Professional Documents
Culture Documents
Shamela.org ١
المحتو يات
المحتو يات
٥ ١بسم الل ّٰه الرحمن الرحيم
٣١ ١٠باب ما يحرم على الرجل من استعمال حرير صرف وحليّ نقد ومن َ
تشب ّه بالنساء
Shamela.org ٢
المحتو يات
Shamela.org ٣
المحتو يات
عن الكتاب
الكتاب :إرشاد العباد إلى سبيل الرشاد
تأليف :زين الدين عبد العزيز المليباري الفناني
هذا كتاب انتخبته من كتَابَيْ :الزواجر ،ومرشد الطلاب ،للشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي
Shamela.org ٤
المحتو يات
عن المؤلف
Shamela.org ٥
باب الإيمان ٢
Shamela.org ٦
باب الإيمان ٢
ل؟ قلُ ْتُ الل ّٰه ورسوله أعلم .قال" :ف َِإ َن ّه ُ ن ال َ ّ
سائ ِ ِ يصير الأسافل كالملوك "ثم انطلق فلبثت مليا ً أي زمانا ً كثيراً ،ثم قال :ي َا ع ُم َر ُ أَ ت َ ْدرِي م َ ِ
ل أت َاك ُ ْم يُع َلَمُك ُ ْم دِينَكُمْ".
جبْر ِي ُ
ِ
قال التاج السبكي :الإسلام أعمال الجوارح ،ولا يعتبر إ َلّا مع الإيمان والإيمان تصديق القلب ،ولا يعتبر إ َلّا مع التلفظ بالشهادتين.
ونقل النووي في شرح مسلم اتفاق أهل السنة من المحدّثين والفقهاء والمتكلمين على أن من آمن بقلبه ،ولم ينطق بلسانه مع قدرته كان
مخلدا ً في النار انتهى.
الت ّل ُ َ ّف ُ
ظ بالشهادتين لا الإتيان بلفظ :أشهد ،فالأظهر الاكتفاء بلا إله إلا الل ّٰه محمد رسول الل ّٰه ،وهو واعلم أنه يشترط في إسلام كل كافر َ
مقتضى كلام الروضة ،لـكن الذي اعتمده بعض المتأخرين اشتراطه ،وهو مقتضى كلام العباب فعليه لو قال :أعلم أو أسقطهما .فقال
لا إله إ َلّا الل ّٰه محمد رسول الل ّٰه لم يكن مسلماً .ولبعض أئمتنا رأي ثالث ،وهو اشتراط أشهد أو مرادفها كأعلم ،فينبغي لكل من يسلم
الاحتياط بأن يقول :أشهد أن لا إله إ َلّا الل ّٰه وأشهد أن محمدا ً رسول الل ّٰه ،ومعنى أشهد أعلم وأبين ،ويشترط ترتيبهما فلا يصحّ الإيمان
بالنبي قبل الإيمان بالل ّٰه ،لا الموالاة بينهما ولا العربية وإن أحسنها ،لـكن يشترط فهم معنى ما تلفظ به ،وهو أنه لا معبود بحق في
الوجود إلا الل ّٰه المنفرد بالألوهية ،وأن يزيد المشرك :كفرت بما كنت أشركت به ،وأنا بريء من كل دين يخالف دين الإسلام ،فلا
يصير المشرك مؤمنا ًحتى يضم إلى الشهادتين ذلك ،كما في الروضة والعباب ،وقيل :لا يجب ز يادة ذلك.
واعلم أن الإيمان بالل ّٰه اعتقاد أنه واحد لا نظير له في ذاته وصفاته ولا شر يك له في الألوهية وهي استحقاق العبادة ،وأنه قديم لا
ق لا انتهاء لأبديته ،وبالملائكة اعتقاد أنهم مكرمون لا يعصون الل ّٰه ما أمرهم ،و يفعلون ما يؤمرون صادقون فيما
ابتداء لوجوده ،وبا ٍ
أخبروا به ،وبالـكتب اعتقاد أنها كلام الل ّٰه الأزلي القائم بذاته المنزه عن الحرف والصوت ،وأن كل ما تضمنته حق ،وأن الل ّٰه تعالى
أنزلها على بعض رسله بألفاظ حادثة في ألواح أو على لسان الملك ،وبالرسل اعتقاد أن الل ّٰه أرسلهم إلى الخلق ونزههم عن كل وخيمة
ونقص ،فهم معصومون من الصغائر والكبائر قبل النبو ّة وبعدها ،وباليوم الآخر ،وهو من الموت إلى آخر ما يقع اعتقاد وجوده ،وما
اشتمل عليه من سؤال الملـكين ونعيم القبر أو عذابه ،والبعث والجزاء والحساب والميزان ،والصراط والجنة والنار ،وبالقدر اعتقاد أن ما
قدّره الل ّٰه في الأزل لا بد من وقوعه ،وما لم يقدره يستحيل وقوعه ،وأنه تعالى قدر الخـير والشرّ قبل خلق الخلق ،وأن جميع الكائنات
بقضائه وقدره
وأخرج أحمد والحاكم عن أبي هريرة رضي الل ّٰه عنه .قال :قال رسول الل ّٰه" :ج َ ّدِد ُوا إ يْمَانَكُمْ" قيل :قيل وكيف نُج َ ّدِد ُ إيمانَنَا يا ر َسو َ
ل
ل لا إله إ َلّا الل ّٰه يَب ْتَغ ِي ن الل ّٰه ق َ ْد حح ََر ّم َ عَلى َ
الن ّارِ م َنْ قَا َ ل لا إله إلا الل ّٰه" .والشيخان عن عثمان بن مالك "إ َ ّ
الل ّٰه؟ قال" :أكْ ث ِر ُوا م ِنْ قَو ْ ِ
ك وَجْه َ الل ّٰه" .وابن عساكر عن عليّ رضي الل ّٰه عنه عن النبي" :ح َ َ ّدثَنِي جبْر ِيلُ ،قَالَ :يَق ُو ُ
ل الل ّٰه تَعالى :لا إله إ َلّا الل ّٰه حِصْ نِي فَم َنْ بِذل ِ َ
ل لا إله إ َلّا الل ّٰه مائة مرة إلا بَعث َه ُ الل ّٰه يَوْم َ الق ِيَامَة ِ وَو َجْ ه ُه ُ
ْس م ِنْ عَبْدٍ يَق ُو ُ
ن م ِنْ عَذ َابِي" .والطبراني عن أبي الدرداء" :لَي َ
دَخَلَه ُ أَ م ِ َ
ل قَو ْلِه ِ أ ْو ز َاد َ" .وابن ماجه عن أم هانىء" :لا إله إ َلّا الل ّٰه ل م ِنْ ع َمَلِه ِ إ َلّا م َنْ قَا َ
ل مِث ْ َ ض ُ
ل أف ْ َ
كالقَمَرِ لَيْلَة َ الب َ ْدرِ ولم يرف َعْ لأحَدٍ يَوْم َئِذٍ ع َم ٌ
ل ال ُد ّعَاء ِ الحم َْد ُ لل ّٰه" .والنسائي عن أبي ل الذِّكْر ِ لا إله إ َلّا الل ّٰه ،و َأَ ف ْ َ
ض ُ ض ُ
لا يسبقها عمل ولا تترك ذنباً" والترمذي والنسائي عن جابر" :أَ ف ْ َ
َب ك ُ ُ ّ
ل ل قُلْ لا إله َ إ َلّا الل ّٰه .فَق َا َ
ل ي َا ر ِّ شي ْئا ً أ ْذك ُرُك َ بِه ِ ،فَق َا َ سلام ُ :ي َا ر ُ ّ
َب عَل ِّمني َ ل م ُوس َى عَلَيْه ِ ال َ ّ
سعيد الخدري عن النبي .قال" :قَا َ
ت في كفة ٍ وعامرهنّ غيري والأرضين ال َ ّ
سب ْ َع جُعِل َ ْ َ السموات ال َ ّ
سب ْ َع ِ ل ي َا م ُوس َى لَو أ َ ّ
ن ل هذا َإن ّما ُأرِيد ُ َ
شي ْئا ً ت َُخصّ نِي بِه ِ ،فَق َا َ عِبَادِك َ يَق ُو ُ
ت بهنّ لا إله إلا الل ّٰه".
ولا إله إلا الل ّٰه في كفة ٍ لَمَال َ ْ
اس َت َ
الن ّ ُ يس قالُ :أه ْل ِـك ِ وأبو يعلى عن أبي بكر رضي الل ّٰه عنه وعن ذر يّته "عَلَيْك ُ ْم بلا إله إلا الل ّٰه و َالاسْ تِغْف َارِ و َأَ كْ ث ِر ُوا مِنْه ُما ف َِإ َ ّ
ن إبْل ِ َ
يح ْسب ُونَ أ َ ّنه ُ ْم مُه ْتَد ُونَ" .وابن أبي الدنيا والبيهقي ك أَ ه ْلـَ ْكتُه ُم بالأَ ه ْوَاء ِ و َه ُ ْم َ بال ُذ ّن ُ ِ
وب و َأَ ه ْلـَكونِي بِلا إله إ َلّا الل ّٰه والاسْ تِغْف َار ،فَلم ّا ر َأَ ي ْتُ ذل ِ َ
Shamela.org ٧
باب الإيمان ٢
Shamela.org ٨
باب الإيمان ٢
شي ْئا ً
م ِنْ أَ نْصَارٍ{ )سورة المائدة - (٧٢:وأخرج ابن ماجه والبيهقي عن أبي الدرداء .قال" :أوصاني خليلي رسول الل ّٰه أن لا تُشْرِك َ ب ِالل ّٰه َ
ل شَر َ
ح ك ُ ِّ َب الخم َ ْر َ َ
فإن ّه ُ مفْتَا ُ كه َا م ُت َعَمِّدا ً ف َقد بَر ِئ َْت مِن ْه ُ الذ ِّ َمّة ُ ،و َلا تَشَر ِ
و َِإ ْن قُطِعْتَ أَ ْو حُر ِق ْتَ ،و َلا تَت ْرك صَلاة ً مَكْت ُوبَة ً م ُت َعمِّداً ،فَم َنْ ت َر َ َ
كف َر َ بَعْد َ إسْ لامِه ِ" أي ما دام مصرّا ً على كفره .والشافعي والبيهقي" :م َنْ غَي ّر َ
ل الل ّٰه تَو ْبَة َ عَبْدٍ َ
ل دِين َه ُ فاق ْتُلُوه ُ و َلا يَقْب َ ُ
والطبراني" :م َنْ ب َ ّد َ
دِين َه ُ فاضْر ِبُوا ع ُنق َه ُ" أعاذنا الل ّٰه منها بمنه وكرمه.
واعلم أن من أنواعها :أن يعزم مكلف مختار على الـكفر في زمن قريب أو بعيد ،أو يتردد فيه ،أو يعلقه باللسان أو القلب على شيء ولو
محالا ًعقليا ًفيكفر حالاً ،أو يعتقد ما يوجبه أو يفعله ،أو يتلفظ بما يدل عليه مع اعتقاد أو عناد أو استهزاء :كأن يعتقد قدم العالم أو
الروح أو حدوث الصانع ،أو ينفي ما هو ثابت لل ّٰه تعالى بالإجماع :كالعلم والقدرة ،أو يثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كاللون ،أو يعتقد
وجوب غير واجب كصلاة سادسة وصوم غير رمضان ،أو يشك في تكفير اليهود والنصارى ،وكأن يسجد لمخلوق كصنم وشمس ،أو
يمشي إلى الكنائس مع أهلها بزيهم من الزنانير وغيرها ،أو يلقي ورقة فيها شيء من القرآن أو العلم الشرعي أو اسم الل ّٰه تعالى أو اسم نبي
أو ملك في مستقذر ،ولو طاهرا ً كبزاق أو مخاط أو يلطخ ذلك ،أو مسجدا ً بنجس ولو معفو ّا ً عنه ،وكأن ينكر نبو ّة نبي ُأجمع عليها ،أو
إنزال كتاب كذلك :كالتوراة والإنجيل وزبور ماود وصحف إبراهيم أو آية من القرآن مجمعا ًعليها كالمع َو ّذتين ،أو ينكر وجوب واجب،
أو ندب مندوب أو تحريم حرام ،أو تحليل حلال أجمع عليها ،وعلم من الدين ضرورة كركعة من إحدى المكتوبات ،وصوم رمضان،
وكالرواتب وصلاة العيد ،وكشرب الخمر ،والزنى واللواط ووطء الحائض ،وإيذاء مسلم ،وأخذ مكس وربا ورشوة ،وصلاة بلا وضوء،
وكالبيع والنكاح أو ينكر إعجاز القرآن ،أو صحبة أبي بكر رضي الل ّٰه عنه ،أو البعث أو الجنة أو النار ،أو كأن يكذِّب نبياً ،أو يستخف به
أو بملك ،أو يسبهما ولو تعر يضاً ،أو يقذف عائشة رضي الل ّٰه عنها أو يدّعي النبو ّة أو يصدق مدعيها ،وكأن يرضى بالـكفر كإكراه مسلم
عليه ،أو إشارته عليه به ،أو إشارته على كافر بأن لا يسلم ،وإن لم يستشره ،وكمنع تلقين كافر كلمة الإسلام إذا طلبه ،واستمهاله منه ولو
ساعة خلاف الدعاء ،بنحو :لا رزقه الل ّٰه الإيمان ،أو سلبه عن فلان المسلم إن أراد تشديد الأمر لا الرضا به ،وكأن يفضل الوليّ على
النبي ،أو
ل في صورة حسنة ،أو أنه يطعمه ويسقيه،
يجو ّز بعثة نب ّي بعد نبينا ،وكأن يقول إنه رأى الل ّٰه عيانا ًفي الدنيا ،أو كلمه شفاهاً ،أو أن الل ّٰه يح ّ
أو أسقط عنه التمييز بين الحلال والحرام ،أو أن العبد يصل إلى الل ّٰه من غير طر يق العبودية ،أو أنه وصل رتبة سقط عنه التكليف بها.
وكذا يكفر من سخر باسم الل ّٰه تعالى أو نبيه أو بأمره أو نهيه أو بوعده ،أو وعيده أو ص َغ ّر اسم الل ّٰه أو وصفه كالل ّٰه مليّ ،أو غ َي ّر شيئا ًمن
القرآن ،أو زاد كلمة فيه معتقدا ً أنها منه ،أو بسمل عند شرب خمر أو زنى استخفافا ًباسم الل ّٰه ،أو قال :لو أمرني الل ّٰه أو رسوله بكذا لم
أفعله ،أو أنه لو أعطاني الجنة ما دخلتها استخفافا ًأو عنادا ً أو :لو آخدني بترك الصلاة مع ما بي من الشدّة والمرض ظلمني أو :لو شهد
عندي نب ّي أو ملك ما صدقته أو قال :المؤذن يكذب أو صوته كالجرس ،وأراد تشبيهه بناقوس الـكفرة ،أو الاستخفاف بالأذان ومن
قال :مستخفاً :شبعت من القرآن أو الصلاة أو الذكر ،أو لا أخاف القيامة ،أو أيّ شيء :المحشر أو جهنم ،أو أيّ شيء عملت ،وقد
ارتكب معصية ،أو أيّ شيء أعمل بمجلس العلم ،وقد أمر بحضوره أو قصعة ثريد خير من العلم ،أو لعنة الل ّٰه على كل عالم إن لم يرد
الاستغراق ،وإلا لم يشترط استخفاف لشموله الأنبياء والملائكة ،أو تشبه بالعلماء أو الوعاظ أو المعلمين على هيئة مزر ية بحضرة جماعة
حتى يضحكوا ،أو يلعبوا استخفافاً ،أو ألقى فتوى عالم ،أو قال :أيّ شيء هذا الشرع وقصد الاستخفاف.
ومن تمنى كفرا ً ثم إسلاما ًحتى يعطى دراهم مثلاً ،أو أن لا يحرم الل ّٰه ما لم يكن حلالا ًفي زمن قط كالزنى والظلم والقتل ،أو نسب
الل ّٰه إلى الجور في التحريم ،أو قال في المكس ونحوه :إنه حق السلطان معتقدا ً أنه حق ،ومن لبس زيّ كافر ميلا ً لدينه ،أو ضلل
سب الشيخين أو الحسن والحسين ،ومن قيل له :ما الإيمان؟ فقال :لا أدري استخفافاً ،أو ،ألست مسلماً؟ فقال :لا عمدا ً
ّ الأمة ،أو
Shamela.org ٩
باب الإيمان ٢
أو لم تأمر بالمعروف؛ فقال :ما لي بهذا الفضول ،أو قلم أظفارك فهو سنة ،فقال :استهزاء بها لا أفعل ،وإن كان سنة ومن قال لمحوقل:
ل من أن يقال له ذلك أو
الحوقلة لا تغني من جوع ،أو لمن شمت كبيرا ً بيرحمك الل ّٰه :لا تقل هكذا ،قاصدا ً أنه غني عن الرحمة أو أج ّ
لمن فعل قبيحا ًشرعا ًكقتل السارق ،وضرب المسلم ظلما ًأحسنت ،أو لزوجته أنت أحب إليّ من الل ّٰه ورسوله ،وأراد محبة التعظيم لا
الميل ،أو لمسلم :يا كافر بلا تأو يل ،أو :دع العبادات الظاهرة الشأن في عمل الأسرار؛ ومن قال إنه يوحى إليه ،وإن لم يدع نبو ّة ،أو
أنه يدخل الجنة ،و يأكل من ثمارها ،و يعانق الحور قبل موته ،أو أن النبيوة مكتسبة ،أو أن مرتبتها تنال بصفاء القلب ،أو أن صدق
الأنبياء فيما قالوه نجونا ،أو الل ّٰه يعلم أني فعلت كذا ،وهو كاذب فيه ،أو مطرنا بنجم كذا مريدا ً أن للنجم تأثيرا ً فيه؛ ومن قال إن نبينا
محمدا ً كان أسود ،أو ليس بقرشي أو عربي أو إنسي أو لا أدري ،أهو الذي بعث بمكة أو مات بالمدينة ،أعاذنا الل ّٰه من الـكفر وحمانا
مما يجر ّ إليه.
َث
ل لِل ْمَلِكِ :إن ِ ّي كَبِرْتُ فَابْع ْ
حر ٌ ،فَلَم ّا كَبِر َ قَا َ
وروى مسلم عن صهيب قال :قال رسول الل ّٰه" :ك َانَ م َلِكٌ ف ِيم َنْ ك َانَ قَب ْلـَك ُ ْم وَك َانَ له ُ سَا ِ
حر ُ م َّر
سا ِِب فَقَعَد َ إلَيْه ِ وَسَم ِـ َع ك َلامِه ِ ،وَك َانَ إذ َا أتَى ال َ ّ
ك ر َاه ٌسِحْ ر َ فَبَع َثَ إلَيْه ِ غُلاما ً يُع َل ِّم ُه ُ وَك َانَ فِي َطرِ يِقِه ِ إذ َا سَل َ َإل َيّ غُلاما ً ُأعَل ِّم ُه ُ ال ّ
ك
خشِيتَ أَ ه ْل َ َ حر َ فَق ُلْ ح َبَسَنِي أَ ه ْل ِي ،و َإذا َ
سا ِخشِيتَ ال َ ّ ل إذ َا َِب ،فَق َا َ ك إلى َ َ
الر ّاه ِ حر ُ ضَر َبَه ُ فَشَك َا ذل ِ َ سا ِ ِب و َقَعَد َ إلَيْه ِ ،ف َِإذ َا أتَى ال َ ّ ب َ
ِالر ّاه ِ
ل أَ م ُ َ
الر ّاه ِبُ أَ فْضَل؟ ض ُ
حر ُ أَ ف ْ َ اس ،فَق َال :اليَوْم َ اع ْلَم ُ ال َ ّ
سا ِ َت َ
الن ّ َ ك إ ْذ أَ تَى عَلَى د َابَة ٍ عَظ ِيمَة ٍ قَد َ ح َبَس ِ
حر ُ ،فَبَي ْنَم َا ه ُو َ عَلَى ذل ِ َ فَق ُلْ ح َبَسَنِي ال َ ّ
سا ِ
اس ف َرَم َاه َا فَق َتَلَها وَم َض َى الن ّ ُ حر ِ فَاق ْت ُلْ هذِه ِ ال َد ّ َاب ّة ِ ح ََت ّى يَمْضِيَ َ سا ِك م ِنْ أَ ْمر ِ ال َ َّب إلَي ْ َ ِب أَ ح َ ّ م إ ْن ك َانَ أَ مْر َ
الر ّاه ِ الل ّه ُ َ ّ
ف َأَ خَذ َ حَ ج َرا ً فَق َالََ :
ُ
ن اب ْتُلِيتَ
ك سَتُب ْتَلَى ،وإ ِ ل م ِن ِ ّي ،و َق َ ْد بلَ َ َغ م ِنْ أَ ْمرِك َ م َا أَ ر َى ،و َِإ َن ّ َض ُ ي بُن َ ّي أَ ن ْتَ اليَوْم َ أَ ف ْ َ ل لَه ُ َ
الر ّاه ِبُ :أَ ْ اس ف َأَ تَى َ
الر ّاه ِبَ ف َأَ خْبَرَه ُ .فَق َا َ َ
الن ّ ُ
ي ف َأَ ت َاه ُ اس م ِنْ سَائ ِر الأ ْدو َاء ِ فَسَمِـ َع ج َل ِ ُ
يس الملَِكِ ،وَك َانَ ق َ ْد عَم ِ َ َص ،و َيُد َاوِي َ
الن ّ َ ل عَل َيّ ،وَك َانَ الغ ُلام ُ يُبْر ِىء ُ الأَ ك ْم َه َ و َالأَ ب ْر َ
فَلا تَد ُ َ ّ
ل إن ِ ّي لا أَ شْ فِي أَ ح َداًَ ،إن ّمَا ي َ ْشفِي الل ّٰه ،ف َِإ ْن آمَن ْتَ ب ِالل ّٰه دَعَو ْتُ الل ّٰه فَشَف َاك َ ،ف َآم َ َ
ن شفَي ْتَنِي ،فَق َا َ
ك إ ْن أَ ن ْتَ َ
هي َ ل َ َ
بِهَد َاي َا كَث ِيرَة ٍ .فَق َالَِ :
ل لَه ُ الملَِكُ :م َنْ ر َ َدّ عَلَي ْ َ
ك بَصَرَك َ؟ فَق َالَ :ر َب ِ ّي. يج ْل ُِس .فَق َا َ
س إلَيْه ِ كَمَا ك َانَ َ
ك فَجل َ َ َ
ب ِالل ّٰه فَشَف َاه ُ الل ّٰه ،ف َأَ تَى الملَ ِ َ
Shamela.org ١٠
باب العلم ٣
ت و َ ُأضْرِم َ اس فأَ م َرَ ب ِال ُأخْد ُودِ ب ِأَ ف ْوَاه ِ ال ِّ
سك َكِ ،فَخ َ ُ ّد ْ ن َ
الن ّ ُ ك حَذَرُك َ ،ق َ ْد آم َ َ
ل بِ َ
تحْذَرُه ُ ق َ ْد و َالل ّٰه ن َز َ َ
كن ْتَ َ
ل لَه ُ أَ ر َأَ ي ْتَ م َا ُ
ك فَق ِي َ
ف َأَ تَى الملَ ِ ُ
ل صبِيّ ٌ لَهَا ،فَتق َاعَس ْ
َت فَق َا َ ح ْم فَف َع َلُوا ح ََت ّى ج َاء َ ِ
ت امْرَأَ ة ٌ وَمَعَه َا َ ف ِيها الن ِّير َانُ و َقَالَ :م َنْ ل َ ْم يَرْجِـعْ ع َنْ دِينِه ِ ف َأَ قْحِم ُوه ُ ف ِيهَا ،أَ ْو ق ِي َ
ل لَهُ :اق ْت َ ِ
الغ ُلام :يا ُأ َمّه ْ اصْ بِر ِي ف َِإ َن ّكِ عَلَى الحَقّ ِ".
وحكى ابن الجوزي عن أبي علي البربري قال" :إ َ ّ
ن ثَلاثَة َ إخوة ٍ من الشّام كانوا يغزون وكانوا فرسانا ً شجعاناً ،فأسرهم الروم مرة .فقال
َّ
فصب فيها الزيت ،ثم الملك :إني أجعل فيكم الملك ،وأزوجكم بناتي وتدخلون في النصرانية ،فأبوا وقالوا :يا محمداه ،فأمر بثلاث قدور
ل يوم على تلك القدور ،وي ُ ْدعَوْنَ إلى النصرانية ،فيأبُونَ فألقى الأكبر في القدر ،ثم الثاني ثم
أوقد تحتها النار ثلاثة أيام يُعْرَضُونَ في ك ّ ِ
أدنى الأصغر ،فجعل يفتنه عن دينه بكل أمر ،فقام إليه علج فقال :أيها الملك أنا أفتنه عن دينه قال :بماذا؟ قال :قد علمت أن العرب
أسرع شيء إلى النساء ،وليس في الروم أجمل من بنتي فادفعه إليّ حتى أخليه معها ،فإنها ستفتنه ،فضرب له أجلا ًأربعين يوماً ،ودفعه
إليه فجاء به ،فأدخله مع ابنته وأخبرها بالأمر فقالت له :دعه فقد كفيتك أمره ،فأقام معها نهاره صائم وليله قائم حتى مضى أكثر
الأجل ،فقال العلج لابنته :ما صنعت؟ قالت :ما صنعت شيئا ً هذا رجل فقد أخو يه في هذه البلدة ،فأخاف أن يكون امتناعه من
أجلهما كلما رأى آثارهما ،ولـكن استزد الملك في الأجل ،وانفني وإياه إلى بلد غير هذا ،فزاده أياما ًفأخرجها إلى قر ية أخرى ،فمكث
على ذلك أياما ًصائم نهاره ،وقائم الليل حتى إذا بقي من الأجل أيام قالت له الجار ية ليلة :يا هذا إني أراك تقدس ربا ًعظيماً ،وإني قد
دخلت معك في دينك ،وتركت دين آبائي ،قال لها فكيف الحيلة في الهرب؟ قالت :أنا أحتال لك ،وجاءته بدابة فركبا ،وكانا يسيران
الليل و يكمنان النهار ،فبينما هما يسيران ليلة إذ سمعا وقع خيل ،فإذا بأخو يه ومعهما ملائكة رسلا ًإليه ،فسلم عليهما وسألهما عن حالهما
فقالا :ما كانت إلا الغطسة التي رأيت حتى خرجنا في الفردوس ،وإن الل ّٰه أرسلنا لنشهد تزو يجك بهذه الفتاة ،فزوّجوه إياها ورجعوا،
وخرج إلى بلاد الشام فأقام معها ،،ثبتنا الل ّٰه بالقول الثابت وحمانا من الـكفر والنفاق.
]
تنبيهات[ :أحدها أن من ارتكب مكفرا ً يحبط جميع أعماله ،و يجب عليه قضاء الواجب منها وينفسخ النكاح حالا ًولو بعد الدخول عند
جماعة من الأئمة :كأبي حنيفة بل عند إمامنا الشافعي رضي الل ّٰه عنهما أن ثواب العمل يحبط ،لـكن لا يحبط نفس العمل :أي من
حيث إنه لا يجب القضاء ،وإن النكاح ينفسخ حالا ًإن كان قبل الدخول ،وبعد العدة إن كان بعده .الثاني :أنه يجب على الإمام أو
نائبه استتابته فوراً ،و يحرم إمهاله فإن تاب قبل منه على الأصح ،وإلا فيقتله بضرب عنقه لا بنحو إحراق ،ولا يدفن في مقبرة المسلمين.
وثالثها :أنه يشترط في صحة توبته النطق بالشهادتين ،فلا يحصل إسلامه ككافر أصلي َ إلا بذلك ويزيد حتما ًمن كفر بإنكار معلوم من
الدين بالضرورة اعترافه بما كفر بإنكاره ،وندب لكل مرتد الاستغفار.
}باب العلم{
درجات{ )سورة المجادلة (١١ :أي ويرفع درجات العلماء منهم خاصة،
ٍ ن ُأوْتُوا العِلْم َ
ن آم َن ُوا مِنْك ُ ْم و َال َ ّذ ِي َ
قال الل ّٰه تعالى} :يَرْف َ ُع الل ّٰه ال َ ّذ ِي َ
ن يَعْلَم ُونَ و َال َ ّذ ِي َ
ن لا يَعْلَم ُونَ{ )سورة الزمر (٩ :أي لا يستو يان. عز وجلّ} :قُلْ ه َلْ يَسْتَوِي ال َ ّذ ِي َ
وقال الل ّٰه ّ
ض ُع
ن المَلائِك َة َ ت َ َ
سل ِ ٍم إ ّ
ل مُ ْ ِالصينِ ،ف َِإ َ ّ
ن طَلَبَ العِلْم ِ فَرِ يضَة ٌ عَلَى ك ُ ّ ِ وأخرج ابن عبد البر عن أنس قال :قال رسول الل ّٰه" :اطْ لُب ُوا العِلْم َ و َلَو ْ ب ِّ
حتَهَا لِطَال ِِب العِلْم ِ رِضَا بِما يَطْلُبُ " .والديلمي عن ابن عباس" :طَلَبُ العِلْم ِ سَاع َة ً خَيْر ٌ م ِنْ ق ِيَا ِم لَيْلَة ٍ وَطَلَبُ العِلْم ِ يَو ْما ً خَيْر ٌ م ِنْ صِيَا ِم
أَ جْ ن ِ َ
ك َ ّفارَة ً لم َِا م َض َى" والشيرازي عن عائشة رضي الل ّٰه عنها" :م َن ان ْتَق َ َ
ل ليَتَع َلم َ سنْجَرَة َ" :م َنْ طَلَبَ العِلْم َ ك َانَ َ
ثَلاثَة ِ أَ شْهُرٍ" .والترمذي عن َ
Shamela.org ١١
باب الوضوء ٤
ب العِلْم ِ و َالع ِبَادَة ِ ح ََت ّى يَكْبر َ أَ ْعطَاه ُ "أي ّمَا ن َاشِىء ٍ نَش َأَ فِي طَل َ ِ
ل لاخْ ت ِيَارِه ِ العِلْم َ" .والطبراني عن أبي أمامةُ :
ك و َالما َ فَاخْ تَار َ العِلْم َ ف َُأ ْعط ِ َ
ي الملُ ْ َ
ن الل ّٰه تَع َالَى لَيَغْف ِر ُ لِلْع َال ِ ِم أَ رْبَع ِينَ ذَن ْبا ًقَب ْ َ
ل أَ ْن يَغْف ِر َ وأبو نعيم والخطيب عن أبي هريرة" :خِيَار ُ ُأمّتِي عُلَمَاؤ ُه َا وَخَي ْر ُ عُلَمائِهَا رُحَمَاؤ ُها ،ألا و َِإ َ ّ
ِب ،كَمَا يُض ِيء ُ الـكَوْكَبُ ق و َالمَغْر ِ يج ِيء ُ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ و َِإ َ ّ
ن نورَه ُ ق َ ْد أَ ضَاء َ يَمْش ِي ف ِيه ِ م َا بَيْنَ المَشْر ِ ِ ن الع َالِم َ َ
الر ّحِيم َ َ ل ذَن ْبا ً و َاحِداً .ألا و َِإ َ ّ لِلْجَاه ِ ِ
ص َو ّر َ الل ّٰه ع ِل ْم َه ُ فِي قَبْرِه ِ يُؤ ْنِس ُه ُ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ ،و َي َ ْدر َ ُأ عَن ْه ُ ه َوَامّ الأ ْرضِ" .وأبو الشيخ ال ُد ّرّ ُِيّ " .والديلمي عن ابن عباس" :إذ َا م َاتَ الع َالِم ُ َ
ل لِلْع َال ِ ِمل الْج َنَ ّة َ و َتَن ْ َع ّ ْم ب ِع ِبَاد َتِكَ ،و َق ِي َ ل لِل ْع َابِدِ :أ ْدخ ُ ِوالديلمي عن ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما" :إذ َا اجْ تَم َ َع الْع َالِم ُ و َالع َابِد ُ عَلَى الصِّر َاطِ ،ق ِي َ
ل م َنْ شفَعْتَ فَق َام َ مَق َام َ الأن ْب ِيَاءِ" .والخطيب عن عثمان رضي الل ّٰه عنه" :أ ّو ُ ك لا ت َ ْشف َ ُع لأحَدٍ إ َلّا َ ق ِْف ه ُنَا فف َاشْ ف َعْ لم َِنْ أَ حْ بَب ْتَ ف َِإ َن ّ َ
َُ َ
كف َضْ ل الن ّب ِ ِيّ عَلَى أمّتِه ِ" .وعن جابر" :أَ كْرِم ُوا الع ُلَمَاء َ ل الع َال ِ ِم عَلَى غَيْرِه ِ َ
ي َ ْشف َ ُع يَوْم َ الق ِيَامَة ِ الأن ْب ِيَاء ُ ث َُم ّ الع ُلَمَاء ُ ث َُم ّ ال ُش ّهَد َاءُ" .وعن أنس" :ف َضْ ُ
ف َِإ َ ّنه ُ ْم وَر َثَة ُ الأن ْب ِيَاء ِ فَم َنْ أَ ك ْرَمَه ُ ْم فَق َ ْد أَ ك ْرَم َ الل ّٰه وَرَسُولَهُ" .وابن عساكر عن أبي سعيد" :م َنْ عَل ّم َ آيَة ً م ِنْ ك ِت َ ِ
اب الل ّٰه أو بابا ً م ِنْ عِلْم ٍ أنْم َى
ل" .وأحمد عن
جر ِ الع َام ِ ِ
ْص م ِنْ أَ ْ
ل بِه ِ و َلا يَنَق ُ
جر ُ م َنْ عَم ِ َ الل ّٰه أَ ْ
جرَه ُ إلَى يَو ْ ِم الق ِيَامَة ِ" .وابن ماجه عن معاذ بن أنس" :م َنْ عَل ّم َ ع ِل ْما ًفلََه ُ أَ ْ
ن ال ُد ّن ْيا وَم َا ف ِيها".
ك مِ َ
ك رَج ُلا ً خَيْر ٌ ل َ َ
معاذ" :ل َأنَ يَهْدِي الل ّٰه وب ِ َ
ل الل ّٰه" .والطبراني عن ابن ل عِنْد َ الل ّٰه م ِ َ
ن الجِه َادِ فِي سَب ِي ِ ض ُ
جدِ فِي تَعْل ِِيم العِلْم ِ أَ ف ْ َ وابن النجار عن ابن عباس" :الغ ُد ُ ّو والرّو َا ُ
ح إلى المَسَا ِ
ف الج َنَ ّة ِ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ" يعني ر يحها .وابن ماجه عنه" :م َنْ تَع َل ّم َ العِلْم َ ليُباهي بِه ِ الع ُلَمَاء َ أَ ْو ن ال ُد ّن ْيا لَم َ َ
يج ِ ْد ع ُْر َ لا يَتَع ََل ّمه ُ إلا لِي ُصِ يبَ غ َرَضا ً م ِ َ
جه َ َن ّم َ" .وابن أبي الدنيا والبيهقي عن الحسن مرسلاً" :م َا م ِنْ عَبْدٍ َ
يخْط ُبُ س إلَيْه ِ أَ ْدخَلَه ُ الل ّٰه َ ِف بِه ِ وجُوه َ َ
الن ّا ِ يُمَارِي بِه ِ ال ُ ّ
سفَه َاء َ أَ ْو يَصْر َ
خطْب َة ً إ َلّا الل ّٰه سَائِلُه ُ عَنْهَا يَوْم َ الق ِيَامَة ِ ما أراد َ بها" قال :فكانَ مالك بن دينار إذا حدّث بهذا بكى ،ثم يقول :أتحسبون عيني تقر ّ بكلامي ُ
أحب إليك لم أقرأ على اثنين أبداً.
ّ عليكم ،وأنا أعلم أن الل ّٰه سائلي عنه يوم القيامة ما أردت به ،فأقول :أنت الشهيد على قلبي لو لم أعلم أنه
Shamela.org ١٢
باب الوضوء ٤
ن أول واجب على الآباء للأولاد تعليمهم أن النبيّ بعث بمكة ومات ودفن بالمدينة.
]تنبيه[ :إ ّ
اعلم أن أوّل ما يلزم المكلف تعلم الشهادتين ومعناهما وجزم اعتقاده ،ثم تعلم ظواهر علم التوحيد وصفات الل ّٰه تعالى ،وإن لم يكن عن
ٍ
ساع، الدليل ،ثم ما يحتاج إليه لإقامة فرائض الدين كأركان الصلاة والصوم وشروطهما ،والزكاة إن ملك مالا ًنصاباً ،ولو كان هناك
والحجّ إن كان مستطيعا ً له ،ثم علم الأحكام التي يكثر وقوعها إن أراد أن يباشر عقدا ً بيعا ً كان أو غيره كالأركان والشروط ،ولا
الر ّبَو َي ّات لمن خاض فيها ،وكواجبات القسم بين الزوجات والقيام بالمماليك ،و يجب أيضا ًتعلم دواء أمراض القلب :كالحسد
سيما في َ
والر ياء والعجب والـكبر واعتقاد ما ورد به الكتاب والسنة.
}باب الوضوء{
ل الل ّٰه صَلاة أَ حَدِك ُ ْم إذ َا أَ حْد َثَ ح ََت ّى يَت َو َ َ ّ
ضأَ " .وأبو الشيخ عن ابن أخرج الشيخان عن أبي هريرة .قال :قال رسول الل ّٰه" :لا يَقْب َ ُ
لأ قَب ْرُه ُ عَلَيْه ِ
َت جَل ْدَة ً واحدة ً ،فَام َت َ َ مسعودُ " :أم ِرَ بِعَبْدٍ م ِنْ عِبَادِ الل ّٰه تَع َالَى يُضْر َبُ فِي قَبْرِه ِ مائَة جَل ْدَة ٍ ،فَل َ ْم ي َز َلْ يَسْأَ ُ
ل و َي َ ْدع ُو ح ََت ّى صَار ْ
ك ص ََل ّي ْتَ صَلاة ً بغير طهور ،وم َرَرْتَ بِمَظْلُو ٍم فَل َ ْم تَن ْصُرْه ُ" .والبيهقي عن سلمان" :إذ َا
ناراً ،فَلَم ّا ارْتَف َ َع عَن ْه ُ قَالَ :عَلام َ جَلَدْتُمُونِي؟ قَالُواَ :إن ّ َ
ج
ل و َجْ ه َه ُ خَر َ َ
ن ف َغَسَ َ
سل ِم ُ أَ ْو المُؤْم ِ ُ شجَرَة ِ" .ومسلم عن أبي هريرة "إذا تَو َ َ ّ
ضأَ العَبْد ُ الم ُ ْ ت عَن ْه ُ ذ ُنُوبُه ُ كَمَا تَح َ ُ ّ
ات وَر َقُ هذِه ِ ال َ ّ ضأَ العَبْد ُ تَحَا َت ّ ْ
تَو َ َ ّ
خط ِيئَة ٍ بَطَشَتْها يَد َاه ُ م َ َع الماء ِ ج م ِنْ يَد َيْه ِ ك ُ ُ ّ
ل َ خر ِ ق َطر الماءِ ،فَإذ َا غَسَ َ
ل يَد َيْه ِ خَر َ َ خط ِيئَة ٍ نَظَر َ إلَيْهَا بِعَي ْنَيْه ِ م َ َع الماء ِ أَ ْو م َ َع آ ِ م ِنْ و َجْ هِه ِ ك ُ ُ ّ
ل َ
ن خط ِيئَة ٍ مَشَتْهَا رِجْلاه ُ م َ َع الماء ِ أَ ْو م َ َع آخَر ِ ق َطرِ الماء ِ ح ََت ّى َ
يخ ْر ُج نَق ِيا ً م ِ َ ج م ِنْ رَج ُلَيْه ِ ك ُ ُ ّ
ل َ أَ ْو م َ َع آخر قَطَرِ المَاءِ ،فإذا غَسَ َ
ل رِجْلَيْه ِ خَر َ َ
َسنات".
ٍ ط ْهرٍ كُت ِبَ لَه ُ عَش ْر ُ ح ال ُذ ّ ِ
نوب" .وأبو داود عن ابن عمر" :م َنْ تَوضَأَ عَلى ُ
وحكى الغزالي :أنه رئي بعض الموتى في المنام فقيل له :كيف حالك؟ فقال :صليت يوما ًبلا وضوء ،فوُكّ ِل عليّ ذئب يروّعني في قبري
فحالي معه في أسوإ حال.
مرة .فقال الطبيب :إن ترد عينيك فلا توصل إليهما ماء ،فلما ذهب الطبيب توضأ وصلى ونام فبرئت
وحكى أنه رمدت عين الجنيد ّ
عينه فسمع هاتفا ً يقول :ترك الجنيد عينه في رضاي .فلو طلب مني الجهنميين بذلك العزم لأجبت .فلما جاء الطبيب ورأى العين
صحيحة قال :ما فعلت؟ قال :توضأت وصليت ،وكان الطبيب نصرانياً ،فآمن في الحال .وقال :هذا علاج الخالق لا المخلوق وكنت أنا
أرمد وكنت أنت الطبيب.
وحكى اليافعي عن سهل بن عبد الل ّٰه قال :أول ما رأيت من العجائب والـكرامات أني خرجت يوما ًإلى موضع خالٍ ،فطاب لي المقام
عز وجلّ ،وحضرت الصلاة وأردت الوضوء ،وكانت عادتي من صباي تجديد الوضوء لكل فيه ،ووجدت من قلبي ميلا ً إلى الل ّٰه ّ
دب يمشي على رجليه كأنه إنسان معه جرّة خضراء قد أمسك بيده عليها،
صلاة ،فكأني اغتممت لفقد الماء ،فبينما أنا كذلك ،وإذا ّ
فلما رأيته من بعيد توهمت أنه آدمي حتى دنا مني وسلم عليّ ،ووضع الجر ّة بين يديّ فجاءني أعراض العلم .فقلت :الجرة والماء من أين
الدب وقال :يا سهل إنا قوم من الوحوش قد انقطعنا إلى الل ّٰه تعالى بعزم المحبة والتوكل ،فبينما نحن نتكلم مع أصحابنا في
ّ هو؟ فنطق
مسألة إذ نودينا :ألا إن سهلا ًيريد ماء لتجديد الوضوء ،فوضعت هذه ال َجر ّة بيدي ،وإذا بجنبي ملكان فدنوت منهما وصبا فيها هذا الماء
بالدب إلى أين ذهب ،وأنا متحسر إذ
ّ من الهواء ،وأنا أسمع خرير الماء .قال سهل :فغشي عليّ فلما أفقت إذا بالجر ّة موضوعة ،ولا أعلم
لم أكلمه وتوضأت ،فلما فرغت أردت أن أشرب منها فنوديت من الوادي :يا سهل لم يأذن لك في شرب هذا الماء بعد فبقيت الجرة
تضطرب وأنا أنظر إليها فلا أدري أين ذهبت.
)فصل( في أحكام الوضوء .شروطه :ماء مطلق وظن أنه مطلق ،وإسلام ،وتمييز ،وعلم فرضيته ،وعدم ظن فرضه نفلا ًوعدم حائل،
ولا مغير للماء على العضو تحت ظفر ،وكزعفران وصندل ،وجري الماء عليه ،ودخول وقت لدائم حدث.
وفروضه :نية أداء فرض الوضوء ،أو الطهارة لاستباحة الصلاة عند غسل أول جزء من الوجه .وغسل الوجه واليدين مع المرفقين،
Shamela.org ١٣
باب الوضوء ٤
ل وُضُوءٍ" رواه
ك م َ َع ك ُ ّ ِ الـكفين ثم السواك بكل خشن إلا لصائم بعد الزوال .قال رسول الل ّٰه" :لَو ْلا أَ ْن أَ ش َُقّ عَلَى ُأمّتِي لأَ م َْرتُه ُ ْم ب ِال ّ
سِوَا ِ
مالك والشافعي .ثم المضمضة والاستنشاق والمبالغة فيهما لمفطر ،وجمعهما بثلاث غرف والاستنشار ومسح كل الرأس والأذنين ظاهرا ً
أو باطناً ،وتخليل شعر كثيف من لحية ،وعارض وأصابع اليدين بالتشبيك ،والرجلين من أسفل بخنصر يده اليسرى.
بالن ّارِ ث َُم ّ
ل فَق َالَ :إذ َا تَوضأْ تَ فَخل َِّلْ لِ حْيَتَكَ" رواه ابن أبي شيبة وقال" :خ َلِّلُوا بَيْنَ أَ صَاب ِعِك ُ ْم لا يُخَلِّل الل ّٰه بَينها َ
جبْر ِي ُ
قال رسول الل ّٰه" :أَ ت َانِي ِ
ن َ
الن ّارِ" رواه الدارقطني ،ودلك الأعضاء وأن يقول ثلاثاً :آخره مستقبلا ًإلى القبلة رافعا ًيديه وبصره إلى السماء َاب م ِ َ
لأ ْعق ِ
ل لِ َ
ل و َي ْ ٌ
قَا َ
ولو أعمى :أشهد أن لا إله إلا الل ّٰه وحده لا شر يك له ،وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله :اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين
سبحانك اللهم وبحمدك ،أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ،وصلى الل ّٰه على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم ،وأن
يقرأ إنا أنزلناه بعده كذلك.
َت لَه ُ ثَمَانيِ َة ُ سم َاء ِ ث َُم ّ قَالَ :أَ شْهَد ُ أَ َ ّ
ن لا ِإله إ َلّا الل ّٰه وَحْدَه ُ ِإلى آخره ،فُتِح ْ ن الوُضُوء َ ث َُم ّ ر َف َ َع بَصَرَه ُ ِإلَى ال َ ّ قال رسول الل ّٰه" :م َنْ تَو َ َ ّ
ضأَ ف َأَ حْ سَ َ
ك كُت ِبَ في الل ّه ُ َ ّ
م و َب ِحَمْدِك َ إني أَ تُوبُ إلَي ْ َ ك َ سب ْح َان َ َ
ل بَعْد َ ف َرَاغِه ُِ : ل م ِنْ أَ ّيِها شَاءَ" رواه مسلم .وقال" :م َنْ تَو َ َ ّ
ضأَ فَق َا َ اب الج َنَ ّة ِ ي َ ْدخ ُ ُ
أب ْو َ ِ
ِـع فَل َ ْم يُكْسَرْ إلى يَو ْ ِم الق ِيَامَة ِ" رواه الحاكم .وقال "م َنْ ق َرأَ َ سورة َ إنا أنزلناه ُ فِي أثَر ِ وضوئِه ِ م َ َّرة ً كانَ من الص ّدِيقينَ ل في طَاب ٍ ر َقَ ث َُم ّ جُع ِ َ
ن ال ُش ّهَد َاءِ ،وَم َنْ ق َرأَ َ ه َا ثلاثا ً حَشَرَه ُ الل ّٰه م َ َع الأَ ن ْب ِياءِ" رواه الديلمي وٺثليث ك ّ
ل والتوجه للقبلة في كلّ، وَم َنْ ق َرأَ َ ها م َ َّرتَيْنِ كُت ِبَ فِي دِيوا ِ
وقرن النية بأوّل السنن المتقدمة على غسل الوجه ليثاب عليها والتلفظ بها سرّاً .وتعهد الغضون ،وكذا الموق واللحاظ بالسبابة إذا لم يكن
فيهما رمص يمنع وصول الماء إلى محله وإلا فوجب وأخذ ماء الوجه بكفيه معا ًوعدم لطمه به والبداءة فيه بأعلاه وفي اليدين والرجلين
صب عليه غيره ،وفي الرأس بمقدمه ،وإطالة الغرة والتحجيل.
ّ بالأصابع ،وإن
ل غ َ ُّرتَه ُ فَل ْي َ ْفع َلْ " رواه الشيخان .وقال: مح َ َج ّلِينَ م ِنْ آث َارِ الوُضُوء ِ فَم َ ِ
ن اسْ تَطَاعَ أَ ْن يُط ِي َ ن ُأمّتِي ي ُ ْدعَوْنَ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ غ َ ُّرا ً ُقال رسول الل ّٰه" :إ َ ّ
حي ْثُ يَب ْل ُ ُغ الوُضُوءِ" رواه مسلم ،والتيامن والولاء وترك التكلم والاستعانة والتنشيف والنفض بلا حاجة ،وتوقي ن َ ن المؤم ِ ِ "تَب ْل ُ ُغ الحِل ْي َة ُ م ِ َ
يصب منه عن يساره ،والشرب من فضل وضوئه والاجتهاد في إسباغ الوضوء.
ّ الرشاش ووضع ما يغترف منه عن يمينه ،وما
ورش ماء بين إزاره بعده كبعد استنجاء .قال رسول ّ قال رسول الل ّٰه" :لا يُسْب ِـ ُغ عَبْدٌ ال ْوُضُوء َ إ َلّا غُف ِر َ لَه ُ م َا تَق َ َ ّدم َ م ِنْ ذَن ْبِه ِ وَم َا ت َأَ َ ّ
خر َ"
ح بِها فَرْج َه" رواه أحمد والحاكم لا ن الماء ِ فَن َ َ
ض َ حي َ إل َيّ فَع ََل ّمَنِي الوُضُوءَ ،فَلَم ّا ف َرَغَ الوُضُوء ُ أَ خَذ َ غ َْرف َة ً م ِ َ ل م َا ُأو ِ ل فِي أَ َ ّو ِ
جبْر ِي ُ
الل ّٰه" :أت َانِي ِ
مسح الرقبة ودعاء الأعضاء .أما حديثهما فموضوع أو شديد ضعفه فلا يعمل بهما.
)فرع( يقتصر حتما ً على الواجب لضيق وقت عن إدراك الصلاة كلها فيه وإدراك جماعة أولى من التثليث ،وسائر سنن الوضوء غير
يرجّ جماعة أخرى.
الدلك ما لم ِ
)ومكروهاته( الإسراف في الماء وتقديم اليسرى على اليمنى ،والنقص عن الثلاثة والز يادة عليها من غير ماء موقوف ،فمنه حرام قال
َص فَق َ ْد أَ سَاء َ وَظَلَم َ" رواه أبو داود.
رسول الل ّٰه" :هكَذ َا الوُضُوءُ ،فَم َنْ ز َاد َ عَلَى هذا أَ ْو نَق َ
وحكى الشيخ معين الدين حسن السجزي :أنه كان مع الشيخ أجل سري يوما ً فحضر وقت الصلاة ،فجدد الشيخ أجل سري الوضوء،
وسها عن تخليل الأصابع ،فهتف هاتف :يا أجل تدّعي محبة محمد ،وتكون من أمته وتترك سنته ،فحلف الشيخ أجل :لا أترك سنة من
سننه عليه الصلاة والسلام من وقتنا هذا إلى وقت الموت .وقال الشيخ معين الدين :كنت إذا رأيت الشيخ أجل رأيته كأنه ينام،
فسألته عنه فقال :أنا من ذلك الوقت الذي نسيت تخليل الأصابع إلى هذا الوقت في الحـيرة ،كيف ألاقي بهذا الوجه محمدا ً ؟
Shamela.org ١٤
باب الغسل ٥
وحكي عن الفضيل بن عياض أنه نسي في الوضوء غسل اليد مرتين ،فلما صلى ونام في تلك الليلة رأى النبي فقال :يا فضيل العجب
منك إنك تترك في الوضوء سنتي .فانتبه الفضيل من هيبته وجدد الوضوء من أوله ،ووظف على نفسه خمسمائة ركعة إلى سنة كفارة
لذلك نفعنا الل ّٰه به وبسائر الأولياء ورزقنا اتباعهم.
)
جدِ فإني لا ُأ ِ
ح ُّ
ل س ِ
ن الم َ ْ ن القُر ْآنِ" والنسائي عن عائشة رضي الل ّٰه عنها" :و َ ّ ِ
جه ُوا هذِه ِ البيوتَ ع َ ِ ابن عمر" :لا يَقْر َُأ الجن ُ ُبُ و َالحَائ ُِض َ
شي ْئا ً م ِ َ
ض و َلا جُن ٍُب" وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الل ّٰه عنه.
جد َ لِ حَائ ِ ٍ
س ِ
الم َ ْ
Shamela.org ١٥
باب فضل الصلاة المكتوبة ٦
الصيَا ِم و َانْظ ُر ُوا فِي زَك َاة ِ عَبْدِي ف َِإ ْن ك َانَ ض ََي ّ َع شَيئا ً مِنْهَا فَانْظ ُر ُوا ه َلْ َ
تجِد ُونَ ن ِّ تجِد ُونَ لِعَبْدِي ن َافِلَة ً م ِنْ صِيَا ٍم تَت ُم ِ ّونَ بِهَا م َا نَق َ
َص م ِ َ ه َلْ َ
ن
ك مِ َ ات ،فَمَا يُبْقَي ذل ِ َ ْس م َ َّر ٍل يَو ْ ٍم خَم َ ل ف ِيه ِ ك ُ َ ّس ُ َاب أَ حَدِك ُ ْم يَغْت َ ِ
ْب عَلَى ب ِل نَهْرٍ ج َا ٍر عَذ ٍ س كَمَث َ ِ ات الخم َ ْ ِ الصّ لَو َ ِ ل َ ومسلم عن جابر" :م َث َ ُ
ن النبي خرج زمن الشتاء والورق يتهافت ،فأخذ بغصنين من شجرة قال :فجعل ذلك يتهافت .قال :فقال: س" وأحمد عن أبي ذرّ" :أ ّ ال َد ّن َ ِ
سل ِم َ لَيُصَل ِّي َ
الصّ لاة َ يُر ِيد ُ بِهَا وَجْه َ الل ّٰه ،فَتَهَاف َتَ عَن ْه ُ ذ ُنُوبُه ُ كَمَا تَهَاف َتُ هذا الوَر َقُ يا أبا ذرّ ،فقلت :لبيك يا رسول الل ّٰه فقال :إ َ ّ
ن العَبْد َ الم ُ ْ
ع َنْ هذِه ِ ال َ ّ
شجَرَة ِ".
سه ِ و َعَاتِقَيْه ِ فَك ُ َل ّمَا ر َ َ
ك َع أَ ْو سَ جَد َ تَس َاقَط ْ
َت عَن ْه ُ ن العَبْد ُ إذ َا قَام َ ي ُ َصّ ل ِّي أَ تَى بِذ ُنُوبِه ِ ك ُلِّه َا ف َوُضِع ْ
َت عَلَى ر َأْ ِ والطبراني والبيهقي عن ابن عمر" :إ َ ّ
خش ُوعَه َا وَرُكُوعَه َا إ َلّا ك َان َْت
ن وُضُوءَها و َ ُ
يح ْضُرُه ُ صلاة ٌ مَكْت ُوبَة ٌ فَي ُحْ س ُ ذ ُنُوبُه ُ" ومسلم عن عثمان رضي الل ّٰه عنه" :ما م ِنْ امرىء ٍ م ُ ْ
سل ِ ٍم َ
الل ّه ُ تعالىُ :أشْهِدُكُمَا أَ نِي ق َ ْد غَفَر ْتُ ل ِعَبْدِي م َا بَيْنَهُم َا" وفي كتاب الزواجر لشيخنا خاتمة المحققين أحمد بن حجر ل َ
ل م َ َع صلاة ٍ إلا قا َ
رَج ُ ٍ
ش ،و َعَذ َابَ
ق العَي ْ ِ
ل يَرْف َ ُع عَن ْه ُ ضِي َ
س خِصا ٍ
الل ّه ُ ب ِخَم ْ ِ الهيتمي رضي الل ّٰه عنه قال بعضهم ورد في حديث" :م َنْ ح َاف ََظ عَلَى َ
الصّ لاة ِ أَ ك ْرَم َه ُ َ
الل ّه ُ ب ِخَم ْس ع َشَرَة َ ن َ
الصّ لاة ِ عاقب َه ُ َ َاب ،وَم َنْ تهَاوَنَ ع َ ِ
حس ٍل الج َنَ ّة َ بِغَيْر ِ ِ الل ّه ُ ك ِتَابَه ُ بِيمَِينِه ِ ُ
ويمر ّ عَلَى الصِّر َاطِ ك َالب َرقِ ،و َيَدَخ ُ ُ القَبْر ِ ،و يعطيه َ
Shamela.org ١٦
باب فضل الصلاة المكتوبة ٦
ن القَبْر ِ".
جه ِ م ِ َ عُق ُوبَة ً خَمْسَة ٌ فِي ال ُد ّن ْيا وثَلاثَة عِنْد َ المَو ِ
ْت ،و َثَلاثَة فَي قَبْرِه ِ ،و َثَلاثَة ٌ عِنْد َ خر ُو ِ
الل ّه ُ
ل يَعْم َلُه ُ لا ي َأَ جُرُه ُ َ َالث ّالِثة ك ُ ُ ّ
ل ع َم َ ٍ الصّ الحـ ِينَ م ِنْ وجهِه ِ ،و َ
ف َأمّا اللواتي في الدنيا :فالأولى ينزع ُ البر َكة م ِنْ عمرِه ِ ،والثانية يمحي سيما َ
ك
س ،و َأَ ضْر ِب َ َ
ش ْم ِ ِ
طلوع ال َ ّ الصّ ِ
بح إلى ييع صلاة ِ ُ ك عَلَى تَضْ ِ ِف يقول :أَ م َرَنِي الل ّٰه أَ ْن أَ ضْر ِب َ َ ل َ
الر ّعْدِ القاص ِ صو ْتُه ُ مِث ْ ُ أ َن ّا ال ُ ّ
شج َاع ُ الأق ْرَع ُ و َ َ
ِب إلى العشَاء، ك عَلى تَضْ ِ
ييع صَلاة ِ المَغْر ِ ِب ،و َأَ ض ْرب َ َ
ِيع صَلاة ِ العَصْر ِ إلى المَغْر ِ ك على تضي ِ ييع صَلاة ِ الظ ُ ْهرِ إلى العَصْر ِ ،وأض ْرب َ َ عَلَى تَضْ ِ
ن ات ك ُ ُ ّ
ل ح ََي ّة ٍ بِثُخ ْ ِ ل لَه ُ لَم ْلُم ف ِيه ِ ح ََي ّ ٌ
جهَن ّم َ و َادِيا ً يُق َا ُ الل ّٰه كَمَا ض ََي ّعْتَ في ال ُد ّن ْيا ح ََقّ الل ّٰه ،فَايأَ س اليَوْم َ أَ ن ْتَ م ِنْ رَحْمَة ِ الل ّٰه" وروي "أ َ ّ
ن فِي َ
ن امرَأَ ة ً م ِنْ بِني الصّ لاة ِ ،فيغلي س َُم ّها في جسمِه ِ سبعينَ سَن َة ً ث َُم ّ يَتَهر ّى لحْمُه ُ" وروي أيضا ً "إ َ ّ ر َق ْبَة ِ الب َع ِير ِ طولَها مَسِيرَة ُ ش َ ْهرٍ ،تلَْسَ ُع تارِك َ َ
سلام ُ .فقالت :يا نب َ ّي الل ّٰه أذْنَب ْتُ ذنبا ً عظ ِيما ً و َق َ ْد تُب ْتُ إلى الل ّٰه تَع َالَى ،فَاد ِْع الل ّٰه أَ ْن يَغْف ِر َ لِي َ ذ َنْبِي
ت إلى م ُوس َى عَلَيْه ِ ال َ ّ ل ج َاء َ ْ إسْر َائيِ َ
خر ُجي يا فَاجِرة ُ لئَلا ت :يا نب َ ّي الل ّٰه زَنَي ْتُ وولدْتُ ولدا ً و َقَتَل ْت ُه ُ .فقال موسى عليه ال َ ّ
سلام ُ :ا ْ ل لَها موس َى :وَم َا ذَن ْب ُكِ ؟ قَال َ ْ
و َيَت ُوب عَلَيّ .فقا َ
ل الر ّ ُ ّ
ب تَع َالَى يَق ُو ُ سلام ُ وقال :يا م ُوس َى َ
ل عَلَيْه ِ ال َ ّ
جب ْر ي ُ
ل ِ
ْب ،فَنَزِ َ سم َاء ِ فَتحرقنَا بِشُؤْم ِكِ ،فَخَرَج ْ
َت م ِنْ عِنْدِه ِ مُنْكَسِرَة َ الق َل ِ ن ال َ ّ
ل نار ٌ م ِ َ
تَنْز ِ َ
الصّ لاة َ عَام ِدا ً م ُتَعَمِّداً" انتهى. ل وَم َنْ شَرّ ٌ مِنْها؟ قَا َ
ل م َنْ يَت ْرك َ َ جبْر ِي ُ الت ّائبِ َة َ يا موس َى أَ م َا وَجَدْت ش َ َرّا ً مِنْها؟ قا َ
ل موس َى :ي َا ِ لَكَ :لم َ رَدَدْتَ َ
ات ك َان َْت لَه ُ نُورا ً و َبُرْه َانا ً وَنجاة ً يَوْم َ الق ِيَامَة ِ وَم َنْ ل َ ْم يُحاف ِْظ عَلَيْهَا ل َ ْم يَكُنْ لَه ُ نُور ٌ ولا وأخرج أحمد وابن حبان" :م َنْ ح َاف ََظ عَلَى َ
الصّ لَو َ ِ
ل و َبَيْنَ
الر ّج ُ ِ ن ولا نَجَاة ٌ ،وكانَ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ م َ َع قَار ُونَ و َفِرْعَوْنَ و َه َام َان و ُأبيّ بن خ َل َ ِ
ف" ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه" :بَيْنَ َ برها ٌ
الصّ لاة ِ" .وأبو داود" :بَيْنَ العَبْدِ و َبَيْنَ الـكُ ْفرِ تَرْك ُ َ
الصّ لاة ِ" .وأحمد والترمذي ن تَرْك ُ َ الـكُ ْفرِ تَرْك ُ َ
الصّ لاة ِ" والترمذي" :بَيْنَ الـكُ ْفرِ و َالإيمَا ِ
كف َر َ" .والطبراني :م َنْ ت َرَك َ َ
الصّ لاة َ كه َا فَق َ ْد َ والنسائي وابنا ماجه وحبان والحاكم عن بريدة" :الع َ ْهد ُ ال َ ّذ ِي بَي ْنَنَا و َبَيْنَه ُم َ
الصّ لاة ُ ،وَم َنْ ت َر َ َ
كف َر َ جِهاراً .وفي رواية سندها حسن :ع ُرا الإسلام َ ،وقواعد الدين ثلاث عليهنّ أسس الإسلام من ترك واحدة منهنّ
م ُتَعَمِّدا ً فَق َ ْد َ
ن لا إله إلا الل ّٰه والصلاة المكتوبة وصوم رمضان.
فهو بها كافر حلال الدم :شهادة أ ّ
ل دمه وماله،
وفي رواية أخرى سندها حسن أيضاً :من ترك واحدة منهنّ فهو بالل ّٰه كافر ،ولا يقبل منه صرف ولا عدل ،وقد ح ّ
والترمذي :كان أصحاب رسول الل ّٰه لا يرون شيئا ًمن الأعمال تركه كفْر غير الصلاة .وابن أبي شيبة والبخاري في تار يخه موقوفا ًعلى
ل فهو كافر .ومحمد بن نصر وابن عبد البر موقوفا ًعلى ابن عباس :من ترك الصلاة فقد كفر .وابن عليّ رضي الل ّٰه عنه قال :من لم يص ّ ِ
ل فهو كافر .وقال محمد بن نصر :سمعت إسحاق بن راهو يه يقول :صح عن َ
الن ّب ِيّ :أن تارك الصلاة عبد البر ّ موقوفا ًعلى جابر :من لم يص ّ ِ
كافر .وقال ابن حزم :قد جاء ،عن عمر بن الخطاب رضي الل ّٰه عنه :أن من ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتدّ.
)
Shamela.org ١٧
باب فضل الصلاة المكتوبة ٦
تنبيه( قال جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم بكفر تارك الصلاة وإباحة دمه منهم عمر بن الخطاب وابن عباس وابن مسعود
وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبو هريرة وأبو الدرداء وجابر بن عبد الل ّٰه رضي الل ّٰه عنهم .ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل
وإسحاق بن راهو يه وعبد الل ّٰه بن المبارك والنخعي والحاكم وابن عيينة وأيوب السختياني ،وأبو داود والطيالسي وأبو بكر بن أبي شيبة
ل الترك أو جحد الوجوب،
ن تارك الصلاة يكفر إن استح ّ
وزهير بن حرب وابن حبيب وغيرهم .وقال الشافعي رضي الل ّٰه عنه وآخرون :إ ّ
إلا يقتل بترك أداء صلاة واحدة حتى يخرج وقت الجمع بضرب عنقه بالسيف إن لم يتب بعد استتابته ،كتارك الصلاة ،وقيل :يضرب
بالعصا .وقيل :ينخس بحديدة إلى أن يصلي أو يموت ،وقال الغزالي :لو زعم زاعمٌ أن بينه وبين الل ّٰه حالة أسقطت عنه الصلاة ،فلا
شك في وجوب قتله ،وقتل مثله أفضل من قتل مائة كافر .وقال أحمد بن حنيل :لا يصح نكاح تاركة الصلاة ،ولـكن في مذهبنا أن
نكاح الذمية أولى من نكاح تاركتها.
)
ل لِل ْمُصَلِّينَ ال َ ّذ ِي َ
ن ه ُم ع َنْ صَلاتِه ِ ْم فصل( :في تحريم تأخير الصلاة عن وقتها عمدا ً واستحباب تعجيلها لأوّل الوقت قال الل ّٰه تعالى} :ف َو َي ْ ٌ
َت جه َ َن ّم َلَو ْ ُ
سيِّر ْ َاب .و َقيل وادٍ فِي َ
ش ّدة ُ العَذ ِ
ل ِ خر ُونَ َ
الصّ لاة َ ع َنْ و َق ْتها :و َالو َي ْ ُ الن ّبي" :ه ُم ال َ ّذ ِي َ
ن يُؤ َ ِّ سَاه ُونَ{ )سورة الماعون (٥٠٤ :قال َ
خر ُ َ
الصّ لاة َ ع َنْ و َقْتِها" وأخرج الحاكم والترمذي عن ابن عباس .قال :قال ن م َنْ يُؤ َ ِّ
ك ُ
س َ ل ال ُد ّن ْيا لَذ َاب َْت م ِنْ ِ
ش َ ّدة ِ حَرِّه ِ فَه ُو َ م َ ْ ف ِيه ِ جِبَا ُ
ل الل ّٰه تع َالَى مِنْه ُ ْم رسول الل ّٰه" :م َنْ جَم َ َع بَيْنَ صَلاتَيْنِ فَق َ ْد أَ تَى بابا ً م ِنْ أَ ب ْو َ ِ
اب الك َبَائِر ِ" وأبو داود وابن ماجه عن ابن عمر" :ثَلاثَة ٌ لا يَقْب َ ُ
أي
ل اعْتَبَد َ محررا ً ْ الصّ لاة َ إلا دباراً" والدبار أن يأتيها بعد أن يفوتها "وَرَج ُ ٌ ل لا ي َأْ تِي َ ل يَؤ ُ ُمّ قَو ْما ً وه ُ ْم لَه ُ ك َارِه ُونَ ،و َ
َالر ّج ُ ُ صَلاة ًَ :
الر ّج ُ ُ
سم َاء ِ و َلَهَا نُور ٌ ح ََت ّى تنتهي إلى العَرْشِ ،فَتَسْتَغْف ِر ُ
َت إلى ال َ ّ
الوقت صَعِد ْ
ِ ل جعَلَه ُ عَب ْداً" وروى الذهبي أنه قال" :إذ َا صَلَى العَبْد ُ َ
الصّ لاة َ في أوّ ِ َ
سم َاء ِ وعليها ظُل ْم َة ٌ .فإذا
َت إلى َ ال َ ّ حفِظَنِي ،و َإذ َا صَلَ ّى العَبْد ُ َ
الصّ لاة َ في غَيْر ِ و َقتِها صَعِد ْ ك الل ّٰه كَمَا َ
حفِظَ َ
ل لَهَُ :
ل ِصاحِبها إلى يَو ْ ِم الق ِيَامَة ِ و َتَق ُو ُ
ل عَلَى
ْت الأ ّو ُ
ل الو َق ِ ف َ
الث ّو ْبُ الخَلقُ ،و َيُضْر َبُ بِهِا وَجْه ُ صَاحِبها" وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر" :ف َضْ ُ سم َاء ِ تلُ َ ُ ّ
ف كَمَا يلُ َ ُ ّ انْتَه َْت إلى ال َ ّ
خر ُ عَفْو ُ الل ّٰه" والطبراني عن أمّ ن َ
الصّ لاة َ رِضوانُ الل ّٰه و َالو َق ْتُ الآ ِ خرَة ِ عَلَى ال ُد ّن ْيا" والترمذي عنه" :الو َق ْتُ الأ ّو ُ
ل مِ َ ل الآ ِ
كف َضْ ِ
خر ِ َ
الآ ِ
ل و َقْتِها". ل َ
الصّ لاة ِ لأ ّو ِ ل إلى الل ّٰه تَعْجِي ُ فروة" :أَ ح ُ ّ
َب الأَ عْمَا ِ
روى البخاري عن الزهري قال :دخلت على أنس بن مالك بدمشق ،وهو يبكي .فقلت :ما يبكيك؟ فقال :لا أعرف شيئا ًمما أدركت
إلا هذه الصلاة ،وهذه الصلاة قد ضيعت .قال الـكرماني والمراد بتضييعها تأخيرها عن الوقت المستحب ،لا أنهم أخروها عن وقتها
بالكلية :وروي عن عقيل بن أبي طالب :كنت أمشي مع رسول الل ّٰه .فإذا جمل يعدو حتى بلغ رسول الل ّٰه وقال :يا رسول الل ّٰه الأمان،
ل يا رسول الل ّٰه اشتريته بثمن كثير، فلم يلبث حتى جاء خلفه أعرابي ومعه سيف مسلول .فقال َ
الن ّبي" :م َاذ َا يُر ِيد ُ م ِنْ هذ َا المِسكِينِ؟ قَا َ
وليس هو يطيعني فأريد أن أذبحه وأنتفع بلحمه .فقال النبي للجمل :لِم ْ تَعْصِ يه؟ فقال :يا رسول الل ّٰه لَسْتُ أعصيه ،لأني لست أقدر على
العمل ،ولـكن أعصيه لأن القبيلة التي أنا فيها ينامون عن صلاة العشاء الأخيرة ،فلو عاهدك أن يصلي العشاء الأخيرة عاهدتك أن لا
أعصيه ما دمت حياً ،فإني أخاف أن ينزل عليهم عذاب من الل ّٰه عز وجل فأكون فيهم فأخذ النبي العهد على الأعرابي أن لا يترك
الصلاة وسلم إليه الجمل فرجع إلى أهله".
وحكي عن بعض السلف :أنه دفن أختا ًله ماتت فسقط منه كيس فيه مال في قبرها ،ولم يشعر به حتى انصرف عن قبرها ،ثم ذكره
فرجع إلى قبرها فنبشه بعد ما انصرف الناس ،فوجد القبر يشتعل عليها نارا ً فردّ التراب إليها ،ورجع إلى أمه باكيا ًحزيناً .فقال :يا أماه
أخبريني عن أختي ،وما كانت تعمل؟ قالت :وما سؤالك عنها؟ قال :يا أمي رأيت قبرها يشتعل عليها ناراً .قال :فبكت وقالت :يا
ولدي كانت أختك تتهاون بالصلاة ،وتؤخرها عن وقتها ،فهذا حال من يؤخر الصلاة عن وقتها ،فكيف حال من لا يصلي؟ فنسأل
الل ّٰه تعالى أن يعيننا على المحافظة عليها بكمالاتها في أوقاتها ،إنه جواد كريم رؤوف رحيم.
Shamela.org ١٨
باب فضل الصلاة المكتوبة ٦
)
تنبيهات :أحدها( أن إخراج الصلاة عن وقتها بلا عذر من أكبر الكبائر المهلـكة ،فيجب على من فو ّتها بغير عذر القضاء فورا ً وصرف
جميع زمنه للقضاء ،ما عدا الوقت الذي يحتاج لصرفه في تحصيل ما عليه من مؤنة نفسه وعياله ،وكما يحرم الإخراج عن الوقت يحرم
تقديمها عنه عمداً .وثانيها أن الصلاة تجب أوّل الوقت وجوبا ً موسعاً ،فله التأخير عن أوّله إلى وقت يسعها ما لم يظنّ فوتها ،بشرط
العزم على فعلها فيه ،وإلا عصى بالتأخير كمن نام بلا غلبة بعد دخول الوقت ،وقبل فعلها حيث لم يظنّ الاستيقاظ قبل ضيق الوقت أو
إيقاظ غيره له .وثالثها أن فضيلة أوّل الوقت تحصل باشتغاله بأسباب الصلاة كطهارة وستر أوّل الوقت ثم يصليها ،ورابعها أنه يندب
تأخير الصلاة عن أوّل الوقت لمن تيقن جماعة أثناءه ،وإن فحش التأخير ما لم يضق الوقت ،وكذا لمن ظنها إذا لم يفحش التأخير بحيث
لا يزيد على نصف الوقت ،ولا يندب التأخير مطلقا ًلمن شك فيها.
وكف من الأعلى والجوانب بما لا يحكي
ّ )فصل( :في أحكام الصلاة .شروطها :ستر رجل وأمة ما بين سرة وركبة ،وحرّة غير وجه
اللون إن قدروا عليه ،وتوجه للقبلة إلا في صلاة شدّة الخوف ،ونفل سفر مباح ،ومعرفة دخول وقت ،ولو ظنا ًومعرفة كيفية الصلاة
بأن يعرف فرضيتها ،ويميز فرائضها من سننها إلا في حق العامي إذا لم يقصد النفل بما هو فرض ،وطهارة عن حدث ،وطهارة بدن
وملبوس ،ومكان عن نجس لا عن دم نحو برغوث ودمل وحجم ،وإن كثر بغير فعله ،ولا عن قليل دم أجنبي غير نحو كلب ودم نحو
حيض ،ولا عن روث وبول نحو خفاش ،وإن كثر ،و يعفى عن ذرق طيور في المسجد ،وإن كثر ما لم يتعمد ملاقاته من غير حاجة،
ولم يكن هو أو مماسه رطباً.
وفروضها :نية فعلها مع تعيين ذات وقت أو سبب ،ومع نية الفرض فيه كأصلي فرض الظهر ،و يجب قرنها بأوّل التكبير واستصحابها
إلى آخرها ،كما في الروضة وأصلها ،والمختار الاكتفاء بالمقارنة العرفية بحيث يع ّد مستحضرا ً للصلاة وتكبيرة تحر ّم ،وتعين فيه الل ّٰه أكبر،
و يجب إسماع التكبير نفسه إن كان صحيح السمع ،ولا عارض من لفظ ونحوه ،وكذا كل ركن قوليّ وقيام لقادر في فرض والعاجز
عنه ،ولو بنحو دوران رأس في سفينة قعد ،ثم اضطجع ثم استلقى ،وقراءة الفاتحة مع البسملة كل ركعة إلا ركعة مسبوق ،و يجب
ل للمعنى وموالاتها كالتشهد ،فإن تخلل سكوت طال أو قصد به قطع القراءة ،أو
رعاية حروفها ومخارجها وتشديداتها ،وإعرابها المخ ّ
ذكر قطع الموالاة ،فإن تعلق بالصلاة كتأمينه وسجوده لقراءة إمامه ،وفتحه عليه فلا وترتيبها ،ولو شك في حرف أو آية قبل فراغها لا
بعده ،أو هل قرأ استأنفها ،وكالفاتحة في ذلك سائر الأركان ،و يحرم وقفة لطيفة بين السين والتاء من نستعين ،وتعمد تشديد مخفف ثم
قدرها من بقية القرآن ،فمن ذكر أو دعاء ثم وقفة بقدرها وركوع بانحناء بلغ راحتيه ركبتيه ،واعتدال يعود لبدء وسجود مرتين بوضع
بعض الجبهة مكشوفا ً إن أمكن على غير محمول يتحر ّك بحركته ،والركبتين وبطن الـكفين وأصابع القدمين و يجب أن ينال مسجده ثقل
رأسه ،ويرتفع أسافله على أعاليه وجلوس بينهما ،ولا يطوله ولا الاعتدال وطمأنينة فيها ،و يجب أن لا يقصد بالركن غيره ،وتشهد أخير:
التحيات لل ّٰه سلام عليك أيها النبي ورحمة الل ّٰه وبركاته سلام علينا وعلى عباد الل ّٰه الصالحـين أشهد أن لا إله إلا الل ّٰه ،وأن محمدا ً رسول
ل على محمد ،وتسليمة أولى :السلام عليكم وقعود للثلاثة ،وترتيبها كما ذكر.
الل ّٰه وصلاة على النبي بعده اللهم ص ّ
وسننها نوعان :هيآت منها الإضافة إلى الل ّٰه تعالى والتعر ّض للاستقبال ،وعدد الركعات والأداء والقضاء ،وإن لم يكن عليه فائتة مماثلة
للمؤدّاة والنطق بالمنويّ ،ونظر موضع سجوده مطرقا ً رأسه قليلاً ،ثم رفع يديه بكشف حذو منكبيه مع ابتداء تحر ّم وركوع ،ورفع منه
ومن تشهد أوّل ،ووضع يمين على كوع يساره تحت صدره ،وتفر يق قدميه قدر شبر في القيام ،وافتتاح سرّ المتمكن إن لم يتعو ّذ أو
يجلس مع إمامه ،وهو -وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا ً مسلما ً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي
ل ركعة سرّاً ،ووقف على رأس كل آية من رب العالمين لا شر يك له ،وبذلك أمرت وأنا من المسلمين -ثم تعوذ له بك ّومماتي لل ّٰه ّ
الفاتحة حتى البسملة ،و يكره الوقف على أنعمت عليهم ،وتأمين بتخفيف وم ّد ولمأموم سمع قراءة إمامه معه ،ولو تركه الإمام .قال رسول
ق ت َأْ م ِين ُه ُ ت َأْ م ِينَ المَلائِكَة ِ غفر لَه ُ م َا تَق َ َ ّدم َ م ِنْ ذَن ْبِه ِ" رواه الشيخان ثم قراءة شيء من القرآن ولو
ن الإم َام ُ ف َأَ مّ ِن ُوا ف َِإ َن ّه ُ م َنْ و َاف َ َ
الل ّٰه" :إذ َا أَ َمّ َ
آية ،والأولى ثلاث آيات في الأوليين لغير مأموم سمع قراءة إمامه ،وفهمه ،فتكره له كجهر خلفه ،وتحصل بإعادته الفاتحة إن لم يحفظ
Shamela.org ١٩
باب فضل الصلاة المكتوبة ٦
غيرها ،وبتكرير سورة واحدة في الركعتين وسورة كاملة أفضل من البعض ،وإن طال في غير التراويح وكون السورتين متواليتين ما لم
تكن التي تليها أطول ،وعلى ترتيب المصحف وقراءة} :آلَم َ تَنْز ِيلُ{ و }ه َلْ أَ تَى{ في صبح جمعة }والجمعة والمنافقين{ أو }سَب ِّح{ و }ه َلْ
أَ ت َاك َ{ ف ِيها و َفِي عَشَائِها.
}الإخْلاص{ في مغربها وفي صبح المسافر ،والمعو ّذتين وفي مغرب السبت ،وجهر وإسرار في محليهما وتدبر قراءة ،وذكر
و }الك َاف ِر ُونَ{ و ِ
ل خفض ورفع من غير ركوع ،ومدّه إلى أن يصل إلى الركن المنتقل إليه ،ووضع راحتيه على ركبتيه وتسو ية ظهر وعنق
وتكبير في ك ّ
في الركوع ،وأن يقول فيه :سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثاً ،وفي رفعه منه :سمع الل ّٰه لمن حمده .وفي اعتداله :ربنا لك الحمد ملء
السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ،ورفع اليدين في القنوت حذو منكبيه وجهر إمام به ،وتأمين مأموم سمع قنوت
إمامه سماعا ً محققا ًللدعاء منه ،والصلاة على النبي وآله فيه ،وإتيان إمام بصيغة جمع فيه.
وفي دعاء التشهد فيكره تخصيص نفسه ،ووضع ركبتيه مفر ّقتين بقدر شبر ،ثم كفيه مكشوفتين حذو منكبيه ناشرا ً أصابعه مضمومة
للقبلة ،ثم جبهته وأنفه معا ًوتفر يق قدميه بشبر منصوبتين ،موجها ًأصابعهما للقبلة وإبرازهما من ذيله في السجود ،وأن يقول فيه :سبحان
م غيره وافتراش في جلوس بين السجدتين،
ربي الأعلى وبحمده ثلاثاً ،ومجافاة ذكر عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه فيه ،وفي ركوع وض ّ
ووضع كفيه قريبا ً من ركبتيه ناشرا ً أصابعه ،وأن يقول فيه :رب اغفر لي ثلاثا ً وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني،
وجلسة الاستراحة ،وافتراش فيه وفي تشهد أوّل ،واعتماد على الأرض ببطن كفيه عند نهوضه من سجود وقعود ،وتورّك في تشهد أخير
لا يعقبه سجود سهو ،ووضع كفيه في تشهديه على طرف ركبتيه ناشرا ً أصابع يسراه بضم ،وجاعلا ً أصابع يمناه كعاقد ثلاثة وخمسين،
ورفع مسبحتها عند همزة إلا الل ّٰه منحنية قليلاً ،وإبقاؤها مرفوعة إلى القيام أو السلام ،وأن لا يجاوز بصره إشارة ،ونظر إليها حال
رفعها ،وأن يأتي في التشهدين بأكمل التشهد ،وهو التحيات المباركات الصلوات الطيبات لل ّٰه ،السلام عليك أيها النبي ورحمة الل ّٰه وبركاته،
السلام علينا وعلى عباد الل ّٰه الصالحـين ،أشهد أن لا إله إلا الل ّٰه ،وأشهد أن محمدا ً رسول الل ّٰه ،وبعد تشهد أخير بأكمل الصلاة على النبي،
ل على محمد وعلى آل محمد ،كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ،وبارك على محمد وعلى آل محمد ،كما باركت على إبراهيم
وهو :اللهم ص ّ
وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .ثم بالدعاء المأثور :اللهم اغفر لي ما قدّمت وما أخرت ،وما أسررت وما أعلنت ،وما أسرفت وما
أنت أعلم به مني.
أنت المقدّم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ،اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ،ومن عذاب النار ،ومن فتنة المحيا والممات ،ومن فتنة
المسيح الدجال ،اللهم إني ظلمت نفسي ظلما ً كثيرا ً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك ،وارحمني إنك أنت الغفور
الرحيم ،يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ،وتسليمة ثانية وز يادة ورحمة الل ّٰه فيهما ،والتفات بوجهه يمينا ًوشمالا ًفي تسليمته ،ناو يا ً
السلام على من التفت إليه من ملائكة ومؤمني إنس وجنّ وينو يه على من خلفه وأمامه بأيهما شاء ،ومأموم الردّ على من سلم عليه،
وإدراجه بلا مدّ ،ونية خروج من الصلاة بالتسليمة الأولى.
وأبعاض :وهي تشهد أوّل وقعود له وصلاة على النبي بعده ،وعلى آله بعد التشهد الأخير ،وقنوت في اعتدال آخر صبح ووتر نصف أخير
من رمضان :كاللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت ،وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ّ ما قضيت ،فإنك
ل من واليت ،ولا يعز ّ من عاديت ،تباركت ربنا وتعاليت ،فلك الحمد على ما قضيت ،أستغفرك
تقضي ولا يُقضى عليك ،وإنه لا يذ ّ
وأتوب إليك ،و يجزىء آية فيها دعاء إن قصده ،وكذا يجزىء دعاء محض ،ولو غير مأثور وقيام له وصلاة على النبي وعلى آله بعده لا
قبله ،فلو ترك شيئا ً من هذه الأبعاض ،ولو عمدا ً أو شك في تركه سجد سجدتين ندبا ً قبيل السلام كمن سها ممن يبطل عمده كتطو يل
ركن قصير ،وقليل كلام وأكل وتكرير ركن فعليّ أو نقل قوليا ًإلى غير محله ،أو شك فيما صلاه واحتمل ز يادة .ومن السنن المتقدّمة
عن الدخول في الصلاة الأذان والإقامة فسنتان لمكتوبة ذكر ،وإن بلغه أذان غيره ،وإقامة لامرأة و يجيب سامعهما ،ولو تاليا ًومتوضئا ً
Shamela.org ٢٠
باب فضل الصلاة المكتوبة ٦
ل في عَاتِقِه ِ ثوباً، سب ْع ِينَ صلاة ٍ ب ِغَيْر ِ سِواكٍ" .قال النووي في المجموع" :يُس َُنّ أَ ْن ُ
يجْع َ َ ل م ِنْ َ
ض ُ
ك أَ ف ْ َ
سِوَا ِ
زنجو يه وصححه الحاكم" :صَلاة ٌ ب ِال ّ
ن التعمم والاستياك
ْف رأسٍ .وقال شيخنا ابن حجر :إ ّ
كش ِ
ك َ يخ ْلُو م ِنْ شَيْء ٍ و َيُك ْرَه ُ تَرْك ُ ذل ِ َ
ك َ ل حبلا ً عَلَيْه ِ ح ََت ّى لا َ
جع َ َ
يج ِ ْده ُ َ
فإن لم َ
يستحبان ولو بعد الدخول في الصلاة إن أمكن فعلهما بفعل قليل ،واتخاذ سترة ،وهي شاخص طوله ثلثا ذراع وبينهما ثلاثة أذرع،
فبسط المصلي فخط أمامه طولاً ،فندب دفع مارّ مكلف وحرم مرور حينئذ .وقال البغوي في شرح السنة :إذا بيَ ّن الإمام موضع صلاته
بعصا أو غيرها لا حاجة للمأمومين إلى غرز العنزة وغيرها .لما روى أبو داود :إذ َا صَلَ ّى أَ حَد ُكُمْ ،فَل ْي َجْ ع َلْ تلقاء و َجْ هِه ِ شيئا ً فَل ْيَن ْ
ْصب
ن َ
الن ّاس ،ف َأَ ر َاد َ ط ِْط بِيْنَ يَد َيْه ِ ث َُم ّ لا يضره ُ م َا م َرَ أم َام َه ُ .والشيخان :إذ َا صَلى أَ حَد ُك ُ ْم إلى شيء يَسْت ُرُه ُ م ِ َ ع َصا ف َِإ ْن ل َ ْم يَكُنْ مَع َه ُ ع َصا فَل ْي ُ َ
خ ّ
ن الإثْم،
يج ْتَاز َ بَيْنَ يَد َيْه ِ فَل ْيَدْفَعْه ُ ،فإن أبى فليقاتله ،فإنما هو شيطانٌ :وهما :لَو ْ يَعْلَم ُ المارِّ بَيْنَ ي َديّ المصلي إلى السترة ماذا عَلَيْه ِ م ِ َ
أَ حَدٌ أَ ْن َ
لَك َانَ أَ ْن يَق َِف أَ رْبَع ِينَ خَر ِيفاً ،خَي ْرا ً لَه ُ م ِنْ أَ ْن يَم ُ َر ّ بَيْنَ يَد َيْه ِ.
ح و َتَحْم ِيدٌ وتَكْب ِير ٌ وتهليلٌ ،واستغفار ٌ عَش ْرا ً عَش ْرا ً إذ َا أَ ر َاد َ الق ِيَام َ إلَى َ
الصّ لاة ِ لما روى والطبراني :إ َ ّ
ن ستْرَة َ الإم َام ستْرَة ٌ من خلفه :و َتَسْب ِي ٌ
ْت إلَى َ
الصّ لاة ِ ل عليه .قال" :ي َا ُأ َمّ ر َاف ٍ
ِـع :إذ َا قُم ِ عز وج ّ ِ ن ال َ ّ
سني عن أ ِمّ رافع أنها قالت :يا رسول الل ّٰه دلني على عمل يأجرني الل ّٰه ّ اب ُ
ل الل ّٰه تَعالى :هذا لي ،وإذا
ت قا َ كب ِّر يه ِ عَش ْراً ،واسْ تَغْف ِر يه ِ عَش ْراً ،ف َِإ َن ّكِ إذا س ََب ّحْ ِ
فَسَبِّحِي الل ّٰه تَع َالَى عَش ْرا ً و َهَل ّل ِِيه ِ عَش ْرا ً واحْمدِيه ِ عَش ْرا ً و َ َ
ل الل ّٰه تَع َالَى: ك َب ّر ِ
ْت قال الل ّٰه تَع َالَى :هذا لي ،وإذا اسْ تَغْفَر ِ
ْت قَا َ ْت قال الل ّٰه تَع َالَى :هذا لي .وإذا َ
ل الل ّٰه تَع َالَى :هذا لي ،وإذا حَمد ِ
ْت قا َ
هَل ّل ِ
قد فعلت ذلك.
ومكروهاتها :ترك كشف يديه عند تحر ّمه وسجوده وإلصاق قدميه ،وتقديم إحداهما واعتماد عليها في القيام وجهر بمحل إسرار وعكسه،
وخفض رأس في ركوع ،ومخالفة ترتيب ذكرناه في وضع أعضاء السجود ،وبسط الذراعين على الأرض ،وترك وضع الأنف فيه وترك
ل تسبيح ركوع وسجود ،وذكر اعتدال وجلوس بين السجدتين ،وتعوذ
رجل مجافاة فيه وفي الركوع ،وترك تعو ّذ وسورة وتكبير انتقال ،وأق ّ
وكف شعر وثوب ،ومسح وجهه
ّ بعد تشهد أخير ،وإسراع وتخصيص إمام نفسه بالدعاء ،وتخلف مأموم لجلسة استراحة تركها الإمام
من نحو غبار ،وترويح على نفسه وبصق أماما ًويمينا ًوإشارة مفهمة وٺثاؤب واختصار واعتماد على اليد اليسرى في الجلوس ،وتقليب
اليدين عند التسليمتين.
)
فائدة( يحرم الالتفات في الصلاة على ما قاله المتولي والحليمي ،ورفع البصر عن موضع سجوده على ما قاله الأذرعي ،قال رسول الل ّٰه:
سم َاء ِ فِي صَلاتِهِمْ" فاشت ّد
ل أَ ق ْوَا ٍم يَرْف َع ُونَ أَ بْصَار َه ُ ْم إلى ال َ ّ "م َنْ قَام َ فِي َ
الصّ لاة ِ فَال ْتَف َتَ رَدّ الل ّٰه عَلَيْه ِ صَلاته ُ" رواه الطبراني .وقال" :م َا ب َا ُ
Shamela.org ٢١
باب فضل الصلاة المكتوبة ٦
ك أَ ْو لِت َخْ ط َ
َفنّ أَ بْصَار َهُمْ" رواه البخاري وروى أن سبب ابتلاء يعقوب بابنه يوسف عليهما قوله في ذلك حتى قال" :لِيَنْتَهنّ ع َنْ ذل ِ َ
السلام أنه التفت في صلاته إليه وهو نائم محبة له .و يكره تحريما ًصلاة عند الاستواء إلا يوم جمعة ،وبعد أداء صبح وعصر حتى ترتفع
وتغرب شمس إلا لسبب غير متأخر كركعتي تحية ووضوء ،وكفائتة لم يقصد تأخيرها إليها ،وتنزيها ًصلاة بمدافعة حدث و بحضرة طعام
يتوق إليه ،وبطر يق في بنيان ومقبرة سواء أصلى إلى القبر أم عليه أم بجانبه.
)ومبطلاتها (:نطق بحرفين ولاء ،ولو في تنحنح أو حرف مفهم من كلام سبق بشر لا يسير كلام لسانه إليه أو نسي أو جهل تحريمه
فيها ،وقرب عهده بالإسلام أو نشأ بعيدا ً عن العلماء ولا يتنحنح لتعذر ركن قولي ،وإن كثر ولا ضحك وبكاء وسعال وعطاس إن
غلبت وقلت ،وفعل فاحش كوثبة أو كثير يقينا ً من غير جنسها كثلاث خطوات ،وتحر يك كف ثلاثا ً بحك لغير شدة جرب ولاء
ل متصلا ً على ما قبله ولو سهواً ،لا خفيف وإن كثر متواليا ً كتحر يك أصابعه وأجفانه ومفطر وتعمد تكرير ركن فعليّ
بحيث يعد ك ّ
وإطالة فعلي قصير عمداً ،وإخلال شرط من شروطها وترك ركن من أركانها.
وحكي عن الشيخ معين الدين أنه قال :كان الشيخ أحمد الغزنوي ساكنا ًفي غار قريب من الشام فزرته ،فإذا ما عليه إلا الجلد والعظم،
وهو جالس على سجادة ،وبين يديه أسدان ،فقال لي :من أين تصل؟ قلت :من بغداد .قال مرحبا ً وأكثر خدمة الفقراء حتى يعظم
أمرك ،وإني سكنت في هذا الغار منذ أربعين سنة ،واعتزلت الخلق ،ولـكن ما استرحت من البكاء منذ ثلاثين سنة لأجل خوف
شيء ،قلت :ما هو؟ قال :الصلاة إذا صليت نظرت فيها مفكرا ً وبكيت .وقلت :لو اختلت ذرّة من الشروط ضاعت جميع أعمالي
وضرب بطاعتي على وجهي ،فإن كنت يا فقير تقدر أن تخرج من عهدة الصلاة فعلت أمرا ً وإلا ذهب العمر بالغفلة وضاع .وأخرج
الطبراني وابنا خزيمة وحبان في صحيحيهما" :أن رسول الل ّٰه رأى رجلا ًلا يتم ّ ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي فقال :لو مات هذا على
حاله مات على غير ملة محمد".
ن عَن ْه ُ" وأحمد" :لا يَنْظ ُر ُ الل ّٰه إلَى عَبْدٍ التمّ ْرَة َ أوِ َ
التمّ ْرَتَيْنِ لا يُغْن ِيا ِ ل َ ل الجَائ ِ
ِـع ي َأْ ك ُ ُ ل ال َ ّذ ِي لا يُت ِم ّ رُكُوع َه ُ و َيَنْق ُر ُ في سُ ج ُودِه ِ م َث َ ُ
ثم قال" :م َث َ ُ
خش ُوعَه َا و َلا رُكُوعَه َا و َلا سُ ج ُود َه َا صل ّاها لِغَيْر ِ و َقْتِهَا و َل َ ْم يُسْب ِـغْ وُضُوءَه َا و َل َ ْم يُت َِم ّ لها ُ
لا يُق ِيم ُ صُل ْب َه ُ م ِنْ سُ ج ُودِه ِ وَرُكُوعِه ِ" والطبراني" :م َنْ َ
ق ث َُم ّ ضَر َبَ بِهَا ف الثوبُ الخَل ِ ُ ت كَمَا يلُ َ ُ ّحي ْثُ شَاء َ الل ّٰه ل َ ُ ّف ْ ك الل ّٰه كَمَا ضَيَعْتَنِي ح ََت ّى إذ َا ك َان َْت َ سوْد َاء ُ مُظْل ِم َة ٌ تَق ُولُ :ض ََي ّع َ َ
هي َ َ
َت و َ ِ
خَرَج ْ
سه ِ" والديلمي وحسنه الحافظ ابن حجر: فإن ّمَا يُصَلي لِن َ ْف ِكي َْف يُصَل ِّي َ ك ألا يَنْظ ُر ُ المُصَل ِّي إذا صَلى َ ن صَلات َ َ س ُو َجْ ه َه ُ" ومسلم" :يا فُلانُ ألا تُح ِّ
ل لا ُ
يظنّ أنه ُ يُصَل ِّي صَلاة ً غَي ْرها" وأبو ل صَلاة َ رَج ُ ٍ
ن صَلاتَه ُ ،وص ّ ِ
س َ ل إذا ذَك َر المَو ْتَ لَ ّ ٌ
حري أ ْن يُح َ ِّ ن َ
الر ّج ُ َ ك ف َِإ َ ّ
"ا ْذكُر ِ المَو ْتَ فِي صَلات ِ َ
داود عن عبد الل ّٰه بن الشخير قال :رأيتُ رسول الل ّٰه يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرجل من البكاء.
)فائدة( قال السيد معين الدين الصفوي في تفسيره جوامع التبيان :والأصح أن الخشوع من فرائض الصلاة؛ وقال سفيان الثوري:
من لم يخشع فسدت صلاته؛ وقال سيدي القطب العارف بالل ّٰه محمد البكري رضي الل ّٰه عنه ونفعنا به :وإنما يورث ذلك إطالة الركوع
ن نظر موضع السجود أقرب إلى الخشوع.
والسجود؛ وقال شيخ مشايخنا زكر يا الأنصاري رحمه الل ّٰه تعالى :إ ّ
وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الل ّٰه عنه :أنه في بعض الحروب الجهادية أصيب بسهم ثم جذب السهم من عضوه الشر يف ،وبقي
النصل فيه فقالوا :إذا لم يجرح العضو لا يمكن استخراج النصل منه ،ونخاف من إيذاء أمير المؤمنين وقطع عضوه؛ فقال رضي الل ّٰه
عنه :إذا اشتغلت بالصلاة فاستخرجوه ،فافتتح الصلاة وهم قطعوا أم جرحوا العضو ،واستخرجوا النصل وهو رضي الل ّٰه عنه لم يتغير
حس بجرح العضو واستخراج في صلاته ،فلما فرغ قال :لم لم تستخرجوه؟ فقالوا :قد استخرجناه .فانظر إلى إقباله على ربه حتى لم ي ّ
النصل من جوف اللحم ،فنحن إذا عضنا قملة أو برغوث ،بل إذا وقع علينا ذباب نتشو ّش ولا يبقى لنا حضور ،فأين نحن من تلك
الحالات والمقامات.
وحكي عن زين العابدين عليّ بن الحسين :أنه كان إذا توضأ اصفر ّ لونه ،وإذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة فقيل له :مالك؟ فقال :و يحكم
Shamela.org ٢٢
باب فضل الصلاة المكتوبة ٦
أتدرون بين يدي من أقوم ولمن أريد أن أناجي؟ وأنه وقع حر يق في بيته وهو ساجد فجعلوا يقولون له :يا ابن رسول الل ّٰه النار ،فما رفع
رأسه فقيل له في ذلك لما رفع رأسه فقال :ألهتني عنها النار الـكبرى؛ فانظر أيها الغافل في الصلاة بين يدي من تقوم ومن تناجي؛
واستحي أن تناجي مولاك بقلب غافل وصدر مشحون بوساوس الدنيا ،وخبائث الشهوات؛ أما تعلم أنه مطلع على سريرتك ،وناظر إلى
قلبك ،وإنما يتقبل من صلاتك بقدر خشوعك وخضوعك وتواضعك وتضرّعك ،فاعبده في صلاتك كأنك تراه ،فإن لم تكن تراه ،فإنه
يراك؛ فإن لم يحضر قلبك بما ذكرنا ،ولم تسكن جوارحك لقصور معرفتك بجلال الل ّٰه تعالى ،فقدّر أن رجلا ًصالحا ًمن وجوه أهل بيتك
ينظر إليك كيف صلاتك ،فعند ذلك تحضر قلبك ،وتسكن جوارحك ،ثم ارجع إلى نفسك وقل :ألا تستحيين من خالقك ومولاك
ل عندك من عبد من عباده ،وليس بيده ضرّك ولا نفعك فما أش ّد طغيانك وجهلك،
الذي هو مطلع عليك ،وناظر إلى قلبك؛ أهو أق ّ
وما أعظم عداوتك لنفسك؛ فعالج قلبك بهذا فعسى أن يحضر معك في صلاتك ،فإنه انعقد إجماع العلماء على أنه لا يكتب لك من
صلاتك إلا ما عقلت منها؛ وأما ما أتيت به مع الغفلة ،ولو حكم بصحته ظاهرا ً فهو إلى الاستغفار أحوج لأنه إلى العقوبة أقرب.
قال الفقيه إسماعيل المقرىء رحمه الل ّٰه:
ْب صَلاة ً بِمِثْل ِها <> يَكُونُ الف َت َى مُسْتَو ْجبا ًلِل ْعُق ُوبَة ِ
تُصَل ِّي بِلا قَل ٍ
ل و َق َ ْد أَ تْم َ ْمتَها غَيْر َ عَال ِ ٍم <> تزيد ُ احْ ت ِياطا ًركْ ع َة ً بَعْد َ ركْ عَة ِ
تَظَ ُ ّ
خبت
ك ت َ ْدرِي م َنْ تُنَاجِيه ِ مُعْرِضا ً<> و َبَيْنَ يَد َي م َنْ تَنْحَنِي غَيْر َ م ِ
ف َو َيْل َ َ
تخاطِب ُه ُ إ ي ّاك َ نَعْبُد ُ مُقْبلا ً<> عَلَى غَيْرِه ُ ف ِيها لِغَيْر ِ ضَر ُورَة ِ
و َلَو ْ ر َ َدّ م َنْ ن َاجاك َ لِلْغَيْر ِ َطر ْف َه ُ <> تَمَي ّزْتَ م ِنْ غَي ْظٍ عَلَيْه ِ و َغَي ْرة ِ
ل المُروءَة ِ صد ُودَك َ عَن ْه ُ يا قَلي َ
ك الملُ ْكِ أ ْن ي َر َى <> ُ
أم َا تَسْتَحِي م ِنْ مال ِ ِ
إلَه ِي اهْدِنا ف ِيم َنْ هَدَي ْتَ وَخ ُ ْذ بنَِا <> إلى الحَقّ ِ نَه ْجا ًفي سَواء ِ ال َ ّ
طرِ يقَة ِ
}خاتمة{ :في الأذكار المأثورة بعد الصلاة المكتوبة
روى الترمذي عن أبي أمامة :قيل لرسول الل ّٰه :أي الدعاء أسمع؟ قال" :جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات ".قال النووي:
أجمع العلماء على استحباب الذكر والدعاء بعد الصلاة ،فمن الذكر المأثور ما خرّجه ابن السني وأبو يعلى عن البراء .قال :قال رسول الل ّٰه:
ي الق َُي ّوم ُ وأتوبُ إلَيْه ِ ،غُف ِر َْت ذ ُنُوبُه ُ ،و َإ ْن ك َانَ
َرات .فقال :أسْ تَغْف ِر ُالل ّٰه ال َ ّذ ِي لا إله إ َلّا ه ُو َ الح َ ُ ّ
ل صَلاة ٍ ثَلاثَ م ٍ
ن اسْ تَغْف َر َالل ّٰه د ُب ُر ك ُ ّ ِ
"م َ ِ
الل ّه ُ َ ّم
ف" ويزيد فيه العظيم بعد الصبح والمغرب .ومسلم :كان رسول الل ّٰه ،إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا ًوقالَ : ن َ
الز ّحْ ِ ق َ ْد ف ََر ّ م ِ َ
ل شَيْء ٍ
ك وَلَه ُالحم َْد ُ ،و َه ُو َ عَلَى ك ُ ّ ِ ل و َالإك ْرَا ِم :لا إله َإ َلّا الل ّٰه وَحْدَه ُ لا شَر ِي َ
ك لَه ُ ،لَه ُالملُ ْ ُ ك ال َ ّ
سلام ُ ،تَبَارَكْ تَ ي َا ذ َا الجَلا ِ أَ ن ْتَ ال َ ّ
سلام ُ وَمِن ْ َ
ل و َلا ق َُو ّة َ إ َلّا ب ِالل ّٰه العلي
حو ْ َ
ك و َلا َ الل ّه ُ َ ّم لا مان ِـ َع لما أَ ْعطَي ْتَ ،و َلا مُعْط ِي لم َِا م َنَعْت ولا ر َا َدّ لم َِا ق َ َ
ضي ْتَ ،و َلا يَنْف َ ُع ذ َا الج َ ّدِ مِن ْ َ قَدِير ٌَ ،
ن و َلَو ْ كَرِه َ الك َاف ِر ُونَ .وهو
مخ ْل ِصِ ينَ لَه ُالد ِّي َ العظيم ،لا إله إلا الل ّٰه و َلا نَعْبُد ُ إ َلّا إ ي ّاه ُ لَه ُالنِّعْم َة ُ وَلَه ُالف َضْ ُ
ل وَلَه ُ الثناء ُ الحسن ،لا إله إلا الل ّٰه ُ ِ
ك َب ّر َ الل ّٰه ثلاثا ًوثلاثين؛ و َقَا َ
ل تمام َ المائَة ِ :لا ل صَلاة ٍ ثَلاثا ً و َثلاثينَ وَحَمد َ الل ّٰه ثلاثا ً و َثلاثين و َ َ ح الل ّٰه فِي د ُبُر ِ ك ُ ّ ِ أي ْضا ًقال رسول الل ّٰه :م َنْ س ََب ّ َ
ل ز َبَدِ الب َحْ رِ. ل شَيْء ٍ قَدِير ٌ غُف ِر َْت َ
خطَاي َاه ُ ،و َِإ ْن ك َان َْت مِث ْ َ ك وَلَه ُ الحم َْد ُ و َه ُو َ عَلَى ك ُ ّ ِ ك لَه ُ لَه ُ الملُ ْ ُ إله إلا الل ّٰه وَحْدَه ُ لا شَر ِي َ
ك ات :لا إله إ َلّا الل ّٰه و َحدَه ُ لا شَر ِي َ
ك لَه ُلَه ُالملُ ْ ُ ل صَلاة ٍ عَشْر َ م َّر ِ
ِب ك ُ ّ ِ والرافعي قال رسول الل ّٰه" :إذ َا ص ََل ّي ْتُم ْ صَلاة َ الفَر ْ ِ
ض فَق ُولُوا فِي عَق ِ
جر ِ ك َأَ َن ّمَا أَ عْت َ َ
ق ر َقَب َة ً" ويزيد فيها يحيى ويميت بيده الخـير بعد الصبح والعصر والمغرب، ل ش َِيء ٍ قَدِير ٌ يُكْت َبُ لَه ُ م ِ َ
ن الأ ْ وَلَه ُالحم َْد ُ و َه ُو َ عَلَى ك ُ ّ ِ
معلقات ما بَيْنَه َُنّ و َبَيْنَ
ٍ الل ّه َ ّم إلى ِ
حسَاب اب وآيَة َ الـكُر ْسِي وشهد الل ّٰه إلى الإسْ لا ِم و َقُلْ َ والحرث بن عمر عن رسول الل ّٰه" :إ َ ّ
ن فَاتِ ح َة الكِت َ ِ
جعَلَتُ
ل صَلاة ٍ إلا َ ن ي َا ر ُ ّ
َب أَ تُه ْبِط ُنَا إلى أَ رْضْ كَ ،وإلى م َنْ يَعصيك قال الل ّٰه تَع َالَى :بِي َ ح َلَفْتُ لا يَقْر َؤك َُنّ أَ حَدٌ د ُب ُر َ ك ُ ّ ِ َاب قلُ ْ َ
الل ّٰه ِحج ٌ
Shamela.org ٢٣
باب صلاة التطوع ٧
ك جَوَاز ٌ مِنْها". ك كُت ِبَ ل َ َك إذا مت م ِنْ يَوْم ِ َ ح فَق ُلْ كذلكَ ،
فإن ّ َ ك جَواز ٌ مِنْها ،وإذا ص ََل ّي ْتَ ُ
الصّ ب ْ َ ك كُت ِبَ ل َ َ
لَيْلَت ّ َ
ل وخطيب رفع يديه الطاهرتين
)فائدة( يسن لغير إمام يريد تعليم المأمومين إسرار بالذكر والدعاء وجهر بهما لإمام يريده ،ولداع غير مص َ
حذو منكبيه ،ومسح وجهه بهما بعد الفراغ ،ورفع بصره إلى السماء ،وافتتاحه بحمد الل ّٰه والصلاة على النبي وختمه بهما ،وبالتأمين
ل جلوس ذاكرا ً الل ّٰه تعالى بعد صلاة
واستقبال القبلة إن كان منفردا ً أو مأموماً .أما الإمام فيستقبل المأمومين بوجهه في الدعاء ،ولك َ
ْس ،ث َُم ّ صَلّى ركعتينِ شم ُ الصبح إلى طلوع الشمس .قال رسول الل ّٰه" :م َنْ صَلَ ّى الف َجْ ر َ فِي جَمَاعَة ٍ ث َُم ّ ق َعَد َ ي َ ْذك ُر ُ الل ّٰه تَعالى ح ََت ّى تَط ُل َ ُع ال َ ّ
خطَاي َاه ُ ،وإن ك َان َْت أَ كْ ثَر َ م ِنْ ز َبَدِ الب َحْ رِ" رواه أبو داود .وقال :لأن أجلس مع قوم
ل إلا خيرا ً غَف َر َ لَه ُ َ ح ركعتي ُ
الضّ حى لا يَق ُو ُ يُس َب ِّ َ
يذكرون الل ّٰه عز وجل من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس ،أحب إليّ من أن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل عليه السلام .أعتق الل ّٰه
رقابنا من النار ،وغفر ذنوبنا وخطايانا ،وأصلح ما فسد من أعمالنا ،وتقبلها بمنه منا آمين.
}باب صلاة التطوع{
ل م ِنْ رَكْ ع َتَيْنِ أَ ْو أَ كْ ثَر َ م ِنْ ركعتين ،وإ َ ّ
ن أخرج أحمد والترمذي عن أبي أمامه قال :قال رسول الل ّٰه" :م َا أذِنَ الل ّٰه لِعَبْدٍ في شَيْء ٍ أَ ف ْ َ
ض َ
Shamela.org ٢٤
باب صلاة التطوع ٧
ل م َِم ّا خَر َ َ
ج مِن ْه ُ" والطبراني عنه :ما أوتي عَبْدٌ ض َ الصّ لاة ِ ،وَم َا تَق ََر ّبَ عَبْدٌ إلى الل ّٰه ع َ َّز وَج َ َ ّ
ل ب ِأَ ف ْ َ البر ليذ ُرّ فَو ْقَ ر َأْ ِ
س العَبْدِ م َا ك َانَ فِي َ
في هذه ال ُد ّن ْيا خيرا ً له م ِنْ أَ ْن يؤذن لَه ُ في رَكْ ع َتَيْنِ يُصَل ِّيهِم َا .ومسلم والترمذي عن عائشة رضي الل ّٰه عنها :ركعتا الفجر خير من الدنيا
وما فيها .والبيهقي عن أبي هريرة :لا يحافظ على ركعتي الفجر إلا أوّاب .وأبو داود والترمذي عنه" :إذ َا صَلَ ّى أَ حَد ُك ُ ْم ركْ ع َت َ ْي الف َجْ رِ
ل الف َجْ رِ }ق ُلْ ي َا أَ ُ ّيها الك َاف ِر ُونَ{ }و َق ُلْ ه ُو َ الل ّٰه ن في َ
الر ّكْ ع َتَيْنِ قَب ْ َ ن" والبيهقي عن عائشة" :نِعْم َ ال ُ ّ
سورتان هُمَا تُقْرآ ِ جن ْبِه ِ الأيْم َ ِ
فَل ْي َضْ طَجِـعْ عَلَى َ
ل م ر َّ
َب جبر ي َ
ل و َإسْر َافي َ "الل ّه ُ َ ّ
ن رسول الل ّٰه صلى ركعتين خفيفتين ثم سمعته يقول وهو جالسَ :
أَ حَدٌ{ وابن السني عن والد أبي المليح" :أ َ ّ
ل ال ُ ّ
ظ ْهرِ ات" وأبو داود والترمذي عن أم حبيبة" :م َنْ ح َاف ََظ عَلَى أَ رْب َ ِع رَكْ ع ٍ
َات قَب ُ َ ن َ
الن ّارِ ثَلاث م َ َّر ٍ ك مِ َ
ل ومحمد النبي أَ ع ُوذ ُ ب ِ َ
وَم ِيكائي َ
ل العَصْر ِ أَ رْبعا ً ح َرّم َه ُ الل ّٰه عَلَى َ
الن ّارِ .وأحمد وأبو داود عن عبد و َأَ رْب َ ٍع بَعْد َه َا ح َرّم َه ُ الل ّٰه عَلَى َ
الن ّارِ .والطبراني عن ابن عمر :م َنْ صَلَ ّى قَب ْ َ
ل أَ ْن يَتَك ََل ّم َ كُت ِبَتَا
ِب رَكْ ع َتَيْنِ قَب ْ َ
ِب رَكْ ع َتَيْنِ لم َِنْ شَاءَ .وعبد الرزاق عن مكحول مرسلاً :م َنْ صَلّى بَعْد َ المَغْر ِ الل ّٰه المزني :صَل ّوا قَبل المَغْر ِ
ل.
ِب لِتُرْفَع َا مع العَم َ ِ في عَليينَ .والبيهقي عن حذيفة :عَجلُوا َ
الر ّكْ ع َتَيْنِ بَعْد َ المَغْر ِ
وابن السني عن أمّ سلمة رضي الل ّٰه عنها ،قالت :كان رسول الل ّٰه إذا انصرف من صلاة المغرب يدخل بيته فيصلي ركعتين ،ثم يقول فيما
َات ل َ ْم
كع ٍ ِب س َ ّ
ِت ر َ َ ُلوب ثَب ّ ِْت قَلْبِي علَى دِينِكَ(.والشيخان والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة :م َنْ صَلّى بَعْد َ المَغْر ِ
يدعو) :يا مُق َل ِّبَ الق ِ
ل أَ ْن يَتَك ََل ّم َ غُف ِر َ
ِب قَب ْ َ
َات بَعْد َ المَغْر ِ
كع ٍِت ر َ َ يَتَك ََل ّم َ ف ِيما بَيْنَه ُن بِس ُوء ٍ عَد َل ْ َ
ن لَه ُب ِع ِبَادَة ِ ثنتي ع َشرَة َ سَن َة ً .وابن نصر عن ابن عمر :م َنْ صَلّى س َ ّ
ُوب والعشَاء ف َِإ َ ّنهَا صَلاة َ الأوّابين .والشيخان عنه :صَليت
لَه ُ ذ ُنُوبُ خَم ْسينَ سَن َة ً .وابن نصر عن محمد بن المنكدر :م َنْ صَلّى م َا بَيْنَ الغ ُر ِ
ل العَشَاء ِ لخـبر :بَيْنَ ك ُ ّ ِ
ل أذانين صَلاة .وقال أيضا ً فيه :يجب مع النبي ركعتين بعد العشاء .قال النووي في المجموع :يُس َُنّ رَكْ ع َتَا ِ
ن قَب ْ َ
في سنة الظهر التعيين بالتي قبلها أو التي بعدها وإن لم يؤخر المقدّمة ،وكذا كل صلاة لها سنة قبلها وسنة بعدها .وأبو داود والترمذي
الضّ حَى و َلا يَقْر َُأ ق ُلْ ي َا أَ ُ ّيهَا الك َاف ِر ُونَ .والشيخان
ق لا يُصَلّي صَلاة َ ُ
هذا ب َابُك ُ ْم فَا ْدخ ُلُوه ُ ب ِرَحْمَة ِ الل ّٰه .والديلمي عن عبد الل ّٰه بن جراد :المُنَاف ِ ُ
عن أم هانىء رضي الل ّٰه عنها قالت :إن رسول الل ّٰه دخل بيتي يوم فتح مكة ،فاغتسل وصلى ثماني ركعات ،فلم أر َ صلاة قط أخف
Shamela.org ٢٥
باب صلاة التطوع ٧
}والضّ حَى{ .وورد في حديث رواه العقيلي :كان رسول الل ّٰه يقرأ فيهما} :قُلْ ي َا أَ ُ ّيهَا الك َاف ِر ُونَ{ }و َق ُلْ ه ُو َ الل ّٰه أَ حَدٌ{ وورد بعد الضحى:
ُ
الت ّ َو ّابُ الغَف ُور ُ مائة مرة.
ك أَ ن ْتَ َ
َب ا ْغفِر ْ ل ِي و َت ُْب عَل َيّ َإن ّ َ
ر ِّ
ن الخَطَايا .وأحمد
ل ت ُ ْك ّف ِرا ِ ْف َ
الل ّي ْ ِ جو ِ
ن في َ
ل .والديلمي عن جابر :رَكْ ع َتَا ِ ضة ِ صَلاة ُ َ
الل ّي ْ ِ ل َ
الصّ لاة ِ بَعْد َ الفَرِ ي َ ض ُ
ومسلم عن أبي هريرة :أَ ف ْ َ
ات وَمَطْرَدَة ٌ سي ِّئ َ ِ ن الإ ْث ِم وَمَكْفرَة ٌ لل َ ّ ل ف َِإ َن ّه ُ د َأَ بُ َ
الصّ الِ حـ ِينَ قَب ْلـَك ُ ْم و َقُر ْبَة ٌ إلى الل ّٰه تَعالى وَمَنْهَاة ٌ ع َ ِ والترمذي عن بلال :عَلَيْك ُ ْم بِق ِيَا ِم َ
الل ّي ْ ِ
ن ال ُد ّن ْيا وَم َا ف ِيهَا، خر ِ خَيْر ٌ لَه ُ م ِ َ
ل الآ ِ
ْف اللي ِ جو ِ ن آدم َ في َ ن الجَسَدِ .وابن نصر عن حسان بن عطية مرسلاً .رَكعتان يَرْكَعُهُم َا اب ُ للد ّاء ِ ع َ ِ
ل الل ّٰه تعالى فيها من أمر الدنيا
سل ِم ٌ يَسْأَ ُ
ل لَسَاع َة ٌ لا يوافقها عَبْدٌ م ُ ْ
الل ّي ْ ِ و َلَو ْلا أ ْن أَ ش َُقّ عَلَى ُأمّتِي لَف َر َضْ تَهُم َا عَلَيْهِمْ .ومسلم عن جابر :إ َ ّ
ن في َ
فيقولُ :م َنْ ي َ ْدع ُوني فَاسْ ت َجيبُ لَه ُ وَم َنْ يَس َأَ لُنِي ف َُأعْطيه ِ وَم َنْ يَسْتَغْف ِرني ف َأَ ْغف ِر ُ لَه ُ؟ وأحمد وأبو داود عن أبي هريرة :ر َ ِ
حم َ الل ّٰه رَج ُلا ًقَام َ
جه َا
َت ز َ ْو َ
ت ،و َأَ يْقَظ ْل فَص ََل ّ ْ ن َ
الل ّي ْ ِ َت م ِ َحم َ الل ّٰه امرأة قَام ْ
ح فِي و َجْ هِه َا الماءَ ،وَر َ ِ
ض َ
ت ،ف َِإ ْن أَ ب َتَ ن َ َ ل فَصَلَ ّى ،وأيْق ََظ امْرَأَ تَه ُ فَص ََل ّ ْ ن َ
الل ّي ْ َ مِ َ
ل و َأَ يْق ََظ أَ ه ْلَه ُ ،وَص ََل ّيَا ركعتينِ ن َ
الل ّي ْ ِ ل مِ َ َت فِي و َجْ هِه ِ الماء ،وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة :إذا استيقظ َ
الر ّج ُ ُ َ ضح ْ فَصَلَ ّى .ف َِإ ْن أبى ن َ َ
ن ا ْمر ِىء ٍ يَكُونُ لَه ُ صَلاة ً ب َِالل ّي ْ ِ
ل فيغلِب ُه ُ عليها نَوْم ٌ والذاكرات .وأبو داود عن عائشة رضي الل ّٰه عنها :م َا م ِ ِ
ِ ن ال َذ ّاكِر ِي َ
ن الل ّٰه كثيرا ً كُت ِبَا م ِ َ
صد َق َة ً. إلا كَت َبَ الل ّٰه لَه ُ أَ ْ
جر َ صَلاتِه ِ ،وكان نَوْم ُه ُ عَلَيْه ِ َ
ل. ل فَتَرَك َ ق ِيام َ َ
الل ّي ْ ِ ن ك َانَ يَقوم ُ َ
الل ّي ْ َ ل فُلا ٍ
والشيخان عن عبد الل ّٰه بن عمرو بن العاص :يا ع َبد َ الل ّٰه لا تَكُنْ مِث ْ َ
وحكى اليافعي عن الشيخ أبي بكر الضرير .قال :كان في جواري شاب حسن يصوم النهار ولا يفطر ،و يقوم الليل ولا ينام فجاءني يوما ً
وقال :يا أستاذي إني نمت عن وردي الليلة ،فرأيت كأن محرابي قد أنشق ،وكأني بجوا ٍر قد خرجن من المحراب ،لم أر أحسن وجها ً
منهنّ ،وإذا فيهنّ واحدة شوهاء فوهاء لم أر أقبح منها منظراً ،فقلت :لمن أنت ُ ّن ولمن هذه؟ فقلْنَ :نحن لياليك التي مضين .وهذه ليلة
مت في ليلتك هذه لكانت هذه حظك ،فشهق شهقة وخرّ ميتاً .رحمه الل ّٰه.
نومك ،ولو ّ
وحكي عن بعض الصالحـين أنه قال :رأيت سفيان الثوري في النوم بعد موته ،فقلت له :كيف حالك يا أبا سعيد؟ فأعرض عني وقال:
ليس هذا زمان الـكنى؟ فقلت له :كيف حالك يا سفيان؟ فأنشأ يقول:
ن سَعيدِ
ك ي َا اب ْ َ
ل ل ِي <> ه َن ِيئا ً رِضَائِي عَن ْ َ
نَظَر ْتَ إلى ر َب ِ ّي ع َيَانا ًفَق َا َ
ْب عَم ِيدِ
ق و َقَل ِ
ل ق َ ْد دَجَى <> بِعَبْرَة َ مُشْتَا ٍ كن ْتَ ق َو ّاما ًإذا َ
الل ّي ْ ُ لَق َ ْد ُ
ك غَي ْر ُ بَع ِيدِ ك فاخْتَرْ َ
أيّ قَصْرٍ تُر ِيدُه ُ <> وَز ُ ْرنِي فإني عَن ْ َ فَد ُون َ َ
ن رسول الل ّٰه قال للعباس بن المطلب" :ي َا ع ََب ّاس ي َا ع َم ّاه
وأبو داود والحاكم عن ابن عباس وصححه ابن خزيمة وحسنه الحافظ ابن حجر "أ ّ
خرَه ُ و َق َديم َه ُ وحَدِيث َه ُ،
ك أَ وّلَه ُ وآ ِ
ك ذَن ْب َ َ
ك غَف َر َ الل ّٰه ل َ َ
ل إذا أن ْتَ فَعَل ْتَ ذل َ
ك عَشْر َ خصا ٍ
ل بِ َ
ك أل َا أَ حْ ب ُوك َ أل َا أَ فْع َ ُ
ك أل َا أَ مْن َح ُ َ
أل َا أ ْعط ِي َ
Shamela.org ٢٦
باب صلاة الجماعة ٨
ل حين ولا يتغافل عنها ،هكذا قال عبد لل ّٰه بن المبارك وجماعة من العلماء.
يستحب أن يعتادها في ك ّ
ّ واعلم أن صلاة التسبيح مرغب فيها
وقال تاج الدين السبكي :صلاة التسبيح من المهمات في الدين فينبغي الحرص عليها ،فمن سمع ما ورد فيها من عظيم الفضل ،ثم تغافل
عنها بتركها ،فهو متهاون بالدين غير مكترث بأعمال الصالحـين ،لا ينبغي أن يع ّد من أهل الخـير في شيء .وقال ابن أبي الصيف اليمني
يستحب صلاة التسبيح عند الزوال يوم الجمعة ،يقرأ في الأولى بعد الفاتحة }التك َاث ُر{ وفي الثانية }والعصر{ وفي الثالثة }الكافرون{ وفي
الرابعة }الإخلاص{ ،فإذا كملت الثلاثمائة تسبيحة قال بعد فراغه من التشهد وقبل أن يسلم :اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى،
وأعمال أهل اليقين ومناصحة أهل التوبة وعزم أهل الصبر وج ّد أهل الخشية وطلب أهل الرغبة وتعبد أهل الورع وعرفان أهل العلم
حتى أخافك .اللهم إني أسألك مخافة ً تحجزني عن معاصيك حتى أعمل بطاعتك عملا ًاستحق به رضاك ،وحتى أناصحك في التوبة خوفا ً
منك ،وحتى أخلص لك النصيحة حبا ًلك ،وحتى أتوكل عليك في الأمور كلها ،وأحسن الظن بك سبحان خالق النور -ربنا أتمم لنا
نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير -برحمتك يا أرحم الراحمين ،ثم يسلم ثم يدعو حاجته.
ضأَ ث َُم ّ صَلَ ّى رَكْ ع َتَيْنِ لا يَسْه ُو ف ِيهما غُف ِر َ لَه ُ م َا تَق َ َ ّدم َ م ِنْ ذَن ْبِه ِ" ومسلم عن عقبة بن عامر" :م َا م ِنْ
وأبو داود عن زيد بن خالد" :م َنْ تَو َ َ ّ
ض ُأ ث َُم ّ يَق ُوم ُ فَيُصَل ِّي رَكْ ع َتَيْنِ مُقْبلا ًعَلَيْهِم َا بِق َل ْبِه ِ وَو َجْ هِه ِ إ َلّا وَجَب َْت لَه ُالج َنَ ّة ُ" وقال شيخنا ابن حجر :إن رَكْ ع َتي الو ُضوء ِ تَف ُوت َا ِ
ن إذا سل ِ ٍم يَت َو َ َ ّ
مُ ْ
أَ َ ّ
خرْهُمَا بِ حَي ْثُ لا تُن ْسبان إلَيْه ِ ع ُْرفاً ،و بحث بعض المتأخرين امتداد وقتهما ما بقي الوضوء ويسن أن يقرأ في الأولى } -و َلَو ْ أَ َ ّنه ُ ْم إذ َ ظَلَم ُوا
أَ نْف ُسَه ُ ْم ج َاؤوك َ{ )سورة النساء (٦٤ :إلى رحيما ً -وفي الثانية } -وَم َنْ يَعْم َلْ سُوءا ً أَ ْو ي َ ْظلِم ْ ن َ ْفسَه ُ{ )سورة النساء (١١٠ :إلى رحيما ً-
جد ِ
س ِ وقيل :تفوتان بجفاف الأعضاء وابن حبان عن أبي ذرّ قال "دخلت المسجد فإذا رسول الل ّٰه جالس وحده فقال" :ي َا أَ ب َا ذَر َ إ َ ّ
ن لِل ْم َ ْ
س م َا ل َ ْم تح َِي ّة الم َ ْ
سجِد تَف ُوتُ بالجُلو ِ كعْهُم َا ،فقمت فركعتهما ثم عدت" وقال النووي في التحقيق :إ َ ّ
ن َ تح َِي ّت َه ُ رَكْ ع َتَا ِ
ن فَق ُ ْم فَا ْر َ تح َِي ّة ً و َِإ َ ّ
ن َ َ
ج لل ُش ّر ِ
ْب فَيَقْعُد َ لَه ُ قليلا ًثم يأتي بهما. ق بهما عَلَى الأَ ْوجَه ِ ما لَوِ احْ تَا َ
ح ُ
يجْه َلْ وقصر الفصل .وقال شيخنا ابن حجر :و َيلَ ْ َ
يَسْه َ أَ ْو َ
واعلم أن ركعتي التحية والوضوء ٺتأديان بغيرهما من فرض أو نفل آخر ،وإن لم ينوهما معه ،نعم الأوجه أن لا يحصل فضلهما إلا إذا
نويتا .ويسن أن يقرأ في التحية وسنة المغرب وصلاة الاستخارة ،والإحرام والطواف:الكافرون والإخلاص .وقال النووي في الأذكار:
فيستحب له أن يقول أربع مرات :سبحان
ّ قال بعض أصحابنا :من دخل المسجد ،ولم يتمكن من صلاة التحية لحدث أو شغل أو نحوه،
الل ّٰه والحمد لل ّٰه ولا إله إلا الل ّٰه والل ّٰه أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالل ّٰه العليّ العظيم.
Shamela.org ٢٧
باب صلاة الجماعة ٨
جمعة من رجب .وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة ،وصلاة آخر جمعة رمضان سبع عشرة ركعة بنية قضاء الصلوات الخمس الذي
لم يتيقنه ،وصلاة يوم عاشوراء أربع ركعات أو أكثر ،وصلاة الأسبوع .أما أحاديثها فموضوعة باطلة ،ولا تغتر ّ بمن ذكرها ،وفقنا الل ّٰه
لاجتلاب الفضائل واجتناب الرذائل.
}باب صلاة الجماعة{
ن
ل فِي جَمَاعَة ٍ ت َزيد ُ عَلَى صَلاتِه ِ فَي بَي ْتِه ِ وَصَلاتِه ِ فِي سُوقِه ِ خَم ْسا ًوعشري َ أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال :قال رسول الل ّٰه" :صَلاة ُ َ
الر ّج ُ ِ
خطْوَة ً إ َلّا ر َف َ َع الل ّٰه لَه بها درَج َة ً وَح َ َّط جد َ لا ي ُريد ُ إلا الصَلاة َ ل َ ْم َ
يخ ُْط ُ س ِ
ن الوضوءَ ،ثم أتى الم َ ْ ن أَ حَد َك ُ ْم إذ َا تَو َ َ ّ
ضأَ ف َأَ حْ سَ َ دَرَج َة ً ،وذلك أ َ ّ
سه ِ
مج ْل ِ ِ
تح ْبِس ُه وتصلي المَلائِك َة ُ عَلَيْه ِ ما دام َ في َ جد َ كانَ فِي صلاة ٍ ما ك َان َْت َ
الصّ لاة َ َ س ِ
ل الم َ ْ
جد َ ،فإذا دَخ َ َ
س ِ خط ِيئ َة ً ح ََت ّى ي َ ْدخ ُ َ
ل الم َ ْ عَن ْه ُ بِها َ
ل على الل ّه ُ َ ّ
م ت ُْب عَلَيْه ِ ما ل َ ْم يُؤْذِ مِن ْه ُ أَ ْو يَح َ ّدِثُ ف ِيه ِ" وفي رواية لهما" :صَلاة ُ الجم ََاعَة ِ ت َ ْف ُ
ض ُ م ا ْرحَم ْه ُ َ
ُالل ّه ُ َ ّ
م ا ْغفِر ْ لَه َ
الذي صَلّى فيه يقولونَ الله ّ
ينصرف الإم َام ُ كُت ِبَ لَه ُ ق ِيَام ُ
َ ل إذا صَلَ ّى م َع الإم َا ِم ح ََت ّى ن َ
الر ّج ُ َ صَلاة ِ الف َ ّذِ بِسَب ٍْع وَعِشْر ِي َ
ن دَرَج َة ً" وأحمد وابن حبان عن أبي ذر" :أ َ ّ
لَيْلَة" والطبراني والضياء عن أنس" :م َنْ م َش َى إلى صَلاة ٍ مَكْت ُوبَة ٍ فِي الجم ََاعَة ِ فَه ِي كَح َج ّة ٍ.
Shamela.org ٢٨
باب صلاة الجماعة ٨
لأن مصيبة الدين عند الناس أهون من مصيبة الدنيا ،وأنه لو مات لي الأبناء جميعاً ،لكان أهون عليّ من فوات هذه الصلاة في الجماعة.
وحكى الناشري عن محمد بن سماعة أنه قال :أقمت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى إلا يوما ً واحدا ً ماتت فيه أمي ففاٺتني صلاة
آت .فقال يا محمد قد صليت خمسا ً
واحدة عن الجماعة ،فقمت فصليت خمسا ًوعشرين صلاة أريد بذلك التضعيف .فغلبتني عيني فأتاني ٍ
ق الل ّٰه وليعلم أنه ضامن مسؤول لما ضمن ،وإن أحسن وعشرين .ولـكن كيف لك بتأمين الملائكة؟ وأخرج الطبراني :من أمّ قوما ً َ
فليت ّ ِ
كان له من الأجر مثل أجر من صلى خلفه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ،وما كان من نقص فهو عليه.
ل فَالأ َ ّولُ .والطبراني عن طلحةُ :أي ّمَا رَج ُ ٍ
ل أمّ قَو ْما ً و َه ُ ْم لَه ُ ل عَلَى الإم َا ِم ،ث َُم ّ م َنْ عَلَى يَمِينِه ِ الأَ َ ّو ُ وأبو الشيخ عن أبي هريرةَ :
"الر ّحْم َة ُ تَنْز ِ ُ
ك َارِه ُونَ ل َ ْم تُجَاوِ ْز صَلاتُه ُ ُأذ ُنَيْه ِ .وهو عن مرثد الغنوي :إ ْن س َ َرّك ُ ْم أَ ْن تُقْب َ َ
ل صَلاتُك ُ ْم فَل ْي َؤ َمّك ُ ْم عُلَماؤ ُكُمْ ،ف َِإ َ ّنه ُ ْم و َفْد ُك ُ ْم ف ِيم َا بَي ْنَك ُ ْم و َبَيْنَ
س َن ّة ِ ،فإ ْن كانوا في ال ُ ّ
س َن ّة سواء لكتاب الل ّٰه ،ف َِإ ْن كانوا في الق ِرَاءَة ِ سَواء ً ف َأَ ع ْلَمَه ُ ْم ب ِال ُ ّ
ِ ر َبِّكُمْ .ومسلم عن ابن مسعود :يَؤ ُ ُمّ القَوْم َ أقرؤهم
يج ْل ِْس في بَي ْتِه ِ عَلَى تَكْرِم َتِه ِ إلا ب ِإذْنِه ِ. ف َأَ قْدَمُه ُ ْم هج ْرَة ً ف َِإ ْن ك َانُوا في الهجْ رَة ِ سواء ً ف َأَ قْد َمه ُ ْم سِناً ،و َلا يُؤم ََنّ رَج ُ ٌ
ل رَج ُلا ً في سُلْطَانِه ِ ،و َلا َ
والعقيلي عن ابن عمر من أمّ قوما ًوفيهم من هو أقرأ منه لكتاب الل ّٰه ،وأعلم لم يزل في سفال إلى يوم القيامة.
Shamela.org ٢٩
باب صلاة الجمعة ٩
ولو وقف في علو َ وإمامه في سفل أو عكسه ،لم يشترط محاذاة بعض بدنه بعض بدنه على طر يق العراقيين التي رجحها النووي ،وتوافق
صلاتيهما نظما ً لا نية وعددا ً وموافقة في سنن تفحش مخالفة فيها فعلا ً وتركا ًكتشهد أول ،وقنوت وتبعية بأن يتأخر إحرامه ،وأن لا
يتعمد مع علم تحريم تقدما ً بتمام ركنين فعليين ،ولو قصيرين أو تخلفا بهما بلا عذر ،فإن خالف بطلت صلاته أو بأربعة طو يلة بعذر
أوجبه نحو بطء ،أو شك في قراءة لا وسوسة ،فليوافق في الرابع ،و يقطع مسبوق الفاتحة ،فإن قرأ ففاته الركوع لغت ركعته ،وتخلف
بلا عذر ،فإن اشتغل بسنة أو سكت أو استمع قراءة الإمام قرأ وجوبا ً قدرها بعد ركوع الإمام ،وعذر ،فيتخلف ويدرك الركعة ما
لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طو يلة على ما قاله الشيخان كالبغوي ،فإن ركع بدون قراءة بقدرها بطلت صلاته ،ولا يصح اقتداؤه
كأرت بألثغ ،ولو اقتدى بمن ظنه قارئا ًأو غير مأموم ،فبان أميا ًأو
ّ بمن يعتقد بطلان صلاته ،ولا قارىء بأمي يخل بحرف من الفاتحة
مأموما ًأعاد ،وكذا ممن جهله في الجهر ية إن أسرّ ،لا إن بان ذا حدث أو نجاسة خفية على المأموم ،بحيث لو تأملها لم يرها ،و يكره اقتداء
بفاسق ومبتدع ،وإن لم يوجد أحد سواهما ،وكره تعمد مقارنة الإمام بالأركان حتى السلام والتخلف عنه إلى فراغ الركن ،وانفراد عن
الصف ،ووقوف الذكر الفرد عن يسار الإمام ،ووراءه ومحاذيا ًله ومتأخرا ً لا كثيراً.
صبِيّ ٌ أَ ْو
سل ِ ٍم فِي جَمَاعَة ٍ إ َلّا عَلَى أَ رْبَعَة ٍ :عَبْدٌ مَم ْلوك ٌ أَ وِ امْرَأَ ة ٌ أَ ْو َ
ل مُ ْ وأبو داود والحاكم عن طارق بن شهاب" :الجم ُُع َة ُ ح َُقّ و َاج ٌ
ِب عَلَى ك ُ ّ ِ
ن الوُضُوء؛ ث َُم ّ أَ تَى الجم ُُع َة َ و َاسْ تَم َ َع و َأَ نْصَتَ غُف ِر َ لَه ُ م َا بَي ْن َه ُ و َبَيْنَ الجم ُْعَة ِ ِيض" وأحمد ومسلم عن أبي هريرة" :م َنْ تَو َ َ ّ
ضأَ يَوْم َ الجم ُُعَة ِ ف َأَ حْ سَ َ مَر ٌ
خر َى ،وَزِ يادَة َ ثَلاثَة أَ يا ٍم وَم َنْ م َّس الحَص َى فَق َ ْد لَغ َا" .وأحمد والحاكم عن أبي الجعد" :م َنْ ت َرَك َ ثَلاثَ جُم ٍَع مُتَهاوِنا ً بِها طَب َ َع الل ّٰه عَلَى
الأ ْ
ن المُنَافِق ِينَ".
َات م ِنْ غَيْر ِ ع ُ ْذ ٍر كُت ِبَ م ِ َ
قَل ْبِه ِ" والطبراني عن أسامة بن زيد" :م َنْ ت َرَك َ ثَلاثَ جُمُع ٍ
وحكى الد ّينوري عن الأوزاعي قال :كان عندنا صياد ،وكان يخرج في الجمعة لا يمنعه مكان الجمعة من الخروج فخسف به وببغلته في
الأرض ،فخرج الناس وقد ذهبت بغلته في الأرض فلم يبق منها إلا أذنها وذنبها.
Shamela.org ٣٠
باب صلاة الجمعة ٩
وحكى ابن أبي شيبة عن مجاهد :أن قوما ً خرجوا في سفر حين حضرت الجمعة ،فاضطرم عليهم خباؤهم نارا ً من غير نار يرونها .قال
اليافعي :بلغنا أن الموتى لا يعذبون ليلة الجمعة تشر يفا ًلهذا الوقت.
مر بمقابر باب توماء وقائد يقوده ،وكان مكفوفا ً فقال :السلام عليكم أهل القبور أنتم لنا
وحكى الأوزاعي عن ميسرة بن جليس؛ أنه َ ّ
سلف .ونحن لـكم تبع ،ورحمنا الل ّٰه وإياكم وغفر لنا ولـكم ،وردّ الروح في رجل منهم فأجابه ،فقال :طوبى لـكم يا أهل الدنيا حين تحجون
في الشهر أربع مرات .قال وإلى أين يرحمك الل ّٰه؟ قال :إلى الجمعة أفما تعلمون أنها حجة مبرورة َ
متقب ّلة.
ل تركها وهو مخالط للمسلمين
)تنبيهان :أحدهما( أن أداء صلاة الجمعة مع الجماعة على غير ذوي الأعذار فرض عين إجماعاً ،فمن استح ّ
كفر ،ومن ثم لو قال إنسان أصل ِّي ظهرا ً لا جمعة قُتل على الأصح ّ.
وثانيهما :أنه يحرم على من تلزمه الجمعة كمقيم لم يتوطن إنشاء سفر بعد فجرها ولو للطاعة .وأخرج أحمد وابن حبان عن ابن عباس:
ط ِي ِِب" وابن أبي شيبة عن أبي بكر الصديق رضي الل ّٰه عنه" :م َن
ن ال ّ سك ُ ْم و َِإ ْن ل َ ْم تَكُونُوا جُنُبا ً وَم ُ ُ ّ
سوا م ِ َ "اغ ْتَسِلُوا يَوْم َ الجم ُُعَة ِ و َا ْغسِلُوا ر ُؤو َ
حسَن َة ً" .والديلمي عن أبي هريرة:
خطْوَة ٍ عِشْر ُونَ َ
ل ُ
خطَاي َاه ُ ف َِإذا أَ خَذ َ فِي المَش ْي كُت ِبَ لَه ُ بِك ُ ّ ِ
ك ّف ِر َْت عَن ْه ُ ذ ُنُوبُه ُ و َ َ
ل يَوْم َ الجم ُُعَة ِ ُ
اغ ْتَسَ َ
ل
الن ّحْ رِ و َيَوْم َ ع َرَف َة َ" .وأبو داود والترمذي عن أوس بن أنس" :م َنْ غَسَ َ ِب يَوْم َ الجم ُُعَة ِ و َيَوْم َ الف ِ ْطرِ و َيَوْم َ َ
ل فِي هذه الأيا ِم و َاج ٌ س ُ"الغ ُ ْ
سجِدخطْوَة ٍ يخطوها م ِنْ بَي ْتِه ِ إلى الم َ ْ ن الإم َا ِم واسْ تَم َ َع ف َأَ نْصَتَ ،و َل َ ْم يلََغ ك َانَ لَه ُ بِك ُ ّ ِ
ل ُ َب وَد َن َا م ِ َ ل ث َُم ّ بَك ّر َ واب ْت َك َر َ وَم َش َى و َل َ ْم يَرْك ْ
و َاغ ْتَسَ َ
Shamela.org ٣١
باب ما يحرم على الرجل من استعمال حرير صرف وحليّ نقد ومن َ
تشب ّه بالنساء ١٠
ِب في ن أَ ل َْف ذَن ٍْب .والخطيب عن جابر :لو د ُعِ ي بِهذا ال ُد ّعاء ِ عَلَى شَيْء بَيْنَ المَشْر ِ ِ
ق و َالمَغْر ِ ْف ذَن ٍْب ،و َل ِوَالِدَيْه ِ أَ رْبَع َة ً وَعِشْر ِي َ
لَه ُ مائَة َ أَ ل ِ
موات و َالأَ ْرضِ ،ي َا ذ َا
ِ سسَاعَة ٍ م ِنْ يَو ْ ِم الجم ُُعَة ِ ،يعني ساعة الإجابة إ َلّا اسْ ت ُجيبَ لِصَاحِبه ِ :لا إله إلا أن ْتَ ي َا ح ََن ّانُ ي َا م ََن ّانُ ي َا بَدِي َع ال َ ّ
سعَهُمْ.
ق ك ُل ّ ِه ْم لَو َ َ نعيم :م َنْ صَلَ ّى عَل َيّ يَوْم َ الجم ُُعَة ِ مائَة َ م َرة ً ج َاء يَوْم َ الق ِيَامَة ِ وَمَع َه ُ نُور لَو ْ قُسِم َ ذلك ُ
الن ّور ُ بَيْنَ الخَل ْ ِ َ َّ
شف ِيعا ً يَوْم َ الق ِيَامَة ِ .وفي رواية :م َنْ صَلَ ّى
كن ْتُ لَه ُ ش َهيدا ً أَ ْو َ
ك ُ الصّ لاة ِ عَل َيّ يَوم َ الجم ُُعَة ِ و َلَيْلَة َ الجم ُُعَة ِ ،فَم َنْ فَع َ َ
ل ذل ِ َ ن َ والبيهقي :أكْ ث ِر ُوا م ِ َ
سل ِ ّم َ تَسْلِيما ًثَمانينَ م َ َّرة َ غُف ِر َْت لَه ُ ل عَلَى مُحَم ّدٍ َ
الن ّبي الأميّ و َعَلَى آلِه ِ و َ َ ص ِّ الل ّه ُ َ ّ
م َ ل أَ ْن يَق ُوم َ م ِنْ مَك َانِه َِ :
ل قَب ْ َ
صَلاة العَصْر ِ م ِنْ يَو ْ ِم الجم ُُعَة ِ فَق َا َ
الصّ لاة ِ عَل َيّ لَيْلَة َ الجم ُُعَة ِ و َيَوْم َ الجم ُُعَة ِ فَم َنْ صَلَ ّى عَل َيّ صَلاة ً صَلّى الل ّٰه
ن َ ذ ُنُوبُ ثَمانِينَ عَاماً ،وَكُت ِب َْت لَه ُ عِبَادَة ُ ثمانينَ سَنة ً .والبيهقي :أكْ ث ِر ُوا م ِ َ
ن صَلاتَك ُ ْم مَعْر ُوضَة ٌ عَل َيّ.
الصّ لاة ِ ف ِيه ِ ف َِإ َ ّ
ن َ ل أَ يامِك ُ ْم يَوْم َ الجم ُُعَة ِ ف َأَ كْ ث ِر ُوا عَل َيّ م ِ َ
ض ِ عَلَيْه ِ بِها عَش ْراً .وأبو داود والنسائي :إ َ ّ
ن م ِنْ أَ ف ْ َ
وحكي أن خلاد بن كثير كان في النزع فوجد تحت رأسه رقعة مكتوب فيها :هذه براءة من النار لخلاد بن كثير فسألوا أهله :ما كان
الن ّبي الأمي .نسأل الل ّٰه القَدِير َ بِ جَاه ِ َ
الن ّبي البشير أن ل على محمد َ
ص ِّ الل ّه ُ َ ّ
م َ عمله؟ فقال أهله :كان يصلي على النبي كل يوم جمعة ألف مرةَ :
يَكْت ُبَ لنا البراءة من النار والخلود في دار القرار.
)
باب ما يحرم على الرجل من استعمال حرير صرف وحليّ نقد ومن َ
تشب ّه بالنساء ١٠
فصل( :في شروط صحة الجمعة .شروط صحتها ستة :وقوعها جماعة بنية إمامة واقتداء ،وبأربعين مكلفا ًذكرا ً حرّا ً متوطنا ًوبأبنية مجتمعة،
ووقوع الصلاة كلها في وقت ظهر ،وعدم تعدّد إلا لعسر اجتماع ،وتقديم خطبتين بالعربية ،وإن لم يفهموا .وأركانهما :حمد الل ّٰه وصلاة
على النبي بلفظهما ،ووصية بالتقوى ،ولو أطيعوا الل ّٰه في كلَ ،وقراءة آية مفهمة في إحداهما ودعاء للمؤمنين بأخروي في ثانية ،وشرط
جلوس بينهما بطمأنينة وموالاة عرفا ًبين أركانهما وبينهما وبين الصلاة ،وطهر وستر وقيام لقادر ،و يجب إسماع الأربعين الذي تنعقد
بهم الجمعة أركانهما ،وأن يتأخر إحرام من لا تنعقد بهم الجمعة عن إحرام من تنعقد بهم.
)فرع( من له مسكنان ببلدين ،فالعبرة بما كثرت فيه إقامته فيما فيه أهله وماله ،فإن استو يا في الكل فبالمحل الذي هو فيه حالة إقامة
الجمعة.
Shamela.org ٣٢
باب عيادة المر يض ١١
}باب ما يحرم على الرجل من استعمال حرير صرف وحليّ نقد ومن َ
تشب ّه بالنساء{
أخرج أبو داود والنسائي عن علي رضي الل ّٰه عنه" :ر َأيت رسول الل ّٰه أخذ حريرا ً فجعله عن يمينه ،وذهبا ً فجعله عن يساره ثم قال" :إ َ ّ
ن
خرَة ِ ،وَم َنْ شَرِبَ الخم َ ْر َ فِي ال ُد ّن ْيا ل َ ْم يَشْر َب ْه ُ في الآ ِ
خرَة ِ، هذ َي ْ ِن حَر َام ٌ عَلَى ذُكُورِ أمتي" والحاكم" :م َنْ لَب َِس الحَرِير َ في ال ُد ّن ْيا ل َ ْم يلَ ْبَسْه ُ في الآ ِ
ل الج َنَ ّة ِ أي الخم َ ْر ُ ،و َآنيِ َة ُ
ل الج َنَ ّة ِ أي الحَرِير ُ ،وشَر َابُ أَ ه ْ ِ
اس أَ ه ْ ِ
خرَة ِ ،ثم قال :لِب َ ُ َب والف َِضّ ة ِ ل َ ْم يَشْر ْ
َب بِهَا فِي الآ ِ وَم َنْ شَر ِبَ فِي آنيَِة ِ ال َذ ّه ِ
الن ّ ْقدِ .والشيخان :لا تلَ ْبِس ُوا الحَرِير َ ،ف َِإ َن ّه ُ م َنْ لَبسَه ُ في ال ُد ّن ْيا ل َ ْم يلَ ْبَسْه ُ في الآ ِ
خرَة ِ .وروى النسائي .قال ابن الزبير :م َنْ ل الج َنَ ّة ِ ،آنيِ َة َ َ
أَ ه ْ ِ
لَبِسَه ُ فِي ال ُد ّن ْيا ل َ ْم يَدْخ ِ
ل الج َنَ ّة َ .قال الل ّٰه تعالى} :و َلِبَاسُه ُ ْم ف ِيها حَر ِير ٌ{ )سورة الحج (٢٣ :وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن
ِس الح ِرير َ في ال ُد ّن ْيا م َنْ لا خِلاقَ لَه ُ فِي الآ ِ
خرَة ِ .والبزار عن حذيفة موقوفاً :م َنْ لَب َِس ثَو ْبَ حرير ٍ ماجه عن عمر رضي الل ّٰه عنهَ :
"إن ّمَا يلَ ْب ُ
ْس م ِنْ أيامِكُمْ ،و َلـَكِنْ م ِنْ أَ َي ّا ِم الل ّٰه الطوَالِ .وأحمد :لا يَسْتَمْت ِـ ُع ب ِالحَرِير ِ م َنْ يَرْجُو أ َي ّام َ الل ّٰه :أي لقاءه ن َ
الن ّارِ يوما ًلَي َ أَ ل ْبَسَه ُ الل ّٰه ثَو ْبا ً م ِ َ
ِس حريرا ً ولا ذهباً .والنسائي :أن رجلا ًقدم من نجران إلى رسول الل ّٰه ،وعليه
خر َ ،فَلا يلَ ْب ُ
ن بالل ّٰه و َاليَو ْ ِم الآ ِ
وحسابه ،وهو :م َنْ ك َانَ يُؤْم ِ ُ
جئ ْتَنِي و َفِي يدِك َ جَم ْرَة ٌ م ِنْ نارٍ" ومسلم :أنه رأى خاتما ً من ذهب في يد رجل
ك ِ خات َم ٌ من ذهب فأعرض عنه رسول الل ّٰه وقالَ :
"إن ّ َ
فنزعه وطرحه وقال" :يَعْمَد ُ أَ حَد ُك ُ ْم إلى جَم ْرَة ٍ م ِنْ ن َا ٍر فَي َجْ عَلُه َا فِي يَدِه ِ" فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الل ّٰه :خذ خاتمك انتفع به.
فقال :والل ّٰه لا آخذه وقد طرحه رسول الل ّٰه.
ن النساء" والأوّل جمع مخنث بفتح النون وكسرها ،وهو من فيه الانخناث
ِلات م ِ َ
ل والمُتَرَجّ ِ
ن الر ِ ّج َا ِ
ل الل ّٰه المخَُنثينِ م ِ َ
ن رسو ُ
والبخاري" :لَع َ َ
ن
أي التكسر ،والتثني كما تفعله النساء ،وإن لم يفعل الفاحشة الـكبرى ،والثاني المتشبهات من النساء بالرجال .وأبو داود والنسائي" :لَع َ َ
ن
مرت على رسول الل ّٰه متقلدة قوساً .فقال" :لَع َ َ ل يلَ ْب َُس لَبْسَة َ المَر ْأَ ة ِ ،و َالمَر ْأَ ة َ تلَ ْب َُس لَبْسَة َ َ ل الل ّٰه َ
ل" والطبراني :أن امرأة ّ
الر ّج ُ ِ الر ّج ُ َ رَسُو َ
ل هذ َا؟ ن النِّسَاء ِ بالر ِ ّج َالِ" وأبو داود أتي رسول الل ّٰه بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء .فقال رسول الل ّٰه" :م َا ب َا ُ هات م ِ َالل ّٰه المُتَشَبّ ِ ِ
َ
يتشب ّه بالنساء فأمر به فنفي إلى البقيع. قَالُوا:
وحكي عن القطب عبد القادر الجيلاني رحمه الل ّٰه أنه عطش في بعض سياحاته فرأى إناء ً من فضة معلقا ً في السماء ،فأدلى عليه في
سحابة وسمع صوتا ًداخلها :اشرب يا عبد القادر ،قد أبحنا لك المحر ّمات وأسقطنا عنك الواجبات .فقال رضي الل ّٰه عنه ونفعنا به :اجتنبنا
يا ملعون لست أكرم على الل ّٰه من نبيه محمد :فإنه لم يفعل له شيء من ذلك.
)تنبيهات :أحدها( أنه يحرم على الرجل استعمال الحرير وما أكثره وزنا ًمنه لا ظهوراً ،ولو باتخاذه بطانة ،بافتراشه بلا حائل أو اتخاذه
ستراً ،وكذا تز يين البيوت والمساجد به ،أو بصورة وبغيرهما مكروه وكالحرير المزعفر والمعصفر.
)فرع( لو لم يجد الرجل إلا ثوب حرير لزمته الصلاة فيه .قال الإسنوي :يلزم قطع ما زاد من الحرير على قدر العورة إن لم ينقص
أكثر من أجرة الثوب ،و يقدم الثوب المتنجس على الحرير في ستر العورة في غير الصلاة ،و يحرم إنزال ثوبه أو إزاره عن كعبيه بقصد
الخيلاء وإلا كره.
Shamela.org ٣٣
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
يده ورجله بالحناء بغير عذر ،واستعمال الرجل الثياب والـكوافي التي فيها خيوط القصب ،ولو يسيراً ،لأنه من زينة النساء المختصة بهن،
فمن فعله من الرجال صار متشبها ًبهنّ ملعونا ًعلى لسان نبيه ،ومحروما ًمن حلية الجنة .ألبسنا الل ّٰه تعالى بمنه وكرمه حلية الجنة.
}باب عيادة المر يض{
كي َْف أَ ع ُودُك َ و َأَ ن ْتَ ر ُ ّ
َب الع َالم َي ِنَ؟ قَال: َب َ
ل ي َا ر ِّ
ن آدَم َ مَر ِضْ تُ فَل َ ْم تَع ُدنِي .قَا َ
ل يَوْم َ الق ِيَامَة ِ :ي َاب ْ َ أخرج مسلم :إ َ ّ
ن الل ّٰه تَع َالَى يَقو ُ
ك لَو ْ عُدْتَه ُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَه ُ ،أي لَوَجَدْتَ عِنْدَه ُ ثوابي ال َ ّذ ِي لا نِهَايَة َ ل ِعِظَمِه ِ.
ِض فَل َ ْم تَع ُ ْده ُ ،أم َا عَلِم ْتَ َأن ّ َ أَ م َا عَلِم ْتَ أَ َ ّ
ن عَبْدِي فلانا ً مَر َ
ض
سلِمٍ .عِيَادَة ُ المَرِ ي ِ
ل مُ ْ لاث ك ُله َُنّ ح ّ ٌ
َق عَلَى ك ُ ّ ِ ن العائِد َ يظلُ ّه ُ الل ّٰه ب ِخَمْسَة ٍ و َ َ
سب ْع ِينَ أَ ل َْف م َل َكٍ " والبخاري في الأدب" :ث َ ٌ والطبراني" :إ َ ّ
سب ْع ُونَ أَ ل َْف م َل َكٍ
سل ِم َ فإ ْن ك َانَ غ َ ْدو َة صلّى عَلَيْه ِ َ
ل أخاه الم ُ ْ س إذا حَمد َ الل ّٰه تَع َالَى" وأحمد" :إذ َا عَاد َ َ
الر ّج ُ ُ و َشُه ُود ُ الجنََازَة ِ و َت َ ْشمِيتُ الع َاطِ ِ
لف م َل َكٍ ح ََت ّى يُصْ بِحَ". حَت ّى يُمْس ِي ،و َِإ ْن ك َانَ عَشِيا ً صَلَ ّى عَلَيْه ِ َ
سب ْع ُونَ أَ َ
)
تنبيه( إن العيادة مطلوبة إجماعاً .وأنها سنة عين عند الجمهور ،وفرض كفاية عند بعض قدماء المالـكية ،وصرح البخاري بوجوبها ،ولا
يسنّ عيادة الفاسق المتجاهر بفسقه ،بل يكره أو يحرم لتصر يحهم بحرمة إيناسه ،ولو بالجلوس معه ،و يكره عيادة بدعة دينية لا من عالم
يترتب على عيادته له إغراء العامة على اتباعه وحسن طر يقته ،فيحرم عليه ذلك ،وضابط المرض الذي يسنّ العيادة منه ما يبيح ترك
خِرو
الجمعة ،ولو رمدا ً بأن يكون مشقة الخروج والمشي معه ،كمشقة المشي في الوحل فلا أثر لصداع ووجع ضرس خفيفين ،وقال متأ ّ
أئمتنا :إن العيادة يوم الجمعة أفضل منها في غيره ،ويسنّ للعائد أن يطيب نفسه بذكر بعض ثواب المرض ،والصبر عليه أن يحصل مشتهاه
إن لم يضره ،وأن لا يعترض عليه في الأنين ،وقد َ
غل ّطوا من أطلق كراهته ،نعم إن أمكنه أن يرشده بلطف إلى أن الذكر أولى فعل،
س َطه ُور ٌ،
وأن يسأل المر يض الدعاء له لصحة الخـبر بالأمر به ،وأنه كدعاء الملائكة .وصح أنه كان إذا دخل على مريض قال" :لا ب َأْ َ
إ ْن شَاء َ الل ّٰه" أي مرضك يطهر من الذنوب .وصح أيضا ً أن من قال :أسأل الل ّٰه العظيم رب العرش العظيم أن يعافيك ويشفيك سبع
مرات عند مريض ،لم يحضره أجله عافاه الل ّٰه من مرضه .وينبغي فتح الكاف في المؤنث مريدا ً الشخص اتباعا ًللفظ الوارد.
)
ن ح ََت ّى
ض و َلا هَم َ و َلا حَز َ ٍ َب أي م َرَ ٍ َب و َلا وَص ٍ َب أي تَع ٍ ن م ِنْ نَص ٍ خاتمة( :في ثواب المر يض .أخرج الشيخان "م َا يُصِ يبُ المُؤْم ِ َ
ك َ ّفارَة ً لما م َض َى م ِنْ ذ ُنُوبِه ِ
سقَم ُ ث َُم ّ عافاه ُ الل ّٰه مِن ْه ُ ك َانَ َ ن إذا أصَابَه ُ ال َ ّ ن المُؤْم ِ َ خطَاي َاه ُ" وأبو داود" :إ َ ّ
ك َ ّفر َ الل ّٰه بِها م ِنْ َ
شوْك َة َ يُش َاكّ ها إلا َ ال َ ّ
ِض ث َُم ّ ع ُوفي كانَ كالب َعير ِ عَق َلَه ُأَ هَلُه ُ ث َُم ّ أَ ْرسَلُوه ُ فَل َ ْم ي َ ْدرِ لِم َ عَق َلُوه ُ و َل َ ْم ي َ ْدرِ لم أَ ْرسَلُوه ُ" والبخاري: ق إذا مَر َن المناف ِ َ وَمَوْعِظَة ً لَه ُيُسْتَقْبَلُ ،وإ َ ّ
ب مِن ْه ُ" أي يوجه الل ّٰه إليه مصيبة أو بلاء.
"م َنْ يُرِدِ الل ّٰه بِه ِ خَي ْرا ً يُصِ ْ
Shamela.org ٣٤
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
ح ل َ
الن ّارِ كَمَا تَن ْب َ ُ ن عَلَى أَ ه ْ ِ َف ع َنْ يَمِينِهِمْ ،وَص ّ ٌ
َف ع َنْ يَس َارِه ِ ْم فَيَن ْب َحْ َ جه َ َن ّم َ ص ّ ٌ
ص َ ّفيْنِ في َ
ن يَوْم َ الق ِيَامَة ِ َ
يجْعَل ْ َ والطبراني إ َ ّ
ن هذه النوائح َ ُ
الكِلابُ .وأبو داود عن أبي سعيد الخدري قال :لعن رسول الل ّٰه النائحة والمستمعة .وابنا ماجه وحبان عن أبي أمامة أن رسول الل ّٰه
َ
والشاق ّة جيبها ،والداعية بالو يل والثبور .وأبو داود عن امرأة من المبايعات قالت :كان فيما أخذ علينا رسول الل ّٰه لعن الخامشة وجهها،
في المعروف الذي أخذ علينا رسول الل ّٰه أن لا نخمش وجها ًولا ندعو و يلا ًولا نشق جيبا ًولا ننتف شعراً .والشيخان :المَي ِّتُ يُع َ َ ّذبُ فِي
ح عَلَيْه ِ .والترمذي :م َا م ِنْ م َي ّ ٍِت يَمُوتُ فَيقوم ُ ب َاكِيه ِ ْم فيقول :واجَمَلاه ُ واسَنَد َاه ُ ونحو ذلك ،إ َلّا و َ َكّ َ
ل الل ّٰه بِه ِ م َلـَكَيْنِ يلهزمانه: القَبْر ِ بِما نيِ َ
كن ْتَ .والبخاري عن النعمان بن بشير قال :أغمي على عبد الل ّٰه بن رواحة ،فجعلت أخته تبكي واجملاه واكذا واكذا تعدد عليه،
أهكذا ُ
فقال لها حين أفاق ما قلت شيئا ًإلا قيل لي أنت كذلك ،فلما مات لم تبك عليه.
وفي رواية رواها الطبراني فقال :يا رسول الل ّٰه أغمي عليّ فصاحت النساء واعزاه واجملاه فقام ملك معه مرزبة فجعلها بين رجليّ فقال:
أنت كما تقول قلت :لا .ولو قلت :نعم ،ضربني بها.
شعْرا ً فَك َأَ َن ّمَا أَ خَذ َ ر ُمْ حا ًي ُريد ُ أ ْن يُحَارِبَ بِه ِ ر ََب ّه ُ .قال صالح وروي :م َنْ أَ صَابَت ْه ُ م ُصِ يب َة ٌ ،فَخَر َقَ عَلَيْهَا ثَوبا ًأَ ْو لَطَم َ خَدّا ً أ ْو ش ََقّ َ
جي ْبا ًأ ْو نَت ََف َ
المري :نمت ليلة جمعة بمقبرة فرأيت الأموات خرجوا من قبورهم وتحلقوا ،ونزلت عليهم أطباق مغطاة ،وفيهم شاب يعذب فتقدمت
فسألته فقال :لي والدة جمعت النوادب ،فأنا معذب بذلك فلا جزاها الل ّٰه عني خيرا ً وبكى ،ثم أمرني أن أذهب إليها ،وأعلمني بمحلها وأن
أناشدها بترك هذا العذاب العظيم الذي تسببت له فيه ،فلما أصبحت ذهبت إليها ،ورأيت عندها تلك النوادب ،ووجهها قد أسودّ من
كثرة اللطم والبكاء ،فذكرت لها ذلك المنام فتابت وأخرجت النوادب ،وأعطتني دراهم لأتصدّق بها عنه ،فأتيت المقبرة ليلة الجمعة على
عادتي ،وتصدّقت عنه بتلك الدراهم ،فنمت فرأيته وهو يقول لي جزاك الل ّٰه عني خيرا ً أذهب الل ّٰه عني العذاب ،ووصلت إليّ الصدقة
فأخبرْ أمي بذلك ،فاستيقظت فذهبت إليها ،فوجدتها ماتت فحضرت الصلاة عليها ،ودفنت بجنب ولدها.
)
تنبيه( قد أجمعت الأئمة على تحريم الندب وهو تعديد محاسن الميت كواجملاه ،والنوح وهو رفع الصوت بالندب ومثله إفراط رفعه
بالبكاء ،وإن لم يقترن بندب ،ولا نَوح وضرب نحو الخ ّد والصدر وشق نحو الجيب ونشر الشعر وحلقه ونتفه وتسويد الوجه ،وإلقاء الرماد
على الرأس والدعاء بالو يل والثبور ،أي الهلاك وكل شيء فيه تغيير للزيّ كلبس ما لا يعتاد لبسه أصلا ًأو على تلك الصفة وكترك شيء
من لباسه والخروج بدونه على خلاف عادته .أما البكاء السالم من كل ذلك ،فهو جائز قبل الموت وبعده ،لـكن الأولى تركه بعده،
وما مر من أن الميت يعذب ببكاء أهله اختلف الأئمة فيما يحمل عليه؟ والصحيح عندنا أنه محمول على ما إذا أوصى بذلك ،بخلاف ما
إذا سكت ،فلم يأمر به ولم ينه َ ،وقيل :إنه إذا سكت ولم ينههم عن نحو النوح يعذب بذلك أيضاً ،لأن سكوته رضا ًمنه به ،فعذب به
Shamela.org ٣٥
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
كما لو أمر فمن أراد الخروج من ورطة هذا القول ،ينبغي إذا نزل به مرض أن ينهاهم عن بدع الجنائز ،وغيرها من المحرمات الشنيعة
والقبائح الفظيعة ،وفقنا الل ّٰه لمرضاته.
)
فصل( فيما يقوله المر يض للنجاة من العذاب .أخرج الترمذي والنسائي وابنا ماجه وحبان والحاكم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة
ص َ ّدق َه ُ ر َُب ّه ُ فقال :لا إله إ َلّا أن َا و َأَ ن َا أَ كْ ب َر ُ ،وإذا قا َ
ل لا إله إلا الل ّٰه وَحْدَه ُ لا ل لا إله إ َلّا الل ّٰه و َالل ّٰه أَ كْ ب َر َ
قالا :قال رسول الل ّٰه" :م َنْ قَا َ
ل الل ّٰه لا إله إ َلّا أنا لِي َ الملُ ْ ُ
ك و َلِي َ ك وَلَه ُ الحم َْد ُ قَا َ
ك لي ،وإذا قَالَ :لا إله َ إلا ّ الل ّٰه لَه ُ الملُ ْ ُ
ل الل ّٰه لا إله َ إلا ّ أَ ن َا وَحْدي لا شَر ِي َ
ك لَه ُ .قَا َ
شَر ِي َ
ضه ِ ث َُم ّ م َاتَ
ل و َلا ق َُو ّة َ إ َلّا بِي م َنْ قَالَها في م َرَ ِ
حو ْ َ ل و َلا ق َُو ّة َ إلا ب ِالل ّٰه قَا َ
ل الل ّٰه لا إله إلا أن َا و َلا َ حو ْ َ
ل لا إله إلا الل ّٰه ولا َ
الحم َْد ُ ،وإذا قا َ
ل الج َنَ ّةَ :لا إله إ َلّا الل ّٰه الحل َ ِيم ُ الـكريم ُ
ات م َنْ قَالَه َُنّ عِنْد َ و َفَاتِه ِ دَخ َ َ ل َ ْم تَطْعَمْه ُ َ
الن ّار ُ" وابن عساكر عن علي كر ّم الل ّٰه وجهه عن النبي" :كَل ِم َ ٌ
ل شَيْء ٍ قَدِير ٌ" والحاكم عن سعد بن أبي وقاص عنه: ثلاثا ًوالحم َْد ُ ل َِل ّه ِ ر ِّ
َب العالم َي ِنَ ثلاثا ًتَبَارَك َ ال َ ّذ ِي بيدِه ِ الملُ ْ ُ
ك يحيي ويميتُ و َه ُو َ عَلى ك ُ ّ ِ
جر ُ شَه ِيدٍ .وإ ْن ك ُأ ْعط ِ َ
ي لَه ُ أَ ْ ضه ِ ذل ِ َ
ن الظالِمِينَ أَ رْبَع ِينَ م َ َّرة ً فَمَاتَ في م َرَ ِ
كن ْتُ م ِ َ
ك إنِي ُ ضه ِ لا إله َ إ َلّا أن ْتَ ُ
سب ْح َان َ َ ل فِي م َرَ ِ
سل ِم قَا َ ُ
"أي ّمَا م ُ ْ
ضه ِ ال َ ّذ ِي يَمُوتَ ف ِيه ِ مائَة َ م َرَة ٍ ل َ ْم يُفْت َ ْن فِي قَبْرِه ِ و َأَ م َ َ
ن بَر ِيء َ و َق َ ْد غُف ِر َْت لَه ُ جَم ِي ُع ذ ُنُوبِه ِ" والطبراني" :م َنْ ق َرأَ َ سُورَة َ قُلْ ه ُو َ الل ّٰه أَ حَدٌ فِي م َرَ ِ
ن الصِّر َاطِ إلى الج َنَ ّة ِ" حتِها ح ََت ّى ُ
يجـيزونَه ُ م ِ َ ضغْطَة القَبْر ِ وَحَمَلَت ْه ُ المَلائِك َة ُ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ ب ِأَ جْ ن َ
م ِنْ َ
ن َ
الن ّارِ ق م َنْ تَك ََل ّم َ بِه ِ فِي أَ ّو ِ
ل م َضْ جَعِه ِ منْ أَ م َرَضه نَج ّاه ُ الل ّٰه م ِ َ ح َ
وعن أبي هريرة رضي الل ّٰه عنه قال :قال رسول الل ّٰه" :ألا أَ خْب ِرُك َ ب َأَ ْمر ٍ َ
َب الع ِبَادِ و َالب ِلادِ ،والحم َْد ُ ل َِل ّه ِ حَم ْدا ً كَث ِيرا ً طَي ِّبا ً م ُبَارَكا ًف ِيه ِ يحْيِي و َيُمِيتُ ،و َه ُو َ حَيّ ٌ لا يَمُوتُ و َ ُ
سب ْح َانَ الل ّٰه ر ِّ قلُ ْتُ بلََى قَالَ :لا إله إلا الل ّٰه َ
كن ْتَ أَ مْرَضْ تَنِي لِقَب ْض ر ُوحِي في م َرَض ِي هذا فَاجْ ع َلْ ر ُوحِي الل ّه ُ َ ّ
م إ ْن ُ ن َ ل م َكا ِ
كب ْر ياء ر َب ّنَِا وَج َلالَه ُ ،و َق َ ْدر َتُه ُ بِك ُ ّ ِ
ل الل ّٰه أَ كْ ب َر ُ ِ
ل حا ٍ
عَلى ك ُ ّ ِ
ن
ك ذلِكَ ،فإلى ر َضْ وا ِض َمت في م َرَ ِ َت لَهُم ُ الحُسْن َى إ ْن ُ ّ ن سَبَق ْ ك ال َ ّذ ِي َ
ك الحُسْن َى ،و َأَ ع ْ ْذنِي كَمَا أَ عَذْتَ أَ ولئ ِ َ
َت لَه ُ ْم مِن ْ َ في أَ ْرو ِ
َاح م َنْ سَبَق ْ
ل الج َنَ ّة َ" وعن ابن عباسخر ُ ك َلامِه ِ لا إله إ َلّا الل ّٰه دَخ َ َ
كن ْت قَدِ اق ْتَر َف ْتَ ذنوبا ًتابَ الل ّٰه عَلَيْكَ" وعن معاذ" :م َنْ ك َانَ آ ِ الل ّٰه والجنة ِ ،وإ ْن ُ
خر َ ك َلامِه ِ
ل ك َلامِه ِ لا إله إلا الل ّٰه وآ ِ ْت لا إله إ َلّا الل ّٰه ف َِإ َ ّ
ن م َنْ ك َانَ أَ وّ َ ل كَل ِم َة بلا إله إ َلّا الل ّٰه ول ّق ِن ُوه ُ ْم عِنْد َ المَو ِ
صب ْيَانِك ُ ْم أَ َ ّو َ
اف ْتَتِحُوا على ِ
حدٍ" وعن معقل بن يسار عن النبي" :اق ْرَؤ ُوا على مَو ْت َاك ُ ْم يس" وروى" :م َا م ِنْ
ل ع َنْ ذَن ٍْب و َا ِ لا إله إلا الل ّٰه ث َُم ّ ع َ َ
اش أل َْف سَنَة ٍ ما سُئ ِ َ
سك ْرَة َ
ن المَي ّ ِِت َ
ِف ع َ ِ
ك يُخ َ ّف ُ الر ّعْدِ ف َِإ َ ّ
ن ذل ِ َ م َي ّ ٍِت يُقْر َُأ عِنْدَه ُ يس إلا ه َو ّنَ الل ّٰه عَلَيْه ِ .و َيُس َتَح ُ ّ
َب إذا احْ ت َضَر َ المَي ِّتُ أ ْن يُقْرأَ َ عِنْدَه ُ أيضا ً سُورَة َ َ
ْت و َِإ َن ّه ُ أَ ه ْوَنُ لِقَب ْضِ ه ِ و َأَ ي ْسَر ُ لِشَأْ نِه ِ ،وذكر جماعة أن السواك يسهل خروج الروح لاستياكه عند موته" وروى أنس عن النبي" :م َنْ أت َاه ُ
المَو ِ
ل ال ُد ّن ْيا ث َُم ّ أَ حْتَسِب ُه ُ إ َلّا الج َنَ ّة َ" وفي حديث" :م َنْ ُأصيبَ بِمُصِ يبَة ٍ فَل ْيَذُكُر ْ م ُصِ يبَت َه ُ بِي ف َِإ َ ّنهَا أَ ْعظَم ُ المَصَائ ِِب" وكأ َ ّ
ن القاضي صف ِي ّه ُ م ِنْ أَ ه ْ ِ
َ
ل مؤمن أن يكون حزنه على فراق أبو يه ،كما يجب عليه أن
حسينا ً من أكابر أئمتنا أخذ من هذا قوله الذي أقروه عليه :يجب على ك ّ
الصّ ْدمَة ِ ال ُأولَى" أي إنما يحمد الصبر عند مفاجأة المصيبة ،وأما
الصّ ب ْر ُ عِنْد َ َ
"إن ّمَا َ
أحب إليه من نفسه وأهله وماله ،وفي آخرَ :
ّ يكون النب ُيّ
فيما بعد فيقع السل ُو ّ طبعاً ،ومن ثم قال بعضهم :ينبغي للعاقل أن يفعل بنفسه أوّل أيام المصيبة ما يفعله الأحمق بعد خمسة أيام .وفي
جر َ" وورد في حديث" :م َنْ ق َ ّدم َ ثَلاثَة ً م ِ َ
ن الوَلَد ِ ل َ ْم يَب ْلُغ ُوا الحِن ْثَ كانُوا لَه ُ حُصْ نا ً م ِ َ
ن ن ال َض ّرْبَ عَلَى الفَخْذِ عِنْد َ المُصِ يبَة ِ ُ
يح ْب ُِط الأ ْ آخر" :إ َ ّ
Shamela.org ٣٦
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
الن ّارِ .ف َقال أبو الدرداء رضي الل ّٰه عنه :قدمت اثنين قال :واثنين .قال آخر :إن ِ ّي ق َ ّدمْتُ و َاحِداً .قال وواحدا ً و َلـكِنْ ذلك في أوّل
َ
ل بيَِدِه ِ َعاميص الج َنَ ّة ِ أي حُ َ ج ّابُ أَ ب ْوَابها يَتَل َ ّقى أَ حَد ُه ُ ْم أب َاه ُ أَ ْو قَا َ
ل أَ بَو َيْه ِ فَي َأْ خُذ ُ بثَِو ْبِه ِ ،أَ ْو قَا َ ُ لد ص ْدمَة ٍ" وفي حديث مسلم" :إ َ ّ
ن الأَ طْ ف َا َ َ
سليم.
ٍ "أن ّه ُ م َاتَ اب ٌن لأبِي طَل ْح َة َ م ِنْ ُأ ِمّ
فَلا يَنْت َهي ح ََت ّى ي ُ ْدخِلَه ُ الج َنَ ّة َ" وفي خبر مسلمَ :
كمَا".
كمَا في لَي ْلَت ِ ُ
ل الل ّٰه ف َأَ خْبَرَه ُ ،فقال بارَك َ الل ّٰه لـ َ ُ ُأ ُمّ سَل ٍِيم :فَاحْتَس ْ
ِب اب ْنَكَ ،فَغ َضِ بَ وأَ تى إلَى رَسُو ِ
وروي أن ابن عمر ضحك عند دفن ابنه فقيل له :أتضحك؟ فقال :أردت أن أرغم الشيطان .وقال أبو علي الرازي صحبت الفضيل
ثلاثين سنة ما رأيته ضاحكا ًولا متبسما ًولا مستبشرا ً إلا يوم مات ابنه علي فقيل له في ذلك .فقال :إن الل ّٰه أحب أمرا ً فأحببته.
وحكى اليافعي عن أبي الحسن السراج قال :خرجت حا َجّا ًإلى بيت الل ّٰه الحرام ،فبينما أنا أطوف وإذا بامرأة قد أضاء حسن وجهها،
م والحزن ،فسمعت ذلك القول مني ،فقالت :كيفما
فقلتُ :والل ّٰه ما رأيت اليوم قط نضارة وحسنا ًمثل هذه المرأة وما ذاك إلا لقلة اله ّ
قلت يا هذا الرجل؟ والل ّٰه إني لوثيقة بالأحزان ومكلومة الفؤاد بالهموم والأشجان ما يشركني فيها أحد ،فقلت لها :وكيف ذلك؟ قالت:
ذبح زوجي شاة ً َ
ضح ّى بها ولي ولدان صغيران يلعبان ،وعلى ثديي طفل يرضع ،فقمت لأصنع طعاما ً إذ قال ابني الـكبير للصغير :ألا
أر يك كيف صنع أبي بالشاة؟ قال :بلى ،فأضجعه وذبحه وخرج هاربا ً نحو الجبل فأكله ذئب ،فانطلق أبوه في طلبه فأدركه العطش،
فدب الطفل إلى البرمة ،وهي على النار فألقى يده فيها وصبها على نفسه
ّ فمات فوضعت الطفل وخرجت إلى الباب أنظر ما فعل أبوه،
وهي تغلي ،فانتثر لحمه على عظمه ،فبلغ ذلك ابنة لي كانت عند زوجها فرمت بنفسها إلى الأرض فوافقت أجلها ،فأفردني الدهر من
بينهم .فقلت لها :فكيف صبرك على هذه المصائب العظيمة؟ فقالت :ما من أحد ميز الصبر والجزع إلا وجد بينهما منهاجا ًمتفاوتاً ،فأما
الصبر بحسن العلانية ،فمحمود العاقبة ،وأما الجزع فصاحبه غير معو ّض.
وحكي عن بعض المشايخ أنه رأى سفيان الثوري في المنام ،فقال له :كيف رأيت الموت؟ فقال :أما الموت فلا تسأل عن عظمته
وشدّته .فقال :أي الأعمال وجدته أنفع؟ فقال :كل عمل صالح أنفع ،ولـكنني نجوت من الحساب باسترجاعي وصبري عند مصيبة
بولد لي مات .فقال سبحانه وتعالى أنسيت وقد قبضت ثمرة فؤادك ،فاسترجعتَ وحمدتني اذهب فقد غفرت لك سيئاتك ،وضاعفت
حسناتك ،ورفعت درجاتك .غفر الل ّٰه سيئاتنا وضاعف حسناتنا ورفع درجاتنا.
)
خاتمة( :قال أصحابنا وغيرهم يتأكد لمن ابتُلي بمصيبة بميت أو في نفسه أو أهله أو ماله ،وإن خفت أن يكثر }إ َن ّا ل َِل ّه ِ و َِإ َن ّا إلَيْه ِ ر َاجِع ُونَ{
)سورة البقرة ،(١٥٦ :اللهم أجرني في مصيبتي واخلف عليّ خيرا ً منها لما وعد الل ّٰه تعالى من قال ذلك بأن عليهم صلوات من ربهم
ف لَه ُ خَي ْراً" وأحمد" :م َا م ِنْ
ك آجَرَه ُ الل ّٰه و َأَ خْل َ َ
ل ذل ِ َ ورحمة وأنهم هم المهتدون ،أي للترجيح أو للجنة والثواب .ولخـبر مسلم" :إ َ ّ
ن م َن قَا َ
جر ِها يَوْم َ ُأصِيبَ " وقال ل ع َ ْهد ُه َا ،فَيَسْتَرْجِـ ُع إ َلّا ج َ َ ّدد َ الل ّٰه عِنْد َ ذلِكَ ،ف َأَ ْعطَاه ُ مِث ْ َ
ل أَ ْ سل ِ ٍم و َلا مُسْل ِمَة ٍ أَ صيبَ بِمُصِ يبَة ٍ فَتَذَك َر َه َا و َِإ ْن طَا َ
مُ ْ
ابن جبير :لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة ما لم يعطه غيرهم -إنا لل ّٰه وإنا إليه راجعون -ولو أوتوه لقاله يعقوب عليه السلام ولم
يقل - :يا أسفا ًعلى يوسف -جعلَنا الل ّٰه من الصابرين في الضراء والشاكرين في السراء.
جرِه ِ" وهو عن أبي برزة" :م َنْ ل أَ ْ
)فصل( :في التعز ية .أخرج الترمذي عن ابن مسعود قال :قال رسول الل ّٰه" :م َنْ ع َ َّزى مُصَابا ًفلََه ُ مِث ْ ُ
ل كسَاه ُ الل ّٰه ع َ َّز وَج َ َ ّ
ل م ِنْ حِل َ ِ كسِيَ بِرِد َاءٍ" وابن ماجه والبيهقي عن عمرو بن حزم" :م َا م ِنْ مُؤْم ِ ٍ
ن يُع َزِّي أَ خ َاه ُ بِمُصِ يبَة ٍ إ َلّا َ ع َ َّزى ثَكْلَى ُ
الـك َرَامَة ِ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ".
)
Shamela.org ٣٧
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
تنبيه( إن التعز ية وهي التصبير وذكر ما يسلي صاحب الميت و يخفف حزنه ،ويهو ّن مصيبته مستحبة قبل مضي ثلاثة أيام من بعد الدفن
م بالتعز ية جميع أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار والرجال والنساء ،و يكره لهم الجلوس لها وصنع طعام
وتكره بعد مضيها ،ويسنّ أن يع ّ
يجمعون الناس عليه لما روى أحمد عن جرير بن عبد الل ّٰه البجلي قال :كنا نع ّد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام بعد دفنه من
النياحة .ويستحب لجـيران أهل الميت ولو أجانب ومعارفهم ،وإن لم يكونوا جيرانا ًوأقاربه الأباعد ،وإن كانوا بغير بلد الميت أن يصنعوا
لأهله طعاما ًيكفيهم يوما ًوليلة .وأن يلحوا عليهم في الأكل ،و يحرم صنعه للنائحة ،لأنه إعانة على معصية.
)فصل( :في ز يارة القبور .أخرج العقيلي عن أبي هريرة قال أبو رزين :يا رسول الل ّٰه إن طر يقي على الموتى فهل لي كلام أتكلم به
ن لـَك ُ ْم تُب َ ٌع و َِإ َن ّا إ ْن شَاء َ الل ّٰه بِك ُ ْم
نح ْ ُ
ف وَ َ
ن المُسْل ِمِينَ و َالمُؤم ِنينَ أَ ن ْتُم ْ لَنَا سَل َ ٌ
ل الق ُب ُورِ م ِ َ إذا مررت عليهم؟ قال" :ق ُل ال َ ّ
سلام ُ عَلَيْك ُ ْم ي َا أَ ه ْ َ
حق ُونَ" .قال أبو رزين :هل يسمعون؟ قال :ي َ ْسم َع ُونَ و َلا يَسْتَط ِيع ُونَ أ ْن يُجيبوا :أي جوابا ًيسمعه الحي ،قال :يا أب َا رزين ،ألا تَرْض َى لا ِ
أ ْن ي َر ُ َدّ عَلَي ْ َ
ك بِعَدَدِهِم ُ المَلائِك َة ُ".
وابن أبي الدنيا والبيهقي عن محمد بن واسع قال" :بلََغَنِي أ َ ّ
ن المَو ْتَى يَعْلَم ُونَ ب ِزُوّارِه ِ ْم يَوْم َ الجم ُُعَة ِ و َيَو ْما ًقَبْلَه ُ و َيَو ْما ًبَعْده ُ" والبيهقي عن محمد بن
ل جُمُعَة ٍ غُف ِر َ لَه ُ وَكُت ِبَ ب َارّاً.
النعمان مرسلاً" :م َنْ ز َار َ قَبْر َ أَ بَو َيْه ِ أَ ْو أَ حَدِهِمَا فِي ك ُ ّ ِ
يح َِب ّه ُ في ال ُد ّن ْيا" وأخرج مسلم عن أبي هريرة أ ّ
ن رسول الل ّٰه س م َا يَكُونَ المَي ِّتُ فِي قَبْرِه ِ إذا ز َارَه ُ م َنْ ك َانَ ُ
وروي عن النبي أنه قال" :آن َ ُ
سلام ُ عَلَيْك ُ ْم د َار قَو ْ ٍم مُؤْم ِنينَ ،وإ َن ّا إ ْن شاء َ الل ّٰه بِك ُ ْم لا ِ
حق ُونَ .وزاد ابن السني عن عائشة رضي الل ّٰه عنها: خرج إلى المقبرة .فقال :ال َ ّ
رب الأجساد البالية والعظامجر َه ُ ْم و َلا تَفُت ْنَا بَعْد َهُمْ .وابن أبي شيبة عن الحسن قال :من دخل المقابر ،فقال :اللهم ّ تحْرِمْنَا أَ ْ الل ّه ُ َ ّ
م لا َ َ
النخرة التي خرجت من الدنيا ،وهي بك مؤمنة أدخل عليها روحا ًمن عندك وسلاما ًمتى استغفر له كل مؤمن مات مذ خلق الل ّٰه آدم.
وأخرجه ابن أبي الدنيا بلفظ :كتب الل ّٰه له بعدد من مات من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة حسنات .والبيهقي عن بشر بن منصور
قال :كان رجل يختلف إلى الجبانة فيشهد الصلاة على الجنائز ،فإذا أمسى وقف على باب المقابر فقال :آنس الل ّٰه وحشتكم ورحم الل ّٰه
غربتكم وتجاوز الل ّٰه عن سيئاتكم ،وقبل الل ّٰه حسناتكم لا يزيد على هؤلاء الكلمات .قال ذلك الرجل :فأمسيت ذات ليلة ،فانصرفت إلى
أهلي ،ولم آت المقابر ،فبينما أنا نائم إذا أنا بخلق كثير جاؤوني ،قلت :من أنتم وما حاجتكم؟ قالوا :نحن أهل المقابر وقد عو ّدتنا منك
هدية عند انصرافك إلى أهلك .قلت :وما هي؟ قالوا :الدعوات التي كنت تدعو بها ،قلت :فأنا أعود لذلك؟ قال :فما تركتها بعد .وقال
محمد بن أحمد المروزي :سمعت أحمد بن حنبل يقول :إذا دخلتم المقابر فاقرؤوا بفاتحة الكتاب والإخلاص والمعو ّذتين ،واجعلوا ثواب
ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم .فالاختيار أن يقول القارىء بعد فراغه :اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان.
ن رجلا ًرأى في النوم أهل القبور في بعض المقابر قد خرجوا من قبورهم إلى ظاهر المقبرة ،وإذا بهم يلتقطون
وحكى بعض أهل العلم أ ّ
شيئا ًما يدري ما هو ،قال :فتعجب من ذلك ،ورأيت رجلا ًمنهم جالسا ًلا يلتقط معهم شيئا ًفدنوت وسألت :ما الذي يلتقط هؤلاء؟
فقال يلتقطون ما يهدي إليهم المسلمون من قراءة القرآن والصدقة والدعاء ،فقال :فقلت له :فلم لا تلتقط أنت معهم؟ أنا غنيّ عن ذلك،
فقلت :بأي شيء أنت غنيّ؟ قال :بختمة يقرؤها ويهديها إليّ كل يوم ولدي يبيع الزلابية في السوق الفلاني ،فلما استيقظت ذهبت
إلى السوق حيث ذكر ،فإذا شاب يبيع الزلابية و يحر ّك شفتيه ،فقلت :بأي شيء تحر ّك شفتيك؟ قال :أقرأ القرآن وأهديه إلى والدي
في قبره ،قال :فلبثت مدّة من الزمان ثم رأيت الموتى قد خرجوا من القبور كما تقدّم ،وإذا بالرجل الذي كان لا يلتقط صار يلتقط
فاستيقظت وتعجبت من ذلك ،ثم ذهبت إلى السوق لأتعر ّف خبر ولده ،فوجدته قد مات.
وحكي أن بعض النساء توفيت فرأتها في المنام امرأة تعرفها ،فإذا عندها تحت السرير آنية من نور مغطاة فسألتها :ما هذه الأوعية؟
فقالت :فيها هدية أهداها إليّ أبو أولادي البارحة ،فلما استيقظت المرأة ذكرت ذلك لزوج الميتة فقال :قرأت البارحة شيئا ًمن القرآن
وأهديته إليها.
Shamela.org ٣٨
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
)خاتمة( :أخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس قال :لعن رسول الل ّٰه زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج.
يج ْل َِس عَلى قَبْرٍ .وابن منده عن القاسم بن مخيمرة يج ْل َِس أَ حَد ُك ُ ْم عَلَى جَم ْرَة ٍ ،فَت َحْ رِقَ ثيَِابَه فَتَخْل ُ َ
ص إلى جِلْدِه ِ خَيْر ٌ لَه ُ م ِنْ أَ ْن َ ومسلم :لأ ْن َ
يَبْخَلُونَ بِمَا آت َاهُم ُ الل ّٰه م ِنْ ف َضْ لِه ِ ه ُو َ خَيْر ٌ لَه ُ ْم بَلْ ه ُو َ شَرّ ٌ لَه ُ ْم سَيُطَو ّق ُونَ م َا َ
بخ ِلُوا بِه ِ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ{ )سورة آل عمران (١٨٠ :وقال تعالى:
جه َ َن ّ ِم فَتُكْو َى بِهَا جِبَاهُه ُ ْم وَجُن ُو بُه ْم ن يَكْن ِز ُونَ ال َذ ّه َبَ والف َِضّ ة َ ولا يَنْفِق ُوها فِي سَب ِي ِ
ل الل ّٰه فَبَش ِّرْه ُ ْم ب ِعَذ ٍ
َاب أَ ل ٍِيم يَوْم َ يَحْمي عَلَيْهَا في ن َارِ َ }و َال َ ّذ ِي َ
خر َاه َا في يَو ْم ك َانَ م ِ ْقد َارُه ُ خَمْسِينَ ك َان َْت لا ي َ ْفقِد ُ م ِنها ف َصيلا ً واحِدا ً تَطَؤه ُ بأَ خْ ف َاف ِها ،وتَع َُضّ ه ُ بأَ ف ْواه ِها ك ُ َل ّما م َ َّر عَلَيْه ِ أولاها رَدّ عَلَيْه ِ ُأ ْ
أَ ل َْف سَنَة ٍ حَتى يُقْض َى بَينَ الع ِبَادِ ،فيرى سَبيلَه ُ إمّا إلى الج َنَ ّة ِ وإم َا إلى َ
الن ّارِ.
ح لَها ب ٍ
ِقاع قَر ْق َر َ لا ح َ ّقهُم َا إ َلّا إذ َا ك َانَ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ بَطَ َ
قيل :يا رسول الل ّٰه فالبقر والغنم؟ قال :و َلا صَاحِبَ بَقَرٍ و َلا غ َن َ ٍم لا يؤدّى مِنْهُم َا َ
ْس ف ِيها ع َ ْقصَاء ،و َلا ج َل ْح َاء ُ ولا ع َصْ بَاء ُ تَنْطَح ُه ُ بقرونها ،و َتَطَؤه ُ بأظلاف ِها ك ُ َل ّمَا م َ َّر عَلَيْه ِ أَ وْلاه َا ،ردّ عَلَيْه ِ ُأخراها في يَو ْ ٍم كانَ
ي َ ْفقِد ُ شَيئا ًلَي َ
مقدارُه ُ خمسينَ أَ ل َْف سَنَة ٍ ،ح ََت ّى يُقْض َى بَيْنَ الع ِبَادِ فَيَر َى سبيلَه ُ إما إلى الج َنَ ّة وإمّا إلَى َ
الن ّارِ" والبخاري عن أبي هريرة رضي الل ّٰه عنه :م َنْ
ل لَه ْ م َالُه ُ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ شُ جاعا ًأَ ق ْرَعَ لَه ُ زبيبتان يُطو ّق ُه ُ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ ،ث َُم ّ ي َأْ خُذ ُ بلهزمتيه ،أي ُ
شدْقَيْه ِ ،ثم يقولُ: آت َاه ُ الل ّٰه م َالا ًفَل َ ْم يؤدِّ زَكاتَه ُ م َث ُ َ
كن ْزُك َ .والشيخان عن الأحنف بن قيس قال :جلست إلى ملأ من قريش ،فجاء رجل حسن الشعر والثياب والهيئة حتى
أن َا م َالك أنا َ
قام عليهم فسلم ثم قال :بشر الكانزين برضف يحمى عليها في نار جهنم ،ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه،
و يوضع على نغص كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه ،فيتزلزل .ثم ولى ،فجلس إلى سار ية وتبعته وجلست إليه ،وأنا لا أدري من هو
َت َ
الصّ د َق َة ُ فقلت له :لا أرى القوم إلا قد كرهوا الذي قلت .قال :إنهم لا يعقلون شيئاً .والبيهقي عن عائشة رضي الل ّٰه عنها :م َا خ َالَط ِ
الز ّك َاة ُ م َالا ً إ َلّا أَ فْسَد َته ُ ،أي ما تركت في مال ولم تخرج منه إلا أهلـكته .والطبراني عن أنس :م َان ِـ ُع َ
الز ّك َاة ِ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ في ت َ أَ ْو قَال َ ِ
كّ فَلا صَلاة َ لَه ُ ،وفي رواية عن عبد الل ّٰه :م َنْ أَ قَام َ َ
الصّ لاة َ، الصّ لاة ِ ،وإيتاء ِ َ
الز ّك َاة ِ وَم َنْ ل َ ْم ي ُز َ ِ الن ّارِ .وصح عن ابن مسعودُ :أم ِرن َا ب ِإقَا ِم َ َ
ْ
سل ِ ٍم يَنْف َع ُه ُ ع َمَل ْه ُ.
ْس بِم ُ ْ ْت َ
الز ّك َاة َ ،فَلَي َ و َل َ ْم يُؤ ِ
Shamela.org ٣٩
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
ل َ
الر ّجْ ع َة َ عِنْد َ المَو ْتَ ،فقال له تج ِبُ َ
الز ّك َاة ُ ف ِيه ِ ،و َل َ ْم ي َز ُ ِ
كّ سَأَ َ ْت الل ّٰه ،و َل َ ْم يَح َُجّ أَ ْو َ
ل يُب ْل ِغ ُه ُ حَ َ ج ّ بَي ِ
وروي عن ابن عباس :م َنْ ك َانَ لَه ُ م َا ٌ
ق الل ّٰه يا بن عباس فإنما يسأل الرجعة الـكفار ،فقال ابن عباس سأتلو عليك بذلك قرآناً .قال الل ّٰه تعالى} :و َأَ نْفِق ُوا م َِم ّا رَز َق ْنَاك ُ ْم
رجل :ات ِ
ص َ ّدقَ { أي أؤدّي الزكاة وأَ كُنْ م َ َع َ
الصّ الحـ ِينَ )سورة ِيب ف َأَ َ ّ
ل قَر ٍ َب لَو ْلا أَ َ ّ
خرْتَنِي إلى أَ ج َ ٍ ل ر ِّ ل أَ ْن ي َأْ تِي أَ حَد َك ُ ْم المَو ِ
ْت فَيَق ُو ُ م ِنْ قَب ْ ِ
المنافقون (١٠ :أي أحج.
وحكى شيخنا ابن حجر رحمه الل ّٰه تعالى :أن جماعة من التابعين خرجوا لز يارة أبي سنان ،فلما دخلوا عليه وجلسوا عنده ،قال :قوموا بنا
نزور جارا ً لنا مات ونعز يه ،قال محمد بن يوسف الغرباني فقمنا معه ودخلنا على ذلك الرجل ،فوجدناه كثير البكاء والجزع على أخيه،
فجعلنا نعز يه ونسليه ،وهو لا يقبل تسلية ولا عزاء ،فقلنا له :أما تعلم أن الموت سبيل لا ب ّد منه قال :بلى ،ولـكن على ما أصبح وأمسى
فيه أخي من العذاب فقلنا له قد أطلعك الل ّٰه على الغيب؟ قال :لا ولـكن لما دفنته وسو ّيت عليه التراب ،وانصرف الناس عنه ،وجلست
عند قبره ،وإذا صوت من قبره يقول :آه أفردوني وحيدا ً أقاسي العذاب قد كنت أصوم قد كنت أصلي .قال :فأبكاني كلامه فنبشت
التراب عنه لأنظر ما حاله ،وإذا القبر يلمع فيه نار ،وفي عنقه طوق من نار ،فحملتني شفقة الأخو ّة ومددة يدي لأرفع الطوق من
رقبته ،فاحترقت أصابعي ويدي ،ثم أخرج إلينا يده فإذا هي سوداء محـترقة قال :فرددت عليه التراب ،وانصرفت فكيف لا أبكي على
حاله وأحزن عليه؟ فقلنا :فما كان أخوك يعمل في الدنيا؟ قال :كان لا يؤدي الزكاة من ماله قال :فقلنا :هذا تصديق قوله تعالى} :لا
ن يَبْخَلُونَ بِمَا آت َاهُم ُ الل ّٰه م ِنْ ف َضْ لِه ِ ه ُو َ خَيْر ٌ لَه ُ ْم بَلْ ه ُو َ شَرّ ٌ لَه ُ ْم سَيط َو ّقونَ ما َ
بخ ِلُوا بِه ِ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ{ )سورة آل عمران.(١٨٠ : تحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
َ
)
ق الشح
مح ْ َ
ن أَ ب َداً" وأبو يعلى :ما محق الإسلام َ
ل مُؤْم ِ ٍ
ْب رَج ُ ٍ
ل فِي قَل ِ
يج ْتَمِـ ُع الإيمانُ والبُخْ ُ
خاتمة( :في ذم البخل .أخرج ابن عدي" :لا َ
شيءٌ .والخطيب يقولون :أو يقول قائلـكم الشحيح أغدر من الظالم ،وأيّ ظلم أظلم عند الل ّٰه من الشح يحلف الل ّٰه تعالى بعزته وعظمته
ل لم َِنْ ت َرَك َ عِيَالَه ُ بِ خـَيْرٍ ،و َقَدِم َ عَلَى ر َبِّه ِ ب ِشَر َ .والطبراني والبيهقي ل كُ ُ ّ
ل الو َي ْ ِ وجلاله أن لا يدخل الجنة شحيح ولا بخيل .والديلمي :الو َي ْ ُ
ل.
ل والأم َ ِ
خر ُه َا ب ِالبُخْ ِ
كآ ِ ل هذِه ِ ال ُأمّة ِ ُ
بالز ّهْدِ واليَق ِينِ ،و َيَه ْل َ ُ ح أ ّو ِ
صَلا ُ
)فصل( :في زكاة الذهب والفضة .اعلم أنه تجب الزكاة في الذهب إذا بلغ عشرين مثقالاً ،وفي الفضة إذا بلغت مائتي درهم ففيهما
يجب ربع عشرهما إذا تم ّ حول بعد أن ملـكهما ،وأنه لا يجوز له تأخيرها بعد تمامه ،لما روى أحمد وابن خزيمة وحبان وأبو يعلى عن ابن
مسعود إن لاوي الزكاة ،أي مؤخرها من جملة الملعونين عن لسان محمد .ومن ثم جزم بعضهم بعدّه كبيرة ً ،فإن أخرها وهو قادر على
وعزر ،فإن
أدائها ضمنها .ولو امتنع من أدائها جاحدا ً وجوبها كفر وقتل بكفره كما يقتل المرتد ،وإن منعها بخلا ًبها أخذت منه قهرا ً ّ
امتنع بمنعة قاتله الإمام ،وأنه يشترط في صرف الزكاة نية زكاة المال أو صدقة المال المفروضة عند دفعها ،أو عزلها أو إعطائها الوكيل،
فلو تصدّق بجميع ماله ،ولم ينوِ الزكاة لم تسقط زكاته وإعطاؤها للمستحقين ،فلو أعطاها لكافر أو عبد غير مكاتب أو مكفي بنفقة زوج
أو قريب ،أو غني ملك كفاية العمر الغالب ،أو وجد كسبا ًلائقا ًحلالا ًيقع موقعا ًمن حاجته ،أو لهاشمي أو مطلبي أو مواليهما لم يقع
عن الزكاة.
وحكى الحصني :أنه كان بعض الناس يخرج زكاته ثلاث مرات و يقول :يحتمل أن الذي أخذها غير مستحق ،ومن يقدر على هذه
العقوبات ،فبادر يا ابن آدم إلى تخليص ذمتك بأداء زكاة مالك قبل أن يأتي بغتة عذاب ربك.
)
الن ّارِ" .والشيخان عن ن َ كك ُ ْم م ِ َ ن َ
الصّ د َق َة َ فَك َا ُ ص َ ّدق ُوا ف َِإ َ ّ
فصل( :في صدقة التطو ّع .أخرج الطبراني عن أنس قال :قال رسول الل ّٰه" :ت َ َ
سوءِ" .والطبراني
"الصّ د َق َة ُ تَم ْن َ ُع م ِيت َة َ ال ُ ّ
تجِد ُوا فَبِكَل ِمَة ٍ طَي ِّبَة ٍ" .والقضاعي عن أبي هريرةَ : "ات ّق ُوا َ
الن ّار َ و َلَو ْ بِشِقّ ِ تَم ْرَة ٍ ف َِإ ْن ل َ ْم َ عدي بن حاتمَ :
Shamela.org ٤٠
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
ن الماء ِ الن ّارِ" .والنسائي والحاكم عن ابن عمر" :م َنْ أَ طْ عَم َ أَ خ َاه ُ الخـُبْز َ ح ََت ّى يُشْبِع َه ُ و َ َ
سق َاه ُ م ِ َ سل ِم َ شَهْوَتَه ُ ح َرّم َه ُ الل ّٰه عَلَى َ
"م َنْ أَ طْ عَم َ أَ خ َاه ُ الم ُ ْ
حنْطَة ٍ أَ ْو مِث ْلَه َا م ِنْ تَمْرٍ" .وأبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري" :أَ ُي ّمَا مُؤْم ِ ٍ
ن أَ طْ عَم َ مُؤْم ِنا ً حوْر َاء َ عَي ْنا ً م َا ك َانَ مَه ْر ُه َا إ َلّا قَبْضَة ً م ِنْ ِ
َ
ل الماء َ
ل قَائِم ٌ في حديقتِه ِ يُحَوِ ّ ُ
ك الماءَ ،فَتَتَب ّ َع الماءَ ،فَإذ َا رَج ُ ٌ َاج ق َد اسْ تَوْع َب َْت ذل ِ َ ك الش ِّر ِسحابُ ف َأَ ف ْرغَ م َاءَه ُ فِي حَرّة ٍ ،ف َِإذا شَرْج َة ٌ م ِنْ تِل ْ َ ال َ ّ
ل لَهُ :ي َا عَبْد َ الل ّٰه لِم َتَسْأَ لني ع َن اسْم ِي؟ قَالَ :إني
سح َابَة ِ ،فَق َا َن الاسْم َ ال َ ّذ ِي سَم ِـ َع فِي ال َ ّل لَهُ :ي َا عَبْد َ الل ّٰه م َا اسْمُكَ؟ قَالَ :فُلا ٌ بِمسْح َاتِه ِ .فَق َا َ
ج
يخ ْر ُ ُ
ن الاس ْم ،فَمَا تَصْ ن َ ُع ف ِيها؟ قَالَ :أم َا إ ْذ قلُ ْتَ هذا فإنِي أَ نْظ ُر ُ إلى م َا َ
ق حَدِيق َة َ فُلا ٍ
ل اسْ ِ
َاب الذي هذا ماؤُه ُ يَق ُو ُ
سح ِصو ْتا ًفي ال َ ّ
سَمِعْتُ َ
ل أَ ن َا وَعِيال ِي ثُلثا ً و َأَ ر ُدّ ف ِيها ثلُُثاً" .وابن صصري عن ابن عباس أن النبي قال" :أتَى سَائ ِ ٌ
ل امْرَأَ ة ً وفي فمَ ِها ل ُ ْقم َة ٌ، ص َ ّدقُ بثُِلثِه ِ ،و َآك ُ ُ
مِنْهَا ف َأَ ت َ َ
ْب ،وهي تقول
َت تَعْد ُو في أث َر الذِّئ ِ
سائ ِل ،فَل َ ْم تلَ ْب َْث أ ْن رُزِق َْت غُلاماً ،فَلما ت َرَعْرَعَ ج َاء َ ذِئ ِبٌ ،فاحْ تَم َلَه ُ فَخَرَج ْ َت ُ
الل ّ ْقم َة َ فَنَاو َلَتْها ال َ ّ ف َأَ خَرَج ِ
سلام َ و َقُلْ لَهَا هذِه ِ ل ُ ْقم َة ٌ بِل ُ ْقمَة ٍ". الصّ ب ِ َيّ م ِنْ ف ِيه ِ و َقَالَ :قُلْ ل ُأمّه ِ الل ّٰه يُقْرئ ُ َ
ك ال َ ّ ق الذِّئ ْبَ ،فَجَذ َبَ َ
ابني ابني ،ف َأَ م َرَ الل ّٰه تَع َالَى م َلَكا ً لَح ِ َ
خيْه ِ فَشَك َا ل ي َأْ تِي وَكر َ طَائِر ٍ ك َل ّمَا أَ ف ْر َ َ
خ ي َأْ خُذ ُ فَر ْ َ وابن النجار عن أبي هريرة رضي الل ّٰه عنه أن النبي قال" :ك َانَ فيم َنْ ك َانَ قَب ْلـَك ُ ْم رَج ُ ٌ
Shamela.org ٤١
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
جالس ما رأيت أحسن وجها ًمنه ،وإذا هو يأمر ببناء القصر وهو يقول افعلوا واصنعوا؛ فقال لي مالك أما ترى إلى هذا الشاب وحسن
وجهه وحرصه على هذا البناء ،ما أحوجني إلى أن أسأل ربي يخلصه ،فلعله يجعله من شباب أهل الجنة ،يا جعفر ادخل بنا إليه؛ قال
جعفر :فدخلنا وسلمنا فردّ السلام ،ولم يعرف مالكاً ،فلما عرفه قام إليه فقال :ما حاجتك :قال :كم نويت أن تنفق على هذا القصر؟
قال :مائة ألف درهم؛ قال :ألا تعطيني هذا المال فأضعه في حقه ،وأضمن لك على الل ّٰه عز وجل قصرا ً خيرا ً من هذا القصر بولدانه
وخدمه وقبابه وخيمه من ياقوتة حمراء مرصعا ًبالجواهر ،ترابه الزعفران وملاطه المسك ،أفسح من قصرك هذا لا يخرب ،لم يمسه يدان
ن قال له الجليل :كن فكان؛ فقال :فخلني الليلة وبكر عليّ غداً ،فقال :نعم قال جعفر :فبات مالك وهو يفكر في الشاب،
ولم يبنه با ٍ
فلما كان وقت السحر دعا فأكثر من الدعاء ،فلما أصبحنا غدونا ،فإذا بالشاب جالس ،فلما عاين مالكا ًهش إليه ثم قال :ما تقول فيما
قلت بالأمس؟ قال :تفعل ،قال :نعم فأحضر البدر ودعا بدواة وقرطاس .ثم كتب :بسم الل ّٰه الرحمن الرحيم هذا ما ضمن مالك بن
دينار لفلان بن فلان إني ضمنت لك على الل ّٰه قصرا ً بدل قصرك بصفته كما وصفت ،والز يادة على الل ّٰه ،واشتريت لك بهذا المال قصرا ً
ل ظليل بقرب العزيز الجليل .ثم طوى الكتاب ودفعه إلى الشاب وحملنا المال ،فما أمسى مالك حتى ما في الجنة أفسح من قصرك في ظ ّ ِ
بقي عنده فوق مقدار قوت ليلة ،وما أتى على الشاب أربعون يوما ً حتى وجد مالك كتابا ً موضوعا ً في المحراب عندما انفتل من صلاة
الغداة ،فأخذه ونشره فإذا في ظهره مكتوب بلا مداد :هذه براءة من الل ّٰه العزيز الحكيم لمالك بن دينار ،ووفينا الشاب القصر الذي
ضمنت له وز يادة سبعين ضعفاً.
قال :فبقي مالك متعجبا ًوأخذ الكتاب ،فقمنا فذهبنا إلى منزل الشاب ،فإذا الباب مسدود والبكاء في الدار ،فقلنا :ما فعل الشاب؟
قالوا :مات بالأمس ،فأحضرنا الغاسل فقلنا له :أنت غسلته؟ قال :نعم .قال مالك :فحدّثنا كيف صنعت؟ قال :قال لي قبل الموت
إذا أنا ُ ّ
مت وكفنتني فاجعل هذا الكتاب بين كفني وبدني ،فجعلت الكتاب بين كفنه وبدنه ودفنته معه ،فأخرج مالك الكتاب ،فقال
الغاسل هذا الكتاب بعينه ،والذي قبضه لقد جعلته بين كفنه وبدنه بيديّ .قال فكثر البكاء فقام شاب آخر فقال :يا مالك خذ مني
مائتي ألف دينار واضمن لي مثل هذا .قال :هيهات كان ما كان وفات ما فات والل ّٰه يحكم ما يريد .قال :فكان مالك كلما ذكر الشاب
بكى ودعا له.
وحكي أيضا ً عن جعفر بن خطاب قال :وقف على بابي سائل فقلت لزوجتي هل معك شيء؟ قالت :أربع بيضات ،فقلت :ادفعيهنّ
للسائل ففعلت ،فلما انصرف السائل أهدى إليّ بعض إخواني مخلاة فيها بيض فقلت لزوجتي؛ كم فيها من بيضة؟ فقالت :ثلاثون بيضة.
فقلت لها :و يحك أعطيت السائل أربع بيضات ،وجاءك ثلاثون أين حساب هذا .فقالت :هي أربعون إلا أن عشرا ً مكسورات ،وقيل
في هذه الحكاية كانت ثلاث من البيض الذي أعطت السائل صحيحات ،وواحدة مكسورة فجاء بكل واحدة منهنّ عشر على صفتها.
وحكي أيضا ً عن الشبلي قال :خرجت ذات يوم أريد البادية فرأيت شابا ً صغير السنّ نحيل الجسم أشعث أغبر عليه ثياب رثة ،وهو
جالس في الجبانة يمرغ خديه بين القبور ،وجعل يرمق السماء تارة بعد تارة ،و يحرك شفتيه وتسيل الدموع من عينيه ،وهو مستغرق
في الدعاء والذكر والاستغفار ،ولا يشغله شاغل عن التسبيح والتقديس والتحميد والتمجيد والتعظيم ،فلما رأيت الشاب على تلك الحالة
مالت نفسي إليه ،وطابت على لقائه ،فتركت الطر يق التي أروح عليها وقصدت نحوه ،فلما رآني أقبلت إليه انتهض من مكانه ،وقام يمشي
هاربا ًمنيَ ،
فنه ّضت نفسي في اتباعه لعلي ألحقه ،فلم أقدر على إدراكه فقلت له :رفقا ًيا وليّ الل ّٰه فقال :الل ّٰه ،فقلت بحقه إلا ما صبرت،
ل يا الل ّٰه :فوقع في
فأشار بأصبعه لا أفعل .وقال :الل ّٰه فقلت :إن كان حقا ً ما تقول ،فأرني صدقك مع الل ّٰه تعالى فنادى بصوت عا ٍ
الأرض مغشيا ً عليه ،فدنوت منه وحركته ،فإذا هو ميت من ساعته ،فوهمت من ذلك ،وتعجبت من حاله ،وصدقه مع الل ّٰه تعالى،
وقلت :يختص برحمته من يشاء -وقلت :لا حول ولا قو ّة إلا بالل ّٰه العلي العظيم.
ثم تركته في موضعه وسرت إلى حي َ من أحياء العرب لآخذ في جهازه وإصلاح شأنه ،فلما رجعت إليه حجب عني فطلبته في المكان،
فلم أجد له أثرا ً ولا سمعت له خبرا ً فبقيت متحي ِّراً ،وقلت :حجب عني هذا الشاب ،ومن سبقني إليه فسمعت قائلا ً يقول لي :يا شبلي
Shamela.org ٤٢
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
قد كفيت أمر الفتى وما تولاه إلا الملائكة ،فعليك أنت بعبادة ربك وأكثر الصدقة من مالك ،فما بلغ الفتى ما بلغ إلا بصدقته يوما ً
في الدهر ،فقلت :سألتك بالل ّٰه إلا أخبرتني بصدقته يوما ًفي الدهر ما هي؟ فقال :يا شبلي إن هذا الفتى كان في أوّل عمره مذنبا ًعاصيا ً
فاسقا ًزانياً ،فعرض الل ّٰه عليه رؤ يا أفزعته وأقلقته ،وهي أنه رأى في المنام إحليله قد رجع ثعبانا ًودار بفيه ،ثم إنه أطلق من فيه لهب
النار ،فأحرقته حتى عاد كالفحمة السوداء ،فقام فزعا ًمرعوبا ًوخرج فا َرّا ً بنفسه مشتغلا ًبعبادة ربه ،وله اليوم منذ رجع إلى طاعة ربه
اثنتا عشرة سنة ،وهو على حالة التضرّع والخشوع ،فلما كان أمس وقف له سائل سأله قوت يومه ،فخلع ثيابه وسلمها إليه ،ففرح السائل
ل فر ّحه بها كما جاء في الحديث :اغْتَنِم ُوا دَعْوَة َ ال َ ّ
سائ ِ ِ بذلك ،وبسط كفيه ،ودعا له بالمغفرة ،فأجاب الل ّٰه دعاءه فيه ببركة الصدقة التي َ
ص َ ّدقَة ِ.
عِنْد َ فَرْحَة ِ قَل ْبِه ِ ب ِال َ
)
ات في ال ُد ّن ْيَا .فَم َنْ ي َأْ خُذ ُ ب ِغ ُصْ ٍ
ن سخ َاء ُ شَ ج َرَة ٌ م ِنْ أَ ْشجَارِ الج َنَ ّة ِ ،أَ ْغصَانُها م ُتَد َل َِي ّ ٌ
خاتمة( :في مدح السخاء والجود .أخرج البخاري والبيهقي :ال َ ّ
خ ُّ
ي ل لَه ُ بَي ْتُ الأَ ْسخ ِيَاءِ .والترمذي والبيهقي :ال ُ ّ
س ِ الن ّارِ .وابن عدي :الج َنَ ّة ُ د َار ُ الأَ ْسخ ِيَاءِ .والطبراني :إ َ ّ
ن فِي الج َنَ ّة ِ بَي ْتاً ،يُق َا ُ ن إلَى َ
الغ ُصْ ُ
ن الج َنَ ّة ِ ،قَرِيبٌ م ِ َ
ن ن َ
الن ّاسِ ،بَع ِيدٌ م ِ َ ن الل ّٰه ،بع ِيدٌ م ِ َ
ل بَع ِيدٌ م ِ َ ن َ
الن ّارِ .والبَخِي ُ ن الج َنَ ّة ِ ،بَع ِيدٌ م ِ َ
س قَرِيبٌ م ِ َ ن َ
الن ّا ِ ن الل ّٰه ،قَرِيبٌ م ِ َ
ق َريبٌ م ِ َ
ْض والحفظة :يا رب تجاوز ت الأر ُ خ ُّ
ي قَال َ ِ ل وقال سلمان الفارسي :إذا م َاتَ ال َ ّ
س ِ بخ ِي ٍ ي أَ ح ُ ّ
َب إلى الل ّٰه م ِنْ عَابِدٍ َ خ ُّ ل ال َ ّ
س ِ َ
الن ّارِ .والجاه ِ ُ
عن عبدك بسخائه في الدنيا .وإذا مات البخيل قالت :اللهم احجب هذا العبد عن الجنة كما حجب عبادك عما في يده من الدنيا .وقد
صح :أن رسول كان أجود من الريح المرسلة .وصح أيضاً :أنه لما مرض كان عنده سبعة دنانير ،فأمر عائشة أن تعطيها لعليّ ليتصدق بها،
فاشتغلت بإغمائه فكان كلما أفاق أمر بذلك حتى أعطتها لعليّ ،فأمست ليلة موته ،وليس عندها شيء فاحتاجت لمصباح .فأرسلت إلى
امرأة من نسائه تطلب منها سمناً ،وقال عمر رضي الل ّٰه عنه :أمرنا رسول الل ّٰه أن نتصدّق ،فوافق ذلك مالا ً عندي فقلت :اليوم أسبق
أبا بكر رضي الل ّٰه عنه إن سبقته يوماً ،فجئت بنصف مالي ،فقال رسول الل ّٰه" :م َا أبْقَي ْتَ لأَ ه ْل ِ َ
ك فَق ُل ْتُ مِثْلَهُ" فأتى أبو بكر رضي الل ّٰه عنه
ك ب ِشَيْء ٍ أبداً.
بكل ماله .فقال رسول الل ّٰه" :م َا أَ بْقَي ْتَ لأه ْلِكَ" ؟ قال :أبقيت لهم الل ّٰه ورسوله ،فقلت :لا ُأسَابِق ُ َ
وروى الطبراني :أن عمر رضي الل ّٰه عنه أرسل مع غلامه بأربعمائة دينار لأبي عبيدة بن الجراح ،وأمره بالتأني ليرى ما يصنع فيها،
فذهب بها إليه وأعطاها له ،وتأنى يسيرا ً ففرقها كلها .فرجع الغلام لعمر فأخبره .فوجده قد أع ّد مثلها لمعاذبن جبل ،فأرسلها معه
إليه ،وأمره بالتأني كذلك ففعل ،ففرقها فاطلعت زوجته وقالت :نحن والل ّٰه مساكين فاعطنا .فلم يبق في الخرقة إلا ديناران فأعطاهما
لها .فرجع الغلام لعمر وأخبره فسر ّ بذلك وقال :إنهم إخوة بعضهم من بعض .وجاء بسند حسن :إن زوجة طلحة بن عبيد الل ّٰه رأت
منه ثقلا ًفقالت له :ما لك؟ لعله رابك منا شيء فنعتبك .قال :لا ولنعم حليلة المرء المسلم أنت ،ولـكن اجتمع عندي مال ولا أدري
كيف أصنع؟ قالت :وما يغمك منه .ادع قومك فاقسمه بينهم فقال :يا غلام عليّ بقومي .فكان جملة ما قسم أربعمائة ألف.
وفي الر ياض النضرة أعطى طلحة أعرابيا ًسأله ثلاثمائة ألف ،وباع أرضا ًمن عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه .فلما جاء بها قال :إن
رجلا ًيبيت عنده هذه في بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الل ّٰه .فبات ورسله تختلف في سكك المدينة حتى أسحر وما عنده منها درهم.
وبعث عبد الل ّٰه بن الزبير إلى عائشة رضي الل ّٰه عنها بمال في غرارتين عدته ثمانون ومائة ألف درهم وهي صائمة .فجعلت تقسم بين الناس
فأمست وما عندها من ذلك درهم فقالت لجاريتها :هلمي فطوري .فجاءت بخـبز وزيت فقالت لها الجار ية :فما استطعت فيما قسمت
في هذا اليوم أن تشتري لنا لحما ً بدرهم؟ قالت لا تعنفيني لو كنت ذك ّرتني لفعلت .ووصل عبد الرحمن بن عوف أزواج النبي بمال
بلغ أربعين ألفا ً وأوصى بحديقة لأمهات المؤمنين بيعت بأربعمائة ألف .ولمن بقي من أهل بدر لكل رجل أربعمائة دينار وكانوا مائة
Shamela.org ٤٣
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
فأخذوها؛ وهي أيضا ًبخمسين ألف دينار؛ وألف فرس في سبيل الل ّٰه وباع أرضا ًله من عثمان بأربعين ألف دينار؛ فقسم ذلك المال في
رحمه بني زهرة وفقراء المسلمين وأمهات المؤمنين ،وتصدّق على عهد رسول الل ّٰه بشطر ماله أربعة آلاف درهم؛ ثم بأربعين ألف دينار،
ثم خمسمائة فرس في سبيل الل ّٰه؛ ثم وردت له قافلة من تجارة بالشام ،فحملها إلى رسول الل ّٰه ؛ فدعا له النبي بالجنة؛ فنزل جبر يل فقال:
إن الل ّٰه يقرئك السلام و يقول لك :أقرىء عبد الرحمن السلام وبشره بالجنة رضي الل ّٰه عنهم وعنا معهم.
وحكي لما قدم إمامنا الشافعي رضي الل ّٰه عنه من صنعاء إلى مكة كان معه عشرة آلاف دينار ،فقيل له :تشتري بها ضيعة؛ فضرب
وصب الدنانير ،فكل من دخل عليه أعطاه قبضة ،فلما جاء وقت الظهر قام ونفض الثوب ولم يبق شيء .وقيل :إن
ّ خيمة خارج مكة
أمه قالت له :لو دخلت ومعك درهم ما سلمت عليك .يا ابن آدم أنفق ينفق عليك ووسع يوسع عليك ،ولا تقتر فيقتر عليك واشتر ِ
بالفاني الباقي قبل أن تبلغ النفس التراقي.
)
ج بِمَغْف ِرَة ِ
ج خَر َ َ
ل بِرِزْقِه ِ و َِإذ َا خَر َ َ
ْف على القَو ْ ِم دَخ َ َ ل َ
الضّ ي ُ فصل( :في الضيافة .أخرج الديلمي عن أنس قال :قال رسول الل ّٰه" " :إذ َا دَخ َ َ
ذ ُنُو بِهِمْ" .وأبو الشيخ عن أبي قرصافة :إذا أراد الل ّٰه تعالى لقوم خيرا ً أهدى إليهم هدية .الضيف ينزل برزقه ،ويرتحل برزقه ،وقد غفر
الل ّٰه لأهل المنزل .وابن أبي الدنيا عن حبان بن أبي جندة :إن أسرع صدقة إلى السماء أن يضع الرجل طعاما ًطيباً ،ثم يدعو إليه ناسا ً
ل تُصَل ِّي عَلَى أَ حَدِك ُ ْم م َا د َام ْ
َت م َائِد َتُه ُ مَوْضُوع َة ً .والحاكم عن من إخوانه .والحكيم الترمذي عن عائشة رضي الل ّٰه عنها :إ َ ّ
ن الملائِك َة َ لا ت َز َا ُ
ن َ
الن ّارِ .والشيخان ضيْفِه ِ ذَبِيح َة ً ك َان َْت فِد َاء ً لَه ُ م ِ َ سل ِم َ شَهْوَتَه ُ ح َرّم َه ُ الل ّٰه عَلَى َ
الن ّارِ .وهو عن جابر :م َنْ ذ َبَ ح َ ل ِ َ أبي هريرة :م َنْ أَ طْ عَم َ أَ خ َاه ُ الم ُ ْ
عن أبي هريرة :جاء رجل إلى النبي فقال :إني مجهود ،فأرسل ،إلي بعض نسائه فقالت :والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء .ثم
ضيف هذا َ
الل ّيْلَة َ؛ أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهنّ مثل ذلك :لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء .فقال :م َنْ ي ُ ُ
فقال رجل من الأنصار :أنا يا رسول الل ّٰه ،فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته :أكرمي ضيف رسول الل ّٰه .وفي رواية :قال لامرأته
هل عندك شيء؟ قالت :لا إلا قوت صبياني .قال :فعلليهم بشيء فإذا أرادوا العشاء فنو ّميهم ،وإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج،
كمَا َ
الل ّيْلَة َ" .فأنزل الل ّٰه: وأر يه أنا نأكل ،فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاو يين ،فلما أصبح غدا على رسول الل ّٰه :فقال" :لَق َ ْد عَجبَ الل ّٰه ب ِ َ
ضيْف ِ ُ
خصَاصَة ٌ{ )سورة الحشر.(٩ :
}و َيؤ ْث ِر ُونَ عَلَى أَ نْفُسِه ِ ْم و َلَو ْ ك َانَ بِه ِ ْم َ
وحكى اليافعي عن الشيخ أبي الربيع المالقي أنه قال :سمعت بامرأة من الصالحات في بعض القرى اشتهر أمرها .وكان من دأبنا أن
لا نزور امرأة ،فدعت الحاجة إلى ز يارتها للاطلاع على الـكرامة التي اشتهرت عنها ،وكانت تدعى بالفضة .فنزلنا القر ية التي هي فيها،
فذكر لنا أن عندها شاة تحلب لبنا ًوعسلاً ،فاشترينا قدحا ًجديدا ً لم يوضع فيه شيء ومضينا إليها وسلمنا عليها .ثم قلنا لها :نريد أن نرى
هذه البركة التي ذكرت لنا عن هذه الشاة التي عندكم ،فأخذنا الشاة وحلبناها في القدح فشربنا لبنا ًوعسلاً .فلما رأينا ذلك سألناها عن
قصة الشاة؟ فقالت :نعم كانت لنا شويهة ،ونحن قوم فقراء ولم يكن لنا شيء .فحضر العبد فقال لي زوجي :وكان رجلا ًصالحاً ،نذبح
هذه الشاة في هذا اليوم ،قلت له :لا تفعل فإنه قد رخص لنا في الترك ،والل ّٰه يعلم حاجتنا إليها ،فاتفق أن استضاف بنا في ذلك اليوم
ضيف ،ولم يكن عندنا قرى فقلت له :يا رجل هذا ضيف ،وقد أمرنا بإكرامه ،فخذ تلك الشاة فاذبحها قال :فخفنا أن يبكي عليها
صغارنا ،فقلت له :أخرجها من البيت إلى وراء الجدار فاذبحها .فلما أراق دمها قفزت شاة على الجدار فنزلت إلى البيت ،فخشيت أن
تكون قد انفلتت منه ،فخرجت لأنظرها .فإذا هو يسلخ الشاة فقلت له :يا رجل عجبا ً وذكرت له القصة ،فقال :لعل الل ّٰه أبدلنا خيرا ً
منها ،فكانت تلك تحلب اللبن ،وهذه تحلب اللبن والعسل ببركة إكرامنا الضيف.
خرَة ِ نُز ِ ْد لَه ُ فِي حَرْثِه ِ ،وَم َنْ ك َانَ يُر ِيد ُ حَرْثَ ال ُد ّن ْيا نُؤ ْتِه ِ مِنْهَا و َما له ُ في
)فصل( :في الزهد .قال الل ّٰه تعالى} :م َنْ ك َانَ يُر ِيد ُ حَرْثَ الآ ِ
ِصيب{ )سورة الشورى.(٢٠ : ٍ خرَة ِ م ِنْ ن
الآ ِ
Shamela.org ٤٤
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
ل" وكان وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الل ّٰه عنهما .قال" :أخذ رسول الل ّٰه بمنكبي فقال" :كُنْ فِي ال ُد ّن ْيَا ك َأَ َن ّ َ
ك غ َرَ يبٌ أَ ْو عَاب ِر ُ سَبي ٍ
ابن عمر يقول :إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ،وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ،وخذ من صحتك لمرضك ،ومن حياتك لموتك .وابن
ماجه عن سهل بن سعد الساعدي ،قال :جاء رجل إلى النبي فقال :دلني على عمل إذا عملته أحبني الل ّٰه وأحبني الناس؟ قال" :ازْه َ ْد
ن م َنْ أَ خَذ َ مِنْهَا فَو ْقَ م َا ي َ ْكف ِيه ِ ُأ ِ
خذ َ اس" .والديلمي" :ات ْرُكُوا ال ُد ّن ْيا لأه ْلِه َا فَإ َ ّ ك َ
الن ّ ُ يح ُِب ّ َ
س ُ يح ُِب ّ َ
ك الل ّٰه ،وازْه َ ْد ف ِيما فِي أَ يْدِي َ
الن ّا ِ فِي ال ُد ّن ْيا ُ
الز ّه َادَة َ فِي ال ُد ّن ْيا أَ ْن لا تَكُونَ بِمَا فِي
ل و َلا إضَاع َة المَال ،و َلـك َِنّ َ "الز ّه َادَة ُ فِي ال ُد ّن ْيا لَي َ
ْس بِتَحْرِي ِم الحَلا ِ حتْفِه ِ و َه ُو َ لا يَشْع ُرُ" والترمذيَ :
م ِنْ َ
الز ّهْد ُ فِي ال ُد ّن ْيا يُر ِيح ُ
ك ف ِيها لَو ْ أَ َ ّنهَا لَكَ" .والقضاعيُ : اب المُصِ يبَة ِ إذ َا أَ ن ْتَ ُأ ِ
صب ْتَ ،أَ ْرغ َبَ مِن ْ َ ق بِمَا فِي يَدِ الل ّٰه ،وأَ ْن تَكُونَ فِي ثَو َ ِ
يَدِك َ أَ وْث َ َ
والر ّغْب َة ُ ف ِيها تُكْث ِر ُ اله َ َ ّ
م ،والحُزْنُ والبَطَالَة ُ تُقَس ِّي الق َل ْبَ .والطبراني :تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم ،فأنه من كانت الق َل ْبَ و َالبَدَنََ ،
الدنيا أكثر همه أفشى الل ّٰه ضيعته وجعل الل ّٰه فقره بين عينيه ،ومن كانت الآخرة أكثر همه جمع الل ّٰه تعالى أمره ،وجعل غناه في قلبه،
وما أقبل عبد بقلبه إلى الل ّٰه ،جعل الل ّٰه قلوب المؤمنين تغدو إليه بالودّ والرحمة ،وكان الل ّٰه بكل خير إليه أسرع .والشيخان قالت عائشة
رضي الل ّٰه عنها :ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض.
والترمذي قال عبد الل ّٰه بن مسعود :نام رسول الل ّٰه على حصير فقام وقد أثر في جنبه فقلنا :يا رسول الل ّٰه لو اتخذنا لك وطاء؟ فقال" :م َا
كه َا" .وروي عن عائشة رضي الل ّٰه عنها قالت :لم يمتلىء جوف تح ْتَ شَ ج َرَة ٍ ث َُم ّ ر َا َ
ح و َت َر َ َ ل َ ل ِي وَلِل ُد ّن ْيا م َا أَ ن َا فِي ال ُد ّن ْيا إ َلّا ك َرَاك ٍ
ِب اسْ تَظَ َ ّ
ل جائعا ًيلتوي طول ليلته من الجوع ،فلا
أحب إليه من الغنى ،وإن كان ليظ ّ
ّ النبي شبعا ًقط ،ولم يبث شكوى إلى أحد ،وكانت الفاقة
يمنعه صيام يومه ،ولو شاء سأل ربه جميع كنوز الأرض وثمارها ورغد عيشها ،فأعطي ،ولقد كنت أبكي له رحمة مما أرى ،وأمسح
بيدي على بطنه مما به من الجوع ،وأقول :نفسي لك الفداء لو تبلغت من الدنيا بما يقوتك ،فيقول" :ي َا عَائِش َة ُ م َا ل ِي وَلِل ُد ّن ْيا إخْ وَاني م ِنْ
جدُنِي
ل ثَوَابَهُمْ ،ف َأَ ِ ل صَب َر ُوا عَلَى م َا ه ُو َ أَ ش ُ ّد م ِنْ هذا ،فَمَضَوا عَلَى ح َالِه ِ ْم فَقَدِم ُوا عَلَى ر َ ّبِهِمْ ،ف َأَ ك ْرَم َ م َآبَه ُ ْم و َأَ ْ
جز َ َ س ِ ن ُ
الر ّ ُ ُأول ِي العَز ْ ِم وَم ِ َ
ن ال ُ ّلح ُو ِ
ق ب ِِإخْ وَانِي ،و َأَ خِلائِي" .قالت :فما أقام بعد أَ سْ تحِي إ ْن ت َر ََف ّهْتُ فِي م َع ِيشَتِي أَ ْن يُق َ َص ّر َ بي غ َدا ً د ُونَهُمْ ،وَم َا م ِنْ شَيْء ٍ أَ ح ُ ّ
َب إل َيّ م ِ َ
إلا شهرا ً حتى توفي .وروي أن سليمان عليه السلام كان مع ما أعطى من الملك ،لا يرفع بصره إلى السماء تخ ُ ّ
شعا ًوتواضعا ًلل ّٰه ،وكان
يطعم الناس لذائذ الأطعمة و يأكل خبز الشعير ،وقد قيل له :ما لك تجوع وأنت على خزائن الأرض؟ قال :أخاف أن أشبع فأنسى
الجائع .وقال :عروة بن الزبير :لقد تصدّقت عائشة رضي الل ّٰه عنها بخمسين ألفا ًوإن درعها لمرقع.
وحكى اليافعي أن بعض ملوك الأمم السالفة بنى مدينة ً وتأنق وتغالى في حسنها وزينتها ،ثم صنع طعاما ً ودعا الناس ،وأجلس أناسا ً
على أبوابها يسألون كل من خرج هل رأيتم عيباً؟ فيقولون :لا حتى جاء ناس في آخر الناس عليهم أكسية فسألوهم :هل رأيتم عيباً؟
قالوا :عيبين اثنين ،فحبسوهم ودخلوا على الملك فأخبروه بما قالوا .فقال :ما كنت أرضى بعيب واحد ،فائتوني بهم فأدخلوهم عليه،
فسألهم عن العيبين ما هما؟ فقالوا :تخرب ويموت صاحبها .قال :أفتعلمون دارا ً لا تخرب ولا يموت صاحبها؟ قالوا له :نعم فذكروا له
الجنة ونعيمها ،وشو ّقوه إليها ،وذكروا النار وعذابها ،وخو ّفوه منها .ودعوه إلى عبادة الل ّٰه عز وجل ،فأجابهم إلى ذلك ،وخرج من ملـكه
هارباً ،إلى الل ّٰه تعالى.
)
تنبيه( إن الزهد الحقيقي برودة الدنيا على قلب العبد ،لأجل الل ّٰه وعظيم ثوابه ومقدماته ترك طلب المفقود من الدنيا ،وتفر يق المجموع
منها ،وترك إرادتها واختيارها ،فإذا أتى بها العبد أورثت تلك الزهد الحقيقي .ثم الباعث على الترك والتفر يق وذكر آفات الدنيا وعيوبها.
قال بعضهم :تركت الدنيا لقلة غنائها وكثرة عنائها ،وسرعة فنائها وخسة شركائها .وقال الغزالي القول البالغ فيه ما قاله شيخنا أبو بكر
أحب أحدا ً أبغض عدوّه جعلنا الل ّٰه من المبغضين للدنيا والمحبين للآخرة .وروى
ّ عز وجلّ ،وأنت محبه فمن
الطوسي :إن الدنيا عدوّة الل ّٰه ّ
Shamela.org ٤٥
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
الليث عن جرير قال :صحب رجل عيسى عليه السلام ،وقال :يا نب ّي الل ّٰه أكون معك ،وأصحبك فانطلقا إلى شط نهر ،فجلسا يتغديان
ومعهما ثلاثة أرغفة ،فأكلا رغيفين ،وبقي رغيف ،فقام عيسى عليه السلام إلى النهر فشرب ،ثم رجع فلم يجد الرغيف ،فقال للرجل:
من أخذ الرغيف؟ قال :لا أدري فانطلق ومعه صاحبه ،فرأى ظبية ومعها خشفان لها .قال :فدعا أحدهما فأتاه فذبحه وشوى منه،
وأكل هو والرجل .ثم قال للخشف :قم بإذن الل ّٰه فقام فذهب ،فقال للرجل :أسألك بالذي أراك هذه الآية م َن أخذ الرغيف؟ قال:
ما أدري ،قال :ثم انتهيا إلى نهر فأخذ عيسى بيد الرجل فمشيا على الماء فلما جاوزا .قال :أسألك بالذي أراك هذه الآية من أخذ
الرغيف؟ قال :لا أدري ،قال :فانتهيا إلى مفازة فجلسا ،فأخذ عيسى فجمع ترابا ً أو رملاً ،وقال له :كن ذهبا ً بإذن الل ّٰه فكان ذهبا ً
فقسمه ثلاثة أثلاث .فقال :لي ثلث وثلث لك وثلث لمن أخذ الرغيف ،فقال :أنا أخذته ،قالُ :
فكل ّه لك ،وفارقه عيسى ،فانتهى إليه
رجلان وهو في المفازة ومعه المال ،فأرادا أن يأخذاه منه و يقتلاه.
فقال هو بيننا أثلاثا ًقال :فابعثوا أحدكم إلى القر ية ليشتري طعاماً ،فقال الذي بعث لأي شيء نقاسم هذا المال ،لأجعلنّ لهما في الطعام
سما ًفأقتلهما به ،وآخذ هذا المال جميعه ،فجعل فيه السم وقال صاحباه في غيبته :لأي شيء نقاسمه المال إذا جاء قتلناه ،واقتسمنا المال
نصفين فجاء فقتلاه ،ثم أكلا الطعام فماتا وبقي المال في المفازة ،وأولئك الثلاثة قتلى حوله ،فمر ّ عيسى عليه السلام بهم ،وهم على تلك
الحالة فقال لأصحابه :هذه الدنيا فاحذروها.
)
ن فُق َرَاء َ المُؤْم ِنِينَ ي َ ْدخ ُلُونَ الج َنَ ّة َ قَب ْ َ
ل خاتمة( :في فضل الفقر والفقراء .أخرج ابن ماجه عن ابن عمر" :ي َا مَعْشَر َ الفُق َرَاء ِ أَ لا ُأبَش ِ ّر ُك ُ ْم أَ َ ّ
سم َائَة ِ ل الأَ غْن ِيَاء ِ بِم ِ ْقد َارِ خَم ْ ف يَو ٍم خَمسْمائَة ِ عَا ٍم" .وأبو نعيم عن أبي سعيد" :ليُب َ َش ّر فُق َرَاء ُ المُؤْم ِنِينَ بالفَوْزِ يَو ْ ٍم الق ِيَامَة ِ قَب ْ َ
الأَ غْن ِيَاء َ بنِِصْ ِ
عَا ٍم هؤلاء ِ في الج َنَ ّة ِ يَتَن َع ّم ُونَ و َهؤ ُلاء ِ يُحَاسَب ُونَ" .ومسلم عن ابن عباس" :اطّ لَعْتُ فِي الج َنَ ّة ِ ف َرأَ َ ي ْتُ أَ كْ ثَر َ أَ ه ْلِه َا الفُق َرَاء و َاطّ لَعْتُ فِي َ
الن ّارِ َ
ن أَ كْ ث َر ُك ُ ْم شَب َعا ً فِي ال ُد ّن ْيا أَ كْ ثَر َك ُ ْم ن أَ طْ وَلـَك ُ ْم فِي ال ُد ّن ْيا حُزْنا ً أَ طْ وَلـُك ُ ْم ف َر َحا ً فِي الآ ِ
خرَة ِ و َِإ َ ّ ف َرأَ َ ي ْتُ أَ كْ ثَر َ أَ ه ْلِه َا النِّسَاءَ" .وابن عساكر" :إ َ ّ
ل وَعِزتِي وَج َلال ِي لا ُأنْز ِلَن ّك إلا ّ فِي شِر َارِ ض عَنْها .ث َُم ّ قَا َ ق ال ُد ّن ْيا أَ عْرَ َ
ن الل ّٰه تَع َالَى َلم ّا خ َل َ َ
ب المَع ِيشَة ِ" .وابن عساكر" :إ َ ّ الهُم ُوم ُ فِي طَل َ ِ
ن
ل في أَ حْ سَ ِ جبْر ِي ُ
ل ِ ضة ٍ م َا سقى ك َاف ِرا ً مِنْهَا شُرْبَة َ م َاءٍ" .والبيهقي" :ن َز َ َ ح بَع ُو َل عِنْد َ الل ّٰه جَنَا َ خ َلْقِي" .والترمذي" :لَو ْ ك َان َِت ال ُد ّن ْيا تَعْدِ ُ
Shamela.org ٤٦
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
وهو عن أبي هريرة قال :لقد رأيتني وإني لأخرّ فيما بين منبر رسول الل ّٰه إلى حجرة عائشة رضي الل ّٰه عنها مغشيا ًعليّ فيجييء الجائي فيضع
رجله على عنقي ،ويرى أني مجنون وما بي جنون ،وما بي إلا الجوع وروي أنه كان يبيت هو وأهله الليالي المتتابعة طاو يا ً لا يجدون
عشاء.
وروي "أن جبر يل عليه السلام نزل فقال للنبي :إن الل ّٰه يقرئك السلام ،و يقول لك :أتحب أن أجعل هذا الجبل ذهباً ،و يكون معك
ل لَه ُ فقال له جبر يل:
ل لَه ُ يَجْم َعُه َا م َنْ لا ع َ ْق َ ل ال ُد ّن ْيا د َار ُ م َنْ لا د َار َ لَه ُ وَم َا َ
ل م َنْ لا م َا َ جبْر ِي ُ
حيثما كنت؟ فأطرق ساعة ثم قال" :ي َا ِ
ل
ثبتك الل ّٰه يا محمد بالقول الثابت" .وروي عن الحسن البصري أنه قال قال النبي" :يُؤ ْتَى بالعَبْدِ الفَق ِير ِ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ فَيعْتَذِر ُ الل ّٰه ع َّز وَج َ ّ
ن الـك َرَامَة ِ ك عَل َيّ و َلـكِنْ لِما أَ عْدَدْتُ ل َ َ
ك مِ َ ل فِي ال ُد ّن ْيا فَيَق ُولُ :وَع َ ِّزتِي وَج َلال ِي م َا زَو َي ْتُ عَن ْ َ
ك ال ُد ّن ْيا لِه َوَان ِ َ ل إلى َ
الر ّج ُ ِ كَمَا يَعْتَذِر ُ َ
الر ّج ُ ُ
اس يَوْم َئِذٍ ك و َجْ ه ِي فَخ ُ ْذ بيَِدِه ِ فَه ُو َ لَكَ ،و َ
َالن ّ ُ كسَاك َ و َأَ ر َاد َ بِذل ِ َ
ك أَ ْو َ
ُوف و َانْظُر ْ إلى م َنْ أَ طْ عَم َ َ خر ُجْ ي َا عَبْدِي إلى هذِه ِ ُ
الصّ ف ِ والف َضِ يلَة ِ ا ْ
ك فِي ال ُد ّن ْيا فَي َأْ خُذ ُ بيَِدِه ِ و َي ُ ْدخِلُه ُ الج َنَ ّة َ".
ل بِه ِ ذل ِ َ
ُوف و َيَنْظ ُر ُ م َنْ فَع َ َ ق َ ْد أَ لَجم ََهُم ُ الع َر َقُ فَيَت َخ َل ّ ُ
ل الصّ ف َ
ن القيامة قد قامت ،و يقال :أدخلوا مالك بن دينار ومحمد بن واسع الجنة ،فنظرت أيهما
وحكى القشيري عن بعضهم أنه قال :رأيت كأ ّ
يتقدّم ،فتقدم محمد بن واسع فسألت عن سبب تقدّمه فقيل لي :إنه كان له قميص واحد ،ولمالك قميصان.
وحكى اليافعي عن الشيخ أبي محمد الجريري قال :دخل علينا الرباط بعد صلاة العصر شاب مصفر ّ اللون أشعث الشعر حاسر الرأس
حافي القدمين ،فجدّد الوضوء وصلى ،ثم جلس ووضع رأسه في جيبه إلى المغرب ،فلما صلى معنا المغرب جلس كذلك ،وإذا رسول
الخليفة يستدعينا في دعوة فقمت إلى الشاب وقلت له :هل لك أن توافقنا إلى دار الخليفة ،فرفع رأسه وقال :ليس لي قلب إلى دار
الخليفة ،ولـكن أشتهي عصيدة حارة َ
فاطّ رحت قوله حيث لم يوافق الجماعة والتمس شهوة وقلت في نفسي :هذا قريب العهد بالطر يقة
لم يتأدّب ،ومضيت إلى دار الخليفة ،وأكلنا وشبعنا وتفرقنا أخر الليل ،فلما دخلت الرباط رأيت الشاب على تلك الحالة ،فجلست على
سجادتي ساعة ،فلهجت عيناي بالنوم ،وإذا جماعة وقائل يقول :هذا رسول الل ّٰه والأنبياء كلهم عليهم السلام ،فدنوت إليه وسلمت عليه،
فولى وجهه عني معرضاً ،فكر ّرت عليه وهو يعرض عني ،ولا يجيب فخفت من ذلك .فقلت :يا رسول الل ّٰه ما الذي أذنبت حتى تعرض
اب
صو ْتَ الب َ ِ
ج ْده ُ ،وَسَمعْتَ َ
نح ْو َ الفَق ِير ِ فَل َ ْم أَ ِ عني بوجهك؟ فقال" :فَق ِير ُ ُأمّتِي اشْ ت َهَ ى عَلَي ْ َ
ك شَهْوَة ً فَتَهَاوَن ْتَ بِه ِ ،فَاسْ تَيْقَظْتُ م َْرع ُوباً ،و َقُم ْتُ َ
ك
فَخَر َجْ تَ فِي طَلَبِه ِ .فإذا هو به قد خرج فناديته يا فتى اصبر حتى نحضر شهوتك التي طلبتها فالتفت إليّ وقال :إذ َا اشْ ت َهَ ى فَق ِير ٌ عَلَي ْ َ
ف نبي َ فلا ح َاج َة َ إلَيْها ومضى .حشرنا الل ّٰه في زمرة المساكين
ن أل َ ِ
ْف نَبي َ و َأَ رْبَعَة ٍ وَعِشْر ِي َ
ك بِمائَة ِ أَ ل ِ شَهْوَة ً فَلا تُوصِل ْها إليه َ
حت ّى يَتشف َع ِإلَي ْ َ
وأدخلنا معهم الجنان آمين.
)
س و َلا ق م َالَه ُ رِئاء َ
الن ّا ِ َ ن و َالأذ َى كال َ ّذ ِي يُنْف ِ ُ صد َقَاتِك ُ ْم بالم َ ّ ِ
ن آم َن ُوا لا تُبْط ِلُوا َ فصل( :في المنّ بالصدقة .قال الل ّٰه تعالى} :ي َا أَ ُ ّيها ال َ ّذ ِي َ
كسَبوا والل ّٰه لا يَهْدِي القَوْم َ ل فَترَك َه ُ صَلِدا ً لا ي َ ْقدِر ُونَ عَلَى شَيْء ٍ م َِم ّا َ َاب ف َأَ صَابَه ُ و َاب ِ ٌ صفْوَانَ عَلَيْه ِ ت ُر ٌ
ل َ ن بالل ّٰه و َاليَو ْ ِم الآخِر فَمَثَلُه ُ كَمث ِ
يُؤْم ِ ُ
ن من تصدّق بشيء من أنواع الصدقات اشترط لنيله ذلك الثواب العظيم الذي أعدّه
الك َافِرِينَ{ )سورة البقرة (٢٦٤ :بين الل ّٰه تعالى أ ّ
حب الآخذ
الل ّٰه للمتصدّقين أن تسلم صدقته من المنّ بها على المعطى والأذى .فالمن هو أن يعدّد نعمته على الآخذ ،أو يذكرها لمن لا ي ّ
اطلاعه .وقيل :هو أن يرى لنفسه مزية على المتصدّق عليه بإحسانه ،ولذلك لا ينبغي أن يطلب منه دعاء ،ولا يطمع فيه لأنه ربما
كان في مقابلة إحسانه فيسقط أجره.
أخبرنا شيخنا قطب الوجود وشمس دائرة الشهود محمد البكري عن جدّته عائشة أم المؤمنين رضي الل ّٰه عنها :أنها كانت إذا تصدقت على
أحد أرسلت على أثره رسولا ًيتبعه إلى مسكنه ،ليتعرف هل يدعو لها ،فتدعو له بمثل دعائه لئلا يكون دعاؤه في مقابلة الصدقة فينقص
أجرها ،فلذا قال أصحابنا :يستحب للمتص َ ّدق أن يدعوا للمتصدّق عليه بمثل ما دعا له .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :كان أبي يقول:
Shamela.org ٤٧
باب النياحة وتوابعها واستماعها ١٢
َّ
فكف سلامك عنه. إذا أعطيت رجلا ً شيئا ً ورأيت أن سلامك يثقل عليه :أي لـكونه يتكلف لك قياما ً ونحوه لأجل إحسانك إليه
والأذى هو أن ينهره أو يعي ِّره أو يشتمه ،فهذا كالمنّ ؛ مسقط للثواب كما أخبر الل ّٰه تعالى .وأخرج مسلم :ثلاثة لا يكلمهم الل ّٰه يوم القيامة
ن الذي لا يعطي شيئا ًإلا منة ً والمنفق سلعته بالحلف الكاذب .والحاكم:
ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم :المسبل إزاره والما ّ
ٌّ
خب ولا بخيل ولا منان. ثلاثة لا يقبل الل ّٰه منهم يوم القيامة صرفا ًولا عدلا ّ ٌ
ًعاق ومنان ومكذب بالقدر .والنسائي :لا يدخل الجنة
)
مح ْتَاجُونَ صِلَت َه ُ و َيَصْر ِفُه َا إلى غَيْرِهِمْ،
ل وَلَه ُ ق َرَابَة ٌ ُ
صد َق َة ً م ِنْ رَج ُ ٍ مهمات( :أخرج الطبراني :ي َا ُأمّة َ مُح َم ّدٍ و َال َ ّذ ِي بَع َثَنِي ب ِالحَقّ ِ لا يَقْب َ ُ
ل الل ّٰه َ
ح ٍم ي َأْ تِي ذ َا ر َ ِحمِه ِ فَيَسْأَ لُه ُ ف َضْ لا ًأَ ْعطَاه ُ الل ّٰه إ َي ّاه ُ ،فَيَب ْخ َ ُ
ل عَلَيْه ِ إلا ّ وال َ ّذ ِي ن َ ْفس ِي بيَِدِه ِ لا يَنْظ ُر ُ إلَيْه ِ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ .وهو أيضاً :م َا م ِنْ ذي ر َ ِ
جه َ َن ّم ح ََي ّة ً يُق َال لَهَا شُ جَاعٌ يَتَلَم ّ ُ
ظ فَي ُطوقُ بِه ِ .والتلمظ :تطعم ما يبقى في الفم من آثار الطعام .والشيخان :ثَلاثَة ٌ لا ج الل ّٰه لَه ُ م ِنْ َ
خر َ َ
أَ ْ
ل ب َاي َ َع
ل :وَرَج ُ ٌ ل م َاء ٍ ب ِالف َلاة ِ يَم ْن َع ُه ُ م ِن اب ِن ال َ ّ
سبي ِ ل عَلَى ف َضْ ِ
َاب أَ ل ِيمٌ :رَج ُ ٌ
يُكَل ِّمُهُم ُ الل ّٰه يَوْم َ الق ِيَامَة ِ و َلا يَنْظ ُر ُ إلَيْه ِ ْم و َلا يُزْكّ ِيهم و َلَه ُ ْم عَذ ٌ
ص َ ّدق َه ُ و َه ُو َ عَلَى غَيْر ِ ذلِكَ؛ وَرَج ُ ٌ
ل ب َاي َ َع إماما ًلا يُبَاي ِع ُه ُ إلا لِدُن ْيَا؛ ف َِإ ْن أَ ْعطَاه ُ ف لَه ُب ِالل ّٰه لأخْذها بِكَذ َا وَكَذ َا ،ف َ َ
رَج ُلا ً سِل ْع َة بَعْد َ العَصْر ِ فَحل َ َ َ
ل م َا ل َ ْم تَعْم َل يَدُك َ .وابن ماجه قالت
ك ف َضْ ل ِي كَمَا م َنَعْتَ ف َضْ َ مِنْهَا وفى ،وإ ْن ل َ ْم يعْطِه ِ مِنْهَا ل َ ْم ي َ ِ
ف .وفي رواية يقول الل ّٰه:اليَوْم َ أَ مْن َع ُ َ
ك َ ّف ُ
ل حو َ
َالن ّار ُ" .وأخرج أبو داود والحاكم :م َنْ يَت َ َ عائشة رضي الل ّٰه عنها :يا رسول الل ّٰه ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال" :المَاء ُ و َالمل ِ ْ ُ
ك الل ّٰه لَه ُ
ش َ ل لَه ُ الج َنَ ّة َ .وهما وأحمد :م َنْ أَ صَابَت ْه ُ فَاق َة ٌ ف َأَ ن ْز َلَها ب َِالن ّا ِ
س ل َ ْم تُس َ ّد فَاقَت ُه ُ وإ ْن أَ ن ْز َلَهَا ب ِالل ّٰه أَ ْو َ ك َ ّف ُ
شي ْئا ً أَ ت َ َ
اس َ ل َ
الن ّ َ ل ِي أَ ْن لا يَسْأَ ِ
ك ح ََت ّى تَنْزِ َ
ل إلَيْه ِ فَت َأْ خُذُه ُ. سق ََط مِن ْ َ
طكَ ،و َِإ ْن َ
سو ْ ُ
شي ْئا ً و َلا َ
اس َ ل َ
الن ّ َ ل .وأحمد عن أبي ذرّ لا تَسْأَ ِ
ج ٍ
ل أ ْو غِنى ً عَا ِ
ج ٍ
ْت آ ِ
ب ِالغ ِن َى ،إمّا بِمَو ِ
Shamela.org ٤٨
باب الصوم ١٣
ق
سو ِ سكِينُ :ه َلْ يَسْتَق ِيم ُ هذا؟ قَالَ :نَع َ ْم أَ قُولُ :لَق َ ْد سَأَ ل ْتَنِي ب ِأَ ْمر ٍ عَظ ٍِيم أَ م َا إني لا ُأخَي ِّب ُ َ
ك ب ِوَجْه ِ ر َب ِ ّي بِعْنِي قال :فَق َ َ ّدم َه ُ إلى ال ُ ّ ل الم ِ ْ
فَق َا َ
ل .فقال: فَبَاع َه ُ ب ِأَ رْبَعْمائَة ِ دِرْهَمٍ ،فَمَكَثَ عِنْد َ المُشْتَر ِي ز َمانا ًلا يَسْتَعْمِلُه ُفِي شَيْءٍ ،فَق َالََ :إن ّمَا اشتري ْتَنِي لالْتِما َ ِ
س خَيْرٍ عِنْدِي ف َأَ ْوصِني ب ِعَم َ ٍ
ْس يَش ُُقّ عَل َيّ .قَالَ :ق ُ ْم فَانْق ُلْ هذه ِ الحِجَارَة َ ،وَك َانَ لا يَنْق ُلُها د ُونَ سَتّة ِ نَفَرٍ في يوم،
ِيف قال :لَي َ
خ كَب ِير ٌ ضَع ٌ
شي ْ ٌ ك َإن ّ َ
ك َ أَ ك ْرَه ُ أَ ْن أَ ش َُقّ عَلَي ْ َ
ضل الحِجَارَة َ فِي سَاعة ٍ ،فَق َالَ :أَ حْ سَن ْتَ و َأَ جْمَل ْتَ و َأَ َطقْتَ م َا ل َ ْم أَ رَك َ تَطيق ُه ُ .ث َُم ّ ع َرَ َ ض ح َاج َاتِه ِ ث َُم ّ ان ْصَر َ
َف و َق َ ْد نَق َ َ ل لِبَعْ ِ ج َ
الر ّج ُ ُ فَخَر َ َ
ل قَالَ :إن ِ ّي أَ ك ْرَه ُ أَ ْن أَ ش َُقّ عَلَيْكَ ،قَالَ :لَي َ
ْس صنِي ب ِعَم َ ٍ
حسَن َة ً قَالَ :أَ ْو ِ
ك أَ مينا ً فَاخْلِفْني في أَ ه ْل ِي خِلاف َة ً َ سف َر ٌ فقال :إني أَ حْ سَب ُ َ ل َ ل ِ َلر ّج ُ ِ
صد َق َة ً ،فَل َ ْم يَكُنْ عِنْدِي شَيْء ٌ أ ْعط ِيه ِ ،فَسَأَ لَنِي ب ِوَجْه ِ الل ّٰه،
ن َ
سكِي ٌ ل الخضر ُ :س َُأح َ ّدِث ُ َ
ك م َنْ أَ ن َا ،أَ ن َا الخضر ُ ال َ ّذ ِي سَمِعْتَ بِه ِ سَأَ لَنِي م ِ ْ فَق َا َ
ل ب ِوَجْه ِ الل ّٰه ف َر َدّ سَائِلَه ُ و َه ُو َ يَقْدر ُ و َق ََف يَوْم َ الق ِيَامَة ِ جِل ْدُه ُ و َلا لَحْم َ لَه ُ يَتَقَعْقَعُ ،فَق َا َ
ل كن ْت ُه ُ م ِنْ ر َق ْبَتِي فَبَاعَنِي و َأَ خْبَرَك َ أَ َن ّهُ :م َنْ سُئ ِ َ
ف َأَ ْم َ
الر ّجُلُ :بأبي و َ ُأمِي ي َا نَبِ َ ّي الل ّٰه احْك ُ ْم فِي ك يا نَب َ ّي الل ّٰه لَو ْ أَ ع ْلَم ُ ،قَالَ :لا ب َأْ َ
س أَ حْ سَن ْتَ و َأَ بْقَي ْتَ ،فَق َالََ : َ
الر ّجلُ :آمَن ْتُ ب ِالل ّٰه َ
شقَقْتُ عَلَي ْ َ
ل الخضر ُ :الحم َْد ُ ل َِل ّه ِ ال َ ّذ ِي أَ وْثَقَنِي أَ ه ْل ِي وَم َال ِي بِمَا شِئ ْتَ ،أَ وِ اخْتَر َ ف َُأخلي سَبيلَكَ .قَالَُ :أح ُ ّ
ِب أَ ْن تُخلي سَبيلي ف َأَ عْبُد ُ ر َب ِ ّي فَخل َّى سَب ِيلَه ُ ،فَق َا َ
فِي الع َب ُود َِي ّة ِ ث َُم ّ َ
نَج ّانِي مِنْهَا".اللهم اجعلنا من المحسنين إلى الإخوان والفائزين بالجنان آمين.
}باب الصوم{
معدودات{ )سورة البقرة:
ٍ الصيام ُ كَمَا كُت ِبَ عَلَى ال َ ّذ ِي َ
ن م ِنْ قَبْل ِـك ُ ْم لَعَلـكم ٺَت ّق ُون أياما ً قال الل ّٰه تعالى} :ي َا أَ ُ ّيها ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا كُت ِبَ عَلَيْك ُم ِّ
(١٨٤ – ١٨٣
وأخرج ابن ماجه والبيهقي عن عبد الرحمن بن عوف قال :قال رسول الل ّٰه" :شَهْر ُ رَمَضَانَ شَهْر ٌ كَت َبَ الل ّٰه عَلَيْك ُم صِيَام َه ُ و َسننتُ لـَك ُ ْم
ج م ِنْ ذ ُنُوبِه ِ كَيَو ْم وَلَدْته ُ ُأمّه ُ" .وأحمد عن أبي هريرة" :م َنْ صَام َ رَمَضَانَ إيمانا ًواحتسابا ً غُف ِر َ
ق ِيَام َه ُ ،فَم َنْ صَام َه ُ و َقَام َه ُ إيمانا ً و َاحْتسابا ً خَر َ َ
ل مِن ْه ُ ح ََت ّى يَصُوم َه ُ" .وأبو يعلى عن لَه ُ م َا تَق َ َ ّدم َ م ِنْ ذَن ْبِه ِ وَم َا ت َأَ َ ّ
خر َ" وهو عنه" :م َنْ أَ ْدرَك َ رَمَضَانَ و َعَلَيْه ِ م ِنْ رَمَضَانَ شَيْء ٌ فَاتَه ُ لا يُقْب َ ُ
ل ال َد ّم ،شَه َاد َة أ ْن لا
حدَة ً مِنْه َُنّ فَه ُو َ بِهَا ك َاف ِر ٌ ،ح َلا ُ ابن عباس" :ع ُرى الإسْ لا ِم و َق َوَاعِد ُ الد ِّين :ثَلاثَة ٌ عَلَيْه َُنّ ُأ ّس َ
ِس الإسلام ُ م َنْ ت َرَك َ و َا ِ
ْف و َلا ع َ ْدلٌ ،و َق َ ْد
ل مِن ْه ُ صَر ٌ صوْم ُ رَمَضَانَ" وفي رواية" :م َنْ ت َرَك َ مِنْه َُنّ و َا ِ
حد َة فَه ُو ب ِالل ّٰه ك َاف ِر ٌ و َلا يُقْب َ ُ إله إلا الل ّٰهَ ،
والصّ لاة ُ المَكْت ُوبَة ُ و َ َ
صة ٍ
ل دَم ُه ُ وَم َالُهُ" .وأبو داود والنسائي والترمذي والبيهقي وابنا ماجه وخزيمة عن أبي هريرة" :م َنْ أَ فْطَر َ يَو ْما ً م ِنْ رَمَضَان م ِنْ غَيْر ِ ر ُخْ َ
حُ ّ
صوْم ُ ال َد ّهْرِ كُل ّ ِه ُ وإ ْن صَام َه ُ ،قال عليّ وابن مسعود رضي الل ّٰه عنهما :م َنْ أَ فْطَر َ يَو ْما ً م ِنْ رَمَضَان لا
ض ل َ ْم يَقْضِ ه ِ َ رَ َ ّ
خصَه َا الل ّٰه لَه ُ و َلا م َرَ ٍ
آلاف يَو ْ ٍم والذي عليه أكثر العلماء أنه يجزىء عن
ِ يج ِبُ عَلَيْه ِ ثَلاثَة ُ صوْم ُ ال َد ّهْرِ .قال النخعي :إ َ ّ
ن م َنْ أَ فْطَر َ يَو ْما ً م ِنْ رَمَضَان َ يَقْضِ يه ِ َ
اليوم يوم ولو أقصر منه.
)
حسَنَة ٍ ب ِعَشْرَة ِ أَ مْثَالِهَا ل كُ ُ ّ
ل َ ن ر ََب ّك ُ ْم يَق ُو ُ
خاتمة( :في سرد أحاديث ٺتعلق بالصوم .أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال :قال رسول الل ّٰه" :إ ّ
ل
جه ِ َ وف ف َم الصا ِئ ِم أَ طْ ي َبُ عِنْد َ الل ّٰه م ِنْ ر ِِيح المِسْك و َِإ ْن َ ن َ
الن ّارِ وَلخلَ ُ ِ والصّ وْم ُ ج ََن ّة ٌ م ِ َ
والصّ وْم ُ ل ِي و َأَ ن َا أجزي به َ
ْف َ سب ْع ِمائَة ِ ضع ٍ
إلى َ
ن فَرْح َة ٌ حِينَ ي َ ْفط ِر ُ و َفَرْح َة ٌ حِينَ يلَْقَى ر ََب ّه ُ" .وابن حبان والحاكم عن أبي عَلَى أَ حَدِك ُ ْم ج َاه ِ ٌ
ل و َه ُو َ صَائِم ٌ فَل ْيَق ُلْ إن ِ ّي صَائِم ٌ ،و َ َ
للصّ ا ِئ ِم فَرْحَتَا ِ
Shamela.org ٤٩
باب الصوم ١٣
اب
َت أَ ب ْو َ ِ
َاب ،و َفُتِح ْ َت أَ ب ْوَابُ َ
الن ّارِ ،فَل َ ْم يُفْت َحْ مِنْهَا ب ٌ َت ال َ ّ
شيَاطِينُ وَم َرَدَة ُ الج ّ ِِن ،و َغُلِّق ْ صعَد ِ
ل لَيْلَة ٍ م ِنْ ش َ ْهرِ رَمَضَانَ َ
هريرة" :إذ َا ك َانَ أَ ّو ُ
ك كُ َ ّ
ل لَيْلَة ٍ". ن َ
الن ّارِ و َذل ِ َ ل لَيْلَة ٍ :ي َا ب َاغِ ي الخـَيْر ِ أَ ق ْب ِلْ و َي َا ب َاغِ ي ال َش ّرِّ أَ قْص ِر ،ول َِل ّه ِ ع ُتَق َاء ُ م ِ َ
َاب ،و َيُنَادِي م ُنِاد ً ك ُ َ ّ الج َنَ ّة ِ ،فَل َ ْم يُغْل َ ُ
ق مِنْهَا ب ٌ
وابنا خزيمة وحبان :أنه صعد المنبر فقال :آمين آمين آمين؛ قيل :يا رسول الل ّٰه إنك صعدت المنبر ،فقلت آمين آمين آمين .فقال" :إ َ ّ
ن
ل َ
الن ّار َ ف َأَ بْعَدَه ُ الل ّٰه ق ُلْ :آمين فَق ُل ْتُ آمين .وَم َنْ أ ْدرَك َ ل عَلَيْه ِ ال َ ّ
سلام ُ أَ ت َانِي فَق َالَ :م َنْ أَ ْدرَك َ شَهْر َ رَمَضَانَ فَل َ ْم يُغْفَر ْ لَه ُفَمَاتَ ،فَدَخ َ َ جبْر ِي َ
ِ
ل
ك فَمَاتَ ،فَدَخ َ َ
ل عَلَي ْ َ
ص ِّ ل َ
الن ّار َ ف َأَ بعَدَه ُ الل ّٰه :قُلْ آمين .فَق ُل ْتُ آمين ،وَم َنْ ذُكِر ْتَ عِنْدَه ُ ،فَل َ ْم ي ُ َ أَ بَو َيْه ِ أَ ْو أَ حَدَه ْمَا فَل َ ْم يَب ُر ّهُمَا فَمَاتَ ؟ فَدَخ َ َ
َ
الن ّار َ ف َأَ بْعَدَه ُ الل ّٰه قُلْ :آمين فَق ُل ْتُ آمين .".ومحمد بن منصور السمعاني عن أنس :إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب .والطبراني
والبيهقي عن عمر رضي الل ّٰه عنه :ذاكر الل ّٰه في رمضان مغفور له وسائل الل ّٰه فيه لا يخيب.
والبيهقي عن عبد الل ّٰه بن أبي أوفى :نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح ،وعمله مضاعف ،ودعاؤه مستجاب وذنبه مغفور .والحاكم عن ابن
عمر :لكل عبد صائم دعوة مستجابة عن إفطاره أعطيها في الدنيا ،أو ادّخر له في الآخرة.
ل لَيْلَة ٍ م ِنْ ش َ ْهرِ رَمَضَانَ ،و َ ُأنْز ِلَت َ
الت ّوْر َاة ُ لِسِتَ مَضَيْنَ وفي المسند عن واثلة بن الأسقع عن النبي أنه قالُ " :أنْز ِل َ ْ
ت صُ ح ُُف إ ب ْر َاه ِيم َ في أوّ ِ
Shamela.org ٥٠
باب الصوم ١٣
وحكي عن بعض أهل العلم أنه قال :كان عندنا رجل اسمه محمد ،وكان لا يصلي إلا قطعاً ،فإذا دخل شهر رمضان زين نفسه بالثياب
الفاخرة والطيب ،و يصوم و يصلي و يقضي ما فاته .فقلت له في ذلك .فقال :هذا شهر التوبة والرحمة والبركة ،عسى الل ّٰه أن يتجاوز عني
بفضله فمات فرأيته في المنام .فقلت له :ما فعل الل ّٰه بك؟ قال :غفر لي لأجل حرمة شهر رمضان ،غفر الل ّٰه لنا ولجميع المسلمين.
)فصل( :في أحكام الصوم .فرضه :نية ليلا ً لكل يوم من رمضان ،وأقلها نويت صوم رمضان ،والأكمل نويت صوم غدٍ عن أداء
فرض رمضان هذه السنة لل ّٰه تعالى والتلفظ بها وترك مفطر نهاراً.
أحب ،و يحصل ولو بجرعة ماء ،ووقته من نصف الليل ،وتأخيره أولى ما لم يقع في شك قال رسول الل ّٰه: ّ وسننه :السحور وبالتمر
َحرِينَ" رواه أحمد .وقال" :خَي ْر ُ ن الل ّٰه وَم َلائِكَت َه ُ يُص َُل ّونَ على المُتَس ّ ِ يج ْرَع ُ أَ حَد ُك ُ ْم جُرْع َة ً م ِنْ ماء ٍ ف َِإ َ ّ
سحُور ُ ك ُل ّه ُ ب َر َكة فَلا تَدَع ُوه ُ و َلَو ْ أ ْن َ"ال ُ ّ
ي
شف َتَاه ُ بالعش ِ ّ
ْس م ِنْ صَا ِئ ٍم تَي ْب َُس َ ي ف َِإ َن ّه ُ لَي َ
صم ْتُم ْ فاسْ تَاكُوا بالغ َداة ِ و َلا تَسْتَاكوا ب ِالع َش ِ ّ سِوَاك ُ" رواه البيهقي .قوال" :إذا ُ الصّ ائِم َ ال ّل َ خصَا ِ
إ َلّا ك َانَ نُورا ً بَيْنَ عَي ْنَي ْه يَوْم َ الق ِيَامَة ِ" رواه الطبراني :وتعجيل فطر إذا تحقق الغروب وتقديمه على الصلاة ،وكونه بثلاث رطبات فتمرات
فحسوات ماء ودعاء بعده وهو :اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وبك آمنت ،وعليك توكلت ورحمتك رجوت ،وإليك تبت ذهب
ل قال الل ّٰه" :أَ ح ُ ّ
َب عِبَادِي إل َيّ أَ عْجلَُه ُ ْم فِطْراً" عز وج ّ
الظمأ وابتلت العروق ،وثبت الأجر إن شاء الل ّٰه تعالى .قال رسول الل ّٰه عن ربه ّ
ل ُأمّتِي عَلَى س َُن ّتِي م َا ل َ ْم يَن ْتَظ ِر ُوا بِف ِ ْطرِه ِ ْم طُلُوعَ َ
الن ّجْ مِ" رواه الطبراني .ويسنّ في رمضان إكثار تلاوة رواه الترمذي .وقال" :لا ت َز َا ُ
القرآن وصدقة وتوسعة على العيال ،وإحسان إلى الأقارب والجـيران وتهجد واعتكاف ،لا سيما عشر آخره ودعاء :اللهم إنك عفو ّ تحب
فاعف عني في العشر الأواخر.
ُ العفو
م ر يحان ونظر إليه ولمسه، ويندب للصائم أن َ ّ
يكف نفسه عن الشهوات المباحة من التلذذ بمسموع أو م ُب َصَرٍ أو ملموس أو مشموم ،كش ّ
وأن يغتسل لنحو جنابة قبل الفجر ،وأن يحـترز عن ذوق طعام أو غيره ،ومضغ نحو الخـبز لطفل ،ولسانه عن الفحشاء.
ومفسداته :وصول عين جوفه واستقاءة واستمناء ووطء في فرج مع تعمد واختيار وعلم بتحريمه ،وبكونه مفطراً ،و يجب مع القضاء
الإمساك في رمضان على متعمد أفطر وتارك نية ليلاً ،ومن تسحر ظنا ًبقاءه أو أفطر ظانا ًالغروب ،فبان خلافه ومن بان له يوم ثلاثي
شعبان أنه من رمضان ،ومن سبقه ماء المبالغة في المضمضة أو استنشاق لا على مسافر ومريض زال عذرهما بعد الفطر ،ولا على امرأة
ض أو نفاس نهاراً ،ومما يسن لهم الإمساك بقية النهار ،فإن خالفوا ندب إخفاء أكلهم عمن يجهل عذرهم ،ومما يبطل
طهرت من حي ٍ
Shamela.org ٥١
باب الصوم ١٣
وروي عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال :ما من عبد صام رمضان في إنصات وسكوت وذكر الل ّٰه وأحل حلاله وحرّم حرامه ،ولم
ل تسبيحة وتهليلة بيت في الجنة من يرتكب فيه فاحشة إلا انسلخ من رمضان يوم ينسلخ ،وقد غفرت له ذنوبه كلها ،ويبنى له بك ّ ِ
زمردة خضراء في جوفها ياقوتة حمراء في جوف تلك الياقوتة خيمة من درة مجوفة فيها زوجة من الحور العين.
إخواني اهتموا بأمر صومكم واحذروا مما يبطله ويرده عليكم ،فقد قيل :إذا تعلق مظلوم بحسنات صوم ظالمه ،يقول الل ّٰه سبحانه وتعالى:
عز وجلّ ،واتركوا في رمضان المخالفة والجفاء ،فإنه
الصوم لي وأنا أجزىء به .فلا تفسدوا مثل هذا العمل بترك المبالاة بحدود الل ّٰه ّ
شهر الصفاء والمعاملة بالوفاء ،فطوبى لأقوام صاموا عن الشهوات ،وقاموا في الخلوات يتلون من آيات ذكره صحفاً ،ضاعف الل ّٰه لهم
بصيامهم أجراً ،ووعدهم في الجنة قصورا ً وغرفاً:
الصيَا ِم لَق َ ْد عَلَو ْتَ م َُكر ّما ً<> و َغَدَوْتَ م ِنْ بَي ْن ال ُش ّهورِ م ُع َ َ ّ
ظما شَهْر ِّ
ي َا صَائِمِي رَمَضَانَ هذا شَهْرك ُ ْم <> ف ِيه ِ أَ ب َاحَكُم ُ المُهَيْمِ ُ
ن مَغْن َما
ي َا فَوْز َ م َنْ ف ِيه ِ أَ طَاعَ إله َه ُ <> م ُتَق َرِّبا ً م ُتَجَن ِّبا ً م َا ح َرّما
جر َما ل لِلْع َاص ِي ال َ ّذ ِي <> في ش َ ْهرِه ِ أَ ك َ َ
ل الحَرَام َ و َأَ ْ فالو يل ك ُ ُ ّ
ل الو َي ْ ِ
نسأل الل ّٰه الـكريم المنان أن يجعلنا ممن حافظ على حدود صيام رمضان ،ففاز بالفردوس والجنان ،والقصور والحور العين الحسان.
)
فصل( :في فضل العشر الأخير وليلة القدر والاعتكاف وإحياء ليلتي العيد وصدقة الفطر أخرج الشيخان عن عائشة رضي الل ّٰه عنها
قالت" :كان النبي إذا دخل العشر الأخير شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله" وفي رواية لمسلم عنها قالت" :كان النبي يجتهد في العشر
الأخير ما لا يجتهد في غيره" وكان النبي يخص العشر الأواخر في رمضان بأعمال لا يعملها في بقية الشهر .وأخرج الديلمي عن أنس:
ن الل ّٰه تَع َالَى و َه َبَ ل ُأمّتِي لَيْلَة َ الق َ ْدرِ و َل َ ْم يُعط ِها م َنْ ك َانَ قَبْلَهُمْ" .والطبراني عن عبادة بن الصامت" :التم َِس ُوه َا في العَشْر ِ الأو َا ِ
خر ِ فإ َ ّنهَا "إ َ ّ
ن أَ ْو آخِر لَيْلَة ٍ ،فَم َنْ قَامَهَا إيمانا ً و َاحْت ِسابا ً ن أَ ْو ت ٍ
ِسع و َعشري َ سب ٍْع وَعِشْر ِي َ
ن أَ ْو َ
س وَعِشْر ِي َ
ن أ ْو خَم ْ ٍ
لاث وَعِش ْري َ
وتْر ٌ فِي إحْد َى وَعِشرينَ ،أ ْو ث َ ٍ
غُف ِر َ لَه ُ م َا تَق َ َ ّدم َ م ِنْ ذَن ْبِه ِ وَم َا ت َأَ خر َ" .وهو عن واثلة :ليلة القدر ليلة بلجة لا حارة ولا باردة ولا سحاب فيها ولا مطر ولا ريح ،ولا
يرمي فيها بنجم من علامة يومها أن تطلع الشمس لا شعاع لها" .والنسائي عن عائشة رضي الل ّٰه عنها قالت" :قلت يا رسول الل ّٰه أرأيت إن
ْف عَنِي".
ِب العَفْو فَاع ُ ك عَفُو ّ ٌ ُ
تح ُ ّ م َإن ّ َ
الل ّه ُ َ ّ
علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال" :ق ُول ِي َ
َف لَيْلَة َ الق َ ْدرِ إيمانا ً واحْت ِسابا ً غُف ِر َ لَه ُ م َا تَق َ َ ّدم َ م ِنْ ذَن ْبِه ِ" .وابن ماجه والبيهقي عن ابن عباس:
وأخرج الديلمي عن عائشة" :م َنْ اعْتَك َ
ل
ات ك ُلِّه َا" .والشيخان عن عائشة رضي الل ّٰه عنها قالت" :ك َانَ رَسُو ُ
ل الحَسَن َ ِ
جر ِ عَام ِ ِ
جر ِ ك َأَ ْ ِف ال ُذ ّنُوبَ و َيُجر َى لَه ُ م ِ َ
ن الأ ْ ِف يَعْك ُ
"المُعْتَك ُ
الل ّٰه يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الل ّٰه ،ثم اعتكف أزواجه من بعده" .والبيهقي عن الحسن بن علي رضي الل ّٰه عنهما:
َف عَش ْرا ً في رَمَضَان ك َانَ كَح َجّ تَيْنِ و َعُم ْرَتَيْنِ" .والطبراني عن أبي أمامة" :تَمَام ُ الر ِّب َاطِ أَ رْبَع ُونَ يَو ْما ً وَم َنْ ر َاب َ َ
ط أرْبعينَ يَو ْما ًل َ ْم "م َن اعْتَك َ
ج م ِنْ ذ ُنوبِه ِ كَيَو ْم وَلَدَت ْه ُ ُأمّه ُ". يَبِـع و َلَم يَشْتَر ِ ،و َل َ ْم ُ
يحْدِثَ خَر َ َ
الل ّيَال ِي الأَ رْب َ َع و ُجب َْت لَه ُ الج َنَ ّةُ :لَيْلَة َ ال َت ّرْوِ يَة ِ و َلَيْلَة َ ع َرَف َة َ و َلَيْلَة َ الن ّحْ رِ و َلَيْلَة ِ الف ِ ْطرِ".
وأخرج ابن عساكر عن معاذ :م َنْ أَ حْ يَا َ
Shamela.org ٥٢
باب الصوم ١٣
ج م ِنْ ذ ُنوبِه ِ كَيَو ْ ِم وَلَدَت ْه ُ ُأمّه ُ" .وأخرج صو ْ ِم ال َد ّهْرِ" .والطبراني عن عمر رضي الل ّٰه عنه" :م َنْ صَام َ رَمَضَانَ و َأَ ت ْب َع َه ُ سِت ّا ً م ِنْ شَوَا َ
ل خَر َ َ ك َ
َ
ن ص َِي ّام َ يَو ْم ع َرَف َة َ يُكَ ّف ِر ُ ذ ُنُوبَ سِتِّينَ سَن َة ً م َاضِي َة ً وَسَن َة ً آتيِ َة ً" .وأبو سعيد عن ابن عمر رضي الل ّٰه عنهما" :م َنْ
مسلم عن أبي قتادة" :إ َ ّ
حف َِظ لِسَانَه ُ و َبَصَرَه ُ يَوْم َ ع َرَف َة َ غُف ِر َ لَه ُ م ِنْ ع َرَف َة َ إلَى صَام َ يَو ْ ِم ع َرَف َة َ غُف ِر َ لَه ُ م َا تَق َ َ ّدم َ م ِنْ ذَن ْبِه ِ وَم َا ت َأَ َ ّ
خر َ" .والبيهقي عن الفضيل" :م َنْ َ
ع َرَف َة َ" .وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة" :صُوم ُوا يَوْم َ عَاشُور َاء َ ه ُو َ يَوْم ٌ ك َان َِت الأن ْب ِيَاء ُ يَصُوم ُونَه ُ فَصُوم ُوه ُ" .ومسلم عن أبي قتادة:
ل لأصُوم ََنّ َ
الت ّاسِـعَ". سن َة َ المَاضِي َة َ" .وهو عن ابن عباس" :لئَ ِ ْن بَق ِيتُ إلى قَاب ِ ٍ "سئل رسول الل ّٰه عن صيام يوم عاشوراء فقال :ي ُ ْك ّف ِر ُ ال َ ّ
ل ش َ ْهرٍ فَق َ ْد صَام َ ال َد ّه ْر َ ك َُل ّهُ" .وهما وابن حبان عنه" :إذا صم ْتَ م ِ َ
ن وأخرج أحمد والترمذي عن أبي ذرّ" :م َنْ صَام َ ثَلاثَة َ أيا ٍم م ِنْ ك ُ ّ ِ
ْس ع َشرَة َ" .والطبراني عن ابن عباس" :كان رسول الل ّٰه لا يدع صوم أيام البيض في ال َش ّ ْهرِ ثَلاثا ً ف َص ُ ْ
م ثَلاث ع َشرَة َ و َأَ رْبع ع َشرَة َ وَخَم َ
سفر ولا حضر".
وأخرج أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة" :كان النبي يصوم الاثنين والخميس فقيل :يا رسول الل ّٰه إنك تصوم الاثنين والخميس ،فقال :إ َ ّ
ن
ل د َ ْعهُم َا ح ََت ّى يَصْ طَل ِحا" .والترمذي عنه" :كان يتحرى صوم الاثنين
جر َين يَق ُو ُ
سل ِ ٍم إلا المُتَهَا ِ س يَغْف ِر ُ الل ّٰه ف ِيهِم َا لِك ُ ّ ِ
ل مُ ْ يَوْم َ الاث ْنَي ْن و َالخم َِي ِ
ل ف ِيه ِما ف َُأح ُ ّ
ِب أَ ْن تُعْر ََض أَ عْمالي و َأَ ن َا صَائِم ٌ". والخميس وقال" :تُعْر َُض الأعْمَا ُ
ل كُ ُ ّ
ل يَو ْ ٍم مِنْها ب ِصِ يا ِم سَنَة ٍ ،وقيام ُ َب إلى الل ّٰه أَ ْن يُت َع ََب ّد ُ لَه ُ ف ِيها م ِنْ عَش ْر ذي ال َحِج ّة َ يعْد ُ
وأخرج الترمذي وابن ماجه عنه" :م َا م ِنْ أيا ٍم أَ ح ّ
ْف
جو ِ الصّ لاة ِ بَعْد المَكْت ُوبَة ِ َ
الصّ لاة ُ فِي َ ل َ ض ُ
ل لَيْلَة ٍ مِنْها ب ِقيا ِم لَيْلَة ِ الق َ ْدرِ" .وأبو داود" :أنه كان يصوم تسع ذي الحجة" ومسلم عنه" :أَ ف ْ َ
ك ُ ِّ
ن َ
الل ّبَنِ، ش ُ ّد بَيَاضا ً م ِ َ ن فِي الج َنَ ّة ِ نهرا ً يُق َا ُ
ل لَهُ :رَجَب أَ َ الصيَا ِم بَعْد َ ش َ ْهرِ ر َمضانَ شَهْر ُ الل ّٰه المحُ َر ّ ِم" .والبيهقي عن أنس" :إ َ ّ
ل ِّض ُ َ
الل ّي ْل ،و َأَ ف ْ َ
شعْبَانُ ل َ
الصّ و ْ ِم بَعْد َ رَمَضَان َ ك ال َنّهْرِ" .وهو والترمذي عنه" :أَ ف ْ َ
ض ُ سق َاه ُ الل ّٰه خَي ْرا ً م ِنْ ذل ِ َ
ل م َنْ صَام َ يَو ْما ً م ِنْ رَجَب َ
ن العَسَ ِ
و َأَ حْلَى م ِ َ
صد َق َة ٌ في رَمَضَانَ" .والنسائي والبيهقي عن عائشة رضي الل ّٰه عنها قالت" :دخل عليّ النبي ذات يوم ل َ
الصّ د َقَة ِ َ ض ُ
ِيم رَمَضَانَ و َأَ ف ْ َ
لِتَعْظ ِ
فقال" :ه َلْ عِنْد َك ُ ْم شَيْء ٌ فَق ُل ْنَا لا ،فَق َالَ :إن ِ ّي إذا ً صَائِم ٌ".
ج أَ طْ ي َبَ م ِنْ ر ِِيح
يخ ْر ُ ُ
ْف صِيَامِه ِ ْم م ِنْ أَ ف ْوَاهِه ِ ْم َ ج َ
الصّ ائِمُونَ م ِنْ قُب ُورِه ِ ْم يَوْم َ الق ِيَامَة ِ يُعْر َفونَ ب ِعُر ِ يخ ْر ُ ُ
وروي عن أنس بن مالك أنه قالَ " :
اس ،واشْر َبُوا فَق َ ْد عَطِشْتُم ْ حينَ جعْتُم ْ حِينَ شَب ِـ َع َ
الن ّ ُ مخ ْت ُوم َة ً أَ ف ْوَاه ُها بالمِسْكِ فَيُق َال لَهُمْ :ك ُلُوا فَق َ ْد ُ
ق َ
ل إلَيْهِم ُ المَوَائِد ُ والأبار ي ُ
المِسْكِ ،تُنْق َ ُ
َاب في ع َنَاء ٍ
والناس مشغولون في الحِس ِ
ُ اس .قال فَي َأْ ك ُلُونَ و َيَشْر َبُونَ و َيَسْت َر يح ُونَ، ح َ
الن ّ ُ اس ،واسْ تر يحوا فَقَد ُ تَعِب ْتُم ْ حينَ اسْ تَر َا َ رَوِيَ َ
الن ّ َ
Shamela.org ٥٣
باب الصوم ١٣
و َ َظمَأ ٍ".
عن أبي سليمان الداراني أنه صام يوما ًفي الحر ّ ،ثم نام فرأى قائلا ًيقول :أتبيع ثواب صومك في هذا اليوم بمائة دينار؟ قال :لا ،قال:
وبمائة ألف قال :لا ،قال :وبمائتي ألف قال :لا وعزة ربي وجلاله ،قال :فبأيّ شيء تبيعه؟ فقال :لا أبيع الثواب بالدنيا وما فيها،
ولـكن أبيعه بالنظر إلى المولى ،فقيل له :صم فسوف تراه إن شاء الل ّٰه تعالى.
وحكى اليافعي عن الشبلي أنه قال :كنت في قافلة بالشام ،فخرج الأعراب فأخذوها وجعلوا يعرضونها على أميرهم ،فخرج جراب فيه
سكر ولوز وأكلوا منه ،ولم يأكل الأمير فقلت له :لم َ لا تأكل؟ فقال :أنا صائم ،فقلت :تقطع الطر يق وتأخذ الأموال وتقتل النفس
وأنت صائم؟ فقال :يا شيخ أترك للصلح موضعاً ،فلما كان بعد حين رأيته يطوف حول البيت ،وهو محرم كالشنّ البالي ،فقلت :أنت
ذلك الرجل؟ فقال :نعم ذلك الصيام أوقع الصلح بيننا رحمه الل ّٰه ورحمنا معه ،وهو أيضا ًعن سعيد بن أبي عروبة قال :حج الحجاج بن
يوسف ،فنزل بعض المياه بين مكة والمدينة ،ودعا بالغداء وقال لحاجبه :انظر لي من يتغدى معي ،وأسأله عن بعض الأمر ،فنظر هو
الجبل فإذا هو بأعرابي بين شمنتين نائم ،فضربه برجله وقال :ائت الأمير فأتاه ،فقال له الحجاج :اغسل يدك وتغ ّد معي ،فقال :إنه قد
دعاني من هو خير منك فأجبته ،قال :ومن هو؟ قال الل ّٰه تبارك وتعالى دعاني إلى الصوم ،فصمت .قال :في هذا الحر ّ الشديد .قال:
نعم صمت ليوم هو أش ّد حرّا ً من هذا اليوم ،قال :فأفطر وصم غداً ،قال :إن ضمنت لي البقاء إلى غد أفطرت ،قال :ليس ذلك إليّ.
قال :فكيف تسألني عاجلا ًبآجل لا تقدر عليه؟ قال :إنه طعام طيب ،قال :لم تطيبه أنت ولا الطباخ إنما َ
طي ّبته العافية .رضي الل ّٰه عنه
وعنا.
)
خاتمة( :في فضل عاشوراء .أخرج النسائي عن عليّ رضي الل ّٰه عنه :إن كنت صائما ً بعد شهر رمضان ،فصم المحرم ،فإنه شهر الل ّٰه فيه
يوم تاب الل ّٰه على قوم ويتوب على آخرين .والشيخان عن ابن عباس" :إن رسول الل ّٰه قدم المدينة فوجد اليهود صياما ًيوم عاشوراء فقال
لهم رسول الل ّٰه" :ما هذا اليَوْم ُ الذي تَصُوم ُونَه ُ" فقالوا :هذا يوم عظيم أنجى الل ّٰه فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه ،فصامه موسى
ن أَ ح َُقّ و َأَ وْلَى مِنْكُمْ" فصامه رسول الل ّٰه وأمر أصحابه بصيامه .ومسلم عن أبي قتادة" :سئل
شكرا ً فنحن نصومه ،فقال رسول الل ّٰه" :فَن َحْ ُ
الت ّاسِـ َع والع َاشِر َ و َلا تَش َبّه ُوا باليهودِ" ورؤي بعض
سن َة المَاضي َة َ" والبيهقي" :صُوم ُوا َ
رسول الل ّٰه عن صيام يوم عاشوراء .فقال" :ي ُ ْك ّف ِر ُ ال َ ّ
العلماء المتقدّمين في المنام فسئل عن حاله ،فقال :غفر لي بصيام يوم عاشوراء ذنوب ستين سنة.
وحكى اليافعي والناشري في إيضاحه :من أعجب ما ورد في عاشوراء أنه كان يصومه الوحوش والهوام.
وحكي عن فتح بن شحرف أنه قال :كنت ّ
أفت للنمل الخـبز كل يوم ،فلما كان يوم عاشوراء لم تأكله وأخرج أبو موسى المديني عن
صد َقَة ِ ال َ ّ
سنَة ِ .والطبراني والبيهقي عن أبي سعيد" :م َنْ ص َ ّدقَ ف ِيه ِ ك َانَ َ
ك َ عبد الل ّٰه بن عمر" :م َنْ صَام َ عَاشُور َاء َ فَك َأَ َن ّمَا صَام َ ال َ ّ
سن َة َ" وَم َنْ ت َ َ
و ََسّ َع عَلَى عِيَالِه ِ يَوْم َ عَاشُور َاء َ و ََسّ َع الل ّٰه عَلَيْه ِ في سَنَتِه ِ ك ُلِّه َا" قال سفيان بن عيينة :جرّبنا العمل بهذا الحديث خمسين سنة أو ستين سنة
فوجدناه كذلك.
ض غني َ ،فجاءه فقير يوم عاشوراء فقال له :أعز الل ّٰه القاضي أنا رجل فقير ذو عيال ،وقد جئتك وحكى اليافعي أنه كان في الريّ قا ٍ
مستشفعا ً بحرمة هذا اليوم لتعطيني عشرة أمنان خبز وخمسة أمنان لحم ،ودرهمين ،فوعده القاضي بذلك إلى وقت الظهر ،فرجع فوعده
إلى العصر ،فلما جاء وقت العصر لم يعطه شيئاً ،فذهب الفقير منكسر القلب ،فمر بنصراني جالس باب داره فقال له :بحق هذا اليوم
أعطني شيئا ًفقال النصراني :وما هذا اليوم؟ فذكر له الفقير من صفاته شيئاً ،فقال له النصراني :اذكر حاجتك فقد أقسمت بعظيم الحرمة،
فذكر له الخـبز واللحم والدرهمين ،فأعطاه عشرة أقفزة حنطة ومائة من لحم وعشرين درهما ً وقال :هذا لك ولعيالك ما دمت حيا ً في
ل شهر ،كرامة لهذا اليوم ،فذهب الفقير إلى منزله ،فلما جن الليل ونام القاضي سمع هاتفا ً يقول :ارفع رأسك فرفع رأسه ،فأبصر
ك ّ
قصرا ً مبنيا ً بلبنة من ذهب ولبنة من فضة ،وقصرا ً من ياقوتة حمراء يبېن ظاهره من باطنه ،فقال :إلهي ما هذان القصران؟ فقيل له:
Shamela.org ٥٤
باب الحج ١٤
هذان كانا لك لو قضيت حاجة الفقير ،فلما رددته صارا لفلان النصراني ،قال :فانتبه القاضي مرعوبا ًينادي بالو يل والثبور ،فغدا إلى
النصراني فقال له :ماذا فعلت البارحة من الخـير؟ فقال :وكيف ذلك؟ فذكر له الرؤ يا ثم قال له :يعني الجميل الذي عملته مع الفقير بمائة
ل لا أبيع ذلك بملء الأرض كلها أتبخل عليّ بالقصرين؟ فقال :أنت لست بمسلم ،فقطع
ألف درهم ،فقال :أيها القاضي كل مقبول غا ٍ
الزنار وقال :أشهد أن لا إله إلا الل ّٰه وأشهد أن محمدا ً رسول الل ّٰه وأن دينه هو الحق.
وحكي أنه كان بمصر رجل تاجر في التمر يقال له عطية بن خلف وكان من أهل الثروة ،ثم افتقر ،ولم يبق له سوى ثوب يستر عورته،
فلما كان يوم عاشوراء صلى الصبح في جامع عمرو بن العاص ،ومن عادة هذا الجامع لا يدخله النساء إلا في يوم عاشوراء لأجل الدعاء
فوقف يدعو مع جملة الناس ،وهو بمعزل عن النساء جاءته امرأة ومعها أطفال فقالت يا سيدي :سألتك بالل ّٰه إلا ما فرجت عني وآثرتني
بشيء أستعين به على قوت هذه الأطفال ،فقد مات أبوهم وما ترك لهم شيئا ًوأنا شر يفة ،ولا أعرف أحدا ً أقصده ،وما خرجت في
هذا اليوم إلا عن ضرورة أحوجتني إلى بذل وجهي ،وليس لي عادة بذلك .فقال الرجل في نفسه :أنا ما أملك شيئاً ،وليس لي غير
هذا الثوب ،وإن خلعته انكشفت عورتي ،وإن رددتها فأيّ عذر لي عند رسول الل ّٰه فقال لها :اذهبي معي حتى أعطيك شيئا ًفذهبت
معه إلى منزله ،فأوقفها على الباب ودخل وخلع ثوبه ،واتزر بخلق كان عنده ،ثم ناولها الثوب من شق الباب .فقالت له :ألبسك الل ّٰه
ك في باقي عمرك إلى أحد ففرح بدعائها وأغلق الباب ،ودخل بيته يذكر الل ّٰه تعالى إلى الليل ،ثم نام فرأى في
من حلل الجنة ولا أَ حْ وَج َ َ
المنام حوراء لم ير َ الراؤون أحسن منها ،وبيدها تفاحة قد عطرت ما بين السماء والأرض ،فناولته التفاحة فكسرها ،فخرج منها حلة
من حلل الجنة لا تساويها الدنيا وما فيها ،فألبسته الحلة وجلست في حجره .فقال لها :من أنت؟ فقالت :أنا عاشوراء زوجتك في الجنة.
قال :فبم نلتُ ذلك؟ فقالت :بدعوة تلك المسكينة الأرملة والأيتام الذين أحسنت إليهم بالأمس ،فانتبه وعنده من السرور ما لا يعلمه
إلا الل ّٰه تعالى ،وقد عبق من طيبه المكان ،فتوضأ وصلى ركعتين شكرا ً لل ّٰه تعالى ،ثم رفع طرفه إلى السماء فقال :إلهي إن كان منامي
حقاً ،وهذه زوجتي في الجنة فاقبضني إليك فما استتم ّ الكلام حتى عجل الل ّٰه بروحه إلى دار السلام.
ل المَاء ال َد ّرَنَ" والترمذي والبيهقي عن عليّ رضي الل ّٰه عنه" :م َنْ ل ال ُذ ّنُوبَ كَمَا يَغْ ِ
س ُ والطبراني عن عبد الل ّٰه بن جراد" :حُ ُ ج ّوا ف َِإ َ ّ
ن الح َجّ يَغْ ِ
س ُ
ْت الل ّٰه و َل َ ْم يَحج ،فَلا عَلَيْه ِ أ ْن يَمُوتَ يَهوديا ً أو نصرانياً" وقال عمر رضي الل ّٰه عنه :لقد هممت أن أبعث
ك ز َادا ً وَر َاحِلة تُب ْل ِغ ُه ُ إلى بَي ِ
م َل َ َ
ل من له جدة ولم يحجّ ،فيضربوا عليهم الجز ية ما هم بمسلمين .وقال سعيد بن جبير ،مات لي جار ٌ
رجالا ًإلى هذه الأمصار فينظروا ك ّ
Shamela.org ٥٥
باب الحج ١٤
ل عليه.
موسر لم يحج فلم أص ّ ِ
وحكى اليافعي أنه ركب جماعة من التجار في البحر متوجهين إلى الحجّ فانكسر المركب وضاق وقت الحجّ وفيهم إنسان معه بضاعة
بخمسين ألفاً ،فتركها وتوجه إلى الحج فقالوا له :لو أقمت في هذا المكان لعله يخرج لك بعض بضاعتك .فقال :والل ّٰه لو حصلت لي الدنيا
مرة متوجهين
كلها ما اخترتها على الحجّ ودعاء من يشهده من أولياء الل ّٰه بعد أن رأيت منهم ما رأيت ،قالوا :وما رأيت منهم؟ قال :كنا ّ
إلى الحج ،فأصابنا عطش في بعض الأيام ،وبلغت الشربة كذا وكذا ،ودرت في الركب من أوّله إلى آخره ،فلم يحصل لي ماء ببيع
ولا غيره ،وبلغ العطش منا الجهد فتقدّمت قليلا ًوإذا أنا بفقير معه عكازة وركوة ،وقد ركن العكازة في ساقية بركة ،والماء ينبع من
تحت العكازة ،و يجري في الساقية إلى البركة ،فجئت إلى البركة ،فشربت وملأت قربتي ،ثم أعلمت الركب فاستقوا كلهم منها وتركوها
وهي تطفح .قال :فهل يسمح بفوت مشهد يشهده هؤلاء القوم رضي الل ّٰه عنهم .وهو أيضا ً عن علي بن الموفق قال :جلست يوما ً في
الحرم ،وقد حججت ستين حجة .فقلت في نفسي إلى متى أتردّد في هذه المسالك والقفار .ثم غلبتني عيني فنمت .فإذا أنا بقائل يقول:
حب فطوبى لمن أحبه المولى ،وحمله إلى المقام الأعلى .وهو عن أبي عبد الل ّٰه الجوهري قال:
يابن الموفق هل تدعو إلى بيتك إلا من ت ّ
كنت سنة في عرفات؛ فلما كان آخر الليل نمت ،فرأيت ملـكين نزلا من السماء .فقال أحدهما لصاحبه :كم وقف هذه السنة؟ قال
صاحبه :ستمائة ألف ولم يقبل منهم إلا ستة أنفس قال :فهممت أن ألطم وجهي وأنوح على نفسي .فقال له :ما فعل الل ّٰه في الجميع،
قال :نظر الـكريم إليهم بعين الـكرم ،فوهب لكل واحد مائة ألف ،وغفر بستة أنفس لستمائة ألف ،وذلك فضل الل ّٰه يؤتيه من يشاء،
والل ّٰه ذو الفضل العظيم ،وهو عن ذي النون أنه قال :رأيت شابا ً عند الـكعبة يكثر الركوع والسجود ،فدنوت منه فقلت :إنك تكثر
الصلاة .فقال :أنتظر الإذن في الانصراف.
قال :فرأيت رقعة سقطت عليه مكتوبا ًفيها :من الل ّٰه العزيز الغفور إلى العبد الصادق الشكور ،انصرف مغفورا ً لك ما تقدّم من ذنبك
وما تأخر قبل الل ّٰه َ
حج ّنا وغفر ما تقدّم من كبائر ذنوبنا وما تأخر ،وتحمل عنا تبعاتنا آمين.
مرة على كل مسلم مكلف حرّ مستطيع بوجدان الزاد والراحلة ،ولو ببيع عقاره فاضلا ً عن)تنبيه( إن الحج والعمرة تجبان في العمر ّ
مؤنة لائقة لمن يمونه ذهابا ًوإياباً ،وعن دَي ْن عليه مؤجلا ًأو أمهل به إلى إيابه على التراخي بشرط عزمه على الفعل ،فمن مات أو عضب،
ولم يحج بعد الاستطاعة تبېن فسقه في آخر سني الإمكان .وكذا فيما بعدها في المعضوب إلى أن يحج عنه ،فما شهد به أو قضى فيها تبېن
بطلانه ،وكذلك تزويج موليته .قال الغزالي :من استطاع فأ َ ّ
خر حتى أفلس لزمه كسب مؤنته أو سؤالها من زكاة أو صدقة ليحج وإلا
ل إ َّ
ن عَب ْدا ً صَ ح َحْ تُ لَه ُ مات عاصياً ،وقيل :يجب على القادر أن لا يتركه في كل خمس سنين لما قال رسول الل ّٰه" :يَق ُو ُ
ل الل ّٰه ع َّز وَج َ ّ
شم َه ُ وَو ََسّ عْتُ عَلَيْه ِ في المَع ِيشَة ِ فمضى عليه خَمْسَة ُ أَ عْوَا ٍم ل َ ْم يَف ِ ْد إليّ لَم َحْ ر ُوم ٌ" رواه البيهقي وابن حبان.
ح ْ
ِ
)
ل ع َرَفَات المَلائِك َة َ يَق ُولُ :يا م َلائِكَتِي انْظ ُر ُوا إلى عِبَادِي خاتمة( :في بيان فضل الحج .روي عن رسول الل ّٰه" :إ َ ّ
ن الل ّٰه تَع َالَى يُبَاهِي ب ِأَ ه ْ ِ
ل فَج َ عَم ِيقٍ ،ف َأَ شْهَد َك ُ ْم أني ق َ ْد أَ جب ْتُ د ُعَاءَه ُ ْم وَشَفعْتُ رَغْب َتهُمْ ،وَو َهَب ْتُ مُسِيئَه ُ ْم لِمحُ ْ ِ
سنِه ِ ْم و َأَ ْعطَي ْتُ شعْثا ًغب ْرا ً أَ ق ْبَلوا يَضْر ِبُونَ إل َيّ م ِنْ ك ُ ّ ِ
ُ
ل
ب إلى الل ّٰه تَع َالَى يَق ُو ُ
طل َ ِ اض القَوْم ُ إلى جَم ٍْع ووقفوا و َعَاد ُوا في َ
الر ّغْبَة ِ ،و َال َ ّ َات التي بَيْنَهُمْ .فإذ َا أَ ف َ َ محْسِنيه ِ ْم جَمي َع ما سَأَ لُونِي غَيْر َ َ
الت ّبِع ِ ُ
سنِهِمْ،
شفَعْت رَغْبَتَه ُ ْم وَو َهَب ْتُ م ُسيئَه ُ ْم لِمحُ ْ ِ ب ف َُأشهِد ُك ُ ْم أني ق َ ْد أَ َ
جب ْتُ د ُعَاءَه ُ ْم و َ َ الر ّغْبَة ِ وال َ ّ
طل َ ِ كتِي عِبَادِي و َقَف ُوا فِي َ الل ّٰه تَع َالَى يا م َلائ ِ َ
َات التي بَيْنَهُمْ" .تحمل الل ّٰه تبعاتنا وغفر كبائر ذنوبنا. كف َل ْتُ عَنْه ُ ْم َ
بالت ّبِع ِ محْسِنيه ِ ْم جمي َع م َا سَأَ لُونِي ،و َ َ
و َأَ ْعطَي ْتُ ُ
ق ر َقَبَة ٍ م ِنْ بِني
كعَت ْ ِ
اف َ خط ِيئ َة ٌ ،وَرَكْ ع َتا ال َ ّ
طو َ ِ مح ِي عَن ْه ُ َ
حسَن َة ،و َ ُ
خفّا ً و َلا تَرْف َع ُه ُ إلا كُت ِبَ لَه ُ بِه ِ َ وروي :م َنْ أَ َمّ البَي ْتَ لا ت َ َ
ض ُع ن َاقَت ُه ُ ُ
ن
حصَاة ٍ م ِ َ
ل َ
كق َ ْطرِ المَطَرِ وَك َز َبَدِ الب َحْ رِ ،بِك ُ ّ ِ
ل وَ َ وف يَغْف ِر بِه ِ ال ُذ ّنُوبَ ،و َِإ ْن ك َان َت بِعَد َد َ
الر ّ ْم ِ سب ْع ِينَ ر َقَب َة ً ،والو ُق ُ ُ
ق َ
كعَت ْ ِ إسْماعِيلَ ،وال َ ّ
س ْعي ُ َ
ض ُع م َل َكٌ
ك يَ َ
اف بَعْد َ ذل ِ َ خط ِيئَة ٍ ،و َب ِال َ ّ
طو َ ِ مح ْو ُ َ
حسَن َة ٌ و َ َ
َت َ
شعْرَة ٍ ح ُلِق ْ
ل َ َات َ
والن ّحْ ر ُ م َ ْدخُور ٌ عِنْد َ الل ّٰه ،و َبِك ُ ّ ِ ن المُوبق ِ
الجِمَارِ ت َ ْكف ِير ُ كبيرة ٍ م ِ َ
Shamela.org ٥٦
باب الحج ١٤
ك م َا م َض َى .غفر الل ّٰه لنا ما قدمنا وما أخرنا.وروي :إذ َا لَق ِيتَ الح َ َ
اجّ فَسَل ِ ّم َ عَلَيْه ِ ل و َق َ ْد غُف ِر َ ل َ َ
يَد َيْه ِ بَيْنَ كَتِفَيْه ِ فَيقول :اعْم َلْ ف ِيم َا يُسْت َقب ُ
ن الهِنْدِ عَلَى رِجْلَيْه ِ ن آدَم َ عَلَيْه ِ ال َ ّ
سلام ُ أتى البَي ْتَ أل َْف آتيِة ٍ م ِ َ ل بَي ْت َه ُ ف َِإ َن ّه ُ مَغْف ُور ٌ لَه ُ .وروي :إ َ ّ
ل أَ ْن ي َ ْدخ ُ َ
ك قَب ْ َ
وَصَافِح ْه ُ ،وَم ُْره ُ أَ ْن يَسْتَغْف ِر َل َ َ
ِيهنّ ،وَم َا م ِنْ نَبي َ إلا حَ َ ج ّ ح ََت ّى هود ُ وَصَالِ ح ُ.
َب ق َّط ف َ
ل َ ْم يَرْك ْ
وحكى القاضي عياض أن قوما ً أتوا إلى سعدون الخولاني بالمنستير ،فأعلموه أن كتامة قتلوا رجلا ً وأضرموا عليه النار طول الليل ،فلم
تعمل فيه شيئا ًوبقي أبيض اللون ،فقال :لعله حج ثلاث حجج .قالوا :كيف ذلك؟ قال؛ حدثت أن من حج حجة أدّى فرضه ،ومن حج
ثانية داين ربه ،ومن حج ثلاث حجج حرّم الل ّٰه شعره وبشره على النار.
وحكي عن محمد بن المنكدر أنه حج ثلاثا ً وثلاثين حجة .فلما كان في آخر حجة حجها ،قال :وهو واقف بعرفات :اللهم إني قد وقفت في
موقفي هذا ثلاثا ًوثلاثين وقفة ،فواحدة عن فرضي والثانية عن أبي والثالثة عن أمي ،وأشهدك يا رب أني قد وهبت الثلاثين لمن وقف
موقفي هذا ولم يتقبل منه .فلما دفع بعرفات ونزل بالمزدلفة نودي في المنام :يا ابن المنكدر أٺتكرم على من خلق الـكرم ،أتجود على من
خلق الجود ،إن الل ّٰه تعالى يقول لك :وعزتي وجلالي لقد غفرت لمن وقف بعرفات قبل أن أخلق عرفات بألفي عام.
نسأل الل ّٰه الـكريم الجواد أن يغفر لنا كبائر ذنوبنا ويتحمل تبعاتنا و يقبل توبتنا.
س ْعي ٌ سبعا ًمبتدئا َ
ًبالصّ فا إلى سب ْعاً ،و َ
وطواف َ
ٌ ووقوف ب ِع َر َف َة َ،
ٌ )فصل( :في أحكام الحج .أركانه؟ إحرام ٌ بِن َِي ّة ٍ ،نَو َي ْتُ الح َجّ و َأَ ْ
حرَمْتُ به.
ن لِل ْعُمْرَة ِ. الوقوف ،وعند بعض المحققين ال َ ّ
طواف ،وغير الوقوف أركا ٌ ُ ات م ِنْ ر َأْ سٍ ،وأفضلُها
شع َر َ ٍ
المروة وعائدا ً منها إلى الصفا ،وإزالة َ
وواجباته :إحرام من ميقات ،ومبيت بمزدلفة لحظة من نصف أخير من ليلة النحر ،ومبيت على ليالي التشر يق ورمي أيامها سبعا ًسبعا ً
إلى الجمرات ،وطواف وداع لغير مكي ونحو حائض ،و يجب بترك واحد منها فدية.
وشروط الطواف :طهارة وستر عورة ،وابتداء بالحجر الأسود ومحاذاته بكل بدنه ،وجعل البيت عن يساره.
ُ
وتطي ّب ودهن شعر ،وإزالته وتقليم ظفر واصطياد وأكل ما صيد له، ومحر ّمات الإحرام :وطء وقبلة ومباشرة بشهوة واستمناء ونكاح
ولبس رجل مخيطا ًوستر رأسه وستر امرأة شيئا ًمن وجهها ،فإن فعل شيئا ًناسيا ًأو جاهلا ًبتحريمه ،فإن كان إتلافا ً كحلق شعر وقتل
صيد وجبت الفدية أو تمتعا ًكلبس وتطيب فلا .ونقل النووي في المجموع قول بعضهم :يندب أن يتشبه كل أحد بالمحرم في عشر ذي
الحجة بعدم إزالة شعر وظفر وقول آخرين :يندب التعر يف في يوم عرفة بالاجتماع بعد الظهر في أيّ بلد كان للذكر والدعاء تشبها ًبأهل
عرفة .ونقل الإمام أحمد فعله عن الحسن وجماعة.
بينات مَق َام ُ إ ب ْراه ِيم َ
ٌ آيات
ٌ س لَل ّذ ِي ببِ َ َك ّة َ م ُبَارَكا ً و َه ُدىً للع َالم َي ِنَ ف ِيه ِ ْت وُضِـ َع َ
للن ّا ِ ل بَي ٍ )فصل( في فضل مكة .قال الل ّٰه تعالى} :إ َ ّ
ن أَ وّ َ
وَم َنْ دَخَلَه ُ ك َانَ آم ِناً{ )سورة آل عمران ٩٦ :ـ (٩٧
ض الل ّٰه إلي و َلَو ْلا أَ نِي ُأ ْ
خر ِجْ تُ مِن ْكِ م َا خَر َجْ تُ ،وروى :م َا عَلَى وَجْه ِ ض الل ّٰه و َأَ ح ُ ّ
َب أَ ْر ِ وروي أن رسول الل ّٰه قال} :والل ّٰه َإن ّكِ لَخـَي ْر ُ أَ ْر ِ
حسَنَة ٍ إ َلّا م َ َك ّة َ ،وَم َنْ صَلّى ف ِيها صَلاة ً ر ُفِع ْ
َت لَه ُمائَة َ أَ ل ْف صلاة ،وَم َنْ صَام َ لف َ
حدَة َ بمائة ِ أَ ِ
ض بلَْدَة ٌ يَرْف َ ُع الل ّٰه تعالى ف ِيها الحَسَن َة الوا ِ
الأ ْر ِ
حد َة كَت َبَ
صد َق َة ،وَم َنْ خَتَم َ القُر ْآنَ م َ َّرة ً و َا ِ ص َ ّدقَ بِدِرْه َ ٍم كَت َبَ الل ّٰه لَه ُ مائة أَ ل ِ
ْف دِرْه َ ٍم َ لف يَو ْ ٍم ،وَم َنْ ت َ َ
ف ِيها يَو ْما ً كَت َبَ الل ّٰه لَه ُ م َائَة ِ أَ ِ
ل
ض ُ
ك و َأَ ف ْ َ
حدٌ في حَر َ ِم الل ّٰه و َأَ مْنِه ِ أَ ْرجَى ل َ َ
ْف بغيرِها ،وليَوْم ٌ و َا ِ ختْم َة ،وَم َنْ س ََب ّ َ
ح الل ّٰه تعالى ف ِيها م َ َّرة ً كَت َبَ الل ّٰه لَه ُمائَة َ أَ ل ٍ ْف َ
الل ّٰه لَه ُمائَة َ أَ ل ِ
ات
ن الحَسَن َ ِ ن البلدانِ .وروي :م َنْ صَلّى خ َل َْف المَق َا ِم رَكْ ع َتَيْنِ غُف ِر َ لَه ُ م َاتَق َ َ ّدم َ م ِنْ ذَن ْبِه ِ ،و َ ُأ ْعط ِ َ
ي مِ َ م ِنْ صِيا ِم ال َد ّهْرِ و َق ِيامِه ِ في غَيْر ِه َا م ِ َ
شدِيدِ الحَرِ ّ
ِف َ
سب ْعا ً في يَو ْ ٍم صَائ ٍ
ْت الل ّٰه َ
ل بَي ِ
حو ْ َ ل م َنْ صَلَ ّى خ َلْف َه ُ أضْ ع َافاً ،و َأَ َمّن َه ُ الل ّٰه تَع َالَى يَوْم َ الق ِيَامَة ِ{ .وروي :م َنْ ط َ
َاف َ بِعَدَدِ ك ُ ّ ِ
ل ك َلامه ُ إ َلّا م ِنْ ذِكْر ِ الل ّٰه كُت ِبَ لَه ُ بِك ُ ّ ِ
ل قَد َ ٍم يَرْف َع ُها ل َطو ْفَة ٍ م ِنْ غَيْر ِ أَ ْن يُؤذِي أَ ح َداً ،و َق َ َ ّ
سه ِ و َاسْ تَلَم َ الحجَ َر َ الأسْ وَد َ فِي ك ُ ّ ِ
ح َاسِرا ً ع َنْ ر َأْ ِ
ل القَمَرِ لَيْلَة َ الب َ ْدرِ
كف َضْ ِ
ِب َ ل المَاشِي عَلَى َ
الر ّاك ِ سب ْعونَ أَ ل َْف دَرَجَة ٍ ،و َف َضْ ُ
سب ْع ُونَ أَ ل ْف سَي ِّئَة ٍ ،وَر ُف َع لَه ُ َ
ي عَن ْه ُ َ
مح ِ َ
حسَنَة ٍ ،و َ ُ
سب ْع ُونَ أَ ل َْف َ
َ
Shamela.org ٥٧
باب الحج ١٤
ْف الـكَعْبَة ِ، ض بلَ ْدَة ٌ يُسْت َج َابُ ف ِيها ال ُد ّعَاء ُ في خَمْسَة َ ع َشَر َ مَوْضِعا ًإلا ّ م َ َك ّة َ :أوّلُهَا َ
جو ُ ن اليَماني .وروي :م َا عَلى وَجْه ِ الأ ْر ِ ك عِنْد َ ُ
الر ّكْ ِ وَك َذل ِ َ
َاب،
الميزاب مُسْت َج ٌ
ِ َاب ،وال ُد ّعَاء ُ َ
تح ْتَ ن اليَماني مُسْت َج ٌ َاب ،وال ُد ّعَاء عِنْد َ ُ
الر ّكْ ِ ُ َاب ،وال ُد ّعَاء ُ عِنْد َ الحجََرِ الأسْ وَدِ مُسْت َج ٌ
وال ُد ّعَاء ُ ف ِيها مُسْت َج ٌ
ُ َاب ،وال ُد ّعاء ِ عِنْد َ بِئْر ِ زَم َْزم َ مُسْت َج ٌ
َاب ،والد ّعاء ُ َاب ،وال ُد ّعاء ِ خ َل َْف المق َا ِم مُسْت َج ٌ
َاب وال ُد ّعَاء ُ في المل ُ ْتَز ِ ِم مُسْت َج ٌ
وال ُد ّعَاء ُ في الحجََرِ مُسْت َج ٌ
َاب ،وال ُد ّعَاء ُ عِنْد َ َاب ،وال ُد ّعَاء ُ عِنْد َ الم َ ْ
شعَرِ الحَرَا ِم مُسْت َج ٌ َاب ،وال ُد ّعَاء ُ في المَو ْق ِ
ِف مُسْت َج ٌ َاب ،وال ُد ّعَاء ُ عَلَى المَرْوَة ِ مُسْت َج ٌ عَلَى َ
الصّ فا مُسْت َج ٌ
َاب.
لاث مُسْت َج ٌ ات َ
الث ّ ِ الجم ََر َ ِ
حدٍ َاب وُجُوهُه ُ ْم ك َالقَمَرِ لَيْلَة َ الب َ ْدرِ ،ي َ ْشف َ ُع ك ُ ُ ّ
ل و َا ِ حس ٍسب ْع ِينَ أَ ل َْف شَه ِيدٍ ،ي َ ْدخ ُلُونَ الج َنَ ّة َ بِغَيْر ِ ِ
يح ْش ُر ُ الل ّٰه تَع َالَى م ِنْ مَقْبَرَة ِ م َ َك ّة َ َ
ورويَ :
س َل ّم َ ،أَ ْو
ل الل ّٰه؟ فَق َالَ :الغ ُر َب َاء وَم َنْ م َاتَ في حَر َ ِم الل ّٰه تَع َالَى أَ ْو حَر َ ِم رَسُولِه ِ صَلّى الل ّٰه عَلَيْه ِ و َ َ
سب ْع ِينَ رَج ُلا ًفَق ِيلَ :م َنْ ه ُ ْم يا رسو َ
مِنْه ُ ْم في َ
الت ّص َُل ّ َع م ِنْ م َاء ِ زَم َْزم َ ب َر َاءَة ٌ م ِ َ
ن النِّف َاقِ .كتب الل ّٰه ن َ م َاتَ بَيْنَ م َ َك ّة َ والمدينة ِ ح َاجّا ًأَ ْو مُعْتَمِرا ً بَع َث َه ُ الل ّٰه يَوْم َ الق ِيَامَة ِ م ِ َ
ن الآم ِنينَ ،ألا وإ َ ّ
الـكريم المنان البراءة لنا من النفاق والنيران ،وقبض أرواحنا في أحد الحرمين ،وحشرنا في زمرة شهداء حرمه الآمنين ،وأدخلنا الجنة
بغير حساب آمين آمين.
ن عبد الل ّٰه بن صالح كان
عز قلما رأيت وليا ًلل ّٰه إلا منفرداً ،وإ ّ
ل وتفر ّده ّ
وحكى اليافعي عن سهل بن عبد الل ّٰه قال :مخالطة الوليّ للناس ذ ّ
رجلا ًله سابقة وموهبة جز يلة ،وكان يفر ّ من الناس من بلد إلى بلد حتى أتى مكة فطال مقامه ،فقلت له :لقد طال مقامك بها ،فقال
لي :لم لا أقيم بها ولم أر َ بلدا ً ينزل فيه من الرحمة والبركة أكثر من هذا البلد ،والملائكة تغدو فيه وتروح ،إني أرى فيه عجائب كثيرة،
شت ّى لا يقطعون ذلك ،ولو قلت كل ما رأيت لصغرت عنه عقول قوم ليسوا له بمؤمنين .فقلت وأرى الملائكة يطوفون بالبيت على صور َ
له :أسألك بالل ّٰه إلا ما أخبرتني بشيء ٍ من ذلك فقال :ما من وليّ لل ّٰه تعالى صحت ولايته إلا وهو يحضر هذا البلد في كل ليلة جمعة لا
يتأخر عنه ،فمقامي هاهنا لأجل من أراه منهم ،وقد رأيت رجلا ًيقال له مالك بن القاسم الجيلي ،وقد جاء ويده غمرة ،فقلت له :إنك
قريب عهد بالأكل ،فقال لي :أستغفر الل ّٰه فإني منذ أسبوع لم آكل ،ولـكن أطعمت والدتي وأسرعت لألحق صلاة الفجر ،وبينه وبين
الموضع الذي جاء منه تسعمائة فرسخ أقول :وقد شاهدت تصديق ذلك من شيخي قطب الزمان ،وشمس دائرة العرفان أبي المكارم زين
ن شيخي كان جالسا ًفي ليلة من ليالي رمضان العابدين محمد البكري َ
مت ّعنا الل ّٰه بطول بقائه ،ونفعنا به وبدعائه وحشرنا تحت لوائه ،وهو أ ّ
عام ستَ وستين وتسعمائة متوجها ًإلى بيت الل ّٰه ،وناظرا ً إليه وكنت أنا وجماعة من فقرائه ،وراءه فقام الشيخ رضي الل ّٰه عنه على هيئة
المتواضع والمتأدّب وقمنا معه ،وما رأينا عروض عارض للقيام ولا مجيء أحد إليه ،ثم جلس بعد ساعة ،فجلسنا فسألت بعض خواص
ن أولياء الل ّٰه يحضرون بهذا البيت ،و يجتمعون بأولياء الل ّٰه
أصحابنا الذي كان معنا في ذلك الوقت عن قيام الشيخ رضي الل ّٰه عنه فقال :إ ّ
تعالى ،وهذا من ذلك أدام الل ّٰه لنا النفع به في الدارين.
ن السيئات تضاعف في مكة كما تضاعف الحسنات فيها على ما روى مجاهد عن ابن عباس ،والمراد بالمضاعفة ز يادة القبح
واعلم أ ّ
Shamela.org ٥٨
باب فضل القرآن ١٥
س فِي ضو ْء ِ ال َ ّ
ش ْم ِ ن م ِنْ َ ل بِمَا ف ِيه ِ ُأل ْب َِس و َالد َاه ُ ت َاجا ً يَوْم َ الق ِيَامَة ِ َ
ضوْؤُه ُ أحسَ ُ ْف" .وأحمد عن معاذ بن أنس" :م َنْ ق َرأَ َ القُر ْآنَ و َعَم ِ َ
حَر ٌ
ُوت ال ُد ّن ْيَا لَو ْ ك َان َْت ف ِيكُمْ ،فَمَا ظ ََن ّك ُ ْم ب ِال َ ّذ ِي عَم ِ َ
ل بِهَا" .وأحمد عن تميم" :م َنْ ق َرأَ َ بِمائَة ِ آيَة ٍ فِي لَيْلَة ٍ كُت ِبَ لَه ُقُن ُوتَ لَيْلَة ٍ" والحاكم عن أبي بي ِ
هريرة" :م َنْ ق َرأَ َ فِي لَيْلَة ٍ مائَة َ آيَة ٍ ل َ ْم يُكْت َْب م ِ َ
ن الغ َافِلِينَ".
ختْمِه ِ س ُِت ّونَ أل َْف م َل َكِ " ،وأبو داود والنسائي عن أنس" :م َث َ ُ
ل والديلمي عن عمرو بن شعيب" :إذ َا خَتَم َ العَبْد ُ القُر ْآ ُ ّ
ن صَلّى عَلَيْه ِ عِنْد َ َ
ِب و َلا ل َ
التمّ ْرَة ِ طَعمُه َا طَي ّ ٌ ن ال َ ّذ ِي لا يَقْرأَ َ القُر ْآنَ كَمَث َ ِ
ل المُؤْم ِ ِ
ّب ،وَم َث َ ُ ل الأت ْر ُ َجّة ِ ر يحُه َا طَي ٌ
ّب و َ َطعْمُه َا طَي ٌ المُؤْم ِن ال َ ّذ ِي يَقْرأَ َ القُر ْآنَ كَمَث ِ
جر ِ ال َ ّذ ِي لا يَقْرَأ القُر ْآنَ كَمَث َ ِ
ل الحنَْظَلَة َطعْمُه َا ل الف َا ِ
ِب و َ َطعْمُه َا م ُّرٌ ،وَم َث َ ُ ل َ
الر ّيْ حَانَة ِ ر يحه َا طَي ّ ٌ جر ِ ال َ ّذ ِي يَقْر َُأ القُر ْآن كَمَث َ ِ
ل الف َا ِ
ريح لَهَا ،وَم َث َ ُ
سوء ِ كَمَث َ ِ
ل س ال ُ ّل الجل َِي ِك م ِنْ رِ يحِه ِ ،وَم َث َ ُ ِب المِسْكِ إ ْن ل َ ْم يُصِ ب ْ َ
ك مِن ْه ُ شَيْء ٌ أَ صَاب َ َ ل صَاح ِ س َ
الصّ الِ ح كَمَث َ ِ ل الجل َِي ِم ُّر ٌ و َلا ر ِِيح لَهَا ،وَم َث َ ُ
اب الل ّٰه كُت ِب َْت لَه ُ
ك م ِنْ دُخ َانِه ِ" ،وأحمد عن أبي هريرة" :م َن اسْ تَم َ َع إلى آيَة ٍ م ِنْ ك ِت َ ِ ك م ِنْ شَرَرِه ِ شَيْء ٌ أَ صَاب َ َِب الـكِير ِ إ ْن لَم َ يُصِ ب ْ َ صَاح ِ
اب الل ّٰه ك َان َْت لَه ُ نورا ً يَوْم َ الق ِيَامَة ِ" ،والطبراني عن أنس "م َنْ عَل ّم َ اب ْنا ً لَه ُ القُر ْآنَ نَظَرا ً غُف ِر َ لَه ُ م َا
حسَن َة مُضَاعَف َة ،وَم َنْ تَلا آيَة ً م ِنْ ك ِت َ ِ
َ
Shamela.org ٥٩
باب فضل القرآن ١٥
ن القُر ْآنِ"،
خر ِ م َا م َع َه ُ م ِ َ
لأب دَرَج َة حَت ّى يَنْت َهي إلى آ ِ خر َ ،وَم َنْ ع َل ّم َه ُ إي َاه ُ ظَاه ِرا ً فَك ُ َل ّمَا ق َرأَ َ الاب ُ
ن آيَة ً ر َف َ َع الل ّٰه بِهَا ل ِ ِ تَق َ َ ّدم َ م ِنْ ذَن ْبِه ِ وَم َا ت َأَ َ ّ
ل ر َايَة الإسْ لا ِم ،وَم َنْ أَ ك ْرَم َه ُ فَق َ ْد أَ ك ْرَم َه ُ الل ّٰه ،وَم َنْ أَ ه َانَه ُ فَعَلَيْه ِ لَعْن َة ُ الل ّٰه" ،وأخرج الترمذي
ن ح َام ِ ُ
ل القُر ْآ ِ
والديلمي عن أبي أمامة" :ح َام ِ ُ
َت عَل َيّ ذ ُنُوبُ ُأمّتِي
جدِ وَعُرِض ْ
س ِ
ن الم َ ْ
ل مِ َ جه َا َ
الر ّج ُ ُ َت عَل َيّ ُأجُور ُ ُأمّتِي ح ََت ّى القَذ َاة َ ُ
يخْرِ ُ والنسائي عن أنس قال :قال رسول الل ّٰه" :عُرِض ْ
ن
فَل َ ْم أَ ر َ ذَن ْبا ًأَ ْعظَم َ م ِنْ سُورَة ٍ م ِ َ
ل ث َُم ّ نَسِيهَا" وأبو داود عن سعد بن عبادة" :م َا م ِنْ ا ْمر ِىء ٍ تَع َل ّم َ القُر ْآنَ ث َُم ّ نَسِيه ُ إلا ّ لَقِي الل ّٰه يَوْم َ الق ِيَامَة ِ أَ جْذَم َ".
ن أَ ْو آيَة ً ُأوت ِيهَا رَج ُ ٌ
القُر ْآ ِ
رب بم َ يتقرب إليك المتقربون؟ قال :بكلامي،
وحكى اليافعي أن الإمام أحمد بن حنبل قال :رأيت رب العز ّة في منامي فقلت :يا ِّ
فقلت :بفهم أو بغير فهم قال بفهم وبغير فهم.
)تنبيهات( :أحدها :إن تلاوة القرآن أفضل من سائر أنواع الذكر العام الذي لم يخص بوقت أو محلَ ،وهي نظراً ،وفي الصلاة وبالليل
ونصفه الأخير وبين العشاءين وبعد الصبح ،وفي أفضل الأوقات أفضل.
)فرع( يسنّ ترتيلها حتى للأعجمي الذي لا يفهمه ،وهو الانتقال من حرف إلى حرف آخر بتأنَ بلا وقفة ،وحرف ترتيل أفضل من
حرفي غيره .قال ابن عباس :لأن أقرأ سورة أرتلها أحب ،إليّ من أن أقرأ القرآن كله بغير ترتيل .قال بعضهم :يسنّ الوقوف على
رأْ س كل آية وعليه أبو عمرو القارىء .وينبغي أن يكون شأن القارىء الخشوع والتدبر والخضوع إذ هو المقصود والمطلوب ،وبه
ل للقرآن والقرآن يلعنه .وورد في التوراة :يا عبدي أما تستحي مني يأتيك كتاب بعض
تستنير القلوب .قال أنس بن مالك :رب تا ٍ
إخوانك وأنت في الطر يق تمشي ،فتعدل عن الطر يق وتقعد لأجله وتقرؤه وٺتدبره حرفا ً حرفا ً حتى لا يفوتك منه شيء ،وهذا كتابي
أنزلته إليك ،أنظر كم فصلت لك من القول ،وكم كر ّرت عليك فيه لتتأمل طوله وعرضه ،ثم أنت معرض عنه أفكنتُ أهون عليك
ل وجهك ،وتصغي إلى حديثه بكل قلبك ،فإن تكلم متكلم أو
من بعض إخوانك؟ يا عبدي يقص إليك بعض إخوانك ،فتقبل عليه بك ّ
كف ،وها أنا ذا مقبل عليك ،ومحدّث لك وأنت معرض عني بقلبك أجعلتني أهون عليك
شغلك شاغل عن حديثه أومأت إليه أن ّ
من بعض إخوانك؟ تعالى الل ّٰه عن ذلك علوا ً كبيراً.
)
فائدة( قال في المجموع :الاشتغال بحفظ ما زاد على الفاتحة أفضل من صلاة التطو ّع ،وأفتى بعض المتأخرين بأن الاشتغال بحفظه
أفضل من الاشتغال بفرض الـكفاية من سائر العلوم دون فرض العين منها .وثانيها :أن نسيان آية أو حرف منه ،ولو بالاشتغال بما هو
أه ّم منه كتعلم العلم العيني كبيرة .وثالثها أنه يجب على من حفظه بعد البلوغ بصفة من إتقان أو توسط أو غيرهما ،كأن يتوقف فيه
أو يكثر غلطه أن يستمر على تلك الصفة التي حفظه عليها ،فيحرم عليه نقصها من حافظته .ورابعها أنه يحرم تمز يق ما كتب فيه قرآن
عبثا ًوبلعه لا أكله ولا شرب محوه ،وترك رفعه عن الأرض ،وم ّد الرجل إليه ووضع نحو درهم فيه ،وفي كتب علم ٍ شرعي ،ويندب
القيام له كالعالم.
وحكى يوسف المالـكي أن الإمام أبا بكر بن فورك ما نام في بيت فيه مصحف قط ،وإذا أراد النوم انتقل عن المكان الذي فيه إعظاما ً
عز وجلّ.
لكتاب الل ّٰه ّ
)فصل( :في فضائل بعض السور والآيات التي ورد فضلها في الأحاديث غير الموضوعات
ل بثُِلُث َِي القُر ْآنِ" وأحمد والترمذي عن أبي هريرة:
اب تَعدِ ُ
أخرج عبد الل ّٰه بن حميد عن ابن عباس قال :قال رسول الل ّٰه" :فَاتِ ح َة ُ الكِت َ ِ
سب ْ َع المثاني والقُر ْآنُ ن مِث ْلَه َا :يَعْني ُأ َمّ القُر ْآ ِ
ن و َِإ َ ّنهَا ال َ ّ ل و َلا فِي الفرقا ِ ن و َلا فِي َ
الز ّبُورِ و َلا فِي الإنْ ج ِي ِ "وال َ ّذ ِي ن َ ْفس ِي بيَِدِه ِ م َا أَ ن ْز َ َ
ل الل ّٰه فِي القُر ْآ ِ
صحَابِه ِ :اق ْر َؤوا الزّه ْرَاو َي ْ ِن البَق َرَة َ وآل عم ْرَانَ ،ف َِإ َ ّنهُم َا ي َأْ تيَا ِ
ن ِيم" ،وأحمد عن أمامة" :اق ْر َؤوا القرآن َ
فإن ّه ُ ي َأْ تِي يَوْم َ الق ِيَامة شفيعا ً لأَ ْ العَظ ِ
صحَابِه ِما ،اق ْر َؤوا سورة البَق َرَة ِ ف َِإ َ ّ
ن أَ خْذ َه َا ب َرَكَة ٌ و َت َركَها ن ع َنْ أَ ْ
اف تُحَاج َا ِ ن أ ْو غ َيَايَتَانِ ،أَ ْو ك َأَ َ ّنهُم َا فُر ْقَا ٌ
ن م ِنْ َطيْرٍ صَو َ َ ك َأَ َ ّنهُم َا غ َمَام َتَا ِ
Shamela.org ٦٠
باب فضل القرآن ١٥
ص ْدرِ ال َنّهَارِ قُضِ ي َْت حَوَائِ ج ُه ُ" والبيهقي عن الخليل بن مرة قال" :الحَوَام ِيم ُ َ
سب ْ ٌع والدارمي عن عطاء بن أبي رباح قال" :م َنْ ق َرأَ َ يس في َ
الل ّه ُ َ ّم لا ت ُ ْدخِلْ هذا البابَ م َنْ ك َانَ يُؤْم ِ ُ
ن بِي اب يَق ُولَُ :
َاب م ِنْ هذِه ِ الأب ْو َ ِ
ِف عَلى ب ٍ يج ِيء ُ ك ُ ُ ّ
ل ح َام ِيم مِنْهَا يَق ُ جه َ َن ّ ِم َ
سب ْ ٌع َ و َأَ ب ْوَابُ َ
ح يَسْتَغْف ِر ُ لَه ُ سبعون أَ ل َْف م َل َكٍ " .وابن الضريس عن الحسن
و َيَقْر َؤنِي" .والترمذي عن أبي هريرة" :م َنْ ق َرأَ َ حَم الدّخ َانُ فِي لَيْلَة ٍ أَ صْ ب َ َ
Shamela.org ٦١
باب أذكار الصباح والمساء ١٦
في كل يوم؟ قالوا :ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية في كل يوم؟ قال :أما يستطيع أحدكم أن يقرأ }ألَهَاكُم ُ َ
الت ّك َاث ُر ُ{ ،والشيخان وأبو داود
ل ثلُُثَ القُر ْآنِ".
والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والطبراني والبزار وأبو عبيد عن عشرة من الصحابة" :ق ُلْ ه ُو َ الل ّٰه أَ ح َد تَعْدِ ُ
ات فَك َأَ َن ّمَا ق َرَأ القُر ْآنَ أَ جْمَعَ" ،وأحمد عن معاذ بن أنس" :م َنْ ق َرأَ َ قُلْ ه ُو َ
والعقيلي عن رجاء الغنوي" :م َنْ ق َرأَ َ قُلْ ه ُو َ الل ّٰه أَ حَدٌ ثَلاثَ م َ َّر ٍ
خطَيئ َة َ ات بَن َى الل ّٰه لَه ُ بَي ْتا ً فِي الج َنَ ّة ِ" والبيهقي وابن عديّ عن أنس" :م َنْ ق َرأَ َ قُلْ ه ُو َ الل ّٰه أَ حَدٌ مائَة َ م َ َّرة ٍ غَف َر َ الل ّٰه لَه ُ َ
الل ّٰه أَ حَدٌ عَشْر َ م َ َّر ٍ
ج و َالأشْر ِبَة" .والطبراني عن فيروز" :م َنْ ق َرأَ َ ق ُلْ ه ُو َ الل ّٰه أَ حَدٌ مائَة َ م َ َّرة ٍ ل و َالف ُرو َ
خَم ْسينَ عاما ً م َا اجْ تَن َبَ خصالا ًأَ رْبعاً :الدِّم َاء َ و َالأمْوَا َ
ن َ
الن ّارِ" اللهم اكتب لنا البراءة من النار. فِي َ
الصّ لاة ِ أَ ْو غَيْر ِه َا كَتبَ الل ّٰه لَه ْ ب َر َاءَة ً م ِ َ
وورد في سورة لم يكن :إن الل ّٰه تعالى يقول لمن قرأها :أبشر عبدي فوعزتي لأمكنن لك في الجنة حتى ترضى .وفي العاديات :إنها تعدل
نصف القرآن ،وفي سورة النصر :إنها تعدل ربع القرآن .وروى الجويني في تفسيره عن أبان بن أبي عياش .قال :حضرنا وفاة مورق
العجلي ،فلما سُ ج ِّي وقلنا قد قضى رأينا نورا ً ساطعا ًقد سطع من عند رأسه حتى خرق السقف ،ثم رأينا نورا ً قد سطع عند رجليه مثل
الأول ،ثم رأينا نورا ً سطع من وسطه فمكثنا ساعة ،ثم إنه كشف الثوب عن وجهه فقال :هل رأيتم شيئاً؟ قلنا له :نعم ،وأخبرناه ما
رأيناه فقال :تلك سورة السجدة قد كنت أقرؤها كل ليلة ،وكان النور الذي رأيتم عند رأسي أربع عشرة آية من أولها ،والنور الذي
رأيتم عند رجلي أربع عشرة آية من آخرها ،والنور الذي رأيتم في وسطي آية السجدة بنفسها تشفع لي ،وبقيت سورة تبارك تحرسني،
ثم قضى.
وحكى اليافعي قال :سمعت من بعض الصالحـين في بعض بلاد اليمن ،أنه لما دفن بعض الموتى وانصرف الناس سمع في القبر ضربا ًودقا ً
عنيفاً ،ثم خرج من القبر كلب أسود ،فقال له الشيخ :و يحك إيش أنت؟ قال :أنا عمل الميت ،فقال :هذا الضرب فيك أم فيه؟ قال:
بل فيّ :وجدت عنده سورة يس وأخواتها فحالت بيني وبينه ،وضربت وطردت .نسأل الل ّٰه المنان أن يجنبنا عذاب القبر والنيران ،وأن
يرزقنا الحور والجنان ببركة القرآن آمين.
}باب أذكار الصباح والمساء{
والصّ ب ِْح :لا إله ِب ُ ِف و َيَثْنِي رِجْلَيْه ِ م ِنْ صَلاة ِ المَغْر ِ ل قبل أَ ْن يَن ْصَر َ أخرج أحمد عن عبد الرحمن بن غنم قال :قال رسول الل ّٰه" :م َنْ قَا َ
حدَة ٍ عَشْر َ ل و َا ِ
ات كُت ِبَ لَه ُ بِك ُ ّ ِ ل شَيْء ٍ قَدِير عَشْر َ م َ َّر ٍ يح ْيي و َيُمِيتُ بيَِدِه ِ الخـَي ْر ُ و َه ُو َ عَلَى ك ُ ّ ِ
ك وَلَه ُ الحم َ ْد ُ إ َلّا الل ّٰه وَحْدَه ُ لا شَر ِي َ
ك لَه ُ لَه ُ الملُ ْ ُ
يح ِ َ ّ
ل جيم ،و َل َ ْم َالر ّ ِ ن َ ن ال َ ّ
شيْطَا ِ حرْزا ً م ِ َ
ل مَك ْر ُوه ٍ ،و َ ِ
حرْزا ً م ِنْ ك ُ ّ ِ َات .وَك َان َْت لَه ُ ِ ات وَر ُف ِـ َع لَه ُ عَشْر ُ دَرَج ٍ مح ِي َْت عَن ْه ُ عَشْر ُ سَي ِّئ َ ٍ
ات ،و َ ُ
حسَن َ ٍَ
ل َمم ّا قَالَ".
ض َ
س ع َمَلا ًإلا رَج ُلا ًي َ ْفضُلُه ُ يَق ُول أَ ف ْ َ ل َ
الن ّا ِ ض ِ
لِذَن ٍْب أَ ْن ي ُ ْدرِك َه ُ إلا ّ الش ِّرْك ،وَك َانَ م ِنْ أَ ف ْ َ
الل ّه ُ َ ّ
م أَ ن ْتَ ر َب ِ ّي لا إله إلا أَ ن ْتَ خ َلَقْتَنِي ل ذلِكَ ،وأحمد والبخاري" :سَيِّد ُ الاسْ تِغْف َارِ َ وزاد النسائي :م َنْ قَالَه َُنّ م ِنْ صَلاة ِ العصر ِ ُأ ْعط ِ َ
ي مِث ْ َ
ك عَل َيّ ،و َأَ بُوء ُ بِذ َنْبِي فَا ْغفِر ْ لي ،ف َِإ َن ّه ُ لا يَغْف ِر ُ
ك بنِِعْم َت ِ َ
ك م ِنْ شَرِّ م َا صَنَعْتُ أبُوء ُ ل َ َ
و َأَ ن َا عَبْدُك َ و َأَ ن َا عَلَى ع َ ْهدِك َ ،وَوَعْدِك َ ما اسْ تَطَعْتُ أَ ع ُوذ ُ ب ِ َ
ن بِها فَمَاتَ
ل و َه ُو َ م ُوق ِ ٌ ن َ
الل ّي ْ ِ ل الج َنَ ّة ِ ،وَم َنْ قَالَها م ِ َ
ل أَ ْن يُمْس ِي ،فَه ُو َ م ِنْ أَ ه ْ ِ ال ُذ ّنُوبَ إ َلّا أَ ن ْتَ م َنْ قَالَهَا م ِ َ
ن ال َنّهَارِ م ُوق ِنا ً بِها فَمَاتَ م ِنْ يَوْمِه ِ قَب ْ َ
ك
نح ْيَا و َب ِ َ
ك َ
ك أَ ْمسَي ْنَا و َب ِ َ
ك اَّصْ ب َحْ نَا و َب ِ َ الل ّه ُ َ ّ
م بِ َ الن ّب ِ ُيّ يَق ُو ُ
ل إذا أصْ بَحََ : ل الْج َنَ ّة ِ" ،وأبو داود والترمذي" :ك َانَ َ
ل أَ ْن يُصْ بِحَ ،فَه ُو َ م ِنْ أَ ه ْ ِ
قَب ْ َ
ك المَصِ ير ُ" ،وابن السني قال رسول الل ّٰه
ك نَمُوتُ و َإلَي ْ َ
نح ْيَا و َب ِ َ
ك َ
ك أَ صْ ب َحْ نَا و َب ِ َ
ك أَ ْمسَي ْنَا و َب ِ َ الل ّه ُ َ ّ
م بِ َ ك النّش ُور ُ ،و َإذ َا أَ مْس َى قَالََ :
نَمُوتُ وإلَي ْ َ
ْت ي َا حَ ُيّ ي َا ق َُي ّوم ُ ب ِرَحْمَت ِ َ
ك أَ سْ ت َغ ِيثُ ،ف َأَ صْ ل ِح ن ت َ ْسمَع ِي م َا ُأوصِيكِ بِه ِ تَق ُول ِي إذ َا أَ صْ ب َحْ ِ
ت و َِإذ َا أَ ْمسَي ِ لفاطمة رضي الل ّٰه عنها" :م َا يَم ْن َع ُكِ أَ َ ّ
Shamela.org ٦٢
باب أذكار الصباح والمساء ١٦
سم َاء ِ و َه ُو َ
ل لَيْلَة ٍ :بب ِسم الل ّٰه الرحمن ال َ ّذ ِي لا يَض ُ ُرّ م َ َع اسْمِه ِ شَيْء ٌ فِي الأ ْرضِ ،و َلا فِي ال َ ّ ل يَو ْ ٍم وَمَسَاء ِ ك ُ ّ ِ ل فِي صَب َ ِ
اح ك ُ ّ ِ "م َا م ِنْ عَبْدٍ يَق ُو ُ
ِمات الل ّٰه
ات :أَ ع ُوذ ُ ب ِكل ِ ات ل َ ْم يَض ُ َرّه ُ شَيْءٌ" وفي رواية" :فَجاة بلاء" ،والترمذي" :م َنْ قَا َ
ل حِينَ يُمْس ِي ثَلاثَ م َ َّر ِ ال َ ّ
سمِي ُع العَل ِِيم ثَلاثَ م َ َّر ِ
ك َ
الل ّيْلَةَ" ،وأبو داود من قال حين يصبح أو يمسي :اللهم أني أصبحت أشهدك ،وأشهد حملة ق ل َ ْم يَض َ ُرّه ُ حُمة تِل ْ َ
التامات م ِنْ شَر ِّ م َا خ َل َ َ
ِ
مرتين أعتق
عرشك ،وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت لا إله إلا أنت ،وأن محمدا ً عبدك ورسولك أعتق الل ّٰه ربعه من النار ،فمن قالها ّ
الل ّٰه نصفه من النار ،ومن قالها ثلاثا ً أعتق الل ّٰه ثلاثة أرباعه من النار ،فإن قالها أربعا ً أعتقه الل ّٰه تعالى" وابن السني" :من قال في كل
يوم حين يصبح وحين يمسي :حسبي الل ّٰه لا إله إلا هو عليه توكلت ،وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الل ّٰه تعالى ما أهمه من
سب ْح َانَ الل ّٰه و َب ِحَمْدِه ِ غُف ِر َْت ذ ُنُوبُه ،و َِإنح مائَة م َ َّرة ٍ ،وإذ َا أَ مْس َى مائَة م َ َّرة ٍُ :
ل إذ َا أَ صْ ب َ َ
أمر الدنيا والآخرة" ،وابن حبان والحاكم" :م َنْ قَا َ
ن إلى إلَيْه ِ المَصِ ير ُ وآيَة َ سب ْح َانَ الل ّٰه و َب ِحَمْدِه ِ" ،والترمذي" :م َنْ ق َرأَ َ حم المُؤْم ِ ُ ك َان َْت أَ كْ ثَر َ م ِنْ ز َبَدِ الب َحْ رِ" وفي رواية أبي داودُ " :
Shamela.org ٦٣
باب ما يقال عند النوم والاستيقاظ منه ١٧
حف َِظ بِه ِما ح ََت ّى يُصْ بِحَ" .وأبو داود" :م َنْ قَا َ
ل حِينَ يُصْ بِحُ :فَسُب ْح َانَ حف َِظ بِهِم َا ح ََت ّى يُمْس ِي وَم َنْ ق َرأَ َ هُمَا حِينَ يُمْس ِي ُ
ح ُ
الـكُر ْسِي حِينَ يُصْ ب ِ ُ
ك وَم َنْ قَالهنّ حِينَ يُمْس ِي أ ْدرَك َ م َا فَاتَه ُ فِي لَي ْلَته ُ" ،وابن
ك تَخرجون أ ْدرَك َ م َا فَاتَه ُ فِي يَوْمِه ِ ذل ِ َ
الل ّٰه حِينَ تُمْس ُونَ وَحِينَ تُصْ بِحُونَ إلَى و َكذَل ِ َ
سب ْتُم ْ َأن ّمَا خ َلَقْنَاك ُ ْم
السني عن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال :وجهنا رسول الل ّٰه في سر ية ،فأمرنا أن نقرأ إذا أمسينا وإذا أصبحنا} :أَ فَح َ ِ
ع َبَثا ً و َأَ َن ّك ُ ْم إلَي ْنَا لا تَرْجِع ُونَ{ )سورة المؤمنون (١١٥ :وهو والترمذي :من قال حين يصبح ثلاث مرات :أعوذ بالل ّٰه السميع العليم من
الشيطان الرجيم ،وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر ،وك َ َ ّ
ل الل ّٰه تعالى به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي ،وإن مات في
ذلك اليوم مات شهيداً ،ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة .وأبو داود والترمذي عن عبد الل ّٰه بن حبيب قال" :خَر َجْ نَا فِي لَيْلَة ِ مَطَرٍ
شي ْئاً ،ث َُم ّ قَالَ :ق ُلْ قلُ ْتُ :ي َا رَسُول الل ّٰه م َا الن ّب ُيّ ليُصَل ِّي بنَِا ف َأَ ْدرَكْناَه ُ فَق َال :قُلْ فَل َ ْم أَ قُلْ َ
شي ْئاً ،ث َُم ّ قَالَ :قُلْ فَل َ ْم أَ قُلْ َ شدِيدَة ٍ فَطَلَبَ َ
وَظُل ْمَة ٍ َ
ل شَيْءٍ".
ك م ِنْ ك ُ ّ ِ
ح ثَلاثَ م َ َّراتَ ي َ ْكف ِي َ
أَ ق ُولُ؟ قَالَ :ق ُلْ ه ُو َ الل ّٰه أَ حَدٌ و َالمُعَوِ ّذ َتَيْنِ حِينَ تُمْس ِي وَحِينَ تُصْ ب ِ ُ
}باب ما يقال عند النوم والاستيقاظ منه{
ن ال َ ّ
طع َا ِم وَذَك َر َ الحَدِيثَ و َقَالَ: يح ْث ُوا م ِ َ
ل َ أخرج البخاري عن أبي هريرة قال" :وَك َل َن ّي رَسُول الل ّٰه بِ حِفْظِ زَك َاة ِ رَمَضَانَ ف َأَ ت َانِي ٍ
آت ،فَجَع َ َ
ك و َه ُو َ
صد َق َ َ ل َ
الن ّبيَ " : ن ح ََت ّى تُصْ بِحَ ،فَق َا َ
شيْطَا ٌ ن الل ّٰه ح َاف ٌِظ ،و َلا يَقْر َب ُ َ
ك َ ك مِ َ إذ َا أَ و َي ْتَ إلى ف ِرَاشك فَاق ْرأْ َ آيَة الـكُر ْسِي ف َِإ َن ّه ُ لَنْ ي َز َا َ
ل مَع َ َ
شيْطَانٌ" والشيخان" :الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في لَيْلَة ٍ كفتاه وهما :كان رسول الل ّٰه إذا أوى إلى فراشه
ُوب وَذ َاك َ َ
كَذ ٌ
َب َ
الن ّاسِ{ ،ثم مسح بهما ما ل ليلة جمع كفيه ،ثم نفث فيهما فقرأ} :قُلْ ه ُو َ الل ّٰه أَ حَدٌ{ و }قل أعوذ برب الفلق{ و }ق ُلْ أَ ع ُوذ ُ ب ِر ِّ
ك ّ
استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه ،وما أقبل من جسَدِه ِ يفعل ذلك ثلاث مرات .وأبو داود والترمذي عن نوفل قال:
ن الش ِّرْكِ" أعاذنا الل ّٰه من الشرك والنفاق ،والترمذي: ل الل ّٰه :اقرأ }قُلْ ي َا أَ ُ ّيها الك َاف ِر ُونَ{ ث َُم ّ نَم ْ عَلَى خ َاتِمَتِها ف َِإ َ ّنهَا ب َر َاءَة ٌ م ِ َ
ل ل ِي رَسُو َ
"قَا َ
ي الق َُي ّو ُمّ و َأَ تُوب إلَيْه ِ ثَلاثَ م َ َّر ٍ
ات غَف َر َ الل ّٰه تَع َالَى لَه ُ ذ ُنُوبَه ،و َِإ ْن شه ِ أسْ تَغْف ِر ُ الل ّٰه ال َ ّذ ِي لا إله إ َلّا ه ُو َ الح َ ُ ّ ل حِينَ يأَ وِي إلى ف ِرَا ِ
"م َنْ قَا َ
ل عَالج ،و َِإ ْن ك َان َْت عَدَد َ أَ َي ّا ِم ال ُد ّن ْيا" ،وابنا حبان والسني" :م َنْ قَا َ
ل ل ز َبَدِ الب َحْ رِ ،و َِإ ْن ك َانَ عَدَد َ ُ
الن ّجُو ِم ،و َِإ ْن ك َان َْت عَدَد َ ر َ ْم ِ ك َان َت مِث ْ َ
ل و َلا ق َُو ّة َ إ َلّا ب ِالل ّٰه العَل ِ ِيّ ل شَيْء ٍ ق َدير ٌ ،و َلا َ
حو ْ َ ك لَه ُلَه ُالملُ ْك وَلَه ُالحم َْد ُ ،و َه ُو َ عَلَى ك ُ ّ ِ شه ِ :لا إله إ َلّا َ
الل ّه ُ وَحْدَه ُ لا شَر ِي َ حِينَ ي َأْ وِي إلى ف ِرَا ِ
سب ْح َانَ الل ّٰه و َالحم َْد ُ ل َِل ّه ِ و َلا إله إ َلّا الل ّٰه والل ّٰه أَ كْ ب َر ُ ،غُف ِر َْت ذ ُنُوبُه ُ و َلَو ْ ك َان َت مِث ْ َ
ل ز َبَدِ الب َحْ رِ". ِيم ُ
الَعظ ِ
كمَا فَسَب ّحا ثَلاثا ً و َثَلاثِينَ و َاحمدا ثلاثا ً
ش ُ
ل لَه ُ و َلِف َاطِم َة َ رضي الل ّٰه عنهُم َا :إذ َا أَ و َيْتُما إلَى ف ِرَا ِ
ل الل ّٰه قَا َ والشيخان عن عليّ رضي الل ّٰه عنه :أ َ ّ
ن رَسُو َ
كبِّر َا أَ رْبَعا ً و َثَلاثِينَ ،قال علي رضي الل ّٰه عنه :ما تركته منذ سمعته منه قيل له ولا ليلة صفين؟ قال :ولا ليلة صفين .والبخاري
وثلاثين و َ َ
ك أَ رْف َع ُه ُ إ ْن أَ ْمسَكْتَ نَفْسي ف َأ ْرحَم ْها ،و َإ ْن
جنْبِي ،و َب ِ َ
ضعْتُ َ
ك ر َب ِ ّي و َ َ الل ّه ُ َ ّ
م أحْ يَا و َأَ م ُوت ،ب َاسْم ِ َ ك َ "كان إذا أوى إلى فراشه قال :باسْم ِ َ
ن
ك الأيْم َ ِ لصّ لاة ِ ث َُم ّ اضْ طَجِـعْ عَلَى ِ
ش ّق ِ َ ك فَت َوَضَأْ وُضُوءك َ ل ِ َ
َ الصّ الِ حـينَ" .وال َ ّ
شي ْخ َانِ؛ "إذ َا أَ تَي ْتَ م َضْ جَع َ َ تحْف َُظ بِه ِ عِبَادَك َ َ
أَ ْرسَلْتَها فَاحْ فَظْها بِمَا َ
ك و َف َو ّضْ تُ أ ْمر ِي إلَي ْك ،و َأَ لْجأْ َتُ َظ ْهرِي إلَي ْ َ
ك رَغْب َة ً وَرَه ْب َة ً إلَيْكَ ،لا م َل ْج َأَ و َلا مَن ْج َأَ إلا ّ إليك ،آمَن ْتُ الل ّه ُ َ ّم إن ِ ّي أَ سْ لَم ْتُ ن َ ْفس ِي إلَي ْ َ
و َقُلْ َ :
خر َ م َا تَق ُولُ" ،وابن مت م ُ ّ
ُت عَلَى الفِطْرَة ِ و َاجْ عَلْه َُنّ آ ِ ك يَوْم َ تَب ْع َث عِبَادَك َ ف َِإ ْن ُ ّ الل ّه ُ َ ّ
م ق ِني عَذ َاب َ ك ال َ ّذ ِي أَ ْرسَل ْتَ َ :
ك ال َ ّذ ِي أَ ن ْزَل ْتَ و َنَبي ِّ َ
بِكِتَاب ِ َ
السني" :م َنْ ب َاتَ عَلَى َطه َارَة ٍ ث َُم ّ م َاتَ م ِنْ لَي ْلَتِه ِ م َات ش َهيداً" .وأخرج البخاري كان رسول الل ّٰه إذا استيقظ من النوم قال" :الحم َْد ُ ل َِل ّه ِ
ال َ ّذ ِي أَ حْ يَان َا بَعْد َ م َا أَ م َاتَنَا و َِإلَيْه ِ النّش ُور ُ" ،وابن السني :ما من رجل ينتبه من نومه فيقول :الحمد لل ّٰه الذي خلق النوم واليقظة الحمد لل ّٰه
الذي بعثني سالما ًسو يا ًأشهد أن لا إله إلا الل ّٰه يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير إلا قال الل ّٰه تعالى :صدق عبدي .وهو :ما من عبد
Shamela.org ٦٤
باب في أذكار غير مقيدة بوقت ١٩
يقول عند رد الل ّٰه تعالى روحه :لا إله إلا الل ّٰه وحده لا شر يك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ،إلا غفر الل ّٰه تعالى ذنوبه،
ولو كانت مثل زبد البحر.
سب ْح َانَ ل الذِّكْر ِ لا إله إ َلّا الل ّٰه" ،وأحمد ومسلم" :أح ُ ّ
َب الك َلا ِم إلَى الل ّٰه تَع َالَى أرْبَعٌُ : ض ُ
ذِك ْر ُالل ّٰه" ،والترمذي والنسائي وابنا ماجه وحبان" :أف ْ َ
سب ْح َانَ الل ّٰه و َالحم َْد ُ ل َِل ّه ِ و َلا إله إ َلّا الل ّٰه و َالل ّٰه أَ كْ ب َر ُ
الل ّٰه و َا ْلحم َْد ُ لل ّٰه ولا إله إلا الل ّٰه و َالل ّٰه أَ كْ ب َر ُ لا يَضُرّك َ ب َأَ يّه ُنّ بَد َأتَ " ،وابن ماجه" :عَلَيْك ُ ْم ُ
ل و َلا ق َُو ّة َ إ َلّا ب ِالل ّٰه ف َِإ َ ّنهَا م ِنْ كُن ُوزِ الج َنَ ّة ِ" ،ومسلم: حو ْ َل لا َ شجَرَة ُ وَر َقَه َا" ،وابن عدي" :أَ كْ ث ِر ُوا م ِنْ قَو ْ ِن الخَطَاي َا كَما تَح ُ ُّط ال َ ّ
يحْط ُط َ ف َِإ َ ّنه َُنّ َ
Shamela.org ٦٥
باب في أذكار غير مقيدة بوقت ١٩
"أن النبي خرج من عند جوير ية رضي الل ّٰه عنها بكرة حين صلى الصبح ،وهي في مسجدها ،ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة ،فقال:
ما زلت على الحالة التي فارقتك عليها؟ قالت :نعم.
فقال النبي :لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن :سبحان الل ّٰه وبحمده عدد خلقه ورضاء
ات إذ َا أَ ن ْتَ قلُْتَه َُنّ و َعَلَي ْ َ
ك نفسه ،وزنة عرشه ومداد كلماته" ،والترمذي عن علي رضي الل ّٰه عنه قال :قال رسول الل ّٰه" :ألا ُأعَل ِّم ُ َ
ك كَل ِم َ ٍ
موات
ِ سَب ال َ ّ
سب ْح َانَ الل ّٰه ر ّ
ألا ّ الل ّٰه ُ خطَاي َا غفر الل ّٰه لَكَ :قُلْ لا إله إ َلّا الل ّٰه العَل ِ ُيّ العَظ ِ
ِيم لا إله إ َلّا الل ّٰه الحل َيِم ُالـكَر ِيم ُلا إله َ ل عَدَدٍ الذرِّ َ
مِث ْ ُ
ك
ات لَو ْ ك َانَ عَلَي ْ َ
ك كَل ِم َ ٍ ِيم الحم َْد ُ ل َِل ّه ِ ر ِّ
َب العالمينَ" ،وهو وأحمد والحاكم عنه قال :قال رسول الل ّٰه" :أَ لا ُأعَل ِّم ُ َ ش العَظ ِ سب ِْع وَر ِّ
َب العَر ْ ِ ال َ ّ
ل لا إله إ َلّا
ك ع َم ّنْ سِوَاك َ" .والشيخان" :م َنْ قَا َ
ك و َأَ غْن ِني بِف َضْ ل ِ َ الل ّه ُ َ ّ
م اكْ فِنِي بحلالك ع َنْ حَر َام ِ َ ل جَب َل ثَبېر ِ ذن ْبا ًأذ َابَه ُ الل ّٰه عَنْكَ ،ق ُل َ
مِث ْ ُ
حسَنَة ٍ ل شَيْء ٍ قَدِير ٌ في يَو ْم مائَة َ م َ َّرة ٍ ك َان َْت لَه ْ عَدْل عَش ْر رِق َ ٍ
اب ،وَكُت ِب َْت لَه ْ مائَة َ َ ك وَلَه ُ الحم َْد ُ و َه ُو َ عَلَى ك ُ ّ ِ
ك لَه ُ لَه ُ الملُ ْ ُ
الل ّٰه وَحْدَه ُ لا شَر ِي َ
ل أَ كْ ثَر َ مِن ْه ُ". ل م َِم ّا ج َاء َ بِه ِ إلا رَج ُ ٌ
ل عَم ِ َ ض َ ك حتى يُمْس ِي ،و َل َ ْم ي َأْ ِ
ت أَ حَدٌ أَ ف ْ َ ن يَوْم َه ُ ذل ِ َ ن ال َ ّ
شيْطَا ِ حرْزا ً م ِ َ
مح ِي َْت عَن ْه ُ مائَة سَي ِّئ َة وَك َان َْت لَه ُ ِ
وَ ُ
والخطيب وأبو نعيم وابن عبد البر ّ "من قال في يومه مائة مرة لا إله إلا الل ّٰه الملك الحق المبين كان له أمانا ًمن الفقر وأنسا ًمن وحشة
القبر ،وفتحت له أبواب الجنة".
والبيهقي" :ما من مسلم يقف عشية عرفة فيستقبل القبلة بوجهه ،ثم يقول :لا إله إلا الل ّٰه وحده لا شر يك له له الملك وله الحمد وهو على
ل على محمد وعلى آل محمد ،كما صليت على إبراهيم وعلى مرة ثم يقرأ :قل هو الل ّٰه أحد مائة ّ
مرة ،ثم يقول :اللهم ص ّ ِ ل شيء قدير مائة ّ
ك ّ
آل إبراهيم ،إنك حميد مجيد ،وعلينا معهم مائة مرة إلا قال الل ّٰه تعالى :يا ملائكتي ما جزاء عبدي هذا أشهدكم أني قد غفرت له وشفعته
في نفسه ،ولو سألني عبدي هذا لشفعته في أهل الموقف .وروي عن ابن عباس قال" :الليل والنهار أربع وعشرون ساعة وحروف لا
إله إلا الل ّٰه محمد رسول الل ّٰه أربعة وعشرون حرفاً ،فمن قال لا إله إلا الل ّٰه محمد رسول الل ّٰه كفر كل حرف ذنوب ساعة ،فلا يبقى عليه
ذنب إذا قالها في كل يوم مرة ،فكيف بمن يكثر من قول لا إله إلا الل ّٰه و يجعلها شغله؟.
إخواني إن كنتم عاصين فقولوا؛ لا إله إلا الل ّٰه فإنها تكفر الذنوب والعصيان ،وإن كنتم طائعين فجددوا إيمانكم بقول لا إله إلا الل ّٰه،
فإنها تجدد الإيمان وتورث الأمن والأمان ،والعفو والغفران ،وأخرج البغوي" :اسْ تَغْف ِر ُوا ر ََب ّك ُ ْم إن ِ ّي أسْ تَغْف ِر ُ الل ّٰه و َأَ تُوبُ إلَيْه ِ ك ُ َ ّ
ل يَو ْ ِم
سب ْع ِمائَة َ سب ْع ِينَ م َ َّرة ً غَف َر َ الل ّٰه لَه ُ َ ل د َاء ٍ دَو َاء ٌ وَدَو َاء ُ ال ُذ ّن ُ ِ
وب الاسْ تِغْف َار ُ" وابن السنى" :م َن اسْ تَغْف َر َ الل ّٰه فِي ك ُ ّ ِ
ل يَو ْ ٍم َ مائَة َ م َ َّرة ٍ" ومسلم" :لِك ُ ّ ِ
ل الل ّٰه لَه ُ م ِنْ
ن الاسْ تِغْف َارِ جَع َ َ ل فِي اليَو ْ ِم و ََالل ّيْلَة ِ أَ كْ ثَر َ م ِنْ َ
سب ْع ِمائَة ِ ذَن ٍْب" وأحمد والحاكم" :م َنْ أَ كْ ثَر َ م ِ َ ذَن ٍْب ،و َق َ ْد خ َابَ عَبْدٌ أَ ْو أَ م َة ٌ عَم ِ َ
يح ْتَسِبُ " وروى معروف الـكرخي عن أنس بن مالك وابن عمر :أن رجلا ًأتى
حي ْثُ لا َ
مخ ْر َجا ً وَر َزق َه ُ م ِنْ َ
ق َ
ضي ْ ٍ
ل ِ
ل هَم َ ف َر َجا ً وَم ِنْ ك ُ ّ ِ
ك ُ ِّ
النبي فقال؛ دلني على عمل يدخلني الجنة؟ قال :لا تغضب ،قال :فإني لا أطيق ذلك .قال :فاستغفر الل ّٰه عز وجل كل يوم بعد صلاة
العصر سبعين مرة يغفر الل ّٰه لك ذنوب سبعين عاماً .قال :فإن لم تأت عليّ ذنوب سبعين؟ قال :يغفر لأقاربك .غفر لنا الل ّٰه ولأقاربنا.
عز وجلّ ،فقال ل أربعين سنة ،فلما كان بعض الليالي أخذته دالة على الل ّٰه ّ
عز وج ّ
وحكى اليافعي عن بعض الصالحـين أنه عبد الل ّٰه ّ
إلهي أرني ما قد أعددت لي من الحور العين ،فما استتم ّ الكلام حتى انشقّ المحراب ،فخرجت منه حور ية لو خرجت إلى الدنيا لفتنتها،
فقال لها :إنسية أنت؟ فأنشأت تقول:
َف البَل ْو َى
كش َ شكَو ْتَ إلَى المَو ْلَى و َق َ ْد عَل ِم َ ال َ ّ
شكْو َى <> و َأَ ْعطَاك َ م َا تَرْجُو و َق َ ْد َ َ
ل لَو ْ ت َ ْسم َ ُع َ
الن ّجْ و َى ل َ
الل ّي ْ ِ ك و َِإ َن ّنِي <> ُأن َاجِي َ
ك طُو َ و َأرسَلَني ُأن ْسا ًإلَي ْ َ
Shamela.org ٦٦
باب فضل الصلاة على النبي ٢٠
ل خادمة
ل جوير ية مائة خادمة ،ولك ّ
فقال لها :يا جار ية لمن أنت؟ قالت :أنا لك ،فقال :كم لي مثلك جوير ية .قالت :مائة جوير ية ولك ّ
ل وصيفة مائة قهرمانة ففرح ،وقال :يا جوير ية هل أعطى أحدا ً أكثر مني؟ قالت :يا مسكين عطاؤك عطاء البطالين
مائة وصيفة ،ولك ّ
الذين يقولون :أستغفر الل ّٰه فيغفر لهم ،ثم يستغفرون الل ّٰه عند غروب الشمس فيغفر لهم .غفر الل ّٰه لنا ولوالدينا ولأحبابنا.
ن أفضل الذكر لا إله إلا الل ّٰه ،وأنه لا يساوي شيء من الأذكار هذا الذكر أصلا ً كما أخبر به النبي ،ولهذا اجتمعت المشايخ
)تنبيه( اعلم أ ّ
الشوامخ قدس الل ّٰه أرواحهم على اختيار هذه الكلمة الشر يفة ،فعملوا بهما في السلوك والتسليك ،وقالوا ينبغي للمبتدىء ،أن يقتصر عليها
بعد الفرائض والسنن ،والرواتب من الصلوات ،فيشتغل سائر أوقاته بها إلى ما لا ب ّد منه .قال النووي :والصحيحة أن ذكر اللسان مع
حضور القلب أفضل من ذكر القلب وحده ،والصحيح المختار أنه يستحب م ّد الذاكر قوله لا إله إلا الل ّٰه لما فيه من التدبر ،فالمراد من
الذكر حضور القلب ،فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر فيحرص على تحصيله ،وإذا ذكر الل ّٰه تعالى وقلبه غافل عنه ،فهو غير ذاكر له
س له بقلبه ،ومعلق بلسانه فينبغي توبته من ذلك ،ولزوم الاستغفار منه .وقال بعضهم من قال الل ّٰه وقلبه غافل عن الل ّٰه فخصمه
بل نا ٍ
في الدارين الل ّٰه .وقال القطب المحقق سهل بن عبد الل ّٰه التستري :لا أعرف المعصية أقبح منه .أعاذنا الل ّٰه من الغفلة في الذكر والصلاة
ورزقنا الإخلاص والحضور فيهما.
}باب فضل الصلاة على النبي{
ن آم َن ُوا ص َُل ّوا عَلَيْه ِ و َسل ِّم ُوا تَسْلِيماً{ )سورة الأحزاب(٥٦ :
}ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ك َ ّفارَة ٌ لـَك ُ ْم وَزَك َاة ٌ فَم َنْ صَلَ ّى عَل َيّ صَلاة ً صَلّى الل ّٰه عَلَيْه ِ عَش ْراً" وأحمد: ن رسول الل ّٰه قال" :ص َُل ّوا عَل َيّ ف َِإ ّ
ن الصّ لاة َ عَل َيّ َ أخرج التيمي أ ّ
ل م َا شِئ ْتَ ،و َِإ ْن زِدْتَ ل م َا شِئ ْتَ قلُ ْتُ ُ :
الر ّب ُ َع قَا َ ك م ِنْ صَلاتِي؟ قَا َ
ل لَ َ ل الل ّٰه إن ِ ّي ُأكْ ث ِر ُ َ
الصّ لاة َ فَك َ ْم أَ جْ ع َ ُ ل أب ُيّ ،فَق ُل ْتُ :ي َا رَسُو َ
ف ِيِه ِ ،قَا َ
ف .قَالَ :م َا شِئ ْتَ ،و َِإ ْن زِدْتَ فَه ُو َ خَيْر ٌ لَكَ ،فَق ُل ْتُ :فَالثّلُثَيْنِ .قَالَ :م َا شِئ ْتَ و َِإن زِدْتَ فَه ُو َ خَيْر ٌ لَكَ.
فَه ُو َ خَيْر ٌ لَكَ .قلُ ْت :فَالن ِصْ َ
ك ذَن ْبُكَ".
ك و َيُغْف ُر ُ ل َ َ ك صَلاتِي ك َُل ّه َا؟ قَا َ
ل إذا ً تكْفي هَم ّ َ ل لَ َ
فَق ُل ْتُ :أَ جْ ع َ ُ
الصلاة على رسول الل ّٰه أمحق للخطايا من الماء للنار ،والسلام على النبي أفضل من عتق الرقاب ،وحب رسول الل ّٰه أفضل من مهج
سب ْع ِينَ م َلَكا ًأل َْف صَب َ ٍ
اح"، ل جَز َى الل ّٰه ع َن ّا مُحَم ّدا ً بِمَا ه ُو َ أَ ه ْلُه ُ أَ ت ْع َبَ َ
الأنفس ،أومن ضرب السيف في سبيل الل ّٰه .والطبراني" :م َنْ قَا َ
ْروب
ج ع َنْ مَك ٍ الل ّه ِ قَالَ :م َنْ ف ََر ّ َ
ل َ ل إ َلّا ظِلّه ُ .قيل :م َنْ ه ُ ْم ي َا رَسُو َ ل يَوْم َ لا ظِ َ ّ
ن ع َّز وَج َ ّ ل َ
الر ّحْم ِ تح ْتَ ظِ ّ ِ
وروي أن النبي قال" :ثَلاثَة َ
اب ل َ ْم ت َز ِ
ل المَلائِك َة يَسْتَغْف ِر ُونَ لَه ُ م َا د َام َ اسمي فِي م ِنْ ُأمّتِي وَم َنْ أَ حْ يَا سُنّتِي ،وَم َنْ أَ كْ ثَر َ َ
الصّ لاة عَل َيّ" وعنه قال" :م َنْ صَلّى عَل َيّ فِي ك ِت َ ٍ
اب" ،وروى التيمي عن زين العابدين أنه قال :علامة أهل السنة كثرة الصلاة على رسول الل ّٰه.
ك الكِت َ ِ
ذل ِ َ
ن آدم عليه السلام لما رام القرب من حو ّاء طلبت منه المهر .فقال :يا رب ماذا أعطيها؟ قال:
وذكر ابن الجوزي في )سلوة الأحزان( أ ّ
ل إلى موسى عليه السلام في بعض ما أوحى
عز وج ّ
ل على صفيي محمد عشرين مرة ففعل .وقال كعب الأحبار :أوحى الل ّٰه ّ
يا آدم ص ّ ِ
Shamela.org ٦٧
باب فضل الصلاة على النبي ٢٠
ن مسرفا ً من بني
حب أن لا ينالك من عطش يوم القيامة؟ قال :إلهي نعم .قال :فأكثر الصلاة على محمد .وروي :أ ّ
إليه يا موسى أت ّ
ل عليه فإني قد غفرت له .قال :يا رب وبم ذلك؟ قال :إنه فتح
سِله وص ّ
إسرائيل لما مات رموا به فأوحى الل ّٰه لموسى عليه السلام أن غ ّ
ن عائشة رضي الل ّٰه عنها كانت تخيط
التوراة يوما ً فوجد فيها اسم محمد ،فصلى عليه فغفر له بذلك .وفي شرف المصطفى لأبي سعيد" :أ ّ
شيئا ًفي وقت السحر فضلت الإبرة وطفىء السراج ،فدخل عليها النبي ،فأضاء البيت بضوئه ووجدت الإبرة ،فقالت :ما أضوأ وجهك
يا رسول الل ّٰه؟ قال :و يل لمن لا يراني .قالت :ومن لا يراك؟ قال :البخيل .قالت :ومن البخيل؟ قال :الذي لا يصل ِّي عليّ إذا سمع
باسمي.
ل
ل ي َا رَسُو َظبي َ ،فَق َا َ ل شَيْء ال َ ّ ق كُ َ ّ
سب ْح َانَه ُ ال َ ّذ ِي أنْطَ َ
ق الل ّٰه ُ ن رَج ُلا ًمر َ
بالن ّبي وَمَع َه ُ َظبْي ٌ قَدِ اصْ طَادَه ُ ،ف َأَ نْطَ َ ّ وذكر أبو نعيم في الحلية" :أ َ ّ
يخ ْلِينِي ح ََت ّى أذْه َبَ ف َُأ ْرضِـع أَ وْلادِي و َأَ ع ُود .قَالَ :ف َِإ ْن ل َ ْم تَع ُودِي؟ ن لي أوْلادا ً وأن َا ُأ ْرضِعُهُمْ ،و َِإ َ ّنهُم ُ الآن جِيَاعٌ ،ف َأْ م ُْر هذا أ ْن ُ
الل ّٰه :إ ّ
ل
جب ْر ي ُ
ل ِ
َت ،فَنَز ِ َ الن ّب ُيّ أطَلِقْها و َأَ ن َا ضَامِنُها فَذ َه َب َت ال َ ّ
ظبي َة ُ ث َُم ّ عَاد ْ ل َ ت :إ ْن ل َ ْم أَ ع ُ ْد فَلَع َنَنِي الل ّٰه كَم َنْ ت ُ ْذك َر بَي ْن يَد َيْه ِ فَلا يُصَل ِّي عَلَيْكَ .فَق َا َ
قَال َ ْ
Shamela.org ٦٨
باب الشرك الأصغر وهو الر ياء ٢١
قطعها نصفين فأبى الأصغر إجلالا ًله .فقال له الأكبر :أتأخذ الثلاث بحظك من المال؟ قال :نعم ،ثم جعل الثلاث في جيبه وصار
يخرجها ويشاهدها و يصلي على النبي ،فعن قريب كثر ماله وفنى مال الأكبر .ولما توفي الصغير رآه بعض الصالحـين ،ورأى النبي .فقال
له قل للناس من كانت له إلى الل ّٰه حاجة ،فليأت قبر فلان هذا ويسأل الل ّٰه قضاء حاجته ،فكان الناس يقصدون قبره حتى بلغ إلى أن
مر على قبره راكبا ًينزل ويمشي راجلاً.
ل من ّ
كان ك ّ
)
ن أدْنَى خف َِي ّة ً" .والطبراني" :إ َ ّ ل تَعْبِد ُونَ شَم ْسا ً و َلا قَم َرا ً و َلا وثَناً ،و َلـَكِنْ أَ عمالا ً لِغَيْر ِ الل ّٰه و َشَهْوَة ً َ ُأمّتِي الإشْر َاك ُ ب ِالل ّٰه ،أَ م َا إني لَسْتُ أَ قُو ُ
الر ّياء ِ شِرْك ٌ و َأَ ح ُ ّ
َب الع َب ِيد إلى الل ّٰه الأَ تْق ِيَاء الأخْ ف ِيَاء :أي المبالغون في ستر عبادتهم ،وتنزيهها عن شوائب الأعراض الفانية ،والأخلاق
ن الل ّٰه ح َرّم َ
الدنية الذين إذا غابوا لم يفتقدوا ،وإذا شهدوا :أي حضروا لم يعرفوا أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم" .وأبو نعيم والديلمي" :إ َ ّ
Shamela.org ٦٩
باب الشرك الأصغر وهو الر ياء ٢١
س يَوْم َ الق ِيَامَة ِ إلى الج َنَ ّة ِ ح ََت ّى إذ َا د َنَوا مِنْهَا و َاسْ تَنْشَق ُوا رِ يحَه َا و َنَظَر ُوا سحَب عَلَى و َجْ هِه ِ ث َُم ّ ُألْقِ َي فِي َ
الن ّارِ" .والطبراني والبيهقي" :يُؤْم َرُ بنَِا ٍ فَي ُ ْ
إلى قُصُورِها ،وإلى م َا أَ ع َ ّد الل ّٰه لأه ْلِه َا ف ِيها أ ِ
ن اصْر ِفُوه ُ ْم عَنْهَا لا نَصِ يبَ لَه ُ ْم ف ِيهَا ،فَيَرْجِع ُونَ بِ حَسْرَة ٍ م َا يَرْج ُع الأوّلُونَ والآخَر ُونَ بِمِثْلها،
ك ك َانَ أَ ه ْوَنَ ،قَالَ :ذ َاك َ أَ رَدْتُ مِنْك ُ ْم ي َا
ل أَ ْن تَر ِينا م َا أَ ر َي ْتَنَا م ِنْ ثَوَابِكَ ،وَم َا أَ عْدَدْتَ ف ِيها لأوْلِيَائ ِ َ فَيَق ُولُونَ ر َ َب ّنَا لَو ْ أَ ْدخ َل ْتَنَا َ
الن ّار َ قَب ْ َ
ِلاف م َا تَعْط ُونِي م ِنْ قُلُوبِك ُ ْم
اس ب ِأَ عْمَالـِك ُ ْم خ َ مخ ْبتِينَ ت ُر َاؤونَ َ
الن ّ َ اس لَق َيتُم ُوه ُ ْم ُ كن ْتُم ْ إذ َا خ َلَوْتُم ْ ب َارَزْتمُونِي بالعَظَا ِئمِ ،و َإذ َا لَق َيتُم ُ َ
الن ّ َ أشْ ق ِيَاء ُ ُ
واب"
الث ّ ِن َ تج ُِل ّونِي و َت َرَكْ تُم ْ ل ِ َلن ّاسِ ،و َل َ ْم تَتْرِكُوا لِي َ فَاليَوْم َ ُأذِيقُكُم ُ العَذ َابَ م َ َع م َا ح َرّمْتُم ْ م ِ َ
اس و َل َ ْم َ
اس و َلَم تهَابُونِي ،و َأَ جْلَل ْتُم الن َ َ هِب ْتُم ُ َ
الن ّ َ
ل بِمِا أَ م َرَك َكي َْف نُخَادِع الل ّٰه؟ قَالَ :أ ْن تَعْم َ َ الن ّج َاة ُ غ َداً؟ قَالَ :أ ْن لا تُخَاد ِِع الل ّٰه ،قَالَ :و َ َ ل الل ّٰه فَق َالَ :م َا َ ل رَسُو َ ل رَج ُ ٌ وروى الذهبي" :سَأَ َ
الل ّٰه وَرَسُولُه و َتُر ِيد ُ بِه ِ غَيْر َ وَجْه ِ الل ّٰه" فاتقوا الر ياء فإنه الشرك بالل ّٰه ،وأن المرائي ينادى عليه يوم القيامة على رؤوس الخلائق بأربعة أسماء:
ل عملك وبطل أجرك ،فلا خلاق لك اليوم ،فالتمس أجرك ممن تعمل له يا مخادع.
يا كافر يا فاجر يا غادر يا حاضر ض ّ
)
تنبيهان( :أحدهما :أن الر ياء المذموم إرادة العامل بعبادته غير وجه الل ّٰه تعالى كأن يقصد إطلاع الناس على عبادته حتى يحصل له
عز الدين بن عبد السلام فيمن قصد بعمله الر ياء والعبادة .فقال
نحو مال أو ثناء ،وقد اختلف حجة الإسلام الغزالي وسلطان العلماء ّ
الغزالي .إن غلب باعث للدنيا فلا ثواب له ،أو باعث الآخرة فالثواب له ،وإن تساو يا تساقطا فلا ثواب أيضاً .وقال ابن عبد السلام
لا ثواب مطلقاً ،ورجحه الزركشي للأخبار الصحيحة كخـبر "من عمل عملا ً أشرك فيه غيري فأنا بريء منه هو للذي أشرك" .وثانيهما:
إن العبد إذا عقد عبادته على الإخلاص ثم ورد عليه وارد الر ياء ،فإن كان بعد تمام العمل لم يؤثر فيه ،لأنه تم على الإخلاص ،فإن
تكلف إظهاره والتحدّث به قصدا ً للر ياء .قال الغزالي فهذا مخوف ،وفي الآثار والأخبار ما يدل على أنه يحبط العمل .ثم قال الأقيس
أنه مثاب على عمله الذي انقضى ومعاقب على مراآته بطاعة الل ّٰه ولو بعد فراغه منها.
وحكي أن رجلا ًأضاف سفيان الثوري وأصحابه ،فقال لأهله :هاتوا الطبق لا الذي أتيتُ به في الحجة الأولى ،بل في الثانية .فقال سفيان
ل الثوري :هو مسكين أفسد بهذا حجتيه ،عافانا الل ّٰه من الر ياء .وورد أنه قال لأبي بكر رضي الل ّٰه عنه" :الش ِّرْك ُ أَ خْ فَى م ِنْ د َبِيب َ
النمّ ْ ِ
ك أ ْن أَ شْرِك َ بِكَ ،و َأَ ن َا أَ ع ْلَم ُ و َأسْ تَغْف ِرك َ لم َِا لا الل ّه ُ َ ّ
م إن ِ ّي أع ُوذ ُ ب ِ َ صغ َار َ الش ِّرْك وَك ِباَرَه ُ تَق ُولَُ : ك عَلَى شَيْء ٍ إذ َا فَعَل ْت َه ُ أذْه َبَ الل ّٰه عَن ْ َ
ك ِ و َسأدُل َ
ات" وسئل بعض الأئمة من المخلص؟ فقال :الذي يكتم حسناته كما يكتم سيئاته ،وسئل آخر ما غاية الإخلاص؟
أع ْلَم ُ تَق ُولَها ثَلاثَ م َ َّر ِ
حب محمدة الناس.
قال :أن لا ت ّ
Shamela.org ٧٠
باب الـكبر والعجب ٢٢
ل إ َّ
ن حسَن َة ً قَا َ
حسَنا ً و َنَعْلُه ُ َ يح ُ ّ
ِب أَ ْن يَكُونَ ثَو ْبُه ُ َ ل ُ ن َ
الر ّج ُ َ ل إ َّ ل ذ َ َرّة ِ م ِنْ ِ
كبْرٍ قَي َ يَج ُُر ّ إز َارَه ُ بَطَراً ،لا ي َ ْدخ ُ ُ
ل الج َنَ ّة َ م َنْ ك َانَ فِي قَل ْبِه ِ مِثْق َا ُ
Shamela.org ٧١
باب الحقد والحسد ٢٣
ض ُع لا يُز ِيد ُ العَبْد َ إلا رِفْع َة ً فَت َوَاضَع ُوا يَرْفَعْك ُم الل ّٰه و َالعَفْو لا يُز ِيد العَبْد َ إ َلّا ع ِّزا ً فَا ْعف ُوا
"الت ّوَا ُ يح ُ ّ
ِب الجم ََالَ" .وأخرج ابن أبي الدنياَ : ل ُ
الل ّٰه جَم ِي ٌ
اس تَوَاضُعا ًل َِل ّه ِ تَع َالَى،
ل" والترمذي والحاكم" :م َنْ ت َرَك َ الل ّب َ َ ص َ ّدق ُوا يَرْحَمْكُم ُ الل ّٰه ع َ َّز وَج َ َ ّ يُع ِز ّكُم ُ الل ّٰه ،و َ
َالصّ د َق َة َ لا ت َزيد ُ المَال إ َلّا َ
كثْرَة ً ،فَت َ َ
Shamela.org ٧٢
باب الغضب ٢٤
على قربه من الملك بعض الجهلة ،وعمل الحيلة على قتله فسعى به للملك؛ فقال له إنه يزعم أنك أبخر وأمارة ذلك أنك إذا قربت منه
يضع يده على أنفه لئلا يشم رائحة البخر ،فقال له :انصرف حتى أنظر ،فخرج فدعا الرجل لمنزله وأطعمه ثوماً ،فخرج الرجل من عنده
وجاء للملك ،وقال مثل قوله السابق :أحسن إلى المحسن إلى آخره كعادته فقال له الملك :ادن مني فدنا منه فوضع يده على فيه مخافة
أن يشم الملك منه ريح الثوم ،فقال الملك في نفسه :ما أرى فلانا ًإلا قد صدق .وكان الملك لا يكتب بخطه إلا بجائزة أو صلة ،فكتب
له بخطه لبعض عماله إذا أتاك صاحب كتابي هذا فاذبحه واسلخه ،واحش جلده تبنا ًوابعث به إل َيّ ،فأخذ الكتاب ،وخرج فلقيه الذي
سعى به فقال :ما هذا الكتاب؟ قال :خط الملك لي بصلة فقال :هبه لي فقال هو لك ،فأخذه ومضى إلى العامل :فقال العامل في
كتابك أن أذبحك وأسلخك قال :إن الكتاب ليس هو لي الل ّٰه الل ّٰه في أمري حتى أراجع الملك .قال :ليس لكتاب الملك مراجعة فذبحه
وسلخه وحشا جلده تبناً ،وبعث به ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته ،وقال مثل قوله فعجب الملك وقال :ما فعل الكتاب؟ قال لقيني
فلان واستوهبه مني فدفعته له ،فقال الملك :إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر قال :ما قلت ذلك ،قال :فل ِم َوضعت يدك على أنفك وفيك؟
قال :أطعمني ثوما ًفكرهت أن تشمه .قال :صدقت ارجع إلى مكانك فقد لقي المسيىء إساءته .فتأملوا رحمكم الل ّٰه شؤم الحسد وما جرّ
إليه اللهم طهّ ِر قلوبنا من الحسد والحقد.
وحكى أبو نعيم عن يحيى الجماني قال :كنت في مجلس سفيان بن عيينة ،فاجتمع عليه ألف إنسان أو يزيدون أو ينقصون ،فالتفت في
آخر مجلسه إلى رجل كان عن يمينه فقال :قم حدّث القوم حديث الحية .فقال الرجل :أسندوني فأسندناه وسالت جفون عينيه .ثم
قال :ألا فاسمعوا وعوا حدثني أبي عن جدي :أن رجلا ً كان يعرف بمحمد بن حمير ،وكان له ورع يصوم النهار ،و يقوم الليل ،فخرج
ذات يوم يتصيد إذ عرضت له حية فقالت :يا محمد بن حمير أجرني أجارك الل ّٰه ،قال لها :ممن؟ قالت :من عدّو قد ظلمني قال لها وأين
عدوك ،قالت له :من ورائي؟ قال لها :ومن أيّ أمة أنت؟ قالت :من أمة محمد .قال :ففتحت ردائي وقلت :ادخلي فيه ،قالت :يراني
عدوّي فشلت طمري .فقلت :ادخلي بين طمري وبطني .قالت :يراني عدوّي ،فقلت لها :فما الذي أصنع بك؟ قالت :إن أردت
اصطناع المعروف فافتح لي فاك حتى أنساب فيه .قلت :أخشى أن تقتليني .قالت :لا والل ّٰه ما أقتلك الل ّٰه شاهد عليّ بذلك وملائكته
وأنبياؤه وحملة عرشه وسكان سمواته إن أنا قتلتك ،قال محمد بن حمير :ففتحت فيّ فانسابت فيه ،ثم مضيت فعارضني رجل من صمصامة
فقال لي :يا محمد .قلت :وما تشاء؟ قال :عدوّي .قلت :ومن عدوّك؟ قال :حية قلت :اللهم لا واستغفرت ربي من قولي لا مائة
مرة ،ثم مضيت قليلا ًفأخرجت رأسها من فيّ وقالت :انظر مضى هذا الدوّ فالتفت فلم أر أحدا ً قلت :لم أر أحدا ً إن أردت أن تخرجي
فاخرجي فقالت :الآن يا محمد اختر واحدة من اثنتين :إما أن أفتت كبدك ،وإما أن أثقب فؤادك ،فأدعك بلا روح فقلت :سبحان
الل ّٰه اين العهد الذي عهدت إليّ واليمين الذي حلفت ما أسرع ما نسيتيه قالت :يا محمد لم نسيت العداوة التي كانت بيني وبين أبيك آدم
حيث أخرجته من الجنة على أي شيء أردت اصطناع المعروف مع غير أهله؟ قلت :لها :ولا بد أن تقتليني .قالت :لا ب ّد من ذلك.
Shamela.org ٧٣
باب الغيبة ٢٥
أسفل قطعة قطعة فتعلقت بالرجل فقلت له :من أنت الذي منّ الل ّٰه عليّ بك فضحك؛ ثم قال :ألا تعرفني قلت :اللهم لا .قال :محمد
وعزتي
ّ ل فقال:
عز وج ّ
بن حمير إنه لما كان بينك وبين الحية ما كان ،ودعوت بذلك الدعاء ضجت ملائكة السموات السبع إلى الل ّٰه ّ
وجلالي رأيت بعيني كل ما فعلت الحية بعبدي ،وأمرني الل ّٰه سبحانه وتعالى بالنزول إليك ،وأنا يقال لي المعروف مستقري في السماء
الرابعة أن انطلق إلى الجنة وخذ ورقة خضراء والحق بها عبدي محمد بن حمير يا محمد عليك باصطناع المعروف ،فإن صنع المعروف يقي
عز وجلّ.
مصارع السوء ،وإنه وإن ضيعه المصطنع إليه لم يضع عند الل ّٰه ّ
}باب الغضب{
سد ُ َ
الصّ ب ْر ُ العَسَل". سد ُ الإيمانَ كَمَا ي ُ ْف ِ أخرج البيهقي وابن عساكر عن رسول الل ّٰه أنه قال" :ي َا مُع َاوِ يَة ُ إ َي ّاك َ والغَضَبَ ف َِإ َ ّ
ن الغَضَبَ ي ُ ْف ِ
والخرائطي" :إ ي ّاك ُ ْم و َالبَغْضَاء َ ف َِإ َ ّنهَا الحَالِق َة ُ" .وابن شاهين يقول الل ّٰه" :اب ْ َ
ن آدَم َ ا ْذكُر ْني حِينَ تَغْضَبُ أَ ْذكُرْك َ حِينَ أَ ْغضَبُ و َلا أَ مْ حَق ُ َ
ك
جه َ َن ّم َيَضَع ُه ُ الل ّٰه عَلَى نياطِ أَ حَدِك ُ ْم ألا ت َر َى أنَه ُ إذ َا غ َضِ بَ احْم َر ْ
ّت عَي ْن ُه ُ و َارْب َ ّد و َجْ ه ُه ُ ن أَ مْ حَقُ" .والحاكم" :إ َ ّ
ن الغَضَبَ مَي ْسَمٌ م ِنْ ن َارِ َ ف ِيم ُ
َاب لا يسلـكه إ َلّا م َنْ ُ
شفِي غَيْظ ُه ُ بِس ُخْ طِ الل ّٰه" ،والطبراني" :م َنْ د َف َ َع غَضَب َه ُ د َف َ َع الل ّٰه عَن ْه ُ عَذ َابَه ُ"، َت أَ ْود َاج ُه ُ .والترمذي" :لل َِن ّارِ ب ٌ
و َان ْتَفَخ ْ
Shamela.org ٧٤
باب الغيبة ٢٥
وحكي أيضاً :أنه قيل للأحنف بن قيس ،ممن تعلمت الخلق؟ فقال :من قيس بن عاصم المنذري .قيل :وما بلغ ذلك من خلقه قال:
بينما هو جالس في داره إذ جاءت خادمة له بشواء فسقط من يدها على ابن له فمات فدهشت الجار ية .فقال :لا روع عليك أنت
حرّة لوجه الل ّٰه.
نسأل الل ّٰه الـكريم أن يطهر قلوبنا من الذنوب الباطنة ،ويرزقنا الأخلاق الحسنة آمين.
}باب الغيبة{
ِب أحَد ُك ُ ْم أ ْن
يح ّ
ضك ُ ْم بَعْضا ًأ ُ ظن إثْم ٌ ولا تَج َ َ ّ
سس ُوا و َلا يَغْت َْب بَعْ َ ْض ال َ ّ ن إ َّ
ن بَع َ ن ال َ ّ
ظ ِّ قال الل ّٰه تعالى} :ي َا أَ ُ ّيها ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا اجْ تَن ِب ُوا كَث ِيرا ً م ِ َ
اب ر َحيِم ٌ{ )سورة الحجرات(١٢ : يأكل لَحْم َ أَ خِيه ِ مَي ْتا ًف َكَرِه ْتُم ُوه ُ و ََات ّق ُوا الل ّٰه إ َ ّ
ن الل ّٰه تَو ّ ٌ
ن َ
الز ّنى، ش ّد م ِ َ أخرج البيهقي والطبراني وأبو الشيخ وابن أبي الدنيا عن جابر وأبي سعيد قالا :قال رسول الل ّٰه"ِ :إ َي ّاك ُ ْم و َالغَي ْب َة َ فَإ ّ
ن الغَي ْب َة َ أَ َ
ن صَاحِبَ الغَي ْبَة ِ لا َ يُغْف َر ُ لَه ُ حَتى يَغْف ِر َ لَه صَاحِب ُه" ،وأبو يعلى:
ل ق َ ْد يَزْني و َيَت ُوبُ فيت َوبُ الل ّٰه عَلَي ْه ،وإ ّ
ن الرج ُ َ
قيل له كيف؟ قال :إ ّ
أتدرون أربى الربا عند الل ّٰه؟ قالوا :الل ّٰه ورسوله أعلم ،قال :فإن أربى الربا عند الل ّٰه استحلال عرض امرىء مسلم ،ثم قرأ رسول الل ّٰه:
}والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا ًوإثما ًمبيناً{ )سورة الأحزاب ،(٥٨:ومسلم وأبو داود :أتدرون
ما الغيبة؟ قالوا :الل ّٰه ورسوله أعلم .قال :ذكرك أخاك بما يكره ،قيل :أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال :إن كان فيه ما تقول فقد
اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته .وأبو داود عن عائشة رضي الل ّٰه عنها قالت :قلت للنبي حسبك من صفية كذا وكذا ،تعني قصرها
قال :لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته :أي لأنتنته وغيرت ر يحه .وابن أبي الدنيا عن سمية قالت :قلت لامرأة مرة وأنا عند
ن هذه لطو يلة الذيل ،فقال الفظي الفظي :أي ارمي ما في فيك فلفظت مضغة :أي قطعة من لحم .وأبو الشيخ :من أكل
رسول الل ّٰه إ ّ
لحم أخيه في الدنيا قرب إليه يوم القيامة ،فيقال له كله ميتا ً كما أكلته حياً ،فيأكله و يكلح و يضج .وابن أبي الدنيا :من اغتيب عنده
أخوه المسلم .فلم ينصره وهو يستطيع نصره أذله الل ّٰه في الدنيا والآخرة .وأحمد عن جابر بن عبد الل ّٰه قال :كنا مع النبي ،فارتفعت ريح
منتنة فقال :أترون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين .وهو عن ابن عباس قال :ليلة أسري بنبي الل ّٰه نظر في النار ،فإذا
قوم يأكلون الجيف ،قال من هؤلاء يا جبر يل؟ قال :هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس .وقال الحسن :والل ّٰه للغيبة أسرع فسادا ً في دين
المؤمنين من الأكلة في الجسد.
قال ابن عباس :إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك .وقيل :يؤتى العبد يوم القيامة كتابه ولا يرى فيه حسنة فيقول أين
ن فلانا ً اغتابك ،فبعث إليه طبق حلوى
صلاتي وصيامي وطاعتي فيقال ذهب عملك كله باغتيابك الناس .وقيل للحسن البصري :إ ّ
وقال :بلغني أنك أهديت إليّ حسناتك فكافأتك.
وحكى القشيري عن أبي جعفر البلخي قال :إنه كان عندنا شاب من أهل بلخ ،وكان يجتهد ويتعبد إلا أنه كان يغتاب الناس ،و يقول
فلان كذا وكذا ،فرأيته يوما ًعند المخنثين الغسالين ،فخرج من عندهم ،فقلت :يا فلان ما حالك؟ فقال :تلك الوقيعة في الناس أوقعتني
ل الل ّٰه يرحمني.
إلى هذا ،ابتليت بمخنث من هؤلاء وأنا هو ذا أخدمهم من أجله ،وتلك الأحوال كلها قد ذهبت عني فادع الل ّٰه لي لع ّ
وحكى اليافعي عن الجنيد أنه قال :كنت جالسا ًفي مسجد الشونيز ية أنتظر جنازة أصلي عليها فرأيت فقيرا ً عليه أثر النسك يسأل الناس،
فقلت في نفسي لو عمل هذا عملا ًيصون به نفسه عن المسألة كان أجمل له ،فلما انصرفت إلى منزلي وكان لي شيء من الأوراد بالليل
من البكاء والصلاة وغير ذلك فثقل عليّ جميع أورادي ،فسهرت وأنا قاعد فغلبني النوم ،فرأيت ذلك الفقير حتى جيء به على خوان
كالشاة المشو ية ،فقيل لي :كل لحمه فقد اغتبته ،وكشف لي الحال فقلت :ما اغتبته ،وإنما قلت في نفسي شيئاً ،فقيل لي :ما أنت ممن
ل منه ،فلما أصبحت لم أزل في طلبه حتى رأيته في موضع يلتقط من الماء عند تردّد الماء أوراقا ً
يرضى منك مثل هذا فاذهب واستح ّ
من البقل مما تساقط من غسل البقل ،فسلمت عليه فردّ عليّ ،وقال :تعود يا أبا القاسم قلت لا .قال :اذهب غفر الل ّٰه لنا ولك.
Shamela.org ٧٥
باب الـكذب ٢٧
)تنبيه( إن الغيبة حرام إجماعاً ،بل قال كثيرون إنها كبيرة ،وقد نقل القرطبي المفسر وغيره الإجماع على أنها من الكبائر لما فيها من
الوعيد الشديد ،لـكن حمله بعضهم على غيبة أهل العلم وحملة القرآن ،وكذا استماعها والسكوت عليها مع القدرة على دفعها.
Shamela.org ٧٦
باب الـكذب ٢٧
ل العَبْد ُ يَتَح ََر ّى الـكذبَ ح ََت ّى يُكْت َبَ عِنْد َ الل ّٰه ك َ َذّاباً" وهما" :أرْب َ ٌع م َنْ ك َُنّ ف ِيه ِ ك َانَ م ُنَاف ِقا ً خ َال ِصا ً وَم َنْ ك َان َْت ف ِيه ِ خِصْ لَة ٌ َ
الن ّارِ ،وَم َا ز َا َ
ق حَت ّى يَدَعَه َا :إذ َا ح َ َ ّدثَ كَذ َبَ ،و َِإذ َا و َعَد َ أَ خْل َ َ
ف و َِإذ َا عَاهَد َ غَدَر َ و َِإذ َا خ َاصَم َ فَجَرَ" ،وأحمد وأبو مِنْه َُنّ ك َان َْت ف ِيه ِ خِصْ لَة ٌ م ِ َ
ن النِّف َا ِ
Shamela.org ٧٧
باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ٢٨
عهد أمك ،وأنا لي كذا وكذا سنة أخون عهد ربي فتاب علي يدي .فقال :أصحابه له :أنت كنت مقدمنا في قطع الطر يق ،وأنت الآن
مقدمنا في التوبة ،فتابوا كلهم على يدي وردوا على القافلة ما أخذوا منهم ،فهو أوّل من تاب على يدي ،نفعنا الل ّٰه ببركته وحشرنا في
زمرته.
)تنبيه( الـكذب عند أهل السنة هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه ،سواء أعلم ذلك وتعمد أم لا .وأما العلم والتعمد فإنما هما
شرطان للإثم.
واعلم أنه قد يباح وقد يجب ،فالضابط أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والـكذب جميعاً ،فالـكذب فيه حرام ،وإن
أمكن التوصل إليه بالـكذب وحده ،فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود ،وواجب إن وجب تحصيل ذلك كما لو رأى معصوما ًاختفى
من ظالم يريد قتله أو إيذاءه ،فالـكذب هنا واجب لوجوب عصمة دم المعصوم ،وكذا لو سأله ظالم عن وديعة يريد أخذها ،فيجب
إنكارها وإن كذب ،بل لو استحلف جاز له الحلف و يورّي ،وإلا حنث يولزمه الـكفارة ،وقيل :يلزم الحلف ومهما كان لا يتم مقصود
حرب أو إصلاح ذات البين ،أو استمالة قلب المجني عليه ،أو إرضاء زوجته إلا بالـكذب فيه ،فمباح ولو سأله السلطان عن فاحشة،
وقعت منه سرا ً كزنى أو شرب خمر ،فله أن يكذب و يقول :ما فعلت ذلك وله أن ينكر أيضا ً سر أخيه ،وحيث جاز الـكذب فهل
يشترط التور ية أو يجوز مطلقاً؟ قال شيخنا ابن حجر :والذي يتجه عدم وجوب التور ية مطلقاً .قال الغزالي :والأحسن أن يورّي ،وهي
أن يطلق لفظا ًوهو ظاهر في معنى ،وهو يريد معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ كما قال النخعي :إذا بلغ إنسانا ًعنك شيء قلته فقل الل ّٰه يعلم
ما فعلت من ذلك من شيء يفهم السامع النفي ،ومقصوده بما أنها بمعنى الذي ،وهو مباح إن دعت إليه حاجة ،وإلا فمكروه وحرام إن
توصل به إلى باطل أو دفع حق .قال الشافعي رضي الل ّٰه عنه ومن الـكذب الخفي أن يروي الإنسان خبرا ً عمن لا يعرف صدقه من
كذبه .حشرنا الل ّٰه في زمرة الصدّيقين ،وأوليائه المقر ّبين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
}باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر{
ن المُن ْكَر ِ{ )سورة التوبة(٧١ : قال الل ّٰه تعالى} :و َالمُؤْم ِن ُونَ والمُؤْم ِنَاتُ بَعْضُه ُ ْم أَ وْلِيَاء ُ بَعْ ٍ
ض ي َأْ م ُرونَ ب ِالمَعْروف و َيَنْهَوْنَ ع َ ِ
قال الغزالي :أفهمت الآية أن من هجرهما خرج من المؤمنين ،وقال القرطبي :جعلهما الل ّٰه فرقا ًبين المؤمنين والمنافقين.
وأخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري قال :سمعت رسول الل ّٰه يقول" :م َنْ ر َأَ ىَ مِنْك ُ ْم مُن ْك َرا ً فَل ْيُغَيِّرْه ُ بيَِدِه ِ ،ف َِإ ْن ل َ ْم يَسْتَط ِـعْ فَبِلِسَانِه ِ ،ف َِإ ْن ل َ ْم
َف الإيمانِ ،".والبزار :الإسلام ثمانية أسهم ،الإسلام :أي الشهادتان سهم ،والصلاة سهم ،والزكاة سهم،
ك أَ ضْ ع ُ
يَسْتَط ِـعْ فَبِق َل ْبِه ِ ،و َذل ِ َ
والصوم سهم ،وحج البيت سهم ،والأمر بالمعروف سهم ،والنهي عن المنكر سهم ،والجهاد في سبيل الل ّٰه سهم ،وقد خاب من لا سهم له.
والأصبهاني :لا تزال لا إله إلا الل ّٰه تنفع من قالها ،وترد عنهم العذاب والنقمة ما لم يستخ ُ ّفوا بحقها قالوا يا رسول الل ّٰه :وما الاستخفاف
ل أَ ْن ت َ ْدع ُوا الل ّٰه
الن ّاس ،م ُرُوا بالمَعْر ُوف و َانْه َوا ع َن المُن ْكَر ِ قَب ْ َل بِمَع َاص ِي الل ّٰه فَلا يَن ْك ُر ُ و َلا يُغَي ِّر ُ" وهو أيضاً :أ ُ ّيها َ
بحقها؟ قال" :ي ُ ْظه ِر ُ العَم َ َ
ن المُن ْكَر ِ لا يَدْف َ ُع رِزْقا ً و َلا يُق َرِّبُ أَ ج َلاً ،و َالأحْ بَار ُُوف وال َنّهي ع َ ِ
ن الأمْرَ ب ِالمَعْر ِل أ ْن تَسْتَغْف ِروه ُ فَلا يَغْف ِر ُ لـَكُمْ؟ إ َ ّ فَلا يَسْتَجِيبُ لـَك ُ ْم و َقَب ْ َ
ن أَ ن ْب ِيَائِهِمْ .ثم ع ُُم ّوا بالبلاءِ .وأبو داود
ن المُن ْكَر ِ لَعَنَهُم ُ الل ّٰه عَلَى لِسَا ِ
ُوف والنّهي ع َ ِ
ن النّصَار َى لَم ّا ت َرَكُوا الأمْرَ ب ِالمَعْر ِ
ن اليَه ُودِ والرّه ْبَانُ م َ
مِ َ
والترمذي :أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر .ورزين :إن الرجل يتعلق بالرجل يوم القيامة ،وهو لا يعرفه فيقول له مالك إليّ
وما بيني وبينك معرفة ،فيقول :كنت تراني على الخطأ والمنكر ولا تنهاني.
Shamela.org ٧٨
باب الـكسب ٢٩
Shamela.org ٧٩
باب الـكسب ٢٩
بالكناية كخذه وجعلته لك بكذا ،لا بمعاطاة ،لـكن اختار النووي كجمع متقدمين الانعقاد بكل ما يعده الناس بيعا ًعرفاً .وفي العاقدين
تكليف واختيار ،وإسلام من يشتري له ما كتب فيه قرآن ولو آية ،وإن أثبتت لغير الدراسة أو كتب علم شرعي أو رقيق مسلم أو
مرتد ،وعدم حرابة من يشتري له آلة حرب كترس ودرع وخيل ،وفي المعقود عليه طهارته ،فبيع نجس العين باطل ،وإن أمكن طهره
بالاستحالة ،وكذا متنجس لا يطهر بالغسل ،و يجوز نحو الصدقة بالمتنجس أو اقتناء الكلب لنحو حراسة وتربية الزرع بنجس والنفع،
فيبطل بيع ما لا ينفع كحبتي نحو حنطة أو زبيب ،و يحرم أخذ حبة وخلال من حق غيره ،و يجب ردّهما وكفر مستحله ،ولا يصح بيع
السم إلا إن نفع قليله كالأفيون ،والولاية على المعقود عليه بملك أو غيره ،فيبطل بيع المرء مال غيره فضولياً ،وإن أجازه المالك وقدرة
تسليم المبيع ،فلا يصح بيع مغصوب لغير قادر على انتزاعه وآبق وضال ،وإن عرف مكانه ولا بيع السمك في بركة واسعة بحيث يحتاج
آخذه منها إلى كثير كلفة ،والعلم به ،فبيع أحد نحو الثوبين باطل ،ورؤ ية المتعاقدين ما عقد على عينه ،فبيع ما لم يره أحدهما والشراء
باطل ،وإن بالغ في وصفه وكذا رهنه وإجارته وهبته.
)
ك ب ِأَ َ ّنه ُ ْم قَالُوا َإن ّمَا البَي ْ ُع
س ذل ِ َ
ن الم َ ّ ِ ن ي َأْ ك ُلُونَ الر ِّب َا لا يَق ُوم ُونَ إلا ّ كَمَا يَق ُوم ُ ال َ ّذ ِي يَتَخَب ّط ُه ُ ال َ ّ
شيْطَانُ م ِ َ فصل( :في الربا .قال الل ّٰه تعالى} :ال َ ّذ ِي َ
صحَابُ َ
الن ّارِ ه ُ ْم ف و َأَ مْرُه ُ إلى الل ّٰه وَم َنْ عَاد َ ف َُأولَئ ِ َ
ك أَ ْ ل الل ّٰه البَي ْ َع وَح َرّم َ الر ِّبا فَم َنْ ج َاءَه ُ مَوْعِظَة ٌ م ِنْ ر َبِّه ِ فَانْت َهَ ى فلََه ُ م َا سَل َ َ
ل الر ّب َا و َأَ ح َ ّ
مِث ْ ُ
كن ْتُم ْ مُؤْم ِنينَ ف َِإ ْن لَم َ
ن الر ِّب َا إ ْن ُ ف ِيها خ َالِد ُونَ{ )سورة البقرة ٢٧٨ :ـ (٢٧٩وقال تعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا َات ّق ُوا الل ّٰه وَذَر ُوا م َا بَقِ َي م ِ َ
ن الل ّٰه وَرَسُولِه ِ{ )سورة البقرة (٢٧٥ :أي في الدنيا والآخرة.
ْب م ِ َ
ت َ ْفع َلُوا فَائْذنُوا بِ حَر ٍ
أما في الدنيا فيجب على حكام الشر يعة إذا علموا من شخص تعاطي الربا أن يعز ّروه بالحبس وغيره إلا إن يتوب ،فإن كانت له شوكة
ولم يقدروا عليه إلا بنصب حرب نصبوا آلة الحرب والقتال كما قاتل أبو بكر رضي الل ّٰه عنه مانعي الزكاة ،وأما في الآخرة فلا يعلم أنواع
عذابهم إلا الملك المنتقم.
ل الل ّٰه وَم َا ه َُنّ ؟ قَالَ :الش ِّرْك ُ ب ِالل ّٰه ،و َالسّحْ ر ُ،
ِبقات "قَالُوا ي َا رَسُو َ
ِ وأخرج الشيخان عن أبي هريرة قال :قال رسول الل ّٰه :اجْ تَن ِب ُوا ال َ ّ
سب ْ َع المو
ات"،
ِلات المُؤْم ِن َ ِ
ات الغ َاف ِ
ْف المحُ ْصِ ن َ ِ
ف ،و َقَذ ُ ل اليَت ِيم ،و َ
َالت ّو َل ِّي يَوْم َ الزحْ ِ ل م َا ِ
ك ُ
ل الر ِّب َا ،و َأَ ْ س الَتي حَرّم َ الل ّٰه إلا ّ ب ِالحَقّ ِ ،و َأَ ْ
ك ُ ل الن َ ْف ِ
و َقَت ْ ُ
وأحمد بسند صحيح والطبراني عن عبد الل ّٰه بن حنظلة" :درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أش ّد عند الل ّٰه من ستة وثلاثين زنية" وابن أبي
ن الر ِّب َا
ل مِ َ ن الدِّرْه َم يُصِ يب ُه ُ َ
الر ّج ُ ُ الدنيا والبيهقي عن رجل من الصحابة قال :خطبنا رسول الل ّٰه فذكر أمر الربا وعظم شأنه وقال" :إ َ ّ
سب ْع ُونَ أَ ْعظَم ُ عِنْد َ الل ّٰه فِي الخَط ِيئَة ِ م ِنْ س َِت ّة ٍ و َثَلاثينَ زن ْيَة ٍ يَزْن ِيها َ
الر ّجُلُ" ،والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين والبيهقي" :الر ِّب َا ثَلاثَة ٌ و َ َ
شي ْئا ً أَ تَى ب ِه يَوْم َ الق ِيَامَة ِ؛ و َأَ ك َل ل ُأمّه ُ" والطبراني" :إ َي ّاك ُ ْم و َال ُذ ّنُوبَ التي لا تُغْف َر ُ ـ الغ َلُولَ ،فَم َنْ غ َ َ ّ
ل َ ح َ
الر ّج ُ ُ ك َ
ل أَ ْن يَن ْ َ
ب َابا ً أَ ي ْسَر ُه َا مِث ْ ُ
س{ ؟ ،والأصبهاني عن أبي سعيد ط ،ثم قرأ رسول الل ّٰه} :ال َ ّذ ِي َ
ن ي َأْ ك ُلُونَ الر ِّب َا{ إلى }الم َ ّ مج ْن ُونا ًيَتَخَب ّ ُ
ل الر ِّب َا بُع ِثَ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ َ
الر ِّبا :فَم َنْ أَ ك َ َ
ت بِه ِ ْم ْت َ
الضّ خْ ِم ق َ ْد م َال َ ْ ل البَي ِ الخدري أن رسول الل ّٰه قال" :لَم ّا ُأسْر ِي بِي م َرَرْتُ بِقَو ْ ٍم بُط ُونُه ُ ْم بَيْنَ أَ يْدِيه ِ ْم ك ُ ُ ّ
ل رَج ُل مِنْه ُ ْم بَطْن ُه ُ مِث ْ ُ
ل المَنْه ُومَة ِ لا ل الإب ِ ِن عَلَى سَابلَة ٍ" أي طر يق آل فرعون وآل فرعون يعرضون على النار غدوّا ً وعشياً .قال :فَيُقْب ِلُونَ مِث ْ َ بُط ُونُه ُ ْم م ُن ََضّ دِي َ
ي َ ْسم َع ُونَ و َلا يَعْق ِلُونَ.
ل فِرْعَوْنَ ،فَي َر ُدّونَه ُ ْم مُقْبِلِينَ
ل بِه ِ ْم بُط ُونُه ُ ْم فَلا يَسْتَط ِيع ُونَ أَ ْن يَب ْرحُوا ح ََت ّى يَغْشَاه ُ ْم آ ُ
ن قَام ُوا ،فَتَمِي ُ
ك البُط ُو ِ
صحَابُ تِل ْ َ ف َِإذ َا أَ ح َ ّ
َس بِه ِ ْم أَ ْ
ل ه َؤ ُلاء ِ ال َ ّذ ِي َ
ن ي َأْ ك ُلُونَ الر ِّب َا" وفي رواية ك عَذ َابُه ُ ْم فِي البَرْز َِخ بَيْنَ ال ُد ّن ْيَا والآ ِ
خر َة .قال فقلت" :م َنْ ه َؤ ُلاء ِ ي َا جبْر ِيل؟ قَا َ وَمُدْبِر ِينَ ،ف َذل ِ َ
ل
ل الر ِّب َا وَم ُوكِل َه ُ وَك َاتبِ َه ُ وَشَاهِد َيْه ِ و َقَا َ
ل الل ّٰه آك ِ َ
ن رَسُو ُ ُوت ف ِيهَا الح َيَ ّاتُ ت ُر َى م ِنْ خ َارِ َ
ج بُط ُونِهِمْ" ،ومسلم عن جابر" :لَع َ َ له" :بُط ُونُه ُ ْم ك َالبي ِ
و َه ُ ْم سَوَاءٌ".
Shamela.org ٨٠
باب الـكسب ٢٩
وروى أحمد عن كعب الأحبار أنه قال" :لأ ْن أَ ْزنِي ثَلاثَة َ و َثَلاثِينَ زَن ْي َة ً ُ ّ
أحب إل َيّ م ِنْ أَ ْن آك ُ َ
ل دِرْهَما ًرب َا" وقال ابن عباس :إنه لا يقبل
من آكل الربا صدقة ولا جهاد ولا حج ولا صلة .قال أيضاً :من عامل بالربا استتيب ،فإن تاب وإلا ضرب عنقه .وأخبرنا شيخنا
ابن حجر نفعنا الل ّٰه به أنه كان من صغره يتعاهد قبر والده للقراءة عليه ،فخرج يوما ً بعد صلاة الصبح بغلس في رمضان ،وقال :أظن
أن ذلك كان في العشر الأخير بل في ليلة القدر ،فلما جلس على قبره وقرأ شيئا ًمن القرآن ولم يكن في المقبرة أحد غيره فإذا هو سمع
جص ،له بياض عظيم ،فقطع القراءة واستمع فسمع
التأوّه العظيم والأنين الفظيع بآه آه آه وهكذا بصوت أزعجه من قبر مبني بالنورة وال ّ
صوت ذلك العذاب من داخله ،وذلك الرجل المعذب يتأوّه تأوّها ً عظيما ً بحيث يقلق سماعه القلب ،و يفزعه فاستمع إليه زمناً ،فلما
وقع الإسفار خفى حسه عنه ،فمر به إنسان فقال له الشيخ :هذا قبر من؟ فقال :هذا قبر فلان أدركه الشيخ وهو صغير ،وكان الرجل
المعذب على غاية من ملازمة المسجد والصلاة في أوقاتها ،والصمت عن الكلام وهذا كله شاهده وعرفه منه ،فكبر على الشيخ الأمر
جدا ً لما علمه من الأحوال التي كان ذلك الرجل متلبسا ً بها في الظاهر ،فسأل واستقصى الذين يطلعون على حقيقة أحواله ،فأخبروه
ترض نفسه الظالمة الخبيثة أن تأكل من جنبه حتى
َ أنه كان يأكل الربا ،فإنه كان تاجرا ً ثم كبر ،وبقي معه شيء من الحطام ،فلم
يأتيه الموت ،بل س َو ّل له الشيطان المعاملة بالربا حتى لا ينقص ماله ،فأوقعه في ذلك العذاب الأليم حتى في رمضان حتى في ليلة
َست ّة ٍ و َثَلاثِينَ زَن ْي َة ً و َِإ َ ّ
ن آكِل َه ُ لا يُغْف َر ُ لَهُ" ولا تقتدوا بالأشقياء "إن ّه ُ ك َالز ِّنَى ب َأَ مّ ِه و َِإ َن ّه ُ ك َ
القدر .اتركوا عباد الل ّٰه الربا الذي قال فيه نبيكمَ :
ن يسير.
المغرورين ،فإنهم غدا ً يعلمون ما يحل بهم من أنواع العذاب الأليم بشيء فا ٍ
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وأما أعلنا ،واهدنا إلى الصراط المستقيم آمين.
)تنبيه( إن الربا حرام إجماعا ًوهو من الكبائر المهلـكة وكفر مستحله.
واعلم أنه إنما يجري في نقد وما قصد لطعم ،فإن بيع ر َبَو ّ ٌ
ِي بجنسه شرط مماثلة وحلول وتقابض قبل التفرق ،أو بغير جنسه واتحدا علة
شرط الأخيران .وقال أبو القاسم بن عبد بن الوراق :رأيت عبد الل ّٰه بن أبي أوفى في سوق الصيارفة فقال :يا معشر الصيارفة أبشروا
قالوا بشرك الل ّٰه بالجنة بم َتبش ِّرنا يا أبا محمد قال :قال رسول الل ّٰه للصيارفة :أَ ب ْشِر ُوا ب َِالن ّار .وفي قرض شيء بشرط جرّ نفع للمقرض ،فهذا
هو المشهور الآن بين الناس واقع كثيراً .قال :قال رسول الل ّٰه" :إذا أقرض أحَد ُك ُ ْم أَ خ َاه ُ قَر ْضا ً ف َأَ هْد َى إلَيْه ِ طَب َقا ً فَلا يَقْب َ ُ
ل أَ ْو حَمَلَه ُ
ل ذلِكَ" ورواه ابن ماجه والبيهقي. كبُها إ َلّا أ ّ
ن يَكُونَ جَر َى بَي ْن َه ُ و َبَي ْن َه ُ قَب ْ َ عَلَى د َا َب ّتِه فَلا يَرْ َ
وحكي أنه كان لأبي حنيفة على يهودي مال كثير قرضا ًوأخذ يوما ًشيئا ًمن طين جدار اليهودي وتر ّب به ورقة ناسيا ًدينه عليه ،فلما
تذكره أبرأه عن جميع ذلك المال حذرا ً من أن يكون ذلك رباً ،وأن الحيلة في الربا وغيره حرام عند مالك وأحمد بن حنبل وقال بعضهم:
ورد أن أكلة الربا يحشرون في صورة الكلاب والخنازير من أجل حيلتهم على أكل الربا كما مسخ أصحاب السبت حين تحيلوا على
اصطياد الحيتان التي نهاهم الل ّٰه عن اصطيادها يوم السبت ،فحفروا لها حياضا ًتقع فيها يوم السبت حتى يأخذوها يوم الأحد ،فلما فعلوا
ذلك مسخهم الل ّٰه قردة وخنازير ،وهكذا الذين يتحيلون على الربا بأنواع الحيل فإن الل ّٰه تعالى لا يخفى عليه حِي َ ُ
ل المحتالين والمخادعين.
)
ن احْ ت َك َر َ حَك ْرَة ً يُر ِيد ُ أَ ْن يَغْل ِي
فصل( في الاحتكار والتفر يق بين الوالدة وولدها .أخرج أحمد والحاكم عن أبي هريرة عن رسول الل ّٰه" :م َ ِ
بِهَا عَلَى المُسْل ِمِينَ فَه ُو َ خ َاطِىءٌ :أي آثِم ٌ ،و َق َ ْد بَر ِئ َْت مِن ْه ُ ذمة ُ الل ّٰه وَرَسُولِه ِ" وهما :من احتكر طعاما ًأربعين ليلة فقد برىء من الل ّٰه وبرىء
ن احْ ت َك َر َ َطع َاما ً عَلى ُأمّتِي
الل ّٰه منه ،وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا ً فقد برئت منهم ذمة الل ّٰه تبارك وتعالى .وابن عساكر" :م َ ِ
َص الل ّٰه الأسْ ع َار َ حَزِنَ و َِإ ْن أغلاه َا ف َرح" ،والحاكم" :م َنْ
ْس العَبْد ُ المحُ ْتَك ِر ُ إ ْن أَ ْرخ َص َ ّدقَ بِه ِ ل َ ْم يُقْب َلْ مِن ْه ُ" والطبراني" :بِئ َ أَ رْبَع ِينَ يَو ْما ً و َت َ َ
جه َ َن ّم َ رأسه أسفله" ،والأصبهاني إن طعاما ًألقي على باب ل فِي شَيْء ٍ م ِنْ أسْ عارِ المُسْل ِمِينَ يَغْل ِي عَلَيْه ِ ْم ك َانَ َ
حقّا ًعَلَى الل ّٰه أَ ْن ي َ ْقذِف َه ُ فِي َ دَخ َ َ
Shamela.org ٨١
باب الـكسب ٢٩
المسجد فخرج عمر رضي الل ّٰه عنه وهو أمير المؤمنين يومئذ .فقال :ما هذا الطعام؟ فقالوا :طعام جلب إلينا أو علينا ،فقال له بعض الذين
معه :يا أمير المؤمنين قد احت ُكر .قال :ومن احتكره؟ قالوا :احتكره فروخ وفلان مولى عمر بن الخطاب .فأرسل إليهما فأتياه ،فقال :ما
ن احْ ت َك َر َ عَلَى
حملـكما على احتكار طعام المسلمين ،فقالوا :يا أمير المؤمنين نشتري بأموالنا ونبيع ،فقال عمر :سمعت رسول الل ّٰه يقول" :م َ ِ
المُسْل ِمِينَ َطع َامَه ُ ْم ضَر َبَه ُ الل ّٰه ب ِالجُذ َا ِم و َالإف ْلاسِ" فقال عند ذلك فروخ :يا أمير المؤمنين فإني أعاهد الل ّٰه وأعاهدك على أن لا أعود في
احتكار طعام أبداً ،فتحول إلى بر ّ مصر ،وأما مولى عمر فقال :نشتري بأموالنا ونبيع فزعم أبو يحيى أحد رواته أنه رأى مولى عمر مجذوما ً
مشدوخاً.
وأخرج أحمد والترمذي عن أبي أيوب عن رسول الل ّٰه" :م َنْ ف ََر ّقَ بَيْنَ الوَالِدَة ِ وَوَلَد ِه َا ف ََر ّقَ الل ّٰه بَي ْن َه ُ و َبَيْنَ أَ ح َِب ّت ِه يَوْم َ الق ِيَامَة ِ" وابن ماجه:
ِ
الأخ و َ ُأخْ تِه ِ". ن الل ّٰه م َنْ ف ََر ّقَ بَيْنَ الوَالِدَة ِ وَوَلَد ِه َا و َبَيْنَ
"لَع َ َ
)تنبيهان( :أحدهما :أن الاحتكار المحر ّم هو أن يمسك ما اشتراه في الغلاء لا الرخص من الأقوات ولو تمرا ً وزبيبا ً بقصد أن يبيعه
بأغلى مما اشتراه عند اشتداد الحاجة إليه ،وألحق الغزالي بالقوت كل ما يعين عليه كاللحم والفواكه ،وصرح القاضي بكراهة الاحتكار
في الثياب .وثانيهما :أن التفر يق بين الوالدة وولدها الغير المميز لصغر أو جنون بنحو بيع لغير من يعتق عليه حرام ،وإن رضيت الأم
إلا بالعتق والوقف ،ويبطل ذلك التصرف والأب والجد والجدة ،وإن بعد كالأم عند فقدها ،و يحرم التفر يق أيضا ً بالسفر بين الأمة
وولدها الغير المميز وبين الزوجة وولدها بخلاف المطلقة ،و يحرم بيع ولد البهيمة ما لم يستغن عن اللبن أو لم يقصد الذبح وبطل ،و بحث
السبكي حرمة ذبح أمه مع بقائه ،و يحرم بيع نحو العنب ممن علم ،أو ظن أنه يتخذه مسكرا ً للشرب والحشيشة ،ممن يعلم أنه يستعملها
والأمرد ممن عرف بالفجور به ،ولو باستعاضة ،والديك للمهارشة والـكبش للمناطحة ،وكل ما يؤدي إلى معصية ولو ظناً.
)
ْس
ْس م ِن ّا وَم َنْ غَشّنَا فَلَي َ
سِلاح فَلَي َ فصل( :في الغش في البيع وغيره .أخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الل ّٰه قال" :م َنْ حَم َ َ
ل عَلَي ْنَا ال ّ
ت أَ صَاب ِع ُه ُ بلََلاً ،فَق َالَ :م َا هذ َا ي َا صَاحِبَ ال َ ّ
طع َا ِم ،قَالَ :أَ صَابَت ْه ُ ل يَدَه ُ ف ِيها ،فَنَال َ ْ م ِن ّا" وهو والترمذي عنهَ :أن ّه م َّر عَلَى َ
صبْرَة ِ َطع َام ،ف َأَ ْدخ َ َ
ْس م ِن ّا .وابن ماجه" :م َنْ ب َاعَ عَي ْبَا ً ل َ ْم الن ّاس؛ م َنْ غ َ َ ّ
شنَا فَلَي َ طع َا ِم ح ََت ّى ي َر َاه ُ َ
تجْعَلَن ّه ُ فَو ْقَ ال َ ّ
ل الل ّٰه ،قَالَ :أَ فَلا َ ال َ ّ
سم َاء أي المَطَر ُ ي َا رَسُو َ
مر بناحية الحرة ،فإذا بإنسان
ل المَلائِك َة تلَْع َن ُه ُ" ،والبيهقي والأصبهاني عن أبي هريرة موقوفا ًعليه :أنه ّ يُبي ِّنه ُ ل َ ْم ي َزلْ فَي مَق ِ
ْت الل ّٰه و َلَم َ ت َز َ ِ
يحمل لبنا ًيبيعه ،فنظر إليه أبو هريرة ،فإذا هو قد خلطه بالماء ،فقال له أبو هريرة :كيف تكون إذا قيل لك يوم القيامة خلص الماء من
اللبن؟.
وحكى الغزالي في الإحياء أن شخصا ًكانت له بقرة يحلبها ،و يخلط في لبنها ماء ويبيع ،فجاء سيل َ
فغر ّق البقرة ،فقال بعض أولاده :إن
تلك المياه المتفرقة التي صببناها في اللبن اجتمعت دفعة واحدة وأخذت البقرة.
وحكى شقيق البلخي :أنه كان لأبي حنيفة شر يك في التجارة يقال له بشر ،فخرج بشر في تجارته بمصر ،فبعث إليه أبو حنيفة سبعين
ثوبا ًمن ثياب خز َ ،فكتب إليه :إن في الثياب ثوب خز َ معيبا ًبعلامة كذا ،فإذا بعته فبيِّن للمشتري العيب ،قال :فباع بشر الثياب كلها
ورجع إلى الـكوفة ،فقال أبو حنيفة :هل َبي ّنت ذلك العيب الذي في الثوب الخز ّ؟ فقال :بشر نسيت ذلك العيب ،فقال :فتصدق أبو
ل قد دخلت فيه الشبهة
حنيفة بجميع ما أصابه من تلك التجارة الأصل والفرع جميعاً ،قال :وكان نصيبه من ذلك ألف درهم ،وقال ما ٌ
فلا حاجة لي به.
)
تنبيه( ضابط الغش المحر ّم .أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشترٍ فيها شيئا ً لو اطلع عليه من يريد أخذها لما أخذها بذلك المقابل،
فيجب عليه أن يعلمه به ،و يجب أيضا ً على أجنبي علم بالسلعة عيبا ً أن يخـبر مريد أخذها ،وإن لم يسأل عنها كما يجب إذا رأى إنسانا ً
يخطب امرأة وعلم بها أو به عيبا ًأو رأى إنسانا ًيريد أن يخالط آخر لمعاملة أو صداقة أو قراءة نحو علم ،وعلم بأحدهما عيبا ًأن يخـبره به،
Shamela.org ٨٢
باب الـكسب ٢٩
وإن لم يستشره فلا يكفي في تبيين العيب هو معيب مثلاً ،ولا إنما اتهمته بالعيب.
َاب
)فصل( :في إنفاق السلعة بالحلف الكاذب .أخرج مسلم عن أبي ذرّ :ثَلاثَة ٌ لا يَن ْظر ُ الل ّٰه إلَيْه ِ ْم يَوْم َ الق ِيَامَة ِ و َلا ي ُزَكّ ِيه ِ ْم و َلَه ُ ْم عَذ ٌ
ْف
ق سِل ْع َت ُه ب ِالحل َ ِ
ل و َالمَن ّانُ و َالمُنْف ِ ُ
ل الل ّٰه؟ قَالَ :المُسْب ِ ُ
خسِر ُوا م َنْ ه ُ ْم ي َا رَسُو َ
ات ،فَق ُل ْتُ خ َابُوا و َ َ
ل الل ّٰه ثَلاثَ م َ َّر ٍ
ل فَق َرأَ َ ه َا رَسُو ُ
أَ ل ِيم ٌ .قَا َ
ل
ل مُسْتَكْبِر ٌ ،وَرَج ُ ٌ
َاب أَ ل ِيمٌ :أَ شْم َُط ز َانٍ ،و َعائ ِ ٌ
ِب .والطبراني والبيهقي :ثَلاثَة ٌ لا يَنْظ ُر ُ الل ّٰه إلَيْه ِ ِم يَوْم َ الق ِيَامَة ِ ،و َلا ي ُزَكّ ِيه ِم و َلَه ُ ْم عَذ ٌ
الك َاذ ِ
ق ث َُم ّ يَم ْ َ
حقُ .والطبراني :ي َا ْف فِي البَي ْع ف َِإ َن ّه ُ يَنْف ُ ُ ل الل ّٰه بِضَاع َت َه لا يَشْتَر ِي إلا ّ بيمينه و َلا يَب ِي ُع إلا ّ بِيمَِينِه ِ .ومسلم :إ َي ّاك ُ ْم و َ َ
كثْرَة َ الحل َ ِ جَع َ َ
مَعْش َر التجارِ إ َي ّاك ُ ْم والـكذب .وابن حبان عن أبي سعيد قال :م َ َّر أَ عْرَابِي بَش َاة ٍ فَق ُل ْتُ :تَب ِيعُه َا بثَِلاثَة ِ دَر َاهِم َ؟ فَق َالَ :لا و َالل ّٰه ،ث َُم ّ ب َاعَه َا
خر َتَه بِدُن ْيَاه ُ.
فَذَكَر ْتُ ل ِرَسُول الل ّٰه .فَق َالَ :ب َاعَ آ ِ
)
فصل( :في بخس نحو الكيل والوزن والذرع .قال الل ّٰه تعالى} :و َيْلٌ{ أي شدّة عذاب أو وادٍ في جهنم من شرّ أوديتها ،ولو سيرت فيه
جبال الدنيا لذابت من شدّة حرّه ـ }لِل ْمُطَ ّفف ِينَ{ الذين يزيدون لأنفسهم من أموال الناس ببخس الكيل أو الوزن }ال َ ّذ ِي َ
ن إذا اكْتَالُوا عَلَى
َ
الن ّاسِ{ أي منهم لأنفسهم }يَسْتَو ْفُونَ{ الكيل ـ و َإذ َا ك َالُوه ُ ْم أَ ْو وَز َنُوه ُ ْم ـ أي اكتالوا أو وزنوا لهم }يخْسِر ُونَ{ أي ينقصون الكيل والوزن
ِرب الع َالم َي ِنَ{ )سورة
اس ل ّ }أَ لا يَظ ُنّ { أي يتيقن } ُأوْلَئِكَ{ الذين يفعلون ذلك }أَ َ ّنه ُ ْم مَب ْع ُوثُونَ ليو ٍم عَظ ِيم{ أي هوله وعذابه }يَوْم َ يَق ُوم ُ َ
الن ّ ُ
المطففين ١ :ـ (٦أي من قبورهم حفاة عراة.
قال السدّي :سبب نزول هذه الآية :أنه لما قدم المدينة كان بها رجل يقال له أبو جهينة له مكيالان يكيل بأحدهما و يكتال بالآخر،
ك ف ِيهِم َا ال ُأمَم ُ فأنزل الل ّٰه الآية ،وأخرج الترمذي عن ابن عباس قال :قال رسول الل ّٰه لأصحاب الكيل والوزنَ :
"إن ّك ُ ْم ق َ ْد و َلّي ْتُم ْ أَ مْرَ ي ْ ِن هَل َ َ
ل إذ َا اب ْتَلَي ْتُم ْ بِه ُنّ و َأَ ع ُوذ ُ ب ِالل ّٰه أَ ْن
خصَا ٍ السالِف َة ُ" ،وابن ماجه والحاكم عن ابن عمر قال :أقبل رسول الل ّٰه فقال" :ي َا مَعْشَر َ المُسْل ِمِينَ خَم ُ
ْس ِ
ن مَضَوا ،و َل َ ْم حشَة ُ فِي قَو ْ ٍم ق ُ َّط فَيُعْلِن ُوا بِهَا إلا ّفَشَا ف ِيهِم ُ الطّاع ُون و َالأ ْوج َاع الّتِي ل َ ْم تَكُنْ مَض ْ
َت فِي أَ سْ لافِه ِ ْم ال َ ّذ ِي َ ت ُ ْدرِكُوه َُنّ :ل َ ْم ت َ ْظهَرِ الف َا ِ
ش َ ّدة ُ المُؤنَة ،و َ َ
جوْر َ شي ْئا ً و َق َ َع مَطَرٍ أَ ْو لا ،و َ ِ هي َ العام ُ الم ُ ْقحِط ال َ ّذ ِي لا تَن ْب ُتُ الأر ُ
ْض ف ِيه ِ َ سِنِينَ :و َ ِ
ل و َالمِيز َانَ إلا ّ أَ خَذ ُوا ب ِال ّ
يَنْق ُصوا الك َي ْ َ
سم َاء ِ و َلَو ْلا البَهائِم ُ ل َ ْم يُم ْطر ُوا ،و َل َ ْم يَنْقُضُوا عَهْد الل ّٰه وَعَهْد رَسُولِه ِ إلا س ََل ّ َ
ط الل ّٰه ن ال َ ّ
السّلطَانِ ،و َل َ ْم يَم ْن َع ُوا زَك َاة َ أَ مْوَالِه ِ ْم إلا ّ م ُن ِع ُوا القَطْر َ م ِ َ
ل الل ّٰه ب َأْ سَه ُ ْم بَيْنَهُمْ" ل الل ّٰه إلا َ
جع َ َ اب الل ّٰه و َ َ
تخـَي ّروا ف ِيم َا أَ ن ْز َ َ ْض م َا فِي أَ يْدِيهِمْ ،و َل َ ْم َ
يحْك ُ ْم أَ ئِمّتُه ُ ْم بِغَيْر ِ ك ِت َ ِ عَلَيْه ِ ِم عَد ُوا ً م ِنْ غَيْرِهِمْ ،ف َأَ خذوا بَع َ
كي ّال وو َزّان .فقال :اشهدوا أنه في النار .وقال عليّ رضي الل ّٰه
ن ابنك َ وقال عكرمة :أشهد أن كل َ
كي ّال ووزان في النار .فقيل له :إ ّ
عنه :لا تلتمس الحوائج ممن رزقه في رؤوس المكيال وألسن الموازين .وما أحسن قول من قال :الو يل ثم الو يل لمن يبيع بحبة ينقصها
جنة عرضها السموات والأرض ،ويشتري بحبة يزيدها واديا ًفي جهنم يذيب جبال الدنيا وما فيها.
وحكى اليافعي عن مالك بن دينار :أنه دخل على جار له احتضر ،فقال :يا مالك ،جبلان من النار بين يديّ أكلف الصعود عليهما.
قال مالك :فسألت أهله عن حاله فقالوا :كان له مكيالان يكيل بأحدهما ،و يكتال بالآخر ،فدعوت بهما فضربت أحدهما بالآخر حتى
كسرتهما ،ثم سألت الرجل ،فقال :ما يزداد الأمر إلا شدّة فمات في مرضه.
وحكي أيضا ًعن بعضهم :أنه قال لبعض الناس هو في النزع ،وكان يعامل الناس بالميزان
قل لا إله إلا الل ّٰه ،فقال :ما أقدر أن أقولها لسان الميزان على لساني يمنعني من النطق بها .قال :فقلت له :أما كنت توفي الوزن؟ قال:
بلى ولـكن ربما كان يقع في الميزان شيء من الغبار ولا أشعر به .تفكروا عباد الل ّٰه إذا كان هذا حال من لا يشعر في ميزانه بالغبار،
فكيف حال من وزن ناقصاً ،عجبا ًلمن يبيع جنة بحبة ينقصها ويشتري واديا ًفي جهنم بحبة يزيدها.
ن البخس فيما ذكر حرام ،بل هو كبيرة كما صرحوا به ،ومن البخس المحر ّم ما يعتاد فسقة التجار ،والبزازين في ذرع الثياب
)تنبيه( إ ّ
Shamela.org ٨٣
باب الـكسب ٢٩
ونحوها من طلب تشديد جرّها حين البيع وإرخائها حين الشراء ،فهم داخلون في الوعيد الشديد.
)فصل( :في السماحة وإقالة النادم .أخرج البخاري عن جابر عن رسول الل ّٰه" :ر َ ِ
حم َ الل ّٰه عَب ْدا ً سَم ْحا ًإذ َا ب َاعَ و َِإذا اشْ تَر َى و َِإذا اق ْت َض َى"،
ل م َِم ّنْ ك َانَ قَبْلـَك ُ ْم ك َانَ سَهْلا ًإذ َا ب َاعَ ،سَهْلا ًإذ َا اشْ تَر َى ،سَهْلا ًإذ َا اق ْت َضى .والبيهقي :عَلَي ْ َ
ك ب َأَ وّل وأحمد والترمذي عنه :غَف َر َ الل ّٰه ل ِرَج ُ ٍ
سو ْ ِم ف َِإنَ الر ّ ِْبح َ م َ َع ال َ ّ
سم َاحَة ِ .وقال أبو عمر :كان الزبير تاجرا ً مجدودا ً في التجارة يعني محظوظاً ،فقيل له :بم أدركت في التجارة ما ال َ ّ
أدركت؟ قال :إني لم أشتر معيبا ًولم أزد ر بحا ًوالل ّٰه يبارك ما يشاء.
ن السري السقطي كان في ابتداء أمره في بغداد صاحب دكان ،وكان لا يزيد في البيع والشراء إلا ربح نصف درهم لكل
وحكي أ ّ
عشرة ،واشترى بستمائة دينار لوزا ً فغلا اللوز ،فجاء الدلال وقال :بع بربح ثلاثة لكل عشرة .فقال :لا أزيد الربح فوق نصف درهم
لكل عشرة ،ولا أنقض عزمي ،فقال الدلال :أنا أيضا ًلا أجيز بيع متاعك بالناقص ،فلا باع الدلال ولا نقض السري عزمه .وأخرج
البيهقي :من أقال نادما ًأقال الل ّٰه عثرته يوم القيامة.
وحكي عن بعض التجار الصالحـين :أنه اشترى يوما ً عسلا ً بثلاثين ألف درهم ،فلما كان الغد أضعف ثمنه ربح ثلاثين ألف درهم
أخرى ،فسمع ذلك البائع فندم على بيعه وتحسر ،فقال له بعض إخوانه :أتحب أن نرجع إليك عسلك ولا يفوتك ر بحه؟ فقال :إي
والل ّٰه .فقال تبكر غدا ً وتصلي مع الشيخ صلاة الصبح ،فإذا سلم من صلاته وفرغ من دعائه فسلم عليه ،وقل إني ندمت على بيعك العسل
أمس ولا تزد على هذا شيئاً .فقال نعم ،ثم بكر فصلى معه في المسجد ،فلما فرغ قال له :إني ندمت على بيعك العسل .فقال لغلامه:
قم وأعطه جميع عسله .فقال له بعض الحاضرين قد صار ثمنه ضعف ما وزنت أتردّه عليه .فقال :نعم إليك عني سمعت عن رسول
ل الل ّٰه عَثْرَتَه ْ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ" أفلا أشتري إقاله عثرتي يوم القيامة بثلاثين ألف درهم ،فأخذ منه ثلاثين
ل نادما ًبَيع َت َه ُ أقا َ
الل ّٰه أنه قال" :م َنْ أَ قَا َ
ألفا ًوردّ العسل إليه.
)خاتمة( واعلم أنه يحرم البيع على البيع ،وهو بأن يقول للمشتري زمن الخيار ردّ هذا ،وأنا أبيعك أحسن منه بمثل ذلك الثمن أو مثله
بأنقص ،والشراء على الشراء ،وهو أن يقول للبائع زمن الخيار أفسخ لأشتري منك هذا المبيع بأزيد ،والنجش وهو أن يزيد في الثمن لا
لرغبة ،بل ليخدع غيره ،والسوم على سوم الغير بغير إذنه ،وهو أن يزيد في الثمن بعد أن يصير المبيع للمشتري أو يبيعه بأرخص منه.
)
س ي ُريد ُ أَ د َاءَه َا أَ َدّى الل ّٰه ل َ
الن ّا ِ فصل( :في ال َد ّين ومطل الغني .أخرج البخاري وابن ماجه عن أبي هريرة عن رسول الل ّٰه" :م َنْ أخَذ َ أَ مْوَا َ
ل فِي قَبْرِه ِ لا يَف ُ ُك ّه ُ إلا ّ قَضَاء ُ دَي ْنِه ِ" ،والطبراني" :م َن ادّانَ دَي ْنا ً
عَن ْه ُ ،وَم َنْ أَ خَذ َه َا يُر ِيد ُ إت ْلافَه َا أَ تْلَف َه ُ الل ّٰه" ،والديلمي" :صَاحِبُ ال َد ّي ْ ِن مَغْلُو ٌ
ل يَوْم َ الق ِيَامَة ِ أَ ظَنَن ْتَ
ل الل ّٰه ع َّز وَج َ ّ
ن اسْ تَد َانَ دَي ْنا ً و َه ُو َ لا يَنْوِي أَ ْن يُؤَدِّيه ُ فَمَاتَ .قَا َ
و َه ُو َ يَنْوِي أَ ْن يُؤّدِّيه ِ أَ دّاه ُ الل ّٰه عَن ْه ُ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ ،وَم َ ِ
ل عَلَيْه ِ"،
ات الآخَر ِ فَت ُجْ ع َ ُ ات ُأ ِ
خذ َ م ِنْ سَي ِّئ َ ِ ات الآخ َرِ ،فإ ْن ل َ ْم تَكُنْ لَه ُ َ
حسَن َ ٌ حسَن َ ِ
ل فِي َ
حسَنَاتِه ِ فَت ُجْ ع َ ُ
أني لا آخُذ ُ لِعَبْدِي بِ ح َ ّقِه ِ فَيُؤْخَذ ُ م ِنْ َ
ل بَي ْعاً، شي ْئا ً م َاتَ يَوْم َ يَمُوتُ و َه ُو َ ز َانٍ ،و َأَ ُي ّما رَج ُ ٍ
ل اشْ ت َرى م ِنْ رَج ُ ٍ صد َاق ِها َ ل ت َز َ ّو َ
ج امْرَأَ ة ً فَن َو َى أَ ْن لا يُعْط ِيهَا م ِنْ َ وابن عديُ :
"أي ّمَا رَج ُ ٍ
ن فِي َ
الن ّارِ" ،وابن ماجه :بإسناد حسن "م َنْ م َاتَ و َعَلَيْه ِ دِرْهَمٌ شي ْئا ً م َاتَ يَوْم َ يَمُوتُ و َه ُو َ خ َائِنٌ ،و َالخَائ ِ ُ
فَن َو َى أَ ْن لا يُعْط ِيه ِ م ِنْ ثَمَنِه ِ َ
ل ي َا ْس ث ََم ّ دِينَار ٌ و َلا دِرْهَمٌ" ،والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي قتادة قال" :قَا َ
ل رَج ُ ٌ حسَنَاتِه ِ ،و َلَي َ
أو دِينَار ٌ ق َض َى م ِنْ َ
ل الل ّٰه :نَعَمْ؛ فَلَمَا أَ دْب َر َ ن َاد َاه ُ
ل رَسُو ُ
خطَاي َاي؟ فَق َا َ
مح ْتَسِبا ً مُقْب ِلا ًغَيْر َ مُدْبِر ٍ ي ُ ْك ّف ِر ُ الل ّٰه ع َن ِ ّي َ
ل الل ّٰه صَاب ِرا ً ُ
ل الل ّٰه أَ ر َأَ ي ْتَ إ ْن قُتِل ْتُ فِي سَب ِي ِ
رَسُو َ
Shamela.org ٨٤
]باب في ذم المكس ٣٠
وقال :فكّ الل ّٰه رهانك من النار كما فككت رهان أخيك المسلم ،ليس من عبد مسلم يقضي عن أخيه دينه إلا فكّ رهانه يوم القيامة"
وفيه أيضاً :أنه صلى الل ّٰه عليه وسلم ذكر رجلا ً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار ،فقال ائتني بالشهداء
أشهدهم؛ قال كفى بالل ّٰه شهيداً؛ قال فائتني بالـكفيل؛ قال كفى بالل ّٰه كفيلاً؛ قال صدقت فدفعها إليه إلى أجل مس َمّى ،فخرج بالبحر
فقضى حاجته ،ثم التمس مركبا ًيركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله ،فلم يجد مركباً ،فأخذ خشبة فنقرها ،فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة
منه إلى صاحبه ،ثم زجج موضعها ثم أتى بها إلى البحر ،فقال :اللهم إنك تعلم أني سألت فلانا ًألف دينار؛ فسألني كفيلا ًفقلت :كفى
بالل ّٰه كفيلا ًفرضي بك؛ وسألني شهيدا ً فقلت :كفى بالل ّٰه شهيداً؛ فرضي بك؛ وإني جهدت أن أجد مركبا ًأبعث إليه الذي له فلم أقدر،
وأني استودعتكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف ،وهو في ذلك يلتمس مركبا ً يخرج إلى بلده ،فخرج الذي كان أسلفه
ينظر لعل مركبا ً قد جاء بماله ،فإذا بالخشبة التي كان فيها المال فأخذها لأهله حطباً ،فلما نشرها وجد المال والصحيفة .ثم قدم الذي
كان أسلفه فأتى بألف دينار وقال :والل ّٰه ما زلت جاهدا ً في طلب مركب لآتيك بمالك ،فما وجدت مركبا ًقبل الذي أتيت فيه .قال:
هل كنت بعثت إليّ شيئاً؟ قال :أخبرك أني لم أجد مركبا ً قبل الذي جئت فيه .قال :فإن الل ّٰه قد أدّى عنك الذي بعثت في الخشبة
فانصرف بالألف الدينار راشداً.
ظلْم ٌ فإذ َا أَ ت ْب َ َع أَ حَد ُك ُ ْم عَلَى م َلىء ٍ فَل ْيَت ّب ِـعْ " وابن حبان والحاكم" :ليّ الوا ِ
جدِ" أي مطل القادر على وفاء ل الغَنِيّ ُ
وأخرج الشيخان" :م ُ ْط ُ
عرضه ُ وَعُق ُوبَته ُ".
ل ْيح ْ ُ
دينه " َ
ض َع لَهُ :أَ ي ح َ َّط عَن ْه ُ دَي ْن َه ُ أَ ْو بَعْضَه ُ)خاتمة( :في إنظار المعسر .أخرج أحمد عن ابن عباس عن رسول الل ّٰه" :م َنْ أَ نْظَر َ مُعْس ِرا ً أَ ْو و َ َ
ل إلا ّ ظِلّهُ"، ل م ِنْ فَي ِْح جه َ َن ّمَ" ،وأحمد ومسلم" :م َنْ أَ نْظَر َ مُعْس ِرا ً أَ ْو و َ َ
ض َع عَن ْه ُ أَ ظَلّه ُ الل ّٰه فِي ظِلّه ُ يَوْم َ لا ظِ ّ ب ِالبَر َاءَة ِ مِن ْه ُ و َقَاه ُ الل ّٰه ع َّز وَج َ ّ
صد َق َة ً"،
ل يَو ْ ٍم مثلاه ُ َ ل ال َد ّي ْ ُ
ن ف َأَ نْظَرَه ُ فلََه ُ بِك ُ ّ ِ ل ال َد ّي ْن ف َِإذا ح َ ّ
يح ِ ّ
ل أَ ْن َ
صد َق َة قَب ْ َ
ل يَو ْ ٍم مِثْله ُ َ
وأحمد وابن ماجه" :م َنْ أَ نْظَر َ مُعْس ِرا ً فلََه ُ بِك ُ ّ ِ
ن آدَم َ ف ِيم َ أَ خَذْتَ هذ َا ال َد ّيْنَ؟ و َف ِيم َ ضَيّعْتَ
ِب ال َد ّي ْ ِن يَوْم َ الق ِيَامَة ِ ح ََت ّى يَق َِف بَيْنَ يَد َيْه ِ فَيُق َالُ :ي َا اب ْ َ
وأحمد والطبراني" :ي َ ْدع ُوا الل ّٰه بِصَاح ِ
ل و َل َ ْم أَ شْر َبَ و َل َ ْم أَ ل ْب َْس و َلَم ُأضَي ّعْ و َلـَكِن إمّا حَرْقٌ ،و َإمّا سَرْقٌ وإمّا وَضِيع َة ٌ: َب ِإ َن ّ َ
ك تَعْلَم ُ أَ ن ِ ّي أَ خَذْتُه ُ فَل َ ْم آك ُ حق ُوقَ َ
الن ّاس؟ فَيَق ُولُ :ي َا ر ّ ُ
حسَنَاتُه عَلَى صد َقَ عَبْدِي أنا أَ ح َُقّ م َنْ ق َض َى عَنْكَ ،فَي َ ْدع ُو الل ّٰه ب ِشَيء ٍ فَيَضَع ُه ُ فِي َ
ك ّفة ِ م ِيز َانِه ِ فَتَرْجَ ح ُ َ ل م َِم ّا اشْ تَر َى بِه ِ فَيَق ُولَُ :
أي بَي ْ ٌع ب ِأَ ق ّ
ن رَج ُلا ً م َِم ّنْ ك َانَ قَب ْلـَك ُ ْم أَ ت َاه ُ الملَ َ ُ
ك لِيَقْب َِض ل الج َنَ ّة َ بِف َضْ ِ
ل رَحْمَتِه ِ" ،والشيخان عن حذيفة قال :سمعت رسول الل ّٰه يقول" :إ َ ّ سَي ِّئاتِه ِ فَي َ ْدخ ُ َ
كن ْتُ ُأب َاي ِـ ُع َ
الن ّاس فِي ال ُد ّن ْيا ف َأَ نْظ ُر ُالمُو ْسِر َ و َأَ تَجَاو َز شي ْئا ًغَيْر َ أَ ن ِ ّي ُ
ل انْظُر ْ قَالَ :م َا أَ ع ْلَم ُ َ
ل ه َلْ عَم ِل ْتَ م ِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ :م َا أَ ع ْلَم ُ ،ق ِي َ
ر ُوح َه ُ فَق َا َ
ع َن
Shamela.org ٨٥
باب الظلم ٣١
]باب في ذم المكس{
أخرج أحمد وأبو داود والحاكم عن عقبة بن عامر قال :سمعت رسول الل ّٰه يقول" :لا ي َ ْدخ ُل الج َنَ ّة َ صَاحِبُ م َ ْك ٍ
س" ،وأحمد والطبراني
عن أبي الخـير قال :عرض مسلمة بن مخلد وكان أميرا ً على مصر على رو يفع بن ثابت أن يوليه العشور ،فقال :إني سمعت رسول الل ّٰه
س فِي َ
الن ّارِ" ،وأحمد وابن عبد الحكم عن مالك بن عتاهية ،قال :سمعت رسول الل ّٰه يقول" :إذ َا لَق ِيتُم ْ عَاشِرا ً يقول" :إ َ ّ
ن صَاحِبَ الم َ ْك ِ
فَاق ْتُلُوه ُ" ،وأحمد عن الحسن بن أبي عامر أنه استعمل كلاب بن أمية على أيلة ،وعثمان بن أبي العاص في أرضه فأتاه عثمان فقال:
ل ف َُأ ْعط ِيه ِ ،ه َلْ م ِنْ د ٍ
َاع ف َأَ سْ تَجِيبُ لَه ُ، سم َاء ِ فَيُنَادِي م ُنَادٍ ه َلْ م ِنْ سَائ ِ ٍ
ح ف ِيهَا أَ ب ْوَابُ ال َ ّ ن ب َِالل ّي ْ ِ
ل سَاع َة ً يُفْت َ ُ سمعت رسول الل ّٰه يقول" :إ َ ّ
ه َلْ م ِنْ مُسْتَغْفِرٍ ف َأَ ْغف ِر ُ لَهُ" وإن داود عليه السلام خرج ذات ليلة ،فقال :لا يسأل الل ّٰه أحد حاجته إلا أعطاه إلا أن يكون ساحرا ً أو
عشارا ً فدعا كلاب بقرقور ،فكرب فيه فانحدر إلى ابن عامر ،فقال :دونك عملك قال لم؟ قال :حدثني عثمان بكذا وكذا .والطبراني
ل فَيُعْطَى ل فَيُنَادِي م ُنَادٍ :ه َلْ م ِنْ د ٍ
َاع فَيُسْت َج َابُ لَه ُ ه َلْ م ِنْ سَائ ِ ٍ ف َ
الل ّي ْ ِ سم َاء ِ ن ِصْ َ
ح أَ ب ْوَابُ ال َ ّ
عن عثمان بن أبي العاص عن النبي" :تُفْت َ ُ
سل ِم ٌ ،فَي َ ْدع ُوا بِدَعْوَة ٍ إ َلّا اسْ ت َج َابَ الل ّٰه لَه ُ إ َلّا ز َانيِ َة ً ت َ ْسع َى بِفَر ْ ِ
جه َا أَ ْو عَشَاراً" وأبو نعيم عن زيد بن ُوب فَيُفْر ّج عَن ْه ُ فَلا يَبْقَى م ُ ْ
ه َلْ م ِنْ مَك ْر ٍ
أرقم قال :كنت مع رسول الل ّٰه في بعض سكك المدينة ،فمررنا بخباء أعرابي فإذا ظبية مشدودة فقالت :يا رسول الل ّٰه إن هذا الأعرابي
صادني ،فلا هو يذبحني فأستريح ،ولا هو يتركني فأذهب ولي خشفان في البر ي ّة ،وقد تعقد هذا اللبن في أخلافي؛ فقال لها رسول الل ّٰه:
إن أطلقتك أترجعي؟ قالت :نعم وإلا عذبني الل ّٰه عذاب العشار فأطلقها فذهبت ثم رجعت.
اس فَمَسَخ َه ُ الل ّٰه شِه َاباً" ات ف َِإ َن ّه ُ ك َانَ يُعَش ِّر ُ َ
الن ّ َ ن سُهَي ْلا ً ثَلاثَ م َ َّر ٍ ن َ
الن ّبي لَع َ َ وورد من حديث عليّ أخرجه الطبراني في الـكبير بلفظ" :إ َ ّ
ل صِر َاطٍ تُوعَد ُونَ{ )سورة الأعراف (٨٦ :قال نزلت في أنبئت عمن أنبىء عن أبي الحسن عن مجاهد في قوله تعالى} :و َلا تَقْعُد ُوا بِك ُ ّ ِ
المكاسين ،وأنشدكم لنفسي:
ك أَ ْو ح َرّم ُوه
ِث <> إ ْن ح َل ّلُوا ذل ِ َ اق ْت ُلْ ُأولي الم َ ْك ِ
س و َلا تَكْتَر ْ
ق أَ وْص َى ب ِأَ ْن <> إذ َا لَق ِيتُم ْ عَاشِرا ً فَاق ْتُلُوه ف َِإ َ ّ
ن خَيْر َ الخَل ْ ِ
أعاذنا الل ّٰه من شررهم وحمانا من فتنتهم .وذكر ابن الجوزي في كتاب مواعظ الملوك أن كسرى خرج في بعض أيامه للصيد ،فانقطع
عن أصحابه وأظلته سحابة ،فمطرت مطرا ً شديدا ً حال بينه وبين جنده ،فمضى لا يدري أن يذهب ،فانتهى إلى كوخ فيه عجوز ،فنزل
عندها وأدخل فرسه ،فأقبلت ابنتها ببقرة فدعتها فاحتلبتها ،فرأى كسرى لبنها كثيراً .فقال :ينبغي أن نجعل على كل بقرة خراجا ًفهذا
حلاب كثير ،ثم قامت في آخر الليل تحلبها ،فوجدتها لا لبن فيها فنادت :يا أماه قد أضمر الملك لرعيته سوءا ً قالت :وما ذلك؟ قالت:
تبض بقطرة لبن؛ قالت لها :امكثي فإن عليك ليلا ًفأضمر كسرى في نفسه العدل ،والرجوع عن ذلك العزم؛ فلما كان آخر
إن البقرة ما ّ
الليل قالت لها أمها :قومي احتلبي فقامت فوجدت البقرة حافلاً .فقالت :يا أماه قد والل ّٰه زال ما في نفس الملك من الشرّ ،فلما ارتفع
النهار جاء أصحاب كسرى ،فركب وأمر بحمل العجوز وابنتها إليه ،فأحسن إليهما ،وقال :كيف علمتما ذلك؟ قالت العجوز :إنا بهذا
المكان منذ كذا وكذا ،فما عمل فينا بعدل إلا أخصبت أرضنا واتسع عيشنا؛ وما عمل فينا بجور إلا ضاق عيشنا ،وانقطع مواد النفع عنا.
)
تنبيه( إن المكس حرام إجماعا ً و يكفر من استحله أو قال :إنه حق السلطان معتقدا ً أنه حق وقال سلطان العلماء عز الدين بن عبد
السلام بأنه يحرم على من يعرف الكتابة ،والحساب كتابة حساب المكس ،إن قصد إعانة الظلمة الذين لعنهم الل ّٰه ورسوله.
Shamela.org ٨٦
باب الظلم ٣١
}باب الظلم{
َص ف ِيه ِ الأبْصَار ُ{ )سورة إبراهيم (٤٢ :وقال الل ّٰه تعالى: ظالم ُِونَ َإن ّمَا يُؤ َ ِّ
خر ُه ُ ْم لِيَو ْ ٍم ت َ ْشخ ُ ل ال َ ّ
تحْسَب َ ّن الل ّٰه غَاف ِلا ًع ََم ّا يَعْم َ ُ
قال الل ّٰه تعالى} :و َلا َ
ن ال ُ ّ
ظلْم َ ظُلُمَات يَوْم َ الق ِيَامَة ِ" ،والشيخان عن أبي "ات ّق ُوا ال ُ ّ
ظلْم ُ ف َِإ َ ّ مح ََر ّما ً بَي ْنك ُ ْم فَلا تظَالمُوا" وأحمد والبيهقي عن ابن عمرَ :
نَفْسي و َجعَل ْت ُه ُ ُ
شدِيد ٌ" ومسلم هي َ ظَالم َِة ٌ إ َ ّ
ن أَ خْذَه ُ أَ ل ِيم ٌ َ ك إذ َا أَ خَذ َ الق ُر َى و َ ِ ظال ِ ِم ف َِإذ َا أَ خَذَه ُ ل َ ْم يُفْلِت ْه ُ ،ثم قرأ ـ وك َذل ِ َ
ك أَ خَذ َ ر َُب ّ َ ن الل ّٰه لي َم ُْلي لِل َ ّ
موسى" :إ َ ّ
ن
شب ْرا ً م ِ َ
ل ظَلَم َ ِأي يخسف الل ّٰه به الأرض ،فتصير البقعة في عنقه كالطوق" ،وأحمد وابن حبان عن يعلى بن مرة" :أَ ُي ّمَا رَج ُ ٍ أَ رضينَ ْ
الن ّاسِ" ،وأحمد والطبراني" :م َنْ أَ خ َذ سب ِْع أَ رضينَ ،ث َُم ّ يُطَو ّق ُه ُ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ ح ََت ّى ي َ ْقضِيَ بَيْنَ َ
خر َ َ يحْف ِرَه َ ح ََت ّى يَب ْل ُ َغ آ ِ
ض ك َل َ ّفه ُ الل ّٰه أَ ْن َالأ ْر ِ
ظلَم َة ُ و َأَ عْوَانُه ُ ْم فِي َ
الن ّارِ" ْف و َلا ع َ ْدلٌ" ،والديلمي عن حذيفة" :ال َ ّ ل مِن ْه ُ صَر ٌ سب ِْع أَ رضِين لا يُقْب َ ُض بِغَيْر ِ ح ّق ِه َط َو ّق َه ُ م ِنْ َ ن الأ ْر ِ شي ْئا ً م ِ َ
َ
جه َ َن ّم َ" الحديث .والخطيب عن عليّ رضي الل ّٰه
ق آذاه ُ بَع َثَ الل ّٰه م َلكا ً يَحْم ِي لَحْمَه ُ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ م ِنْ ن َارِ َ
وأبو داود" :م َنْ حَمى مُؤْم ِنا ً م ِنْ م ُنَاف ِ ٍ
ح َ ّقه ُ" ،والطيالسي عن أبي هريرة رضي الل ّٰه عنه" :دَعْوَة ُ
ق َ
ح َ ح َ ّقه ُ و َِإ ّ
ن الل ّٰه لا يَم ْن َ ُع ذ َا َ ق دَعْوَة َ المَظْلُو ِم ف َِإ َن ّمَا يَسْأَ ُ
ل الل ّٰه تَع َالَى َ عنه" :ات ّ ِ
سه ِ".
المَظْلُو ِم مُسْت َج َابَة ٌ و َِإ ْن ك َانَ فَاجِرا ً فَفُجُورُه ُ عَلَى ن َ ْف ِ
ْت ي َ ْسم َع ُه ُ
صو ٍ
حف َاة ً ع ُرَاة ً غ ُْرلا ً بُه ْما ًفَيُنَادِيه ْم م ُنَادٍ ب ِ َ
يح ْش َر ُ الع ِبَاد ُ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ ُ
وروي عن عبد الل ّٰه بن أنيس قال :سمعت رسول الل ّٰه يقولُ :
ل َ
الن ّارِ يَطْلب ُه ُ بِمَظْلَمَة ٍ ل الج َنَ ّة َ و َأَ حَدٌ م ِنْ أَ ه ْ ِ
ل الج َنَ ّة ِ أَ ْن ي َ ْدخ ُ َ
ك ال َد ّي ّانُ الذي لا يَن ْبَغ ِي لأحَدٍ م ِنْ أَ ه ْ ِ
م َنْ بَعُد َ كَمَا ي َ ْسم َع ُه ُ م َنْ ق َر ُبَ :أن َا الملَ ِ ُ
ح
ح ّقه ِ .قال :فَتف َر َ ُ
ت إلى َ ن فُلان م َنْ ك َانَ لَه ُ عَلَيْه ِ ح ّ ٌ
َق فَل ْي َأْ ِ ق هذ َا فُلان اب ْ ُ
س الخَلائ ِ ِ
بيَِدِ العَبْدِ أَ و الأَ مَة ِ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ فَيُنَادى بِه ِ علَى رُؤ ُو ِ
المَر ْأَ ة ُ أَ ْن يَكُونَ لَهَا ح ّ ٌ
َق عَلى ابْنِها أَ ْو أَ خِيها ث َُم ّ ق َرأَ َ } :فَلا أَ نْس َابَ بَيْنَه ُ ْم يَوْم َئِذٍ و َلا يَتَسَاءَلُونَ{ )سورة المؤمنون (١٠١:قال :فيغفر الل ّٰه من
Shamela.org ٨٧
باب الظلم ٣١
حقه ما يشاء ،ولا يغفر من حقوق الناس شيئا ًفيقضي فينصب العبد للناس ،ثم يقول الل ّٰه لأصحاب الحقوق :ائتوا إلى حقوقكم .قال:
فيقول العبد :يا رب فنيت الدنيا ،فمن أين أوتيهم حقوقهم ،فيقول الل ّٰه للملائكة خذوا من حسناته ،فأعطوا كل ذي حقّ حقه بقدر
طلبته ،فإن كان وليا ً لل ّٰه وفضل له مثقال ذرة ضاعفها الل ّٰه حتى يدخل الجنة بها ،وإن كان عبدا ً شقياً ،ولم يفضل له شيء ،فتقول
الملائكة :ربنا فنيت حسناته ،وبقي طالبون فيقول الل ّٰه خذوا من سيئاتهم فأضيفوه إلى سيئاته ثم صكوا له صكا ًإلى النار.
وحكى اليافعي عن بكير صاحب الشبلي .قال :لما حضرت الوفاة الشبلي .قال :عليّ درهم مظلمة تصدقت عنه بألوف فما علي شيء
أعظم منه.
وحكي أيضا ًعن عمرو بن دينار .قال :كان رجل من بني إسرائيل على ساحل البحر ،فرأى رجلا ًوهو ينادي بأعلى صوته :ألا من رآني
فلا يظلمنّ أحداً ،قال فدنا منه وقال :يا عبد الل ّٰه ما خبرك؟ فقال :اعلم أني كنت رجلا ً شرطيا ً فجئت يوما ً إلى هذا الساحل ،فرأيت
صيادا ً قد صاد سمكة ،فسألته أن يهبها مني ،فأبى فسألته أن يبيعها مني فأبى ،فضربت رأسه بسوطي ،وأخذتها منه قهرا ً ومضيت بها.
ش بها حاملها إذ عضت على إبهامي ،فرمت أن أخلص إبهامي منها ،فلم أقدر ،فجئت إلى عيالي فعالجوا أن يخلصوا
قال :فبينما أنا ما ٍ
إبهامي منها فلم يقدروا إلا بعد تعب شديد .وقيل :إنما تعلقت بإبهامه عندما قدمت إليه ليأكلها قال :فأصبح إبهامي قد ورم وانتفخ ،ثم
انتفخت فيه عيون من آثار أنياب هذه السمكة ،فذهبت إلى طبيب محسن ،فلما نظر إلى إبهامي قال :هذه أكلة بلا شك ،وإن لم تقطع
إبهامك هلـكت فقطعت إبهامي ،ثم ضربت على يدي فلم أطق النوم ولا القرار من شدّة الألم فقيل لي :اقطع كفك فقطعتها وانتشر
الألم إلى الساعد ،وآلمني شديداً ،ولم أطق القرار وجعلت أستغيث من شدّة الألم ،فقيل لي :اقطعها من المرفق فقطعتها ،فانتشر الألم
إلى العضد وضربت عليّ عضدي أش ّد من الألم الأوّل ،فقيل لي اقطع يدك من كتفك ،وإلا سرى الألم إلى جسدك كله فقطعتها،
ل ما أصابك الألم إلى صاحب السمكة،
فقال لي بعض الناس :ما سبب ألمك ،فذكرت له قصة السمكة؟ فقال :لو كنت رجعت في أو ّ
فاستحللت منه واسترضيته ،ولا قطعت من أعضائك عضوا ً فاذهب إليه الآن ،واطلب رضاه قبل أن يصل الألم إلى بدنك.
قال :فلم أزل أطلبه في البلد حتى وجدته ،فوقعت على رجليه أقبلهما وأبكي ،فقلت يا سيدي :سألتك بالل ّٰه إلا عفوت عني فقال لي:
من أنت؟ فقلت :أنا الذي أخذت منك السمكة غصباً ،وذكرت ما جرى عليّ وأريته يدي ،فبكى حين رآها وقال :يا أخي قد أحللتك
منها لما قد رأيت بك من هذا البلاء ،فقلت :يا سيدي سألتك بالل ّٰه هل كنت دعوت عليّ لما أخذتها منك؟ قال :نعم قلت :اللهم هذا
يقوي علي بقوته على ضعفي ،فأخذ مني ما رزقتني فأرني فيه قدرتك ،قلت قد أراك الل ّٰه قدرته فيّ ،وأنا تائب إلى الل ّٰه عما كنت عليه.
وحكي أيضا ًعن علي بن حرب قال :خرجت أنا وبعض شباب الموصل إلى الشط ،فركبنا في زورق ،فلما بعدنا من البلد وتوسطنا البحر
إذا سمكة كبيرة طفرت من الشط إلى وسط الزورق ،فقام الشباب ،ونزلوا إلى حافة الشط ليجمعوا خطبا ًبرسم السمكة ،فنزلت معهم
فبينما نحن نمشي على جانب الشط ،وإذا بالقرب منا خربة ،فذهبنا إليها ننظر آثارها ،وإذا فيها شاب مكتوف وآخر مذبوح إلى جانبه،
وبغل واقف عليه قماش .فقلنا للشاب :ما قصتك وما هذا المذبوح؟ فقال :إني كنت مكتر يا ًمع هذا المكاري صاحب البغل ،فعدل
بي إلى هذا المكان ،وكتفني كما ترون وقال :لا ب ّد لي من قتلك ،فناشدته الل ّٰه تعالى ،لا تظلمني ولا تربح إثمي ولا تعدمني روحي ،بل
ل منه وحلفت له بالل ّٰه تعالى إني لا أعلم به أحداً ،وما زلت أناشده بالل ّٰه تعالى ،وهو لا يفعل فم ّد يده
تأخذ مني القماش وأنت في ح ّ
إلى سكين كانت في وسطه يجذبها ،فتعسرت عليه أن تخرج من غلافها ،فما زال يجذبها إلى أن خرجت بصعوبة ،فما أخطأت حلقه،
فذبحته فهو كما ترون وأنا على حالتي هذه .قال :فحللنا كتافه وأعطيناه البغل والقماش ،وراح وعدنا إلى الزورق ،فلما صعدنا طفرت
السمكة إلى الشط.
وحكي أيضا ً أن امرأة إسرائيلية كان لها دار بجوار قصر الملك ،وكانت تشين القصر وكلما رام الملك منها أن تبيع الدار أبت أن تبيعها
منه ،فخرجت المرأة في سفر فأمر الملك بهدمها ،فلما جاءت المرأة من السفر قالت :من هدم داري؟ قيل لها :الملك فرفعت طرفها إلى
Shamela.org ٨٨
باب الظلم ٣١
السماء وقالت :إلهي وسيدي ومولاي غبت أنا وأنت حاضر للضعيف معين وللمظلوم ناصر ،ثم جلست فخرج الملك في موكبه ،فلما
نظر إليها قال لها؛ ما تنتظرين قالت؛ أنتظر خراب قصرك فهزأ بقولها وضحك منها ،فلما جنح عليه الليل خسف به وبقصره ،ووجد على
بعض حيطان القصر مكتوب هذه الأبيات:
ُ أَ تَه ْز َُأ ب ِال ُد ّعَاء ِ و َت َزدَرِ يه ِ <> وَم َا ي ُ ْدرِ ي َ
ك م َا صَن َ َع الد ّعاء ُ
سِه َام ُ َ
لأمَدِ انْقِضَاء ُ تخْط ِي و َلـكِنْ <> لَهَا أَ مَدٌ وَل ِ َ ل لا ُ الل ّي ْ ِ
ُ َ
و َق َ ْد شَاء َ الإل ّه ُ بِمَا ت َر َاه ُ <> فَمَا لِل ْمُل ْكِ عِنْد َكم ُ بَق َاء ُ
حفظنا الل ّٰه من شرور الظالمين ،وحمانا من مكايد الكافرين.
)تنبيه( إن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه .وقيل التصرف في ملك الغير بغير إذنه .والغصب هو الاستيلاء على حق الغير ،وهما
حرامان بالكتاب والسنة والإجماع ،فيكفر مستحلهما ولو لحبة إجماعاً.
مر بمقبرة ،فنادى رجلا ً منهم فأحياه الل ّٰه فقال له :من أنت؟ فقال :كنت حمالا ً أنقل للناس ،فنقلت وروي أن عيسى عليه السلام ّ
مت ،ربنا اغفر لنا وتحمل تبعاتنا وارزقنا الإخلاص في كل يوما ً لإنسان حطباً ،وكسرت منه خلالا ً تخللت به فأنا مطالب به مذ ّ
أمورنا ،وكما يحرم الظلم يحرم الإعانة عليه ولو بكلمة .قال عليه الصلاة والسلام" :م َنْ م َش َى م َ َع ظَال ِ ٍم لِي ُع ِين َه ُ عَلَى ظُل ْمِه ِ أَ ز َ َ ّ
ل الل ّٰه قَدَمَيْه ِ
ن ظلَمَة ِ و َأشْ يَاع ُ ال َ ّ
ظلَمَة ِ أي ْ َ ظلَم َة ُ و َِإخْ وانُ ال َ ّ
ن ال َ ّ
َض ف ِيه ِ الأقْد َام" وقال أبو هريرة" :إذ َا ك َانَ يَوْم ُ الق ِيَامَة ِ ن َاد َى م ُنَادٍ أَ ي َ
ع َن الصِّر َاطِ يَوْم َ ت ْدح ُ
جه َ َن ّم َ" ورفعه بعضهم إلى النبي.
ق إلى َ
س الخَلائ ِ ِ حدٍ ث َُم ّ سِي َ
ق بِه ِ ْم عَلَى ر ُؤو ِ وت و َا ِ
ل فَي ُجْ م َع ُونَ فِي ت َاب ُ ٍ
م َنْ لاقَ لَه ُ ْم دو َاة ً و َب َر َى لَه ُ ْم قَلَماً .قَا َ
قال الأئمة :بلغنا أنهم يرون أنه ليس أحد أشد عذابا ًمنهم لما يحل بهم من ضيق التابوت وشدّة العذاب ،وذكر أبو شبرمة أن منكرا ً ونكيرا ً
أتيا رجلا ًإلى قبره ،وقالا إنا ضاربوك مائة ضربة .فقال الميت :إني كنت كذا وكذا ،وتشفع ببعض أعماله حتى ح َ ّ
طا عنه عشراً ،ثم
لم يزل يتشفع حتى ح َ ّ
طا الجمي َع إلا ضربة ،فضرباه ضربة فالتهب القبر عليه ناراً :فقال :لم ضربتماني؟ فقالا مررت بمظلوم فاستغاث بك
فلم تغثه.
فهذا حال من لم ينصر المظلوم مع قدرته على نصره فكيف حال الظالم؟ وقال بعضهم :رأيت في المنام رجلا ًممن يخدم الظلمة المكاسين
بعد موته ،وهو في حالة قبيحة .فقلت له :ما حالك؟ فقال :ش ُرّ حال .فقلت :إلى أين صرت؟ فقال :إلى عذاب الل ّٰه؛ فقلت :ما حال
عز وجلّ :وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.
الظلمة عند ربهم؟ قال :شرّ حال أما سمعت قول الل ّٰه ّ
وحكي أنه جاء خياط إلى سفيان الثوري .فقال :إني أخيط ثياب السلطان أفتراني من أعوان الظلمة؟ فقال سفيان :بل أنت من الظلمة
أنفسهم لـكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة والخيوط .ومن الظلم المحر ّم أن تظلم المرأة من نحو صداق أو نفقة أو كسوة ،وهو
داخل في قوله :ل َُيّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته :أي شكايته وتعزيره بالحبس والضرب ،وتأخير أجر الأخير ،أو منعه منه بعد فراغ
ل أَ ْعطَى بِي ث َُم ّ غَدَر َ .وَرَج ُ ٌ
ل ب َاع ل الل ّٰه تَع َالَى ثَلاثَة ٌ أن َا خَصْ مُه ُ ْم يَوْم َ الق ِيَامَة ِ :رَج ُ ٌ
عمله الذي شرط عليه الأجرة .قال رسول الل ّٰه" :قَا َ
يج ِّف ع َرَق ُه ُ"
ل أَ ْن َ
جرَه ُ قَب ْ َ ل اسْ ت َأْ جَر َ أَ جِيرا ً فَاسْ ت َوفَى مِن ْه ُ و َل َ ْم يُعْطِه ِ أَ ْ
جرَه ُ" وراه ابن ماجه .قال" :أَ ْعط ُوا الأجِير َ أَ ْ ل ثَمَن َه ُ وَرَج ُ ٌ
حُرّا ً ف َأَ ك َ َ
رواه الطبراني.
وحكي أنه حجم حجام داود الطائي فأعطاه دينارين فقالوا :أسرفت .فقال :لا دين لمن لا مروءة له.
وحكى عن الشبلي قال :قال لي خاطري يوما ً أنت بخيل ،فقلت :ما أنا بخيل ،فقال :بلى أنت بخيل فقلت :ما أنا بخيل .فقال :بلى
أنت بخيل ،فنويت أن أول شيء يفتح عليّ أعطيه أو فقير ألقاه ،فما تم ّ هذا الخاطر حتى دخل عليّ فلان سماه بخمسين ديناراً ،فأخذتها
وخرجت فأول من لقيني فقير ضرير أو قال أكمه بين يدي مزين يحلق شعره فناولته ذلك .فقال :فأعطها المزين فقلت :إنها دنانير
فرفع رأسه إليّ وقال :أما قلنا لك إنك بخيل فناولتها المزين .فقال :منذ قعد بين يدي هذا الفقير عقدت مع الل ّٰه عقدا ً أن لا آخذ على
Shamela.org ٨٩
باب الظلم ٣١
حلاقته شيئاً ،قال :فأخذتها وذهبت إلى البحر فرميت بها فيه .واستعمال العار ية في غير المنفعة التي استعارها لها ،وإعارتها من غير إذن
مالـكها ،واستعمالها بعد المدة المؤقتة بها ،وقيل إنه رجع ابن المبارك من مرو ورجع إبراهيم بن أدهم من بيت المقدس إلى البصرة لردّ
تمرة إلى الشام وفي قلم استعاره فلم يرده على صاحبه ،وكان حسان بن أبي سنان لا ينام مضطجعا ً ولا يأكل سميناً ،ولا يشرب باردا ً
ستين سنة ،فرؤي في المنام بعد ما مات فقيل له :ما فعل الل ّٰه بك؟ فقال :خيرا ً إلا أني محبوس عن الجنة بإبرة استعرتها فلم أردّها.
ل اليَتَام َى ظُل ْما ً َإن ّمَا ي َأْ ك ُلُونَ فِي بُط ُونِه ِ ْم ن َارا ً وَسَي ُصْ لَوْنَ سَع ِيراً{ ن ال َ ّذ ِي َ
ن ي َأْ كلُونَ أَ مْوَا َ )فصل( :في أكل مال اليتيم .قال الل ّٰه تعالى} :إ َ ّ
)سورة النساء(١٠ :
سِحْ ر ُ،
هي َ؟ قَالَ :الش ِّرْك ُ ب ِالل ّٰه و َال ّ
ل الل ّٰه وَم َا ِ
َات ،قَالُوا ي َا رَسُو َ وأخرج الشيخان عن أبي هريرة قال :قال رسول الل ّٰه" :اجْ تَن ِب ُوا ال َ ّ
سب ْ َع المُو َبق ِ
ات"
ِلات المؤْم ِن َ ِ
ات الغ َاف ِ
َذف المحُْصَن َ ِ
ف ،و َق َ ل اليَت ِِيم ،والتول ِّي يَوْم َ َ
الز ّحْ ِ ل م َا ِ
ك ُ س التي ح َرّم َ الل ّٰه إلا ّ ب ِالحَقّ ِ ،و َأك ُ
ل الر ِّب َا و َأَ ْ ل الن َ ْف ِ
و َقَت َ ُ
ل اليَت ِيم
ل م َا ِ ن خَمْرِ وآك ِ ُ ّ
ل الر ِّب َا وآك ِ ُ والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة :أرْب َ ٌع ح ّ ٌ
َق عَلى الل ّٰه أ ْن لا ي ُ ْدخِلَه ُم الج َنَ ّة َ و َلا يُذِيقَه ُ ْم نَع ِيمَه َا :م ُ ْدم ِ ُ
ق
تح ْت َه ُ امْرَأَ ة ٌ سَي ِّئ َة ُ الخُل ُ ِ
ل ك َان َْت َ عز وَج َ َ ّ
ل فَلا يُسْت َجابُ لَهُمْ :رَج ُ ٌ ب ِغَيْر ِ حَقّ ِ ،و َالع ُ ّ
َاق ل ِوَالِدَيْه ِ .والحاكم عن أبي موسى :ثَلاثَة َ ي َ ْدع ُونَ الل ّٰه ّ
سف ِيها ً م َالَه ُ ،وقد قال الل ّٰه تعالى} :لا تُؤتُوا ال ُ ّ
سفَه َاء َ أَ مْوَالـَكُمْ{ ل آتى َ
ل فَل َ ْم يَشْه َ ْد عَلَيْه ِ ،وَرَج ُ ٌ
ل آخر َ م َا ٌ
ل ك َانَ لَه ُ عَلَى رَج ُ ٍ
فَل َ ْم يُطَل ِّ ْقه َا وَرَج ُ ٌ
)سورة النساء(٥ :
ل بِه ِ ْم م َنْ
ل ،و َق َ ْد وُكّ ِ َوفي تفسير القرطبي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الل ّٰه قال" :ر َأَ ي ْتُ لَيْلَة َ ُأسْر ِيَ بِي قَو ْما ًلَه ُ ْم مَشَاف ِر ُكَمَشَافِرِ الإب ِ ِ
ل اليَتَام َى ظُل ْماً". ن ي َأْ ك ُلُونَ أَ مْوَا َ ل م َنْ ه َؤلاءِ؟ قَا َ
ل ال َ ّذ ِي َ جبْر ِي ُ
ج م ِنْ أَ سَافِلِهِمْ ،فَق ُل ْتُ :ي َا ِ
تخ ْر ُ ُ
ل فِي أَ ف ْواهِه ِ ْم صَ خ ْرا ً َ ي َأْ خُذ ُ مَشَاف ِر َهُمْ ،ث َُم ّ َ
يجْع َ ُ
)تنبيه( إن آكل مال اليتيم من الكبائر المهلـكة اتفاقاً ،وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين قليله وكثيره ولو حبة.
)
ل اليَت ِِيم فِي الج َنَ ّة هَكَذ َا" .وابن ماجه :م َنْ عَا َ
ل ثَلاثَة ً خاتمة( :في كفالة اليتيم والشفقة والسعي على الأرملة .أخرج البخاري" :أن َا وَك َاف ِ ُ
Shamela.org ٩٠
باب الظلم ٣١
له ،فاستأجرت حمالين يحملونها إلى المصلى فما صلى عليه أحد ،فحملوه إلى الصحراء ليدفنوه ،وكان بالقرب من الموضع جبل فيه رجل
من الزهاد الكبار ،فنزل ذلك الزاهد للصلاة عليه ،وانتشر الخـبر في البلد ،وقالوا :نزل فلان ليصلي على فلان فخرج الناس فصلوا عليه
مع الزاهد وتعجبوا من صلاته عليه ،فقال لهم إنه قيل لي في النوم انزل إلى الموضع الفلاني ت َر فيه جنازة رجل ليس معها إلا امرأته
ل عليها ،فإنه مغفور له ،فزاد تعجب الناس فاستدعى الزاهد زوجته يسألها عن حاله ،وكيف كانت سيرته ،فقالت :كان كما سمعت
فص ّ
طول النهار في الماخور مشغولا ًبشرب الخمر ،فقال :انظري هل يعرض له شيء من أفعال الخـير؟ قالت :لا والل ّٰه إلا أنه كان يفيق كل
يوم من سكره عند صلاة الصبح ،فيبدل ثيابه ويتوضأ و يصلي الصبح ،ثم يعود إلى ماخوره يشتغل بشربه ولهوه ،وكان لا يخلو بيته من
يتيم أو يتيمين يفضله على ولده ،وكان يفيق في أثناء سكره فيبكي و يقول :إلهي أيّ زاو ية من زوايا جهنم تريد أن تملأها بهذا الخبيث،
يعني نفسه .وأخرج الشيخان عن أبي هريرة :الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الل ّٰه ،وأحسبه قال وكالقائم لا يفتر
وكالصائم لا يفطر .وابن ماجه :الساعي على الأرملة كالمجاهد في سبيل الل ّٰه ،وكالذي يقوم الليل و يصوم النهار.
وحكي أنه كان لبعض مياسير العلو يين بنات من علو ية ،فمات واشت ّد بهن الفقر إلى أن رحلن من وطنهنّ خوف الشماتة ،فدخلن
مسجد بلد مهجور ،فتركتهنّ فيه ،وخرجت تحتال لهنّ على القوت فمر ّت بكبير البلد وهو مسلم ،فشرحت له حالها فلم يصدّقها ،وقال:
مر بمجوسي فشرحت له حالها بذلك ،فص َ ّدق وأرسل بعض نسائه لا ب ّد أن تقيمي عندي البينة بذلك ،فقلت :أنا غريبة فأعرض ،ثم ّ
فأتت بها وبناتها إلى داره ،فبالغ في إكرامهنّ ،فلما مضى نصف الليل رأى ذلك المسلم القيامة والنبي معقود على رأسه لواء الحمد ،وعنده
فقص
ّ قصر عظيم ،فقال :يا رسول الل ّٰه لمن هذا القصر؟ فقال :لرجل مسلم ،قال :أنا مسلم موحد ،قال :أقم عندي البينة بذلك ،فتحير
ل عليها بدار المجوسي فطلبها منه فأبى،
له خبر العلو ية ،فانتبه الرجل في غاية الحزن والكآبة إذ ردّها ،ثم بالغ في الفحص عنها حتى د ّ
وقال :قد لحقني من بركاتهنّ ،فقال :خذ ألف دينار وسلمهنّ إليّ فأبى ،فأراد أن يكرهه فقال له :الذي تريده أنا أحق به ،والقصر
الذي رأيته في النوم خلق لي .فقال :أنت لست بمسلم؛ فقال :أتفخر علي بإسلامك فوالله ما نمت أنا وأهل داري حتى أسلمنا كلنا
على يد العلو ية ،ورأيت مثل منامك ،وقال رسول الل ّٰه :العلو ية وبناتها عندك قلت :نعم يا رسول الل ّٰه .قال :القصر لك ولأهل دارك
فانصرف المسلم وبه من الكآبة والحزن ما لا يعلمه إلا الل ّٰه تعالى.
)
ل وَتَخ ُونُوا أم َان َاتِك ُ ْم و َأَ ن ْتُم ْ تَعْلَم ُونَ{ )سورة الأنفال(٢٧ :
َالر ّسُو َ فصل( :في الخيانة .قال الل ّٰه تعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا لا تَخ ُونُوا الل ّٰه و َ
كيْد َ الخَائنِِينَ{ )سورة يوسف (٥٢ :وأخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الل ّٰه عنهما قال :قال رسول الل ّٰه: وقال تعالى} :إ َ ّ
ن الل ّٰه لا يَهْدِي َ
ن الجَسَدِ".
س مِ َ ن كَمَوْضِـع َ
الرأّْ ِ ن الدي َ ن لم َِنْ لا صَلاة َ لَه ُ وَمَوْضِـ ُع َ
الصّ لاة ِ م ِ َ "لا إيمَانَ لم َِنْ لا أَ م َانَة َ لَه ُ و َلا صَلاة َ لم َِنْ لا َطه ُور َ لَه ُ و َلا دِي َ
لاث :إذ َا ح َ َ ّدثَ
ق ثَ ٌ
وأحمد وابن حبان عن أنس :لا إيمَانَ لم َِنْ لا أَ م َانَة َ لَه ُ و َلا دِين لم َِنْ لا ع َ ْهد َ لَه ُ .والشيخان عن أبي هريرة :آيَة َ المُنَاف ِ ِ
لاث م َنْ ك َُنّ ف ِيه ِ فَه ُو َ منَافِقٌ ،و َِإ ْن صَام َ وَصَلّى و َحَ ج ّ و َاعْتَم َر َ و َقَا َ
ل ن خ َانَ ،وأبو الشيخ عن أنس :ث َ ٌ
ف ،و َِإذ َا اؤْتمُ َ
كَذ َبَ ،وإذ َا و َعَد َ أَ خْل َ َ
ن خ َانَ .وأبو يعلى والبيهقي عن النعمان بن بشير :من خان شر يكا ًفيما ائتمنه
ف و َِإذ َا اؤْتُم ِ َ
سل ِمٌ :م َنْ إذ َا حَدّثَ كَذ َبَ و َِإذ َا و َعَد َ أَ خْل َ َ
إن ِ ّي م ُ ْ
تبي ّة ِ عَلى َ
الصّ د َقَة ِ. الل ّ َ
ن َ ل لَه ُ اب ُ الن ّب ُيّ رَج ُلا ً م ِ َ
ن الأزْد يُق َا ُ ل َ عليه واسترعاه فأنا بريء منه .والشيخان عن أبي حميد الساعدي ،قال :اسْ تَعْم َ َ
ض أَ عْمَالنَا،
ل نَب ْع َث ُه ُ عَلَى بَعْ ِ
ل الع َام ِ ِ ل هذ َا لـَكُمْ ،و َهذ َا ُأهْدِي إل َيّ فَق َام َ َ
الن ّب ِيّ عَلَى المنِ ْبَر ِ فَحَمَد َ الل ّٰه و َأَ ث ْن َى عَلَي ْه ث َُم ّ قَالَ :م َا ب َا ُ فَلَمَا قَدِم َ قَا َ
Shamela.org ٩١
باب النكاح ٣٣
ش ّد شَيْء ٍ فِي هذ َا الد ِّي ِن و َأَ ل ْيَن ِه ،فَق َالَ :أَ ل ْيَن ُه ُ شَه َادَة ُ أَ ْن لا إله إ َلّا الل ّٰه و َأَ ّ
ن مُحَم ّدا ً عَبْدُه ُ وَرَسُولُه ُ، ل الل ّٰه أَ خْبزَنِي ب ِأَ َ
ل الع َالِيَة ِ ،فَق َالَ :ي َا رَسُو َ
أَ ه ْ ِ
ش ُ ّده ُ ي َا أَ خ َا الع َالِيَة ِ الأم َانَة َُ ،إن ّه ُ لا دِي َ
ن لم َِنْ لا أَ م َانَة َ لَه ُ و َلا صَلاة َ و َلا زَك َاة َ" الحديث. و َأَ َ
الت ّب َُت ّ ِ
ل" وابن عدي ل الل ّٰه ع َن َ
ف البَاقِي" .وأحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه" :نَهَ ى رَسُو ُ
ق الل ّٰه فِي الن ِّصْ ِ
ف الد ِّينِ ،فَل ْيَت ّ ِ
ن ِصْ َ
ج فِي حَد َاثَة ِ سِنِّه ِ َع ج ّ َ
شيْطَانُه ُ ي َا و َيْلَتِي ع َصَم َ م ِن ّي دِين َه ُ" .وأحمد وابن أبي شيبة وابن عبد البر عن عكاف بن عن جابرُ :
"أي ّمَا شَاب ت َز َ ّو َ
Shamela.org ٩٢
باب النكاح ٣٣
ل يخ ْر ُجْ م ِنْ لَبَنِهَا جُرْع َة ٌ و َل َ ْم يُم َّص م ِنْ ث َديِهَا م َصّ ة ٌ إلا ّ ك َانَ لَهَا بِك ُ ّ ِ
َت ل َ ْم َضع ْ ض م َا أَ خْ فَى لَهَا م ِنْ ق ُرّة ِ أَ ع ْيُنٍ ،ف َِإذ َا و َ َ سم َاء ِ و َالأ ْر ِ ل ال َ ّ
أَ ه ْ ُ
ل
َض الحَلا ِ
ل الل ّٰه" وأبو داود عن ابن عمر" :أَ بْغ ُ
سب ْع ِينَ ر َقَب َة تُعْتِقُه ُ ْم فِي سَبي ِ
جر ِ َ
ل أَ ْ
حسَن َة ٌ ،فَإن أَ سْه َر َه َا لَيْلَة ً ك َانَ لَهَا مِث ْ ُ
ل م َصّ ة ِ َ
جُرْعَة ٍ و َبِك ُ ّ ِ
إلى الل ّٰه ال َ ّ
طلاقُ ".
وحكى أبو العباس أحمد بن يعقوب أنه رؤي معروف الـكرخيّ في النوم فقيل له :ما صنع الل ّٰه بك؟ قال :أباحني الجنة غير أن في نفسي
حسرة أني خرجت من الدنيا ولم أتزوج.
وحكى أن بعض الصالحـين كان يعرض عليه التزوج فيأبى برهة من دهره ،فانتبه من نومه ذات يوم وقال :زوجوني فزوجوه فسئل عن
ذلك ،فقال لعل الل ّٰه يرزقني ولدا ً و يقبضه فيكون لي مقدمة في الآخرة ،ثم قال :رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت ،وكنت من
جملة الخلائق في الموقف وبي من العطش والـكرب ما كاد أن يقطع عنقي ،وكذا الخلائق في شدّة العطش والـكرب ،فنحن كذلك
إذا ولدان قد ظهروا بأيديهم أبار يق من فضة مغطاة بمناديل من نور ،وهم يتخللون الجمع ،ويتجاوزن أكثر الناس ،ويسقون واحدا ً بعد
واحد ،فمددت يدي إليهم وقلت لبعضهم :اسقني فقد أجهدني العطش فنظر إليّ وقال :ليس لك ولد فينا إنما نسقي آباءنا وأمهاتنا،
فقلت :من أنتم؟ فقالوا :نحن أطفال المسلمين.
)فصل( :في أركان النكاح .أركان النكاح أربعة:
الأول :الإ يجاب والقبول :فالإ يجاب كأنكحتك أو زوجتك لا أحللتك ابنتي .والقبول كنكحتها أو تزوجتها أو قبلت أو رضيت
نكاحها ،أو النكاح ولا يشترط فيهما العربية ،ولو مع معرفتها ،لـكن يشترط أن يترجم بما هو صريح فيه في تلك اللغة ،ويشترط أن لا
يطول فصل بينهما.
الثاني :الزوجان فيشترط في المرأة خلو ّها من نكاح وعدة وتصدّق فيه ،حيث لم يعلم لها نكاح سابق ،أو ادّعت موت زوج معين أو
طلاقه وإلا فلا .وفي الزوج علمه بحلها له ،وفيهما التعيين فزوجتك إحدى ابنتي أو زوجت بنتي أحدكما باطل ولو مع الإشارة.
الثالث :الولي وهو أب ثم أبوه فيزوجان بكرا ً أو ثيبا ً بلا وطء ،كمن زالت بكارتها بنحو أصبع من كفء موسر بمهر المثل مطلقا ً بغير
إذنها ،حيث لا عداوة لا ثيبا ً بوطء إلا بإذنها نطقا ً بعد بلوغها وتصدّق البالغة في دعوى الثيوبة قبل العقد بيمين ،وإن لم تتزوج لا
بعده ولو أثبتت ،ثم أخ لأبوين ثم لأب ثم ابنهما كذلك ،ثم عم لأبوين ،ثم لأب ثم بنوهما ،ثم عم الأب ثم بنوه كذلك ،ثم معتق ثم
Shamela.org ٩٣
باب النكاح ٣٣
عصبانة ثم معتقه ثم عصباته ،فيزوج المذكورون البالغة بإذنها نطقا ً إن كانت ثيباً ،وإلا كفى سكوتها بعد استئذانها ولو لغير كفء،
ثم إن عدموا أو غاب أقربهم مرحلتين ،أو فقد أو عضل ز َ ّوج قاض ،أو نائبه بكفء بالغة في مح ّ
ل ولايته حال التزويج لا بغيره ،وإن
ل
حه َا ب َاطِ ٌ
ن و َليِّها فَنِك َا ُ
َت بِغَيْر ِ إ ْذ ِ
كح ْ رضيت به فمحكم عدل ولته أمرها ،أما تزويج اليتيمة فباطل اتفاقاً .قال رسول الل ّٰهُ :
"أي ّمَا امْرَأَ ة ٍ ن ُ ِ
هي َ َال ّتِي ت ُزَوِّ ُ
ج نَفْسَه َا". ن َ
الز ّانيِ َة َ ِ ج المَر ْأَ ة ُ المَر ْأَ ة َ ولا المرأة ُ نَفْسَه َا ف َِإ ّ
حه َا باطِلٌ" وقال" :لا ت ُز َ ّوِ ُ
ل فَنِك َا ُ
حه َا ب َاطِ ٌ
فَنِك َا ُ
الرابع :الشاهدان فيشترط كونهما رجلين حرّين عدلين بصيرين سميعين ،يعرفان لسان المتعاقدين غير متعينين للولاية ،و يصح ظاهرا ً
بمستوري عدالة إذا عقد لهما غير الحاكم ،ويندب استتابتهما قبل العقد احتياطاً ،ويزول الستر بتفسيق عدل ،ولو تاب الفاسق عند العقد
َي
شدٍ وَشَاهِد ْ
ح إلا ّ ب ِو َلِيّ م ُْر ِ
لم يصحّ به حالاً ،كما لا يصح تزويج عفيفة لفاسق تاب عند العقد قبل الاستبراء .قال رسول الل ّٰه" :لا نِك َا َ
ك فَه ُو َ ب َاطِلٌ". ع َ ْدلٍ ،وَم َا ك َانَ م ِنْ نِك ٍ
َاح عَلَى غَيْر ِ ذل ِ َ
)
س عِنْد َ الل ّٰه مَنْز ِلَة ً يَوْم َ الق ِيَامَة ِ ن م ِنْ أَ شَرِّ َ
الن ّا ِ فصل( :في ذكر ما يجري بين الزوجين .أخرج مسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري" :إ َ ّ
ل ي َ ْفض ِي إلَى امْرَأَ تِه ِ و َت ُ ْفض ِي إلَيْه ِ ث َُم ّ يَن ْشُر ُ أَ حَد ُهُمَا سِرّ صَاحِبِه ِ"ز وأحمد عن أسماء بنت يزيد :أنها كانت عند رسول الل ّٰه والرجال َ
الر ّج ُ ُ
سكَت ُوا ،فَق ُل ْتُ :إيّ
جه َا ف َأَ زِم َ القَوْم ُ :أي َ
ت م َعْ ز َ ْو ِ
تخـْب ِر ُ بِمَا فَعَل َ ْ ل ب ِأَ ه ْلِه ِ و َلَع َ َ ّ
ل امْرَأَ ة ً ُ ل م َا فَع َ َ
ل رَج ُلا ًيَق ُو ُ
والنساء قعود عنده فقال" :لَع َ ّ
اس يَنْظ ُرونَ" وهو شيْطَانَة ً فَغ َ َش ّها و َ
َالن ّ ُ ن لَقِ َي َ
شيْطَا ٍ
ل َ ل الل ّٰه إ َ ّنه ُ ْم لَي َ ْفع َلُونَ و َِإ َ ّنه َُنّ لَي َ ْفعَلْنَ ،قَالَ :فَلا ت َ ْفع َلُوا ف َِإ َن ّمَا مثل ذل ِ َ
ك مَث ْ ُ والل ّٰه ي َا رَسُو َ
Shamela.org ٩٤
باب النكاح ٣٣
َب ح ََت ّى ٺَت ُوبَ أَ ْو تَرْجِـ َع و َِإ ْن كانَ ظَالِماً" .والطبراني" :المَر ْأَ ة ُ لا تُؤَدِّي ح ََقّ الل ّٰه ح ََت ّى
ت لَعَنَها الل ّٰه وَم َلائِك َة ُ الغَض ِ
بَي ْتِه ِ إلا ّ ب َِإذْنِه ِ ،ف َِإ ْن فَعَل َ ْ
يخْط ِب ُني
ن ع َمي فُلانا ً َ ت ل ِ َلن ّب ِيّ :إ َ ّ
ن اب ْ َ تُؤ َدي ح ََقّ ز َ ْوجِها ك َُل ّه ُ ،لَو ْ سَأَ لَهَا و َه ُو َ عَلَى َظ ْهرِ قَت ٍَب ل َ ْم تَم ْنَعْه ُ نَفْسَه َا" .والحاكم وصححه" :إ َ ّ
ن امْرَأَ ة ً قَال َ ْ
Shamela.org ٩٥
باب النكاح ٣٣
شه ِ ف َأَ ب َْت فَبَاتَ غ َضْ بَان عَلَيْهَا لَع َنَتْها المَلائِك َة ح ََت ّى تُصْ بِحَ" وهما ل امْرَأَ تَه ُ إلى ف ِرَا ِ وروى الشيخان عن أبي هريرة :قال" :إذ َا د َعَا َ
الر ّج ُ ُ
سم َاءِ :أيّ أمْرُه ُ وَسُلْطَانُه ُ سَاخِطا ً عَلَيْها ح ََت ّى شه ِ فَت َأْ بَى عَلَيْه ِ إلا ّ ك َانَ ال َ ّذ ِي فِي ال َ ّ "و َال َ ّذ ِي ن َ ْفس ِي بيَِدِه ِ م َا م ِنْ رَج ُ ٍ
ل ي َ ْدع ُوا امْرَأَ تَه ُ إلى ف ِرَا ِ
ل شَيْء ٍ م َ َّر ْ
ت عَلَيْه ِ غَي ْر ُ الج ّ ِِن سم َاء ِ وَك ُ ُ ّ جه َا" وفي رواية :لَعَنَهَا ك ُ ُ ّ
ل م َل َكٍ فِي ال َ ّ ك َان َْت فِي سَ خ َطِ الل ّٰه ح ََت ّى تَرْجِـع إلَى بَيْتِهَا أَ ْو يَرْض َى عَنْهَا ز َ ْو ُ
ْس ح ََت ّى تَرْجِـعَ .وأحمد والطبراني والبيهقي والحاكم :أيما امرأة استعطرت ثم خرجت ،فمرت على قوم ليجدوا ر يحها ،فهي زانية و َالإن ِ
وكل عين زانية .وابنا عدي وعساكر :إذا قالت المرأة لزوجها :ما رأيت منك خيرا ً قط ،فقد حبط عملها .وأبو داود والترمذي :أيما
امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس ،فحرام عليها رائحة الجنة .وأبو داود وابن ماجه :لا يسأل الرجل فيما ضرب امرأته عليه.
كثْرَة ِ تَبَه ْرُجِهنّ " ك بِس َبب قِلَ ّة ِ طَاعَتِه َِنّ ل َِل ّه ِ و َل ِرَسُولِه ِ و َلأ ْزو َا ِ
جه ِن و َ َ "اطّ لَعْتُ فِي َ
الن ّارِ ف َرأَ َ ي ْتُ أَ كْ ثَر َ أَ ه ْلِه َا النِّسَاء ُ و َذل ِ َ وورد عنه أنه قالَ :
والتبهرج هو إذا أرادت الخروج من بيتها لبست أفخر ثيابها ،وتجملت وتحسنت وخرجت تفتن الناس بنفسها ،فإن سلمت في نفسها لم يسلم
الناس منها.
ت :أع ُود ُ مَر ِيضا ً
ن تُر ِيدِينَ؟ قَال َ ْ
ل لَها أَ ه ْلها :أي ْ َ
ق قَا َ َت إلى ال َ ّ
طر ِ ي ِ يوت ف َِإ َ ّ
ن المَر ْأَ ة َ إذ َا خَرَج ْ ولهذا قال" :المَر ْأَ ة ُ عَوْرَة ٌ فَاحْبِس ُوه َُنّ فِي الب ُ ِ
ل أَ ْن تَقْع ُد فِي بَيْتِهَا و َتَعْبُد َ ر َ َ ّبهَا و َتُط ِي َع بَعْلَها"
َت المَر ْأَ ة ُ وَجْه َ الل ّٰه بِمِث ْ ِ
ج ذِر َاعها ،و َما التم ََس ِ
تخْرِ َ و َ ُأشَي ِّـ ُع جَنَازَة ً ،فَلا ي َز َال بِها ال َ ّ
شيْطَانُ ح ََت ّى ُ
وكان علي رضي الل ّٰه عنه يقول :ألا تستحيون ألا تغارون يترك أحدكم امرأته تخرج بين الرجال تنظر إليهم وينظرون إليها.
َت
ْس و َالقَم َر ُ م َا د َام ْ سم َاء ِ وال َ ّ
شم ُ جه َا الطّي َر ُ فِي اله َوَاء ِ و َالح ِيتان فِي المَاء ِ و َالمَلائِك َة فِي ال َ ّ
وروي عنه أنه قال" :يُسْتَغْفر ُ لِل ْمَر ْأَ ة ِ المُط ِيعَة ِ ل ِز َ ْو ِ
َت فِي وَجْه ِ ز َ ْوجِها فَه ِي فِي س أَ جْم َع ِينَ ،و َأَ ُي ّمَا امْرَأَ ة ٍ ك َلَح ْ جه َا و َأَ ُي ّما امْرأَ ة غ َضِ بَ عَلَيْهَا زَوْجها فَعَلَيْهَا لَعْن َة ُ الل ّٰه و َالمَلائِكَة ِ و َ
َالن ّا ِ َ فِي رِضا ز َ ْو ِ
ن ز َ ْوجِها لَع َنَتْها المَلائِك َة ُ ح ََت ّى تَرْجِـعَ" وجاء عنه أنه قال" :أَ رْبَع َة ٌ م ِ َ
ن َت م ِنْ د َارِه َا بِغَيْر ِ إ ْذ ِ حك َه ُ و َأَ ُي ّمَا امْرَأَ ة ٍ خَرَج ْ
سُ خ ْطِ الل ّٰه إلى أن تُضَا ِ
ن عَلَى ز َ ْوجِها إ ْن غَابَ عَنْهَا زَوْجه َا ل َ ْم تَصُنْ نَفْسَه َا و َِإ ْن حَضَر َ آذ َت ْه ُ بِلِسَانِها ،و َامْرَأَ ة ٌ تُك َل ّ ُِف ز َ ْوجَها م َا لا النِّسَاء ِ فِي َ
الن ّارِ ،امْرَأَ ة ٌ ب ََذي ّة ُ اللِّسَا ِ
ل والشّرْبُ
ك ُ
ْس لَها إلا الأ ْ
ج م ِنْ بَيْتِها م ُتَبَهْرِج َة ً :أي متجملة بلبس أفخر ثيابها .وامْرَأَ ة ٌ لَي َ
تخ ْر ُ ُ
ن الر ِ ّج َالِ ،و َ َ
يُط ِيقُ ،و َامْرَأَ ة ٌ لا تَسْت ُر ُ نَفْسَه َا م ِ َ
جه َا". ْس لَهَا رَغْب َة ٌ فِي َ
الصّ لاة ِ و َلا فِي طَاعَة ِ الل ّٰه ،و َلا فِي طَاعَة ِ رَسُولِه ِ و َلا فِي طَاعَة ِ ز َ ْو ِ والنّو ْم ،و َلَي َ
وقال عليّ كرم الل ّٰه وجهه :دخلت على النبي أنا وفاطمة ،فوجدناه يبكي بكاء شديدا ً فقلت له :فداك أبي وأمي يا رسول الل ّٰه ما الذي
أبكاك؛ قال :يا علي ليلة أسري بي إلى السماء رأيت نساء من أمتي يعذبن من أنواع العذاب ،فبكيت مما رأيت من شدّة عذابهنّ ،رأيت
امرأة معلقة بشعرها يغلي دماغها ،ورأيت امرأة معلقة بلسانها والحميم يصب في حلقها ،ورأيت امرأة قد ش ّد رجلاها إلى ثديها ويدها
إلى ناصيتها ،ورأيت امرأة معلقة بثديها قد سلطت عليها الحيات والعقارب ،ورأيت امرأة رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار عليها ألف
ألف لون من العذاب ،ورأيت امرأة على صورة الكلب والنار تدخل من فيها وتخرج من دبرها والملائكة يضربون رأسها بمقامع من نار،
فقامت فاطمة الزهراء وقالت :يا حبيبي وقر ّة عيني ما كان أعمال هؤلاء حتى وقع عليهنّ العذاب فقال :أما المعلقة بشعرها فإنها كانت
لا تغطي شعرها من الرجال ،وأما المعلقة بلسانها فإنها كانت تؤذي زوجها ،وأما المعلقة بثديها فإنها كانت تؤذي فراش زوجها ،وأما
التي ش ّد رجلاها إلى ثديها ويداها إلى ناصيتها وقد سلط عليها الحيات والعقارب ،فإنها كانت لا تغتسل من الجنابة والحيض وتستهزىء
بالصلاة ،وأما التي رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار ،فإنها كانت نمامة كذابة ،وأما التي على صورة كلب والنار تدخل من فيها
وتخرج من دبرها ،فإنها كانت منانة حسادة ،و يا بنية الو يل لامرأة تعصي زوجها.
)
تنبيه( اعلم أن النشوز الذي عده جماعة من الكبائر يتحقق بمنعها الاستمتاع وطأً ،أو غيره كلمس ولو بمو ضع عينه و بخروجها من المنزل
Shamela.org ٩٦
باب في التهاجر ٣٤
بغير إذنه ،ولو لموت أحد أبويها أو إلى مجلس ذكر ،وتعلم فضيلة لا لتعلم أحكام الحيض والنفاس وسائر العلم العيني ،بل يلزم عليها الخروج
لتعلمها ،و يحرم عليه منعها عنه إن لم يكن عالماً ،وإلا علمها وجوبا ًوبامتناعها من النقلة معه ،وبإغلاقها الباب حين أراد الدخول إليها،
وبإدعائها الطلاق فمتى صدر منها شيء من المذكورات ،ولو لحظة لا تستحق نفقة ذلك اليوم وكسوة ذلك الفصل ولا قسم منه ،بل
تستحق أن يهجرها الزوج في المضجع إلى أن تصلح ،ولو بلغ سنين وأن يضربها ولو بسوط وعصا ،وإن تلعنها الملائكة الأبرار الذين لا
ت الج َنَ ّة َ" رواه ض دَخ َل َ ِ جه َا عَنْهَا ر َا ٍ يعصون الل ّٰه طرفة عين ،وإن يعذبها الجبار في دار الهوان .قال رسول الل ّٰهُ :
"أي ّمَا امْرَأَ ة ب َات َْت وَز َ ْو ُ
ل لَهَا ا ْدخُل ِي الج َنَ ّة َ جه َا ق ِي َ
َت ز َ ْو َ َت شَهْر َه َا ْوح ََصّ ن َْت فَر ْ َ
جه َا و َأَ طَاع ْ الترمذي .وابن ماجه قال رسول الل ّٰه" :إذ َا ص ََل ّ ِ
ت المَر ْأَ ة ُ خَم ْس َها وَصَام ْ
ل وَد ُودٍ و َلُودٍ إذ َا غ َضِ ب َْت أَ ْو ْت" رواه أحمد وقال :أَ لا ُأخْب ِر ُك ُ ْم بِنِسَائِك ُ ْم فِي الج َنَ ّة ِ؟ قلُ ْنَا بلََى ي َا رَسُو َ
ل الل ّٰه قَالَ :ك ُ ُ ّ اب شِئ ِ
م ِنْ أيّ الأب ْو َ ِ
ض ح ََت ّى تَرْض َى" رواه الطبراني .وقالت عائشة رضي الل ّٰه عنها:
ل بِغ َم ٍ
ح ُ
ت هذِه ِ يَدِي في يَدِك َ لا أَ كْ ت َ ِ ُأسِيء َ إلَيْهَا أَ ْو غ َضِ بَ ز َ ْو ُ
جه َا قَال َ ْ
يا معشر النساء لو تعلمن بحق أزواجكن عليكن لجعلت المرأة منكن تمسح الغبار عن قدمي زوجها بحر ّ وجهها .وينبغي لها أن تعرف
أنها كالمملوك للزوج ،فلا ٺتصرف في شيء من ماله إلا بإذنه ،بل قال جماعة من العلماء إنها لا ٺتصرف أيضا ًفي مالها إلا بإذنه لأنها
كالمحجورة له.
ِض
ن فَيُعْر ُ
ل يلَ ْتَق ِيَا ِ
لاث لَيَا ٍ
سل ِ ٍم أَ ْن يَهْجُر َ أَ خ َاه ُ فَو ْقَ ث َ ِ يح ِ ُ ّ
ل لم ِ ُ ْ ل َ
الن ّار َ" .والشيخان" :لا َ لاث فَمَاتَ دَخ َ َ
مُسْل ِما ًفَو ْقَ ثَلاث ،فَم َنْ هَج َر َ فَو ْقَ ث َ ٍ
ل اث ْنَيْنِسلا ِم" وأخذ منه العلماء أن السلام يرفع إثم الهجر ،ومسلم" :تُعْر َُض الأعْمَال فِي ك ُ ّ ِ ِض هذ َا وَخَي ْر ُهُمَا ال َ ّذ ِي يَبْد َ ُأ ب ِال َ ّ هذ َا و َيُعْر ُ
شي ْئا ً إلا امْرَءا ً ك َان َْت بَي ْن َه ُ و َبَيْنَ أَ خِيه ِ شَ ح ْنَاء ُ يَقول :اتْرِكُوا هذ َي ِن ك اليَو ْ ِم لا ْمر ِىء ٍ لا يُشْرِك ب ِالل ّٰه َ ل فِي ذل ِ َ و َخميس ،فَيَغْف ُر َ الل ّٰه ع َ َّز وَج َ ّ
ل عَبْدٍ لا يُشْرِك ُ ب ِالل ّٰه إلا رَج ُلا ً ك َانَ بَي ْن َه ُ و َبَيْنَ أَ خِيه ِ شَ ح ْناء ُ
س فَيغْفر َ لِك ُ ّ ِ ح أَ ب ْوَابُ الج َنَ ّة ِ يَوْم َ الاث ْنَيْنِ و َالخم َِي ِ ح ََت ّى يَصْ طَل ِح َا" وفي رواية" :تُفْت َ ُ
Shamela.org ٩٧
باب عقوق الوالدين ٣٥
فَيَق ُولُ :أن ْظروا هذ َي ْ ِن ح ََت ّى يَصْ طَل ِح َا ،أن ْظر ُوا هذ َي ْ ِن ح ََت ّى يَصْ طَل ِح َا ،أن ْظروا هذِي ِن ح ََت ّى يَصْ طَل ِح َا".
Shamela.org ٩٨
باب عقوق الوالدين ٣٥
حزَنَ و َالِدَيْه ِ فَق َ ْد ع َ ّقهُم َا" وعن وهب بن منبه قال :أوحى الل ّٰه تعالى إلى موسى عليه السلام يا موسى" :وق ِّر والديك
رضي الل ّٰه عنه" :م َنْ أَ ْ
فإن من وقر والديه مددت له في عمره ووهبت له ولدا ً يبره؛ ومن عق والديه قصرت عمره ،ووهبت له ولدا ً يعقه" وقال أبو بكر بن
مريم" :قرأت في التوراة أن من يضرب أباه يقتل".
َكّ و َالِدَيْه ِ َ
الر ّجْ م ُ" وروي أن علقمة كان كثير الاجتهاد في الطاعة من الصلاة والصوم والصدقة، وقال وهب في التوراة" :عَلَى م َنْ ص َ
فمرض واشتد مرضه فأرسلت امرأته إلى رسول الل ّٰه :إن زوجي علقمة في النزع ،فأردت أن أعلمك إنه بحاله ،فأرسل عمارا ً وبلالا ً
وصهيبا ًوقال :امضوا إليه فلقنوه الشهادة ،فجاؤوا إليه فوجدوه في النزع ،فجعلوا يلقنونه لا إله الل ّٰه إلا ولسانه لا ينطق بها ،فأرسلوا إلى
رسول الل ّٰه بذلك؛ فقال :هل من أبو يه أحد حي؟ قيل :إن أمّ كبيرة السن ،فأرسل إليها رسول الل ّٰه يقول لها :إن قدرت على المسير إلى
رسول الل ّٰه وإلا فقر ّي في المنزل حتى يأتيك ،فجاء إليها الرسول وأخبرها بذلك؛ فقالت :نفسي لنفسه الفداء أنا أحق بإتيانه ،فتوكأت
وقامت على عصا ،وأتت رسول الل ّٰه وسلمت فردّ عليها السلام وقال لها :يا أم علقمة أصدقيني وإن كذبتني جاء الوحي من الل ّٰه تعالى
كيف حال ولدك علقمة؟ قالت :يا رسول الل ّٰه كثير الصلاة كثير الصيام كثير الصدقة ،قال رسول الل ّٰه :فما حالك معه؟ قالت :يا
رسول الل ّٰه أنا عليه ساخطة .قال :ولم؟ قالت :يا رسول الل ّٰه كان يؤثر زوجته ،و يعصيني ،قال :إن سخط أمّ علقمة حجب لسان علقمة
عن الشهادة ،ثم قال :يا بلال انطلق واجمع لي حطبا ًكثيرا ً قالت :وما تصنع به يا رسول الل ّٰه قال أحرقه بالنار.
قالت :يا رسول الل ّٰه هو ولدي لا يحمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي ،قال :يا أم علقمة فعذاب الل ّٰه أش ّد وأبقى ،فإن سرك أن يغفر الل ّٰه
له فارضي عنه ،فوالذي نفسي بيده لا ينتفع بصلاته ولا بصيامه ولا بصدقته ما دمت عليه ساخطة ،فقالت :يا رسول الل ّٰه فإني أشهد
الل ّٰه تعالى وملائكته ،ومن حضرني من المسلمين أني قد رضيت على ولدي علقمة ،فقال رسول الل ّٰه :انطلق إليه يا بلال هل يستطيع أن
ل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياء ،فانطلق بلال فسمع علقمة يقول من داخل الدار :لا إله إلا
يقول لا إله إلا الل ّٰه أم لا؟ فلع ّ
الل ّٰه ،فدخل بلال فقال :يا هؤلاء إن سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة وإن رضاها أطلق لسانه ،ثم مات علقمة في يومه ،فحضره
النبي ،فأمر بغسله وكفنه ،ثم صلى عليه وحضر دفنه ،ثم قام على شفير قبره فقال :يا معشر المهاجرين والأنصار من فضل زوجته على
عز وجلّ ،و يحسن إليها و يطلب رضاها،
أمه فعليه لعنة الل ّٰه والملائكة والناس أجمعين ،لا يقبل الل ّٰه صرفا ًولا عدلا ًإلا أن يتوب إلى الل ّٰه ّ
فرضا الل ّٰه في رضاها وسخط الل ّٰه في سخطها.
وروي أن العوام بن حوشب قال :نزلت مرة حيا ًوإلى جانب ذلك الحي مقبرة .فلما كان بعد العصر انشقّ منها قبر ،فخرج رجل رأسه
رأس حمار وجسده جسد إنسان ،فنهق ثلاث نهقات ،ثم انطبق عليه القبر .فإذا عجوز تغزل شعرا ً أو صوفاً .فقالت لي :امرأة أخرى:
ق
ترك تلك العجوز؟ قلت :ما لها؟ قالت :تلك أم هذا؛ قلت :وما كان قصته؟ قالت :كان يشرب الخمر فإذا راح تقول له أمه يا بن ّي ات ِ
الل ّٰه إلى متى تشرب الخمر؟ فيقول لها إنما أنت تنهقين كما ينهق الحمار .قالت فمات بعد العصر قالت :فهو ينشقّ عنه القبر بعد العصر كل
يوم فينهق ثلاث نهقات ،ثم ينطبق عليه القبر والعياذ بالل ّٰه من العقوق.
)تنبيه( إن عقوق الوالدين أو أحدهما وإن علا ،ولو مع وجود أقرب منه من الكبائر المهلـكة اتفاقاً.
)
الصّ لاة ُ عَلَى و َقْتِها .قلُ ْتُ ل أَ ح ُ ّ
َب إلى الل ّٰه؟ قَالََ : ل الل ّٰه ُ
أيّ العَم َ ِ خاتمة( :في بر الوالدين .أخرج الشيخان عن ابن مسعود قال :سَأَ ل ْتُ رَسُو َ
ل الل ّٰه و َقَالَِ :إن ّنِي أَ شْ ت َهِ ي
ل إلى رَسُو ِ ث َُم ّ أَ ُيّ ؟ قَالَ :ب ُِر ّ الوَالِدَيْنِ .قلُ ْتُ ث َُم ّ أَ ُيّ ؟ قَالَ :الجِه َاد ُ فِي سَب ِي ِ
ل الل ّٰه .وأبو يعلى والطبراني :أتى رَج ُ ٌ
مجَاهِدٌ". ك أَ حَدٌ؟ قَالَ :أمِّي .قال :قَات ِلْ ل َِل ّه ِ فِي بر ِّه َا ف َِإذ َا فَعَل ْتَ ف َأَ ن ْتَ ح ّ ٌ
َاج وَمُعْتَمِر ٌ و َ ُ الجِه َاد َ و َلا أَ قْدِر ُ عَلَيْه ِ .قَالَ :ه َلْ بَقِ َي م ِنْ و َالِدَي ْ َ
ل يَنْظ ُر ُ إلى وَجْه ِ و َالِدَيْه ِ نَظْرَة َ رَحْمَة ٍ إلا ّ كَت َبَ الل ّٰه لَه ُ بِهَا ِحج ّة ً مَقْبولة ً مَب ْرورة ً" .وابن ماجه والنسائي
والرافعي عن ابن عباس" :م َا م ِنْ رَج ُ ٍ
Shamela.org ٩٩
باب عقوق الوالدين ٣٥
تح ْتَ أَ ْرج ُلِهِم َا" .والشيخان" :ج َاء َ ن الج َنَ ّة َ ك و َالد َانِ؟ قلُ ْتُ :نَعَمْ ،قَالَ :فال ْزَمْهُم َا ف َِإ َ ّ ن الج َنَ ّة َ عِنْد َ رِجْله َا" .وفي رواية" :أَ ل َ َ قَالَ :فَال ْزمهَا ف َِإ َ ّ
ل ُأمّكَ .قَالَ :ث َُم ّ م َنْ ؟ قَالُ :أمّكَ .قَالَ :ث َُم ّ م َنْ ؟ قَالَ: ن صَ حَابَتِي؟ قَا َ
س ِ س بِ ح ُ ْ ل الل ّٰه م َنْ أَ ح َُقّ َ
الن ّا ِ ل الل ّٰه فَق َالَ :ي َا رَسُو َ
ل إلَى رَسُو ِ رَج ُ ٌ
الن ّب َيّ رَج ُ ٌ
ل فَق َالَ :إن ِ ّي أَ ذْنَب ْتُ ذَن ْبا ً عَظ ِيما ًفَه َلْ ل ِي م ِنْ تَو ْبَة ٍ؟ فَق َالَ: ُأمّكَ .قَا َ
ل ث َُم ّ م َنْ ؟ قَالَ :أَ بُوك َ" .والترمذي وابن حبان والحاكم" :أتَى َ
ل فَب َِر ّه َا" .والديلمي" :د ُعَاء الوَالِد ِ ل ِوَلَدِه ِ كَد ُعَاء ِ َ
الن ّب ِيّ ل ُأ َمّتِه ِ". ك م ِنْ ُأم َ؟ فَق َالَ :لا .قَالَ :فَه َلْ ل َ َ
ك م ِنْ خ َالَة ٍ؟ قَالَ :نَعَمْ .قَا َ ه َلْ ل َ َ
ُ
وأبو داود وابن ماجه عن مالك بن ربيعة الساعدي قال :بينما نحن جلوس عند رسول الل ّٰه إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال :يا
رسول الل ّٰه هل بقي من بر ّ أبويّ شيء أبر ّهما به بعد موتهما؟ فقال :نعم الصلاة عليهما :أي الدعاء والاستغفار لهما ،وإنفاذ عهدهما من
بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما.
م أستودعك هذه
وحكى البغوي في معالمه أنه كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل ،وله عجلة أتى بها إلى غيضة ،وقال :الله ّ
العجلة لابني حتى يكبر ومات الرجل ،فصارت العجلة في الغيضة عوناً ،وكانت تهرب من كل من رآها ،فلما كبر الابن كان بارّا ً
بوالديه ،وكان يقسم ليله ثلاثة أثلاث يصلي ثلثاً ،وينام ثلثاً ،و يجلس عند رأس أمه ثلثاً ،فإذا أصبح انطلق ،فاحتطب على ظهره فيأتي
به السوق ،فيبيعه بما شاء الل ّٰه ،ثم يتصدّق بثلثه ،و يأكل ثلثه ،و يعطي والدته ثلثه .فقالت له أمه يوماً :إن أباك ورّثك عجلة استودعها في
غيضة كذا ،فانطلق فادع إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق و يعقوب أن يردّها عليك ،وعلامتها أنك إذا نظرت إليها يخيل إليك أ ّ
ن شعاع
الشمس يخرج من جلدها ،وكانت تسمى تلك البقرة المذهبة لحسنها وصفرتها ،فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى فصاح بها وقال :أعزم
عليك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق و يعقوب ،فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه ،فقبض على عنقها يقودها ،فتكلمت البقرة وقالت:
ن ذلك أهون عليك فقال الفتى :إن أمي لم تأمرني بذلك ،ولـكن قالت :خذ بعنقها ،فقالت البقرة بإله
أيها الفتى البارّ بوالدته اركبني ،فإ ّ
بني إسرائيل لو ركبتني ما كنت تقدر عليّ أبداً ،فانطلق فإنك لو أمرت الجبل أن ينقلع من أصله ،وينطلق معك لفعل لبر ّك بأمك،
فسار الفتى بها إلى أمه فقالت له :إنك فقير لا مال لك ،ويشقّ عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل ،فانطلق فبع هذه البقرة قال:
بكم أبيعها؟ قالت :بثلاثة دنانير ولا تبع بغير مشورتي ،وكان ثمن البقرة ثلاثة دنانير ،فانطلق بها إلى السوق ،فبعث الل ّٰه ملكا ًليري خلقه
قدرته وليخبر الفتى بر ّه بوالدته ،وكان الل ّٰه به خبيراً .فقال له الملك :بكم تبيع هذه البقرة؟ قال :بثلاثة دنانير وأشترط عليك رضا والدتي.
فقال الملك :خذ ستة دنانير ولا تستأمر والدتك.
فقال الفتى :لو أعطيتني وزنها ذهبا ً لم آخذه إلا برضا أمي فردّها إلى أمه فأخبرها بالثمن .فقالت :فأرجعها فبعها بستة دنانير على رضا
مني ،فانطلق بها إلى السوق وأتى الملك فقال :استأمرت أمك؟ فقال الفتى :إنها أمرتني أن لا تنقصها عن ستة دنانير على أن أستأمرها.
ن الذي يأتيك ملك
فقال الملك :فإني أعطيك اثني عشر دينارا ً على أن لا تستأمرها ،فأبى الفتى ورجع إلى أمه ،فأخبرها بذلك فقالت :إ ّ
في صورة آدمي ليختبرك ،فإذا أتاك فقل له :أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا؟ ففعل .فقال له الملك :اذهب إلى أمك فقل لها أمسكي
ن موسى بن عمران يشتريها منكم لقتيل يقتل من بني إسرائيل ،فلا تبيعوها إلا بملء مسكها دنانير ،فأمسكها وقدّر الل ّٰه
هذه البقرة ،فإ ّ
على بني إسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها ،فما زالوا يستوصفون حتى وصف لهم تلك البقرة مكافأة على بر ّ والدته فضلا ًمنه ورحمة.
وحكى اليافعي أن الل ّٰه سبحانه وتعالى أوحى إلى سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام :أن أخرج إلى ساحل البحر تبصر عجباً ،فخرج
سليمان بن داود ومن معه من الجنّ والإنس ،فلما وصل الساحل التفت يمينا ًوشمالا ًفلم ير شيئاً ،فقال لعفريت :غص في هذه البحر،
ثم ائتني بعلم ما تجد فيه ،فغاص ،ثم رجع بعد ساعة وقال :يا نب ّي الل ّٰه إني ذهبت في البحر مسيرة كذا وكذا لم أصل إلى قعره ولا
نظرت فيه شيئاً ،فقال لعفريت آخر :غص في هذا البحر وائتني بعلم ما تجد فيه ،فغاص ثم رجع بعد ساعة وقال مثل قول الأول ،إلا
اب{ ل ال َ ّذ ِي عِنْدَه ُ عِلْم ٌ م ِ َ
ن الكِت َ ِ أنه غاص مثل الأول مرتين .فقال لآصف بن برخيا وهو وزيره الذي ذكره الل ّٰه تعالى في القرآن} :قَا َ
)سورة النمل (٤٠:قال له :ائتني بعلم ما في هذا البحر ،فجاء بقبة من الكافور الأبيض لها أربعة أبواب باب من درّ وباب من ياقوت
Shamela.org ١٠٠
باب قطع الرحم ٣٦
وباب من جوهر ،وباب من زبرجد أخضر ،والأبواب كلها مفتوحة ،ولا يدخل فيها قطرة من الماء ،وهي في داخل البحر في مكان
عميق مثل مسيرة ما غاص فيه العفريت الأول ثلاث مرات ،فوضعها بين يدي سليمان عليه السلام ،وإذا في وسطها شاب حسن
الشباب نقيّ الثياب ،وهو قائم يصلي ،فدخل سليمان عليه السلام القبة وسلم على ذلك الشاب وقال :ما أنزلك في قعر هذا البحر؟ قال:
يا نبي الل ّٰه إنه كان أبي رجلا ًمقعدا ً وكانت أمي عمياء ،فأقمت في خدمتها سبعين سنة ،فلما حضرت وفاة أمي قالت :اللهم أطل حياة
ابني في طاعتك ،ولما حضرت وفاة أبي قال :اللهم استخدم ولدي في مكان لا يكون للشيطان عليه سبيل ،فخرجت إلى هذا الساحل
بعد ما دفنتهما ،فنظرت هذه القبة موضوعة ،فدخلتها لأنظر حسنها ،فجاء ملك من الملائكة ،فاحتمل القبة وأنا فيها ،وأنزلني في قعر هذا
البحر.
قال سليمان في أيّ زمان كنت أتيت هذا الساحل؟ قال :في زمان إبراهيم الخليل عليه السلام ،فنظر سليمان عليه السلام في التاريخ،
فإذا له ألفا سنة وأربعمائة سنة ،وهو شاب لا شيبة فيه ،قال :فما كان طعامك وشرابك داخل هذا البحر؟ قال :يا نبي الل ّٰه يأتيني كل
يوم طير أخضر في منقاره شيء أصفر مثل رأس الإنسان ،فآكله فأجد فيه طعم كل نعيم في دار الدنيا ،فيذهب عني الجوع والعطش
حب أن تقف معنا أو تردّ إلى موضعك؟ فقال :ردّني إلى موضعي يا
والحر ّ والبرد والنوم والنعاس والفترة والوحشة .فقال سليمان :أت ّ
نبي الل ّٰه .فقال :ردّه يا آصف فردّه ،ثم التفت فقال :انظروا كيف استجاب الل ّٰه تعالى دعاء الوالدين ،فأحذركم عقوق الوالدين.
}باب قطع الرحم{
قال الل ّٰه تعالى} :و ََات ّق ُوا الل ّٰه ال َ ّذ ِي تَس َاءَلُونَ بِه ِ و َالأَ ْرح َام َ{ )سورة النساء (١ :أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها وقال تعالى} :و َال َ ّذ ِي َ
ن
الل ّعْن َة ُ و َلَه ُ ْم سُوء ُ ال َد ّارِ{ )سورة ض ُأولَئ ِ َ
ك لَهُم ُ َ سد ُونَ فِي الأ ْر ِ
ل و َي ُ ْف ِ
ص َ
يَنْقُضُونَ ع َ ْهد َ الل ّٰه م ِنْ بَعْدِ م ِيثَاقِه ِ و َي َ ْقطَع ُونَ م َا أَ م َرَ الل ّٰه بِه ِ أَ ْن يُو َ
الرعد(٢٥ :
ت:
حم ُ ،فَق َالَ :مَه ْ قَال َ ْ ق الخَل ْق ح ََت ّى إذ َا ف َرَغَ مِنْه ُ ْم قَام ِ
َت الر ّ ِ وأخرج الشيخان عن أبي هريرة قال :قال رسول الل ّٰه" :إ َ ّ
ن الل ّٰه تعالى خ َل َ َ
ك ل َك ،ث َُم ّ قَا َ
ل ت :بلََى .قَالَ :ف َذل ِ َ
ل م َنْ وَصَل َكِ و َأَ قْطَ َع م َنْ قَطَع َكِ ؟ قَال َ ْ
ص َ
ك م ِن القَط ِيعَة ِ .قَالَ :نَع َ ْم أَ ما تَرْضِينَ أ ْن أَ ِ
هذ َا مقام ُ الع َائِذِ ب ِ َ
ن لَعَنَهُم ُ الل ّٰه ف َأَ صَمّه ُ ْم و َأَ عْم َى ض و َت َ ْقطَع ُوا أَ ْرح َامَكُمُْ ،أولَئ ِ َ
ك ال َ ّذ ِي َ شئ ْتُم ْ ـ فَه َلْ عَسَي ْتُم ْ إ ْن تَو َل ّي ْتُم ْ أَ ْن ت ُ ْف ِ
سد ُوا فِي الأ ْر ِ ل الل ّٰه :اق ْرؤوا إ ْن ِ
رَسُو ُ
ل الج َنَ ّة َ قَاطِـعٌ ":أي قاطع رحم .والترمذي وابن ماجه عن أبي بكر رضي الل ّٰه عنه قال :قال رسول الل ّٰه:
أَ بْصَار َه ُ ْم ـ و َهُمَا :لا ي َ ْدخ ُ ُ
ن البَغْي و َقَط ِيعَة ِ َ
الر ّحم". ل الل ّٰه لِصَاحِبِه ِ العُق ُوبَة فِي ال ُد ّن ْيَا م َعْ م َا ي َ ّدخر الل ّٰه لَه ُ فِي الآ ِ
خرَة ِ م ِ َ "م َا م ِنْ ذَن ٍْب أَ جْدَر ُ :أي أَ ح َُقّ م ِنْ أَ ْن يُع َ ِ
جّ َ
اب مج ْتَمِع ُونَ فَق َالَ :ي َا مَعْشَر َ المُسْل ِمِينَ َات ّق ُوا الل ّٰه وَصِلُوا أَ ْرح َامَكُمْ ،ف َِإ َن ّه ُ لَي َ
ْس م ِنْ ثَو َ ٍ ن ُ
نح ْ ُ
ل الل ّٰه و َ َ
ج عَلَي ْنَا رَسُو َ
والطبراني عن جابر قَالَ :خَر َ َ
ْس م ِنْ عُق ُوبَة ٍ أَ سْرَع ُ م ِن عقوبة ِ بَغِي َ ،و َِإ َي ّاك ُ ْم وَعُق ُوقَ الوَالِدَيْنِ ،ف َِإ َ ّ
ن ريح َ الج َنَ ّة ِ يُوجَد ُ م ِنْ الر ّحمِ ،و َِإ َي ّاك ُ ْم والب َ ْغي َ ،ف َِإ َن ّه ُ لَي َ
أَ سْرَع ُ م ِنْ صِلَة ِ َ
Shamela.org ١٠١
باب قطع الرحم ٣٦
وجده قد مات ،فسأل ورثته عن المال فلم يكن لهم به علم ،فسأل علماء مكة فقالوا :إذا كان نصف الليل فائت زمزم وانظره فيها،
وناد يا فلان باسمه فإن كان من أهل الخـير ،فسيجيبك من أوّل مرة ،فذهب ونادى فيها فلم يجبه أحد ،فأخبرهم فقالوا :إنا لل ّٰه وإنا إليه
راجعون ،نخشى أن يكون صاحبك من أهل النار ،اذهب إلى أرض اليمن ففيها بئر تسمى برهوت يقال إنه على فم جهنم ،فانظر فيها
ل عليها ،فذهب إليها ليلا ًونادى فيها يا فلان فأجابه .فقال:
بالليل ونادِ فيها يا فلان فسيجيبك منها .فمضى إلى اليمن وسأل عن البئر فد ّ
أين ذهبي؟ فقال :دفنته في الموضع الفلاني من داري ،ولم أأتمن عليه ولدي فائتهم واحفر هناك تجده .فقال :ما الذي أنزلك هاهنا،
وقد كنت أظنّ بك الخـير .قال :كانت لي أخت فقيرة هجرتها ،وكنت لا أحنو عليها فعاقبني الل ّٰه بسببها ،وأنزلني هذا المنزل وتصديق
ذلك الحديث الصحيح :لا يدخل الجنة قاطع :أي قاطع رحمه وأقاربه.
)
تنبيه( قد نقل القرطبي في تفسيره اتفاق الأئمة على حرمة قطع الرحم ووجوب صلتها ،والمراد بقطع الرحم قطع ما ألف القريب منه
من سابق الوصلة والإحسان لغير عذر شرعي ،فلو كان لم يصل منه إلى قريبه إحسان ولا إساءة قط لم يفسق بذلك .ولا فرق بين أن
يكون الإحسان الذي ألفه مع قريبه مالا ًأو مكاتبة أو مراسلة أو ز يارة أو غير ذلك ،فقطع ذلك كله يعد فعله لغير عذر كبيرة ً.
)
ضيْف َه ُ ،وَم َنْ
خر ِ فَل ْيُكْر ِ ْم َ
ن ب ِالل ّٰه و َاليَو ْ ِم الآ ِ
خاتمة( :في صلة الرحم .أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال :قال رسول الل ّٰه" :م َنْ ك َانَ يُؤْم ِ ُ
ُت" .وأبو يعلى عن رجل من خثعم:
ن ب ِالل ّٰه و َاليَو ْ ِم الآخر ِ فَل ْيَق ُلْ خَي ْرا ًأَ ْو لِي َصْ م ْ
خر ِ فَل ْي َصِ لْ ر َحم َه ُ ،وَم َنْ ك َانَ يُؤْم ِ ُ
ن ب ِالل ّٰه و َاليَو ْ ِم الآ ِ
ك َانَ يُؤْم ِ ُ
أحب
ّ قال :أتيت النبي ،وهو في نفر من أصحابه قلت :أنت الذي تزعم أنك رسول الل ّٰه؟ قال :نعم .قلت يا رسول الل ّٰه أيّ الأعمال
إلى الل ّٰه؟ قال :الإيمان بالل ّٰه .قلت :يا رسول الل ّٰه ثم مه؟ قال :ثم صلة الرحم ،قلت :يا رسول الل ّٰه أيّ الأعمال أبغض إلى الل ّٰه تعالى؟
قال :الشرك بالل ّٰه ،قلت :يا رسول الل ّٰه ثم مه؟ قال :ثم قطيعة الرحم ،قلت :يا رسول الل ّٰه ثم مه؟ قال :ترك الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر .وابن ماجه :أسرع الخـير ثوابا ً البر ّ وصلة الرحم ،وأسرع الشرّ عقوبة البغي وقطيعة الرحم .والطبراني وابن حبان عن أبي ذرّ:
قال أوصاني خليلي رسول الل ّٰه بخصال من الخـير ،وأوصاني أن لا أنظر إلى من هو فوقي ،وأن أنظر إلى من هو دوني ،وأوصاني بحب
المساكين والدنو ّ منهم ،وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت ،وأوصاني أن لا أخاف في الل ّٰه لومة لائم ،وأوصاني أن أقول الحق ولو على
مراً ،وأوصاني أن أكثر من :لا حول ولا قو ّة إلا بالل ّٰه فإنها كنز من كنوز الجنة ،والشيخان عن ميمونة :أنها أعتقت
نفسي وإن كان ّ
وليدة لها ولم تستأذن النبي ،فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت :أشعرت يا رسول الل ّٰه أني أعتقت وليدتي .قال :أو فعلت؟ قالت:
نعم ،قال :أما إنك لو أعطيت أخوالك وأخواتك كان أعظم لأجرك .والطبراني والحاكم :ثلاث من كنّ فيه حاسبه الل ّٰه حسابا ًيسيرا ً
وأدخله الجنة برحمته قالوا :وما هي يا رسول الل ّٰه؟ قال :تعطي من حرمك .وتصل من قطعك ،وتعفو عمن ظلمك ،فإذا فعلت ذلك
تدخل الجنة.
ِط لَه ُفِي رِزْقِه ِ و َيُنَسَأَ : ل ال َ ّذ ِي إذ َا قَطَعْتَ رَحِم َه ُ وَصَلَها" .والشيخان" :م َنْ أَ ح ّ
َب أَ ْن يُبْس َ ل ب ِالمك َافِىء ِ و َلـك َِنّ الوَا ِ
ص َ ص ُ
ْس الوَا ِ
والبخاري" :لَي َ
سوءِ ،و َيَدْف َ ُع
ح ِم يُز ِيد الل ّٰه بِهِم َا فِي الع ُ ْمرِ ،و َيَرْف َ ُع بِه ِما م ِيتة ُ ال ُ ّ الصّ د َق َة َ وَصِلَة َ
َالر ّ ِ ن َ ل ر َحم َه ُ" .وأبو يعلى" :إ َ ّ
أي أَ جلِه ِ فَل ْي َصِ ِ
خر َ فِي أَ ثَرِه ِْ :
أي يُؤ َ ّ
بِهِم َا المَك ْر ُوه َ و َالمحَْذ ُور َ".
قال الضحاك في تفسير قوله تعالى} :يَمْحُوا الل ّٰه م َا يَش َاء ُ و َيُث ْب ِتُ { )سورة الرعد (٣٩ :قال :إن الرجل ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا
ثلاثة أيام ،فيزيد الل ّٰه في عمره ثلاثين سنة وإن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاثون سنة ،فيحطه الل ّٰه إلى ثلاثة أيام.
وروي أن ملك الموت أخبر داود عليه السلام بقبض روح رجل بعد ستة أيام ،فلما كان بعد مدّة طو يلة وجد داود ذلك الرجل حياً،
فسأل ملك الموت عنه ،فقال :إنه لما خرج من عندك وصل رحما ًقد كان قطعها ،فم ّد الل ّٰه في عمره عشرين سنة أخرى.
)
Shamela.org ١٠٢
باب قطع الرحم ٣٦
Shamela.org ١٠٣
باب القتل ٣٧
ب ِالل ّٰه و َاليَو ْ ِم الآخر فَلا يُؤْذِ ج َارَه ُ و َاسْ تَوْصُوا ب ِالنِّسَاء ِ خَي ْراً" ومسلم" :م َنْ ك َان يُؤْم ِ ُ
ن ب ِالل ّٰه فَل ْي ُحْ سِنْ إلى ج َارِه ِ" .وأحمد والبخاري" :و َالل ّٰه لا
ن فُلانَة َن ج َارُه ُ بَوَائِق َه ُ" .وأحمد والبزار وابن حبان والحاكم قال رجل لرسول الل ّٰه" :إ َ ّ يُؤْم ِن و َالل ّٰه لا يُؤْم ِن و َالل ّٰه لا يُؤْم ِن ال َ ّذ ِي لا ي َأْ م َ ُ
ل الل ّٰه إن فُلانَة َ ت ْذك ُر م ِنْ قِلَ ّة ِ صَلاتِهَا هي َ فِي َ
الن ّارِ .قَالَ :ي َا رَسُو َ صد َقَتِهَا غَيْر َ أَ َ ّنها تُؤْذِي ج َار َها بِلِسَانِها .قالِ :
كثْرَة ِ صَلاتِهَا و َ َ
ت َ ْذك ُر ُ م ِنْ َ
ل الج َنَ ّة
هي َ فِي الج َنَ ّة ِ" .ومسلم" :لا ي َ ْدخ ُ ُ ص َ ّدقُ ب ِالأث ْوَارِ :أي القَطَع ِ
َات م ِن الأق ْطِ و َلا تُؤْذِي جِير َانَهَا ،قَالَِ : صد َقَتِها ،و َأَ َ ّنهَا ت َ َ
وَصِيَامِهَا و َ َ
ق ب َابَه ُ د ُونِي فَمَن َ َع مَعْر ُوف َه ُ ع َني".
َب هذا أَ غ َل َ َ
ل ي َا ر ِّ ن ج َارُه ُ بَوَائِق َه ُ" .والبخاري" :ك َ ْم م ِنْ ج َا ٍر م ُتَع َل ّ ِ ٍ
ق بِ جَارِه ِ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ يَق ُو ُ م َنْ لا ي َأْ م َ ُ
شبْع َانَ وَج َارُه ُ ج َائ ِـ ٌع إلى
ن بِي َ م َنْ ب َاتَ َ ن ال َ ّذ ِي يَش َب َ ُع وَج َارُه ُ ج َائ ِـ ٌع إلى َ
جن ْبِه ِ" والبزار والطبراني" :م َا آم َ َ ْس المُؤْم ِ ُ
والحاكم والبيهقي" :لَي َ
جن ْبِه ِ و َه ُو َ يَعْلَم ُ".
َ
ك
ض َ
ن اسْ تَقْر َ َ ل الل ّٰه م َا ح َُقّ الجا َرِ عَلَى ج َارِه ِ؟ قَالَ :إ ْن م َ
َرض عُدْتَه ُ ،وإ ْن م َاتَ ش ََي ّعت َه ُ ،و َِإ ِ والطبراني عن معاو ية بن جندب قلت" :ي َا رَسُو َ
أَ ق ْر َضْ ت َه ُ ،و َِإ ْن أَ عْوَز َ سَتَرْتَه ُ ،و َِإ ْن أَ صَابَه ُ خَيْر ٌ ه ََن ّأْ تَه ُ ،و َِإ ْن أَ صَابَت ْه ُ م ُصِ يب َة ٌ ع َ َّز ي ْت َه ُ ،و َلا تَرْف َعْ بنَِاءَك َ فَو ْقَ بنَِائِه ِ ف َت ّس ُ َ ّد عَلَيْه ِ الر ّيح َ ،و َلا تُؤْذِه ِ
ل ح ََت ّى إذ َا عَم ِل ْتُ بِه ِ دَخ َل ْتُ الج َنَ ّة فَق َالَ :كُنْ ل الل ّٰه د َُل ّنِي عَلَى ع َم َ ٍ ن رَج ُلا ًقَالَ :ي َا رَسُو َ ْرف لَه ُ منها" .والبيهقي" :أ َ ّ بِر ِِيح ق ِ ْدرِك َ إ َلّا أَ ْن تَغ َ
حق ُوقٍ ،ف َأَ َمّا ح َ ّقانِ ،وَج َار ٌ لَه ُ ثَلاثَة ُ ُ
حقّاً ،وَج َار ٌ لَه ُ َ ن َ حدٌ و َه ُو َ أَ دْنَى الجـ ِير َا َِق و َا ِ مُس ِيء" .والبزار وأبو نعيم" :الجـ ِير َانُ ثَلاثَة ٌ :فَجا َر ٌ لَه ُ ح ّ ٌ
ٌ
سل ِ ٍم ذ ُوحق ُوقٍ ،فَجا َر ٌ م ُ ْ َق لِلإسْ لا ِم وَح ّ ٌ
َق لِلْج ِوَارِ ،و َأَ َمّا ال َ ّذ ِي لَه ُثَلاثَة ُ ُ سل ِم ٌ ح ّ ٌ
ن فَجا َر ٌ م ُ ْ ح َ ّقا ِ
حدٌ فَجا َر ٌ مُشْرِك ٌ ،و َأَ َمّا ال َ ّذ ِي لَه ُ َ ال َ ّذ ِي لَه ُ ح ّ ٌ
َق و َا ِ
َق لِلْج ِوَارِ وَح ّ ٌ
َق ل ِ َلر ّ ِ
حمِ" .والترمذي والنسائي" :ي َا أَ ب َا ذَرِّ إذ َا طب َخْ تَ ف َأَ كْ ثِر ِ المَر َقَ ،و َتَع َاه َ ْد جِير َانَكَ" والشيخان: َق لِلإسْ لا ِم وَح ّ ٌ
حمِ ،ح ّ ٌ
رَ ِ
ن شَاة ٍ" والبيهقي" :ح َ ّد الج ِوَارِ أَ رْبَع ُونَ د َاراً".
س َ تحْق ِر َ َ ّ
ن ج َارَة ً لِ جا َرَتِهَا و َلَو ْ فَر ْ َ ات لا َ
"ي َا نِس َاء َ المُؤْم ِن َ ِ
Shamela.org ١٠٤
باب القتل ٣٧
جه َ َن ّم ُ خ َالِدا ً ف ِيها وَغ َضِ بَ الل ّٰه عَلَيْه ِ و َلَع َن َه ُ و َأَ ع َ ّد لَه ُ عَذ َابا ً ع َظيماً{ )سورة النساء(٩٣ :
ل مُؤْم ِنا ً م ُتَعَمِّدا ً فَجَزَاؤُه ُ َ
قال الل ّٰه تعالى} :وَم َنْ يَقْت ُ ُ
س الّتِي ل َ
الن ّ ْف ِ ل الل ّٰه م َا ه َُنّ :قَا َ
ل الإشْر َاك ُ ب ِالل ّٰه و َقَت ْ ُ ل ي َا رَسُو َ
َات ق ِي َ
َات أَ ي المُهْلِك ِ أخرج الشيخان عن أبي هريرة" :اجْ تَن ِب ُوا ال َ ّ
سب ْ َع المُوبق ِ
ل
الر ّج ُ ُ ح َرّم َ الل ّٰه إلا ب ِالحَقّ ِ" الحديث .والنسائي والحاكم وصححه عن معاو ية قال :قال رسول الل ّٰه" :ك ُ ُ ّ
ل ذَن ٍْب ع َس َى الل ّٰه أَ ْن يَغْف ِرَه ُ إ َلّا َ
ل يَمُوتُ
الر ّج ُ َ ل مُؤْم ِنا ً م ُتَعَمِّداً" .وأبو داود وابن حبان عن أبي الدرداء" :ك ُ ُ ّ
ل ذَن ٍْب ع َس َى الل ّٰه أَ ْن يَغْف ِرَه ُ إ َلّا َ ل يَقْت ُ ُ يَمُوتُ ك َاف ِرا ً أَ ْو َ
الر ّج ُ ُ
أي ل مُؤْم ِنا ً فَاغْتَب ََط بِقَتْلِه ِ ل َ ْم يَقْب َ ِ
ل الل ّٰه مِن ْه ُ صَرْفا ً و َلا عدْلاًْ : مُشْر ِكا ًأَ ْو يَقْت ُل مُؤْم ِنا ً م ُتَعَمِّداً" .وأبو داود والضياء عن عبادة" :م َنْ قَت َ َ
ل ل ال ُد ّن ْيا" والترمذي عن أبي هريرة" :لَو ْ أَ َ ّ
ن أَ ه ْ َ ن أَ ْعظَم ُ عِنْد َ الل ّٰه م ِنْ زَو َا ِل المُؤْم ِ ِ
فَر ْضا ً و َلا نَف َلاً" .والنسائي والضياء عن بريدة" :قَت ْ ُ
سل ِ ٍم بِش َ ْطرِ كَل ِمَة ٍ
الن ّارِ" .وابن ماجه عنه" :م َنْ أَ عَانَ على قَت ْل م ُ ْ ل فِي َ ك َبّهُم ُ الل ّٰه ع َّز وَج َ ّ
ن لأ َ
ض اشْ تَرَكوا فِي د َ ِم مُؤْم ِ ٍ سم َاء ِ و َأَ ه ْ َ
ل الأ ْر ِ ال َ ّ
ِس م ِنْ رَحْمَة ِ الل ّٰه" والنسائي عن ابن مسعود :أوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة ،أوّل ما يقضى
لَقِ َي الل ّٰه مَكْت ُوبا ً بَيْنَ عَي ْنَيْه ِ آي ٌ
جزْء ٌ حَسبه ُ" والبزار والطبراني يخرج عنق من سب ْع ِينَ جُزْءا ً فَلِلآمِر ِ ت ِ ْس ٌع وَس ُِت ّونَ وَلِلْق َات ِ ِ
ل ِ َت َ
الن ّار ُ َ سم ِ
به بين الناس في الدماء .وأحمد" :ق ُ ِّ
النار يتكلم بلسان طلق ذلق له عينان يبصر بهما وله لسان يتكلم به ،فيقول :إني أمرت بمن جعل مع الل ّٰه إلها ً آ خر وكل جبار عنيد،
وبمن قتل نفسا ًبغير حق فينطلق بهم قبل سائر الناس بخمسمائة عام.
ج قَالَ :فَيَجِيءُ ،هذا فَيَق ُولُ :ل َ ْم أَ ز َلْ بِه ِ ل اليَوْم َ مُسْل ِما ًأَ ل ْبَسْت ُه ُ َ
الت ّا َ ل م َنْ خَذ َ َ
يس ب َّث جُن ُودَه ُ فَيَق ُو ُ
ح إبْل ِ ُ
وابن حبان في صحيحه" :إذ َا أصْ ب َ َ
يج ِيء هذ َا فَيَق ُولُ :ل َ ْم أَ ز َلْ بِه ِ ح ََت ّى ُأشْرِك َ ب ِالل ّٰه فَيَق ُولُ :أَ ن ْتَ أَ ن ْتَ ،و َيلُ ْبِس ُه ُ َ َ ح ََت ّى ط ََل ّ َ
يج ِيء ُ
ج وَ َ الت ّا َ ك أَ ْن يَتَز َ ّوجَ ،و َ َ ُ ش ُ
ل يُو ِ ق امْرَأَ تَه ُ فَيَق ُو ُ
الن ّارِ و َال َ ّذ ِي ي َ ْطع َ ُ
ن ن َ ْفسَه ُ يخ ْنُق ُها فِي َق ن َ ْفسَه ُ َ الت ّاجَ" .والبخاري" :ال َ ّذ ِي َ
يخ ْن ِ ُ ل فَيَق ُولُ :أَ ن ْتَ أن ْتَ ،و َيلُ ْبِس ُه ُ َ
ه َذا ،فَيَق ُولُ :ل َ ْم أَ ز َلْ بِه ِ ح ََت ّى قُت َ
ف عَلَى يَمِينٍ بِملَِ ّة ِ غَيْر ِ الإسْ لا ِم ك َاذِبا ً م ُت َعَمِّدا ً فَه ُو َ كَمَا قَالَ: الن ّارِ" .والشيخان" :م َنْ ح َل َ َ حم ُ فِي َ الن ّارِ ،و َال َ ّذ ِي يَقْت ِ
حم ُ يَق َت َ ِ ن نفسَه ُ فِي َ يطع ُ
كقَتْلِه ِ
كقَتْلِه ِ ،وَم َنْ رَم َى مُؤْم ِنا ًبِكُ ْفرٍ فَه ُو َ َ ن َ ن المُؤْم ِ ُ ل ن َ ْذر َ ف ِيم َا لا يَمْلِكُ ،و َلَعْ ُ ل ن َ ْفسَه ُ ب ِشَيْء ٍ ع ُ ّذِبَ بِه ِ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ ،و َلَي َ
ْس عَلَى رَج ُ ٍ وَم َنْ قَت َ َ
س ل َ
الن ّ ْف ِ وَم َنْ ذ َبَ ح َ ن َ ْفسَه ُ ب ِشَيْء ٍ ع ُ ّذِبَ بِه ِ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ" .وفي كتابه إلى أهل اليمن" :إ َ ّ
ن أَ كْ بَر َ الك َبَائِر ِ عِنْد َ الل ّٰه يَوْم َ الق ِيَامَة ِ الإشْر َاك ُ ب ِالل ّٰه و َقَت ْ ُ
حقَ" الحديث.
المُؤْم ِنَة ِ بِغَيْر ِ َ
وروي عن أبي حازم أنه قال :شاهدت عمر بن عبد العزيز ،وقد رقد رقدة على أثر وجد وجده فبكى ،ثم ضحك فلما انتبه قال أبو حازم:
يا أمير المؤمنين ما الذي عراك في منامك حتى ضحكت بعد البكاء قال :أرأيت ذلك؟ قلت :نعم وجميع من حولك .قال :رأيت كأن
القيامة قد قامت ،وقد حشر الناس مائة وعشرين صفّا ًأمة محمد منهم ثمانون صفّاً ،وإذا منادٍ ينادي أين عبد الل ّٰه بن أبي قحافة ،فأجاب
ل فحوسب حسابا ًيسيراً ،ثم نجا وأمر به وبصاحبه إلى الجنة ،ثم نودي بعلي بن أبي طالب،
عز وج ّ
فأخذته الملائكة ،فأوقفوه أمام ربه ّ
فجيء به فحوسب حسابا ًيسيراً ،ثم أمر به إلى الجنة.
قال عمر بن عبد العزيز :فلما قرب الأمر مني نودي أين عمر بن عبد العزيز؟ قال :فتصببت عرقا ً ثم أخذتني الملائكة فأوقفوني أمام
الحق سبحانه وتعالى ،فسألني عن النقير والقطمير ،وعن كل قضية قضيتها ،ثم غفر لي فأمر بي ذات اليمين ،فمررت بجيفة ملقاة فقلت
ك فتقدّمت إليه فسألته ووكزته برجلي ،فرفع رأسه وفتح عينيه ،فقلت :من أنت .فقال:
يجِب ْ َ
للملائكة :ما هذه الجيفة؟ فقالوا :سَل ْه ُ ُ
من أنت؟ فقلت :أنا عمر بن عبد العزيز .فقال لي :ما فعل الل ّٰه بك؟ فقلت :تفضل عليّ ورحمني وفعل بي كما فعل بمن سلف من
عز وجلّ ،فوجدته شديد العقاب
الأئمة ،فقال :ليهنك ما صرت إليه ،فقلت له :من أنت؟ فقال :أنا الحجاج بن يوسف قدمت على الل ّٰه ّ
والغضب ،قتلني بكل قتيل قتلة ،وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة ،وها أنا بين يدي ربي أنتظر ما ينتظر الموحدون من ربهم إما إلى
الجنة وإما إلى النار.
)
Shamela.org ١٠٥
باب الجهاد ٣٨
ح قَرِيبٌ و َب ِشّر ِ المُؤْم ِنينَ{ )سورة الجمعة ١٠ :ـ .(١٣ تح ُِب ّونَهَا نَصْر ٌ م ِ َ
ن الل ّٰه و َفَت ْ ٌ ِيم و َ ُأ ْ
خر َى ُ ك الفَوْز ُ العَظ ِ
ذل ِ َ
ل الل ّٰه ،ق ِيلَ :ث َُم ّ م َاذ َا؟ قَالَ :حَ ج ّ ٌ مَب ْر ُور ٌ" وهما عنه:
ن ب ِالل ّٰه وَرَسُولِه ِ ،ق ِيلَ :ث َُم ّ م َاذ َا؟ قَالَ :الج ِهاد فِي سَب ِي ِ
ضلُ؟ قَالَ" :إيمَا ٌ
ل أَ ف ْ َ ُ
أيّ العَم َ ِ
مثل المجاهد في سبيل الل ّٰه ،والل ّٰه أعلم بمن يجاهد في سبيله ،كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ،ولا صدقة حتى يرجع،
ن
وتوكل الل ّٰه للمجاهد في سبيله إذ يتوفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما ً مع أجر وغنيمة ،والديلمي عنه" :سَاع َة ٌ فِي سَبيل الل ّٰه خَيْر ٌ م ِ ُ
ف الأ ّولِ ،و َلا يلَ ْتَف ِت ُونَ بوجُوهِه ِ ْم ح ََت ّى يُقْتَلُونَ ل الل ّٰه فِي َ
الصّ ّ ِ خَم ْسينَ ِحج ّة َ" .والطبراني عن نعيم بن هبار" :ال ُش ّهَد َاء ُ ال َ ّذ ِي َ
ن يُق َاتِلُونَ فِي سَب ِي ِ
حسَابَ عَلَيْه ِ" والحاكم عن
ن فَلا ِ
ك إلَى عَبْدِه ِ المُؤْم ِ ِ
ن الل ّٰه تَع َالَى إذ َا ضَ ح ِ َ ك إلَيْه ِ ْم ُ
رب ّكَ ،و َِإ َ ّ ن الج َنَ ّة ِ يَضْ ح َ ُ
َف العُلَى م ِ َ ُفأولَئ ِ َ
ك يلَ ْتَق ُونَ فِي الغ ُر ِ
ّيوف".
ل الس ِ أبي هريرة" :الج َنَ ّة ُ َ
تح ْتَ ظِ ّ ِ
ن الج َنَ ّة ِ ،و َيُجَار ل د َف ْعَة ٍ و َي َر َى مَقْعَدَه ُ م ِ َل يَغْف ِر ُ لَه ُ فِي أَ وّ ِ خصَا ٍ ست ِ والترمذي وابن ماجه عن المقدام بن معد يكرب" :لِل َش ّه ِيدِ عِنْد َ الل ّٰه ُ ّ
ق أَ َ ّنه ُ ْم إلَيْها لا يَرْجِع ُونَ ،قَالُوا :ف َأَ بْلـِ ـغْ ع ََن ّا إخْ واننَاخر َى ،قَالََ :إن ّه ُ ق َ ْد سَب َ َ ك م َّرة ً ُأ ْ
ل فِي سَب ِيل ِ َ نُر ِيد ُ أَ ْن ت ُرَدّ أَ ْرو َاحُنَا فِي أَ جْ سَادِن َا ح ََت ّى نُقْت َ َ
ل الل ّٰه أَ مْوَاتا ًبَلْ أَ حْ يَاء ٌ عِنْد َ ر َ ّبِه ْم يُرْز َقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آت َاهُم ُ الل ّٰه م ِنْ ف َضْ لِه ِ{ )آل عمران: ن قُت ِلُوا فِي سَبي ِ تحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
ل الل ّٰه تَعالى} :و َلا َ ف َأَ ن ْز َ َ
.(١٦٩
ض م ِنْ دَمِه ِ يُك ّف ِر ُ الل ّٰه ل العَبْد ُ فِي سَب ِيل الل ّٰه ف َأَ َ ّو ُ
ل قَطْرَة ٍ تَق َ ُع عَلَى الأ ْر ِ والطبراني بسندٍ رجاله ُ ثقات عن عبد الل ّٰه بن عمرو قال" :إذ َا قُت ِ َ
ج م َ َع المَلائِكَة ِ ك َأَ َن ّه ُ ك َانَ
ن الج َنَ ّة ِ ح ََت ّى يُرْكَبَ ف ِيه ِ روحه ُ ،ث َُم ّ يَعْرِ ُ
ن الج َنَ ّة ِ فَيَقْب َِض ف ِيها ن َ ْفسَه ُ و َبجَسَد م ِ َ
ل الل ّٰه ب ِر َيطة ٍ م ِ َ ذ ُنُوبَه ك َُل ّه َا ث َُم ّ يُرْ ِ
س ُ
ل المَلائِك َة ث َُم ّ تَسْجُد ُ المَلائِك َة بَعْدَه ُ ،ث َُم ّ يَغْف ِر لَه ُ و َيُطَهر َ ،ث َُم ّ يُؤْم َرُ بِه ِ إل ِى ال ُش ّهَد َاء ِ فَي َجدِه ُ ْم
جد َ قَب ْ َ
س ِ مَعَه ُ ْم مِنْذ ُ خ َلَق َه ُ الل ّٰه ح ََت ّى يُؤتَى بِه ِ َ
الر ّحْمن فَي َ ْ
ل الحُوتُ فِي أَ نْهَارِ الج َنَ ّة ِ فَي َأْ ك ُ ُ
ل ل يَو ْ ِم ب ِشَيْء ٍ ل َ ْم يلَ ْع َبَاه ُ ب ِالأ ْم ِ
س يَظَ ُ ّ ُوت يلَُع ّ ِبَانه ْم ك ُ ّ ِ
اب م ِنْ حَر ِير ٍ ،و َعنده ُ ْم ثَور ٌ وَح ٌ
خضْر ِ و َقب َ ٍ
ض ُ
فِي رِي َا ٍ
Shamela.org ١٠٦
باب الجهاد ٣٨
الث ّو ْر ب ِقرنِه ِ فَذَك َاه ُ ،ف َأَ ك َلُوا م ِنْ لَحْمِه ِ وَو َجد ُوا فِي َطعْ ِم لَحْمِه ِ ر َائِ ح َة ً م ِنْ ر ِِيح الج َنَ ّة ِ ،و َيَب ِيتُ
ل ر َائِ حَة ٍ م ِنْ أَ نْهارِ الج َنَ ّة ِ ،ف َِإذ َا أَ مْس َى وَك َزه َ َ
م ِنْ ك ُ ّ ِ
ح غ َدا عَلَيْه ِ الحُوتُ ،فَذَك َاه ُ بِذَن ْبِه ِ ف َأَ ك َلُوا م ِنْ لحمِه ِ ،ف َوَجَد ُوا فِي َطعْ ِم لَحْمِه ِ ك َ ّ
ل ثَم ْر َة فِي ل م ِنْ ثَمَرِ الج َنَ ّة ِ؛ ف َِإذ َا أَ صْ ب َ َ
الث ّو ْر ن َاف ِشا ًفِي الج َنَ ّة ِ ي َأْ ك ُ ُ
َ
ش
ل ع َْر ِ ساعَة ِ" .والعقيلي عن أبي هريرة" :ال ُش ّهَد َاء ُ عِنْد َ الل ّٰه عَلَى م َنِاب ِر َ م ِنْ ي َاق ٍ
ُوت فِي ظِ ّ ِ الج َنَ ّة ِ يَنْظ ُر ُونَ إلى م َنَازِلِه ِ ْم يَدْعونَ الل ّٰه بِق ِيَا ِم ال َ ّ
ْف لـَك ُ ْم و َأَ صْ د ُقُك ُ ْم فَيَق ُولُونَ بلََى وَر َ َب ّنَا". الر ّ ُ ّ
ب أَ ل َ ْم أَ و ِ ل لَه ُ ْم َ
ل إلا ّ ظِلَ ّه ُ عَلَى كُت ُِب مِسْك م ِنْ فَيَق ُو ُ
الل ّٰه يَوْم َ لا ظِ َ ّ
ن
والأصبهاني عن عبد الل ّٰه بن عمرو بن العاص :إن الل ّٰه ليدعو الجنة يوم القيامة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول الل ّٰه سبحانه وتعالى} :أَ ي ْ َ
ل و َال َنّهَار، ح ب ِحَمْدِك َ َ
الل ّي ْ ِ ن نُسْب ِّ ُ ن قَاتَلُوا فِي سَب ِيل ِي وَج َاهَد ُوا؟ ا ْدخ ُلُوا الج َنَ ّة فَيَدْخلُونَهَا بِغَيْر ِ حِساب فَت َأْ تِي المَلائِك َة فَيَق ُولُونَ َرّ بِّنا َ
نح ْ ُ عِبَادِي ال َ ّذ ِي َ
َاب:
لب ٍل عَلَيْه ِ ِم المَلائِك َة ُ م ِنْ ك ُ ّ ِ ب ه َؤ ُلاء ِ ال َ ّذ ِي َ
ن قَاتَلُوا فِي سَبيل ِي وَج َاهَد ُوا ،فَت َ ْدخ ُ ُ الر ّ ُ ّ
ل َ ك م ِنْ ه َؤ ُلاء ِ ال َ ّذ ِي َ
ن آثَرْتَه ُ ْم عَلَي ْنَا ،فَيَق ُو َ ّس ل َ َ
و َنُقَد ُ
سَلام ٌ عَلَيْك ُ ْم بِمَا صَبِرْتُم ْ فَنِعْم َ عقْبي ال َد ّارِ{ .والطبراني عن أنس" :إذ َا و َق ََف العَب ْد لِلْحِس ِ
َاب ج َاء َ قَوْم ٌ و َاضِع ُوا سُي ُوفَه ُ ْم عَلَى رِقَابِه ْم ت َ ْقط ُر َ
ِف؛ فَيُق َالُ :م َنْ ه َؤ ُلاءِ؟ ق ِيلَ :ال ُش ّهَد َاء ُ ك َانُوا أَ حْ يَاء َ مرزوقينَ" .وابن ماجه عن أبي هريرة: اس فِي المَو ْق ِ َاب الج َنَ ّة ِ و َ
َالن ّ َ د َما ًفَا ْزد َحم ُوا عَلَى ب ِ
ح َ
الل ّو ْن لَوْنُ د َ ِم ل الل ّٰه إلا ّ ج َاء َ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ وَج ُ ْرح ُه ُ كَهي ْئ ِتِه ِ يَو ْم جَر ِ َ
ح فِي سَبي ِ يج ْر َ ُ
ل الل ّٰه ،و َالل ّٰه أَ ع ْلَم ُ بِم َنْ ُح فِي سَب ِي ِ يج ْر َ ُ مج ْر ٍ
ُوح ُ "م َا م ِنْ َ
يجِد ُ أَ حَد ُك ُ ْم
ل إلا ّ كَمَا َ الن ّارِ أَ ب َداً" والطبراني" :ال َش ّه ِيد ُ لا َ
يجِد ُ أَ لَم َ القَت ْ ِ و َالر ّ ِِيح ُ رِيح ُ مِسْكِ " ومسلم وأبو داود عنه" :لا َ
يج ْتَمِـ ُع ك َاف ِر ٌ و َقَاتله فِي َ
ِف" س ِ
ِلاح ،بَلْ ه ُو َ أش ْهَ ى عِنْدَه ُ م ِنْ شرب م َاء ٍ ب َارِدٍ لَذ ِيذٍ فِي يَو ْ ٍم صَائ ٍ ش ُ ّد عَلَى ال َش ّه ِيدِ م ِنْ م ّ ِ
َس ال ّ صة ِ" .وأبو الشيخ" :ع ََضّ ة ُ نَمْلَة ٍ أَ َ
م َ َّس القَر ْ َ
والطبراني" :م َنْ فَاتَه ُ الغَزْو ُ معي فَل ْيَغْز ُ فِي البحْ رِ".
ل الل ّٰه" وهو :يغفر لشهيد
َات فِي البَر ّ ،و َالّذي يَصْ دُر َ فِي الب َحْ رِ ك َال ْمُتَش َّحِطِ في دَمِه ِ في سَب ِي ِ
ل عَشْر ِ غ ََزو ٍ
وابن ماجه" :غ َْزوَة ٌ فِي الب َحْ رِ مِث ْ ُ
جر ِ
ن الأ ْ
مخْط ِئا ًأَ ْو م ُصِ يبا ًفلََه ُ م ِ َ
ل الل ّٰه فَبْل َ َغ َ
سل ِ ٍم ر َم َى فِي سَب ِي ِ البر ّ الذنوب كلها إلا ال َ ّدين؛ ولشهيد البحر الذنوب والدين .والطبرانيُ :
"أي ّمَا م ُ ْ
ن
ق ب ِعضْ وٍ م ِ َ
ن العِت ْ ِ ق مُسْل ِما ً فَك ُ ُ ّ
ل ع ُضْ وٍ م ِ َ ل الل ّٰه فَه ُو َ لَه ُ نُور ٌ ،و َُأي ّما رَج ُ ٍ
ل أَ عْت َ َ ك َر َقَبَة ٍ أعْتَقَه َا م ِنْ وَلَد ِ إسْماعِيلَ ،و َأَ ُي ّما رَج ُ ٍ
ل شَابَ فِي سَب ِي ِ
تح ُِب ّونَ أَ ْن يَغْفر َ الل ّٰه لـَك ُ ْم سب ْعينَ عَام َاً ،أَ َ
لا ّ ُ ل م ِنْ صَلاتِه ِ فِي بَي ْتِه ِ َ الن ّارِ" .والترمذي" :مَق َام ُ أَ حَدِك ُ ْم فِي سَبي ِ
ل الل ّٰه أَ ف ْ َ
ض ُ ن َ ق فَد َاء ً لَه ُ م ِ َ
المُعْت ِ
ل الل ّٰه ف َوَاقَ ن َاقَة ٍ وَجَب َْت لَه ُ الج َنَ ّة" .والطبراني والحاكم والبيهقي" :حَر َُس لَيْلَة ً فِي ل الل ّٰه م َنْ قَات َ َ
ل فِي سَب ِي ِ و َي ُ ْدخِلـَك ُ ْم الج َنَ ّةُ ،
اغزوا فِي سَبي ِ
َاط يَو ْ ٍم و َلَيْلَة ٍ خَيْر ٌ م ِنْ صِيَا ِم ش َ ْهرٍ و َق ِيَامِه ِ ،و َِإ ْن م َاتَ
ْف لَيْلَة ٍ يُق َام ُ لَي ْلُه َا و َيُصَام ُ نَهَار ُه َا" .ومسلم" :رِب ُ
ن أل ِ
ل مِ َ
ض ُ
ل أَ ف ْ َ
ل الل ّٰه ع َّز وَج َ ّ
سَبي ِ
ن الف ِتَانِ" .ومسلم وأبو داود" :م َنْ م َاتَ و َل َ ْم يَغْز ُ و َل َ ْم ُ
يح ْ ّدِثَ ن مِ َ أَ حدٌ مْرَاب ِطا ً جَر َى عَلَيْه ِ ع َمَلُه ُال َ ّذ ِي ك َانَ يَعْم َلُه ُ ،و َأَ ْ
جر َى عَلَيْه ِ رِزْقُه ُ ،و َأَ م ِ َ
جه َادٍ لَقِ َي الل ّٰه تَع َالَى و َفِي إيمَانِه ِ ثُل ْم َة ٌ".
ن النِّف َاقِ" والترمذي" :م َنْ لَقِ َي الل ّٰه تَبَارَك َ و َتَع َالَى بِغَيْر ِ أَ ثَر ٍ م ِنْ ِ
شعْبَة ٍ م ِ َ
بِه ِ نَفْسه م َاتَ عَلَى َ
ل وَجَب َْت لَه ُ الج َنَ ّة ُ" اللهم ارزقنا الشهادة بفضلك وأدخلنا الجنة بغير حساب برحمتك آمين.
"م َنْ أْ سْ لَم َ عَلَى يَد َيْه ِ رَج ُ ٌ
وروى رافع بن عبد الل ّٰه عن هشام بن يحيى الكتاني أنه قال لي :أحدثك حديثا ً رأيته بعيني وشهدته نفسي ونفعني الل ّٰه به فعسى أن
ينفعك به .فقلت :حدثني يا أبا الوليد قال :غزونا أرض الروم في سنة ثمان وثمانين ،وكان معنا رجل يقال له سعيد بن الحرث ذو
حظ من العبادة يصوم النهار و يقوم الليل ،فإن سرنا درس القرآن ،وإن أقمنا ذكر الل ّٰه تعالى ،فجاءت ليلة خفنا فيها ،فخرجت أنا وإياه
نحرس ونحن محاصرون عند حصن من الحصون استصعب علينا أمره ،فرأيت من سعيد من العبادة في تلك الليلة وصبره على النصب
ما تعجبت منه ،فلما طلع الفجر قلت له :يرحمك الل ّٰه إن لنفسك عليك حقا ًفلو أرحتها فبكى.
قال يا أخي إنما هي أنفاس تعدّ ،وعمر يفنى وأيام تنقضي ،وأنا رجل أرتقب الموت ،وأبادر خروج نفسي .قال :فأبكاني ذلك فقلت له:
أقسمت عليك بالل ّٰه إلا ما دخلت الخباء ،واسترحت فدخل فنام ،وأنا جالس ظاهر الخباء ،فسمعت كلاما ً في الخباء ،فقلت ما فيه
Shamela.org ١٠٧
باب الجهاد ٣٨
سواه فتقدّمت قليلا ًفإذا به يضحك في نومه ويتكلم فحفظت من كلامه يقول :ما أحب أن أرجع ،ثم م ّد يده اليمنى كأنه يلتمس شيئاً،
ثم ردّها ردّا ً رقيقا ًوهو يضحك ،ثم وثب من نومه ،وهو ينتفض فاحتضنته إلى صدري ملياً ،وهو يلتفت يمينا ًوشمالا ًحتى سكن وعاد
إليه فهمه ،وجعل يهلل و يكبر ،فقلت :ما الخـبر؟ قال :نعم .قلت :حدّثني فقد سمعتك تقول ما أحب أن أرجع ورأيتك مددت يدك
ثم رددتها ،فقال :لا أخبرك فأقسمت عليه .قال :أو تكتم عني ما حييت؟ قلت :بلى .قال رأيت كأن القيامة قد قامت ،وخرج الخلق
من قبورهم شاخصين منتظرين أمر ربهم ،فبينما أنا كذلك إذ أتاني رجلان لم أر أحسن منهما فسلما عليّ ،فرددت عليهما السلام فقالا
لي :يا سعيد أبشر فقد غفر ذنبك ،وشكر سعيك ،وقبل عملك ،واستجيب دعاؤك ،وعجل لك البشرى فانطلق معنا حتى نر يك ما أع ّد
الل ّٰه لك من النعيم .قال :فانطلقت معهما حتى أخرجاني عن جملة الموقف ،وإذا بخيل لا يشبه خيل الدنيا ،إنما هو كالبرق الخاطف أو
كهبوب الريح ،فركبنا وسرنا فانتهينا إلى قصر شاهق ما يبلغ الطرف منتهاه كأنه صيغ من فضة وله نور يتلألأ.
فلما وصلنا إليه فتح بابه من قبل أن نستفتح ،فدخلنا فرأينا شيئا ً لا يبلغه وصف واصف ،ولا يخطر على قلب بشر ،وفيه من الحور
والوصائف والولدان بعدد النجوم فلما رأونا أخذوا في ألوان من القول الحسن بأنغام مختلفة وقائل يقول :هذا وليّ الل ّٰه قد جاء فمرحبا ًبه
وأهلاً ،فسرنا حتى انتهينا إلى مجالس ذات أسرة من ذهب مكللة بالجواهر محوطة بكراسي من ذهب ،وعلى كل كرسي منها جار ية لا
يستطيع أحد من خلق الل ّٰه أن يصفها ،وفي وسطهنّ واحدة عالية عليهنّ في طولها وكمالها وجمالها .فقال الرجلان :هذا منزلك وهؤلاء
أهلك وهنا مثواك ،ثم انصرفا عني ووثبت الجواري بالترحيب والاستبشار كما يكون من أهل الغائب عند قدومه عليهنّ ،ثم حملوني حتى
أجلسوني على السرير الأوسط إلى جانب الجار ية فقلن :هذه زوجتك ولك أخرى مثلها ،وقد طال انتظارنا لك فكلمتها وكلمتني ،فقلت:
أين أنا؟ قالت :في جنة المأوى .وقلت :من أنت؟ قالت :أنا زوجتك الخالدة ،قلت :فأين الأخرى.
قالت :في قصرك الآخر ،فقلت :أقيم اليوم عندك ،وأتحو ّل في غدٍ إلى الأخرى ،ثم مددت يدي فردّتها ردّا ً رفيقاً ،وقالت :أما اليوم
فأنت راجع إلى الدنيا وستقيم ثلاثاً ،فقلت :ما أحب أن أرجع ،فقالت :لا ب ّد من ذلك وستفطر عندنا بعد الثلاث ،ثم نهضت من
مجلسها ،ثم نهضت لوداعها فاستيقظت قال هشام :فغلبني البكاء ،وقلت هنيئا ً لك يا سعيد جدّد لل ّٰه شكرا ً فقد كشف لك عن ثواب
ومس الطيب وأخذ
ّ عملك ،فقال :هل رأى أحد غيرك ما رأيت؟ قلت :لا ،فقال :بالل ّٰه اكتم عني ما دمت في الحياة ،ثم قام فتطهر
سلاحه وسار إلى موضع القتال وهو صائم فقاتل إلى الليل ،ثم انصرف فتحدّث الناس بقتاله ،وقالوا :ما رأيناه فعل مثل اليوم لقد
كان يطرح نفسه تحت سهام العدوّ وحجارتهم وكل ذلك ينبو عنه ،فقلت في نفسي :لو يعلمون لتنافسوا في مثل عمله ،ثم مكث قائما ًإلى
آخر الليل ،ثم أصبح صائما ًفقاتل أش ّد من اليوم الأوّل ،ثم مكث قائما ًإلى آخر الليل ،ثم أصبح صائما ًفقاتل أبلغ من كل يوم.
قال أبو الوليد :فانطلقت لأنظر ماذا يكون منه ،فلم يزل يلقي نفسه في المهالك غالب النهار ولا يصل إليه شيء حتى إذا دنا غروب
الشمس جاء سهمٌ في نحره فخر ّ صر يعا ًوأنا أنظر إليه ،فضجت الناس وبادروا إليه ،وأخذوه وجاؤوا به يحملونه فلما رأيته ،قلت له :هنيئا ً
فعض على شفتيه ،وهو يضحك ،ثم قال :الحمد لل ّٰه الذي صدقنا وعده ثم مات .قال
ّ ما تفطر عليه الليلة يا ليتني كنت معك .قال:
هشام :فصحت يا عباد الل ّٰه لمثل هذا فليعمل العاملون واسمعوا ما أخبركم عن أخيكم هذا فأقبل الناس ،فحدّثتهم بالحديث على وجهه،
وما كان منه فما رأيت باكيا ً كالساعة ،ثم كبروا تكبيرة اضطرب لها العسكر وشاع الحديث ،وبلغ الخـبر إلى مسلمة ،فجاء وقد وضعناه
ل عليه أيها الأمير ،فقال :بل يصلي عليه الذي عرف من أمره ما عرف في موضعه ،وبات الناس يتحدّثون به،
لنصلي عليه ،فقلت ص ّ
فلما طلع الصباح تذاكرنا حديثه ،فصاحوا صيحة وحملوا على العدوّ ،ففتح الل ّٰه الحصن في ذلك النهار ببركته رحمة الل ّٰه عليه.
وحكى اليافعي عن الشيخ عبد الواحد بن زيد .قال :بينما نحن ذات يوم في مجلسنا هذا قد تهيأنا للخروج إلى الغزو ،وقد أمرت أصحابي
ن لَهُم ُ الج َنَ ّة َ{ )سورة التوبة (١١١ :فقام
ن المُؤْم ِنِينَ أَ نْف ُسَه ُ ْم و َأَ مْوَالَه ُ ْم بأ َ ّ أن تهيؤوا لقراءة آية ،فقرأ رجل في مجلسنا }إ َ ّ
ن الل ّٰه اشْ تَر َى م ِ َ
غلام في مقدار خمس عشرة سنة أو نحو ذلك ،وقد مات أبوه وورثه مالا ً كثيراً ،فقال :يا عبد الواحد بن زيد ـ إن الل ّٰه اشترى من
Shamela.org ١٠٨
باب الجهاد ٣٨
ن
المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ـ فقلت :نعم حبيبي ،فقال لي :أشهدك أني قد بعت نفسي ومالي بأن لي الجنة ،فقلت له إ ّ
ح ّد السيف أش ّد من ذلك ،وأنت صبي ،وإني أخاف أن لا تصبر وتعجز عن ذلك ،فقال :يا عبد الواحد أبايع الل ّٰه بالجنة ثم أعجز أنا
أشهد الل ّٰه أني قد بايعته أو كما قال رضي الل ّٰه عنه.
قال عبد الواحد :فتقاصرت إلينا أنفسنا وقلنا :صبي يعقل ونحن لا نعقل ،فخرج من ماله كله تصدق به إلا فرسه وسلاحه ونفقته،
فلما كان يوم الخروج كان أوّل من طلع علينا ،فقال :السلام عليك يا عبد الواحد ،فقلت :وعليك السلام ربح البيع؛ ثم سرنا وهو معنا
يصوم النهار و يقوم الليل و يخدمنا و يخدم دوابنا ،و يحرسنا إذا نمنا حتى إذا انتهينا إلى بلاد الروم؛ فبينما نحن كذلك إذا به قد أقبل،
وهو ينادي واشوقاه إلى العيناء المرضية؛ فقال أصحابي :لعله وسوس هذا الغلام واختلط عقله؛ فقلت :حبيبي وما هذه العيناء المرضية،
فقال :إني غفوت غفوة فرأيت كأنه أتاني آت .فقال لي :اذهب إلى العيناء المرضية فهجم بي على روضة فيها نهر من ماء غير آسن،
وإذا على شط النهر جوار عليهنّ من الحليّ والحلل ما لا أقدر أن أصفه؛ فلما رأينني استبشرن وقلن هذا زوج العيناء المرضية ،فقلت:
ض أمامك فمضيت أمامي ،فإذا بنهر من لبن لم يتغير طعمه في
السلام عليكنّ أفيكنّ العيناء المرضية؟ فقلن :نحن خدمها وإماؤها ام ِ
روضة فيها من كل زينة ،فيها جوار لما رأيتهنّ افتتنت بحسنهنّ وجمالهنّ ،فلما رأينني استبشرن بي وقلن :والل ّٰه هذا زوج العيناء المرضية؛
فقلت :السلام عليكنّ أفيكنّ العيناء المرضية فقلن :وعليك السلام يا وليّ الل ّٰه نحن خدمها وإماؤها ،فتقدم أمامك فتقدّمت؛ فإذا أنا بنهر
من خمر وعلى شط الوادي جوار أنسينني من خلفت؛ فقلت :السلام عليكنّ أفيكنّ العيناء المرضية قلن :لا نحن خدمها وإماؤها امض
أمامك فمضيت أمامي؛ فإذ بنهر آخر من عسل مصفى وجوار عليهن من النور والجمال ما أنساني ما خلفت؛ فقلت السلام عليكنّ أفيكنّ
العيناء المرضية فقلن :يا وليّ الل ّٰه نحن إماؤها وخدمها ،فامض أمامك فمضيت إلى خيمة من درّة بيضاء ،وعلى باب الخيمة جار ية عليها
من الحلي والحلل ما لا أقدر أن أصفه ،فلما رأتني استبشرت ونادت في الخيمة أيتها العيناء المرضية هذا بعلك قد قدم.
قال :فدنوت من الخيمة ودخلت .فإذا هي قاعدة على سرير من ذهب مكال بالد ّر والياقوت؛ فلما رأيتها أفتتنت بها ،وهي تقول :مرحبا ً
بك يا وليّ الرحمن قد دنا لك القدوم عليها ،فذهبت لأعتنقها فقالت :مهلا ً فإنه لم يؤذن لك أن تعانقني لأن فيك روح الحياة ،وأنت
تفطر الليلة عندنا .قال :فانتبهت يا عبد الواحد ولا صبر لي عنها.
قال عبد الواحد :فما انقطع كلامنا حتى ارتفعت لنا سربة من العدوّ ،فجعل الغلام فعددت تسعة من العدو قتلهم ،وكان هو العاشر
َ
يتشحّ ط في دمه وهو يضحك ملء فيه حتى فارق الدنيا رضي الل ّٰه عنه ونفعنا به آمين. فمررت به ،وهو
ل
ل فِي ك ُ ّ ِ ل ح ََب ّة ٍ أَ ن ْبَت َْت َ
سب ْ َع سَنَاب ِ َ ل الل ّٰه كَمَث َ ِ ل ال َ ّذ ِي َ
ن يُنْفِق ُونَ أَ مْوَالَه ُ ْم فِي سَب ِي ِ )فصل( في الإنفاق في سبيل الل ّٰه .قال الل ّٰه تعالى} :م َث َ ُ
سن ْبلَُة ٍ مائَة ُ ح ََب ّة ٍ و َالل ّٰه يُضاع ُ
ِف لم َِنْ يَش َاء ُ و َالل ّٰه و َاسِـ ٌع عَل ِيم ٌ{ )سورة البقرة.(٢٦١ : ُ
سب ْعُمِائَة ِ
ل دِرْه َ ِم َ
ل الل ّٰه وأَ قَام َ فِي بَي ْتِه ِ فلََه ُ بِك ُ ّ ِ
ل بنَِفَقَة ٍ فِي سَب ِي َ
س َ
وأخرج ابن ماجه عن ثمانية من الصحابة قالوا :قال رسول الل ّٰه" :م َنْ أَ ْر َ
ْف دِرْه َ ِم ث َُم ّ تَلا هذِه ِ الآية" }و َالل ّٰه يُضَاع ُ
ِف لم َِنْ ل دِرْه َ ِم سَب َعمائَة ِ أل ِ
ك فلََه ُ بِك ُ ّ ِ
ق فِي وَجْه ِ ذل ِ َ
ل الل ّٰه و َأَ نْف َ َ
سه ِ فِي سَبي ِ
دِرْهَمٍ ،وَم َنْ غ ََزا بنِ َ ْف ِ
يَش َاءُ{ )سورة البقرة.(٢٦١ :
ف غَازِ يا ًفِي أَ ه ْلِه ِ بِ خـَيْرٍ فَق َ ْد غ ََزا" وأبو داود عن أبي أمامة: ج َهّز َ غَازِ يا ًفِي سَب ِي ِ
ل الل ّٰه فَق َ ْد غ ََزا ،وَم َنْ خ َل َ َ وعن زيد بن خالد الجهني" :م َنْ َ
ل يَو ْ ِم الق ِيَامَة ِ" .ومسلم عن أبي مسعود الأنصاري قال: "م َنْ ل َ ْم يَغْز ُ أَ ْو ُ
يجْهّ ِز غَازِ يا ً أَ ْو يخ ْلف غَازِ يا ً فِي أَ ه ْلِه ِ بِ خـَيْرٍ أَ صَابَه ُ الل ّٰه بِق َارِعَة ٍ قَب ْ َ
ك بِهَا يَوْم َ الق ِيَامَة ِ سَب ُع ُمائَة ِ ن َاقَة ٍ ك َُل ّه َا َ
مخْط ُوم َة ٌ" .والترمذي عن ل الل ّٰه :ل َ َ
ل رَسُو ُ
ل الل ّٰه ،فَق َا َ
ل هذِه ِ فِي سَب ِي ِ
مخْط ُومَة ٍ فَق َا َ
ل بنَِاقَة ٍ َ
"ج َاء َ رَج ُ ٌ
عبد الرحمن بن خباب قال" :شهدتَ النبي ،وهو يحث على جيش العسرة ،فقام عثمان رضي الل ّٰه عنه فقال :يا رسول الل ّٰه ،عليّ مائة
بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الل ّٰه ،ثم حض على الجيش فقام عثمان رضي الل ّٰه عنه فقال :يا رسول الل ّٰه عليّ مائتا بعير بأحلاسها
وأقتابها في سبيل الل ّٰه .ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال :يا رسول الل ّٰه عليّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الل ّٰه ،فأنا
Shamela.org ١٠٩
باب الجهاد ٣٨
رأيت رسول الل ّٰه ينزل عن المنبر وهو يقول :ما على عثمان ما عمل بعد هذه ،ما على عثمان ما عمل بعد هذه" .وأحمد عن عبد الرحمن
ل الل ّٰه ج َهّز َ جَي َ
ْش العُسْر َة ،فَنَثَر َه َا في ِحج ْره ِ ،ف َرأَ َ ي ْتُ رَسُو َ ْف دِينَا ٍر فِي كُمّه ِ حِينَ َ
ن عَف َانُ رَضِي َ الل ّٰه عَن ْه ُ ب ِأل ِ
بن سمرة قال" :ج َاء َ عُثْم َانُ ب ْ ُ
ل بَعْد َ اليَو ْ ِم ،ي ُرَدّد ُه َا م ِرَاراً" .وعن قتادة أنه قال :حمل عثمان في جيش العسرة على
يُق َلِّبُهَا فِي ِحجْرِه ِ و َه ُو َ يَق ُولُ :م َا ضَر ّ عُثْم َان م َا عَم ِ َ
ألف بعير وسبعين فرساً.
الن ّب ُيّ يَق ُولُ :بيَِدِه ِ
ل َ آلاف دِينَا ٍر فَص َُب ّ ْ
ت بَيْنَ يَد َيْه ِ ،فَجَع َ َ ِ الن ّب ُيّ إلى عُثْم َانَ فِي جَي ْ ِ
ش العُسْرَة ِ ،فَبَع َثَ إلَيْه ِ عُثْم َانُ ب ِع َشرَة ِ وعن حذيفة" :بَع َثَ َ
ل بَعْد َه َا".
ك ي َا عُثْم َانُ م َا أَ سْرَرْتَ وَم َا أَ ع ْلَن ْتَ ،وَم َا ه ُو َ ك َائ ِ ٌن إلَى يَو ْم الق ِيَامَة ِ م َا يُبَال ِي الل ّٰه م َا عَم ِ َ
ن و َيَق ُولُ :غَف َر َ الل ّٰه ل َ َ
و َيَق َلِّبُهَا َظهْرا ً لِب َ ْط ٍ
ل شَيْء ٍ شا ِم تَحْم ِ ُ
ل م ِنْ ك ُ ّ ِ ن ال َ ّ
َت م ِ َ
ْف قَدِم ْ
ن ب ْ ِن عَو ٍ ت :م َا هذ َا؟ قَالُوا :ع ِير ٌ لِعَبْدِ َ
الر ّحْم ِ َت ر َ َجّة ً فَق َال َ ْ
وعن أنس" :بَي ْنَم َا عَائِش َة ُ فِي بَيْتِها إ ْذ سَمِع ْ
ل
ن ي َ ْدخ ُ َ
الر ّحْم ِ ْت ،فَق َالَت عَائَش َة َ رَضِيَ الل ّٰه عَنْهَا" :سَمِعْتُ رَسُو َ
ل الل ّٰه يَق ُولُ :ق َ ْد ر َأَ ي ْتُ عَبْد َ َ ن َ
الصّ و ِ ت المَدِين َة ُ م ِ َ سبْع َمائَة بَع ِيرٍ فَا ْر َ
تَج ّ ِ وَك َان َْت َ
حب ْوا ً فبلغ عبد الرحمن فقال :إن استطعت لأدخل َنّها قائما ً فجعلها بأحمالها وأقتابها في سبيل الل ّٰه عز وجل .وعن ابن عباس رضي
الج َنَ ّة َ َ
ك الأسِير ُ{.
الل ّٰه عنهما} :م َنْ فَد َى أَ سِيرا ً م ِنْ أَ يْدِي العَد ُ ّوِ ف َأَ نا ذل ِ َ
ن الل ّٰه
َب م ِ َ
ل أَ ْو م ُت َحَي ِّرا ً إلى ف ِئَة ٍ فَق َ ْد ب َاء َ بِغَض ٍ
)فصل( :في الفرار من الزحف .قال الل ّٰه تعالى} :وَم َنْ يُوَلِّه ِ ْم يَوْم َئِذٍ د ُب ُرَه ُ إلا ّ م ُتَحَرِّقا ًلِق ِتَا ٍ
جه َ َن ّم َ و َبِئ َ
ْس المَصِ ير ِ{ )سورة الأنفال.(١٦ : وَم َأَ و َاه ُ َ
ل الل ّٰه وَم َا ه َُنّ ؟ قَالَ:
َات ،ق ِيلَ :ي َا رَسُو ِ
َات :أي المُهْلِك ِ وأخرج الشيخان عن أبي هريرة قال :قال رسول الل ّٰه" :اجْ تَن ِب ُوا ال َ ّ
سب ْ َع المُوبق ِ
ِلات
ات الغ َاف ِ
ْف المحُ ْصن َ ِ
ف و َقَذ ُ ل اليَت ِِيم و َ
َالت ّو َل ِّي يَوْم َ الز َحْ ِ ل م َا ِ
ك ُ
ل الر ِّب َا و َأَ ْ س الت َي حَرّم َ الل ّٰه إ َلّا ب ِالحَقّ ِ و َأَ ْ
ك ُ ل الن َ ْف ِ الشّرْك ُ ب ِالل ّٰه و َال ّ
سِحْ ر ُ ،و َقَت ْ ُ
)تنبيه( إن الفرار من الزحف :أي من كافر أو كفار لم يزيدوا على الضعف لغير تحر ّف لقتال أو تحـ ُي ّز إلى فئة يستنجد بها من الكبائر
المهلـكة.
كسِب َْت و َه ُ ْم لا
س م َا َ ل يَوْم َ الق ِيَامَة ِ ث َُم ّ تُو َفَ ّى ك ُ ُ ّ
ل ن َ ْف ٍ ت بِمَا غ َ َ ّ )فصل( :في الغلول .قال الل ّٰه تعالى} :وَم َا ك َانَ لِنَبِي َ أَ ْن يغ ُ َ ّ
ل وَم َنْ يَغْل ُلْ ي َأْ ِ
يُظْلَم ُونَ{ )سورة آل عمران.(١٦١ :
يج ِيء َ بِه ِ
مخ ِيطا ً أَ ْو خِيَاطا ً ك ُل ّ َِف يَوْم َ الق ِيَامَة ِ أ ْن َ
ل َ
يط و َالخ ِيَاط م َنْ غ َ َ وأخرج الطبراني عن المستورد قال :قال رسول الل ّٰه" :رُدّوا المخَ ِ َ
ل مُؤْمِنٌ" .ومسلم عن عمر :لما حر ِق ُوا م َتَاع َه ُ و َاضْر ِبُوه ُ" والطبراني" :لا يَغ ِ ُ ّ ل ق َ ْد غ َ َ ّ
ل ف َأَ ْ ْس بِ جَاءٍ" وأبو داود والحاكم" :إذ َا وَج َ ْدت ُم ُ َ
الر ّج ُ َ و َلَي َ
كان يوم خيبر قتل نفر من أصحاب رسول الل ّٰه :فقالوا :فلان شهيد وفلان شهيد ،حتى مروا على رجل فقالوا :فلان شهيد ،فقال :كلا
إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة غلها .ثم قال :يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ثلاثاً .قال:
الل ّه ِ هذ َا ل َ َ
ك ل َ فخرجت فناديت ألا أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ثلاثاً" .وأبو داود والطبرانيُ " :أتِي َ بنِط ٍْع م ِ َ
ن الغ َن ِيمَة ِ فَق ِيلَ :ي َا رَسُو َ
ل فَه ُو َ مِثْلُهُ" والطبراني: ل نَب ُِي ّك ُ ْم بِظ ِ َ
ل م ِنْ ن َا ٍر يَوْم َ الق ِيَامَة ِ" .وأبو داود" :م َنْ كَتَم َ عَلَى غَا َ تح ُِب ّونَ أَ ْن يَسْتَظ ِ ُ
س ،قَالَ :أَ ُ ن ال َ ّ
ش ْم ِ تَسْتَظ ِ ُ ّ
ل بِه ِ م ِ َ
ل ُأمّتِي ل َ ْم يَق ُ ْم لَه ُ ْم عَد ُ ّو ٌ أب َداً" قال أبو ذر لخبيب بن مسلمة :هل يثبت لـكم العدوّ حل ْبَ شاة؟ قال :نعم وثلاث شياه غزر.
"إ ْن ل َ ْم تغ َ ّ
Shamela.org ١١٠
باب الـكهانة والعرافة والطيرة والتنجيم والسحر وإتيان أصحابها ٣٩
ل الل ّٰه و َل َ ْم ينْوِ إلا ّ عِق َالا ًفلََه ُ م َا نَو َى" .وأبو داود عن أبي هريرة :أن
ورب الـكعبة .وأحمد والنسائي" :م َنْ غ ََزا فِي سَب ِي ِ
ّ قال أبو ذرّ :غللتم
رجلا ً قال :يا رسول الل ّٰه رجل يريد الجهاد في سبيل الل ّٰه ،وهو يبتغي غرضا ً من أغراض الدنيا فقال النبي :لا أجر له ،فأعظم ذلك
الناس ،وقالوا للرجل :عد لرسول الل ّٰه لعلك أن لا تفهمه ،فقال :يا رسول الل ّٰه رجل يريد الجهاد في سبيل الل ّٰه وهو يبتغي غرضا ً من
أغرض الدنيا .قال :لا أجر له .فقالوا للرجل :عد لرسول الل ّٰه فقال له :الثالثة فقال :لا أجر له.
)
تنبيه( إن الغلول هو اختصاص أحد الغزاة سواء الأمير وغيره بشيء من مال الغنيمة قبل القسمة من غير أن يحضره إلى أمير الجيش
ل المأخوذ فهو حرام بل هو كبيرة كما صرحوا به.
ليخمسه و يقسمه قسمة شرعية .وأن ق ّ
)فائدتان( :إحداهما أنه إذا حصل شيء من الغنيمة بيد أحد من الجند ،فإن لم يخمس ولم يقسم الباقي قسمة شرعية وجب الخمس في
ل له الانتفاع بالباقي حتى يعلم أنه حصل لكل من الغانمين بقدر حصته من هذا ،فإن تعذر صرف ما صار
الذي صار إليه ،ولا يح ّ
إلى مستحقه دفعه إلى القاضي العدل كسائر الأموال الضائعة ،فإلى عالم موثوق به وأعلمه الحال ليصرفه إلى مصارفه .وثانيتهما أنه قال
ل الزكاة
بعضهم كما يحرم الغلول من الغنيمة يحرم الغلول من الأموال المشتركة بين المسلمين ،ومن بيت المال والزكاة ،فلا فرق في غا ّ ِ
بين أن يكون من مستحقيها وغيرهم ،لأن الظفر ممنوع فيها إذ لا ب ّد فيها من النية ،بل لو أفرز من المال قدرها ونوى لم يجز الظفر أيضا ً
لتوقف ذلك على إعطاء المالك ،فعند عدم إعطائه يتعذر الملك فكان باقيا ً على مالـكه حتى يعطيه ،فاتضح امتناع الظفر في مال الزكاة
مطلقاً.
}باب الـكهانة والعرافة والطيرة والتنجيم والسحر وإتيان أصحابها{
ن لَه ُ أَ ْو سَ ح َر َ أَ ْو سُ ح ِر َ لَه ُ ،وَم َنْ
كه ّ ِ َ ْس م َِن ّا م َنْ تَطَيّر َ أَ ْو تُطير َ لَه ُ أَ ْو تَكَ َهّ َ
ن أَ ْو ت ُ ِ أخرج البزار عن عمران بن حصين قال :قال رسول الل ّٰه" :لَي َ
كف َر َ بِمَا ُأنْز ِ َ
ل عَلَى مُحَم ّدٍ " وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم :من أتى عرافا ً أو كاهنا ً ص َ ّدق َه ُ بِمَا يَق ُول فقد َ
أَ تَى ك َاه ِنا ً ف َ َ
فصدقه بما يقول ،كفر بما أنزل على محمد ،والطبراني من أتى كاهنا ًفصدقه بما يقول فقد برىء مما أنزل على محمد ،ومن أتاه غير مصدق
له لم يقبل له صلاة أربعين يوماً .وهو :من أتى كاهنا ًفسأله عن شيء حجبت عنه التوبة أربعين ليلة ،فإن صدقه بما قال فقد كفر .وهو
أيضاً :من أتى عرافا ًأو ساحرا ً أو كاهنا ًيؤمن بما يقول :فقد كفر بما أنزل على محمد .ومسلم :من أتى عرافا ًفسأله عن شيء فصدقه لم
يقبل الل ّٰه له صلاة أربعين يوماً .وأبو داود وابن ماجه :من اقتبس علما ً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد .والشيخان
س ال ّتي ح َرّم َ الل ّٰه إ َلّا ب ِالحقّ ِ ل َ
الن ّ ْف ِ ل الل ّٰه وَم َا ه َُنّ ؟ قَالَ :الشّرْك ُ ب ِالل ّٰه و َالسّحْ ر ُ و َقَت ْ ُ
ِقات ،قَالُوا :ي َا رَسُو َ عن أبي هريرة :اجَتَن ِب ُوا ال َ ّ
سب ْ َع المُوب ِ
ات .والنسائي عنه :من عقد عقدة ،ثم نفث
ِلات المُؤْم ِن َ ِ
ات الغ َاف ِ
ْف المحُ ْصن َ ِ
ف ،و َقَذ ُ َالت ّو َل ِّي يَوْم َ َ
الز ّحْ ِ ل اليَت ِِيم ،و َ
ل م َا ِ
ك ُ
ل الر ِّب َا و َأَ ْ
ك ُ
و َأَ ْ
فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق بشيء يوكل إليه ،أي من علق على نفسه الحروز والعوذ يوكل إليه .وأحمد عن عثمان
ساع َة َ ل د َاوُد َ ق ُوم ُوا فَص َُل ّوا ،ف َِإ َ ّ
ن هذِه ِ ال َ ّ ل الل ّٰه يَق ُولُ :ك َانَ لِد َاوُد َ نِب ِ ّي الل ّٰه سَاعة ٌ يُوق ُِظ ف ِيهَا أَ ه ْلَه ُ يَق ُولُ :ي َا آ َ
بن العاص قال سَمِعْتُ رَسُو َ
Shamela.org ١١١
باب الزنى ٤٠
الأزمان ،وهذا علم استأثر الل ّٰه تعالى به لا يعلمه أحد غيره ،فمن ادّعى علمه بذلك فهو فاسق ،بل ربما يؤدّي ذلك إلى الـكفر .والسحر
تخييل يؤثر في الأبدان بالأمراض والجنون والموت ،فكل ما ذكر حرام إجماعاً ،بل هو من الكبائر اتفاقا ًيكفر في بعض الأحوال .وقال
ن القتل بالسحر يوجب القصاص على من قتل به .وقال أبو حنيفة رضي الل ّٰه عنه :إن الساحر يقتل مطلقا ًإذا علم أنه ساحر
الشافعي :إ ّ
بإقراره أو ببينة تشهد أنه ساحر ،و يصفونه بصفة يعلم أنه ساحر ،ولا يقبل قوله أترك السحر وأتوب عنه .وسئل أبو حنيفة :لم َ لم يكن
الساحر بمنزلة المرت ّد حتى تقبل توبته؟ فقال :لأنه جمع مع كفره السعي في الأرض بالفساد ،ومن كان كذلك يقتل مطلقاً.
Shamela.org ١١٢
باب الزنى ٤٠
يح ِ ُ ّ
ل لَهُ". ح ٍم لا َ
ل فِي ر َ ِ
ضعَه َا رَج ُ ٌ
الل ّٰه م ِنْ ن ُ ْطفَة ٍ و َ َ
َف ض فَاخْ ض َ َرّ ْ
ت ف َأَ شْر َ صوْم َع َتِه ِ سِتِّينَ عَاماً ،ف َأَ ْمطَر َِت الأ ْر ِ
ل فَع َبَد َ الل ّٰه فِي َ
وابن حبان في صحيحه أنه قال" :تَع َبّد َ عَابِد ٌ م ِنْ بَنِي إسْر َائيِ َ
ض لَق ِيَت ْه ُ
ِيف أَ ْو رَغِيف َانِ ،فَبَي ْنَم َا ه ُو َ فِي الأ ْر ِ
ل وَم َع َه ُ رَغ ٌ
صوْمَع َتِه ِ ،فَق َالَ :لَو ْ ن َزَل ْتَ فَذَكَر ْتَ الل ّٰه تَع َالَى فَا ْزدَدْتَ خَي ْراً ،فَنَز َ َ َ
الر ّاه ِبُ م ِنْ َ
الز ّن ْي َة ،ف َر َجَ ح َت َ
الز ّني َة ُ ،بِ حَسَنَاتِه ِ" .والبزار: ك َ امْرَأَ ة ٌ ،فَل َ ْم ي َز َلْ يُكَل ِّمُه َا و َتُكَل ِّم ُه ُ ح ََت ّى غَشِيها ،ث َُم ّ ُأغْم ِ َ
ي عَلَيْه ِ ث َُم ّ م َاتَ ،ف َوُزِن َْت عِبَادَة ُ سِتِّينَ سَنَة ٍ بتِلِ ْ َ
ل َ
الن ّارِ نَتْنُ رِ يحه َا" والخرائطي وغيره" :المُق ِيم ُ ل َ
الن ّارِ لَيُؤْذِي أَ ه ْ َ ج أَ ه ْ ِ الز ّانِي ،و َِإ َ ّ
ن ف ُر ُو َ خ َ سب ْ َع لَيَلْع ََنّ ال َ ّ
شي ْ َ سب ْ َع و َالأرضينِ ال َ ّ
َوات ال َ ّ
سم ِ ن ال َ ّ
"إ َ ّ
ن مَعَه َا ف َِإ َن ّه ُ مِث ْلُه َا" والبخاري" :ر َأَ ي ْتُ َ
الل ّيْلَة َ رَج ُلَيْنِ ف َأَ تَيَانِي ك َ
س َ
كع َابِدِ و َثَنٍ" أعاذنا الل ّٰه منه .وأبو داود" :م َنْ ج َام َ َع المُشْرِك َة َ و َ َ
عَلَى الز ِّنَى َ
الت ّ ُن ّورِ أَ ع ْلاه ُ ضَيّقٌ ،و َأَ سْ ف َلُه ُ و َاسِـ ٌع ٺَت َو ََق ّد ُ َ
تح ْت َه ُ ل َ ْب مِث ْ َ ض المُق َ َ ّد َ
سة ِ ،فَذَك َر َ الحَدِيثَ إلى أ ْن قَالَ :فَانْطَلَق َا بِي َ إلَى ثُق ٍ خرَج َانِي إلى الأ ْر ِ
ف َأَ ْ
ل
ل وِنِس َاء ٌ ع ُرَاة ٌ" الحديث وفي آخره" :ف َأَ مّا الر ِ ّج َا ُ َت ارْتَف َع ُوا ح ََت ّى ك َاد ُوا أَ ْن َ
يخ ْرجُوا ،ف َِإذا خَمَد َت رَجَع ُوا ف ِيهَا و َف ِيها رِج َا ٌ ن َار ٌ ،ف َِإذ َا ارْتَفَع ِ
َالز ّو َانِي". ل بنَِاء ِ َ
الت ّ ُن ّورِ ف َِإ َ ّنهُم ُ ُ
الز ّن َاة ُ و َ و َالنِّسَاء ُ الع ُرَاة ُ ال َ ّذ ِي َ
ن ه ُ ْم فِي مِث ْ ِ
وابن أبي الدنيا والخرائطي عن عليّ كرم الل ّٰه وجهه قال :إن الناس يرسل عليهم يوم القيامة ريح منتنة حتى يتأ َذّى منها ك ّ
ل بر ّ وفاجر
ل مبلغ ناداهم منادٍ يبلغهم الصوت فيقول لهم :هل تدرون هذه الريح التي آذتكم؟ فيقولون :لا ندري والل ّٰه إلا
حتى إذا بلغت منهم ك ّ
أنها قد بلغت َ
من ّا كل مبلغ ،فيقال :إنها ريح فروج الزناة الذين لقوا الل ّٰه بزناهم ،ولم يتوبوا منه ،ثم ينصرف عنهم.
سه ِ ف َأَ ْعظَمُه ُ ْم فِت ْن َة ً أَ ق ْر َبُه ُ ْم إلَيْه ِ مَنْز ِلَة ً
ج عَلَى ر َأْ ِ ل مُسْل ِما ً ُأل ْبس ُه ُ َ
الت ّا َ ض و َيَق ُولُُ :أي ّك ُ ْم أَ َ
ض َّ ليس يَب ُ ُّث جُن ُودَه ُ فِي الأَ ْر ِ وروي عن النبي" :إ َ ّ
ن ِإ ب ْ َ
ل ل َ ْم أَ ز َلْ ج غَيْر َه َا ،ث َُم ّ َ
يج ِيء ُ الآخَر ُ فَيَق ُو ُ ْف يَتَز َ َ ّو ُ
سو َ
شي ْئا ً َ فَيَجِيء ُ أَ حَد ُه ُ ْم فَيَق ُولُ :ل َ ْم أَ ز َلْ بِف ُلان ح ََت ّى طَل ّ َ
ق امْرَأَ تَه ُ فَيَق ُولُ :م َا صَنَعْتَ َ
ن ح ََت ّى ز َنَى، ْف يُصَالِ حُه ُ ،ث َُم ّ َ
يج ِيء ُ الآخَر ُ فَيَق ُولُ :ل َ ْم أَ ز َلْ بِف ُلا ٍ سو َ بِف ُلان ح ََت ّى أَ لْقَي ْتُ بَي ْن َه ُ و َبَيْنَ أَ خِيه ِ العَد َاوَة َ ،فَيَق ُولُ :م َا صَنَعْتَ َ
شي ْئا ً َ
جه َ َن ّم َ و َادِيا ً سه ِ" نعوذ بالل ّٰه من شرّ الشيطان وجنوده ،وعنه أيضاً" :إ َ ّ
ن فِي َ ج عَلَى ر َأْ ِ ض ُع َ
الت ّا َ يس نِعْم َ م َا فَعَل ْتَ فَيُدْنيِه ِ مِن ْه ُ ،و َي َ َ
فَيَق ُولُ :إبْل ِ ُ
شوْكَة ٍ زاوِ يَة ُ سَم َ تَضْر ِبُ َ
الز ّانِي ،و َت ُ ْفرِغ ُ ل َ
شوْكَة ٍ فِي ك ُ ّ ِ
سب ْع ُونَ َ
ل لَهَا َ
ل البَغْ َ ات وَعَق َارِبُ ،ك ُ ُ ّ
ل عَقْر ٍَب تَعْدِ ُ ن ف ِيه ِ ح ََي ّ ٌ ل لَه ُ ج ُ ّ
ُب الحُز ْ ِ يُق َا ُ
ح َ
والصّ دِيد ُ". جه ِ القَي ْ ُ يجِد ُ م َرَارَة َ وَجَعِه َا أل َْف سَنَة ٍ ،ث َُم ّ يَتَه ََر ّى لَحْمُه ُ و َيَسِي ُ
ل م ِنْ فَر ْ ِ سمِه ِ َ س َُم ّها فِي ِ
ج ْ
ن فِي الز ّبُورِ مَكْت ُوباً :إ َ ّ
ن الزناة يعلقون بفروجهم في النار ،و يضربون عليها بسياط من حديد ،فإذا استغاث أحدهم من الضرب وورد" :إ َ ّ
ن من زنى بامرأة
نادته الزبانية أين كان هذا الصوت وأنت تضحك وتفرح وتمرح ولا تراقب الل ّٰه ولا تستحي منه؟" وورد أيضاً" :إ ّ
مزوّجة كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة ،فإذا كان يوم القيامة يحكم الل ّٰه تعالى زوجها في حسناته هذا إذا كان بغير
ن الل ّٰه تعالى كتب على بابها إنك حرام على الديوث ،وهو الذي يعلم الفاحشة في أهله
علمه ،فإن علم وسكت حرّم الل ّٰه عليه الجنة ،لأ ّ
ويسكت ولا يغار".
وورد أيضاً :من وضع يده على امرأة لا تحل له بشهوة ،جاء يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه ،فإن قبلها قرضت شفتاه في النار ،فإن
زنى بها نطقت فخذاه وشهدت عليه يوم القيامة وقالت :أنا للحرام ركبت ،فينظر الل ّٰه إليه بعين الغضب فيقع لحم وجهه فيكابر و يقول:
ل لي نطقت وتقول يداه :أنا للحرام تناولت وتقول عينه :أنا للحرام نظرت وتقول رجله: ما فعلت فيشهد عليه لسانه و يقول :أنا بما لا يح ّ
أنا لما لا يحل لي مشيت ،و يقول فرجه :أنا فعلت ،و يقول الحافظ من الملائكة :وأنا سمعت .و يقول الملك الآخر :وأنا كتبت .و يقول
ل حياؤه مني.
الل ّٰه تعالى :وأنا اطلعت وسترت ،ثم يقول :يا ملائكتي خذوه ومن عذابي فأذيقوه قد اشت ّد غضبي على من ق ّ
)تنبيه( الزنى أكبر الكبائر بعد القتل إجماعاً ،ومن ثم قرنه تعالى بالشرك والقتل في الآية السابقة .وقيل هو أكبر من القتل فهو الذي
يلي الشرك ،وأفحش أنواعه الزنى بحليلة الجار ،و يكفر مستحله ،ومن تمنى أن لا يحرم.
واعلم أن ح ّد الزاني المحصن الرجم فقط إلى أن يموت ،والمحصن هنا الواطىء أو الموطوءة في القبل في نكاح صحيح ولو مرة في عمره،
Shamela.org ١١٣
باب الزنى ٤٠
و يجوز للمضطر قتله وأكله ،كتارك الصلاة بلا عذر ولا قصاص على من قتلهما وح ّد غيره جلد مائة ،وتغريب عام ولاء إن كان حراً،
رق وتغريبه نصف الحر ّ ،وروى عن عمرو بن ميمون قال :كنت في حرث فرأيت
ومن زنى بكرا ً ثم محصنا ً يجلد ثم يرجم ،وح ّد من فيه ّ
قرودا ً كثيرة قد اجتمعن فرأيت قردة وقردا ً اضطجعا ،ثم أدخلت القردة يدها تحت عنق القرد واعتنقها وناما ،فجاء قرد آخر فغمزها
فنظرت إليه ،واستلت يدها من تحت رأس القرد ،ثم انطلقت معه غير بعيد فنكحها وأنا أنظر ،ثم رجعت إلى موضعها ،فذهبت تدخل
م دبرها .قال :فاجتمعت القردة ،فجعل يشير إليها فتفرقت القردة ،فلم ألبث أن جيء بذلك القرد بعينه
يدها تحت عنق القرد فانتبه فش ّ
أعرفه ،فانطلقوا بها وبه إلى موضع كثير الرمل ،فحفروا لها حفرة فجعلوهما فيها ثم رجموهما حتى ماتا.
وعن ابن عباس أنه قال :كان في بني إسرائيل راهب متفر ّد في صومعته دهرا ً طو يلاً ،وكان ملك يأتيه كل يوم غدوا ً وعشيا ًو يقول
له :ألك حاجة وأنبت الل ّٰه له في الحجر فوق صومعته كرما ًيحمل له في كل يوم قطفا ًمن العنب ،وكان إذا عطش م ّد يده ،فيسكب فيها
الماء من الهواء ،فبينما هو كذلك إذا هو بامرأة ذات حسن وجمال مع العشاء ،فنادته يا راهب أسألك بحقّ المعبود إلا ما بيتني عندك
الليلة ،فإن مكاني بعيد فقال :اصعدي ،فلما صارت عنده رمت ثوبها ،وقامت عريانة تجلو نفسها فغطى وجهه ،ثم قال لها :و يلك
استتري فقالت :والل ّٰه لا ب ّد لي منك أن تتمتع الليلة بي .فقال لنفسه :ما تقولين؟ فقالت :اتقّ الل ّٰه ،فقال لها :و يحك تريدين أن تذهبي
بعبادتي وتذيقيني سرابيل القطران ومفظعات النيران ،وأخاف عليكِ من نار لا تطفأ وعذاب لا يفنى ،وأخاف أن يغضب ربنا فلا
يرضى فراودته نفسه فقال لها :أعرض عليك نارا ً صغيرة ،فإذا صبرت عليها متعتك الليلة ،فقام وملأ السراج زيتا ًوغلظ فتيلته والمرأة
تسمع وتبصر ،ثم أخذ أصبعيه فأدخلهما في السراج ،فصاح بها ملك من السماء أحرقي إبهامه فاكلت إبهامه ،ثم رجعت إلى السبابة
فأكلتها ،ثم كذلك حتى أكلت يده ،فصاحت المرأة صيحة فماتت ،فسترها بثوبها وقام إلى الصلاة فلما أصبح وقف إبليس عند صومعته
وصرخ به في المدينة :إن الراهب قد زنى بفلانة ،وقتلها ،فركب ملك المدينة في مملـكته وصاح به ،فأجابه فقال :أين فلانة؟ فقال:
عندي ،فقال :قل لها هل تنزل؟ قال :إنها ماتت.
قال :فما رضيت بالزنى حتى قتلتها فخربوا الدير وهدموا الصومعة ،وجعلوا في رقبته حبلا ًوحملت المرأة ،وجيء بالرجل موقف العذاب،
وكان القوم يبشرون الزاني والزانية بالمناشير ،ويده ملفوفة في كمه لا يعلمهم ولا يحدثهم بقصته ،فوضع المنشار على رأسه ،وقال لأصحاب
العذاب جروا فجروا ،وبلغ إلى عنقه فتأوّه فأوحى الل ّٰه إلى جبر يل :أن قل له لا تنطق بها أنا أنظر إليك فقد أبكيت حملة العرش وسكان
سمواتي ،وعزتي وجلالي لئن تأوهت ثانية لأهدمنّ السموات ولأخسفنّ بمن في الأرض.
قال ابن عباس :فرد الروح في المرأة فقامت وقالت :والل ّٰه هو مظلوم ،وما زنى بي وما قتلني وأنا بخاتم ربي ،ثم قصت عليهم القصة
فأخرجوا يده فإذا هي محرقة فقالوا :لو علمنا ما نشرناك وخرّ ميتاً ،وخرّت المرأة ميتة فحفروا لهما قبرا ً فوجدوا فيه مسكا ًوكافوراً ،ثم
غسلوهما وكفنوهما وصلوا عليهما ودفنوهما ،فنادى منادٍ من السماء :إن الل ّٰه تعالى قد نصب الميزان تحت العرش وأشهد ملائكته أني
زوجته خمسين ألف عروس من الفردوس ،وهكذا أفعل بأهل المراقبة نفعنا الل ّٰه به.
وحكي عن الحسن قال :كانت امرأة بغي في زمن بني إسرائيل لها ثلث الحسن لا تمكن من نفسها إلا بمائة دينار ،وأنه أبصرها عابد
فأعجبته ،فذهب وعمل بيده ،وعالج فجمع مائة دينار ،ثم جاء إليها وقال :إنك أعجبتيني فانطلقت فعملت بيدي ،وعالجت حتى جمعت
مائة دينار .فقالت :ادخل فدخل وكان لها سرير من ذهب ،فجلست على سريرها ثم قالت له :هلم ّ ،فلما جلس منها مجلس الرجل من
المرأة ذكر مقامه بين يدي الل ّٰه الرقيب لأعمال العباد فأخذته رعدة فقال لها :اتركيني أخرج ولك المائة دينار ،قالت :ما بدا لك وقد
زعمت أني أعجبتك ،فلما قدرت عليّ فعلت الذي فعلت قال :فزعا ًمن الل ّٰه ومن مقامي بين يديه ،وقد غضب عليّ فأنت أبغض الناس
إليّ فقالت :إن كنت صادقا ًفمالي زوج غيرك ،فقال :دعيني أخرج ،فقالت :له :لا إلا أن تجعل لي أنك تتزوج بي ،قال :افعل فتقنع
بثوبه ،ثم خرج إلى بلده ،فارتحلت نادمة على ما كان منها حتى قدمت بلده ،فسألت عن اسمه ومنزله فدلت عليه وكانت تعرف بالملـكة،
فقيل له :إن الملـكة قد جاءت ،فلما رآها شهق شهقة فمات رحمه الل ّٰه .قال :فسقطت في يدها .وقالت :أما هذا فقد فاتني هل له من
Shamela.org ١١٤
باب الزنى ٤٠
قريب؟ قالوا :له أخ رجل فقير ،قالت :فأنا أتزوج به حبا ًلأخيه ،فتزوجته فيسر الل ّٰه تعالى منه سبعة أنبياء.
شاب في بني إسرائيل لم ير َ في زمانه أحسن منه ،وكان يبيع القفاف ،فبينما هو ذات يوم يطوف بقفافه إذ
ّ وحكى اليافعي :أنه كان
خرجت امرأة من دار ملك من ملوك بني إسرائيل ،فلما رأته رجعت مبادرة ،فقالت لابنة الملك إني رأيت شابا ًبالباب يبيع القفاف
لم أر شابا ً أحسن منه فقالت لها :أدخليه فخرجت إليه وقالت :يا فتى ادخل معي نشتر منك ،فدخل فأغلقت الباب دونه ،ثم دخل
بابا ًآخر ،فكذلك حتى أغلقت عليه ثلاثة أبواب ،ثم استقبلته بنت الملك كاشفة عن وجهها ونحرها فقال اشتروا حاجتكم .فقالت :إنا
لم ندعك لهذا إنما دعوناك لـكذا يعني تراوده عن نفسه .فقال لها :اتقي الل ّٰه .قالت :إن لم تطاوعني على ما أريد أخبرت الملك أنك إنما
دخلت عليّ تكابرني عن نفسي ،فوعظها فأبت فقال :ضعوا لي وضوءا ً فقالت :يا جار ية ضعي له وضوءا ً فوق الجوشق مكانا ًلا يستطيع
أن يفر ّ منه ،قال :وكان من فوق الجوشق إلى الأرض أربعون ذراعاً ،فلما صار في أعلى الجوشق قال :اللهم إني دعيت إلى معصيتك،
وإني أختار أن أرمي بنفسي من الجوشق ولا أرتكب المعصية .ثم قال :بسم الل ّٰه وألقى نفسه من أعلى الجوشق ،فأهبط الل ّٰه إليه ملكا ًمن
الملائكة ،فأخذ بضبعيه فوقع قائما ًعلى رجليه ،فلما صار في الأرض قال :اللهم إن شئت رزقتني رزقا ًتغنيني به عن بيع هذه القفاف،
فأرسل الل ّٰه إليه جرادا ً من ذهب ،فأخذ منه حتى ملأ ثوبه ،فلما صار في ثوبه قال :اللهم إن كان هذا رزقا ً رزقتنيه في الدنيا فبارك
لي فيه قال :فنودي إن هذا الذي أعطيتك جزء من خمسة وعشرين جزءا ً من أجر صبرك على إلقائك نفسك من هذا الجوشق ،فقال:
اللهم لا حاجة لي فيما ينقص مما لي عندك في الآخرة فرفع ذلك منه ،وقيل للشيطان :هلا أغويته؟ يعني بارتكاب الفاحشة فقال:
كيف أقدر أغوي من بذل نفسه لل ّٰه؟ رضي الل ّٰه عنه ونفعنا به.
وحكي أيضا ًعن بعض الصالحـين قال :بينما أنا أطوف بالـكعبة ،إذا بجار ية على عنقها طفل صغير وهي تنادي يا كريم يا كريم عهدك
القديم قال :فقلت لها :ما هذا العهد الذي بينك وبينه؟ قالت :ركبت في سفينة ومعنا قوم من التجار ،فعصفت بنا ريح فغرقت السفينة
ج منهم أحد غيري ،وهذا الطفل في حجري وأنا على لوح ورجل أسود على لوح آخر ،فلما أضاء الصبح نظر الأسود
وجميع من فيها ،ولم ين ُ
إليّ وجعل يدافع الماء بيده حتى لصق بي ،واستوى معنا على اللوح وجعل يراودني عن نفسي ،فقلت :يا عبد الل ّٰه أما تخاف الل ّٰه ونحن
في بلية لا نرجو الخلاص منها بطاعته فكيف بمعصيته ،فقال :دعي عني هذا فوالله لا ب ّد لي من هذا الأمر ،قالت :وكان هذا الطفل
نائما ً في حجري فقرصته فاستيقظ وبكى فقلت :يا عبد الل ّٰه دعني أنو ّم هذا الطفل ،و يكون من أمرنا ما قدّر الل ّٰه ،فم ّد الأسود يده إلى
الطفل ورمى به في البحر ،فرمقت إلى السماء بطرفي وقلت :يا من يحول بين المرء وقلبه حل بيني وبين هذا الأسود بحولك وقو ّتك،
إنك على كل شيء قدير ،فوالله ما استوعبت الكلمات حتى ظهرت دابة من دواب البحر ففتحت فاها ،والتقمت الأسود وغاصت
به في البحر ،وعصمني الل ّٰه منه بحوله وقدرته ،وهو القادر على ما يشاء سبحانه وتعالى ،قالت :وما زالت الأمواج تدافعني حتى رمتني
إلى جزيرة من جزائر البحر ،فقلت في نفسي :آكل من بقلها وأشرب من مائها حتى يأتي الل ّٰه بأمره ،فلا فرج لي إلا منه فمكثت أربعة
أيام ،فلما كان في اليوم الخامس لاحت لي سفينة في البحر على بعد ،فعلوت على تلّ ،وأشرت إليهم بثوب كان عليّ ،فخرج إليّ منهم
ثلاثة أنفس في زورق ،فركبت معهم فلما دخلت السفينة الـكبرى ،إذا بالطفل الذي رمى به الأسود في البحر عند رجل منهم ،فلم
أتمالك أن تراميت عليه ،وقبلت بين عينيه وقلت :والل ّٰه ولدي وقطعة من كبدي.
فقال لي أهل السفينة أمجنونة أنت أم خبل عقلك؟ فقلت :والل ّٰه ما أنا بمجنونة ولا خبل عقلي ،ولـكن خبري كيت وكيت ،وذكرت
لهم القصة إلى آخرها ،فلما سمعوا ذلك مني أطرقوا رؤوسهم وقالوا :يا جار ية قد أخبرتينا بأمر تعجبنا منه ،ونحن أيضا ً نخـبرك بأمر
تعجبين منه :بينما نحن نجري بريح طيبة إذ بدابة قد اعترضتنا ،ووقفت أمامنا وهذا الطفل على ظهرها ،وإذا مناد ينادي إن لم تأخذوا
هذا الطفل من على ظهرها وإلا هلـكتم ،فصعد واحد على ظهرها وأخذ الطفل ،فلما دخل به في السفينة غاصت الدابة في البحر ،وقد
تعجبنا من هذا ومما أخبرتنا ،وقد عاهدنا الل ّٰه تعالى أن لا يرانا على معصية بعد هذا اليوم قال :فتابوا عن آخرهم .قلت :سبحان اللطيف
جميل العوائد ،سبحان مدرك الملهوف عند الشدائد ،حمانا من الزنى الرب الودود وجعلنا من خير العباد.
Shamela.org ١١٥
باب الزنى ٤٠
)
ن الز ِّنَى
خاتمة( :في زنى العين واليد وفي الخلوة بالأجنبية .أخرج الشيخان عن أبي هريرة عن النبي قال" :كُت ِبَ عَلَى اب ْ ِن آدَم َ نَصِ يب ُه ُ م ِ َ
ل زِن َاه َا الخُطَا،
ْش ،و َالر ِ ّجْ ُ الن ّظَر ُ و َال ُأذ ُن َا ِ
ن زِن َاهُمَا الاسْ تِم َاع ُ و َالل ّ ِسانُ زِن َاه ُ الك َلام ُ ،و َاليَد ُ زِن َاه َا البَط ُ ن زِن َاهُمَا َ
محَالَة َ ،فَالعَي ْنَا ِ
ك لا َ
ي ُ ْدرِك ُ ذل ِ َ
ن فَزِن َاهُمَا
ن تَزْنيَِا ِ
ْش ،و َالر ِ ّجْلا ِ
ن فَزِن َاهُمَا البَط ُ
ن تَزْنيَِا ِ
ج أَ ْو يُكَذِّبُه ُ" وفي رواية لمسلم" :و َاليَد َا ِ
ك الفَر ْ ُ ك و َيَتمَ َن ّى ،و َي ُ َ
ص ّدِقُ ذل ِ َ و َالق َل ْبُ يَه ْو َى ذل ِ َ
سل ِ ٍم
ج يَزْنِي .و َهُمَا :م َا م ِنْ م ُ ْ
ن تَزْنيَِان والفَر ْ ُ
ن و َالر ِ ّجْلا ِ
ن تَزْنيَِا ِ
ن و َال ْيَد َا ِ
ن تَزْنيَِا ِ المَشي ،والفَم ُ يزْنِي فَزِن َاه ُ َ
الت ّقْب ِيل" وأحمد والطبراني" :العَي ْنَا ِ
ل ر َ ْمقَة ٍ ث َُم ّ يَغ ُ َّض بَصَرَه ُ إ َلّا أَ حْد َثَ الل ّٰه تَع َالَى لَه ُ عِبَادَة ً َ
يجِد ُ ح َلاوَتَهَا فِي قَل ْبِه ِ" قال البيهقي :يعني إنما أراد أن يقع بصره يَنْظ ُر ُإلَى امْرَأَ ة ٍ أَ ّو َ
عليها من غير قصد فيصرف بصره عنها تورعاً.
يجِد ُ ح َلاو َتَه ُ
مخَافَتِي أَ بْد َل ْت ُه ُ إيمانا ً َ
كه َا م ِنْ َ
سم ُوم ٌ م ِنْ سِه َا ِم إبْلِيس م َنْ ت َر َ َ عز وجلَّ :
"الن ّظْرَة ُ س َ ْهمٌ م َ ْ والطبراني والحاكم :أنه قال يعني عن ربه ّ
ل
ج مِنْهَا مَث ْ ُ
ن خَر َ َ
ل الل ّٰه ،و َعَي ْ ٌ
ن سَه ِر َْت فِي سَبي ِ
محَارِ ِم الل ّٰه ،و َعَي ْ ٌ
ت ع َنْ َ
ن غ َضّ ْ فِي قَل ْبِه ِ" والأصبهاني" :ك ُ ُ ّ
ل عَيْنٍ ب َاكِي َة ٌ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ إ َلّا عَي ْ ٌ
ل ل َ ْم يَنْظُر ْ إلَى م َا ح َرّم َ الل ّٰه عَلَيْه ِ" والبيهقي عن الحسن مرسلا ًقال :بلغني أن رسول الل ّٰه قال: يح ِ ُ ّ
ل لَه ُ ،وَرَج ُ ٌ ل ل َ ْم يَم ُ َ ّد يَدَه ُ إلَى م َا لا َ
وَرَج ُ ٌ
ل الل ّٰه ع َنْ نَظْرَة ِ الفُجْأَ ة ِ فَق َالَ :اصْر ْ
ِف بَصَرَك َ" وصح :ما من صباح إلا ن الل ّٰه َ
الن ّاظِر َ و َالمَنْظ ُور َ إلَيْه ِ" .ومسلم عن جرير" :سَأَ ل ْتُ رَسُو َ "لَع َ َ
ل للنساء من الرجال. ل م ِن النساءِ ،وو ي ِ
وملكان يُنَادِي َانِ :و َيل للر ّجا ِ
ل لَهُ" وهو: تح ِ ُس أَ حَدِك ُ ْم بِمَخِيطٍ أَ ْو بِمسَلّة ٍ م ِنْ ح َديدِ خَيْر ٌ لَه ُ م ِنْ أَ ْن يَم َّس امْرَأَ ة ً لا َ ن فِي ر َأْ ِ والطبراني عن معقل بن يسار" :لأَ ْن يَطْع َ
خ بِط ِينٍ أَ ْوطِ ٌ
حم َ رَج ُلا ً خَنْز ِير ٌ م ُتَل َ ّ شيْطَانُ بَيْنَهُم َا ،ولأ ْن يَزْ َ ل ال َ ّ ل ب ِامْرَأَ ة ِ إ َلّا دَخ َ َ "إ َي ّاك ُ ْم و َالخلَ ْوَة َ ب ِالن ِّساء ِ و َال َ ّذ ِي ن َ ْفس ِي بيَِدِه ِ م َا خ َلا رَج ُ ٌ
ن ب ِالل ّٰه و َاليَو ْ ِم الآخِر فَلا ل لَهُ" وهو أيضاً" :م َنْ ك َانَ يُؤْم ِ ُ تح ِ ُ ّ
حم َ من ْكب َه ُ مَن ْكبَ امْرَأَ ة ٍ لا َ ن أسْ وَد ٌ مُن ْتِنٌ ،خَيْر ٌ لَه ُ م ِنْ أَ ْن يَزْ َ حِمأ :أي طِي ٌ
مح ْرَم ٌ إلا ّ ه َ َ ّم بِهَا".
ْس لَهَا َ ل ب َامْرَأَ ة ٍ لَي َ
يخ ْلُو رَج ُ ٌمحاد َثَة َ النِّسَاء ِ ف َِإ َن ّه ُ لا َ
مح ْرَم ٌ" والحكيم" :إ َي ّاك ُ ْم و َ ُ ْس بَي ْن َه ُ و َبَيْنَهَا ُ يخ ْلُو َ ّ
ن ب َامْرَأَ ة ٍ لَي َ َ
وأحمد والبيهقي عن ابن سيرين قال :خرجنا فإذا بدابة فمن دنا منها قتلته .قال :فجاء رجل أعور قال :دعوني وإياها ،فدنا منها فوضعت
رأسها له حتى قتلها ،فقالوا :حدثنا من أمرك ،فقال :ما أصبت ذنبا ًقط إلا ذنبا ًواحدا ً بعيني هذه ،فأخذت سهما ًففقأتها به .وروي
عن كعب الأحبار قال :قحط بنو إسرائيل على عهد موسى عليه السلام ،فسألوه أن يستسقي فقال :اخرجوا معي إلى الجبل فخرجوا،
فلما صعدوا الجبل قال موسى :لا يتبعني رجل أصاب ذنباً ،فانصرفوا جميعا ً إلا رجلا ً أعور يقال له برخ العابد ،فقال له موسى :ألم
تسمع ما قلت؟ قال :بلى قال :فلم تصب ذنبا ًقال :ما أعلمه إلا شيئا ًأذكره ،فإن كان ذنبا ًرجعت قال :ما هو؟ قال :مررت في طر يق
فإذا باب حجرة مفتوح فلمحت بعيني هذه الذاهبة شخصا ًلا أعلم ما هو رجل أم امرأة؟ فقلت :لعيني أنت من بدني سارعت إلى الخطيئة
لا تصحبيني بعدها ،فأدخلت أصبعي فقلعتها فإن كان هذا ذنبا ًرجعت ،فقال موسى :ليس هذا ذنباً .ثم قال له :استسق يا برخ ،فقال:
قدوس قدوس ما عندك لا ينفد وخزائنك لا تفنى وأنت بالبخل لا ترمى ،فما هذا الذي لا تعرف به اسقنا الغيث الساعة الساعة .قال:
عز وجلّ.
فانصرفا يخوضان الوحل برحمة الل ّٰه ّ
وحكى الأصمعي قال :خرجت حاجا ًإلى بيت الل ّٰه الحرام من طر يق الشام ،فبينما نحن سائرون إذ خرج علينا أسد عظيم الخلقة هائل
المنظر ،فقطع على الركب الطر يق ،فقلت لرجل إلى جانبي :أما في هذا الركب رجل يأخذ سيفاً ،ويرد عنا هذا الأسد فقال :أما
الرجل فلا أدري ،ولـكنني أعرف امرأة ترده بغير سيف فقلت :وأين هي؟ فقام وقمت معه إلى هودج قريب منا ،فنادى يا بنية انزلي
فردي عنا هذا الأسد ،فقالت :يا أبت أيطيب قلبك أن ينظر إليّ الأسد ،وهو ذكر وأنا أنثى ،ولـكن يا أبت قل للأسد ابنتي فاطمة
تقرئك السلام ،وتقسم عليك بالذي لا تأخذه سنة ولا نوم إلا ما عدلت عن طر يق القوم.
Shamela.org ١١٦
باب الزنى ٤٠
وحكى اليافعي عن بعض الصالحـين قال :كان بالبصرة رجل يقال له ذكوان كان سيدا ً في زمانه؛ فلما حضرته الوفاة لم يبق أحد بالبصرة
إلا شهد جنازته .قال :فلما انصرف الناس من دفنه نمت عند بعض القبور ،وإذا ملك قد نزل من السماء وهو يقول :يا أهل القبور
قوموا لأخذ أجوركم ،فانشقت القبور عن أهلها ،وخرج كل من فيها فغابوا ساعة ،ثم جاؤوا وذكوان في جملتهم وعليه حلتان من الذهب
الأحمر مرصع بالدر والجوهر ،وبين يديه غلمان يسبقونه إلى قبره ،وإذا ملك ينادي هذا عبد كان من أهل التقوى فبنظرة واحدة وصلت
إليه المحن والبلوى ،فامتثلوا فيه أمر المولى فقرب من جهنم ،فخرج إليه منها لسان أو قال ثعبان ،فلدغ بعض وجهه فاسودّ ذلك الموضع،
ونادى يا ذكوان لم يخف عن المولى من أمرك شيء هذه النفخة بتلك النظرة ،ولو زدت لزدناك ،فبينما هو كذلك ،وإذا رجل قد
مت منذ تسعين سنة فما ذهبت حرارة الموت مني حتى الآن ،فادعوا الل ّٰه أن
أطلع رأسه من قبره ،فقال :يا هؤلاء ما أردتم فوالله لقد ّ
يعيدني كما كنت قال وبين عينيه أثر السجود.
)
تنبيه( اعلم أن زنى العين هو تعمد نظر شيء من الأجنبية المشتهاة ،ولو منفصلا ًمنها كشعر وقلامة ظفر ،أو كانت أمة عجوزا ً فهو حرام
على رجل ،ولو مع أمن فتنة أو فقد شهوة ،و يحرم نظر فرج صغيرة إلا على الأم زمن الرضاع والتربية ،ونظر المرأة إلى الرجل ولو عبدا ً
كعكسه ،و يحل نظر فرج صغير ما لم يميز و يجب على المسلمة أن تحتجب عن الكافرة والفاسقة بزنى أو سحاق أو قيادة ،وعن عبدها إن
كانا فاسقين ،ولو بغير الزنى ،وأن زنى اليدين هو البطش ،فحيث حرم نظر حرم مس ،و يحرم غمز الرجل ساق محرمه أو رجلها وعكسه
بلا حاجة ،و يحرم تضاجع رجلين أو امرأتين عار يين في ثوب واحد ،وإن كان كل منهما في جانب من الفراش ،و يجب التفر يق بين
ومس شيء من أجنبية يحرم إصغاء لصوتها تلذذا ً به ،وأن الخلوة بالأجنبية
ّ ولد عشر سنين وأبو يه وإخوته في المضجع ،وكما يحرم نظر
حرام حيث لم يكن معهما محرم لأحدهما يحتشمه ،ولا امرأة كذلك ولا زوج لتلك الأجنبية ،و يحرم فعل هذه الثلاثة مع الأمرد
الجميل.
)
َاف عَلَى ُأمّتِي ع َم َ ُ
ل قَو ْ ِم ن أَ خْ و ََف م َا أَ خ ُ فصل( :في اللواط .أخرج ابن ماجه والترمذي عن جابر بن عبد الل ّٰه قال :قال رسول الل ّٰه" :إ َ ّ
حدٍ لَعْن َة ً ل و َا ِنك ّ حدٍ مِنْه ُ ْم ثلاثا ً و َلَع َ َ
ل و َا ِ الل ّعْن َة َ عَلَى ك ُ ّ ِ سب ِْع سَم َو َ ٍ
ات وَرَدّد َ َ ق َ
سبْع َة ً م ِنْ خ َلْقِه ِ م ِنْ فَو ْ ِ
ن الل ّٰه َ
وط" وأحمد والنسائي" :لَع َ َ
لُ َ
ن م َنْ ع ََقّ و َالِدَيْه ِ م َل ْع ُو ٌ
ن م َنْ ن البَهَا ِئمِ ،م َل ْع ُو ٌ
شي ْئا ً م ِ َ ن م َنْ ذ َبَ ح َ لِغَيْر ِ الل ّٰه ،م َل ْع ُو ٌ
ن م َنْ أَ تَى َ وط ،م َل ْع ُو ٌ
ل قَو ْ ِم ل ُ َ
ل ع َم َ َ
ن م َنْ عَم ِ َ
ت َ ْكف ِيه ِ :م َل ْع ُو ٌ
َب
ن م َنْ س ّ
َب أب َاه ُ م َل ْع ُو ٌ
ن م َنْ س ّ
ن ادّعَى إلَى غَيْر ِ م َوَالِيه ِ .وأحمد" :م َل ْع ُو ٌ
ن مَ ِ
ن م َنْ غَي ّر َ حُد ُود َ الأ ْرضِ ،م َل ْع ُو ٌ
جَم َ َع بَيْنَ امْرَأَ ة ٍ و َاب ْنَتِهَا م َل ْع ُو ٌ
ل قَو ْ ِم لُو َْط" والبيهقي :أرْبَع َة ٌ ل ع َم َ َن م َنْ عَم ِ َ ن م َنْ كَم َه َ أَ عْم َى ،م َل ْع ُو ٌ
ن م َنْ و َق َ َع عَلَى بَهِيمَة ٍ ،م َل ْع ُو ٌ ض م َل ْع ُو ٌ
تخْوْم َ الأ ْر ِ ُأمّه ُ م َل ْع ُو ٌ
ن م َنْ غَيّر َ ُ
ن الن ِّساء ِ
ل ب ِالنِّسَاءِ ،و َالمُتَشَبِّهَاتُ م ِ َ
ن الر ِ ّج َا ِ
ل الل ّٰه؟ قَالَ :المُتَشَبِّه ُونَ م ِ َ َب الل ّٰه و َيُمْس ُونَ فِي سُ خ ْطِ الل ّٰه ،قلُ ْتُ :م َنْ ه ُ ْم ي َا رَسُو َ
يُصْ بِحُونَ فِي غَض ِ
ل أتَى رَج ُلا ًأَ و امْرَأَ ة ً فِي دُبْر ِها. ب ِالر ِ ّج َالِ ،و َال َ ّذ ِي ي َأتِي البَهِيم َة َ ،و َال َ ّذ ِي ي َأتِي الر ِّجالَ ،والترمذي والنسائي :لا يَنْط ُر ُالل ّٰه ع َّز وَج َ ّ
ل إلَى رَج ُ ٍ
ل الل ّٰه لَه ُ ْم شَه َادَة َ أَ ْن لا إله إ َلّا الل ّٰهَ :
الر ّاكِبُ و َالمَرْكُوبُ و َالرَاكِب َة ُ و َالمَرْكُوبَة ُ والإم َام ُ الجِائ ِر َ .وأبو داود والترمذي والطبراني :ثَلاثَة لا يَقْب َ ُ
ل و َالمَفْع ُول بِه ِ.
ل قَو ْ ِم لُوط فَاق ْتُلوا الف َاع ِ َ
ل ع َم َ َ
وابن ماجه والبيهقي :م َنْ وَجَدْتُمُوه ُ يَعْم َ ُ
ن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر رضي الل ّٰه عنه
خ فِي قَبْرِه ِ خَنْز ِيراً .وروي أ ّ
س َ
ن اللّوْطِي إذا م َاتَ م ِنْ غَيْر ِ تَو ْبَة ٍ م ُ ِ
وقال ابن عباس :إ ّ
ن
أنه وجد رجلا ً في بعض نواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة ،فجمع أبو بكر أصحاب رسول الل ّٰه فيهم عليّ كرم الل ّٰه وجهه ،فقال :إ ّ
هذا ذنب لم تعمل به الأمم إلا أمة واحدة ،وقد علمتم ما صنع الل ّٰه بها وأرى أن تحرقوه بالنار ،فاجتمع رأي أصحاب رسول الل ّٰه أن
يحرق بالنار فحرقه خالد.
مر في سياحته على نار ٺتوقد على رجل ،فأخذ ماء ليطفئها عنه ،فانقلبت النار صببا ًوانقلب الرجلوروي أيضا ًأن عيسى عليه السلام ّ
ناراً ،فتعجب عيسى من ذلك ،فقال :يا رب ردّهما إلى حالهما في الدنيا لأسألهما عن خبرهما ،فأحياهما الل ّٰه تعالى ،فإذا هما رجل
Shamela.org ١١٧
باب :شرب الخمر ٤١
وصبي فقال لهما عيسى عليه السلام :ما خبركما وما أمركما؟ فقال الرجل :يا روح الل ّٰه إني كنت في الدنيا مبتلى بحب هذا الصبي ،فحملتني
مت ومات الصبي صير الل ّٰه الصبي نارا ً تحرقني مرة ،وصيرني نارا ً أحرقه أخرى .فهذا عذابنا إلى يوم
الشهوة أن فعلت به الفاحشة :فلما ّ
القيامة .نعوذ بالل ّٰه من عذابه وحمانا من موجبات سخطه وأليم عقابه.
)تنبيه( قال البغوي اختلف أهل العلم في ح ّد اللواط ،فذهب قوم إلى أنه يح ّد الفاعل ح ّد الزنى إن كان محصنا ً يرجم وإن لم يكن
محصناً ،يجلد مائة ،وهو أظهر قولي الشافعي رضي الل ّٰه عنه وعلى المفعول به عنده على هذا القول جلد مائة ،وتغريب عام رجلا ًكان أو
ن اللواطي يرجم ولو غير محصن قول مالك وأحمد بن حنبل ،والقول الآخر للشافعي أنه
امرأة محصنا ًأو غير محصن ،وذهب قوم إلى أ ّ
يقتل الفاعل والمفعول به كما جاء في حديث.
)فائدة( يحرم مصافحة الأمرد بشرطه ولو قدم من سفر ،وقيل في هذه الأمة قوم يقال لهم :اللوطية وهم ثلاثة أصناف :صنف ينظرون
وصنف يصافحون ،وصنف يعملون ذلك العمل الخبيث .قال بعضهم :والنظر إلى المرأة والأمرد زنى لخـبر صحيح فيه.
)
خاتمة( :في السحاق
أخرج الطبراني :ثلاثة لا يقبل الل ّٰه لهم قول شهادة أن لا إله إلا الل ّٰه :الراكب والمركوب والراكبة والمركوبة والإمام الجائر .وروي
عنه" :إذ َا أَ ت َِت المَر ْأَ ة ُ المَر ْأَ ة َ فَهُم َا ز َانِيَتَانِ".
ن تساحق النساء حرام و يعزرن بذلك .قال القاضي أبو الطيب :وإثم ذلك كإثم الزنى ،قال القاضي حسين :يكره للمرأة التي تميل
واعلم أ ّ
إلى النساء النظر إلى وجوههنّ وأبدانهنّ ،وأن تضاجعهنّ بلا حائل كما في الرجال .قال في العجالة وتشبيهه يقتضي تحريم النظر بشهوة
والمضاجعة بلا حائل كما هما محرمان من الرجال.
ات ث َُم ّ ل َ ْم ي َأْ تُوا ب ِأَ رْبَعَة ِ شُهَد َاء َ فَاجْلِد ُوه ُ ْم )فصل( :في قذف المحصن أو المحصنة بزنى أولواط .قال الل ّٰه تعالى} :و َال َ ّذ ِي َ
ن يَرْم ُونَ المحُ ْصن َ ِ
يجْلَد ُ أرْبَع ِينَ و َلا تَقْبَلُوا لَه ُ ْم شَه َادَة ً أَ ب َداً{ )سورة النور (٤ :أي ما دام مصرّا ً على قذفه }و َ ُأولَئ ِ َ
ك هُم ُ ثَمانِينَ جَلْدَة ً إ ْن ك َانَ حُرّا ً فَغَيْرَه ُ ُ
ات ن ال َ ّذ ِي َ
ن يَرْم ُونَ المحُ ْصن َ ِ ن الل ّٰه غَف ُور ٌ ر َحيم ٌ{ )سورة النور ٤ :ـ (٥وقال تعالى} :إ َ ّ
ك و َأَ صْ لَحُوا ف َِإ َ ّ سق ُونَ إ َلّا ال َ ّذ ِي َ
ن ت َابُوا م ِنْ بَعْدِ ذل ِ َ الف َا ِ
َاب عَظ ِيم ٌ يَوْم َ تَشْهَد ُ عَلَيْه ِ ْم أَ لْسِنَتُه ُ ْم و َأَ يْدِيه ْم و َأَ ْرج ُلُه ُ ْم بِمَا ك َانُوا ات لُع ِن ُوا في ال ُد ّن ْيا و َالآ ِ
خرَة ِ و َلَه ُ ْم عَذ ٌ ِلات{ أي عن الفاحشة} :المُؤْم ِن َ ِ
الغ َاف ِ
يَعْم َلُونَ{ )سورة النور ٢٣ :ـ .(٢٤
Shamela.org ١١٨
باب :شرب الخمر ٤١
)فائدة( من قذف آخر بين يدي حاكم لزمه أن يبعث إليه ،و يخـبره ليطالب به إن شاء كما لو ثبت عنده حق ماليّ ٌ على آخر ،وهو لا
يعلم يلزمه إعلامه.
}باب{ :شرب الخمر
ن فَاجْ تَن ِب ُوه ُ لَع َل ّـك ُ ْم تُفْلِحُونَ{)سورة ل ال َ ّ
شيْطَا ِ قال الل ّٰه تعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا َإن ّما الخم َ ْر ُ و َالمَي ْسر ُ و َالأنْصَابُ و َالأزْلام ُ رِجْ ٌ
س م ِنْ ع َم َ ِ
المائدة(٩٠ :
سكِر ٍ خَم ْر ٌ وَك ُ ُ ّ
ل خَمْرٍ حَر َام ٌ" رواه أحمد وأبو سكِر ٍ حَر َام ٌ" وراه الشيخان وأبو داود والنسائي .وقال" :أَ لا فَك ُ ُ ّ
ل مُ ْ وقال رسول الل ّٰه" :ك ُ ُ ّ
ل مُ ْ
يعلى :ونهى عن كل مسكر ومفتر .رواه أبو داود .قال الخطابي :المفتر كل شراب يورث الفتور ،والخدر في الأعضاء ،وأخرج الشيخان
ن و َلا يَسْر ِقُ السّارِقُ حِينَ ن النبي قال" :لا يَزْنِي َ
الز ّانِي حِينَ يَزْنِي و َه ُو َ مؤمِنٌ ،و َلا يَشْر َبُ الخم َ ْر َ حِينَ يَشْر َبُها ،و َه ُو َ مُؤْم ِ ٌ عن أبي هريرة أ ّ
ن الخم َْرِ إ ْن م َاتَ " أي من غير
جو ْفِه ِ" .وأحمد بسند صحيح" :م ُ ْدم ِ ُ
ن م ِنْ َ
ج نُور الإيما ِ
يَسْر ِقُ و َه ُو َ مُؤْمِنٌ" .والطبراني" :م َنْ شَر ِبَ الخم َ ْر َ خَر َ َ
ن خَمْرِ لَقِ َي الل ّٰه كَع َابِدِ و َثَنٍ" .والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس
كع َابِدِ و َثَنِ" وابن حبان في صحيحه" :م َنْ لَقِ َي الل ّٰه م ُ ْدم ِ َ
توبة" :لَقِ َي الل ّٰه َ
قال :لما حرمت الخمر مشى أصحاب رسول الل ّٰه بعضهم إلى بعض وقالوا :حرمت الخمر وجعلت عدلا ًللشرك .والنسائي عن أبي موسى أنه
ن ب ِالل ّٰه
كان يقول :ما أبالي شربت الخمر أو عبدت هذه السار ية من دون الل ّٰه :أي أنهما في الإثم متقاربان .والطبراني" :م َنْ ك َانَ يُؤْم ِ ُ
حسْوَة ً
يج ْل ُِس عَلَى م َائِدَة ٍ يُشْر َبُ عَلَيْها الخم َ ْرُ" وهو" :م َنْ شَر ِبَ َ ن ب ِالل ّٰه و َاليَو ْ ِم الآ ِ
خر ِ ،فَلا َ خر ِ ،فَلا يَشْر َبُ الخم َ ْر َ ،وَم َنْ ك َانَ يُؤْم ِ ُ
و َاليَو ْ ِم الآ ِ
ن الخم َْرِ حَق عَلَى ل الل ّٰه مِن ْه ُ ثَلاثَة َ أ َي ّا ٍم صِرْفاً ،و َلا عَدْلاً ،وَم َنْ شَر ِبَ ك َأْ سا ًل َ ْم يَقْب َ ِ
ل الل ّٰه مِن ْه ُ صَلاة َ أرْبَع ِينَ صَبَاحاً ،وَم ُ ْدم ِ ُ ن الخم َْرِ ل َ ْم يَقْب َ ِ
مِ َ
ل َ
الن ّارِ". صدِيد ُ أه ْ ِ الل ّٰه أ ْن ي َ ْسق ِي َه م ِنْ نَهْرِ الخبََالِ .ق ِيلَ :ي َا رَسُو َ
ل الل ّٰه وَم َا نَه ْر ُ الخبََالِ؟ قَالََ :
والترمذي وحسنه والحاكم وصححه" :م َنْ شَر ِبَ الخم َ ْر َ ل َ ْم يَقْب َ ِ
ل الل ّٰه لَه ُ صَلاة َ أرْبَع ِينَ صَبَاحاً ،فَإ ْن ت َابَ ت َابَ الل ّٰه عَلَيْه ِ ،ف َِإ ْن عَاد َ ل َ ْم يَقْب َل
ل الل ّٰه لَه ُ صَلاة َ أرْبَع ِينَ صَبَاحاً ،ف َِإ ْن ت َابَ ل َ ْم يَت ُِب الل ّٰه عَلَيْه ِ و َ َ
سق َاه ُ الل ّٰه لَه ُ صَلاة َ أرْبَع ِينَ صَبَاحاً ،ف َِإ ْن ت َابَ ت َابَ الل ّٰه عَلَيْه ِ؛ ف َِإ ْن عَاد َ ل َ ْم يَقْب َ ِ
م ِنْ نَهْرِ الخبََالِ" قيل لابن عمر راو يه وما نهر الخبال؟ قال نهر من صديد أهل النار .والطبراني بسند صحيح والحاكم وقال على شرط مسلم
عن ابن عمر قال :إن أبا بكر وعمر رضي الل ّٰه عنهما وناسا ًجلسوا بعد وفاة رسول الل ّٰه ،ففكروا في أعظم الكبائر ،فلم يكن عندهم فيها علم
فأرسلوني إلى عبد الل ّٰه بن عمر أسأله ،فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر ،فأتيتهم فأخبرتهم فأنكروا ذلك ،ووثبوا إليه جميعا ًحتى أتوه
ل نَفْسا ًأَ ْو يَزْني أَ ْو
ل أَ خَذ َ رَج ُلا ً فَخـَيّرَه ُ بَيْنَ أَ ْن يَشْر َبَ الخم َ ْر َ أَ ْو يَقْت ُ َ
ك بَنِي إسْر َائيِ َ في داره ،فأخبرهم أن رسول الل ّٰه قال" :إ َ ّ
ن م َل ِكا ًم ِنْ م ُلُو ِ
ل لَحْم َ الخـَنْز ِير ِ أَ ْو يَقْتُلُوه ُ فَاخْ تَار َ الخم َ ْر َ و َِإ َن ّه ُ لَم ّا شَر ِبَ الخم َ ْر َ ،ل َ ْم يَم ْتَن ِـعْ م ِنْ شَيْء ٍ أَ ر َاد ُوه ُ مِن ْه ُ" وإن رسول الل ّٰه قال" :م َا م ِنْ أَ حَدٍ يَشْر َبُهَا
ي َأك ُ َ
َت بِهَا عَلَيْه ِ الج َنَ ّة ُ ،ف َِإ ْن م َاتَ فِي أرْبَع ِينَ لَيْلَة ً م َاتَ م ِيت َة ً ج َاه ِل َِي ّة ً".
ل لَه ُ صَلاة ُ أرْبَع ِينَ يَو ْما ً و َلا يَمُوتُ و َفِي م َثَانَتِه ِ مِن ْه ُ شَيْء ٌ إ َلّا حُرِّم ْ
فَيُقْب َ ُ
ن
نح ْ ُ
ك الدِّم َاء َ و َ َ
سد ُ ف ِيها و َي َ ْسف ِ ُ
ل ف ِيهَا م َنْ ي ُ ْف ِ
تجْع َ ُ
وأحمد وابن حبان في صحيحه :إن آدم لما أهبط إلى الأرض ،قالت الملائكة :يا رب }أَ َ
ِس لَكَ ،قَالَ :إن ِ ّي أَ ع ْلَم ُ م َا لا تَعْلَم ُونَ{ )سورة البقرة (٣٠ :قالوا :ربنا نحن أطوع لك من بني آدم ،قال تعالى لملائكته:
ح ب ِحَمْدِك َ و َنُق َ ّد ُ
نُس َب ِّ ُ
هلموا ملـكين من الملائكة فننظر كيف يعملان ،قالوا :ربنا هاروت وماروت ،قال :فاهبطا إلى الأرض فتمثلت لهما الزهرة امرأة من
أحسن البشر فجاءاها فسألاها نفسها .قالت :لا والل ّٰه حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك قال :والل ّٰه لا نشرك بالل ّٰه شيئا ً أبداً ،فذبت
عنهما ثم رجعت إليهما ومعها صبيّ ٌ تحمله ،فسألاها نفسها فقالت :لا والل ّٰه حتى تقتلا هذا الصبيّ .فقالا :والل ّٰه لا نقتله أبدا ً فذهبت ،ثم
رجعت بقدح خمر تحمله فسألاها نفسها .فقالت :لا والل ّٰه حتى تشربا هذا الخمر فشربا وسكرا ،فوقعا عليها وقتلا الصبيّ ،فلما أفاقا .قالت
المرأة والل ّٰه ما تركتما من شيء أبيتماه عليّ إلا فعلتماه حين سكرتما ،فخـيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ،فاختارا عذاب
الدنيا.
وأبو داود وابن حبان في صحيحه" :إذ َا شَر ِبُوا الخم َ ْر َفَاجْلِد ُوهُمْ ،ث َُم ّ إ ْن شَر ِبُوا فَاجْلِد ُوهُمْ ،ث َُم ّ إ ْن شَر ِبُوا فَاجْلِد ُوهُمْ ،ث َُم ّ إ ْن شَر ِبُوا فَاق ْتلُوهُمْ"
Shamela.org ١١٩
باب :في اليمين الفاجرة ٤٢
ن الل ّٰه ح َرّم َ الخم َ ْر َ و َثَمَنَها و َح َرّم َ المَي ْت َة َ و َثَمَنَهَا وَح َرّم َ الخـِنْز ِير َ
الر ّابِع َة فَاق ْتُلُوه ُ" وأبو داود} :إ َ ّ
والترمذي" :م َنْ شَر ِبَ الخم َ ْر َ فَاجْلِد ُوه ُ ف َِإ ْن عَاد َ فِي َ
ل الل ّٰه فِي الخم َْرِ عَاصِر َه َا وَمُعْتَصِر َها وَشَارِ بَهَا وَح َام ِلَها و َالمحَْم ُولَة َ إلَيْه ِ وَسَاقِيَهَا و َب َائ ِعَه َا ،و َآك ِ َ
ل ثَم َنها ن رَسُو ُ
و َثَمَن َه ُ{ وابن ماجة والترمذي} :لَع َ َ
م الأسَاوِدِ شُرْبَة ً يَتَسَاق َُط لَحْم ُ و َجْ هِه ِ فِي الإن َاء ِ و َالمُشْتَر ِيَ لَهَا و َالمُشْت َراة لَه ُ{ وجاء عنه أنه قال} :م َنْ شَر ِبَ الخم َ ْر َ فِي ال ُد ّن ْيا َ
سق َاه ُ الل ّٰه م ِنْ س ُ ِ ّ
ل ثَم َنها ل َ
الن ّارِ ،أَ لا وَشَارِ بُهَا و َعَاصِر ُها وَمُعْتَصِر ُها وَح َام ِلُها و َالمحَْم ُولَة ُإلَيْه ِ وآك ِ ُ ل أَ ْن يَشْر َبَهَا ،ف َِإذ َا شَر ِ بَهَا تَس َاق ََط لَحْمُه ُ وَجِل ْدُه ُ يَت َأْ َذّى بِه ِ أَ ه ْ ُ
قَب ْ َ
ل جُرْعَة ٍ
حقّا ًعَلَى الل ّٰه أَ ْن ي َ ْسق ِي َه ُ بِك ُ ّ ِ ل َ
الت ّو ْبَة ِ ك َانَ َ ل الل ّٰه مِنْه ُ ْم صَلاة ً و َلا صِياما ً و َلا حَ ج ّا ً ح ََت ّى يَت ُوبُوا ،ف َِإ ْن م َاتَ قَب ْ َ
شُرَك َاء ُ فِي إثمِها ،لا يَقْب َ ُ
سكِر ٍ حَر َام ٌ" وقال" :ك َانَ م َا أَ سْ ك َر َ كَث ِيرُه ُ فَق َلِيلُه ُ حَر َام ٌ". "ك ُ ُ ّ
ل مُ ْ
ل قال به جماعة من العلماء كما يح ّد شارب الخمر ،وقال ابن تيمية وأقر ّه أهل
واعلم أن الحشيشة حرام كالخمر و يح ّد آكلها :أي على قو ٍ
مذهبه :من زعم حل الحشيشة كفر ،وقيل :إنها نجسة كالخمر وهو الصحيح :أي عند الحنابلة وبعض الشافعية ،وقيل :المائعة نجسة
Shamela.org ١٢٠
باب :التوبة ٤٤
والجامدة طاهرة ،وإنما لم يذكرها العلماء الأربعة ،لأنها لم تكن في عهد السلف الماضين ،وإنما حدثت في مجيء التتار إلى بلاد الإسلام،
وذكر الماوردي قولاً :أن النباتات التي فيها شدّة مطربة يجب الح ّد على آكلها ،ورأى آخرون من العلماء تعزير آكلها بالبنج .نسأل الل ّٰه
تعالى أن يجنبنا المسكرات ويحمينا من المخدرات.
}باب{ :في اليمين الفاجرة
ن ال َ ّذ ِي َ
ن يَشْت َر ُونَ{ أي يستبدلون و يأخذون }بِع َ ْهدِ الل ّٰه{ أي بما عهد إليهم }و َأَ يْمَانِهِمْ{ أي الكاذبة }ثَمَنا ًقَلِيلاً{ أي عرضا ً قال الل ّٰه تعالى} :إ َ ّ
خرَة ِ{ أي لا نصيب لهم من نعيمها وثوابها }و َلا يُكَل ِّمُهُم ُ الل ّٰه{ أي بكلام يسرّ }و َلا يَنْظ ُر ُ يسيرا ً من الدنيا } ُأولَئ ِ َ
ك لا خ َلاقَ لَه ُ ْم فِي الآ ِ
َاب أَ ل ِيم ٌ{ )سورة آل عمران (٧٧ :أي مؤلم شديد الإيلام .وأخرج
إلَيْهِمْ{ أي نظر رحمة }و َلا ي ُزَكّ ِيهِمْ{ أي لا يريد لهم خيرا ً }و َلَه ُ ْم عَذ ٌ
ل ل ا ْمر ِىء ٍ م ُ ْ
سل ِ ٍم بِغَيْر ِ حقّ ِ لَقِ َي الل ّٰه و َه ُو َ عَلَيْه ِ غ َضْ بَانُ ،ث َُم ّ ق َرأَ َ عَلَي ْنَا رَسُو ُ ف عَلَى م َا ِ
الشيخان عن ابن مسعود أن رسول الل ّٰه قال" :م َنْ ح َل َ َ
ل ا ْمر ِىء ٍ م ُ ْ
سل ِ ٍم ن اق ْتَطَ َع م َا َ ن يَشْت َر ُونَ بِع َ ْهدِ الل ّٰه{ إلى آخر الآية .والطبراني والحاكم وصححه" :م َ ِ ن ال َ ّذ ِي َ
اب الل ّٰه" }إ َ ّ
الل ّٰه م ِصْ د َاق َه ُ م ِنْ ك ِت َ ِ
شي ْئا ًيَسِيراً؟ قَالَ :و َِإ ْن ك َانَ شِر َاكاً" .وابنا ماجه وحبان" :م َنْ
ل الل ّٰه و َِإ ْن ك َانَ َ بِيمَِينِه ِ ح َرّم َ الل ّٰه عَلَيْه ِ الج َنَ ّة َ و َأَ ْوجَبَ لَه ُ َ
الن ّار َ ،ق ِيلَ :ي َا رَسُو َ
ك أَ خْ ضَر َ" .والحاكم عن ابن مسعود رضي الل ّٰه عنه قال :كنا ن َ
الن ّارِ و َلَو ْ عَلَى سِوَا ٍ ف عَلَى يَمِينٍ آثِمة ٍ عِنْد َ مِن ْبَر ِي هذ َا فَل ْيَتَب َوأْ م َ ْقعَدَه ُ م ِ َ
ح َل َ َ
نع ّد من الذنب الذي ليس له كفارة اليمين الغموس ،قيل :وما اليمين الغموس؟ قال :الرجل يقتطع بيمينه مال الرجل .وهو والطبراني:
ك
ك م َا أَ ْعظَم َ َ
سب ْح َان َ َ
ش و َه ُو َ يَق ُولُُ :
تح ْتَ العَر ْ ِ ل ذِك ْرُه ُ أذِنَ ل ِي أَ ْن ُأحَدّثَ ع َنْ دِيكٍ ق َ ْد م َ َّزق َْت رِجْلاه ُ الأر َ
ْض وَع َنَق ُه ُ مُن ْثَنٍ َ "إ َ ّ
ن الل ّٰه ج َ َ ّ
Shamela.org ١٢١
باب :التوبة ٤٤
ن يَعْم َلُونَ ال ُ ّ
سوء َ بِ جَه َالَة ٍ{ أي جاهلين إذا عصوا ربهم الت ّو ْبَة ُ عَلَى الل ّٰه{ أي التي كتب على نفسه قبولها بفضله }ل َِل ّذ ِي َ
}إن ّما َ
قال الل ّٰه تعالىَ :
ِيب ـ قبل أن يغرغر وقبل أن يحيط السوء بحسناته فيحبطها أو في صحته قبل مرض موته }ف َُأولَئ ِ َ
ك يَت ُوبُ }ث َُم ّ يَت ُوبُونَ م ِنْ { زمن ـ قَر ٍ
ن يَعْم َلُونَ ح ََت ّى إذ َا حَضَر َ أَ حَد َه ُ ْم المَو ْتُ قَا َ
ل إني تُب ْتُ الآن ـ َت َ
الت ّو ْبَة ُ لِلّذ ِي َ الل ّٰه عَلَيْه ِ ْم وَك َانَ الل ّٰه عَلِيما ً حَكِيماً{ )سورة النساء (١٧ :لَيْس ِ
ك َ ّفار{ )سورة النساء (١٨ :وقال تعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا تُوبُوا إلى الل ّٰه تَو ْبَة ً نَصُوحا ً فلا تنفعه ولا تقبل منه }و َلا ل َِل ّذ ِي َ
ن يَمُوتُونَ و َه ُ ْم َ
تحْتِها الأنْهَار ُ{ )سورة التحريم (٨ :وقال تعالى} :وَم َنْ يَعْم َلْ سُوءا ً أَ ْو
تجْرِي م ِنْ َ ك ّف ِر َ عَنْك ُ ْم سَي ِّئَاتِك ُ ْم و َي ُ ْدخِلـَك ُ ْم ج ََن ّ ٍ
ات َ ع َس َى ر ََب ّك ُ ْم أَ ْن ي ُ َ
ي َ ْظلِم ْ ن َ ْفسَه ث َُم ّ يَسْتَغْف ِر ُ الل ّٰه َ
يجِدِ الل ّٰه غَف ُورا ً رَحِيماً{ )سورة النساء(١١٠ :
ل
ن م ِنْ رَج ُ ٍ
ح بَتَو ْبَة ِ عَبْدِه ِ المُؤْم ِ ِ
وأخرج الشيخان والترمذي عن الحارث بن يزيد قال :قال ابن مسعود سمعت رسول الل ّٰه يقول" :لل ّٰه أَ ف ْر َ ُ
ض و َبِيئَة ٍ مُه ْل ِـكَة ٍ مَع َه ُ ر َاحِلَت ُه ُ عَلَيْها َطع َام ُه ُ و َشرابُه ُ ،ف َو َض َع ر َأْ سَه ُ فَنَام َ نَوْم َة ً فَاسْ تَيْق ََظ ،و َق َ ْد ذ َه َب َْت ر َاحِلَت ُه ُ فَطَلَبَها ح ََت ّى إذ َا اشْ ت َ ّد
ل فِي أَ ْر ِ
ن َز َ َ
Shamela.org ١٢٢
باب :التوبة ٤٤
تفاصيلها غير صحيحة قال الزركشي :وهذا ظاهر وقال ابن عبد السلام يتذكر من الذنوب السالفة ما أمكن تذكره وما تعذر فلا يلزمه ما
لا يقدر عليه ،وقال القاضي أبو بكر إن لم يتذكر تفصيل الذنب ،فليقل إن كان لي ذنب لم أعلمه فإني تائب إلى الل ّٰه .واعلم أن التوبة في
الرب الحليم التواب الرحيم.
ّ نفسها طاعة وعد الثواب عليها .وأما زوال العقاب الأليم فهو مفو ّض إلى
)
فصل( :في شروط التوبة المسقطة للإثم ظنا ً لا قطعا أن يندم على فعل الذنب من حيث المعصية ،وأن يعزم على أن لا يعود إليه أو
إلى مثله خالصا ً لل ّٰه تعالى ،وأن يقلع عنه حالا ً إن كان متلبسا ً به أو مصرّا ً على المعاودة إليه ،وأن يخرج من المظالم والزكاة إن كانت
ل شرط من الشروط المذكورة لم تصح
بردّها أو بدلها إن تلفت لمستحقها ما لم يبرئه منها ،ومنه قضاء صلاة وصوم ،وإن كثرا ،فإن اخت ّ
توبته ،وأن يستغفر الل ّٰه تعالى من ذنبه بلسانه ظاهرا ً وبقلبه باطنا ًعلى ما زعمه القاضي حسين ،والقاضي أبو الطيب والماوردي وغيرهم،
و يجب في التوبة عن قود أو قذف أن يعلم المستحق ،ويمكنه من الاستيفاء ومن نحو غيبة أن يستحل المغتاب منها إن علم ،وإلا استغفر
لنفسه ودعا له كالحاسد ،ربنا تقبل توبتنا واغسل حوبتنا وتحمل تبعاتنا بمنك وكرمك آمين .اللهم إنا نستغفرك من كل ذنب أذنبناه
استعمدناه أو جهلناه ،ونستغفرك من كل ذنب تبنا إليك منه ثم عدنا فيه ،ونسغفرك من الذنوب التي لا يعلمها غيرك ولا يمعها إلا
حلمك ،ونستغفرك من كل ما دعت إليه نفوسنا من قبل الرخص ،فاشتبه ذلك علينا وهو عندك حرام ،ونستغفرك من كل عمل عملناه
لوجهك ،فخالطه ما ليس لك فيه رضا لا إله إلا أنت يا أرحم الراحمين.
)خاتمة( :في الخوف
كن ْتُم ْ مُؤْم ِنينَ{ )سورة آل عمران (١٧٥ :فأمر
ن إ ْن ُ
قال الل ّٰه تعالى} :و َإي ّايَ فَارْه َب ُونِ{ )سورة البقرة (٤٠ :وقال تعالى} :وَخ َافُو ِ
بالخوف وأوجبه وشرطه في الإيمان فذلك لا يتصو ّر أن ينفك مؤمن عن خوف وإن ضعف ،و يكون ضعف خوفه بحسب ضعف
ل
مخَاف َة ُ الل ّٰه" وقال عليه الصلاة والسلام" :قَا َ س الح ِ ْ
كمَة ِ َ ش ُ ّدك ُ ْم لَه ُ َ
خشْي َة ً" وقال" :ر َأْ ُ معرفته وإيمانه ،وقال رسول الل ّٰه" :أن َا أَ ع ْلَمُك ُ ْم ب ِالل ّٰه و َأَ َ
خو ْفَيْنِ و َلا أَ جْم َ ُع لَه ُ أمْنَي ْن ف َِإ ْن أم ِنَنِي فِي ال ُد ّن ْيا أَ َ
خفْت ُه ُ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ و َِإ ْن خ َافَنِي فِي الل ّٰه ع َ َّز وَج َ َ ّ
ل :وَع َ ِّزتِي وَج َلال ِي لا أَ جْم َ ُع علَى عَبْدِي َ
ن ال َ ّ
شجْ رَة ِ خطَاي َاه ُ كَمَا يَتح َ ُ ّ
ات ع َ ِ ال ُد ّن ْيا أَ مِن ْت ُه ُ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ" وقال عليه الصلاة والسلام" :إذ َا اق ْ ْ
شع َر ّ جِل ْد ُ العَبْدِ م ِنْ خَشيَة ِ الل ّٰه تَحَا َت ّ ْ
ت عَن ْه ُ َ
البَالِيَة ِ وَر َقُه َا" وقال الحسن رضي الل ّٰه عنه :إن الرجل ليذنب فما ينساه ،ولا يزال متخوفا ًحتى يدخل الجنة.
وقال كعب الأحبار رضي الل ّٰه عنه :إن رجلا ً من بني إسرائيل أصاب ذنبا ً فحزن ،فجعل يذهب و يجيء و يقول :بم أرضي ربي بم
أرضي ربي؟ فكتب صدّيقاً .وقال الفضيل رحمة الل ّٰه عليه :من خاف الل ّٰه تعالى دله الخوف على كل خير .وسئل ابن جبير رضي الل ّٰه
عنه عن الخشية فقال :هي أن تخشى الل ّٰه حتى تحول خشيته بينك وبين معاصيه .وفي صحيح البخاري ،وقال ابن مسعود رضي الل ّٰه عنه:
أي ذ ََب ّه ُ
ل بِه ِ ه َكذا ْ
َاب م َ َّر عَلَى أَ نْفِه ِ فَق َا َ
ن الف َاجِر ي َر َى ذ ُنُوبَه ُ كَذ ُب ٍ اف أَ ْن يَق َ َع عَلَيْه ِ؛ و َإ َ ّل يَخ َ ُ تح ْتَ جَب َ ٍ ن ي َر َى ذ ُنُوبَه ُ ك َأَ َن ّه ُ قَاعِدٌ َ إ َّ
ن المُؤْم ِ َ
ج أي لا خط ِيئَتِكَ" وقال" :لا يلَ ِ ُ ك و َاب ْكِ عَلَى َ ك لِسَان َ َ بيَِدِه ِ فَطَار َ .وقال رسول الل ّٰه لعقبة بن عامر لما سأله :ما النجاة؟ قال" :أَ مْلِكْ عَلَي ْ َ
جه َ َن ّمَ" وفي الصحيحين: ل الل ّٰه وَدُخ َانُ َ الل ّبَنُ فِي الضّر ِْع ،و َلا َ
يج ْتَمِـ ُع غ ُبَار ٌ فِي سَبي ِ ل بَك َى م ِنْ خَشيَة ِ الل ّٰه تَع َالَى ح ََت ّى يَع ُود َ َ ل َ
الن ّار َ رَج ُ ٌ ي َ ْدخ ُ ُ
ل إلا ظله ،إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الل ّٰه ،ورجلان تحا َب ّا في الل ّٰه
ل عرشه يوم لا ظ ّ
أنه ذكر من السبعة الذين يظلهم الل ّٰه تحت ظ ّ
عز وجلّ ،ورجل دعته امرأة ذات جمال ،فقال إني أخاف الل ّٰه؛ ورجل تصدّق بيمينه فأخفاها عن شماله ورجل تعلق قلبه بالمسجد، ّ
ورجل ذكر الل ّٰه :أي وعيده وعقابه خاليا ًففاضت عيناه .أي خوفا ًمما جناه واقترفه من المخالفات والذنوب.
أحب إليّ من أن أتصدق بألف دينار .وقال
ّ وقال عبد الل ّٰه بن عمرو بن العاص رضي الل ّٰه عنهما :لأن أدمع دمعة من خشية الل ّٰه
أحب إليّ من أن أتصدق بجبلّ كعب الأحبار رضي الل ّٰه عنه :والذي نفسي بيده لأن أبكي من خشية حتى تسيل دموعي على وجنتي
ذهب.
وقال عوف بن عبد الل ّٰه :بلغني أنه لا تصيب دموع الإنسان من خشية الل ّٰه مكانا ًمن جسده إلا حرّم الل ّٰه تعالى ذلك المكان على النار.
Shamela.org ١٢٣
باب :التوبة ٤٤
وكان محمد بن المنكدر إذا بكى مسح وجهه ولحيته من دموعه و يقول :بلغني أن النار لا تأكل موضعا ًمسته الدموع.
وفي صحيح ابن حبان عن عطاء قال :دخلت أنا وعبيد بن عمر على عائشة رضي الل ّٰه عنها فقالت لعبيد بن عمر :قد آن لك أن تزورنا
فقال :أقول يا أمت كما قال الأول :ز ُ ْر غِب ّا ً تزدد حباً :فقالت :دعونا من مطالبكم هذه .فقال ابن عمر :أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه
من رسول الل ّٰه قال :فسكتت .ثم قالت :لما كانت ليلة من الليالي قال :يا عائشة ذريني أعبد الليلة ربي .قلت :والل ّٰه إني لأحب قربك
ل لحيته قالت :ثم بكى
ل حجره ،وكان جالسا ًفلم يزل يبكي حتى ب ّ
وأحب ما يسرك قالت :فقام فتظهر ،ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى ب ّ
ل الأرض ،فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ،فلما رآه يبكي قال :يا رسول الل ّٰه لم تبكي ،وقد غفر الل ّٰه لك ما تقدم من
فلم يزل يبكي حتى ب ّ
ذنبك وما تأخر؟ قال :أفلا أكون عبدا ً شكوراً .وفي منهاج الغزالي :إن آدم صفيّ الل ّٰه ونبيه خلقه بيده وأسجد له ملائكته ،وحمله على
أعناقهم إلى جواره لما أكل أكلة واحدة لم يؤذن له فيها ،فنودي أن لا يجاورني من عصاني وأمر الملائكة الذين حملوا سريره يزجونه
من سماء إلى سماء حتى أوقعوه بالأرض ،ولم يقبل توبته فيما روى حتى بكى على ذلك مائتي سنة ،ولحقه من الهوان والبلاء ما لحقه،
وبقيت ذريته في تبعات ذلك على الأبد .ثم إن نوحا ًشيخ المرسلين عليه السلام الذي احتمل في أمر دينه ما احتمل لم يقل إلا كلمة
ن الجا َه ِلِينَ{ )سورة هود (٤٦ :حتى روي
ك أَ ْن تَكُونَ م ِ َ
ك بِه ِ عِل ْم إن ِ ّي أَ عِظ ُ َ واحدة على غير وجهها إذ نودي} :فَلا تَسْأَ ل َنّ م َا لَي َ
ْس ل َ َ
في بعض الأخبار أنه لم يرفع رأسه إلى السماء حياء من الل ّٰه تعالى أربعين سنة انتهى.
وقال الحسن :إن آدم عليه الصلاة والسلام بكى حين أهبط من الجنة ثلاثمائة عام حتى جرت أودية سرنديب من دموعه .وقال وهب
بن الورد :إن نوحا ًعليه الصلاة والسلام لما عاتبه الل ّٰه في ابنه بكى ثلاثمائة عام حتى صار في خدّيه أمثال الجداول :أي الأنهار الصغار من
البكاء ،وقال مجاهد :بكى داود عليه السلام أربعين يوما ًساجدا ً لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموعه حتى غطى رأسه ،فنودي:
يا داود أجائع أنت فتطعم أم ظمآن فتسقى أم عا ٍر فتسكى ،فنحب نحبة هاج منها العود فاحترق من حرّ جوفه .ثم أنزل الل ّٰه عليه التوبة
والمغفرة ،فقال :يا ربي اجعل خطيئتي في كفي ،فصارت خطيئته في كفه مكتوبة ،فكان لا يبسط كفه لطعام ولا لشراب ولا لغيره
إلا رآها فأبكته قال :وكان يؤتى بالقدح ثلثاه ماء فإذا تناوله أبصر خطيئته فما يضعه على شفته حتى يفيض القدح من دموعه .وقال
عبد الل ّٰه بن عمرو :كان يحيى بن زكر ياء عليهما السلام يبكي حتى تقطع خدّاه وبدت أضراسه فقالت له أمه :لو أذنت لي يا بن ّي حتى
أتخذ لك قطعتين من لبود تواري بهما أضراسك عن الناظرين ،فأذن فألصقتهما بخدّيه ،فكان يبكي فكانتا تسيلان بالدموع فتجيء أمه
فتعصرهما فتسيل دموعه على ذراعها .وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الل ّٰه عنها :كان أبو بكر الصدّيق رضي الل ّٰه عنه رجلا ً بكاء
لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن.
وقال عبد الل ّٰه بن عيسى :كان في وجه عمر بن الخطاب رضي الل ّٰه عنه خطان أسودان من البكاء .وقال أبو بكر الصدّيق رضي الل ّٰه
عنه :ليتني كنت شعرة في صدر مؤمن .وقال عمر رضي الل ّٰه عنه عند موته :الو يل لعمر إن لم يغفر الل ّٰه له؛ وبكى ابن عباس رضي
الل ّٰه عنهما حتى صار كأنه الشنّ البالي؛ وبكى تلميذه سعيد بن جبير حتى عمشت عيناه .وعن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال :قلت
جف؛ قال :وما مسألتك عنه؟ قلت :عسى الل ّٰه أن ينفعني به؛ قال :يا أخي إن الل ّٰه قد توعدني إن
لزيد بن مرثد :مالي أرى عينك لا ت ّ
جف لي عين ،قال :فقلت له فهكذا
أنا عصيته أن يسجنني في النار ،والل ّٰه لو لم يتوعدني أن يسجنني إلا في الحمام لـكنت حر يا ً أن لا ت ّ
أنت في خلواتك ،قال :وما مسألتك عنه؟ قلت :عسى الل ّٰه أن ينفعني بذلك ،فقال والل ّٰه إن ذلك ليعرض لي حين أسكن إلى أهلي،
أي لإرادة وطئها فيحول ذلك بيني وبين ما أريد ،وإنه ليوضع الطعام بين يديّ فيعرض لي فيحول بيني وبين أكله حتى تبكي امرأتي،
وتبكي صبياننا ما يدرون ما أبكانا .وعن عمر بن زاذان قال :قال لي كهمس :يا أبا سلمة أذنبت ذنبا ًفإني أبكي عليه منذ أربعين سنة،
فقلت :ما هو قال :زارني أخ لي فاشتريت له سمكا ًبدانق ،فلما أكل قمت إلى حائط جار لي ،فأخذت منه قطعة طين فغسل بها يده
فأنا أبكي على ذلك منذ أربعين سنة.
Shamela.org ١٢٤
باب :التوبة ٤٤
ودخل بعض أصحاب فتح الموصلي عليه فرآه يبكي ودموعه خالطها صفرة ،فقال له :بكيت الدم .قال :نعم .قال :على ماذا؟ قال:
على تخلفي عن واجب حق الل ّٰه .ثم رآه في المنام بعد موته ،فقال له :ما فعل الل ّٰه بك؟ قال غفر لي .قال :ما صنع في دموعك؟
قال :قربني ،فقال لي :يا فتح على ماذا بكيت؟ قلت :يا رب على تخلفي عن واجب حقك قال :فالدم؟ قلت :خوفا ًأن لا يفتح لي،
قال :يا فتح ما أردت بهذا كله وعزتي وجلالي لقد صعد حافظاك أربعين سنة بصحيفتك ما فيها خطيئة .وكان أبو الدرداء رضي
الل ّٰه عنه صاحب رسول الل ّٰه يحلف بالل ّٰه إن من أمن السلب عند موته سلب عند موته :أي جزاء لأمنه مكر الل ّٰه .وقال عبد الرحمن بن
مهدي :مات سفيان الثوري ،فلما اشتد به النزع جعل يبكي ،فقال له رجل :يا أبا عبد الل ّٰه أتراك كثير الذنوب؟ فرفع رأسه وأخذ شيئا ً
من الأرض ،فقال :والل ّٰه لذنوبي أهون عندي من هذا إني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت ،وفي الروض الفائق عن سفيان
الثوري أنه خرج إلى مكة حاجا ًفكان يبكي من أول الليل إلى آخره في المحمل ،فقال شيبان الراعي :يا سفيان بكاؤك إن كان لأجل
المعصية فلا تعصه ،فقال سفيان :أما الذنوب فما خطرت ببالي قط صغيرها ولا كبيرها ،وليس بكائي يا شيبان من أجل المعصية،
ولـكن خوف الخاتمة لأني رأيت شيخا ً كبيرا ً كتبنا عنه العلم ،وعلم الناس أربعين سنة وجاور بيت الل ّٰه الحرام سنتين ،وكان يلتمس
بركته ويسقي به الغيث ،فلما مات حول وجهه عن القبلة ،ومات على الشرك كافراً ،فأنا أخاف من سوء الخاتمة .وقال سهل :رأيت
في المنام كأني أدخلت الجنة فرأيت ثلاثمائة نب ّي فسألتهم ما أخوف ما كنتم تخافون في الدنيا؟ فقالوا سوء الخاتمة.
ل عَلَيْه ِ:
ل الل ّٰه حِينَ ن َز َ َ
اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة ونعوذ بك من سوئها ،وأن ٺتوفانا على الإيمان والتوبة ،وفي الصحيحين :قَام َ رَسُو ُ
ني
شي ْئا ً ي َا ب َ ِ ن الل ّٰه لا ُأ ْغنِي عَنْك ُ ْم م ِ َ
ن الل ّٰه َ ْش اشْ ت َر ُوا أَ نْفُسَك ُ ْم م ِ َ
ك الأق ْر َبِينَ{ )سورة الشعراء (٢١٤ :فقال :ي َا مَعْشَر َ قُر َي ٍ
}أَ نْذِ ْر عَشِيرَت َ َ
Shamela.org ١٢٥
باب :التوبة ٤٤
ْس
حدَة ً بَيْنَ الج ّ ِِن و َالإن ِل مِنْهَا رَحْم َة ً و َا ِ ن ظَنّ عَبْدِي" والشيخان والترمذي" :إ َ ّ
ن لل ّٰه مائَة َ رَحْمَة ٍ أَ ن ْز َ َ س ِح ْل ر ُ ُدّوه ُ أَ ن َا عِنْد َ ُ
الل ّٰه ع َّز وَج َ ّ
حم ُ بِها عِبَادَه ُ يَوْم َ ش عَلَى أَ وْلادِه َا و َأَ َ ّ
خر َ تِسْع َة ً و َتِسْع ِينَ رَحْم َة ً يَرْ َ ِف الطَي ْر ُ و َالو َحْ ُ
و َالبَهَا ِئ ِم و َاله َوَا ِمّ ف ِيها يَتَع َا َطف ُونَ و َبِهَا يَتَر َاحَم ُونَ و َبِهَا تَعْط ُ
صقَت ْه ُ ببِ َ ْطنِها
سب ْي أَ خَذ َت ْه ُ ف َأَ ل ْ َ
ن ال ّ
َت صَب ِي ّا ً م ِ َ
تح ْلُبُ ث َ ْديَهَا ت َ ْسع َى إ ْذ وَجَد ْ
سب ْي ق َ ْد َ
ن ال ّ الق ِيَامَة ِ" والشيخان" :قُدِم َ عَلَى َ
الن ّب ِيّ بِسَب ْي ،ف َِإذ َا امْرأَ ة ٌ م ِ َ
حي ْثُ أَ خ َ ْذتَه َُنّ و َ ُأ َمّه َُنّ م َعَه َُنّ ف َرَجِـ َع بَهنّ " والترمذي وحسنه عن أنس
ضعَه َُنّ م ِنْ َ ب ِع ِبَادِه ِ م ِنْ ُأمّ الف ِرَاخ بِف ِرَا ِ
خه َا ،فَا ْرجِـعْ بِه َُنّ ح ََت ّى ت َ َ
ك و َلا ُأب َال ِي ،ي َا اب ْ َ
ن ك عَلَى م َا ك َانَ مِن ْ َ
جو ْتَنِي إلا ّ غَفَر ْتُ ل َ َ
ك م َا دَعَو ْتَنِي وَر َ َ ن آدَم َ َإن ّ َ
ل الل ّٰه تَع َالَى :ي َا اب ْ َ
ل الل ّٰه يَق ُولُ" :قَا َقال" :سَمِعْتُ رَسُو َ
خطَاي َا ،ث َُم ّ لَق ِيتَنِي لا تُشْرِك ُ بِي َ َ
شي ْئا ً ض َاب الأ ْر ِ سم َاءِ ،ث َُم ّ اسْ تَغْفَر ْتَنِي غَفَر ْتُ لَكَ .ي َاب ْ َ
ن آدَم َ لَو ْ أَ تَي ْتَنِي ب ِقر َ ِ ك ع َنَانَ ال َ ّ َت ذ ُنُوب ُ َ
آدَم َ لَو ْ بلََغ ْ
ل الل ّٰه تَع َالَى لِل ْمُؤْم ِنينَ
ل م َا يَق ُو ُ
شئ ْتُم ْ أَ ن ْب َأْ تُك ُ ْم م َا أَ ّو ُ
ك بِق ِرَابِهَا مَغْف ِرَة ً" وأحمد والطبراني عن معاذ بن جبل قال :قال رسول الل ّٰه" :إ ْن ِ لأَ تَي ْت ُ َ
ل لِل ْمُؤْم ِنينَ :ه َلْ أَ حْ بَب ْتُم ْ لِق َائِي؟ فَيَق ُولُونَ :نَع َ ْم ي َا ر َبّنَا .فَيَق ُولُ :لِم َ؟ فَيَق ُولُونَ :ر َ َ
جو ْن َا ل م َا يَق ُولُونَ لَه ُ ،ف َِإ َ ّ
ن الل ّٰه تَع َالَى يَق ُو ُ يَوْم َ الق ِيَامَة ِ ،وَم َا أَ وّ ُ
جب ْتُ لـَك ُ ْم ع َ ْفوِي وَمَغْف ِرَتِي.
عَفْوَك َ وَمَغْف ِرَتَكَ ،فَيَق ُولُ :ق َ ْد أَ ْو َ
اللهم إنا نرجو عفوك ومغفرتك ولقاءك ،ونعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك .اللهم إنا نسألك الراحة في الدارين .وأن لا
تنزع منا ما وهبته لنا من الإيمان والعلم ،وأن لا تز يغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ،وأن توفقنا للعمل بما تحبه وترضاه ،وأن لا تجعل علمنا حجة
علينا ،وأن تجعلنا مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحـين .وأن تؤمننا من الفزع الأكبر ،وأن تظلنا في ظل
عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ،وأن ترزقنا الجنة بغير حساب ،والنظر إلى وجهك بكرة ً وعشياً ،وصلى الل ّٰه على سيدنا محمد النبي الأمي
وعلى آله وصحبه وسلم.
Shamela.org ١٢٦