Professional Documents
Culture Documents
عرب 48
محمود مجادلة :تحرير
كان لألساطير الفرعونية مكانة خاصة في حياة قدماء المصريين ،حيث اهتموا بها وجسدوها بعمق فلسفي ،خاصة
الصراعات الدائرة في الحياة اليومية بين الخير والشر ،وسجلوها على جدران معابدهم وفي أوراق البردي ،ومنها
).األسطورة األكثر شهرة أوزيريس (رمز الخير) وست (رمز الشر
تحكي األسطورة 'أوزيريس وست' ،أنه بعد إعالن أوزيريس ملكا على مصر ،بدأ الشر في الظهور على األرض من
خالل غيرة أخيه “ست” منه ،الذي أراد أن يكون ملكا بدال من أوزيريس ،فعمل على القضاء عليه ليتولى هو الحكم،
فدبر مكيدة للتخلص منه ،حيث أقام “ست” احتفالية كبيرة ،عرض فيها تابوتا رائعا ،وقال إنه سيكون هدية لمن يأتي
هذا التابوت على مقاسه ،وكان التابوت مصنوعا خصيصا ألوزيريس ،وال يناسب أحدا غيره ،لذا عندما قام
الحاضرون باالستلقاء فيه ،لم يكن مناسبا لهم ،إلى أن جاء دور الملك أوزيريس ،وعندما استلقى فيه ،أغلق ست عليه
.التابوت ،وألقاه في النيل ،وكان هذا بداية الشر بحسب األسطورة
وتستكمل األسطورة بدور 'إيزيس' زوجة أوزيريس ،والتي وجدت التابوت وحاولت إنقاذه ،فعلم ست بذلك ،فمزق
جسد أوزيريس إلى قطع صغيرة ،وفرق أشالءه على جميع مقاطعات مصر ،إال أن 'إيزيس' بمساعدة أختها “نفتيس”
استطاعتا تجميع أشالء زوجها ،حيث ساعدها اإلله 'أنوبيس' إله التحنيط وحارس العالم اآلخر ،بعد تجميع كافة األشالء
.في تحنيط زوجها ،حسب األسطورة
وتقول األسطورة ،إن اإلله 'رع' أعاد الحياة ألوزيريس لمدة يوم واحد ،لتنجب منه إيزيس ولدها 'حورس' ،الذي أخفته
في مستنقعات الدلتا تحت رعاية اإللهة 'حتحور' ،ليكبر ويشتد ويشن الحرب على عمه ست انتقاما لوالده ،حيث
تتمحور األسطورة بشكل كبير حول حورس ،الطفل الناتج عن اجتماع إيزيس وأوزيريس ،والذي كان في بادئ األمر
مجرد طفل ضعيف ،إال أنه أصبح منافس ست على العرش ،حتى انتهى صراع ست مع حورس ،الذي غلب عليه
العنف بانتصار حورس الذي يرمز له بالصقر ،وبعد محاكمة عادلة برئاسة اإلله 'جب' ،يصبح حورس ملك مصر
.على األرض ،وينصب أوزيريس حاكما لعالم الموتى ،أما ست فيصبح إلها يرمز للشر والعنف
واكتمل الشكل األساسي ألسطورة إيزيس وأوزيريس في القرن الرابع والعشرين ق م ،ويتفرع كثير من عناصر
األسطورة عن أفكار دينية ،إال أن الصراع بين حورس وست من المحتمل أن يكون قد حدث بشكل جزئي بسبب
الصراع اإلقليمي بمصر فيما قبل التاريخ ،وقد حاول علماء المصريات أن يتبينوا طبيعة األحداث التي أثارت هذه
.القصة ،لكن محاوالتهم لم تخلص إلى نتائج قاطعة
وتوجد أجزاء من األسطورة في مجموعة متنوعة من النصوص المصرية القديمة ،بدءا من النصوص الجنائزية
والتعويذات السحرية ووصوال إلى القصص القصيرة ،وبهذا تكون القصة أكثر تفصيال وتالحما من أية أسطورة
.فرعونية أخرى
ويقول أستاذ علم المصريات بجامعة القاهرة ،د .عبدالحليم نور الدين ،الجزء األهم من األسطورة يبدأ بحورس الشاب
الذي يتحدى ست على عرش مصر ،حيث تتسم المنافسة بينهم في الغالب بالعنف ،وتستخدم 'إيزيس' ذكاءها وقواها
السحرية في مساعدة ابنها ،لكن يمكن وصفها أيضا بمحاكمة شرعية أمام التاسوع المقدس ،وهو مجموعة من اآللهة
المصرية لتقرير من له األحقية في وراثة الملك ،موضحا أنه يتم تصوير المنافسة بين حورس وست بطريقتين
متناقضتين ،كال الطريقتين ظهرت في الوقت الذي كتبت فيه نصوص 'األهرام' ،أول مصدر لألسطورة ،ففي بعض
التعويذات في النصوص ،يعتبر حورس ابن أوزيريس وابن أخ لست ،وتعتبر جريمة قتل أوزيريس هي الباعث
األساسي على الصراع ،على حين تصف قصص أخرى حورس وست على أنهما إخوة ،حيث يكمن التعارض في
تسمية اإللهين أخوين أو عم وابن أخيه في مواضع مختلفة من نفس الوثيقة ،الفتا إلى أن األسطورة توضح السمات
المميزة لكل شخصية من اآللهة األربعة محور القصة ،وكيف أن كثيرا من العبادات في الديانات المصرية القديمة
.يرجع أصلها إلى هذه األسطورة
ويضيف نورالدين ،كانت أسطورة إيزيس وأوزيريس ذات أهمية بالغة في الديانة المصرية القديمة ،كما كانت شائعة
بين عامة الشعب ،وذلك كونها تستند إلى معنى ديني ،وهو أن أي متوفي يمكن أن ينعم في اآلخرة ،سبب آخر لشيوع
.هذه األسطورة هو كون الشخصيات والمشاعر فيها أقرب إلى حياة الشعب الواقعية من أية أسطورة مصرية أخرى