Professional Documents
Culture Documents
غالف الكتاب
محتويات
١توطئة
٢شكر وتقدير
٣تقديم
٤المعارضة في اإلسالم
٥رئيس جمهورية المالديف
٦لماذا كل هذا ؟؟
٧يا للهول ..رحماك ربي.
٨ال يخلو مكان وال زمان من رحمة هللا
٩عندما غابت الشمس
١٠تنفس تحت األنقاض
١١أغرب دعاء عند الملتزمة
١٢المتحدث أخوك كمال عبد الرازق
١٣المفاجأة
١٤إشارات سوية يستقبلها عقلي
١٥الشعراوي من الطائرة
١٦كمال الحب
١٧من كبر مجرمي اإلخوان
١٨في صالون أبي ..التحدث بالهمس المقهور
١٩الرؤيا
٢٠اتصل بي اللواء كمال عبد الرازق
٢١الشيخ أحمد فرحات ..والمعجزة
٢٢الشيخ سيد سابق
٢٣خالي المهندس بهاء شاكر شكري
٢٤تزوجت مجرما
٢٥الخجل يعتصرني
٢٦شهر العسل في األراضي الحجازية
٢٧ال حياء في الدين
٢٨لماذا أذكر هذا ؟
٢٩لم يحدثني عن أيام السجون
٣٠أغنيتان فقط
٣١في الطريق العام
٣٢أموال شركة عثمان أحمد عثمان
٣٣الرحمة والرفق يتعانقان
٣٤كمال بك واألهل والخالن
٣٥أصدقاء كمال بك
٣٥.١ oد .سيد الجيار
٣٥.٢ oاألستاذ حسن عبد المنعم
٣٥.٣ oالشاعر السعيد محمد البواب بالخانكة
٣٥.٣.١ سألت كمال بك يوما
٣٦السنين الخضراء
٣٧ما هي جريمة اإلخوان المسلمين ؟؟
٣٨الكيل بمكيالين
٣٩رسالة إلى الرئيس مبارك
٤٠ميراث الكراهية
٤٠.١ oجمال عبد الناصر 1970 – 1954
٤٠.٢ oأنور السادات 1981- 1970
٤٠.٢.١ الشيخ صالح أبو إسماعيل
٤٠.٢.٢ الشيخ محمد الغزالي
٤٠.٣ oمحمد حسني مبارك من 1981
٤٠.٣.١ القبض على 46قياديا من اإلخوان المسلمين يجتمعون سرا
٤١إلى متى تستعدون التيار اإلسالمي العالمي عليكم ؟؟
٤٢المواجهة
٤٣رسالة إلى التيار اإلسالمي
٤٣.١ oاالشتراك في حكم البالد
٤٣.٢ oنظرة اإلسالم للحاكم
٤٣.٣ oمكانة السلطان عند هللا
٤٣.٤ oإذا أخطأ الحاكم
٤٣.٥ oالعدل والقوة
٤٣.٦ oالقوة
٤٣.٧ oالمواجهة
٤٣.٨ oدعاة ال قضاة
٤٣.٩ oأدب الخالف
٤٣.١٠ oالغلو والتنطع
٤٣.١١ oالوسيطة واالعتدال
٤٣.١٢ oاآلباء واألمهات واألخوات
١٣.٤٣ oاألمية
٤٣.١٤ oأحسنوا الظن بالحاكم والقائمين على الدولة
٤٣.١٥ oأسباب النصر
٤٣.١٦ oالصبر ..الصبر
توطئة
بسم هللا الرحمن الرحيم
(عسي هللا أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة وهللا قدير وهللا غفور رحيم) صدق هللا العظيم 7
الممتحنة
قال سول هللا صلي هللا عليه وسلم
(ما بعث هللا من نبي وال استخلف من خليفة إال كانت له بطانتان :بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه
وبطانة تمره بالشر وتحضه عليه ،والمعصوم من عصم هللا تعالي ) رواه أحمد
شكر وتقدير
أتقدم بالشكر الوفير لزوجي المهندس االستشاري سامي القاضي ..الذي لم يمانع في إخراج هذا الكتاب ..بل لقد
راجعه معي أكثر من مرة .ولفت نظري لبعض التصويبات الضرورية .فجزاءه هلل عني خير الجزاء ..
تقديم
ال نغالي إذا قلنا :إن هذا الكتاب الصغير هو نهر دافق من العواطف الشريفة والنبيلة .
وأن الشرف والنبل فيه ال يقفان عند المنطق واألسلوب ،وإنما ينبعان ،باألساس ،من شرف المقاصد ونبل
الغايات ..فهو – من أوله إلى آخره –
تساؤل ملح :لماذا ال تكون العالقة بين الحكام والمحكومين في بالدنا على النحو الذي يجعلنا – جميعا – رحماء
فيما بيننا و حتى تتوحد طاقاتنا – جميعا فنكون أشداء على األعداء وفي مواجهة التحديات الشرسة التي تريد
اقتالع الجميع حكما ومحكومين ؟
إن كل صفحات هذا الكتاب تذكر األمة بصورتها التي رسمها القرآن الكريم ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم
فاعبدون ) األنبياء ) ...92 :والتي رسمتها السنة النبوية الشريفة في صورة الجسد الواحد " مثل المؤمنين في
توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي " (
رواه البخاري ،ومسلم ،واإلمام أحمد" والتي بلغت الذروة عندها صوره القرآن الكريم فقال ( محمد رسول هللا
والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) الفتح ) 29 /
فوحدة جسد األمة – حكاما ومحكومين ..أفرادا وطبقات ...وشعوبا وقبائل ..أقطارا وأقاليم ..أجناسا وقوميات ..
هو الذي يقيم التراحم فيما بين مكوناتها ،األمر الذي يوفر اإلمكانيات والطاقات لتوظيف على جبهات التدافع
والصراع ضد ألعداء ..والعكس صحيح على وجه اليقين !
وإذا كان هذا الكتاب قد ركز على مصر كنموذج ،وعلي العالقة بين حكامنا وبين التيار اإلسالمي على وجه
الخصوص،فإن بعضا من المالحظات على معالجة الكتاب لهذه " المعضلة " قد تكون ضرورية ومفيدة في هذا
التقديم .
فأوال :إن المنهاج العاطفي الذي غلب على صفحات الكتاب قد وقف بنا عند حدود التمنيات ،ولم يحدد لنا "
المشكالت التي يجب أن يدرسها المفكرون ،وصوال إلى مقترحات لحلول تخرج المجتمع من هذا الشد والجذب،
ومن النزيف الداخلي ،الذي يخصم من قوي الحكام والمحكومين على حد سواء ،بسبب التوتر القائم والدائم بين
أهل الحكم وبين اإلسالميين ولقد اتضح هذا األسلوب العاطفي في المعالجة عندما رأينا الكاتبة الفاضلة تنحي
بالالئمة على الحكم – متعاطفة مع اإلسالميين – عندما ترسل رسالتها إلى هؤالء الحكام ..بينما تنحي بالالئمة
على الشباب اإلسالمي – متعاطفة مع الحكام -عندما ترسل رسالتها إلى اإلسالميين !...حتى لكأننا بإزاء "
تطييب لخواطر " للجميع !
ثانيا :إن قضية العالقة بين التيار الوطني الحكم ،منذ ثورة يوليو سنة 1952م ،وبين التيار اإلسالمي – وفي
القلب منه " جماعة اإلخوان المسلمين " تحتاج إلى ما يشبه " مركز دراسات" يتوفر على إنجاز دراسات وإقامة
حوارات حول جدول أعمال مشكالت هذه العالقات ...ومن هذه المشكالت – على سبيل المثال :-
1-فترة " التعاون – واالختالف" بين التيارين إبان قيام ثورة يوليو 1952م ،واألخطاء التي أفسدت " التعاون "
وتحولت به إلى إطار " الصراع " ...وهل كانت هذه األخطاء محصورة في طرف واحد ال تتعداه إلى الطرف
اآلخر ؟
2-دور العامل الخارجي – االستعمار الغربي – في إذكاء الصراع بين التيارين ،على ضوء وثائق وتقارير
ومراسالت أجهزة وسفارات قوي الهيمنة الغربية ،والتي لم ولن يكون من مصلحتها قيام التعاون بين الوطنيين
والقوميين وبين اإلسالميين – والكثير من هذه الوثائق والتقارير والمراسالت قد غدا متاحا للباحثين ،بعد أن
مضي عليه قرابة نصف قرن من الزمان .
3-القمع الدموي الذي مارسته أجهزة الدولة ضد التيار اإلسالمي – وتحديد المسئولية عنه وفيه – ودراسة آثاره
الممتدة حتى اآلن على العالقة بين التيارين .
4-دور العجز المزمن لدي الدولة عن إقامة تنظيم سياسي جماهيري فاعل – من " هيئة التحرير" إلى " الحزب
الوطني الديمقراطي " على حرص الدولة على تفريغ الممارسة السياسية والديمقراطية من عناصر الجدية
والفعالية والوقوف" بلعبة الديمقراطية "و" تبادل السلطة" عند مجرد " الديكور " األمر الذي يجعل الدولة
حريصة على تحجيم أى تيار سياسي أو فكري قادر على المنافسة الحقة في الشارع وفي صناديق االقتراع ..دور
هذا العجز ،وما أفرز من أثره واستئثار النظام بالدولة ،على الموقف من التيار اإلسالمي الذي يمثل المنافس
األول في الشارع وفي صناديق االقتراع .
5-دور قوي الهيمنة الغربية التي اتخذت وتتخذ اإلسالم عدوا في إذكاء عوامل هذا التناقض والخالف بين أهل
الحكم وبين التيار اإلسالمي .
6-دور فصيل الغلو والعنف اإلسالمي في زيادة مشاعر الحذر والخوف لدي أهل الحكم تجاه اإلسالميين بوجه
عام .
7-دور تيار الغلو العلماني ،الذي يمثل امتدادا سرطانيا للمذاهب الغربية والذي يكن الكراهية والحقد للتوجهات
اإلسالمية واإليمانية في إذكاء عوامل الخالف بين أهل الحكم وبين اإلسالميين ومدي النجاحات التي حققها هذا
التيار في إقناع الحكم بأن اإلسالميين كلهم غالة وأن التمايز بين فصائلهم ال يعدو أن يكون توزيعا لألدوار .
8-موقف تيار الوسطية اإلسالمية وخاصة " جماعة اإلخوان المسلمين " من تيار الغلو والعنف الديني ...وهل
كان هناك تقصير في إدانة ومواجهة أهل العنف والغلو ؟
وخاصة في الحقبة التي اهتزت فيها هيبة الدولة أمام عمليات العنف ؟ !
وهل لتراجع تنظيمات العنف عن هذا المنهاج من تأثيرات إيجابية على مجمل العالقات بين أهل الحكم وبين
عموم اإلسالميين ؟
9-تحديد أولويات الحركة اإلسالمية على ضوء إمكاناتها الكبيرة ..وفي ضوء التحديات والمحاذير الخارجية
التي ال تريد رؤية اإلسالميين في السلطة ،وإعالن " سقف" هذه األولويات ..هل هي " المشاركة " ؟ أم "
المغالبة"؟ وهل هي " الدعوة والتربية وإعادة صياغة اإلنسان وتهيئة المجتمع "؟ أم البدء " بامتالك الدولة "؟
وهل المراد هو " البدء من الصفر في أسلمة المجتمع "؟ أم أننا بإزاء مجتمع إسالمي يحتاج إلى " استكمال "
إسالميته؟
10-وأخيرا – وليس أخرا – هل تياراتنا الفكرية – كلها ..بما في ذلك التيار الوطني الحاكم والتيار اإلسالمي قد
أفسحت وتفسح في ثقافاتها وفي ممارساتها المساحة المناسبة والالئقة لقبول اآلخر ..والحوار معه ...والوصول
وإياه إلى حلول وسط ..واعتماد منهاج التدرج وفقه األولويات ؟ ...أم أن هذا اللون من الثقافة والممارسة غائب
أو غائم إلى الحد الذي يمثل عقبة من العقبات أمام العالقات الصحية بين أهل الحكم وبين اإلسالميين وغير
اإلسالميين ؟
تلك أمثلة " لجدول أعمال فكرية" يحتاج إلى " مركز دراسات " متخصص لمعالجة معضالت العالقات بين أهل
الحكم وبين المحكومين واإلسالميين منهم على وجه الخصوص .
ذلك أن العواطف النبيلة وحدها ال تكفي في مثل هذه األمور ...وبقدر عظم المقاصد ،التي تتوقف عليها
التحوالت الكبرى واإلستراتيجية في مستقبل األمة ويجب أن تكون الوسائل واآلليات القادرة على تحقيق هذه
المقاصد والغايات بقي أن أقول :إن القارئ سيستمتع بهذا الكتاب الذي استمتعت به إلى الحد الذي مسكت بي
صفحاته فلم تدعني حتى فرغت منها – رغم ما كنت أعانيه ساعتئذ من نزلة برد شديد .
فنحن أمام كاتبة مقتدرة ،تملك من تدفق العواطف الجياشة ونيل المقاصد الكبرى وما يوازيهما في القدرة على
التعبير الصادق والدقيق حتى لكأن كلماتها المخلصة تخرج من قلبها إلى قلوب القراء ،دونما وسائط أو معوقات .
إنني أترك القارئ مع هذه الرحلة الممتعة عبر صفحات هذا الكتاب الممتع .
وهللا أسأل أن يجعل هذا الجهد الطيب في ميزان حسنات الكاتبة القديرة ...إنه سبحانه وتعالي ،خير مسئول
وأكرم مجيب ..
رقابة جهول ( اإلنسان عدو ما يجهل ) هذه العبارة تنطبق إلى حد كبير على القائمين بأمر الرقابة على المصنفات
الفنية بوجه عام والرقابة على البرامج الدينية بوجه خاص ..فالمفروض أن يراعي في الرقيب مستوي مرتفع من
العلم والمعرفة ومالحقة األحداث ..والوعي بخلفيات الموضوعات وشئ غير يسير من الحساسية الذكية وسرعة
االلتقاط ..كما البد من اإللمام بالقيم األخالقية والدينية ما دامت وظيفته هي مراقبة البرامج الدينية .
والحقيقة أن أجهزة اإلعالم في الدولة لم تعمل على تأهيل الرقيب وإعداد وحسن اختياره لذا نري الرقيبة على
سبيل المثال ترتعد خوفا وقلقا وتسئ الظن في المبعدين وتتمسك بحرفية الممنوعات وتشكك في النوايا ..وترفض
وتمنع اإلذاعة وقد تملكها خوف شديد ..
ولقد كانت األستاذة ( سنية ماهر ) أول مدير عام للرقابة في أوائل السبعينيات في التلفزيون المصري ..كنت
رحمها هللا على مستوي راق من العلم والمعرفة والوعي المستنير ملمة باألحوال السياسية والثقافية والدينية
واالجتماعية واألدبية في مصر لذا كان التعامل معها على مستوي عال من الرقي ..فلم ترفض مشاهدة حلقة
تلفزيونية تعنتا ولم تلغ حلقة من شدة الخوف وسوء الظن ولم تقف بجهل و تعنت أمام مشهد من مسلسل تلفزيوني
أو تمثيلية ..بل كانت توجه المبدعين توجيها علميا وثقافيا رصينا كما كانت تدلي برأيها بعد دراسة وتمحيص
بطريقة أخالقية وفنية راقية ..فلم يغضب منها أحد ..ولم تر قط ثائرة ترتعش ويهتز الكرسي من تحتها ..
ولكن تبعها أنواع من البشر ال ناقة لهم وال جمل في أى قضية ثقافية أو سياسية أو اجتماعية أو دينية ..نوع من
البشر لم يقرأ قط وال أظنه يكتب ولكنه يحمل مجموعة من الممنوعات عبارة عن ورقة بها عبارات تزعج
الجهالء وتعز عروش الجبناء ..ومن عجيب األمر أن الذي يراقب البرامج الدينية قد تكون فتاة أو امرأة لم تبلغ
الخامسة والعشرين من عمرها تتحكم فيما يقول الشيخ محمد الغزالي أو الشيخ الشعراوي أو الدكتور كمال أبو
المجد ..الخ .
وهذا المستوي المتردي يرجع إلى تسلط بعض ضباط األمن ..وتوجيه األمور فيه .،.باإلضافة إلى انعدام التأهيل
واإلعداد لمن يتولي هذا النوع من العمل .
وللحق نستثني األستاذ ( على الزغبي ) الذي عمل رقيبا ثم مديرا للرقابة حيث كان مثاال للفهم السليم والوعي بكل
القضايا التي تعج بها الساحة المصرية والعربية والعالمية فكان من نعم هللا علينا ..ولكنه لألسف أيضا خرج إلى
المعاش .
المعارضة في اإلسالم
عندما وافقت الدولة على إنشاء بعض أحزاب المعارضة قرأت كتابا للدكتور جابر قميحة أستاذ األدب العربي
جامعة الظهران تحت عنوان ( أدب المعارضة في اإلسالم ) حاول فيها أن يعلم القارئ أدب االختالف وأهميته ..
واالعتماد على الحقائق العلمية والرقمية ...والكياسة في عرض الرأي والرأي اآلخر ..وكيف يمكن التعاون بين
ألحزاب جميعه لخدمة الوطن ..
استضفت الدكتور جابر قميحة والشيخ جمال قطب ( من علماء األزهر ) وناقشنا الكتاب بأسلوب علمي وتأصيل
إسالمي جيد ..وما أن علمت السيدة الرقيبة بعنوان الحلقة ( أدب المعارضة في اإلسالم ) حتى فزعت وهالها
األمر وألغت الحلقتين ورفضت أن يناقشها المخرج كما رفضت المشاهدة من األصل ..
وراحت تردد مستنكرة فزعة ( مال البرامج الدينية والمعارضة ومالنا نحن والمعارضة ) هذا خطر خطر على
الدولة والنظام !!!
وعبثا حاول المخرج شريف الشناوي والمخرج أحمد طه على مدي ستة أشهر إقناعها بمشاهدة الحلقتين وإظهار
أهمية مثل هذا النوع من الموضوعات في هذه األيام ..إال أن مديرة الرقابة راحت ترفع التقارير تارة إلى رئيس
القناة وخري إلى رئيس التلفزيون !!
وانتهي التسجيل على أحسن وجه وحصلنا على فيلم سينمائي عن جزر المالديف وشعبها وعاداتها ..وبعض
الصور الفوتوغرافية ..ثم سلم المخرج الشريط للرقابة كي تشاهد الحلقتين قبل السماح بإذاعتهما .
ولك أيها القارئ الكريم أن تتصور ما حدث ! لقد استلمت السيدة الرقيبة الشريط وسيطرت عليها حالة أشبه بمن
تمكن من القبض على مادة خطرة مشعة ..إذ اتجهت متحمسة إلى مشاهدة الحلقتين ومعها مجموعة من المسئولين
في التلفزيون وأغلقوا عليهم الباب حتى ال أتمكن من مشاركتهم هذه المشاهدة وخرج الجميع من القاعة وراحت
الرقيبة تكتب التقرير في تكتم وسرية الشريط حتى يتم اغتيال هذا الخطر المحدق باألمة !!
سعدت كثيرا ألني أهل ثقة بالنسبة لمدير عام أمن التلفزيون ..وأخذت الكتاب وخرجت مسرعة عازمة على
قراءته بدقة وكتابة التقرير المطلوب ..
وبعد يومين سافرت إلى مصيف بلطيم حيث كانت مي رحمها هللا في انتظاري لقضاء عطلة الصيف ..وهناك
رحت أقرأ هذا الكتاب الذي يحمل عنوان ( عندما غابت الشمس )بقلم عبد الحليم خفاجي ومنذ الكلمات األولي
شدني هذا الكتاب شدا غير مسبوق فلقد كان كاتبه من اإلخوان المسلمين راح يحكي قصة اعتقاله بتهمة االنتماء
إلى اإلخوان المسلمين ثم كيف أمضي أكثر من عشرين عاما في غيابات السجون المصرية ..وكيف كان حال
هؤالء المعتقلين ..وكيف كانوا يعاملون ..وكيف تعرضوا للضغوط واالضطهاد ..وإلقاء التهم والشك في نواياهم
..بل واتهامهم بالخيانة العظمي ...إلى آخر القصص التي طالما قرآناها في كتب كثيرة نذكر منها ( أيام من
حياتي ) للمجاهدة زينب الغزالي ،وكتاب ( البوابة السوداء ) وكتاب ( سراديب الشيطان ) بقلم أحمد رائف
وكتاب ( صفحات من التاريخ )للواء شرطة صالح شادي ..وغيرهم ...وغيرهم ..
شدني كتاب( عندما غابت الشمس )ألن صاحبه راح يحكي مآسي السجون وأنواع البالء النازل بها وكم القهر
وظلم اإلنسان ألخيه اإلنسان ..راح يحكي كل هذا بأسلوب عجيب نادر فلقد استقبل كل هذه األحداث بنفس
مطمئنة راضية بقضاء هللا واثقة من أنه سبحانه يسمع ويري ..لم يجزع ولم يصبه الهلع بل راح يحتسب كل هذا
الهوان عند هللا ( يوم ال ينفع مال وال بنون إال من أتي هللا بقلب سليم ) الشعراء . 89- 88
لقد شعر عبد الحليم خفاجي بأن حوائط السجون تمد ذراعيها لتستقبلهم ..وأنه يعانق الزمان والمكان ..فمن بين
كل هذه المظالم تتنزل رحمات تلف أصحاب المبادئ الخيرة والنوايا الطيبة بسياج من اللطف والرحمة ...لذا
راح يحتضن الشمس والقمر ...والسماء والنجوم ..يرحب بالبرد والحر ما دام في سبيل هللا ..شعر في كل سجن
دخله بحنو المكان ..وحالوة العشرة مع اإلخوان رفقاء المبدأ والقضية ..وما إن يبدأ في االستقرار على حال
حتى تصدر األوامر بتشتيت الرفاق وما يتبعه من آالم الفراق ..كان يضنيه فراق األحباب إلى سجن آخر وتبكيه
فرحة اللقاء بإخوان آخرين ..تلذذ بالصالة في كل زنزانة سكنها وذاق حالوة السجود ..وجمال الوصل ..حتى
صار هذا الكتاب سيمفونية رائعة للرضي بمر القضاء والصبر على البالء لم أر في حياتي إنسانا يتصالح مع هللا
ومع نفسه ومع األحداث التي يستقبلها بنفس راضية مرضية مرحبة بقضاء هللا مثل هذا الكاتب ..
وبينما كنت أسبح في هذا الكتاب الحظت على طول قراءتي وجود صور فوتوغرافية من داخل هذه المعتقالت
يظهر فيها شاب أسمر طويل ..نحيل ..رومانسي القسمات ..تتميز مالمحه بالوحدة وشدة التأثر ..وتنطق بشدة
الحنو واإلشفاق فأيقنت أنه مؤلف هذا الكتاب الفريد .
بدأت أكتب التعليق على كل ما قرأت ..كتبت حوالي ثماني وثالثين صفحة فلوسكاب وعدت إلى القاهرة
وأسرعت إلى التلفزيون وسلمت اللواء أنور عوض التقرير والذي احتوي أيضا على بعض االستفسارات
السياسية والتاريخية التي لم أفهمها ..
وبعد يوم واحد اتصل بي اللواء أنور عوض وشكرني على التعليق بحرارة وأخبرني بأنه أرسل صورة من هذا
التقرير إلى األستاذ عبد الحليم خفاجي مؤلف الكتاب والمقيم في ألمانيا ..وبعد خمسة عشر يوما وصلني خطاب
من ألمانيا أرسله لى األستاذ عبد الحليم خفاجي مؤلف الكتاب أعرب فيه عن تقديره الشديد لحسن قراءاتي للكتاب
ورد على كل االستفسارات ..وأخبرني أنه عقب خروجه من السجن سافر إلى الكويت واشتغل بالكتابة والتجارة
وتزوج بسيدة عراقية أنجب منها ( أحالم -وأبرار –وزينب – ومراد – ومحمد ) ثم إنه سافر إلى ألمانيا حيث
أنشأ مؤسسة بافاريا للطباعة والنشر ولقد غاب عن مصر مدة عشرين عاما وهو ينوي الحضور لزيارة أهله
وناسه في بلدته ( مرصفا) ..ومرت شهور ثم أرسل لى خطابا بموعد عودته إلى القاهرة .
تحاملت على نفسي وأعددت كاميرات برنامجي ( الرضا والنور ) ألسجل مع األستاذ عبد الحليم خفاجي عند
حضوره إلى مصر واخترت زورقا في النيل المصري كي أسجل الحلقات مع ابن النيل القادم إليها بعد غربة
دامت عشرين عاما وال شك ن ضيفي في شوق إليه وأن أوالده وزوجته لم ينعموا من قبل بالنظر إلى نيل مصر
..سجلت معه حلقتين والزروق يسير بنا في النيل ..وكانت أفكار هذا الضيف جديدة كل الجدة ..تقدمية ...طريفة
..وانفتاحية .
برغم التأصيل اإلسالمي الجيد ..كانت شخصيته جديرة بالمتابعة واالحترام وإلعجاب ...إال أني قد فوجئت بأن
األستاذ عبد الحليم خفاجي مختلف تماما عن الصور التي رأيتها في كتابه ( عندما غابت الشمس ) األستاذ عبد
الحليم رجل مائل إلى الحمرة ممتلئ بعض الشئ يمت بصلة للشاب األسمر النحيل الذي كان يقف في فناء السجن
بنظراته الشاردة وقسماته المليئة بالشجن ..وبالطبع لم أحدث ضيفي عما الحظته ..
ثم سافر الرجل بعد أيام قليلة وبعد أن زارني في بيت أمي بالمعادي هو وأسرته وعند انصرافه قال لي ببساطة
متناهية – البد أن تتعرفي على اللواء كمال عبد الرازق ..أرشحه لك كي تنتفعي بعلمه وثقافته ولباقته ..ثم
انصرف بعد ن سلمني كتابا صغيرا بعنوان ( كواكب حول الرسول )
لم يخامرني شك في أن هذا اللواء كمال عبد الرازق شخصية إسالمية محدثة يمكن االستفادة منه في برنامجي
التلفزيوني ( الرضا والنور )
وعقدت النية على االتصال به والتحدث معه ..في هذا الشأن ثم شغلت بأمور أخري حتى كدت أنسي ..كما أني
قررت الذهاب لعمل عمرة ..
وأضع صدري والتصق بالكعبة أسفل باب الملتزم ...وأطرب كثيرا عندما أشعر بتكأكأ الحجاج والمعتمرين عند
باب الملتزم تضج أصواتهم بالدعاء بجميع اللغات ..وترتفع األيدي ..ويعلق البكاء والنشيج وبينما أنا غارقة في
دموع الحب اإللهي سمعت صوت رجل شديد التأدب مع هللا خفيض الصوت يردد دعاء لم أسمعه من قبل أو
أقرأه ..بل لم أفهم معانيه على اإلطالق قال هامسا خاشعا فوق رأسي ( إلهي صفرت يداي فأتربهما ) وراح يردد
بأدب جم نفس العبارة عدة مرات ..والتفت إليه خجلي وتفرشت وجهه ولم أجرؤ أن أسأل رجال ال أعرفه ما
معني هذه العبارة ؟
وانصرفت وأنا أرددها حتى ال أنساها لحين لقائي بأول عالم من علماء الدين .
وبينما كنت أسير متجهة إلى الصفا والمروة ورأيت وجه هذا الرجل مرة أخري وقد تهلل واندفع نحوي مرحبا ..
أهال .أهال أستاذة كريما ... ،أنا أخوك كمال عبد الرازق قد حدثك عني األستاذ عبد الحليم خفاجي ..وتذكرت
الرجل ومددت يدي أصافحه بشدة مرحبة به معتذرة أشد االعتذار ألني لم أتصل به ..ووعدته بأني سوف أتصل
به عند عودتي إلى القاهرة ..ثم قدم لى رجال كان معه قائال ..الدكتور سيد الجيار زوج المرحومة أختي ..وهذه
ابنته الصغرى حنان ومددت يدي مرحبة بهما .وتمنيت لو سألته عن معني الدعاء الذي كان يسره إلى هللا عند
الملتزم ..ولكني خجلت من سؤاله ألن الرجل كان يحدث ربه حديث القلب ..وليس من حقي أن أتسمع أو أسأل .
عدت إلى القاهرة ..وغرقت في بحر المشاغل من أبناء ..إلى مقابالت ...إلى إعداد حلقات ..إلى حضور
مؤتمرات ..الخ أمارس كل هذا وأنا غارقة في الالوعي ..أعود إلى البيت منهكة إلى حد اإلعياء ..حتى أني
فرشت فراشي على األرض ووضعت التليفزيون على األرض بجواري لشدة ما كنت أستشعره من آالم مبرحة
في عمودي الفقري يصاحبه هبوط معنوي شديد ..وال زال شعوري بالتواجد تحت ألنقاض جاثما فوق أنفاسي
رغم تأدية العمرة وكثرة البكاء والدعاء وقراءة القرآن .
ال أحد يشعر بمعاناتي ..وال حتى جمهوري الحبيب الذي يقبلني في جميع حاالتي مرحبا راضيا !! ربما ألنه
ربط بين هيئتي وحبه هلل ورسوله ( صلي هلل عليه وسلم )
-أسفه جدا جدا ..ال أجد الوقت وال الجهد ..سامحني سأفعل إن شاء هللا
-مرحبا به
-السالم عليكن ورحمة هللا وبركاته ..المتحدث أخوك كمال عبد الرازق ..
-أهال ...أهال ...أنا في حاجة ماسة إليك لقد تعاقدت مع األستاذ أحمد رائف على حلقات تليفزيونية جديدة وأنا في
حاجة ماسة إليك ...األستاذ أحمد رائف صاحب شركة الزهراء لإلعالم العربي ..هل تعرفه ؟
-طبعا بإذن هللا ..ولكن بعد السابعة مساء ألني مشغولة في الصباح
المفاجأة
استيقظت من نومي في الصبح بصعوبة بالغة فكل ما في جسدي يؤلمني ..وكان ابني سيف هللا يقيم معي هو
وزوجته ..فأخبرتهما أن هناك ضيف سيحضر في السابعة مساء وعليهما أن يستقباله ويمكثا في الشقة ويقوما
بتقديم واجب الضيافة طول مدة حديثي مع الضيف ..ثم ذهبت إلى حجرة الطعام وأعددت أقالما وأوراقا على
المنضدة حتى أكون على أهبة االستعداد الكتشاف عالم جديد يضيف إلى برنامجي التلفزيوني لمسات وآراء جديدة
..ثم ركبت سيارتي واتجهت إلى شركة الزهراء لإلعالم العربي بمدينة نصر وهناك قابلت األستاذ أحمد رائف
وأخذنا ننظم سويا تسجيل حلقات عن اإلعجاز العلمي في القرآن مع كل من الدكتور محمد على البار والشيخ عبد
المجيد الزنداني مستشار ( كارتر) لشئون البحار وكال العالمين من أصل يمني يقيمان في السعودية ..ثم نظرت
إلى ساعتي فإذا بها تشير إلى الخامسة مساء فنهضت واقفة .
-آسفة ..آسفة يا أحمد بك البد من العودة إلى المنزل ..لدي ميعاد هام مع عالم جديد يدعي اللواء كمال عبد
الرازق ..رشحه لى األستاذ عبد الحليم خفاجي ..وكم كانت المفأجاة المذهلة ..حيث قال لى بمنتهي البساطة
والهدوء :
-على بركة هللا تزوجيه ..كلنا نرشحه لك زوجا ..بإذن هللا ستسعدين معه ..فهو رجل خلوق ..وهناك في
ألماني يجتمع اإلخوان بعد صالة المغرب ويقرءون لك عدية ياسين حتى يتم رب العالمين الزيجة ..تزوجيه على
بركة هللا ...وأنا أضمن لك اثنتين الكرم بل والسخاء ..والطهر والنقاء ...
-ال يمكن أن يتصور القارئ الحالة التي أصبت بها وقلت له على الفور
-سيدي ..هذا عالم رشحه لى األستاذ عبد الحليم خفاجي كي أستضيفه في برنامجي ..ولم يذكر شيئا عن الزواج
..أني ال زلت في شهور العدة وحالتي النفسية ال يعلمها إال هللا ولوال حاجتي الماسة إلى المال لما حضرت إليك
للعمل ..وأنا مريضة ...وتعبانه ..تعبانه جدا
-يا سيدي كمال عبد الرزاق هذا ..رجل الحب والمرحمة ..إنه الحب يمشي على قدمين ..حنون ..رقيق
المشاعر ..عطوف ...أضمن لك صفتين االستقامة ..والسخاء .
-سيدي ..كفي ..لم أكن توقع ذلك ..لقد كنت أرحب به بشدة لظني أنه سيكون أحد ضيوف البرنامج وربما ثري
الحلقات ...و ....وانصرفت مسرعة ..وفي الطريق كدت أجن ..إن الناس ال تشعر بمعاناتي المريرة ...
وظروفي القاسية ..وحالتي النفسية المتردية .
أنا محطمة ..ال أحد يشعر بي أال يدركون أني أتحدث من تحت األنقاض ؟ أنقاس سبع وعشرين عاما سقطت فوق
رأسي؟ !
قلت في نفسي ...ال حول وال قوة إال باهلل .كيف يتصور هذا الرجل أني أصلح رفيقة طريق له أو ألي إنسان في
الوجود .
استقبلت الرجل ولم أجلسه بالطبع على منضدة السفرة حيث األقالم واألوراق وأجلسته في الصالون وجلست
أمامه ألملم بقاياي وللوهلة األولي لم أرحب بفكرة االرتباط بأى شخص كما أنني ال طاقة لى بالزواج من األصل
..ثم بدأ الضيف يتحدث وإذا بي أشهر كأن أفكاره المرتبة تيار كهربائي يقوم بشحن في رأسي ..وكأن عناقا
صادقا ..أصغيت إليه ..وركزت في منطقة السوي ..وألفاظه المنتقاه ..ومخارج الحروف التي ضبطها كثرة
قراءة القرآن الكريم .عجبي ..شخصية قوية بغير كبر ..وال غرور ..هيئة رأسه يعلوها العزة وعظمة الوصل
باهلل تعالي ..كل ما قاله يستحق بجدارة أن يكون خليفة هلل في أرضه ..ال تكسر ...وال إسفاف ..وال تخنع ..وال
كذب ..وال استعراض ...وال رياء .
انتهي اللقاء سريعا ..واستأذن الرجل بعد أن تحدث مع ابني والطف زوجته الشابة ثم انصرف ..وبرغم اقتناعي
بكل هذه األفكار والمنطلقات لم أرغب مطلقا في الزواج ..هذا من سابع المستحيالت ..أنا ممزقة ..أحتاج إلى
سنوات من الترميم .
ومضي يومان ..ولم أفكر مطلقا في الزواج وانصرفت إلى أمور أخري .
الشعراوي من الطائرة
دق جرس التليفون في البيت وكان المتحدث فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه هللا ..سألني عن حالي .
وأخبرني أنه يحدثني من الطائرة حيث يتجه هو والحاج عبد العظيم لقمة رحمه هللا إلي أمريكا وقال لى :يا حاجة
كريمان إني أحدثك كي تقبلي الزواج من اللواء كمال عبد الرازق ..ده رجل له جهاد طويل ..صاحب مبدأ ...
وثيق الصلة باهلل ..نحسبه كذلك وال نزكي على هللا أحدا ..والحاج عبد العظيم لقمة بجواري وهو يشجع هذه
الزيجة ..خير البر عاجله ..
لم أعلق على الحدي ..غير إني كنت أنظر إلى السماء ابحث عن الطائرة ..ال أعرف لماذا لم أكن أتصور إمكانية
التحدث من الطائرة !!.
كمال الحب
-اتصل بي األستاذ عبد الحليم خفاجي
-سيدي الفاضل هو رجل فاضل وال شك وقد أعجبني منطقه في الكالم ..وأسلوبه في الحديث ..وتمكنه من اللغة
العربية ..إال أني يا سيدي ..أنت ال تعرف عني أى شئ ..أنا سيدة مطلقة حديثا ..بعد معاناة استمرت سبعا
وعشرين عاما ..لم أنجح فيها في تغيير األمر الواقع ..أنا مصدومة ...معذبة ..ولوال إيماني باهلل لسقطت ميتة
من شدة الحسرة ..لقد اضطرت إضطررا إلى اللجوء إلى المحكمة للحصول على الطالق ..وهذا أمر مذاقه علقم
..تعذبت ...تعذبت كثيرا فلست أنا التي تدخل زوجها وأبا أوالدها المحكمة ..قلبي وجعني ..نعم لقد حصلت
على الطالق الذي طالما تمنيته ..ولكني مكلومة ..مجروحة ..أكاد أقع من شدة الهول .
-لن ينفعك في هذه الحالة إال الزواج ..والزواج من كمال الحب ...هو الذي سيعوضك هللا به ..
-سيدي ارحمني ..ارحمني أرجوك ....،ال أحب أن أرفض رجال تقدم إلي ..ولكني غير قدرة على االرتباط
بزوج آخر ..ال ولن أستطيع إسعاده ..أو حتي القيام بأبسط الواجبات ..أنا مريضة ..مضطربة ..مهزومة ..
وبينما أنا أشكو حزني إلى هللا دق جرس التليفون وكان المتحدث إنسانا عزيزا أثق فيه قال :
-يا حاجة كريمان بلغنا أنك ستتزوجين اللواء كمال عبد الرازق ( معالي الدكتور فالن) يحذرك من هذه الخطوة
ويبلغك أن كمال عبد الرازق هذا من كبار مجرمي اإلخوان أمضي في سجون عبد الناصر كثر من عشرين
عاما ..يعني مسحوا به سجون مصر !!
-استفزني هذا التعبير وقلت له على الفور ..
-هو من كبار مجرمي اإلخوان لذلك اعتقلوه أكثر من عشرين عاما !! فمن المجرم إذن ؟ قل لى باهلل عليك :
الذي اعتقل هذا الشاب وهو في ريعان شبابه لمدة عشرين عاما ولم يخش هللا هو المجرم ؟ أم هذا هو الضحية ؟!
وهللا لو كنت أنوي الزواج لتزوجت رجال سجن أكثر من عشرين عاما ال لشئ إال ألنه يريد الحكم بما أنزل هللا
وخفف الصديق نبرة صوته ..وشعر بشدة توتي ..ثم قال منسحبا :
-ما على إال البالغ ..وأنا وصلت الرسالة فقط .ولكني أخشي إن تزوجت هذا الرجل ..وهو من اإلخوان
المسلمين أن تفصلي من عملك في التلفزيون أو على األقل ال يسمح لك بالظهور على الشاشة .
-سيدي إن األرزاق بيد الخالق وطالما نصرت هللا في عملي فحتما سيثبت أقدامي ..ثم إن رسول هللا صلي هللا
عليه وسلم قال ( :النكاح رق فلينظر أحدكم أين يصنع كريمته ) وإن قدر لى الزواج مرة أخري فسأختار من
يستحق أن أجثوا على ركبتي وأغسل أقدمه التي طالما غبرها في سبيل هللا .
زوجة ( صالح أبو رقيق )من كبار مجرمي اإلخوان ! وكنت ألعب مع بناته خديجة وعائشة ..وأسمع أمي تتحدث
عن القبض على أبيهم وإلقائه في السجن ألنه ...يريد اإلسالم !! وكان يقطن خلفنا في شارع ( قنا ) األستاذ (
مأمون الهضيبي ) وهو أيضا ( من كبار مجرمي اإلخوان ) وكان بيني وبين ابنته إشارات وكلمات ..
وكنت أري أمي تبكي متأثرة ألن الهضيبي اعتقلوه..وكنت ال أفهم كلمة اعتقلوه وأسأل أمي فتقول لى بأسي :
وكنت أسمع بعض أساتذة الجامعة وكبار الصحفيين وهم يتناقلون أخبار المجاهدة ( زينب الغزالي ) ..وألوان
العذاب التي تصب عليها وكان أبي يعلق دائما قائال (:عمالقة زينب الغزالي هذه عمالقة ) وكنت ال أفهم كلمة
عمالقة فيشرح لى أحد الضيوف ..هذه سيدة قوية اإليمان ..ربنا معاها ..ينصرها إن شاء هللا .
وكنت سمع بعض الضيوف يردد أن كل عضو في هذه الجماعة يلقي القبض عليه هو وزوجته وأقاربه ومعارفه
وخدمه وجيرانه !!
الكل كان يتحدث بالهمس المقهور ..وأنا أجلس وسطهم ال يشعرون أن هذا الكالم يعذبني وأني عندما أوي إلى
فراشي استرجع شريط هذه الكلمات والعبارات واإلشارات ..حتى يغالبني النوم ..
لم يكن والدي من اإلخوان المسلمين ..ولم يكن لى أقارب ينتمون إلى هذه الجماعة ..وبالطبع فلست منهم إال أني
أعتصر اعتصار لهذه األحداث المؤلمة ..وأعيش مأساة أطفال أمامي وأطفال من خلفي قد عمهم الغم واآلسي
وفقدوا األمن واألمان حين اعتقلوا آباءهم .
الرؤيا
انهالت على المكالمات التليفونية ترشح اللواء كمال عبد الرازق للزواج مني .أحاول ن أصلي صالة االستخارة
ولكني كلما هممت ألصلي خارت قواي وسقطت على األرض واستسلمت لنوم عجيب أشبه بالموت
-أصل حضرتك ال تعرف عني شيئا أنا غير الصورة التي تراها في التلفزيون ..أنا عكس الصورة تماما ..أنا
واقعة على األرض .لو تعرف حالي ألشفقت على أصل أنا كنت ..
-ال أريد أن أعرف شيئا عن ماضيك وال عذاباتك ..نريد ن نبدأ من جديد ..واألمر متروك لك ..والسالم عليكم
ورحمة هللا وبركاته ..
-وفي المساء بعد أن صليت العشاء حاولت صالة ركعتي االستخارة ووقفت على سجادة الصالة ونويت الصالة .
-صليت الركعة األولي ثم غلبني النوم بشدة فنمت علي سجادة الصالة فرأيت فيما يري النائم كأني ساقطة على
األرض أبكي ثم ظهر أمامي سرير بسيط ولكنه شديد الطهر والنظافة لم ينم عليه أحد من قبل وسمعت صوتا يسر
إلى قائال :
اصعدي على هذا الفراش وسوف تستريحين وأفقت من غفوتي ..وحاولت الذهاب إلى دورة المياه ألجدد
وضوئي ثم أعاود المحاولة ..ولكني شعرت باإلعياء فتيممت لشدة إجهادي .
وحاولت الوقوف مرة أخري لصالة االستخارة ..وصليت الركعة ثم سجدت فإذ بالنوم يغالبني ..ورأيت الرؤيا مرة
أخري السرير نفسه وعليه مالءة بيضاء جديدة ومخدة نظيفة طاهرة نقية وتكرر نفس الصوت بنفس العبارات ..
استيقظت من غفوتي ودلفت إلى الحمام وجددت وضوئي ونجحت في هذه المرة من صالة ركعتين بالتمام
والكمال ثم سقطت نائمة فإذا بالرؤيا تتكرر للمرة الثالثة بوضوح كامل حتى أني عندما أفقت لكأن السرير البسيط
ال زال منصوبا أمام سجدة الصالة ..
فهمت معني الرؤيا بالطبع ..ألن الفراش هو الزوج وال شك أن طهارة الفراش تدل على طهارة هذا الرجل ..ثم
انتقلت إلى فراشي على األرض وذهبت في نوم عميق واستيقظت على رؤيا جميلة حيث امتأل مطبخي بكميات
كبيرة من النعناع األخضر والملوخية الخضراء ..
توجهت إلى منطقة سيدنا الحسين حيث يقطن الشيخ أحمد فرحات أحد كبار أئمة مسجد سيدنا الحسين رضوان هللا
عليه والمشهور بدروسه الدينية للسيدات وخطبه المفعمة باإليمان ودعائه المتميز في قنوت الفجر الذي ال ينسي
قط الدعاء للمظلومين والمضطهدين والمكروبين والمرضي والمديونين والمجاهدين في سبيل هللا في كل مكان
والطلبة واألبناء ...الخ .
جلست مع الشيخ فرحات حيث مشاعر السكينة والحب في هللا تغمر المكان والزمان ورويت له حالي وأحوالي
ورغبة الشيخ متولي الشعراوي ..والحاج عبد العظيم لقمة ومجموعة اإلخوان في السعودية ..والكويت ..وألمانيا
بالزواج من رجل يرشحونه لى اسمه اللواء كمال عبد الرازق ..ثم قصصت عليه رؤياى فبشرني بالخير ..ثم
طلب مني أمرا غريبا عجيبا ..ال يخضع للعقل المجرد ...وال للقياس العلمي ولكني نفذته فورا وبحذافيره قل لي
بهدوء :
يا حجة كريمان اذهبي إلى مسجد سيدنا الحسين وال تدخلي المسجد ألنه يجدد فنيا ومعماريا ..ولكنك ستواجهين
قبل مدخل السيدات بدكان يجلس فيه لحام يتطاير الشرر من حوله ال تكلمي اللحام ..ولكن انظري فوق رأسه
ستجدين حفرة صغيرة مثل ( الخرم) انظري إلى هذا الثقب وابدئي في قراءة الصمدية واستمري في القراءة إلى
ما شاء هللا ..فإن خرج من الثقب رائحة البخور فتزوجي الرجل على بركة هللا ..وإن لم تظهر الرائحة وتفوح
فإياك أن تتزوجيه ..سلمت عليه وقبلت يده وانصرفت وخلفي ابنه البكر ياسر فرحات وأسرعنا سويا إلى مسجد
سيدنا الحسين وظننت أني سأمكث طويال أبحث عن ثقب في الحائط بل لعلي أبيت الليل أمامه أقرأ الصمدية ..
ولكن بمجرد وصولي إلى الدكان الموجود في حائط المسجد بجوار باب النساء وقع بصري على اللحام الذي لم
ينتبه لحضورنا وانغمس في عمله ثم رأيت الثقب وتوجهت ببصري إليه ونويت القراءة إلى ما شاء هللا ..وما إن
قرأت الصمدية ثالث مرات حتى خرج ريح شديد معطر بالبخور والمسك كاد لشدته أن يدفعني إلى الوراء التفت
إلى االبن ياسر وقلت له :
-عدت مسرعة إلى الشيخ فرحات كي أخبره بما حدث وكلي عجب واندهاش ..وإن كنت ال أفهم لهذه الظاهرة
تعليال عقليا أو منطقيا أو حتى دينيا حتى كتابة هذه السطور ...وهلل في خلقه شئون .
-سيدي الفاضل ال مانع عندي من الزواج بكم فلقد استخرت هللا واستشرت الصالحين ..وكفي
-إذن أحضر إليك اليوم ليتعرف بعضنا على بعد أكثر وأكثر حتى تطمئني ..
-سيدي أني مطمئنة ..ولكني مريضة ..ومتعبة وال طاقة لى بالتعرف أرجو ن تسرع في مدي عشرة أيام من
حجز تذاكر لنسافر معا إلى السعودية ومع خالي المهندس بهاء الدين شاكر شكري وذلك لرغبتي في عقد القرآن
في الكعبة المشرفة لعلي أهدئ وأستريح .واشفي .
-عظيم ...عظيم ..هذه نفس رغبتي .ولكنا لم نتعرف علي بعض كما ينبغي ..كما أني أريد أن أعرف طلباتك
كعروس ..
-قلت له بأسلوب قاطع ..كمال بك لى شرط واحد ..ال تدفع لى مهرا وال شبكة ..وال أية هدايا ..ال شئ البته ..
فإن استرحت في عشرتك فافعل ما ال يجهدك من هذه األمور التي ال تهمني في كثير أو قليل ولكن إن تعبت معك
فسأطلب الطالق فطلقني فورا دون عنت أو لجوء إلى الحاكم ..هذا هو شرطي الوحيد ..
-يا أستاذة ..إن من حقك شرعا أن تتقاضي مهرا يليق بمكانتك المعروفة وعلى واجب شرعي نحوك هو المهر
ومؤخر الصداق ..نتفق عليه وال نخالف شرع هللا ..
-خالي أريدك معي في الكعبة المشرفة حيث سيعقد قراني على رجل يدعي اللواء كمال عبد الرازق ..وهو على
فكرة من كبار اإلخوان المسلمين ..شهد له أكثر من شخص بالصالح والتقوى .. -هل هو غني ؟
-ال يا خالي ..هو موظف يعمل مديرا لألمن في شركة المقاولون العرب
-يا خالي السعادة ليست بالغني ..والمهم شخصية اإلنسان الذي ساعاشره ..ثم رحت أحدثه عما قاله لى البعض
-يعني رجل فقير !! وكبير في السن !! وكمان من اإلخوان المسلمين !! يعني الدولة تتربص به بالليل والنهار ..
وال حاجة لنا به ..
-صبح ....صبح إيه ؟ ده أنت زي البدر وتجوزي باشا من الباشوات ..هو أنت موش شاعرة بقيمة نفسك وال إيه
؟
-خالي ..الشيخ الشعراوي كلمني في التليفون من الطائرة وقال لى تزوجيه على بركة هللا ...
-آه ..طيب ما دام بقي الشيخ الشعراوي قال ليس لنا من األمر شئ .ز لكل هل تعرفت عليه وعلى أصله وفصله
؟؟
-طيب ما دام فيها استخارة وسؤال الصالحين ورغبة الشيخ الشعراوي ..يبقي العوض على هللا ..أنا تحت أمرك
حددي موعد السفر وربنا يسترها علينا جميعا ..
تزوجت مجرما
كيف لم ألحظ حتى هذا الوقت أن الشاب األسمر النحيل الذي كانت صوره ترافقني خالل قراءة كتاب( عندما
غابت الشمس ) هو اللواء كمال عبد الرازق نفسه ..إذن فقد ساق هللا إلى كافة المعلومات عنه من قبل أن ألقاه
عرفت كيف أمضي أكثر من عشرين عاما في سجون عبد الناصر ..ومن هم رفقاؤه وأساتذته وما هي مبادئه ..
ابتسمت وحمدت هللا تعالي وأصبحت في غير حجة للمزيد من المعلومات ..
الخجل يعتصرني
أعرب لى اللواء كمال عبد الرازق عن رغبته في عمل حفل زفاف خصوصا وأنه لم يتزوج من قبل ولكم تمنت
أسرته وأصدقاؤه أن يفرحوا به ولكني شعرت بمنتهي الخجل إذ كيف أجلس في ( كوشة ) أو أزف ..وأنا في
الثانية واألربعين من عمري ..مطلقة ولي ولدان متزوجان وابنة متزوجة ..يا للخجل والكسوف رفضت رفضا
قاطعا ..
ووافقت قبل سفري بيومين وتحت إلحاحه الشديد على حفل خطوبة في أضيق الحدود في بيت أختي جيالن حمزة
وكاد الحفل أن ينقلب إلى فرح حضره األحباب من العائلتين وراحت أختى جيالن وابنها محي الخادم يزينون
البيت بالزهور ويعدون الوليمة كنت في شدة الخجل حيث احمر وجهي وأنا أشرب الشربات ويلبسني كمال بك
قالدة وأسورة بعثوا بها له من البحرين ..ودبلة في إصبعي ..ودبلة في إصبعه ..ولم يشعر بحالتي ويقدر حرجي
ى وتربت على كتفي وتحتضنني الشديد إال ابنتي داليا الحظت شدة احمرار وجهي واضطرابي ..فأخذت تهون عل ّ
...
أقمت في المملكة شهرا كامال ..عشرون يوما في مكة المكرمة في مبني المقاولون العرب وعشرة أيام في المدينة
المنورة في المبني الخاص بشركة المقولون العرب أيضا ..حيث كنا وحدنا ال يوجد في المبنيين حجاج وال
معتمرين فلم نكن في موسم الحج والعمرة ..وقد أكرم القائمون على المبنيين وفادتنا كرما شديدا .
وهناك بدأت تعرف على هذا الزوج وأراقبه ..كنت له هيبة في نفسي ..ربما لكبر سنه ..أو لتاريخه الحافل
بالجهاد ...أو لتصرفاته وأفعاله وأقواله التي تدل على فطرة نقية وقلب كبير كان رحمه هللا إذا نصب قامته هلل في
الصالة شعرت كأن هللا قد نصب له وجهه ..وإذا صليت خلفه تذوقت حالوة الصلة باهلل يقرأ القرآن قراءة سليمة
خاشعة ..أمتع عيني برجولة فذة مع تواضع جميل ..وأدركت تماما أنه لم يمس امرأة قبلي وهذا تأويل رؤيا من
قبل حيث كان الفراش طاهرا لم يصعد عليه أحد من قبل ( لم يسبق له الزواج )
سألتني الصديقة العزيزة الكاتبة الصحفية صافيناز كاظم في جلسة ودية نسائية
-نعم ...دائم
أى أنهم يغضبون هللا ويبارزونه بالمعاصي منذ اللحظات األولي في حياة يتمنون فيها على هللا أن تكون سعيدة
مباركة وهم ال يدرون أن هللا قد رفع يده عنها وتركهما للشيطان وحزبه ..كما أن هذا اللقاء بين العروسين ال ولن
يحقق أى لذة و بركة ولن يتمه هللا ولن يثمر ثمرا طيبا مباركا ..اللهم إال الوهم والتوهم .
رحت أراقب هذا الزوج الذي وصفوه بأنه من كبار مجرمي اإلخوان وكلي إجالل ..يرسب في نفسي كل يوم
مزيد من التقدير واإلعجاب ..وسأذكر بعض مواقف وأترك للقارئ الكريم أن يقوم هذا اللون من الرجال .
كلي شوق لمعرفة حقيقة هذا الخوف والتوجس والقلق والكراهية الدفينة والمتوارثة أكثر من خمسين عاما ..لقد
ظل اإلخوان المسلمون مطاردين يتعرضون ألقسي ألوان التعذيب التي فاقت ما فعله نيرون في مسيحي روما وما
فعله الطغاة في أصحاب األخدود الذين آمنوا بعيسي عليه السالم فألقوهم في النار ..ولكننا لم نسمع في التاريخ أن
عداء وتربصا قد امتد أكثر من أربعة عهود من عصر ( الملك فاروق ) فمنذ أيام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة
اإلخوان المسلمين الذي أعرف عنه على حد معلوماتي الضئيلة أنه كان مدرسا للغة العربية مفوها وقديرا ومتمكن
من فهو مقاصد الشريعة وأحكام الفقه وقراءة القرآن والسنة وملما بالتاريخ اإلسالمي واعيا باألحداث العالمية
والسياسية واالقتصادية ..لذا ترك في نفسي كل من أستمع إليه آثارا لم تمحها سجون عبد الناصر وال زبانية
السلطة الذين لم يتورعوا عن قتل الذين يأمرون بالقسط منهم ..فلقد اغتالوا حسن البنا مرشد اإلخوان ..وأعدموا (
سيد قطب ) وهو من كبار علماء مصر الذي كان يجب الحفاظ عليه للفتوحات الربانية التي كان رب العالمين
يفتحها عليه ..وأعدموا عبد القادر عودة مؤلف التشريع الجنائي اإلسالمي وأعدموا الشهيد محمد فرغلي الذي
أبلي بالء حسنا في حرب فلسطين ..و...و ...الخ
رغم أن هللا تعالي يقول ( إن الذين يكفرون بآيات هللا ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من
الناس فبشرهم بعذاب أليم أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا وآلخرة ومالهم من ناصرين ) آل عمران - 21
22
وفي عهد فرعون عندما قال ( .ذروني أقتل موسي ) ( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجال
ن يقول ربي هللا وقد جاءكم بالبيانات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم
إن هللا ال يهدي من هو مسرف كذاب ) غافر . 28
ألم يكن في هذا الوقت ...أو في هذه األيام التي نعيشها رجل واحد مثل هذا الرجل المؤمن ؟ يقول لهم ال تسرفوا
في سوء الظن ..والشك ...والتربص ..والتعذيب ..والتنكيل ...والقتل ..ألن هللا تعالي يقول :
(ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب هلل عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيم ) النساء 39
كلي لهفة وشوق لمعرفة هذه القصص التي يتناقلها الناس خلسة وهمسا ..وكأنهم يسرقون ولكن كمال بك لم
يحدثني قط عنهم ..ولم يحك لى شيئا عن حياته داخل معتقالت عبد الناصر ..وال عن أساتذته ..وال عن زمالئه
..كان كلما سألته وألححت عليه سرح بعيد وقال بصوت مبلوع :
-ال تشغلي نفسك بهذه األمور التي أودعناها عند هللا الذي ال تضيع عنده الودائع ...انشغلي بإعداد حلقاتك إعدادا
جيدا وكفي ..ثم يترك المكان وينصرف !!
-لكم حاولت ..ولكم رجاني أن أجتهد فيما كلفني به رب العالمين ..حتى قرأت في أحد األيام خبرا في الصفحة
األولي ( القبض على مجموعة من اإلخوان المسلمين بتهمة االجتماع سرا )
-فاندفعت إله أحفزه وأثيره ..حتى يحكي لى شيئا ولكنه قال لى بالحرف الواحد :
-أنت موظفة في الحكومة ..وعليك أن تكوني موظفة مثالية ..ال دخل لك بالقضايا الشائكة التي لن تجر عليك إال
المتاعب .ركزي في مهمة الدعوة إلى هللا من خالل ما أتاحه هللا لك وكفي .
-قلت ثائرة
-كمال بك ...أنت ال تثق في ..مثلك مثل بقية اإلخوان المسلمين فلطالما شعرت بتوجسهم وحذرهم من شخصي
البسيط وعندما كنت أتحدث مع الزميل جابر رزق الصحفي بمجلة اإلذاعة والتلفزيون وهو إخواني وهذا شئ
معروف أري وجه وقد تغير ..ويكف عن الحديث ..وربما انسحب من المكان ..حتى األستاذة زينب الغزالي
كلما ذهبت إليها ألدير لها ندواتها في بيتها بمصر الجديد أشعر أنها في شدة الحذر مني ..أنا أعرف أن جميع
اإلخوان يخافون مني ألني محسوبة على الدولة ..الدولة التي تتربص هم وتحجمهم وتحاربهم لتنفرد فبالسلطة ..
أنا أعرف كل شئ ..ثم إني لست في حاجة كي تقص على قصة حياتك ..فلقد قرت كتبا كثيرة ..كما أني اعرف
كل صغيرة وكبيرة في مشوار حياتك ..يوما بيوم ..وسجنا بسجن فلقد قرأت كتاب ( عندما غابت الشمس )
لألستاذ عبد الحليم خفاجي ..واعرف حياتك أكثر منك ..
قام يربت علي كتفي كأني طفلة صغيرة ...وأحضر كوبا من الماء البارد ورح ينثره على وجهي وهو يعتذر لى
ويهمس اتركيها هلل ..اتركيها هلل ..وعندما هم باالنصراف أوقفته وقلت له محتدة .كمال بك يخاف المسئولون في
التلفزيون مني خوفا دفينا !! ألني محسوبة على التيار اإلسالمي في نظرهم ..ويخاف اإلخوان المسلمون مني
ألني محسوبة على الدولة موظفة وأظهر على الشاشة وال يظهر على شاشة تلفزيون مصر إال المحاسيب لقد
ضقت ذرعا بكما ..أنا لست تابعة للحكومة وال تابعة لإلخوان ..أنا تابعة هلل رب العالمين وكفي ..
ثم تركت أنا المكان ..ألبكي في مكان آخر ال يراني فيه أحد
أغنيتان فقط
في يوم من األيام سمعت كمال بك يدندن مع أغنية عبد الوهاب يقول ( أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد
وحق الفداء ) سعدت كثيرا ألنه يدندن مع األغنية وعندما انتهت قال لي بمنتهي الوجد .
هل تعرفين كم كان أثر هذه األغنية علينا ونحن في سجون مصر ؟؟ لقد كنا نعتبرها إرسال من الشعب المصري
لنا ...ثم ابتسم وأضاف كنا كذلك نطرب لسماع أغنية لشفيق جالل تقول كلماتها ( يا عم يا بنا اعمل لنا مونة
بالصبر معجونة) كنا نعتبرها رسالة مواساة من اإلذاعة المصرية !!
هاتان ألغنيتان هما القصة الوحيدة التي حكي لى عنها كمال بك رحمه هللا .
فيقول لى أبحث عنهم بقلبي وأحس بهم ..وأتمنى مساعدتهم وال أطيق صبرا
ولقد وصل من شدة إيجابيته أنه كان إذا توقف المرور وتعطلت الحركة ..نزل برشاقة وخفة وراح ينظم المرور
وسط الشارع مع عسكري المرور ويبذل جهدا كبيرا حتى يعود الطريق إلى سريانه !! كنت أخاف عليه وأبادره
بسؤال :
هل أنت ضابط مرور ..لماذا ال تترك األمر للعسكري المسئول وتكتفي بوضع يدك على كالكس السيارة كما
يفعل اآلخرون ؟
-هذا عسكري غلبان ..والحمل فوق طاقته ..وهو يا أستاذة لم يتناول وجبة غذائية كاملة العناصر وال نوعا من
األقراص المقويات والفيتامينات المستوردة ..ثم نضحك سويا ألنه يقصدني بهذه العبارات .
وفي احدي المرات كان يوصلني إلى التليفزيون وكان الزحام شديدا في ماسبيروا ..وفجأة ظهر شاب في الثامنة
عشر يقود دراجة وعلى رأسه لوح خشبي يعلوه عدد كبير من أرغفة الخبز الشامي وكان يحاول المرور بين
السيارات فمالت الدراجة ناحية العربة التي كانت أمامنا واصطدم بها وسقطت أرغفة الخبز على األرض ...فإذا
بسائق السيارة ينزل منها ويمسك بتالبيب الفتي الغلبان ويكيل له الشتائم ..ووقف المرور كله يشاهد هذا المشهد
وال يتحرك أحد ..فإذا بكمال بك ينزل من السيارة ويجمع أرغفة العيش المنثورة في الطريق بين العربات
وينفضها ليسقط عنها غبار الطريق ثم يضعها على اللوح ويضع اللوح على رأس الصبي المذهول مما أصابه من
خسائر ال يعلم مداها إال هللا ! ثم أخرج كمال بك من جيبه ورقة بعشرة جنيهات ..ووضعها أمام وجه الصبي
ليراها فيهدأ ثم وضعها في جيبه وقال له :
انصرف ي بني ..وانتبه بعد ذلك لنفسك والطريق ..ثم نظر إلى صاحب العربية وقال له مبتسما :
-أخوك لواء شرطة كمال عبد الرازق ..ثم صمت برهة وقال له :
-ارحموا من في األرض يرحمكم من في السماء ..ثم انصرف وركب سيارته وبدأ الطريق يتحرك ..
-أى إيجابية حميدة ...وأى إحساس بالمسئولية ..وأى إسالم هذا ..وأى جرم يرتكبونه حين يصفونه بكبير
مجرمي اإلخوان ؟ !!
وكان رحمه هللا من هواة حضور حفالت الموسيقي العربية بالهرم ..نذهب سويا ونستمع إلى الحفل من أوله إلى
أخره ..
فهم يعرفونه جيدا ألنه زبون دائم يجلس في الصف األول ومعه مسجل حيث يقوم بتسجيل الحفل كله لنستمع إلى
هذا الشريط في طريق العودة من الهرم إلى مصر ..
وفي احدي الليالي الحظ كمال بك عند خروجه من المسرح مشروع مبني جديد تقوم به شركة المقاولون العرب
وكانت األسياخ الحديدية وأكوام الرمل والزلط تتناثر حول هذا المبني فإذا بكمال بك يتجه إلى المبني وينادي على
الغفير ويصافحه ويأخذ في توجيه كافة األوامر للحفاظ على المؤن وإخفائها داخل المبني ..وتأمين حاجيات
الشركة ..سألته مندهشة .
-ألم تترك المقاولين العرب ؟ مالك أنت وتأمين المبني واالهتمام بهذه األشياء ؟
-هذا مال الشركة ..يعني مال الدولة ..يجب الحفاظ عليه ..ولقد كنت في يوم ما مسئوال عن تأمين هذه الشركة .
-هذا هو الوالء واالنتماء الذي نعجز أن نزرعه في أبنائنا اآلن فآي مجرم هذا يا سادة ؟ !
أصل البرد قارس ..واألوالد سهرانين ..ثم يتجه إلى المسجد ليصلي الفجر ..وأحيانا يجتمع بالمصلين ويقرءوا
بعض آيات القرآن الكريم ..ثم يعود بخطي عسكرية سريعة إلى المنزل بهدف التريض ...عندما يحضر إلى
يقول لي :
تأخرت عليك ..قرآنا جزءا من القرآن الكريم ..ثم يهز رأسه ويتمتم ...أحاول أال أجعل هذه الدروس يومية ..
حتى ال تنزعج السلطات ربنا يهدي ..ثم يدخل حجرته ليقرأ جريدة الصباح .
أما عن خادمته الصغيرة ( نعمة ) فلقد كانت هزيلة ضعيفة البنية فاقدة للرغبة في الطعام .
فكان رحمه هللا يعد لها اإلفطار ويوقظها برفق كى تذهب إلى عملها كممرضة في مستشفي المقاولون العرب ..
كنت أسأله مندهشة :
-أراك شديد العناية بهذه الصغيرة ..وهي ضعيفة جدا فلماذا وظفتها في مستشفي المقاولون ؟
-أنا لن أعيش لها طول عمرها ..وهي ضعيفة وغلبانة وليس لها مصدر رزق ..ولن تستطيع الخدمة بعد وفاتي
في بيت آخر ..فأنا أحسن معاملتها وأقدر حالتها الصحية والنفسية والعمل في المستشفي يضمن لها مأوي إن
أرادت كما يضمن لها معاشا إن أطال هللا في عمرها ..كما أن ذهابها إلى المستشفي قد يجلب لها عريسا مناسبا ..
وبالفعل خطبها مكوجي يعمل بمستشفي المقاولون العرب وراح كمال بك يجهزها جهازا كامال ( ثالجة وغسالة
وبوتوجاز ..الخ ) .
ثم احتفل بزفافها وزين لها عربته المرسيدس بالورود وسجل بالفيديو الزفة ..ولقد كانت هذه الصغيرة ال تعرف
التعبير عن مشاعرها إال بالدموع ..
-وأذكر أنها كلما مرضت أحضر لها الطبيب والدواء وجهز لها الطعام بنفسه حتى ال يكلفني بهذا الجهد ..كنت
تنام في حجرة مريحة وسرير مريح ودوالب خاص ..كان رحمه هللا يفضلها علي نفسه ..وكم كانت دهشتني
حين يحضر والدها من الريف للحصول على راتبها وبعض األدوية ..وكان رجال هزيال قد أنهكته البلهارسيا
وكان على عينيه سحابتان ثقيلتان ال أعرف كيف كان يتمكن من رؤية الطريق ..كان كمال بك يهش ويبش
ويحسن استقباله بطريقة مذهلة ويأخذ بيده ويجلسه على الكرسي ثم يأمر بإعداد أفخر الطعام ثم يسلمه راتب نعمة
ومعه كما يقول بعض مما أفاض هللا به علينا من النعم ..كان يستمع إلى شكواه ويحاول حل مشاكله كان يفعل
مثل هذا مع البواب وعائلته ومع جميع من قاموا بخدمة والدته المرحومة زينب .
-ما هذا يا سادة ؟ ما هذا الفهم الصحيح لإلسالم ؟ إن اإلسالم ليس أقواال ولكنه أفعال ..وقلت في نفسي يا له من
مجرم !
كان كمال بك شديد االرتباط بهم شديد الحنو عليهم فلما ماتت أم األوالد المرحومة سميرة تبني هو تربية األبناء
وأصبح وأمسي ملهوفا عليهم ملتصقا بهم ..حتى إنه كان يقوم بتصويرهم فوتوغرافيا في كل ساعة وحين بسبب
ودون سبب والحقيقة أن عائلة كمال بك كانت متدينة ملتزمة متحابة ومنضبطة وعندما عاد والدهم من السعودية
تعاونا معا ليخرجوا جيال متفوقا متميزا بحق ...بسم هللا ما شاء هللا ال قوة إال باهلل ..
وكان لكمال بك أخ هو لواء جيش عادل عبد الرازق ..وعندما كان يعذب كمال بك في سجون عبد الناصر كان
البكباشي عادل عبد الرازق يعمل في الحرس الخاص لعبد الناصر ..يالسخرية األيام ! أى حرج لألخوين ..وأى
ضغوط نفسية عليهما تحتاج إلى تجرع المر والصبر ألوانا ..وأى جهد جهيد بذله االثنان ليرتفعا فوق المتناقضات
وتستمر مشاعرهما سليمة صافية ال يشوبها جروح وال حروق ..وبينما كان البكباشي عادل عبد الرازق في
حراسة عبد الناصر تم القبض على والدته أكثر من ستين عاما وأدخلوها على ابنها كمال عبد الرازق في الزنزانة
..حتى يعبثوا بأعصابه وكرامته ويقهروا شخصه الصبور !! يا حسرة على العباد!! يقول تعالي (:فذرهم حتى
يالقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم ال يغني عنهم كيدهم شيئا وال هم ينصرون .إن للذين ظلموا عذابا دون ذلك
ولكن أكثرهم ال يعلمون ) الطور 47- 45
ويقول تعالي ألمثال هؤالء المقهورين من أصحاب الرأي والمبادئ ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد
ربك حين تقوم .ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم ) الطور 49- 48
ال أريد أن أذكر أسماء معينة حتى ال أغمط حق البعض ولكن أجدني مدفوعة لذكر بعضهم بدافع إعطاء القدوة
وبدافع المحبة الخالصة في هللا تعالي .
د .سيد الجيار
ضابط بالجيش المصري يعمل طبيبا جراحا ..برغم إصابته في ركبته وعدم قدرته على السير معتدال إال أنه كان
شديد الحرص على تأدية الصلوات الخمس في المسجد ..كريم كالنهر سمح هادئ ذواق لألدب والشعر ..يفيض
حنانا ومرحمة على أبنائه وأحفاده وأقاربه ..وناسه ..راقي العبرة واللفظ ..كيس فطن ..حساس عندما تلقينا
دعوة للمشاركة في مؤتمر السيرة الذي يعقد كل عام في لوس أنجلوس بالواليات المتحدة األمريكية ..
جاءنا على استحياء ..وقدم لنا بعض المال ..وقال والصدق في عينيه رحمه هللا أعطوني شرف أن أشارك في
تجهيز غاز! فأنتما ذاهبان إلى أمريكا للدعوة اإلسالمية ..فإن قبلتم هذا المبلغ فكأني قد جهزت غازيا فلقد قال
رسولنا الكريم من جهز غازيا في سبيل هللا فقد غزا ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا متفق عليه وقبلنا
المبلغ ..وكلي عجب من هذا المستوي األخالقي الرفيع !
كنت كلما التقيت باألستاذ حسن عبد المنعم ..الرجل الثاني في شركات الشريف ..أوقفتني هذه الشخصية النقية
الشفافة التي ليس لها مثيل في هذا الزمان ...ورغم أني كنت أذهب إليه في خدمات خاصة وكان تركيزي األول
واألخير على إنجاز هذه الخدمات ..إال أني كنت أصاب بالحيرة ..ما هذا الفيض من النور اإللهي الذي يغمر هذا
الرجل ؟ ما هذه الهالة التي ال تعلو إال رؤوس األنبياء ! ما هذا القلب العامر بالسكينة ..ما هذا الحياء الذي يخجلني
..وفي احدي المرات بينما كنت خارجة من مكتبة استحي من شدة كرمه ..توجهت إلى المصعد وأنا في غاية
العجب ..أكاد أحدث نفسي فإذا برجل في المصعد يحدث زميله قائال ..
وهللا ..وهللا العظيم ي أخي لوال أني على يقين من أن سيدنا محمد هو خاتم األنبياء والمرسلين لقلت أن األستاذ
حسن عبد المنعم نبي رسول التقطت هذه العبارات وانشرح صدري واشتركت معهم في الحديث ..وحمدت هللا
على أن الناس تشعر بما أشعر به ..
نعم لقد انتهي عصر األنبياء ببعثة ختم المرسلين صلوات هللا عليهم أجمعين ..لكن الصالحين من األولياء في كل
عصر وأوان ..وصدق هللا العظيم إذ يقول ( أال إن أولياء هلل ال خوف عليهم وال هم يحزنون .الذين آمنوا وكانوا
يتقون .لهم البشري في الحياة الدنيا وفي اآلخرة ال تبديل لكلمات هللا ذلك هو الفوز العظيم ) يونس 64- 62
هذه قصة أخر في هللا من جماعة اإلخوان المسلمين فقد عقله في سجون عبد الناصر وأودع في مصحة عقلية
ليمضي فيها بقية عمره ...كان كمال بك شديد الحرص على انتقاء مجموعة من المعلبات والمأكوالت المحفوظة
والمجففة يذهب بها أول كل شهر وبصحبته بعض اإلخوان إلى مستشفي األمراض العقلية المعروفة (بالخانكة)
لمقابلة هذا األخ المريض وكان كمال بك يحرص على إعطائه مجموعة من األقالم والكشاكيل ..وكان اللقاء
بينهم حارا وكان الشاعر السعيد البواب يعطي كمال بك في كل مرة كراسة كتب فيها أشعارا قد يعجز العاقل عن
كتابتها وبعد وفاة كمال بك أرسل لى كشكوال بعنوان ( وداعا كمال الحق ) راح يصف فيه بالشعر أخالقيات
ومواقف كمال بك وبعض اإلخوان ..وطلب مني طباعته ..
ال شك ن ( األخ سعيد البواب ) يسعد كثيرا بهذه الزيارات ولكن هل تكفيه هذه المعلبات والمأكوالت على مدار
الثالثين يوما !
-قال لى ضاحكا
-األخ سعيد البواب ال يأكل منها شيئا ولكنه يقوم بتوزيعها فورا على نزالء المستشفي وهو في غاية السعادة
-قلت له مندهشة
-أتتحمل كل هذه المشقة شهريا ويوزعها األخ سعيد على النزالء !! ما الفائدة إذن ؟
-قال على الفور والدموع في عينيه ..يكفيني سعادة وامتنانا أنني أدخل السرور على قلبه !!
السنين الخضراء
عشت هذا الجو اإلسالمي البديع ست سنوات ونصف مرت كأنها يوم واحد ..والذي ال شك فيه أن عشرة هؤالء
األفاضل وهذه النوعية من البش داوت جراحي ..وأمدتني بالصحة النفسية والبدنية .وقوت إيماني باهلل العلي
العظيم ..بل إني أعترف أن هذا الجو النقي قد دفعني إلى إنتاج متواصل فطبعت أكثر من سبع كتب لألطفال كما
تمكنت من إخراج أربع كتالوجات لألزياء المحتشمة الراقية ..وطبعت كتاب نيجار والغابة أربع طبعات ثم
شرعت في كتابة موسوعة ( سيد الخلق ) من خمسة أجزاء والتي نالت بعد ذلك جائزة أجمل كتاب في العالم من
مؤسسة اليبزج بألمانيا ..
وأقر بفضل اللواء كمال عبد الرزق ألنه راح يشجعني ويشتري لى الكتب والمراجع ويهئ لى الجو العام في
المنزل حتى أدرس كل هذه المواد وأعد منها ما استطعت ..والحقيقة التي ال أنكرها أن تمكن كمال بك من ناحية
اللغة االنجليزية قد ساعدني كثيرا حين كنا ندعي إلى مؤتمرات إسالمية خارج مصر إذ كان يقوم بالترجمة
الفورية لمحاضراتي مما أدي إلى نجاح هذه الجهود ..
كان رحمه هللا مولعا بالحج والعمرة .فكنا نتردد على المملكة العربية السعودية كل ثالثة أشهر يفر هو فرار
اللهفان إلى الكعبة المشرفة ويعكف على العبادة عكوف أهل الورع ..وعندما يحين موعد العودة يظل يبكي وهو
يودع المكان وينسحب من صحن الكعبة بظهره ينتزع نفسه انتزاعا كالرضيع الذي يأبي
حشره هللا هو وزمالءه وأهله في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
هل الرغبة في تطبيق شرع هللا والمشاركة في حكم البالد يستحق ارتكاب كل هذه المظالم ؟؟ أم هي الرغبة في
االستحواذ واالنفراد بالسلطة وظن البعض نهم وحدهم الجديرون بالتفرد في حكم البالد والعباد ؟؟
ما هي الجريمة التي ارتكبوها حتى تورث السلطة العداء والمظالم عهدا بعد عهد وجيال بعد جيل ؟؟ لماذا يفعلون
كل هذا المكر السيئ ويتمادون في أساليب القهر والكبت ؟ والتربص واالستبعاد من المشاركة في الحياة العامة ؟
-ألم ينتصر الجيش المصري في حرب فلسطين في أكثر من موقع على أياديهم سنة 1948
إذن لماذا كل هذا اإلصرار إن ألقباط في مصر يريدون أن يشاركوا في حكم البالد وأري أن حقهم المشروع
وجميع االتجاهات واألحزاب اليمينية أو اليسارية ترغب في التمثيل السياسي والمشاركة في حكم البالد ..وهذا في
رأيي ..ورأي اإلسالم حقهم المشروع فما بالنا نحارب اإلخوان المسلمين ؟
-أال تخجلون؟ !
طالما تشدق المسئولون بأهمية الحرية وضرورة الديمقراطية ومشاركة الشعب فيحكم البالد ..وطالما صرحوا
بأن االنتخابات ستكون حرة %100ون على الشعب أن يعبر عن رأيه ويشارك في اختيار من يقومون بخدمته
سواء كان الترشيح لرئاسة الجمهورية أو لمجلس الشعب والشورى .
ولكن ما إن يرشح أحد اإلخوان المسلمين ..حتى نري ابتداع آليات قانونية وإدارية ومنية للتضييق على إمكانية
مشاركة التيار اإلسالمي في حكم البالد ..يسند هذا االستخفاف إعالم مضلل إلرادة األمة ..ويد كطلقة فيه ..وقد
كتب الصحفي الحر سالمه أحمد سالمه يقول تحت عنوان ( حال الصحافة ) ( إن أسوأ ما في ظاهرة اإلعالن
الحكومي أن وزراء إلعالم العرب الذين جاءوا من الوسط اإلعالمي أو غيره هم أكثر الذين وقفوا في وجه حرية
التعبير ووسائل اإلعالم المطبوع والمرئي أدي ذلك إلى إفراز طبقة واسعة من الموظفين اإلعالميين أو
اإلعالميين الموظفين ضاعت عندهم الفوارق بين اإلعالم الذي يتحري الخبر الصحيح ويتحمل مسئوليته ويؤمن
بحرية التعبير ويدافع عنها وبين أجيال من الصحفيين إلعالميين الذين تحولوا إلى خدم في بيت السلطة يصدعون
بمرها ويعملون لحسابها وال يملكون القدرة على استقالل الرأي ونزاهة المقصد .
الخالصة أننا نري ونسمع المهازل والتدخل األمني الباطش كلما هم اإلخوان بالمشاركة في العمل السياسي ..
ولكم شاهدنا التيار اإلسالمي وهو يستميت في محاول كسر هذا الحصار األمني لكن أجهزة األمن تواصل حمالت
االعتقال واإلرهاب الحكومي ..وتبدأ الصحف الحكومية في نشر سلسلة من االتهامات ..تارة بأن جماعة اإلخوان
تتحرك وتارة بأن الجماعة المحظورة ترشح نفسها ..وتارة بأنهم يجتمعون ويخططون ..وتجوب سيارات
الشرطة البالد إلرهاب الناس واعتقال البعض ويستمر مسلسل انتهاك الحريات وحقوق اإلنسان ..ويستمر في
نفس الوقت التشدق بالحرية والديمقراطية ..وال أملك إال أن أذكرهم بقول الحق تبارك وتعالي ( :يا أيها الذين
آمنوا لم تقولون ما ال تفعلون .كبر مقتا عند هللا أن تقولوا ما ال تفعلون ) الصف 3-2
الكيل بمكيالين
أراكم تكرهون ألنفسكم أن تكيل لكم أمريكا والدول األوروبية بمكيالين فلماذا تكيلون أنتم بمكيالين في الوطن
الواحد فللحزب الحاكم الحق كل الحق في التفرد والتحكم واالمتالك ..واألمان ..والثقة وللتيار اإلسالمي كل كبت
..وسلب ..وحجز ..وشك وريبة ..
إال أن قلبي ال زال يحدثني بأن الرئيس مبارك ال يمكن أن يتصور مستوي هذه الممارسات األمنية الغاشمة وقد
يصله الخبر مقلوبا ومشوها ..وهذه حقيقة منطقية ألنه يسمع من طرف واحد فقد ( أهل الثقة) وهو محجوب تماما
عن سماع الطرف آلخر وهذا ليس عدال يرضي هللا .
وبطبيعة الحال فهذه فرصة كي ينشط مرضي القلوب فيوسعوا الهوة بين السلطة والتيار اإلسالمي ..وهذا هو
فساد ذات البين بحذافيره والذي نهانا عنه سيد الخلق صلي هللا عليه وسلم وقال عنها إنها الحالقة .قالوا أتحلق
الرأس ي رسول هللا ..قال :ال ولكنها تحلق الدين ..
ولألسف الشديد فإن المقربين من السلطة من عقال األمة األسوياء الذين يستشعرون أهمية احتضان التيار
اإلسالمي ودمجه في بوتقة الشعب كله ..ليس لديهم الجرأة على عرض هذا األمر ألن زبانية السلطة يشيعون عن
الرئيس مبارك أنه يكره اإلسالم واإلسالميين ( وهو بعيد كل البعد عن هذه التهمة ) فلعنة هللا على الكاذبين .
لقد استمع نبي هللا سليمان عليه السالم لنصيحة نملة ولست يا سيدي أقل من النملة ..وال أحد أكرم من نبي فاستمع
إلى بقلب مفتوح ..إن النبي عليه الصالة والسالم قال ( :قبل الحق ممن أتاك صغيرا أو كبيرا وإن كان بغيضا
وأردد الباطل لى من جاء به من صغير أو كبير وإن كان قريبا )
لقد طال الظلم الواقع على اإلخوان المسلمين ال لشئ إال ألنهم بلوا بالء حسنا مع الجيش المصري في قتال اليهود
في حرب فلسطين ونحن عهدناك خير من يعرف هذه الحقائق فحنق عليهم اليهود وأوعزوا إلى االنجليز
واألمريكان بشدة خطرهم على السياسات االنجلو أمريكية المرسومة فسارع الغرب في بغضهم وبالغوا في تحذير
الحكومات العربية منهم فلقد تيقنوا أن جماعة اإلخوان المسلمين تعشق الموت في سبيل هللا وال يمكن ترويضهم
ليرضوا بالذل والهوان ..وكلنا هذا الرجل .
سيدي الرئيس'...
ولقد علمت من بعض العلماء األجالء أن رجال الثورة جميعهم مطلعون على الفكر اإلسالمي الحق باعتباره من
دواعي النهضة ..فلماذا يتربص دائما بالتيار اإلسالمي ؟ من قبل أجهزة األمن المصرية .
فإن أخفوا عليك بعضا من هذه الممارسات فإن فراستك تدرك بعضها ..فال تطل حلمك عليهم وإن طمأنوك بأنهم
حراس العمر وحراس الكرسي ..فتنزلق إلى حد السكوت على الظلم ..
ولقد قال سيد الخلق (صلي هللا عليه وسلم )ال يقف أحدكم موقفا يضرب فيه الرجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من
حضره إذا لم يدافعوا عنه
سيدي الرئيس'..
من منطلق إخالصي لك أقول لك انتبه وال تسارع في مرضاة ومواالة الكافرين ..فإن عواقبها وخيمة فإنه – ال
قدر هللا – يرفع يده عنك ويكلك إليهم ..معاذ هللا واستمع إلى قول هللا تعالي :
(ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من هللا في شئ إال أن تتقو منهم تقاه
ويحذركم هلل نفسه وإلى هللا المصير ) آل عمران 28
فإذا كنت تتقي شر الكافرين فهذا من الكياسة الفطنة لكن كن على يقين من أهمية مواالة المؤمنين ألن هللا قال ( :
إنما وليكم هللا ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .ومن يتول هللا ورسوله
والذين آمنوا فإن حزب هللا هم الغالبون ) المائدة – 56-55
سيدي الرئيس'
إن هللا قد وهبكم قلبا كبيرا ..وصبرا جميال ..وضبطا للنفس حميدا ونبينا محمد ( صلي هللا عليه وسلم) قال :ليس
الشديد بالصراعة ولكن الشديد من يملك نفسه عن الغضب فاضبط سيدي أمور العائلة المصرية وأعدل بين األبناء
.
قال رسول هللا ( صلي هللا عليه وسلم ) إن أرفع الناس يوم القيامة إمام عادل )
سيدي الرئيس'
ال تسارع في تصديق ما تبثه المخابرات األمريكية وتشيعه عن اإلخوان المسلمين بمكر حصيف ودهاء ممنهج
فالشاعر يقول ( إن الذين ترونهم إخوانكم :يشفي غليل صدوركم أن تصرعوا )
وختاما أقول كما قال رب العالمين ( عسي هللا أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة وهللا قدير وهللا غفور
رحيم ) الممتحنة 7:
ميراث الكراهية
جمال عبد الناصر1954 – 1970
عندما كنت صغيرة ال أتجاوز الثانية عشرة حتى التاسعة عشرة كنت أحب جمال عبد الناصر رغم اعتراض
والدتي الشديد – وزاد إعجابي به حين أمم قناة السويس سنة 1956وبدأ في مشروع السد العالي ..وزاد تعلقي به
لتعاطفه مع الطبقة الكادحة ( الفالحين والعمال) وبسبب تعاطفه مع هذه الطبقة وحببته حبا جما فأنا أحب
المطحوني وأتعاطف معهم أينما كانوا لذا عندما حدثت النكسة سنة 1967وتنحي جمال عبد الناصر عن حكم
البالد ..خاطرت وركبت سيارة زوجي ( الرائد محمود رياض ) رحمه هللا وكانت عربة جيش ( جيب ) وجمعت
صديقاتي وأمرت السائق العسكري أن يتجه بنا إلى مجلس األمة حيث المظاهرات ورحت أهتف من األعماق .
أنور ..أنور يا سادات إحنا اخترنا جمال بالذات ..وكانت هذه أول مظاهرة اشترك فيها في حياتي وعندما كبرت
قرأت قصصا عن سجون عبد الناصر وما حدث فيها من جرائم يشيب لها الولدان ..أدركت أنها صفحات سوداء
في حياة هذا الزعيم المصري ..وأن عقبه عند هللا أليم ( وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما )
طه 111:
ويقول عليه الصالة والسالم ( إن شر الرعاء ( الحكام ) الحطمة ( القاسي الذي ال يرحم ) فإياك ن تكون منهم )
متفق عليه
تحت عنوان عبد الناصر والمخابرات كتب الصحفي المعروف ( محمد وجدي قنديل ) يقول عن مقتل الملك
فاروق بالسم في ايطاليا عن طريق المخابرات المصرية ( إبراهيم بغدادي )كتب يقول :
(للحقيقة والتاريخ كان الرئيس عبد الناصر يعترض دائما على أن يستخدم جهاز المخابرات أسلوب التصفية
الجسدية واالغتياالت في العمليات السرية المتعلقة باألمن القومي ..وكان يشدد على رئيس الجهاز بعدم اللجوء
إلى ذلك أيا كانت المبررات ) األخبار في 2 1مايو 2001.
استريح لهذا التعليق ألني ال أتصور أن عبد الناصر الذي غير الكثير بغرض رفع الظلم والمعاناة عن شعب يمكن
أن يكون منحطا إلى هذه الدرجة ؟ ولكني على يقين من أن هناك بعض شياطين اإلنس الذين تمتلئ قلوبهم ظلمة
ما إن يتولوا مسئولة البالد والعباد حتى تنشط الشياطين في دمائهم فيتلذذوا من ممارسة أنواع من الوحشية
والقسوة يؤهلهم ألن يكونوا بجدارة من أئمة الكفر من جهنم بإذن هللا .
يقول تعالي ( يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواص واألقدام ) الرحمن ( 41:وقفوهم إنهم مسئولون )
الصافات 24:مصر هي بلد األزهر ومعقل اإلسالم ..فيها خير أجناد ألرض وهي غنية بنخبة ممتازة من رجال
الدين والعلماء والعاملين في كافة المجاالت ..وال ينقصها أصحاب األقالم الحرة!! فأين هؤالء الرجال ؟ !!
ومصر بلد والدة وفي األثر ( الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة ) فأين هؤالء األخيار ؟ أين الرجولة والشهامة
والنخوة ؟
ونبينا الكريم يقول ( أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند سلطان جائر ) كيف ارتضينا كل هذه المظالم ؟ولماذا سكتنا
على كل هذه المآسي ؟ أين ضمائرنا أين النخوة والشجاعة ؟ لقد سمنا رب العالمين ( خير أمة أخرجت للناس )
ألننا نأمر بالمعروف وننهي عن المنكر ونؤمن باهلل .
ألم تعلموا أن نبيكم صلي هللا عليه وسلم ) قال ( :أيها الناس مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعو هللا
فال يستجيب لكم ،وقبل ان تستغفروه فال يغفر لكم ،إن لمر بالمعروف ال يقرب أجال )
إن األحبار من اليهود لما تركوا األمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم هللا على لسان أنبيائهم وعمهم البالء )
فقال تعالي :
( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان وداود وعيسي ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون .كانوا ال
يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) المائدة 79- 78
وعنه ( صلي هللا عليه وسلم ) أنه قال ( :كال وهللا لتأمرون بالمعروف ،ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد
الظالم ولتأطرونه ( توجهونه بقوة ) على الحق أطرا ولتقصرنه ( تدفعنه ) على الحق قصر ،أو ليضربن هللا
بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم .
متي تستيقظ وتتحرك النفس اللوامة وتشعر بوجوب االعتذار الرسمي أمام العالم كما يفعل باب الفاتيكان حيث
يجوب العالم معتذرا عن خطايا السابقين في يهود ( الهولكوست ) لقد اعتذر لهم وقدم أسفه الشديد وشجع
إعطاءهم تعويضات مالية لما أصاب أجدادهم من قهر ..ولكنه لألسف لم يعتذر للمسلمين الذين أضيروا في
الحروب الصليبية أو االستعمارية ..فهل أنتم مل باب الفاتيكان في كيله بمكيالين ..ارفعوا األمر للرئيس مبارك
فهو رجل عاقل متعقل رزين خال من الشرور والعاهات النفسية ..ولكن من يجرؤ على رفع األمر إليه ؟
ومطالبته بإصالح ذات البين حتى ينتهي ميراث الحقد الذي ورثناه ؟ يقولون إنه أصبح محاطا بسياج كثيف من
رجال األمن والمخابرات والشرطة وهيئات المنتفعين ..والمستفيدين ..والمتفردين بالحكم وال أملك إال أن أقول :
(إن الحكم إال هللا يقص الحق وهو خير الفاصلين ) األنعام 57
زعيم مصري حكم بالدي حوالي أحد عشر عاما كنت أحبه ألنه مجرد توليه الحكم أعلن ( دولة العلم واإليمان )
وكنت في عهده أول مقدمة للبرامج الدينية على مستوي العالم العربي واإلسالمي في التلفزيون ..كان أنور
السادات رحمه هللا ابن بلد صرف اعتقل أكثر من مرة بسبب نشاطه السياسي وأخرج من الجيش أعني ذاق مرارة
الظلم والقهر وأعيد سنة 1950وكان عضوا في جماعة اإلخوان المسلمين ..لذا كان من السهل أن يعمل رئيسا
لمنظمة المؤتمر اإلسالمي ..كنت أحبه رحمه هللا لبساطته وتدفق عاطفته ..كما أنه حطم السجون وأخرج
المعتقلين بسبب معتقداتهم ...كما كنت أحبه لحبي الشديد للسيدة قرينته جيهان السادات المتجاوبة بسهولة مع
مصالح الناس دائما ..
وال أريد أن خوض في سياسة الرجل ودهائه فلست مؤهلة لذلك ..إال أني سأتعرض لبداية ظهور الجماعات
اإلسالمية الرشيد منها والمتطرف ..فلقد بدأت الجماعات اإلسالمية تتكون وتنشط في عهده نشاطا ملحوظا حتى
سمي هذا الوقت بالصحوة اإلسالمية والعودة إلى هللا وكنت شابة ال أتجاوز الثامنة والعشرين من عمري ..وكان
بعض هذه الجماعات يدعونني أللقي كلمة وأرد على بعض االستفسارات ..وكنت رغم ضيق الوقت الموزع بين
الزوج والولد والعمل في التلفزيون أرحب بلقائهم ..ولكنني أدركت منذ اللقاءات األولي أن هناك تيارات جارفا
من التضليل واالنحراف في الفكر اإلسالمي أدي إلى تشدد وتحجر هؤالء الطالب الصغار ساعد على ذلك ضالة
الثقافة العامة واإلسالمية خاصة وشعور الجميع بالهوة الساحقة بينهم وبين النظام الحاكم وفقدان الثقة في القائمين
عليه ..حتى ظنوا أن التعسير والتضييق والتحريم كلما زادت رقعته زاد معه التدين ! ناسين قول رسولنا الكريم :
( يسروا وال تعسروا وبشروا وال تنفروا )
ولقد وصل حال التشدد والتطرف عندهم إلى أنهم حرموا الحالل من الزينة ..وجميع األلوان وجميع الفنون ..
ورغم هذا كنت أعجز عن رفض دعوتهم لى إلحساسي بأهمية شرح األمور وتبسيط المفاهيم ...لذا رحت أبذل
الجهد والوقت حتى أصبح لقائي بهم يمتد في جامعة [القاهرة]] إلى أربع ساعات ويستمر بعد ذلك إذ عند العودة
يركبن معي السيارة ونظل نتحدث في بيتي حتى الساعة الثامنة مساءا ميعاد تسجيل برنامجي التلفزيوني ( هدي
هللا ).
كنت أشعر بمنتهي اإلرهاق بل واإلعياء وقد استنفدت كل طاقتي واستهلكت أعصابي وأنا أستميت في شرح
اإلسالم الحقيقي لهؤالء الشبان الذين لم يكونوا يتجاوزون العشرين من العمر ...أقوياء ..أشداء ...أصحاء ..
ومراهقين ..كأني أضرب رأسي في الحائط ..وخارت قواي فاألوالد ملقنون تلقينا خاطئا يحرمون كل ما أحل
هللا زلفي هللا ..عجبي ..ولو أنهم تلقوا علوم الدين من علماء اإلخوان المسلمين أمثال الغزلي وسيد سابق ويوسف
القرضاوي ..وغيرهم لعرفوا حقيقة اإلسالم دين السماح والوسطية ووقتها أدركت تماما أنه ال طاقة لى بهذه
اللقاءات .وال شك أن رجال األمن كانوا يسجلون كل هذه المحاضرات ..
لجأت إلى الداعية اإلسالمي الشيخ صالح أبو إسماعيل من علماء األزهر وكان رحمه هلل قوي البنية يتمتع بطاقة
ال تفتر وال تضعف باإلضافة إلى فهم جيد لإلسالم ككل ..وإيجابية فريدة مع األحداث العامة ..ذهبت إليه في بيته
ورجوته أن يوالي هؤالء األوالد خشية أن يجهضوا الصحوة اإلسالمية ...أو يميلوا بها عن الوسطية اإلسالمية
فينفروا العامة والخاصة ويستعدوا الدولة بل يستعدون العالم كله ؟ فإذا به يقول لي :
لقد ذهبت أكثر من مرة إلصالح حال هؤالء الشباب ولكن يبدو أن ( األمن) لم يسترح لحضوري والتفاف الطلبة
حولي صلهم ال يريدون أحدا من اإلخوان المسلمين !!
أصبت بالحسرة ألن هذا العالم القوي المتمكن يستطيع أن يعدل المعوج ويضع ألمور في نصابها الصحيح بكفاءة
واقتدار ولست أنا بالطبع فأنا صغيرة وضعيفة وال طاقة لى بالجدل العقيم
علمت أن الغزالي يذهب إلى جامعة القاهرة من آن آلخر وأن األمن يضطرب ويشدد على الطلبة كما أنه ال
يرحب بوجود الغزالي ألن األوالد يلتفون حوله وهو ينتمي إلى جماعة اإلخوان المسلمين !! قلت في نفسي ى
خبل هذا يا رب ؟ هذا هو الرجل القدير الذي ال يخشي في هللا لومة الئم فهو أهل ثقة أمام التيار اإلسالمي وأمام
التاريخ ..وهو يملك أن يجبر هؤالء األوالد على االعتدال والتوسط والوعي الصحيح باإلسالم .قلت في نفسي من
هذا األحمق الجاهل الذي يصدر هذه األوامر الغاشمة التي تضر وال تنفع ؟؟
كنت شابة صغيرة وكانت ثقتي في أنور السادات كبيرة فهو الرئيس الذي رفع شعار الدولة ( العلم واإليمان)
وعبر خط برليف ونص هللا به األمة ..فأرسلت له عدة تلغرافات أدعوه إلى أن يصدر أوامره للقائمين على
التلفزيون في ذاك الوقت بنقل كافة الندوات التي يتحدث فيها الشيخ محمد الغزالي والشيخ صالح أبو إسماعيل
على أن تكون الندات يوميا لالستفادة من هذين الشيخين قبل رحيلهما ألنهما يملكان وسائل اإلقناع التي يمكنها
السيطرة على تفشي هذا التيار بين الشباب فتنجح الصحوة اإلسالمية وال تنقلب على أعقابها ...كنت مؤمنة أشد
اإليمان بقول رسول هللا صلي هللا عليه وسلم
(ال يحقرن أحدكم نفسه ..قالوا وكيف يحقر أحدنا نفسه يا رسول هللا ؟ قال يري أن هلل عليه مقاال ثم ال يقول فيه )
لذا رحت أبعث إليه بكل مالحظاتي وأقترح عليه الحلول التي أراها كمواطنة تستشعر معني الخالفة عن هللا في
أرضه ..وكنت أظن أن هذه التلغرافات تصل إلى الرئيس وأنه ال شك يدرسها وسيناقشها مع أتباعه وقد تغير من
سياسة وزارة الداخلية في التربص بالعلماء ..ولكن شيئا من هذا لم يحدث بل وصل األمر إلى إلغاء البرنامج
التلفزيون الذي كان يقدمه الشيخ صالح أبو إسماعيل تحت عنوان ( شريعة هللا ) والذي كان يشترك فيه نخبة
ممتازة من علماء مصر ومنهم الدكتور عبد الصبور شاهين ( أطال هللا في عمره ) ..ثم صدرت األوامر بمنع
الشيخ محمد الغزالي من الظهور على الشاشة !! حتى بت على يقين من أن هناك تيارا يعمل على اتساع الهوة
بين التيار اإلسالمي والسلطة وأن استمرار وجود هذا التيار الموالي لغير مصر مرهون بمدي خوف الحاكم على
كرسيه !! سبحان من له الدوام .
ثم تمادي القائمون على األمن بمصر في تخويف الرئيس الراحل أنور السادات حتى دخل قلبه الشك وبات مرتابا
وفقد الثقة في كافة االتجاهات فكان ما كان من إصدار األوامر باعتقال كافة التيارات الفكرية في مصر وقصف
أقالم المعارضين وإيقاف الموظفين ونقلهم إلى أماكن أخري بإيعاز ممن يحملون قلوبا حاقدة ونفوسا مريضة
فانتهزوا الفرصة وتحركت في داخلهم شهوة االنتقام ممن يعتقدون أنهم يشكلون خطرا عليهم ...وانتهي األمر
باغتيال السادات في /1981 10/6
ال أعرف لماذا أتفاءل بهذا الرجل ...يعجبني فيه الوفاء والصبر ..وضبط النفس ...والسيطرة على الغضب ..
وإحالة كافة المنازعات إلى القضاء ...كما أحس فيه برحابة الصدر والتواضع ..وال يحمل في قلبه ضغائن وال
أحقاد ..وعندما رأيته يداوم على وصل من قطعه ويبادر بالتودد إلى اإلخوة العرب ..بل والمصالحة مع الغرب
األوروبي والشرق األسيوي ..يدرك أهمية قول الحق تبارك وتعالي :
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند هللا أتقاكم إن هلل عليم
خبير ) حجرات 13
راح الرجل يحاول حفظ التوازن في وجه التقلبات البشرية والنعرات العنصرية ...يتصرف بهدوء وينصح
بإخالص ونفس طويل ..يجاهد من أجل إصالح ذات البين بين األشقاء العرب ويمد الوصل إلى أفريقيا بل
وروسيا ..يحاول وضع األمور في حجمها الصحيح وينطق باأللفاظ المحسوبة الخالية من الجنوح واألنانية وحب
الذات ..يعرف حجم نفسه فال يغتر ويركب رأسه فيضبط قراراته لكل هذا أيها األخ القارئ ظننت أن هذا العصر
هو األوان األمثل إلعادة النظر في سياسات القمع األمني والتربص باإلخوان المسلمين والعمل على قهرهم
ومحاوالت إبعادهم عن المشاركة في حكم البالد ...فإن اجتمع اإلخوان في أحد البيوت أو المنتديات أو النقابات ..
أو حتى في الجنازات طالعتنا الصحف بالعناوين المقيتة اآلتية :
-في ضربة جديدة لجماعة إلخوان المحظورة تم القبض على مائتين يجتمعون ليخططوا ..الخ -
-وجهت النيابة العامة االتهام للمتهمين المنضمين إلى جماعة سرية غير مشروعة وحيازة مطبوعات ومنشورات
إلى آخر هذه األخبار الكريهة التي تهز المرء من األعماق وتشعره بالظلم واالشمئزاز ..فالحكم هلل العلي القدير .
عندما يغتر اإلنسان ويطغي يستحل لنفسه ما يحرمه على اآلخرين !! وآتساءل مع المتسائلين
لماذا نرتضي ألنفسنا أن نجتمع ونتشاور ..ونتسامر ونقرر ..ونقبل ..ونرفض ويحرم ذلك على اآلخرين ؟؟ بل
ونعتبره جريمة تستحق العقاب !!
لماذا نعطي ألنفسنا حق التخطيط والتفكير في المستقبل والتنسيق في العمل ونحرم ذلك على آلخرين ؟ أليسوا
مواطنين ووطنيين مثلنا ؟؟ !
لماذا نستبيح ألنفسنا حق الترشيح واالنتخاب والمشاركة في الحكم ثم نمنع اآلخرين بالقهر ..والقمع ...والسجون
؟
لماذا نستحل االنفراد بإبداء الرأي والمشورة مادام لصالحنا ونغضب إذا هم غيرنا برأي آخر ؟
لماذا تغفرون لليهود كل ماضيهم الملطخ بالدماء وتتسولون منهم السالم تسوال تضيق به النفس العزيزة ..بل
وتهرولون إليهم أمال في كسب األرباح ؟؟
لماذا تتغاضون عن مواقفهم الماضية والحالية ..وتتناسون نواياهم وأطماعهم ( من النيل إلى الفرات ) في الوقت
الذي ال تغتفرون لإلخوان المسلمين مواقف اضطروا إلى اتخاذها لكثرة ضغوطكم عليهم ؟ وهللا يقول ( ال يحب
هللا الجهر بالسوء من القول إال من ظلم وكان هللا سميعا عليما ) النساء 148لماذا تستقبلون اإلخوان المسلمين
الذين غابوا عن مص سنين طويلة تحت وطأة القهر والظلم توقفوهم في المطارات والمواني أكثر من أربع
وعشرين ساعة للتفتيش ..والكشف عن أسمائهم المسجلة عندكم والبحث في أوراقهم ..وإذاللهم أمام أعين
زوجاتهم وأبنائهم ..في الوقت الذي تحسنون استقبال السائحين اليهود وترحبون بهم ..وال تعرضونهم للتفتيش أو
المساءلة ..في حين أنهم يأتون إلى بالدنا وقد حملوا معهم على األقل اإليدز ....
كيف باهلل عليكم سنلقي هللا ربنا ؟ وبأى وجه سنختصم إليه ؟؟؟
المواجهة
ثم لماذا ال نتوقع المواجهة القادمة مع اليهود المدججين بالسالح والحقد األسود والتأييد األمريكي ..والصمت
األوروبي ؟
لماذا ال نتوقع أننا سنصبح بين لحظة وأخري في أمس الحاجة إلى رجال مؤمنين يعشقون الموت في سبيل هللا ..
وال يخافون المواجهة ؟
أم كان همنا األول واألخير قتل النخوة واستبعاد معاني الجهاد في سبيل هلل ..ومحاربة الشباب المسلم في المساجد
والجامعات والنقابات حتى وزارة التربية والتعليم ألغت التاريخ اإلسالمي جملة وتفصيال لقتل معني الجهاد في
سبيل هللا إرضاء لما يسمي بثقافة السالم وليس أدل على ذلك مما فعلته وزارة التربية والتعليم بأن قامت بتهميش
التاريخ بجعله مادة اختيارية وكذلك الجغرافيا وخفض درجات اللغة العربية ليصبح اإلنسان المصري مستهدفا في
تاريخه ومكانه ولغته ذات األبعاد الثالثة البعد الديني ألنها لغة القرآن والبعد الوطني والبعد السياسي بما تربط بين
أبناء األمة العربية واإلسالمية لقد خلق إعالمنا جيال ال يعرف أن يشد الرحال إال لمباريات الكرة أو يشد الرحال
إلى ( ليالي التلفزيون ) حتى اقتلعنا من نفوس الشباب معاني الغيرة والنخوة ...فعبد الشيطان وعبد الشذوذ
واللذات المحرمة ..وعبد التعاطي بكافة أنواعه وعاله مظاهر الخنوثة والترف فضاع منه الهدف ..
ولم ال وقد تعمدنا في اإلعالم تمجيد كل رقيع وتلميع كل ساقط ...فخسفنا قيم االستقامة التي هي خير كرامة ..
وضيعنا قيم البطولة الحقة والرجولة والغيرة على حرمات هلل فلم نعد شبابا يعتز بدينه فيعزه هللا .
أما آن األوان أن ننتبه ..ونوقف هذا الحقد األسود على التيار اإلسالمي الذي رضخنا فيه ألوامر استعمارية حاقدة
..أما آن األوان ي نعتذر عن كل هذه الجرائم في حق التيار اإلسالمي ونرحب به ..بل ونتعاون معه وصدق هللا
العظيم إذ يقول :
(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر هللا وما نزل من الحق ) الحديد 16
أليس منكم رجل رشيد يقوم فيقول كما أمر رب العالمين ( ال تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن هللا مع
الصابرين ) األنفال 46
أيها الشباب المسلم في كل مكان دعونا نتصارح بقولة حق أرجو هللا أن تجد صدها في نفوسكم التي أحسبها
عامرة باإليمان وال أزكي على هللا أحدا ...وصلي هللا عليه وسلم ( الدين النصيحة ) رواه مسلم .
كثيرا ما حدثت نفسي عن الحكمة اإللهية من موقف أجهزة الدولة منكم ..وكثير ما طمئنت نفسي المهمومة
بقضايا اإلسالم والمسلمين بأنكم في حالتكم الراهنة ستدخلون الجنة بغير حساب ..إن شاء رب العالمين ألنكم
تبيتون كل ليلة صابرين أما الظلم والقهر واالستبعاد ..وكما تعلمون أن الجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة
بالشهوات ..أقول في نفسي ربما إذا انتصر اإلسالم والمسلمون في بالدنا لدخل هؤالء الشباب النار من أوسع
األبواب ! كيف ذلك ..فقد ينقلب الحال ويركبنا الغرور باهلل ونظن أننا أحباب هللا وأصفياؤه ونركن إلى هذا
االعتقاد ونطمئن به وربما تسلل الكبر والخيالء إلى قلوبنا فنتحول بين لحظة وأخري إلى قساة غالظ القلوب ال
نرحم وال نعذر ..بل ربما دخلنا العجب وفتنا بتديننا وبصالتنا وصيامنا ..وكثرة خطانا إلى المساجد فنقع في
مكر هلل قال عمر الفاروق صلي هللا عليه وسلم لو كنت احدي قدمي في الجنة وآلخري خارجها لما أمنت مكر هللا
)وقد ننزلق لما هو أكثر من ذلك فنعتبر رئيسنا هو الحاكم بأمر هللا ( ال يسأل عما يفعل وهم يسألون ) األنبياء 23
فننزلق إلى مآثم ومظالم ال يعلم مداها إال هللا .
فنسئ إلى ديننا وإلى أنفسنا ونصبح بين عشية وضحاها مثال سيئا أمام العالمين !! ولكم رأينا في التاريخ الماضي
والمعاصر حركة إسالمية علت وانتصرت وتمكنت فمارس القائمون عليها كل ألوان مراهقة السلطة وغطرستها
..فبطشت ( وإذا بطشتم جبارين ) الشعراء 30وطغت صلي هللا عليه وسلم إن من عبادي من إذا أعطيته أطغيته
وأصرت واستكبرت استكبارا فسالت الدماء أنهارا .
-أيها الشباب أراكم حريصين على االشتراك في حكم البالد ..فهل تدركون أن االشتراك في حكم البالد من أشد
الفتن ضراوة ومرارة !! ألنها أمانة وهي يوم القيامة خزي وندامة إال من أخذ بحقها وأدي الذي عليه فيها وفي
الحديث صلي هللا عليه وسلم ( الزعيم غارم) رواه حمد والشهاب .
-هل تعرفون أن المشاركة في حكم البالد تجعلكم أمام هللا وأمام التاريخ مسئولين مسئولية كاملة عما يقع للبالد
والعباد ؟!ّ حتى أن عمر بن الخطاب الخليفة العادل قال ( صلي هللا عليه وسلم ) لو تعثرت بغل بشط لعراق لسئل
عنها عمر لما لم تمهد لها الطريق يا عمر ؟
-هل تعلمون أن نبينا صلي هللا عليه وسلم قال ( ما من أمير عشيرة إال وهو يؤتي به يوم القيامة مغلوال حتى بفكه
العدل أو يوبقه ( أى يهلكه )الجور ( الظلم )ألسنا نؤمن بحديث سيد الخلق ( صلي هللا عليه وسلم ) كلكم راع
وكلكم مسئول عن رعيته ،اإلمام راع ومسئول عن رعيته ..الخ) وفي رواية فإن هللا سائلهم عما استرعاهم ).
وعنه أنه قال ( صلي هللا عليه وسلم ) أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام جائر )وقال سيد الخلق ( صلي هللا عليه
وسلم ) ( من واله هللا من أمر الناس شيئا فاحتجب عن حاجتهم وخلتهم ( ومصادقتهم ) وفاقتهم احتجب هللا عن
حاجته وخلته وفاقته )وقال ( صلي هللا عليه وسلم) ( ما من عبد يسترعيه هللا رعية يموت يوم يموت وهو غاش
لرعيته إال حرم هللا عليه الجنة)فهل أعددتم أنفسكم على هذا األساس من الحذر والحيطة والخوف من هللا ؟؟
أيها الشباب لنتأمل هذه اآليات البيانات من سورة البقرة حيث قال أحد أنبياء اليهود للمأل من بني إسرائيل
(وقال لهم نبيهم إن هللا قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أني يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت
سعة من المال قال إن هللا اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم وهلل يؤتي ملكه من يشاء وهللا واسع عليم )
البقرة 247يفهم من هذه اآليات البيانات أن وجهاء القوم من بني إسرائيل قد وقعوا في اإلثم حين اعترضوا
قائلين :أنهم أحق بالملك من طالوت ألنه ليس من األغنياء ...وهكذا رأوا أنفسهم أحق بالملك منه فرد عليهم نبيهم
بان هللا قد اصطفاه واختاره وزاده بسطة في العلم والجسم ..وهللا سبحانه وتعالي حر التصرف في االختيار وعلى
الرعية أن ترضي وليس لها أن تعترض على حكمه سبحانه ( ...تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء )...
آل عمران 26
أيها الشباب أراني في حاجة كي أذكركم ( وذكر فإن الذكري تنفع المؤمنين ) الذرايات قال رسول هللا ( صلي هللا
عليه وسلم ) في حجة الوداع ( :يا أيها الناس اتقوا هللا واسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع ما أقام
فيكم كتاب هللا عزوجل ) رواه أحمد ونذكر هذا الحديث الشريف ليتعلم الشباب أهمية طاعة الحاكم الذي اختاره
هللا لحكم البالد فإن األمور تجري بمقادير ..
أى بقدر هللا وقدرته وفي الحديث ( صلي هللا عليه وسلم ) السلطان ظل هللا في األرض فمن نصحه ودعا له فقد
اهتدي ،ومن دعا عليه ولم ينصحه ضل ) رواه الديلمي .
ولقد جعل هللا تعالي طاعة ولي األمر من طاعته وطاعة رسوله فقال تعالي ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللا
وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم ) النساء 59
وعن ابن عمر رضي هللا عنهما عن النبي صلي هللا عليه وسلم أنه قال ( صلي هللا عليه وسلم ( على المرء المسلم
السمع والطاعة فيما أحب وكره إال أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فال سمع وال طاعة ) متفق عليه ( إنما
الطاعة في المعروف ) البخاري
ونتذكر هذا الحديث الشريف لنردك أهمية طاعة الحاكم يقول ( صلي هللا عليه وسلم ( من أطاعني فقد أطاع هللا
ومن عصاني فقد عصا هللا ومن يطع ألمير فقد طاعن ،ومن عصي األمير فقد عصاني ) عن أبي هريرة .وهكذا
نري اإلسالم يقف بالمرصاد للفتن ما ظهر منها وما بطن ..ويحاول درئها وتجنبها حتى أن الذي يخالف هذه
األحاديث الشريفة ويسبب فتنا يقول فيه سيد الخلق ( صلي هللا عليه وسلم )
(من كره من أميره شيئ فليصبر ،فإنه من خرج عن السلطان شبرا مات ميتة جاهلية ) متفق عليه
وعن ابن عمر ( رضي هللا عنه عن النبي (صلي هللا عليه وسلم ) من خلع يدا من طاعة لقي هللا يوم القيامة وال
حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) رواه مسلم
وقال ( صلي هللا عليه وسلم ) ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار
أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ،قال :قلنا يا رسول هللا أفال ننابذهم .قال :ال .ما أقاموا
فيكم الصالة ،ما أقاموا فيكم الصالة ) رواه مسلم .
نقول وال ليستتب األمن في البالد ولتنتظم الحياة ولينمو المجتمع نموا مضطردا ..ولتنطفيء الفتن التي يستغلها
أعداء الوطن فيجهزوا علينا بسهول ونحن في غمرة النزاع المقيت ..لهذا قال صلي هللا عليه وسلم ( الفتنة نائمة
لعن هللا من أيقظها ) رواه الرافعي
فماذا يجب علينا إذا خالف الحاكم شرع هللا ،وشعر المحكوم بالظلم؟؟
سأل سلمة بن يزيد الجعفني رسول هللا ( صلي هللا عليه وسلم ) قال ( :يا نبي هللا ،أرأيت إن قامت علينا مراء
يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه ،ثم سأله ،فقال ( صلي هللا عليه وسلم ) اسمعوا وأطيعوا
فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم ) رواه مسلم وفي رواية ( فإن هللا سائلهم عما استرعاهم ) متفق عليه
وهكذا نري كل هذه األحاديث لدرء الفتن والحفاظ على سالمة القلوب ونجاة األوطان من المتربصين بها .
أيها الشباب .الحاكم هو أحوج خلق هللا إلى دعائكم وتقديم النصيحة الذكية المتأدبة فقد قال تعال لموسي وهارون
..
(اذهبا إلى فرعون إنه طغي .فقوال له قوال لينا لعله يتذكر أو يخشي )طه 44- 43وهذه اآلية تدل على أدب
النصيحة للحاكم ( ...والسلطان – كما قال صلي هللا عليه :ظل هللا في األرض من نصحه ودعا له فقد اهتدي
ومن دعا عليه ولم ينصحه ضل ) رواه الديلمي ولقد علمنا سيد الخلق كيف نقدم النصيحة للحاكم فقال ( من أراد
أن ينصح لسلطان بأمر فال يبده له عالنية ولكن ليأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك وإال كان قد أدي الذي عليه
( روه أحمد .
وفي هذا الزمان يصعب بل يستحيل االتصال بالحاكم لكثرة الجنود والحراس وتعقد األمور إذن فالذي يملك
النصيحة هم أصحاب األقالم والمنابر على أن ننتقي األلفاظ الخالية من الغلظ والفظاظة وإال اعتبرت النصيحة
إهانة وفضيحة ..فالنصيحة في العلن فضيحة كما في األثر كما أن رسول هللا صلي هللا عليه وسلم يقول ( من أهان
سلطان هللا في األرض أهانه هللا ) الترمذي .
العدل والقوة
هل تعلمون أيها الشباب أن العدل بين الناس من أصعب األمور على النفس البشرية خصوصا الحكام ألنهم غالبا
ما يكونون محاطين بفئات من البشر قل ما توصف به إنها كاتمة للحق لصالحها الشخصي ..فيصعب على الحاكم
أن يثبين الحقيقة بسهولة ويس بل عليه أن يعمل عقله وقلبه وحواسه كلها ويبث عيونه حتى يتبين له الغث من
الثمين ..لهذا قال رسول هللا صلي هللا عليه وسلم ( :سبعة يظلهم هللا بظله يوم ال ظل إال ظله :إمام عادل ...الخ)
متفق عليه .
بل لقد جعل هللا الحاكم العادل أرفع الناس يوم القيامة فقال صلي هللا عليه وسلم ( أن أرفع الناس يوم القيامة إمام
عادل ) أبو حنيفة .
وقال صلي هللا عليه وسلم ( إن المقسطين عند هللا على منابر ن نور ،الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا )
رواه مسلم .
ولقد جاء ذكر األمر بالعدل والقسط بين الناس في القرآن الكريم في سبع مواضع نذكر منها :
(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين هلل شهداء بالقسط وال يجرمنكم شنآن قوم على أال تعدلوا اعدلوا هو أقرب
للتقوي واتقوا هللا إن هللا خبير بما تعملون ) المائدة – 8ويقول تعالي ( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي )
األنعام 152
وقال سبحانه وتعالي ( قل أمر ربي بالقسط ) األعراف 25وقال جل شأنه ( :وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا
بالعدل )
وقال عز من قائل ( يا داوود إن جعلناك خليفة في األرض فاحكم بين الناس بالحق وال تتبع الهوي ) ص 26
القوة
يجب أن يعلم الشباب أن اإلسالم هو دين القوة والقدرة والمؤمن القوي في الحق هو قدر هللا الغالب .
يقول ( صلي هللا عليه وسلم ) المؤمن القوي خير وأحب إلى هللا من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) رواه مسلم .
وهللا سبحانه وتعالي ال يحب الضعفاء المستضعفين ..لذلك عني اإلسالم في المقام األول باختيار الحاكم متميزا
في كثير من الصفات ألننا نؤجره على قيادة السفينة التي نرجو لها النجاة ..
يقول تعالي ( :إن خير من استأجرت القوي األمين ) القصص 26وفي المقابل قل سيد الخلق ( صلي هللا عليه
وسلم ) ( اإلمام الضعيف عن الحق معلون ) أبو يعلي والقوة تكون في اإليمان باهلل فال يخشي أحدا سواه ..وفي
رجاحة العقل وقوة األعصاب والتحمل والصبر في الشدائد ..وقوة األبدان التي تمنح صحبها الشجاعة واإلقدام
مع حسن التوكل على هللا ..فال يضعف وال يجبن يقول ( صلي هلل عليه وسلم ) ( :شر ما في اإلنسان جبن هالع
..وشح خالع ) رواه أبو داود .
ويقول هللا تعالي ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فال تولوهم األدبار .
ومن يولهم يومئذ دبره إال متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من هللا ومأواه جهنم وبئس المصير )
ألنفال 16-15فالحاكم المؤمن القوي شجاع مقدام غير هياب في الحق ( يجاهدون في سبيل هللا وال يخافون لومة
الئم )المائدة 54والحاكم القوي يتحكم في انفعاالته وقراراته فال يندفع وال يتسرع وال يستثار بل يتميز بالصبر
والمصابرة والمرابطة يقول تعالي ( يا أيها الذين آمنوا اصبرو وصابروا ورابطوا واتقوا هللا لعلكم تفلحون )آل
عمران 200والنبي صلي هللا عليه وسلم يقول ( :ومن يتصبر يصبره هللا ...وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع
من الصبر ) متفق عليه ..ويقول تعالي في جزاء الصابرين ( :إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب ) الزمر
. 10
(وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم األمور ) آل عمران ( ،186وبشر الصابرين ) البقرة . 155
المواجهة
أيها الشباب المسلم في كل مكان ..لماذا يصفونكم األعداء واألحباب على حد سواء بالعنف والغلظة ؟؟
لماذا يخافونكم ويعتبرون مجيئكم إلى السلطة شر مستطير وتشدد وتضييق ال طاقة للناس بها؟؟
علم جيدا أن هذه األقوال افتراء محض من أعداء الدين الذين يتربصون بكم الدوائر ..ويوحون إلى الحكومات
بالحرص على اضطهادكم وتنحيتكم عن المشاركة السياسية والقيادية ولكن دعونا نتصارح لماذا انتشرت هذه
األفكار المخالفة لطبيعة الدين الحنيف ؟
ألم تعلموا جيدا أن اإلسالم هو دين الرحمة والتسامح والرفق الجميل ..والسعة والمرونة ..وتعدد اآلراء ..
واحترام جميع الملل والنحل حتى المشركين ؟ !!
دعاة ال قضاة
دعاة ال قضاة ..عنوان كتاب ألفه اإلمام حسن الهضيبي مرشد اإلخوان المسلمين في أواخر الستينيات بين فيه
مهمة الداعي إلى هللا والذي يجب أن يحرص على أن يكون دعوته خالصة لوجه هللا وليس من مهامه متابعة
التنفيذ أو الحكم على من دعاهم ..فهذا متروك هلل سبحانه وتعالي ..وكان هذا الكتاب ردا حاسم كتبه في سجنه
وقصد به شكري مصطفي ) وجماعته الذين أطلقوا عليهم جماعة التكفير والهجرة ) وكانوا يسمون أنفسهم جماعة
الدعوة إلى اإلسالم ) وكانوا يرون ن اإلسالم دعوة ومتابعة فمن أخذ بالدعوة كان بها ومن لم يأخذ بها دخل في
دائرة التكفير ..ورغم أن ( شكري مصطفي ) كان واحدا من اإلخوان المسلمين ودعوة اإلخوان المسلمين دعوة
صريحة وبسيطة وممكنة ال تشدد فيها وال تنطع إال أن شكري مصطفي رفع صوته بدعوته هذه وهو في المعتقل
واستطاع أن يستقطب إليه مجموعة من الشباب المتحمس ..وكان البد من أن يصدر اإلمام الهضيبي كتاب (
دعاة ال قضاه )الذي أصدره في السجن ومضمونه يظهر في عنوانه ..إننا دعاه إلى هللا على بصيرة وال نملك حق
محاسبة الناس وال حق تكفيرهم ، ..حسابهم على هللا .
وأعود فأقول إن رحابة اإلسالم وجماله وسهولته ال تقر الدعوة إليه بالتضييق من مساحة الحالل وتحريم كل ما
أحله هللا من مباهج الدنيا وزينتها طالما كانت في حدود شرع هللا .
يقول تعالي ( قل من حرم زينة هللا التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا
خالصة يوم القيامة )األعراف 32
وقال ( :يا بني خذوا زينتكم عند كل مسجد ) األعراف 31وعند كل مسجد أى في كل بقعة من بقاع ألرض
قياسا على ما قاله سيد الخلق صلي هللا عليه وسلم ( :جعلت لى األرض مسجدا وطهورا )
فإذا ما عبرتم عن رأيكم بحدة وغلظة عندئذ تكونون قد خالفتم أمر هللا القائل ( :ادع إلى سبيل ربك بالحكمة
والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) النحل . 125
وقال تعالي ( :خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين )األعراف 119
وقال جل شأ،ه ( وال تسبوا الذين يدعون من دون هللا فيسبوا هلل عدوا بغير علم ) األنعام 108ويقول في كتابه
الكريم ( :ال يحب هللا الجهر بالسوء من القول إال من ظلم وكان هللا سميعا عليما ) 148النساء .
ويقول تعالي ( :وال تجادلوا أهل الكتاب إال بالتي هي أحسن إال الذين ظلموا منهم ) العنكبوت 46
نحن نتمني ليال ونهارا ن يسمح للتيار اإلسالمي المستنير بالمشاركة في حكم البالد ..ونرجو هلل العلي القدير أن
ينجح هذا التيار اإلسالمي في تقديم ولو نموذج واحد للمسلم القوي المستنير اليقظ المتفوق علميا وعقليا ..والعظيم
في عدله ...الكريم في سماحته وعفوه ..الوطيد في عالقته بمواله ..العادل في معاملة الحلق ...كل الخلق بال
استثناء ..الصبور رحب الصدر طويل البال واسع األفق ..نريد مثال واحدا لهذه الجماعة ..
-هل سعيتم لتتفوقوا وتقودوا البشرية وصوال بأهلها إلى واحة السالم العادل والشامل ؟
أدب الخالف
أيها الشباب يجب أن تسلموا بأن االختالف سنة من سنن هلل الكونية فكما تختلف ألسنتنا وتختلف أشكالنا وتختلف
بصماتنا ..حتى بصمة الصوت مختلفة ومستقلة وأثبت العلم أن لكل إنسان بصمة في أنفاسه تختلف عن غيره
كذلك تختلف آراؤنا ..وهكذا أقام هللا العبد فيما أراد ..يقول تعالي في محكم آياته ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة
واحدة وال يزالون مختلفين .إال من رحم ربك ولذل خلقهم ) هو 118 -119قال جل شأنه ( :ولو شاء ربك آلمن
من في األرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) يونس 99
وهكذا ال يجب أن يفسد الود بين الناس اختالف الرأي بل يجب أن ندرب نفسنا على قبول الرأي والرأي اآلخر
وأن نتعلم كيف نجادل بالتي هي أحسن وكيف نقدم مبدئ اإلسالم بيسر وهدوء إلى اآلخرين ..ومتي نتحدث ؟
ومتي نصمت ؟ وأن نبتعد عن الجدل العقيم والمماراة المقيتة يقول ( صلي هللا عليه وسلم ) عندما دخل ذات يوم
على أربعة من أصحابه ( أبي الدرداء )و( أبي أمامة ) و( وائل بن األسقع ) و (أنس بن مالك ) فوجدهم جالسين
يتجادلون ويتمارون ( أى يتناقشون ) وعلى الرغم من أن جدلهم كان في شئ من مر الدين إال أنه غضب غضبا
شديدا ثم قال صلي هللا عليه إنما هلك من كان قبلكم بهذا ( يقصد الجدل والمماراة ثم قال (صلي هللا عليه وسلم )
ذروا المراء لقلة خيره ..ذروا المراء فإن المؤمن ال يماري ..ذروا المراء فإن المماري قد تمت خسارته .
وذروا المراء فكفي بك إثما أال تزال مماريا ..ذروا المراء فإن المماري ال أشفع له يوم القيامة ..ذروا المراء فأنا
زعيم بثالث أبيات في الجنة ..في رياضها ووسطها وأعالها لمن ترك المراء وهو صادق .ذروا المراء فإن أول
ما نهاني عنه ربي بعد عبادة األوثان المراء )
وأري من المناسب أن نذكر قول اإلمام الشافعي رضي هللا عنه ( :ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ إن رأيي
صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب )
الغلو والتنطع
هل اعتدلتم ويسرتم على أنفسكم وعلى الناس حتى ال تكونوا معسرين منفرين متنطعين يقول تعالي في كتابه
الكريم ( يريد هللا بكم اليسر وال يريد بكم العسر ) البقرة . 158
وعن أبي موسي ( رصي هللا عنه ) وعن محمد بن أبي برده أن أبيه وجده ) ( 53 /141أن رسول هللا صلي هللا
عليه وسلم قال ( يسروا وال تعسروا بشروا وال تنفروا وتطاوعا وال تختلفا ) رواه مسلم .
وعن ابن عباس عن رسول هللا صلي هللا عليه وسلم إياكم والغلو في الدين فإن هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين
) رواه أحمد والنسائي .
وعن ابن مسعود قال ( صلي هللا عليه وسلم ) هلك المتنطعون قالها ثالثا) رواه مسلم .
عن أبي هريرة ( رضي هللا عليه ) عن النبي صلي هللا عليه وسلم قل ( :إن الدين يسر ولن يشاد الدين احد إال
غلبه فسددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشئ من الدلجة ،القصد القصد تبلغوا ) رواه البخاري .
الوسيطة واالعتدال
يقول تعالي ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) البقرة . 143
يفهم من هذا التوجيه اإللهي ن على المؤمنين أن يتوسطوا في كل شئ ال إفراط وال تفريط. 0
قال ( صلي هللا عليه وسلم ) ( إن هللا يحب أن تقبل رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه ) رواه الطبراني .
وقال ( صلي عليه وسلم) الهوا والعبوا فإني أكره أن يكون في دينكم غلظة ) البيهقي .
وقال ( صلي هللا عليه وسلم ( خير األمور أوساطها ) البيهقي .
وصدق هللا العظيم حين قال ( :وابتغ فيما آتاك هللا الدار اآلخرة وال تنس نصيبك من الدنيا ) القصص 77
وكما حلل هللا الزينة والتزين فقد أباح المرح والفرح واللهو البرئ للتخفيف من قسوة الحياة فقال ( صلي هللا عليه
وسلم ) دقوا الطبول وأعلنوا الفرحة ليعلم يهود أن في ديننا فسحة ) أبو داود .
عن ابن عباس وعلى رضي هلل عنهما أن النبي صلي هللا عليه وسلم قال ( روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن
القلوب إذا كلت عميت ) أى إذا أجهدت ..لم تتبين الخطأ من الصواب .
وقال صلي هللا عليه وسلم ( روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد ) أبو داود .
فال يجب التمادي في تحريم مساحة الحالل ألن نبينا صلي هللا عليه وسلم قال ( :إن محرم الحالل كمحلل الحرام
) الشهاب .
وعنه صلي هللا عليه وسلم ( أال أنبئكم بالفقيه كل الفقه؟ قالوا :بلي يا رسول هلل قال :من لم يقنط الناس من رحمة
هللا وال يؤمنهم من مكر هللا وال يدع القرآن رغبة عن سواه أال ال خير في عبادة ليس فيها تفقه وال علم ليس فيه
تفهم وال قراءة ليس فيها تدبر الديلمي .
وفي األثر قال صلي هللا عليه وسلم ( بعثت بالسيف واللين فوجدت اللين أشد قطعا من السيف"وعلى الذين يدعون
أصحاب المعاصي ان يرفقوا بهم ألن الحق غاب عنهم فضلوا وأضلوا لذا يجب الرفق بهم يقول صلي هللا عليه
وسلم ( إن الرفق ال يكون في شئ إال زانه ،وال نتزع من شئ إال شانه ) رواه مسلم .
وقل صلي هللا عليه وسلم ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ) رواه مسلم وعن عائشة رضي هللا عنها قالت ( ما
خير رسول هللا صلي هللا عليه وسلم ) بين أمرين قط إال أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما ،فإن كان إثما كان أبعد
الناس منه وما انتقم رسول هللا صلي هللا عليه وسلم لنفسه في شئ قط إال أن تنتهك حرمة هللا فينتقم هلل تعالي )
متفق عليه .
ويقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي إن بعض اإلخوة يخلطون بين الصراحة والحق والخشونة في األسلوب
مع أنه ال تالزم بينهما والداعية الحكيم هو الذي يوصل الدعوة إلى غيره بألين الطرق وأرق العبارات دون أدني
تفريط في المضمون .
وصدق هللا العظيم إذ يقول لنبيه ( فبما رحمة من هللا لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب النفضوا من حولك ) آل
عمران . 159
ثم تعالوا أيها الشباب نحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا رب العالمين ..
أين أنتم أيها الشباب المسلم من مرآة حق الوالدين لطالما تلقيت شكاوي األمهات واآلباء عبر الهاتف أو عن طريق
الخطابات و المقابالت الشخصية لكم رأيت األمهات حزينات مكلومات الفؤاد من أبنائهم المتدينين الذين يعاملون
األهل بالخشونة والتصلت ..نري الواحد منهم إذا تدين فأطلق لحيته ولبس الجلباب وبدت الزبيبة في رأسه كلما
جلست العائلة لمتابعة مسلسل تلفزيوني أو أغنية ترفيهية أو فيلما سينمائي فبدال من أن يشاركهم الجلسة العائلية
ويلحظ بنور قلبه مواطن الخلل األخالقي المقصود أو غير المقصود فينبه عائلته بإخالص وصدق ويحذرهم برفق
من مغبة سلوك بعض األشخاص في سياق الدراما ..نراه يقطع عليهم لذة المشاهدة ويغلق التلفاز بعصبية مقيتة
ويغلظ القول للجميع باسم اإلسالم فينفر الجميع ويدفعهم هذا التصرف المتعنت إلى التصرف سرا دون علمه ..
إلى آخر هذه المواقف الصغيرة في حجمها الكبيرة في آثارها النفسية ما هكذا تكون الدعوة إلى هللا يا بني كان من
األجدر أن تنساب بينهم وتحببهم في هللا ورسوله ..وتنبههم بالسياسة والكياسة أن يتدربوا على التمييز بين الغث
والثمين ويحسنوا اختيار ما يمكن مشاهدته من الترفيه النظيف والفن الرفيع الراقي ..
األمية
ثم تعالوا إلى لنتساءل عن مهمة غابت عنكم منذ أمد بعيد ..أين نتم من المشاركة اإليجابية مع حاجيات المجتمع
أين نتم من ( مشكلة األمية ) وهي من أكبر مشكل الدول العربية واإلسالمية وهي أول ما نزل به وحي السماء
إلى سيد الخلق في دينكم ماذا فعلتم من األعمال التطوعية للقضاء على هذه الظاهرة المشينة ..؟ أين تقضون
إجازة الصيف ؟
لو أن المجتمع شعر بدوركم في مشكلة محو األمية فقط الكتسبتم ثقة الشعب وثقة الحكومة ..ألن اإلسالم ليس
كالما واشتغاال بعيوب اآلخرين ولكن اإلسالم عطاء وإيثار ..يقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه الصحوة
اإلسالمية بين الجحود والتطرف ( يا شباب اإلسالم ،ال تتقوقعوا على أنفسكم تاركين الشعب وهم آباؤكم
وأمهاتكم وإخوانكم وأرحامكم ..انزلوا إلى الشعب واختلطوا به وعيشوا في همومه وشاركوه متاعبه ،اربتوا
على أكتاف المهمومين ،امسحوا دموع اليتامي ،ابتسموا في وجوه البائسين ،خففوا الحمل عن كواهل المتعبين
أغيثوا الملهوفين أجبروا كسر المكسورين داووا جراح القلوب الحزينة بموقف عملي أو بكلمة طيبة أو بسمة
صادقة ... ،إن القيام عبادة رفيعة القدر إن كل عمل اجتماعي نافع يعده اإلسالم عبادة من أفضل العبادات )
فهل رأيناكم أيها الشباب المسلم حيث أرادكم هللا في مواقف خيرة متجاوبة مع حاجيات المجتمع ؟؟ ال أظن ذلك ..
أعجبني رأي قله لى المهندس إبراهيم سيد كريم .وهو دارس لعلم قديم حديث هو أثر اإلشكال والزوايا على
نفسية اإلنسان وروحه المعنوية وصحته العامة ..قال لى يوما ما ( إذا أردت أن تنهي العداوة بينك وبين أحد من
الناس ..فابدئي بنفسك انزعي الغل وعدم الرضا من صدرك ..وقومي بالدعاء لهذا العدو بالهداية والتوفيق ..
وعندئذ ستخرج منك إشعاعات طيبة كريمة تتجه إلى هذا اإلنسان حيثما كان فتهد من غلوائه ويستريح ويهد
ويبادلك نفس هذه اإلشعاعات وحينئذ تنتهي هذه العداوة بفضل هللا تعالي والرجل لم يقل كالما غريبا ..ألن هللا
تعالي قال في محكم آياته ( ادفع بالتي هي أحسن فإذ الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم .وما يلقاها إال الذين
صبروا وما يلقاها إال ذو حظ عظيم ) فصلت . 35- 34
يجب ان ندرك ونشعر جيدا أن الهوة شاسعة بين الحب والبغض ..كما يجب أن نعي جيدا أن أعداء الوطن لن
يتمكنوا من القضاء علينا إال إذا بذروا بذور الحقد والكراهية بين الشعب والحكومة ..عندئذ يسهل ابتالعنا حيث
ال ينفع الندم وال تغني الحسرة ..
يجب ن نكون على يقين من أن مشاعر الحب والثقة والتعاون إذا سادت المجتمعات العربية واإلسالمية نظر هللا
إلينا بعين الرضا وبارك لنا في أمتنا والنبي عليه الصالة والسالم قال ( يد هللا مع الشريكين ما لم يتخاونا فإن
تخاونا رفع هللا يده عنهما ) أى تركهما ( الشعب والحكومة ) للشيطان وحزبه وألن هللا يبغض التشاحن والتنازع
قال سيد الخلق ( صلي هللا عليه وسلم ) ( يطلع هللا عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إال
اثنين :مشاحن وقاتل نفس ) ابن ماجة وقال صلي هللا عليه وسلم من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه )
قال رسول هللا صلي هللا عليه وسلم ( تعر ض األعمال في كل اثنين وخميس فيغفر هللا لكل امرئ ال يشرك باهلل
شيئا إال امرءا كانت بينه وبين أخيه شحناء ،فيقول ك اتركوا هذين حتي يصطلحا ) رواه مسلم .
وقال تعالي ( :وال تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن هللا مع الصابرين ) األنفال . 46
وقال تعالي ( واعتصموا بحبل هللا جميعا وال تفرقوا واذكروا نعمت هللا عليكم إذ كنتم عداء فألف بين قلوبكم
فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين هللا لكم آياته لعلكم تهتدون ) آل
عمرن . 102
من الذي يبدأ بهذه الخطوة من الذي يجب عليه أن يبدأ بهذه الخطوة ؟؟ الدولة؟؟ أم نتم يا من تلبسون ثوب الدين
واإليمان ؟؟ أقول لكم من مقام األمومة أوال ثم من مقام الخوف على األمة ثانيا ..أنتم ..نعم أنتم أيها الشباب
المسلم الذي يجب عليه أن يمد يده بالصلح واألمان والسالم النفسي .بل بالحب والتقدير والتعاون على البر
والتقوى وإصالح ذات البين .
ولن يتم ذلك بين يوم وليلة ولكن بشئ من الصبر والمثابرة والعمل المتقن والحرص على التقدم العلمي
والتكنولوجي والنبوغ فيه والعمل على تنمية المجتمع وحل مشاكله ..حتى نعين حكامنا وحكوماتنا النامية التي ال
ولن تصل إلى مستوي الدول المتقدمة إال بإخالصكم وتفانيكم ..مدو أياديكم لحكوماتكم وحكامكم ..اجعلوهم
يطمئنون إلخالصكم حتى يتفرغوا لمسئولياتهم التي تنوء عن حملها الجبال شدوا على أياديهم بالمحبة واإليثار
والعطاء بال حدود ..دعوا ألمن ورجاله كي يتفرغوا لمحاصرة الفساد واإلجرام ..بدال من أن يبذل الجهد والمال
في تتبعكم ومحاربتكم ودعوهم يطمئنون لحسن نواياكم حتى ينهضوا بمهامهم الرئيسية فينضبط المجتمع ونتخلص
من وباء المخدرات وتجار الجنس والبلطجة ..وانتبهوا أيها الشباب واعلموا أن النزاع بين األمن والتيار
اإلسالمي من فعل أعداء الوطن فال تقعوا في هذا الفخ اللعين ..أفيقوا أيها الشباب المسلم وكونوا على يقين من أن
رجال األمن والشرطة ما هم إال إخوانكم ولكنهم يعانون أشد المعاناة من جميع أشكال سلبيات المجتمع التي تقع
على عاتقهم ..أعانهم هللا ..
ايها الشباب ..إذا أصبح الواحد منا مسئوال عن أسرة فإن الحمل ثقيل ..فإذا اضطرته األيام إلى تحمل مسئولية
أسرة ثانية أو ثالثة كظرف وفاة أو غيره ..كان العبء ال يحتمل ورح الفرد منا يفكر ويدبر ويحار بالليل والنهار
فما بالكم بالحكام الذين يحملون مسئولية البالد والعباد سواء كانت مسئولية الحفاظ على الوطن من طمع الطامعين
وغدر الجبارين ..و مسئولية إطعام الشعب وشرابه وكسائه وتوفير السكن بكل مشتقاته من مباني ومجاري
وكهرباء وشوارع ومواصالت ..ثم مسئولية توفير فرص التعليم ثم التوظيف ..إلى آخر هذه المسئوليات لو
تصورنا حجم هذه المسئوليات ..فال أقل من أن ندعو هللا لحكامنا ونمد أيدينا إليهم ونأخذ بيد أنفسنا وأهلنا
ومجتمعنا حتى نخفف العبء عليهم ونكون أمام هللا قد أدينا واجبنا تجاه الحاكم والوطن وتجاه رب العالمين من
قبل ومن بعد .
أسباب النصر
خصوصا في هذه األيام العجاف التي تتربص فيها بكم إسرائيل وتتحين الفرصة لتحقق عقيدتها في أرض الميعاد
وتساندها أمريكا مساندة الحبيب لحبيبه وتؤيدها وتسكت عن جرائمها بريطانيا سكوت اللئام على مائدة األيتام بعد
أن زرعت في قلب العرب إسرائيل هذا النوع من البشر الذين لعنهم هللا فقال ( :لعن الذين كفروا من بني إسرائيل
على لسان داوود وعيسي ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون .كانوا ال يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما
كانوا يفعلون )المائدة 79- 78
وقال تعالي ( :لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين
قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ونهم ال يستكبرون ) المائدة 82
ويقول تعالي ( :وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها هللا يسعون في
األرض فسادا وهللا ال يحب المفسدين ) المائدة 64
وهكذا أيها الشباب بين يوم وليلة وجدنا هؤالء الملعونين الذين ال يتناهون عن أنواع المنكرات والمظالم
والمؤمنين بضراوة ويعملون على إشعال نار الحروب أينما كانوا ويسعون في نشر الفساد على مستوي العالم
مزروعين في أرض فلسطين .قلب العروبة !!
-فهل أعددتم أنفسكم لهذه المواجهة القادمة بالعلم والتكنولوجيا المتطورة لحظة بلحظة ؟؟
-هل تدربتم على الدفاع عن أنفسكم أو قتال العدو إن تجاسر على قتالكم ؟
-هل أطعتم هللا وأذعنتم ألوامره حين قال لكم ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن ربط الخيل ترهبون به عدو
هللا وعدوكم وآخرين من دونهم ال تعلمونهم هللا يعلمهم ) األنفال 60
-نعم نحن ندعو إلى السالم ولكن هللا تعالي قال ( وقاتلوا في سبيل الذين يقاتلونكم وال تعتدوا إن هللا يحب المعتدين
) البقرة 190
وفي إحدي خطب النبي صلي هللا عليه وسلم ( :ال تتمنوا لقاء العدو واسألوا هللا العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا
واعلموا أن الجنة تحت ظالل السيوف ثم قاال اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم األحزاب اهزمهم
وانصرنا عليهم ) متفق عليه
إن النصر بيد هلل وحده ال شريك له ..ولكن له شروط إن التزمنا بها نصرنا هللا( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا هللا
ينصركم ويثبت أقدامكم )محمد 7:
-ما معني نصر هللا ؟ هل رب العالمين في حاجة إلى نصرنا له سبحانه ؟ ال إن نصر هللا معناه االستجابة التامة
والكاملة ألوامره ونواهيه ..بل الترحيب واإلقبال واللهفة على مرضاته سبحانه ..إنه يحب أن يري عباده
ساجدين مخبتين صالحين ..
-فعالين للخيرات مقيمين حدود هللا في أنفسهم وفي الناس ..مجتهدين محترفين ( إن هللا يحب العبد المحترف )
روه أحمد متقنين ألعمالهم ..قلوبهم نقية وألسنتهم زكية وأياديهم طاهرة ونواياهم خيرة يقيمون شرع هللا في البالد
والعباد ..صابرين محتسبين ..عاملين على حسن الخالفة هلل في أرضه ( ..إني جاعل في األرض خليفة ) البقرة
30
الصبر ..الصبر
ال يجبل علينا أن نستدرج لقتال إسرائيل إال في الضرورة القصوي ذلك ألننا دعاة سالم إذا سولمنا ،وإن جنحوا
للسلم جنحنا وإن أرادوا القتال قاتلنا .
والحق معنا ما دمنا نؤمن باهلل ونستجيب له فإن هللا ناصرن إذا خذنا بكل األسباب وهللا تعالي يقول ( كم من فئة
قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن هللا وهللا مع الصابرين ) البقرة 249
فالبد من الصبر واالصطبار وإعداد العدة بهمة وإخالص والبد أن نكون يدا واحدة وقلبا واحدا حتى ال يستغل
عدونا اختالف قلوبنا ..كما يجب أال ننسي أننا كنا في يوم ما دولة عظمي مترامية األطراف وقت كنا بكلياتنا مع
هللا فكان هللا معنا فلو عدنا لسابق عهدنا شملتنا هذه اآليات المبشرات ( إن ينصركم هللا فال غلب لكم ) آل عمران :
16
(وإنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم األشهاد )
وكما بدأت هذا الكتاب أختمه بنفس اآلية الكريمة التي تبشر بتغيير الحال ( عسي هللا أن يجعل بينكم وبين الذين
عاديتم منهم مودة وهللا قدير وهللا غفور رحيم ) الممتحنة 7:صدق هللا العظيم