـعـا‬ ‫متى تعرف العينان أطـلل دمـنة‬
‫سجوم ولم تجزع على الدار مجزعا‬ ‫على النحر والسربال حتى تـبـلـه‬
‫وإل تعوجا اليوم ل ننطلق مـعـا‬ ‫خليلي عوجا اليوم نقـض لـبـانة‬
‫قياد الجـنـيب أو أذل وأطـوعـا وهي قصيدة‪ .‬غنى في هذه البيات إبراهيم‬ ‫وإن تنظراني اليوم أتبعكـمـا غـدا‬
‫ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي‪ .‬والدمنة في هذا الموضع‪ :‬آثار الناس وما سودوا‪ ،‬وهي في غير هذا الموضع الحقد؛ يقال‪ :‬في‬
‫‪.‬صدره علي إحنة‪ ،‬وترة‪ ،‬وضب‪ ،‬وحسيكة‪ ،‬ودمنة‬
‫وعوجا‪ :‬احبسا وتلبثا‪ ،‬عاج يعوج عياجا ‪ .‬وما أعيج بكلمك أي ما ألتفت إليه‪ .‬واللبانة‪ :‬الحاجة؛ يقال‪ :‬لي في كذا لبانة ولبونة‬
‫ولماسة‪ ،‬ووطر‪ ،‬وحوجاء ممدودة‪ .‬وقوله‪ :‬ل ننطلق معا‪ ،‬يقول إن لم تقفا تأخرت عنكما فتفرقنا‪ .‬وتنظراني تنظراني؛ يقال‬
‫نظرته أنظره‪ ،‬وأنظرته أنظره إنظارا ونظرة أيضا إذا أخرته؛ قال الله عز وجل‪ :‬فنظرة إلى ميسرة ‪ .‬والجنيب‪ :‬المجنوب من‬
‫‪ .‬فرس وغيره‪ ،‬والجنيب أيضا الذي يشتكي رئته من شدة العطش‬
‫خطب بنت رجل كان مجاورا له فلما أحس منه امتناعا أراد أن يصيبها سبية ثم تذمم وقال شعرا‪ :‬وقال الطوسي قال‬
‫الصمعي‪ :‬جاور رجل من بني عامر بن صعصعة عمرو بن شأس ومعه بنت له من أجمل الناس وأظرفهم‪ ،‬فخطبها عمرو إلى‬
‫أبيها‪ .‬فقال أبوها‪ :‬أما دمت جارا لكم فل‪ ،‬لني أكره أن يقول الناس غصبه أمره‪ ،‬ولكن إذا أتيت قومي فاخطبها إلي أزوجكها‪.‬‬
‫فوجد عمرو من ذلك في نفسه واعتقد أل يتزوجها أبدا إل أن يصيبها مسبية‪ .‬فلما ارتحل أبوها هم عمرو بغزو قومها‪ ،‬فسار في‬
‫أثر أبيها‪ .‬فلما وقعت عينيه عليه وظفر به استحيا من جواره وما كان بينهما من العهد والميثاق‪ ،‬فنظر إلى الجارية أمامهم وقد‬
‫أخرجت رأسها من الهودج تنظر إليه‪ .‬فلما رأها رجع مستحييا متذمما منها‪ .‬وكان عمرو مع شجاعته ونجدته من أهل الخير؛‬
‫‪:‬فقال في ذلك‪ :‬صوت‬
‫كفى لمطايانا بوجـهـك هـاديا‬ ‫إذا نحن أدلجنا وأنت أمـامـنـا‬
‫وإن كن حسرى أن تكوني أماميا‬ ‫أليس يزيد العـيس خـفة أذرع‬
‫منيته منـي أبـوك الـلـيالـيا‬ ‫ولول اتقاء الله والعهد قـد رأى‬
‫وأحربـه إذا تـنـفـس عـاديا‬ ‫ونحن بنو خير السـبـاع أكـيلة‬
‫عظام الرجال ل يجيب الرواقيا‬ ‫بنو أسـد وزد يشـق بـنـابـه‬

‫صفحة ‪1244 :‬‬

‫إذا ما دعوا أسمعت ثم الدواعيا‬ ‫متى تدع قيسا أدع خندف إنهـم‬
‫وباد إذا عدوا علينا الـبـواديا الغناء لسحاق الموصلي ثاني ثقيل في الول‬ ‫لنا حاضر لم يحضر الناس مثله‬
‫‪ .‬والثاني من البيات‪ ،‬وفيه لحن قديم‬
‫سئل ابن سيرين فأنشد بيتين في شعره دللة على جوازه‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عبد الله‬
‫بن أبي سعد قال حدثنا الحزامي قال حدثنا معن بن عيسى عن رجل عن سويد بن أبي رهم قال‪ :‬قلت لبن سيرين‪ :‬ما تقول‬
‫‪:‬في الشعر? قال‪ :‬هو كلم‪ ،‬حسنه حسن‪ ،‬وقبيحه قبيح‪ .،‬قلت‪ :‬فما تقول في النسيب? قال‪ :‬لعلك تريد مثل قول الشاعر‬
‫كفى لمطايانا بوجـهـك هـاديا‬ ‫إذا نحن أدلجنا وأنت أمـامـنـا‬
‫وإن كن حسرى أن تكوني أماميا قال‪ :‬وأراد بإنشاده إياهما أنك قد رأيتني‬ ‫أليس يزيد العـيس خـفة أذرع‬
‫‪ .‬أحفظ هذا الجنس وأرويه وأنشدتك إياه‪ ،‬فلو كان به بأس ما أنشدته‬
‫‪:‬صوت‬
‫فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر‬ ‫فإن تكن القتلى بواء فـإنـكـم‬
‫وأشجع من ليث بخفان خـادر عروضه من الطويل‪ .‬البواء بالباء‪ :‬التكافؤ؛ يقال‬ ‫فتى كان أحيا من فتـاة حـيية‬
‫ما فلن لفلن ببواء‪ ،‬أي ما هو له بكفء أن يقتل به‪ .‬وما في قولها فتى ما قتلتم صلة‪ .‬وآل عوف نداء‪ .‬وخفان‪ :‬موضع مشهور‪.‬‬
‫‪ .‬وخادر‪ :‬مقيم في مكمنة وغيله‪ ،‬وهو مأخوذ من الخدر‬
‫الشعر لليلى الخيلية ترثي توبة بن الخمير‪ .‬والغناء لسحاق بن إبراهيم الموصلي‪ ،‬رمل بإطلق الوتر في مجرى البنصر‪ .‬وفيه‬
‫لبراهيم ثقيل بالوسطى عن حبش‪ .‬وفي هذه القصيدة عدة أغان تذكر مع سائر ما قاله توبة في ليلى وقالت فيه من الشعر‬
‫‪ .‬عند انقضاء الخبر في مقتله إن شاء الله تعالى‬

‫ذكر ليلى وخبر توبة بن الحمير معها‬

‫‪:‬وخبر مقتله‬
‫نسب ليلى الخيلية‪ :‬هي ليلى بنت عبد الله بن الرحال وقيل ابن الرحالة بن شداد بن كعب بن معاوية‪ ،‬وهو الخيل وهو فارسها‬
‫الهرار ‪ ،‬ابن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة‪ .‬وهي من النساء المتقدمات في الشعر من شعراء السلم‬
‫‪.‬‬
‫كان توبة بن الحمير يهواها ونسبه‪ :‬وكان توبة بن الحمير يهواها‪ .‬وهو توبة بن الحمير بن حزم بن كعب بن خفاجة بن عمرو ابن‬
‫‪ .‬عقيل‬
‫جاءها توبة يوما فسفرت له لتحذره‪ :‬أخبرني ببعض أخبارهما أحمد بن عبد العزيز الجوهري ومحمد بن حبيب بن نصر المهلبي‬
‫قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق قال حدثنا محمد بن علي أبو المغيرة قال حدثنا أبي عن أبي عبيدة قال حدثني أنيس بن‬
‫عمرو العامري قال‪ :‬كان توبة بن الحمير أحد بني السدية‪ ،‬وهي عامرة بنت والبة بن الحارث‪ ،‬وكان يتعشق ليلى بنت عبد الله‬
‫بن الرحالة ويقول فيها الشعر‪ ،‬فخطبها إلى أبيها فأبى أن يزوجه إياها وزوجها في بني الدلع‪ .‬فجاء يوما كما كان يجيء لزيارتها‪،‬‬
‫فإذا هي سافرة ولم ير منها إليه إل بشاشة‪ ،‬فعلم أن ذلك لمر ما كان‪ ،‬فرجع إلى راحلته فركبها ومضى‪ ،‬وبلغ بني الدلع أنه‬
‫‪:‬أتاها فتبعوه ففاتهم‪ .‬فقال توبة في ذلك‬
‫وشطت نواها واستمر مريرها وهي طويلة‪ ،‬يقول فيها‬ ‫‪:‬نأتك بليلى دارها ول تزورهـا‬
‫فقد رابني منها الغداة سفورها أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر‬ ‫وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت‬
‫بن شبة قال‪ :‬كان توبة بن الحمير إذا أتى ليلى الخيلية خرجت إليه في برقع‪ .‬فلما شهر أمره شكوه إلى السلطان‪ ،‬فأباحهم‬
‫دمه إن أتاهم‪ .‬فمكثوا له في الموضع الذي كان يلقاها فيه‪ .‬فلما علمت به خرجت سافرة حتى جلست في طريقه فلما رآها‬
‫‪:‬سافرة فطن لما أرادت وعلم أنه قد رصد‪ ،‬وأنها أسفرت لذلك تحذره‪ ،‬فركض فرسه فنجا‪ .‬وذلك قوله‬
‫فقد رابني منها الغداة سفورها‬ ‫وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت‬

‫صفحة ‪1245 :‬‬

‫قال أبو عبيدة وحدثني غير أنيس أنه كان يكثر زيارتها‪ ،‬فعاتبه أخوها وقومها فلم يعتب ‪ ،‬وشكوه إلى قومه فلم يقلع‪ ،‬فتظلموا‬
‫منه إلى السلطان فأهدر دمه إلى أن أتاهم‪ .‬وعلمت ليلى بذلك‪ ،‬وجاءها زوجها وكان غيورا فحلف لئن لم تعلمه بمجيئه ليقتلنها‪،‬‬
‫ولئن أنذرته بذلك ليقتلنها‪ .‬قالت ليلى‪ :‬وكنت أعرف الوجه الذي يجيئني منه‪ ،‬فرصدوه بموضع ورصدته بآخر‪ ،‬فلما أقبل لم أقدر‬
‫‪ .‬على كلمه لليمين‪ ،‬فسفرت وألقيت البرقع عن رأسي‪ .‬فلما رأى ذلك أنكره فركب راحلته ومضى ففاتهم‬
‫عرفها رجل من بني كلب وخبره معها ومع زوجها‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أحمد‬
‫بن معاوية بن بكر قال حدثني أبو زياد الكلبي قال‪ :‬خرج رجل من بني كلب ثم من بني الصحمة يبتغي إبل له حتى أوحش‬
‫وأرمل ‪ ،‬ثم أمسى بأرض فنظر إلى بيت بواد‪ ،‬فأقبل حيث ينزل الضيف‪ ،‬فأبصر امرأة وصبيانا يدورون بالخباء فلم يكلمه أحد‪.‬‬
‫فلما كان بعد هدأة من الليل سمع جرجرة إبل رائحة‪ ،‬وسمع فيها صوت رجل حتى جاء بها فأناخها على البيت‪ ،‬ثم تقدم فسمع‬
‫الرجل يناجي المرأة ويقول‪ :‬ما هذا السواد حذاءك? قالت‪ :‬راكب أناخ بنا حين غابت الشمس ولم أكلمه‪ .‬قفال لها‪ :‬كذبت‪ ،‬ما‬
‫هو إل بعض خلنك‪ ،‬ونهض فضربها وهي تناشده‪ ،‬قال الرجل‪ :‬فسمعته يقول‪ :‬والله ل أترك ضربك حتى ياتي ضيفك هذا فيغيثك‪.‬‬
‫فلما عيل صبرها قالت‪ :‬يا صاحب البعير يا رجل وأخذ الصحمي هرواته ثم أقبل يحضر حتى أتاها وهو يضربها‪ ،‬فضربه ثلث‬
‫ضربات أو أربعا‪ ،‬ثم أدركته المرأة فقالت‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬ما لك ولنا نح عنا نفسك‪ ،‬فانصرف فجلس على راحلته وأدلج ليلته كلها‬
‫وقد ظن أنه قتل الرجل وهو ل يدري من الحي بعد ‪ ،‬حتى أصبح في أخبية من الناس‪ ،‬ورأى غنما فيها أمة مولدة‪ ،‬فسألها عن‬
‫أشياء حتى بلغ به الذكر ‪ ،‬فقال‪ :‬أخبريني عن أناس وجدتهم بشعب كذا ‪ .‬فضحكت وقالت‪ :‬إنك لتسألني عن شيء وأنت به‬
‫عالم‪ .‬فقال‪ :‬وما ذاك لله بلدك? فوالله ما أنا به عالم‪ .‬قالت‪ :‬ذاك خباء ليلى الخيلية‪ ،‬وهي أحسن الناس وجها‪ ،‬وزوجها رجل‬
‫غيور فهو يعزب بها عن الناس فل يحل بها معهم‪ ،‬والله ما يقربها أحد ول يضيفها‪ ،‬فكيف نزلت أنت بها? قال‪ :‬إنما مررت‬
‫فنظرت إلى الخباء ولم أقربه‪ ،‬وكتمها المر‪ .‬وتحدث الناس عن رجل نزل بها فضربها زوجها فضربه الرجل ولم يدر من هو‪.‬‬
‫‪:‬فلما أخبر باسم المرأة وأقر على نفسه تغنى بشعر دل فيه على نفسه وقال‬
‫أنا الصحمي إن لم تعرفيني‬ ‫أل يا ليل أخت بني عـقـيل‬
‫بصكات رفعت بها يمينـي‬ ‫دعتني دعوة فحجزت عنهـا‬
‫وإن تك قد جننت فذا جنوني سألها الحجاج هل كان بينها وبين توبة ريبة وجوابها‬ ‫فإن تك غيرة أبرئك منـهـا‬
‫له‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا رشد بن خنتم الهللي قال حدثني أيوب بن عمرو عن رجل يقال له ورقاء قال‪ :‬سمعت‬
‫الحجاج يقول لليلى الخيلية‪ :‬إن شبابك قد ذهب‪ ،‬واضمحل أمرك وأمر توبة؛ فأقسم عليك إل صدقتني‪ ،‬هل كانت بينكما ريبة‬
‫قط أو خاطبك في ذلك قط? فقالت‪ :‬ل والله أيها المير إل أنه قال لي ليلة وقد خلونا كلمة ظننت أنه قد خضع فيها لبعض‬
‫‪:‬المر‪ ،‬فقلت له‬
‫فليس إليها ما حييت سبـيل‬ ‫وذي حاجة قلنا له ل تبح بها‬
‫وأنت لخرى فارغ وحلـيل فل والله ما سمعت منه ريبة بعدها حتى فرق بيننا‬ ‫لنا صاحب ل ينبغي أن نخونه‬
‫الموت‪ .‬قال لها الحجاج‪ :‬فما كان منه بعد ذلك? قالت‪ :‬وجه صاحبا له إلى حاضرنا فقال‪ :‬إذا أتيت الحاضر من بني عبادة بن‬
‫‪:‬عقيل فاعل شرفا ثم اهتف بهذا البيت‬
‫من الدهر ل يسري إلي خيالها فلما فعل الرجل ذلك عرفت المعنى فقلت له‬ ‫‪:‬عفا الله عنها هل أبيتـن لـيلة‬
‫عزيز علينا حاجة ل ينالهـا نسبة ما في هذا الخبر من الغناء‪ ،‬وهو أجمع في‬ ‫وعنه عفا ربي وأحسن حفظه‬
‫‪ .‬قصيدة توبة‬

‫‪:‬نأتك بليلى دارها ل تزورها صوت‬


‫سقاك من الغر الغوادي مطيرها‬ ‫حمامة بطن الواديين تـرنـمـي‬
‫ول زلت في خضراء دان بريرها‬ ‫أبيني لنا ل زال ريشك نـاعـمـا‬
‫أرى نار ليلى أو يراني بصيرهـا‬ ‫وأشرف بالقوز اليفاع لعـلـنـي‬

‫صفحة ‪1246 :‬‬

‫فقد رابني منها الغداة سـفـورهـا‬ ‫وكنت إذا ما جئت ليلى تبـرقـعـت‬
‫يرى لي ذنبا غـير أنـي أزورهـا‬ ‫علي دماء البدن إن كان بـعـلـهـا‬
‫وما كان في قولي اسلمي ما يضيرها‬ ‫وأني إذا ما زرتها قلت يا اسلـمـي‬
‫هواجر تكتـنـينـهـا وأسـيرهـا‬ ‫وغيرني إن كنـت لـمـا تـغـيري‬
‫مهاة صوار غير ما مس كـورهـا‬ ‫وأدماء من سر المهـاري كـأنـهـا‬
‫مخوف رداها كلما استن مـورهـا‬ ‫قطعت بهـا أجـواز كـل تـنـوفة‬
‫دعاميص ماء نش عنهـا غـديرهـا غنى في الربعة البيات فليح بن أبي‬ ‫ترى ضعفاء القوم فيهـا كـأنـهـم‬
‫العوراء ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو‪ .‬وغنى في الثالث والرابع ابن سريح رمل بالوسطى عن الهشامي وعلي بن يحيى المنجم‪،‬‬
‫وذكر غيرهما أنه لمحمد بن إسحاق بن عمرو بن بزيع‪ .‬وغنى فيها الهذلي ثقيل أول بالبنصر عن حبش‪ .‬وغنى ابن محرز في‪،‬‬
‫‪:‬علي دماء البدن‪ ،‬والذي بعده خفيف رمل بالبنصر عن عمرو‪ .‬وعن ابن مسجح في‬
‫وغيرني إن كنت لما تغيري وما بعده لحن ذكر أن عبد الله بن جعفر رواه البيات وأمره أن يغني بها‪ ،‬أخبرني بذلك إسماعيل‬
‫بن يونس الشيعي عن عمرو بن شبة عن إسحاق الموصلي عن ابن الكلبي في خبر قد ذكرته في أخبار ابن مسجح ‪ ،‬وذكر‬
‫‪ .‬الهشامي أن اللحن ثقيل أول بالوسطى‬
‫رأي الصمعي فيما تضمنه شعر لتوبة‪ :‬حدثنا أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن يعقوب بالنبار قال حدثنا من‬
‫‪:‬أنشد الصمعي‬
‫يرى لي ذنبـا غـير أنـي أزورهـا‬ ‫علي دماء البـدن إن كـان زوجـهـا‬
‫فهل كان من قولي اسلمي ما يضيرها فقال الصمعي‪ :‬شكوى مظلوم‪،‬‬ ‫وأني إذا ما زرتها قلت يا اسـلـمـى‬
‫‪ .‬وفعل ظالم‬
‫مقتل توبة وسببه وكيف كان‪ :‬أخبرني بالسبب في مقتل توبة محمد بن الحسن بن دريد إجازة عن أبي حاتم السجستاني عن‬
‫أبي عبيدة‪ ،‬والحسن بن علي الخفاف قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا محمد بن علي ابن المغيرة عن أبيه عن أبي‬
‫عبيدة‪ ،‬وأخبرني علي بن سليمان الخفش قال أخبرنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن العرابي‪ ،‬ورواية أبي‬
‫‪:‬عبيدة أتم واللفظ له‪ .‬قال أبو عبيدة‬

‫صفحة ‪1247 :‬‬

‫كان الذي هاج مقتل توبة بن الحمير بن حزم بن كعب بن خفاجة بن عمرو بن عقيل بن كعب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة‬
‫أنه كان بينه وبين بني عامر بن عوف بن عقيل لحاء ‪ ،‬ثم إن توبة شهد بني خفاجة وبني عوف وهم يختصمون عند همام بن‬
‫مطرف العقيلي في بعض أمورهم‪ .‬قال‪ :‬وكان مروان بن الحكم يومئذ أميرا على المدينة في خلفة معاوية بن أبي سفيان‪،‬‬
‫فاستعمله على صدقات بني عامر‪ .‬قال‪ :‬فوثب ثور بن أبي سمعان بن كعب بن عامر بن عوف بن عقيل على توبة بن الحمير‬
‫فضربه بجرز وعلى توبة الدرع والبيضة‪ ،‬فجرح أنف البيضة وجه توبة‪ .‬فأمر همام بثور بن أبي سمعان فأقعد بين يدي توبة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬خذ بحقك يا توبة‪ .‬فقال له توبة‪ :‬ما كان هذا إل عن أمرك‪ ،‬وما كان ليجترئ علي عند غيرك‪ .‬وأم همام صوبانة بنت جون‬
‫بن عامر بن عوف بن عقيل فاتهمه توبة لذلك‪ ،‬فانصرف ولم يقتص منه‪ .‬فمكثوا غير كثير‪ ،‬وإن توبة بلغه أن ثور بن أبي سمعان‬
‫خرج في نفر من رهطه إلى ماء من مياه قومه يقال له قوباء يريدون مالهم بموضع يقال له جرير بتثليث قال‪ :‬وبينهما فلة‬
‫فاتبعه توبة في ناس من أصحابه‪ ،‬فسأل عنه وبحث حتى ذكر له أنه عند رجل من بني عامر بن عقيل يقال له سارية بن عمير‬
‫بن أبي عدي وكان صديقا لتوبة‪ .‬فقال توبة‪ :‬والله ل نطرقهم عند سارية الليلة حتى يخرجوا عنه‪ .‬فأرادوا أن يخرجوا حين‬
‫يصبحون‪ .‬فقال لهم سارية‪ .‬ادرعوا الليل؛ فإني ل آمن توبة عليكم الليلة فإنه ل ينام عن طلبكم‪ .‬قال‪ :‬فلما تعشوا ادرعوا الليل‬
‫في الفلة‪ .‬وأقعد له توبة رجلين فغفل صاحبا توبة‪ .‬فلما ذهب الليل فزع توبة وقال‪ :‬لقد اغتررت إلى رجلين ما صنعا شيئا‪ ،‬وإني‬
‫لعلم أنهم لم يصبحوا بهذه البلد‪ ،‬فاقتص آثارهم‪ ،‬فإذا بأثر القوم قد خرجوا‪ ،‬فبعث إلى صاحبيه فأتياه‪ ،‬فقال‪ :‬دونكما هذا الجمل‬
‫فأوقراه من الماء في مزادتيه ثم اتبعا أثري‪ ،‬فإن خفي عليكما أن تدركاني فإني سأنور لكما إن أمسيتما دوني‪ .‬وخرج توبة في‬
‫أثر القوم مسرعا‪ ،‬حتى إذ انتصف النهار جاوز علما يقال له أفيح في الغائط‪ .‬فقال لصحابه‪ :‬هل ترون سمرات إلى جنب قرون‬
‫بقر? وقرون بقر مكان هنالك فإن ذلك مقيل القوم لم يتجاوزوه فليس وراءه ظل‪ .‬فنظروا فقال قائل‪ :‬أرى رجل يقود بعيرا‬
‫كأنه يقوده لصيد‪ .‬قال توبة‪ :‬ذلك ابن الحبترية‪ ،‬وذلك من أرمى من رمى‪ .‬فمن له يختلجه دون القوم فل ينذرون بنا? قال‪ :‬فقال‬
‫عبد الله أخو توبة‪ :‬أنا له‪ .‬قال‪ :‬فاحذر ل يضربنك‪ ،‬وإن استطعت أن تحول بينه وبين أصحابه فافعل‪ .‬فخلي طريق فرسه في‬
‫غمض من الرض‪ ،‬ثم دنا منه فحمل عليه‪ ،‬فرماه لبن الحبترية قال‪ :‬وبنو الحبتر ناس من مذحج في بني عقيل فعقر فرس عبد‬
‫الله أخي توبة واختل السهم ساق عبد الله‪ ،‬فانحاز الرجل حتى أتى أصحابه فأنذرهم‪ ،‬فجمعوا ركابهم وكانت متفرقة‪ .‬قال‪:‬‬
‫وغشيهم توبة ومن معه‪ ،‬فلما رأوا ذلك صفوا رحالهم وجعلوا السمرات في نحورهم وأخذوا سلحهم ودرقهم‪ ،‬وزحف إليهم توبة‪،‬‬
‫فارتمى القوم ل يغني أحدا منهم شيئا في أحد‪ .‬ثم إن توبة وكان يترس له أخوه عبد الله‪ ،‬قال‪ :‬يا أخي ل تترس لي؛ فإني رأيت‬
‫ثورا كثيرا ما يرفع الترس‪ ،‬عسى أن أوافق منه عند رفعه مرمى فأرميه‪ .‬قال‪ :‬ففعل‪ ،‬فرماه توبة على حلمة ثديه فصرعه‪.‬‬
‫وجال القوم فغشيهم توبة وأصحابه فوضعوا فيهم السلح حتى تركوهم صرعى وهم سبعة نفر‪ .‬ثم إن ثورا قال انتزعوا هذا‬
‫السهم عني‪ .‬قال توبة‪ :‬ما وضعناه لننتزعه‪ .‬فقال أصحاب توبة‪ :‬انج بنا نأخذ آثارنا ونلحق راويتنا‪ ،‬فقد أخذنا ثأرنا من هؤلء وقد‬
‫متنا عطشا ‪ .‬قال توبة‪ :‬كيف بهؤلء القوم الذي ل يمنعون ول يمتنعون ‪ .‬فقالوا‪ :‬أبعدهم الله‪ .‬قال توبة‪ :‬ما أنا بفاعل وما هم إل‬
‫عشيرتكم‪ ،‬ولكن تجيء الراوية فأضع لهم ماء وأغسل عنهم دماءهم وأخيل عليهم من السباع والطير ل تأكلهم حتى أوذن‬
‫قومهم بهم بعمق ‪ .‬فأقام توبة حتى أتته الراوية قبل الليل‪ ،‬فسقاهم من الماء وغسل عنهم الدماء‪ ،‬وجعل في أساقيهم ماء‪ ،‬ثم‬
‫خيل لهم بالثياب على الشجر‪ ،‬ثم مضى حتى طرق من الليل سارية بن عويمر بن أبي عدي العقيلي فقال‪ :‬إنا قد تركنا رهطا‬
‫من قومكم بسمرات من قرون بقر‪ ،‬فأدركوهم‪ ،‬فمن كان حيا فداووه‪ ،‬ومن كان ميتا فادفنوه‪ ،‬ثم انصرف فلحق بقومه‪ .‬وصبح‬
‫سارية القوم فاحتملهم وقد مات ثور بن أبي سمعان ولم يمت غيره‪ .‬فلم يزل توبة خائفا‪ .‬وكان السليل بن ثور‬

‫صفحة ‪1248 :‬‬

‫المقتول راميا كثير البغي والشر‪ ،‬فأخبر بغرة من توبة وهو بقنة من قنان الشرف يقال لها قنة بني الحمير‪ ،‬فركب في نحو‬
‫ثلثين فارسا حتى طرقه؛ فترقى توبة ورجل من إخوته في الجبل‪ ،‬فأحاطوا بالبيوت‪ ،‬فناداهم وهو في الجبل‪ :‬هأنذا من تبغون‬
‫فاجتنبوا البيوت‪ .‬فقالوا‪ :‬إنكم لن تستطيعوه وهو في الجبل‪ ،‬ولكن خذوا ما استدف لكم من ماله‪ ،‬فأخذوا أفراسا له ولخوته‬
‫وانصرفوا‪ .‬ثم إن توبة غزاهم‪ ،‬فمر على أفلت بن حزن بن معاوية بن خفاجة ببطن بيشة ‪ .‬فقال‪ :‬يا توبة أين تريد? قال‪ :‬أريد‬
‫الصبيان من بني عوف بن عقيل‪ .‬قال‪ :‬ل تفعل فإن القوم قاتلوك‪ ،‬فمهل‪ .‬قال‪ :‬ل أقلع عنهم ما عشت‪ ،‬ثم ضرب بطن فرسه‬
‫فاستمر به يحضر وهو يرتجز ويقول‪:‬قتول راميا كثير البغي والشر‪ ،‬فأخبر بغرة من توبة وهو بقنة من قنان الشرف يقال لها قنة‬
‫بني الحمير‪ ،‬فركب في نحو ثلثين فارسا حتى طرقه؛ فترقى توبة ورجل من إخوته في الجبل‪ ،‬فأحاطوا بالبيوت‪ ،‬فناداهم وهو‬
‫في الجبل‪ :‬هأنذا من تبغون فاجتنبوا البيوت‪ .‬فقالوا‪ :‬إنكم لن تستطيعوه وهو في الجبل‪ ،‬ولكن خذوا ما استدف لكم من ماله‪،‬‬
‫فأخذوا أفراسا له ولخوته وانصرفوا‪ .‬ثم إن توبة غزاهم‪ ،‬فمر على أفلت بن حزن بن معاوية بن خفاجة ببطن بيشة ‪ .‬فقال‪ :‬يا‬
‫توبة أين تريد? قال‪ :‬أريد الصبيان من بني عوف بن عقيل‪ .‬قال‪ :‬ل تفعل فإن القوم قاتلوك‪ ،‬فمهل‪ .‬قال‪ :‬ل أقلع عنهم ما عشت‪،‬‬
‫‪:‬ثم ضرب بطن فرسه فاستمر به يحضر وهو يرتجز ويقول‬
‫تنجو بهم من خلل المشاط‬ ‫تنجو إذا قيل لـهـا يعـاط‬

‫صفحة ‪1249 :‬‬

‫حتى انتهى إلى مكان‪ ،‬يقال له حجر الراشدة‪ ،‬ظليل‪ ،‬أسفله كالعمود‪ ،‬وأعله منتشر‪ ،‬فاستظل فيه هو وأصحابه‪ .‬حتى إذا كان‬
‫بالهاجرة مرت عليه إبل هبيرة بن السمين أخي بني عوف بن عقيل واردة ماء لهم يقال له طلوب‪ ،‬فأخذها وخلى طريق راعيها‪،‬‬
‫وقال له‪ :‬إذا أتيت صدغ البقرة مولك فأخبره أن توبة أخذ البل‪ ،‬ثم انصرف توبة يطرد البل ‪ .‬قال‪ :‬فلما ورد العبد على موله‬
‫فأخبره نادى في بني عوف وقال‪ :‬حتام هذا فتعاقدوا بينهم نحوا من ثلثين فارسا ثم اتبعوه‪ .‬ونهضت امرأة من بني خثعم من‬
‫بني الهرة كانت في بني عوف وكانت تؤخذ لهم‪ ،‬فقالت‪ :‬أروني أثره‪ ،‬فخرجوا بها فأروها أثره‪ ،‬فأخذت من ترابه فسافته‬
‫فقالت‪ :‬اطلبوه فإنه سيحبس عليكم‪ .‬فطلبوه فسبقهم‪ ،‬فتلوموا بينهم وقالوا‪ :‬ما نرى له أثرا‪ ،‬وما نراه إل وقد سبقكم‪ .‬قال‪:‬‬
‫وخرج توبة حتى إذا كان بالمضجع من أرض بني كلب جعل نذارته وحبس أصحابه‪ .‬حتىإذا كان بشعب من هضبة يقال لها هند‬
‫من كبد المضجع جعل ابن عم له يقال له قابض بن عبد الله ربيئة له على رأس الهضبة فقال‪ :‬انظر فإن شخص لك شيء‬
‫فأعلمنا‪ .‬فقال عبد الله بن الحمير‪ :‬يا توبة إنك حائن ‪ ،‬أذكرك الله‪ ،‬فوالله ما رأيت يوما أشبه بسمرات بني عوف يوم أدركناهم‬
‫في ساعتهم التي أتيناهم فيها منه ‪ ،‬فانج إن كان بك نجاة‪ .‬قال‪ :‬دعني‪ ،‬فقد جعلت ربيئة ينظر لنا‪ .‬قال‪ :‬ويرجع بنو عوف بن‬
‫عقيل حين لم يجدوا أثر توبة فيلقون رجل من غني‪ ،‬فقالوا له‪ :‬هل أحسست في مجيئك أثر خيل أو أثر إبل? قال‪ :‬ل والله‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬كذبت وضربوه‪ .‬فقال‪ :‬يا قوم ل تضربوني؛ فإني لم أجد أثرا‪ ،‬ولقد رأيت زهاء كذا وكذا إبل شخوصا في هاتيك الهضبة‪،‬‬
‫وما أدري ما هو‪ .‬فبعثوا رجل منهم يقال له يزيد بن رويبة لينظر حتى ما في الهضبة‪ .‬فأشرف على القوم‪ ،‬فلما رآهم ألوى بثوبه‬
‫لصحابه حتى جاءوا‪ ،‬فحمل أولهم على القوم حتى غشي توبة‪ ،‬وفزع توبة وأخوه إلى خيلهما‪ ،‬فقام توبة إلى فرسه فغلبته ل‬
‫يقدر على أن يلجمها ول وقفت له‪ ،‬فخلى طريقها‪ ،‬وغشيه الرجل فاعتنقه‪ ،‬فصرعه توبة وهو مدهوش وقد لبس الدرع على‬
‫السيف فانتزعه ثم أهوى به ليزيد بن رويبة فاتقاه بيده فقطع منها‪ ،‬وجعل يزيد يناشده رحم صفية‪ ،‬وصفية أم له من بني‬
‫خفاجة‪ .‬وغشي القوم توبة من ورائه فضربوه فقتلوه‪ ،‬وعلقهم عبد الله بن الحمير يطعنهم بالرمح حتى انكسر‪ .‬قال‪ :‬فلما فرغوا‬
‫من توبة لووا على عبد الله بن الحمير فضربوا رجله فقطعوها‪ .‬فلما وقع بالرض أشرع سيفه وحده ثم جثا على ركبتيه وجعل‬
‫يقول‪ :‬هلموا‪ ،‬ولم يشعر القوم بما أصابه‪ .‬وانصرف بنو عوف بن عقيل‪ ،‬وولى قابض منهزما حتى لحق بعبد العزيز بن زرارة‬
‫الكلبي فأخبره الخبر‪ .‬قال‪ :‬فركب عبد العزيز حتى أتى توبة فدفنه وضم أخاه‪ .‬ثم ترافع القوم إلى مروان ابن الحكم‪ ،‬فكافأ‬
‫‪ .‬بين الدمين وحملت الجراحات‪ .‬ونزل بنو عوف بن عقيل البادية ولحقوا بالجزيرة والشام‬
‫‪:‬رواية لبي عبيدة في مقتله وسببه‬

‫صفحة ‪1250 :‬‬

‫قال أبو عبيدة‪ :‬وقد كان توبة أيضا يغير زمن معاوية بن أبي سفيان على قضاعة وخثعم ومهرة وبني الحارث بن كعب‪ .‬وكانت‬
‫بينهم وبين بني عقيل مغاورات ‪ ،‬فكان توبة إذا أراد الغارة عليهم حمل الماء معه في الروايا ثم دفنه في بعض المفازة على‬
‫مسيرة يوم منها‪ ،‬فيصيب ما قدر عليه من إبلهم فيدخلها المفازة فيطلبه القوم‪ ،‬فإن دخل المفازة أعجزهم فلم يقدروا عليه‬
‫فانصرفوا عنه‪ .‬قال‪ :‬فمكث كذلك حينا‪ .‬ثم إنه أغار في المرة الولى التي قتل فيها هو وأخوه عبد الله بن الحمير ورجل يقال له‬
‫قابض بن أبي عقيل ‪ ،‬فوجد القوم قد حذروا فانصرف توبة مخفقا لم يصب شيئا‪ .‬فمر برجل من بني عوف بن عامر بن عقيل‬
‫متنحيا عن قومه‪ ،‬فقتله توبة وقتل رجل كان معه من رهطه واطرد إبلهما‪ ،‬ثم خرج عامدا يريد عبد العزيز بن زرارة بن جزء بن‬
‫سفيان بن عوف بن كلب‪ ،‬وخرج ابن عم لثور بن أبي سمعان المقتول‪ ،‬فقال له خزيمة‪ :‬صر إلى بني عوف بن عامر بن عقيل‬
‫فأخبرهم الخبر‪ .‬فركبوا في طلب توبة فأدركوه في أرض بني خفاجة‪ ،‬وقد أمن في نفسه فنزل‪ ،‬وقد كان أسرى يومه وليلته‪،‬‬
‫فاستظل ببرديه وألقى عنه درعه وخلى عن فرسه الخوصاء تتردد قريبا منه‪ ،‬وجعل قابضا ربيئة له ونام‪ ،‬فأقبلت بنو عوف بن‬
‫عامر متقاطرين لئل يفطن لهم أحد‪ ،‬فنظر قابض فأبصر رجل منهم إلى توبة فأنبهه‪ .‬فقال توبة‪ :‬ما رأيت? قال‪ :‬رأيت شخص‬
‫رجل واحد‪ ،‬فنام ولم يكترث له‪ ،‬وعاد قابض إلى مكانه فغلبته عيناه فنام‪ .‬قال‪ :‬فأقبل القوم على تلك الحال فلم يشعر بهم‬
‫قابض حتى غشوه‪ ،‬فلما رآهم طار على فرسه‪ .‬وأقبل القوم إلى توبة‪ ،‬وكان أول من تقدم غلم أمرد على فرس عري يقال له‬
‫يزيد بن رويبة ابن سالم بن كعب بن عوف بن عامر بن عقيل؛ ثم تله ابن عمه عبد الله بن سالم ثم تتابعوا‪ .‬فلما سمع توبة‬
‫وقع الخيل نهض وهو وسنان فلبس درعه على سيفه ثم صوت بفرسه الخوصاء فأتته‪ ،‬فلما أراد أن يركبها أهوت ترمحه ‪ ،‬ثلث‬
‫مرات‪ ،‬فلما رأى ذلك لطم وجهها فأدبرت‪ ،‬وحال القوم بينه وبينها‪ .‬فأخذ رمحه وشد على يزيد بن رويبة فطعنه فأنفذ فخذيه‬
‫جميعا ‪ .‬وشد على توبة ابن عم الغلم عبد الله بن سالم فطعنه فقتله‪ ،‬وقطعوا رجل عبد الله‪ .‬فلما رجع عبد الله بعد ذلك إلى‬
‫قومه لموه وقالوا له‪ :‬فررت عن اخيك‪ ،‬فقال عبد الله بن الحمير في ذلك ‪ .‬قال أبو عبيدة وحدثني أيضا مزرع بن عبد الله بن‬
‫همام بن مطرف بن العلم قال‪ :‬كان أهل دار من بني جشم بن بكر بن هوازن يقال لهم بنو الشريد حلفاء لبني عداد بن خفاجة‬
‫في السلم‪ ،‬فكان بينهم وبين خميس بن ربيعة رهط قومه قتال على ماءة تدعى الحليفة وعامتها لجد بن همام‪ .‬قال وشهد عبد‬
‫الله بن الحمير ذلك وهو أعرج‪ ،‬عرج يوم قتل توبة فلم يغن كثير غناء‪ .‬فقالت بنو عقيل‪ :‬لو توبة تلقاهم لبلوا منه بغير أفوق‬
‫‪:‬ناصل ‪ .‬فقال عبد الله بن الحمير يعتذر إليهم‪ :‬قصيدة لعبد الله بن الحمير يعتذر فيها إلى قومه بعد قتل أخيه‬
‫كما يعتاد ذا الـدين الـغـريم‬ ‫تأوبني بعـارمة الـهـمـوم‬
‫ولو أمسى لـه نـبـط وروم‬ ‫كأن الهم لـيس يريد غـيري‬
‫تؤرقني وما إنجاب الصـريم‬ ‫علم تقوم عاذلـتـي تـلـوم‬
‫غواشي النوم والليل البـهـيم‬ ‫فقلت لها رويدا كي تجـلـى‬
‫إذا ما شئت أعصي من يلـوم‬ ‫ألما تعلـمـي أنـي قـديمـا‬
‫يهم علم تحمله الـهـمـوم‬ ‫وأن المـرء ل يدري إذا مـا‬
‫كركن الرعن ذعلبة عـقـيم‬ ‫وقد تعدي على الحاجات حرف‬
‫على الحزان مقحمة غشـوم‬ ‫مداخلة الفـقـار وذات لـوث‬
‫بذات الحاذ معقله الـصـريم‬ ‫كأن الرحل منها فـوق جـأب‬
‫فبات الليل منتصـبـا يشـيم‬ ‫طباه برجلة الـبـقـار بـرق‬
‫دلوح المزن واهـية هـزيم‬ ‫فبينا ذاك إذ هبطـت عـلـيه‬
‫ويعقبها بـنـافـحة نـسـيم‬ ‫تهب لها الشمال فتمـتـريهـا‬
‫كما يصغي إلى السي الميم‬ ‫يكب إذا الرذاذ جرى عـلـيه‬
‫نشت من كل ناحـية غـيوم‬ ‫إذا ما قال أقشـع جـانـبـاه‬
‫يسهره كما أرق الـسـلـيم‬ ‫فاشعـر لـيلة أرقـا وقـرا‬

‫صفحة ‪1251 :‬‬

‫تخونها السلح فما تسـوم‬ ‫أل من يشتري رجل برجل‬


‫وكيف قتال أعرج ل يقوم‬ ‫تلومك في القتال بنو عقيل‬
‫لقاتل ل ألـف ول سـئوم‬ ‫ولو كنت القتيل وكان حـيا‬
‫ول ضرع إذا يمسي جثوم قال‪ :‬ثم إن خفاجة رهط توبة جمعوا لبني عوف بن عامر‬ ‫ول جثـامة ورع هـيوب‬
‫عقيل الذين قتلوا توبة‪ ،‬فلما بلغهم الخبر لحقوا ببني الحارث بن كعب‪ ،‬ثم افترقت بنو خفاجة‪ .‬فلما بلغ ذلك بني عوف رجعوا‪،‬‬
‫فجمعت لهم بنو خفاجة أيضا قبائل عقيل‪ .‬فلما رأت ذلك بنو عوف بن عامر بن عقيل لحقوا بالجزيرة فنزلوها؛ وهم رهط‬
‫إسحاق بن مسافر بن ربيعة بن عاصم بن عمرو بن عامر بن عقيل‪ .‬ثم إن بني عامر بن صعصعة صاروا في أمرهم إلى مروان‬
‫بن الحكم وهو والي المدينة لمعاوية بن أبي سفيان‪ ،‬فقالوا‪ :‬ننشدك الله أن تفرق جماعتنا‪ ،‬فعقل توبة وعقل الخرين معاقل‬
‫العرب مائة من البل‪ ،‬فأدتها بنو عامر‪ .‬قال‪ :‬فخرجت بنو عوف بن عامر قتلة توبة فلحقوا بالجزيرة‪ ،‬فلم يبق بالعالية منهم أحد‪،‬‬
‫‪ .‬وأقامت بنو ربيعة بن عقيل وعروة ابن عقيل وعبادة بن عقيل بمكانهم بالبادية‬
‫‪:‬رواية أبي عبيدة عن مزرع في مقتله وسببه‬

‫صفحة ‪1252 :‬‬

‫قال أبو عبيدة وحدثنا مزرع بن عمرو بن همام قال أبو عبيدة‪ :‬وكان معي أبو الخطاب وغيره قال‪ :‬توبة بن حمير بن ربيعة بن‬
‫كعب بن خفاجة بن عمرو بن عقيل‪ ،‬وأمه زبيدة‪ .‬فهاج بينه وبين السليل بن ثور بن أبي سمعان بن عامر بن عوف بن عقيل‬
‫كلم‪ ،‬وكان شريرا ونظير توبة في القوة والبأس‪ ،‬فبلغ الحور وهو الكلم إلى أن أوعد كل واحد منهما صاحبه‪ ،‬فالتقى بعد ذلك‬
‫توبة والسليل على غدير من ماء السماء‪ ،‬فرمى توبة السليل فقتله‪ .‬ثم إن توبة أغار ثانية على إبل بني السمين بن كعب بن‬
‫عوف بن عقيل واردة ماءهم فاطردها‪ .‬واتبعوه وهم سبعة نفر‪ :‬يزيد بن رويبة‪ ،‬وعبد الله بن سالم‪ ،‬ومعاوية بن عبد الله قال أبو‬
‫عبيدة‪ :‬ولم يذكر غير هؤلء فانصرفوا يجنبون الخيل يحملون المزاد‪ ،‬فقصوا أثر توبة وأصحابه فوجدوهم وقد أخذوا في المضجع‬
‫من أرض بني كلب في أرض دمثة تربة‪ ،‬فضلت فرس توبة الخوصاء من الليل‪ ،‬فأقام واضطجع حتى أصبح‪ ،‬وساق أصحابه‬
‫البل‪ ،‬وهم ثلثة نفر سوى توبة‪ :‬المحرز أحد بني عمرو بن كلب‪ ،‬وقابض بن أبي عقيل أحد بني خفاجة‪ ،‬وعبد الله بن حمير أخو‬
‫توبة لمه وأبيه‪ .‬فلما أصبح توبة إذا فرسه الخوصاء راتعة أدنى ظلم قريبة منه ليس دونها وجاح فأشلها حتى أتته‪ ،‬ثم خرج يعدو‬
‫حتى لحق بأصحابه‪ ،‬فانتهوا إلى هضبة بكبد المضجع‪ ،‬فارتقى توبة فوقها ينظر الطلب ‪ ،‬فرآه القوم ولم يرهم عند طلوع‬
‫الشمس‪ ،‬وبالت الخوصاء حين انتهت إلى الهضبة‪ ،‬فقال القوم‪ :‬إنه لطائر أو إنسان‪ .‬فركب يزيد بن رويبة وكان أحدث القوم‬
‫سنا‪ ،‬وأمه بنت عم توبة‪ ،‬فأغار ركضا حتى انتهى إلى الهضبة فإذا بول الفرس وعليه بقية من رغوته‪ ،‬وإذا أثر توبة يعرفونه‪،‬‬
‫فرجع فخبر أصحابه‪ .‬واندفع توبة وأصحابه حتى نزلوا إلى طرف هضبة يقال لها الشجر من أرض بني كلب‪ ،‬فقالوا بالظهيرة‪،‬‬
‫فلم يشعر شعره إل والبل قد نفرت‪ ،‬وكانت بركا بالهاجرة‪ ،‬من وثيد الخيل‪ .‬فوثب توبة‪ ،‬وكان ل يضع السيف‪ ،‬فصب الدرع على‬
‫السيف متقلده وهل‪ ،‬وداجت القوم‪ ،‬فطلب قائم السيف فلم يقدر عليه تحت الدرع فلم يستطع سله‪ ،‬فطار إلى الرمح فأخذه‪،‬‬
‫فأهوى به طعنا إلى يزيد بن رويبة‪ ،‬وقد كان يزيد عاهد الله ليقتلنه أو ليأخذنه‪ ،‬فأنفذ فخذ يزيد‪ ،‬واعتنقه يزيد فعض بوجنتيه‪،‬‬
‫واستدبره عبد الله بالسيف ففلق رأس توبة‪ ،‬وهيت توبة حين اعتوره الرجلن بقابض‪ :‬يا قابض فلم يلو عليه‪ ،‬وفر قابض‬
‫والكلبي‪ ،‬وذب عبد الله بن حمير عن أخيه‪ ،‬فأهوى له معاوية بن عبد الله بالسيف فأصاب ركبته فاختلعت أي سقطت‪ .‬فأتى‬
‫قابض من فوره ذلك عبد العزيز بن زرارة أحد بني أبي بكر بن كلب فقال‪ :‬قتل توبة‪ .‬فنادى في قومه‪ ،‬فجاءه أبوه زرارة فقال‪:‬‬
‫أين تريد? فقال‪ :‬قتل توبة‪ .‬فقل أبوه طوط سحقا لك أتطلب بدم توبة أن قتلته بنو عقيل ظالما لها باغيا عاديا عليها قال‪ :‬لكني‬
‫أجنه إذا‪ .‬قال أبوه‪ :‬أما هذه فنعم‪ .‬فألقى السلح وانطلق حتى أجنه‪ ،‬وحمل أخاه عبد الله بن حمير‪ .‬قال‪ :‬فأهل البادية يزعمون‬
‫أن محرزا سحر فأخذ عن سيفه‪ .‬فقالت ليلى الخيلية بنت عبد الله بن الرحالة بن شداد بن كعب ابن معاوية فارس الهرار ابن‬
‫‪:‬عبادة بن عقيل‪ :‬رثت ليلى توبة بعدة قصائد‬
‫مفاوز حوضي أي نظـرة نـاظـر‬ ‫نظرت وركن مـن ذقـانـين دونـه‬
‫فلم تقصر الخبار والطرف قاصري‬ ‫لونس إن لم يقصر الطرف عنـهـم‬
‫لعاقرها فيهـا عـقـيرة عـاقـر شأوها ‪ :‬سرعتها وهو الطلق وجريها‪ ،‬وقال‬ ‫فوارس أجلي شأوها عـن عـقـيرة‬
‫غيره‪ :‬غايتها‪ .‬عقيرة‪ :‬تعني توبة‪ .‬لعاقرها‪ :‬تعني لعاقر توبة‪ ،‬تريد يزيد بن رويبة‪ .‬ووجه آخر ‪ :‬في عقيرة عاقر معنى مدح أي‬
‫عقيرة كريمة لعاقرها‪ .‬ووجه آخر‪ :‬عقيرة لعاقرها‪ :‬فيها الهلك بعقرها‬
‫سوابقها مثل القطا المـتـواتـر‬ ‫فآنست خيل بالرقـي مـغـيرة‬
‫قتيل بني عوف قتـيل يحـابـر‬ ‫قتيل بني عوف وأيصـر دونـه‬
‫تصادرن عن أقطاع أبيض باتـر‬ ‫توارده أسيافـهـم فـكـأنـمـا‬
‫دم زل عن أثر من السيف ظاهر‬ ‫من الهندوانيات في كل قـطـعة‬
‫وأسمر خطي وخوصاء ضامـر‬ ‫أتته المنايا دون زغف حـصـينة‬
‫درأن بشباك الـحـديد زوافـر‬ ‫على كل حرداء السراة وسـابـح‬

‫صفحة ‪1253 :‬‬

‫وهن شواح بالشكيم الشـواجـر‬ ‫عوابس تعدو الثعلبـية ضـمـرا‬


‫لقاء المنايا دارعا مثل حـاسـر‬ ‫فل يبعدنك اللـه يا تـوب إنـمـا‬
‫ستلقون يوما ورده غير صـادر‬ ‫فإل تك القتلـى بـواء فـإنـكـم‬
‫كمرحومة من عركها غير طاهر‬ ‫وإن السليل إذ يباوي قـتـيلـكـم‬
‫فتى ما قتلتم آل عوف بن عامـر‬ ‫فإن تكن القتلى بـواء فـإنـكـم‬
‫لقدر عيال دون جـار مـجـاور‬ ‫فتى ل تخطاه الـرفـاق ول يرى‬
‫لتوبة في نحس الشتاء الصنابـر‬ ‫ول تأخذ الكوم الجلد رماحـهـا‬
‫تقته الخفاف بالثقال الـبـهـازر‬ ‫إذا ما رأته قـائمـا بـسـلحـه‬
‫ذرى المرهفت والقلص التواجر‬ ‫إذا لم يجد منها برسل فقـصـره‬
‫سنام المهاريس السباط المشافـر‬ ‫قرى سيفه منها مشاشا وضـيفـه‬
‫وأجرأ من ليث بخـفـان خـادر‬ ‫وتوبة أحـيا مـن فـتـاة حـيية‬
‫وفوق الفتى إن كان ليس بفاجـر‬ ‫ونعم الفتى إن كان توبة فـاجـرا‬
‫فيطلعها عنه ثنايا الـمـصـادر صوت‬ ‫‪:‬فتى ينهل الحاجات ثـم يعـلـهـا‬
‫قلئص يفحصن الحصا بالكراكر‬ ‫كأن فتى الفتيان تـوبة لـم ينـخ‬
‫كرام ويرحل قبل فيء الهواجر في هذين البيتين لحن من الثقيل الول لمحمد‬ ‫ولم يبن أبرادا عتاقـا لـفـتـية‬
‫بن إبراهيم قريض وهو من خاص صنعته وغنائه‬
‫لطيف كطي السـب لـيس بـحـادر‬ ‫ولم يتجل الصبـح عـنـه وبـطـنـه‬
‫وللطارق الساري قرى غـير بـاسـر‬ ‫فتى كان للـمـولـى سـنـاء ورفـعة‬
‫وللحرب يرمي نارهـا بـالـشـرائر‬ ‫ولم يدع يوما لـلـحـفـاظ ولـلـنـدا‬
‫وللخيل تعدو بالكمـأة الـمـسـاعـر‬ ‫وللبازل الكـومـاء يرغـو حـوارهـا‬
‫قلصا لدى فـأو مـن الرض غـائر‬ ‫كأنك لم تـقـطـع فـلة ولـم تـنـخ‬
‫صريف خطاطيف الصرى في المحاور‬ ‫وتصبح بمـومـاة كـأن صـريفـهـا‬
‫بنا أجهلـيهـا بـين غـاو وشـاعـر‬ ‫طوت نفعهـا عـنـا كـلب وآسـدت‬
‫لعا لخـينـا عـالـيا غـير عـاثـر‬ ‫وقد كان حقا أن تـقـول سـراتـهـم‬
‫تخطيتها بالناعـجـات الـضـوامـر‬ ‫ودوية قفـر يحـار بـهـا الـقـطـا‬
‫على مثله أخرى الليالـي الـغـوابـر‬ ‫فتالله تـبـنـي بـيتـهـا أم عـاصـم‬
‫بغاز ول غـاد بـركـب مـسـافـر‬ ‫فليس شهاب الحرب تـوبة بـعـدهـا‬
‫سان ومدلج الـسـرى غـير فـاتـر‬ ‫وقد كان طلع الـنـجـاد وبـين الـل‬
‫وسـائق أو مـعـبـوطة لـم يغـادر‬ ‫وقد كان قبل الحادثـات إذا انـتـحـى‬
‫دعاك ولم يهتـف سـواك بـنـاصـر‬ ‫وكـنـت إذا مـولك خـاف ظـلمة‬
‫وآب بأسلب الكـمـي الـمـغـاور‬ ‫فإن يك عبـد الـلـه آسـى ابـن أمـه‬
‫سباعا وقد ألفيتـه فـي الـجـراجـر‬ ‫وكان كذات البـو تـضـرب عـنـده‬
‫وأني لحي عذر من في الـمـقـابـر‬ ‫فإنـك قـد فـارقـتـه لـك عــاذرا‬
‫وأحفل من نالت صروف الـمـقـادر‬ ‫فأقسمت أبكي بـعـد تـوبة هـالـكـا‬
‫لتبك البواكي أو لبشـر بـن عـامـر‬ ‫على مثل هـمـام ولبـن مـطـرف‬
‫من المجد ثم استوثقا في الـمـصـادر‬ ‫غلمان كانـا اسـتـوردا كـل سـورة‬
‫على كل مغـمـور نـداة وغـامـر‬ ‫ربيعي حيا كـانـا يفـيض نـداهـمـا‬
‫سنا البرق يبدو للعـيون الـنـواظـر وقالت أيضا ترثي توبة عن أم حمير‪ ،‬وأمها‬ ‫كأن سنـا نـاريهـمـا كـل شـتـوة‬
‫ابنة أخي توبة‪ ،‬عن أمها‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬أم حمير أخت أبي الجراح العقيلي‪ .‬قال‪ :‬وأمها بنت توبة بن حمير‪ .‬قال‪ :‬وكان الصمعي‬
‫‪:‬يعجب بها‬
‫بسح كفيض الجدول المتفجر‬ ‫أيا عين بكي توبة ابن حمـير‬
‫بماء شؤون الغبرة المتحـدر‬ ‫لتبك عليه من خفاجة نـسـوة‬
‫ول يبعث الحزان مثل التذكر‬ ‫سمعن بهيجا أرهقت فذكرنـه‬

‫صفحة ‪1254 :‬‬

‫بنجد ولم يطلع مع الـمـتـغـور‬ ‫كأن فتى الفتـيان تـوبة لـم يسـر‬
‫سنا الصبح في بادي الحواشي منور‬ ‫ولم يرد الـمـاء الـسـدام إذا بـدا‬
‫جفان سديفا يوم نكباء صـرصـر‬ ‫ولم يغلب الخصم الضجاج ويمل ال‬
‫بسرة بين الشمسـات فـايصـر‬ ‫ولم يعل بالجرد الجـياد يقـودهـا‬
‫قطعت على هول الجنان بمنسـر‬ ‫وصحراء موماة يحـار الـقـطـا‬
‫سراهم وسير الراكب المتهـجـر‬ ‫يقودون قبا كالسـراحـين لحـهـا‬
‫مجاج بقيات المـزاد الـمـقـير‬ ‫فلما بدت أرض العدو سقـيتـهـا‬
‫بخاظي البضيع كره غير أعسـر‬ ‫ولما أهابوا بالنـهـاب حـويتـهـا‬
‫إذا ما ونين مهلب الشد محـضـر‬ ‫ممر كـكـر النـدري مـثـابـر‬
‫صلصل بيض سابـغ وسـنـور‬ ‫فألوت بأعنـاق طـوال وراعـهـا‬
‫فيظهر جد العبد من غير مظهـر‬ ‫ألم تر أن الـعـبـد يقـتـل ربـه‬
‫إذا الخيل جالت في قنا متكـسـر‬ ‫قتلتم فتى ل يسقط الروع رمـحـه‬
‫ويا توب للمستنبـح الـمـتـنـور‬ ‫فيا توب للهيجا ويا توب لـلـنـدى‬
‫بذلت ومعروف لديك ومـنـكـر وقالت ترثيه‬ ‫‪:‬أل رب مكروب أجـبـت ونـائل‬
‫وأحفل من دارت عـلـيه الـدوائر‬ ‫أقسمت أرثي بعـد تـوبة هـالـكـا‬
‫إذا لم تصبه في الحياة الـمـعـاير‬ ‫لعمرك ما بالموت عار على الفتـى‬
‫بأخلد ممن غيبـتـه الـمـقـابـر‬ ‫وما أحد حي وإن عـاش سـالـمـا‬
‫فل بد يوما أن يرى وهو صـابـر‬ ‫ومن كان مما يحدث الدهر جـازعـا‬
‫وليس على اليام والدهـر غـابـر‬ ‫وليس لذي عيش عن الموت مقصـر‬
‫ول الميت إن لم يصبر الحي ناشـر‬ ‫ول الحي مما يحدث الدهر معـتـب‬
‫وكل امرئ يوما إلى الله تعالى صائر‬ ‫وكل شبـاب أو جـديد إلـى بـلـى‬
‫شتاتا وإن ضنا وطال الـتـعـاشـر‬ ‫وكـل قـرينـي ألـفة لـتـفـرق‬
‫أخا الحرب إن دارت عليك الـدوائر ويروى‬ ‫‪:‬فل يبعـدنـك الـلـه حـيا ومـيتـا‬
‫أخا الحرب إن دارت عليك الدوائر‬ ‫فل يبعدنك الله يا تـوب هـالـكـا‬
‫على فنن ورقاء أو طـار طـائر‬ ‫فآليت ل أنفك أبكـيك مـا دعـت‬
‫وما كنت أياهـم عـلـيه أحـاذر‬ ‫قتيل بني عوف فيا لهـفـتـا لـه‬
‫لها بدروب الروم باد وحـاضـر وقالت ترثيه‬ ‫‪:‬ولكنما أخـشـى عـلـيه قـبـيلة‬
‫يا توب للضيف إذ تدعى وللجـار‬ ‫كم هاتف بك مـن بـاك وبـاكـية‬
‫وبدلوا المر نقضا بـعـد إمـرار‬ ‫وتوب للخصم إن جاوروا وإن عدلوا‬
‫أو يوردوا المر تحللـه يإصـدار وقالت ترثيه‬ ‫‪:‬إن يصدروا المر تطلعـه مـوارده‬
‫له نـبـأ نـجـديه سـيغـور‬ ‫هراقت بنو عوف دما غير واحد‬
‫له يوم هضب الردهتين نصير وقالت ترثيه‬ ‫‪:‬تداعت له أفناء عوف ولم يكـن‬
‫وابكي لتوبة عند الروع والبـهـم‬ ‫يا عين بكي بدمع دائم الـسـجـم‬
‫ماذا أجن به في الحفرة الرجـم‬ ‫على فتى من بني سعد فجعت بـه‬
‫مثل السنان وأمر غير مقتـسـم‬ ‫من كل صافية صرف وقـافـية‬
‫وجفنة عند نحس الكوكب الشبـم وقالت تعير قابضا‬ ‫‪:‬ومصدر حين يعيي القوم مصدرهم‬
‫وكل امرئ يجزى بما كان ساعيا‬ ‫جزى الله شرا قابضا بصنـيعـه‬
‫فقبحت مدعوا ولـبـيك داعـيا وقالت لقابض وتعذر عبد الله أخا توبة‬ ‫‪:‬دعا قابضا والمرهقـات يردنـه‬
‫وما قابض إذ لم يجب بنجـيب‬ ‫دعى قابضا والموت يخفق ظله‬
‫ولو شاء نجى يوم ذاك حبيبي خرج توبة إلى الشام فلقيه زنجي وخبره معه‬ ‫‪:‬وآسى عبيد الله ثـم ابـن أمـه‬

‫صفحة ‪1255 :‬‬

‫أخبرني الحسن بن علي عن عبد الله بن أبي سعد عن أحمد بن معاوية بن بكر قال حدثني أبو الجراح العقيلي عن أمه دينار‬
‫بنت خيبري بن الحمير عن توبة بن الحمير قال‪ :‬خرجت إلى الشام‪ ،‬فبينا أنا أسير ليلة في بلد ل أنيس بها ذات شجر نزلت‬
‫لريح‪ ،‬وأخذت ترسي فألقيته فوقي‪ ،‬وألقيت نفسي بين المضطجع والبارك‪ .‬فلما وجدت طعم النوم إذا شيء قد تجللني عظيم‬
‫ثقيل قد تجللني عظيم ثقيل قد برك علي‪ ،‬ونشزت عنه ثم قمصت منه قماصا فرميت به على وجهه‪ ،‬وجلست إلى راحلتي‬
‫فانتضيت السيف‪ ،‬ونهض نحوي فضربته ضربة انخزل منها‪ ،‬وعدت إلى موضعي وأنا ل أدري ما هو أإنسان أم سبع‪ ،‬فلما أصبحت‬
‫إذا هو أسود زنجي يضرب برجليه وقد قطعت وسطه حتى كدت أبريه‪ ،‬وانتهيت إلى ناقة مناخة موقرة ثيابا من سلبه‪ ،‬وإذا‬
‫جارية شابة ناهد وقد أوثقها وقرنها بناقته‪ .‬فسألتها عن خبرها‪ ،‬فأخبرتني أنه قتل مولها وأخذها منه‪ .‬فأخذت الجميع وعدت إلى‬
‫‪ .‬أهلي‪ .‬قال أبو الجراح قالت أمي‪ :‬وأنا أدركتها في الحي تخدم أهلنا‬
‫حديث معاوية مع ليلى في توبة‪ :‬أخبرنا اليزيدي عن ثعلب عن ابن العرابي قال أخبرنا عطاء بن مصعب القرشي عن عاصم‬
‫الليثي عن يونس بن حبيب الضبي عن أبي عمرو بن العلء قال‪ :‬سأل معاوية بن أبي سفيان ليلى الخيلية عن توبة بن الحمير‬
‫فقال‪ :‬ويحك يا ليلى أكما يقول الناس كان توبة? قالت‪ :‬يا أمير المؤمنين ليس كل ما يقول الناس حقا‪ ،‬والناس شجرة بغي‬
‫يحسدون أهل النعم حيث كانوا وعلى من كانت‪ .‬ولقد كان يا أمير المؤمنين سبط البنان‪ ،‬حديد اللسان‪ ،‬شجا للقران‪ ،‬كريم‬
‫المخبر ‪ ،‬عفيف المئزر‪ ،‬جميل المنظر‪ .‬وهو يا أمير المؤمنين كما قلت له‪ .‬قال‪ :‬وما قلت له? قالت قلت ولم أتعد الحق وعلمي‬
‫‪:‬فيه‬
‫ألد ملد يغلب الحـق بـاطـلـه‬ ‫بعيد الثرى ل يبلغ القوم قـعـره‬
‫ليمنعهم مما تخـاف نـوازلـه‬ ‫إذا حل ركب في ذراه وظـلـه‬
‫يخافونه حتى تموت خصـائلـه فقال لها معاوية‪ :‬ويحك يزعم الناس أنه‬ ‫حماهم بنصل السيف من كل فادح‬
‫‪:‬كان عاهرا خاربا ‪ .‬فقالت من ساعتها‬
‫جوادا على العلت جما نوافلـه‬ ‫معاذ إلهي كـان والـلـه سـيدا‬
‫تحلب كفاه النـدى وأنـامـلـه‬ ‫أغر خفاجيا يرى البخـل سـبة‬
‫جميل محياه قلـيل غـوائلـه‬ ‫عفيفا بعيد الهم صلبـا قـنـاتـه‬
‫على الضيف والجيران أنك قاتله‬ ‫وقد علم الجوع الذي بات سـاريا‬
‫إذا ما لئيم القوم ضاقت منازلـه‬ ‫وأنك رحب الباع يا توب بالقرى‬
‫ويضحي بخير ضيفه ومنازلـه فقال لها معاوية‪ :‬ويحك يا ليلى لقد جزت بتوبة‬ ‫يبيت قرير العين من بات جـاره‬
‫قدره‪ .‬فقالت‪ :‬والله يا أمير المؤمنين لو رأيته وخبرته لعرفت أني مقصرة في نعته وأني ل أبلغ كنه ما هو أهله‪ .‬فقال لها‬
‫‪:‬معاوية‪ :‬من أي الرجال كان? قالت‬
‫وأقصر عنه كل قرن يطاوله‬ ‫أتته المنايا حين تم تـمـامـه‬
‫وترضى به أشباله وحلئلـه‬ ‫وكان كليث الغاب يحمي عرينه‬
‫وسم زعاف ل تصاب مقاتلـه قال‪ :‬فأمر لها بجائزة عظيمة وقال لها‪ :‬خبريني‬ ‫غصوب حليم حين يطلب حلمه‬
‫بأجود ما قلت فيه من الشعر‪ .‬قالت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬ما قلت فيه شيئا إل والذي فيه من خصال الخير أكثر منه‪ .‬ولقد أجدت‬
‫‪:‬حين قلت‬
‫فتى من عقيل سـاد غـير مـكـلـف‬ ‫جزى الله خـيرا والـجـزاء بـكـفـه‬
‫عليه ول ينـفـك جـم الـتـصـرف‬ ‫فتى كانت الدنـيا تـهـون بـأسـرهـا‬
‫إذا هي أعيت كـل خـرق مـشـرف‬ ‫ينـال عـلـيات المـور بـهـــونة‬
‫بدرياقة من خمـر بـيسـان قـرقـف‬ ‫هو الذوب بل أري الخـليا شـبـيهـه‬
‫يعد وقد أمست فـي تـرب نـفـنـف‬ ‫فيا توب ما في العـيش خـير ول نـدى‬
‫منايا بسهم صـائب الـوقـع أعـجـف‬ ‫وما نلت منك النصف حتى ارتميت بك ال‬
‫للقاك مثل القسـور الـمـتـطـرف‬ ‫فيا ألف ألف كنـت حـيا مـسـلـمـا‬

‫صفحة ‪1256 :‬‬

‫إذا الخيل جالت بالقنا المتقصـف‬ ‫كما كنت إذ كنت المنحى من الردى‬
‫بأبيض قطاع الضريبة مـرهـف‬ ‫وكم من لهيف محجر قد أجبـتـه‬
‫عليه ولم يطعن ولـم يتـنـسـف ما كان بين توبة وجميل أمام بثينة‪ :‬أخبرني‬ ‫فأنقذته والمـوت يحـرق نـابـه‬
‫الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن ابن سعد عن القحذمي عن محارب بن غصين العقيلي قال‪ :‬كان توبة قد خرج إلى الشام‪،‬‬
‫فمر ببني عذرة‪ ،‬فرأته بثينة فجعلت تنظر إليه‪ ،‬فشق ذلك على جميل‪ ،‬وذلك قبل أن يظهر حبه لها‪ .‬فقال له جميل‪ :‬من أنت?‬
‫قال‪ :‬أنا توبة بن الحمير‪ .‬قال‪ :‬هل لك في الصراع? قال‪ :‬ذلك إليك‪ ،‬فشدت عليه بثينة ملحفة مورسة فأتزر بها‪ ،‬ثم صارعه‬
‫فصرعه جميل‪ .‬ثم قال‪ :‬هل لك في النضال ? قال‪ :‬نعم‪ ،‬فناضله فنضله جميل‪ .‬ثم قال له‪ :‬هل لك في السباق? فقال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫‪ .‬فسابقه فسبقه جميل‪ .‬فقال له توبة‪ :‬يا هذا إنما تفعل بريح هذه الجالسة‪ ،‬ولكن اهبط بنا الوادي‪ ،‬فصرعه توبة ونضله وسبقه‬
‫سأل عبد الملك بن مروان ليلى عما رآه توبة فيها فأجابته‪ :‬أخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قال‪ :‬بلغني أن ليلى الخيلية‬
‫دخلت على عبد الملك بن مروان وقد أسنت وعجزت‪ ،‬فقال لها‪ :‬ما رأى توبة فيك حين هويك? قالت‪ :‬ما رآه الناس فيك حين‬
‫‪ .‬ولوك‪ .‬فضحك عبد الملك حتى بدت له سن سوداء كان يخفيها‬
‫وفود ليلى على الحجاج وحديثه معها‪ :‬وأخبرني الحسن بن علي عن ابن أبي سعد عن أحمد بن رشيد بن حكيم الهللي عن‬
‫أيوب بن عمرو عن رجل من بني عامر يقال له ورقاء قال‪ :‬كنت عند الحجاج بن يوسف‪ ،‬فدخل عليه الذن فقال‪ :‬أصلح الله‬
‫المير‪ ،‬بالباب امرأة تهدر كما يهدر البعير الناد ‪ .‬قال‪ :‬أدخلها‪ .‬فلما دخلت نسبها فانتسبت له‪ .‬فقال‪ :‬ما أتى بك يا ليلى? قالت‪:‬‬
‫إخلف النجوم ‪ ،‬وقلة الغيوم ‪ ،‬وكلب البرد‪ ،‬وشدة الجهد‪ ،‬وكنت لنا بعد الله الرد ‪ .‬قال‪ :‬فأخبريني عن الرض‪ .‬قالت‪ :‬الرض‬
‫مقشعرة ‪ ،‬والفجاج مغبرة‪ ،‬وذو الغنى مختل‪ ،‬وذو الحد منفل‪ .‬قال‪ :‬وما سبب ذلك? قالت‪ :‬أصابتنا سنون مجحفة مظلمة‪ ،‬لم‬
‫تدع لنا فصيل ول ربعا‪ ،‬ولم تبق عافطة ول ناقطة؛ فقد أهلكت الرجال‪ ،‬ومزقت العيال‪ ،‬وأفسدت الموال‪ ،‬ثم أنشدته البيات‬
‫‪ :‬التي ذكرناه متقدما ‪ .‬وقال في الخبر‪ :‬قال الحجاج‪ :‬هذه التي تقول‬
‫حتى يدب على العصا مشهورا‬ ‫نحن الخايل ل يزال غلمـنـا‬
‫جزعا وتعرفنا الرفاق بحـورا ثم قال لها‪ :‬يا ليلى‪ ،‬أنشدينا بعض شعرك في توبة‪،‬‬ ‫تبكي الرماح إذا فقدن أكفـنـا‬
‫‪:‬فأنشدته قولها‬
‫إذا لم تصبه في الحياة المـعـاير‬ ‫لعمرك ما بالموت عار على الفتى‬
‫بأخلد ممن غيبتـه الـمـقـابـر‬ ‫وما أحد حي وإن عاش سـالـمـا‬
‫ول الميت إن لم يصبر الحي ناشر‬ ‫فل الحي مما أحدث الدهر معتـب‬
‫وكل امرئ يوما إلى الموت صائر‬ ‫وكل جديد أو شباب إلـى بـلـى‬
‫وما كنت إياهـم عـلـيه أحـاذر‬ ‫قتيل بني عوف فيا لهـفـتـا لـه‬
‫لها بدروب الشأم باد وحـاضـر فقال الحجاج لحاجبه‪ :‬اذهب فاقطع لسانها‪ .‬فدعا‬ ‫ولكنني أخشـى عـلـيه قـبـيلة‬
‫لها بالحجام ليقطع لسانها‪ ،‬فقالت‪ :‬ويلك إنما قال لك المير اقطع لسانها بالصلة والعطاء‪ ،‬فارجع إليه واستأذنه‪ .‬فرجع إليه‬
‫‪:‬فاستأمره ‪ ،‬فاستشاط عليه وهم بقطع لسانه‪ ،‬ثم أمر بها فأدخلت عليه‪ ،‬فقالت‪ :‬كاد وعهد الله يقطع مقولي‪ ،‬وأنشدته‬
‫إل الخليفة والمستغفر الصـمـد‬ ‫حجاج أنت الذي ل فـوقـه أحـد‬
‫وأنت للناس في الدواجي لنا تقـد أخبرنا الحسن قال حدثنا عبد الله بن‬ ‫حجاج أنت سنان الحرب إن نهجت‬
‫أبي سعد قال حدثني أبو الحسن ميمون الموصلي عن سلمة بن أيوب بن مسلمة الهمداني قال‪ :‬كان جدي عند الحجاج‪،‬‬
‫فدخلت عليه امرأة برزة ‪ ،‬فانتسبت له فإذا هي ليلى الخيلية‪ .‬وأخبرني بهذا الخبر محمد بن العباس اليزيدي‪ ،‬وأخبرنا أحمد بن‬
‫عبد العزيز الجوهري قال‪ :‬كنت عند الحجاج‪ .‬وأخبرني وكيع عن عن إسماعيل بن محمد عن المدائني عن جويرية عن بشر بن‬
‫‪:‬عبد الله بن أبي بكر‪ :‬أن ليلى دخلت على الحجاج‪ ،‬ثم ذكر مثل الخبر الول‪ ،‬وزاد فيه‪ :‬فلما قالت‬
‫غلم إذا هز القناة سقاها‬

‫صفحة ‪1257 :‬‬

‫قال لها‪ :‬ل تقولي غلم‪ ،‬قولي همام‪ .‬وقال فيه‪ :‬فأمر لها بمائتين‪ .‬فقالت‪ :‬زدني‪ ،‬فقال‪ :‬اجعلوها ثلثمائة‪ .‬فقال بعض جلسائه‪:‬‬
‫إنها غنم‪ .‬فقالت‪ :‬المير أكرم من ذلك وأعظم قدرا من أن يأمر لي إل بالبل‪ .‬قال‪ :‬فاستحيا وأمر لها بثلثمائة بعير‪ ،‬وإنما كان‬
‫‪ .‬أمر لها بغنم ل إبل‬
‫وأخبرنا به وكيع عن إبراهيم بن إسحاق الصالحي عن عمر بن شبة عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه‪ ،‬وقال فيه‪ :‬أل‬
‫‪:‬قلت مكان غلم همام وذكر باقي الخبر الذي ذكره من تقدم‪ ،‬وقال فيه‪ :‬فقال لها‪ :‬أنشدينا ما قلت في توبة‪ ،‬فأنشدتها قولها‬
‫فتى ما قلتم آل عوف بن عامـر‬ ‫فإن تكن القتلى بـواء فـإنـكـم‬
‫وأشجع من ليث بخفـان خـادر‬ ‫فتى كان أحيا من فـتـاة حـيية‬
‫وأسمر خطي وجرداء ضامـر‬ ‫أتته المنـايا دون درع حـصـينة‬
‫وفوق الفتى إن كان ليس بفاجر‬ ‫فنعم الفتى إن كان توبة فـاجـرا‬
‫قلئص يفحصن الحصا بالكراكر فقال لها أسماء بن خارجة‪ :‬أيتها المرأة إنك‬ ‫كأن فتى الفتيان تـوبة لـم ينـخ‬
‫لتصفين هذا الرجل بشيء ما تعرفه العرب فيه‪ .‬فقالت‪ :‬أيها الرجل هل رأيت توبة قط? قال‪ :‬ل‪ .‬فقالت‪ :‬أما والله ولو رأيته‬
‫‪ .‬لوددت أن كل عاتق في بيتك حامل منه؛ فكأنما فقيء في وجه أسماء حب الرمان‪ .‬فقال له الحجاج‪ :‬وما كان لك ولها‬
‫وفاتها وكيف كانت‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن أبي سعد عن محمد بن علي بن المغيرة قال سمعت أبي يقول‬
‫سمعت الصمعي يذكر أن الحجاج أمر لها بعشرة آلف درهم‪ ،‬وقال لها‪ :‬هل لك من حاجة? قالت‪ :‬نعم أصلح الله المير‪،‬‬
‫تحملني إلى ابن عمي قتيبة بن مسلم‪ ،‬وهو على خراسان يومئذ فحملها إليه‪ ،‬فأجازها وأقبلت راجعة تريد البادية‪ ،‬فلما كانت‬
‫بالري ماتت‪ ،‬فقبرها هناك‪ .‬هكذا ذكر الصمعي في وفاتها وهو غلط‪ .‬وقد أخبرني عمي عن الحزنبل الصبهاني عمن أخبره عن‬
‫المدائني‪ ،‬وأخبرني الحسن بن علي عن ابن مهدي عن ابن أبي سعد عن محمد بن الحسن النخعي عن ابن الخصيب الكاتب‪،‬‬
‫واللفظ في الخبر للحزنبل‪ ،‬وروايته أتم‪ :‬أن ليلى الخيلية أقبلت من سفر‪ ،‬فمرت بقبر توبة ومعها زوجها وهي في هودج لها‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬والله ل أبرح حتى أسلم على توبة‪ ،‬فجعل زوجها يمنعها من ذلك وتأبى إل أن تلم به‪ .‬فلما كثر ذلك منها تركها‪ ،‬فصعدت‬
‫أكمة عليها قبر توبة‪ ،‬فقالت‪ :‬السلم عليك يا توبة‪ ،‬ثم حولت وجهها إلى القوم فقالت‪ :‬ما عرفت له كذبة قط قبل هذا‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫‪:‬وكيف? قالت‪ :‬أليس القائل‪ :‬صوت‬
‫علي ودوني تـربة وصـفـائح‬ ‫ولو أن ليلى الخيلية سـلـمـت‬
‫إليها صدى من جانب القبر صائح‬ ‫لسلمت تسليم البـشـاشة أو زقـا‬
‫أل كل ما قرت به العين صالـح فما باله لم يسلم علي كما قال ‪ .‬وكانت إلى‬ ‫وأغبط من ليلى بمـا ل أنـالـه‬
‫جانب القبر بومة كامنة‪ ،‬فلما رأت الهودج واضطرابه فزعت وطارت في وجه الجمل‪ ،‬فنفر فرمى بليلى على رأسها‪ ،‬فماتت من‬
‫‪ .‬وقتها‪ ،‬فدفنت إلى جنبه‪ .‬وهذا هو الصحيح من خبر وفاتها‬
‫غنى في البيات المذكورة آنفا حكم الوادي لحنين‪ ،‬أحدهما رمل بالوسطى عن عمرو‪ ،‬والخر خفيف ثقيل أول بالوسطى عن‬
‫‪ .‬حبش‪ ،‬وقال حبش‪ :‬وفيها لحنان لجميلة والميلء رملن بالبنصر‪ ،‬وذكر أبو العبيس بن حمدون أن الرمل لعمر الوادي‬
‫كان توبة شريرا كثير الغارات‪ :‬قال أبو عبيدة‪ :‬كان توبة شريرا كثير الغارة على بني الحارث بن كعب وخثعم وهمدان‪ ،‬فكان‬
‫‪:‬يزور نساء منهم يتحدث إليهن‪ ،‬وقال‬
‫غرائر من همدان بيضا نحورها قال أبو عبيدة‪ :‬وكان توبة ربما ارتفع إلى بلد‬ ‫أيذهب ريعان الشباب ولـم أزر‬
‫مهرة فيغير عليهم‪ ،‬وبين بلد مهرة وبلد عقيل مفازة منكرة ل يقطعها الطير‪ ،‬وكان يحمل مزاد الماء فيدفن منه على يوم‬
‫‪ .‬مزادة ثم يغير عليهم فيطلبونه فيركب بهم المفازة‪ ،‬وإنما كان يتعمد حمارة القيظ وشدة الحر‪ ،‬فإذا ركب المفازة رجعوا عنه‬
‫خبر ليلى مع عبد الملك بن مروان حين رآها عند زوجته عاتكة‪ :‬أخبرني حرمي عن الزبير عن يحيى بن المقدام الربعي عن‬
‫‪:‬عمه موسى بن يعقوب قال‬

‫صفحة ‪1258 :‬‬

‫دخل عبد الملك بن مروان على زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية‪ ،‬فرأى عندها امرأة بدوية أنكرها‪ ،‬فقال لها‪ :‬من أنت? قالت‪:‬‬
‫‪:‬أنا الوالهة الحرى ليلى الخيلية‪ .‬قال‪ :‬أنت التي تقولين‬
‫حياض الندى زالت بهن الـمـراتـب‬ ‫أريقت جفان ابن الخليع فأصـبـحـت‬
‫كما أنقض عرش البئر والورد عاصب قالت‪ :‬أنا التي أقول ذلك‪ .‬قال‪ :‬فما‬ ‫فعافته لهـفـى يطـوفـون حـولـه‬
‫أبقيت لنا? قالت‪ :‬الذي أبقاه الله لك‪ .‬قال‪ :‬وما ذاك? قالت‪ :‬نسبا قرشيا‪ ،‬وعيشا رخيا‪ ،‬وامرأة مطاعة‪ .‬قال‪ :‬أفردته بالكرم‬
‫قالت‪ :‬أفردته بما أفرده الله به‪ .‬فقالت عاتكة‪ :‬إنها قد جاءت تستعين بنا عليك في عين تسقيها وتحميها لها‪ .‬ولست ليزيد إن‬
‫‪:‬شفعتها في شيء من حاجاتها‪ ،‬لتقديمها أعرابيا جلفا على أمير المؤمنين‪ .‬قال‪ :‬فوثبت ليلى فقامت على رجلها واندفعت تقول‬
‫عليهـا بـنـت آبـاء كـرم‬ ‫ستحملني ورحلـي ذات وخـد‬
‫وغلق دونهـا بـاب الـلـئام‬ ‫إذا جعلت سواد الشأم جـنـبـا‬
‫ذوو الحاجات في غلس الظلم‬ ‫فليس بـعـائد أبـدا إلـيهـم‬
‫عزاء النفس عنكم واعتزامي‬ ‫أعاتك لـو رأيت غـداة بـنـا‬
‫مشيعة ولم ترعي ذمـامـي‬ ‫إذا لعلمت واستيقـنـت أنـي‬
‫أبا الذبان فوه الدهـر دامـي‬ ‫أأجعل مثل تـوبة فـي نـداه‬
‫تغذ السير للبلد الـتـهـامـي‬ ‫معاذ الله ما عسفت برحـلـي‬
‫بإمرته وأولـى بـالـلـثـام‬ ‫أقلت خليفة فسـواه أحـجـى‬
‫ذوو الخطار والخطط الجسام فقيل لها‪ :‬أي الكعبين عنيت? قالت‪ :‬ما أخال كعبا‬ ‫لثام الملك حين تعـد كـعـب‬
‫‪ .‬ككعبي‬
‫رواية أخرى في وفودها على الحجاج‪ :‬أخبرنا اليزيدي عن الخليل بن أسد عن العمري عن الهيثم بن عدي عن أبي يعقوب‬
‫الثقفي عن عبد الملك بن عمير عن محمد بن الحجاج بن يوسف قال‪ :‬بينا المير جالس إذ استؤذن لليلى‪ .‬فقال الحجاج‪ :‬ومن‬
‫ليلى? قيل‪ :‬الخيلية صاحبة توبة‪ .‬قال‪ :‬أدخلوها‪ .‬فدخلت امرأة طويلة دعجاء العينين حسنة المشية إلى الفوه ما هي‪ ،‬حسنة‬
‫الثغر‪ ،‬فسلمت فرد الحجاج عليها ورحب بها فدنت‪ ،‬فقال الحجاج‪ :‬دراك ضع لها وسادة يا غلم‪ ،‬فجلست‪ .‬فقال‪ :‬ما أعملك إلينا?‬
‫قالت‪ :‬السلم على المير‪ ،‬والقضاء لحقه‪ ،‬والتعرض لمعروفه‪ .‬قال‪ :‬وكيف خلفت قومك? قالت‪ :‬تركتهم في حال خصب وأمن‬
‫ودعة‪ .‬أما الخصب ففي الموال والكل‪ .‬وأما المن فقد أمنهم الله عز وجل بك‪ .‬وأما الدعة فقد خامرهم من خوفك ما أصلح‬
‫‪:‬بينهم‪ .‬ثم قالت‪ :‬أل أنشدك? فقال‪ :‬إذا شئت‪ .‬فقالت‬
‫يقصر عنها من أراد مـداهـا‬ ‫أحجاج إن الله أعطـاك غـاية‬
‫منايا بكف الله حـيث تـراهـا‬ ‫أحجاج ل يفلل سلحك إنمـا ال‬
‫تتبع أقصى دائها فشـفـاهـا‬ ‫إذا هبط الحجاج أرضا مريضة‬
‫غلم إذا هز القناة سـقـاهـا‬ ‫شفاها من الداء العضال الذي بها‬
‫إذا حجمت يوما وخيف أذاهـا‬ ‫سقاها دماء المارقين وعلـهـا‬
‫أعد لها قبل النـزول قـراهـا‬ ‫إذا سمع الحجـاج رز كـتـيبة‬
‫بأيدي رجال يحلبون صـراهـا‬ ‫أعد لها مصـقـولة فـارسـية‬
‫ول الله يعطي للعصاة منـاهـا‬ ‫أحجاج ل تعط العصاة منـاهـم‬
‫فأعظم عهد الله ثـم شـراهـا‬ ‫ول كل حلف تـقـلـد بـيعة‬

‫صفحة ‪1259 :‬‬

‫فقال الحجاج ليحيى بن منقذ‪ :‬لله بلدها ما أشعرها فقال‪ :‬ما لي بشعرها علم‪ .‬فقال‪ :‬علي بعبيدة بن موهب وكان حاجبه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أنشديه فأنشدته‪ ،‬فقال عبيدة‪ :‬هذه الشاعرة الكريمة‪ ،‬قد وجب حقها‪ .‬قال‪ :‬ما أغناها عن شفاعتك يا غلم مر لها‬
‫بخمسمائة درهم؛ وأكسها خمسة أثواب أحدها كساء حر‪ ،‬وأدخلها على ابنة عمها هند بنت أسماء فقل لها‪ :‬حليها‪ .‬فقالت‪ :‬أصلح‬
‫الله المير‪ .‬أضر بنا العريف في الصدقة‪ ،‬وقد خربت بلدنا‪ ،‬وانكسرت قلوبنا‪ ،‬فأخذ خيار المال‪ .‬قال اكتبوا لها إلى الحكم بن‬
‫أيوب فليبتع لها خمسة أجمال وليجعل أحدها نجيبا ‪ ،‬واكتبوا إلى صاحب اليمامة بعزل العريف الذي شكته‪ .‬فقال ابن موهب‪:‬‬
‫‪ .‬أصلح الله المير‪ ،‬أأصلها? قال نعم‪ ،‬فوصلها بأربعمائة درهم‪ ،‬ووصلتها هند بثلثمائة درهم‪ ،‬ووصلها محمد بن الحجاج بوصيفتين‬
‫قال الهيثم‪ :‬فذكرت هذا الحديث لسحاق بن الجصاص فكتبه عني‪ ،‬ثم حدثني عن حماد الراوية قال‪ :‬لما فرغت ليلى من‬
‫شعرها أقبل الحجاج على جلسائه فقال لهم‪ :‬أتدرون من هذه? قالوا‪ :‬ل والله ما رأينا امرأة أفصح ول أبلغ منها ول أحسن‬
‫إنشادا‪ .‬قال‪ :‬هذه ليلى صاحبة توبة‪ .‬ثم أقبل عليها فقال لها‪ :‬بالله يا ليلى أرأيت من توبة أمرا تكرهينه أو سألك شيئا أو سألك‬
‫‪.‬شيئا يعاب? قالت‪ :‬ل والله الذي أسأله المغفرة ما كان ذلك منه قط‪ .‬فقال‪ :‬إذا لم يكن فيرحمنا الله وإياه‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن ابن شبة عن عبد الله بن محمد بن حكيم الطائي عن خالد بن سعيد عن أبيه قال‪:‬‬
‫‪:‬كنت عند الحجاج فدخلت عليه ليلى الخيلية‪ ،‬ثم ذكر مثل الخبر الول‪ ،‬وزاد فيه‪ :‬فلما قالت‬
‫‪ .‬غلم إذا هز القناة سقاها قال‪ :‬ل تقولي غلم‪ ،‬قولي همام‬
‫‪:‬صوت‬
‫قلت آتي في الدار قرما سريا‬ ‫سألني الناس أين يعمـد هـذا‬
‫مت إل إياك يا زكــــريا‬ ‫ما قطعت البلد أسري ول يم‬
‫كان لي منكم هـنـيا مـريا عروضه من الخفيف‪ ،‬الشعر للقيشرالسدي‪ .‬والغناء‬ ‫كم عطـاء ونـائل وجـزيل‬
‫لدحمان‪ ،‬وله فيه لحنان‪ ،‬أحدهما خفيف ثقيل من أصوات قليلة الشباه عن إسحاق‪ ،‬والخر ثقيل أول بالبنصر في الثالث والثاني‬
‫عن عمرو‪ ،‬وذكر يونس أنه للبجر ولم يجنسه‪ ،‬وذكر الهشامي أن لحن البجر خفيف ثقيل‪ ،‬وأن لحن ابن بلوع في الثالث ثاني‬
‫‪ .‬ثقيل‪ .‬وليحيى بن واصل ثقيل أول بالوسطى‬

‫ذكر القيشر وأخباره‬


‫نسب القيشر واسمه ولقبه وكنيته‪ :‬القيشر‪ :‬لقب غلب عليه ‪ ،‬لنه كان أحمر الوجه أقشر‪ ،‬واسمه المغيرة بن عبد الله بن‬
‫معرض بن عمرو بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار‪ .‬وكان يكنى أبا معرض‪ ،‬وقد ذكر ذلك في شعره في‬
‫‪:‬مواضع عدة‪ ،‬منها قوله‬
‫من الراح كأسا على المنبر‬ ‫فإن أبا معرض إذا حـسـا‬
‫فإن ليم في الخمر لم يصبر وعمر عمرا طويل‪ ،‬فكان أقعد بني أسد نسبا‪ ،‬وما‬ ‫خطيب لبيب أبو معـرض‬
‫أخلقه بأن يكون ولد في الجاهلية ونشأ في أول السلم؛ لن سماك بن مخرمة السدي صاحب مسجد سماك بالكوفة بناه في‬
‫أيام عمر‪ ،‬وكان عثمانيا‪ ،‬وأهل تلك المحلة إلى اليوم كذلك‪ .‬فيروي أهل الكوفة أن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه لم‬
‫يصل فيه‪ ،‬وأهل الكوفة إلى اليوم يجتنبونه‪ .‬وسماك الذي بناه هو سماك بن مخرمة بن حمين بن بلث بن عمرو بن معرض بن‬
‫‪ .‬عمرو بن أسد‪ ،‬والقيشر أقعد نسبا منه‪ .‬وقال القيشر في ذكر مسجد سماك شعرا‬
‫أخبرني محمد بن الحسن الكندي الكوفي قال أخبرني الحسن بن عليل العنزي عن محمد بن معاوية وكنيته أبو عبد الله محمد‬
‫بن معاوية قال‪ :‬القيشر من رهط خريم بن فاتك السدي‪ .‬وخريم إنما نسب إلى جد أبيه فاتك‪ ،‬وهو خريم بن الخرم بن شداد‬
‫‪ .‬بن عمر بن فاتك السدي‪ ،‬وفاتك بن قليب بن عمرو بن أسد‪ .‬والقيشر هو المغيرة بن عبد الله بن معرض بن عمرو بن أسد‬
‫قال في مسجد سماك بالكوفة شعرا ذم فيه بني دودان ثم ترضاهم ببيت‪ :‬قال‪ :‬وهو القائل لما بنى سماك بن مخرمة مسجده‬
‫‪:‬الذي بالكوفة‪ ،‬وهو أكبر مسجد لبني أسد‪ ،‬وهو في خطة بني نصر بن قعين‬
‫وبه يعرفـهـم كـل أحـد‬ ‫غضبت دودان من مسجدنـا‬
‫لنمحت أسماؤهم طول البد‬ ‫لو هدمنا غـدوة بـنـيانـه‬

‫صفحة ‪1260 :‬‬

‫واسمه الدهر لعمرو بن أسد‬ ‫اسمهم فيه وهـم جـيرانـه‬


‫فلنا النصف على كل جسـد فحلف بنو دودان ليضربنه‪ .‬فأتاهم فقال‪ :‬قد قلت بيتا‬ ‫كلما صلوا قسمـنـا أجـره‬
‫‪:‬محوت به كل ما قلت‪ .‬قالوا‪ :‬وما هو يا فاسق? قال قلت‬
‫حل بيت المجد فيهم والعدد فتركوه‬ ‫‪ .‬وبنـو دودان حـي سـادة‬
‫كان خليعا ماجنا مدمنا لشرب الخمر‪ :‬أخبرني وكيع عن إسماعيل بن مجمع عن المدائني قال‪ ،‬وأخبرني أبو أيوب المديني عن‬
‫‪:‬محمد بن سلم قال‪ :‬كان القيشر كوفيا خليعا ماجنا مدمنا لشرب الخمر‪ ،‬وهو الذي يقول لنفسه‬
‫من الراح كأسا على المنبر‬ ‫فإن أبا معرض إذ حـسـا‬
‫فصار خليعا على المكبـر‬ ‫خطيب لبيب أبو معـرض‬
‫فإن ليم في الخمر لم يصبر‬ ‫أحل الحرام أبو مـعـرض‬
‫وإن أقصروا عنه لم يقصر اجتاز على مجلس لبني عبس فناداه أحدهم بلقبه وكان‬ ‫يجل اللئام ويلحى الـكـرام‬
‫يغضب منه فهجاه‪ :‬أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني‪ ،‬وأخبرني عبد الوهاب ابن عبيد‬
‫الصحاف الكوفي عن قعنب بن محرز الباهلي عن المدائني‪ :‬أن القيشر مر يريد الحيرة ‪ ،‬فاجتاز على مجلس لبني عبس‪ ،‬فناداه‬
‫أحدهم‪ :‬يا أقيشر‪ ،‬وكان يغضب منها‪ ،‬فزجره الشياخ‪ ،‬ومضى القيشر ثم عاد إليه معه رجل وقال له‪ :‬قف معي‪ ،‬فإذا أنشدت‬
‫بيتا فقل لي‪ :‬ولم ذلك‪ ،‬ثم انصرف‪ ،‬وخذ هذين الدرهمين‪ .‬فقال له‪ :‬أنا أصير معك إلى حيث شئت يا أبا معرض ول أرزؤك شيئا‪،‬‬
‫‪:‬قال‪ :‬فافعل‪ .‬فأقبل به حتى أتى مجلس القوم‪ ،‬فوقف عليهم ثم تأملهم وقد عرف الشاب‪ ،‬فأقبل عليه وقال‬
‫وأدعوك ابن مطفئة السراج فقال له الرجل‪ :‬ولم ذاك? فقال‬ ‫‪:‬أتدعوني القيشر ذلك اسمي‬
‫ورب الناس يعلم ما تناجي قال قعنب في خبره‪ .‬فلقب ذلك الرجل ابن مطفئة‬ ‫تناجي خذنها باللـيل سـرا‬
‫‪ .‬السراج‬
‫كتب أبو الضحاك التميمي شعرا يذمه فرد عليه وتكرر ذلك‪ :‬وقال قعنب في خبره عن المدائني أخبرنا به اليزيدي عن الخزار‬
‫عن المدائني في كتاب الجوابات‪ ،‬ولم يروه الباقون‪ :‬كان القيشر يكتري بغلة أبي المضاء المكاري فيركبها إلى الخمارين‬
‫بالحيرة‪ .‬فركبها يوما ومضى لحاجته‪ ،‬وعند أبي المضاء رجل من تميم يكنى أبا الضحاك‪ ،‬فقال له‪ :‬من هذا? قال‪ :‬القيشر‪ .‬فأخذ‬
‫‪:‬طبق الميزان وكتب فيه‬
‫ضئيل الجسم مبطان هجين وقال لبي المضاء‪ :‬إذا جاء فأقرئه هذا‪ .‬فلما جاء‬ ‫عجبت لشاعر من حي سوء‬
‫‪:‬أقرأه‪ .‬فقال له القيشر‪ :‬ممن هو? قال‪ :‬من بني تميم‪ .‬فكتب القيشر تحت كتابه‬
‫وكيف يجوز سب الكرمـين‬ ‫فل أسدا أسب ول تـمـيمـا‬
‫وبينك يا ابن مضرطة العجين فهرب إلى الكوفة فلم يزد على هذا‬ ‫‪ .‬ولكن التميمي حـال بـينـي‬
‫‪:‬وقال قعنب في خبره عن المدائني‪ :‬فجاء التميمي فقرأ ما كتب‪ ،‬فكتب تحته‬
‫وجه القيشر حش غير ممنوع فلما قرأه قال‪ :‬اللهم أني أستعديك عليه‪ ،‬وكتب‬ ‫يأيها المبتغي حشا لحـاجـتـه‬
‫‪:‬تحته‬
‫فجاء من فاحش في الناس خلوع‬ ‫إني أتاني مقـال كـنـت آمـنة‬
‫فيه من اللؤم وهي غير ممنوع‬ ‫عبد العزيز أبو الضحاك كنيتـه‬
‫وأن تؤاجر في سوق المراضيع‬ ‫ولم تبت أمـه إل مـطـاحـنة‬
‫كأنما انساب في بعض البللـيع‬ ‫ينساب ماء البرايا في استها سربا‬
‫كأنه في استها تمثـال يسـروع فلما جاءه جزع ومشى إليه بقوم من بني تميم‪،‬‬ ‫من ثم جاءت به والبظر حنكـه‬
‫‪ .‬فطلبوا أن يكف ففعل‪ .‬وأما عبد الله بن خلف فذكر عن أبي عمرو الشيباني أن القيشر قال هذا في مسكين‬
‫‪ .‬والشعر الذي فيه الغناء يقوله القيشر في زكريا بن طلحة الذي يقال له الفياض‪ ،‬وكان مداحا له‬
‫سمع عبد الملك بن مروان شعرا له في طلحة الفياض فمدحه‪ :‬أخبرني الحسن بن علي عن العنزي عن محمد بن معاوية قال‪:‬‬
‫‪:‬غنت جارية عند عبد الملك ابن مروان بشعر القيشر‬
‫زكريا بن طلحة الفـياض‬ ‫قرب الله بالـسـلم وحـيا‬
‫بعد أين الطلئح النقـاض‬ ‫معدن الضيف إن أناخوا إليه‬

‫صفحة ‪1261 :‬‬

‫قد براها الكلل بـعـد إياض‬ ‫ساهمات العيون خـوص رذايا‬


‫منصبا كان في العل ذا انتفاض‬ ‫زاده خـالـد ابـن عـم أبـيه‬
‫قد قضى ذاك لبن طلحة قاض فقال عبد الملك للجارية‪ :‬ويحك لمن هذا? قالت‪:‬‬ ‫فرع تيم من تـيم مـرة حـقـا‬
‫‪ .‬للقيشر‪ .‬قال‪ :‬هذا المدح ل على طمع ول فرق‪ ،‬وأشعر الناس القيشر‬
‫لقيه الكميت فسمع من شعره وأثنى عليه‪ :‬وذكر عبد الله بن خلف أن أبا عمرو الشيباني أخبره الكميت بن زيد لقي القيشر‬
‫‪:‬في سفرة ‪ ،‬فقال له‪ :‬أين تقصد يا أبا معرض? فقال‬
‫قلت آتى في الدار قرما سريا وذكر باقي البيات التي فيها الغناء‪ ،‬فلم يزل‬ ‫سألني الناس أين يقصد هـذا‬
‫‪ .‬الكميت يستعيده إياها مرارا‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما كذب من قال إنك أشعر الناس‬
‫كان عنينا فقال شعرا في ضد ذلك داعب به رجل من قيس‪ :‬أخبرني عمي عن الكراني عن ابن سلم قال‪ :‬كان القيشر عنينا‪،‬‬
‫‪:‬وكان ل يأتي النساء‪ ،‬وكان كثيرا ما كان يصف ضد ذلك من نفسه‪ .‬فجلس إليه يوما رجل من قيس‪ ،‬فأنشده القيشر‬
‫عسر المكرة ماؤه يتفـصـد‬ ‫ولقد أروح بمشرف ذي شعرة‬
‫وتكاد جلدته بـه تـتـقـدد ثم قال للرجل‪ :‬أتبصرالشعر? قال نعم‪ .‬قال‪ :‬فما‬ ‫مرح يطير من المراح لعابه‬
‫وصفت? قال‪ :‬فرسا قال‪ :‬أفكنت لو رأيته ركبته? قال‪ :‬إي والله وأثني عطفه‪ .‬فكشف عن أيره وقال‪ :‬هذا وصفت‪ ،‬فقم فاركبه‪.‬‬
‫‪ .‬فوثب الرجل من مجلسه وجعل يقول له‪ :‬قبحك الله من جليس سائر اليوم‬
‫دعاه عابس وهو في جنازة بنت زياد العصفري لغداء وشراب فقال شعرا‪ :‬ونسخت من كتاب عبد الله بن خلف‪ :‬حدثني أبو‬
‫عمرو الشيباني قال‪ :‬ماتت بنت زياد العصفري‪ ،‬فخرج القيشر في جنازتها‪ ،‬فلما دفنوها انصرف‪ ،‬فلقيه عابس مولى عائذ الله‪،‬‬
‫‪:‬فقال له‪ :‬هل لك في غداء وطلء أتيت به من طيزناباذ قال نعم‪ .‬فذهب به إلى منزله فغداه وسقاه‪ ،‬فلما شرب قال‬
‫يمتن وألقى كلما عشت عابسا‬ ‫فليت زيادا ل يزلن بـنـاتـه‬
‫وأنجحت فيه بعد ما كنت آيسا أخذه الشرط من حانة فتخلص منهم برشوة وقال‬ ‫فذلك يوم غاب عنـي شـره‬
‫شعرا‪ :‬ونسخت من كتابه‪ :‬حدثني أبو عمرو قال‪ :‬شرب القيشر في بيت خمارة بالحيرة‪ ،‬فجاءه الشرط ليأخذوه‪ ،‬فتحرز منهم‬
‫وأغلق بابه وقال‪ :‬لست أشرب‪ ،‬فما سبيلكم علي قالوا‪ :‬قد رأينا العس في كفك وأنت تشرب‪ .‬قال‪ :‬إنما شربت من لبن لقحة‬
‫‪:‬لصاحب الدار‪ ،‬فلم يبرحوا حتى أخذوا منه درهمين‪ .‬فقال‬
‫فإذا ما مزجت كانت عـجـب‬ ‫إنمـا لـقـحـتـنـا بـاطـية‬
‫ينزع الباسور من عجب الذنب‬ ‫لبن أصـفـر صـاف لـونـه‬
‫فسلوا الشرطي ما هذا الغضب سأل عبد الملك وقد بنى أسد عنه وقال إنه‬ ‫إنما نشـرب مـن أمـوالـنـا‬
‫شاعرهم‪ :‬أخبرني الحسن بن علي عن العنزي عن محمد بن معاوية قال‪ :‬دخل وفد بني أسد على عبد الملك بن مروان‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫من شاعركم يا بني أسد? قالوا‪ :‬إن فينا لشعراء ما يرضى قومهم أن يفضلوا عليهم أحدا‪ .‬قال فما فعل القيشر? قالوا‪ :‬مات‪.‬‬
‫‪:‬قال‪ :‬لم يمت‪ ،‬ولكنه مشتغل بعشقه‪ ،‬وما أبعد أن يكون شاعركم إل أنه يضيع نفسه‪ .‬أليس هو القائل‬
‫من علم هذا الزمن الذاهب‬ ‫يأيها السائل عما مـضـى‬
‫أو شاهدا يخبر عن غائب‬ ‫إن كنت تبغي العلم أو أهله‬
‫واعتبر الصاحب بالصاحب سأل جارا له طحانا كان يقرض الناس فلم يعطه فقال‬ ‫فاعتبر الرض بأسمـائهـا‬
‫فيه شعرا‪ :‬وذكر عبد الله بن خلف عن أبي عمرو الشيباني أن جارا للقشير طحانا كان ينسئ الناس يكنى أبا عائشة‪ .‬فأتاه‬
‫‪:‬القيشر فلم يعطه‪ ،‬فقال له‬
‫فما لي وما لبي عائشه‬ ‫يريد النساء ويأبى الرجال‬
‫وأثكله ابنتـه عـائشـه فأعطاه ما أراد واستعفاه من أن يزيد شيئا‬ ‫‪ .‬أدام له الله كد الرجـال‬
‫تعرض له رجل من هجيم فهجاهم فاستكفوه فكف‪ :‬سخت من كتاب عبيد الله بن محمد اليزيدي بخطه‪ :‬قال الهيثم بن عدي‬
‫‪:‬حدثني عطاف بن عاصم بن الحدثان قال‪ :‬مر أعرابي من بني تميم كان يهزأ بالقشير‪ ،‬فقال له‬

‫صفحة ‪1262 :‬‬

‫إلى جنب قبر فيه شلو المضلـل‬ ‫أبا معرض كن أنت إن مت دافني‬
‫تضرم للعبد اللئيم الـمـبـخـل‬ ‫فعلي أن أنجو من النـار إنـهـا‬
‫تحش بأوصال وترب وجـنـدل‬ ‫بذلك أوصاها اللـه ولـم تـزل‬
‫بحزمك فاحزم يا أقيشر واعجل فقال له‪ :‬ممن أنت? قال‪ :‬من بني تميم ثم‬ ‫وأنت بحمد الله إن شئت مفلـتـي‬
‫‪:‬أحد بني الهجيم بن عمرو بن تميم‪ ،‬فقال القشير‬
‫بذل فإني لست بالـمـتـذلـل‬ ‫تميم بن مر كفكفوا عن تعمـدي‬
‫ومثلي رمي ذا التدرأ المتضلل‬ ‫أيهزأ بي العبد الهجيمي ضـلة‬
‫شماريخ من أركان سلمى ويدبل‬ ‫بداهية دهياء ل يستطـيعـهـا‬
‫تركت تميما ضحكة كل محفل‬ ‫وبالله لول أن حلمـي زاجـري‬
‫تصبحكم في كل مجمع ومنزل‬ ‫فكفوا رماكم ذو الجلل بخـزية‬
‫وألمكم طرا حريث بن جنـدل فصار إليه شيوخ من بني الهجيم واعتذروا إليه‬ ‫فأنتم لئام الناس ل تنـكـرونـه‬
‫‪.‬واستكفوه فكف‬
‫شرب مع مقعد وأعمى وغناهم مغن فطربوا فقال هو شعرا‪ :‬أخبرني الخفش قال حدثني أبو الفياض بن أبي شراعة عن أبيه‬
‫قال‪ :‬شرب القيشر بالحيرة في بيت فيه خياط مقعد ورجل أعمى‪ ،‬وعندهم مغن مطرب‪ ،‬فطرب القيشر‪ ،‬فسقاهم من شربه‪،‬‬
‫‪:‬فلما انتشوا وثب العمى يسعى في حوائجهم‪ ،‬وقفز الخياط المقعد يرقص على ظلعة ويجهد في ذلك كل جهد‪ .‬فقال القيشر‬
‫وأعمى سقيناه ثلثا فـأبـصـرا‬ ‫ومقعد قوم قد مشى من شرابنـا‬
‫ومسحوق هندي من المسك أذفرا‬ ‫شرابا كريح العنبر الورد ريحـه‬
‫إذا شفها الحاني من الدن كبـرا‬ ‫من الفتيات الغر من أرض بابـل‬
‫تأنق فيهـا صـانـع وتـخـيرا‬ ‫لها من زجاج الشام عنق غـريبة‬
‫وكل يسمى بالعتيق مـشـهـرا‬ ‫ذخائر فرعون التي جبـيت لـه‬
‫تدور علينا صائم القوم أفـطـرا كان صاحب سراب وندامى تفرق أصحابه فقال‬ ‫إذا ما رآها بعد إنقاء غسـلـهـا‬
‫شعرا‪ :‬أخبرنا علي بن سليمان قال حدثني أبي قال‪ :‬كان القيشر صاحب شراب وندامى‪ ،‬فأشخص الحجاج بعض ندمائه إلى‬
‫‪:‬بعض النواحي ‪ ،‬ومات بعضهم‪ ،‬ونسك بعضهم‪ ،‬وهرب بعضهم؛ فقال في ذلك‬
‫لفراق الثقات من إخوانـي‬ ‫غلب الصبر فاعترتني هموم‬
‫دائب في تلوة الـقـرآن‬ ‫مات هذا وغاب هذا وهـذا‬
‫ك قديما من أظرف الفتيان شعر له في بغل أبي المضاء وكان يكتريه فيركبه‬ ‫ولقد كان قبل إظهاره النس‬
‫إلى الحيرة‪ :‬وأخبرني أبو الحسن السدي قال قال ابن الكلبي حدثني سلمة بن عبد سواع عن أبيه قال‪ :‬كان القيشر ل يسأل‬
‫أحدا أكثر من خمسة دراهم‪ ،‬يجعل درهمين في كراء بغل إلى الحيرة‪ ،‬ودرهمين للشراب‪ ،‬ودرهما للطعام‪ .‬وكان له جار يكنى أبا‬
‫المضاء له بغل يكريه‪ ،‬وكان يعطيه درهمين ويأخذ بغله فيركبه إلى الحيرة‪ ،‬حتى يأتي بيت الخمار فينزل عنده ويربطه بلجامه‬
‫‪:‬وسرجه فيقال إنه أعطى ثمنه في الكراء ثم يجلس فيشرب حتى يمسي‪ ،‬ثم يركبه وينصرف‪ .‬فقال في ذلك‬
‫أني حلفت ولـلـيمـين نـذور‬ ‫يا بغل بغل أبي المضاء تعلمـن‬
‫فيما أحـب وكـل ذاك يسـير‬ ‫لتعسفن وإن كرهت مهـامـهـا‬
‫عمدا وأنت مذلل مـصـبـور‬ ‫بالرغم يا ولد الحمار قطعتـهـا‬
‫وترى المدامة بالكـف تـدور‬ ‫حتى تزور مسمـعـا فـي داره‬
‫وإذا سخطت فخطب ذاك صغير خدعته امرأة بأنها أم حنين الخمار وأخذت منه‬ ‫ل يرفعون بما يسوءك نـعـرة‬
‫‪:‬درهمين‪ ،‬فأخذ يهجو أم حنين حتى استرضاه حنين‬

‫صفحة ‪1263 :‬‬


‫قال‪ :‬فأتى يوما من اليام بيت الخمار الذي كان يأتيه فلم يصادفه فجعل ينتظره‪ ،‬ودخلت الدار امرأة عبادية ‪ ،‬فقال لها‪ :‬ما‬
‫فعل فلن? قالت‪ :‬مضى في حاجة وانا امرأته‪ ،‬فما تريد? قال‪ :‬نبيذا‪ .‬قالت‪ :‬بكم? قال‪ :‬بدرهمين‪ .‬قالت‪ :‬هلم درهميك‬
‫وانتظرني‪ .‬قال ل ‪ .‬قالت‪ :‬فذلك إليك‪ ،‬ومضت وتبعها‪ ،‬فدخلت دارا لها بابان وخرجت من أحدهما وتركته‪ .‬فلما طال جلوسه‬
‫خرج إليه بعض أهل الدار‪ ،‬قالوا‪ :‬ما يجلسك? فأخبرهم‪ .‬فقالوا له‪ :‬تلك امرأة محتالة يقال لها? أم حنين من العباديين‪ .‬فعلم أنه‬
‫‪:‬قد خدع‪ ،‬فانصرف إلى خماره فأخبره بالقصة وقال له‪ :‬أنسئني اليوم فاسقني ففعل‪ .‬وأنشأ القيشر يقول‬
‫بعد أخت العباد أم حنـين‬ ‫لم يغرر بذات خف سوانـا‬
‫أو طلء معجل غير دين‬ ‫وعدتنا بدرهمـين نـبـيذا‬
‫يا لقومي لضيعة الدرهمين وذكر هذا الخبر عبد الله بن خلف عن أبي عمرو‬ ‫ثم ألوت بالدرهمين جميعـا‬
‫الشيباني وزاد فيه‪ :‬أن الخمار كان يسمى بحنين‪ ،‬وأن المرأة المحتالة قالت له‪ :‬إنها أم حنين الخمار الذي كان يعامله حتى‬
‫‪:‬أخذت الدرهمين ثم هربت منه‪ ،‬وذكر البيات الثلثة التي تقدمت‪ ،‬وبعدها‬
‫سوف أغدو لحاجتي ولديني‬ ‫عاهدت زوجها وقد قال إني‬
‫وافر الير مرسل الخصيتين‬ ‫فدعت كالحصان أبيض جلدا‬
‫سوف أعطيك أجره مرتين‬ ‫قال ما أجرذا هديت فقالـت‬
‫سافحته أرضته بالخـريين‬ ‫فأبدأ الن بالسفاح فـلـمـا‬
‫عالم الير أفحج الحالـبـين‬ ‫تلها للجبين ثم امتـطـاهـا‬
‫ظهره بالبنان والمعصمـين‬ ‫بينما ذاك منهما وهي تحوي‬
‫ذا انتصاب موثق الخدعين‬ ‫جاءها زوجها وقد شام فيهـا‬
‫لحنين من عار أم حـنـين قال‪ :‬فجاء حنين الخمار فقال له‪ :‬يا هذا ما أردت بهجائي‬ ‫فتأسـى وقـال ويل طـويل‬
‫وهجاء أمي ? قال‪ :‬أخذت مني درهمين ولم تعطيني شرابا‪ .‬قال‪ :‬والله ما تعرف أمي ول أخذت منك شيئا قط‪ ،‬فانظر إلى أمي‬
‫فإن كانت هي صاحبتك غرمت لك الدرهمين‪ .‬قال‪ :‬ل والله ما أعرف غير أم حنين‪ ،‬ما قالت لي إل ذلك‪ ،‬ول أهجو إل أم حنين‬
‫وابنها‪ ،‬فإن كانت أمك إياها أعني‪ .‬وإن كانت أم حنين أخرى فإياها أعني‪ .‬فقال‪ :‬إذا ل يفرق الناس بينهما‪ .‬قال‪ :‬فما علي إذا‬
‫‪ .‬أترى درهمي يضيعان فقال له‪ :‬هلم إذا أغرمهما لك وأقم ما تحتاج إليه‪ ،‬ل بارك الله لك ففعل‬
‫استكتبته العريان بن الهيثم من ملحه ثم أرسل له خمسين درهما فاستقلها وهجاه‪ ،‬ثم استرضاه أبوه الهيثم‪ :‬قال عبد الله‬
‫وحدثني أبو عمرو قال‪ :‬كان العريان بن الهيثم النخعي صديقا للقيشر‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أقيشر إني أريد أن أمتد إلى الشام فأكتبني‬
‫من ملحك فأكتبه‪ .‬فخرج إلى الشام فأصاب مال‪ ،‬فبعث إلى القيشر بخمسين درهما‪ ،‬ففعل وقال‪ :‬هات‪ .‬قال المولى‪ :‬على أن‬
‫‪:‬تهجوه إذ وضع منك? قال نعم‪ ،‬فأعطاه خمسين درهما‪ ،‬وقال القيشر‬
‫فملتهن قصائدا وكـتـابـا‬ ‫وسألتني يوم الرحيل قصائدا‬
‫وكذبتني فوجدتني كـذابـا‬ ‫إني صدقتك إذ وجدتك صادقا‬
‫لما فتحت من الخيانة بابـا وكان أبو العريان على الشرطة‪ ،‬فخافه القيشر من‬ ‫وفتحت بابا للخيانة عـامـدا‬
‫‪ .‬هجاء ابنه‪ ،‬وبلغ الهيثم هذه البيات فبعث إليه بخمسمائة درهم وسأله الكف عن ابنه وأل يشهره ‪ ،‬فأخذها وفعل‬
‫خطب رجل من حضرموت امرأة من بني أسد وسأله عنها فهجاه‪ :‬قال أبو عمرو‪ :‬وخطب رجل من حضرموت امرأة من بني‬
‫أسد‪ ،‬فأقبل يسأل عنها وعن حسبها وأمهاتها‪ ،‬حتى جاء القيشر فسأله عنها‪ .‬فقال له‪ :‬من أين أنت? قال‪ :‬من حضرموت‪ .‬فأنشأ‬
‫‪:‬يقول‬
‫وإلينا حضرموت تنتسـب‬ ‫حضرموت فتشت أحسابنـا‬
‫برئت منكم إلى الله العرب طلبت إليه عمته أن يصلي فقال اختاري إما الصلة أو‬ ‫إخوة القرد وهم أعمامـه‬
‫‪:‬الوضوء‪ :‬أخبرني الحسن بن علي عن أبي أيوب المديني قال قال أبو طالب الشاعر حدثني رجل من بني أسد قال‬

‫صفحة ‪1264 :‬‬

‫سمعت عمة القيشر تقول له يوما‪ :‬اتق الله وقم فصل‪ ،‬فقال‪ :‬ل أصلي‪ .‬فأكثرت عليه‪ ،‬فقال‪ :‬قد أبرمتني‪ ،‬فاختاري خصلة من‬
‫‪ .‬خصلتين‪ :‬إما أن أصلي ول أتطهر‪ ،‬وإما أن أتطهر ول أصلي‪ .‬قالت‪ :‬قبحك الله فإن لم يكن غير هذا فصل بل وضوء‬
‫جاءه شرطي وهو يشرب فخافه وسقاه بأنبوب من ثقب الباب‪ :‬قال أبو أيوب‪ :‬وحدثت أنه شرب يوما في بيت خمار بالحيرة‪،‬‬
‫فجاء شرطي من شرط المير ليدخل عليه‪ ،‬فغلق الباب دونه‪ .‬فناداه الشرطي اسقني نبيذا وأنت آمن‪ .‬فقال‪ :‬والله ما آمنك‪،‬‬
‫ولكن هذا ثقب في الباب فاجلس عنده وأنا أسقيك منه‪ ،‬ثم وضع له أنبوبا من قصب في الثقب وصب فيه نبيذا من داخل‬
‫‪:‬والشرطي يشرب من خارج الباب حتى سكر‪ .‬فقال القيشر‬
‫فسقيناه بأنبـوب الـقـصـب‬ ‫سأل الشرطـي أن نـسـقـيه‬
‫فسلوا الشرطي ما هذا الغضب أعطاه قيس بن محمد مال ونجمه له فكرر ذلك‬ ‫إنما نشـرب مـن أمـوالـنـا‬
‫مرارا فرده فهجاه‪ :‬أخبرني عمي عن الكراني عن قعنب بن المحرز‪ ،‬وحدثنا محمد بن خلف عن أبي أيوب المديني عن قعنب‬
‫بن الهيثم بن عدي قال‪ :‬كان قيس بن محمد بن الشعث ضرير البصر‪ ،‬فأتاه القيشر فسأله‪ ،‬فأمر قهرمانه فأعطاه ثلثمائة‬
‫درهم‪ ،‬فقال‪ :‬ل أريدها جملة‪ ،‬ولكن مر القهرمان أن يعطيني في كل يوم ثلثة دراهم حتى تنفد‪ .‬فكان يأخذها منه‪ ،‬فيجعل درهما‬
‫لطعامه‪ ،‬ودرهما لشرابه‪ ،‬ودرهما لدابة تحمله إلى بيوت الخمارين‪ .‬فلما نفدت الدراهم أتاه الثانية فسأله فأعطاه وفعل مثل‬
‫ذلك‪ ،‬وأتاه الثالثة فأعطاه وفعل مثل ذلك‪ ،‬وأتاه الرابعة فسأله‪ .‬فقال له قيس‪ :‬ل أبا لك كأنك قد جعلت هذا خراجا علينا‪.‬‬
‫‪:‬فانصرف وهو يقول‬
‫يقول ول تلقاه للـخـير يفـعـل‬ ‫ألم تر قيس الكمه ابن مـحـمـد‬
‫وما خير أعمى العين والقلب يبخل‬ ‫رأيتك أعمى العين والقلب ممسكـا‬
‫عليه وما فيه من الشر أفـضـل فقال قيس‪ :‬لو نجا أحد من القيشر لنجوت‬ ‫فلو صم تمت لعنة اللـه كـلـهـا‬
‫‪ .‬منه‬
‫كان سكران فحكموه في الصحابة فقال شعرا‪ :‬أخبرني أبو الحسن السدي عن العنزي عن محمد بن معاوية قال‪ :‬اختصم قوم‬
‫بالكوفة في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي‪ ،‬فقالوا‪ :‬نجعل بيننا أول من يطلع علينا‪ .‬فطلع القيشر عليهم وهو سكران‪ .‬فقال‬
‫‪:‬بعضهم لبعض‪ :‬انظروا من حكمنا‪ .‬فقالوا‪ :‬يا أبا معرض قد حكمناك‪ .‬قال‪ :‬فيماذا? فأخبروه‪ .‬فمكث ساعة ثم أنشأ يقول‬
‫فإن الله يغفر لي فسوقي‬ ‫إذا صليت خمسا كـل يوم‬
‫فقد أمسكت بالحبل الوثيق‬ ‫ولم أشرك برب الناس شيئا‬
‫ودعني من بنيات الطريق أعطاه ابن رأس البغل مهر ابنة عم له فمدحه فاعترض‬ ‫وهذا الحق ليس به خفـاء‬
‫عليه فأجابه‪ :‬قال محمد بن معاوية‪ :‬وتزوج القيشر ابنة عم له يقال لها الرباب‪ ،‬على أربعة آلف درهم‪ ،‬ويقال على عشرة آلف‬
‫درهم‪ ،‬فأتى قومه فسألهم فلم يعطوه شيئا؛ فأتى ابن رأس البغل وهو دهقان الصين وكان مجوسيا‪ ،‬فسأله فأعطاه الصداق‪.‬‬
‫‪:‬فقال القيشر‬
‫فدى للمجوسي خالي وعـم‬ ‫كفاني المجوسي مهر الرباب‬
‫وأن أباك الجواد الخـصـم‬ ‫شهدت بأنك رطب المشـاش‬
‫إذا ما ترديت فيمن ظـلـم‬ ‫وأنك سيد أهل الـجـحـيم‬
‫وفرعون والمكتنى بالحكـم ذهب إلى عكرمة بن ربعي فلم يعطه فهجاه‪ :‬فقال له‬ ‫تجاور قارون في قعـرهـا‬
‫المجوسي‪ :‬ويحك سألت قومك فلم يعطوك وجئتني فأعطيتك‪ ،‬فجزيتني هذا القول ولم أفلت من شعرك وشرك قال‪ :‬أو ما‬
‫‪:‬ترضى أن جعلتك مع الملوك وفوق أبي جهل ثم جاء إلى عكرمة بن ربعي التميمي فلم يعطه‪ ،‬فقال فيه‬
‫أبا ثم أما فـقـالـوا لـمـه‬ ‫سألت ربيعة مـن شـرهـا‬
‫وأجعل بالسب فـيه سـمـه‬ ‫فقلت لعلـم مـن شـركـم‬
‫وماذا يرى الناس في عكرمه‬ ‫فقالوا لعكرمة المـخـزيات‬
‫فما غيرذا فيه من مكرمـه شرب بما معه وبثيابه ثم جلس في تبن وحديث الخمار‬ ‫فإن يك عبـدا زكـا مـالـه‬
‫‪:‬معه‬

‫صفحة ‪1265 :‬‬

‫قال ابن الكلبي‪ :‬وشرب القيشر في حانة خمار حتى أنفد ما معه‪ ،‬ثم شرب بثيابه حتى غلقت فلم يبق عليه شيء‪ ،‬وجلس‬
‫في تبن إلى جانب البيت وإلى حلقه مستدفئا به‪ .‬فمر رجل به ينشد ضالة‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم اردد عليه واحفظ علينا‪ .‬فقال له‬
‫الخمار‪ :‬نخنت عينك أي شيء يحفظ عليك ربك? قال‪ :‬هذا التبن ل تأخذه فأموت من البرد‪ .‬فضحك الخمار ورد عليه ثيابه وقال‪:‬‬
‫‪ .‬اذهب فاطلب ما تشرب به‪ ،‬ول تجئني بثيابك فإني ل أشتريها بعد ذلك‬
‫لقيه هشام الشرطي وهو سكران فحاوره في سكره‪ :‬قال ابن الكلبي‪ :‬واجتاز القيشر برجل يقال له هشام وكان على شرطة‬
‫‪:‬عمرو بن حريث وهو سكران‪ ،‬فدعا به فقال له‪ :‬أنت سكران? قال ل‪ .‬قال‪ :‬فما هذه الرائحة? قال‪ :‬أكلت سفرجل‪ ،‬ثم قال‬
‫فقلت كذبتم بل أكلت سفرجل فضحك منه ثم قال‪ :‬فإن لم تكن سكران‬ ‫يقولون لي انكه شربت مدامة‬
‫‪:‬أخبرني كم تصلي في كل يوم‪ .‬فقال‬
‫صلة المسلمين فقلت خمس‬ ‫يسائلني هشام عن صلتـي‬
‫مواترة فما فيهـن لـبـس‬ ‫صلة العصر والولى ثمان‬
‫وشفع بعدها فيهن حـبـس‬ ‫وعند مغيب قرن الشمس وتر‬
‫ولما تبد للـرائين شـمـس‬ ‫وغدوة اثنتان معا جـمـيعـا‬
‫لنسك بالضحاء إذا نـبـس‬ ‫وبعدها لوقتـهـمـا صـلة‬
‫فذاك الـخـلق جـبـس‬ ‫أأحصيت الصلة أيا هشامـا‬
‫بحامده من القـوام إنـس قال‪ :‬فضحك هشام وقال‪ :‬بلى أخبرتنا يا أبا معرض‪،‬‬ ‫تعود أن يلم فـلـيس يومـا‬
‫‪ .‬فانصرف راشدا‬
‫استنشد قتيبة بن مسلم مرداس بن جذام شعره في قدامة بن جعدة‪ :‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد عن أبي عبيدة قال‪:‬‬
‫قدم رجل من بني سلول على قتيبة بن مسلم بكتاب عامله على الري وهو المعلى بن عمرو المحاربي‪ ،‬فرآه على الباب قدامة‬
‫بن جعدة بن هبيرة المخزومي وكان صديقا لقتيبة‪ ،‬فدخل عليه فقال له‪ :‬ببابك ألم العرب‪ ،‬سلولي رسول محاربي إلى باهلي‪.‬‬
‫فتبسم قتيبة تبسما فيه غيظ‪ .‬وكان قدامة بن جعدة يتهم بشرب الخمر‪ ،‬وكان القيشر ينادمه‪ .‬فقال قتيبة‪ :‬ادعوا لي مرداس بن‬
‫‪ :‬جذام السدي فدعي‪ .‬فقال له‪ :‬أنشدني ما قال القيشر في قدامة بن جعدة وهو بالحيرة‪ .‬فأنشده قوله‬
‫سيد الجدين من فرعي مضر‬ ‫رب ندمـان كـريم مـاجـد‬
‫لم يخالط صفوها منه كـدر‬ ‫قد سقيت الكأس حتى هرهـا‬
‫تتغشاه سمادير الـسـكـر‬ ‫قلت قم صل فصلى قـاعـدا‬
‫تقرن الحقة بالحق الـذكـر‬ ‫قرن الظهر مع العصر كما‬
‫وقرأ الكوثر من بين السور قال‪ :‬فتغير لون القرشي وخجل‪ .‬فقال له قتيبة‪ :‬هذه‬ ‫ترك الفجر فمـا يقـرؤهـا‬
‫‪ .‬بتلك‪ ،‬والبادئ أظلم‬
‫استنشده عبد الملك أبياته في الخمر وحاوره فيها‪ :‬أخبرني الخفش عن محمد بن الحسن بن الحرون قال حدثنا الكسروي عن‬
‫‪:‬الصمعي قال‪ :‬قال عبد الملك للقيشر‪ :‬أنشدني أبياتك في الخمر‪ ،‬فأنشده قوله‬
‫لوجه أخيها في الناء قـطـوب‬ ‫تريك القذى من دونها وهي دونه‬
‫لها في عظام الشاربـين دبـيب فقال له‪ :‬أحسنت يا أبا معرض ولقد أجدت‬ ‫كميت إذا فضت وفي الكأس وردة‬
‫‪ .‬وصفها‪ ،‬وأظنك قد شربتها‪ .‬فقال‪ :‬والله يا أمير المؤمنين إنه ليريبني منك معرفتك بهذا‬
‫قصة له مع بعض ندمائه في حانة‪ :‬أخبرني الحسن بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن ابن الكلبي عن رجل من الزد قال‪ :‬كان‬
‫القيشر يأتي إخوانا له يسألهم فيعطونه‪ ،‬فأتى رجل منهم فأمر له بخمسمائة درهم‪ ،‬فأخذها وتوجه إلى الحانة ودفعها إلى‬
‫صاحبها وقال له‪ :‬أقم لي ما أحتاج إليه ففعل ذلك‪ ،‬وانضم إليه رفقاء له‪ ،‬فلم يزل معهم حتى نفدت الدراهم‪ ،‬فأتاهم بعد إنفاقها‬
‫بيوم ثم أتاهم من غد فاحتملوه‪ ،‬فلما أتاهم في اليوم الثالث نظر إليه أصحابه من بعيد فقالوا لصاحب الحانة‪ :‬أصعدنا إلى‬
‫غرفتك هذه وأعلم القيشر أنا لم نأت اليوم‪ .‬فلما جاء القيشر أعلمه ما قالوه له‪ .‬فعلم القيشر أنه ل فرج له عند صاحب‬
‫‪:‬الحانة إل برهن‪ ،‬فطرح إليه ثيابه وقال له‪ :‬أقم لي ما أحتاج إليه ففعل‪ .‬فلما أخذ فيه الشراب أنشأ يقول‬
‫ثم كأسا حتى أخر نعاسا‬ ‫يا خليلي اسقياني كأسـا‬

‫صفحة ‪1266 :‬‬

‫لناسـا يخـادعـون أنـاسـا‬ ‫إن في الغرفة التي فوق رأسي‬


‫ثم ل يرفعون بالـزور راسـا فلما سمع أصحابه هذا الشعر فدوه بآبائهم‬ ‫يشربون المعتق الراح صرفـا‬
‫‪.‬وأمهاتهم ثم قالوا له‪ :‬إما أن تصعد إلينا أو ننزل إليك‪ ،‬فصعد إليهم‬
‫قصته مع عمه وبشر بن مروان حين مدح بشرا فوصله‪ :‬أخبرني الحسن بن علي عن ابن مهروية قال حدثني أبو مسلم‬
‫المستملي عن المدائني قال‪ :‬مدح القيشر بشر بن مروان ودخل إليه فأنشده القصيدة وعنده أيمن بن خزيم بن فاتك السدي‪،‬‬
‫فقال أيمن‪ :‬هذا والله كلم حسن من جوف خرب‪ .‬فأجابه بالبيت المذكور‪ .‬وقال أبو عمرو أيضا في خبره‪ :‬فلما صار القيشر‬
‫إلى منزله بعث عمه فأخذ منه اللف الدرهم وقال‪ :‬والله ل أخليك تفسدها وتشرب بها الخمر‪ .‬قال‪ :‬فتصنع بها ماذا? قال‪:‬‬
‫‪:‬أكسوك وأكسو عيالك وأعد لك قوت عامك‪ .‬فتركه ودخل على بشر فقال له‬
‫أزاغ به من ليس لي بعيال قال‪ :‬ومن ذلك? فأخبره الخبر‪ .‬فأمر صاحب شرطته أن‬ ‫أبلغ أبا مروان أن عطـاءه‬
‫‪ .‬يحضر عمه وينتزع منه اللف الدرهم ويسلمها إليه‪ ،‬وقال‪ :‬خذها ونحن نقوم لعيالك بما يصلحهم‬
‫مدح خمارة بشعر داعر فسرت به‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد عن أبي غسان دماذ عن أبي عبيدة قال‪ :‬مر القيشر بخمارة‬
‫بالحيرة يقال لها دومة‪ ،‬فنزل عندها فاشترى منها نبيذا‪ ،‬ثم قال لها جودي لي الشراب حتى أجيد لك المدح ففعلت‪ .‬فأنشأ‬
‫‪:‬يقول‬
‫وأسمر ملء كفك مستقيم‬ ‫أل يا دوم دام لك النعـيم‬
‫يحم كأنه رجل سـقـيم‬ ‫شديد السر ينبض حالباه‬
‫وينفخ فيه شيطان رجيم قال‪ :‬فسرت به الخمارة وقالت‪ :‬ما قيل في أحسن من هذا‬ ‫يرويه الشراب فيزدهـيه‬
‫‪ .‬ول أسر لي منه‬
‫مدح فاتك بن فضالة حين وفد على عبد الملك‪ :‬أخبرني أبو الحسن السدي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية‬
‫قال‪ :‬كان فاتك ابن فضالة بن شريك السدي كريما على بني أمية‪ ،‬وهو الوافد على عبد الملك بن مروان قبل أن ينهض إلى‬
‫حرب ابن الزبير‪ ،‬فضمن له على أهل العراق طاعتهم وتسليم بلدهم إليه‪ ،‬وأن يسلموا مصعبا إذا لقيه ويتفرقوا عنه‪ .‬وله يقول‬
‫‪:‬القيشر في هذه الوفادة‬
‫يا فاتك بن فضالة بن شريك تولى الكوفة رجل من بني تميم فانكسر المنبر‬ ‫وفد الوفود فكنت أفضل وافد‬
‫من تحته فهجاهم‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش عن السكري قال حدثني ابن حبيب قال‪ :‬ولي الكوفة رجل من بني تميم‬
‫‪:‬يقال له مطر ؛ فلما عل المنبر انكسرت الدرجة من تحته فسقط عنها؛ فقال القيشر‬
‫ما يستقر قراره يتمرمـر‬ ‫أبني تميم ما لمنبر ملكـكـم‬
‫فادعوا خزيمة يستقر المنبر سئل عن قريظة بن قرظة فتكاسل عن ذكر اسمه‬ ‫إن المنابر أنكرت أستاهكـم‬
‫فهجاه فرد عليه‪ :‬أخبرني محمد بن مزيد عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال‪ :‬مر رجل من محارب يقال‬
‫له قريظة بن يقظة بالقيشر السدي وهو مجلس من مجالس بني أسد‪ ،‬فسلم على القيشر وكان به عارفا‪ .‬فقال له القوم‪:‬‬
‫‪:‬من هذا يا أبا معرض? وكان مخمورا‪ ،‬فقال‬
‫وأعيا عقال أن يطيق لـه ذكـرا قال فضحك القوم وقالوا‪ :‬سبحان الله أي‬ ‫ومن لي بأن أستطيع أن أذكر اسمه‬
‫شيء تقول? فقال‪ :‬اسمه ونسبه أعظم من أن أقدر على ذكرهما في يوم‪ ،‬فإن شئتم سميته اليوم ونسبته غدا‪ ،‬وإن شئتم‬
‫نسبته اليوم وسميته غدا‪ .‬قالوا‪ :‬هات اسمه اليوم‪ .‬فقال‪ :‬قريظة ‪ .‬فقال رجل منهم‪ :‬ينبغي أن يكون ابن يقظة‪ .‬فقال القيشر‪:‬‬
‫‪:‬صدقت والله وأصبت‪ ،‬ولقد أثقلت اسمه حين ذكرته أن أقول نعم‪ .‬فبلغ قريظة قوله وكان شاعرا فقال‬
‫ولكنه بالمخـزيات طـلـيق‬ ‫لسانك من سكر ثقيل عن التقى‬
‫كذاك إذا ما كنت غير مفـيق‬ ‫وأنت حقيق يا أقيشر أن تـرى‬
‫جنى النحل يهديه إليك صديق فبلغ القيشر قول المحاربي وكان يكنى أبا‬ ‫تسف من الصهباء صرفا تخالها‬
‫‪:‬الذيال‪ ،‬فأجابه فقال‬
‫له في بيوت العاهرات طريق‬ ‫عدمت أبا الذيال من ذي نوالة‬
‫وذلك رأي لو علمـت وثـيق‬ ‫أبالخمر عيرت امرأ ليس مقلعا‬

‫صفحة ‪1267 :‬‬

‫ففي النفس منها زفرة وشهيق سمع الرشيد من يتغنى بشعر له في توبته‬ ‫سأشربها ما دمت حيا وإن أمت‬
‫‪:‬من الخمر فأعجب به‪ :‬أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬بلغني أن الرشيد سمع ليلة رجل يغني‬
‫وحال من دونها السلم والحـرج‬ ‫إن كانت الخمر قد عزت وقد منعت‬
‫أشفي بها غلتي صرفا وأمـتـزج‬ ‫فقد أباكرها صرفـا وأشـربـهـا‬
‫لها إذا رجعت في صوتها غـنـج‬ ‫وقد تقوم على رأسـي مـغـنـية‬
‫كما يطن ذباب الروضة الـهـزج قال‪ :‬فوجه في أثر الصوت من جاءه بالرجل‬ ‫وترفع الصوت أحيانا وتخفـضـه‬
‫وهو يرعد‪ ،‬فقال‪ :‬ل ترع فإنما أعجبني حسن صوتك‪ .‬فقال‪ :‬والله يا أمير المؤمنين ما تغنيت بهذا الشعر إل وأنا قد تبت من‬
‫شرب النبيذ‪ ،‬وهذا شعر يقوله القيشر في توبته من النبيذ‪ .‬فقال له الرشيد‪ :‬وما حملك على تركه? قال‪ :‬خشية الله‪ .‬وإني فيه‬
‫‪:‬يا أمير المؤمنين كما قال زيد بن ظبيان‬
‫هل بين ذي كبرة والخمر من نسب‬ ‫جاءوا بقاقزة صـفـراء مـتـرعة‬
‫يوهي العظام وطورا مفتر العصب‬ ‫بئس الشراب شرابا حين تشـربـه‬
‫وفي العشيرة أن يزري على حسبي فقال له الرشيد‪ :‬أنت وما اخترت أعلم‪،‬‬ ‫إني أخاف مليكـي أن يعـذبـنـي‬
‫فأعد الصوت‪ ،‬فأعاده‪ .‬وأمر بإحضار المغنين واستعاده‪ ،‬وأمرهم بأخذه عنه فأخذوه‪ ،‬ووصله وانصرف‪ ،‬وكان صوت الرشيد أياما‪.‬‬
‫هكذا ذكر إسماعيل بن يونس عن عمر بن شبة في هذا الخبر أن البيات للقيشر‪ ،‬ووجدتها في شعر أبي محجن الثففي له لما‬
‫‪ .‬تاب من الشراب‬
‫خرج لغزو الشام فباع حماره وأنفق ثمنه في الفجور ثم رجع مع الغازين‪ :‬أخبرني علي بن سليمان قال حدثنا أبو سعيد عن‬
‫محمد بن حبيب قال‪ :‬كان القباع ‪ ،‬وهو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة‪ ،‬قد أخرج القيشر مع قومه لقتال أهل الشام‪ ،‬ولم‬
‫يكن عند القيشر فرس فخرج على حمار‪ ،‬فلما عبر جسر سورا فوصل لقرية يقال لها قنين توارى عند خمار نبطي يبرز زوجته‬
‫‪:‬للفجور‪ ،‬فباع حماره وجعل ينفقه هناك ويشرب بثمنه ويفجر إلى أن قفل الجيش‪ ،‬وقال في ذلك‬
‫بل ندبة فيها احتساب ول جـعـل‬ ‫خرجت من المصر الحواري أهلـه‬
‫سفاها بل سيف حـديد ول نـبـل‬ ‫إلى جيش أهل الشام أغزيت كارهـا‬
‫ورمح ضعيف الزج متصدع النصل‬ ‫ولكن بترس لـيس فـيه حـمـالة‬
‫سوى أمره والسير شيئا من الفعـل‬ ‫حباني به ظلم القـبـاع ولـم أجـد‬
‫وسلمت تسليم الغزاة على أهـلـي‬ ‫فأزمعت أمري ثم أصبحـت غـازيا‬
‫على فرس أو ذا متاع على بـغـل‬ ‫وقلت لعلـي أن أرى ثـم راكـبـا‬
‫إكاف وإشناق المزادة والـحـبـل‬ ‫جوادي حمار كان حينا لـظـهـره‬
‫قوائم سوء حين يزجر في الوحـل‬ ‫وقد خان عينـيه بـياض وخـانـه‬
‫قوائمه حتى يؤخـر بـالـحـمـل‬ ‫إذا ما انتحى في الماء والوحل لم ترم‬
‫رويدكم حتى أجوز إلى الـسـهـل‬ ‫أنادي الرفاق بارك الـلـه فـيكـم‬
‫كأنا بغايا ما يسـرن إلـى بـعـل‬ ‫فسرنا إلـى قـنـين يومـا ولـيلة‬
‫سوى يابس النهار أو سعف النخل‬ ‫إذا ما نزلنا لم نـجـد ظـل سـاحة‬
‫يئط نقيضا عن سفائنه الـفـضـل‬ ‫مررنا على سوراء نسمع جسرهـا‬
‫لنا سوق فراغ الحديث إلى شـغـل‬ ‫فلما بدا جسر السراة وأعـرضـت‬
‫حلل برغم القلطمان ومـا نـفـل‬ ‫نزلنا إلـى ظـل ظـلـيل وبـاءة‬
‫عروسا بما بين السبيئة والـنـسـل‬ ‫يشارطه من شـاء كـان بـدرهـم‬
‫وبعت حماري واسترحت من الثقل‬ ‫فأتبعت رمح السوء سمية نصـلـه‬
‫فقلت لها إصوي فإني على رسـل‬ ‫تقول ظبـايا قـل قـلـيل أل لـيا‬
‫بمرها كطرف العين شائلة الرجـل مما يغنى فيه من شعره‬ ‫‪:‬مهرت لها جرديقة فـتـركـتـهـا‬

‫صفحة ‪1268 :‬‬

‫‪:‬ومما يغنى فيه من شعر القيشر‪ :‬صوت‬


‫إل مع الغر أبناء البـطـاريق‬ ‫ل أشربن أبدا راحا مـسـارقة‬
‫قرع القواقيز أفـواه البـاريق الغناء لحنين هزج بالبنصر عن عمرو‪ .‬وفيه‬ ‫أفنى تلدي وما جمعت من نشب‬
‫لعمر الوادي رمل بالبنصر عن الهشامي‪ .‬وفيه ثقيل أول ينسب إلى حنين وعمر وحكم جميعا‪ .‬وهذا الغناء المذكور من قصيدة‬
‫‪:‬للقيشر طويلة‪ ،‬أولها‬
‫بالطف صوت حمامات على نيق صوت‬ ‫‪:‬إني يذكرني هنـدا وجـارتـهـا‬
‫فل أدري أباسمي أم كناني‬ ‫دعاني دعوة والخيل تردي‬
‫عطفت عليه خوار العنان الشعر لبن الغريزة النهشلي‪ .‬والغناء ليحيى المكي رمل‬ ‫وكان إجابـتـي إياه أنـي‬
‫‪:‬بالوسطى عن الهشامي‪ .‬وقد جعل المغنون معه هذا البيت ولم أجده في قصيدته‪ ،‬ول أدري أهو له أم لغيره‬
‫يلوح كأنه مصباح بـان‬ ‫أل يا من لذا البرق اليماني‬
‫أخبار ابن الغريزة ونسبه‬
‫نسب ابن الغريزة‪ :‬كثير بن الغريزة التميمي أحد بني نهشل‪ .‬والغريزة أمه‪ .‬وهو مخضرم‪ ،‬أدرك الجاهلية والسلم‪ ،‬وقال‬
‫الشعر فيهما‪ .‬وهذا الشعر يقوله ابن الغريزة في غزاة غزاها القرع بن حابس وأخوه بالطالقان وجوزجان وتلك البلد‪ ،‬فأصيب‬
‫‪ .‬من أصحابه قوم بالطالقان فرثاهم ابن الغريزة‬
‫قصيدته التي يذكر فيها يوم الطالقان ويرثي من قتل فيه‪ :‬أخبرني الصولي عن الحزنبل عن ابن أبي عمرو الشيباني عن أبيه‬
‫قال‪ :‬بعث عمر بن الخطاب القرع بن حابس وأخاه على جيش إلى الطالقان وجوزجان وتلك البلد‪ ،‬فأصيب من أصحابه قوم‬
‫‪:‬بالطالقان‪ ،‬فقال ابن الغريزة النهشلي وقد شهد تلك الوقعة يرثيهم ويذكر ذلك اليوم‬
‫مصارع فتية بالـجـوزجـان‬ ‫سقى مزن السحاب إذا استهلت‬
‫أبادهم هـنـاك القـرعـان‬ ‫إلى القصرين من رستاق خوط‬
‫حنين القلب للبرق اليمـانـي‬ ‫وما بي أن أكون جـزعـت إل‬
‫لقاء ولـن أراه ولـم يرانـي‬ ‫ومحبور برؤيتـنـا يرجـي ال‬
‫بكيت ولو نعيت له بـكـانـي‬ ‫ورب أخ أصاب الموت قبلـي‬
‫فما أدري أباسمي أم كنـانـي‬ ‫دعاني دعوة والـخـيل تـردي‬
‫عطفت عليه خوار العـنـان‬ ‫فكـان إجـابـتـي إياه أنـي‬
‫بهن الخيل ذات العـنـظـوان‬ ‫وأي فتى دعوت وقد تـولـت‬
‫يطرف عنك غاشية السـنـان‬ ‫وأي فتى إذا ما مـت تـدعـو‬
‫عن القران في الحرب العوان‬ ‫فإن أهلك فلـم أك ذا صـدوف‬
‫ولم أجعل على قومي لسانـي‬ ‫ولم أذلج لطرق عرس جاري‬
‫منيع الجار مرتفع الـبـنـان‬ ‫ولكنـي إذا مـا هـايجـونـي‬
‫وأقضي واحدا ما قد قضانـي‬ ‫ويكرهني إذا استبسلت قرنـي‬
‫سأوشك مرة أن تفـقـدانـي‬ ‫فل تستبعـدا يومـي فـإنـي‬
‫وإن أشفقت من خوف الجنـان‬ ‫ويدركني الـذي ل بـد مـنـه‬
‫تركن بدار معترك الـزمـان‬ ‫وتبكينـي نـوائح مـعـولت‬
‫سواحي الطرف كالبقر الهجان‬ ‫حبائس بالعراق منهـنـهـات‬
‫وللرشد المبـين فـاهـديانـي‬ ‫أعاذلتي مـن لـؤم دعـانـي‬
‫ونفعكما بعيد الـخـير وانـي‬ ‫وعاذلتي صوتـكـمـا قـريب‬
‫ول أبيكـمـا ل تـفـعـلن صوت‬ ‫‪:‬فردا الموت عنـي إن أتـانـي‬
‫غير الوحوش خلت له وخل لها‬ ‫دار لقاتلة الغرانـق مـا بـهـا‬
‫وهي التي فعلت به أفعالـهـا الشعر لعشى بني تغلب من قصيدة يمدح بها‬ ‫ظلت تسائل بالمـتـيم مـا بـه‬
‫مسلمة بن عبد الملك ويهجو جريرا ويعين الخطل عليه‪ .‬ويروى ربع لقانصة الغرانق وهو الصحيح هكذا‪ ،‬ويغنى دار لقاتلة‪ ،‬لنه‬
‫‪ .‬يقول في آخر البيت‪ :‬خلت له وخل لها‬
‫‪ .‬والغناء لعبد الله بن العباس ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة وابن المكي‪ .‬وفيه لمخارق رمل من جميع أغانيه‬

‫أخبار أعشى بني تغلب ونسبه‬


‫‪:‬نسب أعشى تغلب وكان نصرانيا‬

‫صفحة ‪1269 :‬‬

‫قال أبو عمرو الشيباني‪ :‬اسمه ربيعة‪ .‬وقال ابن حبيب‪ :‬اسمه النعمان بن يحيى بن معاوية‪ ،‬أحد بني معاوية بن جشم بن بكر‬
‫بن حبيب بن عمرو بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار‪ ،‬شاعر من‬
‫شعراء الدولة الموية‪ ،‬وساكني الشام إذا حضر‪ ،‬وإذا بدا نزل في بلد قومه بنواحي الموصل وديار ربيعة‪ .‬وكان نصرانيا‪ ،‬وعلى‬
‫‪ .‬ذلك مات‬
‫قصته مع الحر بن يوسف‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش عن أبي سعيد السكري قال حدثنا محمد بن حبيب عن أبي عمرو‬
‫الشيباني قال‪ :‬كان أعشى بني تغلب ينادم الحر بن يوسف بن يحيى بن الحكم‪ .‬فشربا يوما في بستان له بالموصل‪ ،‬فسكر‬
‫العشى فنام في البستان‪ .‬ودعا الحر بجواريه فدخلن عليه قبته‪ .‬واستيقظ العشى فأقبل ليدخل القبة‪ ،‬فمانعه الخدم‪ ،‬ودافعهم‬
‫حتى كاد أن يهجم على الحر مع جواريه‪ ،‬فلطمه خصي منهم؛ فخرج إلى قومه فقال لهم‪ :‬لطمني الحر‪ .‬فوثب معه رجل من‬
‫بني تغلب يقال له ابن أدعج وهو شهاب بن همام بن ثعلبة بن أبي سعد‪ ،‬فاقتحما الحائط وهجما على الحر حتى لطمه العشى‬
‫‪:‬ثم رجعا‪ .‬فقال العشى‬
‫على قرشيك الورع الجبان‬ ‫كأني وابن أدعج إذ دخلـنـا‬
‫فظل حوله يتنـاهـشـان‬ ‫هزبرا غابة وقصا حمـارا‬
‫عشية رعت طرفك بالبنان أي لطمتك‪ .‬وقوله أنا الجشمي أي مثلي يفعل ذلك‬ ‫أنا الجشمي من جشم بن بكر‬
‫بمثلك‬
‫إذا اجترمت يدي وجنى لساني‬ ‫فما يستطيع ذو ملك عقـابـي‬
‫وعثمان استها وبـنـو أبـان‬ ‫عشية غاب عنك بنو هـشـام‬
‫وأنت مخـيم بـالـزرقـان والزرقان‪ :‬قرية كانت للحر بسنجار‬ ‫‪ .‬تروح إلى منازلهـا قـريش‬
‫مدح مدركا الكناني فأساء ثوابه فهجاه‪ :‬قال ابن حبيب‪ :‬مدح أعشى بني تغلب مدرك بن عبد الله الكناني أحد بني أقيشر بن‬
‫‪:‬جذيمة ابن كعب فأساء ثوابه؛ فقال العشى‬
‫لكالمبتني حوضا على غير منهل‬ ‫لعمرك إني يوم أمدح مـدركـا‬
‫ولو لكريم قلتهـا لـم تـفـيل شعره في شمعلة بن عامر حين قطع الخليفة‬ ‫أمر الهوى دوني وفيل مدحتـي‬
‫بضعة من فخذه‪ :‬قال ابن حبيب‪ :‬كان شمعلة بن عامر بن عمرو بن بكر أخو بني فائد وهم رهط الفرس نصرانيا وكان ظريفا‪،‬‬
‫فدخل على بعض خلفاء بني أمية‪ ،‬فقال‪ :‬أسلم يا شمعلة‪ .‬قال‪ :‬ل والله أسلم كارها أبدا‪ ،‬ول أسلم إل طائعا إذا شئت‪ .‬فغضب‬
‫‪:‬فأمر به فقطعت بضعة من فخذه وشويت بالنار وأطعمها‪ .‬فقال أعشى بني تغلب في ذلك‬
‫عداك فل عار عليك ول وزر‬ ‫أمن حذة بالفخذ منك تباشـرت‬
‫لكالدهر ل عار بما فعل الدهر وفد على عمر بن عبد العزيز فلم يعطه فقال‬ ‫وإن أمير المؤمنين وجـرحـه‬
‫شعرا‪ :‬وقال ابن حبيب قال أبو عمرو‪ :‬كان الوليد عبد الملك محسنا إلى أعشى بني تغلب‪ ،‬فلما ولي عمر بن عبد العزيز‬
‫الخلفة وفد إليه ومدحه فلم يعطه شيئا‪ ،‬وقال‪ :‬ما أرى للشعراء في بيت المال حقا‪ ،‬ولو كان لهم فيه حق لما كان لك؛ لنك‬
‫‪:‬امرؤ نصراني‪ .‬فانصرف العشى وهو يقول‬
‫إمام هدى ل مستزاد ول نزر‬ ‫لعمري لقد عاش الوليد حياتـه‬
‫جلميد ل تندى وإن بلها القطر شعره حين قعد مالك بن مسمع عن معاونة بني‬ ‫كأن بني مروان بعـد وفـاتـه‬
‫شيبان‪ :‬وقال ابن حبيب عن أبي عمرو‪ :‬كانت بين بني شيبان وبين تغلب حروب‪ ،‬فعاون مالك بن مسمع بن شيبان في بعضها‬
‫‪:‬ثم قعد عنهم‪ .‬فقال أعشى بني تغلب في ذلك‬
‫تميت عليكم عتبهـا ومـصـالـهـا‬ ‫بني أمنا مهـل فـإن نـفـوسـنـا‬
‫وبينكم لما قطـعـتـم وصـالـهـا‬ ‫وترعى بل جهـل قـرابة بـينـنـا‬
‫جزاء المسيء سعيها وفـعـالـهـا‬ ‫جزى الله شيبـانـا وتـيمـا مـلمة‬
‫وتعجز عن المعروف يعرف ضللها‬ ‫أبا مسمع من تنكر الحـق نـفـسـه‬
‫لنفسك ما تجني الحروب فهـالـهـا‬ ‫أأوقدت نار الحرب حـتـى إذا بـدا‬
‫قبيح مهين حيث ألقـت حـللـهـا‬ ‫نزعت وقد جردتهـا ذات مـنـظـر‬
‫وكان صفيح المشرقي صـللـهـا‬ ‫ألسنا إذا ما الحرب شب سـعـيرهـا‬
‫محارمها وأن تمـيزوا خـللـهـا‬ ‫أجارتنا حـل لـكـم إن تـنـاولـوا‬

‫صفحة ‪1270 :‬‬

‫صدور العوالي بيننا ونصالهـا‬ ‫كذبتم يمين الله حتى تـعـاوروا‬


‫مزاحف عقرى بيننا ومجالهـا صوت‬ ‫‪:‬وحتى ترى عين الذي كان شامتا‬
‫بغاة الندى والرمح والسيف والنصل‬ ‫ويفرح بالمولود مـن آل بـرمـك‬
‫ول سيما إن كان من ولد الفضـل الشعر لبي النضير‪ .‬والغناء لسحاق‪ ،‬ثقيل‬ ‫وتنبسط المال فـيه لـفـضـلـه‬
‫أول بالبنصر عن عمرو بن بانة من مجموع إسحاق‪ .‬وقال حبش‪ :‬فيه لبراهيم الموصلي ثقيل أول بالبنصر عن عمرو بن بانة من‬
‫‪ .‬مجموع إسحاق‪ .‬وقال حبش‪ :‬فيه لبراهيم الموصلي ثقيل آخر بالوسطى‪ .‬ولقضيب وبراقش جاريتي يحيى بن خالد فيه لحنان‬

‫أخبار أبي النضير ونسبه‬


‫‪ .‬اسم أبي النضير ونسبه‪ :‬أبو النضير اسمه عمر بن عبد الملك‪ ،‬بصري‪ ،‬مولى لبني جمح‬
‫أخبرنا بذلك عمي عن ابن مهرويه عن إسحاق بن محمد النخعي عن إسحاق بن خلف الشاعر قال‪ :‬قلت لبي النضير بن أبي‬
‫‪ .‬الياس‪ :‬لمن أنت ? فقال‪ :‬لبني جمح‬
‫هو شاعر بصري انقطع إلى البرامكة فأغنوه‪ :‬وذكر أبو يحيى اللحقي أن اسمه الفضل بن عبد الملك‪ .‬شاعر من شعراء‬
‫البصريين‪ ،‬صالح المذهب‪ ،‬ليس من المعدودين المتقدمين ول من المولدين الساقطين‪ .‬وكان يغني بالبصرة على جوار له‬
‫مولدات‪ ،‬ويظهر الخلعة والمجون والفسق‪ ،‬ويعاشر جماعة ممن يعرف بذلك الشأن‪ .‬وكان أبان اللحقي يعاشره ثم تصارما‪،‬‬
‫‪ .‬وهجاه وهجا جواريه وافترقا على قلى‪ ،‬ثم انقطع إلى البرامكة فأغنوه إلى أن مات‬
‫قال إسحاق الموصلي إنه أظرف الناس‪ :‬أخبرنا ابن أبي الزهر عن حماد بن إسحاق قال سمعت أبي يقول‪ :‬لو قيل لي من‬
‫‪ .‬أظرف من رأيته قط أو عاشرته‪ ،‬لقلت‪ :‬أبو النضير‬
‫دخل على الفضل بن يحيى فهنأه بمولود ارتجال‪ :‬أخبرني عيسى الوراق عن الفضل اليزيدي عن إسحاق‪ ،‬وأخبرني محمد بن‬
‫مزيد عن حماد عن أبيه قال‪ :‬ولد للفضل بن يحيى مولود‪ ،‬فوفد عليه أبو النضير ولم يكن عرف الخبر فيعد له تهنئة‪ ،‬فلما مثل‬
‫‪:‬بين يديه ورأى الناس يهنئونه نثرا ونظما قال ارتجال‬
‫بغاة الندى والسيف والرمح والنصل‬ ‫ويفرح بالمولود مـن آل بـرمـك‬
‫‪ ..............................‬ثم ارتج عليه فلم يدر ما يقول‪ .‬فقال الفضل يلقنه‬ ‫‪:‬وتنبسط المال فـيه لـفـضـلـه‬
‫‪ .‬ول سيما إن كان من ولد الفضل فاستحسن الناس بديهة الفضل في هذا‪ ،‬وأمر لبي النضير بصلة‬
‫نقد الفضل بن يحيى شعرا له في مدحهم فأجابه‪ :‬وأخبرني حبيب بن نصر عن هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال‬
‫‪:‬حدثني بعض الموالي قال‪ :‬حضرت الفضل بن يحيى وقد قال لبي النضير‪ :‬يا أبا النضير أنت القائل فيا‬
‫وجدت نسيم الجود من آل برمك لقد ضيقت علينا جدا‪ .‬قال‪ :‬أفلجل ذلك‬ ‫إذا كنت من بغداد في رأس فرسخ‬
‫‪:‬أيها المير ضاقت علي صلتك وضاقت عني مكافأتك وأنا الذي أقول‬
‫والفضل في بنيانه جـاهـد‬ ‫تشاغل الناس ببـنـيانـهـم‬
‫للفضل في تدبيره حـامـد وعلى ذلك فما قلت البيت الول كما بلغ المير‪ ،‬وإنما‬ ‫كل ذوي الفضل وأهل النهى‬
‫‪:‬قلت‬
‫وجدت نسيم الجود من آل برمك فقال الفضل‪ :‬إنما أخرت عنك لمازحك‪،‬‬ ‫إذا كنت من بغداد منقطع الثرى‬
‫‪ .‬وأمر له بثلثين ألف درهم‬
‫كتب إلى عنان وكان يهواها فأجابته‪ :‬أخبرني ابن عمار عن أبي إسحاق الطلحي عن أبي سهيل قال‪ :‬كان أبو النضير يهوى عنان‬
‫‪:‬جارية الناطفي‪ ،‬وكتب إليها‬
‫لك نفسي الفدا من الوصاب‬ ‫إن لي حاجة فرأيك فـيهـا‬
‫ري ول أستطيعه بكـتـاب‬ ‫وهي ليست مما يبلغه غـي‬
‫ك رويدا أسرها من ثيابـي فأجابته وقالت‬ ‫‪:‬غير أني أقولها حين ألـقـا‬
‫ه وقلبي من دونه في حجاب‬ ‫أنا مشغولة بمن لسـت أهـوا‬
‫ه ول تجعلنه فـي كـتـاب قال‪ :‬قال أبو النضير فيها‪ :‬شعر له في عنان‪ :‬صوت‬ ‫‪:‬فإذا فيها ما أردت أمرا فأسرر‬
‫وأهواك وأهـواك‬ ‫أنا والـلـه أهـواك‬
‫على برد ثـنـاياك‬ ‫وأهوى قبلة منـك‬
‫لنفسي وكفـى ذاك‬ ‫وأهوى لك ما أهوى‬

‫صفحة ‪1271 :‬‬

‫ك يوما حين ألقاك‬ ‫فهل ينفعـنـي ذل‬


‫وما يشعر مولك‬ ‫أنا واللـه أهـواك‬
‫م إياك وإياك فيه لعلى بن المارقي رمل بالبنصر عن الهشامي‬ ‫‪ .‬فإياك بـأن يعـل‬
‫طلبت منه مكتومة المغنية صوتا كان يغنيه فمازحها‪ :‬حدثنا ابن عمار عن الطلحي عن أبي سهيل قال‪ :‬كان أبو النضير يغني‬
‫غناء صالحا‪ ،‬فغنى ذات يوم صوتا كان استفاده ببغداد‪ .‬فقالت له قينة كانت ببغداد يقال لها مكتومة‪ :‬اطرح علي هذا الصوت يا‬
‫أبا النضير‪ .‬فقال‪ :‬ل تطيب نفسي به محابيا‪ ،‬ولكني أبيعك إياه‪ .‬قالت‪ :‬بكم? قال‪ :‬برأس ماله‪ .‬قالت‪ :‬وما رأس ماله? قال‪ :‬ناكني‬
‫‪ .‬فيه الذي أخذته منه‪ .‬فغطت وجهها وقالت‪ :‬عليك وعلى هذا الصوت الدمار‬
‫شعر له في مدح أبي جعفر عبد الله بن هشام‪ :‬أخبرني ابن عمار الطلحي عن أبي سهيل قال‪ :‬قال أبو النضير‪ ،‬وفيه غناء‬
‫‪:‬لبراهيم‪ :‬صوت‬
‫وكيف وقد شحطت زينب‬ ‫أيصحو فؤادك أم يطـرب‬
‫زمانا فلم يدر من غلبـوا‬ ‫جرى الناس قبل أبي جعفر‬
‫بنو تغلب سبقت تغـلـب قال أبو سهيل‪ :‬وأبو جعفر الذي عناه أبو النضير هو عبد الله‬ ‫فلما جرى بأبي جعـفـر‬
‫بن هشام بن عمرو التغلبي الذي يذكره العتابي في شعره ورسائله‪ ،‬وكان جوادا سخيا‪ .‬وكان ابن هشام ولي السند‪ ،‬وفيه يقول‬
‫‪:‬أبو النضير‬
‫كأنك تحكي راحة ابن هشام‬ ‫أل أيها الغيث الذي سح وبله‬
‫يدوم وقد تأتي بـغـير دوام‬ ‫كأنك تحكيها لـكـن جـوده‬
‫وراحته تغدو بغير جـهـام كان يرى أن الغناء على تقطيع العروض‪ :‬أخبرني ابن‬ ‫وفيك جهام ربما كان مخلفا‬
‫عمار عن الطلحي وعن أبي سهيل قال‪ :‬كان أبو النضير يزعم أن الغناء على تقطيع العروض‪ ،‬ويقول‪ :‬هكذا كان الذين مضوا‬
‫يقولون‪ ،‬وكان مستهزئا بالغناء حتى تعاطى أن يغني‪ ،‬وكان إبراهيم الموصلي يخالفه في ذلك ويقول‪ :‬العروض محدث‪ ،‬والغناء‬
‫‪:‬قبله بزمان‪ .‬فقال إسحاق بن إبراهيم ينصر أباه‬
‫بصيرا ل ول غير البصير‬ ‫سكت عن الغناء فل أماري‬
‫كما قد جن فيه أبو النضير قاطعه أبان اللحقي وقال شعرا يهجوه‪ :‬أخبرني‬ ‫مخافة أن أجنن فيه نفسـي‬
‫الحسن بن علي عن ابن مهروية قال حدثني أبو طلحة الخزاعي عن اللحقي قال‪ :‬كان جدي أبان يشرب مع إخوان له على‬
‫شاطيء دجلة بعد مصارمته أبا النضير‪ ،‬وكان القوم أصدقاء له ولبي النضير‪ ،‬فذكروه‪ .‬فقال جدي‪ :‬إن حضر انصرفت‪ .‬فقال‬
‫‪:‬جدي فيه‬
‫ولـيال نـعـمـــت فـــيهـــا لـــذاذ‬ ‫رب يوم بـــشـــط دجـــلة لــــــذ‬
‫خير قـرب الـمـطـرمــذ الـــمـــلذ‬ ‫غيبة لـم تـطـــل عـــلـــي ومـــاذا‬
‫لرسـاطـونـــهـــا ول الـــراقـــياذ‬ ‫ترك الشـربـــات لـــيس بـــعـــاط‬
‫أن خـير الـشـراب هـــذا الـــلـــذاذ‬ ‫وحـكـى الحـمـق الـــذي لـــيس يدري‬
‫ضل رأي أراه ذاك كما ضل غواة لذوا بشر ملذ‬
‫ت لـصـوغ الـلـحـان بــالســـتـــاذ‬ ‫أنت أعمى فيما ادعيت كما لس‬
‫ه اخـتـياريك صـاحـبــا واتـــخـــاذي‬ ‫كان ذنـبـا أتـوب مـنـــه إلـــى الـــل‬
‫أن قـضـى مـنـك عـاجـل إنــقـــاذي‬ ‫إن لـلـه صـوم شـهـــرين شـــكـــرا‬
‫لح فـي عـلـم مـا ادعـى بــنـــفـــاذ كتب إلى حماد عجرد يسأله عن حاله‬ ‫ل لـــدين ول لــــدنـــــــيا ول يص‬
‫في الشراب فأجابه‪ :‬حدثني ابن عمار عن الطلحي عن أبي سهيل قال‪ :‬كتب أبو النضير إلى حماد عجرد يسأل عن حاله في‬
‫‪:‬الشراب وشربه إياه ومن يعاشر عليه‪ .‬فكتب إليه حماد‬
‫تجعل سوى النصاف من بالكا‬ ‫أبا النضير اسمع كلمـي ول‬
‫لم يلق إل عابـدا نـاسـكـا‬ ‫سألت عن حالي‪ ،‬وما حال من‬
‫شيئا تجـده عـاديا فـاتـكـا يعني حريث بن عمرو‪ .‬وكان حماد نزل عليه‪ ،‬وكان‬ ‫يظهر لي ذا فمتى يفـتـرض‬
‫‪ .‬حريث هذا مشهورا بالزندقة‪ ،‬وكذلك حماد هذا كان مشهورا به‪ ،‬فنزل عليه لذلك‬
‫كتب إلى حمدان اللحقي يشكو إليه عمر بن يحيى ويهجوه‪ :‬أخبرني الحسن بن علي عن ابن مهروية عن أبي طلحة الخزاعي‬
‫‪:‬عن أبي يحيى اللحقي قال‬

‫صفحة ‪1272 :‬‬


‫‪:‬كتب أبو النضير إلى عمي حمدان بن أبان‪ ،‬وكان له صديقا‪ ،‬يشكو إليه عمر بن يحيى الزيادي وكان عربد عليه وشتمه‬
‫له من فضل وقل له‬ ‫أقر حمدان سـلم ال‬
‫له أخشى أن أمـلـه‬ ‫يا فتى لست بحمـد ال‬
‫هله الظرف وعلـه‬ ‫ذاك أن اللـه قـد أن‬
‫وعلها قـد أحـلـه‬ ‫وذرا بـيت رقــاش‬
‫خان ذي القرنين ضله‬ ‫إن شتم السفلة الكـش‬
‫عمرا يوما لـغـلـه‬ ‫ولو أن القلب هاجـى‬
‫زى ابن يحيى وأذلـه‬ ‫ذاك أن اللـه قـد أخ‬
‫توعب الجردان كلـه‬ ‫من يهاجي رجل يس‬
‫أدخـل الير وبـلـه‬ ‫ما يســـيل الير إل‬
‫وافي الفيشة غـلـه‬ ‫وإذا عــــاين أيرا‬
‫جعل المردان شغلـه أنشد الفضل بن الربيع شعرا في امرأة تزوجها وطلقها‪ :‬حدثني‬ ‫هذه قـصة مـن قـد‬
‫عمي عن أبي العيناء عن أبي النضير قال‪ :‬دخلت على الفضل بن الربيع فقال‪ :‬هل أحدثت بعدي شيئا? قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قلت أبياتا‬
‫‪:‬في امرأة تزوجتها وطلقتها لغير علة إل بغضي لها‪ ،‬وإنها لبيضاء بضة‪ ،‬كأنها سبيكة فضة‪ .‬فقال لي‪ :‬وما قلت فيها? فقلت قلت‬
‫فأرحت من غل الوثاق‬ ‫رحلت سكينة بالطـلق‬
‫نفسي ولم تدمع مآقـي‬ ‫رحلت فلم تألـم لـهـا‬
‫لبنت نفسي بـالبـاق‬ ‫لو لم تبن بطـلقـهـا‬
‫ه تالنفس تعجيل الفراق فقال‪ :‬يا غلم‪ ،‬الدواة والقرطاس‪ ،‬فأتي بهما‪ ،‬فأمرني فكتبت‬ ‫وشفاء ما ل تشتـهـي‬
‫‪ .‬له البيات‪ ،‬ثم قلت له‪ :‬أنت والله تبغض بنت أبي العباس الطوسي‪ .‬فقال‪ :‬اسكت أخزاك الله ثم ما لبث أن طلقها‬
‫‪:‬صوت‬
‫شرقت بعبرتها وطال بكاؤها‬ ‫ما بال عينك جائل أقذاؤهـا‬
‫فطوت لذلك غلة أحشاؤهـا الشعر لعبد الله بن عمر العبلي‪ .‬والغناء لبي سعيد‬ ‫ذكرت عشيرتها وفرقة بينها‬
‫مولى فائد‪ ،‬رمل مطلق في مجرى الوسطى عن ابن المكي‪ ،‬وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه‬
‫‪ .‬من منحول يحيى إلى أبي سعيد‬

‫أخبار العبلي ونسبه‬


‫نسبه‪ ،‬وهو من مخضرمي الدولتين‪ :‬اسمه عبد الله بن عمر بن عبد الله بن علي بن عدي بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد‬
‫شمس ابن عبد مناف‪ ،‬ويكنى أبا عدي ‪ ،‬شاعر مجيد من شعراء قريش‪ ،‬ومن مخضرمي الدولتين‪ ،‬وله أخبار مع بني أمية وبني‬
‫‪ .‬هاشم تذكر في غير هذا الموضع‬
‫سبب نسبه إلى العبلت‪ :‬ويقال له عبد الله بن عمر العبلي‪ ،‬وليس منهم؛ لن العبلت من ولد أمية الصغر بن عبد شمس‪.‬‬
‫سموا بذلك لن أمهم عبلة بنت عبيد بن حارك بن قيس بن مالك بن حنظلة بن مالك ابن زيد مناة بن تميم‪ ،‬وهؤلء يقال لهم‬
‫براجم بني تميم‪ ،‬ولدت لعبد شمس بن عبد مناف أمية الصغر‪ ،‬وعبد أمية ونوفل‪ ،‬وأمه من بني عبد شمس ‪ ،‬فهؤلء يقال لهم‬
‫العبلت‪ ،‬ولهم جميعا عقب‪ .‬أما أمية الصغر فإنهم بالحجاز‪ ،‬وهم بنو الحارث بن أمية‪ ،‬منهم علي بن عبد الله بن الحارث‪ ،‬ومنهم‬
‫‪ .‬الثريا صاحبة ابن أبي ربيعة‬
‫وأما بنو نوفل وعبد أمية فإنهم بالشام كثير‪ .‬وعبد العزى بن عبد شمس كان يقال له أسد البطحاء‪ .‬وإنما أدخلهم الناس في‬
‫العبلت لما صار المر لبني أمية الكبر وسادوا وعظم شأنهم في الجاهلية والسلم وكثر أشرافهم‪ ،‬فجعل سائر بني عبد شمس‬
‫‪.‬من ل يعلم قبيلة واحدة‪ ،‬فسموهم أمية الصغرى‪ ،‬ثم قيل لهم العبلت لشهرة السم‬
‫‪:‬وعلي بن عدي جد هذا الشاعر شهد مع عائشة يوم الجمل‪ .‬وله يقول شاعر بني ضبة لعنة الله عليه‬
‫ول تبارك في بعير حمله‬ ‫يا رب أكبب بعلي جملـه‬
‫إل علي بن عدي ليس له كان في أيام بني أمية يميل إلى بني هاشم ثم خرج على المنصور مع محمد بن عبد الله بن الحسن‪:‬‬
‫فأما عبد الله بن عمر هذا الشاعر فكان في أيام بني أمية يميل إلى بني هاشم ويذم بني أمية‪ ،‬ولم يكن منهم إليه صنع جميل‪،‬‬
‫‪ .‬فسلم بذلك في أيام بني العباس‪ ،‬ثم خرج على المنصور في أيامه مع محمد بن عبد الله بن الحسن‬
‫‪:‬فرق هشام بن عبد الملك أموال ولم يعطه فقال شعرا‪ :‬أخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن مصعب الزبيري قال‬

‫صفحة ‪1273 :‬‬

‫العبلي عبد الله بن عمر بن عبد الله بن علي بن عدي بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس‪ ،‬ويكنى أبا عدي‪ ،‬وله أخبار‬
‫‪:‬كثيرة مع بني هاشم وبني أمية‪ .‬وقسم هشام بن عبد الملك أموال وأجاز بجوائز‪ ،‬فلم يعطه شيئا‪ .‬فقال‬
‫ليتني كنت من بنـي مـخـزوم‬ ‫خس حظي أن كنت من عبد شمس‬
‫وأبيع الب الـشـريف بـلـوم استقدمه المنصور واستنشده فغضب عليه فذهب‬ ‫فأفوز الغداة منـهـم بـسـهـم‬
‫إلى المدينة‪ :‬فلما استخلف المنصور كتب إلى السري بن عبد الله أن يوجه به إليه ففعل‪ .‬فلما قدم عليه قال له‪ :‬أنشدني ما‬
‫‪:‬قلت في قومك‪ ،‬فاستعفاه‪ .‬فقال‪ :‬ل أعفيك‪ .‬فقال‪ :‬أعطني المان فأعطاه‪ ،‬فأنشده‬
‫شرقت بعبرتها فطال بكاؤها حتى انتهى إلى قوله‬ ‫‪:‬ما بال عينك جائل أقذاؤهـا‬
‫شرفا وأفضل ساسة أمـراؤهـا فقال له‪ :‬اخرج عني ل قرب الله دارك‬ ‫فبنو أمية خير من وطيء الحصى‬
‫‪ .‬فخرج حتى قدم المدينة‪ ،‬فألفى محمد بن عبد الله ابن حسن قد خرج فبايعه‬
‫أخذت حرمه وأمواله فمدح السفاح فأكرمه ورد إليه ما أخذ منه‪ :‬أخبرني عمي عن الكراني عن العمري عن العتبي عن أبيه‬
‫قال‪ :‬كان أبو عدي الذي يقال له العبلي مجفوا في أيام بني مروان وكان منقطعا إلى بني هاشم‪ ،‬فلما أفضت الدولة إليهم لم‬
‫يبقوا على أحد من بني أمية‪ ،‬وكان المر في قتلهم جدا إل من هرب وطار على وجهه‪ .‬فخاف أبو عدي أن يقع به مكروه في‬
‫تلك الفورة فتوارى؛ وأخذ داود بن علي حرمه وماله؛ فهرب حتى أتى أبا العباس السفاح‪ ،‬فدخل عليه في غمار الناس متنكرا‬
‫‪:‬وجلس حجرة حتى تقوض القوم وتفرقوا‪ ،‬وبقي أبو العباس مع خاصته‪ .‬فوثب إليه أبو عدي فوقف بين يديه وقال‬
‫سقيت الغيث من دمن قفـار‬ ‫أل قل للمنازل بـالـسـتـار‬
‫وأتراب لها شبه الـصـوار‬ ‫فهل لك بعدنا علم بسـلـمـى‬
‫عن الخلق الجميل ول عواري‬ ‫أوانس ل عوابـس جـافـيات‬
‫كهم النفس مفـعـمة الزار‬ ‫وفيهن ابنة القصوي سلـمـى‬
‫تضل الفاليات به الـمـداري‬ ‫تلوث خمارها بأحـم جـعـد‬
‫أبوتها إلى الحسب النـضـار‬ ‫برهرهة منعمة نـمـتـهـا‬
‫فما لك منهما غـير ادكـار‬ ‫فدع ذكر الشباب وعهد سلمى‬
‫تنخلها بـعـلـم واخـتـيار‬ ‫وأهد لهاشم غرر القـوافـي‬
‫ول ألقى حباء بني الـخـيار‬ ‫لعمرك إنني ولـزوم نـجـد‬
‫بحوباء كبطن الـعـير عـار‬ ‫لكالبادي لبرد مـسـتـهـل‬
‫وجد في رواح وابـتـكـار‬ ‫سأرحل رحلة فيها اعـتـزام‬
‫عذافرة ترامى بالصـحـاري‬ ‫إلى أهل الرسول غدت برحلي‬
‫فكاكا للنسـاء مـن السـار‬ ‫تؤم المعشر البرار تـبـغـي‬
‫وخير الواقفين على الجمـار‬ ‫أيا أهل الرسول وصيد فهـر‬
‫وقد جاهرت لو أغنى جهاري‬ ‫أتؤخذ نسوتي ويحاز مـالـي‬
‫وقد أمسكت بالحرم الصواري‬ ‫واذعر أن دعيت لعبد شمـس‬
‫بداري للعدا وبـغـير داري‬ ‫بنصرة هاشم شهرت نفـسـي‬
‫لحمد لفه طيب الـنـجـار‬ ‫بقربى هاشم وبحق صـهـر‬
‫مكان الجيد من عليا الفـقـار فقال له السفاح‪ :‬من أنت? فانتسب له? فقال‬ ‫ومنزل هاشم من عبد شمـس‬
‫له‪ :‬حق لعمري أعرفه قديما ومودة ل أجحدها‪ ،‬وكتب له إلى داود بن علي بإطلق من حبسه من أهله ورد أمواله عليه وإكرامه‪،‬‬
‫‪ .‬وأمر له بنفقة تبلغه المدينة‬
‫وفد على عبد الله بن حسن وأجازه هو وابناه وزوجه‪ :‬أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال حدثنا يحيى بن الحسن‬
‫العلوي عن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن قال حدثني أبي قال‪ :‬قال سعيد بن عقبة الجهني‪ :‬إني لعند‬
‫عبد الله بن الحسن إذ أتاه آت فقال له‪ :‬هذا رجل يدعوك‪ ،‬فخرجت فإذا أنا بأبي عدي الموي الشاعر‪ ،‬فقال‪ :‬أعلم أبا محمد‪.‬‬
‫فخرج إليه عبد الله بن حسن وابناه وقد ظهرت المسودة وهم خائفون‪ ،‬فأمر له عبد الله بن حسن بأربعمائة دينار‪ ،‬فخرج من‬
‫‪ .‬عندهم بألف دينار‬
‫‪:‬استنشده عبد الله بن حسن مما رثى به قومه ثم أكرمه هو وأهله‬

‫صفحة ‪1274 :‬‬

‫وأخبرني حرمي عن الزبير‪ ،‬وأخبرني الخفش عن المبرد عن المغيرة بن محمد المهلبي عن الزبير عن سليمان بن عياش‬
‫السعدي قال‪ :‬جاء عبد الله بن عمر بن عبد الله العبلي إلى سويقة وهو طريد بني العباس‪ ،‬وذلك بعقب أيام بني أمية وابتداء‬
‫خروج ملكهم إلى بني العباس‪ ،‬فقصده عبد الله والحسن ابنا الحسن بسويقة‪ ،‬فاستنشده عبد الله شيئا من شعره فأنشده‪.‬‬
‫‪:‬فقال له‪ :‬أريد أن تنشدني شيئا مما رثيت به قومك‪ ،‬فأنشده‬
‫نشوزي عن المضجع النفس‬ ‫تقـول أمـامة لـمـا رأت‬
‫لدى هجعة العين النـعـس‬ ‫وقلة نومي على مضجعـي‬
‫عرون أباك فل تبـلـسـي‬ ‫أبي ما عراك? فقلت الهموم‬
‫من الذل في شر ما محبـس‬ ‫عرون أباك فـحـبـسـنـه‬
‫سهام من الحدث المـبـئس‬ ‫لفقد العشـيرة إذ نـالـهـا‬
‫ول طائشـات ول نـكـس‬ ‫رمتها المنون بـل نـصـل‬
‫متى ما اقتضت مهجة تخلس‬ ‫بأسهمهما الخالسات النفـوس‬
‫د تلقى بأرض ولم ترمـس‬ ‫فصرعاهم في نواحي البـل‬
‫من العار والذام لم تـدنـس‬ ‫كريم أصـيب وأثـوابـــه‬
‫وكان الهمام فلم يحـسـس‬ ‫وآخر قد طار خوف الـردى‬
‫ن مرضى ومن صبية بؤس‬ ‫فكم غادروا من بواكي العيو‬
‫لحر الهموم ولم تـجـلـس‬ ‫إذا ما ذكرنـهـم لـم تـنـم‬
‫م في مأتم قلق المجـلـس‬ ‫يرجعن مثل بكاء الـحـمـا‬
‫ول تسأليني فتستنـحـسـي‬ ‫فذاك الذي غالني فاعلـمـي‬
‫ولست لهن بمستـحـلـس‬ ‫وأشياء قد ضفنني بالـبـلد‬
‫وقتلى بكثوة لـم تـرمـس‬ ‫أفاض المدامع قتلـى كـدى‬
‫ن من يثرب خير ما أنفـس‬ ‫وقتلى بوج وبـالـلبـتـي‬
‫وقتلى بنهر أبي فـطـرس‬ ‫وبالزابـيين نـفـوس ثـوت‬
‫نوائب من زمن مـتـعـس‬ ‫أؤلئك قوم تـداعـت بـهـم‬
‫وألزقت الرغم بالمعـطـس‬ ‫أذلت قيادي لمـن رامـنـي‬
‫ول عاش بعدهم من نسـي قال‪ :‬فلما أتى عليها بكى محمد بن عبد الله بن حسن‪.‬‬ ‫فما أنس ل أنس قـتـلهـم‬
‫فقال له عمه الحسن بن حسن بن علي عليهم السلم‪ :‬أتبكي على بني أمية وأنت تريد ببني العباس ما تريد فقال‪ :‬والله يا عم‬
‫لقد كنا نقمنا على بني أمية ما نقمنا‪ ،‬فما بنو العباس إل أفل خوفا لله منهم‪ ،‬وإن الحجة على بني العباس لوجب منها عليهم‪.‬‬
‫ولقد كانت للقوم أخلق ومكارم وفواضل ليست لبي جعفر‪ .‬فوثب حنس وقال‪ :‬أعوذ بالله من شرك‪ ،‬وبعث إلى أبي عدي‬
‫بخمسين دينارا‪ ،‬وأمر له عبد الله بن حسن بمثلها‪ ،‬وأمر له كل واحد من محمد وإبراهيم ابنيه بخمسين خمسين‪ ،‬وبعثت إليه‬
‫‪:‬أمهما هند بخمسين دينارا‪ ،‬وكانت منفعته بها كثيرة‪ .‬فقال أبو عدي في ذلك‬
‫بخير منازل الجيران جـارا‬ ‫أقام ثوي بـيت أبـي عـدي‬
‫فصادف خير دور الناس دارا‬ ‫تقوض بيتـه وجـل طـريدا‬
‫ذكرتهم ولـم أذمـم جـوارا فقالت هند لعبد الله وابنيها منه‪ :‬أقسمت عليكم إل‬ ‫وإني إن نزلـت بـدار قـوم‬
‫‪ .‬أعطيتموه خمسين دينارا أخرى فقد أشركني معكم في المدح‪ ،‬فأعطوه خمسين دينارا أخرى عن هند‬
‫ولى الطائف لمحمد بن عبد الله بن حسن ثم فر إلى اليمن وشعره في ذلك‪ :‬أخبرني عيسى بن الحسين الوراق عن أبي أيوب‬
‫المديني قال ذكر محمد بن موسى مولى أبي عقيل قال‪ :‬قدم أبو عدي العبلي الطائف واليا من قبل محمد بن عبد الله بن‬
‫حسن أيام خروجه على أبي جعفر ومعه أعراب من مزينة وجهينة وأسلم فأخذ الطائف وأتى محمد بن أبي بكر العمري حتى‬
‫بايع‪ ،‬وكان مع أبي عدي أحد عشر رجل من ولد أبي بكر الصديق‪ ،‬فقدمها بين أذان الصبح والقامة‪ ،‬فأقام بها ثلثا‪ ،‬ثم بلغه‬
‫خروج الحسن بن معاوية من مكة‪ ،‬فاستخلف على الطائف عبد الملك بن أبي زهير وخرج ليتلقى الحسن بالعرج‪ ،‬فركب‬
‫‪:‬الحسن البحر‪ ،‬ومضى أبو عدي هاربا على وجهه إلى اليمن‪ .‬فذلك حين يقول‬

‫صفحة ‪1275 :‬‬

‫واعتاد قلبـك عـائد الطـراب‬ ‫هيجت للجزاع حـول عـراب‬


‫هيهات تلك معالـم الحـبـاب‬ ‫وذكرت عهد معالم بلوي الثـرى‬
‫أمسى بحوضي أو بحقل قبـاب‬ ‫هيهات تلك معالـم مـن ذاهـب‬
‫فيها من أخوان ول أصـحـاب‬ ‫قد حل بـين أبـارق مـا إن لـه‬
‫لقرى يمانـية حـمـام كـتـاب‬ ‫شطت نواه عن الليف وسـاقـه‬
‫وذري الخضاب فما أوان خضاب‬ ‫يا أخت آل أبي عدي أقـصـري‬
‫دهر أضر بهـا حـديد الـنـاب‬ ‫أتخضبين وقد تـخـرم غـالـبـا‬
‫وتعض وهـي حـديدة النـياب‬ ‫والحرب تعرك غالبا بجرانـهـا‬
‫أو تنقعـين لـهـا ألـذ شـراب أنشد عبد الله بن حسن من شعره فبكى‪ :‬وذكر‬ ‫أم كيف نفسك تستلـد مـعـيشة‬
‫العباس بن عيسى العقيلي عن هارون بن موسى الفروي عن سعيد بن عقبة الجهني قال‪ :‬حضرت عبد الله بن عمر المكنى أبا‬
‫‪:‬عدي الموي ينشد عبد الله بن حسن قوله‬
‫وقتلى بكثوة لم ترمـس قال‪ :‬فرأيت عبد الله بن حسن وإن دموعه لتجري على‬ ‫أفاض المدامع قتلى كدى‬
‫‪ .‬خده‬
‫قيل إن القصيدة السينية اشترك فيها آخران معه حين أتاهم قتل بني أمية‪ :‬وقد أخبرني محمد بن مزيد عن حماد عن أبيه عن‬
‫الهيثم بن عدي عن أبي سعيد مولى فائد قال‪ :‬لما أتانا قتل عبد الله بن علي من قتل من بني أمية كنت أنا وفتى من ولد‬
‫عثمان وأبو عدي العبلي متوارين في موضع واحد‪ ،‬فلحقني من الجزع ما يلحق الرجل على عشيرته‪ ،‬ولحق صاحبي كما لحقني‪،‬‬
‫فبكينا طويل‪ ،‬ثم تناولنا هذه القصيدة بيننا‪ ،‬فقال كل واحد منا بعضها غير محصل ما لكل واحد منا فيها‪ ،‬قال‪ :‬ثم أنشدنيها‪،‬‬
‫‪:‬فأخذتها من فيه‬
‫نشوزي عن المضجع النفس كان يكره ما يجري عليه بنو أمية من سب علي وشعره‬ ‫تقـول أمـامة لـمـا رأت‬
‫في ذلك‪ :‬أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا محمد بن زكريا الغلبي عن ابن عائشة قال‪ :‬كان أبو عدي الموي يكره‬
‫ما يجري عليه بنو أمية من ذكر علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسبه على المنابر‪ ،‬ويظهر النكار لذلك‪ ،‬فشهد عليه قوم‬
‫‪:‬من بني أمية بمكة بذلك ونهوه عنه‪ ،‬فانتقل إلى المدينة وقال في ذلك‬
‫ورأوا ذاك فــي داء دويا‬ ‫شردوا بي عند امتداحي عليا‬
‫تختلى مهجتي بحبي علـيا‬ ‫فوربي ل أبرح الدهر حتى‬
‫كنت أحببتهم بحبي النـبـيا‬ ‫وبنيه لحـب أحـمـد إنـي‬
‫حب حـب يكـون دنـياويا‬ ‫حب دين ل حب دنيا وشر ال‬
‫ل زنيما ول سنـيدا دعـيا‬ ‫صاغني الله في الذؤابة منهم‬
‫عبد شمس وهاشـم أبـويا‬ ‫عدويا خالي صريحا وجـدي‬
‫عبشميا دعيت أم هاشـمـيا دخل مع وفود قريش على هشام بن عبد الملك ومدحه‬ ‫فسواء علي لسـت أبـالـي‬
‫ففضل هشام بني مخزوم فقال هو شعرا‪ :‬أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي عن أبيه قال‪ :‬وفد أبو‬
‫‪:‬عدي الموي إلى هشام بن عبد الملك وقد امتدحه بقصيدته التي يقول فيها‬
‫ل نناديك من مكان بعـيد‬ ‫عبد شمس أبوك وهو أبونا‬
‫محكمات القوى بحبل شديد فأنشده إياها‪ ،‬وأقام ببابه مدة حتى حضر بابه وفود‬ ‫والقرابات بيننا واشـجـات‬
‫‪:‬قريش فدخل فيهم‪ ،‬وأمر لهم بمال فضل فيه بني مخزوم أخواله‪ ،‬وأعطى أبا عدي عطية لم يرضاها‪ ،‬فانصرف وقال‬
‫ليتني كنت من بنـي مـخـزوم‬ ‫خس حظي أن كنت من عبد شمس‬
‫وأبـيع الب الـكـريم بـلـوم غنى في البيتين المذكورين في هذا الخبر اللذين‬ ‫فأفوز الغـداة فـيهـم بـسـهـم‬
‫‪:‬أولهما‬
‫عبد شمس أبوك وهو أبونا ابن جامع‪ ،‬ولحنه ثاني ثقيل بإطلق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق‪ .‬وأول هذه القصيدة التي‬
‫‪:‬قالها في هشام‬
‫بصفاء الهوى من أم أسـيد‬ ‫ليلتي من كنود بالغور عودي‬
‫عهده فارجعي به ثم زيدي‬ ‫ما سمعنا ذاك الهوى ونسينا‬
‫رب جار يبين غير فـقـيد‬ ‫قد تولى عصر الشباب فقيدا‬

‫صفحة ‪1276 :‬‬

‫وجديد الـشـبـاب غـير جـديد‬ ‫خلق الثوب من شـبـاب ولـبـس‬


‫بعلة مـثـل الـفـنـيق وخـود‬ ‫فاسر عنك الهموم حين تـداعـت‬
‫مثل جذع الشـاءة الـمـجـرود‬ ‫عنتريس توفي الزمـام بـفـعـم‬
‫عجرفي النجـاء بـالـتـوخـيد‬ ‫وارم جوز الفل بها ثم سـمـهـا‬
‫واصرمن مرة القوي الـجـلـيد‬ ‫وهشاما خليفة الـلـه فـاعـمـد‬
‫ذا قرى عاجـل وسـيب عـتـيد‬ ‫تلقه مـحـكـم الـقـوى أريحـيا‬
‫بأياد لـيت بـذات خــمـــود‬ ‫ملكا يشـمـل الـرعـية مـنـه‬
‫أفيح المستـراد لـلـمـسـتـريد‬ ‫أخضر الربع والجناب خـصـيب‬
‫حين أن وركت قـبـور ثـمـود‬ ‫ذكرت ناقتي البطـاخ فـحـنـت‬
‫نحو برق دعا لـغـيث عـمـيد‬ ‫قلت بعض الحنين يا نـاق سـيري‬
‫وهي قوداء في سـواهـم قـود‬ ‫فأغذت في السير حتـى أتـتـكـم‬
‫تحت حر الظهيرة الـصـيخـود‬ ‫قد براها السـرى إلـيك وسـيري‬
‫غول بيد تجتـابـهـا بـعـد بـيد‬ ‫وطوى طائد الـعـرائك مـنـهـا‬
‫مسنمات مـمـرهـا بـالـكـديد‬ ‫وأتتكم حدب الظـهـور وكـانـت‬
‫ب ولم تلق رحلها بـالـصـعـيد‬ ‫واطمأنت أرض الرصافة بالخص‬
‫باذل مـتـلـف مـفـيد مـعـيد‬ ‫نزلت بامرئ يرى الحمد غـنـمـا‬
‫ل يخاف الضعيف ظـلـم شـديد‬ ‫بذل العدل في القصاص فأضحـى‬
‫ر بـورى زنـد وأكـرم عــود‬ ‫من بنى النضر من ذرا منبت النض‬
‫واسط سر جـذمـهـا والـعـديد‬ ‫فهو كالقلب في الجوانح مـنـهـا‬
‫للكريم المجـيد غـير الـزهـيد‬ ‫بين مروان والـولـيد فـبـخ بـخ‬
‫لرهان في المحفل المـشـهـود‬ ‫لو جرى الناس نحو غـاية مـجـد‬
‫د على النـاس طـارف وتـلـيد‬ ‫لعلهم بسابـغـين مـن الـمـج‬
‫أن تفوزوا بدرها الـمـحـشـود‬ ‫إنكم مـعـشـر أبـي الـلـه إل‬
‫وإن أولى بالملـك والـتـسـويد‬ ‫لم ير الله معشرا من بـنـي مـر‬
‫وبها لـيل لـلـقـروم الـصـيد‬ ‫قادة سـادة مـلـوك بـحـــار‬
‫ن حماة عند اربـداد الـجـلـود‬ ‫أريحيون مـاجـدون خـضـمـو‬
‫م ويحيون ليلهـم بـالـسـجـود‬ ‫يقطعون النهار بالـرأي والـحـز‬
‫ووفاء بالـوعـد والـمـوعـود‬ ‫أهـل رفـد وسـؤدد وحـــياء‬
‫ه فما الـجـار فـيهـم بـوحـيد‬ ‫ويرون الجـوار مـن حـرم الـل‬
‫آل مروان فزتـم بـالـخـلـود‬ ‫لو بمجد نـال الـخـلـود قـبـيل‬
‫يا إمام الـورى ورب الـجـنـود‬ ‫يابن خير الخيار من عبد شـمـس‬
‫ل نناديك مـن مـكـان بـعـيد‬ ‫عبد شمس أبـوك وهـو أبـونـا‬
‫وأبو شيخك الـكـريم الـجـدود‬ ‫ثم جدي الدنى وعمـك شـيخـي‬
‫محكمات القوى بـحـبـل شـديد‬ ‫فالقرابـات بـينـنـا واشـجـات‬
‫تلقني للـثـواب غـير جـحـود‬ ‫فأثبني ثواب مـثـلـك مـثـلـي‬
‫ليس من ل تـود بـالـمـجـدود‬ ‫إن ذا الجـد مـن حـبـوت بـود‬
‫كونه عند ظـلـك الـمـمـدود قصيدة له يندب فيها فرقة بني أمية‪ :‬وأما‬ ‫وبحسب امرئ من الخـير يرجـى‬
‫‪:‬قصيدته التي أولها‬
‫ما بال عينك جائل أقذاؤها وهي التي فيها الغناء المذكور‪ ،‬فإنه قالها في دولة بني أمية عند اختلف كلمتهم ووقوع الفتنة بينهم‪،‬‬
‫‪:‬يندب بينهم ‪ ،‬وفيها يقول‬
‫فصباحها ناب بها ومسـاؤهـا‬ ‫واعتادها ذكر العشيرة بالسـى‬
‫منها الفتون وفرقت أهواؤهـا‬ ‫شركوا العدا في أمرهم فتفاقمت‬
‫بعضا فينفع ذا الرجاء رجاؤها‬ ‫ظلت هناك وما يعاتب بعضهـا‬
‫شهب تقل إذا هوت أخطاؤهـا‬ ‫إل بمرهفة الظبات كـأنـهـا‬

‫صفحة ‪1277 :‬‬

‫علق النحور إذا تفيض دمـاؤهـا‬ ‫وبعسل زرق يكون خـضـابـهـا‬


‫فلقد خشيت بأن يحـم فـنـاؤهـا‬ ‫فبذاكم أمست تعـاتـب بـينـهـا‬
‫وبقاء سكان الـبـلد بـقـاؤهـا‬ ‫ما ذا أؤمـل إن أمـية ودعــت‬
‫وأسود حرب ل يخيم لـقـاؤهـا‬ ‫أهل الرياسة والسـياسة والـنـدى‬
‫سرج يضيء دجى الظلم ضياؤها‬ ‫غيث البلد هم وهـم أمـراؤهـا‬
‫لغاوية حميت لها خـلـفـاؤهـا‬ ‫فلئن أمـية ودعـت وتـتـايعـت‬
‫ومن البلد جمالهـا ورجـاؤهـا‬ ‫ليودعن مـن الـبـرية غـزهـا‬
‫فردا تهيجك دورهم وخـلؤهـا‬ ‫ومن البلية أن بقـيت خـلفـهـم‬
‫هل نهى جهالها حـلـمـاؤهـا‬ ‫لهفي على حرب العشيرة بينـهـا‬
‫يخشى على سلطانها غوغـاؤهـا‬ ‫هل نهى تنهى الغوي عن الـتـي‬
‫فيها تدمى الـكـلـوم ودواؤهـا‬ ‫وتقى وأحـلم لـهـا مـضـرية‬
‫ويشب نار وقـودهـا إذكـاؤهـا‬ ‫لما رأيت الحرب توقـد بـينـهـا‬
‫ورواح نفسي في البلء دعاؤهـا‬ ‫نوهت بالملك المـهـيمـن دعـوة‬
‫بخيارها فخيارهـا رحـمـاؤهـا‬ ‫ليرد ألفتهـا ويجـمـع أمـرهـا‬
‫وحمى أمية ان يهـد بـنـاؤهـا‬ ‫فأجاب ربي في أمـية دعـوتـي‬
‫نور البلد وزينهـا وبـهـاؤهـا‬ ‫وحبا أمـية بـالـخـلفة إنـهـم‬
‫شرفا وأفضل سـاسة أمـراؤهـا وهي قصيدة طويلة اقتصرت منها على ما‬ ‫فبنو أمية خير من وطئ الـثـرى‬
‫‪ .‬ذكرته‬
‫‪:‬صوت‬
‫وقد أرى في بلد الله متسـعـا‬ ‫مهل ذريني فإني غالني خلقـي‬
‫ول استكنت له إن خان أو خدعا الشعر لبي جلدة اليشكري من قصيدة يمدح‬ ‫ما عضني الدهر إل زادني كرما‬
‫‪ .‬بها مسمع بن مالك بن مسمع‪ ،‬والغناء لعلويه رمل بالوسطى عن عمرو‬

‫أخبار أبي جلدة ونسبه‬


‫نسب أبي جلدة‪ :‬أبو جلدة بن عبيد بن منقذ بن حجر بن عبيد الله بن مسلمة بن حبيب بن عدي بن جشم بن غنم بن حبيب بن‬
‫كعب بن يشكر بن بكر بن وائل‪ ،‬شاعر إسلمي‪ ،‬من شعراء الدولة الموية‪ ،‬ومن ساكني الكوفة‪ .‬وكان ممن خرج مع ابن‬
‫‪ .‬الشعث فقتله الحجاج‬
‫كان أخص الناس بالحجاج ثم صار من أشدهم تحريضا عليه حين خرج مع ابن الشعث وقتل‪ :‬أخبرني بخبره في جملة ديوان‬
‫شعره محمد بن العباس اليزيدي وقرأته عليه قال حدثني عمي عبد الله قال حدثني محمد بن حبيب‪ ،‬وأخبرني به علي بن‬
‫سليمان الخفش أيضا عن الحسن ابن الحسن اليشكري عن ابن العرابي قال‪ :‬كان أبو جلدة اليشكري من أخص الناس‬
‫بالحجاج‪ ،‬حتى إنه بعثه وبعث معه عبد الله بن شداد ابن الهادي الليثي إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلم‪،‬‬
‫فخطب الحجاج منه ابنته أم كلثوم‪ .‬ثم خرج بعد ذلك مع ابن الشعث‪ ،‬وكان من أشد الناس تحريضا على الحجاج‪ .‬فلما أتي‬
‫الحجاج برأسه ووضع بين يديه مكث ينظر إليه طويل ثم قال‪ :‬كم من سر أودعته في هذا الرأس فلم يخرج حتى أتيت به‬
‫‪:‬مقطوعا‪ .‬فلما كان يوم الزاوية خرج خرج أبو جلدة بين الصفين‪ ،‬ثم أقبل على أهل الكوفة فأنشدهم قصيدته التي يقول فيها‬
‫ول تبكنا إل الكـلب الـنـوابـح‬ ‫فقل للحواريات يبـكـين غـيرنـا‬
‫رماح النصارى والسيوف الجوارح‬ ‫بكين إلينا خشـية أن تـبـيحـهـا‬
‫وتأبى قلوب أضمرتها الجـوانـح‬ ‫بكين لكيما يمنعـوهـن مـنـهـم‬
‫تغارون أن تبدو البرى والوشـائح‬ ‫ونادينـا أين الـفـرار وكـنـتـم‬
‫إذا انتزعت منها القرون النواطـح‬ ‫أأسلمتمونا للعدو عـلـى الـقـنـا‬
‫ول عزب عزت عليه المنـاكـح‬ ‫فما غار منكـم غـائر لـحـلـيلة‬

‫صفحة ‪1278 :‬‬

‫قال‪ :‬فلما أنشدهم هذه البيات أنفوا وثاروا فشدوا شدة تضعضع لهم عسكر الحجاج‪ ،‬وثبت لهم الحجاج وصاح بأهل الشام‬
‫فتراجعوا وثبتوا‪ ،‬فكانت الدائرة له‪ ،‬فجعل يقتل الناس بقية يومه‪ ،‬حتى صاح به رجل‪ :‬والله يا حجاج لئن كنا قد أسأنا في الذنب‬
‫لما أحسنت في العفو‪ ،‬ولقد خالفت الله فينا وما أطعته‪ .‬فقال له‪ :‬وكيف ويلك? قال‪ :‬لن الله تعالى يقول فإذا لقيتم الذين‬
‫كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها وقد قتلت فأثخنت‬
‫حتى تجاوزت الحد‪ ،‬فأسر ول تقتل‪ ،‬ثم قال‪ :‬أو امنن‪ .‬فقال أولى لك أل كان هذا الكلم منك قبل هذا الوقت ثم نادى برفع‬
‫السيف وأمن الناس جميعا‪ ،‬قال ابن حبيب قال ابن العرابي‪ :‬فبلغني أن الحجاج قال يوما لجلسائه ما حرض على أحد أبو‬
‫جلدة؛ فإنه نزل على سرحة في وسط عسكر لبن الشعث ثم نزع سراويله فوضعه وسلح فوقه والناس ينظرون إليه‪ .‬فقالوا‬
‫له‪ :‬ما لك ويلك أجننت ما هذا الفعل قال‪ :‬كلكم قد فعلتم هذا إل أنكم سترتموه وأظهرته‪ .‬فشتموه وحملوا علي‪ ،‬فما أنساهم‬
‫‪:‬وهو يقدمهم ويرتجز‬
‫ما لك يا حجاج منا منجى‬ ‫نحن جلبنا الخيل من زرنجا‬
‫أو لتفرن فذاك أحـجـى فوالله لقد كاد أهل الشام يومئذ يتضعضعون لول أن الله‬ ‫لتبعجن بالسيوف بعـجـا‬
‫‪ .‬تعالى أيد بنصره‬
‫‪:‬قال وقال أبو جلدة يومئذ‬
‫ويا غم الفؤاد لما لقينـا‬ ‫أيا لهفي ويا حزني جميعا‬
‫وخلينا الحلئل والبنينـا‬ ‫تركنا الدين والدنيا جميعا‬
‫فنصبر للبلء إذا بلينـا‬ ‫فما كنا أناسـا أهـل دين‬
‫فنمنعها وإن لم نرج دينا‬ ‫ول كنا اناسا أهـل دنـيا‬
‫وأنباط القرى والشعرينا ذم القعقاع بن سويد بعض ما عامله به فقال فيه شعرا‪ :‬قال‬ ‫تركنا دورنا لطغام عـك‬
‫‪:‬ابن حبيب‪ :‬وكان أبو جلدة مع القعقاع بن سويد المنقري بسجستان‪ ،‬فذم منه بعض ما عامله به‪ ،‬فقال فيه‬
‫إذا ظل المارة عنـك زال‬ ‫ستعلم أن رأيك رأي سـوء‬
‫بذي ذكر يزيدهم جـمـال‬ ‫وراح بنو أبيك ولست فيهـم‬
‫إذا الليل القصير عليك طال فقال له القعقاع‪ :‬ومتى يطول علي الليل القصير?‬ ‫هناك تذكر السلف منهـم‬
‫قال‪ :‬إذا نظرت إلى السماء مربعة‪ .‬فلما عزل وحبس أخرج رأسه ليلة فنظر ‪ ،‬فإذا هو ل يرى السماء إل بقدر تربيع السجن‪،‬‬
‫‪ .‬فقال‪ :‬هذا والله الذي حذرنيه أبو جلدة‬
‫مدح مسمع بن مالك حين ولي سجستان ورثاه حين توفي‪ :‬قال‪ :‬وولي مسمع بن مالك سجستان‪ ،‬وكان مكث أبي جلدة بها‪،‬‬
‫‪:‬فخرج إليه فتلقاه ومدحه بقصيدته التي أولها‬
‫وليت وصل لها من حبلها رجعـا‬ ‫بانت سعاد وأمسى حبلها انقطـعـا‬
‫فطارت النفس من وجد بها قطعا‬ ‫شطت بها غـربة زوراء نـازحة‬
‫طعم الرقاد إذا ما هاجع هجـعـا‬ ‫ما قرت العين إذ زالت فينفعـهـا‬
‫وقد أكون صحيح الصدر فانصدعا‬ ‫منعت نفسي من روح تعـيش بـه‬
‫وقبل لومك ما أغنيت من منـعـا‬ ‫غدت تلوم على ما فات عاذلـتـي‬
‫وقد أرى في بلد الله متـسـعـا‬ ‫مهل ذريني فإني غالني خلـقـي‬
‫سيب الله وخير المال ما نفـعـا‬ ‫فخري تليد وما أنفقت أخـلـفـه‬
‫ول استكنت له إن خان أو خدعـا‬ ‫ما عضني الدهر إل زادني كرمـا‬
‫في النائبات إذا ما مسني طبـعـا‬ ‫ول تلين على العلت معجمـتـي‬
‫إذا المغمز منها لن أو خضـعـا‬ ‫ول تلين مـن عـودي غـمـائزه‬
‫ول أقول لشيء فات ما صنـعـا‬ ‫ول أخائل رب البيت غـفـلـتـه‬
‫لم يجعل الله في أقوالهم قـذعـا‬ ‫إني لمدح أقوامـا ذوي حـسـب‬
‫لو يعصر المسك من أطرافهم نبعا‬ ‫الطيبين على العلت مـعـجـمة‬
‫لكرم الناس أخلقا ومصطنـعـا قال‪ :‬فوصله مسمع بن مالك وحمله وكساه‬ ‫بني شهاب بها أعـنـي وإنـهـم‬
‫‪:‬ووله ناشيتكين وكان مكتبه ‪ .‬قال‪ :‬ثم توفي مسمع بن مالك سجستان‪ ،‬فقال أبو جلدة يرثيه‬

‫صفحة ‪1279 :‬‬

‫قد كان من مسمع في مالك خلف‬ ‫أقول للنفـس تـأسـاء وتـعـزية‬


‫إحدى النوائب بالقوام واختلـفـوا‬ ‫يا مسمع الخير من ندعو إذا نزلت‬
‫بمن ترى يؤمن المستشرف النطف‬ ‫يا مسمعا لعراق ل زعـيم لـهـا‬
‫تبكيك إذ غالك الكفان والجـرف‬ ‫تلك العيون بحيث المصر سـادمة‬
‫وبذل جود لما أودي بك إلى التلف‬ ‫قد وسدوك يمينـا غـير مـوسـدة‬
‫والبحر منه سجال الجود تغتـرف كان ينادم شقيق بن سليط واستثقل‬ ‫كنت الشهاب الذي يرمى العدو بـه‬
‫أخاه ثعلبة فهجاه‪ :‬قال ابن حبيب عن ابن العرابي قال‪ :‬كان أبو جلدة ينادم شقيق بن سليط بن بديل السدوسي أخا بسطام‬
‫‪:‬بن سليط‪ ،‬وكان لهما أخ يقال له ثعلبة بن سليط‪ ،‬وكان ثقيل بخيل مبغضا‪ ،‬وكان يطفل عليهم ويؤذيهم‪ .‬فقال فيه أبو جلدة‬
‫وأبغض مثل ثعلبة الثقيل‬ ‫أحب على لذاذتنا شقيقـا‬
‫نوافله إذا شربوا قلـيل أعطى مسمع مال لعشيرته وجفا بكر فقال هو شعرا فأكرمه‬ ‫له غم على الجلساء مؤذ‬
‫وأرضاه‪ :‬قال ابن حبيب عن ابن العرابي‪ :‬وفرق مسمع بن مالك في عشيرته بني قيس بن ثعلبة عطايا كثيرة وقربهم وجفا‬
‫‪:‬سائر بطون بكر بن وائل‪ .‬فقال أبو جلدة‬
‫تجور علينا عامدا في قضائكـا‬ ‫إذا نلت مال قلت قيس عشيرتي‬
‫بزعمك يخشى داؤها بدوائكـا‬ ‫وإن كانت الخرى فبكر بن وائل‬
‫بني مسمع إنا هنـاك أولـئكـا‬ ‫هنالك ل نمشي الضراء إليكـم‬
‫تكر علينا سبغة من عطـائكـا قال‪ :‬فبعث إليه مسمع فترضاه ووصله وفرق‬ ‫عسى دولة الذهلين يوما ويشكر‬
‫في سائر بطون بكر بن وائل على جذمين‪ ،‬جذم يقال له الذهلن‪ ،‬وجذم يقال له اللهازم‪ .‬فالذهلن‪ :‬بنو شيبان بن ثعلبة بن‬
‫يشكر بن وائل‪ ،‬وبنو ضبيعة بن ربيعة ‪ .‬واللهازم‪ :‬قيس بن ثعلبة‪ ،‬وتيم اللت بن ثعلبة‪ ،‬وعجل بن لجيم‪ ،‬وعنزة بن أسد بن‬
‫‪:‬رببيعة‪ .‬قال الفرزدق‬
‫إذا كان في الذهلين أو في اللهازم قال‪ :‬وقد دخل بنو قيس بن عكابة مع‬ ‫وأرضى بحكم الحي بكر بن وائل‬
‫إخوتهم بني قيس بن ثعلبة بن عكابة‪ .‬وأما حنيفة فلم تدخل في شيء من هذا لنقطاعهم عن قومهم باليمامة في وسط دار‬
‫مضر‪ ،‬وكانوا ل ينصرون بكرا ول يستنصرونهم‪ .‬فلما جاء السلم ونزل الناس مع بني حنيفة ومع بني عجل بن لجيم فتلهزموا‬
‫ودخل معهم حلفاؤهم بنو مازن بن جدي بن مالك بن صعب بن علي‪ ،‬فصاروا جميعا في اللهازم‪ .‬وقال موسى بن جابر الحنفي‬
‫‪:‬السحيمي بعد ذلك في السلم‬
‫سوى بين قيس قيس عيلن والفزر‬ ‫وجدنا أبانـا كـان حـل بـبـلـدة‬
‫أقمنا وحالفنا السيوف على الدهـر‬ ‫فلما نأت عنا العشـيرة كـلـهـا‬
‫ول نحن أغمدنا السيوف على وتر كان جاره سيف يشرب ويعربد عليه‬ ‫فما أسلمتنا بعـد فـي يوم وقـعة‬
‫فهجاه‪ :‬وقال ابن حبيب عن ابن العرابي قال‪ :‬كان لبي جلدة بسجستان جار يقال له سيف من بني سعد‪ ،‬وكان يشرب الخمر‬
‫‪:‬ويعربد على أبي جلدة‪ ،‬فقال يهجوه‬
‫أقل بني سعد حصادا ومزرعـا‬ ‫قل لذوي سيف وسيف ألـسـتـم‬
‫على عذرات الحي أصبحن وقعا‬ ‫كأنكـم جـعـلن دار مـقـامة‬
‫تطاول منها فوق ما كان إصبعـا‬ ‫لقد نال سيف في سجستان نهـزة‬
‫له سرة تسقى الشراب المشعشعا‬ ‫أصاب الزنا والخمر حتى لقد نمت‬
‫ول سقت إبريقا بكفك متـرعـا‬ ‫فلول هوان الخمر ما ذقت طعمها‬
‫أبوك ولم يعرض عليها فيطمعـا‬ ‫كما لم يذقها أن تكـون عـزيزة‬
‫إذا ما المغني للذاذة أسـمـعـا خبره مع القعقاع حين أرجف به فتهدده‬ ‫وكان مكان الكلب أو مـن ورائه‬
‫بالعزل‪ :‬قال ابن حبيب‪ :‬وكان أبو جلدة قد استعمله القعقاع بن سويد حين تولى سجستان على بست والرخج‪ ،‬فأرجف الناس‬
‫‪:‬بالقعقاع وأرجف به أبو جلدة معهم‪ ،‬وكتب القعقاع إليه يتهدده؛ فكتب إليه أبو جلدة‬
‫فقلت له بكر إذا رمتني ترسي‬ ‫يهددني القعقاع في غير كنهـه‬

‫صفحة ‪1280 :‬‬

‫أسود عليها الزعفران مع الورس‬ ‫كأنا وأياكم إذا الحـرب بـينـنـا‬


‫إذا ما لقينا والهرقلية الـمـلـس‬ ‫ترى كمصابيح الدياجي وجوهنـا‬
‫وتجري لكم طير البوارح بالنحس‬ ‫هناك السعود السانحات جرت لنـا‬
‫كأنك يوما قد نقلت إلى الرمـس‬ ‫وما أنت يا قعقاع إل كمن مضى‬
‫به غطفانيا وإل فمـن عـبـس‬ ‫أظن بغال البرد تسـري إلـيكـم‬
‫به غير مغموز القناة ول نكـس‬ ‫وإل فبالبسـال يا لـك إن سـرت‬
‫وعمالكم أهل الخيانة واللـبـس‬ ‫فعمالنـا أوفـى وخـير بـقـية‬
‫ول للرباب غير تعس من التعس قال‪ :‬فلما انتهت هذه القصيدة إلى القعقاع‬ ‫وما لبني عمرو عـلـي هـوادة‬
‫وجه برسول إلى أبي جلدة‪ ،‬وقال‪ :‬انظر‪ ،‬فإن كان كتب هذا الكتاب بالغداة فاعزله‪ ،‬وإن كان كتبه بالليل فأقرره على عمله ول‬
‫تعزله ول تضربه‪ .‬وكان أبو جلدة صاحب شراب‪ ،‬فقال للرسول‪ :‬والله ما كتبته إل بالعشي‪ .‬فسأله البينة على ذلك فأتاه بأقوام‬
‫‪ .‬شهدوا له بما قال‪ ،‬فأقره على عمله وانصرف عنه‬
‫شبب ببنت دهقان فأهدى له ليترك ذكرها‪ :‬قال ابن حبيب‪ :‬ومر أبو جلدة بقصر من قصور بست ينزله رجل من الدهاقين‪،‬‬
‫‪:‬فرأى ابنته تشرف من أعلى القصر‪ ،‬فأنشأ يقول‬
‫حسن الدل للفؤاد مـصـيبـا‬ ‫إن في القصر ذي الخبا بدر تم‬
‫ريح رند إذا استقل مـنـيبـا‬ ‫ولعابا بالخلـوق يأرج مـنـه‬
‫ز وعصبا من اليماني قشيبـا‬ ‫يلبس الخز والمطارف والـق‬
‫ما رآه المحب إل خضـيبـا فبلغ ذلك من قوله الدهقان‪ ،‬فأهدى له وبره وسأله أل‬ ‫ورأيت الحبيب يبـرز كـفـا‬
‫‪ .‬يذكر ابنته في شعر بعد ذلك‬
‫لحقه ضيم فلم يمنعه قومه فهتف بمسمع بن مالك وآخرين فسعى له قومه‪ :‬قال ابن حبيب‪ :‬ولحق أبا جلدة ضيم من بعض‬
‫الولة‪ ،‬فهتف بقومه فلم يقدروا على منعه منه ول معونته رهبة للسلطان‪ ،‬فهتف بأعلى صوته‪ :‬يا مسمع بن مالك‪ ،‬يا أمير بن‬
‫‪:‬أحمر‪ ،‬ثم أنشأ يقول‬
‫سكوتا ل يثوب لهم زعيم‬ ‫ولما أن رأيت سراة قومي‬
‫وقبر معمر تلك القـروم قال‪ :‬فأبكى جميع من حضر‪ ،‬وقاموا جميعا إلى الوالي‬ ‫هتفت بمسمع وصدى أمير‬
‫‪:‬فسألوه في أمره حتى كف عنه‪ .‬قال‪ :‬وأمير بن أحمر رجل من بني يشكر‪ ،‬وكان سيدا جوادا‪ ،‬وفيه يقول زياد العجم‬
‫ويشكر هلكى على كل حال قال ابن العرابي‪ :‬كان أمير بن أحمر واليا على‬ ‫لول أمير هلكـت يشـكـر‬
‫‪ .‬خراسان في أيام معاوية‬
‫‪.‬ومعمر الذي عناه أبو جلدة معمر بن شمير بن عامر بن جبلة بن ناعب بن صريم‪ ،‬وكان أمير سجستان‪ ،‬وكان سيدا شريفا‬
‫خطب خليعة بنت صعب فأبت وتزوجت غيره فقال شعرا‪ :‬وقال‪ :‬خطب أبو جلدة امرأة من بني عجل يقال لها خليعة بنت‬
‫صعب‪ ،‬فأبت أن تتزوجه وقالت‪ :‬أنت صعلوك فقير ل تحفظ مالك ول تلفي شيئا إل أنفقته في الخمر‪ ،‬وتزوجت غيره‪ .‬فقال أبو‬
‫‪:‬جلدة في ذلك‪ :‬صوت‬
‫قالت خليعة ما أرى لك مال‬ ‫لما خطبت إلى خليعة نفسهـا‬
‫وتخرقي وتحملي الثـقـال‬ ‫أودى بمالي يا خليع تكرمـي‬
‫بالسفح يوم أجلل البـطـال‬ ‫إني وجدك لو شهدت مواقفي‬
‫عندي إذا كره الكماة نـزال الغناء لبراهيم الموصلي ثاني ثقيل بالوسطى عن‬ ‫سيفي‪ ،‬لسرك أن تكوني خادما‬
‫‪ .‬الهشامي من كتاب علي بن يحيى‬
‫ضرط بين قوم فضحكوا فأكرههم على أن يضرطوا‪ :‬قال أبو سعيد السكري وعمر بن سعيد صاحب الواقدي‪ :‬إن أبا جلدة كان‬
‫في قرية من قرى بست يقال لها الخيزران ومعهم عمرو بن صوحان أخو صعصعة في جماعة يتحدثون ويشربون‪ ،‬إذ قام أبو‬
‫جلدة ليبول فضرط‪ ،‬وكان عظيم البطن‪ ،‬فتضاحك القوم منه‪ ،‬فسل سيفه وقال‪ :‬لضربن من ليضرط في مجلسه هذا ضربة‬
‫بسيفي‪ ،‬أمني تضحكون ل أم لكم فما زال حتى ضرطوا جميعا غير عمر بن صوحان‪ .‬فقال له‪ :‬قد علمت أن عبد القيس ل‬
‫تضرط ولك بدلها عشر فسوات‪ .‬قال‪ :‬ل والله أو تفصح بها فجعل عمر يجثي وينحني فل يقدر عليها‪ ،‬فتركه‪ .‬وقال أبو جلدة في‬
‫‪:‬ذلك‬
‫تشـدد مـنـي دارة وتـلـين‬ ‫أمن ضرطة بالخيزران ضرطتها‬

‫صفحة ‪1281 :‬‬

‫يثور دخان ساطـع وطـنـين قال‪ :‬ولعمرو بن صوحان يقول أبو جلدة‬ ‫فما هو إل السيف أو ضرطة لها‬
‫‪:‬اليشكري وطالت صحبته إياه فلم يظفر منه بشيء‬
‫الحق بقومك يا عمرو بن صوحانا‬ ‫صاحبت عمرا زمانا ثم قلت لـه‬
‫وإن جزعت فقد كان الذي كانـا هجا زيادا العجم لهجوه بني يشكر‪ :‬قال ابن‬ ‫فإن صبرت فإن الصبر مكـرمة‬
‫‪:‬سعيد وحدثني أبو صالح قال‪ :‬بلغ أبا جلدة أن زيادا العجم هجا بني يشكر‪ ،‬فقال فيه‬
‫غرضا وأنت عن الذى في معزل‬ ‫ل تهج يشكـر يا زياد ول تـكـن‬
‫خير وأكرم مـن أبـيك العـزل‬ ‫واعلم بأنهـم إذا مـا حـصـلـوا‬
‫حتى نصبحكم بجيش جـحـفـل‬ ‫لول زعيم بني المعلى لـم نـبـت‬
‫أسد العرين بكل عضب منصـل‬ ‫تمشي الضراء رجالهم وكأنـهـم‬
‫عند الرجال ونهزة لـلـخـتـل مدح سليمان بن عمرو بن مرثد كان صديقا له‪ :‬وقال‬ ‫فاحـذر زياد ول تـكـن تــدرأ‬
‫ابن حبيب‪ :‬كان سليمان بن عمرو بن مرثد البكري صديقا لبي جلدة‪ ،‬وكان فارسا شجاعا‪ ،‬وقتله ابن خازم لشيء بلغه فأنكره؛‬
‫‪:‬وفيه يقول أبو جلدة‬
‫نمـاه سـراة مـن ســراة بـــنـــي بـــكـــر‬ ‫إذا كـنـت مـرتـــادا نـــديمـــا مـــكـــررا‬
‫تجـد مـاجـدا بـالـجـود مـنـشـرح الـــصـــدر‬ ‫فل تـعـد ذا الـعـلـيا سـلــيمـــان عـــامـــدا‬
‫ويشـربـهـا صـهـبـاء طــيبة الـــنـــشـــر‬ ‫كريمـا عـلـى عــلتـــه يبـــذل الـــنـــدى‬
‫معتقة كالمسك يذهب ريحها الزكام وتدعو المرء للجود بالوفر‬
‫يمـيد كـمـا مـاد الثـيم مـــن الـــســـكـــر‬ ‫وتترك حاسي الكأس منها مرنحا‬
‫إذا مـزجـت بـالـمـاء مـثـل لـظـى الـجـمـــر‬ ‫تلـوح كـعـين الـديك ينـزو حـــبـــابـــهـــا‬
‫علـيهـا نـديمـا ظـل يهـرف بـالـــشـــعـــر‬ ‫فتـلــك إذا نـــادمـــت مـــن آل مـــرثـــد‬
‫علـــيك بـــحــــياك اللـــــــه ول يدري‬ ‫يغـــنـــيك تـــارات وطـــورا يكـــرهـــا‬
‫وأن يبـذل الـمـعـروف فـي الـعـسـر والـيســـر‬ ‫تعـود أل يجـهـل الـــدهـــر عـــنـــدهـــا‬
‫تألـــى يمـــينــــا أن يريش ول يبـــــــري‬ ‫وإن سـلـيمـان بـن عـمــرو بـــن مـــرثـــد‬
‫وضرب طـلـى البـطـال فـي الـحـرب بـالـبـتـر‬ ‫فهـمـتـه بـذل الـنـدى وابـتــنـــا الـــعـــل‬
‫إذا مـا دجـا لـيل إلـى وضــح الـــفـــجـــر قال‪ :‬فلما بلغت‬ ‫وفـي المـن ل ينــفـــك يحـــســـو مـــدامة‬
‫سليمان هذه البيات قال‪ :‬هجاني أخي وما تعمد‪ ،‬لكنه يرى أن الناس جميعا يؤثرون الصهباء كما يؤثرها هو‪ ،‬ويشربونها كما‬
‫يشربها‪ .‬وبلغ قوله أبا جلدة فأتاه فاعتذر إليه‪ ،‬وحلف أنه لم يتعمد بذلك ما يكرهه وينكره‪ .‬قال‪ :‬قد علمت بذلك وشهدت لك به‬
‫‪ .‬قبل أن تعتذر‪ ،‬وقبل عذره‬
‫سأل الحضين بن المنذر شيئا فلم يعطه إياه فهجاه‪ :‬وقال ابن حبيب‪ :‬سأل أبو جلدة الحضين بن المنذر الرقاشي فلم يعطه‬
‫‪:‬إياه‪ ،‬وقال‪ :‬ل أعطيه ما يشرب به الخمر‪ .‬فقال أبو جلدة يهجوه‬
‫بالنحس ل فارقت رأس الحضين‬ ‫يا يوم بؤس طلعـت شـمـسـه‬
‫مذ كان بالمعروف كز الـيدين فبلغ الحضين قول أبي جلدة‪ ،‬فقال يهجوه‬ ‫‪:‬إن حضـينـا لـم يزل بـاخـل‬
‫معترضا ما جاوز السكتين‬ ‫عض أبو جلدة مـن أمـه‬
‫أعقف كالمنجل ذا شعبتين وقال أبو جلدة في حضين أيضا‬ ‫‪:‬بظرا طويل غاشيا رأسـه‬
‫إليك أبا ساسـان غـير مـسـدد‬ ‫لعمرك إني يوم أسند حـاجـتـي‬
‫ول خائف بث الحاديث في غـد‬ ‫فل عالم بالغيب مـن أين ضـره‬
‫فلم أطلب المعروف عند المصرد‬ ‫فليت المنايا حلقت بي صروفهـا‬
‫لقمت بحاجاتي ولـم تـتـبـلـد‬ ‫فلو كنت حرا يا حضين بن منـذر‬
‫وكنت قصير الباع غير المقـلـد‬ ‫تجهمتني خوف القرى واطرحتني‬
‫من اللؤم يابن المستذل المعـبـد تهدده بنو رقاش لهجائه الحضين فقال‬ ‫ولم تعد ما قد كنت أهل لمثـلـه‬
‫‪:‬شعرا‪ :‬قال‪ :‬فبلغ أبا جلدة أن بني رقاش تهددوه بالقتل لهجائه الحضين بن منذر‪ ،‬فقال‬
‫وكل رقاشي على الرض في الحبل‬ ‫تهددني جهـل رقـاش ولـيتـنـي‬

‫صفحة ‪1282 :‬‬

‫فبئس محل الضيف في الزمن المحل‬ ‫فباست حضين واست أم رمـت بـه‬
‫أذل على وطء الهوان من النـعـل‬ ‫وإن أنا لم أترك رقاش وجمـعـهـم‬
‫سبيل وقفت للـخـير والـفـضـل‬ ‫فشلت يداي واتبعت سـوى الـهـدى‬
‫مباخيل بالزواد في الخصب والزل‬ ‫عظام الخصى ثط اللحى معدن الخنـا‬
‫عظال الكلب في الدجنة والـوبـل‬ ‫إذا أمنوا ضراء دهر تـعـاظـلـوا‬
‫فأخور عيدانا من الـمـرخ والثـل‬ ‫وإن عضهم دهر بـنـكـبة حـادث‬
‫إذا خطرت حرب مراجلها تغـلـي شعره في دهقانة كان يختلف إليها‪:‬‬ ‫أسود شرى وسط النـدي ثـعـالـب‬
‫أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن عبد الله الصبهاني المعروف بالحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني‬
‫‪:‬عن أبيه قال‪ :‬عشق أبو جلدة دهقانة ببست وكان إليها ويكون عندها دائما‪ ،‬وقال فيها‬
‫ونازعيها صاحب لي مـلـوم‬ ‫وكأس كأن المسك فيها حسوتها‬
‫له كفل واف وفرع ومبـسـم‬ ‫أغر كأن البدر سـنة وجـهـه‬
‫وينجاب عنه الليل والليل مظلم‬ ‫يضيء دجى الظلماء رونق خده‬
‫وجيد عليه نسق در مـنـظـم‬ ‫وثديان كالحقين والمتن مدمـج‬
‫رخيم وردف نيط بالحقو مفـأم‬ ‫وبطن طواه الله طيا ومنـطـق‬
‫لظى في فؤادي نارها تتضرم‬ ‫به تبلتني واستبتنـي وغـادرت‬
‫وأصبح مبهوتا فما أتـكـلـم‬ ‫أبيت بها أهذي إذا الليل جننـي‬
‫تبين‪ ،‬لئن بانـت أل تـتـلـوم‬ ‫فمن مبلغ قومي الدنا أن مهجتي‬
‫تجود على من يشتهيها وتنعـم‬ ‫وعهدي بها والله يصلح بالـهـا‬
‫وقلبي لها يا قوم عان مـتـيم قال‪ :‬فلما بلغها الشعر سألت عن تفسيره ففسر‬ ‫فما بالها ضنت علي بـودهـا‬
‫لها‪ .‬فلما انتهى المفسر إلى هذين البيتين الخيرين غضبت فقالت‪ :‬أنا زانية كما زعم إن كلمته كلمة أبدا‪ .‬أو كلما اشتهاني‬
‫إنسان بذلت له نفسي وأنعمت من روحي إذا أي أنا إذا زانية‪ .‬فصرمته‪ ،‬فلم يقدر عليها وعذب بها وعذب بها زمانا‪ ،‬ثم قال فيها‬
‫‪:‬لما يئس منها‬
‫طويل كان فيه من الغـوانـي‬ ‫صحا قلبي وأقصر بعـد غـي‬
‫برشد وارتجى عقبى الزمـان‬ ‫بأن قصد السبيل فبـاع جـهـل‬
‫من الحب المبرح بالـجـنـان‬ ‫وخاف الموت واعتصم ابن حجر‬
‫إلى لذاته سـلـس الـعـنـان‬ ‫وقدما كان معترما جـمـوحـا‬
‫طويل الليل يهرف بالـقـران‬ ‫وأقلع بعد صبوتـه وأضـحـى‬
‫ينال افوز من غرف الجـنـان قال شعرا في يزيد بن المهلب ثم تنصل منه‪ :‬قال‬ ‫ويدعو الله مجتهـدا لـكـيمـا‬
‫‪:‬ابن حبيب قال أبو عبيدة‪ :‬كان يزيد بن المهلب يتهم بالنساء‪ .‬فقال فيه أبو جلدة‬
‫عيون رجال واستلذوا المضاجعا‬ ‫إذا اعتكرت ظلماء ليل ونومـت‬
‫يزيد دبيبا للمعانـاة قـابـعـا‬ ‫سما نحو جار البيت يستام عرسه‬
‫إليه أتاها بعـد ذلـك طـائعـا فشاعت البيات ورواها الناس لقتادة بن معرب ‪.‬‬ ‫وإن أمكنته جارة البيت أو رنت‬
‫‪:‬فقال أبو جلدة‬
‫لقد غالني العداء عمدا لتغضـبـا‬ ‫أبا خالد ركني ومـن أنـا عـبـده‬
‫فشلت يدي اليمنى وأصبحت أعضبا‬ ‫فإن كنت قلت اللذ أتاك به الـعـدا‬
‫وأمسيت شلوا للسبـاع مـتـربـا‬ ‫ول زلت محمول عـلـي بـلـية‬
‫أبا خالد عذرا وإن كنت مغضـبـا سئل عنه البعيث فذكر شعرا لقتادة بن‬ ‫فل تسمعن قول العـدا وتـبـينـن‬
‫‪:‬معرب يهجوه به‪ :‬وقال ابن حبيب‪ :‬قال رجل للبعيث‪ :‬أي رجل هو أبو جلدة? فقال‪ :‬قتادة بن معرب أعرف به حيث يقول‬
‫ل يعرف الحق من الباطل‬ ‫إن أبا جلدة مـن سـكـره‬
‫يسمع قول الناصح العاذل‬ ‫يزداد غيا وانهمـاكـا ول‬
‫وكان في الذروة من وائل‬ ‫أعيا أبوه وبـنـو عـمـه‬
‫فبئس خدن الرجل العاقل‬ ‫فليته لم يك مـن يشـكـر‬

‫صفحة ‪1283 :‬‬

‫يعرفه كل فتـى جـاهـل‬ ‫أعمى عن الحق بصير بمـا‬


‫أصبح‪ ،‬ل أسقي من الوابل‬ ‫يصبح سكران ويمسي كمـا‬
‫إلى التي تجلب من بـابـل‬ ‫شد ركاب الغي ثم اغتـدى‬
‫والسجن دار العاجز الخامل شعر له يناقض به قتادة بن معرب‪ :‬وقال أبو جلدة‬ ‫فالسجن إن عاش له منـزل‬
‫‪:‬يجيبه‬
‫تعرف ما الحق من الباطل‬ ‫قبحت لو كنت أمرا صالحـا‬
‫ولم تورط كفة الـحـابـل‬ ‫كففت عن شتمي بل إحـنة‬
‫والحزم والنجدة والـنـائل‬ ‫لكن أبت نفسك فعل النهـى‬
‫مكنون غش في الحشا داخل‬ ‫فتحت لي بالشتم حتـى بـدا‬
‫شتم امرئ ذي نجدة عاقـل‬ ‫فاجهد وقل ل تترك جاهـدا‬
‫درياقة تجلب مـن بـابـل‬ ‫تعذلني فـي قـهـوة مـزة‬
‫يسجد للشيطان بالـبـاطـل‬ ‫ولو رآها خر من حـبـهـا‬
‫ونهزة المختـلـس الكـل‬ ‫يا شر بكر كلها مـحـتـدا‬
‫أهواه يا أحمق من بـاقـل عربد عليه ابن عم له فاحتمله وقال شعرا‪ :‬قال ابن‬ ‫عرضك وفره ودعني ومـا‬
‫حبيب‪ :‬كان أبو جلدة يشرب مع ابن عم له من بكر بن وائل‪ ،‬فسكر نديمه فعربد عليه وشتمه‪ ،‬فاحتمله أبو جلدة وسقاه حتى‬
‫‪:‬نام‪ ،‬وقال في ذلك‬
‫وقال كلما سيئا لي على السكـر‬ ‫أبى لي أن ألحى نديمي إذا انتشـى‬
‫وما ندم القوم الكرام كذي الحجر‬ ‫وقاري وعلمي بالشراب وأهـلـه‬
‫ول هفوة كانت ونحن على الخمر‬ ‫فلست بلح لـي نـديمـا بـزلة‬
‫ونحن على صهباء طيبة النشـر‬ ‫عركت بجنبي قول خدني وصاحبي‬
‫فإنك من قوم جحاجـحة زهـر‬ ‫فلما تمادى قلت خـذهـا عـريقة‬
‫سقيت أخي حتى بدا وضح الفجر‬ ‫فما زلت أسقيه وأشرب مثل مـا‬
‫فأغرق في شتمي وقال وما يدري‬ ‫وأيقنت أن السكر طـار بـلـبـه‬
‫يقلبه في كل فن من الـشـعـر شعر له وقد دعا رجل من قومه للشراب‬ ‫ولك لسانا كان إذ كان صـاحـيا‬
‫فأبى‪ :‬أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال‪ :‬كان أبو جلدة اليشكري قد خرج‬
‫إلى تستر في بعث‪ ،‬فشرب بها في حانة مع رجل من قومه كان ساكنا بها‪ .‬ثم خرج عنها بعد ذلك وعاد إلى بست والرخج وكان‬
‫مكتبه هناك‪ ،‬فأقام بها مدة‪ ،‬ثم لقي بها ذلك الرجل الذي نادمه بتستر ذات يوم‪ ،‬فسلم عليه ودعاه إلى منزل‪ ،‬فأكل‪ ،‬ثم دعا‬
‫‪:‬بالشراب ليشربا‪ ،‬فامتنع الرجل وقال‪ :‬إني قد تركتها لله‪ .‬فقال أبو جلدة وهو يشرب‬
‫ول مثل أيامي المواضي بتسـتـر‬ ‫أل رب يوم لـي بـبـسـت ولـيلة‬
‫كريم المحيا من عرانـين يشـكـر‬ ‫غنيت بها أسقـي سـلف مـدامة‬
‫وتتركنا مثل الصريع المـعـفـر‬ ‫نبادر شرب الراح حتى نـهـرهـا‬
‫فأصبحت قد بدلت طول التـوقـر‬ ‫فذلك دهر قـد تـولـى نـعـيمـه‬
‫شراب وقدما كنت كالـمـتـحـير‬ ‫فراجعني حلمي وأصبحت منهج ال‬
‫فلست وإن نبهت عنه بمـقـصـر‬ ‫وكل أوان الحق أبصرت قـصـده‬
‫ركضت إلى أمر الغوي المشهـر‬ ‫سأركض في التقوى وفي العلم بعدما‬
‫ومن عنده عرفي الكثير ومنكـري مر به مسمع بن مالك فوثب إليه وقال‬ ‫وبالله حولي واحتـيالـي وقـوتـي‬
‫فيه شعرا‪ :‬أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن الحارث المدائني قال‪ :‬مر مسمع بن مالك بأبي جلدة‪ ،‬فوثب‬
‫‪:‬إليه وأنشأ يقول‬
‫أنت الجواد والخطيب المصقع‬ ‫يا مسمع بن مالك يا مسـمـع‬
‫فاصنع كما كان أبوك يصنع فقال له رجل كان جالسا هناك‪ :‬إن قبل منك والله يا أبا جلدة ناك أمه‪ ،‬فقال له‪ :‬وكيف ذلك‬
‫‪ .‬ويحك? قال‪ :‬لنك أمرته أن يصنع كما كان أبوه يصنع‬
‫مدح مقاتل بن مسمع طمعا في مثل ما كان مسمع يعطيه فلما رده هجاه‪ :‬وقال أبو عمرو الشيباني‪ :‬كان مسمع بن مالك‬
‫‪ :‬يعطي أبا جلدة‪ ،‬فقال فيه‬

‫صفحة ‪1284 :‬‬

‫خاضوا بحارك أو ضحضاحها غرقوا‬ ‫يسعى أناس لكـيمـا يدركـوك ولـو‬


‫عند الـلـقـاء ول رعـديدة فـرق‬ ‫وأنت في الحرب ل رث القوى بـرم‬
‫إن يمدحوك بها يوما فقد صـدقـوا‬ ‫كل الحلل التي يسعى الكرام لـهـا‬
‫وسادهم وزمان الناس مـنـخـرق‬ ‫ساد العراق فحال النـاس صـالـحة‬
‫بل مجد آل شهاب كان مذ خلـقـوا قال‪ :‬ثم مدح مقاتل بن مسمع طمعا في‬ ‫ل خارجي ول مستـحـدث شـرفـا‬
‫مثل ما كان مسمع يعطيه‪ ،‬فلم يلتفت إليه وأمر أن يحجب عنه‪ .‬فقيل له‪ :‬تعرضت للسان أبي جلدة وخبثه‪ .‬فقال‪ :‬ومن هو‬
‫‪:‬الكلب وما عسى أن يقول قبحه الله وقبح من كان منه فليجهد جهده‪ .‬فبلغ ذلك من قوله أبا جلدة فقال يهجوه‬
‫وكـان لـئيمـا جـاره يتـذلـل‬ ‫قرى ضيفه الماء القراح ابن مسمع‬
‫لديه تولـى هـاربـا يتـعـلـل‬ ‫فلما رأى الضيف القرى غير راهن‬
‫أل كل من يرجو قراكم مضـلـل‬ ‫ينادي بأعلى الصوت بكر بـن وائل‬
‫ربيعة أمسى ضيفـكـم يتـحـول‬ ‫عميدكم هر الضيوف فمـا لـكـم‬
‫زمانا بكم يحيا الضريك المـعـيل‬ ‫وخفتم بأن تقروا الضيوف وكنـتـم‬
‫وقصرتم والضيف يقرى وينـزل‬ ‫فما بالكم بالله أنـتـم بـخـلـتـم‬
‫يقول إذا ولى جمـيل فـيجـمـل‬ ‫ويكرم حتى يقترى حين يقـتـرى‬
‫ورأيهم ل يسبق الخيل مـحـثـل‬ ‫فمهل بني بكر دعوا آل مسـمـع‬
‫عليهم وواسوهم فذلـك أجـمـل‬ ‫ودونكم أضيافـكـم فـتـحـدبـوا‬
‫به يضرب المثال من يتـمـثـل‬ ‫ول تصبحوا أحدوثة مـثـل قـائل‬
‫بني مسمع حتى يحموا ويثـقـلـو‬ ‫إذا ما التقى الركبان يوما تذاكـروا‬
‫وضيفهم سيان أتـى تـوسـلـوا‬ ‫فل تقربوا أبياتـهـم إن جـارهـم‬
‫وما فـيهـم إل لـئيم مـبـخـل‬ ‫هم القوم غر الضيف منهم رواؤهم‬
‫لكان قراهم راهنـا حـين أنـزل‬ ‫فلو ببني شيبان حـلـت ركـائبـي‬
‫وأجدر يوما أن يواسوا ويفضلـوا‬ ‫أولـئك بـالـمـكـارم كـلـهـا‬
‫ول زال واديكم من الماء يمـحـل‬ ‫بني مسمع ل قرب الـلـه داركـم‬
‫إذا جعلت نار الحـروب تـأكـل‬ ‫فلم تردعوا البطال بالبيض والقنـا‬
‫أخبار علويه ونسبه‬
‫نسب علويه وأصله‪ :‬هو علي بن عبد الله بن سيف ‪ .‬وكان جده من السغد الذين سباهم الوليد بن عثمان بن عفان واسترق‬
‫منهم جماعة اختصهم بخدمته‪ ،‬وأعتق بعضهم‪ ،‬ولم يعتق الباقين فقتلوه‪ .‬وذكر ابن خرداذبه‪ ،‬وهم ممن ل يحصل قوله ول يعتمد‬
‫‪ .‬عليه‪ ،‬أنه من أهل يثرب مولى بني أمية‪ ،‬والقول الول أصح‬
‫مهارته في الغناء والضرب وبعض أخلقه ونشأته وسبب وفاته‪ :‬ويكنى علويه أبا الحسن‪ .‬وكان مغنيا حاذقا‪ ،‬ومؤدبا محسنا‪،‬‬
‫وصانعا متفننا‪ ،‬وضاربا متقدما‪ ،‬مع خفة روح‪ ،‬وطيب مجالسة‪ ،‬وملحة نوادر‪ .‬وكان إبراهيم الموصلي علمه وخرجه وعني به جدا‪،‬‬
‫فبرع وغنى لمحمد المين‪ ،‬وعاش أيام المتوكل‪ ،‬ومات بعد إسحاق الموصلي بمديدة يسيرة‪ .‬وكان سبب وفاته أنه خرج به‬
‫جرب‪ ،‬فشكاه إلى يحيى بن ماسويه‪ ،‬فبعث إليه بدواء مسهل وطلء‪ ،‬فشرب الطلء واطلى بالدواء المستهل‪ ،‬فقتله ذلك‪ .‬وكان‬
‫إسحاق يتعصب له في أكثر أوقاته على مخارق‪ .‬فأما التقديم والوصف فلم يكن إسحاق يرى أحدا من جماعته لهما أهل‪ ،‬فكانوا‬
‫‪ .‬يتعصبون عليه لبراهيم بن المهدي‪ ،‬فل يضره ذلك مع تقدمه وفضله‬
‫‪:‬رأي إسحاق الموصلي فيه وفي مخارق‬

‫صفحة ‪1285 :‬‬

‫أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق قال‪ :‬قلت لبي‪ :‬أيما أفضل عندك مخارق أو علويه? فقال‪ :‬يا بني علويه‬
‫أعرفهما فهما بما يخرج من رأسه وأعلمهما بما يغنيه ويؤديه‪ ،‬ولو خيرت بينهما من يطارح جواري أو شاورني من يستنصحني‬
‫لما أشرت إل بعلويه؛ لنه كان يؤدي الغناء‪ ،‬وصنع صنعة محكمة‪ .‬ومخارق بتمكنه من حلقه وكثرة نعمه ل يقنع بالخذ منه؛ لنه ل‬
‫يؤدي صوتا واحدا كما أخذه ول يغنيه مرتين غناء واحدا لكثرة زوائده فيه‪ .‬ولكنهما إذا اجتمعا عند خليفة أو سوقة غلب مخارق‬
‫‪ .‬على المجلس لطيب صوته وكثرة نغمه‬
‫حدثني جحظة قال حدثني أبو عبد الله بن حمدون قال حدثني أبي قال‪ :‬اجتمعت مع إسحاق يوما في بعض دور بني هاشم‪،‬‬
‫‪:‬وحضر علويه فغنى أصواتا ثم غنى من صنعته‪ :‬صوت‬
‫إلي فهل نفس ليلى شفيعها ولحنه ثاني ثقيل فقال له إسحاق‪ :‬أحسنت والله يا‬ ‫ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة‬
‫أبا الحسن أحسنت ما شئت ‪ .‬فقام علوية من مجلسه فقبل رأس إسحاق وعينيه وجلس بين يديه وسر بقوله سرورا شديدا‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬أنت سيدي وابن سيدي‪ ،‬وأستاذي وابن أستاذي‪ ،‬ولي إليك حاجة‪ .‬قال‪ :‬قل‪ ،‬فوالله إني أبلغ فيها ما تحب‪ .‬قال‪ :‬أيما أفضل‬
‫عندك أنا أو مخارق? فإني أحب أن أسمع منك في هذا المعنى قول يؤثر ويحكيه عنك من حضر‪ ،‬فتشرفني به‪ .‬فقال إسحاق‪ :‬ما‬
‫منكم إل محسن مجمل‪ ،‬فل ترد أن ترى في هذا شيئا‪ .‬قال‪ :‬سألتك بحقي عليك وبتربية أبيك وبكل حق تعظمه إل حكمت‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ويحك والله لو كنت أستجيز أن أقول غير الحق لقلته فيما تحب‪ ،‬فأما إذ أبيت إل ما ذكرت فهاك ما عندي‪ :‬فلو خيرت أنا‬
‫من يطارح جواري أو يغنيني لما اخترت غيرك‪ ،‬ولكنما إذا غنيتما بين يدي خليفة أو أمير غلبك على إطرابه واستبد عليك بجائزته‪.‬‬
‫‪ .‬فغضب علويه وقام وقال‪ :‬أف من رضاك وغضبك‬
‫شاع له صوت كان الناس يظنونه لسحاق‪ :‬حدثني جعفر بن قدامة قال علي بن يحيى المنجم قال‪ :‬قدمت من سر من رأى‬
‫قدمة إلى بغداد‪ ،‬فلقيت أبا محمد إسحاق بن إبراهيم الموصلي‪ ،‬فجعل يسألني عن أخبار الخليفة وأخبار الناس حتى انتهى إلى‬
‫ذكر الغناء‪ ،‬فقال‪ :‬أي شيء رأيت الناس يستحسونه في هذه اليام من الغاني‪ ،‬فإن الناس ربما لهجوا بالصوت بعد الصوت?‬
‫‪:‬فقلت‪ :‬صوتا من صنعتك‪ .‬فقال‪ :‬أي شيء هو? فقلت‪ :‬صوت‬
‫بقلبي الهوى لما تغنيتـمـا لـيا‬ ‫أل يا حمامي قصر دوران هجتما‬
‫أبالي دموع العين لو كنت خاليا فضحك وقال‪ :‬ليس هذا لي‪ ،‬هذا لعلويه‪،‬‬ ‫وأبكيتماني وسط صحبتي ولم أكن‬
‫‪ .‬ولقد لعمري أحسن فيه وجود ما شاء‬
‫‪ .‬لحن علويه في هذين البيتين ثاني ثقيل بالوسطى‬
‫أتاه بعض أصحابه فأطعمهم وغناهم ألحانا لهم‪ :‬حدثني عمي قال حدثنا عبد الله بن عمرو قال حدثني أحمد بن محمد بن عبد‬
‫الله البزاري قال‪ :‬أتيت علويه يوما بالعشي‪ ،‬فوجدت عنده خاقان بن حامد وعبد الله بن صالح صاحب المصلى‪ ،‬وكنت حملت‬
‫معي قفص فراريج كسكرية مسمنة وجرابي دقيق سميذ ‪ ،‬فسلمته إلى غلمه‪ ،‬وبعث إلى بشر بن حارثة‪ :‬أطعمنا ما عندك‪ ،‬فلم‬
‫يزل يطعمنا فضلت حتى أدرك طعامه‪ ،‬ثم بعث إلى عبد الوهاب بن الخصيب بن عمرو فحضر‪ ،‬وقدم الطعام فأكل وأكلنا أكل‬
‫‪:‬معذرين ‪ ،‬ثم قال‪ :‬إني صنعت البارحة لحنا أعجبني ن فأسمعوه وقولوا فيه ما عندكم‪ ،‬وغنانا فقال‪ :‬صوت‬
‫وذؤابتي علت بـمـاء خـضـاب‬ ‫هزئت عميرة أن رأت ظهري انحنى‬
‫محض كريم شيبتـي وشـبـابـي لحن علويه في هذين البيتين من الثقيل الثاني‬ ‫ل تهزئي مني عـمـير فـإنـنـي‬
‫بالوسطى فقلنا له‪ :‬حسن والله جميل يا أبا الحسن‪ ،‬وشربنا عليه أقداحا‪ .‬ثم استؤذن لعثعث غلم أحمد بن يحيى بن معاذ‪ ،‬فأذن‬
‫له‪ ،‬ومع عثعث كتاب من موله أحمد بن يحيى‪ :‬سمعت يا سيدي منك صوتا عند أمير المؤمنين يعني المعتصم ‪ ،‬فأحب أن‬
‫‪:‬تتفضل وتطرحه على عبدك عثعث‪ .‬وهو‪ :‬صوت‬
‫ولم أتمتع بالجوار وبالـقـرب‬ ‫فوا حسرتا لم أقض منك لبـانة‬
‫فقلت وهذا آخر العهد من قلبي لحن علويه في هذا الشعر ثقيل أول‪ ،‬وهو من‬ ‫يقولون هذا آخر العهد منـهـم‬
‫‪:‬مقدم أغانيه وصدورها‪ .‬وأول هذا الصوت‬
‫سقتك الغوادي من حمام ومن شعب‬ ‫أل يا حمام الشعب شعـب مـورق‬

‫صفحة ‪1286 :‬‬

‫‪:‬قال‪ :‬وإذا مع حسين رقعة من موله‪ :‬سمعتك يا سيدي تغني عند المير أبي إسحاق إبراهيم ابن المهدي‬
‫بقلبي الهوى لما تغنـيتـمـا لـيا أحب أن تطرحه على عبدك حسين‪ .‬قال‪:‬‬ ‫أل يا حمامي قصر دوران هجمتما‬
‫فدعا بغلم له يسمى عبد آل فطحه عليه حتى أحكماه ثم عرضاه عليه حتى صح لهما‪ .‬فلما أعلم أنه مر لنا يوم يقارب طيب‬
‫‪ .‬ذلك اليوم وحسنه‬
‫وصف الواثق له‪ :‬حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال‪ :‬سمعت أبي يقول سمعت الواثق‬
‫يقول‪ :‬علويه أصح الناس صنعة بعد إسحاق‪ ،‬وأطيب الناس صوتا بعد مخارق‪ ،‬وأضرب الناس بعد ربرب وملحظ‪ ،‬فهو مصلي‬
‫كل سابق قادر‪ ،‬وثاني كل أول واصل متقدم‪ .‬قال‪ :‬وكان الواثق يقول‪ :‬غناء علويه مثل نقر الطست يبقى ساعة في السمع بعد‬
‫‪ .‬سكوته‬
‫خطأ إسحاق لحنا غناه المعتصم فرد هو عليه‪ :‬نسخت من كتاب أبي العباس بن ثوابة بخطة‪ :‬حدثني أحمد بن إسماعيل أبو‬
‫‪:‬حاتم قال حدثني عبد الله بن العباس الربيعي قال‪ :‬اجتمعت يوما بين يدي المعتصم وحضر إسحاق الموصلي‪ ،‬فغنى علويه‬
‫تلوح مغانيها كما لح أسطار فقال إسحاق‪ :‬أخطأت فيه‪ ،‬ليس هو كذلك‪ .‬فغضب‬ ‫لعبدة دار ما تكلمـنـا الـدار‬
‫علويه وقال‪ :‬أم من أخذنا عنه هكذا زانية‪ .‬فقال إسحاق‪ :‬وشتمنا قبحه الله‪ ، ،‬وسكت وبان ذلك فيه‪ .‬قال‪ :‬وكان علويه أخذه من‬
‫‪ .‬أبيه‬
‫كان أعسر وعوده مقلوب الوتار‪ :‬حدثني عمي قال حدثنا هارون بن مخارق قال‪ :‬كان علويه أعسر وكان عوده مقلوب الوتار‪:‬‬
‫البم أسفل الوتار كلها‪ ،‬ثم المثلث فوقه‪ ،‬ثم المثنى‪ ،‬ثم الزير‪ ،‬وكان عوده إذا كان في يد غيره على هذه الصفة‪ ،‬وإذا كان معه‬
‫‪ .‬أخذه باليمنى وضرب باليسرى‪ ،‬فيكون مستويا في يده ومقلوبا في يد غيره‬
‫كان بينه وبين ابن أخته الخلنجي القاضي منازعة فغنى بشعره للمأمون فعزله عن القضاء‪ :‬أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال‬
‫كان الخلنجي القاضي‪ ،‬واسمه عبد الله بن محمد ‪ ،‬ابن أخت علويه المغني‪ ،‬وكان تياها صلفا‪ ،‬فتقلد في خلفة المين قضاء‬
‫الشرقية ‪ ،‬فكان يجلس إلى أسطوانة من أساطين المسجد فيستند إليها بجميع جسده ول يتحرك‪ ،‬فإذا تقدم إليه الخصمان أقبل‬
‫عليهما بجميع جسده وترك الستناد حتى يفصل بينهما ثم يعود لحاله‪ .‬فعمد بعض المجان إلى رقعة من الرقاع التي يكتب فيها‬
‫الدعاوى فألصقها في موضع ذنبته بالدبق ومكن منها الدبق‪ .‬فلما تقدم إليه الخصوم وأقبل عليهم بجميع جسده كما كان يفعل‬
‫انكشفت رأسه وبقيت الذنبة موضعها مصلوبة ملتصقة‪ ،‬فقام الخلنجي مغضبا وعلم أنها حيلة وقعت عليه‪ ،‬فغطى رأسه‬
‫‪:‬بطيلسانه وقام وانصرف وتركها مكانها‪ ،‬حتى جاء بعض أعوانه فأخذها‪ .‬وقال بعض شعراء ذلك العصر فيه هذه البيات‬
‫أثقل باد لنا بطـلـعـتـه‬ ‫إن الخلنجي من تـتـايهـه‬
‫بين أخاوينه وقصـعـتـه‬ ‫ما إن لذي نخوة منـاسـبة‬
‫خوفا من الجور في قضيته‬ ‫يصالح الخصم من يخاصمه‬
‫لطار تيها على رعـيتـه قال وشهرت البيات والقصة ببغداد‪ ،‬وعمل له علويه حكاية‬ ‫لو لم تدبقه كف قانـصـه‬
‫أعطاها للزفانين والمخنثين فأحرجوه فيها‪ ،‬وكان علويه يعاديه لمنازعة كانت بينهما ففضحه‪ ،‬واستعفى الخلنجي من القضاء‬
‫ببغداد وسأل أن يولى بعض الكور البعيدة‪ ،‬فولي جند دمشق أو حمص‪ .‬فلما ولي المأمون الخلفة غناه علويه بشعر الخلنجي‬
‫‪:‬فقال‬
‫أتاك به الواشون عني كمـا قـالـوا‬ ‫برئت من السلم إن كـان ذا الـذي‬
‫بهجري تواصوا بالنميمة واحتـالـوا‬ ‫ولـكـنـهـم لـمـا رأوك غـرية‬
‫ينالون من عرضي وإن شئت ما نالوا فقال له المأمون‪ :‬من يقول هذا‬ ‫فقد صرت أذنا للـوشـاة سـمـيعة‬
‫الشعر? فقال‪ :‬قاضي دمشق‪ .‬فأمر المأمون بإحضاره‪ ،‬فكتب إلى صاحب دمشق بإشخاصه فأشخص‪ ،‬وجلس المأمون للشرب‬
‫‪:‬وأحضر علويه‪ ،‬ودعا بالقاضي فقال له‪ :‬أنشدني قولك‬
‫أتاك به الواشون عني كما قالوا‬ ‫برئت من السلم إن كان ذا الذي‬

‫صفحة ‪1287 :‬‬

‫فقال له‪ :‬يا أمير المؤمنين هذه أبيات قلتها منذ أربعين سنة وأنا صبي‪ ،‬والذي أكرمك بالخلفة وورثك ميراث النبوة ما قلت‬
‫شعرا منذ أكثر من عشرين سنة إل في زهد أو عتاب صديق‪ .‬فقال له‪ :‬اجلس فجلس‪ ،‬فناوله قدح نبيذ التمر أو الزبيب‪ .‬فقال‪ :‬ل‬
‫والله يا أمير المؤمنين ما أعرف شيئا منها‪ .‬فأخذ القدح من يده وقال‪ :‬أما والله لو شربت شيئا من هذا لضربت عنقك‪ ،‬وقد‬
‫ظننت أنك صادق في قولك كله‪ ،‬ولكن ل يتولى لي القضاء رجل بدأ في قوله بالبراءة من السلم‪ ،‬انصرف إلى منزلك‪ .‬وأمر‬
‫‪ .‬علويه فغير الكلمة وجعل مكانها‪ :‬حرمت مناي منك‬
‫ضربه المين بوشاية ابن الربيع ثم تقرب بذلك إلى المأمون فلم ير منه ما يحب‪ :‬حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن‬
‫‪:‬عبد الله بن مالك قال‪ :‬كان علويه بين يدي المين‪ ،‬فغنى في بعض غنائه‬
‫وشفت أنفسنا مما تجد وكان الفضل بن الربيع يطعن عليه‪ ،‬فقال للمين‪ :‬إنما يعرض‬ ‫ليت هندا أنجزتنا ما تعد‬
‫بك ويستبطئ المأمون في محاربته‪ ،‬فأمر به فضرب خمسين سوطا وجر برجله‪ ،‬وجفاه مدة‪ ،‬حتى ألقى نفسه على كوثر‬
‫فترضاه له ورد إلى خدمته‪ ،‬وأمر له بخمسة آلف دينار‪ .‬فلما قدم المأمون تقرب إليه بذلك‪ ،‬فلم يقع له بحيث يحب‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫إن الملك بمنزلة السد أو النار‪ ،‬فل تتعرض لما يغضبه‪ ،‬فإنه ربما جرى منه ما يتلفك ثم ل تقدر بعد ذلك على تلفي ما فرط منه‬
‫‪ ، .‬ولم يعطه شيئا‬
‫غضب المين على إبراهيم الموصلي بعد موته لتقديم اسم المأمون عليه في شعره وترضاه ابنه إسحاق‪ :‬ومثل هذا من فعل‬
‫المين‪ ،‬ما حدثني به محمد بن مزيد بن أبي الزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال‪ :‬دخلت على المين فرأيته‬
‫مغضبا كالحا‪ ،‬فقلت له‪ :‬ما لمير المؤمنين تمم الله سروره ول نغصه أراه كالحائر? قال‪ :‬غاظني أبوك الساعة ل رحمه الله‬
‫والله لو كان حيا لضربته خمسمائة سوط‪ ،‬ولولك لنبشت الساعة قبره وأحرقت عظامه‪ .‬فقمت على رجلي وقلت‪ :‬أعوذ بالله‬
‫من سخطك يا أمير المؤمنين ومن أبي وما مقداره حتى تغتاظ منه وما الذي غاظك فلعل له فيه عذرا? فقال‪ :‬شدة محبته‬
‫للمأمون وتقديمه إياه حتى قال في الرشيد شعرا يقدمه فيه علي وغناه فيه‪ ،‬وغنيته الساعة فأورثني هذا الغيظ‪ .‬فقلت‪ :‬والله‬
‫‪:‬ما سمعت بهذا قط ول لبي غناء إل وأنا أرويه‪ ،‬ما هو? فقال قوله‬
‫له كنفان من كرم ولين فقلت له‪ :‬يا أمير المؤمنين لم يقدم المأمون في الشعر‬ ‫أبو المأمون فينا والمين‬
‫لتقديمه إياه في الموالة‪ ،‬ولكن الشعر لم يصح وزنه إل هكذا‪ .‬فقال‪ :‬كان ينبغي له إذا لم يصح الشعر إل هكذا أن يدعه إلى لعنة‬
‫‪ .‬الله‪ .‬فلم أزل أداريه وأرفق به حتى سكن‪ .‬فلما قدم المأمون سألني عن هذا الحديث فحدثته به‪ ،‬فجعل يضحك ويعجب منه‬
‫مدحه عبد الله بن طاهر‪ :‬حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال‪ :‬سمعت أبي يقول‪ :‬لو خيرت‬
‫لونا من الطعام ل أزيد عليه غيره لخترت الدراجة ؛ لني إن زدت في خلها صارت سكباجة ‪ ،‬وإن زدت في مائها صارت إسفيد‬
‫باجة ‪ ،‬وإن زدت في تصبيرها بل في تشييطها صارت مطجنة ‪ ،‬ولو اقتصرت على رجل واحد لما اخترت سوى علويه؛ لنه إن‬
‫‪ .‬حدثني ألهاني‪ ،‬وإن غناني أشجاني‪ ،‬وإن رجعت إلى رأيه كفاني‬
‫حضر عند سعيد بن عجيف فأكرمه ثم طلبه عجيف‪ :‬حدثني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن محمد‬
‫البزاري قال‪ :‬كنت عند سعيد بن عجيف أنا وعبد الوهاب بن الخصيب وعبد الله بن صالح صاحب المصلى‪ ،‬إذ دخل عليه حاجبه‬
‫فقال له‪ :‬علويه بالباب‪ ،‬فأذن له فدخل‪ .‬فقال له‪ :‬ل تحمدني فإني لم يجئني رسول رجل اليوم‪ ،‬فعرضت إخواني جميعا على‬
‫قلبي فلم يقع عليه غيرك‪ .‬فدعا له ببرذون أدهم بسرجه ولجامه فأهداه إليه‪ ،‬وجلسنا نشرب وعلويه يغني‪ .‬فلما توسطنا أمرنا‬
‫جاء رسول عجيف يطلبه في منزله‪ ،‬فقالوا له‪ :‬هو عند ابنه سعيد‪ .‬فأتاه الرسول فقال له‪ :‬أجب المير‪ .‬فقلنا‪ :‬هذا شيء ليس‬
‫‪:‬فيه حيلة‪ .‬وقد جاء الرسول وهو يغني‪ :‬صوت‬
‫بكيت فنادتني هنيدة مـا لـيا‬ ‫ألم تر أني يوم جـو سـويقة‬
‫به يشتفي من ظن أن ل تلقيا‬ ‫فقلت لها إن البكـاء لـراحة‬

‫صفحة ‪1288 :‬‬

‫لحن علويه في هذا رمل‪ .‬والشعر للفرزدق قال‪ :‬فقام علويه ثم قال‪ :‬هو ذا‪ ،‬أمضي إلى المير فأحدثه بحديثنا وأستأذنه في‬
‫النصراف بوقت يكون فيه فضل لكم‪ .‬فانصرف بعد المغرب ومعه جام‪ ،‬فيه مسك وعشرة آلف درهم ومنيان فيهما رماطون ‪،‬‬
‫فقال‪ :‬جئت أشرب عندكم‪ ،‬وآخذه وأنصرف إلى إنسان له عندي أياد يعني علي بن معاذ أخا يحيى ابن معاذ فلم يزل عندنا حتى‬
‫هم بالنصراف‪ .‬فلما رأيت ذلك فيه قمت قبله فأتيت منزل علي ابن معاذ‪ ،‬فقيل له‪ :‬ابن البزاري بالباب‪ .‬فبعث إلي‪ :‬إن أردت‬
‫مضاء فخذه يعني غلما كان يغني ‪ ،‬فقلت له‪ :‬لست أريده‪ ،‬إنمكا أريدك أنت‪ ،‬فأذن لي فدخلت‪ .‬فقال‪ :‬ألك حاجة في هذا‬
‫الوقت? فقلت‪ :‬الساعة يجيئك علويه‪ .‬فقال‪ :‬وما يدريك? فحدثته بالحديث‪ .‬ودخل علويه‪ ،‬فقال لي‪ :‬ما جاء بك إلى ها هنا‬
‫‪ .‬فقلت ‪ :‬ما كنت لدع بقية ليلتي هذه تضيع‪ ،‬فما زال يغنينا ونشرب حتى نام الناس ثم انصرفنا‬
‫فضله عمرو بن بانة على نفسه‪ :‬حدثني جعفر بن قدامة قال حدثنا هارون بن مخارق قال حدثني أبي قال‪ :‬قلت لعمرو بن بانة‪:‬‬
‫أيما أجود صنعتك أم صنعة علويه? فقال‪ :‬صنعة علويه‪ ،‬لنه ضارب وأنا مرتجل‪ .‬ثم أطرق ساعة وقال‪ :‬ل أكذبك يا أبا المهنأ‬
‫‪:‬والله ما أحسن أن أصنع مثل صنعة علويه‬
‫ولم أتمتع بالجوار وبالقرب ول مثل صنعته‬ ‫‪:‬فوا حسرتا لم أقض منك لبانة‬
‫وذؤابتي علت بـمـاء خـضـاب ول مثل صنعته‬ ‫‪:‬هزئت أميمة أن رأت ظهري انحنى‬
‫لقلبي الهوى لما تغنيتـمـا لـيا وقد مضت نسبة هذه الصوات‬ ‫‪ .‬أل يا حمامي قصر دوران هجتما‬
‫غنى في شعر هجى به علي بن الهيثم فأغرى الفضل بن الربيع به المين حتى ضربه ثم رضي عنه‪ :‬حدثني جحظة قال حدثني‬
‫أحمد بن الحسين بن هشام أبو عبد الله قال حدثني أحمد بن الخليل ابن هشام قال‪ :‬كان بين علويه وبين علي بن الهيثم جونقا‬
‫شر في عربدة وقعت بينهما بحضرة الفضل بن الربيع وتمادى الشر بينهما‪ ،‬فغنى علويه في شعر هجاه به أبو يعقوب في حاجة‪،‬‬
‫‪:‬فهجاه وذكر أنه دعي‪ .‬وكان جونقا يدعي أنه من بني تغلب‪ ،‬فقال فيه أبو يعقوب‬
‫أنت عندي من الراقم حقا‬ ‫يا علي بن هيثم يا جونـقـا‬
‫فدبنقا لذا الحديث دبـنـقـا‬ ‫عربي وجـده نـبـطـي‬
‫فاستنارت لشهبها الفلك برقا‬ ‫قد أصابتك في التقرب عين‬
‫فانتهزه وقل له أنت شفقـا وللخريمي فيه أهاج كثيرة نبطية فغنى علويه لحنا صنعه‬ ‫وإذا قال إنـنـي عـربـي‬
‫في هذه البيات بحضرة المين وكان الفضل بن الربيع حاضرا فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين علي بن الهيثم كابني‪ ،‬وإذا استخف به‬
‫فإنما استخف بي‪ .‬فقال المين‪ :‬خذوه‪ ،‬فأخذوه وضرب ثلثين درة‪ ،‬وأمر بإخراجه‪ .‬فطرح علويه نفسه على كوثر فاستصلح له‬
‫‪ .‬الفضل بن الربيع‪ ،‬وترضى له المين حتى رضي عنه ووهب له خمسة آلف دينار‬
‫ادعى أنه لو شاء جعل الغناء كالجوز فرد عليه إسحاق بما أخجله‪ :‬حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن‬
‫‪:‬مالك قال حدثني مخارق قال‪ :‬غنى علويه يوما بحضرة الواثق هذا الصوت‪ :‬صوت‬
‫عنا وللدهـر إحـلء وإمـرار ولحنه ثقيل أول فاستحسنه الواثق وطرب‬ ‫من صاحب الدهر لم يحمد تصرفه‬
‫عليه‪ .‬فقال علويه‪ :‬والله لو شئت لجعلت الغناء في أيدي الناس أكثر من الجوز‪ ،‬وإسحاق حاضر بين يدي الواثق‪ ،‬فتضاحك ثم‬
‫قال‪ :‬يا أبا الحسن‪ ،‬إذا تكون قيمته مثل قيمة الجوز‪ ،‬ليتك إذ قللته صنعت شيئا‪ ،‬فكيف إذا كثرته فخجل علويه حتى كأنما ألقمه‬
‫‪ .‬إسحاق حجرا‪ ،‬ما انتفع بنفسه يومئذ‬
‫ترك موعد المأمون ليذهب إلى عريب ثم غناه بما صنعاه فاستظرفه‪ :‬حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني عبد الله بن‬
‫‪:‬المعتز قال حدثني عبد الله الهشامي قال‬

‫صفحة ‪1289 :‬‬

‫قال لي علويه‪ :‬أمرنا المأمون أن نباكره لنصطبح‪ ،‬فلقيني عبد الله بن إسماعيل المراكبي مولى عريب‪ ،‬فقال‪ :‬أيها الظالم‬
‫المعتدي أما ترحم ول ترق‪ ،‬عريب هائمة من الشوق إليك تدعو الله وتستحكمه عليك وتحلم بك في نومها كل ليلة ثلث مرات‪.‬‬
‫قال علويه‪ :‬فقلت أم الخلفة زانية‪ ،‬ومضيت معه‪ .‬فحين دخلت قلت‪ :‬استوثق من الباب‪ ،‬فأنا أعرف الناس بفضول الحجاب‪،‬‬
‫فإذا عريب جالسة على كرسي تطبخ ثلث قدور من دجاج‪ .‬فلما رأتني قامت فعانقتني وقبلتني وقالت‪ :‬أي شيء تشتهي?‬
‫فقلت‪ :‬قدرا من هذه القدور‪ ،‬فأفرغت قدرا بيني وبينها فأكلنا‪ ،‬ودعت بالنبيذ فصبت رطل فشربت نصفه وسقتني نصفه‪ ،‬فما‬
‫زلت أشرب حتى كدت أن أسكر‪ .‬ثم قالت‪ :‬يا أبا الحسن‪ ،‬غنيت البارحة في شعر لبي العتاهية أعجبني‪ ،‬أفتسمعه مني‬
‫‪:‬وتصلحه? فغنت‪ :‬صوت‬
‫صفا لي ول إن صرت طوع يديه‬ ‫عذيري من النسان ل إن جفوتـه‬
‫يروق ويصفو إن كدرت عـلـيه فصيرناه مجلسا‪ .‬وقالت‪ :‬قد بقي فيه شيء‪،‬‬ ‫وإني لمشتاق إلى ظل صـاحـب‬
‫فلم أزل أنا وهي حتى أصلحناه‪ .‬ثم قالت‪ :‬وأحب تغني أنت فيه أيضا لحنا‪ ،‬ففعلت‪ .‬وجعلنا نشرب على اللحنين مليا‪ .‬ثم جاء‬
‫الحجاب فكسروا الباب واستخرجوني‪ ،‬فدخلت إلى المأمون فأقبلت أرقص من أقصى اليوان وأصفق وأغني بالصوت‪ ،‬فسمع‬
‫المأمون والمغنون ما لم يعرفوه فاستظرفوه‪ ،‬وقال المأمون‪ :‬ادن يا علويه ورده ‪ ،‬فرددته عليه سبع مرات‪ .‬فقال لي في آخرها‬
‫‪:‬عند قولي‬
‫‪ .‬يروق ويصفو إن كدرت عليه يا علويه خذ الخلفة وأعطني هذا الصاحب‬
‫‪ .‬لحن عريب في هذا الشعر رمل‪ .‬وفيه لعلويه لحنان‪ :‬ثاني ثقيل‪ ،‬وماخوري‬
‫سمع منه إبراهيم بن المهدي صوتين فحسده‪ :‬وقال العتابي حدثني أحمد بن حمدون قال‪ :‬غاب عنا علويه مدة ثم صار إلينا‪.‬‬
‫فقال له إبراهيم بن المهدي‪ :‬ما الذي أحدثت بعدي من الصنعة يا أبا الحسن? قال‪ :‬صنعت صوتين‪ .‬قال‪ :‬فهاتهما إذا؛ فغناه‪:‬‬
‫‪:‬صوت‬
‫تمتع بليلى ما بدا لك لـينـهـا‬ ‫أل إن لي نفسين نفسا تقول لـي‬
‫ونفسك ل تطرح على من يهينها لحن علويه في هذين البيتين خفيف ثقيل‬ ‫ونفسا تقول استبـق ودك واتـئد‬
‫قال‪ :‬فرأيت إبراهيم بن المهدي قد كاد يموت من حسده وتغير لونه ولم يدر ما يقول له؛ لنه لم يجد في الصوت مطعنا‪ ،‬فعدل‬
‫عن الكلم في هذا المعنى وقال‪ :‬هذا يدل على أن ليلى هذه كانت من لينها مثل الموم بالبنفسج‪ ،‬فسكت علويه‪ .‬ثم سأله عن‬
‫‪ .‬الصوت الخر فغناه‬
‫‪:‬صوت‬
‫فإن لجاري منهما ما تخـيرا‬ ‫إذا كان لي شيئان يا أم مالـك‬
‫أراه له أهل إذا كان مقتـرا والشعر لحاتم الطائي‪ .‬لحن علويه في هذين‬ ‫وفي واحد إن لم يكن غير واحد‬
‫البيتين أيضا خفيف ثقيل‪ .‬وقد روي أن إبراهيم الموصلي صنعه ونحله إياه‪ ،‬وأنا أذكر خبره بعقب هذا الخبر قال أحمد بن‬
‫حمدون‪ :‬فأتى والله بما برز على الول وأوفى عليه؛ وكاد إبراهيم يموت غيظا وحسدا لمنافسته في الصنعة وعجزه عنها‪ .‬فقال‬
‫‪ .‬له‪ :‬وإن كانت لك امرأتان يا أبا الحسن حبوت جارك منهما واحدة? فخجل علويه وما نطق بصوت بقية يومه‬
‫نحله إبراهيم الموصلي صوتا فلم يظهره إل أمام المأمون‪ :‬وحدثني عمي عن علي بن محمد عن جده حمدون هذا الخبر‪،‬‬
‫‪ .‬ولفظه أقل من هذا‬
‫فأما الخبر الذي ذكرته عن علويه أن إبراهيم الموصلي نحله هذا الصوت‪ .‬فحدثني جحظة قال حدثني ابن المكي المرتجل وهو‬
‫محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثني علويه قال‪ :‬قال إبراهيم الموصلي يوما‪ :‬إني قد صنعت صوتا وما سمعه مني أحد بعد‪ ،‬وقد‬
‫أحببت أن أنفعك وأرفع منك بأن ألقيه عليك وأهبه لك‪ ،‬ووالله ما فعلت هذا بإسحاق قط وقد خصصتك به‪ ،‬فانتحله وادعه‪،‬‬
‫‪:‬فلست أنسبه إلى نفسي وستكسب به مال‪ .‬فألقى علي قوله‬
‫فإن لجاري منهما ما تخيرا‬ ‫إذا كان لي شيئان يا أم مالك‬

‫صفحة ‪1290 :‬‬

‫فأخذته وادعيته وسترته طول أيام الرشيد خوفا من أتهم فيه وطول أيام المين حتى حدث عليه ما حدث‪ .‬وقدم المأمون من‬
‫خراسان وكان يخرج إلى الشماسية دائما يتنزه‪ ،‬فركبت في زلل وجئت أتبعه‪ ،‬فرأيت حراقة علي بن هشام‪ ،‬فقلت للملح‪:‬‬
‫اطرح زللي على الحراقة ففعل‪ ،‬واستؤذن لي فدخلت وهو يشرب مع الجواري وما كانوا يحجبون جواريهم في ذلك الوقت ما‬
‫لم يلدن فإذا بين يديه متيم وبذل من جواريه‪ ،‬فغنيته الصوت فاستحسنه جدا وطرب عليه وقال‪ :‬لمن هذا? فقلت‪ :‬هذا صوت‬
‫صنعته وأهديته لك‪ ،‬ولم يسمعه أحد قبلك‪ ،‬فازداد به عجبا وطربا وقال لها‪ :‬خذيه عنه‪ ،‬فألقيته عليها حتى أخذته‪ ،‬فسر بذلك‬
‫وطرب‪ ،‬وقال لي ‪ :‬ما أجد لك مكافأة على هذه الهدية إل إن أتحول عن هذه الحراقة بما فيها وأسلمه إليك أجمع‪ .‬فتحول إلى‬
‫أخرى‪ ،‬وسلمت الحراقة بخزانتها وجميع آلتها إلي وكل شيء فيها‪ ،‬فبعث ذلك بمائة وخمسين ألف درهم واشتريت بها ضيعتي‬
‫‪ .‬الصالحية‬
‫غنى المأمون لحنا في بيت لم يعرفه أحد ثم عرف بعد‪ :‬حدثني جحظة قال ابن المكي المرتجل عن أبيه قال قال إسحاق بن‬
‫حميد كاتب أبي الرازي‪ ،‬وحدثني به عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني حسان بن محمد الحارثي عن إسحاق‬
‫‪ :‬بن حميد كاتب أبي الرازي قال‪ :‬غنى علويه العسر يوما بين يدي المأمون‬
‫لهند فمن هذا يبلغه هـنـدا فقال المأمون‪ :‬اطلبوا لهذا البيت ثانيا فلم يعرف‪،‬‬ ‫تخيرت من نعمان عود أراكة‬
‫وسأل كل من بحضرته من أهل الدب والرواة والجلساء عن قائل هذا الشعر فلم يعرفه أحد‪ .‬فقال إسحاق بن حميد‪ :‬لما رأيت‬
‫ذلك عنيت بهذا الشعر وجهدت في المسألة وطلبته ببغداد عند كل متأدب وذي معرفة فلم يعرفه‪ .‬وقلد المأمون أبا الرازي كور‬
‫دجلة وأنا أكتب له‪ ،‬ثم نقله إلى اليمامة والبحرين‪ .‬قال إسحاق ابن حميد‪ :‬فلما خرجنا ركبت مع أبي الرازي في بعض الليالي‬
‫على حمارة‪ ،‬فابتدأ الحادي يحدو بقصيدة طويلة‪ ،‬وإذا البيت الذي كنت أطلبه‪ ،‬فسألته عنها فذكر أنها للمرقش الكبر‪ ،‬فحفظت‬
‫‪:‬منها هذه البيات‬
‫وإن لم تكن هند لرضكما قصدا‬ ‫خليلي عوجا بارك الله فيكـمـا‬
‫ولكننا جزنا لنلقـاكـم عـمـدا‬ ‫وقول لها ليس الضلل أجازنـا‬
‫لهند فمن هذا يبلـغـه هـنـدا‬ ‫تخيرت من نعمان عـود أراكة‬
‫فل أودا فيه استنبت ول خضدا‬ ‫وأنطيته سيفي لكيمـا أقـيمـه‬
‫مهاري يقطعن الفلة بنا وخـدا‬ ‫ستبلغ هندا إن سلمنـا قـلئص‬
‫إليهم وجدناهم لنا بالقرى حشـدا‬ ‫فلما أنحنا العيس قد طار سيرها‬
‫وقلت لها يا هند أهلكتنا وجـدا‬ ‫فناولتها المسواك والقلب خـائف‬
‫إليه وقالت ما أرى مثل ذا يهدى‬ ‫فمدت يدا في حسن دل تـنـاول‬
‫وقامت تجر الميساني والبـردا‬ ‫وأقبلت كالمجتـاز أدى رسـالة‬
‫وما التمست إل لتقتلني عـمـدا‬ ‫تعرض للحـي الـذين أريدهـم‬
‫من الوحش مرتاع طل فـردا قال‪ :‬فكتب بها إلى المأمون فاستحسنت‬ ‫فما شبه هند غير أدمـاء خـاذل‬
‫‪:‬ورويت‪ ،‬وأمر علويه فصنع في البيتين الولين منها غناء يشبه ‪ .‬أغاني علويه في هذه البيات‪ :‬اللحن الول في قوله‬
‫تخيرت من نعمان عود أراكة غناه علويه وليس اللحن له‪ ،‬اللحن لبراهيم خفيف ثقيل بالبنصر‪ .‬ولحنه الثاني الذي أمره أن‬
‫‪:‬يصنعه في‬
‫‪ .‬خليلي عوجا بارك الله فيكما رمل‬
‫دفع إلى المعتصم رقعة في أمر رزقه ثم غناه بشعر لبن هرمة‪ :‬حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن‬
‫مالك قال‪ :‬عرض علويه على المعتصم رقعة في أمر رقعة في أمر رزقه وإقطاعه وهو يشرب دفعها إليه من يده‪ ،‬فلما أخذها‬
‫‪:‬اندفع علويه يغني‪ :‬صوت‬
‫فإذا قرأت صحيفتي فتفهـم‬ ‫إني أستحيتك أن أفوه بحاجتي‬
‫أحدا ول أظهرته بتـكـلـم فقرأ المعتصم الرقعة وهو يضحك‪ ،‬ثم وقع له فيها بما‬ ‫وعليك عهد الله إن خبرتـه‬
‫‪ .‬أراد‬

‫صفحة ‪1291 :‬‬

‫الشعر لبن هرمة كتب به إلى بعض آل أبي طالب وهو إبراهيم بن الحسن يطلب منه نبيذا وقد خرج هو وأصحابه إلى السيالة‬
‫‪ ،:‬فكتب إليه البيت الول على ما رويناه‪ ،‬والثاني غيره المغنون‪ ،‬وهو‬
‫أهل السيالة إن فعلت وإن لم فلما قرأ الرقعة قال‪ :‬علي عهد الله إن لم أعلم به‬ ‫وعليك عهد الله إن أعلمتـه‬
‫عامل السيالة‪ .‬وكتب إلى عامل السيالة ‪ :‬إن ابن هرمة وأصحابا له سفهاء يشربون بالسيالة‪ ،‬فاركب إليهم ونذروا به‪ ،‬فهرب‪،‬‬
‫‪:‬وقال يهجو إبراهيم‬
‫وأدلي بالمودة والحقـوق‬ ‫كتبت إليك أستهدي نـبـيذا‬
‫وكنت أخا مفاضحة وموق حدثني بذلك الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير‪ .‬وقد‬ ‫فخيرت المير بذاك جهل‬
‫‪ .‬ذكرته في أخبار ابن هرمة ‪ .‬والغناء لعبادل‬
‫غنى هو ومخارق معترضين بفرس كميت للمعتصم فأعطاهما غيره‪ :‬حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني موسى بن هارون‬
‫الهاشمي قال حدثني أبي قال‪ :‬كنت واقفا بين يدي المعتصم وهو جالس على حير الوحش والخيل تعرض عليه وهو يشرب وبين‬
‫‪:‬يديه علويه ومخارق يغنيان‪ ،‬فعرض عليه فرس كميت أحمر ما رأيت مثله قط‪ ،‬فتغامز علويه ومخارق‪ ،‬وغناه علويه‬
‫وهبوا كل جواد وطمر فتغافل عنه‪ .‬وغناه مخارق‬ ‫‪:‬وإذا ما شربوها وانتشوا‬
‫تحت أجللها وعيس الركاب فضحك ثم قال‪ :‬اسكتا يا ابني الزانيتين‪ ،‬فليس يملكه‬ ‫يهب البيض كالظباء وجـردا‬
‫‪:‬والله واحد منكما‪ .‬قال‪ :‬ثم دار الدور‪ ،‬فغنى علويه‬
‫وهبوا كل بغال وحمر فضحك وقال‪ :‬أما هذا فنعم‪ ،‬وأمر لحدهما ببغل وللخر بحمار‬ ‫‪ .‬وإذا ما شربوها وانتشوا‬
‫اجتمع مع أصحاب له عند زلبهزة ومعه هاشمي حصلوا منه بحيلة على مال‪ :‬حدثني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‬
‫حدثني محمد بن محمد البزاري قال‪ :‬كنا عند زلبهزة النخاس‪ ،‬وكانت عنده جارية يقال لها خشف ابتاعها من علويه‪ ،‬وذلك في‬
‫شهر رمضان‪ ،‬ومعنا رجل هاشمي من ولد عبد الصمد بن علي يقال له عبد الصمد‪ ،‬وإبراهيم بن عمرو بن نهبون وكان يحبها‪،‬‬
‫‪:‬فأعطى بها زلبهزة أربعة آلف دينار فلم يبعها منه‪ ،‬وبقيت معه حتى توفيت‪ ،‬فغنتنا أصواتا كان فيها‬
‫إشارة محـزون ولـم تـتـكـلـم‬ ‫أشارت بطرف العين خيفة أهلـهـا‬
‫وأهل وسهل بالحبيب الـمـسـلـم‬ ‫فأيقنت أن الطرف قد قال مرحـبـا‬
‫وقلت لها قول امرئ غير معـجـم‬ ‫وأبرزت طرفي نحوها لجـيبـهـا‬
‫وقد سيط في لحمي هواك وفي دمي الغناء لبن عائشة ثقيل أول عن‬ ‫هنيئا لكم قتلي وصـفـو مـودتـي‬
‫الهشامي قال‪ :‬فلما وثبنا للنصراف قال لنا وقد اشتد الحر‪ :‬أقيموا عندي‪ .‬فوجهت غلما معي وأعطيته دينارا وقلت له ابتع‬
‫فراريج بعشرة دراهم وثلجا بخمسة دراهم وعجل‪ ،‬فجاء بذلك فدفعه إلى زلبهزة وأمره بإصلح الفراريج ألوانا‪ ،‬وكتب إلى علويه‬
‫فعرفته خبرنا‪ ،‬فجاءنا وأقام‪ ،‬وأمطرنا عند زلبهزة‪ ،‬وشرب منا من كان يستجيز الشراب‪ ،‬وغنى علويه لحنا ذكر أنه لبن سريج‬
‫‪:‬ثقيل أول‪ ،‬فاستغربه الجماعة‪ ،‬وهو‪ :‬صوت‬
‫ودك حتى عزني المطلب‬ ‫يا هند إن الناس قد أفسـدوا‬
‫عاش مهانا في أذى يتعب‬ ‫يا ليت من يسعى بنا كاذبـا‬
‫قد يغفر الله لمـن يذنـب‬ ‫هبيه ذنبا كنـت أذنـبـتـه‬
‫أن أرسلت هند وهي تعتب‬ ‫وقد شجاني وجرت دمعتي‬
‫ما أنت إل ساحر تخلـب‬ ‫ما هكذا عاهدتنا في منـى‬
‫غيرك ما عشت ول نطلب‬ ‫حلفت لي بالله ل تبتـغـي‬

‫صفحة ‪1292 :‬‬

‫قال‪ :‬وقام عبد الصمد الهاشمي ليبول‪ .‬فقال علويه‪ :‬كل شيء قد عرفت معناه‪ :‬أما أنت فصديق الجماعة‪ ،‬وهذا يتعشق هذه‪،‬‬
‫وهذا مولها‪ ،‬وأنا ربيتها وعلمتها‪ ،‬وهذا الهاشمي أيش معناه فقلت لهم‪ :‬دعوني أحكه وآخذ لزلبهزة منه شيئا‪ .‬فقال‪ :‬ل والله ما‬
‫أريد‪ .‬فقلت له‪ :‬أنت أحمق‪ ،‬أنا آخذ منه شيئا ل يستحي القاضي من أخذه‪ .‬فقال‪ :‬إن كان هكذا فنعم‪ .‬فقلت له إذا جاء عبد‬
‫الصمد فقل لي‪ :‬ما فعل الجر الذي وعدتني به‪ ،‬فإن حائطي قد مال وأخاف أن يقع‪ ،‬ودعني والقصة‪ .‬فلما جاء الهاشمي قال‬
‫لي زلبهزة ما أمرته به‪ ،‬فقلت‪ :‬ليس عندي آجر‪ ،‬ولكن اصبر حتى أطلب لك من بعض أصدقائي‪ ،‬وجعلت أنظر إلى الهاشمي‬
‫نظر متعرض به‪ .‬قال الهاشمي‪ :‬يا غلم دواة ورقعة‪ ،‬فأحضر ذلك‪ .‬فكتب له بعشرة آلف آجرة إلى عامل له‪ ،‬وشربنا حتى‬
‫السحر وانصرفنا‪ .‬فجئت برقعته إلى الجري ثم قلت‪ :‬بكم تبيعه الجر? فقال‪ :‬بسبعة وعشرين درهما اللف‪ .‬قلت فبكم تشتريه‬
‫مني? قال‪ :‬بنقصان ثلثة دراهم في اللف‪ .‬فقلت‪ :‬فهات‪ ،‬فأخذت منه مائتين وأربعين درهما‪ ،‬واشتريت منها نبيذا وفاكهة وثلجا‬
‫ودجاجا بأربعين درهما‪ ،‬وأعطيت زلبهزة مائتي درهم وعرفته الخبر‪ ،‬ودعونا علويه والهاشمي وأقمنا عند زلبهزة ليلتنا الثانية‪.‬‬
‫‪ .‬فقال علويه‪ :‬نعم الن صار للهاشمي عندكم موضع ومعنى‬
‫هو مصلي كل سابق في الصنعة والضرب وطيب الصوت‪ :‬أخبرني جحظة قال حدثني أحمد بن حمدون قال حدثني أبي قال‪:‬‬
‫قال لنا الواثق يوما‪ :‬من أحذق الناس بالصنعة? قلنا إسحاق? قال‪ :‬ثم من? قلنا‪ :‬علويه‪ .‬قال‪ :‬فمن أضرب الناس? قلنا‪ :‬ثقيف ‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم من? قلنا‪ :‬علويه? قال‪ :‬فمن أطيب الناس صوتا? قلنا‪ :‬مخارق‪ .‬قال‪ :‬ثم من? قلنا‪ :‬علويه‪ .‬قال‪ :‬اعترفتم بأنه مصلي كل‬
‫‪ .‬سابق‪ ،‬وقد جمع الفضائل كلها وهي متفرقة فيهم‪ ،‬فما ثم ثان لهذا الثالث‬
‫غنى المأمون في دمشق بما أسره فغضب عليه وشتمه‪ :‬وحدثني جحظة قال حدثني محمد بن أحمد المكي المرتجل قال‬
‫حدثني أبي قال‪ :‬دخلت إلى علويه أعود من علة اعتلها ثم عوفي منها‪ ،‬فجرى حديث المأمون‪ ،‬فقال لي‪ :‬كدت علم الله أذهب‬
‫دفعة ذات يوم وأنا معه لول أن الله تعالى سلمني ووهب لي حلمه‪ .‬فقلت‪ :‬كيف كان السبب في ذلك? فقال‪ :‬كنت معه لما‬
‫خرج إلى الشام‪ ،‬فدخلنا دمشق فطفنا فيها‪ ،‬وجعل يطوف على قصور بني أمية ويتبع آثارهم‪ ،‬فدخل صحنا من صحونهم‪ ،‬فإذا‬
‫هو مفروش بالرخام الخضر كله وفيه بركة ماء يدخلها ويخرج منها من عين تصب إليها‪ ،‬وفي البركة سمك‪ ،‬وبين يديها بستان‬
‫على أربع زواياه أربع سروات كأنها قصت بمقراض من التفافها أحسن ما رأيت من السرو قط قدا وقدرا‪ .‬فاستحسن ذلك‪،‬‬
‫وعزم على الصبوح‪ ،‬وقال‪ :‬هاتوا لي الساعة طعاما خفيفا‪ ،‬فأتي ببزماورد فأكل‪ ،‬ودعا بشراب‪ ،‬وأقبل علي وقال‪ :‬غني‬
‫‪:‬ونشطني‪ ،‬فكأن الله عز وجل أنساني الغناء كله إل هذا الصوت‬
‫تنطق رجال أراهم نطقوا فنظر إلي مغضبا وقال‪ :‬عليك وعلى بني أمية لعنه الله‬ ‫لو كان حولي بنو أمية لم‬
‫ويلك أقلت لك سؤني أو سرني ألم يكن لك وقت تذكر فيه بني أمية إل هذا الوقت تعرض بي ‪ .‬فتحيلت عليه وعلمت أني قد‬
‫أخطأت ‪ ،‬فقلت‪ :‬أتلومني على أن أذكر بني أمية هذا مولكم زرياب عندهم يركب في مائتي غلم مملوك له‪ ،‬ويملك ثلثمائة‬
‫ألف دينار وهبوها له سوى الخيل والضياع والرقيق‪ ،‬وأنا عندكم أموت جوعا‪ .‬فقال أو لم يكن لك شيء تذكرني به نفسك غير‬
‫‪:‬هذا فقلت‪ :‬هكذا حضرني حين ذكرتهم فقال‪ :‬اعدل عن هذا وتنبه على إرادتي‪ .‬فأنساني الله كل شيء أحسنه إل هذا الصوت‬
‫أرضى دمشق لهلنا بـلـدا فرماني بالقدح فأخطأني فانكسر القدح‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫الحين ساق إلى دمشق ولم أكن‬
‫قم عني إلى لعنة الله وحر سقر‪ ،‬وقام فركب‪ .‬فكانت والله تلك الحال آخر عهدي به‪ ،‬حتى مرض ومات ‪ .‬قال‪ :‬ثم قال لي‪ :‬يا‬
‫أبا جعفر كم تراني أحسن أغني ثلثة آلف صوت‪ ،‬أربعة آلف صوت‪ ،‬خمسة آلف صوت‪ ،‬أنا والله أغني أكثر من ذلك‪ ،‬ذهب‬
‫علم الله كله حتى كأني لم أعرف غير ما غنيت‪ .‬ولقد ظننت أنه لو كانت لي ألف روح ما نجت منه واحدة منها‪ ،‬ولكنه كان رجل‬
‫‪ .‬حليما‪ ،‬وكان في العمر بقية‬
‫نسبة هذين الصوتين المذكورين‬
‫‪:‬في الخبر‬
‫‪:‬صوت‬
‫تنطق رجال أراهم نطقوا‬ ‫لو كان حولي بنو أمية لم‬

‫صفحة ‪1293 :‬‬

‫عن منكبيه القميص ينخرق الشعر لعبد الله بن قيس الرقيات‪ .‬والغناء لمعبد‪،‬‬ ‫من كل قرم محض ضرائبه‬
‫ثقيل أول بالوسطى عن عمرو‪ ،‬وذكر الهاشمي أنه لبن سريج‪ .‬وذكر ابن خرداذبه أن فيه لدكين بن عبد الله بن عنبسة بن‬
‫‪ .‬سعيد بن العاصي لحنا من الثقيل الول‪ ،‬وأن دكينا مدني كان منقطعا إلى جعفر بن سليمان‬
‫‪:‬صوت‬
‫كانت دمشق لهلنا بلـدا‬ ‫الحين ساق إلى دمشق وما‬
‫وأريت أمر غواية رشدا لعمر الوادي في هذا الشعر ثقيل أول بالوسطى عن ابن‬ ‫قادتك نفسك فاستقدت لها‬
‫‪ .‬المكي‪ .‬قال‪ :‬وفيه ليعقوب الوادي رمل بالبنصر‬
‫اعترض علي خضابه فأجاب‪ :‬حدثني عمي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال سمعت الحسن بن وهب‬
‫الكاتب يحدث‪ :‬أن علويه كان يصطبح في يوم خضابه مع جواريه وحرمه‪ ،‬ويقول‪ :‬أجعل صبوحي في أحسن ما يكون عند‬
‫جواري‪ .‬فقيل له‪ :‬إن ابن سيرين كان يقول‪ :‬لبأس بالخضاب ما لم تغرر به امرأة مسلمة‪ .‬فقال‪ :‬إنما كره لئل يتصنع به لمن ل‬
‫‪ .‬يعرفه من الحرائر فيتزوجها على أنه شاب وهو شيخ‪ ،‬فأما الماء فهن ملكي‪ ،‬وما أريد أن أغرهن‬
‫‪:‬قال الحسن‪ :‬فتعالل علويه على المعتصم ثلثة أيام متوالية واصطبح فيها‪ ،‬فدعاني‪ ،‬وكان صوته على جواريه في شعر الخطل‬
‫حتى تسربل مثل الورس وانتعل فقال لي‪ :‬كيف رويته? فقلت له‪ :‬قرأت شعر‬ ‫كأن عطارة باتت تـطـيف بـه‬
‫الخطل وكان أعلم الناس به‪ ،‬كان يختار‪ ،‬تسرول‪ ،‬ويقول‪ :‬إنما وصف ثورا دخل روضة فيها نوار أصفر فأثر في قوائمه وبطنه‬
‫‪ .‬فكان كالسراويل‪ ،‬ل أنه صار له سربل‪ .‬ولو قال‪ :‬تسربل أيضا لم يكن فاسدا‪ ،‬ولكن الوجه تسرول‬
‫مدح إسحاق لحنا له‪ :‬خبرني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال‪ :‬قدمت من سر من رأى قدمة بعد طول‬
‫غيبة‪ ،‬فدخلت إلى إسحاق الموصلي‪ ،‬فسلم علي وسألني خبري وخبر الناس حتى انتهيا إلى ذكر الغناء‪ ،‬فسألني عما يتشاغل‬
‫‪:‬الناس من الصوات المستجادة ‪ .‬فقلت له‪ :‬تركت الناس كلهم مغرمين بصوت لك‪ .‬قال‪ :‬وما هو? فقلت‬
‫‪ .‬أل يا حمامي قصر دوران هجتما فقال‪ :‬ليس ذلك لي‪ ،‬ذاك لعلويه‪ .‬وقد لعمري أحسن فيه وجود ما شاء‬
‫قال المأمون أبياتا فغناه فيها فوصله‪ :‬أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال حدثني‬
‫‪:‬علويه قال‪ :‬خرج المأمون يوما ومعه أبيات قد قالها وكتبها في رقعة بخطه‪ ،‬وهي‪ :‬صوت‬
‫هناك غزال أدعج العـين أخـور‬ ‫خرجنا إلى صيد الظباء فصادنـي‬
‫وفي خده الشعرى المنيرة تزهـر‬ ‫غزال كأن البدر حـل جـبـينـه‬
‫وسهم غزال النس طرف ومحجر‬ ‫فصاد فؤادي إذا رماني بسهـمـه‬
‫أخا قنص يصطاد قهرا ويقـسـر قال‪ :‬فغنيته فيها ‪ ،‬فأمر لي بعشرة آلف‬ ‫فيا من رأى ظبيا يصيد ومـن رأى‬
‫‪ .‬درهم‬
‫‪ .‬قال أبو القاسم جعفر بن قدامة‪ :‬لحن في هذا الشعر ثقيل أول ابتداؤه نشيد‬
‫‪:‬غنى في مجلس الرشيد بما أغضبه عليه‪ :‬أخبرني محمد بن مزيد قال حدثني حماد عن أبيه قال‪ :‬غنيت الرشيد يوما‬
‫وبالشباب على شيبتي يدلن فطرب وأمر لي بألف دينار‪ .‬فقال له ابن مجامع‬ ‫هما فتاتان لما يعرفا خلقي‬
‫وكان أحسد الناس‪ :‬اسمع غناء العقلء ودع غناء المجانين وكنت أخذت هذا الصوت من مجنون بالمدينة كان يجيده ثم غنى‬
‫‪:‬قوله‬
‫كالمها يلعبن في حجرتها‬ ‫ولقد قالت لتراب لـهـا‬
‫وغدت تسعى إلى قبتهـا فطرب وأمر له بألف وخمسمائة دينار‪ .‬ثم تغنى وجه‬ ‫خذن عني الظل ل يتبعني‬
‫‪:‬القرعة‬
‫أحكم فيها القتير والحلق فاستحسنه وشرب عليه وأمر له بخمسمائة دينار‪ .‬ثم تغنى‬ ‫يمشون فيها بكل سابـغة‬
‫‪:‬علويه‬
‫فقد الشباب وقد يصلن المردا فدعاه الرشيد وقال له‪ :‬يا عاض بظر أمه تغني‬ ‫وأرى الغواني ل يواصلن أمرأ‬
‫في مدح المرد وذم الشيب وستارتي منصوبة وقد شبت كأنك إنما عرضت بي ثم دعا بمسرور فأمره أن يأخذ بيده فيضربه‬
‫ثلثين درة ول يرده إلى مجلسه ففعل ذلك‪ ،‬ولم ينتفع الرشيد يومئذ بنفسه ول انتفعنا به بقية يومنا‪ ،‬وجفا علويه شهرا فلم يأذن‬
‫‪ .‬له حتى سألناه فأذن له‬
‫‪:‬نسبة هذه الصوات التي تقدمت‪ :‬صوت‬

‫صفحة ‪1294 :‬‬

‫وبالشباب عـلـى شـيبـي يدلن‬ ‫هما فتاتان لما يعرفـا خـلـقـي‬


‫يضني فؤادي ويبدي سر أشجاني‬ ‫كل الفعال الذي يفعلنـه حـسـن‬
‫مهل عن الشيخ مهل يا فتـاتـان لم يقع إلي شاعره‪ .‬فيه لبن سريج ثاني‬ ‫بل احذرا صولة من صول شيخكما‬
‫ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق‪ .‬وفيه لبن سريج رمل بالبنصر عن عمرو‪ .‬وفيه لسليمان المصاب رمل كان‬
‫‪ .‬يغنيه‪ ،‬فدس الرشيد إليه إسحاق حتى أخذه منه‪ ،‬وقيل‪ :‬بل دس عليه ابن جامع‬
‫خبر أخذ إسحاق صوتا من سليمان المصاب‪ :‬أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬دعاني الرشيد‬
‫‪:‬لما حج‪ ،‬فقال‪ :‬صر إلى موضع كذا وكذا من المدينة؛ فإن هناك غلما مجنونا يغني صوتا حسنا‪ ،‬وهو‬
‫وبالشباب على شيبي يدلن وله أم‪ ،‬فصر إليها وأقم عندها واحتل حتى تأخذه‪.‬‬ ‫هما فتاتان لما يعرفا خلقي‬
‫فجئت أستدل حتى وقفت على بيتها‪ ،‬فخرجت إلي فوهبت لها مائتي درهم‪ ،‬وقلت لها‪ :‬أريد أن تحتالي على ابنك حتى آخذ منه‬
‫الصوت الفلني‪ .‬فقالت‪ :‬نعم‪ ،‬وأدخلتني دارها‪ ،‬وأمرتني فصعدت إلى علية لها‪ ،‬فما لبثت أن جاء ابنها فدخل‪ .‬فقالت له‪ :‬يا‬
‫‪:‬سليمان فدتك نفسي أمك قد أصبحت اليوم خاثرة مغرمة ‪ ،‬فأحب أن تغني ذلك الصوت‬
‫هما فتاتان لما يعرفا خلقي فقال لها‪ :‬ومتى حدث لك هذا الطرب? قالت‪ :‬ما طربت ولكنني أحبت أن أتفرج من هم قد‬
‫لحقني‪ .‬فاندفع فغناه‪ ،‬فما سمعت أحسن من غنائه‪ ،‬فقالت له أمه‪ :‬أحسنت فديتك فقد والله كشفت عني قطعة من همي‪،‬‬
‫فأسألك أن تعيده‪ .‬قال‪ :‬والله ما لي نشاط‪ ،‬ول أشتري غمي بفرحك‪ .‬فقالت‪ :‬أعده مرتين ولك درهم صحيح تشتري به ناطفا ‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومن أين لك درهم? ومتى حدث لك هذا السخاء? فقالت‪ :‬هذا فضول ل تحتاج إليه وأخرجت إليه درهما فأعطته إياه‪،‬‬
‫فأخذه وغناه مرتين‪ ،‬فدار لي وكان يستوي‪ ،‬فأومأت إليها من فوق أن تستزيده‪ .‬فقالت‪ :‬يا بني بحقي عليك إل أعدته‪ .‬فقال‪:‬‬
‫أظن أنك تريدين أن تأخذيه فتصيري مغنية‪ .‬فقالت‪ :‬نعم كذا هو‪ .‬قال ل وحق القبر ل أعدته إل بدرهم آخر‪ .‬فأخرجت له درهما‬
‫آخر‪ .‬فأخذه وقال‪ :‬أظنك والله قد تزندقت وعبدت الكبش فهو ينقد لك هذه الدراهم‪ ،‬أو قد وجدت كنزا‪ .‬فغناه مرتين‪ ،‬وأخذته‬
‫واستوى لي‪ .‬ثم قام فخرج يعدو على وجهه‪ .‬فجئت إلى الرشيد فغنيته به وأخبرته بالقصة‪ ،‬فطرب وضحك وأمر لي بألف دينار‪،‬‬
‫‪ .‬وقال لي‪ :‬هذه بدل مائتي الدرهم‬
‫‪:‬صوت‬
‫كالمها يلعبن في حجرتها‬ ‫ولقد قالت لتراب لـهـا‬
‫وعدت سعيا إلى قبتهـا‬ ‫خذن عني الظل ل يتبعني‬
‫ظبية تختال في مشيتهـا في هذه البيات رمل بالبنصر ذكر الهشامي أنه لبن جامع‬ ‫لم يصبها نكر فيما مضى‬
‫‪ .‬المكي‪ ،‬وذكر ابن المكي أنه لبن سريج‪ .‬وهو في أخبار ابن سريج وأغانيه غير مجنس‬
‫‪:‬صوت‬
‫أحكم فيها القتير والـحـلـق‬ ‫يمشون فيها بـكـل سـابـغة‬
‫وصبرهم حين تشخص الحدق الغناء لبن محرز‪ ،‬خفيف ثقيل بالوسطى عن‬ ‫تعرف إنصافهم إذا شـهـدوا‬
‫‪ .‬الهشامي وحبش‬
‫‪:‬صوت‬
‫ديني إذا وقذ النعاس الرقـدا‬ ‫يجحدنني ديني النهار وأقتضي‬
‫فقد الشباب وقد يصلن المردا الشعر للعشى‪ .‬والغناء لمعبد‪ ،‬خفيف ثقيل‬ ‫وأرى الغواني ل يواصلن أمرأ‬
‫‪ .‬بالوسطى عن عمرو‬
‫‪:‬صوت‬
‫حال المحبين المسـاكـين‬ ‫أية حـال يابـن رامــين‬
‫قد جرعوا منك المـرين‬ ‫تركتهم موتى وما مـوتـوا‬
‫ركب تـهـام ويمـانـين‬ ‫وسرت في ركب على طية‬
‫ويلك من روع المحـبـين الشعر لسماعيل بن عمار السدي‪ .‬والغناء لمحمد بن‬ ‫يا راعي الذود لقد رعتهـم‬
‫‪ .‬الشعث بن فجوة الزهري الكوفي‪ ،‬ولحنه خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى‪ ،‬عن الهشامي وأحمد بن المكي‬
‫نسب إسماعيل بن عمار وأخباره‬
‫نسب إسماعيل بن عمار‪ :‬هو إسماعيل بن عمار بن عيينة بن الطفيل بن جذيمة بن عمرو بن خلف بن زبان بن كعب ابن مالك‬
‫‪ .‬بن ثعلبة بن دوذان بن أسد بن خزيمة‪ .‬أخبرني بذلك علي بن سليمان الخفش عن السكري عن ابن حبيب‬
‫‪:‬من مخضرمي الدولتين وكان ينزل الكوفة‬

‫صفحة ‪1295 :‬‬

‫‪ .‬وإسماعيل بن عمار شاعر‪ ،‬مقل‪ ،‬مخضرم من شعراء الدولتين الموية والهاشمية‪ .‬وكان ينزل الكوفة‬
‫كان ممن يختلف إلى ابن رامين وجواريه‪ :‬قال ابن حبيب‪ :‬كان في الكوفة صاحب قيان يقال له ابن رامين‪ ،‬قدمها من الحجاز؛‬
‫فكان من يسمع الغناء ويشرب النبيذ يأتونه ويقيمون عنده‪ :‬مثل يحيى بن زياد الحارثي‪ ،‬وشراعة ابن الزندبوذ‪ ،‬ومطيع بن إياس‪،‬‬
‫وعبد الله بن العباس المفتون‪ ،‬وعون العبادي الحيري‪ ،‬ومحمد بن الشعث الزهري المغني‪ .‬وكان نازل في بني أسد في جيران‬
‫إسماعيل بن عمار‪ ،‬فكان إسماعيل يغشاه ويشرب عنده‪ .‬ثم انتقل من جواره إلى بني عائذ الله ‪ ،‬فكان إسماعيل يزوره هناك‬
‫على مشقة لبعد ما بينهما‪ .‬وكان لبن رامين جوار يقال لهن سلمة الزرقاء‪ ،‬وسعدة‪ ،‬وربيحة وكن من أحسن الناس غناء‪،‬‬
‫‪:‬واشترى بعد ذلك محمد بن سليمان سلمة الزرقاء التي يقول فيها محمد بن الشعث‬
‫صدع مقيم طوال الدهر والبـد‬ ‫أمسى لسلمة الزرقاء في كبـدي‬
‫وكيف يشعب صدع الحب في كبد قصيدة له في جواري ابن رامين‪ :‬وفي‬ ‫ل يستطيع صناع القوم يشعـبـه‬
‫‪:‬جواريه يقول إسماعيل بن عمار‬
‫صبا وصب إلى رئم ابن رامـين‬ ‫هل من شفاء لقلب لج مـحـزون‬
‫بحسنهـا وسـمـاع دي أفـانـين‬ ‫إلى ربيحة إن اللـه فـضـلـهـا‬
‫ولثغة بعد في زاي وفـي سـين‬ ‫وهاج قلبي منها مضحك حـسـن‬
‫وأنت تأبين لؤما أن تطـيعـينـي‬ ‫نفسي تأبى لـكـم إل طـواعـية‬
‫وأنت تتلينها مـا ذاك فـي الـدين‬ ‫وتلك قسمة ضيزى قد سمعت بهـا‬
‫وإن ضننت به عني فـزنـينـي‬ ‫إن تسعفيني بذاك الشيء أرض به‬
‫من الجوى فانفثي في في وارقيني‬ ‫أنت الطبيب لداء قد تلـبـس بـي‬
‫أضنيتني يوم دير اللج فاشفـينـي‬ ‫نعم شفاؤك منها أن تقـول لـهـا‬
‫عين وليس لنا غـير الـبـراذين‬ ‫يا رب إن ابن رامين لـه بـقـر‬
‫يرضى به منك غير الربرب العين‬ ‫لو شئت اعطيته مال علـى قـدر‬
‫باللج شرقيه فـوق الـدكـاكـين‬ ‫ل أنس سعدة الزرقاء يوم هـمـا‬
‫بالمسجحي وتشبيب المـحـبـين‬ ‫يغنين ابن رامين عـلـى طـرب‬
‫فراشي الورد في بستان شـورين‬ ‫أذاك أنعـم أم يوم ظـلـلـت بـه‬
‫بالجردناج وسحاج الـشـقـابـين‬ ‫يشوي لنا الشيخ شورين دواجـنـه‬
‫يمشي الصحاء ممنه كالمجانـين‬ ‫نسقى طلء لعمـران يعـتـقـه‬
‫كأنها ثقل يقلـعـن مـن طـين‬ ‫يزل أقدامنا من بعد صـحـتـهـا‬
‫مشي الوز التي تأتي من الصـين‬ ‫نمشي وأرجلنا مـطـوية شـلـل‬
‫سوى العصي إلى يوم السعـانـين‬ ‫أو مشي عميان دير ل دليل لـهـم‬
‫تيم بـن مـرة ل تـيم الـعـديين‬ ‫وفي فتية من بني تميم لهوت بهـم‬
‫حسناء شمطاء وافت من فلسطين‬ ‫خمر الوجوه كأنا من تحشـمـنـا‬
‫ول ابن رامين لول ما يمـنـينـي‬ ‫ما عائذ الله لول أنت من شجـنـي‬
‫إل وجئت على قلبي بـسـكـين‬ ‫في عائذ الله بيت ما مـررت بـه‬
‫أنس لنك فـي دار ابـن رامـين‬ ‫يا سعدة القينة الخضراء أنت لـنـا‬
‫حتى رأيت إليك القلب يدعـونـي‬ ‫ما كنت أحسب أن السد تؤنسنـي‬
‫نفسي إليك ولو مثلت مـن طـين باع ابن رامين سلمة في حجه فقال هو‬ ‫لول ربيحة ما استأنست ما عمـدت‬
‫شعرا‪ :‬قال‪ :‬وحج ابن رامين وحج بجواريه معه‪ ،‬وكان محمد بن سليمان إذ ذاك على الحجاز‪ ،‬فاشترى منه سلمة الزرقاء بمائة‬
‫‪:‬ألف درهم‪ .‬فقال إسماعيل بن عمار‬
‫حال الـمـحـبـين الـمــســـاكـــين‬ ‫أية حـــال يا ابــــن رامـــــــين‬
‫قد جـرعــوا مـــنـــك المـــرين‬ ‫تركـتـهـم مـوتـى ومــا مـــوتـــوا‬
‫ركـــب تـــهـــام ويمـــانـــين‬ ‫وسـرت فـي ركـب عــلـــى طـــية‬
‫حججت بيت الله تبغي به البر ولم ترث لمحرون‬

‫صفحة ‪1296 :‬‬

‫ويلك من روع المحبـين‬ ‫يا راعي الذود لقد زعتهم‬


‫ما بين كوفان إلى الصين مات له ابن فرثاه‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال‬ ‫فرقت قوما ل يرى مثلهم‬
‫‪:‬حدثنا السكري عن محمد قال‪ :‬كان لسماعيل بن عمار ابن يقال له معن فمات‪ ،‬فقال يرثيه‬
‫إني عليك وإن صبـرت لـزاري‬ ‫يا موت مالك مولعـا بـضـراري‬
‫وأؤول منك كمـا يؤول فـراري‬ ‫تعدو علي كـأنـنـي لـك واتـر‬
‫ليست بـنـاجـية مـع القـدار‬ ‫نفس الـبـعـيد إذا أردت قـريبة‬
‫يوما بصير لحفـرة الـجـفـار‬ ‫والمرء سوف وإن تطاول عمـره‬
‫من حسن بنيته قضـيب نـضـار‬ ‫لما غل عـظـم بـه فـكـأنـه‬
‫تعدو عـلـيه عـدوة الـجـبـار‬ ‫فجعتني بأعز أهـلـي كـلـهـم‬
‫أوقعت أم ما كنت للـمـخـتـار‬ ‫هل بنفسي أو ببعض قـرابـتـي‬
‫عفت الجهاد وصرت في المصار رفض أن يكون عامل لما رأى العمال يعذبون‬ ‫وتركت ربتي التي من أجـلـهـا‬
‫وشعره في ذلك‪ :‬أخبرني علي بن سليمان قال حدثني السكري عن محمد بن حبيب قال‪ :‬قال رجل من بني أسد كان وجها ‪،‬‬
‫لسماعيل بن عمار‪ :‬هلم أركب معك إلى يوسف بن عمر‪ ،‬فإنه صديق‪ ،‬حتى أكلمه فيك يستعملك على عمل تنتفع به‪ .‬فقال له‬
‫‪:‬إسماعيل‪ :‬دعني حتى يقول الحول‪ .‬فنظر إسماعيل إلى عمال يوسف يعذبون‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫فظيعا عن إمارتهم نهـانـي‬ ‫رأيت صبيحة النـيروز أمـرا‬
‫وبعد النهشـلـي أبـي أبـان‬ ‫فررت من العمالة بعد يحـيى‬
‫وفقيد أشجع وأبـي بـطـان‬ ‫وبعد الزور ابن أبـي كـثـير‬
‫فما شأن المارة لي بـشـان‬ ‫فحاب بها أبا عثمـان غـيري‬
‫إلى النيروز أو في المهرجان‬ ‫أحاذر أن أقصر في خراجـي‬
‫وحسبي بالمجرحة المـتـان‬ ‫أعجل إن أتى أجلي بـوقـت‬
‫للف من سياط الشاهـجـان‬ ‫فما عذري إذا عرضت ظهري‬
‫ويحفظها عليه الـجـالـدان‬ ‫تعد ليوسف عدا صـحـيحـا‬
‫إلى حسان معتقل الـلـسـان‬ ‫وأسحب في سراويلي بقـيدي‬
‫ومـنـهـم أخـران يفـديان‬ ‫فمنهم قائل بعـدا وسـحـقـا‬
‫وما أحذيت من سبق الرهـان‬ ‫كفاني من إمارتهم عـطـائي‬
‫كما فيما مضى لي قد كفاني شعره في بوبة وصيفة عبد الرحمن بن عنبسة‪:‬‬ ‫كفاني ذاك منهم ما بـقـينـا‬
‫وقال ابن حبيب في السناد الذي ذكرناه‪ :‬إنه كانت لعبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاصي وصيفة مغنية يؤدبها ويصنعها‬
‫‪:‬ليهديها إلى هشام بن عبد الملك يقال لها بوبة‪ .‬فقال فيها إسماعيل بن عمار‬
‫مخطئا في تحيتي أو مصيبـا‬ ‫بوب حييت عن جليسك بوبـا‬
‫تل بالوتر أن يكون حبـيبـا‬ ‫ما رأينا قتيل حي حبا ألـقـا‬
‫فهنيئا وإن أتـيت عـجـيبـا‬ ‫غير ما قد رزقت يا بوب مني‬
‫ت بقدر القيان طبا طبـيبـا‬ ‫غير من به غلـيك وإن كـن‬
‫بخ فأكرم بهم أبا ونـسـيبـا‬ ‫بنت عشر أديبة فـي قـريش‬
‫كملت في حجورهم تـأديبـا قال‪ :‬ثم أهداها ابن عنبسة إلى هشام‪ .‬فقال إسماعيل‬ ‫أدبت في بني أمـية حـتـى‬
‫‪:‬بن عمار‬
‫م سقيا لك يا بـوبـه‬ ‫أل حـييت عـنـا ث‬
‫وأحبب بك مطلوبـه‬ ‫وأكرم بـك مـهـداة‬
‫وواها لك مثقـوبـه‬ ‫وواها لك من بـكـر‬
‫وواها لك مكبـوبـه‬ ‫وواها لك مـلـقـاة‬
‫ك من حسنك أعجوبه‬ ‫لقد عاين مـن يلـقـا‬
‫فنفسي الدهر مكروبه‬ ‫ويا ويلي ويا عـولـي‬
‫على جيداء رعبوبـه‬ ‫على هيفـاء حـوراء‬
‫فقد أدرك محبـوبـه هجاؤه لجارية له كان يبغضها‪ :‬قال ابن حبيب في هذه الرواية‪ :‬كان‬ ‫إذا ضاجعها المولـى‬
‫‪:‬لسماعيل بن عمار جارية قد ولدت منه‪ ،‬وكانت سيئة الخلق قبيحة المنظر‪ ،‬وكان يبغضها وتبغضه‪ ،‬فقال فيها‬
‫ألص وأخبث من كندش‬ ‫بليت بزمردة كالعصـا‬

‫صفحة ‪1297 :‬‬

‫وتمشي مع السفه الطيش‬ ‫تحب النساء وتأبى الرجـال‬


‫ولون كبيض القطا البرش‬ ‫لها وجـه قـرد إذا ازينـت‬
‫كمثل الخوافي من المرعش‬ ‫ومن فوقـه لـمة جـثـلة‬
‫ب زاد على كرش الكرش‬ ‫وبطن خواصره كـالـوطـا‬
‫أخر على جانب المفـرش‬ ‫وإن نكهت كدت من نتنـهـا‬
‫كقربة ذي الثلة المعطـش‬ ‫وثدي تدلى على بطـنـهـا‬
‫إذا مشت مشية المنتـشـي‬ ‫وفخذان بينهـمـا بـسـطة‬
‫كساق الدجاجة أو أحمـش‬ ‫وسلق يخلخـلـهـا خـاتـم‬
‫أصل من القبر ذي المنبـش‬ ‫وفي كل ضرس لهـا أكـلة‬
‫وفيها وإصلل ما تحتشـي‬ ‫ولما رأيت خـوا أنـفـهـا‬
‫أشد اصفرارا من المشمش‬ ‫إلى ضامر مثل ظلف الغزال‬
‫فرار الهجين من العمـش‬ ‫فررت من البيت من أجلهـا‬
‫إذا راح كالعطب المنفـش‬ ‫وأبرد من ثلـج سـاتـيدمـا‬
‫تنق على الشط من مرعش‬ ‫وأرسح من ضـفـدع عـثة‬
‫تمر المحامل لـم تـخـدش‬ ‫وأوسع من باب جسر المير‬
‫فقد قلت طردا لها كشكشي هجا جارا له بنى مسجدا قرب داره‪ :‬وقال ابن حبيب‪:‬‬ ‫فهذي صفاتي فل تـأتـهـا‬
‫كان في جوار إسماعيل بن عمار رجل من قومه ينهاه عن السكر وهجاء الناس ويعذله‪ ،‬وكان إسماعيل له مغضبا‪ .‬فبنى ذلك‬
‫الرجل مسجدا يلصق دار إسماعيل وحسنه وشيده‪ ،‬وكان يجلس فيه هو وقومه وذوو التستر والصلح منهم عامة نهارهم‪ ،‬فل‬
‫يقدر إسماعيل أن يشرب في داره ول يدخل إليه أحد ممن كان يألفه من مغن أو مغنية أو غيرهما من أهل الريبة‪ .‬فقال‬
‫‪:‬إسماعيل يهجوه وكان الرجل يتولى شيئا من الوقوف للقاضي بالكوفة‬
‫لعمري لقدما كنت غير موفق‬ ‫بنى مسجدا بنيانه مـن خـيانة‬
‫جرت مثل للخائن المتصـدق‬ ‫كصاحبة الرمان لما تصدقـت‬
‫لك الويل ل تزني ول تتصدقي استعدى على غاضري كلف رهطه الطواف‪ :‬وقال‬ ‫يقول لها أهل الصلح نصيحة‬
‫ابن حبيب‪ :‬ولي العسس رجل غاضري‪ ،‬فأخذ من بني مالك وهم رهط إسماعيل بن عمار بأن كانوا معه‪ ،‬فطافوا إلى الغداة‪.‬‬
‫‪:‬فلما أصبح غدا على الوالي مستعديا على الغاضري‪ .‬فقال له الوالي وكان رجل من همدان‪ :‬ماذا صنع بك? فأنشأ يقول‬
‫ما نحن في دنيا ول آخـره‬ ‫عس بنا لـيلـتـه كـلـهـا‬
‫أن يحرسوادون بني غاضره‬ ‫يأمر أشياخ بـنـي مـالـك‬
‫من حكم همدان إلى الساهره قال فقال له الوالي‪ :‬قد لعمري صدقت‪ ،‬ووظف‬ ‫والله ل يرضى بـذا كـائنـا‬
‫‪ .‬على سائر البطون أن يطوفوا مع صاحب العسس في عشائرهم ول يتجاوزوا قبيلة إلى قبيلة‪ ،‬ويكون ذلك بنوائب بينهم‬
‫كان منقطعا إلى خالد بن خالد بن وليد فلما مات رثاه‪ :‬وقال ابن حبيب‪ :‬كان إسماعيل بن عمار منقطعا إلى خالد بن الوليد بن‬
‫عقبة بن معيط‪ ،‬وكان إليه محسنا‪ ،‬وكان ينادمه‪ .‬فولي خالد بن خالد عمل للوليد بن يزيد بن عبد الملك فخرج إليه‪ ،‬وكان‬
‫‪:‬إسماعيل عليل فتأخر عنه‪ ،‬ثم لم يلبث خالد أن مات في عمله‪ ،‬فورد نعيه الكوفة في يوم فطر‪ .‬فقال إسماعيل بن عمار يرثيه‬
‫ليس ترقا ول لها من هجـود‬ ‫ما لعيني تفيض غير جـمـود‬
‫فإذا نمن أولعت بالـسـهـود‬ ‫فإذا قرت العيون استـهـلـت‬
‫رات في يوم زينة مشـهـود‬ ‫ألنعي ابن خالد خالـد الـخـي‬
‫فطر طير بالنحس ل بالسعود‬ ‫سنحت لي يوم الخميس غداة ال‬
‫مفظع ما جرين في يوم عـيد‬ ‫فتـعـيفـت أنـهـن لمـر‬
‫خطب فقدان خالد بن الولـيد سعى به عثمان بن درباس فهجاه فاستعدى عليه‬ ‫فنعت خالد بن أروى وجـل ال‬
‫السلطان فحبسه‪ :‬وقال ابن حبيب‪ :‬كان لسماعيل بن عمار جار يقال له عثمان بن درباس‪ ،‬فكان يؤذيه ويسعى به إلى‬
‫‪:‬السلطان في كل حال‪ ،‬ثم سعى به أنه يذهب مذهب الشراة ‪ ،‬فأخذ وحبس‪ .‬فقال يهجوه‬
‫من النام بعثمان بـن دربـاس‬ ‫من كان يحسدني جاري ويغبطني‬

‫صفحة ‪1298 :‬‬

‫جارا وأبعد منه صالح الـنـاس‬ ‫فقرب الله منـه مـثـلـه أبـدا‬
‫عليه من داخل حراس أحـراس‬ ‫جار له باب ساج مغـلـق أبـدا‬
‫يدعون مثلهم ما ليس مـن نـاس‬ ‫عبد وعبد وبـنـتـاه وخـادمـه‬
‫وما بهم غير جهد الجوع من باس‬ ‫صفر الوجوه كأن السل خامرهـم‬
‫في بطن خنزيرة في دار كنـاس‬ ‫له بنون كـأطـبـاء مـعـلـقة‬
‫تظنهم خرجوا من قعر أرمـاس‬ ‫إن يفتح الباب عنهم بعد عاشـرة‬
‫بالنجم بين سـللـيم وأمـراس‬ ‫فليت دار ابن درباس مـعـلـقة‬
‫وابتعت دارا بغلماني وأفراسـي وقال‪ :‬قال فيه أيضا‬ ‫‪:‬فكان آخر عهدي مـنـهـم أبـدا‬
‫وجــوادي وحـــمـــاري‬ ‫ليت بـرذونـي وبـغــلـــي‬
‫ت غـدا جـارا بـــجـــار‬ ‫كن فـي الـنــاس وأبـــدل‬
‫س وإل بـــعــــت داري‬ ‫جار صـدق بـابــن دربـــا‬
‫يمـــن أو مـــن نـــزار‬ ‫فتـبـدلـــت بـــه مـــن‬
‫ه ومـا حـق الـــجـــوار‬ ‫بدل يعــرف مـــا الـــل‬
‫طاب لـيلـي ونــهـــاري‬ ‫لو تـبـــدلـــت ســـواه‬
‫ه صـغـار أو كـــبـــار‬ ‫واسـتـرحـنـا مـن بـــليا‬
‫لو جزيناه بها كنا جميعا في فجار‬
‫داخـل تـحـت الـشـعــار كتب إلى ابن أخيه شعرا من الحبس فأجابه‪ :‬قال‪ :‬فلما قال فيه‬ ‫أو سكتنا كان ذل‬
‫الشعر استعدى عليه السلطان‪ ،‬وذكر أنه من الشراة‪ ،‬وأنهم مجتمعون عنده‪ ،‬وأنه من دعاة عبد الله بن يحيى وأبي حمزة‬
‫‪:‬المختار‪ .‬فكتب من السجن إلى ابن أخ له يقال له معان‬
‫قول وما عالم كمن جهـل‬ ‫أبلغ معانا عنـي وأخـوتـه‬
‫يعدون طورا وتارة رمـل‬ ‫بأنني والمصبحـات مـنـى‬
‫إياي بعد الصفا قـد أفـل‬ ‫لخـائف أن يكـون ودكـم‬
‫أصبح منها الفؤاد مشتعـل‬ ‫أئن عراني دهري بـنـائبة‬
‫ظننتم ما أصابنـي جـلـل‬ ‫حاولتم الصرم أو لعـلـكـم‬
‫أصبحت ل أبتغي بكم بـدل‬ ‫ل تغفلونا بني أخي فلـقـد‬
‫فإن خير الخوان من وصل قال‪ :‬فكتب إليه ابن أخيه‬ ‫‪:‬تمسكوا بالذي امتسكـت بـه‬
‫كر وفارقت سجنهم عجـل‬ ‫يا عم عوفيت من عذابهم الن‬
‫أرسل من كان قبلنا مـثـل‬ ‫كتبت تشكو بني أخيك وقـد‬
‫فأنت يا عم تبتغي العـلـل‬ ‫أبدأهم بالصراخ ينهـزمـوا‬
‫دار بلء مكـبـل جـلـل‬ ‫زعمت أنا نرى بلءك فـي‬
‫أما وفي رجلك الكبول فـل‬ ‫يا عم بئس الفتيان نـحـن إذا‬
‫للبيت عامين حافـيا رجـل‬ ‫علي إن كنت صادقا حجـج‬
‫له خلصا وأحسن المـل أطلقه الحكم بن الصلت من السجن وشعره فيه حين‬ ‫بعد عنك الهموم فارج من ال‬
‫عزل‪ :‬قال‪ :‬ثم ولي الحكم بن الصلت فأطلقه وأحسن إليه‪ ،‬فلم يزل يشكره ويمدحه‪ .‬ثم عزل الحكم بعد ذلك‪ ،‬فقال إسماعيل‬
‫‪:‬فيه‬
‫كوفة أن لم يكن بها الحـكـم‬ ‫تبـارك كـيف أوحـشـت ال‬
‫كامل فيه العفاف والـفـهـم‬ ‫الحكم العذل فـي رعـيتـه ال‬
‫منبر كالـكـل مـن أب يتـم‬ ‫فأصبح القصر والسريران وال‬
‫والمبتر المشـرفـي يلـتـدم‬ ‫يذري عليه السرير عـبـرتـه‬
‫ن الصلت يبكون كلما ظلمـوا‬ ‫والناس من حسن سيرة الحكم ب‬
‫إل عـدوا عـلـيه يتـهــم‬ ‫مثل السكارى في فرط وجدهم‬
‫ينزع منه القرطاس والقـلـم‬ ‫يوم جرى طائر النحوس لـهـم‬
‫أرغم هود القرود إذ رغمـوا‬ ‫فأرغم اللـه حـاسـديه كـمـا‬
‫والله ممن عـصـاه ينـتـقـم‬ ‫في سبتهم يوم كاب خطـبـهـم‬
‫للناس عهـد يوفـى ول ذمـم‬ ‫إنا إلى اللـه راجـعـون أمـا‬
‫من لذة العيش‪ ،‬بئسما حكمـوا‬ ‫حول علينا‪ ،‬ولـيلـتـان لـنـا‬
‫يقضي لضيزائها التي قسمـوا‬ ‫ل حكـم إل الـلـه يظـهـره‬
‫إن كان من شأنها الذي زعموا ذم ولية خالد القسري‬ ‫‪:‬ماذا ترجي من عيشها مـضـر‬
‫صفحة ‪1299 :‬‬

‫وقال ابن حبيب‪ :‬سمع إسماعيل بن عمار رجل ينشد أبياتا للفرزدق يهجو بها عمر بن هبيرة الفزاري لما ولي العراق ويعجب‬
‫من وليته إياها‪ ،‬وكان خالد القسري في تلك اليام العراق‪ ،‬فقال إسماعيل‪ :‬أعجب والله مما عجب منه الفرزدق من ولية ابن‬
‫‪:‬هبيرة‪ ،‬وهو ما لست أراه يعجب منه‪ ،‬ولية خالد القسري وهو مخنث دعي ابن دعي‪ ،‬ثم قال‬
‫عنها أمية بالمـشـارق تـنـزع‬ ‫عجب الفرزدق من فزارة أن رأى‬
‫أمر تطير له القلـوب وتـفـزع‬ ‫فلقد رأى عجبا وأحـدث بـعـده‬
‫فالن من قسر تضج وتـجـزع‬ ‫بكت المنابر من فزارة شجـوهـا‬
‫لله در ملوكنـا مـا تـصـنـع‬ ‫فملوك خندف أضرعونا لـلـعـدا‬
‫سفها وغيرهم ترب وتـرضـع شعر له في عينه وقلبه‪ :‬أخبرني حبيب بن نصر‬ ‫كانوا كقاذفة بـينـهـمـا ضـلة‬
‫المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا عبد الله بن سعيد ابن أسيد العامري قال حدثني محمد بن أنس السدي‬
‫قال‪ :‬شعر له في عينه وقلبه‪ :‬جلست إلى إسماعيل بن عمار‪ ،‬وإذا هو يفتل أصابعه متأسفا‪ ،‬فقلت‪ :‬علم هذا التأسف والتلهف?‬
‫‪:‬فقال‬
‫والقلب حران مبتلى بهما‬ ‫عيناي مشؤمتان ويحهمـا‬
‫يا ليتني قبل ذا عدمتهمـا‬ ‫عرفتاه الهوى لظلمهـمـا‬
‫ذل على من أحب دمعهما‬ ‫هما إلى الحين دلتا وهمـا‬
‫سبب كل البلء غيرهمـا شعر للعشى وشرحه‪ :‬صوت‬ ‫‪:‬سأعذر القلب في هواه وما‬
‫ك حتى تناخي بأبوابها‬ ‫فكعبة نجران حتم علي‬
‫وقيسا هم خير أربابها‬ ‫نزور يزيد وعبد المسيح‬
‫ن والمسمعات بقصابها‬ ‫وشاهدنا الجل والياسمي‬
‫فأي الثلثة أزرى بها‬ ‫وبربطنا دائم معـمـل‬
‫وجرو أسافل هدابهـا‬ ‫إذا الحبرات فلوت بهم‬
‫ومدت إلي بأسبابـهـا عروضه من المتقارب‪ .‬الشعر للعشى يمدح بني عبد المدان‬ ‫فلما التقينا عـلـى آية‬
‫الحارثيين من بني الحارث بن كعب‪ .‬والغناء لحنين‪ ،‬خفيف ثقيل بالوسطى في مجراها عن إسحاق‪ .‬وذكر يونس أن فيه لحنا‬
‫‪:‬لمالك‪ ،‬وزعم عمرو بن بانة أنه خفيف ثقيل‪ .‬وزعم أبو عبد الله الهشامي أن فيه لبن المكي خفيف رمل بالوسطى أوله‬
‫تنازعني إذ خلت بردها ومعه باقي البيات مخلطة مقدمة ومؤخرة‪ .‬والكعبة التي عناها العشى ها هنا يقال إنها بيعة بناها بنو‬
‫عبد المدان على بناء الكعبة‪ ،‬وعظموها مضاهاة للكعبة‪ ،‬وسموها كعبة نجران‪ ،‬وكان فيها أساقفة يقيمون‪ ،‬وهم الذين جاءوا إلى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى المباهلة‪ ،‬وقيل‪ :‬بل هي قبة من أدم سموها الكعبة‪ .‬وكان إذا نزل بها مستجير أو أجير‪،‬‬
‫أو خائف أمن‪ ،‬أو طالب حاجة قضيت‪ ،‬أو مسترفد أعطي ما يريده‪ .‬والمسمعات‪ :‬القيان‪ .‬والقصاب‪ :‬أوتار العيدان‪ .‬وقال‬
‫الصمعي‪ :‬قلت لبعض العراب‪ :‬أنشدني شيئا من شعرك‪ .‬قال‪ :‬كنت أقول الشعر وتركته‪ .‬فقلت‪ :‬ولم ذاك? قال‪ :‬لنني قلت‬
‫شعرا وغنى فيه حكم الوادي وسمعته فكاد يذهل عقلي‪ ،‬فآليت أل أقول شعرا‪ ،‬وما حرك حكم قصابه إل توهمت أن الله عز‬
‫‪.‬وجل مخلدي بها في النار‬

‫الجزء الثاني عشر‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫أخبار العشى وبني عبد المدان‬

‫‪ :‬وأخبارهم مع غيره‬
‫كان العشى قدريا ولبيد مجبرا‪ :‬أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثنا العمري‬
‫‪:‬عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية عن سماك بن حرب عن يونس بن متى راويةالعشى قال‪ :‬كان لبيد مجبرا حيث يقول‬
‫ناعم البال ومن شاء أضل وكان العشى قدريا حيث يقول‬ ‫‪:‬من هداه سبل الخير اهتدى‬
‫عدل وولى الملمة الرجل فقلت له‪ :‬من أين أخذ هذا? فقال‪ :‬أخذه من أساقفة‬ ‫استأثر الله بالوفـاء وبـال‬
‫نجران‪ .‬وكان يعود في كل سنة إلى بني عبد المدان‪ ،‬فيمدحهم ويقيم عندهم يشرب الخمر معهم وينادمهم‪ ،‬ويسمع من أساقفة‬
‫‪ .‬نجران قولهم؛ فكل شيء في شعره من هذا فمنهم أخذه‬

‫خبر أساقفة نجران مع النبي‬

‫‪:‬صلى الله عليه وسلم‬


‫‪:‬خبر أساقفة نجران مع النبي‬

‫صفحة ‪1300 :‬‬

‫فأما خبر مباهلتهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني به علي بن العباس بن الوليد البجلي المعروف بالمقانعي الكوفي قال‬
‫أنبأنا بكار بن أحمد بن اليسع الهمداني قال حدثنا عبد الله بن موسى عن أبي حمزة عن شهر بن حوشب‪ .‬قال بكار وحدثنا‬
‫إسماعيل بن أبان العامري عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلم‪ ،‬وحديثه‬
‫أتم الحاديث‪ .‬وحدثني به جماعة آخرون بأسانيد مختلفة وألفاظ تزيد وتنقص‪ :‬فمن حدثني به علي بن أحمد بن حامد التميمي‬
‫قال حدثنا الحسن بن عبد الواحد قال حدثنا حسن بن حسين عن حيان بن علي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس‪ ،‬وعن‬
‫الحسن بن الحسين عن محمد بن بكر عن محمد بن عبد الله بن علي بن أبي رافع عن أبيه عن جده عن أبي رافع‪ .‬وأخبرني‬
‫علي بن موسى الحميري في كتابه قال حدثنا جندل بن والق قال حدثنا محمد ابن عمر عن عباد الكليبي عن كامل أبي العلء‬
‫عن أبي صالح عن ابن عباس‪ .‬وأخبرني أحمد بن الحسين بن سعد بن عثمان إجازة قال حدثنا أبي قال حدثنا حصين بن مخارق‬
‫عن عبد الصمد بن علي عن أبيه عن ابن عباس‪ .‬قال الحصين وحدثني أبو الجارود وأبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر‪ ،‬قال‬
‫وحدثني حمد بن سالم وخليفة بن حسان عن زيد بن علي عليه السلم‪ .‬قال حصين وحدثني سعيد بن طريف عن عكرمة عن‬
‫ابن عباس‪ .‬وممن حدثني أيضا بهذا الحديث علي بن العباس عن بكار عن إسماعيل بن أبان عن أبي أويس المدني عن جعفر‬
‫بن محمد وعبد الله والحسن ابني الحسن‪ .‬وممن حدثني به أيضا محمد بن الحسين الشناني قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق‬
‫الراشدي قال حدثني يحيى بن سالم عن جابر عن أبي جعفر عليه السلم ‪ .‬وممن أخبرني به أيضا الحسين بن حمدان بن أيوب‬
‫الكوفي عن محمد بن عمرو الخشاب عن حسين الشقر عن شريك عن جابر عن أبي جعفر‪ ،‬وعن شريك عن المغيرة عن‬
‫‪:‬الشعبي‪ ،‬واللفظ للحديث الول‪ .‬قالوا‬

‫صفحة ‪1301 :‬‬

‫قدم وفد نصارى نجران وفيهم السقف‪ ،‬والعاقب وأبو حبش ‪ ،‬والسيد‪ ،‬وقيس‪ ،‬وعبد المسيح‪ ،‬وابن عبد المسيح الحارث وهو‬
‫غلم‪ ،‬وقال شهر بن حوشب في حديثه‪ :‬وهم أربعون حبرا حتى وقفوا على اليهود في بيت المدارس ‪ ،‬فصاحوا بهم‪ :‬يا بن صوريا‬
‫يا كعب بن الشراف‪ ،‬انزلوا يا إخوة القرود والخنازير‪ .‬فنزلوا إليهم‪ ،‬فقالوا لهم‪ :‬هذا الرجل عندكم منذ كذا وكذا سنة قد غلبكم‬
‫أحضروا الممتحنة لنمتحنه غدا‪ .‬فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح‪ ،‬قاموا فكبروا بين يديه‪ ،‬ثم تقدمهم السقف فقال‪:‬‬
‫يا أبا القاسم‪ ،‬موسى من أبوه? قال‪ :‬عمران‪ .‬قال‪ :‬فيوسف من أبوه? قال‪ :‬يعقوب‪ .‬قال‪ :‬فأنت من أبوك? قال‪ :‬إني عبد الله بن‬
‫عبد المطلب‪ .‬قال‪ :‬فعيسى من أبوه? فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله؛ فانقض عليه جبريل عليه السلم فقال ‪:‬‬
‫إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب فتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنزا السقف ثم دير به مغشيا‬
‫عليه‪ ،‬ثم رفع رأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ‪ :‬أتزعم أن الله جل وعل أوحي إليك أن عيسى خلق من تراب ما‬
‫نجد هذا فيما أوحي إليك‪ ،‬ول نجده فيما أوحي إلينا؛ ول تجده اليهود فيما أوحي إليهم‪ .‬فأوحى الله تبارك وتعالى إليه‪ :‬فمن‬
‫حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع آبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة‬
‫الله على الكاذبين ‪ .‬فقال ‪ :‬أنصفتنا يا أبا القاسم‪ ،‬فمتى نباهلك? فقال‪ :‬بالغداة إن شاء الله تعالى‪ .‬وانصرف النصارى‪،‬‬
‫وانصرفت اليهود وهي تقول‪ :‬والله ما نبالي أيهما أهلك الله الحنيفية أو النصرانية‪ .‬فلما صارت النصارى إلى بيوتها قالوا؛ والله‬
‫إنكم لتعلمون أنه نبي‪ ،‬ولئن باهلناه إنا لنخشى أن نهلك‪ ،‬ولكن استقيلوه لعله يقيلنا‪ .‬وغدا النبي صلى الله عليه وسلم من الصبح‬
‫وغدا معه بعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم‪ .‬فلما صلى الصبح‪ ،‬انصرف فاستقبل الناس بوجهه‪ ،‬ثم برك‬
‫باركا‪ ،‬وجاء بعلي فأقامه بين يديه‪ ،‬وجاء بفاطمة فأقامها بين كتفيه‪ ،‬وجاء بحسن فأقامه عن يمينه‪ ،‬وجاء بحسين فأقام عن‬
‫يساره‪ .‬فأقبلوا يستترون بالخشب والمسجد فرقا أن يبدأهم بالمباهلة إذا رآهم‪ ،‬حتى بركوا بين يديه‪ ،‬ثم صاحوا‪ :‬يا أبا القاسم‪،‬‬
‫أقلنا أقالك الله عثرتك‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬نعم قال‪ :‬ولم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا قط إل أعطاه‬
‫فقال‪ :‬قد أقلتكم فولوا ‪ .‬فلما ولوا قال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬أما والذي بعثني بالحق لو باهلتهم ما بقي على وجه‬
‫الرض نصراني ول نصرانية إل أهلكهم الله تعالى ‪ .‬وفي حديث شهر بن حوشب أن العاقب وثب فقال‪ :‬أذكركم الله أن نلعن‬
‫‪ .‬هذا الرجل فوالله لئن كان كاذبا ما لكم في ملعنته خير‪ ،‬ولئن كان صادقا ل يحول الحول ومنكم نافخ ضرمة فصالحوه ورجعوا‬
‫خبر قبة نجران‪ :‬وأما خبر القبة التي ذكرها العشى فأخبرني بخبرها عمي وحبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي‬
‫سعد قال حدثني علي بن عمرو النصاري عن هشام بن محمد عن أبيه قال‪ :‬كان عبد المسيح بن دارس بن عربي بن معيقر‬
‫من أهل نجران‪ ،‬وكانت له قبة من ثلثمائة جلد أديم‪ ،‬وكان على نهر بنجران يقال النحيردان ‪ .‬قال‪ :‬ولم يأت القبة خائف إل أمن‪،‬‬
‫ول جائع إل شبع؛ وكان يستغل من ذلك النهر عشرة آلف دينار‪ ،‬وكانت القبة تستغرق ذلك كله ‪ .‬وكان أول من نزل نجران من‬
‫بني الحارث بن كعب يزيد بن عبد المدان بن الديان‪ .‬وذلك أن عبد المسيح بن دارس زوج يزيد بن عبد المدان ابنته رهيمة‪،‬‬
‫فولدت له عبد الله بن يزيد‪ ،‬فهم بالكوفة‪ .‬ومات عبد المسيح‪ ،‬فانتقل ماله إلى يزيد؛ فكان أول حارثي حل في نجران‪ .‬وفي‬
‫‪:‬ذلك يقول أعشى قيس بن ثعلبة‬
‫ك حتى تناحي بأبوابها‬ ‫فكعبة نجران حتم علي‬
‫وقيسا هم خير أربابها خطب يزيد بن عبد المدان وعامر بن المصطلق بنت أمية بن‬ ‫نزور يزيد وعبد المسيح‬
‫السكر فزوجها ليزيد‪ :‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن العباس بن هشام عن أبيه قال حدثني بعض بني‬
‫‪:‬الحارث بن كعب‪ ،‬وأخبرني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني عبد الله بن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه قال‬

‫صفحة ‪1302 :‬‬

‫اجتمع يزيد بن عبد المدان وعامر بن الطفيل بموسم عكاظ‪ ،‬وقدم أمية بن السكر الكناني ومعه ابنة له من أجمل أهل‬
‫زمانها‪ ،‬فخطبها يزيد وعامر‪ .‬فقالت أم كلب امرأة أمية بن السكر‪ :‬من هذان الرجلن‪ .‬فقال‪ :‬هذا يزيد بن عبد المدان بن‬
‫الديان‪ ،‬وهذا عامر بن الطفيل‪ .‬فقالت‪ :‬أعرف بني الديان ول أعرف عامرا‪ .‬فقال‪ :‬هل سمعت بملعب السنة ? فقالت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فهذا ابن أخيه‪ .‬وأقبل يزيد فقال‪ :‬يا أمية‪ ،‬أنا ابن الديان صاحب الكثيب ‪ ،‬ورئيس مذحج‪ ،‬ومكلم العقاب ومن كان يصوب‬
‫أصابعه فتنظف دما‪ ،‬ويدلك راحتيه فتخرجان ذهبا‪ .‬فقال أمية‪ :‬بخ بخ‪ .‬فقال عامر‪ :‬جدي الخرم‪ ،‬وعمي ملعب السنة‪ ،‬وأبي‬
‫فارس قرزل‪ .‬فقال أمية‪ :‬بخ بخ مرعى ول كالسعدان ‪ .‬فأرسلها مثل‪ .‬فقال يزيد‪ :‬يا عامر‪ .‬هل تعلم شاعرا من قومي رحل‬
‫بمدحة إلى رجل من قومك? قال‪ :‬اللهم ل‪ .‬قال‪ :‬فهل تعلم أن شعراء قومك يرحلون بمدائحهم إلى قومي? قال‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فهل لكم نجم يمان أو برد يمان أو سيف يمان أو ركن يمان? قال ل‪ .‬قال‪ :‬هل ملكناكم ولم تملكونا? قال نعم‪ .‬فنهض يزيد‬
‫‪:‬وأنشأ يقول‬
‫ل تجعلن هوازنا كـمـذحـج‬ ‫أمي يابن السكر بـن مـدلـج‬
‫ما النبع في مغرسه كالعوسـج‬ ‫إنك إن تلهج بـأمـرتـلـجـج‬
‫‪:‬ول الصريح المحض كالممزج قال‪ :‬فقال مرة بن دودان النفيلي وكان عدوا لعامر‬
‫ماذا الذي من عامر تريد‬ ‫يا ليت شعري عنك يا يزيد‬
‫أمطلقون نحن أم عـبـيد‬ ‫لكل قوم فخركم عـتـيد‬
‫‪:‬ل بل عبيد زادنا الهبـيد قال‪ :‬فزوج أمية يزيد بن عبد المدان ابنته‪ .‬فقال يزيد في ذلك‬
‫ولعامر بن طفيل الوسـنـان‬ ‫يا للرجال لطـارق الحـزان‬
‫زمنا وصارت بعد للنعـمـان‬ ‫كانت إتاوة قومه لـمـحـرق‬
‫فخرا علي وجـئت بـالـديان‬ ‫عد الفوارس هوازن كـلـهـا‬
‫صخم الدسيعة زانني ونمانـي‬ ‫فإذا لي الشرف المبين بـوالـد‬
‫غض الشباب أخو ندى وقـيان‬ ‫يا عام إنك فـارس ذو مـيعة‬
‫دون الذي تسعى له وتـدانـي‬ ‫واعلم بأنك بابن فارس قـرزل‬
‫لك بالفضيلة في بني عـيلن‬ ‫ليست فوارس عامر بمـقـرة‬
‫وبني الضباب وحي آل قنـان‬ ‫فإذا لقيت بني الحماس ومالـك‬
‫والدافع العداء عن نـجـران‬ ‫فاسأل عن الرجل المنوه باسمه‬
‫كرما لعمرك والكريم يمانـي فقال عامر بن الطفيل‬ ‫‪:‬يعطى المقادة في فوارس قومه‬
‫ولما يجيء بـه بـنـو الـديان‬ ‫عجبا لواصف طـارق الحـزان‬
‫وإتاوة سيقت إلى الـنـعـمـان‬ ‫فخروا علي بحبوة لـمـحـرق‬
‫وإتاوة اللخـمـي فـي عـيلن‬ ‫ما أنت وابن محرق وقـبـيلـه‬
‫ودع القبائل من بني قحـطـان‬ ‫فاقصد بفخرك قصد قومك قصرة‬
‫أو ل ففخرك فخر كل يمـانـي‬ ‫إن كان سالـفة التـاوة فـيكـم‬
‫وبني الضباب وزعبل وقـنـان‬ ‫وافخر برهط بني الحماس ومالك‬
‫وأبو براء زاننـي ونـمـانـي‬ ‫فأنا المعظم وابن فارس قـرزل‬
‫منعا الدمار صباح كل طـعـان‬ ‫وأبو جزيء ذو الفعال ومـالـك‬
‫كنت المنوه باسمه والـبـانـي طلب بنو عامر إلى مرة بن دودان أن يهجو بني‬ ‫وإذا تعاظمت المـور هـوازن‬
‫الديان فأبى‪ :‬فلما رجع القوم إلى بني عامر‪ ،‬وثبوا على مرة بن دودان وقالوا له‪ :‬أنت من بني عامر‪ ،‬وأنت شاعر‪ ،‬ولم تهج بني‬
‫‪:‬الديان فقال مرة‬
‫يقولون‪ :‬النام لنـا عـبـيد‬ ‫تكلفني هوازن فخـر قـوم‬
‫إذا ما عـدت البـاء هـود‬ ‫أبونا مذحـج وبـنـو أبـيه‬
‫مقال والنام لهـم شـهـود‬ ‫وهل لي إن فخرت بغير حق‬
‫عن العلياء أم مـن ذا يكـيد‬ ‫فأنى تضرب العلم صفحا‬
‫لهم قنا ‪ ،‬فما عنها مـحـيد محاورة ابن جفنة ليزيد بن عبد المدان والقيسيين‬ ‫‪:‬فقولوا يا بني عـيلن كـنـا‬

‫صفحة ‪1303 :‬‬

‫وقال ابن الكلبي في هذه الرواية‪ :‬قدم يزيد بن عبد المدان وعمر بن معد يكرب ومكشوح المرادي على ابن جفنة زوارا‪،‬‬
‫وعنده وجوه قيس‪ :‬ملعب السنة عامر بن مالك‪ ،‬ويزيد بن عمرو بن الصعق‪ ،‬ودريد بن الصمة‪ .‬فقال ابن جفنة ليزيد بن عبد‬
‫المدان‪ :‬ماذا كان يقول الديان إذا أصبح فإنه كان ديانا ‪ .‬فقال‪ :‬كان يقول‪ :‬آمنت بالذي رفع هذه يعني السماء ‪ ،‬ووضع هذه يعني‬
‫الرض ‪ ،‬وشق هذه يعني أصابعه ‪ ،‬ثم يخر ساجدا ويقول‪ :‬سجد وجهي للذي خلقه وهو عاشم ‪ ،‬وما جشمني من شيء فإني‬
‫‪:‬جاشم‪ .‬فإذا رفع رأسه قال‬
‫وأي عبد لك ما ألمـا فقال ابن جفنة‪ :‬إن هذا لذو دين‪ .‬ثم مال على القيسيين وقال‪:‬‬ ‫إن تغفر اللهم تغفر جما‬
‫أل تحدثوني عن هذه الرياح‪ :‬الجنوب والشمال والدبور والصبا والنكباء‪ ،‬لم سميت بهذه السماء؛ فإنه أعياني علمها? فقال‬
‫القوم‪ :‬هذه أسماء وجدنا العرب عليها ل نعلم غير هذا فيها‪ .‬فضحك يزيد بن عبد المدان ثم قال‪ :‬يا خير الفتيان‪ ،‬ما كنت أحسب‬
‫أن هذا يسقط علمه على هؤلء وهم أهل الوبر‪ .‬إن العرب تضرب أبياتها في القبلة مطلع الشمس‪ ،‬لتدفئهم في الشتاء وتزول‬
‫عنهم في الصيف‪ .‬فما هب من الرياح عن يمين البيت فهي الجنوب‪ ،‬وما هب عن شماله فهي الشمال‪ ،‬وما هب من أمامه فهي‬
‫الصبا‪ ،‬وما هب من خلفه فهي الدبور‪ ،‬وما استدار من الرياح بين هذه الجهات فهي النكباء‪ .‬فقال ابن جفنة‪ :‬إن هذه للعلم يابن‬
‫‪ .‬عبد المدان‬
‫سأل ابن جفنة القيسيين عن النعمان بن المنذر فعابوه فرد عليهم يزيد‪ :‬وأقبل على القيسيين يسألهم عن النعمان بن المنذر‪.‬‬
‫فعابوه وصغروه‪ .‬فنظر ابن جفنة إلى يزيد فقال له‪ :‬ما تقول يابن عبد المدان? فقال يزيد ‪ :‬يا خير الفتيان‪ .‬ليس صغيرا من‬
‫منعك العراق‪ ،‬وشركك في الشام‪ ،‬وقيل له‪ :‬أبيت اللعن‪ .‬وقيل لك‪ :‬يا خير الفتيان‪ ،‬وألفى أباه ملكا كما ألفيت أباك ملكا‪ ،‬فل‬
‫يسرك من يغرك؛ فإن هؤلء لو سألهم عنك النعمان لقالوا فيك مثل ما قالوا فيه‪ .‬وايم الله ما فيهم رجل إل ونعمة النعمان‬
‫عنده عظيمة فغضب عامر بن مالك وقال له‪ :‬يابن الديان أما والله لتحتلبن بها دما فقال له‪ :‬ولم? أزيد في هوازن من ل‬
‫أعرفه? فقال‪ :‬ل بل هم الذين تعرف‪ .‬فضحك يزيد ثم قال‪ :‬ما لهم جرأة بني الحارث‪ ،‬ول فتك مراد‪ ،‬ول بأس زبيد‪ ،‬ول كيد‬
‫جعفي ‪ ،‬ول مغار طيء‪ .‬وما هم ونحن الفتيان بسواء‪ ،‬وما قتلنا أسيرا قط ول اشتهينا حرة قط‪ ،‬ول بكينا قتيل حتى نبئ به‪ .‬وإن‬
‫هؤلء ليعجزون عن ثأرهم‪ ،‬حتى يقتل السمي بالسمي‪ .‬والكني بالكني‪ ،‬والجار بالجار‪ .‬وقال يزيد بن عبد المدان فيما كان بينه‬
‫‪:‬وبين القيسيين شعرا غدا به على ابن جفنة‬
‫موارده في ملكه ومـصـادره‬ ‫تمال على النعمان قـوم إلـيهـم‬
‫سوى أنه جادت عليهم مواطره‬ ‫على غير ذنب كان منه إلـيهـم‬
‫وقربهم من كل خـير يبـادره‬ ‫فباعدهم من كل شـر يخـافـه‬
‫بأن الذي قالوا من المر ضائره‬ ‫فظنوا وأعراض الظنون كثيرة‬
‫ول فللت أنـيابـه وأظـافـره‬ ‫فلم ينقصوا بالذي قيل شـعـرة‬
‫ينوء به النعمان إن خف طائره‬ ‫وللحارث الجفني أعلم بـالـذي‬
‫من الفضل والمن الذي أنا ذاكره‬ ‫فيا حار كم فيهم لنعمان نـعـمة‬
‫وعظما كسيرا قومته جوابـره‬ ‫ذنوبا عفا عنـهـا ومـال أفـاده‬
‫لقالوا له القول الذي ل يحـاوره قال‪ :‬فلما سمع ابن جفنة هذا القول عظم‬ ‫ولو سأل عنك العائبين ابن منـذر‬
‫‪ .‬يزيد في عينه‪ ،‬وأجلسه معه على سريره‪ ،‬وسقاه بيده‪ ،‬وأعطاه عطية لم يعطها أحدا ممن وفد عليه قط‬
‫‪:‬استشفع جذامي إلى يزيد عند ابن جفنة فوهبه له‪ :‬فلما قرب يزيد ركائبه ليرتحل سمع صوتا إلى جانبه‪ ،‬وإذا هو رجل يقول‬
‫يحب الثنـا زنـده ثـاقـب‬ ‫أما من شفيع مـن الـزائرين‬
‫وقد يمسح الضرة الحـالـب‬ ‫يريد ابن جـفـنة إكـرامـه‬
‫وإل فـإنـي غـدا ذاهـب‬ ‫فينقـذنـي مـن أظـافـيره‬
‫وفي الشرب في يثرب غالب‬ ‫فقد قلت يوما علـى كـربة‬
‫كلخم‪ ،‬وقد يخطئ الشـارب‬ ‫أل ليت غسان في ملـكـهـا‬

‫صفحة ‪1304 :‬‬

‫وقد خف حلمي بها العازب‬ ‫وما في ابن جفنة من سـبة‬


‫وفي الحلق مني شجا ناشب فقال يزيد‪ :‬علي بالرجل‪ ،‬فأتي به‪ .‬فقال‪ :‬ما خطبك?‬ ‫كأني غريب من البعـدين‬
‫أنت تقول هذا الشعر? قال‪ :‬ل بل قاله رجل من جذام جفاه ابن جفنة‪ ،‬وكانت له عند النعمان منزلة‪ ،‬فشرب فقال على شرابه‬
‫شيئا أنكره عليه ابن جفنة فحبسه‪ ،‬وهو مخرجه غدا فقاتله‪ .‬فقال له يزيد‪ :‬أنا أغنيك ‪ .‬فقال له‪ :‬ومن أنت حتى أعرفك ? فقال‪:‬‬
‫أنا يزيد بن عبد المدان‪ .‬فقال‪ :‬أنت لها وأبيك? قال‪ :‬أجل قد كفيتك أمر صاحبك ‪ ،‬فل يسمعنك أحد تنشد هذا الشعر‪ .‬وغدا يزيد‬
‫على ابن جفنة ليودعه؛ فقال له‪ :‬حياك الله يابن الديان حاجتك‪ .‬قال‪ :‬تلحق قضاعة الشام بغسان ‪ ،‬وتؤثر من أتاك من وفود‬
‫مذحج‪ ،‬وتهب لي الجذامي الذي ل شفيع إل كرمك‪ .‬قال‪ :‬قد فعلت‪ .‬أما إني حبسته لهبه لسيد أهل ناحيتك‪ ،‬فكنت ذلك السيد‪،‬‬
‫ووهبه له‪ .‬فاحتمله يزيد معه‪ ،‬ولم يزل مجاورا له بنجران في بني الحارث بن كعب‪ .‬وقال ابن جفنة لصحابه‪ :‬ما كانت يميني‬
‫لتفي إل بقتله أو هبته لرجل من بني الديان؛ فإن يميني كانت على هذين المرين‪ .‬فعظم بذلك يزيد في عين أهل الشام ونبه‬
‫‪ .‬ذكره وشرف‬
‫استغاث هوازني يزيد في فك أسر أخيه فأغاثه‪ :‬وقال ابن الكلبي في هذه الرواية عن أبيه‪ :‬جاور رجلن من هوازن‪ ،‬يقال لهما‬
‫عمرو وعامر‪ ،‬في بني مرة بن عوف بن ذبيان‪ ،‬وكانا قد أصابا دما في قومهما‪ .‬ثم إن قيس بن عاصم المنقري أغار على بني‬
‫مرة بن عوف بن ذبيان‪ ،‬فأصاب عامرا أسيرا في عدة أسارى كانوا عند بني مرة‪ ،‬ففدى كل قوم أسيرهم من قيس بن عاصم‬
‫وتركوا الهوازني‪ ،‬فاستغاث أخوه بوجوه بني مرة‪ :‬سنان بن أبي حارثة والحارث بن عوف والحارث بن ظالم وهاشم بن حرملة‬
‫‪:‬والحصين بن الحمام فلم يغيثوه‪ ،‬فركب إلى موسم عكاظ‪ ،‬فأتى منازل مذحج ليل فنادى‬
‫وعاليت دعوى بالحصين وهاشـم‬ ‫دعوت سنانا وابن عوف وحـارثـا‬
‫بترك أسير عند القيس بن عاصـم‬ ‫أعـيرهـم فـي كـل يوم ولـيلة‬
‫ومن كان عما سرهم غـير نـائم‬ ‫حليفهم الدنى وجـار بـيوتـهـم‬
‫وكم في بني العلت من متصامـم‬ ‫فصموا وأحداث الزمـان كـثـيرة‬
‫ومن ذا الذي يحظى به في المواسم قال‪ :‬فسمع صوتا من الوادي ينادي‬ ‫فيا ليت شعري من لطلق غـلـه‬
‫‪:‬بهذه البيات‬
‫عليك بحي يجلـي الـكـرب‬ ‫أل أيهـذا الـذي لـم يجــب‬
‫فإنهم للرضـا و الـغـضـب‬ ‫عليك بذا الحي مـن مـذحـج‬
‫وقيسا وعمرو بن معد يكـرب‬ ‫فناد يزيد بن عـبـد الـمـدان‬
‫وأقلل بمثلهم فـي الـعـرب‬ ‫يفكـوا أخـاك بـأمـوالـهـم‬
‫ومن يجعل الرأس مثل الذنب قال‪ :‬فاتبع الصوت فلم ير أحدا‪ ،‬فغدا على‬ ‫أولك الرؤوس فل تـعـدهـم‬
‫المكشوح‪ ،‬واسمه قيس بن عبد يغوث المرادي‪ ،‬فقال له‪ :‬إني وأخي رجلن من بني جشم بن معاوية أصبنا دما في قومنا‪ ،‬وإن‬
‫قيس بن عاصم أغار على بني مرة وأخي فيهم مجاور فأخذه أسيرا‪ ،‬فاستغثت بسنان بن أبي حارثة والحارث بن عوف والحارث‬
‫بن ظالم وهاشم بن حرملة فلم يغيثوني‪ .‬فأتيت الموسم لصيب به من يفك أخي‪ ،‬فانتهيت إلى منازل مذحج‪ ،‬فناديت بكذا وكذا‪،‬‬
‫فسمعت من الوادي صوتا أجابني بكذا وكذا‪ ،‬وقد بدأت بك لتفك أخي‪ .‬فقال له المكشوح‪ :‬والله إن قيس بن عاصم لرجل ما‬
‫قارضته معروفا قط ول هو لي بجار‪ ،‬ولكن اشتر أخاك منه وعلي الثمن‪ ،‬ول يمنعك غلؤه ‪ .‬ثم أتى عمرو بن معد يكرب فقال له‬
‫مثل ذلك؛ فقال‪ :‬هل بدأت بأحد قبلي? قال‪ :‬نعم بقيس المكشوح قال‪ :‬عليك بمن بدأت به‪ .‬فتركه‪ ،‬وأتى يزيد بن عبد المدان‬
‫فقال له‪ :‬يا أبا النضر‪ ،‬إن من قصتي كذا وكذا‪ .‬فقال له‪ :‬مرحبا بك وأهل‪ ،‬ابعث إلى قيس ابن عاصم؛ فإن هو وهب لي أخاك‬
‫شكرته‪ ،‬وإل أغرت عليه حتى يتقيني بأخيك؛ فإن نلتها وإل دفعت إليك كل أسير من بني تميم بنجران فاشتريت بهم أخاك‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪:‬هذا الرضا‪ .‬فأرسل يزيد إلى قيس بن عاصم بهذه البيات‬
‫إني بكل الذي تأتي بـه جـازي‬ ‫يا قيس أرسل أسيرا من بني جشم‬
‫فاختر لنفسك إحمادي وإعزازي‬ ‫ل تأمن الدهر أن تشجى بغصته‬

‫صفحة ‪1305 :‬‬

‫فيما سئلت وعقبه بـإنـجـاز قال‪ :‬وبعث بالبيات رسول إلى قيس بن عاصم؛‬ ‫فافكك أخا منقر عنه وقل حسنا‬
‫فأنشده إياها‪ ،‬ثم قال له ‪ :‬يا أبا علي‪ ،‬إن يزيد بن عبد المدان يقرأ عليك السلم ويقول لك‪ :‬إن المعروف قروض‪ ،‬ومع اليوم غد‪.‬‬
‫فأطلق لي هذا الجشمي؛ فإن أخاه قد استغاث بأشراف بني مرة وبعمرو بن معد يكرب وبمكشوح مراد فلم يصب عندهم‬
‫حاجته فاستجار بي‪ .‬ولو أرسلت إلي في جميع أسارى مضر بنجران لقضيت حقك‪ .‬فقال قيس بن عاصم لمن حضره من بني‬
‫تميم‪ :‬هذا رسول يزيد بن عبد المدان سيد مذحج وابن سيدها ومن ل يزال له فيكم يد‪ ،‬وهذه فرصة لكم‪ ،‬فما ترون? قالوا‪ :‬نرى‬
‫أن نغليه عليه ونحكم فيه شططا ؛ فإنه لن يخذله أبدا ولو أتى ثمنه على ماله‪ .‬فقال قيس‪ :‬بئس ما رأيتم أما تخافون سجال‬
‫الحروب ودول اليام ومجازاة القروض فلما أبوا عليه قال‪ :‬بيعونيه‪ ،‬فأغلوه عليه‪ ،‬فتركه في أيديهم‪ ،‬وكان أسيرا في يد رجل من‬
‫بني سعد‪ ،‬وبعث إلى يزيد فأعلمه بما جرى‪ ،‬وأعلمه أن السير لو كان في يده أو في بني مقر لخذه وبعث به‪ ،‬ولكنه في يد‬
‫رجل من بني سعد‪ .‬فأرسل يزيد إلى السعدي أن سر إلي بأسيرك ولك فيه حكمك‪ .‬فأتى به السعدي يزيد بن عبد المدان؛ فقال‬
‫له‪ :‬احتكم‪ .‬فقال‪ :‬مائة ناقة ورعاؤها فقال له يزيد إنك لقصير الهمة قريب الغنى جاهل بأخطار بني الحارث‪ .‬أما والله لقد غبنتك‬
‫يا أخا بني سعد‪ ،‬ولقد كنت أخاف أن يأتي ثمنه على جل أموالنا‪ ،‬ولكنكم يا بني تميم قوم قصار الهمم‪ .‬وأعطاه ما احتكم‪.‬‬
‫‪ .‬فجاوره السير وأخوه حتى ماتا عنده بنجران‬
‫أغار عبد المدان على هوازن في جماعة من بني الحارث فهزموا بني عامر‪ :‬وقال ابن الكلبي‪ :‬أغار عبد المدان على هوازن‬
‫يوم السلف في جماعة من بني الحارث بن كعب‪ ،‬وكانت حمته على بني عامر خاصة‪ .‬فلما التقى القوم حمل على وبر بن‬
‫معاوية النميري فصرعه‪ ،‬وثنى بطفيل بن مالك فأجره الرمح‪ ،‬وطار به فرسه قرزل فنجا‪ ،‬واستحر القتل في بني عامر‪ ،‬وتبعت‬
‫خيل بني الحارث من انهزم من بني عامر‪ ،‬وفي هذه الخيل عمير ومعقل وكانا من فرسان بني الحارث بن كعب‪ ،‬فلم يزالوا‬
‫‪:‬بقية يومهم ل يبقون على شيء أصابوه‪ ،‬فقال في ذلك عبد المدان‬
‫فغمرة فيف الريح فالمـتـنـخـل‬ ‫عفا من سليمى بطن غول فـيذبـل‬
‫وأغرت بها يوم النوى حين ترحـل‬ ‫ديار التي صـاد الـفـؤاد دللـهـا‬
‫نوازل أحداث وشـيب مـجـلـل‬ ‫فإن تك صدت عن هواي وراعهـا‬
‫يعارضها عبل الجـزارة هـيكـل‬ ‫فيا رب خيل قد هديت بـشـطـبة‬
‫إذا انجاب عنه النقع في الخيل أجدل‬ ‫سبوح إذا جـال الـحـزام كـأنـه‬
‫عليها قنان والحـمـاس وزعـبـل‬ ‫يواغل جردا كالـقـنـا حـارثـية‬
‫صدور العوالي والصفيح المصقـل‬ ‫معاقلـهـم فـي كـل يوم كـريهة‬
‫نهاء مرتها بالعـشـيات شـمـأل‬ ‫وزغف من الماذي بيض كـأنـهـا‬
‫فوارس يهديها عمـير ومـعـقـل‬ ‫فما ذر قرن الشمس حتى تلحقـت‬
‫فباكرهم ورد من الموت معـجـل‬ ‫فجالت على الحي الكلبـي جـولة‬
‫ونجى طفيل العـجـاجة قـرزل‬ ‫فغادرن وبرا تحجل الطير حـولـه‬
‫يخفف ركضا خشية الموت أعـزل وليزيد بن عبد المدان أخبار مع دريد بن‬ ‫فلم ينج إل فارس مـن رجـالـهـم‬
‫‪ .‬الصمة قد ذكرت مع أخبار دريد في صنعة المعتضد مع أغاني الخلفاء‪ ،‬فاستغني عن إعادتها في هذا الموضع‬
‫أنعم يزيد بن عبد المدان على ملعب السنة وأخيه فلما مات رثته أختهما‪ :‬أخبرني علي بن سليمان قال أخبرني أبو سعيد‬
‫السكري قال حدثني محمد بن حبيب عن ابن العرابي وأبي عبيدة وابن الكلبي‪ ،‬قالوا‪ :‬أغار يزيد بن عبد المدان ومعه بنو‬
‫الحارث بن كعب على بني عامر‪ ،‬فأسر عامر بن مالك ملعب السنة أبا براء وأخاه عبيدة بن مالك ثم أنعم عليهما‪ .‬فلما مات‬
‫يزيد بن عبد المدان واسم عبد المدان عمرو‪ ،‬وكنيته أبو يزيد‪ ،‬وهو ابن الديان بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة‬
‫‪:‬بن كعب بن الحارث بن كعب بن عمرو قالت زينب بنت مالك بن جعفر بن كلب أخت ملعب السنة ترثي يزيد بن عبد المدان‬

‫صفحة ‪1306 :‬‬

‫ن حلت به الرض أثقالها‬ ‫بكيت يزيد بن عبد المـدا‬


‫يفضل في المجد أفضالها‬ ‫شريك الملوك ومن فضله‬
‫وكندة إذ نلت أقوالـهـا‬ ‫فككت أسارى بني جعفـر‬
‫فواضل نعماك أجبالـهـا وقالت أيضا ترثيه‬ ‫‪:‬ورهط المجالد قد جللـت‬
‫على أنه الحلم الكـرم‬ ‫سأبكي يزيد بن عبد المدان‬
‫ملوك إذا برزت تحكـم قال‪ :‬فلمها قومها في ذلك وعيروها بأن بكت يزيد؛ فقالت‬ ‫رماح من العزم مركوزة‬
‫‪:‬زينب‬
‫نزارية أبكي كريما يمانيا‬ ‫أل أيها الزاري علي بأنني‬
‫أجر جديدا مدرعي وردائيا صوت‬ ‫‪:‬ومالي ل أبكي يزيد وردني‬
‫وعش ما شئت فانظر من تضير‬ ‫أطل حمل الشناءة لي وبغضـي‬
‫كأن الشمس من قبلـي تـدور الشعر لعبد الله بن الحشرج الجعدي‪ .‬والغناء لبن‬ ‫إذا أبصرتني أعرضت عـنـي‬
‫‪.‬سريح ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي‬

‫أخبار عبد الله بن الحشرج‬


‫نسب عبد الله بن الحشرج وأخلقه‪ :‬هو عبد الله بن الحشرج بن الشهب بن ورد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن‬
‫ربيعة ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن‪ .‬وكان عبد الله بن الحشرج سيدا من سادات قيس وأميرا من أمرائها‪،‬‬
‫‪ :‬ولي أكثر أعمال خراسان‪ ،‬ومن أعمال فارس‪ ،‬وكرمان‪ .‬وكان جوادا ممدحا‪ .‬وفيه يقول زياد العجم‬
‫في قبة ضربت على ابن الحشرج وله يقول أيضا‬ ‫‪ :‬إن السماحة والشجاعة والـنـدى‬
‫فسائل تخبر عن ديار الشاهب نسبه إلى الشهب جده‪ .‬وفي بني الشهب‬ ‫إذا كنت مرتادا السماحة والندى‬
‫‪:‬يقول نابغة بني جعدة‬
‫ف آسى وبعد بني الشهب بعض أخبار أبيه وعمه زياد‪ :‬وكان أبو الحشرج بن‬ ‫أبعد فوارس يوم الشـري‬
‫الشهب سيدا شاعرا وأميرا كبيرا‪ .‬وكان غلب على قهستان في زمن عبد الله بن خازم‪ ،‬فبعث إليه عبد الله بن خازم المسيب‬
‫بن أوفى القشيري‪ ،‬فقتل الحشرج وأخذ قهستان‪ .‬وكان عمه زياد بن الشهب أيضا شريفا سيدا‪ ،‬وكان قد سار إلى أمير‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم يصلح بينه وبين معاوية على أن يوليه الشام فلم يجبه‪ .‬وفي ذلك يقول نابغة بني‬
‫‪:‬جعدة يعتد على معاوية‬
‫يريد صلحا بينكم ويقرب مدحه قدامة بن الحرز فوصله واعتذر‪ :‬أخبرني محمد‬ ‫وقام زياد عند باب ابن هاشم‬
‫بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن الهيثم بن فراس قال‪ :‬حدثنا العمري عن عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان‬
‫‪:‬قال‪ :‬جاء إلى عبد الله بن الحشرج وهو بقهستان رجل من قشير يقال له قدامة بن الحرز ‪ ،‬فدخل عليه وأنشأ يقول‬
‫بكم فارأبوا خلته يابن حـشـرج‬ ‫أخ وابن عم جاءكم مـتـحـرمـا‬
‫معدا على رغم المنوط المعلهـج‬ ‫فأنت ابن ورد سدت غير مـدافـع‬
‫وجاء سكيتا كل أعـقـد أفـحـج‬ ‫فبرزت عفوا إذ جريت ابن حشرج‬
‫بجد إذا حار الضاميم مـمـعـج‬ ‫سبقت ابن ورد كل حاف ونـاعـل‬
‫قليل ومن يشر المحامـد يفـلـج‬ ‫بورد بن عمر فتهـم إن مـثـلـه‬
‫وضراب رأس المستميت المدجج قال‪ :‬فأعطاه أربعة آلف درهم‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫هو الواهب الموال والمشتري اللها‬
‫اعذرني يابن عمي؛ فإني في حالة الله بها عليم من كثرة الطلب‪ ،‬وأنت أحق من عذرني‪ .‬قال‪ :‬والله لو لم تعطني شيئا مع ما‬
‫‪ .‬أعلمه من جميل رأيك في عشيرتك ومن انقطع إليك لعذرتك‪ ،‬فكيف وقد أجزلت العطاء‪ ،‬وأرغمت العداء‬
‫بلغه أن ابن عم له نال منه فقال فيه شعرا‪ :‬وكان لبن الحشرج ابن عم يقول للقشيري‪ :‬ويحك ليس عنده خير‪ ،‬وهو يكذبك‬
‫‪:‬ويملذك ‪ .‬فبلغ ذلك عبد الله بن الحشرج فقال‬
‫وعش ما شئت فانظر من تضير‬ ‫أطل حمل الشناءة لي وبغضـي‬
‫وغير صدودك الخطب الكبـير‬ ‫فمـا بـيديك خـير أرتـجـيه‬
‫كأن الشمس من قلبـي تـدور‬ ‫إذا أبصرتني أعرضت عـنـي‬
‫إليه حين تـحـزبـك المـور‬ ‫وكيف تعيب من تمسي فـقـيرا‬
‫حللت بـأمـره وبـه تـسـير‬ ‫ومن إن بعت منزلة بـأخـرى‬

‫صفحة ‪1307 :‬‬

‫وأن المكرمات لـدي بـور‬ ‫أتزعم أننـي مـلـذ كـذوب‬


‫وعندي يطلب الفرج الضرير‬ ‫وكيف أكون كذابـا مـلـوذا‬
‫ويجبر بي أخو الضر الفقير كان يعطي كثيرا فلمته زوجه وأيدها صديق له‬ ‫أواسي في النوائب من أتانـي‬
‫فقال شعرا‪ :‬أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن الهيثم عن العمري عن عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال‪:‬‬
‫أعطى عبد الله بن الحشرج بخراسان حتى أعطى منشفة كانت عليه وأعطى فراشه ولحافه‪ .‬فقالت له امرأته‪ :‬لشد ما تلعب‬
‫بك الشيطان‪ ،‬وصرت من إخوانه مبذرا؛ كما قال الله عز وجل‪ :‬إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين فقال عبد الله بن الحشرج‬
‫لرفاعة بن زوي النهدي وكان أخا له وصديقا‪ :‬يا رفاعة‪ ،‬أل تسمع إلى ما قالت هذه الورهاء وما تتكلم به ? فقال‪ :‬صدقت والله‬
‫‪:‬وبرت إنك لمبذر‪ ،‬وإن المبذرين لخوان الشياطين‪ .‬فقال ابن الحشرج في ذلك‬
‫مكارم ما تعيا بأموالـنـا الـتـلـد‬ ‫متى يأتنـا الـغـيث تـجـد لـنـا‬
‫رجال وضنت في الرخاء وفي الجهد‬ ‫مكارم ما جدنا بـه إذ تـمـنـعـت‬
‫خلف الذي يأتي خيار بنـي نـهـد‬ ‫أردنا بما جدنـا بـه مـن تـلدنـا‬
‫ويسعدها نهد بن زيد على الـزهـد‬ ‫تلوم على اتلفي المـال طـلـتـي‬
‫علي ول منكم غواتـي ول رشـدي أراد غوايتي فحذف الياء للضرورة‬ ‫أنهد بن زيد لست منكم فتشـفـقـوا‬
‫وكهل حتى تبصروني في اللحد‬ ‫أبيت صغيرا ناشـئا مـا أردتـم‬
‫لعقبي وما أجني به ثمر الخلـد‬ ‫سأبذل مالي إن مـالـي ذخـيرة‬
‫يهر على الزواد كالسد الـورد‬ ‫ولست بمبكاء على الزاد بـاسـل‬
‫لما كلفت كفاي في الزمن الجحد‬ ‫ولكنني سمح بمـا حـزت بـاذل‬
‫أبوه بأن أعطي وأوفي بالعهـد الرقاد‪ :‬ابن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب‬ ‫بذلك أوصاني الرقاد وقـبـلـه‬
‫‪ .‬وهو من عمومته‪ ،‬وكان شجاعا سيدا جوادا‬
‫قال عطاء بن مصعب‪ :‬وقال عبد الله بن الحشرج أيضا في ذلك هذه القصيدة وقد ذكر ابن الكلبي وأبو اليقظان شيئا من هذه‬
‫‪:‬القصيدة في كتابيهما المصنفين ونسباها إليه‬
‫من الذم؛ إن المال يفنى وينـفـد‬ ‫سأجعل مالي دون عرضي وقـاية‬
‫وغيرهم والجـود عـز مـؤبـد‬ ‫ويبقي لي الجود اصطناع عشيرتي‬
‫بمالي‪ ،‬ونار البخل بالـذم تـوقـد‬ ‫ومتخذ ذنبا علـي سـمـاحـتـي‬
‫ولكنه للمرء فـضـل مـؤكـد‬ ‫يبيد الفتى والحمـد لـيس بـبـائد‬
‫بما ملكت كفاه والقـوم شـهـد‬ ‫ول شيء يبقى للفتى غير جـوده‬
‫وقلت لها بني المكـارم أحـمـد‬ ‫ولئمة في الجود نهنهت غربـهـا‬
‫بذلك غيظي واعتراها التـبـلـد‬ ‫فلما ألحت في الملمة واعتـرت‬
‫وتطليقها والكف عـنـي أرشـد‬ ‫عرضت عليها خصلتين سماحتـي‬
‫قرينك شيطان مـريد مـفـنـد‬ ‫فلجت وقالت أنت غـاو مـبـذر‬
‫ولي عنك في النسوان ظل ومقعد‬ ‫فقلت لها بيني فمـا فـيك رغـبة‬
‫فمنهن غـل شـرهـا يتـمـرد‬ ‫وعيش أنيق والنـسـاء مـعـادن‬
‫من الشر براق يد الدهـر يرعـد‬ ‫لها كل يوم فوق رأسي عـارض‬
‫كريم يغاديه من الطـير أسـعـد‬ ‫وأخرى يلد العيش منها‪ ،‬ضجيعهـا‬
‫بليا فإن الموت للناس مـوعـد‬ ‫فيا رجل حرا خذ القصد واترك ال‬
‫يلومك في بذل الـنـدى ويفـنـد‬ ‫فعش ناعما واترك مقـالة عـاذل‬
‫هي الغاية القصوى وفيها التمجد‬ ‫وجد باللها إن السماحة والـنـدى‬
‫وذو المجد محمود الفعال محسـد طلق امرأته لعذله إياه فلمه حنظلة بن‬ ‫وحسب الفتى مجدا سمحة كـفـه‬
‫‪:‬الشهب فقال شعرا‬

‫صفحة ‪1308 :‬‬

‫قال فقالت له امرأته‪ :‬والله ما وفقك الله لحظك أنهبت مالك وبذرته وأعطيته هيان بن بيان ومن ل تدري من أي هافية هو‬
‫قال‪ :‬فغضب فطلقها‪ ،‬وكان لها محبا وبها معجبا‪ .‬فعنفه فيها ابن عم لها يقال له حنظلة بن الشهب بن رميلة ‪ ،‬وقال له‪ :‬نصحتك‬
‫فكافأتها بالطلق فوالله ما وفقت لرشدك‪ ،‬ول نلت حظك‪ ،‬ولقد خاب سعيك بعدها عند ذوي اللباب‪ .‬فهل مضيت لطيتك ‪،‬‬
‫وجريت على ميدانك‪ ،‬ولم تلتفت إلى امرأة من أهل الجهالة والطيش لم تخلق للمشورة ول مثل رأيها يفتدى به فقال ابن‬
‫‪:‬الحشرج لحنظلة‬
‫ليحمده القوام في كـل مـحـفـل‬ ‫أحنظل دع عنك الذي نـال مـالـه‬
‫ومن عائل أغنيت بعـد الـتـعـيل‬ ‫فكم من فقير بائس قـد جـبـرتـه‬
‫علوت بعضب ذي غرارين مقصـل‬ ‫ومن مترف عن منهج الحـق جـائر‬
‫فقلت له دعني وكن غير مفـضـل‬ ‫وزار علي الجود والجود شيمـتـي‬
‫لسمع أقوال اللـئيم الـمـبـخـل‬ ‫فمثلك قد عاصيت دهرا ولـم أكـن‬
‫صغيرا ومن يبخل يلـم ويضـلـل‬ ‫أبى لي جدي البخل مذ كنت يافـعـا‬
‫كرام ودع ما أنت عنه بـمـعـزل‬ ‫ويستغن عنه الناس‪ ،‬فاركب محجة ال‬
‫لئيما وخير النـاس كـل مـعـذل‬ ‫فإني امرؤ ل أصحب الدهر باخـل‬
‫فلج ولم يعرف معـرة مـقـولـي‬ ‫ومستحمق غـاو أتـتـه نـذيرتـي‬
‫له خبر كـأنـه حـبـر مـغـول‬ ‫نفحت ببـيت يمـل الـفـم شـارد‬
‫وصار كدرياق الذعاف المـثـمـل‬ ‫فكف ولو لم أرمـه شـاع قـولـه‬
‫بناجية كالبـرج وجـنـاء عـيهـل‬ ‫وليل دجوجـي سـريت ظـلمـه‬
‫كريم المحـيا سـيد مـتـفـضـل‬ ‫إلى ملك مـن آل مـروان مـاجـد‬
‫ويسبقها فـي كـل يوم تـفـضـل‬ ‫يجود إذا أضنت قريش بـرفـدهـا‬
‫مراها بمسنون الغرارين مـنـجـل‬ ‫أبوه أبو العاصي إذا الحرب شمـرت‬
‫صبور عليها غير نكس مـهـلـل‬ ‫وقور إذا هاجت به الحرب مـرجـم‬
‫وقد أدبروا وارتاب كل مـضـلـل‬ ‫أقام لهـل الرض دين مـحـمـد‬
‫وعز بحزم كـل قـرم مـحـجـل‬ ‫فما زال حتى قـوم الـدين سـيفـه‬
‫قتيل وناج فـوق أجـرد هـيكـل‬ ‫وغادر أهل الشك شتى‪ ،‬فمـنـهـم‬
‫تباشيره في العارض المـتـهـلـل قال عاصم‪ :‬يعني بهذا المدح محمد بن‬ ‫نجا من رماح القوم قدما وقـد بـدا‬
‫‪ .‬مروان لما قتل مصعب بن الزبير بدير الجاثليق ‪ .‬وكان محمد بن مروان يقوم بأمره‪ ،‬ويوليه العمال‪ ،‬ويشفع له إلى أخيه‬
‫حواره مع ابن عم له لمه في تبذيره‪ :‬أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن الهيثم قال حدثنا العمري عن عطاء بن‬
‫مصعب عن عاصم بن الحدثان قال‪ :‬قال عبد الله بن الحشرج لبن عم له لمه في إنهاب ماله وتبذيره إياه‪ ،‬وقال له فيما يقول‪:‬‬
‫امرأتك كانت أعلم بك‪ ،‬نصحتك فكافأتها بالطلق‪ ،‬فقال له‪ :‬يابن عم‪ ،‬إن المرأة لم تخلق للمشورة‪ ،‬وإنما خلقت وثارا للباءة ‪.‬‬
‫ووالله إن الرشد واليمن لفي خلف المرأة‪ .‬يابن عم إياك واستماع كلم النساء والخذ به؛ فإنك إن أخذت به ندمت‪ .‬فقال له‬
‫‪:‬ابن عمه‪ :‬والله ليوشكن أن تحتاج يوما إلى بعض ما أتلفت فل تقدر عليه ول يخلفه عليك هن وهن ‪ .‬فقال ابن الحشرج‬
‫وتعذلني فيمـا أفـيد وأتـلـف‬ ‫وعاذلة هبت بليل تـلـومـنـي‬
‫أتيت الذي كانت لدي تـوكـف‬ ‫تلومتها حتى إذا هـي أكـثـرت‬
‫ومثلي تحاماه اللد المغطـرف‬ ‫وقلت عليك الفج أكثرت في الندى‬
‫أب وجدود مجدها ليس يوصـف‬ ‫أبى لي ما قد سمتني غير واحـد‬
‫إذا ذكروا فالعين منـي تـذرف‬ ‫كهول وشبان مضوا لسبـيلـهـم‬
‫وعندهم يرجو الحيا متـلـهـف‬ ‫هم الغيث إن ضنت سماء بقطرها‬
‫تظل بأنواع المنـية تـصـرف‬ ‫وحرب يخاف الناس شدة عرهـا‬

‫صفحة ‪1309 :‬‬

‫إذا فنيت أضحت لهم وهي تعصـف‬ ‫حموها وقاموا بالسيوف لحـمـيهـا‬
‫بأسيافهم والقوم فيهـم تـعـجـرف‬ ‫فلما أبت إل طمـاحـا تـنـمـروا‬
‫إذا ما اشتهى قومي وذو الذل ينصف‬ ‫فذلت وأعطت بالـقـياد وأذعـنـت‬
‫من الشر تارات وطورا تقفـقـف‬ ‫وكانت طموح الرأس يصرف نابهـا‬
‫تأبت علـينـا والسـنة تـرعـف‬ ‫فلما امترينا بالسيوف خـلـوفـهـا‬
‫وكنا رمامـا لـلـذي يتـصـلـف قال لبن زوي شعرا لنه لمه في تبذيره‪:‬‬ ‫فدرت طباقا وأرعوت بعد جهلـهـا‬
‫‪:‬قال‪ :‬وقال عبد الله بن الحشرج لرفاعة بن زوي النهدي فيما كان يلومه فيه من التبذير والجود‬
‫ببذلي وجودي جرت عن منهج القصد‬ ‫ألم على جودي وما خلـت أنـنـي‬
‫سأبذل مالي في الرخاء وفي الجهـد‬ ‫فيا لئمي في الجود أقصر فـإنـنـي‬
‫ول شيء خير في الحديث من الحمد‬ ‫وجدت الفتى يفنى وتبقـى فـعـالـه‬
‫أصير جاري بين أحشاي والـكـبـد‬ ‫وإني بالله احـتـيالـي وحـرفـتـي‬
‫علي وآتي ما أتيت عـلـى عـمـد‬ ‫أرى حقه في الناس ما عشت واجبـا‬
‫وصيرني دهري إلـى مـائق وغـد‬ ‫وصاحب صدق كان لي ففـقـدتـه‬
‫ويعدو على الجيران كالسـد الـورد‬ ‫يلـوم فـعـالـي كـل يوم ولــيلة‬
‫ويأنف أن يمشي على منهج الرشـد‬ ‫يخالفني فـي كـل حـق وبـاطـل‬
‫له‪ :‬النهج فاركب يا عسيف بني نهـد مدحه زيد العجم فوصله‪ :‬أخبرني‬ ‫فلما تمادى قلـت غـير مـسـامـح‬
‫هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل العتكي قال حدثنا ابن عائشة قال‪ :‬وفد زياد العجم على عبد الله بن‬
‫‪:‬الحشرج الجعدي وهو بسابور أمير عليها‪ ،‬فأمر بإنزاله وألطفه وبعث إليه ما يحتاج إليه‪ .‬ثم غدا عليه زياد فأنشده‬
‫في قبة ضربت على ابن الحشرج‬ ‫إن السماحة والمـروءة والـنـدى‬
‫للمعتفين يمـينـه لـم تـشـنـج‬ ‫ملـك أغـر مـتـوج ذو نـائل‬
‫بعد النبي المصطفى المتـحـرج‬ ‫يا خير من صعد المنابر بالتـقـى‬
‫ألفيت باب نوالـكـم لـم يرتـج قال‪ :‬فأمر له بعشر آلف درهم‬ ‫‪ .‬لما أتيتـك راجـيا لـنـوالـكـم‬
‫وقد قيل‪ :‬إن البيات التي ذكرتها وفيها الغناء ونسبتها إلى عبد الله بن الحشرج لغيره‪ .‬والقول الصح هو الول‪ .‬أخبرني بذلك‬
‫محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثنا العمري عن هشام بن الكلبي‪ :‬أنه سمع أبا باسل الطائي ينشد‬
‫هذا الشعر‪ ،‬فقلت‪ :‬لمن هو? فقال‪ :‬لعمي عنترة بن الخرس ‪ .‬قال‪ :‬وكان جدي أخرس‪ ،‬فولد له سبعة أو ثمانية كلهم شاعر أو‬
‫‪ .‬خطيب ‪ .‬ولعل هذا من أكاذيب ابن الكلبي‪ ،‬أو حكاه عن رجل أدعى فيه ما ل يعلم‬
‫‪:‬صوت‬
‫وريح الخزامى غضة من ثرى جعد‬ ‫أصاح هل من سـبـيل إلـى نـجـد‬
‫فنشفي جوى الحزان من لعج الوجد عروضه من الطويل‪ .‬الشعر‬ ‫وهل لليالينا بذي الـرمـث مـرجـع‬
‫‪ .‬للطرماح بن حكيم‪ .‬والغناء ليحيى المكي‪ ،‬ثقيل أول بالبنصر من كتابه‬

‫أخبار الطرماح ونسبه‬


‫نسب الطرماح وبعض أخباره‪ :‬هو الطرماح بن حكيم بن الحكم بن نفر بن قيس بن جحدر بن ثعلبة بن عبد رضا بن مالك بن‬
‫أمان بن عمرو بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء‪ .‬ويكنى أبا نفر‪ .‬وأبا ضبينة ‪ .‬والطرماح‪ :‬الطويل القامة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه كان يلقب الطراح‪ .‬أخبرني بذلك أحمد ابن عبد العزيز الجوهري قال حدثني علي بن محمد النوفلي عن أبيه قال‪:‬‬
‫‪ :‬كان الطرماح بن حكيم يلقب الطراح لقوله‪ :‬صوت‬
‫بصبح وما الصباح منك بأروح‬ ‫أل أيها الليل الطويل أل ارتـح‬
‫بطرحهما طرفيهما كل مطرح في هذين البيتين لحمد بن المكي ثقيل أول‬ ‫بلى إن للعينين في الصبح رحمة‬
‫‪ .‬بالوسطى من كتابه‬
‫والطرماح من فحول الشعراء وفصحائهم‪ .‬ومنشؤه بالشام‪ ،‬وانتقل إلى الكوفة بعد ذلك مع من وردها من جيوش أهل الشام‪،‬‬
‫‪ .‬واعتقد مذهب الشراة الزارقة‬

‫صفحة ‪1310 :‬‬

‫أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن المدائني عن أبي بكر الهذلي قال‪ :‬قدم الطرماح بن حكيم الكوفة‪،‬‬
‫فنزل في تيم اللت بن ثعلبة‪ ،‬وكان فيهم شيخ من الشراة له سمت وهيئة‪ ،‬وكان الطرماح يجالسه ويسمه منه‪ ،‬فرسخ كلمه‬
‫‪ .‬في قلبه‪ ،‬ودعاه الشيخ إلى مذهبه‪ ،‬فقبله واعتقده أشد اعتقاد وأصحه‪ ،‬حتى مات عليه‬
‫أخبرني ابن دريد قال حدثنا عبد الرحمن بن أخي الصمعي عن عمه قال قال رؤبة‪ :‬كان الطرماح والكميت يصيران إلي‬
‫‪ .‬فيسألني عن الغريب فأخبرهما به‪ ،‬فأراه بعد في أشعارهما‬
‫أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال سمعت محمد بن حبيب يقول‪ :‬سألت ابن العرابي عن ثماني عشرة مسألة كلها من‬
‫‪ .‬غريب شعر الطرماح‪ ،‬فلم يعرف منها واحدة‪ ،‬يقول في جميعها‪ :‬ل أدري‪ ،‬ل أدري‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬وأخبرنا إبراهيم بن أيوب قال حدثنا ابن قتيبة‪ ،‬قال‪ :‬كان الكميت‬
‫بن زيد صديقا للطرماح‪ ،‬ل يكادان يفترقان في حال من أحوالهما‪ .‬فقيل للكميت‪ :‬ل شيء أعجب من صفاء ما بينك وبين‬
‫الطرماح على تباعد ما يجمعكما من النسب والمذهب والبلد ‪ :‬هو شآمي قحطاني شاري‪ ،‬وأنت كوفي نزاري شيعي‪ ،‬فكيف‬
‫‪:‬اتفقتما مع تباين المذهب وشدة العصبية? فقال‪ :‬اتفقنا على بغض العامة‪ .‬قال‪ :‬وأنشد الكميت قول الطرماح‬
‫عرى المجد واسترخى عنان القصائد فقال‪ :‬إي والله وعنان الخطابة‬ ‫إذا قبضت نفس الطرماح أخلـقـت‬
‫‪ .‬والرواية والفصاحة والشجاعة‪ .‬وقال عمر بن شبة‪ :‬والسماحة مكان الشجاعة‬
‫وفد على مخلد بن زياد ومعه الكميت وقصتهما في ذلك‪ :‬نسخت من كتب جدي لمي يحيى بن محمد بن ثوابة رحمه الله تعالى‬
‫بخطه قال حدثني الحسن بن سعيد عن محمد بن حبيب عن ابن العرابي قال‪ :‬وفد الطرماح بن حكيم والكميت بن زيد على‬
‫مخلد بن يزيد المهلبي‪ ،‬فجلس لهما ودعاهما ‪ .‬فتقدم الطرماح لينشد؛ فقال له‪ :‬أنشدنا قائما‪ .‬فقال‪ :‬كل والله ما قدر الشعر أن‬
‫أقوم له فيحط مني بقيامي وأحط منه بضراعتي‪ ،‬وهو عمود الفخر وبيت الذكر لمآثر العرب‪ .‬قيل له‪ :‬فتنح‪ .‬ودعي بالكميت‬
‫فأنشد قائما‪ ،‬فأمر له بخمسين ألف درهم‪ .‬فلما خرج الكميت شاطرها الطرماح‪ ،‬وقال له‪ :‬أنت أبا ضبينة أبعد همة وأنا ألطف‬
‫‪ .‬حيلة‪ .‬وكان الطرماح يكنى أبا نفر وأبا ضبينة‬
‫كان هو والكميت في مسجد الكوفة فقصدهما ذو الرمة فاستنشدهما وأنشدهما‪ :‬ونسخت من كتابه رضي الله عنه‪ :‬أخبرني‬
‫الحسن بن سعيد قال أخبرني ابن علق قال أخبرني شيخ لنا أن خالد بن كلثوم أخبره قال‪ :‬بينا أنا في مسجد الكوفة أريد‬
‫الطرماح والكميت وهما جالسان بقرب باب الفيل‪ ،‬إذ رأيت أعرابيا قد جاء يسحب أهداما له‪ ،‬حتى إذا توسط المسجد خر‬
‫ساجدا‪ ،‬ثم رمى ببصره فرأى الكميت والطرماح فقصدهما‪ .‬فقلت‪ :‬من هذا الحائن الذي وقع بين هذين السدين وعجبت من‬
‫سجدته في غير موضع سجود وغير وقت صلة فقصدته‪ ،‬ثم سلمت عليهم ثم جلست أمامهم‪ .‬فالتفت إلي الكميت فقال‪:‬‬
‫‪:‬أسمعني شيئا يا أبا المستهل؛ فأنشده قوله‬
‫أبت هذه النفس إل ادكارا حتى أتى على آخرها‪ .‬فقال له‪ :‬أحسنت والله يا أبا المستهل في ترقيص هذه القوافي ونظم عقدها‬
‫‪:‬ثم التفت إلى الطرماح فقال‪ :‬أسمعني شيئا يا أبا ضبينة؛ فأنشده كلمته التي يقول فيها‬
‫نعم والنوى قطاعة للقـرائن فقال‪ :‬لله در هذا الكلم ما أحسن إجابته لرويتك‬ ‫أساءك تقويض الخليط المباين‬
‫إن كدت لطيل لك حسدا‪ .‬ثم قال العرابي‪ :‬والله لقد قلت بعدكما ثلثة أشعار‪ ،‬أما أحدها فكدت أطير به إلى السماء فرحا‪.‬‬
‫وأما الثاني فكدت أدعي به الخلفة‪ .‬وأما الثالث فرأيت رقصانا استفزني به الجذل حتى أتيت عليه‪ .‬قالوا‪ :‬فهات؛ فأنشدهم قوله‬
‫‪:‬‬
‫ماء الصبابة من عينيك مسجوم حتى إذا بلغ قوله‬ ‫‪:‬أأن توهمت من خرقاء منـزلة‬
‫وابتل بالزبد الجعد الخراطيم قال‪ :‬أعلمتم أني في هذا البيت منذ سنة‪ ،‬فما‬ ‫تنجو إذ جعلت تدمى أخشتها‬
‫‪:‬ظفرت به إل آنفا‪ ،‬وأحسبكم قد رأيتم السجدة له‪ .‬ثم أسمعهم قوله‬
‫‪:‬ما بال عينك منها الماء ينسكب ثم أنشدهم كلمته الخرى التي يقول فيها‬
‫بأمثال أبصار النساء الفوارك‬ ‫إذا الليل عن نشز تجلى رمينه‬

‫صفحة ‪1311 :‬‬

‫قال‪ :‬فضرب الكميت بيده على صدر الطرماح‪ ،‬ثم قال‪ :‬هذه والله الديباج ل نسجي ونسجك الكرابيس ‪ .‬فقال الطرماح‪ :‬لن‬
‫‪:‬أقول ذلك وإن أقررت بجودته‪ .‬فقطب ذو الرمة وقال‪ :‬يا طرماح أأنت تحسن أن تقول‬
‫إليك ومن أحواض ماء مسدم‬ ‫وكائن تخطت ناقتي من مفازة‬
‫نوادر صيصاء الهبيد المحطم فأصغى الطرماح إلى الكميت وقال له‪ :‬فانظر ما‬ ‫بأعقاره القردان هزلى كأنها‬
‫أخذ من ثواب هذا الشعر قال‪ :‬وهذه قصيدة مدح بها ذو الرمة عبد الملك‪ ،‬فلم يمدحه فيها ول ذكره إل بهذين البيتين‪ ،‬وسائرها‬
‫في ناقته‪ .‬فلما قدم على عبد الملك بها أنشده إياها‪ .‬فقال له‪ :‬ما مدحت بهذه القصيدة إل ناقتك‪ ،‬فخذ منها الثواب‪ .‬وكان ذو‬
‫الرمة غير محظوظ من المديح فلم يفهم ذو الرمة قول الطرماح للكميت‪ .‬فقال له الكميت‪ :‬إنه ذو الرمة وله فضله‪ ،‬فأعتبه‬
‫‪ .‬فقال له الطرماح‪ :‬معذرة إليك إن عنان الشعر لفي كفك‪ ،‬فارجع معتبا‪ ،‬وأقول فيك كما قال أبو المستهل‬
‫مر يخطر بمسجد البصرة فسأل عنه رجل فأنشد هو شعرا‪ :‬أخبرني الحسن بن علي ومحمد بن يحيى الصولي قال حدثنا‬
‫الحسن بن عليل العنزي قال حدثني محمد بن إبراهيم بن عباد قال حدثني أبو تمام الطائي قال‪ :‬مر الطرماح بن حكيم في‬
‫‪:‬مسجد البصرة وهو يخطر في مشيته‪ .‬فقال رجل‪ :‬من هذا الخطار? فسمعه فقال‪ :‬أنا الذي يقول‪ :‬صوت‬
‫بغيض إلى كل امرئ غير طائل‬ ‫لقد زادني حبا لنـفـس أنـنـي‬
‫شقيا بهم إل كريم الـشـمـائل‬ ‫وأني شقي بالـلـئام ول تـرى‬
‫وبيني فعل العارف المتجاهـل‬ ‫إذا ما رآني قطع اللحظ بـينـه‬
‫من الضيق في عينيه كفة حابل في هذه البيات لبي العبيس بن حمدون خفيف‬ ‫ملت عليه الرض حتى كأنهـا‬
‫‪ .‬ثقيل أول بالبنصر‬
‫قصته مع خالد القسري حين وفد عليه بمدح‪ :‬أخبرني محمد بن خلف وكيع قال أخبرنا إسماعيل بن مجمع قال حدثنا هشام بن‬
‫محمد قال أخبرنا ابن أبي العمرطة الكندي قال‪ :‬مدح الطرماح خالد بن عبد الله القسري‪ ،‬فأقبل على العريان بن الهيثم فقال‪:‬‬
‫إني قد مدحت المير فأحب أن تدخلني عليه‪ .‬قال‪ :‬فدخل إليه فقال له‪ :‬إن الطرماح قد مدحك وقال فيك قول حسنا‪ .‬فقال‪ :‬ما‬
‫لي في الشعر من حاجة‪ .‬فقال العريان للطرماح‪ :‬تراء له‪ .‬فخرج معه ‪ ،‬فلما جاوز دار زياد وصعد المسناة إذا شيء قد ارتفع‬
‫له‪ ،‬فقال‪ :‬يا عريان انظر‪ ،‬ما هذا? فنظر ثم رجع فقال‪ :‬أصلح الله المير هذا شيء بعث به إليك عبد الله بن أبي موسى من‬
‫سجستان؛ فإذا حمر وبغال ورجال وصبيان ونساء‪ .‬فقال‪ :‬يا عريان‪ ،‬أين طرماحك هذا? قال‪ :‬ها هنا‪ .‬قال‪ :‬أعطه كل ما قدم به‪.‬‬
‫‪ .‬فرجع إلى الكوفة بما شاء ولم ينشده‪ .‬قال هشام‪ :‬والطرماح‪ :‬الطويل‬
‫سمع بيتا لكثير في عبد الملك فقال لم يمدحه بل موه‪ :‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال حدثني‬
‫‪:‬الحجاجي قال‪ :‬بلغني أن الطرماح جلس في حلقة فيها رجل من بني عبس‪ ،‬فأنشد العبسي قول كثير في عبد الملك‬
‫وجال المنيح وسطها يتقلقـل فقال الطرماح‪ :‬أما إنه ما أراد به أنه أعلهم‬ ‫فكنت المعلى إذ أجيلت قداحهم‬
‫كعبا‪ ،‬ولكنه موه عليه في الظاهر وعنى في الباطن أنه السابع من الخلفاء الذين كان كثير ل يقول بإمامتهم؛ لنه أخرج عليا‬
‫عليه السلم منهم‪ ،‬فإذا أخرجه كان عبد الملك السابع‪ ،‬وكذلك المعلى السابع من القداح؛ فذلك قال ما قاله‪ .‬وقد ذكر ذلك في‬
‫‪:‬موضع آخر فقال‬
‫ل لله كـلـهـم تـابـعـا‬ ‫وكان الخلئف بعد الرسـو‬
‫وكان ابن حرب لهم رابعـا‬ ‫شيدان من بعد صـديقـهـم‬
‫مطيعا لمن قبله سـامـعـا‬ ‫وكان ابنه بعده خـامـسـا‬
‫وكان ابنه بعده سـابـعـا قال‪ :‬فعجبنا من تنبه الطرماح لمعنى قول كثير‪ ،‬وقد‬ ‫ومروان سادس من قد مضى‬
‫‪ .‬ذهب على عبد الملك فظنه مدحا‬
‫فضله أبو عبيدة والصمعي ببيتين له‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ قال‪ :‬كان أبو عبيدة‬
‫‪:‬والصمعي يفضلن الطرماح في هذين البيتين‪ ،‬ويزعمان أنه فيهما أشعر الخلق‬
‫قددا وأخلف ما سواه البرجد‬ ‫مجتاب حلة برجد لسـراتـه‬
‫سيف على شرف يسل ويغمد‬ ‫يبدو وتضمره البلد كـأنـه‬

‫صفحة ‪1312 :‬‬

‫أثنى أبو نواس على بيت له‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ قال قال أبو نواس‪ :‬أشعر بيت قيل بيت‬
‫‪:‬الطرماح‬
‫عرى المجد واسترخى عنان القصائد‬ ‫إذا قبضت نفس الطرماح أخلـقـت‬
‫مناقضة بينه وبين حميد اليشكري‪ :‬أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي عبيدة قال‪ :‬فضل الطرماح بني شمخ‬
‫‪:‬في شعره على بني يشكر؛ فقال حميد اليشكري‬
‫ونبهان فأف لذا زمـانـا‬ ‫أتجعلنا إلى شمخ بن جرم‬
‫ولم تخضب بها طي سنانا فقال الطرماح يجيبه‬ ‫‪:‬ويوم الطالقان حماك قومي‬
‫برمثة يوم رمثة إذ دعانا‬ ‫لقد علم المعذل يوم يدعو‬
‫بكى جزعا ولولهم لحانا فقال رجل من بني يشكر‬ ‫‪:‬فوراس طييء منعوه لما‬
‫بالحق بين حميد والطـرمـاح‬ ‫لقضين قضاء غير ذي جـنـف‬
‫وغودر العبد مقرونا بـوضـاح يعني رجل من بني تميم كان يهاجي اليشكري‬ ‫جرى الطرماح حتى دقق مسحله‬
‫‪.‬‬
‫شعر له في الشراة‪ :‬أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا الرياشي قال قال الصمعي قال خلف‪ :‬كان الطرماح يرى رأي‬
‫‪:‬الشراة‪ ،‬ثم أنشد له‬
‫إذا الكرى مال بالطلى أرقوا‬ ‫للـه در الـشـراة إنـهـم‬
‫وإن عل ساعة بهم شهقـوا‬ ‫يرجعـون الـحـنـين آونة‬
‫تكاد عنها الصدور تنفـلـق‬ ‫خوفا تبيت القلـوب واجـفة‬
‫وقد مضى مؤنسي فانطلقوا‬ ‫كيف أرجي الحياة بعـدهـم‬
‫بالفوز مما يخاف قد وثقـوا أنشد خالدا القسري شعرا في الشكوى فأجازه‪:‬‬ ‫قوم شحاح على اعتقـادهـم‬
‫أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة عن يونس قال‪ :‬دخل الطرماح على خالد بن‬
‫‪:‬عبد الله القسري فأنشده قوله‬
‫بغير غنى أسمو بـه وأبـوع‬ ‫وشيبني ما ل أزال مناهـضـا‬
‫لهم عند أبواب الملوك شفـيع‬ ‫وان رجال المال أضحوا ومالهم‬
‫من المال ما أعصى به وأطيع فأمر له بعشرين ألف درهم وقال‪ :‬امض الن‬ ‫أمخترمي ريب المنون ولم أنل‬
‫‪ .‬فاعص بها وأطع‬
‫قال المفضل‪ :‬كأنه يوحى إليه‪ ،‬في الهجاء‪ .‬ثم أنشد من هجائه‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن‬
‫‪:‬مهروية قال حدثنا حذيفة بن محمد الكوفي قال قال المفضل‪ :‬إذا ركب الطرماح الهجاء فكأنما يوحى إليه‪ ،‬ثم أنشد له قوله‬
‫حوض الرسول عليه الزد لم ترد‬ ‫لو حان ورد تميم ثـم قـيل لـهـا‬
‫إن لم تعد لقتال الزد لـم تـعـد‬ ‫أو أنزل الله وحـيا أن يعـذبـهـا‬
‫على تميم يريد النصر مـن أحـد‬ ‫ل عز نصر امرئ أضحى له فرس‬
‫من خلقه خفيت عنه بـنـو أسـد افتقده بعض أصحابه فلم يرعهم إل نعشه‪:‬‬ ‫لو كان يخفى على الرحمن خافـية‬
‫أخبرني إسماعيل بن يونس قال أخبرنا عمر بن شبة قال حدثني المدائني قال حدثني ابن دأب عن ابن شبرمة‪ ،‬وأخبرني محمد‬
‫بن القاسم النباري قال أخبرني أبي قال حدثني الحسن بن عبد الرحمن الربعي قال حدثني محمد بن عمران قال حدثني‬
‫إبراهيم بن سوار الضبي قال حدثني محمد بن زياد القرشي عن ابن شبرمة قال‪ :‬كان الطرماح لنا جليسا ففقدناه أياما كثيرة‪،‬‬
‫فقمنا بأجمعنا لننظر ما فعل وما دهاه‪ .‬فلما كنا قريبا من منزله إذا نحن بنعش عليه مطرف أخضر‪ ،‬فقلنا‪ :‬لمن هذا النعش?‬
‫‪:‬فقيل‪ :‬هذا نعش الطرماح‪ .‬فقلنا‪ :‬والله ما استجاب الله له حيث يقول‬
‫به وبنفسي العام إحدى الـمـقـاذف‬ ‫وإني لمـقـتـاد جـوادي وقـاذف‬
‫من الله يكفيني عـدات الـخـلئف‬ ‫لكـسـب مـال أو أؤول غـنــى‬
‫على شرجع يعلى بخضر المطارف‬ ‫فيا رب إن حانت وفاتي فل تـكـن‬
‫بجو من السماء في نسور عواكـف‬ ‫ولكن قبري بطن نـسـر مـقـيلـه‬
‫يصابون في فج من الرض خـائف‬ ‫وأمسي شهيدا ثاويا فـي عـصـابة‬
‫تقى الله تزالون عنـد الـتـزاحـف‬ ‫فوارس من شيبـان ألـف بـينـهـم‬
‫وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف صوت‬ ‫‪:‬إذا فارقوا دنـياهـم فـارقـوا الذى‬

‫صفحة ‪1313 :‬‬

‫باق فيسمع صوت المدلج الساري‬ ‫هل بالديار التي بالقاع مـن أحـد‬
‫حي يجيب ول أصوات سـمـار الشعر لبيهس الجرمي‪ .‬والغناء لبن محرز‬ ‫تلك المنازل من صفراء ليس بها‬
‫ثاني ثقيل بالبنصر‪ ،‬عن عمرو وقال ذكر ذلك يحيى المكي‪ ،‬وأظنه من المنحول‪ .‬وفيه لطياب بن إبراهيم الموصلي خفيف ثقيل‪،‬‬
‫‪:‬وهو مأخوذ من لحن ابن صاحب الوضوء‬
‫ارفع ضعيفك ول يحر بك ضعفه‬
‫أخبار بيهس ونسبه‬
‫نسبه‪ :‬هو بيهس بن صهيب بن عامر بن عبد الله بن ناتل بن مالك بن عبيد بن علقمة بن سعد بن كثير بن غالب بن عدي بن‬
‫سميس بن طرود بن قدامة بن جرم بن ربان بن حلوان بن عمران ابن إلحاف بن قضاعة‪ ،‬شاعر فارس من شعراء الدولة‬
‫‪ .‬الموية‪ .‬وكان يبدو بنواحي الشام مع قبائل جرم وكلب وعذرة‪ ،‬ويحضر إذا حضروا فيكون بأجناد الشام‬
‫اتهم بقتل غلم بن قيس فاستجار بمحمد بن مروان‪ :‬قال أبو عمرو الشيباني‪ :‬لما هدأت الفتنة بعد وقعة مرج راهط وسكن‬
‫الناس‪ ،‬مر غلم من قيس بطوائف من جرم وعذرة وكلب‪ ،‬وكانوا متجاورين على ماء هناك لهم‪ .‬فيقال‪ :‬إن بعض أحداثهم نخس‬
‫به ناقته فألقته‪ ،‬فاندقت عنقه فمات‪ .‬واستعدى قومه عبد الملك بن مروان‪ ،‬فبعث إلى تلك البطون من جاءه بوجوههم وذوي‬
‫الخطار منهم‪ ،‬فهرب بيهس بن صهيب الجرمي وكان قد اتهم بأنه هو الذي نخس به فنزل بمحمد بن مروان واستجار به‪،‬‬
‫‪ .‬فأجاره إل من حد توجبه عليه شهادة‪ ،‬فرضي بذلك‬
‫‪:‬صوت‬
‫فإني إلى أصواتكـن حـرين‬ ‫أل يا حمامات اللوى عدن عودة‬
‫وكدت باسراري لهـن أبـين‬ ‫فعدن فلما عدن يمـتـنـنـي‬
‫شربن حميا أو بهن جـنـون‬ ‫دعون بأصوات الهديل كأنمـا‬
‫بكين ولم تدمع لهـن عـيون الشعر لعرابي‪ ،‬هكذا أنشدناه جعفر بن قدامة عن‬ ‫فلم تر عيني مثلهن حمـائمـا‬
‫أحمد بن حمدون عن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل‪ .‬والغناء لمحمد بن الحارث بن بسخنر خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي‪.‬‬
‫‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن الشعر لبن الدمينة‬

‫أخبار محمد بن الحارث بن بسخنر‬


‫نسبه وبعض أخباره‪ :‬هو محمد بن الحارث بن بسخنر‪ ،‬ويكنى أبا جعفر‪ .‬وهم فيما يزعمون‪ ،‬موالي المنصور‪ .‬وأحسبه ولء خدمة‬
‫ول ولء عتق‪ .‬وأصلهم من الري‪ .‬وكان محمد يزعم من ولد بهرام جوبين ‪ .‬وولد محمد بالحيرة ‪ .‬وكان يغني مرتجل‪ ،‬إل أن أصل‬
‫ما غنى عليه المعزفة‪ ،‬وكانت تحمل معه إلى دار الخليفة‪ .‬فمر غلمه بها يوما‪ ،‬فقال قوم كانوا جلوسا على الطريق‪ :‬مع هذا‬
‫الغلم مصيدة الفأر‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬ل‪ ،‬بل هي معزفة محمد بن الحارث‪ .‬فحلف يومئذ بالطلق والعتاق أل يغني بمعزفة أبدا أنفة‬
‫من أن تشتبه آلة يغني بها بمصيدة الفأر‪ .‬وكان محمد أحسن خلق الله تعالى أداء وأسرعه أخذا للغناء‪ ،‬وكان لبيه الحارث بن‬
‫بسخنر جوار محسنات‪ .‬وكان إسحاق يرضاهن ويأمرهن أن يطرحن على جواريه‪ .‬وقال يوما للمأمون وقد غنى مخارق بين يديه‬
‫صوتا فآلتاث غناؤه فيه وجاء به مضطربا‪ ،‬فقال إسحاق للمأمون‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إن مخارقا قد أعجبه صوته وساء أداؤه في‬
‫‪ .‬غنائه‪ ،‬فمره بملزمة جواري الحارث بن بسخنر حتى يعود إلى ما تريد‬
‫هو أفضل من أخذ عن إسحاق أصواتا‪ :‬أخبرني جحظة قال حدثني أبو عبد الله الهشامي قال‪ :‬سمعت إسحاق بن إبراهيم بن‬
‫مصعب يقول للواثق‪ :‬قال لي إسحاق بن إبراهيم الموصلي‪ :‬ما قدر أحد قط أن يأخذ مني صوتا مستويا إل محمد بن الحارث بن‬
‫بسخنر‪ ،‬فإنه أخذ مني عدة أصوات كما أغنيها‪ .‬ثم لم نلبث أن دخل علينا محمد بن الحارث‪ .‬فقال له الواثق‪ :‬حدثني إسحاق بن‬
‫إبراهيم عن إسحاق الموصلي فيك بكذا وكذا‪ .‬فقال‪ :‬قد قال إسحاق ذاك لي مرات‪ .‬فقال له الواثق‪ :‬فأي شيء أخذت من‬
‫‪:‬صنعته أحسن عندك? فقال‪ :‬هو يزعم أنه لم يأخذ منه أحد قط هذا الصوت كما أخذته منه‪ :‬صوت‬
‫وثلم تـثـلـيم النـاء جـوانـبـه‬ ‫إذا المرء قاسى الدهر وابيض رأسه‬
‫على العيش أو رجى الذي هو كاذبه‬ ‫فليس له في العيش خير وإن بكـى‬

‫صفحة ‪1314 :‬‬

‫الشعر والغناء لسحاق‪ ،‬ولحنه فيه رمل بالوسطى فأمره الواثق بأن يغنيه‪ ،‬فغناه إياه وأحسن ما شاء وأجاد‪ .‬واستحسنه الواثق‬
‫وأمر بأن يردده‪ ،‬فردده مرارا كثيرة‪ ،‬حتى أخذه الواثق وأخذه جواريه والمغنون‪ .‬قال جحظة قال الهشامي فحدثت بهذا الحديث‬
‫عمرو بن بانة فقال‪ :‬ما خلق الله تعالى أحدا يغني هذا الصوت كما يغنيه هبة الله بن إبراهيم بن المهدي‪ .‬فقلت له‪ :‬قد سمعت‬
‫ابن إبراهيم يغنيه‪ ،‬فاسمعه من محمد ثم احكم‪ .‬فلقيني بعد ذلك فقال‪ :‬المر كما قلت‪ ،‬قد سمعته من محمد فسمعت منه‬
‫‪ .‬الحسان كله‬
‫ردد صوتا آخر من جارية أخرى‪ :‬أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال‪ :‬كنت يوما في منزلي‪ ،‬فجاءني‬
‫محمد بن الحارث بن بسخنر مسلما وعائدا من علة كنت وجدتها؛ فسألته أن يقيم عندي ففعل‪ ،‬ودعوت بما حضر فأكلنا وشربنا‪،‬‬
‫‪:‬وغنى محمد بن الحارث هذا الصوت‪ :‬صوت‬
‫وقلبك مشغول بخودك مـولـع‬ ‫أمن ذكر خود عينك اليوم تدمـع‬
‫أهذا فراق الحب أم كيف تصنع‬ ‫وقائلة لي يوم وليت معـرصـا‬
‫يفرق بين الناس طرا ويجمـع أصل هذا الصوت يمان هزج بالوسطى‪ .‬قال‬ ‫فقلت كذاك الدهر يا خود فاعلمي‬
‫الهشامي‪ :‬وفيه لفليح ثاني ثقيل‪ ،‬ولسحاق خفيف رمل قال علي بن يحي‪ :‬فقلت له وقد ردد هذا الصوت مرارا وغناه أشجى‬
‫غناء‪ :‬إن لك في هذا الصوت معنى‪ ،‬وقد كررته من غير أن يقترحه عليك أحد‪ .‬فقال‪ :‬نعم هذا صوتي على جارية من القيان كنت‬
‫‪:‬أحبها وأخذته منها‪ .‬فقلت له‪ :‬فلم ل تواصلها? فقال‬
‫لكنني نكت فل نكـت فأجبته فقلت‬ ‫‪:‬لو لم أنكها دام لي حبها‬
‫فارفق بنيكك إن الرفق محمود أخذ جواري الواثق منه غناء أخذه من‬ ‫أكثرت من نيكها والنيك مقطعة‬
‫‪ :‬إسحاق‪ :‬وأخبرني جعفر بن قدامة بن علي بن يحيى أن إسحاق غنى بحضرة الواثق لحنه‬
‫أمام المطايا تشرئب وتسـنـح‬ ‫ذكرتك إذ مرت بنـا أم شـادن‬
‫شعاع الضحى في متنها يتوضح والشعر لذي الرمة‪ ،‬ولحن إسحاق فيه ثقيل‬ ‫من المؤلفات الرمل أدماء حرة‬
‫أول فأمره الواثق أن يعيده على الجواري‪ ،‬وأحلفه بحياته أن ينصح فيه‪ .‬فقال‪ :‬ل يستطيع الجواري أن يأخذنه مني‪ ،‬ولكن يحضر‬
‫‪ .‬محمد بن الحارث فيأخذه مني وتأخذه الجواري منه‪ :‬فأحضر وألقاه عليه‪ ،‬فأخذه منه‪ ،‬وأخذته الجواري منه‬
‫أخبرني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل المعروف بوسواسة الموصلي قال حدثني حماد بن إسحاق قال‪ :‬قال لي محمد بن‬
‫‪ :‬الحارث بن بسخنر‪ :‬أخذت جارية الواثق مني صوتا أخذته من أبيك‪ ،‬وهو ‪ :‬صوت‬
‫واكتسى الرأس من مشيب قناعا‬ ‫أصبح الشيب في المفارق شاعا‬
‫ثم يأبى الـقـلـيل إل وداعـا الشعر والغناء لسحاق ثقيل أول قال‪ :‬فسمعه الواثق‬ ‫وتوالى الشـبـاب إل قـلـيل‬
‫منها‪ ،‬فاستحسنه وقال لعلويه ومخارق‪ :‬أتعرفانه? فقال مخارق‪ :‬أظنه لمحمد بن الحارث‪ .‬فقال علويه‪ :‬هيهات ليس هذا مما‬
‫يدخل في صنعة محمد‪ ،‬هو يشبه صنعة ذلك الشيطان إسحاق‪ .‬فقال له الواثق‪ :‬ما أبعدت‪ .‬ثم بعث إلي فأخبرني بالقصة ؛‬
‫‪ .‬فقلت‪ :‬صدق علويه يا أمير المؤمنين‪ ،‬هذا لسحاق ومنه أخذته‬
‫غنت جارية صوتا أخذته عنه فأكرمها‪ :‬حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني عبد الله بن المعتز قال قال لي أحمد بن الحسين بن‬
‫‪:‬هشام‬

‫صفحة ‪1315 :‬‬

‫جاءني محمد بن الحارث بن بسخنر يوما فقال لي‪ :‬قم حتى أطفل بك على صديق لي حر‪ ،‬وله جارية أحسن خلق الله تعالى‬
‫وجها وغناء‪ .‬فقلت له‪ :‬أنت طفيلي وتطفل بي هذه والله أخس حال‪ .‬فقال لي‪ :‬دع المجون وقم بنا؛ فهو مكان ل يستحي حر أن‬
‫يتطفل عليه‪ .‬فقمت معه‪ ،‬فقصد بي دار رجل من فتيان أهل سر من رأى‪ ،‬كان لي صديقا يكنى أبا صالح‪ ،‬وقد غيرت كنيته على‬
‫سبيل اللقب فكنى أبا الصالحات‪ ،‬وكان ظريفا حسن المروءة‪ ،‬يضرب بالعود على مذهب الفرس ضربا حسنا ‪ ،‬وله رزق سني‬
‫في الموالي‪ ،‬وكان من أولدهم‪ ،‬ولم يكن منزله يخلو من طعام كثير نظيف لكثرة قصد إخوانه منزله‪ .‬فلما طرق بابه قلت له‪:‬‬
‫فرجت عني‪ ،‬هذا صديقي وأنا طفيلي بنفسي ل أحتاج أن أكون في شفاعة طفيلي‪ .‬فدخلنا‪ ،‬وقدم إلينا طعام عتيد طيب نظيف‬
‫فأكلنا‪ ،‬وأحضرنا النبيذ‪ ،‬وخرجت جاريته إلينا من غير ستارة فغنت غناء حسنا شكل ظريفا‪ ،‬ثم غنت من صنعة محمد بن الحارث‬
‫‪:‬هذا الصوت وكانت قد أخذته عنه وفيه أيضا لحن لبراهيم‪ ،‬والشعر لبن أبي عيينة‪ :‬صوت‬
‫في حفظه عجب وفي تضييعك‬ ‫ضيعت عهد فتى لعهدك حافـظ‬
‫فبحسن وجهك ل بحسن صنيعك فطرب محمد بن الحارث ونقطها بدنانير مسيفة‬ ‫إن تقتليه وتذهـبـي بـفـؤاده‬
‫كانت معه في خريطته‪ ،‬ووجه غلمه فجاءه ببرنية غالية كبيرة فغلفها منها ووهب لها الباقي‪ .‬وكان لمحمد بن الحارث أخ طيب‬
‫ظريف يكنى أبا هارون فطرب ونعر ونخر‪ ،‬وقال لخيه‪ :‬أريد أن أقول شيئا في السر‪ .‬قال‪ :‬قله علنية‪ ،‬قال‪ :‬ل يصلح‪ ،‬قال‪ :‬والله‬
‫ما بيني وبينك شيء أبالي أن تقوله جهرا‪ ،‬فقله‪ .‬فقال‪ :‬أشتهي علم الله أن تسأل أبا الصالحات أن ينيكني‪ ،‬فعسى صوتي أن‬
‫‪ .‬ينفتح ويطيب غنائي‪ .‬فضحك أبو الصالحات وخجلت الجارية وغطت وجهها وقالت‪ :‬سخنت عينك فإن حديثك يشبه وجهك‬
‫‪:‬صوت‬
‫إذا لج خصم أو نبـا بـك مـنـزل‬ ‫وأي أخ تبلـو فـتـحـمـد أمـره‬
‫على طرف الهجران إن كان يعقل‬ ‫إذا أنت لم تنصف أخـاك وجـدتـه‬
‫يمينك فانـظـر أي كـف تـبـدل‬ ‫ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتـنـي‬
‫إليه بوجه آخر الـدهـر تـقـبـل الشعر لمعن بن أوس المزني‪ .‬والغناء‬ ‫إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد‬
‫‪ .‬لعريب خفيف رمل بالوسطى‬

‫أخبار معن بن أوس ونسبه‬


‫نسبه‪ ،‬وهو شاعر فحل مخضرم‪ :‬هو معن بن أوس بن نصر بن زياد بن أسعد بن أسحم بن ربيعة بن عدي بن ثعلبة بن ذؤيب‬
‫بن عداء بن عثمان بن مزينة بن أد بن طابخة بن مضر بن نزار‪ .‬ونسبوا إلى مزينة وهي امرأة‪ :‬مزينة بنت كلب بن وبرة‪،‬‬
‫‪ .‬وأبوهم عمرو بن أد بنة طابخة‬
‫أخبرني عبيد الله بن محمد الرازي وهاشم بن محمد الخزاعي وعمي قالوا‪ :‬حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني قال‪:‬‬
‫مزينة بنت كلب بن وبرة‪ ،‬تزوجها عمرو بن أد بن طابخة‪ ،‬فولدت له عثمان وأوسا‪ ،‬فغلبت أمهما على نسبهما‪ .‬فعلى هذا القول‬
‫‪ .‬عداء هو ابن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة‬
‫ومعن شاعر مجيد فحل‪ ،‬من مخضرمي الجاهلية والسلم وله مدائح في جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ورحمهم‪ ،‬منهم عبد الله بن جحش‪ ،‬وعمر بن أبي سلمة المخزومي‪ .‬ووفد إلى عمرو بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مستعينا‬
‫‪:‬به على بعض أمره‪ ،‬وخاطبه بقصيدته التي أولها‬
‫فنام رفيقاه وليس بنـائم وعمر بعد ذلك إلى أيام الفتنة بين عبد الله بن الزبير‬ ‫تأوبه طيف بذات الجراثم‬
‫‪ .‬ومروان بن الحكم‬
‫أشعر السلميين من مزينة‪ :‬أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني إبراهيم بن المنذر‬
‫الحزامي قال حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز عن يحيى بن عبد الله بن ثوبان عن علقمة بن محجن الخزاعي عن أبيه قال‪ :‬كان‬
‫معاوية يفضل مزينة في الشعر‪ ،‬ويقول‪ :‬كان أشعر أهل الجاهلية منهم وهو زهير‪ ،‬وكان أشعر أهل السلم منهم وهو ابنه كعب‪،‬‬
‫‪ .‬ومعن بن أوس‬
‫كان مئناثا وقال شعرا في فضل الناث‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال حدثنا العتبي‬
‫قال‪ :‬كان معن بن أوس مئناثا ‪ ،‬وكان يحسن صحبة بناته وتربيتهن؛ فولد لبعض عشيرته بنت فكرهها وأظهر جزعا من ذلك؛‬
‫‪:‬فقال معن‬

‫صفحة ‪1316 :‬‬

‫وفيهن ل تكذب نساء صوالح‬ ‫رأيت رجال يكرهون بناتـهـم‬


‫نوادب ل يملـلـنـه ونـوائح مر به عبيد الله بن العباس‪ ،‬وقد كف بصره‪ ،‬فبعث إليه‬ ‫وفيهن واليام تعثر بالفـتـى‬
‫بهبة فمدحه‪ :‬أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي يعني الحسن بن عليل قال حدثني أحمد بن عبد الله بن علي‬
‫بن سويد بن منجوف عن أبيه قال‪ :‬مر عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب بمعن بن أوس المزني وقد كف بصره فقال له‪ :‬يا‬
‫معن‪ ،‬كيف حالك? فقال له‪ :‬ضعف بصري وكثر عيالي وغلبني الدين‪ .‬قال‪ :‬وكم دينك? قال‪ :‬عشرة آلف درهم‪ .‬فبعث بها إليه‪.‬‬
‫‪:‬ثم مر به من الغد فقال له‪ :‬كيف أصبحت يا معن? فقال‬
‫وبالـدين حـتـى مـا أكـاد أدان‬ ‫أخذت بعين المال حتى نـهـكـتـه‬
‫ورد فـلن حـاجـتـي وفـلن فقال له عبيد الله‪ :‬الله المستعان‪ ،‬إنا بعثنا‬ ‫وحتى سألت القرض عند ذوي الغنى‬
‫إليك بالمس لقمة فمالكتها حتى انتزعت من يدك‪ ،‬فأي شيء للهل والقرابة والجيران وبعث إليه بعشرة آلف درهم أخرى‪.‬‬
‫‪:‬فقال معن يمدحه‬
‫تمج الندى منها البحور الفـوارع‬ ‫إنك فرع مـن قـريش وإنـمـا‬
‫لهم وسقايات الحجيج الـدوافـع‬ ‫ثووا قادة للناس بطـحـاء مـكة‬
‫على حادث الدهر العيون الدوامع شيء من خلقه ورحلته إلى الشام‪:‬‬ ‫فلما دعوا للموت لم تبك منـهـم‬
‫أخبرني محمد بن عمران قال حدثني العنزي قال حدثني الفضل بن العباس القرشي عن سعيد بن عمرو الزبيري قال‪ :‬كان‬
‫لمعن بن أوس امرأة يقال لها ثور ومان لها محبا‪ ،‬وكانت حضرية نشأت بالشام‪ ،‬وكانت في معن أعرابية ولوثة ‪ ،‬فكانت تضحك‬
‫من عجرفيته ‪ .‬فسافر إلى الشام في بعض أعوامه ‪ ،‬فضلت الرفقة عن الطريق وعدلوا عن الماء‪ ،‬فطووا منزلهم وساروا‬
‫يومهم وليلتهم‪ ،‬فسقط فرس معن في وجار ضب دخلت يده فيه‪ ،‬فلم يستطع الفرس أن يقوم من شدة العطش حتى حمله‬
‫‪:‬أهل الرفقة حمل فأنهضوه‪ ،‬وجعل معن يقوده ويقول‬
‫والرأس فيه مـيل ومـور‬ ‫لو شهدتني وجـوادي ثـور‬
‫لضحكت حتى يميل الكور قدم على ابن الزبير بمكة فلم يحسن ضيافته‪ ،‬وأكرمه ابن عباس وابن جعفر فمدحهما وذم ابن‬
‫الزبير‪ :‬أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال‪ :‬قدم معن بن أوس مكة على ابن‬
‫الزبير فأنزله دير الضيفان‪ ،‬وكان ينزلها الغرباء وأبناء السبيل والضيفان‪ ،‬فأقام يومه لم يطعم شيئا؛ حتى إذا كان الليل جاءهم‬
‫ابن الزبير بتيس هرم هزيل فقال‪ :‬كلوا من هذا‪ ،‬وهم نيف وسبعون رجل؛ فغضب معن وخرج من عنده‪ ،‬فأتى عبيد الله بن‬
‫العباس‪ ،‬فقراه وحمله وكساه‪ ،‬ثم أتى عبد الله بن جعفر وحدثه حديثه‪ ،‬فأعطاه حتى أرضاه‪ ،‬وأقام عنده ثلثا ثم رحل ‪ .‬فقال‬
‫‪ :‬يهجو ابن الزبير ويمدح ابن جعفر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أجمعين‬
‫إلى أن تعلى اليوم في شر محضر‬ ‫ظللنا بمـسـتـن الـرياح غـدية‬
‫من الخير والمعروف والرفد مقفر‬ ‫لدى ابن الزبير حابسين بـمـنـزل‬
‫بتيس من الشاء الحجازي أعـفـر‬ ‫رمانا أبو بكر وقد طـال يومـنـا‬
‫وسبعون إنسانا فيالـؤم مـخـبـر‬ ‫وقال اطعموا منه ونـحـن ثـلثة‬
‫جفان ابن عباس العل وابن جعفر‬ ‫فقلت له ل تقـرنـا فـأمـامـنـا‬
‫له أعنز ينزو علـيهـا وأبـشـر أنشده الفرزدق بيتا في هجاء مزينة فرد عليه‬ ‫وكن آمنا وانعق بـتـيسـك إنـه‬
‫بهجاء تميم‪ :‬أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن معاوية‬
‫‪:‬السدي قال‪ :‬قدم معن بن أوس المزني البصرة‪ ،‬فقعد ينشد في المربد‪ ،‬فوقف عليه الفرزدق فقال‪ :‬يا معن من الذي يقول‬
‫بأخفاف يطأن ول سـنـام فقال معن‪ :‬أتعرف يا فرزدق الذي يقول‬ ‫‪:‬لعمرك ما مزينة رهط معن‬
‫بأرداف الملوك ول كرام فقال الفرزدق‪ :‬حسبك إنما جربتك ‪ .‬قال‪ :‬قد جربت وأنت‬ ‫لعمرك ما تميم أهل فلج‬
‫‪ .‬أعلم‪ .‬فانصرف وتركه‬
‫تمثل أحد أبناء روح بشعر له وهو على فاحشة‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي أبو دلف قال حدثنا الرياشي قال حدثنا‬
‫‪:‬الصمعي قال‬

‫صفحة ‪1317 :‬‬

‫دخلت خضراء روح ؛ فإذا أنا برجل من ولده على فاحشة يوما ‪ ،‬فقلت‪ :‬قبحك الله هذا موضع كان أبوك يضرب فيه العناق‬
‫‪:‬ويعطي اللهى وأنت تفعل فيه ما أرى فالتفت إلي من غير أن يزول عنها وقال‬
‫أسأنا في ديارهم الصنيعـا‬ ‫ورثنا المجد عن آباء صدق‬
‫بناة السوء أوشك أن يضيعا قال‪ :‬والشعر لمعن بن أوس المزني‬ ‫‪ .‬إذا الحسب الرفيع تواكلتـه‬
‫سافر إلى الشام وخلف ابنته في جوار ابن أبي سلمة وابن عمر بن الخطاب وقال شعرا‪ :‬أخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر‬
‫المبرد قال حدثنا أحمد بن عبيد أبو عصيدة عن الحرمازي قال‪ :‬سافر معن بن أوس إلى الشام وخلف ابنته ليلى في جوار عمر‬
‫بن أبي سلمة وأمه أم سلمة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وفي جوار عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه‪.‬‬
‫‪:‬فقال له بعض عشيرته‪ :‬على من خلفت ابنتك ليلى بالحجاز وهي صبية ليس لها من يكفلها? فقال معن رحمه الله تعالى‬
‫وما شيخها أن غاب عنها بخائف‬ ‫لعمرك مال ليلى بدار مضـيعة‬
‫ربيب النبي وابن خير الخلئف قال عبد الملك بن مروان عنه إنه أشعر الناس‪:‬‬ ‫وإن لها جارين لن يغدرا بـهـا‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني مسعود بن بشر عن عبد الملك بن هشام‬
‫قال‪ :‬قال عبد الملك بن مروان يوما وعنده عدة من أهل بيت وولده‪ :‬ليقل كل واحد منكم أحسن شعر سمع به؛ فذكروا لمرئ‬
‫‪:‬القيس والعشى وطرفة فأكثروا حتى أتوا على محاسن ما قالوا فقال عبد الملك‪ :‬أشعرهم والله الذي يقول‬
‫بحلمي عنه وهو ليس له حـلـم‬ ‫وذي رحم قلمت أظفار ضغـنـه‬
‫قطيعتها‪ ،‬تلك السفاهة والظـلـم‬ ‫إذا سمته وصل القرابة سامـنـي‬
‫وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم‬ ‫فاسعى لكي أبني ويهدم صالحـي‬
‫وكالموت عندي أن ينال له رغم‬ ‫يحاول رغمي ل يحـاول غـيره‬
‫عليه كما تحنو على الـولـد الم‬ ‫فما زلت في لين له وتعـطـف‬
‫وإن كان ذا ضغن يضيق به الحلم قالوا‪ :‬ومن قائلها يا أمير المؤمنين? قال‪:‬‬ ‫لستل منه الضغن حتى سللـتـه‬
‫‪ .‬معن بن أوس المزني‬
‫خروجه إلى البصرة وزواجه من ليلى وطلقها وقصة ذلك‪ :‬أخبرني عيسى بن حسين الوراق قال حدثنا الزبير بن بكار قال‬
‫‪:‬حدثني سليمان بن عياش السعدي عن أبيه قال‬

‫صفحة ‪1318 :‬‬

‫خرج معن بن أوس المزني إلى البصرة ليمتار منها ويبيع إبل له؛ فلما قدمها نزل بقوم من عشيرته‪ ،‬فتولت ضيافته امرأة منهم‬
‫يقال لها ليلى‪ ،‬وكانت ذات جمال ويسار‪ ،‬فخطبها فأجابته فتزوجها‪ ،‬وأقام عندها حول في أنعم عيش‪ ،‬فقال لها بعد حول‪ :‬يابنة‬
‫عم‪ ،‬إني قد تركت ضيعة لي ضائعة‪ ،‬فلو أذنت لي فاطلعت طلع أهلي ورممت من مالي فقالت‪ :‬كم تقيم? قال‪ :‬سنة‪ ،‬فأذنت‬
‫له‪ .‬فأتى أهله فأقام فيهم وأزمن عنها أي طال مقامه فلما أبطأ عليها رحلت إلى المدينة فسألت عنه‪ ،‬فقيل لها‪ :‬إنه بعمق وهو‬
‫ماء لمزينة فخرجت‪ ،‬حتى إذا كانت قريبة من عمق نزلت منزل كريما ‪ .‬وأقبل معن في طلب ذود له قد أضلها وعليه مدرعة من‬
‫صوف وبت من صوف أخضر قال‪ :‬والبت‪ :‬الطيلسان وعمامة غليظة‪ .‬فلما رفع له القوم مال إليهم ليستسقي‪ ،‬ومع ليلى ابن أخ‬
‫لها ومولى من مواليها جالس أمام خباء له‪ .‬فقال له معن‪ :‬هل من ماء? قال‪ :‬نعم‪ ،‬وإن شئت سويقا‪ ،‬وإن شئت لبنا؛ فأناخ‪.‬‬
‫وصاح مولى ليلى‪ :‬يا منهلة وكانت منهلة الوصيفة التي تقوم على معن عندهم بالبصرة فلما أتته بالقدح وعرفها وحسر عن‬
‫وجهه ليشرب عرفته وأثبتته ‪ ،‬فتركت القدح في يده وأقبلت مسرعة إلى مولتها فقالت‪ :‬يا مولتي‪ ،‬هذا والله معن إل أنه في‬
‫جبة صصوف وبت صوف‪ .‬فقالت‪ :‬هو والله عيشهم‪ ،‬الحقي مولي فقولي له‪ :‬هذا معن‪ ،‬فاحبسه‪ .‬فخرجت الوصيفة مسرعة‬
‫فأخبرت‪ .‬فوضع معن القدح وقال له‪ :‬دعني حتى ألقاها في غير هذا الزي‪ .‬فقال‪ :‬لست بارحا حتى تدخل عليها‪ .‬فلما رأته قالت‪:‬‬
‫أهذا العيش الذي نزعت إليه يا معن ? قال‪ :‬إي والله يا بنة عم أما إنك لو أقمت إلى أيام الربيع حتى ينبت البلد الخزامى‬
‫والرخامى والسخبر والكمأة‪ ،‬لصبت عيشا طيبا‪ .‬فغسلت رأسه وجسده‪ ،‬وألبسته ثيابا لينة‪ ،‬وطيبته‪ ،‬وأقام معها ليلته أجمع‬
‫يهرجها ‪ ،‬ثم غدا إلى عمق حتى أعد لها طعاما ونحر ناقة وغنما ‪ .‬وقدمت على الحي‪ ،‬فلم تبق فيهم امرأة إل أتتها وسلمت‬
‫عليها‪ ،‬فلم تدع منهن امرأة حتى وصلتها‪ .‬وكانت لمعن امرأة بعمق يقال لها أم حقة‪ .‬فقالت لمعن‪ :‬هذه والله خير لك مني‪،‬‬
‫فطلقني‪ ،‬وكانت قد حملت فدخله من ذلك وقام‪ .‬ثم إن ليلى رحلت إلى مكة حاجة ومعن معها‪ .‬فلما فرغا من حجهما انصرفا‪،‬‬
‫فلما حاذيا منعرج الطريق إلى عمق قال معن‪ :‬يا ليلى‪ ،‬كأن فؤادي ينعرج إلى ما ها هنا‪ .‬فلو أقمت سنتنا هذه حتى نحج من‬
‫قابل ثم نرحل إلى البصرة فقالت‪ :‬ما أنا ببارحة مكاني حتى ترحل معي إلى البصرة أو تطلقني‪ .‬فقال‪ :‬أما إذ ذكرت الطلق‬
‫‪:‬فأنت طالق‪ .‬فمضت إلى البصرة ‪ ،‬ومضى إلى عمق‪ ،‬فلما فارقته وتبعتها نفسه‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫أبت قرتاه اليوم إل تـراوحـا‬ ‫توهمت ربعا بالمعبر واضحـا‬
‫ومرتجز كأن فيه المصابحـا‬ ‫أربت عليه رادة حضـرمـية‬
‫فجوز العذيب دونها فالنوابحـا‬ ‫إذا هي حلت كربلء فلعلـعـا‬
‫مع الشانئين الشامتات الكواشحا‬ ‫وبانت نواها من نواك وطاوعت‬
‫له رجعة قال الطلق ممازحا‬ ‫فقول لليلى هل تعوض نادمـا‬
‫أل تتقين الجاريات الذوابـحـا وهي قصيدة طويلة‪ .‬فلما انصرف وليست ليلى‬ ‫فإن هي قالت ل فقول لها بلى‬
‫معه قالت له امرأته أم حقة‪ :‬ما فعلت ليلى? قال‪ :‬طلقتها‪ .‬قالت والله لو كان فيك خير ما فعلت ذلك‪ ،‬فطلقني أنا أيضا‪ .‬فقال‬
‫‪:‬لها معن‬
‫فإنك ذات لومات حـمـات‬ ‫أعاذل أقصري ودعي بياتي‬
‫وإنك بالملمة لن تفـاتـي‬ ‫فإن الصبح منتظـر قـريب‬
‫وضنت بالمودة والبـتـات‬ ‫نأت ليلى فليلى ل تـواتـي‬
‫فذا قار فنخرق الـفـرات‬ ‫وحلت دارها سفوان بعـدي‬
‫ظلل ألف مختلط النبـات‬ ‫تراعى الريف دائبة عليهـا‬
‫من العيدي في قلص شخات وهي قصيدة طويلة‪ .‬قال‪ :‬وقال لم حقة في مطالبتها‬ ‫فدعها أو تناولها بـعـنـس‬
‫‪:‬إياه بالطلق‬
‫بميطان مصطاف لنـا ومـرابـع‬ ‫كأن لم يكـن يا أم حـقة قـبـل ذا‬
‫بنـا الن أن يعـوض جـــازع‬ ‫وإذ نحن في غصن الشباب وقد عسا‬
‫وأنكرها ما شـئت والـود خـادع‬ ‫فقد أنـكـرتـه أم حـقة حـادثـا‬

‫صفحة ‪1319 :‬‬

‫شباب وإذ لما ترعنا الروائع‬ ‫ولو آذنتنا أم حـقة إذ بـنـا‬


‫كذاك بل ذم تؤدي الـودائع صوت‬ ‫‪:‬لقلنا لها بيني بليل حـمـيدة‬
‫سقاك الله المنشآت الرواعدا‬ ‫أعابد حييتم على النأي عابـدا‬
‫بأحسن مما بين عينيك عابـدا ويروى‬ ‫‪:‬أعابد ما شمس النهار إذا بدت‬
‫‪:‬أعابد ما شمس النهار بدت لنا ويروى‬
‫بأحسن مما بين ثوبيك عابـدا الشعر للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن‬ ‫أعابد ما الشمس التي برزت لنا‬
‫‪ .‬العباس بن عبد المطلب‪ .‬والغناء لعطرد ثاني ثقيل بالبنصر‪ .‬وفيه ليونس لحن من كتابه غير مجنس‬

‫أخبار الحسين بن عبد الله‬


‫شعره في عابدة قبل زواجه بها‪ :‬قد تقدم نسبه‪ ،‬وهو أشهر من أن يعاد‪ .‬ويكنى أبا عبد الله‪ .‬وكان من فتيان بني هاشم‬
‫وظرفائهم وشعرائهم‪ .‬وقد روى الحديث وحمل عنه‪ ،‬وله شعر صالح‪ .‬وهذه البيات يقولها في زوجته عابدة بنت شعيب بن‬
‫محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص‪ ،‬وهي أخت عمرو ابن شعيب لذى يروى عنه الحديث‪ .‬وفيها يقول قبل أن يتزوجها‪:‬‬
‫‪:‬صوت‬
‫لئن لم تقارضني هوى النفس عابده‬ ‫أعاذل إن الحب ل شك قـاتـلـي‬
‫وجودي عليه مـرة قـط واحـده‬ ‫أعابد خافي الله في قتل مـسـلـم‬
‫لكم غير قتلي يا عبـيد فـراشـده‬ ‫فإن لم تريدي في أجرا ول هـوى‬
‫وعبدة ل تـدري بـذلـك راقـده الغناء لحكم الوادي‪ ،‬رمل بإطلق الوتر في‬ ‫فكم ليلة قد بت أرعى نجـومـهـا‬
‫‪ .‬مجرى البنصر‪ ،‬عن إسحاق‬
‫فمما حمل عنه من الحديث ما حدثني به أحمد بن سعيد قال حدثني محمد بن عبيد الله ابن المنادي قال حدثني يونس بن‬
‫محمد قال حدثنا أبو أويس عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس قال‪ :‬مر النبي صلى الله‬
‫‪:‬عليه وسلم على حسان بن ثابت وهو في ظل فارع وحوله أصحابه وجاريته سيرين تغنيه بمزهرها‬
‫إن لهوت من حرج فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال‪ :‬ل حرج إن شاء الله‬ ‫‪ .‬هل علي ويحكمـا‬
‫وكانت أم عابدة هذه عمة حسين بن عبد الله بن عبيد الله‪ ،‬أمها عمرة بنت عبيد الله بن العباس‪ ،‬تزوجها شعيب فولدت له‬
‫‪ .‬محمدا وشعيبا ابني شعيب وعابدة‪ ،‬وكان يقال لها عابدة الحسن‪ ،‬وعابدة الحسناء‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء والطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن يحيى قال‪ :‬خطب عابدة بنت شعيب‬
‫بكار بن عبد الملك وحسين بن عبد الله‪ ،‬فامتنعت على بكار وتزوجت الحسين‪ .‬فقال له بكار‪ :‬كيف تزوجتك العابدة واختارتك مع‬
‫‪ .‬فقرك? فقال له الحسين‪ :‬أتعيرنا بالفقر وقد نحلنا الله تعالى الكوثر‬
‫تنكر ما بينه وبين عبد الله بن معاوية فتعاتبا بشعر‪ :‬أخبرني الحرمي والطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار عن عمه قال‪ :‬كان‬
‫حسين بن عبد الله أمه أم ولد‪ ،‬وكان يقول شيئا من الشعر‪ ،‬وتزوج عابدة بنت شعيب وولدت منه‪ ،‬وبسببها ردت على ولد عمرو‬
‫بن العاص أموالهم في دولة بني العباس‪ .‬وكان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر صديقا له‪ ،‬ثم تنكر ما بينهما؛ فقال فيه‬
‫‪:‬ابن معاوية‬
‫إن ابن عمك وابن أمك معلم شاكي السلح‬
‫ضى حـين يبـطـش بـالــجـــراح‬ ‫يقص العدو وليس ير‬
‫ل تحسبن أدى ابن عمك شرب ألبان اللقاح‬
‫ة إذا تـســوغ بـــالـــقـــراح‬ ‫بل كالشجاة ورا اللها‬
‫بك تـحـت أطـراف الـــرمـــاح‬ ‫فاخـتـر لـنـفـسـك مــن يجـــي‬
‫بالــغـــيب أن يلـــحـــاك لح فقال حسين له‬ ‫‪:‬من ل يزال يســـــــــــــوءه‬
‫عد غير قومك بالسلح‬ ‫أبرق لمن يخشـى وأو‬
‫إل المقرط بالصـلح قال‪ :‬ولحسين يقول ابن معاوية‬ ‫‪:‬لسنـا نـقـر لـقـائل‬
‫أقدر الود بـينـنـا قـدره‬ ‫قل لذي الود والصفاء حسين‬
‫من عتاب الديم ذي البشره‬ ‫ليس للدابغ المـحـلـم بـد‬
‫عن طريق بتـابـع أثـره‬ ‫لست إن راغ ذو إخاء وود‬
‫يتبع الحق بـعـد أو يذره كان صديقا لبن أبي السمح ومدحه بشعر‪ :‬أخبرني محمد‬ ‫بل أقيم القناة والود حـتـى‬
‫‪:‬بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلم قال‬

‫صفحة ‪1320 :‬‬


‫كان مالك بن أبي السمح الطائي المغني صديقا للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس ونديما له‪ ،‬وكان يتغنى في‬
‫‪:‬أشعاره‪ .‬وله يقول الحسين رحمه الله تعالى‬
‫ح فل تلـحـنـي ول تـلـم‬ ‫ل عيش إل بمالك بن أبي السم‬
‫بارق في حندس من الظـلـم‬ ‫أبيض كالسيف أو كما يلمع ال‬
‫يهتك حق السلم والـحـرم‬ ‫يصيب من لـذة الـكـريم ول‬
‫برد ويوم كـذاك لـــم يدم‬ ‫يا رب ليل لنا كـحـاشـية ال‬
‫ح الكريم الخلق والـشـيم‬ ‫قد كنت فيه ومالك بن أبي السم‬
‫يجهل آي الترخيص في اللمم قال‪ :‬فقال له مالك‪ :‬ول إن غويت والله بأبي‬ ‫من ليس يعصيك إن رشدت ول‬
‫أنت وأمي أعصيك ‪ .‬قال وغنى مالك بهذه البيات بحضرة الوليد بن يزيد‪ ،‬فقال له‪ :‬أخطأ حسين في صفتك‪ ،‬إنما كان ينبغي أن‬
‫‪:‬يقول‬
‫سارق في حالك من الظلـم أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال‪:‬‬ ‫أحول كالقرد أو كما يخرج ال‬
‫كان الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس إذا صلى العصر دخل منزله وسمع الغناء عشيته‪ .‬فأتاه قوم ذات عشية في‬
‫‪:‬حاجة لهم فقضاها‪ ،‬ثم جلسوا يحدثونه‪ .‬فلما أطالوا قال لهم‪ :‬أتأذنون? فقالوا نعم‪ .‬فقام في أصحاب له وهو يقول‬
‫ول إنم فيها للتقي ول عـارا صوت‬ ‫‪:‬قوموا بنا ندرك من العيش لدة‬
‫يان حازا مجدا وعزا تلـيدا‬ ‫إن حربا وإن صخرا أبا سف‬
‫ورثوها آباؤهم والـجـدودا الشعر لفضالة بن شريك السدي من قصيدة يمدح بها‬ ‫فهما وارثا العل عن جـدود‬
‫‪:‬يزيد بن معاوية‪ .‬وبعد هذين البيتين يقول‬
‫م وأعطى صفو التراث يزيدا والغناء لبراهيم بن خالد المعيطي ثقيل أول بالبنصر‬ ‫وحوى إرثها معاوية الـقـر‬
‫‪ .‬عن الهشامي‪ .‬والله أعلم‬

‫أخبار فضالة بن شريك ونسبه‬


‫نسبه وشعر لبنه عبد الله في ذم ابن الزبير‪ :‬هو فضالة بن شريك بن سلمان بن خويلد بن سلمة بن عامر موقد النار بن‬
‫الحريش بن نمير ابن والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار‪ .‬وكان‬
‫شاعرا فاتكا صعلوكا مخضرما أدرك الجاهلية والسلم‪ .‬وكان له ابنان شاعران‪ ،‬أحدهما عبد الله بن فضالة الوافد على عبد الله‬
‫بن الزبير والقائل له‪ :‬إن ناقتي قد نقبت ودبرت فقال له‪ :‬ارقعها بجلد واخصفها بهلب وسر بها البردين‪ .‬فقال له‪ :‬إني قد جئتك‬
‫‪:‬مستحمل ل مستثيرا ‪ ،‬فلعن الله ناقة حملتني إليك‪ .‬فقال له ابن الزبير‪ :‬إن وراكبها‪ .‬فانصرف من عنده وهو يقول‬
‫أجاوز بطن مكة في سـواد‬ ‫أقول لغلمتي شدو ركـابـي‬
‫إلى ابن الكاهلية من معـاد‬ ‫فمالي حين أقطع ذات عرق‬
‫وتعليق الداوى والـمـزاد‬ ‫سيبعد بيننا نص الـمـطـايا‬
‫مناسمهن طلع الـنـجـاد‬ ‫وكل معبد قـد أعـلـمـتـه‬
‫نكدن ول أمـية بـالـبـلد‬ ‫أرى الحاجات عند أبي خبيب‬
‫أغر كغرة الفرس الـجـواد ابنه فاتك ومدح القيشر له‪ :‬حدثنا بذلك محمد بن‬ ‫من العياص أو من آل حرب‬
‫العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني‪ .‬فأما فاتك بن فضالة فكان سيدا جوادا‪ .‬وله يقول القيشر‬
‫‪:‬يمدحه‬
‫يا فاتك بن فضالة بن شريك مر بعاصم بن عمر بن الخطاب فلم يقره فهجاه‪:‬‬ ‫وفد الوفود فكنت أفضل وافد‬
‫أخبرني بما ذكر من أخباره ها هنا مجموعا علي بن سليمان الخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب‪ ،‬وما‬
‫ذكرته متفرقا فأنا ذاكر إسناده عمن أخذته‪ .‬قال ابن حبيب‪ :‬مر فضالة بن شريك بعاصم بن عمر الخطاب رضي الله تعالى‬
‫عنهما وهو متبد بناحية المدينة‪ ،‬فنزل به فلم يقره شيئا ولم يبعث إليه ول إلى أصحابه بشيء ‪ ،‬وقد عرفوه مكانهم‪ .‬فارتحلوا‬
‫‪:‬عنه‪ .‬والتفت فضالة إلى مولى لعاصم فقال له‪ :‬قل له‪ :‬أما والله لطوقنك طوقا ل يبلى‪ .‬وقال يهجوه‬
‫قراك إذا ما بت في دار عاصم‬ ‫أل أيها الباغي القرى لست واجدا‬

‫صفحة ‪1321 :‬‬

‫بطينا وأمسى ضيفه غير نائم‬ ‫إذا جئته تبغي القرى بات نائما‬
‫إذا حصل القوام أهل المكارم‬ ‫فدع عاصما أف لفعال عاصم‬
‫ويحسب أن البخل ضربة لزم‬ ‫فتى من قريش ل يجود بنـائل‬
‫مطوقة يحدى بها في المواسم‬ ‫ولول يد الفاروق قلدت عاصما‬
‫فقم أو النوكى أبان بـن دارم‬ ‫فليتك من جزم بن زبان أو بني‬
‫غدا جائعا عيمان ليس بغانـم قال ‪ :‬فلما بلغت أبياته عاصما استعدى عليه‬ ‫أناس إذا ما الضيف حل بيوتهم‬
‫عمرو بن سعيد بن العاص وهو يومئذ بالمدينة أمير‪ ،‬فهرب فضالة بن شريك فلحق بالشام‪ ،‬وعاذ بيزيد بن معاوية وعرفه ذنبه‬
‫وما تخوف من عاصم؛ فأعاذه‪ ،‬وكتب إلى عاصم يخبره أن فضالة أتاه مستجيرا به‪ ،‬وأنه يحب أن يهبه له‪ .‬ول يذكر لمعاوية شيئا‬
‫‪:‬من أمره‪ ،‬ويضمن له أل يعود لهجائه‪ ،‬فقبل ذلك عاصم وشفع يزيد بن معاوية‪ .‬فقال فضالة يمدح يزيد بن معاوية‬
‫فخرت بمـجـد يا يزيد تـلـيد‬ ‫إذا ما قريش فاخرت بقديمـهـا‬
‫أبوك أمين الـلـه غـير بـلـيد‬ ‫بمجد أمير المؤمنـين ولـم يزل‬
‫وأدرك تبل من معاشـر صـيد‬ ‫به عصم الله النام مـن الـردى‬
‫وحرب وما حرب العل بزهـيد‬ ‫ومجد أبي سفيان ذي الباع والندى‬
‫يجيء بمجد مثـل مـجـد يزيد وقال فيه القصيدة المذكور فيها الغناء في‬ ‫فمن ذا الذي إن عدد الناس مجدهم‬
‫‪ .‬هذه القصيدة بعينها‬
‫هجا ابن مطيع حين طرده المختار عن ولية الكوفة‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثني السكري عن ابن حبيب‬
‫قال‪ :‬كان عبد الله بن الزبير قد ولى عبد الله بن السود بن نضلة بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب‪ ،‬الكوفة‪ ،‬فطرده عنها‬
‫‪:‬المختار بن أبي عبيدة حين ظهر؛ فقال فضالة بن شريك يهجو ابن مطيع‬
‫إلى بيعة قلبي بها غـير عـارف‬ ‫دعا ابن مطيع للبـياع فـجـئتـه‬
‫بكفي لم تشبه أكـف الـخـلئف‬ ‫فقرب لي خشناء لما لمسـتـهـا‬
‫فرورا إذا ما كان يوم التـسـايف‬ ‫معودة حمل الهراوي لقـومـهـا‬
‫وليست من البيض السياط اللطائف‬ ‫من الشثنات الكرم أنكرت لمسهـا‬
‫ولم يشترط إل اشتراط المجازف‬ ‫ولم يسم إذ بايعته من خلـيفـتـي‬
‫على مقرب ل يزدهى بالمجاذف‬ ‫متى تلق أهل الشام في الخيل تلفني‬
‫من الضاريات بالدماء الخواطـف هجا عمر بن مسعود لنه تسول في جمع‬ ‫ممر كبنيان العبادي مـخـطـف‬
‫صداق زوجه‪ :‬وقال ابن حبيب في هذا السناد‪ :‬تزوج عامر بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي امرأة من بني نصر بن معاوية‪،‬‬
‫‪:‬وسأل في صداقها بالكوفة‪ ،‬فكان يأخذ من كل رجل سأله درهمين درهمين‪ .‬فقال له فضالة بن شريك يهجوه بقوله‬
‫وجها يشين وجوه الربرب العين‬ ‫أنكحتم يا بني نصر فـتـاتـكـم‬
‫ول شجاعا إذا انشقت عصا الدين‬ ‫أنكحتم ل فتى دنـيا يعـاش بـه‬
‫حتى نكحت بأرزاق المساكـين هجا رجل من بني سليم خان المانة‪ :‬وقال ابن‬ ‫قد كنت أرجو أبا حفص وسنتـه‬
‫حبيب في هذا السناد‪ :‬أودع فضالة بن شريك رجل من بني سليم يقال له قيس ناقة‪ ،‬فخرج في سفر‪ ،‬فلما عاد طلبها منه‪،‬‬
‫‪ :‬فذكر أنها سرقت‪ .‬فقال فيه‬
‫ذكـرت وذو الـلـب ينـسـى كــثـــيرا‬ ‫ولـو أنـنـي يوم بـطـن الــعـــقـــيق‬
‫مصاب سليم لقاح النبي لم أودع الدهر فيهم بعيرا‬
‫إذا الـظـل كـان مـــداه قـــصـــيرا‬ ‫وقد فات قيس بعيرانة‬
‫إذا أقـلـق الـسـير فـيه الـضــفـــورا‬ ‫من الـلعـبـات بـفـضـل الـــزمـــام‬
‫ولـم يرهـم يبـك شـجــوا كـــبـــيرا‬ ‫ومـن يبـك مـنـكـم بـنـي مـــوقـــد‬
‫إذا الـحـيل كـانـت مـن الـطـعـن زورا‬ ‫هم الـعـاسـفـون صـلب الـقـــنـــا‬
‫وعـز لـمـن جـاءهـم مـسـتــجـــيرا‬ ‫وأيسـار لـقـمــان إذ أمـــحـــلـــوا‬
‫فرأت الـسـلم عـلـيهــم كـــثـــيرا‬ ‫فإن أنـا لـم يقـض لـي ألـــقـــهـــم‬

‫صفحة ‪1322 :‬‬

‫عود إلى شعر في ذم ابن الزبير قيل إنه لفضالة‪ :‬وذكر ابن حبيب في هذه الرواية أن القصيدة التي ذكرتها عن المدائني في‬
‫‪:‬خبر عبد الله بن فضالة بن شريك مع ابن الزبير كانت مع فضالة وابن الزبير ل مع ابنه‪ ،‬وذكر البيات وزاد فيها‬
‫فرد جواب مشدود الـصـفـاد‬ ‫شكوت إليه أن نقبت قلـوصـي‬
‫محال ذلـكـم غـير الـسـداد‬ ‫يضن بـنـاقة ويروم مـلـكـا‬
‫وليتهم بمـلـك مـسـتـقـاد‬ ‫وليت إمارة فبـخـلـت لـمـا‬
‫بكل سـمـيدع واري الـزنـاد‬ ‫فإن ولـيت أمـية أبـدلـوكـم‬
‫أغر كغرة الفـرس الـجـواد‬ ‫من العياص أو من آل حـرب‬
‫ببـيت ل يهـش لـه فـؤادي‬ ‫إذا لم ألقهم بـمـنـى فـإنـي‬
‫وتعـلـيق الداوي والـمـزاد‬ ‫سيدنيني لهم نـص الـمـطـايا‬
‫مناسمهـن طـلع الـنـجـاد‬ ‫وظهر معبد قـد أعـمـلـتـه‬
‫وما بالعرق من سبل الغـوادي‬ ‫وعين الحمض حمض خناصرات‬
‫كأن رؤوسهـن قـبـور عـاد‬ ‫فهن خـواضـع البـدان قـود‬
‫منارات بنين عـلـى عـمـاد طلب عبد الملك فضالة فلما وجده قد مات أكرم أهله‪:‬‬ ‫كأن مواقع الغربـان مـنـهـا‬
‫قال فلما ولي عبد الملك بعث إلى فضالة يطلبه‪ ،‬فوجده قد مات‪ ،‬فأمر لورثته بمائة ناقة تحمل وقرها برا وتمرا ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫‪ .‬والكاهلية التي ذكرها زهرة بنت خنثر امرأة من بني كاهل ابن أسد‪ ،‬وهي أم خويلد بن أسد بن عبد العزى‬
‫‪:‬صوت‬
‫وما كنت أخشى أن يطول به عهدي‬ ‫لقد طال عهدي بالمـام مـحـمـد‬
‫فواعجبا من قرب داري ومن بعدي‬ ‫فأصبحت ذا بـعـد وداري قـريبة‬
‫فإني رأيت العيد وجهك لي يبـدي‬ ‫فيا ليت أن العيد لـي عـاد يومـه‬
‫كبدر الدجى بين العمامة والـبـرد الشعر لبي السمط مروان الصفر بن أبي‬ ‫رأيتك في برد النـبـي مـحـمـد‬
‫‪ .‬الجنوب بن مروان الكبر بن أبي حفصة‬
‫‪ .‬والغناء لبنان خفيف رمل مطلق ابتداؤه نشيد‪ .‬وذكر الصولي أن هذا الشعر ليحيى بن مروان‪ .‬وهذا غلط قبيح‬

‫أخبار مروان الصغر‬


‫كان أهله شعراء وشعره دونهم‪ :‬قد مر نسبه ونسب أبيه وأهله وأخبارهم متقدما‪ .‬وكان مروان هذا آخر من بقي منهم يعد في‬
‫الشعراء‪ ،‬وبقي بعده منهم متوج‪ .‬وكان ساقطا بارد الشعر‪ .‬فذكر لي عن أبي هفان أنه قال‪ :‬شعر آل أبي حفصة بمنزلة الماء‬
‫الحار‪ .‬ابتداؤه في نهاية الحرارة ثم تلين حرارته‪ ،‬ثم يفتر ثم يبرد‪ ،‬وكذا كانت أشعارهم‪ ،‬إل أن ذلك الماء لما انتهى إلى متوج‬
‫‪ .‬جمد‬
‫وهذ الشعر يقوله مروان في المنتصر‪ ،‬وكان قد أقصاه وجفاه‪ ،‬وأظهر خلفا لبيه في سائر مذاهبه حتى في التشيع‪ ،‬فطرد‬
‫مروان لنصبه‪ ،‬وأخرجه عن جلسائه‪ .‬فقال هذه البيات وسأل بنان بن عمرو فغنى فيها المنتصر ليستعطفه‪ .‬وخبره في ذلك‬
‫‪ .‬يذكر في هذا الموضع من الكتاب‬
‫مدح المتوكل وولة عهده فأكرمه وأقطعه ضيعة‪ :‬أخبرني عمي وحبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‬
‫حدثني حماد بن أحمد بن سليمان الكلبي قال حدثني أبو السمط مروان الصغر قال‪ :‬لما دخلت إلى المتوكل مدحته ومدحت‬
‫‪ :‬ولة العهود الثلثة‪ ،‬وأنشدته‬
‫ويا حبذا نجد على النأي والبـعـد‬ ‫سقى الله نجدا والسلم على نجـد‬
‫لعلي أرى نجدا وهيهات من نجد‬ ‫نظرت إلى نجد وبغـداد دونـهـا‬
‫ول شيء أحلى من زيارتهم عندي قال‪ :‬فلما فرغت منها أمر لي بمائة‬ ‫ونجد بها قوم هـواهـم زيارتـي‬
‫‪:‬وعشرين ألف درهم وخمسين ثوبا وثلثة من الظهر فرس وبغلة وحمار‪ ،‬ولم أبرح ختى قلت قصيدتي التي أشكره فيها وأقول‬
‫وملكه أمر العباد تـخـيرا فلما صرت إلى هذا البيت‬ ‫‪:‬تخير رب الناس للناس جعفرا‬
‫فقد كدت أن أطغى وأن أتجبرا قال لي ل والله ل أمسك حتى أغرقك بجودي‬ ‫فأمسك ندى كفيك عني ول تزد‬
‫‪.‬‬
‫صفحة ‪1323 :‬‬

‫وحدثني عمر بهذا الخبر قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثني حماد بن أحمد بن يحي قال حدثني مروان بن أبي‬
‫الجنوب‪ ،‬فذكر مثل هذا الخبر سواء‪ ،‬وقال بعد قوله‪ :‬ل والله ل أمسك حتى أغرقك‪ ،‬سلني حاجتك‪ .‬فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪،‬‬
‫الضيعة التي أمرت أن أقطعها باليمامة ذكر ابن المدبر أنها وقف المعتصم على ولده فقال‪ :‬قد قبلتك إياها مائة سنة بمائة‬
‫درهم‪ .‬فقلت‪ :‬ل يحسن أن تضمن ضيعة بدرهم في السنة‪ .‬فقال ابن المدبر فبألف درهم كل سنة‪ .‬فقلت نعم‪ .‬فأمر ابن المدبر‬
‫أن ينفد ذلك لي‪ ،‬وقال‪ :‬ليست هذه حاجة‪ ،‬هذه قبالة‪ ،‬فسلني حاجتك‪ .‬فقلت‪ :‬ضيعة يقال لها السيوح أمر الواثق بإقطاعي إياها‪،‬‬
‫‪ .‬فمنعنيها ابن الزيات؛ فأمر بامضاء القطاع لي‬
‫كان علي بن الجهم يطعن عليه حسدا له على موضعه من المتوكل‪ ،‬فهجاه هو في حضرة المتوكل وغلبه‪ :‬حدثني جعفر بن‬
‫قدامة قال حدثني علي بن يحي المنجم قال‪ :‬كان علي بن الجهم يطعن على مروان بن أبي الجنوب ويثلبه حسدا له على‬
‫موضعه من المتوكل‪ .‬فقال له المتوكل يوما ‪ :‬يا علي‪ ،‬أيما أشعر أنت أو مروان? فقال‪ :‬أنا يا أمير المؤمنين‪ .‬فأقبل على مروان‬
‫فقال له‪ :‬قد سمعت فما عندك? قال‪ :‬كل أحد أشعر مني يا أمير المؤمنين‪ ،‬وما أصف نفسي ول أزكيها‪ .‬وإذا رضيني أمير‬
‫المؤمنين فما أبالي من زيفني‪ .‬فقال له‪ :‬قد صدقتك‪ ،‬علي يزعم سرا وجهرا أنه أشعر منك‪ .‬فالتفت إليه مروان فقال له‪ :‬يا‬
‫علي أأنت أشعر مني? فقال‪ :‬أوتشك في ذاك? قال‪ :‬نعم أشك وأشك وهذا أمير المؤمنين بيننا‪ .‬فقال له علي‪ :‬إن أمير‬
‫المؤمنين يحابيك‪ .‬فقال المتوكل‪ :‬هذا عي منك يا علي؛ ثم قال لبن حمدون‪ :‬احكم بينهما‪ .‬فقال‪ :‬طرحتني والله يا أمير‬
‫المؤمنين بين أنياب ومخالب أسدين‪ .‬قال‪ :‬والله لتحكمن بينهما‪ .‬فقال له‪ :‬أما إذ حلفت يا أمير المؤمنين فأشعرهما عندي‬
‫أعرفهما في الشعر‪ .‬قفال له المتوكل‪ :‬قد سمعت يا علي‪ .‬قال‪ :‬قد عرف ميلك إليه فمال معه‪ .‬فقال‪ :‬دعنا منك‪ ،‬هذا كله عي‪،‬‬
‫فإن كنت صادقا فاهج مروان‪ .‬قال‪ :‬قد سكرت ول فضل في‪ .‬فقال المتوكل لمروان‪ :‬اهجه أنت‪ ،‬وبحياتي ل تبق غاية‪ .‬فقال‬
‫‪ :‬مروان‬
‫ويقول لي حسنا إذا لقانـي‬ ‫إن ابن جهم في المغيب يعيبني‬
‫فكأنما في بطـنـه ولـدان‬ ‫صغرت مهابته وعظم بطنـه‬
‫لو كان يرحمها لما عادانـي‬ ‫ويح ابن جهم ليس يرحم أمـه‬
‫ونزا على شيطانه شيطانـي قال‪ :‬فضحك المتوكل والجلساء منه‪ ،‬وانخزل ابن‬ ‫فإذا التقينا ناك شعري شعـره‬
‫الجهم‪ ،‬فلم يكن عنده أكثر من أن قال‪ :‬جمع حيلة الرجال وحيلة النساء‪ .‬فقال له المتوكل‪ :‬هذا أيضا من عيك وبردك‪ ،‬إن كان‬
‫‪:‬عندك شيء فهاته؛ فلم يأت بشيء‪ .‬فقال لمروان‪ :‬بحياتي إن حضرك شيء فهاته‪ ،‬ول تقصر في شتمك‪ .‬فقال مروان‬
‫وهذا علي بعده يدعي الشعـرا‬ ‫لعمرك ما الجهم بن بدر بشاعر‬
‫فلم ادعى الشعار أوهمني أمرا قال‪ :‬فضحك المتوكل وقال‪ :‬زده بحياتي‪ .‬فقال‬ ‫ولكن أبي قد كان جـارا لمـه‬
‫‪:‬فيه‬
‫قلت إني قرشيه‬ ‫يابن بدر يا علـيه‬
‫فاسكتي يا نبطيه‬ ‫قلت ما ليس بحق‬
‫اسكتي يا حلقـيه فاخذ عبادة هذه البيات فغناها على الطبل وجاوبه من كان يغني‪،‬‬ ‫اسكتي يا بنت جهم‬
‫‪:‬والمتوكل يضحك ويضرب بيديه ورجليه‪ ،‬وعلي مطرق كأنه ميت‪ ،‬ثم قال‪ :‬علي بالدواة فأتي بها‪ ،‬فكتب‬
‫عداوة غير ذي حـسـب ودين‬ ‫بلء لـيس يشـبـهـه بـلء‬
‫ويرتع منك في عرض مصون قال علي بن الجهم شعرا في حبسه‪ ،‬فعارضه فلم‬ ‫يبيحك منه عرضا لم يصـنـه‬
‫يطلقوه‪ :‬أخبرني علي بن العباس بن أبي طلحة قال حدثني جعفر بن هارون بن زياد قال حدثني محمد ابن السري قال‪ :‬لما‬
‫‪:‬مدح علي بن الجهم وهو محبوس المتوكل بقوله‬
‫وسلمنا لسباب القضاء وذكر فيها جميع الندماء وسبعهم وهجاهم‪ ،‬انتدب له مروان‬ ‫توكلنا على رب السماء‬
‫بن أبي الجنوب فعارضه فيها‪ ،‬وقد كان المتوكل رق له‪ ،‬فلما أنشده مروان هذه القصيدة اعتورته ألسنة الجلساء فثلبوه‬
‫‪ :‬واغتابوه وضربوا عليه‪ ،‬فتركه في محبسه‪ .‬والقصيدة‬
‫دعي في أناس أدعياء‬ ‫ألم تعلم بأنك يابن جهم‬

‫صفحة ‪1324 :‬‬

‫وبختيشوع أصحاب الوفـاء‬ ‫أعبد الله تهجو وابن عـمـر‬


‫حقيق بالشتيمة والهـجـاء‬ ‫هجوت الكرمين وأنت كلب‬
‫وأنت زنـيم أولد الـزنـاء‬ ‫أترمي بالزناء بنـي حـلل‬
‫كذبت وما بذلك من خفـاء قال في المعتصم شعرا بعدما كان من أمر العباس‬ ‫أسامة من جدودك يا بن جهم‬
‫بن المأمون وعجيف‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الحسين بن يحيى قال حدثني إبراهيم بن الحسن قال‪ :‬لما كان‬
‫‪ :‬من أمر العباس بن المأمون وعجيف ما كان‪ ،‬أنشد مروان بن أبي الجنوب المعتصم قصيدة أولها‬
‫فإنك قلت للدنيا استقيمـي فلما بلغ إلى قوله‬ ‫‪:‬أل يا دولة المعصوم دومي‬
‫فوافى إذ هوى قعر الجحـيم‬ ‫هوى العباس حين أراد غدرا‬
‫فأصبح في سواء لظى الحميم قال المعتصم‪ :‬أبعده الله مدح أشناس فطرب له‬ ‫كذاك هوى كمهواء عجـيف‬
‫وأجازه من غير أن يفهمه‪ :‬حدثني جعفر بن قدامة قال حدثنا أبو العيناء قال‪ :‬دخل مروان الصغر بن أبي الجنوب على أشناس‬
‫وقد مدحه بقصيدة فأنشده إياها‪ ،‬فجعل أشناس يحرك رأسه ويومئ بيديه ويظهر طربا وسرورا‪ ،‬وأمر له بصلة‪ .‬فلما خرج قال‬
‫له كاتبه‪ :‬رأيت المير قد طرب وحرك رأسه ويديه لما كان يسمعه‪ ،‬فقد فهمه ? قال نعم‪ .‬قال‪ :‬فأي شيء كان يقول‪ .‬قال‪ :‬ما‬
‫‪ .‬زال يقول علي رقية الخبز حتى حصل ما أراد وانصرف‬
‫هجا علي بن يحيى المنجم فرد عليه‪ :‬حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال‪ :‬كان المتوكل يعابثني‬
‫‪:‬كثيرا‪ ،‬فقال في يوم من اليام لمروان بن أبي جنوب‪ :‬اهج علي بن يحيى؛ فقال مروان‬
‫وعرض ابن يحيى ل يقاس إلى عرضي وهي أبيات ذكرها صيانة لعلي بن‬ ‫أل إن يحـيى ل يقـاس إلـى أبـــي‬
‫‪:‬يحيى‪ .‬قال‪ :‬فأجبته عنها فقلت‬
‫أبوك‪ ،‬ومن قاس الشواهق بالخـفـض‬ ‫صدقت لعمري مـا يقـاس إلـى أبـي‬
‫إذا قيست العراض يوما إلى عرضي‬ ‫وهل لك عرض طاهـر فـتـقـيسـه‬
‫أعادي بني العباس ذي الحسب المحض‬ ‫ألستم مـوالـي لـلـعـين ورهـطـه‬
‫فترمون من والى أولي الفضل بالرفض‬ ‫توالون من عادى النـبـي ورهـطـه‬
‫لنك أهل لـلـعـداوة والـبـغـض نقد أبو العنبس الصيمري شعرا له فتهاجرا‪:‬‬ ‫وليس عجيبا أن أرى لك مـبـغـضـا‬
‫‪:‬حدثني جحظة قال حدثني علي بن يحيى قال‪ :‬أنشد مروان بن أبي جنوب المتوكل ذات يوم‬
‫ونزلت في أقصى ديار الموصل فقال له بعض من حضر‪ :‬فكيف التصال بين‬ ‫إني نزلت بساحة الـمـتـوكـل‬
‫هؤلء والمراسلة? فقال أبو العنبس الصيمري‪ :‬كان له حمام هدى يبعث بها إليه من الموصل حتى يكاتبه على أجنحتها‪ .‬فضحك‬
‫المتوكل حتى استلقى‪ ،‬وخجل مروان وحلف بالطلق ل يكلم أبا العنبس أبدا‪ ،‬فماتا متهاجرين‪ .‬كذا أكبر حفظي أن جحظة‬
‫‪.‬حدثني به عن علي بن يحيى؛ فإني كتبته عن حفظي‬
‫أنشد المتوكل في مرضه بالحمى قصيدة‪ ،‬فقال علي بن الجهم أن بعضها منتحل‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن‬
‫القاسم بن مهروية قال حدثني إبراهيم بن المدبر قال قرأت في كتاب قديم‪ :‬قال عوف بن محلم لعبد الله بن طاهر في علة‬
‫‪:‬اعتلها‬
‫فعقباك منها أن يطول لك العمـر‬ ‫فإن تك حمى الربع شفك وردهـا‬
‫لكان بنا الشكوى وكان لك الجـر‬ ‫وقيناك لو نعطى المنى فيك والهوى‬

‫صفحة ‪1325 :‬‬

‫قال‪ :‬ثم حم المتوكل حمى الربع‪ ،‬فدخل عليه مروان بن أبي الجنوب بن مروان بن أبي حفصة‪ ،‬فأنشده قصيدة له على هذا‬
‫الروي‪ ،‬وأدخل البيتين فيها‪ ،‬فسر بها المتوكل‪ .‬فقال له علي بن الجهم‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬هذا شعر مقول‪ ،‬والتفت إلي وقال‪:‬‬
‫هذا يعلم‪ .‬فالتفت إلي المتوكل وقال ‪ :‬أتعرفه? فقلت‪ :‬ما سمعته قبل اليوم‪ ،‬فشتم علي بن الجهم وقال له‪ :‬هذا من حسدك‬
‫وشرك وكذبك‪ .‬فلما خرجنا قال علي بن الجهم‪ :‬ويحك مالك قد جننت أما تعرف هذا الشعر? قلت‪ :‬بلى وأنشدته إياه‪ .‬فلما‬
‫عدت إلى المتوكل من غد قال له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬قد اعترف لي بالشعر وأنشدنيه‪ .‬فقال لي‪ :‬أكذاك هو? فقلت‪ :‬كذب يا أمير‬
‫المؤمنين ما سمعت به قط فازداد عليه غيظا وله شتما‪ .‬فلما خرجنا قال لي‪ :‬ما في الرض شر منك‪ .‬فقلت له‪ :‬أنت أحمق‪،‬‬
‫تريد مني أن أجيء إلى شعر قد قاله فيه شاعر يحبه ويعجبه شعره فأقول له‪ :‬إني أعرفه فأوقع نفسي وعرضي في لسان‬
‫‪ .‬الشاعر لترتفع أنت عنده‪ ،‬ويسقط ذاك ويبغضني أنا‬
‫‪:‬صوت‬
‫م بهذا الشأن ثـان‬ ‫ما لبراهيم في العل‬
‫حاق زين للزمـان‬ ‫إنما عمر أبـي إس‬
‫ق أجابته المثانـي‬ ‫فإذا غنى أبو إسحـا‬
‫و وريحان الجنـان‬ ‫منه يجنى ثمر اللـه‬
‫حاق في كل مكان عروضه من الرمل‪ .‬الشعر لبن سيابة‪ .‬والغناء لبراهيم الموصلي‬ ‫جنة الدنيا أبـو إس‬
‫‪ .‬خفيف ثقيل بإطلق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق ابنه‬

‫أخبار ابراهيم بن سيابة ونسبه‬


‫جده حجام وهو ظريف ويرمى بالبنة‪ :‬إبراهيم بن سيابة بني هاشم‪ ،‬وكان يقال‪ :‬إن جده حجام أعتقه بعض الهاشميين‪ .‬وهو من‬
‫مقاربي شعراء وقته‪ ،‬ليست له نباهة ول شعر شريف‪ ،‬وإنما كان يميل بمودته ومدحه إلى إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق‪ ،‬فغنيا‬
‫في شعره ورفعا منه‪ ،‬وكانا يذكرانه للخلفاء والوزراء ويذكرانهم به إذا غنيا في شعره‪ ،‬فينفعانه بذلك‪ .‬وكان خليعا ماجنا‪ ،‬طيب‬
‫‪ .‬النادرة‪ ،‬وكان يرمى بالبنة‬
‫شعره في جارية سوداء لمه أهله في عشقه لها‪ :‬أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدثني‬
‫‪:‬أبو زائدة عن جعفر بن زياد قال‪ :‬عشق ابن سيابة جارية سوداء‪ ،‬فلمه أهله على ذلك وعاتبوه؛ فقال‬
‫فيكسوه الملحة والجمـال‬ ‫يكون الخال في وجه قبـيح‬
‫يراها كلها في العين خـال قصته مع ابن سوار القاضي ودايته رحاص‪ :‬أخبرني‬ ‫فكيف يلم معشوق على من‬
‫محمد بن مزيد وعيسى بن الحسين والحسين بن يحيى قالوا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬لقي إبراهيم بن سيابة وهو‬
‫سكران ابنا لسوار بن عبد الله القاضي أمرد‪ ،‬فعانقه وقبله‪ ،‬وكانت معه داية يقال لها رحاص‪ ،‬فقيل لها‪ :‬إنه لم يقبله تقبيل‬
‫‪:‬السلم‪ ،‬إنما قبله قبلة شهوة فلحقته الداية فشتمته وأسمعته كل ما يكره‪ ،‬وهجره الغلم بعد ذلك‪ .‬فقال له‬
‫يدي هـواه خـلص‬ ‫قل للذي ليس لي مـن‬
‫فأبصرتني رحـاص‬ ‫أأن لثـمـتـك سـرا‬
‫على انتقاصي حراص‬ ‫وقال فـي ذاك قـوم‬
‫شتيمة وانـتـقـاص‬ ‫هجرتنـي وأتـتـنـي‬
‫إن الجروح قصـاص ويروى أن رحاص هذه مغنية كان الغلم يحبها‪ ،‬وأنه سكر ونام؛ فقبله‬ ‫فهاك فاقتص مـنـي‬
‫ابن سيابة‪ .‬فلما انتبه قال للجارية‪ :‬ليت شعري ما كان خبرك من ابن سيابة? فقالت له‪ :‬سل عن خبرك أنت معه؛ وحدثته‬
‫‪ .‬بالقصة؛ فهجره الغلم؛ فقال هذا الشعر‬
‫جوابه لمن عاتبه على مجونه‪ ،‬ولمن سأل عنه وهو سكران محمول في طبق‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهروية‬
‫قال حدثنا علي بن الصباح قال‪ :‬عاتبنا ابن سيابة على مجونه‪ ،‬فقال‪ :‬ويلكم لن ألقى الله تبارك وتعالى بذل المعاصي‬
‫‪ .‬فيرحمني‪ ،‬أحب إلي من ألقاه أتبختر إدلل بحسناتي فيمقتني‬
‫قال‪ :‬ورأيت ابن سيابة يوما وهو سكران وقد حمل في طبق يعبرون به على الجسر‪ ،‬فسألهم إنسان ما هذا? فرفع رأسه من‬
‫‪ .‬الطبق وقال‪ :‬هذا بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملئكة يا كشخان‬
‫ولع به أبو الحارث جميز حتى أخجله فهجاه‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني أبو‬
‫‪:‬الشبل البرجمي قال‬

‫صفحة ‪1326 :‬‬

‫‪:‬ولع يوما أبو الحارث جميز بابن سيابة حتى أخجله‪ .‬فقال عند ذلك ابن سيابة يهجوه‬
‫من ظهره وقريبا من ذراعـين‬ ‫بنى أبو الحارث الجميز في وسط‬
‫ألقى على باب دير القس خرجين‬ ‫ديرا لقس إذا ما جـاء يدخـلـه‬
‫ل ذو يدين ول يمشي برجـلـين جوابه لمن اقترض منه فاعتذر‪ :‬أخبرني‬ ‫يعدو على بطنه شدا على عجـل‬
‫هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إبراهيم تينة قال‪ :‬كتب ابن سيابة إلى صديق له يقترض منه شيئا؛ فكتب إليه‬
‫‪ .‬يعتذر له ويحلف أنه ليس عنده ما سأله‪ .‬فكتب إليه‪ :‬إن كنت كاذبا فجعلك الله صادقا‪ .‬وإن كنت ملوما فجعلك الله معذورا‬
‫ضرط في جماعة فكلم استه‪ :‬أخبرني محمد بن أبي الزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬كان ابن سيابة الشاعر‬
‫عندنا يوما مع جماعة نتحدث ونتناشد وهو ينشدنا شيئا من شعره‪ ،‬فتحرك فضرط‪ ،‬فضرب بيده على استه غير مكترث‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫‪.‬إما أن تسكتي حتى أتكلم‪ ،‬وإما أن تتكلمي حتى أسكت‬
‫غمز غلما أمرد فأجابه‪ :‬أخبرني علي بن صالح بن الهيثم النباري الكاتب قال حدثني أبو هفان قال‪ :‬غمز ابن سيابة غلما أمرد‬
‫ذات يوم فأجابه‪ ،‬ومضى به إلى منزله‪ ،‬فأكل وجلسا يشربان‪ .‬فقال له الغلم‪ :‬أنت ابن سيابة الزنديق? قال نعم‪ .‬قال‪ :‬أحب أن‬
‫تعلمني الزندقة‪ .‬قال‪ :‬أفعل وكرامة‪ .‬ثم بطحه على وجهه‪ ،‬فلما تمكن منه أدخل عليه؛ فصاح الغلم أوه أيش هذا ويحك? قال‬
‫‪.‬سألتني أن أعلمك الزندقة‪ ،‬وهذا أول باب من شرائعها‬
‫يرى فقدان الدقيق أكبر مصيبة‪ :‬أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثني محرز بن جعفر الكاتب قال‪ :‬قال لي إبراهيم‬
‫بن سيابة الشاعر‪ :‬إذا كانت في جيرانك جنازة وليس في بيتك دقيق فل تحضر الجنازة‪ ،‬فإن المصيبة عندك أكبر منها عند‬
‫‪ .‬القوم‪ ،‬وبيتك أولى بالمأتم من بيتهم‬
‫سخط عليه الفضل بن الربيع فاستعطفه بشعر فرضي عنه ووصله‪ :‬أخبرني جعفر بن قدامة ومحمد بن مزيد قال حدثنا حماد‬
‫بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬سخط الفضل بن الربيع على ابن سيابة‪ ،‬فسألته أن يرضى عنه فامتنع‪ .‬فكتب إليه ابن سيابة بهذه‬
‫‪:‬البيات وسألني إيصالها‬
‫فأحط بجرمي عفوك المأمـول‬ ‫إن كان جرمي قد أحاط بحرمتي‬
‫في مثلها أحد فنلـت الـسـول‬ ‫فكم ارتجيتك في التي ل يرتجى‬
‫ووجدت حلمك لي عليك دلـيل‬ ‫وضللت عنك فلم أجد لي مذهبا‬
‫يزداد عفوك بعد طولك طـول‬ ‫هبني أسـأت ومـا أقـر كـي‬
‫لم يعدم الراجون منه جـمـيل فلما قرأها الفضل دمعت عيناه ورضي عن ابن‬ ‫فالعفو أجمل والتفضل بامـرئ‬
‫‪ .‬سيابة‪ ،‬وأوصله إليه وأمر إليه بعشرة آلف درهم‬
‫حواره المقذع مع بشار‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثنا الحسن بن الفضل قال‬
‫سمعت ابن عائشة يقول‪ :‬جاء إبراهيم بن سيابة إلى بشار فقال له‪ :‬ما رأيت أعمى قط إل وقد عوض من بصره إما الحفظ‬
‫والذكاء وإما حسن الصوت‪ ،‬فأي شيء عوضت أنت ? قال‪ :‬أل أرى ثقيل مثلك‪ ،‬ثم قال له‪ :‬من أنت ويحك? قال‪ :‬إبراهيم بن‬
‫‪:‬سيابة‪ .‬فتضاحك ثم قال ‪ :‬لو نكح السد في استه لذل ‪ .‬وكان إبراهيم يرمى بذلك‪ .‬ثم تمثل بشار‬
‫ومات جوعا ولم ينل شبعـا‬ ‫لو نكح االليث في استه خضعا‬
‫لو بصق الناس فيه ما قطعا نزل على سليمان بن يحيى بن معاذ بنيسابور‪ :‬أخبرني‬ ‫كذلك السيف عنـد هـزتـه‬
‫حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني عبد الله بن أبي نصر المروزي قال حدثني محمد بن عبد‬
‫الله الطلحي قال حدثني سليمان بن يحيى بن معاذ قال‪ :‬قدم إبراهيم بن سيابة نيسابور فأنزلته علي؛ فجاءني ليلة من الليالي‬
‫‪:‬وهو مهرب ‪ ،‬فجعل يصيح بي‪ :‬يا أبا أيوب‪ .‬فخشيت أن يكون قد غشيه شيء يؤذيه‪ ،‬فقلت‪ :‬ما تشاء? فقال‬
‫‪:‬أعياني الشادن الربيب فقلت بماذا? فقال‬
‫‪:‬أكتب أشكو ل يجيب قال فقلت له‪ :‬داره وداوه؛ فقال‬
‫وإنما دائي الـطـبـيب فقلت‪ :‬ل دواء إذا إل أن يفرج الله تعالى‪ .‬فقال‬ ‫‪:‬من أين أبغي شفاء ما بي‬
‫فإنك السامع المجيب ثم انصرف‬ ‫‪ .‬يا رب فرج إذا وعجل‬
‫‪ .‬في هذا الشعر رمل طنبوري لجحظة‬

‫صفحة ‪1327 :‬‬

‫‪:‬من قصيدة أخت الوليد بن طريف في رثائه‪ :‬قصيدة‬


‫كأنك لم تحزن على ابن طريف‬ ‫أيا شجر الخابور مال مـورقـا‬
‫ول المال إل من قنا وسـيوف الشعر لخت الوليد بن طريف الشاري‪ .‬والغناء‬ ‫فتى ل يحب الزاد إل من التقى‬
‫لعبد الله بن طاهر ثقيل أول بالوسطى‪ ،‬من رواية ابنه عبيد الله عنه‪ .‬وأول هذه البيات كما أنشدنا محمد بن العباس اليزيدي‬
‫‪ :‬عن أحمد ابن يحيى ثعلب‬
‫على علم فوق الجبال مـنـيف‬ ‫بتل بناثا رسـم قـبـر كـأنـه‬
‫وسورة مقدام وقلب حصـيف‬ ‫تضمن جوادا حاتـمـيا ونـائل‬
‫فتى كان بالمعروف غير عفيف‬ ‫أل قاتل الله الجثا حيث أضمرت‬
‫فيا رب خيل فضها وصفـوف‬ ‫فإن يك أراده يزيد بـن مـزيد‬
‫ودهر ملح بالكـرام عـنـيف‬ ‫أل يا لقوم للـنـوائب والـردى‬
‫وللشمس همت بعده بكسـوف‬ ‫وللبدر من بين الكواكب إذ هوى‬
‫كأنك لم تحزن على ابن طريف‬ ‫أيا شجر الخابور مالك مورقـا‬
‫ول المال إل من قنا وسـيوف‬ ‫فتى ل يحب الزاد إل من التقى‬
‫وكل حصان بالـيدين غـروف‬ ‫ول الخيل إل كل جرداء شطـبة‬
‫أرى الموت نزال بكل شـريف‬ ‫فل تجزعا يا ابنا طريف فإننـي‬
‫فديناك من دهمائنـا بـألـوف وهذه البيات تقولها أخت الوليد بن طريف ترثيه‪،‬‬ ‫فقدناك فقدان الربيع ولـيتـنـا‬
‫‪.‬وكان يزيد بن مزيد قتله‬
‫ذكر الخبر في ذلك‬
‫مقتل الوليد بن طريف‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثنا محمد بن يزيد عن عمه عن جماعة من الرواة قال‪ :‬كان‬
‫الوليد بن طريف الشيباني رأس الخوارج وأشدهم بأسا وصولة وأشجعهم؛ فكان من بالشماسية ل يأمن طروقه إياه ‪ ،‬واشتدت‬
‫شوكته وطالت أيامه‪ .‬فوجه إليه الرشيد يزيد بن مزيد الشيباني‪ ،‬فجعل يخاتله ويماكره‪ .‬وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد بن‬
‫مزيد‪ ،‬فأغروا به أمير المؤمنين‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنما يتجافى عنه للرحم‪ ،‬وإل فشوكة الوليد يسيرة‪ ،‬وهو يواعده وينتظر ما يكون من‬
‫أمره‪ .‬فوجه إليه الرشيد كتاب مغضب يقول فيه‪ :‬لو وجهت بأحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به‪ ،‬ولكنك مداهن متعصب‪ .‬وأمير‬
‫المؤمنين يقسم بالله لئن أخرت مناجزة الوليد ليوجهن إليك من يحمل رأسك إلى أمير المؤمنين‪ .‬فلقي الوليد عشية خميس‬
‫في شهر رمضان‪ .‬فيقال‪ :‬إن يزيد جهد عطشا حتى رمه بخاتمه في فيه‪ ،‬فجعل يلوكه ويقول‪ :‬اللهم إنها شدة شديدة فاسترها‪.‬‬
‫وقال لصحابه‪ :‬فداكم أبي وأمي‪ ،‬إنما هي الخوارج ولهم حملة‪ ،‬فاثبتوا لهم تحت التراس ‪ ،‬فإذا انقضت حملتهم فاحملوا؛ فإنهم‬
‫إذا انهزموا لم يرجعوا‪ .‬فكان كما قال‪ ،‬حملوا وثبت يزيد ومن معه من عشيرته وأصحابه‪ ،‬ثم حمل عليهم فانكشفوا‪ .‬ويقال إن‬
‫أسد بن يزيد كان شبيها بأبيه جدا‪ ،‬وكان ل يفصل بينهما إلى المتأمل‪ ،‬وكان أكثر ما يباعده منه ضربة في وجه يزيد تأخذ من‬
‫قصاص شعره ومنحرفة على جبهته؛ فكان أسد يتمنى مثلها‪ .‬فهوت له ضربة فأخرج وجهه من الترس فأصابته في ذلك الموضع‪.‬‬
‫فيقال‪ :‬إنه لو خطت على مثال ضربة أبيه ما عدا ‪ ،‬جاءت كأنها هي‪ .‬واتبع يزيد الوليد بن طريف فلحقه بعد مسافة بعيدة فأخذ‬
‫‪:‬رأسه‪ .‬وكان الوليد خرج إليهم حيث خرج وهو يقول‬
‫قسورة ل يصطلى بنـاري‬ ‫أنا الوليد بن طريف الشاري‬
‫جوركم أخرجني من داري خرجت أخته لتثأر له فزجرها يزيد بن مزيد‪ :‬فلما وقع فيهم السيف وأخذ رأس الوليد‪ ،‬صبحتهم أخته‬
‫ليلى بنت طريف مستعدة عليها الدرع والجوشن‪ ،‬فجعلت تحمل على الناس فعرفت‪ .‬فقال يزيد‪ :‬دعوها‪ ،‬ثم خرج إليها فضرب‬
‫‪:‬بالرمح قطاة فرسها‪ ،‬ثم قال اغربي غرب الله عليك فقد فضحت العشيرة؛ فاستحيت وانصرفت وهي تقول‬
‫كأنك لم تحزن على ابن طريف‬ ‫أيا شجر الخابور مالك مورقـا‬
‫ول المال إل من قنا وسـيوف‬ ‫فتى ل يحب الزاد إل من التقى‬
‫وكل دقيق الشفرتين خـفـيف‬ ‫ول الذخر إل كل جرداء صلدم‬

‫صفحة ‪1328 :‬‬

‫فلما انصرف يزيد بالظفر حجب برأي البرامكة‪ ،‬وأظهر الرشيد السخط عليه‪ .‬فقال‪ :‬وحق أمير المؤمنين لصيفن وأشتون‬
‫على فرسي أو أدخل‪ .‬فارتفع الخبر بذلك فأذن له فدخل‪ .‬فلما رآه أمير المؤمنين ضحك وسر وأقبل يصيح‪ :‬مرحبا بالعرابي‬
‫‪ .‬حتى دخل وأجلس وأكرم وعرف بلؤه ونقاء صدره‬
‫من قصيد مسلم بن الوليد في يزيد بن مزيد‪ :‬ومدحه الشعراء بذلك‪ .‬فكان أحسنهم مدحا مسلم بن الوليد؛ فقال فيه قصيدته‬
‫‪:‬التي أولها‬
‫وشمرت همم العذال في عـذلـي‬ ‫أجررت حبل خليع في الصبا غـزل‬
‫مفرق بين تـوديع ومـحـتـمـل‬ ‫هاج البكاء على العين الطموح هوى‬
‫يهذي بصاحب قلب غير مختـبـل وفيها يقول‬ ‫‪:‬كيف السلو لقلب بات مـخـتـبـل‬
‫إذا تغير وجه الفارس الـبـطـل‬ ‫يفتر عند افترار الحرب مبتسـمـا‬
‫كأنه أجـل يسـعـى إلـى أمـل‬ ‫موف على مهج في يوم ذي رهـج‬
‫كالموت مستعجل يأتي على مهـل‬ ‫ينال بالرفق ما يعيا الـرجـال بـه‬
‫كالبيت يفضي إليه ملتقى السـبـل‬ ‫ل يرحل الناس إل نحو حجـرتـه‬
‫يقري الضيوف شحوم الكوم والبزل‬ ‫يقري المنية أرواح العـداة كـمـا‬
‫ويجعل الهام تيجان القنـا الـذبـل‬ ‫يكسو السيوف رؤوس الناكثين بـه‬
‫مسالك الموت في البدان والقلـل‬ ‫إذا انتضى سيفه كانت مسـالـكـه‬
‫وراثة في بني شيبـان لـم تـزل‬ ‫ل تكذبن فإن المـجـد مـعـدنـه‬
‫تكلم الفخر عنه غير مـنـتـحـل‬ ‫إذا الشريكي لم يفخر عـلـى أحـد‬
‫خوف المخيف وأمن الخائف الوجل‬ ‫الزائديون قـوم فـي رمـاحـهـم‬
‫حلما وطفلهم في هدي مكتـهـل‬ ‫كبيرهم ل تقـوم الـراسـيات لـه‬
‫إذا سلمت ول في الدين من خلـل‬ ‫اسلم يزيد فما في الملـك مـن أود‬
‫عن بيضة الدين لم تأمن من الثكـل‬ ‫لول دفاعك بأس الروم إذ مكـرت‬
‫بعارض للمنايا مسـبـل هـطـل‬ ‫والمارق ابن طريف قد دلفـت لـه‬
‫فاز الوليد بقدح الناضل الخـصـل‬ ‫لو أن غير شريكـي أطـاف بـه‬
‫إل كمثل جراد ريع مـنـجـفـل‬ ‫ما كان جمعهم لما دلـفـت لـهـم‬
‫أخرجته من حصون الملك والخول‬ ‫كم آمن لك نائي الدار مـمـتـنـع‬
‫ل يأمن الدهر أن يدعى على عجل‬ ‫تراه في المن في درع مضاعـفة‬
‫ول يمسح عينيه مـن الـكـحـل‬ ‫ل يعبق الطيب خديه ومـفـرقـه‬
‫عضب حسام وعرض غير مبتـذل‬ ‫يأبى لك الذم في يومـيك إن ذكـرا‬
‫كذاك ما لبني شيبان مـن مـثـل وقال محمد بن يزيد‪ :‬يعني بقوله‬ ‫‪:‬فافخر فما لك في شيبان من مثـل‬
‫‪:‬تراه في المن في درع مضاعفة كان معن يقدمه على بنيه فعاتبته امرأته فأراها حالهم وحاله‬

‫صفحة ‪1329 :‬‬

‫خبر يزيد بن مزيد‪ .‬وذاك أن امرأة معن بن زائدة عاتبت معنا في يزيد وقالت‪ :‬إنك لتقدمه وتؤخر بنيك‪ ،‬وتشيد بذكره وتحمل‬
‫ذكرهم‪ ،‬ولو نبهتهم لنتبهوا‪ ،‬ولو رفعتهم لرتفعوا‪ .‬فقال معن‪ :‬إن يزيد قريب لم تبعد رحمه‪ ،‬وله علي حكم الولد إذ كنت عمه‪.‬‬
‫وبعد فإنهم ألوط بقلبي وأدنى من نفسي على ما توجبه واجبة الولدة للبوة في تقديمهم ‪ ،‬ولكني ل أجد عندهم ما أجده عنده‪.‬‬
‫ولو كان ما يضطلع به يزيد في بعيد لصار قريبا‪ ،‬وفي عدو لصار حبيبا‪ .‬وسأريك في ليلتي هذه ما ينفسح به اللوم عني ويتبين به‬
‫عذري‪ .‬يا غلم اذهب فادع جساسا وزائدة وعبد الله فلنا وفلنا‪ ،‬حتى أتى على أسماء ولده؛ فلم يلبث أن جاؤوا في الغلئل‬
‫المطيبة والنعال السندية‪ ،‬وذلك بعد هدأة من الليل‪ ،‬فسلموا وجلسوا‪ .‬ثم قال‪ :‬يا غلم ادع لي يزيد وقد أسبل سترا بينه وبين‬
‫المرأة‪ ،‬وإذا به قد دخل عجل وعليه السلح كله‪ ،‬فوضع رمحه بباب المجلس ثم أتى يحضر ‪ .‬فلما رآه معن قال‪ :‬ما هذه الهيئة‬
‫أبا الزبير? وكان يزيد يكنى أبا الزبير وأبا خالد فقال‪ :‬جاءني رسول المير فسبق إلى نفسي أنه يريدني لوجه‪ ،‬فقلت‪ :‬إن كان‬
‫مضيت ولم أعرج‪ ،‬وإن يكن المر على خلف ذلك فنزع هذه اللة أيسر الخطب‪ .‬فقال لهم‪ :‬انصرفوا في حفظ الله‪ .‬فقالت‬
‫‪:‬المرأة‪ :‬قد تبين عذرك‪ .‬فأنشد معن متمثل‬
‫وعودته الكر والقدامـا‬ ‫نفس عصام سودت عصاما‬
‫وصيرته ملكا همـامـا من شعر أخته في رثائه‪ :‬وأخبرني محمد بن الحسن الكندي قال حدثنا الرياشي قال‪ :‬أنشدني الصمعي‬
‫‪:‬لخت الوليد بن طريف ترثيه‬
‫إذ الرض من شخصه بلقع‬ ‫ذكـرت الـولـيد وأيامـه‬
‫كما يبتغي أنفـه الجـدع‬ ‫فأقبلت أطلبه في السـمـاء‬
‫إفادة مثل الذي ضـيعـوا‬ ‫أضاعك قومك فليطلـبـوا‬
‫يصيبك تعلم ما تـصـنـع‬ ‫لو أن السيوف التي حدهـا‬
‫وخوفا لصولك ل تقـطـع بعض أخلق عبد الله بن طاهر‪ :‬فأما خبر عبد الله بن طاهر‬ ‫نبت عنك أو جعلـت هـيبة‬
‫في صنعته هذا الصوت‪ ،‬فإن عبد الله كان بمحل من علو المنزلة وعظم القدر ولطف مكان من الخلفاء‪ ،‬يستغني به عن‬
‫التقريظ له والدللة عليه‪ .‬وأمره في ذلك مشهور عند الخاصة والعامة‪ ،‬وله في الدب مع ذلك المحل الذي ل يدفع‪ ،‬وفي‬
‫‪ .‬السماحة والشجاعة ما ل يقاربه فيه كبير أحد‬
‫فرق خراج مصر وقال أبياته أرضى بها المأمون‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش عن محمد بن يزيد المبرد أن المأمون‬
‫أعطى عبد الله بن طاهر مال مصر لسنة خراجها وضياعها‪ ،‬فوهبه كله وفرقه في الناس‪ ،‬ورجع صفرا من ذلك‪ ،‬فغاظ المأمون‬
‫‪:‬فعله‪ .‬فدخل إليه يوم مقدمه فأنشده أبياتا قالها في هذا المعنى‪ ،‬وهي‬
‫للنائبات أبيا غير مـتـهـضـم‬ ‫نفسي فداؤك والعناق خاضـعة‬
‫حولين بعدك في شوق وفي ألـم‬ ‫إليك أقبلت من أرض أقمت بهـا‬
‫حذو الشراك على مثل من الدم‬ ‫أقفو مساعيك اللتي خصصت بها‬
‫لما سننت من النعام والـنـعـم‬ ‫فكان فضلي فيها أنـنـي تـبـع‬
‫لكن بدأت فلم أعجـز ولـم ألـم فضحك المأمون وقال‪ :‬والله ما نفست عليك‬ ‫ولو وكلت إلى نفسي غنيت بهـا‬
‫مكرمة نلتها ول أحدوثة حسن عنك ذكرها‪ ،‬ولكن هذا شيء إذا عودته نفسك افترقت ولم تقدر على لم شعثك وإصلح حالك‪.‬‬
‫‪ .‬وزال ما كان في نفسه‬
‫أتاه معلى الطائي ومدحه فأجازه‪ :‬أخبرني وكيع قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني عبد الله بن فرقد قال أخبرني‬
‫محمد ابن الفضل محمد بن منصور قال‪ :‬لما افتتح عبد الله بن طاهر مصر ونحن معه‪ ،‬سوغه المأمون خراجها‪ .‬فصعد المنبر‬
‫فلم يزل حتى أجاز بها كلها ثلثة آلف دينار أو نحوها‪ .‬فأتاه معلى الطائي وقد أعلموه ما قد صنع عبد الله بن طاهر بالناس في‬
‫الجوائز‪ ،‬وكان عليه واحدا‪ ،‬فوقف بين يديه تحت المنبر فقال‪ :‬أصلح الله المير أنا معلى الطائي‪ ،‬وقد بلغ مني ما كان منك إلي‬
‫‪:‬من جفاء وغلظ‪ .‬فل يغلظن علي قبلك‪ ،‬ول يستخفنك الذي بلغك‪ ،‬أنا الذي أقول‬
‫وأظلم الناس عند الجود للمال‬ ‫يا أعظم الناس عفوا عند مقدرة‬
‫لما أشرت إلى خزن بمثقـال‬ ‫لو أصبح النيل يجري ماؤه ذهبا‬

‫صفحة ‪1330 :‬‬

‫وليس شيء أعاض الحمد بالغالـي‬ ‫تغلى بما فيه رق الحمد تمـلـكـه‬
‫إذا استطال على قـوم بـإقـلل‬ ‫تفك باليسر كف العسر من زمـن‬
‫أ ومرهف قاتل في رأس قـتـال‬ ‫لم تخل كفك من جود لمخـتـبـط‬
‫إل عصـفـن بـأرزاق وآجـال‬ ‫وما بثثت رعيل الخيل فـي بـلـد‬
‫فإن شكرك من قلبي علـى بـال‬ ‫إن كنت على بـال مـنـنـت بـه‬
‫من ألسن خضن في صدري بأقوال قال فضحك عبد الله وسر بما كان منه‪،‬‬ ‫ما زلت منقضبا لول مـجـاهـرة‬
‫‪ .‬وقال‪ :‬يا أبا السمراء أقرضني عشرة آلف دينار‪ ،‬فما أمسيت أملكها؛ فأقرضه فدفعها إليه‬
‫أحسن إلى موسى بن خاقان ثم جفاه‪ ،‬فمدح موسى المأمون وعرض به‪ :‬أخبرني علي بن عبد العزيز عن ابن خرداذبه قال‪:‬‬
‫كان موسى بن خاقان مع عبد الله بن طاهر بمصر‪ ،‬وكان نديمه وجليسه‪ ،‬وكان له مؤثرا مقدما؛ فأصاب منه معروفا كثيرا‬
‫وأجازه بجوائز سنية هناك وقبل ذلك‪ .‬ثم إنه وجد عليه في بعض المر‪ ،‬فجفاه وظهر له منه بعض ما لم يحبه‪ ،‬فرجع حينئذ إلى‬
‫‪:‬بغداد وقال‪ :‬صوت‬
‫ل مبدئا عرفا وإحسانا‬ ‫إن كان عبد الله خلنا‬
‫ثم بعبد الله مـولنـا يعني بعبد الله الثاني المأمون‪ ،‬وغنت فيه جاريته ضعف لحنا من‬ ‫فحسبنا الله رضينا بـه‬
‫الثقيل الول‪ ،‬وسمعه المأمون فاستحسنه ووصله وإياها‪ .‬فبلغ ذلك عبد الله بن طاهر‪ ،‬فغاظه ذلك وقال‪ :‬أجل صنعنا المعروف‬
‫‪ .‬إلى غير أهله فضاع‬
‫‪:‬وكانت ضعف إحدى المحسنات‪ .‬ومن أوائل صنعتها وصدور أغانيها وما برزت فيه وقدمت فاختيرت‪ ،‬صنعتها في شعر جميل‬
‫هدوءا فهاج القلب شوقا وأنصـبـا‬ ‫أمنك سرى يا بثـن طـيف تـأوبـا‬
‫ولو زارني مستيقظا كان أعجـبـا الشعر لجميل‪ ،‬والغناء لضعف ثقيل أول‬ ‫عجبت له أن زار في النوم مضجعي‬
‫‪ .‬بالبنصر‬
‫قصته مع محمد بن يزيد الموي‪ :‬أخبرني عمي قال حدثني أبو جعفر بن الدهقانة النديم قال حدثنا العباس بن الفضل‬
‫الخراساني‪ ،‬وكان من وجوه قواد طاهر وابنه عبد الله‪ ،‬وكان أديبا عاقل فاضل‪ ،‬قال‪ :‬لما قال عبد الله بن طاهر قصيدته التي‬
‫يفخر فيها بمآثر أبيه وأهله ويفخر بقتلهم المخلوع‪ ،‬عارضه محمد بن يزيد الموي الحصني‪ ،‬وكان رجل من ولد مسلمة بن عبد‬
‫الملك‪ ،‬فأفرط في السب وتجاوز الحد في قبح الرد‪ ،‬وتوسط بين القوم وبين بني هاشم فأربى في التوسط والتعصب‪ .‬فكان‬
‫‪:‬مما قال فيه‬
‫ما لـحـاذيه سـراويل‬ ‫يا بن بيت النار موقدهـا‬
‫مصعب غالتكم غـول‬ ‫من حسين من أبوك ومن‬
‫وأبــــوات أراذيل‬ ‫نسب في الفخر مؤتشب‬
‫ودم المقتول مطـلـول‬ ‫قاتل المخلوع مقـتـول‬

‫صفحة ‪1331 :‬‬

‫وهي قصيدة طويلة‪ .‬فلما ولي عبد الله مصر ورد إليه تدبير أمر الشام‪ ،‬علم الحصني أنه ل يفلت منه إن هرب ول ينجو من‬
‫يده حيث حل‪ ،‬وأحرز حرمه‪ ،‬وترك أمواله ودوابه وكل ما كان يملكه في موضعه‪ ،‬وفتح باب حصنه وجلس عليه‪ ،‬ونحن نتوقع من‬
‫عبد الله بن طاهر أن يوقع به‪ .‬فلما شارفنا بلده وكنا على أن نصبحه ‪ ،‬دعاني عبد الله في الليل فقال لي‪ :‬بت عندي الليلة‪،‬‬
‫وليكن فرسك معدا عندك ل يرد‪ ،‬ففعلت‪ .‬فلما كان في السحر أمر غلمانه وأصحابه ال يرحلوا حتى تطلع الشمس‪ ،‬وركب في‬
‫السحر وأنا وخمسة من خواص غلمانه معه ‪ ،‬فسار حتى صبح الحصني‪ ،‬فرأى بابه مفتوحا ورآه جالسا مفتوحا مسترسل‪،‬‬
‫فقصده وسلم عليه ونزل عنده وقال له‪ :‬ما أجلسك ها هنا وحملك على أن فتحت بابك ولم تتحصن من هذا الجيش المقبل ولم‬
‫تتنح عن عبد الله بن طاهر مع ما في نفسه عليك وما بلغه عنك? فقال‪ :‬إن ما قلت لم يذهب علي‪ ،‬ولكني تأملت أمري‪،‬‬
‫وعلمت أني أخطأت خطيئة حملني عليها نزق الشباب وغرة الحداثة‪ ،‬وأني هربت منه لم أفته‪ ،‬فباعدت البنات والحرم‪،‬‬
‫واستسلمت بنفسي وكل ما أملك؛ فأنا أهل بيت قد أسرع القتل فينا‪ ،‬ولي بمن مضى أسوة؛ فإني أثق بأن الرجل إذا قتلني‬
‫وأخذ مالي شفى غيظه ولم يتجاوز ذلك إلى الحرم ول له فيهن أرب‪ ،‬ول يوجب جرمي إليه أكثر مما بذلته‪ .‬قال‪ :‬فوالله ما اتقاه‬
‫عبد الله إل بدموعه تجري على لحيته‪ .‬ثم قال له‪ :‬أتعرفني? قال‪ :‬ل والله قال‪ :‬أنا عبد الله بن طاهر‪ ،‬وقد أمن الله تعالى‬
‫روعتك‪ ،‬وحقن دمك‪ ،‬وصان حرمك‪ ،‬وحرس نعمتك‪ ،‬وعفا عن ذنبك‪ .‬وما تعجلت إليك وحدي إل لتأمن من قبل هجوم الجيش‪،‬‬
‫ولئل يخالط عفوي عنك روعة تلحقك‪ .‬فبكى الحصني وقام فقبل رأسه؛ وضمه إليه عبد الله وأدناه‪ ،‬ثم قال له‪ :‬إما ل فل بد من‬
‫عتاب‪ .‬يا أخي جعلني الله فداك قلت شعرا في قومي أفخر بهم لم أطعن فيه على حسبك ول ادعيت فضل عليك‪ .‬وفخرت بقتل‬
‫رجل هو وإن كان من قومك‪ ،‬فهم القوم الذين ثأرك عندهم؛ فكان يسعك السكوت‪ ،‬أو إن لم تسكت ل تغرق ول تسرف‪ .‬فقال‪:‬‬
‫أيها المير‪ ،‬قد عفوت‪ ،‬فاجعله العفو الذي ل يخلطه تثريب‪ ،‬ول يكدر صفوه تأنيب‪ .‬قال‪ :‬قد فعلت‪ ،‬فقم بنا ندخل إلى منزلك‬
‫حتى نوجب عليك حقا بالضيافة‪ .‬فقام مسرورا فأدخلنا‪ ،‬فأتى بطعام كان قد أعده‪ ،‬فأكلنا وجلسنا نشرب في مستشرف له‪.‬‬
‫وأقبل الجيش‪ ،‬فأمرني عبد الله أن أتلقاهم فأرحلهم‪ ،‬ول ينزل أحد منهم إل في المنزل‪ ،‬وهو على ثلثة فراسخ؛ فنزلت‬
‫فرحلتهم‪ .‬وأقام عنده إلى العصر ‪ .‬ثم دعا بدواة فكتب له بتسويغه خراجه ثلث سنين‪ ،‬وقال له‪ :‬إن نشطت لنا فالحق بنا‪ ،‬وإل‬
‫فأقم بمكانك‪ .‬فقال‪ :‬فأنا أتجهز بالمير‪ .‬ففعل فلحق بنا بمصر ولم يزل مع عبد الله ل يفارقه حتى رحل إلى العراق‪ ،‬فودعه‬
‫‪ .‬وأقام ببلده‬
‫بعض الشعار التي غنى فيها وذكر بعض أخبار استدعاها بيانها‪ :‬فأما الصوات التي غنى فيها عبد الله بن طاهر فكثيرة ‪ .‬وكان‬
‫عبيد الله بن عبد الله إذا ذكر شيئا منها قال‪ :‬الغناء للدار الكبيرة‪ ،‬وإذا ذكر شيئا من صنعته قال‪ :‬الغناء للدار الصغيرة فمنها‬
‫ومن مختارها وصدورها ومقدمها لحنه من شعر أخت عمرو بن عاصية وقيل‪ :‬إنه لخت مسعود بن شداد فإنه صوت نادر جيد‪.‬‬
‫قال أبو العبيس بن حمدون وقد ذكره ففضله‪ :‬جاء به عبد الله بن طاهر صحيح العمل مزدوج النغم بين لين وشدة على رسم‬
‫‪:‬الحذاق من القدماء‪ ،‬وهو‪ :‬صوت‬
‫نفسي فداؤك من ذي غلة صادي‬ ‫هل سقيتم بني سهـم أسـيركـم‬
‫مضرج بعد ما جادت بـإزبـاد الشعر لخت عمرو بن عاصية السلمي ترثيه ‪.‬‬ ‫الطاعن الطعنة النجلء يتبعـهـا‬
‫وكان بنو سهم‪ ،‬وهم بطن من هذيل‪ ،‬أسروه في حرب كانت بينهم ولم يعرفوه‪ ،‬فلما عرفوه قتلوه‪ .‬وكان قد عطش‬
‫فاستسقاهم‪ ،‬فمنعوه وقتلوه على عطشه‪ .‬وقيل‪ :‬إن هذا الشعر للفارغة أخت مسعود بن شداد‪ .‬ولحن عبد الله بن طاهر خفيف‬
‫‪ .‬ثقيل أول بالوسطى ابتداؤه استهلل‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬قتلت بنو سهم‪ ،‬وهم بطن من‬
‫هذيل‪ ،‬عمرو بن عاصية السلمي‪ ،‬وكان رجلن منهم أخذاه أخذا‪ ،‬فاستسقاهما ماء فمنعاه ذلك‪ ،‬ثم قتله‪ .‬فقالت أخته ترثيه‪،‬‬
‫‪:‬وتذكر ما صنعوا به‬
‫فل تبوخ ول يرتد صاليها‬ ‫شبت هذيل وبهز بينها إرة‬

‫صفحة ‪1332 :‬‬

‫‪ .‬ويروى‪ :‬شبت هذيل وسهم‪ ،‬وهو الصحيح‪ ،‬ولكن كذا قال عمر بن شبة‬

‫خلى علي فجاجا كان يحميها وقالت أيضا ترثيه‬ ‫‪:‬إن ابن عاصية المقتول بينكما‬
‫على ابن عاصية المقتول بالوادي‬ ‫يا لهف نفسي لهفـا دائمـا أبـدا‬
‫نفسي فداؤك من ذي غلة صادي قال‪ :‬فغزا عرعرة بن عاصية هذيل يطلبهم‬ ‫هل سقيتم بنس سهـم أسـيركـم‬
‫‪ :‬بدم أخيه‪ ،‬فقتل منهم نفرا وسبى امرأة فجردها‪ ،‬ثم ساقها معه عارية إلى بلد بني سليم؛ فقالت عند ذلك‬
‫وأفرط في السوق العنيف إسارها‬ ‫ألمت سليم في السياق وأفحـشـت‬
‫فوارس منها وهي باد شـوارهـا‬ ‫لعل فتاة مـنـهـم أن يسـوقـهـا‬
‫هذيل فقد باءت فكيف اعتذارهـا‬ ‫فإن سبقت عليا سليم بـذحـلـهـا‬
‫تثير عجاجا مستطيرا غـبـارهـا‬ ‫أل ليت شعري هل أرى الخيل شزبا‬
‫ويغسل ما قد كان بالمس عارهـا هذه رواية عمر بن شبة‪ .‬فأما رواية أبو‬ ‫فترقا عيون بعد طـول بـكـائهـا‬
‫عبيدة فإنه خالفه في ذلك‪ ،‬وذكر في مقتله‪ ،‬فيما أخبرني به محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال‪ :‬خرج‬
‫عمرو بن عاصية السلمي ثم البهزي في جماعة من قومه‪ ،‬فأغاروا على هذيل بن مدركة‪ ،‬فصادفوا حيا من هذيل يقال لهم بنو‬
‫سهم بن معاوية‪ .‬وكانت امرأة من هذيل تحت رجل من بني بهز‪ ،‬فقالت لبن لها معه ‪ :‬أي بني انطلق إلى أخوالك فأنذرهم بأن‬
‫ابن عاصية قد أمسى يريدهم‪ ،‬وذلك حين عزم ابن عاصية على غزوهم وأراد المسير إليهم‪ .‬فانطلق الغلم من تحت ليلته حتى‬
‫أتى أخواله فأنذرهم‪ ،‬فقال‪ :‬ابن عاصية السلمي يريدكم‪ ،‬فخذوا حذركم؛ فبدر القوم واستعدوا‪ .‬وأصبح عمرو بن عاصية قريبا‬
‫من الحي‪ ،‬فنزل فربأ لصحابه على جبل مشرف على القوم ‪ ،‬فإذا هم حذرون‪ .‬فقال لصحابه‪ :‬أرى القوم حذرين إن لهم لشأنا‪،‬‬
‫ولقد أنذروا علينا‪ .‬فكمن في الجبل يطلب غفلتهم‪ ،‬فأصابه وأصحابه عطش شديد‪ ،‬فقال ابن عاصية لصحابه‪ :‬هل فيكم من‬
‫يرتوي لصحابه? فقال أصحابه‪ :‬نخاف القوم‪ ،‬وأبى أحد منهم أن يجيبه إلى ذلك‪ .‬قال‪ :‬فخرج على فرس له ومعه قربته‪ .‬وقد‬
‫وضعت هذيل على الماء منهم رصدا‪ ،‬وعلموا أنهم ل بد لهم من أن يردوا الماء‪ .‬فمر بهم عمرو بن عاصية وقد كمن له شيخ‬
‫وفتيان من هذيل‪ ،‬فلما نظروا إليه هم الفتيان أن يثاوراه ‪ .‬فقال الشيخ مهل فإنه لم يركما‪ .‬فكفا‪ .‬فانتهى ابن عاصية إلى البئر‪،‬‬
‫فنظر يمينا وشمال فلم ير أحدا والخرون يرمقونه من حيث ل يراهم‪ .‬فوثب نحو قربته فأخذها ثم دخل البئر فطفق يمل القربة‬
‫ويشرب‪ .‬وأقبل الفتيان والشيخ معهم حتى أشرفوا عليه وهو في البئر‪ ،‬فرفع رأسه فأبصر القوم؛ فقالوا‪ :‬قد أخزاك الله يا بن‬
‫عاصية وأمكن منك قال‪ :‬ورمى الشيخ بسهم فأصاب أخمصه فأنفذه فصرعه‪ ،‬وشغل الفتيان بنزع السهم من قدم الشيخ‪ ،‬ووثب‬
‫ابن عاصية من البئر شدا نحو أصحابه‪ ،‬وأدركه الفتيان قبل وصوله فأسراه‪ .‬فقال لهما حين أخذاه‪ :‬أروياني من الماء ثم اصنعا‬
‫‪:‬ما بدا لكما‪ .‬فلم يسقياه وتعاوراه بأسيافهما حتى قتله‪ .‬فقالت أخت عمرو بن عاصية ترثي أخاها‬
‫على ابن عاصية المقتول بالوادي‬ ‫يا لهف نفسي يوما ضلة جزعـا‬
‫مشي السبنتي أمام اليكة العادي‬ ‫إذ جاء ينفض عن أصحابه طفل‬
‫نفسي فداؤك من مستورد صادي قال أبو عبيدة‪ :‬وآب غزي بني سليم بعد‬ ‫هل سقيتم بني سهـم أسـيركـم‬
‫مقتل ابن عاصم‪ .‬قال‪ :‬فبلغ أخاه عرعرة بن عاصية قتل هذيل أخاه وكيف صنع به‪ ،‬فجمع لهم جمعا من قومه فيهم فوارس من‬
‫بني سليم منهم عبيدة بن حكيم الشريدي وعمر بن الحارث الشريدي وأبو مالك البهزي وقيس بن عمرو أحد بني مطرود من‬
‫بني سليم وفوارس من بني رعل‪ .‬قال‪ :‬فسرى إليهم عرعرة‪ ،‬فالتقوا بموضع يقال له الجرف فاقتتلوا قتال شديدا‪ ،‬فظفرت بهم‬
‫بنو سليم فأوجعوا فيهم وقتلوا منهم قتلى عظيمة‪ ،‬وأسروا أسرى‪ ،‬وأصابوا امرأة من هذيل فعروها من ثيابها واستاقوها مجردة‬
‫‪:‬فأفحشوا في ذلك‪ .‬وقال عرعرة بن عاصية في ذلك يذكر من قتل‬
‫مغلغلة تخب مع الشفـيق‬ ‫أل أبلغ هذيل حيث حلـت‬
‫تواقفت الفوارس بالمضيق‬ ‫مقامكم غداة الجرف لمـا‬
‫صفحة ‪1333 :‬‬

‫ورعل ألبدت فوق الطريق‬ ‫غداة رأيتم فرسان بـهـز‬


‫فوارسكم توقل كـل نـيق‬ ‫تراميتم قلـيل ثـم ولـت‬
‫وطعن مثل إشعال الحريق وقال لي‪ :‬إن هذا الشعر الذي فيه صنعة عبد الله بن‬ ‫بضرب تسقط الهامات منه‬
‫‪:‬طاهر لمسعود بن شداد يرثي أخاه‪ ،‬وزعم أن جرما كانت قتلته وهو عطشان‪ ،‬فقال‬
‫بكل ذي عبرات شجـوه بـادي‬ ‫يا عين جودي لمسعود بن شـداد‬
‫نفسي فداؤك من ذي غلة صادي فأنشدنيها بعض أصحابنا قال أنشدني أبو‬ ‫هل سقيتم بني جـرم أسـيركـم‬
‫بكر محمد بن الحسن بن دريد قال أنشدني أبو حاتم عن أبي عبيدة لفارعة المرية أخت مسعود بن شداد ترثيه‪ ،‬فذكر من‬
‫‪:‬البيات البيت الول‪ ،‬وبعده‬
‫جودا على الحرة السوداء بالوادي‬ ‫يا من رأى بارقا قد بت أرمقـه‬
‫قبرا إلي ولو لـم يفـده فـادي‬ ‫أسقي به قبر من أعني وحب بـه‬
‫شداد ألـوية فـتـاح أســداد‬ ‫شهـاد أنـدية رفـاع أبـنــية‬
‫حلل رابـية فـكـاك أقــياد‬ ‫نحار راغـية قـتـال طـاغـية‬
‫فراج مبهـمة حـبـاس أوراد‬ ‫قوال محكمة نقـاض مـبـرمة‬
‫قراع مفظعة طـلع أنـجـاد‬ ‫حلل ممرعة حمال مضـلـعة‬
‫زين القرين وخطم الظالم العادي‬ ‫جماع كل خصال الخير قد علموا‬
‫يوما رهين صفيحـات وأعـواد والغناء في هذا الشعر لعبد الله بن طاهر خفيف‬ ‫أبا زرارة ل تبعد فكـل فـتـى‬
‫ثقيل أول بالبنصر‪ .‬قال عبيد الله بن عبد الله ابن طاهر‪ :‬لما صنع أبي هذا الصوت لم يحب أن يشيع عنه شيء من هذا ول‬
‫ينسب إليه؛ لنه كان يترفع عن الغناء‪ ،‬وما جس بيده وترا قط ول تعاطاه‪ ،‬ولكنه كان يعلم من هذا الشأن بطول الدربة وحسن‬
‫الثقافة ما ل يعرفه كبير أحد‪ .‬وبلغ من علم ذلك إلى أن صنع أصواتا كثيرة‪ ،‬فألقاها على جواريه‪ ،‬فأخذنها عنه وغنين بها‪،‬‬
‫‪:‬وسمعها الناس منهن وممن أخذ عنهن‪ .‬فلما أن صنع هذا الصوت‬
‫نفسي فداؤك من ذي غلة صادي نسبه إلى مالك بن أبي السمح‪ .‬وكان لل‬ ‫هل سقيتم بني جـرم أسـيركـم‬
‫الفضل بن الربيع جارية يقال لها داحة‪ ،‬فكانت ترغب إلى عبد الله بن طاهر لما ندبه المأمون إلى مصر في أن يأخذها معه ‪،‬‬
‫وكانت تغنيه‪ ،‬وأخذت هذا الصوت عن جواريه‪ ،‬وأخذه المغنون عنها ورووه لمالك مدة‪ .‬ثم قدم عبد الله العراق فحضر مجلس‬
‫المأمون‪ ،‬وغني الصوت بحضرته ونسب إلى مالك‪ ،‬فضحك عبد الله ضحكا كثيرا‪ .‬فسئل عن القصة فصدق فيها واعترف بصنعة‬
‫الصوت‪ .‬فكشف المأمون عن ذلك‪ .‬فلم يزل كل من سئل عنه يخبر عمن أخذه عنه‪ ،‬فتنتهي القصة إلى داحة ثم تقف ول‬
‫تعدوها‪ .‬فأحضرت داحة وسئلت فأخبرت بقصته؛ فعلم أنه من صنعته حينئذ بعد أن جاز على إسحاق وطبقته أنه لمالك‪ .‬ويقال‪:‬‬
‫‪ .‬إن إسحاق لم يعجب من شيء عجبه من عبد الله وحذقه بمذاهب الوائل وحكاياتهم‬
‫‪:‬قال‪ :‬ومن غنائه أيضا‪ :‬صوت‬
‫من حبيب طلبه لي عنـاء‬ ‫راح صحبي وعاود القلب داء‬
‫فى لشيء مما يقول وفـاء‬ ‫حسن الرأي والمواعيد ل يل‬
‫ليس لي ما حييت عنه عزاء الغناء لبن طنبورة خفيف ثقيل أول بالسبابة في‬ ‫من تعزى عمن يحب فإنـي‬
‫‪:‬مجرى الوسطى‪ .‬ولحن عبد الله بن طاهر ثاني ثقيل بالبنصر‪ .‬ومنها‬
‫فغيري إذ غدوا فرحا شعر لعمر بن أبي ربيعة وسببه‪ :‬صوت‬ ‫‪:‬فمن يفرح ببينـهـم‬
‫بالمصلى وقد شنئت البقـيعـا‬ ‫يا خليلي قد مـلـلـت ثـوائي‬
‫وارجعا بي فقد هويت الرجوعا الشعر لعمر بن أبي ربيعة‪ .‬والغناء للغريض خفيف‬ ‫بلغاني ديار هنـد وسـلـمـى‬
‫ثقيل بالوسطى في مجراها عن إسحاق ‪ ،‬وذكر الهشامي أنه لبن سريح‪ .‬وذكر حبش أن فيه رمل بالبنصر لبراهيم‪ .‬وفيه لحن‬
‫‪ .‬لمعبد ذكره حماد بن إسحاق عن أبيه ولم يجنسه‬

‫صفحة ‪1334 :‬‬

‫أخبرني بخبر عمر بن أبي ربيعة في هذا الشعر وقوله إياه الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا سليمان‬
‫بن عياش السعدي قال أخبرني السائب بن ذكوان راوية كثير قال ‪ :‬قدم عمر بن أبي ربيعة المدينة‪ ،‬وأخبرني الحسين بن يحيى‬
‫عن حماد عن أبيه عن عثمان بن حفص قال‪ ،‬وأخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن عثمان بن حفص والزبيري‬
‫والمسيبي‪ ،‬وأخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة موقوفا عليه‪ .‬وجمعت رواياتهم‪ ،‬وأكثر اللفظ‬
‫للزبير بن بكار وخبره أتم‪ :‬أن عمر بن أبي ربيعة قدم المدينة‪ ،‬فزعموا أنه قدمها من أجل امرأة من أهلها‪ ،‬فأقام بها شهرا؛‬
‫‪:‬فذلك قوله‬
‫بالمصلى وقد شنئت البقيعا خرج هو والحوص إلى مكة فمرا بنصيب وكثير‬ ‫يا خليلي قد مللت ثـوائي‬
‫‪ .‬وتحاوروا‪ :‬قال‪ :‬ثم خرج إلى مكة‪ ،‬فخرج معه الحوص واعتمرا‬
‫قال الزبير في خبره عن سائب راوية كثير إنه قال‪ :‬لما مرا بالروحاء استتلياني فخرجت أتلوهما‪ ،‬حتى لحقتهما بالعرج عند‬
‫رواحهما‪ .‬فخرجنا جميعا حتى وردنا ودان ‪ ،‬فحبسهما النصيب وذبح لهما وأكرمهما‪ ،‬وخرجنا وخرج معنا النصيب‪ .‬فلما جئنا كلية‬
‫عدلنا جميعا إلى منزل كثير‪ ،‬فقيل لنا‪ :‬هبط قديدا ‪ ،‬فذكر لنا أنه في خيمة من خيامها‪ .‬فقال لي ابن أبي ربيعة‪ :‬اذهب فادعه لي‪.‬‬
‫فقال النصيب‪ :‬هو أحمق وأشد كبرا من أن يأتيك‪ .‬فقال لي عمر‪ :‬اذهب كما أقول لك فادعه لي‪ .‬فجئته‪ ،‬فهش لي وقال‪ :‬اذكر‬
‫غائبا تره‪ ،‬لقد جئت وأنا أذكرك‪ .‬فأبلغه رسالة عمر؛ فحدد إلي نظرة وقال‪ :‬أما كان عندك من المعرفة ما يردعك عن إتياني‬
‫بمثل هذه الرسالة قلت‪ :‬بلى والله ولكني سترت عليك فأبى الله إل أن يهتك سترك‪ .‬فقال لي‪ :‬إنك والله يا بن ذكوان ما أنت‬
‫من شكلي؛ فقل لبن أبي ربيعة‪ :‬إن كنت قرشيا فأنا قرشي‪ .‬فقلت له‪ :‬ل تترك هذا التلصق وأنت تقرف عنهم كما تقرف‬
‫الصمغة فقال‪ :‬والله لنا أثبت فيهم منك في سدوس‪ .‬ثم قال‪ :‬وقل له‪ :‬إن كنت شاعرا فأنا أشعر منك‪ .‬فقلت له‪ :‬هذا إذا كان‬
‫الحكم إليك‪ .‬فقال‪ :‬وإلى من هو ومن أولى بالحكم مني وبعد هذا يا بن ذكوان فاحمد الله على لومك ؛ فقد منعك مني اليوم?‬
‫فرجعت إلى عمر‪ ،‬فقال‪ :‬ما وراءك? فقلت‪ :‬ما قال لك نصيب‪ .‬فقال‪ :‬وإن‪ .‬فأخبرته فضحك وضحك صاحباه ظهرا لبطن‪ ،‬ثم‬
‫نهضوا معي إليه‪ .‬فدخلنا عليه في خيمة‪ ،‬فوجدناه جالسا على جلد كبش‪ ،‬فوالله ما أوسع للقرشي‪ .‬فلما تحدثوا مليا فأفاضوا‬
‫‪:‬في ذكر الشعر ‪ ،‬أقبل على عمر فقال له‪ :‬أنت تنعت المرأة فتنسب بها ثم تدعها وتنسب بنفسك‪ .‬أخبرني يا هذا عن قولك‬
‫ثم اغمزيه يا أخت في خفر‬ ‫قالت تصدى له ليعرفـنـا‬
‫ثم اسبطرت تشتد في أثري‬ ‫قالت لها وقد غمزته فأبـى‬
‫لنفسدن الطواف في عمـر أتراك لو وصفت بهذا هرة أهلك ألم تكن قد قبحت‬ ‫وقولها والدموع تسبـقـهـا‬
‫‪:‬وأسأت وقلت الهجر‪ .‬إنما توصف الحرة بالحياء والباء واللتواء والبخل والمتناع‪ ،‬كما يقال هذا وأشار إلى الحوص‬
‫بأبياتكم ما درت حـيث أدور‬ ‫أدور ولول أن أرى أم جعفـر‬
‫إذا لم يزر ل بد أن سـيزور‬ ‫وما كنت زوارا ولكن ذا الهوى‬
‫وإني إلى معروفها لفـقـير قال‪ :‬فدخلت الحوص أبهة وعرفت الخيلء فيه‪ .‬فلما‬ ‫لقد منعت معروفها أم جعفـر‬
‫‪:‬استبان كثير ذلك فيه قال‪ :‬أبطل آخرك أولك‪ .‬أخبرني عن قولك‬
‫بصرمك بعد وصلك ل أبالي‬ ‫فإن تصلي أصلك وإن تبينـي‬
‫تعرض كي يرد إلى الوصال أما والله لو كنت فحل لباليت ولو كسرت أنفك‪ .‬أل‬ ‫ول ألفى كمن إن سيم صرما‬
‫‪:‬قلت كما قال هذا السود وأشار إلى نصيب‬
‫وقل إن تملينا فما ملك القلـب قال‪ :‬فانكسر الحوص‪ ،‬ودخلت النصيب‬ ‫بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب‬
‫‪:‬أبهة‪ .‬فلما نظر أن الكبرياء قد دخلته‪ ،‬قال له‪ :‬يا ابن السوداء‪ ،‬فأخبرني عن قولك‬
‫فواكبدي من ذا يهيم بها بعدي‬ ‫أهيم بدعد ما حييت فإن أمت‬

‫صفحة ‪1335 :‬‬

‫أهمك من ينيكها بعدك فقال نصيب‪ :‬استوت القوق ‪ ،‬قال‪ :‬وهي لعبة مثل المنقلة‪ .‬ومن هذا الموضع ينفرد الزبير بروايته دون‬
‫الباقين‪ .‬قال سائب‪ :‬فلما أمسك كثير أقبل عليه عمر فقال له‪ :‬قد أنصتنا لك فاسمع يا مذبوب إلي أخبرني عن تخيرك لنفسك‬
‫‪:‬لمن تحب حيث تقول‬
‫بعيرين نرعى في الخلء ونعزب‬ ‫أل ليتنا يا عز كنا لـذي غـنـى‬
‫على حسنها جرباء تعدي وأجرب‬ ‫كلنا به عر فـمـن يرنـا يقـل‬
‫علينا فما ننفك نرمى ونضـرب‬ ‫إذا ما وردنا منهل صاح أهـلـه‬
‫خجان وأني مصعب ثم نهـرب‬ ‫وددت وبيت اللـه أنـك بـكـرة‬
‫فل هو يرعانا ول نحن نطلـب وقال‪ :‬تمنيت لها ولنفسك الرق والطرد‬ ‫نكون بعيري ذي غنى فيضيعـنـا‬
‫والمسخ‪ ،‬فأي مكروه لم تمن لها ولنفسك لقد أصابها منك قول القائل‪ :‬معاداة عاقل خير من مودة أحمق‪ .‬قال؛ فجعل يختلج‬
‫جسده كله‪ .‬ثم أقبل عليه الحوص فقال‪ :‬إلي يا بن استها أخبرك بخبرك وتعرضك للشر وعجزك عنه وإهدافك لمن رماك‪.‬‬
‫‪:‬أخبرني عن قولك‬
‫وشؤم إذا ما لم تطع صاح ناعقه‬ ‫وقلن وقد يكذبن فـيك تـعـيف‬
‫ول تاركا شكوى الذي أنت صادقه‬ ‫وأعييتـنـا ل راضـيا بـكـرامة‬
‫وليس لنا ذنب فنحـن مـواذقـه‬ ‫فأدركت صفو الود منا فلمـتـنـا‬
‫كما صدعت بين الديم خوالـقـه والله لو احتفل عليك هاجيك ما زاد على ما‬ ‫وألفيتنا سلما فصدعـت بـينـنـا‬
‫بؤت به على نفسك‪ .‬قال‪ :‬فخفق كما يخفق الطائر‪ .‬ثم أقبل عليه النصيب فقال‪ :‬أقبل علي يا زب الذباب فقد تمنيت معرفة‬
‫‪:‬غائب عندي علمه فيك حيث تقول‬
‫بما في ضمير الحاجبية عالم‬ ‫وددت وما تغني الودادة أنني‬
‫وإن كان شرا لم تلمني اللوائم انظر في مرآتك واطلع في جيبك واعرف صورة‬ ‫فإن كان خيرا سرني وعلمته‬
‫وجهك‪ ،‬تعرف ما عندها لك ‪ .‬فاضطرب اضطراب العصفور‪ ،‬وقال القوم يضحكون‪ .‬وجلست عنده؛ فلما هدأ شأوه قال لي‪:‬‬
‫‪:‬أرضيتك فيهم? فقلت له‪ :‬أما في نفسك فنعم فقد نحس يومك معهم‪ ،‬وقد بقيت أنا عليك‪ .‬فما عذرك ول عذر لك في قولك‬
‫بحقل لكم يا عز قد رابنا حقل‬ ‫سقى دمنتين لم نجد لهما أهل‬
‫يجودهما جودا ويتبعه وبـل ثم قلت في آخرها‬ ‫‪:‬نجاء الثريا كـل آخـر لـيلة‬
‫سوى التيس ذي القرنين أن لها بعل أهكذا يقول الناس ويحك ثم تظن أن ذلك‬ ‫وما حسبـت ضـمـرية حـدرية‬
‫قد خفي ولم يعلم به أحد‪ ،‬فتسب الرجال وتعيبهم فقال‪ :‬وما أنت وهذا? وما علمك بمعنى ما أردت? فقلت‪ :‬هذا عجب من ذاك‪.‬‬
‫أتذكر امرأة تنسب بها في شعرك وتستغزر لها الغيث في أول شعرك‪ ،‬وتحمل عليها التيس في آخره قال‪ :‬فأطرق وذل وسكن‪.‬‬
‫فعدت إلى أصحابي فأعلمتهم ما كان من خبره بعدهم‪ .‬فقالوا‪ :‬ما أنت بأهون حجارته التي رمي بها اليوم منا‪ .‬قال فقلت لهم‪:‬‬
‫إنه لم يترني فأطلبه بذحل‪ ،‬ولكني نصحته لئل يخل هذا الخلل الشديد‪ ،‬ويركب هذه العروض التي ركب في الطعن على‬
‫‪ .‬الحرار والعيب لهم‬
‫شدد والي مكة في الغناء‪ ،‬فخرج فتية إلى وادي محسر وبعثوا لبن سريج فغناهم‪ :‬أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري‬
‫وإسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق الموصلي قال حدثني ابن جامع عن السعيدي عن سهل بن‬
‫‪:‬بركة وكان يحمل عود ابن سريج قال‬

‫صفحة ‪1336 :‬‬

‫كان على مكة نافع بن علقمة الكناني‪ ،‬فشدد في الغناء والمغنين والنبيذ‪ ،‬ونادى في المخنثين‪ .‬فخرج فتية من قريش إلى‬
‫بطن محسر وبعثوا برسول لهم فأتاهم برواية من الشراب الطائفي‪ .‬فلما شربوا وطربوا قالوا‪ :‬لو كان معنا ابن سريج تم‬
‫سرورنا‪ .‬فقلت‪ :‬هو علي لكم‪ .‬فقال لي بعضهم‪ :‬دونك تلك البغلة فاركبها وامض إليه‪ .‬فأتيته فأخبرته بمكان القوم وطلبهم إياه‪.‬‬
‫فقال لي‪ :‬ويحك وكيف لي بذاك مع شدة السلطان في الغناء وندائه فيه? فقلت له‪ :‬أفتردهم? قال‪ :‬ل والله فكيف لي بالعود?‬
‫فقلت له‪ :‬أنا أخبؤه لك فشأنك‪ .‬فركب وسترت العود وأردفني فلما كنا ببعض الطريق إذا أنا بنافع بن علقمة قد أقبل‪ ،‬فقال‬
‫لي‪ :‬يابن بركة هذا المير فقلت‪ :‬ل بأس عليك‪ ،‬أرسل عنان البغلة وامض ول تخف‪ ،‬ففعل‪ .‬فلما حاذيناه عرفني ولم يعرف ابن‬
‫‪:‬سريج‪ ،‬فقال لي يابن بركة‪ :‬من هذا أمامك? فقلت‪ :‬ومن ينبغي أن يكون هذا ابن سريج‪ .‬فتبسم ابن علقمة ثم تمثل‬
‫فقد أفلت الحجاج خيل شبيب ثم مضى ومضينا‪ .‬فلما كنا قريبا من القوم نزلنا‬ ‫فإن تنج منها يا أبان مسلمـا‬
‫‪:‬إلى شجرة نستريح‪ ،‬فقلت له‪ :‬غن مرتجل؛ فرفع صوته فخيل إلي أن الشجرة تنطق معه‪ ،‬فغنى‪ :‬صوت‬
‫هم الذين تحب بـالنـجـاد‬ ‫كيف الثواء ببطن مكة بعد ما‬
‫سقما خلفهم وكربك بـادي‬ ‫أم كيف قلبك إذ ثويت مخمرا‬
‫أم قبل ذلك مدلـج بـسـواد الشعر للعرجي‪ .‬وذكر إسحاق في مجردة أن الغناء‬ ‫هل أنت إن ظعن الحبة غادي‬
‫فيه لبن عائشة ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى‪ .‬وحكى حماد ابنه أن اللحن لبن سريج قال سهل‪ :‬فقلت‪ :‬أحسنت والذي‬
‫فلق الحبة وبرأ النسمة‪ ،‬ولو أن كنانة كلها سمعتك لستحسنتك فكيف بنافع بن علقمة المغرور من غره نافع‪ .‬ثم قلت‪ :‬زدني‬
‫وإن كان القوم متعلقة قلوبهم بك‪ .‬فغنى وتناول عودا من الشجرة فأوقع به على الشجرة؛ فكان صوت الشجرة أحسن من‬
‫‪:‬خفق بطون الضأن على العيدان إذا أخذتها قضبان الدفلى‪ .‬قال‪ :‬والصوت الذي غنى‪ :‬صوت‬
‫فالهجر في تلف الغريب سريع‬ ‫ل تجمعي هجرا علي وغـربة‬
‫دفعا إذا اشتملت عليه ضلـوع فقلت‪ :‬بنفسي أنت والله من ل يمل ول يكد‪ ،‬والله‬ ‫من ذا فديتك يستطيع لحـبـه‬
‫ما جهل من فهمك اركب فدتك نفسي بنا‪ .‬فقال‪ :‬أمهلني كما أمهلتك اقض بعض شأني‪ .‬فقلت‪ :‬وهل عما تريد مدفع فقام فصلى‬
‫ركعتين‪ ،‬ثم ضرب بيده على الشجرة وقال‪ :‬أشهد أن ل إله إل الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا حبيبتي إذا‬
‫شهدت بذاك الشيء فاشهدي بهذا‪ .‬ثم مضينا والقوم متشوقون‪ .‬فلما دنونا أحست الدواب بالبغلة فصهلت‪ ،‬وشحجت البغلة‪،‬‬
‫‪:‬وإذا الغريض يغنيهم لحنه‬
‫سمعت على شرف صهيل حصان فبكى ابن سريج حتى ظننت أن نفسه قد‬ ‫من خيل حي ما تـزال مـغـيرة‬
‫خرجت‪ ،‬فقلت‪ :‬ما يبكيك يا أبا يحيى? جعلت فداك ل يسوءك الله ول يريك سوءا قال‪ :‬أبكاني هذا المخنث بحسن غنائه وشجا‬
‫‪:‬صوته؛ والله ما ينبغي لحد أن يغني وهذا الصبي حي ‪ .‬ثم نزل فاستراح وركب‪ .‬فلما سار هنيهة اندفع الغريض فغناهم لحنه‬
‫بالمصلى وقد شنئت البقيعا قال‪ :‬ولصوته دوي في تلك الجبال‪ .‬فقال ابن سريج‪:‬‬ ‫يا خليلي قد مللت ثـوائي‬
‫ويلك يابن بركة أسمعت أحسن من هذا الغناء والشعر قط? قال‪ :‬ونظروا إلينا فأقبلوا نشاوى يحبون أعطافهم‪ ،‬وجعلوا يقبلون‬
‫وجه ابن سريج‪ .‬فنزل فأقام عندهم ثلثا والغريض ل ينطق بحرف واحد ‪ ،‬وأخذوا في شرابهم وقالوا‪ :‬يا حبيب النفس وشقيقها‬
‫أعطها بعض مناها؛ فضرب بيده إلى جيبه فأخرج منه مضرابا‪ ،‬ثم أخذه بيده ووضع العود في حجره‪ ،‬فما رأيت يدا أحسن من‬
‫يده‪ ،‬ول خشبة تخيلت إلي أنها جوهرة إل هي‪ ،‬ثم ضرب فلقد سبح القوم جميعا ثم غنى فكل قال‪ :‬لبيك لبيك فكان مما غنى‬
‫‪:‬فيه واللحن له هزج‪ :‬صوت‬
‫لبـيك ألـفـا عـددا‬ ‫لبـيك يا سـيدتــي‬
‫أحببتها مجـتـهـدا‬ ‫لبيك مـن ظـالـمة‬
‫نحك الجواري الخردا‬ ‫قوموا إلى ملعـبـنـا‬
‫ترفـعـهــا يدا يدا فكل قال‪ :‬نفعل ذاك‪ .‬فلقد رأيتنا نستبق أينا تقع يده على يده‪ .‬ثم غنى‪:‬‬ ‫وضـع يد فــوق يد‬
‫‪:‬صوت‬

‫صفحة ‪1337 :‬‬

‫ربع أحال لم عاصـم‬ ‫ما هاج شوقك بالصرائم‬


‫هاج المحب على التقادم‬ ‫ربع تـقـادم عـهـده‬
‫ب الناعمون مع النواعم‬ ‫فيه النواعم والـشـبـا‬
‫ن عيمية ريا المعصـم ثم إنه غنى‪ :‬صوت‬ ‫‪:‬من كل واضحة الجبـي‬
‫وصاح غراب البين أنت مـريض‬ ‫شجاني مغاني الحي وانشقت العصا‬
‫وفيهن خود كالمهاة غـضـيض‬ ‫ففاضت دموعي عند ذاك صبـابة‬
‫كتيبا ودمعي في الـرداء يفـيض الغناء لبن محرز خفيف ثقيل مطلق في‬ ‫ووليت الغناء محزون الفؤاد مروعا‬
‫مجرى البنصر‪ ،‬وفيه خفيف ثقيل آخر لبن جندب قال‪ :‬فلقد رأيت جماعة طير وقعن بقربنا وما نحس قبل ذلك منها شيئا؛‬
‫فقالت الجماعة‪ :‬يا تمام السرور وكمال المجلس لقد سعد من أخذ بحظه منك‪ ،‬وخاب من حرمك‪ ،‬يا حياة القلوب ونسيم‬
‫‪ .‬النفوس جعلنا الله فداءك غننا؛ فغنى واللحن له‬
‫‪:‬صوت‬
‫ت بعاذلين تتابعا وهذا الصوت يأتي خبره مفردا لن فيه طول فبدرت من بينهم فقبلت بين‬ ‫يا هند إنك لو علم‬
‫‪ .‬عينيه‪ ،‬فتهافت القوم عليه يقبلونه؛ فلقد رأيتني وأنا أرفعهم عنه شفقة عليه‬
‫ما في الشعار التي تناشدها عمر وأصحابه من أغان‪ :‬وفي هذه الشعار التي تناشدها كثير وعمر ونصيب والحوص أغان‪ .‬منها‪:‬‬
‫‪:‬صوت‬
‫يمشين بين المقام والحجـر‬ ‫أبصرتها ليلة ونسـوتـهـا‬
‫حتى التقينا ليل على قـدر‬ ‫ما إن طمعنا بها ول طمعت‬
‫يمشين هونا كمشية البقـر الشعر لعمر‪ .‬والغناء لبن سريج رمل بالوسطى عن‬ ‫بيضا حسانا خرائدا قطـفـا‬
‫الهشامي وحبش‪ .‬وذكر عمرو أن فيه لبن سريج خفيف ثقيل أول بالبنصر‪ .‬ولبي سعيد مولى فائد ثقيل أول‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه لسنان‬
‫‪:‬الكاتب‪ .‬ومن هذه القصيدة أيضا‪ ،‬وهذا أولها‪ :‬صوت‬
‫بهذي بخود مريضة الـنـظـر‬ ‫يا من لقـلـب مـتـيم كـمـد‬
‫وهي كمثل العسلوج م البـسـر‬ ‫تمشي رويدا إذا مشت فـضـل‬
‫حتى عرفت النقصان في بصري غناه ابن محرز‪ ،‬ولحنه من خفيف ثقيل‬ ‫ما إن زال طرفي يحار إذ برزت‬
‫‪:‬الول بإطلق الوتر في مجرى الوسطى‪ .‬ومنها‪ :‬صوت‬
‫لنفسدن الطواف في عمـر‬ ‫قالت لترب لها تحـدثـهـا‬
‫ثم اغمزيه يا أخت في خفر‬ ‫قالت تصدي له ليعرفـنـا‬
‫ثم استطيرت تشتد في أثري غناء يونس خفيف ثقيل أول بالبنصر عن حبش‪.‬‬ ‫قالت لها قد غمزته فـأبـى‬
‫‪ .‬وقيل‪ :‬إن فيه لعبد الله بن العباس لحنا جيدا‬
‫‪:‬ومنها ما لم يمض ذكره في الكتاب‪ :‬صوت‬
‫بعيرين ترعى في الخلء ونعزب‬ ‫أل ليتنا يا عز من غير بـغـضة‬
‫على حسنها جرباء تعدي وأجرب‬ ‫كلنا به عر فـمـن يرنـا يقـل‬
‫علينا فما ننفك نرمى ونضـرب الغناء لبراهيم‪ ،‬رمل بالوسطى عن حبش‬ ‫‪ .‬إذا ما وردنا منهل صاح أهـلـه‬
‫فضلت عزة الحوص في الشعر على كثير‪ ،‬فأنشدها فنقدته‪ :‬أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه‬
‫عن أبي عبيدة عن عوانة وعيسى بن يزيد‪ :‬أن كثيرا دخل على عزة ذات يوم‪ ،‬فقالت له‪ :‬ما ينبغي لنا أن نأذن لك في الجلوس‪.‬‬
‫‪:‬قال‪ :‬ولم? قالت‪ :‬لني رأيت الحوص ألين جانبا في شعره منك وأضرع خدا للنساء‪ ،‬وإنه لشعر منك حين يقول‬
‫أكثرت لو كان يغني منك إكثار‬ ‫يأيها اللئمي فيها لصرمـهـا‬
‫ل القلب سال ول في حبها عار وإني استرققت قوله‬ ‫‪:‬ارجع فلست مطاعا إذ وشيت بها‬
‫إذا لم يزر ل بد أن سـيزور وأعجبني قوله‬ ‫‪:‬وما كنت زوارا ولكن ذا الهوى‬
‫ولو صحا القلب عنها كان لي تبعا‬ ‫كم من دني لها قد صرت أتبعـه‬
‫أحب شيء إلى النسان ما منعـا وقوله أيضا‬ ‫‪:‬وزادني كلفا بالحب أن منـعـت‬
‫وإن لم فيه ذو الشنان وفندا فقال كثير‪ :‬قد والله أجاد فما الذي استجفيت من‬ ‫وما العيش إل ما تلذ وتشتهي‬
‫‪:‬قولي? قالت‪ :‬أخزاك الله أما استحييت حين تقول‬

‫صفحة ‪1338 :‬‬

‫لدي فما يضحكن إل تبسمـا فقال كثير‬ ‫‪:‬يحاذرن مني غيرة قد عرفنها‬
‫وأني مصعـب ثـم نـهـرب‬ ‫وددت وبيت اللـه أنـك بـكـرة‬
‫على حسنها جرباء تعدي وأجري‬ ‫كلنا به عر فمـن يرنـا يقـل‬
‫فل هو يرعانا ول نحن نطلـب فقالت لي‪ :‬ويحك لقد أردت بي الشقاء الطويل‪،‬‬ ‫تكون لذي مال كثير مـغـفـل‬
‫‪ .‬ومن المنى ما هو أعفى من هذا وأطيب‬
‫‪:‬أبيات من شعر أبي زبيد وبيان ألحانه‪ :‬صوت‬
‫عن نصر بهراء غير ذي فرس‬ ‫قد كنت في منظر ومستـمـع‬
‫ول هم نهزة لـمـخـتـلـس‬ ‫ل ترة عندهم فتـطـلـبـهـا‬
‫طلب وتر في الموت منغمس‬ ‫بكـف حـران ثـائر بـــدم‬
‫أبكيك إل للـدلـو والـمـرس‬ ‫إما تقارش بك الـرمـاح فـل‬
‫طيرا عكوفا كزور الـعـرس‬ ‫تذب عنه كـف بـهـا رمـق‬
‫فهن من والغ ومـنـتـهـس الشعر لبي زبيد الطائي‪ .‬والغناء لبن محرز في الول‬ ‫عما قليل يصبحن مـهـجـتـه‬
‫والثاني خفيف ثقيل الول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وذكر عمر بن بانة أن في الربعة الول خفيفي ثقيل كلهما‬
‫بالبنصر لمعبد وابن محرز‪ ،‬ووافقه الهشامي في لحن معبد في الول والثاني وذكر أنه بالوسطى‪ .‬وفي كتاب ابن مسجح عن‬
‫حماد له‪ ،‬فيه لحن يقال إنه لبن محرز‪ .‬ولبن سريج في الول والخامس والسادس والسابع رمل بالوسطى عن عمرو‪ .‬وذكر لنا‬
‫‪:‬حبش أن الرمل لمعبد وذكر إسحاق أنه لبن سريج أيضا‪ ،‬وأوله‬
‫تذب عنه كف بها رمق وفيه لمالك في السادس والسابع خفيف صقيل آخر‪ .‬وفيه لبن عائشة رمل‪ .‬وفيه لحنين ثاني ثقيل‪.‬‬
‫هذه الحكايات الثلث عن يونس‪ ،‬وطرائقها عن الهشامي‪ .‬ولمخارق في الرابع والول خفيف رمل‪ .‬ولمتيم في الول والثاني‬
‫‪ .‬خفيف رمل آخر‪ .‬وذكر حبش أن لبراهيم في الول والثاني ثاني ثقيل بالوسطى‪ ،‬ولبن مسجح خفيف ثقيل بالوسطى‬

‫أخبار أبي زبيد ونسبه‬


‫اسم أبي زبيد ونسبه‪ :‬هو حرملة بن المنذر‪ ،‬وقيل المنذر بن حرملة‪ ،‬والصحيح حرملة بن المنذر بن معد يكرب ابن حنظلة بن‬
‫النعمان بن حية بن سعنة بن الحارث بن ربيعة بن مالك بن سكر بن هنئ بن عمرو بن الغوث بن طيء بن أدد بن زيد بن‬
‫‪ .‬يشجب بن عريب بن زيد بن كهلن‬
‫‪ .‬كان نصرانيا ومخضرما‪ :‬وكان أبو زبيد نصرانيا وعلى دينه مات‪ .‬وهو ممن أدرك الجاهلية والسلم فعد في المخضرمين‬
‫جعله ابن سلم في الطبقة الخامسة‪ :‬وألحقه ابن سلم بالطبقة الخامسة من السلميين‪ ،‬وهم العجير السلولي وذووه وقد‬
‫‪ .‬مضى أكثر أخباره مع أخبار الوليد بن عقبة بن أبي معيط‬
‫كان من زوار الملوك‪ ،‬وكان عثمان يقربه‪ :‬أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي إجازة قال‪ :‬حدثني محمد بن سلم‬
‫الجمحي قال حدثني أبو الغراف قال‪ :‬كان أبو زبيد الطائي من زوار الملوك وخاصة ملوك العجم‪ ،‬وكان عالما بسيرهم‪ .‬وكان‬
‫عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقربه على ذلك ويدني مجلسه‪ ،‬وكان نصرانيا‪ .‬فحضر ذات يوم عثمان وعنده المهاجرون‬
‫‪ .‬والنصار ‪ ،‬فتذاكروا مآثر العرب وأشعارها‬
‫استنشده عثمان فأنشده قصيدة فيها وصف السد‪ :‬قال‪ :‬فالتفت عثمان إلى أبي زبيد وقال‪ :‬يا أخا تبع المسيح أسمعنا بعض‬
‫‪:‬قولك؛ فقد أنبئت أنك تجيد‪ .‬فأنشده قصيدته التي يقول فيها‬
‫أن الفؤاد إليهـم شـيق ولـع‬ ‫من مبلغ قومنا النائين إذ شحطوا‬

‫صفحة ‪1339 :‬‬

‫ووصف فيها السد‪ .‬فقال عثمان رضي الله تعالى عنه‪ :‬تالله تفتأ تذكر السد ما حييت‪ .‬والله إني لحسبك جبانا هدانا ‪ .‬قال‪ :‬كل‬
‫يا أمير المؤمنين‪ ،‬ولكني رأيت منه منظرا وشهدت منه مشهدا ل يبرح ذكره يتجدد ويتردد في قلبي‪ ،‬ومعذور أنا يا أمير المؤمنين‬
‫غير ملوم‪ .‬فقال له عثمان رضي الله عنه‪ :‬وأنى كان ذلك? قال‪ :‬خرجت في صيابة أشراف من أفناء قبائل العرب ذوي هيئة‬
‫وشارة حسنة‪ ،‬ترتمي بنا المهارى بأكسائها ‪ ،‬ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشأم؛ فاخروط بنا السير في‬
‫حمارة القيظ‪ ،‬حتى إذا عصبت الفواه ‪ ،‬وذبلت الشفاه‪ ،‬وشالت المياه ‪ ،‬وأذكت الجوزاء المعزاء ‪ ،‬وذاب الصيهد ‪ ،‬وصر الجندب ‪،‬‬
‫وضاف العصفور الضب وجاوره في حجره ‪ ،‬قال قائل‪ :‬أيها الركب غوروا بنا في ضوج هذا الوادي‪ ،‬وإذا واد قد بدا لنا كثير الدغل‬
‫‪ ،‬دائم الغلل ؛ شجراؤه مغنة‪ ،‬وأطياره مرنة ‪ .‬فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلت فأصبنا من فضلت الزاد وأتبعناها الماء‬
‫البارد‪ .‬لغنا لنصف يومنا ومماطلته ‪ ،‬إذ صر أقصى الخيل أذنيه ‪ ،‬وفحص الرض بيديه‪ .‬فوالله ما لبث أن جال‪ ،‬ثم حمحم فبال‪،‬‬
‫ثم فعل فعله الفرس الذي يليه واحدا فواحدا‪ ،‬فتضعضعت الخيل‪ ،‬وتكعكعت البل‪ ،‬وتقهقرت البغال‪ ،‬فمن نافر بشكاله ‪ ،‬وناهض‬
‫بعقاله؛ فعلمنا أن قد أتينا وأنه السبع‪ ،‬ففزع كل رجل منا إلى سيفه فاستله من جربانه ‪ ،‬ثم وقفنا له رزدقا أي صفا وأقبل أبو‬
‫الحارث من أجمته يتظالع في مشيته من نعته كأنه مجنوب ‪ ،‬أو في هجار معصوب ؛ لصدره نحيط ‪ ،‬ولبلعمه غطيط‪ ،‬ولطرفه‬
‫وميض‪ ،‬ولرساغه نقيض ؛ كأنما يخبط هشيما‪ ،‬أو يطأ صريما ‪ ،‬وإذا هامة كالمجن ‪ ،‬وخد كالمسن ‪ ،‬وعينان سجراوان كأنهما‬
‫سراجان يقدان وقصرة ربلة ‪ ،‬ولهزمة رهلة وكتد مغبط ‪ ،‬وزور مفرط ؛ وساعد مجدول‪ ،‬وعضد مفتول؛ وكف شئنة البراثن ‪،‬‬
‫إلى مخالب كالمحاجن ‪ .‬فضرب بيده فأرهج ‪ ،‬وكشر فأفرج‪ ،‬عن أنياب كالمعاول مصقولة‪ ،‬غير مفلولة‪ ،‬وفم أشدق كالغار‬
‫الخرق؛ ثم تمطى فأسرع بيديه‪ ،‬وحفز وركيه برجليه‪ ،‬حتى صار ظله مثليه؛ ثم أقعى فاقشعر ‪ ،‬ثم مثل فاكفهر ‪ ،‬ثم تجهم فازبأر‬
‫‪ .‬فل وذو بيته في السماء ما اتقيناه إل بأول أخ لنا من فزارة‪ ،‬كان ضخم الجزارة ‪ ،‬فوقصه ثم نفضه نفضة فقضقض متنيه ‪،‬‬
‫فجعل يلغ في دمه‪ .‬فتذمرت أصحابي ‪ ،‬فبعد لي ما استقدموا‪ .‬فهجهجنا به‪ ،‬فكر مقشعرا بزبرته ‪ ،‬كأن به شيهما حوليا ‪ ،‬فاختلج‬
‫رجل أعجر ذا حوايا ‪ ،‬فنفضه نفضة تزايلت منها مفاصله‪ ،‬ثم نهم ففرفر ‪ ،‬ثم زفر فبربر ‪ ،‬ثم زأر فجرجر ‪ ،‬ثم لحظ ‪ ،‬فوالله‬
‫لخلت البرق يتطاير من تحت جفونه‪ ،‬من عن شماله ويمينه‪ ،‬فأرعشت اليدي‪ ،‬واصطكت الرجل‪ ،‬وأطت الضلع ‪ ،‬وارتجت‬
‫السماع‪ ،‬وشخصت العيون‪ ،‬وتحققت الظنون‪ ،‬وانخزلت المتون‪ .‬فقال له عثمان‪ :‬اسكت قطع الله لسانك فقد أرعبت قلوب‬
‫‪ .‬المسلمين‬
‫خوفه من السد‪ :‬أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثني العمري قال حدثني شعبة قال‪ :‬قلت‬
‫للطرماح بن حكيم‪ :‬ما شأن أبي زبيد وشأن السد? فقال‪ :‬إنه لقيه بالنجف ‪ ،‬فلما رآه سلح من فرقه وقال مرة أخرى‪ :‬فسلحه‬
‫‪ .‬فكان بعد ذلك يصفه كما رأيت‬
‫شعره في ضربة المكاء‪ :‬أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلم قال حدثني أبي عمن يثق به أن رجل من طيئ من بني حية‬
‫نزل به رجل من بني الحارث بن ذهل بن شيبان يقال له المكاء ‪ ،‬فذبح له شاة وسقاه الخمر‪ ،‬فلما سكر الطائي قال‪ :‬هلم‬
‫أفاخرك‪ :‬أبنو حية أكرم أم بنو شيبان? فقال له الشيباني‪ :‬حديث حسن ‪ ،‬ومنادمة كريمة أحب إلينا من المفاخرة‪ ،‬فقال الطائي‪:‬‬
‫والله ما مد رجل قط يدا أطول من يدي‪ .‬فقال الشيباني‪ :‬والله لئن أعدتها لخضبنها من كوعها‪ .‬فرفع الطائي يده‪ ،‬فضربها‬
‫‪:‬الشيباني بسيفه فقطعها ‪ .‬فقال أبو زبيد في ذلك‬
‫وفرحتم بضربة المـكـاء‬ ‫خبرتنا الركبان أن قد فخرتم‬
‫لكم من تقى وحق وفـاء‬ ‫ولعمري لعارها كان أدنى‬
‫في صبوح ونعمة وشواء‬ ‫ظل ضيفا أخوكم لخـينـا‬
‫ر وأن ل يريبه باتـقـاء‬ ‫ثم لما رآه رانت به الخـم‬
‫يا لقوم للسوءة الـسـوءاء ما قاله في كلبه أكدر حين لقيه السد فقتله‬ ‫‪:‬لم يهب حرمة النديم وحقت‬

‫صفحة ‪1340 :‬‬

‫أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عمي عبيد الله بن محمد بن حبيب عن ابن العرابي قال‪ :‬كان لبي زبيد كلب‬
‫يقال له أكدر‪ ،‬وكان له سلح يلبسه أياه‪ ،‬فكان ل يقوم له السد‪ ،‬فخرج ليلة قبل أن يلبسه سلحه‪ ،‬فلقيه السد فقتله‪ ،‬ويقال‪:‬‬
‫‪:‬أخذه فأفلت منه‪ ،‬فقال عند ذلك أبو زبيد‬
‫حتى إذا كان بين البئر والعـطـن‬ ‫أحال أكدر مخـتـال كـعـادتـه‬
‫أسرت وأكدر تحت الليل في قرن‬ ‫لقى لد ثـلـل الطـواء داهـية‬
‫حتى تناهى إلى الحولت في السنن‬ ‫حطت به شيمة ورهـاء تـطـرده‬
‫فوق السراة كذفرى الفالج القمـن‬ ‫إلى مقابل خطو السـاعـدين لـه‬
‫كالبغل يحتطم العلجين في شطـن لمه قومه على كثرة وصفه السد مخافة‬ ‫رئبال غاب فل قحـم ول ضـرع‬
‫أن تسبهم العرب فأجابهم‪ :‬وهي قصيدة طويلة‪ .‬فلمه العرب على كثرة وصفه للسد‪ ،‬وقالوا له‪ :‬قد خفنا أن تسبنا العرب‬
‫بوصفك له‪ .‬قال‪ :‬لو رأيتم منه ما رأيت أو لقيكم ما لقي أكدر لما لمتموني‪ .‬ثم أمسك عن وصفه فلم يصفه بعد ذلك في شعره‬
‫‪ .‬حتى مات‬
‫وصف النعمان بن المنذر وذكر ما حدث في مجلس له‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثني أبو سعيد السكري قال‬
‫حدثني هارون بن مسلم ابن سعدان أبو القاسم قال حدثنا هشام ابن الكلبي قال‪ :‬كان الجلح الكندي يحدث عن عمارة ابن‬
‫قابوس قال‪ :‬لقيت أبا زبيد الطائي فقلت له‪ :‬يا أبا زبيد هل أتيت النعمان بن المنذر? قال‪ :‬إي والله لقد أتيت وجالسته‪ .‬قال‬
‫قلت‪ :‬صفه لي‪ .‬فقال‪ :‬كان أحمر أزرق أبرش قصيرا‪ .‬فقلت له‪ :‬بالله أخبرني أيسرك أنه سمع مقالتك هذه وأن لك حمر النعم?‬
‫قال‪ :‬ل والله ول سودها؛ فقد رأيت ملوك حمير في ملكها‪ ،‬ورأيت ملوك غسان في ملكها‪ ،‬فما رأيت أحدا قط كان أشد عزا‬
‫‪ .‬منه‪ .‬وكان ظهر الكوفة ينبت الشقائق‪ ،‬فحمى ذلك المكان‪ ،‬فنسب إليه فقيل شقائق النعمان‬
‫فجلس ذات يوم هناك وجلسنا بين يديه كأن على رؤوسنا الطير‪ ،‬وكأنه باز‪ .‬فقام رجل من الناس فقال له‪ :‬أبيت اللعن أعطني‬
‫فإني محتاج‪ .‬فتأمله طويل ثم أمر به فأدني حتى قعد بين يديه‪ ،‬ثم دعا بكنانة فاستخرج منها مشاقص فجعل يجأبها في وجهه‬
‫‪ .‬حتى سمعنا قرع العظم‪ ،‬وخضبت لحيته وصدره بالدم‪ ،‬ثم أمر به فنحي‪ .‬ومكثنا مليا‬
‫‪.‬ثم نهض آخر فقال له‪ :‬أبيت اللعن أعطني‪ .‬فتأمله ساعة ثم قال‪ :‬أعطوه ألف درهم‪ ،‬فأخذها وانطلق‬
‫ثم التفت عن يمينه ويساره وخلفه‪ ،‬فقال‪ :‬ما قولكم في رجل أزرق أحمر يذبح على هذه الكمة‪ ،‬أترون دمه سائل حتى يجري‬
‫‪ .‬في هذا الوادي? فقلنا له‪ :‬أنت أبيت اللعن أعلى برأيك عينا‪ .‬فدعا برجل على هذه الصفة فأمر به فذبح‬
‫ثم قال‪ :‬أل تسألوني عما صنعت? فقلنا‪ :‬ومن يسألك أبيت اللعن عن أمرك وما تصنع? فقال‪ :‬أما الول فإني خرجت مع أبي‬
‫نتصيد‪ ،‬فمررت به وهو بفناء بابه وبين يديه عس من شراب أو لبن‪ ،‬فتناولته لشرب منه‪ ،‬فثار إلي فهراق الناء فمل وجهي‬
‫‪ .‬وصدري‪ ،‬فأعطيت الله عهدا لئن أمكنني منه لخضبن لحيته وصدره من دم وجهه‬
‫‪ .‬وأما الخر فكانت له عندي يد كافأته بها‪ ،‬ولم أكن أثبته‪ ،‬فتأملته حتى عرفته‬
‫وأما الذي ذبحته فإن لي عينا لي بالشام كتب إلي‪ :‬إن جبلة بن اليهم قد بعث إليك برجل صفته كذا وكذا ليغتالك‪ .‬فطلبته أياما‬
‫‪ .‬فلم أقدر عليه‪ ،‬حتى كان اليوم‬
‫مات نديم له في غيبته فرثاه وصب الخمر على قبره‪ :‬أخبرني الحسن بن يحيى عن حماد عن أبيه قال‪ :‬كان لبي زبيد نديم‬
‫‪:‬يشرب معه بالكوفة‪ ،‬فغاب أبو زبيد غيبة‪ ،‬ثم رجع فأخبر بوفاته‪ ،‬فعدل إلى قبره قبل دخوله منزله‪ ،‬فوقف عليه ثم قال‬
‫ما كان من عاداتك الهجر‬ ‫يا هاجري إذ جـئت زائره‬
‫من حال دون لقائه القبـر ثم انصرف‪ .‬وكان بعد ذلك يجيء إلى قبره فيشرب‬ ‫يا صاحب القبر السلم على‬
‫‪ .‬عنده ويصب الشراب على قبره‬
‫والبيات التي فيها الغناء المذكور يقولها في غلم له قتلته تغلب‪ ،‬وكان مجاورا فيهم‪ ،‬فدل بهراء على عورتهم وقاتلهم معهم‬
‫‪ .‬فقتل‬
‫شعره في غلبة تغلب على بهراء وقتل غلمه‪ :‬أخبرني بخبره أبو خليفة قال حدثني محمد بن سلم‪ .‬وأخبرني محمد بن العباس‬
‫‪:‬اليزيدي عن عمه عبيد الله عن محمد بن حبيب عن ابن العرابي قال‬

‫صفحة ‪1341 :‬‬

‫كان أخوال أبي زبيد بني تغلب‪ ،‬وكان يقيم فيهم أكثر أيامه‪ ،‬وكان له غلم يرعى إبله‪ ،‬فغزت بهراء بني تغلب‪ ،‬فمروا بغلمه‪،‬‬
‫فدفع إليهم إبل أبي زبيد وقال‪ :‬انطلقوا أدلكم على عورة القوم وأقاتل معكم‪ .‬ففعلوا‪ ،‬والتقوا‪ ،‬فهزمت بهراء وقتل الغلم‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬أبو زبيد هذه القصيدة وهي‬
‫عن نصر بهراء غير ذي فرس‬ ‫هل كنت في منظر ومستـمـع‬
‫ستعجلت قبل الجمان والقبـس‬ ‫تسعى إلى فتـية الراقـم واس‬
‫أولى مرين الحروب عن درس‬ ‫في عارض من جبال بهرائها ال‬
‫احلى وأشهى من بارد الدبـس‬ ‫فبهرة من لقوا حـسـبـتـهـم‬
‫ول هم نهزة لـمـخـتـلـس‬ ‫ل ترة عندهم فتـطـلـبـهـا‬
‫غير لئام ضجـر ول كـسـس‬ ‫جود كـرام إذا هـم نـدبــوا‬
‫عن غير عي بهم ول خـرس‬ ‫صمت عظام الحلوم إن قعـدوا‬
‫يزجون أجمالهم مع الغـلـس‬ ‫تقود أفراسـهـم نـسـاؤهـم‬
‫جهم المحيا كبـاسـل شـرس‬ ‫صادفت لما خرجت منطلـقـا‬
‫تلمع فيها كشعـلة الـقـبـس‬ ‫تخال فـي كـفـه مـثـقـفة‬
‫طلب وتر في الموت منغمس‬ ‫بكـف حـران ثـائر بـــدم‬
‫أبكيك إل للـدلـو والـمـرس‬ ‫إما تقارن بك الـرمـاح فـل‬
‫أمسك جلز السنان بالـنـفـس‬ ‫حمدت أمري ولمت أمـرك إذ‬
‫كما تصلى المقرور من قرس‬ ‫وقد تصـلـيت حـر نـارهـم‬
‫طيرا عكوفا كزور الـعـرس‬ ‫تذب عنه كـف بـهـا رمـق‬
‫فهن من والغ ومـنـتـهـس أخذ دية غلمه ثمن إبله من تغلب وقال شعرا‪ :‬فلما فرغ‬ ‫عما قـلـيل عـلـون جـئتـه‬
‫‪:‬أبو زبيد من قصيدته بعثت إليه بنو تغلب بدية غلمه وما ذهب من إبله‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫فإني في مودتكم نفـيس هكذا ذكر ابن سلم في خبره‪ ،‬والقصيدة ل تدل على أنها‬ ‫أل أبلغ بني عمرو رسول‬
‫‪:‬قيلت فيمن أحسن إليه وودى غلمه ورد عليه ماله‪ .‬وفي رواية ابن حبيب‬
‫‪:‬أل أبلغ بني نصر بن عمرو وقوله أيضا فيها‬
‫ول جافي اللقاء ول خسيس‬ ‫فما أنا بالضعيف فتظلموني‬
‫بمالي ثم يظلمني السريس السريس‪ :‬الضعيف الذي ل ولد له وهذا ليس من ذلك‬ ‫أفي حق مواساتي أخـاكـم‬
‫‪ .‬الجنس‪ .‬ولعل ابن سلم وهم‬
‫‪ .‬من المعمرين‪ :‬وأبو زبيد أحد المعمرين‪ ،‬ذكر ابن الكلبي أنه عمر مائة وخمسين سنة‬
‫‪ .‬أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه قال‪ :‬كان طول أبي زبيد ثلثة عشر شبرا‬
‫كان يدخل مكة متنكرا لجماله‪ :‬أخبرني أحمد بن عبد العزيز وأحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا محمد بن عبد الله العبدي‬
‫‪ .‬أبو بكرة قال حدثني أبو مسعر الجشمي عن ابن الكلبي قال‪ :‬كان أبو زبيد الطائي ممن إذا دخل مكة دخلها متنكرا لجماله‬
‫منادمته الوليد بن عقبة بعد اعتزال الوليد عليا ومعاوية‪ :‬وأخبرني إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدثنا محمد بن عبد الله بن‬
‫مسلم قال‪ :‬لما صار الوليد بن عقبة إلى الرقة واعتزل عليا عليه السلم ومعاوية‪ ،‬صار أبو زبيد إليه‪ ،‬فكان ينادمه‪ ،‬وكان يحمل‬
‫في كل أحد إلى البيعة مع النصارى‪ .‬فبينا هو يوم أحد يشرب والنصارى حوله رفع بصره إلى السماء فنظر ثم رمى بالكأس من‬
‫‪:‬يده وقال‬
‫يحل به حل الحوار ويحـمـل‬ ‫إذا جعل المرء الذي كان حازما‬
‫وتكفينه كيتا أعف وأجـمـل دفن مع الوليد بن عقبة بوصية منه‪ :‬ومات فدفن‬ ‫فليس له في العيش خير يريده‬
‫هناك على البليخ ‪ .‬فلما حضرت الوليد بن عقبة الوفاة أوصى أن يدفن إلى جنب أبي زبيد‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن أبا زبيد مات بعد الوليد؛‬
‫‪ .‬فأوصى أن يدفن إلى جنب الوليد‬
‫قال ابن الكلبي في خبره الذي ذكره إسحاق عنه‪ :‬هرب أبو زبيد من السلم فجاور بهراء فاستأجر منهم أجيرا لبله فكان يقبله‬
‫حلب الجمان والقيس ‪ ،‬وهما ناقتان كانتا له‪ .‬فلما كان يوم حابس‪ ،‬وهو اليوم الذي التقت فيه بهراء وتغلب خرج أبي زبيد مع‬
‫‪ .‬بهراء‪ ،‬فقتل وانهزمت بهراء‪ ،‬فمر أبو زبيد به وهو يجود بنفسه‪ ،‬فقال فيه هذه القصيدة‬

‫صفحة ‪1342 :‬‬

‫أخبرني محمد بن يحيى ويحيى بن علي اليوبي المدائني قال حدثنا عقبة المطرفي قال‪ :‬كنا في الحمام ومعي ابن السعدي‬
‫‪:‬وأنا أقرأ القرآن‪ ،‬فدخل سعد الرواسي فغنى‬
‫عن نصر بهراء غير ذي فرس فقال ابن السعدي‪ :‬اسكت اسكت فقد جاء حديث‬ ‫قد كنت في منظر ومستـمـع‬
‫‪ .‬يأكل الحاديث‬
‫أوصى له الوليد بن عقبة حين احتضر بالخمر ولحوم الخنازير‪ :‬أخبرني عمي والحسن بن علي قال حدثني العمري قال حدثني‬
‫أحمد بن حاتم قال حدثني محمد بن عمرو الجماز قال حدثني أبو عبيدة عن يونس وأبي الخطاب النحوي‪ :‬أن الوليد بن عقبة بن‬
‫أبي معيط أوصى لما احتضر لبي زبيد بما يصلحه في فصحه وأعياده‪ ،‬من الخمر ولحوم الخنازير وما أشبه ذلك‪ .‬فقال أهله‬
‫وبنوه لبي زبيد‪ :‬قد علمت أنه ل يحل لنا هذا في ديننا‪ ،‬وإنما فعله إكراما لك وتعظيما لحقك‪ ،‬فقدره لنفسك ما شئت أن تعيش‪،‬‬
‫وقوم ما أوصى به لك حتى نعطيك قيمته ول تفضحنا وتفضح آباءنا بهذا‪ ،‬واحفظه واحفظنا فيه‪ ،‬ففعل أبو زبيد ذلك‪ ،‬وقبله منهم‬
‫‪.‬‬
‫‪:‬صوت‬
‫دار لهند بجزع الحرج فـالـدام‬ ‫هل تعرف الدار من عامين أو عام‬
‫سفع الخدود بعيدات من الرامـي الحرج والدام‪ :‬موضعان‪ ،‬ويروي مذ عامين‪.‬‬ ‫تحنو لطلئها عـين مـلـمـعة‬
‫‪ .‬وهذا الجود‪ ،‬وكلهما روي‪ .‬وعين‪ :‬بقر‪ .‬وأطلؤها‪ :‬أولدها‪ ،‬واحدها طل‪ .‬ويروى‪ :‬بعيدات من الذام‪ ،‬هو الذي يذم‬
‫الحطيئة يمدح أبا موسى الشعري حين توليته العراق‪ :‬الشعر للحطيئة يمدح به أبا موسى الشعري لما وله عمر بن الخطاب‬
‫رضي الله عنه العراق ‪ .‬والغناء لمالك‪ ،‬خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق‪ .‬وذكر أن فيه لبن مجامع أيضا‬
‫‪ .‬صنعة‬
‫قال محمد بن حبيب‪ :‬أتى الحطيئة أبا موسى يسأله أن يكتبه معه‪ ،‬فأخبره أن العدة قد تمت‪ ،‬فمدحه الحطيئة بهذه القصيدة‬
‫‪:‬التي ذكرتها‪ ،‬وأولها‬
‫دار الهند بجزع الحرج فـالـدام وفيها يقول‬ ‫‪:‬هل تعرف الدار من عامين أو عام‬
‫أرض العدو ببؤس بعد إنعـام‬ ‫وجحفل كسواد الليل منتـجـع‬
‫ومن تميم ومن جاء ومن حام حاء من مذحج‪ ،‬وحام من خثعم‬ ‫جمعت من عامر فيه ومن أسد‬
‫من وائل رهط بسطام بأصرام‬ ‫وما رضيت لهم حتى رفدتهـم‬
‫جدلء محكمة من نسج سلم يعني سليمان النبي‬ ‫وفيه الرماح وفيه كل سابـغة‬
‫مسح الكف وسقى بعد إطعام‬ ‫وكل أجرد كالسرحان أضمره‬
‫يسمو بها أشعري طرفه سام الروايا‪ :‬البل التي تحمل أثقالهم وأزوادهم‪ ،‬وتجنب‬ ‫مستحقبات رواياها جحافلهـا‬
‫الخيل إليها فتضع حجافلها على أعجاز البل‬
‫ول يفيض على قـدح بـأزلم وقال المدائني‪ :‬لما مدح الحطيئة أبا موسى‬ ‫ل يزجر الطير إن مرت به سنحا‬
‫رضي الله عنه بهذه القصيدة وصله أبو موسى وقد كان كتب من أراد وكملت العدة فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬
‫فكتب يلومه‪ ،‬فكتب إليه‪ :‬إني اشتريت منه عرضي‪ ،‬فكتب إليه‪ :‬أحسنت‪ .‬قال‪ :‬وزاد فيه حماد الراوية أنه يعني نفسه أنشدها‬
‫‪ .‬بلل بن أبي بردة ولم يكن عرفها فوصله‬
‫أخبرني القاضي أبو خليفة إجازة قال حدثنا محمد بن سلم قال أخبرني أبو عبيدة عن يونس قال‪ :‬قدم حماد الراوية البصرة‬
‫على بلل بن أبي بردة وهو عليها فقال له‪ :‬ما أطرفتني شيئا يا حماد فعاد إليه فأنشده قول الحطيئة في أبي موسى‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫‪ .‬ويحك يمدح الحطيئة أبا موسى وأنا أروي شعره كله ول أعلم بهذه? أذعها تذهب في الناس‬
‫‪ .‬وكانت ولية أبي موسى الكوفة بعد أن أخرج أهلها سعيد بن العاص عنها‪ ،‬وتحالفوا أل يولوا عليها إل من يريدون‬
‫وجوه أهل الكوفة من القراء يختلفون إلى سعيد بن العاص واختلفهم في تفضيل السهل على الجبل وما ترتب على ذلك‪:‬‬
‫أخبرني بالسبب في ذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة قال حدثنا المدائني عن أبي مخنف عن عبد‬
‫‪:‬الملك بن نوفل بن مساحق قال‬

‫صفحة ‪1343 :‬‬

‫كان قوم من وجوه أهل الكوفة من القراء يختلفون إلى سعيد بن العاص ويسألونه‪ ،‬فتذاكروا يوما السهل والجبل‪ ،‬فقال‬
‫حسان بن محدوج‪ :‬سهلنا خير من جبلنا‪ :‬أكثر برا وشعيرا‪ ،‬فيه أنهار مطردة‪ ،‬ونخل باسقات‪ ،‬وقلت فاكهة ينبتها الجبل إل‬
‫والسهل ينبت مثلها‪ .‬فقال له عبد الرحمن بن حبيش‪ :‬صدقتم‪ ،‬وددت أنه للمير وأن لكم أفضل منه‪ .‬فقال الشتر للمير‪ :‬تمن‬
‫للمير أفضل ول تتقرب إليه بأموالنا‪ ،‬فقال‪ :‬ما ضرك ذلك‪ .‬والله لويشاء أن يكون له لكان‪ .‬قال كذبت والله لو أراد ذلك ما قدر‬
‫عليه‪ .‬فقال سعيد‪ :‬والله ما السواد إل بستان لقريش‪ ،‬ما شئنا أخذنا منه‪ ،‬وما شئنا تركنا‪ .‬فقال له الشتر‪ :‬أنت تقول هذا أصلحك‬
‫‪ .‬الله وهذا من مركز رماحنا وفيئنا ثم ضربوا عبد الرحمن بن حبيش حتى سقط‬
‫قال المدائني فحدثني علي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن الشعبي ومجالد بن حمزة بن بيض عن الشعبي قال‪ :‬بيننا‬
‫القراء عند سعيد بن العاص وهم يأكلون تمرا وزبدا إذ قال سعيد‪ :‬السواد بستان قريش‪ ،‬فما شئنا أخذنا منه وما شئنا تركنا‪.‬‬
‫فقال له عبد الرحمن بن حبيش وكان على شرطة سعيد‪ :‬صدق المير‪ .‬فوثب عليه القراء فضربوه‪ ،‬وقالوا له‪ :‬يا عدو الله‪ ،‬يقول‬
‫الباطل وتصدقه فقال سعيد‪ :‬اخرجوا من داري‪ .‬فخرجوا‪ ،‬فلما أصبحوا أتو المسجد فداروا على الحلق فقالوا‪ :‬إن أميركم زعم‬
‫أن السواد بستان له ولقومه وهو فيئنا ومركز رماحنا‪ ،‬فوالله ما على هذا بايعنا ول عليه أسلمنا‪ .‬فكتب سعيد إلى عثمان رضي‬
‫الله عنه‪ :‬إن قبلي قوما يدعون القراء وهم السفهاء‪ ،‬وثبوا على صاحب شرطتي فضربوه واستخفوا بي‪ .‬منهم عمرو بن زرارة‪،‬‬
‫وكميل بن زياد‪ ،‬والشتر وحرفوص بن هبيرة‪ ،‬وشريح بن أوفى‪ ،‬ويزيد بن المكفف‪ ،‬وزيد وصعصعة ابنا صوحان وجندب بن عبد‬
‫الله‪ .‬فكتب إليهم عثمان رضي الله عنه يأمرهم أن يخرجوا إلى الشام ويغروا مغازيهم‪ .‬وكتب إلى سعيد‪ :‬قد كفيتك الذي أردت‬
‫فأقرئهم كتابي فإني أراهم ل يخالفون إن شاء الله‪ ،‬واتق الله جل وعز وأحسن السيرة‪ .‬فأقرأهم الكتاب‪ .‬فخرجوا إلى دمشق‬
‫فأكرمهم معاوية وقال‪ :‬إنكم قدمتم بلدا ل يعرف أهله إل الطاعة فل تجادلوهم فتدخلوا الشك قلوبهم‪ .‬فقال له الشتر‪ :‬إن الله‬
‫جل وعز قد أخذ على العلماء في علمهم ميثاقا أن يبينوه للناس ول يكتموه‪ .‬فإن سألنا سائل عن شيء نعلمه لم نكتمه‪ .‬فقال‪:‬‬
‫قد خفت أن تكونوا مرصدين للفتنة‪ ،‬فاتقوا الله ول تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات فقال عمر بن‬
‫زرارة‪ :‬نحن الذين هدى الله‪ .‬فأمر معاوية بحبسهم‪ .‬فقال له زيد بن صوحان‪ :‬إن الذين أشخصونا إليك لم يعجزوا عن حبسنا لو‬
‫أرادوا‪ .‬فأحسنوا جوارنا‪ ،‬وإن كنا ظالمين فنستغفر الله‪ ،‬وإن كنا مظلومين فنسأل الله العافية‪ .‬فقال له معاوية‪ :‬إني لرى‬
‫حبسك أمرا صالحا‪ ،‬فإن أحببت أن آذن لك فترجع إلى مصرك وأكتب إلى أمير المؤمنين بإذنك فعلت‪ .‬قال حسبي أن تأذن لي‬
‫وتكتب إلى سعيد‪ .‬فكتب إليه‪ ،‬فأذن له‪ ،‬فلما أراد زيد الشخوص كلمه في الشتر وعمرو بن زرارة فأخرجهما‪ .‬وأقام القوم‬
‫بدمشق ل يرون أمرا يكرهونه؛ ثم أشخصهم معاوية إلى حمص‪ ،‬فكانوا بها‪ ،‬حتى أجمع أهل الكوفة على إخراج سعيد فكتبوا‬
‫‪ .‬إليهم فقدموا‬
‫قال أبو زيد قال المدائني حدثني الوقاصي عن الزهري‪ :‬أن أهل الكوفة لما تقدموا على عثمان يشكون سعيدا قال لهم‪ :‬أكتب‬
‫إليه فأجمع بينكم وبينه‪ .‬ففعل‪ ،‬فلم يحققوا عليه شيئا إل قوله‪ :‬السواد بستان قريش‪ ،‬وأثنى عليه الخرون عليه‪ .‬فقال عثمان‪:‬‬
‫أرى أصحابكم يسألون إقراره‪ ،‬ولم يثبتوا عليه إل كلمة واحدة‪ ،‬لم ينتهك بها لحد حرمة‪ .‬ول أرى عزله إل أن تثبتوا عليه ما ل‬
‫يحل لحد تركه معه‪ .‬فانصرفوا إلى مصركم‪ .‬فرجع سعيد والفريقان معه‪ ،‬وتقدمهم علي بن الهيثم السدوسي حتى دخل رحبة‬
‫المسجد فقال‪ :‬يا أهل الكوفة إنا أتينا خليفتنا فشكونا إليه عاملنا‪ ،‬ونحن نرى أنه سيصرفه عنا‪ ،‬فرده إلينا وهو يزعم أن السواد‬
‫‪ .‬بستان له‪ .‬وأنا امرؤ منكم أرضى إذا رضيتم‪ .‬فقالوا ل نرضى‬
‫‪:‬الشتر يخطب محرضا على عثمان‬

‫صفحة ‪1344 :‬‬

‫وجاء الشتر فصعد المنبر فخطب خطبة ذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما‪ ،‬وذكر عثمان‬
‫رضي الله عنه فحرض عليه ثم قال‪ :‬من كان يرى أن لله جل وعز حقا فليصبح بالجرعة‪ ،‬ثم قال لكميل بن زياد‪ :‬انطلق فأخرج‬
‫‪ .‬ثابت بن قيس بن الخطيم‪ ،‬فأخرجه‪ .‬واستعمل أهل الكوفة‪ .‬أبا موسى الشعري‬
‫عثمان يخضع لقوة الرأي فيعزل سعيدا ويولي أبا موسى‪ :‬أخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا عفان قال حدثنا أبو محصن‬
‫قال حدثنا حصين بن عبد الرحمن قال حدثني جهيم قال‪ :‬أنا شاهد للمر‪ ،‬قالوا لعثمان‪ :‬إنك استعملت أقاربك‪ .‬قال‪ :‬فليقم أهل‬
‫‪ .‬كل مصر فليسلموا صاحبهم‪ .‬فقام أهل الكوفة فقالوا‪ :‬اعزل عنا سعيدا واستعمل علينا أبا موسى الشعري‪ .‬ففعل‬
‫ثناء امرأة على سعد بن أبي وقاص‪ :‬قال أبو زيد‪ :‬وكان سعيد قد أبغضه أهل الكوفة لمور‪ :‬منها أن عطاء النساء بالكوفة كان‬
‫‪:‬مائتين مائتين فحطه سعيد إلى مائة مائة‪ .‬فقالت امرأة من أهل الكوفة تذم سعيدا وتثني على سعد بن أبي وقاص‬
‫وليت سعيدا كان أول هالك‬ ‫فليت أبا إسحاق كان أميرنا‬
‫بأبائهن مرهفات النـيازك هدية سعيد بن العاص إلى علي بن أبي طالب‪ :‬حدثني‬ ‫يخطط أشراف النساء ويتقي‬
‫العباس بن علي بن العباس ومحمد بن جرير الطبري قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا أبو داود وأخبرني أحمد بن عبد العزيز‬
‫قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا شعبة بن عمرو بن مرة قال سمعت أبا وائل يحدث عن الحارث بن حبيش قال‪ :‬بعثني سعيد‬
‫بن العاص بهدايا إلى المدينة وبعثني إلى علي عليه السلم وكتب إليه‪ :‬إني لم أبعث إلى أحد بأكثر مما بعثت به إليك إل شيئا‬
‫في خزائن أمير المؤمنين‪ .‬قال‪ :‬فأتيت عليا فأخبرته‪ ،‬فقال‪ :‬لشد ما تحظر بنو أمية تراث محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬أما والله‬
‫‪ .‬لئن وليتها لنفضنها نفض القصاب لتراب الوذمة‬
‫‪ .‬قال أبو جعفر‪ :‬هذ غلط إنما هو لوذام التربة‬
‫قال أبو زيد وحدثني عبد الله بن محمد بن حكيم الطائي عن السعدي عن أبيه قال‪ :‬بعث سعيد ابن العاص مع ابن أبي عائشة‬
‫موله بصلة إلى علي بن أبي طالب عليه السلم‪ .‬فقال‪ :‬والله ل يزال غلم من غلمان بني أمية يبعث إلينا مما أفاء الله على‬
‫‪ .‬رسول بمثل قوت الرملة‪ ،‬والله لئن بقيت لنفضها نفض القصاب لوذام التربة‪ .‬هكذا في هذه الرواية‬

‫أوجب الشكر وإن لم تفعلـي‬ ‫رب وعد منك ل أنسـاه لـي‬


‫وأجلي غمرة ما تنـجـلـي‬ ‫أقطع الدهر بظـن حـسـن‬
‫عرض المكروه لي في أملي‬ ‫كلما أملت يومـا صـالـحـا‬
‫أرتجي منك وتدني أجـلـي عروضه من الرمل؛ الشعر لمحمد بن أمية‪ ،‬والغناء لبي‬ ‫وأرى اليام ل تدنـي الـذي‬
‫‪ .‬حشيشة‪ ،‬رمل طنبوري وفيه لحن لحسين بن محرز ثاني ثقيل بالوسطى عن أبي عبد الله الهشامي‬

‫أخبار محمد بن أمية وأخيه‬

‫‪:‬علي بن أمية وما يغنى فيه من شعرهما‬


‫نسب محمد بن أمية‪ :‬سألت أحمد بن جعفر جحظة عن نسبه قلت له‪ :‬إن الناس يقولون ابن أمية وابن أبي أمية‪ ،‬فقال‪ :‬هو‬
‫‪ .‬محمد بن أمية بن أبي أمية‬
‫منادمته إبراهيم بن المهدي‪ :‬قال‪ :‬وكان محمد كاتبا وشاعرا ظريفا‪ ،‬وكان ينادم إبراهيم بن المهدي‪ ،‬وربما عاشر علي ابن‬
‫هشام‪ ،‬إل أن انقطاعه كان إلى إبراهيم‪ ،‬وربما كتب بين يديه‪ .‬وكان حسن الخط والبيان‪ .‬وكان أمية بن أبي أمية يكتب للمهدي‬
‫على بيت المال‪ .‬وكان إليه ختم الكتب بحضرته‪ ،‬وكان يأنس به لدبه وفضله‪ ،‬ومكانه من ولئه‪ ،‬فزامله أربع دفعات حجها في‬
‫‪ .‬ابتدائه ورجوعه‬
‫‪ .‬قال جحظة‪ :‬وحدثني بذلك أبو حشيشة‬
‫إعجاب أبي العتاهية به في حضرة إبراهيم بن المهدي‪ :‬وحدثني جحظة قال حدثني أبو حشيشة عن محمد بن علي بن أمية قال‬
‫‪:‬حدثني عمي محمد بن أمية قال‬

‫صفحة ‪1345 :‬‬

‫كنت جالسا بين يدي إبراهيم بن المهدي‪ ،‬فدخل إليه أبو العتاهية وقد تنسك ولبس الصوف وترك قول الشعر إل في الزهد‪،‬‬
‫فرفعه إبراهيم وسر به‪ ،‬وأقبل له أبو العتاهية‪ :‬أيها المير بلغني خبر فتى في ناحيتك ومن مواليك يعرف بابن أمية يقول الشعر‪،‬‬
‫وأنشدت له شعرا أعجبني‪ ،‬فما فعل? فضحك إبراهيم ثم قال‪ :‬لعله أقرب الحاضرين مجلسا منك‪ .‬فالتفت إلي فقال لي‪ :‬أنت‬
‫هو فديتك? فتشورت وخجلت وقلت له‪ :‬أنا محمد بن أمية جعلت فداءك وأما الشعر فإنما أنا شاب أعبث بالبيت والبيتين والثلثة‬
‫كما يعبث الشاب؛ فقال لي‪ :‬فديتك‪ ،‬ذلك والله زمان الشعر وغبانه‪ ،‬وما قيل فيه فهو غرره وعيونه‪ ،‬وما قصر من الشعر وقيل‬
‫في المعنى الذي تومئ إليه أبلغ وأملح‪ .‬ومازال ينشطني ويؤنسني حتى أرى أني قد أنست به‪ ،‬ثم قال لبراهيم بن المهدي‪ :‬إن‬
‫‪:‬رأى المير أكرمه الله أن يأمره بإنشادي ما حضر من الشعر‪ .‬فقال لي إبراهيم‪ :‬بحياتي يا محمد أنشده‪ .‬فأنشدته‬
‫أوجب الشكر وإن لم تفعلي وذكر البيات الربعة‪ .‬قال‪ :‬فبكى أبو العتاهية حتى‬ ‫رب وعد منك ل أنساه لـي‬
‫‪ .‬جرت دموعه على لحيته وجعل يردد البيت الخير منها وينتحب‪ ،‬وقام فخرج وهو يردده ويبكي حتى خرج إلى الباب‬
‫هو وخداع جارية خال المعتصم وأشعاره فيها‪ :‬أخبرني عمي قال حدثني يعقوب بن إسرائيل قرقارة قال حدثني محمد بن علي‬
‫بن أمية قال‪ :‬كان عمي محمد بن أمية يهوى جارية مغنية يقال لها خداع كانت لبعض جواري خال المعتصم‪ ،‬فكان يدعوها‪،‬‬
‫ويعاشره إخوانه إذا دعوه بها أتباعا لمسرته‪ .‬وأراد المعتصم الخروج والتأهب للغزو‪ ،‬وأمر الناس جميعا بالخروج والتأهب‪ ،‬فدعاه‬
‫بعض أخوانه قبل خروجهم بيوم‪ ،‬فلما أضحى النهار جاء من المطر أمر عظيم لم يقدر معه أحد أن يطلع رأسه من داره‪ ،‬فكاد‬
‫‪:‬محمد أن يموت غما‪ ،‬فكتب إلى صديقه الذي دعاه وقد كان ركب إليه ثم رجع لشدة المطر ‪ ،‬ولم يقدر على لقائه‬
‫من اللفين إذ جرت السيول‬ ‫تمادى القطر وانقطع السبيل‬
‫ووجه الرض أودية تجول‬ ‫على أني ركبت إليك شوقـا‬
‫وللمشتاق معتزمـا دلـيل‬ ‫وكان الشوق يقدمني دلـيل‬
‫أودعه وقد أفد الـرحـيل‬ ‫فلم أجد للسبيل إلى حـبـيب‬
‫فيالله ما فعل الـرسـول وقال في ذلك أيضا‬ ‫‪:‬وأرسلت الرسول فغاب عني‬
‫عاق عنه الغيم والمطر‬ ‫مجلس يشفى به الوطـر‬
‫رحمة عمت ولي ضرر‬ ‫رب خذ لي منهما فهمـا‬
‫عذره باد ومسـتـتـر‬ ‫ما على مولي معـتـبة‬
‫واستمالت قلبي الفكـر قال‪ :‬ثم بيعت خداع هذه فاشتراها بعض ولد المهدي وكان‬ ‫شغلت عيني بعبرتـهـا‬
‫‪ .‬ينزل شارع الميدان‪ ،‬فحجبت عنه وانقطع ما بينهما إل مكاتبة ومراسلة‬
‫‪:‬قال محمد بن علي فأنشدني يوما عمي محمد لنفسه فيها‬
‫هجن شوقي ل دارسات الطلول‬ ‫خطرت الهوى بـذكـر خـداع‬
‫وأرى أهلها بـكـل سـبـيل‬ ‫حجبت أن ترى فلسـت أراهـا‬
‫ليت عيني مكان عين الرسـول‬ ‫وإذا جاءها الـرسـول رآهـا‬
‫فاسمعي منه ما يقول وقولـي وقال فيها أيضا‬ ‫‪:‬قد أتاك الرسول ينعت مـا بـي‬
‫أسميه لم أرشد وإن كان مفـسـدي‬ ‫بناحية الـمـيدان درب لـو أنـنـي‬
‫يشير إليهم بالـجـفـون وبـالـيد‬ ‫أخاف على سكانـه قـول حـاسـد‬
‫بألسنة تشفي جوى الهائم الـصـدي‬ ‫وصائف أبكـار وعـون نـواطـق‬
‫وما النجم من معروفهن بـأبـعـد‬ ‫يقاربن أهل الود بالقول في الهـوى‬
‫ويشغفن قلب الناسك المـتـعـبـد‬ ‫يزدن أخا الدنيا مـجـونـا وفـتـنة‬
‫إلي الهوى منهـن بـعـد تـجـرد‬ ‫وليلة وافى النوم طيف سـرى بـه‬
‫وأوردته من لوعة الحب مـوردي‬ ‫فقاسمته الشجان نصفـين بـينـنـا‬
‫وعاهدته عهد امـرئ مـتـوكـد‬ ‫ونلت الذي أملت بـعـد تـمـنـع‬
‫وأعرض إعراض العروس من الغد‬ ‫فلما افترقنا خاس بالعهـد بـينـنـا‬
‫لخبره في حفظ عهـد ومـوعـد إعجاب أبي العتاهية بشعره‬ ‫‪:‬فواندمـا أل أكـون ارتـهـنـتـه‬

‫صفحة ‪1346 :‬‬


‫أخبرني الحسن بن علي وعمي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني حذيفة بن محمد قال قال لي محمد بن‬
‫‪:‬أبي العتاهية‪ :‬سمع أبي يوما مخارقا يغني‬
‫على الخارق مات الخلق من شدة الحب‬ ‫أحـبـك حـبـا لـو يفـض يسـيره‬
‫لنك في أعلى المراتب من قـلـبـي فطرب ثم قال له‪ :‬من يقول هذا يا أبا‬ ‫وأعلـم أنـي بـعـد ذاك مـقـصـر‬
‫المهنا? قال‪ :‬فتى من الكتاب يخدم المير إبراهيم بن المهدي‪ .‬فقال‪ :‬تعني محمد بن أمية? قال‪ :‬نعم‪ .‬قال أحسن والله‪ ،‬وما‬
‫‪ .‬يزال يأتي بالشيء المليح يبدو له‬
‫مزاحه مع مسلم بن الوليد‪ :‬أخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال حدثني أحمد بن أمية بن أبي أمية قال‪ :‬لقي أخي‬
‫محمد بن أمية مسلم بن الوليد وهو يمشي وطويلته مع بعض رواته‪ ،‬فسلم عليه ثم قال له‪ :‬قد حضرني شيء؛ فقال‪ :‬على أنه‬
‫‪:‬مزاح ل يغضب منه؛ قال‪ :‬هاته ولو أنه شتم‪ .‬فقال‬
‫تيهه يربي على جدتـه‬ ‫من رأى فيما خل رجل‬
‫شاكري في قلنسـيتـه فسكت عنه مسلم ولم يجبه‪ ،‬وضحك منه محمد وافترقا‬ ‫‪ .‬يباهـى راجـل ولـه‬
‫مداعبة مسلم له حين نفق برذونه‪ :‬قال‪ :‬وكان لمحمد بن أمة برذون يركبه‪ ،‬فلقيه مسلم وهو راجل فقال‪ :‬ما فعل برذونك?‬
‫‪:‬قال‪ :‬نفق‪ .‬قال‪ :‬الحمد لله‪ ،‬فنجازيك إذا على ما كان منك إلينا‪ .‬ثم قال مسلم‬
‫لن يرجع البرذون باللـيت‬ ‫قل لبن مي ل تكن جازعا‬
‫وكنت فيه عالي الصـوت‬ ‫طامن أحشاؤك فـقـدانـه‬
‫ولو من الحش إلى البـيت‬ ‫وكنت ل تزال عن ظهـره‬
‫مات من الشوق إلى الموت تعلقه بإحدى الجواري وما كان بينهما‪ :‬أخبرني أحمد بن‬ ‫ما مات من حتف ولكـنـه‬
‫عبيد الله بن عمار قال حدثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدثني محمد بن علي ابن أمية قال حدثني حسين بن الضحاك قال‪:‬‬
‫دخلت أنا ومحمد بن أمية منزل نخاس بالرقة أيام الرشيد وعنده جارية تغني فوقعت عينها على محمد‪ ،‬ووقعت عينه عليها‪،‬‬
‫‪:‬فقال لها‪ :‬يا جارية‪ ،‬أتغنين هذا الصوت‬
‫واجعليه من ل ينـم عـلـيك‬ ‫خبريني من الرسـول إلـيك‬
‫ظ ليخفى على الـذين لـديك‬ ‫وأشيري إلي من هو بـالـح‬
‫م فإن الـمـزاح بـين يديك فقالت له‪ :‬ما أعرفه‪ ،‬وأشارت إلى خادم كان على‬ ‫وأقلي المزاح في المجلس اليو‬
‫رأسها واقفا‪ .‬فمكثا زمانا والخادم الرسول بينهما‪ .‬قال‪ :‬تغنى بشعر له عمرو الغزال فتطير إبراهيم بن المهدي وعلم من في‬
‫المجلس بنكبة البرامكة‪ :‬حدثني جحظة قال حدثني ميمون بن هارون قال حدثني بعض من كان يختلط بالبرامكة قال‪ :‬كنت عند‬
‫إبراهيم بن المهدي‪ ،‬وقد اصطبحنا وعنده عمرو بن بانة‪ ،‬وعبيد الله بن أبي غسان‪ ،‬ومحمد بن عمرو الرومي‪ ،‬وعمرو الغزال‪،‬‬
‫ونحن في أطيب ما كنا عليه إذ غنى عمرو الغزال‪ ،‬وكان إبراهيم بن المهدي يستثقله‪ ،‬إل أنه كان يتخفف بين يديه ويقصده‪،‬‬
‫‪:‬ويبلغه عنه تقديم له وعصبية‪ ،‬فكان يحتمل ذاك منه‪ ،‬فاندفع عمرو الغزال‪ ،‬فتغنى في شعر محمد بن أمية‬
‫أهواه مذ كنت إلى الـلـيل‬ ‫ماتم لي يوم سرور بـمـن‬
‫منه أتتني الرسل بـالـويل‬ ‫أغبط ما كنت بما نـلـتـه‬
‫أقول ذي العزة والـطـول‬ ‫ل والذي يعلـم كـل الـذي‬
‫بالغيب في فعل ول قـول قال‪ :‬فتطير إبراهيم‪ ،‬ووضع القدح من يده‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ما رمت مذ كنت لكم سخطة‬
‫أعوذ بالله من شر ما قلت‪ .‬فوالله ما سكت وأخذنا نتلفى إبراهيم إذ أتى حاجبه يعدو فقال‪ :‬مالك ? فقال‪ :‬خرج الساعة‬
‫مسرور من دار أمير المؤمنين حتى دخل إلى جعفر بن يحيى‪ ،‬فلم يلبث أن خرج ورأسه بين يديه وقبض على أبيه وإخوته ‪.‬‬
‫‪ .‬فقال إبراهيم‪ :‬إنا لله وإنا إليه راجعون ارفع يا غلم ارفع‪ .‬فرفع ما كان بين أيدينا‪ ،‬وتفرقنا فما رأيت عمرا بعدها في داره‬
‫كان يستطيب الشراب عند هبوب الجنوب‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني الحسين بن يحيى الكاتب قال حدثني‬
‫‪:‬محمد بن يحيى بن بسخنر قال‬

‫صفحة ‪1347 :‬‬

‫كنت عند إبراهيم بن المهدي بالرقة وقد عزمنا على الشراب ومعنا محمد بن أمية في يوم من حزيران‪ ،‬فلما هممنا بذلك هبت‬
‫الجنوب‪ ،‬وتلطخت السماء بغيم ‪ ،‬وتكدر ذلك اليوم‪ ،‬فترك إبراهيم بن المهدي الشرب ولحقه صداع‪ ،‬وكان يناله ذلك مع هبوب‬
‫الجنوب‪ ،‬فافترقنا؛ فقال لي محمد بن أمية‪ :‬ما أحب إلي ما كرهتموه من الجنوب فإن أنشدتك بيتين مليحين في معناهما‬
‫‪:‬تساعدني على الشرب اليوم? قلت‪ :‬نعم‪ .‬فأنشدني‬
‫طيبا يذكرني الفردوس إن نفحا‬ ‫إن الجنوب إذا هبت وجدت لها‬
‫شوقا تنفست واستقبلتها فرحـا فانصرفت معه إلى منزله‪ ،‬وغنيت في هذين‬ ‫لما أتت بنسيم منـك أعـرفـه‬
‫‪ .‬البيتين وشربنا عليهما بقية يومنا‬
‫ما قاله في تفاحة أهدتها إليه خداع‪ :‬وجدت في بعض الكتب بغير إسناد‪ :‬أهدت جارية يقال لها خداع إلى محمد بن أمية‪ ،‬وكان‬
‫‪:‬يهواها تفاحة مفلجة منقوشة مطيبة حسنة‪ ،‬فكتب إليها محمد‬
‫تفـاحة طـيبة الـنـشــر‬ ‫خداع أهـديت لـنـا خـدعة‬
‫معتصما باللـه والـصـبـر‬ ‫ما زلت أرجوك وأخشى الهوى‬
‫زحزحت الحزان عن صدري‬ ‫حتى أتتني منـك فـي سـاعة‬
‫ونقش كفيك مـن الـنـحـر‬ ‫حشوتها مسكا ونـقـشـتـهـا‬
‫لو لم تكن من خدع الـدهـر التقى بجارية يهواها وشعره في ذلك‪ :‬أخبرني الحسن‬ ‫سقيا لـهـا تـفـاحة أهـديت‬
‫بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله بن جعفر اليقطيني قال‪ :‬حدثني أبي جعفر بن علي بن‬
‫يقطين قال‪ :‬كنت أسيرا أنا ومحمد بن أمية في شارع الميدان‪ ،‬فاستقبلتنا جارية كان محمد يهواها ثم بيعت وهي راكبة‪ ،‬فكلمها‪،‬‬
‫‪:‬فأجابته بجواب أخفته فلم يفهمه‪ ،‬فأقبل علي وقد تغير لونه فقال‬
‫أليس دون الذي لقيت يكفـينـي‬ ‫يا جعفر بن علي وابن يقـطـين‬
‫منها فأين الذي كانت تمنـينـي‬ ‫هذا الذي لم تزل نفسي تخوفنـي‬
‫تفديك نفسي فداء غير ممـنـون‬ ‫خاطرت إذ أقبلت نحوي وقلت لها‬
‫نفسي بظنين مخشي ومـأمـون تمثل المنتصر ببيت له‪ :‬حدثني محمد بن‬ ‫فخاطبتني بما اخفته فانصرفـت‬
‫يحيى الصولي قال حدثني أحمد بن يزيد المهلبي قال حدثني أبي قال‪ :‬كنت بين يدي المنتصر جالسا فجاءته رقعة ل أعلم ممن‬
‫‪:‬هي‪ ،‬فقرأها وتبسم ثم إنه أقبل علي وأنشد‬
‫وفطنة شاعر عند الجواب ثم أقبل علي فقال‪ :‬من يقول هذا يا يزيد? فقلت‪:‬‬ ‫لطافة كاتب وخشوع ضب‬
‫‪ .‬محمد بن أمية يا أمير المؤمنين‪ .‬فضحك وقال‪ :‬كأنه والله يصف ما في هذه الرقعة‬
‫عاتبه أخوه وابن قنبر لما لحقه من وله كالجنون لبيع جارية يحبها‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن‬
‫مهرويه قال حدثني حذيفة بن محمد قال‪ :‬كنت أنا وابن قنبر عند محمد بن أمية بعقب بيع جارية كان يحبها وقد لحقه عليها وله‬
‫‪:‬كالجنون‪ ،‬فجعل ابن قنبر وأخوه علي بن أمية يعاتبانه على ما يظهر منه‪ ،‬فأقبل بوجهه عليهما ثم قال‬
‫كوصفك إياه للهاك عـن عـذلـي‬ ‫لو كنت جربت الهوى يا بن قـنـبـر‬
‫وإن لم تكونا في مودتهـا مـثـلـي‬ ‫أنا وأخي الدنى وأنت لـهـا الـفـدا‬
‫بودي وهل يغري المحب سوى البخل‬ ‫أأن حجبت عني أجـود لـغـيرهـا‬
‫عليك ومن ذا سر بالبخل من قـبـل قال‪ :‬فضحك ابن قنبر‪ ،‬وقال‪ :‬إذا كان المر‬ ‫أسر بأن قـالـوا تـضـن بـودهـا‬
‫‪ .‬هكذا فكن أنت الفداء لها‪ ،‬وإن ساعدك أخوك فاتفقا على ذلك‪ ،‬وأما أنا فلست أنشط لن أساعدك على هذا‪ .‬وافترقنا‬
‫قطع الصوم بينه وبين خداع فقال شعرا‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال أنشدني محمد بن الحسن بن الحزور لمحمد‬
‫‪:‬بن أمية في جارية كان يهواها وقطع الصوم بينهما؛ فقال يخاطب محمد بن عثمان بن خريم المري‬
‫كوجدي وإن لم تبكيا فـدعـانـي‬ ‫قفا فابكيا إن كنـتـمـا تـجـدان‬
‫إذا لم أطق إظهاره بلـسـانـي‬ ‫ففي الدمع مما تضمر النفس راحة‬
‫فأبهت مشدوها أعض بـنـانـي‬ ‫أغص بأسراري إذا ما لقـيتـهـا‬
‫ومن هو لي مثلي بكل مـكـان‬ ‫فيابن خريم يا أخي دون إخـوتـي‬

‫صفحة ‪1348 :‬‬

‫سوى خدع تذكي الهوى وأماني‬ ‫تأمل أحظي من خداع وحبـهـا‬


‫فيا ليت شوال أتـى بـزمـان شعر له فيها استحسنه ابن المعتز‪ :‬أنشدني‬ ‫وأصبح شهر الصوم قد خال بيننا‬
‫جعفر بن قدامة قال أنشدني عبد الله بن المعتز قال أنشدني أبو عبد الله الهشامي لمحمد بن أمية‪ ،‬وفيه غناء لمتيم‪ ،‬قال‬
‫‪:‬واستحسنه عبد الله‪ :‬صوت‬
‫لول قبيح فعالـه لـم أعـجـب‬ ‫عجبا عجبت لمذنب متغـضـب‬
‫وإليك طول تشوفي وتطـربـي‬ ‫أخداع‪ ،‬طال الفراش تقـلـبـي‬
‫قصرت يداي وعز وجه المطلب الغناء لمتيم‪ ،‬فيه لحنان‪ :‬رمل عن ابن المعتز‪،‬‬ ‫لهفي عليك وما يرد تلـهـفـي‬
‫‪ .‬وخفيف رمل عن الهشامي‪ .‬وهذا من شعر محمد فيها بعد أن بيعت‪ .‬قال‪ :‬وغنتنا هزار هذا الصوت يومئذ‬
‫أشعاره فيها إذ فقدها وحين وجدها‪ :‬حدثني عمي قال حدثنا أحمد بن محمد الفيرزان قال حدثني شيبة بن هشام قال‪ :‬دعانا‬
‫محمد ابن أمية يوما ووجه إلى جارية كان يحبها فدعاها‪ ،‬وبعث إلى مولها يحدرها مع رسوله‪ ،‬فأبطأ الرسول حتى انتصف النهار‬
‫ثم عاد وليست معه وقال‪ :‬أخذوا مني الدراهم ثم ردوها علي‪ ،‬ورأيتهم مختلطين‪ ،‬ولهم قصة لم يعرفونيها‪ ،‬وقاولوا‪ :‬ليست ها‬
‫هنا فإن عادت بعثنا بها إليكم‪ .‬فتنغص عليه يومه وتغير وجهه وتجمل لنا؛ ثم بكرنا من غد بأجمعنا إلى منزل مولها فإذا هي قد‬
‫‪:‬بيعت‪ ،‬فوجم طويل ‪ ،‬وسار حتى إذا خل لنا الطريق اندفع باكيا‪ .‬فما أنسى حرقة بكائه وهو ينشدني‬
‫وسوء مقـادير لـهـن شـؤون‬ ‫تخطى إلي الدهر من بين من أرى‬
‫وأقصدني بل كلـهـم سـيبـين‬ ‫فشتت شملي دون كل أخي هـوى‬
‫فإني وإن أظهرتـهـا لـحـزين‬ ‫ومهما تكن من ضحكة بعد فقدها‬
‫إذ الدار دار والسـرور فـنـون قال ومضت على ذلك مدة‪ .‬ثم أخبرني أنه اجتاز‬ ‫سلم على أيامـنـا قـبـل هـذه‬
‫‪:‬بها‪ ،‬وهي تنظر من وراء شباك‪ ،‬فسلم عليها فأومأت بالسلم إليه ودخلت‪ ،‬فقال‬
‫من الشبك التي عملت حديدا‬ ‫تطالعني على وجل خـداع‬
‫أزود مقلتي نظـرا جـديدا‬ ‫مطالعتي قفي بالله حـتـى‬
‫رجونا أن تعود وان نعـودا وأنشدني أيضا في ذلك‪ :‬صوت‬ ‫‪:‬فقالت‪ :‬إن سها الواشون عنا‬
‫تخفى مكانك غير خاف‬ ‫يا صاحب الشبك الذي اس‬
‫بفناء قصرك واختلفـي‬ ‫أفـمـا رأيت تـلـددي‬
‫وتلفتي بعد انصـرافـي صوت‬ ‫‪:‬أو ما رحمت تخشـعـي‬
‫إن يأخذوك تكحلي وتخضبـي‬ ‫إن الرجال لهم إلـيك وسـيلة‬
‫أقرن إلى سير الركاب وأجنب‬ ‫وأنا امرؤ إن يأخذوني عـنـوة‬
‫وابن النعامة يوم ذلك مركبي عروضه من الكامل‪ .‬قال ابن العرابي في تفسير‬ ‫ويكون مركبك القعود وحدجـه‬
‫‪:‬قوله‬
‫‪:‬وابن النعامة يوم ذلك مركبي ابن النعامة‪ :‬ظل النسان أو الفرس أو غيره‪ .‬قال جرير‬
‫وير نعامة ظلـه فـيحـول يعني بنعامة ظله جسده‪ .‬وقال أبو عمرو الشيباني‪:‬‬ ‫إذ ظل يحسب كل شيء فارسا‬
‫النعامة ما يلي الصابع في مقدم الرجل‪ .‬يقول‪ :‬مركبي يومئذ رجلي‪ .‬وقال الجاحظ‪ :‬ذكر علماؤنا البصريون‪ :‬أن النعامة اسم‬
‫فرسه‪ .‬يقول‪ :‬إني أشد على ركابي السرج فإذا صار للفرس وهو الذي يسمى النعامة ظل وأنا مقرون إليه صار ظله تحتي‬
‫‪ .‬فكنت راكبا له‪ .‬وجعل ظلها ها هنا ابنها‬
‫الشعر للحارث بن لوذان بن عوف بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة‪ .‬وقال ابن سلم‪ :‬لخزز لوذان‪ .‬ومن‬
‫‪:‬الناس من ينسب هذا الشعر إلى عنترة‪ ،‬وذلك خطأ‪ .‬وأحد من نسبه إليه إسحاق الموصلي‪ .‬والغناء لعزة الميلء‪ .‬وأول لحنها‬
‫ذهب الذين بها ولما تذهب وبعده إن الرجال‬ ‫‪ .‬لمن الديار عرفتها بالشربب‬
‫وطريقته من خفيف الثقيل الول بالبنصر من روايتي حماد وابن المكي‪ .‬وفيه للهذيل خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي‪.‬‬
‫وفيه لعريب خفيف رمل‪ .‬وفيه لعزة المرزوقية لحن‪ .‬وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات‪ :‬هذا اللحن لريق‪ ،‬سلخت‬
‫لحن ومخنث شهد الزفاف وقبله فجعلته لهذا‪ ،‬وهو لحن يشبه صنعة ابن سريج وصنعة حكم في محركاتهما‪ ،‬فمن هنا يغلط فيه‬
‫‪ .‬ويظن أنه قديم الصنعة‬

‫صفحة ‪1349 :‬‬

‫ابن أبي عتيق يعجب بغناء عزة الميلء‪ :‬أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثت عن صالح بن حسان قال‪ :‬كان‬
‫‪:‬ابن أبي عتيق معجبا بغناء عزة الميلء كثير الزيارة لها‪ ،‬وكان يختار عليها قوله‬
‫لمن الديار عرفتها بالشربب فسألها يوما زيارته فأجابته إلى ذلك ومضت نحوه‪ ،‬فقال لها بعد أن استقر بها المجلس‪ :‬يا عزة‪،‬‬
‫‪ .‬أحب أن تغنيني صوتي الذي أنا له عاشق‪ .‬فغنته هذا الصوت‪ ،‬فطرب كل الطرب وسر غاية السرور‬
‫جارية ابن أبي عتيق ومعابثة فتى لها‪ :‬وكانت له جارية‪ ،‬وكان فتى من أهل المدينة كثيرا ما يعبث بها؛ فأعلمت ابن أبي عتيق‬
‫بذلك؛ فقال لها‪ :‬قولي له‪ :‬وأنا أحبك؛ فإذا قال لك‪ :‬وكيف لي بك? فقولي له‪ :‬مولي يخرج غدا إلى مال له‪ ،‬فإذا خرج أدخلتك‬
‫المنزل‪ .‬وجمع ابن أبي عتيق ناسا من أصحابه فأجلسهم في بيته ومعهم عزة الميلء ‪ ،‬وأدخلت الجارية الرجل‪ .‬وقال لعزة‪ :‬غني‬
‫فأعادت الصوت‪ .‬وخرجت الجارية فمكثت ساعة ثم دخلت البيت كأنها تطلب حاجة‪ ،‬فقال لها‪ :‬تعالي‪ .‬فقالت‪ :‬الن آتيك‪ .‬ثم‬
‫عادت فدعاها ‪ ،‬فوثب فضرب بها الحجلة ‪ ،‬فوثب ابن أبي عتيق عليه هو وأصحابه‪ ،‬فقال لهم وهو غير مكترث‪ :‬يا فساق ما‬
‫يجلسكم ها هنا مع هذه المغنية فضحك ابن أبي عتيق من قوله وقال له‪ :‬استر علينا ستر الله تعالى عليك‪ .‬فقالت له عزة‪ :‬يابن‬
‫الصديق ‪ ،‬ما أظرف هذا لول فسقه فاستحيا الرجل فخرج‪ ،‬وبلغه أن ابن أبي عتيق قد آلى إن هو وقع في يده أن يصير به إلى‬
‫السلطان‪ .‬فأقبل يعبث بها كلما خرجت‪ ،‬فشكت ذلك إلى مولها‪ ،‬فقال لها‪ :‬أو لم يرتدع من العبث بك قالت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فهيئي‬
‫الرحى وهيئي من الطعام طحين ليلة إلى الغداة‪ .‬فقالت‪ :‬أفعل يا مولي‪ .‬فهيأت ذلك على ما أمرها به ثم قال لها‪ :‬عديه الليلة‬
‫فإذا جاء فقولي له‪ :‬إن وظيفتي الليلة طحن هذا البر كله ثم اخرجي من البيت واتركيه‪ .‬ففعلت‪ ،‬فلما دخل طحنت الجارية قليل‪،‬‬
‫ثم قالت له‪ :‬إن كفت الرحى فإن مولي جاء إلي أو بعض من وكله بي‪ ،‬فاطحن حتى نأمن أن يجيئنا أحد‪ ،‬ثم أصير إلى قضاء‬
‫حاجتك‪ .‬ففعل الفتى ومضت الجارية إلى مولها وتركته‪ .‬وقد أمر ابن أبي عتيق عدة من مولياته أن يتراوحن على سهر ليلتهن‬
‫ويتفقدن أمر الطحين ويحثثن الفتى عليه كما أمسك؛ ففعلن‪ ،‬وجعلن ينادينه كلما كف‪ :‬يا فلنة إن مولك مستيقظ؛ والساعة‬
‫يعلم أنك كففت عن الطحن‪ ،‬فيقوم إليك بالعصا كعادته مع من كانت نوبتها قبلك إذا هي نامت وكفت عن الطحن‪ .‬فلم يزل‬
‫الفتى كلما سمع ذلك الكلم يجتهد في العمل والجارية تتعهد وتقول‪ :‬قد استيقظ مولي‪ .‬والساعة ينام فأصير إلى ما تحب‪ .‬فلم‬
‫يزل الرجل يطحن حتى أصبح وفرغ من جميع القمح‪ .‬فلما فرغ وعلمت الجارية أتته فقالت‪ :‬قد أصبحت فانج بنفسك‪ .‬فقال‪:‬‬
‫أوقد فعلتها يا عدوة الله فخرج تعبا نصبا فأعقبه ذلك مرضا شديدا أشرف منه على الموت‪ ،‬وعاهد الله تعالى أل يعود إلى‬
‫‪ .‬كلمها‪ ،‬فلم تر منه بعد ذلك شيئا ينكر‬
‫‪:‬صوت‬
‫وحث حداتهم بهم عـجـال‬ ‫أجد اليوم اليوم جيرتك احتمال‬
‫ترى قتلى بغـير دم حـلل عروضه من الوافر‪ .‬الشعر للمتوكل الليثي‪ ،‬والغناء لبن‬ ‫وفي الظعان آنسة لـعـوب‬
‫محرز ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق‪ .‬وفيه لبن مسجح ثاني ثقيل آخر بالخنصر في مجرى البنصر عنه‪.‬‬
‫‪ .‬وذكر حبش أن هذا اللحن لبن سريج‪ ،‬وفيه لسحاق هزج‬

‫نسب المتوكل الليثي وأخباره‬


‫نسبه‪ :‬هو المتوكل بن عبد الله بن نهشل بن مسافع بن وهب بن عمرو بن لقيط بن يعمر بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر‬
‫بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار‪ .‬من شعراء السلم‪ ،‬وهو من أهل الكوفة‪ .‬كان في عصر‬
‫معاوية وابنه يزيد‪ ،‬ومدحهما‪ .‬ويكنى أبا جهمة‪ .‬وقد اجتمع مع الخطل وناشده عند قبيصة بن والق‪ ،‬ويقال عند عكرمة بن ربعي‬
‫‪ .‬الذي يقال له الفياض‪ ،‬فقدمه الخطل‬
‫‪ .‬وهذه القصيدة التي أولها الغناء قصيدة هجا بها عكرمة بن ربعي وخبره معه يذكر بعد‬
‫‪ .‬أخبرني بذلك الحسن بن علي عن أحمد بن سعيد الدمشقي عن الزبير بن بكار عن عمه‬
‫‪:‬تناشد هو والخطل الشعر‬

‫صفحة ‪1350 :‬‬

‫وأخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال‪ :‬أخبرني هارون بن‬
‫مسلم قال حدثني حفص بن عمر العمري عن لقيط بن بكير المحاربي قال‪ :‬قدم الخطل الكوفة فنزل على قبيصة بن والق‪،‬‬
‫فقال المتوكل بن عبد الله الليثي لرجل من قومه‪ :‬انطلق بنا إلى الخطل نستنشده ونسمع من شعره‪ .‬فأتياه فقال‪ :‬أنشدنا يا‬
‫أبا مالك‪ .‬فقال‪ :‬إني لخائر يومي هذا‪ .‬فقال له المتوكل‪ :‬أنشدنا أيها الرجل‪ ،‬فوالله ل تنشدني قصيدة إل أنشدتك مثلها أو أشعر‬
‫‪:‬منها من شعري‪ .‬قال‪ :‬ومن أنت? قال‪ :‬أنا المتوكل ‪ .‬قال‪ :‬أنشدني ويحك من شعرك فأنشده‬
‫فببطن مكة عهدهن قـديم‬ ‫للغانيات بذي المجاز رسوم‬
‫حلل تلوح كأنهن نـجـوم‬ ‫فبمنحر البدن المقلد من منى‬
‫عار عليك إذا فعلت عظيم‬ ‫ل تنه عن خلق وتأتي مثله‬
‫داء تضمنه الضلوع مقـيم غنى في هذه البيات سائب خائر من رواية حماد عن‬ ‫والهم إن لم تمضه لسبيلـه‬
‫‪ .‬أبيه ولم يجنسه‬
‫‪:‬قال وأنشده أيضا‬
‫والقول مثل مواقع النبل‬ ‫الشعر لب المرء يعرضه‬
‫ونزافذ يذهبن بالخصـل قال وأنشده أيضا‬ ‫‪:‬منها المقصر عن رميته‬
‫من يسوي الصدور بالذناب قال له الخطل‪ :‬ويحك يا متوكل لو نبحت الخمر في‬ ‫إننا معشر خلقنـا صـدورا‬
‫‪ .‬جوفك كنت أشعر الناس‬
‫ما قاله في زوجته رهيمة حين طلبت الطلق‪ :‬قال الطوسي قال الصمعي‪ :‬كانت للمتوكل بن عبد الله الكناني امرأة يقال لها‬
‫رهيمة ويقال أميمة وتكنى أم بكر‪ ،‬فأقعدت‪ ،‬فسألته الطلق‪ ،‬فقال‪ :‬ليس هذا حين طلق‪ .‬فأبت عليه‪ ،‬فطلقها‪ ،‬ثم إنها برئت بعد‬
‫‪:‬الطلق‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫دعاء حمامة تدعو حـمـامـا‬ ‫طربت وشاقنـي يا ام بـكـر‬
‫أعزى عنك قلبا مستـهـامـا‬ ‫فبت وبات همي لـي نـجـيا‬
‫يبيت كأنما اغتبق الـمـدامـا‬ ‫إذا ذكرت لقلـبـك أم بـكـر‬
‫وتكسو المتن ذا خصل سخاما‬ ‫خدلجة ترف غـروب فـيهـا‬
‫وإن كانت مودتهـا غـرامـا‬ ‫أبى قلبي فما يهوى سـواهـا‬
‫وتأبى العين مني أن تـنـامـا‬ ‫ينام اللـيل كـل خـلـي هـم‬
‫ودمع العين منحدر سجـامـا‬ ‫أراعي التاليات مـن الـثـريا‬
‫كأن على مفارقـه ثـغـامـا‬ ‫على حين ارعويت وكان رأسي‬
‫ورث الحبل فانجذم انجـذامـا‬ ‫سعى الواشون حتى أزعجوهـا‬
‫مسرا من تذكرهـا هـيامـا‬ ‫فلست بزائل مـا دمـت حـيا‬
‫ومنتك المنى عاما فـعـامـا‬ ‫ترجيها وقد شحطـت نـواهـا‬
‫ينوء بها إذا قـامـت قـيامـا‬ ‫خدلجة لـهـا كـفـل وثـير‬
‫على تثقيل أسفلها انهضـامـا‬ ‫مخصرة ترى في الكشح منهـا‬
‫تهلل في الـدجـنة ثـم دامـا‬ ‫إذا ابتسمت تلل ضـوء بـرق‬
‫غمامة صيف ولجت غمامـا‬ ‫وإن قامـت تـأمـل رائياهـا‬
‫تعرج ساعة ثم اسـتـقـامـا‬ ‫إذا تمشـي تـقـول دبـيب أيم‬
‫تصان ول ترى إل لـمـامـا‬ ‫وإن جلست فدمية بـيت عـيد‬
‫إلى حجر لراجعني الكـلمـا‬ ‫فلو أشكو الذي أكشـو إلـيهـا‬
‫وتعتام التنائي لي اعـتـيامـا‬ ‫أحب دنوهـا وتـحـب نـأيي‬
‫جريح أسنة يشكـو كـلمـا‬ ‫كأني مـن تـذكـر أم بـكـر‬
‫إذا شحطت وتغتم اغتمـامـا‬ ‫تساقط أنفسا نفسي عـلـيهـا‬
‫عفت إل بالياصر والثمـامـا‬ ‫غشيت لها منازل مقـفـرات‬
‫ومبناها بذي سـلـم خـيامـا‬ ‫ونؤيا قـد تـهـدم جـانـبـاه‬
‫وأن حلوتي خلطت عرامـا‬ ‫صليني واعلمـي أنـي كـريم‬
‫خلقت لمن يماكسني لجـامـا‬ ‫وأني ذو مجامـحة صـلـيب‬
‫تجاوب هامتي في القبر هاما شعر آخر له في امرأته يمدح فيه حوشبا الشيباني‪:‬‬ ‫فل وأبيك ل أنسـاك حـتـى‬
‫‪:‬والقصيدة التي فيها الغناء المذكور في أول خبر المتوكل يقولها أيضا في امرأته هذه ويمدح فيها حوشبا الشيباني‪ ،‬ويقول فيها‬

‫صفحة ‪1351 :‬‬

‫وعجلت التجرم والمـطـال‬ ‫إذا وعدتك معروفـا لـوتـه‬


‫ومتن حط فاعتدل اعـتـدال‬ ‫لها بشر نقي اللـون صـاف‬
‫وكاد الخصر ينخزل انخزال‬ ‫إذا تمشى تأود جـانـبـاهـا‬
‫وشاحاها على المتنين جـال‬ ‫تنوء بها روادفـهـا إذا مـا‬
‫وعاد الوصل صرما واعتلل‬ ‫فإن تصبح أميمة قد تـولـت‬
‫بها وتفرق الحي الـحـلل‬ ‫فقد تدنو النوى بعد اغتـراب‬
‫فما أدري أسخـطـا أم دلل‬ ‫تعبس لي أميمة بعـد أنـس‬
‫رزئت وما أحب بـه بـدال‬ ‫أبيني لي فرب أخ مصـاف‬
‫فقد عنى الـدلل إذا وطـال‬ ‫أصرم مـنـك هـذا أم دلل‬
‫فيوحي لي به ودعي المحال‬ ‫أم استبدلت بي ومللت وصلي‬
‫أقاتله على وصلـي قـتـال‬ ‫فل وأبيك ما أهوى خـلـيل‬
‫من البغضاء يأتكل ائتـكـال‬ ‫وكم من كاشـح يا أم بـكـر‬
‫ولول الله كنت لـه نـكـال ومما يغنى به من هذه القصيدة قوله‪ :‬صوت‬ ‫‪:‬لبست على قـنـاع مـن أذاه‬
‫عتاق الطير تندخل اندخال‬ ‫أنا الصقر الذي حدثت عنه‬
‫رأين الشيب قد شمل القذال‬ ‫رأيت الغانيات صدفن لمـا‬
‫تولت عيرهم بهم عجـال غنى فيه عمر الوادي خفيف رمل عن الهشامي‪ .‬وذكر‬ ‫فلم يلووا إذا رحلوا ولكـن‬
‫‪ .‬حبش أن فيه لبن محرز ثاني ثقيل بالوسطى‪ ،‬وأحسبه مضافا إلى لحنه الذي في أول القصيدة‬
‫هجاه معن بن حمل فترفع عنه ثم هجاه واعتذر‪ :‬وقال الطوسي قال أبو عمرو الشيباني‪ :‬هجا معن بن حمل بن جعونة بن‬
‫وهب‪ ،‬أحد بني لقيط بن يعمر المتوكل بن عبد الله الليثي؛ وبلغ ذلك المتوكل‪ ،‬فترفع عن أن يجيبه‪ ،‬ومكث معن سنين يهجوه‬
‫والمتوكل معرض عنه‪ .‬ثم هجاه بعد ذلك وهجا قومه من بني الديل هجاء قذعا استحيا منه وندم‪ ،‬ثم قال المتوكل لقومه يعتذر‬
‫‪:‬ويمدح يزيد بن معاوية‬
‫فإن الـهـوى والـهـم أم أبـان‬ ‫خليلي عوجا اليوم وانتـظـرانـي‬
‫أرى الشمس ما أسطيعها وتراني‬ ‫هي الشمس يدنو لي قريبا بعيدهـا‬
‫بنا بدل والـدهـر ذو حـدثـان‬ ‫نأت بعد قرب دارها وتـبـدلـت‬
‫من المرجحنات الثقال حـصـان غنى هذه البيات ابن محرز من كتاب‬ ‫فهاج الهوى والشوق لي ذكر حرة‬
‫‪ :‬يونس ولم يجنسه‬
‫من المجد إن داعي المنون دعاني‬ ‫سيعلم قومي أنني كنـت سـورة‬
‫وآخر لو أنعى له لـبـكـانـي‬ ‫أل رب مسرور بموتي لـو أتـى‬
‫إذا هي لمت فاربعا ودعـانـي‬ ‫خليلي ما لم امرأ مثل نـفـسـه‬
‫تغنى بها غوري وحن يمـانـي‬ ‫ندمت على شتمي العشيرة بعدمـا‬
‫رجعت بفضل من يدي ولسانـي‬ ‫قلبت لهم ظهر المجن وليتـنـي‬
‫ولم أهج من روى وهـجـانـي‬ ‫على أنني لم أرم في الشعر مسلما‬
‫فبدلت قـومـي شـدة بـلـيان‬ ‫هم بطروا الحلم الذي من سجيتي‬
‫ونحن جميع شمـلـنـا أخـوان‬ ‫ولو شئتم أولد وهب نـزعـتـم‬
‫له بعد حول كامـل سـنـتـان‬ ‫نهيتم أخاكم عن هجائي وقد مضى‬
‫إذا قارنوني يكرهون قـرانـي‬ ‫فلج ومـنـاه رجـال رأيتـهـم‬
‫صروم إذا المر المهم عنـانـي‬ ‫وكنت امرأ يأبى لي الضيم أننـي‬
‫هلم إذا ما اغتشني وعصـانـي‬ ‫وصول صروم ل أقول لمـدبـر‬
‫تضعضعت أو زلت بي القدمـان‬ ‫خليلي لو كنت امرأ بي سـقـطة‬
‫وآتي الذي أهوى على الشـنـآن‬ ‫أعيش على بغي العداة ورغمهـم‬
‫إذا صاح طلبي ملت عنانـي‬ ‫ولكنني ثبـت الـمـريرة حـازم‬
‫بقافية مـشـهـورة ورمـانـي‬ ‫خليلي كم من كاشح قد رمـيتـه‬
‫ولم تنق عنها غسـلـهـا لوان ثم إنه يقول فيها ليزيد بن معاوية‬ ‫‪:‬فكان كذات الحيض لم تبق ماءها‬
‫على بعد منتاب وهول جنان‬ ‫أبا خالد حنت إليك مطيتـي‬
‫صفحة ‪1352 :‬‬

‫لذي مرة يرمى به الـرجـوان‬ ‫أبا خالد في الرض نأي ومفسح‬


‫ثلث لرأس الحول أو مـائتـان‬ ‫فكيف ينام الليل حـر عـطـاؤه‬
‫إلى ملك جزل العطاء هجـان‬ ‫تناهت قلوصي بعد إسآدي السرى‬
‫لبكر من الحاجات أو لـعـوان معن أجابه مفتخرا‪ :‬فأجابه معن بن حمل فقال‬ ‫‪:‬ترى الناس أفواجا ينوبون بـابـه‬
‫غلبت وسار الشعر كـل مـكـان‬ ‫ندمت كذاك العبد ينـدم بـعـدمـا‬
‫كريما عزيزا دائم الـخـطـران‬ ‫ول قيت قرما في أرومة مـاجـد‬
‫أعف وتحمينـي يدي ولـسـانـي‬ ‫أنا الشاعر المعروف وجهي ونسبتي‬
‫إلى معشر بيض الوجوه حـسـان‬ ‫وأغلب من هاجيت عفوا وأنتـمـي‬
‫ملوك أبـي‪ ،‬أسـيد كـمـهـان‬ ‫فهات إذا يابن التان كصاحـب ال‬
‫لهم كفوا أو يبـعـث الـثـقـلن هو وعكرمة بن ربعي‪ :‬أخبرني محمد بن‬ ‫فهات كزيد أو كسيحـان ل تـجـد‬
‫الحسين بن دريد قال حدثنا العتبي عن العباس بن هشام عن أبيه عن عوانة قال‪ :‬أتى المتوكل الليثي عكرمة بن ربعي الذي‬
‫يقال له الفياض‪ ،‬فامتدحه فحرمه‪ ،‬فقيل له‪ :‬جاءك شاعر العرب فحرمته فقال‪ :‬ما عرفته‪ .‬فأرسل إليه بأربعة آلف درهم‪ ،‬فأبى‬
‫‪ .‬أن يقبلها وقال‪ :‬حرمني على رؤوس الناس ويبعث إلي سرا‬
‫نسيبه بحسناء وهو يعاني الرمد وهجاؤه عكرمة‪ :‬فبينا المتوكل بالحيرة وقد رمد رمدا شديدا‪ ،‬فمر به قس فقال‪ :‬ما لك? قال‪:‬‬
‫رمدت‪ .‬قال‪ :‬أنا اعالجك‪ .‬قال‪ :‬فافعل‪ .‬فذره ‪ ،‬فبينا القس عنده وهو مذرور العين مستلق على ظهره‪ ،‬يفكر في هجاء عكرمة‬
‫وذلك غير مطرد له ول القول في معناه إذا أتاه غلم له فقال‪ :‬بالباب امرأة تدعوك‪ .‬فمسح عينيه وخرج إليها‪ ،‬فسفرت عن‬
‫وجهها فإذا الشمس طالعة حسنا‪ ،‬فقال لها‪ :‬ما اسمك? قالت‪ :‬أمية‪ .‬قال‪ :‬فممن أنت? فلم تخبره‪ .‬قال‪ :‬فما حاجتك? قالت‪:‬‬
‫بلغني أنك شاعر فأحببت أن تنسب بي في شعرك‪ .‬فقال‪ :‬أسفري‪ .‬ففعلت فكر طرفه في وجهها مصعدا ومصوبا‪ ،‬ثم تلثمت‬
‫‪:‬وولت عنه‪ ،‬فاطرد له القول الذي كان استصعب عليه في هجاء عكرمة وافتتحه بالنسيب فقال‬
‫وحث حداتهم بهم الجمال‬ ‫أجد اليوم جيرتك احتمـال‬
‫ترى قتلي بغير دم حلل‬ ‫وفي الظعان آنسة لعوب‬
‫علينا أن تنولـنـا نـوال‬ ‫أمية يوم دير القس ضنت‬
‫رزئت وما أحب به بدال وقال فيها يهجو عكرمة‬ ‫‪:‬أبيني لي فرب أخ مصاف‬
‫وهبها مدحة ذهبت ضلل‬ ‫أقلني يابن ربعي ثـنـائي‬
‫وقول عاد أكثـره وبـال‬ ‫وهبها مدحة لم تغن شـيئا‬
‫إلى الذهلين يرجع والفعال‬ ‫وجدنا العز من أولد بكـر‬
‫رأى بيع الندامة فآستقـال‬ ‫أعكرم كنت كالمبتـاع دارا‬
‫وأمتنهم إذا عقدوا حبـال‬ ‫بنو شيبان أكرم آل بـكـر‬
‫إذا نطقوا وأيديها الطـوال‬ ‫رجال اعطيت أحلم عـاد‬
‫ولكن الرحى تعلو الثفـال صوت‬ ‫‪:‬وتيم الله حي حـي صـدق‬
‫بحقل لكم يا عز قد رابني حقـل‬ ‫سقى دمنتين لم نجد لهمـا أهـل‬
‫فل تكرميه أن تقولي له مهـل‬ ‫فيا عز إن واش وشى بي عندكـم‬
‫لقلنا تزحزح ل قريبا ول سهـل‬ ‫كما نحن لو واش وشى بك عندنا‬
‫وأن يحدث الشيب الملم لي العقل‬ ‫ألم يأن يا قلب أن أترك الجهـل‬
‫علت فوقه ندافة العطب الغـزل عروضه من الطويل‪ .‬الدمن‪ .‬آثار الديار‪،‬‬ ‫على حين صار الرأس مني كأنما‬
‫‪ .‬واحدتها دمنة‪ .‬والحقل‪ :‬الرض التي يزرع فيها‪ .‬والعطب هو القطن‬
‫الشعر لكثير كله إل البيت الول فإنه انتحله‪ ،‬وهو الفوه الودي‪ .‬والغناء لبن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي في‬
‫الثلثة البيات الول متوالية‪ .‬وذكر حبش أنه لمعبد‪ .‬وفي الرابع والخامس والثاني والثالث لحنين ثقيل أول بالسبابة في مجرى‬
‫‪ .‬البنصر عن إسحاق‪ ،‬وفيه ثقيل أول بالبنصر؛ ذكر ابن المكي أنه لمعبد‪ ،‬وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى المكي‬

‫نسب الفوه الودي وشيء من أخباره‬


‫‪:‬نسبه‬

‫صفحة ‪1353 :‬‬

‫الفوه لقب‪ ،‬واسمه صلءة بن عمرو بن مالك بن عوف بن الحارث بن عوف بن منبه بن أود بن الصعب بن سعد العشيرة‪.‬‬
‫‪:‬وكان يقال لبيه عمر بن مالك فارس الشوهاء؛ وفي ذلك يقول الفوه‬
‫غداة الوغى إذ مال بالجد عـاثـر كان سيد قومه وقائدهم وشاعرهم‪:‬‬ ‫أبي فارس الشوهاء عمرو بن مالك‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا ابن أبي سعد عن علي بن الصباح عن هشام بن‬
‫محمد الكلبي عن أبيه قال‪ :‬كان الفوه من كبار الشعراء القدماء في الجاهلية‪ ،‬وكان سيد قومه وقائدهم في حروبهم‪ ،‬وكانوا‬
‫‪:‬يصدرون عن رأيه‪ .‬والعرب تعده من حكمائها‪ .‬وتعد داليته‬
‫وإن بنى غيرهم ما أفسدوا عادوا أبياته التي أخذ منها كثير بيتا‪ :‬من حكمة‬ ‫معاشر ما بنوا مجدا لقـومـهـم‬
‫العرب وآدابها ‪ .‬فأما البيت الذي أخذه كثير من شعر الفوه وأضافه إلى أبياته التي ذكرناها وفيها الغناء آنفا فإنه من قصيدة‬
‫‪:‬يقول فيها‬
‫ولم ير ذو عز لنسوتنا حجـل‬ ‫نقاتل أقواما فنسبي نسـاءهـم‬
‫لقوم علينا في مكارمة فضل‬ ‫نقود ونأبى أن نقـاد ول نـرى‬
‫كما قيدت بالصيف نجدية بزل‬ ‫وإنا بطاء المشي عند نسـائنـا‬
‫نقلب جيدا واضحا وشوى عبل‬ ‫نظل غيارى عند كل سـتـيرة‬
‫ونأبى غما نستام دون دم عقل سبب هذه البيات‪ :‬قال أبو عمرو الشيباني‪ :‬قال‬ ‫وإنا لنعطي المال دون دمائنـا‬
‫الفوه الودي هذه البيات يفخر بها على قوم من بني عامر‪ ،‬كانت بينه وبينهم دماء‪ ،‬فأدرك بثأره وزاد‪ ،‬وأعطاهم ديات من قتل‬
‫‪ .‬فضل على قتلى قومه‪ ،‬فقبلوا وصالحوه‬
‫بنو أود وبنو عامر‪ :‬وقال أبو عمرو ‪ :‬أغارت بنو أود وقد جمعها الفوه على بني عامر‪ ،‬فمرض الفوه مرضا شديدا‪ ،‬فخرج بدله‬
‫زيد بن الحارث الودي وأقام الفوه حتى أفاق من وجعه‪ ،‬ومضى زيد بن الحارث حتى لقي بني عامر بتضارع ‪ ،‬وعليهم عوف بن‬
‫الحوص بن جعفر بن كلب‪ .‬فلما التقوا عرف بعضهم بعضا‪ ،‬فقال لهم بنو عامر‪ :‬ساندونا فما أصبنا كان بيننا وبينكم‪ .‬فقالت بنو‬
‫أود وقد أصابوا منهم رجلين‪ :‬ل والله حتى نأخذ بطائلتنا ‪ .‬فقام أخو المقتول‪ ،‬وهو رجل من بني كعب بن أود فقال‪ :‬يا بني أود‪،‬‬
‫والله لتأخذن بطائلتي أو لنتحين على سيفي‪ .‬فاقتتلت أود وبنو عامر‪ .‬فظفرت أود وأصابت مغنما كثيرا‪ .‬فقال الفوه في ذلك‪:‬‬
‫‪:‬صوت‬
‫قبائل عامر يوم الصـبـيب‬ ‫أل يا لهف لو شهدت قناتـي‬
‫حلئب بين أفناء الحـروب‬ ‫غداة تجمعت كعـب إلـينـا‬
‫كآساد الغريفة والحـجـيب‬ ‫فلما أن رأونا في وغـاهـا‬
‫كفعل الخامعات من الوجيب‬ ‫تداعوا ثم مالوا عن ذراهـا‬
‫مواءلة على حذر الرقـيب صوت‬ ‫‪:‬وطاروا كالنعام ببطـن قـو‬
‫ول رجل يرمى به الرجوان‬ ‫كان لم تري قبلي أسيرا مكبل‬
‫جرى سابقا في حلبة ورهان الشعر لرجل من لصوص بني تميم يعرف بأبي‬ ‫كأني جواد ضمه القيد بعدمـا‬
‫‪ .‬النشناش‪ ،‬والغناء لبن جامع ثاني ثقيل بالبنصر من روايتي علي بن يحيى والهشامي‬
‫النشناش واعتراضه القوافل وهربه بعد الظفر به‪ ،‬وما كان بينه وبين اللهبي‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثنا أبو‬
‫سعيد السكري عن محمد بن حبيب قال‪ :‬كان أبو النشناش من ملص بني تميم‪ ،‬وكان يعترض القوافل في شذاذ من العرب‬
‫بين طريق الحجاز والشام فيجتاحها‪ .‬فظفر به بعض عمال مروان فحبسه وقيد مدة‪ ،‬ثم أمكنه الهرب في وقت غرة فهرب‪،‬‬
‫فمر بغراب على بانة ينتف ريشه وينعب‪ ،‬فجزع من ذلك ‪ .‬ثم مر بحي من لهب فقال لهم‪ :‬رجل كان في بلء وشر وحبس‬
‫وضيق فنجا من ذلك‪ ،‬ثم نظر عن يمينه فلم ير شيئا ونظر عن يساره فرأى غرابا على شجرة بان ينتف ريشه وينعب‪ .‬فقال له‬
‫اللهبي‪ :‬إن صدقت الطير يعاد إلى حبسه وقيده‪ ،‬ويطول ذلك به‪ ،‬ويقتل ويصلب‪ .‬فقال له‪ :‬بفيك الحجر ‪ .‬قال‪ :‬ل بل بفيك‪ .‬وأنشأ‬
‫‪:‬يقول‬
‫ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه‬ ‫وسائلة أين ارتـحـالـي وسـائل‬
‫إذا ضن عنه بالنـوال أقـاربـه‬ ‫مذاهبه أن الـفـجـاج عـريضة‬

‫صفحة ‪1354 :‬‬

‫سواما ولم يبسط له الوجه صاحبـه‬ ‫إذا المرء لم يسرح سواما ولـم يرح‬
‫عديما ومن مولى تعاف مشـاربـه‬ ‫فللموت خير للفتـى مـن قـعـوده‬
‫سرت بأبي النشناش فيها ركـائبـه‬ ‫ودوية قفر يحار بـهـا الـقـطـا‬
‫أل إن هذا الدهر تترى عجـائبـه‬ ‫ليدرك ثأرا أو ليكسب مـغـنـمـا‬
‫ول كسواد الليل أخفـق طـالـبـه‬ ‫فلم أر مثل الفقر ضاجعه الفـتـى‬
‫أرى الموت ل يبقى على من يطالبه‬ ‫فعش معـذرا أو مـت فـإنـنـي‬
‫على كل فتلء الذراعين محـنـق‬ ‫أصادرة حجاج كـعـب ومـالـك‬
‫وفارقني عن شـيمة لـم تـرنـق عروضه من الطويل‪ .‬الصادر‪ :‬المنصرف‪ ،‬وهو‬ ‫أقام القنـاة الـود بـينـي وبـينـه‬
‫ضد الوارد‪ ،‬وأصله من ورود الماء والصدر عنه‪ ،‬ثم يقال لكل مقبل إلى موضع ومنصرف عنه‪ .‬وكعب‪ :‬من خزاعة‪ .‬ومالك‪ :‬مالك‬
‫بن النضر بن كنانة‪ :‬وكان كثير ينتمي وينمي خزاعة إليهم‪ .‬ومحنق‪ :‬ضامرة‪ .‬والشيمة‪ :‬الخلق والطبيعة‪ .‬وترنق‪ :‬تكدر‪ .‬والرنق‪:‬‬
‫‪ .‬الكدر‬
‫الشعر لكثير عزة يرثي خندقا السدي‪ ،‬والغناء للهذلي ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر من رواية إسحاق‪ .‬وفي الثاني من‬
‫البيتين ثم الول لسياط رمل بالبنصر عنه وعن الهشامي وعمرو‪ .‬وفيهما لمعبد لحن ذكره يونس ولم سجنسه‪ .‬وفي رواية حماد‬
‫عن أبيه أن لحن الهذلي من الثقيل الول‪ ،‬فإن كان ذلك كذلك فالثقيل الثاني لمعبد‪ .‬وذكر أحمد بن عبيد أن الذي صح فيه ثقيل‬
‫‪ .‬أول أو ثاني ثقيل‬

‫أخبار كثير وخندق السدي‬

‫‪:‬الذي من أجله قال هذا الشعر‬


‫كانا يقولن بالرجعة‪ :‬حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني محمد بن حبيب‪ .‬وأخبرني وكيع قال حدثنا علي ابن محمد‬
‫النوفلي عن أبيه‪ .‬وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة عن ابن داحة‪ ،‬قالوا‪ :‬كان خندق بن مرة السدي هكذا‬
‫قال النوفلي‪ .‬وغيره يقول‪ :‬خندق بن بدر صديقا لكثير‪ ،‬وكانا يقولن بالرجعة ‪ ،‬فاجتمعا بالموسم فتذاكرا التشيع‪ .‬فقال خندق‪ :‬لو‬
‫وجدت من يضمن لي عيالي بعدي لوقفت بالموسم فذكرت قضل آل محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وظلم الناس لهم وغصبهم‬
‫إياهم على حقهم‪ ،‬ودعوت إليهم وتبرأت من أبي بكر وعمر‪ .‬فضمن كثير عياله‪ ،‬فقام ففعل ذلك وسب أبا بكر وعمر رضوان‬
‫‪ .‬الله عليهما وتبرأ منهما‬
‫قال عمر بن شبة في خبره فقال‪ :‬أيها الناس إنكم على غير حق‪ ،‬تركتم أهل بيت نبيكم‪ ،‬والحق لهم وهم الئمة ولم يقل إنه‬
‫‪:‬سب أحدا فوثب عليه الناس فضربوه ورموه حتى قتلوه‪ .‬ودفن خندق بقنوني ‪ .‬فقال إذ ذاك كثير يرثيه‬
‫على كل عجلى ضامر البطن محنق‬ ‫أصادرة حجاج كـعـب ومـالـك‬
‫لزهر من أولد مـرة مـعـرق‬ ‫بمرثية فـيهـا ثـنـاء مـحـبـر‬
‫إلى علم من ركن قدس المنـطـق‬ ‫كأن أخاه في الـنـوائب مـلـجـأ‬
‫بعيد كعيوق الثـريا الـمـعـلـق‬ ‫ينال رجال نفعـه وهـو مـنـهـم‬
‫ولونك مصفر وإن لـم تـخـلـق‬ ‫تقول ابنة الضمري مالك شـاحـبـا‬
‫أخ كأبـي بـدر وجـدك يشـفـق‬ ‫فقلت لها ل تعجبي‪ ،‬من يمـت لـه‬
‫كفيت وكرب بالدواهي مـطـرق‬ ‫وأمر يهم النـاس غـب نـتـاجـه‬
‫وعضت ملقي أمرهم بالمخـنـق‬ ‫كشفت أبا بدر إذا القوم أحـجـمـوا‬
‫على مثل طعم الحنظل المتفـلـق‬ ‫وخـصـم أبـا بـدر ألـد أبـتـه‬
‫وصاحب صدق ذي حفاظ ومصدق‬ ‫جزى الله خيرا خندقا مـن كـافـئ‬
‫وفارقني عن شـيمة لـم تـرنـق‬ ‫أقام قـنـاة الـود بـينـي وبـينـه‬
‫ببطن قنوني لو نعيش فنلـتـقـي‬ ‫حلفت على أن قد أجنتك حـفـرة‬
‫على عهدنا إذ نحن لـم نـتـفـرق‬ ‫للفيتنـي بـالـود بـعـدك دائمـا‬
‫أشم كغصن البـانة الـمـتـورق‬ ‫إذا ما غدا يهتز للمـجـد والـنـدى‬
‫بني أسد رهط ابن مـرة خـنـدق كثير وإنكار الطفيل انتسابه إلى كنانة‪ :‬أخبرني‬ ‫وإني لجاز بالـذي كـان بـينـنـا‬
‫‪:‬أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة‬

‫صفحة ‪1355 :‬‬

‫إن كثيرا لما انتمى إلى قريش وجرى بينه وبين الحزين الديلي من المواثبة والهجاء ما جرى بلغ ذلك الطفيل بن عامر بن‬
‫واثلة وهو بالكوفة‪ ،‬فأنكر كثير وانتسابه إلى كنانة وتصييره خزاعة منهم‪ ،‬وما فعله الحزين‪ .‬فحلف لئن رأى مثيرا ليضربنه‬
‫بالسيف أو ليطعننه بالرمح‪ ،‬فكلمه فيه خندق السدي وكان صديقا له ولكثير فوهبه له‪ ،‬واجتمع بمكة فجلسا مع ابن الحنفية‪.‬‬
‫‪:‬فقال طفيل‪ :‬لول خندق لوفيت لك بيميني‪ .‬فقال يرثيه‪ ،‬وعنه كان أخذ مقالته‬
‫بعيد كعيوق الثريا المعلق وذكر باقي البيات‬ ‫‪ .‬ونال رجال نفعه وهو منهم‬
‫نسيبه بعزة‪ :‬أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني حميد بن عبد‬
‫الرحمن أحد بني عتوارة بن جدي قال‪ :‬كان كثير قد سلطه الله ينسب بعزة بنت عبد الله‪ ،‬أحد بني حاجب بن عبد الله بن غفار‪،‬‬
‫قال‪ :‬وكان نسوانهم قد لقينها وهي سائرة في الجلء ‪ ،‬في عام أصابت أهل تهامة فيه حطمة شديدة‪ ،‬وكانت عزة من أجمل‬
‫النساء وآدبهن وأعقلهن ‪ ،‬ول والله ما رأى لها وجها قط‪ ،‬إل أنه استهيم بها قلبه لما ذكر له عنها‪ .‬فلقيه رجال من الحي لما‬
‫بلغهم ذلك عنه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إنك قد شهرت نفسك وشهرتنا وشهرت صاحبتنا فاكفف نفسك‪ .‬قال‪ :‬فإني ل أذكرها بما تكرهون‪.‬‬
‫فخرجوا جالين إلى مصر في أعوام الجلء‪ .‬فتبعهم على راحلته فزجروه‪ ،‬فأبى إل أن يلحقهم بنفسه‪ ،‬فجلس له فتية من جدي‪،‬‬
‫قال‪ :‬وكان بنو ضمرة كلهم يهون عليهم نسيبه لما يعرفون من براءتها‪ ،‬إل ما كان من بني جدي فإنهم كانوا صمعا غيرا ‪ .‬فقعد‬
‫له عون‪ ،‬أحد بني جدي في تسعة نفر على محالج ‪ ،‬فلما جاز بهم تحت الليل أخذوه‪ ،‬ثم عدلوا به عن الطريق إلى جيفة حمار‬
‫كانوا يعرفونها من النهار‪ ،‬فأدخلوه فيها وربطوا يديه ورجليه‪ ،‬ثم أوثقوا بطن الحمار‪ ،‬فجعل يضطرب فيه ويستغيث‪ ،‬ومضوا عنه‪،‬‬
‫فاجتاز به خندق السدي فسمع استغاثته وهو خندق بن بدر فعدل إلى الصوت حين سمعه‪ ،‬فوجد في الجيفة إنسانا‪ ،‬فسأله من‬
‫هو وما خبره? فأخبره‪ .‬فأطلقه وحمله وألحقه ببلده‪ .‬فقال كثير في ذلك قال الزبير أنشدنيها عمر بن أبي بكر المؤملي عن عبد‬
‫الله بن أبي عبيدة معمر بن المثنى‬
‫على كل فتلء الذراعين محنق وذكر القصيدة كلها على ما مضت‬ ‫‪ .‬أصادرة حجاج كعب ومـالـك‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير قال حدثنا عمر بن أبي بكر المؤملي عن أبي عبيدة قال‪ :‬خندق السدي هو‬
‫‪ .‬الذي أدخل كثيرا في مذهب الخشبية‬
‫كثير يرثي خندقا حين قتل بعرفة‪ :‬أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن حبيب قال‪ :‬لما قتل خندق السدي‬
‫‪:‬بعرفة رثاه كثير فقال‬
‫بغير مشورة عرضا فؤادي‬ ‫شجا أظعان غاضرة الغوادي‬
‫حنو العائدات على وسـادي‬ ‫أغاضر لو شهدت غداة بنتم‬
‫نوافذه تـلـذع بـالـزنـاد‬ ‫أويت لعاشق لم تشكـمـيه‬
‫رداء العصب رتـل بـراد الرتل‪ :‬الثغر المستوي النبت‬ ‫ويوم الخيل قد سفرت وكفت‬
‫إذا دمعت وتنظر في سـواد‬ ‫وعن نجلء تدمع في بـياض‬
‫أثيت النبت ذي عذر جـعـاد‬ ‫وعن متكاوس في العقص جثل‬
‫وأصبح دونها قطر الـبـلد‬ ‫وغاضرة الغداة وإن نـأتـنـا‬
‫إليها لو بللن بـهـا صـوادي‬ ‫أحب ظعينة وبنات نـفـسـي‬
‫ولو طالبتها خرط الـقـتـاد‬ ‫ومن دون الـذي أمـلـت ودا‬
‫بذل قبل شيمتهـا الـجـمـاد تحل أصب‪ .‬يقال‪ :‬ما حليت من فلن بشيء ول تحليت‬ ‫وقال الناصحون تحل منـهـا‬
‫منه بشيء‪ ،‬ومنه حلوان الكاهن والراقي وما أشبه ذلك‬
‫فلج بك التدلل فـي تـعـاد‬ ‫فقد وعدتك لو أقبـلـت ودا‬
‫برد جمال غاضرة المنـادي‬ ‫فأسررت الندامة يوم نـادى‬
‫دموع العين لج بها التمـادي‬ ‫تمادى البعد دونهم فأمـسـت‬
‫تجافيني الهموم عن الوسـاد‬ ‫لقد منع الرقاد فبت لـيلـي‬
‫مقامك بين مصفحة شـداد‬ ‫عداني أن أزورك غير بغض‬
‫سقت ديم السواري والغوادي‬ ‫وإنـي قـائل إن لـم أزره‬
‫فما والى إلى برك الغمـاد‬ ‫محل أخي بني أسد قنـونـى‬

‫صفحة ‪1356 :‬‬

‫وأهلك بالجيفر والـثـمـاد‬ ‫مقيم بالمجازة من قنـونـى‬


‫عليه الموت يطرق أو يغادي‬ ‫فل تبعد فكل فتى سـيأتـي‬
‫ولو بقيت تصير إلى نـفـاد‬ ‫وكـل ذخـيرة لبـد يومـا‬
‫وتصبح ثاويا رهـنـا بـواد‬ ‫يعز علي أن نغدو جمـيعـا‬
‫وقيتك بالطريف وبالـتـلد في هذه القصيدة عدة أصوات هذه نسبتها قد جمعت‬ ‫فلو فوديت من حدث المنـايا‬
‫‪.‬‬
‫‪:‬صوت‬
‫حنو العائدات على وسـادي‬ ‫أغاضر لو شهدت غداة بنتـم‬
‫نوافذه تـلـذع بـالـزنـاد‬ ‫رثيت لعاشق لم تشـكـمـيه‬
‫مقامك بين مصفـحة شـداد‬ ‫عداني أن أزورك غير بغض‬
‫عليه الموت يطرق أو يغادي لمعبد في البيتين الولين لحن من خفيف الثقيل‬ ‫فل تبعد فكل فتى سـيأتـي‬
‫الول بالوسطى عن عمرو وابن المكي والهشامي‪ .‬وفيهما لبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وأحمد بن عبيد‪ .‬وفيهما‬
‫للغريض ثاني ثقيل عن ابن المكي‪ .‬ومن الناس من ينسب لحن مالك إلى معبد أيضا‪ .‬وفي الثالث والرابع لبن عائشة ثاني ثقيل‬
‫‪ .‬مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو وغيرهما‪ .‬ويقال‪ :‬إن لبن سريج وابن محرز وابن جامع فيهما ألحانا‬
‫‪ .‬غاضرة هذه التي ذكرها كثير مولة لل مروان بن الحكم‪ ،‬وقد روي في ذكره إياها غير خبر مختلف‬
‫أم البنين وما كان بينها وبين وضاح وكثير‪ :‬فأخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير قال حدثني عمر بن أبي بكر‬
‫المؤملي قال حدثني عبد الله بن أبي عبيدة قال‪ :‬حجت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان فقالت لكثير ووضاح‪ :‬انسبا بي‪.‬‬
‫‪:‬فأما وضاح فنسب بها‪ ،‬وأما كثير فنسب بجاريتها غاضرة حيث يقول‬
‫بغير مشورة عرضا فؤادي قال‪ :‬وكانت زوجة الوليد بن عبد الملك‪ ،‬فقتل وضاحا‬ ‫شجا أظعان غاضرة الغوادي‬
‫‪ .‬ولم يجد على كثير سبيل‬
‫أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري عن محرز بن جعفر عن أبيه عن بديح‬
‫قال‪ :‬قدمت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان وهي عند الوليد بن عبد الملك حاجة‪ ،‬والوليد إذ ذاك خليفة‪ .‬فأرسلت إلى كثير‬
‫‪:‬ووضاح أن انسبا بي ‪ ،‬فنسب وضاح بها ونسب كثير بجاريتها غاضرة في شعره الذي يقول فيه‬
‫‪ .‬شجا أظعان غاضرة الغوادي قال‪ :‬وكان معها جوار قد فتن الناس بالوضاءة‬
‫لبن قيس الرقيات في أم البنين‪ :‬قال بديح‪ :‬فلقيت عبيد الله بن قيس الرقيات فقلت له‪ :‬بمن نسبت من هذا القطين ? فقال‬
‫‪:‬لي‬
‫إذا لـم تـك مـجـنـــونـــا‬ ‫ما تـصـنـع بــالـــشـــر‬
‫إذا قاسيت ثقل الشر حساك المرينا‬
‫ت أمـرا كـان مـدفــونـــا قال بديح‪ :‬ثم أخذ بيدي فخل بي وقال لي‪ :‬يا بديح‪ ،‬احفظ‬ ‫وقد هجت بما قد قل‬
‫‪:‬عني ما أقول لك فإنك موضع أمانة؛ وأنشدني‬
‫ن وذكرها وعنـائهـا‬ ‫أصحوت عن أم البنـي‬
‫لم يقل حمل إخـائهـا‬ ‫وهجرتها هجر امـرئ‬
‫يوهوا أديم صفـائهـا‬ ‫من خـيفة العـداء أن‬
‫رق نورها ببـهـائهـا‬ ‫قرشية كالشـمـس أش‬
‫ن بحسنها ونـقـائهـا‬ ‫زادت على البيض الحسا‬
‫ب وقنعـت بـردائهـا‬ ‫لما استكبرت للـشـبـا‬
‫ومضت على غلوائهـا عنى ابن عائشة في الثلثة البيات الول لحنا من الثقيل الول عن‬ ‫لم تلتفـت لـلـداتـهـا‬
‫الهشامي عن يحيى المكي‪ .‬وفي الرابع وما بعده لحنين لحنان‪ :‬أحدهما ثاني ثقيل بالبنصر‪ ،‬والخر ثقيل بالبنصر عن ابنه وغيره‪.‬‬
‫وغنى إبراهيم الموصلي في الربعة الول لحنا آخر من الثقيل الول وهو اللحن الذي فيه استهلل‪ .‬وذكر الهشامي أن الثقيل‬
‫‪ .‬الثاني لبن محرز‬
‫قال‪ :‬فقتل الوليد وضاحا ولم يجد على كثير سبيل‪ .‬قال‪ :‬وحجت بعد ذلك وقد تقدم الوليد إليها وإلى من معها في الحجاب؛‬
‫‪:‬فلقيني ابن قيس حيث خرجت ولم تكلم أحدا ولم يرها‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا بديح‪ :‬صوت‬
‫واشتد دون المليحة القـلـق‬ ‫بان الخليط الذي بـه نـثـق‬
‫لين وفي بعض بطشها خرق‬ ‫من دون صفراء في مفاصلها‬
‫كما تجوز العبدية العـتـق‬ ‫إن ختمت جاز طين خاتمهـا‬

‫صفحة ‪1357 :‬‬

‫غنى في هذه البيات مالك بن أبي السمح لحنا من الثقيل الول بالبنصر‪ ،‬عن عمرو ويونس‪ .‬وفيها لبن مسجح ويقال لبن‬
‫محرز‪ ،‬وهو مما يشبه غناءهما جميعا وينسب إليهما خفيف ثقيل أول بالبنصر‪ .‬والصحيح أنه لبن مسجح‪ .‬وفيها ثاني ثقيل لبن‬
‫محرز عن ابن المكي‪ .‬وذكر حبش أن لسياط فيها لحنا ماخوريا بالوسطى‪ .‬وفي هذه البيات زيادة يغنى فيها ولم يذكرها الزبير‬
‫‪:‬في خبره‪ ،‬وهي‬
‫قصع في حضن زوجه الحمق‬ ‫إني لخلي لهـا الـفـراش إذا‬
‫كن تلك مني سجـية خـلـق قال الزبير‪ :‬أراد بقوله في هذه البيات‬ ‫‪:‬عن غير بغض لهـا لـدي ول‬
‫إن ختمت جاز طين خاتمها أنها كانت عند سلطان جائز المر‪ .‬والعبدية هي الدنانير‪ ،‬نسبها إلى عبد الملك‪ .‬ثم وصل ابن قيس‬
‫‪:‬الرقيات هذه البيات يعني الهائية بأبيات يمدح بها عبد الملك فقال‪ :‬صوت‬
‫ن لمدحتي وثنـائهـا‬ ‫اسمع أمير المؤمنـي‬
‫فضلت أروم نسائهـا‬ ‫أنت ابن عائشة التـي‬
‫ل سريرها وفنائهـا‬ ‫متعطف العياص حو‬
‫كالبدر وسط سمائها غناه ابن عائشة من رواية يونس ولم يجنسه‪ .‬وهذا الشعر يقوله ابن‬ ‫ولدت أغر مبـاركـا‬
‫‪ .‬قيس الرقيات في عبد الملك ل الوليد‬
‫إصرار ابن قيس الرقيات على كلمة في شعره وما كان بينه وبين عبد الملك في ذلك‪ :‬أخبرني الحسين وابن أبي الزهر عن‬
‫حماد عن أبيه عن المدائني‪ :‬أن عبد الملك لما وهب لبن جعفر جرم عبيد الله بن قيس وأمنه‪ ،‬ثم تواثب أهل الشام ليقتلوه‪،‬‬
‫‪:‬قال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أتفعل هذا بي وأنا الذي أقول‬
‫ن لمدحتي وثنائهـا‬ ‫اسمع أمير المؤمني‬
‫ح كديها وكدائهـا‬ ‫أنت ابن معتلج البطا‬
‫فضلت أروم نسائها فلما أنشد هذا البيت قال له عبد الملك‪ :‬قل ولنسل عائشة‪ .‬قال ل‬ ‫ولبطن عائشة التي‬
‫بل ولبطن عائشة‪ .‬حتى رد ذلك عليه ثلث مرات وهو يأبى إل ولبطن عائشة‪ .‬فقال له عبد الملك‪ :‬اسحنفر الن‪ .‬قال‪ :‬وعائشة‬
‫‪ .‬أم عبد الملك بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس‪ .‬هذه رواية الزبير بن بكار‬
‫وقد حدثنا به في خبر كثير مع غاضرة هذه بغير هذا محمد بن العباس اليزيدي قال‪ :‬حدثنا محمد بن حبيب عن هشام بن الكلبي‬
‫‪.‬‬
‫محاورة السائب بن حكيم لغاضرة ولم يكن قد عرفها‪ :‬وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبي‬
‫عبد الرحمن النصاري عن السائب بن حكيم السدوسي راوية كثير قال‪ :‬والله إني لسير يوما مع كثير‪ ،‬حتى إذا كنا ببطن جدار‬
‫جبل من المدينة على أميال إذ أنا بامرأة في رحالة متنقبة‪ ،‬معها عبيد لها يسعون معها‪ ،‬فمرت جنابي فسلمت ثم قالت‪ :‬ممن‬
‫الرجل ? قلت‪ :‬من أهل الحجاز‪ .‬قالت‪ :‬فهل تروي لكثير شيئا? قلت‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬أما والله ما كان بالمدينة من شيء هو أحب‬
‫‪:‬إلي من أن أرى كثيرا وأسمع شعره‪ ،‬فهل تروي قصيدته‬
‫‪:‬أهاجك برق آخر الليل واصب قلت‪ :‬نعم‪ .‬فأنشدتها إياها إلى آخرها‪ .‬قالت‪ :‬فهل تروي قوله‬
‫تفرق ألف لهن حنـين قلت‪ :‬نعم وأنشدتها‪ .‬قالت‪ :‬فهل تروي قوله أيضا‬ ‫‪:‬كأنك لم تسمع ولم تر قبلها‬
‫‪:‬لعزة من أيام ذي الغصن شاقني قلت‪ :‬نعم وأنشدتها إلى آخرها‪ .‬قالت‪ :‬فهل تروي قوله أيضا‬
‫‪:‬أأطلل سعدى باللوى تتعهد قلت‪ :‬نعم وأنشدتها حتى أتيت على قوله‬
‫علي ول مثلي على الدمع يحسد قالت‪ :‬قاتله الله فهل قال مثل قول كثير أحد‬ ‫فلم أر مثل العين ضنت بمائهـا‬
‫على الرض‪ .‬والله لن أكون رأيت كثيرا‪ ،‬أو سمعت منه شعره أحب إلي من مائة ألف درهم‪ .‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬هو ذاك الراكب‬
‫أمامك ‪ ،‬وأنا السائب راويته‪ .‬قالت‪ :‬حياك الله تعالى‪ .‬ثم ركضت بغلتها حتى أدركته فقالت‪ :‬أنت كثير? قال مالك ويلك فقالت‪:‬‬
‫‪:‬أنت الذي تقول‬
‫جميل المحيا أغفلته الدواهـن والله ما رأيت عربيا قط أقبح ول أحقر ول ألم‬ ‫إذا حسرت عنه العمامة راعها‬
‫‪:‬منك‪ .‬قال‪ :‬أنت والله أقبح مني وألم‪ .‬قالت له‪ :‬أولست القائل‬
‫بمؤخر عين أو يقلبن معصما‬ ‫تراهن إل أن يؤدين نـظـرة‬
‫رجيعة قول بعد أن يتفهمـا‬ ‫كواظم ما ينطقن إل محـورة‬

‫صفحة ‪1358 :‬‬

‫قديما فما يضحكن إل تبسما لعن الله من يفرق منك‪ .‬قال‪ :‬بل لعنك الله‪ .‬قالت‪:‬‬ ‫يحاذرن مني غيرة قد عرفنها‬
‫‪:‬أولست الذي تقول‬
‫فإن عطاسها طرف الوداق قال‪ :‬من أنت? قالت‪ :‬ل يضرك أن لم تعرفني ول من‬ ‫إذا ضمرية عطست فنكهـا‬
‫أنا‪ .‬قال‪ :‬والله إني لراك لئيمة الصل والعشيرة‪ .‬قالت‪ :‬حياك الله يا أبا صخر ما كان بالمدينة رجل أحب إلي وجها ول لقاء‬
‫منك‪ .‬قال‪ :‬ول حياك الله‪ ،‬والله وما كان على الرض أحد أبغض إلي وجها منك‪ .‬قالت‪ :‬أتعرفني? قال‪ :‬أعرف أنك لئيمة من‬
‫اللئام‪ .‬فتعرفت إليه فإذا هي غاضرة أم ولد لبشر بن مروان‪ .‬قال‪ :‬وسايرها حتى سندنا في الجبل من قبل زرود ‪ .‬فقالت له‪ :‬يا‬
‫أبا صخر أضمن لك مائة ألف درهم عند بشر بن مروان إن قدمت عليه‪ .‬قال‪ :‬أفي سبك إياي أو سبي إياك تضمنين لي هذا?‬
‫والله ل أخرج إلى العراق على هذه الحال فلما قامت تودعه سفرت‪ ،‬فإذا هي أحسن من رأيت من أهل الدنيا وجها‪ .‬فأمرت له‬
‫بعشرة آلف درهم‪ ،‬فبعد شد ما قبلها‪ ،‬وأمرت لي بخمسة آلف درهم‪ .‬فلما ولوا قال‪ :‬يا سائب أين نعني أنفسنا إلى عكرمة‪،‬‬
‫‪:‬انطلق بنا نأكل هذه حتى يأتينا الموت‪ .‬قال‪ :‬وذلك قوله لما فارقتنا‬
‫بغير مشيئة عرضا فـؤادي وقد روى الزبير أيضا في خبر هذه المرأة غير هذا‪،‬‬ ‫شجا أظعان غاضرة الغوادي‬
‫‪ .‬وخالف المعاني‬
‫كثير وامرأة لقيها بقديد‪ :‬أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش السعدي قال‪:‬‬
‫كان كثير يلقى حاج المدينة من قريش بقديد في كل سنة‪ ،‬فغفل عاما من العوام عن يومهم الذي نزلوا فيه قديدا حتى ارتفع‬
‫النهار‪ ،‬ثم ركب جمل ثقال واستقبل الشمس في يوم صائف‪ ،‬فجاء قديدا وقد كل وتعب‪ ،‬فوجدهم قد راحوا‪ .‬وتخلف فتى من‬
‫قريش معه راحلته حتى يبرد ‪ .‬قال الفتى القرشي‪ :‬فجلس كثير إلى جنبي ولم يسلم علي‪ ،‬فجاءت امرأة وسيمة جميلة‪،‬‬
‫فجلست إلى خيمة من خيام قديد واستقبلت كثيرا فقالت‪ :‬أأنت كثير? قال‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬ابن أبي جمعة? قال‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬الذي‬
‫‪:‬يقول‬
‫‪:‬لعزة أطلل أبت أن تكلما قال‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬وأنت الذي تقول فيها‬
‫وظهرن مني هيبة ل تجهمـا فقال‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬أعلى هذا الوجه هيبة? إن‬ ‫وكنت إذا ما جئت أجللن مجلسي‬
‫كنت كاذبا فعليك لعنة الله والملئكة والناس أجمعين‪ .‬فضجر وقال‪ :‬من أنت? فلم تجبه بشيء‪ ،‬فسأل الموليات اللواتي في‬
‫‪:‬الخباء بقديد عنها‪ ،‬فلم يخبرنه شيئا‪ ،‬فضجر واختلط‪ .‬فلما سكن من شأوه قالت‪ :‬أأنت الذي تقول‬
‫جميل المحيا أغفلتـه الـدواهـن أهذا الوجه جميل المحيا? إن كنت كاذبا‬ ‫متى تحسروا عني العمامة تبصروا‬
‫فعليك لعنة الله والملئكة والناس أجمعين‪ .‬فاختلط وقال‪ :‬والله ما عرفتك‪ ،‬ولو عرفتك لفعلت وفعلت‪ .‬فسكتت‪ ،‬فلما سكن من‬
‫‪:‬شأوه قالت‪ :‬أأنت الذي تقول‬
‫هرقلي وزن أحمر التبر راجح أهذا الوجه يروق العيون الناظرات? إن كنت كاذبا‬ ‫يروق العيون الناظرات كأنـه‬
‫فعليك لعنة الله ولعنة اللعنين والملئكة والناس أجمعين‪ .‬فازداد ضجرا وغيظا واختلطا وقال لها‪ :‬قد عرفتك والله لقطعنك‬
‫وقومك بالهجاء‪ .‬ثم قال فالتفت في أثره‪ ،‬ثم رجعت طرفي نحو المرأة فإذا هي قد ذهبت‪ ،‬فقلت لمولة من مولياتها بقديد‪ :‬لك‬
‫الله علي إن أخبرتني من هذه المرأة لطوين لك ثوبي هذين إذا قضيت حجي ثم أعطيكهما‪ .‬فقالت‪ :‬والله لو أعطيتني زنتهما‬
‫‪ .‬ذهبا ما أخبرتك من هي؛ هذا كثير وهو مولي قد سألني عنها فلم أخبره‪ .‬قال الفتى القرشي‪ :‬فرحت والله وبي أشد مما بكثير‬
‫‪ .‬قال سليمان‪ :‬وكان كثير دميما قليل أحمر أقيشر عظيم الهامة قبيحا‬
‫‪:‬نسبة ما في هذه الخبار من الشعر الذي يغنى به‪ :‬صوت‪ :‬منها‬
‫تضمنه الجبا فالـمـسـارب‬ ‫أشاقك برق آخر الليل واصب‬
‫خريع بدا منها جبين وحاجب‬ ‫كما أومضت بالعين ثم تبسمت‬
‫كما كل ذي ود لمن ود واهب عروضه من الطويل‪ .‬الواصب‪ :‬الدائم‪ ،‬يقال وصب‬ ‫وهبت لليلى ماءه ونـبـاتـه‬
‫‪:‬يصب وصوبا أي دام‪ .‬قال الله سبحانه‪ :‬وله الدين واصبا أي دائما‪ .‬ومنها‪ :‬صوت‬
‫بضاحي قرار الروضتين رسوم‬ ‫لعزة من أيام ذي الغصن شاقني‬

‫صفحة ‪1359 :‬‬

‫ويغني بها شخص علي كـريم‬ ‫هي الدار وحشا غير أن قد يحلها‬
‫ول بالتلع المـقـويات أهـيم‬ ‫فما برسوم الدار لو كنت عالمـا‬
‫فخبرني ما ل أحـب حـكـيم‬ ‫سألت حكيما أين شطت بها النوى‬
‫فبانوا وأما واسـط فـمـقـيم‬ ‫أجدوا فـأمـا آل عـزة غـدوة‬
‫بغى سقما إنـي إذا لـسـقـيم حكيم هذا هو أبو السائب بن حكيم راوية كثير‪.‬‬ ‫لعمري لئن كان الفؤاد من الهوى‬
‫‪ .‬ذكر لنا اليزيدي عن ابن حبيب‬
‫في هذه البيات لمعبد لحنان‪ ،‬أحدهما في الثلثة الول خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي وابن المكي وحبش‪ ،‬وفي الثلثة‬
‫‪:‬الخر التي أولها‬
‫سألت حكيما أين شطت بها النوى له أيضا ثقيل أول بالبنصر عن يونس وحبش‪ .‬وذكر حبش خاصة أن فيها لكردم خفيف ثقيل‬
‫‪ .‬آخر‪ ،‬وفي الثالث والثاني لبن جامع رمل عن الهشامي‪ .‬وقال أحمد بن عبيد‪ :‬فيه ثلثة ألحان‪ :‬ثقيل أول وخفيفه‪ ،‬وخفيف رمل‬
‫‪:‬أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا المؤملي أن ابن أبي عبيدة كان إذا أنشد قصيدة كثير‬
‫بضاحي قرار الروضتين رسوم يتحازن حتى تقول‪ :‬إنه يبكي‬ ‫‪ .‬لعزة من أيام ذي الغصن شاقني‬
‫تمثل الحزين الكناني بشعر لكثير‪ :‬أخبرني الحرمي قال حدثنل الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن الضحاك بن عثمان قال‪:‬‬
‫قال عروة بن أذينة‪ :‬كان الحزين الكناني الشاعر صديقا لبي‪ ،‬وكان عشيرا له على النبيذ ‪ ،‬فكان كثيرا ما يأتيه‪ ،‬وكانت بالمدينة‬
‫قينة يهواها الحزين ويكثر غشيانها‪ ،‬فبيعت وأخرجت عن المدينة‪ ،‬فأتى الحزين أبي‪ ،‬وهو كثيب حزين كاسمه‪ ،‬فقال له أبي‪ :‬يا أبا‬
‫‪:‬حكيم مالك? قال‪ :‬أنا والله يا أبا عامر كما قال كثير‬
‫بغى سقما إنـي إذا لـسـقـيم‬ ‫لعمري لئن كان الفؤاد من الهوى‬
‫فخبرني ما ل أحـب حـكـيم فقال له أبي‪ :‬أنت مجنون إن أقمت على هذا‬ ‫‪ .‬سألت حكيما أين شطت بها النوى‬
‫‪:‬قصيدة كثير في عزة لما أخرجت إلى مصر‪ :‬وهذه القصيدة يقولها كثير في عزة لما أخرجت إلى مصر‪ ،‬وذلك قوله فيها‬
‫وإن بعدت إل قـعـدت أشـيم‬ ‫ولست براء نحو مصر سحـابة‬
‫عزوفا ويصبو المرء وهو كريم‬ ‫فقد بوجد النكس الدني عن الهوى‬
‫غداة الشبا فيها علـيك وجـوم‬ ‫وقال خليلي مالها إذ لقـيتـهـا‬
‫على غير فحش والصفاء قـديم‬ ‫فقلت له إن الـمـودة بـينـنـا‬
‫على العهد فيما بيننا لـمـقـيم‬ ‫وإني وإن أعرضت عنها تجلـدا‬
‫وبينكم في صرفه لـمـشـوم‬ ‫وإن زمانا فرق الدهر بـينـنـا‬
‫صحيح وقلبي في هواك سقـيم‬ ‫أفي الحق هذا أن قلبك سـالـم‬
‫وجسمك موفور عليك سـلـيم‬ ‫وأن بجسمي منك داء مخامـرا‬
‫ولكنني يا عز عـنـك حـلـيم‬ ‫لعمرك ما أنصفتني في مودتـي‬
‫فإني لعمري تحت ذاك كـلـيم‬ ‫فإما تريني اليوم أبـدي جـلدة‬
‫ذنوب العدا إني إذا لـظـلـوم‬ ‫ولست ابنة الضمري منك بناقـم‬
‫وإني على ربـي إذا لـكـريم ومنها‪ :‬صوت‬ ‫‪:‬وإني لذو وجد إذا عاد وصلـهـا‬
‫تهيج مغانيها الفؤاد المـتـيمـا‬ ‫لعزة أطلل أبت أن تكـلـمـا‬
‫وأظهرن مني هيبة ل تجهمـا‬ ‫وكنت إذا ما جئت أجللن مجلسي‬
‫قديما فما يضحكن إل تبسـمـا عروضه من الطويل‪ .‬غنى فيه مالك بن أبي‬ ‫يحاذرن مني غيرة قد عرفنهـا‬
‫السمح لحنين عن يونس‪ .‬أحدهما ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق‪ ،‬وغيره ينسبه إلى معبد‪ .‬والخر ثاني ثقيل‬
‫بالوسطى عن حبش وفيه لبن محرز خفيف ثقيل أول بالبنصر عن عمرو والهشامي‪ .‬وغيره يقول‪ :‬إنه لحن مالك‪ .‬وفيه لبن‬
‫‪ .‬سريج خفيف رمل بالبنصر عن عمرو والهشامي وعلي بن يحيى‬
‫الرشيد ومسرور الخادم وما دار بينه وبين جعفر بن يحيى حين أمره بقتله‪ :‬وأخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني ميمون‬
‫‪:‬بن هارون قال حدثني من أثق به عن مسرور الخادم‬

‫صفحة ‪1360 :‬‬

‫أن الرشيد لما أراد قتل جعفر بن يحيى لم يطلع عليه أحدا بتة ‪ .‬ودخل عليه جعفر في اليوم الذي قتله في ليلته فقال له‪:‬‬
‫اذهب فتشاغل اليوم بمن تأنس به واصطبح فإني مصطبح مع الحرم‪ .‬فمضى جعفر‪ ،‬وفعل الرشيد ذلك‪ .‬ولم يزل بر الرشيد‬
‫وزألطافه وتحفه وتحياته تتابع إليه لئل يستوحش‪ .‬فلما كان الليل دعاني فقال لي ‪ :‬اذهب فجئني الساعة برأس جعفر ابن‬
‫‪ :‬يحيى‪ ،‬وضم إلي جماعة من الغلمان‪ ،‬فمضيت حتى هجمت عليه منزله‪ .‬وإذا أبو زكار العمى يغنيه بقوله‬
‫عليه الموت يطرق أو يغادي فقلت له‪ :‬في هذا المعنى ومثله والله جئتك فأجب‪.‬‬ ‫فل تبعد فكل فتى سـيأتـي‬
‫فوثب وقال‪ :‬ما الخبر يا أبا هشام جعلني الله فداءك قلت‪ :‬قد أمرت بأخذ رأسك‪ .‬فاكب على رجلي فقبلها وقال‪ :‬الله الله‪،‬‬
‫راجع أمير المؤمنين في‪ .‬فقلت‪ :‬ما لي إلى ذلك سبيل‪ .‬قال‪ :‬فأعهد? قلت‪ :‬ذاك لك‪ .‬فذهب يدخل إلى النساء فمنعته‪ ،‬وقلت‪:‬‬
‫اعهد في موضعك‪ .‬فدعا بدواة وكتب أحرفا على دهش ثم قال لي‪ :‬يا أبا هشام بقيت واحدة‪ .‬قلت‪ :‬هاتها‪ .‬قال‪ :‬خذني معك إلى‬
‫أمير المؤمنين حتى أخاطبه‪ .‬قلت‪ :‬ما لي إلى ذلك سبيل‪ .‬قال‪ :‬ويحك ل تقتلني بأمره على النبيذ‪ .‬فقلت‪ :‬هيهات ما شرب اليوم‬
‫شيئا‪ .‬قال‪ :‬فخذني واحبسني عندك في الدار‪ ،‬وعاوده في أمري‪ .‬قلت‪ :‬أفعل‪ .‬فأخذته‪ ،‬فقال لي أبو زكار العمى‪ :‬نشدتك الله‬
‫إن قتلته إل ألحقتني به‪ .‬قلت له‪ :‬يا هذا لقد اخترت غير مختار‪ .‬قال‪ :‬وكيف أعيش بعده وحياتي كانت معه وبه‪ ،‬وأغناني عمن‬
‫سواه‪ ،‬فما أحب الحياة بعده‪ ،‬فمضيت بجعفر وجعلته في بيت وأقفلت عليه ووكلت به‪ ،‬ودخلت إلى الرشيد‪ ،‬فلما رآني قال‪ :‬أين‬
‫رأسه ويلك? فأخبرته بالخبر‪ .‬فقال‪ :‬يابن الفاعلة‪ ،‬والله لئن لم يجيئني برأسه الساعة لخذن رأسك فمضيت إليه فأخذت رأسه‬
‫ووضعته بين يديه‪ .‬ثم أخبرته خبره‪ ،‬وذكرت له خبر أبي زكار العمى‪ ،‬فلما كان بعد مدة أمرني بإحضاره‪ ،‬فأحضرته‪ ،‬فوصله‬
‫‪ .‬وبره وأمر بالجراية عليه‬
‫‪:‬صوت‪ :‬شعر في خولة غنى فيه‬
‫تقادم عهدها وهجرتمـاهـا‬ ‫قفا في دار خولة فاسألهـا‬
‫إذا هبت بأبطحه صبـاهـا‬ ‫بمحلل يفوح المسك مـنـه‬
‫وتمنعنا فل ترعى حماهـا عروضه من الوافر‪ .‬الشعر لرجل من فزارة‪ .‬والغناء‬ ‫أترعى حيث شاءت من حمانا‬
‫‪ .‬ذكر حماد عن أبيه أنه لمعبد‪ ،‬وذكر عنه في موضع آخر أنه لبن مسجح‪ .‬وطريقته من الثقيل الول في مجرى الوسطى‬
‫نسب منظور بن زبان‪ :‬وهذا الشعر يقول الفزاري في خولة بنت منظور بن زبان بن سيار بن عمرو بن جابر بن عقيل بن هلل‬
‫بن سمي بن مازن بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان‪ .‬وكان منظور بن زبان سيد قومه غير مدافع‪ ،‬أمه قهطم‬
‫‪ .‬بنت هاشم بن حرملة وقد ولدت أيضا زهير بن جذيمة فكان آخذا بأطراف الشرف في قومه‪ .‬وهو أحد من طال حمل أمه به‬
‫سبب تسميته منظورا وشعر أبيه في ذلك‪ :‬قال الزبير بن بكار فيما أجاز لنا الحرمي بن أبي العلء والطوسي روايته عنهما مما‬
‫حدثا به عنه حدثتني مغيرة بنت أبي عدي‪ .‬قال الزبير وقد حدثني هذا الحديث أيضا إبراهيم بن زياد عن محمد بن طلحة‪،‬‬
‫وحدثنيه أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة عن يحيى بن الحسن العلوي عن الزبير قال جميعا‪ :‬حملت قهطم بنت هاشم‬
‫بمنظور بن زبان أربع سنين‪ ،‬فولدته وقد جمع فاه فسماه منظورا لذلك يعني لطول ما انتظره وقال فيه على ما رواه محمد بن‬
‫‪:‬طلحة‬
‫فسميت منظورا وجئت على قدر‬ ‫ما جئت حتى قيل لـيس بـوارد‬
‫وإني لرجو أن تسود بني بـدر تزوج مليكة زوج أبيه ففرقع بينهما عمر فتبعتها‬ ‫وإني لرجو أن تكون كهـاشـم‬
‫نفسه وقال شعرا‪ :‬ذكر الهيثم بن عدي عن ابن الكلبي وابن عياش‪ ،‬وذكر بعضه الزبير بن بكار عن عمه عن مجالد‪ :‬أن منظور‬
‫بن زبان تزوج امرأة أبيه وهي مليكة بنت سنان بن أبي حارثة المري فولدت له هاشما وعبد الجبار وخولة‪ ،‬ولم تزل معه إلى‬
‫خلفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ .‬وكان يشرب الخمر أيضا‪ ،‬فرفع أمره إلى عمر‪ ،‬فأحضره وسأله عما قيل‪ ،‬فاعترف به‬
‫وقال‪ :‬ما علمت أنها حرام ‪ .‬فحبسه إلى وقت صلة العصر‪ ،‬ثم أحلفه أنه لم يعلم أن الله عز وجل حرم ما فعله‪ .‬فحلف فيما‬
‫‪ .‬ذكر أربعين يمينا‪ .‬فخلى سبيله‪ ،‬وفرق بينه وبين امرأة أبيه وقال‪ :‬لول أنك حلفت لضربت عنقك‬

‫صفحة ‪1361 :‬‬

‫قال ابن الكلبي في خبره‪ :‬إن عمر قال له‪ :‬أتنكح امرأة أبيك وهي أمك? أو ما علمت أن هذا نكاح المقت وفرق بينهما فتزجها‬
‫‪ .‬محمد بن طلحة‬
‫‪:‬قال ابن الكلبي في خبره‪ :‬فلما طلقها أسف عليها وقال فيها‬
‫إذا منعت مني مليكة والخمـر‬ ‫أل ل أبالي اليوم ما صنع الدهر‬
‫فحي ابنة المري ما طلع الفجر‬ ‫فإن تك قد أمست بعيدا مزارهـا‬
‫ول ضم في بيت على مثلها ستر وقال أيضا‬ ‫‪:‬لعمري ما كانت ملـيكة سـوءة‬
‫وبينك قسرا إنه لعظـيم وقال حجر بن معاوية بن عيينة بن حصن بن حذيفة‬ ‫لعمر أبي‪ ،‬دين يفرق بيننا‬
‫‪:‬لمنظور‬
‫في المهات عجان الكلب منظور‬ ‫لبئس ما خلف البـاء بـعـدهـم‬
‫فالن أنت بطول الغمز معـذور تزوجت ابنته خولة الحسن بن علي بعد موت‬ ‫قد كنت تغمزها والشيخ حاضرها‬
‫زوجها‪ :‬قال أبو الفرج الصبهاني ‪ :‬أخطأ ابن الكلبي في هذا‪ .‬وإنما طلحة بن عبيد الله الذي تزوجها؛ فأما محمد فإنه تزوج خولة‬
‫بنت منظور فولدت له إبراهيم بن محمد وكان أعرج‪ ،‬ثم قتل عنها يوم الجمل‪ ،‬فتزوجها الحسن بن علي عليهما السلم‪ ،‬فولدت‬
‫له الحسن بن الحسن عليهما السلم ‪.‬وكان إبراهيم بن محمد بن طلحة نازع بعض ولد الحسين بن علي بعض ما كان بينهم‬
‫وبين بني الحسن من مال علي عليه السلم‪ ،‬فقال الحسيني لمير المدينة‪ :‬هذا الظالم الضالع الظالع يعني إبراهيم فقال له‬
‫إبراهيم‪ :‬والله إني لبغضك‪ .‬فقال له الحسيني‪ :‬صادق‪ ،‬والله يحب الصادقين‪ ،‬وما يمنعك من ذلك وقد قتل أبي أباك‪ ،‬وناك عمي‬
‫‪ .‬أمك? ل يكني فأمر بهما فأقيما من بين يدي المير‬
‫لقي مليكة بعد فراقها فتعرض لها ولزوجها‪ :‬رجع الخبر إلى رواية ابن الكلبي قال‪ :‬فلما فرق عمر رضي الله عنه بينهما‬
‫وتزوجت رآها منظور يوما وهي تمشي في الطريق وكانت جميلة رائعة الحسن فقال‪ :‬يا مليكة‪ ،‬لعن الله دينا فرق بيني وبينك‬
‫فلم تكلمه وجازت‪ ،‬وجاز بعدها زوجها؛ فقال له منظور‪ :‬كيف رأيت أثر أيري في حر مليكة? قال‪ :‬كما رأيت أثر أير أبيك فيه‪،‬‬
‫‪ .‬فأفحمه‪ .‬وبلغ عمر رضي الله عنه الخبر فطلبه ليعاقبه‪ ،‬فهرب منه‬
‫رجع إلى زواج ابنته خولة بالحسن‪ :‬وقال الزبير في حديثه‪ :‬فتزوج محمد بن طلحة بن عبيد الله خولة بنت منظور فولدت له‬
‫إبراهيم وداود وأم القاسم بني محمد بن طلحة‪ ،‬ثم قتل عنها يوم الجمل‪ ،‬فخلف عليها الحسن ابن علي بن أبي طالب عليهما‬
‫‪ .‬السلم‪ ،‬فولدت له الحسن بن الحسن رضي الله عنهما‬
‫قال الزبير‪ :‬وقال محمد بن الضحاك الحزامي عن أبيه‪ :‬تزوج الحسن عليه السلم خولة بنت منظور‪ ،‬زوجه إياها عبد الله بن‬
‫‪ .‬الزبير وكانت أختها تحته‬
‫وأخبرني أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثني يحيى بن الحسن قال حدثني موسى بن عبيد الله بن الحسن قال‪ :‬جعلت خولة‬
‫أمرها إلى الحسن عليه السلم فتزوجها‪ ،‬فبلغ ذلك منظور بن زبان فقال‪ :‬أمثلي يفتات عليه في ابنته فقدم المدينة‪ ،‬فركز راية‬
‫سوداء في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلم يبق قيسي بالمدينة إل دخل تحتها‪ ،‬فقيل لمنظور بن زبان‪ :‬أين يذهب بك‬
‫تزوجها الحسن بن علي عليه السلم وليس مثله أحد‪ .‬فلم يقبل‪ .‬وبلغ الحسن عليه السلم ما فعل‪ ،‬فقال له‪ :‬ها‪ ،‬شأنك بها‪.‬‬
‫فأخذها وخرج بها‪ .‬فلما كان بقباء جعلت خولة تندمه وتقول‪ :‬الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة‪ .‬فقال‪ :‬تلبثي ها هنا؛ فإن‬
‫كانت للرجل فيك حاجة فسيلحقنا ها هنا‪ .‬قال‪ :‬فلحقه الحسن والحسين عليهما السلم وابن جعفر وابن عباس‪ ،‬فتزوجها‬
‫‪:‬الحسن‪ ،‬ورجع بها‪ .‬قال الزبير‪ :‬ففي ذلك يقول جفير العبسي‬
‫والجود في آل منظور بن سيار‬ ‫إن الندى من بني ذبيان قد علموا‬
‫وكل غيث من الوسمي مـدرار‬ ‫الماطرين بـأيديهـم نـدى ديمـا‬
‫وما فتاهم لهـا سـرا بـزوار‬ ‫تزور جاراتهم وهنا فواضلـهـم‬
‫وهم رضا لبني أخت وأصهـار لما أسنت خولة بنته برزت للرجال وغناها‬ ‫ترضى قريش بهم صهرا لنفسهم‬
‫معبد بشعر قيل فيها فطربت‪ :‬أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني ابن أبي أيوب عن ابن‬
‫‪:‬عائشة المغني عن معبد‬

‫صفحة ‪1362 :‬‬

‫أن خولة بنت المنظور كانت عند الحسن بن علي عليهما السلم‪ ،‬فلما أسنت مات عنها أو طلقها‪ ،‬فكشفت قناعها وبرزت‬
‫للرجال‪ .‬قال معبد‪ :‬فأتيتها ذات يوم أطالبها بحاجة‪ ،‬فغنيتها لحني في شعر قاله فيها بعض بني فزارة‪ ،‬وكان خطبها فلم ينكحها‬
‫‪:‬أبوها‬
‫تقادم عهدها وهجرتمـاهـا‬ ‫قفا في دار خولة فاسـألهـا‬
‫إذا فاحت بأبطحه صبـاهـا‬ ‫بمحلل كأن المـسـك فـيه‬
‫لحران يضيء له سنـاهـا‬ ‫كأنك مزنة بـرقـت بـلـيل‬
‫وقد أشفى عليها أورجـاهـا‬ ‫فلم تمطر عليه وجـاوزتـه‬
‫سلو النفس عنك ول غناهـا‬ ‫وما يمل فؤادي فاعـلـمـيه‬
‫وتمنعنا فل نرعى حمـاهـا قال ‪ :‬فطربت العجوز لذلك‪ ،‬وقالت‪ :‬يا عبد ابن‬ ‫وترعى حيث شاءت من حمانا‬
‫‪ .‬قطن‪ ،‬أنا والله يومئذ أحسن من النار الموقدة في الليلة القرة‬
‫‪:‬صوت‬
‫يوم الرصافة مثلهم لم يوجـد‬ ‫لله در عصابة صاحبـتـهـم‬
‫يتركن من ضربوا كأن لم يولد‬ ‫متقلدين صفـائحـا هـنـدية‬
‫أبصارهم قطع الحديد الموقد عروضه من الكامل‪ .‬الشعر للجحاف السلمي ببني‬ ‫وغدا الرجال الثائرون كأنمـا‬
‫‪ .‬تغلب في يوم البشر‪ .‬والغناء للبجر ثقيل أول بالبنصر في مجراها عن إسحاق‬

‫خبر الجحاف ونسبه‬

‫‪:‬وقصته يوم البشر‬


‫نسبه‪ :‬هو الجحاف بن حكيم بن عاصم بن قيس بن سباع بن خزاعي بن محاربي بن فالج بن ذكوان ابن ثعلبة بن بهثة بن سليم‬
‫‪ .‬بن منصور‬
‫قصته يوم البشر وسبب ذلك‪ :‬وكان السبب في ذلك فيما أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي وعلي بن سليمان الخفش قال‬
‫حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن العرابي‪ ،‬وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة‪ ،‬وأخبرنا أحمد بن عبد‬
‫‪:‬العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬وقد جمعت روايتهم‪ .‬وأكثر اللفظ في الخبر لبن حبيب‬

‫صفحة ‪1363 :‬‬

‫أن عمير بن الحباب لما قتلته بنو تغلب بالحشاك وهو إلى جانب الثرثار‪ ،‬وهو قريب من تكريت أتى تميم بن الحباب أخوه زفر‬
‫بن الحارث فأخبره بمقتل عمير‪ ،‬وسأله الطلب له بثأره‪ ،‬فكره ذلك زفر‪ ،‬فسار تميم بن الحباب بمن تبعه من قيس‪ ،‬وتابعه على‬
‫ذلك مسلم بن أبي ربيعة العقيلي‪ .‬فلما توجهوا نحو بني تغلب لقيهم الهذيل في زراعة لهم؛ فقال‪ :‬أين تريدون? فأخبروه بما‬
‫كان من زفر‪ ،‬فقال‪ :‬أمهلوني ألق الشيخ‪ .‬فأقاموا ومضى الهزيل فأتى زفر؛ فقال‪ :‬ما صنعت والله لئن ظفر بهذه العصابة إنه‬
‫لعار عليك‪ ،‬ولئن ظفروا إنه لشد؛ قال زفر‪ :‬فاحبس علي القوم؛ وقام زفر في أصحابه‪ ،‬فحرضهم‪ ،‬ثم شخص واستخلف عليهم‬
‫أخاه أوسا‪ ،‬وسار حتى انتهى إلى الثرثار فدفنوا أصحابهم‪ ،‬ثم وجه زفر بن الحرث يزيد بن حمران في خيل‪ ،‬فأساء إلى بني‬
‫فدوكس من تغلب‪ ،‬فقتل رجالهم واستباح أموالهم‪ ،‬فلم يبق في ذلك الجو غير امرأة واحدة يقال لها حميدة بنت امرئ القيس‬
‫عاذت بابن حمران فأعاذها‪ .‬وبعث الهذيل إلى بني كعب بن زهير فقتل فيهم قتل ذريعا‪ .‬وبعث مسلم بن ربيعة إلى ناحية أخرى‬
‫فأسرع في القتل‪ .‬وبلغ ذلك بني تغلب واليمن‪ ،‬فارتحلوا يريدون عبور دجلة‪ ،‬فلحقهم زفر بالكحيل وهو نهر أسفل الموصل مع‬
‫المغرب فاقتتلوا قتال شديدا‪ ،‬وترجل أصحاب زفر أجمعون‪ ،‬وبقي زفر على بغل له‪ ،‬فقتلوهم من ليلتهم‪ ،‬وبقروا ما وجدوا من‬
‫النساء‪ .‬وذكر أن من غرق في دجلة أكثر ممن قتل بالسيف‪ ،‬وأن الدم كان في دجلة قريبا من رمية سهم‪ .‬فلم يزالوا يقتلون‬
‫من وجدوا حتى أصبحوا؛ فذكر أن زفر دخل معهم دجلة وكانت فيه بحة‪ ،‬فجعل ينادي ول يسمعه أصحابه‪ ،‬ففقدوا صوته وحبسوا‬
‫أن يكون قتل‪ ،‬فتذامروا وقالوا‪ :‬لئن قتل شيخنا لما صنعنا شيئا‪ ،‬فاتبعوه فإذا هو في دجلة يصيح بالناس وتغلب قد رمت بأنفسها‬
‫تعبر في الماء فخرج من الماء وأقام في موضعه‪ .‬فهذه الوقعة الحرجية لنهم أحرجوا فألقوا أنفسهم في الماء‪ .‬ثم وجه يزيد بن‬
‫حمران وتميم بن الحباب ومسلم بن ربيعة والهذيل بن زفر في أصحابه‪ ،‬وأمرهم أل يلقوا أحدا إل قتلوه‪ ،‬فانصرفوا من ليلتهم‪،‬‬
‫وكل قد أصاب حاجته من القتل والمال‪ ،‬ثم مضى يستقبل الشمال في جماعة من أصحابه‪ ،‬حتى أتى رأس الثيل‪ ،‬ولم يخل‬
‫بالكحيل أحدا والكحيل على عشرة فراسخ من الموصل فيما بينها وبين الجنوب فصعد قبل رأس الثيل‪ ،‬فوجد به عسكرا من‬
‫اليمن وتغلب‪ ،‬فقاتلهم بقية ليلتهم‪ ،‬فهربت تغلب وصبرت اليمن‪ .‬وهذه الليلة تسميها تغلب ليلة الهرير‪ .‬ففي ذلك يقول زفر بن‬
‫‪:‬الحارث‪ ،‬وقد ذكر أنها لغيره‬
‫حسبت سماءهم دهيت بليل دهيت بليل‪ ،‬أي أظلمت نهارا كأن ليل دهاها‬ ‫‪.‬ولما أن نعى الناعي عميرا‬

‫وخاف الذل من يمن سهـيل‬ ‫وكان النجم يطلع في قـتـام‬


‫أرجل لمتي وأجـر ذيلـي‬ ‫وكنت قبيلها يا أم عـمـرو‬
‫فيخبر من بلء أبي الهـذيل‬ ‫فلو نبش المقابر عن عمـير‬
‫جرى منهم دما مرج الكحيل‬ ‫غداة يقارع البطال حـتـى‬
‫تساقى الموت كيل بعد كيل وفي ذلك يقول جرير يعير الخطل‬ ‫‪:‬قبيل ينهـدون إلـى قـبـيل‬
‫كانت عواقبه علـيك وبـال‬ ‫أنسيت يومك بالجزيرة بعدمـا‬
‫شعثا عوابس تحمل البطـال‬ ‫حملت عليك حماة قيس خيلهـا‬
‫خيل تكر علـيكـم ورجـال‬ ‫ما زلت تحسب كل شيء بعدهم‬
‫فسبى النساء وأحرز المـوال أغراه الخطل بشعره بأخذ الثأر من تغلب ففعل‬ ‫زفر الرئيس أبو الهذيل أبادكـم‬
‫وفر إلى الروم‪ :‬فلما أن كانت سنة ثلث وسبعين‪ ،‬وقتل عبد الله بن الزبير هدأت الفتنة واجتمع الناس على عبد الملك بن‬
‫مروان‪ ،‬وتكافت قيس وتغلب عن المغازي بالشام والجزيرة‪ ،‬وظن كل واحد من الفريقين أن عنده فضل لصاحبه‪ ،‬وتكلم عبد‬
‫‪:‬الملك في ذلك ولم يحكم الصلح فيه‪ ،‬فبينا هم على تلك الحال إذ أنشد الخطل عبد الملك بن مروان وعنده وجوه قيس قوله‬
‫بقتلى أصيبت من سليم وعامر‬ ‫أل سائل الجحاف هل هو ثـائر‬
‫عليك بحور طاميات الزواخـر‬ ‫أجحاف أن نهبط عليك فتلتـقـي‬
‫به البحر تزهاه رياح الصراصر‬ ‫تكن مثل أبداء الحباب الذي جرى‬

‫صفحة ‪1364 :‬‬

‫فوثب الجحاف يجر مطرفه وما يعلم من الغضب‪ ،‬فقال عبد الملك للخطل‪ :‬ما أحسبك إل وقد كسبت قومك شرا‪ .‬فافتعل‬
‫الجحاف عهدا من عبد الملك على صدقات بكر وتغلب‪ ،‬وصحبه من قومه نحو من ألف فارس‪ ،‬فثار بهم حتى بلغ الرصافة قال‪:‬‬
‫وبينها وبين شط الفرات ليلة‪ ،‬وهي في قبلة الفرات ثم كشف لهم أمره‪ ،‬وأنشدهم شعر الخطل‪ ،‬وقال لهم‪ :‬إنما هي النار أو‬
‫العار‪ ،‬فمن صبر فليقدم ومن كره فليرجع‪ ،‬قالوا‪ :‬ما بأنفسنا عن نفسك رغبة‪ ،‬فأخبرهم بما يريد‪ ،‬فقالوا‪ :‬نحن معك فيما كنت‬
‫فيه من خير وشر‪ ،‬فارتحلوا فطرقوا صهين بعد رؤبة من الليل وهي في قبلة الرصافة وبينهما ميل ثم صبحوا عاجنة الرحوب‬
‫في قبلة صهين والبشر وهو واد لبني تغلب فأغاروا على بني تغلب ليل فقتلوهم‪ ،‬وبقروا من النساء من كانت حامل‪ ،‬ومن كانت‬
‫غير حامل قتلوها‪ .‬فقال عمر بن شبة في خبره‪ :‬سمعت أبي يقول‪ :‬صعد الجحاف الجبل فهو يوم البشر‪ ،‬ويقال له أيضا يوم‬
‫عاجنة الرحوب‪ ،‬يوم مخاشن‪ ،‬وهو جبل إلى جنب البشر‪ ،‬وهو مرج السلوطح لنه بالرحوب وقتل في تلك الليلة ابنا للخطل‬
‫‪:‬يقال له أبو غياث‪ ،‬ففي ذلك يقول جرير له‬
‫فل نعمت لك السوءات بال قال عمر بن شبة في خبره خاصة‪ :‬ووقع الخطل في‬ ‫شربت الخمر بعد أبي غياث‬
‫‪:‬أيديهم‪ ،‬وعليه عباءة دنسة‪ ،‬فسألوه فذكر أنه عبد من عبيدهم‪ ،‬فأطلقوه‪ ،‬فقال ابن صفار في ذلك‬
‫لما تيقن أنـهـم قـوم عـدا‬ ‫لم تنج إل بالتعبـد نـفـسـه‬
‫فنجا ولو عرفوا عباءته هوى وجعل ينادي‪ :‬من كانت حامل فإلي‪ ،‬فصعدن إليه‪،‬‬ ‫وتشابهت برق العباء عليهـم‬
‫فجعل يبقر بطونهن‪ .‬ثم إن الجحاف هرب بعد فعله‪ ،‬وفرق عنه أصحابه ولحق بالروم‪ ،‬فلحق الجحاف عبيدة بن همام التغلبي‬
‫‪:‬دون الدرب‪ ،‬فكر عليه الجحاف فهزمه‪ ،‬وهزم أصحابه وقتلهم‪ ،‬ومكث زمنا في الروم‪ ،‬وقال في ذلك‬
‫من الورد يوم في دمـاء الراقـم‬ ‫فإن تطردوني تطردوني وقد مضى‬
‫ظلما بركض المقربات الصلدم رجع بعد عفو عبد الملك عنه وتمثل‬ ‫لدن ذر قرن الشمس حتى تلبسـت‬
‫بشعر الخطل‪ :‬حتى سكن غضب عبد الملك‪ ،‬وكلمته القيسية في أن يؤمنه‪ ،‬فلن وتلكأ‪ ،‬فقيل له‪ :‬إنا والله ل نأمنه على‬
‫‪:‬المسلمين إن طال مقامه بالروم؛ فأمنه‪ ،‬فأقبل فلما قدم على عبد الملك لقيه الخطل فقال له الجحاف‬
‫على القتل أم هل لمني لك لئمي‬ ‫أبا مالك هل لمتني إذ حضضتنـي‬
‫حضضت عليها فعل حران حازم‬ ‫أبا مالك إني أطعتك فـي الـتـي‬
‫وإني لطب بالوغى جـد عـالـم قال ابن حبيب‪ :‬فزعموا أن الخطل قال له‪:‬‬ ‫فإن تدعني أخرى أجبك بمثلـهـا‬
‫‪:‬أراك والله شيخ سوء‪ .‬وقال فيه جرير‬
‫أردت بذاك المكث والورد أعجل‬ ‫فإنك والجحاف يوم تـحـضـه‬
‫أل إنما يبكي مـن الـذل دوبـا‬ ‫بكى دوبل ل يرقئ اللـه دمـعة‬
‫بدجلة حتى ماء دجلة أشـكـل فقال الخطل‪ :‬ما لجرير لعنه الله والله ما‬ ‫وما زالت القتلى تمور دماؤهـم‬
‫‪:‬سمتني أمي دوبل إل وأنا صبي صغير ثم ذهب ذلك عني لما كبرت‪ .‬وقال الخطل‬
‫إلى الله منها المشتكى والمعول‬ ‫لقد أوقع الجحاف بالبشر وقـعة‬
‫وحبل ضعيف ل يزال يوصـل‬ ‫فسائل بني مروان ما بـال ذمة‬
‫يكن عن قريش مستراد ومزحل حمله الوليد دية قتلى البشر فاستطاع أن يأخذها‬ ‫فإل تغيرها قريش بملـكـهـا‬
‫‪:‬من الحجاج‬

‫صفحة ‪1365 :‬‬

‫فقال عبد الملك حين أنشده هذا‪ :‬فإلى أين يابن النصرانية? قال‪ :‬إلى النار قال‪ :‬أولى لك لو قلت غيرها قال‪ :‬ورأى عبد الملك‬
‫أنه إن تركهم على حالهم لم يحكم المر‪ ،‬فأمر الوليد بن عبد الملك‪ ،‬فحمل الدماء التي كانت قبل ذلك بين قيس وتغلب‪،‬‬
‫وضمن الجحاف قتلى البشر‪ ،‬وألزمه إياها عقوبة له‪ ،‬فأدى الوليد الحمالت‪ ،‬ولم يكن عند الجحاف ما حمل‪ ،‬فلحق بالحجاج‬
‫بالعراق يسأله ما حمل لنه من هوازن‪ ،‬فسأل الذن على الحجاج‪ ،‬فمنعه‪ .‬فلقي أسماء بن خارجة؛ فعصب حاجته به فقال‪ :‬إني‬
‫ل أقدر لك على منفعة‪ ،‬قد علم المير بمكانك وأبى أن يأذن لك؛ فقال‪ :‬ل والله ل ألزمها غيرك أنجحت أو أكدت ‪ ،‬فلما بلغ ذلك‬
‫الحجاج قال‪ :‬ما له عندي شيء‪ ،‬فأبلغه ذلك؛ قال‪ :‬وما عليك أن تكون أنت الذي توئسه فإنه قد أبى‪ ،‬فأذن له فلما رآه قال‪:‬‬
‫أعهدتني خائنا ل أبا لك قال‪ :‬أنت سيد هوازن‪ ،‬وقد بدأنا بك‪ ،‬وأنت أمير العراقين ‪ ،‬وابن عظيم القريتين ‪ ،‬وعمالتك في كل سنة‬
‫خمسمائة ألف درهم‪ ،‬وما بك بعدها حاجة إلى خيانة ؛ فقال‪ :‬أشهد أن الله تعالى وفقك‪ ،‬وأنك نظرت بنور الله‪ ،‬فإذا صدقت‬
‫‪ .‬فلك نصفها العام‪ ،‬فأعطاه وأدوا البقية‬
‫تنسك وخرج إلى الحج في زي عجيب‪ :‬قال ثم تأله الجحاف بعد ذلك‪ ،‬واستأذن في الحج‪ ،‬فأذن له‪ ،‬فخرج في المشيخة الذين‬
‫شهدوا معه‪ ،‬قد لبسوا الصوف وأحرموا‪ ،‬وأبروا أنوفهم أي خزموها وجعلوا فيها البرى ‪ ،‬ومشوا إلى مكة فلما قدموا المدينة‬
‫ومكة جعل الناس يخرجون فينظرون إليهم‪ ،‬ويعجبون منهم‪ ،‬قال‪ :‬وسمع ابن عمر الجحاف وقد تعلق بأستار الكعبة وهو يقول‪:‬‬
‫اللهم اغفر لي وما أراك تفعل فقال له ابن عمر‪ :‬يا هذا‪ ،‬لو كنت الجحاف ما زدت على هذا القول‪ ،‬قال‪ :‬فأنا الجحاف‪ ،‬فسكت‪.‬‬
‫وسمعت محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلم‪ ،‬وهو يقول ذلك؛ فقال‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬قنوطك من عفو الله أعظم من ذنبك‬
‫‪ .‬قال عمر بن شبة في خبره‪ :‬كان مولد الجحاف بالبصرة‬
‫دخل على عبد الملك بعد أن أمنه فأنشده شعرا‪ :‬قال عبد الله بن إسحاق النحوي‪ :‬كان الجحاف معي في الكتاب‪ ،‬قال أبو زيد‬
‫في خبره أيضا‪ :‬ولما أمنه عبد الملك دخل عليه في جبة صوف‪ ،‬فلبث قائما‪ ،‬فقال له عبد الملك‪ :‬أنشدني بعض ما قلت في‬
‫‪:‬غزوتك هذه وفجرتك‪ ،‬فأنشده قوله‬
‫وإذا جزعنا لم نجد من يصبر فقال له عبد الملك بن مروان‪ :‬كذبت‪ ،‬ما أكثر من‬ ‫صبرت سليم للطعان وعامر‬
‫‪:‬يصبر ثم أنشده‬
‫يوم اللقا وإذا علوا لم يضجروا فقال عبد الملك‪ :‬صدقت‪ ،‬حدثني أبي عن أبي‬ ‫نحن الذين إذا علوا لم يفخـروا‬
‫‪ .‬سفيان بن حرب أنكم كنتم كما وصفت يوم فتح مكة‬
‫عود إلى قصة يوم البشر‪ :‬حدثت عن الدمشقي عن الزبير بن بكار‪ ،‬وأخبرني وكيع عن عبد الله بن شبيب عن الزبير ابن بكار‬
‫عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عمرو بن عبد العزيز بن مروان‪ :‬أنه حضر الجحاف عند عبد الملك بن مروان يوما‬
‫‪:‬والخطل حاضر في مجلسه ينشد‬
‫بقتلى أصيبت من سليم وعامر قال‪ :‬فتقبض وجهه في وجه الخطل‪ .‬ثم إن‬ ‫أل سائل الجحاف هل هو ثائر‬
‫‪:‬الخطل لما قال له ذلك قال له‬
‫ونبكي عميرا بالرماح الخواطر ثم قال‪ :‬ظننت أنك يابن النصرانية لم تكن‬ ‫نعم سوف نبكيهم بكل مـهـنـد‬
‫تجترئ علي ولو رأيتني لك مأسورا‪ .‬وأوعده‪ ،‬فما برح الخطل حتى حم‪ ،‬فقال له عبد الملك‪ :‬أنا جارك منه؛ قال‪ :‬هذا أجرتني‬
‫‪:‬منه يقظان‪ ،‬فمن يجيرني منه نائما? قال‪ :‬فجعل عبد الملك يضحك‪ .‬قال‪ :‬فأما قول الخطل‬
‫بقتلى أصيبت من سليم وعامر فإنه يعني اليوم الذي قتلت فيه بنو تغلب عمير‬ ‫أل سائل الجحاف هل هو ثائر‬
‫‪ .‬بن الحباب السلمي‬
‫وكان السبب في ذلك فيما أخبرني به علي بن سليمان الخفش قال حدثني أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن أبي‬
‫‪:‬عبيدة عن العرابي عن المفضل‬

‫صفحة ‪1366 :‬‬

‫أن قيسا وتغلب تحاشدوا لما كان بينهم من الوقائع منذ ابتداء الحرب بمرج راهط‪ ،‬فكانوا يتغاورون ‪ .‬وكانت بنو مالك بن بكر‬
‫جامعة بالتوباذ وما حوله‪ ،‬وجلبت إليها طوائف تغلب وجميع بطونها‪ ،‬إل أن بكر بن جشم لم تجتمع أحلفهم من النمر بن قاسط‪.‬‬
‫وحشدت بكر فلم يأت الجمع منهم على قدر عددهم‪ .‬وكانت تغلب بدوا بالجزيرة ل حاضرة لها إل قليل بالكوفة‪ ،‬وكانت حاضرة‬
‫الجزيرة لقيس وقضاعة وأخلط مضر‪ ،‬ففارقتهم قضاعة قبل حرب تغلب‪ ،‬وأرسلت تغلب إلى مهاجريها وهم بأذربيجان‪ ،‬فأتاهم‬
‫‪:‬شعيب بن مليل في ألفي فارس‪ .‬واستنصر عمير تميما وأسدا فلم يأته منهم أحد؛ فقال‬
‫ومن أسد هل تسمعان المنـاديا‬ ‫أيا أخوينا من تمـيم هـديتـمـا‬
‫وتغلب ألفافا تهز الـعـوالـيا‬ ‫ألم تعلما مذ جاء بكر بـن وائل‬
‫وهم قرب أدنى حاضرين وباديا وكان من حضر ذلك من وجوه بكر بن وائل‬ ‫إلى قومكم قد تعلمون مكانهـم‬
‫المجشر بن الحارث بن عامر بن مرة بن عبد الله بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان‪ ،‬وكان من سادات شيبان بالجزيرة فأتاهم‬
‫‪:‬في جمع كثير من بني أبي ربيعة‪ .‬وفي ذلك يقول تميم بن الحباب بعد يوم الحشاك‬
‫بنيعمنا فالـدهـر ذو مـتـغـير‬ ‫فإن تحتجز بالماء بكـر بـن وائل‬
‫فنقتص من أبناء عم المـجـشـر وأتاهم زمام بن مالك بن الحصين من‬ ‫فسوف نخيض الماء أو سوف نلتقي‬
‫‪ .‬بني عمرو بن هاشم بن مرة في جمع كبير فشهدوا يوم الثرثار‪ ،‬فقتل‬
‫وكان فيمن أتاهم من العراق من بكر بن وائل عبيد الله بن زياد بن ظبيان‪ ،‬ورهصة بن النعمان بن سويد بن خالد من بني‬
‫أسعد بن همام‪ ،‬فلذلك تحامل المصعب بن الزبير على أبان ابن زياد أخي عبيد الله بن زياد فقتله‪ .‬وفي هذا السبب كانت فرقة‬
‫‪:‬عبيد الله لمصعب‪ ،‬وجمعت تغلب فأكثرت فلما أتى عميرا كثرة من أتى من بني تغلب وأبطأ عنه أصحابه قال يستبطئهم‬
‫وحولي من ربيعة كالجبـال‬ ‫أناديهم وقد خذلـت كـلب‬
‫ويعصر كالمصاعيب النهال‬ ‫أقاتلهم بحي بـنـي سـلـيم‬
‫وما جمعت من أهلي ومالي‬ ‫فدى لفوارس الثرثار قومي‬
‫فقد فارقت أعصر غير قال‬ ‫فإما أمس قد حانت وفاتـي‬
‫ثراء المال أو عدد الرجال ثم زحف العسكران‪ ،‬فأتت قيس وتغلب الثرثار‪ ،‬بين‬ ‫أبعد فوارس الثرثار أرجـو‬
‫رأس الثيل والكحيل‪ ،‬فشاهدوا القتال يوم الخميس‪ .‬وكان شعيب بن مليل وثعلبه بن نياط التغلبيان قدما في ألفي فارس في‬
‫الحديد‪ ،‬فعبروا على قرية يقال لها لبى على شاطئ دجلة بين تكريت وبين الموصل‪ ،‬ثم توجهوا إلى الثرثار‪ ،‬فنظر شعيب إلى‬
‫دواخن قيس‪ ،‬فقال لثعلبة بن نياط‪ :‬سر بنا إليهم‪ ،‬فقال له‪ :‬الرأي أن نسير إلى جماعة قومنا فيكون مقاتلنا واحدا‪ ،‬فقال‬
‫شعيب‪ :‬والله ل تحدث تغلب أني نظرت إلى دواخنهم ثم انصرفت عنهم‪ ،‬فأرسل ناسا من أصحابه قدامه وعمير يقاتل بني‬
‫تغلب‪ .‬وذلك يوم الخميس‪ ،‬وعلى تغلب حنظلة بن هوبر‪ ،‬أحد بني كنانة بن تميم‪ ،‬فجاء رجل من أصحاب عمير إليه فأخبره أن‬
‫طلئع شعيب قد أتته‪ ،‬وأنه قد عدل إليه‪ ،‬فقال عمير لصحابه‪ :‬أكفوني قتال ابن هوبر‪ ،‬ومضى هو في جماعة من أصحابه‪ ،‬فأخذ‬
‫الذين قدمهم شعيب‪ ،‬فقتلهم كلهم غير رجل من بني كعب بن زهير يقال له‪ :‬قتب بن عبيد‪ ،‬فقال عمير‪ :‬يا قتب‪ ،‬أخبرني ما‬
‫وراءك? قال‪ :‬قد أتاك شعيب بن مليل في أصحابه‪ .‬وفارق ثعلبة بن نياط شعيبا‪ ،‬فمضى إلى حنظلة بن هوبر‪ ،‬فقاتل معه‬
‫القيسية‪ ،‬فقتل‪ ،‬فالتقى عمير وشعيب فاقتتلوا قتال شديدا‪ ،‬فما صليت العصر حتى قتل شعيب وأصحابه أجمعون‪ ،‬وقطعت رجل‬
‫‪:‬شعيب يومئذ‪ ،‬فجعل يقاتل القوم وهو يقول‬
‫أن الفتى يفتك وهو أجذم فلما قتل نزل أصحابه‪ ،‬فعقروا دوابهم‪ ،‬ثم قاتلوا حتى‬ ‫قد علمت قيس ونحن نعلم‬
‫‪:‬قتلوا‪ ،‬فلما رآه عمير قتيل قال‪ :‬من سره أن ينظر إلى السد عقيرا فها هو ذا‪ .‬وجعلت تغلب يومئذ ترتجز وتقاتل وهي تقول‬
‫كلهما كان كريما فاجعا‬ ‫انعوا إياسا واندبوا مجاشعا‬
‫ويه تغلب ضربا ناقعـا‬

‫صفحة ‪1367 :‬‬

‫وانصرف عمير إلى عسكره‪ ،‬وأبلغ بني تغلب مقتل شعيب‪ ،‬فحميت على القتال‪ ،‬وتذامرت على الصبر‪ ،‬فقال محصن بن‬
‫حصين بن جنجور أحد البناء‪ :‬مضيت أنا ومن أفلت من أصحاب شعيب بعد العصر‪ ،‬فأتينا راهبا في صومعته‪ ،‬فسألنا عن حالنا‪،‬‬
‫فأخبرناه‪ ،‬فأمر تلميذا له‪ ،‬فجاء بخرق فداوى جراحنا‪ ،‬وذلك غداة يوم الجمعة‪ .‬فلما كان آخر ذلك اليوم أتانا خبر مقتل عمير‬
‫‪ .‬وأصحابه‪ ،‬وهرب من أفلت منهم‬
‫‪:‬صوت‬
‫كتجافي السر فوق الظراب‬ ‫إن جنبي على الفراش لنـاب‬
‫عم غمضا ول أسيغ شرابي‬ ‫من حديث نمى إلي فمـا أط‬
‫ماح في حال شدة وشبـاب‬ ‫لشرحبيل إذ تـعـاوره الر‬
‫تحته قارح كلون الغـراب عروضه من الخفيف‪ .‬السر‪ :‬البعير الذي يكون به‬ ‫فارس يطعن الكماة جـريء‬
‫السرر‪ ،‬وهي قرحة تخرج في كركرته‪ ،‬ل يقدر أن يبرك إل على موضع مستو من الرض‪ ،‬والظراب‪ :‬النشوز والجبال الصغار‪،‬‬
‫واحدها ظرب‪ .‬والشعر لغلفاء‪ ،‬وهو معد يكرب بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار الكندي يرثي أخاه شرحبيل قتيل يوم‬
‫‪ .‬الكلب الول‪ ،‬والغناء للغريض ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق ويونس وعمرو‬
‫وكان السبب في مقتله وقصة يوم الكلب فيما أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي وعلي بن سليمان الخفش قال حدثنا أبو‬
‫سعيد قال أخبرنا محمد بن حبيب عن أبي عبيدة قال أخبرني إبراهيم بن سعدان عن أبيه عن أبي عبيدة قال أخبرني دماذ عن‬
‫أبي عبيدة قال‪ :‬كان من حديث الكلب الول أن قباذ ملك فارس لما ملك كان ضعيف الملك‪ ،‬فوثبت ربيعة على المنذر الكبر‬
‫بن ماء السماء وهو ذو القرنين بن النعمان بن الشقيقة فأخرجوه؛ وإنما سمي ذا القرنين لنه كانت له ذؤابتان‪ ،‬فخرج هاربا‬
‫منهم حتى مات في إياد‪ ،‬وترك ابنه المنذر الصغر فيهم وكان أذكى ولده فانطلقت ربيعة إلى كندة‪ ،‬فجاؤوا بالحارث بن عمرو‬
‫بن حجر آكل المرار‪ ،‬فملكوه على بكر بن وائل‪ ،‬واحتشدوا له؛ فقاتلوا معه‪ ،‬فظهر على ما كانت العرب تسكن من أرض‬
‫العراق‪ ،‬وأبى قباذ أن يمد المنذر بجيش‪ ،‬فلما رأى ذلك المنذر كتب إلى الحارث بن عمرو‪ :‬إني في غير قومي‪ ،‬وأنت أحق من‬
‫ضمني‪ ،‬وأنا متحول إليك‪ ،‬فحوله إليه وزوجه ابنته هندا‪ .‬ففرق الحارث بنيه في قبائل العرب‪ ،‬فصار شرحبيل بن الحارث في بني‬
‫بكر بن وائل وحنظلة بن مالك وبني أسيد ‪ ،‬وطوائف من بني عمرو بن تميم والرباب‪ ،‬وصار معد يكرب بن الحارث وهو غلفاء‬
‫في قيس‪ ،‬وصار سلمة بن الحارث في بني تغلب والنمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة‪ .‬فلما هلك الحارث تشتت أمر بنيه‪،‬‬
‫وتفرقت كلمتهم ومشت الرجال بينهم‪ ،‬وكانت المغاورة بين الحياء الذين معهم‪ ،‬وتفاقم المر حتى جمع كل واحد منهم لصاحبه‬
‫الجموع؛ فسار شرحبيل ومن معه من بني تميم والقبائل‪ ،‬فنزلوا الكلب وهو فيما بين الكوفة والبصرة على سبع ليال من‬
‫اليمامة وأقبل سلمة بن الحارث في تغلب والنمر ومن معه‪ ،‬وفي الصنائع وهم الذين يقال لهم بنو رقية‪ ،‬وهي أم لهم ينتسبون‬
‫إليها‪ .‬وكانوا يكونون مع الملوك يريدون الكلب‪ .‬وكان نصحاء شرحبيل وسلمة قد نهوهما عن الحرب والفساد والتحاسد‪،‬‬
‫وحذروهما عثرات الحرب وسوء مغبتها‪ ،‬فلم يقبل ولم يبرحا‪ ،‬وأبيا إل التتايع واللجاجة في أمرهم‪ ،‬فقال امرؤ القيس بن حجر‬
‫‪:‬في ذلك‬
‫ولم تلوما عمرا ول عصما‬ ‫أنى علي استتب لومكـمـا‬
‫شيء وأخوالنا بني جشمـا‬ ‫كل يمين الله يجمـعـنـا‬
‫كأنها من ثمـود أو إرمـا وكان أول من ورد كلب من جمع سلمة سفيان بن مجاشع‬ ‫حتى تزور السباع ملحـمة‬
‫بن دارم‪ ،‬وكان نازل في بني تغلب مع إخوته لمه‪ ،‬فقتلت بكر بن وائل بنين له‪ ،‬فيهم مرة بن سفيان‪ ،‬قتله سالم بن كعب بن‬
‫‪:‬عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان؛ فقال سفيان وهو يرتجز‬
‫والجوف جوف حران‬ ‫الشيخ شيخ ثـكـلن‬
‫أنعى مرة بن سفـيان وفي ذلك يقول الفرزدق‬ ‫‪:‬والورد ورد عجـلن‬
‫وسفيان الذي ورد الكلبا‬ ‫شيوخ منهم عدس بن زيد‬

‫صفحة ‪1368 :‬‬


‫وأول من ورد الماء من بني تغلب رجل من بني عبد بن جشم يقال له النعمان بن قريع بن حارثة بن معاوية بن عبد بن جشم‪،‬‬
‫وعبد يغوث بن دوس‪ ،‬وهو عم الخطل دوس والفدوكس أخوان على فرس له يقال له الحرون‪ ،‬وبه كان يعرف ثم ورد سلمة‪،‬‬
‫بيني تغلب وسعد جماعة الناس‪ ،‬وعلى بني تغلب يومئذ السفاح واسمه سملة بن خالد بن كعب ابن زهير بن تميم بن أسامة بن‬
‫‪:‬مالك بن بكر بن حبيب وهو يقول‬
‫وساجرا والله لن تحلوه فاقتتل القوم قتال شديدا‪ ،‬وثبت بعضهم لبعض؛ حتى إذا كان‬ ‫إن الكلب ماؤنا فخلوه‬
‫في آخر النهار من ذلك اليوم خذلت بنو حنظلة وعمرو بن تميم والرباب بكر بن وائل‪ ،‬وانصرفت بنو سعد وألفافها عن بني‬
‫تغلب‪ ،‬وصبر ابنا وائل‪ :‬بكر وتغلب ليس معهم غيرهم‪ ،‬حتى إذا غشيهم الليل نادى منادي سلمة‪ :‬من أتى برأس شرحبيل فله‬
‫مائة من البل‪ ،‬وكان شرحبيل نازل في بني حنظلة وعمر بن تميم‪ ،‬ففروا عنه‪ ،‬وعرف مكانه أبو حنش وهو عصم بن النعمان بن‬
‫مالك بن غياث بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب فصمد نحوه‪ ،‬فلما انتهى إليه رآه جالسا وطوائف الناس يقاتلون‬
‫حوله‪ ،‬فطعنه بالرمح‪ ،‬ثم نزل إليه فاحتز رأسه وألقاه إليه‪ .‬ويقال إن بني حنظلة وبني عمرو بن تميم والرباب لما انهزموا خرج‬
‫معهم شرحبيل‪ ،‬فلحقه ذو السنينة واسمه حبيب بن عتبة بن حبيب بن بعج بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر وكانت له‬
‫سن زائدة فالتفت شرحبيل فضرب ذا السنينة على ركبته‪ ،‬فأطن رجله‪ ،‬وكان ذو السنينة أخا أبي حنش لمه‪ ،‬أمهما سلمى بنت‬
‫عدي بن ربيعة بنت أخي كليب ومهلهل‪ ،‬فقال ذو السنينة‪ :‬قتلني الرجل فقال أبو حنش‪ :‬قتلني الله إن لم أقتله‪ ،‬فحمل عليه‪،‬‬
‫فلما غشيه قال‪ :‬يا أبا حنش‪ ،‬أملكا بسوقه? قال‪ :‬إنه كان ملكي‪ ،‬فطعنه أبو حنش‪ ،‬فأصاب رادفة السرج‪ ،‬فورعت عنه‪ ،‬ثم‬
‫تناوله فألقاه عن فرسه‪ ،‬ونزل إليه فاحتز رأسه‪ ،‬فبعث به إلى سلمة مع ابن عم له يقال له أبو أجأ بن كعب بن مالك بن غياث‪،‬‬
‫فألقاه بين يديه؛ فقال له سلمة‪ :‬لو كنت ألقيته إلقاء رفيقا فقال‪ :‬ما صنع بي وهو حي أشد من هذا‪ ،‬وعرف أبو أجأ الندامة في‬
‫وجهه والجزع على أخيه‪ ،‬فهرب وهرب أبو حنش فتنحى عنه‪ ،‬فقال سعد يكرب أخو شرحبيل‪ ،‬وكان صاحب سلمة معتزل عن‬
‫‪:‬جميع هذه الحروب‬
‫فمالك ل تجيء إلى الثواب‬ ‫أل أبلغ أبا حـنـش رسـول‬
‫قتيل بين أحجار الـكـلب‬ ‫تعلم أن خير الـنـاس طـرا‬
‫وأسلمه جعاسيس الـربـاب‬ ‫تداعت حوله جشم بن بـكـر‬
‫تضربه صديقك أو تحابـي فقال أبو حنش مجيبا له‬ ‫‪:‬قتيل ما قتيلك يابن سلـمـى‬
‫حباء أبيك يوم صنيبعات‬ ‫أحاذر أن أجيئكم فتحبـو‬
‫تقلدها أبواك إلى الممات ويقال‪ :‬إن الشعر الول لسلمة بن الحارث‬ ‫‪ .‬فكانت غدرة شنعاء تهفو‬
‫‪:‬وقال معد يكرب المعروف بغلفاء يرثي أخاه شرحبيل بن الحارث‬
‫كتجافي السر فوق الظراب‬ ‫إن جنبي عن الفراش لنابـي‬
‫قأعيني ول أسيغ شـرابـي‬ ‫من حديث نمى إلي فـل تـر‬
‫س على حر ملة كالشهـاب‬ ‫مرة كالذعاف أكتمهـا الـنـا‬
‫ماح في حال لذة وشـبـاب‬ ‫من شرحبيل إذ تعـاوره الر‬
‫عو تميما‪ ،‬وأنت غير مجاب‬ ‫يابن أمي ولو شهدتـك إذ تـد‬
‫من دماء العداء يوم الكلب‬ ‫لتركت الحسام تجري ظـبـاه‬
‫تبلغ الرحب أو تبز ثـيابـي‬ ‫ثم طاعنت من ورائك حتـى‬
‫خيلهم يتـقـين بـالذنـاب‬ ‫يوم ثارت بنو تـمـيم وولـت‬
‫ويحكم ربكم ورب الربـاب‬ ‫ويحكم يا بـنـي أسـيد إنـي‬
‫كم على الفقر بالمئين الكباب‬ ‫أين معطيكم الجزيل وحابـي‬
‫ف على نحره كنضح الملب‬ ‫فارس يضرب الكتيبة بالسـي‬
‫تحته قارح كلون الـغـراب‬ ‫فارس يطعن الكماة جـريء‬

‫صفحة ‪1369 :‬‬

‫قال‪ :‬ولما قتل شرحبيل قامت بنو سعد بن زياد مناة بن تميم دون عياله‪ ،‬فمنعوهم وحالوا بين الناس وبينهم‪ ،‬ودفعوا عنهم‬
‫حتى ألحقوهم بقومهم ومأمنهم‪ .‬ولي ذلك منهم عوف بن شجنة بن الحارث بن عطارد بن عوف بن سعد بن كعب‪ ،‬وحشد له‬
‫‪:‬فيه رهطه ونهضوا معه‪ ،‬فأثنى عليهم في ذلك امرؤ القيس بن حجر‪ ،‬ومدحهم به في شعره فقال‬
‫عن استنقذوا جاراتكم آل غدران‬ ‫أل إن قوما كنتم أمس دونـهـم‬
‫وأسعد في يوم الهزاهز صفوان وهي قصيدة معروفة طويلة‪ :‬صوت‬ ‫‪:‬عوير ومن مثل العوير ورهطه‬
‫ولكن عين السخط تبدي المساويا‬ ‫وعين الرضا عن كل عيب كليلة‬
‫فإن عرضت أيقنت أن ل أخا ليا الشعر لعبد الله بن معاوية بن عبد الله‬ ‫وأنت أخي ما لم تكن لي حـاجة‬
‫الجعفري‪ ،‬يقوله للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس؛ هكذا ذكر مصعب الزبيري‪ .‬وذكر مؤرج فيما أخبرنا به اليزيدي‬
‫عن عمه أبي جعفر عن مؤرج وهو الصحيح أن عبد الله بن معاوية قال هذا الشعر في صديق له يقال له قصي بن ذكوان‪ ،‬وكان‬
‫‪:‬قد عتب عليه‪ .‬وأول الشعر‬
‫فكشفه التمحيص حتى بدا ليا‬ ‫رأيات قصيا كان شيئا ملففـا‬
‫بلوتك في الحاجات إل تنائيا والغناء لبنان بن عمرون رمل بالوسطى‪ .‬وفيه الثقيل‬ ‫فل زاد ما بيني وبينك بعدما‬
‫‪ .‬الول لعريب من رواية أبي العنبس وغيره‬

‫خبر عبد الله بن معاوية ونسبه‬


‫نسبه‪ :‬هو عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف‪ .‬وأم عبد الله بن‬
‫جعفر وسائر بني جعفر أسماء بنت عميس بن معد بن تميم بن مالك ابن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد‬
‫بن مالك بن بشر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن أفتل‪ ،‬وهو خماعة بن خثعم بن أنمار‪ .‬وأمها هند بنت عوف‪ ،‬امرأة من‬
‫جرش‪ .‬هذه الجرشية أكرم الناس أحماء‪ ،‬أحماؤها‪ :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وجعفر وحمزة و العباس وأبو بكر‬
‫رضي الله تعالى عنهم‪ ،‬وإنما صار رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحمائها أنه كان لها أربع بنات‪ :‬ميمونة زوجة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأم الفضل زوجة العباس وأم بنته‪ ،‬وسلمى زوجة حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬بنات الحارث‪ ،‬وأسماء بنت‬
‫عميس أخته لمهن‪ ،‬وكانت عند جعفر بن أبي طالب‪ ،‬ثم خلف عليها أبو بكر رضي الله تعالى عنه ثم خلف عليها علي بن أبي‬
‫‪ .‬طالب عليه السلم‪ .‬وولدت من جميعهم‪ .‬وهن اللواتي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهن‪ :‬إنهن مؤمنات‬
‫حدثني بذلك أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثني يحيى بن الحسن العلوي قال حدثنا هارون ابن محمد بن موسى الفروي‬
‫قال‪ :‬حدثنا داود بن عبد الله قال‪ :‬حدثني عبد العزيز الدراوردي عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي الله تعالى‬
‫عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬الخوات المؤمنات‪ :‬ميمونة‪ ،‬وأم الفضل‪ ،‬وسلمى‪ ،‬وأسماء بنت عميس‬
‫‪ .‬أختهن لمهن‬
‫حدثني أحمد قال حدثني يحيى قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرني يحيى بن العلء البجلي عن عمه‬
‫شعيب بن خالد عن حنظلة بن سمرة بن المسيب عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال‪ :‬دخل النبي صلى الله عليه وسلم على‬
‫فاطمة وعلي‪ ،‬عليهما السلم ليلة بنى بها فأبصر خيال من وراء الستر؛ فقال‪ :‬من هذا? فقالت‪ :‬أسماء؛ قال‪ :‬بنت عميس ?‬
‫قالت‪ :‬نعم‪ ،‬أنا التي أحرس بنتك يا رسول الله؛ فإن الفتاة ليلة بنائها ل بد لها من امرأة تكون قريبا منها‪ ،‬إن عرضت لها حاجة‬
‫أفضت بذلك إليها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬فإني أسأل إلهي أن يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك‬
‫‪ .‬وعن شمالك من الشيطان‬
‫طائفة من أخبار عبد الله بن جعفر‪ :‬أدرك رسول الله وروى عنه‪ :‬وقد أدرك عبد الله بن جعفر رحمه الله رسول الله صلى الله‬
‫‪ .‬عليه وسلم وروى عنه‬
‫فمما روى عنه ما حدثنيه حامد بن محمد بن شعيب البلخي وأحمد بن محمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن بكار قال حدثنا‬
‫‪ .‬إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال‪ :‬رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب‬
‫‪:‬رآه النبي يلعب فداعبه‬

‫صفحة ‪1370 :‬‬

‫حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا يحيى بن الحسن قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرني ابن‬
‫يحيى وعثمان بن أبي سليمان قال‪ :‬مر النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن جعفر وهو يصنع شيئا من طين من لعب‬
‫الصبيان فقال‪ :‬ما تصنع بهذا ? قال‪ :‬أبيعه‪ ،‬قال‪ :‬ما تصنع بثمنه ? قال‪ :‬أشتري به رطبا فآكله؛ فقال النبي صلى الله عليه‬
‫‪ .‬وسلم اللهم بارك له في صفقة يمينه ‪ .‬فكان يقال‪ :‬ما اشترى شيئا إل ربح فيه‬
‫تعرض له الحزين بالعقيق وطلب منه ثيابا‪ :‬أخبرني الحرمي بن أبي العلء والطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي‬
‫مصعب عن جدي عبد الله بن مصعب‪ :‬أن الحزين قمر في العقيق في غداة باردة ثيابه‪ ،‬فمر به عبد الله بن جعفر وعليه‬
‫‪:‬مقطعات خز‪ ،‬فاستعار الحزين من رجل ثوبا‪ ،‬ثم قام إليه فقال‬
‫عليك السلم أبا جعفر فقال‪ :‬وعليك السلم؛ فقال‬ ‫‪:‬أقول له حين واجهتـه‬
‫وفي البيت منها الذي تذكر فقال‪ :‬كذبت يا عدو الله؛ ذاك رسول الله صلى الله‬ ‫فأنت المهذب من غـالـب‬
‫‪:‬عليه وسلم‪ ،‬فقال‬
‫وقد عضني زمن منكر قال‪ :‬هاك ثيابي‪ ،‬فأعطاه ثيابه‬ ‫‪ .‬فهذي ثيابي قد أخلقـت‬
‫‪ .‬قال الزبير قال عمي‪ :‬أما البيت الثاني فحدثنيه عمي عن الفضل بن الربيع عن أبي‪ ،‬وما بقي فأنا سمعته من أبي‬
‫تعرض له أعرابي هو على سفر عطاه راحلة بما عليها‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال أخبرنا يحيى بن الحسن قال‪ :‬بلغني‬
‫أن أعرابيا وقف على مروان بن عبد الحكم أيام الموسم بالمدينة فسأله‪ ،‬فقال‪ :‬يا أعرابي‪ ،‬ما عندنا ما نصلك؛ ولكن عليك بابن‬
‫جعفر‪ .‬فأتى العرابي باب عبد الله بن جعفر فإذا ثقله قد سار نحو مكة‪ ،‬وراحلته بالباب عليها متاعها وسيف معلق‪ ،‬فخرج عبد‬
‫‪:‬الله من داره وأنشأ العرابي يقول‬
‫صلتهم للمسلـيمـن طـهـور‬ ‫أبو جعفر من أهل بـيت نـبـوة‬
‫وليس لرحلي فاعلمـن بـعـير‬ ‫أبا جعفر إن الحجيج تـرحـلـوا‬
‫وأنت على ما فـي يديك أمـير‬ ‫أبا جعفر ضن المير بـمـالـه‬
‫إليك يصير المجد حيث تصـير فقال‪ :‬يا أعرابي‪ ،‬سار الثقل فدونك الراحلة‬ ‫وأنت امرؤ من هاشم في صميمها‬
‫‪:‬بما عليها‪ ،‬وإياك أن تخدع عن السيف فإني أخذته بألف دينار‪ .‬فأنشأ العرابي يقول‬
‫بأعيس موار سباط مـشـافـزه‬ ‫حباني عبد الله‪ ،‬نفـسـي فـداؤه‬
‫شهاب بدا والليل داج عساكـره‬ ‫وأبيض من ماء الحـديد كـأنـه‬
‫سيجري له باليمن والبشر طائره‬ ‫وكل امرئ يرجو نوال ابن جعفر‬
‫وأكرمه للجار حـين يجـاوره‬ ‫فيا خير خلق الله نفسـا ووالـدا‬
‫وما شاكره عرفا كمن هو كافره ذكر له شاعر أنه كساه في المنام‪ ،‬فكساه‬ ‫سأثني بما أوليتني يابن جعـفـر‬
‫جبة وشى‪ :‬وحدثني أحمد بن يحيى عن رجل قال حدثني شيخ من بني تميم بخراسان قال‪ :‬جاء شاعر إلى عبد الله بن جعفر‬
‫‪:‬فأنشده‬
‫كساني من الخـز دراعة‬ ‫رأيت أبا جعفر في المنام‬
‫فقال ستؤتى بها الساعـه‬ ‫شكوت إلى صاحبي أمرها‬
‫ومن كفه الدهر نفاعـه‬ ‫سيكسوها الماجد الجعفري‬
‫فقال لك السمع والطاعه فقال عبد الله لغلمه‪ :‬ادفع إليه دراعتي الخز ثم قال له‪:‬‬ ‫ومن قال للجود ل تعدنـي‬
‫كيف لو ترى جبتي المنسوجة بالذهب التي اشتريتها بثلثمائة دينار فقال له الشاعر‪ :‬بأبي دعني اغفى إغفاءة أخرى فلعلي أرى‬
‫‪ .‬هذه الجبة في المنام‪ ،‬فضحك منه وقال‪ :‬يا غلم ادفع إليه جبتي الوشى‬
‫اعترض ابن دأب على شعر الشماخ في مدحه بأنه دون شعره في عرابة‪ :‬حدثنا أحمد قال قال يحيى قال ابن دأب‪ :‬وسمع قول‬
‫‪:‬الشماخ بن ضرار الثعلبي في عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب رحمه الله‬
‫ونعم مأوى طـارق إذا أتـى‬ ‫إنك يابن جعفر نعم الـفـتـى‬
‫صادف زادا وحديثا يشتـهـى‬ ‫وجار ضيف طرق الحي سرى‬
‫‪:‬إن الحديث طرف من القرى فقال ابن دأب‪ :‬العجب للشماخ يقول مثل هذا القول لبن جعفر ويقول لعرابة الوسي‬
‫تلقاها عرابة باليمـين‬ ‫إذا ما راية رفعت لمجد‬

‫صفحة ‪1371 :‬‬

‫‪ .‬عبد الله بن جعفر كان أحق بهذا من عرابة‬


‫جوده على أهل المدينة‪ :‬قال يحيى بن الحسن وكان عبد الله بن الحسن يقول كان أهل المدينة يدانون بعضهم من بعض إلى‬
‫‪ .‬أن يأتي عطاء عبد الله بن جعفر‬
‫جوده على رجل جلب إلى المدينة سكرا كسد عليه‪ :‬أخبرني أحمد قال حدثني يحيى قال‪ :‬حدثني أبو عبيد قال حدثني يزيد بن‬
‫هارون عن هشام عن ابن سيرين قال‪ :‬جلب رجل إلى المدينة سكرا فكسد عليه فقيل له‪ :‬لو أتيت ابن جعفر قبله منك‬
‫وأعطاك الثمن‪ ،‬فأتى ابن جعفر فأخبره‪ ،‬فأمره بإحضاره وبسط له‪ ،‬ثم أمر به فنثر‪ ،‬فقال للناس‪ :‬انتبهوا‪ ،‬فلما رأى الناس‬
‫ينتبهون قال‪ :‬جعلت فداءك آخذ معهم? قال‪ :‬نعم‪ ،‬فجعل الرجل يهيل في غرائره‪ ،‬ثم قال لعبد الله‪ :‬أعطني الثمن فقال‪ :‬وكم‬
‫‪ .‬ثمن سكرك? قال‪ :‬أربعة آلف درهم‪ ،‬فأمر له بها‬
‫أخبرنا أحمد قال حدثني يحيى بن علي‪ ،‬وحدثني ابن عبد العزيز قال حدثنا أبو محمد الباهلي حسن بن سعيد عن الصمعي‬
‫نحوه وزاد فيه‪ ،‬قال‪ :‬فقال الرجل‪ :‬ما يدري هذا وما يعقل أخذ أم أعطى لطلبنه بالثمن ثانية‪ ،‬فغدا عليه فقال‪ :‬ثمن سكري‪،‬‬
‫فأطرق عبد الله مليا ثم قال‪ :‬يا غلم‪ ،‬أعطه أربعة آلف درهم؛ فأعطاه إياها‪ ،‬فقال الرجل قد قلت لكم‪ :‬إن هذا الرجل ل يعقل‬
‫أخذ أم أعطى لطلبنه بالثمن‪ ،‬فغدا عليه فقال‪ :‬أصلحك الله ثمن سكري‪ ،‬فأطرق عبد الله مليا‪ ،‬ثم رفع رأسه إلى رجل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫إدفع إليه أربعة آلف درهم‪ ،‬فلما ولى ليقبضها قال له ابن جعفر‪ :‬يا أعرابي‪ ،‬هذه تمام اثني عشر ألف درهم‪ ،‬فانصرف الرجل‬
‫‪ .‬وهو يعجب من فعله‬
‫باعه رجل جمل وأخذ ثمنه مرارا فمدحه‪ :‬وأخبرني أبو الحسن السدي عن دماذ عن أبي عبيدة‪ :‬أن أعرابيا باع راحلة من عبد‬
‫‪:‬الله بن جعفر‪ ،‬ثم غدا عليه فاقتضى ثمنها فأمر له به‪ ،‬ثم عاود ثلثا‪ ،‬وذكر في الخبر مثل الذي قبله وزاد فيه‪ :‬فقال فيه‬
‫فاستمطروا من قريش خير مختدع‬ ‫ل خير في المجتدى في الحين تسأله‬
‫من جوده وهو وافي العقل والورع وهذا الشعر يروى لبن قيس الرقيات‬ ‫‪ .‬تخال فيه إذا حـاورتـه بـلـهـا‬
‫وفاته عام الجحاف‪ :‬أخبرني الحرمي بن أبي العلء والطوسي قال حدثنا الزبير قال حدثني مصعب بن عثمان قال‪ :‬لما ولي عبد‬
‫الملك الخلفة جفا عبد الله بن جعفر‪ ،‬فراح يوما إلى الجمعة وهو يقول‪ :‬اللهم إنك عودتني عادة جريت عليها‪ ،‬فإن كان ذلك‬
‫انقضى فاقبضني إليك‪ ،‬فتوفي في الجمعة الخرى‪ .‬قال يحيى‪ :‬توفي عبد الله وهو ابن سبعين سنة في سنة ثمانين وهو عام‬
‫الجحاف لسيل كان بمكة جحف الحاج فذهب بالبل عليها الحمولة‪ ،‬وكان الوالي على المدينة يومئذ أبان بن عثمان في خلفة‬
‫‪ .‬عبد الملك بن مروان‪ ،‬وهو الذي صلى عليه‬
‫وقف عمرو بن عثمان على قبره ورثاه‪ :‬حدثني أحمد بن محمد قال أخبرنا يحيى قال حدثنا الحسين بن محمد قال أخبرني‬
‫محمد بن مكرم قال أخبرني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود قال أخبرني الصمعي عن الجعفري قال‪ :‬لما مات عبد الله‬
‫بن جعفر شهده أهل المدينة كلهم‪ ،‬وإنما كان عبد الله بن جعفر مأوى المساكين وملجأ الضعفاء‪ ،‬فما تنظر إلى ذي حجا إلى‬
‫رأيته مستعبرا قد أظهر الهلع والجزع‪ ،‬فلما فرغوا من دفنه قام عمرو بن عثمان فوقف على شفير القبر فقال‪ :‬رحمك الله يابن‬
‫‪:‬جعفر إن كنت لرحمك لواصل‪ ،‬ولهل الشر لمبغضا‪ ،‬ولهل الريبة لقاليا‪ ،‬ولقد كنت فيما بيني وبينك كما قال العشى‬
‫من الود غيبتك المقـابـر فرحمك الله يوم ولدت ويوم كنت رجل ويوم مت ويوم‬ ‫رعيت الذي كان بيني وبينكم‬
‫‪ .‬تبعث حيا؛ والله لئن كانت هاشم أصيبت بك لقد عم قريشا كلها هلكك‪ ،‬فما أظن أن يرى بعدك مثلك‬
‫ووقف عمرو بن سعيد على قبره ورثاه‪ :‬فقام عمرو بن سعيد بن العاص الشدق فقال‪ :‬ل إله إل الله الذي يرث الرض ومن‬
‫عليها وإليه ترجعون‪ ،‬ما كان أحلى العيش بك يابن جعفر وما أسمج ما أصبح بعدك والله لو كانت عيني دامعة على أحد لدمعت‬
‫‪ .‬عليك‪ ،‬كان والله حديثك غير مشوب بكذب‪ ،‬وودك غير ممزوج بكدر‬
‫‪:‬نازع أحد ولد المغيرة عمرو بن سعيد على مدحه له فذمه وأسكته‬

‫صفحة ‪1372 :‬‬

‫فوثب ابن المغيرة بن نوفل ولم يثبت الصمعي اسمه فقال‪ :‬يا عمرو‪ ،‬بمن تعرض بمزج الود وشوب الحديث? أفبابني‬
‫فاطمة? فهما والله خير منك ومنه‪ ،‬فقال‪ :‬على رسلك يا لكع أردت أن أدخلك معهم? هيهات لست هناك‪ ،‬والله لو مت أنت‬
‫ومات أبوك ما مدحت ول ذممت‪ ،‬فتكلم بما شئت فلن تجد لك مجيبا؛ فما هو إل أن سمعهما الناس يتكلمان حتى حجزوا بينهما‬
‫‪ .‬وانصرفوا‬
‫شعر ابن قيس الرقيات في علته التي مات فيها‪ :‬قال يحيى وقال عبد الله بن قيس الرقيات في علة عبد الله بن جعفر التي‬
‫‪:‬مات فيها‬
‫من هموم تجنها الضـلع‬ ‫بات قلبي تشفـه الوجـاع‬
‫م فقلبي مما سمعـت يراع‬ ‫من حديث سمعته منع النـو‬
‫لس‪ ،‬كانت بنفسه الوجاع‬ ‫إذ أتانا بما كرهنا أبو اللـس‬
‫أدركت نفسه المنايا السراع‬ ‫قال ما قال ثم راح سريعـا‬
‫بك ل بالذي عنيت الصداع‬ ‫قال يشكو الصداع وهو ثقيل‬
‫أنه غير هـالـك نـفـاع‬ ‫ابن أسماء ل أبا لك تنعـى‬
‫مجد سجل يهون فيه القباع‬ ‫هاشميا بكفه من سجـال ال‬
‫شيمة المجد ليس فيه خداع‬ ‫نشر الناس كل ذلك مـنـه‬
‫كثماد به قـذى أو نـقـاع‬ ‫لم أجد بعـدك الخـلء إل‬
‫مد أطنابه المكان الـيفـاع‬ ‫بيته من بيوت عبد مـنـاف‬
‫د إذا قصر اللئام الوضـاع‬ ‫منتهى الحمد والنبوة والمج‬
‫ناله من ندى سجالك بـاع من هذا الشعر الذي قاله ابن قيس في عبد الله بن‬ ‫فستأتيك مدحة مـن كـريم‬
‫‪:‬جعفر بيتان يغنى فيهما‪ ،‬وهما‪ :‬صوت‬
‫لس كانت بنفسه الوجاع‬ ‫قد أتانا بما كرهنا أبو اللس‬
‫بك ل بالذي ذكرت الصداع غناه عمرو بن بانة خفيف ثقيل‪ ،‬الول بالوسطى على‬ ‫قال يشكو الصداع وهو ثقيل‬
‫مذهب إسحاق‪ .‬ويقال إن عمرو بن بانة صاغ هذا اللحن في هذا الشعر وغنى به الواثق يعقب علة نالته وصداع تشكاه؛ قال‪:‬‬
‫فاستحسنه وأمر له بعشرة آلف درهم‪ .‬وأم معاوية بن عبد الله بن جعفر أم ولد‪ .‬وكان من رجالت قريش‪ ،‬ولم يكن في ولد‬
‫‪ .‬عبد الله مثله‬
‫بشروه وهو عند معاوية بولد فسماه باسمه‪ :‬حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني‬
‫عن أبي عبد الرحمن القرشي‪ :‬أن معاوية بن عبد الله بن جعفر ولد وأبوه عبد الله عند معاوية‪ ،‬فأتاه البشير بذلك وعرف‬
‫معاوية الخبر فقال‪ :‬سمه معاوية ولك مائة ألف درهم‪ ،‬ففعل‪ ،‬فأعطاه المال‪ ،‬وأعطاه عبد الله للذي بشره به‪ .‬قال المدائني‪:‬‬
‫‪ .‬وكان عبد الله بن جعفر ل يؤدب ولده‪ ،‬ويقول إن يرد الله جل وعز بهم يتأدبوا‪ ،‬فلم ينجب فيهم غير معاوية‬
‫خبر ابن هرمة مع معاوية بن عبد الله بن جعفر‪ :‬أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا هرون بن محمد بن عبد الملك الزيات‬
‫قال حدثنا حماد ابن إسحاق عن أبيه‪ ،‬قال هارون وحدثني محمد بن عبد الله بن موسى بن خالد بن الزبير بن العوام قال حدثني‬
‫عمرو بن الحكم السعيدي وإبراهيم بن محمد ومحمد بن معن بن عنبسة قالوا‪ :‬كان معاوية بن عبد الله بن جعفر قد عود ابن‬
‫هرمة البر‪ ،‬فجاءه يوما وقد ضاقت يده وأخذ خمسين دينارا بدين‪ ،‬فرفع إليه مع جاريته رقعة فيها مديح له يسأله فيه أيضا برا‪،‬‬
‫‪:‬فقال للجارية‪ :‬قولي له‪ :‬أيدينا ضيقة‪ ،‬وما عندنا شيء إل شيء أخذناه بكلفة‪ ،‬فرجعت جاريته بذلك‪ ،‬فأخذ الرقعة فكتب فيها‬
‫ب كالكلب ينبح ضوء القمر‬ ‫فإني ومدحك غير المصـي‬
‫فكنت كعاصر جنب الحجر وبعث بالرقعة مع الجارية‪ ،‬فدفعتها إلى معاوية‪ ،‬فقال‬ ‫مدحتك أرجو لديك الثـواب‬
‫لها‪ :‬ويحك قد علم بها أحد قالت‪ :‬ل والله إنما دفعها من يده إلى يدي؛ قال‪ :‬فخذي هذه الدنانير فادفعيها إليه‪ ،‬فخرجت بها إليه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬كل‪ ،‬أليس زعم أنه ل يدفع إلي شيئا ? كان ابنه معاوية صديقا ليزيد بن معاوية فسمى ابنه باسمه‪ :‬أخبرني الحرمي بن‬
‫‪:‬أبي العلء والطوسي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب قال‬

‫صفحة ‪1373 :‬‬

‫سمي عبد الله بن جعفر ابنه معاوية بن أبي سفيان‪ .‬قال‪ :‬وكان معاوية بن عبد الله بن جعفر صديقا ليزيد بن معاوية خاصة‪،‬‬
‫‪ .‬فسمى ابنه بيزيد بن معاوية‬
‫وصيته لبنه معاوية عند وفاته‪ :‬قال الزبير‪ :‬وحدثني محمد بن إسحاق بن جعفر عن عمه محمد‪ :‬أن عبد الله بن جعفر لما‬
‫حضرته الوفاة دعا ابنه فنزع شنفا كان في أذنه وأوصى إليه وفي ولده من هو أسن منه وقال له‪ :‬إني لم أزل أؤملك لها فلما‬
‫‪ .‬توفى احتال بدين أبيه وخرج فطلب فيه حتى قضاه‪ ،‬وقسم أموال أبيه بين ولده‪ ،‬فلم يستأثر عليهم بدينار ول درهم ول غيرهما‬
‫وأم عبد الله بن معاوية أم عون بنت عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب‪ .‬ويقال‪ :‬بنت عياش بن ربيعة‪ .‬وقد روى‬
‫‪ .‬عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان معه يوم حنين‪ ،‬وهو أحد من ثبت معه يومئذ‬
‫بعض صفات عبد الله بن معاوية‪ :‬وكان عبد الله من فتيان بني هاشم وجودائهم وشعرائهم‪ ،‬ولم يكن محمود المذهب في دينه‪،‬‬
‫وكان يرمى بالزندقة ويستولي عليه من يعرف ويشهر أمره فيها‪ ،‬وكان قد خرج بالكوفة في آخر أيام مروان بن محمد‪ ،‬ثم‬
‫‪ .‬انتقل عنها إلى نواحي الجبل ثم إلى خراسان‪ ،‬فأخذه أبو مسلم فقتله هناك‬
‫‪:‬مدح ابن هرمة لعبد الله بن جعفر‪ :‬ويكنى عبد الله بن جعفر أبا معاوية‪ ،‬وله يقول ابن هرمة‬
‫جد ل تلقه حصورا عيبا‬ ‫أحب مدحا أبا معاوية الما‬
‫ما إذا هزه السؤال حـيا‬ ‫بل كريما يرتاح للمجد بسا‬
‫داء حظا من نفسه وقفيا قفيا‪ :‬أثره‪ ،‬يقول‪ :‬إن لي عنده لثرة على غيري‪ ،‬وقال‬ ‫إن لي عنده وإن رغم الع‬
‫قوم آخرون‪ :‬القفي‪ :‬الكرامة‬
‫وثنائي من الـحـياة مـلـيا‬ ‫إن أمت تبق مدحتي وإخـائي‬
‫ي إذا ما الندى انتحاه علـيا‬ ‫يأخذ السبق بالتقدم في الجـر‬
‫ه أبـوه أل يزال وفـــيا‬ ‫ذو وفتاء عند العدات وأوصا‬
‫بهما موصيا وهـذا وصـيا‬ ‫فرعى عقدة الوصاة فأكـرم‬
‫ردتها منـهـل يثـج رويا يعني أمه أسماء‪ ،‬وهي أم عون بنت العباس بن ربيعة‬ ‫يابن أسماء فاسق دلوى فقد أو‬
‫‪:‬بن الحارث بن عبد المطلب‪ .‬وأول هذه القصيدة‬
‫في طلب الصبا فلست صبيا قال يحيى بن علي فيما أجازه لنا‪ :‬أخبرني أبو‬ ‫عاتب النفس والفؤاد الـغـويا‬
‫أيوب المديني وأخبرناه وكيع عن هارون بن محمد بن عبد الملك عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال‪ :‬مدح ابن هرمة عبد الله بن‬
‫جعفر بن أبي طالب فأتاه‪ ،‬فوجد الناس بعضهم على بعض على بابه‪ .‬قال ابن هرمة‪ :‬ورآني بعض خدمه فعرفني‪ ،‬فسألته عن‬
‫الذين رأيتهم ببابه فقال‪ :‬عامتهم غرماء له‪ ،‬فقلت‪ :‬ذاك شر‪ .‬واستؤذن لي عليه فقلت‪ :‬لم أعلم والله بهؤلء الغرماء ببابك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪:‬ل عليك أنشدني‪ .‬قلت‪ :‬أعيذك بالله‪ .‬واستحييت أن أنشد‪ ،‬فأبى إل أن أنشده قصيدتي التي أقول فيها‬
‫فعشك مأوى بيضها المتفلـق‬ ‫حللت محل القلب من آل هاشم‬
‫لصاقا ول ذا المركب المتعلق‬ ‫ولم تك بالمعزى إليها نصابـه‬
‫ومثل أبيك الريحي المرهق فقال‪ :‬من ها هنا من الغرماء? فقيل‪ :‬فلن‬ ‫فمن مثل عبد الله أو مثل جعفر‬
‫‪:‬وفلن‪ ،‬فدعا باثنين منهم فسارهما وخرجا‪ ،‬وقال لي ‪ :‬اتبعهما‪ .‬قال‪ :‬فأعطياني مال كثيرا‪ .‬قال يحيى‪ :‬ومن مختار فيه منها قوله‬
‫شربنا بحوض اللهو غير المرنـق‬ ‫فإل توات اليوم سلمـى فـربـمـا‬
‫وأجريت فيها شأو غرب ومشرق‬ ‫فدعها فقد أعذرت في ذكر وصلها‬
‫تجيرك من عسر الزمان المطبـق‬ ‫ولكن لعبد الله فانطـق بـمـدحـه‬
‫هلموا وساري الليل م الن فاطرق‬ ‫أخ قلت للذنين لمـا مـدحـتـه‬
‫متى يعر أمر القوم يفر ويخـلـق‬ ‫شديد التأني في المور مـجـرب‬
‫كما للت في السيف جرية رونق‬ ‫ترى الخبر يجري في أسرة وجهه‬
‫له نسب فوق السماك المحـلـق‬ ‫كريم إذا مـا شـاء عـد لـه أبـا‬
‫متى ما تسابق بابنها القوم تسبـق ومما يغنى فيه من قصيدة ابن هرمة اليائية‬ ‫وأما لها فضل علـى كـل حـرة‬
‫‪:‬التي مدح بها ابن معاوية قوله‪ :‬صوت‬

‫صفحة ‪1374 :‬‬

‫عمرك الله هـل رأيت بـديا‬ ‫عجبت جارتي لشيب علنـي‬


‫ذر من عاش في الزمان عتيا غنى فيهما فليح رمل بالبنصر من رواية عمرو بن بانة‬ ‫إنما يعـذر الـولـيد ول يع‬
‫‪ .‬ومن رواية حبش فيهما لبن محرز خفيف ثقيل بالبنصر‬
‫خروج عبد الله بن معاوية على بني أمية‪ :‬حدثنا بالسبب في خروجه أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا علي بن محمد‬
‫النوفلي عن أبيه وعمه عيسى‪ ،‬قال ابن عمار وأخبرنا أيضا ببعض خبره أحمد بن أبي خيثمة عن مصعب الزبيري‪ ،‬قال ابن عمار‬
‫وأخبرني أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن أبي اليقظان وشهاب بن عبد الله وغيرهما‪ ،‬قال ابن عمار وحدثني به‬
‫سليمان بن أبي شيخ عمن ذكره‪ .‬قال أبو الفرج الصبهاني‪ :‬ونسخت أنا أيضا بعض خبره من كتاب محمد بن علي بن حمزة عن‬
‫المدائني وغيره فجمعت معاني ما ذكروه في ذلك كراهة الطالة‪ :‬أن عبد الله بن معاوية قدم الكوفة زائرا لعبد الله بن عمر بن‬
‫عبد العزيز ومستميحا له‪ ،‬فتزوج بالكوفة بنت الشرقي بن عبد المؤمن بن شبث بن ربعي الرياحي‪ ،‬فلما وقعت العصبية أخرجه‬
‫أهل الكوفة على بني أمية‪ ،‬وقالوا له‪ :‬اخرج فأنت أحق بهذا المر من غيرك‪ ،‬واجتمعت له جماعة‪ ،‬فلم يشعر به عبد الله بن‬
‫عمر إل وقد خرج عليه‪ .‬قال ابن عمار في خبره‪ :‬إنه إنما خرج في أيام يزيد بن الوليد‪ ،‬ظهر بالكوفة ودعا من آل محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم ولبس الصوف وأظهر سيمى الخير‪ ،‬فاجتمع إليه وبايعه بعض أهل الكوفة‪ ،‬ولم يبايعه كلهم وقالوا‪ :‬ما فينا بقية‬
‫قد قتل جمهورنا مع أهل هذا البيت‪ ،‬وأشاروا عليه بقصد فارس وبلد المشرق فقبل ذلك‪ ،‬وجمع جموعا من النواحي‪ ،‬وخرج معه‬
‫عبد الله بن العباس التميمي‪ .‬قال محمد بن علي بن حمزة عن سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم عن عوانة‪ :‬إن ابن‬
‫معاوية قبل قصده المشرق ظهر بالكوفة ودعا إلى نفسه‪ ،‬وعلى الكوفة يومئذ عامل ليزيد الناقص يقال له عبد الله بن عمر‪،‬‬
‫فخرج إلى ظهر الكوفة مما يلي الحرة‪ ،‬فقاتل ابن معاوية قتال شديدا‪ .‬قال محمد بن علي بن حمزة عن المدائني عن عامر بن‬
‫حفص‪ ،‬وأخبرني به ابن عمار عن أحمد بن الحارث عن المدائني‪ :‬أن ابن عمر هذا دس إلى رجل من أصحاب ابن معاوية من‬
‫وعده عنه مواعيد على أن ينهزم عنه وينهزم الناس بهزيمته‪ ،‬فبلغ ذلك ابن معاوية‪ ،‬فذكره لصحابه وقال‪ :‬إذا انهزم ابن حمزة‬
‫‪:‬فل يهولنكم‪ ،‬فلما التقوا انهزم ابن حمزة وانهزم الناس معه فلم يبق غير ابن معاوية‪ ،‬فجعل يقاتل وحده ويقول‬
‫فما يدري خداش ما يصيد ثم ولى وجهه منهزما فنجا‪ ،‬وجعل يجمع من الطراف‬ ‫تفرقت الظباء على خداش‬
‫والنواحي من أجابه‪ ،‬حتى صار في عدة‪ ،‬فغلب على ماه الكوفة وماه البصرة وهمذان وقم والري وقومس وأصبهان وفارس‪،‬‬
‫وأقام هو بأصبهان‪ .‬قال‪ :‬وكان الذي أخذ له البيعة بفارس محارب بن موسى مولى بني يشكر‪ ،‬فدخل دار المارة بنعل ورداء‬
‫‪ .‬واجتمع الناس إليه‪ ،‬فأخذهم بالبيعة؛ فقالوا‪ :‬علم نبايع? فقال‪ :‬على ما أحببتم وكرهتم‪ ،‬فبايعوا على ذلك‬
‫وكتب عبد الله بن معاوية فيما ذكر محمد بن علي بن حمزة عن عبد الله بن محمد بن إسماعيل الجعفري عن أبيه عن عبد‬
‫العزيز بن عمران عن محمد بن جعفر بن الوليد مولى أبي هريرة ومحرز بن جعفر‪ :‬أن عبد الله بن معاوية كتب إلى المصار‬
‫يدعو إلى نفسه ل إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬واستعمل أخاه الحسن على إصطخر‪ ،‬وأخاه يزيد على‬
‫شيراز‪ ،‬وأخاه عليا على كرمان‪ ،‬وأخاه صالحا على قم ونواحيها‪ ،‬وقصدته بنو هاشم جميعا منهم السفاح والمنصور وعيسى بن‬
‫علي‪ .‬وقال ابن أبي خيثمة عن مصعب‪ :‬وقصده وجوه قريش من بني أمية وغيرهم‪ ،‬فممن قصده من بني أمية سليمان بن‬
‫‪ .‬هشام بن عبد الملك وعمر بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان‪ ،‬فمن أراد منهم عمل قلده‪ ،‬ومن أراد منهم صلة وصله‬
‫‪:‬وجه إليه مروان بن محمد جيشا لمحاربته بقيادة ابن ضبارة‬

‫صفحة ‪1375 :‬‬

‫فلم يزل مقيما في هذه النواحي التي غلب عليها حت ولي مروان بن محمد الذي يقال له مروان الحمار‪ ،‬فوجه إليه عامر بن‬
‫ضبارة في عسكر كثيف‪ ،‬فسار إليه حتى إذا قرب من أصبهان ندب له ابن معاوية أصحابه وحضهم على الخروج إليه‪ ،‬فلم يفعلوا‬
‫ول أجابوه‪ ،‬فخرج على دهش هو وإخوته قاصدين لخراسان وقد ظهر أبو مسلم بها ونفى عنها نصر ابن سيار فلما صار في‬
‫بعض الطريق نزل على رجل من التناء ذي مروءة ونعمة وجاه ‪ ،‬فسأله معونته‪ ،‬فقال له‪ :‬من أنت من ولد رسول الله صلى الله‬
‫‪ .‬عليه وسلم? أأنت إبراهيم المام الذي يدعى له بخراسان? قال‪ :‬ل‪ ،‬قال فل حاجة لي في نصرتك‬
‫التجأ إلى أبي مسلم فحبسه‪ :‬فخرج إلى أبي مسلم وطمع في نصرته‪ ،‬فأخذه أبو مسلم وحبسه عنده‪ ،‬وجعل عليه عينا يرفع‬
‫إليه أخباره‪ ،‬فرفع إليه أنه يقول‪ :‬ليس في الرض أحمق منكم يا أهل خراسان في طاعتكم هذا الرجل وتسليمكم إليه مقاليد‬
‫أموركم من غير أن تراجعوه في شيء أو تسألوه عنه‪ ،‬والله ما رضيت الملئكة الحرام من الله تعالى بهذا حتى راجعته في أمر‬
‫‪ .‬آدم عليه السلم‪ ،‬فقالت‪ :‬أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء حتى قال لهم‪ :‬إني أعلم ما ل تعلمون‬
‫كتابه إلى أبي مسلم وهو في حبسه‪ :‬ثم كتب إليه عبد الله بن معاوية رسالته المشهورة التي يقول فيها‪ :‬إلى أبي مسلم‪ ،‬من‬
‫السير في يديه‪ ،‬بل ذنب إليه ول خلف عليه‪ .‬أما بعد فإنك مستودع ودائع‪ ،‬ومولى صنائع؛ وإن الودائع مرعية‪ ،‬وإن الصنائع‬
‫عارية؛ فاذكر القصاص‪ ،‬واطلب الخلص؛ ونبه للفكر قلبك‪ ،‬واتق الله ربك‪ ،‬وآثر ما يلقاك غدا على ما ل يلقاك أبدا‪ ،‬فإنك لق أما‬
‫‪ .‬سلفت‪ ،‬وغير لق ما خلفت‪ ،‬وفقك الله لما ينجيك‪ ،‬وآتاك شكر ما يبليك‬
‫قتله أبو مسلم ووجه برأسه إلى ابن ضبارة‪ :‬قال‪ :‬فلما قرأ كتابه رمى به‪ .‬ثم قال‪ :‬قد أفسد علينا أصحابنا وأهل طاعتنا وهو‬
‫محبوس في أيدينا‪ ،‬فلو خرج وملك أمرنا لهلكنا‪ ،‬ثم أمضى تدبيره في قتله‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بل دس إليه سما فمات منه‪ ،‬ووجه‬
‫برأسه إلى ابن ضبارة فحمله إلى مروان‪ ،‬فأخبرني عمر بن عبد الله العتكي قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى‬
‫أن عبد العزيز بن عمران حدثه عن عبد الله بن الربيع عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة أنه حضر مروان يوم الزاب وهو‬
‫يقاتل عبد الله بن علي‪ ،‬فسأل عنه فقيل له‪ :‬هو الشاب المصفر الذي كان يسب عبد الله ابن معاوية يوم جيء برأسه إليك‬
‫‪ .‬فقال‪ :‬والله لقد هممت بقتله مرارا‪ ،‬كل ذلك يحال بيني وبينه‪ ،‬وكان أمر الله قدرا مقدورا‬
‫كانت الزنادقة من خاصته‪ :‬حدثني أحمد بن عبد الله بن عمار قال حدثني النوفلي عن أبيه عن عمه قال‪ :‬كان عمارة بن حمزة‬
‫يرمى بالزندقة‪ ،‬فاستكتبه ابن معاوية‪ ،‬وكان له نديم يعرف بمطيع بن إياس‪ ،‬وكان زنديقا مأبونا‪ ،‬وكان له نديم آخر يعرف‬
‫بالبقلي وإنما سمي بذلك لنه كان يقول‪ :‬النسان كالبقلة فإذا مات لم يرجع‪ ،‬فقتله المنصور لما أفضت الخلفة إليه‪ .‬فكان‬
‫هؤلء الثلثة خاصته‪ ،‬وكان له صاحب شرطة يقال له قيس‪ ،‬وكان دهريا ل يؤمن بالله معروفا بذلك‪ ،‬فكان يعس بالليل قل يلقاه‬
‫‪:‬أحد إل قتله‪ ،‬فدخل يوما على ابن معاوية فلما رآه قال‬
‫لخبيث الهوى على شمطة‬ ‫إن قيسا وإن تقنع شـيبـا‬
‫وابن عشر يعد في سقطه وأقبل على مطيع فقال‪ :‬أجز أنت‪ ،‬فقال‬ ‫‪:‬ابن تسعين منظرا ومشيبـا‬
‫ل فعوذوا بالله من شرطه قسوته‪ :‬قال ابن عمار‪ :‬أخبرني أحمد بن الحارث الخراز‬ ‫وله شرطة إذا جنه اللـي‬
‫عن المدائني عن أبي يقظان وشباب بن عبد الله وغيرهما‪ ،‬قال ابن عمار وحدثني به سليمان بن أبي شيخ عمن ذكره‪ :‬أن ابن‬
‫معاوية كان يغضب على الرجل فيأمر بضربه بالسياط وهو يتحدث ويتغافل عنه حتى يموت تحت السياط‪ ،‬وأنه فعل ذلك برجل‪،‬‬
‫‪ .‬فجعل يستغيث فل يلتفت إليه‪ ،‬فناداه‪ :‬يا زنديق‪ ،‬أنت الذي تزعم أنه يوحى إليك فلم يلتفت إليه وضربه حتى مات‬
‫‪:‬حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني النوفلي عن أبيه عن عمه عيسى قال‬

‫صفحة ‪1376 :‬‬

‫كان ابن معاوية أقسى خلق الله قلبا‪ ،‬فغضب على غلم له وأنا جالس عنده في غرفة بأصبهان‪ ،‬فأمر بأن يرمى به منها إلى‬
‫أسفل‪ ،‬ففعل ذلك به فتعلق بدرابزين كان على الغرفة‪ ،‬فأمر بقطع يده التي أمسكه بها‪ ،‬فقطعت ومر الغلم يهوي حتى بلغ إلى‬
‫‪ .‬الرض فمات‬
‫‪:‬بعض شعره‪ :‬وكان مع هذه الحوال من ظرفاء بني هاشم وشعرائهم‪ ،‬وهو الذي يقول‬
‫وعما تؤنب من أجـلـه‬ ‫أل تزع القلب عن جهـلـه‬
‫وأقصر ذو العذل عن عذله‬ ‫فأبدل بعد الصبا حـلـمـه‬
‫تلوم أخاك على مـثـلـه‬ ‫فل تركبن الصنـيع الـذي‬
‫يخالف ما قال في فعـلـه‬ ‫ول يعجبنك قـول امـرئ‬
‫ولكن سل الله من فضلـه‬ ‫ول تتبع الطرف ما ل تنال‬
‫ويحمد في رزقـه كـلـه أنشدنا هذا الشعر له ابن عمار عن أحمد بن خيثمة عن‬ ‫فكم من مقل ينال الغـنـى‬
‫‪:‬يحيى بن معين‪ .‬وذكر محمد بن علي العلوي عن أحمد بن أبي خيثمة أن يحيى بن معين أنشده أيضا لعبد الله بن معاوية‬
‫عليها فلم يظهر لها أبـدا فـقـري‬ ‫إذا افتقرت نفسي قصرت افتقارهـا‬
‫يكن لخلئي التوسع في الـيسـر‬ ‫وإن تلقني في الدهر مندوحة الغنـى‬
‫ول اليسر يوما إن ظفرت به فخري وهذا الشعر الذي عنى به أعني قوله‬ ‫‪:‬فل العسر يزري بي إذا هو نالنـي‬
‫وعين الرضا عن كل عيب كليلة يقوله ابن معاوية للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب‪ ،‬وكان‬
‫‪ .‬الحسين أيضا سيء المذهب مطعونا في دينه‬
‫شعره في الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس‪ :‬أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني علي بن محمد بن‬
‫سليمان النوفلي قال حدثني إبراهيم بن يزيد الخشاب قال‪ :‬كان ابن معاوية صديقا للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن‬
‫العباس بن عبد المطلب‪ ،‬وكان حسين هذا وعبد الله بن معاوية يرميان بالزندقة‪ .‬فقال الناس‪ :‬إنما تصافيا على ذلك‪ ،‬ثم دخل‬
‫‪:‬بينهما شيء من الشياء فتهاجرا من أجله‪ ،‬فقال عبد الله بن معاوية‬
‫فمحصه التكشيف حتى بدا لـيا‬ ‫وإن حسينا كان شيئا مـلـفـفـا‬
‫ولكن عين السخط تبدي المساويا‬ ‫وعين الرضا عن كل عيب كليلة‬
‫فإن عرضت أيقنت أن ل أخا ليا وله في الحسين أشعار كلها معاتبات‪ ،‬فمنها‬ ‫وأنت أخي ما لم تكن لي حـاجة‬
‫ما أخبرني به أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة‪ .‬قال‪ :‬أنشدني يحيى بن الحسن لعبد الله بن معاوية‪ ،‬يقوله في الحسين بن‬
‫‪:‬عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب‬
‫أقدر الود بـينـنـا قـدره‬ ‫قل لذي الود والصفاء حسين‬
‫من عتاب الديم ذي البشره قال وقال له أيضا‬ ‫‪:‬ليس للدابغ المـقـرظ بـد‬
‫إن ابن عمك وابن أمك معلم شاكي السلح‬
‫ضى حـين يبـطـش بـالـجـنـــاح‬ ‫يقص العدو وليس ير‬
‫لتحسبن أذى ابن عمك شرب ألبان اللقاح‬
‫ة إذا يســـوغ بـــالـــقـــراح‬ ‫بل كالشجا تحت اللها‬
‫ك تـحـت أطـراف الـــرمـــاح‬ ‫فانـظـر لـنـفـسـك مــن يجـــي‬
‫بالـغـيب أن يلــحـــاك لحـــي خبره مع جده عبد الحميد بن عبيد الله‪ :‬أخبرني‬ ‫من ل يزال يســـــــــــــوءه‬
‫الحرمي والطوسي قال حدثنا الزبير وحدثني أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا يحيى ابن الحسن قال حدثنا الزبير قال حدثني‬
‫محمد بن يحيى‪ :‬أن عبد الله بن معاوية مر بجده عبد الحميد في مزرعته بصرام وقد عطش فاستسقاه‪ ،‬فخاض له سويق لوز‬
‫‪:‬فسقاه إياه‪ ،‬فقال عبد الله بن معاوية‬
‫كذوب الثلج خالطه الرضاب قال يحيى قال الزبير‪ :‬الرضاب ماء المسك‪ ،‬ورضاب‬ ‫شربت طبرزذا بغريض مزن‬
‫‪:‬كل شيء‪ :‬ماؤه‪ .‬فقال عبد الحميد ابن عبيد الله يجيب عبد الله بن معاوية على قوله‬
‫ولكن الملح بكـم عـذاب‬ ‫ما إن ماؤنا بغريض مـزن‬
‫بمسك ل به طاب الشـراب‬ ‫وما إن بالطبرزذ طاب لكن‬
‫يطيب إذا مشيت بها التراب‬ ‫وأنت إذا وطئت تراب أرض‬
‫وتحييها أياديك الـرطـاب تغنى إبراهيم الموصلي في شعره‬ ‫‪:‬لن نداك يطفى المحل عنها‬

‫صفحة ‪1377 :‬‬

‫قال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن جده إبراهيم الموصلي قال‪ :‬بينا نحن عن‬
‫الرشيد أنا وابن مجامع وعمرو والغزال إذ قال صاحب الستارة لبن جامع‪ :‬تغن في شعر عبد الله بن معاوية بن عبد الله جعفر‪،‬‬
‫قال‪ :‬ولم يكن ابن مجامع يغني في شيء منه‪ ،‬وفطنت لما أراد من شعره‪ ،‬وكنت قد تقدمت فيه‪ ،‬فأرتج على ابن جامع‪ ،‬فلما‬
‫‪:‬رأيت ما حل به اندفعت فغنيت‪ :‬صوت‬
‫له من سبيل إلى جمـلـه‬ ‫يهيم بجمـل ومـا إن يرى‬
‫وقد عشق الناس من قبله‬ ‫كأن لم يكن عاشق قبـلـه‬
‫ومنهم من أشفى على قتله فإذا يد قد رفعت الستارة‪ ،‬فنظر إلي وقال‪ :‬أحسنت‬ ‫فمنهم من الحب أودى بـه‬
‫والله أعد‪ ،‬فأعدته فقال‪ :‬أحسنت حتى فعل ذلك ثلث مرات‪ ،‬ثم قال لصاحب الستارة كلما لم أفهمه‪ ،‬فدعا صاحب الستارة‬
‫غلما فكلمه‪ ،‬فمر الغلم يسعى فإذا بدرة دنانير قد جاءت يحملها فراش‪ ،‬فوضعت تحت فخذي اليسرى وقيل لي‪ :‬اجعلها‬
‫تكأتك ‪ ،‬قال‪ :‬فلما انصرفنا قال لي ابن جامع‪ :‬هل كنت وضعت لهذا الشعر غناء قبل هذا الوقت? فقلت‪ :‬ما شعر قيل في‬
‫الجاهلية ول السلم يدخل فيه الغناء إل وقد وضعت له لحنا خوفا من أن ينزل بي ما نزل بك‪ .‬فلما كان المجلس الثاني وحضرنا‬
‫قال صاحب الستارة‪ :‬يابن جامع‪ ،‬تغن في شعر عبد الله بن معاوية‪ ،‬فوقع في مثل الذي وقع فيه بالمس‪ ،‬قال إبراهيم‪ :‬فلما‬
‫‪:‬رأيت ما حل به اندفعت فغنيت‪ :‬صوت‬
‫ش لـيس تـؤمـن فـاجـعـاتــه‬ ‫يا قـوم كــيف ســـواغ عـــي‬
‫تغـدو عـلـيك مـنـغـصـاتــه‬ ‫ليســت تـــزال مـــطـــلة‬
‫يومـا عـلـى كـره أنـــاتـــه‬ ‫الــمـــوت هـــول داخـــل‬
‫ر مـن أن تـقـنـصـه رمـاتــه‬ ‫لبـد لـلـحـذر الــنـــفـــو‬
‫ل بـغـير مـا شــيء رزاتـــه‬ ‫قد أمـنـح الـود الــخـــلـــي‬
‫وله أقيم قناة ودي ما استقامت لي قناته قال‪ :‬فأومأ إلي صاحب الستارة أن أمسك‪ ،‬ووضع يده على عينه كأنه يومئ إلي أنه‬
‫يبكي‪ ،‬قال‪ :‬فأمسكت ثم انصرفنا ‪ ،‬فقال لي ابن جامع‪ :‬ما صب أمير المؤمنين على ابن جعفر? قلت‪ :‬صبه الله عليه لبدرة‬
‫الدنانير التي أخذتها‪ .‬قال ثم حضر بعد ذلك‪ ،‬فلما اطمأن بنا مجلسنا قال ابن جامع بكلم خفي‪ :‬اللهم أنسه ذكر ابن جعفر‪ ،‬قال‬
‫فقلت‪ :‬اللهم ل تستجب‪ ،‬فقال صاحب الستارة‪ :‬يابن جامع تغن في شعر عبد الله بن معاوية‪ ،‬قال‪ :‬فقال ابن جامع‪ :‬لو كان‬
‫عندهم في عبد الله بن معاوية خير لطار مع أبيه ولم يقبل على الشعر‪ ،‬قال إبراهيم‪ :‬فسمعنا ضحكة من وراء الستارة‪ .‬قال‬
‫‪:‬إبراهيم فاندفعت أغني في شعره‪ :‬صوت‬
‫ومن أيما شأننا تعـجـب‬ ‫? سل ربة الخدر ما شأنـهـا‬
‫على إربه بعض ما يطلـب‬ ‫فلست بـأول مـن فـاتـه‬
‫فزوج غير التي يخـطـب‬ ‫وكائن تعرض من خاطـب‬
‫وكانت له قبلة تـحـجـب‬ ‫وأنكحـهـا بـعـده غـيره‬
‫نخاف الوشاة وما سبـبـوا‬ ‫وكنا جـديثـا صـفـيين ل‬
‫فبانت وفي الناس مستعتـب‬ ‫فإن شطت الدار عنا بـهـا‬
‫كصدع الزجاجة ما يشعـب‬ ‫وأصبح صدع الذي بـينـنـا‬
‫إلى الضرع من بعدما يحلب غنى في البيتين الولين إبراهيم الموصلي خفيف ثقيل‬ ‫وكالدر ليسـت لـه رجـعة‬
‫الول بالوسطى من رواية أحمد بن يحيى المكي ووجدتهما في بعض الكتب خفيف رمل غير منسوب‪ .‬قال‪ :‬فقال لي صاحب‬
‫الستارة‪ :‬أعد فأعدته‪ ،‬فأحسب أمير المؤمنين نظر إلى ابن جامع كاسف البال‪ ،‬فأمر له بمثل الذي أمر لي بالمس‪ ،‬وجاؤوني‬
‫ببدرة فوضعت تحت فخذي اليسرى أيضا‪ ،‬وكان ابن جامع فيه حسد ما يستتر منه‪ ،‬فلما انصرفنا قال‪ :‬اللهم أرحنا من ابن جعفر‬
‫هذا‪ ،‬فما أشد بغضي له‪ ،‬لقد بغض إلي جده‪ ،‬فقلت‪ :‬ويحك تدري ما تقول قال‪ :‬فمن يدري ما يقول? إذا لوددت أني لم أر إقباله‬
‫‪ .‬عليك وعلى غنائك في شعر هذا البغيض ابن البغيضة‪ ،‬وأني تصدقت بها يعني البدرة‬
‫‪ .‬وهذا الصوت الخير يقول شعره عبد الله بن معاوية في زوجته أم زيد بنت زيد بن علي بن الحسين عليهما السلم‬
‫شمتت به امرأته حين خطب امرأة وتزوجها غيره فقال في ذلك شعرا‪ :‬أخبرني الطوسي والحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار‬
‫‪:‬عن عمه قال‬

‫صفحة ‪1378 :‬‬

‫خطب عبد الله بن معاوية ربيحة بنت محمد بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن جعفر‪ ،‬وخطبها بكار بن عبد الملك بن مروان‪،‬‬
‫‪:‬فتزوجت بكارا‪ ،‬فشمتت بعبد الله امرأته أم زيد بنت زيد بن علي بن الحسين‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫ومن أيما شأننا تعجـب فقال ابن خيثمة في خبره عن مصعب قال له‪ :‬والله ما شمت‬ ‫سل ربة الخدر ما شأنها‬
‫‪:‬ولكني نفست عليك‪ ،‬فقال لها‪ :‬ل جرم والله ل سؤتك أبدا ما حييت‪ :‬صوت‬
‫والقوم من سنة نشاوى بالكـرى‬ ‫طاف الخيال من أم شيبة فاعترى‬
‫هجعوا قليل بعدما ملوا السرى الشعر لبي وجزة السعدي‪ ،‬والغناء لسحاق‪،‬‬ ‫طافت بخوص كالقسي وفـتـية‬
‫‪ .‬ثقيل أول بالبنصر‬

‫أخبار أبي وجزة ونسبه‬


‫نسبه‪ :‬اسمه يزيد بن عبيد فيما ذكره أصحاب الحديث‪ .‬وذكر بعض النسابين أن اسمه يزيد بن أبي عبيد‪ ،‬وأنه كان له أخ يقال‬
‫‪ .‬له عبيد‪ ،‬وانتسب إلى بني سعد بن بكر بن هوازن لولئه فيهم‬
‫دخل مع أبيه في بني سعد‪ :‬وأصله من سليم من بني ضبيس بن هلل بن قدم بن ظفر بن الحارث بن بهثة بن سليم؛ ولكنه‬
‫لحق أباه وهو صبي سباء في الجاهلية‪ ،‬فبيع بسوق ذي المجاز‪ ،‬فابتاعه رجل من بني سعد‪ ،‬وأستعبده‪ ،‬فلما كبر استعدى عمر‬
‫رضي الله عنه وأعلمه قصته‪ ،‬فقال له‪ :‬إنه ل سباء على عربي‪ ،‬وهذا الرجل قد أمتن عليك فإن شئت فأقم عنده‪ ،‬وإن شئت‬
‫‪ .‬فالحق بقومك‪ ،‬فأقام في بني سعد وانتسب إليهم هو وولده‬
‫كان بنو سعد أظآر رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬وبنو سعد أظآر رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كان مسترضعا فيهم‬
‫عند امرأة يقال لهم حليمة‪ ،‬فلم يزل فيهم عليه السلم حتى يفع‪ ،‬ثم أخذه جده عبد المطلب منهم فرده إلى مكة‪ ،‬وجاءته‬
‫حليمة بعد الهجرة‪ ،‬فأكرمها وبرها وبسط لها رداءه فجلست عليه‪ .‬وبنو سعد تفتخر بذلك على سائر هوازن‪ ،‬وحقيق بكل مكرمة‬
‫‪ .‬وفخر من اتصل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدنى سبب أو وسيلة‬
‫آثر أبوه النتساب إلى بني سعد دون قومه بني سليم‪ :‬أخبرني بخبره الذي حكيت جمل منه في نسبه وولئه أبو دلف هاشم بن‬
‫محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل العتكي قال حدثنا محمد بن سلم الجمحي عن يونس‪ .‬وأخبرني أبو خليفة فيما‬
‫كتب به إلي عن محمد بن سلم عن يونس وأخبرني به عمي عن الكراني عن الرياشي عن محمد بن سلم عن يونس وأخبرني‬
‫‪ .‬علي بن سليمان الخفش عن أبي سعيد السكري عن يعقوب بن السكيت قالوا جميعا سوى يعقوب‬
‫كان عبيد أبو أبي وجزة السعدي عبدا بيع بسوق ذي المجاز في الجاهلية فابتاعه وهيب بن خالد بن عامر بن عمير بن ملن بن‬
‫ناصرة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن‪ ،‬فأقام عنده زمانا يرعى إبله‪ ،‬ثم إن عبيدا ضرب ضرع ناقة لموله فأدماه‪ ،‬فلطم‬
‫وجهه‪ ،‬فخرج عبيد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مستعديا فلما قدم عليه قال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أنا رجل من بني سليم‪،‬‬
‫ثم من بني ظفر أصابني سباء الجاهلية كما يصيب العرب بعضها من بعض‪ ،‬وأنا معروف النسب‪ ،‬وقد كان رجل من بني سعد‬
‫ابتاعني‪ ،‬فأساء إلي وضرب وجهي‪ ،‬وقد بلغني أنه ل سباء في السلم‪ ،‬ول رق على عربي في السلم‪ .‬فما فرغ من كلمه حتى‬
‫أتاه موله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على أثره‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬هذا غلم ابتعته بذي المجاز‪ ،‬وقد كان يقوم‬
‫في مالي‪ ،‬فأساء فضربته ضربة والله ما أعلمني ضربته غيرها قط‪ ،‬وإن الرجل ليضرب ابنه أشد منها فكيف بعبده‪ ،‬وأنا أشهدك‬
‫أنه حر لوجه الله تعالى‪ ،‬فقال عمر لعبيد‪ :‬قد امتن عليك هذا الرجل‪ ،‬وقطع عنك مؤنه البينة‪ ،‬فإن أحببت فأقم معه‪ ،‬فله عليك‬
‫منة‪ ،‬وإن أحببت فالحق بقومك‪ ،‬فأقام مع السعدي وانتسب إلى بني سعد بن بكر بن هوازن‪ ،‬وتزوج زينب بنت عرفطة المزنية‪،‬‬
‫فولدت له أبا وجزة وأخاه‪ ،‬وقال يعقوب‪ :‬وأخاه عبيدا‪ ،‬وذكر أن أباهما كان يقال له أبو عبيد‪ ،‬ووافق من ذكرت روايته في سائر‬
‫الخبر‪ ،‬فلما بلغ ابناه طالباه بأن يلحق بأصله وينتمي إلى قومه من بني سليم‪ ،‬فقال‪ :‬ل أفعل ول ألحق بهم فيعيروني كل يوم‬
‫ويدفعوني‪ ،‬وأترك قوما يكرموني ويشرفوني‪ ،‬فوالله لئن ذهبت إلى بني ظفر ل أرعى طمة ‪ ،‬ول أراد جمة‪ ،‬إل قالوا لي‪ :‬يا عبد‬
‫‪:‬بني سعد قال‪ :‬وطمة‪ :‬جبل لهم‪ .‬فقال أبو وجزة في ذلك‬

‫صفحة ‪1379 :‬‬

‫ضخما مناكبه تميم الهـادي‬ ‫أنمى فأعقل في ضبيس معقل‬


‫بقوى متينات الحبـال شـداد كان من التابعين وروى عن جماعة من أصحاب‬ ‫والعقد في ملن غير مزلـج‬
‫رسول الله‪ :‬وكان أبو وجزة من التابعين‪ ،‬وقد روى عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ورأى عمر بن‬
‫‪ .‬الخطاب رضي الله تعالى عنه‪ ،‬ولم يسند إليه حديثا‪ ،‬ولكنه حدث عن أبيه عنه بحديث الستسقاء‪ ،‬ونقل عنه جماعة من الرواة‬
‫أخبرني محمد بن خلف وكيع وعمي قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثني إبراهيم بن حمزة قال حدثني موسى بن شيبة‬
‫قال‪ :‬سمعت أبا وجزة السعدي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ليس شعر حسان بن ثابت ول كعب بن مالك ول‬
‫‪ .‬عبد الله بن رواحة شعرا‪ ،‬ولكنه حكمة‬
‫فأما خبر الستسقاء الذي رواه عن أبيه عن عمرو فإن الحسن بن علي أخبرنا به قال حدثنا محمد بن القاسم قال حدثني عبد‬
‫الله بن عمرو عن علي بن الصباح عن هشام بن محمد عن أبيه عن أبي وجزة السعدي عن أبيه قال‪ :‬شهدت عمر بن الخطاب‬
‫رضي الله تعالى عنه وقد خرج بالناس ليستسقي عام الرمادة؛ فقام وقام الناس خلفه‪ ،‬فجعل يستغفر الله رافعا صوته ل يزيد‬
‫على ذلك؛ فقلت في نفسي‪ :‬ما له ل يأخذ فيما جاء له؛ ولم أعلم أن الستغفار هو الستسقاء فما برحنا حتى نشأت سحابة‬
‫وأظلتنا‪ ،‬فسقي الناس‪ ،‬وقلدتنا السماء قلدا‪ ،‬كل خمس عشرة ليلة‪ ،‬حتى رأيت الرينة تأكلها صغار البل من وراء حقاق العرفط‬
‫‪.‬‬
‫مات سنة ثلثين ومائة‪ :‬وأخبرني أبو الحسن السدي وهاشم بن محمد الخزاعي جميعا عن الرياشي عن الصمعي عن عبد الله‬
‫بن عمر العمري عن أبي وجزة السعدي عن أبيه‪ ،‬وذكر الحديث مثله‪ .‬وأخبرني به إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم بن‬
‫قتيبة‪ ،‬واللفظ متقارب وزاد الرياشي في خبره‪ :‬فقلت لبي وجزة‪ :‬ما حقاق العرفط? قال‪ :‬نبات سنتين وثلث‪ .‬وزاد ابن قتيبة‬
‫‪ .‬في خبره عليهم قال‪ :‬ومات أبو وجزة سنة ثلثين ومائة‬
‫‪:‬هو أحد من شبب بعجوز حيث يقول‬
‫فيم ابن سبعين المعمر من دد‬ ‫?يأيها الرجل الموكل بالصـبـا‬
‫أمست تجدد كاليماني الـجـيد‬ ‫حتام أنت مـوكـل بـقـديمة‬
‫عقل وفاضلة وشـيمة سـيد‬ ‫زان الجلل كمالها ورسا بهـا‬
‫غران في طلب الشباب الغيد‬ ‫ضنت بنائلها عليك وأنـتـمـا‬
‫هيهات نائلها مكان الفـرقـد روى صورة استسقاء عمر عن أبيه‪ :‬وأخبرنا الحرمي‬ ‫فالن ترجو أن تثـيبـك نـائل‬
‫بن أبي العلء والطوسي جميعا قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد ابن الحسن المخزومي عن عبد الرحمن بن عبد الله‬
‫عن أبيه عن أبي وجزة السعدي عن أبيه قال‪ :‬استسقى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه‪ ،‬فلما وقف على المنبر أخذ في‬
‫الستغفار‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أراه يعمل في حاجته ثم قال في آخر كلمه‪ :‬اللهم إني قد عجزت وما عندك أوسع لهم‪ .‬ثم أخذ بيد‬
‫العباس رضي الله تعالى عنه‪ ،‬ثم قال‪ :‬وهذا عم نبيك‪ ،‬ونحن نتوسل إليك به‪ .‬فلما أراد عمر رضي الله تعالى عنه أن ينزل قلب‬
‫رداءه‪ ،‬ثم نزل فتراءى الناس طرة في مغرب الشمس‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما هذا ما رأينا قبل قزعة سحاب أربع سنين? قال‪ :‬ثم سمعنا‬
‫الرعد‪ ،‬ثم انتشر‪ ،‬ثم اضطرب‪ ،‬فكان المطر يقلدنا قلدا في كل خمس عشرة ليلة‪ ،‬حتى رأيت الرينة خارجة من حقاق العرفط‬
‫‪ .‬تأكلها صغار البل‬
‫مدح بني الزبير وأكرموه‪ :‬أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن جدي قال‪ :‬خرج أبو‬
‫وجزة السعدي وأبو زيد السلمي يريدان المدينة‪ ،‬وقد امتدح أبو وجزة آل الزبير‪ ،‬امتدح أبو زيد إبراهيم بن هشام المخزومي‪،‬‬
‫فقال له أبو وجزة‪ :‬هل لك في أن أشاركك فيما أصيب من آل الزبير‪ ،‬وتشاركني فيما تصيب من إبراهيم? فقال‪ :‬كل والله‪،‬‬
‫لرجائي في المير أعظم من رجائك في آل الزبير‪ .‬فقدما المدينة‪ ،‬فأتى أبو زيد دار إبراهيم‪ ،‬فدخلها وأنشد الشعر وصاح وجلب‪،‬‬
‫فقال إبراهيم لبعض أصحابه‪ :‬أخرج إلى هذا العرابي الجلف فاضربه وأخرجه‪ ،‬فأخرج وضرب‪ .‬وأتى أبو وجيزة أصحابه فمدحهم‬
‫‪:‬وأنشدهم‪ ،‬فكتبوا له إلى مال لهم بالفرع أن يعطي منه ستين وسقا من التمر‪ ،‬فقال أبو وجزة يمدحهم‬
‫آل الزبير ولم تعدل بهـم أحـدا‬ ‫راحت قلوصي رواحا وهي حامدة‬

‫صفحة ‪1380 :‬‬

‫ما حملت حملها الدنى ول السددا‬ ‫راحت بستين وسقا في حقيبتـهـا‬


‫يقرون ضيفهم الملوية الـجـددا يعني السياط‬ ‫‪ .‬ذاك القرى ل كأقوام عهـدتـهـم‬
‫‪:‬قال أبو الفرج الصفهاني‪ :‬قول أبي وجزة‬
‫راحت بستين وسقا في حقيبتها أنها حملت ستين وسقا ول تحمل ناقة ذلك ول تطيقه ول نصفه‪ ،‬وإنما عنى أنه انصرف عنهم‬
‫وقد كتبوا له بستين سقا فركب ناقته والكتاب معه بذلك قد حملته في حقيبتها‪ ،‬فكأنها حاملة بالكتاب ستين وسقا‪ ،‬ل أنها‬
‫‪ .‬أطاقت حمل ذلك‪ .‬وهذا ببيت معنى يسأل عنه‬
‫وقال يعقوب بن السكيت فيما حكيناه من روايته التي ذكرها الخفش لنا عن السكري في شعر أبي وجزة وأخباره‪ :‬أحسن‬
‫عمرو بن زيادة جواره فمدحه‪ :‬كان أبو وجزة قد جاور مزينة‪ ،‬وانتجع بلدهم لصهره فيهم‪ ،‬فنزل على عمرو بن زياد بن سهيل‬
‫بن مكدم بن عقيل بن عمرو بن مرة بن مازن بن عوف بن ثور بن هذمة بن لطم بن عثمان‪ ،‬فأحسن عمرو جواره وأكرم‬
‫‪:‬مثواه‪ ،‬فقال أبو وجزة يمدحه‬
‫تغير باقيها ومـح جـديدهـا‬ ‫لمن دمنة بالنعف عاف صعيدها‬
‫تصاف وإذ لما يرعنا صدودها‬ ‫لسعدة من عام الهزيمة إذ بنـا‬
‫للهو‪ ،‬وأما عن صبا فتذودهـا‬ ‫وإذ هي أما نفسهـا فـأريبـه‬
‫وشيمتها وحشية ل نصـيدهـا‬ ‫تصيد ألباب الرجال بـدلـهـا‬
‫تلل فيها البرق وابيض جيدها الباسقة‪ :‬التي فضلت غيرها من الغمام وطالت‬ ‫كباسقة الوسمي ساعة أسبلـت‬
‫‪ .‬عليه‪ ،‬قال الله تبارك وتعالى‪ :‬والنخل باسقات‬

‫من الرمل أو فيحان لم يعس عودها‬ ‫كبكر تراني فـرقـدين بـقـفـرة‬


‫كثير عليات المـور جـلـيدهـا‬ ‫لعمرو الندى عمر بـن آل مـكـدم‬
‫وعمرو فتى عثمان طرا وسيدهـا‬ ‫فتى بين مـسـروج وآل مـكـدم‬
‫على أمره‪ ،‬حامي الحصاة شديدها‬ ‫حليم إذا ما الجهل أفرط ذا النهـي‬
‫من آبائه يجني العـل ويفـيدهـا‬ ‫وما زال ينحو فعل من كان قبـلـه‬
‫وقربت من أدماء وار قصـيدهـا‬ ‫فكم من خليل قد وصلت وطـارق‬
‫وقد ظل مستدا علـيه وصـيدهـا تزوج زينب بنت عرفطة وقال فيها رجزا‬ ‫وذي كربة فرجت كـربة هـمـه‬
‫فأجابته برجز مثله ك أخبرني عمي قال حدثني العنزي قال حدثنا محمد بن معاوية عن يعقوب بن سلم بن عبد الله ابن أبي‬
‫مسروج قال‪ :‬تزوج أبو وجزة السعدي زينب بنت عرفطة بن سهل بن مكدم المزنية فولدت له عبيدا وكانت قد عنست ‪ ،‬وكان‬
‫‪:‬أبو وجزة يبغضها‪ ،‬وإنما أقام عليها لشرفها‪ ،‬فقال لها ذات يوم‬
‫من عرمس محزمها جلنفع‬ ‫أعطى عبيدا وعبيد مقـنـع‬
‫تجتلد الصحن وما إن تبضع‬ ‫ذات عساس ما تكاد تشبـع‬
‫كأنها فيهم شجـاع أقـرع فقالت زينب أم وجزة تجيبه‬ ‫‪:‬تمر في الـدار ول تـورع‬
‫ل حسن الوجه ول سـمـح يسـر‬ ‫أعطى عبيدا من شييخ ذي عـجـر‬
‫كأنما يقذف فـي ذات الـسـعـر‬ ‫يشرب عس المذق في اليوم الخصر‬
‫‪:‬تقاذف السيل من الشعب المضـر قال في ابنه عبيد رجزا فأجابه برجز أيضا‪ :‬قال‪ :‬وقال وجزة لبنه عبيد‬
‫أصلحك الله وأدنى ورحـم‬ ‫يا راكب العنس كمرداة العلم‬
‫عنى عبيد بن يزيد لو علـم‬ ‫إن أنت أبلغت وأديت الكلـم‬
‫منك ومن أم تلقتـك وعـم‬ ‫قد علم القوام أن سينتـقـم‬
‫أنذرتك الشدة من ليث أضم‬ ‫رب يجازي السيئات من ظلم‬
‫فارجع إلى أمك تفرشك ونم‬ ‫عاد أبي شبلين فرفار لحـم‬
‫واطعم فإن الله رزاق الطعم فقال عبيد لبيه‬ ‫‪:‬إلىعجوز رأسها مثـل الرم‬
‫فسوف يكفيك غلم كالزلـم‬ ‫دعها أبا وجزة واقعد في الغنم‬
‫وفي قفاه لقمة من اللـقـم‬ ‫مشمر يرقل في نعـل خـذم‬
‫حتى تناهت في قفا جعد أحم هجاه أبو مزاحم وعيره بنسبه فرد عليه‪ :‬قال‬ ‫قد ولهت ألفها غـير لـمـم‬
‫‪:‬يعقوب‪ :‬وقال أبو المزاحم يهجو أبا وجزة ويعيره بنسبه‬

‫صفحة ‪1381 :‬‬

‫وسعد‪ ،‬وما ندري ليهما العبد ? فأجابه أبو وجزة فقال‬ ‫‪ :‬دعتك سليم عبدها فأجـبـتـهـا‬
‫سليم وأعطتني بأيمانها سعد‬ ‫أعيرتموني أن دعتني أخاهم‬
‫لسعد‪ ،‬وسعد ما يحل لها عقد مدح عبد الله بن الحسن وإخوته فأكرموه‪:‬‬ ‫فكنت وسيطا في سليم معاقدا‬
‫أخبرني أبو جعفر أحمد بن محمد بن نصر الضبعي إجازة قال حدثنا محمد بن مسعود الزرقي عن مسعود بن المفضل مولى آل‬
‫حسن بن حسن قال‪ :‬قدم أبو وجزة السعدي على عبد الله بن الحسن وإخوته سويقة ‪ ،‬وقد أصابت قومه سنة مجدبة‪ ،‬فأنشده‬
‫‪:‬قوله يمدحه‬
‫أثني به أحد يومـا عـلـى أحـد‬ ‫أثني علي ابني رسول الله أفضل ما‬
‫من والدين ومن صهر ومن ولـد‬ ‫السيدين الكريمي كل منـصـرف‬
‫في أصل مجد رفيع السمك والعمد‬ ‫ذرية بعضها من بعضها عمـرت‬
‫وحسن وعلي وابـتـنـوا لـغـد‬ ‫ماذا بنى لهم من صالـح حـسـن‬
‫تبقى وتخـلـد فـيه آخـر البـد‬ ‫فكرم الله ذاك الـبـيت تـكـرمة‬
‫إذا تعوجـت الـعـيدان مـن أود‬ ‫هم السدى والندى‪ ،‬ما في قناتـهـم‬
‫إذا نسبن زلل البـارق الـبـرد‬ ‫مهذبون هـجـان أمـهـاتـهـم‬
‫إلى العواتك مجد غير منـتـقـد‬ ‫بين الفواطم مـاذا ثـم مـن كـرم‬
‫وما لهم دونه من دار ملـتـحـد قال‪ :‬فأمر له عبد الله بن الحسن وحسن‬ ‫ما ينتهي المجد إل في بني حسـن‬
‫‪ .‬وإبراهيم بمائة وخمسين دينارا وأوقروا له رواحله برا وتمرا‪ ،‬وكسوه ثوبين ثوبين‬
‫فرض له عبد الملك بن يزيد السعدي عطاء في الجند وندبه لحرب أبي حمزة فقال في ذلك رجزا‪ :‬أخبرني إسماعيل بن يونس‬
‫الشيعي قال حدثنا عمر بن شنة قال حدثني أبو غسان والمدائني جميعا‪ :‬أن عبد الملك بن يزيد بن محمد بن عطية السعدي‬
‫كان قد ندب لقتال أبي حمزة الزدي الشاري لما جاء إلى المدينة فغلب عليها‪ ،‬قال‪ :‬وبعث إليه مروان بن محمد بمال‪ ،‬ففرقه‬
‫‪:‬فيمن خف معه من قومه‪ ،‬فكان فيمن فرض له منهم أبو وجزة وابناه‪ ،‬فخرج معترضا للعسكر على فرس‪ ،‬وهو يرتجز ويقول‬
‫جئناك بالعـادية الـصـنـديد‬ ‫قل لبي جـمـزة هـيد هـيد‬
‫فارس قيس نجدها المـعـدود‬ ‫بالبطل الـقـرم أبـي الـولـيد‬
‫كالسيف قد سل من الغـمـود‬ ‫في خيل قيس والكماة الـصـيد‬
‫في الفرع من قيس وفي العمود‬ ‫محض هجان ماجـد الـجـدود‬
‫مالي من الطارف والـتـلـيد‬ ‫فدى لعبد المـلـك الـحـمـيد‬
‫كأنـه فـي جـنـن الـحـديد‬ ‫يوم تنادى الخيل بـالـصـعـيد‬
‫سيد مـدل عـز كـل سـيد قال‪ :‬وسار ابن عطية في قومه‪ ،‬ولحقت به جيوش أهل الشام‪ ،‬فلقي أبا حمزة في اثني عشر ألفا‪،‬‬
‫فقاتله يوما إلى الليل حتى أصاب صناديد عسكره‪ ،‬فنادوه‪ .‬يابن عطية‪ ،‬إن الله جل وعز قد جعل الليل سكنا‪ ،‬فاسكنوا حتى‬
‫‪ .‬نسكن‪ ،‬فأبى وقاتلهم حتى قتلهم جميعا‬
‫كان منقطعا لبن عطية مداحا له‪ :‬قال‪ :‬وكان أبو وجزة منقطعا إلى ابن عطية‪ ،‬يقوم بقوت عياله وكسوته ويعطيه ويفضل‬
‫‪:‬عليه‪ ،‬وكان أبو وجزة مداحا له‪ ،‬وفيه يقول‬
‫فيم الكثير من التحنان والـطـرب‬ ‫حن الفؤاد إلى سعدى ولـم تـثـب‬
‫مهل سعاد فما في الشيب من عجب غنى في هذين البيتين إسحاق خفيف‬ ‫قالت سعاد أرى من شيبه عـجـبـا‬
‫‪:‬ثقيل أول بالوسطى في مجراها من كتابه‬
‫فإن ما مر منه عنك لـم يغـب‬ ‫إما تريني كساني الدهر شيبـتـه‬
‫وقبل ذلك حين الرأس لم يشـب‬ ‫سقيا لسعدى على شيب ألم بـنـا‬
‫صوب الثريا بماء الكرم من حلب وهي قصيدة طويلة يقول فيها‬ ‫‪:‬كأن ريقتها بعد الكرى اغتبـقـت‬
‫نص الوجيف وتقحيم من العـقـب‬ ‫أهدى قلصا عناجيجا أضـربـهـا‬
‫والفارس العد منها غير ذي الكذب‬ ‫يقصدن سيد قـيس وابـن سـيدهـا‬
‫له صنائع من مجد ومن حـسـب‬ ‫محمد وأبـوه وابـنـه صـنـعـوا‬
‫فضل على غيرهم من سائر العرب‬ ‫إني مدحتهـم لـمـا رأيت لـهـم‬

‫صفحة ‪1382 :‬‬

‫ومن يثب إذا ما أنت لم تثب والبيات التي ذكرت فيها الغناء المذكور معه أمر أبي‬ ‫إل تثبني به ل يجزني أحـد‬
‫‪:‬وجزة من قصيدة له مدح بها أيضا عبد الملك بن عطية هذا‪ .‬ومما يختار منها قوله‬
‫سرا‪ ،‬أل بلمامه كـان الـمـنـى‬ ‫حتى إذا هجـدوا ألـم خـيالـهـا‬
‫وسمية عذبت وبيتـهـا الـنـدى‬ ‫طرقت بريا روضة مـن عـالـج‬
‫نبهتنا‪ ،‬أين المـدينة مـن بـدا‬ ‫? يا أم شـيبة أي سـاعة مـطـرق‬
‫عنق العتاق الناجيات على الوجى‬ ‫إني متى أقض اللبـانة أجـتـهـد‬
‫وسلمت من ريب الحوادث والردى وفيها يقول‬ ‫‪:‬حتى أزورك إن تـيسـر طـائري‬
‫مدحا يوافي في المواسم والقرى‬ ‫فلمدحن بني عطـية كـلـهـم‬
‫والحلمين إذا تخولجت الحـبـا‬ ‫الكـرمـين أوائل وأواخــرا‬
‫والجامعين الراقعين لما وهـى‬ ‫والمانعين من الهضمية جارهـم‬
‫والسابقين إلى المكارم من سعى وهي قصيدة طويلة يمدح فيها بني عطية‬ ‫والعاطفين على الضريك بفضلهم‬
‫‪ .‬جميعا ويذكر وقعتهم بأبي حمزة الخارجي‪ ،‬ول معنى للطالة بذكرها‬
‫مدح عبد الله بن الحسن فغضب ابن الزبير فصالحه بشعر مدحه فيه‪ :‬أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر قال حدثنا حماد‬
‫بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال‪ :‬كان أبو وجزة السعدي منقطعا إلى آل الزبير‪ ،‬وكان عبد الله بن عروة بن الزبير‬
‫خاصة يفضل عليه ويقوم بأمره‪ ،‬فبلغه أن أبا وجزة أتى عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلم‪،‬‬
‫فمدحه فوصله‪ ،‬فاطرحه ابن عروة‪ ،‬وأمسك يده عنه‪ ،‬فسأل عن سبب غضبه فأخبره به الصم بن أرطأة‪ ،‬فلم يزل أبو وجزة‬
‫‪:‬يمدح آل الزبير‪ ،‬ول يرجع له عبد الله بن عروة إلى ما كان عليه ول يرضى عنه حتى قال فيه‬
‫مروا بالسيوف صدورا خنافا‬ ‫آل الـزبـير بـنـو حــرة‬
‫إذا امتعطوا المرهفات الخفافا امتعطوا‪ :‬سلوا‪ ،‬ومنه ذئب أمعط‪ ،‬منسل من شعره‬ ‫سل الجرد عنهـم وأيامـهـا‬
‫‪.‬‬

‫ويصلون يوم السياف السيافا‬ ‫يموتون والقتـل داء لـهـم‬


‫أبى ذلك العيص إل التفافا‬ ‫إذا فرج القتل عن عيصهـم‬
‫إذا قنع الشاهقات الطخافـا‬ ‫مطاعيم تحمـد أبـياتـهـم‬
‫إذا قرعته حصاة أضـافـا فلما أنشد ابن عروة هذه البيات رضى عنه وعاد له إلى ما‬ ‫وأجبن من صافر كلبـهـم‬
‫‪ .‬كان عليه‬
‫‪:‬صوت من المائة المختارة‬
‫فقد كاد لو لم يعفه الله يغلـق‬ ‫أل هل أسير المالكية مطـلـق‬
‫ول منعم يوما عليه فمعـتـق الشعر لعقيل بن علفة البيت الول منه‪ ،‬والثاني‬ ‫فل هو مقتول‪ ،‬ففي القتل راحة‬
‫لشبيب بن البرصاء‪ ،‬والغناء لحمد بن المكي‪ ،‬خفيف ثقيل بالوسطى من كتابه‪ ،‬وفيه لدقاق رمل بالوسطى من كتاب عمرو بن‬
‫‪:‬بانة‪ ،‬وأوله‬
‫يفادى السارى حوله وهو موثق وبعده البيت الثاني وهو‬ ‫‪:‬سل أم عمرو فيم أضحى أسيرها‬
‫ول منعم يوما عليه فمعـتـق والبيتان على هذه الرواية لشبيب بن البرصاء‬ ‫‪ .‬فل هو مقتول ففي القتل راحة‬

‫أخبار عقيل بن علفة‬


‫نسبه‪ :‬عقيل بن علفة بن الحارث بن معاوية بن ضباب بن جابر يربوع بن غيظ بن مرة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث‬
‫‪ .‬بن سعد بن قيس بن عيلن بن مضر‪ ،‬ويكنى أبا العملس وأبا الجرباء‬
‫وأم عقيل بن علفة العوراء‪ ،‬وهي عمرة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة‪ .‬وأمها زينب‬
‫بنت حصن بن حذيفة‪ .‬هذا قول خالد بن كلثوم والمدائني‪ .‬وقال ابن العرابي‪ :‬كانت عمرة العوراء أم عقيل بن علفة والبرصاء‬
‫أم شبيب ابن البرصاء أختين‪ ،‬وهما ابنتا الحارث بن عوف‪ .‬واسم البرصاء قرصافة‪ ،‬أمها بنت نجبة ابن ربيعة بن رياح بن مالك‬
‫‪ .‬بن شمخ‬
‫‪:‬كان يعتد بنسبه وكانت قريش ترغب في مصاهرته‬

‫صفحة ‪1383 :‬‬

‫وعقيل شاعر مجيد مقل‪ ،‬من شعراء الدولة الموية‪ .‬وكان أعرج جافيا شديد الهوج والعجرفية والبذخ بنسبه في بني مرة‪ ،‬ل‬
‫يرى أن له كفئا‪ .‬وهو في بيت شرف في قومه من كل طرفيه‪ .‬وكانت قريش ترغب في مصاهرته‪ .‬تزوج إليه خلفاؤها وأشرافها‪،‬‬
‫منهم يزيد ابن عبد الملك‪ ،‬تزوج ابنته الجرباء‪ ،‬وكانت قبله عند ابن عم لعقيل يقال له مطيع بن قطعة ابن الحارث بن معاوية‪.‬‬
‫وولدت ليزيد بنيا درج ‪ .‬وتزوج بنته عمرة سلمة بن عبد الله بن المغيرة‪ ،‬فولدت له يعقوب بن سلمة‪ ،‬وكان من أشراف قريش‬
‫‪ .‬وجودائها‪ .‬وتزوج أم عمرو بنته ثلثة نفر من بني الحكم بن أبي العاص‪ :‬يحيى والحارث وخالد‬
‫خطب إليه والي المدينة إحدى بناته فأنكر عليه فضربه فقال شعرا‪ :‬أخبرني محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا أحمد بن يحيى‬
‫ثعلب عن ابن العرابي عن المفضل قال‪ :‬دخل عليه عقيل بن علفة على عثمان بن حيان وهو يومئذ على المدينة‪ ،‬فقال له‬
‫عثمان‪ :‬زوجني ابنتك‪ ،‬فقال‪ :‬أبكرة من إبلي تعني? فقال له عثمان‪ :‬ويلك أمجنون أنت قال‪ :‬أي شيء قلت لي? قال‪ :‬قلت لك‪:‬‬
‫‪:‬زوجني ابنتك‪ ،‬فقال‪ :‬أفعل إن كنت عنيت بكرة من إبلي‪ .‬فأمر به فوجئت عنقه‪ .‬فخرج وهو يقول‬
‫بنو مالك غيظا وصرنا كمالك‬ ‫كنا بني غيظ الرجال فأصبحت‬
‫وسود أشباه الماء العـوارك خطب إليه رجل من بني سلمان فكتفه وألقاه‬ ‫لحى الله دهرا ذعذع المال كله‬
‫في قرية النمل‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال‪ :‬كان لعقيل ابن علفة جار من‬
‫بني سلمان بن سعد‪ ،‬فخطب إليه ابنته‪ ،‬فغضب عقيل‪ ،‬وأخذ السلماني فكتفه ‪ ،‬ودهن استه بشحم‪ ،‬وألقاه في قرية النمل‪،‬‬
‫‪ .‬فأكلن خصييه حتى ورم جسده‪ ،‬ثم حله وقال‪ :‬يخطب إلي عبد الملك فأرده‪ ،‬وتجترئ أنت علي‬
‫قال‪ :‬ثم أجدبت مراعي بني مرة‪ ،‬فانتجع عقيل أرض جذام وقربهم عذرة‪ .‬قال عقيل‪ :‬فجاءني هني مثل البعرة‪ ،‬فخطب إلي‬
‫ابنتي أم جعفر‪ .‬فخرجت إلى أكمة قريبة من الحي‪ ،‬فجعلت أنبح كما ينبح الكلب‪ ،‬ثم تحملت وخرجت‪ ،‬فاتبعني جمع من حن‬
‫بطن من عذرة فقالوا‪ :‬اختر‪ ،‬إن شئت حبسناك‪ ،‬وإن شئت حدرناك وبعيرة من رأس الجبل‪ ،‬فإن سبقتها خلينا عنك‪ .‬فأرسلوا‬
‫‪:‬بعيرة فسبقتها‪ ،‬فخلوا سبيلي‪ ،‬فقلت لهم‪ :‬ما طمعتم بهذا من أحد قالوا‪ :‬أردنا أن نضع منك حيث رغبت عنا‪ .‬فقلت فيهم‬
‫وما لعبت حن بذي حسب قبلي‬ ‫لقد هزئت حن بنا وتلعـبـت‬
‫وتنتشر النعام في بلد سهـل والله لموتن قبل أن أضع كرائمي إل في الكفاء‬ ‫رويدا بني حن تسيحوا وتأمنـوا‬
‫‪.‬‬
‫خرج إلى الشام مع أولده ثم عادوا منها فقال شعرا أجازه ابنه وابنته فرمى ابنه بسهم فعقره‪ :‬أخبرني الحرمي بن أبي العلء‬
‫قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن الضحاك عن أبيه قال‪ :‬وجدت في كتاب بخط الضحاك قال‪ :‬خرج عقيل بن علفة‬
‫وابناه‪ :‬علفة وجثامة‪ ،‬وابنته الجرباء حتى أتوا بنتا له ناكحا في بني مروان بالشام فآمت ‪ .‬ثم إنهم قفلوا بها حتى كانوا ببعض‬
‫‪:‬الطريق‪ ،‬فقال عقيل بن علفة‬
‫على عرض ناطحنه بالجماجـم‬ ‫قضت وطرا من دير سعد وطالما‬
‫بها عطشا أعطينهم بالـخـزائم ثم قال‪ :‬أنفذ يا علفة‪ ،‬فقال علفة‬ ‫‪:‬إذا هبطت أرضا يموت غرابهـا‬
‫نشاوى عن الدلج ميل العمائم‬ ‫فأصبحن بالموماة يحملن فتـية‬
‫تذارعن باليدي لخر طاسـم ثم قال أنفذي يا جرباء‪ ،‬فقالت‪ :‬وأنا آمنة? قال‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫إذا علم غـادرنـه بـتـنـوفة‬
‫‪:‬فقالت‬
‫عقارا تمشي في المطا والقوائم‬ ‫كأن الكرى سقاهم صـرخـدية‬
‫صفحة ‪1384 :‬‬

‫فقال عقيل‪ :‬شربتها ورب الكعبة لول المان لضربت بالسيف تحت قرطك‪ ،‬أما وجدت من الكلم غير هذا فقال جثامة‪ :‬وهل‬
‫أساءت إنما أجازت‪ .‬وليس غيري وغيرك‪ .‬فرماه عقيل بسهم فأصاب ساقه وأنفذ السهم ساقه والرحل‪ ،‬ثم شد على الجرباء‬
‫فعقر ناقتها ثم حملها على ناقة جثامه وتركه عقيرا مع ناقة الجرباء‪ .‬ثم قال‪ :‬لول أن تسبني بنو مرة ما ذقت الحياة‪ .‬ثم خرج‬
‫متوجها إلى أهله وقال‪ :‬لئن أخبرت أهلك بشأن جثامة‪ ،‬أو قلت لهم إنه أصابه غير الطاعون لقتلنك‪ .‬فلما قدموا على أهل أبير‬
‫وهم بنو القين ندم عقيل على فعله بجثامة‪ ،‬فقال لهم‪ :‬هل لكم في جزور انكسرت? قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فالزموا أثر هذه الراحلة‬
‫حتى تجدوا الجزور‪ ،‬فخرج القوم حتى انتهوا إلى جثامة فوجدوه قد أنزفه الدم‪ ،‬فاحتملوه وتقسموا الجزور‪ ،‬وأنزلوه عليهم‪،‬‬
‫‪.‬وعالجوه حتى برأ‪ ،‬وألحقوه بقومه‬
‫ونسخت هذا الخبر من كتاب أبي عبد الله اليزيدي بخطه ولم أجده ذكر سماعه إياه من أحد قال‪ :‬قرئ على علي بن محمد‬
‫المدائني عن الطرماح بن خليل بن أبرد‪ ،‬فذكر مثل ما ذكره الزبير منه وزاد فيه‪ :‬أن القوم احتملوا جثامة ليلحقوه بقومه؛ حتى‬
‫‪:‬إذا كانوا قريبا منهم تغنى جثامة‬
‫وما هن والفتيان إل شقـائق فقال له القوم‪ :‬إنما أفلت من الجراحة التي جرحك‬ ‫أيعذر لهينا ويلحين في الصبا‬
‫أبوك آنفا‪ ،‬وقد عاودت ما يكرهه‪ ،‬فأمسك عن هذا ونحوه إذا لقيته ل يلحقك منه شر وعر ‪ .‬فقال‪ :‬إنما هي خطرة خطرت‪،‬‬
‫‪ .‬والراكب إذا سار تغنى‬
‫أصابه القولنج فنعتت له الحقنة فأبى فقال ابنه شعرا في ذلك‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثني أحمد بن سعيد الدمشقي‬
‫قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال‪ :‬قدم عقيل بن علفة المدينة فنزل على ابن بنته يعقوب‬
‫‪:‬بن سلمة المخزومي‪ ،‬فمرض وأصابه القولنج ‪ ،‬فنعتت له الحقنة فأبى‪ .‬وقدم ابنه عليه فبلغه ذلك‪ ،‬فقال‬
‫نجاؤك منها حين جـاء يقـودهـا‬ ‫لقد سرني واللـه وقـاك شـرهـا‬
‫على شكوة توكى وفي استك عودها شد على ابنه علفة بالسيف فحاد عنه فقال‬ ‫كفى خـزية أل تـزال مـجـبـيا‬
‫في ذلك شعرا‪ :‬أخبرني عبيد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا علي بن محمد عن زيد بن‬
‫عياش التغلبي والربيع بن ثميل قال‪ :‬غدا عقيل بن علفة على أفراس له عند بيوته فأطلقها ثم رجع‪ ،‬فإذا بنوه مع بناته وأمهم‬
‫‪:‬مجتمعون‪ ،‬فشد على عملس فحاد عنه‪ ،‬وتغنى علفة فقال‬
‫تريدين فيما كنت منيتـنـا قـبـل‬ ‫قفي يابنة المري أسألك مـا الـذي‬
‫ذوا خلة لم يبق بينهـمـا وصـل‬ ‫نخبرك إن لم تنجزي الوعـد أنـنـا‬
‫وإن شئت ل يفنى التكارم والبـذل فقال عقيل‪ :‬يابن اللخناء ‪ ،‬متى منتك‬ ‫فإن شئت كان الصرم ما هبت الصبا‬
‫نفسك هذا وشد عليه بالسيف وكان عملس أخاه لمه فحال بينه وبينه‪ ،‬فشد على عملس بالسيف وترك علفة ل يلتفت إليه ‪،‬‬
‫‪:‬فرماه بسهم‪ ،‬فأصاب ركبته؛ فسقط عقلي وجعل يتمعك في دمه ويقول‬
‫من يلق أبطال الرجال يكلم‬ ‫إن بني سربلونـي بـالـدم‬
‫شنشنة أعرفها من أخـزم قال المدائني‪ :‬شنشنة أعرفها من أخزم‪ ،‬مثل ضربه‪.‬‬ ‫ومـن يكـن ذا أود يقـوم‬
‫وأخزم‪ :‬فحل كان لرجل من العرب‪ ،‬وكان منجبا‪ ،‬فضرب في إبل رجل آخر ولم يعلم صاحبه فرأى بعد ذلك من نسله جمل‬
‫‪ .‬فقال‪ :‬شنشنة أعرفها من أخزم‬
‫عاتبه عمر بن عبد العزيز في شأن بناته فأجابه‪ :‬أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني سليمان المدائني قال حدثني مصعب‬
‫بن عبد الله قال‪ :‬قال عمر بن عبد العزيز لعقيل بن علفة‪ :‬إنك تخرج إلى أقاصي البلد وتدع بناتك في الصحراء ل كالئ لهن‪،‬‬
‫والناس ينسبونك إلى الغيرة‪ ،‬وتأبى أن تزوجهن إل الكفاء‪ .‬قال‪ :‬إني أستعين عليهن بخلتين تكلنهن‪ ،‬وأستغني عن سواهما‪.‬‬
‫‪ .‬قال‪ :‬وما هما? قال‪ :‬العري والجوع‬
‫رماه ابنه عملس فأصاب ركبته‪ ،‬فغضب وخرج إلى الشام‪ ،‬وقال في ذلك شعرا‪ :‬نسخت من كتاب محمد بن العباس اليزيدي‪:‬‬
‫قال خالد بن كلثوم‪ :‬لما رمى عملس بن عقيل أباه فأصاب ركبته غضب وأقسم أل يساكن بنيه‪ ،‬فاحتمل وخرج إلى الشام‪ ،‬فلما‬
‫‪:‬استوى على ناقته المسماة بأطلل بكت ابنته جرباء وحنت ناقته‪ ،‬فقال‬

‫صفحة ‪1385 :‬‬

‫تفرقنا يوم الحبيب علـى ظـهـر‬ ‫ألم تريا أطلل حنـت وشـاقـهـا‬
‫جمان أضاع السلك أجرته في سطر‬ ‫وأسبل من جـربـاء دمـع كـأنـه‬
‫لكالمتربي حتـفـه وهـو ل يدري‬ ‫لعمرك إني يوم أغذو عـمـلـسـا‬
‫لغرثان منهوك الذراعين والنـحـر خرج ابنه علفة إلى الشام أيضا وكتب إلى‬ ‫وإني لسقيه غـبـوقـي وإنـنـي‬
‫‪:‬أبيه شعرا‪ :‬قال‪ :‬ومضى علفة أيضا‪ ،‬فافتؤض بالشام وكتب إلى أبيه‬
‫فإنك من حرب عـلـي كـريم‬ ‫أل أبلغا عني عـقـيل رسـالة‬
‫وإذ كل ذي قربى إلـيك ذمـيم‬ ‫أما تذكـر اليام إذ أنـت واحـد‬
‫بأنفسـهـم إل الـذين تـضـيم‬ ‫وإذ ل يقيك الناس شيئا تخـافـه‬
‫لشـأوك بـين القـربـين أديم‬ ‫تناول شأو البعـدين ولـم يقـم‬
‫فإنك معطوف عـلـيك رحـيم‬ ‫فأما إذا عضت بك الحرب عضة‬
‫فإنك للقـربـى ألـد ظـلـوم فلما سمع عقيل هذه البيات رضي عنه‪ ،‬وبعث إليه‬ ‫وأما إذا آنست أمـنـا ورخـوة‬
‫‪ .‬فقدم عليه‬
‫سب عمر بن عبد العزيز ابن أخته فعاتبه في ذلك‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن محمد بن سلم‬
‫قال حدثني ابن جعدبة قال‪ :‬عاتب عمر بن عبد العزيز رجل من قريش‪ ،‬أمه أخت عقيل بن علفة فقال له‪ :‬قبحك الله أشبهت‬
‫خالك في الجفاء‪ .‬فبلغت عقيل فجاء حتى دخل على عمر فقال له‪ :‬ما وجدت لبن عمك شيئا تعيره به إل خؤولتي فقبح الله‬
‫‪ .‬شركما خال‪ .‬فقال له صخير بن أبي جهم العدوي وأمه قرشية‪ :‬آمين يا أمير المؤمنين‪ .‬فقبح الله شركما خال وأنا معكما أيضا‬
‫قرأ شيئا من القرآن فأخطأ فاعترض عليه عمر فأجابه‪ :‬فقال له عمر‪ :‬إنك لعرابي جلف جاف‪ ،‬أما لو كنت تقدمت إليك‬
‫لدبتك‪ .‬والله ل أراك تقرأ من كتاب الله شيئا‪ ،‬قال‪ :‬بلى‪ ،‬إني لقرأ‪ ،‬قال‪ :‬فاقرأ‪ .‬فقرأ‪ :‬إذا زلزلت الرض زلزالها حتى بلغ إلى‬
‫آخرها فقرأ فمن يعمل مثقال ذرة شرا يره ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬ألم أقل لك إنك ل تحسن أن تقرأ?‬
‫‪:‬قال‪ :‬أولم أقرأ? قال‪ :‬ل‪ ،‬لن الله جل وعز قدم الخير وأنك قدمت الشر‪ .‬فقال عقيل‬
‫كل جانبي هرشى لهن طريق فجعل القوم يضحكون من عجرفيته‬ ‫‪ .‬خذا بطن هرشى أو قفاها فإنه‬
‫وروى هذا الخبر علي بن محمد المدائني‪ ،‬فذكر أنه كان بين عمر بن عبد العزيز وبين يعقوب بن سلمة وأخيه عبد الله كلم‪،‬‬
‫فأغلظ يعقوب لعمر في الكلم فقال له عمر‪ :‬اسكت فإنك ابن أعرابية جافية‪ .‬فقال عقيل لعمر‪ :‬لعن الله شر الثلثة‪ ،‬مني‬
‫ومنك ومنه فغضب عمر‪ ،‬فقال له صخير بن أبي الجهم‪ :‬آمين‪ .‬فهو والله أيها المير شر الثلثة‪ .‬فقال عمر‪ :‬والله إني لراك لو‬
‫سألته عن آية من كتاب الله ما قرأها‪ .‬فقال‪ :‬بلى والله إني لقارئ لية وآيات فقال‪ ،‬فقال‪ :‬فاقرأ‪ ،‬فقرأ‪ :‬إنا بعثنا نوحا إلى قومه‪،‬‬
‫فقال له عمر‪ :‬قد أعلمتك أنك ل تحسن‪ .‬ليس هكذا قال الله‪ ،‬قال‪ :‬فكيف قال? قال‪ :‬إنا أرسلنا نوحا فقال‪ :‬وما الفرق بين‬
‫أرسلنا وبعثنا‬
‫كل جانبي هرشى لهن طريق دخل المسجد بخفين غليظين وجعل يضرب بهما‬ ‫خذا أنف هرشى أو قفاها فإنه‬
‫فضحك الناس منه‪ :‬أخبرني عبيد الله بن أحمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثني علي بن محمد المدائني‬
‫عن عبد الله بن أسلم القرشي قال‪ :‬قدم عقيل بن علفة المدينة‪ ،‬فدخل المسجد وعليه خفان غليظان‪ ،‬فجعل يضرب برجليه‪،‬‬
‫فضحكوا منه فقال‪ :‬ما يضحككم? فقال له يحيى بن الحكم وكانت ابنة عقيل تحته‪ :‬يضحكون من خفيك وضربك برجليك وشدة‬
‫‪ .‬جفائك‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن يضحكون من إمارتك؛ فإنها أعجب من خفي‪ .‬فجعل يحيى يضحك‬
‫خبره مع يحيى بن الحكم أمير المدينة وزواج ابنته‪ :‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي‬
‫‪:‬الصمعي قال حدثني عمي عن عبد الله بن مصعب قاضي المدينة قال‬

‫صفحة ‪1386 :‬‬

‫دخل عقيل بن علفة على يحيى بن الحكم‪ ،‬وهو يومئذ أمير المدينة‪ .‬فقال له يحيى‪ :‬أنكح ابن خالي يعني ابن أوفى فلنة ابنتك?‬
‫فقال‪ :‬إن ابن خالك ليرضى مني بدون ذلك‪ ،‬قال‪ :‬وما هو? قال‪ :‬أن أكف عنه سنن الخيل إذا غشيت سوامه ‪ .‬فقال يحيى‬
‫لحرسيين بين يديه‪ :‬أخرجاه‪ ،‬فأخرجاه‪ ،‬فلما ولى قال‪ :‬أعيداه إلي‪ ،‬فأعاداه‪ ،‬فقال عقيل له‪ :‬ما لك تكرني إكرار الناضح ? قال‪:‬‬
‫‪:‬أما والله إني لكرك أعرج جافيا‪ .‬فقال عقيل‪ :‬كذلك قلت‬
‫من الروائع شيب ليس من كبر‬ ‫تعجبت إذ رأت رأسي تجلـلـه‬
‫والجفن يخلق فيه الصارم الذكر فقال له يحيى‪ :‬أنشدني قصيدتك هذه كلها‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ومن أديم تولى بـعـد جـدتـه‬
‫ما انتهيت إل إلى ما سمعت‪ .‬فقال‪ :‬أما والله إنك لتقول فتقصر‪ ،‬فقال‪ :‬إنما يكفي من القلدة ما أحاط بالرقبة‪ .‬فقال‪ :‬فأنكحني‬
‫أنا إحدى بناتك‪ .‬قال‪ :‬أما أنت فنعم‪ .‬قال‪ :‬أما والله لملنك مال وشرفا‪ .‬قال‪ :‬أما الشرف فقد حملت ركائبي منه ما أطاقت‪،‬‬
‫وكلفتها تجشم ما لم تطق‪ ،‬ولكن عليك بهذا المال فإن فيه صلح اليم ورضا البي‪ .‬فزوجه ثم خرج فهداها إليه‪ ،‬فلما قدمت‬
‫عليه بعث إليها يحيى مولة له لتنظر إليها‪ ،‬فجاءتها فجعلت تغمز عضدها‪ .‬فرفعت يدها‪ ،‬فدقت أنفها‪ .‬فرجعت إلى يحيى وقالت‪:‬‬
‫بعثتني إلى أعرابية مجنونة صنعت بي ما ترى فنهض إليها يحيى‪ ،‬فقال لها‪ :‬ما لك? قالت‪ :‬ما أردت أن بعثت إلي أمة تنظر إلي‬
‫ما أردت بما فعلت إل أن يكون نظرك إلي قبل كل ناظر‪ ،‬فإن رأيت حسنا كنت قد سبقت إلى بهجته‪ ،‬وإن رأيت قبيحا كنت‬
‫‪ .‬أحق من ستره‪ .‬فسر بقولها وحظيت عنده‬
‫‪ .‬وذكر المدائني هذا الخبر مثله‪ ،‬إل أنه قال فيه‪ :‬فإن كان ما تراه حسنا كنت أول من رآه‪ ،‬وإن كان قبيحا كنت أول من واراه‬
‫زواج يزيد بن عبد الملك من ابنته الجرباء‪ :‬أخبرني ابن دريد قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال‪ :‬خطب يزيد بن عبد الملك‬
‫‪ .‬إلى عقيل بن علفة ابنته الجرباء‪ ،‬فقال له عقيل‪ :‬قد زوجتكها‪ ،‬على أن ل يزفها إليك إعلجك ؛ أكون أنا الذي أجيء بها إليك‬
‫قال‪ :‬ذلك لك‪ .‬فتزوجها‪ ،‬ومكثوا ما شاء الله‪ .‬ثم دخل الحاجب على يزيد فقال له‪ :‬بالباب أعرابي على بعير‪ ،‬معه امرأة في‬
‫هودج قال‪ :‬أراه والله عقيل‪ .‬قال‪ :‬فجاء بها حتى أناخ بعيرها على بابه‪ ،‬ثم أخذ بيدها فأذعنت‪ ،‬فدخل بها على الخليفة فقال له‪:‬‬
‫إن أنتما ودن بينكما‪ ،‬فبارك الله لكما‪ ،‬وإن كرهت شيئا فضع يدها في يدي كما وضعت يدها في يدك ثم برئت ذمتك‪ .‬فحملت‬
‫‪ .‬الجرباء بغلم ففرح به يزيد ونحله وأعطاه‬
‫موت ابنته وامتناعه عن أخذ ميراثها‪ :‬ثم مات الصبي‪ ،‬فورثت أمه منه الثلث‪ ،‬ثم ماتت فورثها زوجها وأبوها فكتب إليه‪ :‬إن ابنك‬
‫وابنتك هلكا‪ ،‬وقد حسبت ميراثك منهما فوجدته عشرة آلف دينار‪ ،‬فهلم فاقبضه‪ .‬فقال‪ :‬إن مصيبتي بابني وابنتي تشغلني عن‬
‫المال وطلبه‪ ،‬فل حاجة لي في ميراثهما‪ ،‬وقد رأيت عندك فرسا سبقت عليه الناس‪ ،‬فأعطينه أجعله فحل لخيلي‪ .‬وأبى أن يأخذ‬
‫‪ .‬المال‪ ،‬فبعث إليه يزيد بالفرس‬
‫قال لرجل من قريش بالرفاء والبنين فأنكر عليه ذلك‪ :‬أخبرنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا الخراز عن المدائني عن إسحاق بن‬
‫يحيى قال‪ :‬رأيت رجل من قريش يقول له عقيل بن علفة‪ :‬بالرفاء والبنين والطائر المحمود‪ .‬فقلت له‪ :‬يابن علفة؛ إنه يكره أن‬
‫يقال هذا‪ .‬فقال‪ :‬يابن أخي‪ ،‬ما تريد إلى ما أحدث إن هذا قول أخوالك في الجاهلية إلى اليوم ل يعرفون غيره‪ .‬قال‪ :‬فحدثت به‬
‫الزهري فقال‪ :‬إن عقيل كان من أجهل الناس‪ .‬قال‪ :‬وإنما قال لسحاق بن يحيى بن طلحة‪ :‬هذا قول أخوالك‪ ،‬لن أم يحيى بن‬
‫‪ .‬طلحة مرية‬
‫خطب إليه رجل كثير المال مغموز في نسبه فقال فيه شعرا‪ :‬قال المدائني وحدثني علي بن بشر الجشمي قال قال الرميح‪:‬‬
‫‪:‬خطب إلى عقيل رجل من بني مرة كثير المال‪ ،‬يغمز في نسبه‪ ،‬فقال‬
‫هجينا لقد حبت إلي الـدراهـم‬ ‫لعمري لئن زوجت من أجل ماله‬
‫أولئك أكفاني الرجال الكـارم‬ ‫أأنكح عبدا بعد يحـيى وخـالـد‬
‫أمد عنانا لم تخنـه الـشـكـائم خطب إليه رجل من بني مرة فطعن ناقته‬ ‫أبى لي أن أرضى الدنية أننـي‬
‫‪:‬بالرمح فصرعته‪ :‬نسخت من كتاب محمد بن العباس اليزيدي بخطه يأثره عن خالد بن كلثوم بغير إسناد متصل بينهما‬

‫صفحة ‪1387 :‬‬

‫أن رجل من بني مرة يقال له داود أقبل على ناقة له‪ ،‬فخطب إلى عقيل بن علفة بعض بناته‪ ،‬فنظر إليه عقيل وإن السيف ل‬
‫‪:‬يناله فطعن ناقته بالرمح فسقطت وصرعته‪ ،‬وشد عليه عقيل فهرب‪ ،‬وثار عقيل إلى ناقته فنحرها‪ ،‬وأطعمها قومه وقال‬
‫داود الساج وذا الـقـمـيص‬ ‫ألم تقل يا صاحب القـلـوص‬
‫حتى يلف عيصه بـعـيصـي‬ ‫كانت عليه الرض حيص بيص‬
‫‪:‬وكنت بالشبان ذا تقـمـيص فقال داود فيه من أبيات‬
‫حراما ويقري الضيف عضبا مهندا فرت منه زوجته النمارية فردها إليه عامل‬ ‫أراه فتى جعل الحـلل بـبـيتـه‬
‫فدك‪ :‬وقال المدائني حدثني جوشن بن يزيد قال‪ :‬لما تزوج عقيل بن علفة زوجته النمارية وقد كبر فرت منه‪ ،‬فلقيها جحاف‪.‬‬
‫أحد بني قتال بن يربوع‪ ،‬فحملها إلى عامل فدك‪ ،‬وأصبح عقيل معها‪ ،‬فقال المير لعقيل‪ :‬ما لهذه تستعدي عليك يا أبا الجرباء?‬
‫‪ .‬فقال عقيل‪ :‬كل ذكري‪ ،‬وذهب ذفري ‪ ،‬وتغايب نفري‪ ،‬فقال‪ :‬خذ بيدها‪ ،‬فأخذها وانصرف‪ ،‬فولدت له بعد ذلك علفة الصغر‬
‫شعره يحرض بني سهم على بني جوشن‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال‪ :‬لما نشبت‬
‫الحرب بين بني جوشن وبين بني سهم بن مرة رهط عقيل بن علفة المري‪ ،‬وهو من بني غيظ بن مرة بن سهم بن مرة إخوتهم‬
‫فاقتتلوا في أمر يهودي خمار كان جارا لهم‪ ،‬فقتلته بنو جوشن من غطفان‪ ،‬وكانوا متقاربي المنازل وكان عقيل بن علفة بالشام‬
‫‪ .‬غائبا عنها‪ ،‬فكتب إلى بني سهم يحرضهم‬

‫فأبلغ أماثـل سـهـم رسـول‬ ‫فإما هـلـكـت ولـم آتـكـم‬


‫لقد جعلوها علـيكـم عـدول‬ ‫بان التي سامـكـم قـومـكـم‬
‫وكل أراه طـعـامـا وبـيل‬ ‫هوان الحياة وضيم المـمـات‬
‫فسيروا إلى الموت سيرا جميل‬ ‫فإن لم يكن غير أحـداهـمـا‬
‫كفى بالحوادث للمـرء غـول قال‪ :‬فلما وردت البيات عليهم تكفل بالحرب الحصين‬ ‫ول تـقـعـدوا وبـكـم مـنة‬
‫بن الحمام المري أحد بني سهم‪ ،‬وقال‪ :‬إلي كتب وبي نوة‪ ،‬خاطب أماثل سهم وأنا من أماثلهم‪ .‬فأبلى في تلك الحروب بلء‬
‫‪:‬شديدا‪ .‬وقال الحصين بن الحمام في ذلك من قصيدة طويلة له‬
‫خبارا فما ينهض إل تقحـمـا‬ ‫يطأن من القتلى ومن قصد القنا‬
‫وكان إذا يكسو أجاد وأكرمـا‬ ‫عليهن فتيان كساهم مـحـرق‬
‫ومطردا من نسج داود محكما‬ ‫صفائح بصرى أخلصتها قيونها‬
‫لنفسي حياة مثل أن أتقـدمـا نهب بنو جعفر إبل لجاره فردها إليه وقال شعرا‬ ‫تأخرت أستبقي الحياة فلم أجـد‬
‫في ذلك‪ :‬وقال المدائني قال جراح بن عصام بن بجير‪ :‬عدت بنو جعفر بن كلب على جار لعقيل فأطردت إبله وضربوه‪ ،‬فغدا‬
‫‪:‬عقيل على جار لهم فضربه‪ ،‬وأخذ إبله فأطردها‪ ،‬فلم يردها حتى ردوا إبل جاره وقال في ذلك‬
‫بني جعفر يعجل لجاركم القتـل‬ ‫إن يشرق الكلبي فيكـم بـريقـه‬
‫رماح مواليكم فذاك بكم جـهـل‬ ‫فل تحسبوا السلم غير بعـدكـم‬
‫ندنكم كما كنا ندينـكـم قـبـل‬ ‫بني جعفر إن ترجعوا الحرب بيننا‬
‫وما منهما إل له عندنـا حـبـل أسره بنو سلمان وأطلقه بنو القين‪ :‬وذكر‬ ‫بدأتم بجاري فانثنيت بـجـاركـم‬
‫المدائني أيضا‪ :‬أن عقيل كان وحده في إبله‪ ،‬فمر به ناس من بني سلمان فأسروه‪ ،‬ومروا به في طريقه على ناس من بني‬
‫‪:‬القين‪ ،‬فانتزعوه منهم‪ ،‬وخلوا سبيله‪ .‬فقال عقيل في ذلك‬
‫أبى ل يوافي غاية القين من كلب‬ ‫أسعد هذيم إن سـعـدا أبـاكـم‬
‫فقيل تأخر يا هذيم على العجـب‬ ‫وجاء هذيم والركـاب مـنـاخة‬
‫ومركب آبائي وفي عجبها حسبي قال‪ :‬وسعد هذيم هم عذرة وسلمان‬ ‫فقال هذيم إن في العجب مركبي‬
‫‪ .‬والحارث وضبة‬
‫مات ابنه علفة بالشام فرثاه‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني أبو مسلم عن‬
‫المدائني عن عبد الله الحميد بن أيوب بن محمد بن عميلة قال‪ :‬مات علفة بن عقيل الكبر بالشام‪ ،‬فنعاه مضرس بن سوادة‬
‫‪:‬لعقيل بأرض الجناب‪ ،‬فلم يصدقه وقال‬
‫ثفر الحمار مضرس بن سواد‬ ‫قبح الله ول أقبـح غـيره‬

‫صفحة ‪1388 :‬‬

‫كالسيف بين خضارم أنجاد ثم تحقق الخبر بعد ذلك‪ ،‬فقال يرثيه‬ ‫‪:‬تنعى امرأ لم يعل أمك مثله‬
‫بأمر من الدنيا عـلـي ثـقـيل‬ ‫لعمري لقد جاءت قوافل خبـرت‬
‫نعته جنود الشام غـير ضـئيل‬ ‫وقالوا أل تبكي لمصرع فـارس‬
‫أصاب سبيل الله خـير سـبـيل‬ ‫فأقسمت أل أبكي على هلك هالك‬
‫لها نسبا أو تـهـتـدي بـدلـيل‬ ‫كأن المنايا تبتغي فـي خـيارنـا‬
‫محللة بعد الفتى ابـن عـقـيل‬ ‫تحل المنايا حيث شاءت فإنـهـا‬
‫محل الموالي بعده بـمـسـيل حطم رجل من بني صرمة بيوته فأقبل ابنه عملس‬ ‫فتى كان موله يحـل بـربـوة‬
‫من الشام فانتقم له‪ :‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال‪ :‬كان عقيل بن علفة قد أطرد‬
‫بنيه‪ ،‬فتفرقوا في البلد وبقي وحده‪ .‬ثم إن رجل من بني صرمة‪ ،‬يقال له بجيل وكان كثير المال والماشية حطم بيوت عقيل‬
‫بماشيته‪ ،‬ولم يكن قبل ذلك أحد يقرب من بيوت عقيل إل لقي شرا‪ .‬فطردت صافنة أمة له الماشية‪ ،‬فضربها بجيل بعصا كانت‬
‫معه فشجها‪ .‬فخرج إليه عقيل وحده وقد هرم يومئذ وكبرت سنه فزجره فضربه بجيل بعصاه‪ ،‬واحتقره‪ ،‬فجعل عقيل يصيح‪ :‬يا‬
‫‪:‬علفة‪ ،‬يا عملس‪ ،‬يا فلن‪ ،‬يا فلن‪ ،‬بأسماء أولده مستغيثا بهم‪ ،‬وهو يحسبهم لهرمه أنهم معه‪ .‬فقال له أرطأة بن سهية‬
‫وجدت مرارة الكل الوبيل‬ ‫أكلت بنيك الضب حـتـى‬
‫منعت فناء بيتك من بجيل وبلغ خبر عقيل ابنه العملس وهو بالشام‪ ،‬فأقبل إلى‬ ‫ولو كان اللى غابوا شهودا‬
‫أبيه حتى نزل إليه‪ ،‬ثم عمد إلى بجيل فضربه ضربا مبرحا‪ ،‬وعقر عدة من إبله وأوثقه بحبل‪ ،‬وجاء به يقوده حتى ألقاه بين يدي‬
‫‪ .‬أبيه‪ ،‬ثم ركب راحلته‪ ،‬وعاد من وقته إلى الشام‪ ،‬لم يطعم لبيه طعاما‪ ،‬ولم يشرب شرابا‬
‫خبر ابنه المقشعر مع أعرابي نزل‪ :‬أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا ابن عائشة قال‪ :‬نزل أعرابي على المقشعر بن‬
‫عقيل بن علفة المري فشربا حتى سكرا وناما‪ ،‬فانتبه العرابي مروعا في الليل وهو يهذي‪ ،‬فقال له المقتشعر‪ :‬ما لك? قال‪:‬‬
‫هذا ملك الموت يقبض روحي‪ .‬فوثب ابن عقيل فقال‪ :‬ل والله ول كرامة ول نعمة عين له أيقبض روحك وأنت ضيفي وجاري‬
‫‪ .‬فقال‪ :‬بأبي أنتم وأمي طال والله ما منعتم الضيم‪ ،‬وتلفف ونام‬
‫‪ .‬تمت أخبار عقيل ولله الحمد والمنة‬
‫قد مضت أخبار عقيل فيما تقدم من الكتاب‪ ،‬ونذكرها هنا أخبار شبيب بن البرصاء ونسبه‪ ،‬لن المغنين خلطوا بعض شعر ببعض‬
‫‪:‬شعر عقيل في الغناء الماضي ذكره‪ ،‬ونعيد ها هنا من الغناء ما شعره لشبيب خاصة وهو‪ :‬صوت من المائة المختارة‬
‫تفادى السارى حوله وهو موثق‬ ‫سل أم عمرو فيم أضحى أسيرها‬
‫ول منعم يوما عليه فمطـلـق ويروي‬ ‫‪:‬فل هو مقتول ففي القتـل راحة‬
‫ول هو ممنون عليه فمطلق الشعر لشبيب بن البرصاء‪ ،‬والغناء لدقاق جارية يحيى بن الربيع‪ .‬رمل بالوسطى عن عمرو‪ .‬وذكر‬
‫‪ .‬حبش أن فيه رمل آخر لطويس‬

‫أخبار شبيب بن البرصاء ونسبه‬


‫نسبه‪ :‬هو شبيب بن يزيد بن جمرة‪ ،‬وقيل جبرة بن عوف بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ ابن مرة بن سعد بن ذبيان‪.‬‬
‫والبرصاء أمه‪ ،‬واسمها قرصافة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة‪ ،‬وهو ابن خالة عقيل بن علفة‪ ،‬وأم عقيل عمرة بنت حارثة‬
‫‪ .‬بن عوف‪ ،‬ولقبت قرصافة البرصاء لبياضها‪ ،‬ل لنها كان بها برص‬
‫هاجى عقيل بن علفة‪ :‬وشبيب شاعر فصيح إسلمي من شعراء الدولة الموية‪ ،‬بدوي لم يحضر إل وافدا أو منتجعا‪ .‬وكان يهاجي‬
‫عقيل بن علفة ويعاديه لشراسة كانت في عقيل وشر عظيم‪ .‬وكلهما كان شريفا سيدا في قومه‪ ،‬في بيت شرفهم وسؤددهم‪.‬‬
‫‪ .‬وكان شبيب أعور‪ ،‬أصاب عينه رجل من طيء في حرب كانت بينهم‬
‫هاجى أرطأة بن سهية‪ :‬أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم السجستاني عن أبي عبيدة قال‪ :‬دخل أرطأة بن‬
‫‪:‬سهية على عبد الملك بن مروان وكان قد هاجى شبيب بن البرصاء فأنشده قوله فيه‬
‫جنيبا لبائي وأنـت جـنـيب فقال له عبد الملك‪ :‬كذبت ثم أنشده البيت الخر‬ ‫أبي كان خيرا من أبيك ولم يزل‬
‫‪:‬فقال‬

‫صفحة ‪1389 :‬‬

‫برأسك عادي الـنـجـاد ركـوب فقال له عبد الملك‪ :‬صدقت‪ .‬وكان أرطأة‬ ‫وما زلت خيرا منك مذ عض كارها‬
‫‪ .‬أفضل من شبيب نفسا‪ ،‬وكان شبيب أفضل من أرطأة بيتا‬
‫فاخره عقيل بن علفة فقال شعرا يهجوه‪ :‬أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه‬
‫قال‪ :‬فاخر عقيل بن علفة شبيب بن البرصاء فقال شبيب يهجوه‪ ،‬ويعير برجل من طيء كان يأتي أمه عمرة بنت الحارث يقال‬
‫‪:‬له حيان‪ ،‬ويهجو غيظ بن مرة‬
‫ورابية تنشق عنها سـيولـهـا‬ ‫ألسنا بفرع قد علمـتـم دعـامة‬
‫رحاها الذي تأوي إليها وجولها‬ ‫وقد علمت سعد بن ذبيان أنـنـا‬
‫لحرب عوان لقح من يئولهـا‬ ‫إذا لم نسسكم في المور ولم نكن‬
‫تردد حيرى حين غاب دليلـهـا‬ ‫فلستم بأهدى في البلد من التـي‬
‫من المر فاستخفى وأعيا عقيلها‬ ‫دعت جل يربوع عقيل لحـادث‬
‫لطارق ليل حين جاء رسولها‬ ‫فقلت له‪ :‬هل أجبت عـشـيرة‬
‫مراقيك أو جرثومة ل تطولهـا‬ ‫وكائن لنا من ربوة ل تنـالـهـا‬
‫وغرتها معروفة وحجـولـهـا‬ ‫فخرت بأيام لغيرك فـخـرهـا‬
‫بنو جابر شبانها وكـهـولـهـا‬ ‫إذا الناس هابوا سوءة عمدت لها‬
‫مسومة قد طار عنها نسيلهـا‬ ‫فهل بني سعد صبحت بـغـارة‬
‫وتدرك قتلى لم تتمم عقولـهـا افتخر عليه عقيل بمصاهرته للملوك فهجاه‪ :‬وقال‬ ‫فتدرك وترا عـنـد الم واتـر‬
‫أبو عمرو‪ :‬اجتمع عقيل بن علفة وشبيب بن البرصاء عند يحيى بن الحكم فتكلما في بعض المر‪ ،‬فاستطال عقيل على شبيب‬
‫‪:‬بالصهر الذي بينه وبين بني مروان وكان زوج ثلثا من بناته فيهم‪ ،‬فقال شبيب يهجوه‬
‫بآيات التباغض والتـقـالـي‬ ‫أل أبلغ أبا الجربـاء عـنـي‬
‫بأم لست مكرمـهـا وخـال‬ ‫فل تذكر أباك العبد وافـخـر‬
‫فكان جنينها شر الـبـغـال‬ ‫وهبها مهرة لقحت بـبـغـل‬
‫حمين المحصنات لدى الحجال‬ ‫إذا طارت نفوسهم شعـاعـا‬
‫وصرب حيث تقتنص العوالي‬ ‫بطعن تعثر البطـال مـنـه‬
‫بنوا لي فوق أشراف طـوال‬ ‫أبـى لـي أن آبـائي كـرام‬
‫إلى علياء مشرقة الـقـذال‬ ‫بيوت المجد ثم نموت منـهـا‬
‫وتقصر دونها نبل النـضـال‬ ‫تزل حجارة الرامين عنـهـا‬
‫وأعناق اليور بنـي قـتـال‬ ‫أبالحفاث شر الـنـاس حـيا‬
‫فقد أصبحت منهم في سفـال قال أبو عمرو‪ :‬بنو قتال إخوة بني يربوع رهط‬ ‫رفعت مساميا لتنـال مـجـدا‬
‫عقيل بن علفة وهم قوم فيهم جفاء‪ ،‬قال أبو عمرو‪ :‬مات رجل منهم فلفه أخوه في عباءة له‪ ،‬وقال أحدهما للخر‪ :‬كيف تحمله?‬
‫قال‪ :‬كما تحمل القربة‪ .‬فعمد إلى حبل فشد طرفه في عنقه وطرفه في ركبتيه وحمله على ظهره كما تحمل القربة‪ ،‬فلما صار‬
‫به إلى الموضع الذي يريد دفنه فيه حفر له حفيرة‪ ،‬وألقاه فيها‪ ،‬وهال عليه التراب حتى واراه‪ .‬فلما انصرفا قال له‪ :‬يا هناه ‪،‬‬
‫‪ .‬أنسيت الحبل في عنق أخي ورجليه‪ ،‬وسيبقى مكتوفا إلى يوم القيامة‪ .‬قال‪ :‬دعه يا هناه‪ ،‬فإن يرد الله به خيره يحلله‬
‫خطب بنت يزيد بن هاشم فرده ثم قبله فأبى‪ :‬وقال أبو عمرو‪ :‬خطب شبيب بن البرصاء إلى يزيد بن هاشم بن حرملة المري‬
‫ثم الصرمي ابنته‪ ،‬فقال‪ :‬هي صغيرة‪ ،‬فقال شبيب‪ :‬ل؛ ولكنك تبغي أن تردني‪ ،‬فقال له يزيد‪ :‬ما أردت ذاك‪ ،‬ولكن أنظرني هذا‬
‫العام‪ ،‬فإذا انصرم فعلي أن أزوجك‪ .‬فرحل شبيب من عنده مغضبا‪ ،‬فلما مضى قال ليزيد بعض أهله‪ :‬والله ما أفلحت خطب‬
‫إليك شبيب سيد قومك فرددته قال‪ :‬هي صغيرة‪ ،‬قال‪ :‬إن كانت صغيرة فستكبر عنده‪ .‬فبعث إليه يزيد‪ :‬ارجع فقد زوجتك‪ ،‬فإني‬
‫‪:‬أكره أن ترجع إلى أهلك وقد رددتك‪ ،‬فأبى شبيب أن يرجع وقال‬
‫على رغبة لو شد نفسي مريرها‬ ‫لعمري لقد أشرفت يوم عنـيزة‬
‫ول خير في ذي مرة ل يغيرها‬ ‫ولكن ضعف المر أل تـمـره‬
‫وتقبل أشباها عليك صـدورهـا‬ ‫تبين أدبار المور إذا مـضـت‬

‫صفحة ‪1390 :‬‬

‫وتخشى من الشياء ما ل يضيرها‬ ‫ترجي النفوس الشيء ل تستطيعه‬


‫تقى الله ما حاذرت فـيجـيرهـا‬ ‫أل إنما يكفي النفوس إذا اتـقـت‬
‫ول ناهضات الطير إل صقورها‬ ‫ول خير في العيدان إل صلبهـا‬
‫من الليل سجفا ظلمة وستورهـا‬ ‫ومستنبح يدعو وقـد حـال دونـه‬
‫زجرت كلبي أن يهر عقورهـا‬ ‫رفعت له ناري فلما اهتدى لـهـا‬
‫بليلة صدق غاب عنها شرورهـا‬ ‫فبات وقد أسرى من الليل عقـبة‬
‫شواء المتالي عندنـا وقـديرهـا‬ ‫وقد علم الضـياف أن قـراهـم‬
‫سوى ما بيننا ما يعد فخـورهـا‬ ‫إذا افتخرت سعد بن ذبيان لم يجـد‬
‫ثراها من المولى فل أستثيرهـا‬ ‫وإني لتراك الضـغـينة قـد بـدا‬
‫يهيج كبيرات المور صغيرهـا‬ ‫مخافة أن تجنى عـلـي وإنـمـا‬
‫سواي ولم أسمع بها ما دبيرهـا‬ ‫إذا قيلت العوراء وليت سمعـهـا‬
‫تركت إذا ما النفس شح ضميرها‬ ‫وحاجة نفس قد بلـغـت وحـاجة‬
‫حي لدى أمثال تلك سـتـيرهـا‬ ‫حياء وصبرا في المواطن إنـنـي‬
‫يقوم بحق النائبات صـبـورهـا‬ ‫وأحبس في الحق الكريمة إنـمـا‬
‫وأحساب أموات تعد قـبـورهـا‬ ‫أحابي بها الحي الذي ل تهـمـه‬
‫يبين في الظلماء للناس نـورهـا تمثل محمد بن مروان بشعره‪ :‬أخبرني محمد بن‬ ‫ألم تر أنـا نـور قـوم وإنـمـا‬
‫عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني محمد بن عبد الله بن آدم بن جشم العبدي قال‪ :‬كانت بين بني‬
‫كلب وقوم من قيس ديات‪ ،‬فمشى القوم إلى أبناء أخواتهم من بني أمية يستعينون بهم في الحمالة ‪ ،‬فحملها محمد بن مروان‬
‫‪:‬كلها عن الفريقين‪ ،‬ثم تمثل بقول شبيب ابن البرصاء‬
‫والنفس حاضرة الشعاع تطـلـع‬ ‫ولقد وقفت النفس عن حاجاتـهـا‬
‫يعيا بها الحصر الشحيح ويظلـع‬ ‫وغرمت في الحسب الرفيع غرامة‬
‫أعطي به وعليه مـمـا أمـنـع نزل هو وأرطأة بن زفر وعويف القوافي على‬ ‫إني فتى حـر لـقـدري عـارف‬
‫رجل من أشجع فلم يكرم ضيافتهم فهجوه‪ :‬أخبرني محمد بن خلف وكيع قال‪ .‬حدثنا إسحاق بن محمد النخعي قال‪ .‬حدثني‬
‫الحرمازي قال‪ :‬نزل شبيب بن البرصاء وأرطأة بن زفر وعويف القوافي برجل من أشجع كثير المال يسمى علقمة‪ ،‬فأتاهم‬
‫بشربة لبن ممذوقة ولم يذبح لهم‪ ،‬فلما رأوا ذلك منه قاموا إلى رواحلهم فركبوها ثم قالوا‪ :‬تعالوا حتى نهجو هذا الكلب‪ .‬فقال‬
‫‪:‬شبيب‬
‫تعلمت أل تقري الضيف علقما ? وقال أرطأة‬ ‫‪:‬أفي حدثان الدهر أم في قـديمـه‬
‫كماء السل في جانب القعب أثلما وقال عويف‬ ‫‪:‬لبثنا طـويل ثـم جـاء بـمـذقة‬
‫رمينا بهن الليل حتى تخرما عاد من سفر فعلم بموت جماعة من بني عمه فرثاهم‪:‬‬ ‫فلما رأينا أنه شر مـنـزل‬
‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال‪ :‬حدثنا عيسى بن إسماعيل عن القذاحمي قال‪ :‬غاب شبيب بن البرصاء عن أهله غيبة‪،‬‬
‫‪:‬ثم عاد بعد مدة‪ ،‬وقد مات جماعة من بني عمه‪ ،‬فقال شبيب يرثيهم‬
‫كما يغادر ثور الطارد الفـئد‬ ‫تخرم الدهر إخواني وغادرني‬
‫ووارد منهل القوم الذي وردوا هاجى رجل من غني فأعانه أرطأة بن سهية عليه‪:‬‬ ‫إني لباق قليل ثم تـابـعـهـم‬
‫‪:‬قال أبو عمرو‪ :‬هاجى شبيب بن البرصاء رجل من غني‪ ،‬أو قال من باهلة‪ ،‬فأعانه أرطأة ابن سهية على شبيب‪ ،‬فقال شبيب‬
‫بأرطأة في ركب الخيانة والغدر‬ ‫لعمري لئن كانت سهية أوضعت‬
‫لفحلته‪ ،‬ول الجـواد إذا يجـري‬ ‫فما كان بالطرف العتيق فيشترى‬
‫وغيرك أولى بالحياطة والنصر ويروي‪ :‬وقد كنت أولى بالحياطة‪ ،‬وهو أجود‬ ‫‪ .‬أتنصر مني معشرا لست منـهـم‬
‫‪:‬استعدى عليه رهط أرطاة عثمان بن حيان لهجائه إياهم فهدده ابن حيان بقطع لسانه‬

‫صفحة ‪1391 :‬‬

‫وقال ابن عمرو‪ :‬استعدى رهط أرطاة بن سهية على شبيب بن البرصاء إلى عثمان بن حيان المري وقالوا له‪ :‬يعمنا بالهجاء‬
‫ويشتم أعراضنا‪ ،‬فأمر بإشخاصه إليه فأشخص‪ ،‬ودخل إلى عثمان وقد أتى بثلثة نفر لصوص قد أفسدوا في الرض يقال لهم‬
‫بهدل ومثغور وهيصم‪ ،‬فقتل بهدل وصلبه‪ ،‬وقطع مثغورا والهيصم‪ ،‬ثم أقبل على شبيب فقال‪ :‬كم تسب أعراض قومك وتستطيل‬
‫‪:‬عليهم اقسم قسما حقا لئن عاودت هجاءهم لقطعن لسانك‪ ،‬فقال شبيب‬
‫تولى شبابي‪ ،‬إن عقدك محكم‬ ‫سجنت لساني يابن حيان بعدمـا‬
‫هيوبا‪ ،‬وصمتا بعد ل يتكـلـم‬ ‫وعيدك أبقى من لساني قـذاذة‬
‫ومرا مرارا فيه صاب وعلقم‬ ‫رأيتك تحلو لي إذا شئت لمرئ‬
‫كما هلك الحيران والليل مظلم‬ ‫وكل طريد هالك مـتـحـير‬
‫كما كان مثغور عليك وهيصم‬ ‫أصبت رجال بالذنوب فأصبحوا‬
‫فأوفى به الشراف جذع مقوم‬ ‫خطاطيفك اللتي تخطفن بهدل‬
‫تضر وللخرى نوال وأنعـم ذهب دعيج بن سيف بإبله فخرج في طلبها فرماه دعج‬ ‫يداك يدا خير وشر فمنهـمـا‬
‫فأصاب عينه‪ :‬وقال أبو عمرو‪ :‬استاق دعيج بن سيف بن جذيمة بن وهب الطائي ثم الجرمي إبل شبيب بن البرصاء فذهب بها‪،‬‬
‫وخرج بنو البرصاء في الطلب‪ ،‬فلما واجهوا بني جرم قال شبيب‪ :‬اغتنموا بني جرم‪ ،‬فقال أصحابه‪ :‬لسنا طالبين إل أهل‬
‫القرحة ‪ ،‬فمضوا حتى أتوا دعيجا وهو برأس الجبل‪ ،‬فناداه شبيب‪ :‬يا دعيج‪ ،‬إن كانت الطراف حية فلك سائر البل‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫شبيب تبصر رأسها بين سائر البل‪ ،‬فنظر فأبصرها‪ ،‬فقال شبيب‪ :‬شدوا عليه واصعدوا وراءه‪ ،‬فأبوا عليه‪ ،‬فحمل شبيب وحده‪،‬‬
‫ورماه دعيج فأصاب عينه‪ ،‬فذهب بها وكان شبيب أعور ثم عمي بعد ما أسن‪ ،‬فانصرف وانصرف معه بنو عمه‪ ،‬وفاز دعيج‬
‫‪:‬بالبل‪ ،‬فقال شبيب‬
‫بأمر جميع لم تشتت مـصـادره‬ ‫أمرت بني الرصـاء يوم حـزابة‬
‫جرى لي يمن قد بدا لي طـائره‬ ‫بشول ابن معروف وحسان بعدمـا‬
‫طعان ول ضرب يذعذع عاسره‬ ‫?أيرجع حر دون جرم ولـم يكـن‬
‫دعيج بن سيف‪ ،‬أعوزته معـاذره‬ ‫فأذهب عيني يوم سفح سـفـيرة‬
‫من الهضب مغبر عنيف عمائره‬ ‫ولما رأيت الشول قد حال دونهـا‬
‫بشم الذرا ل يعبد اللـه عـامـره‬ ‫وأعرض ركن من سفيرة يتقـى‬
‫بما جرى مولهم وجرت جرائره‬ ‫أخذت بني سيف ومالك مـوقـع‬
‫علقن ابن ظبي أعوزته مغـاوره هجاه أرطاة بن سهية ونفاه عن بني‬ ‫ولو أن رجلي يوم فر ابن جوشـن‬
‫عوف‪ :‬أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن عاصم بن الحدثان قال‪ :‬هجا أرطاة بن سهية بن البرصاء ونفاه‬
‫‪:‬عن بني عوف فقال‬
‫كداك ولكن المريب مـريب قال‪ :‬فعمي شبيب بن البرصاء بعد موت أرطاة‬ ‫فلو كنت عوفيا عميت وأسهلت‬
‫بن سهية‪ ،‬فكان يقول‪ :‬ليت ابن سهية حيا حتى يعلم أني عوفي‪ ،‬قال‪ :‬والعمى شائع في بني عوف‪ ،‬إذا أسن الرجل منهم عمي‪،‬‬
‫‪ .‬وقل من يفلت من ذلك منهم‬
‫امتدح شعره عبد الملك بن مروان وفضله على الخطل‪ :‬وحدثني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن‬
‫‪:‬الصباح عن ابن الكلبي قال‪ :‬أنشد الخطل عبد الملك بن مروان قوله‬
‫والعاذلون فكلهم يلـحـانـي‬ ‫بكر العواذل أذا يبتدرن ملمتي‬
‫صرف مشعشعة بماء شنـان فقال له عبد الملك‪ :‬شبيب بن البرصاء أكرم منك‬ ‫في أن سبقت بشربة مـقـدية‬
‫‪:‬وصفا لنفسه حيث يقول‬
‫إذا أحزن القاذورة المتـعـبـس‬ ‫وإني لسهل الوجه مـجـلـسـي‬
‫وليل بخيل القوم ظلماء حـنـدس‬ ‫يضيء سنا جودي لمن يبتغي القرى‬
‫بأعناقي أعدائي حبـال تـمـرس كان عبد الملك يتمثل بشعره في بذل‬ ‫ألين لذي القربى مرارا وتلـتـوي‬
‫‪:‬النفس عند اللقاء ويعجب به‪ :‬قال‪ :‬وكان عبد الملك يتمثل بقول شبيب في بذل النفس عند اللقاء ويعجب به‬
‫مواطن أن يثنى علي فأشتـمـا‬ ‫دعاني حصن للفرار فسـاءنـي‬
‫يذود الفتى عن حوضه أن يهدما‬ ‫فقلت لحصن نح نفسـك إنـمـا‬

‫صفحة ‪1392 :‬‬

‫لنفسي حياة مثل أن أتـقـدمـا‬ ‫تأخرت أستبقي الحياة فلـم أجـد‬


‫إذا ريع نادى بالجواد وبالحمـى‬ ‫سيكفيك أطراف السـنة فـارس‬
‫حبال الهوينى بالفتى أن تجذمـا سبب مهاجاته عقيل بن علفة‪ :‬نسخت‬ ‫إذا المرء لم يغش المكاره أوشكت‬
‫من كتاب أبي عبد الله اليزيدي ولم أقرأه عليه‪ ،‬قال خالد بن كلثوم‪ :‬كان الذي هاج الهجاء بين شبيب بن البرصاء وعقيل بن‬
‫علفة أنه كان لبني تشبة جار من بني سلمان بن سعد‪ ،‬فبلغ عقيل عنه أنه يطوف في بني مرة يتحدث إلى النساء فامتل عليه‬
‫غيظا‪ ،‬فبينا هو يوما جالس وعنده غلمان له وهو يجز إبل له على الماء ويسمها إذ طلع عليه السلماني على راحلته‪ ،‬فوثب عليه‬
‫وهو وغلمانه فضربوه ضربا مبرحا‪ ،‬وعقر راحلته‪ ،‬وانصرف من عنده بشر‪ ،‬فلم يعد إلى ذلك الموضع‪ ،‬ولج الهجاء بينهما‪ .‬وكان‬
‫‪ .‬عقيل شرسا سيء الخلق غيورا‬

‫أخبار دقاق‬
‫تزوجت يحيى بن الربيع ثم بعده من القواد والكتاب فماتوا وورثتهم‪ :‬كانت دقاق مغنية محسنة جميلة الوجه قد أخذت عن أكابر‬
‫مغني الدولة العباسية‪ ،‬وكانت ليحيى بن الربيع‪ ،‬فولدت له أحمد ابنه‪ ،‬وعمر عمرا طويل وحدثنا عنه جحظة ونظراؤه من‬
‫أصحابنا‪ ،‬وكان عالما بأمر الغناء والمغنين‪ ،‬وكان يغني غناء ليس بمستطاب ولكنه صحيح‪ .‬ومات يحيى بن الربيع فتزوجت بعده‬
‫‪ .‬من القواد والكتاب بعدة‪ ،‬فماتوا وورثتهم‬
‫هجاها عيسى بن زينب‪ :‬فحدثني عمي قال حدثني أحمد بن الطيب السرخسي قال‪ :‬كانت دقاق أم ولد يحيى بن الربيع أحمد‬
‫المعروف بابن دقاق مغنية محسنة متقنة الداء والصنعة‪ ،‬وكانت قد انقطعت إلى حمدونة بنت الرشيد ثم إلى غضيض‪ ،‬وكانت‬
‫مشهورة بالظرف والمجون والفتوة‪ .‬قال أحمد بن الطيب‪ :‬وعتقت دقاق فتزوجها بعد مولها ثلثة من القواد من وجوههم‪،‬‬
‫‪:‬فماتوا جميعا‪ ،‬فقال عيسى بن زينب يهجوها‬
‫حسنها قد أضر بالـعـشـاق‬ ‫قلت لـمـا رأيت دار دقـاق‬
‫ل يكونن نجمه في مـحـاق‬ ‫حذروا الرابع الشقي دقـاقـا‬
‫شؤم حرها قد سار في الفاق‬ ‫أله عن بضعها فـإن دقـاقـا‬
‫بل جريحا وجرحه غير راقي كتبت إلى حمدون تصف هنها فرد عليها‪ :‬أخبرني‬ ‫لم تضاجع بعل فهب سلـيمـا‬
‫الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثني الهدادي الشاعر قال حدثني أبو عبد الله بن حمدون وأخبرني جحظة عن ابن حمدون‬
‫ورواية الكوكبي أتم قال‪ :‬كتبت دقاق إلى أبي تصف هنها صفة أعجزه الجواب عنها‪ ،‬فقال له صديق له‪ :‬ابعث إلى بعض‬
‫المخنثين حتى يصف متاعك‪ ،‬فيكون جوابها‪ ،‬فأحضر بعضهم وأخبره الخبر‪ ،‬فقال‪ :‬اكتب إليها‪ :‬عندي القوق بوق ‪ ،‬الصلع‬
‫المزبوق ‪ ،‬القرع المفروق‪ ،‬المنتفخ العروق‪ ،‬يسد البثوق ‪ ،‬ويفتق الفتوق‪ ،‬ويرم الخروق‪ ،‬ويقضي الحقوق‪ ،‬أسد بين جملين‪ ،‬بغل‬
‫بين حملين‪ ،‬منارة بين صخرتين‪ ،‬رأسه رأس كلب‪ ،‬وأصله مترس درب‪ ،‬إذا دخل حفر‪ ،‬وإذا خرج قشر‪ ،‬لو نطح الفيل كوره‪ ،‬ولو‬
‫دخل البحر كدره‪ ،‬إذا رق الكلم‪ ،‬وتقاربت الجسام‪ ،‬والتفت الساق بالساق‪ ،‬ولطخ باطنها بالبصاق‪ ،‬وقرع البيض بالذكور ‪،‬‬
‫‪ .‬وجعلت الرماح تمور‪ ،‬بطعن الفقاح ‪ ،‬وشق الحراح ‪ ،‬صبرنا فلم نجزع‪ ،‬وسلمنا طائعين فلم نخدع‪ .‬قال‪ :‬فقطعها‬
‫مجلس بين ابنها وبين أبي الجاموس اليعقوبي‪ :‬حدثني عمي قال حدثني أحمد بن الطيب قال حدثني أحمد بن علي بن جعفر‬
‫قال‪ :‬حضرت مرة مجلسا وفيه ابن دقاق وفيه النصراني المعروف بأبي الجاموس اليعقوبي البزاز قرابة بلل قال‪ :‬فعبث ابن‬
‫دقاق بأبي الجاموس‪ ،‬فلما أكثر عليه قال‪ :‬اسمعوا مني‪ .‬ثم حلف بالحنيفية أنه ليكذب‪ ،‬وحدثنا قال‪ :‬مضيت وأنا غلم مع‬
‫أستاذي إلى باب حمدونة بنت الرشيد‪ ،‬ومعنا بز نعرضه للبيع‪ ،‬فخرجت إلينا دقاق أم هذا تقاولنا في ثمن المتاع‪ ،‬وفي يدها‬
‫مروحة على أحد وجهيها منقوش‪ :‬الحر إلى أيرين أحوج من الير إلى حرين‪ ،‬وعلى الوجه الخر‪ :‬كما أن الرحا إلى بغلين أحوج‬
‫‪ .‬من البغل إلى رحوين‪ ،‬قال‪ :‬فأسكته والله سكوتا علمنا معه أنه لو خرس لكان الخرس أصون لعرضه مما جرى‬
‫‪:‬كان لها غلمان خلسيان فرماها الناس بهما‬

‫صفحة ‪1393 :‬‬

‫قال أحمد‪ :‬وفي دقاق يقول عيسى بن زينب وكان لها غلمان خلسيان يروحانها في الخيش‪ ،‬فتحدث الناس أنها قالت لواحد‬
‫‪:‬منهما أن ينيكها‪ ،‬فعجز فقالت له‪ :‬نكني وأنت حر‪ ،‬فقال لها نيكيني أنت وبيعيني في العراب‪ ،‬فقال فيها عيسى بن زينب‬
‫دقاق في خفض من العيش‬ ‫أحسن من غنى لنا أو شـدا‬
‫بعلة الترويح في الخـيش قال فيها إبراهيم بن المهدي شعرا‪ :‬حدثني جحظة قال حدثني‬ ‫لها غلمان ينـيكـانـهـا‬
‫هبة الله بن إبراهيم بن المهدي قال‪ :‬كانت دقاق جارية يحيى بن الربيع تواصل جمعة كانوا يميلون إليها وتري كل واحد منهم أنها‬
‫‪:‬تهواه‪ ،‬وكانت أحسن أهل عصرها وجها‪ ،‬وأشأمهم على من رابطها وتزوجها‪ ،‬فقال فيها أبو إسحاق يعني أباه‪ :‬صوت‬
‫أكل الناس ويحك تعشقينا‬ ‫? عدمتك يا صديقة كل خلـق‬
‫بلحم سمينهم ل تبشـمـينـا فيه خفيف رمل ينسب إلى إبراهيم بن المهدي وإلى‬ ‫فكيف إذا خالطت الغث منهم‬
‫‪ .‬ريق وإلى شارية‬
‫قال فيها أبو موسى العمى شعرا‪ :‬أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثنا أبو هفان قال‪ :‬خرج يحيى بن الربيع‬
‫مولى دقاق وكانت قد ولدت منه ابنه أحمد بن يحيى إلى بعض النواحي‪ ،‬وترك جاريته دقاق في داره فعملت بعده الوابد ‪،‬‬
‫‪:‬وكانت من أحسن الناس وجها وغناء‪ ،‬وأشأمه على أزواجها ومواليها وربطائها‪ ،‬فقال أبو موسى العمى فيه‬
‫ت ولم تخش سهم ريب الـمـنـون‬ ‫قل ليحيى نعم صبرت علـى الـمـو‬
‫يى على الضعف منك حمل القرون‬ ‫كيف قل لي أطلـقـت ويحـك يا يح‬
‫بعد ما غاب من سـياط الـبـطـون صوت من المائة المختارة‬ ‫‪:‬ويح يحيى مـا مـر بـاسـت دقـاق‬
‫وعينك تبدي أن صدرك لي دوي‬ ‫تكاشرني كرها كأنـك نـاصـح‬
‫وشرك مبسوط وخيرك ملتـوي الشعر ليزيد بن الحكم الثقفي والغناء لبراهيم‬ ‫لسانك لي حلو وعينك عـلـقـم‬
‫‪ .‬ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق‪ ،‬وفيه لجهم العطار خفيف ثقيل عن الهاشمي‬

‫نسب يزيد بن الحكم وأخباره‬


‫نسبه وبعض أخبار آبائه‪ :‬هو يزيد بن الحكم بن عثمان بن أبي العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كذلك وجدت‬
‫نسبه في نسخة ابن العرابي وذكره غيره أنه يزيد بن الحكم بن أبي العاص‪ ،‬وأن عثمان عمه‪ ،‬وهذا هو القول الصحيح‪ .‬وأبو‬
‫‪ .‬العاص بن بشر بن عبد دهمان بن عبد الله بن همام بن أبان بن يسار بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي وهو ثقيف‬
‫روى جده عثمان الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬وعثمان جده أو عم أبيه أحد من أسلم من ثقيف يوم فتح‬
‫الطائف هو وأبو بكرة‪ ،‬وشط عثمان بالبصرة منسوب إليه؛ كانت هناك أرض أقطعها وابتاعها وقد روى عن رسول الله صلى‬
‫‪ .‬الله عليه وسلم الحديث‪ ،‬وروى عنه الحسن بن أبي الحسن ومطرف بن عبد الله بن الشخير وغيرهما من التابعين‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان‪ ،‬سمعه من محمد بن إسحاق‪،‬‬
‫وسمعه محمد من سعيد بن أبي هند من مطرف بن عبد الله بن الشخير قال‪ :‬سمعت عثمان بن أبي العاص الثقفي يقول‪ :‬قال‬
‫لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أم قومك واقدرهم بأضعفهم فإن منهم الضعيف والكبير وذا الحاجة ‪ .‬قال الحميدي‬
‫وحدثنا الفضيل بن عياض عن أشعب عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬اتخذوا‬
‫‪ .‬مؤذنا ول يأخذ على أذانه أجرا‬
‫مر به الفرزدق وهو ينشد شعرا فامتدحه‪ :‬أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا العلء بن‬
‫الفضل قال حدثني أبي قال‪ :‬مر الفرزدق بيزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي وهو ينشد في المجلس شعرا فقال‪ :‬من هذا‬
‫الذي ينشد شعرا كأنه من أشعارنا? فقالوا‪ :‬يزيد بن الحكم‪ ،‬فقال‪ :‬نعم؛ أشهد بالله أن عمتي ولدته‪ .‬وأم يزيد بكرة بنت‬
‫الزبرقان بن بدر‪ ،‬وأمها هنيدة بنت صعصعة بن ناجية‪ .‬وكانت بكرة أول عربية ركبت البحر فأخرج بها إلى الحكم وهو بتوج ‪،‬‬
‫‪ .‬وكان الزبرقان يكنى أبا العباس‪ ،‬وكان له بنون العباس وعياش‬
‫‪:‬خبره مع الحجاج وقد وله كورة فارس‪ :‬أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثنا الحزامي قال‬

‫صفحة ‪1394 :‬‬

‫دعا الحجاج بن يوسف بيزيد بن الحكم الثقفي‪ ،‬فوله كورة فارس‪ ،‬ودفع إليه عهده بها‪ ،‬فلما دخل عليه ليودعه قال له‬
‫‪:‬الحجاج‪ :‬أنشدني بعض شعرك‪ ،‬وإنما أراد أن ينشده مديحا له؛ فأنشده قصيدة يفخر فيها ويقول‬
‫بيضاء تخفق كالعقاب الطـائر فلما سمع الحجاج فخره نهض مغضبا‪ ،‬فخرج‬ ‫وأبي الذي سلب ابن كسرى راية‬
‫يزيد من غير أن يودعه‪ ،‬فقال الحجاج لحاجبه‪ :‬ارتجع منه العهد‪ ،‬فإذا رده فقل له‪ :‬أيهما خير لك‪ :‬ما ورثك أبوك أم هذا? فرد‬
‫‪:‬على الحاجب العهد وقال‪ :‬قل له‬
‫وورثت جدك أعنزا بالطائف خرج عن الحجاج مغضبا ولحق بسليمان بن عبد‬ ‫ورثت جدي مجده وفعـالـه‬
‫‪:‬الملك ومدحه‪ :‬وخرج عنه مغضبا‪ ،‬فلحق بسليمان بن عبد الملك ومدحه بقصيدته التي أولها‬
‫إذا أقول صحا يعتـاده عـيدا يقول فيها‬ ‫‪:‬أمسى بأسماء هذا القلب معمودا‬
‫عدل وفضل سلـيمـان بـن داودا‬ ‫سميت باسم امرئ أشبهت شيمـتـه‬
‫وأنت أصبحت في الباقين محمـودا‬ ‫أحمد به في الورى الماضين من ملك‬
‫أولهم في المور الحلم والـجـودا فقال له سليمان‪ :‬وكم كان أجرى لك‬ ‫ل يبرأ الناس من أن يحمدوا ملـكـا‬
‫‪:‬لعمالة فارس? قال‪ :‬عشرين ألفا‪ .‬قال‪ :‬فهي لك علي ما دمت حيا‪ .‬وفي أول هذه القصيدة غناء نسبته‪ :‬صوت‬
‫إذا أقول صحا يعتـاده عـيدا‬ ‫أمسى بأسماء هذا القلب معمودا‬
‫أهدى لها شبه العينين والجـيدا‬ ‫كأن أحور من غزلن ذي بقر‬
‫فل أمل ول نومني المواعـيدا‬ ‫أجري على موعد منها فتخلفني‬
‫ذو بغية يبتغي ما ليس موجودا ومن الناس من ينسب هذه البيات إلى عمر بن‬ ‫كأنني يوم أمسي ل تكلمـنـي‬
‫‪ .‬أبي ربيعة وذلك خطأ‬
‫عروضه من البسيط‪ ،‬والغناء للغريض‪ ،‬ثقيل أول بالبنصر في مجراها عن إسحاق‪ .‬وذكر عمر بن بانة أنه لمعبد ثقيل أول‬
‫‪ .‬بالوسطى‬
‫حديثه مع الحجاج وقد سمع شعره في رثاء ابنه عنبس‪ :‬أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثني‬
‫العمري عن الهيثم بن عدي قال أخبرنا ابن عياش عن أبيه قال‪ :‬سمعت الحجاج واستوى جالسا ثم قال‪ :‬صدق والله زهير بن‬
‫‪:‬أبي سلمى حيث يقول‬
‫متى يعف عن ذنب امرئ السوء يلجج فقال له يزيد بن الحكم‪ :‬أصلح الله‬ ‫وما العفو إل لمـرئ ذي حـفـيظة‬
‫‪:‬المير‪ ،‬إني قد رثيت ابني عنبسا ببيت‪ ،‬إنه لشبيه بهذا‪ .‬قال‪ :‬وما هو? قال‪ :‬قلت‬
‫عليه ويخشى جهله جهلؤها قال‪ :‬فما منعك أن تقول مثل هذا لمحمد ابني ترثيه‬ ‫ويأمن ذو حلم العشيرة جهله‬
‫‪ .‬به? فقال‪ :‬إن ابني والله كان أحب إلي من ابنك‬
‫وهذه البيات من قصيدة أخبرني بها عمي عن الكراني عن الهيثم بن عدي‪ .‬قال‪ :‬كان ليزيد ابن الحكم ابن يقال له عنبس‪،‬‬
‫‪:‬فمات عليه جزعا شديدا وقال يرثيه‬
‫إذا كانت الولد سيئا جـزاؤهـا‬ ‫جزى الله عني عنبسا كل صالـح‬
‫على نفسـه رب إلـيه ولؤهـا‬ ‫هو ابني وأمسى أجره لي وعزني‬
‫حليم ويرضى حلمه حلمـاؤهـا وبعد هذا البيت المذكور في الخبر الول‬ ‫‪ .‬جهول إذا جهل العشيرة يبتـغـى‬
‫فضله عبد الملك بن مروان على شاعر ثقيف في الجاهلية‪ :‬أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال‬
‫قال عبد الملك بن مروان‪ :‬كان شاعرا ثقيف في الجاهلية خيرا من شاعرهم في السلم فقيل له‪ :‬من يعني أمير المؤمنين?‬
‫‪:‬فقال لهم‪ :‬أما شاعرهم في السلم فيزيد بن الحكم حيث يقول‬
‫إذا سألتك لحيتك الخضابا‬ ‫فما منك الشباب ولست منه‬
‫ومكة لم يعقلن الركـابـا‬ ‫عقائل من عقائل أهل نجد‬
‫ول كلبا طردن ول غرابا وقال شاعرهم في الجاهلية‬ ‫‪:‬ولم يطردن أبقع يوم ظعن‬
‫عمرا يكون خلله متنفـس‬ ‫والشيب إن يظهر فإن وراءه‬
‫ولما بقي مني ألب وأكـيس شعره ليزيد بن المهلب حين خلع يزيد بن عبد‬ ‫لم ينتقص مني المشيب قلمة‬
‫الملك‪ :‬أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال قال يزيد بن الحكم الثقفي ليزيد بن المهلب حين خلع‬
‫‪:‬يزيد بن عبد الملك‬

‫صفحة ‪1395 :‬‬

‫وقد شمرت حرب عوان فشمر فقال يزيد بن المهلب‪ :‬بالله أستعين‪ ،‬ثم‬ ‫أبا خالد قد هجت حربا مـريرة‬
‫‪:‬أنشده‪ ،‬فلما بلغ قوله‬
‫فإن كنت لم تشعر بذلك فاشعر فقال يزيد بن المهلب‪ :‬ما شعرت بذلك‪ ،‬ثم‬ ‫فإن بني مروان قد زال ملكهم‬
‫‪:‬أنشده فلما بلغ قوله‬
‫وسيفك مشهور بكـفـك تـعـذر فقال‪ :‬هذا ل بد منه‬ ‫‪ .‬فمت ماجدا أو عش كريما فإن تمت‬
‫قال العمري‪ :‬وحدثني الهيثم بن عدي عن ابن عياش أن يزيد بن المهلب إنما كتب إليه يزيد ابن الحكم بهذه البيات‪ ،‬فوقع إليه‬
‫‪ .‬تحت البيت الول‪ :‬أستعين بالله‪ .‬وتحت البيت الثاني‪ :‬ما شعرت‪ .‬وتحت البيت الثالث‪ :‬أما هذه فنعم‬
‫مدح يزيد بن المهلب وهو في سجن الحجاج فأعطاه نجما حل عليه‪ :‬أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني الغلبي قال‬
‫حدثني ابن عائشة قال‪ :‬دخل يزيد بن الحكم على يزيد بن المهلب في سجن الحجاج وهو يعذب‪ ،‬وقد حل عليه نجم كان قد نجم‬
‫‪:‬عليه‪ ،‬وكانت نجومه في كل أسبوع ستة عشر ألف درهم فقال له‬
‫د وفضل الصلح والحسـب‬ ‫أصبح في قيدك السماحة والجو‬
‫وصابر في البلء محتـسـب‬ ‫ل بطر إن تتابـعـت نـعـم‬
‫وقصرت دون سعيك العرب قال‪ :‬فالتفت يزيد بن المهلب إلى مولى له‪ ،‬وقال‬ ‫بززت سبق الجياد في مهـل‬
‫‪.‬له‪ :‬أعطه نجم هذا السبوع‪ ،‬ونصبر على العذاب إلى السبت الخر‬
‫‪ .‬وقد رويت هذه البيات والقصة لحمزة بن بيض مع يزيد‬
‫روى ابنه العباس بعض شعره لجرير فأكرمه‪ :‬أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‪ :‬حدثني هارون بن مسلم قال‬
‫حدثني عثمان ابن حفص قال حدثني عبد الواحد عريف ثقيف بالبصرة‪ :‬أن العباس بن يزيد بن الحكم الثقفي هرب من يوسف‬
‫بن عمر إلى اليمامة‪ ،‬قال‪ :‬فجلست في مسجدها وغشيني قوم من أهلها‪ ،‬قال‪ :‬فوالله إني لكذلك إذا إنا بشيخ قد دخل يترجح‬
‫في مشيته‪ ،‬فلما رآني أقبل إلي‪ ،‬فقال القوم‪ :‬هذا جرير‪ ،‬فأتاني حتى جلس إلى جنبي‪ ،‬ثم قال لي‪ :‬السلم عليك‪ ،‬ممن أنت?‬
‫قلت‪ :‬رجل من ثقيف‪ ،‬قال‪ :‬أعرضت الديم‪ ،‬ثم ممن? قلت ‪ :‬رجل من بني مالك‪ ،‬فقال‪ :‬ل إله إل الله أمثلك يعرف بأهل بيته‬
‫‪:‬فقلت‪ :‬أنا رجل من ولد أبي العاصي‪ ،‬قال‪ :‬ابن بشر? قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬أيهم أبوك? قلت‪ :‬يزيد بن الحكم‪ .‬قال‪ :‬فمن الذي يقول‬
‫وعل لداتي شيبهم وعلني قلت‪ :‬أبي‪ ،‬قال‪ :‬فمن الذي يقول‬ ‫‪:‬فني الشباب وكل شيء فان‬
‫ول بالشيب إذ طرد الشبابا‬ ‫أل ل مرحبا بفراق ليلـى‬
‫ذميم لم نجد لهما اصطحابا‬ ‫شباب بان محمودا وشـيب‬
‫إذا سألتك لحيتك الخضابا قلت‪ :‬أبي‪ ،‬قال‪ :‬فمن الذي يقول‬ ‫‪:‬فما منك الشباب ولست منه‬
‫لصاحبه في أول الدهر تـابـع‬ ‫تعالوا فعدوا يعلـم الـنـاس أينـا‬
‫كما زيد في عرض الديم الكارع قال‪ :‬قلت‪ :‬غفر الله لك‪ ،‬كان أبي أصون‬ ‫تزيد يربوع بكم فـي عـدادهـا‬
‫لنفسه وعرضه من أن يدخل بينك وبيني ابن عمك‪ ،‬فقال‪ :‬رحم الله أباك‪ ،‬فقد مضى لسبيله‪ ،‬ثم انصرف‪ ،‬فنزلني بكبشين‪ ،‬فقال‬
‫‪ .‬لي أهل اليمامة‪ :‬ما نزل أحدا قبلك قط‬
‫شعره في جارية مغنية كان يهواها وقد ارتحلت عنه‪ :‬أخبرني محمد بن يزيد بن أبي الزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه‬
‫عن إبراهيم الموصلي عن يزيد حوراء المغني قال‪ :‬كان يزيد بن الحكم الثقفي يهوى جارية مغنية‪ ،‬وكانت غير مطاوعة له‪ ،‬فكان‬
‫يهيم بها‪ ،‬ثم قدم رجل من أهل الكوفة فاشتراها‪ ،‬فمرت بيزيد بن الحكم مع غلمة لمولها وهي راحلة‪ ،‬فلما علم بذلك رفع‬
‫‪:‬صوته فقال‬
‫ودائع القلب ل تضـيع‬ ‫يأيها النازح الشـسـوع‬
‫قلبي على نأيه نـزوع‬ ‫أستودع الله مـن إلـيه‬
‫شوقا إلى وجهه الدموع كتاب الجارية إليه‪ :‬ومضت الجارية وغاب عنه خبرها مدة‪ ،‬فبينا‬ ‫إذا تذكرته استـهـلـت‬
‫هو جالس ذات يوم إذ وقف عليه كهل فقال له‪ :‬أأنت يزيد بن الحكم? قال‪ :‬نعم‪ ،‬فدفع إليه كتابا مختوما‪ ،‬ففضه فإذا كتابها إليه‬
‫‪:‬وفيه‬
‫فالقلب مني به صدوع‬ ‫لئن كوى قلبك الشسوع‬
‫إليك يا سيدي نـزوع‬ ‫وبي ورب السماء فاعلم‬
‫فينا وإن شفنا الولـوع‬ ‫أعزز علينا بما تلقـي‬

‫صفحة ‪1396 :‬‬

‫والعين عبرى لها دموع‬ ‫فالنفس حرى عليك ولهى‬


‫وعيشنا القرب والرجوع‬ ‫فموتنا في يد الـتـنـائي‬
‫فالقلب مني به خشـوع‬ ‫وحيثما كنـت يا مـنـايا‬
‫ما كان من شمسها طلوع قال‪ :‬فبكى والله حتى رحمه من حضر‪ ،‬وقال لنا الكهل‪ :‬ما‬ ‫ثم عليك السـلم مـنـي‬
‫قصته? فأخبرناه بما بينهما‪ ،‬فجعل يستغفر الله من حمله الكتاب إليه‪ ،‬وأحسب أن هذا الخبر مصنوع‪ ،‬ولكن هكذا أخبرنا به ابن‬
‫‪ .‬أبي الزهر‬
‫شعر نسب إليه وإلى طرفة بن العبد‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال أنشدني‬
‫‪:‬أبو الزعراء رجل من بني قيس بن ثعلبة لطرفة بن العبد‬
‫وعينك تبدي أن صدرك لي جوي قال‪ :‬فعجبت من ذلك وأنشدته أبا عمرو بن‬ ‫تكاشرني كرها كأنـك نـاصـح‬
‫العلء وقلت له‪ :‬أني كنت أرويه ليزيد بن الحكم الثقفي فأنشدنيه أبو الزعراء لطرفة بن العبد‪ ،‬فقال لي أبو عمرو‪ :‬إن أبا‬
‫‪ .‬الزعراء في سن يزيد بن الحكم‪ ،‬ويزيد مولد يجيد الشعر‪ ،‬وقد يجوز أن يكون أبو الزعراء صادقا‬
‫قال مؤلف هذا الكتاب‪ :‬ما أظن أبا الزعراء صدق فيما حكاه‪ ،‬لن العلماء من رواة الشعر رووها ليزيد بن الحكم‪ ،‬وهذا أعرابي‬
‫ل يحصل ما يقوله‪ ،‬ولو كان هذا الشعر مشكوكا فيه أنه ليزيد بن الحكم وليس كذلك لكان معلوما أنه ليس لطرفة‪ ،‬ول موجودا‬
‫في شعره على سائر الروايات‪ ،‬ول هو أيضا مشبها لمذهب طرفة ونمطه‪ ،‬وهو بيزيد أشبه‪ ،‬وله في معناه عدة قصائد يعاتب‬
‫فيها أخاه عبد ربه بن الحكم وابن عمه عبد الرحمن بن عثمان بن أبي العاص‪ .‬ومن قال إنه ليزيد بن الحكم بن عثمان قال إن‬
‫‪:‬عمه عبد الرحمن هو الذي عاتبه‪ ،‬وفيه يقول‬
‫أصاب دمي يوما بغير قـتـيل‬ ‫ومولى كذئب السوء لو يستطيعني‬
‫يقاد إلى ما سـاءنـي بـدلـيل‬ ‫وأعرض عما ساءه وكـأنـمـا‬
‫بل حسن منـه ول بـجـمـيل‬ ‫مجاملة منـي وإكـرام غـيره‬
‫بإيعاب جـدع بـادئ وعـلـيل‬ ‫ولو شئت لول الحلم جدعت أنفه‬
‫رزان يزينون النـدى كـهـول وقال في أخيه عبد ربه‬ ‫‪:‬حفاظا على أحلم قوم رزئتهـم‬
‫حتى ورى من غمـره الـداء‬ ‫يسر الشحنـاء يضـمـرهـا‬
‫وقد تعرض دون الغصة الماء‬ ‫حران ذو غصة جرعت غصته‬
‫منه كما ينزل العداء أعـداء‬ ‫حتى إذا ما أساغ الريق أنزلني‬
‫إني كذاك من الخوان لقـاء‬ ‫أسعى فيكفر سعي ما سعيت له‬
‫يعدهـن تـرات وهـي آلء فأما تمام القصيدة التي نسبت إلى طرفة فأنا أذكر منها‬ ‫وكـم يد ويد لـي عـنـده ويد‬
‫‪:‬مختارها ليعلم أن مرذول كلم طرفة فوقه‬
‫صفاحا وعني بين عينيك مـنـزوي‬ ‫تصافح من لقـيت لـي ذا عـداوة‬
‫ولست لما أهوى من المر بالهوي‬ ‫أراك إذا لم أهـو أمـرا هـويتـه‬
‫أذاك‪ ،‬فكل يجتوي قرب مجـتـوي‬ ‫أراك اجتويت الخير مني وأجتـوي‬
‫وشرك عني ما ارتوى الماء مرتوي‬ ‫فليت كفافـا كـان خـيرك كـلـه‬
‫وأنت عدوي‪ ،‬ليس ذاك بمسـتـوي‬ ‫عدوك يخشى صولتي إن لـقـيتـه‬
‫بأجرامه من قلة النيق مـنـهـوي‬ ‫وكم موطن لولي صحت كما هوى‬
‫وقلت أل يا ليت بـنـيانـه خـوي‬ ‫إذا ما ابتنى المجد ابن عمك لم تعـن‬
‫شج أو عميد أو أخـو غـلة لـوي‬ ‫كأنك إن نال ابن عمك مـغـنـمـا‬
‫تذيبك حتى قيل هل أنت مكـتـوي‬ ‫وما برحت نفس حسود حشـيتـهـا‬
‫ثلث خصال لست عنهن نرعـوي‬ ‫جمعت وفحـشـا غـيبة ونـمـيمة‬
‫فيا شر من يدحو إلى شر مدحـوي‬ ‫ويدحو بك الداحي إلى كـل سـوءة‬
‫كما كتمت داء ابنـهـا أم مـدوي وهذا شعر إذا تأمله من له في العلم أدنى‬ ‫بدا منك غش طالما قد كـتـمـتـه‬
‫‪ .‬سهم عرف أنه ل يدخل في مذهب طرفة ول يقاربه‬
‫‪:‬صوت من المائة المختارة‬
‫عجوزا‪ ،‬ومن يعشق عجوزا يفند‬ ‫أبى القلب إل أم عوف وحبـهـا‬

‫صفحة ‪1397 :‬‬

‫ورقعته ما شئت في العين واليد الشعر لبي السود الدؤلي والغناء لعلويه‪،‬‬ ‫كثوب يمان قد تقـادم عـهـده‬
‫‪ .‬ثقيل أول بالبنصر عن عمرو بن بانة‬

‫أخبار أبي السود الدؤلي ونسبه‬


‫نسبه‪ :‬اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة‬
‫بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار‪ ،‬وهم إخوة قريش‪ ،‬لن قريشا مختلف في الموضع الذي افترقت فيه مع أبيها‪،‬‬
‫فخصت بهذا السم دونهم‪ ،‬وأبعد من قال في ذلك مدى من زعم أن النضر بن كنانة منتهى نسب قريش‪ ،‬فأما النسابون منهم‬
‫‪ .‬فيقولون إن من لم يلده فهر بن مالك بن النضر فليس قرشيا‬
‫كان من وجوه التابعين وفقهائهم ومحدثيهم‪ :‬وكان أبو السود الدؤلي من وجوه التابعين وفقهاؤهم ومحدثيهم‪ .‬وقد روى عن‬
‫عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ‪ ،‬فأكثر وروى عن ابن عباس وغيره‪ ،‬واستعمله عمر بن الخطاب‬
‫وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم‪ ،‬وكان من وجوه شيعة علي‪ .‬وذكر أبو عبيدة أنه أدرك أول السلم‬
‫‪ .‬وشهد بدرا مع المسلمين ‪ .‬وما سمعت بذلك عن غيره‬
‫‪ .‬وأخبرني عمي عن ابن أبي سعد عن محمد عبد الرحمن بن عبد الصمد السلمي عن أبي عبيدة مثله‬
‫‪ .‬وله علي البصرة‪ :‬واستعمله علي رضي الله عنه على البصرة بعد ابن عباس‪ ،‬وهو كان الصل في بناء النحو وعقد أصوله‬
‫كان أول من وضع النحو ورسم أصوله‪ :‬أخبرنا أبو جعفر بن رستم الطبري النحوي بذلك عن أبي عثمان المازني عن أبي عمر‬
‫الجرمي عن أبي الحسن الخفش عن سيبويه عن الخليل بن أحمد عن عيسى بن عمر عن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي‬
‫‪ .‬عن عنبسة الفيل وميمون القرن عن يحيى بن يعمر الليثي‬
‫أن أبا السود الدؤلي دخل إلى ابنته بالبصرة فقالت له‪ :‬يا أبت ما أشد الحر رفعت أشد فظنها تسأله وتستفهم منه‪ :‬أي زمان‬
‫الحر أشد? فقال لها‪ :‬شهر ناجر‪ ،‬يريد شهر صفر‪ .‬الجاهلية كانت تسمى شهور السنة بهذه السماء ‪ .‬فقالت‪ :‬يا أبت إنما أخبرتك‬
‫ولم أسألك‪ .‬فأتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬ذهبت لغة العرب لما خالطت العجم‪،‬‬
‫وأوشك إن تطاول عليها زمان أن تضمحل‪ ،‬فقال له‪ :‬وما ذلك? فأخبره خبر ابنته‪ ،‬فأمره فاشترى مصحفا بدرهم‪ ،‬وأمل عليه‪:‬‬
‫الكلم كله ل يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعنى‪ .‬وهذا القول أول كتاب سيبويه ‪ ،‬ثم رسم أصول النحو كلها‪ ،‬فنقلها‬
‫النحويون وفرعوها‪ .‬قال أبو الفرج الصبهاني‪ :‬هذا حفظته عن أبي جعفر وأنا حديث السن‪ ،‬فكتبته من حفظي‪ ،‬واللفظ يزيد‬
‫‪ .‬وينقص وهذا معنى‬
‫أمره زياد أن ينقط المصاحف فنقطها‪ :‬أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني قال‪ :‬أمر‬
‫زياد أبا السود الدؤلي أن ينقط المصاحف‪ ،‬فنقطها ورسم من النحو رسوما‪ ،‬ثم جاء بعده ميمون القرن فزاد عليه في حدود‬
‫العربية‪ ،‬ثم زاد بعده عنبسة بن معدان المهري‪ ،‬ثم جاء عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وأبو عمرو بن العلء فزادا فيه‪ ،‬ثم‬
‫جاء الخليل بن أحمد الزدي وكان صليبة فلحب الطريق ‪ .‬ونجم علي بن حمزة الكسائي مولى بني كاهل من أسد فرسم‬
‫‪ .‬للكوفيين رسوما هم الن يعلمون عليها‬
‫أخذ النحو عن علي بن أبي طالب‪ :‬أخبرني علي بن سليمان الخفش قال حدثني محمد بن يزيد النحوي قال حدثنا التوزي‬
‫والمهري قال حدثنا كيسان بن المعروف الهجيمي أبو سليمان عن أبي سفيان بن العلء عن جعفر بن أبي حرب بن أبي السود‬
‫الدؤلي عن أبيه قال‪ :‬قيل لبي السود‪ :‬من أين لك هذا العلم? يعنون به النحو فقال‪ :‬أخذت حدوده عن علي ابن أبي طالب‬
‫‪ .‬عليه السلم‬
‫خبره مع زياد في سبب وضع النحو‪ :‬أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثني عبيد الله بن محمد عن عبد الله بن شاكر‬
‫‪:‬العنبري عن يحيى بن آدم أبي بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود قال‬

‫صفحة ‪1398 :‬‬

‫أول من وضع العربية أبو السود الدؤلي‪ ،‬جاء إلى زياد بالبصرة فقال له‪ :‬أصلح الله المير‪ ،‬إني أرى العرب قد خالطت هذه‬
‫العاجم‪ ،‬وتغيرت ألسنتهم‪ ،‬أفتأذن لي أن أضع لهم علما يقيمون به كلمهم? قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬ثم جاء زيادا رجل فقال‪ :‬مات أبانا‬
‫وخلف بنون‪ ،‬فقال زياد مات أبانا وخلف بنون ردوا علي أبا السود الدؤلي‪ ،‬فرد إليه‪ ،‬فقال‪ :‬ضع للناس ما نهيتك عنه‪ .‬فوضع لهم‬
‫النحو‪ .‬وقد روى هذا الحديث عن أبي بكر بن عياش يزيد بن مهران‪ ،‬فذكر أن هذه القصة كانت بين أبي السود وبين عبيد الله‬
‫‪ .‬بن زياد‬
‫أول باب وضعه في النحو باب التعجب‪ :‬أخبرني أحمد بن العباس قال حدثنا العنزي عن أبي عثمان المازني عن الخفش عن‬
‫الخيل بن أحمد عن عيسى بن عمر عن عبد الله بن أبي إسحاق عن أبي حرب بن أبي السود قال‪ :‬أول باب وضعه أبي من‬
‫‪ .‬النحو باب التعجب‬
‫كان معدودا في طبقات من الناس وهو في كلها مقدم‪ :‬وقال الجاحظ‪ :‬أبو السود الدؤلي معدود في طبقات من الناس‪ ،‬وهو‬
‫في كلها مقدم‪ ،‬مأثور عنه الفضل في جميعها؛ كان معدودا في التابعين والفقهاء والشعراء والمحدثين والشراف والفرسان‬
‫‪ .‬والمراء والدهاة والنحويين والحاضري الجواب والشيعة والبخلء والصلع الشراف والبخر الشراف‬
‫حديثه عن عمر بن الخطاب‪ :‬فما رواه من الحديث عن عمر مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حدثنا حامد بن محمد ابن‬
‫شعيب البلخي قال حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا داود بن أبي الفرات عن عبد الله بن‬
‫أبي بريدة عن أبي السود الدؤلي قال‪ :‬أتيت المدينة فوافقتها وقد وقع فيها مرض فهم يموتون موتا ذريعا‪ ،‬فجلست إلى عمر‬
‫بن الخطاب رضي الله تعالى عنه‪ ،‬فمرت به جنازة فأثني على صاحبها خير‪ ،‬فقال عمر رضي الله عنه‪ :‬وجبت‪ ،‬ثم مر بأخرى‬
‫فأثني على صاحبها بشر‪ ،‬فقال عمر‪ :‬وجبت‪ ،‬فقال أبو السود‪ :‬ما وجبت يا أمير المؤمنين? فقال‪ :‬قلت كما قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا‪ :‬وثلثة? قال وثلثة ‪ ،‬فقلنا‪ :‬واثنان? قال واثنان‬
‫‪ ، .‬ثم لم نسأله عن الواحد‬
‫حدثني حماد بن سعيد قال حدثنا أبو خيثمة قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي قتادة عن أبي السود الدؤلي قال‪ :‬خطب‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الناس يوم الجمعة فقال‪ :‬إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬ل تزال طائفة من‬
‫‪ .‬أمتي على الحق منصورة حتى يأتي أمر الله جل وعز‬
‫حديثه عن علي بن أبي طالب‪ :‬ومما رواه عن علي بن أبي طالب عليه السلم أخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي‬
‫قال حدثنا هناد بن السري قال حدثنا عبده بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي حرب بن أبي السود الدؤلي‬
‫عن أبيه أبي السود الدؤلي عن علي كرم الله وجهه أنه قال في بول الجارية‪ :‬يغسل‪ ،‬وفي بول الغلم‪ :‬ينضح ما لم يأكل الطعام‬
‫‪.‬‬
‫تبع ابن عباس حين خرج من البصرة إلى المدينة ليرده فأبى‪ :‬أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا البغوي قال حدثنا‬
‫علي بن الجعد قال حدثنا معلى ابن هلل عن الشعبي وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا‬
‫المدائني جميعا قالوا‪ :‬لما خرج ابن عباس رضي الله عنهما إلى المدينة من البصرة تبعه أبو السود في قومه ليرده‪ ،‬فاعتصم‬
‫عبد الله بأخواله من بني هلل فمنعوه‪ ،‬وكادت تكون بينهم حرب‪ ،‬فقال لهم بنو هلل‪ :‬ننشدكم الله أل تسفكوا بيننا دماء تبقى‬
‫معها العداوة إلى آخر البد‪ ،‬وأمير المؤمنين أولى بابن عمه‪ ،‬فل تدخلوا أنفسكم بينهما‪ ،‬فرجعت كنانة عنه‪ ،‬وكتب أبو السود إلى‬
‫‪ .‬علي عليه السلم فأخبره بما جرى‪ ،‬فوله البصرة‬
‫كان كاتبا لبن عباس على البصرة‪ :‬أخبرني حبيب بن نصر المهلبي ووكيع وعمي قالوا جميعا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‬
‫حدثني محمد بن عمران الضبي قال حدثني خالد بن عبد الله قال حدثني أبو عبيدة معمر بن المثنى قال‪ :‬كان أبو السود‬
‫‪:‬الدؤلي كاتبا لبن عباس على البصرة‪ ،‬وهو الذي يقول‬
‫فادع الله وأحسن العمال‬ ‫وإذا طلبت من الحوائج حاجة‬
‫فهو اللطيف لما أراد فعال‬ ‫فليعطينك ما أراد بـقـدرة‬
‫بيد الله يقـلـب الحـوال‬ ‫إن العباد وشأنهم وأمورهـم‬

‫صفحة ‪1399 :‬‬

‫لهجا تضعضع للعباد سؤال كان يكثر الخروج والركوب في كبره وتعليله ذلك‪:‬‬ ‫فدع العباد ول تكن بطلبهم‬
‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن محمد بن سلم قال‪ :‬كان أبو السود الدؤلي قد أسن وكبر‪ ،‬وكان مع‬
‫ذلك يركب إلى المسجد والسوق ويزور أصدقاءه‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬يا أبا السود‪ ،‬أراك تكثر الركوب وقد ضعفت عن الحركة‬
‫وكبرت‪ ،‬ولو لزمت منزلك كان أودع لك‪ .‬فقال له أبو السود‪ :‬صدقت ولكن الركوب يشد أعضائي‪ ،‬وأسمع من أخبار الناس ما ل‬
‫أسمعه في بيتي‪ ،‬وأستنشى الريح‪ ،‬وألقى إخواني‪ ،‬ولو جلست في بيتي لغتم بي أهلي‪ ،‬وأنس بي الصبي‪ ،‬واجترأ علي الخادم‪،‬‬
‫‪ .‬وكلمني من أهلي من يهاب كلمي‪ ،‬للفهم إياي‪ ،‬وجلوسهم عندي؛ حتى لعل العنز وأن تبول علي فل يقول لها أحد‪ :‬هس‬
‫سأله بنو الديل المعاونة في دية رجل فأبى وعلل امتناعه‪ :‬أخبرني محمد بن القاسم النباري قال حدثني أبي قال حدثنا أبو‬
‫عكرمة قال‪ :‬كان بين بني الدليل وبين بني ليث منازعة‪ ،‬فقتلت بنو الديل منهم رجل‪ ،‬ثم اصطلحوا بعد ذلك على أن يؤدوا ديته‪،‬‬
‫فاجتمعوا إلى أبي السود يسألونه المعاونة على أدائها‪ ،‬وألح عليه غلم منهم ذو بيان وعارضة‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبا السود‪ ،‬أنت شيخ‬
‫العشيرة وسيدهم‪ ،‬وما يمنعك من معاونتهم قلة ذات يد ول سؤدد ول جود‪ ،‬فلما أكثر أقبل عليه أبو السود‪ ،‬ثم قال له‪ :‬قد‬
‫أكثرت يابن أخي فاسمع مني‪ :‬إن الرجل والله ما يعطي إل لحدى خلل‪ :‬إما رجل أعطى ماله رجاء مكافأة ممن يعطيه‪ ،‬أو‬
‫رجل خاف على نفسه فوقاها بماله‪ ،‬أو رجل أراد وجه الله وما عنده في الدار الخرة‪ ،‬أو رجل أحمق خدع عن ماله‪ ،‬ووالله ما‬
‫أنتم إحدى هذه الطبقات‪ ،‬ول جئتم في شيء من هذا‪ ،‬ول عمك الرجل العاجز فينخدع لهؤلء‪ ،‬ولما أفدتك إياه في عقلك خير لك‬
‫‪ .‬من مال أبي السود لو وصل إلى بني الديل‪ ،‬قوموا إذا شئتم‪ .‬فقاموا يبادرون الباب‬
‫استهزأ به رجل فرد عليه فأفحمه وقال في ذلك شعرا‪ :‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة‬
‫قال‪ :‬كان طريق أبي السود الدؤلي إلى المسجد والسوق في بني تيم الله بن ثعلبة وكان فيهم رجل متفحش يكثر الستهزاء‬
‫بمن يمر به‪ ،‬فمر به أبو السود الدؤلي يوما فقال لقومه‪ :‬كأن وجه أبو السود وجه عجوز راحت إلى أهلها بطلق‪ ،‬فضحك‬
‫القوم‪ ،‬وأعرض عنهم أبو السود‪ .‬ثم مر به مرة أخرى‪ ،‬فقال لهم‪ :‬كأن غضون قفا أبي السود غضون الفقاح ‪ .‬فأقبل عليه أبو‬
‫السود فقال له‪ :‬هل تعرف فقحة أمك فيهن? فأفحمه‪ ،‬وضحك القوم منه‪ ،‬وقاموا إلى أبي السود‪ ،‬فاعتذروا إليه مما كان‪ ،‬ولم‬
‫‪:‬يعاوده الرجل بعد ذلك‪ ،‬وقال أبو السود بعد ذلك حين رجع إلى أهله‬
‫أن أسمعه وما بسمعي مـن بـاس‬ ‫وأهوج ملجاج تصاممت قـبـلـه‬
‫على أنفه حدباء تعضل بـالسـي‬ ‫ولو شئت قد أعرضت حتى أصيبه‬
‫وأصغر آثارا من النحت بالفـاس‬ ‫فإن لسانـي لـيس أهـون وقـعة‬
‫كذي الخبل تأبى نفسه غير وسواس‬ ‫وذي إحنة لم يبـدهـا غـير أنـه‬
‫وعيني وما يدري عليه وأحراسي‬ ‫صفحت له صفحا جميل كصفحـه‬
‫فما جبلي ل يعـاوده الـحـاسـي‬ ‫وعندي له إن فار فـوار صـدره‬
‫كثير الخنا صعب المحالة همـاس‬ ‫وخب لحوم الـنـاس أكـثـر زاده‬
‫لمن نابه من حاضر الجن والنـاس‬ ‫تركت له لحمي وأبقيت لـحـمـه‬
‫يعض بصم من صفا جبل راسـي خبره مع أعرابي جاء يسأله‪ :‬أخبرنا محمد بن‬ ‫فكر قلـيل ثـم صـد كـأنـمـا‬
‫العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني قال‪ :‬خرج أبو السود الدؤلي ومعه جماعة أصحاب له‬
‫إلى الصيد‪ ،‬فجاءه أعرابي فقال له‪ :‬السلم عليك‪ .‬فقال له أبو السود‪ :‬كلمة مقولة‪ .‬قال‪ :‬أدخل? قال‪ :‬وراؤك أوسع لك‪ .‬قال‪:‬‬
‫إن الرمضاء قد أحرقت رجلي‪ ،‬قال‪ :‬بل عليها أو ائت الجبل يفئ عليك‪ .‬قال‪ :‬هل عند شيء تطعمنيه? قال نأكل ونطعم العيال‪،‬‬
‫فإن فضل شيء فأنت أحق به من الكلب‪ ،‬فقال العرابي‪ :‬ما رأيت قط ألم منك‪ .‬قال أبو السود‪ :‬بلى قد رأيت؛ ولكنك قد‬
‫‪ .‬أنسيت‬
‫‪:‬خبره مع ابن أبي حمامة‬

‫صفحة ‪1400 :‬‬

‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل عن المدائني بهذا الخبر فقال فيه‪ :‬كان أبو السود جالسا‬
‫في دهليزه وبين يديه رطب‪ ،‬فجاز به رجل من العراب يقال له ابن أبي الحمامة‪ ،‬فسلم ثم ذكر باقي الخبر‪ ،‬مثل الذي تقدمه‪،‬‬
‫وزاد عليه فقال‪ :‬أنا ابن أبي الحمامة‪ .‬قال‪ :‬كن ابن أبي طاووسة ‪ ،‬وانصرف‪ .‬قال‪ :‬أسألك بالله إل أطعمتني مما تأكل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فألقى إليه أبو السود ثلث رطبات‪ ،‬فوقعت إحداهن في التراب‪ ،‬فأخذها يمسحها بثوبه‪ ،‬فقال له أبو السود‪ :‬دعها فإن الذي‬
‫‪ .‬تمسحها منه أنظف من الذي تمسحها به‪ ،‬فقال‪ :‬إنما كرهت أن أدعها للشيطان‪ ،‬فقال له‪ :‬ل والله ول لجبريل وميكائيل تدعها‬
‫خطب امرأة من عبد القيس فمنعها أهلها وزوجوها ابن عمها فقال أبو السود شعرا في ذلك‪ :‬أخبرني محمد بن عمران الضبي‬
‫الصيرفي قال حدثني الحسن بن عليل قال حدثنا محمد بن معاوية السدي قال ذكر الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال‪ :‬خطب‬
‫أبو السود الدؤلي امرأة من عبد القيس يقال لها أسماء بنت زياد بن غنيم‪ ،‬فأسر أمرها إلى صديق له من الزد يقال له الهيثم‬
‫بن زياد‪ ،‬فحدث به ابن عم لها كان يخطبها وكان لها مال عند أهلها فمشى ابن عمها الخاطب لها إلى أهلها الذين مالها عندهم‪،‬‬
‫فأخبرهم خبر أبي السود‪ ،‬وسألهم أن يمنعوها من نكاحه‪ ،‬ومن مالها الذي في أيديهم‪ ،‬ففعلوا ذلك‪ ،‬وضاروها حتى تزوجت بابن‬
‫‪:‬عمها‪ ،‬فقال أبو السود الدؤلي في ذلك‬
‫إلى بعض من لم أخش سرا ممنعا‬ ‫لعمري لقد أفشيت يوما فخانـنـي‬
‫ونادى بما أخفيت منه فأسمـعـا‬ ‫فمزقه مزق العمى وهو غـافـل‬
‫وقد يعثر الساعي إذا كان مسرعا‬ ‫فقلت ولم أفحش لعالـك عـاثـرا‬
‫أرى العفو أدنى للرشاد وأوسعـا‬ ‫ولست بجازيك المـلمة إنـنـي‬
‫فبن غير مذموم ولكن مـودعـا‬ ‫ولكن تعلم أنـه عـهـد بـينـنـا‬
‫وأنت نجيا آخر الدهر أجـمـعـا‬ ‫حديثا أضعناه كـلنـا فـل أرى‬
‫سواك لـه إل أشـت وأضـيعـا قال‪ :‬وقال فيه‬ ‫‪:‬وكنت إذا ضيعت سرك لم تـجـد‬
‫ولكنه في النصح غير مـريب‬ ‫أمنت امرأ في السر لم يك حازما‬
‫بعلياء نار أوقـدت بـثـقـوب‬ ‫أذاع به في الناس حتى كـأنـه‬
‫قوارعه من مخطئ ومصـيب‬ ‫وكنت متى لم ترع سرك تلتبـس‬
‫وما كل مؤت نصحه بلـبـيب‬ ‫فما كل ذي نصح بمؤتيك نصحه‬
‫فحق له من طاعة بـنـصـيب اشترى جارية حولء فعابها أهله فمدحها في‬ ‫ولكن إذا ما استجمعا عند واحـد‬
‫شعره‪ :‬أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال‪ :‬اشترى أبو السود جارية‪،‬‬
‫‪:‬فأعجبته وكانت حولء فعابها أهله عنده بالحول‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫سوى أن في العينين بعض التأخر‬ ‫يعيبونها عندي ول عيب عنـدهـا‬
‫مهفهفة العلى رداح المؤخـر تحاكم إليه ابنا عم وأحدهما صديق له فحكم‬ ‫فإن يك في العينين سوء فإنـهـا‬
‫على صديقه فقال في ذلك شعرا‪ :‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد الزدي قال حدثنا عبد الرحمن بن أخي الصمعي عن عمه‬
‫قال‪ :‬كان لبي السود الدؤلي صديق من بني تميم ثم من بني سعد يقال له مالك بن أصرم‪ ،‬وكانت بينه وبين ابن عم له‬
‫خصومة في دار له‪ ،‬وأنهما اجتمعا عند أبي السود فحكماه بينهما‪ ،‬فقال له خصم صديقه‪ :‬إني بالذي بينك وبينه عارف‪ ،‬فل‬
‫يحملنك ها ذاك على أن تحيف علي في الحكم وكان صديق أبي السود ظالما فقضى أبو السود على صديقه لخصمه بالحق‪،‬‬
‫‪:‬فقال له صديقه‪ :‬والله ما بارك الله لي في صداقتك‪ ،‬ول نفعني بعلمك وفقهك‪ ،‬ولقد قضيت علي بغير الحق‪ ،‬فقال أبو السود‬
‫عن القوم حتى تأخذ النصف واغضب‬ ‫إذا كنت مظلوما فل تـلـف راضـيا‬
‫مقالتهم واشغب بهم كل مـشـغـب‬ ‫وإن كنت أنت الظالم القوم فـاطـرح‬
‫جلوب عليك الحق من كل مجـلـب‬ ‫وقارب بذي جهل وباعـد بـعـالـم‬
‫ليستمكنوا مـمـا وراءك فـاحـدب‬ ‫فإن حدبوا فاقعس وإن هم تقاعـسـوا‬

‫صفحة ‪1401 :‬‬

‫بها كنت أقضي للبعيد على أبـي‬ ‫ول تدعني للجور واصبر على التي‬
‫معادي وقد جربت ما لم تجـرب كتب مستجديا إلى نعيم بن مسعود فأجابه‪،‬‬ ‫فإني امرؤ أخشى إلهي وأتـقـي‬
‫وإلى الحصين فأبى الحر فرمى كتابه فقال في ذلك شعرا‪ :‬كتب إلي أبو خليفة يذكر أن محمد بن سلم حدثه‪ ،‬وأخبرني محمد‬
‫بن يحيى الصولي عن أبي ذكوان عن محمد بن سلم قال‪ :‬وجه أبو السود الدؤلي إلى الحصين بن أبي الحر العنبري جد عبيد‬
‫الله بن الحسن القاضي‪ ،‬وهو يلي بعض أعمال الخراج لزياد‪ ،‬وإلى نعيم بن مسعود النهشلي‪ ،‬وكان يلي مثل ذلك برسول‪،‬‬
‫وكتب معه إليهما وأراد أن يبراه‪ ،‬ففعل ذلك نعيم بن مسعود‪ ،‬ورمى الحصين بن أبي الحر بكتاب أبي السود وراء ظهره‪ ،‬فعاد‬
‫‪:‬الرجل فأخبره‪ ،‬فقال أبو السود للحصين‬
‫لسيبك‪ ،‬لم يذهب رجائي هنالـكـا‬ ‫حسبت كتابي إذ أتاك تـعـرضـا‬
‫أخذت كتابي معرضا بشمـالـكـا‬ ‫وخبرني من كنت أرسلـت أنـمـا‬
‫كنبذك نعل أخلقت من نعـالـكـا‬ ‫نظرت إلى عنوانـه فـنـبـذتـه‬
‫وأنت بما تأتي حقـيق بـذلـكـا‬ ‫نعيم بن مسعود أحق بـمـا أتـى‬
‫وكيف يكون النوك إل كـذلـكـا قال محمد بن سلم‪ :‬فتقدم رجل إلى عبيد‬ ‫يصيب وما يدري ويخطي وما درى‬
‫‪:‬الله بن الحسن بن الحصين بن أبي الحر وهو قاضي البصرة مع خصم له فخلط في قوله‪ ،‬فتمثل عبيد الله بقول أبي السود‬
‫وكيف يكون النوك إل كـذلـكـا فقال الرجل‪ :‬إن رأى القاضي أن يدنيني‬ ‫يصيب وما يدري ويخطي وما درى‬
‫منه لقول شيئا فعل‪ .‬فقال له‪ :‬ادن‪ ،‬فقال له‪ :‬إن أحق الناس بستر هذا الشعر أنت‪ ،‬وقد علمت فيمن قيل‪ ،‬فتبسم عبيد الله‬
‫‪ .‬وقال له‪ :‬إني أرى فيك مصطنعا فقم إلى منزلك‪ ،‬وقال لخصمه‪ :‬رح إلي‪ ،‬فغرم له ما كان يطالب به‬
‫أراد السفر إلى فارس في الشتاء فأبت عليه ابنته فقال في ذلك شعرا‪ :‬أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن ابن عائشة قال‪:‬‬
‫أراد أبو السود الدؤلي الخروج إلى فارس‪ ،‬فقالت له ابنته‪ :‬يا أبت إنك قد كبرت‪ ،‬وهذا صميم الشتاء‪ ،‬فانتظر حتى ينصرم‬
‫‪:‬وتسلك الطريق آمنا‪ ،‬فإني أخشى عليك‪ ،‬فقال أبو السود‬
‫فما للمضاء والتوكل مـن مـثـل‬ ‫إذا كنت معـنـيا بـأمـر تـريده‬
‫تراد به آتيك فاقنع بذي الفـضـل‬ ‫توكل وحمل أمرك الـلـه إن مـا‬
‫من الخفض في دار المقامة والثمل‬ ‫ول تحسبن السير أقـرب لـلـردى‬
‫بظنك‪ ،‬إن الظن يكذب ذا العـقـل‬ ‫ولتحسبيني يابنتي عز مـذهـبـي‬
‫ول تجعلي العلم المحقق كالجهـل‬ ‫وإني ملق ما قضى الله فاصبـري‬
‫أبعدي يأتي في رحيلي أو قبلـي‬ ‫? وإنك ل تدرين‪ :‬هل مـا أخـافـه‬
‫أصيب وألفته المنية فـي الهـل خبره مع صديقه نسيب بن حميد وشعره في‬ ‫وكم قد رأيت حاذرا متـحـفـظـا‬
‫ذلك‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا عيسى بن إبراهيم العتكي قال حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال‪ :‬كان لبي السود صديق‬
‫من بني سليم يقال له نسيب بن حميد‪ ،‬وكان ينشاه في منزله‪ ،‬ويتحدث إليه في المسجد‪ ،‬وكان كثيرا ما يحلف له أنه ليس‬
‫بالبصرة أحد من قومه ول من غيرهم آثر عنده منه‪ ،‬فرأى أبو السود يوما معه مستقة مخملة أصبهانية من صوف‪ ،‬فقال له أبو‬
‫السود‪ :‬ما تصنع بهذه المستقة? فقال‪ :‬أريد بيعها‪ ،‬فقال له أبو السود‪ :‬انظر ما تبلغ فعرفنيه حتى أبعث به إليك‪ ،‬فإنها من‬
‫حاجتي‪ ،‬قال‪ :‬ل بل أكسوكها‪ ،‬فأبى أبو السود أن يقبلها إل بثمنها‪ ،‬فبعث بها إلى السوق فقومت بمائتي درهم‪ ،‬فبعث إليه أبو‬
‫‪:‬السود بالدراهم‪ ،‬فردها وقال‪ :‬لست أبيعها إل بمائتين وخمسين درهما‪ ،‬فقال أبو السود‬
‫ل أستثيب ول أثيب الواهبـا‬ ‫بعني نسيب ول تثبني إننـي‬
‫وحسبتها حمدا وأجرا واجبا‬ ‫إن العطية خير ما وجهتهـا‬
‫وملمة تبقى ومنا كـاذبـا‬ ‫ومن العطية ما يعود غرامة‬
‫فملئت علما منهم وتجاربـا‬ ‫وبلوت أخبار الرجال وفعلهم‬
‫وتركت عمدا ما هنالك جانبا‬ ‫فأخذت منهم ما رضيت بأخذه‬

‫صفحة ‪1402 :‬‬

‫دينا أقر به وأحضر كـاتـبـا‬ ‫فإذا وعدت الوعد كنت كغـارم‬


‫وكفى علي به لنفسي طالـبـا‬ ‫حتى أنفذه علـى مـا قـلـتـه‬
‫وكفى بربك جازيا ومحاسـبـا‬ ‫وإذا فعلت فعلت غير محاسـب‬
‫وأرحت من طول العناء الراغبا‬ ‫وإذا منعت منعت منعـا بـينـا‬
‫يوما بذم الدهر أجمع واصـبـا ضرط في مجلس معاوية فطلب منه أن يسترها‬ ‫ل أشتري الحمد القليل بـقـاؤه‬
‫عليه‪ ،‬فوعده‪ ،‬ولكنه لم يفعل‪ :‬أخبرني أحمد بن عبيد الله بن محمد الرازي ومحمد بن العباس اليزيدي وعمي قالوا حدثنا أحمد‬
‫بن الحارث الخراز عن المدائني قال‪ :‬زعم أبو بكر الهذلي أن أبا السود الدؤلي كان يحدث معاوية يوما فتحرك فضرط‪ ،‬فقال‬
‫لمعاوية‪ :‬استرها علي‪ ،‬فقال‪ :‬نعم‪ ،‬فلما خرج حدث بها معاوية عمرو بن العاص ومروان ابن الحكم‪ ،‬فلما غدا عليه أبو السود‬
‫قال عمرو‪ :‬ما فعلت ضرطتك يا أبا السود بالمس? قال‪ :‬ذهبت كما تذهب الريح مقبلة ومدبرة‪ ،‬من شيخ ألن الدهر أعصابه‬
‫ولحمه عن إمساكها‪ ،‬وكل أجوف ضروط‪ ،‬ثم أقبل على معاوية فقال‪ :‬إن امرأ ضعفت أمانته ومروءته عن كتمان ضرطة لحقيق‬
‫‪ .‬بأل يؤمن على أمور المسلمين‬
‫تزوج امرأة برزة فخانته وأفشت سره‪ ،‬فطلقها وقال في ذلك شعرا‪ :‬أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا سليمان بن‬
‫أبي شيخ قال حدثنا محمد بن الحكم عن عوانة قال‪ :‬كان أبو السود يجلس إلى فناء امرأة بالبصرة فيتحدث إليها‪ ،‬وكانت برزة‬
‫جميلة‪ ،‬فقالت له‪ :‬يا أبا السود‪ ،‬هل لك في أن أتزوجك? فإني صناع الكف‪ ،‬حسنة التدبير‪ ،‬قانعة بالميسور‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬فجمعت‬
‫أهلها فتزوجته‪ ،‬فوجد عندها خلف ما قدره‪ ،‬وأسرعت في ماله‪ ،‬ومدت يدها إلى خيانته‪ ،‬وأفشت سره‪ ،‬فغدا على من كان حضر‬
‫‪:‬تزويجه إياها‪ ،‬فسالهم أن يجتمعوا عنده ففعلوا‪ ،‬فقال لهم‬
‫أتاني فقال اتخذني خلـيل‬ ‫أريت أمرا كنت لم أبـلـه‬
‫فلم أستفد من لـه فـتـيل‬ ‫فخاللتـه ثـم أكـرمـتـه‬
‫كذوب الحديث سروقا بخيل‬ ‫وألفيتـه حـين جـربـتـه‬
‫عتابا رفيقا وقول جـمـيل‬ ‫فذكرتـه ثـم عـاتـبـتـه‬
‫ول ذاكر اللـه إل قـلـيل‬ ‫فألفيته غير مسـتـعـتـب‬
‫وإتباع ذلك صرما طويل ? فقالوا‪ :‬بلى والله يا أبا السود قال‪ :‬تلك صاحبتكم‪ ،‬وقد‬ ‫ألست حقيقـا بـتـوديعـه‬
‫‪ .‬طلقتها لكم‪ ،‬وأنا أحب أن أستر ما أنكرته من أمرها‪ ،‬فانصرفت معهم‬
‫أنكر عليه معاوية بخره فرد عليه‪ :‬حدثنا اليزيدي قال حدثنا البغوي قال حدثنا العمري قال‪ :‬كان أبو السود أبخر‪ ،‬فسار معاوية‬
‫يوما بشيء فأصغى إليه ممسكا بكمه على أنفه‪ ،‬فنحى أبو السود يده عن أنفه‪ ،‬وقال‪ :‬ل والله ل تسود حتى تصبر على سرار‬
‫‪ .‬المشايخ البخر‬
‫عابه زياد عند علي فقال في ذلك شعرا‪ :‬أخبرني عبد الله بن محمد الرازي قال‪ :‬حدثنا محمد بن الحارث الخراز قال حدثنا‬
‫المدائني عن أبي بكر الهذلي قال‪ :‬كان علي بن أبي طالب عليه السلم استعمل أبا السود على البصرة‪ ،‬واستكتب زياد بن أبيه‬
‫‪:‬على الديوان والخراج‪ ،‬فجعل زياد يسبع أبا السود عند علي ويقع فيه ويبغي عليه‪ ،‬فلما بلغ ذلك أبا السود عنه قال فيه‬
‫وأعرض عنه وهو باد مـقـاتـلـه‬ ‫رأيت زيادا ينـتـحـينـي بـشـره‬
‫له عادة قامت علـيهـا شـمـائلـه‬ ‫وكل امرئ‪ ،‬والله بالـنـاس عـالـم‬
‫كذلـك يدعـو كـل أمـر أوائلـه‬ ‫تعودها فيما مضـى مـن شـبـابـه‬
‫وذو الجهل يحذو الجهل من ل يعاجله‬ ‫ويعجبه صفحي لـه وتـجـمـلـي‬
‫كلنا عليه معمـل هـو عـامـلـه‬ ‫فقلت له دعـنـي وشـأنـي إنـنـا‬
‫لجربت مني بعض ما أنت جاهـلـه‬ ‫فلول الذي قد يرتجـى مـن رجـائه‬
‫علي وأجزي ما جـزى وأطـاولـه وقال لزياد أيضا في ذلك‬ ‫‪:‬لجربت أني أمنح الغـي مـن غـوى‬
‫والقول يكتب عند الله والعمل‬ ‫نبئت أن زيادا ظل يشتمـنـي‬
‫وقبل ذلك ما خبت به الرسل‬ ‫وقد لقيت زيادا ثم قلـت لـه‬
‫عرضي‪ ،‬وأنت ما شئت منتفل‬ ‫حتام تسرقني في كل مجمـعة‬

‫صفحة ‪1403 :‬‬

‫في كل منزلة يبلى بها الرجل قال‪ :‬فلما ادعى معاوية زيادا ووله العراق كان‬ ‫كل امرئ صائر يوما لشيمتـه‬
‫أبو السود يأتيه فيسأله حوائجه‪ ،‬فربما قضاها وربما منعها لما يعلمه من رأيه وهواه في علي بن أبي طالب عليه السلم‪ ،‬وما‬
‫‪:‬كان بينهما في تلك اليام وهما عاملن‪ ،‬فكان أبو السود يترضاه ويداريه ما استطاع ويقول في ذلك‬
‫ولم يك مردودا عن الخير سائلـه‬ ‫رأيت زيادا صد عنـي وجـهـه‬
‫كداء الجوى في جوفه ل يزايلـه‬ ‫ينفذ حاجات الرجال‪ ،‬وحاجـتـي‬
‫ول أنا راء ما رأيت ففـاعـلـه‬ ‫فل أنا ناس مـا نـسـيت فـآيس‬
‫من المر ل ينسى ول للمرء نائله أكرمه عبد الرحمن بن أبي بكرة وأفضل‬ ‫وفي اليأس حزم للـبـيب وراحة‬
‫عليه فقال يمدحه‪ :‬وقال المدائني‪ :‬نظر عبد الرحمن بن أبي بكرة إلى أبي السود في حال رثة فبعث إليه بدنانير وثياب‪ ،‬وسأله‬
‫‪:‬أن ينبسط إليه في حوائجه ويستمحنه إذا أضاق ‪ ،‬فقال أبو السود يمدحه‬
‫علينا بعد حي أبي المغـيره‬ ‫أبو بحر أمن الـنـاس طـرا‬
‫أخا ثقة منافـعـه كـثـيره‬ ‫لقد أبقى لنا الحدثـان مـنـه‬
‫وبعض الخير تمنعه الوعوره‬ ‫قريب الخير سهل غير وعر‬
‫ندل بـه وإخـوان وجـيره‬ ‫بصرت بأننا أصحـاب حـق‬
‫من الخلن فينا والعـشـيره‬ ‫وأهل مضيعة فوجدت خـيرا‬
‫ترى صفحاتها ولها سـريره‬ ‫وإنك قد علمت وكل نـفـس‬
‫وذو عين بما بلغت بصـيره‬ ‫لذو قلب بذي القربى رحـيم‬
‫بها جشع ول نفسا شـريره‬ ‫لعمرك ما حباك الله نفـسـا‬
‫ول هشم تنازعـه خـئوره‬ ‫ولكن أنت ل شرس غـلـيظ‬
‫بجانب روضة ريا مطـيره كان عبيد الله بن زياد يماطله في قضاء حاجاته فعاتبه في‬ ‫كأنـا إذا أتـينـاه نـزلـنـا‬
‫ذلك‪ :‬قال المدائني‪ :‬وكان أبو السود يدخل على عبيد الله بن زياد‪ ،‬فيشكو إليه أن عليه دينا ل يجد إلى قضائه سبيل‪ ،‬فيقول له‪:‬‬
‫إذا كان غد فارفع إلي حاجتك فإني أحب قضاءها‪ ،‬فيدخل إليه من غد‪ ،‬فيذكر له أمره ووعده فيتغافل عنه‪ ،‬ثم يعاوده فل يصنع‬
‫‪:‬في أمره شيئا‪ ،‬فقال فيه أبو السود‬
‫فقلت فما رد الجواب ول استمـع‬ ‫دعاني أميري كي أفوه بحاجـتـي‬
‫كلمي وخير القول ما صين أو نفع‬ ‫فقمت ولم أحسس بشيء ولم أصـن‬
‫ولليأس أدنى للعفاف من الطـمـع سأله رجل فمنعه فأنكر عليه فاحتج ببيت‬ ‫وأجمعت يأسـا ل لـبـانة بـعـده‬
‫لحاتم‪ :‬أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي فال حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال حدثني ابن عائشة قال‪ :‬سأل رجل أبا السود‬
‫‪:‬شيئا فمنعه‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبا السود ما أصبحت حاتميا? قال‪ :‬بلى قد أصبحت حاتميا من حيث ل تدري‪ ،‬أليس حاتم الذي يقول‬
‫وإما عطاء ل ينهنهه الزجر شعره في جار له كان يحسده ويذمه‪ :‬أخبرني حبيب بن‬ ‫أماوي إما مانع فـمـبـين‬
‫نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا ابن عائشة قال‪ :‬كان لبي السود جار يحسده وتبلغه عنه قوارص‪ ،‬فلما باع أبو‬
‫السود داره في بني الديل وانتقل إلى هذيل‪ ،‬قال جار أبي السود لبعض جيرانه من هذيل‪ :‬هل يسقيكم أبو السود من ألبان‬
‫‪:‬لقاحه? وكانت ل تزال عنده لقحه أو لقحتان‪ ،‬وكان جاره هذا يصيب من الشراب‪ ،‬فبلغ أبا السود قوله‪ ،‬فقال فيه‬
‫يسائل هل أسقي من اللبن الجارا‬ ‫? إن امرأ نبئتـه مـن صـديقـنـا‬
‫وأشرب ما ل إثم فـيه ول عـارا‬ ‫وإني لسقي الجار في قعر بـيتـه‬
‫ول يتولى يقلس الثـم والـعـارا قصد صديقه حوثرة بن سليم فأعرض عنه‬ ‫شرابا حلل يترك المرء صـاحـيا‬
‫فهجاه‪ :‬أخبرني عبيد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني قال‪ :‬كان لبي السود صديق‬
‫من بني قيس بن ثعلبة يقال له حوثرة بن سليم‪ ،‬فاستعمله عبيد الله ابن زياد على جي وأصبهان‪ ،‬وكان أبو السود بفارس‪ ،‬فلما‬
‫‪:‬بلغه خبره أتاه فلم يجد عنده ما يقدره‪ ،‬وجفاه حوثرة؛ فقال فيه أبوالسود وفارقه‬

‫صفحة ‪1404 :‬‬

‫وخلفت في رستاق جي أخا لكا‬ ‫تروحت من رستاق جي عشـية‬


‫نسيا وإن طال التعاشر ملـكـا‬ ‫أخا لك إن طال التنائي وجـدتـه‬
‫وكنت له يوما من الدهر فلكـا‬ ‫ولو كنت سيفا يعجب الناس حده‬
‫وطاوعته ضل الهوى وأضلكـا‬ ‫ولو كنت أهدى الناس ثم صحبته‬
‫وإن جرت عن باب الغواية دلكا ساومه جار له في شراء لقحة وعابها فأبى‬ ‫إذا جئته تبغي الهدى خالف الهدى‬
‫عليه وقال في ذلك شعرا‪ :‬قال المدائني‪ :‬وكان لبي السود جار‪ ،‬يقال له وثاق من خزاعة‪ ،‬وكان يحب اتخاذ اللقاح ويغالي بها‬
‫ويصفها‪ ،‬فأتى أبا السود وعنده لقحة غزيرة يقال لها‪ :‬الصفوف فقال له‪ :‬يا أبا السود ما بلقحتك بأس لول عيب كذا وكذا‪ ،‬فهل‬
‫لك في بيعها? فقال أبو السود‪ :‬على ما تذكر فيها من العيب? فقال‪ :‬إني أغتفر ذلك لها لما أرجوه من غزارتها‪ ،‬فقال له أبو‬
‫‪:‬السود‪ :‬بئست الخلتان فيك‪ ،‬الحرص والخداع‪ ،‬أنا لعيب مالي أشد اغتفارا؛ وقال أبو السود فيه‬
‫يخادعني عنها وثاق بن جـابـر‬ ‫يريد وثاق ناقـتـي ويعـيبـهـا‬
‫عليك حمى أخرى الليالي الغوابر‬ ‫فقلت تعـلـم يا وثـاق بـأنـهـا‬
‫من الموليات الهام حد الظواهـر‬ ‫بصرت بها كوماء حوساء جلـدة‬
‫وكم طامع في خدعتي غير ظافر ساومه رجل من سدوس في لقحة له‬ ‫فحاولت خدعي والظنون كـواذب‬
‫وعابها فأبى عليه بيعها وقال في ذلك شعرا‪ :‬قال‪ :‬وكانت له لقحة أخرى يقال لها الطيفاء‪ ،‬وكان يقول‪ :‬ما ملكت مال قط أحب‬
‫إلي منها‪ ،‬فأتاه فيها رجل من بني سدوس يقال له أوس بن عامر‪ ،‬فجعل يماكر أبا السود ويعيبها‪ ،‬فألفاه بها بصيرا وفيها‬
‫‪:‬منافسا‪ ،‬فبذل له فيها ثمنا وافيا‪ ،‬فأبى أن يبيعه وقال فيه‬
‫ليخدعني عنها بجن ضراسـهـا‬ ‫أتاني في الطيفاء أوس بن عامـر‬
‫وأحصر نفسا وانتهى بمكاسهـا‬ ‫فسام قليل ناسـئا غـير نـاجـز‬
‫وضعفا له لما غدوت براسـهـا‬ ‫فأقسم لو أعطيت ما سمت مثلـه‬
‫لجيران أم السكن يوم نفاسـهـا‬ ‫أغرك منها ان نحرت حوارهـا‬
‫يرددهـا مـردودة بـإياسـهـا جوابه لسائل ملحف‪ :‬أخبرنا اليزيدي قال حدثنا‬ ‫فولى ولم يطمع وفي النفس حاجة‬
‫عيسى عن ابن عائشة والصمعي‪ :‬أن رجل سأل أبا السود الدؤلي فرده فألح عليه‪ ،‬فقال له أبي السود‪ :‬ليس للسائل الملحف‬
‫‪ .‬مثل الرد الجامس‪ .‬قال‪ :‬يعني بالجامس الجامد‬
‫خطب امرأة من بني حنيفة فعارضه ابن عم لها فقال في ذلك شعرا‪ :‬وقال المدائني‪ :‬خطب أبو السود امرأة من بني حنيفة‬
‫وكان قد رآها فأعجبته فأجابته إلى ذلك وأذنت له في الدخول إليها‪ ،‬فدخل دارها فخاطبها بما أراد‪ ،‬فلما خرج لقيه ابن عم لها‬
‫قد كان خطبها على أخيه‪ ،‬فقال له‪ :‬ما تصنع ها هنا? فأخبره بخطبته المرأة‪ ،‬فنهاه عن التعرض لها‪ ،‬ووضع عليها أرصادا‪ ،‬فكان‬
‫أبو السود ربما مر بهم واجتاز بقبيلتهم‪ ،‬فدسوا عليه رجل يوبخه في كل محفل يراه فيه‪ ،‬ففعل‪ ،‬وأتاه وهو في نادي قومه فقال‬
‫له‪ :‬يا أبا السود‪ ،‬أنت رجل شريف‪ ،‬ولك سن وخطر وعرض‪ ،‬ما أرضى لك أن تلم بفلنة‪ ،‬وليست لك بزوجة ول قرابة‪ ،‬فإن‬
‫‪:‬أهلها قد أنكروا ذلك وتشكوه‪ ،‬فإما أن تتزوجها أو تضرب عنها‪ ،‬فقال له أبو السود‬
‫يقولون لو يبدو لك الرشد أرشد‬ ‫لقد جد في سلمى الشكاة وللـذي‬
‫معادك إن اليوم يتـبـعـه غـد‬ ‫يقولون ل تمذل بعرضك واصطنع‬
‫بكل طريق حولهم تـتـرصـد‬ ‫وإياك والقوم الغضاب فـإنـهـم‬
‫على اللوم إل حولها تـتـردد‬ ‫تلم وتلحـى كـل يوم ول تـرى‬
‫لك العين ما لتستطيع لـك الـيد وقال أبو السود‬ ‫‪:‬أفادتكها العين الصموح وقد ترى‬
‫وما زل مني‪ ،‬إن ما فات فائت‬ ‫دعوا آل سلمى ظنتي وتعنـتـي‬
‫نطقت قليل ثم إني لسـاكـت‬ ‫ول تهلكوني بالمـلمة إنـمـا‬
‫من الجهد في مرضاكم متماوت‬ ‫سأسكت حتى تحبسوني أنـنـي‬
‫كما منع الغيل السود النواهت‬ ‫ألم يكفكم أن قد منعتم بيوتـكـم‬

‫صفحة ‪1405 :‬‬

‫نشيط بفأس معدن البرم ناحـت جفاه ابن عامر لهواه في علي بن أبي‬ ‫تصيبون عرضي كل يوم كما عل‬
‫طالب فقال في ذلك شعرا‪ :‬أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثني عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عدي عن مجالد ابن‬
‫سعيد عن عبد الملك بن عمير قال‪ :‬كان ابن عباس يكرم أبا السود الدؤلي لما كان عامل لعلي بن أبي طالب عليه السلم على‬
‫البصرة ويقضي حوائجه‪ ،‬فلما ولي ابن عامر جفاه وأبعده ومنعه حوائجه لما كان يعلمه من هواه في علي بن أبي طالب عليه‬
‫‪:‬السلم‪ ،‬فقال فيه أبو السود‬
‫وما مر من عيشي ذكرت وما فضل‬ ‫ذكرت ابن عباس بباب ابن عـامـر‬
‫فكل جزاه الله عني بـمـا أفـعـل‬ ‫أميرين كان صاحبـي كـلهـمـا‬
‫وإن كان خيرا كان خيرا إذا عـدل كان لبنه صديق من باهله فكره صداقته‬ ‫فإن كان شرا كـان شـرا جـزاؤه‬
‫له‪ :‬أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الخزامي قال حدثنا محمد بن فليح‬
‫بن سليمان عن موسى بن عقبة قال قال أبو السود الدؤلي لبنه أبي حرب وكان له صديق من باهله يكثر من زيارته فكان أبو‬
‫‪:‬السود يكرهه ويستريب منه‬
‫فإنك ل تدري متى أنـت نـازع‬ ‫أحبب إذا أحببت حبا مـقـاربـا‬
‫فإنك ل تدري متى أنت راجـع‬ ‫وأبغض إذا بغضت بغضا مقاربا‬
‫فإنك راء ما عملـت وسـامـع آذاه جار له فباع داره واشترى دارا في هذيل‬ ‫وكن معدنا للحلم واصفح عن الخنا‬
‫وقال في ذلك شعرا‪ :‬وقال المدائني حدثني أبو بكر الهذلي قال‪ :‬كان لبي السود جار من بني حليس بن يعمر بن نفاثة بن‬
‫عدي بن الديل‪ ،‬من رهطه دنية ومنزل أبي السود يومئذ في بني الديل فأولع جاره برميه بالحجارة كلما أمسى‪ ،‬فيؤذيه‪ .‬فشكا‬
‫أبوالسود ذلك إلى قومه وغيرهم‪ ،‬فكلموه ولموه‪ ،‬فكان ما اعتذر به إليهم أن قال‪ :‬لست أرميه‪ ،‬وإنما يرميه الله لقطعه الرحم‬
‫وسرعته في الظلم في بخله بماله‪ ،‬فقال أبو السود‪ :‬والله ما أجاور رجل يقطع رحمي ويكذب على ربي‪ .‬فباع داره واشترى‬
‫‪:‬دارا في هذيل‪ ،‬فقيل له‪ :‬يا أبا السود‪ ،‬أبعت دارك قال‪ :‬لم أبع داري‪ ،‬ولكن بعت جاري‪ ،‬فأرسلها مثل وقال في ذلك‬
‫فقلت له مهل فأنكر مـا أتـى‬ ‫رماني جاري ظالمـا بـرمـية‬
‫بذنبك‪ ،‬والحوبات تعقب ما ترى‬ ‫وقال الذي يرميك ربك جـازيا‬
‫رماني لما أخطأ إلهي ما رمى‬ ‫فقلت له لو أن ربـي بـرمـية‬
‫وينحل فيها ربه الشـر والذى وقال فيه أيضا‬ ‫‪:‬جزى الله شرا كل من نال سوءة‬
‫إليه ول رام به مـن تـحـاربـه‬ ‫لحى الله مولى السوء ل أنت راغب‬
‫بل البعد خير من عدو تصاقـبـه وقال فيه أيضا‬ ‫‪:‬وما قرب مولى السوء إل كبعـده‬
‫وعن سب ذي القربى خلئق أربع‬ ‫وإني لتثنيني عن الشتم والـخـنـا‬
‫كريم‪ ،‬ومثلي قد يضـر وينـفـع‬ ‫حياء وإسلم ولـطـف وأنـنـي‬
‫فإن العصا كانت لمثلي تـقـرع‬ ‫فإن أعف يوما عن ذنوب أتيتـهـا‬
‫على كل حال أستقيم وتـظـلـع قصته مع جار له آذاه‪ ،‬وشعره في ذلك‪ :‬أخبرني‬ ‫وشتان ما بـين وبـينـك إنـنـي‬
‫عمي قال حدثني الكراني قال حدثني الرياشي عن العتبي قال‪ :‬كان لبي السود جار في ظهر داره له باب إلى قبيلة أخرى‪،‬‬
‫وكان بين دار أبي السود وبين داره باب مفتوح يخرج منه كل واحد منهما إلى قبيلة صاحبه إذا أرادها‪ ،‬وكان الرجل ابن عم أبي‬
‫السود دنية‪ ،‬وكان شرسا سيء الخلق‪ ،‬فأراد سد ذلك الباب‪ ،‬فقال له قومه‪ :‬ل تفعل فتضر بأبي السود وهو شيخ‪ ،‬وليس عليك‬
‫في هذا الباب ضرر ول مؤنة‪ ،‬فأبى إل سده‪ ،‬ثم ندم على ذلك لنه أضر به‪ ،‬فكان إذا أراد سلوك الطريق التي كان يسلكها منه‬
‫‪:‬بعد عليه‪ ،‬فعزم على فتحه‪ ،‬وبلغ ذلك أبا السود فمنعه منه وقال فيه‪ :‬صوت‬
‫يزدني في مبـاعـدة ذراعـا‬ ‫بليت بصاحب إن أدن شـبـرا‬
‫يزدني فوق قيس الذرع باعـا‬ ‫وإن أمدد له في الوصل ذرعي‬
‫وتأبى نفسه إل امـتـنـاعـا‬ ‫أبت نفسي لـه إل اتـبـاعـا‬

‫صفحة ‪1406 :‬‬

‫فذلك ما استطعت وما استطاعا الغناء في هذه البيات لبراهيم ثقيل أول بالبنصر‪،‬‬ ‫كلنـا جـاهـد أدنـو وينـأى‬
‫‪:‬وفيه لعريب خفيف رمل‪ .‬ولعلويه لحن غير منسوب‪ .‬قال‪ :‬وقال أبو السود أيضا في ذلك‬
‫فإن أذكروك السد فالسد أكـيس‬ ‫لنا جيرة سدوا المجازة بـينـنـا‬
‫تزل به سفع الخطاطيف أملـس وقال أيضا في ذلك‬ ‫‪:‬ومن خير ما ألصقت بالجار حائط‬
‫والمرء يعجز ل محاله‬ ‫أخطأت حين صرمتني‬
‫والحر تكفيه المقالـه نزل في بني قشير فآذوه فقال فيهم شعرا‪ :‬أخبرني الحسن بن‬ ‫والعبد يقرع بالعـصـا‬
‫علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني إسحاق بن محمد النخعي عن ابن عائشة عن أبيه وأخبرني به محمد‬
‫بن جعفر النحوي قال حدثنا أحمد بن القاسم البزي قال حدثني إسحاق بن محمد النخعي عن ابن عائشة ولم يقل عن أبيه قال‪:‬‬
‫كان أبو السود الدؤلي نازل في بني قشير‪ ،‬وكانت بنو قشير عثمانية‪ ،‬وكانت امرأته أم عوف منهم‪ ،‬فكانوا يؤذونه ويسبونه‬
‫وينالون من علي عليه السلم بحضرته ليغيظوه به‪ ،‬ويرمونه بالليل‪ ،‬فإذا أصبح قال لهم‪ :‬يا بني قشير‪ ،‬أي جوار هذا فيقولون له‪:‬‬
‫‪:‬لم نرمك إنما رماك الله لسوء مذهبك وقبح دينك‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫طوال الدهر ل تنسى عليا‬ ‫يقول الرذلون بنو قـشـير‬
‫من العمال مفروضا عليا‬ ‫? فقلت لهم‪ :‬وكيف يكون تركي‬
‫وعباسا وحمزة والـوصـيا‬ ‫أحب محمـدا حـبـا شـديدا‬
‫أحب الناس كـلـهـم إلـيا‬ ‫بني عم النـبـي وأقـربـيه‬
‫ولست بمخطئ إن كان غـيا‬ ‫فإن يك حبهم رشدا أصـبـه‬
‫وأهل مودتي ما دمت حـيا‬ ‫هم أهل النصيحة غير شـك‬
‫رحى السلم لم يعدل سويا‬ ‫هوى أعطيت لما استـدارت‬
‫أجيء إذا بعث على هـويا‬ ‫أحبهم لحب الـلـه حـتـى‬
‫هداهم واجتبى منهم نـبـيا‬ ‫رأيت الله خالق كـل شـيء‬
‫هنيئا ما اصطفاه لهم مـريا قال‪ :‬فقالت له بنو قشير‪ :‬شككت يا أبا في صاحبك‬ ‫ولم يخصص بها أحدا سواهم‬
‫‪:‬حيث تقول‬
‫فإن يك حبهم رشدا أصبه فقال‪ :‬أما سمعتم قول الله عز وجل‪ :‬وإنا أو إياكم هدى أو في ضلل مبين أفترى الله عز وجل‬
‫‪ .‬شك في نبيه وقد روي أن معاوية قال هذه المقالة‪ ،‬فأجابه بهذا الجواب‬
‫تهكم معاوية به فأجابه بشعره‪ :‬أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو عثمان الشنانداني عن الخفش عن أبي عمر‬
‫الجرمي قال‪ :‬دخل أبو السود الدؤلي على معاوية‪ ،‬فقال له‪ :‬لقد أصبحت جميل يا أبا السود‪ ،‬فلو علقت تميمة تنفى عنك العين‬
‫‪:‬فقال أبو السود‬
‫كر الجديدين من آت ومنطلق‬ ‫أفنى الشباب الذي فارقت جدته‬
‫شيئا تخاف عليه لذعة الحـدق خبره مع فتى دعاه أن يأكل معه فأتى على‬ ‫لم يتركا لي في طول اختلفهما‬
‫طعامه‪ :‬أخبرني الحسن بن علي قال حدثني الحارث بن محمد قال قال حدثنا المدائني عن علي بن سليمان قال‪ :‬كان أبو‬
‫السود على باب داره دكان يجلس عليه‪ ،‬مرتفع عن الرض على قدر صدر الرجل‪ ،‬فكان يوضع بين يديه خوان على قدر الدكان‪،‬‬
‫فإذا مر به مار فدعاه إلى الكل لم يجد موضعا يجلس فيه‪ ،‬فمر به ذات يوم فتى فدعاه إلى الغداء‪ ،‬فأقبل فتناول الخوان‬
‫فوضعه أسفل‪ ،‬ثم قال له‪ :‬يا أبا السود‪ ،‬إن عزمت على الغداء فانزل‪ ،‬وجعل يأكل وأبو السود ينطر إليه مغتاظا حتى أتى على‬
‫‪ .‬الطعام‪ ،‬فقال له أبو السود‪ :‬ما اسمك يا فتى? قال‪ :‬لقمان الحكيم‪ ،‬قال‪ :‬لقد أصاب أهلك حقيقة اسمك‬
‫قال المدائني‪ :‬وبلغني أن رجل دعاه أبو السود الدؤلي إلى طعامه وهو على هذا الدكان‪ ،‬فمد يده ليأكل‪ ،‬فشب به فرسه‬
‫‪ .‬فسقط عنه فوقص‬
‫كان أبو الجارود صديقا له فلما ولى ولية جفاه فقال فيه شعرا‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال‪:‬‬
‫كان أبو الجارود سالم بن سلمة بن نوفل الهذلي صديقا لبي السود‪ ،‬يهاديه الشعر‪ ،‬ويجيب كل واحد منهما صاحبه‪ ،‬ويتعاشران‬
‫‪:‬ويتزاوران‪ ،‬فولي أبو الجارود ولية‪ ،‬فجفا أبو السود وقطعه‪ ،‬ولم يبدأه بالمكاتبة ول أجابه عنها‪ ،‬فقال فيه أبو السود‬

‫صفحة ‪1407 :‬‬

‫يروح بها الغادي لربعك أو يغدو‬ ‫أبلغ أبا الجارود عنـي رسـالة‬
‫رضيت وما غيرت من خلق بعد‬ ‫فيخبرنا ما بال صرمك بعد مـا‬
‫تنكرت حتى قلت ذو لبدة ورد‬ ‫? أأن نلت خيرا سرني أن تنـالـه‬
‫تمثله لي غير أنـك ل تـعـدو‬ ‫فعيناك عيناه وصوتك صـوتـه‬
‫لقد جعلت أشراط أوله تـبـدو‬ ‫لئن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا‬
‫وأعرض عني قل مني له الوجد خبره مع الحارث بن خليد وشعره فيه‪ :‬قال‬ ‫فإني إذا ما صاحب رث وصلـه‬
‫المدائني‪ :‬كان لبي السود صديق يقال له الحارث بن خليد‪ ،‬وكان في شرف من العطاء‪ ،‬فقال لبي السود‪ :‬ما يمنعك من‬
‫طلب الديوان? فإن فيه غنى وخيرا‪ ،‬فقال له أبو السود‪ :‬قد أغناني الله عنه بالقناعة والتجمل‪ ،‬فقال‪ :‬كل‪ ،‬ولكنك تتركه إقامة‬
‫على محبة ابن أبي طالب وبغض هؤلء القوم‪ .‬وزاد الكلم بينهما‪ ،‬حأتى أغلظ له الحارث بن خليد‪ ،‬فهجره أبو السود‪ ،‬وندم‬
‫الحارث على ما فرط منه‪ ،‬فسأل عشيرته أن تصلح بينهما‪ ،‬فأتوا أبا السود في ذلك وقالوا له‪ :‬قد اعتذر إليك الحارث مما فرط‬
‫‪:‬منه وهو رجل حديد ‪ ،‬فقال أبو السود في ذلك‬
‫فيصمت عنا ول صارم‬ ‫لنا صاحب ل كليل اللسان‬
‫وأصحابه الحمق العارم وقال فيه‬ ‫‪:‬وشر الرجال على أهلـه‬
‫حديد فخالف جهـلـه وتـرفـق‬ ‫إذا كان شيء بـينـنـا قـيل إنـه‬
‫أدامله دمل السقـاء الـمـخـرق كتب إلى الحصين كتابا فتهاون به فقال‬ ‫شنئت من الصحاب من لست بارحا‬
‫فيه شعر‪ :‬وقال المدائني‪ :‬ولى عبيد الله بن زياد الحصين بن أبي الحر العنبري ميسان‪ ،‬فدامت وليته إياها خمس سنين‪ ،‬فكتب‬
‫‪:‬إليه أبو السود كتابا يتصدى فيه لرفده‪ ،‬فتهاون به ولم ينظر فيه‪ ،‬فرجع إليه رسوله فأخبره بفعله فقال فيه‬
‫فإنك قد قطعت أخرى خللـكـا‬ ‫أل أبلغا عني حـصـينـا رسـالة‬
‫بميسان تعطي من غير مـالـكـا‬ ‫فلو كنت إذ‪ 1‬أصبحت للخرج عامل‬
‫لقد كان حقا واجبا بعـض ذلـكـا‬ ‫سألتك أو عرضت بالـود بـينـنـا‬
‫أخذت كتابي معرضا بشمـالـكـا‬ ‫وخبرني من كنت أرسلـت أنـمـا‬
‫كنبذك نعل أخلقت من نعـالـكـا‬ ‫نظرت إلى عنـوانـه ونـبـذتـه‬
‫لسيبك‪ ،‬لم يذهب رجائي هنالـكـا‬ ‫حسبت كتابي إذ أتاك تـعـرضـا‬
‫وكيف يكون النوك إل كـذلـكـا فبلغت أبيات أبي السود حصينا‪ ،‬فغضب‬ ‫يصيب وما يدري ويخطي وما درى‬
‫‪:‬وقال‪ :‬ما ظننت منزلة أبي السود بلغت ما يتعاطاه من مساءتنا وتوعدنا وتوبيخنا‪ ،‬فبلغ ذلك أبا السود فقال فيه‬
‫نصيحة ذي الرأي للمجتنيهـا‬ ‫أبلغ حـصـينـا إذا جـئتـه‬
‫بأظلفها مدية أو بـفـيهـا‬ ‫فل تك مثل التي استخرجـت‬
‫ومن تدع يوما شعوب يجيها‬ ‫فقـام إلـيهـا بـهـا ذابـح‬
‫تحش الوليدة أو تشـتـويهـا‬ ‫فظلت بأوصالهـا قـدرهـا‬
‫ولم تر قولي بنصح شبـيهـا‬ ‫وإن تأب نصحي ول تنتهـي‬
‫ر والصاب قدما شرابا كريها خبره مع معاوية بن صعصعة وشعره في ذلك‪ :‬وقال‬ ‫أجرعك صابا وكان الـمـرا‬
‫خالد بن كلثوم‪ :‬كان معاوية بن صعصعة يلقى أبا السود كثيرا فيحادثه ويظهر له المودة‪ ،‬وكانت تبلغه عنه قوارص فيذكرها له‬
‫‪:‬فيجحدها أو يحلف أنه لم يفعل‪ ،‬ثم يعاود ذلك‪ ،‬فقال فيه أبو السود‬
‫كذلك ما الخصمان بر وفـاجـر‬ ‫ولي صاحب قد رابني أو ظلمتـه‬
‫لتي ما يأتي امرؤ وهو خـابـر‬ ‫وإني امرؤ عندي وعمدا أقـولـه‬
‫وآخر مسموم عليه الشـراشـر‬ ‫لسانان معسول عـلـيه حـلوة‬
‫وللمـرء نـاه ل يلم وزاجـر‬ ‫فقلت ولم أبخل عليه نصيحـتـي‬
‫عواقب قول تعتريه المـعـاذر‬ ‫إذا أنت حاولت البراءة فاجتـنـب‬
‫له في اعتراض القول إنك شاعر‬ ‫فكم شاعر أرداه أن قـال قـائل‬
‫لما كان يرضى قبلها وهو حافر‬ ‫عطفت عليه عطفة فتـركـتـه‬

‫صفحة ‪1408 :‬‬

‫وللقول أبواب ترى ومحاضـر‬ ‫بقافية حـذاء سـهـل رويهـا‬


‫إذ انتصف الليل المكل المسافر‬ ‫تعزى بها من نومه وهو ناعس‬
‫للذته سكران أو مـتـسـاكـر شعره في عبد الله بن عامر وكان مكرما له ثم جفاه‬ ‫إذا ما قضاها عاد فيها كـأنـه‬
‫لتشيعه‪ :‬أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثني العمري عن العتبي قال‪ :‬كان عبد الله بن عامر مكرما لبي السود ثم‬
‫‪:‬جفاه لما كان عليه من التشيع فقال فيه أبو السود‬
‫من الود قد بالت عليه الثعالـب‬ ‫ألم تر ما بيني وبين ابن عامـر‬
‫كأن لم يكن‪ ،‬والدهر فيه عجائب‬ ‫وأصبح باقي الود بيني وبـينـه‬
‫بدا لك من أخلقه ما يغـالـب‬ ‫إذا المرء لم يحببك إل تكـرهـا‬
‫ول خير فيما يستقل المعـاتـب قصته مع زوجتيه القشيرية والقيسية وشعره‬ ‫فللنأي خير من مقام علـى أذى‬
‫في ذلك‪ :‬أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا ابن النطاح قال ذكر الحرمازي عن رجل‬
‫من بني الديل قال‪ :‬كانت لبي السود الدؤلي امرأة من بني قشير وامرأة من عبد القيس‪ ،‬فأسن وضعف عما يطيقه الشباب‬
‫من أمر النساء‪ ،‬فأما القشيرية فكانت أقدمهما عنده وأسنهما‪ ،‬فكانت موافقة له صابرة عليه‪ ،‬وهي أم عوف القشيرية التي‬
‫‪:‬يقول فيها‬
‫عجوزا ومن يحب عجوزا يفند‬ ‫أبى القلب إل أم عوف وحبهـا‬
‫ورقعته ما شئت في العين واليد وأما الخرى التي من عبد القيس فهي‬ ‫كسحق يمان قد تقـادم عـهـده‬
‫‪:‬فاطمة بنت دعمي وكانت أشبهما وأجملهما فالتوت عليه لما أسن‪ ،‬وتنكرت له وساءت عشرتها‪ ،‬فقال فيها أبو السود‬
‫قد كذبتها نفسها مـا تـمـنـيت‬ ‫تعاتبني عرسي على أن أطيعـهـا‬
‫رضيت به‪ ،‬يا جهلها كيف ظنت‬ ‫وظنت بأني كل ما رضـيت بـه‬
‫على ذعرها أروية لطمـأنـت‬ ‫وصاحبتها ما لو صحبت بمثـلـه‬
‫جنوني بها‪ ،‬جنت حيالي وحنـت يقال‪ :‬جن وحن‪ ،‬وهو من التباع كما يقال‪:‬‬ ‫وقد غرها مني على الشيب والبلى‬
‫حسن بسن‬
‫ولو علمت ما علمت ما تعنـت‬ ‫ول ذنب لي قد قلت في بدء أمرنا‬
‫إذا لم تجد ذنبا علينا تـجـنـت‬ ‫تشكى إلى جاراتها وبـنـاتـهـا‬
‫بمنزلة أبعدت منها مـطـيتـي‬ ‫ألم تعلمي أني إذا خفت جـفـوة‬
‫ذهلت ولم أحنن إذا هي حنـت وفيها يقول‬ ‫‪:‬وأني إذا شقت علي حلـيلـتـي‬
‫وإن كان منك الجد فالصرم موئسي‬ ‫أفاطم مهل بعض هذا التـعـبـس‬
‫كذى نعمة لم يبدها غـير أبـؤس‬ ‫تشتم لي لمـا رأتـنـي أحـبـهـا‬
‫وتلوى به في ودك المتـحـلـس‬ ‫فإن تنقضي العهد الذي كان بينـنـا‬
‫لسلى البعاد بالبعاد الـمـكـنـس‬ ‫فإني فل يغررك مني تجـمـلـي‬
‫لمن كان لم تسدد عليه بمحـبـس‬ ‫وأعلم أن الرض فيهـا مـنـادح‬
‫ول أنا نـوام بـغـير مـعـرس أرسل غلمه يشتري له جارية فأخذها لنفسه‬ ‫وكنت امرأ ل صحبة السوء أرتجي‬
‫فقال شعرا في ذلك‪ :‬وقال المدائني‪ :‬كان لبي السود الدؤلي مولى يقال له نافع ويكنى أبا الصباح‪ ،‬فذكرت لبي السود جارية‬
‫‪:‬تباع‪ ،‬فركب فنظر إليها فأعجبته‪ ،‬فأرسل نافعا يشتريها له فاشتراها لنفسه وغدر بأبي السود‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫فدع نافعا وانظر لها من يطيقها‬ ‫إذا كنت تبغي للمانة حـامـل‬
‫له نفس سوء يحتويها صديقهـا‬ ‫فإن الفتى خـب كـذوب وإنـه‬
‫تغل جميعا أو يغل فـريقـهـا‬ ‫متى يخل يوما وحـده بـأمـانة‬
‫كما كل مسمان الكلب سروقها خطبته في موت علي بن أبي طالب‪ :‬أخبرني‬ ‫على أنه أبقى الرجال سـمـانة‬
‫‪:‬حبيب بن نصر المهلبي قال حدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد المدائني عن أبي بكر الهذلي قال‬

‫صفحة ‪1409 :‬‬

‫أتى أبا السود الدؤلي نعي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم‪ ،‬وبيعة الحسن عليه السلم‪ ،‬فقام على المنبر‬
‫فخطب الناس ونعى عليا عليه السلم فقال في خطبته‪ :‬وإن رجل من أعداء الله المارقة عن دينه‪ ،‬اغتال أمير المؤمنين عليا‬
‫كرم الله وجهه ومثواه في مسجد وهو خارج لتهجده في ليلة يرجى فيها مصادفة ليلة القدر فقتله‪ ،‬فيالله هو من قتيل وأكرم به‬
‫وبمقتله وروحه من روح عرجت إلى الله تعالى بالبر والتقى واليمان والحسان لقد أطفأ منه نور الله في أرضه ل يبين بعده‬
‫أبدا‪ ،‬وهدم ركنا من أركان الله تعالى ل يشاد مثله؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون‪ ،‬وعند الله نحتسب مصيبتنا بأمير المؤمنين‪ ،‬وعليه‬
‫‪.‬السلم ورحمة الله يوم ولد ويوم قتل ويوم يبعث حيا‬
‫ثم بكى حتى اختلفت أضلعه‪ ،‬ثم قال‪ :‬وقد أوصى بالمامة بعده إلى ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنه وسليله‬
‫وشبيهه في خلقه وهديه‪ ،‬وإني لرجو أن يجبر الله عز وجل به ما وهى‪ ،‬ويسد به ما انثلم‪ ،‬ويجمع به الشمل‪ ،‬ويطفئ به نيران‬
‫‪ .‬الفتنة‪ ،‬فبايعوه ترشدوا‬
‫كتب إليه معاوية يدعوه إلى أخذ البيعة له بالبصرة فقال شعرا يرثي فيه علي بن أبي طالب‪ :‬فبايعت الشيعة كلها‪ ،‬وتوقف ناس‬
‫ممن كان يرى رأي العثمانية ولم يظهروا أنفسهم بذلك‪ ،‬وهربوا إلى معاوية‪ ،‬فكتب إليه معاوية ودس إليه يعلمه أن الحسن عليه‬
‫‪:‬السلم قد راسله في الصلح‪ ،‬ويدعوه إلى أخذ البيعة له بالبصرة‪ ،‬ويعده ويمنيه؛ فقال أبو السود‬
‫فل قرت عيون الشامتينـا‬ ‫أل أبلغ معاوية بن حـرب‬
‫بخير الناس طرا أجمعينـا‬ ‫أفي شهر الصيام فجعتمونا‬
‫وخيسها ومن ركب السفينا‬ ‫قتلتم خير من ركب المطايا‬
‫ومن قرأ المثاني والمئينـا‬ ‫ومن لبس النعال ومن حذاها‬
‫رأيت الدر راق الناظرينـا‬ ‫إذا استقبلت وجه أبي حسين‬
‫بأنك خيرها حسبـا ودينـا لزم ابنه المنزل فحثه على العمل والسعي في طلب‬ ‫لقد علمت قريش حيث حلت‬
‫الرزق‪ :‬أخبرني أبو الحسن السدي قال حدثنا الرياشي عن الهيثم بن عدي عن أبي عبيدة قال‪ :‬كان أبو حرب بن أبي السود قد‬
‫لزم منزل أبيه بالبصرة ل ينتجع أرضا‪ ،‬ول يطلب الرزق في تجارة ول غيرها‪ ،‬فعاتبه أبوه على ذلك‪ ،‬فقال أبو حرب‪ :‬إن كان لي‬
‫‪:‬رزق فسيأتيني‪ ،‬فقال له‬
‫ولكن ألق دلوك في الدلء‬ ‫وما طلب المعيشة بالتمني‬
‫تجئك بحمأة وقليل مـاء شعره في ابن مولته لطيفة‪ :‬قال المدائني‪ :‬كانت لبي‬ ‫تجئك بملئها يومـا ويومـا‬
‫السود مولة يقال لها لطيفة‪ ،‬وكان لها عبد تاجر يقال له ملم فابتاعت له أمة وأنكحته إياها‪ ،‬فجاءت بغلم فسمته زيدا‪ ،‬فكانت‬
‫‪:‬تؤثره على كل أحد‪ ،‬وتجد به وجد الم بولدها‪ ،‬وجعلته على ضيعتها‪ ،‬فقال فيه أبو السود‪ ،‬وقد مرضت لطيفة‬
‫إذا هلكت لطيفة أو مـلـم‬ ‫وزيد هالك هلك الحبـارى‬
‫فأنى بعدها لـك زيد أم‬ ‫تبنته فقـال وأنـت أمـي‬
‫وصاحبها لما يحوي مضم‬ ‫ترم متاعـه وتـزيد فـيه‬
‫وتقصى إن قربت فل تضم‬ ‫ستلقى بعدها شرا وضـرا‬
‫سلكت وينتحي حالـيك ذم قال فماتت لطيفة من علتها تلك‪ ،‬وورثها أبو السود‪،‬‬ ‫وتلقاك الملمة كـل وجـه‬
‫فطرد زيدا عما كان يتوله من ضيعتها‪ ،‬وطالبه بما خانه من مالها فارتجعه‪ ،‬فكان بعد ذلك ضائعا مهانا بالبصرة كما قال فيه‬
‫‪ .‬وتوعده‬
‫اشترى جارية للخدمة فتعرضت له فقال في ذلك شعرا‪ :‬قال المدائني أيضا‪ :‬اشترى أبو السود أمة للخدمة‪ ،‬فجعلت تتعرض‬
‫منه للنكاح وتتطيب وتشتمل بثوبها‪ ،‬فدعاها أبو السود فقال لها‪ :‬اشتريتك للعمل والخدمة‪ ،‬ولم أشترك للنكاح‪ ،‬فأقبلي على‬
‫‪:‬خدمتك‪ ،‬وقال فيها‬
‫فدعي التشمل حولنا وتبذلـي‬ ‫أصلح إني ل أريدك للصبـا‬
‫ولحمل قربتنا وغلي المرجل‬ ‫إني أريدك للعجين وللـرحـا‬
‫فخذي لخر أهبة المسستقبل أهدى إليه المنذر بن الجارود ثيابا فقال شعرا‬ ‫وإذا تروح ضيف أهلك أو غدا‬
‫‪:‬يمدحه فيه‬

‫صفحة ‪1410 :‬‬

‫أخبرنا الحسن بن الطيب الشجاعي قال حدثنا أبو عشانة عن ابن عباس قال‪ :‬كان المنذر بن الجارود العبدي صديقا لبي‬
‫السود الدؤلي تعجبه مجالسته وحديثه‪ ،‬وكان كل واحد منهما يغشي صاحبه؛ وكانت لبي السود مقطعة من برود يكثر لبسها‪،‬‬
‫فقال له المنذر‪ :‬لقد أدمنت لبس هذه المقطعة‪ ،‬فقال له أبو السود‪ :‬رب مملول ل يستطاع فراقه؛ فعلم المنذر أنه قد احتاج‬
‫‪:‬إلى كسوة فأهدى له ثيابا‪ ،‬فقال أبو السود يمدحه‬
‫أخ لك يعطيك الجزيل ونـاصـر‬ ‫كساك ولم تستكسه فـحـمـدتـه‬
‫بحمدك من أعطاك والعرض وافر أبيات أوصى فيها ابنه‪ :‬أنشدني محمد بن‬ ‫وإن أحق الناس إن كنت حـامـدا‬
‫‪:‬العباس اليزيدي عن عمه عبيد الله عن ابن حبيب لبي السود يوصي ابنه‪ ،‬وفي هذه البيات غناء‪ :‬صوت‬
‫ل تستطيع إذا مضت إدراكها‬ ‫ل ترسلن رسالة مـشـهـورة‬
‫واحب الكرامة من بدا فحباكها‬ ‫أكرم صديق أبيك حيث لقـيتـه‬
‫وتحفظن من الذي انبـاكـهـا اعتذر لزياد في شيء جرى بينهما فلم يقبل عذره فقال‬ ‫ل تبدين نمـيمة حـدثـتـهـا‬
‫في ذلك شعرا‪ :‬أخبرني محمد بن خلف بن مرزبان قال حدثنا أبو محمد المروزي عن القحذمي عن بعض الرواة أن أبا السود‬
‫‪:‬الدؤلي اعتذر إلى زياد في شيء جرى بينهما‪ ،‬فكأنه لم يقبل عذره فأنشأ يقول‬
‫اس أن تقبل الغداة اعتـذاري‬ ‫إنني مجرم وأنـت أحـق الـن‬
‫مرء تعفو عن الهنات الكبـار فتبسم زياد وقال‪ :‬أما إذا كان هذا قولك فقد‬ ‫فاعف عني فقد سفهت وأنت ال‬
‫‪ .‬قبلت عذرك وعفوت عن ذنبك‬
‫استشير في رجل أن يولى ولية فقال شعرا‪ :‬أخبرني هاشم بن محمد قال حدثني عبد الرحمن ابن أخي الصمعي عن عمه عن‬
‫عيسى بن عمر قال‪ :‬سئل أبو السود عن رجل‪ ،‬واستشير في أن يولى ولية‪ ،‬فقال أبو السود‪ :‬هو ما علمته‪ :‬أهيس أليس‪ ،‬ألد‬
‫‪:‬ملحس ‪ ،‬إن اعطى انتهر ‪ ،‬وإن سئل أزر ‪ .‬قال الصمعي‪ :‬الهيس‪ :‬الحاد‪ ،‬ويقال في المثل‬
‫إحدى لياليك فهيسي هيسي قال‪ :‬ويقال ناقة ليساء‪ :‬إذا كانت ل تبرح من المبرك‪ .‬قال‪ :‬وهو مما يوصف به الشجاع ‪ ،‬وأنشد‬
‫‪:‬في صفة ثور‬
‫أليس عن حوبائه سخي ضمن له كاتب بن عامر أن يقضي حاجة ثم نكث فقال شعرا في ذلك‪ :‬أخبرني أحمد بن محمد بن‬
‫عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أحمد بن السود بن الهيثم الحنفي قال حدثنا أبو ملحم عن‬
‫مؤرج السدوسي عن عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار قال وكان من أفصح أهل زمانه قال‪ :‬أوصى أبو السود الدؤلي‬
‫‪:‬كاتبا لعبد الله بن عامر بحاجة له فضمن قضاءها ثم لم يصنع فيها شيئا‪ ،‬فقال أبو السود‬
‫فتى غير ذي قصد علـي ول رؤف‬ ‫لعمري لقد أوصيت أمس بحاجـتـي‬
‫ومن خير ما أدلى به المرء ما عرف‬ ‫ول عارف ما كان بـينـي وبـينـه‬
‫بأول خير من أخـي ثـقة صـرف جفاه أبو الجارود فقال فيه شعرا‪ :‬أخبرني‬ ‫وما كان ما أملت منـه فـفـاتـنـي‬
‫هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثني محمد بن القاسم مولى بني هاشم قال حدثني أبو زيد النصاري سعيد بن أوس قال‬
‫حدثني بكر بن حبيب السهمي عن أبيه‪ ،‬وكان من جلساء أبي السود الدؤلي قال‪ :‬كان أبو الجارود سالم بن سلمة بن نوفل‬
‫‪:‬الهذلي شاعرا‪ ،‬وكان صديقا لبي السود الدؤلي‪ ،‬فكان يهاديه الشعر‪ ،‬ثم تغير ما بينهما‪ ،‬فقال فيه أبو السود‬
‫يروح بها الماشي ليلقاك أو يغدو‬ ‫أبلغ أبا السود الجارود عني رسالة‬
‫رضيت وما غيرت من خلق بعد‬ ‫فيخبرنا ما بال صرمك بعـد مـا‬
‫تنكرت حتى قلت ذو لبدة ورد‬ ‫? أأن نلت خيرا سرني حين نلـتـه‬
‫تمثله لي غـير أنـك ل تـعـدو‬ ‫فعيناك عيناه وصوتـك صـوتـه‬
‫وقد جعلت أسباب أولـه تـبـدو‬ ‫فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننـا‬
‫وأعرض عني قلت بالبعد الفقـد وفاته‬ ‫‪:‬فإني إذا ما صاحب رث وصـلـه‬

‫صفحة ‪1411 :‬‬

‫وكانت وفاة أبي السود فيما ذكره المدائني في الطاعون الجارف سنة تسع وستين وله خمس وثمانون سنة‪ .‬قال المدائني‪:‬‬
‫وقد قيل إنه مات قبل ذلك‪ ،‬وهو أشبه القولين بالصواب‪ ،‬لنا لم نسمعه له في فتنة مسعود وأمر المختار بذكر‪ ،‬وذكر مثل هذا‬
‫القول بعينه‪ .‬والشك فيه هل أدرك الطاعون الجارف أو ل‪ ،‬عن يحيى بن معين‪ .‬أخبرني به الحسن بن علي عن أحمد بن زهير‬
‫‪:‬عن المدائني ويحيى بن معين‪ :‬صوت‬
‫لي الشكل تنتـقـل‬ ‫لعمرك أيها الرجـل‬
‫تزورهم فتعتـدل‬ ‫? أتهجر آل زينـب أم‬
‫كما قد تجمع السبل‬ ‫هم ركب لقوا ركبـا‬
‫ك تجري بيننا الرسل الشعر لبي نفيس بن يعلى بن منية‪ ،‬والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول‬ ‫فذلك دأبـنـا وبـذا‬
‫‪ .‬بالسبابة في مجرى الوسطى‪ ،‬وفيه لبن سريج رمل بالوسطى‪ ،‬ولجميلة خفيف رمل بالبنصر‬

‫أخبار أبي نفيس ونسبه‬


‫نسبه‪ :‬اسمه حيي بن يحيى بن يعلى بن منية‪ ،‬وقيل بل اسم أبي النفيس يحيى بن ثعلبة بن منية‪ ،‬ومنية أمه‪ ،‬ذكر ذلك الزبير‬
‫بن بكار عن عمرو بن يحيى بن عبد الحميد‪ .‬قال الزبير‪ :‬وكان عمي يقول‪ :‬اسمه ميمون بن يعلى؛ وأمه منية بنت غزوان أخت‬
‫عتبة بن غزوان‪ ،‬وأبوه أمية بن عبدة بن همام بن جشم بن بكر بن زيد بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم‪،‬‬
‫وجدت ذلك بخط أبي محلم النسابة‪ ،‬قال‪ :‬ويقال لبني زيد بن مالك بنو العدوية‪ ،‬وهي فكيهة بنت تميم بن الدئل بن حسل بن‬
‫‪ .‬عدي بن عبد مناة بن تميم‪ ،‬ولدت لمالك بن حنظلة زيدا وصديا ويربوعا‪ ،‬فهل يدعون بني العدوية‬
‫بعض أخبار جده يعلى بن منية‪ :‬وكان يعلى بن منية حليفا لنبي أمية وعديدا لهم‪ ،‬وبينه وبينهم صهر ومناسبة‪ ،‬وقد أدرك النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وسمع منه حديثا كثيرا وروى عنه حديثا كثيرا‪ ،‬وعمر بعده؛ وكان مع عائشة يوم الجمل على أمير‬
‫‪ .‬المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم‬
‫أخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن الحارث قال حدثنا المدائني عن أبي مخنف عن عبد الرحمن ابن عبيد عن أبي الكنود قال‪:‬‬
‫قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪ :‬منيت أو بليت بأطوع الناس في الناس عائشة‪ ،‬وبأدهى الناس طلحة‪ ،‬وبأشجع الناس‬
‫الزبير‪ ،‬وبأكثر الناس مال يعلى بن منية‪ ،‬وبأجود قريش عبد الله بن عامر‪ ،‬فقام إليه رجل من النصار فقال‪ :‬والله يا أمير‬
‫المؤمنين لنت أشجع من الزبير‪ ،‬وأدهى من طلحة‪ ،‬وأطوع فينا من عائشة‪ ،‬وأجود من ابن عامر‪ ،‬ولمال الله أكثر من مال يعلى‬
‫بن منية‪ ،‬وليكونن كما قال الله عز وجل‪ :‬فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ‪ .‬فسر علي بن أبي طالب رضي الله‬
‫‪:‬عنه بقوله‪ ،‬ثم قام إليه رجل آخر منهم فقال‬
‫وطلحة يكفيكه وحـوحـه‬ ‫أما الزبـير فـأكـفـيكـه‬
‫شديد التثاؤب والنحـنـحـه‬ ‫ويعلى بن منية عند القـتـال‬
‫وعائش في الناس مستنصحه‬ ‫وعايش يكفيكـهـا واعـظ‬
‫إذا ما أتيناك مستنـجـحـه‬ ‫فل تجزعـن فـإن المـور‬
‫كما يصلح الجبن بالنفخـه قال‪ :‬فسر علي عليه السلم بقوله‪ ،‬ودعا له وقال‪ :‬بارك‬ ‫وما يصلح المـر إل بـنـا‬
‫الله فيك‪ .‬قال‪ :‬فأما الزبير فناشده علي عليه السلم فرجع فقتله بنو تميم‪ ،‬وأما طلحة فناشده وحوحة‪ ،‬وكان صديقه وكان من‬
‫‪ .‬القراء‪ ،‬فذهب لينصرف‪ ،‬فرماه رجل من عسكرهم فقتله‬
‫‪ .‬فأما ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم فكثير‪ ،‬ولكني أذكر منه طرفا كما ذكرت لغيره‬
‫روى يعلى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬أخبرني أحمد بن الجعد قال حدثني محمد بن عباد المكي قال حدثنا‬
‫سفيان بن عيينة عن عمرو ابن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن منية عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يقرأ على المنبر‪ :‬ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك ‪ .‬وقد روى يعلى عنه صلى الله عليه وسلم كثيرا اقتصرت منه‬
‫‪ .‬على هذا لتعرف روايته عنه‬
‫‪:‬أقرض يعلى الزبير بن العوام يوم الجمل مال‪ ،‬فقضاه عنه ابنه عبد الله بعد مقتله‬

‫صفحة ‪1412 :‬‬

‫أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا محمد بن الحكم عن أبي مخنف قال‪ :‬أقرض‬
‫يعلى بن منية الزبير بن العوام حين خرج إلى البصرة في وقعة الجمل أربعين ألف دينار‪ ،‬فقضاها ابن الزبير بعد ذلك لن أباه‬
‫‪ .‬قتل يومئذ ولم يقضه إياها‬
‫قال‪ :‬ولما صاروا إلى البصرة تنازع طلحة والزبير في الصلة‪ ،‬فاتفقا على أن يصلي ابن هذا يوما وابن هذا يوما‪ ،‬فقال شاعرهم‬
‫‪:‬في ذلك‬
‫وشح على الملك شيخاهما‬ ‫تبارى الغلمان إذ صلـيا‬
‫وهذا بذي الجزع مولهما‬ ‫ومالي وطلحة وابن الزبير‬
‫ويعلى بن منية دلهـمـا رثى يعلى زوجه حين توفيت بتهامة‪ :‬أخبرني الحرمي بن أبي‬ ‫فأمهما اليوم غرتـهـمـا‬
‫العلء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن يحيى عن جده عبد الحميد قال‪ :‬كان يعلى بن منية ويكنى أبا نفيس‪،‬‬
‫وسمعت غير جدي يقول اسمه يحيى وهو من بني العدوية من بني تميم من بني حنظلة تزوج امرأة من بني مالك بن كنانة‬
‫‪:‬يقال لها زينب‪ ،‬ولهم حلف في بني غفار‪ ،‬وهي من بنات طارق اللتي يقلن‬
‫نمشي على النمارق فتوفيت بتهامة فقال يرثيها‬ ‫‪:‬نحن بنـات طـارق‬
‫وحين أفضوا من منى وحصبوا‬ ‫يا رب رب الناس لما نحـبـوا‬
‫والمستراد ل سقاة الكـوكـب‬ ‫ل يسقـين مـلـح وعـلـيب‬
‫من أجل حماهن ماتت زينب قال الزبير‪ :‬وأنشدنيها عمي مصعب لبي نفيس بن يعلى بن منية قال‪ :‬واسمه ميمون‪ ،‬وكان‬
‫‪:‬عمي يقول‪ :‬اسم أبي نفيس ميمون بن يعلى‪ ،‬وقال في البيات‬
‫ل يسقين عنبب وعليب أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن يحيى عن جده غسان بن عبد الحميد قال‪:‬‬
‫‪:‬رأت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بنات طارق اللواتي يقلن‬
‫نمشي على النمارق فقالت‪ :‬أخطأ من يقول‪ :‬الخيل أحسن من النساء‬ ‫‪ .‬نحن بنـات طـارق‬
‫‪:‬قال‪ :‬وقالت هند بنت عتبة لمشركي قريش يوم أحد‬
‫نمشي على النمارق‬ ‫نحن بنـات طـارق‬
‫والمسك في المفارق‬ ‫الدر في المخـانـق‬
‫أو تدبروا نـفـارق‬ ‫إن تقبلوا نـعـانـق‬
‫فراق غير وامـق أخبرني الحرمي قال‪ :‬حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن يحيى بن عبد الملك الهديري قال‪ :‬جلست ليلة وراء‬
‫‪:‬الضحاك بن عثمان الحزامي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متقنع‪ ،‬فذكر الضحاك وأصحابه قول هند يوم أحد‬
‫نحن بنات طارق فقال‪ :‬وما طارق? فقلت‪ :‬النجم‪ ،‬فالتف الضحاك فقال‪ :‬أبا زكريا‪ ،‬وكيف بذاك? فقلت‪ :‬قال الله عز وجل‪:‬‬
‫‪ .‬والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب ‪ .‬فقالت‪ :‬إنما نحن بنات النجم‪ ،‬فقال‪ :‬أحسنت‬
‫‪:‬صوت‬
‫أنارا أرى من نحو يبرين أم برقا‬ ‫خليلي قوما في عطالة فآنظـرا‬
‫تغادر ماء ل قليل ول طـرقـا‬ ‫فإن يك برقا فهو في مشمخـرة‬
‫من الريح تسفيها وتصفقها صفقا ويروي‪ :‬تزهاها وتعفقها عفقا‬ ‫وإن تك نارا فهي نار بملتـقـى‬
‫لوبة سفر أن تكون لهم وفقا العشر لسويد بن كراع‪ ،‬والغناء لبن محرز خفيف‬ ‫لم علي أوقدتهـا طـمـاعة‬
‫‪ .‬ثقيل أول بالوسطى عن يحيى المكي‪ ،‬وذكر غيره أنه لبن مسحج‬

‫أخبار سويد بن كراع ونسبه‬


‫سويد بن كراع العكلي‪ ،‬أحد بني الحارث بن عوف بن وائل بن قيس بن عكل‪ .‬شاعر فارس مقدم من شعراء الدولة الموية‪.‬‬
‫‪ .‬وكان في آخر أيام جرير والفرزدق‬
‫كان شاعرا محكما‪ ،‬وكان رجل بني عكل وذا الرأي والتقدم فيهم‪ :‬وذكر محمد بن سلم في كتاب الطبقات فيما أخبرنا عنه أبو‬
‫خليفة قال‪ :‬كان سويد بن كراع شاعرا محكما‪ ،‬وكان رجل بني عكل وذا الرأي والتقدم فيهم‪ ،‬وعكل وضبة وعدي وتيم هم‬
‫‪ .‬الرباب‬
‫قال‪ :‬وكان بعض بني عدي ضرب رجل من بني ضبة‪ ،‬ثم من بني السيد‪ ،‬وهم قوم نكد شرس ‪ ،‬وهم أخوال الفرزدق‪ ،‬فاجتمعوا‬
‫حتى ألم أن يكون بينهم شر‪ ،‬فجاء رجل من بني عدي فأعطى يده رهينة لينظروا ما يصنع المضروب‪ ،‬فقال خالد بن علقمة بن‬
‫‪:‬الطيفان حليف بني عبد الله بن دارم‬
‫أتيت بني السيد الغواة الشائما‬ ‫أسالم إني ل إخالك سـالـمـا‬

‫صفحة ‪1413 :‬‬

‫فوائل فرارا إنما كنت حالما‬ ‫أسالم إن أفلت من شر هـذه‬


‫ول حاتم فيما بل الناس حاتما قال شعرا يرد به على خالد بن علقمة‪ :‬فقال‬ ‫أسالم ما أعطى ابن مامة مثلها‬
‫‪:‬سويد بن كراع يجيبه عن ذلك‬
‫فإني لما تأتي مـن المـر لئم‬ ‫أشاعر عبد الله إن كنـت لئمـا‬
‫وعرضك موفور وليلـك نـائم‬ ‫تحضض أفناء الرباب سـفـاهة‬
‫وتصبر للحق السـراة الكـارم‬ ‫وهل عجب أن تدرك السيد وترها‬
‫وأعطيت يربوعا وأنفك راغـم‬ ‫رأيتك لم تمنع طهية حكـمـهـا‬
‫ولكن متى تقهـر فـإنـك رائم ووجدت هذا الخبر في رواية أبي عمرو‬ ‫وأنت امرؤ ل تقبل النصح طائعا‬
‫الشيباني أتم منه ها هنا وأوضح فذكرته؛ قال‪ :‬كان بين السيد بن مالك‪ ،‬من ضبة‪ ،‬وبين بني عدي بن عبد مناة ترام على خبراء‬
‫بالصمان يقال لها ذات الزجاج‪ ،‬فرمي عمرو بن حشفة أخو بني شييم فمات‪ ،‬ورمت بنو السيد رجل منهم يقال له مدلج بن‬
‫صخر العدوي فمكث أياما لم يمت‪ ،‬فمر رجل من بني عدي يقال له معلل على بني السيد وهو ل يعلم الخبر‪ ،‬فأخذوه فشدوه‬
‫وثاقا فأفلت منهم‪ ،‬ومشى بينهم عصمة بن أبير التيمي سفيرا‪ ،‬فقال لسالم بن فلن العدوي‪ :‬لو رهنتهم نسفك فإن مات مدلج‬
‫كان رجل برجل‪ ،‬وإن لم يمت حملت دية صاحبهم‪ ،‬ففعل ذلك سالم على أن يكون عند أخثم بن حميري أخي بني شييم من بني‬
‫السيد‪ ،‬فكان عنده‪ .‬ثم إن بني السيد لما أبطأ عليهم موت مدلج أتوا أخثم لينتزعوا منه سالما ويقتلوه‪ ،‬ففوض عليه أخثم بيته‬
‫ثم قال‪ :‬يا آل أمي وكانت أمه من بني عبد مناة بن بكر فمنعه عبد مناة‪ .‬ثم إن بني عبد السيد قالوا لخثم‪ :‬إلى كم تمنع هذا‬
‫الرجل أما الدية فوالله ل نقبلها أبدا‪ .‬فجعل لهم أجل إن لم يمت مدلج فيه دفع إليهم سالما فقتلوه به‪ .‬فلما كان قبل ذلك الجل‬
‫‪:‬بيوم مات مدلج‪ ،‬فقتلوا سالما‪ ،‬فقال في ذلك خالد بن علقمة أخو بني عبد الله بن دارم‪ ،‬وهو ابن الطيفان‬
‫أتيت بني السيد الغواة الشائما‬ ‫? أسالم ما منتك نفسك بـعـدمـا‬
‫تكون ديات ثم ترجع سـالـمـا‬ ‫أسالم قد منتك نفـسـك أنـمـا‬
‫يلقيك مصقول الحديدة صارمـا‬ ‫كذبت ولكن ثـائر مـتـبـسـل‬
‫ول حاتم فيما بل الناس حاتمـا‬ ‫أسالم ما أعطى ابن مامة مثلهـا‬
‫فوائل فرارا إنما كنت حالـمـا‬ ‫أسالم إن أفلت مـن شـر هـذه‬
‫ودلت لسباب المنية سـالـمـا فأجابه سويد بن كراع بالبيات التي ذكرها ابن‬ ‫وقد أسلمت تيم عديا فأربـعـت‬
‫‪:‬سلم‪ ،‬وزاد فيها أبو عمرو‬
‫فقد تركتكـم والـنـوكة دارم‬ ‫دعوتكم إلى أمر النواكة دارمـا‬
‫فطابقت لما خرمتك الغـمـائم‬ ‫وكنت كذات البو شرمت استهـا‬
‫به ضبع في ملتقى القوم واحم‬ ‫فلو كنت مولى مسلت ما تجللت‬
‫وما أسأرت منه النسور القشاعم‬ ‫ولم يدرك المقتول إل مـجـره‬
‫كفاك موالينا الذي جر سـالـم‬ ‫عليك ابن عوف ل تدعه فإنمـا‬
‫وشأنك إل تركه مـتـفـاقـم قال‪ :‬وقال سويد بن كراع في ذلك‬ ‫‪:‬أتذكر أقواما كفوك شـئونـهـم‬
‫أعضوك في الحرب الحديد المنقبا‬ ‫أرى آل يربوع وأفـنـاه مـالـك‬
‫لهاتك حتى لم تدع لك مشـربـا‬ ‫هم رفعوا فأس اللجام فـأدركـت‬
‫من الشر إل أن تبيت محـجـبـا‬ ‫فإن عدت عادوا بالتي ليس فوقهـا‬
‫وينتف من ليتيك ما كان أزغـبـا تدرى‪ :‬تمشط بالمدرى كما يفعل بالنساء‬ ‫وتصبح تدرى الكعكبـية قـاعـدا‬
‫والكعكبية‪ :‬مشطة معروفة‬
‫وهل نحن أعطينا سواه فتعجبا ويروى‬ ‫‪:‬فهل سألوا فينا سواء الذي لهم‬
‫‪ .‬فهل سألونا خصلة غير حقهم وهو أجود‬
‫استعدت بنو عبد الله سعيد بن عثمان عليه‪ :‬قال‪ :‬فاستعدت بنو عبد الله سعيد بن عثمان بن عفان على سويد بن كراع في‬
‫‪:‬هجائه إياهم‪ ،‬فطلبه ليضربه ويحبسه‪ ،‬فهرب منه‪ ،‬ولم يزل متواريا حتى كلم فيه‪ ،‬فأمنه على أل يعاود‪ ،‬فقال سويد بن كراع‬

‫صفحة ‪1414 :‬‬

‫إلى ابن كراع ل يزال مفـزعـا‬ ‫تقول ابنة العوفي ليلـى أل تـرى‬
‫رقادي وغشتني بياضا تفـرعـا‬ ‫مخافة هذين المـيرين سـهـدت‬
‫علي فجهزت القصيد المفـرعـا‬ ‫على غير جرم غير أن جار ظالم‬
‫بفاقرة إن هـم أن يتـشـجـعـا‬ ‫وقد هابني القوام لما رمـيتـهـم‬
‫أصادي بها سربا من الوحش نزعا‬ ‫أبيت بأبواب القوافـي كـأنـمـا‬
‫يكون سحير أو بعيد فأهـجـعـا‬ ‫أكالئها حتـى أعـرس بـعـدمـا‬
‫ورعيتها صيفا جديدا أو مربـعـا‬ ‫فجشمني خوف ابن عثمان ردهـا‬
‫نوافذ لو تردي الصفا لتصـدعـا‬ ‫نهاني ابن عثمان المام وقد مضت‬
‫ول عظم لحم دون أن يتمـزعـا‬ ‫عوارق ما يتركن لحما بعظـمـه‬
‫فأنكر مظلوم بأن يؤخـذا مـعـا‬ ‫أحقا هداك الله أن جـار ظـالـم‬
‫قرونا وأعطوا نائل غير أقطعـا انتجع بقومه أرض بني تميم‪ :‬أخبرني محمد بن‬ ‫وأنت ابن حكام أقاموا وقـومـوا‬
‫مزيد بن أبي الزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية قال‪ :‬انتجع سويد بن كراع بقومه‬
‫أرض بني تميم‪ ،‬فجاور بني قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم‪ ،‬فأنزله بغيض بن عامر بن شماس بن لي بن‬
‫أنف الناقة بن قريع وأرعاه‪ ،‬ووصله وكساه‪ .‬فلم يزل مقيما فيهم حتى أحيا ‪ ،‬ثم ودعهم وأتى بغيضا وهو في نادي قومه وقد‬
‫‪ .‬مدحه فأنشده قوله‬
‫‪:‬قال حماد‪ :‬ومن ل يعلم يروي هذه القصيدة للحطيئة لكثرة مدحه بغيضا‪ ،‬وهي لسويد بن كراع‬
‫ولم يكن دانـيا مـنـا ول صـددا‬ ‫ارتعت للـزور إذ حـيا وأرقـنـي‬
‫حتى ترى العنس تلقي رحلها الجدا‬ ‫ودونه سبسب تنضى المـطـي بـه‬
‫وكاد مكتوم قلبي يصدع الـكـبـدا‬ ‫إذا ذكرت فاضت عبـرتـي دررا‬
‫فلبي فما ازداد من نقص ول نفـدا‬ ‫وذاك مني هوى قد كان أضـمـره‬
‫نحتل مربـوعة أدمـان أو بـردى‬ ‫وقد أرانا وحال النـاس صـالـحة‬
‫فلم نزل كالـذي كـنـا بـه أبـدا‬ ‫ليت الشباب وذاك العصر راجعنـا‬
‫من عرمس عاقد لم ترأم الـولـدا‬ ‫أيام أعلم كم أعمـلـت نـحـوكـم‬
‫سطعاء تنهض في ميتائها صعـدا‬ ‫تصيخ عند السرى في البيد سامـية‬
‫برمل عرنان أمسى طـاويا وحـدا‬ ‫كأن رحلي على حمـش قـوائمـه‬
‫وطفاء تحمل جونا مردفا نـضـدا‬ ‫هاجت عليه من الجـوزاء سـارية‬
‫فيحاء ينهال منها ترب ما التـبـدا‬ ‫فألجـأتـه إلـى أرطـأة عـانـكة‬
‫منـظـمـا بـيدي دارية فــردا‬ ‫تخال عطفيه من جول الـرذاذ بـه‬
‫وكشف الصبح عنه الليل فاطـردا‬ ‫حتى إذا ما انجلت عنـه دجـنـتـه‬
‫كأنما اجتاب في حر الضحى سنـدا وهي طويلة اختصرتها‪ ،‬يقول فيها‬ ‫‪:‬غدا كذي التاج حـلـتـه أسـاورة‬
‫أخي بغيضا ولكن غـيره بـعـدا‬ ‫ل يبعد الله إذ ودعـت أرضـهـم‬
‫يحبو الخليل وما أكدى وما صلـدا‬ ‫ل يبعد الله من يعطي الجزيل ومن‬
‫إذا اجرهد صفا المذموم أو صلـدا‬ ‫ومن تلقيه بالمعروف معـتـرفـا‬
‫إن يعطيك اليوم ل يمنعك ذاك غدا‬ ‫لقيته مفضل تـنـدى أنـامـلـه‬
‫ول تخالط تـرنـيقـا ول زهـدا‬ ‫تجيء عفوا إذا جاءت عـطـيتـه‬
‫خلقا وأوسعه خيرا ومـنـتـفـدا‬ ‫أوله بالمفخر العلى وأعظـمـه‬
‫لقوا ولم يظلموا من دونها صعدا‬ ‫إذا تكـلـف أقـوام صـنـائعـه‬
‫لقـيت خـير يديه دائمـا رغـدا‬ ‫بحر إذا نكس القوام أو ضجـروا‬
‫ول يرى البخل منهـاة لـه أبـدا‬ ‫ل يحسب المدح خدعا حين تمدحـه‬
‫وحافظ غيبه إن غاب أو شـهـدا صوت‬ ‫‪:‬إني لرافده ودي ومـنـصـرتـي‬
‫كأني خاتل يدنو لصـيد‬ ‫حنتني حانيات الدهر حتى‬

‫صفحة ‪1415 :‬‬


‫ولست مقـيدا أنـي بـقـيد عروضه من الوافر‪ ،‬الخاتل‪ :‬الذي يتقتر للصيد‬ ‫قريب الخطو يحسب من رآني‬
‫وينحني حتى ل يرى‪ .‬ويقال لكل من أراد خداع صيد أو إنسان‪ :‬ختله‪ ،‬ورى أمره فلم يظهره‪ .‬ومن رواه‪ :‬كأني حابل فإنه يعني‬
‫الذي ينصب حبالة للصيد‪ .‬الشعر لبي الطمحان القيني‪ .‬والغناء لبراهيم ماخوري وهو خفيف الثقيل الثاني بالوسطى‪ .‬وذكر ابن‬
‫حبيب أن هذا الشعر للمسجاح بن سباع الضبي‪ ،‬فإن كان ذلك على ما قال فلبي الطمحان مما يغنى فيه من شعره ول يشك‬
‫‪:‬فيه أنه له قوله‪ :‬صوت‬
‫دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه الغناء لعريب ثاني ثقيل وخفيف رمل‪،‬‬ ‫أضاءت لهم أحسابهم ووجوههـم‬
‫‪.‬وذكر ابن المعتز أن خفيف الرمل لها‪ ،‬وأن الثقيل الثاني لغيرها‬

‫الجزء الثالث عشر‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫أخبار أبي الطمحان القيني‬


‫اسمه ونسبه‬
‫أبو الطمحان اسمه حنظلة بن الشرقي ‪ ،‬أحد بني القين بن جسر بن شيع الله من قضاعة‪ ،‬وقد تقدم هذا النسب في عدة‬
‫‪.‬مواضع من الكتاب في أنساب شعرائهم‬
‫إدراكه الجاهلية والسلم‬
‫واتصاله بالزبير بن عبد المطلب‬
‫وكان أبو الطمحان شاعرا فارسا خاربا صعلوكا‪ .‬وهو من المخضرمين‪ ،‬أدرك الجاهلية والسلم‪ ،‬فكان خبيث الدين فيهما كما‬
‫‪.‬يذكر‪ .‬وكان تربا للزبير بن عبد المطلب في الجاهلية ونديما له‪ .‬أخبرنا بذلك أبو الحسن السدي عن الرياشي عن أبي عبيدة‬
‫ومما يدل على أنه قد أدرك الجاهلية ما ذكره ابن الكلبي عن أبيه قال ‪ :‬خرج قيسبة بن كلثوم السكوني‪ ،‬وكان ملكا‪ ،‬يريد الحج‬
‫‪ -‬وكانت العرب تحج في الجاهلية فل يعر ‪ ،‬بعضها لبعض ‪ -‬فمر ببني عامر بن عقيل‪ ،‬فوثبوا عليه فأسروه وأخذوا ماله وما كان‬
‫معه‪ ،‬وألقوه في القد ‪ ،‬فمكث فيه ثلث سنين‪ ،‬وشاع باليمن أن الجن استطارته‪ .‬فبينا هو في يوم شديد البرد في بيت عجوز‬
‫منهم إذ قال لها ‪:‬أتأذنين لي أن آتي الكمة فأتشرق عليها فقد أضر بي القر? فقالت له نعم‪ .‬كانت عليه جبة له حبرة لم يترك‬
‫عليه غيرها‪ ،‬فتمشى في أغلله وقيوده حتى صعد الكمة‪ ،‬ثم أقبل يضرب ببصره نحو اليمين‪ ،‬وتغشاه عبرة فبكى‪ ،‬ثم رفع‬
‫طرفه إلى السماء وقال‪ :‬اللهم ساكن السماء فرج لي مما أصبحت فيه‪ .‬فبينا هو كذلك إذ عرض له راكب يسير‪ ،‬فأشار إليه أن‬
‫أقبل‪ ،‬فأقبل الراكب‪ ،‬فلما وقف عليه قال له‪ :‬ما حاجتك يا هذا? قال‪ :‬أين تريد? قال‪ :‬أريد اليمن‪ .‬قال‪ :‬ومن أنت? قال أنا أبو‬
‫الطمحان القيني‪ ،‬فاستعبر باكيا‪ .‬فقال له أبو الطمحان‪ :‬من أنت ? فإني أرى عليك سيما الخير ولباس الملوك‪ ،‬وأنت بدار ليس‬
‫فيها ملك‪ .‬قال‪ :‬أنا قيسبة بن كلثوم السكوني‪ ،‬خرجت عام كذا و كذا أريد الحج‪ ،‬فوثب علي هذا الحي فصنعوا بي ما ترى‪،‬‬
‫وكشف عن أغلل و قيوده‪ ،‬فاستعبر أبو الطمحان‪ ،‬فقال له قيسبة‪ :‬هل لك في مائة ناقة حمراء? قال‪ :‬ما أحوجني إلى ذلك‬
‫قال‪ :‬فأنخ‪ ،‬فأناخ‪ .‬ثم قال له‪ :‬أمعك سكين? قال نعم‪ .‬قال‪ :‬ارفع لي عن رحلك‪ ،‬فرفع له عن رحله حتى بدت خشبة مؤخره ‪،‬‬
‫‪:‬فكتب عليها قيسبة بالمسند ‪ ،‬وليس يكتب به غير أهل اليمن‬
‫حيث سارت بالكرمين الجمال‬ ‫بلغا كندة الملـوك جـمـيعـا‬
‫واصدروا عنه والروايا ثقـال‬ ‫أن ردوا العين بالخميس عجال‬
‫إذ رأتني في جيدي الغـلل‬ ‫هزئت جارتي وقالت عجـيبـا‬
‫قد براني تضعضع واختـلل‬ ‫إن تريني عاري العظام أسيرا‬
‫ف علي السلح والسـربـال‬ ‫فلقد أقدم الكتـيبة بـالـسـي‬

‫صفحة ‪1416 :‬‬

‫وكتب تحت الشعر إلى أخيه أن يدفع إلى أبي طمحان مائة ناقة‪ .‬ثم قال له ‪:‬أقرىء هذا قومي‪ ،‬فإنهم سيعطونك مائة ناقة‬
‫حمراء‪ .‬فخرج تسير به ناقته‪ ،‬حتى أتى حضرموت‪ ،‬فتشاغل بما ورد له ونسي أمر قيسبة حتى فرغ من حوائجه‪ .‬ثم سمع نسوة‬
‫من عجائز اليمن يتذاكرن قيسبة ويبكين‪ ،‬فذكر أمره‪ ،‬فأتى أخاه الجون بن كلثوم‪ ،‬وهو أخوه لبيه وأمه‪ ،‬فقال له‪ :‬يا هذا‪ ،‬إني‬
‫أدلك على قيسبة وقد جعل لي مائة من البل‪ .‬قال له‪ :‬فهي لك‪ .‬فكشف عن الرحل‪ ،‬فلما قرأه الجون أمر له بمائة ناقة‪ ،‬ثم‬
‫أتى قيس بن معد يكرب الكندي أبا الشعث بن قيس‪ ،‬فقال له‪ :‬يا هذا‪ ،‬إن أخي في بني عقيل أسير‪ ،‬فسر معي بقومك‪ ،‬فقال‬
‫له‪ :‬أتسير تحت لوائي حتى أطلب ثأرك وأنجدك‪ ،‬وإل فامض راشدا‪ .‬فقال له الجون‪ :‬مس السماء أيسر من ذلك وأهون علي‬
‫‪ .‬مما خيرته‪ .‬وضجت السكون ثم فاءوا ورجعوا وقالوا له‪ :‬وما عليك من هذا هو ابن عمك ويطلب ذلك بثأرك فأنعم له بذلك‬
‫وسار قيس وسار الجون معه تحت لوائه‪ ،‬وكندة والسكون معه‪ ،‬فهو أول يوم ‪</H6‬اجتماع السكون وكندة لنقاذ قيسبة ‪<H6‬‬
‫اجتمعت فيه السكون وكندة لقيس‪ ،‬وبه أدرك الشرف‪ .‬فسار حتى أوقع بعامر بن عقيل فقتل منهم مقتلة عظيمة واسنتقذ‬
‫‪:‬قيسبة‪ .‬وقال في ذلك سلمة بن صبيح الكندي‬
‫ألفي كميت كلها سلـهـبة‬ ‫ل تشتمونا إذ جلبنـا لـكـم‬
‫حتى ثأرنا منكم قـيسـبة‬ ‫نحن أبلنا الخيل في أرضكم‬
‫فصادفوا من خيلنا مشغـبة اعتراف أبي الطمحان بأدنى ذنوبه‬ ‫واعترضت من دونهم مذحج‬
‫حدثنا إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم قال‪ :‬بلغني أن أبا الطمحان القيني قيل له‪ ،‬وكان فاسقا خاربا‪،‬‬
‫ما أدنى ذنوبك? قال‪ :‬ليلة الدير‪ .‬قيل له‪ :‬وما ليلة الدير? قال‪ :‬نزلت بديرانية فأكلت عندها طفيشل بلحم خنزير‪ ،‬وشربت من‬
‫‪.‬خمرها‪ ،‬وزنيت بها‪ ،‬وسرقت كساءها ‪ ،‬ثم انصرفت عنها‬
‫التجاؤه إلى بني فزارة‬
‫من جناية جناها وإقامته عندهم حتى هلك‬
‫أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال‪ :‬جنى أبو الطمحان القيني‬
‫جناية وطلبه السلطان‪ ،‬فهرب من بلده ولجأ إلى بني فزارة فنزل على رجل منهم يقال له‪ :‬مالك بن سعد أحد بني شمخ؛ فآواه‬
‫وأجاره وضرب عليه بيتا وخلطه بنفسه‪ .‬فأقام مدة‪ ،‬ثم تشوق يوما إلى أهله وقد شرب ثمل منه‪ ،‬فقال لمالك‪ :‬لول أن يدي‬
‫تقصر عن دية جنايتي لعدت إلى أهلي‪ .‬فقال له‪ :‬هذه إبلي فخذ دية جنايتك وأردد ما شئت‪ .‬فلما أصبح ندم على ما قاله وكره‬
‫‪:‬مفارقة موضعه ولم يأمن على نفسه‪ ،‬فأتى مالكا فأنشده‬
‫لقيتهـم وأتـرك كـل رذل‬ ‫سأمدح مالكا في كل ركـب‬
‫عظام جلة سـدس وبـزل‬ ‫فما أنا والبكارة أو مخـاض‬
‫كأني منكم ونسيت أهـلـي‬ ‫وقد عرفت كلبكم ثـيابـي‬
‫لها ما شئت من فرع وأصل قال فقال مالك‪ :‬مرحبا فإنك حبيب ازداد حبا‪ ،‬إنما‬ ‫نمت بك من بني شمخ زنـاد‬
‫اشتقت إلى أهلك وذكرت أنه يحبسك عنهم ما تطالب به من عقل أو دية‪ ،‬فبذلت لك ما بذلت‪ ،‬وهو لك على كل حال‪ ،‬فأقم في‬
‫‪.‬الرحب والسعة‪ .‬فلم يزل مقيما عندهم حتى هلك في دارهم‬
‫قال أبو عمرو في هذه الرواية‪ :‬وأخبرني أيضا بمثله محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد‪ ،‬قال حدثنا ثعلب عن ابن العرابي‬
‫قال ‪ :‬شعره في العتذار لمرأته‬
‫من ركوبه الهوال‬
‫عاتبت أبا الطمحان القيني امرأته في غاراته ومخاطرته بنفسه‪ ،‬وكان لصا خاربا خبيثا‪ ،‬وأكثرت لومه على ركوب الهوال‬
‫‪:‬ومخاطرته بنفسه في مذاهبه‪ ،‬فقال لها‬
‫أراجيل أحبوش وأغضف آلف‬ ‫لو كنت في ريمان تحرس بابه‬
‫يخب بها هاد بأمـري قـائف‬ ‫إذا لتتني حيث كنت منـيتـي‬
‫وأية أرض ليس فيها متالـف شعره في بجير بن أوس الطائي‬ ‫فمن رهبة آتي المتالف سادرا‬
‫وإطلقه من السر‬
‫‪:‬فأما البيت الذي ذكرت من شعره أن فيه لعريب صنعة وهو‬
‫أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم فإنه من قصيدة له مدح بها بجير بن أوس بن حارثة بن لم الطائي‪ ،‬وكان أسيرا في يده‪ .‬فلما‬
‫‪:‬مدحه بهذه القصيدة أطلقه وجز ناصيته‪ ،‬فمدحه بعد هذا بعدة قصائد‪ .‬وأول هذه البيات‬

‫صفحة ‪1417 :‬‬

‫وأصبر يوما ل توارى كواكـبـه‬ ‫إذا أقبل أي الناس خـير قـبـيلة‬


‫علت فوق صعب ل تنال مراقبه‬ ‫فإن بني لم بن عـمـرو أرومة‬
‫دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه‬ ‫أضاءت لهم أحسابهم ووجوههـم‬
‫إذا مطلب المعروف أجدب راكبه وأما خبر أسره والرقعة التي أسر فيها‬ ‫لهم مجلس ل يحصرون عن الندى‬
‫فإن علي بن سليمان الخفش أخبرني بها عن أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن العرابي قال‪ :‬حرب جديلة والغوث الطائيين‬
‫كان أبو الطمحان القيني مجاورا في جديلة من ظيىء‪ ،‬وكانت قد اقتتلت بينها وتحاربت الحرب التي يقال لها حرب الفساد‬
‫وتحزبت حزبين‪ :‬حزب جديلة وحزب الغوث‪ ،‬وكانت هذه الحرب بينهم أربعة أيام‪ ،‬ثلثة منها للغوث ويوم لجديلة‪ .‬فأما اليوم‬
‫الذي كان لجدلة فهو يوم ناصفة ‪ .‬وأما الثلثة اليام التي كانت للغوث فإنها يوم قارات حوق ويوم البيضة ويوم عرنان وهو‬
‫‪.‬آخرها وأشدها وكان للغوث‪ ،‬فانهزمت جديلة هزيمة قبيحة ‪ ،‬وهربت فلحقت بكلب وحالفتهم وأقامت فيهم عشرين سنة‬
‫شعره لما أسر في هذه الحرب وأسر أبو الطمحان في هذه الحرب‪ :‬أسره رجلن من طيىء واشتركا فيه‪ ،‬فاشتراه منهما بجير‬
‫‪:‬بن أوس بن حارثة لما بلغه قوله‬
‫ولن يلق ما لقيا قبلي عاشق‬ ‫أرقت وآبتني الهموم الطوارق‬
‫بكل طريق صادفته شبـارق‬ ‫إليكم بني لم تخب هجـائهـا‬
‫وألسنة يوم الخطاب مسالـق‬ ‫لكم نائل غمر وأحـلم سـادة‬
‫إذا وزمت بالساعدين السوارق السوارق‪ :‬الجوامع واحدتها سارقة‬ ‫‪.‬ولم يدع داع مثلكم لعـظـيمة‬
‫‪.‬قال فابتاعه بجير من الطائيين بحكمهما‪ ،‬فجز ناصيته وأعتقه‬
‫جواره في بني جديلة وقتل تيس له غلما منهم وشعره في ذلك أخبري الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا أبو أيوب المدني قال‬
‫حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري قال‪ :‬كان أبو الطمحان القيني مجاورا لبطن من طيء يقال لهم بنو جديلة‪ ،‬فنطح تيس له‬
‫غلما منهم فقتله‪ ،‬فتعلقوا أبا الطمحان وأسروه حتى أدى ديته مائة من البل ‪ .‬وجاءهم نزيله‪ ،‬وكان يدعى هشاما‪ ،‬ليدفع عنه‬
‫‪:‬فلم يقبلوا قوله‪ ،‬فقال له أبو الطمحان‬
‫يقول أل ماذا ترى وتقـول‬ ‫أتاني هشام يدفع الضيم جاهدا‬
‫مذللة إن الـعـزيز ذلـيل‬ ‫فقلت له قم يا لك الخير أدها‬
‫فليس إلى اليقين الغداة سبيل انتعاش المأمون ببتين له‬ ‫فإن يك دون القين أغبر شامخ‬
‫أخبري عمي قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله بن مالك‪ ،‬عن إسحاق قال‪ :‬دخلت يوما على‬
‫المأمون فوجدته حائرا متفكرا غير نشيط‪ ،‬فأخذت أحدثه بملح الحاديث وطرفها‪ ،‬أستميله لن يضحك أو ينشط‪ ،‬فلم يفعل‪.‬‬
‫‪:‬وخطر ببالي بيتان فأنشدته إياهما‪ ،‬وهما‬
‫وقبل نشوز النفس بين الجوانح‬ ‫أل عللني قبل نوح الـنـوائح‬
‫إذا راح أصحابي ولست برائح فتنبه كالمتفزع ثم قال‪ :‬من يقول هذا ويحك?‬ ‫وقبل غد‪ ،‬يا لهف نفسي على غد‬
‫قلت‪ :‬أبو الطمحان القيني يا أمير المؤمنين‪ .‬قال‪ :‬صدق والله‪ ،‬أعدهما علي‪ .‬فأعدتهما عليه حتى حفظهما‪ .‬ثم دعا بالطعام‬
‫‪.‬فأكل‪ ،‬ودعا بالشراب فشرب‪ .‬وأمر لي بعشرين ألف درهم‬
‫استشهاد خالد بن يزيد ببيتين له‬
‫في ريبة اعتذر عنها الحسن لعبد الملك‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال‪ :‬حدثني أحمد بن الحارث الخراز قال‪ :‬حدثني المدائني قال‪ :‬عاتب عبد الملك بن مروان‬
‫الحسن بن الحسن عليهما السلم على شيء بلغه عنه من دعاء أهل العراق إياه إلى الخروج معهم على عبد الملك‪ ،‬فجعل‬
‫يعتذر إليه ويحلف له‪ .‬فقال له خالد بن يزيد بن معاوية‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أل تقبل عذر ابن عمك وتزيل عن قلبك ما قد أشربته‬
‫‪:‬إياه? أما سمعت قول أبي الطمحان القيني‬
‫فل تستثرها سوف يبدو دفـينـهـا‬ ‫إذا كان في صدر ابن عمك إحـنة‬
‫فخذ عفوه ل يلتبس بك طـينـهـا خبره مع الزبير بن عبد المطلب‬ ‫وإن حمأة المعروف أعطاك صفوها‬

‫صفحة ‪1418 :‬‬


‫قال المدائني‪ :‬ونزل أبو الطمحان على الزبير بن عبد المطلب بن هاشم‪ ،‬وكانت العرب تنزل عليه‪ ،‬فطال مقامه لديه‪،‬‬
‫‪:‬واستأذنه في الرجوع إلى أهله وشكا إليه شوقا إليهم‪ ،‬فلم يأذن له‪ .‬وسأله المقام‪ ،‬فأقام عنده مدة‪ ،‬ثم أتاه فقال له‬
‫تذكر أوطانا وأذكر مـعـشـري‬ ‫أل حنت المرقال وائتـب ربـهـا‬
‫بمكة أن تبتاع حمضـا بـإدخـر‬ ‫ولو عرفت صرف البيوع لسرهـا‬
‫وحمض وضمران الجناب وصعتر‬ ‫أسرك لو أنا بجـنـبـي عـنـيزة‬
‫كعين الغراب صفوها لـم يكـدر فلم أنشده إياها أذن له فانصرف‪ ،‬وكان‬ ‫إذا شاء راعيها استقى من وقـيعة‬
‫‪.‬نديما له‬

‫صوت‬

‫توهب فينا القيان والحلل‬ ‫ل يعتري شربنا اللحاء وقد‬


‫ل حصر فيهم ول بخـل الشعر للسود بن يعفر‪ ،‬والغناء لسليم‪ ،‬خفيف ثقيل أول‬ ‫وفتية كالسيوف نادمتهـم‬
‫‪.‬بالبنصر‬

‫أخبار السود ونسبه‬


‫نسبه ومنزلته في الشعر‬
‫السود بن يعفر( ويقال يعفر بضم الياء) ابن عبد السود بن جندل بن سهم بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن‬
‫زيد بن تميم‪ .‬وأم السود بن يعفر رهم بنت العباب‪ ،‬من بني سهم بن عجل‪ .‬شاعر متقدم فصيح‪ ،‬من شعراء الجاهلية‪ ،‬ليس‬
‫بالمكثر‪ .‬وجعله محمد بن سلم في الطبقة الثامنة مع خداش بن زهير‪ ،‬والمخبل السعدي‪ ،‬والنمر بن تولب العكلي‪ ،‬وهو من‬
‫‪:‬العشي ويقال العشو بالواو المعدودين في الشعراء‪ .‬وقصيدته الدالة المشهورة‬
‫والهم مختصر لدي وسادي معدودة من مختار أشعار العرب وحكمها‪ ،‬مفضلية‬ ‫نام الخلي وما أحس رقادي‬
‫‪.‬مأثورة‬
‫توقف سوار شهادة دارمي يجهل السود بن يعفر أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي وأبو الحسن أحمد بن محمد السدي قال‪:‬‬
‫حدثنا الرياشي عن الصمعي قال‪ :‬تقدم رجل من أهل البصرة من بني دارم إلى سوار بن عبد الله ليقيم عنده شهادة‪ ،‬فصادفه‬
‫‪ :‬يتمثل قول السود بن يعفر‬
‫أن السبيل سبـيل ذي العـواد‬ ‫ولقد علمت لو أن علمي نافعـي‬
‫يوفي المخارم يرميان سـوادي‬ ‫إن المنية والحتوف كـلهـمـا‬
‫تركوا منازلـهـم وبـعـد إياد‬ ‫ماذا أؤمل بـعـد آل مـحـرق‬
‫والقصر ذي الشرفات من سنداد‬ ‫أهل الخورنق والسدير وبـارق‬
‫ماء الفرات يفيض من أطـواد‬ ‫نزلوا بأنقرة يفيض عـلـيهـم‬
‫فكأنما كانوا عـلـى مـيعـاد ثم أقبل على الدارمي فقال له‪ :‬أتروي هذا الشعر?‬ ‫جرت الرياح على محل ديارهم‬
‫قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬أفتعرف من يقوله? قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬رجل من قومك له هذه النباهة وقد قال مثل هذه الحكمة ل ترويها ول تعرفه يا‬
‫‪.‬مزاحم‪ ،‬أثبت شهادته عندك‪ ،‬فإني متوقف عن قبوله حتى أسأل عنه‪ ،‬فإني أظنه ضعيفا‬
‫‪.‬أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن الرياشي عن أبي عبيدة بمثله‬
‫عشرة آلف لمن يروي قصيدة نام الخلي‪ ...‬أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن ابي سعد قال حدثني الحكم بن موسى‬
‫السلولي قال حدثني أبي قال‪ :‬بينا نحن بالرافقة على باب الرشيد وقوف‪ ،‬وما أفقد أحدا من وجوه العرب من أهل الشام‬
‫والجزيرة والعراق‪ ،‬إذ خرج وصيف كأنه درة فقال‪ ،‬يا معشر الصحابة‪ ،‬إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلم ويقول لكم‪ :‬من كان‬
‫‪:‬منكم يروي قصيدة السود بن يعفر‬
‫والهم مختصر لدي وسادي فليدخل فلينشدها أمير المؤمنين وله عشرة آلف‬ ‫نام الخلي وما أحس رقادي‬
‫درهم‪ .‬فنظر بعضنا إلى بعض‪ ،‬ولم يكن فينا أحد يرويها‪ .‬قال‪ :‬فكأنما سقطت والله البدرة عن قربوسي ‪ .‬قال الحكم‪ :‬فأمرني‬
‫‪.‬أبي فرويت شعر السود بن يعفر من أجل هذا الحديث‬
‫تمثل علي بشعره لما انتهى إلى مدائن كسرى أخبرني محمد بن القاسم النباري قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬حدثني عبد الله بن‬
‫عبد الرحمن المدائني قال‪ :‬حدثنا أبو أمية بن عمرو بن هشام الحراني قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد بن سنان قال‪ :‬حدثني جدي‬
‫‪:‬سنان بن يزيد قال‪ :‬كنت مع مولي جرير بن سهم التميمي وهو يسير أمام علي بن أبي طالب عليه السلم ويقول‬
‫وخلفي الخوال والعمامـا‬ ‫يا فرسي سيري وأمي الشاما‬

‫صفحة ‪1419 :‬‬

‫وقاتلي من خالف الماما‬ ‫وقطعي الجواز والعلم‬


‫جمع بني أمية الطغامـا‬ ‫إني لرجو إن لقينا العاما‬
‫وأن نزيل من رجال هاما فلما انتهى إلى مدائن كسرى وقف علي عليه السلم‬ ‫أن نقتل العاصي والهماما‬
‫‪:‬ووقفنا‪ ،‬فتمثل مولي قول السود بن يعفر‬
‫فكأنما كانوا عـلـى مـيعـاد فقال له علي عليه السلم‪ :‬فلم لم تقل كما قال‬ ‫جرت الرياح على مكان ديارهم‬
‫جل وعز‪ :‬كم تركوا من جنات وعيون‪ .‬وزروع ومقام كريم‪ .‬ونعمة كانوا فيها فاكهين‪ .‬كذلك وأورثناها قوما آخرين ‪ .‬ثم قال‪ :‬يا‬
‫‪.‬ابن أخي‪ ،‬إن هؤلء كفروا النعمة‪ ،‬فحلت بهم النقمة ‪ ،‬فإياكم وكفر النعمة فتحل بكم النقمة‬
‫تمثل عمر بن عبد العزيز بشعره حين مر بقصر لل جفنة أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا أحمد‬
‫بن الحارث عن المدائني قال‪ :‬مر عمر بن عبد العزيز ومعه مزاحم موله يوما بقصر من قصور ال جفنة‪ ،‬فتمثل مزاحم بقول‬
‫‪:‬السود بن يعفر‬
‫فكأنما كانوا عـلـى مـيعـاد‬ ‫جرت الرياح على محل ديارهم‬
‫في ظل ملك ثابـت الوتـاد‬ ‫ولقد غنوا فيها بأنـعـم عـيشة‬
‫يوما يصير إلى بلى ونـفـاد فقال له عمر‪ :‬هل قرأت‪ :‬كم تركوا من جنات وعيون‬ ‫فإذا النعيم وكل ما يلهـى بـه‬
‫‪ ، .‬إلى قوله جل وعز‪ :‬كذلك وأورثناها قوما آخرين‬
‫ما قاله في استنقاذ إبل له أخذتها بكر بن وائل نسخت من كتاب محمد بن حبيب عن ابن العرابي عن المفضل قال‪ :‬كان‬
‫السود بن يعفر مجاورا في بني قيس بن ثعلبة ثم في بني مرة بن عباد بالقاعة ‪ ،‬فقامرهم فقمروه‪ ،‬حتى حصل عليه تسعة‬
‫عشر بكرا‪ ،‬فقالت لهم أمه وهي رهم بنت العباب‪ :‬يا قوم‪ ،‬أتسلبون ابن أخيكم ماله? قالوا‪ :‬فماذا نصنع? قالت‪ :‬احبسوا قداحه ‪.‬‬
‫فلما راح القوم قالوا له‪ :‬أمسك ‪ .‬فدخل ليقامرهم فردوا قداحه‪ .‬فقال‪ :‬ل أقم بين قوم ل أضرب فيهم بقدح؛ فاحتمل قبل‬
‫‪:‬دخول الشهر الحرم‪ ،‬فأخذت إبله طائفة من بكر بن وائل؛ فاستسعى السود بني مرة بن عباد وذكرهم الجوار وقال لهم‬
‫فهل فيكم من قوة وزمـاع‬ ‫يال عباد دعوة بعد هـجـمة‬
‫غريب وجارات تركن جياع وهي قصيدة طويلة‪ ،‬فلم يصنعوا شيئا‪ .‬فادعى جوار‬ ‫فتسعوا لجار حل وسط بيوتكم‬
‫‪:‬بني محلم بن ذهل بن شيبان‪ ،‬فقال‬
‫بذمة يسعى بـهـا خـفـير‬ ‫قل لبني مـحـلـم يسـيروا‬
‫‪:‬ل قدح بعد اليوم حتى توروا ويروى إن لم توروا فسمعوا معه حتى استنقذوا إبله‪ ،‬فمدحهم بقصيدته التي أولها‬
‫إن كنت قد أزمعت بالبين فاصرفي‬ ‫أجارتنا غضي من السير أوقـفـي‬
‫سقيم الفؤاد بالحسـان مـكـلـف يقول فيها‬ ‫‪ :‬سائلك أو أخبرك عـن ذي لـبـانة‬
‫وقد كدت أهوي بين نيقين نفنـف‬ ‫تداركني أسـبـاب آل مـحـلـم‬
‫سويا سليم اللحـم لـم يتـحـوف فلما بلغتهم أبياته ساقوا إليه مثل إبله‬ ‫هم القوم يمسي جارهم في غضارة‬
‫‪.‬التي استنقذوها من أموالهم‬
‫طلب طلحة أن يسعى له في إبله‬
‫قال المفضل‪ :‬كان رجل من بني سعد بن عوف بن مالك بن حنظلة يقال له طلحة‪ ،‬جارا لبني ربيعة بن عجل بن لجيم ‪ ،‬فأكلو‬
‫إبله‪ ،‬فسأل في قومه حتى أتى السود بن يعفر يسأله أن يعطيه يسعى له في إبله‪ .‬فقال له السود‪ :‬لست جامعهما لك‪ ،‬ولكن‬
‫‪:‬أيهما شئت‪ .‬قال‪ :‬أختار أن تسعى لي بإبلي‪ .‬فقال السود لخواله من بني عجل‬
‫فتكون أدنى للوفاء وأكرما‬ ‫يا جار طلحة هل ترد لبونه‬
‫حتى يفارقكم إذا ما أحرما وهي قصيدة طويلة‬ ‫‪.‬تالله لو جاورتموه بأرضـه‬
‫فبعث أخواله من بني عجل بإبل طلحة إلى السد بن يعفر فقالوا‪ :‬أما إذا كنت شفيعه فخذها‪ ،‬وتول ردها لتحرز المكرمة عنده‬
‫‪.‬دون غيرك‬

‫صفحة ‪1420 :‬‬

‫وقال ابن العرابي‪ :‬قتل رجلن من بني سعد بن عجل يقال لهما وائل وسليط ابنا عبد الله‪ ،‬عما لخالد بن مالك بن ربعي‬
‫النهشلي يقال له عامر بن ربعي‪ ،‬وكان خالد بن مالك عند النعمان حينئذ ومعه السود بن يعفر‪ .‬فالتفت النعمان يوما إلى خالد‬
‫بن مالك فقال له‪ :‬أي فارسين في العرب تعرف هما أثقل على القران وأخف على متون الخيل? فقال له‪ :‬أبيت اللعن أنت‬
‫أعلم‪ .‬فقال‪ :‬خال ابن عمك السود بن يعفر وقاتل عمك عامر بن ربعي يعني العجليين وائل وسليطا فتغير لون خالد بن مالك‪.‬‬
‫وإنما أراد النعمان أن يحثه على الطلب بثأر عمه‪ .‬فوثب السود فقال‪ :‬أبيت اللعن عض بهن أمه من رأى حق أخواله فوق حق‬
‫‪.‬أعمامه‪ .‬ثم التفت إلى خالد بن مالك فقال‪ :‬يا بن عم‪ ،‬الخمر علي حرام حتى أثأر لك بعمك‪ ،‬قال وعلي مثل ذلك‬
‫ونهضا يطلبان القوم‪ ،‬فجمعا جمعا من بني نهشل بن دارم فأغارا بهم على كاظمة ‪ ،‬وأرسل رجل من بني زيد بن نهشل بن‬
‫دارم يقال له عبيد يتجسس لهم الخبر‪ ،‬فرجع إليهم فقال‪ :‬جوف كاظمة ملن من حجاج وتجار‪ ،‬وفيهم وائل وسليط متساندان‬
‫في جيش‪ .‬فركبت بنو نهشل حتى أتوهم‪ ،‬فنادوا‪ :‬من كان حاجا فليمض لحجه‪ ،‬ومن كان تاجرا فليمض لتجارته‪ .‬فلما خلص لهم‬
‫وائل وسليط في جيشهما اقتتلوا‪ ،‬فقتل وائل وسليط‪ ،‬قتلهما هزان بن جندل بن نهشل‪ ،‬عادى بينهما ‪ .‬وادعى السود بن يعفر‬
‫أنه قتل وائل‪ .‬ثم عاد إلى النعمان فلما رآه تبسم وقال‪ :‬وفي نذرك يا أسود? قال‪ :‬نعم أبيت اللعن ثم أقام عنده مدة ينادمه‬
‫‪.‬ويؤاكله‬
‫‪:‬ثم مرض مرضا شديدا‪ ،‬فبعث النعمان إليه رسول يسأله عن خبره وهول ما به؛ فقال‬
‫وحان منه لبرد المـاء تـغـريد‬ ‫نفع قليل إذا نادى الصدى أصـل‬
‫أودى فأودى الندى والحزم والجود‬ ‫وودعوني فقالوا ساعة انطلـقـوا‬
‫كل امرئ بسبيل الموت مرصود ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو‬ ‫فما أبالي إذا ما مت ما صنـعـوا‬
‫الشيباني يأثره عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬ما قاله في فرس أخذها ابنه جراح‬
‫من بني الحارث بن تيم الله واستولدها أمهارا‬
‫كان أبو جعل أخو عمر بن حنظلة من البراجم قد جمع جمعا من شذاذ أسد وتميم وغيرهم‪ ،‬فغزوا بني الحارث بن تيم الله بن‬
‫ثعلبة‪ ،‬فنذروا بهم وقاتلوهم قتال شديدا حتى فضوا جمعهم‪ ،‬فلحق رجل من بني الحارث بن تيم الله بن ثعلبة جماعة من بني‬
‫نهشل فيهم جراح بن السود بن يعفر‪ ،‬والحر بن شمر بن هزان بن زهير بن جندل‪ ،‬ورافع بن صهيب بن حارثة بن جندل‪ ،‬وعمرو‬
‫والحارث أبنا حرير بن سلمى بن جندل‪ ،‬فقال لهم الحارثي ‪ :‬هلم إلي طلقاء ؛ فقد أعجبني قتالكم سائر اليوم‪ ،‬وأنا خير لكم من‬
‫العطش‪ .‬قالوا نعم‪ .‬فنزل ليجز نواصيهم‪ .‬فنظر الجراح بن السود إلى فرس من خيلهم فإذا هي أجود فرس في الرض‪ ،‬فوثب‬
‫فركبها وركضها ونجا عليها‪ .‬فقال الحارثي للذين بقوا معه‪ :‬أتعرفون هذا? قالوا‪ :‬نعم نحن لك عليه خفراء‪ .‬فلما أتى جراح أباه‬
‫أمره فهرب بها في بني سعد فابتطنها ثلثة أبطن‪ ،‬وكان يقال لها‪ :‬العصماء‪ .‬فلما رجع النفر النهشليون إلى قومهم قالوا إنا‬
‫خفراء فارس العصماء‪ ،‬فوالله لنأخذنها‪ ،‬فأوعدوه ‪ .‬وقال حرير ورافع‪ :‬نحن الخفيران بها‪ .‬وكان بنو جرول حلفاء بني سلمى بن‬
‫‪:‬جندل على بني حارثة بن جندل‪ ،‬فأعانه على ذلك التيحان بن بلج بن جرول بن نهشل‪ .‬فقال السود بن يعفر يهجوه‬
‫خفيرا بني سلمى حرير ورافـع‬ ‫أتاني ولم أخشى الذي ابتعثـا بـه‬
‫وأهلكتهم لـو أن ذلـك نـافـع‬ ‫هم خيبونـي يوم كـل غـنـيمة‬
‫ول الحق معروفا لهم أنا مـانـع‬ ‫فل أنا معطيهم عـلـي ظـلمة‬
‫وجار أبي التيحاني ظمآن جـائع‬ ‫وإني لقري الضيف وصى به أبي‬
‫أمجر فلقي الغي أم أنت نـازع‬ ‫فقول لتيحان ابن عاقرة استـهـا‬
‫لرشدته وللمـور مـطـالـع‬ ‫ولو أن تيحان بن بلج أطاعـنـي‬
‫أخو الحرب ل قحم ول متجـاذع‬ ‫وإن يك مدلول علـي فـإنـنـي‬
‫له ذنب مـن أمـره وتـوابـع‬ ‫ولكن تيحان ابن عاقرة اسـتـهـا‬

‫صفحة ‪1421 :‬‬

‫قال‪ :‬فلما رأى السود أنهم ل يقلعون عن الفرس أو يردوها‪ ،‬أحلفهم عليها فحلفوا أنهم خفراء لها‪ ،‬فرد الفرس عليهم وامسك‬
‫‪:‬أمهارها‪ ،‬فردوا الفرس إلى صاحبها‪ .‬ثم أظهر المهار بعد ذلك‪ ،‬فأوعدوه فيها أن يأخذوها‪ .‬فقال السود‬
‫وعيدكم إياي وسط الـمـجـالـس‬ ‫أحقا بني أبناء سلمى بـن جـنـدل‬
‫على رهط قعقاع ورهط ابن حابس‬ ‫فهل جعلتم نحـوه مـن وعـيدكـم‬
‫وهم تركوكم بين خـاز ونـاكـس رثاؤه مسروق بن المنذر النهشلي‬ ‫هم أوردوكم ضفة البحـر طـامـيا‬
‫وكان كثير البر به‬
‫وقال أبو عمرو‪ :‬كان مسروق بن المنذر بن سلمى بن جندل بن نهشل سيدا جوادا‪ ،‬وكان مؤثرا للسود بن يعفر‪ ،‬كثير الرفد له‬
‫‪:‬والبر به‪ .‬فمات مسروق واقتسم أهله ماله‪ ،‬وبان فقده على السود بن يعفر فقال يرثيه‬
‫ل يبعد الله رب الناس مـسـروقـا‬ ‫أقول لما أتـانـي هـلـك سـيدنـا‬
‫ول يبيت لديه اللـحـم مـوشـوقـا‬ ‫من ل يشيعـه عـجـز ول بـخـل‬
‫نضخ الدماء وقد كـانـت أفـاريقـا‬ ‫مردي حروب إذا ما الخيل ضرجهـا‬
‫شنا هزيما يمج المـاء مـخـروقـا‬ ‫والطاعن الطعنة النجلء تحسـبـهـا‬
‫ترى جوانبها باللـحـم مـفـتـوقـا‬ ‫وجفنة كنـضـيح الـبـئر مـتـأقة‬
‫وكنت بالبأس المتروك محـقـوقـا‬ ‫يسـرتـهـا لـيتـامـى أو لرمـلة‬
‫أودى ابن سلمى نقي العرض مرموقا ما أجاب بنته وقد لمته على جوده‬ ‫يا لهف أمـي إذ أودى وفـارقـنـي‬
‫وقال أبو عمرو‪ :‬عاتبت سلمى بنت السود بن يعفر أباها على إضاعته ماله فيما ينوب قومه من حمالة وما يمنحه فقراءهم‬
‫‪:‬ويعين به مستمنحهم‪ ،‬فقال لها‬
‫أتهلك ما جمعت وتستفـيد‬ ‫وقالت ل أراك تليق شـيئا‬
‫ومرتحل إذا رحل الوفـود‬ ‫فقلت بحسبها يسر وعـار‬
‫فقبلك فاتني وهو الحمـيد‬ ‫فلومي إذا بدا لك أو أفيقي‬
‫وقيس فاتني وأخـي يزيد‬ ‫أبو العوراء لم أكمد علـيه‬
‫وقد يغني رباعته الوحـيد‬ ‫مضوا لسبيلهم وبقيت وحدي‬
‫وإن كانت بمطلبه كـؤود ويروى‬ ‫‪:‬فلول الشامتون أخذت حقي‬
‫وإن كانت له عندي كؤود ما قاله ابنه جراح‬
‫وكان ضئيل وضعيفا‬
‫قال أبو عمرو‪ :‬وكان الجراح بن السود في صباه ضئيل وضعيفا‪ ،‬فنظر إليه السود وهو يصارع صبيا من الحي( وقد صرعه‬
‫‪:‬الصبي) والصبيان يهزءون منه‪ ،‬فقال‬
‫إذا كان مخشيا من الضلع المبدي‬ ‫سيجرح جراح وأعقل ضـيمـه‬
‫وأخوال جراح سراة بني نـهـد قال‪ :‬وكانت أم الجراح أخيذة‪ ،‬أخذها السود من بني‬ ‫فآبــاء جـــراح ذؤابة دارم‬
‫‪.‬نهد في غارة أغارها عليهم‬
‫ما قاله لما أسن وكف بصره‬
‫‪:‬وقال أبو عمرو‪ :‬لما أسن السود بن يعفر كف بصره‪ ،‬فكان يقاد إذا أراد مذهبا‪ .‬وقال في ذلك‬
‫حسن المقادة أني أفقد البصرا‬ ‫قد كنت أهدي ول أهدى فعلمني‬
‫إن الجنيبة مما تجشم الـغـدرا الجناب‪ :‬الرجل الذي يقوده كما تقاد الجنيبة‪.‬‬ ‫أمشي وأتبع جنابا لـيهـدينـي‬
‫‪.‬الجشم‪ :‬المشي ببطء‪ .‬والغدر‪ :‬مكان ليس مستويا‬
‫شعر لخيه حطائط‬
‫وقد لمته أمه على جوده‬
‫وذكر محمد بن حبيب‪ ،‬عن ابن العرابي‪ ،‬عن المفضل‪ :‬أن السود كان له أخ يقال له حطائط بن يعفر شاعر‪ ،‬وأن ابنه الجراح‬
‫‪:‬كان شاعرا أيضا‪ .‬قال‪ :‬وأخوه حطائط الذي قال لمهما رهم بنت العباب‪ ،‬وعاتبته على جوده فقال‬
‫حطائط لم تترك لنفسك مقعدا‬ ‫تقول ابنة العباب رهم حربتني‬
‫تكون علينا كابن أمك أسـودا‬ ‫إذا ما جمعنا صرمة بعد هجمة‬
‫أكان هزال حتف زيد وأربدا‬ ‫فقلت ولم أعي الجواب‪ :‬تأملي‬
‫أرى ما ترين أو بخيل مخلدا‬ ‫أريني جوادا مات هزل لعلني‬
‫لي المال ربا تحمدي غبه غدا‬ ‫ذريني أكن للمال ربا ول يكن‬
‫أسود فأكفي أو أطيع المسودا‬ ‫ذريني فل أعيا بما حل ساحتي‬

‫صفحة ‪1422 :‬‬

‫يقي المال عرضي قبل أن يتبدد‬ ‫ذريني يكن مالي لعرضي وقاية‬
‫علي ولم أظلم لسانك مـبـردا‬ ‫أجارة أهلي بالقصيمة ل يكـن‬
‫صوت‬

‫أقلي اللوم إن لم تنفعينـا‬ ‫أعاذلتي أل ل تعذلـينـا‬


‫ولست بقابل ما تأمرينـا الشعر لرطاة بن سهية‪ ،‬والغناء لمحمد بن الشعث‪،‬‬ ‫فقد أكثرت لو أغنيت شيئا‬
‫‪.‬خفيف رمل بالبنصر‪ ،‬من نسخت عمرو بن بانة‬

‫أخبار أرطاة ونسبه‬


‫نسبه من قبل أبويه‬
‫وبيان أن أمه كانت لضرار بن الزور فصارت إلى زفر وهي حامل بأرطاة هو أرطاة بن زفر بن عبد الله بن مالك بن شداد بن‬
‫عقفان بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان‪ .‬وقد تقدم هذا النسب في عدة مواضع من‬
‫هذا الكتاب‪ .‬وسهية أمه؛ وهي بنت زامل بن مروان بن زهير بن ثعلبة بن حديج بن أبي جشم بن كعب بن عامر بن عوف‪ ،‬سبية‬
‫من كلب‪ ،‬وكانت لضرار بن الزور ثم صارت إلى زفر وهي حامل فجاءت بأرطاة من ضرار على فراش زفر؛ فلما ترعرع أرطاة‬
‫‪:‬جاء ضرار إلى الحارث بن عوف فقال له‬
‫يا حارث افكك لي بني من زفر ويروى‪ :‬يا حار أطلق لي‬
‫في بعض من تطلق من أسرى مضر‬
‫إن أباه امرؤ سوء إن كفر فأعطاه الحارث إياه وقال‪ :‬انطلق بابنك‪ ،‬فأدركه نهشل بن حري بن غطفان فانتزعه ورده إلى زفر‪.‬‬
‫‪:‬وفي تصداق ذلك يقول أرطاة لبعض أولد زفر‬
‫وإذا بطنتم قلتم ابن الزور قال‪ :‬ولهذا غلبت أمه سهية على نسبه فنسب إليها‪.‬‬ ‫فإذا خمصتم قلتم يا عمنـا‬
‫‪:‬وضرار بن الزور هذا قاتل مالك بن نويرة الذي يقول فيه أخوه متمم‬
‫تحت البيوت‪ ،‬قتلت يا بن الزور منزلته في الشعر‬ ‫نعم القتيل إذا الرياح تنـاوحـت‬
‫وأرطاة شاعر فصيح‪ ،‬معدود في طبقات الشعراء المعدودين من شعراء السلم في دولة بني أمية لم يسبقها ولم يتأخر عنها‪.‬‬
‫‪.‬وكان أمرأ صدق شريفا في قومه جوادا‬
‫إنشاده عبد الملك بعض ما ناقض به شبيب بن البرصاء أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان رفيع بن سلمة‬
‫الملقب بدماذ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عبيدة قال‪ :‬دخل أرطاة بن سهية على عبد الملك بن مروان‪ ،‬فاستنشده شيئا مما كان يناقض به‬
‫‪:‬شبيب بن البرصاء‪ ،‬فأنشده‬
‫جنيبا لبائي وأنـت جـنـيب فقال له عبد الملك بن مروان‪ :‬كذبت‪ ،‬شبيب خير‬ ‫أبي كان خيرا من أبيك ولم يزل‬
‫‪:‬منك أبا‪ .‬ثم أنشده‬
‫برأسك عادي الـنـجـاد رسـوب‬ ‫معرفة عبد الملك مقادير ‪ <H6‬وما زلت خيرا منك مذ عض كارها‬
‫فقال له عبد الملك‪ :‬صدقت‪ ،‬أنت في نفسك خير من شبيب‪ .‬فعجب من عبد الملك من حضر ومن معرفته مقادير ‪</H6‬الناس‬
‫الناس على بعدهم منه في بواديهم‪ ،‬وكان المر على ما قال‪ :‬كان شبيب أشرف أبا من أرطاة‪ ،‬وكان أرطاة أشرف فعل ونفسا‬
‫‪.‬من شبيب‬
‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عمرو بن بحر الجاحظ ودماذ أبو غسان‪</H6 ،‬ما قاله لعبد الملك وقد أسن ‪<H6‬‬
‫قال جميعا‪ ،‬قال أبو عبيدة‪ :‬دخل أرطاة بن سهية على عبد الملك بن مروان‪ ،‬فقال له‪ :‬كيف حالك يا أرطاة? وقد كان أسن‬
‫فقال‪ :‬ضعفت أوصالي‪ ،‬وضاع مالي‪ ،‬وقل مني ما كنت أحب كثرته‪ ،‬وكثر مني ما كنت أحب قلته‪ .‬قال‪ :‬فكيف أنت في شعرك?‬
‫‪:‬فقال‪ :‬والله يا أمير المؤمنين ما أطرب ول أغضب ول أرغب ول أرهب‪ ،‬وما يكون الشعر إل من نتائج الربع‪ ،‬وعلى أني القائل‬
‫كأكل الرض ساقطة الحديد‬ ‫رأيت المرء تأكله اللـيالـي‬
‫على نفس ابن آدم من مزيد‬ ‫وما تبغي المنية حين تأتـي‬
‫توفي نذرها بأبي الـولـيد فارتاع عبد الملك ثم قال‪ :‬بل توفي نذرها بك ويلك مالي‬ ‫واعلم أنها ستكـر حـتـى‬
‫ولك? فقال‪ :‬ل ترع يا أمير المؤمنين‪ ،‬فإنما عنيت نفسي وكان أرطاة يكنى أبا الوليد فسكن عبد الملك‪ ،‬ثم استعبر باكيا وقال‪:‬‬
‫‪.‬أما والله على ذلك لتلمن بي‬
‫أخبرني به حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمرو بن شبة قال حدثني أبو غسان محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي ثابت‪،‬‬
‫‪.‬فذكر قريبا منه يزيد وينقص ول يحيل معنى‬
‫مدحه مروان لما أجتمع له أمر الخلفة‬

‫صفحة ‪1423 :‬‬

‫أخبرني عبد الملك بن مسلمة القرشي الهشامي بأنطاكية قال أخبرني أبي عن أهلنا أن أرطاة بن سهية دخل على مروان بن‬
‫‪ .‬الحكم لما اجتمع له أمر الخلفة‬
‫وفرغ من الحروب التي كان بها متشاغل‪ .‬وصمد لنفاذ الجيوش إلى ابن الزبير لمحاربته‪ ،‬فهنأه وكان خاصا به وبأخيه يحيى بن‬
‫‪ :‬الحكم‪ ،‬ثم أنشده‬
‫تجر السرج وتبلي الخدامـا‬ ‫تشكى قلوصي إلي الوجـى‬
‫يد ل تعد وتهدي السـلمـا‬ ‫تزور كريما لـه عـنـدهـا‬
‫تجيد القوافي عاما فعـامـا‬ ‫وقـل ثـوابـا لـه أنـهـا‬
‫قريش وسدت قريشا غلمـا‬ ‫وسادت معدا على رغمـهـا‬
‫فما زال غمزك حتى استقاما‬ ‫جعلت على المر فيه صغـا‬
‫فجردت فيهن عضبا حساما‬ ‫لقيت الزحوف فقاتلـتـهـا‬
‫ل ما تحتها ثم تبري العظاما‬ ‫تشق القوانس حـتـى تـنـا‬
‫فما زادك النزع إل تمـامـا‬ ‫نزعت على مهل سـابـقـا‬
‫وزاد لك الخير منه فـدامـا فكساه مروان وأمر له بثلثين ناقة وأوقرهن له برا وزبيبا‬ ‫فزاد لك اللـه سـلـطـانـه‬
‫‪.‬وشعيرا‬
‫هجاؤه شبيبا وقد وقع فيه عند يحيى ابن الحكم‬
‫قال‪ :‬وكان أرطاة يهاجي شبيب بن البرصاء‪ ،‬ولكل واحد منهما في صاحبه هجاء كثير‪ ،‬وكان كل واحد منهما ينفي صاحبه عن‬
‫عشيرته في أشعاره‪ ،‬فأصلح بينهما يحيى بن الحكم‪ ،‬وكانت بنو مرة تألفه وتنتجعه لصهره فيهم‪ .‬فلما افترقا سبعه شبيب عند‬
‫‪:‬يحيى بن الحكم؛ فقال أرطاة له‬
‫وما كل من يرمي الفؤاد يصـيب‬ ‫رمتك فلم تشو الـفـؤاد جـنـوب‬
‫أحاديث منهـا صـادق وكـذوب‬ ‫وما زودتنا غير أن خلطـت لـنـا‬
‫هجاني ابن برصاء اليدين شـبـيب‬ ‫أل مبلغ فتـيان قـومـي أنـنـي‬
‫تشابه منـهـا نـاشـئون وشـيب‬ ‫وفي آل عوف من يهـود قـبـيلة‬
‫جنـيبـا لبـائي وأنـت جـنـيب‬ ‫أبي كان خيرا من أبـيك ولـم يزل‬
‫برأسك عادي الـنـجـاد رسـوب‬ ‫وما زلت خيرا منك مذ عض كارها‬
‫بيثرب أتـياسـا لـهـن نـبـيب‬ ‫فما ذنبنا إن أم حـمـزة جـاورت‬
‫لير أبيهم فـي أبـيك نـصـيب‬ ‫إن رجـال بـين سـلـع وواقــم‬
‫كداك ولكـن الـمـريب مـريب‬ ‫حرص العوفيين على العمى عند ‪ <H6‬فلو كنت عوفيا عميت وأسهـلـت‬
‫فأخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال‪ :‬لما قال هذا الشعر أرطاة في شبيب بن ‪</H6‬الكبر‬
‫البرصاء كان كل شيخ من بني عوف يتمنى أن يعمى (وكان العمى شائعا في بني عوف كما أسن منهم رجل عمي) فعمر أرطاة‬
‫ولم يعم‪ ،‬فكان شبيب يعيره بذلك‪ .‬ثم مات أرطاة وعمي شبيب‪ ،‬فكان يقول بعد ذلك‪ :‬ليت أرطاة عاش حتى يراني أعمى‬
‫‪.‬فيعلم أنني عوفي‬
‫ونسخت من كتاب ابن العرابي في شعر أرطاة ‪ </H6‬وقد تمنى لقاءه في يوم قتال ‪</H6 <H6‬ما كان له مع شبيب ‪<H6‬‬
‫قال‪ :‬كان شبيب بن البرصاء يقول ‪ :‬وددت أني جمعني وابن المة أرطاة بن سهية يوم قتال فأشفي منه غيظي‪ .‬فبلغ ذلك‬
‫‪:‬أرطأة فقال له‬
‫تنس السلح وتعرف جهة السد‬ ‫إن تلقني ل ترى غيري بناظـرة‬
‫من أسد خفان جابي العين ذي لبد جابي العين وجائب العين‪ :‬شديد النظر‬ ‫ماذا تظنك تغني في أخي رصـد‬
‫أكل الرجال متى يبدأ لهـا يعـد‬ ‫أبي ضراغمة غبـر يعـودهـا‬
‫إن تنأآتك أو إن تبغنـي تـجـد‬ ‫يا أيها المتمـنـي أن يلقـينـي‬
‫صعب المقادة تخشاه فل تـعـد‬ ‫نقص اللبانة من مر شـرائعـه‬
‫فيها نجاة وغن أصدرك ل تـرد‬ ‫متى تردني ل تصدر لمصـدرة‬
‫جان بإصبعه أو بيضة الـبـلـد‬ ‫ل تحسبني كفقع القاع ينـقـره‬
‫إل بما شاركت أم علـى ولـد‬ ‫أنا ابن عقفان معروف له نسبـي‬
‫ثم استقر بل عـقـل ولقـود‬ ‫لقى الملوك فأثأى في دمـائهـم‬
‫حتى تبدد كالمزءودة الـشـرد‬ ‫من عصبة يطعنون الخيل ضاحية‬
‫ويكشفون قتام الغارة الـعـمـد‬ ‫ويمنعون نساء الحي إن علمـت‬

‫صفحة ‪1424 :‬‬

‫أضرب برجلي في ساداتهم ويدي‬ ‫أنا ابن صرمة إن تسال خيارهـم‬


‫ل يدفع المجد من قيس إلى أحـد‬ ‫وفي بنـي مـالـك أم وزاقـرة‬
‫عروق ناعمة في أبطـح ثـتـد‬ ‫ضربت فيهم بأعرافي كما ضربت‬
‫جبا رفيدة أهل السرو والـعـدد خبر حبة لوجزة وما قال فيها أخبرني عمي‬ ‫جدي قضاعة معروف ويعرفنـي‬
‫قال حدثنا محمد بن عبد الله الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال‪ :‬كان أرطأة بن سهية يتحدث إلى امرأة‬
‫من غني يقال لها وجزة‪ ،‬وكان يهواها ثم افترقا وحال الزمان بينهما وكبر أرطأة‪ ،‬ثم اجتمعت غني وبنومره في دار‪ ،‬فمر أرطأة‬
‫بوجزة وقد هرمت وتغيرت محاسنها وافتقرت‪ ،‬فجلس إليها وتحدث معها وهي تشكو إليه أمرها‪ ،‬فلما أراد النصراف أمر راعيه‬
‫‪:‬فجاء بعشرة من إبله فعقلها بفنائها وانصرف وقال‬
‫تقطع أقران الصبا والوسـائل‬ ‫مررت على حدثي برمان بعدما‬
‫به الحين حتى أعلقته الحبـائل‬ ‫قال أبو ‪</H6‬أرطأة ينسب بوجزة ‪ <H6‬فكنت كظبي مفلت ثم لـم يزل‬
‫‪:‬الفرج الصبهاني‪ :‬وقد ذكر أرطأة بن سهية وجزة هذه‪ ،‬ونسب بها في مواضع شعره‪ ،‬فقال في قصيدة‬
‫لوجزة تهديني النجوم الطـوامـس‬ ‫وداوية نازعـتـهـا الـلـيل زائرا‬
‫بنا عرض كسريها المطي العرامس‬ ‫أعوج بأصحابي عن القصد تعتلـي‬
‫فأروى ول ألهو إلى من أجـالـس‬ ‫فقد تركتني ل أعـيج بـمـشـرب‬
‫لوجزة من أكنـاف رمـان دارس‬ ‫ومن عجب اليام أن كـل مـنـزل‬
‫برمان إل ساخط الـعـيش بـائس‬ ‫وقد جاورت قصر العذيب فما يرى‬
‫إذا ما أتى من دون وجـزة قـادس‬ ‫طلب بعيد اختلف مـن الـنـوى‬
‫وطال التنائي والنفوس النـوافـس‬ ‫لئن أنجح الواشون بينـي وبـينـهـا‬
‫جميع إذا ما يبتغـي النـس آنـس‬ ‫لقد طالما عشنا جـمـيعـا وودنـا‬
‫حبيبا ويبقى عمره المـتـقـاعـس وقال ابن العرابي‪ :‬كانت بين أرطأة بن‬ ‫كذلك صرف الدهر ليس تـبـارك‬
‫‪:‬سهية وبين رجل من بني أسد يقال له حيان مهاجاة‪ ،‬اعترض بينهما حباشة السدي فهجا أرطاة فقال فيه أرطأة‬
‫حتى أذلله إذا كان مـا كـانـا‬ ‫أبلغ حباشة أني غـير تـاركـه‬
‫كالمجتدي الثكل إذ حاورت حيانا‬ ‫الباعث القول يسديه ويلمـحـه‬
‫أدع القبائل من قيس بن عيلنـا‬ ‫إن تدع خندف بغيا أو مكـاثـرة‬
‫والحق يحسبنا في حيث يلقانـا‬ ‫قد نحبس الحق حتى ما يجاوزنا‬
‫إنا كذاك ورثنا المجـد أولدنـا وقال ابن العرابي‪ :‬وفد أرطأة بن سهية إلى الشام‬ ‫نبني لخرنـا مـجـدا نـشـيده‬
‫زائرا لعبد الملك بن مروان عام الجماعة‪ ،‬وقد هنأه بالظفر‪ ،‬ومدحه فأطال المقام عنده‪ ،‬وأرجف أعدائه بموته‪ ،‬فلما قدم وقد‬
‫‪:‬مل يديه بلغه ما كان منهم‪ ،‬فقال فيهم‬
‫فخبر رجال يكرهون إيابـي‬ ‫إذا ما طلعنا من ثنية لفـلـف‬
‫أحدد أظافري ويصرف نابي‬ ‫وخبرهم أني رجعت بغبـطة‬
‫كلب عدوي أو تهر كلبـي أرطاة وزميل يتلحيان وقال أبو عمرو الشيباني‪ :‬وقع‬ ‫وإني ابن حرب ل تزال تهرني‬
‫بين زميل قاتل ابن دارة وبين أرطاة بن سهية لحاء؛ فتوعده زميل‪ ،‬وقال‪ :‬إني لحسبك ستجرع مثل كأس ابن دارة‪ .‬فقال له‬
‫‪:‬أرطاة‬
‫تركض برجليك النجاة وألحق‬ ‫يا زمل إني إن أكن لك سائقـا‬
‫بمضيعة فخدشته بالمـرفـق‬ ‫ل تحسبني كامرئ صادفـتـه‬
‫قصب الرهان وما أشأ أتعرق فقال له زميل‬ ‫‪:‬إني امرؤ أوفى إذا قارعتكـم‬
‫والمرء يستحيي إذا لم يصدق‬ ‫يا أرط إن تك فاعل ما قلتـه‬
‫ثم امش هونك سادرا ل تتق‬ ‫فافعل كما فعل ابن دارة سالم‬
‫نياب فارعد ما بدا لك وابرق أخبرني أبو الحسن السدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬ ‫وإذا جعلتك بين لحيي شابك ال‬
‫‪:‬الرياشي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الصمعي قال‪ :‬قال أرطاة بن سهية للربيع بن قعنب‬
‫?لقد رأيتك عريانا ومؤتزرا فما عرفت أأنثى أنت أم ذكر‬

‫صفحة ‪1425 :‬‬

‫‪.‬فقال له الربيع‪ :‬لكن سهية قد عرفتني‪ .‬فغلبه وانقطع أرطاة‬


‫ابن سهيل يتزوج أم هشام ويأخذ عليها المواثيق عند وفاته أل تتزوج بعده ولكنها تزوجت عمر بن عبد العزيز أخبرني عمي‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال‪ :‬حثنا قعنب بن المحرز عن الهيثم بن الربيع عن عمرو بن جبلة الباهلي قال‪ :‬تزوج عبد‬
‫الرحمن بن سهيل بن عمرو أم هشام بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب‪ ،‬وكانت من أجمل نساء قريش وكان يجد بها وجدا‬
‫شديدا‪ ،‬فمرض مرضته التي هلك فيها‪ ،‬فجعل يديم النظر إليها وهي عند رأسه‪ ،‬فقالت له إنك لتنظر إلي نظر رجل له حاجة‪،‬‬
‫قال‪ :‬إي والله إن لي إليك حاجة لو ظفرت بها لهان علي ما أنا فيه‪ .‬قالت‪ :‬وما هي? قال‪ :‬أخاف أن تتزوجي بعدي‪ .‬قالت‪ :‬فما‬
‫يرضيك من ذلك? قال‪ :‬أن توثقي لي باليمان المغلظة‪ .‬فحلفت له بكل يمين سكنت إليها نفسه ثم هلك‪ .‬فلما قضت عدتها‬
‫خطبها عمر بن عبد العزيز وهو (أمير المدينة) فأرسلت إليه‪ :‬ما أراك إل وقد بلغك يميني‪ ،‬فأرسل إليها‪ :‬لك مكان كل عبد وأمة‬
‫عبدان وأمتان‪ ،‬ومكان كل علق علقان‪ ،‬ومكان كل شيء ضعفه‪ .‬فتزوجته‪ ،‬فدخل عليها بطال بالمدينة‪ ،‬وقيل‪ :‬بل كان رجل من‬
‫‪:‬مشيخة قريش مغفل‪ ،‬فلما رآها مع عمر جالسة قال‬
‫وبعد ثياب الخز أحلم نائم فقال له عمر‪ :‬جعلتني ويلك جريدة وأحلم نائم فقالت‬ ‫تبدلت بعد الخيزران جريدة‬
‫‪:‬أم هشام ليس كما قلت‪ ،‬ولكن كما قال أرطاة بن سهية‬
‫بكت شجوها بعد الحنين الـمـرجـع‬ ‫وكائن تـرى مـن ذات بـث وعـولة‬
‫على قطع من شلـوه الـمـتـمـزع‬ ‫فكانت كذات البو لمـا تـعـطـفـت‬
‫من الرض أو تعمد للف فـتـربـع‬ ‫متى ل تجده تنصـرف لـطـياتـهـا‬
‫وفي غير من قدورات الرض فاطمع وهذه البيات من قصيدة يرثي بها‬ ‫عن الدهر فاصفح إنه غير مـعـتـب‬
‫‪.‬ابنه عمرا‬
‫أرطأة يقيم عند قبر ابنه حول‬
‫ويرق قومه بعد ذلك فيقمون عامهم ذلك‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عليل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا قعنب بن المحرز عن أبي عبيدة‪ ،‬قال‪ :‬كان‬
‫لرطأة بن سهية ابن يقال له‪ :‬عمرو‪ ،‬فمات‪ ،‬فجزع عليه أرطأة حتى كاد عقلة يذهب‪ ،‬فأقام على قبره‪ ،‬وضرب بيته عنده ل‬
‫يفارقه حول‪ .‬ثم إن الحي أراد الرحيل بعد حول لنجعة بغوها‪ ،‬فغدا على قبره‪ ،‬فجلس عنده حتى إذا حان الرواح ناداه‪ :‬رح يا ابن‬
‫سلمى معنا فقال له قومه‪ :‬ننشدك الله في نفسك وعقلك ودينك‪ ،‬كيف يروح معك من مات مذ حول? فقال‪ :‬أنظروني الليلة‬
‫إلى الغد‪ .‬فأقاموا عليه‪ ،‬فلما أصبح ناداه‪ :‬اغد يا ابن سلمى معنا‪ ،‬فلم يزل الناس يذكرونه الله ويناشدونه‪ ،‬فانتصى سيفه وعقر‬
‫راحلته على قبره‪ ،‬وقال‪ :‬والله ل أتبعكم فامضوا إن شئتم أو أقيموا‪ .‬فرقوا له ورحموه‪ ،‬فأقاموا عامهم ذلك‪ ،‬وصبروا على‬
‫‪:‬منزلهم‪ .‬وقال أرطأة يومئذ في ابنه عمرو يرثيه‬
‫وقوفي عليه غير مبكـى ومـجـزع‬ ‫وقفت على قبر ابن سلمى فـلـم يكـن‬
‫مع الركب أو غاد غداة غـد مـعـى‬ ‫هل أنت ابن سلمى إن نظـرتـك رائح‬
‫من الدهر إل بعض صيف ومـربـع‬ ‫أأنسى ابن سلمى وهـو لـم يأت دونـه‬
‫سوى جدث عاف بـبـيداء بـلـقـع‬ ‫وقفت على جثمان عمرو فـلـم أجـد‬
‫فخرت ولم أتبع قلـوصـي بـدعـدع‬ ‫ضربت عمودى بانـه سـمـوا مـعـا‬
‫ببادرة من سـيف أشـهـب مـوقـع‬ ‫ولو أنها حادت عن الرمس نـلـتـهـا‬
‫على الجهد تخذلها تـوال فـتـصـرع‬ ‫تركتك إن تحيي تكـوسـي وإن تـنـؤ‬
‫وفي غير من قد وارت الرض فاطمع أرطأة يناجي قبر ولده حول كامل‬ ‫فدع ذكر من قد حالـت الرض دونـه‬
‫وقد أخبرني بهذا الخبر محمد بن الحسين بن دريد عن أبى حاتم عن أبي عبيدة‪ ،‬فذكر أن أرطأة كان يجيء إلى قبر ابنه عشيا‬
‫‪:‬فيقول‪ :‬هل أنت رائح معي يا ابن سلمى? ثم ينصرف فيغدو عليه ويقول له مثل ذلك حول‪ ،‬م تمثل قول لبيد‬
‫ومن يبك حول كامل فقد اعتذر أخبرني حبيب بن نصر المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬ ‫إلى الحول ثم اسم السلم عليكما‬
‫‪:‬عمر بن شبة قال حدثنا المدائني قال‪ :‬قال أرطأة بن سهية يوما للربيع بن قعنب كالعابث به‬

‫صفحة ‪1426 :‬‬

‫فما دريت أأنثى أنت أم ذكر فقال له الربيع‬ ‫‪:‬لقد رأيتك عريانا ومؤتـزرا‬
‫على عريجاء لما احتلت الزر فغلبه الربيع‪ ،‬ولج الهجاء بينهما‪ ،‬فقال الربيع بن‬ ‫لكن سهية تدري إذ أتـيتـكـم‬
‫‪:‬قعنب يهجو أرطأة‬
‫بأحلم كأحـلم الـجـواري‬ ‫وما عاشت بنو عقـفـان إل‬
‫تلمس مظلم باللـيل سـاري‬ ‫وما عقفان من غطـفـان إل‬
‫دعوهم بالمراجل والشـفـار‬ ‫إذا نحرت بنو غيظ جـزورا‬
‫وطاهي اللحم في شغل وعار فقال أرطأة يجيبه ويعيره بأن أمه من عبد القيس‬ ‫‪:‬طهاة اللحم حتى ينضـجـوه‬
‫فمن شاركت في أير الحمار‬ ‫وهذا الفسو قد شاركت فـيه‬
‫فزاري وأخـبـث ريح دار مسرف بن عقبة يطرد قومه ومعهم أرطاة‬ ‫وأي الناس أخبث من من هبل‬
‫لما استرفدوه بعد التهنئة والمديح بفوزه على أهل الحرة‬
‫أخبرني عبد الله بن محمد اليزيدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الحارث الخراز‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا المدائني عن أبي بكر الهذلي‪ ،‬قال‪ :‬قدم‬
‫مسرف بن عقبة المري المدينة‪ ،‬وأوقع بأهل الحرة‪ ،‬فأتاه قومه من بني مرة وفيهم أرطاة فهنئوه بالظفر واسترفدوه فطردهم‬
‫ونهرهم‪ ،‬وقال أرطأة بن سهية ليمدحه فتجهمه بأقبح قول وطرده‪ .‬وكان في جيش مسرف رجل من أهل الشام من عذرة‪،‬‬
‫يقال له عمارة‪ ،‬قد كان رأى أرطاة عند معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وسمع شعره‪ ،‬وعرف إقبال معاوية عليه‪ ،‬ورفده له‪ ،‬فأومأ إلى‬
‫أرطاة فأتاه‪ ،‬فقال له‪ :‬ل يغررك ما بدا لك من المير‪ ،‬فإنه عليل ضجر‪ ،‬ولو قد صح واستقامت المور لزال عما رأيت من قوله‬
‫وفعله‪ ،‬وأنا بك عارف‪ ،‬وقد رأيتك عند أمير المؤمنين ‪ -‬يعني معاوية ‪ -‬ولن تعدم مني ما تحب‪ .‬ووصله وكساه وحمله على ناقة‪،‬‬
‫‪:‬فقال أرطأة يمدحه ويهجو مسرفا‬
‫وآثار نعلي مسرف حيث أثـرا‬ ‫لحا الله فودى مسرف وابن عمه‬
‫مررت بجبارين من سرو حميرا ويروي‪ :‬تضيفت جبارين‬ ‫مررت على ربعيهما فكأنـنـي‬
‫على البعد حسن العهد منه تغيرا‬ ‫على أن ذا العليا عمارة لم أجـد‬
‫بنى فوق متنيها الوليدان قهقـرا أرطأة يسب من تطاولت على أمه‬ ‫حباني ببرديه وعنس كـأنـمـا‬
‫ويضربها فيلومه قومه‬
‫وقال أبو عمرو الشيباني‪ :‬خاصمت امرأة من مرة سهية أم أرطأة بن سهية‪ ،‬وكانت من غيرهم أخيذة أخذها أبوه‪ ،‬فاستطالت‬
‫عليها وسبتها‪ ،‬فخرج أرطاة إليها فسبها وضربها‪ ،‬فجاء قومه‪ ،‬ولموه‪ ،‬وقالوا له مالك تدخل نفسك في خصومات النساء فقال‬
‫‪:‬لهم‬
‫عليهم وقالوا أنت غير حـلـيم‬ ‫يعيرني قومي المجاهل والخنـا‬
‫تجوز سبي واستحل حريمـي‬ ‫هل الجهل فيكم أن أعاقب بعدما‬
‫فكانت كأخرى من النساء عقيم‬ ‫إذا أنا لم أمنع عجوزي منـكـم‬
‫إذا ما اجتدانا الشر كل حمـيم‬ ‫وقد علمت أفناء مـرة أنـنـا‬
‫إذا ذم يوم الروع كـل مـلـيم وتمام البيات التي فيها الغناء‪ ،‬المذكورة قبل‬ ‫حماة لحساب العشيرة كلـهـا‬
‫‪:‬أخبار أرطأة بن سهية‪ ،‬وذكرت في قوله في قتلى من قومه قتلوا يوم بنات قين هو‬
‫على قتلى هنالك ما بقينا‬ ‫فل وأبيك ل تنفك نبكـي‬
‫وأنستنا رجال آخـرينـا‬ ‫على قتلى هنالك أوجعتنا‬
‫على إخواننا وعلى بنينـا‬ ‫سنبكي بالرماح إذا التقينا‬
‫يرد البيض والبدان جونا‬ ‫بطعن ترعد الحشاء منه‬
‫يرين وراءهم ما يبتغينـا‬ ‫كأن الخيل إذ آنسن كلبـا‬
‫صوت‬

‫إلي وباب السجن بالقفل مغلق‬ ‫عجبت لمسراها وأنى تخلصت‬


‫فلما تولت كادت النفس تزهق الشعر لجعفر بن علبة الحارثي‪ ،‬والغناء لمعبد‬ ‫ألمت فحيت ثم قامت فودعت‬
‫ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬وذكر عمرو بن بانة أن فيه خفيفا ثقيل أول بالوسطى لبن سريج‪ .‬وذكر حماد‬
‫‪.‬بن إسحاق أن فيه خفيف الثقيل للهذلي‬

‫أخبار جعفر بن علبة الحارثي ونسبه‬

‫صفحة ‪1427 :‬‬

‫هو جعفر بن علبة بن ربيعة‪ ،‬بن عبد يغوث الشاعر أسير يوم الكلب بن معاوية بن صلءة بن المعقل بن كعب بن الحارث بن‬
‫كعب‪ ،‬ويكنى أبا عارم‪ ،‬وعارم ابن له قد ذكره في شعره‪ .‬وهو من مخضرمي الدولتين الموية والعباسية‪ ،‬شاعر مقل غزل‬
‫فارس مذكور في قومه‪ ،‬وكان أبوه علبة بن ربيعة شاعرا أيضا‪ ،‬وكان جعفر قتل رجل من بني عقيل‪ :‬قيل‪ :‬إنه قتله في شان‬
‫أمة كانا يزورانها فتغايرا عليها‪ .‬وقيل‪ :‬بل في غارة عليهم‪ .‬وقيل‪ :‬بل كان يحدث نساءهم فنهوه فلم ينته‪ ،‬فرصدوه في طريقه‬
‫‪.‬إليهن فقاتلوه فقتل منهم رجل فاستعدوا عليه السلطان فأقاد منه‪ .‬وأخباره في هذه الجهات كلها تذكر وتنسب إلى من رواها‬
‫أخبرني محمد بن القاسم النباري‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسن بن عبد الرحمن الربعي‪ ،‬قال حدثنا أبو مالك اليماني‪،‬‬
‫‪:‬قال‪ :‬شرب جعفر بن علبة الحارثي حتى سكر فأخذه السلطان فحسبه‪ ،‬فأنشأ يقول في حبسه‬
‫يكون الفتى سكران وهو حلـيم‬ ‫لقد زعموا أني سكرت وربـمـا‬
‫ولـكـن عـارا أن يقـال لـئيم‬ ‫لعمرك ما بالسكر عار على الفتى‬
‫على دون ما لقـيتـه لـكـريم قال‪ :‬ثم حبس معه رجل من قومه من بني‬ ‫وإن فتى دامت مواثيق عـهـده‬
‫‪:‬الحارث بن كعب في ذلك الحبس‪ ،‬وكان يقال له دوران ‪ ،‬فقال جعفر‬
‫وشد بأغلق علـينـا وأقـفـال‬ ‫إذا باب دوران ترنم في الـدجـى‬
‫يدور به حتى الصباح بإعـمـال‬ ‫وأظلم ليل قام علج بـجـلـجـل‬
‫فكيف لمظلوم بحيله مـحـتـال‬ ‫وحراس سوء ما ينامون حـولـه‬
‫على الذل للمأمور والعلج والوالي جعفر بن علبة وعلي بن جعدب‬ ‫ويصبر فيه ذو الشجاعة والنـدى‬
‫يغيران على بني عقيل‬
‫فأما ما ذكر أن السبب في أخذ جعفر وقتله في غارة أغارها على بني عقيل‪ ،‬فإنني نسخت خبره في ذلك كتاب عمرو بن‬
‫الشيباني يأثره عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬خرج جعفر بن علبة وعلي بن حعدب الحارثي القناني والنضر بن مضارب المعاوي‪ ،‬فأغاروا على‬
‫بن عقيل‪ ،‬وإن بني عقيل خرجوا في طلبهم وافترقوا عليهم في الطريق ووضعوا عليهم الرصاد على المضايق‪ ،‬فكانوا كلما‬
‫افلتوا من عصبة لقيتهم أخرى‪ ،‬حتى انتهوا إلى بلد بني نهد فرجعت عنهم بنو عقيل‪ ،‬وقد كانوا قتلوا فيهم‪ ،‬ففي ذلك يقول‬
‫‪:‬جعفر‬
‫إذا لم أعذب أن يجيء حمامـيا‬ ‫أل ل أبالي بعد يوم بسـحـبـل‬
‫مراق دم ل يبرح الدهر ثـاويا‬ ‫تركت بأعلى سحبل ومضـيقـه‬
‫وكان سناء آخر الدهر بـاقـيا‬ ‫شفيت به غيظي وجرب موطني‬
‫طريقي فمالي حاجة من ورائيا‬ ‫أرادوا ليثنوني فقلت تجـنـبـوا‬
‫شفوا من القرعاء عمي وخاليا‬ ‫فدى لبني عم أجابوا لدعـوتـي‬
‫فراخ القطا لقين صقرا يمانيا‬ ‫كأن بني القرعاء يوم لقيتـهـم‬
‫ضجيج دباري اليب لقت مداويا‬ ‫تركناهم صرعى كان ضجيجهم‬
‫ليبك العقيليين من كان بـاكـيا‬ ‫أقول وقد أجلت من اليوم عركة‬
‫ونضح دماء منهم ومـحـابـيا المحابي‪ :‬آثارهم‪ ،‬حبوا من الضعف للجراح التي بهم‬ ‫فإن بقرى سـحـبـل لمـارة‬
‫وددت معاذا كان فيمن أتانيا أراد‪ :‬وددت أن معاذا كان أتاني معهم فأقتله‬ ‫‪ .‬ولم اترك لي ريبة غير أنني‬

‫كسوت الهذيل المشرفي اليمانيا‬ ‫شفيت غليلي من خشينة بعد ما‬


‫صحاري نجد والرياح الذواريا‬ ‫أحقا عباد الله أن لـسـت رئيا‬
‫إلى عامر يحللن رمل معالـيا‬ ‫ول زائرا شم العرانين أنتمـى‬
‫لهن وخبرهن أن ل تـلقـيا‬ ‫إذا ما أتيت الحارثيات فانعنـي‬
‫ستبرد أكبادا وتبكي بـواكـيا‬ ‫وقود قلوصي بينهن فـإنـهـا‬
‫ليغني شيئا أو يكون مكـانـيا ويروى‬ ‫‪:‬أوصيكم إن مت يوما بـعـارم‬
‫ستبرد أكبادا أو تبكي بـواكـيا وهذا البيت بعينه يروي لمالك بن الريب في‬ ‫وعطل قلوحي في الركاب فإنها‬
‫‪:‬قصيدته المشهورة التي يرثي بها نفسه‪ .‬وقال في ذلك جعفر أيضا‬

‫صفحة ‪1428 :‬‬

‫بمصدقنا في الحرب كيف نحاول‬ ‫وسائلة عـنـا بـغـيب وسـائل‬


‫علينا السرايا والعدو المبـاسـل‬ ‫عشية قرى سحبل إذ تعطـفـت‬
‫وضرب ببيض المشرفية خابـل‬ ‫ففرج عنا الله مرحـى عـدونـا‬
‫تعاورها منهم أكـف وكـاهـل‬ ‫إذا ما قرى هام الرءوس اعترامها‬
‫بأيماننا بيض جلتها الـصـياقـل‬ ‫إذا ما رصدنا مرصدا فرجت لنـا‬
‫بأن ليس منى خشية الموت ناكل‬ ‫ولما أبو إل المضـي وقـد رأوا‬
‫مقالة تسميع ول قـول بـاطـل‬ ‫حلفت يمينا بـرة لـم أرد بـهـا‬
‫معاقد يخشاها الطبيب المـزاول‬ ‫ليختضمن الهندوانـي مـنـهـم‬
‫صدور رماح أشرعت أو سلسل‬ ‫وقالوا لنا ثنتان لبد مـنـهـمـا‬
‫تغادر صرعى نهضها متخـاذل‬ ‫فقلنا لهم تلكـم إذا بـعـد كـرة‬
‫إذا اشتجر الخطي والموت نازل‬ ‫وقتلى نفوس في الحـياة زهـيدة‬
‫كما راجع الخصم البذي المناقـل‬ ‫نراجعهم في قالة بـدءوا بـهـا‬
‫ولي منه ما ضمت عليه النامل قال‪ :‬فاستعدت عليهم بنو عقيل السري‬ ‫لهم صدر سيفي يوم بطحاء سحبل‬
‫بن عبد الله الهاشمي عامل مكة لبي جعفر‪ ،‬فأرسل إلى أبيه علبة بن ربيعة فأخذه بهم‪ ،‬وحبسه حتى دفعهم وسائر من كان‬
‫معهم إليه‪ ،‬فأما النضر فاستقيد منه بجراحة ‪ ،‬وأما علي بن جعدب فأفلت من الحبس‪ ،‬وأما جعفر بن علبة فأقامت عليه بنو‬
‫‪.‬عقيل قسامة ‪ :‬أنه قتل صاحبهم فقتل به‪ .‬هذه رواية أبي عمرو‬
‫وذكر ابن الكلبي أن الذي هاج الحرب بين جعفر بن علبة وبني عقيل أن إياس بن يزيد الحارثي وإسماعيل بن أحمر العقيلي‬
‫اجتمعا عند أمه لشعيب بن صامت الحارثي‪ ،‬وهي في إبل لمولها في موضع يقال له صمعر من بلد بلحارث ‪ ،‬فتحدثا عندها‬
‫فمالت إلى العقيلي‪ ،‬فدخلتهما مؤاسفة حتى تخانقا بالعمائم‪ ،‬فانقطعت عمامة الحارثي وخنقه العقيلي حتى صرعه‪ ،‬ثم تفرقا‪.‬‬
‫‪:‬وجاء العقيليون إلى الحارثيين فحكموهم فوهبوا لهم‪ ،‬ثم بلغهم بيت قيل‪ ،‬وهو‬
‫بصمعر والعبد الزيادي قـائم فغضب إياس من ذلك فلقي هو ابن عمه النضر‬ ‫ألم تسال العبد الزيادي ما رأى‬
‫بن مضارب ذلك العقيلي‪ ،‬وهو إسماعيل بن أحمر‪ ،‬فشجه شجتين وخنقه‪ ،‬فصار الحارثيون إلى العقيليين فحكموهم فوهبوا لهم‪.‬‬
‫ثم لقي العقيليون جعفر بن علبة الحارثي فأخذوه فضربوه وخنقوه وربطوه وقادوه طويل ثم أطلقوه‪ .‬وبلغ ذلك إياس بن يزيد‬
‫‪:‬فقال يتوجع لجعفر‬
‫تغر إذا ما كان أمـر تـحـاذره‬ ‫أبا عارم كيف اغتررت ولم تكـن‬
‫بكف فتى جرت عليه جـرائره ثم إن جعفر بن علبة تبعهم ومعه ابن أخيه‬ ‫فل صلح حتى يخفق السيف خفقة‬
‫جعدب‪ ،‬والنضر بن مضارب‪ ،‬وإياس بن يزيد‪ ،‬فلقوا المهدي بن عاصم وكعب بن محمد بحبر‪ -‬وهو موضع بالقاعة ‪ -‬فضربوهما‬
‫ضربا مبرحا‪ ،‬ثم انصرفوا فضلوا عن الطريق‪ ،‬فوجدوا العقليين وهم تسعة‪ ،‬فاقتتلوا قتال شديدا حتى خلى لهم العقيليون‬
‫الطريق ثم مضوا حتى وجدوا من عقيل جمعا آخر بسحبل فاقتتلوا منال شديدا‪ ،‬فقتل جعفر بن علبة رجل من عقيل يقال له‬
‫خشينة‪ ،‬فاستعدى العقيليون إبراهيم بن هشام المخزومي عامل مكة‪ ،‬فرفع الحارثيين الربعة من نجران حتى حبسهم بمكة‪ ،‬ثم‬
‫أفلت منه رجل فخرج هاربا‪ ،‬فأحضرت عقيل قسامة‪ :‬حلفوا أن جعفر قتل صاحبهم‪ .‬فأقاده إبراهيم بن هشام‪ .‬قال وقال جعفر‬
‫بن علبة قبل أن يقتل وهو محبوس‪? :‬عجبت لمسراها وأني تخلصت إلي وباب السجن بالقفل مغلق‬
‫فلما تولت كادت النفـس تـزهـق‬ ‫ألمت فحيت ثم قـامـت فـودعـت‬
‫لشيء ول أني من المـوت أفـرق‬ ‫فل تحسبي أني تخشعت بـعـدكـم‬
‫يعض بهامات الرجـال ويعـلـق‬ ‫وكيف وفي كفي حـسـام مـذلـق‬
‫ول أنني في بالمشي في القيد أخرق‬ ‫ول أن قلبـي يزدهـيه وعـيدهـم‬
‫كما كنت ألقى منك إذ أنا مطـلـق‬ ‫ولكن عرتني من هـواك صـبـابة‬
‫إليك وجثمانـي بـمـكة مـوثـق وقال جعفر بن علبة لخيه يحرضه‬ ‫‪:‬فأما الهوى والود مني فـطـامـح‬

‫صفحة ‪1429 :‬‬

‫ومن دونه عرض الفلة يحول ‪ -‬في نسخة ابن العرابي‬ ‫‪:‬وقل لبي عون إذا ما لقـيتـه‬
‫ودونه من عرض الفلة محول بالميم‪ ،‬وبشم الهاء في دونه بالرفع وتخفيفها‪ ،‬وهي‪.......‬‬ ‫إذا مـا لـقــيتـــه‬
‫‪-‬لغتهم خاصة‬
‫ثلثة أحـراس مـعـا وكـبـول‬ ‫تعلم وعد الشـك أنـي يشـفـنـي‬
‫يبيت لها فوق الكعـاب صـلـيل‬ ‫إذا رمت مشيا أو تبوأت مضجـعـا‬
‫يعود الحفا أخفـافـهـا وتـجـول‬ ‫ولو بك كانت ل بتعثت مـطـيتـي‬
‫وتبـرأ مـنـكـم قـالة وعـدول ونسخت أيضا خبره من كتاب للنضر بن‬ ‫إلى العدل حتى يصدر المر مصدرا‬
‫حديد‪ ،‬فخالف هاتين الروايتين‪ ،‬وقال فيه‪ :‬كان جعفر بن علبة يزور نساء من عقيل بن كعب‪ ،‬وكانوا متجاورين هم وبنو الحارث‬
‫بن كعب‪ ،‬فأخذته عقيل‪ ،‬فكشفوا دبر قميصه‪ ،‬وربطوه إلى جمته‪ ،‬وضربوه بالسياط‪ ،‬وكتفوه‪ ،‬ثم أقبلوا به وأدبروا على النسوة‬
‫اللتي كان يتحدث إليهن على تلك الحال ليغيظوهن‪ ،‬ويفضحوه عندهن‪ ،‬فقال لهم‪ :‬يا قوم‪ ،‬ل تفعلوا فإن هذا الفعل مثلة‪ ،‬وأنا‬
‫أحلف لكم بما يثلج صدوركم أل أزور بيوتكم أبدا‪ ،‬ول ألجها‪ .‬فلم يقبلوا منه‪ .‬فقال لهم‪ :‬فإن لم تفعلوا ذلك فحسبكم ما قد‬
‫مضى‪ ،‬ومنوا علي بالكف عني فإني أعده نعمة لكم ويدا ل أكفرها أبدا‪ ،‬أو فاقتلوني وأريحوني‪ ،‬فأكون رجل آذى قوما في دارهم‬
‫فقتلوه‪ .‬فلم يفعلوا‪ ،‬وجعلوا يكشفون عورته بين أيدي النساء‪ ،‬ويضربونه‪ ،‬ويغرون به سفهاءهم حتى شفوا أنفسهم منه‪ ،‬ثم خلوا‬
‫سبيله‪ .‬فلم تمض إل أيام قليلة حتى عاد جعفر ومعه صاحبان له‪ ،‬فدفع‪ ،‬راحلته حتى أولجها البيوت‪ ،‬ثم مضى‪ .‬فلما كان في‬
‫نقرة من الرمل أناخ هو وصاحباه‪ ،‬وكانت عقيل أقفى خلق الله لثر‪ ،‬فتبعوه حتى انتهوا إليه وإلى صاحبيه‪ ،‬والعقيليون مغترون‬
‫ليس مع أحد منهم عصا ول سلح‪ ،‬فوثب عليهم جعفر بن علبة وصاحباه بالسيوف فقتلوا منهم رجل وجرحوا آخر وافترقوا‪،‬‬
‫فاستعدت عليهم عقيل السري ابن عبدالله الهاشمي عامل المنصور على مكة‪ ،‬فأحضرهم وحبسهم‪ ،‬فأقاد من الجارح‪ ،‬ودافع‬
‫عن جعفر بن علبة‪ -‬وكان يحب أن يدرأ عنه الحد لخؤولة أبي العباس السفاح في بني الحارث‪ ،‬ولن أخت جعفر كانت تحت‬
‫السري بن عبدالله‪ ،‬وكانت حظية عنده‪ -‬إلى أن أقاموا علية قسامة‪ :‬أنه قتل صاحبهم وتوعدوه بالخروج إلى أبي جعفر والتظلم‬
‫إليه‪ ،‬فحينئذ دعا بجعفر فأقاد منه‪ ،‬وأفلت علي بن جعدب من السجن فهرب‪ .‬قال وهو ابن أخي جعفر بن علبة‪ .‬فلما أخرج‬
‫جعفر للقود قال له غلم من قومه‪ :‬أسقيك شربة من ماء بارد ? فقال له‪ :‬اسكت ل أم لك‪ ،‬إني إذا لمهياف ‪ .‬وانقطع شسع‬
‫‪:‬نعله فوقف فأصلحه‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬أما يشغلك عن هذا ما أنت فيه? فقال‬
‫عدوي للحوادث مستكينا قال‪ :‬وكان الذي ضرب عنق جعفر بن علبة نحبة بن كليب‬ ‫أشد قبال نعلي أن يراني‬
‫‪:‬أخو المجنون‪ ،‬وهو أحد بني عامر بن عقيل‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫وقولي له اصبر ليس ينفعك الصبر‬ ‫شفى النفس ما قال ابن علبة جعفر‬
‫عقاب تدلى طالبا جانب الـوكـر‬ ‫هوى رأسه من حيث كان كما هوى‬
‫وبسطة أيمان سواعدهـا شـعـر‬ ‫أبا عـارم‪ ،‬فـينـا عـرام وشـدة‬
‫ولم ينجه بر عريض ول بـحـر‬ ‫هم ضربوا بالسيف هامة جعـفـر‬
‫إلى القبر حتى ضم أثوابه القـبـر وقال علبة يرثي ابنه جعفرا‬ ‫‪:‬وقدناه قود البكر قسـرا وعـنـوة‬
‫وأصحابه للموت لمـا أقـاتـل‬ ‫لعمرك إني يوم أسلمت جعفـرا‬
‫يهيج المنايا كل حق وبـاطـل‬ ‫لمتجنب حب المـنـايا وإنـمـا‬
‫مغللة أيديهم في الـسـلسـل‬ ‫فراح بهم قوم ول قوم عندهـم‬
‫رآه التباليون لي غـير خـاذل وقال علبة أيضا لمرأته أم جعفر قبل أن يقتل‬ ‫ورب أخ لي غاب لو كان شاهدا‬
‫‪:‬جعفر‬
‫علي وإن عللتني لـطـويل‬ ‫لعمرك إن الليل يا أم جعفـر‬
‫ورجعة أنقاض لهـن دلـيل فأجابته فقالت‬ ‫‪:‬أحاذر أخبارا من القوم قد دنت‬
‫فمت كمدا أو عش وأنت ذليل‬ ‫أبا جعفر أسلمت للقوم جعفرا‬

‫صفحة ‪1430 :‬‬

‫قال أبو عمرو في روايته‪ :‬وذكر شداد بن إبراهيم أن بنتا ليحيى بن زياد بن عبيد الله الحارثي حضرت الموسم في ذلك العام‬
‫‪:‬لما قتل فكفنته واستجادت له الكفن‪ ،‬وبكته وجميع من كان معها من جواريها‪ ،‬وجعلن يندنبه بأبياته التي قالها قبل قتله‬
‫صحاري نجد والرياح الذواريا وقدمت في صدر أخباره‪ .‬وفي هذه القصيدة‬ ‫أحقا عباد الله أن لـسـت رائيا‬
‫‪:‬يقول جعفر‬
‫وددت معاذا كان فيمن أتانيا فقال معاذ يجيبه عنها بعد قتله‪ ،‬ويخاطب أباه‪ ،‬ويعرض له أنه قتل ظلما لنهم أقاموا قسامة كاذبة‬
‫‪:‬عليه حين قتل‪ ،‬ولم يكونوا عرفوا القاتل من الثلثة بعينه‪ ،‬إل أن غيظهم على جعفر حملهم على أن ادعوا القتل عليه‬
‫أبا عارم والمسمنات الـعـوالـيا‬ ‫أبا جعفر سلب بنجران واحتسـب‬
‫بغير دم في القـوم إل تـمـاريا‬ ‫وقود قلوصا أتلف السيف ربـهـا‬
‫جرى دمع عينيها على الخد صافيا‬ ‫إذا ذكرته مـعـصـر حـارثـية‬
‫ول الثائر الحران ينسى التقاضـيا‬ ‫فل تحسبن الدين يا علب منـسـأ‬
‫ونغلي وإن كانت دماء غـوالـيا‬ ‫سنقتل منكم بـالـقـتـيل ثـلثة‬
‫ستلقى معاذا والقضيب اليمـانـيا ووجدت البيات القافية التي فيها الغناء في‬ ‫تمنيت أن تلقى معـاذا سـفـاهة‬
‫‪:‬نسخة النضر بن حديد أتم مما ذكره أبو عمرو الشيباني‪ .‬وأولها‬
‫سبيل وتهتاف الحمام المـطـوق‬ ‫أل هل إلى فتـيان لـهـو ولـذة‬
‫جرى تحت أظلل الراك المسوق‬ ‫وشربة ماء مـن خـدوراء بـارد‬
‫أبارى مطاياهم ببصهباء سـيلـق‬ ‫وسيرى مع الفتيان كـل عـشـية‬
‫لغاما كمح البيضة المـتـرقـرق‬ ‫إذا كحلت عن نابها مج شـدقـهـا‬
‫تبغم مطرود من الوحش مرهـق‬ ‫وأصهب جوني كـأن بـغـامـه‬
‫تيابي الفيافي سملقا بعد سمـلـق وذكر بعده البيات الماضية‪ .‬وهذا وهم من‬ ‫برى لحم دفيه وأدمى أظـلـه أج‬
‫‪.‬النضر‪ ،‬لن تلك البيات مرفوعة القافية وهذه مخفوضة‪ ،‬فأتيت بكل واحدة منهما منفردة ولم أخلطهما لذلك‬
‫علبة ينحر أولد النوق لتصيح مع النسوة‬
‫بكاء على جعفر‬
‫أخبرني الحسين بن يحي المرداسي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة قال‪ :‬لما قتل جعفر بن علبة قام نساء الحي‬
‫يبكين عليه‪ ،‬وقام أبوه إلى كل ناقة وشاه فنحر أولدها‪ ،‬وألقاها بين أيديها وقال‪ :‬ابكين معنا على جعفر فما زالت النوق ترغو‬
‫‪.‬والشاء تثغو والنساء يصحن ويبكين وهو يبكي معهن‪ ،‬فما رئى يوم كان أوجع وأحرق مأتما في العرب من يومئذ‬

‫صوت‬

‫واسقياني علل بعد نـهـل‬ ‫عللني إنما الدنـيا عـلـل‬


‫وأكف اللوم عنه والـعـذل الشعر للعجير السلولي‪ .‬والغناء لبن سريج ثقيل أول‬ ‫أصحب الصاحب ما صاحبني‬
‫‪.‬بالوسطى عن حبيش‪ .‬وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى المكي‬

‫أخبار العجير السلولي ونسبه‬


‫هو ‪ -‬فيما ذكر محمد بن سلم ‪ -‬العجير بن عبد الله بن عبيدة بن كعب بن عائشة بن الربيع بن ضبيط بن جابر بن عبد الله بن‬
‫سلول‪ .‬ونسخت نسبه من نسخة عبيد الله بن محمد اليزيدي عن ابن حبيب قال‪ :‬هو العجير بن عبيد الله بن كعب عبيدة بن‬
‫جابر بن عمر بن سلول بن مرة بن صعصعة‪ ،‬أخي عامر بن صعصعة‪ ،‬شاعر مقل إسلمي من شعراء الدولة الموية‪ .‬وجعله‬
‫‪.‬محمد بن سلم في طبقة أبي زبيد الطائي‪ ،‬وهي الخامسة من طبقات شعراء السلم‬
‫أخبرني أبو خليفة في كتابه إلي قال‪ :‬حدثنا محمد بن سلم الجمحي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو الغراف قال‪ :‬كان العجير السلولي دل عبد‬
‫‪:‬الملك بن مروان على ماء يقال له مطلوب ‪ ،‬وكان لناس من خثعم‪ ،‬فأنشأ يقول‬
‫إن لم أروع بغيظ أهل مطلوب‬ ‫ل نوم إل غرار العين ساهـرة‬
‫ذرق الدجاج بحفان اليعاقـيب‬ ‫أن تشتموني فقد بدلت أيكتـكـم‬
‫بنو أمية وعدا غير مـكـذوب‬ ‫وكنت أخبركم أن سوف يعمرها‬

‫صفحة ‪1431 :‬‬

‫قال‪ :‬فركب رجل من خثعهم يقال أمية إلى عبد الملك حتى دخل عليه فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬إنما أراد العجير أن يصل إليك‬
‫وهو شويعر سآل ‪ .‬وحربه عليه‪ .‬فكتب إلى عامله بأن يشد يدي العجير إلى عنقه ثم يبعثه في الحديد‪ .‬فبلغ العجير الجبر فركب‬
‫في الليل حتى أتى عبد الملك فقال له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أنا عندك فاحتبسني وابعث من يبصر الرضين والضياع‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫‪.‬المر على ما أخبرتك فلك دمي حل وبل‪ ،‬فبعث فاتخذ ذلك الماء‪ ،‬فهو اليوم من خيار ضياع بني أمية‬
‫نافع الكناني يطلبه ليقيم الحد عليه‬
‫نسخت من كتاب عبيد الله بن محمد اليزيدي عن ابن حبيب عن ابن العرابي قال‪ :‬هجا العجير قوما من بني حنيفة وشتمهم‪،‬‬
‫فأقاموا عليه البينة عند نافع بن علقمة الكناني‪ ،‬فأمرهم بطلبه وإحضاره ليقيم عليه الحد وقال لهم‪ :‬إن وجدتموه أنتم فأقيموا‬
‫عليه الحد وليكن ذلك في مل يشهدون به لئل يدعي عليكم تجاوز الحق‪ .‬فهرب العجير منهم ليل حتى أتى نافع بن علقمة‪،‬‬
‫‪:‬فوقف له متنكرا حتى خرج من المسجد‪ ،‬ثم تعلق بثوبه وقال‬
‫حيال يسامين الظلل ولـقـح‬ ‫إليك سبقنا السوط والسجن‪ ،‬تحتنا‬
‫تحوم علينا السانحات وتبـرح‬ ‫إلى نافع ل نرتجي ما أصابنـا‬
‫وإن أك مذبوحا فكن أنت تذبح فسأله عن المطر وكيف كان أثره‪ ،‬فقال له‬ ‫‪:‬فإن أك مجلودا فكن أنت جالدي‬
‫والله ل أكذبك العشية‬ ‫يا نافع يا أكرم البـريه‬
‫ثم مطرنا مطرة روية‬ ‫إنا لقينا سـنة قـسـيه‬
‫فنبت البقل ول رعية ‪ -‬يعني أن المواشي هلكت قبل نبات البقل‪ -‬فقال له‪ :‬آنج بنفسك فإني سأرضي خصومك‪ ،‬ثم بعث إليهم‬
‫‪.‬فسألهم الصفح عن حقهم وضمن لهم أن ل يعاود هجاءهم‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار قال‪ :‬حدثني عمر بن إبراهيم السعدي عن عباس بن عبد الصمد‬
‫السعدي قال‪ :‬قال هشام بن عبد الملك للعجير السلولي‪ :‬أصدقت فيما قلته لبن عمك? قال نعم يا أمير المؤمنين‪ ،‬إل أني‬
‫‪:‬قلت‬
‫ول رهل لباتـه وبـآدلـه هذا البيت يروى لخت يزيد بن الطثرية ترثيه به‬ ‫فتى قد قد السيف ل متضائل‬
‫وإن هو ولى أشعث الرأس جافله‬ ‫جميل إذا استقبلته مـن أمـامـه‬
‫على الحي حتى تستقل مراجلـه‬ ‫طويل سطي الساعـدين عـذور‬
‫عليها عداميل الهشيم وصامـلـه‬ ‫ترى جـارزيه يرعـدان ونـاره‬
‫على عينه لم تعد عنها مشاغلـه‬ ‫يجران ثنيا خيرها عظـم جـاره‬
‫بمر ومردى كل خصم يجـادلـه‬ ‫تركنا أبا الضياف في كل شتـوه‬
‫وأبيض هنديا طوال إل حمائلـه فقال هشام‪ :‬هلك والله الرجل‬ ‫‪.‬مقيما سلبناه دريسـي مـفـاضة‬
‫ونسخت من كتاب ابن حبيب قال ابن العرابي‪ :‬اصطحب العجير وشاعر من خزاعة إلى المدينة فقصد الخزاعي الحسن بن‬
‫الحسن بن علي عليهم السلم‪ ،‬وقصد العجير رجل من بني عامر بن صعصعة كان قد نال سلطانا‪ ،‬فأعطى الحسن بن الحسن‬
‫‪:‬الخزاعي وكساه ولم يعط العامري العجير شيئا‪ ،‬فقال العجير‬
‫يممتها هاشمـيا غـير مـمـذوق‬ ‫يا ليتني يوم حزمت القلـوص لـه‬
‫فيه النبوة يجري غير مـسـبـوق‬ ‫محض النجار من البيت الذي جعلت‬
‫ول يلطم عند اللحم في الـسـوق فبلغت أبياته الحسن‪ ،‬فبعث إليه بصلة إلى‬ ‫ل يمسك الخـير إل ريث يسـألـه‬
‫‪.‬محلة قومه وقال له‪ :‬قد أتاك حظك وإن لم تتصد له‬
‫العجير يشرب حتى ينتشي‬
‫فيأمر بنحر حمله ويقول شعرا‬
‫أخبرني أحمد بن أحمد بن عبيد الله بن عمار قال‪ :‬حدثنا محمد بن الحسن بن دينار الحوال قال‪ :‬حدثني بعض الرواة أن العجير‬
‫بن عبد الله السلولي مر بقوم يشربون فسقوه فلما انتشى قال‪ :‬انحروا جملي وأطعمونا منه‪ .‬فنحروا وجعلوا يطعمونه‬
‫‪:‬ويسقونه ويغنونه بشعر قال يومئذ‪ ،‬وهو‬
‫واسقياني علل بعد نـهـل‬ ‫عللني إنما الدنـيا عـلـل‬
‫وأصبحاني أبعد الله الجمـل‬ ‫وانشل ما اغبر من قدريكما‬
‫وأكف اللوم عنه والـعـذل‬ ‫أصحب الصاحب ما صاحبني‬
‫أبدا يا صاح ما كان فـعـل‬ ‫وإذا أتلـف شـيئا لـم أقـل‬

‫صفحة ‪1432 :‬‬

‫قال‪ :‬فلما صحا سأل عن جمله فقيل له‪ :‬نحرته البارحة‪ .‬فجعل يبكي ويصيح‪ :‬واغربتاه وهم يضحكون منه‪ .‬ثم وهبوا له بعيرا‬
‫‪.‬فارتحله وانصرف إلى أهله‬
‫ندمه على ذلك بعد صحوه وارتحاله على بعير وهب له أخبرني علي بن سليمان الخفش قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد قال‪ :‬حج‬
‫‪:‬العجير السلولي فنظر إلى امرأته وكان قد حج بها معه وهي تلحظ فتى من بعد وتكلمه فقال فيها‬
‫وإن لم يعاقبها العجير فعاقـب‬ ‫أيا رب ل تغفر لعثمة ذنبـهـا‬
‫إلى راكب من دونه ألف راكب‬ ‫أشارت وعقد الله بيني وبينـهـا‬
‫إذا حان حج الملمسات التوائب العجير يكل زواجه ابنته إلى خالها‬ ‫حرام عليك الحج ل تقـربـنـه‬
‫ثم يطلقها من المولى بعد قدومه‬
‫وقال ابن العرابي‪ :‬غاب العجير غيبة إلى الشآم‪ ،‬وجعل أمر ابنته إلى خالها‪ ،‬وأمره أن يزوجها بكف‪ .‬فخطبها مولى لبني هلل‬
‫كان ذا مال‪ ،‬فرغبت أمها فيه وأمرت خال الصبية الموصى إليه بأمرها أن يزوجها ففعل‪ .‬فلذت الجارية بأخيها الفرزدق بن‬
‫العجير‪ ،‬وبرجال من قومها‪ ،‬وبابن عم لها يقال له قيل‪ ،‬فمنعوا جميعا منها سوى ابن عمها القيل فإنه ساعد أمها على ما أردت‪،‬‬
‫‪:‬ومنع منها الفرزدق‪ .‬فلما قدم العجير أخبر بما جرى ففسخ النكاح وخلع ابنته من المولى وقال‬
‫وبعجان مأدوم الطعام سـمـين‬ ‫أل هل لبعجان الهللي زاجـر‬
‫وبالحنو آسـاد لـهـا وعـرين‬ ‫أليس أمير المؤمنين ابن عمهـا‬
‫ولله قد بـتـت عـلـي يمـين‬ ‫وعاذت بحقوى عامر وابن عامر‬
‫دم خر عنه حاجـب وجـبـين وقال أيضا في ذلك‬ ‫‪:‬تنالونها أو يخضب الرض منكم‬
‫عليهن مقصور الحجال المـروق‬ ‫إذا ما أتيت الخاضبات أكـفـهـا‬
‫رواء ولكن الشجاع الـفـرزدق‬ ‫فل تدعون القيل إل لـمـشـرب‬
‫تلقت بطهر لم يجيء وهو أحمق‬ ‫هو ابن لبيضاء الجبين نـجـبـية‬
‫أطفن بكسري بيتها حين تطلـق‬ ‫تداعى إليه أكرم الحـي نـسـوة‬
‫من الطير باز ينفض الطل أزرق قول العجير في رفيق‬ ‫فجاءت بعـريان الـيدين كـأنـه‬
‫‪:‬وقال ابن العرابي‪ :‬كان للعجير رفيق يقال له أصبح‪ ،‬وكانا يصيبان الطريق‪ ،‬وفيه يقول العجير‬
‫وعن ساعديه‪ ،‬للخـلء وواصـل‬ ‫ومنخرق عن منكبـيه قـمـيصـه‬
‫وطول السرى ألفيته غـير نـاكـل‬ ‫إذا طال بالقوم المطـافـى تـنـوفة‬
‫وفي رأسه حتى جرى في المفاصل‬ ‫دعوت وقد دب الكرى في عظامـه‬
‫يميل بعطفيه‪ ،‬عن الـلـب ذاهـل‬ ‫كما دب صافي الخمر في مخ شارب‬
‫ثقيلين من نوم غلوب الـغـياطـل‬ ‫فلبى ليثنينـي بـثـنـيي لـسـانـه‬
‫سوى وقفة الساري مناخ لـنـازل‬ ‫فقلت له قم فارتحل ليس ها هـنـا‬
‫ويحسر عن عاري الذراعيين ناحـل وقال ابن العرابي‪ :‬كانت للعجير امرأة‬ ‫فقام اهتزاز الرمح يسرو قمـيصـه‬
‫يقال لها أم خالد‪ ،‬فأسرع في ماله فأتلفه وكان جوادا‪ ،‬ثم جعل يدان حتى أثقل بالدين ومد يده إلى مالها‪ ،‬فمنعته منه وعاتبته‬
‫‪:‬على فعله‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫على مالها أغرقت دينا فأقـصـر‬ ‫تقول وقد غالبـتـهـا أم خـالـد‬
‫إلى ضوء ناري من فقير ومقتـر‬ ‫أبي القصر من يأوي إذا الليل جنني‬
‫تشب لمقو آخر اللـيل مـقـفـر‬ ‫أيا موقدي ناري ارفعاها لعلـهـا‬
‫أواريك أم من جاري المتنـظـر‬ ‫أمن راكب أمسى بظهر تـنـوفة‬
‫وهذا المقاسي ليلة ذات منـكـر‬ ‫ول قدر دون الـجـار إل ذمـيمة‬
‫على الرجل إل من قميص ومئزر‬ ‫تكاد الصبا تبـتـزه مـن ثـيابـه‬
‫كريم ثناه شاحب المـتـحـسـر ‪ -‬المتحسر‪ :‬ما انكشف وتجرد من جسمه‬ ‫‪-‬وماذا علينا أن يخالس ضـوءهـا‬
‫له القدر لم نعجب ولم نتخبر صوت‬ ‫فيخبر عما قليل ولو خلـت‬
‫إذا ما أتاني بين قدري ومجزري‬ ‫سلي الطارق المعتريا أم مالـك‬
‫وأبذل معروفي له دون منكرى‬ ‫أأبسط وجهي أنه أول الـقـرى‬

‫صفحة ‪1433 :‬‬

‫إلى جنب رحلي كل أشعث أغبـر‬ ‫فل قصر حتى يفرح الغيث من أوى‬
‫أخوك إذا ما ضيع العرض يشترى‬ ‫أقي العرض بالمال التلد وما عسى‬
‫كريم ومالي سارحا مال مـقـتـر ‪ -‬القنيان ‪ :‬ما اقتنى من المال‪ .‬إنه لبذله‬ ‫يؤدي إلي النـيل قـنـيان مـاجـد‬
‫‪ -‬القرى كأنه موسر‪ ،‬وإذا سرح ماله علم أنه مقتر‬
‫تراثك من طرف وسيف وأقدر قال ابن حبيب‪ :‬من الناس من يروي هذه‬ ‫إذا مت يوما فاحضري أم خالد‬
‫‪:‬البيات الخيرة التي أولها‬
‫‪.‬سلي الطارق المعتر يا أم مالك لعروة بن الورد‪ ،‬وهي للعجير‬
‫العجير يفد على عبد الملك‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن هشام بن محمد قال‪ :‬وفد‬
‫العجير السلولي‪ -‬وسلول بنو مرة بن صعصعة‪ -‬على عبد الملك بن مروان‪ ،‬فأقام ببابه شهرا ل يصل إليه لشغل عرض لعبد‬
‫‪:‬الملك‪ ،‬ثم وصل فلما مثل بين يديه أنشد‬
‫عظامي ومنها ناحل وكـسـير‬ ‫أل تلك أم الهبرزي تـبـينـت‬
‫فتى قبل عام الماء فهو كبـير‬ ‫وقالت تضاءلت الغداة ومن يكن‬
‫به أبطن أبلـينـه وظـهـور‬ ‫فقلت لها إن العجير تقـلـبـت‬
‫له من عماني النجوم نـظـير‬ ‫فمنهن إدلجي على كل كوكـب‬
‫به القوم يرجون الذين نسـور‬ ‫وقرعي بكفي باب ملك كأنمـا‬
‫وللموت أرحاء بـهـن تـدور‬ ‫ويوم تبارى ألسن القوم فـيهـم‬
‫لعدن وقد بانت بهن فـطـور‬ ‫لو أن الجبال الصم يسمعن وقعها‬
‫على جريه‪ ،‬ذو عـلة ويسـير عطاء عبد الملك له لطول مقامه فقال له‪ :‬يا عجير‬ ‫فرحت جوادا والجواد مثـابـر‬
‫‪.‬ما مدحت إل نفسك‪ ،‬ولكنا نعطيك لطول مقامك‪ .‬وأمر له بمائة من البل يعطاها من صدقات بني عامر‪ ،‬فكتب له بها‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال‪ :‬حدثنا محمد بن سعد الكراني قال‪ :‬حدثنا العمري عن العتبي قال‪ :‬نظر أبي إلى فتى من‬
‫بني العباس يسحب مطرف خز عليه وهو سكران‪ -‬وكان فتى متهتكا‪ -‬فحرك رأسه مليا ثم قال‪ :‬لله در العجير السلولي حيث‬
‫‪:‬يقول‬
‫جديد ول خـلـقـا يرتـدى‬ ‫وما لبس النـاس مـن حـلة‬
‫فدعني من المطرف المستدى‬ ‫كمثل المـروءة لـلبـسـين‬
‫خلوقة أثـوابـه والـبـلـى‬ ‫فليس بغير فضـل الـكـريم‬
‫مطارف خز رقاق السـدى‬ ‫وليس يغير طـبـع الـلـئيم‬
‫ويكبو اللـئيم إذا مـا جـرى قوله في ابنه الفرزدق‬ ‫يجود الكريم على كـل حـال‬
‫أخبرني عمي قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهروية قال‪ :‬حدثني أبو القاسم اللهبي عن أبي عبيدة قال‪ :‬كان العجير‬
‫‪:‬السلولي له ابن يقال له الفرزدق‪ ،‬وفيه يقول العجير‬
‫من جابر في بيتها الضخم‬ ‫ولقد وضعتك غير متـرك‬
‫وأبوك كل عذور شـهـم‬ ‫واخترت أمك من نسائهـم‬
‫فلتقبلـن بـسـائغ وخـم‬ ‫فلئن كذبت المنح من مائة‬
‫ونجاتنا وطريق من يحمي أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا الكراني قال‪ :‬قال الحرمازي‪:‬‬ ‫إن الندى والفضل غايتنـا‬
‫‪:‬وقف العجير السلولي لبعض المراء‪ ،‬وقد علق به غريم له من أهله فقال له‬
‫بدين ومطلوب الديون رقيق‬ ‫أتيتك إن الباهلي يسوقـنـي‬
‫بأجر‪ ،‬ومعطى حقه‪ ،‬وعتيق فأمر بقضاء دينه‬ ‫‪.‬ثلثتنا إن يسر اللـه‪ :‬فـائر‬
‫بنت عمه تختار العامري عليه‬
‫وقال ابن العرابي‪ :‬كانت للعجير عم وكان يهواها وتهواه‪ ،‬فخطبها إلى أبيها فوعده وقاربه ‪ .‬ثم خطبها رجل من بني عامر‬
‫‪:‬موسر‪ ،‬فخيرها أبوها بينه وبين العجير‪ ،‬فختارت العامري ليساره‪ ،‬فقال العجير في ذلك‬
‫لها بلوى ذي المرخ صيف ومربع‬ ‫ألما على دار لـزينـب قـد أتـى‬
‫وراعاك بالعين الفؤاد الـمـروع‬ ‫وقول لها قد طالما لم تكـلـمـي‬
‫إليك‪ ،‬وإرسال الخليلـين ينـفـع‬ ‫وقول لها قال العجير وخصـنـي‬
‫لي الخون مراح من القوم أفـرغ‬ ‫أأنت التي استودعتك السر فانتحـى‬
‫صفحة ‪1434 :‬‬

‫ومئن بما قد كنت أسدي وأصنع‬ ‫إذا مت كان الناس نصفين‪ :‬شامت‬
‫بعيد الموالي نيل ما كان يمنـع‬ ‫ومستلحم قد صكه القـوم صـكة‬
‫وبالمس حتى اقتاله فهو أصلع‬ ‫رددت له ما أفرط القتل بالضحى‬
‫ولكن متى ما أملك النفع أنفـع قال ابن العرابي‪ :‬كان العجير يتحدث إلى امرأة‬ ‫ولست بموله ول بابـن عـمـه‬
‫من بني عامر يقال لها جمل فألفها وعلقها‪ .‬ثم انتجع أهلها نواحي نصيبين‪ ،‬فتتبعتها نفسه‪ ،‬فسار إليهم فيهم مجاورا ‪ ،‬ثم رأوه‬
‫منازل ملزما محادثة تلك المرأة فنهوه عنها وقالوا‪ :‬قد رأينا أمرك فإما أن انقطعت عنها أو ارتحلت عنا‪ ،‬أو فأذن بحرب ‪ .‬فقال‪:‬‬
‫ما بيني وبينها ما ينكر‪ ،‬وإنما كنت أتحدث إليها كما يتحدث الرجل الكريم إلى المرأة الحرة الكريمة‪ ،‬فأما الريبة فحاش لله منها‪.‬‬
‫ثم عاود محادثتها‪ ،‬فانتهبوا ماله وطردوه‪ .‬فأتى محمد بن مروان بن الحكم وهو يومئذ يتولى الجزيرة لخيه عبد الملك بن‬
‫مروان‪ ،‬فأتاه مستعديا على بني عامر وعلى الذي أخذ ماله خصوصية ‪ ،‬وهو رجل من بني كلب يقال له ابن الحسام‪ ،‬وأنشده‬
‫‪:‬قوله‬
‫وأقفر لو كان الـفـؤاد يثـوب‬ ‫عفا يافع من أهله فـطـلـوب‬
‫نصيبين والراقي الدموع طبـيب‬ ‫وقفت بها من بعد ما حل أهلهـا‬
‫بك اليوم من ريب الزمان ندوب‬ ‫وقد لح معروف القتير وقد بدت‬
‫مناسم منها تشتكي وصـلـوب‬ ‫وسالمت روحات المطي وأحمدت‬
‫أريكة منها مسكـن فـهـروب‬ ‫وما القلب أم ما ذكره أم صبـية‬
‫حليل لها شاكي السلح غضوب‬ ‫حصان الحميا حرة حال دونـهـا‬
‫لغي مقاريف الرجال سـبـوب‬ ‫شموس‪ ،‬دنو الفرقدين اقترابهـا‪،‬‬
‫إلى وجهها إل عـلـي رقـيب‬ ‫أحقا عباد الله أن لست نـاظـرا‬
‫وما أرتجي منها إلـي قـريب‬ ‫عدتني العدا عنها بعيد تسـاعـف‬
‫إذا ما أرادت أن تـثـيب يثـيب‬ ‫لقد أحسنت جمل لو أن تبيعـهـا‬
‫وحتى تكاد النفس عنك تطـيب ‪ -‬هذا البيت يروي لبن الدمينة‪ ،‬وهو بشعره‬ ‫تصدين حتى يذهب اليأس بالمنى‬
‫أشبه‪ ،‬ول يشاكل أيضا هذا المعنى ول هو من طريقه‪ ،‬لنه تشكى في سائر الشعر قومها دونها‪ ،‬وهذا بيت يصف فيه الصد منها‪،‬‬
‫‪-‬ولكن هكذا هو في رواية ابن العرابي‬
‫بخير ولكن مـعـتـفـاك جـديب‬ ‫وأنت المنى لو كنت تستأنفـينـنـا‬
‫ولم يقض لي وابن الحسام قـريب‬ ‫أيؤكل مالي وابن مـروان شـاهـد‬
‫جبال العل طلق الـيدين وهـوب فأمر محمد بن مروان بإحضار ابن‬ ‫فتى محض أطراف العروق مساور‬
‫الحسام الكلبي فأحضر‪ ،‬فحبسه حتى رد مال العجير‪ ،‬وأمر العجير بالنصراف إلى حيه وترك النزول على المرأة أو في قومها‪.‬‬
‫‪:‬قال‪ :‬وقال العجير فيها أيضا‬
‫إل هبل من العيدي معـتـقـد‬ ‫هاتيك جمل بأرض ل يقربـهـا‬
‫لو تخمد النار من حر لما خمدوا‬ ‫ودونها معشر خزر عـيونـهـم‬
‫ليحجبوها وفي أخلقهم نـكـد‬ ‫عدوا علينا ذنوبا في زيارتـهـا‬
‫كأنه نمر في جـلـده الـربـد‬ ‫وحال من دونها شكس خلئقـه‬
‫أو زفرة طالما أنت بها الكبـد‬ ‫فليس إل عويل كلـمـا ذكـرت‬
‫شحط من الدار لأم ول صـدد‬ ‫وتيمتني جمل فاستـمـر بـهـا‬
‫أمن قذى هملت أم عارها رمد‬ ‫قالوا غداة استقلت‪ :‬ما لمقلـتـه‬
‫فليتهم مثل وجدي بكرة وجـدوا‬ ‫فقلت ل بل غدت سلمى لطيتهـا‬
‫وكل شيء جديد هالـك نـفـد‬ ‫إن كان وصلك أبلى الدهر جدته‬
‫يوما كوجد عجوز درعها قـدد‬ ‫فقد أراني ووجدي إذ تفارقنـي‬
‫وكان واتر أعداء به ابـتـردوا‬ ‫تبكي على بطل حمت منـيتـه‬
‫وصلي ليقنت أني ميت كمـد‬ ‫وقد خل زمن لو تصرمين لـه‬
‫جمل حياء‪ ،‬وما وجد كما أجـد‬ ‫أزمان تعجبني جمل واكتـمـه‬

‫صفحة ‪1435 :‬‬

‫ينهل دمعي وتحيا غـصة تـلـد‬ ‫فقد برئت على أنـي إذا ذكـرت‬
‫أزمان أزمان سلمى طفـلة رؤد‬ ‫من عهد سلمى التي هام الفؤاد بها‬
‫قد طالما كان منك الغش والحسد‬ ‫قد قلت للكاشح المبدي عـدواتـه‬
‫حتام أنت إذا ما ساعفت ضمـد وصية عبد الملك لمؤدب ولده‬ ‫أل تبين لي ل زلت تبغـضـنـي‬
‫أن يرويهم مثل قول العجير‬
‫‪:‬وقال ابن حبيب‪ :‬قال عبد الملك لمؤدب ولده‪ :‬إذا رويتهم شعرا فل تروهم إل مثل قول العجير السلولي‬
‫ولم تأنس إلي كلب جاري‬ ‫يبين الجار حين يبين عـنـي‬
‫ولم تستر بستر من جـداري‬ ‫وتظعن جارتي من جنب بيتي‬
‫عليها وهي واضعة الخمار‬ ‫وتأمن أن أطالع حـين آتـي‬
‫توارثه النجار عن النجـار‬ ‫كذلك هدي أبـائي قـديمـا‬
‫كما افتلي العتيق من المهار وقال ابن حبيب أيضا‪ :‬نزل العجير بقوم فأكرموه‬ ‫فهديي هديهم وهم افتلونـي‬
‫‪:‬وأطعموه وسقوه‪ ،‬فلما سكر قام إلى جمله فعقرة‪ ،‬وأخرج كبده وجب سنامه‪ ،‬فجعل يشوى ويأكل ويطعم ويغني‬
‫واسسقياني علل بعد نهـل‬ ‫عللني إنما الدنـيا عـلـل‬
‫واصبحاني أبعد الله الجمل فلما أفاق سأل عن جمله فأخبر ما صنع به‪ ،‬فجعل‬ ‫وانشل لي اللحم من قدريكما‬
‫‪.‬يبكي ويصيح‪ :‬واغربتاه وهم يضحكون منه‪ .‬ثم أعطوه جمل وزودوه‪ ،‬فانصرف حتى لحق بقومه‬
‫أخبرني عمي بهذا الخبر قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‪ :‬حدثنا الحكم بن موسى بن الحسين بن يزيد السلولي قال‪:‬‬
‫حدثني أبي عن عمه فقال فيه‪ :‬مر العجير بفتيان من قومه يشربون نبيذا لهم فشرب معهم‪ ،‬وذكر باقي القصة نحوا مما ذكر‬
‫ابن حبيب‪ ،‬ولم يقل فيها‪ - :‬فلما أصبح جعل يبكي ويصيح‪ :‬واغربتاه‪ -‬ولكنه قال‪ :‬فلما أصبح ساق قومه إليه ألف بعير مكان‬
‫‪.‬بعيره‬
‫سليمان ويأمر له بثلثين ألفا أخبرني عمي وحبيب بن نصر المهلبي قال‪ :‬حدثنا الله بن أبي سعد قال‪ :‬حدثني الحكم بن موسى‬
‫بن الحسين السلولي قال‪ :‬حدثني أبي عن عمه قال‪ :‬عرض العجير لسليمان بن عبد الله في الطواف‪ ،‬وعلى العجير بردان‬
‫‪:‬يساويان مائة وخمسين دينارا‪ ،‬فانقطع شسع نعله فأخذها بيده‪ ،‬ثم هتف بسليمان فقال‬
‫إليك فكان الماء ريان معلما فوقف سليمان ثم قال‪ :‬الله دره ما أفصحه‪ ،‬والله ما‬ ‫ودليت دلوي في دلء كثيرة‬
‫رضي أن قال ريان حتى قال معلما‪ ،‬والله إنه ليخيل إلي أنه العجير‪ ،‬وما رأيته قط إل عند عبد الملك‪ .‬فقيل له‪ :‬هو العجير‪.‬‬
‫‪.‬فأرسل إليه‪ :‬أن صر إلينا إذا حللنا‪ .‬فصار إليه‪ ،‬فأمر له بثلثين ألفا وبصدقات قومه‪ ،‬فردها العجير عليهم ووهبها لهم‬
‫رثاء العجير لبن عمه‬
‫أخبرني الحرمي بن أبي العلء قال‪ :‬حدثني هرون بن موسى الفروي قال‪ :‬كان ابن عم للعجير السلولي إذا سمع بأضياف عند‬
‫‪:‬العجير لم يدعهم حتى يأتي بجزور كوماء ‪ ،‬فيطعن في لبتها عند بيته‪ ،‬فيبيتون في شواء وقدير ‪ ،‬ثم مات قال العجير يرثيه‬
‫بمر ومردي كل خصم يجادلـه‬ ‫تركنا أبا الضياف في ليلة الصبا‬
‫وفي الصدر مني لوعة ما تزايله‬ ‫وأرعيه سمعي كلما ذكر السـى‬
‫فأنت على من مات بعدك شاغله هكذا ذكر هرون بن موسى في هذا الخبر‪،‬‬ ‫وكنت أعير الدمع قبلك من بكى‬
‫‪.‬والبيت الثالث من هذه البيات للشمردل بن شريك ل يشك فيه‪ ،‬من قصيدة له طويلة‪ .‬فيه غناء قد ذكرته في أخباره‬

‫صوت‬

‫بفيها يعل به الزنجبيل‬ ‫فتاة كأن رضاب العبير‬


‫فتبخل إن بخلت أو تنيل الشعر لخزيمة بن نهد‪ ،‬والغناء لطويس‪ .‬خفيف رمل بالبنصر‬ ‫قتلت أباها على حبهـا‬
‫‪.‬عن يحيى المكي‬

‫أخبار خزيمة بن نهد ونسبه‬


‫هو خزيمة بن نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة‪ .‬شاعر مقل من قدماء الشعراء في الجاهلية‪.‬‬
‫وفاطمة التي عناها في شعره هذا‪ :‬فاطمة بنت يذكر بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار‪ ،‬كان يهواها فخطبها من أبيها فلم‬
‫‪:‬يزوجه إياها‪ ،‬فقتله غيلة‪ .‬وإياها عني بقوله‬
‫ظننت بآل فاطمة الظنونا‬ ‫إذا الجوزاء أردفت الثريا‬

‫صفحة ‪1436 :‬‬

‫خزيمة يشبب بفاطمة بنت يذكر بن عنزة أخبرني بخبره محمد بن خلف وكيع قال‪ :‬حدثنا عبيد الله بن سعد الزبيري قال‪:‬‬
‫حدثني عمي قال حدثني أبي ‪ -‬أظنه عن الزهري ‪ -‬قال‪ :‬كان بدء تفرق بني إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلم عن تهامة‬
‫ونزوعهم عنها إلى الفاق‪ ،‬وخروج من خرج منهم عن نسبه‪ ،‬انه كان أول من ظعن عنها وأخرج منها قضاعة بن معد‪ .‬وكان‬
‫سبب خروجهم أن خزيمة بن نهد بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة بن معد كان مشؤوما فاسدا‪ ،‬متعرضا للنساء‪،‬‬
‫‪:‬فعلق فاطمة بنت يذكر بن عنزة‪ -‬واسم يذكر عامر ‪ -‬فشبب بها وقال فيها‬
‫طننت بآل فاطمة الظنونـا‬ ‫إذا الجوزاء أردفت الـثـريا‬
‫هموم تخرج الشجن الدفينـا‬ ‫وحالت دون ذلك من همومي‬
‫جنوب الحزن يا شحطا مبينا مقتل يذكر بن عنزة‬ ‫أرى ابنة يذكر ظعنت‪ ،‬فحلت‬
‫وإشعاله الشربين قضاعة ونزار‬
‫قال‪ :‬فمكث زمانا‪ ،‬ثم إن خزيمة بن نهد قال ليذكر بن عنزة‪ :‬احب أن تخرج معي حتى ناتي بقرظ‪ .‬فخرجا جميعا‪ ،‬فلما خل‬
‫خزيمة بن نهد بيذكر بن عنزة قتلة‪ ،‬فلما رجع ‪ -‬وليس هو معه‪ -‬سأله عنه أهله‪ ،‬فقال‪ :‬لست أدري‪ ،‬فارقني وما أدري أين سلك‪.‬‬
‫فكان في ذلك شر بين قضاعة ونزار ابني معد‪ ،‬وتكلموا فيه فأكثروا‪ ،‬ولم يصح على خزيمة عندهم شيء يطالبون به‪ ،‬حتى قال‬
‫‪:‬خزيمة بن نهد‬
‫بفيها يعل به الزنجبيل‬ ‫فتاة كأن رضاب العبير‬
‫فتبخل إن بخلت أو تنيل فلما قال هذين البيتين تثاور الحيان فاقتتلوا وصاروا أحزابا‪،‬‬ ‫قتلت أباها على حبهـا‬
‫فكانت نزار بن معد وهي يومئذ تنتسب فتقول كنده بن جنادة بن معد‪ .‬وحاء وهم يومئذ ينتمون فيقولون حاء بن عمرو بن أد بن‬
‫أدد‪ .‬وكانت قضاعة تنتسب إلى معد‪ ،‬وعك يومئذ تنتمي إلى عدنان فتقول‪ :‬عك عدنان بن أد والشعريون ينتمون إلى الشعر بن‬
‫أدد‪ .‬وكانوا يتبدون من تهامة إلى الشأم‪ ،‬وكانت منازلهم بالصفاح‪ ،‬وكان مر وعسفان لربيعة بن نزار‪ ،‬وكانت قضاعة بين مكة‬
‫‪:‬والطائف‪ ،‬وكانت كندة تسكن من الغمر إلى ذات عرق‪ ،‬فهو إلى اليوم يسمى غمر كندة‪ .‬وإياه يعني عمر بن أبي ربيعة بقوله‬
‫مع الصبح قصد لها الفرقد‬ ‫إذا سلكت غمر ذي كنـدة‬
‫وإما على إثرهم تكـمـد وكانت منازل حاء بن عمرو بن أدد‪ ،‬والشعر بن أدد‪ ،‬وعك بن‬ ‫هنالك إما تعزى الـهـوى‬
‫‪.‬عدنان بن أدد‪ ،‬فيما بين جدة إلى البحر‬
‫القارظان‬
‫‪:‬قال‪ :‬فيذكر بن عنزة أحد القارظين اللذين قال فيهما الهذلي‬
‫وينشر في القتلى كليب لوائل والخر من عنزة‪ ،‬يقال أبو رهم‪ ،‬خرج يجمع‬ ‫وحتى يؤوب القارظان كلهما‬
‫‪.‬القرط فلم يرجع ولم يعرف له خبر‬
‫انهزام قضاعة وقتل خزيمة بن نهد قال‪ :‬فلما ظهرت نزار على أن خزيمة بن نهد قتل يذكر بن عنزة قاتلوا قضاعة أشد قتال‪،‬‬
‫فهزمت قضاعة وقتل خزيمة بن نهد وخرجت قضاعة متفرقين‪ ،‬فسارت تيم اللت بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن‬
‫عمران بن الحاف بن قضاعة‪ ،‬وفرقة من بني رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة‪ ،‬وفرقة من الشعريين‪ ،‬نحو البحرين حتى وردوا‬
‫‪:‬هجر‪ ،‬وبها يومئذ قوم من النبط‪ ،‬فنزلت عليهم هذه البطون فأجلتهم‪ ،‬فقال في ذلك مالك بن زهير‬
‫فلم تحفل بذاك بنو نزار‬ ‫نزعنا من تهامة أي حي‬
‫شرينا دار آنسة بـدار فلما نزلوا هجر قالوا للزقاء بنت زهير وكانت كاهنة ما‬ ‫ولم أك من أنيسكم ولكن‬
‫‪:‬تقولين يا زرقاء? قالت‪ :‬سعف وإهان‪ ،‬وتمر وألبان‪ ،‬خير من الهوان ‪ .‬ثم أنشأت تقول‬
‫بذمامه لكن قلـى ومـلم‬ ‫ودع تهامة ل وداع مخالق‬
‫لن تعدمي من ظاعنين تهام‬ ‫ل تنكري هجرا مقام غريبة‬

‫صفحة ‪1437 :‬‬

‫فقالوا لها‪ :‬فما ترين يا زرقاء? فقالت‪ :‬مقام وتنوخ‪ ،‬ما ولد مولود وأنقفت فروخ ‪ ،‬إلى أن يجيء غراب أبقع‪ ،‬أصمع أنزع ‪ ،‬عليه‬
‫خلخال ذهب‪ ،‬فطار فألهب ‪ .‬ونعق فنعب‪ ،‬يقع على النخلة السحوق ‪ ،‬بين الدور والطريق‪ ،‬فسيروا على وتيرة‪ ،‬ثم الحيرة‪.‬‬
‫فسميت تلك القبائل تنوخ لقول الزرقاء‪ :‬مقام وتنوخ ‪ .‬ولحق بهم قوم من الزرد فصاروا إلى الن في تنوخ‪ ،‬ولحق سائر‬
‫قضاعة موت ذريع‪ ،‬وخرجت فرقة من بني حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة يقال لهم‪ :‬بنو تزيد‪ ،‬فنزلوا عبقر من أرض‬
‫الجزيرة‪ ،‬فنسج نساؤهم الصوف وعملوا منه الزرابي ‪ ،‬فهي التي يقال لها العبقرية‪ ،‬وعملوا البرود التي يقال لها التزيدية ‪.‬‬
‫‪:‬وأغارت عليهم الترك‪ ،‬فأصابتهم‪ ،‬وسبت منهم‪ .‬فذلك قول عمرو بن مالك‬
‫على ذات الخضاب مجنبينا‬ ‫أل لله لـيل لـم نـنـمـه‬
‫كليلتنا بمـيا فـارقـينـا بهراء تلحق بالبرك وتهزمهم‬ ‫وليلتنا بآمد لم نـنـمـهـا‬
‫وأقبل الحارث بن قراد البهراني ليعيث في بني حلوان‪ ،‬فعرض له أباغ بن سليح صاحب العين فاقتتل‪ ،‬فقتل أباغ‪ ،‬ومضت بهراء‬
‫‪:‬حتى لحقوا بالترك‪ ،‬فهزموهم واستنفذوا ما في أيديهم من بني تزيد‪ .‬فقال الحارث بن قراد في ذلك‬
‫ثلث بتهن بشـهـرزور‬ ‫كأن الدهر جمع في ليال‬
‫صفوفا بالجزيرة كالسعير سليح بن عمرو ونزولها ناحية فلسطين‬ ‫صففنا للعاجم من معـد‬
‫وسارت سليح بن عمرو بن الحاف بن قضاعة يقودها الحدرجان بن سلمة حتى نزلوا ناحية فلسطين على بني أذينة بن‬
‫السميدع من عاملة‪ .‬وسارت أسلم بن الحاف وهي عذرة ونهد وحوتكة وجهينة والحارث بن سعد‪ ،‬حتى نزلوا من الحجر إلى‬
‫وادي القرى‪ ،‬ونزلت تنوخ بالبحرين سنتين‪ .‬ثم أقبل غراب في رجليه حلقتا ذهب وهم في مجلسهم‪ ،‬فسقط على نخلة في‬
‫‪.‬الطريق‪ ،‬فينعق نعقات ثم طار‪ ،‬فذكروا قول الزرقاء‪ ،‬فارتحلوا حتى نزلوا الحيرة‬
‫فهم أول من اختطها ‪ :‬منهم مالك بن زهير‪ .‬واجتمع إليهم لما ابتنوا بها المنازل ناس كثير من سقاط ‪ ،‬فأقاموا بها زمانا‪ ،‬ثم‬
‫أغار عليهم سابور الكبر‪ ،‬فقاتلوه فكان شعارهم يومئذ‪ :‬يا آل عباد الله فسموا العباد‪ ،‬وهزمهم سابور‪ ،‬فصار معظمهم ومن فيه‬
‫نهوض إلى الحضر من الجزيرة يقودهم الضيزن بن معاوية بن معاوية التنوخي‪ ،‬فمضى حتى نزل الحضر وهو بناء بناه‬
‫السطرون الجرمقاني‪ ،‬فأقاموا به‪ ،‬وأغارت حمير على بقية قضاعة‪ ،‬فخيروهم بين أن يقيموا على خراج يدفعونه إليهم أو‬
‫يخرجوا عنهم‪ ،‬فخرجوا عنهم‪ ،‬فخرجوا ‪ -‬وهم كلب‪ ،‬وجرم والعلف‪ ،‬وهم بنو زبان بن تغلب بن حلوان‪ ،‬وهو أول من عمل‬
‫الرحال العلفية‪ - ،‬وعلف لقب زبان‪ -‬فلحقوا بالشام‪ ،‬فأغارت عليهم بنو كنانة بن خزيمة بعد ذلك بدهر‪ ،‬فقتلوا منهم مقتلة‬
‫‪.‬عظيمة‪ ،‬وانهزموا فلحقوا بالسماوة‪ ،‬فهي منازلهم إلى اليوم‬

‫صوت‬

‫عن المور التي في غبها وخـم‬ ‫إني امرؤ كفني ربي ونزهـنـي‬
‫عاش الرجال وعاشت قبلي المم الشعر للمغيرة بن حبناء‪ ،‬من قصيدة مدح بها‬ ‫وإنما أنا إنسـان أعـيش كـمـا‬
‫‪.‬المهلب بن أبي صفرة‪ ،‬والغناء لبي العبيس بن حمدون‪ ،‬ثقيل أول بالبنصر‪ ،‬وهو من مشهور أغانيه وجيدها‬

‫نسب المغيرة بن حبناء وأخباره‬


‫المغيرة بن حبناء بن عمرو بن ربيعة بن أسيد بن عوف بن ربيعة بن عامر بن ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم‪.‬‬
‫وحبناء لقب غلب على أبيه واسمه جبير بن عمرو‪ ،‬ولقب بذلك لحبن كان أصابه‪ .‬وهو شاعر إسلمي من شعراء الدولة الموية‪،‬‬
‫وأبوه حبناء بن عمرو شاعر‪ ،‬وأخوه صخر بن حبناء شاعر‪ ،‬وكان يهاجيه‪ ،‬ولهما قصائد يتناقضانها كثيرة‪ ،‬سأذكر منها طرفا‪ .‬وكان‬
‫قد هاجى زيادا العجم فاكثر كل واحد منهما على صاحبه وأفحش‪ ،‬ولم يغلب أحد منهما صاحبه‪ ،‬كانا متكافئين في مهاجاتهما‬
‫‪.‬ينتصف كل واحد منهما من صاحبه‬
‫مديحه لطلحة الطلحات‬
‫أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال‪ :‬أخبرني عبيد الله بن محمد بن عبد الملك الزيات قال‪ :‬حدثني الحسن بن جهور عن‬
‫‪:‬الحرمازي قال‪ :‬قدم المغيرة بن حبناء عل طلحة الطلحات الخزاعي ثم المليحي‪ ،‬أحد بني مليح‪ ،‬فأنشده قوله فيه‬
‫رضاك وأرجو منك ما لست لقيا‬ ‫لقد كنت أسعى في هواك وأبتغي‬
‫أحب‪ ،‬وأعصي في هواك الدانيا‬ ‫وأبذل نفسي في مواطن غيرهـا‬

‫صفحة ‪1438 :‬‬

‫لتجزيني مال إخالـك جـازيا‬ ‫حفاظا وتمسيكا لما كان بينـنـا‬


‫تقصر دوني أو تـحـل ورائيا‬ ‫رأيتك ما تنفك مـنـك رغـيبة‬
‫لتمطرني عادت عجاجا وسافيا‬ ‫أراني إذا استمطرت منك رعيبة‬
‫فأبن ملء غير دلوي كماهـيا‬ ‫وأدليت دلوي في دلء كـثـيرة‬
‫من القوم حرا بالخسيسة راضيا‬ ‫ولست بلق ذا حفاظ ونـجـدة‬
‫وإن تنأ عني تلفني عنك نـائيا قال‪ :‬فلما أنشده هذا الشعر‪ ،‬قال له‪ :‬أما كنا‬ ‫فإن تدن مني تدن منك مودتـي‬
‫أعطيناك شيئا? قال‪ :‬ل‪ .‬فأمر طلحة خازنه فاخرج درجا فيه حجارة ياقوت‪ ،‬فقال له‪ :‬اختر حجرين من هذه الحجار أو أربعين‬
‫آلف درهم‪ .‬فقال‪ :‬ما كنت لختار حجارة على أربعين ألف درهم فأمر له بالمال‪ .‬فلما قبضه سأله حجرا منها‪ ،‬فوهب له فباعه‬
‫‪:‬بعشرين ألف درهم‪ .‬ثم مدحه‪ ،‬فقال‬
‫بني خلـف إل رواء الـمـوارد‬ ‫أرى الناس قد ملوا الفعال ول أرى‬
‫وكائن ترى من نافع غـير عـائد‬ ‫إذا نفعوا عادوا لمن ينفـعـونـه‬
‫من الموت أجلت عن كرام مذاود‬ ‫إذا ما انجلت عنهم غمامة غمـرة‬
‫وما جدهم يعلو على كل مـاجـد مديحة للمهلب بن أبي صفرة‬ ‫تسود غطاريف الملوك ملوكـهـم‬
‫أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا محمد المهلبي عن رواة باهلة‪ ،‬أن المهلب بن أبي صفرة لما هزم قطري بن الفجاءة بابور‬
‫‪:‬جلس للناس‪ ،‬فدخل إليه وجوههم يهنئونه وقامت الخطباء فأثنت عليه ومدحته الشعراء‪ ،‬ثم قام بن حبناء في أخرياتهم فأنشده‬
‫واعتاد عينك من إدمانهـا الـدرر‬ ‫حال الشجا دون طعم العيش والسهر‬
‫لو كان ينفع منها النأي والـحـذر‬ ‫واستحقبتك أمور كنت تكـرهـهـا‬
‫إذا الموارد لم يعلم لـهـا صـدر‬ ‫وفي الموارد للقوام تـهـلـكـه‬
‫ول الكريم بمن يجفى ويحـتـقـر حتى انتهى إلى قوله‬ ‫‪:‬ليس العزيز بمن تغشى محـارمـه‬
‫إل المهلب بعد الله والـمـطـر‬ ‫أمسى العباد بشر ل عياث لـهـم‬
‫مبارك سيبه يرجى وينـتـظـر‬ ‫كلهما طيب ترجى نـوافـلـه‬
‫كلهما نافع فيهم إذا افتـقـروا‬ ‫ل يجمدان عليهم عند جـهـدهـم‬
‫وذا يعيش به النعام والشـجـر‬ ‫هذا يذود ويحمي عن ذمـارهـم‬
‫فل ربيعتهم ترجى ول مـضـر‬ ‫واستسلم الناس إذ حل العدو بهـم‬
‫والرأس فيه يكون السمع والبصر‬ ‫وأنت رأس لهل الدين منتـخـب‬
‫على منـازل أقـوام إذا ذكـروا‬ ‫إن المهلب في اليام فـضـلـه‬
‫فيها يعد جسيم المر والخـطـر‬ ‫حزم وجود و أيام له سـلـفـت‬
‫أسباب معضلة يعيا بها البـشـر‬ ‫ماض على الهول ما ينفك مرتحل‬
‫منه الحياء ومن أخلقه الخفـر‬ ‫سهل الخلئق يعفو عند قـدرتـه‬
‫يخزي به الله أقواما إذا غـدروا‬ ‫شهاب حرب إذا حلت بساحـتـه‬
‫حزما وعزما ويجلو وجهه السفر‬ ‫تزيده الحرب والهوال إن حضرت‬
‫لول يكفكفها عن مصرهم دمروا‬ ‫ما إن يزال على أرجاء مظلـمة‬
‫كأنما بينهم عثمـان أو عـمـر‬ ‫سهل إليهم حليم عن مجاهلـهـم‬
‫إذا تكنفهم من هولـهـا ضـرر‬ ‫كهف يلوذون من ذل الحـياة بـه‬
‫ينتاب نائله البادون والـحـضـر فلما أتى على آخرها قال المهلب‪ :‬هذا والله‬ ‫أمن لخائفهم فيض لـسـائلـهـم‬
‫‪.‬الشعر‪ ،‬ل ما نعلل به‪ ،‬وأمر له بعشرة آلف درهم وفرس جواد‪ ،‬وزاده في عطائه خمسمائة درهم‬
‫والقصيدة التي منها البيتان اللذان فيهما الغناء المذكور بذكره أخبار المغيرة‪ ،‬من قصيدة له مدح بها المهلب بن أبي صفرة‬
‫‪:‬أيضا‪ .‬وأولها‬
‫أقوت وأقفر منها الطف والعلم‬ ‫أمن رسوم ديار هاجك الـقـدم‬
‫عفى معالمها الرواح والـديم‬ ‫وما يهيجك من أطلل منـزلة‬
‫إذا اطربت أثافي القدر والحمم‬ ‫بئس الخليفة من جار تضن بـه‬

‫صفحة ‪1439 :‬‬

‫إذا ألم به من ذكـرهـا لـمـم‬ ‫دار التي كاد قلبي أن يحن بـهـا‬
‫هم تضيق به الحشاء والكـظـم‬ ‫إذا تذكرها قلـبـي تـضـيفـه‬
‫يبدي ويظهر منهم بعض ما كتموا‬ ‫والبين حين يروع القلـب طـائفة‬
‫عن المور التي غبـهـا وخـم‬ ‫إني امرؤ كفني ربيي وأكرمنـي‬
‫عاش الرجال وعاشت قبلي المم سبب قوله قصيدة الصوت وهي قصيدة‬ ‫وإنما أنا إنسـان أعـيش كـمـا‬
‫طويلة‪ ،‬وكان سبب قوله إياها أن المهلب كان أنفذ بعض بنيه في جيش لقتال الزارقة‪ ،‬وقد شدت منهم طائفة تغير على نواحي‬
‫الهواز‪ ،‬وهو مقيم يومئذ بسابور‪ ،‬وكان فيهم المغيرة بن حبناء‪ ،‬فلما طال مقامه واستقر الجيش لحق بأهله‪ ،‬فألم بهم وأقام‬
‫عندهم شهرا‪ ،‬ثم عاود وقد قفل الجبش إلى المهلب فقيل له‪ :‬إن الكتاب خطوا على اسمه‪ ،‬وكتب إلى المهلب أنه عصى‬
‫وفارق مكتبه بغير إذن‪ ،‬فمضى إلى المهلب‪ ،‬فلما لقيه أنشده هذه القصيدة واعتذر إليه فعذره‪ ،‬وأمر بإطلق عطائه وإزالة‬
‫‪:‬العتب عنه‪ ،‬وفيها يقول يذكر قدومه إلى أهله بغير إذن‬
‫عي بما صنعوا حولي ول صمم‬ ‫ما عاقني عن قفول الجند إذ قفلوا‬
‫إذن المير ول الكتاب إذ رقموا‬ ‫ولو أردت قفول ما تجهمـنـي‬
‫والمحدجون إذا ما ابتلت الحـزم‬ ‫إني ليعرفني راعي سـريرهـم‬
‫إذا جفا عنهم السلطان أو كزموا‬ ‫والطالبون إلى السلطان حاجتهـم‬
‫لك الشواحج والنـفـاس والدم‬ ‫فسوف تبلغك النباء إن سلمـت‬
‫أو امتدحه فإن الناس قد علمـوا‬ ‫إن المهلب إن أشتـق لـرؤيتـه‬
‫أبو سعيد وإن عـدت الـنـعـم‬ ‫إن الكريم من القوام قد علمـوا‬
‫أبو سعيد وإن أعداؤه رغـمـوا‬ ‫والقائل الفاعل الميمون طـائره‬
‫ليست بغيب ول تقوالهم زعموا‬ ‫كم قد شهدت كراما من مواطنه‬
‫وإذ تمنى رجال أنهم هـزمـوا‬ ‫أيام أيام إذ عض الزمان بـهـم‬
‫والله يعلم لو زلت بـهـم قـدم‬ ‫وإذ يقولون‪ :‬ليت الله يهلـكـهـم‬
‫لوله ما أوطنوا دارا ول انتقموا‬ ‫أيام سابور إذ ضاعت رباعتهـم‬
‫إل المغافر والبدان والـلـجـم‬ ‫إذ ليس من الدنيا نـصـول بـه‬
‫نفضي بهن إليهـم ثـم نـدعـم سبب التهاجي بينه و بين زياد العجم‬ ‫وعاترات من الخطي محصـدة‬
‫هكذا ذكر عمرو بن أبي عمرو الشيباني في خبر هذه القصيدة‪ ،‬ونسخت من كتابه‪ .‬وذكر أيضا في هذا الكتاب أن سبب التهاجي‬
‫بين زياد العجم والمغيرة بن حبناء‪ ،‬أن زيادا العجم والمغيرة بن حبناء وكعبا الشقري‪ ،‬اجتمعوا عند المهلب وقد مدحوه‪ ،‬فأمر‬
‫لهم بجوائز وفضل زيادا عليهم‪ ،‬ووهب له غلما فصيحا ينشد شعره‪ ،‬لن زيادا كان ألكن ل يفصح‪ ،‬فكان راويته ينشد عنه ما‬
‫يقوله‪ ،‬فيتكلف له مؤونة ويجعل له سهما في صلته‪ ،‬فسأل المهلب يومئذ أن يهب له غلما كان له يعرفه زياد بالفصاحة‬
‫والدب‪ ،‬فوهبه له‪ ،‬فنفسوا عليه ما فضل به‪ ،‬فانتدب له المغيرة من بينهم‪ ،‬فقال للمهلب‪ :‬أصلح الله المير‪ ،‬ما السبب في‬
‫تفضيل المير زيادا علينا? فوالله ما يغني غناءنا في الحرب‪ ،‬ول هو بأفضلنا شعبا‪ ،‬ول أصدقنا ودا‪ ،‬ول أشرفنا أبا‪ ،‬و أفصحنا لسانا‬
‫فقال له المهلب‪ :‬أما إني والله ما جهلت شيئا مما قلت‪ ،‬وإن المر فيكم عندي لمتساو‪ ،‬ولكن زيادا يكرم لسنه وشعره وموضعه‬
‫من قومه‪ ،‬وكلكم كذلك عندي‪ ،‬وما فضلته بما ينفس به‪ ،‬وأنا أعوضكم بعد وهذا بما يزيد على ما فضلته به‪ .‬فانصرف‪ ،‬وبلغ زيادا‬
‫‪:‬ما كان منه‪ ،‬فقال يهجوه‬
‫ولؤم بني حبناء لـيس بـنـاسـل‬ ‫أرى كل قوم ينسل اللؤم عنـدهـم‬
‫ويلقاه مولودا بأبـدي الـقـوابـل‬ ‫يشب مع المولود مثـل شـبـابـه‬
‫ويخلق من ماء امرىء غير طائل‬ ‫ويرضعـه مـن ثـدي أم لـئيمة‬
‫وكل أناس مـجـدهـم بـالوائل‬ ‫تعالوا فعدوا في الزمان الذي مضى‬

‫صفحة ‪1440 :‬‬

‫إذا ذكر الملء عند الفضـائل‬ ‫لكم بفعال يعرف الناس فضلـه‬
‫وقافلكم في الناس ألم قـافـل‬ ‫فغازيكم في الجيش الم من غزا‬
‫كمغرورة بالبو في ظل باطـل‬ ‫وما أنتم من مالك غير أنـكـم‬
‫تبين ضاحي لؤمكم في الجحافل يعني برصا كان بالمغيرة بن حبناء‬ ‫‪.‬بنو مالك زهر الوجوه وأنـتـم‬
‫أخبرني عبيد الله بن محمد الرازي قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال‪ :‬حدثني المدائني قال‪ :‬عير زياد العجم المغيرة بن‬
‫حبناء في مجلس المهلب بالبرص‪ ،‬فقال له المغيرة إن عتاق الخيل ل تشينها الوضاح ‪ ،‬ول تعير بالغرر والحجول‪ ،‬وقد قال‬
‫صاحبنا بلعاء بن قيس لرجل عيره بالبرص‪ :‬إنما أنا سيف الله جله واستله على أعدائه فهل تغني يا ابن العجماء غنائي‪ ،‬أو‬
‫‪.‬تقوم مقامي? ثم نشب الهجاء بينهما‬
‫‪:‬نسخت من نسخة ابن العرابي‪ ،‬قال‪ :‬كان المغيرة بن حبناء يوما يأكل مع المفضل بن المهلب‪ ،‬فقال له المفضل‬
‫أكيل كرام أو جليس أمير فرفع المغيرة وقام مغضبا‪ ،‬ثم قال له‬ ‫‪:‬فلم أر مثل الحنظلي ولونه‬
‫لم العتيك ول أخوالي العوق ‪ -‬العوق من يشكر‪ ،‬وكانوا أخوال المفضل‬ ‫‪ -‬إني امرؤ حنظلي حين تنسبني‬
‫إن اللهاميم في ألوانها بلق وبلغ المهلب ما جرى‪ ،‬فتناول المفضل بلسانه‬ ‫ل تحسبن بياضا في منقصة‬
‫وشتمه‪ ،‬وقال‪ :‬أردت أن يتمضغ هذا أعراضنا‪ ،‬ما حملك على أن أسمعته ما كره بعد مواكلتك إياه? أما إن كنت تعافه فاجتنبه أو‬
‫ل ئؤذه‪ .‬ثم بعث إليه بعشرة آلف درهم‪ ،‬واستصفحه عن المفضل‪ ،‬واعتذر إليه عنه‪ ،‬فقبل رفده وعذره‪ ،‬وانقطع بعد ذلك عن‬
‫مواكلة أحد منهم‪ .‬رجع الخبر إلى سياقته مع زياد والمغيرة فقال المغيرة يجيب زيادا‪ :‬مناقضات زياد العجم والمغيرة بن حبناء‬

‫ما دون آدم من أب لك يعـلـم‬ ‫أزياد إنك والـذي أنـا عـبـده‬


‫مال تطيق وأنت علج أعـجـم‬ ‫فالحق بأرضك يا زياد ول تـرم‬
‫قوس سترت بها قفاك وأسهـم‬ ‫أظننت لـؤمـك يا زياد يسـده‬
‫والعلج تعرفـه إذا يتـعـمـم‬ ‫علج تعصب ثم راق بقـوسـه‬
‫أخزاك ربي إذ غدوت تـرنـم‬ ‫ألق العصابة يا زياد فـإنـمـا‬
‫إل وأنت ربي ببظر أمك ملجم‬ ‫واعلم بأنك لست منـي نـاجـيا‬
‫حسبا وأنت العلج حين تكـلـم‬ ‫تهجو الكرام وأنت ألم من مشى‬
‫والعالمين من الكهول فأقسموا‬ ‫ولقد سألت بني نزار كـلـهـم‬
‫حسـب وإنـك يا زياد مـوذم فقال زياد يجيبه‬ ‫‪:‬بالله مالك في معـد كـلـهـا‬
‫لبقع من كلب بني تمـيم‬ ‫ألم تر أنني وترت قـوسـي‬
‫كذلك يرد ذو الحمق اللـئيم‬ ‫عوى فرميته بسهـام مـوت‬
‫كسرت كعوبها أو تستقـيم‬ ‫وكنت إذا عمزت قناة قـوم‬
‫وهم تبع كزائدة الـظـلـيم‬ ‫هم الحشو القليل لكل حـي‬
‫يمر على نواجذك الـقـدوم‬ ‫فلست بساقي هرما ولـمـا‬
‫فإنك بعـد ثـالـثة رمـيم‬ ‫فحاول كيف تنجو من وقاعي‬
‫للؤمكم وليس لكـم كـريم‬ ‫سراتكم الكلب البقع فيكـم‬
‫على الفحشاء والطبع اللئيم أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال‪ :‬حدثنا‬ ‫فقد قدمت عبودتكم ودمـتـم‬
‫‪:‬عمر بن شبة قال‪ :‬حدثنا المدائني قال‪ :‬قال زياد العجم يهجو المغيرة بن حبناء‬
‫كأن عجانه الشعري العبور فقيل له‪ :‬يا أبا أمامة لقد شرفته إذ قلت فيه‬ ‫‪:‬عجبت لبيض الخصيين عبد‬
‫‪:‬كأن عجانه الشعري العبور ورفعت منه‪ .‬فقال‪ :‬سأزيده رفعة وشرفا‪ ،‬ثم قال‬
‫إل حسبت على باب استه القمرا قال‪ ،‬وتقاول في مجلس المهلب يوما‪ ،‬فقال‬ ‫ل يبرح الدهر منهم خارىء أبدا‬
‫‪:‬المغيرة لزياد‬
‫ألم تعرف رقاب بني تميم فقال له زياد‬ ‫‪:‬أقول له وأنكر بعض شأني‬
‫جباه مذلة وسبال لـوم المغيرة يهجو زيادا بتحريض من ربيعة‬ ‫بلى فعرفتهن مقصرات‬

‫صفحة ‪1441 :‬‬

‫نسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني‪ ،‬قال‪ :‬كانت ربيعة تقول لزياد العجم‪ :‬يا زياد‪ ،‬أنت لساننا فاذبب عن أعراضنا‬
‫‪:‬بشعرك‪ ،‬فإن سيوفنا معك‪ .‬فقال المغيرة بن حبناء فيه‪ ،‬وقد بلغه هذا القول من ربيعة له‬
‫ليوقظ في الحرب الملمة نـائمـا‬ ‫يقولـون ذبـب يا زياد ولـم يكـن‬
‫فيمنعهم أو ماجدا أو مـراعـمـا‬ ‫ولو أنهم جـاءوا بـه ذا حـفـيظة‬
‫له حجج سبعون يصبـح رازمـا‬ ‫ولكنهم جاءوا بأقلف قـد مـضـت‬
‫إذا نال دنا لم يبال الـمـكـارمـا‬ ‫لئيما ذميما أعـجـمـيا لـسـانـه‬
‫إذا ذكر الناس العل والعظـائمـا‬ ‫وما خلت عبد القـيس إل نـفـاية‬
‫على حذر منه إذا كان طاعـمـا‬ ‫إذا كنت للعبدي جـارا فـل تـزل‬
‫إذا شبعوا عند الجباة الـدراهـمـا‬ ‫أناسا يعدون الفسـاء لـجـارهـم‬
‫ويعطون مولهم إذا كان غارمـا‬ ‫من الفسو يقضون الحقوق عليهـم‬
‫سمعت زفيرا فيهم وهمـاهـيمـا‬ ‫لهم زجل فيه إذا مـا تـجـاوبـوا‬
‫ربيعة مـن يوم ذلـك سـالـمـا‬ ‫لعمرك ما نجى ابن زروان إذ عوى‬
‫أسلم عرضي أو أهاب المقـاومـا‬ ‫أظن الخبيث ابن الخبيثـين أنـنـي‬
‫إذا جعلوا يستنصرون العاجـمـا عبد القيس تعتذر إلى المغيرة‬ ‫لعمرك ل تهدي ربيعة للـحـجـا‬
‫قال‪ :‬فجاءت عبد القيس إلى المغيرة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا هذا‪ ،‬مالنا ولك‪ ،‬تعمنا بالهجاء لن نبحك منا كلب‪ ،‬فقال وقلت‪ ،‬قد تبرأنا إليك‬
‫‪:‬منه‪ ،‬فإن هجاك فاهجه‪ ،‬وخل عنا ودعنا‪ ،‬وأنت وصاحبك أعلم‪ ،‬فليس منا له عليك ناصر‪ .‬فقال‬
‫لمحتقر في دعـوة الـود زاهـد‬ ‫لعمرك إني لبن زروان إذ عوى‬
‫ومالك في الرض العريضة والد‬ ‫ومـالـك أصـل يا زياد تـعـده‬
‫فلقيت ما لم يلق في الناس واحد‬ ‫ألم تر عبد القيس منـك تـبـرأت‬
‫لكيز بن أفصى منك والجند حاشد‬ ‫وما طاش سهمي عنك يوم تبرأت‬
‫بنفيك سكان القرى والمسـاجـد ‪ -‬رفع المساجد ‪ ،‬لنه جعل الفعل لها‪،‬‬ ‫ول غاب قرن الشمس حتى تحدثت‬
‫كأنه قال‪ :‬وأهل المساجد‪ ،‬كما قال الله عز وجل‪ :‬واسأل القرية ‪ .‬وتحدثت المساجد‪ ،‬وإنما يريد من يصلي فيها‬
‫بنـاتـك يعـلـم أنـهــن ولئد‬ ‫فأصبحت علجا من يزرك ومن يزر‬
‫حواليك لم تجرح بهـن الـحـدائد‬ ‫وأصبحن قلفا يغتـزلـن بـأجـرة‬
‫يقر عليها المقرفات الـكـواسـد‬ ‫نفرن من الموسى وأقررن بالتـي‬
‫جديدا ول تلقى لـهـن الـوسـائد‬ ‫بإصطخر لم يلبسن من طول فـاقة‬
‫ول ولدتك المحصنات المـواجـد‬ ‫وما أنت بالمنسوب في آل عـامـر‬
‫بينها ول جيبت علـيك الـقـلئد‬ ‫ول رببتك الحنـظـلـية إذ غـذت‬
‫قفاك وخديك البظـور الـعـوارد‬ ‫ولكن غذاك المشركون وزاحمـت‬
‫وعرضك يستبان والسيف شـاهـد‬ ‫ولم أر مثلـي يا زياد بـعـرضـه‬
‫إذ مت إل مات علـج مـعـاهـد ???????????????????? المغيرة وجوائز‬ ‫ولو أنني غشيتك السيف لـم يقـل‬
‫المهلب‬
‫ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو أيضا‪ ،‬قال‪ :‬رجع المغيرة بن حبناء إلى أهله وقد مل كفيه بجوائز المهلب وصلته‬
‫والفوائد منه‪ ،‬وكان أخوه صخر بن حبناء أصغر منه‪ ،‬فكان يأخذ على يده وينهاه عن المر ينكر مثله‪ ،‬ول يزال يتعتب عليه في‬
‫الشيء بعد الشيء مما ينكره عليه‪ ،‬فقال فيه صخر بن حبناء‪ :‬صخر والمغيرة يتلحيان‬
‫لما تعتب المغيرة عليه‬

‫زمان نرى في حد أنيابه شغبا‬ ‫رأيتك لما نلت مال وعضـنـا‬


‫فأمسك ول تجعل غناك لنا ذنبا فقال المغيرة يجيبه‬ ‫‪:‬تجنى علي الدهر أني مذنـب‬
‫وأقصرنا عن عرض والده ذبا‬ ‫لحا الله أنآنا عن الضيف بالقرى‬
‫إذا القف دلي من مخارمه ركبا‬ ‫وأجدرنا أن يدخل البيت باستـه‬
‫أحرك عرضي إن لعبت به لعبا أخت صخر تشكوه إلى المغيرة‬ ‫أأنبأك الفـاك عـنـي أنـنـي‬

‫صفحة ‪1442 :‬‬

‫ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو‪ ،‬قال‪ :‬جاءت أخت المغيرة بن حبناء إليه تشكو أخاها صخرا‪ ،‬وتذكر أنه أسرع في مالها‬
‫‪:‬وأتلفه‪ ،‬وإنها منعته شيئا يسيرا بقي لها‪ ،‬فمد يده إليها وضربها‪ ،‬فقال له المغيرة معنفا‬
‫فإني قد أتاني مـن نـثـاكـا‬ ‫أل من مبلغ صخر بن لـيلـى‬
‫إذا لم ترع حرمته رعـاكـا‬ ‫رسالة ناصح لك مستـجـيب‬
‫تباع‪ ،‬بمالـه يومـا فـداكـا‬ ‫وصول لو يراك وأنت رهـن‬
‫ويشجي في المور بما شجاكا‬ ‫يرى خيرا إذا ما نلـت خـيرا‬
‫ول ترينـنـي أبـدا أخـاكـا‬ ‫فإنك ل ترى أسمـاء أخـتـا‬
‫فإن لمهـا ولـدا سـواكـا‬ ‫فإن تعنف بها أول تصـلـهـا‬
‫وإن عاصيته فيها عصـاكـا‬ ‫يبر ويستـجـيب إذا دعـتـه‬
‫على بعض الرجال وفوق ذاكا‬ ‫وكنت أرى بها شرفا وفضـل‬
‫مني في معاتبـنـا جـزاكـا‬ ‫جزاني الله منك وقد جـزانـي‬
‫وولى اللـؤم أولنـا بـذاكـا‬ ‫وأعقب أصدق الخصمين قول‬
‫لكنت بمعزل عما هـنـاكـا قال‪ :‬فأجابه أخوه صخر بن حبناء فقال‬ ‫‪:‬فل والله لو لم تعـص أمـري‬
‫تعمده فقـلـت لـه كـذاكـا‬ ‫أتاني عن مغـيرة ذرو قـول‬
‫فول هجاءهم رجل سـواكـا‬ ‫يعم به بني ليلـى جـمـيعـا‬
‫فهذا حين أخلفنـي مـنـاكـا‬ ‫فإن تك قد قطعت الوصل مني‬
‫وتخلفني مـنـاي إذا أراكـا‬ ‫تمنيني إذا ما غـبـت عـنـي‬
‫ول تعطي القارب غير ذاكا‬ ‫وتوليني ملمة أهـل بـيتـي‬
‫فل تصرم لظنتهـا أخـاكـا‬ ‫فإن تك أختنا عتبت عـلـينـا‬
‫رضاها صابرين لها بـذاكـا‬ ‫فإن لها إذا عتبـت عـلـينـا‬
‫فل والله ل أبغـي رضـاكـا‬ ‫وإن تك قد عتبت علي جهـل‬
‫فاعلن من مقالي مـا أتـاكـا‬ ‫فقد أعلنت قولـك إذا أتـانـي‬
‫كما أغناك عن صخر غناكـا‬ ‫سيغني عنك صخرا رب صخر‬
‫ويكفيني الله كما كـفـاكـا‬ ‫ويغنيني الذي أغنـاك عـنـي‬
‫وأرمي بالنواقر من رمـاكـا‬ ‫ألم ترني أجود لكم بـمـالـي‬
‫ول أعصيك إن رجل عصاكا‬ ‫وإني ل أقـود إلـيك حـربـا‬
‫أحامي قد علمت على حماكـا‬ ‫ولكـنـي وراءك شـمـري‬
‫ويعنيني العدو إذا عـنـاكـا‬ ‫وأدفع ألسن العداء عـنـكـم‬
‫عليك فلم تطالعـهـا بـذاكـا‬ ‫وقد كانـت قـريبة ذات حـق‬
‫وتبلغني القوارص من أذاكـا حبناء بن عمرو ينتقل إلى نجران‬ ‫رأيت الخير يقصر منك دوني‬
‫وامرأته تلومه لما ضرب ابنه ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو أيضا قال‪ :‬كان حبناء بن عمرو وقد غضب على قومه في‬
‫بعض المر‪ ،‬فانتقل إلى نجران‪ ،‬وحمل معه أهله وولده‪ ،‬فنظرت امرأته سلمى إلى غلم من أهل نجران يضرب ابنه المغيرة ‪-‬‬
‫وهو يومئذ غلم ‪ -‬فقالت لحبناء‪ :‬قد كنت غنيا عن هذا الذل‪ ،‬وكان مقامك بالعراق في قومك أو في حي قريب من قومك أعز‬
‫‪:‬لك فقال حبناء في ذلك‬
‫غلم بنجران الغداة غـريب‬ ‫تقول سليمى الحنظلية لبنهـا‬
‫كما هر كلب الدار بين كليب‬ ‫رأت غلمة ثاروا إليه بأرضهم‬
‫وأنت عزيز بالعراق مهـيب وقال أيضا‬ ‫‪:‬فقالت لقد أجرى أبوك لما ترى‬
‫يليك أم الشيء الذي ل تحاوله‬ ‫لعمرك ما تدري أشيء تريده‬
‫سريعا وتجمعه إليه أنامـلـه زياد العجم يهجو أسرة المغيرة‬ ‫متى ما يشأ مستقبس الشر يلقه‬
‫أخبرني عيسى بن الحسن الوراق‪ ،‬قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو الشبل النضري‪ ،‬قال‪ :‬كان المغيرة‬
‫بن حبناء أبرص‪ ،‬وأخوه صخر أعور‪ ،‬وأخوه الخر مجذوما‪ ،‬وكان بأبيهم حبن‪ ،‬فلقب حبناء ‪ -‬واسمه جبير بن عمرو ‪ -‬فقال زياد‬
‫‪:‬العجم يهجوهم‬
‫فدعوه من لؤمه حـبـنـاء‬ ‫إن حبناء كان يدعي جـبـيرا‬
‫مى‪ ،‬ذو الداء ينتـج الدواء زياد يمسك عن الهجاء‬ ‫ولد العور منه والبرص والجذ‬

‫صفحة ‪1443 :‬‬

‫فيقال‪ :‬إن هذه البيات كانت آخر ما تهاجيا به‪ ،‬لن المغيرة قال ‪ -‬وقد بلغه هذا الشعر‪ :-‬ما ذنبنا فيما ذكره‪ ،‬هذه أدواء ابتلنا‬
‫الله عز وجل بها‪ ،‬وإني لرجو أن يجمع الله هذه الدواء كلها فبلغ ذلك زيادا من قوله‪ ،‬وإنه لم يهجه بعقب هذه البيات‪ ،‬ول أجابه‬
‫‪.‬بشيء‪ ،‬فأمسك عنه‪ ،‬وتكافأ‬
‫إجادة المغيرة في تفضيل الخ على أخيه‬
‫أخبرني محمد بن الحسن بن دريد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن أخي الصمعي عن عمه‪ ،‬وأخبرني به الحسن بن علي عن ابن‬
‫مهروية عن أبيه عن الصمعي‪ ،‬قال‪ :‬لم يقل أحد في تفضيل أخ على أخيه وهما لب وأم‪ ،‬مثل قول المغيرة بن حبناء لخيه‬
‫‪:‬صخر‬
‫تفاضلت الطبائع والظروف‬ ‫أبوك أبي وأنت أخي ولكـن‬
‫ولكن ابنها طبع سـخـيف قال‪ :‬وكان عبد الملك بن مروان إذا نظر إلى أخيه‬ ‫وأمك حين تنسب أم صـدق‬
‫‪.‬معاوية ‪ -‬وكان ضعيفا ‪ -‬يتمثل بهذين البيتين‬
‫قول الحجاج في يزيد بن المهلب‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن محمد بن جدان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن محمد بن مخلد المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬نظر‬
‫‪:‬الحجاج إلى يزيد بن المهلب يخطر في مشيته‪ ،‬فقال‪ :‬لعن الله المغيرة بن حبناء حيث يقول‬
‫وفي الدرع ضخم المنكبين شناق فالتفت إليه يزيد‪ ،‬فقال إنه يقول فيها‬ ‫‪:‬جميل المحيا بختري إذا مـشـى‬
‫من الدين فتق حملوا فأطـاقـوا‬ ‫شديد القوى من أهل بيت إذا وهى‬
‫ميامين قد قادوا الجيوش وساقوا مصرع ابن حبناء وكتابته اسمه على‬ ‫مراجيح في اللواء إن نزلت بهم‬
‫صدره‬
‫أخبرني محمد بن مزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني من حضر ابن حبناء لما قتل ‪ -‬وهو يجود بنفسه ‪-‬‬
‫‪.‬فأخذ بيده من دمه ‪ -‬وكتب بيده على صدره‪ :‬قال المغيرة بن حبناء ‪ .‬ثم مات‬

‫صوت‬

‫فوصلنا الحبل منها ما اتسـع‬ ‫بسطت رابعة الحبـل لـنـا‬


‫جلل الرأس بياض وصـلـع‬ ‫كيف ترجون سقاطي بعد مـا‬
‫قد تمنى لي موتا لـم يطـع‬ ‫رب من أنضجت غيظا صدره‬
‫عسرا مخرجه ما ينـتـزع‬ ‫ويراني كالشجا في حـلـقـه‬
‫وإذا أمكن من لحمـي رتـع‬ ‫ويحـيينـي إذا لقـيتـــه‬
‫وبعيني إذا النـجـم طـلـع الحبل ها هنا‪ :‬الوصل‪ ،‬والحبل أيضا‪ :‬السبب يتعلق به‬ ‫وأبيت الليل مـا أهـجـعـه‬
‫الرجل من صاحبه‪ ،‬يقال‪ :‬علقت من فلن بحبل‪ ،‬والحبل‪ :‬العهد‪ ،‬والميثاق‪ ،‬والعقد يكون بين القوم‪ ،‬وهذه المعاني كلها تتعاقب‬
‫‪.‬ويقوم بعضها مقام بعض‪ .‬والشجا‪ :‬كل ما اغتص به من لقمة أو عظم أو غيرهما‬
‫الشعر لسويد بن أبى كاهل اليشكري‪ ،‬والغناء لعلويه‪ ،‬ثاني ثقيل بالبنصر‪ ،‬عن عمرو بن بانة في الول والثاني من البيات‪،‬‬
‫وليونس الكاتب في الثالث والرابع والثاني ما خوري بالوسطى‪ ،‬عن علي بن يحيى‪ ،‬والهشامي‪ .‬ولمالك فيها ثقيل بالبنصر‪ ،‬عن‬
‫‪.‬الهشامي أيضا‪ ،‬ولبن سريج فيها خفيف ثقيل‪ ،‬عن علي بن يحيى‬

‫أخبار سويد بن أبي كاهل ونسبه‬


‫سويد بن كاهل بن حارثة بن حسل بن مالك بن عبد سعد بن جشم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر‪ .‬وذكر خالد بن كلثوم أن اسم‬
‫‪.‬أبي كاهل شبيب‪ ،‬ويكنى سويد أبا سعد‬
‫‪:‬أنشدني وكيع عن حماد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬لسويد بن كاهل شاهدا بذلك‬
‫دخلت في سرباله ثم النجا طبقة سويد‬ ‫أنا أبو سعد إذا الليل دجـا‬
‫‪.‬وجعله محمد بن سلم في الطبقة السادسة‪ ،‬وقرنه بعنترة العبسي وطبقته‬
‫‪:‬وسويد شاعر متقدم من مخضرمي الجاهلية والسلم‪ ،‬كذلك ذكر ابن حبيب‪ .‬وكان أبوه أبو كاهل شاعرا‪ ،‬وهو الذي يقول‬
‫طيا قد ابتل من طل خوافيهـا قول الصمعي في عينية سويد‬ ‫كأن رحلي على صعقاء حادرة‬
‫أخبرني محمد بن العباس اليزيدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن إسحاق البغوي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو نصر صاحب الصمعي أنه قرأ شعر‬
‫‪:‬سويد بن أبي كاهل على الصمعي‪ ،‬فلما قرأ قصيدته‬
‫فوصلنا الحبل منها ما اتسع فضلها الصمعي‪ ،‬وقال‪ :‬العرب تفضلها وتقدمها وتعدها‬ ‫بسطت رابعة الحبل لـنـا‬
‫‪ .‬من حكمها‪ .‬ثم قال الصمعي‪ :‬حدثني عيسى بن عمر أنها كانت في الجاهلية تسمى‪ :‬اليتيمة‬
‫بين سويد وزياد العجم‬

‫صفحة ‪1444 :‬‬

‫أخبرني محمد بن خلف وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن الهيثم بن عدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن عباس‪ ،‬قال‪ :‬قال زياد العجم‬
‫‪:‬يهجو بني يشكر‬
‫فل تذكرون الله حتى تطهرا‬ ‫إذا يشكري من ثوبك ثـوبـه‬
‫إذا لمات اللؤم ل شك يشكرا قال‪ :‬فأتت بنو يشكر سويدي بن أبي كاهل ليهجو‬ ‫فلو أن من لؤم تموت قبـيلة‬
‫‪:‬زيادا‪ ،‬فأبى عليهم‪ ،‬فقال زياد‬
‫وللؤم فيهم كاهـل وسـنـام‬ ‫وأنبئتهم يستصرخون ابن كاهل‬
‫عليه الخزايا غبـرة وقـتـام‬ ‫فإن يأتنا يرجع سويد ووجهـه‬
‫إلى يشكر ما في الجميع كرام فقال لهم سويد‪ :‬هذا ما طلبتم لي وكان سويد‬ ‫دعي إلى ذبيان طورا‪ ،‬وتـارة‬
‫‪:‬مغلبا ‪ .‬وأما قوله‬
‫إلى يشكـر‪ ...............‬خبر أم سويد وسبب تسميته‬ ‫دعي إلى ذبيان طورا وتارة‬
‫فإن أم سويد بن أبي كاهل كانت امرأة من بني غبر‪ ،‬وكانت قبل أبي كاهل عند رجل من بني ذبيان بن قيس بن عيلن‪ ،‬فمات‬
‫عنها‪ ،‬فتزوجها أبو كاهل‪ ،‬وكانت فيما يقال حامل‪ ،‬فاستلط أبو كاهل ابنها لما ولدته ‪ ،‬وسماه سويدا‪ ،‬واستلحقه ‪ ،‬فكان إذا غضب‬
‫‪.‬على بني يشكر ادعى إلى بني ذبيان‪ ،‬وإذا رضي عنهم أقام على نسبه فيهم‬
‫‪.‬وذكر علن الشعوبي‪ ،‬أنه ولد في بني ذبيان‪ ،‬وتزوجت أمه أبا كاهل ‪ -‬وهو غلم يفعة ‪ -‬فاستلحقه أبو كاهل وادعاه‪ ،‬فلحق به‬
‫انتماء سويد إلى قيس‬
‫‪:‬ولسويد بن أبي كاهل قصيدة ينتمي فيها إلى قيس‪ ،‬ويفتخر بذلك‪ ،‬وهي التي أولها‬
‫وإن حضرت دار العدا فهو حاضر‬ ‫أبى قلبـه إل عـمـيرة إن دنـت‬
‫مرببة مـمـا تـضـمـن حـائر ويقول فيها أيضا‬ ‫‪:‬شموس حصان السرريا كـأنـهـا‬
‫فللزنج أدنى منكـم ويحـابـر‬ ‫أنا الغطفاني زين ذبيان فابعـدوا‬
‫وسعد وذبيان الهجان وعـامـر‬ ‫أبت لي عبـس أن أسـام دنـية‬
‫لهم في الملمات النوف الفواخر سويد يهجو بني شيبان لخذ ماله‬ ‫وحي كرام سادة مـن هـوازن‬
‫أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن معتب الودي عن الحرمازي ‪ ،‬أن سويد بن أبي كاهل جاور في بني‬
‫شيبان‪ ،‬فأساءوا جواره‪ ،‬وأخذوا شيئا من ماله غصبا‪ ،‬فانتقل عنهم وهجاهم فأكثر‪ ،‬وكان الذي ظلمه وأخذ ماله أحد بني محلم‪،‬‬
‫‪:‬فقال يهجوهم وإخوتهم بني أبي ربيعة‬
‫وأبا ربـيعة ألم القـوام‬ ‫حشر الله مع القرود محلما‬
‫مني مغلغلة إلى هـمـام‬ ‫فلهدين مع الرياح قصيدة‬
‫والنازلين بشر دار مـقـام‬ ‫الظاعنين على العمى قدامهم‬
‫نزح الركي وعاتم السدام وقال يهجو بني شيبان‬ ‫‪:‬والواردين إذا المياه تقسمت‬
‫عنيزة يوم ذو أهابـي أغـبـر‬ ‫لعمري لبئس الحي شيبان إن عل‬
‫مولية أستاه شيبـان تـقـطـر يعني يوم عنيزة‪ ،‬وكان لبني تغلب على بني‬ ‫فلما التقوا بالمشرفـية ذبـذبـت‬
‫‪:‬شيبان‪ ،‬وفيه يقول مهلهل‬
‫بجنب عنيزة رحيا مدير وقال أيضا‬ ‫‪:‬كأنا غدوة وبني أبـينـا‬
‫وأبناءه إن القضاعي أحمر يعير بني شيبان ببهراء كانت بهراء أغارت على بني‬ ‫فأدوا إلى بهراء فيكم بناته‬
‫‪:‬شيبان‪ ،‬فأخذوا منهم نساء‪ ،‬واستاقوا نعما ‪ ،‬ثم إنهم اشتروا منهم النساء وردوهن ‪ ،‬فعيرهم سويد بأنهم رددن حبالى‪ ،‬فقال‬
‫وشيبان وسط القطقطانة حضر‬ ‫ظللن ينازعن العضاريط أزرها‬
‫فلم تفرحوه ‪ ،‬المرزبان المسور ‪ -‬يزيد‪ :‬رجل من يشكر‪ ،‬برز يوم ذي قار إلى‬ ‫فمنا يزيد إذ تحدى جموعـكـم‬
‫أسوار‪ ،‬وحمل على بني شيبان‪ ،‬فانكشفوا من بين يديه ‪ -‬فاعترضه اليشكري دونهم‪ ،‬فقتله‪ ،‬وعادت شيبان إلى موقفها‪ ،‬ففخر‬
‫‪:‬بذلك عليهم‪ ،‬فقال‬
‫حسام إذا مس الضريبة يبـتـر‬ ‫وأحجمتم حتى عـله بـصـارم‬
‫على كل ذي باع يقل ويكـثـر‬ ‫ومنا الذي أوصى بثلث تـراثـه‬
‫فزابن لنا العداء واسمع وأبصر‬ ‫ليالي قلتم يا ابن حلزة ارتـحـل‬
‫حباه بها ذو الباع عمرو بن منذر‬ ‫فأدى إليكم رهنكـم وسـط وائل‬

‫صفحة ‪1445 :‬‬

‫‪.‬يعني الحارث بن حلزة‪ ،‬لما خطبه دون بكر بن وائل حتى ارتجع رهائنهم‪ .‬وقد ذكر خبره في ذلك في موضعه‬
‫بنو شيبان تستعدي عامر بن مسعود على سويد وقيس تتعصب له قال‪ :‬فاستعدت بنو شيبان عليه عامر بن مسعود الجمحي‪،‬‬
‫وكان والي الكوفة‪ ،‬فدعا به‪ ،‬فتوعده‪ ،‬وأمره بالكف عنهم بعد أن كان قد أمر بحبسه‪ ،‬فتعصبت له قيس‪ ،‬وقامت بأمره حتى‬
‫‪:‬تخلصته‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫يكف لسنا فيه صاب وعلقم‬ ‫يكف لساني عامر وكأنـمـا‬
‫وتحبسني عنهم ول أتكـلـم‬ ‫أتترك أولد البغايا وغيبتـي‬
‫إذا لم أجد مستأخرا أتـقـدم‬ ‫ألم تعلموا أني سويد وأننـي‬
‫علي دماء البدن إن لم تندموا سويد وابن الغبري يتهاجيان‬ ‫حسبتم هجائي إذ بطنتم غنيمة‬
‫ثم يهربان لما طلبهما عبد الله بن عامر وعامل الصدقة يحبسها وبنو حمال يفكون ابن الغبري قال الحرمازي في خبره هذا‪:‬‬
‫وهاجى سويد بن أبى كاهل حاضر بن سلمة الغبري‪ ،‬فطلبهما عبد الله بن عامر بن كريز‪ ،‬فهربا من البصرة‪ ،‬ثم هاجى العرج‬
‫أخا بني حمال بن يشكر‪ ،‬فأخذهما صاحب الصدقة‪ ،‬وذلك في أيام ولية عامر بن مسعود الجمحي الكوفة‪ ،‬فحبسهما‪ ،‬وأمر أن ل‬
‫يخرجا من السجن حتى يؤديا مائة من البل‪ ،‬فخاف بنو حمال على صاحبهم ففكوه‪ ،‬وبقي سويد‪ ،‬فخذله بنو عبد سعد‪ ،‬وهم‬
‫قومه‪ ،‬فسأل بني غبر‪ ،‬وكان قد هجاهم لما ناقض شاعرهم‪ ،‬فقال‪ :‬ويخذل سويدا قومه‬
‫فالغبريات على طحال‬ ‫من سره النيك بغير مال‬
‫شواغر يلمعن للقفال عبس وذبيان تستوهبه لمديحه لهم‬
‫وإطلقه بغير فداء‬
‫فلما سأل بني غبر‪ ،‬قالوا له‪ :‬يا سويد ضيعت البكار بطحال فأرسلوها مثل‪ .‬أي إنك عممت جماعتنا بالهجاء في هذه الرجوزة‪،‬‬
‫فضاع منك ما قدرت أنا نفديك به من البل‪ .‬فلم يزل محبوسا حتى استوهبته عبس وذبيان لمديحه لهم‪ ،‬وانتمائه إليهم‪،‬‬
‫‪.‬فأطلقوه بغير فداء‬

‫صوت‬
‫سنا خلب أو زلـت الـقـدمـان‬ ‫أخضني المقام الغمر إن كان غرني‬
‫وكفاك من ماء الندى تـكـفـان الشعر للعتابي‪ ،‬والغناء لمخارق‪ ،‬ثاني ثقيل‬ ‫أتتركني جدب المعيشة مـقـفـرا‬
‫‪.‬بالوسطى‪ ،‬وقيل‪ :‬إن فيه للواثق ثاني ثقيل آخر‬

‫أخبار العتابي ونسبه‬


‫هو كلثوم بن عمرو بن أيوب بن عبيد بن حبيش بن أوس بن مسعود بن عمرو بن كلثوم الشاعر‪ ،‬وهو ابن مالك عتاب بن سعد‬
‫بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب‪ .‬شاعر مترسل بليغ مطبوع‪ ،‬متصرف في فنون الشعر ومقدم‪.‬‬
‫من شعراء الدولة العباسية‪ ،‬ومنصور النمري تلميذه وراويته‪ ،‬وكان منقطعا إلى البرامكة‪ ،‬فوصفوه للرشيد‪ ،‬ووصلوه به‪ ،‬فبلغ‬
‫‪.‬عنده كل مبلغ‪ ،‬وعظمت فوائده منه‪ ،‬ثم فسدت الحال بينه وبين منصور وتباعدت‪ .‬وأخبار ذلك تذكر في مواضعها‬
‫وأخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني القاسم بن مهروية‪ ،‬قال‪ :‬حدثني جعفر بن المفضل‪ ،‬عن رجل من ولد إبراهيم‬
‫الحراني ‪ ،‬قال‪ :‬كثر الشعراء بباب المأمون‪ ،‬فأوذن بهم‪ ،‬فقال لعلي بن صالح صاحب المصلى‪ :‬أعرضهم‪ ،‬فمن كان منهم مجيدا‬
‫فأوصله إلي‪ ،‬ومن كان غير مجيد فاصرفه‪ .‬وصادف ذلك شغل من علي بن صالح كان يريد أن يتشاغل به عن أمر نفسه‪ ،‬فقام‬
‫مغضبا‪ ،‬وقال‪ :‬والله لعمنهم بالحرمان‪ ،‬ثم جلس لهم‪ ،‬ودعا بهم فجعلوا يتغالبون على القرب منه‪ ،‬فقال لهم‪ :‬على رسلكم فإن‬
‫‪:‬المدى أقرب من ذلك‪ ،‬هل فيكم من يحسن أن يقول كما قال أخوكم العتابي‬
‫ناداك في الوحي تقديس وتطهير‬ ‫ماذا عسى مادح يثني عليك وقد‬
‫مستنطقات بما تحوي الضمائير قالوا‪ :‬ل والله ما بنا أحد يحسن أن يقول مثل‬ ‫فت الممادح إل أن ألـسـنـنـا‬
‫هذا‪ ،‬قال‪ :‬فانصرفوا جميعا قيل في شعر العتابي تكلف‬
‫ونفاه آخرون‬
‫أخبرني الحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو بكر أحمد بن سهل‪ ،‬قال‪ :‬تذاكرنا شعر العتابي‪ ،‬فقال بعضنا‪ :‬فيه‬
‫‪:‬تكلف‪ ،‬ونصره بعضنا‪ ،‬فقال شيخ حاضر‪ :‬ويحكم أيقال إن شعره تكلفا? وهو القائل‬
‫بالشوق ظالـعة وحـسـرى‬ ‫رسل الضمير إلـيك تـتـرى‬
‫ن على الوجى من بعد مسرى‬ ‫متـزجـيات مــا ينـــي‬
‫دك يا قرير العين مـجـرى‬ ‫ما جـف لـلـعـينـين بـع‬

‫صفحة ‪1446 :‬‬

‫من صبوتي أبدا معرى‬ ‫فاسلم سلمـت مـبـرأ‬


‫مني سوى عظم مبرى‬ ‫إن الصبـابة لـم تـدع‬
‫كبد عليك الدهر حرى في هذين البيتين غناء أو يقال‪ :‬إنه متكلف? وهو الذي يقول‬ ‫‪:‬ومدامع عبرى عـلـى‬
‫إذا ما تأملـه الـنـاظـر‬ ‫فلو كان للشكر شخص يبين‬
‫لتعلم أني امرؤ شـاكـر رذاذ يضع لحنا‬ ‫لمثلته لـك حـتـى تـراه‬
‫الغناء في هذين البيتين لبي العبيس‪ ،‬ثقيل أول‪ ،‬ولرذاذ خفيف ثقيل‪ .‬فحدثني أبو يعقوب إسحاق بن يعقوب النوبجي عن أبي‬
‫‪:‬الحسن علي بن العباس وغيره من أهله قالوا‪ :‬لما صنع رذاذ لحنه في هذا الشعر‬
‫فلو كان للشكر شخص يبين أبو العبيس يسقط لحن رذاذ فتن به الناس‪ ،‬وكان هجيراهم زمانا ‪ ،‬حتى صنع أبو العبيس فيه‬
‫‪.‬الثقيل الول‪ ،‬فأسقط لحن رذاذ وغلب عليه‬
‫أخبرني إبراهيم بن أيوب‪ ،‬عن عبد الله بن مسلم‪ ،‬وأخبرني علي بن سليمان الخفش‪ ،‬عن محمد بن يزيد‪ ،‬قالوا جميعا‪:‬‬
‫المأمون يكتب في إشخاص العتابي‬
‫كتب المأمون في إشخاص كلثوم بن عمرو العتابي‪ ،‬فلما دخل قال له‪ :‬يا كلثوم‪ ،‬بلغتني وفاتك فساءتني‪ ،‬ثم بلغتني وفدتك‬
‫فسرتني‪ .‬فقال له العتابي‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬لو قسمت هاتان الكلمتان على أهل الرض لوسعتاها فضل وإنعاما‪ ،‬وقد خصصتني‬
‫منهما بما ل يتسع له أمنية‪ ،‬ول يبسط لسواه أمل‪ ،‬لنه ل دين إل بك‪ ،‬ول دنيا معك‪ .‬فقال له‪ :‬سلني‪ .‬فقال‪ :‬يدك بالعطاء أطلق‬
‫‪.‬من لساني بالسؤال‪ .‬فوصله صلت سنية‪ ،‬وبلغ به من التقديم والكرام أعلى محل‬
‫وذكر أحمد بن أبي طاهر عن عبد الله بن أبي سعد الكراني‪ ،‬أن عبد الله بن سعيد بن زرارة‪ ،‬حدثه عن محمد بن إبراهيم‬
‫اليساري‪ ،‬قال‪ :‬المأمون يداعب العتابي لما قدم العتابي مدينة السلم على المأمون‪ ،‬أذن له‪ ،‬فدخل عليه وعنده إسحاق بن‬
‫إبراهيم الموصللي‪ ،‬وكان العتابي شيخا جليل نبيل‪ ،‬فسلم فرد عليه وأدناه‪ ،‬وقربه حتى قرب منه‪ ،‬فقبل يده‪ :‬ثم أمره بالجلوس‬
‫فجلس‪ ،‬وأقبل عليه يسائله عن حاله‪ ،‬وهو يجيبه بلسان ذلق طلق‪ ،‬فاستظرف المأمون ذلك‪ ،‬وأقبل عليه بالمداعبة والمزاح‪،‬‬
‫‪ .‬فظن الشيخ أنه استخف به‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ :‬اليناس قبل البساس‬
‫إسحاق بن إبراهيم يعارض العتابي‬
‫فاشتبه على المأمون قوله‪ ،‬فنظر إلى إسحاق مستفهما‪ ،‬فأومأ إليه‪ ،‬وغمزه على معناه حتى فهم‪ ،‬فقال‪ :‬يا غلم‪ ،‬ألف دينار‬
‫فأتي بذاك‪ ،‬فوضعه بين يدي العتابي‪ ،‬وأخذوا في الحديث‪ ،‬وغمز المأمون إسحاق بن إبراهيم عليه‪ ،‬فجعل العتابي ل يأخذ في‬
‫شيء إل عارضه فيه إسحاق‪ ،‬فبقي العتابي متعجبا‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أتأذن لي في سؤال هذا الشيخ عن اسمه? قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬سل‪ .‬فقال لسحاق‪ :‬يا شيخ من أنت? وما اسمك? قال‪ :‬أنا من الناس‪ ،‬واسمي كل بصل‪ .‬فتبسم العتابي وقال‪ :‬أما أنت‬
‫فمعروف‪ ،‬وأما السم فمنكر‪ .‬فقال إسحاق‪ :‬ما أقل إنصافك‪ ،‬أتنكر أن يكون اسمي كل بصل? واسمك كل ثوم‪ ،‬وكل ثوم من‬
‫السماء‪ ،‬أو ليس البصل أطيب من الثوم? فقال له العتابي‪ :‬لله درك‪ ،‬ما أحجك ‪ ،‬أتأذن لي يا أمير المؤمنين في أن أصله بما‬
‫‪.‬وصلتني به? فقال له المأمون‪ :‬بل ذلك موفر عليك ونأمر له بمثله‬
‫مصادقة العتابي لسحاق فقال له إسحاق‪ :‬أما إذا أقررت بهذا‪ ،‬فتوهمني تجدني‪ ،‬فقال‪ :‬ما أظنك إل إسحاق الموصلي‪ ،‬الذي‬
‫تناهى إلينا خبره‪ ،‬قال‪ :‬أنا حيث ظننت‪ .‬وأقبل عليه بالتحية والسلم‪ ،‬فقال المأمون‪ ،‬وقد طال الحديث بينهما‪ :‬أما إذ قد اتفقتما‬
‫‪.‬على المودة‪ ،‬فانصرفا متنادمين‪ .‬فانصرف العتابي إلى منزل إسحاق فأقام عنده‬
‫إعجاب عبد الله بن طاهر بشعر العتابي‬
‫وذكر أحمد بن طاهر أيضا أن مسعود بن عيسى العبدي‪ ،‬حدثه عن موسى بن عبد الله التميمي‪ ،‬قال‪ :‬وفد إلى عبد الله بن‬
‫طاهر جمع من الشعراء‪ ،‬فعلم أنهم على بابه‪ ،‬فقال لخادم له أديب‪ :‬أخرج إلى القوم‪ ،‬وقل لهم‪ :‬من كان منكم يقول كما قال‬
‫‪:‬العتابي للرشيد‬
‫ما بينهن وبين الله معـمـور فليدخل‪ ،‬وليعلم أني إن وجدته مقصرا عن ذلك‬ ‫مستنبط عزمات القلب من فكر‬
‫‪.‬حرمته‪ ،‬فمن وثق من نفسه أنه يقول مثل هذا فليقم‪ .‬قال‪ :‬فدخلوا جميعا إل أربعة نفر‬
‫جوائز الرشيد للعتابي‬
‫صفحة ‪1447 :‬‬

‫أخبرني الحسن بن علي قال‪ ،‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن سعد إبراهيم بن الحدين‪ ،‬قال‪ :‬وجد‬
‫الرشيد على العتابي‪ ،‬فدخل سرا مع المتظلمين بغير إذن‪ ،‬فمثل بين يدي الرشيد‪ ،‬وقال له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬قد آذتني الناس‬
‫لك ولنفسي فيك‪ ،‬وردني ابتلؤهم إلى شكرك‪ ،‬وما مع تذكرك قناعة بغيرك‪ ،‬ولنعم الصائن لنفسي كنت‪ ،‬لو أعانني عليك الصبر‪.‬‬
‫‪:‬وفي ذلك أقول‬
‫سنا خلب أو زلـت الـقـدمـان‬ ‫أخضني المقام الغمر إن كان غرني‬
‫وكفاك من ماء الندى تـكـفـان‬ ‫أتتركني جدب المعيشة مـقـتـرا‬
‫بللت يميني بالنـدى ولـسـانـي قال‪ :‬فأعجب الرشيد قوله‪ ،‬وخرج عليه‬ ‫وتجعلني سهم المطامع بـعـد مـا‬
‫‪.‬الخلع‪ ،‬وقد أمر له بجائزة‪ ،‬فما رأيت العتابي قط أبسط منه يومئذ‬
‫بشار يحقد على إجادة العتابي‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن مهروية‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن خلد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬جاء العتابي وهو حدث إلى‬
‫‪:‬بشار‪ ،‬فأنشده‬
‫وعهدك بالصبا عهد قديم‬ ‫أيصدف عن أمامة أم يقيم‬
‫على عزماته السير العديم‬ ‫أقول لمستعار القلب عفى‬
‫شآبيب يفيض بها الهموم‬ ‫أما يكفيك أن دموع عيني‬
‫على أرجائه ماء سجـوم قال‪ :‬فمد بشار يده إليه‪ :‬ثم قال له‪ :‬أنت بصير? قال‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫أشيم فل أرد الطـرف إل‬
‫‪.‬قال‪ :‬عجبا لبصير ابن زانية‪ ،‬أن يقول هذا الشعر‪ .‬فخجل العتابي وقام عنه‬
‫العتابي ويحيى بن خالد‬
‫أخبرني محمد بن يونس النباري الكاتب‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسن بن يحيى أبو الحمار عن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬كلم العتابي يحيى بن خالد‬
‫في حاجة بكلمات قليلة‪ ،‬فقال له يحيى‪ :‬لقد ندر كلمك اليوم وقل‪ .‬فقال له‪ :‬وكيف ل يقل وقد تكنفني ذل المسألة‪ ،‬وحيرة‬
‫‪.‬الطلب‪ ،‬وخوف الرد? فقال‪ :‬والله لئن قل كلمك لقد كثرت فوائده‪ .‬وقضى حاجته‬
‫سخرية العتابي من الناس‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا ابن مهروية‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عثمان الوراق‪ ،‬قال‪ :‬رأيت العتابي يأكل خبزا على الطريق بباب‬
‫الشام‪ ،‬فقلت له‪ :‬ويحك‪ ،‬أما تستحي? فقال لي‪ :‬أرأيت لو كنا في دار فيها بقر‪ ،‬كنت تستحي وتحتشم أن تأكل وهي تراك?‬
‫فقال ‪:‬ل‪ .‬قال‪ :‬فاصبر حتى أعلمك انهم بقر‪ .‬فقام فوعظ وقص ودعا‪ ،‬حتى كثر الزحام عليه‪ ،‬ثم قال لهم‪ :‬روى لنا غير واحد‪ ،‬أنه‬
‫من بلغ لسانه أرنبة أنفه لم يدخل النار‪ .‬فما بقي واحد إل وأخرج لسانه يومئ به نحو أرنبة انفه‪ ،‬ويقدره حتى يبلغها أم ل‪ .‬فلما‬
‫تفرقوا‪ ،‬قال لي العتابي‪ :‬ألم أخبرك أنهم بقر? إعجاب يحيى البرمكي بالعتابي‬
‫أخبرني الحسن حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو عصام محمد بن العباس‪ ،‬قال‪ :‬قال يحيى بن خالد البرمكي لولده‪ :‬إن‬
‫‪.‬قدرتم أن تكتبوا أنفاس كلثوم بن عمرو العتابي‪ ،‬فضل عن رسائله وشعله‪ ،‬فلن تروا أبدا مثله‬
‫كتاب للعتابي‬
‫أخبرني أبي‪ ،‬قال‪ :‬اخبرنا الحارث بن محمد عن المدائني‪ ،‬وأخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الخراز عن ابن العرابي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أنكر العتابي على صديق له شيئا‪ ،‬فكتب إليه‪ :‬إما إن تقر بذنبك فيكون إقرارك حجة علينا في العفو عنك‪ ،‬وإل فطب نفسا‬
‫‪:‬بالنتصاف منك‪ ،‬فإن الشاعر يقول‬
‫عنه فإن جحود الذنب ذنبان ‪ .‬يحيى بن أكثم يستأذن المأمون للعتابي‬ ‫أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزنا‬
‫أخبرنا الحسن بن علي‪ ،‬أخبرنا ابن مهروية‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الواحد بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬وقف العتابي بباب المأمون يلتمس‬
‫الوصول إليه‪ ،‬فصادف يحيى بن أكثم جالسا ينتظر الذن‪ ،‬فقال له‪ :‬إن رأيت ‪ -‬أعزك الله ‪ -‬أن تذكر أمري لمير المؤمنين إذا‬
‫دخلت فافعل‪ .‬قال له‪ :‬لست أعزك الله بحاجبه‪ .‬قال‪ :‬فإن لم تكن حاجبا فقد يفعل مثلك ما سألت‪ ،‬واعلم أن الله ‪ -‬عز وجل ‪-‬‬
‫جعل في كل شيء زكاة‪ ،‬جعل زكاة المال رفد المستعين‪ ،‬وزكاة الجاه إغاثة الملهوف‪ .‬واعلم أن الله عز وجل مقبل عليك‬
‫بالزيادة إن شكرت‪ ،‬أو التغيير إن كفرت‪ ،‬وإني لك اليوم أصلح منك لنفسك‪ ،‬لني أدعوك إلى ازدياد نعمتك‪ ،‬وأنت تابى‪ .‬فقال له‬
‫‪.‬يحيى‪ :‬أفعل وكرامة‪ .‬وخرج الذن ليحيى‪ ،‬فلما دخل‪ ،‬لم يبدأ بشيء بعد السلم إل إذا استأذن المأمون للعتابي‪ ،‬فأذن له‬
‫كلمتان للعتابى‬

‫صفحة ‪1448 :‬‬

‫أخبرني الحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهروية‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو الشبل‪ ،‬قال‪ :‬قال العتابي لرجل اعتذر إليه‪ :‬إني إن لم أقبل عذرك‬
‫‪.‬لكنت ألم منك‪ ،‬وقد قبلت عذرك‪ ،‬فدم على لوم نفسك في جنايتك‪ ،‬نزد في قبول عذرك‪ ،‬والتجافي إن هفوتك‬
‫‪.‬قال‪ :‬وقيل له لو تزوجت فقال‪ :‬إني وجدت مكابدة العفة أيسر علي من الحتيال لمصلحة العيال‬
‫تقدير المأمون للعتابي وإكرامه لما أسن‬
‫أخبرني الحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهروية‪ ،‬قال‪ :‬قال جعفر بن المفضل‪ ،‬قال لي أبي‪ :‬رأيت العتابي جالسا بين يدي المأمون وقد‬
‫أسن‪ ،‬فلما أراد القيام قام المأمون فأخذ بيده‪ ،‬واعتمد الشيخ على المأمون‪ ،‬فما زال ينهضهه رويدا رويدا حتى أقله فنهض‪،‬‬
‫‪.‬فعجبت من ذلك‪ ،‬وقلت لبعض الخدم‪ :‬ما أسوأ أدب هذا الشيخ‪ ،‬فمن هو? قال‪ :‬العتابي‬
‫دعبل وابن مهروية يحسدانه ويحقدان عليه‬
‫أخبرني الحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهروية‪ ،‬قال‪ :‬حدثني بن الشعث‪ ،‬قال‪ :‬قال دعبل‪ :‬ما حسدت أحدا قط على شعر كما حسدت‬
‫‪:‬العتابي على قوله‬
‫لخي الحاجات عن طلبه‬ ‫هيبة الخوان قـاطـعة‬
‫مات ما أملت من سببـه قال ابن مهروية‪ :‬هذا سرقه العتابي من قول علي بن أبي‬ ‫فإذا ما هـبـت ذا أمـل‬
‫طالب‪ ،‬رضي الله عنه‪ :‬الهيبة مقرونة بالخيبة‪ ،‬والحياء مقرون بالحرمان‪ ،‬والفرصة تمر مر السحاب حدثني محمد بن داود‪ ،‬عن‬
‫‪.‬أبي الزهر‪ ،‬عن عيسى بن الحسن داود الجعفري عن أخيه عن علي بن أبي طالب‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬بذلك‬
‫عبد الله بن طاهر يجيزه ثلث مرات‬
‫وينعم عليه بخلعة سنية بعد إنشاده‬
‫‪:‬أخبرني الحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه عن أبي الشبل‪ .‬قال‪ :‬دخل العتابي على عبد الله بن طاهر‪ ،‬فمثل بين يديه‪ ،‬وأنشده‬
‫ه سواي منك الغداة أتى بـي‬ ‫حسن ظني وحسن ما عود الل‬
‫ن يقين حدا إلـيك ركـابـي قال‪ :‬فأمر له بجائزة‪ ،‬ثم دخل عليه من الغد‪،‬‬ ‫أي شيء يكون أحسن من حس‬
‫‪:‬فأنشده‬
‫ورؤيتي كافـية عـن سـؤال‬ ‫ودك يكفينيك فـي حـاجـتـي‬
‫وإنما كفاك لـي بـيت مـال فأمر له بجائزة‪ ،‬ثم دخل في اليوم الثالث‪،‬‬ ‫وكيف أخشى الفقر ما عشت لي‬
‫‪:‬فأنشده‬
‫ر وثوب الثناء غض جديد‬ ‫بهجات الثياب يخلقها الـده‬
‫ه فالله يكسوك ما ل يبـيد فأمر له بجائزة‪ ،‬وأنعم عليه بخلعة سنية‬ ‫‪.‬فاكسني ما يبيد أصلحك الل‬
‫العتابي وطوق ابن مالك‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو دعامة‪ ،‬قال‪ :‬قال طوق بن‬
‫مالك للعتابي‪ :‬أما ترى عشيرتك? ‪ -‬يعني بني تغلب ‪ -‬كيف تدل علي‪ ،‬وتتمرغ وتستطيل‪ ،‬وأنا أصبر عليهم? فقال العتابي‪ :‬أيها‬
‫المير‪ ،‬إن عشيرك من أحسن عشرتك ‪ ،‬وإن عمك من عمك خيره‪ ،‬وإن قريبك من قرب منك نفعه‪ ،‬وإن أخف الناس عندك‬
‫‪:‬أخفهم ثقل عليك‪ ،‬وأنا الذي أقول‬
‫وخبرت ما وصلوا من السباب‬ ‫إني بلوت الناس في حالتـهـم‬
‫وإذا المودة أقرب من النساب شكوى النمري للعتابي إلى طاهر بن الحسين‬ ‫فإذا القرابة ل تقرب قاطـعـا‬
‫وإصلحه ما بينهما أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي‪ ،‬قال حدثنا الرياشي‪ ،‬قال‪ :‬شكا منصور النمري العتابي إلى طاهر بن‬
‫الحسين‪ ،‬فوجه طاهر إلى العتابي‪ ،‬فأحضره‪ ،‬وأخفى منصورا في بيت قريب منهما‪ ،‬وسأل طاهر العتابي أن يصالحه‪ ،‬فشكا سوء‬
‫فعله به‪ ،‬فسأله أن يصفح عنه‪ ،‬فقال‪ :‬ل يستحق ذلك‪ .‬فأمر منصورا بالخروج‪ ،‬فخرج وقال للعتابي‪ ،‬لم ل أستحق هذا منك?‬
‫‪:‬فأنشأ العتابي يقول‬
‫حقا ول لك في استصحابه أرب‬ ‫أصحبتك الفضل إذ ل أنت تعرفه‬
‫ول أعاذك مما اغتـالـك الدب‬ ‫لم ترتبطك على وصلي محافظة‬
‫إل إلي وإن أنكرت ينـتـسـب قال‪ :‬فأصلح طاهر بينهما ‪ -‬وكان منصور من‬ ‫ما من جميل ول عرف نطقت به‬
‫تعليم العتابي تخريجه ‪ -‬وأمر طاهر للعتابي بثلثين ألف درهم‪ .‬أخبرني عمر عن عبد الله بن أبي سعد عن الحسين بن يحيى‬
‫‪.‬الفهري عن العباس بن أبي ربيعة السلمي‪ ،‬قال‪ :‬شكا منصور النمري كلثوم بن عمرو العتابي إلى طاهر‪ .‬ثم ذكر مثله‬
‫العتابي يفضل العلم والدب على المال‬

‫صفحة ‪1449 :‬‬

‫أخبرني علي بن صالح بن الهيثم النباري الكاتب‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو هفان‪ ،‬قال‪ :‬كان العتابي جالسا ذات يوم ينظر في كتاب‪،‬‬
‫‪:‬فمر به بعض جيرانه‪ ،‬فقال‪ :‬أيش ينفع العلم والدب من ل مال له? فأنشد العتابي يقول‬
‫ذا اللب ينظر في الداب والحكم‬ ‫يا قاتل الله أقواما إذا ثـقـفـوا‬
‫أنافع ذا من القتـار والـعـدم‬ ‫قالوا وليس بهم إل نـفـاسـتـه‬
‫لحاهم الله‪ ،‬من علم ومن فهـم قول العتابي في عزل طاهر بن علي‬ ‫وليس يدرون أن الحظ ما حرموا‬
‫أخبرني علي بن صالح وعمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن طاهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو حيدرة السدي‪ ،‬قال‪ :‬قال العتابي في عزل طاهر بن‬
‫‪:‬علي‪ ،‬وكان عدوه‬
‫متباينا فعلي وفعـلـه‬ ‫يا صاحبا مـتـلـونـا‬
‫ويسرني والله عـزلـه‬ ‫ما إن أحب له الـردى‬
‫وفعلت بي ما أنت أهله‬ ‫لم تعد فيما قلـت لـي‬
‫وفارغ من أنت شغلـه أخبرني أحمد بن الفرج‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن عطاء الحراني‬ ‫كم شاغل بك عـدويتـه‬
‫عن عبيد الله بن عمار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الرحيم بن أحمد بن زيد بن الفرج‪ ،‬قال‪ :‬مدحه جعفرا‬
‫لما أمنه عند الرشيد‬
‫لما سعى منصور النمري بالعتابي إلى الرشيد اغتاظ علي‪ ،‬فطلبه‪ ،‬فستره جعفر بن يحيى عنه مدة‪ ،‬وجعل يستعطفه عليه‪،‬‬
‫‪:‬حتى استل ما في نفسه‪ ،‬وأمنه‪ ،‬فقال يمدح جعفر يحيى‬
‫قد ضاق عني فسيح الرض من حيلي‬ ‫ما زلت في غمرات الموت مطرحـا‬
‫حتى اختلست حياتي من يدي أجـلـي عودة عبد الله طاهر له في مرضه‬ ‫ولم تزل دائبا تسعى بلـطـفـك لـي‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن خلد عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬عاد عبد الله بن طاهر وإسحق بن‬
‫إبراهيم بن مصعب‪ ،‬كلثوم بن عمرو العتابي‪ ،‬في علة اعتلها‪ ،‬فقال الناس‪ :‬هذه خطرة خطرت فبلغ ذلك العتابي‪ ،‬فكتب إلى عبد‬
‫‪:‬الله بن طاهر‬
‫ونجار برك ليس بالخطـر‬ ‫قالوا الزيارة خطرة خطرت‬
‫تستنفد المعروف من شكري فلما بلغت أبياته عبد الله بن طاهر ضحك من قوله‪،‬‬ ‫أبطل مقالتـهـم بـثـانـية‬
‫‪.‬وركب هو إسحاق بن إبراهيم‪ ،‬فعاداه مرة ثانية‬
‫عبد الله بن هشام التغلبي يصله‬
‫بعد العتب والكتابة إليه‬
‫أخبرني الحسين بن القاسم الكواكبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو العيناء‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو العلء المعمري‪ ،‬قال‪ :‬عتب عبد الله بن هشام‬
‫بن بسطام التغلبي على كلثوم بن عمرو التغلبي في شيء بلغه عنه‪ ،‬فكتب إليه‪ :‬صوت‬
‫عقوبات زلتي وسوء منـاقـبـي‬ ‫لقد سمتني الهجران حتى أذقتـنـي‬
‫على حد مصقول الغرارين قاضب‬ ‫فها أنا ساع في هـواك وصـابـر‬
‫رضاك مثال بين عيني وحاجبـي قال‪ :‬فرضي عنه‪ ،‬ووصله صلة سنية‬ ‫‪.‬ومنصرف عما كرهت وجـاعـل‬
‫الغناء في هذه البيات لسعيد مولى فائد‪ ،‬ثاني ثقيل بالبنصر‪ ،‬عن يحيى المكي‪ ،‬وذكر الهشامي أنه منحول يحيى‪ ،‬وذكر أحمد بن‬
‫‪.‬المكي في كتابه‪ ،‬أنه لبي سعيد‪ ،‬وجعله في باب الثقيل الول بالبنصر‪ ،‬ولعله على مذهب إبراهيم بن المهدي ومن قال بقوله‬
‫من أخبار ربيعة في آمد أخبرني الحسين بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الرحمن بن يونس السراج‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني‬
‫الحسين بن داود الفزاري عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان أخوان من فزارة يخفران قرية بين آمد وسميساط‪ ،‬يقال لها تل حوم‪ ،‬فطال‬
‫مقامهما بها حتى أثريا‪ ،‬فحسدهما قوم من ربيعة‪ ،‬وقالوا‪ :‬يخفران هذان الضياع في بلدنا فجمعوا لهما جمعا‪ ،‬وساروا إليهما‪،‬‬
‫فقاتلوهما‪ ،‬فقتل أحدهما‪ ،‬وعلى الجزيرة يومئذ عبد الملك بن صالح الهاشمي‪ ،‬فشكا القيسي أمره إلى وجوه قيس‪ ،‬وعرفهم‬
‫قتل ربيعة أخاه‪ ،‬وأخذهم ماله‪ .‬فقالوا له‪ :‬إذا جلس المير فادخل إليه‪ .‬ففعل ذلك‪ ،‬ودخل على عبد الملك‪ ،‬وشكا ما لحقه‪ ،‬ثم‬
‫‪:‬قال له‪ :‬وحسب المير أنهم لما قتلوا أخي وأخذوا مالي قال قائل منهم‬
‫من قتيل وهالك وأسير‬ ‫اشربا ما شربتما إن قيسا‬
‫بخفير ول بغير خفـير‬ ‫ل يحوزن أمرنا مضري‬

‫صفحة ‪1450 :‬‬

‫فقال عبد الملك‪ :‬أتندبني ‪ :‬إلى العصبية? وزبره ‪ ،‬فخرج الرجل مغموما‪ ،‬فشكا ذلك إلى وجوه قيس‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل ترع‪ ،‬فوالله‬
‫لقد قذفتها في سويداء قلبه‪ ،‬فعاوده‪ .‬فعاوده في المجلس الخر‪ ،‬فزبره‪ ،‬وقال له قوله الول‪ ،‬فقال له‪ :‬إني لم آتك أندبك‬
‫للعصبية‪ ،‬وإنما جئتك مستعديا ‪ ،‬فقال له‪ :‬حدثني كيف فعل القوم? فحدثه وانشده‪ ،‬فغضب فقال‪ :‬كذب لعمري‪ ،‬ليحوزنها‪ .‬ثم‬
‫دعا بابي عصمة أحد قواده‪ ،‬فقال‪ :‬اخرج فجرد السيف في ربيعة‪ ،‬فخرج وقتل منها مقتلة عظيمة‪ ،‬فقال كلثوم بن عمرو العتابي‬
‫‪:‬قصيدته التي أولها‬
‫ودمنة كشفت عنها العاصير يقول فيها‬ ‫‪:‬ماذا شجاك بحوارين من طلل‬
‫وصارم من سيوف الهند مشهور‬ ‫هذي يمينك في قربـاك صـائلة‬
‫وعصبة دينها العدوان والـزور‬ ‫إن كان منا ذوو إفـك ومـارقة‬
‫حث الجياد وضمنها المضامـير‬ ‫فإن منا الذي ل يسـتـحـث إذا‬
‫ما بينهن وبين الله مـعـمـور يعني عبد الله بن هشام بن بسطام التغلبي‪،‬‬ ‫مستنبط عزمات القلب من فكـر‬
‫‪.‬وكان قد أخذ قوادهم‬
‫شعر العتابي يدفع القتل عن ربيعة فبلغت القصيدة عبد الملك‪ ،‬فأمر أبا عصمة بالكف عنهم‪ ،‬فلما قدم الرشيد الرافقة انشده‬
‫عبد الملك القصيدة‪ ،‬فقال‪ :‬لمن هذه? فقال‪ :‬لرجل من بني عتاب يقال له كلثوم بن عمرو‪ ،‬فقال‪ :‬وما يمنعه أن يكون ببابنا‪.‬‬
‫فأمر بإشخاصه من رأس عين‪ ،‬فوافى الرشيد وعليه قميص غليظ‪ ،‬وفروة وخف‪ ،‬وعلى كتفه ملحفة جافية بغير سراويل‪ ،‬فلما‬
‫رفع الخبر بقدومه أمر الرشيد بان تفرش له حجرة‪ ،‬وتقام له وظيفة‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬فكانت المائدة إذا قدمت إليه أخذ منها رقاقة‬
‫‪.‬وملحا وخلط الملح بالتراب فأكله بها‪ ،‬فإذا كانت وقت النوم نام على الرض والخدم يتفقدونه‪ ،‬ويتعجبون من فعله‬
‫الرشيد يأمر بطرده‬
‫‪.‬وسأل الرشيد عنه‪ ،‬فأخبروه بأمره‪ ،‬فأمر بطرده‬
‫يحيى العقيلي يشتري له دابة‬
‫توصله إلى راس عين وقد فضح سعيدا بأفعاله فخرج حتى أتى يحيى بن سعيد العقيلي وهو في منزله‪ ،‬فسلم عليه‪ ،‬وانتسب‬
‫له‪ ،‬فرحب به‪ ،‬وقال له‪ :‬ارتفع‪ .‬فقال‪ :‬لم آتك للجلوس‪ ،‬قال‪ :‬فما حاجتك? قال‪ :‬دابة أبلغ عليها إلى رأس عين‪ ،‬فقال‪ :‬غلم أعطه‬
‫الفرس الفلني‪ .‬فقال‪ :‬ل حاجة لي في ذلك‪ ،‬ولكن تأمر أن تشتري لي دابة أتبلغ عليها‪ .‬فقال لغلمه‪ :‬امض معه فابتع له ما‬
‫يريد‪ .‬فمضى معه‪ ،‬فعدل به العتابي إلى سوق الحمير‪ ،‬فقال له‪ :‬إنما أمرني أن ابتاع لك دابة‪ .‬فقال له‪ :‬إنه أرسلك معي‪ ،‬ولم‬
‫يرسلني معك‪ ،‬فإن عملت ما أريد و إل انصرف‪ .‬فمضى معه فاشترى حمارا بمائة وخمسين درهما‪ ،‬وقال‪ :‬ادفع إليه ثمنه‪ ،‬فدفع‬
‫إليه‪ ،‬فركب الحمار عريا بمرشحة عليه وبرذعة‪ ،‬وساقاه مكشوفتان‪ ،‬فقال له يحيى بن سعيد‪ :‬فضحتني‪ ،‬امثلي يحمل مثلك على‬
‫‪.‬هذا? فضحك‪ ،‬وقال‪ :‬ما رأيت قدرك يستوجب أكثر من ذلك‪ .‬ومضى إلى رأس عين‬
‫لوم زوجته له وما قال في ذلك‬
‫وكانت تحته امرأة من باهلة‪ ،‬وقالت‪ :‬هذا منصور النمري قد أخذ الموال فحلى نساءه‪ ،‬وبنى داره‪ ،‬واشترى ضياعا‪ ،‬وأنت هنا‬
‫‪:‬كما ترى فأنشأ يقول‬
‫زوي الفقر عنها كل طرف وتالد‬ ‫تلوم على ترك الغنـى بـاهـلـية‬
‫مقلدة أعـنـاقـهـا بـالـقـلئد‬ ‫رأت حولها النسوان يرفلن في الثرا‬
‫من العيش أو نال يحيى بن خالـد‬ ‫أسرك إني نلت ما نال جـعـفـر‬
‫مغصهما بالمشرقـات الـبـوارد‬ ‫وإن أمير المؤمنـين أغـصـنـي‬
‫بمستودعات في بطـون السـاود‬ ‫رأيت رفيعات المـور مـشـوبة‬
‫ولم أتجشم هول تلـك الـمـوارد وهذا الخبر فيه اضصراب‪ ،‬لن القصيدة‬ ‫دعيني تجئني ميتتـي مـطـمـئنة‬
‫‪:‬المذكورة التي أولها‬
‫ماذا شجاك بحوارين من طلل للعتابي في الرشيد‪ ،‬ل في عبد الملك‪ ،‬ولم يكن كما ذكره في أيام الرشيد متنقصا منه‪ .‬وله‬
‫‪.‬أخبار معه طويلة‪ ،‬وقد حدثني بخبره هذا لما استوهب رفع السيف عن ربيعة جماعة على غير هذه الرواية‬
‫عتب الرشيد على العتابي‬
‫وقطعه الهبات فيتنصل بقصيدته هذه‬
‫أخبرني عمي قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني مسعود بن إسماعيل العدوي عن موسى بن عبد الله التميمي‬
‫‪:‬قال‬

‫صفحة ‪1451 :‬‬

‫‪:‬عتب الرشيد على العتابي أيام الوليد بن طريف‪ ،‬فقطع عنه أشياء كان عوده إياها‪ ،‬فاتاه متنصل بهذه القصيدة‬
‫ودمنة كشفت عنها العاصـير‬ ‫ماذا شجاك بحوارين من طـلـل‬
‫والعين إنسانها بالماء مغـمـور‬ ‫شجاك حتى ضمير القلب مشترك‬
‫وفي الجفون عن الماق تقصير‬ ‫في ناظري انقباض عن جفونهما‬
‫تنأى بنا وبك الوطان والـدور‬ ‫لو كنت ترين ما شوقي إذا جعلت‬
‫من بيت نجران والغورين تغوير‬ ‫علمت أن سرى ليلى ومطلعـي‬
‫كما تضمنت الدهن الـقـوارير‬ ‫إذا الركائب مخوف نواظـرهـا‬
‫كما تنادي جلد الجلة الـخـور‬ ‫نادتك أرحامنا اللتي نمت بـهـا‬
‫ما بينهن وبين الله مـعـمـور‬ ‫مستنبط عزمات القلب من فكـر‬
‫مستنطقات بما تحوي الضمائير‬ ‫فت المدائح إل أن أنـفـسـنـا‬
‫ناداك في الوحي تقديس وتطهير‬ ‫ماذا عسى مادح يثني عليك وقـد‬
‫حث الجياد وحازتها المضامـير‬ ‫فإن منا الذي ل يسـتـحـث إذا‬
‫وعصبة دينها العدوان والـزور‬ ‫إن كـان ذوو إفـك ومــارقة‬
‫مجرب من بلء الصدق مخبور‬ ‫ومن عرائقه السفاح عـنـدكـم‬
‫خطاهم حيث يحتل الغشـامـير الرشيد يرضى عن العتابي ويرد أرزاقه‬ ‫الن قد بعدت في خطو طاعتكم‬
‫‪.‬ويصله ‪ -‬يعني يزيد بن مزيد‪ ،‬وهشام بن عمر والتغلبي‪ ،‬وهو ولد سفيح بن السفاح‪ -‬قال‪ :‬فرضي عنه ورد أرزاقه ووصله‬

‫صوت‬

‫كأن فراشي حال من دونه الجمر‬ ‫تطاول ليلى لم أنمـه تـقـلـبـا‬


‫فقد بان مني تـذكـره الـعـذر الشعر للبيرد الرياحي‪ ،‬والغناء لبابويه‪ ،‬ثقيل أول‬ ‫فإن تكن اليام فرقـن بـينـنـا‬
‫‪.‬بالوسطى عن عمرو‪ ،‬وفيه رمل نسبه يحيى المكي إلى ابن سريج‪ .‬وقيل إنه منحول‬

‫أخبار البيرد ونسبه‬


‫البيرد بن المعذر بن قيس بن عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم‪ .‬شاعر‬
‫‪.‬فصيح بدوي‪ ،‬من شعراء السلم وأول دولة بني أمية‬
‫البيرد ليس مكثرا ولم يتكسب بشعره‬
‫‪.‬وليس بمكثر‪ ،‬ول ممن وفد إلى الخلفاء فمدحهم‬
‫‪.‬وقصيدته هذه التي فيها الغناء يرثي بها بريدا أخاه‪ ،‬وهي معدودة من مختار المراثي‬
‫البيرد هوي امرأة فزوجت غيره‬
‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال‪ :‬حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال‪ :‬كان الرياحي يهوى امرأة من قومه ويجن بها حتى شهر‬
‫‪:‬ما بينهما‪ ،‬فحجبت عنه‪ ،‬وخطبها فأبوا أن يزوجوها إياه‪ ،‬ثم خطبها رجل من ولد حاجب بن زرارة‪ ،‬فزوجته‪ ،‬فقال البيرد في ذلك‬
‫تبغى لقـيط قـومـه وتـخـيرا‬ ‫إذا ما أردت الحسن فانظر إلى التي‬
‫لبـان مـكـان الـذر فـأثــرا‬ ‫لها بشر لـو يدرج الـذر فـوقـه‬
‫وأقررت للعادي فأخنى وأهجـرا البيرد و حارثة بن بدر‬ ‫لعمري لقد أمكنت منـا عـدونـا‬
‫أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب في كتابه إلي قال‪ :‬حدثنا محمد بن سلم الجمحي قال‪ :‬قدم البيرد الرياحي على حارثة‬
‫‪:‬بن بدر فقال‪ :‬اكسني بردين ادخل بهما على المير ‪ -‬يعني عبيد الله بن زياد ‪ -‬وكساه ثوبين فلم يرضهما‪ ،‬فقال فيه‬
‫أجاع وأعرى الله من كنت كاسيا‬ ‫أحارث أمسك فضل برديك إنما‬
‫لتمطرني عادت عجاجا وسافـيا‬ ‫وكنت إذا استمطرت منك سحابة‬
‫أرى ابن زياد عنك اصبح لهيا فبلغت أبياته هذه حارثة فقال‪ :‬قبحه الله‪ :‬لقد‬ ‫أحارث عاود شربك الخمر إنني‬
‫‪.‬شهد بما لم يعلم‪ .‬وإنما ادع جوابه لما ل يعلم‪ .‬هكذا ذكر محمد بن سلم‬
‫حارثة يمنع عنه الكسوة أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬حدثنا الصمعي قال‪ :‬هجا البيرد الرياحي‬
‫‪:‬حارثة بن بدر فقال‬
‫أرى ابن زياد عنك أصبح لهيا‬ ‫أحارث راجع شربـك إنـنـي‬
‫وكان زياد ماقتا لـك فـالـيا‬ ‫أرى فيك رأيا من أبيه وعمـه‬

‫صفحة ‪1452 :‬‬

‫وذكر البيتين الخرين اللذين ذكرهما محمد بن سلم‪ ،‬وقال في خبره هذا‪ :‬فكان حارثة يكسوه في كل سنة بردين‪ ،‬فحبسهما‬
‫‪:‬عنه في تلك السنة‪ ،‬فقال حارثة بن بدر يجيبه‬
‫أراك بأسمال الملبس كـاسـيا‬ ‫فإن كنت عن بردي مستغنيا لقـد‬
‫قنعت بأخلق وأمسيت عـاريا‬ ‫وعشت زمانا أن أعينك كسوتـي‬
‫على حاجة منها لمـك بـاديا فقال البيرد يهجو حارثة بن بدر‬ ‫‪:‬وبردين من حوك العراق كسوتها‬
‫ضخما يواريه جناح الجندب‬ ‫زعمت غدانة أن فيهـا سـيدا‬
‫لؤما ويسبعه ذراع الرنـب وقال أيضا لحارثة بن بدر‬ ‫‪:‬يرويه ما يروي الذباب وينتشي‬
‫تكون كفافا ل عـلـي ول لـيا‬ ‫أل ليت حظي من غدانة أنـهـا‬
‫وأن ل تكون الدهر إل مـوالـيا‬ ‫أبى الله أن يهدي عدانة للـهـدى‬
‫نعد به من أولينا الـمـسـاعـيا‬ ‫فلو أنني ألقى ابن بدر بمـوطـن‬
‫قروم تسامى من رياح تسـامـيا‬ ‫تقاصر حتـى يسـتـقـيد وبـذه‬
‫من المجد أنهاء ملء الخـوابـيا‬ ‫أيا فارط الحي الذي قد حشالكـم‬
‫فلست بنعمي يا ابن عقرب جازيا‬ ‫وعمي الذي فك السميدع عـنـوة‬
‫ونحن إذا متنـا أشـد تـغـانـيا‬ ‫كلنا عني عـن أخـيه حـياتـه‬
‫ذوي عدد للسائلـين مـعـاطـيا‬ ‫ألم ترنا إذ سقت قومـك سـائل‬
‫إذا طلعت والمترعين الجـوابـيا‬ ‫بني الردف حمالين كل عظـيمة‬
‫أقر ولكنا نـحـب الـعـوافـيا الردف الذي عناه ها هنا‪ :‬جده عتاب بن هرمي‬ ‫وإنا لنعطي النصف من لو نضيمه‬
‫بن رياح‪ ،‬كان ردف بن المنذر‪ ،‬إذا ركب ركب وراءه‪ ،‬وإذا جلس جلس عن يمينه‪ ،‬وإذا غزا كان له المرباع‪ ،‬وإذا شرب الملك‬
‫‪.‬سقي بكأسه بعده‪ ،‬وكان بعده ابنه قيس بن عتاب يردف النعمان‪ .‬وهو جد البيرد أيضا‬
‫البيرد وسعد العجلي‬
‫أخبرني هاشم بن محمد قال‪ :‬حدثنا أبو غسان عن أبي عبيدة قال‪ :‬كانت بنو عجل قد جاورت بني رياح بن يربوع في سنة‬
‫أصابت عجل‪ ،‬فكان البيرد يعاشر رجل منهم‪ ،‬يقال له سعد‪ ،‬ويجالسه‪ ،‬وكان قصده امرأة سعد هذا‪ ،‬فمالت إليه فومقته‪ ،‬وكان‬
‫البيرد شابا جميل ظريفا طريرا‪ ،‬وكان سعد شيخا هما ‪ ،‬فذهب بها كل مذهب حتى ظهر أمرهما وتحدث بهما‪ ،‬واتهم البيرد بها‪،‬‬
‫فشكاه إلى قومه واستعذرهم منه ‪ ،‬فقالوا له‪ :‬مالك تتحدث إلى امرأة الرجل? فقال‪ :‬وما بأس بذلك وهل خل عربي منه?‬
‫قالوا‪ :‬قد قيل فيكما ما ل قرار عليه‪ ،‬فاجتنب محادثتها‪ ،‬وإياك أن تعاودها‪ .‬فقال البيرد‪ :‬إن سعدا ل خير فيه لزوجته‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وكيف ذلك? قال‪ :‬لني رأيته يأتي فرسه البلقاء‪ ،‬ول فضل فيه لمرأته‪ ،‬فهي تبغضه لفعله‪ ،‬وهو يتهمها لعجزه عنها‪ .‬فضحكوا من‬
‫‪:‬قوله‪ ،‬وقالوا له‪ :‬وما عليك من ذلك? دع الرجل وامرأته ول تعاودها ول تجلس إليها‪ .‬فقال البيرد في ذلك‬
‫وودع ما يلحى علـيه عـواذلـه‬ ‫ألم تر أن ابن المعذر قد صـحـا‬
‫وما لوم عذال عليه خـلخـلـه‬ ‫غدا ذو خلخيل علي يلـومـنـي‬
‫فإني امرؤ ل تزدهيني صلصله‬ ‫فدع عنك هذا الحلي إن كنت لئمي‬
‫بمطرد الرواح ناء منـاهـلـه‬ ‫إذا خطرت عنـس بـه شـدنـية‬
‫ترحل عنهم وهو عف منـازلـه‬ ‫تبـين أقـوام سـفـاهة رأيهــم‬
‫لئاما مساعيه كثيرا هـتـامـلـه‬ ‫لهم مجلس كالردن يجمع مجلسـا‬
‫فل هو معطيني ول أنا سـائلـه‬ ‫تبرأت من سعـد وخـلة بـينـنـا‬
‫تلقح من ذات الربـاط حـوائلـه‬ ‫متى تنتج البلقاء يا سعد أم مـتـى‬
‫ويا سعد إن المرء تزني حلئلـه‬ ‫يحدث سعـد أن زوجـتـه زنـت‬
‫فتى كحسام أخلصته صـياقـلـه‬ ‫فإن تسم عيناها إلـي فـقـد رأت‬
‫ول رهل لبـاتـه و أبـاجـلـه ‪ -‬وهذا البيت الخير يروي للعجير السلوكي‪ ،‬ولخت‬ ‫فتى قد قد السيف ل مـتـضـائل‬
‫‪:‬يزيد بن الطثرية‪ -‬فاعترضه سلمان العجلي فهجاه وهجا بني رياح فقال‬

‫صفحة ‪1453 :‬‬

‫لكالعاوي فصادف سهـم رام‬ ‫لعمرك إننـي وبـنـي رياح‬


‫ليحميهم وليس لهـم بـحـام‬ ‫يسوقون ابن وجرة مزمـئرا‬
‫قصير الباع من نفـر لـئام‬ ‫وكم من شاعر لبنـي تـمـيم‬
‫دواهي يبترين من العـظـام‬ ‫كسونا إذ تخرق مـلـبـسـاه‬
‫فإن طعامهم شر الطـعـام‬ ‫وإن يذكر طعامهـم بـشـر‬
‫وآخر خالص من حـيض آم‬ ‫شريج من مني أبـي سـواج‬
‫على الكردوس كالفأس الكهام‬ ‫وسوداء المغابـن مـن رياح‬
‫دعتهم من ينيك على الطعـام‬ ‫إذا ما مر بالقعـقـاع ركـب‬
‫تؤوب وقد مضى ليل التمـام وقال البيرد أيضا مجيبا له‬ ‫‪:‬تداولها غواة النـاس حـتـى‬
‫أخو أهل اليمامة سهم رامي‬ ‫عوى سلمان من جو فلقـي‬
‫عواء الذئب مختلط الظـلم‬ ‫عوى من جبنه وشقي عجـل‬
‫ومن لحم الجزور على الثمام‬ ‫بنو عجل أذل من المـطـايا‬
‫وعجل ما تحيا بـالـسـلم‬ ‫تحيا المسلمون إذا تـلقـوا‬
‫إلى عجل فقبح مـن غـلم‬ ‫إذا عجليه ولـدت غـلمـا‬
‫سللة أعـبـد ورضـيع آم‬ ‫يمص بثـديهـا فـرخ لـئيم‬
‫لئيم بـين آبــاء لـــئام‬ ‫خبيث الريح ينشأ بالمخـازي‬
‫ذوي الكال والهمم العظـام‬ ‫أنا ابن الكرمين بني تـمـيم‬
‫عواملنا ومن ملك هـمـام‬ ‫وكائن من رئيس قطـرتـه‬
‫صبحناه بذي لجـب لـهـام وقال أيضا البيرد محيبا له‬ ‫‪:‬وجيش قد ربعـنـاه وقـوم‬
‫لسلمان سلمان اليمـامة مـنـظـرا‬ ‫أخذنا بآفاق الـسـمـاء فـلـم نـدع‬
‫إذا الطير مرات على الدوح صرصرا‬ ‫من القلـح فـسـاء ضـروط يهـره‬
‫نواجذ خـنـزير إذا مـا تـكـشـر‬ ‫وأقلح عجـلـي كـان بـخـطـمـه‬
‫إلى عارض فيه القـوادح أبـخـرا‬ ‫يزل النـوى عـن ضـرسـه فـيرده‬
‫وظلت بكفي جـأنـب غـير أزهـر‬ ‫إذا شرب العجلـي نـجـس كـأسـه‬
‫من الدم بين الـشـاربـين مـقـيرا‬ ‫شديد سواد الوجه تحـسـب وجـهـه‬
‫ولكن أرتـه أن يصـر ويحـصـرا‬ ‫إذا ما حساهـا لـم تـزده سـمـاحة‬
‫إذا شرب العجلي أخنـى وأهـجـر‬ ‫فل يشربن في الحي عـجـل فـإنـه‬
‫من الجدع عند الكأس أمرا مـذكـرا‬ ‫يقاسي نداماهم وتلـقـى أنـوفـهـم‬
‫ليالي يسبـيهـا مـقـاول حـمـيرا‬ ‫ولم تك في الشراك عجل تـذوقـهـا‬
‫إذا ما سعى منهم سفـيه تـجـبـرا‬ ‫وينفق فيها الحنظـلـيون مـا لـهـم‬
‫فمالت بنو عجل لمـا كـان أكـفـرا‬ ‫ولكنها هـانـت وحـرم شـربـهـا‬
‫لبئس الندامى كـنـتـم آل أبـجـرا مجائل وعرادة يتفاخران بنحر البل‬ ‫لعمري لئن أزننـتـم أو صـحـوتـم‬
‫أخبرني عبيد الله بن محمد الرازي قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الحارث قال حدثنا المدائني قال‪ :‬كان مجائل بن مرة بن محكان‬
‫السعدي وابن عم له يقال له‪ :‬عرادة‪ ،‬وقد كان عرادة اشترى غنما له فأنهبها‪ ،‬وكانت مائة شاه‪ ،‬فاشترى مرة بن محكان مائة‬
‫‪:‬من البل فأنحر بعضها وأنهب باقيها‪ ،‬وقال أبو عبيدة‪ :‬أنهما تفاخرا‪ ،‬فغلبه مرة‪ ،‬فقال البيرد لعرادة‬
‫وبت تقسم الحذف النقادا فبعث عبيد الله بن زياد فاخذ مرة بن محكان فحبسه‬ ‫شرى مائة فأنهبها جميعا‬
‫وقيده‪ ،‬ووقع بعد ذلك من قومه لحاء‪ ،‬فكانت بينهم شجاج ثم تكافؤوا وتوافقوا على الديات فأنبىء مررة بن محكان وهو‬
‫‪:‬محبوس‪ ،‬فعرف ذلك فتحمل جميعها في ماله‪ ،‬فقال فيه البيرد‬
‫كمرة إذ شـدت عـلـيه الداهـم‬ ‫لله عينا مـن رأى مـن مـكـبـل‬
‫فإنك قاض بالـحـكـومة عـالـم‬ ‫فأبلغ عبيد الـلـه عـنـي رسـالة‬
‫فعاقب هداك الله أعـظـم حـاتـم‬ ‫فإن أنت عاقبت ابن محكان في الندى‬
‫سعى في ثأى من قومه متـفـاقـم‬ ‫تعاقب خرقـا أن يجـود بـمـالـه‬

‫صفحة ‪1454 :‬‬

‫على مكفهر من ثنايا المخارم البيرد وابن عمه الحوص‬ ‫كأن دماء القوم إذ علقت بـه‬
‫يحرضان رجل على سحيم بن وثيل الرياحي‬
‫أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الصمعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمي قال‪ :‬أتى رجل البيرد الرياحي‬
‫وابن عمه الخوص‪ ،‬وهما من رهط ردف الملك من بني رياح‪ ،‬يطلب منهما قطرانا لبله فقال له‪ :‬إن أنت بلغت سحيم بن وثيل‬
‫‪:‬الرياحي هذا الشعر أعطيناك قطرانا‪ .‬فقال‪ :‬قول‪ .‬فقال اذهب فقل له‬
‫لذو شق على الحطم الحرون قال‪ :‬فلم أتاه وأنشد الشعر أخذ عصاه‪ ،‬وانحدر في‬ ‫فإن بداهتي وجراء حـولـي‬
‫‪:‬الوادي‪ ،‬وجعل يقبل فيه ويدبر‪ ،‬ويهمهم بالشعر‪ .‬ثم قال‪ :‬اذهب فقل لهما‬
‫لذو شق على الضرع الظنون‬ ‫فإن عللتي وجراء حـولـي‬
‫كنصل السيف وضاح الجبين‬ ‫أنا ابن الغر من سلفـي رياح‬
‫متى أضع العمامة تعرفوني‬ ‫أنا ابن جل وطلع الـثـنـايا‬
‫مكان الليث من وسط العرين‬ ‫وإن مكاننـا مـن حـمـيري‬
‫شديد مدها عنـق الـقـرين قال الصمعي‪ :‬إذا مسست شيئا خشنا فدخل في يدك‬ ‫وإن قناتنا مشط شـطـاهـا‬
‫قيل‪ :‬مشظت يدي والشظا‪ :‬ما تشظى منها‬
‫غداة الغب إل فـي قـرين‬ ‫وإني ل يعود إلـي قـرنـي‬
‫ول تؤتى فريستـه لـحـين‬ ‫بذي لبد يصد الركب عـنـه‬
‫فما بالي وبال ابني لـبـون‬ ‫غدرت البزل إذ هي صاولتني‬
‫وقد جاوزت رأس الربعين‬ ‫وماذا تبتغي الشعراء مـنـي‬
‫ونجذني مداورة الـشـؤون‬ ‫أخو الخمسين مجتمع أشـدي‬
‫لذو سند إلى نـضـد أمـين قال‪ :‬فأتياه فاعتذرا إليه‪ ،‬فقال‪ :‬إن أحدكم ل يرى أن‬ ‫سأحيا ما حييت وإن ظهـري‬
‫يصنع شيئا حتى يقيس شعره بشعرنا‪ ،‬وحسبه بحسبنا‪ ،‬ويستطيف بنا استطافة الرن ‪ .‬فقال له‪ :‬فهل إلى النزع من سبيل ‪.‬‬
‫‪.‬فقال ‪ :‬إننا لم تبلغ أنسابنا‬
‫‪.‬قال اليزيدي‪ :‬أبيات سحيم هذه من اختيارات الصمعي‬
‫قصيدة الصوت‬
‫‪:‬والقصيدة التي رثى بها البيرد أخاه بريدا وفي أولها الغناء المذكور‪ ،‬من جيد الشعر‪ ،‬ومختار المراثي‪ ،‬المختار منها قوله‬
‫كأن فراشي حال من دونه الـجـمـر‬ ‫تطاول ليلـي لـم أنـمـه تـقـلـبـا‬
‫لدن غاب قرن الشمس حتى بدا الفجـر‬ ‫أراقب من ليل الـتـمـام نـجـومـه‬
‫ونـائلـه يا حـبـذا ذلـك الـذكــر‬ ‫تذكرت قرما بـان مـنـا بـنـصـره‬
‫فقد عذرتنا في صحابـتـنـا الـعـذر‬ ‫فإن تـكـن اليام فـرقـن بـينـنــا‬
‫أل ل بل الموت التفـرق والـهـجـر‬ ‫وكنت أرى هجـرا فـراقـك سـاعة‬
‫بريدا طوال الدهر مـا لل الـعـفـر‬ ‫أحقا عـبـاد الـلـه أن لـسـت لقـيا‬
‫فإن قل مال لم يؤد متـنـه الـفـقـر‬ ‫فتى إن هو استغنى تخرق في الغـنـى‬
‫على العسر حتى أدرك العسر اليسـر‬ ‫وسامى جسيمات المـور فـنـالـهـا‬
‫إذا ضل رأي القوم أو حـزب المـر‬ ‫ترى القوم في العزاء ينـتـظـرونـه‬
‫وكنت أنا الميت الذي غـيب الـقـبـر‬ ‫فليتك كنت الحي في الـنـاس بـاقـيا‬
‫إذا السنة الشهباء قل بهـا الـقـطـر‬ ‫فتى يشتري حسن الـثـنـاء بـمـالـه‬
‫ولم يأتنا يوما بـأخـبـاره الـسـفـر‬ ‫كأن لم يصاحـبـنـا بـريد بـغـبـطة‬
‫لنا ابن عزيز بعد ما قصر الـعـصـر‬ ‫لعمري لنعم المـرء عـالـي نـعـيه‬
‫ولم تثنه الطباع دونـي ول الـجـدر‬ ‫تمضت به الخبار حتى تغـلـغـلـت‬
‫بي الرض فرط الحزن وانقطع الظهر‬ ‫ولما نعى الناعـي بـريدا تـغـولـت‬
‫أخو سكرة طارت بهامتـه الـخـمـر‬ ‫عساكر تغشى النفس حتـى كـأنـنـي‬
‫وبثي وأحزانا تضمـنـهـا الـصـدر‬ ‫إلى الله أشكو في بـريد مـصـيبـتـي‬
‫من الجر لي فيه وإن سرنـي الجـر‬ ‫وقد كنت أستعفـي إلـهـي إذا شـكـا‬
‫وسمعي عما كنـت أسـمـعـه وقـر‬ ‫وما زال في عينـي بـعـد غـشـاوة‬

‫صفحة ‪1455 :‬‬

‫شماتة أعداء عـيونـهـم خـزر‬ ‫على أنني أقنى الحـياء واتـقـي‬


‫وهوج من الرواح غدوتها شهر‬ ‫فحياك عني الليل والصبـح إذ بـدا‬
‫بأود فرواه الروافد والـقـطـر‬ ‫سقى جدثا لو أستطـيع سـقـيتـه‬
‫نبات إذا صاب الربيع بها نضـر‬ ‫ول زال يرعى من بلد ثوى بهـا‬
‫ورب الهدايا حيث حل بها النحـر‬ ‫حلفت برب الرافعـين أكـفـهـم‬
‫رفاق من الفاق تكبيرهـا جـأر‬ ‫ومجتمع الحجاج حيث توافـقـت‬
‫وما في يمين قالها صـادق وزر‬ ‫يمين امرىء آلى وليس بـكـاذب‬
‫بريد لنعم المرء غيبـه الـقـبـر‬ ‫لئن كان أمس ابن المعذر قد ثـوى‬
‫ومسعر حرب ل كهام ول غمـر‬ ‫هو الخلف المعروف والدين والتقى‬
‫وصرمت السباب واختلط النجـر‬ ‫أقام فنادى أهلـه فـتـحـمـلـوا‬
‫رخيص لجاديه إذا تنزل الـقـدر‬ ‫فتى كان يغلي اللحم نيئا ولحـمـه‬
‫بليل وزاد السفر إن أرمل السفـر‬ ‫فتى الحي والضياف إن روحتهـم‬
‫فآبت ولم يهتك لجارتـه سـتـر‬ ‫إذا جارة حلت لديه وفـى بـهـا‬
‫صليب فما يلفى لعود به كـسـر‬ ‫عفيف عن السوآت ما التبست بـه‬
‫وراء الذي لقيت معدى ول قصر‬ ‫سلكت سبيل العالمين فمـا لـهـم‬
‫وإن نأت الدعوى وطال به العمر‬ ‫وكل امرىء يوما سيلقى حمامـه‬
‫ثوابك عندي اليوم أن ينطق الشعر وقال يرثيه أيضا‪ ،‬وهي قصيدة طويلة‬ ‫‪:‬وأبليت خيرا في الحـياة وإنـمـا‬
‫إلي ولم أملك لعـينـي مـدمـعـا‬ ‫إذا ذكرت نفسي بريدا تحـامـلـت‬
‫علي وأضحوا جلد أجرب مولـعـا‬ ‫وذكرنيك الناس حين تـحـامـلـوا‬
‫فقد كنت طلع النجاد سـمـيدعـا‬ ‫فل يبعدنك الله خير أخـي امـرىء‬
‫إذا ارتادك الجادي من الناس أمرعا‬ ‫وصول لذي القربى بعيدا عن الخنـا‬
‫إذا القوم حالوا أو رجا الناس مطمعا‬ ‫أخو ثقة ل ينتحـي الـقـوم دونـه‬
‫إذا القوم أزجوهن حسرى وظلعـا‬ ‫ول يركب الوجنـاء دون رفـيقـه‬
‫صوت‬

‫حياكما الله بالـسـلم‬ ‫يا زائرينا من الـخـيام‬


‫ولم تنال سوى الكـلم‬ ‫يحزنني أن أطفتما بـي‬
‫بطاعة الله ذي اعتصام‬ ‫بورك هارون من إمـام‬
‫ليس لعـدل ول إمـام الشعر لمنصور النمري‪ ،‬والغناء لعبد الله بن طاهر‪ ،‬رمل‪ ،‬ذكر‬ ‫له إلى ذي الجلل قربى‬
‫ذلك عبيد الله ابنه‪ ،‬ولم ينسبه إلى الصابع التي بنى عليها‪ ،‬وفيه للرف خفيف رمل بالوسطى‪ ،‬عن عمرو بن بانة‪ .‬وفيه ثقيل‬
‫‪.‬أول بالبنصر مجهول الصابع‪ .‬ذكر حبش أنه للرف أيضا‬

‫أخبار منصور النمري ونسبه‬


‫منصور بن الزبرقان سلمة ‪ -‬وقيل منصور بن سلمة بن الزبرقان ‪ -‬بن شريك بن مطعم الكبش الرخم‪ ،‬بن مالك بن سعد بن‬
‫عامر بن سعد الضحيان بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن‬
‫نزار‪ .‬وإنما سمي عامر الضحيان لنه كان سيد قومه وحاكمهم‪ ،‬وكان يجلس لهم إذا أضحى النهار‪ ،‬فسمي الضحيان‪ .‬وسمي جد‬
‫منصور مطعم الكبش الرخم‪ ،‬لنه أطعم ناسا نزلوا به ونحر لهم‪ ،‬ثم رفع رأسه فإذا رخم يحمن حول أضيافه‪ ،‬فأمر بأن يذبح‬
‫لهم كبش ويرمى به بين أيديهم‪ ،‬ففعل ذلك فنزلن عليه‪ ،‬فمزقنه؛ فسمي مطعم الكبش الرخم‪ .‬وفي ذلك يقول أبو نعيجة‬
‫‪:‬النمري يمدح رجل منهم‬
‫وخالك ذو الكبش يقري الرخم‬ ‫أبوك زعيم بـنـي قـاسـط‬

‫صفحة ‪1456 :‬‬

‫وكان منصور شاعرا من شعراء الدولة العباسية من أهل الجزيرة‪ ،‬وهو تلميذ كلثوم بن عمرو العتابي وروايته‪ ،‬وعنه أخذ‪ ،‬ومن‬
‫بحره استقى‪ ،‬وبمذهبه تشبه‪ ،‬والعتابي وصفه للفضل بن يحيى بن خالد وقرضه عنده حتى استقدمه من الجزيرة واستصحبه‪ ،‬ثم‬
‫وصله بالرشيد‪ .‬وجرت بعد ذلك بينه وبين العتابي وحشة حتى تهاجرا وتناقضا‪ ،‬وسعى كل واحد منهما على هلك صاحبه‪ ،‬وأخبار‬
‫ذلك تذكر في مواضعها من أخبارهما ‪ -‬إن شاء الله تعالى ‪ -‬وكان النمري قد مدح الفضل بقصيدة وهو مقيم بالجزيرة‪ ،‬فأوصلها‬
‫العتابي إليه‪ ،‬وأسترفده له‪ ،‬وسأله استصحابه‪ ،‬فأذن له في القدوم‪ ،‬فحظي عنده‪ ،‬وعرف مذهب الرشيد في الشعر‪ ،‬وإرادته أن‬
‫يصل مدحه إياه بنفي المامة عن ولد علي بن أبي طالب ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬والطعن عليهم‪ ،‬وعلم مغزاه في ذلك مما كان يبلغه‬
‫من تقديم مروان بن أبي حفصة‪ ،‬وتفضيله أياه على الشعراء في الجوائز‪ .‬فسلك مذهب مروان في ذلك‪ ،‬ونحا نحوه‪ ،‬ولم يصرح‬
‫بالهجاء والسب كما كان يفعل مروان‪ ،‬ولكنه حام ولم يقع‪ ،‬وأومأ ولم يحقق‪ ،‬لنه كان يتشيع‪ ،‬وكان مروان شديد العداوة لل‬
‫‪.‬أبي طالب‪ ،‬وكان ينطق عن نية قوية يقصد بها طلب الدنيا فل يبقي ول يذر‬
‫سؤاله أن يذكر عند الرشيد‬
‫أخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد قال‪ :‬حدثنا محمد بن موسى بن حماد قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أبي سعد الكراني‪،‬‬
‫وأخبرني به عمي قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن سعد حديث محمد بن جعفر النحوي أنه قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله بن آدم بن‬
‫جشم العبدي قال‪ :‬حدثنا ثابت بن الحارث الجشمي قال‪ :‬كان منصور النمري مصافيا للبرامكة‪ ،‬وكان مسكنه بالشأم‪ ،‬فكتب‬
‫يسألهم أن يذكروه للرشيد ‪ ،‬فذكروه ووصفوه‪ ،‬فأحب أن يسمع كلمه‪ ،‬فأمرهم بإقدامه‪ ،‬فقدم ونزل عليهم‪ ،‬فأخبروا الرشيد‬
‫بموضعه وأمرهم بإحضاره‪ ،‬وصادف دخوله إليه يوم نوبة مروان‪ ،‬على ما سمعه من بيانه‪ ،‬وكان مروان يقول قبل قدومه‪ :‬هذا‬
‫شامي وأنا حجازي‪ ،‬افتراه يكون أشعر مني‪ ،‬ودخله من ذلك ما يدخل مثله من الغم والحسد‪ ،‬واستنشد الرشيد منصورا‪،‬‬
‫‪:‬فأنشده‬
‫غمار الهول من بلد شـطـير‬ ‫أمير المؤمنين إليك خـضـنـا‬
‫تلين على السرى وعلى الهجير‬ ‫بخوص كالهـلة خـافـقـات‬
‫ومثل الصخر والدر النـثـير‬ ‫حملن إليك أحـمـال ثـقـال‬
‫وغايته وصار إلى المـصـير‬ ‫فقد وقف المديح بمـنـتـهـاه‬
‫إذا ذكر الندى كف المـشـير فقال مروان‪ :‬وددت والله أنه أخذ جائزتي وسكت‬ ‫‪.‬إلى من ل يشـير إلـى سـواه‬
‫‪:‬وذكر في القصيدة يحيى بن عبد الله بن حسن فقال‬
‫ومن ليس بالمن الصـغـير‬ ‫يذلل من رقاب بني عـلـي‬
‫وكان من الحتوف على شفير مروان ينشد الرشيد قال مروان‪ :‬فما برحت‬ ‫مننت على ابن عبد الله يحيى‬
‫حتى أمرني هارون أمير المؤمنين أن أنشده‪ ،‬وكان يتبسم في وقت ما كان ينشده النمري‪ ،‬ويأخذ على بطنه‪ ،‬وينظر إلى ما‬
‫‪:‬قال‪ ،‬فأنشدته‬
‫في كتب الخبار يوجدان‬ ‫موسى وهارون هما الذان‬
‫قدا عنانين على عـنـان‬ ‫من ولد المهدي مـهـديان‬
‫وشد أزري ما به حبانـي‬ ‫قد أطلق المهدي لي لساني‬
‫عيدية شاحطة الثـمـان‬ ‫من اللجين ومن العقـيان‬
‫إذا لقيل اشتبه النـهـران النمري ل يحتفل بقول مروان قال‪ :‬فوالله ما عاج النمري‬ ‫لو خايلت دجلة باللـبـان‬
‫‪:‬بذلك ول احتفل به‪ ،‬فأومأ إلى هارون أن زده؛ فأنشدته قصيدتي التي أقول فيها‬
‫حطم المناكب كل يوم زحام‬ ‫خلوا الطريق لمعشر عاداتهم‬
‫ودعوا وراثة كل أصيد حام‬ ‫ارضوا بما قسم الله لكم به‬
‫لبني البنات وراثة العمـام قال‪ :‬فوالله ما عاج بشيء منها‪ ،‬وخرجت الجائزتان‪،‬‬ ‫أني يكون وليس ذاك بكـائن‬
‫‪.‬فأعطى مروان مائة ألف‪ ،‬وأعطى النمري سبعين ألفا‪ ،‬وقال‪ :‬أنت مزيد في ولد علي‬
‫‪:‬قال‪ :‬ولقد تخلص النمري إلى شيء ليس عليه فيه شيء‪ ،‬وهو قوله‬
‫وإل فالندامة للـكـفـور‬ ‫فإن شكروا فقد أنعمت فيهم‬
‫وردوا ما يناسب للذكـور‬ ‫وإن قالوا بنو بنت فـحـق‬

‫صفحة ‪1457 :‬‬

‫‪:‬قال‪ :‬فكان مروان يتأسف على هذا المعنى أن يكون قد سبقه إليه‪ ،‬وإلى قوله‬
‫مع العمام في ورق الزبور أخبرني بهذا الخبر محمد بن عمران الصيرفي‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫وما لبني بنات مـن تـراث‬
‫حدثني الغنوي عن محمد بن محمد بن عبد الله بن آدم عن أبي معشر العبدي‪ ،‬فذكر القصة قريبا مما ذكره محمد بن جعفر‬
‫‪.‬النحوي يزيد وينقص‪ ،‬والمعنى متقارب‬
‫غضب هارون أن يشبه بالرسول أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله بن طهمان‬
‫السلمي قال‪ :‬حدثني أحمد بن سيار الشيباني الشاعر قال‪ :‬كان هارون أمير المؤمنين يحتمل أن يمدح بما تمدح به النبياء فل‬
‫‪:‬ينكر ذلك ول يرده‪ ،‬حتى دخل عليه نفر من الشعراء فيهم رجل من ولد زهير بن أبي سلمى‪ ،‬فأفرط في مدحه حتى قال فيه‬
‫فكأنه بعد الرسول رسول فغضب هارون ولم ينتفع به أحد يومئذ‪ ،‬وحرم ذلك الشاعر فلم يعطه شيئا‪ ،‬وأنشد منصور النمري‬
‫قصيدة مدحه بها وهجا آل علي وثلبهم‪ ،‬فضجر هارون وقال له‪ :‬يا ابن اللخناء‪ ،‬أتظن أنك تتقرب إلي بهجاء قوم أبوهم أبي‪،‬‬
‫ونسبهم نسبي‪ ،‬وأصلهم وفرعهم أصلي وفرعي? فقال‪ :‬وما شهدنا إل بما علمنا‪ .‬فازداد غضبه‪ ،‬وأمر مسرورا فوجأ في عنقه‬
‫‪:‬وأخرج‪ ،‬ثم وصل إليه يوما آخر بعد ذلك فأنشده‬
‫عليكم بالسداد مـن المـور‬ ‫بني حسن ورهط بني حسين‬
‫غداة الروع بالبيض الذكور‬ ‫فقد ذقتم قراع بنـي أبـيكـم‬
‫وضموكم إلى كنـف وثـير‬ ‫أحين شفوكمو من كل وتـر‬
‫سقيتم من نوالهم الـغـزيز‬ ‫وجادوكم على ظمـإ شـديد‬
‫بفعلهـم وآدى لـلـثـؤور‬ ‫فما كان العقوق لهم جـزاء‬
‫وإن ظلموا لمحزون الضمير فقال له‪ :‬صدقت‪ ،‬وإل فعلي وعلي‪ ،‬وأمر له بثلثين‬ ‫وإنك حين تبـلـغـهـم أذاة‬
‫‪.‬ألف درهم‬
‫مروان ينشد الرشيد أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا يزيد بن محمد المهلبي قال‪ :‬حدثني عبد الصمد بن المعذل قال‪ :‬دخل‬
‫‪:‬مروان بن أبي حفصة وسلم الخاسر‪ ،‬ومنصور النمري على الرشيد‪ ،‬فأنشده مروان قصيدته التي يقول فيها‬
‫لبني البنات وراثة العمام وأنشده سلم فقال‬ ‫‪:‬أنى يكون وليس ذاك بكائن‬
‫‪:‬حضر الرحيل وشدت الحداج وأنشده النميري قصيدته التي يقول فيها‬
‫أحلك منها حيث تجتـمـع الرشيد يميز شاعره الخاص عن سائر الشعراء فأمر‬ ‫إن المكارم والمعروف أودية‬
‫لكل واحد منهم بمائة ألف درهم‪ ،‬فقال له يحيى بن خالد‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬مروان شاعرك خاصة قد ألحقتهم به‪ .‬قال‪ :‬فليزد‬
‫‪.‬مروان عشرة آلف‬
‫أخبرني عمي قال‪ :‬أخبرنا ابن أبي سعد قال‪ :‬حدثني علي بن الحسن الشيباني قال‪</H6 :‬إعجاب الرشيد بشعر منصور ‪<H6‬‬
‫‪:‬أخبرني أبو حاتم الطائي‪ ،‬عن يحيى بن ضبيئة الطائي‪ ،‬عن الفضل قال‪ :‬حضرت الرشيد وقد دخل منصور النمري عليه فأنشده‬
‫إذا ذكرت شبابا ليس يرتجـع‬ ‫ما تنقضي حسرة مني ول جزع‬
‫صروف دهر وأيام لها خـدع‬ ‫بان الشباب وفاتتنـي بـلـذتـه‬
‫حتى انقضى فإذا الدنيا له تبـع قال‪ :‬فتحرك الرشيد لذلك ثم قال‪ :‬أحسن‬ ‫ما كنت أوفي شبابي كنه غرته‬
‫‪.‬والله‪ ،‬ل يتهنأ أحد بعيش حتى يخطر في رداء الشباب‬
‫أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا ابن سعد قال‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن آدم العبدي عن أبي ثابت العبدي عن مروان بن أبي‬
‫حفصة‪ ،‬قال‪ :‬خرجنا مع الرشيد إلى بلد الروم‪ ،‬فظفر الرشيد‪ ،‬وقد كاد أن يعطب‪ ،‬لول الله عز وجل ثم يزيد بن مزيد‪ .‬فقال لي‬
‫‪:‬وللنمري‪ :‬أنشدا‪ .‬فأنشدته قولي‬
‫غراء تخلط بالحياء دللها ووصفت الرجال من السرى كيف أسلموا نساءهم‪،‬‬ ‫طرقتك زائرة فحي خيالها‬
‫والظفر الذي رزقه‪ ،‬فقال‪ :‬عدوا قصيدته‪ ،‬فكانت مائة بيت‪ ،‬فأمر لي بمائة ألف درهم‪ ،‬ثم قال للنمري‪ :‬كيف رأيت فرسي فإني‬
‫‪:‬أنكرته? فقال النمري‬
‫إذا ما اشتكت أيدي الجياد يطـير‬ ‫مضر على فأس اللجـام كـأنـه‬
‫ضباع وذؤبـان بـه ونـسـور‬ ‫فظل على الصفصاف يوم تباشرت‬
‫إذا قسمت بين العـبـاد أجـور‬ ‫فأقسم ل ينسى لك اللـه أجـرهـا‬

‫صفحة ‪1458 :‬‬

‫‪:‬قال النمري‪ :‬ثم قلت في نفسي‪ :‬ما يمنعني من إذكاره بالجائزة? فقلت‬
‫فغيث أمير المؤمنين مـطـير‬ ‫إذا الغيث أكدى واقشعرت نجومه‬
‫فأخلفها غـيث وكـاد يضـير فقال‪ :‬أذكرتني‪ .‬ورأيته متهلل لذلك‪ .‬قال‪ :‬فألحقني‬ ‫وما حل هارون الخليفة بـلـدة‬
‫‪.‬بمروان وأمر لي بمائة ألف درهم‬
‫البيدق ينشد قصيدة النمري‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ابن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله بن طهمان‪ ،‬قال حدثني محمد الراوية المعروف‬
‫بالبيدق ‪ -‬وكان قصيرا‪ ،‬فلقب بالبيدق لقصره‪ ،‬وكان ينشد هارون أشعار المحدثين ‪ -‬وكان أحسن خلق الله إنشادا ‪ -‬قال‪ :‬دخلت‬
‫على الرشيد وعنده الفضل بن الربيع‪ ،‬ويزيد بن مزيد‪ ،‬وبين يديه خوان لطيف عليه جديان ورغفان سميد ودجاجتان‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫‪:‬أنشدني‪ ،‬فأنشدته قصيدة النمري العينية‪ ،‬فلما بلغت إلى قوله‬
‫فليس بالصلوات الخمس ينـتـفـع‬ ‫أي امرىء بات من هارون في سخط‬
‫أحلك الله منهـا حـيث تـتـسـع‬ ‫إن المكـارم والـمـعـروف أودية‬
‫ومن وضعت من القوام متـضـع‬ ‫إذا رفعت امرأ فـالـلـه يرفـعـه‬
‫يوم الوغى والمنايا بـينـهـا قـرع قال‪ :‬فرمى بالخوان بين يديه وصاح‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫نفسي فداؤك والبطـال مـعـلـمة‬
‫هذا والله أطيب من كل طعام وكل شيء‪ ،‬وبعث إليه بسبعة آلف دينار‪ ،‬فلم يعطني منها ما يرضيني‪ ،‬وشخص إلى رأس العين‪،‬‬
‫‪:‬فأغضبني وأحفظني‪ ،‬فأنشدت هارون قوله‬
‫يعللون النفوس بالباطـل فلما بلغت إلى قوله‬ ‫‪:‬شاء من الناس راتع هامل‬
‫بسلة البيض والقنا الذابل الرشيد يبعث بمن يقتل النمري‬ ‫إل مساعير يغضبون لها‬
‫في يوم وفاته‬
‫قال‪ :‬أراه يحرض علي‪ ،‬ابعثوا إليه من يجيء برأسه‪ .‬فكلمه فيه الفضل بن الربيع فلم يغن كلمه شيئا‪ ،‬وتوجه إليه الرسول‬
‫‪.‬فوافاه في اليوم الذي مات فيه ودفن‪ .‬قال‪ :‬وكان إنشاد محمد البيدق يطرب كما يطرب الغناء‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا علي بن الحسين الشيباني‪</H6 ،‬سبب غضب الرشيد على النمري ‪<H6‬‬
‫قال‪ :‬أخبرني منصور بن جهور‪ ،‬قال‪ :‬سألت العتابي عن سبب غضب الرشيد عليه‪ ،‬فقال لي‪ :‬استقبلت النمري يوما من اليام‬
‫فرأيته مغموما واجما كئيبا‪ ،‬فقلت له‪ :‬ما خبرك? فقال‪ :‬تركت امرأتي تطلق‪ ،‬وقد عسر عليها ولدها‪ ،‬وهي يدي ورجلي‪ ،‬والقيمة‬
‫بأمري وأمر منزلي‪ .‬فقلت له‪ :‬لم ل تكتب على فرجها هارون الرشيد? قال‪ :‬ليكون ماذا? قال لتلد على المكان‪ ،‬قال‪ :‬وكيف‬
‫‪:‬ذلك? قلت‪ :‬لقولك‬
‫أو ضاق أمر ذكرناه فيتـسـع فقال لي‪ :‬يا كشخان‪ ،‬والله لئن تخلصت‬ ‫إن أخلف الغيث لم تخلف مخايله‬
‫امرأتي لذكرن قولك هذا للرشيد‪ .‬فلما ولدت امرأته خبر الرشيد بما كان بيني وبينه‪ ،‬فغضب الرشيد لذلك وأمر بطلبي‪،‬‬
‫فاستترت عند الفضل بن الربيع‪ ،‬فلم يزل يسأل في حتى أذن لي في الظهور‪ ،‬فلما دخلت عليه‪ ،‬قال لي‪ :‬قد بلغني ما قلته‬
‫للنمري‪ ،‬فاعتذرت إليه حتى قبل‪ ،‬ثم قلت‪ :‬والله يا أمير المؤمنين ما حمله على التكذل علي إل وقوفي على ميله إلى العلوية‪،‬‬
‫‪:‬فإن أراد أمير المؤمنين أن أنشده شعره في مديحهم فعلت‪ .‬فقال‪ :‬أنشدني‪ .‬فأنشدته قوله‬
‫يعللون النفوس بالباطـل حتى بلغت إلى قوله‬ ‫‪:‬شاء من الناس راتع هامل‬
‫بسلة البيض والقنا الذابل غضب الرشيد وطلبه نبش قبره فغضب من ذلك غضبا‬ ‫إل مساعير يغضبون لها‬
‫شديدا‪ ،‬وقال للفضل بن الربيع‪ :‬أحضره الساعة‪ .‬فبعث الفضل في ذلك‪ ،‬فوجده قد توفي‪ ،‬فأمر بنبشه ليحرقه‪ ،‬فلم يزل الفضل‬
‫‪.‬يلطف له حتى كف عنه‬
‫الفضل بن الربيع يحمي النمري أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‪ :‬حدثنا يحيى بن الحسن بن عبد الخالق‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثني بعض الزينبيين‪ ،‬قال‪ :‬حبس الرشيد منصورا النمري بسبب الرفض‪ ،‬فتخلصه الفضل بن الربيع‪ ،‬ثم بلغه شعره في‬
‫‪:‬آل علي عليه السلم‪ ،‬فقال للفضل‪ :‬اطلبه‪ .‬فستره الفضل عنده‪ ،‬وجعل الرشيد يلح في طلبه‪ ،‬حتى قال يوما للفضل‬

‫صفحة ‪1459 :‬‬

‫ويحك يا فضل تفوتني النمري? قال‪ :‬يا سيدي‪ ،‬هو عندي قد حصلته‪ .‬قال‪ :‬فجئني‪ .‬وكان الفضل قد أمره أن يطول شعره‪،‬‬
‫ويكثر مباشرة الشمس ليشحب وتسوء حالته‪ ،‬ففعل‪ ،‬فلما أراد إدخاله عليه ألبسه فروة مقلوبة‪ ،‬وأدخله عليه‪ ،‬وقد عفا شعره‪،‬‬
‫‪:‬وساءت حالته‪ ،‬فلما رآه‪ ،‬قال‪ :‬السيف فقال الفضل‪ :‬يا سيدي من هذا الكلب حتى تأمر بقتله بحضرتك? قال‪ :‬أليس هو القائل‬
‫بسلة البيض والقنا الذابل فقال منصور‪ :‬ل يا سيدي ما أنا قائل هذا‪ ،‬ولقد كذب علي‪،‬‬ ‫إل مساعير يغضبون لها‬
‫‪:‬ولكني القائل‬
‫انعم صباحا على بلكـا‬ ‫يا منزل الحي ذا المغاني‬
‫لم يطع الله من عصاكا‬ ‫هارون يا خير من يرجى‬
‫من اتقى الله واتقـاكـا فأمر بإطلقه وتخلية سبيله‪ ،‬فقال منصور يمدح الفضل بن‬ ‫في خير دين وخير دنـيا‬
‫‪:‬الربيع‬
‫ت قد قامت محانـيه‬ ‫رأيت الملك مـذ آزر‬
‫فما يعرف ثـانـيه عفة النمري‬ ‫هو الوحد في الفضل‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن مسلم بن الهيثم الكوفي عن محمد بن أرتبيل‪ ،‬قال‪ :‬اجتمع عند‬
‫المأمون قبل خلفته‪ ،‬وذلك في أيام الرشيد‪ ،‬منصور النمري والخزيمي والعباس بن زفر‪ ،‬وعنده جعفر بن يحيى‪ ،‬فحضر الغداء‪،‬‬
‫فأتي المأمون بلون من الطعام‪ ،‬فأكل منه فاستطابه‪ ،‬فأمر به فوضع بين يدي جعفر بن يحيى‪ ،‬فأصاب منه‪ ،‬ثم أمر به فوضع‬
‫بين يدي العباس فأكل منه‪ ،‬ثم نحاه‪ ،‬فأكل منه بعده الخزيمي وغيره ‪ -‬ولم يأكل منه النمري ‪ -‬وذلك بعين المأمون‪ ،‬فقال له‪ :‬لم‬
‫‪:‬لم تأكل? فقال‪ :‬لئن أكلت ما أبقى هؤلء إني لنهم‪ .‬قال‪ :‬فهل قلت في هذا شيئا? قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‬
‫إني إذا لدنيء النفس والخطـر‬ ‫لهفي أتطعمها قينسا وآكـلـهـا‬
‫ليأكل سؤر عبـاس ول زفـر‬ ‫ما كان جدي ول كان الهمام أبي‬
‫وسؤر كلب مغطى العين بالوبر‬ ‫شتان من سؤر عباسس وفضلتـه‬
‫وقد رأى لقما في الحلق كالعجز نسبة هذه القصيدة إلى منصور بن بجرة‬ ‫ما زال يلقم والطباخ يلحـظـه‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي وعمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عليل العنزي‪ ،‬قال‪ :‬اخبرني علقمة بن نصر بن واصل النمري‪،‬‬
‫قال‪ :‬سمعت أشياخنا يقولون‪ ،‬إن منصور بن بجرة بن منصور بن صليل بن أشيم بن قطن بن سعد بن عامر بن الضحيان بن‬
‫‪:‬سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط‪ ،‬قال هذه القصيدة‬
‫إذا ذكرت شبابا ليس يرتـجـع‬ ‫ما تنقضي حسرة مني ول جـزع‬
‫صروف دهر وأيام لهـا خـدع‬ ‫بان الشباب وفاتتنـي بـشـرتـه‬
‫مكسو شيب فل يذهب بك الجزع منصور بن سلمة يستوهبها منه ويطلبه‬ ‫ما كنت أول مسلوب شبـيبـتـه‬
‫الرشيد ولكنه يرده فيستنجد بيزيد الشيباني فيدخله فسمعها منصور بن سلمى بن الزبرقان بن شريك بن مطعم الكبش الرخم‬
‫بن مالك بن سعد بن عامر الضحيان فاستحسنها‪ ،‬فاستوهبها منه فوهبها له‪ ،‬وكان منصور بن بجرة هذا موسرا ل يتصدى لمدح‬
‫ول يفد إلى أحد ول يتنجعه بالشعر‪ ،‬وكان هارون الرشيد قد جرد السيف في ربيعة‪ ،‬فوجه منصور بن سلمة هذه القصيدة إلى‬
‫الرشيد‪ ،‬وكان رجل تقتحمه العين جدا‪ ،‬ويزدريه من رآه لدمامة خلقه فأمر الرشيد لما عرضت عليه بإحضار قائلها‪ .‬قال منصور‪:‬‬
‫فلما وصلت إليه عرفني الحاجب أنه لما عرضت عليه قرأها واختارها على جميع شعر الشعراء جميعا‪ ،‬وأمره بإدخالي‪ ،‬فلما‬
‫قربت من حاجبه الفضل بن الربيع ازدراني لدمامة خلقي‪ ،‬وكان قصيرا أزرق أحمر أعمش نحيفا‪ .‬قال‪ :‬فردني‪ ،‬وأمر بإخراجي‬
‫فأخرجت‪ ،‬فمر بي ذات يوم يزيد بن مزيد الشيباني‪ ،‬فصحت به‪ :‬يا أبا خالد‪ ،‬أنا رجل من عشيرتك‪ ،‬وقد لحقني ضيم‪ ،‬وعذت بك‪.‬‬
‫فوقف‪ ،‬فعرفته خبري‪ ،‬وسألته‪ :‬أن يذكرني إذا مرت به رقعتي‪ ،‬ويتلطف في إيصالي‪ ،‬ففعل ذلك‪ ،‬فلما دخلت على أمير‬
‫‪:‬المؤمنين أنشدته هذه القصيدة‬
‫أتسلو وقد بان الشباب المزايل الرشيد يرفع السيف عن ربيعة فقال لي‪ :‬غدا إن شاء الله آمر برفع السيف عن ربيعة وخرج‬
‫يزيد يركض‪ ،‬فما جاءت العصر من الغد حتى رفع السيف عن ربيعة بنصيبين وما يليها‪ ،‬وأنشدته القصيدة‪ ،‬فلما صرت إلى هذا‬
‫‪:‬الموضع‬

‫صفحة ‪1460 :‬‬

‫وعان بجود كلهم متحـامـل قالوا‪ :‬فلما سمع الجلساء هذا البيت‪ ،‬قالوا‪ :‬ذهب‬ ‫يجرد فينا السيف من بين مارق‬
‫‪:‬العرابي وافتضح‪ ،‬فلما قلت‬
‫بأنـك عـياف لـهـن مـزايل‬ ‫وقد علم العدوان والجور والخنـا‬
‫ينال بريا بـالذى مـتـنـاول‬ ‫ولو علموا فينا بأمرك لـم يكـن‬
‫وبأسا إذا اصطك القنا والقنابـل‬ ‫لنا منك أرحام ونعـتـد طـاعة‬
‫ول يصل الرحام مثلك واصـل‬ ‫وما يحفظ النساب مثلك حافـظ‬
‫لنا حين عضتنا الخطوب الجلئل‬ ‫جعلناك فامنعنا معاذا ومفـزعـا‬
‫تطامن خوف واستقرت بلبـل فقال الجلساء‪ :‬أحسن والله العرابي يا أمير‬ ‫وأنت إذا عاذت بوجهـك عـوذ‬
‫‪.‬المؤمنين فقال الرشيد‪ :‬يرفع السيف عن ربيعة ويحسن إليهم‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن الحسين بن عبيد البكري قال‪ :‬أخبرني أبو خالد الطائي‬
‫‪:‬عن الفضل‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند الرشيد وعنده الكسائي‪ ،‬فدخل إليه منصور النمري‪ ،‬فقال له الرشيد‪ :‬أنشدني‪ .‬فأنشده قوله‬
‫إذا ذكرت شبابا ليس يرتجـع فتحرك الرشيد‪ ،‬ثم أنشده حتى انتهى إلى قوله‬ ‫‪:‬ما تنقضي حسرة مني ول جزع‬
‫حتى انقضى فإذا الدنيا له تبع فطرب الرشيد‪ ،‬وقال‪ :‬أحسنت والله‪ ،‬وصدقت‪،‬‬ ‫ما كنت أوفي شبابي كنه عزته‬
‫‪.‬ل والله ل يتهنا أحد يعيش حتى يخطر في رداء الشباب وأمر به بجائزة سنية‬
‫أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله بن طهمان السلمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن‬
‫سنان البيساني‪ ،‬وأخبرني عمي قال‪ :‬أخبرنا ابن أبي سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مسعود بن عيسى‪ ،‬عن موسى بن عبد الله التميمي‪ :‬أن‬
‫جماعة من الشعراء اجتمعوا ببغداد وفيهم منصور النمري‪ ،‬وكانوا على نبيذ‪ ،‬فأبى منصور أن يشرب معهم‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إنما تعاف‬
‫‪:‬الشرب لنك رافضي‪ ،‬وتسمع وتصغي إلى الغناء‪ ،‬وليس تركك النبيذ من ورع‪ ،‬فقال منصور‬
‫ولم يبق عندي للوصال نصـيب‬ ‫خل بين ندماني موضع مجلسي‬
‫رددت عليه الكأس وهي سليب‬ ‫وردت على الساقي تفيض وربما‬
‫عليه بنان كفـهـن خـضـيب الغناء لبراهيم‪ ،‬خفيف ثقيل‪ ،‬مطلق في مجرى‬ ‫وأي امرىء ل يستهش إذا جرت‬
‫‪.‬البنصر‪ .‬ومن الناس من ينسبه إلى مخارق‪ ،‬هكذا في الخبر‬
‫وقد حدثني علي بن سليمان الخفض‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد المبرد‪ ،‬قال‪ :‬كتب كلثوم بن عمرو العتابي إلى منصور النمري‬
‫‪:‬قوله‬
‫وأشفى على شمس النهار غروب‬ ‫تقضت لبـانـات ولح مـشـيب‬
‫غواية قلب كان وهـو طـروب‬ ‫وودعت إخوان الصبا وتصرمـت‬
‫رددت عليه الكأس وهي سلـيب‬ ‫وردت على الساقي تفيض وربما‬
‫خفيف على أيدي القيان صخوب‬ ‫ومما يهيج الشـوق لـي فـيرده‬
‫أصابيغ في لبـاتـهـن وطـيب فأجابه النمري وقال‬ ‫‪:‬عطون به حتى جرى في أديمـه‬
‫تلقيهما والحلم عنك عزوب‬ ‫أوحشة ندمانيك تبكي فربـمـا‬
‫سماع قيان عودهـن قـريب‬ ‫ترى خلفا من كل نيل وثـروة‬
‫وتحتازك الفات حين أغـيب‬ ‫يغنيك يا بنتي فتستصحب النهى‬
‫لعريان من ثوب الفلح سليب أخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪،‬‬ ‫وإن امرأ أودى السماع بلبـه‬
‫قال‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن آدم بن جشم العبدي أبو مسعر‪ ،‬قال‪ :‬أتى النمري يزيد بن مزيد ويزيد يومئذ في إضاقة‬
‫‪:‬وعسرة‪ ،‬فقال‪ :‬اسمع مني جعلت فداك‪ .‬فأنشده قصيدة له‪ .‬يقول فيها‬
‫سوى يزيد لفاتوا الناس في الحسـب‬ ‫لو لم يكن لبني شيبان مـن حـسـب‬
‫من آل شيبان يحويهن مـن كـثـب‬ ‫تأوي المكارم من بكر إلـى مـلـك‬
‫في منبت النبع ل في منبت الغرب‬ ‫أب وعم وأخوال مـنـاصـبـهـم‬
‫خيل الندى أحرز الولى من القصب‬ ‫إن أبا خالد لـمـا جـرى وجـرت‬
‫عتق مبين ومحض غير مؤتـشـب‬ ‫لما تلغـبـهـن الـجـري قـدمـه‬

‫صفحة ‪1461 :‬‬

‫كمغتزي الليث في عريسه الشب‬ ‫إن الذين اغتزوا بالحـر غـرتـه‬


‫كان إيقاعها النيران في الحطـب‬ ‫ضربا دراكا وشدات على عـنـق‬
‫لكن إذا ما احتبى للجود فاقتـرب فقال يزيد‪ :‬والله ما أصبح في بيت مالي‬ ‫ل تقربن يزيدا عنـد صـولـتـه‬
‫‪.‬شيء‪ ،‬ولكن انظر يا غلم كم عندك فهاته‪ .‬فجاءه بمائة دينار وحلف أنه ل يملك يومئذ غيرها‬
‫وقد أخبرني عمي بهذا الخبر‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن علي بن حمزة العلوي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمي عن جدي‪ ،‬قال‪ :‬قال لي منصور‬
‫النمري‪ ،‬كنت واقفا على جسر بغداد أنا وعبيد الله بن هشام بن عمرو التغلبي‪ ،‬وقد وخطني الشيب يومئذ‪ ،‬وعبيد الله شاب‬
‫حديث السن‪ ،‬فإذا أنا بقصرية ظريفة قد وقفت‪ ،‬فجعلت أنظر إليهما وهي تنظر إلى عبيد الله بن هشام ثم انصرفت‪ ،‬وقلت‬
‫‪:‬فيها‬
‫في لمتي وعبيد الـلـه لـم يشـب‬ ‫لما رأيت سوام الشيب منـتـشـرا‬
‫على سبيبة ذي الذيال والطـرب‬ ‫سللت سهمين من عينيك فانتضـل‬
‫إلى الفروع معراة عن الخـشـب‬ ‫كذا الغواني نرى منهـن قـاصـدة‬
‫ول وعيشك ما أصبحت من أربي‬ ‫ل أنت أصبحت تعتـدينـنـا أربـا‬
‫تحول بيني وبين اللهو واللـعـب‬ ‫إحدى وخمسين قد أنضبت جدتـهـا‬
‫غفلت عنك ول عن شأنك العجـب ثم عدلت عن ذلك فمدحت فيها يزيد‬ ‫ل تحسبني وإن أغضيت عن بصري‬
‫‪:‬بن مزيد فقلت‬
‫سوى يزيد لفاقوا الناس بالحسـب‬ ‫لو لم يكن لبني شيبان من حسـب‬
‫إذا أسلم الجود فيهم عاقد الطنـب‬ ‫ل تحسب الناس قد حابوا بني مطر‬
‫من أن تبزكموه كف مستـلـب‬ ‫الجود أخشن لمسا يا بني مـطـر‬
‫للذم لكنه يأتي علـى الـنـشـب قال‪ :‬فأعطاني يزيد عشرة آلف درهم‬ ‫‪.‬ما أعرف الناس أن الجود مدفـعة‬
‫حدثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن عبد الله التميمي الحزنبل‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمرو بن عثمان الموصلي‪ ،‬قال حدثني ابن أبي‬
‫روق الهمداني‪ ،‬قال‪ :‬قال لي منصور النمري‪ :‬دخلت على الرشيد يوما ولم أكن أعددت له مدحا‪ ،‬فوجدته نشيطا طيب النفس‪،‬‬
‫‪:‬فرمت شيئا فما جاءني‪ ،‬ونظر إلي مستنطقا‪ ،‬فقلت‬
‫أمير المؤمنين تجـد مـقـال‬ ‫إذا اعتاص المديح عليك فامدح‬
‫تنل عرفا ولم تذلـل سـؤال‬ ‫وعذ بفنـائه واجـنـح إلـيه‬
‫وضعن مدائحاص وحملن مال فقال‪ :‬والله لئن قصرت القول لقد أطلت المعنى‪،‬‬ ‫فنـاء ل تـزال بـه ركـاب‬
‫‪.‬وأمر لي بصلة سنية‬

‫ببرقة أحواذ وأنت طـروب‬ ‫طربت إلى الحي الذين تحملوا‬


‫لها في عظام الشاربين دبيب الشعر لعبد الله بن الحجاج الثعلبي‪ ،‬والغناء لعلويه‪،‬‬ ‫فبت أسقاها سلفـا مـدامة‬
‫‪.‬رمل بالوسطى‪ ،‬عن الهشامي‪ ،‬وفيه لسليم خفيف رمل‪ ،‬مطلق في مجرى الوسطى‬

‫نسب عبد الله بن الحجاج وأخباره‬


‫هو عبد الله بن الحجاج بن محصن بن جندب بن نصر بن عمرو بن عبد غنم بن جحاش بن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن‬
‫ذبيان بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلن بن مضر‪ .‬ويكنى أبا القرع‪ .‬شاعر فاتك شجاع من معدودي‬
‫فرسان مضر ذوي البأس والنجدة فيهم‪ ،‬وكان ممن خرج مع عمرو بن سعيد على عبد الملك بن مروان‪ ،‬فلما قتل عبد الملك‬
‫بن مروان عمرا خرج مع نجدة بن عامر الحنفي ثم هرب‪ ،‬فلحق بعبد الله بن الزبير‪ ،‬فكان معه إلى أن قتل‪ ،‬ثم جاء إلى عبد‬
‫‪.‬الملك متنكرا‪ ،‬واحتال عليه حتى أمنه‬
‫وأخباره تذكر في ذلك وغيره ها هنا أخبرني بخبره في تنقله من عسكر إلى عسكر‪ ،‬ثم استئمانه‪ ،‬جماعة من شيوخنا‪ ،‬فذكروه‬
‫‪.‬متفرقا فابتدأت بأسانيدهم‪ ،‬وجمعت خبره من روايتهم‬

‫صفحة ‪1462 :‬‬

‫فأخبرنا الحرمي بن أبي العلء‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار‪ ،‬قال‪ :‬حدثني اليزيدي أبو عبد الله محمد بن العباس‪ ،‬ببعضه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثني سليمان بن أبي شيخ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد الموي‪ ،‬وأخبرنا محمد بن عمران الصيرفي قال‪ :‬حدثنا الحسن بن‬
‫عليل العنزي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن معاوية السدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن كناسة‪ ،‬وأخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي‬
‫سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن مسلم بن الهيثم الكوفي عن محمد بن أرتبيل‪ ،‬ونسخت بعض هذه الخبار من نسخة أبي العباس‬
‫ثعلب‪ ،‬واللفاظ تختلف في بعضها والمعاني قريبة‪ ،‬قالوا‪ :‬كان عبد الله بن الحجاج الثعلبي شجاعا فاتكا صعلوكا من صعاليك‬
‫العرب‪ ،‬وكان متسرعا إلى الفتن‪ ،‬فكان ممن خرج مع عمرو بن سعيد بن العاص‪ ،‬فلما ظفر به عبد الملك هرب إلى ابن الزبير‪،‬‬
‫‪.‬فكان معه حتى قتل‪ ،‬ثم اندس إلى عبد الملك فكلم فيه فأمنه‬
‫هذه رواية ثعلب‪ ،‬وقال العنزي وابن سعد في روايتهما‪ :‬لما قتل عبد الله بن الزبير‪ ،‬وكان عبد الله بن الحجاج من أصحابه‬
‫وشيعته احتال حتى دخل على عبد الملك بن مروان وهو يطعم الناس‪ ،‬فدخل حجرة‪ ،‬فقال له‪ :‬مالك يا هذا ل تأكل? قال‪ :‬ل‬
‫أستحل أن آكل حتى تأذن لي‪ .‬قال‪ :‬إني قد أذنت للناس جميعا‪ .‬قال‪ :‬لم أعلم فآكل بأمرك‪ .‬قال‪ :‬كل‪ .‬فأكل‪ ،‬وعبد الملك ينظر‬
‫إليه ويعجب من فعاله‪ ،‬فلما أكل الناس وجلس عبد الملك في مجلسه‪ ،‬وجلس خواصه بين يديه‪ ،‬وتفرق الناس‪ ،‬جاء عبد الله بن‬
‫‪:‬الحجاج فوقف بين يديه‪ ،‬ثم استأذنه في النشاد فأذن له‪ ،‬فأنشده‬
‫مما لقيت من الحوادث موجع‬ ‫أبلغ أمير المؤمنين فـإنـنـي‬
‫جيش يجر ومقنب يتـلـمـع فقال عبد الملك‪ :‬وما خوفك ل أم لك‪ ،‬لول أنك‬ ‫منع القرار فجئت نحوك هاربا‬
‫‪:‬مريب فقال عبد الله‬
‫وعرت مذاهبها وسد المطلع فقال له عبد الملك‪ :‬ذلك بما كسبت يداك‪ ،‬وما الله‬ ‫إن البلد علي وهي عريضة‬
‫‪:‬بظلم للعبيد‪ ،‬فقال عبد الله‬
‫وإليك إذ عمي البصائر نرجع‬ ‫كنا تنحلنا الـبـصـائر مـرة‬
‫من دينه وحـياتـه مـتـودع‬ ‫إن الذي يعصيك منا بعـدهـا‬
‫وأطيع أمرك ما أمرت وأسمع‬ ‫آتي رضاك ول أعود لمثلـهـا‬
‫وخزامة النف المقود فأتبـع فقال له عبد الملك‪ :‬هذا ل نقبله منك إل بعد‬ ‫أعطي نصيحتي الخليفة ناخعـا‬
‫‪:‬المعرفة بك وبذنبك? فإذا عرفت الحوبة قبلنا التوبة‪ .‬فقال عبد الله‬
‫وابن الزبير فعرشه متضعضع فقال عبد الملك‪ :‬لله الحمد والمنة على ذلك‪.‬‬ ‫ولقد وطئت بني سعـيد وطـأة‬
‫‪:‬فقال عبد الله‬
‫تعلو ويسفل غيركم مـا يرفـع‬ ‫ما زلت تضرب منكبا عن منكب‬
‫حدثا يكوس وغابرا يتجعـجـع‬ ‫ووطئتم في الحرب حتى أصبحوا‬
‫القرم قرم بني قصـي النـزع‬ ‫فحوى خلفتهم ولم يظلم بـهـا‬
‫والبدر منبلجا إذا مـا يطـلـع‬ ‫ل يستوي خاوي نـجـوم أفـل‬
‫ووضعت وسطهم فنعم الموضع‬ ‫وضعت أمية واسطين لقومهـم‬
‫عالي المشارف عزه ما يدفـع فقال له عبد الملك‪ :‬إن توريتك عن نفسك‬ ‫بيت أبو العاصي بنـاه بـربـوة‬
‫‪:‬لتريبني‪ ،‬فأي الفسقة أنت? وماذا تريد? فقال‬
‫وإليك بعد معادها ما ترجـع‬ ‫حربت أصيبيتى يد أرسلتهـا‬
‫أفلت نجومهم ونجمك يسطع فقال عبد الملك‪ :‬ذلك جزاء أعداء الله‪ .‬فقال عبد‬ ‫وأرى الذي يرجو تراث محمد‬
‫‪:‬الله بن الحجاج‬
‫جحل تدرج بالشربة جوع فقال عبد الملك‪ :‬ل أنعشهم الله‪ ،‬وأجاع أكبادهم‪ ،‬ول‬ ‫فانعش أصيبيتى اللء كأنهم‬
‫‪:‬أبقى وليدا من نسلهم‪ ،‬فإنهم نسل كافر فاجر ل يبالي ما صنع‪ .‬فقال عبد الله‬
‫يوم القليب فحيز عنهم أجمع فقال له عبد الملك‪ :‬لعلك أخذته من غير حله‪،‬‬ ‫مال لهم مما يضن جمعتـه‬
‫وأنفقته في غير حقه‪ ،‬وأرصدت به لمشاقة أولياء الله‪ ،‬وأعددته لمعاونة أعدائه‪ ،‬فنزعه منك إذ استظهرت به على معصية الله‪.‬‬
‫‪:‬فقال عبد الله‬
‫فأراك تدفعني فأين المدفع‬ ‫أدنو لترحمني وتجبر فاقتي‬

‫صفحة ‪1463 :‬‬

‫فتبسم عبد الملك‪ ،‬وقال له‪ :‬إلى النار‪ ،‬فمن أنت الن? قال‪ :‬أنا عبد الله بن الحجاج الثعلبي‪ ،‬وقد وطئت دارك وأكلت طعامك‪،‬‬
‫‪:‬وأنشدتك‪ ،‬فإن قتلتني بعد ذلك فأنت وما تراه‪ ،‬وأنت بما عليك في هذا عارف‪ .‬ثم عاد إلى إنشاده فقال‬
‫عني فألبسني فثوبك أوسـع فنبذ عبد الملك إليه رداء كان على كتفه‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ضاقت ثياب الملبسين وفضلهم‬
‫البسه‪ ،‬ل لبست فالتحف به‪ ،‬ثم قال له عبد الملك‪ :‬أولى لك والله‪ ،‬لقد طاولتك طمعا في أن يقوم بعض هؤلء فيقتلك‪ ،‬فأبى‬
‫‪.‬الله ذلك‪ ،‬فل تجاورني في بلد‪ ،‬وانصرف آمنا‪ ،‬قم حيث شئت‬
‫‪:‬قال اليزيدي في خبره‪ :‬قال عبد الله بن الحجاج‪ :‬ما زلت أتعرف منه كل ما أكره حتى أنشدته قولي‬
‫عني فألبسني فثوبك أوسـع فرمى عبد الملك مطرفه‪ ،‬وقال‪ :‬البسه‪ .‬فلبسته‬ ‫‪.‬ضاقت ثياب الملبسين وفضلهم‬
‫ثم قال‪ :‬آكل يا أمير المؤمنين? قال‪ :‬كل‪ .‬فأكل حتى شبع‪ ،‬ثم قال‪ :‬أمنت ورب الكعبة? فقال‪ :‬كن من شئت إل عبد الله بن‬
‫‪.‬الحجاج‪ .‬قال‪ :‬فأنا والله هو‪ ،‬وقد أكلت طعامك‪ ،‬ولبست ثيابك‪ ،‬فأي خوف علي بعد ذلك? فأمضى له المان‬
‫ونسخت عن كتاب أحمد بن يحيى ثعلب بن ابن العرابي‪ ،‬قال‪ :‬كان عبد الله بن الحجاج قد خرج مع نجدة بن عامر الحنفي‬
‫‪:‬الشاري‪ ،‬فلما انقضى أمره هرب‪ ،‬وضاقت عليه الرض من شدة الطلب‪ ،‬فقال في ذلك‬
‫على الخائف المطرود كفة حابل‬ ‫رأيت بلد الله وهـي عـريضة‬
‫تيممها ترمي إلـيه بـقـاتـل قال‪ :‬ثم لجأ إلى أحيح بن خالد بن عقبة بن أبي معيط‪،‬‬ ‫تؤدي إلـيه أن كـل ثـنـــية‬
‫‪:‬فسعى به إلى الوليد بن عبد الملك‪ ،‬فبعث إليه بالشرط‪ ،‬فأخذ من دار أحيح‪ ،‬فأتي به الوليد فحبسه‪ ،‬فقال وهو في الحبس‬
‫لعيني إذ نأت ظمياء فيضي‬ ‫أقول وذاك فرط الشوق مني‬
‫وما للدمع يسفح من مغيض‬ ‫فما للقلب صبر يوم بـانـت‬
‫بماء سحابة خصر فضيض‬ ‫كأن معتقـا مـن أذرعـات‬
‫بسر ل تبوح به خـفـيض يقول فيها‬ ‫‪:‬بفيها إذ تخافـتـنـي حـياء‬
‫ويركب بي عروضا عن عروض‬ ‫فإن يعرض أبو العبـاس عـنـي‬
‫وبيغضني فإني مـن بـغـيض‬ ‫ويجعل عرفـه يومـا لـغـيري‬
‫وفي الكفاء ذو وجـه عـريض‬ ‫فإنـي ذو غـنـى وكـريم قـوم‬
‫وفي الحرب المذكرة العضوض‬ ‫غلبت بني أبي العاصي سمـاحـا‬
‫خروج القدح من كف المفـيض‬ ‫خرجت علـيهـم فـي كـل يوم‬
‫تلقانـي بـجـامـعة ربـوض‬ ‫فدى لك من إذا مـا جـئت يومـا‬
‫وبئست تحفة الشيخ الـمـريض‬ ‫على جنب الـخـوان وذاك لـؤم‬
‫فزعت إلى مقـوقـية بـيوض‬ ‫كأني إذ فـزعـت إلـى أحـيح‬
‫لقحقحها إذا درجـت نـقـيض قال‪ :‬فدخل أحيح على الوليد بن عبد الملك‪ ،‬فقال يا‬ ‫إوزة غيضة لقحـت كـشـافـا‬
‫‪:‬أمير المؤمنين‪ :‬إن عبد الله بن الحجاج قد هجاك قال‪ :‬بماذا? فأنشده قوله‬
‫ويركب بي عروضا عن عروض‬ ‫فإن يعرض أبو العبـاس عـنـي‬
‫وبيغضني فإني مـن بـغـيض فقال الوليد‪ :‬وأي هجاء هذا هو من بغيض إن‬ ‫ويجعل عرفـه يومـا لـغـيري‬
‫‪:‬أعرضت عنه‪ ،‬أو أقبلت عليه‪ ،‬أو أبغضته‪ ،‬ثم ماذا? فأنشده‬
‫فزعت إلى مقوقية بيوض فضحك الوليد‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما أراه هجا غيرك‪ .‬فلما خرج من‬ ‫كأني إذ فزعت إلى أحـيح‬
‫‪.‬عنده أحيح أمر بتخلية سبيل عبد الله بن الحجاج‪ ،‬فأطلق‪ .‬وكان الوليد إذا رأى أحيحا ذكر قول عبد الله فيه فيضحك منه‬
‫حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا خلد بن يزيد الرقط عن سالم بن قتيبة‪ .‬وحدثني‬
‫يعقوب بن القاسم الطلحي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني غير واحد‪ ،‬منهم عبد الرحمن بن محمد الطلحي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن معاوية‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪:‬سمعت أبا علقمة الثقفي يحدث‪ .‬قال أبو زيد‪ :‬وفي حديث بعضهم ما ليس في حديث الخر‪ ،‬وقد ألفت ذلك‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪1464 :‬‬

‫كان كثير بن شهاب بن الحصين بن ذي الغصة بن يزيد بن شداد بن قنان بن سلمة بن وهب بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث‬
‫بن كعب‪ ،‬على ثغر الري‪ ،‬وله إياه المغيرة بن شعبة إذ كان خليفة معاوية على الكوفة‪ ،‬وكان عبد الله بن الحجاج معه‪ ،‬فأغار‬
‫الناس على الديلم‪ ،‬فأصاب عبد الله بن الحجاج رجل منهم‪ ،‬فأخذ سلبه‪ ،‬فانتزعه منه كثير‪ ،‬وأمر بضربه‪ ،‬فضرب مائة سوط‪،‬‬
‫‪:‬وحبس‪ ،‬فقال عبد الله في ذلك‪ ،‬وهو محبوس‬
‫وقد علقته من كثير حبـائل‬ ‫تسأل سلمى عن أبيها صحابه‬
‫بأبهر ل غاز ول هو قافـل‬ ‫فل تسألي عني الرفاق فإنه‬
‫فجدلته فيه سنان وعـامـل فمكث في الحبس مدة‪ ،‬ثم أخلي سبيله‪ ،‬فقال‬ ‫‪:‬ألست ضربت الديلمي أمامهم‬
‫عليه لمر غالني وشجـانـي‬ ‫سأترك ثغر الري ما كنت واليا‬
‫فل تدعني للصيد من غطفان‬ ‫فإن أنا لم أدرك بثأري وأتـئر‬
‫ومالك بي يا بن الحصين يدان‬ ‫تمنيتني يا بن الحصين سفـاهة‬
‫بسيفي كفاحا هامة ابن قنـان قال‪ :‬فلما عزل كثير وقدم الكوفة كمن له عبد الله‬ ‫فإني زعيم أن أجلل عـاجـل‬
‫بن الحجاج في سوق التمارين ‪ -‬وذلك في خلفة معاوية وإمارة المغيرة بن شعبة على الكوفة ‪ -‬وكان كثير يخرج من منزله إلى‬
‫القصر يحدث المغيرة‪ ،‬فخرج يوما من داره إلى المغيرة يحدثه فأطال‪ ،‬وخرج من عنده ممسيا يريد داره‪ ،‬فضربه عبد الله‬
‫‪:‬بعمود حديد على وجهه فهتم مقاديم أسنانه كلها‪ ،‬وقال في ذلك‬
‫ضربت كثيرا مضرب الظربـان‬ ‫من مبلغ قيسا وخـنـدف أنـنـي‬
‫تذل وتخزي الدهـر كـل يمـان‬ ‫فأقسم ل تنفك ضـربة وجـهـه‬
‫سريعا إلى الهيجاء غير جـبـان‬ ‫فإن تلقني تلق أمرأ قد لـقـيتـه‬
‫على سابح غوج اللبان حـصـان‬ ‫وتلق أمرأ لم تـلـق أمـك بـره‬
‫كرام على البأساء والـحـدثـان‬ ‫وحولي من قيس وخندف عصـبة‬
‫فإني لقرم يا كـثـير هـجـان‬ ‫وإن تك للسنخ الذي غص بالحصى‬
‫بغيض بن ريث بعـد آل دجـان‬ ‫أنا ابن بني قيس علي تعطـفـت‬
‫أدركت مظلمتي من ابن شهـاب‬ ‫من مبلغ قيسا وخـنـدف أنـنـي‬
‫سرح الجراء طـويلة القـراب‬ ‫أدركته أجرى على مـحـبـوكة‬
‫تعلو بجؤجئهـا هـوي عـقـاب‬ ‫جرداء سرحوب كـأن هـويهـا‬
‫منه فأضربـه عـلـى النـياب‬ ‫خضت الظلم وقد بدت لي عورة‬
‫ذهل الجنان مضـرج الثـواب‬ ‫فتركته يكـبـو لـفـيه وأنـفـه‬
‫بقصور أبهر نصرتي وعقـابـي‬ ‫هل خشيت وأنـت عـاد ظـالـم‬
‫جلدي وتنزع ظالـمـا أثـوابـي‬ ‫إذ تستحل‪ ،‬وكان ذاك مجـرمـا‪،‬‬
‫بأشم ل رعـش ول قـبـقـاب قال‪ :‬فكتب ناس من اليمانية من أهل الكوفة إلى‬ ‫ما ضره والحر يطـلـب وتـره‬
‫معاوية‪ :‬إن سيدنا ضربه خسيس من غطفان‪ ،‬فإن رأيت أن تقيدنا من أسماء بن خارجة‪ .‬فلما قرأ معاوية الكتاب قال‪ :‬ما رأيت‬
‫كاليوم كتاب قوم أحمق من هؤلء‪ .‬وحبس عبد الله بن الحجاج‪ ،‬وكتب إليهم‪ :‬إن القود ممن لمن يجن محظور ‪ ،‬والجاني‬
‫محبوس‪ ،‬حبسته فليقتص منه المجني عليه ‪ .‬فقال كثير بن شهاب‪ :‬ل أستقيدها إل من سيد مضر‪ .‬فبلغ قوله معاوية فغضب‬
‫وقال‪ :‬أنا سيد مضر فليستقدها مني‪ ،‬وأمن عبد الله بن الحجاج‪ ،‬وأطلقه‪ ،‬وأبطل ما فعله بابن شهاب‪ ،‬فلم يقتص ول أخذ له‬
‫‪.‬عقل‪ .‬عفو كثير عن عبد الله بن الحجاج‬
‫إن عبد الله بن الحجاج لما ضربه بالعمود‪ ،‬قال له‪ :‬أنا عبد الله بن الحجاج صاحبك بالري‪ ،‬وقد قابلتك بما فعلت بي‪ ،‬ولم أكن‬
‫لكتمك نفسي‪ ،‬وأقسم بالله لئن طالبت فيها بقود لقتلنك‪ .‬فقال له‪ :‬أنا أقتص من مثلك‪ ،‬والله ل أرضى بالقصاص إل من أسماء‬
‫بن خارجة وتكلمت اليمانية وتحارب الناس بالكوفة‪ ،‬فكتب معاوية إلى المغيرة‪ :‬أن أحضر كثيرا وعبد الله بن الحجاج فل يبرحان‬
‫من مجلسك حتى يقتص كثير أو يعفو‪ .‬فأحضرهما المغيرة‪ ،‬فقال قد عفوت? وذلك لخوفه من عبد الله بن الحجاج أن يغتاله‪.‬‬
‫‪.‬قال‪ :‬وقال لي‪ :‬يا أبا القيرع‪ ،‬والله ل نلتقي أنت ونحن جميعا أهتمان‪ ،‬وقد عفوت عنك‬

‫صفحة ‪1465 :‬‬

‫ونسخت من كتاب ثعلب عن ابن العرابي‪ ،‬قال‪ :‬كان لعبد الله بن الحجاج ابنان يقال لحدهما‪ :‬عوين‪ ،‬والثاني جندب‪ ،‬فمات‬
‫جندب وعبد الله حي فدفنه بظهر الكوفة‪ ،‬فمر أخوه عوين بحراث إلى جانب قبر جندب‪ ،‬فنهاه أن يقربه بفدانه‪ ،‬وحذره ذلك‪،‬‬
‫‪:‬فلما كان الغد وجده قد حرث جانبه‪ ،‬وقد نبشه وأضر به‪ ،‬فشد عليه فضربه بالسيف وعقر فدانه‪ .‬وقال‬
‫فدانيكما ل تحرثا قبر جنـدب‬ ‫أقول لحراثي حريمي جنـبـا‬
‫ويذهب فدان منكما كل مذهب قال‪ :‬فأخذ عوين‪ ،‬فاعتقله السجان‪ ،‬فضربه حتى‬ ‫فإنكما إن تحـرثـاه تـشـردا‬
‫شغله بنفسه‪ ،‬ثم هرب‪ ،‬فوفد أبوه إلى عبد الملك فاستوهب جرمه فوهبه‪ ،‬وأمر بأل يتعقب‪ ،‬فقال عبد الله بن الحجاج‪ ،‬يذكر ما‬
‫‪:‬كان من ابنه عوين‬
‫نجا من كربة إن كان نـاجـي‬ ‫لمثلك يا عوين فدتك نـفـسـي‬
‫تركت ابن العكامس في العجاج قال‪ :‬ولما وفد عبد الله بن الحجاج إلى عبد‬ ‫عرفتك من مصاص السنخ لمـا‬
‫‪:‬الملك بسبب ما كان من ابنه عوين مثل بين يديه‪ ،‬فأنشده‬
‫أنت النجيب والخيار المصطفـى‬ ‫يا بن أبي العاصي ويا خير فـتـى‬
‫حين كشفت الظلمات بـالـهـدى‬ ‫أنت الذي لم تـدع المـر سـدى‬
‫قضيته إن القضاء قـد مـضـى‬ ‫ما زلت إن ناز على المر انتـزى‬
‫وابن الزبير إذ تسمـى وطـغـى‬ ‫كما أذقت ابن سعـيد إذ عـصـى‬
‫من عبد شمس في الشماريخ العلى‬ ‫وأنـت إن عـد قـديم وبـنــى‬
‫هل أنت عاف عن طريد قد غوى‬ ‫جيبت قريش عنكم جوب الرحـى‬
‫رمى به جول إلى جول الـرجـا‬ ‫أهوى على مهواة بثـر فـهـوى‬
‫يعوي مع الذئب إذا الذئب عـوى‬ ‫فتجبـر الـيوم بـه شـيخـا ذوى‬
‫من هول ما لقى وأهوال الردى‬ ‫وإن أراد النوم لم يقض الـكـرى‬
‫نفسي وآبائي لـك الـيوم الـفـدا فأمر عبد الملك بتحمل ما يلزم ابنه من غرم‬ ‫يشكر ذاك ما نفـت عـين قـذى‬
‫‪.‬وعقل‪ ،‬وأمنه‬
‫ونسخت من كتاب ثعلب عن ابن العرابي‪ ،‬قال‪ :‬وفد عبد الله بن الحجاج إلى عبد العزيز بن مروان ومدحه‪ ،‬فأجزل صلته‪،‬‬
‫وأمره بأن يقيم عنده ففعل‪ ،‬فلما طال مقامه اشتاق إلى الكوفة وإلى أهله‪ ،‬فاستأذن عبد العزيز فلم يأذن له‪ ،‬فخرج من عنده‬
‫‪:‬غاضبا‪ ،‬فكتب عبد العزيز إلى أخيه بشر‪ ،‬أن يمنعه عطاءه‪ ،‬فمنعه‪ ،‬ورجع عبد الله لما أضر به ذلك إلى عبد العزيز‪ ،‬وقال يمدحه‬
‫وعند ابن ليلى معقل ومـعـول‬ ‫تركت ابن ليلى ضلة وحـريمـه‬
‫وأن الديار بالمـقـيم تـنـقـل‬ ‫ألم يهدني أن المـراغـم واسـع‬
‫وأختار أهل الخير إن كنت أعقل‬ ‫سأحكم أمري إن بدا لـي رشـده‬
‫تحلب كفاه الندى حـين يسـأل‬ ‫وأترك أوطاري وألحق بامـرىء‬
‫وجري شأى جري الجـياد وأول‬ ‫أبت لك يا عبد العـزيز مـآثـر‬
‫مواهب فياض ومجـد مـؤثـل‬ ‫أبي لك إذ أكدوا وقل عطاؤهـم‬
‫وسعد الفتى بالخال ل من يخول فقال له عبد العزيز‪ :‬أما إذ عرفت موضع‬ ‫أبوك الذي ينميك مروان للعلـى‬
‫خطئك‪ ،‬واعترفت به فقد صفحت عنك‪ .‬وأمر بإطلق عطائه‪ ،‬ووصله‪ ،‬وقال له‪ :‬أقم ما شئت عندنا‪ ،‬أو انصرف مأذونا لك إذا‬
‫‪.‬شئت‬
‫ونسخت من كتابه أيضا‪ :‬كان عمر بن هبيرة بن معية بن سكين قد ظلم عبد الله بن الحجاج حقا له‪ ،‬واستعان عليه بقومه‪،‬‬
‫‪:‬فلقوه في بعلبك‪ ،‬فعاونوا عبد الله بن الحجاج عليه‪ ،‬وفرقوه بالسياط حتى انتزعوا حقه منه‪ ،‬فقال عبد الله في ذلك‬
‫ودونهم بسيطة فالـمـعـاط‬ ‫أل أبلغ بني سـعـد رسـول‬
‫فإن الخبث مثـلـهـم يمـاط‬ ‫أميطوا عنكم ضرط ابن ضرط‬
‫قديما والحقوق لها افـتـراط‬ ‫ولي حـق فـراطة أولـينـا‬
‫وما زال التهايط والـمـياط‬ ‫فما زالت مباسطتي ومجـدي‬
‫تركت وفي ذناباك انبـسـاط‬ ‫وجدي بالسياط عليك حـتـى‬
‫تلقك دونه سعـر سـبـاط‬ ‫متى ما تعترض يوما لحقـي‬
‫ومرة أخذ جمعهم اعتـبـاط‬ ‫من الحيين ثعلبة بـن سـعـد‬

‫صفحة ‪1466 :‬‬

‫وفي الهيجا إذا هيجوا نشاط والقصيدة التي فيها الغناء بذكر أمر عبد الله بن‬ ‫تراهم في البيوت وهم كسالى‬
‫‪:‬الحجاج أولها‬
‫وشطت نوى بالظاعنين شعـوب‬ ‫نأتك ولم تخش الفراق جـنـوب‬
‫ببرقة أحـواز وأنـت طـروب‬ ‫طربت إلى الحي الذين تحمـلـوا‬
‫تمنى بها شكس الطـبـاع أريب‬ ‫فظلت كأني ساورتـنـي مـدامة‬
‫لوجه أخيها في الناء قـطـوب‬ ‫تمر وتستحلي على ذاك شربهـا‬
‫لها في عظام الشاربـين دبـيب‬ ‫كميت إذا صبت وفي الكأس وردة‬
‫وما لك من ذكرى جنوب نصيب‬ ‫تذكرت ذكرى من جنوب مصيبة‬
‫وتبخل بالموجود وهـي قـريب‬ ‫وأنى ترجي الوصل منها وقد نأت‬
‫من الناس لو كانت بذاك تـثـيب‬ ‫فما فوق وجدي إذ نأت وجد واجد‬
‫على الشمس تبدو تارة وتغـيب وهي قصيدة طويلة‬ ‫‪.‬برهرهة خـود كـأن ثـيابـهـا‬
‫ونسخت من كتاب ثعلب عن ابن العرابي‪ ،‬قال‪ :‬كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يعرفه آثار عبد الله بن الحجاج‪ ،‬وبلءه‬
‫من محاربته‪ ،‬وأنه بلغه أنه أمنه‪ ،‬ويحرضه ويسأله أن يوفده إليه ليتولى قتله وبلغ ذلك عبد الله بن الحجاج‪ ،‬فجاء حتى وقف بين‬
‫‪:‬يدي عبد الملك‪ ،‬ثم أنشده‬
‫كريم الثنا من جيبه المسك ينفح‬ ‫أعوذ بثوبيك اللذين ارتداهـمـا‬
‫وإن كنت مذبوحا فكن أنت تذبح فقال عبد الملك‪ :‬ما صنعت شيئا‪ .‬فقال عبد‬ ‫فإن كنت مأكول فكن أنت آكلي‬
‫‪:‬الله‬
‫عن المذنب الخاشي العقاب صفوح‬ ‫لنت وخير الظافرين كـرامـهـم‬
‫ترامى به دحض المـقـام بـريح‬ ‫ولو زلقت من قبل عفوك نـعـلـه‬
‫أروم ودين لم يخـنـك صـحـيح‬ ‫نمى بك إن خانت رجال عروقهـم‬
‫وشأو على شأو الرجـال مـتـوح‬ ‫وعرف سرى لم يسر في الناس مثله‬
‫جرى لي من بعد الحـياة سـنـيح‬ ‫تداركني عفو ابن مروان بـعـدمـا‬
‫من الهم والكـرب الـشـديد أريح فكتب عبد الملك إلى الحجاج‪ :‬إني قد‬ ‫رفعت مريحا ناظـري ولـم أكـد‬
‫عرفت من خبث عبدالله وفسقه ما ل يزيدني علما به‪ ،‬إل أنه اغتفلني متنكرا‪ ،‬فدخل داري‪ ،‬وتحرم بطعامي‪ ،‬واستكساني‬
‫فكسوته ثوبا من ثيابي‪ ،‬وأعاذني فأعذته‪ ،‬وفي دون هذا ما حظر علي دمه‪ ،‬وعبد الله أقل وأذل من أن يوقع أمرا‪ ،‬أو ينكث عهدا‬
‫في قتله خوفا من شره‪ ،‬فإن شكر النعمة وأقام على الطاعة فل سبيل عليه‪ ،‬وإن كفر ما أوتي وشاق الله ورسوله وأولياءه‬
‫فالله بسيف البغي الذي قتل به نظراؤه ومن هو أشد بأسا وشكيمة منه‪ ،‬من الملحدين‪ ،‬فل تعرض له ول لحد من أهل بيته إل‬
‫‪.‬بخير‪ ،‬والسلم‬
‫أخبرني محمد بن يحيى الصولي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني‪ ،‬قال‪ :‬كانت في القريتين بركة من ماء‪،‬‬
‫وكان بها رجل من كلب يقال له دعكنة ل يدخل البركة معه أحد إل غطه حتى يغلبه‪ ،‬فغط يومها فيها رجل من قيس بحضرة‬
‫الوليد بن عبد الملك حتى خرج هاربا‪ ،‬فقال ابن هبيرة وهو جالس عليها يومئذ‪ :‬اللهم اصبب علينا أبا القيرع عبد الله بن‬
‫الحجاج‪ .‬فكان أول رجل انحدرت به راحلته‪ ،‬فأناخها‪ ،‬ونزل‪ ،‬فقال ابن هبيرة للوليد‪ :‬هذا أبو القيرع والله يا أمير المؤمنين‪ ،‬أيهما‬
‫أخزى الله صاحبه به‪ .‬فأمره الوليد أن ينحط عليه في البركة والكلبي فيها واقف متعرض للناس وقد صدوا عنه‪ .‬فقال له‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين إني أخاف أن يقتلني فل يرضى قومي إل بقتله‪ ،‬أو أقتله فل ترضى قومه إل بمثل ذلك‪ ،‬وأنا رجل بدوي ولست‬
‫بصاحب مال‪ .‬فقال دعنكة‪ :‬يا أمير المؤمنين هو في حل وأنا في حل‪ .‬فقال له الوليد‪ :‬دونك‪ .‬فتكأكأ ساعة كالكاره حتى عزم‬
‫عليه الوليد‪ ،‬فدخل البركة‪ ،‬فاعتنق الكلبي وهوى به إلى قعرها‪ ،‬ولزمه حتى وجد الموت‪ ،‬ثم خلى عنه‪ ،‬فلما عل غطه غطة ثانية‪،‬‬
‫وقام عليه ثم أطلقه حتى تروح‪ ،‬ثم أعاده وأمسكه حتى مات‪ ،‬وخرج ابن الحجاج وبقي الكلبي‪ ،‬فغضب الوليد وهم به‪ ،‬فكلمه‬
‫‪:‬يزيد وقال‪ :‬أنت أكرهته‪ ،‬أفكان يمكن الكلبي من نفسه حتى يقتله? فكف عنه‪ .‬فقال عبد الله بن الحجاج في ذلك‬

‫صفحة ‪1467 :‬‬

‫بالقريتين ونفس صلبة الـعـود‬ ‫نجاني الله فردا ل شـريك لـه‬


‫دوني فأنجيت عفوا غير مجهود‬ ‫وذمة من يزيد حال جانـبـهـا‬
‫كان السليم وكنت الهالك المودي‬ ‫لول الله وصبري في مغاطستي‬
‫إن كان من عمل الشيطان حبيها‬ ‫يا حبذا عمل الشيطان من عمـل‬
‫أشهى إلي من الدنيا وما فيهـا الشعر لناهض بن ثومه الكلبي‪ ،‬أنشدنيه‬ ‫لنظرة من سليمى اليوم واحـدة‬
‫هاشم بن محمد الخزاعي‪ ،‬قال‪ :‬أنشدنا الرياشي قال‪ :‬أنشدنا ناهض بن ثومة أبو العطاف الكلبي هذين البيتين لنفسه‪ .‬وأخبرني‬
‫‪.‬بمثل ذلك عمي من الكراني عن الرياشي‪ ،‬والغناء لبي العبيس ابن حمدون ثقيل أول ينشد بالوسطى‬

‫أخبار ناهض بن ثومة ونسبه‬


‫هو ناهض بن ثومة بن نصيح بن نهيك بن إمام بن جهضم بن شهاب بن أنس بن ربيعة بن كعب بن بكر بن كلب بن ربيعة بن‬
‫عامر بن صعصعة‪ .‬شاعر بدوي فارس فصيح‪ ،‬من الشعراء في الدولة العباسية‪ ،‬وكان يقدم البصرة فيكتب عنه شعره‪ ،‬وتؤخذ‬
‫عنه اللغة‪ .‬روى عنه الرياشي‪ ،‬وأبو سراقة‪ ،‬ودماذ وغيرهم من رواة البصرة‪ .‬وكان يهجوه رجل من بني الحارث بن كعب‪ ،‬يقال‬
‫‪:‬له‪ :‬نافع بن أشعر الحارثي‪ ،‬فأثرى عليه ناهض فمما قاله في جواب قصيدة هجا بها قبائل قيس‪ ،‬قصيدة ناهض التي أولها‬
‫وهل سالم باق علـى الـحـدثـان‬ ‫أل يا أسلـمـا يأيهـا الـطـلـلن‬
‫مبينان عن مـيل بـمـا تـسـلن‬ ‫أبينا لنا حـبـيتـمـا الـيوم إنـنـا‬
‫وأسماء إن العهـد مـنـذ زمـان‬ ‫متى العهد من سلمى التي بتت القوى‬
‫سبيل الربـى مـن وابـل ودجـان‬ ‫ول زال ينهل الغمام عـلـيكـمـا‬
‫فل زلتما بـالـنـبـت تـرتـديان‬ ‫فإن أنتما بينتـمـا أو أجـبـتـمـا‬
‫بأذيال رخصات الكـف هـجـان‬ ‫وجر الحرير والفرند عـلـيكـمـا‬
‫بعينين إنسـانـاهـمـا غـرقـان‬ ‫نظرت ودوني قيد رمحين نـظـرة‬
‫قرائن من دوح الكـثـيب ثـمـان‬ ‫إلى ظعن بالـعـاقـرين كـأنـهـا‬
‫بقلبي كنـينـي لـوعة وضـمـان‬ ‫لسلمى وأسماء اللـتـين أكـنـتـا‬
‫ويا رب هجر معقـب بـتـدانـي‬ ‫عسى يعقب الهجر الطويل تـدانـيا‬
‫كفاني ما بي لو تركت كـفـانـي‬ ‫خليلي قد أكثرتما اللـوم فـاربـعـا‬
‫بحبليهما حبلي فـمـن تـصـلن‬ ‫إذا لم تصل سلمى وأسماء في الصبا‬
‫ومعواه من نجران حيث عـوانـي‬ ‫فدع ذا ولكن قد عجبـت لـنـافـع‬
‫مقـيمـا بـلـوذي يذبـل وذقـان‬ ‫عوى أسـدا ل يزدهـيه عــواؤه‬
‫مقالة موطوء الـحـريم مـهـان‬ ‫لعمري لقد قال ابن أشعـر نـافـع‬
‫بعاقـبة يمـرى بـه الـرجـوان‬ ‫أيزعم أن العـامـري لـعـفـلـه‬
‫فجيء للذي لم يسـتـبـن بـبـيان‬ ‫ويذكـر إن لقـاه زلة نـعـلــه‬
‫فدع ما تمنـى زلـت الـقـدمـان‬ ‫كذبت ولكن بابن علـبة جـعـفـر‬
‫فذاك الـذي يخـزى بـه البـوان‬ ‫أصيب فلم يعقل وطـل فـلـم يقـد‬
‫به الطل حتى يحشـر الـثـقـلن‬ ‫وحق لمن كان ابن أشـعـر ثـائرا‬
‫بنو عامر ضيمـا بـكـل مـكـان‬ ‫ذليل ذليل الرهط أعمـى يسـومـه‬
‫وما ضر قول كـاذب بـلـسـان‬ ‫فلم يبـق إل قـولـه بـلـسـانـه‬
‫ولم يهج كـعـب نـافـعـا لوان‬ ‫هجا نافع كـعـبـا لـيدرك وتـره‬
‫قوارع مـنـهـا وضـح وقـوان‬ ‫ولم تعف من آثار كعب بـوجـهـه‬
‫خضاب نجيع ل خـضـاب دهـان‬ ‫وقد خضبوا وجه ابن علبة جعـفـر‬
‫بسيف ولم يطعـنـهـم بـسـنـان‬ ‫فلم يهج كعبا نافـع بـعـد ضـربة‬
‫على حجر واصبر لـكـل هـوان‬ ‫فما لك مهجى يا بن أشعر فاكتـعـم‬
‫فليس يجلى الـعـار بـالـهـذيان‬ ‫إذا المرء لم ينهض فيثأر بـعـمـه‬

‫صفحة ‪1468 :‬‬

‫ذوا البذخ عند الفجر والخطران‬ ‫أبي قيس عيلن وعمي خنـدف‬
‫ربيعة لم يعدل بـنـا أخـوان‬ ‫إذا ما تجمعنا وسارت حـذاءنـا‬
‫وحمزة والعباس والعـمـران‬ ‫أليس نبي الله منـا مـحـمـد‬
‫علي إمام الحق والحـسـنـان‬ ‫ومنا ابن عباس ومنا ابن عمـه‬
‫لنعلم أن الـحـق مـا يعـدان‬ ‫وعثمان والصديق منـا وإنـنـا‬
‫هلموه أول ينـطـقـن يمـان قال‪ :‬فأنشد ناهض هذه القصيدة أيوب بن‬ ‫ومنا بنو العباس فضل فمن لكم‬
‫سليمان بن علي بالبصرة‪ ،‬وعنده خال له من النصار‪ ،‬فلما ختمها بهذا البيت قال النصاري‪ :‬أخرسنا أخرسه الله وكان جده‬
‫‪:‬نصيح شاعرا‪ ،‬وهو الذي يقول‬
‫ومنه بأكناف الحجاز قـسـيم‬ ‫أل من لقلب في الحجاز قسيمه‬
‫كما يشتكي جنح الظلم سلـيم‬ ‫معاود شكوى أن نأت أم سالـم‬
‫رقى قل عنه دفعها وتـمـيم‬ ‫سليم لصل أسلمته لـمـا بـه‬
‫صفاها فخلها فـأين تـريم‬ ‫فلم ترم الدار البريصاء فالصفا‬
‫إذا لم أزعها بالزمام تـعـوم‬ ‫وقفت عليها بازل نـاهـجـية‬
‫جبرن على كسرفهن عثـوم أخبرني الحسن بن علي الخفاف‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد‬ ‫كنازا من اللتي كأن عظامها‬
‫‪:‬بن القاسم قال‪ :‬حدثني الفضل بن العباس الهاشمي من ولد قثم بن جعفر بن سليمان عن أبيه‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪1469 :‬‬

‫كان ناهض بن ثومة الكلبي يفد على جدي قثم فيمدحه‪ ،‬ويصله جدي وغيره‪ ،‬وكان بدويا جافيا كأنه من الوحش‪ ،‬وكان طيب‬
‫الحديث‪ ،‬فحدثه يوما‪ :‬أنهم انتجعوا ناحية الشام‪ ،‬فقصد صديقا له من ولد خالد بن يزيد بن معاوية كان ينزل حلب‪ ،‬فإذا نزل‬
‫نواحيها أتاه فمدحه‪ ،‬وكان برا به‪ ،‬قال‪ :‬فمررت بقرية يقال لها قرية بكر بن عبد الله الهللي‪ ،‬فرأيت دورا متباينة وخصاصا قد‬
‫ضم بعضها إلى بعض‪ ،‬وإذا بها ناس كثير مقبلون ومدبرون‪ ،‬عليهم ثياب تحكي ألوان الزهر‪ ،‬فقلت في نفسي‪ :‬هذا أحد العيدين‪:‬‬
‫الضحى أو الفطر‪ .‬ثم ثاب إلي ما عزب عن عقلبي‪ ،‬فقلت‪ :‬خرجت من أهلي في بادية البصرة في صفر‪ ،‬وقد مضى العيدان‬
‫قبل ذلك‪ ،‬فما هذا الذي أرى? فبينا أنا واقف متعجب أتاني رجل فأخذ بيدي‪ ،‬فأدخلني دارا قوراء‪ ،‬وأدخلني منها بيتا قد نجد في‬
‫وجهه فرش ومهدت‪ ،‬وعليها شاب ينال فروع شعره منكبيه‪ ،‬والناس حوله سماطان‪ ،‬فقلت في نفسي‪ :‬هذا المير الذي حكي لنا‬
‫جلوسه على الناس وجلوس الناس بين يديه‪ ،‬فقلت وأنا ماثل بين يديه‪ :‬السلم عليك أيها المير ورحمة الله وبركاته‪ .‬فجذب‬
‫رجل يدي‪ ،‬وقال‪ :‬اجلس فإن هذا ليس بأمير‪ .‬قلت‪ :‬فما هو? قال‪ :‬عروس‪ .‬فقلت‪ :‬واثكل أماه‪ ،‬لرب عروس رأيته بالبادية أهون‬
‫على أهله من هن أمه‪ .‬فلم أنشب أن دخل رجال يحملون هنات مدورات‪ ،‬أما ما خف منها فيحمل حمل‪ ،‬وأما ما كبر وثقل‬
‫فيدحرج فوضع ذلك أمامنا‪ ،‬وتحلق القوم عليه حلقا‪ ،‬ثم أتينا بخرق بيض فألقيت بين أيدينا‪ ،‬فظننتها ثيابا‪ ،‬وهممت أن أسأل‬
‫القوم منها خرقا أقطعها قميصا‪ ،‬وذلك أني رأيت نسجا متلحما ل يبين له سدى ول لحمة‪ ،‬فلما بسطه القوم بين أيديهم إذا هو‬
‫يتمزق سريعا‪ ،‬وإذا هو ‪ -‬فيما زعموا ‪ -‬صنف من الخبز ل أعرفه‪ ،‬ثم أتينا بطعام كثير بين حلو وحامض‪ ،‬وحار وبارد‪ ،‬فأكثرت منه‬
‫وأنا ل أعلم ما في عقبه من التخم والبشم‪ ،‬ثم أتينا بشراب أحمر في عساس‪ ،‬فقلت‪ :‬ل حاجة لي فيه‪ ،‬فإني أخاف أن يقتلني‪.‬‬
‫وكان إلى جانبي رجل ناصح لي أحسن الله جزاءه‪ ،‬فإنه كان ينصح لي من بين أهل المجلس‪ ،‬فقال‪ :‬يا أعرابي إنك قد أكثرت‬
‫من الطعام‪ ،‬وإن شربت الماء همى بطنك‪ .‬فلما ذكر البطن تذكرت شيئا أوصاني به أبي والشياخ من أهلي‪ ،‬قالوا‪ :‬ل تزال حيا‬
‫ما كان بطنك شديدا فإذا اختلف فأوص‪ .‬فشربت من ذلك الشراب لتداوى به‪ ،‬وجعلت أكثر منه فل أمل شربه‪ ،‬فتداخلني من‬
‫ذلك صلف ل أعرفه من نفسي‪ ،‬وبكاء ل أعرف سببه ول عهد لي بمثله‪ ،‬واقتدار على أمري أظن معه أني لو أردت نيل السقف‬
‫لبلغته‪ ،‬ولو ساورت السد لقتلته‪ ،‬وجعلت ألتفت إلى الرجل الناصح لي فتحدثني نفسي بهتم أسنانه وهشم أنفه‪ ،‬وأهم أحيانا أن‬
‫أقول له‪ :‬يا ابن الزانية فبنا نحن كذلك إذ هجم علينا شياطين أربعة‪ ،‬أحدهم قد علق في عنقه جعبة فارسية مشنجة الطرفين‬
‫دقيقة الوسط‪ ،‬مشبوحة بالخيوط شبحا منكرا‪ ،‬ثم بدر الثاني فاستخرج من كمه هنة سوداء كفيشلة الحمار‪ ،‬فوضعها في فيه‪،‬‬
‫وضرط ضراطا لم أسمع ‪ -‬وبيت الله ‪ -‬أعجب منه‪ ،‬فاستتم بها أمرهم‪ ،‬ثم حرك أصابعه على أجحرة فيها فأخرج منها أصواتا‬
‫ليس كما بدأ تشبه بالضراط ولكنه أتى منها لما حرك أصابعه بصوت عجيب متلئم متشاكل بعضه لبعض‪ ،‬كأنه‪ ،‬علم الله‪ ،‬ينطق‪.‬‬
‫ثم بدا ثالث كز‪ ،‬مقيت عليه قميص وسخ‪ ،‬معه مرآتان‪ ،‬فجعل يصفق بيديه إحداهما على الخرى فخالطتا بصوتهما ما يفعله‬
‫الرجلن‪ ،‬ثم بدا رابع عليه قميص مصون وسراويل مصونة وخفان أجذمان ل ساق لواحد منهما‪ ،‬فجعل يقفز كأنه يثب على‬
‫ظهور العقارب‪ ،‬ثم التبط به على الرض‪ ،‬فقلت‪ :‬معتوه ورب الكعبة ثم ما برح مكانه حتى كان أغبط القوم عندي‪ .‬ورأيت القوم‬
‫يحذفونه بالدراهم حذفا منكرا‪ ،‬ثم أرسل النساء إلينا‪ :‬أن أمتعونا من لهوكم هذا‪ .‬فبعثوا بهم‪ ،‬وجعلنا نسمع أصواتهن من بعد‪،‬‬
‫وكان معنا في البيت شاب ل آبه له‪ ،‬فعلت الصوات بالثناء عليه والدعاء‪ ،‬فخرج فجاء بخشبة عيناها في صدرها‪ ،‬فيها خيوط‬
‫أربعة‪ ،‬فاستخرج من خللها عودا فوضعه خلف أذنه‪ ،‬ثم عرك آذانها وحركها بخشبة في يده فنطقت ‪ -‬ورب الكعبة ‪ -‬وإذا هي‬
‫أحسن قينة رأيتها قط وغنى عليها‪ ،‬فأطربني حتى استخفني من مجلسي‪ ،‬فوثبت فجلست بين يديه‪ ،‬وقلت‪ :‬بأبي أنت وأمي‪ ،‬ما‬
‫هذه الدابة فلست أعرفها للعراب وما أراها خلقت إل قريبا‪ .‬فقال‪ :‬هذا البربط? فقلت بأبي أنت وأمي‪ ،‬فما‬

‫صفحة ‪1470 :‬‬


‫هذا الخيط السفل? قال‪ :‬الزير‪ .‬قلت‪ :‬فالذي يليه? قال‪ :‬المثنى‪ .‬قلت‪ :‬فالثالث? المثلث‪ .‬قلت‪ :‬فالعلى? قال‪ :‬البم‪ .‬قلت‪:‬‬
‫آمنت بالله أول‪ ،‬وبك ثانيا‪ ،‬وبالبرط ثالثا‪ ،‬وبالبم رابعا‪.‬ذا الخيط السفل? قال‪ :‬الزير‪ .‬قلت‪ :‬فالذي يليه? قال‪ :‬المثنى‪ .‬قلت‪:‬‬
‫‪.‬فالثالث? المثلث‪ .‬قلت‪ :‬فالعلى? قال‪ :‬البم‪ .‬قلت‪ :‬آمنت بالله أول‪ ،‬وبك ثانيا‪ ،‬وبالبرط ثالثا‪ ،‬وبالبم رابعا‬
‫قال‪ :‬فضحك أبي‪ ،‬والله‪ ،‬حتى سقط‪ ،‬وجعل ناهض يعجب من ضحكه‪ ،‬ثم كان بعد ذلك يستعيده هذا الحديث‪ ،‬ويطرف به إخوانه‬
‫‪.‬فيعيده ويضحكون منه‬
‫وقد أخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبد العزيز الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا علي بن محمد النوفلي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان محمد بن خالد‬
‫بن يزيد بن معاوية بحلب‪ ،‬فأتاه أعرابي‪ ،‬فقال له‪ :‬حدث أبا عبد الله ‪ -‬يعني الهيثم بن النخعي ‪ -‬بما رأيت في حاضر المسلمين‪.‬‬
‫فحدثه بنحو من هذا الحديث‪ ،‬ولم يسم العرابي باسمه‪ ،‬وما أجدره بأن يكون لم يعرفه باسمه ونسبه أو لم يعرفه الذي حدث‬
‫‪.‬به النوفلي عنه‬
‫نسخت من كتاب لعلي بن محمد الكوفي فيه شعر ناهض بن ثومة قال‪ :‬كان رجل من بني كعب قد تزوج امرأة من بني كلب‪،‬‬
‫فنزل فيهم ثم أنكر منها بعض ما ينكره الرجل من زوجته فطلقها‪ ،‬وأقام بموضعه في بني كلب‪ ،‬وكان ل يزالون يتسخفون به‬
‫ويظلمونه‪ ،‬وإن رجل منهم أورد إبله الماء فوردت إبل الكعبي عليها‪ ،‬فزاحمته‪ ،‬لكنها ألقته على ظهره فتكشف‪ ،‬فقام مغضبا‬
‫بسيفه إلى إبل الكعبي‪ ،‬فعقر منها عدة‪ ،‬وجلها عن الحوض‪ ،‬ومضى الكعبي مستصرخا بني كلب على الرجل‪ ،‬فلم يصرخوه‪،‬‬
‫فساق باقي إبله واحتمل بأهله حتى رجع إلى عشيرته‪ ،‬فشكا ما لقى من القوم واستصرخهم‪ ،‬فغضبوا له‪ ،‬وركبوا معه حتى أتوا‬
‫حلة بني كلب‪ ،‬فاستاقوا إبل الرجل الذي عقر لصاحبهم‪ ،‬ومضى الرجل فجمع عشيرته‪ ،‬وتداعت هي وكعب للقتال‪ ،‬فتحاربوا‬
‫في ذلك حربا شديدا‪ ،‬وتمادى الشر بينهم‪ ،‬حتى تساعى حلماؤهم في القضية‪ ،‬فأصلحوها على أن يعقل القتلى والجرحى‪ ،‬وترد‬
‫البل‪ ،‬وترسل من العاقر عدة البل التي عقرها للكعبي‪ ،‬فتراضوا بذلك واصطلحوا‪ ،‬وعادوا إلى اللفة‪ ،‬فقال في ذلك ناهض بن‬
‫‪:‬ثومة‬
‫نجاء الوبل والديم النـضـاح‬ ‫أمن طلل بأخطـب أبـدتـه‬
‫فما أبقى المساء ول الصباح‬ ‫ومر الدهر يومـا بـعـد يوم‬
‫لريدات الرياح بهـا نـواح‬ ‫فكل محلة عنيت بسـلـمـى‬
‫دموع العين ناكـزة نـزاح وهي طويلة يقول فيها‬ ‫‪:‬تطل على الجفون الحزن حتى‬
‫وللفرعين بينهمـا اصـطـلح‬ ‫هنيئا للعـدى سـخـط ورغـم‬
‫مساهرة وللقلـب انـتـجـاح‬ ‫وللعين الرقاد فـقـد أطـالـت‬
‫وكعبا بين صحلهما افـتـتـاح‬ ‫وقد قال العـداة نـرى كـلبـا‬
‫وخير المر ما فيه الـنـجـاح‬ ‫تداعوا للسـلم وأمـر نـجـح‬
‫وثـدي ل أجـد ول ضــياح‬ ‫ومدوا بينهم بـحـبـال مـجـد‬
‫وأن حريم واحـدهـم مـبـاح‬ ‫ألم تر أن جمع القوم يحـشـى‬
‫فيهصر ل يكون لـه اقـتـداح‬ ‫وأن القدح حـين يكـون فـردا‬
‫أبت ما سمت واحدها الـقـداح‬ ‫وإنك إن قبضت بها جـمـيعـا‬
‫وكعب إن أتيح لـهـم مـتـاح‬ ‫أنا الخطار دون بـنـي كـلب‬
‫أخ حام إذا جـد الـنـضـاح‬ ‫أنا الحامي لهـم ولـكـل قـرم‬
‫عواء العاويات ول الـنـبـاح‬ ‫أنا الـلـيث الـذي ل يزدهـيه‬
‫بقلبي أو عفت لهم الـجـراح‬ ‫سل الشعراء عني هـل أقـرت‬
‫من القتب الذي فـيه لـحـاح‬ ‫فما لكواهـل الـشـعـراء بـد‬
‫وإن كرهوا الركوب وإن ألحوا‬ ‫ومن توريك راكبـه عـلـيهـم‬

‫صفحة ‪1471 :‬‬

‫ونسخت من هذا الكتاب الذي فيه شعره‪ ،‬أن وقعة كانت بين بني نمير وبني كلب بنواحي ديار مضر‪ ،‬وكانت لكلب على بني‬
‫نمير‪ ،‬وأن نميرا استغاثت ببني تميم‪ ،‬ولجأت إلى مالك بن زيد سيد تميم يومئذ بديار مضر‪ ،‬فمنع تميما من إنجادهم‪ ،‬وقال‪ :‬ما‬
‫كنا لنلقى بين قيس وخندف دماء نحن عنها أغنياء‪ ،‬وأنتم وهم لنا أهل وإخوة‪ ،‬فإن سعيتم في صلح عاونا‪ ،‬وإن كانت حمالة أعنا‪،‬‬
‫‪:‬فأما الدماء فل مدخل لنا بينكم فيها‪ .‬فقال ناهض بن ثومة في ذلك‬
‫عليك وخير ما أهدى السلمـا‬ ‫سلم الـلـه يا مـال بـن زيد‬
‫فل تستعجلوا فينا الـمـلمـا‬ ‫تعـلـم أينـا لـكـم صـديق‬
‫عداة ل نرى أبـدا سـلمـا‬ ‫ولكنـا وحـي بـنـي تـمـيم‬
‫كحرف السيف ينهار انهدامـا‬ ‫وإن كنا تكـافـفـنـا قـلـيل‬
‫وقد ظن الجهول به التـئامـا‬ ‫وهيض العظم يصبح ذا انصداع‬
‫ول الشيب الجحاجح والكراما‬ ‫فلن ننسى الشباب المرد مـنـا‬
‫مآتم ما تجف لهم سـجـامـا‬ ‫ونوح نوائح مـنـا ومـنـهـم‬
‫يرجي الجاهلون لهم تمـامـا‬ ‫فكيف يكون صلح بعـد هـذا‬
‫وخص لمالك فيها الكـلمـا‬ ‫أل قل للقـبـائل مـن تـمـيم‬
‫هوانا إنه يداني الـفـطـامـا‬ ‫فزيدوا يا بـنـي زيد نـمـيرا‬
‫أعز الله نـصـركـم ودامـا‬ ‫ول تبقوا على العـداء شـيئا‬
‫ورهط الهذلق الموفي الذماما‬ ‫وجدت المجد في حيي تـمـيم‬
‫وما زالوا لبـيهـم زمـامـا‬ ‫نجوم القوم مـا زالـوا هـداة‬
‫وغاربها وأوفاهـا سـنـامـا‬ ‫هم الرأس المقدم مـن تـمـيم‬
‫أغر نرى لطلعته ابتـسـامـا‬ ‫إذا ما غاب نـجـم آب نـجـم‬
‫إليه ل اختفاء ول اكتـتـامـا‬ ‫فهذي لبن ثومة فانسـبـوهـا‬
‫فل زالت أنوفهـم رغـامـا قال‪ :‬يعني بالهذلق الهذلق بن بشير‪ ،‬أخا بني عتيبة بن‬ ‫وإن رغمت لذاك بنو نـمـير‬
‫‪.‬الحارث بن شهاب‪ ،‬وابنيه علقمة وصباحا‬
‫‪:‬قال‪ :‬وكانت بنو كعب قد اعتزلت الفريقين فلم تصب كلبا ول نميرا‪ ،‬فلما ظفرت كلب قال لهم ناهض‬
‫وخذلنهم أنا سررنا بني كـعـب‬ ‫أل هل أتى كعبا على نأي دراهـم‬
‫غداة أتينا في كتائبنـا الـغـلـب‬ ‫بما لقيت منا نمير وجـمـعـهـا‬
‫شبيها وما في يوم شيبان من عتب‬ ‫فيا لك يوما بالحمى ل نـرى لـه‬
‫فكان الذي نالت نمير من النهـب‬ ‫أقامت نمير بالحمى غـير رغـبة‬
‫سباع تدلت من أبانين والهضـب‬ ‫رؤوس وأوصال يزايل بـينـهـا‬
‫بضيم على ضيم ونكب على نكب‬ ‫لنا وقعات في نمير تـتـابـعـت‬
‫وللحرب أبناء بأنا بنو الـحـرب‬ ‫وقد علمت قيس بن عيلن كلـهـا‬
‫وليس لنا إل الردينى من حـزب‬ ‫ألم ترهم طرا علينـا تـحـزبـوا‬
‫لعدائنا من ل مدان ول صقـب‬ ‫وإنا لنقتاد الجياد علـى الـوجـى‬
‫مخوف بنصب للعدا حين ل نصب أخبرنا جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ففي أي فج ما ركزنا رمـاحـنـا‬
‫حدثني أبو هفان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني غرير بن ناهض بن ثومة الكلبي‪ ،‬قال‪ :‬كان شاعر من نمير يقال له‪ :‬رأس الكبش‪ ،‬قد هاجى‬
‫عمارة بن عقيل بن بلل بن جرير زمانا‪ ،‬وتناقضا الشعر بينهما مدة‪ ،‬فلما وقعت الحرب بيننا وبين بني نمير قال عمارة يحرض‬
‫‪:‬كعبا وكلبا ابني ربيعة على بني نمير في هذه الحرب التي كانت بينهم‪ ،‬فقال‬
‫وعولتما والحرب ذات هرير‬ ‫رأيتكما يا بني ربيعة خرتـمـا‬
‫وكذبتما بالمسر قول جـرير‬ ‫وصدقتما قول الفرزدق فيكمـا‬
‫فصيرا مع النباط حيث تصير‬ ‫فإن أنتما لم تقذعا الخيل بالقنـا‬
‫ستنجد أخبار بهـم وتـغـور قال‪ :‬فارتحلت كلب حين أتاها هذا الشعر‪ ،‬حتى أتوا‬ ‫تسومكما بغيا نمير هـضـيمة‬
‫نميرا وهم في هضبات يقال لهن واردات‪ ،‬فقتلوا واجتاحوا‪ ،‬وفضحوا نميرا‪ ،‬ثم انصرفوا‪ ،‬فقال ناهض بن ثومة يجيب عمارة عن‬
‫‪:‬قوله‬

‫صفحة ‪1472 :‬‬

‫ليشغلهم بنـا وبـه أرابـوا‬ ‫يحضضنا عمارة في نـمـير‬


‫لهم جار المقربة المصـاب‬ ‫ويزعم أننـا حـزنـا وأنـا‬
‫بنزوتها التي كانت تـهـاب‬ ‫سلوا عن نميرا هل وقعـنـا‬
‫لهم سعد وضبة والـربـاب‬ ‫ألم تخضع لهم أسـد ودانـت‬
‫عليها الشيب منا والشـبـاب‬ ‫ونحن نكرها شعثا علـيهـم‬
‫إلى القلعين إنهما اللـبـاب‬ ‫رغبنا عن دماء بنـي قـريع‬
‫يدف كأن رأيته الـعـقـاب‬ ‫صبحناهم بأرعن مكفـهـر‬
‫تلوج البيض فيه والحـراب‬ ‫أجش من الصواهل ذي دوي‬
‫وثار لنقعه ثم انـصـبـاب‬ ‫فأشعل حين حـل بـواردات‬
‫ولم يفتق من الصبح الحجاب‬ ‫صبحناهم بها شعث النواصي‬
‫تعيلت الحليلة والـكـعـاب‬ ‫فلم تغمد سيوف الهند حتـى‬
‫بالشط بين مخفق وصحـار‬ ‫أعرفت من سلمى رسوم ديار‬
‫بمدافع الركبين ودع جواري‬ ‫وكأنما أثر النعاج بجـوهـا‬
‫عمياء جاهلة عن الخبـار‬ ‫وسألتها عن أهلها فوجدتهـا‬
‫متعود القـبـال والدبـار الشعر للمخبل السعدي‪ ،‬والغناء لبراهيم‪ ،‬هزج بإطلق‬ ‫فكأن عيني غرب أدهم داجن‬
‫‪.‬الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق‪ .‬قال الهشامي‪ :‬فيه لبراهيم ثقيل أول‪ ،‬ولعنان بنت خوط خفيف رمل‬

‫أخبار المخبل ونسبه‬


‫قال ابن الكلبي‪ :‬اسمه الربيع بن ربيعة‪ ،‬وقال ابن دأب‪ :‬اسمه كعب بن ربيعة‪ .‬وقال ابن حبيب وأبو عمرو‪ :‬اسمه ربيعة بن‬
‫مالك بن ربيعة بن عوف بن قتال بن أنف الناقة بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم‪ .‬شاعر فحل‪ ،‬من‬
‫‪:‬مخضرمي الجاهلية والسلم‪ ،‬ويكنى أبا يزيد‪ .‬وإياه عنى الفرزدق بقوله‬
‫وأبو يزيد وذو القروح وجـرول ذو القروح‪ :‬امرؤ القيس‪ .‬وجرول‪ :‬الحطيئة‪.‬‬ ‫وهب القصائد لي النوابغ إذ مضوا‬
‫وأبو يزيد‪ :‬المخبل‪ .‬وذكره ابن سلم فجعله في الطبقة الخامسة من فحول الشعراء‪ ،‬وقرنه بخداش بن زهير‪ ،‬والسود بن يعفر‪،‬‬
‫وتميم بن مقبل‪ .‬وهو من المقلين‪ ،‬وعمر في الجاهلية والسلم عمرا كثيرا‪ ،‬وأحسبه مات في خلفة عمر أو عثمان رضي الله‬
‫‪.‬عنهما وهو شيخ كبير‪ .‬وكان له ابن‪ ،‬فهاجر إلى الكوفة في أيام عمر فجزع عليه جزعا شديدا‪ ،‬حتى بلغ خبره عمر‪ ،‬فرده عليه‬
‫أخبرني محمد بن الحسن بن دريد‪ .‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن أخي الصمعي عن عمه‪ ،‬وأخبرني به هاشم بن محمد الخزاعي‬
‫عن أبي غسان دماذ‪ ،‬عن ابن العرابي قال‪ :‬هاجر شيبان بن المخبل السعدي‪ ،‬وخرج مع سعد بن أبي وقاص لحرب الفرس‪،‬‬
‫فجزع عليه المخبل جزعا شديدا‪ ،‬وكان قد أسن وضعف‪ ،‬فافتقر إلى ابنه فافتقده‪ ،‬فلم يملك الصبر عنه‪ ،‬فكاد أن يغلب على‬
‫عقله‪ ،‬فعمد إلى إبله وسائر ماله فعرضه ليبيعه ويلحق بابنه‪ ،‬وكان به ضنينا‪ ،‬فمنعه علقمة بن هوذة بن مالك‪ ،‬وأعطاه مال‬
‫وفرسا‪ ،‬وقال‪ :‬أنا أكلم أمير المؤمنين عمر في رد ابنك‪ ،‬فإن فعل غنمت مالك‪ .‬وأقمت في قومك‪ ،‬وإن أبي استنفقت ما‬
‫أعطيتك ولحقت به‪ ،‬وخلفت إبلك لعيالك‪ .‬ثم مضى إلى عمر ‪ -‬رضوان الله عنه ‪ -‬فأخبره خبر المخبل‪ ،‬وجزعه على ابنه‪،‬‬
‫‪:‬وأنشده قوله‬
‫لقلبي من خوف الـفـراق وجـيب‬ ‫أيهلكنـي شـيبـان فـي كـل لـيلة‬
‫غبقتك فيها والـغـبـوق حـبـيب‬ ‫أشـيبـان مـا أدراك أن كـل لـيلة‬
‫برزقـك بـراق الـمـتـون أريب‬ ‫غبقتك عظماها سنـامـا أو انـبـرى‬
‫يقاسـون أيامـا لـهـن حـطـوب‬ ‫أشيبان إن تأبى الجـيوش بـحـدهـم‬
‫عليه فتى شاكي السـلح نـجـيب‬ ‫ول هم إل الـبـز أو كـل سـابـح‬
‫يذودون أوراد الـكـلب تـلــوب‬ ‫يذودون جند الهـرمـزان كـأنـمـا‬
‫وغصنك من ماء الشبـاب رطـيب‬ ‫فإن يك غصني أصـبـح الـيوم ذاويا‬
‫فمشي ضعيف في الرجـال دبـيب‬ ‫فإني حنت ظهري خطوب تتابـعـت‬
‫أرى الشخص كالشخصين وهو قريب‬ ‫إذا قال صحبـي يا ربـيع أل تـرى‬
‫تعق إذا فـارقـتـنـي وتـحـوب‬ ‫ويخبرني شيبان أن لمـن يعـقـنـي‬
‫يقوم بها يومـا عـلـيك حـسـيب‬ ‫فل تدخلن الـدهـر قـبـرك حـوية‬

‫صفحة ‪1473 :‬‬


‫‪.‬يعني بقوله حسيب الله عز ذكره‬
‫قال‪ :‬فلما أنشد عمر بن الخطاب هذه البيات بكى ورق له‪ ،‬فكتب إلى سعد يأمره أن يقفل شيبان بن المخبل ويرده على أبيه‪،‬‬
‫فلما ورد الكتاب عليه أعلم شيبان ورده فسأله الغضاء عنه‪ ،‬وقال‪ :‬ل تحرمني الجهاد‪ .‬فقال له‪ :‬إنها عزمة من عمر‪ ،‬ول خير لك‬
‫‪.‬في عصياته وعقوق شيخك‪ .‬فانصرف إليه‪ ،‬ولم يزل عنده حتى مات‬
‫وأخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبيد الله بن عمار والجوهري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة أن شيبان بن المخبل كان يرعى إبل أبيه‪،‬‬
‫فل يزال أبوه يقول‪ :‬أحسن رعية إبلك يا بني‪ ،‬فيقول‪ :‬أراحني الله من رعية إبلك‪ ،‬ثم فارق أباه وغزا مع أبي موسى‪ ،‬وانحدر‬
‫‪:‬إلى البصرة‪ ،‬وشهد فتح تستر‪ ،‬فقال‪ :‬فذكر أبوه البيات‪ ،‬وزاد فيها قوله‬
‫من الرعي مذعان العشي خبوب قال‪ :‬أبو زيد وحدثناه عتاب بن زياد‪ :‬قال‪:‬‬ ‫إذا قلت ترعى قال سوف تريحني‬
‫حدثنا ابن المبارك‪ ،‬قال حدثنا مسعود عن معن بن عبد الرحمن فذكر نحوه‪ ،‬ولم يقل‪ :‬شيبان بن المخبل‪ ،‬ولكنه قال‪ :‬انطلق‬
‫‪.‬رجل إلى الشام‪ ،‬وذكر القصة والشعر‬
‫أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمي عبيد الله‪ ،‬عن ابن حبيب‪ ،‬قال‪ :‬خطب المخبل السعدي إلى الزبرقان بن‬
‫بدر أخته خليدة‪ ،‬فمنعه إياها‪ ،‬ورده لشيء كان في عقله‪ ،‬وزوجها رجل من بني جشم بن عوف‪ ،‬يقال له‪ :‬مالك بن أمية ابن عبد‬
‫‪.‬القيس‪ ،‬من بني محارب‬
‫فقتل رجل من بني نهشل يقال له الجلس بن مخربة بن جندل بن جابر بن نهشل اغتيال‪ ،‬ولم يعلم به أحد‪ ،‬ففقد ولم يعلم له‬
‫خبر‪ ،‬فبينما جار الزبرقان الذي من عبد القيس قاتل الجلس ليلة يتحدث إذ غلط‪ ،‬فحدث هزال بقتله الرجل‪ ،‬وذلك قبل أن‬
‫يتزوج هزال إلى الزبرقان‪ ،‬فأتى هزال عبد عمرو بن ضمرة بن جابر بن نهشل فأخبره‪ ،‬فدعا هزال قاتل الجلس فأخرجه عن‬
‫البيوت‪ ،‬ثم اعتوره هو وعبد عمرو فضرباه حتى قتله‪ ،‬ورجع هزال إلى الحي وضرب عبد عمرو حتى لجأ إلى أخواله بني عطارد‬
‫‪.‬بن عوف‬
‫‪:‬فقالت امرأة مالك بن مية المقتول‬
‫أعين لبن مية أم ضمـار‬ ‫أجيران ابن أمية خبرونـي‬
‫فليس لنسلهم منها اعتـذار قال‪ :‬فلما زوج الزبرقان أخته خليدة هزال بعد قتله‬ ‫تجلل خزيها عوف بن كعب‬
‫‪:‬جاره عيب عليه‪ ،‬وعير به‪ ،‬وهجاه المخبل‪ ،‬فقال‬
‫على الناس تعدو نوكه ومجاهله‬ ‫لعمرك إن الزبـرقـان لـدائم‬
‫زعمت بظهر الغيب أنك قاتله‬ ‫أأنكحت هزال خليدة بـعـدمـا‬
‫مشق إهاب أوسع السلخ ناجله‬ ‫فأنكحته رهوا كأن عجـانـهـا‬
‫بذي شبرمان لم تزيل مفاصلـه قال‪ :‬ولج الهجاء بين المخبل والزبرقان حتى‬ ‫يلعبها فوق الفراش وجاركـم‬
‫‪:‬تواقفا للمهاجاة واجتمع الناس عليهما فاجتمعا لذلك ذات يوم‪ ،‬وكان الزبرقان أسودهما‪ ،‬فابتدأ المخبل فأنشده قصيدته‬
‫سفها ويكره ذو الحرين خصالي قال‪ :‬وإنما سماه ذا الحرين لنه كان مبدنا‪،‬‬ ‫أنبئت أن الزبرقـان يسـبـنـي‬
‫فكان له ثديان عظيمان‪ ،‬فسبه بهما وشبههما بالحرين‪ .‬ويقال‪ :‬إنه إنما عيره بأخته وابنته‪ ،‬ولم يكن للمخبل ابن في الجاهلية‪،‬‬
‫‪:‬قال‬
‫أدنى لكرم سودد وفعال فلما بلغ إلى قوله‬ ‫‪:‬أفل يفاخرني ليعلم أينـا‬
‫وأبي الجواد ربيعة بن قـتـال فلما أنشده هذا البيت‪ ،‬قال‬ ‫‪:‬وأبوك بدر كان مشترط الخصى‬
‫وأبي ‪ ........................‬ثم انقطع عليه كلمه‪ ،‬إما بشرق أو انقطاع نفس‪،‬‬ ‫وأبوك بدر كان مشترط الخصى‬
‫فما علم الناس ما يريد أن يقوله بعد قوله‪ :‬وأبي‪ .‬فسبقه الزبرقان قبل أن يتم ويبين‪ ،‬فقال‪ :‬صدقت‪ ،‬وما في ذاك إن كان‬
‫‪.‬شيخانا قد اشتركا في صنعة‪ .‬فغلبه الزبرقان‪ ،‬وضحكوا من قوله وتفرقوا‪ ،‬وقد انقطع بالمخبل قوله‬
‫أخبرنا اليزيدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمي عن عبيد الله عن ابن حبيب‪ ،‬قال‪ :‬كان زرارة بن المخبل يليط حوضه‪ ،‬فأتاه رجل من بني‬
‫علباء بن عوف‪ ،‬فقال له‪ :‬صارعني‪ ،‬فقال له زرارة‪ ،‬إني عن صراعك لمشغول‪ ،‬فجذب بحجزته وهو غافل فسقط‪ ،‬فصاح به‬
‫فتيان الحي‪ :‬صرع زرارة وغلب‪ .‬فأخذ زرارة حجرا‪ ،‬فأخذ به رأس العلباوي‪ ،‬فسأل المخبل بغيض بن عامر بن شماس أن يتحمل‬
‫‪:‬عن ابنه الدية‪ ،‬فتحملها وتخلصه‪ ،‬وكسا المخبل حلة حسنة‪ ،‬وأعطاه ناقة نجيبة‪ ،‬فقال المخبل يمدحه‬

‫صفحة ‪1474 :‬‬

‫على الحدثان خيرا من بغـيض‬ ‫لعمر أبيك ل ألقـى ابـن عـم‬


‫إذا ما جئت بالمر الـمـريض‬ ‫أقـل مـلمة وأعـز نـصـرا‬
‫أبس بها إذا اضطربت غروضي‬ ‫كساني حلة وحبـا? بـعـنـس‬
‫وكيف يداي بالحرب العضوض‬ ‫غداة جنى بني علـى جـرمـا‬
‫كما سد المخاطبة ابـن بـيض أبو حميد‪ :‬بغيض بن عامر‪ .‬وأما قوله‪ :‬كما سد‬ ‫فقد سد الـسـبـيل أو حـمـيد‬
‫المخاطبة ابن بيض‪ ،‬فإن ابن بيض‪ :‬رجل من بقايا قوم عاد‪ ،‬كان تاجرا‪ ،‬وكان لقمان بن عاد يجيز له تجارته في كل سنة بأجر‬
‫معلوم‪ ،‬فأجازه سنة وسنتين‪ ،‬وعاد التاجر ولقمان غائب‪ ،‬فأتى قومه فنزل فيهم‪ ،‬ولقمان في سفره‪ ،‬ثم حضرت التاجر الوفاة‬
‫فخاف لقمان على بنيه وماله فقال لهم‪ :‬إن لقمان صائر إليكم‪ ،‬وإني أخشاه إذا علم بموتي على مالي‪ ،‬فاجعلوا ماله قبلي في‬
‫ثوبه‪ ،‬وضعوه في طريقه إليكم‪ ،‬فإن أخذه واقتصر عليه فهو حقه‪ ،‬فادفعوه إليه واتقوه‪ ،‬وإن تعداه رجوت أن يكفيكم الله إياه‪.‬‬
‫ومات الرجل‪ ،‬وأتاهم لقمان وقد وضعوا حقه على طريقه‪ ،‬فقال‪ :‬سد ابن بيض الطريق‪ ،‬فأرسلها مثل‪ ،‬وانصرف وأخذ حقه‪ .‬وقد‬
‫‪:‬ذكرت ذلك الشعراء‪ ،‬فقال بشامة بن عمرو‬
‫فسد على السالكين السبيل قال ابن حبيب‪ :‬ولما حشدت بنو علباء للمطالبة لدم‬ ‫كثوب ابن بيض وقاهم به‬
‫صاحبهم‪ ،‬حشدت بنو قريع مع بغيض لنصر المخبل‪ ،‬ومشت المشيخة في المر‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذا قتل خطأ‪ ،‬فل تواقعوا الفتنة‪ ،‬واقبلوا‬
‫‪:‬الدية‪ .‬فقبلوها وانصرفوا‪ ،‬فقال زرارة بن المخبل يفخر بذلك‬
‫أما حطيم بن علباء فقد غلـبـا‬ ‫فاز المخالس لما أن جرى طلقا‬
‫مني إليه فكانت رمية غـربـا‬ ‫إني رميت بجلمود على حـنـق‬
‫لحياه عنانة ل يتقي الخـشـبـا‬ ‫ليثا إلي يشق الناس منـفـرجـا‬
‫أفلت كانت سماع السوء والحربا ثم أخذ بنو حازم جارا لبني قشير‪ ،‬فأغار عليه‬ ‫فأورثتني قتيل إن لـقـيت وإن‬
‫المنتشر بن وهب الباهلي‪ ،‬فأخذ إبله‪ ،‬فسأل في بني تميم حتى انتهى إلى المخبل‪ ،‬فلما سأله قال له‪ :‬إن شئت فاعترض إبلي‬
‫‪:‬فخذ خيرها ناقة‪ ،‬وإن شئت سعيت لك في إبلك‪ .‬فقال‪ :‬بل إبلي‪ .‬فقال المخبل‬
‫كراحضة حيضا وليست بطاهر‬ ‫إن قشيرا من لقاح ابـن حـازم‬
‫لدى غرض أرميكم بالنواقـر‬ ‫فل يأكلها الباهلي وتـقـعـدوا‬
‫فناك أباه من خفير وشـاعـر فلما بلغهم قول المخبل سعوا بإبله‪ ،‬فردها عليهم‬ ‫أغرك أن قالوا لعزة شـاعـر‬
‫‪:‬حزن بن معاوية بن خفاجة بن عقيل‪ ،‬فقال المخبل في ذلك‬
‫قفا حضن والكر بالخيل أعـسـر‬ ‫تدارك حزن بالقـنـا آل عـامـر‬
‫وقلبي من الجار العبـادي أوجـر‬ ‫فإني بذا الجار الخفـاجـي واثـق‬
‫شريكين فيها فالـعـبـادي أوجـر‬ ‫إذا مـا عـقـيلـي أقـام بــذمة‬
‫كما خير بيت بالعراق المـشـقـر‬ ‫لعمرك لقد خارت خفاجة عـامـرا‬
‫لراشي كما راشى على الطبع أبخر راشى من الرشوة أخبرني هاشم بن‬ ‫وإنك لو تعطي العبادي مشقـصـا‬
‫محمد الخزاعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الرياشي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الصمعي‪ ،‬قال‪ :‬مر المخبل السعدي بخليدة بنت بدر‪ ،‬أخت الزبرقان بن بدر‪،‬‬
‫بعد ما أسن وضعف بصره‪ ،‬فأنزلته وقربته وأكرمته‪ ،‬ووهبت له وليدة وقالت له إني آثرتك بها يأبا يزيد فاحتفظ بها‪ .‬فقال‪ :‬ومن‬
‫أنت حتى أعرفك وأشكرك? قالت‪ :‬ل عليك‪ ،‬قال‪ :‬بلى والله أسألك‪ .‬قالت‪ :‬أنا بعض من هتكت بشعرك ظالما‪ ،‬أنا خليدة بنت‬
‫‪:‬بدر‪ .‬فقال‪ :‬واسوأتاه منك‪ ،‬فإني أستغفر الله عز وجل‪ ،‬وأستقيلك وأعتذر إليك‪ .‬ثم قال‬
‫سأعتب نفسي بعدها وأموت‬ ‫لقد ضل حلمي في خليدة إنني‬
‫وجرت عليها والهجاء كذوب والقصيدة التي فيها الغناء المذكور بشعر المخبل‬ ‫فأقسم بالرحمن إني ظلمتهـا‬
‫‪:‬وأخباره يمدح بها علقمة بن هوذة ويذكر فعله به وما وهبه له من ماله‪ ،‬ويقول‬
‫وسقاهم بمشـارب البـرار‬ ‫فجزى الله سراة قومي نضرة‬
‫ل يسلمون أخاهم لـعـثـار‬ ‫قوم إذا خافوا عثـار أخـيهـم‬
‫يخشى علي متالف البصـار‬ ‫أمثال علقمة بن هوذة إذ سعى‬

‫صفحة ‪1475 :‬‬

‫لي بالمحاض البزل والبكار‬ ‫أثنوا علي وأحسنوا وترافدوا‬


‫شرقا حناجرها من الجرجار أخبرنا أبو زيد‪ ،‬عن عبد الرحمن‪ ،‬عن عمه‪ ،‬وأخبرنا‬ ‫والشول يتبعها بنات لبونـهـا‬
‫محمد بن العباس اليزيدي قال‪ :‬حدثني عمي عبيد الله‪ ،‬عن ابن حبيب‪ .‬وأخبرني عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الكراني‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا العمري‪،‬‬
‫عن لقيط قالوا‪ :‬اجتمع الزبرقان بن بدر والمخبل السعدي وعبدة بن الطبيب وعمرو بن الهتم قبل أن يسلموا‪ ،‬وبعد مبعث‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فنحروا جزورا‪ ،‬واشتروا خمرا ببعير‪ ،‬وجلسوا يشوون ويأكلون‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬لو أن قوما طاروا من‬
‫جودة أشعارهم لطرنا‪ .‬فتحاكموا إلى أول من يطلع عليهم‪ ،‬فطلع عليهم ربيعة بن حذار السدي‪ ،‬وقال اليزيدي‪ :‬فجاءهم رجل‬
‫من بني يربوع يسأل عنهم‪ ،‬فدل عليهم وقد نزلوا بطن واد وهم جلوس يشربون‪ ،‬فلما رأوه سرهم‪ ،‬وقالوا له‪ :‬أخبرنا أينا أشعر?‬
‫قال‪ :‬أخاف أن تغضبوا‪ ،‬فآمنوه من ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أما عمرو فشعره برود يمنية تنشر وتطوى‪ ،‬وأما أنت يا زبرقان فكأنك رجل أتى‬
‫‪.‬جزورا قد نحرت‪ ،‬فأخذ من أطايبها وخلطه بغير ذلك‬
‫وقال لقيط في خبره‪ ،‬قال له ربيعة بن حذار‪ :‬وأما أنت يا زبرقان فشعرك كلحم لم ينضج فيؤكل‪ ،‬ولم يترك نيئا فينتفع به‪ ،‬وأما‬
‫‪.‬أنت يا مخبل فشعرك شهب من نار الله يلقيها على من يشاء‪ ،‬وأما أنت يا عبدة فشعرك كمزادة أحكم فليس يقطر منها شيء‬
‫أخبرنا اليزيدي‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن ابن حبيب‪ ،‬قال‪ :‬كان رجل من بني امرىء القيس يقال له روق مجاورا في بكر بن وائل‬
‫باليمامة‪ ،‬فأغاروا على إبله وغدروا به‪ ،‬فأتى المخبل يستمنحه‪ ،‬فقال له‪ :‬إن شئت فاختر خير ناقة في إبلي فخذها‪ ،‬وإن شئت‬
‫‪:‬سعيت لك‪ .‬فقال‪ :‬أن تسعى بي أحب إلي‪ .‬فخرج المخبل فوقف على نادي قومه‪ ،‬ثم قال‬
‫ان بن حارثة بن مـنـذر‬ ‫أدوا إلى روح بـن حـس‬
‫ن ضروعها حماء أجفـر‬ ‫كومـاء مـدفـاة كـــأ‬
‫ح المحض باللبن الفضنفر فقالوا‪ :‬نعم ونعمة‪ .‬فجمعوا له بينهم الناقة والناقتين من‬ ‫تأبى إلى بـصـص تـس‬
‫‪.‬رجلين حتى أعطوه بعدة إبله‬
‫‪.‬وقال ابن حبيب في هذه الرواية‪ :‬كان رجل من بني ضبة‬

‫وتصابي الشيخ شيء عجيب‬ ‫اسل عن ليلى علك المشيب‬


‫لذ في سلمى وطاب النسيب‬ ‫وإذا كان النسيب بسلـمـى‬
‫وعليها من عـيون رقـيب‬ ‫إنما شبهتـهـا إذ تـراءت‬
‫بكرة أو حان منها غـروب‬ ‫بطلوع الشمس في يوم دجن‬
‫بالسويداء الغـداة غـريب الشعر لغيلن بن سلمة الثقفي‪ ،‬وجدت ذلك في جامع‬ ‫إنني فاعلم وإن عز أهلـي‬
‫شعره بخط أبي سعيد السكري‪ ،‬والغناء لبن زرزور الطائفي‪ ،‬خفيف ثقيل أول بالوسطى‪ ،‬عن يحيى المكي‪ ،‬وفيه ليونس‬
‫‪.‬الكاتب لحن ذكره في كتابه‪ ،‬ولم يجنسه‬

‫أخبار غيلن ونسبه‬


‫غيلن بن سلمة بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي وهو ثقيف‪ .‬وأمه سبيعة بيت عبد شمس بن‬
‫‪.‬عبد مناف بن قصي‪ ،‬أخت أمية بن شمس بن عبد مناف‬
‫أدرك السلم فأسلم بعد فتح الطائف‪ ،‬ولم يهاجر‪ ،‬وأسلم ابنه عامر قبله‪ ،‬وهاجر‪ ،‬ومات بالشام في طاعون عمواس وأبوه‬
‫‪.‬حي‬
‫‪.‬وغيلن شاعر مقل‪ ،‬ليس بمعروف في الفحول‬
‫وبنته بادية بنت غيلن التي قال هيت المخنث لعمر بن أم سلمة أم المؤمنين‪ ،‬أو لخيه سلمة‪ :‬إن فتح الله عليكم الطائف‬
‫فسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهب لك بادية بنت غيلن‪ ،‬فإنها كحلء‪ ،‬شموع نجلء‪ ،‬خمصانة هيفاء‪ ،‬إن مشت تثنت‪،‬‬
‫‪ .‬وإن جلست تبنت‪ ،‬وإن تكلمت تغنت‪ ،‬تقبل بأربع وتدبر بثمان‪ ،‬وبين فخذيها كالناء المكفأ‬
‫‪ .‬وغيلن فيما يقال أحد من قال من قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وآله‪ :‬لول أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين‬

‫صفحة ‪1476 :‬‬

‫قال ابن الكبي‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬تزوج غيلن بن سلمة خالدة بنت أبي العاص‪ ،‬فولدت له عمارا وعامرا‪ ،‬فهاجر عمار إلى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلما بلغه خبره عمد خازن كان لغيلن إلى مال له فسرقه وأخرجه من حصنه فدفنه‪ ،‬وأخبر غيلن‬
‫أن ابنه عمارا سرق ماله وهرب به‪ ،‬فأشاع ذلك غيلن وشكاه إلى الناس‪ ،‬وبلغ خبره عمارا فلم يعتذر إلى أبيه‪ ،‬ولم يذكر له‬
‫براءته مما قيل له‪ ،‬فلما شاع ذلك جاءت أمه لبعض ثقيف إلى غيلن‪ ،‬فقالت له‪ :‬أي شيء لي عليك إن دللتك على مالك? قال‪:‬‬
‫ما شئت‪ .‬قالت‪ :‬تبتاعني وتعتقني? قال‪ :‬ذلك لك‪ .‬قالت‪ :‬فاخرج معي‪ .‬فخرج معها‪ ،‬فقالت‪ :‬إني رأيت عبدك فلنا قد احتفر ها‬
‫هنا ليلة كذا وكذا ودفن شئيا‪ .‬وإنه ل يزال يعتاده ويراعيه‪ ،‬ويتفقده في اليوم مرات‪ ،‬وما أراه إل المال‪ .‬فاحتفر الموضع فإذا هو‬
‫بماله‪ ،‬فأخذه وابتاع المة فأعتقها‪ ،‬وشاع الخبر في الناس حتى بلغ ابنه عمارا‪ ،‬فقال‪ :‬والله ل يراني غيلن أبدا‪ ،‬ول ينظر في‬
‫‪:‬وجهي‪ .‬وقال‬
‫وبالله إن الـلـه لـيس بـغـافـل‬ ‫حلفت لهم بمـا يقـول مـحـمـد‬
‫أبرىء نفسي أن ألـط بـبـاطـل‬ ‫برئت من المال الـذي يدفـنـونـه‬
‫تيممته بالسـيف غـير مـواكـل‬ ‫ولو غير شيخي من معـد يقـولـه‬
‫تبشره بي يبـتـدرن قـوابـلـي فلما أسلم غيلن‪ ،‬خرج عامر وعمار‬ ‫وكيف انطلقي بالسلح إلى امرىء‬
‫مغاضبين له مع خالد بن الوليد‪ ،‬فتوفي عامر بعمواس‪ ،‬وكان فارس ثقيف يومئذ‪ ،‬وهو صاحب شنوءة يوم تثليث‪ ،‬وهو قتل‬
‫‪:‬سيدهم جابر بن سنان أخا دهنة‪ ،‬فقال غيلن يرثي عامرا‬
‫سحا وتبكي فارس الفرسـان‬ ‫عيني تجود بدمعها الهـتـان‬
‫عن شدة مرهوبة وطـعـان‬ ‫يا عام من للخيل لما أجحمت‬
‫بين الضلوع وكل حي فـان‬ ‫لو أستطيع جعلت مني عامرا‬
‫للخيل يوم تواقف وطـعـان‬ ‫يا عين بكي ذا الحزامة عامرا‬
‫منه وطعنة جابر بن سنـان‬ ‫وله بتثليثات شـدة مـعـلـم‬
‫مما يحير الفرس للـبـاذان نسخت من كتاب أبي سعيد السكري‪ ،‬قال‪ :‬كان‬ ‫فكأنه صافي الحديدة مـخـذم‬
‫لغيلن بن سلمة جار من باهلة‪ ،‬وكانت له إبل يرعاها راعيه في البل مع إبل غيلن‪ ،‬فتخطى بعضها إلى أرض لبي عقيل بن‬
‫‪:‬مسعود بن عامر بن معتب‪ ،‬فضرب أبو عقيل الراعي واستخف به‪ ،‬فشكا الباهلي ذلك إلى غيلن‪ ،‬فقال لبي عقيل‬
‫أبي صدره بالضغن إل تطلـعـا‬ ‫أل من يرى رأى امرىء ذي قرابة‬
‫أبوك أبي وإنما صفقـنـا مـعـا‬ ‫فسلمك أرجو ل العـداوة إنـمـا‬
‫يقيه إذا لقى الكمي المقـنـعـا‬ ‫وإن ابن عم المرء مثل سـلحـه‬
‫وإن يفتقر ل يلف عندك مطمعـا‬ ‫فإن يكثر المولى فإنـك حـاسـد‬
‫وجدك أعلم ما تسلفت أجـمـعـا ونسخت من كتابه‪ ،‬قال‪ :‬لما أسن غيلن‬ ‫فهذا وعيد وادخـار فـإن تـعـد‬
‫‪:‬وكثرت أسفاره ملته زوجته‪ ،‬وتجنت عليه‪ ،‬وأنكر أخلقها‪ ،‬فقال فيها‬
‫بيضاء قد صبحتها بـطـلق‬ ‫يا رب مثلك في النساء غريرة‬
‫مني تحمل عشرتي وخلقـي ونسخت من كتابه‪ :‬إن بني عامر بن ربيعة جمعوا‬ ‫لم تدر ما تحت الضلوع وغرها‬
‫جموعا كثيرة من أنفسهم وأحلفهم‪ ،‬ثم ساروا إلى ثقيف بالطائف‪ ،‬وكانت بنو نصر بن معاوية أحلفا لثقيف‪ ،‬فلما بلغ ثقيفا‬
‫مسير بني عامر استنجدوا بني نصر‪ ،‬فخرجت ثقيف إلى بني عامر وعليهم يومئذ غيلن بن سلمة بن معتب‪ ،‬فلقوهم وقاتلتهم‬
‫ثقيف قتال شديدا‪ ،‬فانهزمت بنو عامر بن ربيعة ومن كان معهم‪ ،‬وظهرت عليهم ثقيف‪ ،‬فأكثروا فيهم القتل‪ ،‬فقال غيلن في‬
‫‪:‬ذلك‪ ،‬ويذكر تخلف بني نصر عنهم‬
‫أهل الحظائر من عوف ودهمانا‬ ‫ودع بذم إذا ما حان رحـلـتـنـا‬
‫جسر تحسحس عن أولد هصانا‬ ‫القائلين وقد حلت بسـاحـتـهـم‬
‫أسيف عوف ترى أم سيف غيلنا‬ ‫والقائلين وقد رابت وطـابـهـم‬
‫إنا سنعني صريح القوم من كانـا‬ ‫أغنو الموالي عنـا ل أبـالـكـم‬
‫حتى يرى بالعـين مـن كـانـا‬ ‫ل يمنع الخطر المظلوم قحمتـه‬

‫صفحة ‪1477 :‬‬

‫ونسخت من كتابه‪ ،‬قال‪ :‬جمعت خثعم جموعا من اليمن‪ ،‬وغزت ثقيفا بالطائف‪ ،‬فخرج إليهم غيلن بن سلمة في ثقيف‪،‬‬
‫‪:‬فقاتلهم قتال شديدا‪ ،‬فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة‪ ،‬وأسر عدة منهم‪ ،‬ثم من عليهم وقال في ذلك‬
‫بأي بلء قوم تفـخـرينـا‬ ‫أل يا أخت خثعم خـبـرينـا‬
‫وليث نحوكم بالـدارعـينـا‬ ‫جلبنا الخيل من أكنـاف وج‬
‫يقيتان الصباح ومعـتـدينـا‬ ‫رأيناهن معـمـلة رواحـا‬
‫تضابع في القياد وقد وجينـا‬ ‫فأمست مسي خامسة جميعـا‬
‫بأعينهم وحققنا الظـنـونـا‬ ‫وقد نظرت طوالعكم إلـينـا‬
‫إذا استنت عيون الناظرينـا‬ ‫إلى رجراجة في الدار تعشى‬
‫يبكون البعولة والـبـنـينـا‬ ‫تركن نساءكم في الدار نوحا‬
‫فهل أنبئت حال الطالبـينـا أخبرنا محمد بن خلف وكيع‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني محمد بن‬ ‫جمعتم جمعكم فطلبتمـونـا‬
‫سعد الشامي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمرو الثقفي‪ ،‬قال‪ :‬خرجت مع كيسان بن أبي سليمان أسايره‪،‬‬
‫‪:‬فأنشدني شعر غيلن بن سلمة‪ ،‬ما أنشدني لغيره‪ ،‬حتى صدرنا عن البلة‪ ،‬ثم مر بالطف وهو يريد الطابق‪ ،‬فأنشدني له‬
‫ف وأخرى بجنب ذي حـسـم‬ ‫وليلة أرقت صحـابـك بـالـط‬
‫د بـين الـنـخـيل والجــم‬ ‫فالجسر فالقصران فالنهر المرب‬
‫أدنو من الرض غير مقتـحـم‬ ‫معانق الواسـط الـمـقـدم أو‬
‫آفاق أرجو نوافـل الـطـعـم أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد‪،‬‬ ‫أستعمل العنس بالقـياد إلـى ال‬
‫قال‪ :‬حدثني أحمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال‪ :‬حدثني عمر بن عبد العزيز بن أبي ثابت عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬لما حضرت‬
‫غيلن بن سلمة الوفاة‪ ،‬وكان قد أحصن عشرا من نساء العرب في الجاهلية‪ ،‬قال‪ :‬يا بني قد أحسنت خدمة أموالكم‪ ،‬وأمجدت‬
‫أمهاتكم فلن تزالوا بخير ما غذوتم من كريم وغذا منكم‪ ،‬فعليكم ببيوتات العرب‪ ،‬فإنها معارج الكرم‪ ،‬وعليكم بكل رمكاء مكينة‬
‫ركينة‪ ،‬أو بيضاء رزينة‪ ،‬في خدر بيت يتبع‪ ،‬أوجد يرتجى‪ ،‬وإياكم والقصيرة الرطلة‪ ،‬فإن أبغض الرجال إلي أن يقاتل عن إبلي أو‬
‫‪:‬يناضل عن حسبي‪ ،‬القصير الرطل ‪ .‬ثم أنشأ يقول‬
‫وزينها أقوامها فتـزينـت‬ ‫وحرة قوم قد تنوق فعلهـا‬
‫وحملتها من قومها فتحملت أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا محمد بن سعد الكراني‪،‬‬ ‫رحلت إليها ل ترد وسيلتي‬
‫قال‪ :‬كان غيلن بن سلمة الثقفي قد وفد إلى كسرى فقال له ذات يوم‪ :‬يا غيلن‪ ،‬أي ولدك أحب إليك? قال‪ :‬الصغير حتى يكبر‪،‬‬
‫والمريض حتى يبرأ‪ ،‬والغائب حتى يقدم‪ .‬قال له‪ :‬ما غذاؤك? قال‪ :‬خبز البر‪ .‬قال‪ :‬قد عجبت من أن يكون لك هذا العقل وغذاؤك‬
‫‪.‬غذاء العرب‪ ،‬إنما البر جعل لك هذا العقل‬
‫قال‪ :‬الكراني‪ ،‬قال العمري‪ :‬روى الهيثم بن عدي هذا الخبر أتم من هذه الرواية‪ ،‬ولم أسمعه منه‪ .‬قال الهيثم‪ :‬حدثني أبي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫خرج أبو سفيان بن حرب في جماعة من قريش وثقيف يريدون العراق بتجارة‪ ،‬فلما ساروا ثلثا جمعهم أبو سفيان‪ ،‬فقال لهم‪:‬‬
‫إنا من مسيرنا هذا لعلى خطر‪ ،‬ما قدومنا على ملك جبار لم يأذن لنا في القدوم عليه‪ ،‬وليست بلده لنا بمتجر? ولكن أيكم‬
‫يذهب بالعير‪ ،‬فأن أصيب فنحن برآء من دمه‪ ،‬وإن غنم فله نصف الربح? فقال غيلن بن سلمة‪ :‬دعوني إذا فأنا لها‪ .‬فدخل‬
‫‪:‬الوادي‪ ،‬فجعل يطوفه ويضرب فروع الشجر ويقول‬
‫عني المور إلى أمر له طبـق‬ ‫ولو رآني أبو غيلن إذ حسـرت‬
‫حب الحياة وهول النفس والشفق‬ ‫لقال رغب ورهب يجمعان معـا‬
‫أو أسوة لك فيمن يهلك الـورق‬ ‫إما بقيت على مجد ومـكـرمة‬

‫صفحة ‪1478 :‬‬

‫ثم قال‪ :‬أنا صاحبكم‪ .‬ثم خرج في العير‪ ،‬وكان أبيض طويل جعدا ضخما‪ ،‬فلما قدم بلد كسرى‪ ،‬تخلق ولبس ثوبين أصفرين‪،‬‬
‫وشهر أمره‪ ،‬وجلس بباب كسرى حتى أذن له‪ ،‬فدخل عليه وبينهما شباك من ذهب‪ ،‬فخرج إليه الترجمان‪ ،‬وقال له‪ :‬يقول لك‬
‫الملك‪ :‬من أدخلك بلدي بغير إذني? فقال‪ :‬قل له‪ :‬لست من أهل عداوة لك‪ ،‬ول أتيتك جاسوسا لضد من أضدادك‪ ،‬وإنما جئت‬
‫بتجارة تستمتع بها‪ ،‬فإن أردتها فهي لك‪ ،‬وإن لم تردها وأذنت في بيعها لرعيتك بعتها‪ ،‬وإن لم تأذن في ذلك رددتها‪ .‬قال‪ :‬فإنه‬
‫ليتكلم‪ ،‬إذ سمع صوت كسرى فسجد‪ ،‬فقال له الترجمان‪ :‬يقول لك الملك‪ :‬لم سجدت? فقال‪ :‬سمعت صوتا عاليا حيث ل ينبغي‬
‫لحد أن يعلو صوته إجلل للملك‪ ،‬فعلمت أنه لم يقدم على رفع الصوت هناك غير الملك فسجدت إعظاما له‪ .‬قال‪ :‬فاستحسن‬
‫كسرى ما فعل‪ ،‬وأمر له بمرفقة توضع تحته‪ ،‬فلما أتي بها رأى عليها صورة الملك‪ ،‬فوضعها على رأسه‪ ،‬فاستجهله كسرى‬
‫واستحمقه‪ ،‬وقال للترجمان‪ :‬قل له‪ :‬إنما بعثنا إليك بهذه لتجلس عليها‪ .‬قال‪ :‬قد علمت‪ ،‬ولكني لما أتيت بها رأيت عليها صورة‬
‫الملك‪ ،‬فلم يكن حق صورته على مثلي أن يجلس عليها‪ ،‬ولكن كان حقها التعظيم‪ ،‬فوضعتها على رأسي‪ ،‬لنه أشرف أعضائي‬
‫وأكرمها علي‪ .‬فاستحسن فعله جدا‪ ،‬ثم قال له‪ :‬ألك ولد? قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فأيهم أحب إليك? قال‪ :‬الصغير حتى يكبر‪ ،‬والمريض‬
‫حتى يبرا‪ ،‬والغائب حتى يؤوب‪ .‬فقال كسرى‪ :‬زه‪ ،‬ما أدخلك علي ودلك على هذا القول والفعل إل حظك‪ ،‬فهذا فعل الحكماء‬
‫وكلمهم‪ ،‬وأنت من قوم جفاة ل حكمة فيهم‪ ،‬فما غذاؤك? قال‪ :‬خبز البر‪ .‬قال‪ :‬هذا العقل من البر‪ ،‬ل من اللبن والتمر‪ .‬ثم‬
‫‪.‬اشترى منه التجارة بأضعاب ثمنها‪ ،‬وكساه وبعث معه من الفرس من بنى له أطما بالطائف‪ ،‬فكان أول أطم بني بها‬
‫أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الزهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الزبير بن بكار‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عمر بن أبي بكر الموصلي عن عبد الله بن‬
‫مصعب عن أبيه قال‪ :‬استشهد نافع بن سلمة الثففي مع خالد بن الوليد بدومة الجندل‪ ،‬فجزع عليه غيلن وكثر بكاؤه‪ ،‬وقال‬
‫‪:‬يرثيه‬
‫إل اعترتني عبرة تغشـانـي‬ ‫ما بال عيني ل تغمص ساعة‬
‫وهنا وهن من الغروب دوان‬ ‫أرعى نجوم الليل عند طلوعها‬
‫عن فارس يعلو ذرى القران‬ ‫يا نافعا من للفوارس أحجمت‬
‫بين اللهاة وبين عكد لسانـي قال‪ :‬وكثر بكاؤه عليه‪ ،‬فعوتب في ذلك‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫فلو استطعت جعلت مني نافعا‬
‫والله ل تسمح عيني بمائها فأصن به على نافع‪ .‬فلما تطاول العهد انقطع ذلك من قوله‪ ،‬فقيل له فيه‪ ،‬فقال‪ :‬بلي نافع‪ ،‬وبلي‬
‫الجرع‪ ،‬وفني وفنيت الدموع‪ ،‬واللحاق به قريب‬
‫وقبل بكاء المعولت القـرائب‬ ‫أل عللني قبل نـوح الـوادب‬
‫وقبل نشوز النفس فوق الترائب‬ ‫وقبل ثوائي في تراب وجنـدل‬
‫تجدني وقد قضيت منها مآربي الشعر لحاجز الزدي‪ ،‬والغناء لنبيه هزج‪،‬‬ ‫فإن تأتني الدنيا بيومي فـجـاءة‬
‫‪.‬بالبنصر‪ ،‬عن الهشامي‬

‫أخبار حاجز ونسبه‬


‫هو حاجز بن عوف بن الحارث بن الخثم بن عبد الله بن ذهل بن مالك بن سلمان بن مفرج بن مالك بن زهران بن عوف بن‬
‫‪:‬ميدعان بن مالك بن نصر بن الزد‪ .‬وهو حليف لبني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي‪ ،‬وفي ذلك يقول‬
‫وفي قريش كريم الحلف والحسب‬ ‫قومي سلمان إما كـنـت سـائلة‬
‫ل يرعشون لضرب القوم من كثب‬ ‫إني متى أدع مخزوما تري عنقـا‬
‫أولد مرأسة ليسوا مـن الـذنـب وهو شاعر جاهلي مقل‪ ،‬ليس من‬ ‫يدعى المغيرة في أولى عـديدهـم‬
‫‪.‬مشهوري الشعراء‪ ،‬وهو أحد الصعاليك المغيرين على قبائل العرب‪ ،‬وممن كان يعدو على رجليه عدوا يستبق بن الخيل‬
‫أخبرني محمد بن الحسن بن دريد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني العباس بن هشام‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عوف بن الحارث الزدي‪ ،‬أنه قال لبنه حاجز‬
‫بن عوف‪ :‬أخبرني يا بني بأشد عدوك‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬أفزعتني خثعم فنزوت نزوات‪ ،‬ثم استفزتني الخيل واصطف لي ظبيان‪،‬‬
‫فجعلت أنهنههما بيدي عن الطريق‪ ،‬ومنعاني أن أتجاوزها في العدو لضيق الطريق حتى اتسع واتسعت بنا‪ ،‬فسبقتهما‪ .‬فقال له‪:‬‬
‫‪.‬فهل جاراك أحد في العدو? قال‪ :‬ما رأيت أحدا جاراني إل أطيلس أغيبر من النقوم‪ ،‬فإنا عدونا معا فلم أقدر على سبقه‬

‫صفحة ‪1479 :‬‬

‫‪.‬قال‪ :‬النقوم بطن من الزد من ولد ناقم‪ ،‬واسمه عامر بن حوالة بن الهنو بن الزد‬
‫نسخت أخبار حاجز من رواية أبي عمرو الشيباني من كتاب بخط المرهبي الكوكبي‪ ،‬قال‪ :‬أغار عوف بن الحارث بن الخثم‬
‫على بني هلل بن عامر بن صعصعة في يوم داج مظلم‪ ،‬فقال لصحابه‪ :‬انزلوا حتى أعتبر لكم‪ .‬فانطلق حتى أتى صرما من بني‬
‫هلل‪ ،‬وقد عصب على يد فرسه عصابا ليظلع فيطمعوا فيه‪ ،‬فلما أشرف عليهم استرابوا به‪ ،‬فركبوا في طلبه‪ ،‬وانهزم من بين‬
‫أيديهم‪ ،‬وطمعوا فيه‪ ،‬فهجم بهم على أصحابه بني سلمان‪ ،‬فأصيب يومئذ بنو هلل‪ ،‬ومل القوم أيديهم من الغنائم‪ ،‬ففي ذلك‬
‫‪:‬يقول حاجز بن عوف‬
‫تحية وامق وعمي ظلمـا‬ ‫صباحك واسلمى عنا أمامـا‬
‫كحقة تاجر شدت ختـامـا‬ ‫برهرهة يحار الطرف فيها‬
‫بعيدا ل تكلمـنـا كـلمـا‬ ‫فإن تمس ابنة السهمي منـا‬
‫ولو أمست حبالكم رمامـا‬ ‫فإنك ل محالة أن تـرينـي‬
‫تدارك نيها عاما فـعـامـا‬ ‫بناجية القوائم عـيسـجـور‬
‫وكان طعام ضيفهم الثمامـا‬ ‫سلي عني إذا اغبرت جمادي‬
‫يضحى مالهم نفل تـوامـا‬ ‫ألسنا عصمة الضياف حتى‬
‫وعمي مالك وضع السهاما‬ ‫أبى ربع الفـوارس يوم داج‬
‫إذا لم تغبق المائة الغلمـا يعني بقوله‪ :‬وضع السهام‪ ،‬أن الحارث بن عبدالله بن بكر‬ ‫فلو صاحبتنا لرضيت مـنـا‬
‫بن يشكر بن مبشر بن صقعب بن دهمان بن نصر بن زهران‪ ،‬كان يأخذ من جميع الزد إذا غنموا الربع‪ ،‬لن الرياسة في الزد‬
‫كانت لقومه‪ ،‬وكان يقال لهم‪ :‬الغطاريف وهم أسكنوا السد بلد السراة‪ ،‬وكانوا يأخذون للمقتول منهم ديتين ويعطون غيرهم دية‬
‫واحدة إذا وجبت عليهم‪ ،‬فغزتهم بنو فقيم بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة‪ ،‬فظفرت بهم‪ ،‬فاستغاثوا ببني‬
‫سلمان‪ ،‬فأغاثوهم‪ ،‬حتى هزموا بني فقيم وأخذوا منهم الغنائم وسلبوهم‪ ،‬فأراد الحارث أن يأخذ الربع كما كان يفعل‪ ،‬فمنعه‬
‫مالك بن ذهل بن مالك بن سلمان‪ ،‬وهو عم أبي حاجز‪ ،‬وقال‪ :‬هيهات‪ ،‬ترك الربع غدوة فأرسلها مثل‪ ،‬فقال له الحارث‪ :‬أتراك يا‬
‫مالك تقدر أن تسود? فقال‪ :‬هيهات‪ ،‬الزد أمنع من ذاك‪ .‬فقال‪ :‬أعطني ولو جعبا‪ ،‬والجعب‪ :‬البعر في لغتهم‪ ،‬لئل تسمع العرب‬
‫‪:‬أنك منعتني‪ .‬فقال مالك‪ :‬فمن سماعها أفر‪ ،‬ومنعه الربيع‪ ،‬فقال حاجز في ذلك‬
‫بربعهم باءوا هنالك نـاضـل‬ ‫أل زعمت أبناء يشكـر أنـنـا‬
‫صفائح بيض أخلصتها الصياقل‬ ‫ستمنعنا منكم ومن سوء صنعكم‬
‫بأيدي كماة جربتها الـقـبـائل وقال أبو عمرو‪ :‬جمع حاجز ناسا من فهم وعدران‪،‬‬ ‫وأسمر خطي إذا هز عـاسـل‬
‫‪:‬فدلهم على خثعم‪ ،‬فأصابوا منهم غرة وغنموا ما شاءوا‪ ،‬فبلغ حاجرا أنهم يتوعدونه ويرصدونه‪ ،‬فقال‬
‫وإيعادكم بالقتل صم مـسـامـعـي‬ ‫إني مـن إرعـادكـم وبـروقـكـم‬
‫على ألف بيت جدهم غير خـاشـع‬ ‫وإني دليل غـير مـخـف دللـتـي‬
‫كذا كل مشبوح الـذراعـين نـازع‬ ‫ترى البيض يركضن المجاسد بالضحى‬
‫تشيرون نحوي نحوكم بـالصـابـع وقال أبو عمرو‪ :‬أغارت خثعم على بني‬ ‫علـى أي شـيء ل أبـا لبـيكــم‬
‫سلمان وفيهم عمرو بن معد يكرب‪ ،‬وقد استنجدت به خثعم على بني سلمان‪ ،‬فالتقوا واقتتلوا‪ ،‬فطعن عمرو بن معد يكرب‬
‫حاجزا فأنفذ فخذه‪ ،‬فصاح حاجز‪ :‬يا آل الزد فندم عمرو وقال‪ :‬خرجت غازيا وفجعت أهلي‪ .‬وانصرف‪ ،‬فقال عزيل الخثعمي‬
‫‪:‬يذكر طعنة عمرو حاجزا‪ ،‬فقال‬
‫مشلشلة كحـاشـية الزار‬ ‫أعجز حاجـز مـنـا وفـيه‬
‫وقد أقسمت ل يضربك ضار فأجابه حاجز فقال‬ ‫‪:‬فعز علي ما أعجزت منـي‬
‫بواء بـأيام كـثـير عـديدهـا‬ ‫إن تذكروا يوم القـري فـإنـه‬
‫جهارا فجئنا بالنساء نقـودهـا‬ ‫فنحن أبحنا بالشخيصة واهـنـا‬
‫بني مالك والخيل صعر خدودها‬ ‫ويوم كراء قد تدارك ركضـنـا‬
‫سراة بني لهبان يدعة شريدهـا‬ ‫ويوم الراكات اللواتي تأخـرت‬
‫بملمومة يهوى الشجاع وئيدهـا‬ ‫ونحن صبحنا الحي يوم تنـومة‬

‫صفحة ‪1480 :‬‬

‫لدى جانب الطرفاء حمرا جلودها‬ ‫ويوم شروم قد تركنـا عـصـابة‬


‫من الذل إل نحن رغما نزيدهـا وقال أبو عمرو‪ :‬بينما حاجز في بعض غزواته إذ‬ ‫فما رغمت حلفا لمر يصيبـهـا‬
‫أحاطت به خثعم‪ ،‬وكان معه بشير ابن أخيه‪ ،‬فقال له‪ :‬يا بشير‪ ،‬ما تشير? قال‪ :‬دعهم حتى يشربوا ويقفلوا ويمضوا ونمضي‬
‫معهم فيظنونا بعضهم‪ .‬ففعل‪ ،‬وكانت في ساق حاجز شامة‪ ،‬فنظرت إليها امرأة من خثعم‪ ،‬فصاحت‪ :‬يا آل خثعم‪ ،‬هذا حاجز‪.‬‬
‫فطاروا يتبعونه‪ ،‬فقالت لهم عجوز كانت ساحرة‪ :‬أكفيكم سلحة أو عدوه‪ .‬فقالوا‪ :‬ل نريد أن تكفينا عدوه فإن معنا عوفا وهو‬
‫يعدو مثله‪ ،‬ولكن اكفينا سلحه‪ .‬فسحت لهم سلحه وتبعه عوف بن الغر بن همام بن السر بن عبد الحارث بن واهب بن مالك‬
‫بن صعب بن غنم بن الفزع الخثعمي‪ ،‬حتى قاربه‪ ،‬فصاحت به خثعم‪ :‬يا عوف ارم حاجزا‪ ،‬فلم يقدم عليه‪ ،‬وجبن‪ ،‬فغضبوا‬
‫وصاحوا‪ :‬يا حاجز‪ ،‬لك الذمام‪ ،‬فاقتل عوفا فإنه قد فضحنا‪ .‬فنزع في قوسه ليرميه‪ ،‬فانقطع وتره‪ ،‬لن المرأة الخثعمية كانت قد‬
‫سحرت سلحه‪ ،‬فأخذ قوس بشير ابن أخيه فنزع فيها فانكسرت‪ ،‬وهربا من القوم ففاتاهم ووجد حاجز بعيرا في طريقه فركبه‬
‫‪:‬فلم يسر في الطريق الذي يريده ونحا به نحو خثعم‪ ،‬فنزل حاجز عنه‪ ،‬فمر فنجا وقال في ذلك‬
‫بسعيكما بين الصفـا والثـائب‬ ‫فدى لكما رجلي أمي وخالـتـي‬
‫حريق أباء في الرياح الثواقـب‬ ‫أوان سمعت القوم خلفي كأنهـم‬
‫يضيء لدى القوام نار الحباحب‬ ‫سيوفهم تغشى الجبان ونبـلـهـم‬
‫ولكن صريح العدو غير الكاذب‬ ‫فغير قتالي في المضيق أغاثنـي‬
‫وينجو بشير نجو أزعر خاضب‬ ‫نجوت نجـاء ل أبـيك تـبـثـه‬
‫فكادت تكون شر ركبة راكـب وقال أبو عمرو‪ :‬اجتاز قوم حجاج من الزد ببني‬ ‫وجدت بعيرا هامل فركـبـتـه‬
‫هلل بن عامر بن صعصعة‪ ،‬فعرفهم ضمرة بن ماعز سيد بني هلل‪ ،‬فقتلهم هو وقومه‪ ،‬وبلغ ذلك حاجزا‪ ،‬فجمع جمعا من قومه‬
‫‪:‬وأغار على بني هلل فقتل فيهم وسبى منهم‪ ،‬وقال في ذلك يخاطب ضمرة بن ماعز‬
‫أم هل حذونا نعلكم بـمـثـال‬ ‫يا ضمر هل نلناكم بـدمـائنـا‬
‫فاليوم تبكي صادقـا لـهـلل‬ ‫نبكي لقتلى من فقيم قـتـلـوا‬
‫يبكين مردفة على الكـفـال‬ ‫ولقد شفاني أن رأيت نساءكـم‬
‫لقحت على الدكاء بعد حـيال قال أبو عمرو‪ :‬خرج حاجز في بعض أسفاره فلم‬ ‫يا ضمر إن الحرب أضحت بيننا‬
‫‪:‬يعد‪ ،‬ول عرف له خبر‪ ،‬فكانوا يرون أنه مات عطشا أو ضل‪ ،‬فقال أخته ترثيه‬
‫فيسلك بين جندف والبهـيم‬ ‫أحي حاجز أم لـيس حـيا‬
‫فيصدر مشية السبع الكليم أخبرني هاشم بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا دماذ عن أبي‬ ‫ويشرب شربة من ماء ترج‬
‫‪:‬عبيدة‪ ،‬قال‪ :‬كان حاجز الزدي مع غاراته كثير الفرار‪ ،‬لقي عامرا فهرب منهم فنجا‪ ،‬وقال‬
‫عشية بين الجرف والبحر من بعـر‬ ‫أل هل أتى ذات الـقـلئد فـرتـي‬
‫لدى طرف السلماء راغية البـكـر‬ ‫عشية كادت عامر يقـتـلـونـنـي‬
‫وقد كاد يلقى الموت في خلفة الصقر‬ ‫فما الظبي أخطت خلفة الصقر رجله‬
‫وآخر كالسكران مرتـكـز يفـري وفر من خثعم وتبعه المرقع الخثعمي ثم‬ ‫بمثلي غداة الـقـوم بـين مـقـنـع‬
‫‪:‬الكلبي‪ ،‬ففاته حاجز‪ ،‬وقال في ذلك‬
‫أو ظبي رابية خفافا أشعـبـا‬ ‫وكأنما تبع الفـوارس أرنـبـا‬
‫صدعا من الروى أحس مكلبا‬ ‫وكأنما طردوا بذي نمـراتـه‬
‫ومضت حياضهم وآبوا خيبـا‬ ‫أعجزت منهم والكف تنالنـي‬
‫ودعا المرقع يوم ذلك أكلبـا وقال يخاطب عوض أمسى‬ ‫‪:‬أدعو شنوءة غثها وسمينـهـا‬
‫سلبا وما إن سرها ننـكـبـا‬ ‫أبلغ أميمة عوض أمسى بزنا‬
‫حمشا مصعدا ومـصـوبـا‬ ‫لول تقارب رأفة وعيونـهـا‬
‫بنيت على خطب من الخطب‬ ‫يا دار من ماوي بالسـهـب‬
‫وعجانسا يرقلن بالـركـب‬ ‫إذ ل تـرى إل مـقـاتــلة‬
‫محمرة عيناه كـالـكـلـب‬ ‫ومدججا يسعى بـشـكـتـه‬

‫صفحة ‪1481 :‬‬

‫عبق الهناء مخاطم الجرب الشعر للحارث بن الطفيل الدوسي‪ ،‬والغناء لمعبد‪،‬‬ ‫ومعاشرا صدأ الحديد بهـم‬
‫‪.‬رمل بالبنصر‪ ،‬من رواية يحيى المكي‪ ،‬وفيه لبن سريج خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق‪ ،‬والله أعلم‬

‫أخبار الحارث بن الطفيل ونسبه‬


‫هو الحارث بن الطفيل بن عمرو بن عبد الله بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عبد الله بن عدثان بن عبيد الله بن زهران‬
‫بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الزد‪ ،‬شاعر فارس‪ ،‬من مخضرمي شعراء الجاهلية والسلم‪،‬‬
‫وأبوه الطفيل بن عمرو شاعر أيضا‪ ،‬وهو أول من وفد من دوس على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأسلم وعاد إلى قومه‪،‬‬
‫‪.‬فدعاهم إلى السلم‬
‫‪.‬أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا الحزنبل بن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه‪ ،‬واللفظ في الخبر له‪ ،‬والله أعلم‬
‫وأخبرني به محمد بن الحسن بن دريد قال‪ :‬حدثني عمي عن العباس بن هشام عن أبيه‪ :‬إن الطفيل بن عمرو بن عبد الله بن‬
‫مالك الدوسي خرج حتى أتى مكة حاجا‪ ،‬وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجر إلى المدينة‪ ،‬وكان رجل يعصو ‪-‬‬
‫والعاصي البصير بالجراح‪ ،‬ولذلك يقال لولده‪ :‬بنو العاصي ‪ -‬فأرسلته قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا‪ :‬انظر لنا ما‬
‫هذا الرجل‪ ،‬وما عنده? فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليه السلم‪ ،‬فقال له‪ :‬إني رجل شاعر‪ ،‬فاسمع ما أقول‪ :‬فقال‬
‫‪:‬له النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬هات‪ .‬فقال‬
‫ولو حاربتنا منهب وبنـو فـهـم‬ ‫ل وإله الناس نـألـم حـربـهـم‬
‫تطير به الركبان ذو نبأ ضـخـم‬ ‫ولما يكن يوم تـزول نـجـومـه‬
‫وما لي من واق إذا جاءني حتمي‬ ‫أسلما على خسف ولست بخـالـد‬
‫ويصبح طير كانسات على لحـم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫فل سلم حتى تحفز الناس خـيفة‬
‫وأنا أقول فاستمع‪ ،‬ثم قال‪ :‬أعوذ بالله من الشيطان الرجيم‪ ،‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬قل هو الله أحد‪ ،‬الله الصمد‪ ،‬لم يلد‬
‫ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ‪ .‬ثم قرأ‪ :‬قل أعوذ برب الفلق ‪ .‬ودعاه إلى السلم فأسلم‪ ،‬وعاد إلى قومه‪ ،‬فأتاهم في ليلة‬
‫مطيرة ظلماء‪ ،‬حتى نزل بروق‪ ،‬وهي قرية عظيمة لدوس فيها منبر‪ ،‬فلم يبصر أين يسلك‪ ،‬فأضاء له نور في طرف سوطه‪،‬‬
‫فبهر الناس ذلك النور‪ ،‬وقالوا‪ :‬نار أحدثت على القدوم ثم على بروق‪ ،‬ل تطفأ‪ .‬فعلقوا يأخذون بسوطه فيخرج النور من بين‬
‫أصابعهم‪ ،‬فدعا أبويه إلى السلم فأسلم أبوه ولم تسلم أمه‪ ،‬ودعا قومه فلم يجبه إل أبو هريرة‪ ،‬وكان هو وأهله في جبل يقال‬
‫‪:‬له ذو رمع‪ ،‬فلقيه بطريق يزحزح‪ ،‬وبلغنا أنه كان يزخف في العقبة من الظلمة ويقول‬
‫على أنها من بلدة الكفر نجت ثم أتى الطفيل بن عمرو النبي صلى الله عليه‬ ‫يا طولها من ليلة وعنـاءهـا‬
‫وسلم ومعه أبو هريرة‪ ،‬فقال له‪ :‬ما وراءك? فقال‪ :‬بلد حصينة وكفر شديد‪ .‬فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال‪ :‬اللهم‬
‫اهد دوسا ثلث مرات‪ .‬قال أبو هريرة‪ :‬فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم خفت أن يدعو على قومي فيهلكوا‪ ،‬فصحت‪:‬‬
‫واقوماه فلما دعا لهم سري عني‪ ،‬ولم يحب الطفيل أن يدعو لهم لخلفهم عليه‪ ،‬فقال له‪ :‬لم أحب هذا منك يا رسول الله‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬إن فيهم مثلك كثيرا‪ .‬وكان جندب بن عمرو بن حممة بن عوف بن غوية بن سعد بن الحارث بن ذبيان بن عوف بن‬
‫منهب بن دوس يقول في الجاهلية‪ :‬إن للخلق خالقا ل أعلم ما هو‪ .‬فخرج حينئذ في خمسة وسبعين رجل حتى أتى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فأسلم وأسلموا‪ .‬قال أبو هريرة‪ :‬ما زلت ألوي الجرة بيدي‪ ،‬ثم لويت على وسطي حتى كأني بجاد أسود‪ ،‬وكان‬
‫‪.‬جندب يقربهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل رجل‪ ،‬فيسلمون‬
‫وهذه البيات التي فيها الغناء من قصيدة للحارث بن الطفيل‪ ،‬قالها في حرب كانت بين دوس وبين بني الحارث بن عبد الله بن‬
‫‪.‬عامر بن الحرث بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران‬

‫صفحة ‪1482 :‬‬

‫وكان سبب ذلك فيما ذكر عن أبي عمرو الشيباني أن ضماد بن مسرح بن النعمان بن الجبار بن سعد بن الحارث بن عبد الله‬
‫بن عامر بن الحارث بن يشكر‪ ،‬سيد آل الحارث‪ ،‬كان يقول لقومه‪ :‬أحذركم جرائر أحمقين من آل الحارث يبطلن رياستكم‪.‬‬
‫وكان ضماد يتعيف‪ ،‬وكان آل الحارث يسودون العشيرة كلها‪ ،‬فكانت دوس أتباعا لهم‪ ،‬وكان القتيل من آل الحارث تؤخذ له‬
‫ديتان‪ ،‬ويعطون إذا لزمهم عقل قتيل من دوس دية واحدة‪ ،‬فقال غلمان من بني الحارث يوما‪ :‬ائتوا شيخ بني دوس وزعيمهم‬
‫الذي ينتهون إلى أمره فلنقتله‪ .‬فأتياه‪ .‬فقال‪ :‬يا عم‪ ،‬إن لنا أمرا نريد أن تحكم بيننا فيه‪ .‬فأخرجاه من منزله‪ ،‬فلما تنحيا به قال له‬
‫أحدهما‪ :‬يا عم‪ ،‬إن رجلي قد دخلت فيها شوكة‪ ،‬فأخرجها لي‪ .‬فنكس الشيخ رأسه لينتزعها وضربه الخر فقتله‪ ،‬فعمدت دوس‬
‫إلى سيد بني الحارث‪ ،‬وكان نازل بقنونى فأقاموا له في غيضة في الوادي‪ ،‬وسرحت إبله فأخذوا منها ناقة فأدخلوها الغيضة‬
‫وعقلوها‪ ،‬فجعلت الناقة ترغو وتحن إلى البل‪ ،‬فنزل الشيخ إلى الغيضة ليعرف شأن الناقة‪ ،‬فوثبوا عليه فقتلوه‪ ،‬ثم أتوا أهله‪،‬‬
‫وعرفت بنو الحارث الخبر‪ ،‬فجمعوا لدوس وغزوهم فنذروا بهم فقاتلوهم فتناصفوا‪ ،‬وظفرت بنو الحارث بغلمة من دوس‬
‫فقتلوهم‪ ،‬ثم إن دوسا اجتمع منهم تسعة وسبعون رجل‪ ،‬فقالوا‪ :‬من يكلمنا‪ ،‬من يمانينا حتى نغزو أهل ضماد? فكان ضماد قد‬
‫‪:‬أتى عكاظ‪ ،‬فأرادوا أن يخالفوه إلى أهله‪ ،‬فمروا برجل من دوس وهو يتغنى‬
‫وإن نوى المحارب ل تروب فقالوا‪ :‬هذا ل يتبعكم‪ ،‬ول ينفعكم أن تبعكم‪ ،‬أما‬ ‫فإن السـلـم زائدة نـواهـا‬
‫تسمعون غناءه في السلم‪ .‬فأتوا حممة بن عمرو‪ ،‬فقالوا‪ :‬أرسل إلينا بعض ولدك‪ .‬فقال‪ :‬وأنا إن شئتم‪ .‬وهو عاصب حاجبيه من‬
‫الكبر‪ ،‬فأخرج معهم ولده جميعا‪ ،‬وخرج معهم وقال لهم‪ :‬تفرقوا فرقتين‪ ،‬فإذا عرف بعضكم وجوه بعض فأغيروا‪ ،‬وإياكم والغارة‬
‫حتى تتفارقوا ل يقتل بعضكم بعضا‪ .‬ففعلوا‪ ،‬فلم يلتفتوا حتى قتلوا ذلك الحي من آل الحارث‪ ،‬وقتلوا إبنا لضماد‪ ،‬فلما قدم قطع‬
‫أذني ناقته وذنبها‪ ،‬وصرخ في آل الحارث‪ ،‬فلم يزل يجمعهم سبع سنين ودوس تجتمع بازائه‪ ،‬وهم مع ذلك يتغاورون ويتطرف‬
‫بعضهم بعضا‪ ،‬وكان ضماد قد قال لبن أخ له يكنى أبا سفيان لما أراد أن يأتي عكاظ‪ :‬إن كنت تحرز أهلي‪ ،‬وإل أقمت عليهم‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬أنا حأحرزهم من مائة‪ ،‬فإن زادوا فل‪ .‬وكانت تحت ضماد امرأة من دوس‪ ،‬وهي أخت مربان بن سعد الدوسي الشاعر‪،‬‬
‫فلما أغارت دوس على بني الحارث قصدها أخوها‪ ،‬فلذت به‪ ،‬وضمت فخذها على ابنها من ضماد‪ ،‬وقالت‪ :‬يا أخي اصرف عني‬
‫القوم‪ ،‬فإني حائض ل يكشفوني‪ .‬فنكزسية القوس في درعها‪ ،‬وقال‪ :‬لست بحائض‪ ،‬ولكن في درعك سخلة بكذا من آل‬
‫‪:‬الحارث‪ ،‬ثم أخرج الصبي فقتله‪ ،‬وقال في ذلك‬
‫خلفتنا في أهله ابن مسـرح‬ ‫أل هل أتى أم الحصين ولو نأت‬
‫ترائبه ينفحن من كل منـفـح‬ ‫ونضرة تدعو بالفناء وطلقـهـا‬
‫فرار جبان لمه الذل مقـرح قال‪ :‬فلم يزالوا يتغاورون حتى كان يوم حضرة‬ ‫وفر أبو سفيان لما بـدا لـنـا‬
‫الوادي‪ ،‬فتحاشد الحيان‪ ،‬ثم أتتهم بنو الحارث ونزلوا لقتالهم‪ ،‬ووقف ضماد بن مسرح في رأس الجبل‪ ،‬وأتتهم دوس‪ .‬وأنزل خالد‬
‫بن ذي السبلة بناته هندا وجندلة وفطيمة ونضرة‪ ،‬فبنين بيتا‪ ،‬وجعلن يستقين الماء‪ ،‬ويحضضن‪ .‬وكان الرجل إذا رجع فارا أعطينه‬
‫‪:‬مكحلة ومجمرا‪ ،‬وقلن‪ :‬معنا فانزل ‪ -‬إي أنك من النساء ‪ -‬وجعلت هند بنت خالد تحرضهم وترتجز وتقول‬
‫فذلكم تزني به الحبيبه فلما التقوا رمى رجل من دوس رجل من آل الحارث‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫من رجل ينازل الكتيبة‬
‫خذها وأنا أبو الزبن‪ ،‬فقال ضماد وهو في رأس الجبل وبنو الحارث بحضرة الوادي‪ :‬يا قوم زبنتم فارجعوا‪ .‬ثم رجل آخر من‬
‫دوس‪ ،‬فقال‪ :‬خذها وأنا أبو ذكر‪ .‬فقال ضماد‪ :‬ذهب القوم بذكرها‪ ،‬فاقبلوا رأيي وانصرفوا‪ .‬فقال‪ :‬قد جبنت يا ضماد‪ .‬ثم التقوا‪،‬‬
‫‪.‬فأبيدت بنو الحارث‪ .‬هذه رواية أبي عمرو‬

‫صفحة ‪1483 :‬‬

‫وأما الكلبي فإنه قال‪ :‬كان عامر بن بكر بن يشكر يقال له الغطريف ويقال لبنيه الغطاريف‪ ،‬وكان لهم ديتان‪ ،‬ولسائر قومه‬
‫دية‪ ،‬وكانت لهم على دوس إتاوة يأخذونها كل سنة‪ ،‬حتى إن كان الرجل منهم ليأتي بيت الدوسي فيضع سهمه أو نعله على‬
‫الباب‪ ،‬ثم يدخل‪ ،‬فيجيء الدوسي‪ ،‬فإذا أبصر ذلك انصرف ورجع عن بيته‪ ،‬حتى أدرك عمرو بن حممة بن عمرو فقال لبيه‪ :‬ما‬
‫هذا التطول الذي يتطول به إخواننا علينا? فقال‪ :‬يا بني‪ ،‬إن هذا شيء قد مضى عليه أوائلنا‪ ،‬فأعرض عن ذكره‪ .‬فأعرض عن‬
‫هذا المر‪ ،‬وإن رجل من دوس عرس بابنة عم له‪ ،‬فدخل عليها رجل من بني عامر بن يشكر‪ ،‬فجاء زوجها فدخل على اليشكري‪،‬‬
‫ثم أتى عمرو بن حممة فأخبره بذلك‪ ،‬فجمع دوسا وقام فيهم‪ ،‬فحرضهم وقال‪ :‬إلى كم تصبرون لهذا الذل‪ ،‬هذه بنو الحارث‪،‬‬
‫تأتيكم الن تقاتلكم‪ ،‬فاصبروا تعيشوا كراما أو تموتوا كراما‪ .‬فاستجابوا له‪ ،‬وأقبلت إليهم بنو الحارث فتنازلوا‪ ،‬واقتتلوا‪ ،‬فظفرت‬
‫‪:‬بهم دوس‪ ،‬وقتلتهم كيف شاءت‪ ،‬فقال رجل من دوس يومئذ‬
‫شرابة المحض تروك للقـيل‬ ‫قد علمت صفراء حرشاء الذيل‬
‫أن بروقا دونـهـا كـالـويل‬ ‫ترخى فروعا مثل أذناب الخيل‬
‫‪:‬ودونها خرط القتاد بالـلـيل وقال الحارث بن الطفيل بن عمرو الدوسي في هذا اليوم‪ ،‬عن أبي عمرو‬
‫بنيت على خطب من الخطب‬ ‫يا دار من ماوي بالـسـهـب‬
‫وعجانسا يرقلن بـالـركـب‬ ‫إذ ل تـرى إل مـقـاتــلة‬
‫محمرة عيناه كـالـكـلـب‬ ‫ومدججا يسعـى بـشـكـتـه‬
‫عبق الهناء مخاطم الجـرب‬ ‫ومعاشرا صدأ الحـديد بـهـم‬
‫أيقنت أنهـم بـنـو كـعـب‬ ‫لما سمعت نزال قـد دعـيت‬
‫عنقاء والتبيان في النـسـب‬ ‫كعب بن عمر ل لكعب بني ال‬
‫فمضى وراشوه بذي كعـب‬ ‫فرميت كبش القوم معتـمـدا‬
‫ناط المعرض أقدح القضـب‬ ‫شكو بحقويه القـداح كـمـا‬
‫بشبا السنة مغـرة الـجـأب‬ ‫فكأن مهري ظل منغـمـسـا‬
‫فوع وضعت بمنزل اللصـب‬ ‫يا رب موضوع رفعت ومـر‬
‫تحت الوغى بشديدة العضـب‬ ‫وحليل غانية هتكت قرارهـا‬
‫أحللتها في مـنـزل غـرب‬ ‫كانت على حب الحياة فـقـد‬
‫تعدى الصحاح مبارك الجرب هذا البيت في الغناء في لحن ابن سريج‪ ،‬وليس هو‬ ‫جانيك من يجني علـيك وقـد‬
‫في هذه القصيدة‪ ،‬ول وجد في الرواية‪ ،‬وإنما ألحقناه بالقصيدة لنه في الغناء كما تضيف المغنون شعرا إلى شعر‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫‪.‬قائلهما واحدا إذا اختلف الروي والقافية‬

‫ولم تدع الذي سلـفـا‬ ‫صرفت هواك فانصرفا‬


‫عليك ولم تمت أسفـا‬ ‫وبنت فلم أمت كلـفـا‬
‫س ممن مله خلـفـا الشعر لعبد الصمد بن المعذل‪ ،‬والغناء للقاسم بن زرزور‪ ،‬رمل‬ ‫كلنا واجد في الـنـا‬
‫‪.‬بالوسطى‪ ،‬وفيه لعمر الميداني هزج‬

‫أخبار عبد الصمد بن المعذل ونسبه‬


‫عبد الصمد بن المعذل بن غيلن بن الحكم بن البختري بن المختار بن ذريح بن أوس بن همام بن ربيعة بن بشير بن حمران بن‬
‫حدرجان بن عساس بن ليث بن حداد بن ظالم بن ذهل بن عجل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبدالقيس بن أفصى‬
‫‪.‬بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار‪ .‬وقيل‪ :‬ربيعة بن ليث بن حمران‬
‫وجدت في كتاب بخط أحمد بن كامل‪ :‬حدثني غيلن بن المعذل أخو عبد الصمد‪ ،‬قال‪ :‬كان أبي يقول‪ :‬أفصى أبو عبد القيس هو‬
‫أفصى بن جديلة بن أسد‪ ،‬وأفصى جد بكر بن وائل هو أفصى بن دعمي‪ .‬والنسابون يغلطون في قولهم عبد القيس بن أفصى‬
‫بن دعمي‪ .‬ويكنى عبد الصمد أبا القاسم‪ ،‬وأمه أم ولد يقال لها‪ :‬الزرقاء‪ .‬شاعر فصيح من شعراء الدولة العباسية‪ ،‬بصري المولد‬
‫والمنشأ‪ .‬وكان هجاء خبيث اللسان‪ ،‬شديد العارضة‪ ،‬وكان أخوه أحمد أيضا شاعرا‪ ،‬إل أنه كان عفيفا‪ ،‬ذا مروءة ودين وتقدم في‬
‫المعنزلة‪ ،‬وله جاه واسع في بلده وعند سلطانه‪ ،‬ل يقاربه عبد الصمد فيه‪ ،‬فكان يحسده ويهجوه فيحلم عنه‪ ،‬وعبد الصمد‬
‫أشعرهما‪ ،‬وكان أبو عبد الصمد المعذل وجده غيلن شاعرين‪ ،‬وقد روى عنهما شيء من الخبار واللغة والحديث ليس بكثير‪،‬‬
‫‪:‬والمعذل بن غيلن هو الذي يقول‬
‫صفحة ‪1484 :‬‬

‫أرى صالح العمال ل أستطيعها‬ ‫إلى الله أشكو ل إلى الناس أننـي‬
‫وذي رحم ما كان مثلي يضيعها‬ ‫أرى خلة فـي إخـوة وأقـارب‬
‫لفاض عليهم بالنوال ربيعـهـا أنشدنا ذلك له علي بن سليمان الخفش‪ ،‬عن‬ ‫فلو ساعدتني في المكارم قـدرة‬
‫‪:‬المبرد وأنشدناه محمد بن خلف بن المرزبان عن الربعي أيضا‪ .‬قال‪ :‬وهو القائل‬
‫إذا كانت العلياء في جانب الفقر‬ ‫ولست بميال إلى جانب الغـنـى‬
‫وحسبك أن الله أثنى على الصبر أخبرني محمد بن خلف‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا النخعي‬ ‫وإني لصبار على ما ينوبـنـي‬
‫‪:‬وإسحاق‪ ،‬قال‪ :‬هجا أبان اللحقي المعذل بن غيلن فقال‬
‫ففسا فسـوة فـكـدت أطـير‬ ‫كنت أمشي مع المعـذل يومـا‬
‫من ورائي والرض بي تستدير‬ ‫فتلفت هـل أرى ظـربـانـا‬
‫صار ذاك الفساء منـه يفـور‬ ‫فإذا لــيس غـــيره وإذا إع‬
‫رف هذا فيما أرى خـنـزير فأجابه المعذل فقال‬ ‫‪:‬فتعجبت ثـم قـلـت لـقـد أع‬
‫تك بالمهد أبـانـا‬ ‫صحفت أمك إذ سم‬
‫لم ترد إل أتـانـا‬ ‫قد علمنا مـا أرادت‬
‫تاء واللـه عـيانـا‬ ‫صيرت باء مكان ال‬
‫من مسميك اللسانا أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا المبرد قال‪ :‬مر المعذل بن غيلن بعبد الله بن‬ ‫قطع الله وشـيكـا‬
‫‪:‬سوار العنبري القاضي‪ ،‬فاستنزله عبد الله‪ ،‬وكان من عادة المعذل أن ينزل عنده‪ ،‬فأبى‪ ،‬وأنشده‬
‫ذمامكم ول تقضوا ذمامـا‬ ‫أمن حق المودة أن نقضي‬
‫رآه الخرون لهم إمامـا‬ ‫وقد قال الديب مقال صدق‬
‫ولم أغضب لذلكم فذامـا قال‪ :‬وانصرف‪ ،‬فبكر إليه عبد الله بن سوار‪ ،‬فقال له‪:‬‬ ‫إذا أكرمتكم وأهنتمـونـي‬
‫رأيتك أبا عمرو مغضبا‪ .‬فقال‪ :‬أجل ماتت بنت أختي ولم تأتني‪ .‬قال‪ :‬ما علمت ذلك‪ .‬قال‪ :‬ذنبك أشد من عذرك‪ ،‬وما لي أنا‬
‫‪.‬أعرف خبر حقوقك‪ ،‬وأنت ل تعرف خبر حقوقي? فما زال عبد الله يعتذر إليه حتى رضي عنه‬
‫حدثني الحسن بن علي الخفاف‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه عن الحمدوني‪ ،‬قال‪ :‬كان شروين حسن الغناء والضرب‪ ،‬وكان من‬
‫أراد أن يغنيه حتى يخرج من جلده جاء بجويرية سوداء فأمرها أن تطالعه‪ ،‬وتلوح له بخرقة حمراء‪ ،‬ليظنها امرأة تطالعه‪ ،‬فكان‬
‫‪:‬حينئذ يغني أحسن ما يقدر عليه تصنعا لذلك‪ ،‬فغضب عليه عبد الصمد في بعض المور‪ ،‬فقال يهجوه‬
‫فلتنهه الولى عن الثانيه‬ ‫من حل شروين له منزل‬
‫إل فتى في بيته زانـيه أخبرني الحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو عمرو‬ ‫فليس يدعوه إلى بـيتـه‬
‫‪:‬البصري‪ ،‬قال‪ :‬قال عبد الصمد بن المعذل في رجل زان من أهل البصرة كانت له امرأة تزني‪ ،‬فقال‬
‫فطالـمـا صـفـر آذانـا‬ ‫إن كنت قد صفرت أذن الفتى‬
‫فإنما كشخنت كـشـخـانـا أخبرني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬ ‫ل تعجبي إن كنت كشخنتـه‬
‫سوار بن أبي شراعة‪ ،‬قال‪ :‬كان بالبصرة رجل يعرف بابن الجوهري‪ ،‬وكانت له جارية مغنية حسنة الغناء‪ ،‬وكان ابن الجوهري‬
‫شيخا هما قبيح الوجه‪ ،‬فتعشقت فتى كاتبا كان يعاشره ويدعوه‪ ،‬وكان الفتى نظيفا ظريفا‪ ،‬فاجتمعت معه مرارا في منزله‪،‬‬
‫وكان عبد الصمد يعاشره‪ ،‬فكان الفتى يكاتمه أمره‪ ،‬ويحلف له أنه ل يهواها‪ ،‬فدخلت عليهما ذات يوم بغتة‪ ،‬فبقي الفتى باهتا ل‬
‫‪:‬يتكلم‪ ،‬وتغر لونه وتخلج في كلمه‪ ،‬فقال عبد الصمد‬
‫ومشهده يصـدق‬ ‫لسان الهوى ينطق‬
‫عليك وما يشفق‬ ‫لقد نم هذا الهوى‬
‫فقلبك لم يخفـق‬ ‫إذا لم تكن عاشقا‬
‫تحار فل تنطـق‬ ‫وما لك إما بـدت‬
‫أم القمر المشرق الغناء في هذه البيات لرذاذ‪ ،‬ويقال للقاسم بن زرزور‪ ،‬رمل مطلق‬ ‫‪.‬أشمس تجلت لنـا‬
‫‪:‬قال‪ :‬ثم طال المر بنيهما‪ ،‬فهربت إليه جملة‪ ،‬فقال عبد الصمد في ذلك‬
‫أي امرىء عاجز تركت‬ ‫إلى امرىء حازم ركبـت‬
‫أظهرت نصحا وقد أفكت‬ ‫فتنة ابن الجوهري لـقـد‬

‫صفحة ‪1485 :‬‬

‫ل تبالي نفس من سفكـت‬ ‫أكذبتها عـزمة ظـهـرت‬


‫ونجت من قرب من فركت‬ ‫ظفرت فيها بـمـا هـويت‬
‫وجيوب بعدها هـتـكـت‬ ‫ثم خدود بعدها لـطـمـت‬
‫حسن وجه فاتهن بـكـت‬ ‫وعيون ل يرقـأن عـلـى‬
‫لم يهلهـا أية سـلـكـت‬ ‫خرجت والليل معـتـكـر‬
‫ودجى الظلماء قد حلكـت‬ ‫وعيون الناس قد هجـعـت‬
‫حرمة الشهر الذي انتهـت‬ ‫لم تخف وجدا بعاشـقـهـا‬
‫أنها في دينها نـسـكـت‬ ‫ورأت لما سقـت كـمـدا‬
‫دون هذا الخلق ما ملكـت‬ ‫ملئت كف بهـا ظـفـرت‬
‫فشكا أشجانـه وشـكـت‬ ‫إي ملك إذا خل وخـلـت‬
‫وهي يجلو فضة فتـكـت‬ ‫تجتلي من وجهـه ذهـبـا‬
‫هي في عشاقها محـكـت أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن‬ ‫هكذا فعـل الـفـتـاة إذا‬
‫مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني بعض أصحابنا قال‪ :‬نظر عبد الصمد بن المعذل إلى جار له يخطر في مشيته خطرة منكرة‪ ،‬وكان فقيرا‬
‫‪:‬رث لحال‪ ،‬فقال فيه‬
‫ى على عظم ساقه مـسـدول‬ ‫يتمشى في ثوب عصب من العز‬
‫ع سرى خمرة الرحيق الشمول‬ ‫دب في رأسه خمار من الجـو‬
‫بز ونـادى بـزفـرة وعـويل‬ ‫فبكى شجوه وحـن إلـى الـخ‬
‫ن ونفس تاقت إلى طفـشـيل‬ ‫من لقلب مـتـيم بـرغـيفـي‬
‫جل قدر العراس عن تأميلـي‬ ‫ليس تسمو إلى الولئم نفـسـي‬
‫لست أبكي لدارسات الطلـول أخبرنا سوار بن أبي شراعة‪ ،‬قال‪ :‬كان بالبصرة‬ ‫هات لونا وقل لتلـك تـغـنـي‬
‫طفيلي يكنى أبا سلمة‪ ،‬وكان إذا بلغه خبر وليمة لبس لبس القضاة‪ ،‬وأخذ ابنيه معه وعليهما القلنس الطوال‪ ،‬والطيالسة‬
‫الرقاق‪ ،‬فيقدم ابنيه‪ ،‬فيدق الباب أحدهما ويقول‪ :‬افتح يا غلم لبي سلمة‪ .‬ثم ل يلبث البواب حتى يتقدم لخر‪ ،‬فيقول‪ :‬افح ويلك‬
‫فقد جاء أبو سلمة‪ .‬ويتلوهم‪ ،‬فيدقون جميعا الباب‪ ،‬ويقولون‪ :‬بادر ويلك‪ ،‬فإن أبا سلمى واقف‪ .‬فإن لم يكن عرفهم فتح لهم‪،‬‬
‫وهاب منظرهم‪ ،‬وإن كانت معرفته إياهم قد سبقت لم يلتف إليهم‪ ،‬ومع كل واحد منهم فهر مدور يسمونه كيسان‪ ،‬فينتظرون‬
‫حتى يجيء بعض من دعي‪ ،‬فيفتح له الباب‪ ،‬فإذا فتح طرحوا الفهر في العتبة حيث يدور الباب‪ ،‬فل يقدر البواب على غلقه‪،‬‬
‫ويهجمون عليه فيدخلون‪ .‬فأكل أبو سلمة يوما على بعض الموائد لقمة حارة من فالوذج‪ ،‬وبلعها لشدة حرارتها‪ ،‬فجمعت‬
‫‪:‬أحشاؤه فمات على المائدة‪ ،‬فقال عبد الصمد بن المعذل يرثيه‬
‫وأدمعي من جفوني الدهر منسجمه‬ ‫أحزان نفسي عليها غير منصـرمة‬
‫ما إن له في جميع الصالحين لمه‬ ‫على صديق ومولى لي فجعت بـه‬
‫كوماء جاء بها طباخـهـا رذمـه‬ ‫كم جفنة مثل جوف الحوض مترعة‬
‫ومن سنام جزور عبطة سنـمـه‬ ‫قد كللتها شحوم مـن قـلـيتـهـا‬
‫لهفي عليك وويلي يا أبا سلـمـه‬ ‫غيبت عنها فلم تعرف له خـبـرا‬
‫يوما عليك ولو في جاحم حطمـه‬ ‫ولو تكون لها حيا لـمـا بـعـدت‬
‫لكنني كنت أخشى ذاك من تخمـه‬ ‫قد كنت أعلم أن الكـل يقـتـلـه‬
‫فإن حوزة من يأتيه مصطلـمـه أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان ‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫إذا تعمم في شـبـلـيه ثـم غـدا‬
‫حدثني أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان عبد الصمد بن المعذل يتعشق فتى من المغنين‪ ،‬يقال له‪ :‬أحمد‪ ،‬فغاضبه‬
‫‪:‬الفتى وهجره‪ ،‬فكتب إليه‬
‫هل خطر الصبر على بـالـي‬ ‫سل جزعي مذ صددت عن حالي‬
‫إن كنت أعتبت فيك عـذالـي‬ ‫ل غير الله سوء فعـلـك بـي‬
‫حمدت حسن السلو مـن سـال‬ ‫ول ذممت البكا لي عـلـيك ول‬
‫نفسي أن الصدود أعفـى لـي لجحظة في هذه البيات رمل مطلق‬ ‫‪.‬لو كنت أبغي سواك ما جهلـت‬
‫أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن محمد النوفلي‪ ،‬فقال‪ :‬هجا عبد الصمد‬
‫‪:‬بن المعذل قينة بالبصرة قال فيها‬

‫صفحة ‪1486 :‬‬

‫كرف التـان رأت إدلء أعــيار‬ ‫تفتر عن مضحك السدري إن ضحكت‬


‫سوداء حالكة دهـمـاء كـالـقـار قال‪ :‬فكسدت والله تلك القينة بالبصرة‪ ،‬فلم‬ ‫يفوح ريح كنـيف مـن تـرائبـهـا‬
‫‪.‬تدع ولم تستتبع حتى أخرجت عنها‬
‫أخبرني علي بن سليمان الخفش‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا المبرد‪ ،‬قال‪ :‬كتب عبد الصمد بن المعذل إلى بعض المراء رقعة فلم يجبه عنها‪،‬‬
‫‪:‬لشيء كان بلغه عنه‪ ،‬فكتب إليه‬
‫م ولم أدر ما جواب الكتـاب‬ ‫قد كتبتت الكتاب ثم مضى اليو‬
‫ل يراني أهل لرد الجـواب‬ ‫ليت شعري عن المير لمـاذا‬
‫ذا انخفاض بهجرتي واجتنابي‬ ‫ل تدعني وأنت رفعت حالـي‬
‫وبلء بالعـذر والعـتـاب‬ ‫إن أكن مذنبا فعندي رجـوع‬
‫د الوثيق المؤكد السـبـاب أخبرني الحرمي بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو الشبل‪،‬‬ ‫وأنا الصادق الوفاء وذو العـه‬
‫قال‪ :‬كان بالبصرة رجل من ولد المهلب بن أبي صفرة‪ ،‬يقال له‪ :‬صبيانه‪ ،‬وكان له بستان سري في منزله‪ ،‬فكان يدعو الفتيات‬
‫إليه‪ ،‬فل يعطيهن شيئا من الدراهم‪ ،‬ويقصر بهن على ما يحملنه من البستان معهن‪ ،‬مثل الرطب والبقول والرياحين‪ ،‬فقال فيه‬
‫‪:‬عبد الصمد قوله‬
‫جذرهم النمام والحمـاحـم‬ ‫قوم زناة مالـهـم دراهـم‬
‫خسوا وخست منهم المطاعم‬ ‫أنذل من تجمعه المـواسـم‬
‫فعدلهم إن قسته المظالـم أخبرني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني سوار بن أبي شراعة‪ ،‬وأخبرنا به سوار أجازة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫أبي‪ ،‬قال‪ :‬لما هجا الجماز عبد الصمد بن المعذل جاءني فقال لي‪ :‬أنقذني منه‪ .‬فقلت له‪ :‬أمثلك يفرق من الجماز? فقال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫لنه ل يبالي بالهجاء ول يفرق منه‪ ،‬ول عرض له‪ ،‬وشعره ينفق على من ل يدري‪ .‬فلم أزل حتى أصلحت بينهما بعد أن سار قوله‬
‫‪:‬فيه‬
‫ومن أبوه المعذل‬ ‫ابن المعذل من هو‬
‫فقال بيض محول قال‪ :‬وكان وهبان هذا رجل يبيع الحمام‪ ،‬فجمع جماعة من أصحابه‬ ‫سألت وهبان عنه‬
‫وجيرانه‪ ،‬وجعل يغشى المجالس‪ ،‬ويحلف أنه ما قال‪ :‬إن عبد الصمد بيض محول‪ ،‬ويسألهم أن يعتذروا إليه‪ ،‬فكان هذا منه قد‬
‫صار بالبصرة طرفة ونادرة‪ ،‬فجاءني عبد الصمد يستغيث منه‪ ،‬ويقول لي‪ :‬ألم أقل لك إن آفتي منه عظيمة‪ ،‬والله لدوران وهبان‬
‫على الناس يحلف لهم‪ :‬إنه ما قال‪ :‬إني بيض محول‪ ،‬أشد علي من هجائه لي‪ .‬فبعثت إلى وهبان فأحضرته‪ ،‬وقلت له‪ :‬يا هذا‪ ،‬قد‬
‫علمنا ان الجماز قد كذل عليك‪ ،‬وعذرناك فنحب أن ل نتكلف العذر إلى الناس في أمرنا‪ ،‬فإنا قد عذرناك‪ .‬فانصرف وقد لقي‬
‫‪.‬عبد الصمد بلء‬
‫أخبرني محمد بن جعفر الصيدلني النحوي صهر المبرد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني إسحاق بن محمد النخعي قال‪ :‬قال لي أبو شراعة‬
‫القيسي‪ :‬بلغ أبا جعفر مضرطان أن عبد الصمد بن المعذل هجاه‪ ،‬واجتمعتا عند أبي وائلة السدوسي‪ ،‬فقال له مضرطان‪ :‬بلغني‬
‫أني هجوتني‪ .‬فقال له عبد الصمد‪ :‬من أنت حتى أهجوك? قال‪ :‬هذا شر من الهجاء‪ .‬فوثب إلى عبد الصمد يضربه‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬الحمدوي‪ ،‬وهو إسماعيل بن إبراهيم بن حمدويه جده‪ ،‬وهو الذي كان يقتل الزنادقة‬
‫أو اقتـراح عـلـى قـيان‬ ‫ألذ من صحبة الـقـنـانـي‬
‫يهدى له أهـون الـهـوان‬ ‫لكز فتى من بنـي لـكـيز‬
‫يطحن قرنيه بـالـجـران‬ ‫أهـوى لـه بـازل خـدب‬
‫باليد طورا وبـالـلـسـان‬ ‫فنـال مـنـه ثـؤور قـوم‬
‫يضرط من خوف مضرطان قال‪ :‬وبلغ عبد الصمد شعر الحمدوي‪ ،‬فقال‪ :‬أنا له‪.‬‬ ‫وكان يفسو فصـار حـقـا‬
‫‪:‬ففزع الحمدوي منه‪ ،‬فقال‬
‫إذ قيل إن ابن المعـذل واجـد‬ ‫ترح طعنـت بـه وهـم وارد‬
‫وابن المعذل من مزاحي حارد فرضي عنه عبد الصمد‬ ‫هيهات أن أجد السبيل إلى الكرى‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال‪ :‬حدثنا العنزي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن عقبة اليشكري‪ ،‬قال‪ :‬قال عبد الصمد بن‬
‫‪:‬المعذل‪ ،‬هجاني الجماز ببيتين سخيفين فسارا في أفواه الناس‪ ،‬حتى لم يبق خاص ول عام إل رواهما‪ ،‬وهما‬
‫ومن أبوه المعذل‬ ‫ابن المعذل من هو‬
‫فقال بيض محول‬ ‫سألت وهبان عنه‬

‫صفحة ‪1487 :‬‬

‫‪:‬فقلت أنا فيه شعرا تركته يتحاجى فيه كل أحد‪ ،‬فما رواه أحد ول فكر فيه‪ ،‬وذلك لضعته‪ ،‬وهو قولي‬
‫ر إليه مـنـتـهـاه‬ ‫نسب الجماز مقصـو‬
‫س فما يخفى سـواه‬ ‫يتراءى نسب الـنـا‬
‫ماز من هو كاتبـاه‬ ‫يتحاجى في أبي الـج‬
‫ماز إل مــن يراه أخبرني الخفش‪ ،‬قال‪ :‬كان لعبد الصمد بستان نظيف عامر‪ ،‬فأنشدنا‬ ‫ليس يدري من أبو الج‬
‫‪:‬لنفسه فيه‬
‫خلوت فنادمت بستـانـيه‬ ‫إذا لم يزرنـي نـدمـانـيه‬
‫يهيج لي ذكر أشجـانـيه‬ ‫فنادمته خضرا مـؤنـقـا‬
‫ويبعد همـي وأحـزانـيه‬ ‫يقرب مفرحة المسـتـلـذ‬
‫تظل لطلئهـا حـانـيه‬ ‫أرى فيه مثل مداري الظباء‬
‫كما ابتسمت عجباص غانيه‬ ‫ونور أقاح شتيت النـبـات‬
‫إلى وجه عاشقهـا رانـيه أخبرني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب‪ ،‬قال‪ :‬كان يزيد‬ ‫ونرجسه مثل عين الفـتـاة‬
‫بن عبد الملك المسمعي يهوى جارية من جواري القيان‪ ،‬يقال لها‪ :‬عليم‪ ،‬وكان يعاشر عبد الصمد‪ ،‬ويزيد يومئذ شاب حديث‬
‫السن‪ ،‬وكان عبد الصمد يسميه ابني‪ ،‬ويسمي الجارية ابنتي‪ ،‬فباع الفتى بستانا له في معقل‪ ،‬وضيعة بالقندل‪ ،‬فاشترى الجارية‬
‫‪:‬بثمنها‪ ،‬فقال عبد الصمد‬
‫تهدى من ابني إلى عروس‬ ‫بنيتي أصبحـت عـروسـا‬
‫فاجتمعا ليلة الـخـمـيس‬ ‫زفت إليه لـخـير وقـت‬
‫بالمنزل الرذل الخسـيس‬ ‫يا معشر العاشقـين أنـتـم‬
‫فاتبعوا منـهـج الـرئيس‬ ‫يزيد أضحى لكـم رئيسـا‬
‫ذلل نفسا بـحـل كـيس أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني يزيد بن‬ ‫من رام بـل لــرأس أير‬
‫محمد المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬بلغ عبد الصمد بن المعذل أن أبا قلبة الجرمي تدسس إلى الجماز لما بلغه تعرضه له‪ ،‬وهجاؤه إياه‪،‬‬
‫فحمله على الزيادة في ذلك‪ ،‬ويضمن له أن ينصره ويعاضده‪ ،‬وقد كان عبد الصمد هجا أبا قلبة حتى أفحمه‪ ،‬فقال عبد الصمد‬
‫‪:‬فيهما‬
‫صماء هامته أميمـه‬ ‫يا من تركت بصخرة‬
‫أشبهته خلقا وشيمـه‬ ‫إن الذي عاضـدتـه‬
‫ثة فعل جدته القديمه‬ ‫وكفعل جدتك الحـدي‬
‫مة ناصر لبن الليئمة حدثني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو العيناء‪ ،‬قال‪ :‬كان لعبد‬ ‫فتناصرا فابن اللـئي‬
‫الصمد بن المعذل صديق يعاشره ويأنس به‪ ،‬فتزوج إليه أمير البصرة‪ ،‬وكان من ولد سليمان بن علي‪ ،‬فنبل الرجل وعل قدره‪،‬‬
‫‪:‬ووله المتزوج إليه عمل‪ ،‬فكتب إليه عبد الصمد‬
‫أم نلت ملكا فتهت في كتـبـك‬ ‫أحلت عما عهـدت مـن أدبـك‬
‫وان نقصا عليك في حسـبـك‬ ‫أم هل ترى أن في مناصفة الخ‬
‫فأي شيء أدناك من غضـبـك‬ ‫أم كان ما كان منك عن غضب‬
‫يكون في صدره وأمتـع بـك‬ ‫إن جـفـاء كـتـاب ذي ثـقة‬
‫شاركت آل النبي في نسـبـك‬ ‫كيف بإنصافـنـا لـديك وقـد‬
‫نفسك عندي مللت من طلبـك‬ ‫قل للـوفـاء الـذي تـقـدره‬
‫حسبك ماذا كفيت من تعـبـك فأجابه صديقه‬ ‫‪:‬أتعبت كفيك في مواصـلـتـي‬
‫وكل خير أنال من نسبـك‬ ‫كيف يحول الخاء يا أملـي‬
‫فامنن بفضل علي من أدبك‬ ‫إن يك جهل أتاك من قبلـي‬
‫ول تراه يخط في كتـبـك حدثني الخفش‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا المبرد‪ ،‬قال‪ :‬كان لعبد‬ ‫أنكرت شيئا فلست فاعلـه‬
‫‪:‬الصمد بن المعذل صديق كثير الكذب‪ ،‬كان معروفا بذلك‪ ،‬فوعده وعدا فأخلفه‪ ،‬ومطله به مطل طويل‪ ،‬فقال عبد الصمد‬
‫يزيد عند السكون والحركة‬ ‫لي صاحب في حديثه البركة‬
‫لردها بالحروف مشتبـكة أخبرني جعفر بن قدامة قال‪ :‬حدثني سوار بن أبي‬ ‫لو قال ل في قليل أحرفهـا‬
‫شراعة‪ ،‬قال‪ :‬كان يحيى بن عبد السميع الهاشمي يعاشر عبد الصمد بن المعذل‪ ،‬ويجتمعان في دار رجل من بني المنجاب له‬
‫‪:‬جارية مغنية‪ ،‬وكان ينزل رحبة المنجاب بالبصرة‪ ،‬ثم استبد بها الهاشمي دون عبد الصمد‪ ،‬فقال فيهم عبد الصمد‬

‫صفحة ‪1488 :‬‬

‫فلينكهم ما شاء من أصحابـي‬ ‫قل ليحيى مللت من أحبـابـي‬


‫أن بلونا تـنـعـم الـعـزاب‬ ‫قد تركنا تعشق المـرد لـمـا‬
‫بعد خبر إلى وصال القحـاب‬ ‫وشنئنا المؤاجـرين فـمـلـنـا‬
‫جاب حلت في رحبة المنجاب‬ ‫حبذا قينة لهل بـنـي الـمـن‬
‫راح ليس الفقـاح لـلزبـاب‬ ‫صدقت إذ يقول لي خلـق الح‬
‫يى وتسقيك من ثنـايا عـذاب‬ ‫حبذا تلـك إذ تـغـنـيك يا يح‬
‫والمطايا بالسهب سهب الركاب‬ ‫ذكر الـقـلـب ذكـرة أم زيد‬
‫تتشكى إليك عنـد الـضـراب‬ ‫حبذا إذ ركبتهـا فـتـجـافـت‬
‫غير ذي خيفة لهم وارتـقـاب‬ ‫وتغنت وأنـت تـدفـع فـيهـا‬
‫كتجافي السر فوق الظـراب‬ ‫إن جنبي عن الفـراش لـنـاب‬
‫زاح عني وساوس الكـتـاب‬ ‫ليت شعري هل أسمعن إذا مـا‬
‫مج فيها النعيم ماء الشـبـاب‬ ‫من فتاة كأنـهـا خـوط بـان‬
‫نعمات تحـبـهـا بـصـواب‬ ‫إذ تغنيك خلف سجـف رقـيق‬
‫فهي كالشمس من خلل سحاب‬ ‫شف عنها محـقـق جـنـدي‬
‫ويغـرى بـه ذوو اللـبـاب‬ ‫رب شعر قد قلـتـه بـتـبـاه‬
‫ذكروه قاموا علـى الدنـاب قال‪ :‬وشاعت البيات بالبصرة‪ ،‬فامتنع مولى الجارية‬ ‫قد تركت الملـحـنـين إذا مـا‬
‫‪.‬من معاشرة الهاشمي‪ ،‬وقطعه بعد ذلك‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي وأحمد بن يحيى بن علي بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عليل العنزي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد‬
‫بن صالح الهاشمي‪ ،‬قال‪ :‬كان الحسين بن عبد الله بن العباس بن جعفر بن سلمان مائل إلى عبد الصمد بن المعذل‪ ،‬وكان عبد‬
‫الصمد يهجو هشاما الكرنباني‪ ،‬فجرى عن ابني هشام الكرنباني ‪ -‬وهو أبو وائلة وإبراهيم ‪ -‬وبين الحر بن عبد الله‪ ،‬لحاء في أمر‬
‫عبد الصمد‪ ،‬لنهما ذكراه وسباه‪ ،‬فامتعض له الحسين وسبهما عنه‪ ،‬فرميا الحسين بابن المعذل‪ ،‬ونسباه إلى أن عبد الصمد‬
‫يرتكب القبيح‪ ،‬وبلغ الحسين ذلك‪ ،‬فلقيهما في سكة المربد‪ ،‬فشد عليهما بسوطه وهو راكب‪ ،‬فضربهما ضربا مبرحا‪ ،‬وأفلت أبو‬
‫وائلة‪ ،‬ووقع سبيب السوط في عين إبراهيم‪ ،‬فأثر فيها أثرا قبيحا‪ ،‬فاستعان بمشيخة من آل سليمان بن علي‪ ،‬وهرب أبو وائلة‬
‫إلى المير علي بن عيسى وهو والي البصرة‪ ،‬فوجه معه بكاتبه ابن فراس إلى باب الحسين بن عبد الله‪ ،‬فطلبه وهرب حسين‬
‫إلى المحدثة‪ ،‬فلما كان من الغد جاء حسين إلى صالح إسحاق بن سليمان‪ ،‬وإلى ابن يحيى بن جعفر بن سليمان‪ ،‬ومشيخة من‬
‫آل سليمان‪ ،‬فصاروا معه إلى علي بن عيسى‪ ،‬وأقبل عبد الصمد بن المعذل لما رآهم‪ ،‬فدخل معهم لنصرة حسين‪ ،‬فكلموا علي‬
‫بن عيسى في أمره وقام عبد الصمد‪ ،‬فقال‪ :‬أصلح الله المير‪ ،‬هؤلء أهلك‪ ،‬وأجلة أهل مصرك‪ ،‬تصدوا إليك في ابنهم وابن‬
‫أخيهم‪ ،‬وهو وإن كان حدثا ل ينبسط للحجة بحداثته‪ ،‬فإن ها هنا من يعبر عنه‪ ،‬وقد قلت أبياتا‪ ،‬فإن رأى المير أن يأذن في‬
‫‪:‬إنشادها فعل‪ .‬قال‪ :‬قل‪ .‬فأنشده عبد الصمد قوله‬
‫رأس الدعائم سابق الغـصـان‬ ‫يا ابن الخلئف وابن كل مبـارك‬
‫فأتوك عنه بأعظم الـبـهـتـان‬ ‫إن العلوج على ابن عمك أصفقوا‬
‫وهم ابتدوه بأعظـم الـعـدوان‬ ‫قرفوه عندك بالتعدي ظـالـمـا‬
‫أعراضهم أولى بـكـل هـوان‬ ‫شتموا له عرضا أغر مـهـذبـا‬
‫وصلـت بـألم أذرع وبـنـان‬ ‫وسموا بأجسـام إلـيه مـهـينة‬
‫عرض الشريف ول لمد عنـان‬ ‫خلقت لمد القلـس ل لـتـنـاول‬
‫إذ لم يهابوا حرمة السـلـطـان‬ ‫لم يحفظوا قرباه منك فينتـهـوا‬
‫كيما يعـز بـذلـه عـلـجـان‬ ‫أيذل مظلـومـا وجـدك جـده‬
‫ذل ابن عم خليفة الـرحـمـن‬ ‫وينال أقلـف كـربـلء بـلده‬
‫تطغى العلوج بها على عدنـان فدعا علي بن عيسى حسينا‪ ،‬فضمه إليه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫إني أعيذك أن تنال بـك الـتـي‬
‫‪.‬انصرف مع مشايخك‪ .‬ودعا بهشام الكرنباني وابنيه‪ ،‬فعذلهم في أمره‪ ،‬ثم أصلح بينهم بعد ذلك‬

‫صفحة ‪1489 :‬‬

‫أخبرني علي بن سليمان‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد‪ ،‬قال‪ :‬كان عبد الصمد بن المعذل يعاشر عبد الله بن المسيب ويألفه‪،‬‬
‫‪:‬فبلغه أن اغتابه يوما وهو سكران‪ ،‬وعاب شيئا أنشده من شعره‪ ،‬فقال فيه وكتب بها إليه‬
‫قد زال عند حفيظتي صبري‬ ‫عتبي عليك مقارن الـعـذر‬
‫يقضي عليك بهفوة فكـري‬ ‫لك شافع مني إلـي فـمـا‬
‫في السكر قلت جناية السكر‬ ‫لما أتاني ما نـطـقـت بـه‬
‫مستعذبا بنقيصتـي ذكـري‬ ‫حاشا لعبد الـلـه يذكـرنـي‬
‫فليهنه ما عاب من شعـري‬ ‫إن عاب شعري أو تحـيفـه‬
‫أصبحت مرتهنا به شكـري‬ ‫يا ابن المسيب قد سبقت بمـا‬
‫ومتى هفوت فأنت في عذر‬ ‫فمتى خمرت فأنت في سعة‬
‫منك العتاب ذريعة الهجـر أخبرني الخفش‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا المبرد‪ ،‬قال‪ :‬دعا عبد‬ ‫ترك العتاب إذا استحـق أخ‬
‫الصمد بن المعدل شروين المغني‪ ،‬وكان محسنا متقدما في صناعته‪ ،‬فتعالل عليه ومضى إلى غيره‪ ،‬فقال عبد الصمد‪ ،‬والله‬
‫‪:‬لسمنه ميسما ل يدعوه بعده أحد بالبصرة إل بعد أن يبذل عرضه وحريمه‪ .‬فقال فيه‬
‫فلتنهه الولى عن الثانية‬ ‫من حل شروين له منزل‬
‫إل فتى في بيته زانـية فتحاماه أهل البصرة حتى اضطر إلى أن خرج إلى بغداد وسر‬ ‫فليس يدعوه إلى بـيتـه‬
‫‪.‬من رأى‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي وأحمد بن العباس العسكري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عليل العنزي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الفضل بن‬
‫أبي جرزة‪ ،‬قال‪ :‬كان أبو قلبة الجرمي وعبد الصمد بن المعذل وعبد الله بن محمد بن أبي عيينة المهلبي أرادوا المسير إلى‬
‫بيت بحر البكراوي‪ ،‬وكانت له جارية مغنية‪ ،‬يقال لها‪ :‬جبلة‪ ،‬وكان أبو رهم إليها مائل يتعشقها‪ ،‬ثم اشتراها بعد ذلك فلما أرادوا‬
‫الدخول إليها وافاهم أبو رهم‪ ،‬فأدخلوه وحده وحجبوهم‪ ،‬فانصرفوا إلى بستان ابن أبي عيينة‪ ،‬فقال أبو قلبة‪ :‬ل بد أن نهجو أبا‬
‫‪:‬رهم‪ .‬فقالوا‪ :‬قل‪ .‬فقال‬
‫سيهوى نعتك الوصف‬ ‫أل قـل لبـي رهـم‬
‫كذا جانب الظـرف‬ ‫كما حالفـك الـغـي‬
‫إلى بحر من الشغف‬ ‫أتـانـا أنـه أهـدى‬
‫فهل معـه رغـف‬ ‫حزيمات من الصـير‬
‫فقد جاءكم اللـطـف فقال له عبد الصمد‪ :‬سخنت عينك أيش هذا الشعر‪ ،‬بمثل هذا‬ ‫فنادوا اقسمي فـينـا‬
‫يهجى من يراد به الفضيحة‪ .‬فقال أبو قلبة‪ :‬هذا الذي حضرني‪ ،‬فقل أنت ما يحضرك‪ .‬فقال‪ :‬أفعله وأجود‪ .‬فكان هذا سبب هجاء‬
‫‪:‬عبد الصمد أبا رهم‪ ،‬وأول قصيدة هجاه بها قوله‬
‫وألقوا الريط واشتملوا القلوسا‬ ‫دعوا السلم وانتحلوا المجوسا‬
‫لقد أنهضت طيركم نحـوسـا‬ ‫بني العبد المقيم بنهـر تـيري‬
‫فل يمسي بأمكـم عـروسـا‬ ‫حرام أن يبـيت لـكـم نـزيل‬
‫يحث على نداماه الـكـؤسـا‬ ‫إذا ركد الظلم رأت عـسـيل‬
‫فيستدعي إلى الحرم النفوسـا‬ ‫ويذكرهم أبو رهم بـهـجـو‬
‫ويحمي الفضل بينهم الوطيسا‬ ‫ويخليهم هشام بـالـغـوانـي‬
‫كما أهملت في الزرب التيوسا‬ ‫فتسمع في البيوت لهم هبـيبـا‬
‫فقد وجد الزناة بهـم رئيسـا‬ ‫لقد كان الـزنـاة بـل رئيس‬
‫وهم وسموا بجبهته حبـيسـا‬ ‫هم قبلوا الزنـاء وأنـشـؤوه‬
‫لقد أخزى الله بهم سـدوسـا وقال فيه‬ ‫‪:‬لئن لم تنف دعوتهـم سـدوس‬
‫كجـوده بـالخـت والم‬ ‫لو جاد بالمـال أبـو رهـم‬
‫وقيل أسخى العرب والعجم‬ ‫أضحى وما يعرف مثل له‬
‫أحق أن يشكر بالـشـتـم وله فيه من قصيدة طويلة‬ ‫‪:‬من بر بالحرمة إخـوانـه‬
‫زوجه زوج زوجته‬ ‫هو والله منـصـف‬
‫بين حرها وفقحتـه حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا العنزي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو‬ ‫يقسـم الير عـادل‬
‫‪:‬الفضل بن عبدان‪ ،‬قال‪ :‬خرج عبد الصمد بن المعذل مع أهله إلى نزهة وقال‬

‫صفحة ‪1490 :‬‬

‫وهجرنا القصر المنيف المشيدا‬ ‫قد نزلـنـا بـروضة وغـدير‬


‫زكرتي خمرة وصقرا صيودا‬ ‫بعريش ترى من الـزاد فـيه‬
‫كلمـا قـلـت أبـديا وأعـيدا‬ ‫وغريرين يطربان الـنـدامـى‬
‫سلس الرجع يصدع الجلمـودا‬ ‫غنياني فغنـيانـي بـلـحـن‬
‫صبح مغيرا ول دعـيت يزيدا‬ ‫ل ذعرت السوام في فلـق ال‬
‫إن بالباب حارسـين قـعـودا‬ ‫حي ذا الزور وانهه أن يعـودا‬
‫وقديرا رخصا وخمرا عتـيدا‬ ‫من يزرنا يجد شوء حـبـارى‬
‫خلعوا العذر يسحبون البـرودا‬ ‫وكراما مـعـذلـين وبـيضـا‬
‫قربت لي كريمة عـنـقـودا أخبرني جعفر بن قدامة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد‬ ‫لست عن ذا بمقصر ما جزائي‬
‫المبرد‪ ،‬قال‪ :‬نظر عبد الصمد بن المعذل إلى الفشين بسر من رأى وهو غلم أمرد‪ ،‬وكان من أحسن الناس‪ ،‬وهو واقف على‬
‫‪:‬باب الخليفة مع أولد القواد‪ ،‬فأنشدنا لنفسه فيه‪ ،‬قال‬
‫هل إلى الوصل بيننا من سـبـيل‬ ‫أيها اللحظي بـطـرف كـلـيل‬
‫زورة منك عند وقت الـمـقـيل‬ ‫علـم الـلـه أنـنـي أتـمـنـى‬
‫ن تهادى وفي الحسام الصـقـيل‬ ‫بعد ما قد غدوت في القرطق الجو‬
‫ل عليها تـمـيل كـل مـمـيل‬ ‫وتكفيت في المواكـب تـخـتـا‬
‫ب القصر تلهو بكل قـال وقـيل‬ ‫وأطلت الوقـوف مـنـك بـبـا‬
‫د بـخـبـر بـه ورأى أصـيل‬ ‫وتحدثت في مطـاردة الـصـي‬
‫ح وعلم بمرهفات الـنـصـول‬ ‫ثم نازعت في السنان وفي الـرم‬
‫ن ووثب على صعاب الـخـيول‬ ‫وتكلمت في الطراد وفي الـطـع‬
‫ت كـريحـانة دنـت لـذبـول‬ ‫فإذا ما تفـرق الـقـوم أقـبـل‬
‫فوق صدغ وجفن طرف كحـيل‬ ‫قد كساك الغـبـار مـنـه رداء‬
‫دك في مشـرق نـقـي أسـيل‬ ‫وبدت وردة الـقـسـامة مـن خ‬
‫ي وجيد الدمانة الـعـطـبـول‬ ‫ترشح المسك منه سالفة الـظـب‬
‫ك برشف الخدين والـتـقـبـيل‬ ‫فأسوف الغـبـار سـاعة ألـقـا‬
‫رك رفقا باللطف والتـعـلـيل‬ ‫وأحل القباء والسيف مـن خـص‬
‫ريف عندي والبر والتـبـجـيل‬ ‫ثم تؤتى بما هويت مـن الـتـش‬
‫ب تهادى في مجسد مصـقـول‬ ‫ثم أجلوك كالعروس على الـشـر‬
‫قك كأسا من الرحيق الشـمـول‬ ‫ثم أسقيك بعد شـربـي مـن ري‬
‫غير مستكـره ول مـمـلـول‬ ‫وأغـنـيك إن هـويت غـنــاء‬
‫مثل أثـنـاء حـية مـقـتـول‬ ‫ل يزال الخلخال فوق الحـشـايا‬
‫وتمنى الخليل قرب الـخـلـيل‬ ‫فإذا ارتاحت النفوس اشـتـياقـا‬
‫ه ولكـنـه شـفـاء الـغـلـيل أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬ ‫كان ما كان بينـنـا ل أسـمـي‬
‫الحسن بن عليل العنزي والمبرد وغيرهما‪ ،‬قالوا‪ :‬كانت متيم جارية لبعض وجوه أهل البصرة‪ ،‬فعلقها عبد الصمد بن المعذل‪،‬‬
‫وكانت ل تخرج إل منتقبة‪ ،‬فخرج عبد الصمد يوما إلى نزهة‪ ،‬وقدمت متيم إلى عبيد الله بن الحسن بن أبي الحر القاضي‪،‬‬
‫فاحتاج إلى أن يشهد عليها‪ ،‬فأمرها بأن تسفر‪ ،‬فلما قدم عبد الصمد قيل له‪ :‬لو رأيت متيم وقد أسفرها القاضي لرأيت شيئا‬
‫‪:‬حسنا لم ير مثله‪ .‬فقال عبد الصمد قوله‬
‫تروح منها العنبري مـتـيمـا‬ ‫ولما سرت عنها القنـاع مـتـيم‬
‫عليها لها طرفا عليه محكـمـا‬ ‫رأى ابن عبيد الـلـه مـحـكـم‬
‫فلما رأى منها السفور تبسـمـا‬ ‫وكان قديما كالح الوجه عابـسـا‬
‫صبا باليتامى قلب يحيى بن أكثما فبلغ قوله يحيى بن أكثم‪ ،‬فكتب إليه‪ :‬عليك‬ ‫فإن يصب قلب العنبري فقبـلـه‬
‫لعنة الله‪ ،‬أي شيء أردت مني حتى أتاني شعرك من البصرة? فقال لرسوله‪ :‬قل له‪ :‬متيم أقعدتك على طريق القافية أخبرني‬
‫‪:‬عمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن أبي طاهر‪ ،‬قال‪ :‬حدثني عبد الله بن أحمد العبدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني النيسي‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪1491 :‬‬

‫كنت عند إسحاق بن إبراهيم وزاره أحمد بن المعذل‪ ،‬وكان خرج من البصرة على أن يغزو‪ ،‬فلما دخل على إسحاق بن إبراهيم‬
‫‪:‬أنشده‬
‫حقا قديما من الود الـذي درسـا‬ ‫أفضلت نعمي على قوم رعيت لهم‬
‫أتوا سواك فما لقوا بـه أنـسـا‬ ‫وحرمة القصد بـالمـال إنـهـم‬
‫قول وفعل وأخلقا ومغتـرسـا فأمر له بخمسمائة دينار‪ ،‬فقبضها ورجع إلى‬ ‫لنت أكرم منه عنـد رفـعـتـه‬
‫‪:‬البصرة‪ ،‬وكان خرج عنها ليجاور في الثغر‪ ،‬وبلغ عبد الصمد خبره‪ ،‬فقال فيه‬
‫وإنما كان يغزو كيس إسحاق‬ ‫يرى الغزاة بأن الله هـمـتـه‬
‫وابتاع عاجل رفد القوم بالباقي فبلغ إسحاق بن إبراهيم قوله‪ ،‬فقال‪ :‬قد مسنا أبو‬ ‫فباع زهدا ثوابا ل نـفـاد لـه‬
‫‪.‬السم عبد الصمد بشيء من هجائه‪ .‬وبعث إليه بمائة دينار‪ ،‬فقال له موسى بن صالح‪ :‬أبى المير إل كرما وظرفا‬
‫أخبرني محمد بن عمران الصيرفي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عليل‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الحسن السدي‪ ،‬قال‪ :‬قدم أبو نبقة من البحرين‬
‫‪:‬وقد أهدى إلى قوم من أهل البصرة هداياه‪ ،‬ولم يهد إلى عبد الصمد شيئا فكتب إليه‬
‫وفي أدم البحرين والنبق الصـفـر‬ ‫أما كان في قسب اليمامة والتـمـر‬
‫وأهديتها حظ لـنـا يا أبـا بـكـر‬ ‫ول في مناديل قسمـت طـريفـهـا‬
‫ولم ينتصف منها المقل ول المثـري‬ ‫سرت نحو أقوام فـل هـنـأتـهـم‬
‫وآل أبي حرب ذوي النشب الـدثـر‬ ‫أأنت إلى طالوت ذي الوفر والغنـى‬
‫غصصت بباقي ما ادخرت من التمر‬ ‫ولم تأتنـي ول الـرياشـي تـمـرة‬
‫تكون له في القيظ ذخرا مدى الدهر‬ ‫ولم يعط منها الـنـهـشـلـي إداوة‬
‫عرى البيد منشور المخافة والذعـر‬ ‫أقول لفـتـيان طـويت لـطـيهـم‬
‫لما أنصف السدري في ثمر السـدر‬ ‫لئن حكم السدري بالـعـدل فـيكـم‬
‫لدينا بمحمود ول ظاهـر الـعـذر أخبرنا الحسن بن عليل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‬ ‫لئن لم تكن عيناك عذرك لـم تـكـن‬
‫بن يزيد المهلبي‪ ،‬قال‪ :‬وقع بين أبي وبين عبد الصمد بن المعذل تباعد‪ ،‬فهجاه ونسبه إلى الشؤم‪ ،‬وكان يقال ذلك في عبد‬
‫‪:‬الصمد‪ ،‬فقال فيه‬
‫كما لقي ابن سهل من يزيد‬ ‫يقول ذوو التشؤم ما لقـينـا‬
‫أتاه يزيد من بلـد بـعـيد‬ ‫أتته منية المأمـون لـمـا‬
‫وفرق عنه أفواج الجنـود‬ ‫فصير منه عسكره خـلء‬
‫أباد لهم عديدا مـن عـديد‬ ‫فقلت لهم وكم مشؤوم قـوم‬
‫بشؤم كان أسرع في سعيد‬ ‫رأيت ابن المعذل يال عمرو‬
‫ومنه قض آجام الـبـريد‬ ‫فمنه موت جلة آل سـلـم‬
‫ولما يتسمع لطم الـخـدود‬ ‫ولم ينزل بدار ثم يمـسـي‬
‫فإن بعقبه يا عين جـودي‬ ‫وكل مديح قوم قال فـيهـم‬
‫تنسم منه رائحة الصعـيد‬ ‫إذا رجل تسمع منه مدحـا‬
‫أثاروا منه رائحة الطـريد‬ ‫فلو حصف الذين يبيح فيهم‬
‫ول عتبا بأبواب الـحـديد حدثني الخفش‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا المبرد‪ ،‬قال‪ :‬مر أحمد بن‬ ‫فليس العز يمنه منه شؤمـا‬
‫‪:‬المعذل بأخيه عبد الصمد وهو يخطر‪ ،‬فأنشأ يقول‬
‫أنه ابن المهلب‬ ‫إن هذا يرى أرى‬
‫ولنا غير معجب أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫أنت والله معجب‬
‫حدثنا أبي وغيره‪ ،‬وحدثني به بعض آل المعذل‪ ،‬قال‪ :‬مر عبد الصمد بن المعذل بغلم يقال له‪ :‬المغيرة‪ ،‬حسن الصوت حسن‬
‫‪:‬الوجه‪ ،‬وهو يقرأ ويقول القصائد‪ ،‬فأعجب به‪ ،‬وقال فيه‬
‫جد بالصوت العقيره‬ ‫أيها الرافع في المس‬
‫لء والقتل كبـيره‬ ‫قتلتني عينك الـنـج‬
‫فاصلو حكم العشيره‬ ‫أيها الحكـام أنـتـم‬
‫صنعت عينا مغيره أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا زكريا بن‬ ‫أحلل ما بقـلـبـي‬
‫‪:‬مهران بن يحيى‪ ،‬قال‬

‫صفحة ‪1492 :‬‬

‫جاءنا عبد الصمد بن المعذل إلى منزل محمد بن عمر الجرجرائي‪ ،‬فأنشدنا قصيدة له في صفة الحمى‪ ،‬فقال لي محمد بن‬
‫‪:‬عمر‪ :‬امض إلى منزل عبد الصمد حتى تكتبها‪ .‬فمضيت إليه حتى كتبتها‪ ،‬وهي‬
‫وعفت الغواني والخمره‬ ‫هجرت الصبا ايما هجره‬
‫بكأس الضنا ايما سكره أخبرني الحسن بن علي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫طوتني عن وصلها سكره‬
‫حدثني عبد الله بن يزيد الكاتب‪ ،‬قال‪ :‬جمع بين أبي تمام الطائي وبين عبد الصمد بن المعذل مجلس‪ ،‬وكان عبد الصمد سريعا‬
‫‪:‬في قول الشعر‪ ،‬وكان في أبي تمام إبطاء‪ ،‬فأخذ عبد الصمد القرطاس وكتب فيه‬
‫س وكلتاهما بوجه مـذال‬ ‫أنت بين اثنتين تبرز للـنـا‬
‫من حبيب أو طالبا لنـوال‬ ‫لست تنفك طالبا لـوصـل‬
‫بين ذل الهوى وذل السؤال قال‪ :‬فأخذ أبو تمام القرطاس وخل طويل‪ ،‬وجاء به وقد‬ ‫أي ماء لحر وجهك يبقـى‬
‫‪:‬كتب فيه‬
‫وأنت أبرز من ل شيء في العـدد‬ ‫أفي تنظم قول الـزور والـفـنـد‬
‫كأنها حركات أروح في الجـسـد فقال له عبد الصمد‪ :‬يا ماص بظر أمه‪،‬‬ ‫أشرجت قلبك من بغضي على حرق‬
‫يا غث‪ ،‬أخبرني عن قولك أنزر من ل شيء‪ ،‬واخبرني عن قولك اشرجت قلبك‪ ،‬قلبي مفرش أو عيبة أو حرج فأشرجه‪ ،‬عليك‬
‫‪.‬لعنة الله فما رأيت أغث منك‪ .‬فانقطع أبو تمام انقطاعا ما يرى أقبح منه‪ ،‬وقام فانصرف‪ ،‬وما راجعه بحرف‬
‫قال أبو الفرج الصبهاني‪ :‬كان في ابن مهرويه تحامل على أبي تمام ل يضر أبا تمام هذا منه‪ ،‬وما أقل ما يقدح مثل هذا في‬
‫‪.‬مثل أبي تمام‬
‫أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني العنزي‪ ،‬قال‪ :‬كان عبد الصمد بن المعذل يستثقل رجل من ولد جعفر بن‬
‫سليمان بن علي يعرف بالفراش‪ ،‬وكان له ابن أثقل منه‪ ،‬وكانا يفطران عند المنذر بن عمرو ‪ -‬وكان يخلف بعض أمراء البصرة ‪-‬‬
‫وكان الفراش هذا يصلي به‪ ،‬ثم يجلس فيفطر وهو وابنه عنده‪ ،‬فلما مضى شهر رمضان انقطع ذلك عنهما‪ ،‬فقال عبد الصمد بن‬
‫‪:‬المعذل‬
‫وحدا بشهر الصوم فطر المفطر‬ ‫غدر الزمان ولـيتـه لـم يغـدر‬
‫تمري بوادر دمعك المتـحـدر‬ ‫وثوت بقلبك يا محـمـد لـوعة‬
‫أسف المشوق وخلة المتفـكـر‬ ‫وتقسمتك صبابـتـان لـبـينـه‬
‫واقر السلم على خوان المنـذر‬ ‫فاستبق عينك واحش قلبك يأسـه‬
‫والشمس في علياء لم تتـهـور‬ ‫سقيا لدهـرك إذ تـروح يومـه‬
‫وتمد بلعوما قموص الحنـجـر‬ ‫حتى تنيخ بكـلـكـل مـتـزاور‬
‫تدع الخوان سراب قاع مقـفـر‬ ‫وترود منك على الخوان أنـامـل‬
‫أنحى عليها كالهزبر الهـيصـر‬ ‫ويح الصحاف من ابن فـراش إذا‬
‫بشر الخوان بدا بحل الـمـئزر‬ ‫ذو دربة طب إذا لمـعـت لـه‬
‫لو أن شهر الصوم مدة أشـهـر‬ ‫ود ابن فـراش وفـراش مـعـا‬
‫وتراه يحمد عدة المـتـنـصـر‬ ‫يزرى على السلم قلة صبـره‬
‫سيعود شهرك قابل فاستبـشـر‬ ‫ل تهلكن على الصـيام صـبـابة‬
‫شين المغيب وغير زين المحضر أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ل در درك يا محمد من فـتـى‬
‫حدثني محمد البصري وكان جارا لعبد الصمد بن المعذل‪ ،‬قال‪ :‬كان يزيد بن محمد المهلبي يعادي عبد الصمد ويهاجيه ويسابه‪،‬‬
‫‪:‬ويرمي كل واحد منهما صاحبه بالشؤم‪ .‬وكان يزيد بالبصرة وأبوه يتولى نهر تيرى ونواحيها‪ ،‬فقال عبد الصمد يهجوه‬
‫ولست على نسائك بالمـير‬ ‫أبوك أمير قرية نهر تـيرى‬
‫لهم وعـلـيك أرزاق اليور‬ ‫وأرزاق العباد عـلـى آلـه‬
‫وما في أهل رزقك من فقير أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬ ‫فكم من رزق ربك من فقير‬
‫محمد بن عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أحمد بن منصور‪ ،‬قال‪ :‬شرب علي بن عيسى بن جعفر وهو أمير البصرة الدهن‪ ،‬فدخل إليه‬
‫‪:‬عبد الصمد بن المعذل بعد خروجه عنه‪ ،‬فأنشده قوله‬
‫وأعلى رتـبة وأجـل حـال‬ ‫بأيمـن طـائر وأسـر فـال‬
‫خروج المشرفي من الصقال‬ ‫شربت الدهن ثم خرجت عنه‬

‫صفحة ‪1493 :‬‬

‫كما انكشف الغمام عن الهلل‬ ‫تكشف عنك ما عانيت عـنـه‬


‫به حاجيت مستمعا سـؤالـي‬ ‫وقد أهديت ريحانـا طـريفـا‬
‫وقد سبقا بـمـيم قـبـل دال‬ ‫وما هو غير ياء بـعـد حـاء‬
‫وليس يموت ريحان المقـال‬ ‫وريحان الشباب يعـيش يومـا‬
‫على تفاح أسماع الـرجـال أخبرني جحظة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ميمون بن مهران‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ولم يك مؤثـرا تـقـاح شـم‬
‫حدثني أحمد بن المغيرة العجلي‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند أبي سهل السكافي وعنده عبد الصمد بن المعذل‪ ،‬فرفع إليه رجل رقعة‪،‬‬
‫‪:‬فقرأها فإذا فيها‬
‫أو ل فاعلم ما آتـي ومـا أذر فدفعها إلى عبد الصمد‪ ،‬وقال‪ :‬الجواب عليك‪.‬‬ ‫هذا الرحيل فهل في حاجتي نظر‬
‫‪:‬فكتب فيها‬
‫والحر يعذر من بالعسر يعتذر ثم قال عبد الصمد لعلي بن سهل‪ :‬هذا الجواب‬ ‫النفس تسخو ولكن يمنع العسر‬
‫‪.‬قول‪ ،‬وعليك أعزك الله الجواب فعل‪ ،‬ونجح سعي المل حق واجب على مثلك‪ .‬فاستحيا وأمر للرجل بمائة دينار‬
‫أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعلي بن سليمان الخفش‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد الزدي‪ ،‬قال‪ :‬كان لبن المعذل ابن ثقيل‬
‫‪:‬تياه الذهاب بنفسه‪ ،‬وكان مبغضا عند أهل البصرة‪ ،‬فمر يوما بعمه عبد الصمد‪ ،‬فلما رآه قال لمن معه‬
‫أنه ابن المهلب‬ ‫إن هذا يرى أرى‬
‫ولنا غير معجب قال‪ :‬وقال فيه أيضا‬ ‫‪:‬أنت والله معجب‬
‫أصبحت في جوف قرقور إلى الصين‬ ‫لو كان يعطى المنى العمام في ابن أخ‬
‫لو كان رؤيتـنـا إياك فـي الـحـين‬ ‫قد كان هـمـا طـويل ل يقـام لـه‬
‫مجال أعينـنـا مـن رمـل يبـرين‬ ‫فكيف بالصبر إذ أصبحت أكثـر فـي‬
‫وأقذر النـاس فـي دنـيا وفـي دين‬ ‫يا أبغض الناس في عسـر ومـيسـرة‬
‫بمد ثكلـك أجـرا غـير مـمـنـون‬ ‫لو شاء ربي لضحى واهـبـا لخـي‬
‫في السالفات على غرمـول عـنـين‬ ‫وكان خيرا لـه لـو كـان مـؤتـزرا‬
‫شخص ترى وجهه عيني فيضنـينـي‬ ‫وقائل لي مـا أضـنـاك قـلـت لـه‬
‫إذا رأتك على مثـل الـسـكـاكـين‬ ‫إن القلوب لتطوى منك يا ابـن أخـي‬
‫تكشف عن مناكـبـهـا الـقـطـوع‬ ‫أتتك العيس تـنـفـخ فـي بـراهـا‬
‫كأن جـبـينـه سـيف صـنـــيع الشعر لعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص‪،‬‬ ‫بأبـيض مـن أمـية مـضـرحــي‬
‫‪.‬والغناء لبن المهربد‪ ،‬رمل بالبنصر عن الهشامي‪ .‬والله أعلم‬

‫أخبار عبد الرحمن ونسبه‬


‫هو عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف‪ .‬وأمه أم أخيه مروان‪ ،‬آمنة بنت صفوان بن‬
‫أمية بن محرث بن شق بن رقبة بن مخدج من بني كنانة‪ .‬ويكنى عبد الرحمن أبا مطرف‪ ،‬شاعر إسلمي متوسط الحال في‬
‫‪.‬شعراء زمانه‪ ،‬وكان يهاجى عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فيقاومه وينتصف كل واحد منهما من صاحبه‬
‫أخبرني محمد بن العباس العسكري قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عليل العنزي‪ ،‬عن العمري‪ ،‬عن العتبي والهيثم بن عدي‪ ،‬عن صالح‬
‫‪.‬بن حسان‬
‫وأخبرني به عمي عن الكراني‪ ،‬عن العمري‪ ،‬عن الهيثم‪ ،‬عن صالح بن حسان قال‪ :‬قدم عبد الرحمن بن الحكم على معاوية بن‬
‫أبي سفيان‪ ،‬وقد عزل أخاه مروان عن الحجاز وولى سعيد بن العاص‪ ،‬وكان مروان وجه به وقال له‪ :‬القه أمامي فعاتبه لي‬
‫واستصلحه‪ .‬وقال عمي في خبره‪ :‬كان عبد الرحمن بدمشق‪ ،‬فلما بلغه خبر أخيه خرج إليه فتلقاه‪ ،‬وقال له‪ :‬أقم حتى أدخل إلى‬
‫الرجل‪ ،‬فإن كان عزلك عن موجدة دخلت إليه منفردا‪ .‬وإن كان عن غير موجدة دخلت إليه مع الناس‪ .‬قال‪ :‬فأقام مروان‬
‫‪:‬ومضى عبد الرحمن أمامه‪ ،‬فلما قدم عليه دخل إليه وهو يعشي الناس‪ ،‬فأنشأ يقول‬
‫تكشف عن مناكبها القطوع‬ ‫أتتك العيس تنفخ في براها‬
‫كأن جبينه سيف صـنـيع‬ ‫بأبيض من أمية مضرحـي‬

‫صفحة ‪1494 :‬‬

‫فقال معاوية‪ :‬أزائرا جئت أم مفاخرا أم مكاثرا? فقال‪ :‬أي ذلك شئت‪ .‬فقال له‪ :‬ما أشاء من ذلك شيئا‪ ،‬وأراد معاوية أن يقطعه‬
‫عن كلمه الذي عن له‪ ،‬فقال‪ :‬على أي الظهر أتيتنا? قال‪ :‬على فرسي‪ .‬قال‪ :‬وما وصفته? قال‪ :‬أجش هزيم‪ ،‬يعرض بقول‬
‫‪:‬النجاشي له‬
‫أجش هزيم والرمـاح دوانـي‬ ‫ونجى ابن حرب سابح ذو عللة‬
‫مرته به الساقان والقـدمـان فغضب معاوية‪ :‬وقال‪ :‬أما إنه ل يركبه صاحبه في‬ ‫إذا خلت أطراف الرماح تنالـه‬
‫الظلم إلى الريب‪ ،‬ول هو ممن يتسور على جاراته ول يتوثب على كنائنه بعد هجعة الناس ‪ -‬وكان عبد الرحمن يتهم بذلك في‬
‫امراة أخيه ‪ -‬فخجل عبد الرحمن وقال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬وما حملك على عزل ابن عمك‪ ،‬ألجناية أوجبت سخطا‪ ،‬أم لرأي رأيته‪،‬‬
‫وتدبير استصلحته? قال‪ :‬لتدبير استصلحته‪ .‬قال‪ :‬فل بأس بذلك‪ ،‬وخرج من عنده فلقي أخاه مروان‪ ،‬فأخبره بما جرى بينه وبين‬
‫معاوية‪ ،‬فاستشاط غيظا‪ ،‬وقال لعبد الرحمن‪ :‬قبحك الله‪ ،‬ما أضعفك‪ ،‬أعرضت للرجل بما أغضبه حتى إذا انتصف منك أحجمت‬
‫عنه? ثم لبس حلته‪ ،‬وركب فرسه‪ ،‬وتقلد سيفه‪ ،‬ودخل على معاوية‪ ،‬فقال له حين رآه وتبين الغضب في وجهه‪ :‬مرحبا بأبي عبد‬
‫الملك‪ ،‬لقد زرتنا عند اشتياق منا إليك‪ .‬قال‪ :‬لها الله ما زرتك لذلك‪ ،‬ول قدمت عليك فألفيتك إل عاقا قاطعا‪ ،‬والله ما أنصفتنا‬
‫ول جزيتنا جزاءنا‪ .‬لقد كانت السابقة من بني شمس لل أبي العاص‪ ،‬والصهر برسول الله صلى الله عليه وسلم لهم‪ ،‬والخلفة‬
‫فيهم‪ ،‬فوصلوكم يا بني حرب وشرفوكم‪ ،‬وولوكم فما عزلوكم ول آثروا عليكم‪ ،‬حتى إذا وليتم وأفضى المر إليكم‪ ،‬أبيتم إل أثرة‬
‫وسوء صنيعة‪ ،‬وقبح قطيعة‪ ،‬فرويدا رويدا‪ ،‬قد بلغ بنو الحكم وبنو بنيه نيفا وعشرين‪ ،‬وإنما هي أيام قلئل حتى يكملوا أربعين‬
‫‪.‬ويعلم امرؤ أين يكون منهم حينئذ‪ ،‬ثم هم للجزاء بالحسنى وبالسوء بالمرصاد‬
‫قال عمي في خبره‪ :‬فقال له معاوية‪ :‬عزلتك لثلث لو لم يكن منهن إل واحدة لوجبت عزلك‪ :‬إحداهن إني أمرتك على عبد‬
‫الله بن عامر وبينكما ما بينكما‪ ،‬فلم تستطع أن تشتفي منه‪ .‬والثانية كراهتك لمر زياد‪ .‬والثالثة أن ابنتي رملة استعدتك على‬
‫زوجك عمرو بن عثمان فلم تعدها‪ .‬فقال له مروان‪ :‬أما ابن عامر فإني ل أنتصر في سلطاني‪ ،‬ولكن إذا تساوت القدام علم أين‬
‫موقعه‪ .‬وأما كراهتي أمر زياد فإن سائر بني أمية كرهوه‪ ،‬ثم جعل الله لنا في ذلك الكره خيرا كثيرا‪ .‬وأما استعداء رملة على‬
‫عمرو فوالله إنى لتأتي علي سنة أو أكثر وعندي بنت عثمان فما أكشف لها ثوبا ‪ -‬يعرض بأن رملة إنما تستعدي عليه طلبا‬
‫للنكاح ‪ -‬فقال له معاوية‪ :‬يا ابن الوزغ‪ ،‬لست هناك‪ .‬فقال له مروان‪ :‬هو ذاك الن‪ ،‬والله إني لبو عشرة وأخو عشرة وعم‬
‫‪:‬عشرة‪ ،‬وقد كاد ولدي أن يكملوا العدة ‪ -‬يعني أربعين ‪ -‬ولو قد بلغوها لعلمت أين تقع مني فانخزل معاوية ثم قال‬
‫فإني في خياركم كثـير‬ ‫فإن آك في شراركم قليل‬
‫وأم الصقر مقلت نزور قال‪ :‬فما فرغ مروان من كلمه حتى استخذى معاوية في‬ ‫بغاث الطير أكثرها فراخا‬
‫يده وخضع له‪ ،‬وقال‪ :‬لك العتبى‪ ،‬وأنا رادك إلى عملك‪ .‬فوثب مروان وقال له‪ :‬كل والله وعيشك ل رأيتني عائدا إليه أبدا‪ .‬وخرج‪،‬‬
‫فقال الحنف لمعاوية‪ :‬ما رأيت لك قط سقطة مثلها‪ ،‬ما هذا الخضوع لمروان? وأي شيء يكون منه ومن بني أبيه إذا بلغوا‬
‫أربعين? وأي شيء تخشاه منهم? فقال له‪ :‬ادن مني أخبرك بذلك‪ .‬فدنا منه‪ ،‬فقال له‪ :‬إن الحكم بن أبي العاص كان أحد من‬
‫وفد مع أختي أم حبيبة لما زفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهو الذي تولى نقلها إليه‪ ،‬فجعل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يحد النظر إليه‪ ،‬فلما خرج من عنده قيل له‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬لقد أحددت النظر إلى الحكم فقال‪ :‬ابن المخزومية ذلك رجل‬
‫إذا بلغ ولده ثلثين ‪ -‬أو قال‪ :‬أربعين ‪ -‬ملكوا المر بعدي‪ .‬فوالله لقد تلقاها مروان من عين صافية‪ .‬فقال له الحنف‪ :‬ل يسمعن‬
‫هذا أحد منك‪ ،‬فإنك تضع من قدرك وقدر ولدك بعدك‪ ،‬وإن يقض الله عز وجل أمرا يكن‪ .‬فقال له معاوية‪ :‬فاكتمها علي يا أبا‬
‫‪.‬بحر إذا‪ ،‬فقد لعمري صدقت ونصحت‬
‫أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬حدثني يعقوب بن القاسم الطلحي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني ثمال عن‬
‫‪:‬أيوب بن درباس بن دجاجة قال‬

‫صفحة ‪1495 :‬‬

‫شخص مروان بن الحكم ومعه أخوه عبد الرحمن‪ ،‬إلى معاوية‪ ،‬ثم ذكر نحوا من الحديث الول‪ ،‬ولم يذكر فيه مخاطبة معاوية‬
‫‪:‬في أمرهم للحنف‪ ،‬وزاد فيه‪ :‬فقال عبد الرحمن في ذلك‬
‫إذا قيل الطرف أجرد سابـح‬ ‫أتقطر آفاق السمـاء لـه دمـا‬
‫وحتى متى تعيا عليك المنادح أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعيد‬ ‫فحتى متى ل نرفع الطرف ذلة‬
‫قال‪ :‬حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاصي عند يزيد بن معاوية‪ ،‬وقد‬
‫بعث إليه عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي عليهما السلم فلما وضع بين يدي يزيد في الطشت بكى عبد الرحمن ثم‬
‫‪:‬قال‬
‫كموتر أقواس وليس لـهـا نـبـل‬ ‫أبلغ أمير المؤمـنـين فـل تـكـن‬
‫من ابن زياد الوغد ذي لحسب الرذل‬ ‫لهام بجنب الـطـف أدنـى قـرابة‬
‫وبنت رسول الله ليس لهـا نـسـل فصاح به يزيد‪ :‬اسكت يا ابن الحمقاء‪،‬‬ ‫سمية أمسى نسلها عدد الـحـصـى‬
‫وما أنت وهذا? أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬حدثني هارون بن معروف قال‪ :‬حدثنا بشر‬
‫بن السري قال‪ :‬حدثنا عمر بن سعيد عن أبي مليكة قال‪ :‬رأيتهم ‪ -‬يعني بني أمية ‪ -‬يتتايعون نحو ابن عباس حين نفى ابن الزبير‬
‫بني أمية عن الحجاز‪ ،‬فذهبت معهم وأنا غلم‪ ،‬فلقينا رجل خارجا من عنده‪ ،‬فدخلنا عليه‪ ،‬فقال له عبيد بن عمير‪ ،‬ما لي أراك‬
‫‪:‬تذرف عيناك? فقال له‪ :‬إن هذا ‪ -‬يعني عبد الرحمن بن الحكم ‪ -‬قال بيتا أبكاني‪ ،‬وهو‬
‫وعبد مناف لم تغلـهـا الـغـوائل فذكر قرابة بيننا وبين بني عمنا بني‬ ‫وما كنت أخشى أن ترى الذل نسوتي‬
‫‪.‬أمية‪ ،‬وإنا إنما كنا أهل بيت واحد في الجاهلية‪ ،‬حتى جاء السلم فدخل الشيطان بيننا أيما دخل‬
‫أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا الكراني قال‪ :‬حدثنا العمري عن الهيثم قال‪ :‬حدثني أخي عباس‪ :‬أن عبد الرحمن بن الحكم كان يولع‬
‫بجارية لخيه مروان يقال لها شنباء ويهيم بمحبتها‪ ،‬فبلغ ذلك مروان‪ ،‬فشتمه وتوعده وتحفظ منه في أمر الجارية وحجبها‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬فيها عبد الرحمن‬
‫وإن شحطت دار بهـا لـحـقـيق‬ ‫لعمر أبي شنباء إنـي بـذكـرهـا‬
‫علي وإن لم تـرعـه لـصـديق‬ ‫وإني لها‪ ،‬ل ينزع اللـه مـا لـهـا‬
‫متى أنت عن هذا الحديث مـفـيق أخبرني عمي قال‪ :‬حدثنا الكراني قال‪:‬‬ ‫ولما ذكرت الوصل قالت وأعرضت‬
‫حدثنا الخليل بن أسد عن العمري‪ ،‬ولم أسمعه من العمري‪ ،‬عن الهيثم بن عدي قال‪ :‬لما ادعى معاوية زيادا قال عبد الرحمن‬
‫‪:‬بن الحكم في ذلك ‪ -‬والناس ينسبونها إلى ابن مفرغ لكثرة هجائه إلى زياد‪ ،‬وذلك غلط ‪ -‬قال‬
‫مغلغلة من الرجل الهجـان‬ ‫إل أبلغ معاوية بـن حـرب‬
‫وترضى أن يقال أبوك زان‬ ‫أتغضب أن يقال أبوك عف‬
‫كرحم الفيل من ولد التـان‬ ‫فأشهد إن رحمك مـن زياد‬
‫وصخر من سمية غير داني فبلغ ذلك معاوية بن حرب‪ ،‬فحلف أل يرضى عن عبد‬ ‫وأشهد أنـهـا ولـدت زيادا‬
‫‪:‬الرحمن حتى يرضى عنه زياد‪ ،‬فخرج عبد الرحمن إلى زياد‪ ،‬فلما دخل عليه قال له‪ :‬إيه يا عبد الرحمن‪ ،‬أنت القائل‬
‫مغلغلة من الرجل الهجان قال‪ :‬ل أيها المير‪ ،‬ما هكذا قلت‪ ،‬ولكني قلت‬ ‫‪:‬أل أبلغ معاوية بن حـرب‬
‫مغلغلة من الرجل الهـجـان‬ ‫أل من مبـلـغ عـنـي زيادا‬
‫أبي العاصي بن آمنة الحصان‬ ‫من ابن القرم قرم بني قصـي‬
‫وبالتوراة أحلف والـقـرآن‬ ‫حلفت برب مكة والمصـلـى‬
‫أحب إلي من وسطى بنانـي‬ ‫لنـت زيادة فـي آل حـرب‬
‫أتاني الله مـنـه بـالـبـيان‬ ‫سررت بقربه وفرحت لـمـا‬
‫بعون الله في هذا الـزمـان‬ ‫وقلت لـه أخـو ثـقة وعـم‬
‫فما أدري بغيب ما تـرانـي فرضي عنه زياد‪ ،‬وكتب له بذلك إلى معاوية‪ ،‬فلما دخل‬ ‫كذاك أراك والهواء شـتـى‬
‫عليه بالكتاب قال‪ :‬أنشدني ما قلت لزياد‪ .‬فانشده‪ ،‬فتبسم ثم قال‪ :‬قبح الله زيادا‪ ،‬ما أجهله‪ ،‬والله لما قلت له أخيرا حيث تقول‪:‬‬
‫لنت زيادة في آل حرب‬

‫صفحة ‪1496 :‬‬

‫‪.‬شر من القول الول‪ ،‬ولكنك خدعته فجازت خديعتك عليه‬


‫هجاء عبد الرحمن لخيه‬
‫الحارث حين استعفى من الغزو‬
‫أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال‪ :‬حدثنا عمر بن شبة قال‪ :‬استعمل معاوية بن أبي سفيان الحارث بن الحكم بن أبي‬
‫العاصي على غزاة البحر‪ ،‬فنكص واستعفى‪ ،‬فوجه مكانه ابن أخيه عبد الملك بن مروان‪ ،‬فمضى وأبلى وحسن بلؤه‪ ،‬فقال عبد‬
‫‪:‬الرحمن بن الحكم لخيه الحارث‬
‫قريب الخصيتين من التراب‬ ‫شنئتك إذ رأيتك حـوتـكـيا‬
‫لبرغوث ببعرة أو صـوأب‬ ‫كأنك قملة لقحت كشـافـا‬
‫حديث السن مقتبل الشبـاب‬ ‫كفاك الغزو إذا أحجمت عنه‬
‫وليتك عند منقطع السحاب هجاؤه لمروان حين أعدي عليه الحناط‬ ‫فليتك حيضة ذهبت ضـلل‬
‫أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال‪ :‬حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال‪ :‬لطم عبد الرحمن بن الحكم مولى لهل المدينة‬
‫حناطا‪ ،‬وأخوه مروان يومئذ وال لهل المدينة‪ ،‬فاستعداه الحناط عليه‪ ،‬فأجلسه مروان بين يديه وقال له‪ :‬الطمه ‪ -‬وهو أخو‬
‫مروان لبيه وأمه ‪ -‬فقال الحناط‪ :‬والله ما أردت هذا‪ ،‬وإنما أردت أن أعلمه أن فوقه سلطانا ينصرني عليه‪ ،‬وقد وهبتها لك‪ .‬قال‪:‬‬
‫لست أقبلها منك فخذ حقك‪ .‬فقال‪ :‬والله ل ألطمه‪ ،‬ولكني أهبها لك‪ .‬فقال له مروان‪ :‬إن كنت ترى أن ذلك يسخطني فوالله ل‬
‫أسخط‪ ،‬فخذ حقك‪ .‬فقال‪ :‬قد وهبتها لك‪ ،‬ولست والله لطمه‪ .‬قال‪ :‬لست والله قابلها‪ ،‬فإن وهبتها فهبها لمن لطمك‪ ،‬أو لله عز‬
‫‪:‬وعل‪ .‬فقال‪ :‬قد وهبتها لله تعالى‪ .‬فقال عبد الرحمن يهجو أخاه مروان‬
‫وأنت ابن أم ناقص غير زائد‬ ‫كل ابن أم زائد غير نـاقـص‬
‫لعمرو وعثمان الطويل وخالد رئاؤه لقتلى قريش يوم الجمل‬ ‫وهبت نصيبي منك يا مرو كله‬
‫أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو غسان دماذ‪ ،‬عن أبى عبيدة قال‪ :‬نظر عبد الرحمن بن الحكم إلى‬
‫‪:‬قتلى قريش يوم الجمل فبكى‪ ،‬وأنشأ يقول‬
‫على فتية من خيار الـعـرب‬ ‫أيا عين جودي بدمـع سـرب‬
‫أي أميري قـريش غـلـب غضب معاوية عليه ثم عفوه عنه‬ ‫وما ضرهم‪ ،‬غير حين النقوس‪،‬‬
‫أخبرني إسماعيل بن يونس قال‪ :‬حدثني عمر بن شبة قال‪ :‬حدثني المدائني عن شيخ من أهل مكة قال‪ :‬عرض معاوية على‬
‫عبد الرحمن بن الحم خيله‪ ،‬فمر به فرس فقال له‪ :‬كيف تراه? فقال‪ :‬هذا سابح‪ .‬ثم عرض عليه آخر فقال‪ :‬هذا ذو عللة‪ .‬ثم مر‬
‫‪:‬به آخر فقال‪ :‬وهذا أجش هزيم‪ .‬فقال له معاوية‪ :‬قد علمت ما أردت‪ ،‬إنما عرضت بقول النجاشي في‬
‫أجش هـزيم والـرمـاح دوان‬ ‫ونجى ابن حرب سابح ذو عـللة‬
‫كسيد الغضى باق على النسـلن أخرج عني فل تساكني في بلد‪ ،‬فلقي‬ ‫سليم الشظى عبل الشوى شنح النسا‬
‫عبد الرحمن أخاه مروان فشكا إليه معاوية‪ ،‬وقال له عبد الرحمن‪ :‬وحتى متى نستذل ونضام? فقال له مروان‪ :‬هذا عملك‬
‫‪:‬بنفسك‪ .‬فأنشأ يقول‬
‫إذا قلت هذا الطرف أجرد سابح‬ ‫أتقطر آفاق السماء لـنـا دمـا‬
‫وحتى متى تعيا عليك المنـادح فدخل مروان على معاوية‪ ،‬فقال له مروان‪:‬‬ ‫فحتى متى ل نرفع الطرف ذلة‬
‫حتى متى هذا الستخفاف بآل أو أبي العاصي? أما والله إنك لتعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم وآله فينا‪ ،‬ولقل ما بقي من‬
‫الجل فضحك معاوية وقال‪ :‬لقد عفوت لك عنه ياأبا عبد الملك‪ .‬والله أعلم بالصواب صوت‬
‫يهوى هواك وما جنبته اجتنبـا‬ ‫قول لنائل ما تقضين في رجـل‬
‫فما يعيش إذا ما قلبـه ذهـبـا الشعر لمسعدة بن البختري‪ ،‬والغناء لعبادل‪،‬‬ ‫يمسي معي جسدي والقلب عندكم‬
‫ثقيل أول بإطلق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق‪ ،‬وفيه لعريب ثقيل أول آخر عن ابن المعتز‪ ،‬ولها فيه أيضا خفيف رمل‬
‫‪.‬عنه‬

‫أخبار مسعدة ونسبه‬


‫هو مسعدة بن البختري بن المغيرة بن أبى صفرة‪ ،‬بن أخي المهلب بن أبي صفرة‪ .‬وقد مضى نسبه متقدما في نسب يزيد بن‬
‫‪.‬محمد المهلبي وابن أبي عيينة وغيرهما‬
‫‪.‬وهذا الشعر يقوله في نائلة بنت عمر بن يزيد السيدي وكان يهواها‬
‫تشبيب مسعدة بنائلة‬

‫صفحة ‪1497 :‬‬

‫أخبرني بخبره في ذلك أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي قال‪ :‬حدثني عيسى بن إسماعيل تينة‪ ،‬عن القحذمي قال‪ :‬كان‬
‫مسعدة بن البختري بن المغيرة بن أبى صفرة‪ ،‬يشبب بنائلة بنت عمر بن يزيد السيدي أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم ‪ ،‬وكان‬
‫‪:‬أبوها سيدا شريفا‪ ،‬وكان على شرط العراق من قبل الحجاج‪ ،‬وفيها يقول‬
‫لهلك فاقبلي سلمى قال القحذمي‪ :‬وأم نائلة هذه عاتكة بنت الفرات بن معاوية البكائي‪،‬‬ ‫أنائل إننـي سـلـم‬
‫‪.‬وأمها الملءة بنت زرارة بن أوفى الجرشية‪ ،‬وكان أبوها فقيها محدثا من التابعين‪ .‬وقد شبب الفرزدق بالملءة وبعاتكة ابنتها‬
‫عاتكة بنت الفرات وما قيل فيها قال عيسى‪ :‬فحدثني محمد بن سلم قال‪ :‬ل أعلم أن امرأة شبب بها وبأمها وجدتها غير نائلة‪.‬‬
‫‪:‬فأما نائلة فقد ذكر ما قال فيها مسعدة‪ ،‬وأما عاتكة فإن يزيد بن المهلب تزوجها؛ فقتل عنها يوم العقر‪ ،‬وفيها يقول الفرزدق‬
‫وبكين أشلء على غير نـائل‬ ‫إذا ما المزونيات أصبحن حسرا‬
‫تذكر ريعان الشباب المـزايل ما قيل في أمها الملءة وفي الملءة أمها يقول‬ ‫فكم طالب بنت الملءة إنـهـا‬
‫‪:‬الفرزدق‬
‫إذا تجرثم هادي الليل واعتكرا قصة عاتكة بنت الملءة أخبرني الحرمي بن‬ ‫كم للملءة من طيف يؤرقني‬
‫العلء قال‪ :‬حدثني الزبير بن بكار قال‪ :‬حدثني عبد الرحمن بن عبد الله قال‪ :‬خرجت عاتكة بنت الملءة إلى بعض بوادي البصرة‬
‫فلقيت بدويا معه سمن فقالت له‪ :‬أتبيع هذا السمن? فقال‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬أرناه‪ .‬ففتح نحيا فنظرت إلى ما فيه‪ ،‬ثم ناولته إياه‬
‫وقالت‪ :‬افتح آخر‪ .‬ففتح أخر فنظرت إلى ما فيه ثم ناولته إياه‪ ،‬فلما شغلت يديه أمرت جواريها فجعلن يركلن في استه وجعلت‬
‫تنادي‪ :‬يا لثارات ذات النحيين قصة ذات النحيين قال الزبير‪ :‬تعني ما صنع بذات النحيين في الجاهلية؛ فإن رجل يقال له‪ :‬خوات‬
‫بن جبير رأى امرأة معها نحيا سمن فقال‪ :‬أريني هذا‪ .‬ففتحت له أحد النحيين‪ ،‬فنظر إليه ثم قال‪ :‬أريني الخر‪ .‬ففتحته‪ ،‬ثم دفعه‬
‫إليها‪ ،‬فلما شغل يديها وقع عليها‪ ،‬فل تقدر على المتناع خوفا من أن يذهب السمن‪ ،‬فضربت العرب المثل بها‪ ،‬وقالت أشغل من‬
‫ذات النحيين فأرادت عاتكة بنت الملءة أن هذا لم يفعله أحد من النساء برجل كما يفعله الرجل بالمرأة غيرها‪ ،‬وأنها ثأرت‬
‫‪.‬للنساء ثأرهن من الرجال بما فعلته‬
‫ما جرى بين الملءة وعمر بن أبي ربيعة أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال‪ :‬حدثنا أبو هفان عن إسحاق الموصلي عن الزبير‬
‫والمسيبي ومحمد بن سلم وغيرهم من رجاله‪ :‬أن الملءة بنت زرارة لقيت عمر بن أبي ربيعة بمكة وحوله جماعة ينشدهم‪،‬‬
‫فقالت لجارية‪ :‬من هذا? قالت‪ :‬عمر بن أبي بربيعة‪ ،‬المنتقل من منزله من ذات وداد إلى أخرى‪ ،‬الذي لم يدم على وصل‪ ،‬ول‬
‫لقوله فرع ول أصل‪ ،‬أما والله لو كنت كبعض من يواصل لما رضيت منه بما ترضين‪ ،‬وما رأيت أدنا من نساء أهل الحجاز ول أقر‬
‫‪:‬منهن بخسف‪ ،‬والله لمة من إمائنا آنف منهن فبلغ ذلك عمر عنها‪ ،‬فراسلها فراسلته‪ ،‬فقال‬
‫بين الجرين وبين ركن كسـابـا‬ ‫حي المنازل قد عمـرن خـرابـا‬
‫مر السحاب المعقبات سـحـابـا‬ ‫بالثني من ملكان غير رسـمـهـا‬
‫دققا فأصبحت العـراص يبـابـا‬ ‫وذيول معصفة الرياح تجـرهـا‬
‫حسنا جناب محلها مـعـشـابـا‬ ‫ولقـد أراهـا مـرة مـأهـولة‬
‫عند الجمار فما عـييت جـوابـا‬ ‫دار التي قالت غداة لـقـيتـهـا‬
‫ويريد أن أرضى بـذاك ثـوابـا‬ ‫هذا الذي باع الصـديق بـغـيره‬
‫بصديقه المتمـلـق الـكـذابـا‬ ‫قلت اسمعي مني المقال ومن يطع‬
‫في غير شيء يقطع السبـابـا‬ ‫وتكن لديه حـبـالـه أنـشـوطة‬
‫ما عندنا فلقد أطلـت عـتـابـا‬ ‫إن كنت حاولت العتاب لتعلـمـي‬
‫يكفيك ضربك دونك الجلـبـابـا‬ ‫أو كان ذلك لـلـبـعـاد فـإنـه‬
‫وبوجه غيرك طخية وضـبـابـا صوت‬ ‫وأرى بوجهك شـرق نـور بـين‬
‫وارثيا لي من ريب هذا الزمان‬ ‫أسعداني يا نخلـتـي حـلـوان‬
‫رق بين اللف والـجـيران‬ ‫واعلما أن ريبـه لـم يزل يف‬

‫صفحة ‪1498 :‬‬

‫سوف يلقاكما فتفتـرقـان‬ ‫أسعداني وأيقنا أن نـحـسـا‬


‫قة أبكاكما كما أبـكـانـي‬ ‫ولعمري لو ذقتما ألم الفـر‬
‫من فراق الحباب والخلن الشعر لمطيع بن إياس‪ ،‬والغناء لحكم الوادي‪ ،‬هزج‬ ‫كم رمتني به صروف الليالي‬
‫‪.‬بالوسطى عن عمرو وإلهشامي‬

‫أخبار مطيع بن إياس ونسبه‬


‫هومطيع بن إياس الكناني‪ .‬ذكر الزبير بن بكار أنه من بني الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة‪ .‬وذكر إسحاق الموصلي عن‬
‫سعيد بن سلم أنه من بني ليث بن بكر‪ .‬والديل وليث أخوان لب وأم‪ ،‬أمهما أم خارجة‪ ،‬واسمها عمرة بنت سعد بن عبد الله بن‬
‫قراد بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت مالك بن زيد بن كهلن بن سبأ بن‬
‫يشجب بن يعرب بن قحطان‪ .‬وهي التي يضرب بها المثل فيقال‪ :‬أسرع من نكاح أم خارجة‪ .‬وقد ولدت عدة بطون من العرب‬
‫حتى لو قال قائل‪ :‬إنه ل يكاد يتخلص من ولدتها كبير أحد منهم كان مقاربا‪ .‬فمن ولدت الديل وليث والحارث وبنو بكر بن عبد‬
‫مناة بن كنانة‪ ،‬وغاضرة بن مالك بن مالك ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة‪ ،‬والعنبر وأسيد والهجيم‪ ،‬بنو عمرو بن تميم‪،‬‬
‫‪.‬وخارجة بن يشكر وبه كانت تكنى ابن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن مزيقيا‪ ،‬وهو أبو المصطلق‬
‫نكاح أم خارجة‬
‫‪.‬قال النسابون‪ :‬بلغ من سرعة نكاحها أن الخاطب كان يأتيها فيقول لها‪ :‬خطب‪ ،‬فتقول له‪ :‬نكح‬
‫وزعموا أن بعض أزواجها طلقها فرحل بها ابن لها عن حيه إلى حيها‪ ،‬فلقيها راكب فلما تبينته قالت لبنها‪ :‬هذا خاطب لي ل‬
‫‪.‬شك فيه‪ ،‬أفتراه يعجلني أن أنزل عن بعيري ? فجعل ابنها يسبها‬
‫ول أعلم أني وجدت نسب مطيع متصل إلى كنانة في رواية أحد إل في حديث أنا ذاكره؛ فإن راويه ذكر أن أبا قرعة الكناني جد‬
‫‪.‬مطيع‪ ،‬فل أعلم أهو جده الدنى فأصل نسبه به‪ ،‬أم هو بعيد منه‪ ،‬فذكرت الخبر على حاله‬
‫تشاحن ابن الزبير وجد مطيع‬
‫أخبرني به عيسى بن الحسن الوراق قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال‪ :‬حدثني العمري وأبو فراس عمي جميعا‪ ،‬عن‬
‫شراحيل بن فراس‪ ،‬أن أبا قرعة الكناني‪ ،‬واسمه سلمى بن نوفل قال‪ :‬وهو جد مطيع بن إياس الشاعر كانت بينه وبين ابن‬
‫الزبير قبل أن يلي مقارضه ‪ ،‬فدخل سلمى وابن الزبير يخطب الناس‪ ،‬وكان منه وجل‪ ،‬فرماه ابن الزبير ببصره حتى جلس‪،‬‬
‫فلما انصرف من المجلس دعا حرسيا فقال‪ :‬امض إلى موضع كذا وكذا من المسجد‪ ،‬فادع لي سلمى بن نوفل‪ .‬فمضى فأتاه‬
‫به‪ ،‬فقال له الزبير‪ :‬إيها أيها الضب‪ .‬إني لست بالضب ولكن الضب بالضمر من صخر‪ .‬قال‪ :‬إيها أيها الذيخ ‪ .‬قال‪ :‬إن أحدا لم يبلغ‬
‫‪ .‬سني وسنك إل سمي ذيخا‬
‫قال‪ :‬إنك لها هنا يا عاض بظر أمه‪ .‬قال‪ :‬أعيذك بالله أن يتحدث العرب أن الشيطان نطق على فيك بما تنطق به المة الفسلة‪،‬‬
‫‪.‬وايم الله ما ها هنا داد أريده على المجلس أحد إل قد كانت أمه كذلك‬
‫والد مطيع بن إياس‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه قال‪ :‬كان إياس بن مسلم‪ ،‬أبو مطيع بن إياس‬
‫‪:‬شاعرا‪ ،‬وكان قد وفد إلى نصر بن سيار بخراسان فقال فيه‬
‫وجاوزت منها مخرما ثم مخرما‬ ‫إذا ما نعالي من خراسان أقبلـت‬
‫فإن شئت فاجعلني لشكرك سلما جد مطيع بن إياس‬ ‫ذكرت الذي أوليتني ونشـرتـه‬
‫فأما نسب أبي قرعة هذا فإنه سلمى بن نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن‬
‫‪:‬عبد مناة‪ .‬ذكر ذلك المدائني‪ .‬وكان سلمى بن نوفل جوادا‪ .‬وفيه يقول الشاعر‬
‫بل السيد الميمون سلمى بن نوفل رجع الخبر إلى سياقه نسب مطيع بن إياس‬ ‫يسود أقوام ولـيسـوا بـسـادة‬
‫وأخباره صفة مطيع وذكر نشأته‬
‫وهو شاعر من مخضرمي الدولتين الموية والعباسية‪ ،‬وليس من فحول الشعراء في تلك ‪ ،‬ولكنه كان ظريفا خليعا حلو‬
‫العشرة‪ ،‬مليح النادرة‪ ،‬ماجنا متهما في دينه بالزندقة‪ ،‬ويكنىأبا سلمى‪ .‬ومولده ومنشؤه الكوفة‪ ،‬و أبوه من أهل فلسطين الذين‬
‫‪.‬أمد بهم عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف في وقت قتاله ابن الزبير الشعث‪ ،‬فأقام بالكوفة وتزوج بها‪ ،‬فولد له مطيع‬
‫صلته بالولة والخلفاء‬

‫صفحة ‪1499 :‬‬

‫أخبرني بذلك الحسين بن يحيى‪ ،‬عن حماد عن أبيه‪ ،‬وكان منقطعا إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك ومتصرفا بعده في دولتهم‪،‬‬
‫ومع أوليائهم وعمالهم وأقاربهم ل يكسد عند أحد منهم‪ ،‬ثم انقطع في الدولة العباسية إلى جعفر بن أبي جعفر المنصور‪ ،‬فكان‬
‫معه حتى مات‪ ،‬ولم أسمع له مع أحد منهم خبرا إل حكاية بوفوده على سليمان بن علي‪ ،‬وأنه وله عمل‪ .‬وأحسبه مات في تلك‬
‫‪.‬اليام‬
‫رأي بعض الناس فيه‬
‫حدثني عمي الحسن بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني محمد بن سعد الكراني عن العمري عن العتبي عن أبيه قال‪ :‬قدم البصرة علينا‬
‫شيخ من أهل الكوفة لم أر قط أظرف لسانا ول أحلى حديثا منه‪ ،‬وكان يحدثني عن مطيع بن إياس‪ ،‬ويحيى بن زياد‪ ،‬وحماد‬
‫الراوية‪ ،‬وظرفاء الكوفة‪ ،‬بأشياء من أعاجيبهم وطرفهم‪ ،‬فلم يكن يحدث عن أحد بأحسن مما كان يحدثني عن مطيع بن إياس‪،‬‬
‫فقلت له‪ :‬كنت والله أشتهي أن أرى مطيعا‪ ،‬فقال‪ :‬والله لو رأيته للقيت منه بلء عظيما‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬وأي بلء ألقاه من رجل‬
‫‪.‬أراه? قلت‪ :‬كنت ترى رجل يصبر عن العاقل إذا رآه‪ ،‬ول يصحبه أحد إل افتضح به‬
‫أخبرني علي بن سليمان الخفش قال‪ :‬حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب قال‪ :‬سالت رجل من أهل الكوفة كان‬
‫يصحب مطيع بن إياس عنه فقال‪ :‬ل ترد أن تسألني عنه‪ .‬قلت‪ :‬ولم ذاك? قال‪ :‬وما سؤالك إياي عن رجل كان إذا حضر ملكك ‪،‬‬
‫‪.‬وإذا غاب عنك شاقك‪ ،‬وإذا عرفت بصحبته فضحك‬
‫إعجاب الوليد بن يزيد بمطيع‬
‫أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال‪ :‬حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال‪ :‬حدثني عبد الله بن عمرو قال‪ :‬حدثني أبو توبة‬
‫صالح بن محمد عن محمد جبير‪ ،‬عن عبد الله بن العباس الربيعي قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن المهدي قال‪ :‬قال لي جعفر بن يحيى‪:‬‬
‫‪:‬ذكر حكم الوادي‪ ،‬أنه غنى الوليد بن يزيد ذات ليلة وهو غلم حديث السن‪ ،‬فقال‬
‫ووجهها فتـان‬ ‫إكليلهـا ألـوان‬
‫ليس لها جيران‬ ‫وخالهـا فـريد‬
‫كأنها ثعـبـان فطرب حتى زحف عن مجلسه إلى‪ ،‬وقال‪ :‬أعد فديتك بحياتي‪ .‬فأعدته حتى‬ ‫إذا مشت تثنـت‬
‫صحل صوتي ‪ ،‬فقال لي‪ :‬ويحك‪ ،‬من يقول هذا? فقلت‪ :‬عبد لك يا أمير المؤمنين أرضاه لخدمتك‪ .‬فقال‪ :‬ومن هو فديتك? فقلت‪:‬‬
‫مطيع بن إياس الكناني‪ .‬فقال‪ :‬وأين محله? قلت‪ :‬الكوفة‪ .‬فأمر أن يحمل إليه على البريد‪ ،‬فحمل إليه‪ ،‬فما أشعر يوما إل‬
‫برسوله قد جاءني‪ ،‬فدخلت إليه ومطيع بن إياس واقف بين يديه‪ ،‬وفي يد الوليد طاس من ذهب يشرب به‪ ،‬فقال له‪ :‬غن هذا‬
‫الصوت يا وادي‪ .‬فغنيته إياه‪ ،‬فشرب عليه‪ ،‬ثم قال لمطيع‪ :‬من يقول هذا الشعر? قال‪ :‬عبدك أنا يا أمير المؤمنين‪ .‬فقال له‪ :‬إدن‬
‫مني‪ .‬فدنا منه‪ ،‬فضمه الوليد وقبل فاه وبين عينيه‪ ،‬وقبل مطيع رجله والرض بين يديه ‪ ،‬ثم أدناه منه حتى جلس أقرب‬
‫‪.‬المجالس إليه‪ ،‬ثم تم يومه فاصطبح أسبوعا متوالي اليام على هذا الصوت‬
‫لحن هذا الصوت هزج مطلق في مجرى البنصر‪ ،‬والصنعة لحكم‪ .‬وقد حدثني بخبره هذا مع الوليد جماعة غير هذه الرواية‪ ،‬ولم‬
‫‪.‬يذكروا فيها حضور مطيع‬
‫حدثني به أحمد عبيد الله بن عمار قال‪ :‬حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه قال‪ :‬بلغني عن حكم الوادي‪ ،‬وأخبرني الحسين‬
‫بن يحيى‪ ،‬ومحمد بن مزيد بن أبي الزهر قال‪ :‬حدثنا حماد بن إسحاق قال‪ :‬حدثني أحمد بن يحيى المكي عن أمه عن حكم‬
‫الوادي قال‪ :‬وفدت على الوليد بن يزيد مع المغنين‪ ،‬فخرج يوما إلينا وهو راكب على حمار‪ ،‬وعليه دارعة وشيء ؛ وبيده عقد‬
‫جوهر‪ ،‬وبين يديه كيس فيه ألف دينار‪ ،‬فقال‪ :‬من غناني فأطربني فله ما علي وما معي‪ .‬فغنوه فلم يطرب فاندفعت وأنا يومئذ‬
‫‪:‬أصغرهم سنا فغنيته‬
‫ووجهها فتان‬ ‫إكليلها ألـوان‬
‫ليس له جيران‬ ‫وخالها فـريد‬
‫كأنها ثعبـان فرمى إليه بما معه من المال والجوهر ‪ ،‬ثم دخل فلم يلبث أن خرج إلي رسوله‬ ‫إذا مشت تثنت‬
‫‪.‬بما عليه من الثياب والحمار الذي كان تحته‬
‫صحبته لجماعة من الزنادقة‬
‫أخبرني الحسن بن علي قال‪ :‬حدثنا ابن مهرويه قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‪ :‬كان مطيع بن إياس‪ ،‬ويحيى بن زياد‬
‫الحارثي‪ ،‬وابن المقفع ووالبة بن الحباب يتنادمون ول يفترقون‪ ،‬ول يستأثر أحدهم على صاحبه بمال ول ملك‪ ،‬وكانوا جميعا‬
‫‪.‬يرمون بالزندقة‬
‫صلته بعبد الله بن معاوية‬

‫صفحة ‪1500 :‬‬


‫حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال‪ :‬حدثني علي بن محمد النوفلي عن أبيه وعمومته‪ ،‬أن مطيع بن إياس وعمارة بن‬
‫حمزة من بني هاشم‪ ،‬وكان مرميين بالزندقة‪ ،‬نزعا إلى عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب لما خرج في آخر دولة بني‬
‫أمية‪ ،‬وأول ظهور الدولة العباسية بخراسان‪ ،‬وكان ظهر على نواح من الجبل‪ :‬منها أصبهان وقم ونهاوند‪ ،‬فكان مطيع وعمارة‬
‫‪.‬ينادمانه ول يفارقانه‬
‫قال النوفلي‪ :‬فحدثني إبراهيم بن يزيد بن الخشك قال‪ :‬دخل مطيع بن إياس على عبد الله بن معاوية يوما وغلم واقف على‬
‫رأسه يذب عنه بمنديل ولم يكن في ذلك الوقت مذاب‪ ،‬إنما المذاب عباسية قال‪ :‬وكان الغلم الذي يذب أمرد حسن الصورة‪،‬‬
‫‪:‬يروق عين الناظر‪ ،‬فلما نظر مطيع إلى الغلم كاد عقله يذهب‪ ،‬وجعل يكلم ابن معاوية يلجلج‪ ،‬فقال‬
‫أخشى مطيع الهوى على فرج‬ ‫إني وما أعمل الحـجـيج لـه‬
‫ليس بـذي رقـبة ول حـرج ما قاله هو وعمارة في صاحب شرطة ابن معاوية‬ ‫أخشى عليه مغامسـا مـرسـا‬
‫أخبرني أحمد بن عبيد الله قال‪ :‬حدثنا علي بن محمد النوفلي قال‪ :‬حدثني أبي عن عمه عيسى قال‪ :‬كان لبن معاوية صاحب‬
‫شرطة يقال له‪ :‬قيس بن عيلن العنسي النوفلي وعيلن اسم أبيه‪ ،‬وكان شيخا كبيرا دهريا ل يؤمن بالله ‪ ،‬وكان إذا عس لم يبق‬
‫‪:‬أحد إل قتله‪ ،‬فأقبل يوما فنظر إليه ابن معاوية ومعه عمارة بن حمزة ومطيع بن إياس‪ ،‬قال‬
‫لخبيث الهوى على شمطه أجزيا عمارة‪ .‬فقال‬ ‫‪:‬إن قيسا وإن تقنع شـيبـا‬
‫وابن عشر يعد في سقطه فأقبل على مطيع فقال‪ :‬أجز‪ .‬فقال‬ ‫‪:‬ابن سبعين منظرا ومشيبا‬
‫ل فعوذوا بالله من شرطه قال النوفلي‪ :‬وكان مطيع فيما بلغني مأبونا‪ ،‬فدخل عليه‬ ‫وله شرطة إذا جنه اللـي‬
‫قومه فلموه على فعله‪ ،‬وقالوا له‪ :‬أنت في أدبك وشرفك وسؤددك وشرفك ترمى بهذه الفاحشة القذرة? فلو أقصرت عنها‬
‫‪.‬فقال‪ :‬جربوه أنتم ثم دعوا إن كنتم صادقين‪ .‬فانصرفوا عنه‪ .‬وقالوا‪ :‬قبح الله فعلك وعذرك‪ ،‬وما استقبلتنا به‬
‫أخبرني عيسى بن الحسين قال‪ :‬حدثنا حماد عن أخيه عن النضر بن جديد قال‪ :‬أخبرني أبو عبد الملك المرواني قال‪ :‬حدثني‬
‫مطيع بن إياس قال‪ :‬قال لي حماد عجرد‪ :‬هل لك في أن أريك خشة صديقي‪ ،‬وهي المعروفة بظبية الوادي? قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫إنك إن قعدت عنها وخبثت عينك في النظر أفسدتها علي‪ .‬فقلت‪ :‬ل والله ل أتكلم بكلمة تسوءك‪ .‬ولسرنك‪ .‬فمضى وقال‪ :‬والله‬
‫ل أتكلم‪ ،‬لئن خالفت ما قلت لخرجنك‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬إن خالفت ما تكره فاصنع بي ما أحببت‪ .‬قال‪ :‬امض بنا‪ .‬فأدخلني على‬
‫أظرف خلق الله وأحسنهم وجها‪ ،‬فلما رأيتها أخذني الزمع وفطن لي‪ :‬فقال‪ :‬اسكن يا ابن الزانية‪ .‬فسكنت قليل‪ ،‬فلحظتني‬
‫ولحظتها أخرى‪ ،‬فغضب ووضع قلنسيته عن رأسه‪ ،‬وكانت صلعته حمراء كأنها است قرد‪ ،‬فلما وضعها وجدت للكلم موضعا‬
‫‪:‬فقلت‬
‫ء يا حماد عن خشه‬ ‫وار السوأة السـوآ‬
‫ة والتفاحة الهشـه فالتفت إلي‪ ،‬وقال‪ :‬فعلتها يا ابن الزانية? فقالت له‪ :‬أحسن والله‪ ،‬ما‬ ‫عن الترجة الغض‬
‫بلغ صفتك بعد‪ ،‬فما تريد منه? فقال لها‪ :‬يا زانية فقالت له‪ :‬الزانية أمك وثاورته وثاورها‪ ،‬فشقت قميصه‪ ،‬وبصقت في وجهه‪،‬‬
‫وقالت له‪ :‬ما تصادقك وتدع مثل هذا إل زانية وخرجنا وقد لقي كل بلء‪ ،‬وقال لي‪ :‬ألم أقل لك يا ابن الزانية‪ :‬إنك ستفسد علي‬
‫‪:‬مجلسي‪ .‬فأمسكت عن جوابه‪ ،‬وجعل يهجوني ويسبني‪ ،‬ويشكوني إلى أصحابنا‪ ،‬فقالوا لي‪ :‬اهجه ودعنا وإياه‪ .‬فقلت فيه‬
‫وذات الجسد الراد‬ ‫أل يا ظبية الـوادي‬
‫وزين الحي والنادي‬ ‫وزين المصر والدار‬
‫وذات الميسم البادي‬ ‫وذات المبسم العذب‬
‫ن من خلة حمـاد‬ ‫أما بالله تستـحـيي‬
‫بذي عز فتنقـادي‬ ‫فحماد فتـى لـيس‬
‫ول حظ لمـرتـاد‬ ‫ول مـال ول عـز‬
‫وبتي جبل جـراد‬ ‫فتوبي واتقي الـلـه‬
‫عن الخلق بإفـراد‬ ‫فقد ميزت بالحسـن‬
‫فجودي منك بالزاد في الول والثاني والسابع والثامن من هذه البيات لحكم الوادي رمل‬ ‫‪.‬وهذا البين قد حـم‬

You might also like