You are on page 1of 412

‫الكتاب ‪ :‬أيسر التفاسير لكلم العلي الكبير‬

‫نسخة موافقة للمطبوع‬


‫المؤلف ‪ :‬جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري‬
‫الناشر ‪ :‬مكتبة العلوم والحكم‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‬
‫الطبعة ‪ :‬الخامسة‪1424 ،‬هـ‪2003/‬م‬
‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مكتبة المدينة الرقمية‬
‫‪http://www.raqamiya.org‬‬
‫[ الكتاب موافق للمطبوع ‪ ،‬ومعه حاشيته المسماة نهر الخير على أيسر‬
‫التفاسير ]‬

‫تعالى وهو أن كل حادث يحدث في هذا العالم قد سبق به علم ال وتقديره له فحدد ذاته وصفاته‬
‫وأعماله ومآله إلى جنة أو إلى نار‪ ،‬إن كان إنسانا أو جانا وليس هناك شيء يحدث بدون تقرير‬
‫سابق له وعلم تام به قبل حدوثه‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا َأمْرُنَا إِلّا وَاحِ َدةٌ كََلمْحٍ بِالْ َبصَرِ}‪ 1‬يخبر تعالى‬
‫عن قدرته كما أخبر عن علمه بأنه تعالى إذا أراد إيجاد شيء في الوجود لم يزد على أمرٍ واحد‬
‫وهو كن فإذا بالمطلوب يكون كما أراد تعال أزلً أن يكون‪ ،‬وبسرعة كسرعة لمح البصر الذي‬
‫عكُمْ} أي أمثالكم في‬
‫هو نظرة سريعة‪ .‬وقوله تعالى وهو يخاطب مشركي قريش {وََلقَدْ َأهَْلكْنَا أَشْيَا َ‬
‫الكفر والعصيان أي من المم السابقة { َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ} أي متذكر متعظ معتبر قبل فوات الوقت‬
‫شيْءٍ َفعَلُوهُ} أي أولئك‬
‫وحصول المكروه من العذاب في الدنيا وفي الخرة‪ .‬وقوله تعالى { َو ُكلّ َ‬
‫المشركون { فِي الزّبُرِ} أي في كتب الحفظة من الملئكة الكرام الكاتبين‪ ،‬وكل صغير وكبير من‬
‫أعمالهم وأعمال غيرهم بل كل حادث ٍة في الكوان هي مسطرة في اللوح المحفوظ كتاب المقادير‪.‬‬
‫وقوله تعالى {إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّاتٍ‪ 2‬وَ َنهَر} هذا الخبار يقابل الخبار الول أن المجرمين في‬
‫ضلل وسعر فالول إعلم وتحذير وترهيب وهذا إخبار وبشرا وترغيب حيث أخبر أن المتقين‬
‫الذين اتقوا ربهم فلم يشركوا به ولم يفسقوا عن أمره إنهم في جنات بساتين ذات قصور وحور‪،‬‬
‫وأنهار وأشجار هم جالسون في مقعد صدق ‪ 3‬في مجلس حق ل لغو يسمع فيه ول تأثيم يلحق‬
‫جالسه عند ‪ 4‬مليك أي ذي ملك وسلطان مقتدر على ما فعل كل ما يريده سبحانه ل إله إل هو ول‬
‫رب سواه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪( 1‬إل واحدة) أي‪ :‬مرة واحدة (كلمح البصر) أي‪ :‬قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر‪،‬‬
‫واللمح‪ ،‬النظر بعجلة‪ ،‬يقال لمحه وألمحه‪ :‬إذا أبصره بنظر خفيف‪.‬‬
‫‪ 2‬قرأ في غير السبع ونهر بضم النون والهاء جمع نهار أي ل ليل لهم كسحاب وسحب قال‬
‫الفراء‪ :‬أنشدني بعض العرب‪:‬‬
‫إن تلك ليلً فإني نهر‬
‫متى أرى الصبح فل أنتظر‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫لول الثريدان هلكنا بالضحى‬
‫ثريد ليل وثريد بالنهر‬
‫‪( 3‬مقعد صدق) قال القرطبي‪ :‬أي‪ :‬مجلس حق ل لغو فيه ول تأثيم وهو الجنة‪ ،‬والعندية هنا‬
‫عندية القربى والزلفى والمكانة والرتبة العالية والمنزلة الشريفة في جوار أرحم الراحمين ورب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫‪( 4‬مليك) أبلغ من ملك وهو بمعنى‪ :‬مالك‪ ،‬و(مقتدر) أبلغ من قادر‪ ،‬والتنكير في مليك‪ ،‬ومقتدر‪:‬‬
‫للتعظيم‪.‬‬
‫م ‪ 8‬أيسر التفاسير (المجلد الخامس‬

‫( ‪)5/221‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان مصير المجرمين وضمنه تخويف وتحذير من الجرام الموبق للنسان‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير عقيدة القضاء والقدر‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير أن أعمال العباد مدونة في كتب الكرام الكاتبين ل يترك منها شيء‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير أن كل صغيرة وكبيرة من أحداث الكون هي في كتاب المقادير اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان مصير المتقين مع الترغيب في التقوى إذ هي ملك المر وجماع الخير‪.‬‬
‫‪ -6‬ذكر الجوار الكريم وهو مجاورة ال رب العالمين في الملكوت العلى في دار السلم‪.‬‬

‫( ‪)5/222‬‬

‫سورة الرحمن‬
‫‪...‬‬
‫سورة الرحمن ‪1‬‬
‫مكية‬
‫وآياتها ثمان وسبعون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حسْبَانٍ( ‪)5‬‬
‫س وَا ْل َقمَرُ بِ ُ‬
‫شمْ ُ‬
‫حمَنُ (‪ )1‬عَلّمَ ا ْلقُرْآنَ (‪ )2‬خَلَقَ الْإنْسَانَ (‪ )3‬عَّلمَهُ الْبَيَانَ (‪ )4‬ال ّ‬
‫الرّ ْ‬
‫ط َغوْا فِي ا ْلمِيزَانِ (‪)8‬‬
‫سمَاءَ َر َف َعهَا وَ َوضَعَ ا ْلمِيزَانَ (‪ )7‬أَلّا َت ْ‬
‫جدَان (‪ )6‬وَال ّ‬
‫وَالنّجْمُ وَالشّجَرُ َيسْ ُ‬
‫خلُ‬
‫ض َعهَا لِلْأَنَامِ (‪ )10‬فِيهَا فَا ِكهَ ٌة وَالنّ ْ‬
‫ط وَل ُتخْسِرُوا ا ْلمِيزَانَ (‪ )9‬وَالْأَ ْرضَ وَ َ‬
‫سِ‬‫وََأقِيمُوا ا ْلوَزْنَ بِا ْلقِ ْ‬
‫صفِ وَالرّ ْيحَانُ (‪ )12‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)13‬‬
‫حبّ ذُو ا ْل َع ْ‬
‫ذَاتُ الَْأ ْكمَامِ (‪ )11‬وَا ْل َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى البيهقي في شعب اليمان عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪ ":‬لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن" وذكره صاحب التقان كذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/222‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الرحمن ‪:‬اسم من أسماء ال تعالى‪.‬‬
‫علم القرآن ‪:‬أي علم من شاء من عباده القرآن‪.‬‬
‫خلق النسان ‪:‬آدم كما خلق ذريته أيضا‪.‬‬
‫علمه البيان ‪:‬أي علم آدم البيان الذي هو النطق والعراب عما في النفس بلغة من اللغات كل هذا‬
‫تعليم ال عز وجل ولو ل ال ما نطق إنسان‪.‬‬
‫الشمس والقمر بحسبان ‪:‬أي يجريان بحساب معلوم مقدر في بروجهما ومنازلهما‪.‬‬
‫والنجم والشجر يسجدان ‪:‬النجم مال ساق له من النبات‪ ،‬والشجر ماله ساق يسجدان يخضعان ل‬
‫تعالى بما يريد منهما في طواعية كالسجود من المكلفين‪.‬‬
‫والسماء رفعها ‪:‬أي فوق الرض وأعلها‪.‬‬
‫ووضع الميزان ‪:‬أي أثبت العدل بين العباد أمر به وألهم صنع آلته‪.‬‬
‫أل تطغوا في الميزان ‪:‬أي لجل أن ل تجوروا في الميزان وهو ما يوزن به من آلت‪.‬‬
‫وأقيموا الوزن بالقسط ‪:‬أي بالعدل‪.‬‬
‫ول تخسروا الميزان ‪:‬أي ل تنقصوا الموزون الذي تزنونه بل وفوه‪.‬‬
‫والرض وضعها للنام ‪:‬أي أثبتها وخفضها كما رفع السماء وأعلها للنام لحياة النام عليها وهم‬
‫النس والجن والحيوان وكل ذي روح‪.‬‬
‫فيها فاكهة والنخل ذات الكمام ‪:‬أي في الرض فاكهة وهي كل ما يتفكه به النسان من أنواع‬
‫الفواكه الكثيرة‪ ،‬والنخل ذات الكمام وهي أوعية طلعها‪.‬‬
‫والحب ذو العصف ‪:‬أي وفي الرض الحب من ب ٍر وشعير وعصفه تبنه‪.‬‬
‫والريحان ‪ :‬نبت معروف‪ ،‬والمراد به أنواع الرياحين المشمومة ذات الريح الطيب‪.‬‬
‫فبأي آلء ربكما تكذبان ‪:‬أي فبأي نعم ربكما يا معشر الجن والنس تكذبان وهي كثيرة ل تعد ول‬
‫تحصى‪ .‬والجواب ل بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد‪.‬‬

‫( ‪)5/223‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫حمَنُ‪ 1‬عَلّمَ ا ْلقُرْآنَ‪ }2‬يخبر تعالى أنه هو الرحمن الذي علم نبي محمد صلى ال‬
‫قوله تعالى {الرّ ْ‬
‫عليه وسلم القرآن ل كما يقول المبطلون إنما يعلمه بشر‪ .‬الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء‬
‫وهي متجلية ظاهرة فيما يعدد من آلء ونعم‪ .‬منها خلقه النسان آدم وذريته‪ ،‬وتعليمهم البيان وهو‬
‫حسْبَانٍ}‪ 3‬يجريان لفادة الناس في معرفة أوقات‬
‫س وَا ْل َقمَرُ بِ ُ‬
‫شمْ ُ‬
‫النطق والبانة عما في نفوسهم‪{ .‬ال ّ‬
‫سجُدَانِ} والنجم غذاء بهائمكم‬
‫عباداتهم‪ ،‬وآجال ديونهم وهي مظاهر الرحمة‪{ ،‬وَالنّجْ ُم وَالشّجَرُ يَ ْ‬
‫سجُدَانِ} خضوعا ل بما أراد منهما ل يعصيان كما يعصي‬
‫والشجر فيه فاكهتكم وبعض غذائكم {يَ ْ‬
‫الثقلن‪ .‬والسماء رفعها عن الرض ولم يلصقها بالرض إنعاما منه على الثقلين في رفعها‬
‫وتزينها بكواكبها وشمسها وقمرها‪َ { ،‬و َوضَعَ ا ْلمِيزَانَ‪ }4‬أي العدل حيث أمر به وآلهم وضع آلته‬
‫وغرز في النفوس حبه والرغبة فيه‪ ،‬من أجل أل تجوروا في الميزان‪{ ،‬وََأقِيمُوا ا ْلوَزْنَ بِا ْلقِسْطِ}‬
‫بالعدل‪{ ،‬وَل تُخْسِرُوا ا ْلمِيزَانَ} أي ل تنقصوه إذا وزنتم بل وفوه كل هذا إنعام وألوان من رحمات‬
‫الرحمن‪ .‬والرض وضعها للنام أي أثبتها وخفضها ودحاها لحياة النام‪ .‬وهم النس والجان‬
‫خلُ ذَاتُ الَْأ ْكمَامِ} أي أوعية الطلع‪ ،‬والحب البر والشعير ذو العصف ‪5‬‬
‫والحيوان‪{ ،‬فِيهَا فَا ِكهَ ٌة وَالنّ ْ‬
‫أي التبن والريحان هذه أنواع الطعام للنسان والحيوان طعام وفاكهة وريحان كل هذه مظاهر‬
‫الرحمة التي أفاضها الرحمن‪.‬‬
‫{فَبَِأيّ آلءِ ‪6‬رَ ّب ُكمَا} يا معشر الجن والنس { ُتكَذّبَانِ}‪ .‬ل بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الرحمن مثل اسم ال ل يصح أن يطلق على غير الرب تبارك وتعالى‪ ،‬فيقال فلن عزيز أو‬
‫رحيم أو عليم أو حكيم‪ ،‬ولكن ل يقال رحمان‪ ،‬كما ل يقال إله أو الله أو ال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اختير اسم الرحمن دون سائر السماء اللهية لمور منها‪ :‬أنه السم الذي كان المشركون‬
‫ينكرونه‪ ،‬ومنها الرد على الزاعمين أن الرسول صلى ال عليه وسلم يعلمه بشر فأخبر تعالى أن‬
‫الرحمن هو الذي علم القرآن‪ ،‬ومنها‪ :‬أن يكون في هذا الخبر براعة استهلل إذ السورة تعدد‬
‫عشرات النعم‪ ،‬ومصدره الرحمن عز وجل‪.‬‬
‫‪( 2‬علم القرآن) هذا الخبر عن الرحمن‪ ،‬و (خلق النسان) خبر ثان و (علمه البيان) خبر ثالث‪ ،‬و‬
‫(الشمس والقمر بحسبان ) خبر رابع‪ ،‬والرابط تقديره بحسبانه‪ ،‬فالضمير عائد على الرحمن‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ 3‬الحسبان‪ :‬مصدر حسب بمعنى‪ :‬عد كالغفران‪ :‬مصدر غفر والباء للملبسة‪.‬‬
‫‪ 4‬أصل الميزان‪ :‬اسم آلة الوزن‪ ،‬والوزن‪ :‬تقدير تعادل الشياء‪ ،‬وضبط مقادير ثقلها‪ ،‬و(وضع)‬
‫بمعنى‪ :‬جعل ومنه الحديث‪ " :‬فضعها حيث أراك ال" أي‪ :‬اجعلها‪.‬‬
‫‪ 5‬سمي التبن عصفا‪ :‬لن الريح تعصف به لخفته‪.‬‬
‫‪ 6‬الفاء للتفريع على ما تقدم من ضروب النعم العظيمة‪.‬‬

‫( ‪)5/224‬‬

‫‪ -2‬ورد في الصحيح في فضل تعلم القرآن وقوله صلى ال عليه وسلم خيركم من تعلم القرآن‬
‫وعلمه‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب إقامة العدل والتواصي به‪ ،‬ومراقبة الموازين لدى التجار وإصلح فاسدها‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب شكر ال على آلئه‪.‬‬
‫‪ -5‬استحباب قول ل بشيء من آلئك ربنا نكذب فلك الحمد عند سماع قراءة فبأي آلء ربكما‬
‫تكذبان‪.‬‬
‫‪ -6‬مشروعية تعلم علم الفلك لمعرفة القبلة ومواقيت الصلة والصيام والحج‪.‬‬
‫خلَقَ ا ْلجَانّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (‪ )15‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا‬
‫خََلقَ الْأِنْسَانَ مِنْ صَ ْلصَالٍ كَا ْلفَخّارِ (‪ )14‬وَ َ‬
‫ُتكَذّبَانِ (‪َ )16‬ربّ ا ْلمَشْ ِرقَيْنِ وَرَبّ ا ْل َمغْرِبَيْنِ (‪ )17‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )18‬مَرَجَ الْ َبحْرَيْنِ‬
‫يَلْ َتقِيَانِ (‪ )19‬بَيْ َن ُهمَا بَرْزَخٌ ل يَ ْبغِيَانِ (‪ )20‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪َ )21‬يخْرُجُ مِ ْن ُهمَا الّلؤُْلؤُ‬
‫جوَارِ ا ْلمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلم (‪)24‬‬
‫وَا ْلمَرْجَانُ‪ )22( 1‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )23‬وَلَهُ ا ْل َ‬
‫فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)25‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫خلق النسان من صلصال ‪:‬أي خلق آدم من طين يابس يسمع له صلصلة كالفخار وهو ما طبخ‬
‫من الطين‪.‬‬
‫كالفخار‬
‫وخلق الجان من مارج من نار ‪:‬أي أبا الجن من لهب النار الخالص من الدخان وهو مختلط أحمر‬
‫وأزرق وأصفر‪.‬‬
‫رب المشرقين ورب المغربين ‪:‬أي مشرق الشتاء‪ ,‬مشرق الصيف أي مطلع طلوع الشمس فيهما‪.‬‬
‫وكذا المغربين في الصيف والشتاء‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اختلف في تحديد كل من اللؤلؤ والمرجان‪ ،‬فمن قائل‪ :‬اللؤلؤ كباره والمرجان صغاره‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫المرجان‪ :‬الخرز الحمر‪ ،‬وقيل‪ :‬المرجان‪ :‬عظام اللؤلؤ وكباره‪.‬‬

‫( ‪)5/225‬‬

‫مرج البحرين يلتقيان ‪:‬أي أرسل البحرين العذب والملح يلتقيان في رأي العين‪.‬‬
‫بينهما برزخ ل يبغيان ‪:‬أي بينهما حاجز ل يبغى أحدهما على الخر فيختلط به‪.‬‬
‫يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ‪:‬أي يخرج من مجموعها الصادق بأحدهما وهو الملح اللؤلؤ‬
‫والمرجان وهو خرز أحمر‪ ,‬وهو صغار اللؤلؤ‪.‬‬
‫وله الجوار المنشئات في البحر ‪:‬أي السفن المحدثات في البحر كالعلم أي كالجبال عظما‬
‫وارتفاعا‪.‬‬
‫كالعلم‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في ذكر ما أفاض الرحمن جل جلله من رحمته التي وسعت كل شيء من‬
‫آلء ونعم ل تحصى ول تعد ول تحصر فقال تعالى {خَلَقَ الْإ ْنسَانَ} أي الرحمن الذي تجاهله‬
‫المبطلون وقالوا‪ :‬وما الرحمن؟ الرحمن الذي خلق النسان آدم أول إنسان خلقه ومن أي شيء‬
‫خلقه {في صَ ْلصَالٍ} أي من طين ذي ‪ 1‬صلصلة وصوت {كَا ْلفَخّارِ} خلق النسان‪ ،‬وخلق الجان‬
‫وهو عالم كعالم النسان خلق أصله من مارج وهو ما مرج واختلط من لهب النار‪ .‬فبأي يا معشر‬
‫الجن والنس {آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ} إن نعم تفوق عد النسان من رب المشرقين ورب المغربين من‬
‫خلقهما من ملكهما من سخرهما لفائدة النسان؟ إنه الرحمن فبأي آلء ربكما تكذبان ‪2‬؟ ل بشيء‬
‫من آلئك ربنا نكذب فلك الحمد‪ .‬الرحمن مرج البحرين ‪ 3‬الملح والعذب أرسلهما على بعضهما‬
‫فمرجا‪ .‬كأنهما اختلطا إذ جعل بينهما برزخا حاجزا فهما ل يبغيان فل يختلط أحدهما بالثاني‪،‬‬
‫فبأي آلء ربكما تكذبان؟ يخرج منهما ‪ 4‬اللؤلؤ والمرجان من خلق في مجموع البحرين اللؤلؤ‬
‫والمرجان وهما خرز أبيض وأحمر وأخضر ولفائدة من خلقهما الرحمن؟ إنها لفائدة النسان إذا‬
‫جوَارِ} أي ‪ 5‬للرحمن‬
‫هما نعمة ورحمة من رحمات الرحمن { فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُت َكذّبَانِ} {وََلهُ الْ َ‬
‫الجوار المنشآت المصنوعات في البحر في أحواض السفن كالعلم علوا وارتفاعا تظهر في‬
‫البحر كما تظهر الجبال في البر لمصلحة من خلقها الرحمن لمصلحة النسان فهي إذا رحمة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الصلصال‪ :‬الطين اليابس‪ ،‬والفخار‪ :‬الطين المطبوخ‪ ،‬ويسمى الخزف وجائز أن يكون كالفخار‬
‫في محل نصب حال من النسان أي‪ :‬خلقه من صلصال فصار النسان كالفخار في لونه‬
‫وصلبته‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام هنا‪ :‬للتوبيخ على ترك الشكر‪.‬‬
‫‪ 3‬المرج‪ :‬الرسال كقولهم‪ :‬مرج الدابة‪ :‬أرسلها ترعى في المرج‪ .‬والمعنى‪ :‬أرسل البحرين بحيث‬
‫ل يحبس ماؤهما عن الجري ول عن اللتقاء ببعضهما البعض‪ ،‬ومع هذا فقد جعل بينهما برزخا‪،‬‬
‫وهو الفاصل الذي يفصل الماء الملح الجاج عن العذب الفرات‪ .‬هذه مظاهر القدرة والعلم‬
‫الموجبة للتوحيد والشكر بالطاعة‪.‬‬
‫‪ 4‬جائز أن تكون من في منهما‪ :‬للسببية نحو‪( :‬وما أصابك من سيئة فمن نفسك) وجائز أن تكون‬
‫للبتداء وهو الظهر‪.‬‬
‫‪ 5‬الجوار‪ :‬صفة لموصوف محذوف وهو السفن أي‪ :‬وله السفن الجوار في البحر‪ ،‬وجمع الجوار‬
‫جارية‪.‬‬

‫( ‪)5/226‬‬

‫الرحمن ونعمته على النسان فبأي آلء ربكما يا معشر النس والجن تكذبان؟ أقروا واعترفوا‬
‫واشكروا الرحمن‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أصل خلق النسان والجان فالول من طين لزب ذي صلصال كالفخار والثاني من‬
‫مارج من نار وأخبر الرسول صلى ال عليه وسلم أن خلق الملئكة كان من نور‪1.‬‬
‫‪ -2‬معرفة مطالع الشمس ومغاربها في الشتاء والصيف وهما مطلعان ومغربان‪.‬‬
‫‪ -3‬معرفة صناعة اللؤلؤ والمرجان‪ ,‬والسفن التي هي في البحر كالجبال علوا وظهورا‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب شكر الرحمن على إنعامه على النس والجان‪.‬‬
‫جهُ رَ ّبكَ ذُو ا ْلجَللِ وَالِْأكْرَامِ (‪ )27‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)28‬‬
‫ُكلّ مَنْ عَلَ ْيهَا فَانٍ (‪ )26‬وَيَ ْبقَى وَ ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ ُكلّ َيوْمٍ ُهوَ فِي شَأْنٍ (‪ )29‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )30‬سَ َنفْ ُرغُ‬
‫يَسْأَلُهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫طعْتُمْ أَنْ تَ ْنفُذُوا‬
‫ن وَالْأِنْسِ إِنِ اسْ َت َ‬
‫َلكُمْ أَ ّيهَا ال ّثقَلنِ (‪ )31‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )32‬يَا َمعْشَرَ الْجِ ّ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ فَا ْنفُذُوا ل تَ ْنفُذُونَ إِلّا بِسُ ْلطَانٍ (‪ )33‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)34‬‬
‫مِنْ َأقْطَارِ ال ّ‬
‫شوَاظٌ مِنْ نَا ٍر وَنُحَاسٌ فَل تَنْ َتصِرَانِ (‪ )35‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)36‬‬
‫سلُ عَلَ ْي ُكمَا ُ‬
‫يُرْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫كل من عليها فان ‪:‬أي كل من على الرض من إنسان وحيوان وجان فانٍ أي هالك‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الحديث في صحيح مسلم‪.‬‬
‫( ‪)5/227‬‬

‫ويبقى وجه ربك ‪:‬أي ذاته ووجه سبحانه وتعالى‪.‬‬


‫ذو الجلل والكرام ‪:‬أي العظمة والنعام على عباده عامة والمؤمنين بخاصة‪.‬‬
‫يسأله من في السموات والرض ‪:‬أي يسألونه حاجاتهم التي تتوقف عليها حياتهم من الرزق والقوة‬
‫على العبادة‪ .‬والمغفرة للذنب‪ ،‬والعزة من الرب‪.‬‬
‫كل يوم هو في شأن ‪:‬أي كل وقت هو في شأن‪ :‬شؤون يبديها وفق تقديره لها يرفع أقواما ويضع‬
‫آخرين‪.‬‬
‫سنفرغ لكم أيها الثقلن ‪: 1‬أي لحسابكم ومجازاتكم بعد انتهاء هذه الحياة الدنيا ونجزي كلً بما‬
‫عمل‪.‬‬
‫إن استطعتم أن تنفذوا ‪:‬أي إن قدرتم على أن تخرجوا‪.‬‬
‫من أقطار السموات والرض ‪:‬أي من نواحي السموات والرض‪.‬‬
‫فانفذوا ل تنفذون إل بسلطان ‪:‬أي فاخرجوا‪ .‬ل تنفذون إل بقوة ول قوة لكم وهذا تعجيز لهم‪.‬‬
‫يرسل عليكما شواظ من نار ‪:‬أي من لهب النار الخالص الذي ل دخان فيه‪.‬‬
‫ونحاس ‪:‬أي دخان ل لهب فيه‪ ،‬ول يبعد أن يكون نحاسا مذابا‪.‬‬
‫فل تنتصران ‪:‬أي ل تمتنعان من السوق إلى المحشر‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في ذكر أيادى الرحمن الرحيم قال عز من قائل { ُكلّ مَنْ عَلَ ْيهَا ‪ 2‬فَانٍ} كل‬
‫ن وذوي روح وحيوان فانٍ‪ :‬هالك‪ ،‬ل تبقى له روح ول ذات‪،‬‬
‫من على الرض من إنسان وجا ٍ‬
‫ل وَالْإكْرَامِ} حي ل يموت والنس والجن يموتون فبأي ألء ربكما ‪4‬‬
‫{وَيَ ْبقَى ‪َ 3‬وجْهُ رَ ّبكَ ذُو ا ْلجَل ِ‬
‫تكذبان أبنعمة إيجادكما وإمدادكما بالرزاق والخيرات طوال الحياة أم بنعمة إنهاء أتعابكما‬
‫وتكاليفكما أم بإهلك أعدائكما‪ ،‬وإدنائكما من النعيم المقيم في جنات النعيم‪ ،‬قولوا خيرا لكم ل‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ}‪5‬‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫بشيء من آلئك ربنا نكذب فلك الحمد‪ .‬وقوله {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل في النس والجن‪ :‬الثقلن لنهما أثقل وأتعبا بالتكاليف‪.‬‬
‫‪ 2‬الضمير عائد إلى الرض وإن لم يجر لها ذكر نحو (توارت بالحجاب)‪ .‬لن المقام دال عليها‪.‬‬
‫‪ 3‬أطلق لفظ الوجه وأريد به ذات الرب تعالى جريا على عرف العرب في كلمهم إذ يطلقون‬
‫الوجه على الذات والوجه معا‪ ،‬وعنى (فان) أي‪ :‬صائر إلى الفناء‪.‬‬
‫‪ 4‬جائز أن يكون الفناء نعمة ل تدرك فلذا صح إيراد جملة‪( :‬فبأي آلء ربكما تكذبان) وأي نعمة‬
‫أعظم من انتهاء هذه الحياة بكل ما فيها للنتقال إلى الحياة الدائمة حيث الخلد والبقاء فهي لهل‬
‫السعادة نعمة توجب أعظم الشكر‪.‬‬
‫حمِلُونَ ا ْلعَرْشَ‬
‫‪ 5‬السؤال‪ :‬الدعاء فالملئكة يسألونه تعالى أن يغفر للذين آمنوا وهو قولهم {الّذِينَ َي ْ‬
‫حمَةً‬
‫شيْءٍ رَ ْ‬
‫س ْعتَ ُكلّ َ‬
‫ح ْمدِ رَ ّبهِ ْم وَ ُي ْؤمِنُونَ بِهِ وَيَسْ َتغْفِرُونَ لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا وَ ِ‬
‫حوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِ َ‬
‫َومَنْ َ‬
‫عدْنٍ الّتِي وَعَدْ َتهُمْ‬
‫خ ْلهُمْ جَنّاتِ َ‬
‫غفِرْ لِلّذِينَ تَابُوا وَاتّ َبعُوا سَبِيَلكَ َو ِقهِمْ عَذَابَ ا ْلجَحِيمِ‪ ،‬رَبّنَا وَأَدْ ِ‬
‫وَعِلْما فَا ْ‬
‫جهِمْ وَذُرّيّا ِتهِمْ}‪.‬‬
‫َومَنْ صَلَحَ مِنْ آبَا ِئهِ ْم وَأَ ْزوَا ِ‬

‫( ‪)5/228‬‬

‫أي يطلبونه بلسان القال أو الحال ما هم في حاجة إليه مما يحفظ وجودهم ويغفر ذنوبهم وقوله‬
‫تعالى { ُكلّ َي ْومٍ ُهوَ فِي شَأْنٍ} أي ل يفرغ الدهر كله يدبر أمر السماء والرض يرفع أقواما ويضع‬
‫آخرين‪ .‬وقول الرحمن {‪1‬سَ َنفْرُغُ َلكُمْ أَ ّيهَا ال ّثقَلنِ} من النس والجن فنحاسبكما ونجزيكما‬
‫محسنكما بالحسان وسيئكما بالسوء والخسران‪ ،‬وهذا يوم تقومان للرحمن‪ ،‬حفاة عراة وتقفان بين‬
‫يديه للحكم فيكما والقضاء بينكما فبأي آلء ربكما تكذبان أبالعدل في الحكم بينكما أم بإسعاد‬
‫صالحيكما واشقاء مجرميكما‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫طعْتُمْ أَنْ تَ ْنفُذُوا} أي تخرجوا {مِنْ َأ ْقطَارِ ال ّ‬
‫ن وَالْأِنْسِ إِنِ اسْ َت َ‬
‫وقول الرحمن {يَا ‪َ 2‬معْشَرَ الْجِ ّ‬
‫وَالْأَ ْرضِ } أي من جوانبهما وأطرافهما {فَا ْنفُذُوا} أي اخرجوا هاربين من قضائي وحكمي لكما‬
‫وعليكما ل تنفذون إل بقوة قاهرة غالبة ول قوة لكم ول سلطان هكذا يتحداهما الرحمن وهم‬
‫يساقون إلى ساحة فصل القضاء فبأي آلء ربكما تكذبان؟ أبنعمة إحيائكما بعد موتكما أم بنعمة‬
‫إكرام صلحائكما و إهانة فاسديكما وهي العدالة التي ل رحمة ول نعمة في الحياة الدنيا تساويهما‪.‬‬
‫شوَاظٌ} أي لهب النار الخالص من الدخان‪ ،‬ونحاس وهو دخان خالص‬
‫سلُ عَلَ ْي ُكمَا ُ‬
‫وقوله تعالى {يُرْ َ‬
‫فل تنتصران هذا إن أردتما الفرار من عدالتي وعدم الذعان لقضائي وحكمي فيكما‪ .‬فبأي آلء‬
‫ربكما تكذبان؟ أبعظمة ربكم وقوة سلطانه أم برحمة مولكم ولطفه بكم اللهم ل شيء من آلئك‬
‫نكذب ربنا و لك الحمد‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان جلل ال وعظمته وقوة سلطانه‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان عجز الخلئق أمام خالقها عز وجل‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب حمد ال تعالى وشكره على السراء والضراء‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬التفرغ للمر‪ :‬كناية عن الشتغال به والعناية به دون غيره و (الثقلن) تثنية ثقل‪ ،‬وهل سمي‬
‫النسان ثقل لنه محمول على الرض الصحيح أن النسان والجن سميا بالثقلين لثقالهما‬
‫بالتكاليف من باب تسمية الشيء بعمله كتسمية العصفور طائر لنه يطير‪.‬‬
‫‪ 2‬المعشر‪ :‬اسم للجمع الكثير الذي يعد عشرة دون آحاد‪.‬‬

‫( ‪)5/229‬‬

‫سمَاءُ َفكَا َنتْ وَ ْر َدةً كَالدّهَانِ (‪ )37‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )38‬فَ َي ْومَئِذٍ ل يُسَْألُ عَنْ‬
‫شقّتِ ال ّ‬
‫فَإِذَا ا ْن َ‬
‫س وَل جَانّ (‪ )39‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ُ )40‬يعْ َرفُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَ ُيؤْخَذُ‬
‫ذَنْبِهِ إِنْ ٌ‬
‫جهَنّمُ الّتِي ُيكَ ّذبُ ِبهَا ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪)43‬‬
‫بِال ّنوَاصِي وَالَْأقْدَامِ (‪ )41‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )42‬هَ ِذهِ َ‬
‫حمِيمٍ آنٍ (‪ )44‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)45‬‬
‫يَطُوفُونَ بَيْ َنهَا وَبَيْنَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫فإذا انشقت السماء ‪ :‬أي انفتحت أبوابا لنزول الملئكة إلى الرض لتسوق الخلئق إلى المحشر‪.‬‬
‫فكانت وردة كالدهان ‪:‬أي السماء محمرة احمرار الديم أو الفرس الحمر وذابت فكانت كالدهان‬
‫في صفائها وذوبانها‪.‬‬
‫فيومئذ ل يسأل عن ذنبه إنس ول جان ‪:‬أي يوم يخرجون من قبورهم ل يسألون عن ذنوبهم لما‬
‫لهم من علمات كاسوداد الوجوه وبياضها‪ ،‬ويسألون عند الحساب‪.‬‬
‫يعرف المجرمون بسيماهم ‪:‬أي سواد الوجوه وزرقة العيون‪.‬‬
‫فيؤخذ بالنواصي والقدام ‪:‬أي تضم ناصية المجرم إلى قدميه ويؤخذ فيلقى في جهنم‪.‬‬
‫هذه جهنم التي يكذب بها ‪:‬أي يقال لهم توبيخا وتبكيتا هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون في‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫المجرمون ‪:‬أي الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي‪.‬‬
‫يطوفون بينها وبين حميم آن ‪:‬أي يسعون مترددين بينها وبين ماء حار قد انتهت حرارته إلى حد‬
‫ل مزيد عليه وهو الحميم الن يسقونه إذا عطشوا واستغاثوا يطلبون الماء لرواء غلتهم العطشة‪.‬‬

‫( ‪)5/230‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في عرض أحوال القيامة وأهوال الموقف فقال جل جلله وعظم سلطانه‪:‬‬
‫سمَاءُ} أي تفتحت لنزول الملئكة فكانت أبوابا بعد أن احمرت وتغيرت زرقتها‬
‫ش ّقتِ ال ّ‬
‫{فَإِذَا انْ َ‬
‫لحمرة كحمرة الديم الحمر أو الفرس الحمر أو الوردة الحمراء كل ذلك صالح لتشبيه لونها به‬
‫وذابت فكانت كالدهان كما جاء وصفها في سورة المعارج يوم تكون السماء كالمهل‪ .‬وهو درديٌ‬
‫الزيت وعكره‪ .‬فيومئذ أي ‪ 1‬يوم إذ يقع هذا يعظم الكرب ويشتد البلء ويخرج الناس من قبورهم‬
‫ل يسأل عن ذنبه إنس ول جان أي أنسيً ول جني فبأي آلء ربكما تكذبان؟ وقوله تعالى { ُيعْ َرفُ‪2‬‬
‫ا ْلمُجْ ِرمُونَ بِسِيمَا ُهمْ} أي باسوداد وجوههم وزرقة أعينهم فيؤخذ بالنواصي والقدام أي فيجمع‬
‫الملك المكلف النس أو الجن المجرم بين ناصيته وقدميه ويأخذه فيرمي به في نار جهنم فبأي‬
‫آلء ربكما تكذبان أبنعمة العدالة أم بنعمة إكرام المتقين الصالحين‪ .‬قولوا ل بشيء من آلئك ربنا‬
‫نكذب فلك الحمد‪.‬‬
‫جهَنّمُ} أي يقال لهم توبيخا وتبكيتا هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون على‬
‫وقوله تعالى {هَ ِذهِ َ‬
‫أنفسهم بالشرك والمعاصي في الحياة الدنيا قال تعالى { َيطُوفُونَ} أي ‪ 3‬يسعون مترددين {بَيْ َنهَا‬
‫حمِيمٍ‪ 4‬آنٍ} أي ماء حار اشتدت حرارته فبلغت حدا ل مزيد عليه يسقونه إذا استغاثوا من‬
‫وَبَيْنَ َ‬
‫العطش‪ .‬فبأي آلء ربكما تكذبان؟ إن خزي المجرمين وتعذيبهم نعمة تقربها الفطرة البشرية ول‬
‫يقدرها إل من ذاق طعم الخوف والعذاب الذي ينزله المجرمون بالمتقين فلذا كان تعذيبهم يوم‬
‫القيامة نعمة‪ ،‬كما أن هذا العرض لحوال يوم القيامة وأهوالها نعمة إذ عليه آمن المؤمنون واتقى‬
‫المتقون‪ ،‬فلذا قال تعالى بعد وصف حال أهل النار فبأي آلء ربكم تكذبان؟‪5‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان النقلب الكوني وخراب العالم للقيامة‪.‬‬
‫‪ -2‬يبعث الناس من قبورهم ولهم علمات تميزهم فيعرف السعيد والشقي‪.‬‬
‫‪ -3‬التنديد بالجرام وهو الشرك والظلم والمعاصي‪.‬‬
‫__________‬
‫سمَاء‪ }...‬الخ‬
‫ش ّقتِ ال ّ‬
‫س وَل جَانّ} جواب الشرط {فَِإذَا انْ َ‬
‫‪ 1‬جملة‪{ :‬فَ َي ْومَئِذٍ ل ُيسَْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْ ٌ‬
‫وجملة‪{ :‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ} معترضة بين الشرط والجواب‪.‬‬
‫س وَل جَانّ}‬
‫‪ 2‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عن قوله‪ { :‬فَ َي ْومَئِذٍ ل ُيسَْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْ ٌ‬
‫والسيما‪ :‬العلمة‪.‬‬
‫‪ 3‬المعنى‪ :‬أنهم يتنقلون بين مكان النار وبين الماء الحار فإذا أصابهم حر النار طلبوا البرد فلح‬
‫لهم الماء فأتوه فأصابهم حره فانصرفوا إلى النار وهكذا حالهم تطواف بين النار والحميم‪.‬‬
‫‪( 4‬آن) اسم فاعل من أنى يأني فهو آنٍ‪ :‬إذا اشتدت حرارته وبلغت منتهاها في الحر‪.‬‬
‫‪ 5‬وجائز أ‪ ،‬يكون تكريرا للتقرير والتوبيخ كنظائره‪.‬‬

‫( ‪)5/231‬‬
‫وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ (‪ )46‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪َ )47‬ذوَاتَا َأفْنَانٍ (‪ )48‬فَبَِأيّ آلءِ‬
‫رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)49‬‬
‫فِي ِهمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (‪ )50‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )51‬فِي ِهمَا مِنْ ُكلّ فَا ِكهَةٍ َزوْجَانِ (‪ )52‬فَبَِأيّ‬
‫ق وَجَنَى الْجَنّتَيْنِ دَانٍ (‪ )54‬فَبَِأيّ‬
‫آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )53‬مُ ّتكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ َبطَائِ ُنهَا مِنْ إِسْتَبْ َر ٍ‬
‫طمِ ْثهُنّ إِنْسٌ قَبَْلهُ ْم وَل جَانّ (‪ )56‬فبَِأيّ آلءِ‬
‫آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )55‬فِيهِنّ قَاصِرَاتُ الطّ ْرفِ َلمْ يَ ْ‬
‫رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )57‬كَأَ ّنهُنّ الْيَاقُوتُ وَا ْلمَرْجَانُ (‪ )58‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪َ )59‬هلْ جَزَاءُ‬
‫حسَانِ إِلّا الِْأحْسَانُ (‪ )60‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)61‬‬
‫الْأِ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ولمن خاف مقام ربه جنتان ‪:‬أي ولمن خاف الوقوف بين يدي ال في عرصات القيامة فآمن واتقى‬
‫جنتان‪.‬‬
‫ذواتا أفنان ‪:‬أي أغصان من شأنها أن تورق وتثمر وتمد الظل‪.‬‬
‫فيهما من كل فاكهة زوجان ‪:‬أي من كل ما يتفكه به من أنواع الفواكه صنفان‪.‬‬
‫بطائنها من استبرق ‪:‬أي بطائن الفرش من استبرق وهو ما غلظ من الديباج والظهائر من السندس‬
‫وهو مارق من الديباج الذي هو الحرير‪.‬‬
‫وجنى الجنتين دان ‪:‬أي وما يجنى من ثمار الجنة دان قريب التناول يناله القائم والقاعد‪.‬‬
‫فيهن قاصرات الطرف ‪:‬أي قاصرات النظر بأعينهن على أزواجهن فقط‪.‬‬
‫لم يطمثهن إنس قبلهم ول جان ‪:‬أي لم يفتضهن قبل أزواجهن إنس ول جان‪.‬‬

‫( ‪)5/232‬‬

‫كأنهن الياقوت والمرجان ‪:‬أي كأنهن في جمالهن الياقوت في صفائه والمرجان اللؤلؤ البيض‪.‬‬
‫هل جزاء الحسان إل الحسان ‪:‬أي ما جزاء الحسان بالطاعة إل الحسان بالنعيم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في تعداد النعم وذكر أنواعها فقال تعالى { َوِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّه ِ‪ }1‬أي‬
‫الوقوف بين يديه في ساحة فصل القضاء يوم القيامة فأطاعه بأداء الفرائض واجتناب المحرمات‬
‫{جَنّتَانِ‪ }2‬أي بستانان فبأي آلء ربكما تكذبان أبإثابة أحدكم الذي إذا هم بالمعصية ذكر قيامه بين‬
‫يدي ربه فتركها فأثابه ال بجنتين‪ .‬وقوله ذواتا أفنان هذا وصف للجنتين وصفهما بأنهما ذواتا‬
‫أفنان جمع فنن لون أفنان ألوان ‪ 3‬ولشجارها أغصان من شأنها تورق وتثمر وتمد الظلل فبأي‬
‫آلء ربكما تكذبان أبهذا النعيم والثابة للمتقين تكذبان‪.‬‬
‫وقوله {فِي ِهمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} أي في الجنتين ذواتي الفنان عينان تجريان بالماء العذب الزلل‬
‫الصافي خلل تلك القصور والشجار فبأي آلء ربكما ‪ 4‬تكذبان يا معشر الجن والنس أبمثل هذا‬
‫العطاء والفضال تكذبان؟ وقول الرحمن فيهما من كل فاكهة زوجان أي في تينك الجنتين من كل‬
‫فاكهة من الفواكه صنفان فل يكتفى بصنف واحد إتماما للنعيم والتنعم فبأي آلء ربكما تكذبان‬
‫أبمثل هذا النعام والكرام لهل التقوى تكذبان؟ وقوله ما أوسع رحمته وهو الرحمن {مُ ّتكِئِينَ‪}5‬‬
‫أي حال تنعمهم على فرش على الرائك بطائن ‪ 6‬تلك الفرش من استبرق وهو الغليظ من الديباج‬
‫أما الظواهر فهي السندس وهو مارق من الديباج‪ .‬وقوله { َوجَنَى الْجَنّتَيْنِ دَانٍ} أي وثمارها التي‬
‫تجنى من أشجارها دانية أي قريبة التناول يتناولها المتقي وهو مضطجع أو قاعد أو قائم‪ ،‬ل شوك‬
‫فيها ول بعد لها فبأي آلء ربكما تكذبان أبمثل هذا النعام والكرام‬
‫__________‬
‫‪( 1‬من) من ألفاظ العموم كالجنس‪.‬‬
‫‪ 2‬جنتان تحفان بقصره أو واحدة عن يمين القصر وأخرى عن شماله ول يعرف مدى سعتهما إل‬
‫ال تعالى‪ ،‬وذلك لما ثبت أن أحدهم يعطى مثل الدنيا عشر مرات واللم في (لمن خاف) لم‬
‫الملك‪.‬‬
‫‪ 3‬يطلق الفنن على اللون وعلى الغصن فأفنان الفاكهة‪ :‬ألوانها المختلفة‪ ،‬وأفنان الشجر أغصانه‪،‬‬
‫قال النابغة‪:‬‬
‫بكاء حمامة تدعو هديل‬
‫مفجعة على فنن تغني‬
‫‪ 4‬الستفهام في قوله‪( :‬فبأي آلء ربكما تكذبان) تكرر بتكرار النعم‪ ،‬وهو للتقرير والتوبيخ والحث‬
‫على الشكر بالعبادة والتوحيد فيها‪.‬‬
‫‪( 5‬متكئين) حال من (ولمن خاف مقام ربه)‪.‬‬
‫‪ 6‬البطائن‪ :‬جمع بطانة بكسر الباء مشتقة من البطن خلف الظهر وضد البطانة الظهارة‪،‬‬
‫فالبطانة‪ :‬أسفل الثوب والظهارة‪ :‬ظهره‪.‬‬

‫( ‪)5/233‬‬

‫تكذبان‪ .‬قول الرحمن‪{ :‬فِيهِنّ قَاصِرَاتُ الطّ ْرفِ‪ }1‬أي وفي تينك الجنتين نساء من الحور العين‬
‫{قَاصِرَاتُ الطّ ْرفِ} أي العين على أزواجهن فل ترى إل زوجها أي فل تنظر إل إلى زوجها‬
‫وتقول له وعزة ربي وجلله وجماله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك فالحمد ل الذي جعلك‬
‫زوجي وجعلني زوجك‪.‬‬
‫س وَل جَانّ} أي لم يجامع النسية‬
‫طمِ ْثهُنّ} أي لم يجامعهن فيفتضهن قبل أزواجهن {إِنْ ٌ‬
‫وقوله {لَمْ يَ ْ‬
‫قبل زوجها النسي إنسي ولم يجامع الجنية قبل زوجها الجني جان فبأي آلء ربكم تكذبان أبمثل‬
‫هذا النعام تكذبان؟‬
‫وقوله {كَأَ ّنهُنّ الْيَاقُوتُ} أي في صفائهن {وَا ْلمَرْجَانُ} في بياضهن إذ الحوراء منهن يرى مخ ساقا‬
‫تحت ثيابها كما يرى الخيط أو السلك في داخل الياقوتة لصفائها فبأي آلء ربكما تكذبان أبمثل هذا‬
‫العطاء والنعام تكذبان‪.‬‬
‫وقوله عظم فضله وجل عطاؤه وهو الرحمن { َهلْ جَزَاءُ الِْأحْسَانِ} أي في اليمان والطاعات من‬
‫حسَانُ} ‪ 2‬إليه بمثل هذا النعيم العظيم الذي ذكر في هذه اليات‪ .‬فبأي آلء ربكما‬
‫العبادات {إِلّا الْإِ ْ‬
‫تكذبان يا معشر النس والجان فقول‪ :‬ل بشيء من آلء ربنا نكذب فلك الحمد‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل الخوف من ال تعالى وذلك كأن تعرض للعبد المعصية فيتركها خوفا من ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل نساء أهل الجنة في حبهن لزواجهن بحيث ل ينظرن إل إليهم‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أن أفضل النساء في الدنيا تلك التي تقصر نظرها على زوجها فتحبه ول تحب غيره من‬
‫الرجال‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان أن الجن المتقين يدخلون الجنة ولهم أزواج كما للنس سواء بسواء‪.‬‬
‫‪ -5‬الشادة بالحسان وبيان جزائه والحسان هو إخلص العبادة ل والتيان بها على الوجه الذي‬
‫شرع أداؤها عليه‪ ،‬مع الحسان إلى الخلق بكف الذى عنهم وبذل الفضل لمن احتاجه منهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هؤلء نسوة الجنة ل أزواج المؤمنين اللئي كن لهم في الدنيا إذ مسهن أزواجهن والزوجة‬
‫المؤمنة تكون لخر من تزوجها في الدنيا‪.‬‬
‫‪ 2‬جملة‪( :‬هل جزاء الحسان إل الحسان) تذييل لما قبلها من الجمل المتضمنة إيمان المؤمنين‬
‫وعملهم الصالح وإحسانهم فيه‪ ,‬والستفهام للنفي‪.‬‬

‫( ‪)5/234‬‬

‫َومِنْ دُو ِن ِهمَا جَنّتَانِ (‪ )62‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ُ )63‬مدْهَامّتَانِ (‪ )64‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‬
‫خلٌ وَ ُرمّانٌ (‪)68‬‬
‫‪ )65‬فِي ِهمَا عَيْنَانِ َنضّاخَتَانِ (‪ )66‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )67‬فِي ِهمَا فَا ِكهَةٌ وَنَ ْ‬
‫فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )69‬فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (‪ )70‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )71‬حُورٌ‬
‫طمِ ْثهُنّ إِنْسٌ قَبَْلهُمْ وَل جَانّ (‪)74‬‬
‫َمقْصُورَاتٌ فِي ا ْلخِيَامِ (‪ )72‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )73‬لَمْ َي ْ‬
‫خضْ ٍر وَعَ ْبقَ ِريّ حِسَانٍ (‪ )76‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا‬
‫فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )75‬مُ ّتكِئِينَ عَلَى َرفْ َرفٍ ُ‬
‫ل وَالِْأكْرَامِ (‪)78‬‬
‫ُتكَذّبَانِ (‪ )77‬تَبَا َركَ اسْمُ رَ ّبكَ ذِي الْجَل ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ومن دونهما جنتان ‪:‬أي ومن دون تينيك الجنتين جنتان أخريان لمن خاف مقام ربه‪.‬‬
‫مدهامتان ‪:‬أي مسودتان من شدة خضرتهما‪.‬‬
‫فيهما عينان نضاختان ‪:‬أي فوارتان دائما وأبدا تفوران بالماء العذب الزلل‪.‬‬
‫فيهن خيرات حسان ‪:‬أي في الجنات الربع نساء خيرات الخلق حسان الوجوه‪.‬‬
‫حور ‪:‬أي أولئك الخيرات حور أي بيض والواحدة حوراء أي بيضاء‪.‬‬
‫مقصورات في الخيام ‪:‬أي مستورات محبوسات على أزواجهن في الخيام والخيمة من در مجوف‬
‫مضافة إلى‬
‫القصور‪ ,‬وطول الخيمة الواحدة ستون ميل‪.‬‬
‫لم يطمثهن إنس قبلهم ول جان ‪:‬أي لم يجامعهن فيفتض بكارتهن قبل أزواجهن في الجنة أحد‪.‬‬

‫( ‪)5/235‬‬

‫على رفرف خضر ‪ :‬أي على وسائد أو بسط الواحدة رفرفة خضر جمع أخضر‪.‬‬
‫وعبقري حسان ‪:‬أي طنافس جمع طنفسة بساط له خمل رقيق أي بسط حسان‪.‬‬
‫تبارك اسم ربك ‪:‬أي تقدس وكثرت بركة اسم ربك الرحمن‪.‬‬
‫ذي الجلل والكرام أي ذي العظمة والكرام لوليائه والحسان إلى عباده‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في ذكر إنعام ال تعالى وإفضاله على عباده فقال { َومِنْ دُو ِن ِهمَا جَنّتَانِ} أي‬
‫ومن دون تينيك الجنتين جنتان أخريان لمن خاف مقام ربه من السابقين وهاتان لمن خاف مقام‬
‫ربه من أصحاب اليمين وقد يكون العكس كذلك وال أعلم بأي الجنتين أفضل‪ ,‬ال ارزقنا ما شئت‬
‫منهما فإنا بعطائك رضوان ولك حامدون شاكرون فبأي آلء ربكما تكذبان أي بأي إفضال وإنعام‬
‫تكذبان؟ وقوله تعالى {مُدْهَامّتَانِ} ‪ 1‬مخضرتان إلى حد السوداد فإن الخضر من الشياء إذا‬
‫اشتدت خضرته ضرب إلى السواد ويقال فيها مدهامة ‪ 2‬فبأي آلء ربكما تكذبان أي بأي إنعام‬
‫تكذبان يا معشر الجن والنس {فِي ِهمَا} في الجنتين {عَيْنَانِ َنضّاخَتَانِ} أي فوارتان بالماء دائما‬
‫وأبدا‪ ،‬فبأي آلء ربكما تكذبان بأي إفضال وإحسان تكذبان وقول الرحمن {فِي ِهمَا} أي في الجنتين‬
‫فاكهة ونخل ‪ 3‬ورمان لفظ الفاكهة قد يعم النخل والرمان ويصبح ذكر النخل والرمان لمزيد‬
‫فضيلة كذكر الصلة الوسطى بعد ذكر الصلوات الخمس في قوله {حَافِظُوا عَلَى الصَّلوَاتِ‬
‫سطَى} {فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ} ل بشيء من آلء ربنا نكذب ربنا فلك الحمد‪ .‬وقوله‬
‫وَالصّلةِ ا ْلوُ ْ‬
‫تعالى‪{ :‬فِيهِنّ خَيْرَاتٌ‪ 4‬حِسَانٌ} أي في الجنتين نساءهن خيرات جمع خيرة خيرات الخلق حسان‬
‫الوجوه‪ .‬فبأي آلء ربكما تكذبان؟ أبمثل هذا النعام والكرام على أولياء الرحمن تكذبان؟ {حُورٌ‬
‫َمقْصُورَاتٌ فِي ‪ 5‬الْخِيَامِ} إن أولئك الخيرات حور جمع حوراء وهي البيضاء‪ ,‬والحوراء كذلك من‬
‫يغلب بياض عينيها سوادهما وهو من جمال النساء محبوسات في الخيام ل ينظرن إلى غير‬
‫أزواجهن‪ ,‬والخيمة من درة مجوفة طولها ستون ميل مضافة إلى قصورهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪( 1‬مدهامتان) وصف مشتق من الدهمة‪ ,‬بضم الدال وهو لون السواد الناتج عن شدة الخضرة‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام كسابقه للتقرير والتوبيخ‪.‬‬
‫‪ 3‬عطف النخل والرمان على (فاكهة) من باب عطف الجزء على الكل أو الخاص على العام‬
‫ل َومِيكَالَ} ‪.‬‬
‫كقوله تعالى ‪َ {:‬ومَل ِئكَتِ ِه وَرُسُِل ِه وَجِبْرِي َ‬
‫‪( 4‬خيرات) بسكون الياء جمع خيرة وهو وصف لموصوف محذوف أي‪ :‬نساء خيرات‪ ,‬والصل‪:‬‬
‫خيرات بتشديد الياء المكسورة جمع خيرة مؤنث خير وهو المختص بوصف الخير ضد الشر‬
‫وخفف في الية طلبا للخفة مع السلمة من اللبس‪.‬‬
‫‪ 5‬المقصورات‪ :‬صفة لموصوف أي‪ :‬نساء مقصورات والقصور على الخيمة بعد الخروج منها‪:‬‬
‫وصف للترف والنعيم ل تخرج من الخيمة والقصر لغناها بخلف من تخرج للعمل لحاجتها إلى‬
‫العمل في البستان أو غيره‪.‬‬

‫( ‪)5/236‬‬

‫طمِ ْثهُنّ إِنْسٌ قَبَْلهُ ْم وَل جَانّ} أي لم يجامعهن فيفتض بكارتهن إنس ول جان من‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬لَمْ َي ْ‬
‫قبل أزواجهن في الجنة فبأي آلء ربكما تكذبان؟ والجواب‪ :‬ل بشيء من آلء ربنا نكذب ربنا فلك‬
‫الحمد‪.‬‬
‫حسَانٍ} أي متكئين على رفرف خضر‬
‫خضْ ٍر وَعَبْقَ ِريّ ِ‬
‫وقوله تعالى ‪{:‬مُ ّتكِئِينَ عَلَى َرفْ َرفٍ‪ُ 1‬‬
‫والرفرف جمع رفرفة أي على وسائد أو بسط خضر‪ 2,‬وعبقري حسان أي على طنافس ‪ 3‬ذات‬
‫خمل دقيق‪ .‬فبأي آلء ربكما تكذبان بنعم الدنيا أي بنعم البرزخ أم بنعم الخرة ل بشيء من آلء‬
‫ربنا نكذب‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬تَبَا َركَ اسْمُ رَ ّبكَ ذِي ا ْلجَللِ وَالْإكْرَامِ} أي تبارك اسم ربك أي تقدس وكثرة بركات‬
‫اسم ربك الرحمن ذي الجلل أي العظمة والكرام لوليائه وصالحي عباده‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أن نعيم الخرة أعظم وأجل من نعم الدنيا‪.‬‬
‫‪ -2‬فضيلة التمر والرمان فلنبحث منافعهما فإن الحقيقة بنت البحث‪.‬‬
‫‪ -3‬فضل المرأة المقصورة في بيتها وذم الولجة الخارجة كما قال ابن عباس رضي ال عنهما‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان أن الجن يدخلون الجنة ويسعدون فيها‪.‬‬
‫‪ -5‬البركة تنال ببسم ال الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الرفرف‪ :‬اسم جمع رفرفة‪ ,‬وهي ما يبسط على الفراش للنوم عليه‪ ,‬ويغلب عليها اللون الخضر‬
‫ولذلك شبه ذو الرمة الرياض بالبسط العبقرية في قوله‪:‬‬
‫حتى كأن رياض القف ألبسها‬
‫من وشي عبقر تجليل وتنجيد‬
‫وكانت الثياب الخضر‪ .‬عزيزة إذ هي لباس الملوك والكبراء‪ .‬قال النابغة‪:‬‬
‫يصون أجسادا قديما نعيمها‬
‫بخالصة الردان خضر المناكب‬
‫‪ 2‬العبقري‪ :‬وصف لكل ما كان فائقا في صفته عزيز الوجود وهو نسبة إلى عبقر اسم بلد الجن‬
‫في معتقد العرب فنسبوا إليه كل ما تجاوز العادة في التقان والحسن‪ ,‬ومنه قول الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم في رؤياه لعمر ‪ ":‬فلم أر عبقريا يفري فريه"‪.‬‬
‫‪ 3‬جمع طنفسة وهي البساط ذو الخمل‪ ,‬و(حسان) جمع حسناء‪ ,‬وهو وصف لعبقري لنه اسم‬
‫جامع‪.‬‬

‫( ‪)5/237‬‬

‫سورة الواقعة‬
‫‪...‬‬
‫سورة الواقعة‬
‫مكية‬
‫وآياتها ست وتسعون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫إِذَا َو َق َعتِ ا ْلوَا ِقعَةُ (‪ )1‬لَ ْيسَ ِل َو ْقعَ ِتهَا كَاذِ َبةٌ (‪ )2‬خَا ِفضَةٌ رَا ِفعَةٌ‬

‫( ‪)5/237‬‬

‫ستِ الْجِبَالُ بَسّا (‪َ )5‬فكَا َنتْ هَبَاءً مُنْبَثّا (‪َ )6‬وكُنْتُمْ أَ ْزوَاجا ثَلثَةً‬
‫جتِ الْأَ ْرضُ َرجّا (‪ )4‬وَبُ ّ‬
‫(‪ِ )3‬إذَا ُر ّ‬
‫صحَابُ ا ْلمَشَْأمَةِ (‪)9‬‬
‫(‪ )7‬فََأصْحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ مَا َأصْحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ (‪ )8‬وََأصْحَابُ ا ْلمَشَْأمَةِ مَا َأ ْ‬
‫وَالسّا ِبقُونَ السّا ِبقُونَ (‪ )10‬أُولَ ِئكَ ا ْل ُمقَرّبُونَ (‪ )11‬فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ (‪)12‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إذا وقعت الواقعة ‪:‬أي قامت القيامة وقال فيها لنها واقعة ل محالة‪.‬‬
‫ليس لوقعتها كاذبة ‪:‬أي نفس تكذب بها بأن تنفيها كما نفتها في الدنيا‪.‬‬
‫خافضة رافعة ‪:‬أي مظهرة لخفض أقوام بدخولهم النار‪ ,‬ولرفع آخرين بدخولهم الجنة‪.‬‬
‫إذا رجت الرض رجا ‪:‬أي حركت حركة شديدة‪.‬‬
‫وبست الجبال بسا ‪:‬أي فتتت تفتيتا‪.‬‬
‫فكانت هباء منبثا ‪:‬أي غبارا منتشرا‪.‬‬
‫وكنتم أزواجا ثلثة‪ :‬أي في القيامة أصنافا ثلثة‪.‬‬
‫فأصحاب الميمنة ‪:‬أي الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم‪.‬‬
‫ما أصحاب الميمنة ‪:‬أي تعظيم لشأنهم بدخولهم الجنة‪.‬‬
‫وأصحاب المشأمة ‪ :‬أي الشمال الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم‪.‬‬
‫ما أصحاب المشأمة ‪:‬أي تحقير لشأنهم بدخولهم النار‪.‬‬
‫والسابقون ‪:‬أي إلى الخير وهم الذين سبقوا إلى اليمان والطاعة في أول الدعوة‪.‬‬
‫السابقون ‪:‬تعظيم لشأنهم‪.‬‬
‫أولئك المقربون ‪:‬أي هم المقربون الذين يقربهم ال منه يوم القيامة إذا أدخلهم الجنة‪.‬‬
‫في جنات النعيم ‪:‬في بساتين النعيم الدائم‪.‬‬

‫( ‪)5/238‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى في تقرير البعث والجزاء الذي كذب به المشركون وأنكروه في إصرار وعناد {إِذَا‬
‫‪َ 1‬و َق َعتِ ا ْلوَا ِقعَةُ} أي إذا قامت القيامة {لَيْسَ ِل َو ْقعَ ِتهَا كَاذِبَةٌ} أي نفس تكذب بها إذ يؤمن بها الجميع‪،‬‬
‫خافضة لقوام أي مظهرة لحالهم بأنهم أهل النار‪ ،‬رافعة لخرين مظهرة لحالهم لنهم من أهل‬
‫ستِ ا ْلجِبَالُ‪ 3‬بَسّا} أي إذا‬
‫جتِ‪ 2‬الْأَ ْرضُ َرجّا} أي حركت حركة شديدة‪{ ،‬وَبُ ّ‬
‫الجنة‪ .‬وقوله‪{ :‬إِذَا رُ ّ‬
‫بست الجبال أي فتتت تفتيتا { َفكَا َنتْ‪ 4‬هَبَاءً مُنْبَثّا} أي غبارا منتشرا‪.‬‬
‫وقوله تعالى { َوكُنْ ُتمْ} أي أيها الناس {أَ ْزوَاجا} أي أنواعا ثلثة‪ :‬أصحاب اليمين وأصحاب الشمال‬
‫والمقربون فأصحاب الميمنة أو الذين يؤتون كتبهم بإيمانهم ما أصحاب ‪ 5‬الميمنة أي أ‪ ،‬شأنهم‬
‫عظيم وذلك بدخولهم الجنة دار النعيم‪ .‬وأصحاب المشأمة وهم أصحاب الشمال أي اليساريون‬
‫الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم أي بمياسرهم ما أصحاب المشأمة أي شأنهم حقير وذلك بدخولهم‬
‫النار‪ .‬والسابقون إلى اليمان والطاعة في أول ظهور الدعوة ‪6‬السابقون هذا تعظيم لشأنهم وإعلن‬
‫عن فوزهم وكرامتهم في جنات النعيم وهي بساتين ذات نعيم دائم جعلنا ال منهم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير البعث والجزاء في الخرة‪.‬‬
‫‪ -2‬اليمان والتقوى يرفعان والشرك والمعاصي يضعان ويخفضان‪.‬‬
‫‪ -3‬السابقون إلى الطاعات لهم فضل السبقية في كل زمان زمكان‪.‬‬
‫‪ -4‬اليساريون هم أشقياء الدنيا والخرة‪ .‬لنهم عندما أخذ غيرهم ذات اليمين طالبين اليمان‬
‫والستقامة أخذوا هم ذات الشمال طالبين الكفر والفسوق‪.‬‬
‫__________‬
‫‪( 1‬الواقعة) علم بالغلبة على القيامة‪ ،‬وأصل الواقعة‪ :‬الحادثة‪ ،‬ومن ذلك قولهم واقعة أحد أو بدر‬
‫مثلً‪ ،‬وإذا ظرف ضمن معنى الشرط متعلق بالكون المقدر في قوله‪{ :‬فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ} و {لَيْسَ‬
‫ِل َو ْقعَ ِتهَا} مستأنفة بيانية‪.‬‬
‫‪( 2‬إذا رجت الرض) بدل من (إذا) الولى‪ ،‬وجواب الشرط (إذا) الولى والمبدلة منها هو قوله‪:‬‬
‫(فأصحاب الميمنة)‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫‪ 3‬البث‪ :‬بمعنى التفتت للجزاء المجموعة‪ ،‬ومنه‪ :‬البسيسة‪ :‬للسويق ويطلق البث على السوق‬
‫للماشية‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬فيأتي قوم فيبسون بأموالهم وأهليهم‪ -‬أي‪ :‬يسوقونهم – والمدينة خير لهم‬
‫لو كانوا يعلمون"‪.‬‬
‫‪ 4‬الهباء‪ :‬ما يلوح في خيوط شعاع الشمس من دقيق الغبار‪.‬‬
‫‪( 5‬أصحاب الميمنة)‪( :‬ما) مبتدأ والخبر‪ :‬أصحاب الميمنة‪ ،‬والجملة خبر فأصحاب الميمنة وكذا‬
‫(ما أصحاب المشأمة)‪.‬‬
‫‪ 6‬يجوز أن يكون (السابقون)‪ :‬خبر عن الول‪ ،‬وجملة‪( :‬أولئك المقربون) مستأنفة‪ ،‬ويجوز أن‬
‫يكون (السابقون) الثاني‪ :‬ويجوز أن تكون تأكيدا للول‪ ،‬والخبر‪ :‬جملة (أولئك)‪ً.‬‬

‫( ‪)5/239‬‬

‫ثُلّةٌ مِنَ الَْأوّلِينَ (‪َ )13‬وقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (‪ )14‬عَلَى سُرُرٍ َم ْوضُونَةٍ (‪ )15‬مُ ّتكِئِينَ عَلَ ْيهَا مُ َتقَابِلِينَ (‬
‫ق َوكَأْسٍ مِنْ َمعِينٍ (‪ )18‬ل ُيصَدّعُونَ‬
‫ب وَأَبَارِي َ‬
‫‪ )16‬يَطُوفُ عَلَ ْيهِ ْم وِلْدَانٌ مُخَلّدُونَ (‪ )17‬بَِأ ْكوَا ٍ‬
‫عَ ْنهَا وَل يُنْ ِزفُونَ (‪َ )19‬وفَا ِكهَةٍ ِممّا يَ َتخَيّرُونَ (‪ )20‬وَلَحْمِ طَيْرٍ ِممّا يَشْ َتهُونَ (‪ )21‬وَحُورٌ عِينٌ (‬
‫س َمعُونَ فِيهَا َلغْوا وَل تَأْثِيما (‪ )25‬إِلّا قِيلً سَلما سَلما (‬
‫‪ )22‬جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )24‬ل يَ ْ‬
‫‪)26‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ثلة من الولين ‪:‬أي جماعة من المم الماضية‪.‬‬
‫وقليل من الخرين ‪:‬أي من أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬هؤلء هم السابقون‪.‬‬
‫على سرر موضونة ‪:‬أي منسوجة مشبكة بالذهب والجواهر‪.‬‬
‫ولدان مخلدون ‪:‬أي على شكل الولد ل يهرمون فيخدمونهم أبدا‪.‬‬
‫بأكواب وأباريق ‪:‬يطوف عليهم الولدان الخدم بأكواب وهي أقداح ل عرا لها‪ ,‬وأباريق لها عرا‬
‫وخراطيم‪.‬‬
‫وكأس من معين ‪:‬أي وإناء لشرب الحمر ومعين بمعنى جارية من نهر ل ينقطع أبدا‪.‬‬
‫ل يصدعون ‪:‬أي ل يحصل لهم من شربها صداع‪.‬‬
‫ول ينزفون ‪:‬أي ول تذهب عقولهم يقال نزف الشارب وأنزف إذا ذهب عقله بالسكر‪.‬‬
‫وفاكهه مما يتخيرون ‪:‬أي يختارون منها ما يروق لهم ويعجبهم وإن كانت كلها معجبة‪.‬‬
‫وحور عين ‪:‬أي ولهم نساء بيض عين أي واسعة العين وشديدات سواد العيون وبياضها‪.‬‬
‫كأمثال اللؤلؤ المكنون ‪:‬أي أولئك الحور العين هن في جمالهن وصفائهن كأمثال اللؤلؤ المصون‪.‬‬

‫( ‪)5/240‬‬

‫لغوا ول تأثيما ‪:‬أي ل يسمعون في الجنة لغوا أي فاحش الكلم وما ل خير فيه ول ما يوقع في‬
‫الثم‪.‬‬
‫إل قيل سلما سلما ‪:‬إل قول سلما سلما أي ل يسمعون إل السلم من الملئكة ومن بعضهم‬
‫بعضا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في بيان أحوال الناس إذا قامت القيامة فذكر أنهم يصيرون أصنافا ثلثة أصحاب‬
‫يمين وأصحاب شمال وسابقين‪ .‬وهنا يقول في السابقين إنهم ثلة أي جماعة من الولين أي ‪ 1‬من‬
‫المم الماضية الذين أسلموا وسبقوا إلى السلم مع أنبيائهم‪ ,‬وقيل من الخرين ‪ 2‬أي من هذه‬
‫المة أمة محم صلى ال عليه وسلم وهم الذين سبقوا إلى اليمان والمجرة والجهاد يذكر نعيمهم‬
‫فيقول وقوله الحق ‪{:‬عَلَى سُرُرٍ َم ْوضُونَةٍ} أي إنهم على سرر موضونة أي منسوجة ومشبكة‬
‫بالذهب والجواهر‪ ,‬حال كونهم متكئين عليها متقابلين ل ينظر أحدهم إلى قفا الخر بل إلى وجهه‪,‬‬
‫{ َيطُوفُ عَلَ ْيهِمْ} أي لللخدمة {وِلْدَانٌ } غلمان { ُمخَلّدُونَ‪ }3‬ل يكبرون فيهرمون ول يتغيرون بل‬
‫يبقون كذلك أبدا يطوفون عليهم بأكواب جمع كوب وهو قدح ل عروة له‪ ,‬وأباريق جمع إبريق‬
‫وهو إناء له عروة وخرطوم‪َ { ,‬وكَأْسٍ مِنْ َمعِينٍ} والكأس هنا إناء شرب الجمر والمعين ما كان‬
‫جاريا ل ينضب والمراد بكأس من نهر الخمر‪.‬‬
‫صدّعُونَ‪ 4‬عَ ْنهَا} أي ل يصيبهم صداع من شربها‪ ,‬ول ينزفون ‪ 5‬أي ل تذهب‬
‫وقوله تعالى {ل ُي َ‬
‫عقولهم بشربها بخلف خمر الدنيا فإنها تصيب شاربها بالصداع وذهاب العقل غالبا وقوله تعالى‬
‫{ َوفَا ِكهَةٍ} ويطوف عليهم الغلمان بفاكهة وهو ما يتفكه به وليس بغذاء رئيسي وهو من سائر‬
‫الفواكه‪ ,‬مما يتخيرون أي يختارون‪ .‬ولحم طير مما يشتهون أي مما تشتهيه أنفسهم‪.‬‬
‫وقوله {وَحُورٌ عِينٌ} أي ولهم في الجنة حور عين يستمتعون بهن‪ ,‬واحدة الحور حوراء‪ .‬وهي‬
‫البيضاء وواحدة العين العيناء وهو واسعة العينين والحور في العين أن يكون بياضها أكثر من‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قوله‪( :‬ثلة من الولين وقليل من الخرين) اعتراض بين جملة (في جنات النعيم) وجملة‪( :‬على‬
‫سرر موضونة) وثلة‪ :‬خبر لمبتدأ محذوف أي هم‪ :‬ثلة الخ‪.‬‬
‫‪ 2‬من الولى والثانية تبعيضية‪.‬‬
‫‪ 3‬قيل‪ :‬إنهم على سن واحدة‪ ,‬وروي عن علي رضي ال عنه أنه قال‪ :‬الولدان هم أولد المسلمين‬
‫الذين يموتون صغارا‪ .‬وقال سلمان‪ :‬هم أولد المشركين الذين يموتون صغارا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 4‬التصديع‪ :‬الصابة بالصداع‪ ,‬وهو وجع الرأس من الخمار الناشيء عن السكر أي ل تصيبهم‬
‫الخمر بصداع‪ ,‬وعنها بمعنى‪ :‬ل يصيبهم صداع ناشيء عنها‪.‬‬
‫‪ 5‬قرأ نافع (ينزفون) بفتح الزاي من‪ :‬أنزفه وقرأها حفص (ينزفون) بكسر الزاي من أنزف‬
‫القاصر‪ ,‬إذا سكر وذهب عقله‪.‬‬

‫( ‪)5/241‬‬

‫سوادها وهو ضرب من الجمال‪ ,‬وقوله {كََأمْثَالِ ا ْلُلؤْلُؤِ ا ْل َمكْنُونِ} أي المصون في كنه أو صدفه‪.‬‬
‫يريد أنهن جميلت مصونات غير مبتذلت وقد تقدم في الرحمن أنهن مقصورات في الخيام‪.‬‬
‫وقوله تعالى {جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ} أي جزاهم ربهم جزاهم بما كانوا يعملونه من الصالحات‬
‫بعد اليمان والتوحيد وترك المعاصي‪.‬‬
‫وقوله تعالى وهو من إتمام النعيم أنهم ل يسمعون في جنات النعيم ما يكدر صفو نعيمهم أو‬
‫ينغص لذة حياتهم من قول بذيء سيء فل يسمعون فيها أي في الجنة لغوا أي ‪ 1‬كلما فاحشا ول‬
‫تأثيما وهو ما يؤثم قائله وسامعه‪ .‬إل قيل أي قول سلما سلماُ أي إل ما كان من سلم الرب‬
‫تعالى عليهم وهو أكبر نعيمهم وسلم الملئكة عليهم وسلم بعضهم على بعض اللهم اجعلنا منهم‬
‫قل آمين أيها القاريء واطمع فإن ربنا غفور رحيم سميع الدعاء قريب مجيب‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير البعث والجزاء بذكر أحوال الدار الخرة‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان شيء من نعيم أهل الجنة وخاصة السابقين منهم‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أن السابقين يكونون من سائر المم المسلمة‪.‬‬
‫‪-4‬بيان فضل خمر الجنة على خمر الدنيا المحرمة‪.‬‬
‫‪ -5‬تقرير قاعدة أن الجزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫ظلّ‬
‫خضُودٍ (‪ )28‬وَطَلْحٍ مَ ْنضُودٍ (‪ )29‬وَ ِ‬
‫وََأصْحَابُ الْ َيمِينِ مَا َأصْحَابُ الْ َيمِينِ (‪ )27‬فِي سِدْرٍ َم ْ‬
‫سكُوبٍ (‪َ )31‬وفَا ِكهَةٍ كَثِي َرةٍ (‪ )32‬ل مَقْطُوعَةٍ وَل َممْنُوعَةٍ (‪َ )33‬وفُرُشٍ‬
‫َممْدُودٍ (‪َ )30‬ومَاءٍ مَ ْ‬
‫صحَابِ الْ َيمِينِ‬
‫جعَلْنَاهُنّ أَ ْبكَارا (‪ )36‬عُرُبا أَتْرَابا (‪ )37‬لَِأ ْ‬
‫مَ ْرفُوعَةٍ (‪ )34‬إِنّا أَنْشَأْنَاهُنّ إِنْشَاءً (‪ )35‬فَ َ‬
‫(‪ )38‬ثُلّةٌ مِنَ الَْأوّلِينَ (‪ )39‬وَثُلّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (‪)40‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اللغو ن الكلم في الدنيا هو‪ :‬ما ل يحصل حسنة للمعاد ول درهما للمعاش وفي الخرة هو ما‬
‫ل يسر من كل قول إذ الحياة‪ :‬حياة سعادة وسور وحبور‪.‬‬

‫( ‪)5/242‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ‪:‬هذا شروع في ذكر الزوج الثاني من الزواج الثلثة فذكر‬
‫السابقين وما أعد لهم وهذا ذكرٌ لصحاب اليمين وما أعد لهم من نعيم مقيم‪.‬‬
‫في سدر مخضود ‪:‬في شجر السدر وثمره النبق ومخضود ل شوك فيه‪.‬‬
‫وطلح منضود ‪:‬أي شجر موز منضود الحمل من أعله إلى أسفله فليس له ساق بارزة‪.‬‬
‫وظل ممدود ‪:‬أي دائم إذ ل شمس تنسخه وإن ظل شجرة في الجنة يسير الراكب فيه مائة سنة ل‬
‫يقطعه‪.‬‬
‫وماء مسكوب ‪:‬أي مصبوب ل يحتاج المتنعم بأن يصبه بيده بل هو سائل في غير أخدود أو‬
‫أنبوب‪.‬‬
‫ل مقطوعة ول ممنوعة ‪:‬أي غير مقطوعة في زمن‪ ،‬ول ممنوعة بثمن‪.‬‬
‫وفرش مرفوعة ‪:‬أي على السرر العالية الرفيعة‪.‬‬
‫إنا أنشأناهن إنشاء ‪:‬أي الحور العين اللئي تقدم ذكرهن في قوله وحور عين‪ .‬إذ كانت الواحدة‬
‫منهن في الدنيا عجوزا شمطاء عمشاء رمصاء فأنشأها ربها إنشاء جديدا بكرا تتغنج وتتعشق‬
‫عرباء تتودد لزوجها وتتحبب‪.‬‬
‫فجعلناهن أبكارا ‪:‬الواحدة بكر وهي التي لم تفتض بكارتها بعد وتسمى العذراء‪.‬‬
‫عربا ‪:‬الواحدة عروب وهي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعل‪.‬‬
‫ب والجمع أتراب‪.‬‬
‫أترابا ‪:‬أي مستويات في السن الواحدة يقال لها تر ٌ‬
‫لصحاب اليمين ‪:‬وهم الذين يؤخذ بهم في عرصات القيامة ذات اليمين وهم أهل اليمان في الدنيا‬
‫والعمل الصالح فيها‪.‬‬
‫ثلة من الولين ‪:‬أي من المم السابقة‪.‬‬
‫وثلة من الخرين ‪:‬أي من أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫( ‪)5/243‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في عرض أحوال الخرة وذكر ما لكل صنف من أصناف الناس الثلثة من‬
‫صحَابُ الْ َيمِينِ‪ }1‬وهم الذين إذا وقفوا في‬
‫سابقين وأصحاب يمين وأصحاب شمال فقال تعالى {وََأ ْ‬
‫عرصات القيامة أخذ بهم ذات اليمين وهم أهل اليمان والتقوى في الدنيا وقوله تعالى‪{ :‬مَا‬
‫خضُودٍ‬
‫َأصْحَابُ الْ َيمِينِ‪ }2‬تفخيم لشأنهم وإعلن عن كرامتهم ثم بين ذلك بقوله‪{ :‬فِي سِدْرٍ‪ 3‬مَ ْ‬
‫ب َوفَا ِكهَةٍ كَثِي َرةٍ ل َمقْطُوعَةٍ‪ 4‬وَل َممْنُوعَةٍ ‪َ ،‬وفُرُشٍ‬
‫سكُو ٍ‬
‫ظلّ َممْدُو ٍد َومَاءٍ مَ ْ‬
‫وَطَلْحٍ مَ ْنضُو ٍد وَ ِ‬
‫مَ ْرفُوعَةٍ } إنهم في هذا النعيم الدائم المقيم إنهم يتفكهون بالنبق الذي هو أحلى من العسل وأنعم من‬
‫الزبد شجره مخضود الشوك ل شوك به‪ ،‬ويتفكهون بالطلح أي ثمره وهو الموز‪ ،‬والماء‬
‫المصبوب الجاري‪ ،‬والفاكهة الكثيرة التي ل تقطع بالفصول الزمانية كما هي الحال في فاكهة‬
‫الدنيا يوجد منها في الصيف ما ل يوجد في الشتاء مثل ول ممنوعة بثمن غال ول رخيص وفي‬
‫فرش مرفوعة عالية علو الدرجات التي هي فيها وقوله‪{ :‬إِنّا أَنْشَأْنَاهُنّ إِ ْنشَاءً} ‪ 5‬يعني الحور العين‬
‫اللئي سبق في اليات ذكرهن منهن من أنشأهن ال إنشاء لم يسبق لهن خلق ووجود‪ ،‬ومنهن‬
‫نساء الدنيا فقد كانت فيهن السوداء والعمشاء والرمصاء والعجوز فيعيد تعالى إنشاءهن فيجعلهن‬
‫جعَلْنَاهُنّ أَ ْبكَارا} عذارى لم يمسهن قبل‬
‫من بين الحور العين كأنهن اللؤلؤ المكنون‪ ،‬وقوله {فَ َ‬
‫أزواجهن إنس ول جان عربا أترابا العروب ‪ 6‬هي المتحببة إلى زوجها العاشقة له المتغنجة‬
‫والتراب المتساويات في السن‪ ،‬وترب ‪ 7‬النسان من ولد معه في وقت واحد فمس جلده التراب‬
‫مع مس التراب جلدك وقوله لصحاب اليمين أي أنشأ هؤلء الحور العين لجل أصحاب اليمين‬
‫ليستمتعوا بهن‪ .‬وقوله {ثُلّةٌ مِنَ الَْأوّلِينَ} أي من المم الماضية {وَُثلّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} أي من هذه‬
‫المة المسلمة اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم وأدخلنا الجنة معهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا شروع في تفصيل ما أجمل عند التقسيم من شؤونهم الفاضلة على إثر تفصيل شؤون‬
‫السابقين‪.‬‬
‫‪ 2‬الخبار ب (ما أصحاب اليمين)‪ :‬فيه من التفخيم ما فيه!!‬
‫‪ 3‬خبر محذوف المبتدأ تقديره‪ :‬هم في سدر‪.‬‬
‫‪ 4‬ل مقطوعة ول ممنوعة‪ :‬هذا وصف للفاكهة‪ ،‬والنفي هنا أثبت من الثبات لنه بمنزلة وصف‬
‫وتوكيد‪.‬‬
‫‪ 5‬لما ذكر الفرش قد يخطر بالبال هل هناك نساء يكن بصحبة أهلها؟ فأجيب بقولي‪{ :‬إِنّا‬
‫أَنْشَأْنَاهُنّ} أي‪ :‬الحور العين {إِنْشَاءً} فكانت الجملة مستأنفة استأنفا بيانيا‪ ،‬وضمير المؤنث‬
‫(أنشأناهن) عائد إلى غير مذكور في الكلم لكنه ملحوظ في الفهام‪.‬‬
‫‪ 6‬العرب‪ :‬جمع عروب‪ ،‬ويقال‪ :‬عربة ويجمع على عربات‪ ،‬وهذا اسم خاص بالمرأة المتحببة إلى‬
‫زوجها كما في التفسير‪.‬‬
‫‪ 7‬التراب‪ :‬جمع ترب وهي المرأة التي تساوى سنها سن من تضاف إليه من النساء‪ ،‬وقيل‪ :‬إن‬
‫الترب خاص بالمرأة‪ ،‬وأما المساواة في السن من الرجال فيقال له قرن‪ ،‬ولدة‪.‬‬

‫( ‪)5/244‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان إكرام ال وإنعامه على المؤمنين المتقين‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أن العجوز في الدنيا إذا دخلت الجنة تصير شابة حسناء حوراء عروبا‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير أن ثمن الجنة اليمان والتقوى فل دخل للحسب ول للنسب والول كالخر على حد‬
‫سواء فيها‪.‬‬
‫حمُومٍ (‪ )43‬ل بَارِدٍ‬
‫ظلّ مِنْ َي ْ‬
‫حمِيمٍ (‪ )42‬وَ ِ‬
‫سمُو ٍم وَ َ‬
‫شمَالِ (‪ )41‬فِي َ‬
‫شمَالِ مَا َأصْحَابُ ال ّ‬
‫وََأصْحَابُ ال ّ‬
‫وَل كَرِيمٍ (‪ )44‬إِ ّن ُهمْ كَانُوا قَ ْبلَ ذَِلكَ مُتْ َرفِينَ (‪َ )45‬وكَانُوا ُيصِرّونَ عَلَى الْحِ ْنثِ ا ْل َعظِيمِ (‪َ )46‬وكَانُوا‬
‫َيقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا َوكُنّا تُرَابا وَعِظَاما أَإِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ (‪َ )47‬أوَآبَاؤُنَا الَْأوّلُونَ (‪ُ )48‬قلْ إِنّ الَْأوّلِينَ‬
‫جمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ َيوْمٍ َمعْلُومٍ (‪ُ )50‬ثمّ إِ ّنكُمْ أَ ّيهَا الضّالّونَ ا ْل ُم َكذّبُونَ (‪)51‬‬
‫وَالْآخِرِينَ (‪َ )49‬ل َم ْ‬
‫حمِيمِ (‪)54‬‬
‫لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ َزقّومٍ (‪َ )52‬فمَالِئُونَ مِ ْنهَا الْ ُبطُونَ (‪ )53‬فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْ َ‬
‫فَشَارِبُونَ شُ ْربَ ا ْلهِيمِ (‪ )55‬هَذَا نُزُُل ُهمْ َيوْمَ الدّينِ (‪)56‬‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫وأصحاب الشمال ‪:‬أي هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال في الموقف يوم القيامة وهم أهل الشرك‬
‫والمعاصي في الدنيا‪.‬‬
‫في سموم ‪:‬أي ريح حارة تنفذ في مسام الجسد‪.‬‬
‫وحميم ‪:‬أي ماء حار شديد الحرارة‪.‬‬
‫وظل من يحموم ‪:‬أي دخان شديد السواد‪.‬‬

‫( ‪)5/245‬‬

‫ل بارد ول كريم ‪:‬أي ل بارد كغيره من الظلل ول كريم حسن المنظر‪.‬‬


‫كانوا قبل ذلك ‪:‬أي في الدنيا‪.‬‬
‫مترفين ‪:‬أي منعمين ل ينهضون بالتكاليف الشرعية ول يتعبون في طاعة ال ورسوله‪.‬‬
‫يصرون على الحنث العظيم ‪:‬أي الذنب العظيم وهو الشرك‪.‬‬
‫وكانوا يقولون أئذا متنا الن ‪:‬أي وكانوا ينكرون البعث الخر‪.‬‬
‫لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ‪:‬أي لوقت يوم معلوم وهو يوم القيامة‪.‬‬
‫أيها الضالون المكذبون ‪:‬أي الضالون عن طريق الهدى المكذبون بالبعث والجزاء‪.‬‬
‫من شجر من زقوم ‪:‬أي من أخبث الشجر المر في غاية الكراهة والبشاعة طعما ولونا‪.‬‬
‫فشاربون شرب الهيم ‪:‬أي شاربون شرب البل العطاش‪ ،‬إذ الهيمان العطشان والهيمى العطشى‪.‬‬
‫هذا نزلهم يوم الدين ‪:‬أي هذا ما أعد لهم من قرىً يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في بيان أحوال الصناف الثلثة التي انقسمت البشرية إليها عند خروجها‬
‫من قبورها فذكر حال السابقين وحال أصحاب اليمين وذكر هنا حال أصحاب المشأمة وهم‬
‫شمَالِ} تنديد بحالهم وإعلن عن‬
‫شمَالِ مَا َأصْحَابُ ال ّ‬
‫أصحاب الشمال فقال تعالى‪{ :‬وََأصْحَابُ‪ 1‬ال ّ‬
‫حمِيمٍ}‬
‫سمُومٍ‪ }2‬أي ريح حارة تنفذ في مسام الجسم {وَ َ‬
‫سوء عاقبتهم وما هم فيه من عذاب إنهم {فِي َ‬
‫حمُومٍ‪ 3‬ل بَارِ ٍد وَل كَرِيمٍ} إنه دخان أسود‬
‫ظلّ مِنْ يَ ْ‬
‫وهو ماء حار شديد الحرارة هذا شرابهم‪َ { ،‬و ِ‬
‫شديد السواد {ل بَارِدٍ} كغيره من الظلل {وَل كَرِيمٍ} أي وليس بذي حسن في منظره‪ .‬وقوله تعالى‬
‫{إِ ّنهُمْ‪ 4‬كَانُوا قَ ْبلَ ذَِلكَ مُتْ َرفِينَ} ‪ 5‬هذه علة جزائهم بالعذاب الليم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا شروع في تفصيل أحوالهم التي أشير عند التوزيع إلى هولها وفظاعتها بعد تفصيل حسن‬
‫حال أصحاب اليمين‪.‬‬
‫‪( 2‬السموم)‪ :‬الريح الشديدة الحرارة التي ل بلل معها كأنها مأخوذة من السم‪.‬‬
‫‪ 3‬اليحموم‪ :‬الدخان السود مشتق من الحمم على وزن صرد اسم للفحم والحممة‪ :‬الفحمة‪ .‬وفي‬
‫حمُومٍ} تهكم ظاهر‪.‬‬
‫ظلّ مِنْ يَ ْ‬
‫قوله تعالى‪{ :‬وَ ِ‬
‫‪ 4‬الجملة تعليلية إذ هي علة لما أصاب أصحاب الشمال من الهون والدون والعذاب الليم‪.‬‬
‫‪ 5‬ظاهر اللفظ أن الترف هو سبب كفرهم وإصرارهم على ذلك وجائز أن يكون الترف بعض‬
‫السبب ل كله‪ ،‬والعبرة بالواقع والشارة في قوله‪( :‬قبل ذلك) عائدة إلى السموم واليحموم والظل‬
‫من اليحموم‪.‬‬

‫( ‪)5/246‬‬

‫إنهم كانوا في الدنيا منعمين ل يصلون ول يصومون ول يجاهدون ول يرابطون‪َ { ،‬وكَانُوا‬


‫ُيصِرّونَ‪ 1‬عَلَى الْحِ ْنثِ ا ْل َعظِيمِ} أي على الثم العظيم أي الشرك وكبائر الثم والفواحش‪.‬‬
‫{ َوكَانُوا َيقُولُونَ} منكرين للبعث والجزاء جاحدين باليوم الخر‪{ -‬أَِإذَا مِتْنَا ‪َ 2‬وكُنّا تُرَابا وَعِظَاما‬
‫أَإِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ} أي أحياء كما كنا في الدنيا {َأوَآبَاؤُنَا} أيضا مبعوثون كذلك والستفهام في‬
‫الموضعين للستبعاد والنكار‪ .‬وهنا أمر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم أن يرد عليهم‬
‫ن وَالْآخِرِينَ} أي أنتم وآباؤكم من عهد آدم والخرين منكم ومن‬
‫بقوله { ُقلْ} أي قل لهم‪{ :‬إِنّ الَْأوّلِي َ‬
‫جمُوعُونَ‪ِ 3‬إلَى مِيقَاتِ َي ْومٍ َمعْلُومٍ} أي لوقت يوم معلوم عند ال‬
‫ذريتكم إلى نهاية حياة النسان { َل َم ْ‬
‫محدد باليوم والساعة والدقيقة {ثُمّ‪ 4‬إِ ّنكُمْ أَ ّيهَا الضّالّونَ} عن سبيل الهدى المعرضون عن الحق‬
‫شجَرٍ مِنْ َزقّومٍ} وهو شر ثمر‬
‫المكذبون بالبعث لداخلون جهنم ماكثون فيها أبدا وإنكم {لَآكِلُونَ مِنْ َ‬
‫وأخبث ما يؤكل مرارة { َفمَالِئُونَ مِ ْنهَا} بطونكم لما يصيبكم من الجوع الشديد‪{ ،‬فَشَارِبُونَ عَلَ ْيهِ مِنَ‬
‫حمِيمِ ‪،‬فَشَارِبُونَ شُ ْربَ‪ 5‬ا ْلهِيمِ} أي الماء الحار الشديد الحرارة مكثرين منه كما تكثر البل الهيم‬
‫الْ َ‬
‫‪ 6‬التي أصابها العطش واشتد بها داء الهيام الذي أصابها‪ .‬قوله تعالى {هَذَا نُزُُلهُمْ‪َ 7‬يوْمَ الدّينِ} أي‬
‫هذا الذي ذكرنا من طعام الضالين المكذبين وشرابهم هو نزلهم الذي ننزلهم يوم الدين وأصل‬
‫النزل ما يعد للضيف النازل من قرى‪ :‬طعام وشراب وفراش‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬أصحاب الشمال يدخل فيهم كل كافر وجد على وجه الرض فإنهم في التقسيم ثلث الناس وفي‬
‫الواقع هم أضعاف أضعاف السابقين وأصحاب اليمين لن أكثر الناس ل يؤمنون‪.‬‬
‫‪ -2‬التنديد بالترف والتنعم في هذه الحياة الدنيا فإنه يقود إلى ترك التكاليف الشرعية فيهلك‬
‫__________‬
‫‪ 1‬صيغة المضارع (يصرون) دالة على تجدد الصرار منهم‪.‬‬
‫‪ 2‬قرأ الجمهور ومنهم حفص بإثبات الستفهام الول والثاني‪ ،‬وقرأ نافع بالستفهام في (أإذا متنا)‬
‫والخبار في (إنا لمبعوثون)‪.‬‬
‫‪( 3‬مجموعون)‪ :‬أي‪ :‬مبعوثون دفعة واحدة جميعا دفعا لما قد يتوهم أنهم يبعثون على فترات كما‬
‫كان وجودهم وموتهم في الدنيا على فترات مختلفة‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا من جملة أمر الرسول صلى ال عليه وسلم أن يقوله لهم‪.‬‬
‫‪ 5‬الهيم‪ :‬جمع أهيم وهو البعير الذي أصابه الهيام بضم الهاء وهو داء يصيب البل يورثها حمى‬
‫في المعاء فل تزال تشرب ول تروى والمؤنث هيمى إذ المذكر أهيم‪.‬‬
‫‪ 6‬قرأ نافع وحفص‪( :‬شرب) بضم الشين‪ ،‬وقرأ بعض شرب بفتح الشين مصدر شرب يشرب‬
‫شربا‪.‬‬
‫‪ 7‬النزل‪ :‬بضم النون والزاي‪ :‬ما يعد للضيف ويقدم له من طعام وشراب وهو هنا تشبيه تهكمي‬
‫كالستعارة كما في قول الشاعر‪:‬‬
‫وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا‬
‫جعلنا القنا والمرهفات له نزل‬

‫( ‪)5/247‬‬

‫صاحبه لذلك ل لكون طعامه وافرا وشرابه لذيذا‪.‬‬


‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بما ل مزيد عليه من العرض والوصف لحال الناس‪.‬‬
‫نَحْنُ خََلقْنَاكُمْ فََلوْل ُتصَ ّدقُونَ (‪َ )57‬أفَرَأَيْ ُتمْ مَا ُتمْنُونَ (‪ )58‬أَأَنْتُمْ تَخُْلقُونَهُ أَمْ َنحْنُ ا ْلخَاِلقُونَ (‪)59‬‬
‫ت َومَا َنحْنُ ِبمَسْبُوقِينَ (‪ )60‬عَلَى أَنْ نُبَ ّدلَ َأمْثَاَلكُمْ وَنُنْشِ َئكُمْ فِي مَا ل َتعَْلمُونَ‬
‫نَحْنُ َقدّرْنَا بَيْ َنكُمُ ا ْل َم ْو َ‬
‫(‪ )61‬وََلقَدْ عَِلمْتُمُ النّشَْأةَ الْأُولَى فََلوْل تَ َذكّرُونَ (‪َ )62‬أفَرَأَيْتُمْ مَا َتحْرُثُونَ (‪ )63‬أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ‬
‫حطَاما فَظَلْ ُتمْ َت َفكّهُونَ (‪ )65‬إِنّا َل ُمغْ َرمُونَ (‪َ )66‬بلْ َنحْنُ‬
‫جعَلْنَاهُ ُ‬
‫نَحْنُ الزّارِعُونَ (‪َ )64‬لوْ َنشَاءُ َل َ‬
‫مَحْرُومُونَ (‪َ )67‬أفَرَأَيْ ُتمُ ا ْلمَاءَ الّذِي تَشْرَبُونَ (‪ )68‬أَأَنْ ُتمْ أَنْزَلْ ُتمُوهُ مِنَ ا ْلمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ا ْلمُنْزِلُونَ (‬
‫شكُرُونَ (‪َ )70‬أفَرَأَيْتُمُ النّارَ الّتِي تُورُونَ (‪ )71‬أَأَنْ ُتمْ أَنْشَأْ ُتمْ‬
‫جعَلْنَاهُ ُأجَاجا فََلوْل تَ ْ‬
‫‪َ )69‬لوْ نَشَاءُ َ‬
‫جعَلْنَاهَا َت ْذكِ َرةً َومَتَاعا لِ ْل ُم ْقوِينَ (‪ )73‬فَسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْل َعظِيمِ‬
‫شجَرَ َتهَا أَمْ َنحْنُ ا ْلمُنْشِئُونَ (‪ )72‬نَحْنُ َ‬
‫َ‬
‫(‪)74‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫نحن خلقناكم ‪:‬أي أوجدناكم من العدم‪.‬‬
‫فلول تصدقون ‪:‬أي فهل تصدقون بالبعث إذ القادر على النشاء قادر على العادة بعد الفناء‬
‫والبلى‪.‬‬
‫أفرأيتم ما تمنون ‪:‬أي الذي تصبونه من المني بالجماع في أرحام نسائكم‪.‬‬

‫( ‪)5/248‬‬

‫أأنتم تخلقونه ‪:‬أي بشرا أم نحن الخالقون له بشرا‪.‬‬


‫نحن قدرنا بينكم الموت ‪:‬أي قضينا به عليكم وكتبناه عليكم وعجلنا لكل واحد أجلً معينا ل يتعداه‬
‫ول يتأخر منه بحال من الحوال‪.‬‬
‫وما نحن بمسبوقين ‪:‬أي بعاجزين‪.‬‬
‫على أن نبدل أمثالكم ‪:‬أي ما أنتم عليه من الخلق والصور‪.‬‬
‫وننشئكم فيما ل تعلمون ‪:‬أي ونوجدكم في صور ل تعلمونها وهذا تهديد لهم بمسخهم وتحويلهم‬
‫إلى أبشع حيوان وأقبحه‪.‬‬
‫ولقد علمتم النشأة الولى ‪:‬أي ولقد علمتم خلقنا لكم كيف تم وكيف كان‪.‬‬
‫أفل تذكرون ‪ :‬فتعلمون أن الذي خلقكم أول مرة قادر على إعادة خلقكم مرة أخرى بعد موتكم‬
‫وفنائكم‪.‬‬
‫أفرأيتم ما تحرثون ‪:‬أي من إثارة الرض بالمحراث وإلقاء البذر فيها‪.‬‬
‫أأنتم تزرعونه ‪:‬أي تنبتونه‪.‬‬
‫أم نحن الزارعون ‪:‬أي نحن المنبتون له يقال زرعه ال أي أنبته‪.‬‬
‫لو نشاء لجعلناه حطاما ‪:‬أي لو نشاء لجعلنا الزرع حطاما يابسا بعد أن أصبح سنبلً وقارب أن‬
‫يفرك فتحرمون منه‪.‬‬
‫فظلتم تفكهون ‪:‬أي تتعجبون في مجالسكم من الجائحة التي أصابت زرعكم‪.‬‬
‫إنا لمغرمون ‪:‬أي قائلين إنا لمغرمون أي ما أنفقناه على حرثه ورعايته معذبون به‪.‬‬
‫بل نحن محرومون ‪:‬أي لسنا بمعذبين به وإنما نحن محرومون من زرعنا وما بذلناه فيه ليس لنا‬
‫من حظ ول جد أي غير محظوظين ول مجدودين‪.‬‬
‫أفرأيتم الماء الذي تشربون ‪:‬أي أخبرونا عن الماء الذي تشربونه وحياتكم متوقفة عليه‪.‬‬
‫أأنتم أنزلتموه من المزن ‪:‬أي من السحاب في السماء إلى الرض‪.‬‬
‫أم نحن المنزلون ‪:‬أي له إلى الرض‪.‬‬
‫لو نشاء لجعلناه أجاجا ‪:‬أي ملحا مرا ل يمكن شربه‪.‬‬

‫( ‪)5/249‬‬

‫فلول تشكرون ‪:‬أي فهل تشكرون أي ال باليمان والطاعة‪.‬‬


‫أفرأيتم النار التي تورون ‪:‬أي أخبرونا عن النار التي تخرجون من الشجر‪.‬‬
‫أأنتم أنشأتم شجرتها ‪:‬أي خلقتم شجرتها كالمرخ والعفار والكلخ‪.‬‬
‫أم نحن المنشئون ‪:‬أي نحن المنشئون لتلك الشجار‪.‬‬
‫نحن جعلناها تذكرة ‪:‬أي جعلنا تلك النار تذكرة أي تذكر بنار جهنم‪.‬‬
‫ومتاعا للمقوين ‪: 1‬أي بلغةً للمسافرين يتبلغون بها في سفرهم‪.‬‬
‫فسبح باسم ربك العظيم ‪:‬أي نزه اسم ربك عما ل يليق به كذكره بغير احترام ول تعظيم أو السم‬
‫صلة والتقدير نزه ربك عن الشريك ومن ذلك قولك سبحان ربي العظيم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫السياق هنا في تقرير عقيدة البعث والجزاء التي أنكرها المشركون وذلك بذكر الدلة العقلية‬
‫الموجبة للعلم واليقين في المعلوم المطلوب تحصيله قال تعالى { َنحْنُ‪ 2‬خََلقْنَاكُمْ} وأنتم معترفون‬
‫بذلك إذ لما نسألكم من خلقكم تقولون ال‪ .‬إذا { َفَلوْل ‪ُ 3‬تصَ ّدقُونَ} أي فهل تصدقون بالبعث والحياة‬
‫الثانية إذ القادر على الخلق الول قادر على العادة‪ .‬وهذه أدلة قدرتنا تأملوها أولً {َأفَرَأَيْ ُتمْ مَا‬
‫ُتمْنُونَ} أي أخبرونا عما تمنون أي تصبونه في أرحام نسائكم بالجماع {أَأَنْ ُتمْ‪َ 4‬تخُْلقُونَهُ} ولدا {أَمْ‬
‫نَحْنُ الْخَاِلقُونَ} والجواب نحن الخالقون إذا القادر على خلقكم بواسطة هذا المناء والتكوين في‬
‫الرحام قادر على خلقكم بطريق آخر وثانيا {نَحْنُ َقدّرْنَا بَيْ َنكُمُ ا ْل َموْتَ} وقضينا به عليكم فل‬
‫يستطيع أحد منكم أن يمنعنا من إماتته وفي الوقت المحدد له‪ .‬بحيث لو طلب التقديم أو التأخير لما‬
‫قدر على ذلك أليس القادر على خلقكم وإماتتكم قادر على بعثكم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المقوى‪ :‬من نزل القوى والقواء والقي أيضا‪ :‬أي الرض القفر التي ل شيء فيها ول أنيس بها‬
‫يقال‪ :‬أقوت الدار وقويت أيضا أي‪ :‬خلت من سكانها‪ ،‬قال النابغة‪:‬‬
‫يا دار مية بالعلياء فالسند‬
‫أقوت وطال عليها سالف المد‬
‫وقال عنترة‪:‬‬
‫حييت من طلل تقادم عهده‬
‫أقوى وأقفر بعد أم الهيثم ‪2‬‬
‫جمُوعُونَ إِلَى‬
‫موقع هذه الجملة‪ :‬الستدلل والتعليل لما تضمنه جملة { ُقلْ إِنّ الَْأوّلِينَ وَالْآخِرِينَ َلمَ ْ‬
‫مِيقَاتِ َيوْمٍ َمعْلُومٍ} من عقيدة البعث والجزاء وتقريرها‪.‬‬
‫‪ 3‬الفاء للتفريع فالجملة متفرعة عن قوله تعالى {نَحْنُ خََلقْنَاكُمْ} وهي متضمنة للتحضيض على‬
‫التصديق بالبعث الخر إذ لول هنا للتحضيض على ذلك‪.‬‬
‫‪ 4‬الستفهام للتقرير بتعيين خالق الجنين من النطفة إذ ل يسعهم إل القرار بأن خالق الجنين من‬
‫نطفة هو ال‪.‬‬

‫( ‪)5/250‬‬

‫بلى وثالثا { َومَا نَحْنُ ِبمَسْبُوقِينَ عَلَى أَنْ نُ َب ّدلَ َأمْثَاَلكُ ْم وَنُنْشِ َئكُمْ‪ 1‬فِي مَا ل َتعَْلمُونَ} بحيث نخلقكم في‬
‫صور وأشكال غير ما أنتم عليه فنخلقكم خلقا ذميما وقبيحا كالقردة والخنازير‪ ،‬وما نحن بعاجزين‬
‫عن ذلك فهل نعجز إذا عن بعثكم بعد موتكم أحياء لنحاسبكم ونجزيكم {وََلقَدْ عَِلمْ ُتمُ النّشَْأةَ الْأُولَى}‬
‫كيف تمت لكم بما ل تنكرونه‪.‬‬
‫إذا {َأفَل تَ َذكّرُونَ} فتعلمون أن الذي خلقكم أول مرة قادر على خلقكم ثانية مع العلم أن العادة‬
‫ليست بأصعب من النشاء من عدم ل من وجود‪ .‬ورابعا {َأفَرَأَيْ ُتمْ مَا تَحْرُثُونَ}‪ 2‬من إثارة الرض‬
‫وإلقاء البذر فيها أخبرونا أأنتم تنبتون الزرع {أَمْ َنحْنُ الزّارِعُونَ} له أي المنبتون والجواب‬
‫معروف وهو أننا نحن الزارعون ل أنتم‪ .‬إذا فالقادر على إنبات الزرع قادر على إنباتكم في‬
‫قبوركم على نحو إنبات الزرع وعجب الذنب هو النواة التي تنبتون منها وخامسا هو أن ذلك‬
‫الزرع الذي أنبتناه لو نشاء لجعلناه بعد نضرته وقرب حصاده حطاما يابسا ل تنتفعون منه بشيء‬
‫‪ 3‬فظلتم تفكهون متعجبين من حرمانكم من زرعكم تقولون {إِنّا َل ُمغْ َرمُونَ} أي ما أنفقناه على‬
‫حرثه ورعايته معذبون به ‪ 4‬ثم تضربون عن قولكم ذلك إلى قول آخر وهو قولكم { َبلْ َنحْنُ‬
‫مَحْرُومُونَ} ما لنا من حظ ول جد فيه أي لسنا محظوظين ول مجدودين‪ .‬إن أنبات الزرع ثم‬
‫حرمانكم منه بعد طمعكم في النتفاع به مظهر من مظاهر قدرة ال وعلمه وحكمته وتدبيره وكلها‬
‫دالة على قدرته على بعثكم لمحاسبتكم ومجازاتكم على عملكم في هذه الحياة الدنيا‪ .‬وسادسا الماء‬
‫الذي تشربون وحياتكم متوقفة عليه أخبروني {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْ ُتمُوهُ} من السحاب {أَمْ َنحْنُ ا ْلمُنْزِلُونَ}‬
‫والجواب نحن المنزلون ل أنتم هذا أولً وثانيا لو نشأ لجعلنا الماء ملحا مرا ل تنتفعون منه بشيء‬
‫وإنا لقادرون فهل تشكرون هذا الحسان منا إليكم باليمان بنا والطاعة لنا‪ .‬وسابعا النار التي‬
‫شجَرَ َتهَا أَمْ َنحْنُ ا ْلمُنْشِئُونَ} والجواب نحن ل أنتم فالذي‬
‫تورون وتشعلونها أخبروني {أَأَنْ ُتمْ أَنْشَأْ ُتمْ َ‬
‫يوجد النار في الشجر قادر على أن يبعثكم أحياء من قبوركم ليحاسبكم على‬
‫__________‬
‫‪ 1‬السبق‪ :‬كناية عن الغلبة والتعجيز‪ ،‬لن السبق يستلزم أن السابق غالب للمسبوق فمعنى‪ :‬وما‬
‫نحن (بمسبوقين) أي‪ :‬غير مغلوبين‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫كأنك لم تسبق من الدهر مرة‬
‫إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب‬
‫‪ 2‬الشبه قوي بين تحويل النطفة إلى جنين‪ ،‬والحبة إلى نبات فهي مناسبة عجيبة بين الدليلين‪.‬‬
‫‪ 3‬أصل (فظلمتم) فظللتم فحذت إحدى اللمين تخفيفا كما حذفت إحدى التاءين من (تفكهون) إذ‬
‫الصل (تتفكهون)‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا بناء على ا‪ ،‬الغرام‪ :‬هو العذاب كقوله تعالى‪{ :‬إِنّ عَذَا َبهَا كَانَ غَرَاما} أو هو من الغرامة‬
‫التي هي ذهاب مال المرء وأخذه منه بغير عوض‪.‬‬

‫( ‪)5/251‬‬

‫جعَلْنَاهَا} أي النار {تَ ْذكِ َرةً} لكم تذكركم بنار الخرة فالذي‬
‫سلوككم ويجزيكم به‪ .‬وقوله تعالى {نَحْنُ َ‬
‫أوجد هذه النار قادر على إيجاد نار أخرى لو كنتم تذكرون وجعلناها أيضا متاعا أي بلغة للمقوين‬
‫‪ 1‬المسافرين يتبلغون بها في سفرهم حتى يعودوا إلى ديارهم‪ .‬فالقادر على الخلق واليجاد‬
‫والتدبير لمصالح عباده قادر على إيجاد حياة أخرى يجزي فيها المحسنين اليوم والمسيئين إذ‬
‫الحكمة تقتضي هذا وتأمر به‪.‬‬
‫سمِ رَ ّبكَ‪ 2‬ا ْلعَظِيمِ} بعد إقامة الحجة على منكري البعث بالدلة العقلية أمر‬
‫وقوله تعالى {فَسَبّحْ بِا ْ‬
‫تعالى رسوله أن يسبح ربه أي ينزهه عن اللعب عن اللعب والعبث اللزم لخلق الحياة الدنيا على‬
‫هذا النظام الدقيق ثم إفنائها ول شيء وراء ذلك‪ .‬إذ البعث والحياة الخرة هي الغاية من هذه‬
‫الحياة الدنيا فالناس يعملون ليحاسبوا ويجزوا فلبد من حياة أكمل وأتم من هذه الحياة يتم فيها‬
‫الجزاء وقد بينها تعالى وفصلها في كتبه وعلى ألسنة رسله‪ ،‬وضرب لها المثال فل ينكرها إل‬
‫سفيه هالك‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬إقامة الدلة والبراهين العديدة على صحة البعث وإمكانه عقل‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان منن ال تعالى على عباده في طعامهم وشرابهم‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب شكر ال تعالى على إفضاله وإنعامه‪.‬‬
‫‪ -5‬في النار التي توقدها عبرة‪ ،‬وعظة للمتقين‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب تسبيح ‪ 3‬ال وتنزيهه عما ل يليق بجلله وكماله من العبث والشريك‪.‬‬
‫فَل ُأقْسِمُ ِب َموَاقِعِ النّجُومِ (‪ )75‬وَإِنّهُ َلقَسَمٌ َلوْ َتعَْلمُونَ عَظِيمٌ (‪)76‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المقوى‪ :‬الداخل في القواء وهو القفر‪ ،‬فالمقوون‪ ،‬الداخلون في القواء الذي هو القفر والقفار‬
‫وهذه حال المسافر‪ ،‬والمقوى أيضا‪ :‬الجائع القفر البطن الخاوي من الطعام‪ ،‬فالنار يتمتع بها‬
‫المسافرون للستضاءة والستدفاء وطبخ الطعام‪.‬‬
‫‪ 2‬الباء في باسم‪ :‬زائدة لتوكيد اللصوق أي‪ :‬اتصال الفعل بمفعوله وذلك لوقوع المر بالتسبيح‬
‫عقب ذكر عدة أمور تقتضيه حسبما دلت عليه فاء الترتيب والتعقيب‪ ،‬واسم الرب هو ال الدال‬
‫على ذاته سبحانه وتعالى‪ ،‬والتسبيح‪ .‬التنزيه عما ل يليق ولفظه سبحان ال أي‪ :‬ننزه ال عما‬
‫أضافه إليه المشركون من النداد والعجز عن البعث‪.‬‬
‫‪ 3‬في الصحيح‪" :‬لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم" قال الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬اجعلوها‬
‫في ركوعكم" فكان المصلي إذا ركع قال‪ :‬سبحان ربي العظيم ثلثا أو أكثر امتثال لمر ال‬
‫ورسوله"‪.‬‬

‫( ‪)5/252‬‬

‫طهّرُونَ (‪ )79‬تَنْزِيلٌ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ‬


‫إِنّهُ َلقُرْآنٌ كَرِيمٌ (‪ )77‬فِي كِتَابٍ َمكْنُونٍ (‪ )78‬ل َيمَسّهُ إِلّا ا ْلمُ َ‬
‫جعَلُونَ رِ ْز َقكُمْ أَ ّنكُمْ ُتكَذّبُونَ (‪)82‬‬
‫(‪َ )80‬أفَ ِبهَذَا ا ْلحَدِيثِ أَنْ ُتمْ مُدْهِنُونَ (‪ )81‬وَتَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫فل أقسم ‪:‬أي فأقسم ول صلة لتقوية الكلم وتأكيد القسم‪.‬‬
‫بمواقع النجوم ‪:‬أي بمساقطها لغروبها وبمنازلها أيضا ومطالعها كذلك‪.‬‬
‫وإنه ‪:‬أي القسم بها‪.‬‬
‫لو تعلمون عظيم ‪:‬أي لو كنتم من أهل العلم لعلمتم عظم هذا القسم‪.‬‬
‫إنه ‪:‬أي المتلو عليكم لقرآن كريم وهو الذي كذب به المشركون‪.‬‬
‫في كتاب مكنون ‪:‬أي مصون وهو المصحف‪.‬‬
‫ل يمسه إل المطهرون ‪:‬أي من الملئكة والنبياء وكل طاهر غير محدث حدثا أكبر وأصغر‪.‬‬
‫تنزيل من رب العالمين ‪:‬أي منزل من رب العالمين وهو ال جل جلله‪.‬‬
‫أفبهذا الحديث ‪:‬أي القرآن‪.‬‬
‫أنتم مدهنون ‪:‬أي تلينون القول للمكذبين به ممالة منكم لهم على التكذيب به والكفر‪.‬‬
‫وتجعلون رزقكم ‪:‬أي شكر ال على رزقكم‪.‬‬
‫أنكم تكذبون ‪:‬أي تكذيبكم بسقيا ال وتقولون مطرنا بنوء كذا وكذا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫سمُ ِب َموَاقِعِ النّجُومِ} ‪ 1‬أقسم بمواقع النجوم وهي مطالعها ومغاربها وإنه أي‬
‫قوله تعالى {فَل ُأقْ ِ‬
‫قسمي هذا لقسم لو تعلمون أي لو كنتم من أهل العلم عظيم‪ .‬لن النجوم ومنازلها ومطالعها‬
‫ومساقطها ومغاربها التي تغرب فيها أمور عظيمة في خلقها وتدبير ال فيها إنه لقسم بشيء‬
‫عظيم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪( 1‬ل) صلة في قول أكثر المفسرين أي‪ :‬فأقسم بمواقع النجوم وقيل‪ :‬هي نفي أي ليس المر كما‬
‫تقولون ثم استأنف فقال‪ :‬فأقسم كقول الرجل‪ :‬ل وال ما كان كذا وكذا‪ ،‬ول يريد به نفي اليمين بل‬
‫يريد به نفي كلم سابق وقيل‪ :‬ل بمعنى أل أداة تنبيه وشاهده قول الشاعر‪:‬‬
‫أل عم صباحا أيها الطلل البالي‬
‫وهل ينعمن من كان في العصر الخالي‬

‫( ‪)5/253‬‬

‫والمقسم عليه هو قوله إنه أي المكذب به لقرآن كريم ‪ ،1‬ل كما قال المبطلون شعر وسحر وكذب‬
‫طهّرُونَ} سواء ما كان في اللوح المحفوظ‬
‫واختلق {فِي كِتَابٍ َمكْنُونٍ} أي مصون {ل َيمَسّهُ إِلّا ا ْلمُ َ‬
‫أو في مصاحفنا فل ينبغي أن يمسه إل المطهرون من الحداث الصغرى ‪ 2‬والكبرى {تَنْزِيلٌ مِنْ‪3‬‬
‫َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} أي منزل منه سبحانه وتعالى ولذا وجب تقديسه وتعظيمه فل يمسه إل طاهر من‬
‫حدِيثِ} أي القرآن أنتم مدهنون تلينون القول‬
‫الشرك والكفر وسائر الحداث‪ .‬وقوله تعالى {َأفَ ِبهَذَا الْ َ‬
‫للمكذبين به ممالة منكم لهم على التكذيب به والكفر وتجعلون رزقكم ‪ 4‬أي وتجعلون شكر ال‬
‫تعالى على رزقه لكم أنكم تكذبون أي تكذيبكم بسقيا ال لكم بالمطار وتقولون مطرنا ينوء كذا‬
‫ونوء كذا‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أن ال تعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته‪ ،‬وإن العبد ل يقسم إل بربه تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير الوحي اللهي وإثبات النبوة المحمدية‪ ،‬وأن القرآن الكريم منزل من عند ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب صيانة القرآن الكريم‪ ،‬وحرمة مسه على غير طهارة‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة المداهنة في دين ال تعالى وهي أن يتنازل عن شيء من الدين ليحفظ شيئا من دنياه‬
‫والمداراة جائزة وهي أن يتنازل عن شيء من دنياه ليحفظ شيئا من ديته‪.‬‬
‫فََلوْل ِإذَا بََل َغتِ الْحُ ْلقُومَ (‪ )83‬وَأَنْتُمْ حِينَ ِئذٍ تَنْظُرُونَ (‪ )84‬وَنَحْنُ َأقْ َربُ إِلَيْهِ مِ ْنكُ ْم وََلكِنْ ل تُ ْبصِرُونَ‬
‫جعُو َنهَا إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ )87‬فََأمّا إِنْ كَانَ مِنَ ا ْلمُقَرّبِينَ‬
‫(‪ )85‬فََلوْل إِنْ كُنْ ُتمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (‪ )86‬تَ ْر ِ‬
‫صحَابِ‬
‫ن وَجَ ّنتُ َنعِيمٍ (‪ )89‬وََأمّا إِنْ كَانَ مِنْ َأ ْ‬
‫(‪ )88‬فَ َروْحٌ وَرَيْحَا ٌ‬
‫__________‬
‫‪( 1‬كريم) لما فيه من كريم الخلق‪ ،‬ومعالي المور ولنه يكرم حافظه ويعظم قارئه ويسعد‬
‫وينجو العامل به‪.‬‬
‫‪ 2‬قال القرطبي‪ :‬اختلف في مس المصحف على غير وضوء‪ ،‬فالجمهور على المنع لحديث عمرو‬
‫بن حزم‪ ،‬وهو مذهب علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعطاء وزهري‬
‫والنخعي والحكم وحماد وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي وأحمد‪.‬‬
‫‪( 3‬تنزيل) بمعنى‪ :‬منزل من إطلق المصدر وإرادة المفعول كالرد بمعنى المردود‪.‬‬
‫‪ 4‬صلح وضع لفظ الرزق موضع الشكر لن شكر الرزق يسبب الزيادة في الرزق فأطلق السبب‬
‫وأريد المسبب‪.‬‬

‫( ‪)5/254‬‬

‫الْ َيمِينِ (‪ )90‬فَسَلمٌ َلكَ مِنْ َأصْحَابِ الْ َيمِينِ (‪ )91‬وََأمّا إِنْ كَانَ مِنَ ا ْل ُمكَذّبِينَ الضّالّينَ (‪ )92‬فَنُ ُزلٌ‬
‫جحِيمٍ (‪ )94‬إِنّ هَذَا َل ُهوَ حَقّ الْ َيقِينِ (‪َ )95‬فسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ (‪)96‬‬
‫حمِيمٍ (‪ )93‬وَ َتصْلِيَةُ َ‬
‫مِنْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫فلول ‪:‬أي فهل وهي للحض على العمل والحث عليه‪.‬‬
‫إذا بلغت الحلقوم ‪:‬أي مجرى الطعام وذلك وقت النزع‪.‬‬
‫وأنتم تنظرون ‪:‬أي وأنتم أيها الممرضون والعواد تنظرون إليه‪.‬‬
‫ونحن أقرب إليه منكم ‪ :‬أي ورسلنا ملك الموت وأعوانه أقرب إلى المحتضر منكم‪.‬‬
‫ولكن ل تبصرون ‪:‬أي الملئكة‪.‬‬
‫فلول إن كنتم غبر مدينين ‪:‬أي فهل إن كنتم غير مدينين أي محاسبين بعد الموت‪.‬‬
‫ترجعونها إن كنتم صادقين ‪:‬أي ترجعون الروح إلى الجسم بعد وشوك مفارقتها له إن كنتم‬
‫صادقين في أنكم ل تبعثون ول تحاسبون‪.‬‬
‫فأما إن كان ‪:‬أي الميت‪.‬‬
‫من المقربين ‪:‬أي من السابقين وهو الصنف الول من الصناف الثلثة التي تقدمت في أول‬
‫السورة‪.‬‬
‫فروح وريحان ‪ :‬أي استراحة وريحان أي رزق حسن وجنة نعيم‪.‬‬
‫وأما إن كان من أصحاب اليمين ‪:‬أي من الصنف الثاني فسلم لك يا صاحب اليمين من أصحاب‬
‫اليمين‪ .‬أي من إخوانك يسلمون عليك فإنهم في جنات النعيم‪.‬‬
‫فنزل من حميم ‪:‬أي فله نزل من ماء حار شديد الحرارة‪.‬‬
‫وتصلية جحيم ‪:‬أي احتراق بها‪.‬‬
‫إن هذا لهو حق اليقين ‪:‬أي إن هذا الذي قصصناه عليك في هذه السورة لهو حق اليقين‪.‬‬

‫( ‪)5/255‬‬

‫فسبح باسم ربك العظيم ‪:‬أي نزه وقدس اسم ربك العظيم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد تقرير النبوة المحمدية وأن القرآن كلم ال وتنزيله عاد السياق الكريم إلى تقرير البعث‬
‫والجزاء فقال تعالى ‪{ 1‬فََلوْل ِإذَا بََل َغتِ} أي الروح ‪{ 2‬ا ْلحُ ْلقُومَ} وهو مجرى الطعام { َوأَنْتُمْ} في ‪3‬‬
‫ذلك الوقت {تَ ْنظُرُونَ} مريضكم وهو يعاني من سكرات الموت‪ ،‬ونحن أقرب إليه منكم أي رسلنا‬
‫أقرب إليه منكم ولكن ل تبصرون إذ ل قدرة لكم على رؤية الملئكة ما لم يتشكلوا في صورة‬
‫إنسان‪ .‬وقوله {فََلوْل إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} أي محاسبين بعد الموت ومجزيين بأعمالكم ترجعونها‬
‫الروح بعد ما بلغت الحلقوم إن كنتم صادقين في أنكم غير مدينين ل بأعمالكم‪ ،‬أي فل يحاسبكم‬
‫عليها ول يجزيكم بها‪.‬‬
‫وقوله تعالى {فََأمّا إِنْ‪ 4‬كَانَ} أي المحتضر من المقربين وهم السابقون {فَ َروْحٌ وَرَ ْيحَانٌ}‪ 5‬أي فإن‬
‫له الستراحة التامة من عناء تعب الدنيا وتكاليفها وريحان وهو الرزق الحسن وجنة نعيم‪ .‬وأما‬
‫إن كان من أصحاب اليمين الذين يؤخذ بهم في عرصات القيامة ذات اليمين فسلم لك يا صاحب‬
‫اليمين من إخوانك أصحاب اليمين الذين سبقوك إلى دار السلم‪.‬‬
‫وأما إن كان المحتضر من المكذبين ل ورسوله المنكرين للبعث الخر الضالين عن الهدى ودين‬
‫حمِيمٍ} أي ضيافة على الماء الحار هذه ضيافته وتصلية ‪ 6‬جحيم أي واحتراق‬
‫الحق { فَنُ ُزلٌ مِنْ َ‬
‫بالجحيم‪.‬‬
‫وقوله تعالى {إِنّ َهذَا ‪َ 7‬ل ُهوَ حَقّ الْ َيقِينِ}‪ 8‬أي هذا الذي حدثناك به عن المحتضرين الثلثة وما لهم‬
‫وما نالهم لحق اليقين‪ .‬وقوله {فَسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ} يأمر تعالى رسوله بالتسبيح باسم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لم يجر للروح ذكر إل أن المقام دال عليها كما قال حاتم‪.‬‬
‫أما وي ما يغني الثراء عن الفتى‬
‫إذا حشرت يوما وضاق بها الصدر ‪2‬‬
‫(لول) حرف تحضيض مستعمل هنا في التعجيز‪ ،‬لن المحضوض إذا لم يفعل ما حض عليه كان‬
‫عاجزا (وإذا بلغت) ظرف متعلق ب(ترجعونها) مقدم عليه لتهويله والتشويق إلى الفعل‬
‫المحضوض عليه‪.‬‬
‫‪( 3‬وأنتم) الجملة الحالية وكذا جملة (ونحن أقرب إليه منكم) حالية أيضا‪.‬‬
‫‪ 4‬الفاء للتفريع إذ ما بعدها من بيان حال من مات من سعادة أو شقاء متفرع عن الموت وانتهاء‬
‫الحياة‪.‬‬
‫‪ 5‬الروح‪ :‬الراحة أي‪ :‬هو في راحة ونعيم‪ ،‬وعلى قراءة روح بضم الراء فالمعنى‪ :‬أن روح‬
‫المؤمن معها الريحان وهو الطيب والريحان شجر لورقه وقضبانه رائحة ذكية طيبة‪.‬‬
‫‪ 6‬التصلية‪ :‬مصدر صله المشدد‪ :‬إذا أحرقه وشواه يقال‪ :‬صلى اللحم تصلية‪ :‬إذا شواه والجحيم‪:‬‬
‫النار المؤججة‪ ،‬وهو علم على جهنم دار العذاب‪.‬‬
‫‪ 7‬هذه الجملة تذييل لجميع ما تقدم في هذه السورة من وعد ووعيد واستدلل على تقرير النبوة‬
‫والبعث والتوحيد ويدخل فيه دخول أوليا القرب ذكرا وهو ما ذكر في التفسير‪.‬‬
‫‪ 8‬اشتملت جملة‪( :‬إن هذا لهو حق اليقين) على أربع مؤكدات وهي‪ :‬إن‪ ،‬ولم البتداء‪ ،‬وضمير‬
‫الفصل‪ ،‬وإضافة شبه المترادفين وهما‪ :‬الحق واليقين‪ ،‬وخامس وهو الجملة السمية لفادتها الدوام‬
‫والثبوت‪.‬‬

‫( ‪)5/256‬‬

‫ربه العظيم صح أنه لما نزلت هذه الية قال صلى ال علي وسلم لصحابه "اجعلوها في ركوعكم"‬
‫‪ ،‬والتسبيح التقديس والنزيه ل تعالى عما ل يليق بجلله وكماله‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان عجز كل الناس أمام قدرة ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬أن في عجز النسان على رد روح المحتضر ليعيش بعد ذلك ولو ساعة دليل على أنه ل إله‬
‫إل ال‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان فضل السابقين عن أصحاب اليمين‪.‬‬
‫‪ -5‬القرآن الكريم أحكامه كلها عدل وأخباره كلها صدق‪.‬‬
‫‪ -6‬مشروعية قول العبد سبحان ال وبحمده سبحان ال العظيم وهما من الكلم الطيب وكذا سبحان‬
‫ربي العظيم حال الركوع‪.‬‬

‫( ‪)5/257‬‬

‫سورة الحديد‬
‫‪...‬‬
‫سورة الحديد‬
‫مدنية‬
‫وآياتها تسع وعشرون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ يُحْيِي‬
‫حكِيمُ (‪ )1‬لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪)3‬‬
‫ن وَ ُهوَ ِب ُكلّ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ُ )2‬هوَ الَْأ ّولُ وَالْآخِ ُر وَالظّاهِ ُر وَالْبَاطِ ُ‬
‫ت وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫وَ ُيمِي ُ‬
‫ض َومَا‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ َيعَْلمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫ُهوَ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫سمَاءِ َومَا َيعْرُجُ فِيهَا وَ ُهوَ َم َعكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ‬
‫يَخْرُجُ مِ ْنهَا َومَا يَنْ ِزلُ مِنَ ال ّ‬

‫( ‪)5/257‬‬

‫جعُ الُْأمُورُ (‪ )5‬يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ وَيُولِجُ‬


‫ت وَالْأَ ْرضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫َبصِيرٌ (‪َ )4‬لهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫ال ّنهَارَ فِي اللّ ْيلِ وَ ُهوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ (‪)6‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫سبح ل ما في السموات ‪ 1‬والرض ‪:‬أي نزه ال تعالى جميع ما في السموات والرض بلسان‬
‫الحال والقال‪2.‬‬
‫وهو العزيز الحكيم ‪:‬أي في ملكه‪ ،‬الحكيم في صنعه وتدبيره‪.‬‬
‫له ملك السموات والرض ‪:‬أي يملك جميع ما في السموات والرض يتصرف كيف يشاء‪.‬‬
‫يحيى ويميت ‪:‬يحييى بعد العدم ويميت بعد اليجاد والحياء‪.‬‬
‫وهو على كل شيء قدير ‪:‬وهو على فعل كل ما يشاء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬
‫هو الول والخر ‪:‬أي ليس قبله شيء وهو الخر الذي ليس بعده شيء‪3.‬‬
‫والظاهر والباطن ‪:‬أي الظاهر الذي ليس فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء‪.‬‬
‫وهو بكل شيء عليم ‪:‬أي ل يغيب عن علمه شيء ولو كان مثقال ذرة في السموات والرض‪.‬‬
‫في ستة أيام ‪:‬أي من أيام الدنيا مقدرة بها أولها الحد وآخرها الجمعة‪.‬‬
‫ثم استوى على العرش ‪: 4‬أي ارتفع عليه وعل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪( 1‬ال) الله المنفرد باللية ومعنى‪ :‬سبح نزه وورد لفظ التسبيح بالمصدر في (سبحان الذي‬
‫أسرى بعبده) وبالماضي في الحشر والحديد والصف‪ ،‬والمضارع في الجمعة والتغابن‪ ،‬والمر في‬
‫العلى فسبح تعالى بكل ألفاظ التسبيح‪.‬‬
‫‪ 2‬رد أهل العلم القول بأن تسبيح غير العالمين هو تسبيح دللة ل تسبيح قالة‪ ،‬إذ لو كان تسبيح‬
‫دللة وظهور لما قال‪( :‬ولكن ل تفقهون تسبيحهم) إذ تسبيح الدللة مفهوم معلوم‪.‬‬
‫‪ 3‬روى مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬اللهم أنت‬
‫الول فليس قبلك شيء وأنت الخر فليس بعدك شيء‪ ،‬وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت‬
‫الباطن فليس دونك شيء أقض عنا الدين وأغننا من الفقر"‪.‬‬
‫‪ 4‬قال القرطبي‪ :‬قد جمع تعالى بين الستواء على العرش وبين (وهو معكم) والخذ بالظاهر‬
‫تناقض فدل على أنه لبد من التأويل والعراض عن التأويل اعتراف بالتناقص‪ .‬وأقول‪ :‬إن كان‬
‫يعني بالتأويل قول السلف‪ :‬معنا بعلمه وقدرته فهذا صحيح ومع هذا فإنه ل تناقض أبدا إذ هو‬
‫تعالى على عرشه بائن من خلقه‪ ،‬والخلق كله بين يديه كحبة خردل يتصرف فيه كما يشاء ل‬
‫يغيب عن علمه ذرة في الرض ول في السماء‪ ،‬ول يعجزه شيء فيهما ولذا قال بعضهم‪ :‬إن‬
‫محمدا صلى ال عليه وسلم ليلة السراء لم يكن بأقرب إلى ال عز وجل من يونس بن متى حين‬
‫كان في بطن الحوت‪.‬‬

‫( ‪)5/258‬‬

‫يعلم ما يلج في الرض ‪:‬أي ما يدخل في الرض من كل ما يدخل فيها من مطر وأموات‪.‬‬
‫وما يخرج منها ‪:‬أي من نبات ومعادن‪.‬‬
‫وما ينزل من السماء ‪:‬أي من رحمة وعذاب‪.‬‬
‫وما يعرج فيها ‪:‬أي يصعد فيها من العمال الصالحة والسيئة‪.‬‬
‫وهو معكم أينما كنتم ‪:‬أي بعلمه بكم وقدرته عليكم أينما كنتم‪.‬‬
‫وال بما تعملون بصير ‪:‬أي ل يخفي عليه من أعمال عباده الظاهرة والباطنة شيء‪.‬‬
‫وإلى ال ترجع المور ‪: 1‬أي مرد كل شيء إلى ال خالقه ومدبره يحكم فيه بما يشاء‪.‬‬
‫يولج الليل في النهار ‪:‬أي يدخل جزءا من الليل في النهار وذلك في الصيف‪.‬‬
‫ويولج النهار في الليل ‪:‬ويدخل جزءا من النهار في الليل وذلك في الشتاء كما يدخل كامل أحدهما‬
‫في الخر فل يبقى إل ليل أو نهار إذ أحدهما دخل في ثانيهما‪.‬‬
‫وهو عليم بذات الصدور ‪:‬أي ما في الصدور من المعتقدات والسرار والنيات‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى في هذه اليات الخمس عن وجوده وعظمته من قدرة وعلم وحكمة ورحمة وتدبيره‬
‫وملكه ومرد المور إليه وكلها مظاهر الربوبية الموجبة لللوهية فأول تسبيح كل شيء في‬
‫السموات والرض أي تنزيهه عن كل نقص كالزوجة والولد والشريك والوزير المعين والعجز‬
‫والجهل‪ ,‬ثانيا إنه تعالى العزيز ذو العزة التي ل ترام العظيم النتقام الحكيم في تدبير ملكه فل‬
‫شيء في خلقه هو عبث أو لهو أو باطل‪ .‬ثالثا له ملك السموات والرض ملكا حقيقيا يتصرف‬
‫كيف يشاء يهب من شاء ويمنع من شاء‪ .‬رابعا يحيى من العدم ويميت الحي الموجود‪ ,‬خامسا هو‬
‫على كل شيء قدير ل يعجزه شيء ول يعجز عن شيء متى أراد الشيء وقال له كن فيكون ول‬
‫يتخلف‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ الجمهور ونافع وحفص وغيرهما (نُرجع) بالبناء للمفعول وقرأ بعض (ترجع) بالبناء‬
‫للفاعل‪ ،‬رجوع المر معناه‪ :‬مرد كل شيء إلى ال تعالى إذ هو خالقه ومدبره والحاكم فيه إذ هو‬
‫رب العالمين وإله الولين والخرين‪.‬‬

‫( ‪)5/259‬‬

‫سادسا‪ :‬هو الول الذي ليس قبله شيء والخر الذي ليس بعده شيء إذ له ميراث السموات‬
‫والرض ‪ .‬سابعا‪ :‬علمه محيط بكل شيء‪ .‬ثامنا‪ :‬خلقه السموات والرض في ستة أيام الدنيا ابتداء‬
‫من الحد وانتهاء بالجمعة وما مسه من لغوب ول تعب ول نصب ثم استوى على العرش يدبر‬
‫ملكوت خلقه بالحكمة ومظاهر العدل والرحمة‪ .‬تاسعا‪ :‬مع علوه وبعده من خلقه فالخلق كله بين‬
‫يديه يعلم ما يلج في الرض أي يدخل فيها من أمطار وأموات وما ينزل من السماء من مطر‬
‫ورحمة وعذاب وملك وغيره‪ ,‬وما يعرج أي يصعد فيها من ملك ومن عمل صالح ودعاء وخاصة‬
‫دعوة المظلوم فإنها ل تحجب عن ال أبدا‪ .‬وعاشرا‪ :‬معية ال تعالى الخاصة والعامة فالخاصة‬
‫معيته بنصره لوليائه‪ ,‬والعامة علمه بكل عباده وسائر خلقه‪ ,‬وقدرته عليهم وعلمه بهم‪ .‬الحادي‬
‫عشر‪ :‬بصره تعالى بكل أعمال عباده فل يخفى عليه شيء منها ليحاسبهم بها ويجزيهم عليها‪.‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬له ملك السموات والرض أي كل ما في السموات وما في الرض من سائر الخلق‬
‫هو ملك ل تعالى وحده ل شريك له فيه ول في غيره‪ .‬الثالث عشر‪ :‬رد كل المور إليه فل‬
‫يقضي فيها غيره ول يحكم فيها سواه والظاهر منها كالباطن‪ .‬الرابع عشر‪ :‬إيلجه الليل في النهار‬
‫والنهار في الليل لمصلحة عباده وفائدتهم إذ لول هذا التدبير الحكيم لما صلح أمر الحياة ول‬
‫استقام هذا الوجود‪.‬‬
‫وأخيرا علمه ‪ 1‬الذي أحاط بكل شيء وتغلغل في كل خفي حتى ذات الصدور من خاطر ووسواس‬
‫وهم وعزم ونية وإرادة فسبحانه من إله ل إله غيره ول رب سواه‪ ,‬بهذه المظاهر من الكمالت‬
‫استحق العبادات فل تصح العبادة لغيره‪ ,‬ول تنبغي الطاعة لسواه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل التسبيح وأفضله سبحان ال وبحمده ‪ 2‬سبحان ال العظيم‪.‬‬
‫‪ -2‬مظاهر القدرة والعلم والحكمة في هذه اليات الخمس هي موجبات ربوبية ال تعالى وألوهيته‬
‫وهي مقتضية للبعث الخر والجزاء فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬في خلقه تعالى السموات والرض في ستة أيام وهو القادر على خلقهما بكلمة التكوين تعليم‬
‫لعباده التأني في المور وعدم العجلة فيها لتخرج متقنة صالحة نافعة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قال‪ :‬إن اسم ال العظم هو في ست آيات‪ :‬من أول‬
‫سورة الحديد كأنه يعني مجموع هذه السماء والصفات الخمسة عشر‪.‬‬
‫‪ 2‬في الصحيح‪ " :‬كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان‪ :‬سبحان ال‬
‫وبحمده سبحان ال العظيم"‪.‬‬

‫( ‪)5/260‬‬

‫‪ -4‬بطلن دعاء غير ال تعالى ورجاء غيره إذ له ملك السموات والرض وليس لغيره شيء من‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب مراقبة ال تعالى والحياء منه وتقواه وذلك لعلمه بظواهرنا وبواطننا وقدرته على‬
‫مجازاتنا عاجلً وآجلً‪.‬‬
‫جعََلكُمْ مُسْ َتخَْلفِينَ فِيهِ فَالّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَأَ ْنفَقُوا َلهُمْ َأجْرٌ كَبِيرٌ (‪)7‬‬
‫آمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِ ِه وَأَ ْنفِقُوا ِممّا َ‬
‫خذَ مِيثَا َقكُمْ إِنْ كُنْ ُتمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ُ )8‬هوَ‬
‫َومَا َل ُكمْ ل ُت ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالرّسُولُ َيدْعُوكُمْ لِ ُت ْؤمِنُوا بِرَ ّب ُك ْم َوقَدْ أَ َ‬
‫جكُمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ وَإِنّ اللّهَ ِبكُمْ لَ َرؤُوفٌ رَحِيمٌ (‬
‫الّذِي يُنَ ّزلُ عَلَى عَبْ ِدهِ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ لِيُخْ ِر َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ ل يَسْ َتوِي مِ ْنكُمْ مَنْ أَ ْنفَقَ مِنْ‬
‫‪َ )9‬ومَا َلكُمْ أَلّا تُ ْنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَلِلّهِ مِيرَاثُ ال ّ‬
‫حسْنَى وَاللّهُ ِبمَا‬
‫ظمُ دَ َرجَةً مِنَ الّذِينَ أَ ْنفَقُوا مِنْ َبعْ ُد َوقَاتَلُوا َوكُلّا وَعَدَ اللّهُ الْ ُ‬
‫قَ ْبلِ ا ْلفَتْحِ َوقَا َتلَ أُولَ ِئكَ أَعْ َ‬
‫َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪)10‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫آمنوا بال ورسوله ‪ :‬أي صدقوا بال ورسوله يا من لم تؤمنوا بعد واثبتوا على إيمانكم يا من آمنتم‬
‫قبل‪.‬‬
‫وأنفقوا ‪:‬أي وتصدقوا في سبيل ال‪.‬‬
‫مما جعلكم مستخلفين فيه ‪:‬أي من المال الذي استخلفكم ال فيه إذ هو مال من قبلكم وسيكون لمن‬
‫بعدكم‪.‬‬

‫( ‪)5/261‬‬

‫فالذين آمنوا منكم وأنفقوا ‪:‬أي صدقوا بال ورسوله وتصدقوا بأموالهم المستخلفين فيها‪.‬‬
‫لهم أجر كبير ‪:‬أي ثواب عظيم عند ال وهو الجنة‪.‬‬
‫وما لكم ل تؤمنون بال؟ ‪:‬أي أي شيء يمنعكم من اليمان‪.‬‬
‫والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ‪:‬أي والحال أن الرسول بنفسه يدعوكم لتؤمنوا بربكم‪.‬‬
‫وقد أخذ ميثاقكم ‪:‬أي على اليمان به وأنتم في عالم الذر حيث أشهدكم فشهدتم‪.‬‬
‫إن كنتم مؤمنين ‪:‬أي مريدين اليمان فل تترددوا وأمنوا وأسلموا تنجوا وتسعدوا‪.‬‬
‫هو الذي ينزل على عبده ‪:‬أي هو ال ربكم الذي يدعوكم رسوله لتؤمنوا به ينزل على عبده محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫آيات بينات ‪:‬هي آيات القرآن الكريم الواضحات المعاني البينات الدللة‪.‬‬
‫ليخرجكم من الظلمات إلى النور ‪:‬أي ليخرجكم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور اليمان والعلم‪.‬‬
‫وإن ال بكم لرءوف رحيم ‪:‬ويدلكم على ذلك إرسال رسوله إليكم وإنزال كتابه ليخرجكم من‬
‫الظلمات إلى النور‪.‬‬
‫وما لكم أل تنفقوا في سبيل ال ‪:‬أي أي شيء لكم في عدم النفاق في سبيل ال‪.‬‬
‫ول ميراث السموات والرض ‪:‬أي ومن ذلك المال الذي أيديكم فهو عائد إلى ال فأنفقوه في سبيله‬
‫يؤجركم عليه‪ .‬وإل فسيعود إليه بدون أجر لكم‪.‬‬
‫من قبل الفتح وقاتل ‪:‬أي ل يستوي مع من أنفق وقاتل بعد صلح الحديبية حيث عز السلم وكثر‬
‫مال المسلمين‪.‬‬
‫وكلً وعد ال الحسنى ‪:‬أي الجنة‪ ,‬والجنة درجات‪.‬‬
‫من ذا الذي يقرض ال ‪:‬أي بإنفاقه ماله في سبيل ال الذي هو الجهاد‪.‬‬
‫قرضا حسنا ‪:‬أ يقرضا ل يريد به غير وجه ال تعالى‪.‬‬
‫فيضاعفه له ‪:‬أي الدرهم بسبعمائة درهم‪.‬‬
‫وله أجر كريم ‪:‬أي يوم القيامة وهو الجنة دار النعيم المقيم‪.‬‬
‫( ‪)5/262‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد ذكر الدلة والبراهين على وجود ال وقدرته وعلمه وحكمته ووجوب عبادته وتوحيده فيها‬
‫وتقرير البعث والجزاء يوم لقائه رحمة منه ورأفة بعباده أمرهم جميعا مؤمنيهم وكافريهم باليمان‬
‫به وبرسوله محمد صلى ال عليه وسلم فالمؤمنون مأمورون بزيادة اليمان والثبات عليه‬
‫والكافرون مأمورون باليمان والمبادرة إليه‪ .‬وبما أن اليات نزلت بالمدينة بعد الهجرة وبعد‬
‫صلح الحديبية فإن هذه الوامر والتوجيهات اللهية تشمل المؤمنين الصادقين والمنافقين الكاذبين‬
‫في إيمانهم تشمل الراغبين في اليمان في مكة وغيرها وهم يترددون في ذلك فوجه الخطاب إلى‬
‫الجميع لهدايتهم ودخولهم في رحمة ال السلم بسرعة ودون تباطئ فقال تعالى {آمِنُوا بِاللّهِ‬
‫وَرَسُولِهِ} أي صدقوا بوحدانية ال ورسالة رسول ال وأنفقوا مما جعلكم ‪ 1‬مستخلفين فيه من‬
‫الموال‪ ,‬ووجه الستخلف أن العبد يرث المال عمن سبقه ويموت ويتركه لمن بعده فل يدفن معه‬
‫في قبره‪ .‬وقوله تعالى {فَالّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَأَ ْنفَقُوا َلهُمْ َأجْرٌ كَبِيرٌ} أي ثواب عظيم عند ال وهو‬
‫الجنة والرضوان فيها‪ .‬وهذا الخبار يفيد تنشيط الهمم الفاترة والعزائم المترددة‪ .‬وقوله‪َ { :‬ومَا َل ُكمْ‬
‫ل ‪ُ 2‬ت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالرّسُولُ‪ 3‬يَدْعُوكُمْ لِ ُت ْؤمِنُوا بِرَ ّبكُ ْم َوقَدْ أَخَذَ مِيثَا َقكُمْ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ‪ }4‬أي أي‬
‫شيء يجعلكم ل تؤمنون وفرص اليمان كلها متاحة لكم فإيمانكم الفطرى صارخ في نفوسكم إذ‬
‫كل من سألكم‪ :‬من خلقكم؟ من خلق العالم حولكم؟ سماء وأرضا تقولون ال‪ .‬وأنتم في حرمه‬
‫وحمى بيته والرسول الكريم بين أيديكم يدعوكم صباح مساء إلى اليمان بربكم وقد أخذ ال‬
‫ميثاقكم عليكم بأن تؤمنوا به وذلك يوم أخرجكم في صورة الذر من صلب آدم أبيكم وأشهدكم على‬
‫أنفسكم فشهدتم‪ .‬إذا ما هذا التردد إن كنتم تريدون اليمان فآمنوا قبل فوات الوان‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ُ { :‬هوَ الّذِي يُنَ ّزلُ عَلَى عَبْ ِدهِ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ} أي إنكم تدعون إلى اليمان بال الذي ينزل‬
‫على عبده ورسوله محمد صلى ال عليه وسلم آيات واضحات المعاني بينات الدلئل كل ذلك‬
‫ليخرجكم من الظلمات إلى النور من ظلمات الكفر والجهل إلى نور اليمان والعلم‪ ,‬فما لكم ل‬
‫تؤمنون إذا ما هذا التردد والتلكؤ يا عباد ال في اليمان بال وبرسول ال‪ ,‬وإن ال بكم لرءوف‬
‫رحيم فاعرفوا هذا وآمنوا به ويدلكم على ذلك إنزاله الكتاب وإرساله الرسول وتوضيح الدلة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قوله‪( :‬مستخلفين) دال على أن أصل الملك ل تعالى وما العبد إل مستخلف فيه فتعين أن‬
‫يتصرف فيه بإذن المالك الحق فال ينفق إل حيث يأذن ويرضى سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ ( 2‬وما لكم ل تؤمنون) الستفهام للتوبيخ أي‪ :‬أي عذر لكم في أل تؤمنوا وكل دواعي اليمان‬
‫وأسبابه متوفرة لديكم‪.‬‬
‫‪ 3‬جملة‪( :‬والرسول)‪ :‬حالية‪.‬‬
‫‪( 4‬إن كنتم مؤمنين) أي‪ :‬إن كنتم مريدي اليمان فهذه دواعيه قد كملت وأسبابه قد حضرت أخذ‬
‫عليكم الميثاق فيه والرسول يدعوكم إليه‪ .‬فبادروا ول تباطأوا‪.‬‬

‫( ‪)5/263‬‬

‫وإقامة الحجج والبراهين‪.‬‬


‫وقوله‪َ { :‬ومَا َلكُمْ أَلّا تُ ْن ِفقُوا ‪ 1‬فِي سَبِيلِ اللّهِ} التي هي سبيل إسعادكم وإكمالكم بعد نجاتكم من‬
‫العذاب في الحياتين مع العلم أن ل ميراث السموات والرض إذ ما بأيديكم هو ل هو واهبه لكم‬
‫ومسترده منكم فلم ل تنفقون منه‪.‬‬
‫ح َوقَا َتلَ} ‪ 3‬أي صلح الحديبية لقول ال تعالى‬
‫وقوله تعالى {ل َيسْ َتوِي مِ ْنكُمْ مَنْ أَ ْنفَقَ مِنْ قَ ْبلِ ‪2‬ا ْلفَتْ ِ‬
‫{إِنّا فَ َتحْنَا َلكَ فَتْحا مُبِينا} والمراد به صلح الحديبية‪ .‬أي ل يستوون في ‪ 4‬الجر والمثوبة مع من‬
‫ظمُ دَ َرجَةً مِنَ الّذِينَ أَ ْن َفقُوا مِنْ َبعْدُ َوقَاتَلُوا َوكُلّا} من الفريقين {وَعَدَ‬
‫قاتل وأنفق بعد الفتح {أُولَ ِئكَ أَعْ َ‬
‫اللّهُ الْحُسْنَى} أي الجنة {وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ} ل يخفى عليه إنفاقكم وقتالكم وعدمهما كما ل‬
‫يخفى عليه نياتكم وما تخفون في نفوسكم فاحذروه وراقبوه خيرا لكم‪.‬‬
‫عفَهُ لَهُ}‬
‫حسَنا} أي مخلصا فيه ل طيبة به نفسه {فَ ُيضَا ِ‬
‫وقوله تعالى {مَنْ ذَا الّذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ قَرْضا َ‬
‫ربه في الدرهم سبعمائة درهم‪{ ,‬وََلهُ َأجْرٌ كَرِيمٌ} أل وه الجنة دار السلم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب اليمان بال ورسوله وتقويته‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب النفاق في سبيل ال من زكاة ونفقة جهاد وصدقة على الفقراء والمساكين‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان لطف ال ورأفته ورحمته بعباده مما يستلزم محبته وطاعته وشكره‪.‬‬
‫‪ -4‬النفاق في المجاعات والشدائد والحروب أفضل منه في اليسر والعافية‪.‬‬
‫‪ -5‬الترغيب في النفاق في سبيل ال بمضاعفة الجر حتى يكون الدينار بألف دينار عند ال‬
‫تعالى وما عند ال خير وأبقى‪ ،‬وللخرة خير من الولى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام للتوبيخ واللوم والعتاب وهذا مخاطب به المؤمنون‪.‬‬
‫‪ 2‬جائز أن يكون المراد بالفتح‪ :‬فتح مكة‪ ،‬وكونه صلح الحديبية أولى وأرجح‪.‬‬
‫‪ 3‬في الكلم حذف دل عليه المذكور وهو‪( :‬من أنفق بعد الفتح وقاتل) وقد ذكرته في التفسير‬
‫بدون الشارة إلى الحذف‪.‬‬
‫‪ 4‬روى أشهب عن مالك أنه قال‪ :‬ينبغي أن يقدم أهل الفضل والعزم وقد قال تعالى‪{ :‬ل يَسْ َتوِي‬
‫ح َوقَا َتلَ}‪ .‬ولهذا قدم أبو بكر على سائر الصحابة لنه أول من آمن‬
‫مِ ْنكُمْ مَنْ أَ ْنفَقَ مِنْ قَ ْبلِ ‪4‬ا ْلفَتْ ِ‬
‫وأول من أنفق وأول من قاتل قدمه رسول ال صلى ال عليه وسلم في الصلة‪ ،‬وقدمه المؤمنون‬
‫بالخلفة‪ ،‬وقال فيه علي رضي ال عنه‪ :‬سبق النبي صلى ال عليه وسلم وثنى أبو بكر وثلث عمر‬
‫فل أوتى برجل فضلني على أبي بكر إل جلدته حد المفتري ثمانين جلدة وطرح الشهادة) ومما‬
‫يشهد لقول مالك قوله صلى ال عليه وسلم "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا" وفي‬
‫بعض الروايات‪" :‬ويعرف لعالمنا حقه"‪.‬‬

‫( ‪)5/264‬‬

‫سعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ْم وَبِأَ ْيمَا ِنهِمْ بُشْرَا ُكمُ الْ َيوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ‬
‫َيوْمَ تَرَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْلمُ ْؤمِنَاتِ يَ ْ‬
‫تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪َ )12‬يوْمَ َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُونَ وَا ْلمُنَا ِفقَاتُ لِلّذِينَ آمَنُوا‬
‫جعُوا وَرَا َءكُمْ فَالْ َتمِسُوا نُورا َفضُرِبَ بَيْ َنهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ‬
‫انْظُرُونَا َنقْتَبِسْ مِنْ نُو ِركُمْ قِيلَ ارْ ِ‬
‫سكُمْ‬
‫حمَ ُة وَظَاهِ ُرهُ مِنْ قِبَلِهِ ا ْل َعذَابُ (‪ )13‬يُنَادُو َنهُمْ أَلَمْ َنكُنْ َم َعكُمْ قَالُوا بَلَى وََلكِ ّنكُمْ فَتَنْ ُتمْ أَ ْنفُ َ‬
‫فِيهِ الرّ ْ‬
‫خذُ‬
‫وَتَرَ ّبصْتُ ْم وَارْتَبْتُ ْم وَغَرّ ْتكُمُ الَْأمَا ِنيّ حَتّى جَاءَ َأمْرُ اللّ ِه وَغَ ّركُمْ بِاللّهِ ا ْلغَرُورُ (‪ )14‬فَالْ َيوْمَ ل ُيؤْ َ‬
‫مِ ْنكُمْ فِدْ َي ٌة وَل مِنَ الّذِينَ َكفَرُوا مَ ْأوَاكُمُ النّارُ ِهيَ َموْلكُ ْم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪)15‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يسعى نورهم بين أيديهم ‪ 1‬وبأيمانهم ‪:‬أي يتقدمهم نورهم الذي اكتسبوه باليمان والعمل الصالح‬
‫بمسافات بعيدة يضيء لهم الصراط الذي يجتازونه إلى الجنة‪.‬‬
‫بشراكم اليوم جنات تجري ‪:‬أي تقول لهم الملئكة الذين أعدوا لستقبالهم بشراكم‪...‬‬
‫من تحتها النهار‬
‫ذلك هو الفوز العظيم ‪:‬أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم الذي ى أعظم منه‪.‬‬
‫المنافقون والمنافقات ‪:‬أي الذين كانوا يخفون الكفر في نفوسهم ويظهرون‬
‫__________‬
‫‪( 1‬يسعى نورهم) عندما يسعون هم إذ هو منهم يتقدمهم فل ينفصل عنهم بحيث إذا وقفوا وقف‬
‫وإذا مشوا تقدمهم بين أيديهم‪.‬‬

‫( ‪)5/265‬‬

‫اليمان والسلم بألسنتهم‪.‬‬


‫نقتبس من نوركم ‪:‬أي أنظروا إلينا بوجوهكم نأخذ من نوركم ما يضيء لنا الطريق‪.‬‬
‫قيل ارجعوا رواءكم فالتمسوا نورا ‪:‬أي يقال لهم استهزاءً بهم ارجعوا رواءكم إلى الدنيا حيث‬
‫يطلب النور هناك باليمان وصالح العمال بعد التخلي عن الشرك والمعاصي فيرجعون وراءهم‬
‫فلم يجدوا شيئا‪.‬‬
‫فضرب بينهم بسور له باب ‪:‬أي فضرب بينهم وبين المؤمنين بسور عال له باب باطنه الذي هو‬
‫من جهة المؤمنين الرحمة‪.‬‬
‫وظاهره من قبله العذاب ‪:‬أي الذي من جهة المنافقين في عرصات القيامة العذاب‪.‬‬
‫ينادونهم ألم نكن معكم ‪:‬أي ينادي المنافقون المؤمنين قائلين ألم نكن معكم في الدنيا على الطاعات‬
‫أي فنصلي كما تصلون ونجاهد كما تجاهدون وننفق كما تنفقون‪.‬‬
‫قالوا بلى ‪:‬أي كنتم معنا على الطاعات‪.‬‬
‫ولكنكم فتنتم أنفسكم ‪ :‬أي بالنفاق وهو كفر الباطن وبغض السلم والمسلمين‪.‬‬
‫وتربصتم ‪:‬أي الدوائر بالمسلمين أي كنتم تنتظرون متى يهزم المؤمنون فتعلنون عن كفركم‬
‫وتعودون إلى شرككم‪.‬‬
‫وغركم بال الغرور ‪:‬أي وغركم باليمان بال ورسوله حيث زين لكم الكفر وكره إليكم اليمان‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫فاليوم ل يؤخذ منكم فدية ‪:‬أي مال تفدون به أنفسكم إذ ل مال يومئذ ينفع ول ولد‪.‬‬
‫ول من الذين كفروا ‪:‬أي ول فدية تقبل من الذين كفروا‪.‬‬
‫مأواكم النار هي مولكم ‪:‬أي مستقركم ومكان إيوائكم النار وهي أولى بكم لخبث نفوسكم‪.‬‬
‫و بئس المصير ‪ :‬أي مصيركم الذي صرتم إليه وهو النار‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى { َيوْمَ تَرَى ‪ 1‬ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْلمُ ْؤمِنَاتِ} هذا الظرف متعلق بقوله {وََلهُمْ َأجْرٌ كَرِيمٌ} في آخر‬
‫الية السابقة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الخطاب في قوله‪ :‬؛ (ترى) لغير معين إذ هو صالح لكل ذي أهلية للخطاب والرؤية‪.‬‬

‫( ‪)5/266‬‬

‫أي لهم أجر كريم يوم ترى المؤمنين والمؤمنات ‪ 1‬في عرصات القيامة نورهم الذي اكتسبوه‬
‫بإيمانهم وصالح أعمالهم في دار الدنيا ذلك النور يمشي أمامهم يهديهم إلى طريق الجنة‪ ،‬وقد‬
‫أعطوا كتبهم بأيمانهم‪ .‬وتقول لهم الملئكة الذين أعدوا لتلقيهم واستقبالهم بشراكم ‪ 2‬اليوم جنات‬
‫تجري من تحتها النهار أي تجري النهار أنهار الماء واللبن والخمر والعسل من خلل الشجار‬
‫والقصور خالدين ‪ 3‬فيها ماكثين أبدا ل يموتون ول يخرجون‪ .‬قال تعالى {ذَِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْل َعظِيمُ}‬
‫إذ هو نجاة من النار ودخول الجنان في جوار الرحمن‪ .‬وقوله تعالى { َيوْمَ‪َ 4‬يقُولُ ا ْلمُنَافِقُونَ‬
‫وَا ْلمُنَافِقَاتُ} بدل من قوله يوم ترى المؤمنين والمؤمنات‪ ،‬والمنافقون والمنافقات وهم الذين كانوا‬
‫في الحياة الدنيا يخفون الكفر في أنفسهم ويظهرون اليمان بألسنتهم والسلم بجوارحهم يقولون‬
‫للذين آمنوا انظرونا أي اقبلوا علينا بوجوهكم ذات النوار نقتبس ‪ 5‬من نوركم أي نأخذ من نوركم‬
‫جعُوا وَرَا َءكُمْ فَالْ َتمِسُوا نُورا} إشارة‬
‫ما يضيء لنا الطريق مثلكم قيل فيقال لهم استهزاء بهم {قِيلَ ا ْر ِ‬
‫إلى أن هذا النور يطلب في الدنيا باليمان وصالح العمال فيرجعون إلى الوراء وفورا يضرب‬
‫بينهم وبين المؤمنين بسور عال {لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ} وهو يلي المؤمنين فيه الرحمة {وَظَاهِ ُرهُ} وهو‬
‫يلي المنافقين {مِنْ قِبَلِهِ ا ْلعَذَابُ} فيأخذون في ندائهم ألم نكن معكم على الطاعات أيها المؤمنون فقد‬
‫كنا نصلي معكم ونجاهد معكم وننفق كما تنفقون فيقول لهم المؤمنون بلى أي كنتم معنا في الدنيا‬
‫على الطاعات في الظاهر ولكنكم فتنتم أنفسكم بالنفاق وتربصتم بنا الدوائر لتعلنوا عن كفركم‬
‫وتعودوا إلى شرككم‪ ،‬وارتبتم أي شككتم في صحة السلم وفي عقائده ومن ذلك البعث الخر‬
‫وغرتكم الماني الكاذبة والطماع في أن محمدا لن ينتصر وأن دينه لن يظهر‪ ،‬حتى جاء أمر ال‬
‫بنصر رسوله وإظهار دينه وغركم بال الغرور أي باليمان بال أي بعد معاجلته لكم بالعذاب‬
‫والستر عليكم وعدم كشف الستار عنكم وإظهاركم على ما أنتم عليه من الكفر الغرور أي‬
‫الشيطان إذ هو الذي زين لكم الكفر وذكركم بعفو ال وعدم مؤاخذته لكم‪.‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬فَالْ َي ْو َم ل ُي ْؤخَذُ مِ ْنكُمْ ِفدْيَةٌ} أي فداء مهما كان ول من الذين كفروا كذلك‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وجه عطف المؤمنات على المؤمنين هنا وفي نظائره من القرآن إشارة بل التنبيه إلى أن‬
‫حظوظ النساء في السلم مساوية لحظوظ الرجال إل فيما خصصن فيه من أحكام مبينة في‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ 2‬التقدير‪ :‬فقال لهم بشراكم‪.‬‬
‫‪( 3‬خالدين) حال مقدرة أي‪ :‬حالة كونهم مقدرين الخلود إذ لم يدخلوها بعد‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا بدل من اليوم الول‪.‬‬
‫‪ 5‬قال الكلبي‪ :‬يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ول يعطون نورا خاصا بهم فبينما هم يمشون إذ‬
‫بعث ال فيهم ريحا وظلمة فأطفأ بذلك نور المنافقين فذلك قوله تعالى‪{ :‬رَبّنَا أَ ْتمِمْ لَنَا نُورَنَا} يقوله‬
‫المؤمنون خشية أن يسلبوه كما سلبه المنافقون‪ ،‬فإذا بقي المنافقون في الظلمة ل يبصرون مواضع‬
‫أقدامهم قالوا للمؤمنين‪{ :‬ا ْنظُرُونَا َنقْتَبِسْ مِنْ نُو ِركُمْ} هذا أحسن توجيه للية الكريمة‪.‬‬

‫( ‪)5/267‬‬

‫مأواكم النار أي محل إيوائكم وإقامتكم الدائمة النار هي مولكم ‪ 1‬أي من يتولكم ويضمكم في‬
‫أحضانه وهي أولى بكم لخبث نفوسكم وعفن أرواحكم من جراء النفاق والكفر‪ ،‬و بئس المصير‬
‫الذي صرتم إليه إنه النار‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير البعث بذكر أحداثه وما يجري فيه‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير أن الفوز ليس ربح الشاة والبعير ول الدار ول البستان في الدنيا وإنما هو الزحزحة‬
‫عن النار ودخول الجنان يوم القيامة هذا هو الفوز العظيم‪.‬‬
‫‪ -3‬من بشائر السعادة لهل اليمان قبل دخولهم الجنة تلقي الملئكة لهم وإعطاؤهم كتبهم بإيمانهم‬
‫ووجود نور عال يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يتقدمهم على الصراط إلى الجنة‪.‬‬
‫‪ -4‬نور يوم القيامة في وجوه المؤمنين أخذوه من الدنيا وفي الحديث‪" :‬بشر المشائين في الظلم‬
‫إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"‪.2‬‬
‫‪ -5‬بيان صفات المنافقين في الدنيا وهي إبطان الكفر في نفوسهم والتربص بالمؤمنين للنقضاض‬
‫عليهم متى ضعفوا أو هزموا وأمانيهم في عدم نصرة السلم‪ .‬وشكهم الملزم لهم حتى أنهم لم‬
‫يخرجوا منه إلى أن ماتوا شاكين في صحة السلم وما جاء به وأخبر عنه من وعد ووعيد‪.‬‬
‫ق وَل َيكُونُوا كَالّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ‬
‫خشَعَ قُلُو ُبهُمْ ِل ِذكْرِ اللّ ِه َومَا نَ َزلَ مِنَ ا ْلحَ ّ‬
‫أَلَمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَ ْ‬
‫سقُونَ (‪ )16‬اعَْلمُوا أَنّ اللّهَ يُحْيِي الْأَ ْرضَ‬
‫ستْ قُلُو ُبهُ ْم َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬
‫مِنْ قَ ْبلُ َفطَالَ عَلَ ْيهِمُ الَْأ َمدُ َفقَ َ‬
‫ن وَا ْل ُمصّ ّدقَاتِ وََأقْ َرضُوا‬
‫َبعْدَ َموْ ِتهَا قَدْ بَيّنّا َل ُكمُ الْآياتِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ (‪ )17‬إِنّ ا ْل ُمصّ ّدقِي َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المولى‪ :‬من يتولى غيره‪ ،‬وما دامت النار هي التي تولتهم لتذيقهم ألوان عذابها صح إطلق‬
‫المولى عليها مع أن النار تتكلم وتتغيظ فلذا كانت تتولى أهلها فتسقيهم مر العذاب‪.‬‬
‫‪ 2‬الحديث رواه أبو داود والترمذي وغيرهما والظلم‪ :‬جمع ظلمة‪.‬‬

‫( ‪)5/268‬‬

‫عفُ َلهُ ْم وََلهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (‪ )18‬وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللّ ِه وَرُسُلِهِ أُولَ ِئكَ هُمُ الصّدّيقُونَ‬
‫اللّهَ قَرْضا حَسَنا ُيضَا َ‬
‫جحِيمِ (‪)19‬‬
‫صحَابُ الْ َ‬
‫شهَدَاءُ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ َلهُمْ َأجْرُهُمْ وَنُورُ ُه ْم وَالّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآياتِنَا أُولَ ِئكَ َأ ْ‬
‫وَال ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ألم يأن للذين آمنوا ‪:‬أي ألم يحن الوقت للذين أكثروا من المزاح‪.‬‬
‫أن تخشع قلوبهم لذكر ال ‪:‬أي تلين وتسكن وتخضع وتطمئن لذكر ال ووعده ووعيده‪.‬‬
‫وما نزل من الحق ‪:‬أي القرآن وما يحويه من وعد ووعيد‪.‬‬
‫ول يكونوا كالذين أوتوا الكتاب ‪:‬أي ول يكونوا كاليهود والنصارى في العراض والغفلة‪.‬‬
‫من قبل‬
‫فطال عليهم المد ‪:‬أي الزمن بينهم وبين أنبيائهم‪.‬‬
‫فقست قلوبهم ‪:‬أي لعدم وجود من يذكرهم ويرشدهم فقست لذلك قلوبهم فلم تلن لذكر ال‪.‬‬
‫وكثير منهم فاسقون ‪:‬أي نتيجة لقساوة القلوب المترتبة على ترك التذكير والرشاد ففسق أكثرهم‬
‫فخرج عن دين ال ورفض تعاليمه‪.‬‬
‫اعلموا أن ال يحيي الرض بعد موتها ‪:‬أي بالغيث ينزل بها وكذلك يحيي القلوب بالذكر والتذكير‬
‫فتلين وتخشع لذكر ال ووعده ووعيده‪.‬‬
‫قد بينا لكم اليات لعلكم ‪:‬أي بينا لكم اليات الدالة على قدرتنا وعلمنا ولطفنا ورحمتنا رجاء أن‬
‫تعقلوا‬
‫تعقلون فتحفظوا أنفسكم مما يرديها ويوبقها‪.‬‬
‫إن المصدقين والمصدقات ‪:‬أي المتصدقين بفضول أموالهم والمتصدقات كذلك‪.‬‬
‫واقرضوا ال قرضا حسنا ‪:‬أي وكانت صدقاتهم كالقرض الحسن الذي ل منة معه والنفس طيبة به‬
‫وراجية من ربها جزاءه‪.‬‬
‫يضاعف لهم ‪:‬أي القرض الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة إلى ألف ألف‪.‬‬
‫والذين آمنوا بال ورسوله ‪:‬أي صدقوا بال ربا وإلها وبرسله هداة ودعاة صادقين‪.‬‬

‫( ‪)5/269‬‬

‫أولئك هم الصديقون ‪:‬أي الذين كتبوا عند ال صديقين وهي مرتبة شرف عالية‪.‬‬
‫والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ‪:‬أي وشهداء المعارك في سبيل ال عند ربهم أي في الجنة‬
‫لهم أجرهم العظيم ونورهم التام يوم القيامة‪.‬‬
‫والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ‪:‬أي كفروا بال وتوحيده وكذبوا بالقرآن وبما حواه من الشرائع‬
‫والحكام‪.‬‬
‫أولئك أصحاب الجحيم ‪:‬أي أولئك البعداء هم أهل النار الذين ل يفارقونها أبدا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {أََلمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوا}‪ 1‬أي بال ربا وإلها وبمحمد صلى ال عليه وسلم نبيا ورسولً‬
‫وبوعد ال ووعيده صدقا وحقا ألم يحن ‪ 2‬الوقت لهم أن تخشع قلوبهم فتلين وتطمئن إلى ذكر ال‬
‫وتخشع كذلك { َومَا نَ َزلَ مِنَ ا ْلحَقّ} في الكتاب الكريم فيعرفون المعروف ويأمرون به ويعرفون‬
‫المنكر وينهون عته إنها لموعظة إلهية عظيمة وزادها عظمة أن تنزل في أصحاب رسول ال‬
‫تستبطئ قلوبهم‪ .‬فكيف بمن بعدهم‪.‬‬
‫وقوله‪{ :‬وَل َيكُونُوا كَالّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ قَ ْبلُ} أي من قبل البعثة المحمدية وهم اليهود‬
‫والنصارى فطال عليهم المد وهو الزمان الطويل بينهم وبين أنبيائهم فلم يذكروا ولم يرشدوا‬
‫فقست قلوبهم من أجل ذلك وأصبح أكثرهم فاسقين ‪ 3‬عن دين ال خارجين عن شرائعه ل يعرفون‬
‫معروفا ول ينكرون منكرا‪.‬‬
‫وقوله تعالى {اعَْلمُوا} أي أيها المؤمنون المصابون ببعض الغفلة فكثر مزاجهم وضحكهم {أَنّ اللّهَ‬
‫يُحْيِي الْأَ ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا} يحييها بالغيث فتنبت وتزدهر فكذلك القلوب ‪ 4‬تموت بترك التذكير‬
‫والتوجيه والرشاد وتحيا على التذكير والرشاد‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪َ { :‬قدْ بَيّنّا َل ُكمُ الْآياتِ} أي وضحناها لكم في هذا الكتاب الكريم لعلكم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى مسلم عن ابن مسعود قال‪ :‬ما كان بين إسلمنا وبين أن عاتبنا ال تعالى بهذه الية‪ { :‬أَلَمْ‬
‫يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوا أَنْ َتخْشَعَ قُلُو ُبهُمْ ِل ِذكْرِ اللّهِ‪ }...‬إل أربع سنين قال الخليل‪ :‬العتاب خطاب مخاطبة‬
‫الدلل ومذاكرة الموجدة‪.‬‬
‫‪ 2‬هنا فعلن‪ :‬أنى يأني مشتق من النى وهو اسم جامد بمعنى الوقت وآن يئين مشتق من الين‬
‫الذي هو الحين قال الشاعر‪:‬‬
‫ألما يئن لي أن تحلى عمايتي‬
‫وأقصر عن ليلي بلى قد أنى ليا‬
‫فجمع بين لغتين أي‪ :‬بين أنى يأني وبين آن يئين‪.‬‬
‫‪ 3‬عن مالك قال‪ :‬بلغني آن عيسى عليه السلم قال لقومه‪ :‬ل تكثروا الكلم بغير ذكر ال تعالى‬
‫فتقسوا قلوبكم‪ ،‬فإن القلب القاسي يبعد من ال ولكنكم ل تعلمون‪ ،‬ول تنظروا في ذنوب الناس أنكم‬
‫ى ومبتلىً‪ ،‬فارحموا أهل البلء واحمدوا‬
‫أرباب وانظروا فيها كأنكم عبيد فإنما الناس رجلن‪ :‬معاف ً‬
‫ال على العافية‪.‬‬
‫‪ 4‬وكذلك القلوب تقسوا فتليينها بعد قساوتها يكون بذكر ال والدار الخرة والتذكير بهما‪.‬‬

‫( ‪)5/270‬‬

‫تعقلون أي لنعدكم بذلك لتعقلوا عنا ما نخاطبكم به وننصح لكم فيه فاذكروا هذا ول تنسوه‪.‬‬
‫وراجعوا قلوبكم وتعهدوها بذكر ال والدار الخرة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ ا ْل ُمصّ ّدقِينَ} أي المتصدقين‬
‫بفضول أموالهم في سبيل ال والمصدقات أي والمتصدقات كذلك وأقرضوا ال قرضا حسنا بما‬
‫أنفقوه في الجهاد طيبة به نفوسهم ل منة فيه ول رياء ول سمعة هؤلء يضاعف لهم أي ثواب‬
‫صدقاتهم وإقراضهم ربهم إلى عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف إلى ألف ألف ولهم أجر كريم‬
‫وهو الجنة والذين آمنوا بال ورسله فصدقوا بال ربا وإلها وبرسل ال المصطفين هداة إلى ال‬
‫ودعاة إليه هؤلء هم الصديقون ‪ 1‬ففازوا بمرتبة الصديقية والشهداء الذين ‪ 2‬استشهدوا في معارك‬
‫الجهاد هم الن عند ربهم لهم أجرهم ونورهم أرواحهم في حواصل طير خضر ترعى في الجنة‪.‬‬
‫هؤلء الصناف الثلثة مثلهم مثل السابقين وأصحاب اليمين‪ .‬والذين كفروا أي بال ورسله وكذبوا‬
‫بآياتنا أي بآيات ربهم الحاوية لشرائعه وعبادته فلم يعبدوه بها هؤلء الدنون هم أصحاب الجحيم‬
‫الذين يلزمونها وتلزمهم أبدا نعوذ بال من حالهم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬التحذير من الغفلة ونسيان ذكر ال وما عنده من نعيم وما لديه من نكال وعذاب‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب التذكير للمؤمنين والوعظ والرشاد والتعليم خشية أن تقسوا قلوبهم فيفسقوا كما فسق‬
‫أهل الكتاب ويكفروا كما كفروا‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير حقيقة وهي أن الرض تحيا بالغيث والقلوب تحيا بالعلم والمواعظ والتذكير بال‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان أصناف المؤمنين ورتبهم وهم المتصدقون والمقرضون في سبيل ال أموالهم والمؤمنون‬
‫بال ورسله حق اليمان والصديقون وشهداء الجهاد في سبيل ال جعلنا ال منهم‪.‬‬
‫ب وََل ْهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْ َن ُك ْم وَ َتكَاثُرٌ فِي الَْأ ْموَالِ‬
‫اعَْلمُوا أَ ّنمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا َل ِع ٌ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الصديق‪ :‬هو من آمن بال ورسله ولم يكذب طرفة عين‪ ،‬وممن ذكروا بالفوز بها‪ ،‬أبو بكر‬
‫الصديق ومؤمن آل فرعون وصاحب يس‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬ول يزال المرء يصدق ويتحرى‬
‫الصدق حتى يكتب عند ال صديقا" فهذا مطلب سهل اللهم حققه لنا‪.‬‬
‫ل فالصديقون والشهداء‪:‬‬
‫‪ 2‬اختلف في هل (الشهداء) موصول بما قبله أو مقطوع فإن كان موصو ً‬
‫هم المؤمنون بال ورسله‪ ،‬وللجميع أجرهم ونورهم ويكون المدح والثناء وعظم الجزاء للجميع‬
‫وهي بشرى لمة محمد صلى ال عليه وسلم وإن كان مقطوعا فقد فاز الشهداء بمزية لم تكن‬
‫لغيرهم‪ ،‬وهذا ما ذهبت إليه قي التفسير‪ ،‬وهو ما اختاره ابن جرير‪.‬‬

‫( ‪)5/271‬‬

‫حطَاما َوفِي الْآخِ َرةِ عَذَابٌ‬


‫صفَرّا ُثمّ َيكُونُ ُ‬
‫جبَ ا ْل ُكفّارَ نَبَاتُهُ ُثمّ َيهِيجُ فَتَرَاهُ ُم ْ‬
‫وَالَْأوْلدِ َكمَ َثلِ غَ ْيثٍ أَعْ َ‬
‫ن َومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِلّا مَتَاعُ ا ْلغُرُورِ (‪ )20‬سَا ِبقُوا إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مِنْ‬
‫شَدِي ٌد َو َمغْفِ َرةٌ مِنَ اللّ ِه وَ ِرضْوَا ٌ‬
‫ضلُ اللّهِ ُيؤْتِيهِ‬
‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ أُعِ ّدتْ لِلّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ ذَِلكَ َف ْ‬
‫ضهَا َكعَرْضِ ال ّ‬
‫رَ ّبكُ ْم وَجَنّةٍ عَ ْر ُ‬
‫ضلِ ا ْلعَظِيمِ (‪)21‬‬
‫مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ‪:‬أي أن الحياة الدنيا أشبه بالمور الخيالية قليلة النفع سريعة الزوال‪.‬‬
‫وزينة ‪:‬أي ما يتزين به المرء من أنواع الزينة والزينة سريعة التغير والزوال‪.‬‬
‫وتفاخر بينكم وتكاثر في ‪:‬أي أنها ل تخرج عن كونها لهوا ولعبا وزينة وتفاخرا وتكاثرا في‬
‫الموال والولد‪.‬‬
‫الموال والولد‬
‫كمثل غيث أعجب الكفار نباته ‪:‬أي مثلها في سرعة زوالها وحرمان صاحبها من الدار الخرة‬
‫ونعيمها كمثل مطر‬
‫أعجب الكفار ‪ :‬أي الزراع أعجبهم نباته أي ما نبت به من الزرع‪.‬‬
‫ثم يهيج فتراه مصفرا ‪:‬أي يبس فتراه مصفرا آن أوان حصاده‪.‬‬
‫ثم يكون حطاما ‪:‬ثم يتحول بسرعة إلى حطام يابس يتفتت‪.‬‬
‫إل متاع الغرور ‪:‬أي وما الحياة الدنيا في التمتع بها إذ الحياة نفسها غرور ل حقيقة لها‪.‬‬
‫سابقوا إلى مغفرة من ربكم ‪:‬أي سارعوا بالتوبة مسابقين غيركم لتغفر لكم ذنوبكم وتدخلوا جنة‬
‫ربكم‪.‬‬
‫ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء ‪:‬أي الموعود به من المغفرة والجنة‪.‬‬

‫( ‪)5/272‬‬

‫وال ذو الفضل العظيم ‪:‬أي فل يبعد تفضله بذلك الموعود به وإن كان عظيما‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في توجيه المؤمنين وإرشادهم إلى ما يزيد في كمالهم وسعادتهم في الحياتين‬
‫فخاطبهم قائل‪ :‬اعلموا أيها ‪ 1‬المؤمنون الذين استبطانا قلوبهم أي خشوعها إذ القبال على الدنيا‬
‫هو سبب الغفلة عن الخرة ومتطلباتها من الذكر والعمل الصالح {أَ ّنمَا ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا َل ِعبٌ‪ 2‬وََل ْهوٌ‬
‫ل وَالَْأوْلدِ} هذه حقيقتها وهي أمور خيالية قليلة النفع سريعة‬
‫وَزِينَ ٌة وَ َتفَاخُرٌ بَيْ َنكُ ْم وَ َتكَاثُرٌ فِي الَْأ ْموَا ِ‬
‫الزوال‪ .‬فل تغتروا بها ول تقبلوا بكلكم عليها أنصح لكم بذلك‪ .‬فاللهو كاللعب ل يخلفان منفعة‬
‫تعود على اللهي اللعب‪ ،‬والزينة سرعان ما تتحول وتتغير وتزول والتفاخر بين المتفاخرين‬
‫مجرد كلم ما وراءه طائل أبدا والتكاثر ل ينتهي إلى حد ول يجمع إل بالشقاء والنصب والتعب‬
‫ثم يذهب أو يذهب عنه فل بقاء له ول دوام وله تبعات ل ينجو منها صاحبها إل برحمة من ال‬
‫جبَ ا ْلكُفّارَ} أي الفلحين الذين كفروا‬
‫عَ‬‫وإليكم مثل الحياة الدنيا إنها { َكمَ َثلِ ‪3‬غَ ْيثٍ} أي مطر {أَ ْ‬
‫بذرة بالتربة {نَبَاُتهُ} الذي نبت به أي المطر { ُثمّ َيهِيجُ فَتَرَاهُ} بعد أيام { ُمصْفَرّا} ‪ 4‬ثم يهيج أي ييبس‬
‫{ ُثمّ َيكُونُ حُطَاما} يتفتت هذه هي الدنيا من بدايتها إلى نهايتها المؤلمة أما الخرة ففيها عذاب شديد‬
‫لهل الشرك والمعاصي لبد لهم منه يفارقونه‪ ،‬ومغفرة من ال ورضوان لهل التوحيد وصالح‬
‫العمال وما الحياة الدنيا وقد عرضنا عليكم مثالها فما هي إل متاع الغرور أي إنها ل حقيقة لها‬
‫وكل ما فيها من المتع التي يتمتع بها إل غرور باطل‪ .‬وعليه فأنصح لكم ‪ 5‬سابقوا إلى مغفرة من‬
‫ربكم أي سارعوا بالتوبة مسابقين بعضكم بعضا لتغفر ذنوبكم وتدخلوا جنة ربكم التي عرضها‬
‫كعرض السماء والرض أعدت للذين آمنوا بال ورسله أي هيئت وأحضرت فهي معدة مهيأة‪.‬‬
‫ذلك فضل ال أي المغفرة ودخول الجنة يؤتيه من يشاء ومن سارع إلى التوبة فآمن وعمل صالحا‬
‫وتخلى عن الشرك والثام فهو ممن شاء له فضله ولذلك وفقه لليمان وصالح العمال‪ .‬وال ذو‬
‫الفضل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذه الية الكريمة تنبيه عظيم إلى علة كل معوق عن الكمال والسعاد من أمراض الشح‬
‫والحرص والغفلة وإيثار الملذ والجري وراءها أل وإنها حب الدنيا العاجلة‪ ،‬وفي الثر‪ :‬حب‬
‫العاجلة رأس كل خطيئة‪.‬‬
‫‪ 2‬اللهو واللعب‪ :‬كل ما شغل عن ذكر ال تعالى‪ ،‬والكثار منهما دليل على خسة العقل وضعفه‪،‬‬
‫وصورتهما ترى من لعب الطفال وتلهيهم بما يلعبون به من أنواع اللعب‪ ،‬والزينة‪ :‬ما يتزين به‬
‫من لباس وأثاث ونحوهما والتفاخر والتكاثر تحمل عليهما النفس الضعيفة ويولدهما الغرور وهما‬
‫من صفات المفتونين بحب الحياة الدنيا‪.‬‬
‫‪ 3‬جائز أن يكون (كمثل) في موضع خبر‪ ،‬والمبتدأ محذوف تقديره‪ :‬هي أي الحياة الدنيا (كمثل‬
‫غيث)‪.‬‬
‫‪ 4‬الصفرار بعد الهيجان واليبوسة بعد الصفرار أما الهيجان فهو عبارة عن سرعة بلوغ النبات‬
‫مستواه كبلوغ النسان أشده ثم يأخذ في الصفرار فيصفر فلذا عبر بـ ثم الدالة على التراخي‪،‬‬
‫وبعد الصفرار اليبوسة وهي الفناء والتلشي‪.‬‬
‫‪ 5‬بعد أن كشف لهم عن حال الدنيا وأنها سريعة الزوال حثهم على المسابقة بتصحيح اليمان‬
‫وتقويته بالعمل الصالح للفوز بالجنة فال الحمد وله المنة‪.‬‬

‫( ‪)5/273‬‬

‫العظيم فل يستبعد منه ذلك المطلوب المرغوب من النجاة من النار ودخول الجنة دار البرار‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬التحذير من الغترار بالحياة الدنيا‪.‬‬
‫‪ -2‬الدعوة إلى المسابقة في طلب مغفرة الذنب ودخول الجنة‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان الجنة وبيان ما يكسبها وهو اليمان بال ورسله ومستلزماته من التوحيد والعمل الصالح‪.‬‬
‫سكُمْ إِلّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ نَبْرََأهَا إِنّ َذِلكَ عَلَى اللّهِ‬
‫ض وَل فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫مَا َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫حبّ ُكلّ مُخْتَالٍ َفخُورٍ (‪)23‬‬
‫سوْا عَلَى مَا فَا َت ُك ْم وَل َتفْرَحُوا ِبمَا آتَا ُك ْم وَاللّهُ ل ُي ِ‬
‫يَسِيرٌ (‪ِ )22‬لكَيْل تَ ْأ َ‬
‫سلَنَا‬
‫حمِيدُ (‪َ )24‬لقَدْ أَرْسَلْنَا رُ ُ‬
‫ل َومَنْ يَ َت َولّ فَإِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ ا ْل َ‬
‫خِ‬‫ن وَيَ ْأمُرُونَ النّاسَ ِالْبُ ْ‬
‫الّذِينَ يَ ْبخَلُو َ‬
‫شدِي ٌد َومَنَافِعُ‬
‫ط وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَ ْأسٌ َ‬
‫بِالْبَيّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا َم َعهُمُ ا ْلكِتَابَ وَا ْلمِيزَانَ لِ َيقُومَ النّاسُ بِا ْلقِسْ ِ‬
‫س وَلِ َيعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَ ْنصُ ُر ُه وَرُسُلَهُ بِا ْلغَ ْيبِ إِنّ اللّهَ َق ِويّ عَزِيزٌ (‪)25‬‬
‫لِلنّا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ما أصاب من مصيبة في الرض ‪:‬أي بالجدب وذهاب المال‪.‬‬
‫ول في أنفسكم ‪:‬أي بالمرض وفقد الولد‪.‬‬
‫إل في كتاب من قبل أن نبرأها ‪:‬أي في اللوح المحفوظ قبل أن نخلقها‪.‬‬

‫( ‪)5/274‬‬

‫إن ذلك على ال يسير ‪ :‬أي سهل ليس بالصعب‪.‬‬


‫لكيل تأسوا على ما فاتكم ‪:‬أي لكيل تحزنوا على ما فاتكم أي مما تحبون من الخير‪.‬‬
‫ول تفرحوا بما آتاكم ‪:‬أي بما أعطاكم فرح البطر أما فرح الشكر فهو مشروع‪.‬‬
‫وال ل يحب كل مختال فخور ‪:‬أي مختال بتكبره بما أعطى‪ ،‬فخور أي به على الناس‪.‬‬
‫الذين يبخلون ‪:‬أي بما وجب عليهم أن يبذلوه‪.‬‬
‫ويأمرون الناس بالبخل ‪:‬أي بمنع ما وجب عليهم عطاؤه‪.‬‬
‫ومن يتول ‪:‬أي عن اليمان والطاعة وقبول مواعظ ربهم‪.‬‬
‫فإن ال غني ‪:‬أي غني عن سائر حلقه لن غناه ذاتي له ل يستمده من غيره‪.‬‬
‫حميد ‪:‬أي محمود بجلله وجماله وآلئه ونعمه على عباده‪.‬‬
‫بالبينات ‪:‬أي بالحجج والبراهين القاطعة على صدق دعوتهم‪.‬‬
‫وأنزلنا معهم الكتاب ‪:‬أي وأنزل عليهم الكتب الحاوية للشرائع والحكام‪.‬‬
‫والميزان ‪ :‬أي العدل الذي نزلت الكتب بالمر به وتقريره‪.‬‬
‫ليقوم الناس بالقسط ‪:‬أي لتقوم حياتهم فيما بينهم على أساس العدل‪.‬‬
‫فيه بأس شديد ‪:‬أي في الحديد بأس شديد والمراد آلت القتال من سيف وغيره‪.‬‬
‫ومنافع للناس ‪:‬أي ينتفع به الناس إذ ما من صنعة إل والحديد آلتها‪.‬‬
‫وليعلم ال من يصره ورسله ‪:‬أي وأنزلنا الحديد وجعلنا فيه بأسا شديدا ليعلم ال من ينصره في‬
‫دينه وأوليائه وينصر رسله المبلغين عنه‪.‬‬
‫بالغيب ‪:‬أي وهم ل يشاهدونه بأبصارهم في الدنيا‪.‬‬
‫إن ال قوي عزيز ‪:‬أي ل حاجة إلى نصرة أحد وإنما طلبها يتعبد بها عبادة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في إرشاد المؤمنين وتوجيههم إلى ما يكملهم ويسعدهم فقال تعالى‪{ :‬مَا‬
‫َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ} أي ما أصابكم أيها المؤمنون من مصيبة في الرض بالجدب والقحط أو‬
‫سكُمْ} بالمرض وفقد الولد إل وهي في كتاب أي في‬
‫الطوفان أو الجوائح تصيب الزرع {وَل فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫كتاب المقادير‪ ،‬اللوح المحفوظ مكتوبة بكميتها وكيفيتها وزمانها ومكانها {مِنْ قَ ْبلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} أي‬
‫وذلك قبل خلق ال تعالى لها‬

‫( ‪)5/275‬‬

‫وإيجادها‪ .‬وقوله‪{ :‬إِنّ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرٌ} أي علمه بها وكتابته لها قبل خلقها وإيجادها في وقتها‬
‫سوْا} أي أعلمناكم بذلك بعد قضائنا وحكمنا به أزلً من أجل‬
‫سهل على ال يسير‪ .‬وقوله {ِلكَيْل تَ ْأ َ‬
‫أل تحزنوا على ما فاتكم مما تحبون في دنياكم من الخير‪ ،‬ول تفرحوا بما آتاكم ‪ 1‬فرح الشر‬
‫والبطر فإنه مضر أما فرح الشكر فل بأس به فقد ينعم ال على العبد ليشكره‪ .‬وقوله‪{ :‬وَاللّهُ ل‬
‫حبّ ُكلّ ‪ُ 2‬مخْتَالٍ َفخُورٍ} يحذر أولياءه من خصلتين ذميمتين ل تنبغيان للمؤمن وهما الختيال أي‬
‫يُ ِ‬
‫خلِ}‬
‫ن وَيَ ْأمُرُونَ النّاسَ بِالْبُ ْ‬
‫التكبر والفخر على الناس بما أعطاه ال وحرمهم‪ .‬وقوله {الّذِينَ يَ ْبخَلُو َ‬
‫هذا بيان لمن ل يحبهم ال وهم أهل الكبر والفخر بذكر صفتين قبيحتين لهم وهما البخل الذي هو‬
‫منع الواجب والمر بالبخل والدعوة إليه فهم لم يكتفوا ببخلهم فأمروا غيرهم بالبخل الذي هو منع‬
‫الواجب وعدم بذله والعياذ بال من هذه القبائح الربع‪ .‬وقوله‪َ { :‬ومَنْ يَ َت َولّ} أي ‪ 3‬عن اليمان‬
‫والطاعة وعدم قبول وعظ ال وإرشاده {فَإِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ} عن سائر خلقه لن غناه ذاتي له ل‬
‫حمِيدُ} أي محمود بجلله وجماله وإنعامه على سائر عباده‪ .‬وقوله تعالى‪َ{ :‬لقَدْ‬
‫يستمده من غيره {ا ْل َ‬
‫أَرْسَلْنَا ُرسُلَنَا ‪ 4‬بِالْبَيّنَاتِ} أي بالحجج القواطع وأنزلنا معهم الكتاب الحاوي للشرائع والحكام التي‬
‫يكمل عليها الناس ويسعدون وأنزلنا الميزان وذلك ليقوم الناس بالعدل أي لتقوم حياتهم على أساس‬
‫العدالة والحق‪.‬‬
‫شدِيدٌ} أي وكما أنزلنا الكتاب للدين والعدل للدنيا أنزلنا الحديد‬
‫حدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ َ‬
‫وقوله تعالى {وَأَنْزَلْنَا الْ َ‬
‫لهما معا للدين والدنيا فيما فيه من البأس الشديد في الحروب فهو لقامة الدين بالجهاد { َومَنَافِعُ‬
‫لِلنّاسِ} إذ سائر الصناعات متوقفة عليه فهو للدنيا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إنه لما يبين تعالى لوليائه المؤمنين علة الفساد والشر وهي حب العاجلة أعلمهم تشجيعا لهم‬
‫على الزهد فيها والعراض عنها أن ما يصيب أحدهم من فقر‪ ،‬أو مرض أو خوف قد يفضي إلى‬
‫الموت هو مما كتبه ال تعالى عليهم أزل وأنه واقع بينهم ل محالة فلذا ل داعي إلى الحزن كما‬
‫أن ما يحصل للعبد مما هو خلف ذلك من المال والولد ل ينبغي أن يفرح به وبذلك يتغلب على‬
‫الدنيا ويفوز بالخرة‪.‬‬
‫‪ 2‬وفي إعلم ال تعالى أولياءه بعدم حب المختال الفخور دفع لهم إلى المام حيث التنزه عن حب‬
‫العاجلة التي المعوق لهم عن الكمال والسعاد الخروي‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية تحذير من الجزع وقلة الصبر في السير إلى ال تعالى بالتخلي عن حب العاجلة‪ .‬فقد‬
‫ذكرهم بأن التولي أي الرجوع بعد الضرب في طريق الخرة حيث الجوار الكريم مما يسبب‬
‫تخلي الرب عن العبد‪ ،‬فإنه تعالى غني حميد ل حاجة به إلى طاعة العباد ول إلى حمدهم‪.‬‬
‫‪ 4‬كلم مستأنف المراد به أن ما كلف به عباده من طاعته بذكره وشكره إنما هو لمجرد البتلء‬
‫وليس لحاجة إليه لنه الغني الحميد فإنه أرسل الرسل وأنزل الكتب وأوجد أسباب القوة المادية‬
‫لمجرد البتلء ‪,‬ذلك البتلء المترتب عليه السعاد والشقاء فإنه تعالى يسعد بظاعته ويشقى‬
‫بمعصيته وهذا هو العدل الكريم البر بعباده المؤمنين الرحيم‪.‬‬

‫( ‪)5/276‬‬

‫وقوله تعالى‪{ :‬وَلِ َيعَْلمَ‪ 1‬اللّهُ مَنْ يَ ْنصُ ُر ُه وَرُسُلَهُ بِا ْلغَ ْيبِ} أي من الحكمة في إنزال الحديد أن يعلم‬
‫ال من ينصره أي ينصر دينه ورسله بالجهاد معهم والوقوف إلى جانبهم وهم يبلغون دعوة ربهم‬
‫بالغيب أي وهم ل يشاهدون ال تعالى بأعينهم وإن عرفوه بقلوبهم‪ .‬قوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ َق ِويّ‬
‫عَزِيزٌ} إعلم بأنه ل حاجة به إلى نصرة أحد من خلقه وذلك لقوته الذاتية وعزته التي ل ترام‪،‬‬
‫وإنما كلف عباده بنصرة دينه ورسله وأوليائه تشريفا لهم وتكريما وليرفعهم بذلك إلى مقام‬
‫الشهداء‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة القضاء والقدر‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان الحكمة في معرفة القضاء والقدر واليمان بهما‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة الختيال والفخر والبخل والمر بالبخل ‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان إفضال ال وإنعامه على الناس بإرسال الرسل وإنزال الكتب والميزان وإنزال الحديد بما‬
‫فيه منافع للناس وبأس شديد‪.‬‬
‫سقُونَ (‬
‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّ ِت ِهمَا النّ ُب ّوةَ وَا ْلكِتَابَ َفمِ ْنهُمْ ُمهْتَ ٍد َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬
‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحا وَإِبْرَاهِي َم وَ َ‬
‫جعَلْنَا فِي قُلُوبِ الّذِينَ‬
‫ل وَ َ‬
‫‪ )26‬ثُمّ َقفّيْنَا عَلَى آثَارِ ِهمْ بِرُسُلِنَا َوقَفّيْنَا ِبعِيسَى ابْنِ مَرْيَ َم وَآتَيْنَاهُ الْإنجِي َ‬
‫عوْهَا حَقّ‬
‫ضوَانِ اللّهِ َفمَا رَ َ‬
‫حمَ ًة وَرَهْبَانِيّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَ ْيهِمْ إِلّا ابْ ِتغَاءَ ِر ْ‬
‫اتّ َبعُوهُ رَ ْأ َف ًة وَرَ ْ‬
‫سقُونَ (‪)27‬‬
‫رِعَايَ ِتهَا فَآتَيْنَا الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنهُمْ َأجْرَهُ ْم َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا العلم‪ :‬علم ظهور وكشف عما هو معلوم ل تعالى مستور عن عباده ل أنه علم يستجد ل‬
‫تعالى فإنه قد كتب ذلك في كتاب المقادير وعلمه قبل وجوده‪ ،‬وإنما يظهره في وقته كما كتبه‬
‫فيعلمه بعد كشفه وإظهاره لتقوم الحجة به على عباده‪.‬‬
‫( ‪)5/277‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم ‪:‬أي وتال لقد أرسلنا نوحا هو الب الثاني للبشر وإبراهيم هو أبو‬
‫النبياء‪.‬‬
‫والكتاب ‪:‬أي التوراة والزبور والنجيل والفرقان‪.‬‬
‫فمنهم مهتد ‪:‬أي من أولئك الذرية أي سالك سبيل الحق والرشاد‪.‬‬
‫وكثير منهم فاسقون ‪:‬أي عن طاعة ال ورسله ضال في طريقه‪.‬‬
‫ثم قفينا على آثارهم برسلنا ‪ :‬أي أرسلنا رسولً بعد رسول حتى انتهينا إلى عيسى‪.‬‬
‫وقفينا بعيسى بن مريم ‪:‬أي أتبعناهم بعيسى بن مريم لتأخره عنهم في الزمان‪.‬‬
‫وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه ‪:‬أي على دينه وهم الحواريون وأتباعهم‪.‬‬
‫رأفة ورحمة ‪:‬أي لينا وشفقة‪.‬‬
‫ورهبانية ابتدعوها ‪:‬أي وابتدعوا رهبانية لم يكتبها ال عليهم‪ .‬وهي اعتزال النساء والنقطاع في‬
‫الديرة والصوامع للتعبد‪.‬‬
‫إل ابتغاء رضوان ال ‪:‬أي إل طلبا لرضوان ال عز وجل‪.‬‬
‫فما رعوها حق رعايتها ‪:‬أي لم يلتزموا بما نذروه على أنفسهم من الطاعات‪.‬‬
‫فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ‪:‬أي فأعطينا الذين ثبتوا على إيمانهم وتقواهم أجرهم‪.‬‬
‫وكثير منهم فاسقون ‪:‬ل أجر لهم ول ثواب إل العقاب‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى أنه كما أرسل رسله وأنزل معهم الكتاب والميزان أرسل كذلك نوحا وإبراهيم فنوح‬
‫هو أبو البشر الثاني ‪ 1‬وإبراهيم هو أبو النبياء من بعده ذكرهما لمزيد شرفهما‪ ،‬ولما لهما من‬
‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّ ِت ِهمَا النّ ُب ّوةَ} أي في أولدهما النبوة‬
‫آثار طيبة فقال {وََلقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحا وَإِبْرَاهِي َم َو َ‬
‫والكتاب فهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط من ذرية نوح وإسماعيل وإسحاق وباقي أنبياء من‬
‫سقُونَ‪ }2‬أي فمن أولئك الذرية المهدى وأكثرهم‬
‫ذرية إبراهيم وقوله { َفمِ ْنهُمْ ُمهْتَ ٍد َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬
‫فاسقون وقوله {ثُمّ َقفّيْنَا عَلَى آثَارِ ِهمْ‪ 3‬بِ ُرسُلِنَا} أي رسول بعد رسول عيسى بن مريم‪ ،‬وقفينا‬
‫بعيسى بن مريم أي أتبعاتهم بعيسى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا كلم معطوف على سابقه المراد منه تفصيل ما أجمل في قوله تعالى‪َ{ :‬لقَدْ أَرْسَلْنَا ُرسُلَنَا‬
‫بِالْبَيّنَاتِ‪ }..‬الخ وهم من باب عطف الخاص على العام‪.‬‬
‫‪ 2‬كأكثر قوم هود وقوم صالح وقوم شعيب‪ ،‬وقوم تبع وغيرهم والمراد بالفسق هنا‪ :‬الخروج عن‬
‫جادة اليمان والتوحيد‪ ،‬والوقوع في مضلت الشرك والكفر‪.‬‬
‫‪ 3‬التقفية‪ :‬إتباع الرسول على أثر الخر مشتق لفظها من القفا‪.‬‬

‫( ‪)5/278‬‬

‫بن مريم كل ذلك لهداية العباد إلى ما يكملهم ويسعدهم وقوله {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ} أي آتينا عيسى بن‬
‫مريم النجيل وجعلنا في ‪1‬قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة والرأفة أشد الرحمة‪ .‬وقوله تعالى‬
‫{وَرَهْبَانِيّةً‪ 2‬ابْتَدَعُوهَا} أي ابتدعها الذين اتبعوا عيسى {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَ ْيهِمْ‪ }3‬أي لم يكتبها ال عليهم‬
‫لما فيها من التشديد ولكن ما ابتدعوها إل طلبا ًلرضوان ال ومرضاته فما رعوها حق رعايتها‬
‫حيث لم يوفوا بما التزموا به من ترك الدنيا والقبال على الخرة حيث تركوا النساء ولبسوا‬
‫الخشن من الثياب وأكلوا الخشن من الطعام ونزلوا الصوامع والديرة‪.‬‬
‫ولهذه الرهبانية سبب مروى عن ابن عباس رضي ال عنهما نذكره باختصار للفظه ومعناه قال‬
‫كان بعد عيسى ملوك بدلوا التوراة وحرفوا النجيل وألزموا العامة بذلك‪ ،‬وكان بينهم جماعة‬
‫رفضوا ذلك التحريف للدين ولم يقبلوه ففروا بدينهم‪ ،‬والتحقوا بالجبال وانقطعوا عن الناس مخافة‬
‫قتلهم أو تعذيبهم لمخالفتهم دين ملوكهم المحدث الجديد فهذا النقطاع بداية الرهبانية ‪ ،‬وهاش‬
‫أولئك المؤمنون وماتوا وجاء جيل من أبناء الدين المحرف فذكروا سيرة الصالحين الولين‬
‫فأرادوا أن يفعلوا فعلهم فانقطعوا إلى الصوامع والديرة‪ ،‬ولكنهم جهال وعلى دين محرف مبدل‬
‫فاسد فما انتفعوا بالرهبانية المبتدعة وفسق أكثرهم عن طاعة ال ورسوله‪ .‬وهو ما دل عليه قوا‬
‫ال تعالى‪ { :‬فَآتَيْنَا الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنهُمْ َأجْرَهُمْ} وهم الولون المؤمنون الذين فروا من الكفر والتعذيب‬
‫سقُونَ} وهم الذين أتوا من بعدهم إلى يومنا هذا‬
‫وعبدوا ال تعالى بما شرع‪ ،‬وقوله { َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬
‫إذ هم يعبدون ال بدين محرف باطل ولم يلتزموا بالرهبنة الصادقة بالزهد في الدنيا والقبال على‬
‫الخرة‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين ‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان منة ال على عباده بإرسال الرسل‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان سنة ال في الناس وهي أنه إذا أرسل الرسل لهداية الناس يهتدي بعض ويضل بعض‬
‫فيفسق‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وذلك لن عيسى عليه السلم بعث لتهذيب نفوس بني إسرائيل واقتلع جذور القسوة من قلوبهم‬
‫تلك القسوة التي أثمرها حب الدنيا والقبال على الشهوات والملذ الفانية‪.‬‬
‫‪ 2‬الرهبانية‪ :‬نسبة إلى الرهبنة والراهب هو الخائف من ال تعالى‪ ،‬والصل أن يقال الراهبية‪،‬‬
‫فزيدت فيها النون كما زيدت في شعراني ولحياني ورباني وكذا نصراني على غير قياس‪.‬‬
‫‪ 3‬جملة‪(:‬ما كتبناها عليهم) مبنية لجملة (ابتدعوها)‪.‬‬

‫( ‪)5/279‬‬

‫‪ -3‬ثناء ال على عيسى بن مريم وأتباعه بحق الحواريين وغيرهم إلى أن غيرت الملوك دين‬
‫المسيح وضل الناس وأصبحوا فاسقين عن دين ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬تحريم البدع والبتداع ول رهبانية في السلم ولكن يعبد ال بما شرع‪.‬‬
‫ج َعلْ َلكُمْ نُورا َتمْشُونَ ِبهِ‬
‫حمَتِ ِه وَيَ ْ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ُيؤْ ِتكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ َر ْ‬
‫ضلِ اللّ ِه وَأَنّ‬
‫شيْءٍ مِنْ َف ْ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )28‬لِئَلّا َيعْلَمَ أَ ْهلُ ا ْلكِتَابِ أَلّا َيقْدِرُونَ عَلَى َ‬
‫وَ َيغْفِرْ َلكُ ْم وَاللّهُ َ‬
‫ضلِ ا ْل َعظِيمِ (‪)29‬‬
‫ا ْل َفضْلَ بِيَدِ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَنْ َيشَا ُء وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا ‪:‬أي بعيسى بن مريم وموسى‪.‬‬
‫اتقوا ال وآمنوا برسوله ‪:‬أي خافوا عقاب ال وآمنوا بمحمد صلى ال عليه وسلم واتبعوه‪.‬‬
‫يؤتكم كفلين ‪:‬يعطكم ال نصيبين من الجر مقابل إيمانكم بنبيكم وبمحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ويجعل لكم نورا تمشون به ‪:‬أي في الدنيا إذ تعيشون على هداية ال وفي الخرة تمشون به على‬
‫الصراط‪.‬‬
‫لئل يعلم أهل الكتاب ‪:‬أي لكي يعلم أهل الكتاب أنهم ل يقدرون على شيء من فضل ال‪ .‬واللم في‬
‫لئل مزيدة لتقوية الكلم‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫هذا نداء ال لهل الكتاب بعد أن ذكر نبذة عن رسلهم وأتباعهم نادى الموجودين منهم بعنوان‬
‫اليمان ‪ 1‬أي يا من آمنتم بالرسل السابقين حسب إدعائكم اتقوا ال فل تفرقوا بين رسل ال وآمنوا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬استعمل اليمان هنا استعمالً لقبيا إذ المراد بالذين آمنوا‪ :‬اليهود والنصارى إذ هم يؤمنون بال‬
‫ولقائه وكتبه ورسله في الجملة‪.‬‬

‫( ‪)5/280‬‬

‫برسوله محمد صلى ال عليه وسلم يؤتكم أي يعطكم كفلين أي حظين ونصيبين من رحمته‬
‫ومثوبته ويجعل لكم نورا تمشون به في الدنيا وهو الهداية السلمية إذ السلم صراط مستقيم‬
‫صاحبه ل يضل ول يشقى وتمشون به في الخرة على الصراط إلى دار السلم الجنة‪,‬ويغفر لكم‬
‫ذنوبكم الماضية والحاضرة وال غفور رحيم ‪ .1‬وذلك ليعلم أهل الكتاب من اليهود والنصارى‬
‫الذين رفضوا اليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم والدخول في السلم أنهم ل يقدرون على شيء‬
‫من فضل ال أي ل يقدرون على الحصول على شيء ‪ 2‬من فضل ال‪ ،‬وأن الفضل بيد ال يؤتيه‬
‫من يشاء وال ذو الفضل العظيم‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬أعظم نصيحة تقدم لهل الكتاب لو أخذوا بها تضمنها نداء ال لهم وما وعدهم به في هذه‬
‫الية الكريمة‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل اليمان والتقوى إذ هما سبيل الولية والكرامة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -3‬إبطال مزاعم أهل الكتاب في احتكار الجنة لهم‪ ،‬وإعلمهم بأنهم محرومون منها ما لم يؤمنوا‬
‫برسول ال ويتقوا ال بفعل أوامره واجتناب نواهيه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا بناء على أن (ل) زائدة في قوله‪{ :‬لِئَلّا َيعْلَمَ أَ ْهلُ ا ْلكِتَابِ } إذ الصل لن يعلم فزيدت اللم‬
‫لتوكيد الكلم فصارت {لِئَلّا َيعْلَمَ} أي‪ :‬لن يعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬إل بأذن ال إذ الفضل بيد ال يؤتيه من يشاء‪ .‬والظاهر أن المراد من الفضل هنا خصوص‬
‫النبوة والرسالة وأن أهل الكتاب من اليهود يريدون حصر النبوة والرسالة في شعب إسرائيل فلذا‬
‫جحدوا نبوة ورسالة محمد صلى ال عليه وسلم وكفروا بهما فناداهم تعالى بعنوان اليمان الذي‬
‫يدعونه وأمرهم بتقواه بترك الكذب والحتيال وأمرهم باليمان برسوله وواعدهم مضاعفة الجر‬
‫إن هم آمنوا‪ ،‬وكان هذا إعلما منه تعالى أن أهل الكتاب ل يقدرون على حصر الفضل فيهم‬
‫ومنعه عن غيرهم فقد نبأ وأرسل من بني عمهم محمدا صلى ال عليه وسلم وهم كارهون‬
‫منكرون مكذبون‪ ،‬وهم بين خيار بين إما اليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم والفوز بالجنة‬
‫والنجاة من النار وإما الصرار على إنكار رسالته والكفر به مع الخسران في الحياتين ول يهلك‬
‫على ال إل هالك‪.‬‬

‫( ‪)5/281‬‬

‫سورة المجادلة‬
‫‪...‬‬
‫الجزء الثامن والعشرون‬
‫سورة المجادلة‬
‫مدنية وآياتها اثنتان وعشرون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سمِيعٌ‬
‫سمَعُ تَحَاوُ َر ُكمَا إِنّ اللّهَ َ‬
‫جهَا وَتَشْ َتكِي إِلَى اللّ ِه وَاللّهُ َي ْ‬
‫سمِعَ اللّهُ َقوْلَ الّتِي تُجَادُِلكَ فِي َزوْ ِ‬
‫قَدْ َ‬
‫َبصِيرٌ (‪ )1‬الّذِينَ ُيظَاهِرُونَ مِ ْنكُمْ مِنْ نِسَا ِئهِمْ مَا هُنّ ُأ ّمهَا ِتهِمْ إِنْ ُأ ّمهَا ُتهُمْ إِلّا اللّائِي وَلَدْ َنهُمْ وَإِ ّنهُمْ‬
‫غفُورٌ (‪ )2‬وَالّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ ِنسَا ِئهِمْ ثُمّ َيعُودُونَ‬
‫ل وَزُورا وَإِنّ اللّهَ َل َع ُفوّ َ‬
‫لَ َيقُولُونَ مُ ْنكَرا مِنَ ا ْل َقوْ ِ‬
‫ِلمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ َرقَ َبةٍ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَ َتمَاسّا َذِلكُمْ تُوعَظُونَ بِ ِه وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪َ )3‬فمَنْ لَمْ َيجِدْ‬
‫سكِينا ذَِلكَ لِ ُت ْؤمِنُوا بِاللّهِ‬
‫طعَامُ سِتّينَ مِ ْ‬
‫شهْرَيْنِ مُتَتَا ِبعَيْنِ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَ َتمَاسّا َفمَنْ َلمْ يَسْ َتطِعْ فَِإ ْ‬
‫َفصِيَامُ َ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪)4‬‬
‫حدُودُ اللّهِ وَلِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫وَرَسُولِ ِه وَتِ ْلكَ ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫قد سمع ال قول التي تجادلك في زوجها ‪:‬أي تراجعك أيها النبي في شأن زوجها أوس بن‬
‫الصامت‪.‬‬
‫وتشتكي إلى ال ‪:‬أي وحدتها وفاقتها وصبية صغارا إن ضمتهم إليه ضاعوا وإن ضمهم إليها‬
‫جاعوا‪.‬‬
‫وال يسمع تحاوركما ‪:‬أي تراجعكما أنت أيها الرسول والمحاورة لك وهي خولة بنت ثعلبة‪.‬‬
‫إن ال سميع بصير ‪:‬أي لقوالكما بصير بأحوالكما‪.‬‬

‫( ‪)5/282‬‬

‫الذين يظاهرون منكم من ‪:‬أي يحرمون نساءهم يقول أنت علي كظهر أمي‪.‬‬
‫نسائهم‬
‫ما هن أمهاتهم ‪:‬أي ليس هن بأمهاتهم‪.‬‬
‫إن أمهاتهم إل اللئي ولدنهم ‪:‬ما أماتهم إل اللئي ولدنهم‪ ،‬أو أرضعنهم‪.‬‬
‫وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ‪:‬أي وإنهم بالظهار ليقولون منكرا من القول وزورا أي‬
‫كذبا‪.‬‬
‫وإن ال لعفو غفور ‪:‬أي على عباده أي ذو صفح عليهم غفورٌ لذنوبهم إن تابوا منها‪.‬‬
‫والذين يظاهرون من نسائهم ‪: 1‬أي بأن يقول لها أنت علي كظهر أمي أو أختي ونحوها من‬
‫المحارم‪.‬‬
‫ثم يعودون لما قالوا ‪:‬أي يعزمون على العودة للتي ظاهروا منها‪ ،‬إذ كان الظهار في الجاهلية‬
‫طلقا‪.‬‬
‫فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ‪:‬أي فالواجب عليه تحرير رقبة مؤمنة قبل أن يجامعها‪.‬‬
‫ذلكم توعظون به ‪:‬أي تأمرون به فافعلوه على سبيل الوجوب‪.‬‬
‫فمن لم يجد فصيام شهرين ‪:‬أي فمن لم يجد الرقبة لنعدامها أو غلء ثمنها فالواجب صيام شهرين‬
‫متتابعين‪.‬‬
‫متتابعين‬
‫من قبل أن يتماسا ‪:‬أي من قبل الوطء لها‪.‬‬
‫فمن لم يستطع‪ :‬أي الصيام لمرض أو كبر سن‪.‬‬
‫فإطعام ستين مسكينا ‪:‬أي فعليه قبل الوطء‪ ،‬أن يطعم ستين مسكينا يعطي لكل مسكين مدا من ‪ 2‬بر‬
‫أو مدين من غير البر كالتمر والشعير ونحوهما من غالب قوت أهل البلد‪.‬‬
‫ذلك‪ :‬أي ما تقدم من بيان حكم الظهار الذي شرع لكم‪.‬‬
‫لتؤمنوا بال ورسوله ‪:‬أي لن الطاعة إيمان والمعصية من الكفران‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ نافع (يظهرون) فأدغمت التاء في الظاء فصارت يظهرون بتشديد الظاء والهاء وقرأ حفص‬
‫(يظاهرون)‪.‬‬
‫‪ 2‬وردت روايات متعددة في كمية الطعام الجماع على أنها إطعام ستين مسكينا‪ ،‬وإنما الخلف‬
‫في المقدار‪ ،‬فأظهرها وأصحها حديث البخاري وفيه‪" :‬فأعانه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بخمسة عشر صاعا‪ .‬فتصدق بها على ستين مسكينا فهذا ظاهر في أنها ستون مدا لكل مسكين مد‬
‫لن الخمسة عشر صاعا بستين مدا إذ الصاع أربعة أمداد بمد النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/283‬‬

‫وتلك حدود ال ‪:‬أي أحكام شرعه‪.‬‬


‫وللكافرين عذاب أليم ‪:‬أي وللكافرين بها الجاحدين لها عذاب أليم أي ذو ألمٍ‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫سمِعَ اللّهُ} هذه الية الكريمة نزلت في خولة بنت ثعلبة النصارية وفي زوجها‬
‫قوله تعالى {قَدْ َ‬
‫أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت رضي ال عنهم أجمعين كان قد ظاهر منها زوجها‬
‫أوس‪ ،‬فقال لها في غضب غير مغلق أنت علي كظهر أمي‪ ،‬وكان الظهار يومئذٍ طلقا‪ ،‬وكانت‬
‫المرأة ذات أطفال صغار وتقدم بها وبزوجها السن فجاءت لرسول ال صلى ال عليه وسلم تشكوا‬
‫إليه ما قال زوجها فذكرت للرسول صلى ال عليه وسلم ضعفها ‪ 1‬وضعف زوجها وضعف‬
‫أطفالها الصغار‪ ،‬وما زالت تراجع الرسول صلى ال عليه وسلم وتحاوره في شأنها وشأن زوجها‬
‫حتى نزلت هذه اليات الربع من فاتحة سورة المجادلة التي سميت بها السورة فقيل سورة‬
‫سمِعَ اللّهُ َقوْلَ الّتِي ُتجَادُِلكَ فِي‬
‫المجادلة بكسر الدال‪ ،‬ويصح فتحها فقال تعالى مخاطبا رسوله {قَدْ َ‬
‫جهَا} أي قد سمع ال قول المرأة التي تجادلك أي تراجعك في شأن زوجها الذي ظاهر منها‪،‬‬
‫َزوْ ِ‬
‫وتشتكي إلى ال بعد أن قلت لها‪ :‬وال ما أمرت في شأنك بشيء‪ ،‬تشكو إلى ال ضعف حالها‪.‬‬
‫سمِيعٌ َبصِيرٌ}‬
‫سمَعُ‪َ 2‬تحَاوُ َر ُكمَا} أي مراجعتكما لبعضكما بعضا الحديث وأجابكما {إِنّ اللّهَ َ‬
‫{وَاللّهُ يَ ْ‬
‫أي سميع لقوال عباده عليم بأحوالهم وهذا حكم الظهار فافهموه واعملوا به‪.‬‬
‫أولً‪ :‬أن الظهار الذي هو قول الرجل لمرأته أنت علي كظهر أمي ل يجعل المظاهر منها أما له‬
‫إذ أمه هي التي ولدته وخرج من بطنها‪ ،‬والزوجة ل تكون أما بحال من الحوال‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬هذا القول كذب وزور ومنكر من القول وقائله آثم فليتب إلى ال ويستغفره‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬لول عفو ال وصفحه على عباده المؤمنين ومغفرته للتائبين لعاقبهم على هذا القول الكذب‬
‫الباطل‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬على الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا أي يعزمون على وطئها بعد الظهار‬
‫منها فالواجب عليهم قبل الوطء لها تحرير رقبة ذكرا كانت أو أنثى صغيرة أو كبيرة لكن مؤمنة‬
‫ل كافرة‪ ،‬فمن لم يجد الرقبة لنعدامها‪ ،‬أو غلء ثمنها فيجزئه صيام شهرين متتابعين فإن لم‬
‫يستطع لعلة قامت به فالواجب إطعام ستين مسكينا يعطى كل مسكين مدا من بر أو نصف صاع‬
‫من‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من جملة ما روي أنها قالت‪ :‬يا رسول ال أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني‬
‫وانقطع ولدي ظاهر مني‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما أوحي إلي في هذا شيء‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول ال أوحي إليك في كل شيء وطوي عنك هذا؟ فقال‪ :‬هو ما قلت لك فقالت‪ :‬إلى‬
‫سمِعَ اللّهُ‪ }...‬الخ‪.‬‬
‫ال أشكوا ل إلى رسوله فأنزل ال { َقدْ َ‬
‫‪ 2‬روى البخاري عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت‪ :‬الحمد ل الذي وسع سمعه الصوات لقد‬
‫جاءت المجادلة تشكو إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول‬
‫جهَا}‬
‫سمِعَ اللّهُ َق ْولَ الّتِي ُتجَادُِلكَ فِي َزوْ ِ‬
‫فأنزل ال عز وجل‪{ :‬قَدْ َ‬

‫( ‪)5/284‬‬

‫غير البر كالشعير والتمر ونحوهما كل ذلك من قبل أن يتماسا من باب حمل المطلق على المقيد‬
‫إذ قيد الول بقبل المسيس ‪ 1‬فيحمل هذا الخير عليه‪.‬‬
‫وقوله {ذَِلكَ لِ ُت ْؤمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ} أي ذلك الذي تقدم من بيان حكم الظهار ‪ 2‬شرعه لكم لتؤمنوا‬
‫بال ورسوله إذ اليمان اعتقاد وقول وعمل‪ ،‬فطاعة ال ورسوله إيمان ومعصيتهما من الكفران‪.‬‬
‫وقوله تعالى {وَتِ ْلكَ حُدُودُ اللّهِ} أي ل تعتدوها بل قفوا عندها وللكافرين بها المتعدين لها عذاب أليم‬
‫أي ذو ألم موجع جزاء تعديهم حدود ال‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬إجابة ال لوليائه بتفريج كروبهم وقضاء حوائجهم فله الحمد وله الشكر‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة الظهار باعتباره منكرا وكذبا وزورا فيجب التوبة منه‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان حكم المظاهر وهو أن عليه عتق رقبة قبل أن يجامع امرأته المظاهر منها‪ .‬فإن لم يجد‬
‫الرقبة المؤمنة صام شهرين متتابعين من الهلل إلى الهلل وإذا انقطع التتابع لمرض بنى على ما‬
‫صامه‪ .‬فإن لم يستطع لمرض ونحوه أطعم ستين مسكينا فأعطى لكل مسكين على حدة مدا من بر‬
‫أو مدين من غير البر كالشعير والتمر‪.‬‬
‫‪ -4‬لو جامع المظاهر قبل إخراج الكفارة أثم فليستغفر ربه وليخرج كفارته‪ .‬ول شيء عليه‬
‫لحديث الترمذي الصحيح‪.‬‬
‫‪ -5‬طاعة ال ورسوله إيمان‪ ،‬ومعصية ال ورسوله من الكفران‪.‬‬
‫إِنّ الّذِينَ يُحَادّونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ كُبِتُوا َكمَا كُ ِبتَ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِه ْم َوقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيّنَاتٍ وَلِ ْلكَافِرِينَ‬
‫عَذَابٌ ُمهِينٌ (‪)5‬‬
‫شهِيدٌ (‪ )6‬أَلَمْ تَرَ‬
‫شيْءٍ َ‬
‫حصَاهُ اللّهُ وَنَسُوهُ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫عمِلُوا أَ ْ‬
‫جمِيعا فَيُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا َ‬
‫َيوْمَ يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ َ‬
‫ت َومَا فِي الْأَ ْرضِ مَا َيكُونُ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من مس امرأته قبل الكفارة فليكف عنها مرة أخرى حتى يكفر لحديث النسائي‪" :‬أن رجل ظاهر‬
‫من امرأته ولم يكفر حتى وطئها فذكر ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم فأمره أل يقربها حتى‬
‫يكفر"‪.‬‬
‫‪ 2‬هل على المرأة إذا ظاهرت من زوجها شيء؟ الجمهور‪ :‬أنه لشيء عليها وإن كفرت كفارة‬
‫يمين فذلك اللئق بها‪.‬‬

‫( ‪)5/285‬‬

‫ك وَل َأكْثَرَ إِلّا ُهوَ َم َعهُمْ‬


‫سهُمْ وَل أَدْنَى مِنْ ذَِل َ‬
‫خمْسَةٍ إِلّا ُهوَ سَادِ ُ‬
‫جوَى ثَلثَةٍ إِلّا ُهوَ رَا ِب ُعهُ ْم وَل َ‬
‫مِنْ نَ ْ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪)7‬‬
‫عمِلُوا َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬
‫أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمّ يُنَبّ ُئ ُهمْ ِبمَا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن الذين يحادون ال ورسوله ‪:‬أي يخالفون ال ورسوله ويعادونهما‪.‬‬
‫كبتوا كما كبت الذين من قبلهم‪ :‬أي ذلوا وأهينوا كما ذل وأهين من قبلهم لمخالفتهم رسولهم‪.‬‬
‫وقد أنزلنا آيات بينات ‪:‬أي والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات دالة على صدق الرسول‪.‬‬
‫عذاب مهين ‪:‬أي يوقعهم في الذل والهوان‪.‬‬
‫يوم يبعثهم ال جميعا‪ :‬أي يوم القيامة‪.‬‬
‫أحصاه ال ونسوه ‪:‬أي جمعه وعده ونسوه هم‪.‬‬
‫وال على كل شيء شهيد ‪:‬أي ل يغيب عنه شيء من الشياء‪.‬‬
‫ما يكون من نجوى ‪:‬أي من متناجين‪.‬‬
‫ثلثة إل هو رابعهم ‪:‬إل هو تعالى رابعهم بعلمه بهم‪ ،‬وقدرته عليهم‪.‬‬
‫ول أدنى من ذلك ‪:‬أي أقل من الثلثة وهما الثنان‪.‬‬
‫إل هو معهم أينما كانوا ‪:‬أي في أي مكان من الرض أو السماء‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {إِنّ الّذِينَ يُحَادّونَ اللّ َه وَرَسُوَلهُ} هذه الية تحمل بشرى لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بإعلمه بهزيمة قريش وهي تحزب الحزاب لحربه في غزوة الخندق فقال تعالى {إِنّ الّذِينَ‬
‫يُحَادّونَ اللّهَ‪ 1‬وَرَسُولَهُ} أي يخالفون ال ورسوله ويعادونهما ‪ 2‬كبتوا أي ذلوا وأهينوا كما كبت‬
‫الذين من قبلهم الذين كذبوا رسلهم فأكبتهم ال أي أذلهم وأهانهم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪َ { :‬و َقدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيّنَاتٍ} كلها دالة على صدق رسولنا فيما جاءهم به ودعاهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المحادة والمشاقة والمعاداة متقاربة المعنى فالمحاد الواقف في حد وخصمه في آخر‪ ،‬وكذلك‬
‫المشاق‪ :‬هو في شق والخر في شق مقابل‪ ،‬وكذا المعادي هو في عدوة والخر في أخرى مقابلة‬
‫له‪ ،‬والعدوة‪ :‬هي عدوة الوادي أحد جانبيه‪.‬‬
‫‪ 2‬الكبت‪ :‬الخزي والذلل‪ ،‬وعبر في الية بالماضي (كبتوا) لتحقق وقوعه كقوله تعالى‪{ :‬أَتَى َأمْرُ‬
‫اللّهِ}‪.‬‬

‫( ‪)5/286‬‬

‫إليه‪ ،‬ومع هذا عادوه وحاربوه فلهذا يكبتهم ال ويذلهم في الدنيا وللكافرين ‪ 1‬أمثالهم عذاب مهين‬
‫يوم القيامة يوم ‪ 2‬يبعثهم ال جميعا ل يتخلف منهم أحد فينبئهم بما عملوا من الشر والفساد‪.‬‬
‫أحصاه ال إذ كتبته ملئكته وكتب قبل فعلهم له في كتاب المقادير اللوح المحفوظ ونسوه لعمى‬
‫قلوبهم وكفرهم بربهم ولقائه فل يذكرون لهم ذنبا حتى يتوبوا منه ويستغفروا‪ .‬وقوله تعالى {وَاللّهُ‬
‫شهِيدٌ} أي زيادة على أن أعمالهم كتبها في اللوح المحفوظ وأن الملئكة من الكرام‬
‫شيْءٍ َ‬
‫عَلَى ُكلّ َ‬
‫الكاتبين قد كتبوها فإن ال تعالى شهيد على كل شيء فل يقع شيء إل تحت بصره وعلمه‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ} تقرير لما سبق من إحاطة علم ال بكل شيء‬
‫وقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬
‫وأن أعمال أولئك المخالفين المحادين محصية معلومة وسيجزيهم بها أي ألم تعلم يا رسولنا أن ال‬
‫تعالى يعلم ما في السموات وما في الرض من دقيق الشياء وجليلها ورد أن جماعة من المنافقين‬
‫تخلفوا يتناجون بينهم إغاظة للمؤمنين فنزلت هذه الية تعرض بهم وتكشف الستار عن نياتهم‪{ .‬مَا‬
‫جوَى ‪ }3‬أي من ذوي نجوى أو من متناجين ثلثة إل وهو رابعهم‪ ،‬أي إل وال تعالى‬
‫َيكُونُ مِنْ َن ْ‬
‫رابعهم بعلمه بهم وقدرته عليهم وهذه فائدة المعية العلم والقدرة على الخذ والعطاء‪ ،‬ول خمسة‬
‫إل هو سادسهم ول أدنى من ذلك كالثنين‪ ،‬ول أكثر إل هو معهم بعلمه وقدرته وإحاطته أينما‬
‫كانوا تحت الرض أو فوقها في السماء أو دونها‪ ،‬ثم ينبئهم أي يخبرهم ويعلمهم بما عملوا يوم‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ} تقرير لما سبق من علمه بالمحادين له وبالمنافقين‬
‫القيامة ليجزيهم به {إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬
‫المناوئين للمؤمنين وسيجزى الكل بعدله وهو العزيز الحكيم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وعيد ال الشديد بالكبات والذل والهوان لكل من يحاد ال ورسوله‪.‬‬
‫‪ -2‬أحاطة علم ال بكل شيء وشهوده لكل شيء وإحصاه لكل أعمال العباد حال توجب مراقبة ال‬
‫تعالى والخشية منه والحياء منه أشد الحياء‪.‬‬
‫‪ -3‬الرشاد إلى أن التناجي للمشاورة في الخير ينبغي أن يكون عدد المتناجين ثلثة أو خمسة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الجملة معطوفة على جملة (كبتوا) و (ال) في الكافرين‪ :‬للجنس ليعم الوعيد كل كافر‪.‬‬
‫‪ 2‬يجوز أن يكون (يوم) متعلقا بالكون المقدر الذي تعلق به (للكافرين عذاب مهين) أي للكافرين‬
‫عذاب مهين (يوم يبعثهم ال} وجائز أن يكون منصوبا على تقدير فعل اذكر كما هو شائع في‬
‫أمثاله‪.‬‬
‫‪ 3‬النجوى اسم مصدر فعله‪ :‬ناجاه يناجيه مناجاة واسم المصدر نجوى فهو بمعنى التناجي أي‪ :‬ما‬
‫يكون تناجي ثلثة من الناس إل ال مطلع عليهم كرابع لهم وكل سرار نجوى‪.‬‬

‫( ‪)5/287‬‬

‫أو سبعة ليكون الواحد عدل مرجحا للخلف قاضيا فيه إذ اختلف اثنان لبد من واحد يرجح جانب‬
‫الخلف وإذا اختلف أربعة لبد من خامس يرجح جانب الخلف‪.‬‬
‫ن َو َمعْصِ َيتِ‬
‫جوْنَ بِالْأِ ْث ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ‬
‫جوَى ثُمّ َيعُودُونَ ِلمَا ُنهُوا عَنْ ُه وَيَتَنَا َ‬
‫أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ ُنهُوا عَنِ النّ ْ‬
‫سهِمْ َلوْل ُي َعذّبُنَا اللّهُ ِبمَا َنقُولُ‬
‫ل وَإِذَا جَاءُوكَ حَ ّي ْوكَ ِبمَا لَمْ ُيحَ ّيكَ بِهِ اللّ ُه وَ َيقُولُونَ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫الرّسُو ِ‬
‫جهَنّمُ َيصَْلوْ َنهَا فَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪)8‬‬
‫حسْ ُبهُمْ َ‬
‫َ‬
‫جوْا بِالْبِ ّر وَال ّت ْقوَى‬
‫ل وَتَنَا َ‬
‫ن َو َمعْصِ َيتِ الرّسُو ِ‬
‫جوْا بِالْأِ ْث ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْ ُتمْ فَل تَتَنَا َ‬
‫جوَى مِنَ الشّيْطَانِ لِ َيحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ ِبضَارّ ِهمْ‬
‫حشَرُونَ (‪ )9‬إِ ّنمَا النّ ْ‬
‫وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي إِلَ ْيهِ تُ ْ‬
‫شَيْئا إِلّا بِإِذْنِ اللّ ِه وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُمؤْمِنُونَ (‪)10‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ‪:‬أي المسارة الكلمية والمنهيون هم اليهود والمنافقون‪.‬‬
‫ثم يعودون لما نهوا ‪:‬أي من التناجي تعمدا لذية المؤمنين بالمدينة‪.‬‬
‫ويتناجون بالثم والعدوان ‪:‬أي بما هو إثم في نفسه‪ ,‬وعداوة الرسول والمؤمنين‪.‬‬
‫ومعصية الرسول ‪:‬أي يتناجون فيوصي بعضهم بعضا بمعصية الرسول وعدم طاعته‪.‬‬
‫وإذا جاءوك حيوك ‪:‬أي جاءوك أيها النبي حيوك بقولهم السام عليك‪.‬‬
‫بما لم يحبك به ال ‪:‬أي حيوك بلفظ السام عليك‪ ,‬وهذا لم يحيي ال به رسوله بل حياه بلفظ السلم‬
‫عليك أيها النبي ورحمة ال وبركاته‪.‬‬

‫( ‪)5/288‬‬

‫ويقولون في أنفسهم ‪:‬أي سرا فيما بينهم‪.‬‬


‫لول يعذبنا ال بما نقول ‪:‬أي هل يعذبنا ال بما نقول له‪ ,‬فلو كان نبيا لعاجلنا ال بالعقوبة‪.‬‬
‫حسبهم جهنم يصلونها‪:‬أي يكفيهم عذاب جهنم يصلونها فبئس المصير لهم‪.‬‬
‫فل تتناجوا بالثم والعدوان‪:‬أي فل يناج بعضكم بما هو إثم ول بما هو عدوان وظلم ول بما هو‬
‫معصية للرسول‪.‬‬
‫وتناجوا بالبر والتقوى ‪:‬أي وتناجوا إن أردتم ذلك بالبر أي الخير والتقوى وهي طاعة ال‬
‫والرسول‪.‬‬
‫إنما النجوى من الشيطان ‪:‬أي إنما النجوى بالثم والعدوان من الشيطان أي بتغريره‪.‬‬
‫ليحزن الذين آمنوا ‪:‬أي ليوهمهم إنها بسبب شيء وقع مما يؤذيهم‪.‬‬
‫وليس بضارهم شيئا إل بإذن ال ‪:‬أي وليس التناجي بضار المؤمنين شيئا إل بإرادة ال تعالى‪.‬‬
‫وعلى ال فليتوكل المؤمنون ‪:‬أي وعلى ال ل على غيره يجب أن يتوكل المؤمنون‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى ألم تر الية‪ ..‬هذه نزلت في يهود المدينة والمنافقين فيها‪.‬إذ كانوا يتناجون أي يتحدثون‬
‫ى من المؤمنين‪ ,‬والوقت وقت حرب فيوهمون المؤمنين إن عدوا قد عزم على‬
‫سرا على مرأ ً‬
‫غزوهم‪ ,‬أو أن سرية هزمت أو أن مؤامرة تحاك ضدهم فنهاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عن التناجي‪ ,‬وقال ل يتناج اثنان ‪ 1‬دون ثالث وأبوا أن يتناجوا فأنزل ال تعالى هذه الية يعجب‬
‫رسوله منهم ويوعدهم بعد فضحهم وكشف الستار عن كيدهم للمؤمنين ومكرهم بهم فقال تعالى‬
‫لرسوله ألم تر الذين ‪ 2‬نهوا عن النجوى وهي التناجي المحادثة السرية أمام الناس‪ ,‬ثم يعودون لما‬
‫نهوا عنه عصيانا وتمردا عن الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ويتناجون ل بالبر والتقوى‪ ,‬ولكن‬
‫بالثم والعدوان ومعصيت ‪ 3‬الرسول أي بما هو إثم في نفسه كالغيبة والبذاء في القول‪ ,‬وبالعدوان‬
‫وهو العتداء على المؤمنين وظلمهم‪ ,‬وبمعصية الرسول فيوصي بعضهم بعضا بعصيان الرسول‬
‫وعدم طاعته في أمره ونهيه‪ .‬هذا وشر منهم أنهم إذا جاءوا رسول ال صلى ال عليه وسلم حيوه‬
‫بما لم يحيه به ال فلم يقولوا السلم عليكم ولكن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الحديث ثابت في الصحيح وفي الموطأ قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬إذا كان ثلثة فل يتناجى‬
‫اثنان دون واحد" وفي الحديث دليل على التحريم ونظيره‪ :‬أن يتكلم اثنان بلغة غير لغة الثالث فإنه‬
‫كنجوى اثنين دون ثالث‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام للتعجب والمراد به توبيخ اليهود الذين نزلت الية فيهم مع إخوانهم المنافقين‪.‬‬
‫‪ 3‬كتبت (معصيت) بالتاء المفتوحة دون المربوطة التي يوقف عليها بالهاء في موضعين من هذه‬
‫السورة‪ ,‬ويوقف عليها بالهاء ويجوز بالتاء أمل في الوصل فل بد من التاء‪.‬‬

‫( ‪)5/289‬‬

‫يقولون السام عليكم والسام الموت يلوون بها ألسنتهم‪ ,‬ويأتونا الرسول واحدا واحدا ليحيوه بهذه‬
‫التحية الخبيثة ليدعوا عليهم بالموت لعنة ال عليه مما أكثر أذاهم وما أشد مكرهم وما أنتن خبثهم‬
‫ويقولون في أنفسهم أي فيما بينهم لو كان محمد صلى ال عليه وسلم نبيا لخذنا ال بما نقول له‬
‫سهِمْ َلوْل ُيعَذّبُنَا اللّهُ ِبمَا‬
‫من الدعاء عليه بالموت وهذا معنى قوله تعالى عنهم‪{ :‬وَ َيقُولُونَ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫َنقُولُ} أي هل عذبنا ال بما نقول لمحمد صلى ال عليه وسلم لو كان نبيا‪ 1.‬قال تعالى حسبهم ‪2‬‬
‫عذابا جهنم يصلونها يحترقون بحرها ولظاها يوم القيامة فبئس المصير الذي يصيرون إليه في‬
‫الدار الخرة جهنم وزقومها وحميمها وضريعها وغسلينها ويحمومها وفوق ذلك غضب ال ولعنته‬
‫عليهم‪.‬‬
‫وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} هذه الية والتي بعدها نزلت في تربية المؤمنين‬
‫روحيا وتهذيبهم أخلقيا فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا أي صدقوا ال ورسوله إذا تناجيتم لمر‬
‫استدعى ذلك منكم فل ‪ 3‬تتناجوا بالثم والعدوان ومعصية الرسول فتكون حالكم كحال اليهود‬
‫جوْا بِالْبِ ّر وَال ّتقْوَى} أي بما هو خير في نفسه ل إثم في هو بطاعة ال ورسوله‬
‫والمنافقين ولكن {تَنَا َ‬
‫إذ هما التقوى‪ ,‬واتقوا ال الذي إليه تحشرون يوم القيامة لمحاسبتكم ومجازاتكم فاتقوه بطاعته‬
‫وطاعة رسوله‪.‬‬
‫جوَى مِنَ الشّيْطَانِ} أي هو الدافع إليها والحامل عليها وذلك لعلة وهي أن‬
‫وقوله تعالى {إِ ّنمَا النّ ْ‬
‫يوقع المؤمنين في غم وحزن‪ ,‬وليس التناجي ول الشيطان بضار المؤمنين شيئا إل بإرادة ال‬
‫تعالى لحكم عالية يعلمها ال‪ ,‬ولذا فل تحزنوا ول تغتموا لما ترون من تناجي أعدائكم من اليهود‬
‫والمنافقين‪ ,‬وتوكلوا على ال في أموركم كلها‪ .‬وعلى ال تعالى ل على غيره فليتوكل المؤمنون‬
‫في كل زمان ومكان‪ .‬فإن ال تعالى كاف من يتوكل عليه كافيه كل ما يهمه وال على ذلك قدير‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن العربي‪ :‬جهل هؤلء اليهود أن ال تعالى حليم ل يعاجل بالعقوبة من سبه فقد قال صلى‬
‫ال عليه وسلم "ل أحد أصبر على الذى من ال يدعون له الصاحبة والولد وهو يعافيهم‬
‫ويرزقهم"‪.‬‬
‫‪ 2‬روى الترمذي وصححه عن أنس "أن يهوديا أتى على رسول ال صلى ال عليه وسلم وعلى‬
‫أصحابه فقال‪ :‬السام عليكم‪ .‬فرد عليه النبي صلى ال عليه وسلم وقال أتدرون ما قال هذا؟ قالوا‪:‬‬
‫ال ورسوله أعلم قال كذا ردوه علي فردوه فقال‪ :‬قلت السام عليكم؟ قال‪ :‬نعم فقال النبي عند ذلك‬
‫إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا‪ :‬عليك ما قلت‪ ,‬فأنزل ال تعالى (وإذا جاؤوك) الية‪.‬‬
‫‪ 3‬الجمهور أن حرمة تناجي الثنين دون الثالث والثلثة دون الرابع وهكذا هو باق على تحريمه‬
‫وليس مخصوصا بحالة الحرب كما في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم لن ألفاظ الحديث‬
‫عامة‪ .‬منها حديث الصحيح عن ابن عمر‪" :‬إذا كان ثلثة فل ينتاجى اثنان دون الواحد"‪ .‬وقوله‬
‫صلى ال عليه وسلم "إذا كنتم ثلثة فل يتناجى اثنان دون الخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن‬
‫يحزنه"‪.‬‬

‫( ‪)5/290‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان مكر اليهود والمنافقين وكيدهم للمؤمنين في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا حيا الكافر المؤمن ورد عليه المؤمن رد عليه بقوله وعليكم لما صح أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم دخل عليه ناس من اليهود فقالوا السام عليك يا أبا القاسم فقال صلى ال عليه وسلم‬
‫وعليكم‪ .‬فقالت عائشة رضي ال عنها عليكم السام ولعنكم ‪ 1‬ال وغضب عليكم‪ .‬فقال لها عليه‬
‫الصلة والسلم يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش فقالت أل تسمعهم يقولون السام؟‬
‫فقال لها أو ما سمعت ما أقول‪ :‬وعليكم‪ .‬فأنزل ال هذه الية رواه الشيخان‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا سلم الذمي وكان سلمه بلفظ السلم عليكم ل بأس أن يرد عليه بلفظه‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة التناجي بغير البر والتقوى وقوله تعالى إل من أمر بصدقة أو معروف أو إصلح بين‬
‫الناس الية من سورة النساء‪2.‬‬
‫‪ -5‬ل يجوز أن يتناجى اثنان دون الثالث لما يوقع ذلك في نفس الثالث من حزن ل سيما إن كان‬
‫ذلك في سفر أو في حرب وما إلى ذلك‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب التوكل على ال وترك الوهام والوساوس فإنها من الشيطان‪.‬‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ َل ُكمْ َتفَسّحُوا فِي ا ْلمَجَاِلسِ فَافْسَحُوا َيفْسَحِ اللّهُ َلكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا‬
‫فَانْشُزُوا يَ ْرفَعِ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَالّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ دَ َرجَاتٍ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪ )11‬يَا أَ ّيهَا‬
‫طهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا‬
‫جوَاكُ ْم صَ َد َقةً ذَِلكَ خَيْرٌ َلكُمْ وَأَ ْ‬
‫الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ َفقَ ّدمُوا بَيْنَ َي َديْ نَ ْ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ‬
‫فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اختلف في جواز ومنع السلم على أهل الكتاب والذي عليه الجمهور جوازه للسنة الصحيحة في‬
‫ذلك ويرى بعضهم وجوب الرد لعموم الية‪ { :‬فَحَيّوا بَِأحْسَنَ مِ ْنهَا َأوْ رُدّوهَا}‪.‬‬
‫جوَا ُهمْ إِلّا مَنْ َأمَرَ ِبصَ َد َقةٍ َأوْ َمعْرُوفٍ َأوْ ِإصْلحٍ بَيْنَ‬
‫‪ 2‬هي قوله تعالى‪{ :‬ل خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَ ْ‬
‫س ْوفَ ُنؤْتِيهِ َأجْرا عَظِيما}‬
‫س َومَنْ َي ْفعَلْ َذِلكَ ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّهِ فَ َ‬
‫النّا ِ‬

‫( ‪)5/291‬‬

‫جوَاكُ ْم صَ َدقَاتٍ فَإِذْ لَمْ َت ْفعَلُوا وَتَابَ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ فََأقِيمُوا الصّلةَ‬
‫ش َفقْتُمْ أَنْ ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ يَ َديْ َن ْ‬
‫(‪ )12‬أَأَ ْ‬
‫وَآتُوا ال ّزكَا َة وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَ ُه وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪)13‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫تفسحوا في المجالس‪ :‬أي توسعوا في المجالس التي هي مجالس علم وذكر‪.‬‬
‫فافسحوا يفسح ال لكم ‪:‬أي في الجنة وفي الرزق والقبر‪.‬‬
‫انشزوا فانشزوا ‪:‬أي قوموا للصلة أو لغيرها من أعمال البر‪.‬‬
‫يرفع ال الذين آمنوا منكم ‪:‬أي بالنصر وحسن الذكر في الدنيا وفي غرفات الجنان في الخرة‪.‬‬
‫والذين أوتوا العلم درجات ‪:‬أي ويرفع الذين أوتوا العلم درجات عالية لجمعهم بين العلم والعمل‪.‬‬
‫إذا ناجيتم الرسول ‪:‬أي أردتم مناجاته‪.‬‬
‫فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ‪:‬أي قبل المناجاة تصدقوا بصدقة ثم ناجوه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ذلك خير لكم وأطهر‪ :‬أي تقديم الصدقة بين يدي المناجاة خير لما فيه من نفع الفقراء وأطهر‬
‫لذنوبكم‪.‬‬
‫فإن لم تجدوا ‪:‬أي فإن لم تجدوا ما تتصدقون به‪.‬‬
‫فإن ال غفور رحيم‪ :‬أي غفور لمناجاتكم رحيم بكم فليس عليكم في المناجاة بدون صدقة إثم‪.‬‬
‫أأشفقتم أن تقدموا بين يدي ‪:‬أي أخفتم الفقر إن قدمتم بين يدي نجواكم صدقات‪.‬‬
‫نجواكم صدقات؟‬
‫فإذ لم تفعلوا وتاب ال عليكم ‪:‬أي تقديم الصدقات‪ ،‬وتاب ال عليكم بأن رخص لكم في تركها‪.‬‬
‫فأقيموا الصلة وآتوا الزكاة ‪:‬أي على الوجه المطلوب من إقامتها وأخرجوا الزكاة‪.‬‬
‫وأطيعوا ال ورسوله ‪:‬أي وداوموا على إقام الصلة وإيتاء الزكاة وطاعة ال ورسوله‪.‬‬
‫وال خبير بما تعملون ‪:‬أي من أعمال البر والحسان وسيثيبكم على ذلك بالجنة‪.‬‬
‫( ‪)5/292‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في تربية المؤمنين وتهذيبهم ليكملوا ويسعدوا فقال تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬
‫آمَنُوا} أي صدقوا ال ورسوله {ِإذَا قِيلَ َلكُمْ َتفَسّحُوا فِي ا ْل َمجَالِسِ} أي إذا قال لكم الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم أو غيره توسعوا ‪ 1‬في المجلس ليجد غيركم مكانا بينكم فتوسعوا ول تضنوا بالقرب‬
‫من الرسول أو من العالم الذي يعلمكم أو المذكر الذي يذكركم وإن أنتم تفسحتم أي فإن ال تعالى‬
‫يكافئكم فيوسع عليكم في الدنيا بسعة الرزق وفي البرزخ في القبر وفي الخرة في غرفات‬
‫الجنان‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإذَا قِيلَ انْشُزُوا}‪ 2‬أي قوموا من المجلس لعلة أو للصلة أو للقتال أو لفعل بر‬
‫وخير فانشزوا أي خفوا وقوموا يئبكم ال فيرفع ال الذين آمنوا منكم درجات ‪ 3‬بالنصر والذكر‬
‫الحسن في الدنيا وفي غرف الجنة في الخرة والذين أوتوا العلم درجات أي ويرفع الذين أوتوا‬
‫العلم منكم أيها المؤمنون درجاتٍ عالية لجمعهم بين اليمان والعلم والعمل‪.‬‬
‫وقوله‪{ :‬وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ} يذكرهم تعالى بعلمه بهم في جميع أحوالهم ليراقبوه ويكثروا من‬
‫طاعته ويحافظوا على تقواه‪.‬‬
‫ص َدقَةً} أمرهم تعالى‬
‫جوَاكُ ْم َ‬
‫وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ َفقَ ّدمُوا بَيْنَ َي َديْ نَ ْ‬
‫إذا أراد أحدهم أن يناجي رسول ال صلى ال عليه وسلم و يكلمه وحده أن يقدم صدقة أولً ثم‬
‫يطلب المناجاة وكان هذا لمصلحة الفقراء أول ثم للتخفيف ‪ 4‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫إذ كل مؤمن يود أن يخلو برسول ال صلى ال عليه وسلم ويقرب منه ويكلمه والرسول بش ٌر ل‬
‫يتسع لكل أحد فشرع ال هذه الصدقة فأعلمهم أنه يريد التخفيف عن رسوله‪ .‬فلما علموا بذلك‬
‫وتحرجوا من بذل صدقة وأكثرهم فقراء‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال قتادة‪ :‬كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى ال عليه وسلم فأمروا أن يفسح بعضهم‬
‫لبعض‪ ،‬وروي عن ابن عباس أن هذا في صفوف القتال إذ كانوا يتشاحون على الصف الول‬
‫فأمروا بالفسح لبعضهم حتى يتمكنوا من الوقوف في الصف الول مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم واللفظ عام يشمل هذا وذاك‪ .‬قال القرطبي‪ :‬والصحيح في الية أنها عامة في كل مجلس‬
‫اجتمع فيه المسلمون للخير والجر سواء كان مجلس حرب أو علم أو ذكر أو مجلس صلة كيوم‬
‫الجمعة وفي الحديث الصحيح‪" :‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يقام الرجل من مجلسه‬
‫ويجلس فيه آخر ولكن تفسحوا وتوسعوا"‪.‬‬
‫‪ 2‬قال قتادة‪ :‬المعنى‪ :‬أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف‪ ،‬والنشر‪ :‬الرتفاع مأخوذ من نشز‬
‫الرض وهو ارتفاعها‪ ،‬ومنه قيل للمرأة التي تترفع على زوجها ناشز‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية مدح لهل العلم‪ :‬قاله ابن مسعود وفي الحديث‪" :‬فضل العالم على العابد كفضل القمر‬
‫ليلة البدر على سائر الكواكب"‪ .‬وقيل لعمر رضي ال عنه في مولى استخلفه فقال‪ :‬إنه قارئ‬
‫لكتاب ال وإنه عالم بالفرائض أما إن نبيكم صلى ال عليه وسلم قد قال‪" :‬إن ال يرفع بهذا الكتاب‬
‫أقواما ويضع آخرين" وعن ابن عباس‪ :‬خير سليمان بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي‬
‫المال والملك معه‪.‬‬
‫‪ 4‬قال ابن عباس‪ :‬نزلت بسبب أن المسلمين كانوا يكثرون المسائل على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم حتى شقوا عليه فأراد ال أن يخفف عن رسوله فأنزل هذه الية فلما نزلت كف الناس‪.‬‬

‫( ‪)5/293‬‬

‫ل يجدها نسخ تعالى ذلك ولم تدم مدة الوجوب أكثر من ليالي ونسخها ال تعالى بقوله التي‬
‫أأشفقتم‪ .‬الية‪.‬‬
‫طهَرُ}‪ 1‬أي تقديم الصدقة بين يدي المناجاة خير لكم حيث تعود‬
‫وقوله تعالى {ذَِلكَ خَيْرٌ َلكُ ْم وََأ ْ‬
‫الصدقة على الفقراء إخوانكم وأطهر أي لنفوسكم لن النفس تطهر بالعمل الصالح وقوله تعالى‬
‫جدُوا} أي ما تقدمونه صدقة قبل المناجاة فناجوه صلى ال عليه وسلم ول حرج عليكم‬
‫{فَإِنْ َلمْ تَ ِ‬
‫ش َفقْتُمْ‪ }2‬أي أخفتم الفاقة والفقر إن أنتم‬
‫لعدم وجدكم فإن ال غفور لكم رحيم بكم‪ .‬وقوله تعالى {أَأَ ْ‬
‫ألزمتم بالصدقة بين يدي كل مناجاة وعليه فإن لم تفعلوا وتاب ال عليكم برفع هذا الواجب ونسخه‬
‫فرجع بكم إلى عهد ما قبل وجوب الصدقة فأقيموا الصلة بأدائها في أوقاتها في جماعة المؤمنين‬
‫مراعين شرائطها وأركانها وسننها وآدابها وآتوا الزكاة الواجبة في أموالكم‪ .‬وأطيعوا ال ورسوله‬
‫في أمرها ونهيهما يكفكم ذلك عوضا عن الصدقة التي نسخت تخفيا عليكم ورحمة بكم‪.‬‬
‫وقوله {وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ‪ }3‬أي فراقبوه في طاعته وطاعة رسوله تفلحوا فتنجوا من النار‬
‫وتدخلوا الجنة دار البرار‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الندب إلى فضيلة التوسع في مجالس العلم والتذكير‪.‬‬
‫‪ -2‬الندب والترغيب في القيام بالمعروف وأداء الواجبات إذا دعى المؤمن إلى ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬فضيلة اليمان وفضل العلم والعمل به‪.‬‬
‫‪ -4‬مشروعية النسخ في الشريعة قبل العمل بالمنسوخ وبعده إذ هذه الصدقة نسخت قبل أن يعمل‬
‫بها اللهم إل ما كان من علي ‪ 4‬رضي ال عنه فإنه أخبر أنه تصدق بدينار وناجى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ثم نسخت هذه الصدقة فكان يقول في القرآن آية لم يعمل بها أحد غيري‬
‫وهي فضيلة له رضي ال عنه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن العربي‪ :‬في الية دليل على أن الحكام ل تترب بحسب المصالح فإن ال تعالى قال‬
‫طهَرُ} ثم نسخ ذلك مع كونه خيرا وأطهر‪ .‬ولكن قد يقال إن ما قد نسخ من أجله‬
‫{ذَِلكَ خَيْرٌ َل ُك ْم وَأَ ْ‬
‫قد يكون أكثر منفعة للمسلمين في دينهم ودنياهم‪ .‬وإن كان خافيا عن المسلمين ل يعلمونه‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام المراد به لوم الصحاب على تأخرهم عن المناجاة لما فرضت عليها الصدقة‪ .‬قيل‬
‫كان ما بين اليتين الناسخة والمنسوخة عشرة أيام‪.‬‬
‫‪ 3‬الجملة تذييل لجملة‪( :‬فأقيموا الصلة وآتوا الزكاة) وهي كناية عن التحذير من التفريط في‬
‫طاعة ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 4‬روي عن ابن عمر رضي ال عنهما أنه قال‪ :‬لقد كانت لعلي رضي ال عنه ثلث لو كانت لي‬
‫واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم‪ :‬تزويجه فاطمة وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية‬
‫النجوى‪.‬‬

‫( ‪)5/294‬‬

‫‪ -5‬في إقامة الصلة وإيتاء الزكاة وطاعة ال ورسوله في الواجبات والمحرمات عوض عما‬
‫يفوت المؤمن من النوافل‪.‬‬
‫ب وَهُمْ‬
‫غضِبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ مَا هُمْ مِ ْنكُ ْم وَل مِ ْنهُ ْم وَيَحِْلفُونَ عَلَى ا ْلكَ ِذ ِ‬
‫أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ َتوَّلوْا َقوْما َ‬
‫خذُوا أَ ْيمَا َنهُمْ جُنّةً َفصَدّوا‬
‫شدِيدا إِ ّن ُهمْ سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )15‬اتّ َ‬
‫عذَابا َ‬
‫عدّ اللّهُ َلهُمْ َ‬
‫َيعَْلمُونَ (‪ )14‬أَ َ‬
‫عذَابٌ ُمهِينٌ (‪ )16‬لَنْ ُتغْنِيَ عَ ْنهُمْ َأ ْموَاُلهُ ْم وَل َأوْلدُ ُهمْ مِنَ اللّهِ شَيْئا أُولَ ِئكَ‬
‫عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فََلهُمْ َ‬
‫حسَبُونَ‬
‫جمِيعا فَ َيحِْلفُونَ َلهُ َكمَا يَحِْلفُونَ َلكُ ْم وَيَ ْ‬
‫َأصْحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪َ )17‬يوْمَ يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ َ‬
‫حوَذَ عَلَ ْيهِمُ الشّيْطَانُ فَأَنْسَا ُهمْ ِذكْرَ اللّهِ أُولَ ِئكَ حِ ْزبُ‬
‫شيْءٍ أَل إِ ّن ُهمْ هُمُ ا ْلكَاذِبُونَ (‪ )18‬اسْ َت ْ‬
‫أَ ّنهُمْ عَلَى َ‬
‫الشّ ْيطَانِ أَل إِنّ حِ ْزبَ الشّيْطَانِ هُمُ ا ْلخَاسِرُونَ (‪)19‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ألم تر إلى الذين تولوا‪ :‬أي ألم تنظر إلى المنافقين الذين تولوا‪.‬‬
‫قوما غضب ال عليهم ‪:‬أي اليهود‪.‬‬
‫ما هم منكم ول منهم‪ :‬أي ما هم منكم أيها المؤمنون ول منهم أي من اليهود بل هم مذبذبون‪.‬‬
‫ويحلفون على الكذب وهم ‪:‬أي يحلفون لكم أنهم مؤمنون وهم يعلمون أنهم غير مؤمنين‪.‬‬
‫يعلمون‬
‫إنهم ساء ما كانوا يعملون‪ :‬أي قبح أشد القبح عملهم وهو النفاق والمعاصي‪.‬‬
‫اتخذوا أيمانهم جنة ‪:‬أي سترا على أنفسهم وأموالهم فادعوا اليمان كذبا وحلفوا أنهم مؤمنون وما‬
‫هم بمؤمنين‪.‬‬

‫( ‪)5/295‬‬

‫فصدوا عن سبيل ال ‪:‬أي فصدوا بتلك اليمان المؤمنين عن سبيل ال التي هي جهادهم وقتالهم‪.‬‬
‫فيحلفون له كما يحلفون لكم ‪:‬أي يوم يبعثهم من قبورهم يوم القيامة يحلفون ل أنهم كانوا مؤمنين‬
‫كما يحلفون اليوم لكم أنهم مؤمنون‪.‬‬
‫ويحسبون أنهم على شيء ‪:‬أي يظنون في أيمانهم الكاذبة أنهم على شيء من الحق‪.‬‬
‫استحوذ عليهم الشيطان ‪:‬أي غلب عليهم الشيطان‪.‬‬
‫فأنساهم ذكر ال ‪:‬فلم يذكروه بألسنتهم إل تقية ول يذكرون وعده ول وعيده‪.‬‬
‫أولئك حزب الشيطان ‪:‬أي أولئك البعداء أتباع الشيطان وجنده‪.‬‬
‫أل إن حزب الشيطان هم‪ :‬أي إن أتباع الشيطان وجنده هم المغبونون الخاسرون في صفقة‬
‫حياتهم‪.‬‬
‫الخاسرون‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫في هذه اليام التي نزلت فيها هذه السورة كان النفاق بالمدينة بالغا أشده‪ ،‬وكان اليهود كذلك‬
‫كثيرين ومتحزبين ضد السلم والمسامين وذلك قبل إجلئهم من المدينة ففي هذه الية يحذر ال‬
‫تعالى رسوله والمؤمنين من العدوين معا ويكشف الستار عنهم ليظهرهم على حقيقتهم ليحذرهم‬
‫المؤمنون فيقول تعالى {أََلمْ تَرَ‪ }1‬أي تنظر يا رسولنا إلى الذين تولوا قوما غضب ‪ 2‬ال عليهم‬
‫وهم اليهود تولهم المنافقون ولية نصرة وتحزب ضد الرسول والمؤمنين‪ .‬يقول تعالى هؤلء‬
‫المنافقون ما هم منكم أيها المؤمنون ول منهم من اليهود بل هم مذبذبون حيارى يترددون بينكم‬
‫وبين اليهود معكم في الظاهر ومع اليهود في الباطن‪.‬‬
‫ب وَ ُهمْ َيعَْلمُونَ‪ }3‬أي أنهم كاذبون إذ كانوا يأتون رسول ال‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َيحِْلفُونَ عَلَى ا ْلكَ ِذ ِ‬
‫ويحلفون له أنهم مؤمنون به وبما جاء به وهم يعلمون أنهم كاذبون إذ هم غير مؤمنين به ول‬
‫مصدقين‪ .‬فتوعدهم ال عز وجل بقوله‪{ :‬أَعَدّ اللّهُ َل ُهمْ عَذَابا شَدِيدا} أي هيأ لهم وأحضره وذلك يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وندد بصنيعهم وقبح سلوكهم بقوله إنهم ساء ما كانوا يعملون ولذا أعد لهم العذاب‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام تعجبي ووجه التعجب من حالهم أنهم تولوا قوما من غير جنسهم وليسوا على دينهم‬
‫وإنما حملهم الشتراك في عداوة النبي صلى ال عليه وسلم والمؤمنين‪.‬‬
‫‪ 2‬عرف اليهود بالقرآن بأنهم المغضوب عليهم وتكرر ذلك في القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ 3‬روي عن عكرمة وابن عباس في سبب نزول هذه الية‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان‬
‫جالسا في ظل شجرة قد كان الظل يتقلص عنه إذ قال يجيئكم الساعة رجل أزرق ينظر إليكم نظر‬
‫شيطان فنحن على ذلك إذ أقبل رجل أزرق قد عاينه النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ .‬علم‬
‫تشتمني أنت وأصحابك؟ قال دعني أجيئك بهم فمر فجاء بهم فحلفوا جميعا أنه ما كان من ذلك‬
‫شيء فأنزل ال تعالى‪( :‬يوم يبعثهم ال جميعا)‪.‬‬

‫( ‪)5/296‬‬

‫الشديد لسوء سلوكهم وقبح أعمالهم‪.‬‬


‫خذُوا أَ ْيمَا َنهُمْ‪ 1‬جُنّةً َفصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فََل ُهمْ عَذَابٌ ُمهِينٌ} أي اتخذ هؤلء‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬اتّ َ‬
‫المنافقون أيمانهم التي يحلفونها لكم بأنهم مؤمنون وما هم بمؤمنين اتخذوها ستارة ووقاية يقون بها‬
‫أنفسهم من القتل وأموالهم من الخذ فصدوا بتلك اليمان الكاذبة المؤمنين عن سبيل ال التي هي‬
‫قتالهم لنهم كفار مشركون يجب قتالهم حتى يدخلوا في دين ال أو يهلكوا لنهم ليسوا أهل كتاب‬
‫فتقبل منهم الجزية‪.‬‬
‫وقوله تعالى {فََلهُمْ عَذَابٌ ُمهِينٌ} أي يوم القيامة يهانون ويذلون به‪.‬‬
‫وقوله تعالى {لَنْ ُتغْ ِنيَ ‪2‬عَ ْنهُمْ} أي يوم القيامة أموالهم التي يجمعونها ويتمتعون بها اليوم كما ل‬
‫تغني عنهم أولدهم الذين يعتزون بهم من ال شيئا من الغناء فل تقبل منهم فدية فيفتدون بأموالهم‬
‫ول يطلبون من أولدهم نصرة فينصرونهم‪ .‬أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ل يخرجون‬
‫منها ول يموتون فيها ول يحيون‪.‬‬
‫جمِيعا} أي اذكر يا رسولنا يوم يبعثهم ال جميعا في عرصات القيامة‬
‫وقوله تعالى { َيوْمَ يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ َ‬
‫فيحلفون ‪ 3‬له أنهم كانوا مؤمنين كما يحلفون لكم اليوم أنهم مؤمنون‪ .‬ويحسبون اليوم أي يظنون‬
‫أنهم على كل شيء من الصواب والحق أل إنهم هم الكاذبون استحوذ ‪ 4‬عليهم الشيطان أي غلب‬
‫عليهم فأنساهم ذكر ال فل يذكرونه إل قليلً كما أنساهم ذكر وعده ووعيده فلذا هم ل يرغبون في‬
‫ما عنده ول يرهبون مما لديه‪ .‬أولئك حزب الشيطان أي أتباعه وجنده‪ .‬أل إن حزب ‪ 5‬الشيطان‬
‫أي أتباعه وجنده هم الخاسرون أي المغبونون في صفقتهم في هذه الحياة الدنيا وفي الخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪( 1‬اتخذوا أيمانهم جنة) الجملة مستأنفة استأنافا بيانيا لن سائل قد يسأل‪ :‬ما الذي حملهم على‬
‫الحلف الكاذب؟ فالجواب اتخاذهم أيمانهم جنة والجنة الوقاية من جن إذا استتر أي‪ :‬وقاية من‬
‫شعور المسلمين ليتمكنوا من الصد عن السلم تحت شعاره‪.‬‬
‫‪ 2‬في الية إشارة إلى أن كبار المنافقين كانوا ذوي ثروة ومال وهذا من السباب الحاملة لهم على‬
‫البقاء على الكفر حفاظا على أموالهم ومراكزهم في المجتمع في نظرهم‪ ،‬فأخبر تعالى أن مالهم‬
‫الذي يحافظون عليه أولدهم الذين يعتزون بهم إذا نزل بهم عذاب ال لن يغني ذلك عنهم من ال‬
‫شيئا‪.‬‬
‫‪ 3‬صح الحديث بأن من مات على شيء يبعث عليه‪ ،‬ولما مات المنافقون على النفاق بعثوا عليه‪،‬‬
‫فلذا يحلفون ل تعالى أنهم كانوا مؤمنين كما هم يحلفون في الدنيا بأنهم مؤمنون وهم كاذبون‪،‬‬
‫وهذا كقوله تعالى‪{ :‬وما كان فتنتهم إل أن قالوا وال ما كنا مشركين} ‪ .‬وهذا في عرصات‬
‫القيامة‪.‬‬
‫‪ 4‬مجرد استحوذ‪ :‬حاذ الشيء‪ :‬إذا أحاطه وصرفه كيف يريد‪ ،‬يقال‪ :‬حاذ العير‪ :‬إذا جمعها وساقها‬
‫غالبا لها فاشتقوا منه استفعل‪ :‬للستيلء‪ ،‬والتدبير والمعالجة ول يقال استحوذ إل لمن كان عاقل‬
‫يحسن التدبير والتصريف‪.‬‬
‫‪ 5‬جيء بحرف التنبيه والستفتاح (أل) تنبيها على أهمية ما دخلت عليه وأنه مما يحق أن ينتبه‬
‫له‪ .‬وضمير الفصل (هو) لفادة القصر‪ ،‬وهو قصر إدعائي للمبالغة في مقدار خسرانهم‪.‬‬

‫( ‪)5/297‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة موالة اليهود‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة الحلف على الكذب وهي اليمين الغموس‪.‬‬
‫‪ -3‬من علمات استحواذ الشيطان على النسان تركه لذكر ال بقلبه ولسانه ولوعده ووعيده‬
‫بأعماله وأقواله‪.‬‬
‫إِنّ الّذِينَ يُحَادّونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ أُولَ ِئكَ فِي الَْأذَلّينَ (‪ )20‬كَ َتبَ اللّهُ لَأَغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي إِنّ اللّهَ َق ِويّ‬
‫عَزِيزٌ (‪ )21‬ل تَجِدُ َقوْما ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الْآخِرِ ُيوَادّونَ مَنْ حَادّ اللّ َه وَرَسُولَ ُه وََلوْ كَانُوا آبَا َءهُمْ‬
‫عشِيرَ َتهُمْ أُولَ ِئكَ كَ َتبَ فِي قُلُو ِبهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيّدَهُمْ بِرُوحٍ مِ ْن ُه وَيُدْخُِل ُهمْ جَنّاتٍ‬
‫خوَا َنهُمْ َأوْ َ‬
‫َأوْ أَبْنَاءَ ُهمْ َأوْ إِ ْ‬
‫ضيَ اللّهُ عَ ْنهُمْ وَ َرضُوا عَنْهُ أُولَ ِئكَ حِ ْزبُ اللّهِ أَل إِنّ حِ ْزبَ‬
‫تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا َر ِ‬
‫اللّهِ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪)22‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن الذين يحادون ال ورسوله‪ :‬أي يخالفون ال ورسوله فيما يأمران به وينهيان عنه‪.‬‬
‫أولئك في الذلين ‪:‬أي المغلوبين المقهورين‪.‬‬
‫كتب ال لغلبن أنا ورسلي ‪:‬أي كتب في اللوح المحفوظ أو قضى وحكم بأن يغلب بالحجة أو‬
‫السيف‪.‬‬
‫يوادون من حاد ال ورسوله ‪:‬أي يصادقون من يخالف ال ورسوله بمحبتهم ونصرهم ‪.‬‬
‫ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو ‪:‬أي يقصدونهم بالسوء ويقاتلونهم على اليمان كما وقع للصحابة‪.‬‬
‫إخوانهم أو عشيرتهم‬

‫( ‪)5/298‬‬

‫أولئك كتب في قلوبهم اليمان ‪:‬أي أثبت اليمان في قلوبهم‪.‬‬


‫وأيدهم بروح منه ‪:‬أي برهان ونور وهدىً‪.‬‬
‫رضي ال عنهم ورضوا عنه ‪:‬أي رضي ال عنهم بطاعتهم إياه في الدنيا ورضوا عنه في الخرة‬
‫بإدخاله إياهم في الجنة‪.‬‬
‫أل أن حزب ال هم المفلحون ‪:‬أي أل إن جند ال وأولياءه هم الفائزون بالنجاة من النار ودخول‬
‫الجنة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى موجها المؤمنين مرشدا لهم إلى أقوم طريق وأكمل الحوال فيقول‪{ :‬إِنّ الّذِينَ يُحَادّونَ‬
‫اللّ َه وَرَسُوَلهُ} أي يخالفونهما في أمرهما ونهيهما وما يدعوان إليه من الدين الحق {أُولَ ِئكَ} أي‬
‫المخالفون في زمرة الذلين ‪ 1‬في الدنيا والخرة‪ .‬وقوله تعالى {كَ َتبَ‪ 2‬اللّهُ لَأَغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي} أي‬
‫كتب في اللوح المحفوظ وقضى بأن يغلب رسوله أعداءه بالحجة والسيف ‪{ .3‬إِنّ اللّهَ َق ِويّ عَزِيزٌ}‬
‫أي ذو قوة ل تقهر وعزة ل ترام فلذا قضى بنصرة رسوله على أعدائه مهما كانت قوتهم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬ل َتجِدُ َقوْما ُي ْؤمِنُونَ‪ 4‬بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ الْآخِرِ} يقول تعالى لرسوله ل تجد أناسا يؤمنون‬
‫بال إيمانا صادقا بال ربا وإلها وباليوم الخر يوادون بالمحبة والنصرة من حاد ال ورسوله‬
‫بمخالفتهما في أمرهما ونهيهما وما يدعوان إليه من توحيد ال وطاعته وطاعة رسوله ولو كانوا‬
‫أقرب قريب إليهم من أب أو أبن أو أخ أو عشيرة‪ .‬وقوله تعالى {أُولَ ِئكَ كَ َتبَ} أي ال تعالى في‬
‫قلوبهم اليمان أي أثبته وقرره فيها فهو ل يبرح ينير لهم طريق الهدى حتى ينتهوا إلى جوار‬
‫ربهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪( 1‬الذلين) جمع الذل وهو‪ :‬الكثر ذلً من كل ذليل والذل المهانة والصغار والحتقار‪.‬‬
‫‪ 2‬روي أن مقاتل قال‪ :‬قال المؤمنون لئن فتح ال لنا مكة والطائف وخيبر وما حولهن رجونا أن‬
‫يظهرنا ال على فارس والروم فقال عبد ال بن أبي بن سلول أتظنون أن الروم وفارس مثل‬
‫القرى التي غلبتم عليها‪ ،‬وال لنهم أكثر عددا وأشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك فأنزل ال‬
‫تعالى‪{ :‬كَ َتبَ اللّهُ لَأَغْلِبَنّ} أي‪ :‬قضى ال ذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬من بعث منهم بالحجة فإنه غالب بالحجة ومن بعثه بالسيف فهو غالب بالسيف بإذنه تعالى‪.‬‬
‫‪ 4‬ذكر لنزول هذه الية عدة أسباب وهي وإن لم تنزل في كلها فإنها منطبقة عليها فقيل‪ :‬إنها‬
‫نزلت في عبد ال بن عبد ال بن أبي بن سلول فقد جاء لوالده بفضلة ماء من شراب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم لعل ال يطهر قلبه من النفاق فسأله ما هذا فأخبره فقال عليه لعائن ال‪ :‬فهل‬
‫جئتني ببول أمك فإنه أطهر منها فغضب وجاء يستأذن رسول ال صلى ال عليه وسلم في قتله فلم‬
‫يأذن له‪ ،‬وقيل نزلت في أبي بكر الصديق لما ضرب والده بشدة لما سب له رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وقيل‪ :‬نزلت في الذين بارزوا أقربائهم يوم بدر‪.‬‬

‫( ‪)5/299‬‬

‫{وَأَيّ َدهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ‪ }1‬أي ببرهان ونور منه سبحانه وتعالى هذا في الدنيا وأما في الخرة فيدخلهم‬
‫جنات تجري من تحتها النهار أي بساتين غناء تجري النهار المختلفة من خلل الشجار‬
‫والقصور خالدين فيها ل يخرجون منها أبدا‪ ،‬وفوق ذلك رضي ال عنهم بطاعتهم إياه ورضوا‬
‫عنه في الخرة بإدخاله إياهم الجنة دار المتقين‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬أُولَ ِئكَ حِ ْزبُ اللّهِ} أي أولئك العالون في كمالتهم الروحية حزب ال أي جنده‬
‫وأولياؤه‪ ،‬ثم أعلن تعالى عن فوزهم ونجاحهم فقال‪{ :‬أَل إِنّ حِ ْزبَ اللّهِ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ}‪ 2‬أي‬
‫الفائزون يوم القيامة بالنجاة من النار ودخول الجنة‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬كتب ال الذل والصغار على من حاده وحاد رسوله بمخالفتهما فيما يحبان ويكرهان‪.‬‬
‫‪ -2‬قضى ال تعالى بنصرة رسوله فنصره إنه قوي عزيز‪.‬‬
‫‪3 -3‬حرمة موالة الكافر بالنصرة والمحبة ولو كان أقرب قريب‪ ،‬وقد قاتل أصحاب رسول ال‬
‫آباءهم وأبناءهم وإخوانهم وعشيرتهم في بدر‪ .‬وفيهم نزلت هذه الية تبشرهم برضوان ال تعالى‬
‫لهم‪ ،‬وإنعامه عليهم اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل هو جبريل‪ ،‬وقيل‪ :‬بنصر منه‪ ،‬وقال الربيع بن أنس‪ :‬بالقرآن وحججه‪.‬‬
‫‪ 2‬استدل مالك بهذه الية (ل تجد قوما ‪ )..‬الخ على معاداة القدرية وترك مجالستهم‪ .‬إذا كان هذا‬
‫في القدرية فكيف بالرافضة؟!‬
‫‪ 3‬روي أن داود عليه السلم قال‪ :‬إلهي‪ :‬أمن حزبك وحول عرشك؟ فأوحى ال إليه‪ :‬يا داود‪:‬‬
‫الغاضة أبصارهم النقية قلوبهم السليمة أكفهم‪ .‬أولئك حزبي وحول عرشي‪.‬‬

‫( ‪)5/300‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪...‬‬
‫سورة الحشر ‪1‬‬
‫مدنية وآياتها أربع وعشرون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حكِيمُ (‪ُ )1‬هوَ الّذِي َأخْرَجَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ‬
‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مِنْ دِيَارِ ِهمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وسماها ابن عباس سورة بني النضير لذكر قصة بني النضير فيها وسماها الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم (سورة الحشر) في حديث الترمذي عن معقل بن يسار أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬من قال حين يصبح ثلث مرات أعوذ بال السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلث‬
‫آيات من آخر سورة الحشر (هو ال) الخ وكل ال به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي‬
‫وإن مات في يومه مات شهيدا‪ ،‬ومن قرأها حين يمسي كذلك"‪ .‬وقال فيه‪ :‬حسن غريب‪.‬‬

‫( ‪)5/300‬‬

‫حصُو ُنهُمْ مِنَ اللّهِ فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَ ْيثُ َلمْ‬


‫لَِأ ّولِ ا ْلحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْ ُرجُوا وَظَنّوا أَ ّنهُمْ مَا ِنعَ ُتهُمْ ُ‬
‫عبَ يُخْرِبُونَ بُيُو َتهُمْ بِأَ ْيدِيهِ ْم وَأَيْدِي ا ْل ُمؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي‬
‫يَحْ َتسِبُوا َوقَ َذفَ فِي قُلُو ِبهِمُ الرّ ْ‬
‫عذَابُ النّارِ (‪)3‬‬
‫الْأَ ْبصَارِ (‪ )2‬وََلوْل أَنْ كَ َتبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمُ الْجَلءَ َلعَذّ َبهُمْ فِي الدّنْيَا وََلهُمْ فِي الْآخِ َرةِ َ‬
‫طعْتُمْ مِنْ لِي َنةٍ َأوْ‬
‫شدِيدُ ا ْلعِقَابِ (‪ )4‬مَا َق َ‬
‫ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ شَاقّوا اللّهَ وَرَسُولَ ُه َومَنْ ُيشَاقّ اللّهَ فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫سقِينَ (‪)5‬‬
‫تَ َركْ ُتمُوهَا قَا ِئ َمةً عَلَى ُأصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللّ ِه وَلِ ُيخْ ِزيَ ا ْلفَا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫سبح ‪ 1‬ل ما في السموات وما في الرض ‪:‬أي نزه ال تعالى وقدسه بلسان الحال والقال ما في‬
‫السموات وما في الرض من سائر الكائنات‪.‬‬
‫وهو العزيز الحكيم ‪:‬أي العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره لوليائه‪.‬‬
‫هو الذي أخرج الذين كفروا من ‪:‬أي أخرج يهود بني النضير من ديارهم بالمدينة‪.‬‬
‫أهل الكتاب من ديارهم‬
‫لول الحشر‪ :‬أي لول حشر كان وثاني حشر كان من خيبر إلى الشام‪.‬‬
‫ما ظننتم أن يخرجوا ‪:‬أي ما ظننتم أيها المؤمنون أن بني النضير يخرجون من ديارهم‪.‬‬
‫وطنوا أنهم مانعتهم حصونهم من ال ‪:‬أي وظن يهود بني النضير أن حصونهم تمنعهم مما قضى‬
‫ال به عليهم من إجلئهم من المدينة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في قوله تعالى‪( :‬سبح ل) الخ تذكير للمؤمنين بتسبيح ال تعالى وأنه من الذكر الذي هو علة‬
‫الوجود‪ ،‬وتركه مهلكة كالتي حلت ببني النضير لتركهم ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/301‬‬

‫فأتاهم ال من حيث لم يحتسبوا‪ :‬أي فجاءهم ال من حيث لم يظنوا أنهم يؤتون منه‪.‬‬
‫وقذف في قلوبهم الرعب ‪:‬أي وقذف ال تعالى الخوف الشديد من محمد وأصحابه‪.‬‬
‫يخربون بيوتهم بأيديهم ‪:‬أي يخربون بيوتهم حتى ل ينتفع بها المؤمنون وليأخذوا بعض أبوابها‬
‫وأخشابها المستحسنة معهم‪.‬‬
‫وأيدي المؤمنين ‪:‬إذ كانوا يهدمون عليهم الحصون ليتمكنوا من قتالهم‪.‬‬
‫فاعتبروا يا أولي البصار ‪:‬أي فاتعظوا بحالهم يا أصحاب العقول ول تغتروا ول تعتمدوا إل على‬
‫ال سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ولول أن كتب ال عليهم الجلء ‪:‬أي ولول أن كتب ال عليهم الخروج من المدينة‪.‬‬
‫لعذبهم في الدنيا ‪:‬أي بالقتل والسبي كما عذب بني قريظة إخوانهم بذلك‪.‬‬
‫ذلك بأنهم شاقوا ال ورسوله‪ :‬جزاهم بما جزاهم به من عذاب الدنيا والخرة بسبب مخالفتهم ل‬
‫ورسوله ومعاداتهم لهما‪.‬‬
‫ما قطعتم من لينة أو تركتموها ‪:‬أي ما قطعتم أيها المؤمنون من نخلة لينة أو تركتموها بل قطع‪.‬‬
‫فبإذن ال وليخزي الفاسقين ‪:‬أي فاقطع ما قطعتم وترك ما تركتم كان بإرادة ال وكان ليجزي ال‬
‫الفاسقين يهود بني النضير‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى عن جلله وعظمته بأنه سبحه أي نزهه عن كل النقائص من الشريك والمصاحبة‬
‫والولد والعجز والنقص مطلقا بلسان القال ولسان الحال جميع ما في السموات وما في الرض من‬
‫الملئكة والنس والجن والحيوان والشجر والحجر والمدر‪ ،‬وأنه هو العزيز النتقام الحكيم في‬
‫تدبير حياة النام‪ .‬هو الذي أخرج الذين كفروا من ديارهم يهود بني النضير ‪ 1‬أجلهم من ديارهم‬
‫بالمدينة لول الحشر ‪ 2‬إلى أذرعات بالشام ومنهم من نزل بخيبر وسيكون لهم حشر آخر حيث‬
‫حشرهم عمر وأجلهم من خيبر إلى الشام‪.‬‬
‫وقوله تعالى في خطاب المؤمنين‪{ :‬مَا ظَنَنْ ُتمْ أَنْ َيخْرُجُوا} أي من ديارهم وظنوا هم أنهم مانعتهم‬
‫حصونهم من ال‪ .‬فخاب ظنهم إذ أتاهم أمر ال من حيث لم يظنوا وذلك بأن قذف في‬
‫__________‬
‫‪ 1‬بنو النضير‪ :‬رهط من اليهود من ذرية هارون عليه السلم نزلوا المدينة في فتن بني إسرائيل‬
‫انتظارا لمحمد صلى ال عليه وسلم وكان من أمرهم ما قص تعالى في هذه السورة‪.‬‬
‫‪ 2‬الحشر‪ :‬الجمع أي‪ :‬جمع الناس في مكان واحد‪ ،‬والمراد هنا‪ :‬حشر يهود جزيرة العرب إلى‬
‫أرض غيرها أي‪ :‬جمعهم للخروج‪ ،‬ولذا هو يرادف الجلء إذ كان الجلء لجماعة عظيمة تجمع‬
‫من الديار المتفرقة‪ ،‬واللم في قوله‪( :‬لول الحشر) هي لم التوقيت التي تدخل على أول الوقت‬
‫نحو (فطلقوهن لعدتهن) أي‪ :‬لول عدتهن وهو الطهر الذي لم تمس فيه‪.‬‬

‫( ‪)5/302‬‬

‫قلوبهم الرعب والخوف الشديد من الرسول وأصحابه حتى أصبحوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي‬
‫المؤمنين‪ .‬المؤمنون يخربونها من الظاهر لفتح البلد وهم يخربونها من الباطن وذلك أن الصلح‬
‫الذي تم بينهم وبين الرسول والمؤمنين أنهم يحملون أموالهم إل الحلقة أي السلح ويجلون عن‬
‫البلد إلى الشام وهو أول حشر لهم فكانوا إذا أعجبهم الباب أو الخشبة نزعوها من محلها فيخرب‬
‫البيت لذلك‪ .‬وقوله تعالى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَ ْبصَارِ} أي البصائر والنهي أي اتعظوا بحال بني‬
‫النضير القوياء كيف قذف ال الرعب في قلوبهم وأجلوا عن ديارهم فاعتبروا يا أولي البصائر‬
‫فل تغتروا بقواكم ولكن اعتمدوا على ال وتوكلوا عليه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وََلوْل أَنْ كَ َتبَ اللّهُ عَلَ ْي ِهمُ‪ 1‬الْجَلءَ} أزل في اللوح المحفوظ لعذبهم في الدنيا بالسبي‬
‫والقتل كما عذب بني قريظة بعدهم‪ .‬ولهم في الخرة عذاب النار‪ ،‬ثم علل تعالى لهذا العذاب الذي‬
‫أنزله وينزله بهم بقوله‪{ :‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ شَاقّوا اللّ َه وَرَسُولَهُ} أي خالفوهما وعادوهما‪ ،‬ومن يشاق ال‬
‫يعاقبه بأشد العقوبات فإن ال شديد العقاب‪.‬‬
‫طعْتُمْ مِنْ‪ 2‬لِينَةٍ} أي من نخلة لينة أو تركتموها بل قطع قائمة على أصولها فقد‬
‫وقوله تعالى {مَا قَ َ‬
‫كان ذلك بإذن ال فل إثم عليكم فيه فقد أسر به المؤمنون وأخزى به الفاسقين اليهود‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان جلل ال وعظمته مع عزه وحكمته في تسبيحه من كل المخلوقات العلوية والسفلية وفي‬
‫ن وثالثٌ‪3.‬‬
‫إجلء بني النضير من ديارهم وهو أول حشر وإجلء تم لهم وسيعقبه حشر ثا ٍ‬
‫‪ -2‬بيان أكبر عبرة في خروج بني النضير‪ ،‬وذلك لما كان لهم من قوة ولما عليه المؤمنون من‬
‫ضعف ومع هذا فقد انهزموا شر هزيمة وتركوا البلد والموال ورحلوا إلى غير رجعة‪ .‬فعلى‬
‫مثل هذا يتعظ المتعظون فإنه ل قوة تنفع مع قوة ال‪ ،‬فل يغتر العقلء بقواهم المادية بل عليهم أن‬
‫ل وآخرا‪.‬‬
‫يعتمدوا على ال أو ً‬
‫‪ -3‬علة هزيمة بني النضير ليست إل محادتهم ل والرسول ومخالفتهم لهما وهذه سنته تعالى في‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفرق بين الجلء والخراج أن الجلء يكون بالهل والولد وأما الخراج قد يكون بدون ذلك‬
‫وكلهما مفارقة المرء وطنه ويقال‪ :‬جل المرء بنفسه وأجله غيره‪.‬‬
‫‪ 2‬كان هذا من باب إلجاء العدو إلى ترك المقاومة والستسلم واللينة‪ :‬بمعنى‪ :‬النخلة‪ ،‬واختير لفظ‬
‫اللينة دون النخلة‪ :‬لخفته وهو اللون دون العجوة والبرني‪.‬‬
‫‪ 3‬الحشر‪ :‬أي الجمع الول هو إجلؤهم من المدينة‪ ،‬والثاني‪ :‬هو إجلؤهم عن الديار الحجازية‬
‫على يد عمر رضي ال عنه لوصية الرسول صلى ال عليه وسلم بذلك في قوله " ل يجتمع دينان‬
‫في الجزيرة" والثالث‪ :‬هو إجلؤهم من فلسطين بعد تجمعهم فيها وإقام دولتهم‪ .‬جاء بهذا حديث‬
‫مسلم "لتقاتلن اليهود‪ "...‬الحديث فسوف يتم إجلؤهم حتى ل يجتمعوا مرة أخرى إلى قيام الساعة‪.‬‬

‫( ‪)5/303‬‬

‫كل من يحاده ويحاد رسوله فإنه ينزل به أشد أنواع العقوبات‪.‬‬


‫‪ -4‬عفو ال تعالى على المجتهد إذا أخطأ وعدم مؤاخذته‪ ،‬فقد اجتهد المؤمنون في قطع نخل بني‬
‫النضير من أجل إغاظتهم حتى ينزلوا من حصونهم‪ .‬و أخطأوا في ذلك إذ قطع النخل المثمر‬
‫فساد‪ ،‬ولكن ال تعالى لم يؤاخذهم لنهم مجتهدون‪.‬‬
‫سلَهُ عَلَى‬
‫جفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَ ْيلٍ وَل ِركَابٍ وََلكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ رُ ُ‬
‫َومَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى َرسُولِهِ مِ ْنهُمْ َفمَا َأوْ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ )6‬مَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلقُرَى فَلِلّ ِه وَلِلرّسُولِ‬
‫مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ن وَابْنِ السّبِيلِ َكيْ ل َيكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِ ْن ُك ْم َومَا آتَاكُمُ‬
‫وَلِذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي ِ‬
‫خذُوهُ َومَا َنهَاكُمْ عَ ْنهُ فَانْ َتهُوا وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ (‪)7‬‬
‫الرّسُولُ فَ ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وما أفاء ال على رسوله منهم ‪:‬أي وما رد ال ليد رسول ال صلى ال عليه وسلم من مال بني‬
‫النضير‪.‬‬
‫ل ول إبلً أي لم تعانوا‬
‫‪ 1‬فما أوجفتم عليه من خيل ول ‪:‬أي أسرعتم في طلبه والحصول عليه خي ً‬
‫فيه مشقة‪.‬‬
‫ركاب‬
‫ولكن ال يسلط رسله على من يشاء ‪:‬أي وقد سلط رسول ال محمدا صلى ال عليه وسلم على‬
‫بني النضير ففتح بلدهم صلحا‪.‬‬
‫وما أفاء ال على رسوله من أهل القرى ‪:‬أي وما رد ال على رسوله من أموال أهل القرى التي‬
‫لم يوجف عليها بخيل ركابٍ‪.‬‬
‫فلله وللرسول ولذي القربى ‪:‬أي ل جزء وللرسول جزء ولقرابة الرسول جزء ولليتامى جزء‬
‫وللمساكين‬
‫واليتامى والمساكين وابن جزء ولبن السبيل جزء تقسم على المذكورين‬
‫__________‬
‫‪( 1‬فما أوجفتم) هذه الفاء واقعة في جواب الذي‪ ،‬إذ الموصول فيه معنى الشرط فقوله‪( :‬وما أفاء)‬
‫أي‪ :‬والذي أفاءه ال على رسوله منهم فما أوجفتم‪ )...‬الخ‪.‬‬

‫( ‪)5/304‬‬

‫السبيل بالسوية‪.‬‬
‫كي ل يكون دولة بين الغنياء ‪:‬أي كيل يكون المال متداولً بين الغنياء القوياء ول يناله‬
‫الضعفاء والفقراء‪.‬‬
‫منكم‬
‫وما آتاكم الرسول فخذوه وما ‪:‬أي وما أعطاكم الرسول وأذن لكم فيه أو أمركم به فخذوه وما‬
‫نهاكم عنه‬
‫نهاكم عنه فانتهوا وحظره عليكم ولم يأذن لكم فيه فانتهوا عنه‪.‬‬
‫واتقوا ال إن ال شديد العقاب ‪:‬أي واتقوا ال فل تعصوه ول تعصوا رسوله واحذروا عقوبة ال‬
‫على معصيته ومعصية رسوله فإن ال شديد العقاب‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في غزوة بني النضير إنه بعد الصلح الذي تم بينهم وبين رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وقد تركوا حوائطهم أي بساتينهم فيئا لرسول ال صلى ال عليه وسلم ورغب‬
‫المسلمون في تلك البساتين ورأى بعضهم أنها ستقسم عليهم كما تقسم الغنائم فأبى ال تعالى ذلك‬
‫عليهم وقال‪َ { :‬ومَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ} أي وما رد ال تعالى على رسوله من مال بني النضير‪.‬‬
‫وكلمة رد تفسير لكلمة أفاء لن الفيء الظل يتقلص ثم يرجع أي يرد وأموال بني النضير الصل‬
‫فيها لرسول ال صلى ال عليه وسلم لن بني النضير عاهدوا رسول ال وبمقتضى المعاهدة أبقى‬
‫عليهم أموالهم فإذا تقضوا العهد وخانوا لم يستحقوا من المال شيئا ل سيما وأنهم تآمروا على قتله‬
‫وكادوا ينفذون جريمتهم التي تحملوا تبعتها ولو لم ينفذوها‪ .‬وبداية القضية كالتالي‪:‬‬
‫أن المعاهدة التي تمت بين الرسول صلى ال عليه وسلم وبين بني النضير من جملة بنودها أن‬
‫يؤدوا مع الرسول ما يتحمل من ديات‪ .‬وبعد وقعة أحد بنصف سنة حدث أن عمرو بن أمية‬
‫الضمري قتل خطأ رجلين من بني كلب أو بني كلب فجاء ذووهم يطالبون بديتهم من رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إذ هو المسئول عن المسلمين فخرج صلى ال عليه وسلم إلى بني النضير‬
‫في قريتهم ‪ 1‬التي تبعد عن المدينة بميلين يطالب بالسهام في دية الرجلين الكلبيين بحكم المعاهدة‬
‫فلما انتهى إليهم أنزلوه هو وأصحابه بأحسن مجلس وقالوا ما تطلبه هو لك يا أبا القاسم ثم خلوا‬
‫بأنفسهم وقالوا أن الفرصة سانحة للتخلص من الرجل فجاءوا برحىً (مطحنة) من صخرة وطلعوا‬
‫بها إلى سطح المنزل وهموا أن يسقطوها على رأس رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو جالس‬
‫في ظل الجدار مع أصحابه‪ ،‬وقبل أن يسقطوا الرحى أوحى ال إلى رسوله أن قم من مكانك فإن‬
‫اليهود أرادوا إسقاط حجر عليك ليقتلوك فقام صلى ال عليه وسلم على الفور‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وكانت تسمى الزهرة وكان لها خمسة حصون‪.‬‬

‫( ‪)5/305‬‬

‫وتبعه أصحابه وسقط في أيدي اليهود‪ .‬وما إن رجع الرسول صلى ال عليه وسلم حتى أعلن‬
‫الخروج إلى بني النضير فإنهم نقضوا عهدهم ووجب قتالهم فنزل بساحتهم وحاصرهم وجرت‬
‫سفارة وانتهت بصلح يقضى بأن يجلوا بني النضير عن المدينة يحملون أموالهم على إبلهم دون‬
‫السلح ويلتحقوا بأذرعات بالشام فكان هذا أول حشر لهم إلى أرض المعاد والمحشر إل أسرتين‬
‫نزلتا بخيبر أسرة بني الحقيق الذين منهم حيي بن أخطب والد صفية زوج الرسول صلى ال عليه‬
‫خوَا ِنهِمُ الّذِينَ‬
‫وسلم‪ .‬ولهذه الغزوة بقيت ستأتي عند قوله تعالى {َألَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَا َفقُوا َيقُولُونَ لِِإ ْ‬
‫َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ} اليات‪.‬‬
‫من هنا علمنا أن مال بني النضير هو لرسول ال صلى ال عليه وسلم أفاءه ال عليه فقال وما‬
‫أفاء ال على رسوله منهم أي من بني النضير‪ .‬ولما طمع المؤمنون فيه قال تعالى ردا عليهم فما‬
‫ل ول إبلً ول أسرعتم عدوا إليهم‬
‫أوجفتم ‪ 1‬عليه أي على أموال بني النضير أي ما ركبتم إليه خي ً‬
‫لنهم في طرف المدينة فلم تتحملوا سفرا ول تعبا ول قتالً موتا وجراحات فلذا ل حق لكم فيها‬
‫فإنها فيء وليست بغنائم‪ .‬ولكن ال ‪ 2‬يسلط رسله على من يشاء بدون حرب ول قتال فيفيء عليهم‬
‫بمال الكفرة الذي هو مال ال فيرده على رسله‪,‬وقد سلط ال حسب سنته في رسله محمدا صلى ال‬
‫عليه وسلم على أعدائه بني النضير فحاز المال بدون قتال ول سفر فهو له دون غيره ينفقه كما‬
‫يشاء ومع هذا فقد أنفقه صلى ال عليه وسلم ولم يبق منه إل قوت سنة لزواجه رضي ال عنهن‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ} ل يمتنع منه قوى‪ ,‬ول يتعزز عليه شريف‬
‫وأرضاهن‪ .‬وقوله تعالى {وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫سرى‪.‬‬
‫وقوله تعالى {مَا َأفَاءَ اللّهُ‪ 3‬عَلَى َرسُولِهِ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلقُرَى} أي من أموال أهل القرى التي ما فتحت‬
‫عنوة ولكن صلحا فتلك الموال تقسم فيئا على مل بين تعالى فلله وللرسول ولذي القربى أي قرابة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهم بنو هاشم وبنو المطلب‪ .‬واليتامى الذين ل عائل لهم‪,‬‬
‫والمساكين الذين مسكنتهم الحاجة وابن السبيل وهو المسافر المنقطع عن بلده وداره وماله؟ وعلة‬
‫ذلك بينها تعالى بقوله { َكيْ ل َيكُونَ } أي المال {دُولَةً‪ }4‬أي متداولً بين الغنياء منكم‪ ,‬ول يناله‬
‫الضعفاء والفقراء فمن الرحمة والعدل أن يقسم الفيء لعى هؤلء الصناف المذكورين وما ل فهو‬
‫ينفق في المصالح العامة وكذلك ما للرسول بعد وفاته صلى ال عليه وسلم والباقي للمذكورين‪,‬‬
‫وكذا خمس الغنائم فإنه يوزع على المذكورين في هذه الية أما الربعة أخماس فعلى المجاهدين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اليجاف‪ :‬ضرب من سير الخيل وهو سير سريع والمراد‪ :‬الركض للغارة و(الركاب) اسم‬
‫جمع للبل التي تركب‪.‬‬
‫‪ 2‬في الكلم حذف اقتضاه اليجاز إذ التقدير‪ :‬ولكن ال سلط عليهم رسوله‪ ,‬وال يسلط رسله على‬
‫من يشاء‪.‬‬
‫‪ 3‬هذه الية بداية كلم مستأنف ابتدائيا فالولى كانت بخاصة قسمة أموال بني النضير‪ ,‬وأما هذه‬
‫فهي في بيان حكم الفيء في السلم‪.‬‬
‫‪( 4‬دولة)‪ :‬ما يتداوله المتداولون‪ ,‬والتداول‪ :‬التعاقب في التصرف في شيء وأصبحت خاصة‬
‫بتداول الموال‪.‬‬

‫( ‪)5/306‬‬

‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا آتَاكُمُ الرّسُولُ} من مال وغيره { َفخُذُو ُه َومَا َنهَاكُمْ عَنْهُ} أي من مال وغيره‬
‫فانتهوا عنه واتقوا ال فل تعصوه ول تعصوا رسوله و أحذروا عقابه فإن ال شديد العقاب أي‬
‫معاقبته قاسية شديدة ل تطاق فيا ويل من تعرض لها بالكفر والفجور والظلم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أن مال بني النضير كان فيئا خاصا برسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الفيء وهو ما حصل عليه المسلمون بدون قتال ‪ 1‬وإنما بفرار العدو وتركه أو بصلح يتم‬
‫بينه وبين المسلمين هذا الفيء يقسم على ما ذكر تعالى في هذه الية إذ قال وما أفاء ال على‬
‫رسوله من أهل القرى فلله‪ ،‬وللرسول‪ ،‬ولذي القربى‪ ،‬واليتامى‪ ،‬والمساكين‪ ،‬وابن السبيل‪ .‬وأما‬
‫الغنائم وهي ما أخذت عنوة بالقوة وسافر إليها المسلمون فإنها تخمس خمس ل وللرسول ولذي‬
‫القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل يوزع بينهم بالسوية‪ ،‬والربعة الخماس الباقية تقسم على‬
‫المجاهدين الذين شاركوا بالمعارك وخاضوها للراجل قسم وللفارس قسمان‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب طاعة رسول ال صلى ال عليه وسلم وتطبيق أحكامه والستنان بسنته المؤكدة‬
‫وحرمة مخالفته فيما نهى عنه أمته روى الشيخان أن ابن مسعود رضي ال عنه قال لعن ال‬
‫الواشمات ‪ 2‬والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق ال فبلغ ذلك امرأة من أسد يقال لها‬
‫أم يعقوب كانت تقرأ القرآن فقالت بلغني أنك لعنت كيت وكيت‪ .‬فقال‪ :‬مالي ل ألعن من لعن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو في كتاب ال عز وجل؟ فقالت لقد قرأت ما بين لوحي‬
‫المصحف فما وجدته‪ ،‬قال إن كنت قرأته فقد وجدته‪ .‬أما قرأت قوله تعالى { َومَا آتَاكُمُ‪ 3‬الرّسُولُ‬
‫خذُوهُ َومَا َنهَاكُمْ عَ ْنهُ فَانْ َتهُوا} قالت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬فإنه صلى ال عليه وسلم قد نهى عنه‪ .‬أي الوشم‬
‫فَ ُ‬
‫الخ‪..‬‬
‫ضوَانا وَيَ ْنصُرُونَ‬
‫لِ ْلفُقَرَاءِ ا ْل ُمهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْ ِرجُوا مِنْ دِيَارِ ِه ْم وََأ ْموَاِلهِمْ يَبْ َتغُونَ َفضْلً مِنَ اللّ ِه وَ ِر ْ‬
‫اللّ َه وَرَسُوَلهُ أُولَ ِئكَ هُمُ الصّا ِدقُونَ (‪ )8‬وَالّذِينَ تَ َبوّأُوا الدّا َر وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبِْلهِمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه المسألة خلفية بين الفقهاء وما في التفسير هو الذي عليه الكثرون منهم وهو الراجح وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬الوشم معروف‪ ،‬ملعونة فاعلته والمفعول لها‪ ،‬والتنمص نتف الشعر من الوجه والتفلج توسعة ما‬
‫بين السنان بمنشار وغيره للتجمل بذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬اليتاء‪ :‬مستعار لتبليغ المر إليهم إذ جعل تشريعه وتبليغه كإيتاء شيء بأيديهم كقوله تعالى‪:‬‬
‫{خُذُوا مَا آتَيْنَا ُكمْ ِبقُ ّوةٍ} إذ يريد التشريع الذي شرعه لهم في التوراة‪.‬‬

‫( ‪)5/307‬‬

‫سهِ ْم وََلوْ كَانَ‬


‫صدُورِهِمْ حَاجَةً ِممّا أُوتُوا وَ ُيؤْثِرُونَ عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫جدُونَ فِي ُ‬
‫يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَ ْيهِمْ وَل يَ ِ‬
‫خصَاصَةٌ َومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪ )9‬وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ َب ْعدِهِمْ َيقُولُونَ رَبّنَا‬
‫ِبهِمْ َ‬
‫غلّا لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إِ ّنكَ َرؤُوفٌ‬
‫ج َعلْ فِي قُلُوبِنَا ِ‬
‫ن وَل تَ ْ‬
‫خوَانِنَا الّذِينَ سَ َبقُونَا بِالْأِيمَا ِ‬
‫غفِرْ لَنَا وَلِإِ ْ‬
‫اْ‬
‫رَحِيمٌ (‪)10‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يبتغون فضل من ال ورضوانا ‪:‬أي هاجروا حال كونهم طالبين من ال رزقا يكفيهم ورضا منه‬
‫تعالى‪.‬‬
‫أولئك هم الصادقون ‪:‬أي في إيمانهم حيث تركوا ديارهم وأموالهم وهاجروا ينصرون ال‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫والذين تبوءوا الدار واليمان ‪:‬أي والنصار الذين نزلوا المدينة وألفوا اليمان بعدما اختاروه على‬
‫الكفر‪.‬‬
‫من قبلهم ‪:‬أي من قبل المهاجرين‪.‬‬
‫ول يجدون في صدورهم حاجة ‪:‬أي حسدا ول غيظا‪.‬‬
‫مما أوتوا ‪ :‬أي مما أوتي إخوانهم المهاجرون من فيء بني النضير‪.‬‬
‫ويؤثرون على أنفسهم‪ :‬أي في كل شيء حتى إن الرجل منهم تكون تحته المرأتان فيطلق أحداهما‬
‫ليزوجها مهاجرا‪.‬‬
‫ولو كان بهم خصاصة ‪:‬أي حاجة شديدة وخلة كبيرة ل يجدون ما يسدونها به‪.‬‬
‫ومن يوق شح نفسه ‪:‬أي ومن يقه ال تعالى حرص نفسه على المال والبخل به‪.‬‬
‫والذين جاءوا من بعدهم ‪:‬أي من بعد المهاجرين والنصار من التابعين إلى يومنا هذا فما بعد‪.‬‬
‫ول تجعل في قلوبنا غل للذين ‪:‬أي حقدا أي انطواء على العداوة والبغضاء‪.‬‬
‫آمنوا‬

‫( ‪)5/308‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في الحديث عن فيء بني النضير وتوزيع الرسول صلى ال عليه وسلم له‬
‫فقال تعالى {لِ ْل ُفقَرَاءِ} أي أعجبوا ‪ 1‬أن يعطى فيء بني النضير للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا‬
‫من ديارهم وأموالهم يبتغون أي حال كونهم في خروجهم يطلبون فضل من ال أي رزقا يكف‬
‫وجوههم عن المسألة ورضوانا من ربهم أي رضا عنهم ل يعقبه سخط‪ .‬إذ كان الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم أعطى فيء بني النضير للمهاجرين ولم يعط للنصار إل ما كان من أبي دجانة وسهل‬
‫بن حنيف فقد ذكروا لرسوله ال صلى ال عليه وسلم حاجة فأعطاهما‪ .‬فتكلم المنافقون للفتنة‬
‫وعابوا صنيع رسول ال صلى ال عليه وسلم فأنزل ال تعالى هذه الية يعجب منهم الرسول‬
‫والمؤمنون في إنكارهم على عطاء رسول ال صلى ال عليه وسلم المهاجرين دون النصار‪،‬‬
‫وهو قوله تعالى {لِ ْلفُقَرَاءِ ا ْل ُمهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْ ِرجُوا ‪ 2‬مِنْ دِيَارِهِمْ وََأمْوَاِلهِمْ يَبْ َتغُونَ َفضْلً مِنَ اللّهِ‬
‫وَ ِرضْوَانا وَيَ ْنصُرُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ أُولَ ِئكَ ُهمُ الصّا ِدقُونَ} أي في إيمانهم إذ صدقوا القول بالعمل‪،‬‬
‫وما كان معتقدا باطنا أصبح عملً ظاهرا بهذه الوصاف التي ذكر تعالى للمهاجرين أعطاهم‬
‫الرسول من فيء بني النضير‪ .‬وأما النصار الذين لم يعطهم المال الزائل وهم في غير حاجة إليه‬
‫فقد أعطاهم ما هو خير من المال‪ .‬واسمع ثناؤه تعالى عليهم‪{ :‬وَالّذِينَ تَ َبوّأُوا الدّارَ} ‪ 3‬أي المدينة‬
‫النبوية واليمان أي بوأوه قلوبهم وأحبوه وألفوه‪ .‬من قبلهم أي من قبل نزول المهاجرين ‪ 4‬إلى‬
‫المدينة يحبون من هاجر إليهم من سائر المؤمنين الذين يأتون فرارا بدينهم‪ ،‬ول يجدون في‬
‫صدورهم حاجة أي حسدا ول غيظا مما أوتوا أي مما أعطوا الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫المهاجرين‪ .‬ويؤثرون على أنفسهم ‪ 5‬غيرهم من المهاجرين ولو كان بهم خصاصة أي حاجة‬
‫شديدة وخلة كبيرة ل يجدون ما يسدونها به‪ ،‬وفي السيرة من عجيب إيثارهم العجب العجاب في‬
‫أن الرجل يكون تحته امرأتان فيطلق إحداهما فإذا انتهت عدتها زوجها أخاه المهاجر فهل بعد هذا‬
‫اليثار من إيثار؟‪.‬‬
‫__________‬
‫ن وَابْنِ السّبِيلِ} ويكون‪:‬‬
‫‪ 1‬وقيل‪ :‬إن (للفقراء) بيان لقوله‪{ :‬وَلِذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي ِ‬
‫(للفقراء)‪ :‬قيدا لذي القربى بحيث ل يعطى منهم إل الفقراء‪ ،‬وهذا مردود رده الشافعي على أبي‬
‫حنيفة ردا عنيفا‪.‬‬
‫‪( 2‬أخرجوا)‪ :‬أي‪ :‬أحوجهم المشركون إلى الخروج وكانوا مائة رجل كذا قال القرطبي‪.‬‬
‫‪( 3‬تبوءوا الدار واليمان) لما كان التبوء يكون في الماكن كان لبد من تقدير لكلمة اليمان نحو‪:‬‬
‫تبوءوا الدار والتزموا اليمان أو ألفوا اليمان على حد قولهم‪ :‬علفتها تبنا وماءً باردا‪ .‬أي‪:‬‬
‫وسقيتها ماءً‪.‬‬
‫‪ 4‬في العبارة تجوز أي‪ :‬من قبل نزول أكثر المهاجرين أو من قبل نزول الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم بالمدينة وهو سيد المهاجرين وسيد جميع العالمين‪.‬‬
‫‪ 5‬أخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة "أن رجل بات به ضيف فلم يكن عنده إل قوته وقوت‬
‫صبيانه فقال لمرأته‪ :‬نومي الصبيان وأطفئي السراج وقربي للضيف ما عندك" فنزلت هذه الية‪:‬‬
‫خصَاصَةٌ}‪.‬‬
‫سهِمْ وََلوْ كَانَ ِبهِمْ َ‬
‫علَى أَ ْنفُ ِ‬
‫{ وَ ُيؤْثِرُونَ َ‬

‫( ‪)5/309‬‬

‫وقوله تعالى { َومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ} ‪1‬أي من يقيه ال تعالى مرض الشح وهو البخل بالمال‬
‫والحرص على جمعه ومنعه فهو في عداد المفلحين وقد وقى النصار من هذا الخطر فهم مفلحون‬
‫فهذا أيضا ثناءٌ عليهم وبشرى لهم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ َبعْدِ ِهمْ} أي من بعد المهاجرين الولين والنصار الذين تبوءوا‬
‫غفِرْ لَنَا} أي ذنوبنا واغفر‬
‫الدار واليمان يقولون في دعائهم الدائم لهم {رَبّنَا} أي يا ربنا {ا ْ‬
‫ج َعلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّا لِلّذِينَ‬
‫خوَانِنَا الّذِينَ سَ َبقُونَا بِالْأِيمَانِ} وهم المهاجرون والنصار‪{ ،‬وَل تَ ْ‬
‫{وَلِإِ ْ‬
‫آمَنُوا} بك وبرسولك {رَبّنَا إِ ّنكَ َرؤُوفٌ رَحِيمٌ} أي ذو رأفة بعبادك ورحمة بالمؤمنين بك فاستجب‬
‫دعاءنا فاغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا في اليمان ول تجعل في قلوبنا غلً لهم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان فضل المهاجرين والنصار‪ ,‬وأن حبهم إيمان وبغضهم كفران‪.‬‬
‫‪ -2‬فضيلة اليثار على النفس‪.‬‬
‫‪ -3‬فضيلة إيواء المهاجرين ومساعدتهم على العيش في دار الهجرة المهاجرين الذين هاجروا في‬
‫سبيل ال تعالى فرارا بدينهم ونصرة لخوانهم المجاهدين والمرابطين‪.‬‬
‫‪ -4‬خطر الشح وهو البخل بما وجب إخراجه من المال والحرص على جمعه من الحلل‬
‫والحرام‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان طبقات المسلمين ودرجاتهم وهي ثلثة بالجمال‪:‬‬
‫‪ -1‬المهاجرون الولون‪.‬‬
‫‪ -2‬النصار الذين تبوءوا الدار "المدينة" وألفوا اليمان‪.‬‬
‫‪ -3‬من جاء بعدهم من التابعين وتابعي التابعين إلى قيام الساعة من أهل اليمان والتقوى‪.‬‬
‫خوَا ِنهِمُ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ لَئِنْ أُخْ ِرجْتُمْ لَ َنخْرُجَنّ َم َعكُمْ‬
‫أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَا َفقُوا َيقُولُونَ لِإِ ْ‬
‫وَل ُنطِيعُ فِيكُمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ومما ورد في ذم الشح قوله صلى ال عليه وسلم "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة‪،‬‬
‫واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم"‪.‬‬

‫( ‪)5/310‬‬

‫شهَدُ إِ ّن ُهمْ َلكَاذِبُونَ (‪ )11‬لَئِنْ ُأخْرِجُوا ل يَخْ ُرجُونَ َم َعهُ ْم وَلَئِنْ‬


‫أَحَدا أَبَدا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَ ْنصُرَ ّنكُ ْم وَاللّهُ يَ ْ‬
‫قُوتِلُوا ل يَ ْنصُرُو َنهُ ْم وَلَئِنْ َنصَرُوهُمْ لَ ُيوَلّنّ الَْأدْبَارَ ثُمّ ل يُ ْنصَرُونَ (‪ )12‬لَأَنْتُمْ أَشَدّ َرهْبَةً فِي‬
‫حصّنَةٍ َأوْ مِنْ‬
‫جمِيعا إِلّا فِي قُرىً ُم َ‬
‫صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ ل َيفْ َقهُونَ (‪ )13‬ل ُيقَاتِلُو َنكُمْ َ‬
‫جمِيعا َوقُلُو ُبهُمْ شَتّى ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ َقوْمٌ ل َي ْعقِلُونَ (‪)14‬‬
‫س ُهمْ بَيْ َنهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَ ُب ُهمْ َ‬
‫جدُرٍ بَأْ ُ‬
‫وَرَاءِ ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ألم تر‪ :‬أي ألم تنظر‪.‬‬
‫نافقوا ‪ :‬أي أظهروا اليمان وأخفوا في نفوسهم الكفر‪.‬‬
‫لخوانهم الذين كفروا من أهل ‪ :‬أي يهود بني النضير‪.‬‬
‫الكتاب‬
‫لئن أخرجتم ‪:‬أي من دياركم بالمدينة‪.‬‬
‫لنخرجن معكم ‪:‬أي نخرج معكم ول نبقى بعدكم في المدينة‪.‬‬
‫وإن قوتلتم ‪:‬أي قاتلكم محمد صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪.‬‬
‫لننصرنكم ‪:‬أي بالرجال والسلح‪.‬‬
‫وال يشهد إنهم لكاذبون ‪:‬أي فيما وعدوا به إخوانهم بني النضير‪.‬‬
‫ولئن نصروهم ‪:‬أي وعلى فرض أنهم نصروهم ليولن الدبار ثم ل ينصرون المنافقون كاليهود‬
‫سواء‪.‬‬
‫لنتم أشد رهبة في صدورهم‪:‬أي تال لنتم أشد خوفا في صدورهم‪.‬‬
‫من ال ‪:‬لن ال تعالى يؤخر عذابهم وأنتم تعجلونه لهم‪.‬‬
‫ذلك بأنهم ‪:‬أي المنافقين‪.‬‬
‫قوم ل يفقهون ‪:‬لظلمة كفرهم وعدم استعدادهم للفهم عن ال ورسوله‪.‬‬

‫( ‪)5/311‬‬

‫ل يقاتلونكم جميعا ‪:‬أي ل يقاتلكم يهود بني النضير مجتمعين‪.‬‬


‫إل في قرى محصنة ‪:‬أي بالسوار العالية‪.‬‬
‫أو من وراء جدر ‪:‬أي من رواء المباني والجدران أما المواجهة فل يقدرون عليها‪.‬‬
‫بأسهم بينهم شديد ‪:‬أي العداوة بينهم شديدة والبغضاء أشد‪.‬‬
‫تحسبهم جميعا ‪:‬أي مجتمعين‪.‬‬
‫وقلوبهم شتى ‪:‬أي متفرقة خلف ما تحسبهم عليه‪.‬‬
‫بأنهم قوم ل يعقلون ‪:‬إذ لو كانوا يعقلون لجتمعوا على الحق ول ما كفروا به وتفرقوا فيه فهذا‬
‫دليل عدم عقلهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحديث عن غزوة بني النضير فيقول تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫{أََلمْ تَرَ} أي تنظر ‪ 1‬يا رسولنا إلى الذين نافقوا وهم عبد ال بن أبي بن سلول ووديعة ومالك ابنا‬
‫نوفل وسويد وداعس إذ بعثوا إلى بني النضير حين نزل بساحتهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫لحربهم بعثوا إليه أن اثبتوا وتمنعوا وإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم غير أنهم لم‬
‫يفوا لهم ولم يأتهم منهم أحد وقذف ال الرعب في قلوبهم فسألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت البل من أموالهم إل الحلقة "السلح" هذا معنى‬
‫خوَا ِنهِمُ في الكفر} من أهل الكتاب "يهود بني‬
‫قوله تعالى {أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ‪ 2‬نَا َفقُوا َيقُولُونَ لِِإ ْ‬
‫النضير" لئن أخرجتم من المدينة لنخرجن معكم‪ ,‬ول نطيع فيكم أي في نصرتكم والوقوف إلى‬
‫جنبكم أحدا كائنا من كان وأن قوتلتم أي قاتلكم محمد صلى ال عليه وسلم ورجاله لننصرنكم‪.‬‬
‫وال يشهد إنهم لكاذبون فيما قالوا لهم وفعل لم يقاتلوا معهم ولم يخرجوا معهم كما خرجوا من‬
‫ديارهم‪ .‬وهو قوله تعالى {لَئِنْ ُأخْرِجُوا ل ‪َ 3‬يخْرُجُونَ َم َعهُ ْم وَلَئِنْ قُوتِلُوا ل يَ ْنصُرُو َنهُمْ} وعلى‬
‫فرض أنهم نصروهم ليولن الدبار هاربين من المعركة‪ ,‬ثم ل ينصرون اليهود كالمنافقين سواء‪.‬‬
‫وقوله تعالى {لَأَنْتُمْ َأشَدّ َرهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ} يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بأنهم أشد رهبة‬
‫أي خوفا في صدور المنافقين من ال‬
‫__________‬
‫‪ 1‬بعد ذكر ما حل ببني النضير من خزي وعذاب حيث أجلوا عن ديارهم تاركينها وراءهم وذكر‬
‫ما أفاء ال على رسوله من أموالهم شرع تعالى في تعجيب رسوله والمؤمنين من حال المنافقين‬
‫وما لحقهم من عار وشنار فقال لرسوله صلى ال عليه وسلم {ألم تر إلى الذين‪ }...‬الخ‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام للتعجب والخوة هنا هي أخوة التلقي في الكفر وفي بغض السلم ورسوله وأهله‪.‬‬
‫فما هي بأخوة نسب ول دين‪.‬‬
‫‪ 3‬جملة (لئن أخرجوا‪ )..‬الخ بيان لجملة‪( :‬وال يشهد إنهم لكاذبون)‪.‬‬

‫( ‪)5/312‬‬

‫تعالى لنهم يرون أن ال تعالى يؤجل عذابهم‪ ،‬وأما المؤمنون فإنهم يأخذون بسرعة للقاعدة " من‬
‫بدل دينه فاقتلوه" فإذا أعلنوا عن كفرهم وجب قتلهم وقتالهم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ ل َي ْف َقهُونَ} ‪1‬هذا بيان لجبنهم وخوفهم الشديد من الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم والمؤمنين‪ .‬إذ لو كانوا يفقهون لما خافوا العبد ولم يخافوا المعبود‪.‬‬
‫حصّنَةٍ} بأسوار وحصون‬
‫جمِيعا‪ }2‬أي اليهود والمنافقين {إِلّا فِي قُرىً ُم َ‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬ل ُيقَاتِلُو َنكُمْ َ‬
‫أو من وراء جدر أي في المباني ووراء الجدران‪ .‬وقوله تعالى بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا‬
‫في الظاهر وأنهم مجتمعون ولكن {قُلُو ُبهُمْ شَتّى} أي ‪ 3‬متفرقة ل تجتمع على غير عداوة السلم‬
‫وأهله‪ ،‬وذلك لكثرة أطماعهم وأغراضهم وأنانيتهم وأمراضهم النفسية والقلبية‪.‬‬
‫وقوله تعالى {ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْ ٌم ل َي ْعقِلُونَ‪ }4‬إذ لو كانوا يعقلون لما الحق وكفروا به وهم يعلمون‬
‫فعرضوا أنفسهم لغضب ال ولعنته وعذابه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير حقيقة وهي أن الكفر ملة واحدة وأن الكافرين إخوان‪.‬‬
‫‪ -2‬خلف الوعد آية النفاق وعلماته البارزة‪.‬‬
‫‪ -3‬الجبن والخوف صفة من صفات اليهود اللزمة لهم ول تنفك عنهم‪.‬‬
‫‪ -4‬عامة الكفار يبدون متحدين ضد السلم وهم كذلك ولكنهم يما بينهم تمزقهم العداوات‬
‫وتقطعهم الطماع وسوء الغراض والنيات‪.‬‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪َ )15‬كمَ َثلِ الشّ ْيطَانِ إِذْ قَالَ ِللْإِنْسَانِ‬
‫َكمَ َثلِ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ قَرِيبا ذَاقُوا وَبَالَ َأمْرِ ِه ْم وََلهُمْ َ‬
‫ا ْكفُرْ فََلمّا َكفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِ ْنكَ إِنّي َأخَافُ اللّهَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)16‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفقه‪ :‬إدراك المعاني الدقيقة والسرار الخفية في كلم أهل الحكمة وذوي البصيرة‪.‬‬
‫‪ 2‬الملة بدل اشتمال من جملة (لنتم أشد رهبة في صدورهم من ال) أي‪ :‬ل يقاتلكم اليهود مع‬
‫المنافقين مجتمعين في جيش واحد وفي الية تهديد ليهود بني قريظة أما بنو النضير فقد انتهى‬
‫أمرهم‪.‬‬
‫‪( 3‬شتى) جمع تشتيت‪ :‬بمعنى مفارق كقتيل وقتلى‪.‬‬
‫‪( 4‬ذلك) الشارة إلى ما ذكر من عدم اتفاقهم وتفرق قلوبهم‪ ،‬والباء سببية ونفي العقل عنهم‬
‫للزمه وهو ما يقود إليه من النجاة والسعادة‪.‬‬

‫( ‪)5/313‬‬

‫َفكَانَ عَاقِبَ َت ُهمَا أَ ّن ُهمَا فِي النّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَ َذِلكَ جَزَاءُ الظّاِلمِينَ (‪ )17‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّهَ‬
‫وَلْتَنْظُرْ َنفْسٌ مَا قَ ّد َمتْ ِلغَ ٍد وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪ )18‬وَل َتكُونُوا كَالّذِينَ نَسُوا اللّهَ‬
‫سقُونَ) (‪ )19‬ل يَسْ َتوِي َأصْحَابُ النّا ِر وََأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ‬
‫سهُمْ أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬
‫فَأَنْسَا ُهمْ أَ ْنفُ َ‬
‫هُمُ ا ْلفَائِزُونَ (‪)20‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫كمثل الذين من قبلهم قريبا ‪:‬أي مثل يهود بني النضير في ترك اليمان ومحاربة الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم كمثل إخوانهم بني قينقاع والمشركين في بدر‪.‬‬
‫ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب ‪:‬أي ذاقوا عاقبة كفرهم وحربهم لرسول ال ولهم عذاب أليم في‬
‫الخرة‪.‬‬
‫أليم‬
‫كمثل الشيطان إذ قال للنسان ‪:‬أي ومثلهم أيضا في سماعهم من المنافقين وخذلنهم لهم كمثل‬
‫الشيطان إذ قال للنسان‪.‬‬
‫اكفر فلما كفر قال إني بريء منك ‪ :‬أي قال له الشيطان بعد أن كفره أنا بريء‬
‫وذلك جزاء الظالمين‪ :‬أي خلودهما في النار أي الغاوي والمغوى ذلك جزاءهما وجزاء الظالمين‪.‬‬
‫ولتنظر نفس ما قدمت لغد‪ :‬أي لينظر كل أحد ما قدم ليوم القيامة من خير وشر‪.‬‬
‫ول تكونوا كالذين نسوا ال‪ :‬أي ول تكونوا أيها المؤمنون كالذين نسوا ال فتركوا طاعته‪.‬‬
‫فأنساهم أنفسهم‪ :‬أي فعاقبهم بأن أنساهم أنفسهم فلم يعملوا خيرا قط‪.‬‬
‫ل يستوي أصحاب النار ‪:‬أي لن أصحاب الجنة فائزون بالسلمة من المرهوب والظفر‬
‫بالمرغوب‬
‫وأصحاب الجنة المحبوب‪ .‬وأصحاب النار خاسرون في جهنم خالدون‪ ،‬فكيف يستويان؟‪.‬‬
‫أصحاب الجنة هم الفائزون‬

‫( ‪)5/314‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى { َكمَ َثلِ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ}‪ 1‬هذه الية (‪ )15‬واللتان بعدها (‪)16‬و (‪ )17‬في بقية الحديث‬
‫عن بني النضير إذ قال تعالى مثل بنو النضير في هزيمتهم بعد نقضهم العهد كمثل الذين من قبلهم‬
‫في الزمان والمكان وهم بنو قينقاع إذ نقضوا عهدهم فأخرجهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وذاقوا وبال أمرهم أي عاقبة نقضهم وكفرهم في الدنيا ولهم في الخرة عذاب أليم أي موجع شديد‬
‫وقوله تعالى { َكمَ َثلِ الشّيْطَانِ ِإذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ ا ْكفُرْ‪ }2‬بوسائله الخاصة فلما كفر النسان تبرأ منه‬
‫الشيطان وقال إني بريء منك إني أخاف ال رب العالمين كذلك حال بني النضير مع المنافقين‬
‫حيث حرضوهم على الحرب والقتال وواعدوهم أن يكونوا معهم ثم خذلوهم وتركوهم حدهم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪َ { :‬فكَانَ عَاقِبَ َت ُهمَا} أي عاقبة أمرهما أنهما أي النسان والشيطان أنهما في النار خالدين‬
‫فيها‪ ،‬وذلك أي خلودهما في النار جزاء الظالمين أي المشركين والفاسقين عن طاعة ال عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫وبعد نهاية قصة بني النضير نادى تعالى المؤمنين ليوجههم وينصح لهم فقال {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا}‬
‫أي صدقوا بال ربا وبالسلم دينا وبمحمد صلى ال عليه وسلم نبيا ورسول اتقوا ال بفعل‬
‫أوامره‪ ،‬واجتناب نواهيه‪ ،‬ولتنظر نفس ما قدمت ‪ 3‬لغد أي ولينظر أحدكم في خاصة نفسه ماذا قدم‬
‫لغدٍ أي يوم القيامة‪ .‬واتقوا ال‪ ،‬أعاد المر بالتقوى لن التقوى هي ملك المر ومفتاح دار السلم‬
‫والسعادة‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ} يشجعهم على مراقبة ال تعالى والصبر عليها‪.‬‬
‫س تركوا العمل‬
‫سهُمْ} أي ل تكونوا كأنا ٍ‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَل َتكُونُوا كَالّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنْسَا ُهمْ أَ ْنفُ َ‬
‫بطاعة ال وطاعة رسوله فعاقبهم ربهم بأن أنساهم أنفسهم فلم يعملوا لها خيرا وأصبحوا بذلك‬
‫صحَابُ النّارِ‬
‫فاسقين عن أمر ال تعالى خارجين عن طاعته‪ .‬وقوله تعالى {ل ‪َ 4‬يسْ َتوِي َأ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا ضرب مثل للمنافقين واليهود في تخاذلهم وعدم الوفاء في نصرتهم‪ ،‬وحذف العطف لن‬
‫الكلم معطوف على سابقه وهو (كمثل الذين من قبلهم) الخ‬
‫لن حذف حرف العطف شائع تقول‪ :‬أنت عاقل أنت كريم أنت كذا بل حرف عطف‪.‬‬
‫‪ 2‬هنا روى غير واحد من السلف حديثا يتضمن قصة تشرح هذه الية الكريمة كمثل الشيطان إذ‬
‫قال للنسان ‪..‬الخ وهي أن راهبا تركت عنده امرأة أصابها لمم ليدعوا لها فزين له الشيطان‬
‫فوطئها فحملت ثم قتلها خوفا أن يفتضح فدل الشيطان قومها على موضعها فجاءوا فاستنزلوا‬
‫الراهب ليقتلوه فجاءه الشيطان فوعده أنه إن سجد له أنجاه منهم فسجد له فتبرأ منه فأسلمه لقاتله‬
‫وتركه‪ ،‬واسم هذا الراهب‪ ،‬برصيصا‪.‬‬
‫‪ 3‬أطلق لفظ الغد وأريد به يوم القيامة جريا على عادة العرب فإنهم يطلقون لفظ الغد كناية عن‬
‫المستقبل‪ ،‬وقيل إطلق لفظ الغد هنا إشارة إلى قرب الساعة كما قال الشاعر‪:‬‬
‫فإن يك صدر هذا اليوم ولى‬
‫فإن غدا لناظره قريب‬
‫‪ 4‬هذه الجملة‪( :‬ل يستوي‪)...‬الخ تذييل لما سبقها وهي كالفذلكة لما تقدم من المر بتقوى ال عز‬
‫وجل وبيان حال المتقين الذاكرين والناسين الفاسقين‪.‬‬

‫( ‪)5/315‬‬

‫وََأصْحَابُ الْجَنّةِ}‪ ،‬أصحاب النار في الدركات السفلى‪ ،‬وأصحاب الجنة في الفراديس العل فكيف‬
‫يستويان‪ ،‬إذ أصحاب الجنة فائزون‪ ،‬وأصحاب النار خاسرون‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ضرب مثل لحال الكافرين في عدم التعاظ بحال غيرهم‪.‬‬
‫‪ -2‬التحذير من سبل الشيطان وهي الغراء بالمعاصي وتزيينها فإذا وقع العبد في الهلكة تبرأ‬
‫الشيطان منه وتركه في محنته وعذابه‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب التقوى بفعل الوامر وترك النواهي‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب مراقبة ال تعالى والنظر يوميا فيما قدم النسان للخرة وما أخر‪.‬‬
‫‪ -5‬التحذير من نسيان ال تعالى المقتضى لعصيانه فإن عقوبته خطيرة وهي أن ينسي ال العبد‬
‫نفسه فل يقدم لها خيرا قط فيهلك ويخسر خسرانا مبينا‪.‬‬
‫‪ -6‬عدم التساوي بين أهل النار وأهل الجنة‪ ،‬إذ أصحاب النار لم ينجوا من المرهوب وهو النار‪،‬‬
‫ولم يظفروا بمرغوب وهو الجنة‪ ،‬وأصحاب الجنة على العكس سلموا من المرهوب‪ ،‬وظفروا‬
‫بالمرغوب نجوا من النار ودخلوا الجنان‪.‬‬
‫خشْيَةِ اللّ ِه وَتِ ْلكَ الَْأمْثَالُ َنضْرِ ُبهَا لِلنّاسِ‬
‫َلوْ أَنْزَلْنَا َهذَا ا ْلقُرْآنَ عَلَى جَ َبلٍ لَرَأَيْ َتهُ خَاشِعا مُ َتصَدّعا مِنْ َ‬
‫حمَنُ الرّحِيمُ (‪ُ )22‬هوَ‬
‫شهَا َدةِ ُهوَ الرّ ْ‬
‫ب وَال ّ‬
‫َلعَّلهُمْ يَ َت َفكّرُونَ (‪ُ )21‬هوَ اللّهُ الّذِي ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ عَالِمُ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫اللّهُ الّذِي ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ ا ْلمَِلكُ ا ْلقُدّوسُ السّلمُ ا ْل ُم ْؤمِنُ ا ْل ُمهَ ْيمِنُ ا ْلعَزِيزُ الْجَبّارُ ا ْلمُ َتكَبّرُ سُبْحَانَ اللّهِ‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫سمَاءُ ا ْلحُسْنَى يُسَبّحُ لَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫صوّرُ لَهُ الْأَ ْ‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‪ُ )23‬هوَ اللّهُ الْخَاِلقُ الْبَا ِرئُ ا ْل ُم َ‬
‫َ‬
‫حكِيمُ (‪)24‬‬
‫وَالْأَ ْرضِ وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬

‫( ‪)5/316‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ‪:‬أي وجعلنا فيه تميزا وعقلً وإدراكا‪.‬‬
‫لرأيته خاشعا متصدعا ‪:‬أي لرأيت ذلك الجبل متشققا متطامنا ذليلً‪.‬‬
‫من خشية ال‪ :‬أي من خوف ال خشية أن يكون ما أدى حقه من التعظيم‪.‬‬
‫وتلك المثال نضربها للناس ‪ : 1‬أي مثل هذا المثل نضرب المثال للناس‪.‬‬
‫لعلهم يتفكرون ‪:‬أي يتذكرون فيؤمنون ويوحدون ويطيعون‪.‬‬
‫هو ال الذي ل إله إل هو ‪:‬أي ال المعبود بحق الذي ل معبود بحق إل هو عز وجل‪.‬‬
‫عالم الغيب والشهادة ‪:‬أي عالم السر والعلنية‪.‬‬
‫هو الرحمن الرحيم ‪:‬أي رحمن الدنيا والخرة ورحيمهما‪.‬‬
‫هو ال الذي ل إله إل هو ‪:‬أي ل معبود بحق إل هو لنه الخالق الرازق المدبر وليس لغيره ذلك‪.‬‬
‫ا لملك القدوس ‪:‬أي الذي يملك كل شيء ويحكم كل شيء القدوس الطاهر المنزه عما ل يليق به‪.‬‬
‫السلم المؤمن المهيمن ‪:‬أي ذو السلمة من كل نقص الذي ل يطرأ عليه النقص المصدق رسله‬
‫بالمعجزات‪ .‬المهيمن ‪ :‬الرقيب الشهيد على عباده بأعمالهم‪.‬‬
‫العزيز الجبار المتكبر ‪:‬العزيز في انتقامه الجبار لغيره على مراده‪ ،‬المتكبر على خلقه‪.‬‬
‫سبحان ال عما يشركون ‪:‬أي تنزيها ل تعالى عما يشركون من اللهة الباطلة‪.‬‬
‫هو ال الخالق البارئ ‪:‬أي هو الله الحق ل غيره الخالق لكل المخلوقات المنشئ لها من العدم‪.‬‬
‫المصور ‪ :‬أي مصور المخلوقات ومركبها على هيئات مختلفة‪.‬‬
‫له السماء الحسنى ‪:‬أي تسعة وتسعون اسما كلها حسنى في غاية الحسن‪.‬‬
‫يسبح له ما في السموات والرض ‪:‬أي ينزهه ويسبحه بلسان القال والحال جميع ما في السموات‬
‫والرض‪.‬‬
‫وهو العزيز الحكيم ‪:‬أي العزيز الغالب على أمره الحكيم في جميع تدبيره‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه الجملة في اليات تذييل لن ما قبلها سيق مساق المثل فذيل بأن المثال التي يضربها ال‬
‫تعالى في كلمه المراد منها أن يتفكر فيها الناس ليهتدوا إلى ما ينجيهم ويسعدهم‪.‬‬

‫( ‪)5/317‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {َلوْ أَنْزَلْنَا َهذَا ا ْلقُرْآنَ‪ }1..‬لما أمر تعالى في اليات السابقة ونهى ووعظ وذكر بما ل‬
‫مزيد عليه أخبر أنه لو أنزل هذا القرآن العظيم على جبل بعد أن خلق فيه إدراكا وتمييزا كما‬
‫خلق ذلك في النسان لرؤى ذلك الجبل خاشعا ذليلً متصدعا متشققا من خشية ال أي من الخوف‬
‫من ال لعله قصر في حق ال وحق كتابه ما أداهما على الوجه المطلوب‪ ,‬وفي هذا موعظة‬
‫للمؤمنين ليتدبروا القرآن ويخشعوا عند تلوته وسماعه‪ .‬ثم أخبر تعالى أن ما ضرب من أمثال‬
‫في القرآن ومنها هذا المثل المضروب بالجبل‪ .‬يقول نجعلها للناس رجاء أن يتفكروا فيؤمنوا‬
‫ويهتدوا إلى طريق كمالهم وسعادتهم ثم أخبر تعالى عن جلله وكماله بذكر أسمائه وصفاته فقال‬
‫{ ُهوَ اللّهُ الّذِي ل إَِلهَ إِلّا ُهوَ} أي ل معبود بحق إل هو‪ ,‬عالم الغيب والشهادة أي السر والعلن‬
‫والموجود والمعدوم والظاهر والباطن‪ .‬هو الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء الرحيم بعباده‬
‫المؤمنين‪,‬الملك الذي له ملك السموات والرض والمدبر للمر في الرض والسماء‪ ,‬القدوس ‪2‬‬
‫الطاهر المنزه عن كل نقص وعيب عن الشريك والصاحبة والولد‪ .‬السلم ذو السلمة ‪ 3‬من كل‬
‫نقص مفيض السلم على من شاء من عباده‪ .‬المؤمن المصدق رسله بما آتاهم من المعجزات‬
‫المصدق عباده المؤمنين فيما يشكون إليه مما أصابهم‪ ,‬ويطلبونه ما هم في حاجة إليه من رغائبهم‬
‫وحاجاتهم‪ ,‬المهيمن على خلقه الرقيب عليهم المتحكم فيهم ل يخرج شيء من أعمالهم وتصرفاتهم‬
‫عن إرادته وإذنه‪ ,‬العزيز الغالب على أمره الذي ل يمانع فيما يريده‪ .‬الجبار للكل ‪4‬‬
‫على مراده وما يريده‪ ,‬المتكبر على كل خلقه وله الكبرياء في السموات والرض والجلل والكمال‬
‫والعظمة‪.‬‬
‫عمّا ُيشْ ِركُونَ} نزه تعالى نفسه عما يشرك به المشركون من عبدة‬
‫وقوله تعالى {سُبْحَانَ اللّهِ َ‬
‫الصنام والوثان وغيرها‬
‫من كل ما عبد من دونه سبحانه وتعالى هو ال الخالق البارئ المصور‪:‬‬
‫__________‬
‫‪( 1‬لو) هذه حرف امتناع لمتناع أي‪ :‬امتنع إنزال القرآن على جبل فامتنعت رؤيته خاشعا‬
‫متصدعا من خشية ال‪ ,‬ولو حصل الول لحصل الثاني‪.‬‬
‫‪ 2‬لفظ القدوس‪ :‬مشتق من القدس بلغة الحجاز وهو‪ :‬السطل لنه يتطهر به‪ ,‬ومنه القادوس لواحد‬
‫الواني التي يستخرج بها الماء للتطهر وغيره قال ثعلب اللغوي‪ :‬كل اسم على وزن فعول هو‬
‫مفتوح الول نحو سعود‪ ,‬وكلوب‪ ,‬وتنور إل السبوح والقدوس فإن الضم فيها أكثر من الفتح‪.‬‬
‫‪ 3‬لسم السلم ثلث معاني صادقة‪ :‬منها ذو السلمة كما في التفسير ومنها ذو السلم‪ :‬أي المسلم‬
‫على عباده في الجنة‪ :‬ومنها الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل نقص‪.‬‬
‫‪ 4‬الجبار‪ :‬قال ابن العباس‪ :‬هو العظيم وجبروت ال‪ :‬عظمته وه على هذا القول صفة ذات من‬
‫قولهم‪ :‬نخلة جبارة‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫سوامق جبار أثيث فروعه‬
‫وعالين قنوانا من البسر أحمرا‬
‫السوامق‪ :‬مرتفعات‪ ,‬وأثيث‪ :‬الملتف‪ :‬والقنوان‪ :‬العذق‪.‬‬

‫( ‪)5/318‬‬
‫المقدر للخلق الباريء له المصور له في الصورة التي أراد أن يوجده عليها‪ .‬له السماء الحسنى‬
‫وهي مائة اسم إل اسما واحدا كما أخبر بذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم في صحيح البخاري‬
‫وأسماؤه متضمنة صفاته وكل أسمائه حسنى وكل صفاته عليا منزه عن صفات المحدثين يسبح له‬
‫ما في السموات والرض من مخلوقات وكائنات أي ينزهه ويقدسه عما ل يليق به ويدعوه‬
‫ويرغب إليه في بقائه وكمال حياته‪ .‬وهو العزيز الحكيم الغالب على أمره الحكيم في تدبير ملكه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان ما حواه القرآن من العظات والعبر‪ ,‬والمر والنهي والوعد والوعيد المر الذي لو أن‬
‫جبلً ركب فيه الدراك والتمييز كالنسان ونزل عليه القرآن لخشع وتصدع من خشية ال‪.‬‬
‫‪ -2‬استحسان ضرب المثال للتنبيه والتعليم والرشاد‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير التوحيد‪ ,‬وأنه ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال‪.‬‬
‫‪ -4‬إثبات أسماء ال تعالى‪ ,‬وأنها كلها حسنى‪ ,‬وأنها متضمنة صفات عليا‪.‬‬
‫‪ -5‬ذكر أسمائه تعالى تعليم لعباده بها ليدعوه بها ويتوسلوا بها إليه‪.‬‬

‫( ‪)5/319‬‬

‫سورة الممتحنة‬
‫‪...‬‬
‫سورة الممتحنة ‪1‬‬
‫مدنية وآياتها ثلث عشرة آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ع ُدوّي وَعَ ُد ّوكُمْ َأوْلِيَاءَ تُ ْلقُونَ إِلَ ْيهِمْ بِا ْل َموَ ّد ِة َوقَدْ َكفَرُوا ِبمَا جَا َء ُكمْ مِنَ‬
‫خذُوا َ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّ ِ‬
‫جهَادا فِي سَبِيلِي وَابْ ِتغَاءَ‬
‫ل وَإِيّاكُمْ أَنْ ُت ْؤمِنُوا بِاللّهِ رَ ّب ُكمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْ ُتمْ ِ‬
‫حقّ ُيخْرِجُونَ الرّسُو َ‬
‫الْ َ‬
‫سوَاءَ‬
‫ضلّ َ‬
‫خفَيْتُ ْم َومَا أَعْلَنْتُمْ َومَنْ َي ْفعَلْهُ مِ ْنكُمْ َفقَ ْد َ‬
‫مَ ْرضَاتِي تُسِرّونَ إِلَ ْي ِهمْ بِا ْل َموَ ّد ِة وَأَنَا أَعْلَمُ ِبمَا أَ ْ‬
‫السّبِيلِ (‪ )1‬إِنْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬المشهور في اسم هذه السورة أنه الممتحنة بكسر الحاء اسم فاعل‪ ,‬وه الذي جزم‬
‫به السهلي‪ ,‬والمراد من الممتحنة الية التي في هذه السورة إذ بها تمتحن المرأة التي تجيء‬
‫مهاجرة من بلدها وتترك زوجها‪ .‬والية هي قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَا َء ُكمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتُ‬
‫ُمهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ} الخ ورجح الحافظ ابن حجر فتح الحاء باسم المفعول أي‪ :‬المرأة الممتحنة‪.‬‬
‫( ‪)5/319‬‬

‫يَ ْثقَفُوكُمْ َيكُونُوا َل ُكمْ أَعْدَا ًء وَيَبْسُطُوا إِلَ ْي ُكمْ أَيْدِ َي ُه ْم وَأَلْسِنَ َتهُمْ بِالسّو ِء َووَدّوا َلوْ َت ْكفُرُونَ (‪ )2‬لَنْ تَ ْنفَ َعكُمْ‬
‫صلُ بَيْ َن ُك ْم وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪)3‬‬
‫أَرْحَا ُمكُمْ وَل َأوْل ُدكُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْف ِ‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫ل تتخذوا عدوي وعدوكم ‪:‬أي الكفار والمشركين‪.‬‬
‫أولياء تلقون إليهم بالمودة ‪:‬أي ل تتخذوهم أنصارا توادونهم‪.‬‬
‫وقد كفروا بما جاءكم من الحق ‪:‬أي السلم عقيدة وشريعة‪.‬‬
‫يخرجون الرسول وإياكم ‪:‬أي بالتضييق عليكم حتى خرجتم فارين بدينكم‪.‬‬
‫أن تؤمنوا بربكم ‪:‬أي لجل أن آمنتم بربكم‪.‬‬
‫إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي ‪:‬فل تتخذوهم أولياء ول تبادلوهم المودة‪.‬‬
‫وابتغاء مرضاتي‬
‫تسرون إليهم بالمودة ‪:‬أي توصلون إليهم خبر خروج الرسول لغزوهم بطريقة سرية‪.‬‬
‫ومن يفعله منكم ‪:‬أي ومن يوادهم فينقل إليهم أسرار النبي في حروبه وغيرها‪.‬‬
‫فقد ضل سواء السبيل ‪:‬أي أخطأ طريق الحق الجادة الموصلة إلى السعاد‪.‬‬
‫إن يثقفوكم ‪:‬أي أن يظفروا بكم متمكنين منكم في مكان ما‪.‬‬
‫يكونوا لكم أعداء ‪:‬أي ل يعترفون لكم بمودة‪.‬‬
‫ويبسطوا إليكم أيديهم ‪:‬أي بالضرب والقتل‪.‬‬
‫وألسنتهم بالسوء ‪:‬أي بالسب والشتم‪.‬‬
‫وودوا لو تكفرون ‪:‬أي وأحبوا لو تكفرون بدينكم ونبيكم وتعودون إلى الشرك معهم‪.‬‬
‫لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم ‪ :‬أي إن توادوهم وتسروا إليهم بالخبار الحربية تقربا إليهم من‬
‫أجل أن يراعوا لكم أقرباءكم وأولدكم المشركين بينهم فاعلموا أنكم لن تنفعكم أرحامكم ول‬
‫أولدكم يوم القيامة‪.‬‬
‫يوم القيامة يفصل بينكم ‪:‬أي فتكونون في الجنة ويكون المشركون من أولد وأقرباء وغيرهم في‬
‫النار‪.‬‬

‫( ‪)5/320‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫خذُوا عَ ُدوّي ‪ 1‬وَعَ ُد ّوكُمْ َأوْلِيَاءَ‪ }...‬اليات‪ .‬نزلت في‬
‫فاتحة هذه السورة {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّ ِ‬
‫شأن حاطب بن أبي بلتعة وكان من المهاجرين الذين شهدوا بدرا روى مسلم في صحيحه عن‬
‫علي بن أبي طالب رضي ال عنه قال بعثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أنا والزبير والمقداد‬
‫فقال ائتوا روضة خاخ (موضع بينه وبين المدينة اثنا عشر ميل) فإن بها ظعينة (امرأة مسافرة)‪2‬‬
‫معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا نهادى خيلنا أي نسرعها فإذا نحن بامرأة فقلنا أخرجي الكتاب‪،‬‬
‫فقالت ما معي كتاب‪ .‬فقلنا لتخرجن الكتاب‪ ،‬أو لتلقن الثياب ‪( 3‬أي من عليك) فأخرجته من‬
‫عقاصها أي من ظفائر شعر رأسها فأتينا به رسول ال صلى ال عليه وسلم فإذا به من حاطب بن‬
‫أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا حاطب ما هذا؟ فقال ل تعجل علي يا رسول ال‬
‫إني كنت امرءا ملصقا في قريش (أي كان حليفا لقريش ولم يكن قرشيا) وكان من معك من‬
‫المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا‬
‫يحمون بها قرابتي‪ ،‬ولم أفعله كفرا ول ارتدادا عن ديني ول رضا بالكفر بعد السلم وقد علمت‬
‫أن ال ينزل بهم بأسه وأن كتابي ل يغني عنهم من ال شيئا‪ ،‬وأن ال ناصرك عليهم‪ .‬فقال النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم صدق‪ .‬فقال عمر رضي ال عنه دعني يا رسول ال أضرب عنق هذا‬
‫المنافق فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم إنه شهد بدرا‪ ،‬وما يدريك لعل ال أطلع على أهل‬
‫بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل ال عز وجل {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} أي يا من صدقتم‬
‫ع ُدوّي وَعَ ُد ّوكُمْ} من الكفار و المشركين {َأوْلِيَاءَ} أي أنصارا {ُت ْلقُونَ إِلَ ْيهِمْ‬
‫ال ورسوله { ل تَتّخِذُوا َ‬
‫‪ 4‬بِا ْل َموَ ّدةِ} أي أسرار النبي صلى ال عليه وسلم الحربية ذات الخطر والشأن‪ .‬والحال أنهم قد‬
‫كفروا بما جاءكم من الحق الذي هو دين السلم بعقائده وشرائعه وكتابه ورسوله‪ .‬يخرجون‬
‫الرسول وإياكم من ‪ 5‬دياركم بالمضايقة لكم حتى هاجرتم فارين بدينكم‪ ،‬أن تؤمنوا ‪ 6‬بربكم أي من‬
‫أجل أن آمنتم بربكم‪ ،.‬أمثل هؤلء الكفرة الظلمة تتخذونهم أولياء تدلون إليهم بالمودة‪ ...‬إنه لخطأ‬
‫جسيم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬العدو‪ :‬ذو العداوة وهو فعول بمعنى فاعل من عدا يعدو وأصله مصدر على وزن فعول مثل‬
‫قبول‪ ،‬ولما كان على وزن المصادر عومل معاملة المصدر فاستوى في الوصف به المفرد‬
‫والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث‪.‬‬
‫‪ 2‬تسمى سارة مولة لبي عمرو بن صغير بن هاشم بن عبد مناف وهي يومئذ مشركة‪.‬‬
‫‪ 3‬في رواية‪ ،‬أو لتلقين الثياب أي‪ :‬لنجردك من ثيابك‪..‬‬
‫‪ 4‬جائز أن تكون جملة‪( :‬تلقون) في محل نصب على الحال من ضمير (ل تتخذوا) واللقاء‬
‫حقيقته‪ :‬رمي ما في اليد على الرض‪ ،‬واستعير للقاء الشيء بدون تدبر في موقعه أي‪ :‬تصرفون‬
‫إليهم مودتكم بدون تأمل في آثارها الضارة‪.‬‬
‫‪ 5‬الجملة‪ :‬حال من الضمير في كفروا وحكيت بالمضارع لستحضار الصورة البشعة في الذهن‪.‬‬
‫‪ 6‬أي‪ :‬لن تؤمنوا بال ربكم علة وسبب إخراجهم إياكم من دياركم أي‪ :‬هو اعتداء حملهم عليه‬
‫أنكم آمنتم بال ربكم‪.‬‬

‫( ‪)5/321‬‬

‫ممن فعل هذا‪.‬‬


‫جهَادا فِي سَبِيلِي وَابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِي} أي إن كنتم خرجتم من‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنْ‪ 1‬كُنْ ُتمْ خَ َرجْتُمْ ِ‬
‫دياركم مجاهدين في سبيلي أي لنصرة ديني ورسولي وأوليائي المؤمنين وطلبا لرضاي فل تتخذوا‬
‫الكافرين أولياء من دوني تلقون إليهم بالمودة‪.‬‬
‫وقوله تعالى تسرون ‪ 2‬إليهم بالمودة أي تخفون المودة إليهم بنقل أخبار الرسول السرية والحال‬
‫خفَيْتُمْ َومَا أَعْلَنْ ُتمْ}‪ .‬وها قد أطلعت رسولي على رسالتكم‬
‫أني {أَعَْلمُ} منكم ومن غيركم { ِبمَا أَ ْ‬
‫المرفوعة إلى مشركي مكة والتي تتضمن فضح سر رسولي في عزمه على غزوهم مفاجأة لهم‬
‫حتى يتمكن من فتح مكة بدون كثير إراقة دم وإزهاق أنفس‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ َي ْفعَلْهُ مِ ْنكُمْ} أي الولء والمودة للمشركين فقد ضل سواء السبيل أي أخطأ‬
‫وسط الطريق المأمون من النحراف يريد جانب السلم الصحيح‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنْ يَ ْثقَفُوكُمْ َيكُونُوا َل ُكمْ أَعْدَا ًء وَيَبْسُطُوا إِلَ ْي ُكمْ أَيْدِ َي ُه ْم وَأَلْسِنَ َتهُمْ بِالسّو ِء َووَدّوا َلوْ‬
‫َت ْكفُرُونَ} أي أنهم أعداؤكم حقا إن يثقفوكم أي يظفروا بكم متمكنين منكم يكونوا لكم أعداء ول‬
‫يبالون بمودتكم إياهم‪ ،‬ويبسطوا إليكم أيديهم بالضرب والقتل وألسنتهم بالسب والشتم وتمنوا كفركم‬
‫لتعودوا إلى الشرك مثلهم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬لَنْ تَ ْن َفعَكُمْ أَرْحَا ُمكُ ْم وَل َأوْل ُدكُمْ‪ }3‬الذين واددتم الكفار من أجلهم من عذاب ال في‬
‫الخرة إذ حاطب كتب الكتاب من أجل قرابته وأولده فبين تعالى خطأ حاطب في ذلك‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪َ { :‬يوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْفصِلُ بَيْ َنكُمْ} بأن تكونوا في الجنة أيها المؤمنون ويكون أقرباؤكم‬
‫وأولدكم المشركون في النار‪ .‬فما الفائدة إذا من المعصية من أجلهم؟! وال بما تعملون بصير‬
‫فراقبوه واحذروه فل تخرجوا عن طاعته وطاعة رسوله‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة موالة الكافرين بالنصرة والتأييد والمودة دون المسلمين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه الجملة شرطية ذيل بها النهي‪( :‬ل تتخذوا عدوي) والغرض هو تأكيد الكلم السابق‪.‬‬
‫‪ 2‬الجملة بيانية لسابقتها‪ ،‬والجملة‪( :‬وأنا أعلم) حالية فيها معنى التعجب بضميمة التي قبلها‪.‬‬
‫‪( 3‬لن تنفعكم ‪ )..‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا إذ الذي يسمع جملة‪( :‬ودوا لو تكفرون) بتطلع إلى‬
‫ما يترتب على الكفر فيجاب بجملة‪ :‬لن تنفعهم أرحامهم ول أولدهم ولو في قوله‪( :‬ودوا لو‬
‫تكفرون) مصدرية أي‪ :‬ودوا كفركم‪.‬‬

‫( ‪)5/322‬‬

‫‪ -2‬الذي ينقل أسرار المسلمين الحربية إلى الكافرين على خطر عظيم وإن صام وصلى‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أن الكافرين ل يرحمون المؤمنين متى تمكنوا منهم لن قلوبهم عمياء ل يعرفون معروفا‬
‫ول منكرا بظلمة الكفر في نفوسهم وعدم مراقبة ال عز وجل لنهم ل يعرفونه ول يؤمنون بما‬
‫عنده من نعيم وجحيم يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -4‬فضل أهل بدر وكرامتهم على ال عز وجل‪.‬‬
‫‪ -5‬قبول عذر الصادقين الصالحين ذوي السبق في السلم إذا عثر أحدهم اجتهادا منه‪.‬‬
‫‪ -6‬عدم انتفاع المرء بقرابته يوم القيامة إذا كان مسلما وهم كافرون‪.‬‬
‫س َوةٌ حَسَ َنةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالّذِينَ َمعَهُ ِإذْ قَالُوا ِلقَ ْو ِمهِمْ إِنّا بُرَآءُ مِ ْنكُمْ َومِمّا َتعْبُدُونَ مِنْ‬
‫قَدْ كَا َنتْ َلكُمْ ُأ ْ‬
‫دُونِ اللّهِ َكفَرْنَا ِبكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمُ ا ْل َعدَا َوةُ وَالْ َب ْغضَاءُ أَبَدا حَتّى ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه َوحْ َدهُ إِلّا َق ْولَ إِبْرَاهِيمَ‬
‫شيْءٍ رَبّنَا عَلَ ْيكَ َت َوكّلْنَا وَإِلَ ْيكَ أَنَبْنَا وَإِلَ ْيكَ ا ْل َمصِيرُ (‪)4‬‬
‫ك َومَا َأمِْلكُ َلكَ مِنَ اللّهِ مِنْ َ‬
‫لِأَبِيهِ لََأسْ َت ْغفِرَنّ َل َ‬
‫س َوةٌ‬
‫حكِيمُ (‪َ )5‬لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِيهِمْ ُأ ْ‬
‫جعَلْنَا فِتْنَةً لِلّذِينَ َكفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبّنَا إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫رَبّنَا ل تَ ْ‬
‫حمِيدُ (‪)6‬‬
‫حسَنَةٌ ِلمَنْ كَانَ يَ ْرجُو اللّ َه وَالْ َيوْمَ الْآخِ َر َومَنْ يَ َت َولّ فَإِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ ا ْل َ‬
‫َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫قد كان لكم ‪ :‬أي أيها المؤمنون‪.‬‬
‫أسوة حسنة ‪:‬أي قدوة صالحة‪.‬‬
‫في إبراهيم والذين معه ‪:‬من المؤمنين فأتسوا بهم‪.‬‬
‫إذ قالوا لقومهم ‪:‬أي المشركين‪.‬‬
‫إنا براء منكم ومما تعبدون من ‪:‬أي نحن متبرئون منكم‪ ،‬ومن أوثانكم التي تعبدونها‪.‬‬
‫دون ال‬

‫( ‪)5/323‬‬

‫كفرنا بكم ‪:‬أي جحدنا بكم فلم نعترف لكم بقرابة ول ولء‪.‬‬
‫وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ‪:‬أي ظهر ذلك واضحا جليا ل لبس فيه ول خفاء‪.‬‬
‫حتى تؤمنوا بال وحده ‪:‬أي ستستمر عداوتنا لكم وبغضنا إلى غاية إيمانكم بال وحده‪.‬‬
‫وإليك أنبنا ‪:‬أي رجعنا في أمورنا كلها‪.‬‬
‫ربنا ل تجعلنا فتنة للذين كفروا ‪:‬أي بأن تظهرهم علينا فيفتنوننا في ديننا ويفتتنون بنا يرون أنهم‬
‫على حق لما يغلبوننا‪.‬‬
‫لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ‪:‬أي لقد كان لكم أيها المؤمنون في إبراهيم والذين معه أسوة حسنة‪.‬‬
‫لمن كان يرجو ال واليوم الخر ‪:‬أي هي أسوة حسنة لمن كان يؤمن بال ويرجو ما عنده يوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫ومن يتول ‪:‬أي لم يقبل ما أرشدناه إليه من اليمان والصبر فيعود إلى الكفر‪.‬‬
‫فإن ال غني حميد ‪ :‬أي فإن ال ليس في حاجة إلى إيمانه وصبره فإنه غنيٌ بذاته ل يفتقر إلى‬
‫غيره‪ ،‬حميد أي محمود بآلئه وإنعامه على عباده‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما حرم تعالى على المؤمنين موالة الكافرين مع وجود حاجة قد تدعو إلى موالتهم كما جاء ذلك‬
‫في اعتذار حاطب بن أبي بلتعة أراد تعالى أن يشجعهم على معاداة الكافرين وعدم موالتهم بحال‬
‫من الحوال لما في ذلك من الضرر والخطر على العقيدة والصلة بال وهي أعز ما يملك‬
‫المؤمنون أعلمهم بأنه يوجد لهم ‪ 1‬أسوة أي قدوة حسنة في إبرايم خليله والمؤمنين معه ‪ 2‬فإنهم‬
‫على قلتهم وكثرة عدوهم وعلى ضعفهم وقوة خصومهم تبرأوا من أعداء ال وتنكروا لية صلة‬
‫تربطهم بهم فقالوا ما قص ال تعالى عنهم في قوله {إِنّا بُرَآءُ مِ ْنكُ ْم َو ِممّا َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ}‬
‫(من أصنام وأوثان) كفرنا بكم فلم نعترف لكم بوجود يقتضي مودتنا ونصرتنا لكم‪ ،‬وبدا أي ظهر‬
‫بيننا وبينكم العداوة ‪ 3‬والبغضاء بصورة مكشوفة ل ستار عليها لننا موحدون وأنتم مشركون‪،‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ نافع (إسوة) بكسر الهمزة‪ ،‬وقرأها حفص بالرفع وهي القدوة الصالحة‪.‬‬
‫‪ 2‬هم‪ :‬سارة زوجه ولوط ابن أخيه فهم المعنيون بقوله تعالى‪( :‬والذين معه)‪.‬‬
‫‪ 3‬العداوة‪ :‬هي المعاملة بالسوء والعتداء والبغضاء نفرة النفس والكراهية للمبغض‪.‬‬

‫( ‪)5/324‬‬

‫لننا مؤمنون وأنتم كافرون‪ ،‬وسوف تستمر هذه المعاداة وهذه البغضاء بيننا وبينكم حتى تؤمنوا‬
‫بال وحده ربا وإلها ل رب غيره و إله سواه إذا فأتسوا أيها المسلمون بإمام الموحدين إبراهيم‬
‫اللهم إل ما كان من استغفار إبراهيم لبيه فل تأتسوا به ول تستغفروا لموتاكم المشركين فإن‬
‫إبراهيم قد ترك ذلك لما علم أن أباه ل يؤمن وأنه يموت كافرا وأنه في النار فقال تعالى إل قول‬
‫إبراهيم ‪ 1‬لبيه (آزر) لستغفرن لك وما أملك لك من ال من شيء أي غير الستغفار‪ .‬وكان هذا‬
‫عن وعد قطعه له ساعة المفارقة له إذ قال في سورة مريم‪{ :‬قَالَ سَلمٌ عَلَ ْيكَ سَأَسْ َت ْغفِرُ َلكَ رَبّي‬
‫حفِيّا} وجاء في سورة التوبة قوله تعالى { َومَا كَانَ اسْ ِت ْغفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلّا عَنْ َموْعِ َدةٍ‬
‫إِنّهُ كَانَ بِي َ‬
‫وَعَدَهَا إِيّاهُ فََلمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَ ُدوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ}‪.‬‬
‫وقوله تعالى {رَبّنَا عَلَ ْيكَ َت َوكّلْنَا وَإِلَ ْيكَ أَنَبْنَا} أي رجعنا من الكفر إلى اليمان بك وتوحيدك في‬
‫عبادتك‪ ،‬وإليك المصير‪ .‬أي مصير كل شيء يعود إليك وينتهي عندك فتقضي وتحكم بما‬
‫تشاء‪.‬ربنا ل تجعلنا فتنة ‪ 2‬للذين كفروا أي ل تظهرهم علينا فيفتنونا في ديننا ويردونا إلى الكفر‪,‬‬
‫ويفتنون بنا فيرون أنهم لما غلبونا أنهم على حق ونحن على باطل فيزدادون كفرا ول يؤمنون‪.‬‬
‫واغفر لنا ربنا أي ذنوبنا السالفة واللحقة فل تؤاخذنا بها إنك أنت العزيز الغالب المنتقم ممن‬
‫عصاك الحكيم في تدبيرك لوليائك فدبر لنا ما ينفعنا ويرضيك عنا‪ .‬هذا البتهال والضراعة من‬
‫قوله تعالى ربنا عليك توكلنا إلى الحكيم من الجائز أن يكون هذا مما قاله إبراهيم والمؤمنون معه‬
‫وأن يكون إرشادا من ال للمؤمنين أن يقولوه تقوية ليمانهم وتثبيتا لهم عليه كما فعل ذلك إبراهيم‬
‫ومن معه‪ .‬وقوله تعالى لقد كان لكم فيهم ‪ 3‬أسوة حسنة لمن كان يرجو ال واليوم الخر تأكيد لما‬
‫سبق وتقرير له وتحريك للهمم لتأخذ به‪ .‬وقوله لمن ‪ 4‬كان يرجو بال واليوم الخر إذ هم الذين‬
‫ينتفعون بالعبر ويأخذون بالنصائح لحياة قلوبهم باليمان‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ومن يتول أي عن الخذ بهذه السوة فيوالي الكافرين فإن ال غني عن إيمانه‬
‫ووليته له التي استبدلها بولية أعدائه حميد أي محمود بآلئه وإنعامه على خلقه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستثناء منقطع إذ هذا القول ليس من جنس قولهم‪( :‬إنا براء منكم) إذ قول إبراهيم لبيه‬
‫لستغفرن لك هو رفق بأبيه وهو مغاير للتبرؤ‪.‬‬
‫‪ 2‬هم‪ :‬سارة زوجة ولوط ابن أخيه فهم المعنيون بقوله تعالى‪( :‬والذين معه)‪.‬‬
‫‪( 3‬فيهم)‪ :‬أي في إبراهيم والمؤمنين معه‪ ،‬والسوة لحسنة‪ :‬القدوة الصالحة أي‪ :‬اقتدوا بهم في‬
‫البراءة من الشرك والمشركيهن‪.‬‬
‫‪ 4‬هذه الجملة بدل من جملة‪( :‬لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ‪.)...‬‬

‫( ‪)5/325‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب القتداء بالصالحين في اليتساء بهم في الصالحات‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة موالة الكافرين ووجوب معاداتهم ولو كانوا أقرب قريب‪.‬‬
‫‪ -3‬كل عداوة وبغضاء تنتهي برجوع العبد إلى اليمان والتوحيد بعد الكفر والشرك‪.‬‬
‫‪ -4‬ل يجوز القتداء في غير الحق والمعروف فإذا أخطأ العبد الصالح فل يتابع على الخطأ‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب تقوية المؤمنين بكل أسباب القوة لمرين الول خشية أ‪ ،‬يغلبهم الكافرون فيفتنوهم في‬
‫دينهم ويردوهم إلى الكفر والثاني حتى ل يظن الكافرون الغالبون أنهم على حق بسبب ظهورهم‬
‫على المسلمين فيزدادوا كفرا فيكون المسلمون سببا في ذلك فيأثمون للسببية في ذلك‪.‬‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )7‬ل يَ ْنهَاكُمُ‬
‫ج َعلَ بَيْ َنكُ ْم وَبَيْنَ الّذِينَ عَادَيْ ُتمْ مِ ْنهُمْ َموَ ّد ًة وَاللّهُ قَدِي ٌر وَاللّهُ َ‬
‫عَسَى اللّهُ أَنْ يَ ْ‬
‫ن وَلَمْ ُيخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَا ِركُمْ أَنْ تَبَرّوهُ ْم وَ ُتقْسِطُوا إِلَ ْيهِمْ إِنّ اللّهَ‬
‫اللّهُ عَنِ الّذِينَ َلمْ ُيقَاتِلُوكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫ن وََأخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَا ِركُ ْم وَظَاهَرُوا‬
‫حبّ ا ْل ُمقْسِطِينَ (‪ )8‬إِ ّنمَا يَ ْنهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫يُ ِ‬
‫جكُمْ أَنْ َتوَّلوْهُمْ َومَنْ يَ َتوَّلهُمْ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ الظّاِلمُونَ (‪)9‬‬
‫عَلَى إِخْرَا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫عاديتم منهم ‪ :‬أي من كفار قريش بمكة طاعة ل واستجابة لمره‪.‬‬
‫مودة ‪:‬أي محبة وولء وذلك بأن يوفقهم لليمان والسلم فيؤمنوا ويسلموا ويصبحوا أولياءكم‪.‬‬
‫وال قدير ‪ :‬أي على ذلك وقد فعل فأسلم بعد الفتح أهل مكة إل قليلً منهم‪.‬‬
‫لم يقاتلوكم في الدين ‪:‬أي من أجل الدين‪.‬‬
‫أن تبروهم ‪:‬أي تحسنوا إليهم‪.‬‬

‫( ‪)5/326‬‬

‫وتقسطوا إليهم ‪ :‬أي تعدلوا فيهم فتنصفوهم‪.‬‬


‫إن ال يحب المقسطين ‪:‬أي المنصفين العادلين في أحكامهم ومن ولوا‪.‬‬
‫وظاهروا على إخراجكم ‪:‬أي عاونوا وناصروا العدو على إخراجكم من دياركم‪.‬‬
‫أن تولوهم ‪:‬أي تتولوهم بالنصرة والمحبة‪.‬‬
‫فأولئك هم الظالمون ‪ :‬لنهم وضعوا الولية في غير موضعها‪ ،‬والظلم هو وضع الشيء في غير‬
‫موضعه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في بيان حكم الموالة للكافرين فإنه لما حرم تعالى ذلك‪ ،‬وكان للمؤمنين‬
‫قرابات كافرة وبحكم إيمانهم واستجابتهم لنداء ربهم قطعوهم فبشرهم تعالى في هذه الية الكريمة‬
‫عسَى اللّهُ أَنْ‬
‫بأنه عز وجل قادر على أن يجعل بينهم وبين أقربائهم مودة فقال عز من قائل { َ‬
‫ج َعلَ بَيْ َنكُ ْم وَبَيْنَ الّذِينَ عَادَيْ ُتمْ مِ ْنهُمْ} أي من المشركين { َموَ ّدةً}‪ . 1‬وذلك بأن يوفقهم للسلم‪ ،‬وهو‬
‫يَ ْ‬
‫على ذلك قدير وقد فعل وله الحمد والمنة فقد فتح على رسوله مكة وبذلك آمن أهلها إل قليلً‬
‫فكانت المودة وكان الولء واليخاء مصداقا لقوله عز وجل عسى ال أن يجعل بينكم وبين الذين‬
‫عاديتم منهم مودة وال قدير وال غفور رحيم فقد تاب عليهم بعد أن هداهم وغفر لهم ما كان منهم‬
‫من ذنوب ورحمهم‪.‬‬
‫ن وََلمْ يُخْ ِرجُوكُمْ مِنْ دِيَا ِركُمْ}‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬ل يَ ْنهَاكُمُ اللّهُ عَنِ‪ 2‬الّذِينَ لَمْ ُيقَاتِلُوكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫بمضايقتكم أن تبروهم أي بالحسان إليهم بطعام ‪ 3‬كسوة أو ركاب وتقسطوا أي تعدلوا فيهم بأن‬
‫تنصفوهم وهذا عام في كل الظروف الزمانية والمكانية وفي كل الكفار‪ .‬ولكن بالشروط التي ذكر‬
‫تعالى‪ .‬وهي‪:‬‬
‫أول‪ :‬أنهم لم يقاتلونا من أجل ديننا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا بعد أن يسلم الكافرون ويوحد المشركون وفعلً فقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة ووالهم‬
‫المسلمون كأبي سفيان بن حرب والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام ومن‬
‫مظاهر هذه المودة تزوج النبي صلى ال عليه وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان وبذلك لنت عريكة‬
‫أبي سفيان واسترخت شكيمته في العداوة حتى إنه لما بلغه تزوج النبي صلى ال عليه وسلم بها‬
‫قال‪ :‬ذلك الفحل ل يقدح أنفه أي‪ :‬ل يضرب أنفه‪ ،‬وهي كلمة مدح‪.‬‬
‫‪ 2‬اختلف في هل هذه الية محكمة أو منسوخة بقتال المشركين؟ والذي عليه أكثر أهل العلم سلفا‬
‫وخلفا أنها محكمة بما ذكر فيها من شروط وأن العمل بها باق ببقاء السلم كما هو في التفسير‪.‬‬
‫‪ 3‬روى البخاري ومسلم وأبو داود أن قتيلة أم أسماء بنت أبي بكر الصديق قدمت عليها أمها في‬
‫فترة الهدنة بين الرسول صلى ال عليه وسلم والمشركين وأهدتها قرطا وأشياء فكرهت أن تقبل‬
‫ذلك فأتت النبي صلى ال عليه وسلم فذكرت له ذلك فأذن لها في قبول هدية أمها واستأذنته في‬
‫صلتها؟ فقال لها صلي أمك‪.‬‬

‫( ‪)5/327‬‬

‫وثانيا‪ :‬لم يخرجونا من ديارنا بمضايقتنا وإلجائنا إلى الهجرة‪.‬‬


‫وثالثا ‪ :‬أن ل يعاونوا عدوا بأي معونة ولو بالمشورة والرأي فضلً عن الكراع والسلح‪.‬‬
‫حبّ ا ْل ُمقْسِطِينَ} ترغيب لهم في العدل والنصاف حتى مع الكفار وقوله‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫تعالى {إِ ّنمَا يَ ْنهَاكُمُ اللّهُ} عن موالة الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا أي‬
‫جكُمْ أَنْ َتوَّلوْهُمْ} أي ينهاكم عن موالتهم‪َ { .‬ومَنْ يَ َتوَّلهُمْ منكم} معرضا عن هذا‬
‫أعانوا {عَلَى ِإخْرَا ِ‬
‫الرشاد اللهي والمر الرباني {فَأُولَ ِئكَ ُهمُ الظّاِلمُونَ} أي لنفسهم المعترضون لعذاب ال ونقمته‬
‫لوضعهم الموالة في غير موضعها بعدما عرفوا ذلك وفهموه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان حكم الموالة الممنوعة والمباحة في السلم‪.‬‬
‫‪ -2‬الترغيب في العدل والنصاف بعد وجوبهما للمساعدة على القيام بهما‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير ما قال أهل العلم‪ :‬أن عسى من ال تفيد وقوع ما يرجى بها ووجوده ل محالة‪ .‬بخلفها‬
‫من غير ال فهي للترجي والتوقع وقد يقع ما يترجى بها وقد ل يقع‪.‬‬
‫علَمُ بِإِيمَا ِنهِنّ فَإِنْ عَِلمْ ُتمُوهُنّ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَا َء ُكمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتُ ُمهَاجِرَاتٍ فَامْ َتحِنُوهُنّ اللّهُ أَ ْ‬
‫ن وَآتُوهُمْ مَا أَ ْن َفقُوا وَل جُنَاحَ‬
‫حلّ َل ُه ْم وَل هُمْ َيحِلّونَ َلهُ ّ‬
‫جعُوهُنّ إِلَى ا ْل ُكفّارِ ل هُنّ ِ‬
‫ُم ْؤمِنَاتٍ فَل تَرْ ِ‬
‫سكُوا ِب ِعصَمِ ا ْل َكوَافِ ِر وَاسْأَلُوا مَا أَ ْن َفقْتُ ْم وَلْيَسْأَلوا مَا‬
‫ن وَل ُتمْ ِ‬
‫عَلَ ْيكُمْ أَنْ تَ ْن ِكحُوهُنّ إِذَا آتَيْ ُتمُوهُنّ ُأجُورَهُ ّ‬
‫جكُمْ إِلَى ا ْل ُكفّارِ‬
‫شيْءٌ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫حكِيمٌ (‪ )10‬وَإِنْ فَا َتكُمْ َ‬
‫حكُمُ بَيْ َنكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫حكْمُ اللّهِ َي ْ‬
‫أَ ْنفَقُوا ذَِلكُمْ ُ‬
‫ج ُهمْ مِ ْثلَ مَا أَ ْنفَقُوا وَا ّتقُوا اللّهَ الّذِي أَنْتُمْ بِهِ ُم ْؤمِنُونَ (‪)11‬‬
‫َفعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الّذِينَ ذَهَ َبتْ أَ ْزوَا ُ‬

‫( ‪)5/328‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ‪:‬أي المؤمنات بألسنتهم مهاجرات من الكفار‪.‬‬
‫فامتحنوهن ‪:‬أي اختبروهن بالحلف أنهن ما خرجن إل رغبة في السلم ل بغضا لزواجهن‪ ،‬ول‬
‫عشقا لرجال من المسلمين‪.‬‬
‫فإن علمتموهن مؤمنات ‪:‬أي صادقات في إيمانهن بحسب حلفهن‪.‬‬
‫فل ترجعوهن إلى الكفار ‪:‬أي ل تردوهن إلى الكفار بمكة‪.‬‬
‫ل هن حل لهم ول هم يحلون لهن ‪:‬ل المؤمنات يحللن لزواجهن الكافرين‪ ،‬ول الكافرون يحلون‬
‫لزوجهم المؤمنات‪.‬‬
‫وآتوهم ما أنفقوا ‪:‬أي وأعطوا الكفار أزواج المؤمنات المهاجرات المهور التي أعطوها لزواجهم‪.‬‬
‫ول جناح عليكم أن تنكحوهن ‪:‬أي مهورهن‪ ،‬وإن لم يتم طلق من أزواجهن لنفساخ العقد‬
‫بالسلم‪ .‬وبعد‬
‫إذا آتيتموهن أجورهن انقضاء العدة في المدخول بها وباقي شروط النكاح‪.‬‬
‫ول تمسكوا بعصم الكوافر ‪:‬أي زوجاتكم‪ ،‬لقطع إسلمكم للعصمة الزوجية‪ .‬وكذا من ارتدت‬
‫ولحقت بدار الكفر‪ .‬إل أن ترجع إلى السلم قبل انقضاء عدتها فل يفسخ نكاحها وتبقى العصمة‬
‫إن كان مدخول بها‪.‬‬
‫واسألوا ما أنفقتم ‪:‬أي اطلبوا ما أنفقتم عليهن من مهور في حال الرتداد‪.‬‬
‫وليسألوا ما أنفقوا ‪:‬أي على المهاجرات من مهور في حال إسلمهن‪.‬‬
‫وإن فاتكم شيء من أزواجكم ‪:‬أي بأن فرت امرأة أحدكم إلى الكفار ولحقت بهم ولم يعطوكم‬
‫مهرها فعاقبتم أي إلى الكفار الكفار فغنمتم منهم غنائم‪.‬‬
‫فآتوا الذين ذهبت أزواجهن مثل ‪:‬أي فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم إلى الكفار مثل ما أنفقوا عليهن‬
‫من مهور‪.‬‬
‫ما أنفقوا‬
‫واتقوا ال الذي أنتم به مؤمنون ‪:‬أي وخافوا ال الذي أنتم به مؤمنون فأدوا فرائضه واجتنبوا‬
‫نواهيه‪.‬‬

‫( ‪)5/329‬‬

‫معنى اليتين‪:‬‬
‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ِإذَا جَا َءكُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتُ ُمهَاجِرَاتٍ} اليتين (‪ )10‬و (‪ )11‬نزلتا بعد‬
‫صلح الحديبية إذ تضمنت وثيقة الصلح أن من جاء الرسول صلى ال عليه وسلم من مكة من‬
‫الرجال رده إلى مكة ولو كان مسلما‪ ،‬ومن جاء المشركين من المدينة لم يردوه إليه ولم ينص عن‬
‫النساء‪ ،‬وأثناء ذلك جاء أم كلثوم بنت عقبة ‪ 1‬بن أبي معيط مهاجرة من مكة إلى المدينة فلحق بها‬
‫أخواها عمار ‪ 2‬والوليد ليرداهما إلى قريش فنزلت هذه الية الكريمة فلم يردها عليهما صلى ال‬
‫عليه وسلم قال تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ‪ }3‬أي يا من آمنتم بال ربا وإلها وبمحمد نبينا ورسولً‬
‫والسلم دينا إذ جاءكم المؤمنات مهاجرات من دار الكفر إلى دار السلم فامتحنوهن ‪ -4‬ال‬
‫أعلم بإيمانهن‪ -‬فإن علمتموهن أي غلبة على ظنكم أنهن مؤمنات فل ترجعوهن إلى الكفار‬
‫وصورة المتحان أن يقال لها احلفي بال أي قولي بال الذي ل إله إل هو ما خرجت إل رغبة‬
‫في السلم ل بغضا لزوجي‪ ،‬ول عشقا لرجل مسلم‪.‬‬
‫حلّ َلهُمْ وَل ُهمْ يَحِلّونَ َلهُنّ} لن السلم فصم تلك العصمة التي كانت بين‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬ل هُنّ ِ‬
‫الزوج وزوجته‪ ،‬إذ حرم ال نكاح المشركات‪ ،‬وإنكاح المشركين‪ ،‬ولذا لم يأذن ال تعالى في ردهن‬
‫إلى أزواجهن الكافرين‪.‬‬
‫وقوله تعالى {وَآتُوهُمْ مَا أَ ْن َفقُوا} إذا جاء زوجها المشرك يطالب بها أعطوه ما أنفق عليها من مهر‬
‫والذي يعطيه هو جماعة المسلمين وإمامهم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ أَنْ تَ ْن ِكحُوهُنّ} أي تتزوجهن إذا آتيتموهن أجورهن أي مهورهن‬
‫مع باقي شروط النكاح من ولي وشاهدين وانقضاء العدة في المدخول بها‪.‬‬
‫سكُوا ِب ِعصَمِ ا ْل َكوَافِرِ} أي إذا أسلم الرجل وبقيت امرأته مشركة انقطعت‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَل ُتمْ ِ‬
‫عصمة الزوجية وأصبحت ل تحل لزوجها الذي أسلم‪ ،‬وكذا إذا ارتدت امرأة مسلمة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وكذلك جاءت سبيعة السلمية مهاجرة هاربة من زوجها صيفي‪ ،‬وجاءت أميمة بنت بشر هاربة‬
‫من زوجها ثابت بن الشمراخ‪ ،‬فجاء أزواجهن مطالبين بهن فقال زوج سبيعة للنبي صلى ال عليه‬
‫وسلم إن طينة الكتاب الذي بيننا وبينك لم تجف بعد فنزلت هذه الية‪.‬‬
‫‪ 2‬ذكر القرطبي أن أخوي أم كلثوم أتيا النبي صلى ال عليه وسلم مع أختهما مهاجرين وأن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ردهما على المشركين ولم يرد أختهما أم كلثوم وكانت تحت عمرو بن‬
‫العاص وهو مشرك يومئذ‪ ،‬وذكر ابن كثير‪ :‬أن أخوي أم كلثوم وفدا يطالبان بأختهما ل مهاجرين‬
‫وهذا الظاهر‪.‬‬
‫‪ 3‬لما كانت المعاهدة لم تنص على النساء بلفظ صريح وهو لفظ أحد وهو صالح للرجال والنساء‬
‫نزلت هذه الية مخرجة لنساء من عموم لفظ (أحد) فالية مبينة أو ناسخة والكل صالح‪.‬‬
‫‪ 4‬اختلف في صيغة المتحان فقال ابن عباس‪ :‬كانت المحنة أن تستحلف بال أنها ما خرجت من‬
‫بغض زوجها ول رغبة عن أرض إلى أرض ول التماس دنيا ول عشقا لرجل منا بل حبا بال‬
‫ورسوله فإن حلفت على ذلك‪ ،‬أعطي النبي صلى ال عليه وسلم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم‬
‫يردها‪.‬‬

‫( ‪)5/330‬‬

‫ولحقت بدار الكفر فإن العصمة قد انقطعت‪ ,‬ول يحل المساك بها وفائدة ذلك لو كان تحت الرجل‬
‫نسوة له أن يزيد رابعة لن التي ارتدت أو التي كانت مشركة وأسلم وهي في عصمته ل تمنعه‬
‫من أن يتزوج رابعة لن السلم قطع العصمة لقوله تعالى ول تمسكوا بعصم الكوافر والعصم‬
‫جمع عصمة‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَاسْأَلُوا مَا أَ ْنفَقْتُمْ} اطلبوا من المرتدة ما أنفقتم عليها من مهر يؤدى لكم وليسألوا هم‬
‫حكْمُ اللّهِ‬
‫ما أنفقوا وأعطوهم أيضا مهور نسائهن اللئي أسلمن وهاجرن إليكم وقوله تعالى‪{ :‬ذَِلكُمْ ُ‬
‫حكِيمٌ} في قضائه وتدبيره فليسلم له الحكم وليرض به‬
‫علِيمٌ} بخلقه وحاجاتهم { َ‬
‫حكُمُ بَيْ َنكُ ْم وَاللّهُ َ‬
‫يَ ْ‬
‫فإنه قائم على أساس المصلحة للجميع‪.‬‬
‫جهُمْ مِ ْثلَ مَا‬
‫جكُمْ إِلَى ا ْل ُكفّارِ َفعَاقَبْتُمْ فَآتُوا ‪ 1‬الّذِينَ ذَهَ َبتْ أَ ْزوَا ُ‬
‫شيْءٌ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫وقوله تعالى {وَإِنْ فَا َتكُمْ َ‬
‫أَ ْنفَقُوا} أي وإن ذهب بعض نسائكم إلى الكفار مرتدات‪ ,‬وطالبتم بالمهور فلم يعطوكم‪ ,‬ثم غزوتم‬
‫وغنمتم فأعطوا من الغنيمة قبل قسمتها الذي ذهبت زوجته إلى دار الكفر ولم يحصل على‬
‫تعويض أعطوه مثل ما أنفق‪.‬‬
‫وقوله‪{ :‬وَا ّتقُوا ‪ 2‬اللّهَ الّذِي أَنْتُمْ ِبهِ ُم ْؤمِنُونَ} أي خافوا عقابه فأطيعوه في أمره ونهيه ول تعصوه‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب امتحان المهاجرة فإن علم إسلمها ل يحل إرجاعها إلى زوجها الكافر لنها ل تحل‬
‫له‪ ,‬وإعطاؤه ما أنفق عليها من مهر‪ .‬ويجوز بعد ذلك نكاحها بمهر وولي وشاهدين إن كانت‬
‫مدخول بها فبعد انقضاء عدتها وإل فل حرج في الزواج بها فورا‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة نكاح المشركة‪.‬‬
‫‪ -3‬ل يجوز البقاء على عصمة الزوجة ‪ 3‬المشركة‪ ,‬وللزوج المسلم الذي بقيت زوجته على‬
‫الكفر‪ ,‬أو ارتدت بعد إسلمها أن يطالب بما أنفق عليها من مهر وللزوج الكافر الذي أسلمت‬
‫زوجته وهاجرت أن يسأل كذلك ما أنفق عليها‪.‬‬
‫‪ -4‬ومن ذهبت زوجته ولم يرد عليه شيء مما أنفق عليها‪ ,‬ثم غزا المسلمون تلك البلد وغنموا‬
‫__________‬
‫‪( 1‬عاقبتم) أي‪ :‬غزوتم فغنمتم فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم من المسلمين‪ .‬حكى الثعلبي‪ :‬عن ابن‬
‫عباس أن ستا من النسوة رجعن عن السلم ولحقن بالمشركين وسماهن واحدة واحدة وأكرمهن‪:‬‬
‫أم الحكم بنت أبي سفيان وفي هذه نزلت الية‪.‬‬
‫‪ 2‬الجملة تذييلية المراد منها تحريض المؤمنين على الوفاء بما أمروا به ونهوا عنه واتبع اسم‬
‫الجللة بجملة (الذي أنتم به مؤمنون) إشارة إلى أن اليمان يبعث على التقوى التي هي‪ :‬امتثال‬
‫واجتناب‪.‬‬
‫‪ 3‬اختلف في الرجل يسلم وتحته كافرة أو كافرة تسلم وهي تحت زوج كافر‪ .‬والذي عليه الشافعي‬
‫وأحمد أن العصمة تبقى مدة العدة فإذا انقضت العدة ولم يسلم الكافر منهما يفرق بينهما ول يحلن‬
‫لبعضهما‪ ,‬وقال مالك‪ :‬يفرق بينهما من يوم إسلم أحدهما‪.‬‬

‫( ‪)5/331‬‬

‫فإن ذهبت زوجته ولم يعوض عنا يعطى ما أنفقه من الغنيمة قبل قسمتها‪ .‬وإن لم تكن غنيمة‬
‫فجماعة المسلمين وإمامهم يساعدونه ببعض ما أنفق من باب التكافل والتعاون‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب تقوى ال تعالى بتطبيق شرعه وإنفاذ أحكامه والرضا بها‪.‬‬
‫ن وَل‬
‫ن وَل يَزْنِي َ‬
‫ن ل ُيشْ ِركْنَ بِاللّهِ شَيْئا وَل َيسْ ِرقْ َ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِذَا جَا َءكَ ا ْل ُمؤْمِنَاتُ يُبَا ِيعْ َنكَ عَلَى أَ ْ‬
‫ن وَل َي ْعصِي َنكَ فِي َمعْرُوفٍ فَبَا ِي ْعهُنّ‬
‫ن وَأَرُجُِلهِ ّ‬
‫َيقْتُلْنَ َأوْلدَهُنّ وَل يَأْتِينَ بِ ُبهْتَانٍ َيفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ّ‬
‫غفُورٌرَحِيمٌ(‪)12‬‬
‫وَاسْ َت ْغفِرْ َلهُنّ اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫ضبَ اللّهُ عَلَ ْي ِهمْ قَدْ يَ ِئسُوا مِنَ الْآخِ َرةِ َكمَا يَئِسَ ا ْلكُفّارُ مِنْ‬
‫غ ِ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ َتوَّلوْا َقوْما َ‬
‫َأصْحَابِ ا ْلقُبُورِ (‪)13‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ‪:‬أي يوم الفتح والرسول صلى ال عليه وسلم على الصفا وعمر أسفل‬
‫منه‪.‬‬
‫فبايعهن ‪:‬أي على أن ل يشركن بال شيئا إلى ول يعصينك في معروف‪.‬‬
‫أن ل يشركن بال ‪:‬أي أي شيء من الشرك أو الشركاء‪.‬‬
‫ول يقتلن أولدهن ‪:‬أي كما كان أهل الجاهلية يقتلون البنات وأدا لهن‪.‬‬
‫ول يأتين ببهتان يفترينه ‪:‬أي بكذب يكذبنه فيأتين بولد ملقوط وينسبنه إلى الزوج وهو ليس بولده‪.‬‬
‫ول يعصينك في معروف ‪:‬أي ما عرفه الشرع صالحا حسنا فأمر به وانتدب إليه‪ .‬أو ما عرفه‬
‫الشرع منكرا محرما‪.‬‬
‫فبايعهن ‪:‬أي اقبل بيعتهن‪.‬‬
‫واستغفر لهن ال ‪:‬أي أطلب ال تعالى لهن المغفرة لما سلف من ذنوبهن وما قد يأتي‪.‬‬
‫قوما غضب ال عليهم ‪:‬أي اليهود‪.‬‬

‫( ‪)5/332‬‬

‫قد يئسوا من الخرة ‪:‬أي من ثوابها مع إيقانهم بها‪ ,‬وذلك لعنادهم النبي مع علمهم بصدقه‪.‬‬
‫كما يئس الكفار من أصحاب ‪:‬أي كيأس من سبقهم من اليهود الذين كفروا بعيسى وماتوا على ذلك‬
‫فهم أيضا‬
‫القبور قد يئسوا من ثواب الخرة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ} هذه آية بيعة النساء‪ ،‬فقد بايع عليها‬
‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ} إلى قوله {إِنّ اللّهَ َ‬
‫رسول ‪1‬ال صلى ال عليه وسلم نساء قريش يوم الفتح وهو جالس على الصفاء وعمر دونه أسفل‬
‫منه‪ ،‬وهو يبايع‪ ،‬وطلب إليه أن يمد يده فقال إني ل أصافح النساء فبايعهن على أن ل يشركن ‪2‬‬
‫بال شيئا أي من الشرك أو الشركاء ول يسرقن‪ ،‬ول يزنين‪ ،‬ول يقتلن أولدهن كما كان نساء‬
‫الجاهلية يئدن بناتهن ول يأتين ببهتان أي كذب يفترينه أي يكذبنه بين أيديهن وأرجلهن أي ل‬
‫يلحقن بأزواجهن غير أولدهن‪ ،‬ول يعصينك في ‪3‬معروف بصورة عامة وفي النياحة بصورة‬
‫خاصة إذ كان النساء في الجاهلية ينحن على الموات ويشققن الثياب ويخدشن الوجوه قال تعالى‬
‫يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك فبايعهن على أل يشركن بال شيئا ول يسرقن‪ ،‬ول يزنين‬
‫ول يقتلن أولدهن‪ ،‬ول يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ول يعصينك في معروف‪،‬‬
‫فبايعهن واستغفر لهن ال فيما مضى من ذنوبهن وما قد يأتي إن ال غفور رحيم‪.‬‬
‫وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} أي يا من صدقتم ال ورسوله ل تتولوا قوما غضب ال عليهم‬
‫وهم اليهود ل تتولوهم بالنصرة والمحبة وقد يئسوا من الخرة أي من ثواب ال فيها بدخول الجنة‬
‫وذلك لعنادهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وكفرهم به مع علمهم أنه رسول ال ومن كفر به‬
‫وكذبه أو عانده وحاربه ل يدخل الجنة فلذا هم آيسون من دخول الجنة‪ .‬وقوله تعالى { َكمَا يَئِسَ‬
‫ا ْل ُكفّارُ مِنْ‪4‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في صحيح مسلم عن عائشة رضي ال عنها قالت‪( :‬كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يمتحن بقول ال تعالى {يا أيها النبي إذا جاءك‪}..‬الخ الية وكان صلى ال‬
‫عليه وسلم إذا أقررن بذلك بقولهن قال لهن صلى ال عليه وسلم انطلقن فقد بايعتكن ول وال ما‬
‫مست يد رسول ال صلى ال عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلم)‪.‬‬
‫‪ 2‬روي أن النبي صلى ال عليه وسلم لما قال‪( :‬على أن ل يشركن بال شيئا قالت هند بنت عتبة‬
‫وهي متنقبة وال إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيتك أخذته على الرجال وكان بايع الرجال يومئذ على‬
‫السلم والجهاد فقط ولما قال‪ :‬ول يسرقن قالت هند‪ :‬إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصيب من‬
‫ماله قوتا فقال أبو سفيان هو لك حلل فضحك النبي صلى ال عليه وسلم وعرفها لنها كانت‬
‫متنكرة لما نالت من حمزة رضي ال عنه وقال‪ :‬أنت هند؟ فقالت‪ :‬عفا ال عما سلف‪ .‬ثم قال‪ :‬ول‬
‫يزنين فقالت هند‪ :‬أو تزني الحرة؟‬
‫‪ 3‬قال قتادة‪ :‬ل ينحن ول تخلوا امرأة منهن إل بذي محرم وفي صحيح مسلم عن أم عطية‪:‬لما‬
‫نزلت هذه الية قالت يا رسول ال إل آل فلن فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلبد أن أسعدهم‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم إل آل فلن فأذن لها أ‪ ،‬تفي بوعدها‪.‬‬
‫‪( 4‬كما يئس الكفار) صالح لن يكون معنى الكلم كما يئس الكفار من عودة أصحاب القبور‬
‫إليهم‪ .‬وكما يئس أصحاب القبور من العودة إلى الحياة الولى‪ ،‬وما في التفسير اختيار ابن جرير‬
‫رحمه ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)5/333‬‬

‫َأصْحَابِ ا ْلقُبُورِ} أي كما يئس إخوانهم الذين ماتوا قبلهم من دخول الجنة إذ كفروا بعيسى عليه‬
‫السلم وحاربوه ووالدته واتهموا عيسى بالسحر ووالدته بالعهر‪ ،‬والعياذ بال فيئس هؤلء من‬
‫دخول الجنة كما يئس من مات منهم ممن هم أصحاب قبور‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية أخذ البيعة لمام المسلمين ووجوب الوفاء بها‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة الشرك وما ذكر معه من السرقة والزنا وقتل الولد والكذب والبهتان وإلحاق الولد‬
‫بغير أبيه‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة النياحة وما ذكر معها من شق الثياب وخمش الوجوه والتحدث مع الرجال الجانب‪.‬‬
‫‪ -4‬بعد الحرة كل البعد من الزنا إذ قالت هند وهي تبايع أو تزني الحرة؟ قال ل تزني الحرة‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة مصافحة النساء لقوله صلى ال عليه وسلم في البيعة "إني ل أصافح النساء"‪.‬‬
‫‪ -6‬حرمة موالة اليهود بالنصرة والمحبة‪.‬‬

‫( ‪)5/334‬‬
‫سورة الصف‬
‫‪...‬‬
‫سورة الصف‬
‫مدنية وآياتها أربع عشرة آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حكِيمُ (‪ )1‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لِمَ َتقُولُونَ مَا‬
‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫حبّ الّذِينَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيِلهِ‬
‫ل َت ْفعَلُونَ (‪ )2‬كَبُرَ َمقْتا عِنْدَ اللّهِ أَنْ َتقُولُوا مَا ل َت ْفعَلُونَ (‪ )3‬إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫صَفّا كَأَ ّنهُمْ بُنْيَانٌ مَ ْرصُوصٌ (‪ )4‬وَإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َق ْومِهِ يَا َقوْمِ لِمَ ُتؤْذُونَنِي َوقَدْ َتعَْلمُونَ أَنّي رَسُولُ‬
‫اللّهِ إِلَ ْيكُمْ فََلمّا‬

‫( ‪)5/334‬‬

‫سقِينَ (‪ )5‬وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ‬


‫زَاغُوا أَزَاغَ اللّهُ قُلُو َبهُ ْم وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬
‫حمَدُ‬
‫سمُهُ َأ ْ‬
‫إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْي ُكمْ ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَ َديّ مِنَ ال ّتوْرَاةِ َومُبَشّرا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ َبعْدِي ا ْ‬
‫سحْرٌ مُبِينٌ (‪)6‬‬
‫فََلمّا جَاءَهُمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا َهذَا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫سبح ل ما في السموات وما ‪:‬أي نزه وقدس بلسان القال والحال جميع ما في السموات وما في‬
‫الرض من‬
‫في الرض كائنات‪.‬‬
‫وهو العزيز الحكيم ‪:‬أي العزيز الغالب على أمره الحكيم في تدبيره وصنعه‪.‬‬
‫لم تقولون ما ل تفعلون ‪:‬أي لي شيء تقولون قد فعلنا كذا وكذا وأنتم لم تفعلوا؟ والستفهام هنا‬
‫لتوبيخ والتأنيب‪.‬‬
‫كبر مقتا عند ال ‪:‬أي عظم مقتا والمقت‪ :‬أشد البغض والمقيت والممقوت المبغوض‪.‬‬
‫أن تقولوا مال تفعلون ‪:‬أي قولكم ما ل تفعلون يبغضه ال أشد البغض‪.‬‬
‫صفا كأنهم بنيان مرصوص ‪:‬أي صافين‪ :‬ومرصوص ملزق بعضه ببعض ل فرجة فيه‪.‬‬
‫لم تؤذونني ‪:‬أي إذ قالوا أنه آدر كذبا فوبخهم على كذبهم وأذيتهم له‪.‬‬
‫وقد تعلمون أني رسول ال إليكم ‪:‬أي أتؤذونني والحال أنكم تعلمون أني رسول ال إليكم‪.‬‬
‫فلما زاغوا أزاغ ال قلوبهم ‪ :‬أي فلما عدلوا عن الحق بإيذائهم موسى أزاغ ال قلوبهم أي أمالها‬
‫عن الهدى‪.‬‬
‫وال ل يهدي القوم الفاسقين ‪:‬أي الذين فسقوا وتوغلوا في الفسق فما أصبحوا أهلً للهداية‪.‬‬
‫يا بني إسرائيل ‪:‬أي أولد يعقوب الملقب بإسرائيل‪ ،‬ولم يقل يا قوم كما قال موسى لنه لم يكن‬
‫منهم لنه ولد بل أب‪ ،‬وأمه صديقة‪.‬‬
‫مصدقا لما بين يدي ‪:‬أي قبلي من التوراة‪.‬‬

‫( ‪)5/335‬‬

‫يأتي من بعده اسمه أحمد ‪:‬هو محمد صلى ال عليه وسلم رسول ال صلى ال عليه وسلم وأحمد‬
‫أحد أسمائه الخمسة المذكوران والماحي‪ ،‬والعاقب والحاشر‪.‬‬
‫فلما جاءهم بالبينات ‪:‬أي على صدق رسالته بالمعجزات الباهرات‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬هذا سحر مبين ‪:‬أي قالوا في المعجزات إنها سحر‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ} يخبر تعالى أنه قد سبحه جميع ما في‬
‫قوله تعالى {سَبّحَ لِلّهِ ‪1‬مَا فِي ال ّ‬
‫السموات وما في الرض بلسان القال والحال‪ ،‬وأنه العزيز لحكيم العزيز الغالب على أمره ل‬
‫يمانع في مراده الحكيم في صنعه وتدبيره لملكه‪ .‬بعدما أثنى تعالى على نفسه بهذا الخطب‬
‫المؤمنين بقوله‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لِمَ ‪َ 2‬تقُولُونَ مَا ل َتفْعَلُونَ‪ }3‬لفظ النداء عام والمراد به جماعة‬
‫من المؤمنين قالوا لو نعلم أحب العمال إلى ال تعالى لفعلناه فلما علموه ضعفوا عنه ولم يعملوا‬
‫فعاتبهم ال تعالى في هذه الية ولتبقى تشريعا عاما إلى يوم القيامة فكل من يقول فعلت ولم يفعل‬
‫فقد كذب وبئس الوصف الكذب ومن قال سأفعل ولم يفعل فهو مخلف للوعد وبئس الوصف خلف‬
‫الوعد وهكذا يربي ال عباده على الصدق والوفاء‪ .‬وقوله تعالى {كَبُرَ‪َ 4‬مقْتا عِ ْندَ اللّهِ أَنْ َتقُولُوا مَا‬
‫ل َت ْفعَلُونَْ} أي قولكم نفعل ولم تفعلوا مما يمقت عليه صاحبه أشد المقت أي يبغض أشد البغض‪.‬‬
‫صفّا} أي صافين متلصقين ل فرجة بينهم‬
‫حبّ‪ 5‬الّذِينَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ِه َ‬
‫وقوله تعالى {إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫كأنهم بنيان مرصوص بعضه فوق بعض ل خلل فيه ول فرجة كأنه ملحم بالرصاص‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإذْ قَالَ مُوسَى ِل َق ْومِهِ‪ }6‬أي اذكر إذ قال موسى لقومه من بني إسرائيل يا قوم لم‬
‫تؤذوني وقد تعلمون أني رسول ال إليكم والحال أنكم تعلمون أني رسول ال إليكم حقا وصدقا‪،‬‬
‫وقد آذوه بشتى أنواع الذى بألستهم السليطة وآرائهم الشاذة من ذلك قولهم إن موسى آدر ولذا هو‬
‫ل يغتسل معنا‪ ،‬ومعنى آدر به أدرة وهي انتفاخ الخصية‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في جامع الترمذي عن عبد ال بن سلم قال‪ :‬قعدنا نفرا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فتذاكرنا فقلنا‪ :‬لو نعلم أي العمال أحب إلى ال لعملناه فأنزل ال تعالى‪ { :‬سَبّحَ لِلّهِ ‪1‬مَا فِي‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ‪ }...‬الخ السورة‪ .‬ورواه الحاكم وأحمد وغيره‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫‪ 2‬اللم حرف جر والميم حرف استفهام وهو هنا إنكاري نوبيخي‪.‬‬
‫‪ 3‬النداء بوصف اليمان فيه التعريض بأن اليمان من شأن صاحبه أن ل يخلف إذا وعد وأن يفي‬
‫إذا نذر لنه روح وصاحبه حي قادر على الفعل والترك بخلف الكفر وأهله‪.‬‬
‫‪( 4‬مقتا)‪ :‬منصوب على التمييز وهو تمييز نسبة والتقدير‪ :‬كبر ممقوتا قولكم ما ل تفعلون‪.‬‬
‫‪ 5‬هذا جواب لقولهم‪ :‬لو نعلم أحب العمال إلى ال تعالى لعملناه فبين لهم أحب العمال إليه وهو‬
‫أحب العاملين عنده فله الحمد وله المنة‪.‬‬
‫‪ 6‬لعل وجه المناسبة بين قصة موسى هنا وعتاب المؤمنين على فرار من فر يوم أحد هو‪ :‬أن‬
‫قوم موسى أيضا جبنوا عن قتال عدوهم وقالوا لموسى‪ :‬اذهب أنت وربك فقاتل إنا ها هنا‬
‫قاعدون‪.‬‬

‫( ‪)5/336‬‬

‫وقوله تعالى‪َ { :‬فَلمّا زَاغُوا} أي مالوا عن الحق بعد علمه غاية العلم فآثروهم الباطل على الحق‬
‫والشر على الخير والكفر على اليمان عاقبهم ال فصرف قلوبهم عن الهدى نقمة منه تعالى‬
‫عليهم‪ ،‬وذلك لنه سنته تعالى فيمن عرض عليه الخبر فأباه بعد علمه به‪ ،‬ثم دعى إليه فلم يستجب‬
‫ثم رغب فيه فلم يرغب وواصل الشر مختارا له عندئذ يصبح ما اختار من الفسق أو الكفر أو‬
‫الظلم أو الجرام طبعا له وخلقا ثابتا ل يتبدل ول يتغير‪ .‬وعلى هذا يؤول مثل قوله تعالى وال ل‬
‫يهدي القوم الفاسقين‪ ،‬وال ل يهدي القوم الظالمين‪ ،‬وال ل يهدي القوم المجرمين‪ ,‬وال ل يهدي‬
‫القوم الكافرين لنه تعالى أضلهم حسب سنته في الضلل فل يستطيع أحد غيره تعالى أن يهدي‬
‫عبدا أضله ال على علم وهذا معنى قوله تعالى من سورة النحل {إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي مَنْ يضل}‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ‪ 1‬يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْيكُمْ} أي اذكر يا رسولنا‬
‫للتعاظ والعبرة قول عيسى بن مريم لليهود‪ :‬يا بني إسرائيل نسبهم إلى جدهم يعقوب الملقب‬
‫بإسرائيل بن اسحق بن إبراهيم الخليل عليهم السلم‪ .‬إني رسول ال إليكم مصدقا لما بين يدي من‬
‫التوراة وهذا برهان على صدقي في دعوتي إذ لم أخالف فيما أدعو إليه من عبادة ال وحده ما في‬
‫التوراة كتاب ال عز وجل وهو بين أيديكم فوفاقنا دال على أن مصدر تشريعنا واحد هو ال عز‬
‫وجل فكما آمنتم بموسى وهرون وداود وسليمان آمنوا بي فإني رسول ال إليكم مصدقا لما بين‬
‫يدي من التوراة‪ ,‬ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه ‪ 2‬احمد‪ ,‬فلهذا قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم "أنا دعوة ‪ 3‬أبي إبراهيم وبشارة عيسى"‪ ,‬إذ إبراهيم لما كان يبني البيت مع إسماعيل‬
‫كانا يتقاولن ما أخبر تعالى به في قوله‪{ :‬رَبّنَا وَا ْب َعثْ فِيهِمْ رَسُولً مِ ْنهُمْ يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَا ِتكَ‪ }..‬الية‪.‬‬
‫وقوله تعالى {فََلمّا جَا َءهُمْ} أي محمد ‪ 4‬صلى ال عليه وسلم بالبينات أي بالحجج الدالة على صدق‬
‫رسالته ووجوب إتباعه في العقيدة والشريعة كفروا به وقالوا في القرآن هذا سحر مبين كما قالها‬
‫فرعون مع موسى‪ .‬وكما قالتها اليهود مع عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وجه مناسبة قصة عيسى لما قبلها أن بني إسرائيل كما فسقوا عن أمر ال وعصوا رسوله‬
‫موسى فسقوا كذلك عن أمر ال وعصوا عيسى وكفروا فكان هذا تعزية لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم لما لقيه ويلقاه من اليهود‪.‬‬
‫‪ 2‬هل السم هو عين المسمى؟ خلف كبير والصحيح‪ :‬أن السم هو اللفظ الدال على ذات به‬
‫تتميز عن سائر الذوات‪.‬‬
‫‪ 3‬رواه ابن اسحق بسند جيد ورواه أحمد بألفاظ مختلفة‪.‬‬
‫‪ 4‬جائز أن يكون الضمير في جاءهم عائد إلى عيسى عليه السلم وعلى محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم إذ كلهما قيل فيه سحر أو ساحر قرأ الجمهور (سحرا) في اليات وقرأ بعضهم‪ :‬ساحر أي‪:‬‬
‫محمد أو عيسى عليهما السلم‪.‬‬

‫( ‪)5/337‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان غنى ال تعالى عن خلقه وأنه سبح ل ما في السموات وما في الرض وأن ما شرعه‬
‫لعباده من العبادات والشرائع إنما هو لفائدتهم وصالح أنفسهم يكملوا عليه أرواحا وأخلقا ويسعدوا‬
‫به في الحياتين‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة الكذب وخلف الوعد إذ قول القائل أفعل كذا ولم يفعل كذب وخلف وعدٍ‪ .‬ولذا كان قوله‬
‫من المقت الذي هو أشد البغض‪ ،‬ومن مقته ال فقد أبغضه أشد البغض وكيف يفلح من مقته ال‪.‬‬
‫‪ -3‬فضيلة الجهاد والوحدة والتفاق وحرمة الخلف والقتال والصفوف ممزقة حسيا أو معنويا‪.‬‬
‫‪ -4‬التحذير من مواصلة الذنب بعد الذنب فإنه يؤدي إلى الطبع وحرمان الهداية‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان كفر اليهود بعيسى عليه السلم وازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -6‬بيان كفر النصارى إذ رفضوا بشارة عيسى وردوها عليه ولم يؤمنوا بالمبشر به محمد صلى‬
‫ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ب وَ ُهوَ يُدْعَى إِلَى الِْأسْل ِم وَاللّهُ ل َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ الظّاِلمِينَ (‪)7‬‬
‫علَى اللّهِ ا ْلكَ ِذ َ‬
‫َومَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى َ‬
‫سلَ َرسُولَهُ‬
‫طفِئُوا نُورَ اللّهِ بَِأ ْفوَا ِههِ ْم وَاللّهُ مُ ِتمّ نُو ِرهِ وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلكَافِرُونَ (‪ُ )8‬هوَ الّذِي أَرْ َ‬
‫يُرِيدُونَ لِ ُي ْ‬
‫ظهِ َرهُ عَلَى الدّينِ كُلّ ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلمُشْ ِركُونَ (‪)9‬‬
‫بِا ْلهُدَى وَدِينِ ا ْلحَقّ لِيُ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ومن أظلم ممن افترى على ال الكذب ‪:‬أي ل أحد أعظم ظلما ممن يكذب على ال فينسب إليه‬
‫الولد والشريك‪،‬والقول والحكم وهو تعالى بريء من ذلك‪.‬‬
‫وهو يدعى إلى السلم ‪:‬أي والحال أن هذا الذي يفتري الكذب على ال يدعى إلى السلم الذي‬
‫هو الستسلم والنقياد لحكم ال وشرعه‪.‬‬
‫وال ل يهدي القوم الظالمين ‪:‬أي من ظلم ثم ظلم وواصل الظلم يصبح الظلم طبعا له فل يصبح‬
‫قابلً للهداية فيحرمها حسب سنة ال تعالى في ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/338‬‬

‫ليطفئوا نور ال بأفواههم ‪:‬أي يريد المشركون بكذبهم على ال وتشويه الدعوة السلمية‪،‬‬
‫ومحاربتهم لهلها يريدون إطفاء نور ال القرآن وما يحويه من نور وهداية بأفواههم وهذا محال‬
‫فإن إطفاء نور الشمس أو القمر أيسر من إطفاء نور ل يريد ال إطفاءه‪.‬‬
‫هو الذي أرسل رسوله بالهدى ‪:‬أي أرسل رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم بالهدى أي بالهداية‬
‫البشرية‪.‬‬
‫ودين الحق ‪:‬أي السلم إذ هو الدين الحق الثابت بالوحي الصادق‪.‬‬
‫ليظهره على الدين كله ‪:‬أي لينصره على سائر الديان حتى ل يبقى إل السلم دينا‪.‬‬
‫ولو كره المشركون ‪:‬أي ولو كره نصره وظهوره على الديان المشركون الكافرون‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يقول تعالى { َومَنْ أَظَْلمُ‪ِ 1‬ممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ} والحال أنه يدعى للسلم الدين لحق إنه ل‬
‫أظلم من هذا النسان أبدا‪ ،‬إن ظلمه ل يقارن بظلم هذا معنى قوله تعالى في الية الولى (‪)7‬‬
‫{ َومَنْ أَظَْلمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ}‪ .‬أي اختلق الكذب على ال عز وجل وقال له كذا وكذا أو‬
‫قال أو شرع كذا وهو لم يقل ولم يشرع‪ .‬كما هي حال مشركي قريش نسبوا إليه الولد والشريك‬
‫وحرموا السوائب والبحائر والحامات وقالوا في عبادة أصنامهم لو شاء ال ما عبدناهم إلى غير‬
‫ذلك من الكذب والختلق على ال عز وجل‪ .‬وقوله وهو يدعى إلى السلم إذ لو كان أيام‬
‫الجاهلية حيث ل رسول ول قرآن لهان المر أما أن يكذب على ال والنور غامر والوحي ينزل‬
‫والرسول يدعو ويبين فالمر أعظم والظلم أظلم‪.‬‬
‫طفِئُوا نُورَ اللّهِ بَِأ ْفوَا ِههِمْ‪ }3‬أي يريد أولئك الكاذبون‬
‫وقوله تعالى في الية الثانية (‪{ )8‬يُرِيدُونَ‪ 2‬لِ ُي ْ‬
‫على ال القائلون في الرسول‪ :‬ساحر وفي القرآن إنه سحر مبين إطفاء نور ال الذي هو القرآن‬
‫وما حواه من عقائد الحق وشرائع الهدى وبأي شيء يريدون إطفاءه إنه بأفواههم وهل نور ال‬
‫يطفأ بالفواه كنور شمعة أو مصباح‪ .‬إن نور ال متى أراد ال إتمامه إطفاء نور القمر أو الشمس‬
‫أيسر من إطفائه فليعرفوا هذا وليكفوا عن محاولتهم الفاشلة فإن ال يريد أن يتم ‪ 4‬نوره ولو كره‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام وإن كان للنفي فهو متضمن النكار الشديد على كل من المشركين وأهل الكتابين إذ‬
‫الجميع افتروا على ال الكذب‪ ،‬فالمشركون قالوا‪ :‬الملئكة بنات ال‪ ،‬واليهود قالوا‪ :‬عزير ابن ال‪،‬‬
‫والنصارى قالوا‪ :‬عيسى ابن ال‪.‬‬
‫‪ 2‬استئناف بياني ناشيء عن الخبار عنهم بأنهم افتروا على ال الكذب في الوقت الذي هم يدعون‬
‫إلى السلم فلما فضحهم القرآن راموا اطفاء نور ال الذي هو كتابه ورسوله ودينه بأفواههم‬
‫بالكذب والدعاوى الباطلة بل والحروب الشرسة القاسية‪.‬‬
‫‪ 3‬اللم في (ليطفئوا) زائدة لتأكيد الكلم وتقويته إذ الصل يريدون إطفاء نور ال‪.‬‬
‫‪( 4‬وال متم نوره) قرأ نافع بتنوين الميم من متمم ونصب نوره على المفعولية‪ ،‬وقرأ حفص بدون‬
‫تنوين على أن متم مضاف إلى نور ونور مضاف إلى الضمير‪.‬‬

‫( ‪)5/339‬‬

‫المشركون إنه تعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق دين ال الحق الذي هو السلم‬
‫ليظهره على الدين كله وذلك حين نزول عيسى إذ يبطل يومها كل دين ولم يبق إل السلم ولو‬
‫كره ذلك المشركون فإن ال مظهره ل محالة‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬عظم جرم الكذب على ال وأنه من أفظع أنواع الظلم‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمان الظلمة المتوغلين في الظلم من الهداية‪.‬‬
‫‪ -3‬إيئاس المحاولين إبطال السلم وإنهاء وجوده بأنهم ل يقدرون إذ ال تعالى أراد إظهاره فهو‬
‫ظاهر منصور ل محالة‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫عذَابٍ أَلِيمٍ (‪ُ )10‬ت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا َهلْ أَ ُدّلكُمْ عَلَى تِجَا َرةٍ تُ ْنجِيكُمْ مِنْ َ‬
‫سكُمْ َذِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ (‪َ )11‬ي ْغفِرْ َلكُمْ ذُنُو َبكُمْ‬
‫وَتُجَا ِهدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلكُ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫عدْنٍ ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪)12‬‬
‫وَيُدْخِ ْل ُكمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَا ُر َومَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ َ‬
‫وَأُخْرَى تُحِبّو َنهَا َنصْرٌ مِنَ اللّ ِه َوفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشّرِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ (‪ )13‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَ ْنصَارَ‬
‫حوَارِيّونَ نَحْنُ أَ ْنصَارُ اللّهِ‬
‫حوَارِيّينَ مَنْ أَ ْنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْ َ‬
‫اللّهِ َكمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْ َيمَ لِلْ َ‬
‫ع ُدوّهِمْ فََأصْ َبحُوا ظَاهِرِينَ (‬
‫ل َوكَفَ َرتْ طَا ِئفَةٌ فَأَيّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَى َ‬
‫فَآمَ َنتْ طَا ِئفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائي َ‬
‫‪)14‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫هل أدلكم على تجارة ‪:‬أي أرشدكم إلى تجارة رابحة‪.‬‬
‫تنجيكم من عذاب أليم ‪:‬أي الربح فيها هو نجاتكم من عذاب مؤلم يتوقع لكم‪.‬‬
‫تؤمنون بال ورسوله ‪:‬أي تصدقون بال ربا وإلها وبمحمد نبينا ورسولً ل تعالى‪.‬‬

‫( ‪)5/340‬‬

‫وتجاهدون في سبيل ال ‪:‬أي وتبذلون أموالكم وأرواحكم جهادا في سبيل ال تعالى‪.‬‬


‫ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون ‪:‬أي الدخول في هذه الصفقة التجارية الرابحة خير لكم من تركها‬
‫حرصا على بقائكم وبقاء أموالكم مع أنه ل بقاء لشيء في هذه الدار‪.‬‬
‫يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم ‪ :‬أي هذا هو الربح الصافي مقابل ذلك الثمن الذاهب الزائل الذي هو‬
‫المال‬
‫جنات تجري من تحتها النهار والنفس مع أن الكل ل تعالى واهبكم أنفسكم وأموالكم‪.‬‬
‫ومساكن طيبة في جنات عدن‬
‫ذلك الفوز العظيم ‪ :‬أي لنجاة من عذاب النار الليم ثم دخول الجنة والظفر بما فيها من النعيم‬
‫المقيم هو حقا الفوز العظيم‪.‬‬
‫وأخرى تحبونها نصر من ال ‪:‬أي وعلوة أخرى تحبونها قطعا إنها نصر من ال لكم ولدينكم‬
‫وفتح قريب‬
‫وفتح قريب للمصار والمدن‪ ،‬وما يتبع ذلك من رفعة وسعادة وهناء‪.‬‬
‫وبشر المؤمنين ‪:‬أي وبشر يا رسولنا المؤمنين الصادقين بذاك الفوز وهذه العلوة‪.‬‬
‫كونوا أنصار ال ‪:‬أي لتنصروا دينه ونبيه وأولياءه‪.‬‬
‫كما قال عيسى بن مريم ‪ :‬أي فكونوا أنتم أيها المؤمنون مثل الحواريين‪ ،‬والحواريون أصحاب‬
‫عيسى وهم‬
‫للحواريين من أنصاري إلى ال أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلً‪.‬‬
‫قال الحواريون نحن أنصار ال‬
‫فآمنت طائفة من بني إسرائيل ‪:‬أي بعيسى عليه السلم‪ ،‬وقالوا إنه عبد ال رفع إلى السماء‪.‬‬
‫وكفرت طائفة ‪:‬أي من بني إسرائيل فقالوا إنه ابن ال رفعه إليه‪.‬‬
‫فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم ‪:‬فاقتتلت الطائفتان‪ :‬فنصرنا وقوينا الذين آمنوا‪.‬‬
‫فأصبحوا ظاهرين ‪:‬أي غالبين عالين‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‪ 1‬آمَنُوا َهلْ أَدُّلكُمْ عَلَى ِتجَا َرةٍ تُ ْنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} أي يا من صدقتم ال‬
‫ورسوله هل لنا أن ندلكم على تجارة عظيمة الربح ثمرتها النجاة من عذاب أليم في‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا جواب ما سألوه عنه وطلبوا معرفته وهو‪ :‬أحب العمال إلى ال تعالى‪ ،‬والستفهام‬
‫مستعمل في العرض كما يقال‪ :‬هل لك في كذا؟ أو هل لك إلى كذا؟ على سبيل العرض والترغيب‬
‫والتشويق إلى ما يذكر به‪.‬‬

‫( ‪)5/341‬‬

‫سكُمْ} هذا هو‬


‫الدنيا والخرة‪ .‬وقوله { ُت ْؤمِنُونَ‪ 1‬بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلكُمْ وَأَنْفُ ِ‬
‫رأس المال الذي تقدمونه‪ .‬إيمان بال ورسوله حق اليمان‪ ،‬جهاد في سبيل ال بالنفس والمال وأنبه‬
‫إلى أن هذه الصفقة التجارية خير لكم من عدمها إن كنتم تعلمون ربحها وفائدتها‪َ { 2 .‬ي ْغفِرْ َلكُمْ‬
‫ذُنُو َبكُ ْم وَيُ ْدخِ ْلكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ} إنها النجاة من العذاب الدنيوي والخروي أولً‪،‬‬
‫ثم مغفرة ذنوبكم وإدخالكم جنات تجري من تحتها النهار‪ ،‬أي من تحت قصورها وأشجارها‪،‬‬
‫ومساكن طيبة في جنات عدن أي إقامة دائمة‪ .‬ثانيا ثم زاد الحق في ترغيبهم فقال {ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ‬
‫ا ْلعَظِيمُ} إنه النجاة من النار‪ ،‬ودخول الجنة‪ ،‬فل فوز أعظم منه قط هذا ولكم علوة على ذلك‬
‫الربح العظيم وهي ما أخبر تعالى عنها بقوله‪َ { 3 :‬وأُخْرَى ُتحِبّو َنهَا } أي وفائدة أخرى تحبونها‪:‬‬
‫نصر من ال أي لكم على أعدائكم ولدينكم على سائر الديان وفتح قريب لمكة ولباقي المدن‬
‫والقرى في الجزيرة وما وراءها‪ .‬وقوله تعالى {وَبَشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} أي وبشر ‪ 4‬يا رسولنا الذين‬
‫آمنوا بنا وبرسولنا وبوعدنا ووعيدنا بحصول ما ذكرناه كامل‪ ،‬وقد تم لهم كاملً ول الحمد‬
‫ن في هذا السياق الكريم ناداهم بعنوان اليمان‬
‫والمنة‪ .‬وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} هذا نداء ثا ٍ‬
‫أيضا إذ اليمان هو الطاقة المحركة الدافعة فقال {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَ ْنصَارَ‪ 5‬اللّهِ} أي‬
‫التزموا بنصرة ربكم وإلهكم الحق في دينه ونبيه وأوليائه المؤمنين‪ .‬قولوا كما قال الحواريون ‪6‬‬
‫لما دعاهم عيسى نبيهم لنصرته قائلً من أنصاري إلى ال أي من ينصرني في حال كوني متوجها‬
‫إلى ال انصر دينه وأولياءه‪ ،‬فأجابوه قائلين نحن أنصار ال‪ .‬فكونوا أنتم أيها المسلمون مثلهم‪ ،‬وقد‬
‫كانوا رضي ال عنهم كما طلب منهم‪.‬‬
‫__________‬
‫ل وهو‪ :‬ما الذي ريد أن يدلنا عليه؟‬
‫‪ 1‬جملة‪( :‬تؤمنون) بيانية لهل العرض السابق يثير سا ً‬
‫فالجواب‪ :‬اليمان والجهاد‪( .‬تؤمنون بال ورسوله وتجاهدون في سبيل ال‪}...‬الخ‪.‬‬
‫‪( 2‬يغفر لكم بالجزم لن الفعل واقع موقع جواب الطلب إذ‪ :‬تؤمنون وتجاهدون لفظهما لفظ الخبر‬
‫وعناهما النشاء أي‪ :‬آمنوا وجاهدوا يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم‪ ،‬وجزم (ويدخلكم) أيضا على‬
‫العطف على يغفر‪.‬‬
‫‪( 3‬وأخرى) الجملة معطوفة على (يغفر لكم) وما بعدها وجيء بالجملة اسمية للدللة على الثبوت‬
‫والتحقق‪ ،‬فأخرى‪ :‬مبتدأ خبره محذوف أي‪ :‬وأخرى لكم أي ثابتة لكم وتحبون‪ :‬صفة لخرى‪.‬‬
‫‪ 4‬لقد شوق ال أصحاب رسوله إلى تحقيق اليمان بالجهاد فأيقنوا وعزموا على الجهاد فأصبح‬
‫أسمى أمانيهم فأنجز ال لهم ما وعدهم فأمر رسوله أن يبشرهم بما وعدهم تعجيلً للمسرة‪.‬‬
‫‪ 5‬النصار‪ :‬جمع نصير وهو الناصر‪ :‬القوي النصرة‪ ،‬وقرأ نافع (كونوا أنصارا ل) بتنوين‬
‫(أنصارا) وقرأ حفص بدون تنوين مضاف إلى اسم الجللة‪.‬‬
‫‪ 6‬الحواريون‪ :‬جمع حواري بفتح الحاء وتخفيف الواو وهي معربة عن الحبشية (حواريا) وهو‬
‫الصاحب الصفي وأطلق هذا السم على أصحاب عيسى الثني عشر رجل‪ ،‬وقد سمى النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم الزبير بن العوام حواريه على التشبيه بأحد الحواريين فقال‪" :‬لكل نبي حواري‬
‫وحواري الزبير)‪.‬‬

‫( ‪)5/342‬‬

‫ل َوكَفَ َرتْ طَا ِئفَةٌ فَأَيّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا} أي فاقتتلوا فأيدنا أي‬
‫وقوله تعالى {فَآمَ َنتْ طَا ِئفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائي َ‬
‫قوينا ونصرنا الذين آمنوا وهم الذين قالوا عيسى عبد ال ورسوله رفعه ربه تعالى إلى السماء‪،‬‬
‫على عدوهم وهم الطائفة الكافرة التي قالت عيسى ابن ال رفعه إليه تعالى ال أن يكون له ولد‪.‬‬
‫وقوله تعالى {فََأصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} أي غالبين عالين إلى أن احتال اليهود على إفساد الدين الذي‬
‫جاء به عيسى وهو السلم أي عبادة ال وحده بما شرع أن يعبد به فحينئذ لم يبق من المؤيدين‬
‫إل أنصار قليلون هنا وهناك وعل الكفر والتثليث واستمر الوضع كذلك إلى أن بعث ال رسوله‬
‫محمدا صلى ال عليه وسلم فانضم إلى السلم من انضم من النصارى فأصبحوا بالسلم‬
‫ظاهرين على عدوهم من المشركين المؤلهين لعيسى والحيارى في تقويمه مرة يقولون هو ال‪،‬‬
‫ومرة يقولون‪ :‬هو ابن ال‪ ،‬ومرة يقولون‪ :‬ثالث ثلثة هو ال‪ .‬وضللهم وتركهم في هذه المتاهات‬
‫النتفاعيون من الرؤساء والجاهلون المقلدون من المرءوسين كما فعل نظراؤهم في السلم‬
‫فحولوه إلى طوائف وشيع إل أن السلم تعهد ال بحفظه إلى يوم القيامة فمن أراده وجده صافيا‬
‫كما نزل في كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ومن لم يرده وأراد الضللة وجدها في‬
‫كل عصر ومصر‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل الجهاد بالمال والنفس وأنه أعظم تجارة رابحة‪.‬‬
‫‪ -2‬تحقيق بشرى المؤمنين التي أمر ال رسوله أن يبشرهم بها فكان هذا برهانا على صحة‬
‫السلم وسلمة دعوته‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان استجابة المؤمنين من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم لما طلب منهم نصرة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ودينه والمؤمنين معه‪ .‬وهي نصرة ال تعالى المطلوبة‪.‬‬
‫( ‪)5/343‬‬

‫سورة الجمعة‬
‫‪...‬‬
‫سورة الجمعة ‪1‬‬
‫مدنية وآياتها إحدى عشرة آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حكِيمِ (‪ُ )1‬هوَ الّذِي َب َعثَ فِي‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ ا ْلمَِلكِ ا ْلقُدّوسِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬
‫يُسَبّحُ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫ح ْكمَ َة وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَ ْبلُ َلفِي‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫الُْأمّيّينَ رَسُولً مِ ْنهُمْ يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَاتِ ِه وَيُ َزكّيهِ ْم وَ ُيعَّل ُمهُمُ ا ْلكِتَا َ‬
‫ضلُ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَنْ‬
‫حكِيمُ (‪ )3‬ذَِلكَ َف ْ‬
‫حقُوا ِبهِ ْم وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫ضَللٍ مُبِينٍ (‪ )2‬وَآخَرِينَ مِ ْنهُمْ َلمّا يَلْ َ‬
‫ضلِ ا ْلعَظِيمِ (‪)4‬‬
‫يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يسبح ل ما في السموات ‪:‬أي ينزه ال تعالى عما ل يليق به ما في السموات وما في الرض من‬
‫سائر‬
‫وما في الرض الكائنات بلسان القال والحال‪ ،‬ولم يقل (من) بدل (ما) تغليبا لغير العاقل لكثرته‬
‫على العاقل‪.‬‬
‫في الميين ‪:‬أي العرب لندرة من كان يقرأ منهم ويكتب‪.‬‬
‫رسولً منهم ‪:‬أي محمدا صلى ال عليه وسلم إذ هو عربي قرشي هاشمي‪.‬‬
‫ويزكيهم ‪:‬أي يطهرهم أرواحا وأخلقا‪.‬‬
‫ويعلمهم الكتاب والحكمة ‪:‬أي هدى الكتاب وأسرار هدايته‪.‬‬
‫وإن كانوا من قبل لفي ضلل ‪:‬أي وإن كانوا من قبل بعثة الرسول في ضلل الشرك والجاهلية‪.‬‬
‫مبين‬
‫وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ‪:‬أي وآخرين مؤمنين صالحين لما يلحقوا أي لم يحضروا حياة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يعلم الكتاب والحكمة‪ ,‬وسيلحقون بهم وهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سورة الجمعة أي‪ :‬السورة التي يذكر فيها لفظ الجمعة وهل المراد بالجمعة يوم الجمعة أو‬
‫صلة الجمعة الظاهر أن المراد بلفظ الجمعة‪ :‬صلة الجمعة‪ ،‬وجائز أن يكون المراد يوم الجمعة‬
‫وقد نزلت الجمعة جملة واحدة سنة ست من الهجرة‪.‬‬

‫( ‪)5/344‬‬
‫كل من لم يحضر حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم من العرب والعجم‪.‬‬
‫ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء ‪ :‬أي كون الصحابة حازوا فضل السبق هذا فضل يؤتيه من يشاء‬
‫فل اعتراض ولكن الرضا وسؤال ال من فضله فإنه ذو فضل عظيم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ} يخبر تعالى عن نفسه أنه يسبحه بمعنى‬
‫قوله تعالى‪{ :‬يُسَبّحُ ِللّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫ينزهه عن كل ما ل يليق بجلله وكماله من سائر مظاهر العجز والنقص ويقدسه كذلك وذلك‬
‫بلسان القال والحال وهذا كقوله من سورة السراء وإن من شيء إل يسبح بحمده‪ ,‬ولكن ل تفقهون‬
‫تسبيحهم‪ .‬ومع هذا شرع لنا ذكره وتسبيحه وتعبدنا به‪ ,‬وجعله عونا لنا على تحمل المشاق‬
‫واجتياز الصعاب فكم أرشد رسوله له في مثل قوله‪ :‬سبح اسم ربك‪ ,‬وسبحه بكرة وأصيل‪ ,‬وسبح‬
‫بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب‪ ,‬ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلً طويلً‪ .‬وواعد على‬
‫لسانه رسوله بالجزاء العظيم على التسبيح في مثل قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من قال سبحان ال‬
‫وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر" ورغب فيه مثل قوله‪" :‬كلمتان ثقيلتان‬
‫في الميزان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن سبحان ال وبحمده سبحان ال العظيم"‪.‬‬
‫وقوله {ا ْلمَِلكِ ا ْلقُدّوسِ} أي المالك الحاكم المتصرف في سائر خلقه ل حكم إل له‪ .‬ومرد المور‬
‫كلها إليه المنزه عن كل ما ل يليق بجماله وكماله من سائر النقائص والحوادث‪.‬‬
‫حكِيمُ} أي كل خلقه ينزهه ويقدسه وهو العزيز الغالب على أمره الذي‬
‫وقوله تعالى {و ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫ل يحال بينه وبين مراده الحكيم في صنعه وتدبيره لوليائه وفي ملكه وملكوته‪ .‬وقوله تعالى { ُهوَ‬
‫الّذِي ‪َ 1‬ب َعثَ فِي الُْأمّيّينَ َرسُولً مِ ْنهُمْ‪ }2‬أي بعث في المة العربية المية رسول منهم وهو محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم إذ هو عربي قرشي هاشمي معروف النسب الي جده العلى عدنان من ولد‬
‫إسماعيل بن إبراهيم الخليل‪.‬‬
‫وقوله‪{ :‬يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَاتِهِ} أي آيات ال التي تضمنها كتابه القرآن الكريم وذلك لهدايتهم‬
‫وإصلحهم‪ ,‬وقوله ويزكيهم أي ويطهرهم أرواحا وأخلقا وأجساما من كل ما يدنس الجسم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬الميون العرب كلهم من كتب منهم ومن لم يكتب لنهم لم‬
‫يكونوا أهل كتاب وكونه صلى ال عليه وسلم أميا ومن أمة أمية هو دليل معجزته وصدق نبوته‪.‬‬
‫‪( 2‬رسولً منهم) قال ابن اسحق‪ :‬ما من حي من أحياء العرب إل ولرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فيهم قرابة وقد ولدوه إل حي تغلب فإن ال تعالى طهر نبيه صلى ال عليه وسلم منهم‬
‫لنصرانيتهم‪ ،‬فلم يجعل لهم عليه ولدة‪.‬‬

‫( ‪)5/345‬‬
‫ويدنس النفس ويفسد الخلق‪ .‬وقوله ويعلمهم الكتاب والحكمة‪ .‬أي يعلمهم الكتاب الكريم يعلمهم‬
‫معانيه وما حواه من شرائع وأحكام‪ ،‬ويعلمهم ‪ 1‬الحكمة في كل أمورهم والصابة والسداد في كل‬
‫شؤونهم‪ ،‬يفقههم في أسرار الشرع وحكمه في أحكامه‪ .‬وقوله {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَ ْبلُ َلفِي ضَللٍ‬
‫مُبِينٍ} أي والحال والشأن أنهم كانوا من قبل بعثته فيهم لفي ضلل مبين ضلل في العقائد ضلل‬
‫في الداب والخلق ضلل في الحكم والقضاء في السياسة‪ ،‬وإدارة المور العامة والخاصة‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬وآخرين ‪2‬منهم لما يلحقوا بهم أي وآخرين من العرب والعجم جاءوا من بعدهم وهم‬
‫التابعون وتابعوا التابعين ‪ 3‬إلى يوم القيامة آمنوا وتعلموا الكتاب والحكمة التي ورثها رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فيهم لما يلحقوا بهم في الفضل لنهم فازوا بالسبق إلى اليمان وبصحبة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير التوحيد‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير النبوة المحمدية‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان فضل الصحابة على غيرهم‪.‬‬
‫‪ -4‬شرف اليمان والمتابعة للرسول وأصحابه رضي ال عنهم‪.‬‬
‫سفَارا بِئْسَ مَ َثلُ ا ْل َقوْمِ الّذِينَ َكذّبُوا‬
‫ح ِملُ أَ ْ‬
‫حمَارِ َي ْ‬
‫حمِلُوهَا َكمَ َثلِ الْ ِ‬
‫حمّلُوا ال ّتوْرَاةَ ُثمّ َلمْ يَ ْ‬
‫مَ َثلُ الّذِينَ ُ‬
‫عمْ ُتمْ أَ ّنكُمْ َأوْلِيَاءُ لِلّهِ مِنْ‬
‫بِآياتِ اللّ ِه وَاللّ ُه ل َي ْهدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪ُ )5‬قلْ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ هَادُوا إِنْ زَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال مالك بن أنس‪ :‬الحكمة الفقه في الدين‪.‬‬
‫‪ 2‬روى مسلم عن أبي هريرة قال‪ :‬كنا جلوسا عند النبي صلى ال عليه وسلم فأنزلت عليه سورة‬
‫الجمعة فلما قرأ (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال رجل‪ :‬من هؤلء يا رسول ال؟ فلم يراجعه‬
‫حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلثا قال‪ :‬وفينا سلمان الفارسي قال فوضع النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يده على سلمان ثم قال‪" :‬لو كان اليمان عند الثريا لناله رجال من هؤلء" نعم فقد دخلت فارس‬
‫في السلم بعد الفتح العمري وآمن رجال فوفوا وكانوا من أفاضل الرجال وصدق رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إل أن الحزب الوطني الذي تكون في الظلم للنتقام من السلم فعل العجب‬
‫في إفساد أمة السلم ومن ذلك ضرب المة بالمذهب الرافضي الذي فرق المسلمين ودمرهم أيما‬
‫تدمير‪.‬‬
‫‪ 3‬من العرب وغيرهم من سائر العجم كبعض الفرس والروم والبربر والسودان والترك والمغول‬
‫والكراد والصين والهنود وغيرهم وفي هذا معجزة قرآنية إذ صدق قوله {وآخرين منهم لما‬
‫يلحقوا بهم) وقد لحقوا فآمنوا وتعلموا وزكوا‪.‬‬
‫( ‪)5/346‬‬

‫دُونِ النّاسِ فَ َتمَ ّنوُا ا ْل َم ْوتَ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ )6‬وَل يَ َتمَ ّنوْنَهُ أَبَدا ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِي ِه ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ‬
‫شهَا َدةِ‬
‫بِالظّاِلمِينَ (‪ُ )7‬قلْ إِنّ ا ْل َم ْوتَ الّذِي َتفِرّونَ مِنْهُ فَإِنّهُ مُلقِيكُمْ ثُمّ تُرَدّونَ إِلَى عَالِمِ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫فَيُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪)8‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫حملوا التوراة ‪ :‬أي كلفوا بالعمل بها عقائد وعبادات وقضاء وآدابا وأخلقا‪.‬‬
‫ثم لم يحملوها ‪ :‬أي لم يعملوا بما فيها‪ ،‬ومن ذلك نعته صلى ال عليه وسلم والمر باليمان‬
‫فجحدوا نعته وحرفوه ولم يؤمنوا به وحاربوه‪.‬‬
‫بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات ال ‪ :‬أي المصدقة للنبي محمد صلى ال عليه وسلم هذا المثل‬
‫الذي ضربه ال لليهود هو كمثل الحمار يحمل أسفارا أي كتبا من العلم وهو ل يدري ما فيها‪.‬‬
‫قل يا أيها الذين هادوا ‪:‬أي اليهود المتدينون باليهودية‪.‬‬
‫إن زعمتم أنكم أولياء ل من ‪:‬أي وأنكم أبناء ال وأحباؤه وأن الجنة خاصة بكم‪.‬‬
‫دون الناس‬
‫فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ‪:‬أي إن كنتم صادقين في أنكم أولياء ال فتمنوا الموت مؤثرين‬
‫الخرة على الدنيا ومبدأ الخرة الموت فتمنوه إذا‪.‬‬
‫بما قدمت أيديهم ‪:‬أي بسبب ما قدموه من الكفر والتكذيب بالنبي صلى ال عليه وسلم ل يتمنون‪.‬‬
‫وال عليم بالظالمين ‪:‬أي المشركين ولزم علمه بهم أنه يجزيهم بظلمهم العذاب الليم‪.‬‬
‫تفرون منه ‪:‬أي لنكم ل تتمنونه أبدا وذلك عين الفرار منه‪.‬‬
‫فإنه ملقيكم ‪:‬أي حيثما اتجهتم فإنه ملقيكم وجها لوجه‪.‬‬
‫ثم تردون إلى عالم الغيب ‪:‬أي إلى ال تعالى يوم القيامة‪.‬‬
‫والشهادة‬

‫( ‪)5/347‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫حمّلُوا ال ّتوْرَاةَ} أي كلفوا بالعمل بها من اليهود والنصارى ثم لم يحملوها‬
‫قوله تعالى‪{ :‬مَ َثلُ الّذِينَ ُ‬
‫أي ثم لم يعملوا بما فيها من أحكام وشرائع ومن ذلك جحدهم لنعوت النبي محمد صلى ال عليه‬
‫سفَارا‪ }1‬أي‬
‫ح ِملُ أَ ْ‬
‫حمَارِ يَ ْ‬
‫وسلم والمر باليمان به واتباعه عند ظهوره‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬كمَ َثلِ ا ْل ِ‬
‫كمثل حمار يحمل على ظهره أسفارا من كتب العلم النافع وهو ل يعقل ما يحمل ول يدري ماذا‬
‫على ظهره من الخير‪ ،‬وذلك لنه ل يقرأ ول يفهم ‪ .2‬وقوله تعالى {بِئْسَ مَ َثلُ ا ْل َقوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا‬
‫بِآياتِ اللّهِ} أي المصدقة للنبي محمد صلى ال عليه وسلم هذا المثل الذي ضربه تعالى لهل‬
‫الكتاب من يهود ونصارى‪ .‬وقوله وال ل يهدي القوم الظالمين‪ ،‬ولهذا ما هداهم إلى السلم‪.‬‬
‫لتوغلهم في الظلم والكفر والشر والفساد لم يكونوا أهلً لهداية ال تعالى‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ هَادُوا} أي قل يا رسولنا يا أيها الذين هادوا أي يا من هم يدعون‬
‫أنهم على الملة اليهودية‪ ،‬إن زعمتم أنكم أولياء ال من دون الناس حيث ادعيتم أنكم أبناء ال‬
‫وأحباؤه‪ ،‬وأن الجنة لكم دون غيركم إلى غير ذلك من دعاويكم فتمنوا الموت إن ‪ 3‬كنتم صادقين‬
‫في دعاويكم إذ الموت طريق الدار الخرة فتمنوه لتموتوا فتستريحوا من كروب الدنيا وأتعابها‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَل يَ َتمَ ّنوْنَهُ أَبَدا} أخبر تعالى وهو العليم أنهم ل يتمنونه في يوم من اليام أبدا‪،‬‬
‫وبين تعالى علة ذلك بقوله‪ :‬بما قدمت أيديهم من الذنوب والثام الموجبة للعذاب‪ .‬وقوله {وَاللّهُ‬
‫عَلِيمٌ بِالظّاِلمِينَ} أي من أمثال هؤلء اليهود وسيجزيهم بظلمهم عذاب الجحيم‪ .‬وقوله تعالى { ُقلْ إِنّ‬
‫ا ْل َم ْوتَ الّذِي َتفِرّونَ مِنْهُ‪ }4‬أي قل لهم يا رسولنا إن الموت الذي تفرون منه ول تتمنونه فرارا‬
‫وخوفا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال بعض أهل العلم‪ :‬أبطل ال ادعاء اليهود في ثلث آيات من هذه السورة افتخروا بأنهم‬
‫أولياء ال وأحباؤه فكذبهم بقوله‪( :‬فتمنوا الموت) وبأنهم أهل كتاب فشبههم بالحمار يحمل أسفارا‪،‬‬
‫وبالسبت فشرع ال للمسلمين الجمعة فلم يبق لهم ما يفتخرون به على المسلمين‪.‬‬
‫‪ 2‬أنشد بعضهم عائبا بعض من يحمل رواية الحديث وهو ل يفهم المراد منها‪:‬‬
‫إن الرواة على جهل بما حملوا‬
‫مثل الجمال عليها يحمل الودع‬
‫ل الودع ينفعه حمل الجمال له‬
‫ول الجمال بحمل الودع تنتفع‬
‫الودع والواحدة ودعة مناقيف صغار تخرج من قاع البحر‪.‬‬
‫‪ 3‬المر في قوله تعالى‪( :‬فتمنوا الموت) للتعجيز فلذا لم يفعلوا ولو فعلوا لما بقيت فيهم عين‬
‫تطرف؛ لنهم كاذبون‪.‬‬
‫‪ 4‬جملة (الذي تفرون منه) صفة للموت‪ ،‬وفيه إشارة إلى خطإهم في الهلع والخوف من الموت‬
‫ول تعارض بين هذه الية وهي تدعو إلى تمني الموت‪ ،‬وبين النهي عنه في الحديث الصحيح‪" :‬ل‬
‫يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به" لن طلب التمني من اليهود كان لتحديهم‪ ،‬والنهي عن تمني‬
‫الموت كان بسبب الجزع من الضر حيث يجب الصبر لما في المرض من تكفير الذنوب‪ ،‬وفي‬
‫الحديث‪" :‬من أحب لقاء ال أحب ال لقاءه‪ ،‬ومن كره لقاء ال كره ال لقاءه" وهذا الحديث يفسر ما‬
‫تقدم فإن العبد الصالح إذا كان في سياقات الموت يحب الموت للقاء ال تعالى‪ ،‬والعبد غير الصالح‬
‫يكره لقاء ال كراهية اليهود لما يعلم من ذنوبه وعظيم آثامه فهو يخاف الموت لذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/348‬‬

‫منه فإنه ‪ 1‬ملقيكم ل محالة حيثما كنتم سوف يواجهكم وجها لوجه ثم تردون إلى عالم الغيب‬
‫والشهادة وهو ال تعالى الذي يعلم ما غاب في السماء والرض‪ ،‬ويعلم ما يسر عباده‪ ،‬وما يعلنون‬
‫وما يظهرون وما يخفون فينبئكم بما كنتم تعملون ويجزيكم الجزاء العادل إنه عليم حكيم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ذم من يحفظ كتاب ال ولم يعمل بما فيه‪.‬‬
‫‪ -2‬التنديد بالظلم والظالمين‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان كذب اليهود وتدجيلهم في أنهم أولياء ال وأن الجنة خالصة لهم‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان أن ذوي الجرائم أكثر الناس خوفا من الموت وفرارا منه‪.‬‬
‫س َعوْا إِلَى ِذكْرِ اللّ ِه وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ‬
‫ج ُمعَةِ فَا َ‬
‫يَا َ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُو ِديَ لِلصّلةِ مِنْ َيوْمِ الْ ُ‬
‫ضلِ اللّ ِه وَا ْذكُرُوا اللّهَ‬
‫ض وَابْ َتغُوا مِنْ َف ْ‬
‫إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ (‪ )9‬فَِإذَا ُقضِ َيتِ الصّلةُ فَانْ َتشِرُوا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫كَثِيرا َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ (‪ )10‬وَإِذَا رََأوْا تِجَا َرةً َأوْ َلهْوا ا ْن َفضّوا إِلَ ْيهَا وَتَ َركُوكَ قَائِما ُقلْ مَا عِ ْندَ اللّهِ خَيْرٌ‬
‫مِنَ الّل ْهوِ َومِنَ التّجَا َر ِة وَاللّهُ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ (‪)11‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إذا نودي للصلة ‪ :‬أي إذا أذن المؤذن لها عند جلوس المام على المنبر‪.‬‬
‫من يوم الجمعة ‪ :‬أي في يوم الجمعة وذلك بعد الزوال‪.‬‬
‫فاسعوا إلى ذكر ال ‪:‬أي امضوا إلى الصلة‪.‬‬
‫وذروا البيع ‪:‬أي اتركوه‪ ،‬وإذا لم يكن بيع لم يكن شراء‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من أحسن ما قيل في الوعظ بالموت قول طرفة‪:‬‬
‫وكفى بالموت فاعلم واعظا‬
‫لمن الموت عليه قد قدر‬
‫فذكر الموت وحاذر تركه‬
‫إن في الموت لذي اللب عبر‬
‫كل شيء سوف يلقى حتفه‬
‫في مقام أو على ظهر سفر‬
‫والمنايا حوله ترصده‬
‫ليس ينجيه من الموت حذر‬
‫وقال زهير‪:‬‬
‫ومن هاب أسباب المنايا ينلنه‬
‫ولو رام أسباب السماء بسلم‬

‫( ‪)5/349‬‬

‫وابتغوا من فضل ال ‪:‬أي اطلبوا الرزق من ال تعالى بالسعي والعمل‪.‬‬


‫تفلحون ‪:‬أي تنجون من النار وتدخلون الجنة‪.‬‬
‫انفضوا إليها ‪:‬أي إلى التجارة‪.‬‬
‫وتركوك قائما ‪:‬أي على المنبر تخطب يوم الجمعة‪.‬‬
‫ما عند ال خير من اللهو ومن ‪:‬أي ما عند ال من الثواب في الدار الخرة خير من اللهو ومن‬
‫التجارة‪.‬‬
‫التجارة‬
‫وال خير الرازقين ‪:‬أي فاطلبوا الرزق منه بطاعة وإتباع هداه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ج ُمعَةِ‬
‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} أي يا من صدقتم ال ورسوله {ِإذَا نُو ِديَ لِلصّلةِ مِنْ َيوْمِ ‪1‬الْ ُ‬
‫س َعوْا ‪ِ 3‬إلَى ِذكْرِ‪ 4‬اللّهِ}‬
‫‪ }2‬أي إذا أذن المؤذن بعد زوال يوم الجمعة وجلس المام على المنبر {فَا َ‬
‫أي امضوا إلى ذكر ال الذي هو الصلة والخطبة إذ بهما يذكر ال تعالى‪ .‬وقوله { َوذَرُوا الْبَيْعَ‪}5‬‬
‫إذ هو الغالب من أعمال الناس‪ ،‬وإل فسائر العمال يجب إيقافها والمضي إلى الصلة‪.‬‬
‫وقوله {ذَِل ُكمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ} أي ترك العمال من بيع وشراء وغيرها والمضي إلى أداء‬
‫صلة الجمعة وسماع الخطبة خير ثوابا وعاقبة‪.‬‬
‫وقوله تعالى {فَإِذَا ُقضِ َيتِ الصّلةُ} أي أديت وفرغ منها فانتشروا في الرض أي لكم بعد انقضاء‬
‫الصلة أن تتفرقوا حيث شئتم في أعمال الدين والدنيا‪ .‬تبتغون فضل ال‪{ ،‬وَا ْذكُرُوا اللّهَ كَثِيرا} أي‬
‫أثناء تفرقكم وانتشاركم في أعمالكم اذكروا ال ول تنسوه واذكروه ذكرا كثيرا لعلكم تفلحون أي‬
‫رجاء فلحكم وفوزكم في دنياكم وآخرتكم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المراد من النداء‪ :‬الذان الذي يكون المام على المنبر إذ كان الذان واحدا حتى زاد عثمان‬
‫رضي ال عنه ثانيا حين كثر الناس بالمدينة‪.‬‬
‫‪ 2‬لفظ الجمعة‪ :‬بضم كل من الجيم والميم‪ ،‬وبتسكين الميم‪ ،‬والجمع‪ :‬جمع كغرفة وغرف وجمعات‬
‫كغرفات وكان يومها يسمى العروبة بفتح العين وقيل أول من سماها الجمعة كعب بن لؤي وقيل‪:‬‬
‫النصار‪ ،‬وأول جمعة صليت في السلم هي الجمعة التي جمع فيها أسعد بن زرارة ومصعب بن‬
‫عمير أهل المدينة وصلوها زكانوا اثني عشر رجل‪ :‬وأول جمعة صلها رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بالمدينة هي جمعته في بني سالم بن عوف وهو في طريقه من قباء إلى المدينة‪ ،‬وأول‬
‫جمعة بعدها كانت بجواثي‪ :‬قرية من قرى البحرين‪.‬‬
‫‪ 3‬ليس المراد بالسعي الجري واشتداد العدو وإنما هو المشي والمضي لحديث صحيح‪" :‬إذا أقيمت‬
‫الصلة فل تأتوها تسعون ولكن أئتوها وعليكم السكينة" ومن إطلق السعي والمراد المضي‬
‫والعمل ل غير قول الشاعر‪:‬‬
‫أسعي على جل بني مالك‬
‫كل امرئ في شأنه ساعي‬
‫وفي القرآن‪ { :‬ومن أراد الخرة وسعى لها سعيها}‪.‬‬
‫‪ 4‬ذكر ال‪ :‬الصلة والخطبة قبلها‪.‬‬
‫‪ 5‬ل خلف في حرمة البيع والشراء عند الذان الثاني‪.‬‬

‫( ‪)5/350‬‬

‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإذَا رََأوْا تِجَا َرةً َأوْ َلهْوا ا ْن َفضّوا إِلَ ْيهَا وَتَ َركُوكَ قَائِما} هذه الية نزلت في شأن قافلة‬
‫زيت كان صاحبها دحية بن خليفة الكلبي النصاري رضي ال عنه قدمت من الشام‪ ،‬وكان عادة‬
‫أهل المدينة إذا جاءت قافلة تجارية تحمل الميرة يستقبلونها بشيء من اللهو كضرب الطبول‬
‫والمزامير‪ .‬وصادف قدوم القافلة يوم الجمعة والناس في المسجد‪ ،‬فلما انقضت الصلة وطلع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم على المنبر يخطب‪ ،‬وكانت الخطبة بعد الصلة ل قبلها كما هي‬
‫بعد ذلك فخرج الناس يتسللون حتى لم يبق مع الرسول صلى ال عليه وسلم إل اثنا عشر رجلً‬
‫وامرأة فنزلت هذه الية تعيب عليهم خروجهم وتركهم نبيهم يخطب‪ .‬فقال تعالى في صورة عتاب‬
‫شديد {وَِإذَا رََأوْا تِجَا َرةً َأوْ َلهْوا ا ْن َفضّوا إِلَ ْيهَا} أي خرجوا إليها {وَتَ َركُوكَ} يا رسولنا قائما على‬
‫المنبر تخطب‪ .‬وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ مَا عِ ْندَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ الّل ْه ِو َومِنَ التّجَا َرةِ} أي أعلمهم يا نبينا أن‬
‫ما عند ال من ثواب الخرة خير من اللهو والتجارة التي خرجتم إليها‪{ ،‬وَاللّهُ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ}‬
‫فاطلبوا الرزق منه بطاعته وطاعة رسوله ول يتكرر منكم مثل هذا الصنيع الشين‪ .‬وإل فقد‬
‫تتعرضون لعذاب عاجل غير آجل‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب صلة الجمعة ووجوب ‪ 1‬المضي إليها عند النداء الثاني الذي يكون والمام على‬
‫المنبر‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة البيع والشراء وسائر العقود إذا شرع المؤذن يؤذن الذان الثاني‪.‬‬
‫‪ -3‬الترغيب في ذكر ال تعالى والكثار منه والمرء يبيع ويشتري ويعمل ويصنع ولسانه ذاكر‪.‬‬
‫‪ -4‬ينبغي أن ل يقل المصلون الذين تصح صلة الجمعة بهم عن اثني عشر رجلً أخذا من حادثة‬
‫انفضاض الناس عن الرسول صلى ال عليه وسلم وهو يخطب إلى القافلة حتى لم يبق إل اثنا‬
‫عشر رجلً‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ورد في فضل الجمعة والغسل لها قوله صلى ال عليه وسلم "فيه ساعة ل يوافقها عبد مسلم‬
‫وهو يصلي يسأل ال شيئا إل أعطاه إياه" وقوله‪" :‬الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما لم تغش‬
‫الكبائر" (مسلم) وقوله‪" :‬غسل الجمعة واجب على كل محتلم" (في الصحيح)‪.‬‬

‫( ‪)5/351‬‬

‫سورة المنافقون‬
‫‪...‬‬
‫سورة المنافقون‬
‫مدنية وآياتها إحدى عشرة آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ش َهدُ إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ‬
‫شهَدُ إِ ّنكَ لَ َرسُولُ اللّ ِه وَاللّهُ َيعَْلمُ إِ ّنكَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ يَ ْ‬
‫إِذَا جَا َءكَ ا ْلمُنَا ِفقُونَ قَالُوا َن ْ‬
‫َلكَاذِبُونَ (‪)1‬‬
‫خذُوا أَ ْيمَا َنهُمْ جُنّةً َفصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إِ ّنهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )2‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ آمَنُوا ُثمّ َكفَرُوا‬
‫اتّ َ‬
‫سمَعْ ِل َقوِْلهِمْ كَأَ ّنهُمْ‬
‫فَطُبِعَ عَلَى قُلُو ِبهِمْ َف ُهمْ ل َيفْ َقهُونَ (‪ )3‬وَإِذَا رَأَيْ َت ُهمْ ُتعْجِ ُبكَ َأجْسَا ُمهُ ْم وَإِنْ َيقُولُوا َت ْ‬
‫حذَرْهُمْ قَاتََل ُهمُ اللّهُ أَنّى ُي ْؤ َفكُونَ (‪)4‬‬
‫شبٌ ُمسَنّ َدةٌ َيحْسَبُونَ ُكلّ صَ ْيحَةٍ عَلَ ْيهِمْ هُمُ ا ْلعَ ُدوّ فَا ْ‬
‫خُ‬‫ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إذا جاءك المنافقون ‪:‬أي حضر مجلسك المنافقون كعبد ال بن أبي وأصحابه‪.‬‬
‫قالوا نشهد إنك لرسول ال ‪:‬أي قالوا بألسنتهم ذلك وقلوبهم على خلفه‪.‬‬
‫وال يشهد إن المنافقين لكاذبون ‪:‬أي وال يعلم أن المنافقين لكاذبون أي بما أضمروه من أنك غير‬
‫رسول ال‪.‬‬
‫اتخذوا أيمانهم جنة ‪:‬أي سترة ستروا بها أموالهم وحقنوا بها دماءهم‪.‬‬
‫فصدوا عن سبيل ال ‪:‬أي فصدوا بها عن سبيل ال أي الجهاد فيهم‪.‬‬
‫إنهم ساء ما كانوا يعملون ‪:‬أي قبح ما كانوا يعملونه من النفاق‪.‬‬
‫ذلك ‪:‬أي سوء عملهم‪.‬‬
‫بأنهم آمنوا ثم كفروا ‪:‬أي آمنوا بألسنتهم‪ ،‬ثم كفروا بقلوبهم أي استمروا على ذلك‪.‬‬
‫فطبع على قلوبهم ‪:‬أي ختم عليها بالكفر‪.‬‬

‫( ‪)5/352‬‬

‫فهم ل يفقهون ‪:‬أي اليمان أي ل يعرفون معناه ول صحته‪.‬‬


‫تعجبك أجسامهم ‪:‬أي لجمالها إذ كان ابن أبي جسيما صحيحا وصبيحا ذلق اللسان‪.‬‬
‫وإن يقولوا تسمع لقولهم ‪:‬أي لفصاحتهم وذلقة ألسنتهم‪.‬‬
‫كأنهم خشب مسندة ‪:‬أي كأنهم من عظم أجسامهم وترك التفهم وعدم الفهم خشب مسندة أي أشباح‬
‫بل أرواح‪ ،‬وأجسام بل أحلم‪.‬‬
‫يحسبون كل صيحة عليهم ‪:‬أي يظنون كل صوت عال يسمعونه كنداء في عسكر أو إنشاد ضالة‬
‫عليهم وذلك لما في قلوبهم من الرعب أن ينزل فيهم ما يبيح دماءهم‪.‬‬
‫هم العدو فاحذرهم ‪:‬أي العدو التام العداوة فاحذرهم أن يفشوا سرك أو يريدوك بسوء‪.‬‬
‫قاتلهم ال أنى يؤفكون ‪:‬أي لعنهم ال كيف يصرفون عن اليمان وهم يشاهدون أنواره وبراهينه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {إِذَا جَا َءكَ ا ْلمُنَافِقُونَ} لنزول هذه السورة سبب هو أن زيد ‪ 1‬بن أرقم رضي ال عنه‬
‫قال كنت مع عمي فسمعت عبد ال بن أبي سلول يقول ل تنفقوا على من عند رسول ال حتى‬
‫ينفضوا وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز منها الذل‪ ,‬فذكرت ذلك لعمى فذكر ذلك‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم فأرسل رسولً إلى ابن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا فصدقهم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وكذبني فأصابني هم لم يصبني مثله فجلت في بيتي فأنزل ال عز‬
‫وجل إذا جاءك المنافقون إلى قوله العز منها الذل فأرسل إلى لرسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ثم قال إن ال قد صدقك‪.‬‬
‫قوله إذا جاءك المنافقون أي إذا حضر مجلسك المنافقون عبد ال بن أبي ورفاقه قالوا نشهد إنك‬
‫لرسول ال وذلك بألسنتهم دون قلوبهم‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وَاللّهُ َيعْلَمُ‪ 2‬إِ ّنكَ لَرَسُولُهُ} سواء شهد بذلك‬
‫المنافقون أو لم يشهدوا‪ .‬وال يشهد إن المنافقين لكاذبون في شهادتهم لعدم مطابقة قولهم‬
‫لعتقادهم‪ .‬اتخذوا أيمانهم جنة أي جعلوا من أيمانهم الكاذبة جنة كجنة المقاتل يسترون‬
‫__________‬
‫‪ 1‬رواه البخاري في صحيحه والترمذي وغيرهما كانت هذه الحادثة في غزوة بني المصطلق سنة‬
‫خمس من الهجرة‪.‬‬
‫‪ 2‬جملة معترضة بين الجملتين المتعاطفتين وفائدة هذا العتراض دفع ما قد يتوهمه من يسمع‬
‫جملة‪( :‬وال يشهد إن المنافقين لكاذبون) أنه تكذيب لجملة (إنك لرسول ال)‪.‬‬
‫( ‪)5/353‬‬

‫بها كما يستتر المحارب بجنته فوق رأسه‪ ،‬فهم بأيمانهم الكاذبة أنهم مؤمنون وقوا بها أنفسهم‬
‫وأزواجهم وذرياتهم من القتل والسبي‪ ،‬وبذلك صدوا عن ‪ 1‬سبيل ال أنفسهم وصدوا غيرهم ممن‬
‫يقتدون بهم وصدوا المؤمنين عن جهادهم بما أظهروه من إيمان صورى كاذب‪ .‬قال تعالى‪{ :‬إِ ّنهُمْ‬
‫‪ 2‬سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ} يذم تعالى حالهم ويقبح سلوكهم ذلك وهو اتخاذ أيمانهم جنة وصدهم عن‬
‫سبيل ال وقوله تعالى الية رقم ‪{ 3‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ آمَنُوا ُثمّ َكفَرُوا َفطُبِعَ‪ 3‬عَلَى قُلُو ِبهِمْ} أي سوء عملهم‬
‫وقبح سلوكهم ناتج عن كونهم أمنوا ثم شكوا أو ارتابوا فنافقوا وترتب على ذلك أيضا الطبع على‬
‫قلوبهم فهم لذلك ل يفقهون معنى اليمان ول صحته من بطلنه وهذا شأن من توغل في الكفر أن‬
‫يختم على قلبه فل يجد اليمان طريقا إلى قلب قد أقفل عليه بطابع الكفر وخاتم النفاق والشك‬
‫والشرك‪.‬‬
‫وقوله تعالى في الية (‪{ )4‬وَِإذَا رَأَيْ َتهُمْ‪ُ 4‬تعْجِ ُبكَ َأجْسَا ُمهُمْ} أي وإذا رأيت يا رسولنا هؤلء‬
‫المنافقين ونظرت إليهم تعجبك أجسامهم لجمالها إذ كان ابن أبي جسيما صبيحا وإن يقولوا تسمع‬
‫شبٌ مُسَنّ َدةٌ} وهو تشبيه رائع‪ :‬إنهم‬
‫خُ‬‫لقولهم وذلك لفصاحتهم وذلقة ألسنتهم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬كَأَ ّن ُهمْ ُ‬
‫لطول أجسامهم وجمالها وعدم فهمهم وقلة الخير فيهم كأنهم خشب مسندة على جدار ل تشفع ول‬
‫تنفع كما يقال‪.‬‬
‫ل صَيْحَةٍ عَلَ ْيهِمْ} وذلك لخوفهم والرعب المتمكن من نفوسهم نتيجة ما‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬يَحْسَبُونَ ُك ّ‬
‫يضمرون من كفر وعداء وبغض للسلم وأهله فهم إذا سمعوا صيحة في معسكر أو صوت منشد‬
‫ضاله يتوقعون أنهم معنيون بذلك شأن الخائن وأكثر ما يخافون أن ينزل القرآن بفضيحتهم وهتك‬
‫أستارهم‪ .‬قال تعالى هم ‪ 5‬العدو فاحذرهم يا رسولنا إن قلوبهم مع أعدائك فهم يتربصون بك‬
‫الدوائر‪.‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬قَاتََل ُهمُ اللّهُ أَنّى ُي ْؤ َفكُونَ} فسجل عليهم لعنة ل تفارقهم إلى يوم القيامة كيف يصرفون‬
‫عن الحق وأنواره تغمرهم القرآن ينزل والرسول يعلم ويزكى وآثار ذلك في المؤمنين‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفاء للتفريع فجملة (فصدوا عن سبيل ال) متفرعة عن جملة (اتخذوا أيمانهم جنة)‪.‬‬
‫‪ 2‬الجملة تذييلية من أجل تفظيع حالهم‪ ،‬والتنديد بسوء سلوكهم‪.‬‬
‫‪ 3‬الشارة إلى قوله‪( :‬إنهم ساء ما كانوا يعملون)‪.‬‬
‫‪ 4‬هذه الجملة معطوفة على سابقتها وهي (فهم ل يفقهون) وهي واقعة موقع الحتراس والتتميم‬
‫لدفع إيهام من يغره ظاهر صورهم وأشكالهم كما في قول حسان رضي ال عنه‪:.‬‬
‫ل بأس بالقوم من طول ومن غلظ‬
‫جسم البغال وأحلم العصافير‬
‫‪ 5‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا إذ قوله تعالى‪( :‬يحسبون كل صيحة عليهم) يثير تساؤلت فأجيب‬
‫السائل المتطلع بقوله تعالى‪( :‬هم العدو فاحذروهم) ونفسيتهم المريضة هي التي جعلتهم يحسبون‬
‫كل صيحة عليهم كما قال المتنبي‪:‬‬
‫إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه‬
‫وصدق ما يعتاده من توهم‬

‫( ‪)5/354‬‬

‫ظاهرة في لرائهم وأخلقهم‪ .‬ولم يشاهدوا شيئا من ذلك والعياذ بال من عمى القلوب وانطماس‬
‫البصائر‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪-1‬بيان أن الكذب ما خالف العتقاد وإن طابق الواقع‪.‬‬
‫‪ -2‬التحذير من الستمرار على المعصية فإنه يوجب الطبع على القلب ويحرم صاحبه الهداية‪.‬‬
‫‪ -3‬التحذير من الغترار بالمظاهر كحسن الهندام وفصاحة اللسان‪.‬‬
‫‪ -4‬الكشف عن نفسية الخائن والظالم والمجرم وهو الخوف والتخوف من كل صوت أو كلمة‬
‫خشية أن يكون ذلك بيانا لحالهم وكشفا لجرائمهم‪.‬‬
‫ن وَهُمْ مُسْ َتكْبِرُونَ (‪)5‬‬
‫سهُ ْم وَرَأَيْ َتهُمْ َيصُدّو َ‬
‫وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا َيسْ َتغْفِرْ َلكُمْ رَسُولُ اللّهِ َل ّووْا ُرؤُو َ‬
‫سوَاءٌ عَلَ ْي ِهمْ أَسْ َت ْغفَ ْرتَ َل ُهمْ أَمْ لَمْ َتسْ َتغْفِرْ َلهُمْ لَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ إِنّ اللّهَ ل َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ ا ْلفَاسِقِينَ (‪)6‬‬
‫َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ‬
‫هُمُ الّذِينَ َيقُولُونَ ل تُ ْن ِفقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ َرسُولِ اللّهِ حَتّى يَ ْن َفضّوا وَلِلّهِ خَزَائِنُ ال ّ‬
‫ل وَلِلّهِ ا ْلعِ ّزةُ‬
‫جعْنَا إِلَى ا ْلمَدِينَةِ لَيُخْ ِرجَنّ الْأَعَزّ مِ ْنهَا الْأَ َذ ّ‬
‫وََلكِنّ ا ْلمُنَافِقِينَ ل َيفْ َقهُونَ (‪َ )7‬يقُولُونَ لَئِنْ َر َ‬
‫ن ل َيعَْلمُونَ (‪)8‬‬
‫وَلِرَسُولِ ِه وَلِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وََلكِنّ ا ْلمُنَا ِفقِي َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وإذا قيل لهم تعالوا ‪:‬أي معتذرين‪.‬‬
‫لووا رؤوسهم ‪:‬أي رفضوا العتذار إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ورأيتهم يصدون ‪:‬أي يعرضون عما دعوا إليه وهم مستكبرون‪.‬‬

‫( ‪)5/355‬‬
‫سواء عليهم استغفرت لهم ‪:‬أي يا رسولنا‪.‬‬
‫أم لم تستغفر لهم ‪:‬‬
‫لن يغفر ال لهم ‪:‬أي إيأس من مغفرة ال لهم‪.‬‬
‫إن ال ل يهدي القوم الفاسقين ‪:‬أي لن من سنة ال أنه ل يهدي القوم الفاسقين المتوغلين في‬
‫الفسق عن طاعة الرب تعالى وهم كذلك‪.‬‬
‫يقولون ‪:‬أي لهل المدينة‪.‬‬
‫ل تنفقوا على من عند رسول ال ‪:‬أي من المهاجرين‪.‬‬
‫حتى ينفضوا ‪ :‬أي يتفرقوا عنه‪.‬‬
‫لئن رجعنا إلى المدينة ‪:‬أي من غزوة كانوا فيها هي غزوة بني المصطلق‪.‬‬
‫ليخرجن العز منها الذل ‪:‬يعنون بالعز أنفسهم‪ ،‬وبالذل المؤمنين‪.‬‬
‫ول العزة ولرسوله وللمؤمنين ‪:‬أي الغلبة والعلو والظهور‪.‬‬
‫معنى اليات ‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في الحديث عن المنافقين فقوله تعالى في الية (‪ { )5‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا‬
‫يَسْ َت ْغفِرْ َلكُمْ رَسُولُ اللّهِ} وذلك عندما قال ابن أبي ما قال من كلمات خبيثة منها قوله في‬
‫المهاجرين‪ :‬سمن كلبك يأكلك‪ .‬وقوله لصاحبه‪ :‬ل تنفقوا على المهاجرين حتى يتفرقوا عن محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقوله مهددا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز يعني نفسه ورفاقه‬
‫المنافقين الذل يعني النصار والمهاجرين‪ .‬فلما قال هذا كله وأكثره في غزوة بني ‪ 1‬المصطلق‬
‫وأخبر به رسول ال صلى ال عليه وسلم فجاء فحلف بال ما قال شيئا من ذلك أبدا وذهب فنزلت‬
‫هذه السورة الكريمة تكذبه‪ .‬ولما نزلت هذه السورة بفضيحته جاءه من قال له‪ :‬يا أبا الحباب (كنية‬
‫ابن أبي) إنه قد نزل فيك آي شداد فاذهب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم يستغفر لك فلوى‬
‫رأسه أي عطفه إلى جهة غير جهة من يخاطبه وقال‪ :‬أمرتموني أن أؤمن فآمنت وأمرتموني أن‬
‫أعطي زكاة مالي فأعطيت فما بقي إل أن أسجد لمحمد صلى ال عليه وسلم فنزلت هذه اليات‬
‫الثلث وإذا قيل لهم تعالوا أي معتذرين يستغفر لكم رسول ال‪ .‬لووا رؤوسهم أي رفضوا العرض‬
‫ورأيتهم يصدون عنك وهم مستكبرون والمراد بهم ابن أبي عليه لعائن ال قال تعالى لرسوله‪:‬‬
‫سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر ال لهم فأيأس رسوله من المغفرة لهم‪ ،‬وعلل‬
‫تعالى ذلك بقوله‪ :‬إن ال ل يهدي القوم الفاسقين ‪2‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سبب نزول هذه السورة واليات منها أن النبي صلى ال عليه وسلم (غزا بني المصطلق على‬
‫ماء يقال له (المريسيع) من ناحية قديد إلى الساحل فازدحم أجير لعمر يقال له‪ :‬جهجاه مع حليف‬
‫لبن أبي يقال له‪ :‬سنان على ماء بالمشلل فصرخ جهجاه بالمهاجرين وصرخ سنان بالنصار‬
‫فجاء ابن أبي وقال كلماته الخبيثة التي هي في التفسير‪ .‬ونزلت السورة‪.‬‬
‫‪ 2‬وهم كل من يسبق في علم ال أنه ل يتوب لما أحاط به من الذنوب‪.‬‬

‫( ‪)5/356‬‬

‫وابن أبي من أكثر الفاسقين فسقا! إذ جمع بين الكذب والحلف الكاذب والنفاق والشقاق والعداء‬
‫والكبر والكفر الباطني وذكر تعالى قولت هذا المنافق واحدة بعد واحدة فقال هم الذين يقولون‪ :‬ل‬
‫تنفقوا على من عند رسول ال أي قال لخوانه ل تنفقوا على المهاجرين حتى يتفرقوا عن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقرعه رب العزة وأدبه ببيان فساد ذوقه ورأيه فقال تعالى‪{ :‬وَلِلّهِ خَزَائِنُ‬
‫سمَاوَاتِ‪ 1‬وَالْأَ ْرضِ} فجميع الرزاق بيده وهو الذي يرزق من يشاء والمنافق نفسه رزقه على‬
‫ال ّ‬
‫ال فكيف يدعي أنه إذا لم ينفق على من عند رسول ال يجوعون فيتفرقون يطلبون الرزق بعيدا‬
‫عن محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬ولكن المنافقين لعماهم وظلمة نفوسهم ومرض قلوبهم ل يفقهون‬
‫هذا ول يفهمونه‪ ،‬ولذا قال رئيسهم كلمته الخبيثة‪ .‬تلك كانت القولة الولى‪ .‬والثانية هي قوله لئن‬
‫رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز منها الذل‪ .‬قالها في غزوة بني المصطلق وهي غزوة سببها أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أعلم أن بني المصطلق يجتمعون لحربه وقائدهم الحارث بن أبي‬
‫ضرار وهو أبو جويريه زوج رسول ال صلى ال عليه وسلم إحدى أمهات المؤمنين‪ .‬فلما سمع‬
‫بذلك خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل‬
‫فوقع القتال فهزم ال بني المصطلق وأمكن رسوله من أبنائهم ونسائهم وأموالهم وأفاءها على‬
‫المؤمنين‪ ،‬واصطفى رسول ال صلى ال عليه وسلم لنفسه جويرية بوصفها بنت سيد القوم إكراما‬
‫لها ثم عتقها وتزوجها فرأى المؤمنون أن ما بأيديهم من السبي ل ينبغي لهم وقد أصبحوا أصهار‬
‫نبيهم فعتقوا كل ما بأيديهم فقالت عائشة رضي ال عنها ما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على‬
‫قومها من جويرية بنت الحارث فقد أعتق بتزويج رسول ال لها مائة أهل بيت من بني‬
‫المصطلق‪.‬‬
‫في هذه الغزاة قال ابن أبي قولته الخبيثة وذلك أن رجلين ‪ 2‬أنصاريا ومهاجرا تلحيا على الماء ‪3‬‬
‫‪4‬فكسع المهاجر النصاري برجله فصاح ابن أبي قائل عليكم صاحبكم‪ ،‬ثم قال‪ :‬وال ما مثلنا‬
‫ومحمد إل كما قال القائل‪ :‬سمن كلبك يأكلك‪ ،‬وال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز منها‬
‫الذل وغاب عن ذهن هذا المنافق أن العزة ل ولرسوله وللمؤمنين أي الغلبة والظهور والعلو ل‬
‫للمنافقين والمشركين الكافرين ولكن المنافقين ل يعلمون ذلك ول غيره لعمى بصائرهم ولما‬
‫__________‬
‫‪( 1‬الخزائن) جمع خزانة وهي البيت الذي يخزن فيه الطعام‪ .‬وروى الترمذي أن عمر رضي ال‬
‫عنه قال للرسول صلى ال عليه وسلم إشفاقا عليه ورحمة به‪ :‬ما كلفك ال يا رسول ال مال تقدر‬
‫عليه‪ ،‬عندما قال لرجل سأله عطاء ابتع علي فإذا جاء شيء قضيته فقال رجل من النصار يا‬
‫رسول ال أنفق ول تخش من ذي العرش إقلل فتبسم رسول ال صلى ال عليه وسلم وعرف في‬
‫وجهه البشر وقال‪ :‬بهذا أمرت)‪.‬‬
‫‪ 2‬تقدم ذكر اسميهما وهما‪ :‬جهجاه‪ ،‬وسنان‪.‬‬
‫‪ 3‬تقدم أن هذا الماء كان بالمشلل‪.‬‬
‫‪ 4‬كسعه‪ :‬ضربه في دبره‪.‬‬

‫( ‪)5/357‬‬

‫بلغ الغزاة المدينة وقف عبد ال بن عبد ال بن أبي في عرض الطريق واستل سيفه فلما جاء أبوه‬
‫يمر قال له وال ل تمر حتى تقول‪ :‬محمد العز وأنا الذل‪ ،‬فلم يبرح حتى قالها‪ :‬وكان ولد مؤمنا‬
‫صادقا من خيرة النصار‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬ل ينفع الستغفار للكافر ول الصلة عليه بحال‪.‬‬
‫‪ -2‬ذم العراض والستكبار عن التوبة والستغفار‪ .‬فمن قيل له استغفر ال فليستغفر ول يتكبر‬
‫بل عليه أن يقول‪ :‬استغفر ال أو اللهم اغفر لي‪.‬‬
‫‪ -3‬مصادر الرزق كلها بيد ال تعالى فليطلب الرزق بطاعة ال ورسوله ل بمعصيتهما‪.‬‬
‫‪ -4‬العزة الحقة ل ولرسوله وللمؤمنين‪ ،‬فلذا يجب على المؤمن أن ل يذل ول يهون لكافر‪.‬‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تُ ْل ِهكُمْ َأ ْموَاُلكُ ْم وَل َأوْل ُد ُكمْ عَنْ ِذكْرِ اللّ ِه َومَنْ َي ْفعَلْ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ‬
‫جلٍ قَرِيبٍ‬
‫(‪ )9‬وَأَ ْن ِفقُوا مِنْ مَا رَ َزقْنَاكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َأحَ َدكُمُ ا ْل َموْتُ فَ َيقُولَ َربّ َلوْل َأخّرْتَنِي إِلَى أَ َ‬
‫ق وََأكُنْ مِنَ الصّاِلحِينَ (‪ )10‬وَلَنْ ُيؤَخّرَ اللّهُ َنفْسا إِذَا جَاءَ أَجَُلهَا وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪)11‬‬
‫فََأصّدّ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ل تلهكم أموالكم ول أولدكم ‪:‬أي ل تشغلكم‪.‬‬
‫عن ذكر ال ‪:‬كالصلة والحج وقراءة القرآن وذكر ال بالقلب واللسان‪.‬‬
‫ومن يفعل ذلك فأولئك هم ‪:‬أي ومن ألهته أمواله وأولده عن أداء الفرائض فترك الصلة أو الحج‬
‫وغيرهما‬
‫الخاسرون من الفرائض فقد خسر ثواب الخرة‪.‬‬
‫وأنفقوا مما رزقناكم ‪:‬أي النفقة الواجبة كالزكاة وفي الجهاد والمستحبة‪.‬‬

‫( ‪)5/358‬‬
‫لول أخرتني ‪:‬أي هل أخرتني يطلب التأخير ول يقبل منه‪.‬‬
‫فأصدق وأكن من الصالحين ‪:‬أي حتى أزكي وأحج وأكثر من النوافل والعمال الصالحة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا}‪ 1‬نادى تعالى المؤمنين لينصح لهم أن ل تكون حالهم كحال‬
‫المنافقين الذين تقدم في السياق تأديبهم فقال لهم يا من آمنتم بال ورسوله‪ :‬ل تلهكم أموالكم ‪ 2‬ول‬
‫أولدكم أي ل تشغلكم عن ‪ 3‬ذكر ال بأداء فرائضه واجتناب نواهيه والكثار من طاعته والتقرب‬
‫إليه بأنواع القرب‪ .‬ثم خوفهم نصحا لهم بقوله‪َ { :‬ومَنْ َي ْف َعلْ ذَِلكَ} أي بأن ألهته أمواله وأولده عن‬
‫عبادة ال فأولئك البعداء هم الخاسرون يوم القيامة بحرمانهم من الجنة ونعيمها ووجودهم في دار‬
‫العذاب ل أهل لهم فيها ول ولد‪ .‬وبالغ عز وجل في إرشادهم فقال‪{ :‬وَأَ ْن ِفقُوا مِنْ مَا رَ َزقْنَاكُمْ}‬
‫مبادرين الجل فإنكم ل تدرون متى تموتون‪ .‬من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ‪ 4‬متمنيا طالبا‬
‫حاثا في طلبه‪ :‬رب أي يا رب لول أخرتني إلى أجل قريب أي إلى وقت قريب من هذا فأصدق ‪5‬‬
‫بمالي‪ ،‬وأكن من الصالحين فأحج وأتقرب إليك يا رب بما تحب من أنواع القربات والطاعات‬
‫ولكن ل ينفعه التمني ول الطلب والدعاء‪ ،‬لن حكم ال الزلي أنه تعالى لن يؤخر ‪6‬نفسا أي نفس‬
‫إذا جاء أجلها أي إذا حضر وقت وفاتها وقوله تعالى‪{ :‬وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ} يحض المؤمنين‬
‫على إصلح أعمالهم والتزود لخرتهم بإعلمهم بأنه مطلع على أعمالهم خبير بها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قد تكون المناسبة بين هذه الية وما سبقها هي قول المنافقين‪( :‬ل تنفقوا على من عند رسول‬
‫ال) فحذر تعالى المؤمنين من التأثر بالنظرية المادية التي يحملها ابن أبي وصرخ بها‪ ،‬ودعاهم‬
‫إلى النفاق في سبيل ال قبل فوات الوان بالموت أو الفقر وقلة ما ينفقون‪.‬‬
‫‪( 2‬ل) هي النافية اشربت معنى النهي فجزمت المضارع وفي الية دليل على أن ما ل يشغل عن‬
‫ذكر ال من مال وولد ل إثم فيه‪.‬‬
‫‪ 3‬ذكر ال هنا مستعمل في الحقيقة والكناية فيشمل الذكر باللسان وهو فعل سائر الطاعات‪،‬‬
‫والذكر بالقلب‪ :‬وهو التذكر الموجب للطاعة‪.‬‬
‫‪ 4‬قال القرطبي‪ :‬في الية دليل على وجوب تعجيل أداء الزكاة ول يجوز تأخيرها أصل وكذلك‬
‫سائر العبادات إذا تعين وقتها‪ .‬وهو كما قال رحمه ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 5‬المضارع منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية الواقعة في جواب الطلب‪ ،‬وجزم (أكن) لنه‬
‫في جواب الطلب مباشرة فلم تسبقه الفاء حتى يتعين نصبه بأن المضمرة‪.‬‬
‫‪( 6‬نفسا) نكرة في سياق النفي وهو (ولن يؤخر) تعم كل نفس‪ ،‬والمراد من النفس الروح وقيل‬
‫فيها‪ :‬نفس أخذا من النفس وهو الهواء الذي يخرج من النف والفم من كل حيوان ذي رئة‬
‫وسميت روحا أخذا من الروح بفتح الراء لن الروح به‪ ،‬والروح‪ :‬الراحة‪.‬‬
‫( ‪)5/359‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة التشاغل بالمال والولد مع تضييع بعض الفرائض والواجبات‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة تأخير الحج مع القدرة على أدائه تسويفا وتماطلً مع اليمان بفرضيته‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب الزكاة والترغيب في الصدقات الخاصة كصدقة الجهاد والعامة على الفقراء‬
‫والمساكين‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬

‫( ‪)5/360‬‬

‫سورة التغابن‬
‫‪...‬‬
‫سورة التغابن‬
‫مكية إل آخرها فمدني وآياتها ثماني عشرة آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ُ )1‬هوَ‬
‫ح ْم ُد وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ لَهُ ا ْلمُ ْلكُ وَلَهُ الْ َ‬
‫يُسَبّحُ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫حقّ‬
‫ت وَالْأَ ْرضَ بِالْ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫الّذِي خََل َقكُمْ َفمِ ْنكُمْ كَافِ ٌر َومِ ْنكُمْ ُم ْؤمِنٌ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪ )2‬خََلقَ ال ّ‬
‫ن َومَا‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ وَ َيعْلَمُ مَا تُسِرّو َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫صوَ َركُ ْم وَإِلَيْهِ ا ْل َمصِيرُ (‪َ )3‬يعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬
‫ن ُ‬
‫َوصَوّ َركُمْ فََأحْسَ َ‬
‫ُتعْلِنُونَ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ (‪)4‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يسبح ل ‪:‬أي ينزه ال ويقدسه عن كل ما ل يليق بجلله وكماله‪.‬‬
‫ما في السموات وما في الرض ‪:‬أي من سائر المخلوقات بلسان الحال والقال‪.‬‬
‫له الملك وله الحمد ‪:‬أي له دون غيره الملك الدائم الحق وله الحمد العام‪.‬‬
‫وهو على كل شيء قدير ‪:‬أي هو ذو قدرة كاملة على فعل ما أراد ويريد‪.‬‬

‫( ‪)5/360‬‬
‫فمنكم كافر ومنكم مؤمن ‪:‬أي فبعضكم مؤمن موقن بربه ولقائه وبعضكم كافر جاحد دهري‪،‬‬
‫والواقع‬
‫شاهد‪.‬‬
‫وصوركم فأحسن صوركم ‪:‬أي صوركم في الرحام فأحسن صوركم‪.‬‬
‫وإليه المصير ‪:‬أي المرجع يوم القيامة‪.‬‬
‫وال عليم بذات الصدور ‪:‬أي بما في الصدور من الضمائر والسرائر‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ} يخبر تعالى معلما عباده بربوبيته‬
‫قوله تعالى {يُسَبّحُ لِلّهِ مَا فِي ‪ 1‬ال ّ‬
‫الموجبة لعبادته وطاعته وطاعة رسوله بأنه يسبحه جميع خلئقه في الملكوت العلى والسفل‬
‫حمْدُ} أي أنه له الملك وهو الملك الحق وأنه له الحمد وهو الثناء الجميل‬
‫ك وَلَهُ ا ْل َ‬
‫وقوله {لَهُ‪ 2‬ا ْلمُ ْل ُ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ} أي وأنه على فعل كل شيء قدير ل يعجزه شيء { ُهوَ الّذِي خََل َقكُمْ‬
‫{وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫َفمِ ْنكُمْ كَافِ ٌر َومِ ْنكُمْ ُم ْؤمِنٌ} أي وأنه خالق الكل فمن عباده المؤمن به ومنهم لكافر كما هو الواقع‪.‬‬
‫وأنه بما يعمل عباده من خير أو شر من حسنات أو سيئات خبير أي مطلع وسيجزى الكل‬
‫بأعمالهم حسنها وسيئها‪ ،‬وأنه خلق السموات والرض ‪ 3‬بالحق ل للهو ول اللعب وللعبث بل‬
‫بالحق وهو أن يذكر ويشكر من عباده وأنه صور العباد في الرحام فأحسن صورهم وجملها‪،‬‬
‫فهي أجمل المخلوقات الرضية على الطلق‪ ،‬وأنه إليه ل إلى غيره المرجع يوم القيامة فيحاسب‬
‫ويجزي وهو الحكم العدل العزيز الحكيم‪ .‬وأنه تعالى يعلم ما في السموات والرض من سائر‬
‫المخلوقات والحوادث والحداث‪ ،‬وأنه يعلم ما يسر عباده من أعمال وأقوال ونيات‪ ،‬وما يعلنون‬
‫من ذلك‪ .‬وأنه عليم بذات الصدور أي ما فيها من أسرار وخواطر ونيات وإرادات‪.‬‬
‫أخبر عباده بهذا ‪ 4‬ليؤمنوا به ويعبدوه دون غيره فيكملون ويسعدون بعبادته فله الحمد وله المنة‬
‫وهو الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تعليم ال تعالى عباده وتعريفهم بجلله وكماله ليؤمنوا به ويعبدوه ليكملوا ويسعدوا في‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اللم في قوله‪( :‬له) مزيدة لتقوية الكلم إذ فعل سبح يتعدى بنفسه يقال‪ :‬سبحه‪ :‬إذا نزهه وقال‪:‬‬
‫(ما في السموات) ولم يقل‪ :‬من تغليبا لغير العاقل لكثرته‪.‬‬
‫‪( 2‬له الملك)‪ :‬تقديم الخبر على المبتدأ هنا للدللة على الختصاص فهو تعالى مختص بكل من‬
‫الملك والحمد‪.‬‬
‫‪ 3‬الباء في (بالحق) للملبسة أي خلقا ملتبسا بالحق بعيدا عن اللهو‪ ،‬واللعب الباطل‪.‬‬
‫‪ 4‬في اليات تقرير البعث وإمكانه بحجج عقلية ل ترها العقول الراجحة والفطر السليمة‪.‬‬
‫( ‪)5/361‬‬

‫الحياتين باليمان به وبطاعته وطاعة رسوله‪.‬‬


‫‪ -2‬تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ المؤمن مؤمن‪ ،‬والكافر كافر مكتوب ذلك في كتاب المقادير‪ ،‬ثم‬
‫يظهره تعالى في عالم الشهادة قائما على سننه في خلقه‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب مراقبة ال تعالى والحياء منه لنه عليم بذات الصدور‪.‬‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )5‬ذَِلكَ بِأَنّهُ كَا َنتْ تَأْتِي ِهمْ‬
‫أَلَمْ يَأْ ِت ُكمْ نَبَأُ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ قَ ْبلُ فَذَاقُوا وَبَالَ َأمْرِهِ ْم وََلهُمْ َ‬
‫حمِيدٌ (‪)6‬‬
‫رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ َفقَالُوا أَبَشَرٌ َي ْهدُونَنَا َفكَفَرُوا وَ َتوَلّوْا وَاسْ َتغْنَى اللّ ُه وَاللّهُ غَ ِنيّ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل ‪:‬أي ألم يأتكم يا كفار قريش خبر الذين كفروا من قبلكم‪.‬‬
‫فذاقوا وبال أمرهم ‪:‬أي عقوبة كفرهم في الدنيا‪.‬‬
‫ولهم عذاب أليم ‪:‬أي في الخرة‪.‬‬
‫ذلك‪ :‬أي العذاب في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫بأنه كانت تأتيهم رسلهم ‪ :‬أي بسبب أنها كانت تأتيهم رسلهم‪.‬‬
‫بالبينات‪ :‬أي بالحجج القواطع الدالة على صحة رسالتهم‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬أبشر يهدوننا‪:‬أي ردوا عليهم ساخرين مكذبين‪ :‬أبشر يهدوننا؟‬
‫فكفروا وتولوا‪:‬أي فكفروا برسلهم وتولوا عنهم أي أعرضوا‪.‬‬
‫واستغنى ال ‪ :‬أي عن إيمانهم‪.‬‬
‫وال غني حميد ‪ :‬أي غني عن خلقه محمود بأفعاله وآلئه على خلقه‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫بعد أن بين تعالى للناس مظاهر ربوبيته المقتضية لعلمه وقدرته وحكمته وعدله ورحمته في‬
‫اليات السابقة والموجبة للوهيته قرر في هاتين اليتين نبوة ورسالة نبيه محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم فقال لكفار‬

‫( ‪)5/362‬‬

‫مكة {أََلمْ يَأْ ِتكُمْ‪ 1‬نَبَأُ} أي خبر {الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ قَ ْبلُ} ‪2‬كقوم عادٍ وثمود وأصحاب مدين‪{ ،‬فَذَاقُوا‬
‫وَبَالَ َأمْرِ ِهمْ‪ }3‬أي عقوبة كفرهم التي كانت عقوبة ثقيلة شديدة فأهلكوا في الدنيا بعذاب إبادي‬
‫استئصالي‪ ،‬وفي الخرة لهم عذاب أليم ‪ 4‬وبين لهم سبب ذلك الهلك والعذاب فقال‪{ :‬ذَِلكَ بِأَنّهُ‬
‫كَا َنتْ‪ 5‬تَأْتِيهِمْ ُرسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ} أي بالحجج والبراهين على أنهم رسل إليهم‪ ،‬وأنه ل إله إل ال فل‬
‫تصح العبادة لغير ال‪ ،‬فيقابلونها بالسخرية والعراض والستنكار وهو ما أخبر تعالى به عنهم‬
‫في قوله‪َ { :‬فقَالُوا أَ َبشَرٌ‪َ 6‬ي ْهدُونَنَا} أي كيف يكون بشر مثلكم يهدوننا‪ ،‬وبذلك كفروا وتولوا عن‬
‫اليمان والسلم‪ .‬واستغنى ال عن إيمانهم فأهلكهم لما كفروا به وبرسله‪ .‬ولم يأسف أو يأس‬
‫عليهم لعدم حاجته إليهم وال غني عنهم وعن سائر خلقه حميد أي محمود بأفعاله الشاهدة بكماله‬
‫وجلله وجماله‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬توبيخ من يستحق التوبيخ وتأنيب من يستحق التأنيب‪.‬‬
‫‪ -2‬التكذيب للرسل والكفر بتوحيد ال موجب للعقوبة في الدنيا والعذاب في الخرة‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير نبوة رسول ال صلى ال عليه وسلم وإثباتها لن شأنه شأن الرسل من قبله‪.‬‬
‫عمِلْتُمْ وَذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرٌ (‪)7‬‬
‫زَعَمَ الّذِينَ َكفَرُوا أَنْ لَنْ يُ ْبعَثُوا ُقلْ بَلَى وَرَبّي لَتُ ْبعَثُنّ ثُمّ لَتُنَ ّبؤُنّ ِبمَا َ‬
‫جمْعِ ذَِلكَ‬
‫ج َم ُعكُمْ لِ َيوْمِ ا ْل َ‬
‫فَآمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَالنّورِ الّذِي أَنْزَلْنَا وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪َ )8‬يوْمَ َي ْ‬
‫ن َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّ ِه وَ َي ْع َملْ صَالِحا ُي َكفّرْ عَ ْنهُ سَيّئَاتِهِ وَيُدْخِ ْلهُ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا‬
‫َيوْمُ ال ّتغَابُ ِ‬
‫الْأَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا أَبَدا ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪)9‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام تقريري‪.‬‬
‫‪ 2‬حذف المضاف إليه مع (قبل) ونوي معناه دون لفظه فلذا بنيت قيل على الضم والتقدير‪ :‬نبأ‬
‫الذين كفروا من قبلكم‪.‬‬
‫‪ 3‬الوبال‪ :‬السوء‪ ،‬وما يكره‪ ،‬والمر‪ :‬الشأن والحال‪.‬‬
‫‪ 4‬أي‪ :‬في الخرة لن العطف يقتضي المغايرة‪.‬‬
‫‪ 5‬الشارة عائد إلى المذكور قبلها وهو الوبال والعذاب الليم‪.‬‬
‫‪ 6‬الستفهام في (أبشر) استفهام إنكاري إبطالي‪.‬‬

‫( ‪)5/363‬‬

‫صحَابُ النّارِ خَاِلدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪)10‬‬


‫وَالّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآياتِنَا أُولَ ِئكَ َأ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ‪:‬أي قالوا كاذبين إنهم لن يبعثوا أحياء من قبورهم‪.‬‬
‫قل بلى وربي لتبعثن‪ :‬قل لهم يا رسولنا بلى لتبعثن ثم تنبئون بما عملتم‪.‬‬
‫وذلك على ال يسير ‪:‬وبعثكم وحسابكم ومجازاتكم بأعمالكم شيء يسير على ال‪.‬‬
‫والنور الذي أنزلنا ‪:‬أي وآمنوا بالقرآن الذي أنزلناه‪.‬‬
‫ليوم الجمع ‪:‬أي يوم القيامة إذ هو يوم الجمع‪.‬‬
‫ذلك يوم التغابن ‪:‬أي يغبن المؤمنين الكافرين يأخذ منازل الكفار في الجنة وأخذ الكفار منازل‬
‫المؤمنين في النار‪.‬‬
‫ذلك الفوز العظيم ‪:‬أي تكفيره تعالى عنهم سيئاتهم وإدخالهم جنات تجري من تحتها النهار هو‬
‫الفوز العظيم‪.‬‬
‫بئس المصير‪ :‬أي قبح المصير الذي صاروا إليه وهو كونهم أهلً للجحيم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قريش إنه بعد أن ذكرهم بمصير الكافرين من قبلهم وفي‬
‫ذلك دعوة واضحة لهم إلى اليمان بتوحيد ال وتصديق رسوله‪ .‬دعاهم هنا إلى اليمان بأعظم‬
‫أصل من أصول الهداية البشرية وهو اليمان بالبعث والجزاء وهم ينكرون ويجاحدون ويعاندون‬
‫قيه فقال في أسلوب غير المواجهة بالخطاب زعم ‪ 1‬الذين كفروا والزعم ادعاء باطل وقول إلى‬
‫الكذب أقرب منه إلى الصدق‪ .‬أن لن يبعثوا أي أنهم إذا ماتوا لن يبعثوا أحياء يوم القيامة‪.‬‬
‫عمِلْتُمْ } ولزم ذلك الجزاء العادل على كل‬
‫قل لهم يا رسولنا‪{ :‬بَلَى وَرَبّي لَتُ ْبعَثُنّ ثُمّ لَتُنَ ّبؤُنّ ِبمَا َ‬
‫أعمالكم وهي أعمال فاسدة غير صالحة مقتضية للعذاب والخزي في جهنم { َوذَِلكَ عَلَى ‪ 2‬اللّهِ‬
‫يَسِيرٌ} أي وأعلمهم أن بعثهم وتنبئنهم بأعمالهم وإثابتهم عليها أمر سهل هين ل صعوبة فيه وبعد‬
‫هذه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هنا كلم مستأنف استئنافا ابتدائيا المخاطب فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم يذكر فيه كفر‬
‫المشركين بالبعث ويرد عليهم بتقرير ما نفوه وزعموا أنه غير واقع‪ ,‬والزعم‪ :‬القول الموسوم‬
‫بمخالفة الواقع‪ ,‬ويطلق على الخبر المشكوك في وقوعه‪.‬‬
‫‪( 2‬وذلك على ال يسير)‪ :‬تذييل‪ ,‬واسم الشارة عائد إلى البعث المفهوم من قوله‪( :‬لتبعثن)‪.‬‬

‫( ‪)5/364‬‬

‫اللفتة اللطيفة دعاهم دعوة كريمة إلى طريق سعادتهم ونجاتهم فقال عز وجل‪{ :‬فَآمِنُوا بِاللّهِ‪1‬‬
‫وَرَسُولِهِ} أي صدقوا بتوحيد ال وبنبوة رسوله وبالنور الذي أنزلنا وهو القرآن الكريم‪ ،‬واعملوا‬
‫الصالحات وتباعدوا عن السيئات {وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ} أي وسيجزيكم بأعمالكم‪ .‬وذلك { َيوْمَ‬
‫جمْعِ} وهو يوم القيامة ويجازيكم بأعمالكم خيرها وشرها ذلك يوم التغابن ‪ 2‬الحقيقي‬
‫ج َم ُعكُمْ لِ َيوْمِ الْ َ‬
‫يَ ْ‬
‫حيث يرث أهل الجنة منازل أهل النار في الجنة ويرث أهل النار منازل أهل الجنة في النار‪،‬‬
‫وهذا قائم على أساس أن ال تعالى أوجد لكل إنسان منزلً في الجنة وآخر في النار‪ ،‬فمن آمن‬
‫وعمل صالحا دخل الجنة وحاز منزله ومنزل إنسان آخر هو في النار فحصل بذلك الغبن بينه‬
‫وبين من هو في النار قد ورث منزله فيها وبعد هذا الدعاء الخاص الموجه إلى كفار قريش قال‬
‫تعالى واعدا عامة الناس عربهم وعجمهم من وجد منهم ومن لم يوجد بعد‪ :‬ومن يؤمن بال ‪3‬‬
‫ويعمل صالحا يكفر ‪ 4‬عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا ذلك‬
‫الفوز العظيم لنه نجاة من النار ودخول الجنة هذا وعده الصادق لمن آمن وعمل صالحا‪ .‬وقال‪:‬‬
‫{وَالّذِينَ ‪َ 5‬كفَرُوا} أي بال ورسوله ولقائه وكذبوا بآيتنا أي القرآن وما فيه من شرائع وأحكام‬
‫والتكذيب مانع من العمل الصالح قطعا إذا {أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ خَاِلدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ} النار‬
‫والخلود فيها هذا وعيده تعالى المقابل لوعده السابق اللهم اجعلنا من أهل وعدك ول تجعلنا من‬
‫أهل وعيدك يا واسع الفضل يا رحمن‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير التوحيد والنبوة‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان كون القرآن نورا فل هداية في هذه الحياة إل به فمن طلبها في غيره ما اهتدى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪( 1‬فآمنوا)‪ :‬الفاء هي الفصيحة إذ أفصحت عن شرط مقدر‪ ،‬والتقدير‪ :‬فإذا علمتم هذه الحجج‬
‫وتذكرتم ما حل بأسلفكم من العقاب فآمنوا بال ورسوله لتنجوا مما حل بالكافرين من أمثالكم‪.‬‬
‫‪ 2‬التيان باسم الشارة بدل الضمير كان لقصد الهتمام بهذا اليوم بتمييزه مع ما يفيده اسم‬
‫الشارة من البعد والعلو نحو‪( :‬ذلك الكتاب) والتغابن‪ :‬تفاعل صادر بين اثنين هذا مغبون وذاك‬
‫غابن‪ ،‬والغبن‪ :‬أن يعطى البائع ثمنا دون ثمن بضاعته‪.‬‬
‫‪ 3‬هذه الية متضمنة تفصيلً لما أجمل في الجمل قبلها وتحمل عفوا عاما لمن آمن من الكافرين‬
‫ووحد من المشركين بأن ال تعالى سيعفو عنهم ويغفر لهم ويدخلهم الجنة‪.‬‬
‫‪ 4‬قرأ نافع‪ ( :‬نكفر) و(ندخل) بنون العظمة على اللتفات من الغيبة إلى المتكلم‪ .‬وقرأ حفص‬
‫(يكفر) و(يدخل) بياء الغيبة على مقتضى الظاهر‪.‬‬
‫‪ 5‬أي‪ :‬والذين استمروا على الكفر والتكذيب ولم يتوبوا باليمان وترك الشرك والمعاصي‬
‫فجزاؤهم الملئم لخبث نفوسهم من جراء الشرك والمعاصي هو ما ذكر تعالى من الخلود في‬
‫النار‪.‬‬

‫( ‪)5/365‬‬

‫‪ -4‬الترغيب في اليمان والعمل الصالح وبيان أنهما مفتاح دار السلم‪.‬‬


‫‪ -5‬التحذير من الكفر والتكذيب بالقرآن وشرائعه وأحكامه فإن ذلك يقود إلى النار‪.‬‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪ )11‬وََأطِيعُوا‬
‫مَا َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ إِلّا بِإِذْنِ اللّ ِه َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّهِ َيهْدِ قَلْبَ ُه وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫اللّ َه وََأطِيعُوا الرّسُولَ فَإِنْ َتوَلّيْتُمْ فَإِ ّنمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ (‪ )12‬اللّهُ ل إَِلهَ إِلّا ُهوَ وَعَلَى اللّهِ‬
‫فَلْيَ َت َوكّلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ (‪)13‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ما أصاب من مصيبة إل بإذن ال‪:‬أي ما أصابت أحدا من الناس مصيبةٌ إل بقضاء ال تعالى‬
‫وتقديره ذلك عليه‪.‬‬
‫ومن يؤمن بال يهد قلبه‪:‬أي ومن يصدق بال فيعلم أنه ل أحد تصيبه مصيبة إل بإذنه تعالى يهد‬
‫قلبه للتسليم والرضاء بقضائه فيسترجع ويبصر‪.‬‬
‫فإن توليتم‪:‬أي عن طاعة ال ورسوله فل ضرر ول بأس على رسولنا في توليكم إذ عليه إبلغكم‬
‫ل هدايتكم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {مَا َأصَابَ‪ 1‬مِنْ ُمصِيبَةٍ إِلّا بِِإذْنِ اللّهِ} ‪ 2‬في هذه الية رد على الكافرين الذين يقولون‬
‫لو كان المسلمون على حق‪ ،‬وما هم عليه حقا لصانهم ال من المصائب في الدنيا‪ ،‬ولما سلط‬
‫عليهم كذا وكذا‪ ...‬فأخبر تعالى أنه ما من أحد من الناس تصيبه مصيبة في نفس أو ول ٍد أو مالٍ‬
‫إل وهي بقضاء ال وتقديره ذلك عليه‪ ،‬ومن يؤمن بال ربا وإلها عليما حكيما وأن ما أصابه لم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬قيل سبب نزول هذه الية أن الكفار قالوا‪ :‬لو كان ما عليه المسلمون حق لصانهم‬
‫ال من المصائب في الدنيا ورد تعالى عليهم بأن المصائب التي تصيب العبد هي بإذن ال ولها‬
‫أسبابها مرتبطة معها وهي سنن ل تعالى ل تتخلف‪.‬‬
‫‪ 2‬أنثت المصيبة لنها بمعنى الحادثة والذن‪ :‬أصله إجازة الفعل لمن يفعله والمراد هنا أن ما‬
‫يصيب العبد من خير وشر هو بتدبير ال تعالى في ربطه السباب بالمسببات فعاد المر إلى أذنه‬
‫تعالى بوقوع ما أراده من خير أو غيره‪.‬‬

‫( ‪)5/366‬‬

‫يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه لم يكن ليصيبه ‪ 1‬يهد قلبه فيصبر ويسترجع فيؤجر وتخف عنده المصيبة‬
‫بخلف الكافر بال وقضائه وقدره‪.‬‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ} فل يخفى عليه شيء فل يحدث حدث في الكون إل بعلمه‬
‫وقوله تعالى {وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫وإذنه وهذه حال تقتضي الرضا بالقضاء والقدر والتسليم ل تعالى فيما يقضي به على عبده وفي‬
‫ذلك خير كثير ل يعرفه إل أصحاب الرضا بالقضاء والتسليم للعليم الحكيم‪.‬‬
‫وقوله تعالى { وَأَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ} يأمر تعالى عباده عامة بطاعة ال وطاعة رسوله‬
‫لن كمال النسان وسعادته مرتبطة بهذه الطاعة التي هي عبارة عن تطبيق نظام دقيق ينتج صفاء‬
‫روح وزكاة نفس يتأهل بها العبد إلى النزول بالملكوت العلى (الجنة دار البرار)‪.‬‬
‫وقوله {فَإِنْ َتوَلّيْتُمْ} أي أعرضتم عن هذه الدعوة فرفضتم طاعة ال ورسوله فل ضرر على‬
‫رسولنا ول ضير إذ عليه البلغ المبين وقد بلغ مبينا غاية التبيين‪ ،‬وأما هدايتكم فلم يكلف بها إذ ل‬
‫يقدر عليها ول يكلف ال نفسا إل طاقتها‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬اللّهُ ل إَِلهَ إِلّا ُهوَ} أي أن الذي أمركم بطاعته وطاعة رسوله هو ال الذي ل إله إل‬
‫هو أي المعبود الذي ل تنبغي العبادة ول تصلح إل له لنه الخالق لكم الرازق المدبر لحياتكم‪،‬‬
‫{وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ‪ 2‬ا ْل ُمؤْمِنُونَ} فإنه يكفي المؤمن الذي يتوكل عليه يكفيه كلما يهمه من أمر دنياه‬
‫وآخرته‪ .‬ول كافي إل هو سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة القضاء والقدر‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب الصبر عند نزول المصيبة والرضا والتسليم ل تعالى في قضائه وحكمه‪ ،‬ومن تكن‬
‫هذه حاله يهد ال قلبه ‪ 3‬ويرزقه الصبر وعظيم الجر ويلطف به في مصيبته وإن هو استرجع‬
‫قائلً إنا ل وإنا إليه راجعون أخلفه ال عما فقده وآجره‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب طاعة ال وطاعة رسوله في المر والنهي‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير التوحيد‪.‬‬
‫__________‬
‫‪( 1‬يهد قلبه) عندما تصيبه المصيبة فيسترجع أي‪ :‬يقول إنا ل وإنا إليه راجعون ويصبر‪ ،‬فاليمان‬
‫هو السبب في حصول هداية القلب فإذا هدى القلب حصل السترجاع وحصل الصبر وخف وقع‬
‫المصيبة‪.‬‬
‫‪ 2‬الجملة معطوفة على قوله‪{ :‬وأطيعوا ال} فهي في معنى‪ :‬أطيعوا ال وأطيعوا الرسول‪ ،‬وتوكلوا‬
‫على ال وحده لن الطاعة تتطلب عمل وجهدا وهما يتطلبان اعتمادا على ال إذ هو المعين للعبد‬
‫على الطاعة دون غيره فليكن التوكل عليه وحده‪ً.‬‬
‫‪( 3‬يهد قلبه) فيسترجع ويبصر‪ ،‬واليمان الصحيح هو الذي ينتج هداية القلب فإذا اهتدى القلب إلى‬
‫معرفة حكم ال وقضائه صبر وظفر‪.‬‬

‫( ‪)5/367‬‬

‫‪ -5‬وجوب التوكل على ال تعالى وهو فعل المأمور وترك المنهي وتفويض المر ل بعد ذلك‪.‬‬
‫ولن يكون إل خيرا بإذن ال تعالى‪.‬‬
‫ج ُك ْم وََأوْل ِد ُكمْ عَ ُدوّا َلكُمْ فَاحْذَرُو ُه ْم وَإِنْ َت ْعفُوا وَ َتصْفَحُوا وَ َت ْغفِرُوا‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنّ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )14‬إِ ّنمَا َأ ْموَاُلكُ ْم وََأوْل ُدكُمْ فِتْنَ ٌة وَاللّهُ عِنْ َدهُ َأجْرٌ عَظِيمٌ (‪ )15‬فَا ّتقُوا اللّهَ مَا‬
‫فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫سكُ ْم َومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪)16‬‬
‫س َمعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْ ِفقُوا خَيْرا لِأَ ْنفُ ِ‬
‫طعْتُ ْم وَا ْ‬
‫اسْ َت َ‬
‫شهَا َدةِ‬
‫ب وَال ّ‬
‫شكُورٌ حَلِيمٌ (‪ )17‬عَاِلمُ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫حسَنا ُيضَاعِفْهُ َلكُ ْم وَ َيغْفِرْ َلكُمْ وَاللّهُ َ‬
‫إِنْ ُتقْ ِرضُوا اللّهَ قَرْضا َ‬
‫حكِيمُ (‪)18‬‬
‫ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن من أزواجكم وأولدكم عدوا‪ :‬أي من بعض أزواجكم وبعض أولدكم عدوا أي يشغلونكم عن‬
‫طاعة ال أو‬
‫لكم ينازعونكم في أمر الدين أو الدنيا‪.‬‬
‫فاحذروهم ‪:‬أي أن تطيعوهم في التخلف عن فعل الخير كترك الهجرة أو الجهاد أو صلة الجماعة‬
‫أو التصدق على ذوي الحاجة‪.‬‬
‫وإن تعفوا‪ :‬أي عمن ثبطكم عن الخير من زوجة وولد‪.‬‬
‫وتصفحوا وتغفروا‪ :‬أي وتعرضوا عنهم وتغفروا لهم ما عملوه معكم من تأخيركم عن الهجرة أو‬
‫الجهاد أو النفاق في سبيل ال‪.‬‬
‫فإن ال غفور رحيم‪ :‬أي يغفر لمن يغفر ويرحم من يرحم‪.‬‬

‫( ‪)5/368‬‬

‫إنما أموالكم وأولدكم فتنة‪ :‬أي بلء واختبار لكم فاحذروا أن يصرفوكم عن طاعة ال أو يوقعوكم‬
‫في معصيته‪.‬‬
‫وال عنده أجر عظيم‪ :‬أي فآثروا ما عنده تعالى على ما عندكم من مال وولد‪.‬‬
‫فاتقوا ال ما استطعتم‪ :‬أي افعلوا ما تقدرون عليه من أوامره‪ ,‬واجتنبوا نواهيه كلها‪.‬‬
‫ومن يوق شح نفسه‪ :‬أي ومن يقه ال شح نفسه فيعافيه من البخل والحرص على المال‪.‬‬
‫يضاعفه لكم‪ :‬أي الدرهم بسبعمائة‪.‬‬
‫وال شكور حليم‪ :‬أي يجازي على الطاعة ول يعاجل بالعقوبة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫حكِيمُ} نزلت في ‪ 1‬أناس كان لهم‬
‫هذه اليات الكريمة {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} إلى قوله {ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫أزواج وأولد عاقوهم عن الهجرة والجهاد فترة من الوقت فلما تغلبوا عليهم وهاجروا ووجدوا‬
‫الذين سبقوهم إلى الهجرة قد تعلموا وتفقهوا في الدين فتأسفوا عن تخلفهم فهموا بأزواجهم‬
‫وأولدهم الذين عاقوهم عن الهجرة فترة طويلة أن يعاقبوهم بنوع من العقاب من تجويع أو‬
‫ضرب أو تثريب وعتاب فأنزل ال تعالى هذه اليات يا أيها الذين آمنوا أي يا أيها المؤمنون إن‬
‫من ‪ 2‬أزواجكم ‪ 3‬وأولدكم أي من بعضهم ل كلهم إذ منهم من يساعد على طاعة ال ويكون عونا‬
‫عليها عدوا لكم يصرفكم عن طاعة ال والتزود للدار الخرة‪ ,‬وقد ينازعونكم في دينكم ودنياكم إذا‬
‫فاحذروهم أي كونوا منهم على حذر أن تطيعوهم في التخلف عن فعل الخير من هجرة وجهاد‬
‫وغيرهما وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا أي عمن شغلوكم عن طاعة ال فعاقوكم عن الهجرة‬
‫والجهاد فلم تضربوهم ولم تجوعوهم ولم تثربوا عليهم ولم تعاتبوهم بل تطلبون العذر لما قاموا به‬
‫نحوكم يكافئكم ال تعالى بمثله فيعفو عنكم ويصفح ويغفر لكم كما عفوتم وصفحتم وغفرتم‬
‫لزواجكم وأولدكم الذين أخروا هجرتكم وعطلوكم عن الجهاد في سبيل ال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬قال ابن عباس‪ :‬نزلت في عوف بن مالك الشجعي بالمدينة النبوية شكا إلى النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم جفاء أهله وولده‪ ,‬وعن عطاء بن يسار قال‪ :‬نزلت سورة التغابن كلها جملة‬
‫إل هؤلء اليات (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم‪ )..‬الخ‪.‬‬
‫‪ 2‬الية عامة في الرجال والنساء فكما يكون للرجل من امرأته وولده عدو يكون كذلك للمرأة من‬
‫زوجها وولدها عدو‪ ,‬ووجب الحذر على المؤمنين‪ ,‬ويكون الحذر بوجهين‪ :‬إما لضرر في البدن‬
‫وإما لضرر في الدين‪ ,‬وضرر البدن يتعلق بالدنيا وضرر الدين يتعلق بالخرة فحذر ال تعالى‬
‫العبد من ذلك وأنذره به‪.‬‬
‫‪( 3‬من) للتبعيض إذ ما كل من له زوجة وولد كانوا له عدوا‪.‬‬

‫( ‪)5/369‬‬

‫عظِيمٌ} أي إنما أموالكم وأولدكم أي كل‬


‫وقوله تعالى {إِ ّنمَا َأ ْموَاُلكُ ْم وََأوْل ُد ُكمْ فِتْنَةٌ‪ 1‬وَاللّهُ عِنْ َدهُ َأجْرٌ َ‬
‫أموالكم وأولدكم فتنة واختبار من ال لكم هل تحسنون التصرف فيهم فل تعصوا ال لجلهم ل‬
‫بترك واجب ول بفعل ممنوع‪ ,‬أو تسيئون التصرف فيحملكم حبهم على التفريط في طاعة ال أو‬
‫التقصير في بعضها بترك واجب أو فعل حرام وال عنده أجر عظيم فآثروا ما عند ال على ما‬
‫عندكم من مال وولد‪ ,‬إن ما عند ال باق‪ ,‬وما عندكم فانٍ‪ ,‬فآثروا الباقي على الفاني‪.‬‬
‫طعْتُمْ‪ }2‬هذا من إحسان ال تعالى إلى عباده المؤمنين إنه لما علمهم‬
‫وقوله تعالى {فَا ّتقُوا اللّهَ مَا اسْ َت َ‬
‫أن أموالهم وأولدهم فتنة وحذرهم أن يؤثروهم على طاعة ال ورسوله علم أن بعض المؤمنين‬
‫سوف يزهدون في المال والولد‪ ,‬وأن بعضا سوف يعانون أتعابا ومشقة شديدة في التوفيق بين‬
‫خدمة المصلحتين فأمرهم أن يتقوه في حدود ما يطيقون فقط وخير المور الوسط فل يفرط في‬
‫ولده وماله‪ ,‬ول يفرط في علة وجوده وسبب نجاته وسعادته وهي عبادة ال تعالى التي خلق‬
‫لجلها وعليها مدار نجاته من النار ودخوله الجنة‪.‬‬
‫وقوله تعالى واسمعوا ‪ 3‬ما يدعوكم ال ورسوله إليه {وََأطِيعُوا وَأَ ْن ِفقُوا} في طاعة ال من أموالكم ‪4‬‬
‫خيرا لنفسكم من عدم النفاق فإنه شر لكم وليس بخير‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ} أعلمهم أن عدم النفاق ناتج عن شح‬
‫النفس‪ ,‬وشح النفس ل يقي منه إل ال‪ ,‬فعليكم باللجوء إلى ال تعالى ليحفظكم من شح نفوسكم‬
‫فادعوه وتوسلوا إليه بالنفاق قليلً قليلً حتى يحصل الشفاء من مرض الشح الذي هو البخل مع‬
‫الحرص الشديد على جمع المال والحفاظ عليه ومن شفي من مرض الشح أفلح وأصبح في عداد‬
‫المفلحين الفائزين بالجنة بعد النجاة من النار وقوله {إِنْ ُتقْ ِرضُوا اللّهَ قَرْضا حَسَنا ُيضَاعِفْهُ َل ُكمْ‪5‬‬
‫وَ َيغْفِرْ َلكُمْ} هذا الترغيب عظيم من ال تعالى للمؤمنين للنفقة في سبيله‬
‫__________‬
‫‪( 1‬فتنة) أي‪ :‬بلء واختبار يحملكم على كسب المحرم ومنع حق ال تعالى فل تطيعوهم في‬
‫معصية ال تعالى‪ ,‬روي عن ابن مسعود أنه كان يقول‪ :‬ل تقولوا‪ :‬اللهم اعصمني من الفتنة فإنه‬
‫ليس أحد منكم يرجع إلى مال وأهل وولد إل وهو مشتمل على فتنة ولكن ليقل اللهم إني أعوذ بك‬
‫من مضلت الفتن‪.‬‬
‫‪ 2‬هل هذه الية مخصصة لية آل عمران‪( :‬فاتقوا ال حق تقاته) هذا هو الطاهر إذ من غير‬
‫الممكن أن يتقى ال حق تقاته أي‪ :‬تقواه الحقة فلو أن العبد ذاب ذوبانا من خشية ال تعالى ما اتقى‬
‫ال حق تقاته‪.‬‬
‫‪ 3‬قال القرطبي‪ :‬اسمعوا ما توعظون به وأطيعوا فيما تؤمرون به وتنهون عنه‪ ,‬والية أصل في‬
‫السمع والطاعة في بيعة الرسول صلى ال عليه وسلم على السمع والطاعة ولولى المر‪.‬‬
‫‪ 4‬يصح في نصبه ثلثة أوجه الول أن يكون الخير بمعنى المال ويكون خيرا مفعولً به‪ ,‬والثاني‪:‬‬
‫أن يكون (خيرا) نعتا لمصدر محذوف أي أنفقوا إنفاقا خيرا‪ ,‬والثالث أن يكون منصوبا بفعل‬
‫مضمر دل عليه أنفقوا أي ايتوا في النفاق خيرا لنفسكم‪.‬‬
‫‪ 5‬المضاعفة‪ :‬هي إعطاء الضعف‪ ,‬والشكور‪ :‬فعول بمعنى فاعل أي‪ :‬مبالغة في الشكر‪.‬‬

‫( ‪)5/370‬‬

‫إذ سماها قرضا والقرض مردود وواعد بمضاعفتها وزيادة أخرى أن يغفر لهم بذلك ذنوبهم‪,‬‬
‫واشتراط الحسن للقرض اشتراط معقول وهو أن يكون المال الذي أقرض ال حللً ل حراما‪,‬‬
‫وأن تكون النفس طيبة به ل كارهة له‪ ,‬وهذا من باب النصح للمؤمنين ليحصلوا على الجر‬
‫شكُورٌ حَلِيمٌ} ترغيب أيضا لهم في النفاق لن الشكور معناه يعطي‬
‫مضاعفا‪ .‬وقوله تعالى {وَاللّهُ َ‬
‫القليل فيكافيء بالكثير‪,‬والحليم الذي ل يعاجل بالعقوبة‪ .‬ومثله يقرض القرض الحسن‪.‬‬
‫شهَا َدةِ} ترغيب أيضا في النفاق إذا أعلمهم أنه ل يغيب عنه من أمورهم‬
‫وقوله {عَالِمُ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫شيء يعلم الخفي منها والعلنى‪ ،‬وما غاب عنهم فلم يروه وما ظهر لهم فشهدوه فذو العلم بهذه‬
‫حكِيمُ} أي العزيز النتقام‬
‫المثابة معاملته مضمونة ل يخاف ضياعها ول نسيانها‪ .‬وقوله {ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫من أعدائه الحكيم في إجراء أحكامه وتدبير شؤون عباده‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أن من بعض الزوجات والولد عدوا فعلى المؤمن أن يحذر ذلك ليسلم من شرهم‪.‬‬
‫‪ -2‬الترغيب في العفو والصفح والمغفرة على من أساء أو ظلم‪.‬‬
‫‪ -3‬التحذير من فتنة المال والولد ووجوب التيقظ حتى ل يهلك المرء بولده وماله‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب تقوى ال بفعل الواجبات وترك المنهيات في حدود الطاقة البشرية‪.‬‬
‫‪ -5‬الترغيب في النفاق في سبيل ال تعالى والتحذير من الشح فإنه داء خطير‪.‬‬

‫( ‪)5/371‬‬

‫سورة الطلق‬
‫‪...‬‬
‫سورة الطلق‬
‫مدنية وآياتها ثلث عشرة آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حصُوا ا ْلعِ ّد َة وَا ّتقُوا اللّهَ رَ ّبكُمْ ل ُتخْرِجُوهُنّ مِنْ‬
‫ن وَأَ ْ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِذَا طَّلقْتُمُ النّسَاءَ َفطَّلقُوهُنّ ِل ِعدّ ِتهِ ّ‬
‫حدُودُ‬
‫بُيُو ِتهِنّ وَل يَخْ ُرجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ ِبفَاحِشَةٍ مُبَيّنَ ٍة وَتِ ْلكَ ُ‬

‫( ‪)5/371‬‬

‫ح ِدثُ َب ْعدَ ذَِلكَ َأمْرا (‪)1‬‬


‫اللّ ِه َومَنْ يَ َتعَدّ حُدُودَ اللّهِ َفقَدْ ظَلَمَ َنفْسَهُ ل تَدْرِي َل َعلّ اللّهَ يُ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يا أيها النبي ‪:‬أراد ال بالنداء النبي صلى ال عليه وسلم وأمته بدليل ما بعده‪.‬‬
‫إذا طلقتم النساء ‪ :‬أي إذا أردتم طلقهن‪.‬‬
‫فطلقوهن لعدتهن ‪:‬أي لقبل عدتهن أي في طهر لم يجامعها فيه‪.‬‬
‫وأحصوا العدة ‪:‬أي احفظوا مدتها حتى يمكنكم المراجعة فيها‪.‬‬
‫واتقوا ال ربكم ‪:‬أي أطيعوه في أمره ونهيه‪.‬‬
‫ل تخرجوهن من بيوتهن ‪:‬أي ل تخرجوا المطلقة من بيت زوجها الذي طلقها حتى تنقضي عدتها‪.‬‬
‫إل أن يأتين بفاحشة مبينة ‪:‬أي إل أن يؤذين بالبذاء في القول وسوء الخلق‪ ,‬أو يرتكبن فاحشة من‬
‫زنا بينة ظاهرة ل شك فيها‪.‬‬
‫وتلك حدود ال ‪:‬أي المذكورات من الطلق في أول الطهر وإحصاء العدة وعدم إخراج المطلقة‬
‫من بيتها حتى تنقضي عدتها‪.‬‬
‫ل تدري لعل ال يحدث بعد ‪:‬أي يجعل في قلب الزوج الرغبة في مراجعتها فيراجعها إذا لم تكن‬
‫الثالثة من‬
‫ذلك أمرا الطلقات‪.‬‬
‫معنى الية‪:‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ِإذَا طَّلقْتُمُ النّسَاءَ}‪ 1‬يخاطب ال تبارك وتعالى رجال أمة السلم في‬
‫شخصية نبيها محمد صلى ال عليه وسلم فيقول‪ :‬إذا طلقتم ‪ 2‬أي إذا أردتم طلقهن لمر اقتضى‬
‫ذلك فطلقوهن لعدتهن أي لول عدتهن وذلك في طهر لم تجامع فيه لتعد ذلك الطهر أول عدتها‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪:‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في سنن ابن ماجة عن ابن عباس رضي ال عنهما عن عمر رضي ال عنه أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم طلق حفصة رضي ال عنها ثم راجعها بأمر ال تعالى وقيل له‪ :‬راجعها‬
‫فإنها قوامة صوامة رضي ال عنها وأرضاها‪ ،‬وضعف الحديث‪ ،‬وعلى كل حال فالية تشريع عام‬
‫لمة السلم بغض الطرف عن سبب النزول‪.‬‬
‫‪ 2‬وردت أحاديث كثيرة ضعيفة السند ومجموعها يدل على كراهية الطلق وأنه عمل غير صالح‬
‫إن كان بدون ضرورة وهي رفع الضرر عن أحد الكتزوجين‪ .‬الجمهور أن من طلق واستثنى فله‬
‫ما استثناه فلو قال‪ :‬أنت طالق إن شاء ال فله استثناؤه ول طلق عليه‪.‬‬

‫( ‪)5/372‬‬

‫حصُوا ا ْلعِ ّدةَ} أي احفظوها فاعرفوا بدايتها ونهايتها لما يترتب على ذلك من أحكام من صحة‬
‫{وَأَ ْ‬
‫المراجعة وعدمها‪ ،‬ومن النفقة‪ ،‬والسكان وعدمهما‪ .‬وقوله‪{ :‬وَا ّتقُوا اللّهَ رَ ّبكُمْ} فامتثلوا أوامره‬
‫وقفوا عند حدوده فل تتعدوها‪ ،‬ل تخرجوهن أي المطلقات من بيوتهن اللتي طلقن فيهن‪ ،‬ول‬
‫يخرجن أي ويجب أن ل يخرجن من بيوتهن إل أن يأتين بفاحشة مبينة كزنا ظاهرٍ أو تكون سيئة‬
‫بذيئة اللسان فتؤذي أهل البيت أذىً ل يتحملونه فعندئذ يباح إخراجها‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَتِ ْلكَ حُدُودُ اللّهِ} أي المذكورات من الطلق لول الطهر‪ ،‬وإحصاء العدة‪ ،‬وعدم‬
‫حدُودَ اللّهِ} فيتجاوزها ولم يقف عندها فقد ظلم نفسه‬
‫إخراجهن من بيوتهن‪ ،‬وقوله { َومَنْ يَ َت َعدّ ُ‬
‫وتعرض لعقوبة ال تعالى عاجلً أو آجلً‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬ل َتدْرِي َل َعلّ اللّهَ ُيحْ ِدثُ َبعْدَ ذَِلكَ َأمْرا} أي بأن يجعل ال تعالى في قلب الرجل‬
‫رغبة في مراجعة مطلقته فيراجعها‪ ،‬وفي ذلك خير كثير‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان السنة في الطلق وهي أن يطلقها في طهرٍ لم يمسها ‪1‬في بجماع‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون الطلق واحدة ل اثنتين ول ثلثا‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب إحصاء العدة ليعرف الزوج متى تنقضي عدة مطلقته لما يترتب على ذلك من أحكام‬
‫الرجعة والنفقة والسكان‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة إخراج المطلقة من بيتها الذي طلقت فيه إلى أن تنقضي عدتها إل أن ترتكب فاحشة‬
‫ظاهرة كزنا أو بذاءة أو سوء خلق وقبيح معاملة فعندئذ يجوز إخراجها‪.‬‬
‫ع ْدلٍ مِ ْنكُمْ‬
‫شهِدُوا َذ َويْ َ‬
‫ف وَأَ ْ‬
‫سكُوهُنّ ِب َمعْرُوفٍ َأوْ فَا ِرقُوهُنّ ِب َمعْرُو ٍ‬
‫فَإِذَا بََلغْنَ َأجََلهُنّ فََأمْ ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وأن يكون ل اثنتين ول ثلثا‪ ،‬وطلق البدعة خلفه وهو‪ :‬أن يطلقها وهي حائض أو في طهر‬
‫جامعها فيه أو بلفظ اثنين أو ثلث ومن أهل العلم من ل يعد الطلق البدعي طلقا‪ ،‬ومنهم من‬
‫يمضيه واحتج المانعون والمجيزون بحديث ابن عمر في الصحيح‪( :‬إذ طلق ابن عمر زوجته‬
‫وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول ال صلى ال عليه وسلم فقال له‪ :‬ليراجعها ثم ليمسكها حتى‬
‫تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر‬
‫بها ال عز وجل) فمن قال‪ :‬إن الرسول صلى ال عليه وسلم قد حسبها له طلقة قال الطلق في‬
‫الحيض يمضي وهو بدعة‪ ،‬ومن قال‪ :‬إن الرسول صلى ال عليه وسلم لم يعدها بل قال له‪" :‬إذا‬
‫طهرت ليطلق أو ليمسك" قال‪ :‬الطلق في الحيض بدعة ول يمضي‪.‬‬

‫( ‪)5/373‬‬

‫ج َعلْ لَهُ َمخْرَجا‬


‫شهَا َدةَ لِلّهِ ذَِلكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الْآخِرِ َومَنْ يَتّقِ اللّهَ يَ ْ‬
‫وََأقِيمُوا ال ّ‬
‫ج َعلَ اللّهُ‬
‫ب َومَنْ يَ َت َوكّلْ عَلَى اللّهِ َف ُهوَ حَسْبُهُ إِنّ اللّهَ بَالِغُ َأمْ ِرهِ قَدْ َ‬
‫س ُ‬
‫ث ل َيحْتَ ِ‬
‫(‪ )2‬وَيَرْ ُزقْهُ مِنْ حَ ْي ُ‬
‫شيْءٍ قَدْرا (‪)3‬‬
‫ِل ُكلّ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫فإذا بلغن أجلهن ‪:‬أي قاربن انقضاء عدتهن‪.‬‬
‫فأمسكوهن بمعروف ‪:‬أي بأن تراجعوهن بمعروف من غير ضرر‪.‬‬
‫أو فارقوهن بمعروف ‪:‬أي أتركوهن حتى تنقضي عدتهن ول تضاروهن بالمراجعة‪.‬‬
‫وأشهدوا ذوي عدل منكم ‪:‬أي اشهدوا على الطلق وعلى المراجعة رجلين عدلين منكم أي من‬
‫المسلمين فل يشهد كافر‪.‬‬
‫وأقيموا الشهادة ل ‪:‬أي ل للمشهود عليه أوله بل ل تعالى وحده‪.‬‬
‫ذلكم يوعظ به من كان يؤمن ‪:‬أي ذلكم المذكور من أول السورة من أحكام يؤمر به وينفذه من‬
‫كان يؤمن بال‬
‫بال واليوم الخر واليوم الخر‪.‬‬
‫ومن يتق ال ‪:‬أي في أمره ونهيه فل يعصه فيهما‪.‬‬
‫يجعل له مخرجا ‪:‬أي من كرب الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ويرزقه من حيث ل يحتسب ‪ :‬أي من حيث ل يرجوا ول يؤمل‪.‬‬
‫فهو حسبه ‪ :‬أي كافيه ما يهمه من أمر دينه ودنياه‪.‬‬
‫قد جعل ال لكل شيء قدرا ‪:‬أي من الطلق والعدة وغير ذلك حدا وأجلً وقدرا ينتهي إليه‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في بيان العدد وأحكام الطلق والرجعة‪ .‬قال تعالى‪{ :‬فَِإذَا بََلغْنَ} ‪ 1‬أي‬
‫المطلقات أجلهن أي قاربن انقضاء العدة فأمسكوهن بمعروف أي راجعوهن على أساس حسن‬
‫العشرة والمصاحبة الكريمة ل للضرار بهن كأن يراجعها ثم يطلقها يطول عليها العدة فهذا ل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا لقوله تعالى‪( :‬وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن) أي‪ :‬قاربن من انقضاء الجل‪.‬‬

‫( ‪)5/374‬‬

‫يجوز لحرمة الضرار بالناس وفي الحديث‪ :‬ل ضرر ‪ 1‬ول ضرار‪ .‬وقوله {َأوْ فَا ِرقُوهُنّ‬
‫ِب َمعْرُوفٍ} وذلك بأن يعطيها ما بقي لها من مهرها ويمتعها ‪ 2‬بحسب حاله غنىً وفقرا‪ .‬وقوله‬
‫ع ْدلٍ مِ ْنكُمْ} أي أشهدوا على النكاح والطلق والرجعة أما الشهاد على‬
‫شهِدُوا َذ َويْ َ‬
‫تعالى { َوأَ ْ‬
‫النكاح فركن ول يصح النكاح بدونه‪ ،‬وأما في الطلق والرجعة فهو مندوب‪ ،‬وقد يصح الطلق‬
‫والرجعة بدونه‪ ،‬ويشترط في الشهود أن يكونوا عدولً‪ ،‬وأن يكونوا مسلمين ل كافرين‪ 3.‬وقوله‬
‫شهَا َدةَ ِللّهِ} أي أدوها على وجهها ول تراعوا فيها إل وجه ال عز وجل‪ .‬وقوله‪{ :‬ذَِلكُمْ‬
‫{وََأقِيمُوا ال ّ‬
‫يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الْآخِرِ} أي ذلكم المأمور به من أول السورة كالطلق في‬
‫طهر لم يجامعها فيه وكإحصاء العدة وعدم إخراج المطلقة من بيتها والمساك بالمعروف والفراق‬
‫بالمعروف والشهاد في النكاح والطلق والرجعة والقساط في الشهادة كل ذلك يوعظ به أي‬
‫يؤمر به وينفذه المؤمن بال واليوم الخر إذ هو الذي يخاف عقوبة ال وعذابه فل يقدم على‬
‫معصيته‪.‬‬
‫سبُ} هذه الية نزلت في‬
‫ج َعلْ لَهُ َمخْرَجا وَيَرْ ُزقْهُ مِنْ حَ ْيثُ ل يَحْتَ ِ‬
‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ يَ ْ‬
‫عوف بن مالك الشجعي أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال يا رسول ال إن ابني أسره‬
‫العدو وجزعت أمه فبم تأمرني؟ قال آمرك وإياها أن تكثروا من قول‪ :‬ل حول ول قوة إل بال‪.‬‬
‫فقالت المرأة نعم ما أمرك به فجعل يكثران منها فغفل العدو عن ابنهما فاستاق غنمهم وجاء بها‬
‫إلى أبويه فنزلت هذه الية‪ ،‬وهي عامة في كل من يتق ال تعالى فإنه يجعل له من كل ضيق‬
‫مخرجا ومن كل كرب فرجا‪ ،‬ويرزقه من حيث ل يرجو ول يؤمل‪ ،‬ول يخطر له على بال‪ ،‬ومن‬
‫يتوكل على ال تعالى في أمره فل يفرط في أمر ال‪ ،‬ول يضيع حقوقه فإن ال تعالى يكفيه ما‬
‫يهمه من أمر دينه ودنياه‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ اللّهَ بَالِغُ َأمْ ِرهِ}‪ 4‬أي منفذ أمره في عباده ل يعجزونه‬
‫أبدا‪ ،‬وقد ‪ 5‬جعل لكل شيء قدرا أي مقدارا وزمانا ومكانا فل يتقدم ول يتأخر‪ ،‬ول يزيد ول‬
‫ينقص فمن رضي فله الرضا‪ ،‬ومن سخط فله السخط‪ ،‬ول يقع في ملك ال إل ما يريد ال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬رواه مسلم في صحيحه‪.‬‬
‫‪ 2‬المتعة واجبة للمطلقة التي لم يفرض لها صداق ولغيرها من المطلقات سنة مستحبة‪.‬‬
‫‪ 3‬قرأ نافع (إن ال بالغ أمره) بتنوين بالغ ونصب أمره على أنه معمول لسم الفاعل المنون‪،‬‬
‫وقرأ حفص بإضافة بالغ إلى أمره فبالغ مرفوع بدون تنوين وأمر‪ :‬مجرور بالضافة إليه‪.‬‬
‫‪ 4‬قرأ نافع (إن ال بالغ أمره) بتنوين بالغ ونصب أمره على أنه معمول لسم الفاعل المنون‪،‬‬
‫وقرأ حفص بإضافة بالغ إلى أمره فبالغ مرفوع بدون تنوين وأمره‪ :‬مجرور بالضافة إليه‪.‬‬
‫‪ 5‬أي‪ :‬لكل شيء من الشدة والرخاء أجل ينتهي إليه‪ .‬قال القرطبي‪ :‬وما في التفسير أوضح‬
‫وأشمل‪.‬‬

‫( ‪)5/375‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ل تصح الرجعة إل في العدة فإن انقضت العدة فل رجعة وللمطلقة أن تتزوج من شاءت هو‬
‫أو غيره من ساعة انقضاء عدتها‪.‬‬
‫‪ -2‬ل تحل المراجعة للضرار‪ ،‬ولكن للفضل والحسان وطيب العشرة‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعية الشهاد على الطلق والرجعة معا‪.‬‬
‫‪ -4‬يشترط في الشهود العدالة‪ ،‬فإذا خفت العدالة في الناس استكثر من الشهود‪.‬‬
‫‪ -5‬وعد ال الصادق بالفرج القريب لكل من يتقه سبحانه وتعالى‪ ،‬والرزق من حيث ل يرجو‪.‬‬
‫‪ -6‬تقرير عقيدة القضاء والقدر‪.‬‬
‫‪ -7‬كفاية ال لمن توكل عليه‪1.‬‬
‫ن وَأُولتُ‬
‫حضْ َ‬
‫شهُ ٍر وَاللّائِي لَمْ َي ِ‬
‫وَاللّائِي يَ ِئسْنَ مِنَ ا ْلمَحِيضِ مِنْ ِنسَا ِئكُمْ إِنِ ارْتَبْ ُتمْ َفعِدّ ُتهُنّ ثَلثَةُ أَ ْ‬
‫ج َعلْ َلهُ مِنْ َأمْ ِرهِ يُسْرا (‪ )4‬ذَِلكَ َأمْرُ اللّهِ أَنْزََلهُ‬
‫ن َومَنْ يَتّقِ اللّهَ َي ْ‬
‫حمَْلهُ ّ‬
‫ضعْنَ َ‬
‫حمَالِ َأجَُلهُنّ أَنْ َي َ‬
‫الْأَ ْ‬
‫ظمْ لَهُ َأجْرا (‪)5‬‬
‫إِلَ ْيكُ ْم َومَنْ يَتّقِ اللّهَ ُي َكفّرْ عَنْهُ سَيّئَاتِ ِه وَ ُيعْ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫واللئي يئسن من المحيض ‪:‬والنسوة اللئي يئسن من المحيض‪.‬‬
‫إن ارتبتم ‪:‬أي شككتم في عدتهن‪.‬‬
‫واللئي لم يحضن ‪:‬أي لكبر سن أو صغر سن‪.‬‬
‫وأولت الحمال ‪:‬أي ذوات الحمال‪ :‬النساء الحوامل‪.‬‬
‫أجلهن ‪:‬أي في انقضاء عدتهن أن يضعن حملهن‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى القرطبي عن الربيع بن خيثم قوله‪ :‬إن ال تعالى قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه‬
‫ومن آمن به هداه‪ ،‬ومن أقرضه جازاه ومن وثق به نجاه ومن دعاه أجاب له وتصديق ذلك في‬
‫كتاب ال (ومن يؤمن بال يهد قلبه) (ومن يتوكل على ال فهو حسبه)‪( .‬إن تقرضوا ال قرضا‬
‫حسنا يضاعفه لكم) (ومن يعتصم بال فقد هدي إلى صراط مستقيم) (وإذا سألك عبادي عني فإني‬
‫قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان)‪.‬‬

‫( ‪)5/376‬‬

‫ذلك أمر ال ‪:‬أي ذلك المذكور في العدة وتفاصيلها‪.‬‬


‫أنزله إليكم ‪:‬أي لتأتمروا به وتعملوا بمقتضاه‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في بيان أحكام الطلق والرجعة والعدة فقال تعالى‪1{ :‬وَاللّائِي يَئِسْنَ‪ 2‬مِنَ‬
‫ا ْلمَحِيضِ} أي لكبر سنهن كمن تجاوزت الخمسين من عمرها إذا طلقت بعد الدخول بها‪ .‬إن ارتبتم‬
‫‪ 3‬أيها المؤمنون في مدة عدتهن‪ ،‬فعدتهن ثلثة أشهر‪ .‬واللئي لم يحضن أي لصغرهن كذلك‪،‬‬
‫حمَالِ} أي الحوامل إن طلقن أو مات عنهن أزواجهن أجلهن‬
‫عدتهن ثلثة أشهر وقوله {وَأُولتُ الَْأ ْ‬
‫في انقضاء عدتهن أن يضعن حملهن أي وضع حملهن فمتى ولدت ما في بطنها من جنين فقد‬
‫انقضت عدتها ولو وضعته قبل استكمال التسعة أشهر‪ ،‬إن لم تتعمد إسقاطه بالجهاض المعروف‬
‫اليوم عند الكوافر والكافرين‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ} أي منكم أيها المؤمنون في هذه الحكام المتعلقة بالطلق والرجعة‬
‫والعدة فل يخالف أمره في ذلك يكافئه ال تعالى من فضله فيجعل له من أمره يسرا فيسهل عليه‬
‫أمره ويرزقه ما تقر به عينه ويصلح به شأنه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬ذَِلكَ َأمْرُ اللّهِ أَنْزَلَهُ إِلَ ْيكُمْ} أي ذلك المذكور من الحكام في هذه السورة من الطلق‬
‫والرجعة والعدة وتفاصيلها حكم ال أنزله إليكم لتأمروا وتعملوا به فاعملوا به ول تهملوه طاعة ل‬
‫وخوفا من عذابه ومن يتق ال في أوامره ونواهيه فيؤدى الواجبات ويتجنب المحرمات يكفر عنه‬
‫سيئاته ويعظم له أجرا أي يغفر له ذنوبه ويدخله الجنة‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان العدة وهي كالتالي‪:‬‬
‫‪ -1‬متوفى عنها زوجها وهي غير حامل عدتها‪ :‬أربعة أشهر وعشر ليال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي أن عددا من الصحابة وهم‪ :‬أبي بن كعب وخلد بن النعمان ومعاذ بن جبل كل واحد سأل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم عن عدة الصغيرة والكبيرة ممن ل يحضن وعدة الحامل كذلك‬
‫فأنزل ال تعالى هذه الية‪( :‬واللئي يئسن)‪ .‬والية مخصصة لعموم آية البقرة (والمطلقات‬
‫يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء) فقد نزلت سورة الطلق بعد سورة البقرة‪.‬‬
‫‪ 2‬اليأس‪ :‬عدم المل والميؤوس منه في الية هو‪ :‬الحيض وسواء كان قد وجد وانعدم أم لم يوجد‬
‫بعد‪.‬‬
‫‪ 3‬أطلق الفقهاء على التي تحيض وانقطع حيضها وهي لم تبلغ سن اليأس أطلقوا عليها‪( :‬المرتابة)‬
‫وألزموها بأن تتربص تسعة أشهر وهي مدة الحمل فإن لم تحض ولم يظهر لها حمل اعتدت‬
‫بثلثة أشهر فتتم لها سنة ثم لها أن تتزوج لنقضاء عدتها‪.‬‬

‫( ‪)5/377‬‬

‫‪ -2‬متوفى عنها زوجها وهي حامل‪ :‬عدتها وضع حملها‪1.‬‬


‫‪ -3‬مطلقة ل تحيض لكبر سنها أو لصغر سنها وقد دخل بها‪ :‬عدتها ثلثة أشهر‪.‬‬
‫‪ -4‬مطلقة تحيض عدتها ثلثة قروء أي حيض تبتدئ بالحيضة التي بعد الطهر الذي طلقت فيه‪.‬‬
‫أو ثلثة أطهار ‪ 2‬كذلك الكل واسع ولفظ القرء مشترك دال على الحيض وعلى الطهر‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان أن أحكام الطلق والرجعة والعدد مما أوحى ال به وأنزله في كتابه فوجب العمل به ول‬
‫يحل تبديله أو تغييره باجتهاد أبدا‪.‬‬
‫‪ -6‬فضل التقوى وأنها باب كل يسر وخير في الحياة الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ح ْملٍ فَأَ ْنفِقُوا‬
‫ن وَإِنْ كُنّ أُولتِ َ‬
‫ج ِدكُ ْم وَل ُتضَارّوهُنّ لِ ُتضَ ّيقُوا عَلَ ْيهِ ّ‬
‫ن وُ ْ‬
‫سكَنْتُمْ مِ ْ‬
‫سكِنُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َ‬
‫أَ ْ‬
‫ن وَأْ َتمِرُوا بَيْ َنكُمْ ِب َمعْرُوفٍ وَإِنْ‬
‫ضعْنَ َلكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُ ّ‬
‫حمَْلهُنّ فَإِنْ أَ ْر َ‬
‫ضعْنَ َ‬
‫عَلَ ْيهِنّ حَتّى َي َ‬
‫سعَتِ ِه َومَنْ قُدِرَ عَلَ ْيهِ رِ ْزقُهُ فَلْيُ ْنفِقْ ِممّا آتَاهُ اللّهُ‬
‫سعَةٍ مِنْ َ‬
‫َتعَاسَرْتُمْ َفسَتُ ْرضِعُ لَهُ أُخْرَى (‪ )6‬لِيُ ْنفِقْ ذُو َ‬
‫ج َعلُ اللّهُ َب ْعدَ عُسْرٍ ُيسْرا (‪)7‬‬
‫ل ُيكَّلفُ اللّهُ َنفْسا إِلّا مَا آتَاهَا سَ َي ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫من وجدكم ‪:‬أي من وسعكم بحيث يسكن الرجل مطلقته في بعض سكنه‪.‬‬
‫ول تضاروهن ‪:‬أي ل تطلبوا ضررهن بأي حال من الحوال سواء في السكن أو النفقة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اختلف في الحامل تسقط هل تنقضي عدتها بالسقاط أو ل فالجماع إن كان ما سقط منها ولد‬
‫تام الخلقة فإن عدتها انتهت بذلك‪ ،‬واختلف فيما إذا كان السقط مجرد علقة أو مضغة والراجع أنها‬
‫تحل لن العبرة بخلو الرحم يقينا وقد خل بالسقاط‪.‬‬
‫‪ 2‬العتداد بالطهار أولى لما فيه من التخفيف على المعتدة ولظاهر الية (فطلقوهن لعدتهن) أي‪:‬‬
‫لول عدتهن وهو الطهر الذي طلقها فيه ولم يمسها‪.‬‬

‫( ‪)5/378‬‬

‫لتضيقوا عليهن ‪:‬أي لجل أن تضيقوا عليهن السكن فيتركنه لكم ويخرجن منه‪.‬‬
‫وإن كن أولت أحمال ‪:‬أي حوامل يحملن الجنة في بطونهن‪.‬‬
‫فإن أرضعن لكم ‪:‬أي أولدكم‪.‬‬
‫فآتوهن أجورهن ‪:‬فأعطوهن أجورهن على الرضاع هذا في المطلقات‪.‬‬
‫وأتمروا بينكم بمعروف ‪:‬وتشاورا أو ليأمر كل منكم صاحبه بأمر ينتهى باتفاق على أجرة معقولة‬
‫ل إفراط فيها ول تفريط‪.‬‬
‫وإن تعاسرتم ‪:‬فإن امتنعت الم من الرضاع أو امتنع الب من الجرة‪.‬‬
‫لينفق ذو سعة من سعته ‪:‬أي لينفق على المطلقات المرضعات ذو الغنى من غناه‪.‬‬
‫ومن قدر عليه رزقه ‪:‬ومن ضيق عليه عيشه فلينفق بحسب حاله‪.‬‬
‫معنى اليتين ‪:‬‬
‫بعد بيان الطلق بقسميه الرجعى والبائن وبيان العدد على اختلفها بين تعالى في هاتين اليتين‬
‫ن وُجْ ِد ُكمْ} أي من وسعكم ول‬
‫سكَنْتُمْ‪ 1‬مِ ْ‬
‫سكِنُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َ‬
‫أحكام النفقات والرضاع فقال تعالى‪{ :‬أَ ْ‬
‫تضاروهن ‪ 2‬بأي مضارة ل في السكن ول في النفاق ول في غيره من أجل أن تضيقوا عليهن‬
‫فيتركن لكم السكن ويخرجن‪ .‬وهؤلء المطلقات طلقا رجعيا وهن حوامل أو غير حوامل‪ .‬وقوله‬
‫حمَْلهُنّ} أي وإن كانت المطلقة طلق البتة‬
‫ضعْنَ َ‬
‫ح ْملٍ فَأَ ْنفِقُوا عَلَ ْيهِنّ حَتّى َي َ‬
‫تعالى { َوإِنْ كُنّ أُولتِ َ‬
‫أي طلقها ثلث مرات فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن أي أسكنوهن وأنفقوا عليهن إلى أن يلدن‬
‫فإن وضعت حملها فهما بالخيار إن شاءت أرضعت له ولده بأجرة يتفقان عليها وإن شاء هو‬
‫أرضع ولده مرضعا غير أمه وهو معنى قوله تعالى فإن أرضعن ‪ 3‬لكم فآتوهن أجورهن وائتمروا‬
‫بينكم بمعروف وذلك يتم بتبادل الرأي إلى التفاق على أجرة معينة‪ ,‬وإن تعاسرا بأن طلب كل‬
‫واحد عسر الثاني أي تشاحا في الجرة فلم يتفقا فلترضع له أي للزوج امرأة أخرى من نساء‬
‫القرية‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال أشهب عن مالك‪ :‬يخرج عنها إذا طلقها ويتركها في المنزل للية (أسكنوهن) والصحيح أن‬
‫المنزل إذا كان يتسع لهما معا هي في حجرة وهي في أخرى فل داعي لخلئه لها وإن كان ل‬
‫يتسع إل لواحد فنعم يجب أن يتركه لها‪ ,‬وقوله تعالى‪( :‬من حيث سكنتم) يقرر أن السكنى تكون‬
‫في بيت الزوج المطلق‪.‬‬
‫‪ 2‬المضارة‪ :‬الضرار‪ ,‬والمراد بالتضييق المحرم‪ :‬إحراجهن أو أذاهن بأي أذىً‪ .‬فقوله تعالى (ول‬
‫تضاروهن لتضيقوا عليهن) شامل للمضايقة في السكنى والنفقة وفي العدة بأن يطلقها حتى إذا‬
‫كادت تنقضي عدتها راجعها ثم يطلقها‪.‬‬
‫‪ 3‬هل على المرأة أن ترضع ولدها؟ إن كانت عصمة الزوجية قائمة فالصحيح أنها ترضع ولدها‬
‫وجوبا وإن انفصلت عروة الزوجية قل يجب على الوالدة إرضاع إل إذا لم يقبل غيرها وخيف‬
‫عليه الموت فيتعين عليها إرضاعه بأجرة إن شاءت‪ .‬وأبو حنيفة ل يرى وجوب الرضاع على‬
‫الم مطلقا ويرى بعض العكس‪ .‬والوسط ما قدمناه وهو الحق‪.‬‬

‫( ‪)5/379‬‬

‫سعَ ِت ِه َومَنْ ُقدِرَ عَلَيْهِ رِ ْز ُقهُ فَلْيُ ْنفِقْ ِممّا آتَاهُ اللّهُ} أمر تعالى‬
‫سعَةٍ مِنْ َ‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬لِيُ ْنفِقْ ذُو ‪َ 1‬‬
‫المؤمن إذا طلق أن ينفق على مطلقته التي ترضع له ولده أو التي هي في عدتها في بيته بحسب‬
‫ى وطول‬
‫يساره أو إعساره أو غناه وافتقاره‪ ،‬إذ ى يكلف ال نفسا إل ما أعطاها من قدرة أو غن ً‬
‫والقاضي هو الذي يقدر النفقة عند المشاحنة وتكون بحسب دخل الرجل وما يملك من مال‪.‬‬
‫عسْرٍ يُسْرا} هذا وعد صدق أتمه لصحاب رسوله حيث كانوا في‬
‫ج َعلُ اللّهُ َبعْدَ ُ‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬سَيَ ْ‬
‫عسر ففتح عليهم ملك كسرى والروم فأبدل عسرهم يسرا‪ .‬وأما غيرهم فمشروط بالتقوى كما تقدم‬
‫ومن يتق ال يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ل يحتسب ومن يتق ال يجعل له من أمره يسرا‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب السكن والنفقة للمطلقة طلقا رجعيا‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب السكنى والنفقة للمطلقة الحامل حتى تضع حملها‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب السكنى والنفقة للمتوفى عنها زوجها وهي حامل‪.‬‬
‫‪ -4‬المطلقة البائن والمبتوتة لم يقض لهما رسول ال صلى ال عليه وسلم بنفقة ول سكنى لحديث‬
‫فاطمة ‪ 2‬بنت قيس أخت الضحاك‪ ،‬ومن الفضل الذي ينبغي أن ل ينسى إن كانت محتاجة إلى‬
‫سكن أو نفقة أن يسكنها مطلقها وينفق عليها مدة عدتها‪ .‬وأجره عظيم لنه أحسن وال يحب‬
‫المحسنين‪.‬‬
‫‪ -5‬النفقة الواجبة تكون بحسب حال المطلق غنىً وفقرا والقاضي يقدرها أن تشاحا‪.‬‬
‫‪ -6‬المطلقة طلقا بائنا إن أرضعت ولدها لها أجرة إرضاعها حسب اتفاق الطرفين الم والب‪.‬‬
‫‪ -7‬بيان القاعدة العامة وهي أن ل تكلف نفس إل وسعها‪.‬‬
‫َوكَأَيّنْ مِنْ قَرْ َيةٍ عَ َتتْ عَنْ َأمْرِ رَ ّبهَا وَرُسُلِهِ َفحَاسَبْنَاهَا حِسَابا شَدِيدا وَعَذّبْنَاهَا عَذَابا ُنكْرا (‪)8‬‬
‫ت وَبَالَ َأمْ ِرهَا َوكَانَ عَاقِ َبةُ َأمْرِهَا خُسْرا (‪)9‬‬
‫فَذَا َق ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية دليل على وجوب نفقة الولد على والده وأما الم فل إل لضرورة كأن يموت الوالد أو‬
‫يعجز‪ ،‬وكانت الم قادرة فلتنفق وجوبا على طفلها‪.‬‬
‫‪ 2‬وصف المالكية حديث فاطمة بالغرابة‪ ،‬وأن عمر رضي ال عنه لم يقل به‪ ،‬وقال‪ :‬ل نترك‬
‫كتاب ال لقول امرأة يعني أن الية عامة في كل مطلقة ل فرق بين البائن وغيرها‪ ،‬فالسكنى‬
‫والنفقة للجميع وهو أرحم وأعظم أجرا وال أعلم‪.‬‬

‫( ‪)5/380‬‬

‫أَعَدّ اللّهُ َلهُمْ عَذَابا شَدِيدا فَا ّتقُوا اللّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْ َزلَ اللّهُ إِلَ ْيكُمْ ِذكْرا (‪)10‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ‬
‫رَسُولً يَ ْتلُو عَلَ ْي ُكمْ آيَاتِ اللّهِ مُبَيّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫حسَنَ‬
‫ل صَالِحا ُيدْخِ ْلهُ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا َقدْ أَ ْ‬
‫َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّ ِه وَ َي ْعمَ ْ‬
‫اللّهُ لَهُ رِزْقا (‪)11‬‬
‫شيْءٍ‬
‫ت َومِنَ الْأَ ْرضِ مِثَْلهُنّ يَتَنَ ّزلُ الَْأمْرُ بَيْ َنهُنّ لِ َتعَْلمُوا أَنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫سمَاوَا ٍ‬
‫اللّهُ الّذِي خَلَقَ سَبْعَ َ‬
‫شيْءٍ عِلْما (‪)12‬‬
‫قَدِي ٌر وَأَنّ اللّهَ قَدْ َأحَاَطَ ِب ُكلّ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وكأين من قرية ‪:‬أي وكثير من قرية أي مدينة‪.‬‬
‫عتت عن أمر ربها ‪:‬أي عصت يعني أهلها عصوا ربهم ورسله‪.‬‬
‫عذابا نكرا ‪:‬أي فظيعا‪.‬‬
‫ذكرا رسولً ‪ :‬أي القرآن وأرسل إليكم رسولً هو محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫من الظلمات إلى النور ‪:‬أي من ظلمات الكفر والشرك إلى نور اليمان والتوحيد‪.‬‬
‫قد أحسن ال له رزقا ‪:‬أي رزق الجنة التي ل ينقطع نعيمها أبدا‪.‬‬
‫ومن الرض مثلهن ‪ :‬أي سبع أرضين أرضا فوق أرض كالسموات سماء فوق سماء‪.‬‬
‫يتنزل المر بينهن ‪:‬أي الوحي بين السموات والرض‪.‬‬
‫لتعلموا أن ال على كل شيء ‪:‬أي أعلمكم بذلك الخلق العظيم والتنزيل العجيب لتعلموا‪..‬‬
‫قدير‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما قرر تعالى أحكام الطلق والرجعة والعدة والنفقات وقال ذلك أمر ال أنزله إليكم‪ ،‬وأوجب‬

‫( ‪)5/381‬‬

‫العمل به حذر في هذه الية من إهمال تلك الحكام وتجاهلها وعدم القيام بها فقال‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ‪1‬‬
‫قَرْيَةٍ} أي كثير من المدن عتا أهلها أي ترفعوا متكبرين عن أوامر ال ورسله فلم يمتثلوها وعن‬
‫الحقوق فلم يؤدوها حاسبها ‪ 2‬ال تعالى في الدنيا حسابا شديدا وعذبها عذابا نكرا أي ‪ 3‬فظيعا‪.‬‬
‫فذاقت بذلك وبال أمرها أي عقوبته وكان عاقبة أمرها خسرا أي خسارا وهلكا وأعد ال لهم‬
‫عذابا شديدا هو عذاب يوم القيامة وفي تكرار الوعيد تحذير من الوقوع فيه بالشرك والظلم‪ .‬وقوله‬
‫تعالى {فَا ّتقُوا اللّهَ} أي خافوا عقابه فل تهملوا أحكامه ول تعطلوها فيحل بكم ما حل بغيركم ممن‬
‫عتوا عن أمر ربهم ورسله يا أولي اللباب أي العقول الذين آمنوا قد أنزل إليكم ذكرا هو القرآن‬
‫{رَسُولً} ‪ 4‬هو محمد صلى ال عليه وسلم {يَتْلُو عَلَ ْيكُمْ آيَاتِ اللّهِ مُبَيّنَاتٍ‪ }5‬واضحات في نفسها ل‬
‫خفاء فيها ول غموض‪ ،‬ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات أي ظلمات الكفر‬
‫والشرك إلى النور نور اليمان والتوحيد والعمل الصالح‪.‬‬
‫ل صَالِحا ُيدْخِ ْلهُ‪ 6‬جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا‬
‫وقوله تعالى { َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّهِ وَ َيعْ َم ْ‬
‫أَبَدا َقدْ َأحْسَنَ‪ 7‬اللّهُ َلهُ رِزْقا} هذا وعد كريم من رب رحيم يعد كل من آمن به وعمل صالحاُ أن‬
‫يدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا قد أحسن له فيها رزقا وهو نعيم الجنة الذي‬
‫ل ينفد ول ينقطع أبدا‪.‬‬
‫ت َومِنَ الْأَ ْرضِ مِثَْلهُنّ‪ }8‬أي سبع أرضين واحدة فوق الخرى‬
‫سمَاوَا ٍ‬
‫وقوله {اللّهُ الّذِي خَلَقَ سَبْعَ َ‬
‫كالسموات سماء فوق سماء هذا هو ال المعبود بحق الذي ل إله غيره ول رب سواه‪.‬‬
‫شيْءٍ عِلْما} أي ‪9‬‬
‫شيْءٍ َقدِي ٌر وَأَنّ اللّهَ َقدْ أَحََاطَ ِب ُكلّ َ‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬لِ َتعَْلمُوا أَنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫__________‬
‫‪( 1‬وكأين)‪ :‬اسم لعدد كثير مبهم يفسره ما يميزه بعده من اسم مجرور بمن وهو بمعنى‪ :‬كم‬
‫الخبرية‪ ،‬والمراد بالقرية‪ :‬أهلها والقرية‪ :‬المدينة الكبيرة‪.‬‬
‫‪( 2‬حاسبناها) بمعنى‪ :‬جازينها مجازاة دقيقة دقة الحساب‪.‬‬
‫‪ 3‬قرأ نافع (نكرا) بضم النون والكاف‪ ،‬وقرأ حفص (نكرا) بضم النون وإسكان الكاف‪ .‬والعذاب‬
‫النكر‪ :‬ما ينكره المرء من فظاعة كيفيته إنكارا شديدا‪.‬‬
‫‪ 4‬جائز أن يكون (رسولً) بدل اشتمال من (ذكر) لتوقف الذكر على الرسول‪ ،‬وجائز أن يكون‬
‫(رسولً) معمول لفعل محذوف تقديره وأرسل إليكم رسولً‪ ،‬وهذا واضح‪.‬‬
‫‪ 5‬قرأ نافع (مبينات) بفتح الياء‪ ،‬وقرأ حفص (مبينات) بكسرها والمعنى واحد‪.‬‬
‫‪ 6‬قرأ نافع ندخله بالنون وقرأ حفص يدخله بالياء‪.‬‬
‫‪ 7‬أحسن ال له رزقا قوله أحسن أبلغ من أعد لن الحسان ل يكون إل بعد العداد‪.‬‬
‫‪ 8‬كون الرضين سبعا يشهد له قوله تعالى ومن الرض مثلهن أي مثل السموات السبع ويشهد له‬
‫السنة الصحيحة فقد روى عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬‬
‫من أخذ شبرا من الرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أراضين"‪ .‬ومثله أبي هريرة وفيه‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل يأخذ أحد شبرا من الرض بغير حق إل طوقه ال إلى‬
‫سبع أرضين يوم القيامة"‪.‬‬
‫‪ 9‬المراد بالمر هنا أمر ال تعالى وهو ما يدبر به شؤون مخلوقاته في الرض والسماء‪ .‬من‬
‫موت وحياة وغيرهما وأمر ونهي وعطاء ومنع وغيرهما‪ ،‬وال أعلم بمراده من كلمه وهو العليم‬
‫الحكيم‪.‬‬

‫( ‪)5/382‬‬

‫أعلمكم بخلقه العظيم من السموات والرضين وبتنزل المر بينهن في كل وقت وحين لتعلموا أنه‬
‫تعالى على كل شيء قدير لترغبوا فيما عنده وأنه أحاط بكل علما لترهبوه وتراقبوه‪ ،‬وبذلك‬
‫تتهيؤن لنعامه ورضاه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬التحذير من ترك الحكام الشرعية وإهمالها والعبث بها‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان منة ال على هذه المة بإنزال القرآن عليها وإرسال الرسول إليها‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أن الكفر ظلمة وأن اليمان نور‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان عظمة ال تعالى وسعة علمه‪.‬‬

‫( ‪)5/383‬‬

‫سورة التحريم‬
‫‪...‬‬
‫سورة التحريم ‪1‬‬
‫مدنية وآياتها اثنتا عشر آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪َ )1‬قدْ فَ َرضَ اللّهُ‬
‫ك وَاللّهُ َ‬
‫جَ‬‫حلّ اللّهُ َلكَ تَبْ َتغِي مَ ْرضَاتَ أَ ْزوَا ِ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ لِمَ تُحَرّمُ مَا أَ َ‬
‫حدِيثا فََلمّا‬
‫حكِيمُ (‪ )2‬وَإِذْ أَسَرّ النّ ِبيّ إِلَى َب ْعضِ أَ ْزوَاجِهِ َ‬
‫َلكُمْ َتحِلّةَ أَ ْيمَا ِنكُمْ وَاللّهُ َموْلكُمْ وَ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ ا ْل َ‬
‫ظهَ َرهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَ ّرفَ َب ْعضَ ُه وَأَعْ َرضَ عَنْ َب ْعضٍ فََلمّا نَبّأَهَا ِبهِ قَاَلتْ مَنْ أَنْبََأكَ هَذَا قَالَ‬
‫نَبَّأتْ بِ ِه وَأَ ْ‬
‫ص َغتْ قُلُو ُب ُكمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنّ اللّهَ ُهوَ َموْلهُ‬
‫نَبّأَ ِنيَ ا ْلعَلِيمُ ا ْلخَبِيرُ (‪ )3‬إِنْ تَتُوبَا ِإلَى اللّهِ َفقَ ْد َ‬
‫ظهِيرٌ (‪ )4‬عَسَى رَبّهُ إِنْ طَّل َقكُنّ أَنْ يُبْدَِلهُ أَ ْزوَاجا‬
‫ن وَا ْلمَل ِئكَةُ َبعْدَ ذَِلكَ َ‬
‫ل َوصَالِحُ ا ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫وَجِبْرِي ُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وتسمى سورة النبي أيضا‪.‬‬

‫( ‪)5/383‬‬

‫ت وَأَ ْبكَارا (‪)5‬‬


‫سِلمَاتٍ ُم ْؤمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيّبَا ٍ‬
‫خَيْرا مِ ْنكُنّ مُ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫لم تحرم ما أحل ال لك ‪:‬أي لم تحرم جاريتك مارية التي أحلها لك‪.‬‬
‫تبتغي مرضات أزواجك ‪:‬أي بتحريمها‪.‬‬
‫قد فرض لكم تحلة أيمانكم ‪:‬أي شرع لكم تحليلها بالكفارة المذكورة في سورة المائدة‪.‬‬
‫وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه ‪:‬هي حفصة بنت عمر رضي ال عنهما‪.‬‬
‫حديثا ‪:‬هو تحريم مارية وقوله لها ل تفشيه‪.‬‬
‫فلما نبأت به ‪:‬أي نبأت حفصة عائشة أي أختبرها به ظنا منها أنه ل حرج في ذلك باجتهادٍ‪.‬‬
‫وأظهره ال عليه ‪:‬أي اطلعه عليه أي على المنبأ به‪.‬‬
‫عرف بعضه ‪:‬أي لحفصة‪.‬‬
‫وأعرض عن بعض ‪:‬أي تكرما منه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫إن تتوبا إلى ال ‪:‬أي حفصة وعائشة رضي ال عنهما تقبل توبتكما‪.‬‬
‫فقد صغت قلوبكما ‪:‬أي مالت إلى تحريم مارية أي سركما ذلك‪.‬‬
‫وإن تظاهرا عليه ‪:‬أي تتعاونا أي على النبي صلى ال عليه وسلم فيما يكرهه‪.‬‬
‫فإن ال هو موله ‪:‬أي ناصره‪.‬‬
‫وصالح المؤمنين ‪:‬أي أبو بكر وعمر رضي ال عنهما‪.‬‬
‫والملئكة بعد ذلك ظهير ‪:‬أي ظهراء وأعوان له‪.‬‬
‫قانتات ‪:‬أي عابدات‪.‬‬
‫سائحات ‪:‬أي صائمات أو مهاجرات‪.‬‬
‫معنى اليات ‪:‬‬
‫غفُورٌ‬
‫ك وَاللّهُ َ‬
‫جَ‬‫حلّ‪ 1‬اللّهُ َلكَ تَبْ َتغِي مَ ْرضَاتَ أَ ْزوَا ِ‬
‫قوله تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ِلمَ تُحَرّمُ مَا أَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى مسلم عن عائشة رضي ال عنها أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يمكث عند زينب‬
‫بنت جحش فيشرب عندها عسل‪ ،‬قالت فتواطأت أنا وحفصة إن أيتنا دخل عليها رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير‪ :‬أكلت مغافير‪ :‬فدخل على إحداهما فقالت له ذلك‬
‫فقال بل شربت عسل عند زينب بنت جحش ولن أعود له‪ .‬فنزل {لم تحرم ما أحل ال لك} إلى‬
‫{ إن تتوبا} ‪ ،‬المغافير جمع مغفور بقلة من البقول‪.‬‬

‫( ‪)5/384‬‬

‫رَحِيمٌ} في هذا عتاب من ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم إذ حرم جاريته مارية ترضية ‪1‬‬
‫وذلك أنه صلى ال عليه وسلم خل بها في بيت إحدى نسائه فاطلعت عليه فقالت يا رسول ال في‬
‫بيتي وعلى فراشي فجعلها أي مارية عليه حراما ترضية لصاحبة الحجرة والفراش‪ .‬فأنزل ال‬
‫حلّ اللّهُ َلكَ}‬
‫تعالى هذه اليات مشتملة على هذه القصة فقال تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ِلمَ تُحَرّمُ مَا أَ َ‬
‫غفُورٌ‬
‫جكَ} أي تطلب رضاهن {وَاللّهُ َ‬
‫يعني جاريته مارية القبطية أم إبراهيم‪{ .‬تَبْ َتغِي مَ ْرضَاتَ أَ ْزوَا ِ‬
‫رَحِيمٌ} بك فل لوم عليك بعد هذا ول عتاب فجاريتك ل تحرم عليك وكفر عن يمينك‪ .‬إذ قال لها‬
‫هي علي ‪2‬حرام و وال ل أطؤها‪.‬‬
‫وقوله تعالى {قَدْ فَ َرضَ اللّهُ َلكُمْ‪ 3‬تَحِلّةَ أَ ْيمَا ِنكُمْ} أي ما تحللون به من أيمانكم إذا حلفتم وهي ما‬
‫ط ِعمُونَ َأهْلِيكُمْ‬
‫طعَامُ عَشَ َرةِ َمسَاكِينَ مِنْ َأوْسَطِ مَا ُت ْ‬
‫جاء في سورة المائدة من قوله تعالى { َف َكفّارَتُهُ ِإ ْ‬
‫سوَ ُتهُمْ َأوْ تَحْرِيرُ َرقَ َبةٍ َفمَنْ لَمْ َيجِدْ َفصِيَامُ ثَلثَةِ أَيّامٍ ذَِلكَ َكفّا َرةُ أَ ْيمَا ِنكُمْ ِإذَا حََلفْتُمْ} وقوله تعالى‬
‫َأوْ كِ ْ‬
‫وال مولكم أي متولي أمركم وناصركم‪ .‬وهو العليم بأحوال عباده الحكيم في قضائه وتدبيره‬
‫لخلقه‪.‬‬
‫وقوله تعالى {وَِإذْ أَسَرّ النّ ِبيّ} أي أذكر إذ أسر النبي لبعض أزواجه حديثا وهي حفصة بنت عمر‬
‫رضي ال عنها إذ قال لها لقد حرمت فلنة و وال ل أطأها وطلب منها أن ل تفشي هذا السر‪.‬‬
‫فحدثت به عائشة وكانت متصافية معها توادها‪.‬‬
‫فأطلع ال رسوله على ذلك‪ .‬فلما نبأت به وأظهره ال عليه عرف بعضه لحفصة وأعرض عن‬
‫بعض تكرما منه صلى ال عليه وسلم‪ .‬قالت أي حفصة من أنبأك هذا؟ قال نبأني العليم الخبير‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إن تتوبا إلى ال أي حفصة وعائشة فقد صغت قلوبكما أي مالت إلى تحريم مارية أي‬
‫سركما كذلك‪ .‬وجواب الشرط تقديره تقبل توبتكما‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} أي تتعاونا‬
‫عليه صلى ال عليه وسلم فيما يكرهه‪ ،‬فإن تعاونكما يا حفصة وعائشة رضي ال عنكما لن يضره‬
‫شيئا فإن ال هو موله وجبريل وصالح المؤمنين أبو بكر وعمر‪ ،‬والملئكة بعد ذلك ظهير له أي‬
‫ظهراء وأعوان له عن كل من يؤذيه أو يريده بسوء‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ترضية لبعض أزواجه أي طلبا لرضاها وهي حفصة بنت عمر رضي ال عنهما‪.‬‬
‫‪ 2‬اختلف أهل العلم فيمن حرم شيئا فإن كان غير الزوجة فالجمهور على أنه ل يحرم ول كفارة‬
‫عليه‪ ،‬وبعض يقول عليه كفارة يمين‪ :‬أما الزوجة فقد بلغت القوال فيها ثمانية عشر قولً أعدلها‬
‫أن من حرم زوجته بلفظ أنت حرام أو بالحرام إن نوى طلقها فعليه طلقة‪ ،‬وإن لم ينو طلقها‬
‫فإن عليه كفارة يمين كما في صحيح مسلم عن ابن عباس قال‪ :‬إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي‬
‫يمين يكفرها‪ ،‬وقال‪ :‬لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة‪.‬‬
‫‪ 3‬تحلة اليمين كفارتها أي من حلف على شيء وأراد أن يعود إليه فليكفر عن يمينه وليأت ما‬
‫حلف عليه‪.‬‬

‫( ‪)5/385‬‬

‫وقوله تعالى {عَسَى رَبّهُ إِنْ طَّل َقكُنّ أَنْ يُبْدَِلهُ أَ ْزوَاجا خَيْرا مِ ْنكُنّ} ‪ ،‬وفي هذا تخويف شديد لمهات‬
‫المؤمنين وتأديب رباني كبير لهن إذ وعد رسوله أنه لو طلقهن لبدله خيرا منهن {مُسِْلمَاتٍ‬
‫ت وَأَ ْبكَارا} أي‬
‫ُم ْؤمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَا ِبدَاتٍ سَا ِئحَاتٍ} أي ‪ 1‬صائمات أو مهاجرات‪{ ،‬ثَيّبَا ٍ‬
‫بعضهن ثيبات وبعضهن أبكارا إل أن الرسول صلى ال عليه وسلم لم يطلقهن وال تعالى لم يبدله‬
‫فهن زوجاته في الدنيا زوجاته في الخرة هذا وأنبه إلى أن خلفا كبيرا بين أهل التفسير في الذي‬
‫حرمه رسول ال صلى ال عليه وسلم على نفسه وعاتبه ربه عليه‪ .‬وأحله ال له هل هو شراب‬
‫كان يحبه‪ ،‬أو هو جاريته مارية ومن ‪ 2‬الجائز أن يكون غير ما ذكر؛ لن ال تعالى لم يذكر نوع‬
‫ما حرم رسوله على نفسه‪ ،‬وإنما قال لم تحرم ما أحل ال لك‪ .‬والجمهور على أن المحرم مارية‪،‬‬
‫وفي البخاري أنه العسل وال أعلم فلذا استغفر ال تعالى أن أكون قد قلت عليه أو على رسوله ما‬
‫ل يرضيهما أستغفر ال‪ ،‬أستغفر ال‪ ،‬أستغفر ال إن ربي غفور رحيم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير نبوته صلى ال عليه وسلم وبشريته الكاملة‪.‬‬
‫‪ -2‬أخذ الشافعي وأحمد رحمهما ال تعالى من هذه الية أن من قال لزوجته أنت حرام أو حرمتك‬
‫وهو لم ينو طلقها أن عليه كفارة يمين ل غير‪ ،‬وذكر القرطبي في هذه المسألة ثمانية عشر قولً‬
‫للفقهاء أشدها البتة وأرفقها أن فيها كفارة يمين كما هو مذهب المامين الشافعي وأحمد رحمهما‬
‫ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬كرامة الرسول صلى ال عليه وسلم على ربه‪.‬‬
‫‪ -4‬فضل أبي بكر وعمر رضي ال عنهما‪.‬‬
‫شدَا ٌد ل‬
‫س وَا ْلحِجَا َرةُ عَلَ ْيهَا مَل ِئكَةٌ غِلظٌ ِ‬
‫سكُ ْم وَأَهْلِيكُمْ نَارا َوقُودُهَا النّا ُ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا قُوا أَ ْنفُ َ‬
‫َي ْعصُونَ اللّهَ مَا َأمَرَهُمْ وَيَ ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ (‪ )6‬يَا أَ ّيهَا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل سمي الصائم سائحا لن السائح ل زاد معه فكذلك الصائم ل زاد معه‪.‬‬
‫‪ 2‬نعم من الجائز أن يكون غير ما ذكر ولكن بتتبع لروايات وأقوال العلماء سلفا وخلفا ثبت أن‬
‫المر يدور بين أن ما حرمه صلى ال عليه وسلم على نفسه ترضية هو جاريته مارية‪ ،‬أو العسل‬
‫ل غيرهما‪.‬‬

‫( ‪)5/386‬‬

‫الّذِينَ َكفَرُوا ل َتعْ َتذِرُوا الْ َيوْمَ إِ ّنمَا ُتجْ َزوْنَ مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )7‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ‬
‫َتوْبَةً َنصُوحا عَسَى رَ ّبكُمْ أَنْ ُي َكفّرَ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِتكُ ْم وَيُ ْدخَِلكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ َيوْ َم ل‬
‫سعَى بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ْم وَبِأَ ْيمَا ِنهِمْ َيقُولُونَ رَبّنَا أَ ْت ِممْ لَنَا نُورَنَا‬
‫ي وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ نُورُهُمْ يَ ْ‬
‫يُخْزِي اللّهُ النّ ِب ّ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ (‪)8‬‬
‫علَى ُكلّ َ‬
‫وَاغْفِرْ لَنَا إِ ّنكَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫قوا أنفسكم وأهليكم ‪:‬أي اجعلوا لها وقاية بطاعة ال والرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫نارا وقودها الناس والحجارة ‪ :‬أي توقد بالكفار والصنام التي تعبد من دون ال‪ ،‬ل بالحطب‬
‫ونحوه‪.‬‬
‫ل تعتذروا اليوم ‪:‬أي لنه ل ينفعكم اعتذار‪ ،‬يقال لهم هذا عند دخولهم النار‪.‬‬
‫توبة نصوحا ‪:‬أي توبة صادقة بأن ل يعاد إلى الذنب ول يراد العود إليه‪.‬‬
‫يوم ل يخزي ال النبي والذين آمنوا ‪:‬أي بإدخالهم النار‪.‬‬
‫يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ‪:‬أي أمامهم ومن كل جهاتهم على قدر أعمالهم‪.‬‬
‫ربنا أتمم لنا نورنا ‪:‬أي إلى الجنة‪ ،‬لن المنافقين ينطفيء نورهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫س وَا ْلحِجَا َرةُ} هذا نداء ال‬
‫سكُمْ‪ 1‬وَأَهْلِيكُمْ نَارا َوقُو ُدهَا النّا ُ‬
‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا قُوا أَ ْنفُ َ‬
‫إلى عباده المؤمنين يعظهم وينصح لهم فيه أن يقوا أنفسهم وأهليهم ‪ 2‬من زوجة وولد‪ ،‬نارا‬
‫عظيمة‪ ،‬وقودها‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال علي رضي ال عنه ومجاهد وقتادة‪ :‬قوا أنفسكم بأفعالكم‪ ،‬وقوا أهليكم بوصيتكم‪ .‬قال ابن‬
‫العربي هذا هو الصحيح لما يعطيه العطف الذي يقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه‬
‫في معنى الفعل كقول الشاعر‪:‬‬
‫علفتها تبنا وماء باردا‬
‫أي وسقيتها ماءً باردا‬
‫‪2‬إن الوقاية ل تتم إل باليمان وصالح العمال بعد اجتناب الشرك والمعاصي‪ ،‬وهذا يتطلب العلم‬
‫بذلك وتوطين النفس على العمل بما يعلم من ذلك فعل لما يفعل وتركا لما يترك فليأخذ العبد نفسه‬
‫وأهله بهذا نصحا له ولهم حتى يقي نفسه ويقي أهله‪.‬‬

‫( ‪)5/387‬‬

‫أي ما توقد به الناس من المشركين والحجارة التي هي أصنامهم التي كانوا يعبدونها يقون أنفسهم‬
‫بطاعة ال ورسوله تلك الطاعة التي تزكي أنفسهم وتؤهلهم لدخول الجنة بعد النجاة من النار‪.‬‬
‫وقوله تعالى {عَلَ ْيهَا مَل ِئكَةٌ غِلظٌ شِدَادٌ ل َي ْعصُونَ اللّهَ مَا َأمَرَهُ ْم وَ َي ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ} أي على‬
‫النار قائمون عليها وهم الخزنة التسعة عشرة غلظ القلوب ‪ 1‬والطباع شداد البطش إذا بطشوا ول‬
‫يعصون ال أي ل يخالفون أمره‪ ،‬وينتهون إلى ما يأمرهم به وهو معنى ويفعلون ما يأمرون‪.‬‬
‫وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ كَفَرُوا ل َتعْتَذِرُوا الْ َيوْمَ‪ }2‬هذا يقال لهل النار ينادون ليقال لهم‪ :‬ل‬
‫تعتذروا اليوم حيث ل ينفع العتذار‪ .‬وإنما تجزون ما كنتم تعملون الحسنة بالحسنة والسيئة‬
‫بالسيئة‪.‬‬
‫وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا ِإلَى اللّهِ َتوْبَةً َنصُوحا} هذا هو النداء الثاني الذي ينادي فيه‬
‫ال تعالى عباده المؤمنين يأمرهم فيه بالتوبة العاجلة النصوح التي ل يعود صاحبها إلى الذنب كما‬
‫ل يعود البن إلى ‪ 3‬الضرع‪ ،‬ويعدهم ويبشرهم يعدهم بتكفير سيئاتهم‪ ،‬ويبشرهم بالجنة دار النعيم‬
‫المقيم فيقول {عَسَى ‪ 4‬رَ ّبكُمْ أَنْ ُيكَفّرَ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِتكُ ْم وَيُ ْدخَِلكُمْ} أي بعد ذلك {جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا‬
‫سعَى‬
‫ي وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ} أي بإدخالهم الجنة‪ .‬وقوله تعالى {نُورُهُمْ َي ْ‬
‫الْأَ ْنهَارُ َيوْمَ ل يُخْزِي اللّهُ النّ ِب ّ‬
‫بَيْنَ أَيْدِي ِه ْم وَبِأَ ْيمَا ِنهِمْ} أي وهم مجتازون الصراط يسألون ربهم أن يبقي ‪ 5‬لهم نورهم ل يقطعه‬
‫عنهم حتى يجتازوا الصراط وينجوا الصراط وينجوا من السقوط في جهنم كما يسألونه أن يغفر‬
‫لهم ذنوبهم التي قد يردون بها إلى النار بعد اجتياز الصراط‪.‬‬
‫وقولهم‪ :‬إنك على كل شيء قدير هذا توسل منهم لقبول دعائهم حيث توسلوا بصفة القوة والقدرة‬
‫ل تعالى فقالوا إنك على كل شيء قدير فأتمم لنا نورنا واغفر لنا‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب العناية بالزوجة والولد وتربيتهم وأمرهم بطاعة ال ورسوله ونهيهم عن ترك ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب التوبة الفورية على كل من أذنب من المؤمنين والمؤمنات وهي القلع من الذنب‬
‫فورا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة‪ ،‬وروى مرفوعا ما بين‬
‫منكبي أحدهم كما بين المشرق والمغرب‪.‬‬
‫‪ 2‬لن عذرهم ل ينفعهم‪ .‬والقصد من هذا النهي هو تحقيق اليأس منهم‪.‬‬
‫‪ 3‬قال القرطبي اختلف في تحديد التوبة النصوح على ثلث وعشرين قولُ وقدم ما في التفسير‬
‫على تلك القوال‪.‬‬
‫‪ 4‬عسى من ال تعالى واجبة‪ ،‬ويشهد لهذا قوله صلى ال عليه التائب من الذنب كمن ل ذنب له‪.‬‬
‫‪ 5‬قال ابن عباس ومجاهد‪ :‬هذا دعاء المؤمنين حين أطفأ ال نور المنافقين‪.‬‬

‫( ‪)5/388‬‬

‫أي تركه والتخلي عنه‪ ،‬ثم العزم على أن ل يعود إليه في صدق‪ ،‬ثم ملزمة الندم والستغفار كلما‬
‫ذكر ذنبه استغفر ربه وندم على فعله وإن كان الذنب متعلقا بحق آدمي كأخذ ماله أو ضرب‬
‫جسمه أو انتهاك عرضه وجب التحلل منه حتى يعفو ويسامح‪.‬‬
‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪ )9‬ضَ َربَ اللّهُ‬
‫ن وَاغْلُظْ عَلَ ْيهِ ْم َومَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ جَاهِدِ ا ْل ُكفّا َر وَا ْلمُنَافِقِي َ‬
‫حتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ َفخَانَتَا ُهمَا فَلَمْ‬
‫ح وَامْرََأتَ لُوطٍ كَانَتَا َت ْ‬
‫مَثَلً لِلّذِينَ َكفَرُوا امْرََأتَ نُو ٍ‬
‫ُيغْنِيَا عَ ْن ُهمَا مِنَ اللّهِ شَيْئا َوقِيلَ ادْخُل النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ (‪َ )10‬وضَ َربَ اللّهُ مَثَلً لِلّذِينَ آمَنُوا امْرََأتَ‬
‫عمَلِ ِه وَنَجّنِي مِنَ ا ْل َقوْمِ‬
‫ن وَ َ‬
‫عوْ َ‬
‫عوْنَ إِذْ قَاَلتْ َربّ ابْنِ لِي عِنْ َدكَ بَيْتا فِي ا ْلجَنّ ِة وَنَجّنِي مِنْ فِرْ َ‬
‫فِرْ َ‬
‫جهَا فَ َنفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا َوصَ ّد َقتْ ِبكَِلمَاتِ‬
‫حصَ َنتْ فَ ْر َ‬
‫عمْرَانَ الّتِي َأ ْ‬
‫الظّاِلمِينَ (‪َ )11‬ومَرْيَمَ ابْ َنتَ ِ‬
‫رَ ّبهَا َوكُتُبِ ِه َوكَانَتْ مِنَ ا ْلقَانِتِينَ (‪)12‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫جاهد الكفار ‪:‬أي بالسيف‪.‬‬
‫والمنافقين ‪:‬أي باللسان‪.‬‬
‫واغلظ عليهم ‪ :‬أي أشدد عليهم في الخطاب ول تعاملهم باللين‪.‬‬
‫فخانتاهما ‪:‬أي في الدين إذ كانتا كافرتين‪.‬‬
‫فلم يغنيا عنهما ‪:‬أي نوح ولوط عن امرأتيهما‪.‬‬
‫من ال شيئا ‪:‬أي من عذاب ال شيئا وإن قل‪.‬‬
‫امرأة فرعون ‪:‬أي آسيا بنت مزاحم آمنت بموسى‪.‬‬

‫( ‪)5/389‬‬
‫أحصنت فرجها ‪:‬أي حفظته فلم يصل إليه الرجال ل بنكاح ول زنا‪.‬‬
‫فنفخنا فيه من روحنا ‪:‬أي نفخنا في كم درعها بواسطة جبريل الملقب بروح القدس‪.‬‬
‫وصدقت بكلمات ربها ‪:‬أي بولدها عيسى أنه كلمة ال وعبده ورسوله‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫في الية الولى (‪ )9‬يأمر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم بعدما ناداه بعنوان النبوة‬
‫تشريفا وتكريما يأمره بجهاد الكفار والمنافقين فالكفار بالسيف‪ ،‬وشن الغارات ‪ 1‬عليهم حتى‬
‫يسلموا‪ ،‬والمنافقون بالقول الغليظ والعبارة البليغة المخيفة الحاملة للوعيد والتهديد‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫{وَاغْلُظْ عَلَ ْيهِمْ} أي أشدد وطأتك على الفريقين على المنافقين باللسان‪ ،‬وعلى الكافرين بالسنان‪.‬‬
‫ومأواهم ‪ 2‬جهنم وبئس المصير إذا ماتوا على نفاقهم وكفرهم‪ ،‬أو من علم ال موتهم على ذلك‪.‬‬
‫وقوله تعالى في الية الثانية (‪ )10‬ضرب ال مثلً في عدم انتفاع الكافر بقرابة المؤمن مهما كانت‬
‫درجة القرابة عنده‪ .‬وهو امرأة نوح ‪ 3‬وامرأة لوط إذ كانت كل واحدة منهما تحت نبي رسول‬
‫فخانتاهما في ‪ 4‬دينهما فكانتا كافرتين فامرأة نوح تفشي سر من يؤمن بزوجها وتخبر به الجبابرة‬
‫من قوم نوح حتى يبطشوا به وكانت تقول لهم إن زوجها مجنون‪ ،‬وامرأة لوط كانت كافرة وتدل‬
‫المجرمين على ضيوف لوط إذا نزلوا عليه في بيته وذلك في الليل بواسطة النار‪ ،‬وفي النهار‬
‫بواسطة الدخان‪ .‬فلما كانتا كافرتين لم تغن عنهما قرابتهما بالزوجية شيئا‪ .‬ويوم القيامة يقال لهما‪:‬‬
‫ادخل النار مع الداخلين من قوم نوح وقوم لوط‪ .‬هذا مثل آخر في عدم تضرر المؤمن بقرابة‬
‫الكافر ولو كانت القرابة الزوجية وما أقواها‪ ،‬وهو –المثل‪ -‬امرأة فرعون الكافر الظالم آسيا بنت‬
‫مزاحم كانت قد آمنت بموسى مع من آمن فلما عرف فرعون إيمانها أمر بقتلها فلما علمت بعزم‬
‫الطاغية على قتلها قالت في مناجاتها لربها‪ :‬رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون‬
‫وعمله الذي هو الكفر والظلم حتى ل أكون كافرة بك ول ظالمة لحد من خلقك‪ ،‬ونجني من القوم‬
‫الظالمين أي من عذابهم فشدت أيديها وأرجلها لتلقى عليها صخرة عظيمة إن هي أصرت على‬
‫اليمان فرفعت بصرها إلى السماء فرأت بيتها في الجنة ففاضت روحها شوقا إلى ال وإلى بيتها‬
‫في الجنة وقد‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من المعلوم أن الكفار يدعون إلى السلم أولً مبينا لهم ما فيه من الهدي والخير وما يجلبه‬
‫لهله من الكمال والسعاد‪ ،‬فإن أبوا فليقاتلوا‪.‬‬
‫‪ 2‬ومأواهم جهنم هذا عائد على الفريقين الكافرين والمنافقين معا‪.‬‬
‫‪ 3‬قال مقاتل اسم امرأة نوح والهة واسم امرأة لوط والعة وروي مرفوعا بضعف أن اسم امرأة‬
‫نوح واغلة وامرأة لوط والهة وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 4‬الجماع أن خيانة المرأتين كانت في الدين ولم تكن في العرض وإنما هي في الكفر والنفاق‪.‬‬
‫( ‪)5/390‬‬

‫رأته فوصلت الصخرة إليها بعد أن فاضت روحها فنجاها ال من عذاب القتل الذي أراده لها ‪1‬‬
‫فرعون وعصابته الظلمة الكافرون‪.‬‬
‫وقوله تعالى ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها‪ .‬عطف تعالى مريم على آسيا ليكون المثل‬
‫مكونا من امرأتين مؤمنتين‪ ،‬كالمثل الول كان مكونا من امرأتين كافرتين فقال عز وجل ومريم‬
‫بنت عمران التي أحصنت فرجها عن الرجال في الوقت الذي عم البغاء والزنا ديار بني إسرائيل‬
‫كما هي الحال اليوم في ديار اليهود وأمثالهم قد ل تسلم امرأة من الزنا بها فلم يضر بذلك مريم‬
‫لما كانت عفيفة طاهرة بل أكرمها ال لما أحصنت فرجها بأن أرسل إليها روحه جبريل عليه‬
‫السلم وأمره أن ينفخ في كم درعها فسرت النفخة بقدرة ال تعالى في جسمها فحملت بعيسى الذي‬
‫كان بكلمة ال كن فكان في ساعة وصول هواء النفخة وولدته للفور كرامة ال للتي أحصنت‬
‫فرجها خوفا من ال وتقربا إليه‪ ،‬وما ضرها أن العهر والزنا قد انتشر حولها ما دامت هي طاهرة‬
‫كما لم يضر كفر فرعون آسيا الطاهرة‪ .‬وكما لم ينفع إيمان وصلح نوح ولوط امرأتيهما‬
‫الكافرتين الخائنتين‪.‬‬
‫قال ابن عباس رضي ال عنهما ما بغت امرأة نبي قط‪ ،‬وهو كما قال فوال ما زنت امرأة نبي قط‬
‫لولية ال تعالى لنبيائه فكيف يخزيهم ويذلهم حاشاه تعالى أن يخزي أولياءه أو يذلهم فالمراد من‬
‫الخيانة المذكورة في قوله تعالى فخانتاهما الخيانة في الدين وإفشاء السرار‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬وصدقت بكلمات ربها أي بشرائعه وبكتبه ‪ 2‬التي أنزلها على رسله‪ ،‬وكانت من‬
‫القانتين ‪ 3‬أي المطيعين ل تعالى الضارعين له المخبتين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال يحيى بن سلم‪ :‬ما ضربه ال مثل للذين كفروا يحذر به عائشة وحفصة رضي ال عنهما‬
‫من مخالفتهما حين تظاهرتها على رسول ال صلى ال عليه وسلم وما ضرب به تعالى مثل‬
‫لمرأة فرعون ومريم بنت عمران ضربه ترغيبا لعائشة وحفصة في التمسك بالطاعة والثبات‬
‫عليها والصحيح أنه حث لكل المؤمنين على الصبر في الشدة مهما كانت‪.‬‬
‫‪ 2‬قرأ نافع وكتابه وجائز أن يكون النجيل وهو كتاب ابنها عيسى عليه السلم وجائز أن يكون‬
‫المراد به ما كتبه ال وقدره وقرأ حفص وكتبه بالجمع أي آمنت بسائر كتب ال تعالى المنزلة‬
‫وعليه فالكتاب في قراءة نافع اسم جنس صادق على جميع كتب ال تعالى المنزلة‪.‬‬
‫‪ 3‬لم قال من القانتات؟ لنه أراد من القوم القانتين وهم المكثرون من العبادة وفي هذا ثناء عليها‬
‫وعلى قومها الصالحين وأنها نبتت طيبة في نبات طيب كقول القائل‪ :‬وهل ينبت الخطي إل‬
‫وشيجه‪.‬‬
‫( ‪)5/391‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الجهاد في الكفار بالسيف وفي المنافقين باللسان‪ ،‬وعلى حكام المسلمين القيام بذلك‬
‫لنهم خلفاء النبي صلى ال عليه وسلم في أمته‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير مبدأ‪ :‬ل تزر وازرة وزر أخرى‪ .‬فالكافر ل ينتفع بالمؤمن يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -3‬والمؤمن ل يتضرر بالكافر ولو كانت القرابة روحية نبوة أو إنسانية أو أبوة أو بنوة فإبراهيم‬
‫لم يضره كفر آزر‪ ،‬ونوح لم يضره كفر طنعان ابنه‪ ،‬كما أن آزر وكنعان لم ينفعهما إيمان‬
‫وصلح الب والبن‪.‬‬
‫هذا وقرابة المؤمن الصالح تنفع المؤمن دون الصالح لقوله تعالى والذين آمنوا واتبعهم ذريتهم‬
‫بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم‪.‬‬

‫( ‪)5/392‬‬

‫سورة الملك‬
‫‪...‬‬
‫الجزء التاسع والعشرون‬
‫سورة الملك ‪1‬‬
‫مكية وآياتها ثلثون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حسَنُ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ )1‬الّذِي خََلقَ ا ْل َم ْوتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبُْل َوكُمْ أَ ّي ُكمْ أَ ْ‬
‫ك وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫تَبَا َركَ الّذِي بِ َي ِدهِ ا ْلمُ ْل ُ‬
‫حمَنِ مِنْ َتفَا ُوتٍ‬
‫سمَاوَاتٍ طِبَاقا مَا تَرَى فِي خَ ْلقِ الرّ ْ‬
‫عمَلً وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َغفُورُ (‪ )2‬الّذِي خََلقَ سَ ْبعَ َ‬
‫َ‬
‫جعِ الْ َبصَرَ كَرّتَيْنِ يَ ْنقَِلبْ ِإلَ ْيكَ الْ َبصَرُ خَاسِئا وَ ُهوَ‬
‫فَارْجِعِ الْ َبصَرَ َهلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (‪ُ )3‬ثمّ ارْ ِ‬
‫سعِيرِ‬
‫عذَابَ ال ّ‬
‫ن وَأَعْ َتدْنَا َلهُمْ َ‬
‫جعَلْنَاهَا ُرجُوما لِلشّيَاطِي ِ‬
‫سمَاءَ الدّنْيَا ِب َمصَابِيحَ وَ َ‬
‫حسِيرٌ (‪ )4‬وََلقَدْ زَيّنّا ال ّ‬
‫َ‬
‫(‪)5‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫تبارك الذي بيده الملك ‪:‬أي تعاظم وكثر خير الذي بيده الملك أجمع ملكا وتصرفا وتدبيرا‪.‬‬
‫وهو على كل شيء قدير ‪ :‬أي وهو على إيجاد كل ممكن وإعدامه قدير‪.‬‬
‫الذي خلق الموت والحياة ‪:‬أي أوجد الموت والحياة فكل حي هو بالحياة التي خلق ال وكل ميت‬
‫هو بالموت الذي خلق ال‪.‬‬
‫ليبلوكم أيكم أحسن عمل ‪:‬أي أحياكم ليختبركم أيكم يكون أحسن عمل ثم يميتكم ويحييكم ليجزيكم‪.‬‬
‫وهو العزيز الغفور ‪:‬أي وهو العزيز الغالب على ما يريده الغفور العظيم المغفرة للتائبين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وتسمى الواقية والمنجية وورد في فضلها أحاديث أصحها حديث السنن وهو قوله صلى ال‬
‫عليه وسلم أن سورة في القرآن ثلثين آية شفعت لصاحبها حتى غفر له‪ :‬تبارك الذي بيده الملك‪.‬‬

‫( ‪)5/393‬‬

‫طباقا ‪:‬أي طبقة فوق طبقة وهي السبع الطباق ول تماس بينها‪.‬‬
‫ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ‪:‬أي من تباين وعدم تناسب‪.‬‬
‫هل ترى من فطور ‪:‬أي من شقوق أو تصدع‪.‬‬
‫كرتين ‪:‬أي مرتين مرة بعد مرة‪.‬‬
‫خاسئا وهو حسير ‪:‬أي ذليل مبعدا كالً تعبا منقطعا عن الرؤية إذ ل يرى خلل‪.‬‬
‫بمصابيح ‪:‬أي بنجوم مضيئة كالمصابيح‪.‬‬
‫رجوما للشياطين ‪:‬أي مراجم جمع مرجم وهو ما يرجم به أي يرمى‪.‬‬
‫وأعتدنا لهم عذاب السعير ‪:‬أي وهيأنا لهم عذاب النار المسعرة الشديدة التقاد‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ} مجد الرب تعالى نفسه وعظمها وأثنى‬
‫قوله {تَبَا َركَ الّذِي بِيَ ِدهِ ا ْلمُ ْلكُ وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫عليها بما هو أهله من الملك والسلطان والقدرة والعلم والحكمة فقال عز وجل ‪ 1‬تبارك أي تعاظم‬
‫وكثر خير الذي بيده الملك الحقيقي يحكم ويتصرف ويدبر بعلمه وحكمته ل شريك له في هذا‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ} فما أراد ‪ 2‬ممكنا إل كان‪ ,‬ول أراد انعدام‬
‫الملك والتدبير والسلطان‪{ .‬وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ممكن إل انعدم‪ .‬الذي خلق الموت ‪ 3‬والحياة لحكمة عالية ل بطل ول عبثا كما يتصور الكافرون‬
‫عمَلً} أي خلق الحياة بكل ما فيها‪ ،‬ليذكر ويشكر‬
‫والملحدة الدهريون بل {لِيَبُْل َوكُمْ أَ ّيكُمْ‪َ 4‬أحْسَنُ َ‬
‫من عبادة فمن ذكر وشكر وأحسن ذلك‪ ،‬أعد له جناتٍ ينقله إليها بعد نهاية الحياة والعمل فيها‪،‬‬
‫ومن لم يذكر ولم يشكر أو ذكر وشكر ولم يحسن ذلك بأن لم يخلص فيه ل‪ ،‬ولم يؤده كما شرع‬
‫ال أعد له نارا ينقله إليها بعد نهاية الحياة الدنيا حياة العمل‪ ،‬إذ هذه الحياة للعمل‪ ,‬وحياة الخرة‬
‫للجزاء على العمل‪ .‬وقوله تعالى {وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َغفُورُ} ثناء آخر أثنى به تعالى على نفسه فأعلم‬
‫أنه العزيز الغالب الذي ل يحال بينه وبين ما يريد الغفور العظيم المغفرة إذ يغفر الذنوب للتائب‬
‫سمَاوَاتٍ طِبَاقا} هذا ثناء آخر بعظيم‬
‫خلَقَ سَبْعَ َ‬
‫ولو كانت مثل الجبال وزبد البحر‪ .‬وقوله {الّذِي َ‬
‫القدرة وسعة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬القرطبي‪ :‬تبارك قال الحسن تقدس‪ ,‬وقيل دام فهو الدائم الذي ل أول لوجوده ول آخر لدوامه‪.‬‬
‫‪ 2‬التعبير بالممكن وغير الممكن فيه جواب لمن قال من المبطلين إن كان ال على كل شيء قديرا‬
‫فهل يقدر أن يخلق إلها مثله‪ :‬والجواب أن خلق إله مثل ال غير ممكن فلذا ل يخلقه سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫‪ 3‬قدم ذكر الموت على الحياة لن الموت أكبر واعظ للنسان‪ .‬قال العلماء الموت ليس عدما‬
‫محضا ول فناءً صرفا‪ ،‬وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته‪ ،‬وحيلولة بينهما وتبديل‬
‫حال وانتقال من دار إلى دار‪ .‬والحياة عكس ذلك‪.‬‬
‫‪ 4‬ليبلوكم أي ليعاملكم معاملة المختبر لكم فيرى أحسنكم عملً من أسوأه وقد رتب الجزاء على‬
‫ذلك‪ ،‬وأحسن العمل أخلصه وأصوبه أي أخلصه ل تعالى وأصوبه أي أداؤه كما شرعه بل زيادة‬
‫ول نقصان‪.‬‬

‫( ‪)5/394‬‬

‫العلم والحكمة خلق سبع سموات طباقا سماء فوق سماء مطابقة لها ولكن من غير مماسة إذ ما‬
‫بين كل سماء وأخرى هواء وفراغ مسيرة خمسمائة عام فالمطابقة المعادلة والمساواة في الجرم ل‬
‫حمَنِ مِنْ َتفَا ُوتٍ} أي‬
‫بوضع سماء على الخرى كغطاء القدر مثل‪ .‬وقوله {مَا تَرَى فِي خَ ْلقِ الرّ ْ‬
‫من اختلف أو تضاد وتباين والسماء فوقك فإنك ل تجد إل التساق والنتظام ل تصدع ول‬
‫انفطار وإن شئت فارجع البصر وانظر هل ترى من فطور أي إنك ل ترى ذلك ثم ارجع البصر‬
‫كرتين ‪ 1‬فإنك ل تجد تفاوتا ول تباينا أبدا ولو نظرت الدهر كله كل ما في المر أن بصرك أيها‬
‫الناظر إلى السماء يرجع إليك خاسئا أي ذليل مبعدا‪ 2‬مما أراد‪ ،‬وهو حسير أي كليل تعب وقوله‬
‫سمَاءَ الدّنْيَا } أي هذه الدانية من الرض القريبة منها بمصابيح ‪ 3‬هي النجوم‬
‫تعالى { َوَلقَدْ زَيّنّا ال ّ‬
‫والكواكب‪ .‬وجعلناها أي النجوم رجوما‪ 4‬للشياطين ترجم بها الملئكة شياطين الجن الذين يريدون‬
‫استراق السمع من كلم الملئكة حتى ل يفتنوا الناس في الرض عن دين ال عز وجل‪ .‬وقوله‬
‫سعِير ِ‪ }5‬أي وهيأنا للشياطين عذاب السعير يعذبون به يوم القيامة‬
‫تعالى { َوأَعْتَدْنَا َلهُمْ عَذَابَ ال ّ‬
‫كسائر الكافرين من النس والجن‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير ربوبية ال تعالى بعرض دلئل القدرة والعلم والحكمة والخير والبركة وهي موجبة‬
‫للوهيته أي عبادته دون من سواه عز وجل‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان الحكمة من خلق الموت والحياة‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان الحكمة من خلق النجوم وهي في قول قتادة رحمه ال ‪ :‬أن ال جل ثناؤه إنما خلق هذه‬
‫النجوم لثلث خصال‪ :‬زينة لسماء الدنيا‪ ،‬ورجوما للشياطين‪ ،‬وعلمات يهتدى بها‪6.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كرتين منصوب على المصدر لن الكرة الرجعة فكرتين بمعنى رجعتين أي مرة بعد أخرى‬
‫والعامل فارجع‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال خسئت الكلب أي أبعدته وطردته‪.‬‬
‫‪ 3‬سميت الكواكب مصابيح لضائتها‪.‬‬
‫‪ 4‬الرجوم جمع رجم وهو اسم لما يرجم به أي ما يرمى به الرامي من حجر وغيره من باب‬
‫تسمية المفعول بالمصدر مثل الخلق للمخلوق والرد للمردود‪ ،‬والمراد من النجوم التي يرمى بها‬
‫هي الشهب التي تنفصل عن النجوم والكواكب‪ ،‬وجائز أن تكون كواكب صغيرة ترمى بها‬
‫الشياطين شأنها شأن الشهب لحديث‪ :‬الكوكب الذي انقض البارحة‪.‬‬
‫‪ 5‬ل يقولن قائل‪ :‬الشياطين خلقوا من نار فكيف يعذبون بها؟ والجواب‪ :‬السعير أقوى من مادة‬
‫النار التي خلقوا منها كما أن الشياطين تحولوا عن أصل المادة التي خلقوا منها‪ .‬تحول النسان‬
‫من طين إلى لحم وعظم وعصب ودم‪.‬‬
‫‪ 6‬تمام قوله‪ :‬فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما ل علم له به‪ ،‬وتعدى وظلم‪.‬‬

‫( ‪)5/395‬‬

‫شهِيقا وَ ِهيَ َتفُورُ (‬


‫س ِمعُوا َلهَا َ‬
‫جهَنّ َم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪ِ )6‬إذَا أُ ْلقُوا فِيهَا َ‬
‫وَلِلّذِينَ َكفَرُوا بِرَ ّب ِهمْ عَذَابُ َ‬
‫‪َ )7‬تكَادُ َتمَيّزُ مِنَ ا ْلغَيْظِ كُّلمَا أُ ْل ِقيَ فِيهَا َفوْجٌ سَأََلهُمْ خَزَنَ ُتهَا أَلَمْ يَأْ ِت ُكمْ نَذِيرٌ (‪ )8‬قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا‬
‫سمَعُ َأوْ َن ْع ِقلُ‬
‫شيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ ِإلّا فِي ضَللٍ كَبِيرٍ (‪َ )9‬وقَالُوا َلوْ كُنّا نَ ْ‬
‫نَذِيرٌ َفكَذّبْنَا َوقُلْنَا مَا نَ ّزلَ اللّهُ مِنْ َ‬
‫سعِيرِ (‪)11‬‬
‫سعِيرِ (‪ )10‬فَاعْتَ َرفُوا بِذَنْ ِبهِمْ َفسُحْقا لَِأصْحَابِ ال ّ‬
‫صحَابِ ال ّ‬
‫مَا كُنّا فِي َأ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫كفروا بربهم ‪:‬أي لم يؤمنوا به فلم يعبدوه‪.‬‬
‫إذا ألقوا فيها ‪:‬أي في جهنم ألقتهم الملئكة فيها وذلك يوم القيامة‪.‬‬
‫سمعوا لها شهيقا ‪:‬أي سمعوا لجهنم صوتا منكرا مزعجا كصوت الحمار‪.‬‬
‫وهي تفور تكاد تميز من الغيظ ‪:‬أي تغلي تكاد تتقطع من الغيظ غضبا على الكفار‪.‬‬
‫سألهم خزنتها ‪:‬سؤال توبيخ وتقريع وتأنيب‪.‬‬
‫ألم يأتكم نذير ‪:‬أي رسول ينذركم عذاب ال يوم القيامة؟‪.‬‬
‫وقلنا ما نزل ال من شيء ‪:‬أي كذبنا الرسل وقلنا لهم ما نزل ال مما تقول لنا من شيء‪.‬‬
‫إن أنتم إل في ضلل كبير ‪:‬أي ما أنتم أيها الرسل إل في ضلل كبير أي خطأ عقلي وتصور‬
‫نفسي باطل‪.‬‬
‫لو كنا نسمع أو نعقل ‪ :‬أي وبخوا أنفسهم بأنفسهم وقالوا لو كنا في الدنيا نسمع أو نعقل لمنا‬
‫وعبدنا ال وما كنا اليوم في أصحاب السعير‪.‬‬
‫معنى اليات ‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى في اليات السابقة أنه أعد للشياطين مسترقي السمع من الملئكة في السماء عذاب‬
‫السعير عطف عليه قوله {وَلِلّذِينَ َكفَرُوا بِرَ ّب ِهمْ‪ }1‬أي جحدوا ألوهيته ولقاءه فما عبدوه ول‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا تتميم للكلم السابق أي كما كان للشياطين عذاب السعير فللذين كفروا عذاب جهنم وبئس‬
‫المصير‪.‬‬

‫( ‪)5/396‬‬

‫آمنوا به من النس والجن عذاب جهنم وبئس المصير هي أي جهنم يصيرون إليها وينتهون إلى‬
‫عذابها شرابها الحميم وطعامها الضريع والزقوم‪ ,‬وقوله تعالى في وصف ما يجري في النار {ِإذَا‬
‫شهِيقا ‪ } 1‬إذا ألقي الكافرون في النار سمعوا لها شهيقا أي صوتا منكرا‬
‫س ِمعُوا َلهَا َ‬
‫أُ ْلقُوا فِيهَا َ‬
‫مزعجا كصوت الحمار إذا شهق أو نهق‪{ .‬وَ ِهيَ َتفُورُ} تغلي ‪َ { 2‬تكَادُ َتمَيّزُ} ‪ 3‬أي تقرب أن تتقطع‬
‫من الغيظ الذي هو شدة الغضب وغضبها من غضب الرب مالكها لما غضب الجبار غضبت‬
‫لغضبه‪ ,‬وكل مؤمن بال عارف به يغضب لما يغضب له ربه ويرضى لما يرضى به ربه‪ .‬وقوله‬
‫تعالى‬
‫{كُّلمَا أُ ْل ِقيَ فِيهَا َفوْجٌ } أي جماعة {سَأََل ُهمْ خَزَنَ ُتهَا} أي الملئكة الموكلون بالنار وعذابها وهم‬
‫الزبانية وعددهم تسعة عشر ملكا سألوهم سؤال توبيخ وتقريع لنهم يعلمون ما يسألونهم عنه {أََلمْ‬
‫يَأْ ِتكُمْ‪َ 4‬نذِيرٌ} أي رسول في الدنيا يدعوكم إلى اليمان والطاعة؟ فيجيبون قائلين {بَلَى} قد جاءنا‬
‫شيْءٍ} أي مما تقولون‬
‫نذير ولكن كذبنا الرسل وقلنا لهم ردا على دعوتهم {مَا نَ ّزلَ اللّهُ مِنْ َ‬
‫وتدعوننا إليه {إِنْ أَنْتُمْ إِلّا فِي ضَللٍ كَبِيرٍ‪ } 5‬أي وقلنا لهم ما أنتم أيها الرسل إل في ضلل عقلي‬
‫وخطأ تصوري كبير‪ .‬ثم رجعوا إلى أنفسهم يوبخونها بما أخبر تعالى به عنهم في قوله { َوقَالُوا َلوْ‬
‫سعِيرِ} قال تعالى { فَاعْتَ َرفُوا بِذَنْ ِب ِهمْ فَسُحْقا} أي بعدا بعدا‬
‫سمَعُ َأوْ َن ْع ِقلُ مَا كُنّا فِي َأصْحَابِ ال ّ‬
‫كُنّا نَ ْ‬
‫سعِيرِ} أي سعير جهنم‪.‬‬
‫من رحمة ال {لَِأصْحَابِ ال ّ‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪-1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان ما يجري فيها من عذاب وعقاب‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أن تكذيب الرسل كفر موجب للعذاب‪ ,‬وتكذب العلماء كتكذيب الرسل بعدهم أي في‬
‫وجوب العذاب المترتب على ترك طاعة ال ورسوله‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أن ما يقوله أهل النار في اعترافهم هو ما يقوله الملحدة اليوم في ردهم على العلماء‬
‫بأن التدين تأخر عقلي ونظر رجعي‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير أن الكافر ل يسمع ول يعقل أي سماعا ينفعه وعقلً يحجزه عن المهالك باعتراف أهل‬
‫سعِيرِ}‪.‬‬
‫سمَعُ َأوْ َن ْع ِقلُ مَا كُنّا فِي َأصْحَابِ ال ّ‬
‫النار إذ قالوا { َوقَالُوا َلوْ كُنّا نَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال عطاء الشهيق في الصدور والزفير في الحلق‪.‬‬
‫‪ 2‬قال حسان‪:‬‬
‫تركتم قدركم ل شيء فيها‬
‫وقدر القوم حامية تفور‬
‫أي تغلي‪.‬‬
‫‪ 3‬أصل تميز أي تتميز أي تنقطع وينفصل بعضها عن بعض قيل هذا التغيظ هو من شدة الغيظ‬
‫على أعداء ال‪ ,‬وقيل هو من الغليان‪.‬‬
‫‪ 4‬الستفهام للتوبيخ والتقريع‪.‬‬
‫‪ 5‬إن أنتم إن نافية بدليل الستثناء بعدها‪.‬‬

‫( ‪)5/397‬‬

‫جهَرُوا بِهِ إِنّهُ عَلِيمٌ‬


‫شوْنَ رَ ّب ُهمْ بِا ْلغَ ْيبِ َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وََأجْرٌ كَبِيرٌ (‪ )12‬وَأَسِرّوا َقوَْلكُمْ َأوِ ا ْ‬
‫خَ‬‫إِنّ الّذِينَ يَ ْ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ ذَلُولً‬
‫ق وَ ُهوَ اللّطِيفُ ا ْلخَبِيرُ (‪ُ )14‬هوَ الّذِي َ‬
‫بِذَاتِ الصّدُورِ (‪ )13‬أل َيعْلَمُ مَنْ خََل َ‬
‫فَامْشُوا فِي مَنَاكِ ِبهَا َوكُلُوا مِنْ رِ ْزقِ ِه وَإِلَيْهِ النّشُورُ (‪)15‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يخشون ربهم بالغيب ‪:‬أي يخافونه وهم غائبون عن أعين الناس فل يعصونه‪.‬‬
‫لهم مغفرة وأجر كبير ‪:‬أي لذنوبهم وأجر كبير وهو الجنة‪.‬‬
‫أل يعلم من خلق ‪:‬أي كيف ل يعلم سركم كما يعلم جهركم وهو الخالق لكم فالخالق يعرف‬
‫مخلوقه‪.‬‬
‫وهو اللطيف الخبير ‪:‬أي بعباده الخبير بهم وبأعمالهم‪.‬‬
‫ذلول ‪:‬أي سهلة للمشي والسير عليها‪.‬‬
‫فامشوا في مناكبها ‪:‬أي في جوانبها ونواحيها‪.‬‬
‫وإليه النشور ‪:‬أي إليه وحده مهمة نشركم أي إحياءكم من قبوركم للحساب والجزاء‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى جزاء الكافرين وأنه عذاب السعير رغب في اليمان والطاعة للنجاة من السعير‬
‫شوْنَ رَ ّبهُمْ‪ 1‬بِا ْلغَ ْيبِ} أي يخافونه وهم ل يرونه‪ ,‬وكذا وهم في غيبة عن الناس‬
‫فقال {إِنّ الّذِينَ َيخْ َ‬
‫فيطيعونه ول يعصونه هؤلء لهم مغفرة لما فرط من ذنوبهم وأجر كبير عند ربهم أي الجنة‪ .‬ولما‬
‫قال بعض المشركين في مكة ل تجهروا بالقول فيسمعكم إله محمد فيطلعه على قولكم قال تعالى‬
‫جهَرُوا ِبهِ} فإنه يعلم السر وما هو أخفى منه كحديث‬
‫ردا عليهم وتعليما {وَأَسِرّوا َقوَْلكُمْ َأوِ ا ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬بعد ذكر جزاء أهل الكفر والشرك الشر والفساد ذكر تعالى جزاء أهل اليمان والتوحيد والخير‬
‫والصلح فكان السلوب أسلوب الترهيب والترغيب الذي عرف به القرآن الكريم كتاب الهداية‬
‫اللهية‪.‬‬

‫( ‪)5/398‬‬

‫النفس وخواطرها {إِنّهُ‪ 1‬عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ} أي بما هو مكنون مستور في صدور الناس {أَل َيعْلَمُ‬
‫مَنْ‪ 2‬خَلَقَ} أي كيف ل يعلم من خلقهم وهو اللطيف بهم الخبير بأحوالهم وأعمالهم‪ .‬وقوله تعالى‬
‫ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ ذَلُولً} أي ‪ 3‬سهلة فامشوا في مناكبها جوانبها ونواحيها شرقا وغربا‬
‫{ ُهوَ الّذِي َ‬
‫وكلوا من رزقه الذي خلق لكم‪ ،‬وإليه وحده نشوركم أي إحيائكم وإخراجكم من قبوركم ليحاسبكم‬
‫ويجزيكم على إيمانكم وطاعتكم بخير الجزاء وهو الجنة ونعيمها‪ ،‬وعلى كفر من كفر منكم‬
‫وعصى بشر الجزاء وهو النار وعذابها‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضيلة اليمان بالغيب ومراقبة ال تعالى في السر والعلن‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية السير في الرض لطلب الرزق من التجارة والفلحة وغيرهما‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫سلَ‬
‫سمَاءِ أَنْ يُ ْر ِ‬
‫سفَ ِبكُمُ الْأَ ْرضَ فَإِذَا ِهيَ َتمُورُ (‪َ )16‬أمْ َأمِنْتُمْ مَنْ فِي ال ّ‬
‫سمَاءِ أَنْ َيخْ ِ‬
‫أََأمِنْتُمْ مَنْ فِي ال ّ‬
‫عَلَ ْيكُمْ حَاصِبا فَسَ َتعَْلمُونَ كَ ْيفَ نَذِيرِ (‪ )17‬وََلقَدْ كَ ّذبَ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ (‪َ )18‬أوََلمْ‬
‫شيْءٍ َبصِيرٌ (‪)19‬‬
‫حمَنُ إِنّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫س ُكهُنّ إِلّا الرّ ْ‬
‫ت وَيَقْ ِبضْنَ مَا ُيمْ ِ‬
‫يَ َروْا إِلَى الطّيْرِ َف ْو َقهُ ْم صَافّا ٍ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أن يخسف بكم الرض ‪:‬أي يجعلها بحيث تغورون فيها وتصبحون في جوفها‪.‬‬
‫فإذا هي تمور ‪:‬أي تتحرك وتضطرب حتى يتم الخسف بكم‪.‬‬
‫أن يرسل عليكم حاصبا ‪:‬أي ريحا عاصفا نرميكم بالحصباء فتهلكون‪.‬‬
‫كيف نذير ‪:‬أي كان عاقبة إنذاري لكم بالعذاب على ألسنة رسلي‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إنه عليم بذات الصدور الجملة تعليل للتسوية بين السر والجهر من أقوال المشركين نحو قوله‬
‫أصبروا أو ل تصبروا أي استوى عنده السر والجهر كما استوى عند أهل النار الصبر والجزع‪.‬‬
‫‪ 2‬أل يعلم السر من خلق السر أي أنا خلقت السر في القلب أفل أكون عالما بما في قلوب العباد‪.‬‬
‫إذ لبد وأن يكون الخالق عالما بما خلق والستفهام إنكاري وجملة وهو اللطيف الخبير في محل‬
‫نصب حال‪.‬‬
‫‪ 3‬ذلولً فعول بمعنى مفعول أي مذللة مسخرة منقادة لما تريدون منها من مشي عليها وزرع‬
‫وغرس وبناء وإنشاء وتعمير‪.‬‬

‫( ‪)5/399‬‬

‫فكيف كان نكير ‪:‬أي إنكاري عليهم الكفر والتكذيب والجواب كان إنكارا حقا واقعا موقعه‪.‬‬
‫صآفات ‪:‬أي باسطات أجنحتها‪.‬‬
‫ويقبضن ‪:‬أي ويمسكن أجنحتهن‪.‬‬
‫ما يمسكهن إل الرحمن ‪:‬أي حتى ل يسقطن على الرض حال البسط للجنحة والقبض لها‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يقول تعالى واعظا عباده ليؤمنوا به ويعبدوه وحده فيكملوا ويسعدوا أأمنتم ‪ 1‬من في السماء الذي‬
‫هو العلو المطلق وهو ال عز وجل في عليائه فوق عرشه بائن من خلقه أن يخسف بكم الرض‬
‫لتهلكوا كلكم في جوفها فإذا هي حال الخسف تمور أي تتحرك وتضطرب حتى تغوروا في بطنها‬
‫والجواب لم يأمنوا ذلك فكيف إذا يصرون على الشرك والتكذيب للرسول وقوله {أَمْ َأمِنْتُمْ مَنْ‪ 2‬فِي‬
‫سمَاءِ} وهو ال عز وجل أن يرسل عليكم حاصبا أي ريحا تحمل الحصباء والحجارة فتهلكهم‬
‫ال ّ‬
‫{فَسَ َتعَْلمُونَ كَ ْيفَ نَذِيرِ} أي إنذاري لكم الكفر والتكذيب أي أنه حق وواقع مقتضاه وقوله تعالى‬
‫{وََلقَدْ كَ ّذبَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ} كعاد وثمود وغيرهما أي كذبوا رسلي بعدما أنكروا عليهم الشرك‬
‫والكفر فأهلكناهم { َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ} أي إنكاري لهم كان حقا وواقع المقتضى وقوله تعالى {َأوَلَمْ‬
‫‪3‬يَ َروْا إِلَى الطّيْرِ َف ْو َقهُ ْم صَافّاتٍ} أي باسطات أجنحتهن ويقبضنا ما يمسكهن في حالة البسط أو‬
‫القبض إل الرحمن الذي أنكره المشركون وقالوا وما الرحمن وهم يعيشون في رحمته التي وسعت‬
‫كل شيء وهي متجلية حتى في الطير تحفظه من السقوط والتحطيم أي أينكرون ألوهية ال‬
‫ورحمته ولم يروا إلى الطير وهي صافات وقابضات أجنحتها ول يمسكها أحد من الناس فمن‬
‫يمسكها إذا؟ إنه الرحمن جل جلله وعظم سلطانه بما شاء من السنن والنواميس التي يحكم بها‬
‫شيْءٍ‬
‫خلقه ويدبر بها ملكوته إن أمر المشركين في كفرهم بال لعجب وقوله {إِنّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه يريد أن يصيبكم به‬
‫إن أصررتم على تكذيبه وتكذيب رسوله‪ .‬هكذا عقيدة السلف في إثبات صفة العلو ل تعالى‪ ،‬وأما‬
‫الخلف فيقولون‪ :‬أأمنتم من في السماء قدرته وسلطانه وعرشه وملئكة هروبا إلى التأويل حتى ل‬
‫يصفوا ال تعالى بما وصف به نفسه من العلو الذاتي فما أضل القوم والستفهام إنكاري أي ينكر‬
‫عليهم أمنهم من الخسوف بهم وهم قائمون على معاصي توجب لهم ذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬أم‪ :‬هي المنقطعة التي تؤول ببل والستفهام وهو إنكاري تعجبي ينكر عليهم أمنهم من عذاب‬
‫ال بإرسال حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط فتهلكهم كما أهلكتهم إذ هم متعرضون‬
‫لذلك بتكذيبهم وشركهم وكفرهم وحذفت الياء من نذيري ونكيري وهي ضمير المتكلم حذفت‬
‫تخفيفا‪.‬‬
‫‪ 3‬الهمزة داخلة على محذوف أي أغفلوا ولم يروا إلى الطير فوقهم حال كونها صافات أجنحتها‬
‫وتقبضها أحيانا ولم تسقط فتتجلى لهم قدرة ال ورحمته ليؤمنوا ويطيعوا فينجوا ويسعدوا‪.‬‬

‫( ‪)5/400‬‬

‫َبصِيرٌ} سواء عنده السابح في الماء والسارح في الغبراء والطائر في السماء والمستكن في‬
‫الحشاء‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تحذير المعرضين عن ال وإنذارهم بسوء العواقب إن استمروا على إعراضهم فإن ال قادر‬
‫على أن يخسف بهم الرض أو يرسل عليهم حاصبا من السماء وليس هناك من يؤمنهم ويجيرهم‬
‫بحال من الحوال‪ .‬إل إيمانهم وإسلمهم ل عز وجل‪.‬‬
‫‪ -2‬في الهالكين الولين عبر وعظات لمن له قلب حي وعقل يعقل به‪.‬‬
‫‪ -3‬من آيات ال في الفاق الدالة على قدرة ال وعلمه ورحمته الموجبة لعبادته وحده طيران‬
‫الطير في السماء وهو يبسط جناحيه ويقبضها ول يسقط إذ المفروض أن يبقى دائما يخفق‬
‫بجناحيه يدفع نفسه فيطير بمساعدة الهواء أما إذا قبض أو بسط المفروض أنه يسقط ولكن الرحمن‬
‫عز وجل يمسكه فل يسقط‪.‬‬
‫حمَنِ إِنِ ا ْلكَافِرُونَ إِلّا فِي غُرُورٍ (‪َ )20‬أمّنْ َهذَا‬
‫َأمّنْ هَذَا الّذِي ُهوَ جُنْدٌ َلكُمْ يَ ْنصُ ُركُمْ مِنْ دُونِ الرّ ْ‬
‫جهِهِ َأهْدَى‬
‫سكَ رِ ْزقَهُ َبلْ َلجّوا فِي عُ ُتوّ وَ ُنفُورٍ (‪َ )21‬أ َفمَنْ َيمْشِي ُمكِبّا عَلَى وَ ْ‬
‫الّذِي يَرْ ُز ُقكُمْ إِنْ َأمْ َ‬
‫سمْعَ وَالْأَ ْبصَارَ‬
‫ج َعلَ َل ُكمُ ال ّ‬
‫سوِيّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪ُ )22‬قلْ ُهوَ الّذِي أَنْشََأكُمْ وَ َ‬
‫َأمّنْ َيمْشِي َ‬
‫ض وَإِلَيْهِ ُتحْشَرُونَ (‪ )24‬وَيَقُولُونَ مَتَى‬
‫شكُرُونَ (‪ُ )23‬قلْ ُهوَ الّذِي ذَرََأكُمْ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫وَالَْأفْئِ َدةَ قَلِيلً مَا تَ ْ‬
‫هَذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ (‪ُ )25‬قلْ إِ ّنمَا ا ْلعِلْمُ عِ ْندَ اللّهِ وَإِ ّنمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (‪ )26‬فََلمّا رََأ ْوهُ زُ ْلفَةً‬
‫ت وُجُوهُ الّذِينَ كَفَرُوا َوقِيلَ َهذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدّعُونَ (‪)27‬‬
‫سِي َئ ْ‬

‫( ‪)5/401‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫جند لكم ‪:‬أي أعوان لكم‪.‬‬
‫من دون الرحمن ‪:‬أي غيره تعالى يدفع عنكم عذابه‪.‬‬
‫إن الكافرون ‪:‬أي ما الكافرون‪.‬‬
‫إل في غرور ‪:‬غرهم الشيطان بأن ل عذاب ينزل بهم‪.‬‬
‫إن أمسك رزقه ‪:‬أي إن أمسك الرحمن رزقه؟ ل أحد غير ال يرسله‪.‬‬
‫بل لجوا في عتو ونفور ‪:‬أي إنهم لم يتأثروا بذلك التبكيت بل تمادوا في التكبر والتباعد عن الحق‪.‬‬
‫أفمن يمشي مكبا على وجهه ‪:‬أي واقعا على وجهه‪.‬‬
‫أمن يمشي سويا ‪ :‬أي مستقيما‪.‬‬
‫والفئدة ‪:‬أي القلوب‪.‬‬
‫قليل ما تشركون ‪:‬أي شكركم قليل‪.‬‬
‫ذرأكم في الرض ‪:‬أي خلقكم في الرض وإليه تحشرون ل إلى سواه‪.‬‬
‫متى هذا الوعد ‪:‬أي الذي تعدوننا به وهو يوم القيامة‪.‬‬
‫قل إنما العلم عند ال ‪:‬أي علم مجيئه عند ال ل غير‪.‬‬
‫فلما رأوه زلفة ‪:‬أي لما رأوا العذاب قريبا منهم في عرصات القيامة‪.‬‬
‫سيئت وجوه الذين كفروا ‪:‬أي تغيرت مسودة‪.‬‬
‫هذا الذي كنتم به توعدون ‪:‬أي هذا العذاب الذي كنتم بإنذاره تكذبون وتطالبون به تحديا منكم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قريش فقال تعالى مخاطبا لهم {َأمّنْ هَذَا الّذِي ‪ُ 1‬هوَ جُ ْندٌ‬
‫حمَنِ؟} أي من هذا الذي هو جند لكم أيها المشركون بال تعالى ينصركم‬
‫َلكُمْ يَ ْنصُ ُركُمْ مِنْ دُونِ الرّ ْ‬
‫من دون الرحمن إن أراد الرحمن بكم سوءا فيدفعه عنكم‪ .‬وقوله تعالى {إِنِ ا ْلكَافِرُونَ‪ِ 2‬إلّا فِي‬
‫غُرُورٍ} أي ما الكافرون إل في غرور أوقعهم الشيطان فيه زين لهم الشرك ووعدهم ومناهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أمن هي (أم) المنقطعة المقدرة ببل ومن الستفهامية أدغمت في ميم أم فصارت أمن والستفهام‬
‫للتبكيت والتأنيب والضراب النتقالي إذ تنقل من توبيخهم على عدم التأمل فيما يشاهدونه من‬
‫أحوال الطير المنبئة عن آثار قدرة ال ورحمته إلى التبكيت بضعفهم وقلة الناصر لهم سوى‬
‫الرحمن الذي يكفرون به‪.‬‬
‫‪ 2‬الجملة معترضة مقررة لما قبلها واللتفات فيها من الخطاب إلى الغيبة لقتضاء حالهم‬
‫العراض عنهم والظهار في موضع الضمار إذ قال إن الكافرون‪ ,‬ولم يقل إن هم إل في غرور‬
‫لذمهم بالكفر وتعليل غرورهم به‪.‬‬

‫( ‪)5/402‬‬

‫سكَ‬
‫أنه ل حساب ول عقاب‪ ،‬وأن آلهتهم تشفع لهم وقوله تعالى {َأمّنْ‪ 1‬هَذَا الّذِي يَرْ ُز ُقكُمْ إِنْ َأمْ َ‬
‫رِ ْزقَهُ َبلْ َلجّوا فِي عُ ُت ّو وَ ُنفُورٍ} أي من هذا الذي يطعمكم ويسقيكم ويأتي بأقواتكم إن أمسك ال‬
‫ربكم رزقه عنكم فلو قطع عليكم المطر ما أتاكم به أحد غير ال‪ .‬وقوله تعالى { َبلْ لَجّوا فِي عُ ُتوّ‬
‫وَنُفُورٍ} أي أنهم لم يتأثروا بهذا التبكيت والتأنيب بل تمادوا في الكبر والتباعد عن الحق‪ .‬وقوله‬
‫سوِيّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ؟} هذا مثل‬
‫جهِهِ َأهْدَى َأمّنْ‪َ 3‬يمْشِي َ‬
‫تعالى {َأ َفمَنْ َيمْشِي ‪ُ 2‬مكِبّا عَلَى وَ ْ‬
‫ضربه ال تعالى للمشرك والموحد تبيانا لحالهما وتحقيقا لواقع مذهبهما فقال أفمن يمشي مكبا أي‬
‫واقعا على وجهه هذا هو المشرك الذي سيكب على وجهه في جهنم أهدى أمن يمشي سويا أي‬
‫مستقيما على صراط مستقيم أي طريق مستقيم هذا هو الموحد فأيهما أهدى؟ والجواب قطعا الذي‬
‫يمشي سويا على صراط مستقيم إذا النتيجة أن الموحد ‪ 4‬مهتد والمشرك ضال‪ .‬وقوله تعالى { ُقلْ‬
‫س ْم َع وَالْأَ ْبصَارَ وَالَْأفْ ِئ َدةَ} أي القلوب أي وأنتم ل تكرون‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ّ‬
‫ُهوَ الّذِي أَ ْنشََأكُمْ} أي خلقكم { َو َ‬
‫ذلك فمالكم إذا ل تشكرون المنعم عليكم بهذه النعم وذلك باليمان به وبرسوله وطاعته وطاعة‬
‫رسوله إنكم ما تشكرون إل قليل وهو اعترافكم بأن ال هو المنعم ل غير‪ .‬وقوله تعالى { ُقلْ ُهوَ‬
‫ض وَإِلَيْهِ ُتحْشَرُونَ} أي قل لهم يا رسولنا ال هو الذي ذرأكم في الرض أي‬
‫الّذِي ذَرََأكُمْ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫خلقكم ل أصنامكم التي ل تخلق ذبابا وإليه تعالى وحده تحشرون يوم القيامة إذا فكيف ل تؤمنون‬
‫به وبرسوله ول تشكرونه ول تخافونه وإليه تحشرون فيحاسبكم ويجزيكم بأعمالكم‪.‬‬
‫وقوله تعالى {وَ َيقُولُونَ مَتَى َهذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ} أي ويقول الكافرون لرسول ال‬
‫والمؤمنين‪ :‬متى هذا الوعد الذي تعدوننا به وهو يوم القيامة أي متى يجيء؟ وهنا قال تعالى‬
‫لرسوله إجابة لهم على سؤالهم‪ :‬قل {إِ ّنمَا ا ْلعِلْمُ ‪5‬عِنْدَ اللّهِ} أي علم مجيء يوم القيامة عند ال‪،‬‬
‫وليس هو من شأني وإنما أنا نذير منه مبين ل غير‪ .‬وقوله تعالى { فََلمّا رََأ ْوهُ} أي عذاب يوم‬
‫ت وُجُوهُ الّذِينَ َكفَرُوا} أي أساءها ال فتغيرت بالسوداد‬
‫القيامة {زُ ْلفَةً} أي ‪ 6‬قريبا منهم {سِي َئ ْ‬
‫والكآبة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أمن هذا الذي‪ :‬القول فيها كالقول في سابقها سواء‪.‬‬
‫‪ 2‬مكبا اسم فاعل من اكب اللزم أما المعتدي فهو كبه يكبه وجواب الستفهام الول هو جملة‬
‫أهدى وحذف جواب الستفهام الثاني لدللة الول عليه‪.‬‬
‫‪ 3‬أهدى أي أكثر هداية واستقامة والسوي هو الشديد الستواء وهو العتدال ولستقامة‪.‬‬
‫‪ 4‬جائز أن يراد بالمكب على وجهه أبو جهل‪ ،‬والسوي على صراط مستقيم أبو بكر رضي ال‬
‫عنه والمثل عام في كل مشرك وموحد أو كافر ومؤمن‪.‬‬
‫‪ 5‬كقوله تعالى‪ :‬قل إنما علمها عند ربي الية من سورة العراف‪.‬‬
‫‪ 6‬زلفة‪ :‬اسم مصدر من أزلف إزلفا إذا أقرب‪ ،‬والزلفى القربة والمنزلة‪ .‬والفاء في فلما رأوه‬
‫زلفة هي الفصيحة إذ أعربت من جملتين وترتيب الشرطية عليها كأنه قيل وقد أتاهم الموعود به‬
‫فرأوه‪ ،‬فلما رأوه زلفة سيئت أي اسودت وجوه الذين كفروا لما فيها من الخوف والحزن‪.‬‬

‫( ‪)5/403‬‬

‫والحزن‪ .‬وقيل لهم أو قالت لهم الملئكة هذا العذاب الذي كنتم به تطالبون متحدين رسولنا‬
‫والمؤمنين وتقولون‪{ :‬مَتَى هَذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ}‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير حقيقة ثابتة وهي أن الكافر يعيش في غرور كامل ولذا يرفض دعوة الحق‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير حقيقة ثابتة وهي انحراف الكافر وضلله واستقامة المؤمن وهدايته‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب الشكر ل تعالى على نعمة السمع والبصر والقلب وذلك باليمان والطاعة‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫عذَابٍ أَلِيمٍ (‪ُ )28‬قلْ ُهوَ‬
‫حمَنَا َفمَنْ يُجِيرُ ا ْلكَافِرِينَ مِنْ َ‬
‫ُقلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهَْلكَ ِنيَ اللّ ُه َومَنْ َم ِعيَ َأوْ َر ِ‬
‫حمَنُ آمَنّا بِ ِه وَعَلَيْهِ َت َوكّلْنَا َفسَ َتعَْلمُونَ مَنْ ُهوَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ (‪ُ )29‬قلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ َأصْبَحَ مَا ُؤكُمْ‬
‫الرّ ْ‬
‫غوْرا َفمَنْ يَأْتِيكُمْ ِبمَاءٍ َمعِينٍ (‪)30‬‬
‫َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫قل أرأيتم ‪:‬أي أخبروني‪.‬‬
‫ومن معي ‪:‬أي من المؤمنين‪.‬‬
‫أو رحمنا ‪:‬أي لم يهلكنا‪.‬‬
‫فمن يجير الكافرين ‪:‬أي فمن يحفظ ويقي الكافرين العذاب‪.‬‬
‫قل هو الرحمن ‪:‬أي قل هو الرحمن الذي أدعوكم إلى عبادته‪.‬‬
‫إن أصبح ماؤكم غورا ‪ :‬أي غائرا ل تناله الدلء ول تراه العيون‪.‬‬
‫بماء معين ‪:‬أي تراه العيون لجريانه على الرض‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في مطلب هداية كفار قريش فقال تعالى لرسوله قل لهؤلء المشركين الذين‬

‫( ‪)5/404‬‬

‫تمنوا موتك وقالوا نتربص به ريب ‪ 1‬المنون قل لهم {أَرَأَيْتُمْ} أي أخبروني {إِنْ أَهَْلكَ ِنيَ اللّهُ َومَنْ‬
‫حمَنَا} فلم يهلكنا بعذاب { َفمَنْ يُجِيرُ‪ 3‬ا ْلكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ؟}‬
‫َمعِيَ‪ }2‬من المؤمنين‪َ{ ،‬أوْ رَ ِ‬
‫حمَنُ آمَنّا ِب ِه وَعَلَيْهِ َت َوكّلْنَا}‬
‫والجواب‪ :‬ل أحد إذا فماذا تنتفعون بهلكنا‪ .‬وقوله تعالى { ُقلْ ُهوَ الرّ ْ‬
‫أي قل يا رسولنا لهؤلء المشركين قل هو الرحمن الذي يدعوكم إلى عبادته وحده وترك عبادة‬
‫غيرة آمنا به وعليه توكلنا أي اعتمدنا عليه وفوضنا أمرنا إليه فستعلمون في يوم ما من هو في‬
‫غوْرا} أي غائرا { َفمَنْ‬
‫ضلل ممن هو على صراط مستقيم‪ .‬وقوله { ُقلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ َأصْبَحَ مَاؤُكُمْ َ‬
‫يَأْتِيكُمْ ِبمَاءٍ َمعِينٍ} أي قل لهؤلء المشركين يا رسولنا تذكيرا لهم أخبروني إن أصبح ماؤكم الذي‬
‫تشربون منه "بئر زمزم" وغيرها ‪ 4‬غائرا ل تناله الدلء ول تراه العيون‪ .‬فمن يأتيكم بماء معين‬
‫غير ال تعالى؟ والجواب ل أحد ‪ 5‬إذا فلم ل تؤمنون به وتوحدونه في عبادته وتتقربون إليه‬
‫بالعبادات التي شرع لعباده أن يعبدوه بها؟‪6.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪-1‬بيان ما كان عليه المشركون من عداوة لرسول ال صلى ال عليه وسلم حتى تمنوا موته‪.‬‬
‫‪-2‬وجوب التوكل على ال عز وجل بعد اليمان‪.‬‬
‫‪-3‬مشروعية الحجاج لحقاق الحق وإبطال الباطل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جاء هذا في سورة الطور‪ .‬إذ قال تعالى عنهم أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون‪.‬‬
‫‪2‬فتح كل من ياءي أهلكني ومن معي‪ .‬نافع وحفص سواء‪.‬‬
‫‪ 3‬الستفهام للنفي‪.‬‬
‫‪ 4‬وهي بئر ميمون كانوا يشربون منها كبئر زمزم‪.‬‬
‫‪ 5‬معين أصلها معيون كمبيع أصلها مبيوع فنقلت ضمة الياء إلى العين قبلها فالتقى ساكنان الياء‬
‫والواو فحذفت الواو‪ .‬ثم كسرت العين لتصبح الياء‬
‫‪ 6‬روى استحباب قول القارئ‪ :‬ال رب العالمين إذا قرأ فمن يأتيكم بماء معين وروي أن جاهلً‬
‫ملحدا لما سمعها قال‪ :‬تأتي بها الفؤوس والمعاول فذهب ماء عينيه وعمي‪ .‬والعياذ بال تعالى من‬
‫الجهل والكفر والجرأة على ال‪.‬‬
‫( ‪)5/405‬‬

‫سورة القلم‬
‫‪...‬‬
‫سورة القلم‬
‫مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ن وَا ْلقَلَ ِم َومَا يَسْطُرُونَ (‪ )1‬مَا أَ ْنتَ بِ ِن ْعمَةِ رَ ّبكَ ِبمَجْنُونٍ (‪ )2‬وَإِنّ َلكَ لََأجْرا غَيْرَ َممْنُونٍ (‪ )3‬وَإِ ّنكَ‬
‫ْ‬
‫َلعَلَى خُُلقٍ عَظِيمٍ (‪)4‬‬

‫( ‪)5/405‬‬

‫ضلّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ ُهوَ أَعَْلمُ‬


‫ن َ‬
‫فَسَتُ ْبصِ ُر وَيُ ْبصِرُونَ (‪ )5‬بِأَ ّيكُمُ ا ْل َمفْتُونُ (‪ )6‬إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَ ْ‬
‫بِا ْل ُمهْتَدِينَ (‪)7‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ن ‪:‬هو أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا ن ويقرأ هكذا نون‪.‬‬
‫والقلم وما يسطرون ‪:‬أي والقلم الذي كتب به الذكر "القدر" والذي يخطون ويكتبون‪.‬‬
‫ما أنت بنعمة ربك ‪:‬أي لست بما أنعم ال عليك من النبوة وما وهبك من الكمال‪.‬‬
‫بمجنون ‪:‬أي بذي جنون كما يزعم المشركون‪.‬‬
‫غير ممنون ‪ :‬أي غير مقطوع بل هو دائم أبدا‪.‬‬
‫بأيكم المفتون ‪:‬أي بأيكم الجنون‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى (ن) هذا أحد الحروف ‪1‬المقطعة نحو ق‪ ،‬ص‪ ،‬وحم ال أعلم بمراده به وقوله تعالى‬
‫سطُرُونَ} أي ‪ 2‬والقلم الذي كتب أول ما خلق وقال له اكتب فقال ما اكتب قال اكتب‬
‫{وَا ْلقَلَ ِم َومَا يَ ْ‬
‫ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى بذلك وما يسطرون أي وما تسطره وتكتبه الملئكة نقل من‬
‫اللوح المحفوظ‪ ،‬وما يكتبه الكرام الكاتبون من أعمال العباد قسمي أي أقسم تعالى بشيئين الول‬
‫القلم‪ ،‬والثاني ما سطر به وكتب مما خلق من كل شيء‪ .‬والمقسم ‪ 3‬عليه قوله {مَا أَ ْنتَ بِ ِن ْعمَةِ‪4‬‬
‫رَ ّبكَ ِبمَجْنُونٍ} تكذيب للمشركين الذين قالوا إن محمدا مجنون بسبب ما رأوا من الوحي والتأثير‬
‫به على من هداه ال لليمان‪ ،‬وقوله تعالى { َوإِنّ َلكَ لَأَجْرا غَيْرَ َممْنُونٍ} هذا داخل تحت القسم أي‬
‫مقسم عليه وهو أن للنبي صلى ال عليه وسلم أجرا غير مقطوع أبدا بسبب ما قدمه من أعمال‬
‫صالحة أعظمها ما بينه من الهدى سنه من طرق الخير إذ من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من‬
‫عمل بها إلى يوم الدين كما أن الجنة أجر كل عمل صالح وللرسول فيها أجر غير مقطوع بل له‬
‫أعلها وأفضلها‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى عن بعض السلف أن‪ :‬نون هي الدواة‪ ،‬وكونه أحد الحروف المقطعة أولى لنظائره من‬
‫ص‪ ،‬وق ويس‪ ،‬وطس‪ .‬وفي إدغام النون في واو القلم قراءتان سبعيتان الفك والدغام‪.‬‬
‫‪ 2‬جائز أن يكون ما موصولة‪ .‬أي والذي يسطرونه وجائز أن تكون مصدريه أي ومسطورهم‪.‬‬
‫‪ 3‬جواب القسم وهو ثلثة أشياء الول نفي الجنون عنه صلى ال عليه وسلم و الثاني ثبوت الجر‬
‫له صلى ال عليه وسلم والثالث كونه على أعظم خلق حيث تحلى بكل أدب في القرآن حتى قالت‬
‫عائشة رضي ال عنها كان خلقه القرآن‪.‬‬
‫‪ 4‬الباء بنعمة ربك سببية أي ما أنت بسبب ما أنعم ال عليك من الوحي مجنونا والباء في مجنون‬
‫زائدة لتقوية النفي وتأكيده‪.‬‬

‫( ‪)5/406‬‬

‫وقوله {وَإِ ّنكَ َلعَلَى خُُلقٍ عَظِيمٍ} ‪ 1‬هذا أيضا داخل في حيز المقسم عليه وهو أن النبي محمدا صلى‬
‫ال عليه وسلم لعلى خلق أي أدب عظيم حيث أدبه ربه فكيف ل يكون أكمل الخلق أدبا وسيرته‬
‫وما خوطب به في القرآن من مثل خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين‪ .‬ومثل‬
‫وشاورهم في المر ومثل ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك إلى غير ذلك من الداب‬
‫الرفيعة التي أدب ال بها رسوله مما جعله أكمل الناس أدبا وخلقا وقد سئلت عائشة عن خلق النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن وقال هو عن نفسه أدبني ربي فأحسن تأديبي وقال‬
‫إنما بعثت لتمم مكارم الخلق‪ .‬وقوله تعالى { َفسَتُ ْبصِرُ‪ 2‬وَيُ ْبصِرُونَ بِأَ ّيكُمُ ا ْل َمفْتُونُ} أي دم على‬
‫ما أنت عليه من الكمال يا رسولنا واصبر على دعوتنا فستبصر بعد قليل من الزمن ويبصر قومك‬
‫المتهمون لك بالجنون بأيكم ‪ 3‬المفتون أي المجنون أنت –وحاشاك‪ -‬أو هم‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ‪4‬‬
‫رَ ّبكَ ُهوَ أَعْلَمُ ِبمَنْ ضَلّ عَنْ سَبِيلِ ِه وَ ُهوَ أَعَْلمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ} في هذا الخبر تعزية لرسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وتسلية له ليصبر على دعوة ال وفيه تهديد ووعيد للمشركين المكذبين فكون ال أعلم‬
‫من كل أحد بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين معناه أنه سيعذب حسب سنته الضال‬
‫وسيرحم المهتدي‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪-1‬تقرير مسألة أن ل تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه‪.‬‬
‫‪-2‬بيان فضل القلم الذي يكتب به الهدى و الخير‪.‬‬
‫‪-3‬تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ كان ذلك بالقلم الذي أول ما خلق ال‪.‬‬
‫‪-4‬بيان كمال الرسول صلى ال عليه وسلم في أدبه و أخلقه وجعله قدوة في ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ورد في فضل الخلق أحاديث ‪ ".‬اتق ال حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس‬
‫بخلق حسن"‪ ،‬وحديث "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن‪ ،‬وإن ال‬
‫تعالى ليبغض الفاحش البذيء"‪( .‬صحيح)‪.‬‬
‫‪ 2‬قال ابن عباس فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتميز الحق من الباطل وما في التفسير وارد‬
‫وحق ولعله المراد وما قاله ابن عباس حق ووارد‪.‬‬
‫‪ 3‬بأيكم المفتون‪ ،‬أي اسم مبهم يتعرف بما يضاف هو إليه‪ ،‬وله مواقع كثيرة في الكلم فقد يشرب‬
‫معنى الموصول ومعنى الشرط ومعنى الستفهام‪ ،‬ومعنى التنويه بكامل‪ .‬فقوله بأيكم المفتون معناه‬
‫أي رجل أو أي فريق منكم المفتون فأي هنا في محل نصب معمول فسينتصر وينتصرون أيكم‬
‫المفتون إذ الياء زائدة كالباء في وامسحوا برؤوسكم‪.‬‬
‫‪4‬الجملة تعليلية لما ينبيء عنه ما قبله من اهتدائه صلى ال عليه وسلم وضللهم أو على جميع ما‬
‫فصل من أول السورة ومع أنها تعليلية فإنها متضمنة التسلية للرسول صلى ال عليه وسلم كما في‬
‫التفسير‪.‬‬

‫( ‪)5/407‬‬

‫فَل تُطِعِ ا ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )8‬وَدّوا َلوْ ُتدْهِنُ فَيُ ْدهِنُونَ (‪ )9‬وَل ُتطِعْ ُكلّ حَلّافٍ َمهِينٍ (‪َ )10‬همّازٍ مَشّاءٍ‬
‫ل وَبَنِينَ (‪ )14‬إِذَا‬
‫بِ َنمِيمٍ (‪ )11‬مَنّاعٍ لِ ْلخَيْرِ ُمعْتَدٍ أَثِيمٍ (‪ )12‬عُ ُتلّ َبعْدَ َذِلكَ زَنِيمٍ (‪ )13‬أَنْ كَانَ ذَا مَا ٍ‬
‫س ُمهُ عَلَى الْخُ ْرطُومِ (‪)16‬‬
‫تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ (‪ )15‬سَنَ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ودوا لو تدهن ‪:‬أي تمنوا وأحبوا لو تلين لهم بأن ل تذكر آلهتهم بسوء‪.‬‬
‫فيدهنون ‪ :‬فيلينون لك ول يغلظون لك في القول‪.‬‬
‫كل حلف مهين ‪:‬أي كثير الحلف بالباطل حقير‪.‬‬
‫هماز مشاء بنميم ‪ :‬أي عياب مغتاب‪.‬‬
‫معتد أثيم ‪:‬أي على الناس بأذيتهم في أنفسهم وأموالهم أثيم يرتكب الجرائم والثام‪.‬‬
‫عتل بعد ذلك زنيم ‪ :‬أي غليظ جاف‪ .‬زنيم دعي في قريش وليس منهم وهو الوليد بن المغيرة‪.‬‬
‫قال أساطير الولين ‪ :‬أي ما روته الولون من قصص وحكايات وليس بوحي قرآني‪.‬‬
‫سنسمه على الخرطوم ‪ :‬أي سنجعل على أنفه علمة يعير بها ما عاش فخطم أنفه بالسيف يوم‬
‫بدر‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫طعِ ا ْل ُمكَذّبِينَ}‪ 1‬أي بناء على أنك أيها الرسول مهتد وقومك ضالون فل تطع‬
‫قوله تعالى {فَل تُ ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬التاء للتفريع فالجملة متفرعة عما سبقها من قوله تعالى إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله‪.‬‬
‫وعليه فل تطع المكذبين الخ نهى صلى ال عليه و سلم عن طاعة المشركين في أي شيء يريدونه‬
‫منه مما هو رضاء بالشرك وسكوت عنه ممالة لهم وسكوتا عن باطلهم مقابل ترك أذاهم له‪.‬‬

‫( ‪)5/408‬‬

‫هؤلء الضالين المكذبين بال ولقائه وبك وبما جئت به من الدين الحق وقوله { َودّوا َلوْ ُتدْهِنُ‪1‬‬
‫فَيُدْهِنُونَ} أي ومما يؤكد لك عدم مشروعية طاعتهم فيما يطالبون ويقترحونه عليك أنهم ودوا أي‬
‫تمنوا وأحبوا لو تلين لهم فتمالئهم بسكوتك عن آلهتهم فيدهنون بالكف عن أذيتك بترك السب و‬
‫الشتم‪ .‬وقوله تعالى {وَل ُتطِعْ ُكلّ حَلّافٍ َمهِينٍ} بعدما نهاه عن إطاعة الكافرين عامة نهاه عن‬
‫طاعة أفراد شريرين ل خير فيهم البتة كالوليد بن المغيرة فقال‪{ :‬وَل تُطِعْ ُكلّ حَلّافٍ} كثير الحلف‬
‫بالباطل { َمهِين ٍ‪ }2‬أي حقير‪َ { .‬همّازٍ} عياب {مَشّاءٍ بِ َنمِيمٍ} أي مغتاب نمام ينقل الحديث على وجه‬
‫الفساد {مَنّاعٍ لِ ْلخَيْرِ} أي يبخل بالمال أشد البخل { ُمعْ َتدٍ أَثِيمٍ} أي ظالم للناس معتد على أموالهم‬
‫وأنفسهم {أَثِيمٍ} كثير الثم لغشيانه المحرمات وقوله {عُ ُتلّ َب ْعدَ ذَِلكَ‪ 3‬زَنِيمٍ} أي غليظ الطبع جاف ل‬
‫أدب معه‪{ .‬زَنِيمٍ} أي دعي في قريش وليس منهم‪ .‬وقوله تعالى {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ِإذَا تُتْلَى‬
‫عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ} أي لجل أن كان ذا مال وبنين حمله الشعور بالغنى على التكذيب‬
‫بآيات ال فإذا تليت عليه وسمعها قال أساطير الولين ردا لها ووصفوها بأنها أسطورة أي أكذوبة‬
‫س ُمهُ عَلَى الْخُ ْرطُومِ} أي‬
‫مسطرة ومكتوبة من أساطير الولين من المم الماضية‪ .‬قال تعالى {سَنَ ِ‬
‫نجعل له سمة شر وقبح يعرف بها مدى حياته تكون بمثابة من جدع أنفه أو وسم على أنفه فكل‬
‫من رآه استقبح منظره‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬التنديد بأصحاب الصفات التالية كثرة الحلف بالكذب‪ ،‬المهانة‪ ،‬الهمزة النميمة‪ ،‬الغيبة‪ ،‬البخل‪،‬‬
‫العتداء‪ ،‬غشيان الذنوب‪ ،‬الغلظة والجفاء‪ ،‬الشهرة بالشر‪.‬‬
‫طغَى أَنْ رَآهُ اسْ َتغْنَى}‪.‬‬
‫‪-2‬التحذير من كثرة المال والولد فإنها سبب الطغيان {إِنّ الْإِنْسَانَ لَيَ ْ‬
‫‪ -3‬التنديد بالمكذبين بآيات ال تعالى أو تفصيل‪ .‬والعياذ بال تعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ودوا لو تدهن هذا بيان لما نهى عنه من طاعتهم‪ ،‬وفعل تدهن مشتق من الدهان وهو الملينة‬
‫والمصانعة وهو مأخوذ من دهن الشيء بالدهان ليلينه ويرق‪ ،‬والمداهنة محرمة و المداراة جائزة‬
‫والفرق بينهما أن المداهن يتنازل من شيء من دينه ليحفظ شيئا من دنياه‪ ،‬والمداري عكسه يتنازل‬
‫عن شيء من دنياه ليحفظ شيئا من دينه‪.‬‬
‫‪ 2‬المهين‪ :‬الوضيع لكثاره من القبيح‪ ،‬وتفسيره بالحقير صالح وكذا الفاجر العاجز‪.‬‬
‫‪ 3‬العتل‪ :‬الجافي الشديد‪ ،‬ومنه أخذ العتال الذي يجر الناس ويدفعهم بعنف ليدخلهم في السجن‬
‫ونحوه‪ .‬ومنه قوله تعالى {خذوه فاعتلوه‪}.‬‬

‫( ‪)5/409‬‬

‫سمُوا لَ َيصْ ِرمُ ّنهَا ُمصْبِحِينَ (‪ )17‬وَل يَسْتَثْنُونَ (‪ )18‬فَطَافَ‬


‫صحَابَ الْجَنّةِ إِذْ َأ ْق َ‬
‫إِنّا بََلوْنَاهُمْ َكمَا بََلوْنَا َأ ْ‬
‫حتْ كَالصّرِيمِ (‪ )20‬فَتَنَا َدوْا ُمصْبِحِينَ (‪ )21‬أَنِ‬
‫ك وَهُمْ نَا ِئمُونَ (‪ )19‬فََأصْبَ َ‬
‫عَلَ ْيهَا طَا ِئفٌ مِنْ رَ ّب َ‬
‫اغْدُوا عَلَى حَرْ ِث ُكمْ إِنْ كُنْتُمْ صَا ِرمِينَ (‪ )22‬فَا ْنطََلقُوا وَ ُهمْ يَتَخَافَتُونَ (‪ )23‬أَنْ ل يَ ْدخُلَ ّنهَا الْ َيوْمَ عَلَ ْي ُكمْ‬
‫سكِينٌ (‪ )24‬وَغَ َدوْا عَلَى حَ ْردٍ قَادِرِينَ (‪ )25‬فََلمّا رََأوْهَا قَالُوا إِنّا َلضَالّونَ (‪َ )26‬بلْ َنحْنُ‬
‫مِ ْ‬
‫طهُمْ أََلمْ َأ ُقلْ َلكُمْ َلوْل تُسَبّحُونَ (‪ )28‬قَالُوا سُبْحَانَ رَبّنَا إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ (‬
‫سُ‬‫مَحْرُومُونَ (‪ )27‬قَالَ َأوْ َ‬
‫عسَى رَبّنَا أَنْ‬
‫علَى َب ْعضٍ يَتَل َومُونَ (‪ )30‬قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنّا كُنّا طَاغِينَ (‪َ )31‬‬
‫ضهُمْ َ‬
‫‪ )29‬فََأقْ َبلَ َب ْع ُ‬
‫ب وََلعَذَابُ الْآخِ َرةِ َأكْبَرُ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ (‬
‫يُبْدِلَنَا خَيْرا مِ ْنهَا إِنّا إِلَى رَبّنَا رَاغِبُونَ (‪َ )32‬كذَِلكَ ا ْلعَذَا ُ‬
‫‪)33‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إنا بلوناهم ‪ :‬أي امتحنا كفار مكة بالمال والولد والجاه والسيادة فلم يشكروا نعم ال عليهم بل‬
‫كفروا بها بتكذيبهم رسولنا وإنكارهم توحيدنا فأصبناهم بالقحط والقتل لعلهم يتوبون كما امتحنا‬
‫أصحاب الجنة المذكورين في هذا السياق‪.‬‬
‫ليصرمنها ‪ : 1‬أي ليجدنها أي يقطعون ثمارها صباحا‪.‬‬
‫فطاف عليهم طائف من ‪ :‬أي نار فأحرقتها‪.‬‬
‫ربك وهم نائمون‬
‫فأصبحت كالصريم ‪:‬أي كالليل السود الشديد الظلمة والسواد‪.‬‬
‫على حرثكم ‪:‬أي غلة جنتكم وقيل فيها حرث لنهم عملوا فيها‪.‬‬
‫وهم يتخافتون ‪:‬أي يتشاورون بأصوات مخفوضة غير رفيعة حتى ل يسمع بهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الصرم‪ :‬الجد والقطع‪ ،‬والجز أيضا بالزاي كلها بمعنى القطع والكسر‪.‬‬
‫( ‪)5/410‬‬

‫وغدوا على حرد قادرين ‪:‬أي وغدوا صباحا على قصد قادرين على صرمها قبل أن يطلع عليهم‬
‫المساكين‪.‬‬
‫إنا لضالون ‪:‬أي مخطئوا الطريق أي ما هذا طريق جنتنا ول هي هذه‪.‬‬
‫بل نحن محرومون ‪:‬أي لما علموا أنها هي وقد احترقت قالوا بل نحن محرومون منها لعزمنا‬
‫على حرمان المساكين منها‪.‬‬
‫قال أوسطهم ‪ :‬خيرهم تقوى وأرجحهم عقل‪.‬‬
‫لول تسبحون ‪ :‬أي تسبحون ال وتستثنون عندما قلتم لنصرمنها مصبحين‪.‬‬
‫يتلومون ‪ :‬أي يلوم بعضهم بعضا تندما وتحسرا‪.‬‬
‫إنا إلى ربنا راغبون ‪ :‬أي طامعون‪.‬‬
‫كذلك العذاب ‪:‬أي مثل هذا العذاب بالحرمان العذاب لمن خالف أمرنا وعصانا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق الكريم في مطلب هداية قريش قوم محمد صلى ال عليه وسلم فقال تعالى {إِنّا‬
‫بََلوْنَاهُمْ} يعني كفار قريش أي امتحناهم واختبرناهم باللء والنعم لعلهم يشكرون فلم يشكروا ثم‬
‫بالبلء والنقم أي بالقحط والجدب والقتل لعلهم يتوبون كما بلونا أصحاب الجنة فتابوا ثم ذكر‬
‫تعالى قصة أصحاب الجنة الذين ابتلهم فتابوا إليه ورجعوا إلى طاعته فقال {إِنّا بََلوْنَاهُمْ َكمَا بََلوْنَا‬
‫سمُوا} –حلفوا‪{ -‬لَ َيصْ ِرمُ ّنهَا ُمصْبِحِينَ‪ }2‬أي ليقطعن ثمارها ويجدونه في‬
‫َأصْحَابَ ا ْلجَنّةِ‪ِ 1‬إذْ َأقْ َ‬
‫الصباح الباكر قبل أن يعلم المساكين حتى ل يعطوهم شيئا‪ .‬ول يستثنون أي لم يستثنوا في حلفهم‬
‫حتْ‬
‫لم يقولوا إل أن يشاء ال‪{ .‬فَطَافَ عَلَ ْيهَا طَا ِئفٌ مِنْ رَ ّبكَ} يا رسولنا وهو نار أحرقتها {فََأصْبَ َ‬
‫كَالصّرِيمِ} أي الليل المظلم السود الشديد السواد‪{ .‬فَتَنَا َدوْا ُمصْبِحِينَ} أي نادى بعضهم بعضا وهم‬
‫إخوة كثير في أول الصباح قائلين {اغْدُوا عَلَى حَرْ ِثكُمْ} إن كنتم فعل جادين في الصرام هذا‬
‫الصباح‪{ .‬فَا ْنطََلقُوا } مسرعين {وَ ُهمْ يَتَخَافَتُونَ} يتشاورون في صوت خافت حتى ل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل أن هذه الجنة "البستان" كانت على فراسخ من صنعاء اليمن وكانت بعد رفع عيسى عليه‬
‫السلم‪ ،‬كانت لرجل مؤمن يؤدي حق ال تعالى فلما مات صارت لولده فعزموا على منع الناس‬
‫ما كان والدهم يعطيه لمن يحضر الجداد من فقراء ومسامين فعاقبهم ال فاحترقت وفي اليات‬
‫بيان بذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬في الية أدب سام وهو أن من كان له من الزرع أو التمر ما يجد‪ ،‬ينبغي أن ل يجده ليل حتى‬
‫ل يحرم الفقراء من الكل منه وأن عليه أن بمنح من يحضر الجداد والقطع شيئا يسيرا من زرعه‬
‫أو ثمره‪ ،‬وآية سورة النساء ظاهرة في هذا وهي قوله تعالى (وإذا حضر القسمة أولوا القربى) إلى‬
‫قوله (فارزقوهم منه) الية‪.‬‬

‫( ‪)5/411‬‬

‫سكِينٌ} كما كانوا‬


‫يفطن لهم فقراء البلد ومساكينها وأجمعوا ‪ 1‬على {أَنْ ل يَ ْدخُلَ ّنهَا الْ َيوْمَ عَلَ ْيكُمْ مِ ْ‬
‫يدخلونها ويأخذون منها أيام حياة والدهم رحمه ال عليه قال تعالى {وَغَ َدوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} أي‬
‫وانطلقوا صباحا على حرد أي ‪ 2‬قصد تام قادرين على أن ل يدخلنها اليوم عليهم مسكين بل‬
‫يجدونها ويحملونها إلى مخازنهم ول يشعر بهم أحد من الفقراء والمساكين‪ .‬قال تعالى { َفَلمّا‬
‫رََأوْهَا} محترقة سوداء مظلمة {قَالُوا} ما هذه جنتنا {إِنّا َلضَالّونَ‪ }3‬عنها بأن أخطئنا الطريق إليها‪،‬‬
‫ولما علموا أنها هي ولكن احترقت ليل اضربوا عن قولهم الول وقالوا { َبلْ نَحْنُ َمحْرُومُونَ} أي‬
‫منها لعزمنا على منع المساكين منها وقد كان والدنا يمنحهم منها ويعطيهم شكرا ل وأداء لحقه‪.‬‬
‫طهُمْ أَلَمْ‬
‫وهنا تكلم أوسطهم أي خيرهم تقوى وأرجحهم عقل بما أخبر تعالى عنه في قوله {قَالَ َأوْسَ ُ‬
‫‪َ 4‬أ ُقلْ َل ُكمْ َلوْل ُتسَبّحُونَ} أي ألم يسبق لي أن قلت لكم لما قلتم لنصرمنها مصبحين ولم يستثنوا‬
‫فقلت لكم هل يستثنون وأطلق لفظ التسبيح على الستثناء لن التسبيح تنزيه ل عن الشرك وسائر‬
‫النقائص ومنها العجز و الستثناء تنزيه ل عن ذلك لن الذي يقول أفعل ولم يستثن أعطى لنفسه‬
‫قدرة كقدرة ال الذي إذا قال أفعل فعل ول يعجز فهو هنا أشرك نفسه في صفة من صفات ال‬
‫تعالى فلذا كان الستثناء تسبيحا ل وتنزيها له عن المشارك في صفاته وأفعاله‪ .‬فلما ذكرهم‬
‫أخوهم العاقل الرشيد قالوا {سُ ْبحَانَ رَبّنَا إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ} فنابوا بهذا العتراف قال تعالى {فََأقْ َبلَ‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ يَتَل َومُونَ} أي يلوم بعضهم بعضا على خطأهم في عزمهم على حرمان‬
‫َب ْع ُ‬
‫المساكين وعلى عدم الستثناء في اليمين قالوا من جملة ما قالوا {قَالُوا يَا وَيْلَنَا} أي يا هلكنا‬
‫احضر {إِنّا كُنّا طَاغِينَ} أي متجاوزين حدود ال التي حد لنا غفلة منا وجهل بأنفسنا وبما يعاقب‬
‫به أمثالنا‪ .‬وهنا بعد أن رجعوا على أنفسهم باللوم وإلى ال بالتوبة رجوا ربهم ولم ييأسوا من‬
‫عسَى ‪ 5‬رَبّنَا أَنْ يُ ْبدِلَنَا خَيْرا مِ ْنهَا إِنّا إِلَى رَبّنَا ‪ 6‬رَاغِبُونَ} هكذا ابتلوا بالنعمة ثم‬
‫رحمته فقالوا { َ‬
‫بسلبها فتابوا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية دليل على أن العزم الكيد يؤاخذ عليه العبد لن أصحاب الجنة عزموا على أن‬
‫يحرموا الفقراء فعاقبهم ال على عزمهم‪.‬‬
‫‪ 2‬الحرد‪ :‬يطلق على المنع وعلى القصد القوي وعلى السرعة والغضب أيضا وجملة وغدوا إلخ‬
‫حالية‪.‬‬
‫‪ 3‬ل داعي إلى تفسير لضالون بالضلل الذي هو خروج عن طاعة ال تعالى بل المراد من‬
‫الضلل هو عدم اهتدائهم إلى جنتهم بأن ضلوا طريقها‪.‬‬
‫‪ 4‬الستفهام تقريري‪ ،‬ولول للتحضيض‪.‬‬
‫‪ 5‬قيل أنهم تعاقدوا وقالوا إن بدلنا ال خيرا منها لنصنعن كما يصنع أبونا فدعوا ال وتضرعوا‬
‫فأبدلهم ال ما هو خير منها‪ ،‬سئل قتادة عن أصحاب الجنة‪ :‬أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟‬
‫فقال للسائل لقد كلفتني تعبا‍ً‍!‬
‫‪ 6‬قرأ نافع أن يبدلنا بتشديد الدال‪ ،‬وقرأ حفص بالتخفيف من أبدل يبدل الرباعي‪.‬‬

‫( ‪)5/412‬‬

‫مهل كفار قريش وقد ابتلوا بالنعمة ثم سلبوها فهل يتوبون كما تاب أصحاب الجنة؟ إنما سيقت هذه‬
‫القصة تذكيرا وتعليما فهل يتذكرون فيتوبوا؟ قال تعالى {كَذَِلكَ‪ 1‬ا ْلعَذَابُ} أي مثل هذا العذاب‬
‫بالحرمان العذاب لمن خالف أمر ال وعصاه {وََلعَذَابُ الْآخِ َرةِ َأكْبَرُ} من عذاب الدنيا {َلوْ كَانُوا‬
‫َيعَْلمُونَ} فإن عذاب الدنيا وقته محدود وأجله معدود أما عذاب الخرة فإنه أبدي ل يحول ول‬
‫يزول‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬البتلء يكون بالسراء والضراء أي بالخير والشر وأسعد الناس الشاكرون عند السراء‬
‫الصابرون على طاعة ال ورسوله عند الضراء‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية التذكير بأحوال المبتلين والمعافين ليتخذ من ذلك طريق إلى الشكر والصبر‪.‬‬
‫‪ -3‬صلح الباء ينفع أبناء المؤمنين فقد انتفع أصحاب الجنة بصلح أبيهم الذي كان يتصدق‬
‫على المساكين من غلة بستانه وعلمة انتفاعهم توبتهم‪.‬‬
‫‪ -4‬مشروعية الستثناء في اليمين وأنه تسبيح ل تعالى‪ ,‬وأن تركه يوقع في الثم ولذا إذا حنث‬
‫الحالف لم يستثن تلوثت نفسه بآثم كبير ل يمحى إل بالكفارة الشرعية التي حددها الشارع وهي‬
‫إطعام أو كسوة عشرة مساكين أو عتق رقبة فإن لم يقدر على واحدة من هذه النواع صام ثلثة‬
‫أيام ليمحي ذلك الذنب من نفسه‪.‬‬
‫ح ُكمُونَ‬
‫ج َعلُ ا ْلمُسِْلمِينَ كَا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪ )35‬مَا َل ُكمْ كَ ْيفَ َت ْ‬
‫إِنّ لِ ْلمُ ّتقِينَ عِنْدَ رَ ّبهِمْ جَنّاتِ ال ّنعِيمِ (‪َ )34‬أفَ َن ْ‬
‫(‪ )36‬أَمْ َلكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْ ُرسُونَ (‪ )37‬إِنّ َلكُمْ فِيهِ َلمَا َتخَيّرُونَ (‪َ )38‬أمْ َلكُمْ أَ ْيمَانٌ عَلَيْنَا بَاِلغَةٌ إِلَى‬
‫ح ُكمُونَ (‪ )39‬سَ ْلهُمْ أَ ّيهُمْ ِبذَِلكَ زَعِيمٌ (‪َ )40‬أمْ َلهُمْ شُ َركَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُ َركَا ِئهِمْ‬
‫َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ إِنّ َل ُكمْ َلمَا تَ ْ‬
‫عوْنَ إِلَى السّجُودِ فَل َيسْتَطِيعُونَ (‪)42‬‬
‫ق وَيُدْ َ‬
‫شفُ عَنْ سَا ٍ‬
‫إِنْ كَانُوا صَا ِدقِينَ (‪َ )41‬يوْمَ ُيكْ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل إن هذا وعظ لهل مكة بالرجوع إلى ال تعالى لما ابتلهم بالجدب لدعاء النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم عليهم أي كفعلنا نفعل بمن تعدى حدودنا في الدنيا‪.‬‬

‫( ‪)5/413‬‬

‫عوْنَ إِلَى السّجُو ِد وَهُمْ سَاِلمُونَ (‪)43‬‬


‫شعَةً أَ ْبصَارُهُمْ تَرْ َه ُقهُمْ ذِلّ ٌة َوقَدْ كَانُوا يُدْ َ‬
‫خَا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن للمتقين ‪ : 1‬أي الذين اتقوا ربهم فآمنوا به ووحدوه فاتقوا بذلك الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫عند ربهم جنات النعيم ‪:‬أي لهم جنات النعيم يوم القيامة عند ربهم عز وجل‪.‬‬
‫أفنجعل المسلمين كالمجرمين ‪:‬أي أنحيف في الحكم ونجور فنجعل المسلمين والمجرمين متساوين‬
‫في العطاء والفضل والجواب ل‪ ،‬ل يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة‪.‬‬
‫أم لكم كتاب فيه تدرسون ‪:‬أي تقرأون فعلمتم بواسطته ما تدعون‪.‬‬
‫إن لكم فيه لما تخيرون ‪:‬أي فوجدتم في الكتاب الذي تقرأون أن لكم فيه ما تختارونه‪.‬‬
‫أم لكم أيمان علينا بالغة ‪:‬أي ألكم عهود منا موثقة باليمان ل نخرج منها ول نتحلل إلى يوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫إن لكم لما تحكمون ‪ :‬أي أعطيناكم عهودنا الواثقة أن لكم ما تحكمون به لنفسكم كما تشاءون‪.‬‬
‫سلهم بذلك أيهم زعيم ‪:‬أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذي‬
‫يحكمون به لنفسهم من أنهم يعطون في الخرة أفضل مما يعطى المؤمنون‪.‬‬
‫أم لهم شركاء ‪ :‬أي أعندهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوا يكفلون لهم به ما ادعوه‬
‫وحكموا به لنفسهم وهو أنهم يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون يوم القيامة‪.‬‬
‫يوم يكشف عن ساق ‪ :‬أي يوم يعظم الهول ويشتد الكرب ويكشف الرب عن ساقه الكريم التي ل‬
‫يشبهها شيء عندما يأتي لفصل القضاء‪.‬‬
‫ترهقهم ذلة ‪:‬أي تغشاهم ذلة يالها من ذلة‪.‬‬
‫وقد كانوا يدعون إلى السجود ‪:‬أي وقد كانوا يدعون في الدنيا إلى الصلة وهم سالمون من أية‬
‫علة ول يصلون‬
‫وهم سالمون حتى ل يسجدوا تكبرا وتعظيما‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المتقون هم الذين اتقوا ربهم فآمنوا به وعبدوه وحده فأطاعوه وأطاعوا رسوله فلم يشركوا ولم‬
‫يفسقوا‪.‬‬

‫( ‪)5/414‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {إِنّ ‪1‬لِ ْلمُ ّتقِينَ‪ }2‬اليات نزلت ردا على المشركين الذين ادعوا متبجحين أنهم إذا بعثوا‬
‫يوم القيامة يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون قياسا منهم على حالهم في الدنيا حيث كانوا أغنياء‬
‫والمؤمنون فقراء فقال تعالى {إِنّ لِ ْلمُ ّتقِينَ عِنْدَ رَ ّبهِمْ جَنّاتِ ال ّنعِيمِ} أي جنات كلها نعيم لشيء فيها‬
‫غيره‪ .‬ثم قال في الرد منكرا على المشركين دعواهم مقرعا مؤنبا إياهم في سبعة استفهامات‬
‫ج َعلُ‪ 3‬ا ْلمُسِْلمِينَ} الذين أسلموا ل وجوههم وأطاعوه بكل‬
‫إنكارية تقريعية أولها قوله تعالى {َأفَ َن ْ‬
‫جوارحهم {كَا ْل ُمجْ ِرمِينَ} الذين أجرموا على أنفسهم بارتكاب أكبر الكبائر كالشرك وسائر الموبقات‬
‫أي نحيف ونجور في حكمنا فنجعل المسلمين كالمجرمين في الفضل والعطاء يوم القيامة‪ ،‬فنسوي‬
‫بينهما وثانيها قوله‪ :‬ما لكم؟ أي أي شيء حصل لكم حتى ادعيتم هذه الدعوى وثالثها كيف‬
‫تحكمون أي كيف أصدرتم هذا الحكم ما حجتكم فيه ودليلكم عليه؟ ورابعها قوله {َأمْ َلكُمْ كِتَابٌ فِيهِ‬
‫تَدْرُسُونَ} أي أعندكم كتاب جاءكم به رسول من عند ال تقرأون فيه هذا الحكم الذي حكمتم به‬
‫لنفسكم بأنكم تعطون يوم القيامة أفضل مما يعطى المؤمنون إن لكم فيه لما تخيرون أي ألكم في‬
‫علَيْنَا بَاِلغَةٌ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ‬
‫هذا الكتاب ما تختارون والجواب‪ .‬ل‪ .‬ل وخامسها قوله {أَمْ َلكُمْ‪ 4‬أَ ْيمَانٌ َ‬
‫ح ُكمُونَ} أي أي الكم عهودنا موثقة بأيمان ل نتحلل منها إلى يوم القيامة بأن لكم ما‬
‫إِنّ َلكُمْ َلمَا تَ ْ‬
‫حكمتم به لنفسكم من أنكم تعطون أفضل مما يعطى المؤمنون وسادسها {سَ ْلهُمْ أَ ّي ُهمْ‪ِ 5‬بذَِلكَ زَعِيمٌ}‬
‫أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذي يحكمون به لنفسهم من أنهم‬
‫يعطون في الخرة أفضل مما يعطى المؤمنون سابعها قوله {َأمْ َلهُمْ شُ َركَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُ َركَا ِئ ِهمْ إِنْ‬
‫كَانُوا صَا ِدقِينَ} أي ألهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوه يكفلونه لهم فليأتوا بهم إن كانوا‬
‫صادقين في ذلك‪ .‬بهذه الستفهامات النكارية التقريعية السبعة نفى تعالى عنهم كل ما يمكنهم أن‬
‫يتشبثوا به في‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إن للمتقين استئناف بياني ناشيء عن سؤال إذا كان جزاء المجرمين ما ذكر فما جزاء المتقين؟‬
‫فأجيب ‪ :‬إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم‪ :‬واللم لم الستحقاق‪ ،‬وإضافة الجنات إلى النعيم‬
‫إشارة إلى أنها خالصة النعيم ما فيها ليس في جنات الدنيا من البعوض والحشرات أو ما يؤذي من‬
‫شوك ونحوه‪.‬‬
‫‪ 2‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬قالت كفار مكة إنا نعطى في الخرة خيرا مما تعطون‬
‫فنزلت‪ :‬أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟‬
‫‪ 3‬الهمزة للستفهام النكاري أي إنكار التسوية بين المسلمين والمجرمين في الجزاء مع التقريع‬
‫والتوبيخ ‪ 00‬وكذا سائر الستفهامات في هذه اليات‪.‬‬
‫‪ 4‬أم لكم للضراب النتقالي من دليل إلى آخر والستفهام إنكاري كغيره مع ما يفيد من التأنيب‬
‫والتقريع‪.‬‬
‫‪ 5‬الستفهام هنا مستعمل للتهكم‪.‬‬

‫( ‪)5/415‬‬

‫شفُ عَنْ سَاقٍ} ‪ 2‬أي اذكر لهم يا‬


‫في تصحيح دعواهم الباطلة عقل وشرعا‪ .‬وقوله تعالى {‪َ 1‬يوْمَ ُي ْك َ‬
‫رسولنا مبينا واقع المر يوم القيامة‪ ،‬ليخجلوا من تشدقهم بدعواهم الساقطة الباردة اذكر لهم يوم‬
‫يعظهم الهول ويشتد الكرب‪ ،‬ويأتي الرب لفصل القضاء ويكشف عن ساق فيخر كل مؤمن‬
‫ومؤمنة ساجدا ويحاول المنافقون والمنافقات السجود فل يستطيعون إذ يكون ظهر أحدهم طبقا‬
‫واحدا أي عظما واحدا فل يقدر على السجود وذلك علمة شقائه المترتب على نفاقه في الدنيا‪.‬‬
‫ويدعون إلى السجود أي امتحانا لهم ليعرف من كان يسجد إيمانا واحتسابا ممن كان يسجد نفاقا‬
‫ورياء فل يستطيعون لن ظهر أحدهم يصبح عظما واحدا خاشعة أبصارهم ل تطرف من شدة‬
‫الخوف ترهقهم ذلة أي تغشاهم ذلة عظيمة وقوله وقد كانوا يدعون إلى السجود أي في الدنيا وهم‬
‫سالمون معافون في أبدانهم ول يسجدون تكبرا وكفرا بال ربهم و بشرعه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير أن المجرمين ل يساوون المؤمنين يوم القيامة إذ ل يستوي أصحاب النار وأصحاب‬
‫الجنة فمن زعم أنه يعطى ما يعطاه المؤمنون من جنات النعيم فهو مخطئ في تصوره كاذب في‬
‫قوله‪.‬‬
‫‪-2‬بيان عظم هول يوم القيامة وأن الرب تبارك وتعالى يأتي لفصل القضاء ويكشف عن ساق فل‬
‫يبقى أحد إل سجد وأن الكافر والمنافق ل يستطيع السجود عقوبة له وفضيحة إذ كان في الدنيا‬
‫يدعى إلى السجود ل فل يسجد أي إلى الصلة فل يصلي تكبرا وكفرا‪.‬‬
‫جهُمْ مِنْ حَ ْيثُ ل َيعَْلمُونَ (‪ )44‬وَُأمْلِي َل ُهمْ إِنّ كَيْدِي مَتِينٌ (‬
‫فَذَرْنِي َومَنْ ُي َك ّذبُ ِبهَذَا ا ْلحَدِيثِ سَ َنسْتَدْ ِر ُ‬
‫حكْمِ‬
‫‪ )45‬أَمْ َتسْأَُلهُمْ َأجْرا َفهُمْ مِنْ َمغْ َرمٍ مُ ْثقَلُونَ (‪ )46‬أَمْ عِ ْندَ ُهمُ ا ْلغَ ْيبُ َفهُمْ َيكْتُبُونَ (‪ )47‬فَاصْبِرْ ِل ُ‬
‫حبِ ا ْلحُوتِ ِإذْ نَادَى وَ ُهوَ َمكْظُومٌ (‪َ )48‬لوْل‬
‫ك وَل َتكُنْ َكصَا ِ‬
‫رَ ّب َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جائز أن يكون يوم يكشف متعلق بقوله فليأتوا بشركائهم ويكون من باب حسن التخلص من‬
‫الرد على المشركين إلى ذكر أهوال بوم القيامة‪.‬‬
‫‪ 2‬لول ما صح عن النبي صلى ال عليه وسلم في الصحيح‪ :‬إذ يقول أبو سعيد الخدري رضي ال‬
‫عنه قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول "يكشف ربنا عن ساقه فبسجد له كل مؤمن‬
‫ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا"‪ .‬لقلنا‬
‫في الية أنها كناية عن أهوال يوم القيامة ولكن مع صحة الحديث فالية دالة على أهوال يوم‬
‫القيامة ومثبتة صفة ذات الرب تبارك وتعالى عن صفات المحدثين‪.‬‬

‫( ‪)5/416‬‬

‫جعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ (‪)50‬‬


‫أَنْ تَدَا َر َكهُ ِن ْعمَةٌ مِنْ رَبّهِ لَنُبِذَ بِا ْلعَرَاءِ وَ ُهوَ َم ْذمُومٌ (‪ )49‬فَاجْتَبَاهُ رَبّهُ فَ َ‬
‫س ِمعُوا ال ّذكْرَ وَيَقُولُونَ إِنّهُ َلمَجْنُونٌ (‪َ )51‬ومَا ُهوَ إِلّا‬
‫وَإِنْ َيكَادُ الّذِينَ َكفَرُوا لَيُزِْلقُو َنكَ بِأَ ْبصَارِ ِهمْ َلمّا َ‬
‫ِذكْرٌ لِ ْلعَاَلمِينَ (‪)52‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ذرني ومن يكذب ‪:‬أي دعني ومن يكذب أي ل يصدق‪.‬‬
‫بهذا الحديث ‪:‬أي بالقرآن الكريم‪.‬‬
‫سنستدرجهم ‪:‬أي نستنزلهم درجة درجة حتى نصل بهم إلى العذاب‪.‬‬
‫وأملي لهم ‪:‬أي وأمهلهم‪.‬‬
‫إن كيدي متين ‪:‬أي شديد قوي ل يطاق‪.‬‬
‫فهم من مغرم مثقلون ‪ :‬أي فهم مما يعطونكه مكلفون حمل ثقيل‪.‬‬
‫أم عندهم الغيب ‪:‬أي اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫فهم يكتبون ‪:‬أي ينقلون منه ما يدعونه ويقولونه‪.‬‬
‫ولتكن كصاحب الحوت ‪:‬أي يونس في الضجر والعجلة‪.‬‬
‫وهو مكظوم ‪:‬أي مملوء غما‪.‬‬
‫بالعراء ‪:‬أي الرض الفضاء‪.‬‬
‫وهو مذموم ‪:‬لكن لما تاب نبذ وهو غير مذموم‪.‬‬
‫فاجتباه ربه ‪:‬أي اصطفاه‪.‬‬
‫ليزلقونك بأبصارهم ‪:‬أي ينظرون إليك نظرا شديدا يكاد أن يصرعك‪.‬‬
‫وما هو إل ذكر ‪:‬أي محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫للعالمين ‪:‬أي النس والجن فليس بمجنون كما يقول المبطلون‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد ذلك التقريع الشديد للمشركين المكذبين الذي لم يؤثر في نفوسهم أدنى تأثير قال تعالى لرسوله‬
‫{فَذَرْنِي ‪ }1‬أي بناء على ذلك فذرني ومن يكذب بهذا الحديث أي دعني وإياهم‪ ،‬والمراد من‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفاء للتفريع والترتيب فما بعدها متفرع عما قبلها مترتب عليه‪.‬‬
‫( ‪)5/417‬‬

‫جهُمْ} أي نستنزلهم درجة درجة {مِنْ حَ ْيثُ ل َيعَْلمُونَ} حتى‬


‫الحديث القرآن الكريم ‪{ 1‬سَنَسْتَدْ ِر ُ‬
‫ننتهي بهم إلى عذابهم المترتب على تكذيبهم وشركهم‪ .‬وقوله تعالى {وَُأمْلِي َل ُهمْ إِنّ كَيْدِي ‪ 2‬مَتِينٌ}‬
‫أي وأمهلهم فل أعاجلهم بالعذاب فأوسع لهم في الرزق وأصحح لهم الجسم حتى يروا أن هذا‬
‫لكرامتهم عندنا وأنهم خير من المؤمنين ثم نأخذهم‪ .‬وهذا من كيدي الشديد الذي ل يطاق‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى {أَمْ‪ 3‬تَسْأَُل ُهمْ أَجْرا َفهُمْ مِنْ َمغْرَمٍ مُ ْثقَلُونَ} أي بل أتسألهم على تبليغ الدعوة أجرا مقابل التبليغ‬
‫فهم من مغرم مثقلون أي فهم يشعرون بحمل ثقيل من أجل ما يعطونك من الجر فلذا هم ل‬
‫يؤمنون بك ول يتابعونك على دعوتك‪ .‬أم عندهم ‪ 4‬الغيب أي اللوح المحفوظ فهم يكتبون ‪ 5‬منه ما‬
‫هم يقولون به ويقرونه والجواب ل إذا فأصبر يا رسولنا لحكم ‪ 6‬ربك فيك وفيهم وامض في‬
‫دعوتك ول يثني عزمك تكذيبهم ول عنادهم ول تكن كصاحب الحوت يونس بن متّى أي في‬
‫الضجر وعدم الصبر‪ .‬إذ نادى وهو ‪ 7‬مكظوم أي مملوء غما فقال ل إله إل أنت سبحانك إني‬
‫كنت من الظالمين وقوله لول أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم أي لول أن أدركته‬
‫رحمة ال تعالى حيث ألهمه ال التوبة ووفقه لها لنبذ أي لطرح بالفضاء وهو مذموم لكن لما تاب‬
‫ال عليه طرح على ساحل البحر وهو غير مذموم بل محمود فاجتباه ربه أي اصطفاه مرة ثانية‬
‫بعد الولى فجعله من الصالحين أي الكاملي الصلح من النبياء والمرسلين‪ ،‬ومعنى اجتباه مرة‬
‫ثانية لن الجتباء الول إذ كان رسول في أهل نينوي وغاضبوه فتركهم ضجرا منهم فعوقب‬
‫وبعد العقاب والعتاب اجتباه مرة أخرى وأرسله إلى أهل بلده بعد ذلك النقطاع قال تعالى من‬
‫سورة اليقطين فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مائة ألف أو‬
‫يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين‪ .‬وقوله تعالى {وَإِنْ َيكَادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزِْلقُونَكَ بِأَ ْبصَارِ ِهمْ َلمّا‬
‫س ِمعُوا ال ّذكْرَ} أي وإن يكاد الذين كفروا ليصرعونك من شدة النظر إليك وكلهم غيظ وحنق عليك‬
‫َ‬
‫بأبصارهم {َلمّا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وجائز أن يكون المراد من الحديث الخبار عن البعث والجزاء مما تضمنه قوله يوم يكشف‬
‫عن ساق الخ وجائز أن يكون القرآن كما في التفسير وقيل فيه حديث لما فيه من الخبار عن ال‬
‫وعن المم والجنة والنار‪.‬‬
‫‪ 2‬وأملي مضارع أملى إذا أمهل وأنظر وأخر مشتق من المل مقصورا وهو الحين والوقت ومنه‬
‫الملوان الليل والنهار فأملى بمعنى طول في الزمن‪.‬‬
‫‪ 3‬أم بمعنى بل للضراب النتقالي من حجة إلى أخرى ومن دليل إلى آخر‪.‬‬
‫‪ 4‬إضراب آخر كالول وفي الكلم حذف تقديره أم عندهم علم الغيب كقوله تعالى {أَعِنْ َدهُ عِ ْلمُ‬
‫ا ْلغَ ْيبِ َفهُوَ يَرَى} من سورة النجم‪.‬‬
‫‪ 5‬الفاء للتفريع‪.‬‬
‫‪ 6‬المراد بحكم الرب تعالى عنا أمره وهو ما حمله رسوله من حمل الرسالة وتبليغها والضطلع‬
‫بأعباء الرسالة‪.‬‬
‫‪ 7‬المكظوم المحبوس المسدود عليه يقال كظم الباب إذا أغلقه وكظم النهر إذا سده ومنه كظم‬
‫الغيظ وهو حبسه في النفس وعدم إظهاره بقول أو فعل‪.‬‬

‫( ‪)5/418‬‬

‫س ِمعُوا ال ّذكْرَ} أي القرآن نقرأه عليهم‪ .‬ويقولون إنه لمجنون حسدا لك‪ ،‬وصرفا للناس عنك‪ ،‬وما‬
‫َ‬
‫هو ‪ 1‬أي محمد صلى ال عليه وسلم إل ذكر للعالمين أي يذكر به ال تعالى النس والجن فليس‬
‫هو بمجنون كما يقول المكذبون المفتونون‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬رد المور إلى ال إّذا استعصى حلها فال كفيل بذلك‪.‬‬
‫‪-2‬ل يصح أخذ أجرة على تبليغ الدعوة‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب الصبر على الدعوة مهما كانت الصعاب فل تترك لذىً يصيب الداعي‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان حال المشركين مع الرسول صلى ال عليه وسلم وما كانوا يضمرونه له من البغض‬
‫والحسد وما يرمونه به من التهامات الباطلة كالمجنون والسحر والكذب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جائز أن يكون الضمير وما هو عائد إلى القرآن وما القرآن إل ذكر للعالمين النس والجن أي‬
‫ليس هو بكلم مجنون‪ ،‬وجائز أن يكون الضمير عائد إلى الرسول صلى ال عليه وسلم الذي قالوا‬
‫فيه إنه مجنون ويكون الذكر بمعنى التذكير بال والجزاء إذ هذا من فعله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/419‬‬

‫سورة الحاقة‬
‫‪...‬‬
‫سورة الحاقة‬
‫مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الْحَاقّةُ (‪ )1‬مَا ا ْلحَاقّةُ (‪َ )2‬ومَا أَدْرَاكَ مَا ا ْلحَاقّةُ (‪ )3‬كَذّ َبتْ َثمُو ُد وَعَادٌ بِا ْلقَارِعَةِ (‪ )4‬فََأمّا َثمُودُ‬
‫ل وَ َثمَانِيَةَ‬
‫ح صَ ْرصَرٍ عَاتِ َيةٍ (‪ )6‬سَخّرَهَا عَلَ ْيهِمْ سَ ْبعَ لَيَا ٍ‬
‫فَأُهِْلكُوا بِالطّاغِ َيةِ (‪ )5‬وََأمّا عَادٌ فَأُهِْلكُوا بِرِي ٍ‬
‫خلٍ خَاوِيَةٍ (‪َ )7‬ف َهلْ تَرَى َل ُهمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (‪)8‬‬
‫عجَازُ َن ْ‬
‫أَيّامٍ حُسُوما فَتَرَى ا ْل َقوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَ ّنهُمْ أَ ْ‬
‫ن َومَنْ قَبْلَ ُه وَا ْل ُمؤْ َتفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (‪َ )9‬ف َعصَوْا َرسُولَ رَ ّبهِمْ فََأخَ َذهُمْ َأخْ َذةً رَابِ َيةً (‪)10‬‬
‫عوْ ُ‬
‫وَجَاءَ فِرْ َ‬
‫ن وَاعِيَةٌ (‪)12‬‬
‫جعََلهَا َل ُكمْ تَ ْذكِ َر ًة وَ َتعِ َيهَا أُذُ ٌ‬
‫حمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِ َيةِ (‪ )11‬لِنَ ْ‬
‫طغَا ا ْلمَاءُ َ‬
‫إِنّا َلمّا َ‬

‫( ‪)5/419‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الحاقة ‪ : 1‬أي الساعة الواجبة الوقوع وهي القيامة‪.‬‬
‫بالقارعة ‪:‬أم بالقيامة لنها تقرع القلوب بالخوف والهول‪.‬‬
‫فأهلكوا بالطاغية ‪ :‬أي بطغيانهم وعتوهم عن أمر ربهم فأخذتهم صيحة طاغية أيضا‪.‬‬
‫بريح صرصر عاتية ‪ :‬أي ذات صوت لشدة عصوفها عاتية على خزانها في الهبوب‪.‬‬
‫حسوما ‪:‬أي متتابعات الهبوب فل فاصل كتتابع الكي القاطع للداء‪.‬‬
‫كأنهم أعجاز نخل خاوية ‪ :‬أي أصول نخل ساقطة فارغة ليس في جوفها شيء‪.‬‬
‫والمؤتفكات بالخاطئة ‪:‬أي أهلها وهي قرى لوط بالفعلت ذات الخطأ‪.‬‬
‫أخذة رابية ‪:‬أي زائدة في الشدة على غيرها‪.‬‬
‫لما طغا الماء ‪ :‬أي عل فوق كل شيء من الجبال وغيرها‪.‬‬
‫حملناكم في الجارية ‪:‬أي السفينة التي صنعها نوح ونجا بها هو ومن معه من المؤمنين‪.‬‬
‫وتعيها أذن واعية ‪:‬أي وتحفظها أذن واعية أي حافظة لما تسمع‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {ا ْلحَاقّةُ مَا ا ْلحَاقّةُ} ‪ 2‬أي أي شيء هي ‪3‬؟ وما أدراك ‪ 4‬ما الحاقة أي أي شيء أعلمك‬
‫بها‪ ،‬والمراد بها القيامة لنها حاقة المجيء ل محالة‪ .‬وقوله تعالى { َكذّ َبتْ َثمُو ُد وَعَادٌ‪ 5‬بِا ْلقَارِعَةِ }‬
‫أي كذبت ثمود قوم صالح وعاد قوم هود بالقارعة أي بالقيامة‪ .‬فهم ككفار قريش مكذبون بالبعث‬
‫والجزاء‪ .‬فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية أي بطغيانهم وعتوهم عن أمر ربهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هي أسم للسورة روى أحمد أن عمر رضي ال عنه قال خرجت يوما بمكة أتعرض لرسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد الحرام فوقفت خلفه فاستفتح سورة‬
‫الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت هذا وال شاعر (أي في خاطري) فقرأ { وما هو‬
‫بقول شاعر قليل ما تؤمنون} قلت‪ :‬في خاطري كاهن‪ ,‬فقرأ {ول بقول كاهن قليل ما تذكرون‬
‫تنزيل من رب العالمين} إلى آخر السورة فوقع في قلبي كل موقع‪ .‬وسماها بعضهم (السلسلة)‬
‫وبعضهم ( الداعية)‪.‬‬
‫‪ 2‬الحاقة أسم فاعل من حق الشيء فهو حاق إذا ثبت وقوعه‪ ،‬والظاهر أنها لموصوف محذوف‬
‫أي الساعة الحاقة أو الواقعة الحاقة‪ ،‬وما في التفسير واضح وأولى‪.‬‬
‫‪ 3‬ما اسم استفهام مستعمل في التهويل والتعظيم والمعنى الحاقة أمر عظيم ل يدرك كنهه والحاقة‬
‫مبتدأ وما مبتدأ ثان والحاقة خبر المبتدأ الثاني والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الول‬
‫وجملة وما أدراك ما الحاقة معترضة بين جملة الحاقة وكذبت ثمود‪.‬‬
‫‪ 4‬روي عن ابن عباس وسفيان بن عيينة‪ .‬كل ما ورد في القرآن بلفظ وما أدراك بصيغة الماضي‬
‫فقد أدراه أي أعلمه به‪ ،‬وكل ما ورد بصيغة المضارع وما يدريك فقد طوي عنه ولم يعلمه به‬
‫فالول (وما أدراك ماهية نار حامية) (وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر )‬
‫والثاني (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا)‪....‬‬
‫‪ 5‬كذبت ثمود كلم مستأنف بين فيه من كذبوا بالحاقة وهي الفارقة وسميت بالقارعة من قولهم‬
‫(قوارع الدهر) أي أهواله وشدائده فهي تقرع القلوب‪.‬‬

‫( ‪)5/420‬‬

‫فأخذتهم صيحة طاغية ‪ ،1‬وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر أي ذات صوت شديد عاتية أي عتت‬
‫على خزانها في الهبوب‪ .‬سخرها ال عليهم سبع ليال وثمانية أيام ‪2‬حسوما أي متتابعات بل‬
‫انقطاع حسما لوجودهم كما يحسم الدواء بالكي الحاسم للداء المتتابع‪ .‬وقوله تعالى فترى أيها‬
‫الرسول القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية أي فترى القوم في تلك الليالي واليام‬
‫صرعى ساقطين على الرض كأنهم أصول نخل ساقطة فارغة ليس في أجوافها شيء فهل ترى‬
‫ن َومَنْ‬
‫عوْ ُ‬
‫لهم من باقية أي من نسلهم ل شيء إذ هلكوا كلهم أجمعون‪ ،‬وقوله تعالى { َوجَاءَ فِرْ َ‬
‫قَبْلَهُ} كقوم نوح وعاد وثمود والمؤتفكات ‪ 3‬بالخاطئة أي بالفعال الخاطئة وهي الشرك والمعاصي‬
‫صوْا َرسُولَ رَ ّبهِمْ فَأَخَ َذهُمْ َأخْ َذةً رَابِ َيةً} أي زائدة في الشدة على غيرها‬
‫وبينها بقوله تعالى بقوله { َف َع َ‬
‫طغَا ا ْلمَاءُ} أي ماء الطوفان الذي أهلك ال به قوم نوح حملناكم في الجارية‬
‫وقوله تعالى {إِنّا َلمّا َ‬
‫أي حملنا آباءكم في الجارية التي هي سفينة نوح عليه السلم وقوله لنجعلها لكم ‪ 4‬تذكرة أي‬
‫لنجعل السفينة تذكرة لكم عظة وعبرة وتعيها أي وتحفظ هذه العظة أذن حافظة ل تنسى ما هو‬
‫حق وخير من المعاني‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أن كل من عاد وثمود كانوا يكذبون بالبعث وبيان ما أهلكهم ال به‪.‬‬
‫‪-3‬بيان أن معصية الرسول موجبة للعذاب الدنيوي و الخروي‪.‬‬
‫‪-4‬التذكير بحادثة الطوفان وما فيها من عظة وعبرة‪.‬‬
‫ح َدةً (‪ )14‬فَ َي ْومَئِذٍ‬
‫ض وَالْجِبَالُ فَ ُدكّتَا َدكّ ًة وَا ِ‬
‫حمَِلتِ الْأَ ْر ُ‬
‫ح َدةٌ (‪ )13‬وَ ُ‬
‫خ ٌة وَا ِ‬
‫فَإِذَا ُنفِخَ فِي الصّورِ َنفْ َ‬
‫سمَاءُ َفهِيَ َي ْومَئِ ٍذ وَاهِيَةٌ‬
‫ش ّقتِ ال ّ‬
‫َو َقعَتِ ا ْلوَا ِقعَةُ (‪ )15‬وَانْ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هي أشبه بصيحة النفخ في الصور وثمود هم قوم صالح ومنازلهم بالحجر بين الشام والحجاز‬
‫وتعرف اليوم بمدائن صالح على أميال من مدينة العل اليوم‪ .‬وأما عاد فمنازلهم كانت بالحقاف‬
‫وهي رمال بين عمان وحضرموت باليمن وأهلكوا بريح صرصر‪.‬‬
‫‪ 2‬قيل بدأ من صباح يوم الربعاء لثمان بقين من شوال وكانت في آخر الشتاء‪.‬‬
‫‪ 3‬أي المتقلبات من ائتفك الشيء إّذ قلب قراهم الخمسة منع وصعر وعمر ودوما وسدوم وهي‬
‫القرية العظمى قلبها الملك فجعل عاليها سافلها‪.‬‬
‫‪ 4‬وجائز أن يكون الضمير في ليجعلها عائد إلى العملية عملية إنجاء المؤمنين وإهلك الكافرين‬
‫تذكرة و موعظة‪.‬‬

‫( ‪)5/421‬‬

‫خفَى‬
‫ح ِملُ عَرْشَ رَ ّبكَ َف ْو َقهُمْ َي ْومَئِذٍ َثمَانِيَةٌ (‪َ )17‬ي ْومَئِذٍ ُتعْ َرضُونَ ل تَ ْ‬
‫(‪ )16‬وَا ْلمََلكُ عَلَى أَ ْرجَا ِئهَا وَيَ ْ‬
‫مِ ْنكُمْ خَافِ َيةٌ (‪)18‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫نفخة واحدة ‪ :‬أي النفخة الولى‪.‬‬
‫حملت الرض والجبال ‪:‬أي رفعت من أماكنها‪.‬‬
‫فدكتا دكة واحدة ‪:‬أي ضرب بعضها ببعض فاندكت وصارت كثيبا مهيل‪.‬‬
‫وقعت الواقعة ‪ :‬أي قامت القيامة‪.‬‬
‫فهي يومئذ واهية ‪ :‬أي مسترخية ضعيفة القوة‪.‬‬
‫على أرجائها ‪ :‬أي على أطرافها وحافاتها‪.‬‬
‫ثمانية ‪ :‬أي من الملئكة وهم حملة العرش الربعة وزيد عليهم أربعة‪.‬‬
‫ل تخفى منكم خافية ‪ :‬أي ل تخفى منكم سريرة من السرائر التي تخفونها‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحديث عن القيامة تقريرا لعقيدة البعث و الجزاء التي هي الدافع إلى فعل‬
‫الخير وترك الشر في الدنيا فقال تعالى {فَإِذَا ُنفِخَ فِي الصّورِ‪ }1‬أي نفخ اسرافيل في الصور الذي‬
‫حمَِلتِ الْأَ ْرضُ‬
‫ح َدةٌ}‪ ،‬وقوله تعالى {وَ ُ‬
‫خ ٌة وَا ِ‬
‫هو البوق أو القرن النفخة الولى وهو المراد بقوله { َنفْ َ‬
‫ح َدةً} أي ضرب بعضها ببعض فاندكت فصارت هباء منبثا‪{ ،‬فَ َي ْومَئِ ٍذ َو َقعَتِ‬
‫وَالْجِبَالُ فَ ُدكّتَا َدكّ ًة وَا ِ‬
‫سمَاءُ} أي انفطرت وتمزقت {ف ِهيَ َي ْومَئِ ٍذ وَاهِيَة} ضعيفة‬
‫ش ّقتِ ال ّ‬
‫ا ْلوَا ِقعَةُ} أي قامت القيامة {وَانْ َ‬
‫ح ِملُ عَرْشَ رَ ّبكَ َف ْو َقهُمْ َي ْومَئِذٍ‬
‫مسترخية ‪{.‬وَا ْلمََلكُ‪2‬عَلَى أَ ْرجَا ِئهَا} أي على أطرافها وحافاتها‪{ ،‬وَيَ ْ‬
‫َثمَانِيَةٌ} أي ثمانية ‪ 3‬من الملئكة أربعة هم حملة العرش دائما وزيد عليهم أربعة فصاروا ثمانية‬
‫خفَى مِ ْنكُمْ خَافِيَةٌ} أي سريرة مما كنتم تسرون‪.‬‬
‫قال تعالى { َي ْومَئِذٍ ُتعْ َرضُونَ‪ 4‬ل َت ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفاء تفريعية لتفريع ما بعدها من تفصيل أحوال الدار الخرة على ما تقدم من ذكر الحاقة أي‬
‫القيامة والمكذبين بها وما نالهم من عذاب في الدنيا‪.‬‬
‫‪ 2‬الملك اسم جنس المراد به أعداد هائلة من الملئكة‪.‬‬
‫‪ 3‬قيل هم ثمانية صفوف‪ ،‬وقيل ثمانية أعشار أي نحو ثمانين من عدد الملئكة‪ .‬وما في التفسير‬
‫هو الراجح الصحيح ‪.‬‬
‫‪ 4‬أصل العرض إمرار الشيء على من يريد التأمل فيه كعرض السلعة على المشتري‬
‫وكاستعراض الجيوش اليوم والمراد بالعرض الحساب والجزاء‪.‬‬

‫( ‪)5/422‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪-2‬بيان كيفية النقلب الكوني لنهاية الحياة الولى وبداية الحياة الثانية‪.‬‬
‫‪-3‬تقرير العرض على ال عز وجل للحساب ثم الجزاء‪.‬‬
‫حسَابِيَهْ (‪َ )20‬ف ُهوَ‬
‫فََأمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِ َيمِي ِنهِ فَ َيقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ (‪ )19‬إِنّي ظَنَ ْنتُ أَنّي مُلقٍ ِ‬
‫فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (‪ )21‬فِي جَنّةٍ عَالِيَةٍ (‪ُ )22‬قطُو ُفهَا دَانِيَةٌ (‪ )23‬كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئا ِبمَا أَسَْلفْتُمْ فِي‬
‫الْأَيّامِ الْخَالِ َيةِ (‪)24‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫هاؤم ‪:‬أي خذوا‬
‫إني ظننت ‪:‬أي علمت‪.‬‬
‫راضية ‪:‬أي يرضى بها صاحبها‪.‬‬
‫قطوفها دانية ‪:‬أي ما يقتطف ويجنى من الثمار‪.‬‬
‫بما أسلفتم ‪:‬أي بما قدمتم ‪.‬‬
‫في اليام الخالية ‪ :‬أي الماضية‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان ما يجري في يوم القيامة فقال تعالى‬
‫‪{1‬فََأمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِ َيمِي ِنهِ فَ َيقُولُ ‪2‬هَا ُؤمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ‪ }3‬أي إنه بعد مجيء الرب تبارك وتعالى‬
‫لفصل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفاء لتفصيل ما أجمل فيما تقدمها من الكلم‪ ،‬وفي الكلم إيجاز بالحذف تقديره فيؤتى كل آخذ‬
‫كتاب أعماله فأما من أوتي كتابه ‪ ....‬الخ والباء للمصاحبة في يمينه وفي إعطاء الكتاب باليمين‬
‫كرامة وتبشير لصاحبه كقول الشاعر‪:‬‬
‫إذا ما راية رفعت لمجد‬
‫تلقاها عرابة باليمين‬
‫‪ 2‬هاؤم هذا اللفظ وركب من ها ممدود أو مقصور مبني على الفتح ومعناه تعالوا أو خذوا كما في‬
‫الرباء ها وهاء أي خذ‪ .‬يقال ها يا رجل اقرأ وللثنين هاؤما يا رجلن وهاؤم يا رجال‪ .‬وللمرأة‬
‫هاء بكسر الهمزة وهاؤما للثنتين وهاؤمن لجمع الناث والصل هاكم فأبدلت الهمزة من الكاف‪.‬‬
‫‪ 3‬قيل نزلت هذه الية فأما من أوتي كتابه بيمينه الخ‪ ....‬في أبي سلمة بن عبد السد المخزومي‬
‫والية التالية لها وأما من أوتي كتابه بشماله نزلت في أخيه السود بن عبد السد المخزومي‪،‬‬
‫والمعنى عام في كل سعيد وشقي‪.‬‬

‫( ‪)5/423‬‬

‫القضاء تعطى الكتب فمن آخذ كتابه بيمينه‪ ،‬ومن آخذ كتابه بشماله فأما من أوتي كتابه الذي ضم‬
‫حسناته بيمينه فيقول في فرح عظيم هاؤم أي خذوا كتابي فاقرأوه إنه مشرق كله ما فيه سواد‬
‫السيئات‪ ،‬ويعلل لسلمة كتابه ‪ 1‬من السيئات فيقول إني ظننت أي علمت أني ملقٍ حسابيه ل‬
‫محالة فلذا لم أقارف السيئات وإن قدر على شيء فقارفته جهل فأني تبت منه فورا فانمحى أثره‬
‫من نفسي فلم يكتب علي قال تعالى مخبرا عن آثار نجاحه في سلمة كتابه من السيئات فهو في‬
‫عيشة راضية‪ .‬أي يرضاها لهناءتها وسعة خيراتها في جنة عالية قطوفها ‪ 2‬أي جناحها وما‬
‫يقتطف منها دانية أي قريبة التناول ينالها بيده وهو متكئ على أريكته ويقال لهم كلوا واشربوا من‬
‫طعام الجنة وشرابها هنيئا ويذكر لهم سبب فوزهم فيقول { ِبمَا أَسَْلفْتُمْ} أي قدمتم لنفسكم {فِي الْأَيّامِ‬
‫الْخَالِ َيةِ} أي أيام الدنيا الماضية إذ كانوا مؤمنين صوامين قوامين بالمعروف آمرن وعن المنكر‬
‫ناهين‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء أي اليمان باليوم الخر‪.‬‬
‫‪ -2‬آثار اليمان بالبعث والجزاء ظاهرة في سلمة كتاب المؤمن من السيئات‪ .‬وقد علل لذلك‬
‫بقوله إني ظننت أني ملق حسابي فلذا لم أعص ربي‪.‬‬
‫‪-3‬إثبات حقيقة هي قول العامة الدنيا مزرعة الخرة أي من عمل في الدنيا نال ثمار عمله في‬
‫الخرة خيرا أو شرا‪.‬‬
‫شمَالِهِ فَ َيقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (‪ )25‬وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (‪ )26‬يَا لَيْ َتهَا‬
‫وََأمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ ِب ِ‬
‫خذُوهُ َفغُلّوهُ (‪ )30‬ثُمّ‬
‫كَا َنتِ ا ْلقَاضِيَةَ (‪ )27‬مَا أَغْنَى عَنّي مَالِيَهْ (‪ )28‬هََلكَ عَنّي سُلْطَانِ َيهْ (‪ُ )29‬‬
‫عهَا سَ ْبعُونَ ذِرَاعا فَاسُْلكُوهُ (‪ )32‬إِنّهُ كَانَ ل ُي ْؤمِنُ بِاللّهِ‬
‫جحِي َم صَلّوهُ (‪ )31‬ثُمّ فِي سِ ْلسِلَةٍ ذَرْ ُ‬
‫الْ َ‬
‫سكِينِ (‪)34‬‬
‫طعَامِ ا ْلمِ ْ‬
‫حضّ عَلَى َ‬
‫ا ْلعَظِيمِ (‪ )33‬وَل َي ُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كتابيه الهاء فيه وفي التي بعده هي هاء السكت عند الوقف إل أنها أبقيت في الوصل والوقف‬
‫مراعاة للسجع ولعلها تحكي صوت صاحبها يوم القيامة زيادة في التقرير والتوكيد حتى لهجة‬
‫أحدهم محفوظة لم تتغير‪.‬‬
‫‪ 2‬القطوف جمع قطف بكسر القاف وسكون الكاف‪.‬‬

‫( ‪)5/424‬‬

‫غسْلِينٍ (‪ )36‬ل يَ ْأكُلُهُ إِلّا ا ْلخَاطِئُونَ (‪)37‬‬


‫طعَامٌ إِلّا مِنْ ِ‬
‫حمِيمٌ (‪ )35‬وَل َ‬
‫فَلَيْسَ لَهُ الْ َيوْمَ هَاهُنَا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يا ليتني لم أوت كتابية ‪ :‬أي يتمنى أنه لم يعط كتابه لما رأى فيه من السيئات‪.‬‬
‫كانت القاضية ‪ :‬أي الموتة في الدنيا كانت القاطعة لحياتي حتى ل أبعث‪.‬‬
‫هلك عني سلطانية ‪ :‬أي قوتي وحجتي‪.‬‬
‫خذوه ‪ :‬أي أيها الزبانية خذوا هذا الكافر‪.‬‬
‫فغلوه ‪:‬أي اجعلوا يديه إلى عنقه في الغل‪.‬‬
‫ثم الجحيم صلوه ‪:‬أي ثم في النار المحرقة أدخلوه وبالغوا في تصليته كالشاة المصلية‪.‬‬
‫حميم ‪:‬أي من قريب ينفعه أو صديق‪.‬‬
‫إل من غسلين ‪:‬أي صديد أهل النار الخارج من بطونهم لكلهم شجر الغسلين‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر ما يجري من أحداث وقد تقدم ذكر‬
‫الذي أوتي كتابه ‪1‬بيمينه وما له من كرامة عند ربه وفي هذه اليات ذكر الذي أوتي كتابه بشماله‬
‫وما له من مهانة وعذاب جزاء كفره فقال تعالى {وََأمّا مَنْ أُو ِتيَ كِتَابَهُ}‪ 2‬أي في عرصات القيامة‬
‫فيقول بعد النظر فيه وما يلوح له فيه من السيئات { يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} يتمنى لو أنه لم يعط‬
‫كتابه ولم يدر ‪ 3‬ما حسابه وأن الموتة التي ماتها في الدنيا يتمنى لو كانت القاطعة لحياته حتى ل‬
‫يبعث‪ ،‬ثم يواصل تحسره وتحزنه قائل {مَا أَغْنَى عَنّي مَالِيَهْ} أي مالي والهاء في ماليه وفي كتابيه‬
‫وحسابيه وفي ماليه وسلطانيه يقال لها هاء السكت يوقف عليها بالسكون قراءة كافة القراء وقوله‬
‫{هََلكَ عَنّي سُلْطَانِيَهْ} أي ذهبت عني حججي ‪ 4‬فلم أجد ما أحتج به لنفسي قال تعالى للزبانية‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تقدم أنه أبو سلمة بن عبد السد المخزومي وزوجته هي أم المؤمنين تزوجها رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم بعد موت زوجها أبي سلمة وإن الشقي هو السود بن عبد السد أخو أبي سلمة‪.‬‬
‫‪ 2‬أي بشماله ووراء ظهره وهو كتاب سيئاته من الشرك والمعاصي كبيرها وصغيرها‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا من عظم ما يشاهد من شدة الحساب وشناعته هذا داخل في حيز متمناتيه‪ ،‬كما هو إشارة‬
‫إلى أنه كان في الدنيا ل يؤمن بالحساب ولم يدر ما يجري فيه ولذا اصابته الحيرة هنا وألم به‬
‫الكرب‪.‬‬
‫‪ 4‬عن أبن عباس رضي ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)5/425‬‬

‫جحِي َم صَلّوهُ‪ }2‬أي أدخلوه فيها وصلوه بحرها‬


‫{خُذُوهُ‪َ 1‬فغُلّوهُ} أي شدوا يديه في عنقه بالغل {ثُمّ الْ َ‬
‫عهَا سَ ْبعُونَ ذِرَاعا‬
‫المرة بعد المرة كما يصلى الكبش المشوى المصلي‪{ ،‬ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ} طويلة {ذَرْ ُ‬
‫فَاسُْلكُوهُ} ولم يعرف مدى طول هذه الذراع إل انه إذا كان الكافر ما بين كتفيه كما بين مكة وقديد‬
‫قرابة مائة وخمسين ميل فإن السلسلة في ذرعها السبعين ذراعا لبد وأن تكون مناسبة لهذا الجسم‬
‫{فَاسُْلكُوهُ} أي ادخلوه فيهل فتدخل من فمه وتخرج من دبره كسلك الخرزة في الخيط وذكر تعالى‬
‫طعَامِ‬
‫علَى َ‬
‫حضّ َ‬
‫علة هذا الحكم عليه فقال {إِنّهُ كَانَ} أي في الدنيا {ل ُي ْؤمِنُ بِاللّهِ ا ْلعَظِيمِ وَل َي ُ‬
‫سكِينِ‪ }3‬فانحصرت جريمته في شيئين الكفر بال ومنع الحقوق الواجب في المال ثم أخبر‬
‫ا ْلمِ ْ‬
‫حمِيمٌ‪ }4‬أي‬
‫تعالى عن حال هذا الكافر الشقي في جهنم فقال {فَلَيْسَ َلهُ الْ َيوْمَ هَاهُنَا} أي في جهنم { َ‬
‫طعَامٌ إِل مِنْ غِسْلِينٍ‪ }5‬أي وليس له‬
‫صديق أو قريب ينتفع به فيدفع عنه العذاب أو يخففه {وَل َ‬
‫طعام يأكله إل من طعام الغسلين الذي هو صديد أهل النار فإنهم عندما يأكلون شجر الغسلين‬
‫يكون كالمسهل في بطونهم فيخرج كل ما في بطونهم وذلك هو الغسلين الذي يأكلونه ذلك الغسلين‬
‫الذي ل يأكله إل الخاطئون أي الذين ارتكبوا خطيئة الكفر والعياذ بال تعالى‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثها‪.‬‬
‫‪-2‬المال الذي باع المفلسون فيه المة والملة ل يغني يوم القيامة عن صاحبه شيئا‪.‬‬
‫‪-3‬التنديد بالكفر بال وأهله‪.‬‬
‫‪-4‬عظم جريمة منع الحقوق المالية من الزكاة وغيرها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬خذوه مقول قول ذكر في التفسير وغلوه أمر من غله يغله إذا وضع الغل وهو القيد الذي يجعل‬
‫في عنق الجاني‪.‬‬
‫‪ 2‬صلى النار يصلها إذا أصابه حرها أو استدفأ بها‪ ،‬ويعدى بالتضعييف فيقال صله النار‬
‫وبالهمز أيضا أصله يصليه نارا‪.‬‬
‫‪ 3‬الطعام بمعنى الطعام وضع موضعه كوضع العطاء موضع العطاء كما في قول الشاعر‪:‬‬
‫أكفرا بعد رد الموت عنى‬
‫وبعد عطائك المائه الرتاعا‬
‫الرتاع البل ترتع‬
‫‪4‬الحميم هنا الغريب الذي يرق له ويدفع عنه المكروه ‪،‬وهو مأخوذ من الماء الجار كأنه الصديق‬
‫الذي يرق ويحترق قلبه له‪.‬‬
‫‪ 5‬الغسلين فعلين مأخوذ من الغسل كأنه ينغسل في أبدانهم وهو صديد أهل النار السائل من‬
‫جروحهم وخروجهم قال الضحاك ‪:‬الغسلين شجر وهو شر الطعام وأبشعه وهو من أطعمة أهل‬
‫النار مثل الضريع والزقوم وبناء على ما ذكر أن الغسلين مجموع شجر اسمه الغسلين وما تجمع‬
‫من صديد أهل النار من دم وعرق ونحوه فصدق عليه لفظ الغسلين وهذا من إعجاز القرآن‬
‫البلغي‪.‬‬

‫( ‪)5/426‬‬

‫فَل ُأقْسِمُ ِبمَا تُ ْبصِرُونَ (‪َ )38‬ومَا ل تُ ْبصِرُونَ (‪ )39‬إِنّهُ َل َقوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (‪َ )40‬ومَا ُهوَ ِب َقوْلِ‬
‫شَاعِرٍ قَلِيلً مَا ُت ْؤمِنُونَ (‪ )41‬وَل ِب َق ْولِ كَاهِنٍ قَلِيلً مَا تَ َذكّرُونَ (‪ )42‬تَنْزِيلٌ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)43‬‬
‫طعْنَا مِنْهُ ا ْلوَتِينَ (‪َ )46‬فمَا مِ ْنكُمْ‬
‫خذْنَا مِنْهُ بِالْ َيمِينِ (‪ُ )45‬ثمّ َلقَ َ‬
‫وََلوْ َت َق ّولَ عَلَيْنَا َب ْعضَ الَْأقَاوِيلِ (‪ )44‬لَأَ َ‬
‫حدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (‪ )47‬وَإِنّهُ لَتَ ْذكِ َرةٌ لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪ )48‬وَإِنّا لَ َنعْلَمُ أَنّ مِ ْنكُمْ ُمكَذّبِينَ (‪ )49‬وَإِنّهُ‬
‫مِنْ أَ َ‬
‫حسْ َرةٌ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ (‪ )50‬وَإِنّهُ َلحَقّ الْ َيقِينِ (‪َ )51‬فسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ (‪)52‬‬
‫لَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫بما تبصرون وما ل تبصرون ‪:‬أي بكل مخلوق في الرض وفي السماء‪.‬‬
‫انه لقول رسول كريم ‪:‬أي القرآن قاله تبليغا رسول كريم هو محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وما هو بقول كاهن ‪:‬أي ليس القرآن بقول كاهن إذ ليس فيه من سجع الكهان شيء‪.‬‬
‫لخذنا منه باليمين ‪:‬أي بالقوة أو لخذنا بيمينه لنقتله‪.‬‬
‫ثم لقطعنا منه الوتين ‪:‬أي نياط القلب الذي إذا انقطع مات النسان‪.‬‬
‫حاجزين ‪:‬أي مانعين وهو خبر ما النافية العاملة عمل ليس وجمع لن احد يدل على الجمع نحو ل‬
‫نفرق بين أحد من رسله وبين ل تقع إل بين اثنين فأكثر‪.‬‬
‫وإنه لحسرة على الكافرين ‪:‬أي التكذيب بالقرآن حسرة يوم القيامة على المكذبين به‪.‬‬
‫وإنه لحق اليقين ‪:‬أي الثابت يقينا أو اليقين الحق‪.‬‬
‫فسبح باسم ربك العظيم ‪: 1‬أي نزه ربك العظيم الذي كل شيء أمام عظمته صغير حقير أي قل‬
‫سبحان ربي العظيم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الباء للمصاحبة والزيادة لتقوية الكلم والتقدير سبح اسم ربك والتقدير نزه اسم ربك في أن‬
‫يسمى به غيره إذ سمى المشركون العزى بدل العزيز واللت بدل ال وجائز أن يكون اسم مقحما‬
‫والتقدير فسبح ربك أي نزهه عن الشريك والشبيه وعن كل نقص وهو العظيم الذي ليس شيء‬
‫أعظم منه ‪.‬‬

‫( ‪)5/427‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى فل أقسم ‪ 1‬بما تبصرون وما ل تبصرون أي فل ‪ 2‬المر كما ترون وتقولون أيها‬
‫المكذبون أقسم بما تبصرون وما ل تبصرون من المخلوقات في الرض وفي السماوات إنه أي‬
‫القرآن لقول رسول كريم على ربه تعالى وهو محمد صلى ال عليه وسلم أي إنه تبليغه وقوله‬
‫إليكم وما هو بقول شاعر‪ .‬كما تقولون كذبا قليل ما تؤمنون ‪ 3‬أي أن إيمانكم قليل ضيق الدائرة‬
‫فلو كان واسعا لتسع لليمان بالقرآن إنه كلم ال ووحيه وليس هو من جنس الشعر لمخالفته له‬
‫نظما ومعنىً‪ .‬وما هو بقول كاهن قليل ما تذكرون أي وليس القرآن بقول كاهن قليل ما تذكرون‬
‫أي تذكركم قليل جدا فلو تذكرتم كثيرا لعلمتم أن القرآن ليس بكلم الكهان لملزمته للصدق والحق‬
‫والهدى ولبعد قائله عن الثم و الكذب بخلف قول الكهان فإن سداه ولحمته الكذب وقائله هو الثم‬
‫كله فأين القرآن من قول الكهان؟ وأين محمد الرسول من الكهان إخوان الشيطان إنه تنزيل من‬
‫رب العالمين أيها المكذبون الضالون‪ .‬وأمر آخر وهو أن الرسول محمد صلى ال عليه وسلم ولو‬
‫تقول ‪ 4‬علينا بعض القاويل ونسبها إلينا لخذنا منه باليمين أي لبطشنا به وأخذنا بيمينه ثم لقطعتا‬
‫منه الوتين فيهلك إذ الوتين هو عرق القلب إذا قطع مات النسان وإذا فعلنا به هذا فمن منكم‬
‫يحجزنا عنه؟ وهو معنى قوله تعالى { َفمَا مِ ْنكُمْ‪ 5‬مِنْ َأحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} وقوله تعالى {وَإِنّهُ} أي‬
‫القرآن {لَ َت ْذكِ َرةٌ‪ }6‬أي موعظة عظيمة للمتقين ‪ 7‬الذين يخافون عقاب ال ويخشون نقمه وعذابه وإنا‬
‫لنعلم أن ‪8‬منكم أيها الناس مكذبين ليس بخاف عنا أمرهم وسنجزيهم وصفهم وإنه لحسرة ‪ 9‬على‬
‫الكافرين أي يوم القيامة عندما يرون المؤمنين به يؤخذ بهم ذات اليمين إلى دار السلم والمكذبين‬
‫به يؤخذ بهم ذات الشمال إلى دار‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفاء للتفريع لثبات أن القرآن منزل من عند ال تعالى ونفي ما ادعاه المشركون‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا بناء على أن ل رد لكلم سابق وليست زائدة وكونها زائدة لتأكيد الكلم أولى من كونها‬
‫نافية‪ ،‬إذ وجدت في فاتحة سورتي القيامة والبلد وليس قبلهما ما ينفي كأنه يقول ل أقسم لن المر‬
‫ل يحتاج إلى قسم كالمتحرج من القسام‪.‬‬
‫‪ 3‬جائز أن يكون لفظ قليل في الموضعين مرادا به انتفاء ذلك كلية لنه وقع بقلة‪ ،‬وقليلً صفة‬
‫لموصوف محذوف أي إيمانا قليلً‪ ،‬وتذكرا قليلً‪ ،‬وما مزيدة لتوكيد الكلم كما في قول الشاعر‪:‬‬
‫قليلً به ما يحمدنك وارث‬
‫إذا نال مما كنت تجمع مغنما‬
‫‪ 4‬التقول نسبة قول إلى من لم يقله‪ ،‬والقاويل جمع أقوال الذي هو جمع قول‪.‬‬
‫‪ 5‬من مزيدة لتأكيد النفي وللتنصيص على العموم وفي الية دليل أن من يدعي أنه يوحى إليه ل‬
‫يلبث طويلً حتى يأخذه ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 6‬التذكرة اسم مصدر بمعنى التذكير وهو التنبيه إلى مغفول عنه‪.‬‬
‫‪ 7‬خص المتقون لنهم هم المنتفعون به لستعدادهم بقوة إيمانهم وصحة علمهم وكمال رغبتهم في‬
‫الطاعة‪.‬‬
‫‪ 8‬في الكلم إيجاز والتقدير إنا بعثنا إليكم الرسول بهذا القرآن ونحن نعلم أنه سيكون منكم‬
‫مكذبون‪.‬‬
‫‪ 9‬جائز أن يكون الضمير عائدا على التكذيب إذ به كانت حسرة الكافرين يوم القيامة وجائز أن‬
‫يكون عائدا على القرآن لنهم لم يؤمنوا به ويعملوا بما دعا إليه من اليمان وصالح العمال‪.‬‬

‫( ‪)5/428‬‬

‫البوار‪ .‬وإنه لحق اليقين ‪ 1‬أي اليقين الحق‪ .‬بعد هذا التقرير في إثبات الوحي والنبوة أمر تعالى‬
‫رسوله الذي كذب برسالته المكذبون أمره أن يستعين على الصبر بذكر ال تعالى فقال له {فَسَبّحْ‬
‫بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ} أي قل سبحان ربي العظيم منزها اسمه عن تحريفه وتسمية المحدثات به‬
‫معظما ربك غاية التعظيم إذ هو العلي العظيم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪-1‬ل تعالى أن يحلف بما يشاء من مخلوقاته لحكم عالية وليس للعبد أن يحلف بغير الرب تعالى‪.‬‬
‫‪-2‬تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية‪.‬‬
‫‪-3‬وصف الرسول بالكرم وبكرامته على الرب تعالى‪.‬‬
‫‪-4‬عجز الرسول صلى ال عليه وسلم عن الكذب على ال تعالى وعدم قدرته على ذلك لو أراده‬
‫ولكن الذي ل يكذب على الناس ل يكذب على ال كما قال هرقل ما كان ليدع الكذب على الناس‬
‫ويكذب على ال ردا على أبي سفيان لما قال له لم نجرب عليه كذبا قط‪..‬‬
‫‪-5‬مشروعية التسبيح بقول سبحان ربي العظيم إن صح أنه لما نزلت قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم لصحابه اجعلوها في ركوعكم فكانت سنة مؤكدة سبحان ربي العظيم ثلثا في الركوع أو‬
‫أكثر‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي القرآن الكريم بل خلف‪.‬‬

‫( ‪)5/429‬‬

‫سورة المعارج‬
‫‪...‬‬
‫سورة المعارج‬
‫مكية وآياتها أربع و أربعون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ب وَاقِعٍ (‪ )1‬لِ ْلكَافِرِينَ لَيْسَ َلهُ دَا ِفعٌ (‪ )2‬مِنَ اللّهِ ذِي ا ْل َمعَارِجِ (‪َ )3‬تعْرُجُ ا ْلمَل ِئكَةُ‬
‫سََألَ سَا ِئلٌ ِبعَذَا ٍ‬
‫جمِيلً (‪ )5‬إِ ّن ُهمْ يَ َروْنَهُ َبعِيدا‬
‫خ ْمسِينَ أَ ْلفَ سَنَةٍ (‪ )4‬فَاصْبِرْ صَبْرا َ‬
‫وَالرّوحُ ِإلَيْهِ فِي َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫سمَاءُ كَا ْل ُمهْلِ‬
‫(‪ )6‬وَنَرَاهُ قَرِيبا (‪َ )7‬يوْمَ َتكُونُ ال ّ‬

‫( ‪)5/429‬‬

‫حمِيما (‪ )10‬يُ َبصّرُو َنهُمْ َيوَدّ ا ْلمُجْرِمُ َلوْ َيفْتَدِي مِنْ‬


‫حمِيمٌ َ‬
‫(‪ )8‬وَ َتكُونُ الْجِبَالُ كَا ْل ِعهْنِ (‪ )9‬وَل يَسَْألُ َ‬
‫جمِيعا‬
‫عَذَابِ َي ْومِئِذٍ بِبَنِيهِ (‪َ )11‬وصَاحِبَتِ ِه وَأَخِيهِ (‪َ )12‬و َفصِيلَتِهِ الّتِي ُتؤْوِيهِ (‪َ )13‬ومَنْ فِي الْأَ ْرضِ َ‬
‫ج َمعَ فََأوْعَى‬
‫شوَى (‪َ )16‬تدْعُو مَنْ أَدْبَ َر وَ َتوَلّى (‪ )17‬وَ َ‬
‫ثُمّ يُ ْنجِيهِ (‪ )14‬كَلّا إِ ّنهَا لَظَى (‪ )15‬نَزّاعَةً لِل ّ‬
‫(‪)18‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫سأل سائل ‪ :‬أي دعا داع بعذاب واقع‪.‬‬
‫ليس له دافع من ال ‪:‬أي فهو واقع ل محالة‪.‬‬
‫ذي المعارج ‪ :‬أي ذي العلو والدرجات ومصاعد الملئكة وهي السموات‪.‬‬
‫تعرج الملئكة والروح إليه ‪:‬أي تصعد الملئكة وجبريل إلى ال تعالى‪.‬‬
‫في يوم كان مقداره خمسين ‪:‬أي تصعد الملئكة وجبريل من منتهى أمره من أسفل الرض‬
‫ألف سنة السابعة إلى منتهى أمره من فوق السموات السبع في يوم مقداره خمسون ألف‬
‫سنة بالنسبة لصعود غير الملئكة من الخلق‪.‬‬
‫إنهم يرونه بعيدا‪ :‬أي العذاب الذي يطالبون به لتكذيبهم وكفرهم بالبعث‪.‬‬
‫يوم تكون السماء كالمهل ‪:‬أي كذائب النحاس‪.‬‬
‫وتكون الجبال كالعهن‪ :‬أي كالصوف المصبوغ ألوانا في الخفة والطيران بالريح‪.‬‬
‫ول يسأل حميم حميما ‪:‬أي قريب قريبه لنشغال كل بحاله‪.‬‬
‫يبصرونهم ‪:‬أي يبصر الحماء بعضهم بعضا ويتعافون ول يتكلمون‪.‬‬
‫وصاحبته ‪:‬أي زوجته‪.‬‬
‫وفصيلته التي تؤويه ‪:‬أي عشيرته التي تضمه إليها نسبا وتحميه من الذى عند الشدة‪.‬‬
‫إنها لظى نزاعة للشوى ‪: 1‬أي إن جهنم هي لظى نزاعة للشوى جمع شواة جلدة الرأس‪.‬‬
‫أدبر وتولى ‪:‬أي عن طاعة ال ورسوله وتولى عن اليمان فأنكره وتجاهله‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ نافع والجمهور برفع نزاعة وقرأ حفص بنصها‪.‬‬

‫( ‪)5/430‬‬

‫وجمع فأوعى‪:‬أي جمع المال وجعله في وعاء ومنع حق ال تعالى فيه فلم ينفق منه في سبيل ال‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ب وَاقِعٍ} هذه اليات نزلت ردا على دعاء النضر بن الحارث ومن‬
‫قوله تعالى {سََألَ‪ 1‬سَا ِئلٌ ِبعَذَا ٍ‬
‫وافقه اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب أليم‬
‫فأخبر تعالى عنه بقوله {سََألَ سَا ِئلٌ ِبعَذَابٍ‪ 2‬وَاقِعٍ لِ ْلكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللّهِ} أي إنه واقع ل‬
‫محالة إذ ليس له دافع من ال {ذِي ا ْل َمعَارِجِ} أي صاحب العلو والدرجات ومصاعد الملئكة وهي‬
‫السموات وقوله تعالى { َتعْرُجُ ا ْلمَل ِئكَ ُة وَالرّوحُ إِلَيْهِ} أي ‪3‬تصعد الملئكة وجبريا إليه تعالى {فِي‬
‫خ ْمسِينَ أَ ْلفَ سَنَةٍ} أي يصعدون من منتهى أمره من أسفل الرض السابعة إلى‬
‫َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫منتهى أمره من فوق السموات السبع في يوم مقداره خمسون ألف سنة بالنسبة لصعود غير‬
‫جمِيلً‪ }5‬وقوله تعالى {إِ ّن ُهمْ يَ َروْنَهُ َبعِيدا وَنَرَاهُ قَرِيبا} يعني أن‬
‫الملئكة من الخلق {فَاصْبِرْ‪ 4‬صَبْرا َ‬
‫المشركين المكذبين يرون العذاب بعيدا لتكذيبهم بالبعث الخر‪ .‬ونحن نراه قريبا ويبين تعالى وقت‬
‫سمَاءُ كَا ْل ُم ْهلِ} أي تذوب فتصير كذائب النحاس {وَ َتكُونُ الْجِبَالُ كَا ْل ِعهْنِ}‬
‫مجيئه فقال { َيوْمَ َتكُونُ ال ّ‬
‫أي الصوف المصبوغ خفة وطيرانا بالريح وهذا هو النقلب الكوني حيث فني كل شيء ثم يعيد‬
‫حمِيما} لنشغال كل‬
‫حمِيمٌ َ‬
‫ال الخلق فإذا الناس في عرصات القيامة واقفون حفاة عراة {ل يَسَْألُ َ‬
‫بنفسه كما قال تعالى {ِل ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ َي ْومَئِذٍ شَأْنٌ ُيغْنِيهِ} عن السؤال عن غيره أو عن سؤال غيره‬
‫وقوله تعالى {يُ َبصّرُونَهُمْ} أي عدم سؤال بعضهم بعضا ليس ناتجا عن عدم معرفتهم لبعضهم‬
‫بعضا ‪ 6‬ل بل يبصرهم ربهم بهم فيعرف كل قريب قريبه ولكن اشتغاله بنفسه يحول دون سؤال‬
‫غيره‪ ،‬ويشرح هذا المعنى قوله تعالى يود المجرم أي ذو الجرام على نفسه بالشرك والمعاصي‬
‫لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه أي أولده الذكور ففضل عن الناث وصاحبته أي زوجته وأخيه‬
‫وفصيلته التي تؤويه بأن تضمه إلى نسبها والفصيلة العشيرة انفصلت‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ نافع سال بدون همزة تخفيفا وقرأ حفص سأل بالهمزة على الصل‪.‬‬
‫‪ 2‬وإن كانت الباء في بعذاب بمعنى عم فيكون السائل سأل عن العذاب لمن يقع أو متى يقع كقوله‬
‫تعالى { فاسأل به خبيرا} أي عنه خبيرا وكقول الشاعر‪:‬‬
‫فإن تسألوني بالنساء فإنني‬
‫بصير بأدواء النساء طبيب‬
‫ومن بلغة القرآن تعدية سأل بالباء ليكون صالحا للستفهام والدعاء والستعجال‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا العروج كائن يوم القيامة وهو اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة‪.‬‬
‫‪ 4‬الفاء للتفريع إذ سبق أن السائل بالعذاب كان مستهزئا مستخفا فلذا أمر ال رسوله بالصبر‬
‫الجميل على ما يقوله المشركون‪.‬‬
‫‪ 5‬الجملة تعليلية لكل من جملة سأل سائل بعذاب وللمر بالصبر‪.‬‬
‫‪ 6‬قرأ نافع يومئذ بفتح يومئذ وقرأ الجمهور بكسرها بإضافة عذاب إليها‪.‬‬

‫( ‪)5/431‬‬

‫من القبيلة ومن في الرض جميعا ثم ينجيه لنتصور عذابا يود المجرم من خوفه منه أن يفتدي‬
‫بكل شيء في الرض كيف يكون؟ ومن هنا يرى القريب قريبه ول يسأله عن حاله لنشغال نفسه‬
‫عن نفس غيره‪ .‬وقوله تعالى { َكلّا ‪ }1‬أي ل قرابة يومئذ تنفع ول فداء يقبل {إِ ّنهَا} أي جهنم {َلظَى‬
‫شوَى} أي لجلدة الرأس ولكل عضو غير قاتل للنسان إذا نزع منه‪ .‬تدعو أي جهنم‬
‫نَزّاعَةً لِل ّ‬
‫المسماة لظى تدعو تنادي إلي إلي يا من أدبر عن طاعة ال ورسوله وتركها ظهره فلم يلتفت إليها‬
‫وتولى عن اليمان فلم يطلبه تكميل له ليصبح إيمانا يحمله على الطاعات وجمع الموال فأوعاها‬
‫في أوعية ‪ 2‬ولم يؤد منها الحقوق الواجبة فيها من زكاة وغيرها إذ في المال حق غير الزكاة‪.‬‬
‫جهَنّمَ دَعّا} نعوذ بال من جهنم‬
‫ومن دعته جهنم دفع إليها دفعا كما قال تعالى { َيوْمَ ُيدَعّونَ إِلَى نَارِ َ‬
‫وموجباتها من الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة سؤال العذاب فإن عذاب ال ل يطاق ولكن تسأل الرحمة والعافية‪.‬‬
‫‪-2‬وجوب الصبر على الطاعة وعلى البلء فل تسخط ول تجزع‪.‬‬
‫‪-3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪-4‬عظم هول الموقف يوم القيامة وصعوبة الحال‪.‬‬
‫‪ -5‬التنديد بالمعرضين عن طاعة ال ورسوله الجامعين للموال المشتغلين بها حتى سلبتهم‬
‫اليمان والعياذ بال فأصبحوا يشكون في ال وآياته ولقائه‪.‬‬
‫إِنّ الْإِنْسَانَ خُِلقَ هَلُوعا (‪ )19‬إِذَا مَسّهُ الشّرّ جَزُوعا (‪ )20‬وَإِذَا مَسّهُ الْخَيْرُ مَنُوعا (‪ )21‬إِلّا‬
‫حقّ َمعْلُومٌ (‪ )24‬لِلسّا ِئلِ‬
‫ا ْل ُمصَلّينَ (‪ )22‬الّذِينَ هُمْ عَلَى صَل ِتهِمْ دَا ِئمُونَ (‪ )23‬وَالّذِينَ فِي َأ ْموَاِلهِمْ َ‬
‫شفِقُونَ (‪ )27‬إِنّ‬
‫وَا ْلمَحْرُومِ (‪ )25‬وَالّذِينَ ُيصَ ّدقُونَ بِ َيوْمِ الدّينِ (‪ )26‬وَالّذِينَ ُهمْ مِنْ عَذَابِ رَ ّب ِهمْ مُ ْ‬
‫عَذَابَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كل حرف ردع وإبطال لكلم سابق‪.‬‬
‫‪ 2‬ومنه الحديث "ل توعى فيوعى عليك" أي ل تمسكي عن النفاق فيمسك عليك‪.‬‬

‫( ‪)5/432‬‬

‫ج ِهمْ َأوْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُمْ‬


‫جهِمْ حَافِظُونَ (‪ )29‬إِلّا عَلَى أَ ْزوَا ِ‬
‫رَ ّبهِمْ غَيْرُ مَ ْأمُونٍ (‪ )28‬وَالّذِينَ ُهمْ ِلفُرُو ِ‬
‫فَإِ ّنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (‪َ )30‬فمَنِ ابْ َتغَى وَرَاءَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلعَادُونَ (‪ )31‬وَالّذِينَ ُهمْ لَِأمَانَا ِتهِمْ‬
‫شهَادَا ِتهِمْ قَا ِئمُونَ (‪ )33‬وَالّذِينَ هُمْ عَلَى صَل ِتهِمْ ُيحَافِظُونَ (‪)34‬‬
‫عهْدِهِمْ رَاعُونَ (‪ )32‬وَالّذِينَ هُمْ بِ َ‬
‫وَ َ‬
‫أُولَ ِئكَ فِي جَنّاتٍ ُمكْ َرمُونَ (‪)35‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن النسان خلق هلوعا ‪:‬أي إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا أي كثير الجزع سريعه‬
‫وكثير المنع حريصا عليه‪.‬‬
‫على صلتهم دائمون ‪:‬أي ل يقطعونها أبدا ما داموا أحياء يعقلون‪.‬‬
‫حق معلوم ‪:‬أي نصيب معين عينه الشارع وهو الزكاة‪.‬‬
‫للسائل والمحروم‪ :‬أي الطالب الصدقة والذي ل يطلبها حياء وتعففا‪.‬‬
‫يصدقون بيوم الدين‪ :‬أي يؤمنون بيوم القيامة للبعث والجزاء‪.‬‬
‫مشفقون‪ :‬أي خائفون متوقعون العذاب عند المعصية‪.‬‬
‫لفروجهم حافظون‪ :‬أي صائنون لها عن النظر إليها وعن الفاحشة‪.‬‬
‫أو ما ملكت أيمانهم‪ :‬أي من السريات من الجواري التي يملكونها‪.‬‬
‫فأولئك هم العادون‪ :‬أي المعتدون الظالمون المتجاوزون الحلل إلى الحرام‪.‬‬
‫لماناتهم‪ :‬أي ما ائتمنوا عليه من أمور الدين والدنيا‪.‬‬
‫راعون ‪ :‬أي حافظون غير مفرطين‪.‬‬
‫قائمون‪ :‬أي يقيمون شهاداتهم ل يكتمونها ول يحرفونها‪.‬‬
‫يحافظون‪ :‬أي يؤدونها في أوقاتها في جماعات مع كامل الشروط والركان والواجبات والسنن‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى إن النسان أي هذا الدمي المنتصب القامة الضاحك الذي سمي بالنسان لنسه‬

‫( ‪)5/433‬‬

‫بنفسه ورؤية محاسنها ولنسيانه واجب شكر ربه هذا النسان خلق هلوعا قابل لوصف الهلع فيه‬
‫عند بلوغه سن التمييز والهلع مرض نفسي عرضه الذي يعرف به جزعه الشديد متى مسه الشر‪،‬‬
‫ومنعه القوي للخير متى مسه وظفر به‪ .‬فقد فسر تعالى الهلع بقوله‪{ ،‬إِذَا مَسّهُ الشّرّ جَزُوعا وَإِذَا‬
‫مَسّهُ الْخَيْرُ مَنُوعا}‪ .‬ثم ذكر تعالى ما يعالج به هذا المرض باستثنائه من جنس النسان من‬
‫يتصفون بالصفات التية وهي عبارة عن عبادات شرعية بعضها فعل وبعضها ترك من شأنها‬
‫القضاء على هذا المرض الخطير المسمى بالهلع والذي ل يعالج إل بما وصف تعالى في قوله‪:‬‬
‫علَى صَل ِتهِمْ‬
‫‪ )1‬إدامة الصلة بالمواظبة عليها ليل نهار إذ قال تعالى {إِلّا ا ْل ُمصَلّينَ‪ 1‬الّذِينَ هُمْ َ‬
‫دَا ِئمُونَ‪ }2‬وبشرط أن تؤدى إيمانا واحتسابا وأداءً صحيحا بمراعاة شروطها وأركانها وسننها‪.‬‬
‫‪ )2‬العتراف بما أوجب ال في المال من حق وإعطاء ذلك الحق بطيب نفس لمن سأل ولمن لم‬
‫يسأل ممن هم أهل الزكاة والصدقات لقوله {وَالّذِينَ فِي َأ ْموَاِلهِمْ حَقّ َمعْلُومٌ لِلسّا ِئلِ وَا ْلمَحْرُومِ}‪.‬‬
‫‪ )3‬التصديق الكامل بيوم القيامة وهو البعث والجزاء لقوله تعالى {وَالّذِينَ ُيصَ ّدقُونَ بِ َيوْمِ الدّينِ}‪.‬‬
‫‪ )4‬الشفاق والخوف من عذاب ال عند عروض خاطر المعصية بترك واجب أو فعل محرم لقوله‬
‫شفِقُونَ} أي دائما وأبدا لن عذاب ربهم غير مأمون الوقوع‪.‬‬
‫تعالى {وَالّذِينَ ُهمْ مِنْ عَذَابِ رَ ّب ِهمْ مُ ْ‬
‫‪ )5‬حفظ الفرج بستره عن أعين الناس ما عدا الزوج وصيانته من فاحشة الزنا واللواط وجلد‬
‫ج ِهمْ‬
‫عميرة أي الستمناء باليد والمعروف اليوم بالعادة السرية لقوله تعالى {وَالّذِينَ هُمْ ِلفُرُو ِ‬
‫حَا ِفظُونَ} من السراري {فَإِ ّنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} في إتيانهم أزواجهم وجواريهم اللئي ملكوهن بالجهاد‬
‫أو الشراء الشرعي وقوله تعالى { َفمَنِ ابْ َتغَى} أي طلب ما وراء الزوجة والسرية {فَأُولَ ِئكَ ُهمُ‬
‫ا ْلعَادُونَ} أي الظالمون الذين تجاوزا الحلل إلى الحرام فكانوا بذلك معتدين ظالمين‪.‬‬
‫‪ )6‬حفظ المانات و العهود ومن أبرز المانات وأقوى العهود ما التزم به العبد من عبادة ال‬
‫تعالى بطاعته وطاعة رسوله والوفاء بذلك حتى الموت زيادة على أمانات الناس والعهود لهم الكل‬
‫عهْدِهِمْ رَاعُونَ} أي حافظون‪.‬‬
‫واجب الحفظ والرعاية لقوله {وَالّذِينَ هُمْ لَِأمَانَا ِتهِ ْم وَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستثناء منقطع أي لكن المصلين الذين وصفهم كيت وكيت وهي ثمان صفات وهي صفات‬
‫المؤمنين الصادقين‪.‬‬
‫‪ 2‬الدوام على الشيء عدم تركه وذلك في كل عمل بحسب ما يعتبر دواما فيه‪.‬‬

‫( ‪)5/434‬‬

‫‪ )7‬إقامة الشهادة بالعتدال فيها بحيث يؤديها ول يكتمها ويؤديها قائمة ل اعوجاج فيها لقوله‬
‫شهَادَا ِتهِمْ قَا ِئمُونَ}‪2.‬‬
‫تعالى {وَالّذِينَ ُهمْ‪ِ 1‬ب َ‬
‫‪ )8‬المحافظة على الصلوات الخمس مستوفاة الشروط والركان من الخشوع إلى الطمأنينة في‬
‫الركوع و السجود و العتدال في القيام لقوله تعالى {وَالّذِينَ هُمْ عَلَى صَل ِتهِمْ ُيحَافِظُونَ} بعد أدائها‬
‫وعدم قطعها بحال من الحوال‪.‬‬
‫فهذه الوصفة الربانية متى استعملها النسان المؤمن تحت إشراف عالم رباني إن وجده وإل‬
‫فتطبيقها بدون إشراف ينفع بأذن ال متى اجتهد المؤمن في حسن تطبيقها برىء من ذلك المرض‬
‫الخطير وأصبح أهل إكرام ال تعالى في الدار الخرة قال تعالى في ختام هذه الوصفة {أُولَ ِئكَ فِي‬
‫جَنّاتٍ ُمكْ َرمُونَ‪ }3‬أي أولئك المطبقون لهذه الوصفة الناجحون فيها {فِي جَنّاتٍ ُمكْ َرمُونَ} في جوار‬
‫ربهم اللهم اجعلنا منهم يا غفور يا رحيم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بين شر صفات النسان وأنها الهلع‪.‬‬
‫‪-2‬بيان الدواء لهذا الداء داء الهلع الذي ل فلح معه ول نجاح‪.‬‬
‫‪-3‬انحصار العلج في ثماني صفات أو ثماني مركبات دوائية‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب العمل بما اشتملت عليه الوصفة من واجبات‪.‬‬
‫‪-5‬حرمة ما اشتملت عليه الوصفة من محرمات‪.‬‬
‫طمَعُ ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ‬
‫شمَالِ عِزِينَ (‪ )37‬أَيَ ْ‬
‫طعِينَ (‪ )36‬عَنِ الْ َيمِينِ وَعَنِ ال ّ‬
‫َفمَالِ الّذِينَ َكفَرُوا قِبََلكَ ُمهْ ِ‬
‫سمُ بِ َربّ ا ْلمَشَارِقِ وَا ْل َمغَارِبِ إِنّا‬
‫خلَ جَنّةَ َنعِيمٍ (‪ )38‬كَلّا إِنّا خََلقْنَاهُمْ ِممّا َيعَْلمُونَ (‪ )39‬فَل ُأقْ ِ‬
‫أَنْ يُ ْد َ‬
‫َلقَادِرُونَ (‪ )40‬عَلَى أَنْ نُ َب ّدلَ خَيْرا مِ ْنهُمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ نافع شهادتهم بالفراد وقرأ حفص شهاداتهم بالجمع وقراءة الفراد بمعنى الجمع لن شهادة‬
‫اسم جنس تدل على متعدد‪.‬‬
‫‪ 2‬القيام بالشهادة‪ :‬الهتمام بها وحفظها إلى أن تؤدى‪.‬‬
‫‪ 3‬والكرام‪ :‬التعظيم وحسن اللقاء أي هم مع جزائهم بالجنات يكرمون بحسن اللقاء والثناء‪ .‬في‬
‫جنات خبر أولئك ومكرمون خبر ثان‪.‬‬

‫( ‪)5/435‬‬

‫َومَا َنحْنُ ِبمَسْبُوقِينَ (‪ )41‬فَذَرْ ُهمْ يَخُوضُوا وَيَ ْلعَبُوا حَتّى يُلقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي يُوعَدُونَ (‪َ )42‬يوْمَ‬
‫شعَةً أَ ْبصَارُهُمْ تَرْ َه ُقهُمْ ذِلّةٌ ذَِلكَ‬
‫صبٍ يُو ِفضُونَ (‪ )43‬خَا ِ‬
‫جدَاثِ سِرَاعا كَأَ ّنهُمْ ِإلَى ُن ُ‬
‫يَخْ ُرجُونَ مِنَ الْأَ ْ‬
‫عدُونَ (‪)44‬‬
‫الْ َيوْمُ الّذِي كَانُوا يُو َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫قبلك مهطعين؟ ‪:‬أي نحوك مديمي النظر إليك‪.‬‬
‫عزين ‪:‬أي جماعات حلقا حلقا يقولون في استهزاء بالمؤمنين لئن دخل هؤلء الجنة لندخلها قبلهم‪.‬‬
‫إنا خلقناهم مما يعلمون ‪ :‬أي من مني قذر وإنما يستوجب دخول الجنة بالطاعات المزكية للنفوس‪.‬‬
‫على أن نبدلهم خيرا منهم ‪ :‬أي إنا لقادرون على أن نهلكهم ونأتي بأناسٍ خير منهم‪.‬‬
‫وما نحن بمسبوقين ‪ :‬أي بعاجزين عن إيجاد ما ذكرنا من إهلك القوم والتيان بخير منهم‪.‬‬
‫يوم يخرجون من الجداث ‪:‬أي من القبور مسرعين إلى المحشر‪.‬‬
‫سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ‪ :‬أي كأنهم في إسراعهم إلى المحشر إلى نصب أي شيء‬
‫منصوب كراية أو علم يسرعون‪.‬‬
‫ترهقهم ذلة ‪ :‬أي تغشاهم ذلة‪.‬‬
‫ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ‪:‬أي يوعدون بالعذاب فيه وهو يوم القيامة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى فما للذين ‪ 1‬كفروا قبلك مهطعين يخبر تعالى مقبحا سلوك المشركين إزاء رسوله صلى‬
‫ال عليه وسلم فيقول ما للذين كفروا من كفار مكة قبلك أي جهتك حيث كنت في المسجد الحرام‬
‫مهطعين أو مسرعين مديمي النظر إليك عن اليمين وعن الشمال عزين أي عن يمينك وعن‬
‫شمالك عزين جمع عزة أي جماعة فهم حلق حلق يستمعون إلى قراءتك بحثا عن كلمة يمكنهم أن‬
‫يشنعوا بها عليك ويجعلونها مطعنا في دعوتك أي سخرية يسخرون بها وبك ويقولون استهزاء‬
‫بالمؤمنين لئن دخل هؤلء الجنة لندخلنها قبلهم فرد تعالى عليهم منكرا طمعهم الفارغ بقوله‬
‫طمَعُ ُكلّ امْ ِرئٍ‪2‬‬
‫{أَ َي ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام إنكاري تعجبي من تجمع المشركين إلى النبي صلى ال عليه وسلم مستهزئين بما‬
‫يسمعون من وعد المؤمنين بالجنة ووعيد المشركين بالنار‪ ،‬ومعنى الية أي شيء ثبت للذين‬
‫كفروا في حال إهطاعهم إليك‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الجملة بدل اشتمال من جملة فما للذين كفروا‪.‬‬

‫( ‪)5/436‬‬

‫خلَ جَنّةَ َنعِيمٍ} أي بستان إكرام وتنعم كل لن يتم هذا لهم ولن يكون وهم أنجاس‬
‫مِ ْنهُمْ أَنْ ُيدْ َ‬
‫الرواح بالشرك والمعاصي‪ ،‬ولفت النظر إلى أصل الخلقة وهي المني القذر والقذر ل يدخل دار‬
‫السلم فمن أراد الجنة فليزك نفسه وليطهرها باليمان والعمل الصالح مبعدا لها عما يدسيها من‬
‫الشرك والمعاصي وهو ما تضمنه قوله تعالى {إِنّا خََلقْنَاهُمْ‪ِ 1‬ممّا َيعَْلمُونَ} وقوله عز وجل {فَل‬
‫ق وَا ْل َمغَا ِربِ} أي فل المر كما يتصورون من أنهم ل يبعثون بعد موتهم أقسم‬
‫ُأقْسِمُ بِ َربّ ا ْلمَشَارِ ِ‬
‫برب المشارق الثلثمائة والستين مشرقا ومغربا حيث الشمس تطلع كل يوم في مطلع وتغرب في‬
‫آخر ل تعود إليه إل بعد سنة في مثل ذلك اليوم فأقسم تعالى بنفسه‪ ،‬والمقسم عليه قوله {إِنّا‬
‫َلقَادِرُونَ} أي على أن نهلكهم ونأتي بخير منهم { َومَا نَحْنُ ِب َمسْبُوقِينَ} أي عاجزين عن ذلك فكيف‬
‫إذا ل نعيدهم أحياء بعد موتهم يوم القيامة { َفذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَ ْلعَبُوا حَتّى يُلقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي‬
‫يُوعَدُونَ} أي أمر تعالى رسوله أن يتركهم وما يخوضون فيه من اللهو واللعب والباطل في القول‬
‫والعمل‪ ،‬وهو تهديد خفي لهم {حَتّى يُلقُوا} على ما هم عليه من أدران الشرك وأوضار المعاصي‬
‫يوهم الذي يوعدون بالعذاب فيه وهو يوم القيامة وشرح حال اليوم فقال يوم يخرجون من‬
‫الجداث أي القبور جمع جدث سراعا أي مسرعين كأنهم إلى نصب ‪ 2‬أي شيء منصوب من‬
‫راية أو علم أو تذكار يوفضون أي يحشرون مسرعين حال كون أبصارهم خاشعة أي ذليلة من‬
‫الفزع والخوف ترهقهم ذلة أي تغشاهم ذلة عجيبة عظيمة‪ .‬وقوله تعالى {ذَِلكَ الْ َي ْومُ الّذِي كَانُوا‬
‫يُوعَدُونَ} أي هذا هو اليوم الذي كانوا يوعدون بالعذاب فيه وهو يوم القيامة الذي أنكروه وكذبوا‬
‫به هاهو ذا قد حصل فليتجرعوا غصص الندم وألوان العذاب‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان الحال التي كان عليها الرسول صلى ال عليه وسلم في مكة بين ظهراني قريش وما كان‬
‫يلقي من أذاهم‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أن الجنة تدخل بالطهارة الروحية من قذر الشرك والمعاصي وإل فأصل الناس واحد‬
‫المني القذر باستثناء آدم وحواء وعيسى فآدم أصله الطين وحواء خلقت من ضلع آدم‪ ،‬وعيسى‬
‫كان بنفخ روح القدس في كم درع مريم فكان بكلمة ال تعالى ومن عدا الثلثة فمن ماء مهين‬
‫ونطفة قذرة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في قوله تعالى {إنا خلقناهم مما يعلمون} ازدراء بهم وتهكم من حالهم إذ يجادلون ويعاندون‬
‫وهم مخلوقون من نطفة مذرة‪.‬‬
‫‪ 2‬النصب بفتح النون وسكون الصاد‪ :‬الصنم قرأ نافع نصب بفتح وسكون وقرأ حفص نصب بضم‬
‫كل من النون والصاد والمعنى واحد وهو الصنم قال الشاعر‪:‬‬
‫وذا النصب المنصوب ل تنسكنه‬
‫لعافية وال ربك فاعبدا‬

‫( ‪)5/437‬‬

‫‪ -3‬الستدلل بالنشأة الولى على إمكان الثانية‪.‬‬


‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان أن حياة أهل الكفر مهما تراءى لهم ولغيرهم أنها حياة مدنية سعيدة لم تعد كونها باطل‬
‫ولهوا ولعبا‪.‬‬

‫( ‪)5/438‬‬

‫سورة نوح‬
‫‪...‬‬
‫سورة نوح‬
‫مكية وآياتها ثمان وعشرون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫إِنّا أَرْسَلْنَا نُوحا إِلَى َق ْومِهِ أَنْ أَ ْنذِرْ َق ْومَكَ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْتِ َيهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )1‬قَالَ يَا َقوْمِ إِنّي َل ُكمْ نَذِيرٌ‬
‫مُبِينٌ (‪)2‬‬
‫جلَ اللّهِ‬
‫سمّىً إِنّ َأ َ‬
‫جلٍ ُم َ‬
‫أَنِ اعْبُدُوا اللّ َه وَا ّتقُو ُه وَأَطِيعُونِ (‪َ )3‬ي ْغفِرْ َلكُمْ مِنْ ذُنُو ِبكُ ْم وَ ُيؤَخّ ْركُمْ إِلَى َأ َ‬
‫إِذَا جَاءَ ل ُيؤَخّرُ َلوْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ (‪)4‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إنا أرسلنا نوحا إلى قومه ‪:‬أي أهل الرض كافة والدليل إغراقهم أجمعين‪.‬‬
‫أن أنذر قومك ‪ :‬أي بإنذار قومك‪.‬‬
‫إني لكم نذير مبين ‪ :‬أي بين النذارة ظاهرها‪.‬‬
‫أن اعبدوا ال ‪:‬أي وحده بفعل محابه وترك مكارهه ول تشركوا به شيئا‪.‬‬
‫واتقوه ‪:‬فل تعصوه بترك عبادته ول بالشرك به‪.‬‬
‫وأطيعون ‪ :‬فيما آمركم به وأنهاكم عنه لني مبلغ عن ال ربي وربكم‪.‬‬
‫يغفر لكم من ذنوبكم ‪:‬أي ذنوبكم التي هي الشرك والمعاصي فمن زائدة لتقوية الكلم أو هي‬
‫تبعيضية لن ما كان حقا لدمي كمال وعرض ل يغفر إل بالتوبة‪.‬‬
‫ويؤخركم إلى أجل مسمى ‪:‬أي إلى نهاية آجالكم المسماة لكم في كتاب المقادير فل يعجل لكم‬
‫بالعذاب‪.‬‬
‫إن أجل ال ‪:‬أي بعذابكم‪.‬‬
‫ليؤخر ‪:‬إن لم تؤمنوا‪.‬‬

‫( ‪)5/438‬‬

‫لو كنتم تعلمون ‪:‬أي لمنتم‪.‬‬


‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {إِنّا أَ ْرسَلْنَا نُوحا إِلَى َق ْومِهِ} ‪ 1‬يخبر تعالى لفتا نظر منكري رسالة نبيه محمد صلى‬
‫ال عليه وسلم من مشركي قريش وكفار مكة أن محمدا رسول ال ليس بأول رسول حتى تنكر‬
‫رسالته‪ ،‬كما أن السورة بجملتها فيها تسلية لرسول ال صلى ال عليه وسلم مما يلقي من مشركي‬
‫قومه إذ نوح عليه السلم قد لقى ما هو أشد وأطول مدة واليات ناطقة بذلك وقوله تعالى {أَنْ‬
‫أَنْذِرْ َق ْو َمكَ} أي أرسلناه بإنذار قومه من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ‪ 2‬هو عذاب الدنيا بالستئصال‬
‫وعذاب الخرة بالستمرار والدوام‪ .‬وقوله تعالى {قَالَ يَا َقوْمِ إِنّي َل ُكمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي امتثل نوح‬
‫أمر ربه وقال لقومه يا قوم إني لكم نذير مبين أي مخوف من عواقب كفركم بال وشرككم به‪.‬‬
‫{أَنِ اعْ ُبدُوا ‪ 3‬اللّ َه وَا ّتقُو ُه وَأَطِيعُونِ} اعبدوه وحده ول تشركوا به شيئا واتقوه فل تعصوه بترك‬
‫عبادته ول بالشرك به‪ ،‬وأطيعون فيما آمركم به وأنهاكم عنه لني مبلغ عن ال ربي وربكم ول‬
‫آمركم إل بما يكملكم ويسعدكم ول أنهاكم إل عما يضركم ول يسركم فإن تجيبوا لما دعوتكم إليه‬
‫يغفر لكم ‪ 4‬من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى أي إلى نهاية آجالكم فل يعاجلكم بالعقوبة {إِنّ‬
‫جلَ اللّهِ} أي بعذابكم إذا جاء ل يؤخر {َلوْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ‪ }5‬أي لو علمتم ذلك لنبتم إلى ربكم فتبتم‬
‫أَ َ‬
‫إليه واستغفرتموه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية إذ الذي أرسل نوحا يرسل محمدا صلى ال عليه وسلم ومن شاء إلى‬
‫من شاء‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير التوحيد إذ نوح أرسل إلى قوم مشركين لبطال الشرك وتحقيق التوحيد‪.‬‬
‫س ّمىً} أي في كتاب المقادير‪.‬‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫‪-3‬تقرير معتقد القضاء والقدر لقوله {وَ ُي َؤخّ ْركُمْ إِلَى أَ َ‬
‫عوْ ُتهُمْ‬
‫ل وَ َنهَارا (‪ )5‬فَلَمْ يَ ِزدْهُمْ دُعَائي إِلّا فِرَارا (‪ )6‬وَإِنّي كُّلمَا دَ َ‬
‫عوْتُ َق ْومِي لَيْ ً‬
‫قَالَ َربّ إِنّي دَ َ‬
‫جعَلُوا َأصَا ِب َعهُمْ‬
‫لِ َت ْغفِرَ َل ُهمْ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬نوح هو ابن لمك بن متوشلخ بن أختون وهو إدريس بن برد بن مهليل بن أنوش ابن قينان‬
‫بن شيت بن آدم عليه السلم‪.‬‬
‫‪ 2‬جائز أن يكون العذاب في الدنيا وان يكون عذاب النار يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ 3‬أن مفسرة كالتي في قوله أن أنذر قومك‪.‬‬
‫‪ 4‬جائز أن يكون من زائدة لتقوية الكلم وأن تكون تبعيضية إذ بعض الذنوب ل تغفر إل بالتحلل‬
‫من أصحابها وهي حقوق الدميين‪.‬‬
‫‪ 5‬روى أنهم كانوا يضربونه حتى يغشى عليه فيقول‪ :‬رب أغفر لقومي فأنهم ل يعلمون‪.‬‬

‫( ‪)5/439‬‬

‫جهَارا (‪ُ )8‬ثمّ إِنّي‬


‫عوْ ُتهُمْ ِ‬
‫شوْا ثِيَا َبهُ ْم وََأصَرّوا وَاسْ َتكْبَرُوا اسْ ِتكْبَارا (‪ُ )7‬ثمّ إِنّي دَ َ‬
‫فِي آذَا ِن ِه ْم وَاسْ َتغْ َ‬
‫سمَاءَ‬
‫سلِ ال ّ‬
‫غفّارا (‪ )10‬يُ ْر ِ‬
‫أَعْلَ ْنتُ َلهُ ْم وَأَسْرَ ْرتُ َلهُمْ إِسْرَارا (‪َ )9‬فقُلْتُ اسْ َتغْفِرُوا رَ ّبكُمْ إِنّهُ كَانَ َ‬
‫ج َعلْ َل ُكمْ أَ ْنهَارا (‪ )12‬مَا َلكُ ْم ل‬
‫ج َعلْ َلكُمْ جَنّاتٍ وَ َي ْ‬
‫ن وَيَ ْ‬
‫ل وَبَنِي َ‬
‫عَلَ ْيكُمْ مِدْرَارا (‪ )11‬وَ ُيمْدِ ْدكُمْ بَِأ ْموَا ٍ‬
‫سمَاوَاتٍ طِبَاقا (‪)15‬‬
‫طوَارا (‪ )14‬أََلمْ تَ َروْا كَ ْيفَ خََلقَ اللّهُ سَبْعَ َ‬
‫تَرْجُونَ لِلّ ِه َوقَارا (‪َ )13‬وقَدْ خََل َقكُمْ َأ ْ‬
‫شمْسَ سِرَاجا (‪ )16‬وَاللّهُ أَنْبَ َت ُكمْ مِنَ الْأَ ْرضِ نَبَاتا (‪ )17‬ثُمّ ُيعِي ُدكُمْ‬
‫ج َعلَ ال ّ‬
‫ج َعلَ ا ْل َقمَرَ فِيهِنّ نُورا وَ َ‬
‫وَ َ‬
‫ج َعلَ َل ُكمُ الْأَ ْرضَ بِسَاطا (‪ )19‬لِتَسُْلكُوا مِ ْنهَا سُبُلً ِفجَاجا (‪)20‬‬
‫ج ُكمْ إِخْرَاجا (‪ )18‬وَاللّهُ َ‬
‫فِيهَا وَيُخْرِ ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ليل ونهارا ‪:‬أي دائما باستمرار‪.‬‬
‫إل فرارا ‪ :‬أي مني ومن الحق الذي ادعوهم إليه وهو عبادة ال وحده‪.‬‬
‫جعلوا أصابعهم في آذانهم ‪:‬أي حتى ل يسمعوا ما أقول لهم‪.‬‬
‫واستغشوا ثيابهم ‪:‬أي تغطوا بها حتى ل ينظروا إلى ول يروني‪.‬‬
‫وأصروا ‪:‬على باطلهم وما هم عليه من الشرك‪.‬‬
‫يرسل السماء عليكم مدرارا ‪ :‬أي ينزل عليكم المطر متتابعا كلما دعت الحاجة إليه‪.‬‬
‫ويجعل لكم جنات ‪:‬أي بساتين‪.‬‬
‫مالكم ل ترجون ل وقارا ‪:‬أي ل تخافون ل عظمته وكبرياءه وهو القاهر فوق عباده‪.‬‬
‫وقد خلقكم أطوارا ‪ :‬أي حال بعد حال فطورا نطفة وطورا علقة وطورا مضغة‪.‬‬
‫وجعل الشمس سراجا ‪:‬أي مضيئة‪.‬‬

‫( ‪)5/440‬‬

‫أنبتكم من الرض نباتا ‪:‬أي أنشأكم من تراب الرض‪.‬‬


‫ثم يعيدكم فيها ‪:‬أي تقبرون فيها‪.‬‬
‫ويخرجكم إخراجا ‪:‬أي يوم القيامة‪.‬‬
‫سبل فجاجا ‪ :‬أي طرقا واسعة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذه اليات تضمنت لوحة مشرقة يهتدي بضوئها الهداة الدعاة إلى ال عز وجل إذ هي تمثل‬
‫عرض حال قدمه نوح لربه عز وجل هو خلصة دعوة دامت قرابة تسعمائة وخمسين سنة‬
‫ولنصغ إلى نوح عليه السلم وهو يشكوا إلى ربه ويعرض عليه ما قام به من دعوة إليه فقال‬
‫ع ْوتُ َق ْومِي} وهم أهل الرض كلهم يومئذ {لَيْلً وَ َنهَارا} أي بالليل وبالنهار إذ بعض‬
‫{ َربّ إِنّي دَ َ‬
‫الناس ل يمكنه التصال بهم إل ليل {فََلمْ يَزِدْ ُهمْ دُعَائي}‪ 1‬إياهم إلى اليمان بك وعبادتك وحدك‬
‫{إِلّا فِرَارا} مني ‪ 2‬ومما أدعوهم إليه وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم بأن يستغفروك ويتوبوا إليك‬
‫شوْا ثِيَا َب ُهمْ} أي تطغوا‬
‫جعَلُوا َأصَا ِب َعهُمْ فِي آذَا ِنهِمْ} حتى ل يسمعوا ما أقول لهم‪{ ،‬وَاسْ َت ْغ َ‬
‫لتغفر لهم { َ‬
‫بها حتى ليروني ول ينظروا إلى وجهي كراهة لي وبغضا في {وََأصَرّوا} على الشرك والكفر‬
‫إصرارا متزايدا عنادا {وَاسْ َتكْبَرُوا اسْ ِتكْبَارا} عجيبا ‪.3‬‬
‫جهَارا} أي مجاهرا بذلك { ُثمّ‬
‫عوْ ُتهُمْ} إلى توحيدك في عبادتك وإلى ترك الشرك فيها { ِ‬
‫{ ُثمّ إِنّي دَ َ‬
‫إِنّي أَعْلَ ْنتُ َلهُ ْم وَأَسْرَ ْرتُ َلهُمْ إِسْرَارا} بحسب الجماعات والظروف أطرق كل باب بحثا عن‬
‫سمَاءَ‪5‬‬
‫سلِ ال ّ‬
‫غفّارا يُرْ ِ‬
‫استجابتهم للدعوة وقبولهم للهدى فقلت { َفقُ ْلتُ اسْ َت ْغفِرُوا رَ ّب ُكمْ إِنّهُ‪ 4‬كَانَ َ‬
‫ل وَبَنِينَ}‬
‫عَلَ ْيكُمْ مِدْرَارا} أي ينزل عليكم المطر متتابعا فل يكون قحط ول محل {وَ ُيمْدِ ْدكُمْ بَِأ ْموَا ٍ‬
‫ج َعلْ َلكُمْ أَ ْنهَارا‪ }6‬تجري في‬
‫ج َعلْ َل ُكمْ جَنّاتٍ} بساتين ذات نخيل وأعناب {وَ َي ْ‬
‫كما هي رغبتكم {وَ َي ْ‬
‫تلك البساتين تسقيها‪ .‬ثم التفت إليهم وقال لهم منكرا عليهم استهتارهم وعدم خوفهم {مَا َلكُ ْم ل‬
‫تَرْجُونَ لِلّ ِه َوقَارا} أي ما دهاكم أي شيء جعلكم ل ترجون ل وقارا ل تخافون عظمته وقدرته‬
‫طوَارا} ولفت نظرهم إلى مظاهر قدرة ال تعالى فقال لهم {أََلمْ تَ َروْا كَ ْيفَ‬
‫وكبرياءه { َوقَدْ خََل َقكُمْ أَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ نافع دعائي بفتح العين واسكنها حفص‪.‬‬
‫‪ 2‬أي إل تباعدا عن اليمان وإعراضا عنه‪.‬‬
‫‪ 3‬إذ قالوا له‪ :‬أنؤمن لك واتبعك الرذلون والحامل لهم على هذا القول الكبر الذي تجاوزوا الحد‬
‫فيه‪.‬‬
‫‪ 4‬إنه كان غفارا هذا منه عليه السلم ترغيب لهم في التوبة قال الفضيل بن عياض قول العبد‬
‫أستغفر ال معناه أقلني‪.‬‬
‫‪ 5‬يرسل السماء المراد المطر ل السماء هذا كقول الشاعر‪:‬‬
‫إذا نزل السماء بأرض قوم‬
‫رعيناه وإن كانوا غضابا‬
‫‪6‬يروى عن الحسن البصري أن رجلً شكا إليه الجدوبة فقال له استغفر ال‪ ،‬وشكا آخر إليه الفقر‬
‫فقال له استغفر ال‪ ،‬وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال له استغفر ال وقال له آخر ادع ال أن‬
‫يرزقني ولدا فقال له استغفر ال‪ ،‬فقيل له في ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ما قلت من عندي شيئا إن ال يقول في‬
‫سمَاءَ عَلَ ْيكُمْ ِمدْرَارا وَ ُيمْدِ ْدكُمْ بَِأ ْموَالٍ‬
‫سلِ ال ّ‬
‫غفّارا يُرْ ِ‬
‫سورة نوح { َفقُ ْلتُ اسْ َت ْغفِرُوا رَ ّبكُمْ إِنّهُ كَانَ َ‬
‫ج َعلْ َلكُمْ أَ ْنهَارا}‪.‬‬
‫ت وَيَ ْ‬
‫ج َعلْ َل ُكمْ جَنّا ٍ‬
‫وَبَنِينَ وَيَ ْ‬

‫( ‪)5/441‬‬

‫ج َعلَ ا ْلقَمَرَ فِيهِنّ‪ 1‬نُورا} ينير ما‬


‫سمَاوَاتٍ طِبَاقا} سماء فوق سماء مطابقة لها { َو َ‬
‫خََلقَ اللّهُ سَبْعَ َ‬
‫شمْسَ سِرَاجا} وهاجا مضيئا يضيء بوجهه‬
‫ج َعلَ ال ّ‬
‫فوقه من السموات وما تحته من الرض {وَ َ‬
‫السموات وبقفاه الرض كالقمر {وَاللّهُ أَنْبَ َت ُكمْ مِنَ الْأَ ْرضِ نَبَاتا} إذ أصلكم من تراب والنطف أيضا‬
‫من الغذاء المكون من التراب ثم خلقتكم تشبه النبات وهي على نظامه في الحياة والنماء‪{ .‬ثُمّ‬
‫ج ُكمْ منها} أيضا {إِخْرَاجا} يوم القيامة‬
‫ُيعِي ُدكُمْ فِيهَا} أي الرض بعد الموت فتدفنون فيها {وَ ُيخْرِ ُ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ بِسَاطا} أي مفروشة مبسوطة صالحة للعيش فيها والحياة‬
‫للحساب والجزاء {وَاللّهُ َ‬
‫عليها‪{ ،‬لِ َتسُْلكُوا مِ ْنهَا سُبُلً فِجَاجا} أي طرقا واسعة وهكذا تجول بهم نوح عليه السلم في معارض‬
‫آيات ال الكونية وكلها داله على وجود ال تعالى وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي موجبة‬
‫للعبادة له عقل ونفيها عما سواه كانت هذه مشكلة نوح وعرض حاله على ربه وهو أعلم به وفي‬
‫هذا درس عظيم للدعاة الهداة المهديين جعلنا ال منهم آمين‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬رسم الطريق الصحيح للدعوة القائم على الصبر وتلوين السلوب‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان كره المشركين للتوحيد والموحدين أنهم لبغضهم لنوح ودعوة التوحيد سدوا آذانهم حتى‬
‫ل يسمعوا وغطوا وجوههم حتى ل يروه واستكبروا حتى ل يروا له فضل‪.‬‬
‫‪ -3‬استعمال الحكمة في الدعوة فإن نوحا لما رأى أن قومه يحبون الدنيا أرشدهم إلى الستغفار‬
‫ليحصل لهم المال والولد‪.‬‬
‫‪-4‬استنبط بعض الصالحين ‪ 2‬من هذه الية أن من كانت له رغبة في المال أو ولد فليكثر من‬
‫الستغفار الليل والنهار ول يمل يعطه ال تعالى مراده من المال والولد‪.‬‬
‫صوْنِي وَاتّ َبعُوا مَنْ َلمْ يَزِ ْدهُ مَاُل ُه َووَلَ ُدهُ إِلّا خَسَارا (‪َ )21‬و َمكَرُوا َمكْرا كُبّارا (‬
‫ع َ‬
‫قَالَ نُوحٌ َربّ إِ ّنهُمْ َ‬
‫ق وَنَسْرا (‪َ )23‬وقَدْ َأضَلّوا‬
‫سوَاعا وَل َيغُوثَ وَ َيعُو َ‬
‫ن َودّا وَل ُ‬
‫‪َ )22‬وقَالُوا ل َتذَرُنّ آِلهَ َتكُ ْم وَل تَذَرُ ّ‬
‫كَثِيرا وَل تَ ِزدِ الظّاِلمِينَ إِلّا ضَللً (‪)24‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي في السماء الدنيا‪ ،‬إذ يقال أتاني بنو تميم وأتيت بني تميم والمراد بعضهم‪.‬‬
‫‪ 2‬تقدم انه الحسن البصري رحمه ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)5/442‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫عصوني ‪:‬أي لم يطيعوني فيما دعوتهم إليه وأمرتهم به من عبادتك وحدك وترك الشرك‬
‫بك‪.‬‬
‫واتبعوا ‪:‬أي السفلة منهم والفقراء‪.‬‬
‫من لم يزد ماله وولده ‪:‬أي الرؤساء المنعم عليهم‪.‬‬
‫إل خسارا ‪:‬أي طغيانا وكفرا‪.‬‬
‫مكرا كبارا ‪:‬أي عظيما جدا بأن كذبوا نوحا وآذوه أذى شديدا‪.‬‬
‫وقالوا ‪:‬أي الرؤساء قالوا للسفلة منهم‪.‬‬
‫ل تذرن آلهتكم ‪:‬أي ل تتركن آلهتكم‪.‬‬
‫ول تذرن ‪:‬أي ول تتركن كذلك ودا ول سواعا ول يغوث ول يعوق ونسرا‪.‬‬
‫وقد اضلوا ‪:‬أي بالصنام كثيرا من الناس أمروا بعبادتها‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد ذلك العرض الكريم الذي تقدم به رسول ال نوح عليه السلم إلى ربه ليعذره ويكرمه تقدم‬
‫صوْنِي وَاتّ َبعُوا مَنْ‪َ 1‬لمْ يَزِ ْدهُ‬
‫ع َ‬
‫بشكوى مشفوعة بالدعاء بالهلك على الظالمين {قَالَ نُوحٌ َربّ إِ ّنهُمْ َ‬
‫مَالُ ُه َووَلَ ُدهُ إِلّا خَسَارا} أي طغيانا وكفرا‪َ { .‬و َمكَرُوا َمكْرا كُبّارا‪ }2‬أي عظيما جدا حيث كانوا‬
‫يعرضون بنوح وقد يضربونه وهو صابر محتسب وقالوا لبعضهم البعض متواصين بالباطل {ل‬
‫تَذَرُنّ آِلهَ َتكُمْ} وسموا منها رؤساءها وهم خمسة ود ‪3‬وسواع ويغوث ويعوق ونسر وقد أضلوا‬
‫كثيرا أي من عباد ال حيث ورثوا هذه الصنام فيهم فتبعهم الناس على ذلك فضلوا ثم دعا عليهم‬
‫قائل {وَل تَزِدِ الظّاِلمِينَ إِلّا ضَللً} قال هذا بعد أن أيس من إيمانهم وعدم هدايتهم لطول ما مكث‬
‫‪ 4‬بينهم يدعوهم وهم ل يزدادون إل كفرا وضلل‪5.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يعني كبراءهم وأغنياءهم وأهل الترف فيهم اللذين لم يزدهم كفرهم وأموالهم وأولدهم إل‬
‫ضلل‪.‬‬
‫‪ 2‬كبارا‪ :‬نحو قراء وعجاب وطوال وعمال‪.‬‬
‫‪ 3‬روى البخاري عن ابن عباس‪ :‬ود و سواع و يغوث و يعوق و نسر أسماء رجال صالحين من‬
‫قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباَ‬
‫وسموها بأسمائهم فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت‪.‬‬
‫‪ 4‬قال ابن عباس‪ :‬رجا نوح البناء بعد الباء فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبع قرون ثم‬
‫دعا عليهم بعد الياس منهم وعاش بعد الطوفان ستين عاما حتى كثر الناس وفشوا‪.‬‬
‫‪ 5‬من عجيب ما يدعوا إليه الشيطان أن يعوق ونسرا عبدا في القرن الرابع عشر في قرية ليوه‬
‫حيث كانوا يستسقون بهما‪ ،‬وأن يغوث ويعوق وود وسواع ونسر كانت موزعة بين القبائل العربية‬
‫وفي يعوق يقول الشاعر‪:‬‬
‫يريش ال في الدنيا ويبري‬
‫ول يبري يعوق ول يريش‬

‫( ‪)5/443‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية الشكوى إلى ال تعالى ولكن بدون صخب ول نصب‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أن السفلة والفقراء يتبعون الرؤساء والغنياء وأصحاب الحظ‪.‬‬
‫‪-3‬بيان أن المكر من شأن الكافرين والظالمين‪.‬‬
‫‪-4‬بيان أن المشركين لضللهم يطلقون لفظ اللهة على من يعبدونهم من الصنام والوثان‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروعية الدعاء على الظالمين عند اليأس من هدايتهم‪.‬‬
‫بل‬
‫خطِيئَا ِتهِمْ أُغْ ِرقُوا فَأُ ْدخِلُوا نَارا فَلَمْ يَجِدُوا َل ُهمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَ ْنصَارا (‪َ )25‬وقَالَ نُوحٌ َر ّ‬
‫ِممّا َ‬
‫تَذَرْ عَلَى الْأَ ْرضِ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ دَيّارا (‪ )26‬إِ ّنكَ إِنْ َتذَرْهُمْ ُيضِلّوا عِبَا َدكَ وَل يَلِدُوا ِإلّا فَاجِرا َكفّارا‬
‫خلَ بَيْ ِتيَ ُم ْؤمِنا وَلِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ وَل تَزِدِ الظّاِلمِينَ إِلّا‬
‫ي وَِلمَنْ َد َ‬
‫غفِرْ لِي وَِلوَالِ َد ّ‬
‫(‪َ )27‬ربّ ا ْ‬
‫تَبَارا (‪)28‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫مما خطيئاتهم أغرقوا ‪:‬أي بسبب خطيئاتهم أغرقوا بالطوفان‪.‬‬
‫فأدخلوا نارا ‪:‬أي بعد موتهم أدخلت أرواحهم النار‪.‬‬
‫ديارا ‪:‬أي من يدور يذهب ويجيء أي لم يبق أحد‪.‬‬
‫إن تذرهم ‪:‬أي أحياء لم تهلكهم‪.‬‬
‫إل تبارا ‪:‬أي هلكا و خسارا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫خطِيئَا ِتهِمْ أُغْ ِرقُوا}‪ 1‬يخبر تعالى عن نهاية قوم نوح بعد أن دعا عليهم نوح لما‬
‫قوله تعالى { ِممّا َ‬
‫علم بالوحي اللهي أنهم ل يؤمنون فقال تعالى مما خطيئاتهم أي ومن خطيئاتهم أي بسبب‬
‫خطيئاتهم التي هي الشرك والظلم والتكذيب والذى لنوح عليه السلم أغرقوا بالطوفان فلم يبق‬
‫منهم أحد {فَُأدْخِلُوا نَارا} أي بمجرد ما يغرق الشخص وتخرج روحه يدخل النار في البرزخ‪.‬‬
‫وقوله تعالى {فَلَمْ‪2‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬مما خطيئتهم (ما) زائدة والصل من خطيئتهم ومن تعليلية وما الزائدة لتوكيد معنى التعليل‪.‬‬
‫‪ 2‬الفاء تفريعية‪.‬‬

‫( ‪)5/444‬‬

‫جدُوا َلهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَ ْنصَارا} وهو كذلك فمن ينصر من يريد هلكه وخزيه وعذابه‪ .‬ثم ذكر‬
‫يَ ِ‬
‫ب ل َتذَرْ عَلَى الْأَ ْرضِ‬
‫تعالى دعوة نوح التي كان الطوفان بها والهلك وهي قوله { َوقَالَ نُوحٌ َر ّ‬
‫مِنَ ا ْلكَافِرِينَ دَيّارا} أي ل تترك ول تبق على الرض اليابسة كلها يومئذ من الكافرين بخلف‬
‫المؤمنين {دَيّارا} ‪ 1‬أي إنسانا يدور أي يذهب ويجيء أي ل تبق من الكافرين أحدا ثم علل لطلبه‬
‫الهلك للكافرين فقال {إِ ّنكَ إِنْ تَذَرْ ُهمْ‪ُ 2‬يضِلّوا عِبَا َدكَ} عن صراطك الموصل إلى رضاك وذلك‬
‫هو عبادتك وحدك وطاعتك وطاعة رسولك {وَل يَلِدُوا إِلّا فَاجِرا َكفّارا ‪ }3‬أي إل من يفجر عن‬
‫دينك ويكفر بك وبرسولك قال نوح هذا لطول التجارب التي عاشها مع قومه إذ عاشرهم قرابة‬
‫عشرة قرون ثم دعا ال تعالى له ولوالديه ولمن دخل مسجده ومصله من المؤمنين والمؤمنات‪،‬‬
‫خلَ بَيْ ِتيَ ُم ْؤمِنا‬
‫غفِرْ لِي وَلِوَاِل َديّ‪ 4‬وَِلمَنْ َد َ‬
‫وأن ل يزيد الظالمين إل خسارا وهلكا فقال { َربّ ا ْ‬
‫ت وَل تَ ِزدِ الظّاِلمِينَ إِلّا تَبَارا} ‪.5‬‬
‫ن وَا ْل ُم ْؤمِنَا ِ‬
‫وَلِ ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬هلك قوم نوح كان بخطاياهم فالخطايا إذا موجبة للهلك‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير عذاب القبر فقوم نوح ما إن اغرقوا حتى ادخلوا نارا‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعية الدعاء على الظلمة الكافرين والمجرمين‪.‬‬
‫‪ -4‬مشروعية الدعاء للمؤمنين والمؤمنات‪.‬‬
‫‪ -5‬يستحب البدء غي الدعاء بنفس الداعي ثم يعطف من يدعوا لهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ديار‪ :‬اسم مخصوص بالوقوع في النفي يعم كل إنسان وهو مشتق من اسم الدار‪.‬‬
‫‪ 2‬إنك أن تذرهم‪ :‬الجملة تعليلية‪.‬‬
‫‪ 3‬يريد عند بلوغ الولد سن التكليف ل أنه يفجر ويكفر بمجرد ما يولد وصيغة فعال للمبالغة في‬
‫الموصوف بالكفر‪.‬‬
‫‪ 4‬اسم أبيه لمك واسم أمه شمخى بنت آنوس‪.‬‬
‫‪ 5‬التبار‪ :‬الهلك والخسران‪.‬‬

‫( ‪)5/445‬‬

‫سورة الجن‬
‫‪...‬‬
‫سورة الجن‬
‫مكية وآياتها ثمان وعشرون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫س ِمعْنَا قُرْآنا‬
‫حيَ‪ 1‬إَِليّ أَنّهُ اسْ َتمَعَ َنفَرٌ مِنَ الْجِنّ فَقَالُوا إِنّا َ‬
‫ُقلْ أُو ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ نافع بكسر إن في كل ما ورد في سورة الجن ما عدا أنه استمع نفر من الجن وأن المساجد‬
‫ل ففتح أن وفتحها حفص إل بعد القول وفإن له نار جهنم‪.‬‬

‫( ‪)5/445‬‬

‫جدّ رَبّنَا مَا اتّخَذَ‬


‫شدِ فَآمَنّا بِ ِه وَلَنْ ُنشْ ِركَ بِرَبّنَا أَحَدا (‪ )2‬وَأَنّهُ َتعَالَى َ‬
‫عَجَبا (‪َ )1‬يهْدِي إِلَى الرّ ْ‬
‫سفِيهُنَا عَلَى اللّهِ شَطَطا (‪ )4‬وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ َتقُولَ الْأِنْسُ‬
‫صَاحِبَ ًة وَل وَلَدا (‪ )3‬وَأَنّهُ كَانَ َيقُولُ َ‬
‫وَالْجِنّ عَلَى اللّهِ كَذِبا (‪ )5‬وَأَنّهُ كَانَ ِرجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ َيعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ ا ْلجِنّ فَزَادُو ُهمْ رَهَقا (‪)6‬‬
‫وَأَ ّنهُمْ ظَنّوا َكمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَ ْب َعثَ اللّهُ َأحَدا (‪)7‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أنه استمع ‪:‬أي إلى قراءتي‪.‬‬
‫نفر من الجن ‪:‬أي عدد من الجن ما بين الثلثة والعشرة‪.‬‬
‫قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ‪:‬أي لبعضهم بعضا قرآنا عجبا أي يتعجب منه لفصاحته وغزارة‬
‫معانيه‪.‬‬
‫يهدي إلى الرشد ‪:‬أي الصواب في المعتقد والقول والعمل‪.‬‬
‫وأنه تعالى جد ربنا ‪:‬أي تنزه جلل ربنا وعظمته عما نسب إليه‪.‬‬
‫ما اتخذ صاحبة ول ولدا ‪:‬أي لم صاحبة ولم يكن له ولد‪.‬‬
‫سفيهنا ‪:‬أي جاهلنا‪.‬‬
‫شططا ‪:‬أي غلوا في الكذب بوصفه ال تعالى بالصاحبة والولد‪.‬‬
‫على ال كذبا ‪:‬حتى تبين لنا أنهم يكذبون على ال بنسبة الزوجة والولد إليه‪.‬‬
‫يعوذون ‪:‬أي يستعيذون‪.‬‬
‫فزادوهم رهقا ‪:‬أي إثما وطغيانا‪.‬‬
‫أن لن يبعث ال أحدا ‪:‬أي لن يبعث رسول إلى خلقه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫حيَ‪ِ 1‬إَليّ أَنّهُ اسْ َتمَعَ َنفَرٌ ‪2‬مِنَ الْجِنّ} يأمر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه‬
‫قوله تعالى { ُقلْ أُو ِ‬
‫وسلم أن يقول معلنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أصل أوحي ووحي فقلبت الواو همزة كما قلبت في وإذا الرسل أقتت والصل وقتت‪ ،‬وهو‬
‫جائز في كل واو مضمومة نحو ورخ وأرخ‪.‬‬
‫‪ 2‬يرى ابن إسحق أن هذا اللقاء بالجن كان عند عودة النبي صلى ال عليه وسلم من الطائف‪ ،‬ول‬
‫مانع من حصول الخبرين مرة عند عودته من الطائف وتكون هذه الولى‪ ،‬والثانية هي المذكورة‬
‫في التفسير‪.‬‬

‫( ‪)5/446‬‬

‫للناس مؤمنهم وكافرهم أنه قد أوحى ال تعالى إليه نبأ مفاده أن نفرا من الجن ما بين الثلثة إلى‬
‫العشرة قد استمعوا إلى قراءته القرآن وذلك ببطن نخلة والرسول يصلي بأصحابه صلة الفجر‬
‫وكان الرسول صلى ال عليه وسلم عامدا مع أصحابه إلى سوق عكاظ‪ .‬وكان يومئذ قد حيل بين‬
‫الشياطين وخبر السماء حيث أرسلت عليهم الشهب فراجع الشياطين بعضهم بعضا فانتهوا إلى أن‬
‫شيئا حدث ل محالة فانطلقوا يضربون في مشارق الرض ومغاربها يتعرفون إلى هذا الحدث‬
‫الجلل الذي منعت الشياطين بسببه من السماء فتوجه نفر منهم إلى تهامة فوجدوا الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم يصلي الصبح بأصحابه فاستمعوا إلى قراءته في ‪1‬صلته فرجعوا إلى قومهم من الجن‬
‫عجَبا َيهْدِي ِإلَى الرّشْدِ فَآمَنّا ِب ِه وَلَنْ نُشْ ِركَ بِرَبّنَا َأحَدا} فأنزل ال تعالى هذه‬
‫س ِمعْنَا قُرْآنا َ‬
‫فقالوا {إِنّا َ‬
‫حيَ إَِليّ أَنّهُ اسْ َتمَعَ‪َ 2‬نفَرٌ مِنَ ا ْلجِنّ} أي أعلن للناس يا‬
‫السورة "سورة الجن" مفتتحة بقوله { ُقلْ أُو ِ‬
‫رسولنا أن ال قد أوحى إليك خبرا مفاده أن نفرا من الجن قد استمعوا إلى قراءتك فرجعوا إلى‬
‫س ِمعْنَا قُرْآنا عَجَبا} أي يتعجب من فصاحته وغزارة معانيه‪ .‬يهدي إلى‬
‫قومهم وقالوا لهم {إِنّا َ‬
‫الرشد ‪ 3‬والصواب في العقيدة والقول والعمل {فَآمَنّا بِ ِه وَلَنْ نُشْ ِركَ بِرَبّنَا أَحَدا} وفي هذا تعريض‬
‫بسخف البشر الذين عاش الرسول بينهم احدى عشرة سنة يقرأ عليهم القرآن بمكة وهو مكذبون به‬
‫كارهون له مصرون على الشرك والجن بمجرد أن سمعوه آمنوا به وحملوا رسالته إلى قومهم‬
‫وهاهم يدعون بدعاية السلم ويقولون {فَآمَنّا ِب ِه وَلَنْ نُشْ ِركَ بِرَبّنَا َأحَدا وَأَنّهُ َتعَالَى جَدّ‪ 4‬رَبّنَا} أي‬
‫وآمنا بأنه تعالى أمر ربنا وسلطانه ما اتخذ صاحبة ول ولدا وحاشاه وإنما نسب إليه ذلك‬
‫شطَطا} هذا من قول الجن واصلوا حديثهم قائلين وأنه‬
‫علَى اللّهِ َ‬
‫سفِيهُنَا َ‬
‫المفترون‪{ .‬وَأَنّهُ كَانَ َيقُولُ َ‬
‫كان يقول جاهلونا على ال شططا أي غلوا في الكذب بوصفهم ال تعالى بالصاحبة والولد تقليدا‬
‫للمشركين واليهود والنصارى {وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ َتقُولَ الْأِنْسُ وَالْجِنّ عَلَى اللّهِ كَذِبا} أي وقالوا‬
‫لقومهم وإنا كنا نظن أن النس والجن ل يكذبون على ال ول يقولون عليه إل الصدق وقد علمنا‬
‫الن أنهم يكذبون على ال ويقولون عليه ما لم يقله وينسبون إليه ما هو منه براء‪ .‬وقالوا {وَأَنّهُ‬
‫كَانَ ‪ِ 5‬رجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ما ذكر في التفسير من شأن استماع الجن قراءة الرسول وما أوحى ال تعالى به إلى رسوله في‬
‫شأن هذه الحادثة هو في مسلم والترمذي‪.‬‬
‫‪ 2‬جملة استمع خبر إن والسم هو الضمير الشأن والجملة في محل نائب فاعل لوحي‪.‬‬
‫‪ 3‬الرشد بضم الراء وإسكان الشين والرشد بفتح الراء والشين معا هما الخير والصواب والهدى‪.‬‬
‫‪ 4‬الجد بفتح الجيم‪ :‬العظمة والجلل ومنه قول أنس كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران جد‬
‫في عيوننا‪ :‬أي عظم وجل وأنه تعالى‪ :‬قرأ نافع بكسر الهمزة عطفا على قولهم إنا سمعنا قرآنا‬
‫وقرأ حفص بفتح الهمزة على تقدير آمنا بأنه تعالى جد ربنا‪.‬‬
‫‪ 5‬يجوز فتح أنه وكسرها فمن فتحها جعلها من كلم الجن رادا لها إلى قوله أنه استمع ومن‬
‫كسرها جعلها مبتدأ في قول ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)5/447‬‬

‫َيعُوذُونَ ‪1‬بِرِجَالٍ مِنَ ا ْلجِنّ فَزَادُو ُهمْ رَهَقا} يخبرون بخبر عجيب وهو أنه كان رجال من الناس‬
‫من العرب وغيرهم إذا نزلوا منزل مخوفا في واد أو شعب يستعيذون برجال من الجن كأن يقول‬
‫الرجل أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه فزاد النس الجن بهذا اللجأ إليهم والحتماء بهم‬
‫رهقا ‪ 2‬أي إثما وطغيانا‪ .‬إذ ما كانوا يطمعون أن النس تعظمهم هذا التعظيم حتى تستجير بهم‪.‬‬
‫وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث ال أحدا أي وقالوا مخبرين قومهم وأنهم أي النس ظنوا كما‬
‫ظننتم أنتم أيها الجن أن لن يبعث ال أحدا رسول ينذر الناس عذاب ال ويعلمهم ما يكملهم‬
‫ويسعدهم في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية وأن محمدا رسول للثقلين النس والجن معا‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان علو شأن القرآن وكماله حيث شهدت الجن له بأنه عجب فوق مستوى كلم الخلق‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير التوحيد والتنديد بالشرك‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير أن النس كالجن قد يكذبون على ال وما كان لهم ذلك‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة الستعانة بالجن والستعاذة بهم لن ذلك كالعبادة لهم‪.‬‬
‫سمْعِ َفمَنْ‬
‫شهُبا (‪ )8‬وَأَنّا كُنّا َن ْقعُدُ مِ ْنهَا َمقَاعِدَ لِل ّ‬
‫سمَاءَ َفوَجَدْنَاهَا مُلِ َئتْ حَرَسا شَدِيدا وَ ُ‬
‫وَأَنّا َلمَسْنَا ال ّ‬
‫شهَابا َرصَدا (‪ )9‬وَأَنّا ل نَدْرِي َأشَرّ أُرِيدَ ِبمَنْ فِي الْأَ ْرضِ َأمْ أَرَادَ ِبهِمْ رَ ّبهُمْ‬
‫جدْ لَهُ ِ‬
‫يَسْ َتمِعِ الْآنَ يَ ِ‬
‫ن َومِنّا دُونَ ذَِلكَ كُنّا طَرَا ِئقَ قِدَدا (‪ )11‬وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ ُنعْجِزَ اللّهَ‬
‫رَشَدا (‪ )10‬وَأَنّا مِنّا الصّالِحُو َ‬
‫س ِمعْنَا ا ْلهُدَى آمَنّا ِبهِ َفمَنْ ُي ْؤمِنْ بِرَبّهِ فَل يَخَافُ َبخْسا‬
‫فِي الْأَ ْرضِ وَلَنْ ُن ْعجِ َزهُ هَرَبا (‪ )12‬وَأَنّا َلمّا َ‬
‫وَل رَهَقا (‪)13‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال مقاتل أول من تعوذ بالجن قوم من اليمن من بني حنيفة ثم فشا في العرب فلما جاء السلم‬
‫عاذوا بال وتركوهم‪.‬‬
‫‪ 2‬الرهق الخطيئة والثم وغشيان المحارم‪ ،‬و باستعاذة النس بالجن يحصل الثم والخطيئة‪.‬‬

‫( ‪)5/448‬‬

‫ن َومِنّا ا ْلقَاسِطُونَ َفمَنْ أَسَْلمَ فَأُولَ ِئكَ َتحَ ّروْا رَشَدا (‪ )14‬وََأمّا ا ْلقَاسِطُونَ َفكَانُوا‬
‫وَأَنّا مِنّا ا ْلمُسِْلمُو َ‬
‫حطَبا (‪)15‬‬
‫جهَنّمَ َ‬
‫لِ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وأنا لمسنا السماء ‪:‬أي طلبنا خبرها كما جرت بذلك عادتنا‪.‬‬
‫حرسا شديدا ‪ :‬أي حراسا وحفظة من الملئكة يحفظونها بشدة وقوة‪.‬‬
‫وشهبا ‪:‬أي نجوما يرمى بها الشياطين أو يؤخذ منها شهاب فيرمى به‪.‬‬
‫مقاعد للسمع ‪:‬أي من أجل أن نسمع ما يحدث وما يكون في الكون‪.‬‬
‫شهابا رصدا ‪:‬أي أرصد وأعد لرمي الشياطين وإبعادهم عن السمع‪.‬‬
‫رشدا ‪:‬أي خيرا وصلحا‪.‬‬
‫كنا طرائق قددا ‪:‬أي مذاهب مختلفة إذا الطرائق جمع طريقة‪ ،‬والقدر جمع قدة وهي الضروب‬
‫والجناس المختلفة‪.‬‬
‫ولن نعجزه هربا ‪:‬أي ل نفوته هاربين في الرض أو في السماء‪.‬‬
‫لما سمعنا الهدى ‪:‬أي القرآن الداعي إلى الهدى المخالف للضلل‪.‬‬
‫بخسا ول رهقا ‪:‬أي نقصا من حسناته ول إثما يحال عليه ويحاسب به‪.‬‬
‫ومنا القاسطون ‪:‬أي الجائرون عن قصد السبيل وهو السلم‪.‬‬
‫تحروا رشدا ‪:‬أي تعمدوا الرشد فطلبوه بعناية فحصلوا عليه‪.‬‬
‫فكانوا لجهنم حطبا ‪:‬أي وقودا تتقد بهم يوم القيامة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في ما قالته الجن بعد سماعها القرآن الكريم‪ .‬وهو ما أخبر تعالى به عنهم‬
‫شهُبا} أي ‪ 1‬ملئكة‬
‫شدِيدا وَ ُ‬
‫جدْنَاهَا مُلِ َئتْ حَرَسا َ‬
‫سمَاءَ} أي طلبناها كعادتنا { َفوَ َ‬
‫في قوله {وَأَنّا َلمَسْنَا ال ّ‬
‫أقوياء يحرسونها وشهبا نارية يرمى بها كل مسترق للسمع منا‪ .‬وقالوا ‪{ :‬وَأَنّا كُنّا َنقْعُدُ مِ ْنهَا} أي‬
‫سمْعِ‪ }2‬أي لجل الستماع من ملئكة‬
‫من السماء { َمقَاعِدَ} أي أماكن معينة لهم {لِل ّ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الشهب جمع شهاب ككتاب وكتب وهو ما يؤخذ من الكواكب النارية فيرمى به الجن‪ .‬والحرس‬
‫جمع حارس ولم يقل شديدين نحو قولنا السلف الصالح بدل الصالحين‪ .‬وجمع الحرس أحراس‬
‫كسلف وأسلف‪.‬‬
‫‪ 2‬الذين كانوا يسترقون السمع هم مردة الجن وشياطينهم‪ .‬ومما ينبغي أن يعلم هنا أن الجن هم‬
‫أولد الجان المخلوق من مارج من نار وأن الشياطين هم أولد إبليس وأن من فسق عن أمر ال‬
‫تعالى وتمرد على شرعه فخبث واشتد خبثه يصبح شيطانا ويلحق بالشياطين الذين ل خير فيهم‬
‫البتة‪.‬‬

‫( ‪)5/449‬‬

‫شهَابا َرصَدا} أي أرصد له خاصة فيرمى به فيحرقه أو يخبله‪،‬‬


‫جدْ لَهُ ِ‬
‫السماء‪َ { .‬فمَنْ يَسْ َتمِعِ الْآنَ يَ ِ‬
‫وقالوا { وَأَنّا ل نَدْرِي أَشَرّ أُرِيدَ ِبمَنْ فِي الْأَ ْرضِ أَمْ أَرَادَ ِب ِهمْ رَ ّبهُمْ َرشَدا} أقول عجبا لهؤلء‬
‫المؤمنين من الجن كيف تأدبوا معه ال فلم ينسبوا إليه الشر ونسبوا إليه الخير فقالوا {أَشَرّ أُرِيدَ‬
‫ِبمَنْ فِي الْأَ ْرضِ} ولو أساءوا الدب مثلنا لقالوا أشر أراده ال بمن في الرض أم أراد بهم ربهم‬
‫رشدا أي خيرا وصلحا قالوا هذا لما وجدوا السماء قد ملئت حرسا شديدا وشهبا وهو تفكير سديد‬
‫ناتج عن وعي وإدراك سليم‪ .‬وهذا التغير في السماء الذي وجدوه سببه أن ال تعالى لما نبأ‬
‫رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم وأخذ يوحي إليه حمى السماء حتى ل يسترق الشياطين السمع‬
‫ويشوشوا على الناس فيصرفوهم عن اليمان والدخول في السلم وهو الرشد الذي أراد ال‬
‫لعباده وقالوا {وَإِنّا مِنّا الصّاِلحُونَ} أي المؤمنون المستقيمون على اليمان والطاعة { َومِنّا دُونَ‬
‫ذَِلكَ} ضعف إيمان وقلة طاعة‪{ ،‬كُنّا طَرَا ِئقَ قِدَدا} أي مذاهب ‪ 1‬وأهواء مختلفة‪{ .‬وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ‬
‫ُنعْجِزَ اللّهَ فِي الْأَ ْرضِ} أي إن أراد بنا سوءا ومكروها ولن نعجزه هربا إن طلبنا ما في الرض‬
‫س ِمعْنَا ا ْلهُدَى آمَنّا ِبهِ} أي بالقرآن الذي هو هدى ال يهدي به من يشاء من‬
‫أو في السماء‪{ .‬وَأَنّا َلمّا َ‬
‫عباده { َفمَنْ ُي ْؤمِنْ بِرَبّهِ فَل يَخَافُ بَخْسا} أي نقصا من حسناته يوم القيامة {وَل َرهَقا} أي إثما‬
‫ن َومِنّا ا ْلقَاسِطُونَ}‬
‫يضاف إلى سيئآته ويعاقب به وهو لم يرتكبه في الدنيا‪ .‬وقالوا { َوأَنّا مِنّا ا ْلمُسِْلمُو َ‬
‫أي الجائرون عن قصد السبيل وهو السلم‪ .‬فمن أسلم أي انقاد ل تعالى بطاعته وخلص من‬
‫جهَنّمَ حَطَبا} توقد بهم‬
‫الشرك به فهؤلء تحروا الرشد ‪ 2‬وفازوا به‪{ ،‬وََأمّا ا ْلقَاسِطُونَ َفكَانُوا لِ َ‬
‫وتستعر عليهم وعلى الكافرين الجائرين أمثالهم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود تجانس بين الجن والملئكة لقرب مادتي الخلق من بعضها إذ الملئكة خلقوا من مادة‬
‫النور‪ ،‬والجن من مادة النار‪ ،‬ولذا يرونهم ويسمعون كلمهم ويفهمونه‪.‬‬
‫‪ -2‬من الجن أدباء صالحون مؤمنون مسلمون أصحاب لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -3‬ذم الطرق والهواء والختلفات‪.‬‬
‫‪ -4‬الشادة بالعدل وتحري الحق والخير‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كان منهم اليهودي والنصراني والمجوسي‪ ،‬ولما جاء السلم أصبح منهم المسلم وأصبح من‬
‫المسلمين قدرية ومرجئة وخوارج ورافضة وشيعة لنهم تابعون للناس في معتقداتهم وأقوالهم‬
‫وأعمالهم‪.‬‬
‫‪ 2‬تحروا رشدا أي قصدوا طريق الحق وتوخوه‪ ،‬ومنه تحرى القبلة للصلة‪ .‬أي طلبها بعناية‬
‫وقصد للحصول عليها‪.‬‬

‫( ‪)5/450‬‬

‫سقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقا (‪ )16‬لِ َنفْتِ َنهُمْ فِي ِه َومَنْ ُيعْ ِرضْ عَنْ ِذكْرِ رَبّهِ َيسُْلكْهُ‬
‫وَأَّلوِ اسْ َتقَامُوا عَلَى الطّرِيقَةِ لَأَ ْ‬
‫صعَدا (‪ )17‬وَأَنّ ا ْلمَسَاجِدَ لِلّهِ فَل تَدْعُو مَعَ اللّهِ َأحَدا (‪ )18‬وَأَنّهُ َلمّا قَامَ عَ ْبدُ اللّهِ َيدْعُوهُ كَادُوا‬
‫عَذَابا َ‬
‫َيكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا (‪ُ )19‬قلْ إِ ّنمَا َأدْعُو رَبّي وَل أُشْ ِركُ بِهِ أَحَدا (‪ُ )20‬قلْ إِنّي ل َأمِْلكُ َلكُمْ ضَرّا وَل‬
‫جدَ مِنْ دُونِهِ مُلْ َتحَدا (‪ )22‬إِلّا بَلغا مِنَ اللّهِ‬
‫ح ٌد وَلَنْ أَ ِ‬
‫رَشَدا (‪ُ )21‬قلْ إِنّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَ َ‬
‫جهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا ‪ )23‬حَتّى ِإذَا رََأوْا مَا‬
‫وَرِسَالتِ ِه َومَنْ َي ْعصِ اللّ َه وَرَسُولَهُ فَإِنّ َلهُ نَارَ َ‬
‫عدَدا (‪)24‬‬
‫ضعَفُ نَاصِرا وََأ َقلّ َ‬
‫يُوعَدُونَ فَسَ َيعَْلمُونَ مَنْ َأ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫على الطريقة ‪:‬أي السلم‪.‬‬
‫ماء غدقا ‪ :‬أي مال كثيرا وخيرات كبيرة‪.‬‬
‫لنفتنهم فيه ‪ :‬أي نختبرهم أيشكرون أم يكفرون‪.‬‬
‫عن ذكر ربه ‪:‬أي القرآن وشرائعه وأحكامه‪.‬‬
‫عذابا صعدا ‪:‬أي شاقا‪.‬‬
‫فل تدعوا ‪:‬أي فيها مع ال أحدا‪.‬‬
‫عبد ل يدعوه ‪:‬أي محمد صلى ال عليه وسلم يدعوا ال ببطن نخلة‪.‬‬
‫عليه لبدا ‪:‬أي في ركوب بعضهم بعضا تزاحما لجل أن يسمعوا قراءته‪.‬‬
‫ضرا ول رشدا ‪:‬أي غيا ول خيرا‪.‬‬
‫ملتحدا ‪:‬أي ملتجأ ألجأ إليه فأحفظ نفسي‪.‬‬
‫إل بلغا ‪:‬أي ل أملك إل البلغ إليكم‪.‬‬
‫وأقل عددا ‪:‬أي أعوانا المسلمون أم الكافرون‪.‬‬

‫( ‪)5/451‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {وَأَّلوِ اسْ َتقَامُوا عَلَى الطّرِيقَةِ} أي وأوحى إلي أن لو استقام هؤلء المشركون من كفار‬
‫سقَيْنَا ُهمْ مَاءً‬
‫قريش استقاموا على اليمان والتوحيد والطاعة ل ولرسوله –وهم يشكون القحط‪{ -‬لَأَ ْ‬
‫غَدَقا‪ }1‬فتكثر أموالهم وتتسع أرزاقهم‪{ ،‬لِ َنفْتِ َنهُمْ فِيهِ} أي لنخبرهم في ذلك الخير الكثير أيشكرون أم‬
‫يكفرون؟ ثم إن شكروا زادهم‪ ،‬وإن كفروا سلبهم وعذبهم‪ .‬وقوله تعالى { َومَنْ ُيعْ ِرضْ عَنْ ِذكْرِ‬
‫رَبّهِ} أي القرآن وما يدعوا إليه من اليمان وصالح العمال ولم يتخل عن الشرك وسوء الفعال‬
‫صعَدا‪ }2‬أي ندخله في عذاب شاق في الدنيا بالذل والمهانة والفقر والرذيلة والنذالة‪.‬‬
‫سُلكْهُ عَذَابا َ‬
‫{يَ ْ‬
‫جدَ‪ِ 3‬للّهِ فَل‬
‫وفي الخرة في جهنم حيث السموم والحميم‪ ،‬والضريع والزقوم‪ .‬وقوله {وَأَنّ ا ْلمَسَا ِ‬
‫تَدْعُو مَعَ اللّهِ َأحَدا} أي ومما أوحي إلي أن المساجد ل فإذا دخلتموها للعبادة فل تدعوا فيها مع ال‬
‫أحدا إذ كيف البيت له وأنت فيه وتدعوا معه غيره زيادة على أن الشرك محرم وصاحبه في النار‬
‫فإنه من غير الدب أن يكون المرء في بيت كريم ويدعو معه غيره من فقراء الخلق أو أغنيائهم‬
‫وقوله {وَأَنّهُ َلمّا قَامَ عَبْدُ اللّهِ َيدْعُوهُ كَادُوا َيكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا} أي وأوحي إلي أنه لما قام عبد ال‬
‫ورسوله محمد صلى ال عليه وسلم يدعوا ربه في الصلة ببطن نخلة كاد الجن أن يكونوا عليه‬
‫لبدا أي ‪ 4‬كالشيء المتلبد بعضه فوق بعض‪ .‬وقوله { ُقلْ إِ ّنمَا أَدْعُو رَبّي وَل أُشْ ِركُ بِهِ َأحَدا} هذا‬
‫إجابة لقريش عندما قالوا له صلى ال عليه وسلم لقد جئت بأمر عظيم وقد عاديت الناس كلهم‬
‫فارجع عن هذا فنحن نجيرك أي نحفظك فأمر أن يقول لهم إنما أدعوا ربي أي أعبده إلهَا واحدا‬
‫ول أشرك به أحدا‪ .‬وأن يقول أيضا إني ل أملك لكم يا معشر قريش الكافرين ضرا ول رشدا أي‬
‫ضلل ول هداية إنما ذلك ل وحده يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأمر أن يقول لهم أيضا إني‬
‫لن يجيرني من ال أحد أن أنا عصيته وأطعتكم‪ ،‬ولن أجد من دونه أي من غيره ملتحدا ‪ 5‬أي‬
‫ملتجأ التجأ إليه‪ .‬وقوله إل بلغا من ال ورسالته أي ل أملك لكم ضرا ول رشدا إل بلغا من‬
‫ال‬
‫__________‬
‫‪ 1‬غدقا أي واسعا كبيرا‪ ،‬يقال غدقت العين تغدق فهي غدقة إذا كثر ماؤها‪ .‬وهذا الوعد اللهي‬
‫المشروط هو عام في الناس أجمعين وفي كل زمان ومكان وهو كقوله‪ .‬ولو أن أهل القرى آمنوا‬
‫واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والرض ولما استقام السلف الصالح حصل لهم هذا‬
‫الموعود كامل‪.‬‬
‫‪ 2‬روى عن ابن عباس أن العذاب الصعد جبل في جهنم يكلفون صعوده وكلما وضعوا أيديهم‬
‫عليه ذابت‪ .‬وهو ضرب من أنواع العذاب في دار الشقاء‪.‬‬
‫‪ 3‬جائز أن يكون المراد بالمساجد أعضاء السجود السبعة لحديث إذا سجد العبد سجد معه سبعة‬
‫آراب أي أعضاء ويقوى هذا الجواز قول عطاء‪ :‬مساجدك أعضاؤك التي أمرت أن تسجد عليها‬
‫فل تذللها لغير خالقها‪ .‬وما في التفسير أولى بالية‪.‬‬
‫‪ 4‬اللبد جمع لبدة بكسر اللم وسكون الباء كقربة وقرب وهي ما تلبد بعضه على بعض ومنه لبدة‬
‫السد وهي الشعر المتراكم في رقبته‪.‬‬
‫‪ 5‬شاهده قول الشاعر ‪:‬‬
‫يالهف نفسي ولهفي غير مجدية‬
‫عني وما من قضاء ال ملتحد‬

‫( ‪)5/452‬‬

‫ورسالته فإني أبلغكم عنه ما أمرني به وأرشدكم إلى ما أرسلني به من الهدى والخير والفوز‬
‫جهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا} أي يخبر تعالى موعدا أن من‬
‫وقوله { َومَنْ َي ْعصِ اللّ َه وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ َ‬
‫يعصي ال بالشرك به وبرسوله بتكذيبه وعدم اتباعه فيما جاء به فإن له جزاء شركه وعصيانه‬
‫ضعَفُ نَاصِرا وََأ َقلّ‬
‫نار جهنم خالدين فيها أبدا‪ .‬وقوله {حَتّى ِإذَا رََأوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَ َيعَْلمُونَ مَنْ َأ ْ‬
‫عَدَدا} أي فإن استمروا على شركهم وتكذيبهم حتى إذا رأوا ما يوعدون من عذاب يوم القيامة‬
‫فسيعلمون عندئذ من أضعف ناصرا أي من ناصره ضعيف أو قوي‪ ،‬ومن أقل عددا من أعوانه‬
‫المؤمنون محمد وأصحابه أم هم المشركون المكذبون‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الستقامة على منهج ال تعالى القائم على اليمان والطاعة ل ورسوله يفضي بسالكه إلى‬
‫الخير الكثير والسعادة الكاملة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -2‬المال فتنة وقل من ينجح فيها قال عمر رضي ال عنه أينما يكون الماء يكون المال وأينما‬
‫يكون المال تكون الفتنة‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة دعاء غير ال في المساجد وفي غيرها إل أنها في المساجد أشد قبحا‪.‬‬
‫‪ -4‬الخير والغير والهدى والضلل ل يملكها إل ال فليطلب ذلك منه ل من غيره‪.‬‬
‫‪ -5‬معصية ال والرسول موجبة لعذاب الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ظهِرُ عَلَى غَيْبِهِ َأحَدا‬
‫ج َعلُ لَهُ رَبّي َأمَدا (‪ )25‬عَالِمُ ا ْلغَ ْيبِ فَل ُي ْ‬
‫ُقلْ إِنْ أَدْرِي َأقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَ ْ‬
‫(‪ )26‬إِلّا مَنِ ارْ َتضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنّهُ يَسُْلكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ َرصَدا (‪ )27‬لِ َيعَْلمَ أَنْ قَدْ أَبَْلغُوا‬
‫شيْءٍ عَدَدا (‪)28‬‬
‫حصَى ُكلّ َ‬
‫رِسَالتِ رَ ّب ِه ْم وَأَحَاطَ ِبمَا لَدَ ْي ِه ْم وَأَ ْ‬

‫( ‪)5/453‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫قل إن أدري ‪:‬أي قل ما أدري‪.‬‬
‫ما توعدون ‪:‬أي من العذاب‪.‬‬
‫أمدا ‪ :‬أي غاية وأجل ل يعلمه إل هو‪.‬‬
‫فل يظهر ‪:‬أي ل يطلع‪.‬‬
‫من ارتضى من رسول ‪:‬أي فإنه يطلعه‪.‬‬
‫رصدا ‪:‬أي ملئكة يحفظونه حتى يبلغه مع الوحي الذي يبلغه لكافة الناس‪.‬‬
‫ليعلم ‪:‬أي ال علم ظهور أن الرسل قد بلغوا رسالت ربهم‪.‬‬
‫أحصى كل شيء عددا ‪:‬أي أحصى عدد كل شيء‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى { ُقلْ إِنْ أَدْرِي} أمر تعالى رسوله أن يقول للمشركين المطالبين بالعذاب استخفافا‬
‫وعنادا أو تكذيبا أمره أن يقول لهم ما أدري أقريب ما وعدكم ربكم به من العذاب بحيث يحل بكم‬
‫عاجل أم يجعل له ربي ‪ 1‬أمدا أي غاية وأجل بعيدا يعلمه هو ول يعلمه غيره‪ .‬عالم الغيب ‪ 2‬إذ‬
‫هو عالم الغيب ‪ 3‬وحده فل يظهر على غيبه أي ل يطلع على غيبه أحدا من عباده إل من ارتضى‬
‫من رسول أي رضيه أن يبلغ عنه فإنه يطلعه مع الحتياط الكافي حتى ل يتسرب الخبر الغيب‬
‫إلى الناس {فَإِنّهُ يَسُْلكُ‪ 4‬مِنْ بَيْنِ يَدَ ْيهِ} الرسول المرتضى ومن خلفه رصدا من الملئكة ثم يطلعه‬
‫ضمن الوحي الذي يوحي إليه‪ .‬وذلك ليعلم الرسول ‪ 5‬صلى ال عليه وسلم أن الرسل قبله قد بلغت‬
‫رسالت ربها لما أحاطها تعالى به من العناية حتى انه إذا جاءه الوحي كان معه أربعة ملئكة‬
‫يحمونه من الشياطين حتى ل يسمعوا خبر السماء فيبلغوه أولياءهم من النس‪ ،‬فتكون فتنة في‬
‫الناس وقوله {وََأحَاطَ}‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ نافع ربي بفتح الياء‪ ،‬وقرأ حفص ربي بإسكان الباء ممدودة‪.‬‬
‫‪ 2‬عالم نعت لربي‪ .‬والغيب‪ :‬ما غاب عن العبادة‪ ،‬ومعنى عالم الغيب أي العليم بكل ما هو غائب‬
‫عن أعين الناس كالملئكة والجن وما سيحدث من أحداث في الكون‪.‬‬
‫‪ 3‬قالت العلماء لما تمدح ال تعالى بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان فيه دليل على أنه ل يعلم‬
‫الغيب أحد سواه‪ ،‬ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي‬
‫إليهم‪ ،‬وجعله معجزة لهم ودللة صادقة على نبوئتهم وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب‬
‫بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول يطلعه على ما يشاء من غيبه‬
‫بل هو كافر بال مفتر عليه لحدسه وتخمينه وكذبه‪.‬‬
‫‪ 4‬فإنه يسلك الخ يعني ملئكة يحفظونه من أن يقرب منه شيطان في صورة الملك فيحفظ الوحي‬
‫من استراق الشيطان واللقاء إلى الكهنة‪.‬‬
‫‪ 5‬معنى الية‪ :‬ليعلم أي محمد صلى ال عليه وسلم أن الرسل قبله قد أبلغوا الرسالة كما أبلغ هو‬
‫الرسالة‪ .‬وفي الكلم حذف تقديره أخبرناه بحفظنا الوحي ليعلم أن الرسل قبله كانوا على مثل‬
‫حالته من التبليغ‪.‬‬

‫( ‪)5/454‬‬

‫عدَدا} ‪ 1‬أي‬
‫شيْءٍ َ‬
‫حصَى ُكلّ َ‬
‫أي ال جل جلله { ِبمَا لَدَ ْيهِمْ} أي بما لدى الملئكة والرسل علما {وََأ ْ‬
‫وأحصى عدد كل شيء فل يخفى عليه شيء في الرض ول في السماء وهو السميع العليم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪-1‬استئثار ال تعالى بعلم الغيب فل يعلم الغيب إل ال‪.‬‬
‫‪-2‬قد يطلع ال تعالى من ارتضى أن يطلعه من الرسل على غيب خاص ويتم ذلك بعد حماية‬
‫كاملة من الشياطين كيل ينقلوه إلى أوليائهم فيفتنوا به الناس‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان إحاطة علم ال بكل شيء و احصائه تعالى لكل شيء عدّا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬عددا منصوب على الحال أو على المصدر أي أحصى وعد كل شيء عددا‪.‬‬
‫( ‪)5/455‬‬

‫سورة المزمل‬
‫‪...‬‬
‫سورة المزمل‬
‫أولها مكي وآخرها مدني ‪1‬وآياتها عشرون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫صفَهُ َأوِ ا ْنقُصْ مِنْهُ قَلِيلً (‪َ )3‬أوْ زِدْ عَلَ ْي ِه وَرَ ّتلِ ا ْلقُرْآنَ‬
‫يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ (‪ُ )1‬قمِ اللّ ْيلَ إِلّا قَلِيلً (‪ِ )2‬ن ْ‬
‫ش ّد وَطْئا وََأ ْقوَمُ قِيلً (‪ )6‬إِنّ َلكَ فِي‬
‫تَرْتِيلً (‪ )4‬إِنّا سَنُ ْلقِي عَلَ ْيكَ َق ْولً َثقِيلً (‪ )5‬إِنّ نَاشِ َئةَ اللّ ْيلِ ِهيَ أَ َ‬
‫ك وَتَبَ ّتلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلً (‪َ )8‬ربّ ا ْلمَشْرِقِ وَا ْل َمغْرِبِ ل إِلَهَ ِإلّا ُهوَ‬
‫سمَ رَ ّب َ‬
‫طوِيلً (‪ )7‬وَا ْذكُرِ ا ْ‬
‫ال ّنهَارِ سَبْحا َ‬
‫خ ْذهُ َوكِيلً (‪)9‬‬
‫فَاتّ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يا أيها المزمل ‪:‬أي المتلفف بثيابه أي النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قم الليل ‪:‬أي صل‪.‬‬
‫إل قليل ‪:‬أي نصف الليل‪.‬‬
‫نصفه أو انقص منه قليل ‪ :‬أي انقص من النصف إلى الثلث‪.‬‬
‫أو زد عليه ‪:‬أي إلى الثلثين فأنت مخير في أيها تفعل تقبل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬آخرها هو قوله {إن ربك يعلم أنك تقوم} إلى آخر آية منه‪.‬‬

‫( ‪)5/455‬‬

‫ورتل القرآن ترتيل ‪ :‬أي ترسل في قراءته وبينه تبيينا‪.‬‬


‫إنا سنلقي عليك قول ‪:‬أي قرآنا‪.‬‬
‫ثقيل ‪:‬أي محمله ثقيل العمل به لما يحوي من التكاليف‪.‬‬
‫إن ناشئة الليل ‪:‬أي ساعة الليل من صلة العشاء فما فوق كل ساعة تسمى ناشئة‪.‬‬
‫هي أشد وطئا ‪:‬أي هي أقوى موافقة السمع للقلب على تفهم القرآن فيها‪.‬‬
‫وأقوم قيل ‪:‬أي أبين قول وأصوب قراءة من قراءة النهار لسكون الصوات‪.‬‬
‫واذكر اسم ربك ‪:‬أي دم على ذكره ليل ونهارا على أي وجه من تسبيح وتهليل وتحميد‪.‬‬
‫وتبتل إليه تبتيل ‪:‬أي انقطع إليه في العبادة وفي طلب الحاجة وفي كل ما يهمك‪.‬‬
‫ل إله إل هو ‪:‬أي ل معبود بحق سواه ول تنبغي العبادة لغيره‪.‬‬
‫فاتخذه وكيل ‪:‬أي فوض جميع أمورك إليه فإنه يكفيك‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ}‪ 1‬نادى الرب تبارك وتعالى نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم مذكرا‬
‫إياه بتلك الساعة السعيدة التي فاجأه فيها الوحي لول مرة فرجع بها ترجف بوادره فانتهى إلى‬
‫خديجة وهو يقول زملوني دثروني فالمزمل ‪ 2‬هو المتزمل أي المتلفف في ثيابه ليقول له قم الليل‬
‫علَيْهِ} أي على‬
‫صفَهُ َأوِ ‪4‬ا ْن ُقصْ مِنْهُ قَلِيلً} إلى الثلث {َأوْ زِدْ َ‬
‫‪ 3‬إل قليل أي صل في الليل { ِن ْ‬
‫النصف إلى الثلثين وامتثل الرسول أمر ربه فقام مع أصحابه حتى تورمت أقدامهم‪ .‬ثم خفف ال‬
‫تعالى عنهم ونزل آخر هذه السورة بالرخصة في ترك القيام الواجب وبقى الندب والستحباب‬
‫وقوله تعالى {وَرَ ّتلِ ا ْلقُرْآنَ تَرْتِيلً}‪ 5‬يرشده ربه إلى أحسن التلوة وهي الترسل وعدم السرعة‬
‫حتى يبين الكلمات تبيينا ويترقى القلب في معانيها‪ .‬وقوله {إِنّا ‪6‬سَنُ ْلقِي عَلَ ْيكَ َق ْولً َثقِيلً} يخبره ربه‬
‫تعالى بأنه سيلقي عليه قوى ثقيل هو‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذا النداء بهذه الصفة معنى التلطف والتحبب كقوله صلى ال عليه وسلم لعلي قم أبا تراب‬
‫ولعبد الرحمن بن صخر أبا هريرة‪ ،‬ولحذيفة بن اليمان يوم الخندق قم يا نومان‪.‬‬
‫‪ 2‬المزمل اسم فاعل والمدثر كذلك من تزمل وتدثر والصل المتزمل والمتدثر‪.‬‬
‫‪ 3‬كان هذا القيام قبل فرض الصلوات الخمس واستمر بعد فرضها واجبا على النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم دون أمته‪.‬‬
‫‪ 4‬الجمهور يقرأ أو انقص بضم الواو للتخلص من التقاء الساكنين‪ ،‬وبعضهم بكسرها أو انقص‪.‬‬
‫‪ 5‬جائز أن يكون الترتيل المأمور به في الصلة وقيام الليل وفي غيره ذلك من تلوة القرآن‬
‫الكريم والترتيل مأخوذ من قولهم ثغر مرتل وهو المفلج السنان أي المفرق بينهما فالترتيل هو‬
‫تفرقة الحروف وعدم جمعها بحيث يخرج كل حرف من مخرجه يفسره قول عائشة رضي ال‬
‫عنها‪ .‬في وصف الترتيل لو أراد السامع أن يعد الحروف لعدها ل كسردكم هذا‪.‬‬
‫‪ 6‬هذه الجملة مستأنفة معترضة بين قوله قم الليل وبين قوله إن ناشئة الليل لما كلفه بقيام الليل‬
‫وكان شاقا أعلمه بأنه هيأه لما هو أشق من قيام الليل وهو حمل الرسالة وإبلغها‪.‬‬

‫( ‪)5/456‬‬

‫القرآن فإنه ثقيل مهيب ذو تكاليف العمل بها ثقيل إنها فرائض وواجبات أعلمه ليوطن نفسه على‬
‫العمل ويهيئها لحمل الشريعة علما وعمل ودعوة‪ .‬وقوله {إِنّ نَاشِ َئةَ ‪1‬اللّ ْيلِ ِهيَ َأشَ ّد وَطْئا وََأقْوَمُ‬
‫قِيلً} يخبر تعالى معلما أن ساعات الليل من بعد صلة العشاء إلى آخر الليل القيام فيها يجعل‬
‫السمع يواطيء القلب على فهم معاني القرآن الذي يقرأه المصلي‪ ،‬وقوله وأقوم قيل أي أبين قول‬
‫طوِيلً} يخبر‬
‫ولصوب قراءة من قراءة الصلة في النهار‪ .‬وقوله {إِنّ َلكَ فِي ‪ 2‬ال ّنهَارِ سَبْحا َ‬
‫تعالى رسوله بأن له في النهار أعمالً تشغله عن قراءة القرآن فلذا أرشده إلى قيام الليل وترتيل‬
‫القرآن لتفرغه من عمل النهار وقوله {وَا ْذكُرِ اسْمَ رَ ّبكَ} أي داوم على ذكره ليل ونهارا على أي‬
‫وجه كان الذكر من تسبيح وتحميد وتكبير وتهليل‪ .‬وقوله {وَتَبَ ّتلْ إِلَيْهِ} أي إلى ال {تَبْتِيلً} أي‬
‫انقطع إليه في العبادة إخلصا له وفي طلب حوائجك‪ ،‬وفي كل ما يهمك من أمر دينك ودنياك‬
‫ق وَا ْل َمغْرِبِ} أي هو تعالى رب المشرق والمغرب أي مالك المشرقين‬
‫وقوله { َربّ ا ْلمَشْ ِر ِ‬
‫خ ْذهُ‬
‫والمغربين {ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ} فل تنبغي العبادة إل له ول تصح اللوهية إل له أيضا وقوله {فَاتّ ِ‬
‫َوكِيلً} أي من كل ما يهمك فإنه يكفيك وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪-1‬الندب إلى قيام الليل وأنه دأب الصالحين وطريق المتقربين‪.‬‬
‫‪-2‬الندب إلى ترتيل القرآن وترك العجلة في تلوته‪.‬‬
‫‪-3‬صلة الليل أفضل من صلة النهار لتواطىء السمع والقلب فيها على فهم القرآن‪.‬‬
‫‪-4‬الندب إلى ذكر ال تعالى بأي وجه من صلة وتسبيح وطلب علم ودعاء وغير ذلك‪.‬‬
‫جمِيلً (‪ )10‬وَذَرْنِي وَا ْل ُمكَذّبِينَ أُولِي ال ّن ْعمَةِ َومَهّ ْلهُمْ قَلِيلً‬
‫وَاصْبِرْ عَلَى مَا َيقُولُونَ وَا ْهجُرْهُمْ هَجْرا َ‬
‫جفُ الْأَ ْرضُ‬
‫غصّ ٍة وَعَذَابا أَلِيما (‪َ )13‬يوْمَ تَرْ ُ‬
‫طعَاما ذَا ُ‬
‫(‪ )11‬إِنّ َلدَيْنَا أَ ْنكَالً َوجَحِيما (‪ )12‬وَ َ‬
‫وَالْجِبَالُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الجملة تعليلية للمر بقيام الليل وترتيل القرآن كأنه قال له قم الليل لن ناشئته التي تنشئها بعد‬
‫النوم هي أشد مواطأة أي موافقة بين السمع والقلب لتفهم القرآن وأبين للقرآن عند النطق به‪.‬‬
‫‪ 2‬إن لك في النهار الجملة التعليلية لختيار الليل للقيام دون النهار لن في النهار أعمالً أخرى‬
‫يقوم بها المرء وجائز أن يراد أن في النهار متسع للصلة وتلوة القرآن‪.‬‬

‫( ‪)5/457‬‬

‫عوْنَ‬
‫َوكَانَتِ ا ْلجِبَالُ كَثِيبا َمهِيلً (‪ )14‬إِنّا أَرْسَلْنَا إِلَ ْي ُكمْ رَسُولً شَاهِدا عَلَ ْيكُمْ َكمَا أَ ْرسَلْنَا إِلَى فِرْ َ‬
‫ج َعلُ‬
‫عوْنُ الرّسُولَ فََأخَذْنَاهُ َأخْذا وَبِيلً (‪َ )16‬فكَ ْيفَ تَ ّتقُونَ إِنْ َكفَرْتُمْ َيوْما يَ ْ‬
‫رَسُولً (‪َ )15‬ف َعصَى فِرْ َ‬
‫خذَ إِلَى رَبّهِ‬
‫ن وَعْ ُدهُ َم ْفعُولً (‪ )18‬إِنّ َه ِذهِ تَ ْذكِ َرةٌ َفمَنْ شَاءَ اتّ َ‬
‫سمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَا َ‬
‫ا ْلوِلْدَانَ شِيبا (‪ )17‬ال ّ‬
‫سَبِيلً (‪)19‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫واصبر على ما يقولون ‪:‬أي على ما يقوله لك كفار مكة من أذى كقولهم شاعر وساحر وكاذب‪.‬‬
‫واهجرهم هجرا جميل ‪ :‬أي اتركهم تركا جميل أي ل عتاب معه‪.‬‬
‫وذرني ‪:‬أي اتركني‪.‬‬
‫والمكذبين ‪:‬أي صناديد قريش فإني أكفكهم‪.‬‬
‫أولي النعمة ‪:‬أي أهل التنعم والترف‪.‬‬
‫ومهلهم قليل ‪:‬أي انتظرهم قليل من الزمن حتى يهلكوا ببدر‪.‬‬
‫إن لدينا انكال ‪:‬أي قيودا وهي جمع نكل وهو القيد من الحديد‪.‬‬
‫وطعاما ذا غصة ‪:‬أي يغص في الحلق هو الزقزم و الضريع‪.‬‬
‫يوم ترجف الرض ‪:‬أي تتزلزل‪.‬‬
‫كثيبا مهيل ‪:‬أي رمل مجتمعا مهيل أي سائل بعد اجتماعه‪.‬‬
‫فأخذناه أخذا وبيل ‪:‬أي ثقيل شديدا غليظا‪.‬‬
‫فكيف تتقون يوما ‪:‬أي عذاب يوم يجعل الولدان لشدة هوله شيبا‪.‬‬
‫السماء منفطر به ‪:‬أي ذات انفطار وانشقاق أي بسبب هول ذلك اليوم‪.‬‬
‫كان وعده مفعول ‪:‬أي وعده تعالى بمجيء ذلك اليوم كان مفعول أي كائنا ل محالة‪.‬‬
‫إن هذه تذكرة ‪:‬أي إن هذه اليات المخوفة تذكرة أي عظة للناس‪.‬‬
‫اتخذ إلى ربه سبيل ‪:‬أي طريقا باليمان والطاعة إلى النجاة من النار ودخول الجنة‪.‬‬

‫( ‪)5/458‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في تربية الرسول صلى ال عليه وسلم وأمته بأنواع التربية الربانية‬
‫الخاصة فقال تعالى لرسوله {وَاصْبِرْ‪ 1‬عَلَى مَا َيقُولُونَ} أي كفار قريش من كلم يؤذونك به‬
‫جمِيلً} يرشد‬
‫كقولهم هو ساحر وشاعر وكاهن ومجنون وما إلى ذلك‪ ،‬وقوله {وَا ْهجُرْ ُهمْ َهجْرا َ‬
‫تعالى رسوله إلى هجران كفار قريش وعدم التعرض لهم والهجر الجميل ‪ 2‬هو الذي ل عتاب‬
‫معه وقوله {وَذَرْنِي وَا ْل ُمكَذّبِينَ أُولِي ال ّن ْعمَةِ} أي اتركني والمكذبين من صناديد ‪ 3‬قريش أولي‬
‫النعمة أي النعم والترف { َو َمهّ ْلهُمْ قَلِيلً} أي أنظرهم ول تستعجل فإني كافيكهم‪ ،‬ولم يمض إل يسير‬
‫طعَاما} أي عندنا‬
‫ل وَجَحِيما َو َ‬
‫حتى هلكوا في بدر على أيدي المؤمنين‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ َلدَيْنَا أَ ْنكَا ً‬
‫للمكذبين بك في الخرة أنكال قيودا من حديد وجحيما أي نارا مستعرة محرقة وعذابا أليما أي‬
‫موجعا وطعاما هو الزقوم و الضريع ذا غصة أي يغص في حلق آكله‪ ،‬وعذابا أليما أي موجعا‬
‫وذلك يحصل لهله وينالهم يوم ترجف الرض والجبال‪ ،‬أي تتحرك وتضرب وكانت الجبال كثيبا‬
‫أي من الرمل مهيل سائل بعد اجتماعه‪ .‬وقوله تعالى {إِنّا أَ ْرسَلْنَا إِلَ ْيكُمْ} أي يا أهل مكة وكل من‬
‫ورائها من سائر الناس والجن { َرسُولً شَاهِدا عَلَ ْي ُكمْ} بما تعملون في الدنيا لتجزوا بها في الخرة‬
‫عوْنُ‬
‫عوْنَ رَسُولً } أي موسى بن عمران عليه السلم { َف َعصَى فِرْ َ‬
‫وقوله ‪َ {4‬كمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْ َ‬
‫خذْنَاهُ أَخْذا وَبِيلً} أي غليظا شديدا‪ .‬وقوله تعالى مخاطبا الكافرين المكذبين { َفكَ ْيفَ‬
‫الرّسُولَ فَأَ َ‬
‫ج َعلُ ا ْلوِلْدَانَ شِيبا} وذلك لهوله وللكرب الذي يقع وحسبه أن السماء‬
‫تَ ّتقُونَ َيوْما} أي عذاب يوم {ي ْ‬
‫منفطر ‪ 5‬به أي منشقة بسبب أهواله‪ .‬وذلك يوم يقول الرب تعالى لدم يا آدم ابعث بعث النار أي‬
‫خذ من كل ألف من أهل الموقف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار ولم ينج من كل ألف إل واحد‬
‫ن وَعْ ُدهُ َم ْفعُولً} أي وعده تعالى بمجيء هذا اليوم كان‬
‫هنا يشتد البلء ويعظم الكرب‪.‬وقوله {كَا َ‬
‫مفعول أي كائنا ل محالة وقوله {إِنّ هَ ِذهِ َت ْذكِ َرةٌ} أي إن هذه اليات المشتملة على ذكر القيامة‬
‫وأهوالها تذكرة وعظة وعبرة { َفمَنْ شَاءَ اتّخَذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيلً} فليتخذ وهي اليمان والعمل الصالح‬
‫بعد التخلي عن الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لما أمره بالنقطاع إليه بالعبادة أمره بالصبر على ما يقوله خصومه من كفار قريش من طعن‬
‫فيه وفي أتباعه وفيما جاء به أيضا من الهدى والنور‪.‬‬
‫‪ 2‬الهجر الجميل هو الذي يكتفى فيه بحقيقة الهجران وهي المقاطعة ل غير فليس هناك أذى معها‬
‫والصبر الجميل هو الذي ل جزع فيه والجهر الجميل الذي ل عتاب معه والصفح الجميل هو‬
‫الذي ل مؤاخذة معه‪.‬‬
‫‪ 3‬قال مقاتل نزلت في المطعمين يوم بدر وهم عشرة‪ .‬قالت عائشة رضي ال عنها لما نزلت هذه‬
‫الية لم يكن (يسير) حتى وقعت وقعة بدر‪.‬‬
‫‪ 4‬الكلم مستأنف ابتدائي والمناسبة هي التخلص من المر بالصبر إلى ذكر وعيد القوم وذكر‬
‫فرعون بالذات لنه أهلكه غروره وتكبره كما هي حالة أكابر مجرمي مكة‪ ،‬فسوف يحل بهم ما‬
‫حل بفرعون من الهلك‪.‬‬
‫‪ 5‬لم يقل منفطرة بالهاء لن السماء يذكر ويؤنث أو هو كقولهم امرأة مرضع أي ذات إرضاع‪،‬‬
‫والسماء ذات انفطار‪.‬‬

‫( ‪)5/459‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الصبر على الطاعة وعن المعصية‪.‬‬
‫‪ -2‬الهجر الجميل هو الذي ل عتاب فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير النبوة المحمدية‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير البعث والجزاء‪.‬‬
‫ك وَاللّهُ ُيقَدّرُ اللّ ْيلَ‬
‫صفَ ُه وَثُلُثَ ُه وَطَا ِئفَةٌ مِنَ الّذِينَ َم َع َ‬
‫إِنّ رَ ّبكَ َيعْلَمُ أَ ّنكَ َتقُومُ َأدْنَى مِنْ ثُلُ َثيِ اللّ ْيلِ وَ ِن ْ‬
‫علَ ْيكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسّرَ مِنَ ا ْلقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَ َيكُونُ مِ ْن ُكمْ مَ ْرضَى‬
‫حصُوهُ فَتَابَ َ‬
‫وَال ّنهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُ ْ‬
‫ضلِ اللّ ِه وَآخَرُونَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَاقْرَأُوا مَا‬
‫وَآخَرُونَ َيضْرِبُونَ فِي الْأَ ْرضِ يَبْ َتغُونَ مِنْ َف ْ‬
‫سكُمْ مِنْ خَيْرٍ‬
‫حسَنا َومَا ُتقَ ّدمُوا لِأَ ْنفُ ِ‬
‫تَيَسّرَ مِنْهُ وََأقِيمُوا الصّل َة وَآتُوا ال ّزكَا َة وََأقْ ِرضُوا اللّهَ قَرْضا َ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪)20‬‬
‫جدُوهُ عِ ْندَ اللّهِ ُهوَ خَيْرا وَأَعْظَمَ َأجْرا وَاسْ َت ْغفِرُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫تَ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أنك تقوم ‪:‬أي للتهجد‪.‬‬
‫أدنى ‪:‬أي أقل ‪.‬‬
‫وطائفة ‪ :‬أي وطائفة معك من أصحابك تقوم كذلك‪.‬‬
‫وال يقدر الليل والنهار ‪:‬أي يحصيها ويعلم ما يمضي من ساعات كل منهما وما يبقى‪.‬‬
‫علم أن لن تحصوه ‪ :‬أي الليل فل تطيقون قيامه كله لنه يشق عليكم‪.‬‬
‫فتاب عليكم ‪:‬أي رجع بكم إلى التخفيف في قيام الليل إذ هو الصل‪.‬‬
‫فا قرأوا ما تيسر ‪:‬أي صلوا من الليل ما سهل عليكم ولو ركعتين‪.‬‬
‫وأقيموا الصلة ‪:‬أي المفروضة‪.‬‬
‫وآتوا الزكاة ‪:‬أي المفروضة‪.‬‬

‫( ‪)5/460‬‬

‫وأقرضوا ال قرضا حسنا ‪:‬أي تصدقوا بفضول أموالكم طيبة بها نفوسكم فذلك القرض الحسن‪.‬‬
‫وما تقدموا لنفسكم من خير ‪:‬أي من نوافل العبادة من الصلة وصدقة وصيام وحج وغيرها‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى رسوله بأنه يعلم ما يقومه من الليل هو وطائفة من أصحابه وأنهم يقومون أحيانا أدنى‬
‫من ثلثي الليل أي أقل ويقومون أحيانا النصف والثلث‪ ،‬كما في أول السورة هذا معنى قوله تعالى‬
‫صفَ ُه وَثُلُثَ ُه وَطَا ِئفَةٌ مِنَ الّذِينَ َم َعكَ} وقوله {وَاللّهُ‬
‫{إِنّ‪ 1‬رَ ّبكَ َيعْلَمُ أَ ّنكَ َتقُومُ َأدْنَى مِنْ ُثلُ َثيِ اللّ ْيلِ وَ ِن ْ‬
‫ل وَال ّنهَارَ} أي يحصي ساعاتهما فيعلم ما مضى من الليل وما بقي من ساعاته‪ ،‬وقوله‬
‫ُيقَدّرُ اللّ ْي َ‬
‫حصُوهُ} أي لن تطيقوا ضبط ساعاته فيشق عليكم قيام أكثره تحريا منكم لما هو‬
‫{عَِلمَ أَنْ لَنْ‪ 2‬تُ ْ‬
‫المطلوب‪{ .‬فَتَابَ عَلَ ْيكُمْ} لذلك وبهذا نسخ قيام الليل الواجب وبقى المستحب يؤدى ولو بركعتين في‬
‫أي جزء من الليل وكونهما بعد صلة العشاء أفضل وقوله تعالى {فاقرأوا ‪ 3‬ما تيسر من القرآن}‬
‫أي صلوا من الليل ما تيسر أطلق لفظ القرآن وهو يريد الصلة لن القرآن هو الجزء المقصود‬
‫من صلة الليل‪ ،،‬وقوله {عَلِمَ أَنْ سَ َيكُونُ مِ ْنكُمْ مَ ْرضَى وَآخَرُونَ َيضْرِبُونَ فِي الْأَ ْرضِ يَبْ َتغُونَ مِنْ‬
‫ضلِ اللّ ِه وَآخَرُونَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ} فذكر فيه تعالى ثلثة أعذار لهم وهي المرض‪،‬‬
‫َف ْ‬
‫والضرب في الرض ‪ 4‬للتجارة والجهاد في سبيل ال وكلها يشق معها قيام الليل فرحمة‬
‫بالمؤمنين نسخ ال تعالى هذا الحكم الشاق بقوله {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسّرَ مِنَه ‪ ،}5‬كرره تأكيدا لنسخ قيام‬
‫الليل الذي كان واجبا وأصبح بهذه الية مندوبا‪ .‬وقوله وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة أي‬
‫المفروضتين‪ .‬وقوله وأقرضوا ال قرضا حسنا أي أنفقوا في سبيل ال الذي هو الجهاد فإن الحسنة‬
‫فيه بسبعمائة وما تقدموا لنفسكم من نوافل الصلة والصدقات والحج وسائر العبادات تجدوه عند‬
‫ال يوم القيامة هو خيرا وأعظم أجرا‪ .‬وقوله واستغفروا ال من كل ما يفرط منكم من تقصير في‬
‫جنب ال تعالى إن ال غفور رحيم يغفر لمن تاب ويرحمه فل يؤاخذه بذنب قد تاب منه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا هو النصف الخير من سورة المزمل الذي نزل بالمدينة أما النصف الول فقد نزل بمكة‬
‫افتتاح الكلم بهذه الجملة إن ربك يعلم ‪ ....‬الخ مشعر بالثناء عليه لوفائه بحق القيام الذي أمر به‬
‫في أول السورة‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الجملة هي المقصودة من الكلم السابق لها إذ كان تمهيدا لها‪.‬‬
‫‪ 3‬أطلق القرآن وأراد الصلة كقوله قسمت الصلة بيني وبين عبدي نصفين فأطلق الصلة وأراد‬
‫القراءة وهنا أطلق القراءة وأراد الصلة تجوزا‪.‬‬
‫‪ 4‬قال طاووس‪ :‬الساعي على الرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل ال‪.‬‬
‫‪ 5‬من هذه الية أخذ مالك وأحمد والشافعي أن أقل ما يجزء في الصلة قراءة الفاتحة كاملة‪ ،‬ول‬
‫تصح صلة بدونها للحاديث الواردة في ذلك وهذا بالنسبة المام والمنفرد‪ .‬وهذا عند القدرة على‬
‫قراءته وحفظها فإن عجز سبح وركع أي قال سبحان ال والحمد ل ول إله إل ال وال أكبر‪.‬‬

‫( ‪)5/461‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان ما كان الرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه يقومونه من الليل تهجدا‪.‬‬
‫‪ -2‬نسخ واجب قيام الليل وبقاء استحبابه وندبه ‪.1‬‬
‫‪ -3‬وجوب إقام الصلة وإيتاء الزكاة‪.‬‬
‫‪ -4‬الترغيب في التطوع من سائر العبادات‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب الستغفار عند الذنب وندبه واستحبابه في سائر الوقات لما يحصل من التقصير‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ورد في فضل قيام الليل أحاديث صحاح كثيرة منها قول عبد ال بن عمرو قال لي رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم "يا عبد ال ل تكن كفلن كان يقوم الليل فترك قيام الليل" وحديث عبد ال بن‬
‫عمر وفيه قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "نعم الرجل عبد ال لو كان يصلي من الليل"‪.‬‬

‫( ‪)5/462‬‬

‫سورة المدثر‬
‫‪...‬‬
‫سورة المدثر‬
‫مكية وآياتها ست وخمسون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫طهّرْ (‪ )4‬وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ (‪ )5‬وَل‬
‫يَا أَ ّيهَا ‪ 1‬ا ْلمُدّثّرُ (‪ُ )1‬قمْ فَأَنْذِرْ (‪ )2‬وَرَ ّبكَ َفكَبّرْ (‪ )3‬وَثِيَا َبكَ َف َ‬
‫َتمْنُنْ تَسْ َتكْثِرُ (‪ )6‬وَلِرَ ّبكَ فَاصْبِرْ (‪ )7‬فَِإذَا ُنقِرَ فِي النّاقُورِ (‪ )8‬فَذَِلكَ َي ْومَئِذٍ َيوْمٌ عَسِيرٌ (‪ )9‬عَلَى‬
‫ا ْلكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (‪)10‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يا أيها المدثر ‪ :‬أي يا أيها المدثر أي المتلفف في ثيابه وهو النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قم فأنذر ‪ :‬أي خوف أهل مكة النار إن لم يؤمنوا ويوحدوا‪.‬‬
‫وربك فكبر‪ :‬أي عظم ربك من إشراك المشركين‪.‬‬
‫وثيابك فطهر ‪ :‬أي طهر ثيابك من النجاسات‪.‬‬
‫والرجز فاهجر‪ :‬أي أدم هجرانك للوثان‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذا النداء ملطفة في الخطاب من الكريم إلى الحبيب إذ ناداه بحاله‪ ،‬وعبر عنه بصفته‪ ،‬ولم‬
‫يقل يا محمد أو يا فلن ليستشعر اللين والعطف من ربه‪.‬‬

‫( ‪)5/462‬‬

‫ول تمنن تستكثر ‪ :‬أي ل تمنن على ربك ما تقوم به من أعمال لجله طاعة له‪.‬‬
‫فإذا نقر في الناقور ‪ :‬أي نفخ في الصور النفخة الثانية‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا ا ْل ُمدّثّرُ‪ }1‬أي المتلفف في ثيابه والمراد به النبي صلى ال عليه وسلم روى‬
‫الزهري ‪ 2‬قال فتر الوحي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم فترة فحزن حزنا فجعل يعدو‬
‫شواهق رؤوس الجبال ليتردى منها فكلما أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلم فيقول إنك‬
‫نبي ال فيسكن جأشه وتسكن نفسه‪ ،‬فكان النبي صلى ال عليه وسلم يحدث عن ذلك فقال بينما أنا‬
‫أمشي يوما إذ رأيت الملك الذي كان يأتيني بحراء على كرسي بين السماء والرض فجثثت منه‬
‫رعبا فرجعت إلى خديجة فقلت زملوني فزملناه أي فدثرناه فأنزل ال يا أيها المدثر قم فأنذر‬
‫وربك فكبر وثيابك فطهر قال الزهري فأول شيء أنزل عليه أقرأ باسم ربك الذي خلق خلق‬
‫النسان من علق اقرأ وربك الكرم الذي علم بالقلم علم النسان ما لم يعلم‪ .‬وعليه فهذا النداء‬
‫اللهي كان بعد فترة الوحي الولى ناداه ملقبا له بهذا اللقب الجميل تكريما وتلطفا معه ليقوم‬
‫بأعباء الدعوة وما أشد ثقلها‪ ،‬ومن يقدر عليها إنها أعباء ثقيلة اللهم لقد أعنت عليها رسولك فأعني‬
‫على قدر ما أقوم به منها‪ ،‬وإن كان ما أقوم به منها ل يساوي جمرة من لظى ول قطرة من ماء‬
‫السماء‪ .‬يا أيها المدثر في ثيابه يا محمد رسولنا قم فأنذر لم يبق لك مجال للنوم والراحة فأنذر‬
‫قومك في مكة وكل الثقلين من وراء مكة أنذرهم عذاب النار المترتب على الكفر والشرك بالواحد‬
‫القهار وربك فكبر أي وربك فعظمه تعظيما يليق بجلله وكماله فإنه الكبر الذي ل أكبر منه‬
‫والعظيم الذي ل أعظم منه فأعلن عن ذلك بلسانك قائل ال أكبر وبحالك فل تذل إل له ول ترغب‬
‫طهّرْ} أي طهر ثيابك‬
‫إل فيه وكبره بأعمالك فل تأت منها إل ما أذن لك فيه أو أمرك به {وَثِيَا َبكَ فَ َ‬
‫من النجاسات مخالفا بذلك ما عليه قومك؛ إذ يجرون ثيابهم ول يتنزهون من أبوالهم {وَالرّجْزَ‬
‫فَاهْجُرْ} أي والصنام التي يعبدها قومك فاهجرها فل تقربها ودم على هجرانها على دعوتك‬
‫أجرا‪ ،‬ول تمنن عطاء أعطيته لغيرك تستكثر به ما عندك إن ذاك مناف لجمل الخلق وكريم‬
‫السجايا وسامي الداب‪ .‬واربك وحده سواه فاصبر على كل ما تلقاه في سبيل إبلغ رسالتك ونشر‬
‫دعوتك دعوة الخير والكمال هذا الذي أدب به ال رسول ال في فاتحة دعوته‪ .‬ثم نزل بعد فإذا‬
‫نقر في الناقور والناقور البوق الذي ينفخ فيه اسرافيل والنقر يحدث صوتا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا يسمى بهدية الثواب وهي جائزة للئمة محرمة عليه صلى ال عليه وسلم بهذه الية‪ .‬ول‬
‫تمنن تستكثر‪.‬‬
‫‪ 2‬روى أحمد عن ابن عباس في قوله تعالى {فَإِذَا ُنقِرَ فِي النّاقُورِ} قال قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فما تأمرنا يا رسول ال؟ قال قولوا حسبنا ال ونعم‬
‫الوكيل على ال توكلنا‪.‬‬

‫( ‪)5/463‬‬

‫والصوت هو صوت البوق والمراد به النفخة الثانية نفخة البعث والجزاء فإذا نقر في الناقور فذلك‬
‫يومئذ يوم عسير صعب شديد ل يحتمل ول يطاق على الكافرين غير يسير ‪ 1‬فذكر به من تدعوهم‬
‫فإن التذكير به نافع إن شاء ال‪ ،‬ولذا كان من أعظم أركان العقيدة التي إن تمكنت من النفس تهيأ‬
‫صاحبها لحمل كل ثقيل ولنفاق كل غال ورخيص ولفراق الهل والدار اليمان بال واليوم الخر‬
‫إذ هما محور العقيدة وعليهما مدار الصلح و الهداية‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الجد طابع المسلم‪ ،‬فل كسل ول خمول ول لهو ول لعب ومن فارق هذه فليتهم نفسه في‬
‫إسلمه‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب تعظيم أسمائه وصفاته وتعظيم كلمه وكتابه‪ ,‬وتعظيم شعائره تعظيم ما عظم‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب الطهارة للمؤمن بدنا وثوبا ومسجدا‪ .‬أكلً وشربا وفراشا ونفسا وروحا‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة العجب فل يعجب المؤمن بعمله ول يزكي به نفسه ولو صام الدهر‪ ,‬وأنفق الصخرة‬
‫وجاهد الدهر‪.‬‬
‫‪ -5‬وجب الصبر على الطاعات فعل وعلى المعاصي تركا وعلى البلء تسليما ورضا‪.‬‬
‫شهُودا (‪َ )13‬و َمهّ ْدتُ لَهُ َت ْمهِيدا‬
‫جعَ ْلتُ َلهُ مَالً َممْدُودا (‪ )12‬وَبَنِينَ ُ‬
‫ذَرْنِي َومَنْ خََل ْقتُ َوحِيدا (‪ )11‬وَ َ‬
‫صعُودا (‪ )17‬إِنّهُ َفكّ َر َوقَدّرَ‬
‫طمَعُ أَنْ أَزِيدَ (‪ )15‬كَلّا إِنّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيدا (‪ )16‬سَأُرْ ِهقُ ُه َ‬
‫(‪ )14‬ثُمّ َي ْ‬
‫س وَبَسَرَ (‪ )22‬ثُمّ َأدْبَرَ‬
‫(‪َ )18‬فقُتِلَ كَ ْيفَ قَدّرَ (‪ُ )19‬ثمّ قُ ِتلَ كَ ْيفَ َقدّرَ (‪ )20‬ثُمّ َنظَرَ (‪ )21‬ثُمّ عَ َب َ‬
‫سقَرَ (‪)26‬‬
‫وَاسْ َتكْبَرَ (‪َ )23‬فقَالَ إِنْ هَذَا إِلّا سِحْرٌ ُيؤْثَرُ (‪ )24‬إِنْ هَذَا إِلّا َق ْولُ الْ َبشَرِ (‪ )25‬سَُأصْلِيهِ َ‬
‫سعَةَ عَشَرَ (‪)30‬‬
‫سقَرُ (‪ )27‬ل تُ ْبقِي وَل َتذَرُ (‪َ )28‬لوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (‪ )29‬عَلَ ْيهَا ِت ْ‬
‫َومَا َأدْرَاكَ مَا َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية دليل على أن حال المؤمنين في عرصات يوم القيامة غير حال الكافرين في الشدة‬
‫والبلء‪.‬‬

‫( ‪)5/464‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ذرني ومن خلقت وحيدا ‪:‬أي اتركني ومن خلقته وحيدا منفردا بل مال ول ولد فأنا أكفيكه‪.‬‬
‫وبنين شهودا ‪ :‬أي يشهدون المحافل وتسمع شهاداتهم وأغلب الوقت حاضرون ول يغيبون‪.‬‬
‫ومهدت له تمهيدا ‪ :‬أي بسطت له في العيش والعمر والولد والجاه حتى كان يلقب بريحانة قريش‪.‬‬
‫عنيدا ‪:‬أي معاندا وهو الوليد بن المغيرة المخزومي‪.‬‬
‫سأرهقه صعودا ‪ :‬أي سأكلفه يوم القيامة صعود جبل من نار كلما صعد فيه هوى في النار أبدا‪.‬‬
‫إنه فكر وقدر ‪ :‬أي فيما يقول في القرآن الذي سمعه من النبي صلى ال عليه وسلم وقدر في نفسه‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ثم نظر ثم عبس وبسر‪ :‬أي تروًى في ذلك ثم عبس أي قبض ما بين عينيه ثم بسر أي كلح‬
‫وجهه‪.‬‬
‫ثم أدبر واستكبر‪ :‬أي عن اليمان واستكبر عن اتباع الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫سحر يؤثر ‪ :‬أي ينقل من السحرة كمسيلمة وغيره‪.‬‬
‫سأصليه سقر ‪ :‬سأدخله جهنم وسقر اسم لها يدخله فيها لحراقه بنارها‪.‬‬
‫ل تبقي ول تذر ‪ :‬أي ل تترك شيئا من اللحم ول العصب إل أهلكته ثم يعود كما كان لدامة‬
‫العذاب‪.‬‬
‫لواحة للبشر ‪ :‬أي محرقة مسودة لظاهر جلد النسان وهو بشرته والجمع بشر‪.‬‬
‫عليها تسعة عشر ‪ :‬أي ملكا وهم خزنتها‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لقد تحمل رسول ال صلى ال عليه وسلم عبء الدعوة وأمر بالصبر وشرع صلى ال عليه وسلم‬
‫في إنذار قومه المعركة كأحر وأشد ما تكون إذ أعلم قومه وهم من هم أنه ل إله إل ال وأنه هو‬
‫رسول ال فتصدى له طاغية من أعظم الطغاة ساد الوادي مالً وولدا وجاها عريضا حتى لقب‬
‫بريحانة قريش هذا هو الوليد بن المغيرة صاحب عشرة رجال من صلبه وآلف الدنانير من‬
‫الذهب فلما أرهب رسول ال وأخافه قال له ربه تبارك وتعالى {ذَرْنِي} أي دعني والذي خلقته‬
‫{وَحِيدا‪ }1‬فريدا بل مال ول ولد‪،‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬عن ابن عباس‪ :‬كان الوليد يقول أنا الوحيد بن الوحيد ليس لي في العرب نظير ول لبي‬
‫المغيرة نظير‪.‬‬

‫( ‪)5/465‬‬

‫جعَ ْلتُ لَهُ مَالً َممْدُودا} واسعا تمده به الزراعة والتجارة فصل بعد فصل ويوما بعد يوم‪{ ،‬وَبَنِينَ‬
‫{وَ َ‬
‫شهُودا} ل يغيبون كما يغيب الذين يطلبون العيش كما أنهم لمكانتهم يستشهدون فيشهدون فهم‬
‫ُ‬
‫شهود على غيرهم‪ .‬ويشهدون المحافل وغيرها ‪َ { .‬و َمهّ ْدتُ َلهُ َت ْمهِيدا‪ }1‬أي بسطت له في العيش‬
‫ط َمعُ أَنْ أَزِيدَ} أي أن أزيده من المذكور في‬
‫والعمر والولد والجاه العريض في ديار قومه‪ُ { ،‬ثمّ يَ ْ‬
‫اليات { ُكلّا} أي لن أزيده بعد اليوم‪ ،‬وعلل تعالى لمنعه الزيادة بقوله‪{ :‬إِنّهُ كَانَ لِآياتنَا} "القرآنيه"‬
‫صعُودا} أي سأكلفه عذابا شاقا ل‬
‫{عَنِيدا} أي ‪ 2‬معاندا يحاول إبطالها بعد رفضه لها‪{ .‬سَأُرْ ِهقُ ُه َ‬
‫قبل له به وذلك جبل ‪ 3‬من نار في جهنم يكلف صعوده كلما صعد سقط وذلك أبدا‪ .‬وعلل أيضا‬
‫لهذا العذاب الذي أعده له وأوعده به فقال تعالى {إِنّهُ َفكّرَ} أي فيما يقول في القرآن لما طلبت منه‬
‫قريش أن يقول فيه ما يراه من صلح أو فساد‪َ { .‬و َقدّرَ} في نفسه { َفقُتِلَ كَ ْيفَ قَدّرَ} أي لعن كيف‬
‫سحْرٌ ُيؤْثَرُ إِنْ َهذَا إِلّا َق ْولُ الْبَشَرِ}‪ُ { .‬ثمّ قُ ِتلَ كَ ْيفَ‬
‫قدر ذلك التقدير الذي هو قوله { َفقَالَ إِنْ هَذَا إِلّا ِ‬
‫قَدّرَ} فلعنه ال لعنتين تلزمانه واحدة في الدنيا والخرى في الخرة وقوله تعالى عنه {ثُمّ َنظَرَ}‬
‫أي تروى {ثُمّ عَ َبسَ} أي قطب فقبض مابين عينيه {وَ َبسَرَ} أي كلح وجهه فاسود‪ .‬فقال اللعين‬
‫نتيجة تفكير وتقدير ونظر {إِنْ َهذَا إِلّا سِحْرٌ ُيؤْثَرُ} أي ما هذا القرآن إل سحر ينقل عن السحرة‬
‫في اليمن ونجد والحجاز {إِنْ َهذَا إِلّا َق ْولُ الْبَشَرِ} أي ما هذا الذي يتلوه محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫سقَرَ} أي سأدخله نار‬
‫إل قول البشر قال ‪ 4‬تعالى موعدا إياه على قولته الكافرة الفاجرة {سَُأصْلِيهِ َ‬
‫سقَرُ} أي أي شيء‬
‫سقر يصطلي بنارها‪ ،‬ثم عظم تعالى من شأن سقر فقال ‪َ {5‬ومَا أَدْرَاكَ مَا َ‬
‫يدريك ما هي وما شأنها فإنها عظيمة {ل تُ ْبقِي وَل تَذَرُ} أي ل تبقي لحما ول تذر عصبا بل تأتي‬
‫على الكل لواحة ‪ 6‬للبشر أي تحرق الجلود وتسودها‪ .‬والبشر جمع بشرة الجلدة ومن ذلك سمي‬
‫الدميون بشرا لن بشرتهم مكشوفة ليست مستورة بوبر ول صوف ول سعر ول ريش‪ .‬وقوله‬
‫سعَةَ عَشَرَ} أي على سقر ملئكة يقال لهم الخزنة عدتهم تسعة عشر ملكا لقد كان‬
‫تعالى {عَلَ ْيهَا تِ ْ‬
‫لنزول هذه الية سبب معروف وهو أن قريش اتهمت الوليد بأنه صبا مال إلى دين محمد فسمع‬
‫ذلك منهم فأنكر وحلف لهم فطلبوا إليه إن كان صادقا أن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬التمهيد عند العرب التوطئة والتهيئة‪ :‬ومنه مهد الصبي‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال عند يعند كضرب يضرب أي خالف ورد الحق وهو يعرفه فهو عنيد وعاند‪.‬‬
‫‪ 3‬رواه الترمذي‪ .‬وقال فيه غريب‪.‬‬
‫‪ 4‬قال السدي يعنون أنه من قول سيار عبد لبني الحضرمي كان يجالس النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فنسبوه إلى أنه تعلم منه ذلك‪.‬‬
‫‪ 5‬ما استفهامية أي أي شيء يدريك وما سقر ما استفهامية مبتدأ وسقر خبره‪.‬‬
‫‪ 6‬البشر جمع بشرة ومعنى لواحة مغيرة للون البشر بالسواد يقال لحه الحر أو البرد أو المرض‬
‫إذا غيره قال الشاعر‪:‬‬
‫تقول ما لحك يا مسافر‬
‫يابنة عمي ل حنى الهواجر‬

‫( ‪)5/466‬‬

‫يقول في القرآن كلمة يصرف بها العرب عن محمد وما يقوله ويدعو إليه فذهب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وهو يصلي ويقرأ في صلته فاستمع إليه ففكر وقدر كما أخبر تعالى عنه في هذه‬
‫اليات وقال قولته الفاجرة الكافرة‪ .‬إن هذا إل سحر يؤثر إن هذا إل قول البشر بعد أن وصف‬
‫القرآن وصفا دقيقا بقوله و وال إن لقوله لحلوة وإنه ليحطم ما تحته‪ ،‬وإنه ليعلو ول يعلى عليه‬
‫أي عليه فقالوا وال ل يرضى عنك قومك حتى تقول فيه فقال دعوني حتى أفكر ففكر وقال ما‬
‫سعَةَ عَشَرَ}‪.‬‬
‫تقدم فنزلت هذه اليات { ذَرْنِي َومَنْ خََل ْقتُ وَحِيدا} إلى قوله { ِت ْ‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬المال والبنون والجاه من عوامل الطغيان إل أن يسلم ال عبده من فتنتها‪.‬‬
‫‪ -2‬من أكفر الناس من يعاند في آيات ال يريد صرف الناس عنها وإبطال هدايتها‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان ما ظفر به طاغية قريش الوليد بن المغيرة من لعنة وعذاب شديد‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية‪.‬‬
‫‪ -5‬تقرير البعث والجزاء‪.‬‬
‫عدّ َتهُمْ إِلّا فِتْ َنةً لِلّذِينَ َكفَرُوا لِيَسْتَ ْيقِنَ الّذِينَ أُوتُوا‬
‫جعَلْنَا ِ‬
‫جعَلْنَا َأصْحَابَ النّارِ إِلّا مَل ِئكَ ًة َومَا َ‬
‫َومَا َ‬
‫ن وَلِ َيقُولَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ‬
‫ب وَا ْل ُمؤْمِنُو َ‬
‫ا ْلكِتَابَ وَيَزْدَادَ الّذِينَ آمَنُوا إِيمَانا وَل يَرْتَابَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَا َ‬
‫ضلّ اللّهُ مَنْ يَشَا ُء وَ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ َومَا َيعَْلمُ‬
‫مَ َرضٌ وَا ْلكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللّهُ ِبهَذَا مَثَلً َكذَِلكَ ُي ِ‬
‫جُنُودَ رَ ّبكَ إِلّا ُه َو َومَا ِهيَ إِلّا ِذكْرَى لِلْ َبشَرِ (‪ )31‬كَلّا وَا ْل َقمَرِ (‪ )32‬وَاللّ ْيلِ ِإذْ أَدْبَرَ (‪ )33‬وَالصّبْحِ‬
‫سفَرَ (‪ )34‬إِ ّنهَا لَِإحْدَى ا ْلكُبَرِ (‪َ )35‬نذِيرا لِلْبَشَرِ (‪ِ )36‬لمَنْ شَاءَ مِ ْنكُمْ أَنْ يَ َتقَدّمَ َأوْ يَتَأَخّرَ (‪)37‬‬
‫إِذَا أَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أصحاب النار ‪ :‬أي خزنتها مالك وثمانية عشر معه‪.‬‬
‫إل ملئكة ‪ :‬أي لم نجعلهم بشرا ول جنا حتى ل يرحموهم بحكم‬

‫( ‪)5/467‬‬

‫الجنس‪.‬‬
‫وما جعلنا عدتهم ‪:‬أي كونهم تسعة عشر‪.‬‬
‫إل فتنة للذين كفروا ‪ :‬أي ليستخفوا بهم كما قال أبو الشدين الجمحي فيزدادوا ضلل‪.‬‬
‫ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ‪ :‬أي ليحصل اليقين لهل التوراة والنجيل بموافقة القرآن لكتابيهما‬
‫التوراة والنجيل‪.‬‬
‫ول يرتاب ‪:‬أي ول يشك أهل الكتاب والمؤمنون في حقيقة ذلك‪.‬‬
‫وليقول الذين في قلوبهم مرض ‪ :‬أي مرض النفاق‪.‬‬
‫ماذا أراد ال بهذا مثل ‪ :‬أي أي شيء أراد ال بهذا العدد الغريب استنكارا منهم‪.‬‬
‫كذلك ‪ :‬أي مثل إضلل منكر هذا العدد وهدى مصدقه يضل ال من يشاء ويهدي من يشاء‪.‬‬
‫وما هي إل ذكرى للبشر ‪ :‬أي وما النار إل ذكرى للبشر يتذكرون بها‪.‬‬
‫إذ أدبر ‪ :‬أي ولى ومضى‪.‬‬
‫إذا اسفر ‪ :‬أي أضاء وظهر‪.‬‬
‫إنها لحدى الكبر‪ :‬أي جهنم لحدى البليا العظام‪.‬‬
‫نذيرا للبشر‪ :‬أي عذاب جهنم نذير لبني آدم‪.‬‬
‫لمن شاء منكم ‪ :‬أي أيها الناس‪.‬‬
‫أن يتقدم ‪ :‬أي بالطاعة‪.‬‬
‫أو يتاخر‪ :‬أي بالمعصية‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫عدّ َتهُمْ إِلّا فِتْنَةً لِلّذِينَ َكفَرُوا} هذه الية‬
‫جعَلْنَا ِ‬
‫صحَابَ النّارِ إِلّا مَل ِئكَ ًة َومَا َ‬
‫جعَلْنَا َأ ْ‬
‫قوله تعالى { َومَا َ‬
‫سقَرُ‬
‫نزلت ردا على أبي الشدين كلدة الجمحي الذي قال لما سمع قول ال تعالى { َومَا أَدْرَاكَ مَا َ‬
‫سعَةَ عَشَرَ} قال لقريش ساخرا مستهزئا أنا أكفيكم سبعة عشر‬
‫ل تُ ْبقِي وَل َتذَرُ َلوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَ ْيهَا ِت ْ‬
‫واكفوني انتم اثنين‪ ،‬ومرة قال أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي اليمن‬
‫جعَلْنَا َأصْحَابَ‬
‫وتسعه بمنكبي اليسر في النار ونمضي فندخل الجنة‪ .‬فأنزل ال تعالى قوله { َومَا َ‬
‫النّارِ إِلّا مَل ِئكَةً} أي لم نجعلهم بشرا ول جنا حتى ل يرحموا أهل النار بخلف لو‬

‫( ‪)5/468‬‬

‫كانوا بشرا قد يرحمون بني جنسهم ولو كانوا جنا فكذلك‪ ،‬ولذا جعلهم من الملئكة فل تتناسب‬
‫بينهم وبين النس والجن والمراد بأصحاب النار خزنتها وهم مالك وثمانية عشر هؤلء رؤساء‬
‫في جهنم أما من عداهم فل تتسع لهم العبارة ول حتى الرقم الحسابي وكيف وقد قال تعالى { َومَا‬
‫عدّ َتهُمْ‪ }1‬أي كونهم تسعة عشر {ِإلّا فِتْنَةً لِلّذِينَ‪َ 2‬كفَرُوا}‬
‫جعَلْنَا ِ‬
‫َيعْلَمُ جُنُودَ رَ ّبكَ إِلّا ُهوَ}‪ ،‬وقوله { َومَا َ‬
‫ليزدادوا ضلل وكفرا وقد تم هذا فإن أبا جهل كأبي الشدين قد فتنا بهذا العدد وازدادا ضلل‬
‫وكفرا بما قال‪ ،‬وقوله تعالى {لِيَسْتَ ْيقِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} أي أخبرنا عن عددهم وأنه تسعة عشر‬
‫ليستيقن ‪ 3‬الذين أوتوا الكتاب ‪ 4‬لموافقة القرآن لما عندهم في كتابهم‪ .‬ويزداد الذين أمنوا إيمانا‬
‫فوق إيمانهم عندما يرون أن التوراة موافقة للقرآن الكريم كشاهد له‪ ،‬وقوله {وَل يَرْتَابَ الّذِينَ‬
‫أُوتُوا ا ْلكِتَابَ وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ} أي حتى ل يقعوا في ريب وشك في يوم من اليام لما اكتسبوا من‬
‫ض وَا ْلكَافِرُونَ مَاذَا‬
‫المناعة بتضافر الكتابين على حقيقة واحدة‪ .‬وقوله {وَلِ َيقُولَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َر ٌ‬
‫أَرَادَ اللّهُ ِبهَذَا مَثَلً} أي وما جعلنا عدتهم تسعة عشر إل ليقول الذين في قلوبهم مرض وهو النفاق‬
‫والشك والكافرون الكفر الظاهر من قريش وغيرهم ماذا أراد ال بهذا مثل أي أي شيء أراده ال‬
‫بهذا الخبر الغريب غرابة المثال قالوا هذا استنكارا وتكذيبا‪ .‬فهذه جملة علل ذكرها تعالى لخباره‬
‫ضلّ اللّهُ مَنْ يَشَا ُء وَ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ} أي مثل إضلل‬
‫عن زبانية جهنم ثم قال وقوله الحق { َكذَِلكَ ُي ِ‬
‫منكر هدا العدد وهدى مصدقه يضل ال من يشاء إضلله ويهدي من يشاء هدايته‪ .‬وقوله تعالى‬
‫{ َومَا َيعْلَمُ ‪5‬جُنُودَ رَ ّبكَ إِلّا ُهوَ} هذا جواب أبي جهل القائل أما لمحمد أعوان إل تسعة عشر‬
‫استخفافا وتكذيبا فأخبر تعالى أن له جنودا ل يعلم عددها ول قوتها إل هو وقد ورد أن لحدهم‬
‫مثل قوة الثقلين يسوق أحدهم المة وعلى رقبته جبل فيرمي بهم في النار ويرمي الجبل عليهم‪،‬‬
‫ول عجب وأربعة ملئكة يحملون العرش الذي هو أكبر ممن السموات والرضين فسبحان‬
‫الخلق العليم سبحان ال العزيز الرحيم سبحان ال ذي الجبروت والملكوت‪ .‬وقوله تعالى وما هي‬
‫‪ 6‬أي جهنم إل ذكرى للبشر أي تذكرة يذكرون بها عظمة ال‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تقدير الكلم‪ :‬ما جعلنا ذكر عدتهم لعلةٍ وغرض إل لغرض فتنة الذين كفروا‪.‬‬
‫‪ 2‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أن فتنة بمعنى ضللة للذين كفروا يريد أبا جهل وذويه‪،‬‬
‫وقيل إل عذابا كقوله تعالى { َي ْومَ هُمْ عَلَى النّارِ ُيفْتَنُونَ ُوقُوا فِتْنَ َتكُمْ}‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله ليستيقن الذين أوتوا الكتاب‪ .‬علة ثانية لفعل وما جعلنا والستيقان قوة اليقين والمراد من‬
‫الستيقان قوة اليقين‪.‬‬
‫‪ 4‬أوتوا الكتاب هم اليهود‪ .‬فقد روى الترمذي بسنده إلى جابر بن عبد ال قال قال ناس من اليهود‬
‫لناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم هل يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم؟ قالوا ل ندري‬
‫حتى نسأل‪.‬‬
‫‪ 5‬هذه الجملة كلمة جامعة لبطال التخرصات التي يتخرصها المبطلون الضالون وإضافة الرب‬
‫إلى ضمير النبي صلى ال عليه وسلم إضافة تشريف وفيها اليماء بنصره صلى ال عليه وسلم‬
‫بتلك الجنود التي هم جنود ربه عز وجل‪.‬‬
‫‪ 6‬جائز أن يكون الضمير (وما هي) عائد إلى عدة الملئكة التسعة عشر وجائز أن يكون عائدا‬
‫إلى اليات القرآنية أو إلى سقر أو إلى جنود ربك وهذا من العجاز القرآني وأن الكلمة الواحدة‬
‫تدل على ما ل يدل عليه عشرات الكلمات‪.‬‬

‫( ‪)5/469‬‬

‫سفَرَ} أي كل أي ليس القول‬


‫ويخافون بها عقابه‪ .‬وقوله {كَلّا ‪ 1‬وَا ْل َقمَ ِر وَاللّ ْيلِ إِذْ َأدْبَ َر وَالصّبْحِ إِذَا َأ ْ‬
‫كما يقول من زعم من المشركين أنه يكفي أصحابه المشركين خزنة جهنم حتى يجهضهم عنها‪.‬‬
‫حدَى ا ْلكُبَرِ} أي أقسم‬
‫والقمر والليل إذا أدبر ولى ذاهبا والصبح إذا أسفر أي أضاء وأقبل {إِ ّنهَا لَإِ ْ‬
‫تعالى بالقمر والليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر على أن جهنم ‪ 2‬لحدى الكبر أي البليا العظام‬
‫{ َنذِيرا لِلْبَشَرِ} أي بني آدم‪ ،‬وقال نذيرا ولم يقل نذيرة وهي جهنم لنها بمعنى العذاب أي عذابها‬
‫نذير للبشر‪ .‬وقوله {ِلمَنْ شَاءَ مِ ْنكُمْ أَنْ يَ َتقَدّمَ} في طاعة ال ورسوله حتى يبلغ الدرجات العل‪ ،‬ومن‬
‫شاء {أَو يَتَأَخّرَ} في معصية ال ورسوله حتى ينزل الدركات السفلى‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان الحكمة من جعل عدد الزبانية تسعة عشر والخبار عنهم بذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬موافقة التوراة والنجيل للقرآن من شأنها أن تزيد إيمان المؤمنين من الفريقين‪.‬‬
‫‪ -3‬في النار من الزبانية ما ل يعلم عددهم إل ال تعالى خالقهم‪.‬‬
‫‪ -4‬جهنم نذير للبشر أي عذابها نذير للبشر لمن شاء أن يتقدم بالطاعة أو يتأخر بالمعصية‪.‬‬
‫ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ رَهِي َنةٌ (‪ )38‬إِلّا َأصْحَابَ الْ َيمِينِ (‪ )39‬فِي جَنّاتٍ يَ َتسَاءَلُونَ (‪ )40‬عَنِ‬
‫سكِينَ (‬
‫طعِمُ ا ْلمِ ْ‬
‫سقَرَ (‪ )42‬قَالُوا لَمْ َنكُ مِنَ ا ْل ُمصَلّينَ (‪ )43‬وَلَمْ َنكُ نُ ْ‬
‫ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪ )41‬مَا سََل َككُمْ فِي َ‬
‫‪َ )44‬وكُنّا َنخُوضُ مَعَ الْخَا ِئضِينَ (‪َ )45‬وكُنّا ُنكَ ّذبُ بِ َيوْمِ الدّينِ (‪ )46‬حَتّى أَتَانَا الْ َيقِينُ (‪َ )47‬فمَا‬
‫حمُرٌ مُسْتَ ْنفِ َرةٌ (‪ )50‬فَ ّرتْ‬
‫شفَاعَةُ الشّا ِفعِينَ (‪َ )48‬فمَا َل ُهمْ عَنِ التّ ْذكِ َرةِ ُمعْ ِرضِينَ (‪ )49‬كَأَ ّنهُمْ ُ‬
‫تَ ْن َفعُهُمْ َ‬
‫سوَ َرةٍ (‪َ )51‬بلْ يُرِيدُ‬
‫مِنْ قَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬حرف ردع وإبطال والغالب أنها تقع بعد كلم من متكلم واحد ومتكلم وسامع فتفيد الردع عما‬
‫تضمنه الكلم السابق ذهب ابن جرير إلى أنها هنا للردع وإبطال ما زعمه المشركون من القدرة‬
‫على الزبانية كما في التفسير‪ .‬وعليه فالوقف عليه مستحسن ومنهم من جعلها افتتاح كلم نحو أل‬
‫وعليه فالوقف ل يحسن عليها بل على القمر‪.‬‬
‫‪ 2‬القول بأنها سقر أقرب من جهنم لتقدم ذكر سقر بلفظها والمر واسع‪.‬‬

‫( ‪)5/470‬‬

‫ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ أَنْ ُيؤْتَى صُحُفا مُنَشّ َرةً (‪ )52‬كَلّا َبلْ ل يَخَافُونَ الْآخِ َرةَ (‪ )53‬كَلّا إِنّهُ َت ْذكِ َرةٌ (‪)54‬‬
‫َفمَنْ شَاءَ َذكَ َرهُ (‪َ )55‬ومَا َي ْذكُرُونَ إِلّا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ ُهوَ أَ ْهلُ ال ّت ْقوَى وَأَ ْهلُ ا ْل َم ْغفِ َرةِ (‪)56‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫كل نفس ‪ :‬أي مأمورة منهية‪.‬‬
‫رهينة ‪ :‬أي مرهونة مأخوذة بعملها في جهنم‪.‬‬
‫إل أصحاب اليمين‪ :‬أي المؤمنين فهم ناجون من النار وهم في جنات النعيم يتساءلون عن‬
‫المجرمين‪.‬‬
‫ولم نك نطعم المسكين‪ :‬أي بخل بما أتاهم ال‪.‬‬
‫وكنا نخوض ‪ :‬أي في الباطل وفيما يكره ال تعالى مع الخائضين‪.‬‬
‫نكذب بيوم الدين ‪:‬بيوم المجازاة والثواب ول نصدق بثواب ول عقاب‪.‬‬
‫حتى أتانا اليقين ‪ :‬أي الموت‪.‬‬
‫عن التذكرة معرضين ‪ :‬أي الموعظة منصرفين ل يسمعونها ول يقبلون عليها‪.‬‬
‫حمر مستنفرة ‪ :‬أي كأنهم حمر وحشية مستنفرة‪.‬‬
‫فرت من قسورة‪ :‬أي هربت من أسد أشد الهرب‪.‬‬
‫بل يريد كل أمرىء منهم ‪ :‬أي ليس هناك قصور في الدلة والحجج التي قدمت لهم بل يريد كل‬
‫واحد منهم‪.‬‬
‫أن يؤتى صحفا منشرة ‪ :‬أي يصبح وعند رأسه كتاب من ال رب العالمين إلى فلن آمن بنبينا‬
‫محمد واتبعه‪.‬‬
‫إنه تذكرة ‪ :‬أي عظة وعبرة‪.‬‬
‫فمن شاء ذكره ‪ :‬أي قرأه واتعظ به‪.‬‬
‫هو أهل التقوى ‪ :‬أي هو أهل لن يتقي لعظمة سلطانه وأليم عقابه‪.‬‬
‫وأهل المغفرة‪ :‬أي وأهل لن يغفر للتائبين من عباده والموحدين‪.‬‬

‫( ‪)5/471‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى { ُكلّ َنفْسٍ} أي يوم القيامة‬
‫{رَهِي َنةٌ} بمعنى مرهونة محبوسة أي كل نفس مأمورة منهية بمعنى مكلفة بخلف نفوس غير‬
‫المكلفين من أطفال ومجانين وقوله {إِلّا َأصْحَابَ الْ َيمِينِ} فإنهم قد فك رهنهم وهم في جنات النعيم‬
‫يتساءلون فيما بينهم عن أصحاب الجحيم وكيف حالهم ثم يتصلون بهم وهم في جنات النعيم‬
‫والمجرمون في سواء الجحيم‪ ،‬ويتم التصال برؤية الشخص وسماع كلمه وفي الصناعات‬
‫سقَرَ} أي أدخلكم في سقر‬
‫الحديثة اليوم ما جعل هذا أمرا معقول فيقولون لهم { مَا سََل َككُمْ فِي َ‬
‫ن َوكُنّا‬
‫ن َوكُنّا َنخُوضُ مَعَ الْخَا ِئضِي َ‬
‫سكِي َ‬
‫طعِمُ ا ْلمِ ْ‬
‫ن وَلَمْ َنكُ ُن ْ‬
‫فأجابوهم قائلين {قَالُوا َلمْ َنكُ مِنَ ا ْل ُمصَلّي َ‬
‫ُنكَ ّذبُ بِ َيوْمِ الدّينِ حَتّى أَتَانَا الْ َيقِينُ} فذكروا لهم أعظم الجرائم وهي ترك الصلة ومنع الزكاة‬
‫والتخوض مع أهل الباطل في كل شر وفساد والتكذيب بيوم القيامة وأنه ل حساب ول جزاء أي‬
‫ل ثواب ول عقاب وأنهم مع هذه الجرائم الموجبة للسلوك في سقر لم يتوبوا منها حتى أتاهم‬
‫اليقين الذي هو الموت فإن من مات دخل الدار الخرة من عتبتها وهي القبر فلذا قالوا حتى أتانا‬
‫اليقين أي الموت‪ .‬وقد يقال ألم يكن هناك شفعاء من الملئكة و النبياء والعلماء والشهداء‬
‫شفَاعَةُ الشّا ِفعِينَ} أي لم تكن لهم شفاعة لنهم‬
‫يشفعون؟ والجواب هو في قوله تعالى { َفمَا تَ ْن َف ُعهُمْ َ‬
‫ملحدة مجرمون‪ .‬وقوله تعالى { َفمَا َل ُهمْ عَنِ التّ ْذكِ َرةِ ُمعْ ِرضِينَ} أي فما لهؤلء المشركين المكذبين‬
‫بالبعث والجزاء عن التذكرة التي يذكرون بها في آيات هذه السورة وغيرها معرضين إنه أمر‬
‫حمُرٌ} وحشية {مُسْتَ ْنفِ َرةٌ فَ ّرتْ‬
‫عجيب أي شيء يجعلهم يعرضون عنها هاربين منها فارين {كَأَ ّن ُهمْ ُ‬
‫سوَ َرةٍ} أي فرت هاربة أشد الهرب من أسد من أسود الصحراء الطاغية إن فرارهم من هذه‬
‫مِنْ قَ ْ‬
‫الدعوة وإعراضهم عنها ليس عن قصور في أدلتها وضعف في حجتها بل يريد كل واحد منهم أن‬
‫يؤتى كتابا من ال يأمره فيه باليمان و اتباع محمد صلى ال عليه وسلم وهذا هو العناد والمكابرة‬
‫وصاحبهما غير مستعد لليمان بحال من الحوال‪ .‬وهذه الية كقوله تعالى‪{ :‬حَتّى ‪ 1‬تُنَ ّزلَ عَلَيْنَا‬
‫صحُفا مُنَشّ َرةً}‪ .‬وقوله تعالى‬
‫كِتَابا َنقْرَُأهُ} هذا معنى قوله تعالى { َبلْ يُرِيدُ ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ أَنْ ُيؤْتَى ُ‬
‫{كَلّا َبلْ ل يَخَافُونَ الْآخِ َرةَ} أي ليس المر كما يقولون ويدعون بل إن علة إعراضهم الحقيقية هي‬
‫عدم خوفهم من عذاب ال يوم القيامة‪ .‬وقوله تعالى {كَلّا إِ ّنهَا تَ ْذكِ َرةٌ} أي أل إن هذا القرآن تذكرة‬
‫فمن شاء ذكره أي قرأه فاتعظ به فآمن بال‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الية من سورة السراء وهي (أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا‬
‫نقرأه) إذ روي أن أبا جهل وجماعة من قريش قالوا يا محمد لن نؤمن بك حتى تأتي كل واحد منا‬
‫بكتاب من السماء عنوانه من رب العالمين إلى فلن بن فلن ونؤمر فيه بأتباعك‪.‬‬

‫( ‪)5/472‬‬

‫واتقاه فإنه ينجو ويسعد في جوار موله ومن لم يشأ ذلك فحسبه سقر وما أدراك ما سقر‪ .‬وقوله‬
‫تعالى { َومَا َي ْذكُرُونَ‪ 1‬إِلّا أَنْ َيشَاءَ اللّهُ} أي ما يذكر من يذكر إل بمشيئة ال فل بد من الفتقار إلى‬
‫ال وطلب توفيقه في ذلك إذ ل استقلل لحد عن ال ول غنى بأحد عن ال بل الكل مفتقر إليه‬
‫ومشيئته تابعة لمشيئته وقوله { ُهوَ‪ 2‬أَ ْهلُ ال ّت ْقوَى وَأَ ْهلُ ا ْل َم ْغفِ َرةِ} لقد ‪ 3‬صح أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم فسر هذه الية فقال قال ربكم أنا أهل أن أتقى فل يجعل معي إله فمن اتقاني فلم يجعل معي‬
‫إلها فأنا أهل أن أغفر له‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فكاك كل نفس مرهونة بكسبها هو اليمان والتقوى‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أكبر الجرائم وهي ترك الصلة ومنع الزكاة والخوض في الباطل وعدم التصديق‬
‫بالحساب والجزاء‪.‬‬
‫‪ -3‬ل شفاعة يوم القيامة لمن مات وهو يشرك بال شيئا‪.‬‬
‫‪ -4‬مرد النحراف في النسان إلى ضعف إيمانه بالبعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -5‬ال جل جلله هو ذو الهلية الحقة لمرين عظيمين التقوى فل يتقى على الحقيقة إل هو‬
‫والمغفرة فل يغفر الذنوب إل هو اللهم اغفر ذنوبنا فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ نافع وما تذكرون بالتاء على اللتفاف‪ ,‬وقرأ حفص وما يذكرون بالياء على الغيبة‪.‬‬
‫‪ 2‬تعريف جزيء الجملة مفيد للقصر أي ال وحده المتأهل للتقوى والمغفرة ل سواه‪.‬‬
‫‪ 3‬الحديث رواه الترمذي وقال فيه حسن غريب ونصه‪ :‬قال ال تعالى "أنا أهل أن أتقى فمن اتقاني‬
‫فلم يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له"‪.‬‬

‫( ‪)5/473‬‬

‫سورة القيامة‬
‫‪...‬‬
‫سورة القيامة‬
‫مكية وآياتها أربعون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫جمَعَ عِظَامَهُ (‪ )3‬بَلَى‬
‫سبُ الْأِ ْنسَانُ أَلّنْ َن ْ‬
‫ل ُأقْسِمُ بِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ (‪ )1‬وَل ُأقْسِمُ بِال ّنفْسِ الّلوّامَةِ (‪ )2‬أَ َيحْ َ‬
‫س ّويَ بَنَا َنهُ (‪َ )4‬بلْ‬
‫قَادِرِينَ عَلَى أَنْ ُن َ‬

‫( ‪)5/473‬‬

‫سفَ ا ْل َقمَرُ (‪)8‬‬


‫يُرِيدُ الْأِ ْنسَانُ لِ َيفْجُرَ َأمَامَهُ (‪ )5‬يَسَْألُ أَيّانَ َيوْمُ ا ْلقِيَامَةِ (‪ )6‬فَإِذَا بَ ِرقَ الْ َبصَرُ (‪ )7‬وَخَ َ‬
‫س وَا ْلقَمَرُ (‪َ )9‬يقُولُ الْأِنْسَانُ َي ْومَئِذٍ أَيْنَ ا ْل َمفَرّ (‪ )10‬كَلّا ل وَزَرَ (‪ )11‬إِلَى رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ‬
‫شمْ ُ‬
‫جمِعَ ال ّ‬
‫وَ ُ‬
‫ا ْلمُسْ َتقَرّ (‪ )12‬يُنَبّأُ الْأِنْسَانُ َي ْومَئِذٍ ِبمَا قَدّمَ وَأَخّرَ (‪َ )13‬بلِ الْأِنْسَانُ عَلَى َنفْسِهِ َبصِي َرةٌ (‪ )14‬وََلوْ أَ ْلقَى‬
‫َمعَاذِي َرهُ (‪)15‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ل ‪:‬أي ليس المر كما يدعي المشركون من أنه ل بعث ول جزاء‪.‬‬
‫أقسم بيوم القيامة ‪:‬أي الذي كذب به المكذبون‪.‬‬
‫ول أقسم بالنفس اللوامة ‪:‬أي لتبعثن ولتحاسبن ولتعاقبن أيها المكذبون الضالون‪.‬‬
‫اللوامة ‪:‬أي التي إن أحسنت لمت عن عدم الزيادة وإن أساءت لمت عن عدم التقصير‪.‬‬
‫أيحسب النسان ‪:‬أي الكافر الملحد‪.‬‬
‫أن لن نجمع عظامه ‪:‬أي أل نجمع عظامه لنحييه للبعث والجزاء‪.‬‬
‫بلى قادرين ‪ :‬أي بلى نجمعهما حال كوننا قادرين مع جمعها على تسوية بنانه‪.‬‬
‫على أن نسوي بنانه ‪:‬أي نجعل أصابعه كخف البعير أو حافر الفرس فل يقدر على العمل الذي‬
‫يقدر عليه الن مع تفرقة أصابعه‪ .‬كما نحن قادرون على جمع تلك العظام الدقيقة عظام البنان‬
‫وردها كما كانت كما نحن قادرون على تسوية تلك الخطوط الدقيقة في الصابع والتي تختلف بين‬
‫إنسان وإنسان اختلف الوجوه والصوات واللهجات‪.‬‬
‫بل يريد النسان ‪:‬أي بإنكاره البعث والجزاء‪.‬‬
‫ليفجر أمامه ‪:‬أي ليواصل فجوره زمانه كله ولذلك أنكر البعث‪.‬‬
‫يسأل أيان يوم القيامة ‪:‬أي يسأل سؤال استنكار واستهزاء واستخفاف‪.‬‬
‫فإذا برق البصر ‪:‬أي دهش وتحير لما رأى ما كان به يكذب‪.‬‬
‫وخسف القمر ‪:‬أي أظلم بذهاب ضوئه‪.‬‬

‫( ‪)5/474‬‬

‫وجمع الشمس والقمر ‪:‬أي ذهب ضوءهما وذلك في بداية النقلب الكوني الذي تنتهي فيه هذه‬
‫الحياة‪.‬‬
‫أين المفر ‪:‬أي إلى أين الفرار‪.‬‬
‫كل ‪ :‬ردع له عن طلب الفرار‪.‬‬
‫ل وزر ‪:‬أي ل ملجأ يتحصن به‪.‬‬
‫بل النسان على نفسه بصيرة ‪:‬أي هو شاهد على نفسه حيث تنطق جوارحه بعمله‪.‬‬
‫ولو ألقى معاذيره ‪:‬أي فلبد من جزائه ولو ألقى معاذيره‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {ل ُأقْسِمُ بِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ}‪ 1‬أي ما المر كما تقولون أيها المنكرون للبعث والجزاء أقسم‬
‫بيوم القيامة الذي تنكرون وبالنفس اللوامة التي ستحاسب وتجزي ل محالة لتبعثن ‪ 2‬ثم لتنبؤن بما‬
‫عظَامَهُ} أي بعد موته وفنائه‬
‫جمَعَ ِ‬
‫سبُ الْإنْسَانُ أَلّنْ َن ْ‬
‫حَ‬‫عملتم وذلك على ال يسير‪ .‬وقوله تعالى {أَيَ ْ‬
‫وتفرق أجزائه في الرض‪ ،‬والمراد من النسان هنا الكافر الملحد قطعا {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى ‪ 3‬أَنْ‬
‫س ّويَ بَنَانَهُ} أي بلى نجمعها حال كوننا قادرين على ذلك وعلى ما هو أعظم وهو تسوية بنانه أي‬
‫نُ َ‬
‫أصابعه بأن نجعلها كخف البعير أو حوافر الحمير‪ ،‬فيصبح يتناول الطعام بفمه كالكلب والبغل‬
‫والحمار‪ .‬وقوله { َبلْ‪ 4‬يُرِيدُ الْأِنْسَانُ لِ َيفْجُرَ‪َ 5‬أمَامَهُ} أي ما يجهل النسان قدرة خالقه على إعادة‬
‫خلقه ولكنه يريد أن يواصل فجوره مستقبله كله فل يتوب من ذنوبه ول يؤوب من معاصيه لن‬
‫شهواته مستحكمة فيه‪ ،‬وقوله تعالى { َيسَْألُ أَيّانَ َيوْمُ ا ْلقِيَامَةِ؟} يخبر تعالى عن المنكر للبعث من‬
‫أحل مواصلة الفجور من زنا وشرب خمور بأنه يقول أيان يوم القيامة استبعادا واستنكارا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في (ل) هنا توجيهان الول ما آثره ابن جرير وهو ما اخترناه في التفسير‪ ,‬وأنها نافية لدعوى‬
‫سابقة إبطال لها والكلم بعدها مستأنف‪ .‬والثاني أنها أي (ل) حرف نفي أدخل على (أقسم) لقصد‬
‫المبالغة في تحقيق حرمة المقسم به بحيث يوهم السامع أن المتكلم يهم أن يقسم ثم يترك القسم‬
‫مخافة الحنث بالمقسم به فيقول ل أقسم به ول أقسم بأعز منه عندي‪ ،‬والمراد تأكيد القسم ووجه‬
‫ثالث وهي أنها مزيدة لتقوية الكلم‪.‬‬
‫‪ 2‬لتبعثن هو جواب القسم‪.‬‬
‫‪ 3‬بلى حرف إبطال للنفي أي بل نجمعها أي العظام المتفرقة حال كوننا قادرين على ذلك وعلى‬
‫ما هو أعظم وهو تسوية بنانه‪.‬‬
‫‪ 4‬بل هنا للضراب النتقالي من تقريره حقيقة إلى أخرى أعجب وأغرب وهي الكشف عن سر‬
‫إنكار الملحدة للبعث وهو مواصلتهم الفجور عن كل خلق ودين ومروءة وأدب لنهزامهم‬
‫لشهواتهم البهيمية‪.‬‬
‫‪ 5‬اللم في ليفجر هي اللم التي يكثر وقوعها بعد مادتي المر والرادة نحو وأمرت لعدل بينكم‬
‫ويريد ال ليبين لكم‪ ،‬وقول كثير‪:‬‬
‫أريد لنسى حبها فكأنهما‬
‫تمثل لي ليلي بكل مكان‬
‫وينصب الفعل بعدها بأن مضمرة وهل للتعليل أو زائدة خلف‪.‬‬

‫( ‪)5/475‬‬

‫وتسويفا للتوبة فبين تعالى له وقت مجيئه بقوله {فَإِذَا بَرِقَ الْ َبصَرُ‪ }1‬أي عند الموت بأن تحير‬
‫س وَا ْل َقمَرُ} أي ذهب ضوءهما وذلك‬
‫شمْ ُ‬
‫جمِعَ ال ّ‬
‫سفَ ا ْل َقمَرُ} أي أظلم وذهب ضوءه‪{ ،‬وَ ُ‬
‫واندهش {وَخَ َ‬
‫في بداية النقلب الكوني الذي تنتهي فيه هذه الحياة { َيقُولُ الْأِ ْنسَانُ} الكافر { َي ْومَئِذٍ أَيْنَ ا ْل َمفَرّ؟} أي‬
‫إلى أين الفرار يا ترى؟ قال تعالى {كَلّا} أي ل فرار اليوم من قبضة الجبار أيها النسان الكافر {ل‬
‫وَزَرَ} أي ل حصن ول ملتجأ وإنما {ِإلَى رَ ّبكَ} اليوم {ا ْلمُسْ َتقَرّ} أي النتهاء والستقرار إما إلى‬
‫جنة وإما للى نار وقوله تعالى {يُنَبّأُ الْأِ ْنسَانُ َي ْومَئِذٍ ِبمَا قَدّ َم وَأَخّرَ} أي يوم تقوم الساعة يخبر‬
‫النسان من قبل ربه تعالى بما قدم من أعماله في حياته الخير والشر سواء وبما أخر بعد موته‬
‫من سنة حسنة سنها أو سيئة كذلك وقوله تعالى { َبلِ الْأِ ْنسَانُ عَلَى َنفْسِهِ َبصِي َر ٌة وََلوْ أَ ْلقَى َمعَاذِي َرهُ}‬
‫أي عندما يتقدم النسان للستنطاق فيخبر بما قدم وأخر هناك يحاول أن يتنصل من بعض ذنوبه‬
‫فتنطق جوارحه ويختم على لسانه فيتخذ من جوارحه شهود عليه فتلك البصيرة ‪2‬ولو ألقى معاذيره‬
‫‪ 3‬واعتذر ول يقبل منه ذلك لكونه شاهدا على نفسه بجوارحه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان إفضال ال على العبد في خلقه وتركيب أعضائه‪.‬‬
‫‪ -3‬معجزة قرآنية أثبتها العلم الصناعي الحديث وهي عدم تسوية خطوط الصابع‪.‬‬
‫‪ -4‬فكما خالف تعالى بين النسان والنسان وبين صوت وصوت فرق بين خطوط الصابع فلذا‬
‫استعملت في المضاءات وقبلت في الشهادات‪.‬‬
‫‪ -5‬تقرير مبدأ أن المؤمن يثاب على ما أخر من سنة حسنة يعمل بها بعده كما يأثم بترك السنة‬
‫السيئة يعمل بها كذلك بعده‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ نافع برق البصر بفتح الراء ومعناه لمع من شدة شخوصه فهو ل يطرف وقرأ برق بكسر‬
‫الراء ومعناه دهش وتحير‪ .‬وهذا عند موت النسان‪.‬‬
‫‪ 2‬البصيرة جائز أن يراد بها الملكان بقرينة‪ .‬ولو ألقى معاذيره أي لو أرخى ستوره إذ الستر بلغة‬
‫اليمن المعذار وجائز أن يكون المراد بها النسان نفسه أي حجة على نفسه وما في التفسير أولى‬
‫بمعناها‪.‬‬
‫‪ 3‬المعاذير أسم جمع معذرة وليس جمعا‪ ،‬لن معذرة حقه أن يجمع على معاذر كمقبرة ومقابر‪،‬‬
‫والمراد من معاذر النسان‪ :‬ما يعتذر به كقولهم ‪:‬ما جاءنا بشير ول نذير وقولهم { رب ارجعون‬
‫لعلي أعمل صالحا } وقولهم {هؤلء أضلونا } وقولهم { وال ربنا ما كنا مشركين}‪.‬‬

‫( ‪)5/476‬‬

‫ج ْمعَ ُه َوقُرْآنَهُ (‪ )17‬فَِإذَا قَرَأْنَاهُ فَاتّبِعْ قُرْآنَهُ (‪ُ )18‬ثمّ‬


‫جلَ بِهِ (‪ )16‬إِنّ عَلَيْنَا َ‬
‫ل ُتحَ ّركْ بِهِ لِسَا َنكَ لِ َتعْ َ‬
‫إِنّ عَلَيْنَا بَيَا َنهُ (‪ )19‬كَلّا َبلْ تُحِبّونَ ا ْلعَاجِلَةَ (‪ )20‬وَتَذَرُونَ الْآخِ َرةَ (‪ )21‬وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ نَاضِ َرةٌ (‪)22‬‬
‫إِلَى رَ ّبهَا نَاظِ َرةٌ (‪َ )23‬ووُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ بَاسِ َرةٌ (‪َ )24‬تظُنّ أَنْ ُي ْف َعلَ ِبهَا فَاقِ َرةٌ (‪)25‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ل تحرك به لسانك ‪:‬أي ل تحرك بالقرآن لسانك قبل فراغ جبريل منه‪.‬‬
‫لتعجل به ‪:‬أي مخافة أن يتفلت منك‪.‬‬
‫إن علينا جمعه ‪:‬أي في صدرك‪.‬‬
‫وقرآنه ‪:‬أي قراءتك له بحيث نجريه على لسانك‪.‬‬
‫فإذا قرأناه ‪:‬أي قرأه جبريل عليك‪.‬‬
‫فاتبع قرآنه ‪:‬أي استمع قراءته‪.‬‬
‫ثم إن علينا بيانه ‪:‬أي لك بتفهيمك ما يشكل عليك من معانيه‪.‬‬
‫كل ‪:‬أي ليس المر كما تزعمون أنه ل بعث ول جزاء‪.‬‬
‫تحبون العاجلة ‪:‬أي الدنيا فيعملون لها‪.‬‬
‫وتذرون الخرة ‪:‬أم ويتركون الخرة فل يعملون لها‪.‬‬
‫ناضرة ‪:‬أي حسنة مضيئة‪.‬‬
‫إلى ربها ناظرة ‪:‬أي إلى ال تعالى ربها ناظرة بحيث ل تحجب عنه تعالى‪.‬‬
‫باسرة ‪:‬أي كالحة مسودة عابسة‪.‬‬
‫تظن ‪ :‬أي توقن‪.‬‬
‫أن يفعل بها فاقرة ‪:‬أي داهية عظيمة تكسر فقار الظهر‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما ندد تعالى بالمعرضين عن القرآن المكذبين به وبالبعث والجزاء ذكر في هذه اليات المقبلين‬
‫على القرآن المسارعين إلى تلقيه فكانت المناسبة بين هذه اليات وسابقتها المقابلة بالتضاد‪.‬‬

‫( ‪)5/477‬‬

‫فقال تعالى مؤدبا رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم {ل ُتحَ ّركْ بِهِ‪ }1‬أي بالقرآن {لِسَا َنكَ} قبل‬
‫فراغ جبريل من قراءته عليك‪ .‬إذ كان صلى ال عليه وسلم حريصا على القرآن يخاف أن يتفلت‬
‫منه شيء فأكرمه ربه بالتخفيف عليه وطمأنه أن ل يفقد منه شيئا فقال له {ل ُتحَ ّركْ بِهِ ِلسَا َنكَ‬
‫ج ْمعَهُ} أي في صدرك { َوقُرْآ َنهُ} على لسانك حيث نسهل‬
‫جلَ بِهِ} مخافة أن يتفلت منك {إِنّ عَلَيْنَا َ‬
‫لِ َتعْ َ‬
‫ذلك ونجريه على لسانك‪{ ،‬فَِإذَا قَرَأْنَاهُ} أي قرأه جبريل عليك {فَاسْ َتمِعْ} له ثم اقرأه كما قرأه واعمل‬
‫بشرائعه وأحكامه‪ .‬وقوله تعالى {ثُمّ إِنّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ‪ }2‬أي إنا نبين لك ما يشكل عليك من معانيه‬
‫حتى تعمل بكل ما طلب منك أن تعمل به‪ .‬وقوله تعالى {كَلّا َبلْ ُتحِبّونَ ا ْلعَاجَِل َة وَتَذَرُونَ الْآخِ َرةَ}‬
‫عاد السياق الكريم إلى تقرير عقيدة البعث والجزاء والتي عليها وعلى اليمان بال مدار الصلح‬
‫والتهذيب فقال {كَلّا ‪ }3‬أي ليس كما تدعون من عدم إمكان البعث والجزاء لنكم تعلمون أن القادر‬
‫على إيجادكم اليوم وإعدامكم غدا قادر على إيجادكم مرة أخرى‪ ،‬ولكن الذي جعلكم تكذبون بالبعث‬
‫والجزاء هو حبكم للحياة العاجلة أي الدنيا وما فيها من لذات وشهوات‪ ،‬وترككم للخرة أي للحياة‬
‫الخرة لنها تكلفكم الصلة والصيام والجهاد‪ ،‬والتخلي عن كثير من اللذات والشهوات‪ .‬بعد أن‬
‫كشف عن نفسيات المكذبين توبيخا لهم وتقريعا عرض على أنظارهم منظرا حيا وصورة ناطقة‬
‫لما يتجاهلونه من شأن الخرة فقال {وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ} أي يوم إذ تقوم القيامة {نَاضِ َرةٌ} أي حسنة‬
‫‪4‬مضيئة مشرقة لن أرواح أصحابها كانت في الدنيا مشرقة بنور اليمان وصالح العمال {إِلَى‬
‫رَ ّبهَا ‪ 5‬نَاظِ َرةٌ} سعيدة بلقاء ربها مكرمة بالنظر إليه وهي في جواره { َووُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ بَاسِ َرةٌ} أي‬
‫كالحة مسودة عابسة وذلك لن أرواح أصحابها كانت في الدنيا تعيش على ظلمة الكفر وعفن‬
‫الذنوب ودخان المعاصي فانطبعت النفس على الوجه فهي باسرة حالكة عابسة {تَظُنّ} أي توقن‬
‫أي الوجوه والمراد أصحابها {أَنْ ُي ْف َعلَ‪ِ 6‬بهَا فَاقِ َرةٌ} أي داهية عظيمة تكسر فقار‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى الترمذي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا‬
‫نزل عليه القرآن يحرك به لسانه يريد أن يحفظه فأنزل ال تعالى {ول تحرك به لسانك لتعجل به}‬
‫فكان يحرك شفتيه‪ ،‬وحرك سفيان شفتيه‪ .‬قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫‪ 2‬أي تفسير ما فيه من الحدود والحلل والحرام وكيفيات العبادات وجائز أن يبين له الوعد‬
‫والوعيد بتحقيقهما‪.‬‬
‫‪ 3‬كل حرف ردع إبطال وفي التفسير بيان ما أبطل بها‪.‬‬
‫‪ 4‬وشاهد هذا الحديث‪" :‬نضر ال امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها" ‪.‬‬
‫‪ 5‬نفى المعتزلة والخوارج وعامة الفرق الضالة نفوا رؤية ال تعالى في الدار الخرة وردوا بذلك‬
‫الكتاب والسنة فهذه الية صريحة في جواز النظر إلى وجه ال تعالى وآية المطففين‪{ .‬إنهم عن‬
‫ربهم يومئذ لمحجوبون} فغيرهم من أهل اليمان وصالح العمال غير محجوبين‪ ,‬ومن السنة‬
‫حديث البخاري وغيره " إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر ل تضامون في رؤيته فإن‬
‫استطعتم أل تغلبوا على صلة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" (متفق عليه) وأحاديث‬
‫أخرى ويكفي إجماع أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫‪ 6‬الفقرة بكسر الفاء وتفتح والجمع فقر وفقار وفقر وفقرات وفقرات خرزات الظهر‪.‬‬

‫( ‪)5/478‬‬

‫سعَةَ‬
‫سقَرُ ل تُ ْبقِي وَل تَذَرُ َلوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَ ْيهَا ِت ْ‬
‫سقَرَ َومَا َأدْرَاكَ مَا َ‬
‫الظهر منها وهي القاؤه {فِي َ‬
‫عَشَرَ} فاذكروا هذا يابشر!!‬
‫كَلّا إِذَا بََل َغتِ التّرَا ِقيَ (‪َ )26‬وقِيلَ مَنْ رَاقٍ (‪ )27‬وَظَنّ أَنّهُ ا ْلفِرَاقُ (‪ )28‬وَالْ َتفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ (‬
‫‪ )29‬إِلَى رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ ا ْلمَسَاقُ (‪ )30‬فَل صَدّقَ وَل صَلّى (‪ )31‬وََلكِنْ كَ ّذبَ وَتَوَلّى (‪ )32‬ثُمّ ذَ َهبَ‬
‫سبُ الْأِ ْنسَانُ أَنْ يُتْ َركَ‬
‫إِلَى أَهْلِهِ يَ َتمَطّى (‪َ )33‬أوْلَى َلكَ فََأوْلَى (‪ )34‬ثُمّ َأوْلَى َلكَ فََأوْلَى (‪ )35‬أَ َيحْ َ‬
‫ج َعلَ مِ ْنهُ ال ّزوْجَيْنِ‬
‫سوّى (‪َ )38‬ف َ‬
‫طفَةً مِنْ مَنِيّ ُيمْنَى (‪ )37‬ثُمّ كَانَ عََلقَةً َفخَلَقَ فَ َ‬
‫سُدىً (‪ )36‬أََلمْ َيكُ ُن ْ‬
‫ال ّذكَ َر وَالْأُنْثَى (‪ )39‬أَلَيْسَ ذَِلكَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْ ِييَ ا ْل َموْتَى (‪)40‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إذا بلغت ‪:‬أي النفس‪.‬‬
‫التراقي ‪:‬جمع ترقوة أي عظام الحلق‪.‬‬
‫وقيل من راق ‪:‬أي وقال من حوله من عواده أو ممرضيه هل هناك من يرقيه ليشفى؟ ‪.‬‬
‫وظن أنه الفراق ‪ :‬أي أيقن أنه للدنيا لبلوغ الروح الحلقوم‪.‬‬
‫والتفت الساق بالساق ‪:‬أي التقت إحدى ساقيه بالخرى أو التفت شدة فراق الدنيا بشدة إقبال‬
‫الخرة وما فيها من أهوال‪.‬‬
‫إلى ربك يومئذ المساق ‪:‬أي إذا بلغت الروح الحلقوم تساق إلى ربها وخالقها لتلقى جزاءها‪.‬‬
‫فل صدق ول صلى ‪:‬أي النسان الذي يحسب أن لن يجمع ال عظامه ما صدق ول صلى‪.‬‬
‫ولكن كذب ‪:‬أي بالقرآن‪.‬‬
‫وتولى ‪:‬أي عن اليمان‪.‬‬
‫يتمطى ‪:‬أي يتبختر في مشيته إعجابا بنفسه‪.‬‬
‫أولى لك ‪:‬أي وليك المكروه أيها المعجب بنفسه المكذب بلقاء ربه‪.‬‬
‫فأولى ‪:‬أي فهو أولى بك‪.‬‬
‫ثم أولى لك فأولى ‪:‬أي وليك المكروه مرة ثانية فأولى فهو أولى بك أيضا‪.‬‬
‫أن يترك سدى ‪:‬أي مهمل ل يكلف في الدنيا ول يحاسب ويجزى في الخرة‪.‬‬

‫( ‪)5/479‬‬

‫تمنى ‪:‬أي تصب في الرحم‪.‬‬


‫فخلق فسوى ‪:‬أي خلق ال منها النسان فسواه بتعديل أعضائه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقوله تعالى {كَلّا} أي ليس المر كما تحسب‬
‫أيها النسان أن ال ل يجمع عظامك ول يحييك ول يجزيك انظر إليك وأنت على فراش الموت‬
‫إلى أين يكون مساقك إذا بلغت روحك التراقي ‪ 1‬من عظام حلقك وقال عوادك وممرضوك هل‬
‫من راق يريقك أو طبيب يداويك وأيقنت أنه الفراق لدنياك وأهلك وذويك‪ ،‬والتفت ساقك اليمنى‬
‫باليسرى ‪ 2‬وشدة فراقك الدنيا بشدة إقبالك على الخرة هنا انظر إلى أين يذهب بك أما جسمك‬
‫فإلى مقره في الرض تواريك‪ ،‬وأما روحك فإلى ربك ليحكم فيك‪ .‬وقد كذبت بآياته وكفرت‬
‫بآلئه‪ .‬فل صدقت ول صليت‪ ،‬ولكن كذبت وتوليت كان هذا نصيبك من دينك‪ ،‬وأما دنياك‪ ،‬فقد‬
‫كنت تتمطى استكبارا وتتبختر إعجابا‪ .‬إذا {َأوْلَى ‪َ 3‬لكَ فََأوْلَى} أي وليك الهلك في الدنيا {ثُمّ َأوْلَى‬
‫َلكَ فََأوْلَى} أي وليك العذاب في الخرة وعودة إلى تقريعك وتوبيخك يا من كفرت ربك وتنكرت‬
‫لصلك اسمع ما يقال لك أحسبت أنك تترك سدى‪ ،‬تعيش سبهلل‪ ،‬ل تؤمر ول تنهى‪ ،‬ل يؤخذ منك‬
‫ول تعطي كل ألم تك قبل كفرك وجحودك نطفة قطرة ماء من منيّ تمنى قل بلى أو أولى لك‬
‫فأولى‪ ،‬ثم كنت علقة فخلقك ال جل جلله منها فسوىّ خلقك بتعديل أعضائك فجعل من نوعك‬
‫الذكر والنثى‪ .‬قل لي بربك هل تنكر ذلك فإن قلت ل‪ .‬قلنا أليس ال بقادر على أن يحي الموتى؟‬
‫سبحانك اللهم بلى‪4.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية الرقية إذا كانت بالقرآن أو الكلم الطيب‪.‬‬
‫‪ -2‬التنويه بشأن الزكاة والصلة فرائض ونوافل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬التراقي جمع ترقوة وهي العظام المكتفة لنقرة النحر موضع الحشرجة قال دريد بن الصمة‬
‫ورب عظيمة دافعت عنهم‬
‫وقد بلغت نفوسهم التراقي‬
‫‪ 2‬أي التفت شدة فراقك الدنيا بشدة إقبالك على الخرة هذا أحد وجهين في تفسير الية وفي‬
‫التفسير كل الوجهين إل أن في هذا خفاء فأوضحته هنا‪.‬‬
‫‪ 3‬ما هناك حاجة إلى أن يقال هذا في أبي جهل إذ هو خطاب لكل إنسان كافر مشرك ضال‬
‫وسواء كان قد مضى أهو حاضر اليوم أو يأتي غدا إذ لفظ النسان في قوله تعالى أيحسب‬
‫النسان لفظ عام)‪.‬‬
‫‪ 4‬لقد أستمالني السلوب الدبي فأخذت أخاطب النسان الهالك مقرعا موبخا بما تضمنته اليات‬
‫فهم مدلولها للتعاظ والهتداء بهديها‪ ،‬فإن لم يك هذا مرضيا فاعف عني واغفر لي‪ .‬آمين‪.‬‬

‫( ‪)5/480‬‬

‫‪ -3‬تحريم العجب والكبرياء والتبختر في المشي‪.‬‬


‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -5‬النسان لم يخلق عبثا والكون كله كذلك‪.‬‬
‫‪ -6‬مشروعية قول سبحانك اللهم بلى لمن قرأ هذه الية أو سمعها إماما كان أو مأموما وهي‬
‫{أَلَيْسَ ذَِلكَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ ُيحْ ِييَ ا ْل َموْتَى}‬

‫( ‪)5/481‬‬

‫سورة النسان‬
‫‪...‬‬
‫سورة النسان‬
‫مدنية وآياتها إحدى وثلثون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫طفَةٍ َأمْشَاجٍ‬
‫َهلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ لَمْ َيكُنْ شَيْئا مَ ْذكُورا (‪ )1‬إِنّا خََلقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ ُن ْ‬
‫سمِيعا َبصِيرا (‪ )2‬إِنّا هَدَيْنَاهُ السّبِيلَ ِإمّا شَاكِرا وَِإمّا َكفُورا (‪ )3‬إِنّا أَعْ َتدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ‬
‫جعَلْنَاهُ َ‬
‫نَبْتَلِيهِ َف َ‬
‫جهَا كَافُورا (‪ )5‬عَيْنا يَشْ َربُ‬
‫سعِيرا (‪ )4‬إِنّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَا ُ‬
‫ل وَ َ‬
‫سَلسِل وَأَغْل ً‬
‫ط ِعمُونَ‬
‫ِبهَا عِبَادُ اللّهِ ُيفَجّرُو َنهَا َتفْجِيرا (‪ )6‬يُوفُونَ بِالنّذْ ِر وَ َيخَافُونَ َيوْما كَانَ شَ ّرهُ ُمسْتَطِيرا (‪ )7‬وَيُ ْ‬
‫شكُورا‬
‫جهِ اللّهِ ل نُرِيدُ مِ ْنكُمْ جَزَا ًء وَل ُ‬
‫ط ِع ُمكُمْ ِلوَ ْ‬
‫سكِينا وَيَتِيما وََأسِيرا (‪ )8‬إِ ّنمَا ُن ْ‬
‫طعَامَ عَلَى حُبّهِ مِ ْ‬
‫ال ّ‬
‫(‪ )9‬إِنّا نَخَافُ مِنْ رَبّنَا َيوْما عَبُوسا َقمْطَرِيرا (‪َ )10‬ف َوقَاهُمُ اللّهُ شَرّ ذَِلكَ الْ َيوْ ِم وََلقّاهُمْ َنضْ َرةً‬
‫وَسُرُورا (‪ )11‬وَجَزَا ُهمْ ِبمَا صَبَرُوا جَنّةً وَحَرِيرا (‪)12‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫هل أتى ‪:‬أي قد أتى‪.‬‬

‫( ‪)5/481‬‬

‫على النسان ‪:‬أي آدم عليه السلم‪.‬‬


‫حين من الدهر ‪:‬أي أربعون سنة‪.‬‬
‫لم يكن شيئا مذكورا ‪:‬أي ل نباهة ول رفعة له لنه طين لزب وحمأ مسنون وذلك قبل أن ينفخ‬
‫ال تعالى فيه الروح‪.‬‬
‫أمشاج ‪ :‬أي أخلط من ماء المرأة وماء الرجل‪.‬‬
‫نبتليه ‪ :‬أي نختبر بالتكاليف بالمر والنهي عند تأهله لذلك بالبلوغ والعقل‪.‬‬
‫إنا هديناه السبيل ‪:‬أي بينا له طريق الهدى ببعثة الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫إنا أعتدنا ‪:‬أي هيأنا‪.‬‬
‫سلسل ‪:‬أي يسحبون بها في نار جهنم‪.‬‬
‫وأغلل ‪:‬أي في أعناقهم‪.‬‬
‫وسعيرا ‪:‬أي نارا مسعرة مهيجة‪.‬‬
‫إن البرار ‪:‬أي المطيعين ل ورسوله الصادقين في إيمانهم وأقوالهم وأحوالهم‪.‬‬
‫مزاجها ‪:‬أي ما تمزج به وتخلط‪.‬‬
‫يفجرونها ‪ :‬أي يجرونها ويسيلونها حيث شاءوا‪.‬‬
‫شره مستطيرا ‪:‬أي ممتدا طويل فاشيا منتشرا‪.‬‬
‫عبوسا ‪:‬أي تكلح الوجوه من طوله وشدته‪.‬‬
‫نضرة وسرورا ‪:‬أي حسنا ووضاءة في وجوههم وفرحا في قلوبهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى { َهلْ أَتَى ‪ 1‬عَلَى الْأِ ْنسَانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ لَمْ َيكُنْ شَيْئا مَ ْذكُورا} يخبر تعالى عن آدم أبي‬
‫البشر عليه السلم أنه أتى عليه حين من الدهر قد يكون أربعين سنة وهو صورة من طين ل‬
‫روح فيها‪ ،‬فلم يكن في ذلك الوقت له نباهة أو رفعة فيذكر‪ .‬هذا النسان الول آدم أخبر تعالى‬
‫طفَةٍ َأمْشَاجٍ} يخبر تعالى عن النسان الذي هو ابن آدم‬
‫عن بدء أمره‪ .‬وقوله {إِنّا خََلقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ ُن ْ‬
‫أنه خلقه من نطفة وهي ‪2‬ما ينطف ويقطر من ماء الرجل وماء المرأة‪ ،‬ومعنى أمشاج ‪3‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام تقريري بمعنى أتى على النسان كذا‪ .‬وجائز أن يكون المراد من النسان غير آدم‬
‫وكونه آدم هو المراد من الية أولى‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال مشج الشيء يمشجه أي خلطه فهو ممشوج و مشيج مثل مخلوط وخليط وهل أمشاج جمع‬
‫مشج على وزن سبب وأسباب أو هو مفرد خلف‪.‬‬
‫‪ 3‬من نطفة أي من ماء يقطر وهو المني وكل ماء قليل في وعاء فهو نطفة كقول عبد ال بن‬
‫رواحة‪:‬‬
‫مالي أراك تكرهين الجنة‬
‫هل أنت إل نطفة في شنة‬

‫( ‪)5/482‬‬

‫أخلط من ماء الرجل وماء المرأة فهذا مبدأ خلق النسان ابن آدم‪ .‬وقوله {نَبْتَلِيهِ‪ }1‬أي نختبره‬
‫بالتكاليف بالمر والنهي وذلك عند تأهله لذلك بالبلوغ والعقل ولذلك جعله سميعا بصيرا إذ بوجود‬
‫السمع والبصر معا أو بأحدهما يتم التكليف فإن انعدما فل تكليف لعدم القدرة عليه‪ .‬وقوله تعالى‬
‫{إِنّا هَدَيْنَاهُ السّبِيلَ} أي بينا له طريق الهدى ببعثة الرسل وإنزال الكتب واستبان له بذلك أيضا‬
‫طريق الغي والردى إذ هما النجدان إن عرف أحدهما عرف الثاني وهو في ذلك إما ‪ 2‬أن يسلك‬
‫سبيل الهدى فيكون شكورا‪ ،‬وإما أن يسلك سبيل الغي والردى فيكون كفورا‪ ،‬والشكور المؤمن‬
‫الصادق في إيمانه المطيع لربه‪ ،‬والكفور المكذب بآيات ال ولقائه‪ .‬وقوله تعالى {إِنّا ‪ 3‬أَعْ َتدْنَا‬
‫لِ ْلكَافِرِينَ} اليات شروع في بيان ما أعد لكل من سالكي سبيل الرشد وسالكي سبيل الغي فقال‬
‫بادئا بما أعد لسالكي سبيل الغي موجزا في بيان ما أعد لهم من عذاب بخلف ما أعد لسالكي‬
‫سبيل الرشد فإنه نعيم تفصيله محبوب والطناب في بيانه مرغوب فقال {إِنّا أَعْتَدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ‬
‫سَلسِل وَأَغْللً} يسحبون بها في النار‪ ،‬وأغلل تغل بها أيديهم في أعناقهم وسعيرا متأججا‬
‫وجحيما مستعرا‪ .‬هذا موجز ما أعد لسالكي سبيل الغي أما سالكي سبيل الرشد فقد بينه بقوله {إِنّ‬
‫الْأَبْرَارَ‪ }4‬أي المؤمنين المطيعين في صدق ل والرسول {يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ} ملى شرابا مزاجها‬
‫كافورا ومزجت بالكافور لبرودته وبياض لونه وطيب رائحته عينا يشرب بها ‪ 5‬عباد ال لعذوبة‬
‫مائها وصفائه أصبحت كأنها أداة يشرب بها ولذا قال يشرب بها ولم يقل يشرب منها وقوله‬
‫يفجرونها تفجيرا أي يجرونها ويسيلونها حيث شاءوا من غرفهم وقصورهم ومجالس سعادتهم‪.‬‬
‫وقوله {يُوفُونَ بِالنّذْرِ} قطع الحديث عن نعيمهم ليذكر بعض فضائلهم ترغيبا في فعلهم ونعيمهم‪ ،‬ثم‬
‫يعود إلى عرض النعيم فقال {يُوفُونَ بِالنّذْرِ}‪ 6‬أي كانوا في دار الدنيا يوفون بالنذر وهو ما‬
‫يلتزمونه من طاعات لربهم كالصلة والصيام والحج والصدقات تقربا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الجملة حالية من النسان‪.‬‬
‫‪ 2‬إما حرف تفصيل وهو بسيط عند الجمهور وقال سيبويه هو مركب حرف إن الشرطية وما‬
‫النافية‪ ،‬ولما تجردت إن من الشرطية وما من النفي أصبحت إما حرف تفصيل بسيط في الواقع‬
‫وليس مركبا‪.‬‬
‫‪ 3‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لنها واقعة موقع جواب للسؤال عن حال كل من الشاكر والكفور‬
‫فكان الكلم بيانا لحال كل منهما‪.‬‬
‫‪ 4‬البرار جمع بر وبار‪ ،‬وهو المكثر من فعل البر الذي هو الخير ولذا كان البر من أسماء ال‬
‫تعالى‪ ،‬قال تعالى‪ :‬إنا كنا ندعوه من قبل إنه هو البر الرحيم ويجمع البر على بررة‪.‬‬
‫‪ 5‬جائز أن تكون الباء في بها بمعنى من التبعيضية وجائز أن يكون يشرب مضمنا معنى يروى‬
‫أي يروى بها عباد ال ومن شواهد هذه الباء قول الشاعر‪:‬‬
‫شربت بماء البحر ثم تدفقت‬
‫متى لجج خضر لهن نئيح‬
‫متى بمعنى في والنئيح مر سريع مع صوت والشاهد قي بماء البحر‪.‬‬
‫‪ 6‬النذر هو ما يوجبه المكلف على نفسه في الطاعة بحيث لو لم يوجبه لم يلزمه‪.‬‬

‫( ‪)5/483‬‬

‫إلى ربهم وتزلفا إليه ليحرزوا رضاه عنهم وتلك غاية مناهم‪ .‬وقوله يخافون يوما كان شره‬
‫مستطيرا ‪ 1‬أي وكانوا في حياتهم يخافون يوم الحساب يوم العقاب يوما كان شره منتشرا ومع ذلك‬
‫يطعمون الطعام على حبه أي مع حبهم وشهوتهم له ورغبتهم فيه‪ ،‬يطعمونه مسكينا فقيرا مسكنه‬
‫الفقر وأذلته الحاجة‪ ،‬ويتيما ل عائل له ول مال عنده‪ ،‬وأسيرا سجينا بعيد الدار نائي المزار ل‬
‫يعرف له أصل ول فصل يطعمونهم ولسان حالهم أو قالهم يقول إنما نطعمكم لوجه ال ل نريد‬
‫منكم جزاء تجازوننا به في يوم ما من اليام ول شكورا ينالنا منكم‪ .‬إنا نخاف من ربنا يوما‬
‫عبوسا أي كالح الوجه مسودا ثقيل طويل ل يطاق‪ .‬واستجاب ال لهم وحقق بفضله مناهم فوقاهم‬
‫ال شر ذلك اليوم العبوس القمطرير‪ ،‬ولقاهم نضرة في وجوههم وسرورا في قلوبهم و جزاهم بما‬
‫صبروا على فعل الصالحات وعن ترك المحرمات جنًة وحريرا‪ ،‬وما سيذكر بعد في اليات‬
‫التاليات‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان نشأة النسان الب والنسان البن وما تدل عليه من إفضال ال وإكرامه لعباده‪.‬‬
‫‪ -2‬حاستا السمع والبصر وجودهما معا أو وجود إحداهما ضروري للتكليف مع ضميمة العقل‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أن النسان أمامه طريقان فيسلك أيهما شاء وكل طريق ينتهي به إلى غاية فطريق الرشد‬
‫يوصل إلى الجنة دار النعيم‪ ،‬وطريق الغي يوصل إلى دار الشقاء الجحيم‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب الوفاء بالنذر فمن نذر شيئا ل وجب أن يفي بنذره إل أن ينذر معصية فل يجوز له‬
‫الوفاء ‪ 2‬بنذره فيها فمن قال ل على أن أصوم يوم أو شهر كذا وجب عليه أن يصوم ومن قال ل‬
‫علي أن ل أصل رحمي‪ ،‬أو أن ل أصلي ركعة مثل فل يجوز له الوفاء بنذره وليصل رحمه‬
‫وليصل صلته ول كفارة عليه‪.‬‬
‫‪ -5‬الترغيب في إطعام الطعام للمحتاجين إليه من فقير ويتيم وأسير‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يقال استطار الحريق إذا انتشر قال حسان‬
‫وهان على سراة بني لؤي‬
‫حريق بالبويرة مستطير‬
‫قال قتادة استطار وال شر ذلك اليوم حتى مل السموات والرض‪.‬‬
‫‪ 2‬ما يروى عن فاطمة وعلي رضي ال عنهما في مرض الحسنين وما نذرا ل في شأنهما حديث‬
‫موضوع باطل رده أهل العلم جملة وتفصيل‪.‬‬

‫( ‪)5/484‬‬

‫علَ ْيهِمْ ظِلُلهَا َوذُلَّلتْ‬


‫شمْسا وَل َز ْمهَرِيرا (‪ )13‬وَدَانِيَةً َ‬
‫علَى الْأَرَا ِئكِ ل يَ َروْنَ فِيهَا َ‬
‫مُ ّتكِئِينَ فِيهَا َ‬
‫قُطُو ُفهَا تَذْلِيلً (‪ )14‬وَيُطَافُ عَلَ ْي ِهمْ بِآنِيَةٍ مِنْ ِفضّ ٍة وََأ ْكوَابٍ كَا َنتْ َقوَارِيرَا (‪َ )15‬قوَارِيرَ مِنْ ِفضّةٍ‬
‫سمّى سَ ْلسَبِيلً (‪)18‬‬
‫جهَا زَ ْنجَبِيلً (‪ )17‬عَيْنا فِيهَا تُ َ‬
‫س َقوْنَ فِيهَا كَأْسا كَانَ مِزَا ُ‬
‫قَدّرُوهَا َتقْدِيرا (‪ )16‬وَيُ ْ‬
‫وَيَطُوفُ عَلَ ْي ِه ْم وِلْدَانٌ ُمخَلّدُونَ إِذَا رَأَيْ َتهُمْ حَسِبْ َتهُمْ ُلؤْلُؤا مَنْثُورا (‪ )19‬وَإِذَا رَأَ ْيتَ َثمّ رَأَ ْيتَ َنعِيما‬
‫سقَا ُهمْ رَ ّبهُمْ شَرَابا‬
‫ق وَحُلّوا أَسَاوِرَ مِنْ ِفضّ ٍة وَ َ‬
‫خضْ ٌر وَإِسْتَبْ َر ٌ‬
‫َومُلْكا كَبِيرا (‪ )20‬عَالِ َي ُهمْ ثِيَابُ سُنْ ُدسٍ ُ‬
‫شكُورا (‪)22‬‬
‫سعْ ُيكُمْ مَ ْ‬
‫طهُورا (‪ )21‬إِنّ َهذَا كَانَ َلكُمْ جَزَاءً َوكَانَ َ‬
‫َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫على الرائك ‪:‬أي على السرة بالحجلة واحد الرائك أريكة‪.‬‬
‫ول زمهريرا ‪ :‬أي ول برد شديدا ول قمرا إذ هي تضاء من نفسها‪.‬‬
‫ودانية ‪ :‬أي قريبة منهم ظلل أشجار الجنة‪.‬‬
‫وذللت قطوفها تذليل ‪:‬أي بحيث ينالها المؤمن قائما وقاعدا ومضطجعا‪.‬‬
‫وأكواب ‪:‬أي أقداح بل عرا‪.‬‬
‫من فضة ‪:‬أي يرى باطنها من ظاهرها‪.‬‬
‫قدروها تقديرا ‪:‬أي على قدر الشاربين بل زيادة ول نقص‪.‬‬
‫ويسقون فيها كأسا ‪: 1‬أي خمرا‪.‬‬
‫كان مزاجها زنجبيل ‪:‬أي ما تمزج وتخلط به زنجبيل ‪.‬‬
‫مخلدون ‪:‬أي بصفة الولدان ل يشيبون‪.‬‬
‫لؤلؤا منثورا ‪:‬أي من سلكه أو من صدفه لحسنهم وجمالهم وانتشارهم في الخدمة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في عرف الولين إطلق الكأس على الخمر فل يقال كأس ما لم يكن بها خمر فلذا يطلقون لفظ‬
‫الكأس على الخمر والية شاهد ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/485‬‬

‫وإذا رأيت ثم ‪:‬أي في الجنة رأيت نعيما ل يوصف وملكا واسعا ل يقدر‪.‬‬
‫ثياب سندس ‪:‬أي حرير‪.‬‬
‫وإستبرق ‪:‬أي ما غلظ من الديباج‪.‬‬
‫وحلوا ‪ :‬أي تحليهم الملئكة بها‪.‬‬
‫شرابا طهورا ‪:‬أي فائقا على النوعين السابقين ولذا أسند سقيه إلى ال عز وجل‪.‬‬
‫إن هذا ‪:‬أي النعيم‪.‬‬
‫مشكورا ‪:‬أي مرضيا مقبول‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في ذكر ما أعد ال تعالى للبرار من عباده المؤمنين المتقين فقال تعالى ‪1‬‬
‫شمْسا‬
‫{مُ ّتكِئِينَ} في الجنة {عَلَى الْأَرَا ِئكِ‪ }2‬التي هي السرة بالحجال {ل يَ َروْنَ فِيهَا} أي في الجنة { َ‬
‫وَل َز ْمهَرِيرا} إن كان المراد بالشمس الكوكب المعروف فالزمهرير القمر‪ ،‬فل الشمس في الجنة‬
‫ول قمر وإن كان المراد بالشمس الحر فالزمهرير البرد وليس في الجنة حر ول برد وكل‬
‫المعنيين مراد وواقع فل شمس في الجنة ول قمر لعدم الحاجة إليهما ول حر ول برد كذلك‪.‬‬
‫{وَدَانِ َيةً عَلَ ْيهِمْ ظِلُلهَا} أي قريبة منهم أشجارها فهي تظللهم ويجدون فيها لذة التظليل وراحته‬
‫ومتعته وإن لم يكن هناك شمس تستلزم الظل ‪{.‬وَذُلَّلتْ قُطُو ُفهَا تَذْلِيلً} أي ما يقطف من ثمار‬
‫أشجارها مذلل لهم بحيث يناله القائم والقاعد والمضطجع فل شوك ول بعد فيه سهل التناول لن‬
‫الدار دار نعيم و سعادة وراحة وروح وريحان {وَيُطَافُ عَلَ ْيهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ ِفضّةٍ} أي يطوف عليهم‬
‫الخدم الوصفاء بآنية من فضة ومن ذهب {وََأ ْكوَابٍ} أي أقداح ل عرى لها كانت بفضل ال‬
‫وإكرامه { َقوَارِيرَا َقوَارِيرَا مِنْ ِفضّةٍ} يرى باطنها من ظاهرها لصفائها مادتها فضة وصفاؤها‬
‫صفاء الزجاج ولذا سميت قارورة وجمعت على قوارير‪{ .‬قَدّرُوهَا َتقْدِيرا} أي قدرها الخدم‬
‫سقَوْنَ فِيهَا كَأْسا}‬
‫الطائفون عليهم بحيث ل تزيد فتفيض ‪ 3‬ول تنقص فل يجمل منظرها‪ .‬وقوله {وَ ُي ْ‬
‫جهَا} أي ما تمزج به {زَنْجَبِيلً}‬
‫أي خمرا {كَانَ مِزَا ُ‬
‫سمّى سَ ْلسَبِيلً‪ .}4‬وقوله‬
‫من عين في الجنة {تُ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬متكئين منصوب على الحال وصاحب الحال الضمير في و جزاهم‪.‬‬
‫‪ 2‬الريكة السرير بالحجلة والحجلة كله تنصب على السرير لتقي الحر والشمس ول يقال في‬
‫السرير أريكة ما لم يكن بالحجال كما ل يقال للسجل سجلً ما لم تكن الدلو ملى ول الذنوب‬
‫ذنوبا ما لم يكن ملى‪ ،‬ول يقال للكأس كأس ما لم تكن ملى بالخمر ول يقال مهدي للطبق ما لم‬
‫تكن عليه الهدية‪.‬‬
‫‪ 3‬التقدير لكل من أحجامها والمشروب الذي بها‪.‬‬
‫‪ 4‬يقال شراب سلس وسلسال وسلسل وسلسبيل ما كان في غاية السلسة‪.‬‬

‫( ‪)5/486‬‬

‫تعالى {وَ َيطُوفُ عَلَ ْي ِه ْم وِلْدَانٌ ُمخَلّدُونَ} أي ويطوف على أولئك البرار في الجنة ولدان غلمان‬
‫مخلدون ل يهرمون ول يموتون حالهم دائما حال الغلمان ل تتغير {إِذَا رَأَيْ َت ُهمْ} ونظرت إليهم‬
‫{حَسِبْ َتهُمْ} في جمالهم وانتشارهم في الخدمة هنا وهناك {ُلؤْلُؤا مَنْثُورا}‪ .‬ويقول تعالى لرسوله محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم {وَإِذَا َرأَ ْيتَ َثمّ} أي هناك في الجنة {رَأَ ْيتَ َنعِيما} ل يوصف { َومُلْكا كَبِيرا} ل‬
‫خضْرٌ وَِإسْتَبْرَقٌ} يخبر تعالى أن عاليهم أي فوقهم ثياب سندس‬
‫يقادر قدره {عَالِ َيهُمْ ثِيَابُ سُ ْندُسٍ ُ‬
‫أي حرير خضر واستبرق وهو ما غلظ من الديباج‪ .‬وثياب من استبرق بعضها بطائن وبعضها‬
‫ظهائر البطائن ما يكون تحت الظهائر وقوله تعالى { َوحُلّوا أَسَاوِرَ مِنْ ِفضّةٍ} أي وحلهم ربهم‬
‫وهم في دار كرامته أساور من فضة ومن ذهب أيضا إذ يحذف ‪ 1‬المقابل لدللة المذكور عليه‬
‫طهُورا}‪ 2‬هذا غير ما‬
‫سقَاهُمْ رَ ّبهُمْ شَرَابا َ‬
‫نحو سرابيل تقيكم الحر أي وأخرى تقيكم البرد وقوله {وَ َ‬
‫ذكر فيما تقدم هذا إكرام خاص وهو أن ال تعالى هو الذي يسقيهم وأن هذا الشراب بالغ مبلغا‬
‫عظيما في الطهارة لوصفه بالطهور‪ .‬ويقال لهم تكريما لهم وتشويقا لغيرهم من أهل الدنيا الذين‬
‫يسمعون هذا الخطاب التكريمي إن هذا النعيم من جنات وعيون وأرائك وغلمان وطعام وشراب‬
‫سعْ ُيكُمْ} أي عملكم في الدنيا‬
‫ولباس وما إلى ذلك {كَانَ َل ُكمْ جَزَاءً} على إيمانكم وتقواكم { َوكَانَ َ‬
‫شكُورا} أي مرضيا مقبول‪.‬‬
‫{مَ ْ‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر صور الجزاء الخروي‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة استعمال أواني الذهب والفضة لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم "هي لهم في الدنيا‬
‫ولنا في الخرة"‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة الخمر لحديث "من شرب الخمر في الدنيا ل يشربها في الخرة إن مات مستحل لها"‬
‫‪ -4‬مشروعية اتخاذ خدم صالحين يخدمون المرء ويحسن إليهم‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة لبس الحرير على الرجال وإباحته للنساء‪ ،‬وكالحرير الذهب أيضا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ومن سورة فاطر يحلون فيها من أساور من ذهب‪ ،‬وفي سورة الحج يحلون فيها من أساور من‬
‫ذهب ولؤلؤا‪ .‬قيل حلي الرجل الفضة وحلي النساء الذهب‪ ،‬وقيل تارة يلبسون الفضة وتارة‬
‫يلبسون الذهب ومن الجائز أن يجمع لهم بين الفضة والذهب ليكون لحدهم سواران من فضة‬
‫وسواران من ذهب‪.‬‬
‫‪ 2‬قال علي رضي ال عنه في قوله تعالى {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} قال‪ :‬إذا توجه أهل الجنة‬
‫إلى الجنة مروا بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان فيشربون من إحداهما لتجري عليهم بنضرة‬
‫النعيم فل تتغير أبشارهم ول تشعث أشعارهم أبدا ثم يشربون من الخرى فيخرج ما في بطونهم‬
‫من الذى ثم تستقبلهم خزنة الجنة فيقولون سلم عليكم طبتم فادخلوها خالدين‪.‬‬

‫( ‪)5/487‬‬

‫ك وَل تُطِعْ مِ ْن ُهمْ آثِما َأوْ َكفُورا (‪)24‬‬


‫حكْمِ رَ ّب َ‬
‫إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلقُرْآنَ تَنْزِيلً (‪ )23‬فَاصْبِرْ ِل ُ‬
‫طوِيلً (‪ )26‬إِنّ َهؤُلءِ‬
‫حهُ لَيْلً َ‬
‫سجُدْ َل ُه وَسَبّ ْ‬
‫سمَ رَ ّبكَ ُبكْ َر ًة وََأصِيلً (‪َ )25‬ومِنَ اللّ ْيلِ فَا ْ‬
‫وَا ْذكُرِ ا ْ‬
‫خَلقْنَاهُ ْم وَشَ َددْنَا أَسْ َرهُ ْم وَإِذَا شِئْنَا بَدّلْنَا‬
‫ن وَرَاءَ ُهمْ َيوْما َثقِيلً (‪َ )27‬نحْنُ َ‬
‫يُحِبّونَ ا ْلعَاجِلَ َة وَيَذَرُو َ‬
‫خذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيلً (‪َ )29‬ومَا َتشَاءُونَ إِلّا أَنْ يَشَاءَ‬
‫َأمْثَاَلهُمْ تَ ْبدِيلً (‪ )28‬إِنّ َه ِذهِ تَ ْذكِ َرةٌ َفمَنْ شَاءَ اتّ َ‬
‫عذَابا أَلِيما (‪)31‬‬
‫عدّ َلهُمْ َ‬
‫حمَتِ ِه وَالظّاِلمِينَ أَ َ‬
‫خلُ مَنْ يَشَاءُ فِي َر ْ‬
‫حكِيما (‪ )30‬يُ ْد ِ‬
‫علِيما َ‬
‫اللّهُ إِنّ اللّهَ كَانَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫نزلنا عليك القرآن تنزيل ‪:‬أي شيئا فشيئا ولم ننزله جملة واحدة لحكمة بالغة‪.‬‬
‫فاصبر لحكم ربك ‪:‬أي عليك بحمل رسالتك وإبلغها إلى الناس‪.‬‬
‫ول تطع منهم آثما أو كفورا ‪:‬الثم هنا عتبة بن ربيعة والكفور الوليد بن المغيرة‪.‬‬
‫واذكر اسم ربك بكرة وأصيل ‪:‬أي صل الصبح والظهر والعصر‪.‬‬
‫ومن الليل فاسجد له ‪:‬أي صل صلة المغرب والعشاء ‪.‬‬
‫وسبحه ليل طويل ‪ :‬أي تهجد بالليل نافلة لك‪.‬‬
‫يحبون العاجلة ‪:‬أي الدنيا‪.‬‬
‫ويذرون وراءهم يوما ثقيل ‪:‬أي يوم القيامة‪.‬‬
‫وشددنا أسرهم ‪:‬أي قوينا أعضاءهم ومفاصلهم‪.‬‬
‫وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديل ‪:‬أي جعلنا أمثالهم في الخلقة بدل منهم بعد أن نهلكهم‪.‬‬
‫إن هذه تذكرة ‪ :‬أي عظة للناس‪.‬‬
‫اتخذ إلى ربه سبيل ‪:‬أي طريقا إلى مرضاته وجواره باليمان والعمل الصالح وترك‬

‫( ‪)5/488‬‬

‫الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫في رحمته ‪:‬أي الجنة‪.‬‬
‫أعد لهم عذابا أليما ‪ :‬أي في النار والليم ذو اللم الموجع‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لقد عرض المشركون على رسول ال صلى ال عليه وسلم عرضا مفاده أن يترك دعوة ال تعالى‬
‫إلى عبادته وتوحيده و يعبد ربه وحده ويترك المشركين فيما هم فيه وله مقابل ذلك مال أو أزواج‬
‫أو رئاسة وما إلى ذلك فأبى ال تعالى له ذلك وأنزل قوله {إِنّا َنحْنُ‪ 1‬نَزّلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلقُرْآنَ تَنْزِيلً‬
‫ح ْكمِ رَ ّبكَ} على تحمل رسالتك وتبليغها إلى الناس {وَل تُطِعْ مِ ْن ُهمْ} أي من مشركي‬
‫فَاصْبِرْ‪ 2‬لِ ُ‬
‫قريش {آثِما} كأبي جهل وعتبة بن ربيعة {ول َكفُورا} كالوليد بن المغيرة أي ل تطعهما فيما طلبا‬
‫إليك وعرضا عليك‪ ،‬وواصل دعوتك واستعن بالصلة والتسبيح والذكر والدعاء‪ ،‬وفي قوله تعالى‬
‫جدْ لَهُ}‬
‫{ ُبكْ َر ًة وََأصِيلً}‪ 3‬إشارة إلى صلة الصبح والظهر والعصر‪ ،‬وفي قوله { َومِنَ‪ 4‬اللّ ْيلِ فَاسْ ُ‬
‫طوِيلً} صريح في انه التهجد إذ الصلة‬
‫إشارة إلى صلة المغرب والعشاء‪ ،‬وقوله {وَسَبّحْهُ لَيْلً َ‬
‫نعم العون للعبد ولذا كان صلى ال عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلة وقوله تعالى {إِنّ‬
‫َهؤُلءِ يُحِبّونَ‪ 5‬ا ْلعَاجِلَةَ} أي الدنيا يعني بهم كفار قريش يحبون الدنيا وسميت بالعاجلة لنها ذاهبة‬
‫مسرعة‪{ ،‬وَ َيذَرُونَ ‪6‬وَرَا َءهُمْ َيوْما َثقِيلً} هو يوم القيامة قلم يؤمنوا ولم يعملوا بما يسعدهم فيه‬
‫ويذكرهم تعالى بأنه خالقهم وقادر على تبديلهم بغيرهم فيقول { َنحْنُ خََلقْنَاهُمْ} أي أوجدناهم من‬
‫شدَدْنَا َأسْرَهُمْ‪ }7‬أي قوينا ظهورهم وأعضاءهم ومفاصلهم {وَإِذَا شِئْنَا َبدّلْنَا َأمْثَاَلهُمْ تَ ْبدِيلً}‬
‫العدم {وَ َ‬
‫أي جعلنا أمثالهم في‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إنا نحن نزلنا‪ :‬أي ما افتريته ول جئت به من عندك ول من تلقاء نفسك كما يقول المشركون‪.‬‬
‫‪ 2‬الفاء هي الفصيحة إذ هي واقعة في جواب شرط مقدر أي إذا كان المر ما علمت وهي ردهم‬
‫دعوتك ومطالبتهم بتركها والتخلي عنها مقابل عارض من الدنيا فاصبر لحكم ربك فيهم ول تطع‬
‫منهم آثما أو كفورا واستعن بالصبر والصلة‪.‬‬
‫‪ 3‬الصيل جمعه الصائل والصل كقولك سفائن وسفن قال الشاعر‪:‬‬
‫ول بأس منها إذا دنا الصل‬
‫وقال آخر ‪:‬‬
‫لعمري لنت البيت أكرم أهله‬
‫وأقعد في أفيائه بالصائل‬
‫‪ 4‬من الليل‪ :‬من للتبعيض أي من بعض الليل ل كله‪.‬‬
‫‪ 5‬الجملة تحمل التوبيخ والتقريع لهل مكة لحنهم العاجلة وتركهم الخرة‪.‬‬
‫‪ 6‬جائز أن يكون وراءهم بمعنى بين أيديهم ولما لم يعملوا له كانوا كالتاركين له وراءهم غير‬
‫ملتفتين إليه‪.‬‬
‫‪ 7‬السر‪ :‬الخلق يقال شديد السر أي الخلق والمراد بالخلق الوصال والمفاصل وفقار الظهر‬
‫ومن ذلك الشرج فإنه إذا خرج البول أو الغائط تقبض الموضع ولول هذا التماسك لبقي البول‬
‫سائل والعذرة متناثرة‪.‬‬

‫( ‪)5/489‬‬

‫الخلقة بدل عنهم وأهلكناهم ولو شاء تعالى ذلك لكان ولكنه لم يشأ مع أنه في كل قرن يبدل جيل‬
‫بجيل هذا يميته وهذا يحييه وهو على كل شيء قدير‪ .‬وفي خاتمة هذه السورة المشتملة على أنواع‬
‫خذَ إِلَى رَبّهِ‬
‫من الهدايات الكثيرة يقول تعالى {إِنّ هَ ِذهِ َت ْذكِ َرةٌ} أي هذه السورة موعظة { َفمَنْ شَاءَ اتّ َ‬
‫سَبِيلً} طريقا إلى رضاه أول ثم مجاورته في الملكوت العلى ثانيا‪ ،‬ولما أعطى تعالى المشيئة‬
‫قيدها بأن يشاء ال ذلك المطلوب أول‪ ،‬ومن هنا وجب الفتقار إلى ال تعالى بدعائه والضراعة‬
‫إليه وهو قوله { َومَا َتشَاءُونَ إِلّا أَنْ َيشَاءَ اللّهُ} إن ال كان عليما بخلقه وبما يصلحهم أو يفسدهم‬
‫خلُ مَنْ يَشَاءُ‬
‫حكيما في تدبيره لوليائه خاصة ولباقي البشرية عامة فله الحمد وله المنة‪ .‬وقوله {يُ ْد ِ‬
‫حمَتِ ِه وَالظّاِلمِين َ‪ 1‬أَعَدّ َلهُمْ عَذَابا أَلِيما} إنه بهذا يدعوا كافة البشرية إلى الفتقار إليه ليغنيهم‬
‫فِي َر ْ‬
‫وإلى عبادته ليزكيهم وإلى جواره فيطهرهم ويرفعهم هؤلء هم أولياؤه من أهل اليمان والتقوى‬
‫{وَالظّاِلمِينَ} أي المشركين {أَعَدّ َلهُمْ عَذَابا أَلِيما} أي أهانهم لكفرهم به وشركهم في عبادته فأعد‬
‫لهم عذابا مؤلما موجعا نعوذ بال من عذابه وشديد عقابه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة طاعة ذوي الثم وأهل الكفر في حال الختيار‪.‬‬
‫‪ -2‬على المؤمن أن يستعين بالصلة والذكر والدعاء فإنها نعم العون‪.‬‬
‫‪ -3‬استحباب نافلة الليل‪.‬‬
‫‪ -4‬مشيئة ال عز وجل قبل فوق كل مشيئة‪.‬‬
‫‪ -5‬القرآن تذكرة للمؤمنين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬والظالمين مفعول لفعل محذوف تقديره ويعذب الظالمين وجملة أعد لهم عذابا أليما تفسير للفعل‬
‫المحذوف‪.‬‬

‫( ‪)5/490‬‬

‫سورة المرسلت‬
‫‪...‬‬
‫سورة المرسلت‬
‫مكية وآياتها خمسون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫عصْفا (‪ )2‬وَالنّاشِرَاتِ نَشْرا (‪ )3‬فَا ْلفَا ِرقَاتِ فَرْقا (‪ )4‬فَا ْلمُ ْلقِيَاتِ‬
‫وَا ْلمُرْسَلتِ عُرْفا (‪ )1‬فَا ْلعَاصِفَاتِ َ‬
‫جتْ‬
‫سمَاءُ فُرِ َ‬
‫ستْ (‪ )8‬وَإِذَا ال ّ‬
‫طمِ َ‬
‫ِذكْرا (‪ )5‬عُذْرا َأوْ ُنذْرا (‪ )6‬إِ ّنمَا تُوعَدُونَ َلوَاقِعٌ (‪ )7‬فَإِذَا النّجُومُ ُ‬

‫( ‪)5/490‬‬

‫سلُ ُأقّ َتتْ (‪ )11‬لَِأيّ َيوْمٍ أُجَّلتْ (‪ )12‬لِ َيوْمِ ا ْل َفصْلِ (‪َ )13‬ومَا‬
‫سفَتْ (‪ )10‬وَإِذَا الرّ ُ‬
‫( ‪ )9‬وَإِذَا الْجِبَالُ ُن ِ‬
‫صلِ (‪ )14‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‪)15‬‬
‫أَدْرَاكَ مَا َيوْمُ ا ْلفَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫والمرسلت عرفا ‪:‬المرسلت الرياح الطيبة والعرف المتتابعة‪.‬‬
‫فالعاصفات عصفا ‪:‬فالرياح الشديدة الهبوب المضرة لشدتها‪.‬‬
‫والناشرات نشرا ‪:‬الرياح تنشر المطر وتفرقه في السماء نشرا‪.‬‬
‫فالملقيات ذكرا ‪:‬أي فالملئكة تلقى بالوحي على النبياء للتذكير به‪.‬‬
‫عذرا أو نذرا ‪:‬أي للعذار بالنسبة إلى أقوام أو إنذار بالنسبة إلى آخرين ‪.‬‬
‫إنما توعدون لواقع ‪:‬أي إنما توعدون أيها الناس لكائن ل محالة‪.‬‬
‫فإذا النجوم طمست ‪:‬أي محي نورها وذهبت‪.‬‬
‫وإذا السماء فرجت ‪:‬أي انشقت وتصدعت‪.‬‬
‫وإذا الجبال سيرت ‪:‬أي نسفت فإذا هي هباء منبث مفرق هنا وهناك‪.‬‬
‫وإذا الرسل أقتت ‪:‬أي جمعت لوقت حدد لها لتحضر فيه‪.‬‬
‫ليوم الفصل ‪:‬أي اليوم الذي يفصل ال تعالى فيه بين الخلئق‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى { وَا ْلمُرْسَلتِ عُرْفا}‪ 1‬هذا بداية قسم ل تعالى أقسم فيه بعدة أشياء من مخلوقاته ول‬
‫أن يقسم بما شاء‪ ،‬والحكمة من القسام أن تسكن النفوس للخبر وتطمئن إلى صدق المخبر فيه‬
‫وبذلك يحصل الغرض من إلقاء الخبر على السامعين والمقسم به هنا المرسلت وهي الرياح‬
‫المتتابعة الطيبة العذبة والعاصفات ‪ 2‬منها وهي الشديدة الهبوب التي قد تعصف بالشجار وتقتلعها‬
‫وبالمباني وتهدمها والناشرات نشرا وهي الرياح المعتدلة التي تنشر السحاب وتفرقة أو تسوقه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى البخاري عن ابن عباس قال قرأت سورة والمرسلت عرفا فسمعتني أم الفضل (امرأة‬
‫العباس) فبكت وقالت‪ :‬بني أذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لخر ما سمعت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يقرأ بها في صلة المغرب‪.‬‬
‫‪ 2‬العصف‪ :‬قوة هبوب الريح‪ ،‬والنشر‪ :‬ضد الطي واستعمل في الظهار واليضاح‪ .‬والعصف‬
‫حالة المضرة والنشر حالة النفع جائز أن يراد بالمرسلت والعاصفات والناشرات الملئكة وكونها‬
‫الرياح أظهر في التفسير وهو اختيار ابن جرير‪.‬‬

‫( ‪)5/491‬‬

‫للمطار وإنزال المطر و الفارقات فرقا وهي آيات القرآن الكريم تفرق بين الحق والباطل‬
‫والملقيات ذكرا عذرا ‪ 1‬أونذرا وهي الملئكة تلقى بالوحي على من اصطفى ال تعالى من عباده‬
‫للعذار و النذار أي تعذر أناسا وتنذر آخرين هذا هو القسم والمقسم هو ال والمقسم عليه هو‬
‫قوله جل ذكره إن ما توعدون أيها الناس من خير أو شر لواقع أي كائن ل محالة وعليه فأصلحوا‬
‫أعمالكم بعد تصحيح نياتكم فإن الجزاء واقع ل يتخلف أبدا ول يتغير ول يتبدل ومتى يقع هذا‬
‫الموعود الكائن ل محالة والجواب يقع في يوم الفصل إذا فما هو يوم الفصل والجواب يوم يحضر‬
‫ال الشهود من الملئكة والرسل ويفصل بين الناس ومتى يكون يوم الفصل والجواب إذا النجوم‬
‫طمست أي ذهب نورها ومحي وإذا السماء فرجت أي انشقت وتصدعت وإذا الجبال نسفت ‪ 2‬أي‬
‫فتت وإذا الرسل اقتت أي حدد لها وقت معين تحضر فيه وهو يوم الفصل وما أدراك ‪ 3‬ما يوم‬
‫الفصل تفخيم لشانه وإعلم بهوله وقوله تعالى {وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ} أي يوم يقع الفصل العذاب الهائل‬
‫الكبير {ل ْل ُم َكذّبِينَ} بال وبآيته ولقائه ورسوله‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء ‪.‬‬
‫‪ -2‬ل تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه وليس للعبد أن يقسم بغير خالقه عز وجل‪.‬‬
‫‪ -3‬علمات القيامة وظاهرة النقلب الكوني العام وهي انطماس ضوء النجوم وانفراج السماء‬
‫ونسف الجبال‪.‬‬
‫‪ -4‬الوعيد الشديد بالويل الذي هو واد في ‪4‬جهنم تستغيث جهنم من حره للمكذبين بما يجب‬
‫التصديق به من أركان اليمان الستة‪ ،‬والوعد والوعيد اللهيين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ نافع عذرا بإسكان الذال وبضمها في نذرا وسكن الذال فيهما معا حفص والنذر اسم مصدر‬
‫بمعنى النذار وكذا عذرا وهما مفعولن لجله أي لجل العذار والنذار أي العذار للمحقين‬
‫والنذار للمبطلين أو البشرى للمؤمنين والنذارة للكافرين‪.‬‬
‫‪ 2‬نسف الجبال دكها وتصييرها ترابا مفرقا وتسييرها كالهباء في الهواء‪.‬‬
‫‪ 3‬ما أدراك‪ :‬استفهام‪ ،‬وكذا ما يوم الفصل والمراد من الستفهام الول الستبعاد والنكار ومن‬
‫الثاني التهويل من شأن يوم الفصل الذي هو يوم القيامة حيث تم الفصل فيه بين الخلئق ويتم بأن‬
‫يكون فريق في الجنة وفريق في السعير‪.‬‬
‫‪ 4‬قيل أن هذا الوادي هو مستنقع صديد أهل الشرك والكفر ليعلم أهل العقول أنه ل شيء أقذر منه‬
‫قذارة ول أنتن منه نتنا ول أشد مرارة ول أشد سوادا منه وصفه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بأنه أعظم وادٍ في جهنم‪.‬‬

‫( ‪)5/492‬‬

‫أَلَمْ ُنهِْلكِ الَْأوّلِينَ (‪ُ )16‬ثمّ نُتْ ِب ُعهُمُ الْآخِرِينَ (‪ )17‬كَذَِلكَ َن ْف َعلُ بِا ْل ُمجْ ِرمِينَ (‪ )18‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‬
‫جعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ َمكِينٍ (‪ )21‬إِلَى َقدَرٍ َمعْلُومٍ (‪َ )22‬فقَدَرْنَا‬
‫‪ )19‬أَلَمْ نَخُْل ْقكُمْ مِنْ مَاءٍ َمهِينٍ (‪َ )20‬ف َ‬
‫ج َعلِ الْأَ ْرضَ ِكفَاتا (‪َ )25‬أحْيَا ًء وََأ ْموَاتا (‪)26‬‬
‫فَ ِنعْمَ ا ْلقَادِرُونَ (‪ )23‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )24‬أَلَمْ نَ ْ‬
‫سقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتا (‪ )27‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‪)28‬‬
‫ت وَأَ ْ‬
‫سيَ شَامِخَا ٍ‬
‫جعَلْنَا فِيهَا َروَا ِ‬
‫وَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ألم نهلك الولين ‪:‬أي كقوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم إلى البعثة النبوية وذلك بتكذيبهم‪.‬‬
‫ثم نتبعهم الخرين ‪:‬أي إن أصروا على التكذيب ككفار مكة‪.‬‬
‫كذلك نفعل بالمجرمين ‪:‬أي مثل ذلك الهلك نهلك المجرمين‪.‬‬
‫ويل يومئذ للمكذبين ‪:‬أي إذا جاء وقت الهلك ويل فيه للمكذبين‪.‬‬
‫من ماء مهين ‪:‬أي المني والمهين الضعيف‪.‬‬
‫في قرار مكين ‪:‬أي حريز وهو الرحم‪.‬‬
‫إلى قدر معلوم ‪:‬أي إلى وقت الولدة‪.‬‬
‫فقدرنا ‪:‬أي خلقه‪.‬‬
‫فنعم القادرون ‪:‬أي نحن على الخلق والتقدير‪.‬‬
‫كفاتا ‪:‬أي تكفت الناس أي تضمهم أحياء فوق ظهرها وأمواتا في بطنها‪.‬‬
‫رواسي شامخات ‪:‬أي جبال عاليات‪.‬‬
‫فراتا ‪:‬أي عذبا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {أََلمْ ُنهِْلكِ الَْأوّلِينَ ثُمّ نُتْ ِب ُعهُمُ الْآخِرِينَ َكذَِلكَ َن ْفعَلُ بِا ْلمُجْ ِرمِينَ} إنه لما أقسم تعالى على‬
‫وقوع ما أوعد به المكذبين من عذاب يوم القيامة وذكر وقت مجيئه وعلمات ذلك وذكر أن‬

‫( ‪)5/493‬‬

‫الرسل أقتت ليوم الفصل وهو اليوم الذي يفصل فيه تعالى بين الخلئق فيقتص من الظالم‬
‫للمظلوم‪ ،‬ويجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته وتوعد المكذبين بذلك فقال ويل يومئذ‬
‫للمكذبين دلل هنا على قدرته على إهلك المكذبين بما سبق له أن فعله بالمكذبين فقال في استفهام‬
‫تقريري ل ينكر {َألَمْ ُنهِْلكِ الَْأوّلِينَ} من المم السابقة كعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط إلى زمن‬
‫البعثة النبوية {ثُمّ نُتْ ِب ُعهُمُ الْآخِرِينَ} فقد أهلك أكابر مجرمي قريش في بدر وقوله {كَ َذِلكَ َنفْ َعلُ‬
‫بِا ْلمُجْ ِرمِينَ‪ }1‬وهو وعيد صريح وحقا وال لقد أهلك المجرمين ولم ينج من الهلك مجرم وويل ‪2‬‬
‫جعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ َمكِينٍ إِلَى قَدَرٍ َمعْلُومٍ‬
‫يومئذ للمكذبين وقوله تعالى {أََلمْ نَخُْل ْقكُمْ‪ 3‬مِنْ مَاءٍ َمهِينٍ فَ َ‬
‫َفقَدَرْنَا فَ ِنعْمَ ا ْلقَادِرُونَ}‪ .‬هذا استدلل آخر على قدرة ال وعلمه اللذين ل يتم البعث والجزاء إل‬
‫عليهما قدرة ل يعجزها شيء وعلم ل يخفى معه شيء فقال مستفهما استفهاما تقريريا { أََلمْ نَخُْل ْقكُمْ‬
‫جعَلْنَاهُ‪ }4‬أي الماء {فِي قَرَارٍ َمكِينٍ} أي حريز حصين وهو‬
‫مِنْ مَاءٍ َمهِينٍ} أي ضعيف هو المني {فَ َ‬
‫الرحم {ِإلَى َقدَرٍ َمعْلُومٍ} وهو زمن الولدة { َفقَدَرْنَا ‪ }5‬أي خلق الجنين على أحسن صورة أدق‬
‫تركيب المسافات بين العضاء كما بين العينين كما بين اليدين والرجلين كما بين الذنين كلها‬
‫مقدرة تقديرا عجيبا ل تزيد ول تنقص {فَ ِنعْمَ ا ْلقَادِرُونَ} على الخلق والتقدير معا والجواب بلى ولم‬
‫جعَلْنَا‬
‫ج َعلِ الْأَ ْرضَ ِكفَاتا أَحْيَا ًء وََأ ْموَاتا َو َ‬
‫إذا تكفرون وتكذبون؟ {وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُم َكذّبِينَ} وقوله {َألَمْ َن ْ‬
‫سقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتا؟} هذا استدلل آخر على قدرة ال على البعث والجزاء‬
‫ت وَأَ ْ‬
‫سيَ شَامِخَا ٍ‬
‫فِيهَا َروَا ِ‬
‫ج َعلِ الْأَ ْرضَ ِكفَاتا‪ } 6‬أي مكان كفاية مأخوذ من كفت الشيء إذا‬
‫والستفهام فيه للتقرير أيضا {أََلمْ نَ ْ‬
‫ضمه إلى بعضه بعضا والرض ضامة للناس كافية لهم كافتة الحياء ‪ 7‬على ظهرها يسكنون‬
‫جعَلْنَا فِيهَا} أي‬
‫ويأكلون ويشربون والموات في بطنه ل تضيق بهم أبدا كما لم تضق بالحياء { َو َ‬
‫سيَ شَامِخَاتٍ} أي جبال عاليات‬
‫في الرض { َروَا ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لفظ الجرام أصبح كالعلم على أهل الشرك والكفر إذ هم الذين أجرموا على أنفسهم بأعظم‬
‫الذنوب وأشدها إفسادا للروح وهو الشرك والكفر وما بعد الكفر ذنب كما يقال‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا التكرار والتقرير والتأكيد وسيتكرر في عدة آيات في هذه السورة ومعناه قد سبق مع أول‬
‫ذكره‪.‬‬
‫‪ 3‬الستفهام للتقرير وهو ل يخلو من معنى التوبيخ والتقريع للمشركين المكذبين بالبعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ 4‬فجعلنا‪ :‬الفاء للتفريع والتفصيل لكيفية الخلق‪.‬‬
‫‪ 5‬قرأ نافع فقدرنا بتشديد الدال وقرأها حفص بالتخفيف فالتخفيف بمعنى قدرنا تقديرا أي فعلناه‬
‫على تقدير معين‪ ،‬وقدرنا بالتخفيف أي جعلنا على مقدار مناسب ولذا معنى القراءتين واحد‬
‫وشاهده من الحديث قوله صلى ال عليه وسلم في الهلل إذا غم عليكم فاقدروا له أي قدًروا له‬
‫المسير والمنازل ومن الشائع قولهم قدر على فلن الموت وقدًر عليه الموت بالتشديد والتخفيف‪.‬‬
‫‪ 6‬قال القرطبي كفاتا أي ضامة تضم الحياء على ظهرها والموات في بطنها وهذا يدل على‬
‫وجوب مواراة الميت ودفنه‪ ،‬ودفن شعره وسائر ما يزيله عنه‪ .‬وهو قوله صلى ال عليه وسلم‬
‫قصوا أظافركم وادفنوا قلماتكم‪.‬‬
‫‪ 7‬الكفات اسم للشيء الذي يكفت فيه أي يجمع ويضم فيه فهو اسم من كفت إذا جمع فالكفات اسم‬
‫لما يكفت الوعاء اسم لما يعي والضمام اسم لما يضم‪.‬‬

‫( ‪)5/494‬‬

‫سقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتا} أي عذبا وهو ماء السماء ناقعا في الرض وجاريا في الودية والنهار‬
‫{وَأَ ْ‬
‫والجواب بلى‪ ،‬بلى إذا مالكم أيها المشركون كيف تكذبون؟ {وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ} أي ويل لهم إذ‬
‫صلِ َومَا أَدْرَاكَ مَا َي ْومُ ا ْل َفصْلِ؟}‬
‫حان وقت هلكهم أي { َيوْمُ ا ْل َف ْ‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬الستدلل على البعث والجزاء بالقدرة والعلم إذ هما أساس البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان إنعام ال تعالى على عباده في خلقهم ورزقهم وتدبير حياتهم أحياء وأمواتا‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان أن الناس أكثرهم ل يشكرون‪.‬‬
‫‪ -5‬الوعيد الشديد للمكذبين الكافرين‪.‬‬
‫ش َعبٍ (‪ )30‬ل ظَلِيلٍ وَل ُيغْنِي مِنَ‬
‫ظلّ ذِي ثَلثِ ُ‬
‫انْطَِلقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ ُتكَذّبُونَ (‪ )29‬انْطَِلقُوا إِلَى ِ‬
‫صفْرٌ (‪ )33‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ (‪)34‬‬
‫ت ُ‬
‫جمَاَل ٌ‬
‫الّل َهبِ (‪ )31‬إِ ّنهَا تَ ْرمِي ِبشَرَرٍ كَا ْل َقصْرِ (‪ )32‬كَأَنّهُ ِ‬
‫صلِ‬
‫طقُونَ (‪ )35‬وَل ُيؤْذَنُ َلهُمْ فَ َيعْ َتذِرُونَ (‪ )36‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )37‬هَذَا َيوْمُ ا ْلفَ ْ‬
‫هَذَا َيوْمُ ل يَنْ ِ‬
‫ج َمعْنَاكُ ْم وَالَْأوّلِينَ (‪ )38‬فَإِنْ كَانَ َلكُمْ كَ ْيدٌ َفكِيدُونِ (‪ )39‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‪)40‬‬
‫َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ‪:‬أي من العذاب‪.‬‬
‫ظل ذي ثلث شعب ‪:‬أي دخان جهنم إذا ارتفع انقسم إلى ثلث شعب لعظمته‪.‬‬
‫ل ظليل ‪:‬أي كنين ساتر يكن ويستر‪.‬‬
‫ول يغني من اللهب ‪:‬أي ول يرد شيئا من الحر‪.‬‬
‫إنها ‪:‬أي النار‪.‬‬
‫بشرر كالقصر ‪:‬أي الشررة الواحدة كالقصر في عظمته وارتفاعه‪.‬‬
‫كأنه جمالة صفر ‪:‬أي الشرر المتطاير من النار الشررة كالقصر في عظمها وارتفاعها‬

‫( ‪)5/495‬‬

‫وكالجمل في هيئتها ولونها والجمل الصفر السود الذي يميل إلى صفرة‪.‬‬
‫هذا يوم ل ينطقون ‪:‬أي فيه بشيء‪.‬‬
‫ول يؤذن لهم ‪:‬أي في العذر‪.‬‬
‫جمعناكم والولين ‪:‬أي من المكذبين قبلكم‪.‬‬
‫فإن كان لكم كيد فكيدون ‪ :‬أي حيلة في دفع العذاب فاحتالوا لدفع العذاب عنكم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء التي كان عليها مدار الحياة كلها قوله تعالى‬
‫{ا ْنطَِلقُوا ‪ }1‬هذا يقال للمكذبين يوم القيامة وهم في عرصاتها يقال لهم تقريعا وتبكيتا انطلقوا إلى ‪2‬‬
‫ما كنتم به تكذبون وهو عذاب الخرة ويتهكم بهم ويسخرون منهم فيقولون انطلقوا إلى ظل ذي‬
‫ثلث شعب وهو دخان النار إذا ارتفع يتشعب إلى ثلث شعب وذلك لعظمته ل ظليل أي ليس هو‬
‫ظل حقيقيا كظل لشجرة والجدار فيكن ويستر ول يغني ‪ 3‬من اللهب فيدفع الحر وقال تعالى في‬
‫وصفها {إِ ّنهَا} أي النار {تَ ْرمِي بِشَرَرٍ كَا ْل َقصْرِ} الشررة الواحدة كالقصر في كبره وارتفاعه كأنه‬
‫أي الشرر جمالة صفراء ‪ 4‬أي الشرر كالجمل الصفر وهو السود المائل إلى الصفرة‪ .‬ثم قال‬
‫تعالى {وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ} يتوعد المكذبين به وبآياته ولقائه ورسوله صلى ال عليه وسلم وقوله‬
‫طقُونَ} أي هذا يوم القامة يوم ل ينطقون أي فيه بشيء {وَل ُيؤْذَنُ َلهُمْ} أي‬
‫تعالى {هَذَا َيوْمُ ل يَنْ ِ‬
‫في العتذار فهم يعتذرون ل اعتذار ول إذن به‪ .‬ولطول يوم القيامة وتجدد الحداث فيه يخبر‬
‫القرآن مرة باعتذارهم وكلمهم في موطن‪ ،‬وينفيه في آخر‪ ،‬إذ هو ذاك الواقع في مواطن يتكلمون‬
‫بل ويحلفون كاذبين وفي مواطن يغلب عليهم الخوف والحزن فل يتكلمون بشيء وفي مواطن‬
‫يطلب منهم أن يتكلموا فيتكلموا وفي أخرى ل‪{ ،‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ} وعيد لكل المكذبين بهذا‬
‫ج َمعْنَاكُمْ‪ 6‬وَالَْأوّلِينَ} أي يقال لهم يوم القيامة وهم‬
‫وبغيره وقوله تعالى { َهذَا َيوْمُ‪ 5‬ا ْل َفصْلِ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا الخطاب للمكذبين في يوم الفصل وهو مقول قول محذوف دل عليه صيغة الخطاب ولذا‬
‫قلت في التفسير هذا يقال للمكذبين‪.‬‬
‫‪ 2‬وأعيد لفظ انطلقوا على طريقة التكرير قصد التوبيخ والهانة‪.‬‬
‫‪ 3‬الغناء جعل الغير غنيا أي غير محتاج في ذلك الغرض وعدي الفعل بمن هنا على معنى‬
‫البدلية أو لتضمينه معنى يبعد‪.‬‬
‫‪ 4‬قرأ نافع جمالت جمع جمالة بكسر الجيم وقرأ حفص جمالة بالفراد والجملة اسم جمع لطائفة‬
‫من الجمال أي الشررة الواحدة في عظمها كأنها جمالة صفر‪ ،‬والصفرة لون الشرر والصفر جمع‬
‫أصفر كحمر جمع أحمر‪.‬‬
‫‪ 5‬تكرير لتوبيخهم‪ ،‬والشارة في هذا إلى المشهد الذي يشاهدونه في يوم فصل القضاء الذي كانوا‬
‫ينكرونه ويكذبون به‪.‬‬
‫‪ 6‬هذا كقوله تعالى (قل إن الولين والخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم) والمخاطبون في‬
‫قوله جمعناكم المشركون المكذبون بيوم الفصل‪.‬‬

‫( ‪)5/496‬‬

‫في عرصاتها هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون جمعناكم فيه أيها المكذبون من هذه المة‬
‫والمكذبين الولين من قبلها‪ ،‬فإن كان لكم كيد أي حيلة على خلصكم مما أنتم فيه فكيدون أي‬
‫احتالوا عليً وخلصوا أنفسكم يقال لهم تبكيتا لهم وخزيا وهو عذاب روحي أشد ألما من العذاب‬
‫الجسماني {وَ ْيلٌ ‪َ 1‬ي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ} أي ويل يوم إذ يجيء يوم الفصل للمكذبين‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬التهكم والسخرية والتبكيت من ألم أنواع العذاب الروحي يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -2‬عرصات القيامة واسعة والمقام فيها طويل والبلء فيها شديد‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر بعض ما يتم فيه‪.‬‬
‫‪ -4‬التكذيب هو رأس الكفر‪ ،‬وبموجبه يكون العذاب‪.‬‬
‫إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي ظِللٍ وَعُيُونٍ (‪َ )41‬و َفوَاكِهَ ِممّا َيشْ َتهُونَ (‪ )42‬كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئا ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ‬
‫حسِنِينَ (‪ )44‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )45‬كُلُوا وَ َتمَتّعُوا قَلِيلً إِ ّنكُمْ ُمجْ ِرمُونَ‬
‫(‪ )43‬إِنّا كَذَِلكَ َنجْزِي ا ْلمُ ْ‬
‫(‪ )46‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )47‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمُ ا ْر َكعُوا ل يَ ْر َكعُونَ (‪ )48‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ (‪)49‬‬
‫حدِيثٍ َب ْع َدهُ ُي ْؤمِنُونَ (‪)50‬‬
‫فَبَِأيّ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن المتقين ‪:‬أي الذين اتقوا ربهم فآمنوا به وأطاعوه بفعل ما يحب وترك ما يكره‪.‬‬
‫في ظلل ‪:‬أي في ظلل الشجار الوارفة‪.‬‬
‫وعيون ‪:‬أي من ماء ولبن وخمر وعسل‪.‬‬
‫مما يشتهون ‪:‬ل مما يجدون كما هي الحال في الدنيا‪.‬‬
‫إنا كذلك نجزي المحسنين ‪:‬أي كما جزينا المتقين نجزي المحسنين‪.‬‬
‫كلوا وتمتعوا ‪:‬أي في هذه الحياة الدنيا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تكرير للوعيد والتهديد وهو متصل بما قبله اتصال نظائره فيما سبق وفيما يلحق‪.‬‬

‫( ‪)5/497‬‬

‫وإذا قيل لهم اركعوا ‪:‬أي صلوا ل يصلون‪.‬‬


‫بعده يؤمنون ‪:‬أي بعد القرآن إذ الكتب غيره ليست معجزة والقرآن هو المعجز بألفاظه ومعانيه‬
‫فمن لم يؤمن بالقرآن ما آمن بغيره بحال من الحوال‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫من باب الترغيب والترهيب وهو أسلوب أمتاز به القرآن الكريم ذكر تعالى ما للمتقين من نعيم‬
‫مقيم بعد ذكر ما للمكذبين الضالين من عذاب الجحيم فقال تعالى {إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ} وهم الذين اجتنبوا‬
‫الشرك والمعاصي {فِي ظِللٍ وَعُيُونٍ} في ظلل أشجار الجنة وعيونها من ماء ولبن وخمر‬
‫وعسل وفواكه كثيرة منوعة مما يشتهون ‪ 1‬على خلف الدنيا إذ الناس يأكلون مما يجدون فلوا‬
‫اشتهوا شيئا ولم يجدوه ما أكلوه وأما دار النعيم فإن المرء ما اشتهى شيئا إل وجده وأكله وهذا هو‬
‫السر في التعبير في غير موضع بكلمة مما يشتهون‪ .‬ومن إتمام النعيم أن يقال لهم تطييبا‬
‫لخواطرهم كلوا واشربوا ‪ 2‬هنيئا أي متهنئين بما كنتم تعملون من الصالحات وتتركون من‬
‫السيئات‪ .‬وقوله تعالى إنا كذلك ‪ 3‬نجزي المحسنين أي كهذا الجزاء الذي جزينا به المتقين نجزي‬
‫به المحسنين‪ .‬ويل يومئذ للمكذبين أي بهذا الوعد الكريم‪ .‬قوله تعالى {كُلُوا وَ َتمَ ّتعُوا قَلِيلً إِ ّنكُمْ‬
‫مُجْ ِرمُونَ}‪ .‬هذا قول ال تعالى لمشركي قريش وكفارها يهددهم الرب تبارك وتعالى ناعيا عليهم‬
‫إجرامهم حتى يحين وقتهم وقد حان حيث أعلمهم أنهم ل يتمتعون إل قليل وقد أهلكوا في بدر‪.‬‬
‫وقوله {وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ} هو توعد بالعذاب الليم لمن يكذب بوعيد ال هذا ووعده ذاك‪ .‬وقوله‬
‫تعالى { َوإِذَا قِيلَ َلهُمُ ا ْر َكعُوا ‪ }4‬أي صلوا {ل يَ ْر َكعُونَ} أي ل يصلون ول يخشعون ول يتواضعون‬
‫فيقبلون الحق ويؤمنون به‪ ،‬ويل يومئذ للمكذبين بشرائع ال وهداه التاركين للصلة وقوله تعالى‬
‫حدِيثٍ َب ْع َدهُ ُي ْؤمِنُونَ} أي فبأي كتاب يؤمن هؤلء المكذبون إذا لم يؤمنوا بالقرآن وذلك لما‬
‫{فَبَِأيّ ‪َ 5‬‬
‫فيه من الخير والهدى ولما يدعوا إليه من السعادة والكمال كما أنه معجز بألفاظه ومعانيه بخلف‬
‫الكتب غيره فمن لم يؤمن به ل يرجى له أن يؤمن بغيره بحال من الحوال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي يتمنون إذ أكلهم للذة الكل ل للحفاظ على الجسم كما هي الحال في الدنيا يأكل الدمي للبقاء‬
‫على حياته إذ لو ترك الغذاء هلك‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا مقول قول محذوف أي يقال لهم كلوا واشربوا‪.‬‬
‫‪ 3‬إن المحسنين هم المتقون‪ ،‬وإنما ذكر صفة الحسان لن التقوى التي هي فعل وترك متوقفة‬
‫على الحسان الذي هو مراقبة ال تعالى المنتجة إحسان النيات والعمال الصالحات‪.‬‬
‫‪ 4‬يذكر أن مالكا رحمه ال تعالى‪ :‬دخل المسجد بعد صلة العصر وهو ممن ل يرى الركوع بعد‬
‫العصر فجلس ولم يركع‪ ،‬فقال له صبي يا شيخ قم فاركع فقام فركع فقيل له في ذلك قال خشيت‬
‫أن أكون من الذين (إذا قيل لهم اركعوا ل يركعون)‪.‬‬
‫‪ 5‬الفاء هي الفصيحة أي إن لم تؤمنوا بهذا القرآن فبأي حديث بعده تؤمنون والستفهام إنكاري‬
‫تعجبي‪.‬‬

‫( ‪)5/498‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر ما أعد ال تعالى لوليائه المؤمنين المتقين المحسنين‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان نعيم أهل التقوى والحسان وفضلهما أي فضل التقوى والحسان‪.‬‬
‫‪ -3‬صدق القرآن في أخباره إذ وعيد ال لكابر مجرمي مكة نفذ بعد أقل من خمس سنوات‪.‬‬
‫‪ -4‬من دخل مسجدا وأهله يصلون فليدخل معهم في صلتهم وإن كان قد صلى حتى ل يكون‬
‫غيره راكعا ل وهو غير راكع وقد جاء في الصحيح هذا المعنى‪.‬‬

‫( ‪)5/499‬‬

‫سورة النبأ‬
‫‪...‬‬
‫سورة النبأ‬
‫مكية وآياتها أربعون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫عَمّ يَ َتسَاءَلُونَ (‪ )1‬عَنِ النّبَأِ ا ْلعَظِيمِ (‪ )2‬الّذِي ُهمْ فِيهِ مُخْ َتِلفُونَ (‪ )3‬كَلّا سَ َيعَْلمُونَ (‪ )4‬ثُمّ كَلّا‬
‫جعَلْنَا َن ْومَكُمْ‬
‫خَلقْنَاكُمْ أَ ْزوَاجا (‪ )8‬وَ َ‬
‫ج َعلِ الْأَ ْرضَ ِمهَادا (‪ )6‬وَا ْلجِبَالَ َأوْتَادا (‪ )7‬وَ َ‬
‫سَ َيعَْلمُونَ (‪ )5‬أََلمْ َن ْ‬
‫جعَلْنَا ال ّنهَارَ َمعَاشا (‪ )11‬وَبَنَيْنَا َف ْو َقكُمْ سَبْعا شِدَادا (‪)12‬‬
‫جعَلْنَا اللّ ْيلَ لِبَاسا (‪ )10‬وَ َ‬
‫سُبَاتا (‪ )9‬وَ َ‬
‫جعَلْنَا سِرَاجا وَهّاجا (‪ )13‬وَأَنْزَلْنَا مِنَ ا ْل ُم ْعصِرَاتِ مَاءً ثَجّاجا (‪ )14‬لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّا وَنَبَاتا (‪)15‬‬
‫وَ َ‬
‫وَجَنّاتٍ أَ ْلفَافا (‪)16‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫عم ‪: 1‬أي عن أي شيء؟‬
‫يتساءلون ‪:‬أي يسأل بعض قريش بعضا‪.‬‬
‫عن النبأ العظيم ‪:‬أي ما جاء به محمد صلى ال عليه وسلم من التوحيد والنبوة والبعث الخر‪.‬‬
‫الذي هم فيه مختلفون ‪:‬أي ما بين مصدق ومكذب‪.‬‬
‫سيعلمون ‪:‬عاقبة تكذيبهم عند نزع أرواحهم وعند خروجهم من قبورهم‪.‬‬
‫أوتادا ‪:‬أي تثبت بها الرض كما تثبت الخيمة بالوتاد‪.‬‬
‫سباتا ‪:‬أي راحة لبدانكم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬عم أصلها عن ما فأدغمت النون في الميم فصارت عما وحذفت اللف تخفيفا فصارت عم فعن‬
‫حرف جر وما حرف استفهام‪ ،‬وقدم الستفهام لما له من حق الصدارة وأصل التركيب يتساءلون‬
‫عن أي شيء؟‬

‫( ‪)5/500‬‬

‫لباسا ‪:‬أي ساترا بظلمه وسواده‪.‬‬


‫وجعلنا النهار معاشا ‪:‬أي وقتا للمعاش كسبا وأكل‪.‬‬
‫شدادا ‪:‬أي قوية محكمة الواحدة شديدة والجمع شداد‪.‬‬
‫سراجا وهاجا ‪:‬أي ضوء الشمس وهاجا وقادا‪.‬‬
‫المعصرات ‪:‬أي السحابات التي حان لها أن تمطر كالجارية المعصر التي دنا وقت حيضها‪.‬‬
‫ثجاجا ‪:‬أي صبابا‪.‬‬
‫وجنات ألفافا ‪:‬أي بساتين ملتفة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {عَمّ يَتَسَاءَلُونَ} أي عن أي شيء يتساءل رجال قريش فيسأل بعضهم بعضا إنهم‬
‫يتساءلون عن ‪ 1‬النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون إنه ما جاء به محمد صلى ال عليه وسلم من‬
‫التوحيد والنبوة والبعث الخر‪ .‬قال تعالى ردعا لهم وتخويفا كل سيعلمون ‪ 2‬عند نزع أرواحهم‬
‫عاقبة تكذيبهم لرسولنا وإنكارهم لتوحيدنا ولقائنا‪ ،‬ثم كل سيعلمون ‪ 3‬يوم يبعثون من قبورهم‬
‫ج َعلِ الْأَ ْرضَ‬
‫ويحشرون إلى نار جهنم حين ل ينفعهم علم ول يجديهم إيمان‪ .‬وقوله تعالى {أَلَمْ َن ْ‬
‫ِمهَادا} اليات فذكر تعالى من مظاهر القدرة والعلم والرحمة والحكمة ما يوجب اليمان به‬
‫ج َعلِ الْأَ ْرضَ‪ِ 4‬مهَادا} أي فراشا و وطاء‬
‫وبتوحيده ورسوله ولقائه لو كان القوم يعقلون فقال {أَلَمْ نَ ْ‬
‫للحياة عليها؟ وهل يتم هذا بدون علم وقدرة والجبال أوتادا تثبت الرض بها فيأمنون على حياتهم‬
‫من الميدان وسقوط كل بناء وخلقناكم أزواجا الخلق مظهر من مظاهر القدرة والعلم وكونهم‬
‫أزواجا مظهر ‪ 5‬من مظاهر الحكمة والرحمة وجعلنا نومكم سباتا أي راحة لبدانكم‪ .‬وجعلنا الليل‬
‫لباسا ساترا بظلمه‪ .‬وجعلنا النهار معاشا للعيش كسبا وتمتعا به ‪ .‬وبنينا فوقكم سبعا شدادا وهي‬
‫السموات‬
‫__________‬
‫‪ 1‬عن النبأ العظيم متعلق بمحذوف تقديره يتساءلون عن النبأ العظيم وهو الخبر الكبير وهو البعث‬
‫بعد الموت إذ العرب فيه ما بين مصدق ومكذب‪ ،‬ويدل عليه السياق‪.‬‬
‫‪ 2‬كل حرف ردع ومعمول سيعلمون محذوف تقديره"سيعلمون" بما فيه تكذيبهم بالبعث والنبوة‬
‫والتوحيد‪.‬‬
‫‪ 3‬كل هنا بمعنى حقا سيعلمون صحة ما هم به مكذبوه وله منكرون‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا الستئناف المبدوء باستفهام تقريري جاء لعرض مظاهر قدرة ال وعلمه وحكمته ورحمته‬
‫وهي موجبات إيمان به وبلقائه ونبوة رسوله وعبادته وحده دون سواه‪.‬‬
‫‪ 5‬الزوج‪ :‬هو مكرر الواحد وشاع إطلق الزوج على كل من الذكر والنثى فالرجل زوج لنثاه‬
‫والمرأة زوج لزوجها‪.‬‬

‫( ‪)5/501‬‬

‫السبع الشديدة القوية البناء ل تفنى ول تزول إلى أن يأذن هو سبحانه وتعالى بزوالها‪ ،‬وجعلنا‬
‫سراجا وهاجا هو الشمس المشرقة المضيئة‪ .‬وأنزلنا من المعصرات أي السحابات التي حان لها‬
‫أن تمطر تشبيها لها بالجارية المعصر التي قاربت الحيض ماء ثجاجا صبابا وابل‪ ،‬وذلك لنخرج‬
‫به حبا ونباتا وجنات ألفافا الحب كالبر والذرة لطعامكم‪ ،‬والنبات كالكل والعشب لحيواناتكم‪،‬‬
‫وجنات أي بساتين ملتفة الشجار غنًاء بالثمار المختلف اللوان‪ ،‬والطعوم كل هذه المذكورات‬
‫مفتقرة إلى قدرة ل يعجزها شيء وعلم أحاط بكل شيء وحكمة ل يخلو منها شيء ورحمة تعم‬
‫كل شيء وال وحده ذو القدرة والعلم والحكمة والرحمة فكيف ينكر توحيده ويكذب رسوله‪،‬‬
‫ويستبعد بعثه للناس يوم القيامة لحسابهم ومجازاتهم على أعمالهم في هذه الدار وهي مختلفة منها‬
‫الصالح ومنها الفاسد هل من الحكمة في شيء أن يظلم الظالمون ويفسد المفسدون‪ ،‬ويعدل‬
‫العادلون ويصلح المصلحون ويموتون سواء ول يكون هناك حياة أخرى يجزي فيها المسيء‬
‫بإساءته والمحسن بإحسانه اللهم ل ل إنه لبد من حياة أخرى‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬مظاهر القدرة والعلم والحكمة والرحمة اللهية في كل اليات من قوله ألم نجعل الرض‬
‫مهادا إلى قوله وجنات ألفافا‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء والنبوة والتوحيد وهي التي اختلف الناس فيها ما بين مثبت‬
‫وناف‪ ،‬ومصدق ومكذب‪.‬‬
‫‪ -3‬سيحصل العلم الكامل بهذه المختلف فيها بين التاس عند نزع الروح ساعة الموت‪ ،‬ولكن ل‬
‫فائدة من العلم ساعتها إذ قضي المر وانتهى الخلف‪.‬‬
‫سمَاءُ َفكَا َنتْ‬
‫حتِ ال ّ‬
‫صلِ كَانَ مِيقَاتا (‪َ )17‬يوْمَ يُ ْنفَخُ فِي الصّورِ فَتَأْتُونَ َأ ْفوَاجا (‪َ )18‬وفُتِ َ‬
‫إِنّ َيوْمَ ا ْل َف ْ‬
‫جهَنّمَ كَا َنتْ مِ ْرصَادا (‪ )21‬لِلطّاغِينَ مَآبا (‪)22‬‬
‫أَ ْبوَابا (‪)19‬وَسُيّ َرتِ الْجِبَالُ َفكَا َنتْ سَرَابا (‪ )20‬إِنّ َ‬
‫حمِيما وَغَسّاقا (‪ )25‬جَزَا ًء ِوفَاقا‬
‫حقَابا (‪ )23‬ل يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدا وَل شَرَابا (‪ )24‬إِلّا َ‬
‫لبِثِينَ فِيهَا َأ ْ‬
‫(‪ )26‬إِ ّنهُمْ كَانُوا‬

‫( ‪)5/502‬‬

‫حصَيْنَاهُ كِتَابا (‪َ )29‬فذُوقُوا فَلَنْ‬


‫شيْءٍ َأ ْ‬
‫حسَابا (‪َ )27‬وكَذّبُوا بِآياتِنَا كِذّابا (‪َ )28‬و ُكلّ َ‬
‫ل يَ ْرجُونَ ِ‬
‫نَزِي َدكُمْ إِلّا عَذَابا (‪)30‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن يوم الفصل ‪:‬أي الفصل بين الخلئق ليجزي كل امرىء بما كسب‪.‬‬
‫كان ميقاتا ‪:‬أي ذا وقت محدد معين لدى ال عز وجل فل يتقدم ول يتأخر‪.‬‬
‫يوم ينفخ في الصور ‪ :‬أي يوم ينفخ اسرافيل في الصور‪.‬‬
‫فتأتون أفواجا ‪:‬أي تأتون أيها الناس جماعات جماعات إلى ساحة فصل القضاء‪.‬‬
‫وفتحت السماء ‪:‬أي لنزول الملئكة‪.‬‬
‫وسيرت الجبال ‪:‬أي ذهب بها من أماكنها‪.‬‬
‫فكانت سرابا ‪:‬أي مثل السراب فيتراءى ماء وهو ليس بماء فكذلك الجبال‪.‬‬
‫إن جهنم كانت مرصادا ‪:‬أي راصدة لهم مرصدة للظالمين مرجعا يرجعون إليها‪.‬‬
‫لبثين فيها أحقابا ‪:‬أي دهورا ل نهاية لها‪.‬‬
‫ل يذوقون فيها بردا ‪:‬أي نوما ول شرابا مما يشرب تلذذا به إذ شرابهم الحميم‪.‬‬
‫وغساقا ‪:‬أي ما يسيل من صديد أهل النار‪ ،‬جوزوا به عقوبة لهم‪.‬‬
‫جزاء وفاقا ‪:‬إذ ل ذنب أعظم من الكفر‪ ،‬ول عذاب أعظم من النار‪.‬‬
‫كذابا ‪:‬أي تكذيبا‪.‬‬
‫فلن نزيدكم إل عذابا ‪:‬أي فوق عذابكم الذي أنتم فيه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد أن ذكر تعالى آيات قدرته على البعث والجزاء الذي أنكره المشركون واختلفوا فيه ذكر في‬
‫هذه اليات عرضا وافيا للبعث الخر وما يجري فيه‪ ،‬وبدا بذكر الحداث للنقلب الكوني‪ ،‬ثم‬
‫ذكر جزاء الطاغين تفصيل فقال عز وجل {إِنّ َي ْومَ ا ْل َفصْلِ} أي بين الخلئق كان ميقاتا ‪ 1‬لما أعد‬
‫ال للمكذبين بلقائه الكافرين بتوحيده المنكرين لرسالة نبيه فيه‪ ،‬يجزيهم الجزاء الوفى‪ ،‬ثم ذكر‬
‫تعالى أحداثا تسبقه فقال { َيوْمَ يُ ْنفَخُ فِي الصّورِ} أي يوم ينفخ إسرافيل نفخة البعث وهي الثانية‬
‫سمَاءُ} أي انشقت { َفكَا َنتْ أَ ْبوَابا} لنزول الملئكة‬
‫حتِ ال ّ‬
‫فتأتون أيها الناس أفواجا أي جماعات ‪َ { .‬وفُتِ َ‬
‫منها {وَسُيّ َرتِ الْجِبَالُ َفكَا َنتْ سَرَابا} هباء منبثا كالسراب في نظر الرائي‪ .‬وقوله تعالى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬أي وقتا مجمعا للولين والخرين لما وعد ال من الجزاء وسمي بيوم الفصل‬
‫لن ال تعالى يفصل فيه بين الخلئق‪.‬‬

‫( ‪)5/503‬‬

‫جهَنّمَ كَا َنتْ مِ ْرصَادا‪ }1‬أي إنه بعد الحساب يأتي الجزاء وهاهي ذي قد أرصدت واعدت فهي‬
‫{إِنّ َ‬
‫مرصاد‪ ،‬مرصاد لمن؟ للطاغين المتجاوزين الحد الذي حدد لهم وهو أن يؤمنوا بربهم ويعبدوه‬
‫وحده ويتقربوا إليه بفعل محابه وترك مكارهه فتجاوزوا ذلك إلى الكفر بربهم والشراك به‬
‫وتكذيب رسوله وفعل مكارهه وترك محابه هؤلء هم الطاغون الذي أرصدت لهم جهنم فكانت‬
‫حقَابا‪ }2‬أي دهورا‪{ ،‬ل يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدا‪ }3‬أي نوما لن‬
‫لهم مرصادا ومرجعا ومآبا {لبِثِينَ فِيهَا َأ ْ‬
‫حمِيما} وهو الماء الحار‬
‫النوم يسمى البرد في لغة بعض العرب‪{ ،‬وَل شَرَابا} ذا لذة { إِلّا َ‬
‫{وَغَسّاقا} وهو ما يسيل من صديد أهل النار {جَزَا ًء ِوفَاقا} أي موافقا لذنوبهم لنه ل أعظم من‬
‫الكفر ذنبا ول من النار عذابا ثم ذكر تعالى مقتضى هذا العذاب فقال {إِ ّنهُمْ كَانُوا ل يَرْجُونَ‬
‫حسَابا} أي ما كانوا يؤمنون بالحساب ول بالجزاء ول يخافون من ذلك { َوكَذّبُوا بِآياتِنَا كِذّابا} أي‬
‫ِ‬
‫حصَيْنَاهُ كِتَابا} إذ كانت الملئكة تكتب‬
‫شيْءٍ أَ ْ‬
‫بآياته وحججه تكذيبا زائدا‪ .‬وقوله تعالى { َو ُكلّ َ‬
‫أعمالهم وتحصيها عليهم فهم يتلقون جزاءهم العادل ويقال لهم توبيخا وتبكيتا وهم في أشد العذاب‬
‫وأمرّه {فَذُوقُوا ‪4‬فَلَنْ نَزِي َدكُمْ إِلّا عَذَابا} فيعظم عندهم الكرب ويستحكم من نفوسهم اليأس‪ .‬وهذا‬
‫جزاء من تنكر لعقله فكفر بربه وآمن بالشيطان وعبد الهوى‪ .‬والعياذ بال تعالى‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬التنديد بالطغيان وبيان جزاء الظالمين‪.‬‬
‫‪ -2‬التنديد بالتكذيب بالبعث والمكذبين به‪.‬‬
‫‪ -3‬أعمال العباد مؤمنهم وكافرهم كلها محصاة عليها ويجزون بها‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر آثارها‪.‬‬
‫‪ -5‬أبدية العذاب في الدار الخرة وعدم إمكان نهايته‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال الحسن‪ :‬إن على النار رصدا ل يدخل أحد الجنة حتى يجتاز عليه فمن جاء بجواز جاز‬
‫ومن لم يجيء بجواز حبس والمرصاد‪ :‬المكان للرصد أي الرقابة‪.‬‬
‫‪ 2‬قال القرطبي‪ :‬أي ماكثين في النار ما دامت الحقاب وهي ل تنقطع كلما مضى حقب جاء حقب‬
‫والحقب بضمتين والحقاب الدهور والحقبة بالكسرة السنة والجمع حقب قال الشاعر‪:‬‬
‫كنا كندماني جذيمة حقبا‬
‫من الدهر حتى قيل لنا يتصدعا‬
‫فلما تفرقنا كأني ومالك‬
‫لطول اجتماع لم نبت ليلة معا‬
‫والحقب بالضم والسكون ثمانون سنة‪.‬‬
‫‪ 3‬من شواهد البرد بمعنى النوم قول العرب منع البرد البرد‪ .‬أي منع البرد النوم ومنه قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ولو شئت حرمت النساء سواكم‬
‫وإن شئت لم أطعم نقاخا ول بردا‬
‫‪ 4‬قال أبو برزة سألت النبي صلى ال عليه وسلم عن أشد آية في القرآن؟ فقال‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫{فذوقوا فلن نزيدكم إل عذابا}‪.‬‬

‫( ‪)5/504‬‬

‫س َمعُونَ‬
‫عبَ أَتْرَابا (‪َ )33‬وكَأْسا دِهَاقا (‪ )34‬ل يَ ْ‬
‫ق وَأَعْنَابا (‪َ )32‬وكَوَا ِ‬
‫إِنّ لِ ْلمُ ّتقِينَ مَفَازا (‪ )31‬حَدَا ِئ َ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا‬
‫ت وَالْأَ ْر ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫عطَاءً حِسَابا (‪َ )36‬ربّ ال ّ‬
‫فِيهَا َلغْوا وَل كِذّابا (‪ )35‬جَزَاءً مِنْ رَ ّبكَ َ‬
‫صفّا ل يَ َتكَّلمُونَ إِلّا مَنْ َأذِنَ لَهُ‬
‫ح وَا ْلمَل ِئكَ ُة َ‬
‫حمَنِ ل َيمِْلكُونَ مِنْهُ خِطَابا (‪َ )37‬يوْمَ َيقُومُ الرّو ُ‬
‫الرّ ْ‬
‫صوَابا (‪ )38‬ذَِلكَ الْ َيوْمُ ا ْلحَقّ َفمَنْ شَاءَ اتّخَذَ إِلَى رَبّهِ مَآبا (‪ )39‬إِنّا أَ ْنذَرْنَاكُمْ عَذَابا‬
‫ل َ‬
‫ن َوقَا َ‬
‫حمَ ُ‬
‫الرّ ْ‬
‫قَرِيبا َيوْمَ يَ ْنظُرُ ا ْلمَرْءُ مَا َق ّد َمتْ َيدَا ُه وَيَقُولُ ا ْلكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُ ْنتُ تُرَابا (‪)40‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن للمتقين ‪:‬أي الذين اتقوا الشرك والمعاصي خوفا من ربهم وعذابه‪.‬‬
‫مفازا ‪:‬أي مكان فوز ونجاة وهو الجنة‪.‬‬
‫حدائق وأعنابا ‪:‬أي بساتين وأعنابا‪.‬‬
‫وكواعب ‪:‬أي شابات تكعبت ثديهن الواحدة كاعب والجمع كواعب‪.‬‬
‫أترابا ‪:‬أي في سن واحدة وأتراب جمع واحدة ترب‪.‬‬
‫وكأسا دهاقا ‪:‬أي خمرا كأسها ملى بها‪.‬‬
‫ل يسمعون فيها ‪:‬أي في الجنة لغوا أي باطل ول كذبا من القول‪.‬‬
‫عطاء حسابا ‪:‬أي عطاء كثيرا كافيا يقال أعطاني فأحسبني‪.‬‬
‫يوم يقوم الروح ‪:‬ملك عظيم يقوم وحده صفا والملئكة صفا وحدهم‪.‬‬
‫مآبا ‪:‬أي مرجعا سليما وذلك باليمان والتقوى إذ بهما تكون النجاة‪.‬‬
‫ما قدمت يداه ‪:‬أي ما أسلفه في الدنيا من خير وشر‪.‬‬
‫يا ليتني كنت ترابا ‪:‬أي حتى ل أعذب وذلك يوم يقول ال تعالى للبهائم كوني ترابا وذلك بعد‬
‫القتصاص لها من بعضها بعضا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء المستلزمة لعقيدة التوحيد والنبوة بعد أن‬

‫( ‪)5/505‬‬

‫ذكر تعالى حال الطغاة الفجار وبين مصيرهم غاية البيان ثًنى بذكر المتقين البرار وبين مصيرهم‬
‫وأنه جنات تجري من تحتها النهار فقال وقوله الحق وخبره الصدق {إِنّ لِ ْلمُ ّتقِينَ‪َ 1‬مفَازا} أي‬
‫مكان فوز ونجاح وبيًنه بقوله حدائق ‪ 2‬أي بساتين وأعنابا وكواعب جمع كاعب الفتاة ينكعب ثديها‬
‫أي يستدير ويرتفع كالكعب وذلك عند بلوغها وقوله في وصفهن {أَتْرَابا} جمع ترب أي في سن‬
‫س َمعُونَ} أي في الجنة {َلغْوا‬
‫واحدة دون الثلثين سنة { َوكَأْسا ‪ِ 3‬دهَاقا} أي كأس خمر ملى {ل يَ ْ‬
‫عطَاءً حِسَابا} أي جزاهم ربهم‬
‫وَل كِذّابا} ل قول باطل ول كذبا‪ .‬وقوله تعالى {جَزَاءً مِنْ رَ ّبكَ َ‬
‫بذلك فجعله عطاء كافيا ‪ 4‬ووصف الجبار نفسه تعليما وتذكيرا فأبدل من قوله من ربك‪ :‬قوله‬
‫حمَنِ} رحمان الدنيا‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا} أي مالكها والمتصرف فيهما {الرّ ْ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ َربّ ال ّ‬
‫خطَابا َيوْمَ َيقُومُ الرّوحُ} ملك عظيم ل يقادر قدره وحده صفا‬
‫والخرة ورحيمها {ل َيمِْلكُونَ مِ ْنهُ ِ‬
‫خطَابا} وقوله {ل يَ َتكَّلمُونَ} بين يديه {إِلّا‬
‫حمَنِ ِ‬
‫صفّا} هنا ل يملك أحد من الخلق {مِنَ الرّ ْ‬
‫{وَا ْلمَل ِئكَ ُة َ‬
‫صوَابا} وفي الصحيح أن النبي محمدا صلى ال عليه وسلم هو‬
‫ن َوقَالَ} قول { َ‬
‫حمَ ُ‬
‫مَنْ أَذِنَ َلهُ‪ 5‬الرّ ْ‬
‫أول من يكلم ال عز وجل في الموقف حيث يأتي تحت العرش فيخر ساجدا فل يزال ساجدا يحمد‬
‫ال تعالى بمحامد يلهمها ساعتئذ فيقول له الرب تعالى ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وقوله‬
‫تعالى {ذَِلكَ‪ 6‬الْ َيوْمُ ا ْلحَقّ} الذي ل مرية فيه ول شك وهو يوم الفصل وبناء عليه فمن شاء اتخذ‬
‫إلى ربه مآبا أي مرجعا إليه باليمان والطاعة‪ .‬وقوله تعالى {إِنّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابا قَرِيبا} أي خوفناكم‬
‫عذابا قريبا جدا يبتدىء بالموت ول ينتهي أبدا‪ ،‬وذلك { َيوْمَ يَ ْنظُرُ ا ْلمَرْءُ مَا َق ّد َمتْ َيدَاهُ} من خير أو‬
‫شر أي يرى جزاء عمله عيانا إن كان عمله خيرا جزي بمثله وإن كان شرا جزي بمثله‪{ .‬وَ َيقُولُ‬
‫ا ْلكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُ ْنتُ تُرَابا} إنه لما يرى البهائم بعد القصاص لها صارت ترابا يتمنى الكافر وهو‬
‫في عذابه أن لو كان ترابا مثل البهائم ولول العذاب وشدته ودوامه لما تمنى أن يكون ترابا أبدا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المتقون هم الذين اتقوا ال فلم يشركوا به ولم يعصوه فحافظوا بذلك على زكاة نفوسهم‬
‫فاستوجبوا لذلك الجنات واستحقوها فللم للمتقين هي لم الستحقاق‪.‬‬
‫‪ 2‬حدائق بدل بعض من كل والحدائق جمع حديقة‪ ،‬البستان‪ :‬المحاط بجدار‪.‬‬
‫‪ 3‬دهاقا بمعنى ملى وهذا من باب إطلق المصدر وإرادة اسم المفعول فالدهاق كالدهق مصدر‬
‫وأريد به المدهوق أي المملوء‪.‬‬
‫‪ 4‬كافيا‪ :‬تفسير كلمة حسابا إذ من أعطي ما يكفيه يقول حسبي‪.‬‬
‫‪ 5‬الذن اسم للكلم الذي يفيد إباحة فعل أو قول للمأذون‪ ،‬وهو مشتق من أذن له إذا استمع إليه‪.‬‬
‫نحو‪( :‬وأذنت لربها وحقت)‬
‫‪ 6‬هذه الجملة كالفذلكة لما تقدم من وعيد ووعيد وإنذار وتبشير سيق مساق التنويه بيوم الفصل‬
‫الذي هو اليوم الحق الثابت قطعا‪.‬‬

‫( ‪)5/506‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان كرامة المتقين وفضل التقوى‪.‬‬
‫‪ -2‬وصف جميل لنعيم الجنة‪.‬‬
‫‪ -3‬ذم الكذب واللغو وأهلهما‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان شدة الموقف وصعوبة المقام فيه‪.‬‬
‫‪ -5‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -6‬الترغيب في العمل الصالح واجتناب العمل السيء الفاسد‪.‬‬
‫( ‪)5/507‬‬

‫سورة النازعات‬
‫‪...‬‬
‫سورة النازعات‬
‫مكية وآياتها ست وأربعون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫وَالنّازِعَاتِ غَرْقا (‪ )1‬وَالنّاشِطَات َنشْطا (‪ )2‬وَالسّابِحَاتِ سَبْحا (‪ )3‬فَالسّا ِبقَاتِ سَبْقا (‪ )4‬فَا ْلمُدَبّرَاتِ‬
‫شعَةٌ (‬
‫جفَةٌ (‪ )8‬أَ ْبصَارُهَا خَا ِ‬
‫جفَةُ (‪ ) 6‬تَتْ َب ُعهَا الرّا ِد َفةُ (‪ )7‬قُلُوبٌ َي ْومَئِ ٍذ وَا ِ‬
‫جفُ الرّا ِ‬
‫َأمْرا (‪ )5‬يوْمَ تَرْ ُ‬
‫عظَاما نَخِ َرةً (‪ )11‬قَالُوا تِ ْلكَ إِذا كَ ّرةٌ خَاسِ َرةٌ (‬
‫‪َ )9‬يقُولُونَ َأإِنّا َلمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِ َرةِ (‪ )10‬أَِإذَا كُنّا ِ‬
‫‪ )12‬فَإِ ّنمَا ِهيَ زَجْ َر ٌة وَاحِ َدةٌ (‪ )13‬فَإِذَا هُمْ بِالسّاهِ َرةِ (‪)14‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫والنازعات غرقا ‪ :‬أي الملئكة تنزع أرواح الفجار والكفار عند الموت بشدة‪.‬‬
‫والناشطات نشطا ‪ :‬أي الملئكة تنشط أرواح المؤمنين الصالحين نشطا أي تسلها برفق‪.‬‬
‫والسابحات سبحا‪ :‬أي الملئكة تسبح من السماء بأمر ال أي تنزل به إلى الرض‪.‬‬
‫فالسابقات سبقا ‪ :‬أي الملئكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة‪.‬‬
‫فالمدبرات أمرا ‪ :‬أي الملئكة تدبر أمر الدنيا أي تنزل بتدبيره من لدن ال المدبر الحكيم‪.‬‬

‫( ‪)5/507‬‬

‫يوم ترجف الراجفة ‪ :‬أي النفخة الولى نفخة الفناء التي يتزلزل كل شيء معها‪.‬‬
‫تتبعها الرادفة ‪ :‬أي النفخة الثانية‪.‬‬
‫واجفة ‪ :‬أي خائفة قلقة‪.‬‬
‫أئنا لمردودون في الحافرة ‪ :‬أي أنرد بعد الموت إلى الحياة إذ ‪ 1‬الحافرة اسم لول المر‬
‫تلك إذا كرة خاسرة‪ :‬أي رجعة إلى الحياة خاسرة‪.‬‬
‫فإنما هي زجرة واحدة‪ :‬أي نفخة واحدة‪.‬‬
‫فإذا هم بالساهرة ‪ :‬أي بوجه الرض أحياء سميت ساهرة لن من عليها بها يسهر ول ينام‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {والنازعات ‪ 2‬غرقا } اليات هذا قسم عظيم أقسم تعالى به على أنه لبد من البعث‬
‫والجزاء حيث كان المشركون ينكرون ذلك حتى ل يقفوا عند حد في سلوكهم فيواصلوا كفرهم‬
‫وفسادهم جريا وراء شهواتهم كل أيامهم وطيلة حياتهم كما قال تعالى بل يريد النسان ليفجر‬
‫أمامه فأقسم تعالى بخمسة أشياء وهي النازعات والناشطات والسابحات والسابقات والمدبرات‪،‬‬
‫ورجح أنهم أصناف من الملئكة وجائز أن يكون غير ‪ 3‬ذلك ول حرج إذ العبرة بكونه تعالى قد‬
‫أقسم ببعض مخلوقاته على أن البعث حق ثابت وواقع ل محالة‪ ،‬وتقدير جواب القسم بلتبعثن ثم‬
‫لتنبؤن بما عملتم إذ هو معهود في كثير من القسام في القرآن كقوله تعالى من سورة التغابن‬
‫{زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على ال يسير}‬
‫وسيتم ذلك البعث والجزاء يوم ترجف الراجفة ‪ 4‬التي هي النفخة الولى التي ترجف فيها العوالم‬
‫كلها ويفنى فيها كل شيء‪ ،‬ثم تتبعها الرادفة وهي النفخة الثانية وهي نفخة البعث من القبور أحياء‬
‫وأن بين النفختين‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يقال‪ :‬رجع فلن أي حفرته أي في طريقه التي جاء فيها فحفرها برجليه وهو يمشي قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫أحافرة على صلع وشيب‬
‫معاذ ال من سفه وعار‬
‫أي أرجع إلى حالة الشباب بعد الصلع والشيب‪ ،‬والشاهد في إنكاره الرجوع إلى حياته الولى‪.‬‬
‫‪ 2‬النازعات جمع نازعة وهي الجماعة من الملئكة والنزع هو إخراج الروح من الجسد مشبه‬
‫بنزع الدلو من البئر‪ .‬ولذا يقول فلن في حالة النزع للمحتضر وغرقا اسم مصدر عدل عن‬
‫المصدر الذي هو إغراقا لمناسبة سبحا ونشطا وسبقا في اليات ومعناه الغراق في نزع الروح‬
‫من أقصى الجسد‪.‬‬
‫‪ 3‬إذ يرى بعضهم أنها النجوم ويرى بعضهم أنها جماعات الخيل الغازية‪ ,‬والرماة أو الفرسان إل‬
‫أن الراجح أنها الملئكة‪ ,‬فالنازعات الملئكة تنزع أرواح الكافرين و النشاطات تنشط أرواح‬
‫المؤمنين نشطا ًتأخذها بسرعة كما ينشط العقال من يد البعير والسابحات تسبح بأرواح المؤمنين‬
‫ترفعها إلى الملكوت العلى‪ ,‬فالسابقات الملئكة تسبق الشياطين بالوحي إلى النبياء‪ ,‬فالمدبرات‪,‬‬
‫الملئكة تقوم بتدبير ما أسند ال إليها كقبض الرواح‪ ,‬وإنزال المطار وإرسال الرياح‪ ,‬ونفخ‬
‫الرواح إلى غير ذلك‪.‬‬
‫‪ 4‬إطلق الراجفة والرادفة على الصيحة إطلق سائغ وهو إطلق على مسببة الراجفة وهي‬
‫الصيحة و الرادفة التي جاءت بعدها وهي الصيحة الثانية‪.‬‬

‫( ‪)5/508‬‬
‫أربعين سنة كما ذكر رسول ال صلى ال عليه وسلم في الحديث الصحيح وقوله تعالى {قلوب‬
‫يومئذ واجفة} أي خائفة قلقة {أبصارها خاشعة} أي أبصار أصحاب تلك القلوب خاشعة أي ذليلة‬
‫خائفة‪ .‬وقوله تعالى {يقولون} أي منكر والبعث { أئنا لمردودون في الحافرة } أي أنرد بعد الموت‬
‫إلى الحياة من جديد كما كنا أول مرة‪ { ،‬أإذا كنا عظاما نخرة} أي بالية مفتتة وقولهم هذا إستبعاد‬
‫منهم للبعث وإنكار له‪ ،‬و {قالوا تلك إذا كرة خاسرة} يعنون أنهم إذا عادوا إلى الحياة مرة أخرى‬
‫فإن هذه العودة تكون خاسرة وهي بالنسبة إليهم كذلك إذ سيخسرون فيها كل شيء حتى أنفسهم‬
‫كما قال تعالى { قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أل ذلك هو الخسران‬
‫المبين‪ }.‬وقوله تعالى {فإنما هي زجرة واحدة } أي صيحة واحدة وهي نفخة إسرافيل الثانية نفخة‬
‫البعث { فَإِذَا هُمْ} أولئك المكذبون وغيرهم من سائر الخلق {بالساهرة } أي وجه الرض وقيل فيها‬
‫الساهرة لن من عليها يومئذ ل ينامون بل يسهرون أبدا فرد تعالى بهذا على منكري البعث الخر‬
‫وقرره عزوجل بما ل مزيد عليه إعذارا وإنذارا ول يهلك على ال إل هالك‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪-1‬بيان أن ال تعالى يقسم بما يشاء من مخلوقاته بخلف العبد ل يجوز له أن يقسم بغير ربه‬
‫تعالى‪.‬‬
‫‪-2‬بيان أنروح المؤمن تنزع عند الموت نزعًا سريعا ل يجد من اللم ما يجده الكافر‪.‬‬
‫‪-3‬تقرير عقيدة البعث و الجزاء بالقسام عليها وذكر كيفية وقوعها‪.‬‬
‫طغَى‬
‫عوْنَ إِنّهُ َ‬
‫حدِيثُ مُوسَى (‪ِ )15‬إذْ نَادَاهُ رَبّهُ بِا ْلوَادِ ا ْلمُقَدّسِ طُوىً (‪ )16‬ا ْذ َهبْ ِإلَى فِرْ َ‬
‫هلْ أَتَاكَ َ‬
‫عصَى (‪َ )21‬فحَشَرَ فَنَادَى‬
‫ب وَ َ‬
‫(‪ )17‬وَأَهْدِ َيكَ إِلَى رَ ّبكَ فَ َتخْشَى (‪ )19‬فَأَرَاهُ الْآيَةَ ا ْلكُبْرَى (‪َ )20‬فكَ ّذ َ‬
‫خ َذهُ اللّهُ َنكَالَ الْآخِ َر ِة وَالْأُولَى (‪ )25‬إِنّ فِي ذَِلكَ َلعِبْ َرةً ِلمَنْ‬
‫(‪َ )23‬فقَالَ أَنَا رَ ّب ُكمُ الْأَعْلَى (‪ )24‬فَأَ َ‬
‫خشَى (‪)26‬‬
‫يَ ْ‬

‫( ‪)5/509‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫موسى ‪:‬أي موسى بن عمران عليه السلم ‪.‬‬
‫بالواد المقدس طوى ‪:‬أي بالواد الطاهر المبارك المسمى بطوى‪.‬‬
‫اذهب إلى فرعون ‪:‬أي بأن أذهب إلى فرعون‪.‬‬
‫إنه طغى ‪:‬أي تجاوز حده كعبد إلى ادعاء الربوبية و اللوهية‪.‬‬
‫إلى أن تزكى ‪:‬أي تسلم فتطهر من رجس الشرك و الكفر بالسلم ل تعالى‪.‬‬
‫و أهديك إلى ربك ‪:‬أي أرشدك إلى معرفة ربك الحق فتخشاه وتطيعه فتنجو من عذابه‪.‬‬
‫فأراه الية الكبرى ‪:‬أي العصا و اليد إذ هي من أكبر اليات الدالة على صدق موسى‪.‬‬
‫ثم أدبر يسعى ‪:‬أي بعد ما كذب وعصى رجع يجمع جموعه ويحشر جنوده لحرب موسى وقال‬
‫كلمة الكفر أنا ربكم فل طاعة إل لي‪.‬‬
‫فأخذه ال نكال الخرة والولى ‪:‬أي عذبه تعالى عذاب الخرة وهو قوله أنا ربكم العلى وعذاب‬
‫الولى وهي قوله ما علمت لكم من إله غيري‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {هل أتاك حديث موسى} اليات‪ ..‬المقصود من هذه اليات تسلية الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم وهو يعاني من تكذيب قومه له ولما جاء به من التوحيد والشرع فقص تعالى عليه‬
‫طرفا من قصة موسى مع فرعون تخفيفا عليه‪ ،‬وتهديدا لقومه بعقوبة تنزل بهم كعقوبة فرعون‬
‫الذي كان أشد منهم بطشا وقد أهلكه ال فأغرقه وجنده‪ ..‬فقال تعالى { َهلْ أَتَاك } ‪ 1‬يا رسولنا‬
‫{حَدِيثُ مُوسَى} بن عمران‪{ ،‬إِذْ‪ 2‬نَادَاهُ رَبّهُ بِا ْلوَادِ ا ْل ُمقَدّسِ طُوىً} أي بالواد المطهر المبارك‬
‫المسمى طوى ناداه فأعلمه أولً أنه ل إله إل هو وأمره بعبادته‪ ،‬ثم أمره بأن يذهب إلى فرعون‬
‫الوليد بن الريان ملك القبط بمصر فقال له اذهب إلى فرعون إنه طغى أي عتا وتكبر وظلم‬
‫فأفحش في الظلم والفساد‪ .‬وعلمه ما يقول له إذا انتهى إليه فقل { َف ُقلْ َهلْ َلكَ ِإلَى أَنْ تَ َزكّى}‪ 3‬أي‬
‫إلى أن تسلم فتزكو روحك وتطهر بالسلم وأهديك ‪ 4‬إلى ربك فتخشى أي وأرشدك إلى ربك‬
‫وأعرفك به فتخشى أي عقابه فتترك الظلم والطغيان قال تعالى فأراه الية الكبرى والتي هي اليد‬
‫والعصا‪ ،‬فكذب فرعون موسى في دعوته وعصى ربه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هل الستفهام هنا صوري المراد به تشويق السامع إلى الخبر ولذا استعمل فيه هل التي هي‬
‫بمعنى قد للتحقيق أي قد أتاك حديث موسى العجيب فاستمع‪.‬‬
‫‪ 2‬إذ اسم زمان بدل اشتمال من حديث موسى‪.‬‬
‫‪ 3‬قرأ نافع تزكى بتشديد الزاي وقرأ حفص بتخفيفها فمن شددها أدغم فيها إحدى تائي تتزكى‬
‫ومن خفف حذف إحدى التائين لن أصل الفعل تتزكى بتائين‪.‬‬
‫‪ 4‬الهداية‪ :‬الدللة على الطريق الموصل إلى المطلوب إذا سلكه المرء وصل إلى مرغوبه‪.‬‬

‫( ‪)5/510‬‬

‫فلم يستجب له ولم يطعه فيما أمره به ودعاه إليه من اليمان برسالة موسى وإرسال بني إسرائيل‬
‫معه بعد السلم ل ظاهرا وباطنا‪ .‬ثم أدبر فرعون أي عن دعوة الحق رافضا لها يسعى في‬
‫حشَرَ} رجاله وجنده { فَنَادَى} أي ناداهم ليعدهم إلى حرب موسى { َفقَالَ‪ :‬أَنَا رَ ّبكُمُ‬
‫الباطل والشر {فَ َ‬
‫الْأَعْلَى} يعني أنه ل رب فوقه‪{ ،‬فََأخَ َذهُ اللّه} أي عذبه { َنكَالَ} أي ‪ 1‬عذاب {الْآخِرَة} أي الكلمة وهي‬
‫قوله‪" :‬أنا ربكم العلى" ونكال الولى وهي قوله ( ما علمت لكم من إله غيري) وبين الكلمتين‬
‫الخبيثتين أربعون سنة فالولى قالها في بداية الدعوة حيث ادعى أنه بحث واستقصى في البحث‬
‫واجتهد وأنه بعد كل ذلك الجتهاد لم يعلم أن للناس من قومه من إله سواه‪ .‬وقوله تعالى إن في‬
‫ذلك {َلعِبْ َرةً ِلمَنْ‪َ 2‬يخْشَى} أي فيما قص تعالى من خبر موسى وفرعون { َلعِبْ َرةً } أي عظة لمن‬
‫يخشى ال وعذاب الدار الخرة فيؤمن ويتقي أي فيزداد إيمانا وتقوى‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تسلية الداعي إلى ال تعالى وحمله على الصبر في دعوته حتى ينتهي بها على غايتها‪.‬‬
‫‪ -2‬إثبات مناجاة موسى لربه تعالى وأنه كلمه ربه كفاحا بل واسطة‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير أن ل تزكية للنفس البشرية إل بالسلم أي بالعمل بشرائعه‪.‬‬
‫‪ -4‬ل تحصل الخشية من ال للعبد إل بعد معرفة ال تعالى إنما يخشى ال من عباده العلماء‪.‬‬
‫‪ -5‬وجود المعجزات ل يستلزم اليمان فقد رأى فرعون أعظم اليات كالعصا واليد وما آمن‪.‬‬
‫‪ -6‬التنديد والوعيد الشديد لمن يدعي الربوبية واللوهية فيأمر الناس بعبادته‪.‬‬
‫ضحَاهَا (‬
‫ج ُ‬
‫غطَشَ لَيَْلهَا وَأَخْرَ َ‬
‫سوّاهَا (‪ )28‬وَأَ ْ‬
‫س ْم َكهَا فَ َ‬
‫سمَاءُ بَنَاهَا (‪َ )27‬رفَعَ َ‬
‫أَأَنْتُمْ أَشَدّ خَلْقا أَمِ ال ّ‬
‫‪ )29‬وَالْأَ ْرضَ َبعْدَ ذَِلكَ دَحَاهَا (‪ )30‬أَخْرَجَ مِ ْنهَا مَاءَهَا َومَرْعَاهَا (‪ )31‬وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (‪)32‬‬
‫مَتَاعا َلكُ ْم وَلِأَ ْنعَا ِمكُمْ (‪)33‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬النكل القيد قال تعالى (إن لدينا أنكال) جمع نكل ويطلق النكال على العذاب والهروب منه وأخذ‬
‫منه فعل نكل تنكيل أي عذبه تعذيبا فنكال الولى أي عذاب الولى ونكال الخرة عذاب الخرة‬
‫كما هو مبين في التفسير‪.‬‬
‫‪ 2‬لمن يخشى‪ :‬أي يخشى ال تعالى وهو المؤمن التقي إذ مثله النفسي هو الذي يجد العظة والعبرة‬
‫فيما يعرض عليه من أحداث فاصلة أما الكافر فأنى له أن يسمع حتى يبصر؟‬

‫( ‪)5/511‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها؟ ‪:‬أي أشد خلقا‪.‬‬
‫رفع سمكها ‪:‬أي غلظها وارتفاعها‪.‬‬
‫فسواها ‪:‬أي جعلها مستوية سطحا واحدا ما فيها نتوء ول انخفاض‪.‬‬
‫وأغطش ليلها ‪:‬أي أظلمه جعله مظلما‪.‬‬
‫وأخرج ضحاها ‪:‬أي ضوءها ونهارها‪.‬‬
‫والرض بعد ذلك دحاها ‪:‬أي بعد أن خلق الرض خلق السماء ثم دحا الرض أي بسطها وأخرج‬
‫منها ماءها ومرعاها‪.‬‬
‫والجبال أرساها ‪:‬أي أثبتها على سطح الرض لتثبت ول تميد‪.‬‬
‫متاعا لكم ولنعامكم ‪ :‬أي أخرج من الرض ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولنعامكم‬
‫وهي المواشي من الحيوان‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫شدّ‪ 1‬خَلْقا} اليات‪ ..‬سيقت هذه اليات الكريمة لتقرير عقيدة البعث والجزاء‬
‫قوله تعالى {أَأَنْ ُتمْ أَ َ‬
‫بإيراد أكبر دليل عقلي ل يرده العاقل أبدا وهو أن السماء في خلقها وما خلق ال فيها‪ ،‬أشد خلقا‬
‫وأقوى وأعظم من خلق النسان بعد موته فالبشرية كلها ل ساوي حجمها حجم كوكب واحد من‬
‫كواكب السماء ول سلسلة واحدة من سلسل الجبال في الرض فضل عن السماء والرض‪ .‬إذا‬
‫فالذي قدر على خلق السماء وما فيها والرض وما فيها قادر قطعا من باب أولى قادر على خلق‬
‫النسان مرة أخرى وقد خلقه أول فإعادة خلقه بإحيائه بعد موته أيسر وأسهل وأمكن من خلقه أول‬
‫على غير مثال سبق‪ ،‬ول صورة تقدمت‪ ،‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون لنهم ل يفكرون وهذا‬
‫سمَاءُ }‪2‬‬
‫عرض اليات قوله تعالى { أَأَنْتُمْ َأشَدّ خَلْقا ً} أيها المنكرون للبعث المكذبون به { أَمِ ال ّ‬
‫والجواب الذي لشك فيه هو أن السماء أشد خلقا من منهم وبيان ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬بناها فهي سقف للرض مرفوعة فوقها مسوّاة فل انفطار فيها ول ارتفاع لبعض وانخفاضا‬
‫لبعض آخر بل هي كالزجاجة في سمتها واعتدالها في خلقها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام تقريري أي إلجاؤهم إلى القرار والعتراف بأن خلق السماء أعظم من خلقهم إذا‬
‫كيف ينكرون البعث والحياة الثانية‪.‬‬
‫‪ 2‬المراد بالسماء السماء الدنيا المشاهدة للناس‪ ،‬وإن كان لفظ السماء يطلق إطلق أسماء الجناس‬
‫الدالة على أكثر من واحد والبناء للسماء وهو خلقها في صورة بناء رفيع‪.‬‬

‫( ‪)5/512‬‬

‫‪ -2‬رفع سمكها ‪ 1‬فإن غلظها مقدر بمسيرة خمسمائة عام‪.‬‬


‫‪ -3‬أغطش ليلها فجعله مظلما‪.‬‬
‫‪ -4‬وأخرج ضحاها فجعل نهارها مضيئا‪ .‬هذه هي السماء‪ .‬والرض بعد ذلك أي بعد ‪ 2‬أن خلقها‬
‫أول وقبل السماء عاد إليها فدحاها بأن بسطها للنام وأخرج منها ماءها ففجر فيها عيونها وأخرج‬
‫منها مرعى وهو ما يرعى من سائر الحبوب والثمار والنبات والشجار منفعة للنسان ولحيوانه‬
‫المفتقر إليه في ركوبه ‪ 3‬وطعامه وشرابه وما ذكر تعالى من مظاهر القدرة والعلم والحكمة‬
‫والرحمة في الرض ل يقل عما ذكر في السماء إن لم يكن أعظم فكيف إذا ينكر النسان على‬
‫ربه أن يعيده حيا بعد إماتته له ليحاسبه وليجزيه إنه بدل أن ينكر يجب عليه أن يشكر‪ ،‬ولكن‬
‫النسان ظلوم كفار‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان إفضال ال تعالى على النسان وإنعامه عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعية الستدلل بالكبير على الصغير وبالكثير على القليل وهو مما يعلم بداهة‬
‫وبالضرورة إل أن الغفلة أكبر صارف وأقوى حايل فل بد من إزالتها أول‪.‬‬
‫جحِيمُ ِلمَنْ يَرَى (‬
‫سعَى (‪ )35‬وَبُرّ َزتِ الْ َ‬
‫فَإِذَا جَا َءتِ الطّامّةُ ا ْلكُبْرَى (‪َ )34‬يوْمَ يَتَ َذكّرُ النسان مَا َ‬
‫‪)36‬‬
‫جحِيمَ ِهيَ ا ْلمَ ْأوَى (‪ )39‬وََأمّا مَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ‬
‫طغَى (‪ )37‬وَآثَرَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا (‪ )38‬فَإِنّ الْ َ‬
‫ََأمّا مَنْ َ‬
‫وَ َنهَى ال ّنفْسَ عَنِ ا ْل َهوَى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬السمك بفتح السين وتسكين الميم الرفع في الفضاء ‪,‬وهو مصدر سمك إذا رفع السمك محرك‬
‫السين والميم الحوت المعروف واحده سمكة كبقرة‪.‬‬
‫‪ 2‬اختلف في أيها خلق ال تعالى أول الرض أم السماء وراجح أنها الرض أول لقوله (أإنكم‬
‫لتكفرون بالذي خلق الرض ‪ ...‬إلى قوله ثم استوى إلى السماء) الية من سورة فصلت‪ .‬وطريق‬
‫الجمع كما في التفسير خلق الرض أول ثم السماوات ثم عاد إلى الرض فدحاها بمعنى أخرج‬
‫منها ماءها ومرعاها أي أعدها إعدادا خاصا لحياة النسان والحيوان المراد من قوله دحاها إذ‬
‫الدحو البسط والتسوية والترتيب‪.‬‬
‫‪ 3‬إذ هو المراد من قوله تعالى في الية (ولنعامكم ) التي هي البل البقر والغنم فالبل يركب‬
‫ظهرها ويشرب لبنها ويؤكل لحمها‪.‬‬

‫( ‪)5/513‬‬

‫(‪ )40‬فَإِنّ ا ْلجَنّةَ ِهيَ ا ْلمَ ْأوَى (‪ )41‬يَسْأَلو َنكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا (‪ )42‬فِيمَ أَ ْنتَ مِنْ ِذكْرَاهَا (‬
‫عشِيّةً‬
‫‪ )43‬إِلَى رَ ّبكَ مُنْ َتهَاهَا (‪ )44‬إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُنْذِرُ مَنْ َيخْشَاهَا (‪ )45‬كَأَ ّنهُمْ َيوْمَ يَ َروْ َنهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلّا َ‬
‫َأوْ ضُحَاهَا(‪)46‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الطامة الكبرى ‪:‬أي النفخة الثانية وأصل الطامة الداهية التي تعلو على كل داهية‪.‬‬
‫ما سعى ‪:‬أي ما عمل في الدنيا من خير وشر ‪.‬‬
‫فأما من طغى ‪:‬أي كفر وظلم‪.‬‬
‫وآثر الحياة الدنيا ‪:‬أي باتباع الشهوات‪.‬‬
‫فإن الجحيم هي المأوى ‪:‬أي النار مأواه‪.‬‬
‫مقام ربه ‪:‬أي قيامه بين يديه ليسأله عما قدم وأخر‪.‬‬
‫ونهى النفس عن الهوى ‪:‬أي المردى المهلك باتباع الشهوات‪.‬‬
‫فإن الجنة هي المأوى ‪:‬أي مأواه الذي يأوي إليه بعد الحساب‪.‬‬
‫عن الساعة ‪:‬أي القيامة للحساب والجزاء‪.‬‬
‫أيان مرساها ‪:‬أي متى وقوعها وقيامها‪.‬‬
‫فيم أنت من ذكراها ‪:‬أي في أي شيء من ذكراها أي ليس عندك علمها حتى تذكرها‪.‬‬
‫إلى ربك منتهاها ‪:‬أي منتهى علمها إلى ال وحده فل يعلمها سواه‪.‬‬
‫لم يلبثوا ‪:‬أي في قبورهم‪.‬‬
‫إل عشية أو ضحاها ‪:‬أي عشية يوم أو ضحى تلك العشية‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد أن بين تعالى مظاهر قدرته في حياة الناس وما خلق لهم فيها تدليل على البعث والجزاء‬
‫وذكر في هذه اليات مظاهر قدرته في معادهم تدليل على قدرته على بعثهم بعد موتهم‬
‫ومحاسبتهم ومجازاتهم فقال عز من قائل {فَِإذَا جَا َءتِ‪ 1‬الطّامّةُ ا ْلكُبْرَى} أي القيامة وسميت بالطامة‬
‫الكبرى لنها تطم على ‪ 2‬كل شيء ول يعظمها سيء ول ريح عاد ول صيحة ثمود ول رجفة يوم‬
‫الظلة‪َ { .‬يوْمَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فالفاء للتفريع عما تقدم إن تقدم مظاهر قدرته في الكون والحياة تدليلً على قدرته على البعث‬
‫والجزاء ففرع عنه بيان أحوال البعث وما يجري فيه تقريرا له ووقوفا بالمنكرين له على‬
‫مصيرهم فيه مبالغة في طلب هدايتهم وإقامة الحجة عليهم‪.‬‬
‫‪ 2‬أصل الطامة الحادثة التي تطم أي تلو وتغلب أمثالها من الحداث الجسام والمراد بها هنا‬
‫القيامة‪ ،‬قال سفيان الطامة هي الساعة التي يسلم فيها أهل النار للزبانية قال الشاعر‪:‬‬
‫إن بعض الحب يعمي ويصم‬
‫وكذاك البعض أدهى وأطم‬

‫( ‪)5/514‬‬
‫سعَى} من خير أو شر لنه أيقن أنه محاسب ومجزي بعمله‪ { .‬وَبُرّ َزتِ ا ْلجَحِيمُ}‬
‫يَتَ َذكّ ُر الِنْسَانُ مَا َ‬
‫أي أبرزها فظهرت لمن يراها ل يخفيها شيء‪ .‬والناس بعد ذلك مؤمن وكافر والطريقان طريق‬
‫طغَى} أي عتا عن أمر ربه فعصاه ولم يطعه بأداء فرائضه واجتناب‬
‫جنة وطريق نار‪{ .‬فََأمّا مَنْ َ‬
‫نواهيه‪{ .‬وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا} على الخرة فعمل للدنيا وصرف كل جهده وطاقته لها‪ ،‬ولم يعمل‬
‫جحِيمَ ِهيَ ا ْلمَ ْأوَى} أي مأواه ومستقره‬
‫للخرة فما صام ول صلى ول تصدق ول زكى { فَإِنّ الْ َ‬
‫ومثواه شرابه الحميم وطعامه الزقوم {وََأمّا مَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ} وهو الوقوف بين يديه لمساءلته‬
‫ومجازاته فأدى الفرائض واجتنب النواهي‪{ ،‬وَ َنهَى ال ّنفْسَ عَنِ ا ْل َهوَى} أي نفسه عن هواها فلم‬
‫يجبها في هوى يبغضه ال ولم يطعها في شيء حرمه ال فإن الجنة دار السلم والبرار والمتقين‬
‫الخيار هي مأواه ولنعم المأوى هي حيث العيون الجارية والسرر المرفوعة والكواب‬
‫الموضوعة والنمارق المصفوفة والزرابي المبثوثة والكواعب العرب التراب ولقاء الحباب ‪.1‬‬
‫عةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا} أي يسألك يا رسولنا المنكرون للبعث عن الساعة‬
‫وقوله تعالى {يَسْأَلو َنكَ عَنِ السّا َ‬
‫أي قيامها ومتى رسوها وثبوتها وهي كالسفينة سائرة ليل نهار متى ترسو؟ { فِيمَ }‪ 2‬أي في أي‬
‫شيء أنت من ذكراها أي ليس عندك علمها فتذكرها لهم إلى ربك وحده علم وقت مجيئها وساعة‬
‫رسوها لتنقل الناس من دنياهم إلى آخرتهم‪ ،‬وبذلك تنتهي رحلتهم ويستقر قرارهم‪ .‬وينتهي ليلهم‬
‫ونهارهم‪ .‬وقوله تعالى {إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُنْذِرُ مَنْ َيخْشَاهَا} أي ليس إليك يا رسولنا علمها ول منتهى‬
‫أمرها إنما أنت مهمتك غير ما يطلب إنها إنذار من يخشى الساعة ويخاف حلولها ليمانه بها وبما‬
‫يكون فيها من نعيم وجحيم أما من ل يؤمن بها فهو ل يخافها وسؤاله عنها سؤال استهزاء‪ ،‬فل‬
‫تحفل بهم ول تهتم لهم فإنهم يوم يرونها كأن لم يلبثوا في دنياهم هذه وقبورهم { إِلّا عَشِيّةً َأوْ‬
‫ضُحَاهَا} أي عشية يوم أو ضحى تلك العشية لما يستقبلون من أهوال الموقف وفظائع العذاب‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء ب ‪1‬كر أحوالها وصفاتها‪.‬‬
‫‪ -2‬الناس يوم القيامة مؤمن تقي في الجنة‪ ،‬وكافر وفاجر في النار‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان استئثار ال تعالى بعلم الغيب والساعة‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان أي الشدائد ينسى بعضها بعضا فإن عذاب القبر يهون أمام عذاب النار‪.‬‬
‫__________‬
‫ل وهو في سياقة‬
‫‪ 1‬كل ما ذكر من قولنا العيون إلى لقاء الحباب هو من القرآن‪ .‬يروى أن بل ً‬
‫الموت يغمى عليه فإذا أفاق ووجد امرأته تبكي‪ :‬يقول لها ل تبكي‪ :‬غدا ألقى الحبة محمدا‬
‫وصحبه‪.‬‬
‫‪ 2‬اسم استفهام أريد به النكار مشوبا بالتعجب من إلحاح المشركين على الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم أن يعين لهم وقتها‪.‬‬
‫( ‪)5/515‬‬

‫سورة عبس‬
‫‪...‬‬
‫سورة عبس‬
‫مكية وآياتها اثنتان وأربعون آية‬
‫يسم ال الرحمن الرحيم‬
‫عمَى (‪َ )2‬ومَا يُدْرِيكَ َلعَلّهُ يَ ّزكّى (‪َ )3‬أوْ يَ ّذكّرُ فَتَ ْن َفعَهُ ال ّذكْرَى (‪َ )4‬أمّا‬
‫س وَ َتوَلّى (‪ )1‬أَنْ جَا َءهُ الْأَ ْ‬
‫عَبَ َ‬
‫سعَى(‪ )8‬وَ ُهوَ‬
‫مَنِ اسْ َتغْنَى (‪ )5‬فَأَ ْنتَ لَهُ َتصَدّى (‪َ )6‬ومَا عَلَ ْيكَ َألّ يَ ّزكّى (‪ )7‬وََأمّا مَنْ جَا َءكَ َي ْ‬
‫حفٍ ُمكَ ّرمَةٍ (‬
‫صُ‬‫خشَى (‪ )9‬فَأَ ْنتَ عَنْهُ تََلهّى (‪)10‬كَلّ إِ ّنهَا تَ ْذكِ َرةٌ (‪َ )11‬فمَنْ شَاءَ َذكَ َرهُ (‪ )12‬فِي ُ‬
‫يَ ْ‬
‫سفَرَةٍ (‪ )15‬كِرَامٍ بَرَ َرةٍ (‪)16‬‬
‫طهّ َرةٍ (‪ )14‬بِأَيْدِي َ‬
‫‪ )13‬مَ ْرفُوعَةٍ مُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫عبس ‪:‬أي أن النبي صلى ال عليه وسلم بمعنى كلح وجهه وتغير‪.‬‬
‫وتولى ‪:‬أي أعرض‪.‬‬
‫أن جاءه العمى ‪:‬أي لجل أن جاء عبد ال بن أم مكتوم فقطعه عما هو مشغول به من دعوة‬
‫بعض أشراف قريش للسلم‪.‬‬
‫لعله يزكى ‪:‬أم يتطهر من الذنوب‪.‬‬
‫أو يذكر ‪:‬أي يتعظ‪.‬‬
‫فتنفعه الذكرى ‪:‬أي الموعظة‪.‬‬
‫أما من استغنى ‪:‬عن اليمان والعلم والدين بالمال والجاه‪.‬‬
‫فأنت له تصدى ‪:‬أي يتقبل عليه وتتصدى له‪.‬‬
‫وما عليك أل يزكى ‪:‬أي ليس عليك بأس في عدم تزكيته نفسه بالسلم‪.‬‬
‫يسعى ‪:‬أي في طلب الخير من العلم والهدى‪.‬‬
‫فأنت عنه تلهى ‪:‬أي تشاغل‪.‬‬
‫كل ‪:‬أي ل تعد لمثل ذلك‪.‬‬
‫إنها تذكرة ‪:‬أي اليات عظة للخلق‪.‬‬

‫( ‪)5/516‬‬
‫مكرمة ‪:‬أي عند ال‪.‬‬
‫مرفوعة ‪:‬أي في السماء‪.‬‬
‫مطهرة ‪:‬أي منزهة عن مس الشياطين‪.‬‬
‫بأيد سفرة ‪:‬كتبة ينسخونها من اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫كرام بررة ‪:‬مطيعين ل وهم الملئكة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫عمَى} هذا عتاب لطيف يعاتب به ال سبحانه وتعالى‬
‫س وَ َتوَلّى ‪ 1‬أَنْ جَا َءهُ الْأَ ْ‬
‫قوله تعالى {عَبَ َ‬
‫رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم فالذي عبث بمعنى قطب وجهه وأعرض هو رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم والعمى الذي لجله عبس رسول ال وأعرض عنه هو عبد ال بن أم مكتوم‬
‫العمى أحد المهاجرين ابن خال خديجة بنت خويلد أم المؤمنين‪ .‬وسبب هذا العتاب الكريم أن‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم كان في مكة يوما ومعه صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو‬
‫جهل والعباس بن عبد المطلب وأمية بن خلف يدعوهم إلى السلم مجتهدا معهم يرغبهم ويرهبهم‬
‫طمعا في إسلمهم فجاء عبد ال بن أم مكتوم ينادي يا رسول ال أقرئني وعلمني مما علمك ال‬
‫وكرر ذلك مرارا فانزعج لذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فكره رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قطعه لحديثه مع القوم فعبس وتولى عنه ل يجيبه‪ ،‬وما إن عاد النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫عمَى َومَا‬
‫س وَ َتوَلّى}‪ 2‬أي قطب وأعرض { أَنْ جَا َءهُ‪ 3‬الْأَ ْ‬
‫إلى منزله حتى نزلت هذه اليات { عَبَ َ‬
‫يُدْرِيكَ } أي وما يعلمك أنه { يَ ّزكّى ‪ } 4‬بما يطلب من القرآن والسنة أي يريد زكاة نفسه وتطهير‬
‫روحه بما يتعلمه منك‪ ،‬أو يذكر فتنفعه الذكرى‪ .‬أي وما يعلمك لعله بندائه لك وطلبه منك أن‬
‫يتذكر بما يسمع منك فيتعظ به وتنفعه الذكرى منك‪ .‬وقوله تعالى { َأمّا مَنِ اسْ َتغْنَى} أي عن‬
‫اليمان و السلم وما عندك من العلم بال والمعرفة استغنى بماله وشرفه في قومه { فَأَ ْنتَ َلهُ‬
‫علَ ْيكَ َألّ يَ ّزكّى} أي وأي شيء يلحقك من الذى إن لم‬
‫َتصَدّى ‪ }5‬أي تتعرض له مقبل عليه { َومَا َ‬
‫يتزك ذاك المستغنى عنك بشرفه و ماله‪.‬وكرر تعالى العتاب بالكلمات العذاب ‪ { 6‬وََأمّا مَنْ جَا َءكَ‬
‫سعَى وَ ُهوَ‬
‫يَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬عبس‪:‬أي النبي صلى ال عليه وسلم ومعنى عبس قطب مابين عينيه كراهية لما نابه وحصل له‬
‫مما أزعجه‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر مضمون هذه الية في قوله تعال ول تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي‪ ..‬الية‬
‫وأخرى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) الية‪ .‬الولى من سورة النعام‬
‫والثانية من الكهف‪.‬‬
‫‪ 3‬أن جاءه العمى‪ :‬مجرور بحرف جر محذوف وهو اللم أي لن جاءه وهذا الحذف مطرد‬
‫وأصل التركيب لجل مجيء العمى له‪.‬‬
‫‪ 4‬يزكى أصلها يتزكى أي يطلب التزكية لنفسه فأدغمت التاء في الزاي فصارت يزكى‪.‬‬
‫‪ 5‬قرأ نافع تصدى بتشديد الصاد والدال معا‪ ،‬وقرأ حفص بتخفيف الصاد‪ ،‬فمن شدد أدغم إحدى‬
‫التائين في الصاد ومن خفف حذف‪.‬‬
‫‪ 6‬العذاب‪ :‬جمع عذبه بمعنى الحلوة الطيبة إذ كل حلو طيب هو عذب ‪.‬‬

‫( ‪)5/517‬‬

‫خشَى} جاءك مسرعا يجري وراءك يناديك بأحب السماء إليك يا رسول ال والحال انه يخشى‬
‫يَ ْ‬
‫ال تعالى ويخاف عقابه فلذا هو يطلب ما يزكي به نفسه ليقيها العقاب والعذاب { فَأَ ْنتَ عَ ْنهُ تََلهّى‬
‫‪ }1‬أي تتشاغل بغيره {كَلّ} أي ل تفعل مثل هذا مرة أخرى‪ .‬وقوله تعالى { إِ ّنهَا تَ ْذكِ َرةٌ} أي هذه‬
‫اليات وما تحمل من عتاب حبيب إلى حبيب موعظة { َفمَنْ شَاءَ} من عباد ال { َذكَ َرهُ} أي ذكر‬
‫طهّ َرةٍ} مكرمة عند ال تعالى مرفوعة في السماء‬
‫حفٍ ُمكَ ّرمَةٍ مَ ْرفُوعَةٍ ُم َ‬
‫الوحي والتنزيل {فِي صُ ُ‬
‫سفَ َرةٍ كِرَامٍ بَرَ َرةٍ} أي مطيعين ل صادقين هم‬
‫مطهرة منزهة عن مس الشياطين لها { بِأَيْدِي َ‬
‫الملئكة كتبة ينسخونها من اللوح المحفوظ وما أقرب هذا الوصف من مؤمن كريم النفس طاهر‬
‫الروح يحفظ كتاب ال ويعمل به بيده مصحف يقرأه ويرتل كلم ال فيه وقد جاء في الصحيح ‪2‬‬
‫أن هذا العبد الذي وصفت مع السفرة الكرام البررة‪ .‬اللهم اجعلني منهم برحمتك يا أرحم‬
‫الراحمين‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان مقام النبي صلى ال عليه وسلم وأنه أشرف مقام وأسماه دل على ذلك أسلوب عتاب ال‬
‫تعالى له حيث خاطبه في أسلوب شخص غائب حتى ل يواجهه بالخطاب فيؤلمه فتلطف معه‪ ،‬ثم‬
‫أقبل عليه بعد أن أزال الوحشة يخاطبه وما يدريك‪.‬‬
‫‪ -2‬إثبات ما جاء في الخبر أدبني ربي فأحسن تأديبي فقد دلت اليات عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬بلغ رسول ال صلى ال عليه وسلم بتأديب ربه له مستوى لم يبلغه سواه‪ ،‬فقد كان إذا جاءه‬
‫ابن أم مكتوم يوسع له في المجلس ويجلسه إلى جنبه ويقول له مرحبا بالذي عاتبني ربي ‪ 3‬من‬
‫اجله ووله على المدينة مرات‪ ،‬وكان مؤذنا له في رمضان‪.‬‬
‫‪-4‬استحالة كتمان الرسول صلى ال عليه وسلم لشيء من الوحي فقد قالت أم المؤمنين عائشة‬
‫رضي ال عنها لو كان للرسول أن يكتم شيئا من وحي ال لكتم عتاب ال تعالى له في عبس‬
‫وتولى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تلهى‪ :‬أصلها تتلهى حذفت إحدى التائين تخفيفا‪ ,‬وتلهى تطلب التلهي أو حصل له وهو النشغال‬
‫بشيء وترك الخر‪.‬‬
‫‪ 2‬في صحيح البخاري عن عائشة رضي ال عنها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ ":‬مثل‬
‫الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة‪ ،‬ومثل الذي يقرأه وهو يتعاهده وهو عليه‬
‫شاق شديد فله أجران"‪.‬‬
‫‪ 3‬قال الثوري فكان النبي صلى ال عليه وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم يبسط له رداءه‬
‫ويقول مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويقول‪ :‬هل من حاجة؟ واستخلفه بالمدينة مرتين في غزوتين‬
‫غزاهما قال أنس فرأيته يوم القادسية راكبا وعليه درع وراية سوداء‪.‬‬

‫( ‪)5/518‬‬

‫طفَةٍ خََلقَهُ َفقَدّ َرهُ (‪ )19‬ثُمّ السّبِيلَ يَسّ َرهُ (‬


‫شيْءٍ خََلقَهُ (‪ )18‬مِنْ نُ ْ‬
‫قُ ِتلَ الْإنْسَانُ مَا َأ ْكفَ َرهُ (‪ )17‬مِنْ َأيّ َ‬
‫‪ )20‬ثُمّ َأمَا َتهُ فََأقْبَ َرهُ (‪ )21‬ثُمّ ِإذَا شَاءَ أَنْشَ َرهُ (‪ )22‬كَلّ َلمّا َي ْقضِ مَا َأمَ َرهُ (‪ )23‬فَلْيَنْظُرِ الْإنْسَانُ إِلَى‬
‫شقّا (‪ )26‬فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّا (‪ )27‬وَعِنَبا‬
‫شقَقْنَا الْأَ ْرضَ َ‬
‫طعَامِهِ (‪ )24‬أَنّا صَبَبْنَا ا ْلمَا َء صَبّا (‪ )25‬ثُمّ َ‬
‫َ‬
‫َو َقضْبا (‪ )28‬وَزَيْتُونا وَنَخْلً (‪ )29‬وَحَدَا ِئقَ غُلْبا (‪َ )30‬وفَا ِكهَ ًة وَأَبّا (‪ )31‬مَتَاعا َلكُ ْم وَلِأَ ْنعَا ِمكُمْ (‬
‫‪)32‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫قتل النسان ‪ :‬لعن النسان الكافر‪.‬‬
‫ما ‪1‬أكفره ‪ :‬أي ما حمله على الكفر؟‪.‬‬
‫من أي شيء خلقه ‪ :‬من نطفة خلقه‪.‬‬
‫فقدره‪ :‬أي من نطفة إلى علقة إلى مضغة فبشر سوي‪.‬‬
‫ثم السبيل يسره ‪ :‬أي سبيل الخروج من بطن أمه‪.‬‬
‫إذا شاء أنشره ‪ :‬أي إذا شاء إحياءه أحياه‪.‬‬
‫كل‪ :‬حقا أو ليس المر كما يدعي النسان أدى ما عليه من الحقوق‪.‬‬
‫لما يقضي ما أمره ‪ :‬أي ما كلفه به من الطاعات و الواجبات في نفسه وماله‪.‬‬
‫إلى طعامه ‪ :‬أي كيف قدر ودبر له‪.‬‬
‫حبا وعنبا ‪ :‬أي الحب الحنطة والشعير والعنب هو المعروف‪.‬‬
‫وقضبا ‪ :‬أي القت والرطب وسمي قضبا لنه يقضب أي يقطع مرة بعد مرة‪.‬‬
‫و حدائق غلبا ‪ :‬أي كثيرة الشجار والواحدة غلباء كحمراء كثيفة الشجر‪.‬‬
‫و فاكهة وأبا ‪ :‬أي ما يتفكه به من سائر الفواكه والب التبن وما ترعاه البهائم‪.‬‬
‫متاعا لكم ولنعامكم ‪ :‬أي ما تقدم ذكره منفعة لكم ولنعامكم التي هي البل والبقر والغنم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جائز أن تكون ما تعجبية إذ من عادة العرب إذا تعجبوا من شيء قالوا فيه قاتله ال ما أحسنه‬
‫أو ما أقبحه أو ما أجرأه مثل‪.‬أي أعجبوا لخلقه من نطفة مع كفره بربه‪.‬‬

‫( ‪)5/519‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعدما عاتب الرب سبحانه وتعالى رسوله على انشغاله بأولئك الكفرة المشركين وأعراضه عن ابن‬
‫أم مكتوم العمى فكان أولئك المشركون هم السبب في إعراض الرسول صلى ال عليه وسلم عن‬
‫ابن أم مكتوم وفي عتاب ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم فاستجوبوا لذلك لعنة ال تعالى‬
‫عليهم لكفرهم وكبريائهم جرد ال تعالى شخصا منهم غير معلوم والمراد كل كافر متكبر مثلهم‬
‫شيْءٍ‬
‫فقال {قُ ِتلَ الْإِ ْنسَانُ} أي الكافر {مَا َأ ْكفَ َرهُ} أي ما حمله على الكفر والكبر‪ .‬فلينظر {مِنْ َأيّ َ‬
‫خََلقَهُ} ربه الذي يكفر به؟ إنه خلقه من نطفة قذرة {خََلقَهُ َفقَدّ َرهُ} أي أطوارا نطفة فعلقة فمضغة‪.‬‬
‫أمن كان هذا حاله يليق به أن يكفر ويتكبر ويستغني عن ال؟ فلينظر إلى مبدئه ومنتهاه وما بينهما‬
‫مبدأه نطفة مذرة وأخره جيفة قذرة‪ .‬وهو بينهما حامل عذرة‪ .‬كيف يكفر وكيف يتكبر؟ وقوله‬
‫تعالى {ثُمّ السّبِيلَ يَسّ َرهُ} فلول أن ال تعالى يسر له الخروج من بطن أمه وال ما خرج‪ُ { .‬ثمّ َأمَاتَهُ}‬
‫بدون استشارته ول أخذ رأيه { فََأقْبَ َرهُ‪ }1‬هيأ له من يقبره وإل لنتن وتعفن وأكلته الكلب‪{ ،‬ثُمّ إِذَا‬
‫شَاءَ أَنْشَ َرهُ‪{ }2‬كَلّ‪ .}3‬أما يصحو هذا المغرور أما يفيق هذا المخدوع‪َ{ .‬لمّا َي ْقضِ مَا َأمَ َرهُ} فما له‬
‫طعَامِهِ‪ }4‬الذي حياته متوقفة‬
‫ل يقضي ما أمره ربه من اليمان به وطاعته {َلْيَ ْنظُرِ الْإنْسَانُ إِلَى َ‬
‫عليه كيف يتم له بتقدير ال تعالى وتدبيره لعله يذكر فيشكر {أَنّا صَبَبْنَا ا ْلمَا َء صَبّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّا‬
‫شقّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّا} كالبر والشعير والذرة وسائر الحبوب المقتاتة وعنبا يأكله‬
‫شقَقْنَا الْأَ ْرضَ َ‬
‫ثُمّ َ‬
‫رطبا ويابسا { َو َقضْبا} وهو القت الرطب يقضب أي يقطع مرة بعد مرة وهو علف البهائم‪،‬‬
‫حدَائِقَ غُلْبا} أي‬
‫{وَزَيْتُونا} يأكله حبا ويدهن به زيتا { وَنَخْلً} يأكله ثمرة بسرا ورطبا وتمرا {وَ َ‬
‫بساتين ملتفة الشجار كثيرتها الواحدة غلباء ‪َ { 5‬وفَا ِكهَةً وَأَبّا} الفاكهة لكم والب علف لدوابكم‬
‫{مَتَاعا َلكُمْ وَلِأَ ْنعَامِكُمْ} أي هذه المذكورات بعضها متاعا لكم أي منافع تتمتعون بها وبعضها‬
‫لنعامكم وهو القضب والب منفعة لها تعيش عليها فبأي وجه تكفر ربك يا أيها النسان الكافر؟‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان مظاهر قدرة ال وعلمه وحكمته وهي مقتضية لليمان به وبآياته ورسوله ولقائه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يقال قبره إذا دفنه وأقبره إذا هيأ له من يقبره‪.‬‬
‫‪ 2‬أنشره ونشره بمعنى واحد أي أحياه بعد موته وسيشاء ذلك فينشره يوم القيامة للحساب‬
‫والجزاء‪.‬‬
‫‪ 3‬لهل العلم في حقيقة (كل) هذا كلم طويل واختلف كبير والراجح أنها كما هي الغالب فيها‬
‫أنها للردع أي ردع له على كفره واستمرار غفلته وإعراضه وجهله وعدم علمه‪ ,‬وجملة لم يقض‬
‫بيانية أي بيات علة كفره وعناده وهي أنه لم يقض ما أمر به من النظر والتأمل ولو فعل ذلك‬
‫لعرف واهتدى ‪ ,‬ومن هنا أمره أن ينظر إلى طعامه ‪.‬‬
‫‪ 4‬هناك لطيفة تستشف من هذه الية وهي أن طعام النسان كالمثل للدنيا في مبدئها ومنتهاها فإن‬
‫طعامه وإن ملحه وفلفله فإنه يصير إلى عذرة منتنة‪.‬‬
‫‪ 5‬يقال للسد الغلب لنه مصمت العنق ل يلتفت إل جمعا‪.‬‬

‫( ‪)5/520‬‬

‫‪ -2‬الستدلل بالصنعة على الصانع‪ .‬وأن أثر الشيء يدل عليه‪ ،‬ولذا يتعجب من كفر الكافر بربه‬
‫وهو خلقه ورزقه وكل حياته وحفظ وجوده إلى أجله‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أن النسان ل يزال مقصرا في شكر ربه ولو صام الدهر كله وصلى في كل لحظة من‬
‫لحظاته ‪.‬‬
‫فَإِذَا جَا َءتِ الصّاخّةُ (‪َ )33‬يوْمَ َيفِرّ ا ْلمَرْءُ مِنْ َأخِيهِ (‪ )34‬وَُأمّ ِه وَأَبِيهِ (‪َ )35‬وصَاحِبَتِ ِه وَبَنِيهِ (‪)36‬‬
‫حكَةٌ ُمسْتَبْشِ َرةٌ (‪َ )39‬ووُجُوهٌ‬
‫سفِ َرةٌ (‪ )38‬ضَا ِ‬
‫ِل ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ َي ْومَئِذٍ شَأْنٌ ُيغْنِيهِ (‪ )37‬وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ مُ ْ‬
‫َي ْومَئِذٍ عَلَ ْيهَا غَبَ َرةٌ (‪ )40‬تَرْ َه ُقهَا قَتَ َرةٌ (‪ )41‬أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل َكفَ َرةُ ا ْلفَجَ َرةُ (‪)42‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫فإذا جاءت الصاخة ‪ :‬أي النفخة الثانية‪.‬‬
‫وصاحبته ‪ :‬أي زوجته‪.‬‬
‫شأن يغنيه ‪ :‬أي حال تشغله عن شأن غيره‪.‬‬
‫مسفرة‪ :‬أي مضيئة‪.‬‬
‫عليها غبرة ‪ :‬أي غبار‪.‬‬
‫ترهقها قترة ‪ :‬أي ظلمة من سواد ومعنى ترهقها تغشاها‬
‫الكفرة الفجرة ‪ :‬أي الجامعون بين الكفر والفجور‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعدما يبين تعالى بداية أمر النسان في حياته ومعاشه فيها ذكر تعالى معاده ومآله فيها فقال عز‬
‫من قائل {فَإِذَا جَا َءتِ‪ 1‬الصّاخّةُ} وهي القيامة ولعل تسميتها بهذا السم الصاخة نظرا إلى نفخة‬
‫الصور التي تصخ الذن أي تصمها بمعنى تصيبها بالصمم لشدتها‪ .‬وهي النفخة الثانية وقوله‬
‫تعالى { َيوْمَ َيفِرّ ا ْلمَرْءُ مِنْ َأخِيهِ‪ 2‬وَُأمّ ِه وَأَبِي ِه َوصَاحِبَتِهِ} أي زوجته {وَبَنِيهِ} وهؤلء أقرب الناس‬
‫إليه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفاء للتفريع هذا الكلم متفرع على ما قبله كما في التفسير أنه بعد أن ذكر النسان بمبدأ خلقه‬
‫ومنتهى حياته في الدنيا فرع على ذلك بيان حياته الخرة ومصيره فيها‪.‬‬
‫‪ 2‬قال بعضهم أول من يفر يفر قابيل من أخيه هابيل‪ ،‬وقال الحسن أول من يفر يوم القيامة‬
‫إبراهيم يفر من أبيه ونوح من ابنه ولوط من امرأته‪.‬‬

‫( ‪)5/521‬‬

‫ومع هذا يفر عنهم أي يهرب خشية أن يطالبوه بحق لهم عليه فيؤخذ به‪.‬وقوله تعالى {ِل ُكلّ امْ ِرئٍ‬
‫مِنْ‪ُ 1‬همْ َي ْومَئِذٍ شَأْن} أي حال وأمر {ٌ ُيغْنِيهِ} عن السؤال عن غيره ولو كان أقرب قريب إليه‪.‬هنا‬
‫ورد أن أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم قائلة يا نبي ال‬
‫كيف يحشر الرجال؟ قال حفاة عراة‪,‬ثم انتظرت ساعة فقالت يانبي ال كيف يحشر النساء؟ قال‬
‫كذلك حفاة عراة قالت واسوأتاه من يوم القيامة‪:‬قال وعن ذلك تسألين إنه قد نزلت علي آية ل‬
‫يضرك كان عليك ثياب أم ل قالت أي آية هي يانبي ال قال {ِل ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ َي ْومَئِذٍ شَأْنٌ ُيغْنِيهِ}‪.‬‬
‫حكَةٌ مُسْتَبْشِ َرةٌ} وهي وجوه المؤمنين‬
‫سفِرَ‪2‬ةٌ} أي مضيئة مشرقة {ضَا ِ‬
‫وقوله تعالى { ُوجُوهٌ َي ْومَئِذٍ مُ ْ‬
‫والمؤمنات أهل التقوى وجوههم حسنة مشرقة بالنوار مستبشرون بالقدوم على ربهم والنزول‬
‫بجواره الكريم ‪َ {.‬ووُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ} أي تقوم القيامة ويحشر الناس لفصل القضاء {عَلَ ْيهَا غَبَ َرةٌ} أي‬
‫غبار {تَ ْر َهقُهَا} أي تغشاها {قَتَ َرةٌ}‪ .‬أي ظلمة وسواد {أولئك } أي الذين عليهم الغبرة وتغشاهم‬
‫القترة { هم ا ْل َكفَ َرةُ} في الدنيا { ا ْلفَجَ َرةُ} فيها الذين عاشوا على الكفر والفجور وماتوا على ذلك‬
‫والفجور هو الخروج عن طاعة ال تعالى بترك الواجبات وغشيان المحرمات كالربا والزنا وسفك‬
‫الدماء‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪-1‬بيان شدة الهول يوم القيامة يدل على فرار المرء من أقربائه‪.‬‬
‫‪-2‬خطر التبعات على العبد يوم القيامة وهي الحقوق التي يطالب بها العبد يوم القيامة‪.‬‬
‫‪-3‬شدة الهول والفزع تنسي المرء يوم القيامة أن ينظر إلى عورة أحد من أهل الموقف‪.‬‬
‫‪-4‬ثمرة اليمان والتقوى تظهر في الموقف نورا على الوجه وإشراقا له وإضاءة وثمرة الكفر‬
‫والفجور تظهر ظلمة وسوادا على الوجه وغبارا‪.‬‬
‫‪-5‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرض صورة من صورها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى الترمذي وصححه عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪:‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‬
‫يحشرون حفاة عراة غرل فقالت امرأة أينظر بعضنا بعضا؟ قال يافلنة لكل امرء منهم يومئذ‬
‫شأن يغنيه‪ .‬غرلً‪ :‬جمع أغرل وهو من لم تؤخذ غلفة ذكره بالختان‪.‬‬
‫‪ 2‬مسفرة من طول قيام الليل والضرب في سبيل ال يقال أسفر الصبح إذا أضاء وأسفرت المرآة‬
‫إذا كشفت عن وجهها‪.‬‬

‫( ‪)5/522‬‬

‫سورة التكوير‬
‫‪...‬‬
‫سورة التكوير‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫مكية وآياتها تسع وعشرون آية‬
‫عطَّلتْ (‪)4‬‬
‫شمْسُ ُكوّ َرتْ (‪ )1‬وَإِذَا النّجُومُ ا ْنكَدَ َرتْ (‪ )2‬وَإِذَا ا ْلجِبَالُ سُيّ َرتْ (‪ )3‬وَإِذَا ا ْلعِشَارُ ُ‬
‫إِذَا ال ّ‬
‫جتْ (‪ )7‬وَإِذَا ا ْل َموْءُو َدةُ‬
‫سجّ َرتْ (‪) 6‬وَإِذَا الّنفُوسُ ُزوّ َ‬
‫وَإِذَا ا ْلوُحُوشُ حُشِ َرتْ (ا ‪ )5‬وَإِذَا الْ ِبحَارُ ُ‬
‫طتْ (‪ )11‬وَإِذَا ا ْلجَحِيمُ‬
‫سمَاءُ كُشِ َ‬
‫حفُ ُنشِ َرتْ (‪ )10‬وَإِذَا ال ّ‬
‫سُئَِلتْ (‪ )8‬بَِأيّ ذَ ْنبٍ قُتَِلتْ (‪ )9‬وَإِذَا الصّ ُ‬
‫حضَ َرتْ (‪)14‬‬
‫سعّ َرتْ (‪ )12‬وَإِذَا ا ْلجَنّةُ أُ ْزِلفَتْ (‪ )13‬عَِل َمتْ َنفْسٌ مَا َأ ْ‬
‫ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إذا ‪:‬أي ظرف لما ذكر بعد من المواضع الثنى عشر‪,‬وجوابها علمت نفس‬
‫ما أحضرت‪.‬‬
‫كورت ‪:‬أي لفت وذهب بنورها‪.‬‬
‫انكدرت ‪:‬أي انقضت وتساقطت على الرض‪.‬‬
‫سيرت ‪:‬ذهب بها على وجه الرض فصارت هباء منبثا‪.‬‬
‫وإذا العشار ‪:‬أي النوق الحوامل‪.‬‬
‫عطلت ‪:‬أي تركت بل راع أو بل حلب لما دهاهم من المر‪.‬‬
‫الوحوش حشرت ‪:‬أي جمعت وماتت‪.‬‬
‫وإذا البحار سجرت ‪:‬أي أوقدت فصارت نارا‪.‬‬
‫وإذا النفوس زوجت ‪ :‬أي قرنت بأجسادها ثم بقرنائها وأمثالها في الخير والشر‪.‬‬
‫وإذا الموءودة ‪:‬أي البنت تدفن حية خوف العار أو الحاجة‪.‬‬
‫سئلت ‪:‬أي تبكيتا لقاتلها‪.‬‬
‫بأي ذنب قتلت ‪:‬أي بأي ذنب‪.‬‬
‫وإذا الصحف نشرت ‪:‬أي صحف العمال فتحت وبسطت‪.‬‬

‫( ‪)5/523‬‬

‫وإذا السماء كشطت ‪:‬أي نزعت من أماكنها كما ينزع الجلد عن الشاة‪.‬‬
‫وإذا الجحيم سعرت ‪:‬أي نار أججت‪.‬‬
‫وإذا الجنة أزلفت ‪:‬أي قربت لهلها ليدخلوها‪.‬‬
‫علمت نفس ما أحضرت ‪:‬أي كل نفس وقت هذه المذكورات ما أحضرت من خير وشر‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {إذا الشمس كورت} إلى قوله {علمت نفس ما أحضرت} إشتمل على إثنى عشر حدثا‬
‫جلل‪ ,‬ستة أحداث منها في الدنيا وستة في الخرة وكلها معتبرة شرطا لجواب واحد وهو قوله‬
‫تعالى علمت نفس ما أحضرت أي من خير وشر لتجزى به والسياق كله في تقرير عقيدة البعث‬
‫والجزاء التي انكرها العرب المشركون وبالغوا في إنكارها مبالغة شديدة وكونها عليها مدار‬
‫إصلح الفرد والجماعة وأنه بدونها ل يتم إصلح ول تهذيب ول تطهير عني القرآن بها عناية‬
‫فائقة ويدل لذلك أن فواتح السور والصافات والذاريات والطور والمرسلت والنازعات والتكوير‬
‫والنفطار والنشقاق والبروج والفجر كل هذه بما فيها من إقسامات عظيمة هي لتقرير عقيدة‬
‫البعث والجزاء‪ .‬وهذه الحداث الستة التي تقع في الدنيا وهي مباديء الخرة‪:‬‬
‫‪ -1‬تكوير ‪ 1‬الشمس بلفها وذهاب ضوئها‪.‬‬
‫‪ -2‬إنكدار ‪ 2‬النجوم بانقضائها وسقوطها على الرض‪.‬‬
‫‪ -3‬تسيير الجبال بذهابها عن وجه الرض واستحالتها إلى هباء يتطاير‪.‬‬
‫‪ -4‬تعطيل العشار‬
‫‪ 3‬وهي النوق الحوامل فل تحلب ول تركب ول ترعى لما أصاب أهلها من الهول والفزع وكانت‬
‫أفضل أموالهم وأحبها إلى نفوسهم‪.‬‬
‫‪ -5‬حشر الوحوش وموتها وهي دواب البر قاطبة‪.‬‬
‫‪ -6‬تسجير ‪ 4‬البحار باشتعالها نارا‪.‬‬
‫وهذه الحداث الستة التي تقع في الخرة‪:‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال أبو عبيدة‪ :‬كورت مثل تكوير العمامة فتلف وقال الربيع كورت ورمي بها‪.‬‬
‫‪ 2‬انكدرت تهافتت وتناثرت‪ ،‬وقال أبو عبيدة انصبت كما ينصب العقاب إذا انكسر قال العجاج‬
‫يصف صقرا‪:‬‬
‫أبصر خربان فضاء فانكدر‬
‫تقضي الباز إذا البازي كسر‬
‫‪3‬العشار واحدها عشراء وهي التي مضى على حملها عشرة أشهر ثم ل يزال اسمها كذلك حتى‬
‫تضع‪.‬‬
‫‪4‬أو جائز أن يكون تسجير البحار فيضانها بتجاوز مياها معدل سطوحها‪,‬وجائز أن تشتعل فيها‬
‫النار فتحترق‪,‬وظاهرة وجود البترول تحت سطحها تدل على أنها تحترق وتسجر كما يسجر‬
‫التنور‪.‬‬

‫( ‪)5/524‬‬

‫‪ -1‬تزويج النفوس وهو قرنها بأجسادها بعد خلق الجساد لها‪,‬وبعد ذلك بأمثالها في الخير والشر‪.‬‬
‫‪ -2‬سؤال الموءودة عن ‪1‬ذنبها التي قتلت به‪.‬‬
‫‪ -3‬نشر صحف العمال وفتحها وبسطها‪.‬‬
‫‪ -4‬كشط السماء ‪ 2‬أي نزعها من أماكنها نزع الجلد عن الشاة عند سلخها‪.‬‬
‫‪ -5‬تسعير النار أي تأجيجها وتقويتها‪.‬‬
‫‪ -6‬إزلف الجنة وتقريبها لهلها أهل اليمان والتقوى‪.‬‬
‫وجوب هذه الحداث التي وقعت شرطا لحرف(إذا)هو قوله تعالى علمت نفس ‪ 3‬ما أحضرت من‬
‫حسنات فتصير بها إلى الجنة‪ ,‬أو سيئات فتصير بها إلى النار‪.‬الهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها‬
‫من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل‪.‬‬
‫هداية اليات ‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان مفصل عن مبادىء القيامة‪ ,‬وخواتيمها وفي حديث الترمذي الحسن الذي قال فيه رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم من سره أن ينظر إلي يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء‬
‫انشقت‪.‬‬
‫‪ -3‬الترغيب في اليمان والعمل الصالح إذ بهما المصير إلى الجنة‪.‬‬
‫‪ -4‬الترهيب من الشرك والمعاصي إذ بهما المصير إلى النار‪.‬‬
‫سعَسَ (‪ )17‬وَالصّبْحِ ِإذَا تَ َنفّسَ (‪ )18‬إِنّهُ‬
‫جوَارِ ا ْلكُنّسِ (‪ )16‬وَاللّ ْيلِ ِإذَا عَ ْ‬
‫فَل ُأقْسِمُ بِالْخُنّسِ (‪ )15‬ا ْل َ‬
‫َلقَ ْولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (‪ )19‬ذِي ُق ّوةٍ عِنْدَ ذِي ا ْلعَرْشِ َمكِينٍ (‪ )20‬مُطَاعٍ ثَمّ َأمِينٍ (‪َ ) )21‬ومَا صَاحِ ُبكُمْ‬
‫ِبمَجْنُونٍ (‪ )22‬وََلقَدْ رَآهُ بِالُْأ ُفقِ ا ْلمُبِينِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الوأد‪ :‬دفن الطفلة وهي حية‪ ،‬وكان العرب في الجاهلية يئدون البنات خشية العار‪ ،‬ويقتلون‬
‫أولدهم خشية الفقر أو لنذرهم إياهم لللهة‪.‬‬
‫‪ 2‬الكشط إزالة الهاب "الجلد" عن الحيوان الميت‪.‬‬
‫‪ 3‬روي أن عمر رضي ال عنه قرأ هذه السورة فلما بلغ قوله تعالى (علمت نفس ما أحضرت)‬
‫قال لهذا أجريت القصة‪.‬‬

‫( ‪)5/525‬‬

‫(‪َ )23‬ومَا ُهوَ عَلَى ا ْلغَ ْيبِ ِبضَنِينٍ (‪َ )24‬ومَا ُهوَ ِب َقوْلِ شَ ْيطَانٍ َرجِيمٍ (‪ )25‬فَأَيْنَ َتذْهَبُونَ (‪ )26‬إِنْ‬
‫ُهوَ إِلّا ِذكْرٌ لِ ْلعَاَلمِينَ (‪ِ )27‬لمَنْ شَاءَ مِ ْنكُمْ أَنْ َيسْ َتقِيمَ (‪َ )28‬ومَا َتشَاءُونَ إِلّا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ َربّ‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ (‪)29‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الخنس ‪:‬أي التي تخنس بالنهار أي تختفي وتظهر بالليل‪.‬‬
‫الجوار الكنس ‪:‬أي التي تجري أحيانا وتكنس في مكانسها أحيانا أخرى والمكانس محل إيوائها‬
‫كمكانس بقر الوحش وهي الدرارى الخمسة عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل ‪.‬‬
‫إذا عسعس ‪:‬أي أقبل وأدبر لن عسعس من أسماء الضداد‪.‬‬
‫تنفس ‪:‬أي امتد حتى يصير نهارا بينا‪.‬‬
‫إنه ‪:‬أي القرآن‪.‬‬
‫لقول رسول كريم ‪:‬أي جبريل كريم على ال تعالى وأضيف إليه القرآن لنزوله به‪.‬‬
‫ذي قوة ‪:‬أي شديد القوى‪.‬‬
‫عند ذي العرش مكين ‪:‬أي عند ال تعالى ذّي مكانة‪.‬‬
‫مطاع ثم أمين ‪:‬أي مطاع في السماء تطيعه الملئكة أمين على الوحي‪.‬‬
‫وما صاحبكم بمجنون ‪:‬أي محمد صلى ال عليه وسلم أي ليس به جنون‪.‬‬
‫ولقد رآه بالفق المبين ‪:‬أي ولقد رأى النبي صلى ال عليه وسلم جبريل على صورته التي خلق‬
‫عليها بالفق العلى البين من ناحية المشرق‪.‬‬
‫وما هو على الغيب ‪:‬أي وما محمد صلى ال عليه وسلم على الغيب وهو ما غاب من الوحي‬
‫وخبر السماء‪.‬‬
‫بضنين ‪:‬أي ببخيل وفي قراءة بالظاء أي بمتهم فينقص منه ول يعطيه كله‪.‬‬
‫وما هو بقول شيطان رجيم ‪:‬أي وليس القرآن بقول شيطان مسترق للسمع‪.‬‬
‫فأين تذهبون ‪:‬أي فأي طريق تسلكون في إنكاركم القرآن وإعراضكم عنه‪.‬‬
‫ما هو إل ذكر للعالمين ‪:‬أي ما القرآن إل موعظة للجن والنس‪.‬‬
‫أن يستقيم ‪:‬أي يتحرى الحق ويعتقده ويعمل بمقتضاه‪.‬‬
‫وما تشاءون إل أن يشاء ال ‪:‬أي ومن شاء الستقامة منكم فإنه لم يشأها إل بعد أن شاءها ال قبله‬
‫إذ لو لم‬
‫يشأها ال ما أشاءها عبده‬

‫( ‪)5/526‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما قرر تعالى عقيدة البعث والجزاء بوصف كامل لحداثها وكان الوصف من طريق الوحي‬
‫فافتقر الموضوع إلى صحة الوحي واليمان به فإذا صح الوحي وآمن به العبد آمن بصحة البعث‬
‫والجزاء‪ .‬ومن هنا أقسم تعالى بأعظم قسم على أن القرآن نزل به جبريل على محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم وما يقوله محمد صلى ال عليه وسلم هو كلم ال ووحيه وليس هو بمجنون يقول ما ل‬
‫يدري و يهذر بما ل يعني ول هو بقول شيطان رجيم ممن يسترقون السمع ويلقونه إلى إخوانهم‬
‫من الكهان بل هو كلم ال صدقا وحقا وما يخبر به كما يخبر صدق وحق فقال تعالى {فَل} أي‬
‫ليس ‪ 1‬المر كما تدعون بأن ما يقوله رسولنا هو من جنس ما تقوله الكهنة‪ .‬ول مما يقوله‬
‫الشعراء‪ ،‬ول هو بكلم مجانين‪ .‬ول هو سحر الساحرين أقسم بالخنس الجوار الكنس أي بكل ما‬
‫يكنس ويجري ويكنس من الظباء وبقر الوحش والكواكب والدراري الخمسة عطارد والزهرة‬
‫والمريخ والمشتري وزحل‪ .‬والمراد من الخنوس الختفاء والكنوس إيواءها إلى مكانسها مواضع‬
‫سعَسَْ} أي أقسم بالليل إذا أقبل أو أدبر إذ لفظ عسعس بمعنى أقبل‬
‫‪ 2‬إيوائها ‪ .‬وقوله {وَاللّ ْيلِ ِإذَا عَ ْ‬
‫وأدبر فهو لفظ مشترك بين القبال والدبار {وَالصّبْحِ إِذَا تَ َنفّسَ} أي امتد ضوءه فصار نهارا بينا‬
‫أقسم بكل هذه المذكورات على أن القرآن الذي يصف لكم البعث والجزاء حق الوصف هو قول‬
‫رسول كريم أي جبريل الكريم على ربه ذي قوة ل يقادر قدرها فل يقدر إنس ول جن على‬
‫انتزاع ما عنده من الوحي ول على زيادة فيه أو نقص منه‪ .‬عند ذي العرش سبحانه وتعالى مكين‬
‫ل وثانيا وال وما صاحبكم‬
‫أي ذي مكانة محترمة مطاع في السماوات أمين على الوحي هذا أو ً‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم { ِبمَجْنُونٍ} كما تقولون {وََلقَدْ رَآه} أي رأى محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫جبريل بالفق المبين رآه على صورته التي خلقه ال عليها وله ستمائة جناح رآه بالفق ناحية‬
‫الشرق وقد سد الفق كله‪ ،‬والفق بين والنهار طالع‪َ { .‬ومَا ُهوَ} أي محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫{عَلَى ا ْلغَ ْيبِ ِبضَنِينٍ}‪ 3‬أي بمظنون فيه التهمة بأن يزيد فيه أو ينقص منه أو يبدل فيه أو يغير كما‬
‫هو ليس ببخيل فيظن فيه أنه يكتم منه شيئا أو يخفيه بخلً به أو ينقص منه شحا به وبخلً‪َ { .‬ومَا‬
‫ُهوَ ِبقَ ْولِ شَ ْيطَانٍ رَجِيمٍ }ممن يسترقون السمع ويلقونه إلى أوليائهم من النس فيخلطون فيه‬
‫ويكذبون‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فل أقسم الفاء للتفريع أي لتفريع الكلم اللحق على السابق وجائز أن تكون ل مزيدة لتقوية‬
‫القسم‪ ،‬وكونها نافية ردا على باطل المشركين أول كما في التفسير‪.‬‬
‫‪ 2‬الخنس جمع خانسة وهي التي تخنس‪ .‬أي تختفي‪ ،‬والكنس جمع كانسة‪ :‬كنس الظبي إذا دخل‬
‫كناسه بكسر الكاف وهو البيت الذي يتخذه للمبيت‪ ،‬وقيل الكنوس أن تأوي إلى مكانسها وهي‬
‫المواضع التي تأوي إليها الوحوش والظباء‪ .‬قال العشى‪:‬‬
‫فلما أتينا الحي أتلع أنسٌ‬
‫كما أتلعت تحت المكانس ربرب‬
‫‪ 3‬قريء في السبع بظنين ومعناه بمتهم من ظننت كذا وقريء بضنين بالضاد بمعنى بخيل ولذا‬
‫شرحت الية مراعيا فيها القراءتين وكل المعنيين صحيح فل هو صلى ال عليه وسلم بمتهم على‬
‫الوحي ول ببخيل به ول بغيره‪.‬‬

‫( ‪)5/527‬‬

‫{فَأَيْنَ َتذْهَبُونَ} ينكر عليهم مسلكهم الشائن في تكذيب رسوله محمد صلى ال عليه وسلم واتهامه‬
‫بالسحر‪ ،‬والقرآن بالشعر والكهانة والساطير‪ .‬وقوله إن هو إل ذكر للعالمين أي ما القرآن إل‬
‫ذكر للعالمين من النس والجن يذكرون به خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم وماله عليهم من حق‬
‫العبادة وواجب الشكر ويتعظون به فيخافون ربهم فل يعصونه بترك فرائضه عليهم ول بارتكاب‬
‫ما حرمه عليهم وقوله تعالى لمن شاء منكم أن يستقين على منهاج الحق فيتحرى الحق أول‬
‫ويؤمن به ويعمل بمقتضاه ثانيا‪ .‬ولما سمع أبو جهل هذه الية {ِلمَنْ شَاءَ مِ ْنكُمْ أَنْ يَسْ َتقِيمَ} قال‬
‫المر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم‪ .‬أنزل تعالى قوله { َومَا تَشَاءُونَ إِلّا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ‬
‫َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} فاكبت اللعين فاعلم أن من شاء الستقامة من العالمين لم يشأها إل بعد أن شاءها‬
‫ال تعالى ولو لم يشأها ال تعالى وال ما شاءها العبد أبدا إذ مشيئة ال سابقة لمشيئة العبد‪ .‬وفي‬
‫كل ما يشاؤه النسان فإن مشيئة ال سابقة لمشيئته لن النسان عبد وال رب والرب ل مشيئة‬
‫تسبق مشيئته‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية القسام بال تعالى وأسمائه وصفاته‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان صفات جبريل الكمالية المانة‪ ،‬القوة‪ ،‬علو المكانة‪ ،‬الطاعة‪ ،‬الكرم‪.‬‬
‫‪ -4‬براءة الرسول مما اتهمه به المشركون‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان أن مشيئة ال سابقة لمشيئة العبد‪ .‬فل يقع في ملك ال تعالى إل ما يريد‪.‬‬

‫( ‪)5/528‬‬

‫سورة النفطار‬
‫‪...‬‬
‫سورة النفطار‬
‫مكية وآياتها تسع عشرة آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سمَاءُ ا ْنفَطَ َرتْ (‪ )1‬وَإِذَا ا ْل َكوَا ِكبُ انْتَثَ َرتْ (‪ )2‬وَإِذَا الْ ِبحَارُ فُجّ َرتْ (‪ )3‬وَإِذَا ا ْلقُبُورُ ُبعْثِ َرتْ (‪)4‬‬
‫إِذَا ال ّ‬
‫عَِل َمتْ َنفْسٌ مَا َق ّد َمتْ‬

‫( ‪)5/528‬‬

‫سوّاكَ َفعَدََلكَ (‪ )7‬فِي َأيّ‬


‫وَأَخّ َرتْ (‪ )5‬يَا أَ ّيهَا الْإِنْسَانُ مَا غَ ّركَ بِرَ ّبكَ ا ْلكَرِيمِ (‪ )6‬الّذِي خََل َقكَ فَ َ‬
‫صُو َرةٍ مَا شَاءَ َركّ َبكَ (‪ )8‬كَلّا َبلْ ُتكَذّبُونَ بِالدّينِ (‪ )9‬وَإِنّ عَلَ ْي ُكمْ لَحَا ِفظِينَ (‪ )10‬وَإِنّ عَلَ ْيكُمْ‬
‫لَحَا ِفظِينَ (‪ )10‬كِرَاما كَاتِبِينَ (‪َ )11‬يعَْلمُونَ مَا َت ْفعَلُونَ (‪)12‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إذا السماء انفطرت ‪:‬أي انشقت‪.‬‬
‫وإذا الكواكب انتثرت ‪:‬أي تساقطت‪.‬‬
‫وإذا البحار فجرت ‪:‬أي اختلطت ببعضها وأصبحت بحرا واحدا الملح والعذب سواء‪.‬‬
‫وإذا القبور بعثرت ‪:‬قلب ترابها وبعث موتاها‪.‬‬
‫علمت نفس ما قدمت ‪:‬أي من العمال وما لخرت منها فلم تعمله وذلك عند قراءتها كتاب‬
‫أعمالها‪.‬‬
‫ما غرك بربك ‪:‬أي شيء خدعك وجرأك على عصيانه‪.‬‬
‫الذي خلقك ‪:‬أي بعد أن لم تكن‪.‬‬
‫فسواك ‪:‬أي جعلك مستوى الخلقة سالم العضاء‪.‬‬
‫فعدلك ‪:‬أي جعلك معتدل الخلق متناسب العضاء ليست يد أطول أو رجل أطول من الخرى‪.‬‬
‫كل بل تكذبون بالدين ‪:‬ليس الكرم هو الذي غره وإنما جرأه على المعاصي تكذيبه بالدين الذي هو‬
‫الجزاء بعد البعث حيا من قبره‪.‬‬
‫وإن عليكم لحافظين كراما ‪:‬أي وإن عليكم لملئكة كراما على ال تعالى حافظين لعمالكم‪.‬‬
‫كاتبين ‪:‬أي لها أي لعمالكم خيرها وشرها حسنها وقبيحها‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫سمَاءُ ا ْنفَطَ َرتْ}‪ 2‬أي انشقت {وَإِذَا ا ْل َكوَاكِبُ انْتَثَ َرتْ} أي انفضت وتساقطت‬
‫قوله تعالى {إِذَا ‪ 1‬ال ّ‬
‫{وَإِذَا‬
‫__________‬
‫‪1‬إذا ظرف للمستقبل متضمن معنى الشرط‪.‬وجوابه علمت نفس ما قدمت وأخرت‪.‬‬
‫‪ 2‬صيغة الماضي في انفطرت وانتثرت‪,‬وفجرت وبعثرت للدللة على تحقق الوقع نحو {أَتَى َأمْرُ‬
‫اللّهِ }‬

‫( ‪)5/529‬‬

‫الْبِحَارُ فُجّ َرتْ} أي أختلط ماؤها بعضه ببعض ملحها بعذبها لنكسار ذلك الحاجز الذي كان‬
‫يفصلهما عن بعضهما لزلزلة الرض إيذانا بخراب العالم‪{ ،‬وَإِذَا ا ْلقُبُورُ ُبعْثِ َرتْ} ‪ 1‬قلبت وأخرج‬
‫ما فيها من الموات‪ ،‬إذا حصلت هذه الحداث الربعة ثلثة منها في الدنيا وهي انفطار السماء‬
‫وانتثار الكواكب وتفجر البحار وهذه تتم بالنفخة الولى والرابع هو بعثرة القبور يتم في الخرة‬
‫بعد النفخة الثانية‪ ،‬وعندها تعلم نفس ما قدمت وما أخرت وهذا جواب إذا في أول اليات‪ .‬ومعنى‬
‫{عَِل َمتْ‪َ 2‬نفْسٌ} أي كل نفس مكلفة ما قدمت من أعمال حسنة وسيئة‪ ،‬وما أخرت من أعمال لحقتها‬
‫بعدها وذلك ما سنته سنن الهدى أو سنن الضلل‪ ،‬لحديث من سن سنة حسنة فله أجرها وأجرمن‬
‫عمل بها ول من أجورهم شيء‪ ،‬ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عملها ل ينقص من‬
‫أوزارهم شيء‪ ،‬وهذا العلم يحصل للنفس أولً مجمل وذلك عند ابيضاض الوجوه واسودادها‪،‬‬
‫ويحصل لها مفصل عندما تقرأ كتاب أعمالها‪ .‬وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الْإِنْسَانُ مَا غَ ّركَ‪ 3‬بِرَ ّبكَ‬
‫ا ْلكَرِيمِ} يخاطب تعالى النسان الكافر والفاجر ليسأله موبخا إياه مقرعا مؤنبا‬
‫بقوله ما غرك أي أي شيء خدعك وجرأك على الكفر بربك الكريم وعصيانه بالفسق عن أمره‬
‫والخروج عن طاعته‪ .‬وهو القادر على مؤاخذتك والضرب على يديك ساعة ما كفرت به أو‬
‫عصيته أليس هو الذي خلقك فسوى خلقك وعدل ‪ 4‬أعضاءك وناسب بين أجزائك في أي صورة‬
‫ما شاء ركبك إن شاء بيضك أو سودك طولك أو قصرك جعلك ذكرا أو أنثى إنسانا أو حيوانا‬
‫قردا أو خنزيرا هل هناك من يصرفه عما أراد لك والجواب ل أحد إذا كيف يسوغ لك الكفر به‬
‫وعصيانه والخروج عن طاعته وبعد هذا التوبيخ والتأنيب قال تعالى {كَلّا} أي ما غرك كرم ‪ 5‬ال‬
‫ول حلمه { َبلْ ُت َكذّبُونَ بِالدّينِ} أي بالبعث والجزاء في الدار الخرة هو الذي جرأكم على الكفر‬
‫والظلم والجرام وما علمتم وال إن عليكم لحافظين يحفظون عليكم أعمالكم ويحصونها لكم‬
‫ويكتبونها في صحائفكم‪ .‬يعلمون ما‬
‫__________‬
‫‪ 1‬بعثرت‪ :‬انقلب باطنها ظاهرها إذ البعثرة النقلب يقال بثر المتاع إذا قلب بعضه على بعض‪.‬‬
‫‪ 2‬ليس بلزم أنها بمجرد ما يحصل الذي جعلت إذا شرطا له يتم العلم للنفس‪ ،‬وإنما إذا قامت‬
‫القيامة بحصول النقلب الكوني وحشر الناس لفصل القضاء ثم يحصل للنفس‪ .‬فتعلم ما قدمت‬
‫وما أخرت‪.‬‬
‫‪ 3‬النسان هنا للجنس وقيل المراد به أبو السد بن كلدة الجمحي والستفهام للنكار عليه كفره‬
‫والتعجب من حاله ونداؤه (يا أيها النسان) مشعر بالهتمام‪.‬‬
‫‪( 4‬فعدلك) قرأ نافع فعدلك بتشديد الدال‪ .‬وقرأ حفص بتخفيفها‪.‬‬
‫‪ 5‬روي أن النبي صلى ال عليه وسلم قرأ (إذا السماء انفطرت) قال غره جهله قيل للفضيل بن‬
‫عياض لو أقامك ال يوم القيامة بين يديه فقال (ما غرك بربك الكريم) ماذا كنت تقول؟ قال‪ :‬كنت‬
‫أقول غرني ستورك المرخاة لن الكريم هو الستار نظمه ابن السماك فقال‪:‬‬
‫ياكاتم الذنب أما تستحي‬
‫وال في الخلوة ثانيكما‬
‫غرك من ربك امهاله‬
‫وستره طول مساويكا‬

‫( ‪)5/530‬‬

‫تفعلون في السر والعلن وسوف تفاجأون يوم تعلم نفس ما قدمت وأخرت بصحائف أعمالكم وقد‬
‫حوت كل أعمالكم لم تغادر صغيرة ول كبيرة ويتم الجزاء بموجبها‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪-1‬بيان أحداث تسبق يوم البعث وذلك في نفخة الفناء وأما النفخة الثانية وهي نفخة البعث حيث‬
‫تجمع الخلئق ويجري الحساب فتعطى الصحف وتوزن العمال وينصب الصراط‪ ،‬ثم إلى جنة أو‬
‫إلى نار‪.‬‬
‫‪ -2‬التحذير من السنة السيئة يتركها المرء بعده فإن أوزارها تكتب عليه وهو في قبره‪.‬‬
‫‪ -3‬التحذير من الغرور والنخداع بعامل الشيطان من النس والجن‪.‬‬
‫‪ -4‬التحذير من التكذيب بالبعث والجزاء فإنه أكبر عامل من عوامل الشر والفساد في الدنيا وأكبر‬
‫موجب للعذاب يوم القيامة‪.‬‬
‫‪-5‬تقرير عقيدة كتابة العمال حسنها وسيئها والحساب بمقتضاها يوم القيامة بواسطة ملكين‬
‫كريمين على كل إنسان مكلف لحديث الصحيح يتعاقبون فيكم الملئكة بالليل وملئكة بالنهار‬
‫الحديث‪.‬‬
‫جحِيمٍ (‪َ )14‬يصَْلوْ َنهَا َيوْمَ الدّينِ (‪َ )15‬ومَا هُمْ عَ ْنهَا‬
‫إِنّ الْأَبْرَارَ َلفِي َنعِيمٍ (‪ )13‬وَإِنّ ا ْلفُجّارَ َلفِي َ‬
‫ِبغَائِبِينَ (‪َ )16‬ومَا أَدْرَاكَ مَا َيوْمُ الدّينِ (‪ )17‬ثُمّ مَا َأدْرَاكَ مَا َيوْمُ الدّينِ (‪َ )18‬يوْمَ ل َتمِْلكُ َنفْسٌ‬
‫لِ َنفْسٍ شَيْئا وَالَْأمْرُ َي ْومَئِذٍ لِلّهِ (‪)19‬‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫إن البرار ‪:‬أي المؤمنين المتقين الصادقين‪.‬‬
‫وإن الفجار ‪:‬أي الكافرين والخارجين عن طاعة ال ورسوله‪.‬‬
‫يصلونها يوم الدين ‪:‬أي يدخلونها ويقاسون حرها يوم الجزاء وهو يوم القيامة‪.‬‬
‫وما هم عنها بغائبين ‪:‬أي بمخرجين‪.‬‬
‫ل تملك نفس لنفس شيئا ‪:‬أي من المنفعة وإن قلت‪.‬‬

‫( ‪)5/531‬‬

‫والمر يومئذ ل ‪:‬أي ل لغيره‪ ،‬ول تنفع الشفاعة عنده إل بإذنه‪.‬‬


‫معنى اليات‪:‬‬
‫تقدم أن العرض على ال حق وأن المجازاة تكون بحسب العمال التي عملها المرء‪ ،‬وأنها‬
‫محفوظة محصاة عليه بواسطة ملئكة كرام‪ .‬وأن الناس يومئذ كما هم اليوم مؤمن بار وكافر‬
‫فاجر‪ .‬بين تعالى جزاء الكل مقرونا بعلة الحكم فقال عز و جل {إِنّ الْأَبْرَارَ َلفِي ‪َ 1‬نعِيمٍ} أي في‬
‫الجنة دار السلم وذلك لبرورهم وهو طاعتهم ل في صدق كامل {إِنّ ا ْلفُجّارَ َلفِي جَحِيمٍ} أي نار‬
‫ذات جحيم وذلك لفجورهم وهو كفرهم وخروجهم عن طاعة ربهم‪ .‬وقوله { َيصَْلوْ َنهَا}‪ 2‬أي‬
‫يدخلونها ويقاسون حرها { َيوْمَ الدّينِ} أي يوم الجزاء الذي كفروا به فأدى بهم إلى الفجور‬
‫وارتكاب عظائم الذنوب‪ .‬وقوله { َومَا ُهمْ عَ ْنهَا ِبغَائِبِينَ}‪ 3‬أي إذا دخلوها ل يخرجون منها‪ .‬وقوله‬
‫{ َومَا أَدْرَاكَ مَا َيوْمُ الدّينِ} أي وما يعلمك يا رسولنا ما يوم الدين إنه يوم عظيم يوم يقوم الناس‬
‫لرب العالمين هكذا يخبر تعالى عن عظم شأن هذا اليوم‪ .‬ويؤكد ذلك فيقول { ُثمّ مَا أَدْرَاكَ مَا َيوْمُ‬
‫الدّينِ} ويكشف عن بعض جوانب الخطورة بقوله { َيوْمَ ل َتمِْلكُ َنفْسٌ لِ َنفْسٍ شَيْئا وَالَْأمْرُ َي ْومَئِذٍ لِلّهِ}‬
‫من المنفعة حيث يكون المر كله فيه ل وحده ول تنفع فيه الشفاعة إل بإذنه وما للظالمين فيه من‬
‫شفيع ول حميم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان حكم ال في أهل الموقف إذ هم ما بين بار صادق فهو في نعيم وفاجر كافر فهو في‬
‫جحيم‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان عظم شأن يوم الدين وأنه يوم عظيم‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أن الناس في يوم الدين ل تنفعهم شفاعة ول خلة إذ ل يشفع أحد إل بإذن ال والكافرون‬
‫هم الظالمون‪ ،‬وما للظالمين من حميم ول شفيع يطاع‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا‪ ،‬إذ تقدم من الكلم ما يجعل المرء يتشوق إلى معرفة مصير‬
‫الناس يوم القيامة والبرار جمع بر وهو التقي المطيع الصادق والنعيم اسم لما ينعم به‪.‬‬
‫‪ 2‬يصلونها قال القرطبي يصيبهم حرها ولهيبها وهذا قطعا بعد دخولها‪.‬‬
‫‪ 3‬كونهم ل يغيبون عنها دال على أن الفجار هم المشركون والكافرون إذ المؤمنون ل يخلدون في‬
‫النار‪.‬‬

‫( ‪)5/532‬‬

‫سورة المطففين‬
‫‪...‬‬
‫سورة المطففين‬
‫مدنية الوائل مكية الواخر وآياتها ست وثلثون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫طفّفِينَ (‪ )1‬الّذِينَ ِإذَا اكْتَالُوا عَلَى النّاسِ يَسْ َت ْوفُونَ (‪ )2‬وَإِذَا كَالُوهُمْ َأ ْو وَزَنُوهُمْ ُيخْسِرُونَ (‬
‫وَ ْيلٌ لِ ْل ُم َ‬
‫عظِيمٍ (‪َ )5‬يوْمَ َيقُومُ النّاسُ لِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)6‬‬
‫‪ )3‬أل َيظُنّ أُولَ ِئكَ أَ ّنهُمْ مَ ْبعُوثُونَ (‪ )4‬لِ َيوْمٍ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ويل ‪ :‬كلمة عذاب‪ ،‬وواد في جهنم‪.‬‬
‫للمطففين ‪ :‬المنقصين في كيل أو وزن الباخسين فيهما‪.‬‬
‫إذا اكتالوا على الناس ‪ :‬أي من الناس‪.‬‬
‫يستوفون ‪ :‬الكيل‪.‬‬
‫وإذا كالوهم ‪ :‬أي كالوا لهم‪.‬‬
‫أو وزنوهم ‪ :‬أوزنوا لهم‪.‬‬
‫يخسرون ‪ :‬أي ينقصون الكيل أو الوزن‪.‬‬
‫أل ‪ :‬استفهام توبيخي انكاري‪.‬‬
‫يظن ‪ :‬أي يتيقن‪.‬‬
‫ليوم عظيم ‪ :‬أي يوم القيامة لما فيه من أهوال وعظائم المور‪.‬‬
‫يوم يقوم الناس ‪ :‬أي من قبورهم‪.‬‬
‫لرب العالمين ‪ :‬أي يقومون خاشعين ذليلين ينظرون حكم ال فيهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {ويل للمطففين ‪ } 1‬هذه اليات الولى من سورة المطففين قال أحد النصار رضي ال‬
‫عنه كنا أسوأ الناس كيل ‪ ،2‬حتى إنه ليكون لحدنا مكيالن مكيال يشتري به وآخر يبيع به‪ ،‬وما‬
‫إن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى النسائي عن ابن عباس قال لما قدم النبي صلى ال عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث‬
‫الناس كيل فأنزل ال تعالى‪( :‬ويل للمطففين) فأحسنوا الكيل بعد ذلك‪ ،‬قال الفراء‪ :‬فهم من أوفى‬
‫الناس كيل إلى يومهم هذا‪.‬‬
‫‪ 2‬أيام نزول هذه السورة كان أهل المدينة يكيلون وأهل مكة يزنون ثم شاع الكيل والوزن في كل‬
‫البلدين معا‪.‬‬

‫( ‪)5/533‬‬

‫نزلت فينا ويل للمطففين حتى أصبحنا أحسن كيل ووزنا‪ .‬وصدق هذا الصاحب الجليل فوال لقد‬
‫نزلت المدينة مهاجرا عام ثلثة وسبعين وثلثمائة وألف فوجدتهم على ما كانوا عليه ولقد كنت‬
‫ط ّففِينَ}‪ 1‬يتوعد سبحانه وتعالى بواد‬
‫أشفق عليهم إذا كالوا لي أو وزنوا لي‪ .‬فقوله تعالى {وَ ْيلٌ لِ ْلمُ َ‬
‫في جهنم بسيل صديد أهل النار الذين يبخسون الناس الكيل والميزان أي ينقصوهم ويبينهم تعالى‬
‫بقوله {الّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النّاسِ يَسْ َت ْوفُونَ} أي اشتروا منهم يأخذون كيلهم وافيا وكذا إذا وزنوا‬
‫وإذا وزنوا وإذا كالوهم أي كالوا لهم ‪ 2‬أو وزنوا لهم يخسرون أي ينقصون‪ .‬قال تعالى وبخا لهم‬
‫عظِيمٍ} هو يوم الدين‬
‫منكرا {أل يَظُنّ أُولَ ِئكَ} المطففون ‪{ 3‬أَ ّنهُمْ مَ ْبعُوثُونَ} من قبورهم { لِ َيوْمٍ َ‬
‫والجزاء والحساب { َيوْمَ َيقُومُ النّاسُ لِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} خاشعين ذليلين ينتظرون حكمه فيهم‪ ،‬ويطول‬
‫بهم الموقف المائة سنة وأكثر وإن أحدهم ليلجمه العرق إلجاما ومنهم من يصل العرق إلى نصف‬
‫أذنيه والروايات في هذا كثيرة وصحيحة‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة ‪ 4‬التطفيف في الكيل والوزن وهو أن يأخذ زائدا ولو قل أو ينقص عامدا شيئا ولو قل‪.‬‬
‫‪ -2‬التذكير بالبعث والجزاء وتقريرهما‪.‬‬
‫‪ -3‬عظم يوم القامة يوم يقوم الناس لرب العالمين ليحكم بينهم ويجزي كل بعمله خيرا أو شرا‪.‬‬
‫سجّينٌ (‪ )8‬كِتَابٌ مَ ْرقُومٌ (‪ )9‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ‬
‫كَلّا إِنّ كِتَابَ ا ْلفُجّارِ َلفِي سِجّينٍ (‪َ )7‬ومَا أَدْرَاكَ مَا ِ‬
‫لِ ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )10‬الّذِينَ ُيكَذّبُونَ بِ َيوْمِ الدّينِ (‪)11‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يروي بعضهم أن التطفيف في الكيل والوزن والوضوء والصلة وأسوأ الناس سرقة من يسرق‬
‫في صلته وروي عن سالم بن أبي الجعد‪ :‬قال الصلة بمكيال فمن أوفى أُوفي له‪ ،‬ومن طفف فقد‬
‫علمتم ما قال ال عز و جل‪.‬‬
‫‪ 2‬شاهده قول الشاعر‪:‬‬
‫ولقد جنيتك اكمؤا وعساقل‬
‫ونهيتك عن بنات الوبر‬
‫والشاهد في قوله جنيتك أي جنيت لك‪.‬‬
‫‪ 3‬المطفف مأخوذ من الطفيف وهو القليل‪ ،‬والمطفف هو المقل حق صاحبه بنقصان عن الحق في‬
‫كيل أو وزن والتطفيف هو النقص من حق المقدار في الموزون والمكيال‪ ،‬وهو مصدر طفف إذا‬
‫بلغ الطفاف‪ ،‬والطفاف ما قصر عن ملء الناء من شراب أو طعام‪ ،‬ويطلق الطف على ما تجاوز‬
‫عرض المكيال فهي زيادة طفيفة أو نقصان طفيف وهما محل النهي وفاء أو نقصان‪.‬‬
‫‪ 4‬روى مالك والباز عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال "خمس بخمس‪:‬ما نقض قوم‬
‫العهد إل سلط ال عليهم عدوهم‪ ،‬ول حكموا بغير ما أنزل ال إل فشى فيهم الفقر‪ ،‬وما ظهرت‬
‫الفاحشة فيهم إل ظهر فيهم الطاعون‪ ،‬وما طففوا الكيل إل منعوا النبات وأخذوا بالسنين ول منعوا‬
‫الزكاة إل حبس ال عنهم المطر"‪.‬‬

‫( ‪)5/534‬‬

‫َومَا ُي َك ّذبُ ِبهِ إِلّا ُكلّ ُمعْتَدٍ أَثِيمٍ (‪ )12‬إِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِ آيَاتُنَا قَالَ َأسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ (‪)13‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫كل ‪:‬أي حقا وأن المر ليس كما يظن المطففون‪.‬‬
‫لفي سجين ‪:‬سجين علم على كتاب ديوان الشر دون فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفرة وهو أيضا‬
‫موضع في أسفل الرض السابعة فيه سجين الذي هو ديوان الكتب و به أرواح الشقياء عامة‪.‬‬
‫كتاب مرقوم ‪:‬أي مسطور بين الكتابة فيه أعمالهم‪.‬‬
‫يوم الدين ‪:‬أي يوم القيامة الذي هو يوم الحساب والجزاء‪.‬‬
‫كل معتد ‪:‬أي ظالم مضيع حقوق ربه تعالى وحقوق غيره‪.‬‬
‫أثيم ‪:‬منغمس في الثام مكثر منها‪.‬‬
‫أساطير الولين ‪:‬أي ما سطره الولون من القصص والخبار التي ل تصح‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في التحذير من الظلم والفسق عن أوامر الرب تبارك وتعالى وقوله تعالى { َكلّا ‪}1‬‬
‫أي ليس المر كما يظن المطففون والباخسون للحقوق أنه ل دقة في الحساب والجزاء أو أن مثل‬
‫هذا ل يكتب ول يحاسب عليه ول يجزى به حقا {إِنّ كِتَابَ ا ْلفُجّارِ} أي الظلمة الفاجرين عن‬
‫الشرع وحدوده {َلفِي سِجّينٍ} موضع في أسفل الخلق به أرواح الكافرين والظالمين وكتب أعمالهم‪،‬‬
‫وقوله { َومَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ‪ }2‬أي وما أعلمك يا رسولنا ما سجين تفخيم لشأنه‪ .‬وقوله {كِتَابٌ‪3‬‬
‫مَ ْرقُومٌ} بيان لكتاب الفجار أي أنه مكتوب مسطور أي بين الكتابة‪{ ,‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ} أي‬
‫العذاب الليم بوادي الويل يوم القيامة للمكذبين بال وآياته ولقائه المكذبين بيوم الجزاء والحساب‬
‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا ُيكَ ّذبُ ِبهِ إِلّا ُكلّ ُمعْتَدٍ أَثِيمٍ‪ }4‬يريد ومل يكذب بقيوم الجزاء والحساب إل كل‬
‫معتد ظالم متجاوز للحد أثيم مرتكب للذنوب والثام بفسقه عن أوامر ربه وخروجه عن طاعة ال‬
‫بغشيانه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كل كلمة ردع وزجر لولئك الذين يطففون أل فالينزجوا ويتركوا التطفيف والبخس في الكيل‬
‫والوزن‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام للتهويل من شأن سجين‪.‬‬
‫‪ 3‬كتاب خبر محذوف المبتدأ والتقدير هو أي كتاب الفجار كتاب مرقوم‪.‬‬
‫‪ 4‬الثيم مبالغة في الثم أي كثير الثم والثم كل اعتقاد أو قول أو عمل ضار قبيح أو فاسد‪.‬‬

‫( ‪)5/535‬‬

‫المحارم وقوله {ِإذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الَْأوّلِينَْْ} هذا بيان لذلك المعتدي الثيم وهو أنه إذا‬
‫قرئت عليه آيات ال تذكيرا له وتعليما ردها بقوله أساطير الوليين أي هذه حكايات وأخبار‬
‫الولين مسطرة مكتوبة وأنكر كتاب ال وكذب به‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان كتاب الفجار وأنه في سجين وسجين ديوان تدون فيه سائر كتب الفجار من أهل النار‬
‫وموضع أسفل الرض السابعة مستودع لكتب أعمال الفجار من كفار وفساق ولرواحهم إلى يوم‬
‫القيامة ولفظ سجين مشتق من السجن الذي هو الحبس‪.‬‬
‫‪ -2‬الوعيد الشديد للمكذبين بال وبآياته ولقائه‪.‬‬
‫كَلّا َبلْ رَانَ عَلَى قُلُو ِبهِمْ مَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪)14‬كَلّا إِ ّن ُهمْ عَنْ رَ ّبهِمْ َي ْومَئِذٍ َل َمحْجُوبُونَ (‪ )15‬ثُمّ إِ ّن ُهمْ‬
‫جحِيمِ (‪ُ )16‬ثمّ ُيقَالُ َهذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ ُتكَذّبُونَ (‪ )17‬ثُمّ ُيقَالُ هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ ُتكَذّبُونَ (‬
‫َلصَالُوا الْ َ‬
‫‪)17‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ران على قلوبهم ‪:‬أي غطى قلوبهم وحجبها عن قبول الحق‪.‬‬
‫ما كانوا يكسبون ‪:‬أي من الذنوب والثام‪.‬‬
‫لمحجوبون ‪:‬أي يحال بينهم وبين رؤية الرب إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫لصالوا الجحيم ‪:‬أي لداخلوها ومحرقون معذبون بها‪.‬‬
‫هذا الذي كنتم به تكذبون ‪:‬أي يقال لهم توبيخا وخزيا لهم وهم في العذاب هذا الذي كنتم به‬
‫تكذبون‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في التنديد بالعتداء والمعتدين والثم والثمين فقال تعالى {كَلّا َبلْ رَانَ‪1‬‬
‫عَلَى قُلُو ِبهِمْ مَا كَانُوا َي ْكسِبُونَ} أي ما المر كما يدعون من أن القرآن أساطير الولين وإنما ران‬
‫على قلوبهم أي غشاها وغطاها أثر الذنوب والجرائم فحجبها عن معرفة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الران والرين مصدران لران يرين رينا ورانا كالعيب والعاب والذيم والذام‪.‬‬

‫( ‪)5/536‬‬

‫حجُوبُونَ} أي ردعا لهم وزجرا عن أقوالهم‬


‫الحق ‪ 1‬وقبوله‪ ,‬وقوله {كَلّا إِ ّنهُمْ عَنْ رَ ّب ِهمْ َي ْومَئِذٍ َلمَ ْ‬
‫الباطلة وأعمالهم الفاسدة إنهم عن ربهم لمحجوبون فل يرونه ول يرون كرامته { ُثمّ إِ ّنهُمْ َلصَالُوا‬
‫جحِيمِ} أي لداخلوها ومصطلون بحرها معذبون بأنواع العذاب فيها ثم يقال لهم توبيخا وخزيا‬
‫الْ َ‬
‫وتأنيبا { َهذَا} أي العذاب الذي كنتم به في الدنيا تكذبون حتى واصلتم كفركم وإجرامكم فحل بكم‬
‫هذا الذي أنتم فيه الن فذوقوا فلن تزدادوا إل عذابا‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬التحذير من مواصلة الذنوب وعدم التوبة منها حيث يؤدي ذلك بالعبد إلى أن يحرم التوبة ففي‬
‫حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أذنب العبد نكت في‬
‫قلبه نكتة سوداء فإن تاب صقل منها فإن عاد عادت حتى تعظم في قلبه فذلك الران الذي قال ال‬
‫كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون‬
‫‪ -2‬تقرير رؤية ال تعالى في الخرة بدليل قوله إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون أي الشقياء إذا‬
‫فالسعداء غير محجوبون فهم يرون ربهم ويشهد له قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها‬
‫ناظرة‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫شهَ ُدهُ‬
‫علّيّينَ (‪َ )18‬ومَا أَدْرَاكَ مَا عِلّيّونَ (‪ )19‬كِتَابٌ مَ ْرقُومٌ (‪َ )20‬ي ْ‬
‫كَلّا إِنّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ َلفِي ِ‬
‫ا ْل ُمقَرّبُونَ (‪ )21‬إِنّ الْأَبْرَارَ َلفِي َنعِيمٍ (‪ )22‬عَلَى الْأَرَا ِئكِ يَ ْنظُرُونَ (‪َ )23‬تعْ ِرفُ فِي وُجُو ِههِمْ َنضْ َرةَ‬
‫ك َوفِي ذَِلكَ فَلْيَتَنَافَسِ ا ْلمُتَنَافِسُونَ (‪)26‬‬
‫سٌ‬‫سقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (‪ )25‬خِتَامُهُ مِ ْ‬
‫ال ّنعِيمِ (‪ُ )24‬ي ْ‬
‫َومِزَاجُهُ مِنْ َتسْنِيم (‪ )27‬عَيْنا َيشْ َربُ ِبهَا ا ْل ُمقَرّبُونَ (‪)28‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى الترمذي وصححه عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال "إن‬
‫العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء‪ ،‬فإن هو نزعها واستغفر ال وتاب صقل قلبه‪،‬‬
‫فإن عاد زيد فيها حتى تعلو على قلبه‪ .‬وهو الران الذي ذكر ال تعالى في كتابه (كل بل ران على‬
‫قلوبهم ما كانوا يكسبون)‪.‬‬

‫( ‪)5/537‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫كتاب البرار ‪ :‬أي كتاب أعمالهم والبرار هم المطيعون ل ولرسوله الصادقون‪.‬‬
‫لفي عليين ‪:‬أي في موضع يسمى عليين في أعلى الجنة‪.‬‬
‫كتاب مرقوم ‪ :‬أي كتاب مرقوم بأمان من ال إياه من النار يوم القيامة والفوز بالجنة‪.‬‬
‫يشهده المقربون ‪:‬أي يحضره المقربون من أهل كل سماء ويحفظونه لنه يحمل أمانا لصاحبه من‬
‫النار وفوزه بالجنة‪.‬‬
‫إن البرار لفي نعيم ‪:‬أي إن الذين بروا ربهم بطاعته بأداء الفرائض واجتناب النواهي لفي نعيم‬
‫الجنة‪.‬‬
‫على الرائك ‪:‬أي على السرة ذات الحجال‪.‬‬
‫ينظرون ‪:‬أي ما آتاهم ربهم من صنوف النعيم‪.‬‬
‫تعرف في وجوههم نضرة النعيم ‪:‬أي حسنه وبريقه وتللؤه‪.‬‬
‫من رحيق ‪ :‬أي من خمر صرف خالصة ل غش فيها ول دنس‪.‬‬
‫مختوم ‪:‬أي مختوم على إنهائها ل يفك ختمه إل هم‪.‬‬
‫ختامه مسك ‪:‬أي آخر شربها يفوح برائحة المسك‪.‬‬
‫وفي ذلك ‪:‬أي ل في غيره‪.‬‬
‫فليتنافس المتنافسون ‪:‬أي فليطلب بالطاعة والستقامة الطالبون للنعيم المقيم‪.‬‬
‫ومزاجه من تسنيم ‪:‬أي ومزاج شرابهم من عين تجري من عال تسمى التسنيم‪.‬‬
‫عينا يشرب بها المقربون ‪:‬عينا هي التسنيم يشرب منها المقربون صرفا وتمزج لصحاب اليمين‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد أن ذكر تعالى كتاب الفجار وما ختم له به ذكر كتاب البرار وما ختم له به فقال {كَلّا} أي حقا‬
‫{إِنّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ} وهو جمع برأ أو بار وهو المؤمن الذي بر ربه بطاعته في أداء فرائضه‬
‫واجتناب نواهيه وكان صادقا في ذلك كتاب أعمال هؤلء البرار في عليين { َومَا أَدْرَاكَ} يا‬
‫رسولنا ‪{ 1‬مَا عِلّيّونَ} أنه موضع في أعلى ‪ 2‬الجنان‪ .‬وقوله {كِتَابٌ مَ ْرقُومٌ} يريد كتاب البرار‬
‫ش َه ُدهُ ا ْل ُمقَرّبُون}‬
‫الموضوع في عليين كتاب مرقوم بأمان من ال لصاحبه من النار والفوز بالجنة {يَ ْ‬
‫أي مقربو كل سماء يحضرونه ويحفظون له ويشهدون‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام للتفخيم والتعظيم بشأن عليين إذ هو في أعلى مرتبة وأسمى منزلة‪.‬‬
‫‪ 2‬قال البراء بن عازب رضي ال عنه قال رسول ال صلى ال عليه وسلم عليون في السماء‬
‫السابعة تحت العرش‪.‬‬

‫( ‪)5/538‬‬

‫بما فيه من المان لصاحبه من النار والفوز بالجنة‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ الْأَبْرَارَ} ‪ 1‬وأصحاب الكتب‬
‫المودعة في عليين لفي نعيم يريد يوم القيامة والنعيم هو نعيم الجنة وهذا لون منه على الرائك‬
‫أي السرة ذات الحجال {يَنْظُرُونَ} إنهم جالسون على الرائك ينظرون ‪ 2‬باستحسان وإعجاب‬
‫ملكهم الكبير الذي ملكهم ال تعالى وقد يمتد مسافة ألفي سنة وينتهي إليه بصرهم { َتعْ ِرفُ فِي‬
‫س َقوْنَ مِنْ َرحِيقٍ مَخْتُومٍ} أي من خمر‬
‫وُجُو ِههِمْ َنضْ َرةَ ال ّنعِيمِ} أي حسنه وبريقه وتللؤه وقوله {يُ ْ‬
‫هي الرحيق صافية ل دنس فيها ول غش مختوم على أوانيها ل يفكها إل هم‪ .‬ختامه مسك آخر‬
‫هذا الشراب ‪ 3‬يفوح برائحة المسك الذفر فهي طيبة الرائحة للغاية‪ .‬وقوله تعالى { َوفِي ذَِلكَ‬
‫فَلْيَتَنَافَسِ‪ 4‬ا ْلمُتَنَافِسُونَ} أي وفي مثل هذا النعيم ل في غيره من حطام الدنيا وشرابها وملكها الزائل‬
‫يجب أن يتنافس المتنافسون أي في طلبه باليمان وصالح العمال بعد البعد كل البعد عن الشرك‬
‫وسيئي القوال وقبيح الفعال‪ .‬وقوله تعالى { َومِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ‪ ,‬عَيْنا َيشْ َربُ ِبهَا ا ْل ُمقَرّبُونَ} أي إن‬
‫ذلك الرحيق يمزج لصحاب اليمين بماء عين تسمى التسنيم ويشربه المقربون صرفا أي خالصا‬
‫بدون مزج من عين التسنيم وقوله { َيشْ َربُ ِبهَا} الباء بمعنى من أو ضمن يشرب معنى يتلذذ أي‬
‫يلتذ بها وقد سبق في سورة النسان وقلت إنها لطيب شرابها تكاد تكون آلة للشرب فتكون الباء‬
‫لللة على بابها نحو شربت بالكأس‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الثناء على البرار وبيان ما أعد ال تعالى لهم وهم المؤمنون المتقون الصادقون في ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر ما يجري فيها‪.‬‬
‫‪ -3‬الترغيب في العمل الصالح للحصول على نعيم الجنة لقوله تعالى { َوفِي ذَِلكَ فَلْيَتَنَافَسِ‬
‫ا ْلمُتَنَافِسُونَ}‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬البرار جمع بر هم أهل الطاعة والصدق فيها‪.‬‬
‫‪ 2‬وقيل ينظرون إلى أعدائهم في النار وهم على أرائكهم ول عجب لما ظهر اليوم من آلة التلفاز‪.‬‬
‫‪ 3‬الرحيق هي الخمر العتيقة البيضاء الصافية من الغش‪ ,‬النيرة قال حسان‪:‬‬
‫يسقون من ورد البريص عليهم‬
‫بردى يصفق بالرحيق السلسل‬
‫والبريص نهر بدمشق وبردى نهر آخر بها ويصفه يخرج والرحيق الخمر البيضاء‪.‬‬
‫‪ 4‬يقال نفست عليه الشيء أنفسه نفاسة أي ضننت به ولم يحب أن يصير إليه وذلك لحسن وجودته‬
‫وتعلق النفس به‪.‬‬

‫( ‪)5/539‬‬

‫حكُونَ (‪ )29‬وَإِذَا مَرّوا ِبهِمْ يَ َتغَامَزُونَ (‪ )30‬وَإِذَا ا ْنقَلَبُوا‬


‫إِنّ الّذِينَ أَجْ َرمُوا كَانُوا مِنَ الّذِينَ آمَنُوا َيضْ َ‬
‫إِلَى أَهِْلهِمُ ا ْنقَلَبُوا َف ِكهِينَ (‪ )31‬وَإِذَا رََأوْ ُهمْ قَالُوا إِنّ َهؤُلءِ َلضَالّونَ (‪َ )32‬ومَا أُرْسِلُوا عَلَ ْيهِمْ‬
‫حكُونَ (‪ )34‬عَلَى الْأَرَا ِئكِ يَ ْنظُرُونَ (‪َ )35‬هلْ ُث ّوبَ‬
‫حَا ِفظِينَ (‪ )33‬فَالْ َيوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ ا ْل ُكفّارِ َيضْ َ‬
‫ا ْل ُكفّارُ مَا كَانُوا َي ْفعَلُونَ (‪)36‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن الذين أجرموا ‪:‬أي على أنفسهم بالشرك والمعاصي كأبي جهل وأمية بن خلف وعتبة بن أبي‬
‫معيط‪.‬‬
‫من الذين آمنوا ‪ :‬أي كبلل وياسر وعمار وصهيب وخبيب‪.‬‬
‫يتغامزون ‪:‬أي يشيرون إلى المؤمنين بالجفن والحاجب استهزاء بهم‪.‬‬
‫فكهين ‪:‬أي إذا رجعوا إلى ديارهم وأهليهم يرجعون نشاوى فرحين معجبين بحالهم‪.‬‬
‫وإذا رأوهم ‪:‬أي وإذا رأى أولئك الفكهون رأوا المؤمنين‪.‬‬
‫قالوا إن هؤلء لضالون ‪:‬إن هؤلء يعنون المؤمنين من أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫لضالون بترك دينهم واتخاذهم لدين محمد صلى ال عليه وسلم الجديد‪.‬‬
‫وما أرسلوا عليهم حافظين ‪:‬أي ولم يكلفهم ال تعالى بحفظ أعمالهم ورعاية أحوالهم‪ .‬وإنما هم‬
‫متطفلون‪.‬‬
‫فاليوم ‪:‬أي يوم القيامة‪.‬‬
‫من الكفار يضحكون ‪:‬أي من أجل ما هم فيه من العذاب حيث يرونهم وهم على أرائكهم‪.‬‬
‫هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ‪:‬أي هل جوزي الكفار بما كانوا يفعلون من الكفر والشر والفساد؟‬
‫والجواب نعم نعم نعم‪.‬‬

‫( ‪)5/540‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعدما بين تعالى حال البرار في دار البرار وذكر ما شاء ال أن يذكر من نعيمهم ترغيبا وتعليما‬
‫بعد أن ذكر في اليات قبلها حال المجرمين وما أعد لهم من عذاب في دار العذاب‪ .‬ذكر تعالى‬
‫هنا في خاتمة السورة ما أوجب للمجرمين وهو النار‪ ,‬وما أوجب للمؤمنين وهو الجنة فذكر طرفا‬
‫من سلوك المجرمين وآخر من سلوك المؤمنين فقال عز من قائل {إِنّ الّذِينَ َأجْ َرمُوا ‪ }1‬أي على‬
‫أنفسهم أي أفسدوها بالشرك والشر والفساد كأبي جهل والوليد بن المغيرة والعاصي وغيرهم كانوا‬
‫حكُونَ} ‪2‬‬
‫من الذين آمنوا كبلل وعمار وصهيب وخبيب وأضرابهم من فقراء المؤمنين { َيضْ َ‬
‫استهزاء بهم وسخرية‪{ .‬وَإِذَا مَرّوا ِب ِهمْ} في شوارع مكة وحول المسجد الحرام {يَ َتغَامَزُونَ}‬
‫يشيرون إليهم بالجفن والحاجب على عادة المتكبرين {وَإِذَا ا ْنقَلَبُوا} أي رجعوا {إِلَى َأهِْلهِمُ} في‬
‫ديارهم {ا ْنقَلَبُوا َف ِكهِينَ} ‪ 3‬ناعمين معجبين بحالهم فرحين بما عندهم {وَِإذَا رََأوْهُمْ} أي وإذا رأى‬
‫أولئك المجرمون المؤمنين أشاروا إليهم وقالوا {إِنّ َهؤُلءِ َلضَالّونَ} بتركهم دينهم واعتناق دين‬
‫محمد الجديد في نظرهم‪ .‬قال تعالى { َومَا أُرْسِلُوا عَلَ ْيهِمْ‪ 4‬حَا ِفظِينَ} أي على أعمالهم وأحوالهم‬
‫حتى يقولوا ما قالوا وإنما هم متطفلون يدعون ما ليس لهم كقبح سلوكهم وسوء فهومهم‪ ,‬قال تعالى‬
‫حكُونَ} أي من الكفار {عَلَى الْأَرَا ِئكِ} أي السرة‬
‫{فَالْ َيوْمَ} ‪ 5‬يوم القيامة {الّذِينَ آمَنُوا مِنَ ا ْل ُكفّارِ َيضْ َ‬
‫ذات الحجال {يَ ْنظُرُونَ} إلى الكفار وهم في النار ويضحكون منهم وهم يعذبون ول عجب في‬
‫كيفية رؤيتهم لهم وهم في النار أسفل سافلين والمؤمنون في أعلى عليين إذ البث التلفزيوني اليوم‬
‫قطع العجب وأبطله وقوله تعالى { َهلْ ُث ّوبَ‪ 6‬ا ْل ُكفّارُ} أي هل جوزي الكفار على أفعالهم‬
‫الجرامية؟ والجواب معلوم مما تقدم إذ وصفت حالهم وبين عذابهم والعياذ بال من عذابه وأليم‬
‫عقابه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الجرام مصدر أجرم إذا ارتكب الجرم وهو الثم العظيم وأعظمه الشرك والكفر‪.‬‬
‫‪ 2‬معنى يضحكون منهم أنهم يضحكون من حالهم وهي حال خاصة كالفقر والضعف أو ترك‬
‫دينهم إلى دين آخر قال الحارث بن عبد يغوث‪:‬‬
‫وتضحك مني شيخة عبشمية‬
‫كأن لم تر قبلي أسيرا يمانيا‬
‫‪ 3‬قرأ نافع والجمهور فاكهين بصيغة اسم الفاعل‪ ,‬وقرأ حفص بدون ألف على أنه جمع فكه صفة‬
‫مشبهة‪ ,‬والمعنى واحد كفارح وفرح‪.‬‬
‫‪ 4‬الجملة متضمنة معنى التهكم بأولئك الضاحكين الساخرين من فقراء المؤمنين‪.‬‬
‫‪ 5‬تقديم الظرف اليوم للهتمام به لنه يوم الجزاء وفيه تشفى صدور المؤمنين من العداء‪.‬‬
‫‪ 6‬الجملة فذلكة ما تقدم من اعتداء المشركين على المؤمنين وما ترتب عليه من الجزاء يوم القيامة‬
‫والستفهام بهل تقريري وتعجب من عدم إفلتهم منه بعد دهور‪ ,‬وثوب بمعنى أعطى الثواب يقال‬
‫أثابه وثوبه إذا أعطاه ثوابه وهو جزاء عمله وفي التفسير الثواب تهكم واضح بالمشركين نحو‬
‫بشرهم بعذاب أليم‪.‬‬

‫( ‪)5/541‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬التنديد بالجرام والمجرمين‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان ما كان عليه المشركون في مكة إبان الدعوة وما لقيه المؤمنون منهم‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أن المؤمنين سيرون المشركين في الجحيم ويضحكون منهم وهم في نعيمهم والمشركون‬
‫في جحيمهم‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان إكرام ال لوليائه‪ ,‬وإهانته تعالى لعدائه‪.‬‬

‫( ‪)5/542‬‬

‫سورة النشقاق‬
‫‪...‬‬
‫سورة النشقاق‬
‫مكية وآياتها خمس وعشرون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حقّتْ (‪ )2‬وَإِذَا الْأَ ْرضُ مُ ّدتْ (‪ )3‬وَأَ ْل َقتْ مَا فِيهَا وَ َتخَّلتْ (‪)4‬‬
‫شقّتْ (‪ )1‬وَأَذِ َنتْ لِرَ ّبهَا َو ُ‬
‫سمَاءُ ا ْن َ‬
‫إِذَا ال ّ‬
‫ح ّقتْ (‪ )5‬يَا أَ ّيهَا الْإ ْنسَانُ إِ ّنكَ كَادِحٌ إِلَى رَ ّبكَ كَدْحا َفمُلقِيهِ (‪ )6‬فََأمّا مَنْ أُو ِتيَ كِتَابَهُ‬
‫وَأَذِ َنتْ لِرَ ّبهَا وَ ُ‬
‫سبُ حِسَابا يَسِيرا (‪ )8‬وَيَنْقَِلبُ إِلَى أَهِْلهِ مَسْرُورا (‪ )9‬وََأمّا مَنْ أُو ِتيَ كِتَابَهُ‬
‫سوْفَ يُحَا َ‬
‫بِ َيمِينِهِ (‪َ )7‬ف َ‬
‫سعِيرا (‪ )12‬إِنّهُ كَانَ فِي أَهِْلهِ مَسْرُورا (‪)13‬‬
‫سوْفَ يَدْعُو ثُبُورا (‪ )11‬وَ َيصْلَى َ‬
‫ظهْ ِرهِ (‪َ )10‬ف َ‬
‫وَرَاءَ َ‬
‫إِنّهُ ظَنّ أَنْ لَنْ َيحُور (‪ )14‬بَلَى إِنّ رَبّهُ كَانَ ِبهِ َبصِيرا (‪)15‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إذا السماء انشقت ‪:‬أي بالغمام وهو سحاب أبيض رقيق وذلك لنزول الملئكة‪.‬‬
‫وأذنت لربها ‪:‬أي سمعت وأطاعت‪.‬‬
‫وحقت ‪ :‬أي وحق لها أن تسمع أمر ربها وتطيعه‪.‬‬
‫وإذا الرض مدت ‪:‬أي زيد في سعتها كما يمد الديم أي الجلد إذ لم يبق عليها بناء ول جبل‪.‬‬

‫( ‪)5/542‬‬

‫وألقت ما فيها وتخلت ‪ :‬أي ألقت ما فيها من الموتى ألقتهم أحياء إلى ظهرها وتخلت عنه أي عما‬
‫كان في‬
‫بطنها‪.‬‬
‫إنك كادح ‪ :‬أي عامل كاسب للخير أو الشر‪.‬‬
‫إلى ريك كدحا ‪ :‬أي إلى أن تلقى ربك وأنت تعمل وتكسب فليكن عملك مما يرضي عنك ربك‪.‬‬
‫فملقيه ‪ :‬أي ملق ربك بعد موتك وبعملك خيره وشره‪.‬‬
‫كتابه ‪ :‬أي كتاب عمله وذلك بعد البعث‪.‬‬
‫وينقلب إلى أهله مسرورا ‪ :‬أي بعد الحساب اليسير يرجع إلى أهله في الجنة من الحور العين‬
‫فرحا‪.‬‬
‫وراء ظهره ‪ :‬أي يأخذ بشماله من وراء ظهره إهانة له‪.‬‬
‫يدعو ثبورا ‪ :‬أي ينادي هلكه قائل واثبوراه واثبوراه أي هلكه‪.‬‬
‫ويصلى سعيرا ‪ :‬أي ويحرق بالنار حريقا وينضج انضاجة بعد أخرى على قراءة يصلى‬
‫بالتضعيف‪ .‬إنه ظن أن لن يحور ‪ :‬أي إنه كان في الدنيا يظن أنه ل يرجع إلى الحياة بعد الموت‬
‫فلذا لم يعمل خيرا قط‬
‫ولم يتورع عن ترك الشر قط لعدم إيمانه بالبعث‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ش ّقتْ} يخبر تعالى أنه إذا انشقت السماء أي تصدعت وتفطرت وذابت‬
‫سمَاءُ انْ َ‬
‫قوله تعالى {إِذَا ال ّ‬
‫حقّتْ} أي وسمعت ‪ 1‬لمر ربها واستجابت فكانت كما أمرها ال‬
‫فصارت كالدهان {وََأذِ َنتْ لِرَ ّبهَا َو ُ‬
‫أن تكون منشقة منفطرة حتى تكون كالمهل‪{ ,‬وَِإذَا الْأَ ْرضُ‪ 2‬مُ ّدتْ} من الديم واتسعت رقعتها حيث‬
‫زال منها الجبال والكام والمباني والعمارات وأصبحت قاعا صفصفا {وَأَ ْل َقتْ مَا فِيهَا} أي ما في‬
‫بطنها من الموات {وَ َتخَّلتْ} عنه أي عما كان في بطنها‬
‫حقّتْ} أي وحق لها أن تسمع وتجيب وتطيع‬
‫{وَأَذِ َنتْ لِرَ ّبهَا} في ذلك كله أي سمعت وأجابت { َو ُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬شاهد قوله صلى ال عليه وسلم "ما أذن ال لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن" أي ما استمع‬
‫لشيء الخ‪ ..‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به‬
‫وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا‬
‫أذنوا بمعنى سمعوا‪.‬‬
‫‪ 2‬إذا ظرف خافض لشرطه منوصب بجوابه‪.‬‬

‫( ‪)5/543‬‬

‫وجواب إذا الولى والثانية واحد وهو {عَِل َمتْ َنفْسٌ مَا َق ّد َمتْ وََأخّ َرتْ‪ }1‬أو ما أحضرت كما تقدم‬
‫نظيره في التكوير والنفطار‪.‬وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الْإ ْنسَانُ} أي يا ابن آدم {إِ ّنكَ كَادِحٌ إِلَى رَ ّبكَ‪2‬‬
‫كَدْحا} أي أنك عامل تعمل يوميا ليل ونهار إلى أن تموت وتلقى ربك إنك ل تبرح تعمل ل محالة‬
‫وتكسب بجوارحك الخير والشر إلى الموت حيث تنتقل إلى الدار الخرة وتلقى ربك وتلقيه هذا‬
‫يشهد له قول الرسول صلى ال عليه وسلم في الصحيح ‪ " 3‬كلكم يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو‬
‫موبقها" إذا فمن الخير لك أيها النسان المكلف أن تعمل خيرا تلقي به ربك فيرضى عنك به‬
‫ويكرمك إنك حقا ملق ربك بعملك فأنصح لك أن يكون عملك صالحا وانظر إلى الصورة التالية‬
‫سبُ حِسَابا يَسِيرا‪ }4‬ينظر‬
‫س ْوفَ ُيحَا َ‬
‫{ فََأمّا مَنْ أُو ِتيَ كِتَابَهُ بِ َيمِينِهِ} لنه حوى الخير و ل شر فيه {فَ َ‬
‫في كتابه ويقرر هل فعلت كذا فيعترف ويتجاوز عنه وينقلب إلى أهله في الجنة وهم الحور العين‬
‫والنساء المؤمنات والذرية الصالحة يجمعهم ال ببعضهم كرامة لهم وهو قوله تعالى {وَالّذِينَ‪5‬‬
‫حقْنَا ِبهِمْ ذُرّيّ َتهُمْ} {وَأمّا مَنْ أُو ِتيَ كِتَا َبهُ} أي كتاب أعماله {وَرَاءَ‬
‫آمَنُوا وَاتّ َبعَ ْتهُمْ ذُرّيّ ُت ُهمْ بِإِيمَانٍ أَلْ َ‬
‫س ْوفَ‬
‫ظهْ ِرهِ} حيث تغل اليمنى مع عنقه وتخرج الشمال وراء ظهره ويعطى كتابه وراء ظهره {فَ َ‬
‫َ‬
‫يَدْعُو ثُبُورا} أي ينادي هلكه قائل واثبوراه واثبوراه أي يا هلكه احضر فهذا أوان حضورك‬
‫سعِيرا} أي ويدخل نار مستعرة شديدة اللتهاب ويصلى أيضا فيها تصلية أي ينضج‬
‫{ وَ َيصْلَى ‪َ 6‬‬
‫فيها لحمه المرة بعد المرة وأبدا‪ .‬والعياذ بال وعلة ذلك وسببه هو { إِنّهُ كَانَ فِي أَهِْلهِ} في الدنيا‬
‫{مَسْرُورا} ل يخاف ال ول يرجوا الدار الخرة يعمل ما يشاء ويترك ما يشاء {إنه ظن أن لن ‪7‬‬
‫يحور } أي أنه ل يرجع حيا بعد موته ول يحاسب ول يجزى هذه علة هلكه وشقائه فاحذروها‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اضطرب المفسرون والنحاة في جواب إذا فمنهم من قال إنه يا أيها النسان‪ ،‬ومنهم من قال‬
‫أذنت لربها‪ .‬على أن الواو زائدة‪ ،‬ومنهم من قال إنه فأما من أوتي كتابه‪ ،‬وغاب عنهم أن جواز‬
‫حذف الشرط كجواز حذف القسم‪ .‬ل سيما وقد تقدم جواب الشرط كهذا في التكوير والنفطار إذا‬
‫فما كان هناك جوابا يكون هنا جوابا‪.‬‬
‫‪ 2‬الكدح الكسب والعمل قال ابن المقل‪:‬‬
‫وما الدهر إل تارتان فمنهما‬
‫أموت وأخرى أبتغي العيش اكدح‬
‫والنسان هنا الجنس فهو عام في كل إنسان من بني آدم‪.‬‬
‫‪ 3‬في صحيح مسلم حديث طويل أوله‪ :‬ما اجتمع قوم في بيت من بيوت ال يتلون كتاب ال‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫‪ 4‬حسابا يسيرا أي مناقشة فيه كما في حديث عائشة إذ قالت قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫"من حوسب يوم القيامة عذب قالت يا رسول ال أليس قد قال ال فأما من أوتي كتابه بيمينه‬
‫فسوف يحاسب حسابا يسيرا؟ فقال ليس ذلك الحساب إنما ذلك العرض‪ .‬من نوقش الحساب يوم‬
‫القيامة عذب رواه البخاري وغيره‪.‬‬
‫‪ 5‬الية من سورة الطور‪.‬‬
‫‪ 6‬قرأ نافع ويصلى بتشديد اللم وسعيرا منصوب على نزع الخافض أي بسعير‪ ،‬وقرأ حفص‬
‫بتخفيف اللم والبناء للفاعل مضارع صلى كرضى يصلى كيرضى إذا مسته النار‪.‬‬
‫‪ 7‬يحور بمعنى يرجع شاهده قول الشاعر‪:‬‬
‫وما المرء إل كالشهاب وضوئه‬
‫يحور رمادا بعد إذ هو ساطع‬

‫( ‪)5/544‬‬

‫أيها الناس اليوم فآمنوا بربكم ولقائه واعملوا عمل ينجيكم من عذابه‪ .‬وقوله تعالى {بَلَى إِنّ رَبّهُ‬
‫كَانَ بِهِ َبصِيرا} أي ليحورن وليبعثن وليحاسبن وليس كما يظن انه ل يبعث ول يحاسب ول‬
‫يجزى بل ل بد من ذلك كله إن ربه تعالى كان به وبعمله بصيرا ل يخفى عليه من أمره شيء‬
‫شدّه دخول النار وتصلية جحيم‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك تم له هذا الحساب والعقاب بَِأمَرّ العذاب وأَ َ‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان مقدماته في انقلب الكون‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان حتمية لقاء النسان ربه‪.‬‬
‫‪ -3‬كل إنسان مكلف بالعقل والبلوغ فهو عامل وكاسب ل محالة إلى أن يموت ويلقى ربه‪.‬‬
‫‪ -4‬أهل اليمان والتقوى يحاسبون حسابا يسيرا وهو مجرد عرض ل غير ويفوزون أما من‬
‫نوقش الحساب فقد هلك وعذب لنه ل يملك حجة ول عذرا‪.‬‬
‫‪ -5‬التنعم في الدنيا والنكباب على شهواتها وملذها مع ترك الطاعات والصالحات ثمرة عدم‬
‫اليمان أو اليقين بالبعث والجزاء‬
‫سقَ (‪ )18‬لَتَ ْركَبُنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ (‬
‫سقَ (‪ )17‬وَا ْلقَمَرِ ِإذَا اتّ َ‬
‫شفَقِ (‪ )16‬وَاللّ ْيلِ َومَا وَ َ‬
‫فَل ‪ُ 1‬أ ْقسِمُ بِال ّ‬
‫سجُدُونَ (‪َ )21‬بلِ الّذِينَ َكفَرُوا ُيكَذّبُونَ (‬
‫‪َ )19‬فمَا َلهُمْ ل ُي ْؤمِنُونَ (‪ )20‬وَإِذَا قُ ِرئَ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقُرْآنُ ل يَ ْ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ َل ُهمْ‬
‫‪ )22‬وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا يُوعُونَ (‪ )23‬فَ َبشّرْهُمْ ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ (‪ )24‬إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫أَجْرٌ غَيْرُ َممْنُونٍ (‪)25‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫بالشفق‪:‬أي بالحمرة في الفق يعد غروب الشمس‪.‬‬
‫وما وسق ‪:‬أي دخل عليه من الدواب وغيرها‪.‬‬
‫إذا اتسق ‪:‬اجتمع وتم نوره وذلك في الليالي البيض‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جائز أن يكون (ل) صلة فأقسم بالشفق وكونها نافية لكلم سابق كما في التفسير هو اختيار ن‬
‫جرير‪.‬‬

‫( ‪)5/545‬‬

‫طبقا عن طبق‪ :‬أي حال بعد حال الموت‪ ،‬ثم الحياة‪ ،‬ثم ما بعدها من أحوال القيامة‪.‬‬
‫فما لهم ل يؤمنون ‪ :‬أي أي مانع لهم من اليمان بال ورسوله ولقاء ربهم والحجج كثيرة تتلى‬
‫عليهم‪.‬‬
‫وإذ قرئ عليهم القرآن ‪ :‬أي تلي عليهم وسمعوه‪.‬‬
‫ل يسجدون ‪ :‬أي ل يخضعون فيؤمنوا ويسلموا‪.‬‬
‫بما يوعون ‪ :‬أي يجمعون في صحفهم من الكفر والتكذيب‪.‬‬
‫لهم أجر غير ممنون ‪ :‬أي غير مقطوع‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫سمُ} أي فليس المر كما تدعون من أنه ل بعث ول جزاء أقسم بالشفق وهي‬
‫قوله تعالى {فَل ُأقْ ِ‬
‫حمرة ‪ 1‬الفق بعد غروب الشمس والليل وما وسق أي وما جمع من كل ذي روح من سابح في‬
‫الماء وطائر في السماء وسارح في الغبراء والقمر إذا اتسق أي اجتمع وتم نوره وذلك في الليالي‬
‫البيض‪ .‬وجواب القسم قوله تعالى {لَتَ ْركَبُنّ طَبَقا عَنْ طَ َبقٍ} أي حالً بعد ‪ 2‬حال الموت ثم الحياة‪،‬‬
‫ثم العرض‪ ،‬ثم الحساب‪ ،‬ثم الجزاء فهي أحوال وأحوال فليس المر كما تتصورون من أنه موت‬
‫سجُدُونَ} أي ما للناس‬
‫ول غير‪ .‬وقوله تعالى ‪َ { 3‬فمَا َلهُمْ ل ُي ْؤمِنُون وَإِذَا قُ ِرئَ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقُرْآنُ ل يَ ْ‬
‫يؤمنون أي شيء منعهم من اليمان بال ورسوله والدار الخرة مع كثرة اليات وقوة الحجج‬
‫وسطوع البراهين‪ .‬وما لهم أيضا إذا تلي عليهم القرآن وسمعوه ل يخضعون ول يخشعون ول‬
‫يخرون ساجدين مع ما يحمل من أنواع الحجج والبراهين وقوله تعالى ل الذين كفروا أي بدل أن‬
‫يؤمنوا ويسلموا يكذبون ‪{ 4‬وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا يُوعُونَ} في قلوبهم من الكفر والتكذيب وفي نفوسهم من‬
‫الحسد والكبر والغل والبغض وبناء على ذلك فبشرهم ‪ 5‬يا رسولنا أي أخبرهم بما يسوءهم بعذاب‬
‫ل وآجلً {إِلّا الّذِينَ آمَنُوا ‪ }6‬أي منهم آمنوا بال ورسوله وآيات ال ولقائه وعملوا‬
‫أليم عاج ً‬
‫الصالحات فأدوا الفرائض واجتنبوا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أكثر أهل العلم على أن الشفق الحمرة بعد غروب الشمس قال الفراء سمعت بعض العرب يقول‬
‫لثوب عليه مصبوغ كأنه الشفق وكان أحمر‪ .‬وقال الشاعر‪:‬وأحمر اللون كمحمر الشفق‪.‬‬
‫‪ 2‬من شواهد هذه الحقيقة قول الشاعر‪:‬‬
‫كذلك المرء إن ينسأ له أجل‬
‫يركب على طبق من بعده طبق‬
‫‪ 3‬الستفهام للنكار عليهم والتعجب من حالهم في ترك اليمان‪.‬‬
‫‪ 4‬يكذبون صيغة المضارع تدل على استمرار تكذيبهم والصلة هي الكفر‪ .‬فلو آمنوا ما كذبوا‬
‫ولكفرهم يكذبون رسول ال صلى ال عليه وسلم قيما جاء به وأخبر عنه‪.‬‬
‫‪ 5‬فبشرهم الفاء للتفريع والترتيب والبشارة هنا للتهكم بهم‪.‬‬
‫‪ 6‬الستثناء منقطع بمعنى لكن الذين آمنوا‪ ,‬الخ‪.‬‬

‫( ‪)5/546‬‬

‫المحارم {َل ُهمْ أَجْرٌ} أي ثواب عند ال إلى يوم يلقونه {غَيْرُ َممْنُونٍ} أي غير منقوص ول مقطوع‬
‫في الجنة دار السلم‪ .‬اللهم اجعلنا من أهلها برحمتك يا أرحم الراحمين‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أن النسان مقبل على أحوال وأهوال حال بعد حال وهول بعد هول إلى أن ينتهي إلى‬
‫جنة أو نار‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أن عدم إيمان النسان بربه يستدعي العجب إذ ل مانع للعبد من اليمان بخالقه وهو يعلم‬
‫انه مخلوق وقد تعرف إليه فأنول كتبه وبعث رسله وأقام الدلة على ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعية السجود عند تلوة هذه الية وهي وإذا قرئ عليهم القرآن ل يسجدون‪.‬‬
‫‪ -4‬علم ال تعالى بما يعي النسان في قلبه وما يحمل في نفسه فذكره للعبد بأن يراقب ربه فل‬
‫يعي في قلبه إل اليمان ول يحمل في نفسه إل الخير فل غل ول حسد ول شك ول عداء ول‬
‫بغضاء‪.‬‬

‫( ‪)5/547‬‬
‫سورة البروج‬
‫‪...‬‬
‫سورة البروج‬
‫مكية وآياتها اثنتان وعشرون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫شهُودٍ (‪ )3‬قُ ِتلَ َأصْحَابُ الُْأخْدُودِ (‪)4‬‬
‫سمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (‪ )1‬وَالْ َيوْمِ ا ْل َموْعُودِ (‪ )2‬وَشَاهِ ٍد َومَ ْ‬
‫وَال ّ‬
‫شهُودٌ (‪َ )7‬ومَا َن َقمُوا‬
‫النّارِ ذَاتِ ا ْل َوقُودِ (‪ )5‬إِذْ هُمْ عَلَ ْيهَا ُقعُودٌ (‪ )6‬وَهُمْ عَلَى مَا َي ْفعَلُونَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ ُ‬
‫شيْءٍ‬
‫علَى ُكلّ َ‬
‫ض وَاللّهُ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫حمِيدِ (‪ )8‬الّذِي لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫مِ ْنهُمْ إِلّا أَنْ ُي ْؤمِنُوا بِاللّهِ ا ْلعَزِيزِ الْ َ‬
‫جهَنّ َم وََلهُمْ عَذَابُ ا ْلحَرِيقِ (‬
‫شهِيدٌ (‪ )9‬إِنّ الّذِينَ فَتَنُوا ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ُثمّ لَمْ يَتُوبُوا فََلهُمْ عَذَابُ َ‬
‫َ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلكَبِيرُ (‪)11‬‬
‫‪ )10‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬

‫( ‪)5/547‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ذات البروج ‪ :‬أي منازل الشمس والقمر الثني عشر برجا‪.‬‬
‫واليوم الموعود ‪ :‬أي يوم القيامة إذ وعد ال تعالى عباده أن يجمعهم فيه لفصل القضاء‪.‬‬
‫وشاهد ‪ :‬أي يوم الجمعة‪.‬‬
‫ومشهود ‪ :‬أي يوم عرفة‪.‬‬
‫قتل أصحاب الخدود ‪ :‬أي لعن أصحاب الخدود‪.‬‬
‫الخدود ‪ :‬أي الحفر تحفر في الرض وهو مفرد وجمعه أخاديد‪.‬‬
‫إذ هم عليها قعود‪ :‬أي على حافتها وشفيرها‪.‬‬
‫وما نقموا منهم ‪ :‬أي ما عابوا أي شيء سوى إيمانهم بال تعالى‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫سمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ‪ }1‬هذا قسم من أعظم القسام إذ أقسم تعالى فيه بالسماء ذات‬
‫قوله تعالى {وَال ّ‬
‫البروج وهي منازل الشمس والقمر الثنا عشر برجا‪ 2،‬وباليوم الموعود هو يوم القيامة إذ وعد‬
‫الرب تعالى عباده أن يجمعهم فيه ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون وبالشاهد ‪ 3‬وهو يوم الجمعة‬
‫وبالمشهود وهو يوم عرفة وجواب القسم أو المقسم عليه محذوف قد يكون تقديره لتبعثن ثم لتنبؤن‬
‫لن السورة مكة والسور المكية تعالج العقيدة بأنواعها الثلثة والتوحيد والنبوة والبعث والجزاء‪,‬‬
‫وجائز أن يكون الجواب قتل بتقدير اللم وقد نحو لقد قتل أي لعن أصحاب الخدود وهي حفر‬
‫حفرها الكفار وأججوا فيها نارا وأتوا بالمؤمنين المخالفين لدينهم وعرضوا عليهم الكفر أو اللقاء‬
‫في النار فاختاروا اللقاء في النار مع بقاء إيمانهم حتى إن امرأة كانت ترضع صبيا فأحجمت عن‬
‫إلقاء نفسها مع طفلها في النار فأنطق ال الصبي فقال لها‪ :‬أماه امضي فإنك على الحق فاقتحمت‬
‫النار‪ .‬وقوله {ِإذْ ُهمْ عَلَ ْيهَا ُقعُودٌ} بيان للحال التي كانوا يفتنون فيها المؤمنين والمؤمنات إذ كانوا‬
‫على شفير النار وحافتها قاعدين‪ ,‬وقوله تعالى { َوهُمْ عَلَى مَا َي ْفعَلُونَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى أحمد عن أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقرأ قي‬
‫العشاء الخرة بالسماء ذات البروج وروي أيضا عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم أمر أن يقرأ‬
‫في العشاء بالسموات أي السماء ذات البروج والسماء والطارق‪.‬‬
‫‪ 2‬البروج هي منازل الكواكب والشمس والقمر يسير القمر في كل برج منها يومين وثلث يوم‬
‫فذلك ثمانية وعشرون يوما ثم يستتر ليلتين‪ .‬وتسير الشمس في كل برج منها شهرا وهي الحمل‪،‬‬
‫والثور‪ ،‬والجوزاء‪ ،‬والسرطان‪ ،‬والسد‪ ،‬والسنبلة‪ ،‬والميزان‪ ،‬والعقرب‪ ،‬والقوس‪ ،‬والجدي‪ ،‬والدلو‪،‬‬
‫والحوت‪ ،‬والبروج في لغة العرب القصور‪.‬‬
‫‪ 3‬روى الترمذي عن أبي هريرة قال رسول ال صلى ال عليه وسلم اليوم الموعود يوم القيامة‬
‫واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة وقال فيه حديث حسن غريب‪ ،‬وجائز أن يكون‬
‫الشهود الكرام الكاتبين والمشهود عليهم بنو آدم‪ ،‬وجائز أن يكون الشاهد هذه المة والشهود عليهم‬
‫سائر المم وجائز غير ما ذكر‪.‬‬

‫( ‪)5/548‬‬

‫شهُودٌ} أي حضور‪ ,‬ولم يغيروا منكرا ولم‬


‫بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ} من اللقاء في النار والرتداد عن السلم { ُ‬
‫يأمروا بمعروف‪ .‬وقوله تعالى { َومَا َن َقمُوا مِ ْنهُمْ} أي وما عابوا عنهم شيئا سوى إيمانهم بال‬
‫العزيز الحميد الذي له ملك السموات والرض‪ ,‬فحسب العبد من ال هذه الصفات فأنها توجب‬
‫اليمان بال وطاعته ومحبته وخشيته وهي كونه سبحانه وتعالى عزيزا في انتقامه لوليائه حميدا‬
‫يحمده للئه ونعمه سائر خلقه مالكا لكل ما في السموات والرض ليس لغيره ملك في شيء معه‬
‫وعلمه الذي أحاط بكل شيء دل عليه قوله وهو على كل شيء شهيد‪ .‬فكيف ينكر على المؤمن‬
‫إيمانه بربه ذي الصفات العل‪ .‬والجلل والجمال والكمال‪ .‬سبحانك اللهم وبحمدك ل إله إل أنت‬
‫وحدك ل شريك لك‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ الّذِينَ فَتَنُوا ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‪ 1‬وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ} أي فتنوهم عن دينهم‬
‫جهَنّمَْ} جزاء لهم‪.‬‬
‫فأحرقوهم بالنار { ُثمّ لَمْ يَتُوبُوا} بعد فتنتهم للمؤمنين والمؤمنات {فََل ُهمْ عَذَابُ َ‬
‫عذَابُ الْحَرِيقِ} عذاب جهنم في الدار الخرة وعذاب الحريق في الدنيا‪ .‬فقد روي أنهم لما‬
‫{وََلهُمْ َ‬
‫فرغوا من إلقاء المؤمنين في النار والمؤمنون كانت تفيض أرواحهم قبل وصولهم إلى النار فلم‬
‫يحسوا بعذاب النار والكافرون خرجت لهم النار من الخاديد وأحرقتهم فذاقوا عذاب الحريق في‬
‫الدنيا‪ ,‬وسيذوقون عذاب جهنم في الخرة هذا بالنسبة إلى أبدانهم أما أرواحهم فإنها بمجرد مفارقة‬
‫الجسد تلقى في سجين مع أرواح الشياطين والكافرين وقوله تعالى {إِنّ الّذِينَ آمَنُوا ‪ }2‬بال وعملوا‬
‫الصالحات أي آمنوا بال ربا وإلها وعبدوه بأداء فرائضه وترك محارمه {َلهُمْ جَنّاتٌ} أي بساتين‬
‫{ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ} أي من تحت أشجارها وقصورها‪ .‬وقوله تعالى {ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلكَبِيرُ} ‪3‬‬
‫ل ودخول الجنة ثانيا‪ .‬كما قال تعالى { َفمَنْ ُزحْزِحَ عَنِ‬
‫حقا هو فوز كبير‪ ،‬لنه نجاة من النار أو ً‬
‫خلَ الْجَنّةَ َفقَدْ فَا َز َومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِلّا مَتَاعُ ا ْلغُرُورِ}‪.‬‬
‫النّا ِر وَأُ ْد ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إن الذين فتنوا الخ‪ ..‬الية عامة ليست خاصة بأصحاب الخدود ول بكفار قريش‪ ,‬وإنما هي‬
‫عامة في كل من يفتن المؤمنين والمؤمنات في دينهم‬
‫فيصرفهم عنه بأنواع من التعذيب وجزاؤهم ما ذكر في الية وهو عذاب جهنم وعذاب الحريق إل‬
‫من تاب قبل موته وقد عد ممن فتنوا المؤمنين والمؤمنات في مكة أو جهل رأس الفتنة وأمية بن‬
‫خلف والسود بن عبد يغوث والوليد بن المغيرة وعد من المعذبين المفتونين بلل بن رباح‪ ,‬وأبو‬
‫فكيهة وخباب بن الرت وياسر والد عمار وعامر بن فهيرة وعدد من النساء المعذبات حمامة أم‬
‫بلل‪ ,‬وزنيرة‪ ,‬وسمية والدة عمار‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا الكلم مستأنف يبين فيه تعالى جزاء من آمن وعمل صالحا وهو دعوة إلى اليمان والعمل‬
‫الصالح والتخلي عن الشرك والشر والفساد‪ .‬إنه لما ذكر جزاء الكفر وهو عذاب جهنم وعذاب‬
‫الحريق ناسب ذكر جزاء أهل اليمان وصالح العمال‪.‬‬
‫‪ 3‬اسم الشارة (ذلك) عائد إلى ما اختصهم ال تعالى به من الجنات التي تجري من تحتها النهار‬
‫أنها الماء واللبن والخمر والعسل في دار السلم‪.‬‬

‫( ‪)5/549‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل يومي الجمعة وعرفة‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان ما يبتلى به المؤمنون في هذه الحياة ويصبرون فيكون جزاؤهم الجنة‪.‬‬
‫‪ -4‬الترهيب والترغيب في ذكر جزاء الكافرين والمؤمنين الصالحين‪.‬‬
‫ئ وَ ُيعِيدُ (‪ )13‬وَ ُهوَ ا ْل َغفُورُ ا ْلوَدُودُ (‪ )14‬ذُو ا ْلعَرْشِ ا ْلمَجِيدُ‬
‫شدِيدٌ (‪ )12‬إِنّهُ ُهوَ يُبْ ِد ُ‬
‫طشَ رَ ّبكَ لَ َ‬
‫إِنّ بَ ْ‬
‫عوْنَ وَ َثمُودَ (‪َ )18‬بلِ الّذِينَ َكفَرُوا فِي‬
‫حدِيثُ الْجُنُودِ (‪ )17‬فِرْ َ‬
‫(‪َ )15‬فعّالٌ ِلمَا يُرِيدُ (‪َ )16‬هلْ أَتَاكَ َ‬
‫حفُوظ (‪)22‬‬
‫ن وَرَا ِئهِمْ ُمحِيطٌ (‪َ )20‬بلْ ُهوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (‪ )21‬فِي َلوْحٍ َم ْ‬
‫َتكْذِيبٍ (‪ )19‬وَاللّهُ مِ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن بطش ربك ‪ :‬أي أذا أخذ الكافر الشديد‪.‬‬
‫يبدئ ويعيد ‪ :‬أي يبدئ الخلق ويعيده بعد فنائه و يبدئ العذاب ويعيده‪.‬‬
‫الغفور الودود‪ :‬أي لذنوب عباده المؤمنين المتودد لوليائه‪.‬‬
‫ذو العرش المجيد ‪ :‬أي صاحب العرش إذ هو خالقه ومالكه والمجيد المستحق لكمال صفات‬
‫العلو‪.‬‬
‫في تكذيب‪ :‬أي بما ذكر في سياق اليات السابقة‪.‬‬
‫من ورائهم محيط ‪ :‬أي هم في قبضته وتحت سلطانه وقهره‪.‬‬
‫قرآن مجيد ‪ :‬أي كريم عظيم‪.‬‬
‫في لوح محفوظ ‪ :‬أي من الشياطين والمراد به اللوح المحفوظ‪.‬‬

‫( ‪)5/550‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى ما توعد به الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات من أجل إيمانهم أخبر رسوله معرضا‬
‫بمشركي قومه وطغاتهم اللذين آذوا المؤمنين في مكة من أجل إيمانهم أخبره بقوله {إِنّ بَطْشَ رَ ّبكَ‬
‫ئ وَ ُيعِيدُ} فالقادر على البدء‬
‫‪َ 1‬لشَدِيدٌ} أي إن أخذه أليم شديد ودلل على ذلك بقوله {إِنّهُ ُهوَ يُبْ ِد ُ‬
‫والعادة بطشه شديد‪ .‬وقوله {يُ ْب ِدئُ} أي الخلق ثم يعيده‪ .‬و يبدئ العذاب ‪ 2‬أيضا ثم يعيده { َو ُهوَ‬
‫ا ْل َغفُورُ ا ْلوَدُودُ} فهو قادر على البطش بأعدائه‪ ,‬وهو الغفور لذنوب أوليائه {ذُو ا ْلعَرْشِ ا ْلمَجِيدُ} أي‬
‫صاحب العرش خلقا وملكا المجيد العظيم الكريم ‪َ { ,‬فعّالٌ ِلمَا ‪ 3‬يُرِيدُ} إذ ل يكره تعالى على شيء‬
‫ول يقدر أحد على إكراهه‪.‬‬
‫ن وَ َثمُود} كيف أهلكهم ال لما طغوا وبغوا وكفروا‬
‫عوْ َ‬
‫حدِيثُ الْجُنُودِ فِرْ َ‬
‫وقوله تعالى { َهلْ أَتَاكَ َ‬
‫وعصوا نعم قد أتاك وقرأته على قومك الكافرين ولم ينتفعوا به لنهم يعيشون في تكذيب لك يحيط‬
‫بهم ل يخرجون لنه تكذيب ناشئ من الكبر والحسد والجهل فلذا هم لم يؤمنوا بعد‪ .‬وقوله تعالى‬
‫{وَاللّهُ مِنْ وَرَا ِئهِمْ مُحِيطٌ‪ }4‬أي هم في قبضته وتحت قهره وسلطانه ل يخفى عليه منهم شيء ول‬
‫حفُوظٍ}‬
‫يحول بينه وبينهم متى أراد أخذهم شيء‪ .‬وقوله تعالى { َبلْ ُهوَ‪ 5‬قُرْآنٌ َمجِيدٌ فِي َلوْحٍ ‪َ 6‬م ْ‬
‫يرد بهذا على المشركين الذين قالوا في القرآن إنه سحر وشعر وأساطير الولين فقال ليس هو‬
‫كما قالوا وادعوا وإنما هو قرآن مجيد في لوح محفوظ من الشياطين فل تمسه ول تقربه ول من‬
‫غير الشياطين من سائر الخلق أجمعين‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تهديد الظلمة بالعذاب عقوبة في الدنيا وفي الخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يرى بعضهم أن قوله إن بطش ربك هو جواب القسم والسماء ذات البروج‪ .‬وأنه وإن كان‬
‫جائزا فإن تقديره في أول الكلم أولى من تأخيره‪ .‬وهذه الية مستأنفة تحمل الوعيد والتعريض‬
‫بمجرمي قريش كأبي جهل وأضرابه‪.‬‬
‫‪ 2‬إنه هو يبدئ ويعيد الجملة تعليلية إذ الذي يبدي ويعيد ل يكون بطشه إل قويا شديدا ومن‬
‫مظاهر الكمال اللهي جمعه بين صفتي البطش‪ ,‬والمغفرة والود‪ ,‬فهنيئا لوليائه‪ ,‬ويا ويل من‬
‫أعدائه‪.‬‬
‫‪ 3‬روي أن أناسا دخلوا على أبي بكر في مرضه الذي مات فيه يعودونه فقالوا له أل نأتيك‬
‫بطبيب؟ قال قد رآني قالوا فما قال لك؟ قال قال لي‪ :‬إني فعال لما أريد وفي بعض الروايات قال‬
‫الطبيب أمرضني‪.‬‬
‫‪ 4‬فهو قادر على أن ينزل بهم ما أنزل بفرعون‪ ،‬وعاد وثمود قبله‪.‬‬
‫‪ 5‬بل للضراب البطالي أي ليس القرآن كما يصفونه بأنه أساطير الولين‪ ،‬وإفك مفترى وما إلى‬
‫ذلك مما قالوه في القرآن من رده وعدم اليمان به بل هو قرآن مجيد بالغ الغاية في المجد‬
‫والشرف والسمو والعلو في ألفاظه ومعانيه‪ ،‬وما يخمل من هدى وتشريع وأنه في مناعته ل تصل‬
‫إليه أيدي الخلق بالتحريف والتبديل إذ هو في لوح محفوظ‪.‬‬
‫‪ 6‬قرأ نافع وحده يرفع محفوظ صفة القرآن وجوه الباقون حفص وغيره على أنه نعت للفظ لوح‬
‫وحفظ اللوح حفظ القرآن المكتوب عليه‪.‬‬

‫( ‪)5/551‬‬

‫‪ -2‬إن ال تعالى لكرمه يتودد لوليائه من عباده‪.‬‬


‫‪ -3‬فائدة القصص هي الموعظة تحصل للعبد فل يترك واجبا ول يغشى محرما‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان إحاطة ال تعالى بعباده وأنهم في قبضته وتحت سلطانه‪.‬‬
‫‪ -5‬شرف القرآن الكريم‪ ،‬وإثبات اللوح المحفوظ وتقريره‪.‬‬

‫( ‪)5/552‬‬

‫سورة الطارق‬
‫‪...‬‬
‫سورة الطارق‬
‫مكية وآياتها سبع عشرة آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫جمُ الثّا ِقبُ (‪ )3‬إِنْ ُكلّ َنفْسٍ َلمّا عَلَ ْيهَا حَافِظٌ (‬
‫سمَا ِء وَالطّارِقِ (‪َ )1‬ومَا أَدْرَاكَ مَا الطّارِقُ (‪ )2‬النّ ْ‬
‫وَال ّ‬
‫ب وَالتّرَا ِئبِ (‪ )7‬إِنّهُ‬
‫‪ )4‬فَلْيَ ْنظُ ِر الِنْسَانُ مِمّ خُِلقَ (‪ )5‬خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَا ِفقٍ (‪َ )6‬يخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصّ ْل ِ‬
‫جعِ‬
‫سمَاءِ ذَاتِ الرّ ْ‬
‫جعِهِ َلقَادِرٌ (‪َ )8‬يوْمَ تُبْلَى السّرَائِرُ (‪َ )9‬فمَا َلهُ مِنْ ُق ّوةٍ وَل نَاصِرٍ (‪ )10‬وَال ّ‬
‫عَلَى رَ ْ‬
‫صلٌ (‪َ )13‬ومَا ُهوَ بِا ْلهَ ْزلِ (‪ )14‬إِ ّنهُمْ َيكِيدُونَ كَيْدا (‬
‫(‪ )11‬وَالَرْضِ ذَاتِ الصّ ْدعِ (‪ )12‬إِنّهُ َل َقوْلٌ َف ْ‬
‫‪ )15‬وََأكِيدُ كَيْدا (‪َ )16‬ف َم ّهلِ ا ْلكَافِرِينَ َأ ْمهِ ْلهُمْ ُروَيْدا (‪)17‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫والطارق‪ :‬أي كل ما يطرق ويأتي ليل وسمي النجم طارقا لطلوعه ليل‪.‬‬
‫النجم الثاقب ‪ :‬أي الثريا والثاقب المضيء الذي يثقب الظلم بنوره‪.‬‬
‫لما عليها حافظ ‪ :‬أي إل عليها حافظ من الملئكة يحفظ عملها‪.‬‬
‫خلق من ماء دافق ‪ :‬أي ماء ذي اندفاق وهو بمعنى مدفوق أي مصبوب في الرحم‪.‬‬
‫من بين الصلب والترائب ‪:‬الصلب‪ :‬عظم الظهر من الرجل‪ ،‬والترائب عظام الصدر والواحدة‬
‫تربية‪.‬‬
‫يوم تبلى السرائر ‪ :‬أي تختبر ضمائر القلوب في العقائد والنيات‪ .‬والسرائر جمع سريرة كالسر‪.‬‬

‫( ‪)5/552‬‬

‫ذات الرجع ‪ :‬أي ذات المطر لرجوعه كل حين والرجع من أسماء المطر‪.‬‬
‫ذات الصدع ‪ :‬أي التصدع والتشقق بالنبات‪.‬‬
‫لقول فصل ‪ :‬أي يفصل بين الباطل وفي الخصومات يقطعها بالحكم الجازم‪.‬‬
‫وما هو بالهزل ‪ :‬أي باللعب والباطل بل هو الجد كل الجد‪.‬‬
‫يكيدون كيدا ‪ :‬أي يعملون المكائد للنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وأكيد كيدا ‪ :‬أي أستدرجهم من حيث ل يعلمون لوقعهم في المكروه‪.‬‬
‫أمهلهم رويدا ‪ :‬أي زمنا قليل وقد أخذهم في بدر‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫سمَا ِء وَالطّارِقِ}‪ 1‬هذا قسم إلهي حيث أقسم تعالى بالسماء والطارق ولما كان لفظ‬
‫قوله تعالى {وَال ّ‬
‫الطارق يشمل كل طارق آت بليل‪ .‬وأراد طارقا معيينا فخم من شأنه بالستفهام عنه الدال على‬
‫تهويله فقال {‪َ 2‬ومَا َأدْرَاكَ مَا الطّارِقُ} ثم بينه بقوله {النّجْمُ الثّا ِقبُ} وكل نجم هو ثاقب للظلم‬
‫بضوئه‪ .‬والمراد به هنا الثريا لتعارف العرب على إطلق النجم على الثريا‪ .‬هذا هو القسم‬
‫والمقسم عليه هو قوله تعالى {إِنْ ُكلّ َنفْسٍ‪َ 3‬لمّا عَلَ ْيهَا حَافِظٌ}‪ .4‬وهنا قراءتان سبعيتان الولى‬
‫بتخفيف ميم لما وحينئذ تصبح زائدة لتقوية الكلم ل غير واللم للفرق بين أن النافية والمؤكدة‬
‫الداخلة على السم وهو هنا ضمير شأن محذوف والتقدير أنه على أي الحال والشأن كل نفس‬
‫عليها حافظ‪ .‬والثانية بتشديد لما وحينئذ تكون إن نافية بمعنى ما ولما بمعنى إل ويصير الكلم‬
‫هكذا‪ .‬ما كل نفس إل عليها حافظ من ربها يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكسب من خير وشر‪.‬‬
‫وقوله تعالى {فَلْيَنْظُرِ الْإ ْنسَانُ‪ }5‬أي الكافر المكذب بالبعث والجزاء {مّم خُِلقَ} أي من أي شيء‬
‫خلِقَ مِنْ‪ 6‬مَاءٍ دَافِقٍ} أي ذي اندفاق وهو المني يصب في‬
‫خلق‪ .‬وبين تعالى مما خلقه بقوله { ُ‬
‫الرحم يخرج من بين الصلب والترائب أي يخرج الماء من صلب الرجل وهو عظام ظهره‬
‫وترائب المرأة وهي محل القلدة من صدرها‪ ,‬وقد اختلف في تقدير فهم هذا الخبر عن ال تعالى‬
‫وجاء‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال العلماء افتتاح السورة بالقسم تحقيق لما يقسم عليه وتشويق إليه‪.‬‬
‫‪ 2‬وما أدراك استفهام المراد منه تهويل المر وتعظيمه‪.‬‬
‫‪ 3‬الخبار بأن كل نفس عليها حافظ يحفظ أعمالها لتحاسب عليه وتجزى بها إثبات للبعث الخر‬
‫بطريق الكناية‪.‬‬
‫‪ 4‬قرأ نافع بتخفيف الميم من لما وشددها حفص‪.‬‬
‫‪ 5‬الفاء للتفريع إذ الجملة متفرعة عن قوله إن كل نفس لما عليها حافظ إن شك النسان في حقيقة‬
‫البعث فلينظر في أصل نشأته وجائز أن تكون الفاء الفصيحة‪.‬‬
‫‪ 6‬هذا جواب الستفهام (مم خلق) إذ من ابتدائية وما استفهامية وحذف ألفها تخفيفا لتقدم حرف‬
‫الجر عليها نحو عم؟ ولم؟ والجار والمجرور متعلق بخلق بعده والنسان منكر البعث‪.‬‬

‫( ‪)5/553‬‬

‫العلم الحديث فشرح الموضوع وأثبت أن ماء الرجل يخرج حقا مما ذكر ال تعالى في هذه الية‬
‫وأن ماء المرأة كذلك يخرج مما وصف عز وجل وصدق ال العظيم‪ .‬وقوله تعالى {إِنّهُ عَلَى‬
‫جعِهِ‪َ 1‬لقَادِرٌ} أي الذي خلقه مما ذكر من ماء دافق فجعله بشرا سويا ثم أماته بعد أن كان حيا‬
‫رَ ْ‬
‫قادر على إرجاعه حيا كما كان وأعظم مما كان‪ .‬وذلك يوم ‪ 2‬تبلى السرائر أي تختبر ‪ 3‬الضمائر‬
‫وتكشف السرار وتعرف العقائد والنيات الصالحة من الفاسدة والسليمة من المعيبة ويومها { َفمَا لَهُ‬
‫مِنْ ُق ّوةٍ وَل نَاصِرٍ} ليس لهذا الكافر والمكذب بالبعث والحياة الثانية ماله قوة يدفع بها عن نفسه‬
‫سمَاءِ ذَاتِ الرّجْعِ وَالَ ْرضِ‬
‫عذاب ربه ول ناصر ينصره فيخلصه من العذاب‪ .‬وقوله تعالى {وَال ّ‬
‫ذَاتِ الصّ ْدعِ} أقسم تعالى بالسماء ذات السحب والغيوم والمطار‪,‬والرض ذات التشقق عن‬
‫النباتات والزروع المختلفة على أن القرآن الكريم قول فصل وحكم عدل في كل مختلف فيهمن‬
‫الحق والباطل فما أخبر به وحكم فيه من أنه ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال‪ ,‬وأن الساعة آتية‬
‫ل ريب فيها هو الحق الذي ل مرية فيه والصدق الذي ل كذب معه وقوله تعالى وما هو بالهزل‬
‫أي وليس القرآن باللعب الباطل بل هو الحق من ال الذي ل باطل معه‪ .‬وقوله تعالى {إِ ّنهُمْ‬
‫َيكِيدُونَ كَيْدا} أي إن كفار قريش يمكرون بالنبي محمد صلى ال عليه وسلم وبدعوته مكرا‬
‫ويكدون لهم كيدا‪ .‬وقوله {وََأكِيدُ كَيْدا} أي وأنا أمكر بهم أكيد لهم كيدا فمن يغلب مكره وكيده‬
‫الخالق المالك أم المخلوق المملوك؟ فمهل الكافرين يا رسولنا أمهلهم قليل‪ ,‬فقد كتبنا في كتاب‬
‫عندنا {لَأَغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي إِنّ اللّهَ َق ِويّ عَزِيزٌ} وقد أنجز ال وعده لرسوله والمؤمنين فلم يمض إل‬
‫سنيات قلئل‪ ,‬ولم يبق في مكة من سلطان إل ال‪ ,‬ول من معبود يعبد إل ال‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير المعاد والبعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير أن أعما العباد محصية محفوظة وأن الحساب يجري بحسبها‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان مادة تكوين النسان ومصدر تكوين تلك المادة‪.‬‬
‫‪ -4‬التحذير من إسرار الشر وإخفاء الباطل‪ ,‬وإظهار خلف ما في الضمائر‪ ,‬فإن ال تعالى عليم‬
‫بذلك‪ ,‬وسيختبر عباده في كل ما يسرون ويخفون‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جائز أن يكون على رجعه ماءً في الصلب كما كان قادرا إل أن ما في التفسير أولى بقرينة يوم‬
‫تبلى السرائر وذلك يوم القيامة الذي هو يوم البعث‪.‬‬
‫‪ 2‬تبلى نختبر وتمتحن لظهار ما كان مستورا مخبوءا فيها من كفر وإيمان وخير وشر‪ .‬ورد عن‬
‫السلف أن الوضوء والغسل والصلة والصيام والزكاة من السرائر‪ ,‬وأن حيض المرأة وحملها من‬
‫السرائر إذ في إمكانها إخفاءه وإظهاره‪.‬‬
‫‪ 3‬السرائر جمع سريرة وهي ما يسر العبد ويخفيه في نفسه‪ .‬وما يستره من أعماله‪ .‬قال‬
‫الحوص‪:‬‬
‫سيبقى لها في مضمر اقلب والحشاء‬
‫سريرة ودٍ يوم تبلى السرائر‬

‫( ‪)5/554‬‬

‫‪ -5‬إثبات أن القرآن قول فصل ليس فيه من الباطل شيء وقد تأكد هذا بمرور الزمان فقد صدقت‬
‫أنباؤه ونجحت في تحقيق المن والستقرار أحكامه‪.‬‬
‫( ‪)5/555‬‬

‫سورة العلى‬
‫‪...‬‬
‫سورة العلى‬
‫مكية وآياتها تسع عشرة آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سوّى (‪ )2‬وَالّذِي قَدّرَ َفهَدَى (‪ )3‬وَالّذِي َأخْرَجَ ا ْلمَرْعَى (‪)4‬‬
‫ك الَعْلَى (‪ )1‬الّذِي خََلقَ فَ َ‬
‫سَبّحِ اسْمَ رَ ّب َ‬
‫خفَى (‪)7‬‬
‫جهْ َر َومَا َي ْ‬
‫حوَى (‪ )5‬سَ ُنقْرِ ُئكَ فَل تَنْسَى (‪ِ )6‬إلّ مَا شَاءَ اللّهُ إِنّهُ َيعَْلمُ الْ َ‬
‫جعَلَهُ غُثَاءً َأ ْ‬
‫فَ َ‬
‫شقَى (‪)11‬‬
‫وَنُيَسّ ُركَ لِلْيُسْرَى (‪ )8‬فَ َذكّرْ إِنْ َن َف َعتِ ال ّذكْرَى (‪ )9‬سَيَ ّذكّرُ مَنْ َيخْشَى (‪ )10‬وَيَتَجَنّ ُبهَا الَ ْ‬
‫الّذِي َيصْلَى النّارَ ا ْلكُبْرَى (‪ُ )12‬ثمّ ل َيمُوتُ فِيهَا وَل َيحْيَى (‪)13‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫سبح اسم ربك ‪:‬أي نزه اسم ربك أن يسمى به غيره وأن يذكر بسخرية أو لعب أي ل يذكر إل‬
‫بإجلل وإكبار ونزه ربك عما ل يليق به من الشرك والصاحبة والولد والشبيه والنظير‪.‬‬
‫العلى ‪:‬أي فوق كل شيء والقاهر لكل شيء‪.‬‬
‫الذي خلق فسوى ‪:‬أي النسان فسوى أعضاءه بأن جعلها متناسبة غير متفاوتة‪.‬‬
‫والذي قدر فهدى‪ :‬أي قدر ما شاء لمن شاء وهداه إلى إتيان ما قدر له وعليه‪.‬‬
‫والذي أخرج المرعى ‪:‬أي أنبت العشب والكل‪.‬‬
‫فجعله غثاء أحوى ‪:‬أي بعد الخضرة والنضرة هشيما يابسا أسود‪.‬‬
‫سنقرئك فل تنسى ‪:‬أي القرآن فل تنساه بإذننا‪.‬‬
‫إل ما شاء ال ‪:‬أي إل ما شئنا أن ننسيكه فإنك تنساه وذلك إذا أراد ال تعالى نسخ شيء من‬
‫القرآن بلفظه فإنه ينسي فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/555‬‬

‫ونيسرك لليسرى ‪ :‬أي للشريعة السهلة وهي السلم‪.‬‬


‫فذكر إن نفعت الذكرى ‪ :‬أي من تذكر أو لم تنفع ومعنى ذكر أي عظ بالقرآن‪.‬‬
‫ويتجنبها ‪ :‬أي الذكرى أي يتركها جانبا فل يلتفت إليها‪.‬‬
‫الشقى ‪ :‬أي الكافر الذي كتبت شقاوته أزل‪.‬‬
‫يصلى النار الكبرى ‪ :‬أي نار الدار الخرة‪.‬‬
‫ل يموت فيها ول يحيى ‪ :‬أي ل يموت فيستريح‪ ,‬ول يحيا فيهنأ‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ك الَعْلَى}‪ 1‬هذا أمر من ال تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫قوله تعالى {سَبّحِ اسْمَ رَ ّب َ‬
‫وأمته تابعة له بأن ينزه اسم ‪ 2‬ربه عن أن يسمى به غيره‪,‬أو أن يذكر في مكان قذر‪,‬أو أن يذكر‬
‫بعدم إجلل وإحترام‪ ,‬والعلى صفة للرب تبارك وتعالى دالة على علوه على خلقه فالخلق كله‬
‫تحته وهو قاهر له وحاكم فيه‪ .‬الذي خلق فسوى أي أوجد من العدم المخلوقات وسوى خلقها كل‬
‫مخلوق بحسب ذاته فعدل أجزاءه وسوى بينها وفل تفاوت فيها {وَالّذِي قَدّرَ َفهَدَى} أ ي قدر‬
‫الشياء في كتاب المقادير من خير غيره وهدى كل مخلوق إلى ما قدره له أو عليه فهو طالب له‬
‫حتى يدركه في زمانه ومكانه وعلى الصورة التي قدر عليها {وَالّذِي أَخْرَجَ ا ْلمَرْعَى} أي ما ترعاه‬
‫حوَى ‪ }3‬أي فجعله بعد الخضرة والنضرة‬
‫جعَلَهُ غُثَاءً أَ ْ‬
‫البهائم من الحشيش والعشب والكل‪َ { .‬ف َ‬
‫هشيما متفرقا يابسا بين سواد وبياض وهي الحوة هذه خمس آيات الية الولى تضمنت المر‬
‫بتنزيه اسم ال والربع بعدها في التعريف به سبحانه وتعالى حتى يعظم اسمه وتعظم ذاته وتنزه‬
‫عن الشريك والصاحبة والولد وقوله تعالى {سَ ُنقْرِ ُئكَ فَل تَنْسَى} هذه عدة من ال تعالى لرسوله‪.‬‬
‫لعل سببها أنه كان صلى ال عليه وسلم إذا جاءه جبريل باليات يخاف نسيانها فيستعجل قراءتها‬
‫قبل فراغ جبريل عليه السلم من إملئها عليه فيحصل له بذلك شدة فطمأنه ربه أنه ل ينسى ما‬
‫يقرئه جبريل {ِإلّ مَا شَاءَ‪ 4‬اللّهُ} أن ينسيه إياه لحكمة اقتضت ذلك فأنه ينساه فقد كان صلى ال‬
‫عليه وسلم ينسى وذلك لما أراد ال أن ينسخه من كلمه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي في السنن لما نزلت (سبح اسم ربك العلى) قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "اجعلوها‬
‫في سجودكم"‪ .‬فكانوا يقولون في سجودهم سبحان ربي العلى ثلثا فأكثر‪.‬‬
‫‪ 2‬إن تنزيه السم مستلزم لتنزيه المسمى‪ ,‬فلذا ل حاجة إلى القول بأن اسم صلة قصد بها تعظيم‬
‫المسمى‪ .‬استشهادا بقول لبيد‪:‬‬
‫إلى الحول تم اسم السلم عليكما‬
‫فتنويه اسم ال وتقديسه مطلوب‬
‫بل من أسمى المطالب‪ ,‬وتنزيه ال تعالى يكون بنفي الشريك عنه والولد ونفي كل نقص عنه قول‬
‫واعتقادا وما يقرر أن تنزيه السم مستلزم لتنزيه المسمى قول الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫اجعلوها في سجودكم‪ .‬لنها دالة على تعظيم الرب تعالى وتعظيمه‪.‬‬
‫‪ 3‬الحوى‪ :‬الموصوف بالحوة وهي لون من اللوان سمرة تقرب من السواد‪ ,‬وأحوى صفة لغثاء‬
‫الذي هو اليابس من النبات‪.‬‬
‫‪ 4‬الستثناء مفرغ أي إل الذي شاء ال أن تنساه فإنك تنساه؟‪.‬‬
‫( ‪)5/556‬‬

‫خفَى} هذه الجملة تعليلية لقدرة ال تعالى على أن يحفظ على‬


‫جهْ َر َومَا َي ْ‬
‫وقوله تعالى {إِنّهُ َيعَْلمُ الْ َ‬
‫رسوله القرآن فل ينساه ومعنى يعلم الجهر وما يخفى أي أن ال تعالى يعلم ما يجهر به المرء من‬
‫قراءة أو حديث وما يخفيه الكل يعلمه ال بخلف عباده فإنهم ل يعلمون ما يخفى عليهم ويسر به‬
‫وقوله تعالى {وَنُ َيسّ ُركَ لِلْيُسْرَى} أي للطريقة السهلة الخالية من الحرج وهي الشريعة السلمية‬
‫التي بنيت على أساس أن ل حرج في الدين (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله تعالى‬
‫{فَ َذكّرْ إِنْ َن َفعَتِ‪ 1‬ال ّذكْرَى} من آيسناك من إيمانهم أو لم تنفع‪ .‬لنه صلى ال عليه وسلم مأمور‬
‫بالبلغ فيبلغ الكافر والمؤمن ويذكر الكافر والمؤمن‪ .‬والمر بعد ل‪ .‬وقوله تعالى {سَيَ ّذكّرُ مَنْ‬
‫خشَى} أي سيذكر ويتعظ من يخشي عقاب ال ليمانه به ومعرفته له {وَيَتَجَنّ ُبهَا} أي الذكرى‬
‫يَ ْ‬
‫شقَى} أي أشقى الفريقين فريق من يتذكر وفريق من ل يتذكر {الّذِي َيصْلَى النّارَ ا ْلكُبْرَى} أي‬
‫{الَ ْ‬
‫يدخل النار الكبرى نار يوم القيامة {ثُمّ ل َيمُوتُ فِيهَا} من جراء عذابها فيستريح {وَل َيحْيَى}‪2‬‬
‫فيهنأ ويسعد إذ الشقاء لزمه‪ .‬وهذه حال أهل النار ونعوذ بال من حال أهل النار‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب تسبيح اسم ال وتنزيهه عما ل يليق به كوجوب تنزيه ذات ال تعالى عن كل ما ل‬
‫يليق بجلله وكماله‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية قول سبحان ربي العلى عند قراءة هذه الية سبح اسم ربك العلى‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب التسبيح بها في السجود في كل سجدة من الصلة سبحان ربي العلى ثلثا فأكثر‪.‬‬
‫‪ -4‬مشروعية قراءة هذه السورة في الوتر فيقرأ في الركعة الولى بالفاتحة والعلى وفي الثانية‬
‫بالفاتحة والكافرون‪ ،‬وفي ركعة الوتر بالفاتحة والصمد أو الصمد والمعوذتين‪.‬‬
‫‪ -5‬أحب الرسول صلى ال عليه وسلم سورة العلى لنها سورة ربه وأن ربه بشره فيها‬
‫بشارتين عظيمتين الولى أنه ييسره لليسرى‪ ،‬ومن ثم ما خير رسول ال صلى ال عليه وسلم بين‬
‫شيئين إل اختار أيسرهما والثانية أنه حفظه من النسيان بأن جعله ل ينسى‪ .‬ولذا كان يصلي بهذه‬
‫السورة الجمع والعياد والوتر في كل ليلة فصلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الجملة تعريض بأن بين كفار قريش من لم تنفعهم الذكرى‪ ،‬ومع هذا فالتذكير متعين للجميع‬
‫إقامة للحجة‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله ول يحيا في الجملة احتراس مما قد يظن أنه ما دام الجهنمي أنه ل يموت فسوف يحيى‬
‫حياة عادية ل عذاب فيها فرفع هذا التوهم بهذه الجملة (ول يحيى) أي حياة راحة من العذاب كما‬
‫قال القائل‪:‬‬
‫أل ما لنفس ل تموت فينقضي‬
‫عناها ول تحيا حياة لها طعم‬

‫( ‪)5/557‬‬

‫سمَ رَبّهِ َفصَلّى (‪َ )15‬بلْ ُتؤْثِرُونَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا (‪ )16‬وَالْآخِ َرةُ خَيْرٌ‬
‫قَدْ َأفْلَحَ مَنْ تَ َزكّى (‪ )14‬وَ َذكَرَ ا ْ‬
‫حفِ إِبْرَاهِي َم َومُوسَى (‪)19‬‬
‫صُ‬‫حفِ الْأُولَى (‪ُ )18‬‬
‫وَأَبْقَى (‪ )17‬إِنّ َهذَا َلفِي الصّ ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أفلح‪ :‬أي فاز بأن نجا من النار‪ ،‬ودخل الجنة‪.‬‬
‫من تزكى‪ :‬أي تطهر باليمان وصالح العمال بعد التخلي عن الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫وذكر اسم ربه أي في كل أحايينه عند الكل وعند الشرب وعند النوم وعند الهبوب منه وفي‬
‫الصلة وخارج الصلة من تسبيح وتحميد وتهليل وتكبير‪.‬‬
‫فصلى ‪ :‬أي الصلوات الخمس والنوافل من رواتب وغيرها‪.‬‬
‫تؤثرون ‪ :‬أي تقدمون وتفضلون الدنيا على الخرة‪.‬‬
‫إن هذا لفي الصحف الولى ‪ :‬أي إن هذا وهو قوله قد أفلح إلى قوله وأبقى‪.‬‬
‫صحف إبراهيم ‪ :‬إذ كانت عشر صحف‪.‬‬
‫وموسى ‪ :‬أي توراته‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} يخبر تعالى بفلح عبد مؤمن زكى ‪1‬نفسه‬
‫أي طهرها باليمان وصالح العمال‪ ،‬وذكر اسم ربه على كل أحايينه عند القيام من النوم عند‬
‫الوضوء بعد الوضوء في الصلة وبعد الصلة وعند الكل والشرب وعند اللباس فل يخلو من‬
‫ذكر ال ساعة فصلى الصلوات الخمس وصلى النوافل‪ .‬ومعنى الفلح الفوز والفوز هو النجاة من‬
‫المرهوب والظفر بالمرغوب المحبوب‪ .‬والمراد منه في الية النجاة من النار ودخول الجنة لية‬
‫خلَ ا ْلجَنّةَ َفقَدْ فَازَ}‪ .‬وقوله تعالى { َبلْ ُتؤْثِرُونَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا}‬
‫آل عمران { َفمَنْ ُزحْزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدْ ِ‬
‫أيها الناس أي تفضلونها على الخرة فتعلمون لها وتنسون الخرة فل تقدمون لها شيئا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قوله تزكى فيه معنى المعالجة وهي أنه عمل على تزكية نفسه بإبعادها عما يخبثها من الشرك‬
‫والثام‪ ،‬ثم بتحليتها بالعبادات المزكية لها وهي اليمان وصالح العمال‪.‬‬

‫( ‪)5/558‬‬
‫هذا هو طبعكم أيها الناس إل من ذكر ال فصلى بعد أن آمن واهتدى في حين أن الخرة خير من‬
‫الدنيا وأبقى خير نوعا وأبقى مدة حتى قال الحكماء ‪ 1‬لو كانت الدنيا من ذهب والخرة من‬
‫خزف‪ ..‬طين لختار العاقل ما يبقى على ما يفنى‪ ،‬لن الدنيا فانية والخرة باقية وقوله تعالى {إِنّ‬
‫حفِ إِبْرَاهِي َم َومُوسَى} أي إن قوله تعالى قد أفلح من تزكى إلى قوله‬
‫حفِ الْأُولَى صُ ُ‬
‫هَذَا َلفِي الصّ ُ‬
‫خير وأبقى مذكور في كل من صحف إبراهيم وكانت له عشر صحف ولموسى ‪ ،2‬التوراة‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الترغيب في الزكاة والذكر والصلة‪ ،‬ويحصل هذا للمسلم كل عيد فطر إذ يخرج زكاة الفطر‬
‫أول ثم يأتي المسجد يكبر‪ ،‬ثم يصلي حتى أن بعضهم يرى أن هذه الية نزلت في ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬التزهيد في الدنيا والترغيب في الخرة لفناء الدنيا وبقاء الخرة‪.‬‬
‫‪ -3‬توافق الكتب السماوية دليل أنها وحي ال وكتبه أنزلها على رسله عليهم السلم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال مالك بن دينار ونص كلمته كالتالي‪ :‬لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والخرة من خزف يبقى‬
‫لكان الواجب أن يؤثر خزف يبقى على ذهب يفنى‪ .‬قال فكيف والخرة من ذهب يبقى والدنيا من‬
‫خزف يفنى؟‬
‫‪ 2‬لقد كان لموسى صحف كثيرة إذ هي مجموع صحف أسفار التوراة والصحف جمع صحيفة‬
‫على غير قياس إذ القياس صحائف وصار صحف أشهر وأفصح من صحائف كما قالوا في جمع‬
‫سفينة سفن فكان أفصح من سفائن‪.‬‬

‫( ‪)5/559‬‬

‫سورة الغاشية‬
‫‪...‬‬
‫سورة الغاشية‬
‫مكية وآياتها ست وعشرون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫شعَةٌ (‪ )2‬عَامَِلةٌ نَاصِبَةٌ (‪َ )3‬تصْلَى نَارا حَامِيَةً (‪)4‬‬
‫حدِيثُ ا ْلغَاشِيَةِ (‪ )1‬وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ خَا ِ‬
‫َهلْ أَتَاكَ َ‬
‫ن وَل ُيغْنِي مِنْ جُوعٍ (‪ )7‬وُجُوهٌ‬
‫سمِ ُ‬
‫ن ضَرِيعٍ (‪ )6‬ل يُ ْ‬
‫طعَامٌ ِإلّ مِ ْ‬
‫سقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (‪ )5‬لَيْسَ َل ُهمْ َ‬
‫تُ ْ‬
‫سمَعُ فِيهَا لغِيَةً (‪ )11‬فِيهَا عَيْنٌ‬
‫سعْ ِيهَا رَاضِيَةٌ (‪ )9‬فِي جَنّةٍ عَالِيَةٍ (‪ )10‬ل تَ ْ‬
‫عمَةٌ (‪ )8‬لِ َ‬
‫َي ْومَئِذٍ نَا ِ‬
‫صفُوفَةٌ (‪ )15‬وَزَرَا ِبيّ‬
‫جَارِ َيةٌ (‪ )12‬فِيهَا سُرُرٌ مَ ْرفُوعَةٌ (‪ )13‬وََأ ْكوَابٌ َم ْوضُوعَةٌ (‪ )14‬وَ َنمَارِقُ َم ْ‬
‫مَبْثُوثَةٌ (‪)16‬‬

‫( ‪)5/559‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫هل أتاك ‪ :‬أي قد جاءك‪.‬‬
‫الغاشية ‪ :‬أي القيامة وسميت الغاشية لنها تغشى الناس بأهوالها‪.‬‬
‫وجوه يومئذ‪ :‬أي يوم إذ تقوم الساعة‪.‬‬
‫خاشعة‪ :‬أي ذليلة أطلق الوجوه وأراد أصحابها‪.‬‬
‫عاملة ناصبة ‪:‬أي ذات نصب وتعب بالسلسل والغلل وتكليف شاق العمال‪.‬‬
‫تصلى نارا حامية ‪ :‬ترد هذه الوجوه نارا حامية قد اشتدت حرارتها‪.‬‬
‫تسقى من عين آنية ‪ :‬أي بلغت أناها من الحرارة يقال أني الحميم إذا بلغ منتهاه‪.‬‬
‫إل من ضريع‪ :‬أي أخبث طعام وأنتنه‪ ،‬وضريع الدنيا نبت يقال له الشبرق ل ترعاه الدواب‬
‫لخبثه‪.‬‬
‫وجوه يومئذ ناعمة ‪ :‬أي حسنة نضرة‪.‬‬
‫لسعيها راضية‪ :‬أي لعملها الصالحات في الدنيا راضية في الخرة لما رأت من ثوابها‪.‬‬
‫لغية‪ :‬أي كلمة لغية من اللغو والباطل‪.‬‬
‫وأكواب‪ :‬أقداح ل عرا لها موضوعة على حافة العين للشرب‪.‬‬
‫ونمارق مصفوفة ‪ :‬أي ومساند جمع نمرقة مصفوفة الواحدة إلى جنب الخرى للستناد إليها‪.‬‬
‫وزرابي مبثوثة ‪ :‬أي بسط وطنافس لها خمل وما ل خمل لها يسمى سجادة ومعنى مبثوثة‬
‫مفروشة هنا وهناك مبسوطة‪.‬‬
‫معنى اليات ‪:‬‬
‫قوله تعالى { َهلْ أَتَاكَ‪ 1‬حَدِيثُ ا ْلغَاشِ َيةِ‪ }2‬هذا خطاب من ال تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم يقول له فيه هل أتاك نبأ الغاشية وخبرها العظيم وحديثها المهيل المخيف إن لم يكن أتاك فقد‬
‫أتاك الن إنه حديث القيامة التي تغشي الناس بأهوالها وصعوبة مواقفها واشتداد أحوالها وإليك‬
‫شعَةٌ} ذليلة {نَاصِبَةٌ}‬
‫عرضا سريعا لبعض ما يجري فيها‪ُ { :‬وجُوهٌ ي َ‪ْ 3‬ومَئِذٍ} تغشاهم الغاشية {خَا ِ‬
‫أي‬
‫__________‬
‫‪ 1‬افتتح تعالى هذه السورة بالستفهام بهل المفيد لمعنى قد التي هي للتحقيق من أجل التشويق إلى‬
‫ما يخبر به لما فيه من العلم والمعرفة وما يحوي من موعظة كبرى‪.‬‬
‫‪ 2‬الغاشية‪ :‬القيامة علم لها بالغلبة واشتق لها هذا السم من الغشيان الذي هو التغطية إذ هي تغطي‬
‫الناس بأهوالها وتذهل عقولهم وتغطيها‪.‬‬
‫‪ 3‬هذه الجملة بيان لجملة حديث الغاشية بينها بذكر أحوالها وأهوالها إذ المقصود العبرة وتقرير‬
‫البعث الذي أنكرره المشركون وذكر الوجوه كناية عن أصحابها إذ يطلق الوجه ويراد به الذات‪.‬‬

‫( ‪)5/560‬‬

‫ذات نصب وتعب من جر السلسل والغلل‪ ،‬وتكليف أشق العمال { َتصْلَى نَارا حَامِيَةً} أي ترد‬
‫سقَى} أي فيها {مِنْ عَيْنٍ آنِ َيةٍ} قد بلغت أناها وانتهت إلى غايتها في حرارتها هذا هو‬
‫نارا {ُت ْ‬
‫الشراب أما الطعام فإنه ليس لهم طعام إل من ضريع ‪ 1‬قبيح اللون خبيث الطعم منتن الريح‪{ ،‬ل‬
‫سمِنُ} آكله ول يغنيه من جوع‪ .‬هذه حال من كفر وفجر كفر بال وبآياتها ولقائه ورسوله‪ ،‬أو‬
‫يُ ْ‬
‫فجر عن طاعة ال ورسوله فترك الفرائض وغشي المحارم هذه وجوه ووجوه ‪ 2‬يومئذ ناعمة أي‬
‫نضرة حسنة فإنها لسعيها راضية أي لسعيها في الدنيا وهو إيمانها وصبرها إيمانها وجهادها‬
‫إيمانها وتقواها إيمانها وعملها الصالح أصحاب هذه الوجوه راضون بأعمالهم لما رأوا من ثوابها‬
‫والجزاء عليها‪.‬‬
‫إنهم أدخلوا في جنة عالية ل يقادر علها‪ ،‬ل تسمع ‪ 3‬فيها لغية أي كلمة باطلة تنغص سعادتهم‬
‫ول كلمة نابية تقلق راحتهم‪ .‬فيها عين جارية من غير أخدود حفر لها‪ ،‬فيها سرر مرفوعة قدرا‬
‫وحالً ومكانا‪ ،‬وأكواب أقداح ل عرا لها من ذهب وفضة موضوعة لشربهم إن شاءوا وشربوا‬
‫بأيديهم أو ناولتهم غلمانهم‪ ،‬ذاك لون من الشراب أما الفراش فإنها سرر مرفوعة‪ ،‬ونمارق‬
‫مصفوفة وزرابي مبثوثة‪ ،‬وسائد قد صفت للراحة والتكاء الواحدة إلى جنب الخرى طنافس ذات‬
‫خمائل مبثوثة مفروشة هنا وهناك مبسوطة‪ .‬هذه لمحة خاطفة عن الدار الخرة تعتبر ذكرى‬
‫للذاكرين وعظة للمتقين‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر عرض سريع لها‪.‬‬
‫‪ -2‬من أسماء القيامة الغاشية لنها تغشى الناس بأهوالها‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أن في النار نصبا وتعبا‪ .‬على عكس الجنة فإنها ل نصب فيها ول تعب‪.‬‬
‫‪ -4‬من مؤلمات النفس البشرية لغو الكلم وكذبه باطله وهو ما ينزه عنه المؤمنون أنفسهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الضريع هو يابس ثمر الشبرق بكسر الشين وإسكان الباء وكسر الراء وهو نبت ذو شوك فإذا‬
‫يبس يقال له ضريع ويصير مسموما أي فيه مادة السم القاتلة هذا طعام أهل النار وجائز أن يكون‬
‫الضريع شجر في النار ينتج عنه عصير الغسلين‪.‬‬
‫‪ 2‬وجوه يومئذ ناعمة‪ .‬هذه الجملة غير معطوفة على الوجوه الولى‪ ،‬لن المقصود من الكلم هو‬
‫بيان القيامة وما يكون فيها من عذاب وشقاء للمكذبين بها‪ .‬فلما تم الحديث عنها قد يتشوق السامع‬
‫إلى معرفة حال المؤمنين بها فأجيب بقوله وجوه يومئذ ناعمة الخ‪ ...‬فهو استئناف بياني‪.‬‬
‫‪ 3‬قرأ نافع ل تسمع بالبناء للمجهول و لغية نائب فاعل وقرأ حفص ل تسمع بالبناء للفاعل‬
‫ولغية مفعول به‪.‬‬

‫( ‪)5/561‬‬

‫سمَاءِ كَ ْيفَ ُر ِف َعتْ (‪ )18‬وَإِلَى ا ْلجِبَالِ كَ ْيفَ‬


‫َأفَل يَنْظُرُونَ إِلَى الِ ِبلِ كَيْفَ خُِلقَتْ (‪ )17‬وَإِلَى ال ّ‬
‫ستَ عَلَ ْيهِمْ ِب ُمصَيْطِرٍ‬
‫حتْ (‪ )20‬فَ َذكّرْ إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُ َذكّرٌ (‪َ )21‬ل ْ‬
‫طَ‬‫ُنصِ َبتْ (‪ )19‬وَإِلَى الْأَ ْرضِ كَ ْيفَ سُ ِ‬
‫لكْبَرَ (‪ )24‬إِنّ إِلَيْنَا إِيَا َب ُهمْ (‪ )25‬ثُمّ إِنّ عَلَيْنَا‬
‫باَ‬
‫(‪ِ )22‬إلّ مَنْ َتوَلّى َو َكفَرَ (‪ )23‬فَ ُيعَذّ ُبهُ اللّهُ ا ْلعَذَا َ‬
‫حسَا َبهُمْ (‪)26‬‬
‫ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أفل ينظرون ‪ :‬أي أينكرون البعث فل ينظرون نظر اعتبار‪.‬‬
‫إلى البل كيف خلقت ‪ :‬أي خلقا بديعا معدول به عن سنن سائر المخلوقات‪.‬‬
‫وإلى السماء كيف رفعت ‪ :‬أي فوق الرض بل عمد ول مستند‪.‬‬
‫وإلى الجبال كيف نصبت ‪ :‬أي على وجه الرض نصبا ثابتا ل يتزلزل‪.‬‬
‫وإلى الرض كيف سطحت ‪ :‬أي بسطت‪.‬‬
‫فذكر‪ :‬أي ذكرهم بنعم ال ودلئل توحيده‪.‬‬
‫بمسيطر ‪ :‬أي بمسلط‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {َأفَل يَ ْنظُرُونَ} ‪ 1‬أي أينكرون البعث والجزاء وما أعد ال لوليائه من النعيم المقيم‬
‫وما أعد لعدائه من عذاب الجحيم‪ .‬أفل ينظرون نظرة اعتبار إلى البل كيف خلقت ‪ ،2‬وإلى‬
‫السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الرض كيف سطحت فهل خلق البل على‬
‫تلك الصورة العجيبة وذاك التسخير لها وما فيها من منافع إذ يشرب لبنها ويركب ظهرها ويؤكل‬
‫لحمها ل يدل على قدرة الخالق على إحياء الموتى وهل خلق السماء بكواكبها وشمسها وقمرها ثم‬
‫رفعها بغير عمد يدعمها ول سند يسندها ل يدل على قدرة ال على بعث الموتى أحياء ليحاسبهم‬
‫ويجزيهم‪ ،‬وهل نصب الجبال بعد خلق ترابها وإيجاد صخورها ل يدل على قدرة ال خالقها‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا الكلم متفرع عما سبق إذ إنكار المشركين للبعث والجزاء وللتوحيد الناتج عن جهلهم‬
‫وغفلتهم وعدم تفكرهم فلذا استحثهم على النظر والتفكر موبخا لهم على ترك ذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬كيف خلقت بدل اشتمال من البل‪ ،‬وكيف في محل نصب على الحال والعامل فيه ما ذكر بعدها‬
‫وأما وإلى السماء وما بعدها فإنها معطوفات على جملة إلى البل وإعراب كيف واحد والبل اسم‬
‫جمع للبعران ل مفرد لها من لفظه‪.‬‬

‫( ‪)5/562‬‬

‫على بعث الرمم وإحياء الجساد البالية كيف شاء ومتى شاء وهل خلق الرض بكل ما فيها ثم‬
‫بسطها وتسطيحها للحياة عليها والسير فوقها وتعميرها بأنواع العمران ل يدل على قدرة ال على‬
‫ستَ‬
‫البعث والجزاء‪ .‬فما للقوم ل ينظرون ‪ 1‬ول يفكرون وقوله تعالى { َف َذكّرْ إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُ َذكّرٌ لَ ْ‬
‫عَلَ ْيهِمْ ِب ُمصَيْطِر } بعد لفت أنظار المشركين إلى ما لو نظروا إليه وتفكروا فيه لهتدوا إلى الحق‬
‫وعرفوا أن الخالق لكل شيء ل يعجزه بعث عباده ول جزاؤهم‪ .‬أمر رسوله أن يقوم بالمهمة التي‬
‫أنيطت به وهي التذكير دون الهداية التي هي ل وحده دون سواه فقال له { َف َذكّرْ إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُ َذكّرٌ}‬
‫أي ذكر بمظاهر قدرتنا وآياتنا في الفاق وآلئنا على العباد إنما أنت مذكر ليس غير‪ .‬وقوله‬
‫ستَ عَلَ ْي ِهمْ ِب ُمصَيْطِر} أي بمتسلط تجبرهم على اليمان والستقامة وقوله {ِإلّ مَنْ ‪َ 2‬توَلّى َوكَفَرَ‬
‫{َل ْ‬
‫فَ ُيعَذّبُهُ اللّهُ ا ْل َعذَابَ الَْأكْبَرَ} أي لكن من تولى عن اليمان فكفر بآياتنا ورسولنا ولقائنا فيعذبه ال‬
‫العذاب الكبر وهو عذاب الخرة‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ إِلَيْنَا إِيَا َبهُمْ} أي رجوعهم إلينا ل إلى غيرنا‪.‬‬
‫حسَا َبهُمْ} ومن ثم سوف نجزيهم الجزاء اللئق بهم‪ ،‬ولذا فل يضرك‬
‫{ ُثمّ إِنّ عَلَيْنَا} ل على غيرنا { ِ‬
‫يا رسولنا إعراضهم ول توليهم‪ .‬وحسبك تذكيرهم فمن اهتدى نجا ونجاته لنفسه‪ ،‬ومن ضل فإنما‬
‫يضل عليها إذ عاقبة ضلله وهي الخسران التام عائدة عليه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير البعث والجزاء بالدعوة إلى النظر إلى الدلة الموجبة لليمان به‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أن الداعي إلى ال تعالى مهمته الدعوة دون هداية القلوب فإنها إلى ال تعالى وحده‪.‬‬
‫بيان أن مصير البشرية إلى ال تعالى وهي حال تقتضي اليمان به تعالى وطاعته طلبا للنجاة من‬
‫عذابه والفوز برحمته‪ .‬وهو مطلب كل عاقل لو أن الناس يفكرون‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من مظاهر رحمة ال ولطفه بعباده أن يوجه عباده إلى سبيل هدايتهم توجيها خاليا من العناء‬
‫والمشقة فالعربي يركب بعيره في طريقه إلى حاجته فينظر إليه وهو راكبه وينظر إلى السماء‬
‫فوقه وإلى الجبال حواليه وإلى الرض تحت قدميه فيسأل أليس القادر على خلق هذا قادرا على‬
‫البعث؟ فيجيب نفسه بلى إنه قادر‪.‬‬
‫‪ 2‬روي أن عليا أتى بمرتد عن السلم فاستتابه ثلثة أيام فلم يتب وأصر على الردة فضرب‬
‫عنقه وقرأ {إِلّا مَنْ َتوَلّى َوكَفَرَ}‪.‬‬

‫( ‪)5/563‬‬

‫سورة الفجر‬
‫‪...‬‬
‫سورة الفجر‬
‫مكية وآياتها ثلثون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حجْرٍ (‬
‫شفْ ِع وَا ْلوَتْرِ (‪ )3‬وَاللّ ْيلِ إِذَا َيسْرِ (‪َ )4‬هلْ فِي َذِلكَ قَسَمٌ ِلذِي ِ‬
‫وَا ْلفَجْرِ (‪ )1‬وَلَيَالٍ عَشْرٍ (‪ )2‬وَال ّ‬
‫‪ )5‬أََلمْ تَرَ كَ ْيفَ َف َعلَ رَ ّبكَ ِبعَادٍ (‪ )6‬إِ َرمَ ذَاتِ ا ْل ِعمَادِ (‪ )7‬الّتِي َلمْ يُخَْلقْ مِثُْلهَا فِي الْبِلدِ (‪ )8‬وَ َثمُودَ‬
‫ط َغوْا فِي الْبِلدِ (‪ )11‬فََأكْثَرُوا‬
‫لوْتَادِ (‪ )10‬الّذِينَ َ‬
‫عوْنَ ذِي ا َ‬
‫الّذِينَ جَابُوا الصّخْرَ بِا ْلوَادِ (‪َ )9‬وفِرْ َ‬
‫سوْطَ عَذَابٍ (‪ )13‬إِنّ رَ ّبكَ لَبِا ْلمِ ْرصَادِ (‪)14‬‬
‫صبّ عَلَ ْيهِمْ رَ ّبكَ َ‬
‫فِيهَا ا ْلفَسَادَ (‪َ )12‬ف َ‬
‫شرح لكلمات‪:‬‬
‫والفجر ‪ :‬أي فجر كل يوم‪.‬‬
‫وليال عشر ‪ :‬أي عشر ذي الحجة‪.‬‬
‫والشفع والوتر ‪ :‬أي الزوج والفرد‪.‬‬
‫والليل إذا يسر ‪ :‬أي مقبل أو مدبرا‪.‬‬
‫لذي حجر ‪ :‬أي حجى وعقل‪.‬‬
‫بعاد إرم ‪ :‬هي عاد الولى‪.‬‬
‫ذات العماد ‪ :‬إذ كان طول الرجل منهم اثنى عشر ذراعا‪.‬‬
‫جابوا الصخر بالواد ‪ :‬أي قطعوا الصخر جعلوا من الصخور بيوتا بوادي القرى‪.‬‬
‫ذي الوتاد ‪ :‬أي صاحب الوتاد وهي أربعة أوتاد يشد إليها يدي رجلي من يعذبه‪.‬‬
‫طغوا في البلد ‪ :‬أي تجبروا فيها وظلموا العباد وأكثروا فيها الفساد‪.‬‬
‫فأكثروا فيها الفساد ‪ :‬أي الشرك والقتل‪.‬‬
‫سوط عذاب ‪ :‬أي نوع عذاب‪.‬‬
‫لبالمرصاد ‪ :‬أي يرصد أعمال العباد ليجزيهم عليها‪.‬‬

‫( ‪)5/564‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫شفْ ِع وَا ْلوَتْرِ‪ 1‬وَاللّ ْيلِ ِإذَا يَسْرِ} هذه أربعة أشياء قد أقسم ال‬
‫قوله تعالى {وَا ْلفَجْ ِر وَلَيَالٍ عَشْ ٍر وَال ّ‬
‫تعالى بها وهي الفجر وفي كل يوم فجر وجائز أن يكون قد أراد تعالى فجر يوم معين وجائز أن‬
‫يريد فجر كل يوم {وَلَيَالٍ عَشْر} وهي العشر الول من ذي شهر الحجة وفيها عرفة والضحى‬
‫وقد أشاد بها رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال "ما من ‪ 2‬أيام العمل الصالح فيها أحب إلى ال‬
‫تعالى من عشر ذي الحجة " والشفع وهو كل زوج والوتر ‪ 3‬وهو كل فرد فهو إقسام بالخلق كله‬
‫{وَاللّ ْيلِ إِذَا يَسْرِ} مقبلً أو مدبرا فهو بمعنى والليل إذا سار والسير يكون صاحبه ذاهبا أو آيبا‬
‫سمٌ لِذِي حِجْرٍ} أي لذي حجر ولب وعقل أي نعم فيه قسم عظيم‬
‫وقوله تعالى { َهلْ فِي ذَِلكَ قَ َ‬
‫وجواب القسم أو المقسم عليه جائز أن يكون قوله تعالى {إِنّ رَ ّبكَ لَبِا ْلمِ ْرصَادِ} التي‪ ,‬وجائز أن‬
‫يكون مقدرا مثل لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على ال يسير‪ ,‬وهذا لن السورة مكية وهي‬
‫تعالج العقيدة ومن أكبر ما أنكره المشركون البعث والجزاء فلذا هذا الجواب مراد ومقصود‪ .‬ويدل‬
‫عليه ما ذكر تعالى من مظاهر قدرته في اليات بعد والقدرة هي التي يتأتى بها البعث والجزاء‬
‫فقال عز وجل {أَلَمْ تَرَ كَ ْيفَ‪َ 4‬ف َعلَ رَ ّبكَ} أي ألم تنظر بعيني قلبك كيف فعل ربك ‪ 5‬بعاد إرم ذات‬
‫العماد التي لم يخلق مثلها في البلد وهي عاد الولى قوم هود الذين قالوا من أشد منا قوة‪ ,‬وقال‬
‫لهم نبيهم هود وزادكم في الخلق بسطة فقد كان طول الرجل منهم اثنى عشر ذراعا‪ ,‬ولفظ إرم‬
‫عطف بيان لعاد فإرم هي عاد قوم هود ووصفها بأنها ذات عماد وأنها لم يخلق مثلها في البلد‬
‫هو وصف لها بالقوة والشدة وفعل كانوا أقوى المم وأشدها ولزم طول الجسام أن تكون أعمدة‬
‫المنازل كأعمدة الخيام من الطول ما يناسب سكانها في طولهم‪ .‬ومع هذه القوة والشدة فقد أهلكهم‬
‫ال الذي هو أشد منهم قوة وقوله تعالى {وَ َثمُودَ الّذِينَ‪ 6‬جَابُوا الصّخْرَ بِا ْلوَادِ}‪ .‬أي وانظر كيف فعل‬
‫ربك بثمود وهم أصحاب الحجر (مدائن صالح) شمال المدينة النبوية قوم صالح الذين كانوا أقوياء‬
‫أشداء حتى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لصلوحية الشفع والوتر لشياء كثيرة ذكر القرطبي منها عددا كثيرا فروى عن عمران بن‬
‫حصين أن النبي صلى ال عليه وسلم قال الشفع والوتر الصلة منها شفع ومنها وتر‪ ,‬وعن ابن‬
‫عباس رضي ال عنهما قال الشفع صلة الصبح والوتر صلة المغرب أولى ما يقال أن ال تعالى‬
‫أقسم بكافة خلقه إذ كل ما عداه تعالى ما بين شفع ووتر‪ ,‬إذ الشفع ما يكون ثانيا لغيره‪ ,‬والوتر‬
‫الشيء المفرد‪.‬‬
‫‪ 2‬رواه مسلم وغيره‪.‬‬
‫‪ 3‬قرأ نافع والجمهور والوتر بفتح الواو وكسرها حفص‪.‬‬
‫‪ 4‬أفلم تر إستفهام تقريري والمخاطب به النبي صلى ال عليه وسلم وهو متضمن التعريض‬
‫بالمشركين المعاندين‪ ,‬كما هو متضمن الوعد بنصر رسوله صلى ال عليه وسلم والرؤية قلبية أو‬
‫هي بمعنى ألم ينتهي إلى علمك فعل ربك بعاد الخ‪..‬‬
‫‪ 5‬عاد اسم أبي قبيلة وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلم‪.‬‬
‫‪ 6‬وكون عاد إرم هم قوم هود عليه السلم يرجحه ذكر ثمود بعدهم في السياق كما هو في سائر‬
‫قصص القرآن‪.‬‬

‫( ‪)5/565‬‬

‫إنهم قطعوا الصخور نحتا لها فجعلوا منها البيوت والمنازل كما قال تعالى عنهم {وَتَ ْنحِتُونَ مِنَ‬
‫الْجِبَالِ بُيُوتا} والمراد بالواد واديهم الذي كان بين جبلين من جبالهم التي ينحتون منها البيوت‪.‬‬
‫فمعنى جابوا الصخر بالواد أي قطعوا الصخور بواديهم وجعلوا منها مساكن لهم تقيهم برد الشتاء‬
‫عوْنَ ذِي الَْأوْتَاد‬
‫القارص وحر الصيف اللفح‪ ,‬ومع هذا فقد أهلكهم ال ذو القوة المتين وقوله { َوفِرْ َ‬
‫ط َغوْا فِي ‪ 1‬الْبِلدِ فََأكْثَرُوا فِيهَا ا ْلفَسَادَ} وانظر يا رسولنا كيف فعل ربك بفرعون صاحب‬
‫الّذِينَ َ‬
‫المشانق والقتل والتعذيب إذ كان له أربعة أوتاد إذا أراد قتل من كفر به وخرج عن طاعته قيد كل‬
‫ط َغوْا فِي‬
‫يد بوتد ويقتله كما هي المشانق التي وضعها الطغاة الظلمة فيما بعد‪ .‬وقوله تعالى {الّذِينَ َ‬
‫الْبِلدِ فََأكْثَرُوا فِيهَا ا ْلفَسَادَ} وهو الشرك والمعاصي فأهلكهم ال أجمعين عاد إرم وثمود وفرعون‬
‫ومله إذ صب عليهم ربك سوط عذاب ‪ 2‬أي نوع عذاب من أنواع عذابه فأهلك عاد إرم بالريح‬
‫الصرصر‪ ،‬وثمود بالصيحة العاتية‪ ،‬وفرعون بالغرق في البحر‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ رَ ّبكَ‬
‫لَبِا ْلمِ ْرصَادِ} أي لكل جبار عات وطاغية ظالم أي هو تعالى يرصد أعمال العباد ليجزيهم بها في‬
‫الدنيا وفي الخرة‪ .‬ولفظ المرصاد يطلق على مكان يرصد فيه تحركات الصيد الذي يصاد‪ ،‬أو‬
‫تحركات العدو وهو كبرج المراقبة‪ .‬والرب تبارك وتعالى فوق عرشه والخليقة كلها تحته يعلم‬
‫ت َوفِي‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫ظواهرها وبواطنها ويراقب أعمالها ويجزيها بحسبها قال تعالى {وَ ُهوَ اللّهُ فِي ال ّ‬
‫جهْ َركُ ْم وَ َيعْلَمُ مَا َتكْسِبُونَ}‪.‬‬
‫الْأَ ْرضِ َيعْلَمُ سِ ّركُ ْم وَ َ‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل الليالي العشر من أول ذي الحجة إلى العاشر منه‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان مظاهر قدرة ال في إهلك المم العاتية والشعوب الظالمة مستلزم لقدرته تعالى على‬
‫البعث والجزاء والتوحيد والنبوة وهو ما أنكره أهل مكة‪.‬‬
‫‪ -3‬التحذير من عذاب ال ونقمه فإنه تعالى بالمرصاد فليحذر المنحرفون عن سبيل ال‬
‫والحاكمون بغير شرعه والعاملون بغير هداه أن يصب عليهم سوط عذاب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جائز أن يكون الموصول مراد به عاد إرم وثمود وفرعون‪ ,‬وكونه عائدا إلى فرعون أولى وإن‬
‫كان الجميع طغوا في البلد وأكثروا فيها الفساد بالشرك والظلم والفساد‪.‬‬
‫‪ 2‬السوط آلة ضرب يتخذ من جلد يضفر ظفرا فيصبح كالعصا فتضرب به الخيل لتسرع في‬
‫جريها‪ ،‬ويطلق العرب لفظ سوط على كل عذاب يكون فيه السوط‪ ،‬وسوط عذاب هو من إضافة‬
‫الصفة إلى الموصوف إذ كلمة سوط صفة للعذاب والعرب يطلقون لفظ سوط العذاب على كل‬
‫نهاية العذاب حتى قال الشاعر‪:‬‬
‫ألم تر أن ال أظهر دينه‬
‫وصب على الكفار سوط عذاب‬

‫( ‪)5/566‬‬

‫فََأمّا الِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلهُ رَبّهُ فََأكْ َرمَ ُه وَ َن ّعمَهُ فَ َيقُولُ رَبّي َأكْ َرمَنِ (‪ )15‬وََأمّا إِذَا مَا ابْتَلهُ َفقَدَرَ عَلَ ْيهِ‬
‫سكِينِ (‬
‫طعَامِ ا ْلمِ ْ‬
‫رِ ْزقَهُ فَ َيقُولُ رَبّي أَهَانَنِ ‪ )16‬كَلّا َبلْ ل ُتكْ ِرمُونَ الْيَتِيمَ (‪ )17‬وَل تَحَاضّونَ عَلَى َ‬
‫‪ )18‬وَتَ ْأكُلُونَ التّرَاثَ َأكْلً َلمّا (‪)19‬‬
‫جمّا (‪)20‬‬
‫وَتُحِبّونَ ا ْلمَالَ حُبّا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫فأما النسان ‪:‬أي الكافر المشرك‪.‬‬
‫ابتله ‪:‬أي اختبره‪.‬‬
‫وأكرمه ونعمه ‪:‬أي بالمال والجاه ونعمه بالخيرات‪.‬‬
‫أكرمن ‪:‬أي فضلني لمالي من مزايا على غيري‪.‬‬
‫فقدر عليه رزقه ‪:‬أي ضيقه ولم يوسعه عليه‪.‬‬
‫أهانن ‪:‬أي أذلني بالفقر ولم يشكر ال على ما وهبه من سلمة جوارحه والعافية في جسمه‪.‬‬
‫كل ‪:‬أي ليس المر كما يرى هذا الكافر ويعتقد ويقول‪.‬‬
‫التراث ‪:‬أي الميراث‪.‬‬
‫أكل لما ‪:‬أي أكلً كثيرا ولما شديدا إذ يلمون نصيب النساء والطفال لما لهم فل يورثونهم من‬
‫التركة‪.‬‬
‫حبا جما ‪:‬أي حبا شديدا كثيرا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {فََأمّا الْأِنْسَانُ‪ 1‬إِذَا مَا ابْتَلهُ رَبّهُ فََأكْ َرمَ ُه وَ َن ّعمَهُ فَ َيقُولُ رَبّي ‪َ 2‬أكْ َرمَنِ} لقد تقدم قول ال‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفاء للتفريع وما بعدها متفرع عما قبلها‪ ،‬وفي التفسير بيان ذلك وتوضيحه فليتأمل‪.‬‬
‫‪ 2‬قرأ نافع ربي في الموضعين بفتح الياء وقرأ حفص بسكون الياء ممدودة‪.‬‬
‫( ‪)5/567‬‬

‫تعالى {إِنّ رَ ّبكَ لَبِا ْلمِ ْرصَادِ} وهو دال على أن ال تعالى يحب من عبده أن يعبده ويشكره ليكرمه‬
‫في دار كرامته يوم لقائه‪ ،‬وإعلم ال تعالى عباده بأنه بالمرصاد يراقب أعمالهم دللته على أنه‬
‫يخوفهم من معاصيه ويرغبهم في طاعته واضحة فتلخص من ذلك أن ال تعالى ل يرضى لعباده‬
‫الكفر وأنه يحب لهم الشكر فأما النسان فماذا يحب وماذا يكره قال تعالى عنه فأما النسان وهو‬
‫المشرك وأكثر الناس مشركون إذا ما ابتله ربه أي اختبره فأكرمه بالمال والولد والجاه ونعمه‬
‫بالرزاق والخيرات لينظر ال هل يشكر أو يكفر فيقول مفاخرا ربي أكرمن أي فضلني على‬
‫غيري لما لي من فضائل ومزايا لم تكن لهؤلء الفقراء وأما إذا ما ابتله فقدر عليه رزقه فيقول‬
‫ربي أهانن ‪ 1‬أي وأما إذا ما اختبره وضيق عليه رزقه لينظر تعالى عل يصبر العبد المختبر أو‬
‫يجزع فيقول ربي أهانن أي أذلني فأفقرني‪.‬‬
‫ن وَتَ ْأكُلُونَ التّرَاثَ َأكْلً‬
‫سكِي ِ‬
‫طعَامِ ا ْلمِ ْ‬
‫وقوله تعالى { َكلّا ‪َ 2‬بلْ ل ُتكْ ِرمُونَ الْيَتِي َم وَل تَحَاضّونَ عَلَى َ‬
‫جمّا‪ }4‬أي أل فارتدعوا أيها الماديون الذين تقيسون المور كلها بالمقاييس‬
‫‪َ3‬لمّا وَتُحِبّونَ ا ْلمَالَ حُبّا َ‬
‫المادة فال جل جلله يوسع الرزق اختبارا للعبد هل يشكر نعم ال عليه فيذكرها ويشكرها‬
‫باليمان والطاعة ويضيق الرزق امتحانا هل يصبر العبد لقضاء ربه أو يجزع‪ .‬وإنما أنتم أيها‬
‫الماديون ترون أن في التوسعة إكراما وفي التضييق إهانة كل ليس المر كذلك‪ ،‬ونظريتكم المادية‬
‫هذه أتتكم من حبكم الدنيا واغتراركم بها ويشهد بذلك إهانتكم لليتامى وعدم إكرامكم لهم لضعفهم‬
‫وعجزهم أمامكم‪ ،‬وعدم الستفادة المادية منهم‪ .‬وشاهد آخر أنكم ل تحضرن أنفسكم ول غيركم‬
‫على إطعام المساكين وهم جياع أمامكم‪ ،‬وآخر أنكم تأكلون التراث أي الميراث أكل لما شديدا‬
‫تجمعون مال الورثة من الطفال والنساء إلى أموالكم‪ .‬وتحرمون الضعيفين الطفال والنساء‪.‬وآخر‬
‫{ وتحبون المال حبا جما } أي قويا شديدا‪ .‬كل أل ارتدعوا وأخرجوا من دائرة هذه النظرية‬
‫المادية قبل حلول العذاب‪ ،‬ونزول ما تكرهون‪ .‬فآمنوا بال ورسوله‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ نافع أكرمني وأهانني بياء ساكنة في الوصل وبحذفها في الوقف وقرأ حفص بدون ياء في‬
‫الوصل والوقف معا‪ .‬وكتابة الياء مفصولة عن النون إشارة إلى أنها تحذف في الوقف‪.‬‬
‫‪ 2‬كل حرف زجر وردع للنسان القائل أكرمن وأهانن إذ قوله باطل ولم يقم على علم بالكرام‬
‫ول بالهانة فالكرام علته الختبار هل يشكر العبد أو يكفر‪ ،‬وتقدير الرزق تضييقه علته المتحان‬
‫هل يصبر العبد أو يسخط هذه هي الحقيقة والعبد الكافر الجاهل يري أن الكرام لشخص المكرم‬
‫والهانة كذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬لما أي جمعا شديدا يقال لممت الطعام ألمه إذا جمعته وأكلته ومنه قول بعضهم لم ال شملك أو‬
‫شعثك أي جمع ما تفرق من أمرك‪.‬‬
‫‪ 4‬جما أي كثيرا حلله وحرامه إذ الجم الكثير يقال جم الشيء يجم جموما فهو جم وجام‪ .‬ومنه‬
‫جم الماء في الحوض أو البئر إذا اجتمع والجموم البئر الكثيرة الماء‪.‬‬

‫( ‪)5/568‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬النظرية المادية لم تكن حديثة عهد إذ عرفها الماديون في مكة من مشركي قريش قبل أربعة‬
‫عشر قرنا‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب إكرام اليتامى والحض على إطعام الجياع من فقراء ومساكين‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب اعطاء المواريث لمستحقيها ذكورا أو إناثا صغارا أو كبارا‪.‬‬
‫‪ -4‬التنديد بحب المال الذي يحمل على منع الحقوق‪ ،‬ويزن المور بميزانه قوة وضعفا‪.‬‬
‫جهَنّمَ َي ْومَئِذٍ‬
‫صفّا (‪ )22‬وَجِيءَ َي ْومَئِذٍ بِ َ‬
‫ك صَفّا َ‬
‫ك وَا ْلمََل ُ‬
‫كَلّا إِذَا ُد ّكتِ الْأَ ْرضُ َدكّا َدكّا (‪ )21‬وَجَاءَ رَ ّب َ‬
‫حدٌ‬
‫ن وَأَنّى َلهُ ال ّذكْرَى (‪َ )23‬يقُولُ يَا لَيْتَنِي َق ّد ْمتُ ِلحَيَاتِي (‪ )24‬فَ َي ْومَئِذٍ ل ُيعَ ّذبُ عَذَابَهُ أَ َ‬
‫يَتَ َذكّرُ الْأِ ْنسَا ُ‬
‫جعِي إِلَى رَ ّبكِ رَاضِيَةً مَ ْرضِيّةً (‬
‫طمَئِنّةُ (‪ )27‬ارْ ِ‬
‫حدٌ (‪ )26‬يَا أَيّ ُتهَا ال ّنفْسُ ا ْل ُم ْ‬
‫(‪ )25‬وَل يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَ َ‬
‫‪ )28‬فَا ْدخُلِي فِي عِبَادِي (‪ )29‬وَا ْدخُلِي جَنّتِي (‪)30‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إذا دكت الرض دكا ‪:‬أي حركت حركة شديدة وزلزلت زلزال قويا فلم يبق عليها شاخص البتة‪.‬‬
‫والملك صفا صفا ‪:‬أي والملئكة أي صفا بعد صف‪.‬‬
‫وجيء يومئذ بجهنم ‪:‬أي تجر بسبعين ألف زمام كل زمام بأيدي سبعين ألف ملك‪.‬‬
‫يتذكر النسان ‪:‬أي الكافر ما قالت له الرسل من وعد ال ووعيده‪ ،‬يوم لقائه‪.‬‬
‫وأنى له الذكرى ‪:‬أي ل تنفعه في هذا اليوم الذكرى‪.‬‬
‫قدمت لحياتي ‪:‬أي هذه اليمان وصالح العمال‪.‬‬
‫ل يعذب عذابه أحد ‪:‬أي ل يعذب مثل عذاب ال أحد أي في قوته وشدته‪.‬‬
‫ول يوثق وثاقه أحد ‪:‬أي ول يوثق أحد مثل وثاق ال عز وجل‪.‬‬

‫( ‪)5/569‬‬

‫يا أيتها النفس المطمئنة ‪:‬أي المؤمنة المنة اليوم من العذاب لما لح لها من بشائر النجاة‪.‬‬
‫ارجعي إلى ربك ‪:‬أي إلى جواره في دار كرامته أي الجنة‪.‬‬
‫فادخلي في عبادي ‪:‬أي في جملة عبادي المؤمنين المتقين‪.‬‬
‫وادخلي جنتي ‪:‬أي دار كرامتي لوليائي‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى { كَلّا ِإذَا ُد ّكتِ الْأَ ْرضُ َدكّا َدكّا}‪ 1‬هو كقوله {وَإِذَا الْأَ ْرضُ ُم ّدتْ وَأَلْ َقتْ مَا فِيهَا‬
‫جهَنّمَ}‬
‫صفّا صَفّا} بعد صف‪{ ,‬وَجِيءَ َي ْومَئِذٍ ِب َ‬
‫وَتَخَّلتْ}{ َوجَاءَ رَ ّبكَْ} أي لفصل القضاء {وَا ْلمََلكُ ‪َ 2‬‬
‫تجر بسبعين ألف زمام كل زمام بأيدي سبعين ألف ملك‪ .‬هنا وفي هذا اليوم وفي هذه الساعة‬
‫{يَ َت َذكّرُ الْأِنْسَانُ} ‪ 3‬المهمل المفرط المعرض عن دعوة الرسل‪ ،‬الكافر بلقاء ال والجزاء على‬
‫العمال {وَأَنّى لَهُ ال ّذكْرَى} هنا يتذكر وماذا يتذكر؟‪ ،‬وكفره كان عريضا وشره كان مستطيرا‪،‬‬
‫ماذا يتذكر وهل تنفعه الذكرى‪،‬اللهم ل‪ ,‬ل وماذا عساه أن يقول في هذا الموقف الرهيب يقول‬
‫نادما متحسرا {يَا لَيْتَنِي َق ّد ْمتُ لِحَيَاتِي} أي هذه الحياة المماثلة بين يديه‪ ,‬وهل ينفعه التمني اللهم ل‪,‬‬
‫ل‪.‬‬
‫قال تعالى مخبرا عن شدة العذاب وقوة الوثاق {ف َي ْومَئِذٍْ} إذ تقوم القيامة ويجيء الرب لفصل‬
‫القضاء ويجاء بجهنم ويتذكر النسان ويأسف ويتحسر في هذا اليوم يقضي ال تعالى بعذاب أهل‬
‫الكفر والشرك والفجور والفسوق فيعذبون ويوثقون بأمر ال وقضائه في السلسل ويغلون في‬
‫الغلل ويذوقون العذاب والنكال المر الذي ما عرفه الناس في الدنيا أيام كانوا يعذبون المؤمنين‬
‫عذَابَهُ َأحَدٌ} أي ل يعذب عذاب‬
‫ويوثقونهم في الحبال وهو ما أشار إليه بقوله‪{ :‬فَ َي ْومَئِذٍ ل ُيعَ ّذبُ‪َ 4‬‬
‫ق وَثَاقَهُ َأحَدٌ} أي ‪ 5‬ل يوثق أحد‬
‫أحد في الدنيا مهما بالغ في التعذيب عذاب ال في الخرة {وَل يُوثِ ُ‬
‫في الدنيا وثاق ال في الخرة هذه صورة من عذاب ال لعدائه من أهل الشرك به والكفر بآياته‬
‫ورسوله ولقائه وأما أهل اليمان به وطاعته وهم أولياؤه الذين آمنوا في الدنيا وكانوا يتقون فهاهم‬
‫طمَئِنّةُ} إلى صادق وعد ال ووعيده في كتابه وعلى لسان رسوله‬
‫ينادون فاستمع {يَا أَيّ ُتهَا ال ّنفْسُ ا ْل ُم ْ‬
‫فآمنت واتقت وتخلت عن الشرك والشر فكانت مطمئنة باليمان وذكر ال قريرة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الدلك الحطم والكسر‪,‬ودك الرض تحطيمها وتفريق أجزائها‪.‬‬
‫‪ 2‬الملك اسم جنس المراد به الملئكة وصفا صفا أي صفا بعد صف أي خلفه ووراءه‪.‬‬
‫‪ 3‬أنى اسم استفهام بمعنى أين له الذكرى والستفهام مستعمل في النكار والنفي معا والتقدير وأين‬
‫له نفع الذكرى‪.‬‬
‫‪ 4‬جائز أن يعود الكلم على النسان الكافر ويكون معناه أنه يعذب عذابا ل يعذبه أحد غيره‬
‫ويوثق وثاقا ل يوثقه غيره من الموثقين‪ ،‬وما في التفسير أولى‪.‬‬
‫‪ 5‬الوثاق بمعنى اليثاق يقال أوثقته إيثاقا‪.‬‬

‫( ‪)5/570‬‬
‫جعِي إِلَى رَ ّبكِ} أي إلى جواره في دار كرامته‬
‫العين بحب ال ورسوله‪ ,‬وما وعدها الرحمن {ا ْر ِ‬
‫حال كونك {رَاضِيَةً} ثواب ال لك مرضيا عنك من قبل مولك {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} أي في جملة‬
‫عبادي الصالحين {وَا ْدخُلِي جَنّتِي} فيقال لها هذا عندما يرسل ال الرواح إلى الجساد يوم المعاد‪,‬‬
‫فإذا دخلت تلقتها الملئكة بالسلم وتساق إلى ساحة العرض وتعطى كتابها بيمينها وثم يقال لها‬
‫ادخلي في عبادي أي في جملتهم وادخلي جنتي بعد مرورها على الصراط اللهم اجعل نفسي مثل‬
‫تلك النفس المطمئنة باليمان وذكر ال ووعد الرحمن وعد الصدق الذي كانوا يوعدون‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير المعاد بعرض شبه تفصيلي ليوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان اشتداد حسرة المفرطين اليوم في طاعة ال تعالى وطاعة رسوله يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -3‬بشرى النفس المطمئنة باليمان وذكر ال ووعده ووعيده‪ ,‬عند الموت وعند القيام من القبر‬
‫وعند تطاير الصحف‪.‬‬

‫( ‪)5/571‬‬

‫سورة البلد‬
‫‪...‬‬
‫سورة البلد‬
‫مكية وآياتها عشرون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حلّ ِبهَذَا الْبَلَدِ (‪َ )2‬ووَالِ ٍد َومَا وَلَدَ (‪َ )3‬لقَدْ خََلقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (‪)4‬‬
‫ل ُأقْسِمُ ِب َهذَا الْبََلدِ (‪ )1‬وَأَ ْنتَ ِ‬
‫سبُ أَنْ َلمْ يَ َرهُ َأحَدٌ‬
‫حدٌ (‪َ )5‬يقُولُ َأهَْل ْكتُ مَالً لُبَدا (‪ )6‬أَ َيحْ َ‬
‫سبُ أَنْ لَنْ َيقْدِرَ عَلَيْهِ أَ َ‬
‫حَ‬‫أَيَ ْ‬

‫( ‪)5/571‬‬

‫جدَيْنِ (‪)10‬‬
‫شفَتَيْنِ (‪ )9‬وَ َهدَيْنَاهُ النّ ْ‬
‫ج َعلْ َلهُ عَيْنَيْنِ (‪ )8‬وَلِسَانا وَ َ‬
‫(‪ ) 7‬أَلَمْ َن ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ل أقسم بهذا البلد ‪ :‬أي مكة‪.‬‬
‫وأنت حل بهذا البلد ‪ :‬أي وأنت يا نبي ال محمد حلل بمكة‪.‬‬
‫ووالد وما ولد ‪ :‬أي وآدم وذريته‪.‬‬
‫في كبد ‪ :‬أي في نصب وشدة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الخرة‪.‬‬
‫أيحسب أن لن يقدر ‪ :‬أي أيظن وهو أبو الشدين بن كلدة وكان قويا شديدا‪.‬‬
‫أهلكت مال لبدا‪ :‬يقول هذا مفاخرا بعداوة الرسول وأنه أنفق فيها مال كثيرا‪.‬‬
‫أيحسب أن لم يره أحد ‪ :‬أي أيظن أنه لم يره أحد؟ بل ال رآه وعلم ما أنفقه‪.‬‬
‫وهديناه النجدين ‪ :‬أي بينا له طريق الخير وطريق الشر بما فطرناه عليه من ذلك وبما أرسلنا به‬
‫رسلنا‬
‫وأنزلنا به كتابنا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫حلّ‪ِ 2‬ب َهذَا الْبََل ِد َووَالِ ٍد َومَا وََلدَ} هذا قسم ل تعالى أقسم فيه‬
‫قوله تعالى {ل ُأقْسِمُ‪ِ 1‬بهَذَا الْبَلَ ِد وَأَ ْنتَ ِ‬
‫بمكة بلده المين والرسول بها وهو حل يقاتل ويقتل فيها وذلك يوم الفتح الموعود‪ .‬وقد قتل صلى‬
‫ال عليه وسلم يومها ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة وأقسم بوالد وما ولد فالوالد آدم وما ولد‬
‫ذريته منهم النبياء والولياء وجواب القسم أو المقسم عليه قوله {َلقَدْ‪ 3‬خََلقْنَا الْأِ ْنسَانَ فِي كَ َبدٍ‪ }4‬أي‬
‫في نصب وتعب ل يفارقانه منذ تخلقه في بطن أمه إلى وفاته بانقضاء عمره ثم يكابد شدائد‬
‫الخرة ثم إما إلى نعيم ل نصب معه ول تعب‪ ,‬وإما إلى جحيم ل يفارقه ما هو أشد من النصب‬
‫والتعب عذاب الجحيم هكذا شاء ال وهو العليم الحكيم‪ .‬وفي هذا الخبر اللهي المؤكد بأجل قسم‬
‫على أن النسان محاط منذ نشأته إلى نهاية أمره بالنصب والتعب ترويح على نفوس المؤمنين‬
‫بمكة وهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬البتداء بالقسم للتشويق إلى ما يذكر بعد القسم‪ ,‬ول مزيدة لتقوية الكلم‪.‬‬
‫‪ 2‬جملة وأنت حل بهذا البلد معترضة بين المتعاطفين وفائدتها تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫ووعده بنصره على أعدائه‪.‬‬
‫‪ 3‬لقد خلقنا‪ :‬هذا جواب القسم والنسان للجنس ول يراد به واحد بعينه وبعضهم يرى أن المراد به‬
‫أبو الشدين أسيد بن كلدة الجمحي‪.‬‬
‫‪ 4‬من مظاهر أن النسان مربوب وأن له ربا يسيره ويدبر حياته كونه ل يفارق النصب والتعب‬
‫مدة حياته وهو ل يريد ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/572‬‬

‫يعانون من الحاجة والضطهاد والتعذيب أحيانا من طغاة قريش ل سيما المستضعفين كياسر‬
‫وولده عمار وبلل وصهيب وخبيب‪ ،‬وحتى الرسول الكريم صلى ال عليه وسلم فهو لم يسلم من‬
‫أذى المشركين فإذا عرفوا طبيعة الحياة وأن السعادة فيها أن يعلم المرء أن ل سعادة بها هان‬
‫عليهم المر وقل قلقهم وخفت آلمهم‪ .‬كما هو تنبيه للطغاة وإعلم لهم بما هم عنه غافلون لعلهم‬
‫حدٌ}‬
‫سبُ‪ }1‬النسان {أَنْ َلمْ يَ َرهُ أَ َ‬
‫يصحون من سكرتهم بحب الدنيا وما فيها وقوله عز وجل {أَيَحْ َ‬
‫هذا النسان الذي قيل أنه أبو الشدين الذي أنفق ماله في عداوة الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫والسلم ويتبجح بذلك ويقول {أَهَْل ْكتُ مَالً لُبَدا} كثيرا بعضه فوق بعض بلى إن ال تعالى قد رآه‬
‫وعلم به وعلم القدر الذي أنفقه وسوف يحاسب عليه ويجزيه به‪ ،‬ولن ينجيه اعتقاده الفاسد أنه ل‬
‫شفَتَيْنِ‪3‬‬
‫ج َعلْ‪ 2‬لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانا وَ َ‬
‫بعث ول جزاء قال تعالى مقررا له بقدرته ونعيمه عليه {أَلَمْ َن ْ‬
‫وَهَدَيْنَاهُ النّجْدَيْنِ‪ }4‬أي أعطيناه عينين يبصر بهما ولسانا ينطق به ويفصح عن مراده وزيناه‬
‫بشفتين يستر بهما فمه وأسنانه ثم هديناه النجدين أي بينا له طريق الخير والشر والسعادة والشقاء‬
‫بما أودعنا في فطرته وبما أرسلنا به رسلنا وأنزلنا به كتبنا أنسي هذا كله وتعامى عنه ثم هو ينفق‬
‫ما اعطيناه في حرب رسولنا وديننا‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬شرف مكة وحرمتها وعلو شأن الرسول صلى ال عليه وسلم وسمو مقامه وهو فيها وقد‬
‫أحلها ال تعالى له ولم يحلها لحد سواه‪.‬‬
‫‪ -2‬شرف آدم وذريته الصالحين منهم‪.‬‬
‫‪ -3‬إعلن حقيقة وهي أن النسان ل يبرح يعاني من أتعاب الحياة حتى الممات ثم يستقبل شدائد‬
‫الخرة إلى أن يقرر قراره وينتهي تطوافه باستقراره في الجنة حيث يستريح نهائيا‪ ،‬أو في النار‬
‫فيعذب ويتعب أبدا‪.‬‬
‫سغَبَةٍ (‬
‫طعَامٌ فِي َيوْمٍ ذِي مَ ْ‬
‫حمَ ا ْل َعقَبَةَ (‪َ )11‬ومَا أَدْرَاكَ مَا ا ْل َعقَبَةُ (‪َ )12‬فكّ َرقَبَةٍ (‪َ )13‬أوْ ِإ ْ‬
‫فَل اقْتَ َ‬
‫‪ )14‬يَتِيما ذَا َمقْرَبَةٍ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام إنكاري مشبع بالتوبيخ والتقريع‪.‬‬
‫‪ 2‬ألم نجعل الستفهام تقريري وفيه معنى التوبيخ‪.‬‬
‫‪ 3‬الشفتين واحدتها شفة وأصلها شفو فقلبت الواو هاء فصارت شفة وتجمع على شفاة‪.‬‬
‫‪ 4‬النجد الرض المرتفعة ارتفاعا دون الجبل‪ ،‬والمراد بالنجدين طريقا الخير والشر كما في‬
‫التفسير‪.‬‬

‫( ‪)5/573‬‬

‫حمَةِ (‬
‫صوْا بِا ْلمَرْ َ‬
‫صوْا بِالصّبْ ِر وَ َتوَا َ‬
‫سكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ (‪ )16‬ثُمّ كَانَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َتوَا َ‬
‫(‪َ )15‬أوْ مِ ْ‬
‫‪ )17‬أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ (‪ )18‬وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآياتِنَا ُهمْ َأصْحَابُ ا ْلمَشَْأ َمةِ (‪ )19‬عَلَ ْيهِمْ نَارٌ‬
‫ُمؤْصَ َدةٌ (‪)20‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫فل اقتحم ‪ :‬أي فهل تجاوز‪.‬‬
‫العقبة ‪ :‬أي الطريق الصعب في الجبل‪ ،‬والمراد به النجاة من النار‪.‬‬
‫فك رقبة ‪ :‬أي أعتق رقبة في سبيل ال تعالى‪.‬‬
‫في يوم ذي مسغبة أي في يوم ذي مجاعة وشدة مؤونة‪.‬‬
‫يتيما ذا مقربة ‪ :‬أي أطعم يتيما من ذوي قرابته‪.‬‬
‫مسكينا ذا متربة ‪ :‬أي أطعم فقيرا لصقا بالتراب ليس له شيء‪.‬‬
‫وتواصوا بالصبر‪ :‬أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة ال‪.‬‬
‫وتواصوا بالمرحمة‪ :‬أي أوصى بعضهم بعضا برحمة الفقراء والمساكين‪.‬‬
‫أصحاب الميمنة ‪ :‬أي أصحاب اليمين وهم المؤمنون المتقون‪.‬‬
‫أصحاب المشأمة‪ :‬أي أصحاب الشمال وهم الكفار الفجار‪.‬‬
‫مؤصدة‪ :‬أي مطبقة ل نافذة لها ول كوة فل يدخلها هواء‪.‬‬
‫معنى اليات ‪:‬‬
‫حمَ ا ْل َعقَبَةَ}‪ 1‬فهل أنفق أبو الشدين ما أنفقه في عداوة محمد صلى ال عليه‬
‫قوله تعالى {فَل اقْتَ َ‬
‫وسلم هل أنفقه في سبيل ال فاقتحم بها العقبة فتجاوزها‪ ،‬وقوله تعالى { َومَا َأدْرَاكَ مَا ا ْل َعقَبَةُ}‪ 2‬هذا‬
‫سكِينا‬
‫سغَبَةٍ يَتِيما ذَا َمقْرَبَةٍ َأوْ مِ ْ‬
‫طعَامٌ فِي َي ْومٍ ذِي مَ ْ‬
‫تفخيم لشأنها وتعظيم له وقوله { َفكّ َرقَبَةٍ‪َ 3‬أوْ إِ ْ‬
‫ح َمةِ} بهذه المور الربعة‬
‫صوْا بِالصّبْ ِر وَ َتوَاصَوْا بِا ْلمَرْ َ‬
‫ذَا مَتْرَ َبةٍ ثُمّ كَانَ‪ 4‬مِنَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َتوَا َ‬
‫تقتحم العقبة وتجتاز فينجو صاحبها من النار والمور الربعة هي‪:‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذهب القرطبي إلى أن فل هي بمعنى هل التي هي للتحضيض‪ ،‬وهو ما قررناه في التفسير‬
‫وجائز أن يكون استفهاما إنكاريا ينكر عليه إنفاق أمواله فيما يضره وعدم إنفاقها فيما ينفعه‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام للتشويق إلى معرفة حقيقة العقبة‪.‬‬
‫‪ 3‬فك رقبة وما بعدها بيان للعقبة‪ ،‬إذ التقدير هي فك رقبة‪ .‬والمراد من فك الرقبة عتقها‪ .‬وفي‬
‫الحديث "من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار"‪.‬‬
‫‪ 4‬هذه الجملة عطف على الجمل المسوقة للذم والتوبيخ‪.‬‬

‫( ‪)5/574‬‬

‫* فك رقبة وقد ورد من اعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار‪.‬‬


‫* إطعام في يوم ذي مسغبة أي مجاعة ‪ 1‬يتيما ذا مقربة أي قرابة أو مسكينا ذا متربة أي ذا‬
‫لصوق بالرض لحاجته وشدة فقره‪.‬‬
‫* إيمان صادق بال ورسوله وآيات ال ولقائه يحيا به قلبه‪.‬‬
‫* تواصى بالصبر أي مع المؤمنين المستضعفين بالثبات على الحق ولزوم طريقه وتواصي‬
‫بالمرحمة مع أهل المال أن يرحموا الفقراء والمساكين فيسدوا خلتهم ويقضوا حاجتهم‪.‬‬
‫بهذه الربعة تجتاز العقبة وينجو المرء من عذاب ال‪ ،‬وفي مثل هذا تنفق الموال ل أن تنفق في‬
‫الدسائس والمكر بالصالحين وخداع المؤمنين‪.‬‬
‫وقوله تعالى {وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآياتِنَا} لما ذكر اليمان والعمل الصالح وهما المنجيان من عذاب ال‬
‫تعالى ذكر ضدهما وهما الكفر والمعاصي وهما المهلكان الشرك والمعاصي لن الكفر بآيات ال‬
‫لزمه البقاء على الشرك المنافي للتوحيد‪ ،‬والعصيان المنافي للطاعة وقوله تعالى {أُولَ ِئكَ ا‬
‫َأصْحَابُ ا ْلمَشَْأمَةِ} أي الشمال {عَلَ ْيهِمْ نَارٌ ُم ْؤصَ َدةٌ} مغلقة البواب مطبقة هي جزاؤهم لنهم كفروا‬
‫بآيات ال وعصوا رسوله‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬التنديد بمن ينفق ماله في معصية ال ورسوله‪ ،‬والنصح له بالتفاق في الخير فإنه أجدى له‪،‬‬
‫وأنجى من عذاب ال‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أن عقبة عذاب ال يوم القيامة تقتحم وتجتاز بالتفاق في سبيل ال وباليمان والعمل‬
‫الصالح والتواصي به‪.‬‬
‫‪ -3‬التنديد بالكفر والوعيد الشديد لهله‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اليتيم‪ :‬الولد الذي ليس له أب لموته وهو دون البلوغ‪.‬‬

‫( ‪)5/575‬‬

‫سورة الشمس‬
‫‪...‬‬
‫سورة الشمس‬
‫مكية وآياتها خمس عشرة آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سمَاءِ‬
‫س َوضُحَاهَا (‪ )1‬وَا ْلقَمَرِ ِإذَا تَلهَا (‪ )2‬وَال ّنهَارِ إِذَا جَلّاهَا (‪ )3‬وَاللّ ْيلِ إِذَا َيغْشَاهَا (‪ )4‬وَال ّ‬
‫شمْ ِ‬
‫وَال ّ‬
‫طحَاهَا‬
‫ض َومَا َ‬
‫َومَا بَنَاهَا (‪ )5‬وَالْأَ ْر ِ‬
‫( ‪)5/575‬‬

‫سوّاهَا (‪ )7‬فَأَ ْل َه َمهَا فُجُورَهَا وَ َت ْقوَاهَا (‪َ )8‬قدْ َأفْلَحَ مَنْ َزكّاهَا (‪َ )9‬وقَدْ خَابَ مَنْ‬
‫س َومَا َ‬
‫(‪ )6‬وَ َنفْ ٍ‬
‫دَسّاهَا (‪)10‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وضحاها ‪ :‬أي ونهارها‪.‬‬
‫إذا تلها ‪ :‬أي تل الشمس فطلع بعد غروبها مباشرة وذلك ليلة النصف من الشهر‪.‬‬
‫إذا جلها ‪ :‬أي إذا أضاءها‪.‬‬
‫إذا يغشاها‪ :‬أي غشى الشمس حتى تظلم الفاق‪.‬‬
‫وما بناها ‪ :‬أي ومن بناها وهو ال عز وجل حيث جعل السماء كالسقف للرض‪.‬‬
‫وما طحاها ‪ :‬أي ومن بسطها وهو ال عز وجل‪.‬‬
‫وما سواها ‪ :‬أي ومن سوى خلقها وعدله وهو ال عز وجل‪.‬‬
‫فألهمها فجورها‪ :‬أي فبين لها ما ينبغي لها أن تأتيه أو تتركه من الخير والشر‪.‬‬
‫أفلح من زكاها ‪ :‬أي فاز بالنجاة من النار ودخول الجنة من طهر نفسه من الذنوب والثام‪.‬‬
‫وقد خاب ‪ :‬أي خسر في الخرة نفسه وأهله يوم القيامة‪.‬‬
‫من دساها ‪ :‬أي دسى نفسه إذا أخفاها وأخملها بالكفر والمعاصي واصل دسها دسسها فأبدلت‬
‫إحدى السينين ياءً‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫شمْسِ‪َ 1‬وضُحَاهَا ‪ }2‬إلى قوله { َو َقدْ خَابَ مَنْ دَسّاهَا} تضمنت هذه اليات العشر‬
‫قوله تعالى {وَال ّ‬
‫قسما إلهيا من أعظم القسام ومقسما عليه وهو جواب القسم ومقسما لهم وهم سائر الناس فالقسم‬
‫كان بما يلي بالشمس وضحاها وبالقمر إذا تلها أي تل الشمس إذا طلع بعد غروبها وذلك ليلة‬
‫النصف من الشهر وبالنهار إذا جلها إذا أضاء فكشف الظلمة أو الدنيا‪ ،‬وبالليل إذا يغشاها أي‬
‫يغشى الشمس حتى تظلم الفاق وبالسماء وما بناها ‪ 3‬على أن ما تكون غالبا لغير العالم وقد تكون‬
‫للعالم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬افتتحت بالقسم للتشويق إلى أخبارها ولم يقسم ال تعالى على شيء كما أقسم على جواب هذا‬
‫القسم وهو حكم تقرير مصير النسان في الحياة الخيرة‪.‬‬
‫‪ 2‬الضحى هو وقت ارتفاع الشمس مقدار رمح عن سطح الرض فيما يرى الرائي إلى قبيل‬
‫الزوال بربع ساعة تقريبا‪ .‬وفيه تقع صلة الضحى‪.‬‬
‫‪ 3‬جائز أن تكون (ما) في الجمل الثلثة (وما بناها) (وما طحاها) (وما سواها) مصدرية فيكون‬
‫القسام بالسماء وبنائها والرض وطحوها‪ ،‬والنفس وتسويتها إل أن ما في التفسير وهو اختيار‬
‫ابن جرير أولى إذ هو إقسام بالرب تعالى‪.‬‬

‫( ‪)5/576‬‬

‫كما هي هنا فالذي بناها هو ال سبحانه وتعالى بالرض وما طحاها أي بسطها وهو ال تعالى‬
‫وبالنفس وما سواها أي خلقها وعدل خلقها وهو ال تعالى وقوله فألهمها فجورها وتقواها أي خلقها‬
‫وسوى خلقها وألهمها أي بين لها الخير والشر أي ما تعمله من الصالحات وما تتجنبه من‬
‫المفسدات فأقسم تعالى بأربع من مخلوقاته العظام وبنفسه وهو العلي العظيم على ما دل عليه قوله‬
‫{قَدْ َأفْلَحَ‪ 1‬مَنْ َزكّاهَا َوقَدْ خَابَ مَنْ دَسّاهَا} وهو المقسم عليه وهو أن من وفقه ال وأعانه فزكى‬
‫نفسه أي طهرها باليمان والعمل الصالح مبعدا لها عما يدنسها من الشرك والمعاصي فقد أفلح‬
‫بمعنى فاز يوم القامة وذلك بالنجاة من النار ودخول الجنة لن معنى الفوز لغة هو السلمة من‬
‫المرهوب والظفر بالمرغوب وأن من خذله ال تعالى لما له من سوابق في الشر والفساد فلم يزك‬
‫نفسه باليمان والعمل الصالح ودساها أي دسسها ‪ 2‬أخفاها وأخملها بما أفرغ عليها من الذنوب‬
‫وما غطاها من آثار الخطايا والثام فقد خاب بمعنى خسر في آخرته فلم يفلح فخسر نفسه وأهله‬
‫وهو الخسران المبين‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان مظاهر القدرة اللهية في اليات التي أقسم بها ارب تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان ما يكون به الفلح‪ ,‬وما يكون به الخسران‪.‬‬
‫‪ -3‬الترغيب في اليمان والعمل الصالح والترهيب من الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫سقْيَاهَا (‪)13‬‬
‫شقَاهَا (‪َ )12‬فقَالَ َلهُمْ رَسُولُ اللّهِ نَاقَةَ اللّ ِه وَ ُ‬
‫ط ْغوَاهَا (‪ِ )11‬إذِ انْ َب َعثَ أَ ْ‬
‫كَذّ َبتْ َثمُودُ بِ َ‬
‫عقْبَاهَا (‪)15‬‬
‫سوّاهَا (‪ )14‬وَل يَخَافُ ُ‬
‫َفكَذّبُوهُ َفعَقَرُوهَا فَ َد ْمدَمَ عَلَ ْيهِمْ رَ ّبهُمْ بِذَنْ ِب ِهمْ فَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قد أصلها لقد أفلح لنها جواب القسم وحذفت اللم لطول جمل القسم إذ بلغت ثمان جمل‪.‬‬
‫‪ 2‬فعل دس كان دسس فأبدلوا السين الخرة ياء لوجود ثلثة أحرف من نوع واحد طلبا للتخفيف‪,‬‬
‫وأصل دسى دس من دس الشيء إذا أخفاه بين شيئين حتى ل يظهر ومعنى دساها هو كما في‬
‫التفسير أخفاها بما صب عيها من أوضار الذنوب فتدست وتدنست‪.‬‬

‫( ‪)5/577‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ثمود‪ :‬أي أصحاب الحجر كذبوا رسولهم صالحا عليه السلم‪.‬‬
‫بطغواها ‪ :‬أي بسبب طغيانها في الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫إذ انبعث ‪ :‬أي انطلق مسرعا‪.‬‬
‫أشقاها‪ :‬أي أشقى القبيلة وهو قدار بن سالف الذي يضرب به المثل فيقال أشأم بن قدار‪.‬‬
‫رسول ال ‪ :‬أي صالح عليه السلم‪.‬‬
‫ناقة ال وسقياها ‪ :‬أي ذروها وشربها في يومها‪.‬‬
‫فكذبوه‪ :‬أي فيما اخبرهم به من شأن الناقة‪.‬‬
‫فعقروها ‪ :‬أي قتلوها ليخلص لهم ماء شربها في يومها‪.‬‬
‫فدمدم ‪ :‬أي اطبق عليهم العذاب فأهلكهم‪.‬‬
‫بذنبهم‪ :‬أي بسبب ذنوبهم التي هي الشرك والتكذيب وقتل الناقة‪.‬‬
‫فسواها ‪ :‬أي سوى الدمدم عليهم فلم يفلت منهم أحد‪.‬‬
‫ول يخاف عقباها ‪ :‬أي ول يخاف الرب تعالى تبعة إهلكهم كما يخاف النسان عاقبة فعله إذا هو‬
‫قتل‬
‫أحد أو عذبه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫عقْبَاهَا} هذه اليات سيقت للتدليل على أمور هي‬
‫قوله تعالى {كَذّ َبتْ َثمُودُ‪ }1‬إلى قوله {وَل يَخَافُ ُ‬
‫أن الذنوب موجبة لعذاب ال في الدنيا والخرة‪ ,‬وأن تكذيب الرسول الذي عليه كفار مكة منذر‬
‫بخطر عظيم إذا استمروا عليه فقد يهلكهم ال به كما أهلك أصحاب الحجر قوم صالح‪ ,‬وأن محمدا‬
‫رسول ال حقا وصدقا وأن إنكار قريش له ل قيمة له‪ ,‬وأنه ل إله إل ال‪ .‬وأن البعث والجزاء‬
‫ثابتان بأدلة قدرة ال وعلمه فقوله تعالى {كَذّ َبتْ َثمُودُ} إخبار منه تعالى المراد به إنذار قريش من‬
‫ط ْغوَاهَا ‪ }2‬أي بسبب ذنوبها‬
‫خطر استمرارها على التكذيب وتسلية الرسول والمؤمنين وقوله {بِ َ‬
‫التي بلغت فيها حد الطغيان الذي هو السراف ومجاوزة الحد في المر‪ .‬وبين تعالى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ثمود هي القبيلة المعروفة قوم صالح عليه السلم ومنازلهم بالحجر وهم أصحاب الحجر‬
‫والجملة بيانية‪ ,‬لن من سمع جواب اقسم وهو فلح من زكى نفسه وخيبة من دساها وخسرانه‬
‫تشوق إلى مثال لذلك فكان تكذيب ثمود وهلكها‪.‬‬
‫‪ 2‬الطغو اسم مصدر وهي كالطغيان الذي هو فرط الكبر والباء سببية أي كذبت ثمود رسولها‬
‫صالحا عليه السلم بسبب طغواها‪ ,‬لن الكبر إذا عظم في النسان يحمله على الجحود والمعاندة‬
‫والتكذيب‪.‬‬
‫( ‪)5/578‬‬

‫ظرف ذلك بقوله {إِذِ انْ َب َعثَ‪ }1‬أشقى تلك القبيلة الذي هو قدار بن سالف الذي يضرب به المثل في‬
‫الشقاوة فيقال أشأم من قدار وقال فيه رسول ال أشقى الوليين والخرين قدار بن سالف وقوله‬
‫فقال لهم رسول ال أي صالح {نَاقَةَ اللّهِ} ‪ 2‬أي احذروها فذورها تأكل في أرض ال ول تمسوها‬
‫بسوء فيأخذكم عذاب أليم ذروها وسقياها أي وماء شربها إذ كان الماء قسمة بينهم لها يوم ولهم‬
‫يوم‪َ { .‬فكَذّبُوهُ} في ذلك وفي غيره من رسالته ودعوته إلى عبادة ال وحده { َف َعقَرُوها ‪ }3‬أي‬
‫فذبحوها {فَ َد ْمدَمَ عَلَ ْي ِهمْ رَ ّبهُمْ} أي أطبق عليهم العذاب وعمهم به فلم ينج منهم أحد وذلك بذنبهم ل‬
‫عقْبَاهَا} أي تبعة تلحقه من هلكها إذ‬
‫سوّاهَا} في النقمة والعذاب {وَل يَخَافُ‪ُ 4‬‬
‫بظلم منه تعالى‪َ { ,‬ف َ‬
‫هو رب الكل ومالك الكل وهو القاهر فوق عباده وهو العزيز الحكيم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أن نجاة العبد من النار ودخوله الجنة متوقف على زكاة نفسه وتطهيرها من أوضار‬
‫الذنوب والمعاصي‪ ,‬وأن شقاء العبد وخسرانه سببه تدنيسه نفسه بالشرك والمعاصي وكل هذا من‬
‫سنن ال تعالى في السباب والمسببات‪.‬‬
‫‪ -2‬التحذير من الطغيان وهو السراف في الشر والفساد فإنه مهلك ومدمر وموجب للهلك‬
‫والدمار في الدنيا والعذاب في الخرة‪.‬‬
‫‪ -3‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم والتخفيف عنه إذ كذبت قبل قريش ثمود وغيرها من المم‬
‫كأصحاب مدين وقم لوط وفرعون‪.‬‬
‫‪ -4‬إنذار كفار قريش عاقبة الشرك والتكذيب والمعاصي من الظلم والعتداء‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬انبعث مضارع بعث أي بعثته فانبعث‪ ,‬إذا القوم بعثوا قدارا أي أرسلوه فالبعث إجابة لهم إذ كان‬
‫عقره الناقة بموافقتهم ورضاهم‪ .‬بل بتحريضهم له ودفعهم إليها‪.‬‬
‫‪ 2‬ناقة ال منصوب على التحذير كما في التفسير والضافة إلى التشريف والسقيا اسم مصدر من‬
‫سقى يسقي سقيا‪.‬‬
‫‪ 3‬فعقروها‪ :‬العقر هو جرح البعير في يديه ليبرك على الرض من اللم فإذا برك ذبح هذا‬
‫الصل ثم أصبح يطلق عقر البعير على ذبحه‪ .‬والفاء في عقروها للترتيب‪.‬‬
‫‪ 4‬العقبى اسم لما يحصل عقب فعل من الفعال من تبعة لصاحبه أو مثوبة فهي كالعاقية وهي‬
‫الحال التي تعقب من خير وشر‪.‬‬

‫( ‪)5/579‬‬
‫سورة الليل‬
‫‪...‬‬
‫سورة الليل ‪1‬‬
‫مكية وآياتها احدى وعشرون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سعْ َيكُمْ لَشَتّى (‪ )4‬فََأمّا‬
‫خلَقَ ال ّذكَ َر وَالْأُنْثَى (‪ )3‬إِنّ َ‬
‫وَاللّ ْيلِ إِذَا َيغْشَى (‪ )1‬وَال ّنهَارِ إِذَا َتجَلّى (‪َ )2‬ومَا َ‬
‫خلَ وَاسْ َتغْنَى (‪)8‬‬
‫حسْنَى (‪ )6‬فَسَنُيَسّ ُرهُ لِلْيُسْرَى (‪ )7‬وََأمّا مَنْ َب ِ‬
‫مَنْ أَعْطَى وَا ّتقَى (‪َ )5‬وصَدّقَ بِالْ ُ‬
‫َوكَ ّذبَ بِالْحُسْنَى (‪ )9‬فَسَنُيَسّ ُرهُ لِ ْلعُسْرَى (‪َ )10‬ومَا ُيغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدّى (‪)11‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إذا يغشى ‪:‬أي بظلمته كل ما بين السماء والرض في القليم الذي يكون به‪.‬‬
‫إذا تجلى ‪:‬أي تكشف وظهر في القليم الذي هو به وإذا هنا وفي التي قبلها ظرفية وليست‬
‫شرطية‪.‬‬
‫وما خلق الذكر والنثى ‪:‬أي ومن خلق الذكر والنثى آدم وحواء وكل ذريتهما وهو ال تعالى‪.‬‬
‫إن سعيكم لشتى ‪:‬أي إن عملكم أيها الناس لمختلف منه الحسنة المورثة للجنة ومنه السيئة الموجبة‬
‫للنار‪.‬‬
‫من أعطى واتقى ‪:‬أي حق ال وأنفق في سبيل ال واتقى ما يسخط ال تعالى من الشرك‬
‫والمعاصي‪.‬‬
‫وصدق بالحسنى ‪:‬أي بالخلف لحديث اللهم أعط منفقا خلفا‪.‬‬
‫فسنيسره لليسرى ‪:‬أي فسنيسره للخلة أي الخصلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه ال منه في‬
‫الدنيا ليوجب له به الجنة في الخرة‪.‬‬
‫وأما من بخل واستغنى ‪:‬أي منع حق ال والنفاق في سبيل ال واستغنى بماله عن ال فلم يسأله‬
‫من فضله ولم يعمل عمل صالحا يتقرب به إليه‪.‬‬
‫وكذب بالحسنى ‪:‬أي بالخلف وما تثمره الصدقة واليمان وهو الجنة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال صلى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب فقرأ (والليل إذا يغشى) فلما بلغ (فأنذرتكم نارا‬
‫تلظى) وقع عليه البكاء فلم يقدر يتعداها من البكاء فتركها وقرأ سورة أخرى‪.‬‬

‫( ‪)5/580‬‬
‫فسنيسره لليسرى ‪ :‬فسنهيئه للخلة العسرى وهي العمل بما يكرهه ال ول يرضاه ليكون قائده إلى‬
‫النار‪.‬‬
‫إذا تردى ‪ :‬أي في جهنم فسقط فيها‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {وَاللّ ْيلِ} أقسم تعالى بالليل ‪{ 1‬إِذَا َيغْشَى} بظلمه الكون‪ ،‬وبالنهار {إِذَا َتجَلّى}‪ 2‬أي‬
‫تكشف وظهر وهما آيتان من آيات ال الدالتان على ربوبيته تعالى الموجبة للوهيته‪ ،‬وأقسم بنفسه‬
‫جل وعز فقال { َومَا ‪3‬خََلقَ ال ّذكَرَ وَالْأُنْثَى} أي والذي خلق الذكر والنثى آدم وحواء ثم سائر‬
‫الذكور وعامة الناث من كل الحيوانات وهو مظهر ل يقل عظمة على آيتي الليل والنهار والمقسم‬
‫سعْ َيكُمْ َلشَتّى} أي إن عملكم أيها الناس لمختلف منه الحسنات‬
‫عليه أو جواب القسم هو قوله {إِنّ َ‬
‫الموجبة للسعادة والكمال في الدارين ومنه السيئات الموجبة للشقاء في الدارين أي دار الدنيا‬
‫والخرة‪ .‬وبناءً على هذا {فََأمّا مَنْ أَعْطَى} حق ال في المال فأنفق وتصدق في سبيل ال {وَا ّتقَى}‬
‫ال تعالى فآمن به وعبده ولم يشرك به { َوصَدّقَ بِا ْلحُسْنَى ‪ }4‬التي هي الخلف أي العوض‬
‫شيْءٍ َف ُهوَ يُخِْلفُهُ} وفي‬
‫المضاعف الذي واعد به تعالى من ينفق في سبيله في قوله { َومَا أَ ْن َفقْتُمْ مِنْ َ‬
‫قول الرسول صلى ال عليه وسلم في الصحيح ‪" 5‬ما من يوم تطلع فيه الشمس إل ملكان ينزلن‬
‫فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الخر اللهم أعط ممسكا تلفا" ‪ ،‬فسيهيئه للخلة اليسرى‬
‫خلَ} بالمال فلم‬
‫وهي العمل بما يرضاه ال منه في الدنيا ويثيبه عليه في الخرة بالجنة {وََأمّا مَنْ بَ ِ‬
‫يعط حق ال فيه ولم يتصدق متطوعا ‪{ 6‬وَاسْ َتغْنَى} بماله وولده وجاهه فلم يتقرب إلى ال تعالى‬
‫بطاعته في ترك معاصيه ول في أداء فرائضه وكذب بالخلف من ال‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من لطائف هذا القسام بالليل والنهار وهما ضدان الشارة إلى تضاد الذكر والنثى والحسن‬
‫والسوء والعسر واليسر والتصديق والتكذيب وهذا محتوى هذه السورة‪.‬‬
‫‪ 2‬تجلى النهار وضوح ضوئه أقسم ال تعالى بكل من الليل وظلمته والنهار وضوءه لما في ذلك‬
‫من مظاهر قدرة ال وعظمته على خلق الظلمات والنور‪.‬‬
‫‪ 3‬يرى بعضهم أن المقسم به المصدر بناء على أن (ما) مصدرية والصحيح أنها موصولة وأن‬
‫القسام كان بالرب تبارك وتعالى فإنه أعظم إقسام‪.‬‬
‫‪ 4‬كلمة الحسنى صالحة لعدة معان وهي مؤنث الحسن ولذا هي صفة لموصوف محذوف‬
‫وتنوسي فيها ذلك فصارت اسما لما هو أحسن كالجنة والمثوبة الحسنة والنصر والعاقبة والخلف‬
‫على المنفق في سبيل ال وهو الراجح هنا لختيار ابن جرير له‪.‬‬
‫‪ 5‬رواه البخاري وغيره‪.‬‬
‫‪ 6‬في الية دليل على أن الجود من مكارم الخلق والبخل من أرذلها‪ ،‬وليس الجواد الذي يعطى‬
‫في غير موضع العطاء كما ليس البخيل الذي يمنع في موضع المنع لكن الجواد الذي يعطي في‬
‫موضع العطاء والبخيل الذي يمنع في موضع العطاء‪.‬‬

‫( ‪)5/581‬‬

‫تعالى على من ينفق في سبيله { َفسَنُيَسّ ُرهُ‪ِ 1‬ل ْلعُسْرَى} أي فسنهيئه للخلة العسرى ‪ 2‬وهي العمل بما‬
‫يكره ال تعالى ول يرضاه من الذنوب والثام ليكون ذلك قائده إلى النار‪ .‬وقوله تعالى { َومَا ُيغْنِي‬
‫عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَ َردّى ‪ }3‬يخبر تعالى بأن من بخل واستغنى وكذب بالحسنى حفاظا على ماله وشحا‬
‫به وبخل أن ينفقه في سبيل ربه هذا المال ل يغني عنه شيئا يوم القيامة إذا ألقي به في نار جهنم‬
‫خ ّفتْ َموَازِينُهُ} أي لعدم الحسنات الكافية‬
‫فتردى ساقطا فيها على أم رأسه كما قال تعالى {وََأمّا مَنْ َ‬
‫فيها {فَُأمّهُ هَاوِيَ ٌة َومَا َأدْرَاكَ مَا هِ َيهْ نَارٌ حَامِ َيةٌ}‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان عظمة ال وقدرته وعلمه الموجبة لربوبيته المقتضية لعبادته وحده دون سواه‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير القضاء والقدر وهو أن كل إنسان ميسر لما خلق له من سعادة أو شقاء لحديث اعملوا‬
‫فكل ميسر لما خلق له‪ ،‬مع تقرير أن ممن وفق للعمل بما يرضى ال تعالى كان ذلك دليل على‬
‫أنه مكتوب سعيدا إذا مات على ما وفق له من العمل الصالح‪ .‬وأن من وفق للعمل المسخط ل‬
‫تعالى كان دليل على أنه مكتوب شقاوته إن هو مات على ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير أن التوفيق للعمل بالطاعة يتوقف حسب سنة ال تعالى على رغبة العبد وطلبه ذلك‬
‫والحرص عليه واختياره على غيره وتسخير النفس والجوارح له‪ .‬كما أن التوفيق للعمل الفاسد‬
‫قائم على ما ذكرنا في العمل الصالح وهو اختيار العبد وطلبه وحرصه وتسخير نفسه وجوارحه‬
‫لذلك هذه سنة من سنن ال تعالى في خلقه‪.‬‬
‫إِنّ عَلَيْنَا لَ ْل ُهدَى (‪ )12‬وَإِنّ لَنَا لَلْآخِ َر َة وَالْأُولَى (‪ )13‬فَأَنْذَرْ ُتكُمْ نَارا تَلَظّى (‪ )14‬ل َيصْلهَا إِلّا‬
‫ب وَ َتوَلّى (‪ )16‬وَسَ ُيجَنّ ُبهَا الْأَ ْتقَى (‪ )17‬الّذِي ُيؤْتِي مَاَلهُ يَتَ َزكّى (‪َ )18‬ومَا‬
‫شقَى (‪ )15‬الّذِي كَ ّذ َ‬
‫الْأَ ْ‬
‫س ْوفَ يَ ْرضَى (‪)21‬‬
‫حدٍ عِنْ َدهُ مِنْ ِن ْعمَةٍ تُجْزَى (‪ )19‬إِلّا ابْ ِتغَاءَ وَجْهِ رَبّهِ الْأَعْلَى (‪ )20‬وَلَ َ‬
‫لِأَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في قوله فسنيسره للعسرى تهكم به نحو فبشره بعذاب أليم‪.‬‬
‫‪ 2‬حديث صحيح‪.‬‬
‫‪ 3‬التردي السقوط من أعلى إلى أسفل المفضي بصاحبه إلى الهلك‪.‬‬

‫( ‪)5/582‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن علينا للهدى ‪ :‬أي إن علينا لبيان الحق من الباطل والطاعة من المعصية‪.‬‬
‫وإن لنا للخرة والولى ‪ :‬أي ملك ما في الدنيا والخرة نعطي ونحرم من نشاء ل مالك غيرنا‪.‬‬
‫فأنذرتكم ‪ :‬أي خوفتكم‪.‬‬
‫نارا تلظى ‪ :‬أي تتوقد‪.‬‬
‫ل يصلها‪ :‬أي ل يدخلها ويحترق بلهبها‪.‬‬
‫إل الشقى ‪ :‬أي إل الشقى‪.‬‬
‫الذي كذب وتولى ‪ :‬كذب النبي صلى ال عليه وسلم فيما جاء به وتولى وأعرض عن اليمان به‬
‫وبما جاء به من التوحيد والطاعة ل ورسوله‪.‬‬
‫وسيجنبها التقى ‪ :‬أي يبعد عنها التقي‪.‬‬
‫يتزكى ‪ :‬أي يتطهر به فلذا يخليه من النظر إلى غير ال فهو لذلك خال من الرياء والسمعة‪.‬‬
‫وما لحد عنده من نعمة تجزى ‪ :‬أي ليس لحد من الناس عليه منة فهو يكافئه بذلك‪.‬‬
‫إل ابتغاء وجه ربه العلى ‪ :‬لكن يؤتي ماله في سبيل ال ابتغاء مرضاة ال عز وجل‪.‬‬
‫ولسوف يرضى ‪ :‬أي يعطيه ال تعالى من الكرامة ما يرضي به في دار السلم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {إِنّ عَلَيْنَا لَ ْلهُدَى} اليات‪ ...‬بعد أن أعلم تعالى عباده أنه ييسر لليسرى من أعطى‬
‫واتقى وصدق بالحسنى‪ ،‬وأنه ييسر للعسرى من بخل واستغنى وكذب بالحسنى أعلم بحقيقة أخرى‬
‫وهي أن بيان الطريق الموصل بالعبد لليسرى هو على ال تعالى متكفل به وقد بينه بكتابه‬
‫ورسوله فمن طلب اليسرى فأول يؤمن بال ورسوله ويوطن نفسه على طاعتهما ويأخذ في تلك‬
‫الطاعة العمل بها وثانيا ينفق في سبيل ال ما يطهر به نفسه من البخل وشح النفس ويظهر فقره‬
‫وحاجته إلى ال تعالى بالتقرب إليه بالنوافل وصالح العمال وبذلك يكون قد يسر فعل لليسرى‬
‫وقوله تعالى {وَإِنّ لَنَا لَلْآخِ َرةَ وَالْأُولَى}‪ 1‬أي الدنيا وعليه فمن طلبها من غيرنا فقد أخطأ ول‬
‫يحصل عليها بحال فطلب الخرة يكون باليمان والتقوى‪ ،‬وطلب الدنيا يكون بالعمل حسب سنتنا‬
‫شقَى ‪ 3‬الّذِي َك ّذبَ‬
‫في الكسب وحصول المال وقوله تعالى {فَأَنْذَرْ ُتكُمْ نَارا‪ 2‬تََلظّى ل َيصْلهَا إِلّا الْأَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المراد بالخرة الجنة‪ ،‬وإن كان اللفظ يشمل الخرة بكل ما فيها من نعيم وجحيم وسعادة وشقاء‬
‫وفوز وخسران‪.‬‬
‫‪ 2‬تنكير (نارا) للتهويل‪ ،‬وجملة تلظى نعت ومعنى تلظى‪ :‬تتلهب من شدة الشتعال‪.‬‬
‫‪ 3‬يذكر بعض المفسرين أن المراد بالشقى أمية بن خلف ونظراؤه من أكابر مجرمي قريش‪،‬‬
‫واللفظ عام يشمل كل من ينطبق عليه الوصف المذكور‪.‬‬
‫( ‪)5/583‬‬

‫وَ َتوَلّى} أي فبناء على ما بينا لكم فقد أنذرتكم أي خوفتكم نارا تلظى أي تتوقد التهابا ل يصلها ل‬
‫يدخلها ويصطلي بحرها خالدا فيها أبدا إل الشقى أي الكثر شقاوة وهو المشرك وقد يدخلها‬
‫الشقي من أهل التوحيد ويخرج منها بتوحيده‪ ،‬حيث لم يكذب ولم يتول‪ ،‬ولكن فجر وعصى‪ ،‬وما‬
‫أشرك وما تولى‪ ،‬وقوله تعالى {وَسَ ُيجَنّ ُبهَا الْأَ ْتقَى الّذِي ُيؤْتِي مَالَهُ يَتَ َزكّى} أي يعطي ماله في سبيل‬
‫حدٍ عِنْ َدهُ مِنْ ِن ْعمَةٍ‬
‫ال يتزكى به من مرض الشح والبخل وآثار الذنوب والثم‪ ،‬وقوله { َومَا لِأَ َ‬
‫جهِ رَبّهِ الْأَعْلَى } أي فهو ينفق ما ينفقه في سبيل ال خاصة وليس ما ينفقه من‬
‫تُجْزَى إِلّا ابْ ِتغَاءَ ‪1‬وَ ْ‬
‫أجل أن عليه لحد من الناس فضل أو يدا فهو يكافئه بها لل‪ ،‬وإنما هو ينفق ابتغاء وجه ربه‬
‫سوْفَ ‪2‬يَ ْرضَى} أي ما دام ينفق ابتغاء‬
‫العلى أي يريد رضا ربه تعالى ل غير‪ .‬قال تعالى {وََل َ‬
‫وجهنا فقط فسوف نكافئه ونعطيه عطاء يرضى به وذلك في الجنة دار السلم‪ .‬هذه الية الكريمة‬
‫نزلت في أبي بكر الصديق رضي ال عنه فقد كان في مكة يشتري العبيد من مواليهم الذين‬
‫يعذبونهم من أجل إسلمهم فكان يشتريهم ويعتقهم لوجه ال تعالى ومنهم بلل رضي ال عنه فقال‬
‫المشركون إنما فعل ذلك ليد عنده أي نعمه فهو يكافيه بها فأكذبهم ال في ذلك وأنزل قوله‬
‫وسيجنبها التقى اليات‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أن ال تعالى متكفل بطريق الهدى فأرسل الرسل وأنزل الكتاب فأبان الطريق وأوضح‬
‫السبيل‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أن ل تعالى وحده الدنيا والخرة فمن أرادهما أو إحداهما فليطلب ذلك من ال تعالى‬
‫فالخرة تطلب باليمان والتقوى والدنيا تطلب باتباع سنن ال تعالى في الحصول عليها‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان فضل أبي بكر الصديق وأنه مبشر بالجنة في هذه الية الكريمة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬البتغاء الطلب بجد فهو أبلغ من البغي‪.‬‬
‫‪ 2‬ولسوف يرضى لتحقيق الوعد في المستقبل‪ ،‬إذ اللم لم البتداء لتأكيد الخبر هذه السورة تحمل‬
‫معنى جوامع الكلم إذ تضمنت كل ما يرغب فيه الراغبون من الكمال والفوز والفلح وهي آخر‬
‫متوسط المفصل‪.‬‬

‫( ‪)5/584‬‬
‫سورة الضحى‬
‫‪...‬‬
‫سورة الضحى‬
‫مكية وآياتها إحدى عشرة آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ك َومَا قَلَى (‪ )3‬وَلَلْآخِ َرةُ خَيْرٌ َلكَ مِنَ الْأُولَى (‪)4‬‬
‫عكَ رَ ّب َ‬
‫وَالضّحَى (‪ )1‬وَاللّ ْيلِ إِذَا سَجَى (‪ )2‬مَا وَدّ َ‬
‫ج َدكَ‬
‫ك ضَالً َفهَدَى (‪َ )7‬ووَ َ‬
‫س ْوفَ ُي ْعطِيكَ رَ ّبكَ فَتَ ْرضَى (‪ )5‬أََلمْ َيجِ ْدكَ يَتِيما فَآوَى (‪َ )6‬ووَجَ َد َ‬
‫وَلَ َ‬
‫عَائِلً فَأَغْنَى (‪ )8‬فََأمّا الْيَتِيمَ فَل َت ْقهَرْ (‪ )9‬وََأمّا السّا ِئلَ فَل تَ ْنهَرْ (‪ )10‬وََأمّا بِ ِن ْعمَةِ رَ ّبكَ َفحَ ّدثْ (‪)11‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫والضحى ‪ :‬أي أول النهار ما بين طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى الزوال‪.‬‬
‫والليل إذا سجى ‪ :‬غطى بظلمه المعمورة وسكن فسكن الناس وخلدوا إلى الراحة‪.‬‬
‫ما ودعك ‪ :‬أي ما تركك ول تخلى عنك‪.‬‬
‫وما قلى ‪ :‬أي ما أبغضك‪.‬‬
‫ألم يجدك يتيما‪ :‬أي فاقد الب إذ مات والده قبل ولدته‪.‬‬
‫فآوى‪ :‬أي فآواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب‪.‬‬
‫ووجدك ضال ‪ :‬أي ل تعرف دينا ول هدى‪.‬‬
‫ووجدك عائل ‪ :‬أي فقيرا‪.‬‬
‫فأغنى‪ :‬أي بالقناعة‪ ،‬وبما يسر لك من مال خديجة وأبي بكر الصديق‪.‬‬
‫فل تقهر ‪ :‬أي ل تذله ول تأخذ ماله‪.‬‬
‫فل تنهر ‪ :‬أي ل تنهره بزجر ونحوه‪.‬‬
‫وأما بنعمة ربك فحدث ‪ :‬أي اذكر ما أنعم ال تعالى به عليك شكرا له على ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/585‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ك َومَا قَلَى} هذا قسم من ال تعالى لرسوله‬
‫عكَ‪ 2‬رَ ّب َ‬
‫سجَى مَا َودّ َ‬
‫قوله تعالى {وَالضّحَى ‪ 1‬وَاللّ ْيلِ ِإذَا َ‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم أقسم له به على أنه ما تركه ول أبغضه‪ .‬وذلك أنه أبطأ عنه الوحي‬
‫أياما فلما رأى ذلك المشركون فرحوا به وعيروه فجاءت امرأة وقالت ‪ 3‬له ما أرى شيطانك إل قد‬
‫تركك‪ .‬فحزن لذلك النبي صلى ال عليه وسلم فأنزل ال سورة الضحى يقسم له فيها بالضحى‬
‫وهو أول النهار من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى ما قبل الزوال بقليل‪ ،‬وبالليل إذا سجى‬
‫عكَ رَ ّبكَ} يا محمد‬
‫أي غطى بظلمه المعمورة وسكن فسكن الناس وخلدوا على الراحة فيه {مَا َودّ َ‬
‫أي تركك { َومَا قَلَى} أي ما أبغضك {وَلَلْآخِ َرةُ خَيْرٌ َلكَ مِنَ الْأُولَى} أي الدنيا وذلك لما أعد ال لك‬
‫فيها من الملك الكبير والنعيم العظيم المقيم‪ .‬وسوف يعطيك ربك من فواضل نعمه حتى ترضى‬
‫في الدنيا من كمال الدين وظهور المر في الخرة الشفاعة وأن ل يبقى أحد من أمته أهل التوحيد‬
‫في النار والوسيلة والدرجة الرفيعة التي ل تكون لحد سواه‪.‬‬
‫ج َدكَ عَائِلً فَأَغْنَى} هذه ثلث منن ل‬
‫ك ضَالً َفهَدَى َووَ َ‬
‫ج َد َ‬
‫وقوله تعالى {أَلَمْ َيجِ ْدكَ‪ 4‬يَتِيما فَآوَى َووَ َ‬
‫تعالى على رسوله منها عليه وذكره بها ليوقن أن ال معه وله وأنه ما تركه ولن يتركه وحتى‬
‫تنتهي فرحة المشركين ببطء الوحي وتأخره بضعة أيام‪ .‬فالمنة الولى أن والد النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قد مات عقب ولدته وأمه ماتت بعيد فطامه فآواه ربه بأن ضمه إلى عمه أبي طالب‬
‫فكان أبا رحيما وعما كريما له وحصنا منيعا له‪ ،‬ولم يتخل عن نصرته والدفاع عنه حتى وفاته‬
‫والثانية منة العلم والهداية فقد كان صلى ال عليه وسلم يعيش في مكة كأحد رجالتها ل يعرف‬
‫علما ول شرعا وإن كان معصوما من مقارفه أي ذنب أو ارتكاب أية خطيئة إل أنه ما كان‬
‫يعرف إيمانا ول إسلما ول شرعا كما قال تعالى‪{ :‬مَا كُ ْنتَ َتدْرِي مَا ا ْلكِتَابُ وَل الْأِيمَانُ} والثالثة‬
‫منته عليه بالغنى بعد الحاجة فقد مات والده ولم يخلف أكثر من جارية هي بركة أم أيمن وبضعة‬
‫جمال‪ ،‬فأغناه ال بغنى القناعة فلم يمد يده لحد قط وكان يقول‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا القسم لتأكيد الخبر الذي حملته اليات بعده‪ ،‬وكتبت (الضحى) باللف المقصورة وأصلها‬
‫الواو فكان المفروض أن تكتب باللف الثابتة ولم تكتب بها مراعاة للمناسبة مع أكثر الكلمات‪:‬‬
‫سجى وقلى والولى‪.‬‬
‫‪ 2‬ما ودعك جواب القسم ولم يقرن باللم‪ ،‬لن الجملة المنفية ل تتطلب اللم‪ .‬وما قلى معطوفة‬
‫على ما ودعك ومعنى ما ودعك ما تركك ومعنى وما قلك ما أبغضك شديد البغض ول ضعيفه‪.‬‬
‫‪ 3‬في البخاري عن جندب بن سفيان قال اشتكى رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو‬
‫ثلثا فجاءت امرأة هي أم جميل العوراء امرأة أبي لهب‪ :‬فقالت يا محمد إني لرجوا أن يكون‬
‫شيطانك قد تركك ولم أره قربك منذ ليلتين أو ثلثة فأنزل ال والضحى‪ .‬وقيل لما سئل عن الروح‬
‫وأصحاب الكهف وذي القرنين‪ ،‬فقال سأخبركم غدا ولم يستثن فعوتب بانتظار الوحي خمسة عشر‬
‫يوما وقال المشركون قله‪ .‬فأنزل ال سورة الضحى ‪.‬‬
‫‪ 4‬الستفهام للتقرير وكذا الستفهامات بعده‪.‬‬

‫( ‪)5/586‬‬

‫"ليس الغني عن كثرة العرض ولكن ‪1‬الغني غني النفس" هذه ثلث منن إلهية وما أعظمها والمنة‬
‫تتطلب شكرا ول يزيد على الشكر ومن هنا أرشد ال تعالى رسوله إلى شكر تلك النعم ليزيده‬
‫عليها فقال فأما {فََأمّا الْيَتِيمَ‪ 2‬فَل َت ْقهَرْ} ل تقهره بأخذ ماله أو إذلله أو أذاه ذاكرا رعاية ال تعالى‬
‫لك أيام يتمك‪{ .‬وََأمّا السّا ِئلَ} وهو الفقير المسكين وذو الحاجة يسألك ما يسد خلته فأعطه ما‬
‫وجدت عطاءً أو رده بكلمة طيبة تشرح صدره وتخفف ألم نفسه ول تنهره بزجر عنيف ول بقول‬
‫غير لطيف ذاكرا ما كنت عليه من حاجة وما كنت تشعر به من احتياج {وََأمّا بِ ِن ْعمَةِ رَ ّبكَ‪3‬‬
‫ح ّدثْ} أي أشكر نعمة اليمان والحسان والوحي والعلم والفرقان وذلك بالتحدث بها إبلغا‬
‫فَ َ‬
‫وتعليما وتربية وهداية فذاك شكرها وال يحب الشاكرين هكذا أدب ال جل جلله رسوله وخليله‬
‫فأكمل تأديبه وأحسه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫خَلقْنَا الْأِ ْنسَانَ فِي كَبَدٍ}‪.‬‬
‫‪ -1‬الدنيا ل تخلو من كدر وصدق ال العظيم {َلقَدْ َ‬
‫‪ -2‬بيان علو المقام المحمدي وشرف مكانته‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعية التذكير بالنعم والنقم حمل للعبد على الصبر والشكر‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب شكر النعم بصرفها في مرضاة المنعم عز وجل‪4.‬‬
‫‪ -5‬تقرير معنى الحديث "إذا أنعم ال تعالى على عبد نعمة أحب أن يرى أثرها عليه"‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬مخرج في الصحيحين‪.‬‬
‫‪ 2‬في الصحيح‪ ":‬أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين"‪.‬‬
‫‪ 3‬روى أو داود والترمذي وصححه قوله صلى ال عليه وسلم ل يشكر ال من ل يشكر الناس‪.‬‬
‫‪ 4‬في الصحيحين‪ :‬عن أنس أن المهاجرين قالوا يا رسول ال ذهب النصار بالجر كله قال‪ :‬ل‬
‫ما دعوتم لهم وأثنيتم عليهم‪ ،‬هذه الحاديث دالة على وجوب شكر المنعم عز وجل بحمده والثناء‬
‫عليه‪ ،‬وأن شكر ذي النعمة من الناس كذلك ولو بالدعاء له والثناء عليه‪.‬‬

‫( ‪)5/587‬‬

‫سورة الشرح‬
‫‪...‬‬
‫سورة الشرح‬
‫مكية وآياتها ثماني آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ظهْ َركَ (‪ )3‬وَ َر َفعْنَا َلكَ ِذكْ َركَ (‬
‫ك وِزْ َركَ (‪ )2‬الّذِي أَ ْن َقضَ َ‬
‫ضعْنَا عَ ْن َ‬
‫ك صَدْ َركَ (‪َ )1‬ووَ َ‬
‫أَلَمْ َنشْرَحْ َل َ‬
‫غبْ (‬
‫غتَ فَا ْنصَبْ (‪ )7‬وَإِلَى رَ ّبكَ فَارْ َ‬
‫‪ )4‬فَإِنّ مَعَ ا ْلعُسْرِ يُسْرا (‪ )5‬إِنّ مَعَ ا ْلعُسْرِ ُيسْرا (‪ )6‬فَِإذَا فَرَ ْ‬
‫‪)8‬‬

‫( ‪)5/587‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ألم‪ :‬الستفهام للتقرير أي إن ال تعالى يقرر رسوله بنعمه عليه‪.‬‬
‫نشرح لك صدرك ‪ :‬أي بالنبوة‪ ،‬وبشقه وتطهيره وملئه إيمانا وحكمة‪.‬‬
‫ووضعنا عنك وزرك‪ :‬أي حططنا عنك ما سلف من تبعات أيام الجاهلية قبل نبوتك‪.‬‬
‫الذي أنقض ظهرك ‪ :‬أي الذي أثقل ظهرك حيث كان يشعر صلى ال عليه وسلم بثقل السنين التي‬
‫عاشها قبل النبوة لم يعبد فيها ال تعالى بفعل محابه وترك مكارهه لعدم علمه بذلك‪.‬‬
‫ورفعنا لك ذكرك ‪ :‬أي أعليناه فأصبحت تذكر معي في الذان والقامة والتشهد‪.‬‬
‫فإن مع العسر يسرا ‪ :‬أي مع الشدة سهولة‪.‬‬
‫فإذا فرغت ‪ :‬أي من الصلة‪.‬‬
‫فانصب ‪ :‬أي اتعب في الدعاء‪.‬‬
‫وإلى ربك فارغب ‪ :‬أي فاضرع إليه راغبا فيما عنده من الخيرات والبركات‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ظهْ َركَ وَ َر َفعْنَا َلكَ ِذكْ َركَ}‪1‬‬
‫ضعْنَا عَ ْنكَ وِزْ َركَ الّذِي أَ ْن َقضَ َ‬
‫ك َو َو َ‬
‫ك صَدْ َر َ‬
‫قوله تعالى {أََلمْ نَشْرَحْ َل َ‬
‫هذه ثلث منن أخرى بعد المنن الثلث التي جاءت في السورة قبلها منها ال تعالى على رسوله‬
‫بتقريره بها فالولى بشرح صدره ليتسع ‪ 2‬للوحي ولما سيلقاه من قومه من سيء القول وباطل‬
‫الكلم الذي يضيق به النسان والثانية وضع الوزر عنه فإنه صلى ال عليه وسلم وإن لم يكن له‬
‫وزر حقيقة فإنه كان يشعر بحمل ثقيل من جراء ترك العبادة والتقرب إلى ال تعالى في وقت ما‬
‫قبل النبوة ونزول الوحي عليه إذ عاش عمرا أربعين سنة لم يعرف فيها عبادة ول طاعة ل‪ ،‬أما‬
‫مقارفة الخطايا فقد كان محفوظا بحفظ ال تعالى له فلم يسجد لصنم ولم يشرب خمرا ولم يقل أو‬
‫يفعل إثما قط‪ .‬فقد شق صدره وهو طفل في الرابعة من عمره وأخرجت منه العلقة التي هي‬
‫محطة الشيطان التي ينزل بها من صدر النسان ويوسوس بالشر للنسان والثالثة رفع الذكر أي‬
‫ذكره صلى ال عليه وسلم إذ قرن اسمه باسمه تعالى في التشهد وفي الذان والقامة وذلك الدهر‬
‫كله وما بقيت الحياة‪ .‬وقوله تعالى {فَإِنّ مَعَ ا ْلعُسْرِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ورفعنا لك ذكرك قال مجاهد يعني التأذين‪ ،‬وفيه يقول حسان بن ثابت‪:‬‬
‫أغر عليه للنبوة خاتم‬
‫من ال مشهود يلوح ويشهد‬
‫وضع الله اسم النبي إلى اسمه‬
‫إذ قال المؤذن في الخمس أشهد‬
‫وشق له من اسمه ليجله‬
‫فذو العرش محمود وهذا محمد‬
‫‪ 2‬في الصحيح عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن رجل من قومه أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قال" فبينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائل يقول أحد الثلثة إذ كان‬
‫معه حمزة وابن عمه جعفر فأتيت بطست من ذهب فيها ماء زمزم فشرح صدري إلى كذا وكذا‪.‬‬
‫قال فاستخرج قلبي فغسل قلبي بماء زمزم ثم أعيد مكانه ثم حشي إيمانا وحكمة‪".‬‬

‫( ‪)5/588‬‬

‫يُسْرا إِنّ مَعَ ا ْلعُسْرِ ُيسْرا} فهذه بشرى بقرب الفرج له ولصحابه بعد ذلك العناء الذي يعانون‬
‫والشدة التي يقاسون ومن ثم بشر ‪ 1‬صلى ال عليه وسلم أصحابه وهو يقول "لن يغلب عسر‬
‫غبْ} هذه خطة لحياة‬
‫ب وَإِلَى رَ ّبكَ فَارْ َ‬
‫غتَ فَا ْنصَ ْ‬
‫يسرين لن يغلب عسر يسرين" وقوله {فَِإذَا فَرَ ْ‬
‫المسلم وضعت لنبي السلم محمد صلى ال عليه وسلم ليطبقها أمام المسلمين ويطبقونها معهم‬
‫حتى الفوز بالجنة والنجاة من النار وهي فإذا فرغت من عمل ديني فانصب لعمل دنيوي وإذا‬
‫فرغت من عمل دنيوي فانصب لعمل ديني أخروي فمثل فرغت من الصلة فانصب نفسك للذكر‬
‫والدعاء بعدها‪ ،‬فرغت من الصلة والدعاء فانصب نفسك لدنياك‪ ،‬فرغت من الجهاد فانصب نفسك‬
‫للحج‪ .‬ومعنى هذا أن المسلم يحيا حياة الجد والتعب فل يعرف وقتا للهو واللعب أو للكسل‬
‫والبطالة قط وقوله إلى ربك فارغب ارغب بعد كل عمل تقوم به في مثوبة ربك وعطائه وما‬
‫عنده من الفضل والخير إذ هو الذي تعمل له وتنصب من أجله فل ترغب في غيره ول تطلب‬
‫سواه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان ما أكرم ال تعالى به رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم من شرح صدره ومغفرة ذنوبه‬
‫ورفع ذكره‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أن انشراح صدر ‪ 2‬المؤمن للدين واتساعه لتحمل الذى في سبيل ال نعمة عظيمة‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أن مع العسر يسرا دائما وأبدا‪ ،‬ولن يغلب عسر يسرين فرجاء المؤمن في الفرح دائم‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان أن حياة المؤمن ليس فيها لهو ول باطل ول فراغ ل عمل فيه أبدا ول ساعة من الدهر‬
‫قط وبرهان هذه الحقيقة أن المسلمين من يوم تركوا الجهاد والفتح وهم يتراجعون إلى الوراء في‬
‫حياتهم حتى حكمهم الغرب وسامهم العذاب والخسف حتى المسخ والنسخ وقد نسخ إقليم الندلس‬
‫ومسخت أقاليم في بلد الروس والصين حتى السماء غيرت‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬رواه ابن جرير والحديث مرسل وقال ابن مسعود‪ .‬والذي نفسي بيده لو كان العسر في حجر‬
‫لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ولن يغلب عسر يسرين‪.‬‬
‫‪ 2‬روى الضحاك عن ابن عباس قال قالوا يا رسول ال أيشرح الصدر؟ قال نعم وينفسح قالوا يا‬
‫رسول ال وهل لذلك علمة؟ قال نعم التجافي عن دار الغرور والنابة إلى دار الخلود والستعداد‬
‫للموت قبل نزول الموت‪.‬‬

‫( ‪)5/589‬‬

‫سورة التين‬
‫‪...‬‬
‫سورة التين‬
‫مكية وآياتها ثمان‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫خَلقْنَا الْأِ ْنسَانَ فِي أَحْسَنِ َتقْوِيمٍ (‬
‫ن وَالزّيْتُونِ (‪ )1‬وَطُورِ سِينِينَ (‪ )2‬وَهَذَا الْبَلَدِ الَْأمِينِ (‪َ )3‬لقَدْ َ‬
‫وَالتّي ِ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ فََل ُهمْ أَجْرٌ غَيْرُ َممْنُونٍ (‪َ )6‬فمَا‬
‫س َفلَ سَافِلِينَ (‪ )5‬إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫‪ُ )4‬ثمّ رَ َددْنَاهُ أَ ْ‬
‫حكَمِ الْحَا ِكمِينَ (‪)8‬‬
‫ُيكَذّ ُبكَ َبعْدُ بِالدّينِ (‪ )7‬أَلَ ْيسَ اللّهُ بِأَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫والتين والزيتون ‪:‬هما المعروفان التين فاكهة والزيتون ما يستخرج منه الزيت‪.‬‬
‫وطور سينين ‪:‬جبل الطور الذي ناجى الرب تعالى فيه موسى عليه السلم‪.‬‬
‫وهذا البلد المين ‪ :‬مكة المكرمة لنها بلد حرام ل يقاتل فيها فمن دخلها أمن‪.‬‬
‫لقد خلقنا النسان ‪ :‬جنس النسان آدم عليه السلم وذريته‪.‬‬
‫في أحسن تقويم ‪:‬أي في أجمل صورة في اعتدال الخلق وحسن التركيب‪.‬‬
‫أسفل سافلين ‪:‬أي إلى أرذل العمر حتى يخرف ويصبح ل يعلم بعد أن كان يعلم‪.‬‬
‫أجر غير ممنون ‪:‬أي غير منقطع فالشيخ الهرم الخرف المسلم يكتب له ما كان يفعله أيام قدرته‬
‫على العمل فأجره ل ينقطع إل بموته‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ن وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبََلدِ الَْأمِينِ} هذا قسم جليل من أقسام الرب‬
‫قوله تعالى {وَالتّينِ‪ 1‬وَالزّيْتُو ِ‬
‫تعالى حيث أقسم فيه بأربعة أشياء وهي التين وهو التين المعروف وهو أشبه شيء بفاكهة الجنة‬
‫لخلوه من العجم‪ 2.‬وما يوجد بداخل الفاكهة كالنواة ونحوها‪ ،‬والزيتون وهو ذو منافع يؤكل ويدهن‬
‫به ويستصبح به ويداوى به كذلك‪ ،‬وبطور سينين وهو جبل سينا في فلسطين إذ تم عليه أكبر‬
‫__________‬
‫‪ 1‬عامة أهل السلف ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهم أن المراد من التين والزيتون هما‬
‫المعروفان قال غير واحد هو نبتكم الذي تأكلون وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت‪.‬‬
‫‪ 2‬العجم – النوى‪.‬‬

‫( ‪)5/590‬‬

‫حدث في تاريخ الحياة وهو أن ال تعالى كلم موسى بن عمران نبي بني إسرائيل عليه عدة مرات‬
‫وأسمعه كلمه وتجلى للجبل فصار دكا‪ .‬وبمكة أم القرى التي دحيت الرض من تحتها وفيها بيت‬
‫حسَنِ َت ْقوِيمٍ ثُمّ َردَدْنَاهُ‬
‫ال وحولها حرمه هذا قسم عظيم وجوابه قوله تعالى {َلقَدْ خََلقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَ ْ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ فََلهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ َممْنُونٍ} ولقد تضمن هذا الجواب‬
‫س َفلَ سَافِلِينَ إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫أَ ْ‬
‫لذلك القسم أكبر مظاهر القدرة والعلم والرحمة وهي موجبة لليمان بال وتوحيده ولقائه وهو ما‬
‫كذب به أهل مكة وأنكروه وبيان ذلك أن النسان كائن حي مخلوق فخالقه ذو قدرة قطعا وتعديل‬
‫خلقه بنصب قامته وتسوية أعضائه وحسن سمته وجمال منظره دال على علم وقدرة وهي موجبة‬
‫لليمان بال ولقائه إذ القادر على خلق النسان اليوم وقبل اليوم قادر على خلقه غدا كما شاء متى‬
‫شاء ول يرد هذا إل أحمق جاهل‪ ،‬وقوله ثم رددناه أسفل سافلين وذلك بهرم بعض أفراده والنزول‬
‫بهم إلى ما أسفل من سن الطفولة حيث يصبح الرجل فاقدا لعقله وقواه فيفقد قواه العقلية والبدنية‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ فََلهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ َممْنُونٍ} وهو أن ما كانوا يقومون به من‬
‫وقوله {إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫الفرائض والنوافل وسائر الطاعات والقربات ل ينقطع أجرهم ‪ 1‬منها بكبرهم وعدم قيامهم بها في‬
‫سن الشيخوخة والهرم والخرف بخلف الكافر والفاجر والفاسق فليس لهم أعمال ل تنقطع إل من‬
‫سن منهم سنة سيئة فإن ذنبه ل ينقطع ما بقى من يعمل بتلك السنة السيئة‪ .‬وقوله تعالى { َفمَا‬
‫ُيكَذّ ُبكَ َبعْدُ بِالدّينِ‪ }2‬أي فمن يقدر على تكذيبك يا رسولنا بعد هذه اليات والحجج والبراهين الدالة‬
‫على قدرة ال وعلمه ورحمته وحكمته فمن يكذب بالبعث والجزاء على الكسب الرادي الختياري‬
‫في هذه الحياة من خير وشر فإنه وإن كذب بالدين وهو الجزاء الخروي على عمل المكلفين في‬
‫هذه الحياة الدنيا فإن هذا التكذيب قائم على أساس العناد والمكابرة إذ الحجج الدالة على يوم الدين‬
‫حكَمِ ا ْلحَا ِكمِينَ‬
‫والجزاء فيه تجعل المكذب به مكابرا أو جاحدا ل غير‪ .‬وقوله تعالى {أَلَيْسَ اللّهُ بَِأ ْ‬
‫‪}3‬؟ بلى فليس هناك أعدل من ال وأحسن حكما فكيف يظن إذا أن الناس يعملون متفاوتين في‬
‫أعمالهم في هذه الدنيا ثم يموتون سواء ول جزاء بعد بالثواب ول بالعقاب هذا ظلم وباطل ومنكر‬
‫ينزه الرب عنه سبحانه وتعالى فقضية البعث الخر ل تقبل الجدل والمماحكة بحال من الحوال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬صح الحديث أن النبي صلى ال عليه وسلم قال إذا سافر العبد أو مرض كتب ال له مثل ما‬
‫كان يعمل مقيما صحيحا‪ .‬وعن ابن عمر‪ :‬طوبى لمن طال عمره وحسن عمله‪.‬‬
‫‪ 2‬وجائز أن يكون الخطاب للنسان الكافر توبيخا له وإلزاما للحجة أي إذا عرفت أيها النسان أن‬
‫ال خلقك في أحسن تقويم وأنه يردك إلى أرذل العمر فما يحملك على أن تكذب وعليه فالستفهام‬
‫توبيخي‪.‬‬
‫‪ 3‬روي أن ابن عباس وعليا رضي ال عنهما كانا إذا قرءا أليس ال بأحكم الحاكمين قال بلى وأنا‬
‫على ذلك من الشاهدين وروى الترمذي عن أبي هريرة من قرأ سورة والتين والزيتون فقرأ أليس‬
‫ال بأحكم الحاكمين فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين‪.‬‬

‫( ‪)5/591‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان منافع التين والزيتون واستحباب غرس هاتين الشجرتين والعناية بهما‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان شرف مكة‪ .‬وحرمها‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان فضل ال على النسان في خلقه في أحسن صورة وأقوم تعديل‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير فضل ال على النسان المسلم وهو أنه يطيل عمره فإذا هرم وخرف كتب له كل ما‬
‫كان يعمله من الخير ويجانبه من الشر‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروعية قول بلى وأنا على ذلك من الشاهدين بعد قراءة والتين إذ كان النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم يقول ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/592‬‬

‫سورة العلق‬
‫‪...‬‬
‫سورة العلق‬
‫مكية وآياتها تسع عشرة آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سمِ رَ ّبكَ الّذِي خََلقَ (‪ )1‬خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عََلقٍ (‪ )2‬اقْرَأْ وَرَ ّبكَ الَْأكْ َرمُ (‪ )3‬الّذِي عَلّمَ بِا ْلقَلَمِ (‬
‫اقْرَأْ بِا ْ‬
‫‪ )4‬عَلّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ َيعَْلمْ (‪)5‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫اقرأ ‪ :‬أي أوجد القراءة وهي جمع الكلمات ذات الحروف باللسان‪.‬‬
‫باسم ربك ‪ :‬أي بذكر اسم ربك‪.‬‬
‫الذي خلق ‪ :‬أي خلق آدم من سللة من طين‪.‬‬
‫خلق النسان ‪ :‬أي النسان الذي هو ذرية آدم‪.‬‬
‫من علق ‪ :‬أي جمع علقة وهي النطفة في الطور الثاني حيث تصير علقة أي قطعة من الدم‬
‫الغليظ‪.‬‬
‫وربك الكرم ‪ :‬أي الذي ل يوازيه كريم ول يعادله ول يساويه‪.‬‬
‫الذي علم بالقلم ‪ :‬أي علم العباد الكتابة والخط بالقلم‪.‬‬
‫علم النسان ‪ :‬أي جنس النسان‪.‬‬
‫ما لم يعلم ‪ :‬أي ما لم يكن يعلمه من سائر العلوم والمعارف‪.‬‬

‫( ‪)5/592‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫خلَقَ الْإِ ْنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَ ْأ وَرَ ّبكَ الَْأكْرَمُ الّذِي عَلّمَ بِا ْلقَلَمِ عَلّمَ‬
‫قوله تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَ ّبكَ الّذِي خََلقَ َ‬
‫الْإِنْسَانَ مَا َلمْ َيعْلَمْ} هذه اليات الخمس من أول ما نزل من القرآن الكريم لحاديث الصحاح ‪ 1‬فيها‬
‫فإن مما اشتهر في ذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يأتي حراء يتحنث فيه أي يزيل الحنث‬
‫فرارا مما عليه قومه من الشرك والباطل حتى فاجأه الحق وهو في غار حراء فقال يا محمد أنا‬
‫جبريل وأنت رسول ال ثم قال اقرأ قلت ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني ثلث مرات حتى بلغ‬
‫مني الجهد ثم قال اقرأ باسم ربك الذي خلق فقرأت الحديث‪.‬‬
‫سمِ رَ ّبكَ} يأمر ال تعالى رسوله أن يقرأ بادئا قراءته بذكر اسم ربه أي باسم‬
‫وقوله تعالى {اقْرَأْ بِا ْ‬
‫ال الرحمن الرحيم وقوله {الّذِي خََلقَ} أي خلق الخلق كله وخلق آدم من طين وخلق النسان من‬
‫أولد آدم من علق والعلق اسم جمع واحده علقة وهي ‪ 2‬قطعة من الدم غليظة كانت في الربعين‬
‫يوما الولى في الرحم نطفة ثم تطورت إلى علقة تعلق بجدار الرحم ثم تتطور في أربعين يوما‬
‫إلى مضغة لحم‪ ،‬ثم إما أن يؤذن بتخلقها فتخلق وإما ل فيطرحها الرحم قطعة لحم وقوله { اقْرَأْ‬
‫وَرَ ّبكَ} تأكيد للمر الول لصعوبة المر واندهاش الرسول صلى ال عليه وسلم للمفاجأة {اقْرَأْ‬
‫وَرَ ّبكَ الَْأكْرَمُ الّذِي عَلّمَ بِا ْلقَلَمِ} ‪ 3‬أي وربك الكرم هو الذي علم بالقلم عباده الكتابة والخط‪ .‬وقوله‬
‫{عَلّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ َيعْلَمْ} أي من كرمه الذي أفاض منه على عباده نعمه التي ل تحصى إنه علم‬
‫النسان بواسطة القلم ما لم يكن يعلم من العلوم والمعارف وهذه إشادة بالقلم وأنه واسطة العلوم‬
‫والمعارف والواسطة تشرف بشرف الغاية المتوسط لها فلذا كان ل أشرف في الدنيا من عباد ال‬
‫الصالحين والعلوم اللهية في الكتاب والسنة وما دعوا إليه وحضا عليه من العلوم النافعة للنسان‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير الوحي اللهي وإثبات النبوة المحمدية‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية ابتداء القراءة بذكر اسم ال ولذا افتتحت سور القرآن ما عدا التوبة ببسم ال‬
‫الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬منها حديث عائشة‪ :‬أول ما بدئ به رسول ال صلى ال عليه وسلم الرؤيا الصادقة فجاءه الملك‬
‫فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق النسان من علق اقرأ وربك الكرم‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ 2‬العلقة الدم الجامد والجمع علق‪ ،‬والعلقة قطعة من دم رطب سميت بذلك لنها تعلق لرطوبتها‬
‫بما تمر عليه‪.‬‬
‫‪ 3‬قيل سمي القلم قلما لنه يقلم أي يقطع‪ ،‬ومنه تقليم الظفر صح أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪ ":‬أول ما خلق ال القلم فقال له اكتب فكتب ما يكون إلى يوم القيامة فهو عنده في الذكر فوق‬
‫عرشه"‪.‬‬

‫( ‪)5/593‬‬

‫‪ -3‬بيان تطور النطفة في الرحم إلى علقة ومنها يتخلق النسان‪.‬‬


‫‪ -4‬اعظام شأن ال تعالى وعظم كرمه فل أحد يعادله في الكرم‪.‬‬
‫‪ -5‬التنويه بشأن الكتابة والخط بالقلم إذ المعارف والعلوم لم تدون إل بالكتابة والقلم‪.‬‬
‫‪ -6‬بيان فضل ال تعالى على النسان في تعليمه ما لم يكن يعلم بواسطة الكتابة والخط‪.‬‬
‫جعَى (‪ )8‬أَرَأَ ْيتَ الّذِي يَ ْنهَى (‪)9‬‬
‫طغَى (‪ )6‬أَنْ رَآهُ اسْ َتغْنَى (‪ )7‬إِنّ إِلَى رَ ّبكَ الرّ ْ‬
‫كَلّا إِنّ الْأِ ْنسَانَ لَيَ ْ‬
‫عَبْدا ِإذَا صَلّى (‪)10‬‬
‫أَرَأَ ْيتَ إِنْ كَانَ عَلَى ا ْلهُدَى (‪َ )11‬أوْ َأمَرَ بِال ّت ْقوَى (‪ )12‬أَرَأَ ْيتَ إِنْ كَ ّذبَ وَتَوَلّى (‪ )13‬أَلَمْ َيعْلَمْ بِأَنّ‬
‫سفَعا بِالنّاصِيَةِ (‪ )15‬نَاصِيَةٍ كَاذِ َبةٍ خَاطِئَةٍ (‪ )16‬فَلْ َي ْدعُ نَادِيَهُ (‪)17‬‬
‫اللّهَ يَرَى (‪ )14‬كَلّا لَئِنْ لَمْ يَنْ َتهِ لَنَ ْ‬
‫طعْ ُه وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (‪)19‬‬
‫سَنَ ْدعُ الزّبَانِ َيةَ (‪ )18‬كَلّا ل تُ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫كل ‪ : 1‬أي ل أداة استفتاح وتنبيه لكسر إن بعدها‪.‬‬
‫إن النسان ‪:‬أي ابن آدم قبل أن تتهذب مشاعره وأخلقه باليمان والداب الشرعية‪.‬‬
‫ليطغى ‪:‬أي يتجاوز الحد المفروض له في سلوكه ومعاملته‪.‬‬
‫أن رآه استغنى ‪:‬أي عندما يرى نفسه قد استغنى بماله أو ولده أو سلطانه‪.‬‬
‫إن إلى ربك الرجعى ‪:‬أي إن إلى ربك أيها الرسول الرجعى أي الرجوع والمصير‪.‬‬
‫الذي ينهى عبدا إذا صلى ‪:‬أي أبو جهل عمرو بن هشام المخزومي لعنه ال‪.‬‬
‫إن كان على الهدى أو أمر ‪:‬أي هو رسول ال محمد بن عبد ال بن عبد المطلب بن هاشم القرشي‬
‫العدناني‪.‬‬
‫بالتقوى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كل الصل فيها أنها أداة ردع وزجر وذلك إذا تقدمها ما يقتضي ذلك وتكون بمعنى حقا‪،‬‬
‫وتكون بمعنى أل التي هي أداة استفتاح وتنبيه‪ .‬وهي هنا تردد من أمرين بين أن تكون بمعنى حقا‬
‫أو بمعنى أل‪ ،‬وذلك لعدم تقدم كلم يقتضي الردع والزجر‪ ،‬لن اليات الخمس الولى نزلت في‬
‫أول ما نزل وما بعد كل نزل بعد ذلك بفترة طويلة وجائز أن تكون ردعا لمن قال قولً أو عمل‬
‫عملً استحق به ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/594‬‬

‫إن كذب وتولى ‪:‬أي هو أبو جهل‪.‬‬


‫لئن لم ينته ‪:‬أي من أذية رسولنا محمد صلى ال عليه وسلم ومنعه من الصلة خلف المقام‪.‬‬
‫لنسفعا بالناصية ‪:‬أي لنأخذن بناصيته ونسحبه إلى نار جهنم‪.‬‬
‫فليدع نادية ‪:‬أي رجال مجلسه ومنتداه‪.‬‬
‫سندع الزبانية ‪:‬أي خزان جهنم‪.‬‬
‫كل ‪ :‬أي ارتدع أيها الكاذب الكافر‪.‬‬
‫واقترب ‪:‬أي منه تعالى وذلك بطاعته‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫جعَى} يخبر تعالى عن طبيعة‬
‫طغَى أَنْ رَآهُ اسْ َتغْنَى إِنّ إِلَى رَ ّبكَ الرّ ْ‬
‫قوله تعالى {كَلّا إِنّ الْأِ ْنسَانَ لَ َي ْ‬
‫النسان قبل أن يهذبه اليمان والمعارف اللهية المشتملة على معرفة محاب ال تعالى‪ ,‬ومساخطه‬
‫أنه إذا رأى نفسه قدر استغنى بماله أو ولده أو سلطانه أو بالكل وما أصبح في حاجة إلى غيره‬
‫يطغى فيتجاوز حد الداب والعدل والحق والعرف فيتكبر ويظلم ويمنع الحقوق ويحتقر الضعفاء‬
‫ويسخر بغيره‪ .‬وأبو جهل كان مضرب المثل في هذا الوصف وصف الطغيان حتى قيل أنه‬
‫فرعون هذه المة‪ ,‬وها هو ذا رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي في المسجد الحرام خلف‬
‫المقام فيأتيه هذا الطاغية ويهدده ويقول له لقد نهيتك عن الصلة هنا فل تعد‪ ,‬ويقول له إن وجدتك‬
‫مرة أخرى آخذ بناصيتك وأسحبك على الرض فينزل ال تعالى هذه اليات { َكلّا إِنّ الْأِنْسَانَ‬
‫طغَى أَنْ رَآهُ اسْ َتغْنَى} فيقف برسوله على حقيقة ما كان يعلمها وهي أن ما يجده من أبي جهل‬
‫لَيَ ْ‬
‫وأضرابه من طغاة قريش علته كذا وكذا ويسليه فيقول له وإن طغوا وتجبروا إن مرجعهم إلينا‬
‫جعَى} إذا فاصبر على أذاهم وانتظر ما سيحل‬
‫وسوف ننتقم لك منهم {إِنّ إِلَى رَ ّبكَ} يا رسولنا {الرّ ْ‬
‫بهم إن مصيرهم إلينا ل إلى غيرنا وسوف ننتقم منهم ثم يقول له قول يحمل العقلء على التعجب‬
‫من سلوك أبي جهل الشائن مع رسول ال صلى ال عليه وسلم {أَرَأَ ْيتَ الّذِي يَ ْنهَى عَبْدا إِذَا‬
‫صَلّى}؟ وهل الذي يصلي ينهى عن الصلة وهل الصلة جريمة وهل في الصلة ضرر على‬
‫أحد؟ فكيف ينهى عنها؟ ويقول له {أَرَأَ ْيتَ إِنْ كَانَ} أ ي المصلي الذي نهي عن الصلة وهو‬
‫الرسول نفسه صلى ال عليه وسلم‬

‫( ‪)5/595‬‬

‫{عَلَى ا ْلهُدَى} الموصل إلى سعادة الدنيا والخرة وكرامتهما؟ {َأوْ َأمَرَ بِال ّت ْقوَى} أي أمر غيره بما‬
‫يتقي به عذاب الدنيا والخرة‪ ,‬هل المر بالهدى والتقوى أي بأسباب النجاة السعادة يعادي‬
‫ويحارب؟ ويضرب ويهدد؟ إن هذا العجب العجاب‪ .‬ويقول أرأيت يا رسولنا إن كذب هذا الذي‬
‫ينهى عبدا إذا صلى أي كذب بالحق والدين وتولى عن اليمان والشرع‪ ,‬كيف يكون حاله يوم يلقى‬
‫ربه؟ {أَلَمْ َيعَْلمْ بِأَنّ اللّهَ يَرَى}أن يرى أفعاله الستفزازية المقيتة وتطاوله على رسول ال وتهديده‬
‫له بالضرب إن وجده يصلي خلف المقام‪ .‬بعد هذه الدعوة للطاغية لعله يرجع للحق إذا سمعه‪,‬‬
‫وإذا به يزدادا طغيانا ويقول في مجلس قريش يقول واللت والعزى لئن رأيت محمدا صلى ال‬
‫عليه وسلم يصلي لطأن على رقبته ولعفرن وجهه على التراب‪ ,‬وفعل أتى إلى النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على ركبته فإذا به ينكص على عقبيه‪ ,‬ويتقي بيديه‪ ,‬فقيل له مالك فقال‬
‫إن بيني وبينه خندقا من نار وهول وأجنحة‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لو دنا مني‬
‫سفَعا بِالنّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ‬
‫لختطفته الملئكة عضوا عضوا وأنزل ال تعالى { َكلّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَ َن ْ‬
‫خَاطِئَةٍ} أي صاحبها وهو أبو جهل أي لئن لم ينته عن أذية رسولنا وتعرضه له في صلته ليمنعه‬
‫منها لنأخذن بناصيته ونجره إلى جهنم عيانا‪َ { .‬فلْيَ ْدعُ} حينئذ رجال ناديه ومجلس قومه فإنا ندعو‬
‫الزبانية أي خزنة النار من الملئكة كل فليرتدع هذا الطاغية وليعلم أنه لن يقدر على أن يصل‬
‫إلى رسولنا بعد اليوم بأذى‪.‬‬
‫وقال تعالى لرسوله بعد تهديده للطاغية‪ ,‬وردعه له‪ ,‬وارتدع فعل ولم يجرؤ بعد ذلك اليوم أن يمد‬
‫طعْهُ}‬
‫لسانه‪ ,‬ول يده بسوء لرسول ال صلى ال عليه وسلم قال لرسوله صلى ال عليه وسلم {ل تُ ِ‬
‫فيما يطلب منك من ترك الصلة في المسجد الحرام فقد كفيناك شره {وَاقْتَ ِربْ‪ }1‬إلينا بالطاعات‬
‫ومن أهمها الصلة‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان سبب نزول اليات كل إن النسان ليطغى إلى آخر السورة‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان طبع النسان إذا لم يهذب باليمان والتقوى‪.‬‬
‫‪ -3‬نصرة ال لرسوله صلى ال عليه وسلم بالملئكة عيانا في المسجد الحرام‪.‬‬
‫‪ -4‬تسجيل لعنة ال على فرعون المة أبي جهل وأنه كان أظلم قريش لرسول ال وأصحابه‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروعية السجود عند تلوة هذه السورة إذا قرأ فاسجد واقترب شرع له السجود ‪ 2‬إل أن‬
‫يكون يصلي بجماعة في الصلة السرية فل يسجد لئل يفتنهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى أصحاب الصحيح قوله صلى ال عليه وسلم "اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"‪.‬‬
‫‪ 2‬ورد في الذكر حال السجود أن الساجد يقول (سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق بحوله‬
‫وقوته سمعه وبصره فتبارك ال أحسن الخالقين‪ .‬اللهم اكتب لي بها أجرا وامح عني بها وزرا‬
‫وارفع لي بها ذكرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود)‪.‬‬

‫( ‪)5/596‬‬

‫سورة القدر‬
‫‪...‬‬
‫سورة القدر‬
‫مكية وآياتها خمس آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫شهْرٍ (‪ )3‬تَنَ ّزلُ‬
‫إِنّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ا ْلقَدْرِ (‪َ )1‬ومَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ا ْلقَدْرِ (‪ )2‬لَيْلَةُ ا ْلقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ َأ ْلفِ َ‬
‫ا ْلمَل ِئكَ ُة وَالرّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَ ّبهِمْ مِنْ ُكلّ َأمْرٍ (‪ )4‬سَلمٌ ِهيَ حَتّى مَطَْلعِ ا ْلفَجْرِ (‪)5‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إنا أنزلناه ‪:‬أي القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا‪.‬‬
‫في ليلة القدر ‪:‬أي ليلة الحكم التقدير التي يقضي فيها قضاء السنة كلها‪.‬‬
‫وما أدراك ما ليلة القدر ‪:‬أي إن شأنها العظيم‪.‬‬
‫ليلة القدر خير من ألف شهر ‪:‬أي العمل الصالح فيها من صلة وتلوة قرآن ودعاء خير من‬
‫عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهي ثلث وثمانون سنة وأربعة أشهر‪.‬‬
‫والروح فيها ‪:‬أي جبريل في ليلة القدر‪.‬‬
‫بإذن ربهم ‪:‬أي ينزلون بأمره تعالى لهم بالتنزل فيها‪.‬‬
‫من كل أمر ‪:‬أي من كل أمر قضاه ال تعالى في تلك السنة من رزق وأجل وغير ذلك‪.‬‬
‫سل هي حتى مطلع الفجر ‪:‬أي هي سلم من الشر كله من غروب الشمس إلى طلوع الفجر‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {إِنّا أَنْزَلْنَاهُ‪ }1‬أي القرآن الكريم الذي كذب به المكذبون وأنكره الكافرون يخبر تعالى‬
‫أن ما يتلوه عبده ورسوله محمد صلى ال عليه وسلم هو حق وحي ال وكتابه أنزله جملة واحدة‬
‫من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وذلك في ليلة الحكم والقضاء التي يقضي ال فيها ما يشاء‬
‫من أحداث العالم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وجائز أن يطلق لفظ أنزلناه في ليلة القدر على الخمس التي أنزلت بغار حراء في رمضان‬
‫وهي اقرأ باسم ربك‪ ..‬إلى ما ل يعلم أي باعتبار بداية نزوله‪ ,‬وما في التفسير عليه أئمته‪.‬‬

‫( ‪)5/597‬‬

‫من رزق وأجل وغيرهما إلى بداية السنة التية وذلك كل سنة وهذا كقوله {إِنّا أَنْزَلْنَاهُ‪ 1‬فِي لَيْلَةٍ‬
‫حكِيمٍ} إذ ما قضاه ال تعالى وحكم بوجوده قد كتب في‬
‫مُبَا َركَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ فِيهَا ُيفْرَقُ ُكلّ َأمْرٍ َ‬
‫اللوح المحفوظ ومنه القرآن الكريم ثم في ليلة القدر تؤخذ نسخة من أحداث السنة فتعطى الملئكة‬
‫وتنفذ حرفيا في تلك السنة‪ ،‬ولذلك كان لليلة القدر بمعنى التقدير شأن عظيم ففضلها ال على ألف‬
‫شهر وأخبر عن سبب فضلها أن الملئكة تتنزل فيها وجبريل معهم بإذن ربهم أي ينزلون بإذن‬
‫ال تعالى لهم وأمره إياهم بالنزول ينزلون مصحوبين بكل أمر قضاه ال وحكم به في تلك السنة‬
‫من خير وشر من رزق وأجل ولفضل هذه الليلة كانت العبادة فيها تفضل غيرها من نوعها‬
‫بأضعاف مضاعفة إذ العمل تلك الليلة يحسب لصاحبه عمل ألف ليلة أي ثلث وثمانين سنة‬
‫وأربعة أشهر‪ .‬هذا ما دل عليه قوله تعالى {إِنّا أَنْ َزلْنَاهُ فِي لَيَْلةِ ا ْلقَدْ ِر َومَا أَدْرَاكَ‪ 2‬مَا لَيْلَةُ ا ْلقَدْرِ لَيْلَةُ‬
‫شهْرٍ‪ 3‬تَنَ ّزلُ ا ْلمَل ِئكَ ُة وَالرّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَ ّبهِمْ مِنْ ُكلّ َأمْرٍ} وقوله {سَلمٌ ِهيَ‬
‫ا ْلقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَ ْلفِ َ‬
‫حَتّى مَطَْلعِ ا ْلفَجْرِ} أي هي سلم من كل شر إذ هي كلها خير من غروب الشمس إلى طلوع‬
‫فجرها إنها كلها سلم سلم الملئكة على العابدين من المؤمنين والمؤمنات وسلمة من كل شر‪.‬‬
‫والحمد ل الذي جعلنا من أهلها‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير عقيدة القضاء والقدر‪.‬‬
‫‪ -3‬فضل ليلة القدر وفضل العبادة فيها ‪.4‬‬
‫‪ -4‬بيان أن القرآن نزل في رمضان جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وأنه ابتدئ‬
‫نزوله على رسول ال صلى ال عليه وسلم في رمضان أيضا‪.‬‬
‫‪ -5‬الندب ‪ 5‬إلى طلب ليلة القدر للفوز بفضلها وذلك في العشر الواخر من شهر رمضان وأرجى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فاتحة سورة الدخان‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام للتفخيم من شأن ليلة القدر أي أي شيء يعرفك ما هي ليلة القدر ذات الشأن العظيم‬
‫وإظهار لفظ ليلة القدر بعد وما أدراك ما ليلة القدر دال على الهتمام بها كقول عدي‪:‬‬
‫ل أرى الموت يسبق الموت شيء‬
‫نغص الموت ذا الغني والفقير‬
‫‪ 3‬لحديث مالك في الموطأ سمعن من أثق فيه يقول‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم أرى‬
‫أعمار المم قبله فكأنه تقاصر أعمار أمته أل يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر‬
‫فأعطاه ال ليلة القدر وجعلها خيرا من ألف شهر‪.‬‬
‫‪ 4‬حديث الصحيحين‪ " :‬من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"‪.‬‬
‫‪ 5‬أرجح القوال في ليلة القدر أنها في الوتر من العشر الواخر من كل عام لحديث الصحيح‬
‫التمسوها في الوتر من العشر الواخر وأن من صلى العشاء ليلتها في الجماعة ينال فضلها لما‬
‫قاله مالك في الموطأ وهو قول سعيد بن المسيب (من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه‬
‫منها ومثله ل يدرك بالرأي)‪.‬‬

‫( ‪)5/598‬‬

‫ليلة في العشر الواخر هي الوتر كالواحدة والعشرين إلى التاسعة والعشرين لحديث الصحيح‬
‫التمسوها في العشر الواخر‪.‬‬
‫‪ -6‬استحباب الكثار من قراءة القرآن وسماعه فيها لمعارضة جبريل الرسول ‪ 1‬صلى ال عليه‬
‫وسلم القرآن في رمضان مرتين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬معارضة القرآن ثابتة في الصحيح وفضل الدعاء فيها ثابت في الصحيح‪ .‬قالت عائشة يا رسول‬
‫ال إن وافقت ليلة القدر فما أقول؟ قال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني‪.‬‬

‫( ‪)5/599‬‬

‫سورة البينة‬
‫‪...‬‬
‫سورة البينة ‪1‬‬
‫مدنية وآياتها ثمان آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫لَمْ َيكُنِ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َأ ْهلِ ا ْلكِتَابِ وَا ْلمُشْ ِركِينَ مُ ْن َفكّينَ حَتّى تَأْتِ َيهُمُ الْبَيّنَةُ (‪َ )1‬رسُولٌ مِنَ اللّهِ يَتْلُو‬
‫طهّ َرةً (‪ )2‬فِيهَا كُ ُتبٌ قَ ّيمَةٌ (‪َ )3‬ومَا َتفَرّقَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ إِلّا مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ْت ُهمُ الْبَيّنَةُ (‬
‫صُحُفا مُ َ‬
‫خِلصِينَ لَهُ الدّينَ حُ َنفَا َء وَ ُيقِيمُوا الصّل َة وَ ُيؤْتُوا ال ّزكَاةَ َوذَِلكَ دِينُ‬
‫‪َ )4‬ومَا ُأمِرُوا إِلّا لِ َيعْبُدُوا اللّهَ مُ ْ‬
‫ا ْلقَ ّيمَةِ (‪)5‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫من أهل الكتاب‪ :‬أي اليهود والنصارى‪.‬‬
‫والمشركين ‪:‬أي عبدة الصنام‪.‬‬
‫منفكين ‪:‬أي زائلين عما هم عليه منتهين عنه‪.‬‬
‫حتى تأتيهم البينة‪ :‬أي الحجة الواضحة وهي محمد صلى ال عليه وسلم وكتابه القرآن الكريم‪.‬‬
‫رسول من ال ‪:‬أي محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫صحفا مطهرة ‪:‬أي من الباطل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وتسمى سورة القيمة ولم يكن‪ ،‬وورد في فضلها حديث الصحيح أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال لبي بن كعب إن ال أمرني أن اقرأ عليك (لم يكن الذين كفروا) قال وسماني لك؟ قال‪ .‬نعم‪.‬‬
‫فبكى‪ .‬وفي هذا الحديث أنه ل يأنف الفاضل أن يقرأ القرآن أو يتعلم العلم عن المفضول‪.‬‬

‫( ‪)5/599‬‬

‫فيها كتب قيمة ‪ :‬أي في تلك الصحف المطهرة كتب من ال مستقيمة‪.‬‬


‫إل من بعد ما جاءتهم البينة ‪ :‬أي الرسول محمد صلى ال عليه وسلم وكتابه القرآن الكريم‪.‬‬
‫وما أمروا ‪ :‬أي في كتبهم التوراة والنجيل‪.‬‬
‫حنفاء ‪ :‬أي مائلين عن الديان كلها إلى دين السلم‪.‬‬
‫دين القيمة ‪ :‬أي دين الملة القيمة أي المستقيمة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {لَمْ َيكُنِ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ وَا ْلمُشْ ِركِينَ} وهم اليهود والنصارى ‪1‬‬
‫والمشركون هم عباد الصنام لم يكونوا منفصلين عما هم عليه من الديانة تاركين لها إلى غاية‬
‫مجيء البينة لهم فلما جاءتهم البينة‪ .‬وهي محمد صلى ال عليه وسلم وكتابه انفكوا أي ‪2‬انقسموا‬
‫فمنهم من آمن بمحمد صلى ال عليه وسلم وكتابه والدين السلمي ومنهم من كفر فلم يؤمن‪.‬‬
‫وقوله تعالى {رَسُولٌ مِنَ اللّهِ} هو محمد صلى ال عليه وسلم وقوله {يَتْلُو صُحُفا} أي يقرأ على‬
‫ظهر قلب ما تضمنته تلك الصحف المطهرة من الباطل والمشتملة على كتب ‪ 3‬من عند ال قيمة‬
‫أي مستقيمة ل انحراف فيها عن الحق ول بعد عن الهدى والمراد من الصحف المطهرة القرآن‬
‫الكريم‪ .‬وقوله تعالى { َومَا َتفَرّقَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} أي اليهود والنصارى {إِلّا مِنْ َب ْعدِ مَا جَاءَ ْتهُمُ‬
‫الْبَيّنَةُ} وهي محمد صلى ال عليه وسلم وكتابه إذ كانوا قبل البعثة المحمدية متفقين على انتظار‬
‫نبي آخر الزمان وأنه النبي الخاتم للنبوات فلما جاءهم تفرقوا فآمن بعض وكفر بعض‪ .‬في حين‬
‫أنهم ما أمروا في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم‪ .‬وكذا في القرآن وعلى لسان نبيه محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم إل ليعبدوا ال مخلصين له الدين حنفاء أي مائلين عن الديان كلها إلى دين السلم‬
‫ويقيموا الصلة بأن يؤدوها في أوقاتها بشروطها وأركانها وآدابها ويؤتوا الزكاة التي أوجب ال‬
‫في الموال لصالح الفقراء والمساكين‪ .‬وذلك دين القيمة أي وهذا هو دين الملة القيمة المستقيمة‬
‫الموصلة للعبد إلى رضا الرب وجنات الخلد بعد انجائه من العذاب والغضب‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أن الديانات السابقة للسلم والتي عاصرته كانت منحرفة اختلط فيها الحق بالباطل ولم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس أهل الكتاب اليهود الذين كانوا بالمدينة وهم قريظة والنظير وبنو قينقاع ولفظ‬
‫الية أعم وأشمل إذ تناول اليهود مطلقا والنصارى كذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬انفك ينفك انفكاكا مضارع فكه فانفك ومعناه الزالة والقلع أي لم يكونوا مقلعين عما هم عليه‬
‫أو زائلين عنه تاركين له منتهين عنه‪.‬‬
‫‪ 3‬إن قيل الكتب هي التي تشتمل على صحف فكيف يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة؟ والجواب‬
‫نعم الصحف تكون كتابا وإذا كثرت كونت كتبا باعتبار ما حواه من الشرائع والحكام والقصص‬
‫والخبار‪.‬‬

‫( ‪)5/600‬‬

‫تصبح صالحة للسلم والهداية البشرية ول فرق بين اليهودية والنصرانية والمجوسية‪.‬‬
‫‪ -2‬إن أهل الكتاب بصورة خاصة كانوا منتظرين البعثة المحمدية بفارغ الصبر لعلمهم بما‬
‫أصاب دينهم من فساد‪ ،‬ولما بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم وجاءتهم البينة على صدقة‬
‫وصحة ما جاء به تفرقوا فآمن البعض ‪ 1‬وكفر البعض‪.‬‬
‫‪ -3‬مما يؤخذ على اليهود والنصارى أنهم في كتبهم مأمورون بعبادة ال تعالى وحده والكفر‬
‫بالشرك مائلين عن كل دين إلى دين السلم ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة فما بالهم لما جاءهم‬
‫السلم بمثل ما أمروا به كفروا به وعادوه‪ .‬والجواب أنهم لما انحرفوا عز عليهم أن يستقيموا لما‬
‫ألفوا من الشرك والضللة والباطل‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان أن الملة القيمة والدين المنجي من العذاب المحقق للسعاد والكمال ما قام على أساس‬
‫عبادة ال وحده وإقام الصلة وإيتاء الزكاة والميل عن كل دين إلى هذا الدين السلمي‪.‬‬
‫جهَنّمَ خَاِلدِينَ فِيهَا أُولَ ِئكَ هُمْ شَرّ الْبَرِيّةِ (‪ )6‬إِنّ‬
‫ب وَا ْلمُشْ ِركِينَ فِي نَارِ َ‬
‫إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَا ِ‬
‫عدْنٍ تَجْرِي‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ أُولَ ِئكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ (‪ )7‬جَزَاؤُ ُهمْ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ جَنّاتُ َ‬
‫الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫شيَ رَبّهُ (‪)8‬‬
‫ضيَ اللّهُ عَ ْن ُه ْم وَ َرضُوا عَ ْنهُ ذَِلكَ ِلمَنْ خَ ِ‬
‫مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا َر ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن الذين كفروا من أهل الكتاب ‪ :‬أي بالسلم ونبيه وكتابه هم اليهود والنصارى‪.‬‬
‫أولئك هم شر البرية ‪ :‬أي شر الخليقة‪.‬‬
‫إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ‪ :‬أي آمنوا بالسلم ونبيه وكتابه وعملوا الصالحات‪.‬‬
‫أولئك هم خير البرية ‪ :‬أي هم خير الخليقة‪.‬‬
‫جنات عدن ‪ :‬أي بساتين إقامة دائمة‪.‬‬
‫رضي ال عنهم ‪:‬أي بطاعته‪.‬‬
‫ورضوا عنه ‪:‬أي بثوابه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬شاهده قوله تعالى ‪ {:‬فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} أي كفر من كفر منهم الية من سورة‬
‫البقرة‪.‬‬

‫( ‪)5/601‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ب وَا ْلمُشْ ِركِينَ } إنه بعد أن بين الدين الحق المنجي من‬
‫قوله تعالى {إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ‪ 1‬أَ ْهلِ ا ْلكِتَا ِ‬
‫العذاب والموجب للنعيم وهو الدين السلمي أخبر تعالى أن من كفر به من أهل الكتاب ومن‬
‫المشركين هم في نار جهنم خالدين فيها هذا حكم ال فيهم لكفرهم بالحق وإعراضهم عنه بعدما‬
‫جاءتهم البينة وعرفوا الطريق وتنكبوه رضا بالباطل واقتناعا بالكفر والشرك بدل اليمان‬
‫والتوحيد هؤلء الكفرة الفجرة هم شر الخليفة كلها‪ .‬وهو معنى قوله {إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ‬
‫جهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَ ِئكَ ُهمْ‪ 2‬شَرّ الْبَرِيّةِ} كما أخبر تعالى بأن جزاء‬
‫ا ْلكِتَابِ وَا ْلمُشْ ِركِينَ فِي نَارِ َ‬
‫من آمن بال ورسوله وعمل بالدين السلمي فأدى الفرائض واجتنب النواهي وسابق في الخيرات‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولَ ِئكَ هُمْ‬
‫والصالحات هؤلء هم ‪ 3‬خير البرية إذ قال تعالى {إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫خَيْرُ الْبَرِيّةِ} وقوله {جَزَاؤُ ُهمْ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ} أي جزاء أولئك الذين آمنوا بال ورسوله محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم وما جاء به من الهدى والدين الحق أولئك هم خير الخليفة وقوله {جَزَاؤُ ُهمْ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ}‬
‫أي يوم يلقونه وذلك بعد الموت {جَنّاتُ عَدْنٍ} أي بساتين إقامة دائمة خالدين فيها أبدا أي ل‬
‫ضيَ‪ 4‬اللّهُ عَ ْنهُ ْم وَ َرضُوا عَ ْنهُ} أي رضي ال عنهم بسبب‬
‫يخرجون منها ول يموتون أبدا وقوله { َر ِ‬
‫إيمانهم وطاعتهم ورضوا عنهم بسبب ما وهبهم وأعطاهم من النعيم المقيم في دار السلم وقوله‬
‫شيَ‪ 5‬رَبّهُ} أي ذلك الجزاء المذكور وهو جزاء عظيم إذ جمع لهله فيه بين‬
‫تعالى {ذَِلكَ ِلمَنْ خَ ِ‬
‫سعادة الروح وسعادة البدن معا هو جزاء عبد خاف ربه فلم يعصه حتى لقيه بعد موته وإن عصاه‬
‫يوما تاب وإن أخطأ رجع حتى مات وهو على الطاعة ل على المعصية‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كفروا أي من بعد ما جاءتهم البينة من الطوائف الثلثة حكم اله تعالى فيهم بأنهم شر الخليفة‬
‫فهم شر من القردة والخنازير وأخبث أنواع الحيوان كالحيات والثعابين لنهم كفروا بربهم وفسقوا‬
‫من أمره واستوجبوا لعنته وعذابه فكانوا بذلك شر البرية‪.‬‬
‫‪ 2‬البرية الخليفة إذ هي من برأ إذا خلق والباري الخالق وأصل البرية‪ :‬البريئة قلبت الهمزة ياء‬
‫وأدغمت في الياء فصارت البرية بياء مشددة وقرأ نافع البرئة مهموزا على الصل وخففها حفص‬
‫فقرأ البرية كالخلية وزنا‪.‬ا‬
‫‪ 3‬أي في حكم ال وقضائه وحصلت لهم الخيرية بإيمانهم بربهم واستقامتهم على منهج شرعه‬
‫فكملوا في أرواحهم وأخلقهم وتهيئوا للملكوت العلى فكانوا بذلك خير البرية اللهم اجعلنا منهم‪.‬‬
‫‪ 4‬قول البعض رضي أعمالهم هروبا من عقيدة السلف وإل فالية نص في رضاه تعالى عنهم وإن‬
‫كانت العمال سببا في رضاه إذ العمال طهرت نفوسهم وزكت أرواحهم فاستحقوا رضى ال‬
‫فرضي عنهم ورضى ال أكبر من نعيم الجنة كقوله تعالى ورضوان من ال أكبر‪.‬‬
‫‪ 5‬الخشية الموجبة لهذا النعيم المقيم هي ثمرة العلم إذ ل خشية بل علم قال تعالى إنما يخشى ال‬
‫من عباده العلماء فلذا وجب طلب العلم وهو العلم بال ومحابه ومكارهه ووعده ووعيده إذ هذا هو‬
‫العلم الذي يثمر الخشية‪.‬‬

‫( ‪)5/602‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان جزاء من كفر بالسلم من سائر الناس وأنه بئس الجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان جزاء من آمن بالسلم ودخل فيه وطبق قواعده واستقام على المر والنهي فيه وهو نعم‬
‫الجزاء رضى ال والخلود في دار السلم‪.‬‬
‫‪ -3‬فضل الخشية إن حملت صاحبها على طاعة ال ورسوله فأطاعهما بأداء الفرائض وترك‬
‫المحرمات في العتقاد والقول والعمل‪.‬‬
‫( ‪)5/603‬‬

‫سورة الزلزلة‬
‫‪...‬‬
‫سورة الزلزلة ‪1‬‬
‫مدنية وآياتها ثماني آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫جتِ الْأَ ْرضُ أَ ْثقَاَلهَا (‪َ )2‬وقَالَ الْأِنْسَانُ مَا َلهَا (‪َ )3‬ي ْومَئِذٍ‬
‫إِذَا ُزلْزَِلتِ الْأَ ْرضُ زِلْزَاَلهَا (‪ )1‬وََأخْرَ َ‬
‫عمَاَلهُمْ (‪َ )6‬فمَنْ‬
‫صدُرُ النّاسُ َأشْتَاتا لِيُ َروْا أَ ْ‬
‫ح ّدثُ أَخْبَارَهَا (‪)4‬بِأَنّ رَ ّبكَ َأوْحَى َلهَا (‪َ )5‬ي ْومَئِذٍ َي ْ‬
‫تُ َ‬
‫َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ خَيْرا يَ َرهُ (‪َ )7‬ومَنْ َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ شَرّا يَ َرهُ (‪)8‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إذا زلزلت الرض ‪:‬أي حركت لقيام الساعة‪.‬‬
‫وأخرجت الرض أثقالها ‪:‬أي كنوزها وموتاها فألقتها وتخلت‪.‬‬
‫مالها ‪:‬أي وقال الكافر مالها أي أي شيء جعلها تتحرك هذه الحركة‪.‬‬
‫تحدث أخبارها ‪:‬أي تخبر بما وقع عليها من خير وشر وتشهد به لهله‪.‬‬
‫أوحى لها ‪:‬أي بأن تحدث أخبارها فحدثت‪.‬‬
‫يصدر الناس أشتاتا ‪:‬أي من موقف الحساب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وتسمى سورة الزلزال لوجود لفظ الزلزال فيها وهو قوله إذا زلزلت الرض زلزالها‪,‬‬
‫واشتهرت بسورة الزلزلة وهي تسمية بالمعنى إذ ليس فيها لفظ الزلزلة‪ .‬ورد أنها تعدل ربع‬
‫القرآن أو نصفه والحديث ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)5/603‬‬

‫ليروا أعمالهم ‪:‬أي جزاء أعمالهم إما إلى الجنة وإما إلى النار‪.‬‬
‫مثقال ذرة ‪:‬زنة نملة صغيرة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {إِذَا زُلْزَِلتِ الْأَ ْرضُ زِلْزَاَلهَا ‪ }1‬أي تحركت حركتها الشديدة لقيام الساعة وأخرجت‬
‫الرض أثقالها من كنوز وذلك في النفخة الولى‪ ,‬وأموات وذلك في النفخة الثانية ففي الخبار‬
‫إجمال إذ المقصود تقرير البعث والجزاء ليعمل الناس بما ينجيهم من النار ويدخلهم الجنة‪ .‬وقوله‬
‫{ َوقَالَ الْأِنْسَانُ مَا َلهَا؟}‪ 2‬ل شك أن هذا النسان السائل كان كافرا بالساعة ولذا تساءل أما المؤمن‬
‫ح ّدثُ أَخْبَارَهَا ‪ }3‬أي تخبر بما جرى‬
‫فهو يعلم ذلك لنه جزء من عقيدته‪ .‬وقوله تعالى { َي ْومَئِذٍ تُ َ‬
‫عليها من خير وشر بلسان القال أو الحال‪ .‬وهي في هذا الخبار مأمورة لقوله تعالى {بِأَنّ رَ ّبكَ‬
‫َأوْحَى َلهَا} أي بذلك وقوله { َي ْومَئِذٍ َيصْدُرُ النّاسُ أَشْتَاتا‪ }4‬أي يوم تزلزل الرض وتهتز للنفخة‬
‫الثانية نفخة يصدر الناس فيها أشتاتا أي يصدرون من ساحة فصل القضاء فمن آخذ ذات اليمين‬
‫ومن آخذ ذات الشمال ليروا أعمالهم أي جزاء أعمالهم في الدنيا من حسنة وسيئة فالحسنة تورث‬
‫الجنة والسيئة تورث النار‪ .‬وقوله تعالى { َفمَنْ َي ْع َملْ مِثْقَالَ ذَ ّرةٍ خَيْرا‪ }5‬أي وزن ذرة من خير في‬
‫الدنيا يثب عليه في الخرة ومن يعمل مثقال ذرة أي وزن ذرة من شر في الدنيا يجز به في‬
‫الخرة إل أن يعفو الجبار عز وجل وبما أن الكفر مانع من دخول الجنة فإن الكافر إذا عمل‬
‫حسنة في الدنيا‪ ,‬وليس له في الخرة شيء منها وذلك لحديث عائشة رضي ال عنها إذ سألت‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم عن عبد ال بن جدعان هل ينفعه في الخرة ما كان يفعله في الدنيا‬
‫من إطعام الحجيج وكسوتهم فقال لها‪ .‬ل إنه لم يقل يوما من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم‬
‫الدين‪ .‬كما أن أبا بكر الصديق رضي ال عنه كان يأكل مع الرسول صلى ال عليه وسلم ونزلت‬
‫هذه الية {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} الية فرفع أبو بكر يده من الطعام وقال إني لراء ما‬
‫عملت من خير وشر؟ فقال‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إضافة الزلزال إلى ضمير الرض لفادة تمكنه منها وللشارة إلى هوله وفظاعته لما عرف‬
‫الناس من أهوال الزلزال إذا وقع والزلزال بكسر الزاء مصدر وبفتحها اسم مصدر‪ .‬وهو مأخوذ‬
‫من الزلل وهو زلق الرجلين‪ .‬فلما قصدوا شدة الزلل ضاعفوا الفعل فقالوا في زل زلزل كما قالوا‬
‫في كبه كبكبه‪.‬‬
‫‪ 2‬مالها استفهام ناشئ عن دهشة وحيرة للمفاجأة‪ .‬أي ما للرض زلزلت هذا الزلزال‪.‬‬
‫‪ 3‬روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قرأ هذه الية (يومئذ تحدث‬
‫أخبارها) فقال أتدرون ما أخبارها؟ قالوا ال ورسوله أعلم قال فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد‬
‫أو أمة بما عمل على ظهرها‪ ,‬وتقول عمل يوم كذا وكذا فهذه أخبارها وجملة (يومئذ تحدث)‬
‫جواب الشرط (إذا زلزلت)‪.‬‬
‫‪ 4‬الشتات جمع شت بمعنى متفرقين جماعات جماعات أصحاب يمين وأصحاب شمال‪.‬‬
‫‪ 5‬يحكى أن أعرابيا أخر (خيرا يره) فقيل له قدمت وأخرت فقال‪:‬‬
‫خذا بطن هرشى أو قفاها فإنه‬
‫كل جانبي هرشى لهن طريق‬
‫وفات العرابي أن تقديم لفظ الخير تنويه به وبأهله ولذا قدم في الية‪.‬‬
‫( ‪)5/604‬‬

‫النبي صلى ال عليه وسلم أن ما ترى مما تكره فهو من مثاقيل ذر شر كثير‪ ,‬ويدخر ال لك‬
‫مثاقيل الخير حتى تعطاه يوم القيامة وتصديق ذلط في كتاب ال { َومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا‬
‫كَسَ َبتْ أَيْدِيكُمْ وَ َيعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬العلم بالنقلب الكوني الذي تتبدل فيه الرض غير الرض والسموات غير السموات‪.‬‬
‫‪ -3‬تكلم الجمادات من آيات ال تعالى الدالة على قدرته وعلمه وحكمته وهي موجبات ألوهيته‬
‫بعبادته وحده دون سواه‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير حديث الصالح اتقوا النار ولو بشق تمرة‪1.‬‬
‫‪ -5‬الكافر عمله الخيري ينفعه في الدنيا دون الخرة‪.‬‬
‫‪ -6‬المؤمن يجزي ‪ 2‬بالسيئة في الدنيا ويدخر له صالح عمله للخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬حديث "اتقوا النار ول بشق تمرة"‪ .‬رواه البخاري وفي الموطأ أن مسكينا استطعم عائشة أم‬
‫المؤمنين وبين يديها عنب فقالت لنسان خذ حبة فأعطه إياها‪ ,‬فجعل ينظر إليها ويعجب‪ ,‬فقالت‬
‫أتعجب؟ كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة؟‬
‫‪ 2‬شاهده حديث أبي بكر السالف الذكر‪.‬‬

‫( ‪)5/605‬‬

‫سورة العاديات‬
‫‪...‬‬
‫سورة العاديات‬
‫مكية وآياتها إحدى عشرة آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سطْنَ بِهِ‬
‫ت صُبْحا (‪ )3‬فَأَثَرْنَ بِهِ َنقْعا (‪َ )4‬فوَ َ‬
‫وَا ْلعَادِيَاتِ ضَبْحا (‪ )1‬فَا ْلمُورِيَاتِ قَدْحا (‪ )2‬فَا ْل ُمغِيرَا ِ‬
‫شدِيدٌ (‪َ )8‬أفَل‬
‫حبّ ا ْلخَيْرِ لَ َ‬
‫شهِيدٌ (‪ )7‬وَإِنّهُ لِ ُ‬
‫جمْعا (‪ )5‬إِنّ الْأِنْسَانَ لِرَبّهِ َلكَنُودٌ (‪ )6‬وَإِنّهُ عَلَى ذَِلكَ لَ َ‬
‫َ‬
‫َيعْلَمُ ِإذَا ُبعْثِرَ مَا فِي ا ْلقُبُورِ (‪)9‬‬
‫صلَ مَا فِي الصّدُورِ (‪ )10‬إِنّ رَ ّبهُمْ ِبهِمْ َي ْومَئِذٍ لَخَبِيرٌ (‪)11‬‬
‫ح ّ‬
‫وَ ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫والعاديات ‪ :‬أي والخيل تعدو في الغزو‪.‬‬

‫( ‪)5/605‬‬

‫ضبحا‪ :‬أي تضبح ضبحا والضبح صوت الخيل إذا عدت أي جرت‪.‬‬
‫فالموريات قدحا‪ :‬أي الخيل توري النار بحوافرها إذا سارت بالليل‪.‬‬
‫فالمغيرات صبحا‪ :‬أي الخيل تغير على العدو صباحا‪.‬‬
‫فأثرن به نقعا‪ :‬هيجن به أي بمكان عدوها نقعا أي غبارا‪.‬‬
‫فوسطن به جمعا‪ :‬أي بالنقع جمع العدو أي حيث تجمعاته‪.‬‬
‫لكنود‪ :‬لكفور بجحد نعمه تعالى عليه‪.‬‬
‫لشهيد‪ :‬أي يشهد على نفسه بعمله‪.‬‬
‫وإنه لحب الخير‪ :‬أي المال‪.‬‬
‫إذا بعثر‪ :‬أي أثير وأخرج ما في القبور‪.‬‬
‫وحصل ما في الصدور‪ :‬بين وأفرز ما في الصدور من اليمان والكفر‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ت ضَبْحا}‪ 1‬اليات إلى قوله {َأفَل َيعَْلمُ} تضمنت قسما إلهيا عظيما على حقيقة‬
‫قوله تعالى {وَا ْلعَادِيَا ِ‬
‫كبرى يجهلها كثير من الناس وهي كفر النسان لربه ولنعمه عليه يعد المصائب وينسى النعم‬
‫والفواصل وهذا بيان ما أقسم تعالى به وهو العاديات ضبحا وهي الخيل ‪ 2‬تضبح أي تخرج صوتا‬
‫خاصا غير الصهيل المعروف فالموريات قدحا أي الخيل توري النار بحوافرها إذا مشت فوق‬
‫الحجارة ليل ويدخل ضمن هذا كل قادحة للنار فالمغيرات صبحا أي جماعات الخيل يركبها‬
‫فرسانها للغارة على العدو بها صباحا‪ .‬وقوله فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا أي فأثارت الخيل‬
‫النقع وهو الغبار والتراب عند سيرها بفرسانها فتوسطت جمع العدو وكتائبه لقتال أعداء ال‬
‫الكافرين بال وآياته ولقائه المفسدين في الرض بالشرك والمعاصي هذا ما أقسم ال تعالى به‬
‫وهو الخيل ذات الصفات الثلث‪ :‬العدو والوراء والغارة والمقسم عليه قوله {إِنّ الْإِ ْنسَانَ لِرَبّهِ‬
‫َلكَنُودٌ} المراد من النسان الكافر والجاهل بربه تعالى الذي لم تتهذب روحه بمعرفة ال ومحابه‬
‫ومكارهه ولم يزك نفسه بفعل المحاب وترك المكاره هذا النسان أقسم تعالى على أنه كفور لربه‬
‫تعالى ولنعمه عليه أي شديد الكفر كثير بذكر المصائب ويشعر بها ويصرخ لها ويصر عليها‬
‫وينسى النعم والفواضل عليه فل يذكرها ول يشكر ال تعالى عليها‪ .‬فالكنود الكفور‪ 3.‬وقوله تعالى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفراس تعدو (القرطبي) تضبح أي تحمحم إذا عدت وأصل الضبح والضباح للثعالب كالنبح‬
‫والنباح للكلب‪.‬‬
‫‪ 2‬يروى عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال في العاديات أنها البل تعدو في الحج من عرفة‬
‫إلى مزدلفة وإلى منى إل أن الخيل أولى بهذه الصفات‪.‬‬
‫‪ 3‬فسر السلف الكنود بالهلوع والجحود والجهول والحقود والمنوع‪ ،‬وفعله كند يكند كنودا من باب‬
‫دخل يدخل دخل أي كفر النعمة وجحدها‪.‬‬

‫( ‪)5/606‬‬

‫وإنه على ذلك لشهيد أي وإن ال تعالى على هذا الوصف في النسان لشهيد فأخبر تعالى بما‬
‫علمه من النسان وشهد به عليه كما أن النسان شهيد بأعماله وصنائع أقواله وأفعاله شهيد على‬
‫نفسه بالكفر والجحود‪ .‬وقوله وإنه لحب الخير لشديد هذا مما أقسم تعالى عليه أيضا وهو وصف‬
‫للنسان الكنود وهو أنه شديد حب المال وسمي المال خيرا تسمية ‪ 1‬عرفية إذ تعارف الناس على‬
‫ذلك كما أنه خير من حيث أنه يحصل به الخير الكثير إذا أنفق في مرضاة ال تعالى‪.‬‬
‫صلَ‪ 3‬مَا فِي الصّدُورِ إِنّ رَ ّبهُمْ ِب ِهمْ َي ْومَئِذٍ‬
‫ح ّ‬
‫وقوله تعالى {َأفَل ‪َ 2‬يعَْلمُ إِذَا ُبعْثِرَ مَا فِي ا ْلقُبُورِ وَ ُ‬
‫لَخَبِيرٌ} أي أيكفر النسان بربه ويجحد نعمه عليه وإحسانه إليه ويحب المال أشد الحب فيمنع‬
‫حقوق ال فيه ويكتسب مما حرم ال عليه وقوله تعالى {َأفَل َيعْلَمُ ِإذَا ‪ُ 4‬بعْثِرَ مَا فِي ا ْلقُبُورِ} أي‬
‫بعثرت القبور وأخرج ما فيها من البشر للحساب والجزاء ووقفوا بين يدي ال تعالى وأفرز وبين‬
‫ما كان خفيا في الصدور من العتقادات والنيات الصالحة والفاسدة ول يخفى على ال تعالى منهم‬
‫شيء حيث {إِنّ رَ ّبهُمْ‪ِ 5‬بهِمْ َي ْومَئِذٍ َلخَبِيرٌ} كما هو اليوم خبير إل أنها ساعة الحساب والمجازاة‬
‫فذكر فيها علم ال تعالى وخبرته بالظواهر والبواطن والضمائر والسرائر فل يخفى على ال من‬
‫ذلك شيء وسيتم الجزاء العادل بحسب هذا العلم وتلك الخبرة اللهية‪ .‬فلو علم الكفور من الناس‬
‫المحب للمال هذا وأيقنه لعدل من سلوكه وأصلح من اعتقاده ومن أقواله وأعماله فاليات دعوة‬
‫إلى مراقبة ال تعالى بعد اليمان والستقامة على طاعته‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬الترغيب في الجهاد والعداد له كالخيل أمس‪ ،‬ونفاث الطائرات اليوم‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان حقيقة وهي أن النسان كفور لربه ونعمه عليه يذكر المصيبة إذا أصابته وينسى النعم‬
‫التي غطته إل إذا آمن وعمل صالحا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬شاهده قوله تعالى‪ :‬إن ترك خيرا فللوالدين الية‪ .‬وقال عدي‪:‬‬
‫ماذا ترجي النفوس من طلب الخير وحب الحياة كا ربها‬
‫كا ربها غامها من الكرب الذي هو الغم‬
‫‪ 2‬الهمزة للستفهام النكاري والفاء للتفريع‪ ،‬والمفعول محذوف لتذهب النفس في طلبه مذاهب‬
‫تقديره أفل يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور العذاب الذي هو جزاء الكفر‬
‫والجحود والبخل‪.‬‬
‫‪ 3‬حصل معناه جمع وأحصى أو جمع وعد ليحاسب العبد عليه‪.‬‬
‫‪ 4‬بعثر أي قلب من أسفل إلى علو‪ ،‬والمراد إحياء ما في القبور من الموات‪.‬‬
‫‪ 5‬هذه الجملة مستأنفة علة لتحقيق الجزاء وإثباته ذلك الجزاء الذي يحصل يوم خروج الناس من‬
‫قبورهم وحسابهم على أعمالهم‪.‬‬

‫( ‪)5/607‬‬

‫‪ -3‬بيان أن النسان يحب المال حبا شديدا إل إذا هذب باليمان وصالح العمال‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬

‫( ‪)5/608‬‬

‫سورة القارعة‬
‫‪...‬‬
‫سورة القارعة‬
‫مكية وآياتها إحدى عشرة آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ا ْلقَارِعَةُ (‪ )1‬مَا ا ْلقَارِعَةُ (‪َ )2‬ومَا أَدْرَاكَ مَا ا ْلقَارِعَةُ (‪َ )3‬يوْمَ َيكُونُ النّاسُ كَا ْلفَرَاشِ ا ْلمَبْثُوثِ (‪)4‬‬
‫وَ َتكُونُ ا ْلجِبَالُ كَا ْل ِعهْنِ ا ْلمَ ْنفُوشِ (‪ )5‬فََأمّا مَنْ َثقَُلتْ َموَازِينُهُ (‪َ )6‬ف ُهوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِ َيةٍ (‪ )7‬وََأمّا‬
‫خ ّفتْ َموَازِينُهُ (‪ )8‬فَُأمّهُ هَاوِيَةٌ (‪َ )9‬ومَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (‪ )10‬نَارٌ حَامِيَةٌ (‪)11‬‬
‫مَنْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫القارعة‪ :‬القيامة وسميت القارعة لنها تقرع القلوب بأهوالها‪.‬‬
‫ما القارعة ‪ :‬أي أي شيء هي؟ فالستفهام للتهويل من شأنها‪.‬‬
‫وما أدراك ما القارعة ‪ :‬زيادة في التهويل أمرها وتعظيمه‪.‬‬
‫كالفراش المبثوث‪ :‬أي كغوغاء الجراد المنتشر يموج بعضهم في بعض‪.‬‬
‫كالعهن المنفوش‪ :‬أي كالصوف المندوف هذه حالها أول ثم تكون كثيبا مهيل ثم تكون هباء منبثا‪.‬‬
‫في عيشة راضية‪ :‬أي يرضاها صاحبها في الجنة فهي مرضية له‪.‬‬
‫فأمه هاوية‪ :‬أي مأواه ومسكنه الهاوية التي يهوي فيها على رأسه وهي النار‪.‬‬
‫نار حامية ‪ :‬أي هي نار حامية‪.‬‬

‫( ‪)5/608‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {ا ْلقَارِعَةُ} إلى آخر السورة الكريمة تضمنت آياتها الحدى عشرة آية وصفا لعقيدة‬
‫البعث والجزاء التي كذب بها المشركون وأنكروها وبالغوا في إنكارها فأخبر تعالى أن القيامة‬
‫التي تقرع الناس بأهوالها وعظائم ما يجري فيها بحيث يكون الناس وهم اشرف الكائنات‬
‫الرضية يكونون في خفة أحلمهم وحيرة عقولهم كالفراش المبثوث وهو غوغاء الجراد وتجمعه‬
‫وتراكمه وانتشاره وهو يموج بعضه فوق بعض‪ .‬وتكون الجبال على رسوها وعلوها وضخامة‬
‫ذواتها كالعهن المنفوش أي كالصوف المندوف بالمنداف وهو يتطاير هنا وهناك‪ .‬هذا في أول‬
‫المر وقد تكون كالرمل المتهيل‪ .‬ثم كالهباء المنبث فإذا بعثوا ووقفوا بين يدي ربهم لحسابهم‬
‫ومجازاتهم {فمَنْ َثقُلَتْ َموَازِينُهُ} أي موازين حسناته فقد نجا من النار وهو {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي‬
‫خ ّفتْ َموَازِينُهُ} أي‬
‫مرضية له وهو بها راض وكيف ل وهي الجنة دار النعيم المقيم‪{ .‬وأمّا مَنْ َ‬
‫قلت حسناته وكثرت سيئاته أو لم يكن له حسنة بالمرة كأهل الكفر والشرك { فَُأمّهُ هَاوِيَةٌ} أي فأمه‬
‫التي تضمه إليها وتؤيه عندها هاوية بحيث يهوى فيها على أم رأسه وقوله تعالى { َومَا أَدْرَاكَ مَا‬
‫هِيَهْ؟} أي هي {نَارٌ حَامِيَةٌ} هذا الستفهام للتهويل من شأنها وهي كذلك ل أشد هول منها إنها النار‬
‫دار البوار والخسران أعاذنا ال تعالى منها وعتق رقابنا منها اللهم آمين‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪-1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر صورة صادقة لها‪.‬‬
‫‪-2‬التحذير من أهوال يوم القيامة وعذاب ال تعالى فيها‪.‬‬
‫‪-3‬تقرير عقيدة وزن العمال صالحها وفاسدها وترتيب الجزاء عليها‪.‬‬
‫تقرير أن الناس يوم القيامة فريقان فريق في الجنة وفريق في السعير‪.‬‬

‫( ‪)5/609‬‬

‫سورة التكاثر‬
‫‪...‬‬
‫سورة التكاثر‬
‫مكية وآياتها ثماني آيات ‪1‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ (‪ )4‬كَلّا َلوْ‬
‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ (‪ )3‬ثُمّ كَلّا َ‬
‫أَ ْلهَاكُمُ ال ّتكَاثُرُ (‪ )1‬حَتّى زُرْتُمُ ا ْل َمقَابِرَ (‪ )2‬كَلّا َ‬
‫َتعَْلمُونَ عِ ْلمَ الْ َيقِينِ (‪ )5‬لَتَ َروُنّ ا ْلجَحِيمَ (‪ُ )6‬ثمّ لَتَ َروُ ّنهَا عَيْنَ الْ َيقِينِ (‪ُ )7‬ثمّ لَتُسْأَلُنّ َي ْومَئِذٍ عَنِ ال ّنعِيمِ (‬
‫‪)8‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ألهاكم‪ :‬أي شغلكم عن طاعة ال تعالى‪.‬‬
‫التكاثر‪ :‬أي التباهي بكثرة المال‪.‬‬
‫حتى زرتم المقابر‪ :‬أي تشاغلتم بجمع المال والتباهي بكثرته حتى متم ونقلتم إلى المقابر‪.‬‬
‫كل‪ :‬أي ما هكذا ينبغي أن تفعلوا فارتدعوا عن هذا التكاثر‪.‬‬
‫سوف تعلمون‪ :‬أي إذا دخلتم قبوركم علمتم خطأكم في التكاثر في الموال والولد‪.‬‬
‫كل‪ :‬أي حقا‪.‬‬
‫لو تعلمون علم اليقين‪ :‬أي علما يقينيا عاقبة التكاثر لما تفاخرتم بكثرة أموالكم‪.‬‬
‫لترون الجحيم‪ :‬أي النار‪.‬‬
‫يومئذ‪ :‬أي يوم ترون الجحيم عين اليقين‪.‬‬
‫عن النعيم‪ :‬أي تنعمتم به وتلذذتم من الصحة والفراغ والمن والمطاعم والمشارب‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {أَ ْلهَاكُمُ ال ّتكَاثُرُ‪ }2‬هذا خطاب ال تعالى للمشتغلين بجمع المال وتكثيره للمباهاة به‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إل البخاري فإنه يرى أنها مدنية والصحيح أنها مكية ولعل البخاري تأثر بما رواه من أن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال لبي بكر في بستان ابن تيهان إن هذا من النعيم الذي تسألون عنه‪.‬‬
‫‪ 2‬ألهاكم شغلكم قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع‬
‫فألهيتها عن ذي تمائم محول‬
‫أي شغلتها‪.‬‬

‫( ‪)5/610‬‬

‫والتفاخر المر الذي ألهاهم عن طاعة ال ورسوله فماتوا ولم يقدموا لنفسهم خيرا فقال تعالى لهم‬
‫ألهاكم أي شغلكم التكاثر أي في الموال للتفاخر بها والمباهاة بكثرتها {حَتّى زُرْتُمُ ا ْل َمقَابِرَ}‪ 1‬أي‬
‫بعد موتكم نقلتم إليها لتبقوا فيها إلى أن تخرجوا منها للحساب والجزاء أي يوم القيامة‪ .‬وقوله لهم‬
‫{كُلّا} أي ما هكذا ينبغي أن تفعلوا فاتدعوا عن هذا السلوك المفضي بكم إلى الهلك والخسران‪.‬‬
‫س ْوفَ‬
‫سوف تعلمون عاقبة تشاغلكم عن طاعة ال وطاعة رسوله والتزود للدار الخرة { ُثمّ كَلّا َ‬
‫‪َ 2‬تعَْلمُونَ} كرر الوعيد والتهديد‪ .‬وقوله {كَلّا َلوْ َتعَْلمُونَ عِ ْلمَ الْ َيقِينِ‪ }3‬أي ‪ 4‬حقا لو تعلمون ما‬
‫تجدونه في قبوركم ويوم بعثكم ونشوركم لما تشاغلتم بالموال وتكاثرتم فيها‪ .‬وقوله {لَتَ َروُنّ‬
‫جحِيمَ ُثمّ لَتَ َروُ ّنهَا عَيْنَ الْ َيقِينِ} هذا جواب قسم نحو وعزتنا لترون الجحيم أي النار وذلك يوم‬
‫الْ َ‬
‫القيامة المشرك يراها ويصلها والمؤمن يراها وينجيه ال تعالى منها‪ .‬ثم لترونها عين اليقين أي‬
‫المر الذي ل شك فيه إذ يؤتى بجهنم فيراها أهل الموقف أجمعون وقوله {ثُمّ لَُتسْأَلُنّ َي ْومَئِذٍ} أي‬
‫يوم ترون الجحيم عين اليقين {عَنِ ال ّنعِيمِ‪ }5‬الذي كان لكم في الدنيا من صحة وفراغ وأمن وطعام‬
‫وشراب‪ .‬فمن أدى شكره نجا‪ ،‬ومن لم يؤد شكره أخذ به ول يعفى إل عن ثوب يستر العورة‬
‫وكسرة خبز تسد الجوعة وجحر يكن من الحر والبرد وقد صح أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‬
‫لبي بكر وعمروا ابن التيهان "هذا من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة يشير إلى بسر ورطب‬
‫وماء بارد" وصح أيضا "أنه ل تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن‬
‫شبابه فيما أبله وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ "‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬التحذير من جمع المال وتكثيره مع عدم شكره وترك طاعة ال ورسوله من أجله‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في صحيح مسلم عن مطرف عن أبيه قال أتيت النبي صلى ال عليه وسلم وهو يقرأ ألهاكم‬
‫التكاثر‪ ،‬قال‪ :‬يقول ابن آدم‪ :‬مالي مالي وهل لك يا بن آدم من مالك إل ما أكلت فأفنيت‪ ،‬أو لبست‬
‫فأبليت‪ ،‬أو تصدقت فأمضيت وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس‪ .‬وروى البخاري قوله صلى ال‬
‫عليه وسلم لو أن لبن آدم واديا من ذهب لحب أن يكون له واديان ولن يمل فاه إل التراب‪،‬‬
‫ويتوب ال على من تاب‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الجملة توكيد للولى وهي سوف تعلمون‪ ،‬ومفعول تعلمون محذوف تقديره تعلمون سوء‬
‫مغبة لهوكم بالتكاثر مشغولين عن طاعة ال ورسوله مشغولين بجمع الموال والتكاثر بها‪.‬‬
‫‪ 3‬جواب لو تعلمون علم اليقين محذوف كما حذفت الول تقديره لتبين لكم حال مفظع عظيم‬
‫والضافة في علم اليقين إضافة بيانية لن اليقين علم‪.‬‬
‫‪ 4‬وجائز أن تكون كلهما كالولى للردع والزجر وكونها بمعنى حقا أولى‪.‬‬
‫‪ 5‬اختلف في تحديد النعيم المذكور الذي نسأل عنه يوم القيامة فقيل له المن والصحة وقيل‬
‫الصحة والفراغ‪ ،‬وقيل شبع البطون وبارد الشراب وظلل المساكن‪ .‬وفي البخاري عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"‪.‬‬
‫( ‪)5/611‬‬

‫‪ -2‬إثبات عذاب القبر وتأكيده بقوله حتى زرتم المقابر كل سوف تعلمون أي في القبر‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث وحتمية الجزاء بعد الحساب والستنطاق والستجواب‪.‬‬
‫‪ -4‬حتمية سؤال العبد عن النعم التي أنعم ال تعالى عليه بها في الدنيا فإن كان شاكرا لها فاز‬
‫وإن كان كافرا لها أخذ والعياذ بال‪.‬‬

‫( ‪)5/612‬‬

‫سورة العصر‬
‫‪...‬‬
‫سورة العصر‬
‫مكية وآياتها ثلث آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حقّ‬
‫صوْا بِالْ َ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ وَ َتوَا َ‬
‫وَا ْل َعصْرِ (‪ )1‬إِنّ الْأِ ْنسَانَ َلفِي خُسْرٍ (‪ )2‬إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫صوْا بِالصّبْرِ (‪)3‬‬
‫وَ َتوَا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫والعصر‪ :‬أي الدهر كله‪.‬‬
‫إن النسان‪ :‬أي جنس النسان كله‪.‬‬
‫لفي خسر‪ :‬أي في نقصان وخسران إذ حياته هي رأس ماله فإذا مات ولم يؤمن ولم يعمل صالحا‬
‫خسر كل الخسران‪.‬‬
‫وتواصوا بالحق‪ :‬أي أوصى بعضهم بعضا باعتقاد الحق وقوله والعمل به‪.‬‬
‫وتواصوا بالصبر‪ :‬أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على اعتقاد الحق وقوله والعمل به‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {وَا ْل َعصْرِ‪ }1‬اليات الثلث تضمنت هذه اليات حكما ومحكوما عليه ومحكوما به‬
‫فالحكم هو ما حكم به تعالى على النسان ‪ 2‬كل النسان من النقصان والخسران والمحكوم عليه‬
‫هو النسان ابن آدم والمحكوم به هو الخسران لمن لم يؤمن ويعمل صالحا والربح والنجاة من‬
‫الخسران لمن آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر فقوله تعالى {وَا ْل َعصْرِ}‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذكر أهل التفسير في تحديد كلمة العصر أقوالً منها أنها صلة العصر لنها الصلة الوسطى‪،‬‬
‫ومنها عصر النبي صلى ال عليه وما في التفسير أعم وأولى‪.‬‬
‫‪ 2‬النسان (أل) فيه لستغراق الجنس إل أنه خاص بالموجودين في زمن النزول للية ومن بلغته‬
‫الدعوة السلمية‪ ،‬أما من كانوا قبل نزول الية وظهور السلم فل يدخلون في عموم لفظ‬
‫النسان ولو قيل بالعموم لكان حقا أيضا‪.‬‬

‫( ‪)5/612‬‬

‫هو قسم أقسم ال به والعصر هو الدهر كله ليله ونهاره وصبحه ومساؤه وجواب القسم قوله تعالى‬
‫{إِنّ الْأِنْسَانَ َلفِي خُسْرٍ} أي نقصان وهلكة وخسران إذ يعيش في كبد ويموت على جهنم فيخسر‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ} فهؤلء استثناهم ال‬
‫كل شيء حتى نفسه التي بين جنبيه وقوله {إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫تعالى من الخسر فهم رابحون غير خاسرين وذلك بدخولهم الجنة دار السعادة والمراد من اليمان‬
‫اليمان بال ورسوله وما جاء به رسوله من الهدى ودين الحق والمراد من العمل الصالح‬
‫صوْا بِا ْلحَقّ} أي باعتقاده وقوله والعمل به وذلك باتباع‬
‫الفرائض والسنن والنوافل‪ ،‬وقوله {وَ َتوَا َ‬
‫صوْا بِالصّبْرِ‪ }1‬أي أوصى بعضهم بعضا بالحق اعتقادا وقول وعمل‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وقوله {وَ َتوَا َ‬
‫وبالصبر على ذلك حتى يموت أحدهم وهو يعتقد الحق ويقول به ويعمل بما جاء فيه فالسلم حق‬
‫والكتاب حق والرسول حق فهم بذلك يؤمنون ويعملون ويتواصون بالثبات على ذلك حتى الموت‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضيلة سورة العصر لشتمالها على طريق النجاة في ثلث آيات حتى قال المام الشافعي لو‬
‫ما أنزل ال تعالى على خلقه حجة إل هذه السورة لكفتهم‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان مصير النسان الكافر وأنه الخسران التام‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان فوز أهل اليمان والعمل الصالح المجتنبين للشرك والمعاصي‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب التواصي بالحق والتواصي بالصبر بين المسلمين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬حقيقة الصبر منع المرء نفسه مما هو مناف لطاعة ال ورسوله فعل أو تركا‪.‬‬

‫( ‪)5/613‬‬

‫سورة الهمزة‬
‫‪...‬‬
‫سورة الهمزة‬
‫مكية وآياتها تسع آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سبُ أَنّ مَالَهُ َأخْلَ َدهُ (‪ )3‬كَلّا لَيُنْبَذَنّ فِي‬
‫حَ‬‫ل وَعَدّ َدهُ (‪ )2‬يَ ْ‬
‫جمَعَ مَا ً‬
‫وَ ْيلٌ ِل ُكلّ ُهمَ َزةٍ ُلمَ َزةٍ (‪ )1‬الّذِي َ‬
‫طمَةُ (‪ )5‬نَارُ اللّهِ ا ْلمُوقَ َدةُ (‪ )6‬الّتِي َتطّلِعُ عَلَى الَْأفْ ِئ َدةِ (‪ )7‬إِ ّنهَا عَلَ ْي ِهمْ‬
‫طمَةِ (‪َ )4‬ومَا أَدْرَاكَ مَا ا ْلحُ َ‬
‫حَ‬‫الْ ُ‬
‫ع َمدٍ ُممَدّ َدةٍ (‪)9‬‬
‫ُمؤْصَ َدةٌ (‪ )8‬فِي َ‬

‫( ‪)5/613‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ويل لكل همزة لمزة‪ :‬كلمة يطلب بها العذاب وواد في جهنم الهمزة كثير الهمز واللمز كذلك وهم‬
‫الطعانون المظهرون العيوب للفساد‪.‬‬
‫جمع مال وعدده‪ :‬أي أحصاه وأعده لحوادث الدهر‪.‬‬
‫يحسب أن ماله أخلده‪ :‬أي يجعله خالدا في الحياة ل يموت‪.‬‬
‫كل‪ :‬أي ليس المر كما يزعم ويظن‪.‬‬
‫لينبذن‪ :‬أي ليطرحن في الحطمة‪.‬‬
‫في الحطمة‪ :‬أي النار التي تحطم كل ما يلقى فيها‪.‬‬
‫تطلع على الفئدة‪ :‬أي تشرف على القلوب فتحرقها‪.‬‬
‫مؤصدة‪ :‬أي مغلقة مطبقة‪.‬‬
‫في عمد ممددة‪ :‬أي يعذبون في النار بأعمدة ممدة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {وَ ْيلٌ ِل ُكلّ ُهمَ َزةٍ ُلمَ َزةٍ}‪ 1‬يتوعد الرب تبارك وتعالى بواد في جهنم يسيل بصديد أهل‬
‫النار وقيوحهم كل همزة لمزة ‪ 2‬أي كل مغتاب عياب ممن يمشون بالنميمة ويبغون للبراء العيب‬
‫سبُ أَنّ مَاَلهُ أَخَْل َدهُ} هذا وصف آخر لتلك الهمزة اللمزة وهو أنه‬
‫ل وَعَدّ َدهُ َيحْ َ‬
‫جمَعَ مَا ً‬
‫وقوله {الّذِي َ‬
‫عدّ َدهُ} أي أحصاه وعرف مقداره وأعده لحوادث الدهر كما‬
‫جمَعَ مَالً} كثيرا من حرام وحلل {وَ َ‬
‫{َ‬
‫سبُ أَنّ مَالَهُ َأخْلَ َدهُ} أي يظن أنه ل يموت لكثرة أمواله ومتى كان المال ينجي من‬
‫يزعم‪{ .‬يَحْ َ‬
‫الموت؟ إنه الغرور في الحياة‪ ،‬لو كان المال يخلد أحدا لخلد قارون‪ ،‬وقوله تعالى {كَلّا}‪ 3‬ل يخلده‬
‫طمَةِ} النار المستعرة التي تحطم كل ما‬
‫حَ‬‫ماله بل وعزتنا وجللنا {لَيُنْبَذَنّ} ‪ 4‬أي يطرحن {فِي الْ ُ‬
‫طمَةُ}‪ 5‬هذا الستفهام لتعظيم أمرها وتهويل شأنها‪ ،‬وبينها‬
‫يلقى فيها وقوله تعالى { َومَا أَدْرَاكَ مَا ا ْلحُ َ‬
‫تعالى بقوله {نَارُ اللّهِ ا ْلمُوقَ َدةُ} أي المستعرة المتأججة‪{ ،‬الّتِي َتطّلِعُ عَلَى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس هم المشاءون بالنميمة المفسدون بين الحبة الباغون للبرآء العيب‪.‬‬
‫‪ 2‬قال عطاء بن أبي رياح‪ :‬الهمزة الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل‪ ،‬واللمزة الذي يغتابه من‬
‫خلقه إذا غاب قال حسان‪:‬‬
‫همزتك فاختضعت بذل نفس‬
‫بقافية تأجج كالشواظ‬
‫‪ 3‬كل رد لما توهمه الكافر وردع له وزجر على اعتقاده وقوله إذ كلهما فاسد باطل‪.‬‬
‫‪ 4‬اللم موطئة للقسم‪.‬‬
‫‪ 5‬الحطمة دركة من درك النار قيل أنها الثانية وقيل الرابعة أو هي اسم من أسماء جهنم‪.‬‬

‫( ‪)5/614‬‬

‫الَْأفْئِ َدةِ} أي تشرف على القلوب فتحرقها‪ ،‬وقوله تعالى {إِ ّنهَا عَلَ ْي ِهمْ ُمؤْصَ َدةٌ} ‪ 1‬أي إن النار على‬
‫عمَدٍ ُممَدّ َدةٍ} أي يعذبون في النار‬
‫أولئك الهمازين اللمازين مطبقة مغلقة البواب وقوله تعالى {فِي َ‬
‫بعمد ممددة‪ ،‬وال أعلم كيف يكون تعذيبهم ‪ 2‬بها إذ لم يطلعنا ال تعالى على كيفيته‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬التحذير من الغيبة والنميمة‪.‬‬
‫‪ -3‬التنديد بالمغترين بالموال المعجبين بها‪.‬‬
‫بيان شدة عذاب النار وفظاعته‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يقال آصدت الباب إذا أغلقته قاله مجاهد ومنه قول الشاعر (الرقيات)‬
‫إن ي القصر لو دخلنا غزال‬
‫مصفقا موصدا عليه الحجاب‬
‫فمصفقا وموصدا بمعنى واحد وهو مغلق‪.‬‬
‫‪ 2‬في عمد أي موثقين في عمد كما يوثق المسجون المغلظ عليه من رجليه في فلقة ذات ثقب‬
‫يدخل في رجليه والعمد اسم جمع عمود‪ ،‬والعمود خشبة والممددة المجعولة طويلة جدا‪.‬‬

‫( ‪)5/615‬‬

‫سورة الفيل‬
‫‪...‬‬
‫سورة الفيل‬
‫مكية وآياتها خمس آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سلَ عَلَ ْيهِمْ طَيْرا‬
‫ج َعلْ كَيْدَ ُهمْ فِي َتضْلِيلٍ (‪ )2‬وَأَرْ َ‬
‫أَلَمْ تَرَ كَ ْيفَ َف َعلَ رَ ّبكَ بَِأصْحَابِ ا ْلفِيلِ (‪ )1‬أَلَمْ يَ ْ‬
‫صفٍ مَ ْأكُولٍ (‪)5‬‬
‫جعََلهُمْ َكعَ ْ‬
‫حجَا َرةٍ مِنْ سِجّيلٍ (‪ )4‬فَ َ‬
‫أَبَابِيلَ (‪ )3‬تَ ْرمِيهِمْ بِ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ألم تر كيف فعل ربك ‪ :‬أي ألم ينته إلى علمك فعل ربك بأصحاب الفيل‪.‬‬
‫بأصحاب الفيل ‪ :‬أي محمود وهي أكبرها ومعه اثنا عشر فيل وصاحبها أبرهة‪.‬‬
‫ألم يجعل كيدهم ‪:‬أ ي في هدم الكعبة‪.‬‬
‫في تضليل ‪:‬أي في خسار وهلك‪.‬‬
‫أبابيل ‪:‬أي جماعات جماعات‪.‬‬
‫من سجيل ‪:‬أي طين مطبوخ‪.‬‬

‫( ‪)5/615‬‬

‫كعصف مأكول ‪:‬أي كورق زرع أكلته الدواب وداسته بأرجلها‪.‬‬


‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {أََلمْ ‪1‬تَرَ كَ ْيفَ َف َعلَ رَ ّبكَ بَِأصْحَابِ ا ْلفِيلِ‪ }2‬إلى قوله {مَ ْأكُولٍ} هي خمس آيات تضمنت‬
‫الحديث عن حادث جلل وقع أمام ‪ 3‬ولدة النبي صلى ال عليه وسلم وخلصته أن أبرهة الشرم‬
‫والي اليمن من قبل ملك الحبشة قد رأى أن يبني بيتا في صنعاء اليمن يدعو العرب إلى حجه بدل‬
‫حجهم البيت الحرام والقصد من ذاك تحويل التجارة والمكاسب من مكة إلى اليمن وعرض هذا‬
‫على الملك الحبشي فوافق وسره ذلك ولما بني البيت (الكنيسة) وسماها القليس لم يبن مثلها في‬
‫تاريخها جاء رجل قرشي فتغوط فيها ولطخ جدرانها بالعذرة غضبا منه‪ ،‬وذهب فلما رآها أبرهة‬
‫الشرم بتلك الحال استشاط غيظا وجهز جيشا لغزو مكة وهدم الكعبة وكان معه ثلثة عشر فيل‬
‫ومن بينها فيل يدعى محمود وهو أكبرها وساروا ما وقف في وجههم حي من أحياء العرب إل‬
‫قاتلوه وهزموه حتى انتهوا إلى قرب مكة وجرت سفارة بينهم وبين شيخ مكة عبد المطلب بن‬
‫هاشم جد النبي صلى ال عليه وسلم وانتهت المفاوضات بأن يرد أبرهة إبل عبد المطلب ثم هو‬
‫وشأنه بالكعبة وأمر رجال مكة أن يخلوا البلد ويلتحقوا برؤوس الجبال بنسائهم وأطفالهم خشية‬
‫المعرة تلحقهم من الجيش الغازي والظالم‪ ،‬وما هي إل أن تحرك جيش أبرهة ووصل إلى وادي‬
‫محسر وهو في وسط الوادي سائر وغذا بفرق من الطير فرقة بعد أخرى ترسل على ذلك الجيش‬
‫حجارة الواحدة ما بين الحمصة والعدسة في الحجم وما تسقط الحجرة على رجل إل ذاب وتناثر‬
‫لحمه فهلكوا وفر أبرهة ولحمه يتناثر فهلك في الطريق وكانت هذه نصرة من ال لسكان حرمه‬
‫وحماة بيته ومن ثم ما زالت العرب تحترم الكعبة والحرم وسكانه إلى اليوم‪ .‬وقوله تعالى {أََلمْ تَرَ‬
‫كَ ْيفَ} يخاطب تعالى رسوله مذكراَ إياه بفعله الجبار في إهلك الجبابرة فأين قوة ظلمة قريش‬
‫كالعاص بن وائل وعمرو بن هشام والوليد وعقبة من قوة أبرهة وأبادها ال تعالى في ساعة‬
‫فاصبر يا محمد ول تحمل لهؤلء العداء هما فإنما لهم ساعة فكانت السورة عبارة عن ذكرى‬
‫للعظة والعتبار‪ .‬وهذا شرح اليات {أََلمْ تَرَ كَ ْيفَ َف َعلَ رَ ّبكَ بَِأصْحَابِ ا ْلفِيلِ} أي ألم ينته إلى علمك‬
‫ج َعلْ كَيْ َدهُمْ فِي َتضْلِيلٍ} أي ألم يجعل ما كادوه لبيتنا وحرمنا في‬
‫فعل ربك بأصحاب الفيل‪{ .‬أََلمْ يَ ْ‬
‫سلَ عَلَ ْيهِمْ طَيْرا أَبَابِيلَ} أي جماعات جماعات‬
‫خسارة وضلل فلم يجنوا إل الخزي والدمار {وَأَرْ َ‬
‫كانت تشاهد وهي‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام تقريري والمخاطب هنا رسول ال صلى ال عليه وسلم بل خلف (وكيف) جائز أن‬
‫تكون مجردة عن الستفهام وهي في محل نصب على المفعول به لتر‪.‬‬
‫‪ 2‬الفيل أنثاه فيلة ويجمع على أفيال وفيول وفيلة‪ ،‬وصاحبه فيال‪.‬‬
‫‪ 3‬إذ ولد صلى ال عليه وسلم عام الفيل أي بعد حادثة الفيل بخمسين يوما‪.‬‬

‫( ‪)5/616‬‬

‫تخرج من البحر يشاهدها رجال مكة المعتصمون بقمم الجبال إذ تمر فوقهم وهي تحمل حجارة‬
‫من سجيل ‪ 1‬كل طائر يحمل ثلثة أحجار كالحمصة والعدسة واحدة بمنقاره واثنتين بمخلبيه كل‬
‫واحدة في مخلب ترميهم بها فتتفتت لحومهم وتتناثر فجعلهم كعصف مأكول أي كزرع دخلته‬
‫ماشية فأكلت عصفه أي ورقه وكسرت قائمه وهشمته فكانت آية من آيات ال تعالى‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تسلية رسول ال صلى ال عليه وسلم عما يلقيه من ظلم كفار قريش‪.‬‬
‫‪ -2‬تذكير قريش بفعل ال عز وجل تخويفا لهم وترهيبا‪.‬‬
‫‪ -3‬مظاهر قدرة ال تعالى في تدبيره لخلقه وبطشه بأعدائه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬حجارة من طين طبخت من نار جهنم وسجيل أصلها سجين بالنون فأبدلت لما كما أبدلت في‬
‫أصيلن بأصيلل قال الشاعر‪:‬‬
‫ورجلة يضربون البيض عن عرض‬
‫ضربا تواصت به البطال سجينا‬
‫( ‪)5/617‬‬

‫سورة قريش‬
‫‪...‬‬
‫سورة قريش‬
‫مكية وآياتها أربع آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ط َع َمهُمْ‬
‫لِإِيلفِ قُرَ ْيشٍ (‪ )1‬إِيل ِفهِمْ رِحَْلةَ الشّتَا ِء وَالصّيْفِ (‪ )2‬فَلْ َيعْ ُبدُوا َربّ هَذَا الْبَ ْيتِ (‪ )3‬الّذِي َأ ْ‬
‫خ ْوفٍ (‪)4‬‬
‫مِنْ جُوعٍ وَآمَ َنهُمْ مِنْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ليلف ‪:‬اليلف مصدر آلفه الشيء يؤالفه إيلفا إذا اعتادوه وزالت الكلفة عنه والنفرة منه‪.‬‬
‫قريش ‪: 1‬هم ولد النضر بن كنانة وهم قبائل شتى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قريش لقب الجد الذي يجمع بطون قريش كافة وهو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة‪ .‬وأما ما‬
‫فوق فهر فهم من كنانة ولقب بقريش تصغير قرش بفتح القاف وسكون الراء والنسبة إليه قرشي‬
‫وهل اشتقاق قرش من التقريش الذي هو الكتساب أو التجمع أو نسبة إلى القرش وهو سمكة‬
‫بحرية قوية والنسبة إلى قرش قرشي وقريش تصرف إن أريد الحي وتمنع إن أريد القبيلة ورجح‬
‫القرطبي أن يكون قريش بن النضر بن كنانة‪ .‬فكل من كان من ولد النضر فهو قرشي ورجحه‬
‫للحديث‪( :‬إنا ولد النضر بن كنانة ل نقفو أمنا ول ننتفي من أبينا) وبالتأمل ل توجد منافاة إذ قبائل‬
‫قريش تعود إلى النضر بن كنانة‪.‬‬

‫( ‪)5/617‬‬

‫رحلة الشتاء ‪:‬أي إلى اليمن‪.‬‬


‫والصيف ‪:‬أي إلى الشام‪.‬‬
‫فليعبدوا ‪:‬أي إن لم يعبدوا ال لسائر نعمه فليعبدوه لتحبيب هاتين الرحلتين إليهم‪.‬‬
‫رب هذا البيت ‪:‬أي مالك البيت الحرام ورب كل شيء‪.‬‬
‫الذي أطعمهم من جوع ‪:‬أي من أجل البيت الحرام‪.‬‬
‫وآمنهم من خوف ‪:‬أي من أجل البيت الحرام‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {لِإِيلفِ قُرَيْشٍ}‪ 1‬هذا الجار والمجرور متعلق بكلم قبله وهو فعلت ما فعلت بأصحاب‬
‫الفيل ليلف قريش رحلتيهم‪ ،‬أو أعجبوا ليلف قريش رحلتهم والرحلتان هما رحلة في الشتاء‬
‫إلى اليمن‪ ،‬ورحلة في الصيف إلى الشام وذلك للتجار وجلب الرزاق إلى بلدهم التي ليست هي‬
‫بذات زرع ول صناعة فإيلفهم هاتين الرحلتين كان بتدبير ال تعالى ليعيش سكان حرمه وبلده‬
‫ط َع َمهُمْ مِنْ‬
‫في رغد من العيش فهي نعمة من نعم ال تعالى وعليه {فَلْ َيعْبُدُوا َربّ هَذَا الْبَ ْيتِ الّذِي َأ ْ‬
‫خوْفٍ} كذلك ولم يعدلون عن عبادته إلى عبادة‬
‫جُوعٍ‪ }2‬بما هيأ لهم من أسباب {وَآمَ َنهُمْ مِنْ َ‬
‫الصنام والوثان فال أحق أن يعبدوه إذ هو الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف بما ألقى‬
‫في قلوب العرب من احترام الحرم وسكانه وتعظيمه وتعظيمهم فتمكنوا من السفر إلى خارج‬
‫بلدهم والعودة إليها في أمن وطمأنينة قال تعالى جعل ال الكعبة البيت الحرام قياما للناس أي‬
‫لقريش تقوم مصالحهم عليها لما ألقى في قلوب العرب ‪ 3‬من تعظيم واحترام أهله‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬مظاهر تدبير ال تعالى وحكمته ورحمته فسبحانه من إله حكيم رحيم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اليلف مصدر آلف يؤلف إيلفا قال الشاعر‪:‬‬
‫المنعمين إذ النجوم تغيرت‬
‫والظاعنين لرحلة اليلف‬
‫وأما ألفه يألفه إلفا والفا‪ ،‬فقد فرأ به أبو جعفر للف قريش‪ ،‬وقد جمع بين المصدرين الشاعر في‬
‫قوله‪:‬‬
‫أزعمتم أن إخوتكم قريش‬
‫لهم إلف وليس لكم إلف‬
‫ولم الجر في متعلقها ثلث احتمالت ذكر في التفسير منها اثنان‪ ،‬والثالث أنها متعلقة بـ‬
‫فليعبدوا‪ :‬كأنه قال آلف ال قريشا إيلفا فليعبدوا رب هذا البيت‪ ،‬ويقدر شرط محذوف أي إذا كان‬
‫المر كذلك فليعبدوا‪ ،‬ويرجح الول لمصحف أبي بن كعب‪ ،‬إذ لم يفصل فيه بين السورتين‪ .‬وكذا‬
‫قراءة عمر إذ صلى المغرب يوما فقرأ في الولى بالتين وفي الثانية بالفيل وقريش ولم يفصل‬
‫بينهما بالبسملة‪ ،‬ول مانع منه وهو أوضح‪.‬‬
‫‪ 2‬إنما هي استجابة ال دعوة إبراهيم‪ :‬رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات‪.‬‬
‫شيْءٍ رِزْقا مِنْ لَدُنّا}‪.‬‬
‫‪ 3‬مصداق قوله تعالى‪َ{ :‬أوََلمْ ُن َمكّنْ َلهُمْ حَرَما آمِنا يُجْبَى إِلَ ْيهِ َثمَرَاتُ ُكلّ َ‬

‫( ‪)5/618‬‬
‫‪ -2‬بيان إفضال ال تعالى على قريش وإنعامه عليها المر الذي تطلب شكرها ولم تشكر فأذاقها‬
‫ال لباس الجوع والخوف بتركها للشكر‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب عبادة ال تعالى وترك عبادة من سواه‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب الشكر على النعم وشكرها حمدا ل تعالى عليها والثناء عليه بها وصرفها في‬
‫مرضاته‪.‬‬
‫‪ -5‬الطعام من الجوع والتأمين من الخوف عليهما مدار كامل أجهزة الدولة فأرقى الدول اليوم‬
‫وقبل اليوم لم تستطع أن تحقق لشعوبها هاتين النعمتين نعمة العيش الرغد والمن التام‪.‬‬

‫( ‪)5/619‬‬

‫سورة الماعون‬
‫‪...‬‬
‫سورة الماعون‬
‫مكية الوائل مدنية الواخر‬
‫وآياتها تسع آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سكِينِ (‪َ )3‬فوَ ْيلٌ‬
‫طعَامِ ا ْلمِ ْ‬
‫حضّ عَلَى َ‬
‫أَرَأَ ْيتَ الّذِي ُي َك ّذبُ بِالدّينِ (‪َ )1‬فذَِلكَ الّذِي َي ُدعّ الْيَتِيمَ (‪ )2‬وَل َي ُ‬
‫لِ ْل ُمصَلّينَ (‪)4‬‬
‫ن صَل ِتهِمْ سَاهُونَ (‪ )5‬الّذِينَ ُهمْ يُرَاؤُونَ (‪ )6‬وَ َيمْ َنعُونَ ا ْلمَاعُونَ (‪)7‬‬
‫الّذِينَ هُمْ عَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أرأيت الذي يكذب بالدين ‪:‬أي هل عرفته والدين ثواب ال وعقابه يوم القيامة‪.‬‬
‫فذلك الذي يدع اليتيم ‪:‬أي فهو ذلك الذي يدفع اليتيم عن حقه بعنف‪.‬‬
‫ول يحض على طعام المسكين ‪:‬أي ل يحض نفسه ول غيره على إطعام المساكين‪.‬‬
‫فويل للمصلين ‪:‬أي العذاب الشديد للمصلين الساهين عن صلتهم‪.‬‬
‫عن صلتهم ساهون ‪:‬أي يؤخرونها عن أوقاتها‪.‬‬
‫يراءون ‪:‬أي يراءون بصلتهم وأعمالهم الناس فلم يخلصوا ل تعالى في ذلك‪.‬‬
‫ويمنعون الماعون ‪:‬أي ل يعطون من سألهم ماعونا كالبرة والقدر والمنجل ونحوه مما ينتفع به‬
‫ويرد بعينه كسائر الدوات المنزلية‪.‬‬

‫( ‪)5/619‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫سكِينِ} هذه‬
‫طعَامِ ا ْلمِ ْ‬
‫حضّ عَلَى َ‬
‫قوله تعالى {أَرَأَ ْيتَ‪ 1‬الّذِي ُيكَ ّذبُ بِالدّينِ‪َ 2‬فذَِلكَ الّذِي َي ُدعّ الْيَتِي َم وَل يَ ُ‬
‫اليات الثلث نزلت بمكة في العاص بن وائل والوليد بن المغيرة وأضرابهم من عتاة قريش‬
‫وكفارها فهذه اليات تعرض بهم وتندد بسلوكهم وتوعدهم فقوله تعالى {أَ َرأَ ْيتَ} يا رسولنا الذي‬
‫يكذب بالدين وهو الجزاء في الخرة على الحسنات والسيئات فهو ذاك الذي يدع اليتيم أي يدفعه‬
‫بعنف عن حقه ول يعطيه إياه احتقارا له وتكبرا عليه ول يحض على طعام المسكين أي ول يحث‬
‫ول يحض نفسه ول غيره على إطعام الفقراء والمساكين وذلك ناتج عن عدم إيمانه بالدين أي‬
‫بالحساب والجزاء في الدار الخرة وهذه صفة كل ظالم مانع للحق ل يرحم ول يشفق إذ لو آمن‬
‫بالجزاء في الدار الخرة لعمل لها بترك الشر وفعل الخير فمن أراد أن يرى مكذبا بالدين فإنه‬
‫يراه في الظلمة المعتدين القساة القلوب الذين ل يرحمون ول يعطون ول يحسنون وقوله تعالى‬
‫ن وَ َيمْ َنعُونَ ا ْلمَاعُونَ} هذه اليات‬
‫ن صَل ِتهِمْ سَاهُونَ الّذِينَ هُمْ يُرَاؤُو َ‬
‫{ َفوَ ْيلٌ لِ ْل ُمصَلّينَ الّذِينَ هُمْ عَ ْ‬
‫الربع نزلت في بعض منافقي المدينة النبوية فلذا نصف السورة مكي ونصفها مدني وقوله تعالى‬
‫{ َفوَ ْيلٌ لِ ْل ُمصَلّينَ‪ 3‬الّذِينَ هُمْ عَنْ صَل ِتهِمْ سَاهُونَ} هذا وعيد شديد لهم إذ الويل واد في جهنم يسيل‬
‫من صديد أهل النار وقيوحهم وهو أشد العذاب إذ كانوا يغمسون فيه أو يطعمون ويشربون منه‪.‬‬
‫ومعنى عن صلتهم ساهون أنهم غافلون عنها ل يذكرونها فكثيرا ما تفوتهم ويخرج وقتها وأغلب‬
‫حالهم أنهم ل يصلونها إل عند قرب خروج وقتها هذا وصف آخر أنهم {يُرَاؤُونَ} بصلتهم وبكل‬
‫أعمالهم أي يصلون وينفقون ليراهم المؤمنون فيقولوا أنهم مؤمنون وبالمراءاة يدرءون عن أنفسهم‬
‫القتل والسبي وثالث أنهم {وَ َيمْ َنعُونَ ا ْلمَاعُونَ} فإذا استعارهم مؤمن ماعونا للحاجة به ل يعيرون‬
‫ويعتذرون بمعاذير باطلة فل يعيرون فأسا ول منجل ول قدرا ول أية آنية أو ماعون لنهم‬
‫يبغضون المؤمنين ول يريدون أن ينفعوهم بشيء فيحرمونهم من إعارة شيء ينتفعون به ويردونه‬
‫عليهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام للتعجب هنا من حال المكذبين بالجزاء وما أورثهم التكذيب من سوء الصنيع قرأ نافع‬
‫أرأيت بتسهيل الهمزة بعد الراء ألفا وحققها حفص والجمهور‪.‬‬
‫‪ 2‬في الكلم حذف تقديره أرأيت الذي يكذب بالدين‪ .‬أمصيب هو أم مخطئ والجواب قطعا‬
‫مخطيء وخطأه كفره وشركه وعداوته للسلم ونبيه وأهله وجزاؤه سيكون جحيما وعذابا أليما‬
‫وإذا كان هذا العذاب بسبب كفره وأذاه للمؤمنين إذا فويل للمنافقين المصلين الذين هم عن صلتهم‬
‫ساهون الذين يراءون ويمنعون الماعون لظلمة قلوبهم بالكفر والشرك الذي يخفونه‪.‬‬
‫‪ 3‬الفاء للتفريع والترتيب والتسبب‪ .‬والسؤال‪ :‬على أي شيء تفرع ما بعدها على ما قبلها‪ .‬واليات‬
‫نزلت بالمدينة في المنافقين وما قبلها نزل في المشركين في مكة؟ والجواب تقدم في رقم (‪ )2‬قبل‬
‫هذا الرقم‪.‬‬
‫( ‪)5/620‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬
‫‪ -2‬أيما قلب خل من عقيدة البعث والجزاء إل وصاحبه شر الخلق ل خير فيه البتة‪.‬‬
‫‪ -3‬التنديد بالذين يأكلون أموال اليتامى ويدفعونهم عن حقوقهم استصغارا لهم واحتقارا‪.‬‬
‫‪ -4‬التنديد والوعيد للذين يتهاونون بالصلة ول يبالون في أي وقت صلوها وهو من علمات‬
‫النفاق والعياذ بال‪.‬‬
‫‪ -5‬منع الماعون من صفات المنافقين والمانع لما المسلمون في حاجة إليه ليس منهم لحديث من‬
‫لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم فكيف بالذي يمنعهم ما هو فضل عنده وهم في حاجة إليه؟‪.‬‬

‫( ‪)5/621‬‬

‫سورة الكوثر‬
‫‪...‬‬
‫سورة الكوثر ‪1‬‬
‫مكية وآياتها ثلث آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ك وَا ْنحَرْ (‪ )2‬إِنّ شَانِ َئكَ ُهوَ الْأَبْتَرُ (‪)3‬‬
‫صلّ لِرَ ّب َ‬
‫عطَيْنَاكَ ا ْل َكوْثَرَ (‪َ )1‬ف َ‬
‫إِنّا أَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إنا أعطيناك الكوثر‪ :‬أي إنا رب العزة والجلل وهبناك يا نبينا الكوثر أي نهرا في الجنة‪.‬‬
‫فصل لربك وانحر ‪ :‬أي فاشكر ذلك بصلتك لربك المنعم عليك وحده وانحر له وحده‪.‬‬
‫إن شانئك‪ :‬أي مبغضك‪.‬‬
‫هو البتر‪ :‬أي القل الذل المنقطع عقبه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ك وَا ْنحَرْ إِنّ شَانِ َئكَ ُهوَ الْأَبْتَرُ} هذه اليات الثلث‬
‫صلّ لِرَ ّب َ‬
‫عطَيْنَاكَ ا ْل َكوْثَرَ‪َ 2‬ف َ‬
‫قوله تعالى {إِنّا أَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وتسمى سورة النحر‪.‬‬
‫‪ 2‬روى مسلم عن أنس بن مالك قال بينا رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات يومٍ بين أظهرنا إذا‬
‫أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه وقال أنزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم ال الرحمن الرحيم {إِنّا أَعْطَيْنَاكَ‬
‫ك وَا ْنحَرْ إِنّ شَانِ َئكَ ُهوَ الْأَبْتَرُ}‪ ،‬ثم قال أتدرون من الكوثر؟ قلنا ال ورسوله‬
‫صلّ لِرَ ّب َ‬
‫ا ْل َكوْثَرَ‪َ 2‬ف َ‬
‫أعلم فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة"‬
‫وظاهر هذه الرواية أن سورة الكوثر مدنية ول مانع من نزولها مرتين مرة بمكة وأخرى‬
‫بالمدينة‪.‬‬

‫( ‪)5/621‬‬

‫مختصة برسول ال صلى ال عليه وسلم إذ هو المخاطب بها وأنها تحمل طابع التعزية لرسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقد روي أنه لما مات ابن النبي صلى ال عليه وسلم القاسم قال العاص‬
‫بن وائل السهمي بتر محمد أو هو أبتر أي ل عقب له بعده فأنزل ال تعالى هذه السورة تحمل‬
‫الرد على العاص والتعزية للرسول صلى ال عليه وسلم والبشرى له ولمته بالكوثر الذي هو نهر‬
‫في الجنة حافتاه من الذهب ومجراه على الدر والياقوت وتربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من‬
‫العسل وأبيض من الثلج‪ ،‬ومن الكوثر يمل الحوض الذي في عرصات القيامة ول يرده إل‬
‫عطَيْنَاكَ} أي خصصناك بالكوثر ‪1‬‬
‫الصالحون من أمته صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقوله تعالى {إِنّا أَ ْ‬
‫الذي هو نهر في ‪ 2‬الجنة من أعظم أنهارها مع الخير الكثير الذي وهبه ال تعالى لك من النبوة‬
‫ك وَانْحَرْ}‪ 3‬أي فاشكر هذا النعام بأن‬
‫والدين الحق ورفع الذكر والمقام المحمود وقوله { َفصَلّ لِرَ ّب َ‬
‫تصلي لربك وحده ول تشرك به غيره وكذا النحر فل تذبح لغيره تعالى وفي هذا تعليم لمته وهل‬
‫المراد من الصلة صلة العيد والنحر الضحية ل مانع من دخول هذا في سائر الصلوات والنسك‬
‫وقوله تعالى إن شانئك هو البتر ‪ 4‬أي إن مبغضك في كل زمان ومكان هو القل الذل المنقطع‬
‫النسل والعقب‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان إكرام ل تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬تأكيد أحاديث الكوثر وأنه نهر في الجنة‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب الخلص في العبادات كلها لسيما الصلة والنحر‪.‬‬
‫‪ -4‬مشروعية الدعاء على الظالم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لفظ الكوثر يطلق عربية على الخير الكثير كما هي صيغة فوعل نحو النوفل من النفل والجوهر‬
‫من الجهر والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد والقدر كوثرا والكوثر الذي أعطيه النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم نهر في الجنة كما في البخاري والنبوة والكتاب والعلم والحكمة‪.‬‬
‫‪ 2‬في الحديث البخاري دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت بيدي إلى ما يجري‬
‫فيه الماء فإذا مسك أظفر قلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاك ال عز وجل‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية دليل على وجوب تقديم صلة العيد على النحر وهو ما عليه جمهور الفقهاء وجائز أن‬
‫يكون المراد من صل لربك وانحر أي صل صلة الصبح بمزدلفة وانحر هديك بمنى‪.‬‬
‫‪ 4‬البتر حقيقته‪ :‬المقطوع بعضه وغلب على المقطوع ذنبه من الدواب ويستعار لمن نقص منه ما‬
‫هو من الخير في نظر الناس تشبيه بالدواب المقطوع أذنابها ومنه الخبطة البتراء التي لم يحمد‬
‫فيها ال ولم يصل فيها على نبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/622‬‬

‫سورة الكافرون‬
‫‪...‬‬
‫سورة الكافرون‬
‫مكية وآياتها ست آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ُقلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَافِرُونَ (‪ )1‬ل أَعْبُدُ مَا َتعْبُدُونَ (‪ )2‬وَل أَنْ ُتمْ عَابِدُونَ مَا أَعْ ُبدُ (‪ )3‬وَل أَنَا عَابِدٌ مَا‬
‫عَبَدْ ُتمْ) (‪ )4‬وَل أَنْتُمْ عَا ِبدُونَ مَا أَعْبُدُ (‪َ )5‬لكُمْ دِي ُنكُ ْم وَِليَ دِينِ (‪)6‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫قل ‪:‬أي يا رسول ال‪.‬‬
‫يا أيها الكافرون ‪:‬أي المشركون وهم الوليد والعاص وابن خلف والسود بن المطلب‪.‬‬
‫ل أعبد ما تعبدون ‪ :‬أي من اللهة الباطلة الن‪.‬‬
‫ول أنتم عابدون ما أعبد‪ :‬أي الن‪.‬‬
‫ول أنا عابد ما عبدتم‪ :‬أي في المستقبل أبدا‪.‬‬
‫ول أنتم عابدون ما أعبد ‪ :‬أي في المستقبل أبدا لعلم ال تعالى بذلك‪.‬‬
‫لكم دينكم‪ :‬أي ما أنتم عليه من الوثنية سوف ل تتركونها أبدا حتى تهلكوا‪.‬‬
‫ولي دين ‪ :‬أي السلم فل أتركه أبدا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى { ُقلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَافِرُونَ}‪ 1‬اليات الست الكريمات نزلت ردا على اقتراح تقدم به بعض‬
‫المشركين وهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي‪,‬والسود بن المطلب وأمية بن خلف‬
‫مفاده أن يعبد النبي صلى ال عليه وسلم معهم آلهتهم سنة ويعبدون معه إلهه سنة مصالحة بينهم‬
‫وبينه وإنهاء للخصومات في نظرهم‪ ,‬ولم يجبهم الرسول صلى ال عليه وسلم بشيء حتى نزلت‬
‫هذه السورة { ُقلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَافِرُونَ} أي قل يا رسولنا لهؤلء المقترحين الباطل يا أيها الكافرون‬
‫بالوحي اللهي والتوحيد‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ورد في فضل هذه السورة أنها تعدل ربع القرآن كسورة الزلزلة وصح عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه كان يقرؤها في الشفع في الركعة الثانية ويقرأ في الولى بالعلى‪ ,‬وصح أنه كان‬
‫يقرأ بها وبالصمد في ركعتي الطواف‪.‬‬

‫( ‪)5/623‬‬

‫المشركون في عبادة اله تعالى أصناما وأوثانا {ل أَعْبُدُ مَا َتعْ ُبدُونَ } الن كما اقترحتم {وَل أَنْتُمْ‬
‫عَابِدُونَ} الن {مَا أَعْبُدُ} لما قضاه ال لكم بذلك‪{ ,‬وَل أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} في المستقبل أبدا {وَل أَنْتُمْ‬
‫عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} في المستقبل أبدا لن ربي حكم فيكم بالموت على الكفر والشرك حتى تدخلوا‬
‫النار لما علمه من قلوبكم وأحوالكم وقبح سلوككم وفساد أعمالكم {َلكُمْ دِي ُن ُكمْ} ل أتابعكم عليه {وَِليَ‬
‫دِينِ } ل تتابعونني عليه‪ .‬بهذا أيأس ال رسوله من إيمان هذه الجماعة التي كان النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم بطمع في إيمانهم وأيأس المشركين من الطمع في موافقة الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫على مقترحهم الفاسد‪ ,‬وقد هلك هؤلء المشركون على الكفر فلم يؤمن منهم أحد فمنهم من هلك‬
‫في بدر ومنهم من هلك في مكة على الكفر والشرك وصدق ال العظيم فيما أخبر به عنهم أنهم ل‬
‫يعبدون ال عبادة نجيهم من عذابه وتدخلهم رحمته‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة القضاء والقدر وأن الكافر من كفر أزل والمؤمن من آمن أزل‪.‬‬
‫‪ -2‬ولية ال تعالى لرسوله عصمته من قبول اقتراح المشركين الباطل‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير وجود المفاصلة بين أهل اليمان وأهل الكفر والشرك‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)5/624‬‬

‫سورة النصر‬
‫‪...‬‬
‫سورة النصر‬
‫مدنية وآياتها ثلث آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ‬
‫إِذَا جَاءَ َنصْرُ اللّ ِه وَا ْلفَتْحُ (‪ )1‬وَرَأَ ْيتَ النّاسَ َيدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ َأ ْفوَاجا (‪َ )2‬فسَبّحْ بِ َ‬
‫وَاسْ َت ْغفِ ْرهُ إِنّهُ كَانَ َتوّابا (‪)3‬‬

‫( ‪)5/624‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إذا جاء نصر ال ‪:‬أي نصر ال نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم على أعدائه المشركين‪.‬‬
‫والفتح ‪:‬أي فتح مكة‪.‬‬
‫في دين ال أفواجا‪ :‬أي في السلم جماعات جماعات‪.‬‬
‫فسبح بحمد ربك‪ :‬أي نزهه عن الشريك ملتبسا بحمده‪.‬‬
‫واستغفره‪ :‬أي اطلب منه المغفرة توبة منك إليه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {إِذَا جَاءَ‪َ 1‬نصْرُ اللّهِ} ‪ 2‬اليات الثلث المباركات نزلت في أخريات أيام الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم وهي تحمل علمة للنبي صلى ال عليه وسلم على قرب أجله فقوله تعالى‬
‫{ِإذَا جَاءَ َنصْرُ اللّهِ} أي لك يا رسولنا فأصبحت تنتصر على أعدائك في كل معركة تخوضها‬
‫معهم وجاءك الفتح فتح مكة ففتحها ال عليك وأصبحت دار إسلم بعد أن كانت دار كفر ‪,3‬‬
‫{وَرَأَ ْيتَ النّاسَ} من سكان اليمن وغيرهم {يَ ْدخُلُونَ فِي} دينك الدين السلمي {َأ ْفوَاجاْ} وجماعات‬
‫جماعة بعد أخرى بعد أن كانوا يدخلون فرادى واحدا واحدا وهم خائفون إذا تم هذا ورأيته { َفسَبّحْ‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ} شكرا له على نعمة النصر والفتح ودخول الناس في دينك وانتهاء دين المشركين‬
‫‪ِ 4‬ب َ‬
‫الباطل‪{ .‬وَاسْ َتغْفِ ْرهُ} أي اطلب منه المغفرة لما فرط منك مما هو ذنب في حقك لقربك وكمال‬
‫علمك وأما غيرك فليس هو بالذنب الذي يستغفر منه ويناب إلى ال تعالى منه وقوله تعالى {إِنّهُ‬
‫كَانَ َتوّابا} أي إن ال تعالى الذي أمرك بالستغفار توبة إليه كان توابا على عباده يقبل توبتهم‬
‫ويغفر ذنوبهم ويرحمهم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية نعي الميت إلى أهله ولكن بدون إعلن وصوت عال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الجماع على أن آخر سورة نزلت جميعا هي سورة النصر هذه قاله بن عباس كما في صحيح‬
‫المسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬النصر‪ :‬العون مأخوذ من قولهم نصر الغيث الرض إذا أعان نباتها ومنع من قحطها قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫إذا انسلخ الشهر الحرام فودعي‬
‫بلد تميم وانصري أرض عامر‬
‫‪ 3‬روي أن العرب قالت‪ :‬أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم وقد كان ال أجارهم من أصحاب الفيل‬
‫فليس لكم به يدان‪ ,‬فكانوا يسلمون أفواجا أمة أمة‪ ,‬والمة أربعون رجل‪.‬‬
‫‪ 4‬روى مسلم عن عائشة رضي ال عنها قالت كان النبي صلى ال عليه وسلم يكثر من قول‬
‫سبحان ال وبحمده استغفر ال وأتوب إليه‪ :‬قالت فقلت يا رسول ال أراك تكثر من قول سبحان‬
‫ال وبحمده‪ ,‬استغفر ال وأتوب إليه‪ :‬قال خبرني ربي بأني سأرى علمة في أمتي فإذا رأيتها‬
‫أكثرت من قول سبحان ال وبحمده أستغفر ال وأتوب إليه فقد رأيتها‪ :‬إذا جاء نصر ال والفتح‪..‬‬
‫الخ‪.‬‬
‫وصح أنه كان صلى ال عليه وسلم يقول في ركوعه ‪ ",‬سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي"‪.‬‬

‫( ‪)5/625‬‬

‫‪ -2‬وجوب الشكر عند تحقق النعمة ومن ذلك سجدة الشكر‪.‬‬


‫‪ -3‬مشروعية قول سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي في الركوع‪.‬‬

‫( ‪)5/626‬‬

‫سورة المسد‬
‫‪...‬‬
‫سورة المسد‬
‫مكية وآياتها خمس آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سبَ (‪ )2‬سَ َيصْلَى نَارا ذَاتَ َل َهبٍ (‪ )3‬وَامْرَأَتُهُ‬
‫ب وَ َتبّ (‪ )1‬مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ َومَا كَ َ‬
‫تَ ّبتْ يَدَا أَبِي َل َه ٍ‬
‫طبِ (‪ )4‬فِي جِيدِهَا حَ ْبلٌ مِنْ مَسَدٍ (‪)5‬‬
‫حَ‬‫حمّالَةَ الْ َ‬
‫َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫تبت يدا أبي لهب ‪:‬أي خسرت يدا أبي لهب بن عبد المطلب أي خسر عمله‪.‬‬
‫وتب ‪:‬أيخسر هو بذاته إذ هو من أهل النار‪.‬‬
‫ما أغنى عنه ماله ‪:‬أي أي شيء أغنى عنه ماله لما سخط ال تعالى عليه وعذبه في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫وما كسب ‪:‬أي من المال والولد وغيرهما‪.‬‬
‫سيصلى نارا ‪:‬أي يدخل نارا يصطلي بحرها ولفحها‪.‬‬
‫ذات لهب ‪:‬أي توقد واشتعال‪.‬‬
‫وامرأته ‪:‬أي أم جميل العوراء‪.‬‬
‫حمالة الحطب ‪:‬أي تحمل شوك السعدان وتلقيه في طريق النبي صلى ال عليه وسلم أذية له‬
‫وكرها‪.‬‬
‫في جيدها ‪:‬أي في عنقها‪.‬‬
‫حبل من مسد ‪:‬أي من ليف‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {تَ ّبتْ يَدَا أَبِي َل َهبٍ} اليات الخمس المباركات نزلت ردا على أبي لهب عم النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم إذ صح أنه لما نزلت آية {وَأَ ْنذِرْ عَشِيرَ َتكَ الَْأقْرَبِينَ} من سورة الشعراء طلع صلى‬
‫ال عليه وسلم إلى جبل الصفا ونادى‪ :‬واصباحاه واصباحاه فاجتمع الناس حوله فقال لهم إني لكم‬
‫نذير مبين بين يدي عذاب شديد‪ :‬قولوا ل إله إل ال كلمة تملكون بها العرب وتدين بها العجم‪.‬‬
‫فنطق أبو هب فقال‪:‬‬

‫( ‪)5/626‬‬

‫ألهذا جمعتنا تبا لك طول اليوم فأنزل ال ‪ 1‬تعالى ردا عليه {تَ ّبتْ يَدَا أَبِي َل َهبٍ‪ }2‬أي خسر أو لهب‬
‫وخسر كل شيء له وهذه جملة دعائية ولذا هلك بمرض ‪ 3‬خطير لم يتمكنوا من غسله فأراقوا‬
‫عليه الماء‪ ,‬فقط وقوله {وَ َتبّ} إخبار من ال تعالى بهلك عبد العزى أبي لهب وقوله {مَا أَغْنَى‬
‫سبَ‪ }4‬أي لما سخط ال عليه وأدخله ناره لم يغن عنه أي لم يدفع عنه العذاب ماله‬
‫عَنْهُ مَالُهُ َومَا كَ َ‬
‫ول ولده‪ .‬وقوله تعالى {سَ َيصْلَى نَارا ذَاتَ َل َهبٍ} أي توقد وتأجج‪{ .‬وَامْرَأَتُهُ} أم جميل العوراء‬
‫طبِ‪ }5‬حيث كانت تأتي بشوك السعدان وتضعه في طريق النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫حمّالَةَ ا ْلحَ َ‬
‫{َ‬
‫سدٍ} أي في ‪6‬‬
‫عند ذهابه إلى صلة الصبح بالمسجد الحرام‪ .‬وقوله تعالى {فِي جِي ِدهَا حَ ْبلٌ مِنْ مَ َ‬
‫عنقها حبل من ليف النخل أو مسد الشجر الدوم بهذا حكم ال تعالى على أعدائه وأعداء رسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان حكم ال بأبي لهب وإبطال كيده الذي كان يكيده لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يغني المال ول الولد عن العبد شيئا من عذاب ال إذا عمل بمساخطه وترك مراضيه‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة أذية المؤمنين مطلقا‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم إغناء القرابة شيئا مع الشرك والكفر إذ أبو لهب عم النبي صلى ال عليه وسلم وهو في‬
‫النار ذات اللهب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬صح أنه لما سمعت امرأة أبي لهب ما نزل فيها وزوجها من القرآن أتت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر رضي ال عنه وفي يدها فهر من‬
‫حجارة فلما وقفت عليه أخذ ال بصرها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم فل ترى إل أبا بكر‪,‬‬
‫فقالت يا أبا بكر أين صاحبك قد بلغني أنه يهجوني‪ .‬وال لو جدته لضربته بهذا الفهر‪ ،‬وال إني‬
‫لشاعرة‪ :‬مذمما عصينا وأمره أبينا‪ ،‬ثم انصرفت فقال أبو بكر يا رسول ال أما تراها رأتك ؟ قال‪:‬‬
‫ما رأتني لقد أخذ ال بصرها عني‪.‬‬
‫‪ 2‬سمي أبو لهب بأبي لهب وكان اسمه عبد العزى فسمي باللهب لحسنه وإشراق وجهه‪ :‬وقال‬
‫العلماء سمي بابي لهب لمعانٍ أربع والذي أراه أنه سمي بقضاء وقدر أبا لهب ليكون من أهل‬
‫النار نظيره اختيار الشيوعيين اليوم شعار الحمرة‪ ،‬وكلمة اليسار‪ ،‬لما سبق أنهم أهل النار‬
‫وأصحاب الشمال وهم أهل النار‪.‬‬
‫‪ 3‬يسمى المرض الذي أصابه ال به مرض العدسة فمات وأقام ثلثة أيام لم يدفن حتى أنتن ثم إن‬
‫ولده غسلوه بالماء من بعيد مخافة عدوى العدسة؟ إذ كانت العرب تتقي هذا المرض كما يتقى‬
‫الطاعون‪.‬‬
‫‪ 4‬الكسب يكون حلل ويكون حراما وخيره ما كان حلل؟ وفي الصحيح حديث عائشة رضي ال‬
‫عنها إذ قالت قال رسول ال صلى ال عليه وسلم إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من‬
‫كسبه رواه أبو داود‪.‬‬
‫‪ 5‬قال ابن عباس وجاهد وقتادة والسدي كانت تمشي بالنميمة بين الناس‪ ،‬تقول العرب فلن‬
‫يحطب على فلن إذا ورش عليه أي حرش‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫إن بني الدرم حمالوا الحطب‬
‫هم الوشاة في الرضا وفي الغضب‬
‫ول منافاة مع ما روي أنها كانت تحمل حزمة الشوك إذ هي تفعل هذا أو ذاك‪.‬‬
‫‪ 6‬الجيد العنق شاهده قول الشاعر‪:‬‬
‫وجيد كجيد الريم ليس بفاحش‬
‫إذا هي نصته ول بمعطل‬
‫الريم‪ :‬الظبي البيض الخالص البياض‪ .‬ونصته‪ :‬رفعته‪ .،‬والمعطل الذي ل حلي له‪.‬‬

‫( ‪)5/627‬‬
‫سورة الخلص‬
‫‪...‬‬
‫سورة الخلص‬
‫مكية وآياتها أربع آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫صمَدُ (‪َ )2‬لمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (‪ )3‬وَلَمْ َيكُنْ َلهُ ُكفُوا َأحَدٌ (‪) 4‬‬
‫ُقلْ ُهوَ اللّهُ َأحَدٌ (‪ )1‬اللّهُ ال ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫قل هو ال أحد ‪:‬أي قل لمن سألك يا نبينا عن ربك هو ال أحد‪.‬‬
‫ال الصمد ‪:‬أي ال الذي ل تنبغي إل له‪ ,‬الصمد‪ :‬السيد الذي يصمد إليه في الحوائج‪ .‬فهم المقصود‬
‫في قضاء الحوائج على الدوام‪.‬‬
‫لم يلد ‪:‬أي ل يفنى إذ ل شيء يلد إل وهو فان بائد ل محالة‪.‬‬
‫ولم يولد ‪:‬أي ليس بمحدث بأن لم يكن فكان هو كائن أول وأبدا‪.‬‬
‫ولم يكن له كفوا أحد ‪:‬أي لم يكن أحد شبيه له أو مثيل إذ ليس كمثله شيء‪.‬‬
‫معنى اليات ‪:‬‬
‫حدٌ‪ } 1‬اليات الربع المباركات نزلت جوابا لمن قالوا للرسول صلى ال‬
‫قوله تعالى { ُقلْ ُهوَ اللّهُ أَ َ‬
‫عليه وسلم من المشركين انسب ‪ 2‬لنا ربك أو صفة لنا فقال تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم قل أي لمن سألوك ذلك هو ال أحد ‪ 3‬ال الصمد لم يلد ولم يولد‪ ,‬ولم يكن له كفوا أحد أي‬
‫ربي هو ال أي الله الذي ل تنبغي اللوهية إل له‪ ,‬ول تصلح العبادة إل له أحد في ذاته وصفاته‬
‫وأفعاله فليس له نظير ول مثيل في ذلك إذ هو خالق الكل ومالك الجميع فلن تكون المحدثات‬
‫المخلوقات كخالقها ومحدثها ال إي المعبود الذي ل معبود بحق إل هو‪ ,‬الصمد أي السيد المقصود‬
‫في قضاء الحوائج الذي استغنى عن كل خلقه وافتقر الكل إليه لم يلد أي لم يكن له ولد لنتفاء‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ورد في فضل السورة أنها تعدل ثلث القرآن رواه البخاري وروى مسلم عن عائشة أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم بعث رجل على سرية وكان يقرأ لصحابه في صلتهم فيختم ب (قل هو‬
‫ال أحد) فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم فقال سلوه لي شيء يصنع ذلك؟‬
‫فسألوه فقال لنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم"‬
‫أخبروه أن ال عز وجل يحبه"‪.‬‬
‫‪ 2‬روى الترمذي عن أبي كعب أن المشركين قالوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم أنسب لنا ربك‬
‫فأنزل ال عز وجل قل هو ال أحد ال الصمد‪.‬‬
‫‪ 3‬أحد أصلها وحد قلبت الواو فيها همزة قال النابغة‪:‬‬
‫كان رحلي وقد زال النهار بنا‬
‫بذي الجليل على مستأنس وحد‬
‫وأحد مرفوع على أنه خبر لمبتدأ تقديره هو أحد (وهو) ضمير شأن أي المسؤول عنه هو ال‬
‫أحد‪.‬‬

‫( ‪)5/628‬‬

‫من يجانسه إذ الولد يجانس والده‪ ,‬والمجانسة منفية عنه تعالى إذ ليس كمثله شيء ولم يولد لنتفاء‬
‫الحدوث عنه تعالى‪.‬‬
‫ل ول نظيرا ول شبيها إذ ليس كمثله‬
‫{وَلَمْ َيكُنْ لَهُ ُكفُوا َأحَدٌ } أي ولم يكن أحد كفوا له ول مثي ً‬
‫شيء وهو السميع البصير‪ .‬فلذا هو يعرف بالحدية والصمدية فالحدية هو أنه واحد في ذاته‬
‫وصفاته وأفعاله لم يكن له كفو ول شبيه ول نظير والصمدية هي أنه المستغني عن كل ما سواه‬
‫والمفتقر إليه في وجوده وبقائه كل ما عداه كما يعرف بأسمائه وصفاته وأياته‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬معرفة ال تعالى بأسمائه وصفاته‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير التوحيد والنبوة‪.‬‬
‫‪ -3‬بطلن نسبة الولد إلى ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب عبادته تعالى وحده ل شريك له فيها‪ ,‬إذ هو ال ذو اللوهية على خلقه دون سواه‪.‬‬

‫( ‪)5/629‬‬

‫سورة الفلق‬
‫‪...‬‬
‫سورة الفلق‬
‫مكية وآياتها أربع آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ُقلْ أَعُوذُ بِ َربّ ا ْلفَلَقِ (‪ )1‬مِنْ شَرّ مَا خََلقَ (‪َ )2‬ومِنْ شَرّ غَاسِقٍ إِذَا َو َقبَ (‪َ )3‬ومِنْ شَرّ ال ّنفّاثَاتِ فِي‬
‫سدَ (‪)5‬‬
‫سدٍ إِذَا حَ َ‬
‫ا ْل ُعقَدِ (‪َ )4‬ومِنْ شَرّ حَا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أعوذ ‪:‬أي أستجير واتحصن‪.‬‬
‫الفلق ‪:‬أي الصبح‪.‬‬
‫( ‪)5/629‬‬

‫من شر ما خلق ‪:‬من حيوان وجماد‪.‬‬


‫غاسق إذا وقب ‪:‬أي الليل إذا أظلم أو القمر إذا غاب‪.‬‬
‫النفاثات ‪:‬أي السواحر اللتي ينفثن‪.‬‬
‫في العقد ‪:‬أي في العقد التي يعقدنها‪.‬‬
‫حاسد إذا حسد‪ :‬أي إذا أظهر حسده وأعمله‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى { ُقلْ أَعُوذُ بِ َربّ ا ْلفَلَقِ}‪ 1‬أنه لما سحر لبيد بن معصم ‪ 2‬اليهودي بالمدينة النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أنزل تعالى المعوذتين فرقاه بهما جبريل فشفاه ال تعالى ولذا فالسورتان مدنيتان وقوله‬
‫تعالى { ُقلْ أَعُوذُ بِ َربّ ا ْلفَلَقِ} أي قل يا رسولنا أعوذ أي أستجير وأتحصن برب افلق وهو ال عز‬
‫وجل إذ هو فالق الصباح وفالق الحب والنوى ول يقدر على ذلك إل هو لعظيم قدرته وسعة‬
‫خلَقَ} أي من شر ما خلق تعالى من الكائنات من حيوان مكلف كالنسان وغير‬
‫علمه‪{ .‬مِنْ شَرّ مَا َ‬
‫مكلف كسائر الحيوانات ومن الجمادات أي من شر كل ذي شر منها ومن سائر المخلوقات‪ .‬وقوله‬
‫{ َومِنْ شَرّ غَاسِقٍ ِإذَا َو َقبَ} أي الليل إذا أظلم والقمر ‪ 3‬إذا غاب إذ الظلم بدخول الليل أو بغياب‬
‫القمر يكون مظنة خروج الحيات السامة والحيوانات المفترسة والجماعات المتلصصة للسطو‬
‫والسرقة وابتغاء الشر والفساد‪ .‬وقوله تعالى { َومِنْ شَرّ ال ّنفّاثَاتِ فِي ا ْلعُقَدِ} أي وتعوذ بال برب‬
‫الفلق من شر الساحر وهن النساء اللتي ينفثن في كل عقدة يرقين عليها ويعقدنها والنفث هي‬
‫إخراج هواء من الفم بدون ريق ولذا ورد من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر‪ .‬وقوله تعالى { َومِنْ‬
‫سدَ‪ }5‬أي وتعوذ برب الفلق من شر حاسد أي من الناس إذا حسد أي أظهره‬
‫شَرّ حَاسِدٍ‪ 4‬إِذَا حَ َ‬
‫حسده فابتغاك بضر أو أرادك بشر أو طلبك بسوء بحسده لك لن الحسد طلب زوال النعمة هن‬
‫المحسود وسواء أرادها له أو لم يردها وهو شر الحسد‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه أولى المعوذتين والثانية الناس وقبلهما الصمد قال فيهن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم‬
‫يتعوذ الناس بمثلهن وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا‬
‫اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء‬
‫بركتها‪.‬‬
‫‪ 2‬حديث سحر لبيد بن العصم اليهودي للنبي صلى ال عليه وسلم ثابت في الصحيح وغيرهما‪.‬‬
‫ومما رقى به جبريل النبي صلى ال عليه وسلم قوله "بسم ال أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر‬
‫حاسد وعين وال يشفيك‪.‬‬
‫‪ 3‬روى الترمذي وصححه عن عائشة رضي ال عنها أن النبي صلى ال عليه وسلم نظر إلى‬
‫القمر فقال يا عائشة استعيذي بال من شر هذا فإن هذا هو الغاسق إذا وقب‪.‬‬
‫‪ 4‬روى النسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد‬
‫سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئا وكل إليه‪ .‬لهذا كره بعض السلف النفث في الرقية‬
‫وقالوا يرقى ول ينفث‪ ,‬والجمهور على الجواز‪.‬‬
‫‪ 5‬الحسد حرام وهو أول ذنب عصى به ال تعالى إذ حسد إبليس آدم وحسد قابيل هابيل وحقيقته‬
‫تمني زوال النعمة على الغير لتحصل له‪ ,‬أو ل تحصل وهو شر الحسد‪.‬‬

‫( ‪)5/630‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب التعوذ بال والستعاذة بجنابه تعالى من ك مخوف ل يقدر المرء على دفعه لخفائه أو‬
‫عدم القدرة عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬تحريم النفث في العقد إذ هو من السحر‪ .‬والسحر كفر وحد الساحر ضربة بالسيف‪.‬‬
‫‪ -3‬تحريم الحسد قطعيا وهو داء خطير حمل ابن آدم على قتل أخيه وحمل إخوة يوسف على‬
‫الكيد له‪.‬‬
‫‪ -4‬الغبطة ليست من الحسد للحديث الصحيح‪" :‬ل حسد إل في اثنتين" إذ المراد به الغبطة‪.‬‬

‫( ‪)5/631‬‬

‫سورة الناس‬
‫‪...‬‬
‫سورة الناس‬
‫مدنية وآياتها ست آيات‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سوَاسِ ا ْلخَنّاسِ (‪ )4‬الّذِي‬
‫ُقلْ أَعُوذُ بِ َربّ النّاسِ (‪ )1‬مَِلكِ النّاسِ (‪ )2‬إِلَهِ النّاسِ (‪ )3‬مِنْ شَرّ ا ْلوَ ْ‬
‫صدُورِ النّاسِ (‪ )5‬مِنَ ا ْلجِنّ ِة وَالنّاسِ (‪)6‬‬
‫سوِسُ فِي ُ‬
‫ُيوَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أعوذ‪ :‬أي أتحصن وأستجير‪.‬‬
‫برب الناس‪ :‬أي خالقهم ومالكهم‪.‬‬
‫ملك الناس‪ :‬أي سيد الناس ومالكهم وحاكمهم‪.‬‬
‫إله الناس‪ :‬أي معبود الناس بحق إذ ل معبود سواه‪.‬‬
‫من شر الوسواس ‪ :‬أي من شر الشيطان سمى بالمصدر لكثرة ملبسته له‪.‬‬
‫الخناس ‪ :‬أي الذي يخنس ويتأخر عن القلب عند ذكر ال تعالى‪.‬‬
‫في صدور الناس ‪ :‬أي في قلوبهم إذا غفلوا عن ذكر ال تعالى‪.‬‬
‫من الجنة والناس ‪ :‬أي من شيطان الجن ومن شيطان النس‪.‬‬

‫( ‪)5/631‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى { ُقلْ أَعُوذُ بِ َربّ النّاسِ} هذه السورة هي إحدى المعوذتين الولى الفلق وهذه الناس‬
‫والولى اشتملت على أربع خصال يستعاذ منها وهي من شر كل ذي شيء من سائر الخلق‬
‫والثانية من شر ما يحدث في الظلم ظلم الليل أو ظلم القمر إذا غاب والثالثة من شر السواحر‬
‫النفاثات في العقد والرابعة من شر حاسد إذا حسد وقد اشتملت هذه الربعة على كل ما يخاف‬
‫لذاه وضرره أما سورة الناس فإنها قد اشتملت على شر واحد إل أنه أخطر من تلك الربع وذلك‬
‫لتعلقه بالقلب‪ ،‬والقلب إذا فسد فسد كل شيء وإذا صلح صلح كل شيء ولذا كانت سورة الناس‬
‫خاصة بالتعوذ من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس‪ .‬فقوله‬
‫تعالى { ُقلْ أَعُوذُ بِ َربّ النّاسِ‪ 1‬مَِلكِ النّاسِ} أمر منه تعالى لرسوله وأمته تابعة له أعوذ أي أتحصن‬
‫برب الناس أي خالقهم ومالكهم وإلههم الذي ل إله لهم سواه من شر الوسواس ‪ 2‬الذي هو‬
‫الشيطان الموسوس في صدور الناس وذلك بصوت خفي ل يسمع فيلقى الشبه في القلب‪،‬‬
‫والمخاوف والظنون السيئة ويزين القبيح ويقبح الحسن وذلك متى غفل المرء عن ذكر ال تعالى‪،‬‬
‫وقوله تعالى {الْخَنّاسِ} هذا وصف للشيطان من الجن فإنه إذا ذكر العبد ربه خنس أي استتر وكأنه‬
‫غاب ولم يغب فإذا غفل العبد عن ذكر ال عاد للوسوسة ‪.3‬‬
‫وقوله تعالى {مِنَ الْجِنّ ِة وَالنّاسِ} يعني الموسوس للنسان كما يكون من الجن يكون من الناس‬
‫والنسان يوسوس ‪ 4‬بمعنى يعمل عمل الشيطان في تزيين الشر وتحسين القبيح‪ .‬والقاء الشبه في‬
‫النفس‪ ،‬وإثارة الهواجس والخواطر بالكلمات الفاسدة والعبارات المضللة حتى إن ضرر النسان‬
‫على النسان أكبر من ضرر الشيطان على النسان‪ ،‬إذ الشيطان من الجن يطرد بالستعاذة‬
‫وشيطان النس ل يطرد بها وإنما يصانع ويدارى للتخلص منه اللهم إنا نعوذ بك من شر كل ذي‬
‫شر ومن شر النس والجن‪ ،‬فأعذنا ربنا فإنه ل يعيذنا إل أنت ربنا و لك الحمد والشكر‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لما كان في الناس ملوك‪ ،‬وفيهم من يعبد ال تعالى ذكر تعالى أنه ملك الناس وإلههم ومعبودهم‬
‫الحق الذي ل يستحق العبادة سواه فبه يستعاذ وبجنابه يلذ‪.‬‬
‫‪ 2‬جائز أن يكون المستعاذ منه ل الوسواس وإنما صاحب الوسواس وهو الشيطان أي من شر ذي‬
‫الوسواس والوسوسة حديث النفس‪.‬‬
‫‪ 3‬صح عن النبي صلى ال عليه وسلم أن الوسوسة التي هي حديث النفس الخالية من القول‬
‫والعمل معفو عنها ول يؤاخذ به العبد لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن ال عز وجل تجاوز لمتي‬
‫عما حدثت أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به"‪.‬‬
‫‪ 4‬قال مقاتل عن الشيطان في صورة خنزير يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق سلطه ال‬
‫على ذلك وفي الصحيح "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"‪.‬‬

‫( ‪)5/632‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الستعاذة بال تعالى من شياطين النس والجن‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير ربوبية ال تعالى وألوهيته عز وجل‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان لفظ الستعاذة وهو أعوذ بال من الشيطان الرجيم كما بينته السنة الصحيحة إذ تلحى‬
‫رجلن في الروضة النبوية فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬إني أعلم كلمة لو قالها هذا لذهب‬
‫عنه ‪-‬أي الغضب‪ :-‬أعوذ بال من الشيطان الرجيم"‪.‬‬

‫( ‪)5/633‬‬

‫" خاتمة الطبعة الولى والثانية"‬


‫الحمد ل ملء السموات وملء الرض‪ ،‬والشكر ل ملهما وملء ما بينهما والصلة والسلم‬
‫التامان الكملن على نبي الرحمة وقائد المة وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم‬
‫الدين‪.‬‬
‫وبعد ففي ليلة السبت الثالث والعشرين من محرم الحرام لعام ‪ 1407‬بالروضة الشريفة من‬
‫المسجد النبوي الشريف قد تم ختم هذا التفسير المبارك المسمى بأيسر التفاسير لكلم العلي الكبير‬
‫ل وآخرا‪.‬‬
‫والحمد ل أو ً‬
‫هذا وأقدم اعتذاري لخي القارئ وهو أني لم أستطع اللتزام بما نوهت عليه في مقدمة الكتاب‬
‫وهو أني ل أزيد على الخمس أو الست آيات في الدرس الواحد‪ ،‬حيث واجهتني في المفصل‬
‫جمِ إِذَا َهوَى} فلذا كنت أنظر إلى عدد‬
‫بالذات آيات كثيرة ل تزيد على جملة قصيرة نحو {وَالنّ ْ‬
‫السطر ل إلى عدد اليات‪ .‬وال المستعان‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪.‬‬
‫هذا اعتذار‪ ،‬وآخر هو أني كتبت هذا التفسير في ظروف مختلفة مرة في الطائرة‪ ،‬ومرة في‬
‫الحضر‪ ،‬وأخرى في السفر‪ ،‬ومرة والبال مشغول وثانية والجسم معلول‪ ،‬فلذا قد يجد القارئ أحيانا‬
‫جفافا في الشرح أو قلقا في العبارة‪ ،‬يضاف إلى ذلك الخطأ المطبعي الذي أصبح ل ينجو منه‬
‫كتاب‪ ،‬ول يسلم منه خطاب‪.‬‬
‫وكلمة أخيرة وهي أني ما آلوت جهدا في تحري الحق والصواب وفي التيسير والتسهيل في هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬وما توفيقي إل بال‪ .‬وعليه فإنه ما كان من كمال فهو من ال‪ ،‬وما كان من نقصان فإنه‬
‫مني‪ ،‬واعتذر مستغفرا ال تعالى لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات‪ ،‬والمسلمين والمسلمات‪،‬‬
‫الحياء منهم والموات‪ ،‬ومصليا ومسلما على أشرف المخلوقات وصاحب المعجزات نبينا محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم وآله الطاهرين‪ ،‬وصحابته أجمعين‪.‬‬
‫أبو بكر جابر الجزائري‬

‫( ‪)5/634‬‬

‫"خاتمة الطبعة الثالثة"‬


‫الحمد ل الذي بنعمته تتم الصالحات‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف المخلوقات محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم ذي الكمالت‪ ،‬وآله وصحبه ما أشرقت بنور ربها قلوب المؤمنين والمؤمنات‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬ففي الروضة الشريفة من المسجد النبوي الشريف‪ ،‬وبين العشائين من ليلة السبت الموافق‬
‫لعيد الفطر المبارك من عام ‪ 1409‬من الهجرة النبوية كتبت هذه الكلمة "الخاتمة" (لنهر الخير)‬
‫على أيسر التفاسير‪ ،‬فكانت إحدى النعم التي واله ال ذو الفضل والنعام على أضعف عباده‬
‫وأقلهم شأنا‪ ،‬وأدناهم فضلً‪ ،‬ولكن ال يمن على من يشاء من عباده وهو ذو الفضل العظيم‪.‬‬
‫لقد ابتدأت كتابة هذه الحاشية المباركة إن شاء ال تعالى في أواخر محرم الحرام وأنا بين خوف‬
‫ورجاء‪ :‬خوف من موافاة الجل قبل إتمام العمل‪ ،‬إذ كثيرون ما أتموا ما بدأوا ول أدركوا ما أملوا‬
‫أذكر منهم الشيخين الجليلين‪ :‬محمد عبده‪ ،‬وتلميذه محمد رشيد رضا‪ ،‬فقد بدءا تفسيرهما فتركه‬
‫الول في سورة النساء وتركه الثاني في سورة يوسف عليه السلم وأجابا نداء ربهما وتركا‬
‫تفسيرهما لم يتماه ولم يكمله لمر أراده ال‪ ،‬فأعظم ال أجرهما وأحسن عزاءنا فيهما ونفعنا‬
‫بتفسيرهما وقد فعل فله الحمد وله المنة فقد قرأت وطالعت (المنار) أكثر من أربع مرات‪ ،‬وكنت‬
‫إذا وصلت إلى موضع انتهاء ما كان الشيخ رشيد يتلقاه عن شيخه ويقول إلى هنا انتهى ما كنت‬
‫أتلقاه من الشيخ‪ ،‬يغلبني البكاء فأبكي ورأى أن رزية ما فوقها رزية في موت الشيخين قبل إتمام‬
‫تفسيرهما‪.‬‬
‫واستجاب ال لي ووقاني كل ما يعوقني أو يعوقني عن إتمام هذه الحاشية التي أراها ضرورية‬
‫ليسر التفاسير الذي ما كتبته وجمعته إل لعلمي بحاجة المسلمين اليوم إلى مثله فأتم ال علي نعمة‬
‫من أجل النعم ومنةً من أعظم المنن فاللهم لك الحمد ولك الشكر حمدا ل ينتهي وشكرا ل ينقضي‪،‬‬
‫وكما أنعمت وأفضلت فاغفر وارحم وأنت خير الراحمين واعف وتجاوز وأنت العفو الكريم‪،‬‬
‫وصل وسلم وبارك على خاتم أنبيائك‪ ،‬محمد عبدك ورسولك وآله الطاهرين وصحابته أجمعين‬
‫وسلم على المرسلين والحمد ل رب العالمين‪.‬‬
‫أبو بكر جابر الجزائري‬

‫( ‪)5/635‬‬

You might also like