You are on page 1of 68

‫ﻗﺎﻣﺖ ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻟﻌﺰم واﻟﺴﻌﺎدة اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺘﺮﻣﻴﻢ ﻣﺼﻠﻰ »أﺑﻮ اﻷﻧﻮار« ﻓﻲ ﻃﺮاﺑﻠﺲ‪ ،‬وﻓﻴﻪ‬

‫ﺿﺮﻳﺢ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﻮد اﻟﺮاﻓﻌﻲ اﻟﺸﻬﻴﺮ ﺑﺄﺑﻲ اﻷﻧﻮار )ﺗﻮﻓﻲ ﻋﺎم ‪ ،(١٨٤٨‬ﺣﻴﺚ أﳒﺰت‬
‫أﻋﻤﺎل اﻟﺘﺮﻣﻴﻢ واﻟﺘﺠﻬﻴﺰ واﻟﺘﻮﺳﻌﺔ وﻓﻘ ًﺎ ﳌﻮاﺻﻔﺎت اﻹرث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺘﺮاﺛﻲ‪.‬‬
‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫علمية ‪ -‬دينية ‪ -‬فصلية‬


‫تصدر عن منتدى االعجاز العلمي يف القرآن والسنة‪-‬لبنان‬
‫اإلعجاز العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬
‫جمعية علم وخرب ‪ / 279‬أد ‪ - 2005 /‬تعديل ‪ / 54‬أد ‪2007 /‬‬

‫الفهرس‬
‫�ص ‪4‬‬ ‫�أ‪� .‬صالح �سالم‬ ‫اخلري باق‬
‫�ص ‪6‬‬ ‫�أ‪ .‬ريان فار�س �صف�صوف‬ ‫�أمهات عازبات‪� :‬إعجاز الفطرة‬
‫ال�سليمة‬
‫�ص ‪12‬‬ ‫�أ‪ .‬جود �سكاكيني‬ ‫جمتمعات ال ت�صلح لتكون قدوة‬
‫�ص ‪14‬‬ ‫د‪ .‬رم�ضان الكاتب‬ ‫التداوي بنوى التمر ‪� -‬إعجاز نبوي‬
‫�ص ‪18‬‬ ‫د‪.‬من�صور العبادي‬ ‫اجلهاز التنف�سي خلق معجز‬
‫�ص ‪25‬‬ ‫د‪ .‬عبد الحميد القضاة‬ ‫البكترييا‪ ,‬عامل يف خلية‬
‫�ص ‪31‬‬ ‫د‪ .‬محجوب طه‬ ‫بني العلم الطبيعي والإميان بالغيب‬
‫�ص ‪33‬‬ ‫د‪ .‬محمد أمجد خان‬ ‫دهن اخلنزير مي َّو ه بالأرقام‬
‫�ص ‪38‬‬ ‫د‪ .‬أحمد مليجي‬ ‫الف�ساد البيئي‬
‫‪Five Skills Of Positive Genius‬‬
‫�ص ‪62‬‬ ‫‪Jinan Youssef‬‬ ‫‪that Prophet Muhammad Had‬‬
‫�ص ‪66‬‬ ‫د‪.‬حممد فر�شوخ‬ ‫تر ّب�صوا‬
‫رئيس التحرير‪ :‬العميد الركن المتقاعد الدكتور محمد فرشوخ‬
‫االشراف الفقهي واللغوي‪ :‬القاضي المهندس أسامة منيمنة‬ ‫العالقات العامة‪ :‬األستاذ أحمد مختار الزاملي‬

‫الهيئة اإلدارية لـ «منتدى اإلعجاز العلمي في القرآن والسنة في لبنان‪:‬‬


‫نائب الرئيس‪ :‬األستاذ باسم علي‬ ‫الرئيس والمدير المسؤول‪ :‬ع‪.‬ر‪.‬م‪ .‬د‪ .‬محمد فرشوخ‬
‫أمين الصندوق‪ :‬األستاذ أحمد مختار الزاملي‬ ‫أمين السر‪ :‬األستاذ بهيج مومنة ‬
‫مستشار‪ :‬األستاذ صالح سالم‬ ‫ ‬‫المحاسب‪ :‬األستاذ زهير الجندي‬
‫مستشار‪ :‬د‪ .‬خالد حسين‬ ‫ ‬ ‫مستشار‪ :‬النقيب د‪.‬غسان رعد‬
‫توزع هذه المجلة مجانًا‬
‫اإلخراج والطباعة‪IPEX :‬‬
‫المؤازرة العلمية‪ :‬الهيئة العالمية لإلعجاز العلمي في القرآن والسنة‬

‫للمساهمة في توسيع انتشار هذه المجلة‬


‫التبرع لدى بنك عودة رقم الحساب‪:‬‬
‫‪878 074 461 002 062 01‬‬
‫‪IBAN:LB 0300 56000 878 074 461 002 062 01‬‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪3‬‬
‫اإلفتتاحية‬
‫أ‪.‬صالح سالم‬

‫اخلري باق‬
‫ما دب الي�أ�س يف النا�س مر ًة �إال ظهر الأمل بعده‪ ،‬فم�سح �أثره و�أ�شعل الهمم و�أثار احلمية والنخوة‬
‫واملروءة‪.‬‬
‫قتل ودمار‪ ،‬نرى النا�س يرممون وي�صلحون‬ ‫قد �شهدنا الكثري من احلروب والفنت‪ ،‬وكنا‪ ،‬بعد كل و�صلة ٍ‬
‫ما �أف�سدته الأيادي ال�سوداء‪ ،‬وك�أن الأيام مبرورها مت�سح الآالم بالن�سيان‪ ،‬وك�أن الأعمال والأ�شغال‬
‫تطوي اجلراح والأحزان‪ .‬ولئن بقيت الذكرى فلكي توقد يف االن�سان الرغبة يف تعوي�ض ما فات‪.‬‬
‫بع�ض الأقوام ي�سافرون هرب ًا وي�أ�س ًا وقنوطا‪ ،‬و�أغلب �أهل الإميان يرابطون وي�صربون ويتحملون‪،‬‬
‫و�س ّرهم ب�سيط لكنه عميق‪ ،‬هو �أنهم بربهم م�ؤمنون‪ ،‬وعليه يتوكلون‪ ،‬وب�أقدارهم م�س ّلمون‪ ،‬ال‬
‫ي�ست�سلمون وال ينثنون‪ ،‬و�إذا انكف�أوا عادوا �أ�شد قو ٍة و�إ�صرارا‪.‬‬
‫يعلمون �أن اهلل علي ٌم بالظاملني‪ ،‬و�أنه موهن كيد الكافرين‪ ،‬و�أنه ال ي�ضيع �أجر من �أح�سن عمال‪ ،‬و�أنه‬
‫معهم �أينما كانوا‪ ،‬و�أنهم يف �أر�ض رباط‪ ،‬و�أنهم لن ي�ستبدلوا املكابدة يف الدنيا والرخاء يف الآخرة‬
‫على الرخاء يف الدنيا وخ�سارة الآخرة‪.‬‬
‫ما ر�أينا �أحدهم يبا�شر يف عمل خريي �إال وجدنا من ي�ش ّد على يده وي�ساهم يف م�شروعه‪ ،‬وما �ساهم‬
‫�أح ٌد يف نفقات تعليم فقري �إال وجد من يقتدي به ويعمل عمله‪ ،‬وما �أ�صيب �أح ٌد مب�صيبة �إال ر�أينا من‬
‫ي�سارع يف جندته ويقيله من عرثته‪ .‬ور�سول اهلل‪� ،‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬يقول‪" :‬اخلري بي وب�أمتي �إىل‬
‫يوم القيامة"‪.‬‬
‫ومن تع ّود الإنفاق على اخلري‪ ،‬يعلم �أنه ما �أنفق �أح ٌد نفق ًة �إال عادت عليه �أ�ضعاف ما قد �أنفق‪ ،‬واهلل‬
‫تعاىل يقول‪َ ...} :‬و َما �أَ ْن َف ْقت ُْم ِمنْ َ�ش ْيءٍ َف ُه َو ُي ْخ ِل ُف ُه َوهُ َو َخ رْ ُي ال َّرا ِز ِقنيَ{‪ .‬وما بخل �أحد مب�ساعدة و�آثر‬
‫نف�سه على غريه �إال انح�سرت ثروته و�ضاقت حيلته‪ ،‬وما احتكر �أحد طعام ًا �أو غذا ًء �إال كانا عليه وبا ًال‬
‫وبالءا‪.‬‬
‫باق يف‬‫واخلال�صة �أنه وعلى الرغم من �ضيق املعي�شة والأحوال املادية املرتدية يف بالدنا ف�إن اخلري ٍ‬
‫النا�س وان اهلل ال ي�ضيع �أجر املح�سنني‪.‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪4‬‬
‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫لكمة العدد‬
‫القدس أسرية!‪...‬‬
‫جيل آخر فاشل‬
‫عت يف طريقنا‬ ‫ك�أنك يا قد�س معيا ٌر لرجولتنا و�شهامتنا و�شجاعتنا وعمق �إمياننا‪...‬ك�أنك يا قد�س ُو ِ�ض ِ‬
‫لندرك �أننا نحتاج �إىل تقومي وت�صحيح لكل املفاهيم ويف كل امليادين‪......‬من اكتفى من القد�س بامل�سجد!‬
‫ومن امل�سجد بال�صخرة! فقد �ض ّيق على نف�سه العقل وال�صدر والدنيا والآخرة‪ .‬القد�س موطئ وموطن‪،‬‬
‫موطئ النبي الأعظم �صلى اهلل عليه و�سلم ليلة الإ�سراء واملع راج‪ ،‬وموطن �أبي الأنبياء �إبراهيم والر�سل‬
‫وال�شهداء‪� .‬أ�ضرحة ماثلة و�أ�ضرحة تتهي�أ‪ ،‬والتناف�س على ملئها �شديد و�أهلها ال ينتظرون النجدة من‬
‫البعيد‪.‬‬
‫ك�أنك يا قد�س ق رار ن�صنعه ب�أيدينا وتكتبه ال�سماء يف �صحفنا‪ ،‬ك�أنك تقولني‪�} :‬إِنْ �أَ ْح َ�س ْنت ُْم َ�أ ْح َ�س ْنت ُْم‬
‫ِلأَ ْن ُف ِ�س ُك ْم َو ِ�إنْ َ�أ َ�س ْ�أ مُْت َف َل َها{ [الإ�سراء‪...]7 :‬‬
‫ك�أنك دائم ًا ِق بل ٌة �أوىل‪ ،‬فمن رف�ضك حتولت عنه القبلة‪ ،‬وجاء �آخرون لي�ؤمنوا بهذا الدين هم �أ�شد ب�أ�س ًا‬
‫و�أوثق عهدا و�أعمق يقينا‪.‬‬
‫مل ت�سقط القد�س اليوم‪ ،‬بل �سقطت قبل مئة �سنة‪ ،‬يوم تعاون �أ�سالفنا مع الكذبة �ضد �إخوانهم يف‬
‫الدين‪ .‬مع كل غروب ت�سقط القد�س من جديد‪ ،‬ون�سقط نحن من �أعني العامل والتاريخ‪.‬‬
‫ك�أنك يا قد�س مربد يزيل الطالء الرباق ويك�شف البواطن ال�صدئة‪ ،‬فتف�ضحني �أ�صحاب العرو�ش‬
‫خطر‬
‫والكرو�ش والقرو�ش‪ .‬لو تعلم الأمة �أن القد�س منذ �سقطت جعلت امل�سالك �إىل مكة واملدينة يف ٍ‬
‫دائم داهم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أجلك‪ .‬نوح الرجال النائحني وبكاء املنافقني ال يرفع املالمة عن‬ ‫ّ‬
‫عنك‪ ،‬كلما قل العمل ل ِ‬ ‫كلما كرث الكالم ِ‬
‫الأمة وال يك�شف عنها ال ُغ ّمة‪ ،‬فقد ف�شلت �أجيال القرن املا�ضي جميعها‪ ،‬ومعها جيلنا احلايل ومل يبق �إال‬
‫الإ�صرار على جندتك‪ ،‬و�إعداد الأجيال املقبلة لإنقاذك‪.‬‬
‫�أما فهمنا بعد ملاذا يعملون على �إبعاد �أوالدنا عن دينهم!؟ و�إ�شغالهم عنك و�إلهائهم؟اللهم ن ِّور ب�صائرنا‬
‫وب�صائر الأجيال القادمة‪.‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪5‬‬
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫األم العزابء‪...‬ظاهرة خمالفة لدلين وللطبيعة‬


‫ادلمناركيات يتوجهّن حنو التلقيح اخملتربي‬
‫أ‪ .‬ريان فارس صفصوف*‬

‫مني يف منطقة جتالند الدكتور �أوليه‬ ‫مدير �أكرب بنك ّ‬ ‫تف�شت يف العقد الأخري ظاهرة الأم العزباء وظهرت‬ ‫ّ‬
‫�شو �أنّ ‪ %85‬من الأمهات العازبات ترتاوح �أعمارهن‬ ‫خا�صة الدمنارك‬ ‫بو�ضوح يف البالد اال�سكندنافية‪ّ ،‬‬
‫بني ‪ 31‬و ‪� 45‬سنة‪ ،‬ون�صفهن حا�صالت على درجات‬ ‫ً‬
‫والتي تعد من �أكرث الدول تقبال وت�شجيعا لهذه الفكرة‬
‫عليا يف الدرا�سات اجلامع ّية‪.‬‬ ‫ح�سب الدرا�سات والإح�صائيات‪ .‬فكان اجتاه عدد ال‬
‫ان ت�صبح املر�أة �أم عزباء لي�س هو اخليار ا أل ّول كما‬ ‫ب�أ�س به من الن�ساء الدمناركيات �إىل ت�أ�سي�س عائلة ال‬
‫�أظهرت درا�سة �أجريت يف جامعة كومبهاغن ‪ ،‬بل‬ ‫مما أ� ّدى �إىل والدة طفل‬ ‫ي�شارك فيها زوج �أو �شريك‪ّ ،‬‬
‫�أنّ ت�سعني باملائة من الن�ساء اللواتي �أجريت عليهن‬ ‫واحد من ع�شرة �أطفال بهذه الطريقة‪ ،‬وذلك بح�سب‬
‫الدرا�سة يف جميع العيادات العا ّمة �أردن اجناب طفل‬ ‫الدرا�سة التي ن�شرتها الباحثة الدمنارك ّية هيلني را�سل‬
‫مع �شريك �أب‪ ،‬اما فكرة الأم العزباء فكانت مبثابة‬ ‫عام ‪.2015‬‬
‫الفكرة البديلة بعدما �أ�صبح وا�ضح ًا لهن �أنه لن جتدن‬ ‫التوجه بعد ظهور خمتربات تق ّدم معاجلة‬ ‫منا هذا ّ‬
‫مثال الأب الكامل املعنى لإبنائهن وبناتهن‪.‬‬ ‫جمان ّية للخ�صوبة لدى العازبات يف عام ‪،2007‬‬
‫كما �أ�شارت بذلك مديرة �أحد تلك املختربات‪ .‬وقد‬
‫يقول الربوف�سور لون �شميدت امل�س�ؤول عن �إدارة‬ ‫انت�شرت هذه املعاجلات عام ‪ 2014‬حتى �أنها �أ�صبحت‬
‫ال�صحة العا ّمة يف جامعة كوبنهاغن �أنّ �أغلبهن �أردن‬ ‫واخلا�صة‪ .‬وبعد درا�سة هذه‬
‫ّ‬ ‫جترى يف العيادات العا ّمة‬
‫الإجناب بالطريقة التقليد ّية ولكن ال�شريك مل يكن‬ ‫تو�صل الباحثون �إىل‬ ‫اخلا�صة بتلك الن�سوة ّ‬
‫ّ‬ ‫البيانات‬
‫جاهزا‪ ،‬وهذا ما حدث مع خريجة احلقوق �ساين‬ ‫�أنّ الدمنارك لديها �أعلى ن�سبة يف الوالدة عن طريق‬
‫فورد (‪ 41‬عام) والتي قالت يف �سياق حديث مع‬ ‫الربنامج امل�ساعد يف التلقيح‪ .‬وقد �شاع ذلك حتى �أن كل‬
‫باحثي كوبنهاغن‪ ":‬كان هناك العديد من االحتماالت‬ ‫فرد يف املجتمع الدمناركي قد خا�ض هذه التجربة �أو‬
‫التي �أث ّرت على اتخاذي هذا القرار‪� ،‬إذ كنت دوم ًا‬ ‫يعرف من خا�ضها‪ .‬وقد الحظت بنوك املني �أنّ الإقدام‬
‫امتنى اجناب ثالثة �أو �أربعة �أطفال ولكن �صديقي‬ ‫على هذا الأمر ال يقت�صر على املثل ّيات من الن�ساء بل‬
‫مل يكن جاهز ًا‪ .‬بعدما تخطيت الثالثني دخلت يف‬ ‫يتع ّدى ذلك �إىل الن�ساء امل�ستقيمات جن�س ّي ًا‪ .‬وقد �أ�شار‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪6‬‬
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫عجزها‪ .‬وهذا ما حدث مع كرون كري�ستني (‪� 40‬سنة)‬ ‫عالقات عديدة‪ ،‬بع�ضهم كان مهتم ًا ببناء حياته‬ ‫ٍ‬
‫�أكادمييةمنكوبنهاغن‪،‬والتيقالت‪�":‬أم�ضيتالثالثينات‬ ‫املهن ّية والبع�ض الآخر كان ال يريد �إجناب �أطفال من‬
‫ألتق‬
‫أح�ضر للدكتوراه يف علم الأع�صاب ومل � ِ‬ ‫من عمري � ّ‬ ‫الأ�سا�س‪ .‬كما ر�أيت من �صديقاتي من �أردن الإجناب‬
‫خاللها بالرجل الذي يرغب يف الإجناب‪ ،‬فلج�أت �إىل‬ ‫من �صديقها احلميم مع علمهن بعدم دوام هذه العالقة‬
‫التلقيحاملختربي”‪.‬‬ ‫�أو جديتها‪ ،‬ملجرد �أنّ فكرة الإجناب كانت م�سيطرة‬
‫عليهن‪ .‬و�أي�ض ًا ر�ؤيتي لعائالت تقليد ّية ّ‬
‫تتحطم وت�أثري‬
‫وقد تبينّ �أن ماليني من الن�ساء اال�سكندنافيات قد قمن‬
‫طالق الأبوين ال�سلبي على الأوالد جعلني �أتخذ قراري‬
‫ب�أبحاث وحتر ّيات حول هذا املو�ضوع قبل اخلو�ض فيه‪.‬‬
‫و�أظهرت درا�ساتهن ب�أنّ �أداء املولودين من �أمهات عازبات‬ ‫ب�أنه يجب علي �أن �أفعل ذلك مبفردي"‪.‬‬
‫فكرت فورد بالتبني ولكنه �صعب عمل ّي ًا يف الدمنارك‬
‫�أف�ضل يف احلياة مقارنة ب�أقرانهم املولودين يف عائالت‬ ‫ك�أم عزباء ومكلف ج ّد ًا فخطر ببالها احل�صول‬
‫تقليد ّية‪،‬وال�سببهوالأحاد ّيةباتخاذالقراراتفيمايتع ّلق‬ ‫على طفل من �أحد �أ�صدقائها‪ ،‬لكنها تراجعت �إذ �أنّ‬
‫باالبن �أو االبنة‪ ،‬فال ي�ضيع �أو يت�شتت بني �شخ�صني من‬ ‫هذا احلل �سيعقد الأمور‪ .‬كما كانت مر ًة على و�شك‬
‫امل�ؤكد �أنهم لن يتفقوا على كل الأمور‪.‬‬ ‫القيام بعالقة الليلة الواحدة‪ ،‬مع علمها بان مثل هذه‬
‫الطريقة لي�ست بذات �ش�أن ومقبولة يف جمتمعها‪� ،‬إال‬
‫ا�ستيعابامل�س�ؤولني الدمناركيني للم�شكلة واملبادرةبح ّلها‪:‬‬ ‫�أ ّنها عادت ور�أت فيها خداع و�سرقة ملني �أحدهم‪.‬‬
‫نقلت �صحيفة بوليتيكن الدمنارك ّية الرائدة عن اح�صائية‬
‫متو�سط‬
‫اجريت يف م�ست�شفى جامعة كوبنهاغن‪� ،‬أنّ ّ‬
‫الإجناب للعائلة الدمناركية الواحدة ي�صل يف الوقت‬
‫الراهن �إىل ‪ 1.7‬طفل لكل عائلة‪ ،‬وهذا ال يكفي حلماية‬
‫التعداد ال�سكاين‪ ،‬اذ يجب �أن يكون املع ّدل ‪ 2.1‬طفل‬
‫لكل عائلة من اجل احلفاظ على وجود عن�صر ال�شباب‬
‫الدناميكيواملنتج‪.‬‬
‫وعلى �ضوء هذا االنخفا�ض‪ ،‬دعا الباحثون يف امل�ست�شفى‬
‫�إىلت�ضافرجهودال�سيا�سينيالراميةلزيادةالوعيوتعزيز‬
‫البحوثلتحفيزاملواطننيعلىرفعن�سبةاالجناب‪،‬وال�سعي‬
‫جلعلفكرةت�شكيلالأ�سرةفكرة�أكرثجاذبيةلل�شباب‪.‬‬
‫وال�صحة يف الدمنارك ب�صدد و�ضع‬
‫ّ‬ ‫فوزارتا التعليم العايل‬
‫برامج تعليم ّية يف املدار�س حت ّول من خاللها املفاهيم‬
‫القدمية يف الرتبية اجلن�س ّية والتي هدفها عدم الإجناب‬
‫من ناحية �آخرى‪ ،‬أ� ّدى التح ّرر املفرط يف املجتمع �إىل مفاهيم التوعية على م�شاكل التخ�صيب وكيف ّية‬
‫الدمناركي والرغبة باحل�صول على التعليم العايل ومن ّثم معاجلته من جهة و�أهمية ت�أ�سي�س عائالت ب�أعما ٍر �شابة‬
‫ا�ستثماره يف م�سا ٍر مهني ‪� ،‬إىل �أن تدرك املر�أة بعد فوات من جهة �آخرى‪ .‬فبح�سب الدكتور لون �شميدت من جامعة‬
‫ت�شجع طالبها على‬ ‫الأوان �أنها تريد ولد ًا يقف �إىل جانبها يف حياتها وعند كوبنهاغن‪ " :‬يجب على اجلامعات �أن ّ‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪7‬‬
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫تو�صل�إليهارئي�سق�سمال�صحة‬
‫مثالذلكهوالنتيجةالتي ّ‬ ‫ت�أ�سي�س عائالتهم وهم ال يزالون على مقاعد الدرا�سة‬
‫�شجع علىالإجنابعلى‬‫العا ّمةيفجامعةكومبهاغنالذي ّ‬ ‫وبالتوازي يجب �أن تكون مرنة مع ه�ؤالء عرب ال�سماح‬
‫مقاعد الدرا�سة بعدما كان الغرب ي�سخر من هذه العادة‬ ‫لهم بح�ضور دوام جزئي �أو مبنحهم اجازات �أمومة عند‬
‫عند امل�سلمني‪ .‬كما بد�أ الباحثون يطلقون النداءات �إىل‬ ‫الوالدة"‪.‬‬
‫�ضرورةالزواجاملب ّكرحفاظ ًاعلى�صحةالفرد‪،‬و�إنقاذهمن‬ ‫وتعترب الدمنارك من �أكرث الدول الداعمة ماد ّيا واجتماع ّياً‬
‫املوت فيما لو ا�ستغرق يف الفاح�شة وال�شذوذ اجلن�سي‪ .‬لقد‬ ‫للعائالت مبختلف ت�شكيالتها (العائلة التقيليد ّية‪ ،‬املثل ّية‪،‬‬
‫وجد العلماء �أن الزواج واالجناب املت�أخرين لهما م�ساوئ‬ ‫الأحاد ّية‪ )...‬ن�سبة لطول فرتة �إجازة الأمومة بعد الوالدة‬
‫اجتماعية ونف�سية‪ .‬وقد بدا ذلك وا�ضح ًا عند رجال ال‬ ‫واخلدمات املتوفرة وامل�صاريف املغطاة‪ .‬كما �أنّ توظيف‬
‫يرغبون بتح ّمل م�س�ؤولية الأوالد‪ ،‬ولدى ن�ساء اخرتن‬ ‫االمهات يف الدمنارك يح�صل على �أعلى مع ّدل يف العامل‬
‫اجللو�س يف خمتربات لكي حتملن‪.‬‬ ‫لأنها دولة ترعى وتنفق على االمهات قبل الوالدة وبعدها‪،‬‬
‫فت�ؤ ّمنلهنكافةاالحتياجاتمبافيهادوراحل�ضانةالعالية‬
‫امل�ستوى‪ ،‬فال يجب �أنّ ي�ش ّكل الإجناب �أي �ضرر على امل�سار وملّا كانت الأ�سرة هي �أ�سا�س املجتمع وركيزته االوىل‪ ،‬اهتم‬
‫خا�ص ًا و�ش ّرع لها ما �إذا اتبعناه‬ ‫ديننا احلنيف بها اهتمام ًا ّ‬ ‫املهنيللمر�أة‪.‬‬
‫جنحنا يف �إن�شاء �أ�سرة مرتابطة متما�سكة ت�صلح مع‬
‫�صحي و�صحيح‪ .‬بقوله‬ ‫ب�شكل ّ‬ ‫مثيالتها يف بناء جمتمعاتنا ٍ‬ ‫نظرةالإ�سالم‪:‬‬
‫قد يكون التلقيح املخربي مقبو ًال و�سائغ ًا يف الدمنارك �أو اهلل تعاىل } َو ِمنْ �آَ َيا ِت ِه �أَنْ َخ َلقَ َل ُك ْم ِمنْ �أَ ْن ُف ِ�س ُك ْم �أَ ْز َو ًاجا‬
‫حتى يف �أوروبا و�أمريكا كلها‪ ،‬ب�سبب وجود معطيات تخ�ص ِلت َْ�س ُك ُنوا �إِ َل ْي َها َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم َم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة ِ إ� َّن فيِ َذ ِل َك َلآَ َي ٍات‬
‫جمتمعهم البعيد اجما ًال عن الن�صو�ص الدين ّية والقريب ِل َق ْو ٍم َي َت َف َّك ُرونَ {‪�[-‬سورةالروم‪]21‬‬
‫واملتابع للأبحاث العلمية امل�ستقاة من �أ�سلوب حياتهم وعندما اختلفت الأزمنة وظهر الف�ساد وابتعد النا�س عن‬
‫ب�شكل ي�ؤذي القلوب قبل الأج�ساد‪ ،‬ولكنه مرفو�ض الدين الق ّيم وهو �سر ال�سعادة يف �شتّى ميادين احلياة‪،‬‬ ‫املتحرر ٍ‬
‫يف جمتمعنا احلا�ضن جلوهرة الكتب يف العلم والدين‪� ،‬أال تغريت نظرة الكثري منهم حلاجة وهدف واهمية الزواج‬
‫وهو القر�آن الكرمي الذي علمنا على الفطرة } ِف ْط َر َة اللهَّ ِ وح�صروهباملتعةاجلن�س ّيةوالإجنابمنجهةوامل�س�ؤوليات‬
‫ا�س َع َل ْي َها لاَ َت ْب ِد َيل لخِ َ ْل ِق اللهَّ ِ َذ ِل َك الدِّينُ الثقيلةامل�ضنيةمنجهةاخرى‪.‬فنزعواعنهالإطارال�سليم‬ ‫ا َّل ِتي َف َط َر ال َّن َ‬
‫لطفل خارج‬ ‫واختلفوا يف البدائل‪ ،‬ومن ذلك اجناب املر�أة ٍ‬ ‫ا ْل َق ِّي ُم َو َل ِكنَّ أَ�كْثرَ َ ال َّن ِ‬
‫ا�س لاَ َي ْع َل ُمونَ { ‪ -‬الروم‪30 :‬‬
‫�إذا عدنا �إىل هذه الدرا�سات الأجنبية نرى �أنها مبنية نطاق الزواج ال�شرعي من خالل عالقة حميمة‪ ،‬وما �أكرث‬
‫على �أ�سا�س �ضعيف‪ ،‬ومع ّر�ضة لل�سقوط لأهون الأ�سباب هذه احلاالت‪� ،‬أو مبفردها من دون عالقة طبيع ّية مع رجل‪،‬‬
‫و�أب�سطها‪ ،‬ومنها ارتفاع ن�سبة الزيجات الفا�شلة يف الغرب‪ ،‬وهذا كان عرب االجناب املختربي والذي تناولناه يف بحثنا‬
‫فالعائلةهينواةال�شعوباملتما�سكةالقادرةعلىاملواجهة‪ .‬هذا‪.‬‬
‫وقدابتدعواكالم ًايبدوظاهري ًامنطقي ًالعالقةغري�سليمة فكان مرفو�ضا جملة وتف�صيال من قبل علمائنا وفقهائنا‪،‬‬
‫ً‬
‫وو�ضحواذلكبقولهم�أنّ ال�ضح ّيةالأوىللهذهالطريقةهم‬ ‫ّ‬ ‫تربط �أفراد املجتمع الغربي‪ :‬الرجل‪ ،‬املر�أة‪ ،‬والطفل‪.‬‬
‫تو�صلوا�إىلنتائج�أ�صبحتحقائق الأوالد بعك�س ما ب ّررته الأبحاث الدمنارك ّية التي قالت �أنّ‬ ‫ولكنهمبالبحثوالتحليل ّ‬
‫امل�ستفيدون هم الأوالد الذين ال يتخ ّبطون ب�آراء �شخ�صني‬ ‫لديهم وهي من الثوابت عندنا‪.‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪8‬‬
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫‪-‬ال تنح�صر الآثار ال�سيئة املرتتبة عن غياب الأب على‬ ‫متناق�ضني يف املنزل‪ .‬ولكن يف احلقيقة الأوالد هم الذين‬
‫تط ّور �صفات غري رجولية كالإذعان واالعتمادية على‬ ‫يدفعون الثمن الأكرب من �ضريبة العزوف عن ال�س ّنة‬
‫الغري والتخ ّنث‪ ،‬بل يتع ّداها �إىل تط ّور �سلوك غري اجتماعي‬ ‫الطبيعة لوالدة الب�شر‪� ،‬إذ �أنّ وجود الأب والأم مع ًا يوازن‬
‫كاخل�شونة �أو الفظاظة يف املعاملة واالنتماء �إىل ع�صابات‬ ‫نف�سية الطفل وبتعاونهما وتنا�صحهما ت�ستقيم كل مراحل‬
‫وعقدة�أوديبوطبع ًاال�شذوذاجلن�سي‪.‬‬ ‫الرتبيةال�سليمة‪.‬‬
‫بناء ًاملاتق ّدمن�ستعر�ض�أبرزالتداعياتوالت�سا�ؤالتاملت�أت ّية‬
‫عن تهمي�ش دور الأب وخرق القانون الطبيعي ل�س ّنة احلياة‬
‫طريقيخالفالفطرةالإلهية‪:‬‬ ‫و�س َّنةاهللتعاىلوب�سلوك ٍ‬
‫‪-‬يحمل الطفل اجلينات الوراثية للأب والأم‪ .‬فالأب جزء‬
‫من تاريخه‪ ،‬وحا�ضره‪ ،‬وهو جزء من �شكله ومظهره مبا فيه‬
‫�أذناهالكبريتانوم�شيتهالغريبةالتي�أخذهامنه‪،‬يقولاهلل‬
‫تعاىل‪} :‬ا ْد ُعوهُ ْم ِ آل َبا ِئ ِه ْم هُ َو �أَ ْق َ�س ُط ِع ْن َد اللهَّ ِ { [الأحزاب‪:‬‬
‫‪ . ]5‬كذلك ف�إن من عوامل تربية الأطفال الأذكياء‬
‫والأ�صحاء هو وجود عالقة متكاملة و�سليمة يف البيت‪،‬‬
‫فالأطفال الذين ي�شرتك �آبا�ؤهم �أكرث يف حياتهم‪ ،‬تتك ّون‬
‫لديهممهاراتاجتماعية�أف�ضلعندماي�صلون�إىلمرحلة‬
‫احل�ضانة‪،‬كماي�صبحون�أكرثقدرةعلىالتح�صيلالعلمي‬
‫‪-‬الت�أثري ال�سلبي على االبنة يظهر بفقدانها احلب‬ ‫يف ال�سنوات التالية و�سيكونون اكرث �سعادة يف حياتهم‬
‫والعاطفة الأب ّوية‪ ،‬لذلك عندما تكرب تكون قد فقدت‬ ‫فيما بعد‪ .‬فالأب ّوة هي حماية الأطفال والأوالد من امل�شاكل‬
‫الثقة بالرجل‪ ،‬وهذا يو ّلد احتما ًال كبري ًا بخو�ضها‬ ‫واملخاطروجعلهممتوافقنيمعجمتمعهموبيئتهم‪.‬فكيف‬
‫اذا مل يكن الأب موجود ًا؟‬
‫جتربة �أمها ذاتها‪ ،‬بالإجناب املختربي‪� .‬أم ّا الأثر على‬ ‫‪-‬عندما ال يكون الأب موجود ًا‪ ،‬يخ�سر الولد تلقائ ّي ًا عائلة‬
‫االبن فهو �أعمق أل ّنه يفقد قيمته يف املجتمع‪ ،‬وحتى‬ ‫�أبيه ب�أكملها‪ ،‬من َجديه و�أعمامه وعماته و�أقرانه من‬
‫ي�صحح خط�أ �أ ّمه‬
‫لو �أراد �أن ي� ّؤ�س�س لعائلة �سليمة و�أن ّ‬ ‫الأقرباء‪.‬وبذلكتكونن�صفعائلتهب�إيجابياتهاو�سلبياتها‬
‫م�ستقب ًال‪ ،‬هل �سي�ستطيع بوجود كل تلك العقد املرتتبة‬ ‫مو�سعة حتمل بطياتها‬ ‫قد ُن�سفت‪ .‬مع العلم �أنّ وجود عائلة ّ‬
‫الكثري من القيم االن�سانية احلميدة التي تعزّز �شخ�صية‬
‫من ا�سا�س تربيته؟ ماذا لو مل ُيرد الأب ّوة �أي�ض ًا‪ ...‬هل‬ ‫الولد وتن ّمي عقله وتربطه مبا�ضي والديه وحا�ضرهما‪.‬‬
‫�سنعود لنف�س الدوامة؟‬ ‫اجلناحموجود ًا؟ماذايح�صلللإبن‬ ‫فكيفاذامليكنهذا َ‬
‫�سلبي �آخر يتك ّون بعالقته مع �أقرانه و�أوالد جيله‬
‫‪�-‬أث ٌر ٌّ‬ ‫�أو الإبنة عندما متر�ض الأم مث ًال‪� ،‬أو عندما ت�ضطر لل�سفر‬
‫الذين يعي�شون يف عائلة متكاملة‪ .‬احتمال الغرية‬ ‫يف عمل‪� ،‬أو �إذا توفيت! ‪ ...‬من �سيهتم به عندما يفقد �أمه‬
‫ومو�سعة؟ �سري�سل �إىل دار‬ ‫حيث ال �أب وال عائلة حا�ضنة ّ‬
‫واحل�سد يكون عالي ًا وم�ؤذي ًا يف العديد من الأحوال‪،‬‬ ‫الأيتام�أوي�صبحم�شرد ًا؟‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪9‬‬
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫الطبيعية‪.‬‬ ‫�س ُيظهر ا�ضطرابات �سلوكية وجنوح من جهة‪ ،‬وثقة‬


‫ربع رجل معني‬ ‫‪-‬ماذا عن اختالط الأن�ساب؟ فمثلما ت ّ‬ ‫�ضعيفة بالنف�س من جهة �آخرى‪.‬‬
‫ربع لتلك‪ .‬واخلط أ� االن�ساين يف‬ ‫لهذه‪ ،‬ميكن �أ ّنه ت ّ‬ ‫‪-‬ماذا عن الأم؟ من امل�ؤ ّكد �أنها لن ترغب بالعي�ش‬
‫حاالت كهذه وارد ج ّد ًا يف املختربات ومكاتب حفظ‬ ‫مبفردها طول العمر‪ ،‬وهي بالت�أكيد بحاجة لرجل‬
‫البيانات‪ ،‬و�أي خط�أ �صغري يكون ت�أثريه كارث ّي ًا على‬ ‫ي�ساندها وي�ؤ ّمن لها احتياجاتها العاطف ّية‪ .‬ما ت�أثري‬
‫جمتمعات كبرية‪ ،‬كالزواج من الأخت التي ال يعرفها‬ ‫غريب‬
‫ٍ‬ ‫رجل‬
‫ذلك على ولدها الذي �سي�ستيقظ على ٍ‬
‫وكذلك العمة في�صبح احتمال الزواج من املحارم‬ ‫داخل البيت و�سيبيت على رجل غريب �آخر خارج ًا‬
‫عالي ًا يف هذه احلالة‪.‬‬ ‫مع أ� ّمه؟ ماذا �سيكون موقف ابنها �أو ابنتها من كل‬
‫‪�-‬ش ّبه علما�ؤنا طريقة الإجناب هذه بنكاح اال�ستب�ضاع‬ ‫ه�ؤالء الغرباء؟ �سي�صبح البيت بيئة حا�ضنة لل�شواذ‬
‫الذي كان �سائد ًا يف اجلاهل ّية‪ .‬وكان نكاح ًا انتقائي ًا‬ ‫والرذيلة‪ ،‬ومع الوقت �سيتقبلون و�سي�شاركون؟‬
‫م�ؤقت ًا‪ ،‬يقرره الزوج ويجرب زوجته عليه‪ ،‬بعد ان يكون‬ ‫‪ -‬أ� ّما بالن�سبة للأم‪ ،‬فهل تريد من الرجل �أن يكون‬
‫قد ح�سم اختياره للرجل – النموذج‪ ،‬الذي �ستت�صل به‬ ‫�أب ًا لولدها �أو ابنتها فيزيد ذلك من ارتباطها به؟ �أم‬
‫زوجته جن�سي ًا‪ ،‬بعد انقطاع دورتها ال�شهرية مبا�شرة‪.‬‬ ‫�سيكون جمرد رفيق �شهوة م�ؤقتة ؟ ويف هذا احلال‬
‫وغالب ًا ما يكون هذا الرجل �شاعر ًا او فار�س ًا عربيا‪،‬‬ ‫كيف �ستكون عالقته بطفل ال �أب له؟ هل �سي�شكلون‬
‫فتحمل الزوجة منه وتعود �إىل زوجها ويعتزل امر�أته‬ ‫عبئ ًا عليه �أم فر�صة لبناء عائلة حقيق ّية فيما بعد؟‬
‫حتى يتبينّ حملها‪ ،‬وبعد �أن تلد ين�سب الزوج هذا‬ ‫خا�صة‬‫مع العلم �أنّ هذا الرجل غريب و�سيبقى غريب ًا ّ‬
‫الطفل اليه رغبة منه يف حت�سني الن�سل �أو اجناب‬ ‫للإبنة حتى لو تز ّوج من الأم؟‬
‫الولد‪ .‬وهي عادة نبذها الإ�سالم وح ّرمها‪.‬‬ ‫‪-‬يف امل�ستقبل‪ ،‬عندما يكرب هذا الطفل وي�صبح �شاب ًا‬
‫يتبني لنا �أن اال�ضطرابات النف�سية واالجتماعية‬ ‫�ألي�س له احلق بالبحث عن �أبيه‪ ،‬هل �ست�سمح له‬
‫وال�صحية لأطفال الأمهات العازبات هي اكرث احتما ًال‬ ‫ال�سلطات واملراكز الطب ّية بالتعرف على هو ّية �أبيه؟‬
‫من التي تنجم عن الزيجات الطبيعية �إجما ًال‪ ،‬حتى‬ ‫هل من امل�سموح التع ّرف عليه عن قرب واالختالط‬
‫ان الطالق ال ي�سقط عن الآباء والأمهات املطلقني‬ ‫به؟ ماذا �سيكون �شعورهما جتاه بع�ضهما بع�ضا؟ هل‬
‫واجبات الرتبية والعناية املتبادلة ب�أطفالهم‪.‬‬ ‫�سيعترب االبن نف�سه جم ّرد منتج �صناعي ملكونني متت‬
‫ومن املعروف �أنه بالزواج ثم باالجناب تتح�سن‬ ‫منتج �آخر ال قيمة له؟ هل قب�ض‬ ‫درا�ستهما مثل �أي ٍ‬
‫احلالة النف�سية للإن�سان‪ .‬اذ اك ّدت بع�ض الدرا�سات‬ ‫ربع مبن ّيه المر�أ ٍة غريبة؟ هل كانت‬ ‫"�أباه" املال ليت ّ‬
‫�أن غري املتزوجني من كبار ال�سن يكونون �أكرث عر�ضة‬ ‫جم ّرد �صفقة وكان هو اخلا�سر الأكرب؟ العديد من‬
‫للإ�صابة بالنوبة القلبية واال�ضطرابات النف�سية‪ .‬ثم‬ ‫الأ�سئلة تَظهر لت�ؤ ّكد عدم �صحة هذه العالقة غري‬
‫جاءت درا�سات اخرى لت�ؤكد على �ضرورة “�إ�شباع”‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪10‬‬
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫ب�صحة �أف�ضل‪ ،‬ف�أكدوا �أن املتزوجني �أكرث �سعادة ويتمتعون بجهاز مناعي‬ ‫اجلانب العاطفي لدى الإن�سان ليتمتع ّ‬
‫�أقوى من �أولئك الذين يف�ضلون العي�ش وحيدين من دون عائلة‪.‬‬
‫ال�صالحِ ِ َني ِمنْ ِع َبا ِد ُك ْم َو ِ�إ َما ِئ ُك ْم ِ�إنْ َي ُكو ُنوا ُف َق َرا َء ُي ْغ ِن ِه ُم اللهَّ ُ ِمنْ َف�ضْ ِل ِه َواللهَّ ُ‬ ‫قال تعاىل } َو�أَ ِنك ُحوا الأَ َي َامى ِم ْن ُك ْم َو َّ‬
‫الل ِمن َف�ضْ ِل ِه{ ‪[ -‬النور‪]32:‬‬ ‫احا َح َتّى ُي ْغ ِن َي ُه ُم َهّ ُ‬ ‫َو ِا�س ٌع َع ِلي ٌم َو ْل َي ْ�س َت ْع ِف ِف ا َّل ِذينَ لاَ َي ِجدُونَ ِن َك ً‬
‫ا�ست ََطا َع من ُكم ا ْل َبا َء َة َف ْل َيتَزَ َّو ْج ‪َ ،‬ف إِ� َّن ُه َ�أ َغ ُّ�ض‬
‫اب َم ْن ْ‬ ‫ال�ش َب ِ‬ ‫وقال �سيدنا حم ّمد عليه ال�صالة وال�سالم‪َ « :‬يا َم ْع َ�ش َر َّ‬
‫ال�ص ْو ِم َف ِ إ� َّن ُه َل ُه ِو َجا ٌء»‪ ،‬كما قال �صل اهلل عليه و�س ّلم‪َ «:‬منْ‬ ‫ِل ْل َب َ�ص ِر ‪َ ،‬و َ�أ ْح َ�صنُ ِل ْل َف ْر ِج‪َ ،‬و َمنْ لمَْ َي ْ�ست َِط ْع َف َع َل ْي ِه ِب َّ‬
‫�أَ َح َّب ِف ْط َر ِتي َف ْل َي�سْتنَ َّ ِب ُ�س َّن ِتي‪َ ،‬و ِمنْ ُ�س َّن ِتي ال ِّن َك ُاح»‪ .‬فجعل لبناء الأ�سرة واجناب الأطفال �إطار حم ّدد هو الزواج‪،‬‬
‫وهو �إطا ٌر وا�ضح وحكيم وطاهر‪ ،‬بارك اهلل �سبحانه وتعاىل فيه وبنتاجه‪.‬‬
‫ونذكر بقول اهلل تعاىل وهو �أ�صدق القائلني‪} :‬ا ْد ُعوهُ ْم ِ آل َبا ِئ ِه ْم هُ َو �أَ ْق َ�س ُط ِع ْن َد اللهَّ ِ { [الأحزاب‪� .]5 :‬صدق اهلل‬
‫العظيم‪.‬‬
‫*من �صديقات منتدى الإعجاز العلمي يف القر�آن وال�سنة‬
‫‪- Article: “There’s no stigma”: why so many Danish women are opting to become single mothers.‬‬
‫‪Helen Russel, September 2015, Denmark.‬‬
‫‪- Politican Newspaper – Issue dated 18/02/2013‬‬
‫‪- Modern Families: Parents and Children in New Family Forms Book – Professor Susan Golombok,‬‬
‫‪Denmark‬‬
‫‪- Website: Arabia Baby Center‬‬

‫‪ -‬موقع جملة الإعجاز يف القر�آن وال�سنة – مقال الزواج للدكتور عبد الدائم الكحيل ‪www.iijazforum.org‬‬
‫‪ -‬موقع دار �إفتاء اململكة االردنية الها�شم ّية ‪� -‬سماحة املفتي العام ال�سابق الدكتور نوح �سلمان – حكم جتميد الأجنة بتاريخ ‪2010/04/27‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪11‬‬
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫جممتعات ال تصلح ألن تكون قدوة‬


‫اخليانة الزوجية مسترشية يف الغرب‬
‫أ‪ .‬جود سكاكيين*‬
‫و‪ %14‬من الزوجات يعرتفن باخليانة‪ ،‬وهذه الن�سب‬ ‫نرى �شعوبنا العربية والإ�سالمية تتجه ب�أنظارها نحو‬
‫تعترب عالية جد ًا‪ .‬والأخطر من ذلك �أن ‪ %17‬من‬ ‫الغرب‪ ،‬متوهمة �أنه قدوة مثالية للتح�ضر والتحرر!‬
‫الأزواج والزوجات يعرتفون ب�إقامة عالقة مع الأن�سباء‪،‬‬ ‫لكنها يف احلقيقة تنظر �إىل م�شاهد جميلة تخفي‬
‫وما ذلك �إال ليذكرنا بحديث النبي عليه ال�صالة‬ ‫خلفها م� ٍآ�س وباليا‪.‬‬
‫وال�سالم �أن " احلمو املوت"‪ ،‬وهم �أهل الزوجة و�أهل‬ ‫جمتمعات تتعرى وتختلط وجتتاز حدود ًا تن�سف بها‬
‫الزوج‪ ،‬تلك الفتنة التي يغفل عنها الكثريون‪ .‬فقد قال‬ ‫نواة املجتمع‪ ...‬نعني بها الأ�سرة! جمتمعات تغفل‬
‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪�" :‬إياكم والدخول على‬ ‫عن �أي �ضوابط وركائز من �ش�أنها �صون العالقات‬
‫الن�ساء فقال رجل من الأن�صار يا ر�سول اهلل �أفر�أيت‬ ‫الزوجية‪ .‬جمتمعات تتحلل وال يبقى منها �سوى �أفراد‬
‫احلمو قال احلمو املوت"(‪.)2‬‬ ‫بال روابط‪.‬‬
‫يفتح االختالط املفرط باب ًا للخيانة ويهدد بن�سف‬
‫اخليانة الأوىل قد جتر �إىل التكرار‬ ‫يح�صن الإن�سان نف�سه‪،‬‬
‫العالقات الزوجية يف حال مل ّ‬
‫فهو كتلة من ال�شهوات والأهواء التي ت�ضغط عليه‬
‫بح�سب درا�سة �أخرى �أجرتها "�أ�سو�شيتد بر�س"‬ ‫لتلبيتها‪ .‬ويظن الكثريون �أن يف التفريق بني اجلن�سني‬
‫وجملة الزواج والأ�سرة عام ‪ ،)3( 2016‬ف�إن ‪ %35‬من‬ ‫نو ٌع من التَخ ّلف لكنه يف احلقيقة حم�صنة للقلوب قبل‬
‫الأزواج والزوجات الأمريكيني اخلائنني م�ستعدون‬ ‫الفروج‪.‬‬
‫للخيانة مرة �أخرى‪� ،‬أي �أن باب اخليانة �إذا ُفتح ف�إنه‬
‫ي�صعب �إغالقه‪ ،‬بحيث ي�صبح الأمر عادي ًا وطبيعي ًا‬ ‫�أماكن حا�ضنة للخيانات‬
‫وك�أن ال �إثم فيه! ومن املرجح �أن تبد أ� هذه العالقات‬
‫يف العام الثاين من الزواج‪ ،‬كما تبني �أن الأزواج �أك َرث‬
‫قد ي�ستهني البع�ض �أو يغفل عن مدى خطورة مكان‬
‫القرتاف اخليانة من الزوجات‪ ،‬و�أن ‪%22‬‬ ‫ِ‬ ‫ُعر�ضة‬
‫العمل يف تفعيل اخليانة‪ ،‬ابت�سامة من هنا‪ ،‬ونظرة من‬
‫من الأزواج يعرتفون باخليانة مرة واحدة على الأقل‬
‫هناك ف�ضحكة يليها مغازلة‪ .‬فها هو �شاهد من اهلها‬
‫خالل الزواج‪ ،‬بينما ‪ %14‬من الزوجات (يعرتفن‬ ‫ي�شهد بذلك‪ ،‬درا�سة �أجراها معهد �إح�صائيات �أبحاث‬
‫باخلروج عن االلتزام بالعالقة الزوجية)“‪women‬‬ ‫الدماغ يف �أمريكا عام ‪ ،)1( 2016‬تك�شف �أن ‪ %36‬من‬
‫الأزواج والزوجات يعرتفون مبمار�سة عالقة مع زمالء ‪”admit to straying‬‬
‫يف العمل‪ ،‬و�أن ‪%35‬من الأزواج والزوجات يعرتفون التكنولوجيا واخليانة‬
‫باخليانة خالل رحلة عمل‪.‬‬
‫اخليانة �أ�صبحت ظاهرة خطرية‪ ،‬فهذه الدرا�سة ت�شكل التكنولوجيا احلديثة يف زمننا هذا‪ ،‬نافذة‬
‫�أ�شارت �إىل �أن ‪ %22‬من الأزواج يعرتفون باخليانة‪ ،‬للإقبال على اخليانة وممار�سة عالقات خارجة عن‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪12‬‬
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫تختلط الأن�ساب‪ ،‬ويخ�شى �أن يتزوج الأخ �أخته وهما ال‬ ‫الزواج على امل�ستوى اجل�سدي والعاطفي‪ ،‬قد تت�ضمن‬
‫يعلمان‪.‬‬ ‫مغازالت و�أحاديث حميمة ت�ستمر ل�ساعات‪ .‬ف�أظهرت‬
‫وعالج ذلك هو يف �أن ي�ؤدي كل من الزوجني حقه على‬ ‫�إح�صاءات �أمريكية عام ‪� )4( 2016‬أنه يف �أكرث من ثلث‬
‫�أكمل وجه‪ ،‬فالعاطفة واالهتمام املتبادلني والبذل‬ ‫الزيجات‪ ،‬يعرتف �أحد الطرفني �أو كالهما باخليانة‪.‬‬
‫والت�ضحية‪ ،‬ثم �إ�شباع الرغبات حتى ال ت�سرتق العني‬ ‫والأهم من ذلك �أن ‪ %10‬من العالقات تبد�أ على‬
‫النظر ومييل القلب �إىل ما ال يحل له‪ ،‬وامل�س�ؤولية‬ ‫الإنرتنت‪ ،‬و‪ %40‬منها تنتقل �إىل عالقات على �أر�ض‬
‫حت�صن زوجها من‬ ‫الأكرب تقع على الزوجة التي ّ‬ ‫الواقع‪.‬‬
‫الوقوع باحلرام فتكفيه وتر�ضيه بحنانها وعطفها كي‬
‫ال يجنح �إىل احلرام‪ ،‬بح�سب ما ب ّينه لنا الإ�سالم‪ .‬قال‬ ‫�أ�سباب اخليانة‬
‫عليه ال�صالة وال�سالم‪�«:‬إِ َذا َد َعا ال َّر ُج ُل ْام َر�أَ َت ُه �إِلىَ‬
‫ِف َر ِا�ش ِه َف َ أ� َب ْت َف َباتَ َغ�ضْ َبانَ َع َل ْي َها َل َع َن ْت َها ا َمل َال ِئ َك ُة َحتَّى‬ ‫�أجرت الدكتورة الأمريكية �سوزان وايتبورن (‪)5‬درا�سة‬
‫ُت�صْ ِب َح» (‪ .)9‬وباملقابل على الزوج واجب امتاع زوجته‪،‬‬ ‫حول �أ�سباب اخليانة عام ‪ ،2012‬من بينها عدم‬
‫و�إيالئها االهتمام واالنتباه الالزمني‪ ،‬ولها �أن تطلب‬ ‫الر�ضا �أو التوافق اجلن�سي‪ ،‬لذلك يلج�أ �أحد الطرفني‬
‫الطالق �إذا كان م�صاب ًا بالعجز‪ ،‬وكل ذلك مبيزان‬ ‫�إىل عالقات خارجية لتعزيز حياته اجلن�سية‪ .‬كما �أن‬
‫ال�شرع وباحلالل اخلال�ص ومبا يحد من الوقوع يف‬ ‫عدم الر�ضا العاطفي هو �سبب �آخر‪ ،‬قد ي�شعر �أحد‬
‫احلرام‪.‬‬ ‫الطرفني بالإهمال �أو عدم التقدير‪ .‬والبعد اجل�سدي‬
‫والعاطفي �أي�ض ًا قد يوقع �أحدهم بحب �شخ�ص �آخر‬
‫*من �صديقات منتدى الإعجاز العلمي يف القر�آن وال�سنة‬ ‫ويدفعه للخيانة‪ .‬وي�ضاف �إىل ذلك الرغبة يف تع ّدد‬
‫‪)1( https://www.statisticbrain.com/infidelity-statistics/‬‬

‫(�أخرجه البيهقي يف �شعب الإميان عن عقبة بن عامر)‬


‫ال�شركاء اجلن�سيني والف�ضول يف خو�ض مثل هذه‬
‫التجربة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫‪)3( https://www.trustify.info/blog/infidelity-statistics- 2017‬‬

‫‪)4( https://www.trustify.info/blog/infidelity-statistics- 2017‬‬


‫االنتقام هو �أي�ضا حافز نادر للخيانة بح�سب ما ك�شفته‬ ‫ً‬
‫‪)5( https://www.psychologytoday.com/blog/fulfillment-any-age/201209/the-eight-reasons-‬‬
‫هذه الدرا�سة‪ ،‬ف�إن ‪ %9‬من الأزواج يعرتفون باخليانة‬
‫انتقام ًا من الزوجة بينما ‪ %14‬من الزوجات يعرتفن‬
‫‪people-cheat-their-partners‬‬

‫‪)6( https://www.creditdonkey.com/infidelity-statistics.html‬‬

‫(‪)7‬‬ ‫�سورة النور‪� ،‬آية ‪30‬‬ ‫باخليانة انتقام ًا من الزوج‪.‬‬


‫�أخرجه ابن ع�ساكر الدم�شقي يف تاريخ دم�شق عن ابن البحري (‪)8‬‬
‫ما العربة من كل ذلك؟‬
‫البخاري وم�سلم يف �صحيحيهما عن �أبي هريرة (‪)9‬‬
‫هي جمتمعات مبتالة وتنهدم �شيئ ًا ف�شيئ ًا‪ ،‬فن�سبة‬
‫الطالق تتزايد يف الغرب وتبلغ ما بني ‪،%50-40‬‬
‫�إ�ضمن ن�سختك القادمة من "الإعجاز"‬ ‫و‪ %15‬منها ت�أتي ب�سبب اخليانة‪ ،‬بح�سب اح�صاءات‬
‫حول اخليانة عام ‪ ... )6( 2016‬فهل هذه هي القدوة‬
‫�إذا كانت جملة "الإعجاز" ال ت�صلكم بوا�سطة الربيد‬ ‫التي نطمح �إليها حق ًا؟!‬
‫‪ ، Liban Post‬ولكي ن�ضمن و�صول الأعداد القادمة �إليكم‬ ‫�سبحان اهلل‪ ،‬كل داء جند دواءه يف �صيدلية الإ�سالم‪،‬‬
‫ووا�ضحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫يرجى تزويدنا بعنوانكم كام ًال‬ ‫�سواء يف �آية �أو يف حديث‪ ،‬فاهلل عز وجل �أمرنا " ُق ْل‬
‫ميكن �إر�سال العنوان بالفاك�س �أو عرب الإنرتنت �أو بالربيد‬ ‫ِل ْل ُم�ؤْ ِم ِن َني َي ُغ ُّ�ضوا ِمنْ �أَ ْب َ�صا ِر ِه ْم َو َي ْح َف ُظوا ُف ُر َ‬
‫وج ُه ْم(‪")7‬‬
‫العادي على عناوين منتدى الإعجاز املطبوعة يف املجلة‪.‬‬ ‫‪� ،‬إذ يف غ�ض الب�صرالدرع الأول من الوقوع يف احلرام‪،‬‬
‫ويف احلديث‪�" :‬أال يا رب �شهوة �ساعة �أور َثت ُحزْ ن ًا‬
‫طوي ًال "‪ ، )8( .‬ال�شيطان يزين لنا ونحن نندم! وبالزنا‬
‫اإلعجاز‪ ,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪13‬‬
‫إعجاز نبوي‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫خري خلق هللا‬


‫التداوي بنوى المتر إجعاز نبوي‬
‫د‪ .‬رمضان عبد الغين الكاتب*‬ ‫مقدمة‪:‬‬
‫يتحدث الكاتب يف هذا البحث عن �صورة من �صور وهو �صب الدواء يف الفم)‪ .‬واللدود‪ ،‬وهو ما ي�سقاه‬
‫الإعجاز العلمي تت�ضمن بيان فوائد �أنوية البلح وفق الإن�سان يف �أحد جانبي الفم‪.‬‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬ذكر الن�ص املعجز‪.‬‬
‫‪-‬الرتكيب الكيميائي لنوى البلح والتمر‪.‬‬
‫‪-‬احلقائق العلمية التجريبية املوثقة لفوائد نوى‬
‫البلح‪.‬‬
‫‪-‬بيان وجه الإعجاز من خالل مقارنة تلك احلقائق‬
‫بدالالت الن�ص املعجز‪.‬‬

‫اثنياً‪ :‬الرتكيب الكمييايئ لنوى‬


‫البلح ‪Chemical structure of date pits‬‬
‫مت �إجراء العديد من الأبحاث العلمية للتعرف على‬ ‫أوالً‪ :‬النص املعجز‪:‬‬
‫حدثنا �إ�سحق بن �إ�سماعيل‪ ،‬حدثنا �سفيان عن جماهد الرتكيب الكيميائي لأنوية البلح‪ ،‬فكان من نتائج هذه‬
‫عن �سعد‪:‬قال‪( :‬مر�ضت مر�ض ًا‪ ،‬ف�أتاين ر�سول اهلل الأبحاث ما يلي‪:‬‬
‫– �صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬يعودين فو�ضع يديه بني‬
‫‪-‬بالتحليل الكيميائي لأنوية البلح وجد �أنه يحتوي‬ ‫ثديي حتى وجدت بردها على ف�ؤادي وقال يل‪� :‬إنك‬
‫رجل مف�ؤود‪ .‬ف� ِأت احلارث بن كلدة من ثقيف ف�إنه على ‪ %6‬مواد بروتينية‪� % 13,5 ،‬ألياف‪� % 8 ،‬إثري‪%1 ،‬‬
‫رجل يتطبب‪ ،‬فلي�أخذ �سبع مترات من عجوة املدينة‪ ،‬ماء‪ ،‬ونيرتوجني حر بن�سبة ‪.% 71,5‬‬
‫فليج�أهن بنواهن‪ ،‬ثم ليلدك بهن) �سنن �أبي داود‪.‬‬
‫ومعنى(فليج�أهن) بفتح اجليم‪ ،‬و�سكون الهمزة �أي‬
‫فليك�سرهن وليدقهن‪( ،‬ثم ليلدك بهن) من اللدود‪،‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪14‬‬
‫إعجاز نبوي‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫متكاملة وال حتمل �أدنى �ضرر من تناولها‪.‬‬


‫‪-‬لإثبات مدى فاعلية �أنوية البلح على درجة منو‬ ‫‪-‬وب�إجراء التحليل الكيميائي لثالثة انواع خمتلفة من‬
‫الدجاج‪ ،‬متت �إ�ضافته �إىل غذاء الدجاج بن�سب مئوية‬ ‫�أنوية البلح‪ ،‬كان تركيبها الكيميائي على النحو التايل‪:‬‬
‫خمتلفة ‪ % 15 ،%10 ،%5‬و�أثبتت النتائج العملية مدى‬ ‫‪ % 6,5‬مواد بروتينية‪ % 13,5 – 9,9 ،‬مواد دهنية‪،‬‬
‫الزيادة امللحوظة يف منو الدجاج عند احتواء �أعالفها‬ ‫‪� % 69-65‬ألياف �صبغية متعادلة‪ % 1,8 – 1 ،‬رماد‪،‬‬
‫على �أنوية البلح‪.‬‬ ‫وكان املحتوى الإجمايل لن�سبة املواد الكربوهيدراتية‬
‫‪-‬وب�إجراء العديد من التجارب على املا�شية‬ ‫يرتاوح بني ‪ % 73,4 – 71,9‬يف �أنوية البلح الثالث‪.‬‬
‫والأغنام‪ ،‬الختبار مدى ت�أثري نوى البلح على منوها‪،‬‬ ‫‪-‬ومت �إجراء التحليل الكيميائي لأحد ع�شر نوع ًا‬
‫مت ا�ستخدام نوى البلح منفرد ًا‪ ،‬وم�ضاف ًا �إىل بع�ض‬ ‫من نوى البلح يف منطقة الق�صيم باململكة العربية‬
‫الأعالف‪ ،‬وا�ستخدامه كغذاء للما�شية والأغنام‪،‬‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬فكان تركيبها الكيميائي على النحو التايل‪:‬‬
‫و�أ�شارت النتائج البحثية �إىل زيادة الوزن بن�سبة‬ ‫مواد كربوهيدراتية بن�سبة ترتاوح ما بني ‪- % 57,7‬‬
‫مقبولة‪ ،‬وكذلك زيادة �إنتاج �ألبانها‪.‬‬ ‫‪ % 68,9‬بروتينات بن�سبة ‪ % 7,5 – 5,1‬مواد دهنية‬
‫‪-‬وكذلك ا�ستخدمت �أنوية البلح ملعرفة القيمة‬ ‫‪.% 12,3 – 8,7‬‬
‫الغذائية للحيوانات املجرتة‪ ،‬و�أ�شارت الأبحاث التي‬ ‫وقد وردت ن�صو�ص �أخرى فيها ذكر ا�ستعمال نوى‬
‫�أجريت �إىل زيادة وزن هذه احليوانات كنتيجة طبيعية‬ ‫التمر علف ًا للخيل‪ ،‬وغريها‪ ،‬ومن تلك الن�صو�ص‪� :‬أن‬
‫ال�ستخدام نوى البلح‪ ،‬وذلك الحتوائه يف تركيبه‬ ‫�أ�سماء بنت �أبي بكر ر�ضي اهلل عنهما كانت جتمع‬
‫الكيميائي على الن�شاء بن�سبة ترتاوح بني ‪.% 73-55‬‬ ‫نوى البلح والتمر املت�ساقط على الأر�ض وحتمله على‬
‫‪-‬ويف بحث مت �إجرا�ؤه على �صغار الدجاج لإثبات‬ ‫ر�أ�سها من املزرعة �إىل البيت ثم تدق النوى لتك�سره �أو‬
‫مدى فاعلية انوية البلح يف غذائها‪� ،‬أثبتت النتائج‬ ‫لتطحنه ثم تقدمه علف ًا للفر�س‪ ،‬والنا�ضح‪.‬‬
‫ب�أن تناول الغذاء املحتوي على �أنوية البلح ال ي�ؤثر‬
‫على الأع�ضاء الداخلية (الكبد – الطحال – القلب‬
‫– البنكريا�س)‪.‬‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫لبلح‬‫نوى ا‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ة‬
‫وثمة �س�ؤال هام تبادر �إىل ذهني‪ :‬هل ي�أتي يوم علينا‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫من ا ى ف�صل �أ‬
‫ميكن �أن نتناول فيه �أقرا�صا‪� ،‬أو �شرابا من �أنوية البلح‪:‬‬ ‫لأو�ساط املائية نيوم امل�شع‬
‫للتغلب على الكثري من �آالمنا و�أوجاعنا؟ وهل ي�صبح‬
‫نوى البلح �إحدى املواد الطبيعية اخل�صبة‪ ،‬التي تكون‬
‫بدي ًال للكثري من املواد الكيميائية‪ ،‬التي �ألهبت ظهورنا‬
‫ب�أ�سعارها املرتفعة‪ ،‬وب�آثارها اجلانبية (فكل دواء هو‬ ‫اثلثاً‪ :‬حقائق علمية عن‬
‫مادة كيميائية‪ ،‬وكل مادة كيميائية هي �سامة) هكذا‬ ‫القمية الغذائية ألنوية البلح‪:‬‬
‫قال �أحد علماء ال�صيدلة‪� .‬أما نوى التمر والبلح فال‬
‫�سمية فيه‪ ،‬بل فيه املنافع للآتي‪:‬‬ ‫فاملثبت علمي ًا �أن نوى البلح يحتوي يف تركيبه‬
‫‪-‬نظر ًا الحتواء �أنوية البلح على عن�صر النيرتوجني‬ ‫الكيميائي كما �أ�سلفنا على املواد الربوتينية واملواد‬
‫(يف �أحما�ضها الأمينية)‪ ،‬ميكنها �أن ت�ساهم ب�شكل‬ ‫الكربوهيدراتية‪ ،‬وكذلك الزيوت‪ ،‬والدهون‪ ،‬والألياف‬
‫واملاء‪ ،‬ومن ثم فهو يعترب بال �أدنى مبالغة وجبة غذائية‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪15‬‬
‫إعجاز نبوي‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫�سحو‬‫م‬
‫م‬ ‫را‬ ‫أو‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ض‬‫�‬ ‫ضو‬‫�‬ ‫ر‬ ‫ق نوى التمر لعالج ال‬ ‫فاعل يف عالج مر�ض ال�سرطان‪.‬‬
‫والتهاب‬ ‫الكليت‬ ‫‪-‬كما �أن �أنوية البلح حتتوي على كميات كبرية جد ًا‬
‫ني وامل�سالك البولية‬
‫من الألياف‪ :‬مما يكون له كبري الأثر على ال�صحة‬
‫ا�ستخدام أنوية البلح يف فصل‬ ‫العامة‪ ،‬وتتميز الألياف النباتية بتفردها النوعي‬
‫كم�ضادات للأك�سدة‪.‬‬
‫ملواثت املاء؟‬ ‫‪-‬كما ي�ستخدم نوى البلح يف تنمية الكائنات احلية‬
‫ثمة ت�سا�ؤل هام للغاية‪ :‬هل يوجد لدى نوى البلح ما‬ ‫الدقيقة (الفطريات والبكترييا) يف املختربات‪،‬‬
‫ي�ؤهله للحد من تلوث املاء؟ الإجابة بالطبع‪ :‬نعم وبقوة‬ ‫وامل�صانع لإنتاج الدهن‪ ،‬والربوتينات‪ ،‬والفيتامينات‪،‬‬
‫فرتكيبه الكيميائي الفريد ي�ؤهله لذلك‪ ،‬وكيف ال؟ فهو‬ ‫والهرمونات‪ ،‬وامل�ضادات احليوية‪.‬‬
‫يحتوي على‪:‬‬ ‫‪-‬وكذا ميكن احل�صول على الكربون املن�شط من‬
‫ال�سكريات بكل �أنواعها الأحادية‪ ،‬والثنائية‪ ،‬والعديدة‬ ‫�أنوية البلح‪ ،‬والكربون املن�شط يعد من �أهم املواد‬
‫(بها جمموعات وظيفية مثل الألدهيد‪ ،‬والكيتون‬ ‫املازة منذ عقود عديدة‪ ،‬واكت�سب هذه الأهمية من‬
‫والهيدروك�سيل) ويحتوي �أي�ض ًا على املواد الربوتينية‪،‬‬ ‫خالل ا�ستخداماته املتعددة كعالج انتفاخ البطن‪،‬‬
‫واملكونة من الأحما�ض الأمينية (بها جمموعتا الأمينو‬ ‫و�صناعة �أقنعة الوجه التي ت�سخدم يف احلماية الطبية‬
‫والكربوك�سيل)‪ ،‬وكذلك حتتوي �أنوية البلح يف تركيبها‬ ‫واجلراحية وحماية اجلهاز التنف�سي‪ ،‬و�أقنعة الغاز‬
‫على الزيوت‪ ،‬والدهون (والتي بها جمموعة الإ�سرت)‪،‬‬ ‫للحماية من املواد الكيماوية‪ ،‬وف�صل امللوثات من‬
‫وكذلك حتتوي على الألياف‪ ،‬وقد مت �إثبات ذلك‬ ‫الهواء واملاء‪.‬‬
‫بتو�صيف �أنوية البلح ئمن خالل الأجهزة الطيفية‪،‬‬ ‫ون�شري �إىل بع�ض اال�ستخدامات املخربية التي تثبت‬
‫مثل جهاز الأ�شعة حتت احلمراء‪.‬‬ ‫القيمة الطبية لأنوية البلح يف الطب الأخ�ضر‪:‬‬
‫ومن ثم ف�أنوية البلح م�ؤهلة متام ًا لف�صل ملوثات‬ ‫‪-‬ميكن ا�ستخدام م�سحوق نوى التمر‪ ،‬مع �شحم‬
‫منذ �أكرث م‬ ‫حيواين للر�ضو�ض والأورام‪ ،‬وكذلك م�سحوق النوى‪،‬‬
‫ال�صحابةن ‪ 1ً 4‬قر ًنا ا�ستخدمه‬ ‫وماء الورد ملداواة العيون‪.‬‬
‫علفا للحيوانات‬ ‫‪-‬ت�ستخدم �أنوية البلح كعالج جيد اللتهاب الكليتني‪،‬‬
‫وامل�سالك البولية‪ ،‬وذلك ب�إح�ضار �ست �أنوية‪ ،‬وتك�سر‬
‫املاء بقدرة فائقة‪ :‬الحتوائها على جمموعات خملبية‬ ‫�إىل قطع �صغرية‪ ،‬ثم تو�ضع يف كوب ماء‪ ،‬وتغلى‪،‬‬
‫متنوعة‪ ،‬ت�ستطيع ف�صل هذه امللوثات مثل الألدهيد‪،‬‬ ‫وت�شرب �ساخنة بعد ت�صفيتها وحتليتها بالع�سل مرتني‬
‫الكيتون‪ ،‬الكربوك�سيل‪ ،‬الهيدروك�سيل‪ ،‬الأمينو‪،‬‬ ‫�صباح ًا وم�ساء مدة خم�سة ع�شر يوم ًا‪.‬‬
‫الأ�سرت‪.‬‬
‫ومن هنا كان ا�ستخدامها يف ف�صل ملوثات املياه‬
‫املتنوعة‪ ،‬مثل �أيون اليورانيل امل�شع‪ ،‬و�أيونات‬
‫الر�صا�ص‪ ،‬النحا�س‪ ،‬الزئبق‪ ،‬والبزموت‪ ،‬ومت التو�صل‬
‫�إىل الظروف املثالية لف�صل هذه الأيونات ال�ضارة‬
‫مثل‪:‬‬
‫‪-‬الأ�س الهيدروجيني‪.‬‬
‫‪-‬زمن الف�صل‪.‬‬
‫‪-‬تركيز املادة امللوثة‪.‬‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪16‬‬
‫إعجاز نبوي‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫ال‬ ‫لة‬ ‫م‬ ‫كا‬ ‫مت‬ ‫ية‬ ‫ائ‬ ‫ذ‬ ‫نوى البلح وجبة غ‬
‫�ضرر‬ ‫‪-‬درجة احلرارة‪.‬‬
‫من تناولها‬
‫كما مت �إجراء الدرا�سات الكيناتيكية‪ ،‬والرثموديناميكية‬
‫الدوريات العلمية على امل�ستويني العربي والعاملي‪.‬‬ ‫لعملية الف�صل‪.‬‬
‫ومنذ ما يزيد على �أربعة ع�شر قرن ًا من الزمان‪ ،‬كان‬ ‫ومت �إثبات عملية ف�صل هذه امللوثات اخلطرة‪،‬‬
‫�صحابة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ي�ستخدمونه‬ ‫باال�ستعانة بالكثري من الأجهزة مثل‪:‬‬
‫علف ًا للحيوان‪ ،‬وبخا�صة ال�سيدة �أ�سماء ذات النطاقني‬ ‫‪-‬الأ�شعة حتت احلمراء‪.‬‬
‫التي كانت حري�صة على �إطعام فر�س الزبري بن العوام‬ ‫‪-‬جهاز التحليل الطيفي‪.‬‬
‫– ال�شهيد احلواري �إياه‪ ،‬وكان معروف ًا عنه ر�ضي اهلل‬ ‫‪-‬طيف االمت�صا�ص الذري‪.‬‬
‫عنه ال�شجاعة والإقدام يف الغزوات واملعارك التي‬ ‫‪-‬جهاز التحليل احلراري‪.‬‬
‫خا�ضها‪ .‬وقد �أقر امل�صطفى �صلى اهلل عليه و�سلم لهم‬ ‫(‪)...‬‬
‫بذلك‪.‬‬
‫وخال�صة القول �إن العلم احلديث اكت�شف القيمة‬
‫الغذائية لأنوية البلح‪ ،‬م�ستخدم ًا يف ذلك الو�سائل‬
‫التكنولوجية املختلفة‪ ...‬ولكن جاء احلبيب حممد‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم و�صحابته الكرام من قبل ذلك‬
‫ب�أربعة ع�شر قرن ًا من الزمان ويزيد بهذه احلقيقة‬
‫اليقينية‪.‬‬

‫ى‬ ‫الحتوائه عل‬


‫ال‬ ‫ع‬ ‫يف‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫فا‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫�ش‬ ‫النيرتوجني ي�ساهم ب‬
‫ج‬
‫ال�سرطان‬

‫مواد بروتينية وكهربوهي‬


‫دراتية ودهون و�ألياف وماء يحتوي‬
‫الأبحا‬ ‫عليها نوى البلح‬
‫نو‬ ‫ية‬ ‫م‬ ‫ه‬‫�‬‫أ‬ ‫ت‬ ‫بت‬ ‫أث‬ ‫�‬ ‫ثة‬ ‫ث العلمية احلدي‬
‫ى‬
‫البلح كمادة غذائية‬
‫ملختلف احليوانات‬
‫رابعاً؟ وجه اإلجعاز‪:‬‬
‫من خالل احلقائق ال�سابقة‪ ،‬ومن خالل ما �سبق‬
‫* وللراغبني مبتابعة البحث بكامله مع املراجع كاملة العودة اىل املوقع ‪www.eajaz.org‬‬ ‫بيانه يت�ضح لنا �أن داللة الن�ص ال�شريف العلمية قد‬
‫تطابقت مع ما ثبت من احلقائق العلمية‪ ،‬وذلك �أن‬
‫الأبحاث العلمية احلديثة �أثبتت �أهمية ا�ستخدام �أنوية‬
‫البلح كغذاء لأنواع خمتلفة من احليوانات‪ ،‬ومت �إثبات‬
‫ذلك من خالل �أبحاث علمية معتمدة وموثقة يف كربى‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪17‬‬
‫علوم الحياة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫ويف أنفسمك أفال تبرصون؛ اجلهاز التنفيس‬


‫خلق معجز‬
‫د‪ .‬منصور أبوشريعة العبادي*‬ ‫ميتلك اجلهاز التنف�سي لدى االن�سان ثالث وظائف‬
‫الأنفي �أو الوترية (‪ )Nasal Septum‬والذي ميتد حتى‬ ‫مه ّمة‪ .‬الوظيفة االوىل امل�صريية هي توفري غاز‬
‫نهاية التجويف الأنفي‪.‬‬ ‫االوك�سيجني لكل اجل�سم‪ .‬هذا الغاز ال ميكن ان يعي�ش‬
‫واملنخاران مبنيان من الأعلى من مادة غ�ضروفية‬ ‫االن�سان من دونه �أكرث من دقائق معدودة‪ .‬الوظيفة‬
‫مرنة مك�سوة باجللد من اخلارج والداخل مما ي�سهل‬ ‫الثانية هي ا�ستخدام الهواء اخلارج من الرئتني لتوليد‬
‫حتريك مقدمة الأنف (‪. )Nasal Tip‬وكذلك �إغالق‬ ‫اال�صوات من خالل احلبال ال�صوتية ومن ثم الفم و‬
‫الفتحتني من خالل ال�ضغط على جوانب الأنف‪.‬‬ ‫الأنف‪� .‬أما الوظيفة الثالثة فهي ا�ستخدام الهواء‬
‫�إن وظيفة املنخارين هي �إدخال الهواء �إىل جتويف‬ ‫امل�ستن�شق للتعرف على الروائح التي يحملها من خالل‬
‫الأنف‪ ،‬وكان يكفي لو ترك الأمر لل�صدفة �أن يكونا‬ ‫للتثا�ؤب وظائف و�أ�سباب ويف ترك‬
‫جمرد فتحتني يف منت�صف الوجه وبدون بروز ولكن‬ ‫الفم مفتوح ًا عدة خماطر‬
‫امل�صمم هو اهلل عز وجل الذي �أكرم الإن�سان بهذا‬
‫الوجه اجلميل‪ .‬وينفتح املنخاران على جتويفني‬ ‫جم�سات �شم موجودة داخل الأنف‪.‬‬
‫وا�سعني يف مقدمة اجلمجمة‪ .‬ويربز من اجلدارين‬ ‫كما حتتوي الرئتان على �آالف احلوي�صالت الهوائية‬
‫اجلانبيني للتجويف الأنفي ثالثة قواطع عظمية رقيقة‬ ‫الدقيقة‪ .‬ولو ق�سنا امل�ساحة داخل هذه احلوي�صالت‬
‫تعمل على تق�سيمه �إىل جتاويف ثانوية (‪)Meatuses‬‬ ‫الهوائية لبلغ جمموع م�ساحتها حوايل �سبعني مرت ًا‬
‫وقد �صممت �أ�شكال هذه القواطع بطريقة بديعة‬ ‫مربع ًا‪ .‬وهذه م�ساحة كبرية جد ًا يف مكان �صغري جد ُا‪.‬‬
‫بحيث تخدم الوظائف املختلفة للجهاز التنف�سي‪.‬‬ ‫مما يجعلنا نقف عاجزين �أمام قدرة اخلالق يف �صنيع‬
‫ويبطن التجويف الأنفي غ�شاء خماطي رقيق يعمل‬ ‫خلقه‪ ،‬متيقنني �أنها �صممت من قبل خالق ال حدود‬
‫على ت�سخني �أو تربيد الهواء الداخل �إىل الرئة وكذلك‬ ‫لعلمه وقدرته‪ ،‬وهو القائل �سبحانه }الذي �أح�سن كل‬
‫ترطيبه‪ .‬وينمو على اجللد الداخلي ملقدمة الأنف �أو‬ ‫�شيءٍ خلقه{‪[،‬ال�سجدة ‪.]7‬‬
‫املنخار �شعر خفيف يعمل على ا�صطياد ذرات الغبار‪.‬‬ ‫مكونات اجلهاز التنف�سي‬
‫يتكون اجلهاز التنف�سي من �ستة �أجزاء رئي�سية وهي‪:‬‬
‫الأنف والفم والبلعوم واحلنجرة والق�صبة الهوائية‬
‫والرئتني وذلك للقيام بوظائفه الثالث التي ذكرناها‬
‫�آنفا‪.‬‬
‫الأنف والفم‬
‫يتكون الأنف (‪ )Nose‬يف جزئه الظاهر �أو اخلارجي‬
‫من فتحتني �أو قناتني متجاورتني ت�سميان املنخاريني‬
‫(‪ )Naris‬يوجد بينهما فا�صل غ�ضرويف ي�سمى احلاجز‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪18‬‬
‫علوم الحياة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫ويوجد على جوانب التجويف الأنفي �أربعة �أزواج من‬


‫التجاويف حمفورة داخل عظام اجلمجمة ت�سمى‬
‫اجليوب الأنفية (‪ )Sinuses‬وهي مبطنة بغ�شاء‬
‫خماطي مهدب (‪.)Ciliated Mucous Membrane‬‬
‫ملاذا نحمد اهلل عند العطا�س‬

‫‪�.‬أما اجلزء البلعومي في�ؤمن مرور الهواء من خالله‬ ‫وتت�صل اجليوب الأنفية بالتجويف الأنفي من خالل‬
‫�أثناء م�ضغ الطعام‪ .‬ويقوم احلنك الطري واللهاة‬ ‫فتحات �ضيقة يتم من خاللها �إدخال الهواء �إليها‬
‫كذلك ب�إغالق اجلزء البلعومي الأنفي �أثناء بلع الطعام‬ ‫و�إخراج الإفرازات املائية من بطانتها �إىل الأنف حيث‬
‫لكي ال ي�صل �أي جزء منه �إىل التجويف الأنفي‪.‬‬ ‫تعمل هذه الإفرازات على ترطيب الأنف‪ .‬و�أكرب هذه‬
‫‪�.‬أما اجلزء البلعومي احلنجري (‪)Laryngopharynix‬‬ ‫اجليوب هو اجليب الفكي (‪ )Maxillary Sinus‬ومن ثم‬
‫فهو اجلزء الذي يتفرع فيه البلعوم �إىل جزئني‬ ‫اجليب الوتدي(‪)Sphenoidal Sinuses‬الذي يقع خلف‬
‫التجويف الأنفي ومن ثم اجليب الغربايل (‪Ethmoidal‬‬
‫�أحدهما ب�شكل مبا�شر �إىل املريء والآخر �إىل‬ ‫‪ )Sinuses or Air Cells‬الذي يقع على اجلانبني‬
‫احلنجرة (‪ )Larynx‬من خالل بوابة يتم التحكم‬ ‫العلويني‪.‬‬
‫بفتحها و�إغالقها با�ستخدام ل�سان املزمار‪.‬‬ ‫�إن الوظيفة الرئي�سية للتجويف الأنفي هو تعديل درجة‬
‫�أما الغاية للبلعوم فهي ا�ستخدام الهواء الذي يخرج‬ ‫حرارة الهواء حيث يتم ت�سخني او تربيد الهواء املوجود‬
‫من الرئتني يف عملية �إحداث الأ�صوات التي ت�صدرها‬ ‫فيه وكذلك ترطيبه يف وقت ق�صري وهو الوقت فيما‬
‫احلبال ال�صوتية والتي متر على مكونات الفم لتنتج‬ ‫بني ال�شهيق والزفري‪ .‬وهي تعمل ثان ًيا على احلد من‬
‫الكالم‪.‬‬ ‫دخول الهواء مبا�شرة من اجلو �إىل الرئة‪� .‬أما الوظيفة‬
‫�أما الوظيفة الثانوية للبلعوم فهي ا�ستخدامه كفجوة‬ ‫يحيط بالرئتني غ�شاء ليفي �أمل�س ي�ؤ ّمن‬
‫رنينية (‪ )Resonating Chamber‬تعمل على تقوية‬ ‫انزالق الرئتني داخل القف�ص ال�صدري‬
‫وتر�شيح بع�ض الرتددات التي تولدها احلبال ال�صوتية‬
‫مما يعمل على حت�سني نوعية ال�صوت‪.‬‬
‫الثالثة لهذه القواطع فهي بعرثة الهواء امل�ستن�شق لكي‬
‫متكنه من الو�صول �إىل م�ستقبالت ال�شم املوجودة يف‬
‫�سقف التجويف‪� .‬أما الوظيفة الرابعة للقواطع فتتعلق‬
‫بتح�سني خ�صائ�ص ال�صوت الذي يخرج من الفم‬
‫وكذلك الأنف عند التكلم‪.‬‬
‫البلعوم �أو احللق‬
‫�أما البلعوم ( ‪� ) Pharynx‬أو احللق (‪ )Throat‬وكذلك‬
‫الزور وهو �أنبوب ع�ضلي طوله ‪� 13‬سم ينق�سم �إىل‬
‫ثالثة �أجزاء وهي‬
‫•اجلزء البلعومي الأنفي (‪ )Nasopharynx‬ي�ساعد يف‬
‫حتريك املخاط باجتاه الفم‪.‬‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪19‬‬
‫علوم الحياة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫والغ�ضروفان الأ�سفينيان (‪)Cuneiform Cartilages‬‬ ‫احلنجرة‪:‬‬


‫فهي غ�ضاريف مثبتة فوق الغ�ضروفني الطرجهارين‬ ‫احلنجرة مبنية من �ستة �أنواع من الغ�ضاريف ثالثة‬
‫لتكونا احلافة ال�سفلى واجلانبية لفتحة احلنجرة‬ ‫منها فردية بينما الثالثة الأخرى زوجية �أي �أنها‬
‫وعليهما يطبق غ�ضروف ل�سان املزمار عند �إغالق‬ ‫حتتوي على ت�سع قطع من الغ�ضاريف خمتلفة الأ�شكال‬
‫الفتحة عند بلع الطعام‪.‬‬ ‫لكل منها وظيفته اخلا�صة‪ .‬فالغ�ضاريف الفردية هي‬
‫�أوال الغ�ضروف الدرقي (‪ )thyroid cartilage‬وهو �أكرب‬
‫الغ�ضاريف حج ًما ويطلق عليه �أي�ضا ا�سم تفاحة �آدم‬
‫(‪.)Adam's apple‬‬

‫ويوجد يف منت�صف جتويف احلنجرة زوجان من‬


‫الأغ�شية يقعان فوق بع�ضهما البع�ض‪ .‬فالغ�شاء ال�سفلي‬ ‫�إن هذا االختالف يف ت�صميم احلنجرة لدى الرجال‬
‫والن�ساء رغم �أن الوظيفة واحدة وذلك مراعاة للناحية‬
‫ي�سمى احلبال �أو الأوتار ال�صوتية احلقيقية (‪True‬‬
‫اجلمالية يفحم كل من يجحد ب�أن اهلل عز وجل هو‬
‫‪ )Vocal Folds‬بينما ي�سمى الغ�شاء العلوي باحلبال‬ ‫اخلالق فال ميكن لأي عاقل �أن يدعي �أن ذلك قد مت‬
‫بال�صدفة‪ ،‬بل لو وكل الأمر للب�شر لت�صميم احلنجرة‬
‫الرئة الي�سرى �أ�صغر من اليمنى �إف�ساح ًا‬ ‫ملا �أخذوا هذا االختالف بعني االعتبار‪.‬‬
‫ملو�ضع القلب‬
‫�أما الغ�ضروف الفردي الثاين فهو الغ�ضروف احللقي‬
‫�أو اخلامتي (‪ )Cricoid Cartilage‬ويقع حتت الغ�ضروف‬
‫ال�صوتية الزائفة (‪.)False Vocal Folds‬‬ ‫الدرقي وهو على �شكل اخلامت‪.‬‬
‫ومن اجلدير بالذكر �أن الفتحتني املوجودتني يف‬ ‫�أما الغ�ضروف الفردي الثالث فهو ل�سان املزمار‬
‫احلبال ال�صوتية احلقيقية والكاذبة تفتحان وتغلقان‬ ‫(‪ )Epiglottis‬وهو على �شكل ورقة النبات �أو امللعقة‪.‬‬
‫معا وهما مفتوحتان بكامل ات�ساعهما يف الو�ضع‬ ‫�أما الغ�ضاريف الزوجية فهما الغ�ضروفان‬
‫الطرجهاريان (‪ .)Arytenoid Cartilages‬وهذان‬
‫الطبيعي وذلك لتمرير هواء التنف�س �أما عند الكالم‬ ‫الغ�ضروفان ميكن حتريكهما بع�ضالت خا�صة‬
‫ف�إنه يتم �إغالقهما جزيئا لتوليد ال�صوت‪� .‬إن وظيفة‬ ‫موجودة يف اجلزء اخللفي من احلنجرة وذلك لفتح‬
‫احلبال ال�صوتية الزائفة هو منع دخول الأج�سام‬ ‫و�إغالق الأحبال ال�صوتية وكذلك �شدهما و�إرخا�ؤهما‪.‬‬
‫الغريبة �إىل الرئتني‪� .‬أما احلبال ال�صوتية احلقيقية‬ ‫�أما الغ�ضروفان القرنيان (‪)Corniculate Cartilages‬‬
‫فوظيفتها الرئي�سية هو توليد الأ�صوات‪.‬‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪20‬‬
‫علوم الحياة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫ذلك ف�إخراج البلغم من الرئتني و توليد ال�صوت يف‬


‫احلنجرة يتطلب تيا ًرا هوائ ًيا قو ًيا وهذا يتطلب �أن‬
‫يكون الأنبوب �ضيق لرفع �ضغط الهواء فيها‪ .‬ومنها‬
‫ت�سهيل حركة الطعام يف املريء‪ .‬ولكي حتقق الق�صبة‬
‫كل هذه املتطلبات كان هذا الت�صميم البديع لها فهي‬
‫مكونة كما �أ�سلفنا من حلقات غ�ضروفية ت�ضمن �أن‬
‫تكون مفتوحة ب�شكل دائم ولكن هذا احللقات غري‬
‫مكتملة وقد مت ا�ستبدال اجلزء املفقود من الغ�ضروف‬
‫بع�ضالت مل�ساء تعمل عند انقبا�ضها على �شد �أطراف‬
‫احللقة في�ضيق قطرها‬
‫�أما املهمة الثانية فهي ال�سماح للرئة بالتحرك‬
‫�إىل الأعلى عند العطا�س وال�سعال لكي تقوم بدفع‬
‫الهواء بقوة �إىل اخلارج‪� .‬أما ال�سبب الأخري ف�إن‬ ‫القصبة الهوائية‬
‫عملية ت�ضييق الق�صبة الهوائية فيما لو �صنعت من‬ ‫وهي �أنبوبة �أ�سطوانية ال�شكل يرتاوح طولها بني ‪10‬‬
‫�صفيحة غ�ضروفية �ستكون �صعبة حتى لو كانت غري‬ ‫�سم و ‪� 16‬سم وتقع �أمام املريء مبا�شرة‪ .‬ويتكون جدار‬
‫كاملة اال�ستدارة‪ .‬ويبطن جدار الق�صبة الهوائية‬ ‫الق�صبة الهوائية من حلقات غ�ضروفية دائرية غري‬
‫مادة طالئية مهدبة كاذبة(‪Pseudostratified ciliated‬‬
‫تت�ألف الق�صبة الهوائية من ‪ 20‬حلقة لها‬
‫‪ )Epithelium‬تقوم ب�إفراز املواد املخاطية التي ت�ساعد‬ ‫وظائف خمتلفة ومتعاك�سة‪.‬‬
‫على ترطيب الهواء وتنقيته من ال�شوائب بينما تقوم‬
‫الأهداب بالتذبذب من الأ�سفل �إىل الأعلى لدفع‬
‫الإفرازات املخاطية و�إخراجها عن طريق الفم‪.‬‬ ‫مكتملة من اجلهة اخللفية على �شكل حذوة الفر�س يبلغ‬
‫عددها ‪ 20‬حلقة‪ .‬ويوجد يف اجلزء املفتوح من احللقة‬
‫�ألياف ع�ضلية مل�ساء (‪)Fibroelastic Ligaments‬‬
‫تربط نهايات احللقة الغ�ضروفية وتعمل على ت�ضييق‬
‫قطر احللقة عند انقبا�ضها‪� .‬إن عدم اكتمال احللقات‬
‫الغ�ضروفية يف الق�صبة الهوائية يدل على �أن مثل هذا‬
‫الت�صميم البديع ال ميكن �أن ي�صدر �إال عن خالق ال‬
‫حدود لعلمه وقدرته يعلم �سبحانه �أن هذا الأنبوب‬
‫الهوائي (‪ )Wind Pipe‬عليه �أن يقوم مبهام خمتلفة‬
‫تتطلب موا�صفات قد تكون مت�ضاربة‪.‬‬
‫فاملهمة الأوىل والرئي�سية هي مترير الهواء �إىل‬
‫الرئتني ولكن املهام الأخرى للق�صبة تتطلب عك�س‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪21‬‬
‫علوم الحياة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫ال�صدري عند انتفاخهما يف عملية التنف�س وكذلك‬ ‫الرئتان والقفص الصدري‬


‫يخفف من �أثر حركات نب�ض القلب على الرئتني‪.‬‬
‫�أما الوظيفة الأهم للغ�شاء البلوري فهي العمل على‬ ‫�أما املحطة النهائية والرئي�سية يف اجلهاز التنف�سي‬
‫متدد الرئة مع متدد القف�ص ال�صدري فعندما يتمدد‬ ‫فهما الرئتان (‪ )Lungs‬واللتان تقعان يف �أعلى‬
‫القف�ص ف�إنه ي�سحب معه الطبقة اخلارجية للغ�شاء‬
‫فيبعده عن الطبقة الداخلية والذي ي�ؤدي �إىل هبوط‬ ‫تت�ألف احلنجرة من ت�سعة غ�ضاريف لكل‬
‫منها دور حمدد‪.‬‬
‫ال�ضغط يف التجويف اجلنبي مما ي�ؤدي �إىل متدد‬
‫الرئتني ب�سبب ارتفاع �ضغط الهواء فيها عن ال�ضغط‬ ‫التجويف ال�صدري فوق احلجاب احلاجز ويف�صل‬
‫يف التجويف اجلنبي‬ ‫بينهما القلب وال�شعبتان الهوائيتان الأوليتان ويبلغ‬
‫كيلوجراما واحدً ا‪ .‬والرئة‬
‫ً‬ ‫متو�سط وزنهما م ًعا‬
‫الواحدة لها �شكل �شبه خمروطي ترتكز قاعدتها‬
‫على احلجاب احلاجز وتنق�سم كل رئة �إىل ف�صو�ص‬
‫(‪ )Lobes‬من خالل �أخاديد تبدو وا�ضحة على‬
‫�سطحها فالرئة اليمنى �أكرب حج ًما من الي�سرى‬
‫وتتكون من ثالثة ف�صو�ص بينما تتكون الرئة الي�سرى‬
‫من ف�صني فقط وذلك ب�سبب وجود ق�سم من القلب‬
‫يف نف�س احليز الذي حتتله الرئة الي�سرى يف القف�ص‬
‫تتم عملية التنف�س من خالل تو�سيع وت�ضييق القف�ص‬ ‫ال�صدري‪ .‬ويتكون كل ف�ص من هذه الف�صو�ص من‬
‫ال�صدري (‪Thoracic cage‬‏) ولي�س من خالل حركة‬ ‫حجر �صغرية تعرف بالف�صي�صات (‪ )Lobules‬ويغلف‬
‫ذاتية للرئتني فهما ال حتتويان على ع�ضالت خا�صة‬ ‫كل ف�صي�ص ن�سيج �ضام مطاطي يحتوى على كثري من‬
‫لإحداث مثل هذه احلركة‪ .‬وعند القيام مبجهود‬ ‫الأوعية الليمفاوية والأوردة وال�شرايني ولذا ف�إن الرئة‬
‫�شاق كالعمل �أو الريا�ضة ف�إن كمية الهواء امل�ستن�شق‬ ‫تبدو كالإ�سفنجة‪ .‬ويحيط بالرئتني داخل التجويف‬
‫قد ت�صل �إىل ‪ 4500‬مم وت�سمى هذه بال�سعة احليوية‬ ‫ال�صدري غ�شاء ليفي م�صلي �أمل�س ي�سمى الغ�شاء‬
‫(‪� .)Vital capacity‬أما كمية الهواء الذي يتبقى‬ ‫البلوري (‪ )Pleura‬يتكون من طبقتني تت�ألف كل طبقة‬
‫يف احلوي�صالت الهوائية بعد �أعمق زفري والتي‬ ‫منهما من �صف واحد من اخلاليا الطالئية وتلت�صق‬
‫ت�ساوي ‪ 1500‬مم في�سمى احلجم املتبقي (‪Residual‬‬
‫الطبقة الداخلية �أو احل�شوية (‪)Visceral Pleura‬‬
‫بالرئتني بينما تلت�صق الطبقة اخلارجية (‪Parietal‬‬
‫‪ .)volume‬ومبا �أن الهواء امل�ستن�شق ال ي�صل بكامله‬ ‫‪ )Pleura‬باجلدار الداخلي للقف�ص ال�صدري‪ .‬ويوجد‬
‫اىل احلوي�صالت الهوائية بل يتبقى ما مقداره ‪150‬‬ ‫بني طبقتي الغ�شاء البلوري جتوي ًفا ي�سمى التجويف‬
‫مم يف املجاري التنف�سية ال ي�شرتك يف تزويد الدم‬ ‫اجلنبي (‪ )Pleural Cavity‬والذي يحتوى على �سائل‬
‫بالأك�سجني وي�سمى هذا باحليز امليت (‪.)dead space‬‬ ‫م�صلي(‪ )Serous Fluids‬ي�ساعد على تكوين �سطح‬
‫�إن �سرعة �أو معدل التنف�س تتحدد بنا ًء على كمية‬ ‫انزالقي للرئتني داخل القف�ص ال�صدري‪ .‬وهذا‬
‫الأوك�سجني الذي حتتاجه خاليا اجل�سم لإجراء‬ ‫الغ�شاء يحمي الرئتني من االحتكاك بجدار القف�ص‬
‫عملياتها احليوية املختلفة وكذلك على كمية ثاين‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪22‬‬
‫علوم الحياة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫واحلجاب ويف بع�ض ع�ضالت اجل�سم تقوم ب�إر�سال‬ ‫�أك�سيد الكربون التي تنتجها‪ .‬ويرتاوح معدل التنف�س‬
‫�إ�شاراتها للم�ساعدة يف �ضبط معدل وعمق التنف�س‪.‬‬ ‫عند الإن�سان البالغ يف حالة الراحة بني ‪ 12‬و ‪ 18‬مرة‬
‫الدورتان الدمويتان ال�صغرى والكربى‪ ،‬وعمل اخللية‬ ‫يف الدقيقة ويزداد هذا الرقم �إىل ال�ضعف عند قيام‬
‫احلمراء‬ ‫اجل�سم ببذل جمهود ما كالعمل �أو الريا�ضة‪ .‬ويزداد‬
‫يتم نقل الأوك�سجني من الرئتني �إىل خاليا اجل�سم‬ ‫معدل التنف�س مع زيادة كثافة عمليات الأي�ض �أو‬
‫ونقل ثاين �أك�سيد الكربون من خاليا اجل�سم �إىل‬ ‫التمثيل الغذائي (‪ )Metabolism‬فالأج�سام الكبرية‬
‫الرئتني من خالل دورتني دمويتني حتدثان يف اجلهاز‬ ‫حتتاج ملعدل تنف�س �أعلى من الأج�سام ال�صغرية‪.‬‬
‫الدوري‪ :‬وهما الدورة الدموية الكربى‪ ،‬والدورة‬
‫الدموية ال�صغرى‪.‬‬
‫ففي الدورة الدموية الكربى يخرج الدم امل�ؤك�سد من‬
‫دما‬
‫البطني الأي�سر �إىل جميع �أع�ضاء اجل�سم ثم يعود ً‬
‫غري م�ؤك�سد �إىل الأذين الأمين‪� .‬أما يف الدورة الدموية‬
‫ال�صغرى فيخرج الدم غري امل�ؤك�سد من البطني الأمين‬
‫دما م�ؤك�سدً ا �إىل الأذين الأي�سر‪.‬‬
‫�إىل الرئتني ثم يعود ً‬
‫ويتم تبادل غازي الأك�سجني وثاين �أك�سيد الكربون بني‬
‫الهواء املوجود يف احلوي�صالت الهوائية والدم املوجود‬
‫يف ال�شعريات الدموية املحيطة بها وكذلك بني ال�سائل‬
‫ما بني اخللوي والدم املوجود يف ال�شعريات الدموية‬ ‫‪Breathing Control‬‬‫ان مركز التحكم الرئي�سي (‬
‫املمتدة بني خاليا اجل�سم من خالل االنت�شار الب�سيط‪.‬‬ ‫‪ )Center‬موجود يف النخاع امل�ستطيل (‪Medulla‬‬
‫‪ )Oblongata‬ويقوم هذا املركز بتوليد النب�ضات‬
‫الع�صبية الرتيبة التي حتكم معدل التنف�س‬
‫(‪ .)Medullary Rhythmicity Area‬ويوجد يف منطقة‬
‫اجل�سر (‪ )Pons‬مركزان للتحكم �أحدهما للتحكم يف‬
‫عملية ال�شهيق (‪ )Apneustic Area‬والآخر للتحكم يف‬
‫عملية الزفري (‪ .)Pneumotaxic Area‬ويتلقى هذان‬
‫املركزان �إ�شارات ع�صبية من م�ستقبالت ح�سية‬
‫كيميائية (‪ )Chemoreceptors‬موجودة حول ال�شريان‬
‫التاجي وال�شريان ال�سباتي تعمل على قيا�س م�ستوى‬
‫تركيز الأوك�سجني وثاين اك�سيد الكربون اخلارج من‬
‫عند البلعوم حت�صل عمليات معقدة للطعام‬
‫�أما عملية نقل الأك�سجني من الرئتني �إىل خاليا‬ ‫والتنف�س والكالم‬
‫اجل�سم ونقل ثاين �أك�سيد الكربون من خاليا اجل�سم‬
‫�إىل الرئتني فتتم بوا�سطة بروتني الهيموجلوبني‬ ‫القلب وكذلك تركيز حام�ض الكربونيك يف الدم‪.‬‬
‫(‪ )Hemoglobin‬املوجود يف خاليا الدم احلمراء(‪Red‬‬
‫‪ )Blood Cells‬والذي ي�شكل ‪ 97‬باملائة من وزنها‬ ‫و�إىل جانب امل�ستقبالت احل�سية الكيميائية يوجد‬
‫اجلاف‪� .‬إن ال�سر الأعظم يف عملية النقل هذه تكمن‬ ‫م�ستقبالت ح�سية ميكانيكية (‪Proprioreceptor or‬‬
‫يف قدرة الهيموجلوبني على الإحتاد بالأك�سجني �أو ثاين‬ ‫‪ )Stretch Receptor‬موجودة يف ع�ضالت ال�صدر‬
‫اإلعجاز‪ ,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪23‬‬
‫علوم الحياة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬
‫خ‬ ‫ن‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫جت‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫الظاهر فه رين كافيا‬
‫و‬
‫و جتميل إ�لهي بديع لوجه الإاء و أ�ما الأنف‬ ‫�أك�سيد الكربون حتت ظروف معينة والإنفكاك عنهما‬
‫ن�سان‬ ‫حتت ظروف �أخرى‪ .‬ويتكون جزيئ الهيموجلوبني من‬
‫جمموعتني هما‪ :‬جمموعة الهيمو (‪� ،)Heme Group‬إن كبت عملية العطا�س بعد بدئها قد تكون لها عواقب‬
‫وهو جزيئ �صغري ن�سبيا يحتوي على ذرة حديد �ضارة بج�سم الإن�سان فالطاقة التي ي�ستجمعها‬
‫واحدة‪ ،‬وجمموعة الربوتني وهي �سال�سل طويلة من اجل�سم لإجراءعملية العط�س �إن مل تفرغ فيها ف�سيتم‬
‫الأحما�ض الأمينية تلتف حول بع�ضها البع�ض وحول تفريغها يف مكان �أو �أكرث يف اجل�سم مما قد يحدث‬
‫جزيئ الهيمو لتعطي الهيموجلوبني �شكله املميز �ضر ًرا فيها‪ .‬ولذلك فقد علمنا ر�سولنا الكرمي �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم �أن نقول‪ :‬احلمد هلل بعد حدوث عملية‬ ‫وخ�صائ�صه الكيميائية الفريدة‬
‫العطا�س؛ لأنها �أو ًال قد متت بنجاح‪ ،‬و�أخرجت املواد‬
‫ال�ضارة من اجلهاز التنف�سي‪ ،‬ولأنها ثان ًيا مل حتدث‬
‫�ضررا باجل�سم فيما لو مل تتم‪ ،‬ولأنه ثال ًثا �أعاد لنا‬
‫احلياة بعد �أن توقف القلب وبقية �أع�ضاء اجل�سم عن‬
‫العمل خالل فرتة العطا�س‪� .‬أما التثا�ؤب فهو عملية ال‬
‫�إرادية يتم خاللها �إدخال كمية كبرية من الهواء �إىل‬
‫الرئتني من خالل الفم حيث يتم فتح الفم وكذلك‬
‫البلعوم �إىل �أق�صى درجة ملدة قد ت�صل ل�ستة ثواين‬
‫ومن ثم يقوم ب�إخراجه‪ .‬ويقوم الإن�سان بالتثا�ؤب يف‬
‫�أحوال خمتلفة كاقرتاب موعد النوم والنعا�س وعند‬
‫اال�ستيقاظ وعند ال�شعور بال�ضجر �أو القلق �أو اجلوع‬
‫�أو التعب‪ .‬وال زال العلماء يجهلون الهدف احليوي‬
‫الرئي�سي من عملية التثا�ؤب فبع�ضهم يعتقد �أنها كردة‬
‫فعل لنق�ص الأك�سجني وزيادة ثاين �أك�سيد الكربون‬
‫�أما خلية الدم احلمراء التي حتتوي على ‪ 270‬مليون يف اجل�سم‪ .‬بينما يقول �آخرون �أنها تقوم بفتح قناة‬
‫جزيئ هيموجلوبني ف�إن يف ت�صميم �شكلها ما ي�ؤكد �أو�ستاكيو�س لتزويد الأذن الو�سطى بالهواء‪ ،‬وكذلك‬
‫على �أن الذي �صممها عليم خبري �سبحانه وتعاىل طرد الهواء الفا�سد من الرئتني وغري ذلك من‬
‫فقد مت اختيار ال�شكل بحيث يكون له �أكرب م�ساحة الأ�سباب‪� .‬إن فتح الفم بكامل �سعته ملدة �ستة ثواين قد‬
‫�سطح ممكنة وب�أقل حجم لكي يت�سنى و�ضع �أكرب عدد يرتتب عليه بع�ض املخاطر كدخول بع�ض احل�شرات‬
‫ممكن من جزيئات الهيموجلوبني عليه لكي مت�سك ال�صغرية �أو الأج�سام الطائرة �إىل جانب �أنه عمل غري‬
‫الئق �أمام الأخرين‪.‬‬
‫وخلية ولهذا علمنا ر�سولنا الكرمي بع�ض �آداب التثا�ؤب‪:‬‬ ‫�شكل‬
‫ب�أكرب عدد ممكن من جزيئات الأك�سجني‪.‬‬
‫على‬ ‫الدم احلمراء ال حتتوي على نواة وهي‬
‫ففي �صحيح البخاري روى �أبو هريرة ر�ضي اهلل عنه‬
‫�أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم قال‪�(( :‬إن اهلل‬ ‫تت�ألف احلنجرة من ت�سعة غ�ضاريف لكل‬
‫يحب العطا�س ويكره التثا�ؤب‪ ،‬ف�إذا عط�س �أحدكم‬ ‫منها دور حمدد‪.‬‬
‫وحمد اهلل كان حق ًا على كل م�سلم �سمعه �أن يقول له‪:‬‬
‫قر�ص ب�سطحني مقعرين (‪� )biconcave disks‬أي على يرحمك اهلل‪ .‬و�أما التثا�ؤب ف�إمنا هو من ال�شيطان‪،‬‬
‫�شكل الكعكة ويبلغ قطرها ‪ 7,5‬ميكرومرت و�سمكها ف�إذا تثاءب �أحدكم فلريدن ما ا�ستطاع‪ ،‬ف�إن �أحدكم‬
‫اخلارجي عند �أطرافها ‪ 2‬ميكرومرت وم�ساحتها ‪� 136‬إذا تثاءب �ضحك منه ال�شيطان)‬
‫ميكرومرت مربع ‪ .‬ويحتوي امللليمرت املكعب الواحد من‬
‫الدم خم�سة ماليني خلية دم حمراء يف املتو�سط ويبلغ‬
‫ا‬ ‫التجويف‬ ‫يف‬ ‫جمموع ما يحتويه الدم يف ج�سم الإن�سان من خاليا‬
‫د‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬‫ل‬‫أ‬ ‫الدم احلمراء ما متو�سطه ‪ 25‬تريليون‪� .‬إن متو�سط‬
‫ء‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫و�صوله ل ح‬ ‫عمر خلية الدم احلمراء يبلغ يف املتو�سط ثالثة �أ�شهر‬
‫قبل‬ ‫ىل الرئتني‬ ‫إ‬
‫�‬
‫ولذا ف�إنه يلزم �إنتاج خاليا جديدة لتعوي�ض ما ميوت‬
‫منها وتتم عملية �إنتاج هذه اخلاليا يف نخاع العظام‬
‫للراغبني مبتابعة البحث بكامله مراجعة املوقع ‪quran-m.com‬‬
‫*‬
‫حيث ينتج منها ما متو�سطه مليوين خلية يف الثانية‬
‫الواحدة‪.‬‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪24‬‬
‫علوم الحياة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫البكترياي عامل يف خلية‬


‫د‪ .‬عبد احلميد القضاة*‬
‫البكترييا كائن من �أهون خملوقات اهلل‪� ،‬إن مل يكن‬
‫�أ�شدها �ضعف ًا وهوان ًا‪ ،‬ال تراه‪ ،‬وال حت�س بوجوده‪ ،‬رغم‬
‫�أنه رفيقك منذ والدتك‪ .‬و�سيبقى معك ما دام فيك‬
‫عرق ينب�ض‪� .‬شئت �أم �أبيت‪ ،‬فهو ي�سكن جوفك‪ ،‬وقد‬
‫اتخذ فيك مقام ًا له �آمن ًا‪ ،‬دون �أن ي�ست�أذنك ودون �أن‬
‫ير�سل لك ن�سخة للعلم‪.‬‬

‫يقع و�سط اخللية على �شكل �سلم لولبي رفيع جد ًا‪،‬‬


‫يربط بني طرفيه �أربعون مليون درجة‪ .‬ورغم طوله‬
‫الذي يزيد على طول اخللية البكتريية نف�سها ب�ألف‬ ‫مه ًال‪ ...‬مه ًال‪ ...‬ال تخف‪ ...‬ف�أنت ل�ست وحدك يف‬
‫مرة‪� ،‬إال �أنه ال ي�شغل اكرث من ‪ %10‬من حجمها‪.‬‬ ‫ذلك‪ ،‬فقد مرت على الب�شرية ع�شرات �آالف ال�سنني‬
‫وعند انق�سام هذه اخللية اجلرثومية �إىل اثنتني‪،‬‬ ‫قبلك‪ ،‬وهم يعي�شون مع هذه الكائنات دون �أن يح�سوا‬
‫ترتب املادة الوراثية نف�سها‪ ،‬بحيث تن�شق طولي ًا �إىل‬ ‫بها‪� ،‬أو يكت�شفوها‪ :‬لدقتها و�صغر حجمها‪ ،‬رغم‬
‫اثنتني‪ ،‬وي�صبح يف كل خلية من اخلليتني اجلديدتني‬ ‫اعدادها التي ال حت�صى‪ ،‬منت�شرة فيهم‪ ،‬وعليهم‪،‬‬
‫�سلم لولبي م�ساو متام ًا للآخر‪ ،‬يحوي من املعلومات‬ ‫وحولهم‪ .‬وهي مل تدخل قامو�س املعرفة الب�شرية‪،‬‬
‫الوراثية ك ًّما هائ ًال‪ ،‬ا�ستحق �أن ي�سمى �سج ًال وراثي ًا‪،‬‬ ‫�إال يف القرن ال�سابع ع�شر‪ ،‬عندما ر�آها العامل (لوفن‬
‫وهذا ال�سجل مكتوب بلغة الوراثة امل�ؤلفة من �أربعة‬ ‫هوك) مبجهره البدائي عام ‪1667‬م‪.‬‬
‫حروف فقط‪ ،‬وي�شبه �شريط ًا ورقي ًا طوي ًال ودقيق ًا‬ ‫�إذا و�صفنا الواحدة منها بالكائن الب�سيط‪ ،‬فقد‬
‫جد ًا طبعت عليه املعلومات الوراثية مرتا�صة يف تتابع‬ ‫جاوزنا احلقيقة‪ ،‬رغم �أنها خلية واحدة �صغرية‬
‫خطي مرتب‪ ،‬لكنه ملتف بطريقة متقنة جد ًا ت�سمح‬ ‫مبقايي�سنا‪ ،‬يبلغ متو�سط قطرها جزء ًا من املليون‬
‫له بالعمل‪ .‬ويف الوقت نف�سه ال يحتل �إال حيز ًا ب�سيط ًا‬ ‫من املرت‪ ،‬وطولها �ضعف ذلك‪ ،‬لذا فهي لي�ست �ضخمة‬
‫داخل خلية متناهية بال�صغر ال ترى بالعني املجردة‪.‬‬ ‫احلجم‪ ،‬لكننا كلما �أبحرنا فيها‪ ،‬وجدناها �ضخمة‪،‬‬
‫وحني تنق�سم اخللية اجلرثومية كل (‪ )20‬دقيقة‪ ،‬يرى‬ ‫بل �ضخمة جد ًا‪ ،‬وخملوق ًا عظيم ًا انطوى على ا�سرار‬
‫من يراقبها �أن كل خلية جديدة‪ ،‬تنال ن�سخة من هذا‬ ‫حمرية‪ ...‬تهتف بعظمة اخلالق املدبر!!‬
‫ال�سجل‪ ،‬عليها تعليمات وموا�صفات ال�صنع‪ ،‬مع ن�صف‬ ‫و�أهم مكونات هذا املخلوق املجهري تلك اجلزئيات‬
‫املواد الأولية ل�صناعة ما يلزم اخللية اجلديدة‪،‬‬ ‫التي حتمل املعلومات الوراثية‪ ،‬واملوجودة على‬
‫ملتابعة النمو‪ ،‬وتكرار الن�سخ مليارات املرات‪ .‬وبف�ضل‬ ‫كروموزوم دائري (‪.)Nucleoid‬‬
‫اهلل تعاىل ثم بف�ضل هذه التعليمات الوراثية الثابتة‪،‬‬
‫التي انتقلت من جيل �إىل جيل‪ ،‬مت حفظ نوع اجلرثومة‬
‫اإلعجاز‪ ,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪25‬‬
‫علوم الحياة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫نف�سه منذ ماليني ال�سنني‪ ،‬و�إىل ما �شاء اهلل‪ ،‬دومنا‬


‫تبديل �أو تغيري‪.‬‬

‫نعود �إىل بناء منوذج جرثومة‪ ...‬فما الذي نحن‬


‫بحاجة �إليه؟ نحن بحاجة �إىل مكان وا�سع جد ًا‪ ،‬وليكن‬ ‫ولو فكر العلماء ببناء منوذج منظور‪ ،‬ملا حتويه خلية‬
‫�أكرب املدن الريا�ضية‪ ،‬مبا فيها من مبان ومرافق‪ ،‬مع‬ ‫بكتريية واحدة من جزئيات وذرات‪ ،‬وا�ستعملوا لذلك‬
‫كل ال�شوارع الوا�صلة بها‪ ،‬ويلزمنا كذلك الكثري من‬ ‫كرات بال�ستيكية‪ ،‬وحبات من اخلرز‪ ،‬قطر اكربها‬
‫املال والوقت!!‬ ‫ميليمرت واحد‪ ،‬ب�أحجام و�ألوان خمتلفة ح�سب احلاجة‬
‫وعلينا �أن نقنع �شركة �صناعية كيماوية‪ ،‬ب�أن تعد‬ ‫والنوع‪ ،‬فكم يلزمهم من ذلك يا ترى؟‬
‫لنا الكرات البال�ستيكية‪ ،‬واخلرز ب�شكل خا�ص‪ ،‬وان‬
‫تزود ك ًال منها بو�سائل لالت�صال واالرتباط بكرات‪،‬‬
‫�أو خرزات اخرى مرة �أو اكرث ح�سب نوع الذرة التي‬ ‫حتتوي اخللية على ع�شرات املليارات من اجلزئيات‬
‫�ستمثلها اخلرزة‪.‬‬ ‫ال�صغرية وبداخلها مئات املليارات من الذرات‬
‫ف�إذا كنا مهرة وخرباء يف التفاو�ض التجاري‪ ،‬و�أفلحنا‬
‫يف امل�ساومة‪ ،‬وح�صلنا على املطلوب ب�سعر فل�س واحد‬ ‫وقبل ذلك‪ ،‬ال بد من �أن نتذكر �أن الغالبية العظمى‬
‫للخرزة الواحدة كان علينا �أن نقنع املمول بر�صد ما ال‬ ‫من اجلزئيات املوجودة يف اخللية مكونة من‬
‫يقل عن ملياري دينار‪.‬‬ ‫ذرات العنا�صر ال�ستة‪� ،‬سالفة الذكر‪( ،‬الكربون‪.‬‬
‫وال يفوتنا �أن نذكر �أن هذه الكرات يجب �أن تكون‬ ‫والهيدروجني‪ ،‬والأك�سجني‪ ،‬والنيرتوجني‪ ،‬والف�سفور‪،‬‬
‫�صغرية جد ًا‪ ،‬ال يتجاوز قطر �أكربها ميليمرت ًا واحد ًا‪،‬‬ ‫والكربيت)‪ .‬هذه الذرات التي ال حت�صى داخل‬
‫�إذا كنا ن�أمل �أن ن�ؤوي النموذج يف مدينة الألعاب‬ ‫اخللية‪ ،‬كل يف مكانه ال يتعدى �إىل غريه‪ ،‬يف تنا�سق‬
‫الكبرية التي اخرتناها‪.‬‬ ‫وترتيب مذهل وعجيب!!‬
‫وعلينا �أن نطلب من املهند�سني �أن يقووا ا�سا�سات‬ ‫�أما �إمكانات ترتيب هذه الأعداد الهائلة من الذرات‪،‬‬
‫وجدران املباين املوجودة فيها‪ ،‬على نحو خا�ص‪،‬‬ ‫فهي كثرية �إىل حد مذهل‪ ،‬فيكفي �أن تعلم على �سبيل‬
‫ليحتمل وزن النموذج الذي �سنعده‪ ،‬لأنه �سي�صل �إىل‬ ‫املثال �أن هناك ما يزيد على �ستني مليون طريقة‪،‬‬
‫ع�شرات �آالف الأطنان!!‬ ‫لرتتيب بناء من اربعني ذرة كربون‪ ،‬واثنتني وثمانني‬
‫حتتوي اخللية على ع�شرات املليارات من اجلزئيات‬
‫ذرة هيدروجني‪ .‬فما بالك �إذا كان لديك بحر متالطم‬
‫ال�صغرية وبداخلها مئات املليارات من الذرات‬
‫من الذرات داخل اخللية؟!‬
‫ال �شك �أن و�ضع كل ذرة يف مكانها ال�صحيح‪ ،‬و�سط‬
‫هذا الزحام العجيب‪ ،‬يحتاج �إىل دقة متناهية‪ ،‬و�أدوات‬
‫وماذا عن طاقم العمل الالزم يا ترى؟ يجب �أن‬ ‫بالغة الدقة واحل�سا�سية‪ ،‬ومهارات فائقة ي�صعب‬
‫يتكون من عدد كبري من العاملني املدربني تدريب ًا‬ ‫و�صفها!! فكيف بك �إذا علمت �أن هذا املخلوق ال�صغري‬
‫عالي ًا‪ ،‬لي�ستطيع الواحد منهم �أن يثبت كرة مبا فيها‬ ‫ال�ضعيف يقوم بكل هذا يف منتهى الدقة‪ ،‬واالن�ضباط‬
‫من ذرات يف مكانها‪ ،‬خالل �ست وع�شرين ثانية‪ ،‬على‬ ‫والرتابة‪ ،‬والر�شاقة يف زمن خيايل؟! ف�سبحان }الذي‬
‫الأكرث‪ ،‬و�أن يكون قادر ًا على موا�صلة العمل ثماين‬ ‫�أعطى كل �شيء خلقه ثم هدى{‪.‬‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪26‬‬
‫علوم الحياة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫هذا الرداء اخلارجي‪ ،‬تن�سج خيوطه ذاتي ًا‪ ،‬داخل‬ ‫�ساعات يف اليوم بواقع خم�سة �أيام يف الأ�سبوع‪.‬‬
‫ف�إذا حققنا ذلك‪� ،‬سيكون طاقمنا اربعة �آالف عامل‪ ،‬حرم اخللية‪ ،‬ولي�س م�ستورد ًا من اخلارج‪ ،‬حيث �أن‬
‫و�سينجزون املهمة (تثبيت اربعني مليار كرة يف البكترييا تلب�س مما ت�صنع‪ ،‬ال مما ي�صنع غريها‪ ،‬ثم‬
‫تر�سل هذ اخليوط‪ ،‬ليتم بناء الطبقة اخلارجية خيط ًا‬ ‫مكانها) يف خم�س وثالثني �سنة على الأقل!!‬
‫ً‬
‫فماذا ع�سى �أن نقول �إذا علمنا �أن اخللية اجلرثومية خيطا‪ ،‬كل يف مكانه حماية للخلية من �شر البلعمة‬
‫ت�ستطيع اجناز هذا العمل اجلبار يف ع�شرين دقيقة‬
‫اخللية عامل قائم يحمل �سجال كامال من املعلومات الوراثية‬ ‫فقط ال غري‪ ،‬وهو ما ي�ستغرقه انق�سامها �إىل اثنتني‬
‫كامليتني يف منتهى احليوية والن�شاط!! ال منلك �إال �أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تارة‪ ،‬وخمزونا غذائيا احتياطيا لها تارة �أخرى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نقول‪�} :‬صنع اهلل الذي �أتقن كل �شيء{‪.‬‬
‫علم ًا �أن اجلرثومة ال جتد كل �شيء جاهز ًا داخلها‪ ،‬وليمكنها من االلت�صاق يف املكان املنا�سب ‪�-‬إن دعت‬
‫بل عليها �أن تتح�س�س ما حولها من مواد‪ ،‬فتجمع ما ال�ضرورة لذلك‪ -‬تارة ثالثة‪.‬‬
‫حتتاج �إليه‪ ،‬من خالل ثقوب يف جدرانها‪ ،‬وحتوله �إىل ولو قدر لنا فرط عقد �سال�سل هذه الطبقة‪ ،‬وتق�سيمها‬
‫وحداته الأ�سا�سية ال�صاحلة للبناء‪ ،‬بعملية ا�شبه ما �إىل جزيئاتها الربوتينية‪ ،‬ثم مت جمعها جنب ًا �إىل جنب‬
‫تكون بعملية اله�ضم عند االن�سان‪ ،‬ثم تبد أ� با�ستعمال كخرز‪ ،‬لبلغ �سمك هذ الطبقة ثالثة �أ�ضعاف عر�ض‬
‫هذه الوحدات‪ ،‬لبناء ما حتتاجه من مركبات �ضرورية املدينة الريا�ضية �سالفة الذكر‪ ،‬ف�سبحان اهلل اح�سن‬
‫لنموها وانق�سامها‪ ،‬م�ستعملة لذلك‪ ،‬ك ًما هائ ًال من اخلالقني‪.‬‬
‫�أما الطبقة الو�سطى (‪ )Cell Wall‬فهي التي تعطي‬ ‫الأنزميات ي�صل عددها �إىل الفني ويزيد‪.‬‬
‫اخللية �شكلها ومظهرها اخلارجي‪ ،‬الذي مييزها عن‬
‫غريها من بنات جن�سها‪ ،‬فهي مبنزلة الهيكل العظمي‬
‫للإن�سان‪ ،‬كما حتافظ عليها من التلف واالنفجار‪� ،‬إذا‬
‫ما تعر�ضت ل�ضغط ما‪ ،‬نتيجة تفاوت كمية املاء بني‬
‫داخل اخللية وخارجها‪ ،‬وبالتايل ف�إن هذه الطبقة هي‬
‫الأهم رغم انها اقل �سمك ًا من الأوىل‪ ،‬وت�سمى جدار‬
‫اخللية و�سياجها املتني‪ ،‬وهي م�صنوعة بطريقة بديعة‬
‫مذهلة‪ ،‬حيث تت�شابك فيها �سال�سل ن�شوية ثنائية‬
‫ال�سكر‪ ،‬ب�سال�سل بروتينية مكونة من احما�ض امينية‪،‬‬
‫لت�شكل �شبكة �صلبة ومتقاطعة تلف جميع �أجزاء‬
‫اخللية متام ًا كاجل�سور احلديدية يف هيكل عمارة‬
‫كبرية يف طور الإن�شاء‪.‬‬
‫�إ�ضافة �إىل ما �سبق‪ ،‬ت�صور �أن هذه املدينة الريا�ضية ثم تند�س يف �أماكن معينة من هذه ال�شبكة بع�ض‬
‫ال�ضخمة جد ًا‪ ،‬قد ُلفت‪ -‬للحفاظ عليها من احلرارة الدهون والربوتينات والن�شويات اخلا�صة‪ ،‬املكلفة‬
‫والرطوبة واجلفاف‪ ،‬والظروف اجلوية‪ ،‬غري املنا�سبة مبهام معينة‪ ،‬ت�شبه مهام العاملني باملراكز احلدودية‪،‬‬
‫مزودة بتعليمات وا�ضحة‪ ،‬تتعلق مبن ي�سمح له‬ ‫وعاديات الزمان‪ -‬بثالث طبقات‪.‬‬
‫الطبقة اخلارجية منها (‪ )Capsule‬عبارة عن غطاء بالدخول واخلروج‪ ،‬تبع ًا مل�صلحة اخللية‪ ،‬وهي تنفذ‬
‫�سميك جد ًا‪ ،‬من مواد ن�شوية‪� ،‬أو بروتينية‪ ،‬مكونة من هذه التعليمات بطرق ح�سا�سة‪ ،‬ودقيقة يعجز عنها‬
‫ماليني اجلزئيات‪ ،‬على �شكل �سال�سل طويلة جد ًا‪ ،‬الب�شر‪.‬‬
‫وكل جزيء مكون من وحدات �سكرية �أو بروتينية‪� ،‬أما الطبقة الداخلية (‪)Cytoplasmic Membrane‬‬
‫مرتابطة بطريقة حمكمة‪ ،‬وم�صفوفة �إىل بع�ضها فهي الأكرث ح�سا�سية‪ ،‬والأدق �شفافية‪ ،‬والأبلغ �صنع ًا‪،‬‬
‫والأروع اعجاز ًا‪ ،‬ويكمن اعجازها يف دقة �صنعها‪،‬‬ ‫بدقة متناهية‪.‬‬
‫وطبيعة وظيفتها‪ ،‬فهي ت�شكل غ�شاء للخلية‪ ،‬مكون ًا من‬
‫طبقتني دهنيتني‪ ،‬مرتبة جزئياتها ووحداتها بطريقة‬ ‫عوامل من امليكروبات تدب على الأر�ض دون علمنا‬
‫بديعة مذهلة‪ ،‬وب�شكل يجعل منه غ�شاء طري ًا ومتموج ًا‬
‫�أقرب ما يكون �إىل �سائل متجاذب الأجزاء‪ ،‬له مهام‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪27‬‬
‫علوم الحياة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫الربوتينات ا�سمه فالجلني‪ ،‬ترتتب وحداته بجانب‬ ‫وخوا�ص عظيمة الأهمية للخلية‪� ،‬إذ لديه املقدرة على‬
‫بع�ضها‪ ،‬على �شكل �سال�سل من اجلزئيات املرتا�صة‬ ‫اال�ستقبال ب�أح�سن طريقة واملنع بكل �أدب ولطف‬
‫واملرتبة بدقة متناهية‪ ،‬لت�شكل خرطوم ًا يجمع بني‬ ‫ملن ال يراد �إدخاله �إىل حرم اخللية‪ ،‬وفيه ممرات‬
‫املرونة وال�صالبة‪ ،‬وقدر من الليونة التي ت�سمح له‬ ‫عليها حر�س متيقظ �صباح م�ساء‪ ،‬يفتح الطريق �أمام‬
‫باحلركة اللولبية‪ ،‬باجتاه عقارب ال�ساعة‪� ،‬أو عك�سها‬ ‫ال�صديق املفيد‪ ،‬ويغلقه يف وجه العدو ال�ضار‪.‬‬
‫ح�سب الوجهة التي تق�صدها البكترييا‪.‬‬ ‫هذه الطبقات الثالث التي لفت املدينة الريا�ضية‬
‫و�أ�صل هذا ال�سوط يبد أ� من داخل ج�سم البكترييا‬ ‫مبدرجاتها‪ ،‬ومبانيها و�ساحاتها الوا�سعة‪ ،‬زادت‬
‫متجه ًا للخارج‪ ،‬وخمرتق ًا الطبقات الثالث‪� ،‬أما‬ ‫يف حجمها الطبيعي �إىل ثالثة ا�ضعاف على الأقل‪،‬‬
‫وهذه رغم �سمكها �إال انها ت�سمح مبرور اج�سام‬
‫ا�سطوانية ال�شكل‪ .‬مرنة القوام‪ ،‬متينة البنية‪ ،‬معقوفة‬
‫الطرف الداخلي املت�صل بج�سم البكترييا‪ ،‬يبلغ طول‬
‫البكترييا مل تدخل قامو�س املعرفة‬ ‫الأ�سطوانة الواحدة (‪ )Flagella‬حوايل ع�شرين �ضعف‬
‫الب�شرية �إال يف القرن ال�سابع ع�شر‬ ‫طول اخللية الأم‪ ،‬فهو ي�شبه خرطوم ًا طوي ًال ي�صل‬
‫داخل اخللية بخارجها‪.‬‬
‫قاعدته الداخلية فهي على �شكل حمرك القارب‪،‬‬
‫يولد بروتونات‪ ،‬وي�ضخها بطريقة بديعة لتوليد طاقة‬
‫كافية‪ ،‬لتحريك اكرث من خم�سني قطعة خمتلفة من‬
‫الربوتينات‪ ،‬متخ�ص�صة يف حتريك ج�سم ال�سوط‬
‫بالطريقة وال�سرعة املطلوبة‪ .‬علم ًا �أن البكترييا‬
‫ميكنها قطع م�سافة تزيد عن خم�سني �ضعف طولها‬
‫يف الثانية الواحدة‪.‬‬
‫ولو قطع ال�سوط ل�سبب �أو لآخر ف�إن البكترييا قادرة‬
‫على تعوي�ضه‪ ،‬خالل فرتة ال تزيد عن خم�س دقائق‪،‬‬
‫حيث يفرز بروتني الفالجلني فور ًا‪ ،‬ويبد�أ بتكوين‬
‫خرطوم ا�سطواين على �أق�صى طول ممكن لل�سوط‬
‫ثم تبد�أ اللم�سات النهائية‪ ،‬حيث تتدحرج الوحدات‬
‫البنائية يف الأ�سطوانة من داخل اخللية‪ ،‬باجتاه‬
‫الطرف الأبعد‪ ،‬ثم ترتب نف�سها يف �أبعد نقطة منه‪،‬‬ ‫ف�إذا ما �أردنا �أن نلحق هذا اخلرطوم باملدينة‬
‫وهكذا يتتابع الرتتيب والبناء‪ ،‬حتى يتم ملء الأ�سطوانة‬ ‫الريا�ضية‪� .‬سالفة الذكر‪ ،‬لريبطها مبا حولها‪ ،‬كما‬
‫كاملة خالل خم�س دقائق فتعود حركة البكترييا كما‬ ‫يربط داخل اخللية بخارجها‪ ،‬ما علينا �إال تفكيك‬
‫كانت!! }�صنع اهلل الذي �أتقن كل �شيء‪.{...‬‬ ‫اخلرطوم �إىل جزئياته املكونة له‪ ،‬ثم جمعها وو�ضعها‬
‫هذا ال�سوط الذي يدفع البكترييا �أمامه‪ ،‬وب�سرعة‬ ‫جنب ًا �إىل جنب كخرز‪ ،‬ومتديد الناجت الذي �سيبلغ‬
‫هائلة‪ ،‬بالن�سبة حلجمها‪ ،‬ال بد منه لها‪ ،‬لتبحث عن‬ ‫ع�شرة كيلومرتات يف �شارع مت�صل باملدينة الريا�ضية‪،‬‬
‫رزقها هنا وهناك‪ ،‬وتهرب من اعدائها الكرث يف‬ ‫و�إذا كررنا ذلك يف ع�شرات الأ�سواط التي متلكها‬
‫حميطها! فكيف منيز بني هذا وذاك يا ترى؟ ف�سبحان‬ ‫اخللية الواحدة‪ ،‬ف�إننا بحاجة �إىل ع�شرات ال�شوارع‪،‬‬
‫اخلالق }الذي �أعطى كل �شيء خلقه ثم هدى{!!‬ ‫التي ت�صل املدينة الريا�ضية مبا حولها‪ ،‬لنمدد بها‬
‫فقد زودها اهلل تبارك وتعاىل مبراكز ا�ست�شعار‬ ‫�أ�سواط اخللية‪ ،‬كما �أننا بحاجة �إىل �أن ن�ستنجد‬
‫متخ�ص�صة يف غ�شاء اخللية (الطبقة الثالثة)!!‬ ‫بجميع ال�شرطة يف املنطقة‪ ،‬لتحويل اجتاه هذا ال�سري‬
‫الغذاء املحبب الذي تع�شقه البكترييا‪� ،‬أو الأك�سجني‪،‬‬ ‫عن دائرة قطرها ع�شرين كيلومرت ًا على الأقل!!‬
‫هذا ال�سوط العظيم يتكون من نوع واحد من‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪28‬‬
‫علوم الحياة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫واملن�ضبطة يف الوقت نف�سه!!‬ ‫�أو ال�ضوء‪ ،‬الذي تريده ت�ست�شعره جزئيات معينة‬
‫ولكن �أنى ذلك للعلم مهما تقدم!!‬ ‫خم�ص�صة لهذا الغر�ض‪ ،‬ثم تن�شئ قوة جتاذب‬
‫و�أنى ذلك للعماء مهما تطاولوا!!‬ ‫باجتاهه‪ ،‬فتوحي لل�سوط بحركة معينة‪ ،‬يدفع بعدها‬
‫�ضعف الطالب واملطلوب‪.‬‬
‫فللخلق �سر!!‬ ‫رغم �صغر حجمها فيها من الأ�سرار ما يبهر العقل‬
‫بل �أ�سرار!!‬
‫ال يعرفها �إال �صاحبها العلي القدير‪.‬‬ ‫باالجتاه املطلوب!!‬
‫وللحياة واهب واحد ال غري‪.‬‬ ‫بينما توجد جزئيات اخرى‪ ،‬ويف الطبقة نف�سها‬
‫ف�سبحانه جلت قدرته‪.‬‬ ‫ت�ست�شعر اخلطر‪ ،‬فتحدث قوة تنافرية �سريعة جد ًا‪،‬‬
‫وعظمت حكمته‪.‬‬ ‫جتعل ال�سوط يعك�س حركته‪ ،‬ويغري اجتاهه فيهرب‬
‫وتبارك ا�سمه‪.‬‬ ‫من اخلطر فور ًا!!‬
‫}هذا خلق اهلل فاروين ماذا خلق الذين من دونه{‬ ‫هب اننا ح�صلنا على املكان الوا�سع املالئم!! والأعداد‬
‫هذه املخلوقات املجهرية‪ ،‬ال�صغرية ب�أحجامها‬ ‫الهائلة من اخلرز امللون!! وطاقم العمل املاهر‬
‫الدقيقة جد ًا‪ ،‬و�أ�سواطها الأدق والأ�صغر‪ ،‬ميكن‬ ‫الن�شيط!! (و�شرعنا يف البناء)!! فبعد اجنازه‪ ،‬بعد‬
‫ر�ؤيتها ب�سهولة‪� ،‬إذ �أخذنا عينة ب�سيطة من الرتاب‪،‬‬ ‫هذه ال�سنوات الطوال وهذا اجلهد اجلبار ماذا نرى‬
‫�أو مفرزات اجل�سم الب�شري كالرباز وو�ضعناها حتت‬ ‫�أمامنا!! �سنجد �أنف�سنا م�شدوهني امام هذا النموذج‪،‬‬
‫املجهر اخلا�ص‪ ،‬نراها على طبيعتها ت�سرح‪ ،‬ومترح‪،‬‬ ‫ننظر بوجوه بع�ضنا ده�شة وا�ستغراب ًا!! ال نعرف ما‬
‫ت�أكل‪ ،‬وت�شرب‪ ،‬وتتنف�س‪ ،‬وتخرج مفرزاتها املختلفة‬ ‫نقول‪ ،‬فنحن �أمام كي�س هائل طويل ممدود ومعب�أ‬
‫وتنق�سم وتتكاثر‪ ،‬كل ي�سري على هواه‪ ،‬وباالجتاه الذي‬ ‫باخلرز امللون فقط ال غري!! ومنوذج هامد جامد ال‬
‫يريد‪ ،‬يبحث عن رزقه‪ ،‬وب�سرعة عجيبة‪ ،‬دون ت�صادم‪،‬‬ ‫حراك فيه‪� ،‬ساكن ال يثري اعجاب احد!!‬
‫ودون �ضو�ضاء‪� ،‬أو �صخب‪.‬‬ ‫بل رمبا �ضحكنا من �أنف�سنا وت�ساءلنا‪ ،‬ملاذا �أهدرنا‬
‫كل هذا املال؟! وخ�سرنا كل هذا اجلهد؟! و�أ�ضعنا كل‬
‫هذا الوقت؟ ومل ننته �إال �إىل لعبة خرزية جامدة‪ ،‬رمبا‬
‫ال تثري ف�ضول �أحد!! �إال �أن حجمها غري عادي! علم ًا‬
‫�أن هذا احلجم �سيثري علينا كثري ًا من �سخرية املارة‪،‬‬
‫الذين ال يعرفون هدف امل�شروع! وال ن�ستغرب �إن علق‬
‫بع�ضهم بالقول "اجلنون فنون"!! ورمبا علق �آخر‬
‫قائ ًال‪" :‬الفرق بني اجلنون والعبقرية �شعرة ال غري"!!‬
‫ف�إذا �أردنا �أن نعك�س امل�شهد‪ ،‬وتتزاحم على م�سامعنا‬
‫�آيات التفريط والإعجاب‪ ،‬ممن �سندعوه مل�شاهدة‬
‫منوذجنا هذا!!‬
‫فما علينا نحن العلماء‪ -‬الذين اجهدنا �أنف�سنا يف‬
‫�صناعته‪� -‬إال �أن نبعث فيه احلياة!!‬
‫كل هذه املليارات اجلرثومية‪ ،‬واحلركات الد�ؤوبة‪ ،‬التي‬ ‫نعم احلياة!!‬
‫تراها‪ ،‬ال ت�سمع لها �صوت ًا‪ ،‬وال هم�س ًا‪� ،‬صمت رهيب‬ ‫فتتحرك اجلزئيات!!‬
‫يلف عامل البكترييا‪ ،‬بل عوامل عجيبة من امليكروبات!‬ ‫وتتجاذب الذرات!!‬
‫وتعمل الأنزميات!!‬
‫تدب على هذه الأر�ض دون علمنا‪ .‬ولكن بعلم الذي ال‬ ‫ويتحرك النموذج يف كل االجتاهات‪ ،‬يبحث عن رزقه‬
‫يخفى عليه �شيء يف الأر�ض وال يف ال�سماء‪ ،‬وهو العليم‬ ‫لينمو ويكرب وينق�سم ويحفظ نوعه!!‬
‫القدير }وما من دابة يف الأر�ض �إال على اهلل رزقها‬ ‫نعم‪� ،‬إن �أردناه م�شروع ًا هادف ًا‪ ،‬ال لعبة هامدة‪ ،‬جاداً‬
‫ال عابث ًا‪ ،‬علينا �أن نبعث به احلياة التي ت�ضبط حركة‬
‫ويعلم م�ستقرها وم�ستودعها كل يف كتاب مبني{‪.‬‬ ‫اجلزئيات بل الذرات‪ ،‬احلركة الهادفة اجلادة املنتجة‬
‫اإلعجاز‪ ,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪29‬‬
‫علوم الحياة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫‪�-‬سبحانك ربي ما �أعظمك! وما �أبدع خلقك! وما �أجمل �صنعك! و�ضعت كل �شيء يف مكانه وخلقت كل �شيء‬
‫بقدر‪ ،‬وحلكمة تعلمها �أنت‪ ،‬وال نعلمها نحن‪ ،‬ل�ضعفنا‪ ،‬وجهلنا‪ ،‬وقلة حيلتنا!!‬
‫‪�-‬سبحانك ما �أرحمك بنا نحن الب�شر! و�ضعت لنا من املعجزات والآيات يف كونك املنظور‪ ،‬ما يهدي االن�سان‬
‫العادي احلائر �إىل جاللك‪ ،‬وي�أخذ بيده �إىل جنابك!‬
‫‪-‬وو�ضعت للعلماء يف كل خلق �صغر ام كرب معجزة!! بل معجزات! جتعل من يبحث منهم عن احلقيقة اخلالدة‬
‫يهتف بعفوية الفطرة ال�سليمة من �أعماقه‪ :‬يا الهي‪ ،‬ما �أعظمك!!‬
‫‪-‬م�ست�سلم ًا منقاد ًا بفعل قناعة يقينية‪ ،‬ال تزيدها الأيام �إال ر�سوخ ًا وثبات ًا }�إمنا يخ�شى اهلل من عباده العلماء{‪.‬‬
‫‪�-‬سبحانك ربي ما �أرحمك بنا نحن العلماء!! فكم من عامل ر�أى من �آياتك العظيمة‪ ،‬ما ر�أى حتت جمهره‬
‫ف�أعر�ض عنها!! وك�أنها ال تعنيه‪ ،‬فلم حترك يف كيانه �ساكن ًا }�أفر�أيت من اتخذ الهه هواه و�أ�ضله اهلل على علم‬
‫وختم على �سمعه وقلبه وجعل على ب�صره غ�شاوة فمن يهديه من بعد اهلل �أفال تذكرون{!! �سبحانك فلم ت�ستعجل‬
‫عقابه‪ ،‬بل متد له مد ًا‪ ،‬ومتهله ولكنك ال تهمله‪ ،‬تعطيه الفر�صة تلو الأخرى‪ ،‬عله يتذكر �أو يخ�شى!!‬
‫�سبحانك ربي ما �أحكمك! تقدر وال نقدر‪ ،‬تعلم وال نعلم‪ ،‬و�أنت عالم الغيوب‪ ،‬لك يف خلقك �ش�ؤون‪ ،‬فمنا من مل‬
‫يزده علمه �إال بعد ًا عنك ونفور ًا‪} ،‬و�إن يروا كل �آية ال ي�ؤمنوا بها{‪ .‬ومنا من زاده علمه تذل ًال وتعبد ًا وتقرب ًا منك‪،‬‬
‫طمع ًا برحمتك وجميل عفوك‪ ،‬و�صدق من قال‪:‬‬

‫�إذا مل يكن عون من اهلل للفتى‬


‫ف�أول ما يق�ضي عليه اجتهاده‬

‫* اخت�صا�صي ت�شخي�ص الأمرا�ض اجلرثومية والأم�صال‪،‬‬


‫(بريطانيا)‪.‬وللراغبني مبتابعة البحث بكامله العودة اىل املوقع‬
‫‪www.eajaz.org‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪30‬‬
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫بني العمل الطبيعي واإلميان‬


‫د‪ .‬حمجوب عبيد طه*‬
‫ابلغيب‬
‫الإميان بالغيب جزء �أ�سا�سي من عقيدة امل�سلم‪ .‬قال‬
‫وتناق�ضا وا�ضحا ال �سبيل ملعاجلته ويح�سن �أن يغ�ض‬ ‫تعاىل يف �صفات املتقني‪ }:‬ا َّل ِذينَ ُي�ؤْ ِم ُنونَ ِبا ْل َغ ْي ِب‬
‫عنه الطرف‪ .‬وهذا يف احلقيقة وهم كبري وفيه‬ ‫ال�صال َة َوممِ َّ ا َر َز ْق َناهُ ْم ُين ِف ُقون{ ( البقرة‪3:‬‬ ‫َو ُي ِقي ُمونَ َّ‬
‫�سوء ظن بالعقيدة �أو بالعلوم الطبيعية �أو بالإن�سان‬ ‫)‪ ،‬و�أنواع الغيبيات يف عقيدة امل�سلمني كثرية‪� ،‬أخرب‬
‫و�صدق تعامله معهما معا ومع الكون واحلياة ب�صفة‬ ‫عنها القر�آن وحتدثت بها الأحاديث ال�شريفة‪ ،‬منها‬
‫عامة‪ ،‬ذلك �أن ال�صدق و�إخال�ص النية وتطهري‬ ‫غيبيات م�ضت ومنها غيبيات ت�أتي ومنها غيبيات‬
‫ال�سريرة وتنقيتها هي من �صفات الإن�سان ال�سوي‬ ‫معا�صرة هي مما ال يدركه احل�س الب�شري وال ي�شمله‬
‫ومن اخل�صائ�ص الالزمة للم�ؤمنني‪ ،‬وال يت�سق �أبدا �أن‬ ‫نطاق احلوا�س‪ .‬وهذه الأخرية هي التي تهمنا يف هذا‬
‫يجمع امل�ؤمن يف عقيدته ومنهج حياته بني متناق�ضات‬ ‫احلديث‪ ،‬منها الإميان بوجود اهلل �سبحانه وتعاىل‬
‫ينكر بع�ضها بع�ضا‪ .‬واالعتقاد ب�صحة العلم الطبيعي‬ ‫وقدرته القاهرة فوق العباد واملخلوقات‪ ،‬والإميان‬
‫جزء من الدين‪ ،‬لأن العلم الطبيعي يتعلق بالظاهر‪،‬‬ ‫باملالئكة وباجلن وال�شياطني وبحقيقة �أثرهم يف حياة‬
‫وت�صديق الظاهر دليل العقل واحلكمة‪ ،‬ومن ال يقف‬ ‫النا�س‪ ،‬وكل هذا من ثوابت العقيدة و�أركانها‪ ،‬مما ال‬
‫عند الظاهر ويت�أمله ويربط بني �أحواله بالت�سبيب‬ ‫يجوز مل�سلم �أن ينكره �أو ي�صرفه بالت�أويل والتحرير‬
‫والتعليل ال ينتظر منه �أن يح�سن االعتقاد بوجود‬ ‫والتمويه‪.‬‬
‫الغيبيات وبحقيقة ت�أثريها يف احلياة‪ ،‬ولذلك فلي�س‬ ‫و�إميان امل�سلم باهلل يقت�ضي الإميان بت�أثريه اللحظي‬
‫واردا �أن ن�سحب الثقة من العلم الطبيعي‪ ،‬لأن الإميان‬ ‫الدائم على كل جمريات الأمور يف الكون‪ ،‬وب�صلته‬
‫بالثابت من العلم الطبيعي هو مقت�ضى العقل وجزء‬ ‫املبا�شرة و�أثره على نفو�س الب�شر ودخائل ال�صدور‪،‬‬
‫من الإميان ب�صدق الدين‪ .‬بل �إن �صريح القر�آن‬ ‫وي�ستعيذ امل�سلم باهلل من ال�شيطان وو�سو�سته‪ ،‬ويعلم‬
‫الكرمي حث على تدبر الكون والكائنات وعلى ت�أمل‬ ‫من �صفاته ما جاء به �صريح القر�آن‪� } :‬إ َّن ُه َي َرا ُك ْم هُ َو‬
‫خلق اهلل و�إدراك �سننه يف �سلوك املخلوقات وف�ضل‬ ‫َو َق ِبي ُل ُه ِمنْ َح ْيثُ ال َت َر ْو َن ُه ْم{( الأعراف‪ ،)27 :‬و‬
‫العاملني بهذا على من جهلوه‪ ،‬وهو من جوهر العلم‬ ‫اجل َّن ِة‬
‫ا�س ‪ِ .‬منَ ِ‬ ‫}ا َّل ِذى ُي َو ْ�س ِو ُ�س ِفى ُ�صدُو ِر ال َّن ِ‬
‫الطبيعي ويتم بو�سائله ويحقق �أهدافه‪.‬‬ ‫ا�س{( النا�س‪ ،) 6 ،5 :‬و} َو َمن َي ْع ُ�ش َعن ِذ ْك ِر‬ ‫َوال َّن ِ‬
‫فكيف �إذن ال�سبيل للجمع بني العلم الطبيعي والإميان‬ ‫ال َّر ْح َم ِن ُن َق ِّي�ضْ َل ُه َ�ش ْي َطا ًنا َف ُه َو َل ُه َق ِرينٌ {‬
‫بالغيب �إميانا حقيقيا يجعل له دورا فعاال يف احلياة؟‬ ‫( الزخرف‪.) 36 :‬‬
‫�سبيل ذلك �أن نحدد بو�ضوح معنى وحدود العلم‬ ‫�إذن فعقيدة امل�سلم تقت�ضي الإميان بت�أثريات غيبية‬
‫الطبيعي‪ .‬ودعنا يف البداية نقول �إن العلم الطبيعي‬ ‫عديدة‪ ،‬ال ت�شملها حوا�س النا�س وال تدركها‪ ،‬ولكن‬
‫ال ي�شمل كل ما يهم النا�س يف حياتهم‪ ،‬م�ؤمنني كانوا‬ ‫فعلها حقيقي ويلزم �أن ي�ؤخذ يف االعتبار يف ما يهم‬
‫�أم ملحدين‪ ،‬ولي�س ممكنا �أن يبني الإن�سان حياة‬ ‫النا�س من �أمور احلياة‪ .‬ولكن‪ ،‬كيف هذا وامل�سلم‬
‫منظمة �سوية على �أ�س�س العلوم الطبيعية ونتائجها‪،‬‬ ‫املعا�صر يقف على معطيات العلوم الطبيعية وعلى‬
‫�إذ هنالك مفاهيم �أ�سا�سية للحياة املتح�ضرة ال‬ ‫منهجها وفل�سفتها ونتائجها وعلى عظيم �أثرها يف‬
‫ي�شملها نطاق العلم الطبيعي‪ ،‬منها مثال مفاهيم‬ ‫تغيري �أ�ساليب حياة النا�س ومعاي�شهم؟‬
‫العدل والظلم واحلق والباطل‪ .‬وعدم �شمول نطاق‬ ‫كثري من النا�س‪ ،‬من امل�سلمني و�سواهم من �أهل‬
‫العلم الطبيعي ملثل هذه املفاهيم ال�ضرورية للحياة‬ ‫املعتقدات الغيبية‪ ،‬يظن �أن يف الأمر حرجا �أ�سا�سيا‬

‫‪,‬‬
‫اإلعجاز العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪31‬‬
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫التكرار‪� :‬أن تتكرر الظاهرة بتطابق تام كلما تكررت‬ ‫االجتماعية املنظمة لي�س �أمرا مرحليا يتعلق بالطور‬
‫القرائن الظاهرة املت�صلة بها‪ .‬هذا ال�شرط حتقق‬ ‫احلايل من م�سرية العلم‪ ،‬و�إمنا هو �أمر تقت�ضيه‬
‫يف حالة ( ج�سيم النريترينو )‪ :‬كلما حتققت ظروف‬ ‫طبيعة هذه العلوم التي تق�صر اعتباراتها على املنهج‬
‫معينة يختفي قدر معني من الطاقة دون �سبب معلوم‪.‬‬ ‫التجريبي وال ت�سمح �إال بامل�صطلحات التي تعرف‬
‫�إذن ففر�ضية وجود �شيء ما يظهر يف هذه الظروف‬ ‫تعريفا �إجرائيا عمليا‪ ،‬مبعنى �أن كل تعريف علمي‬
‫وي�أخذ هذه الطاقة املفقودة فر�ضية تقع يف نطاق العلم‬ ‫تو�ضيح للخطوات التي يلزم اتباعها لنحدد املقدار‬
‫الطبيعي‪� ،‬إذ ميكن تكرار الواقعة من اختبار �صحتها‪،‬‬ ‫املعرف انطالقا من مقادير �سبق تعريفها‪ .‬هذا‬
‫هذا ال�شرط �ضروري للطريقة العلمية التجريبية وال‬ ‫التقييد من �أ�س�س العلم الطبيعي وجوهر منهجه وال‬
‫يتحقق يف ت�أثري ال�شيطان‪� .‬أخربنا اهلل تعاىل �أنه �سخر‬ ‫غنى عنه لهذا البنيان ال�شامخ الذي ات�سعت �آفاقه‬
‫اجلنِّ َمن َي ْع َم ُل‬
‫ل�سليمان ـ عليه ال�سالم ـ اجلن‪َ } :‬و ِمنَ ِ‬ ‫وانت�شرت تطبيقاته و�أثرت نتائجه على حياة الأفراد‬
‫َبينْ َ َي َد ْي ِه ِب� ْإذ ِن َر ِّب ِه{‬ ‫وعالقات الدول‪ ،‬ومع ذلك فلي�س ممكنا �أن نثبت على‬
‫( �سب�أ‪ ،) 12 :‬ومل يقل لنا �أنه �سي�سخر اجلن لكل رجل‬ ‫�أ�سا�س العلم الطبيعي ومبنهجه وو�سائله �أن ال�سرقة‬
‫على ما كان عليه �سليمان من ال�صالح والتقوى‪ ،‬بل‬ ‫جرمية �أو �أن ال�صدق ف�ضيلة‪ .‬و�إذن فنطاق العلم ال‬
‫�إن القر�آن و�ضح �أن هذا الت�سخري ا�ستجابة ل�س�ؤال‬ ‫ي�شمل �أمورا �ضرورية يف حياة الإن�سان املعا�صر‪،‬‬
‫�سليمان ربه �أن يعطيه ملكا فريدا ال يتكرر‪� ،‬إذ قال‪:‬‬ ‫هذه ناحية‪� ،‬أما الأخرى‪ ،‬وهي الأهم‪ ،‬ظن النا�س �أن‬
‫} َق َال َر ِّب ْاغ ِف ْر ليِ َو َه ْب ليِ ُم ْل ًكا َّال َي ْن َب ِغي أَل َح ٍد ِّمنْ‬ ‫العلوم الطبيعية ال تعرف الغيبيات لي�س �صحيحا‪ ،‬لقد‬
‫َب ْع ِدي{( �ص‪ .) 35 :‬و�أثر الغيبيات العقائدية يف حياة‬ ‫ا�ضطر العلماء الطبيعيون يف مراحل عديدة لي�أخذوا‬
‫النا�س على نحو عام‪ ،‬لي�س مما يتكرر تكرارا تطابقيا‬ ‫يف االعتبار ت�أثريات يجهلون م�صدرها‪ ،‬ثم بنوا على‬
‫بتحقيق الأحوال املقارنة له‪ ،‬بل �إننا ال نح�سن حتديد‬ ‫افرتا�ض وجود م�صادر لها‪ ،‬نظريات حتدد خوا�ص‬
‫هذه الأحوال على ما يلزم يف حتديد ظروف التجارب‪.‬‬ ‫هذه امل�صادر املجهولة ومظان العثور على �آثار �أخرى‬
‫يدعو املرء بالدعاء يف حال يراها من دواعي حتقيقه‬ ‫لها وكيفية متابعتها والت�أكد من حقيقة وجودها‪ .‬من‬
‫وقد ي�ستجاب له �أو ال ي�ستجاب وقد يعود ملراجعة حاله‬ ‫هذه امل�صادر ما حتول مبرور ال�سنوات وجتويد و�سائل‬
‫ويتهم �صدق توجهه و�صفاء نيته‪ ،‬وهذه �أمور ال تخ�ضع‬ ‫التجريب من الغيب �إىل الظاهر ومنها ما ظل حتى‬
‫لقيا�س وال تطيقها �أوعية العلم الطبيعي‪ .‬وخال�صة‬ ‫يومنا هذا م�صدرا غيبيا مل يره �أحد ولكنه يدخل‬
‫القول �إن هناك �أمورا يف احلياة هامة و�ضرورية‬ ‫يف احل�سابات وال ت�صح بدون �أخذه يف االعتبار ‪ .‬من‬
‫للأفراد واملجتمعات‪ ،‬وال ي�ضريها �إال �أن ي�شملها العلم‬ ‫�أمثل ذلك ( ج�سيم النيوترينو ) وهو جزء �أ�سا�سي‬
‫الطبيعي يف ما ي�شمله من املفاهيم واالهتمامات‪،‬‬ ‫من نظرية الطاقة العالية يف الفيزياء احلديثة‪ ،‬ومع‬
‫ولي�س هنالك تناق�ض بينها وبني العلم الطبيعي‪،‬‬ ‫ذلك مل ت�سجله الكا�شفات التجريبية حتى الآن‪،‬‬
‫من هذه الأمور ما يهم كل النا�س‪ ،‬م�ؤمنني كانوا ام‬ ‫فوجوده غيبي لكن ت�أثريه حقيقي ال ي�شك فيه �أحد من‬
‫ملحدين‪ ،‬ومنها ما يهم امل�ؤمنني بالغيبيات العقدية‬ ‫املتخ�ص�صني يف هذا املجال‪.‬‬
‫دون �سواهم‪ .‬وال يوجد تناق�ض بني هذه الأمور والعلم‬ ‫وللمرء �أن يت�ساءل‪ :‬ما دام الأمر كذلك فما �سبب‬
‫الطبيعي‪ ،‬وهي جوانب من حياة امل�ؤمن واهتماماته‬ ‫االختالف �إذن حول غيبيات الدين وملاذا ال يعرتف‬
‫يكمل بع�ضها بع�ضا‪ ،‬وكلها من ف�ضل اهلل على النا�س‬ ‫العلم الطبيعي بوجود ال�شياطني مثال ويدر�س‬
‫ولكن �أكرث النا�س ال ي�شكرون‬ ‫ت�أثرياتهم التجريبية؟ مرد ذلك �إىل �ضيق نطاق العلم‬
‫الطبيعي الذي حتدثنا عنه‪ ،‬من ناحية �أخرى متنع �أن‬
‫ي�شمل اهتمامه ت�أثري ال�شيطان‪ ،‬كما منعت الناحية‬
‫* وللراغبني مبتابعة البحث بكامله العودة اىل املوقع‬ ‫التي ذكرناها من قبل �أن ي�شمل اهتمامه مفهوم‬
‫‪www.eajaz.org‬‬
‫العدالة‪ .‬هذه الناحية هي �أن الطريقة العلمية تتطلب‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪32‬‬
‫علم الغذاء‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫ميوه بأرقام‬
‫دهن اخلزنير ّ‬
‫الدكتور حممد �أجمد خان‬
‫(معهد البحوث الطبية بالواليات املتحدة)*‬ ‫يف الدول الغربية كلها تقريبا‪ ،‬مبا يف ذلك �أوروبا‪ ،‬االختيار‬
‫الأول للحوم هو اخلنزير‪ .‬فهناك الكثري من املزارع يف‬
‫هذه البلدان لرتبية هذا احليوان‪ ،‬حيث يبلغ عدد مزارع‬
‫قبل ال�سلطات يف الدول الإ�سالمية‪ ،‬ما هي هذه الدهون‬ ‫اخلنازير يف فرن�سا وحدها �أكرث من ‪.42،000‬‬
‫احليوانية؟ �أخربوا ب�أنها كانت دهون البقر والأغنام‪.‬‬ ‫حتتوي اخلنازير على �أعلى كمية من الدهون يف اجل�سم‬
‫و�أ�صبح ال�س�ؤال املطروح هذه املرة‪� ،‬إذا كانت دهون البقر‬ ‫من �أي حيوان �آخر‪ .‬لكن الأوروبيني والأمريكيني حاولوا‬
‫�أو �أغنام‪ ،‬فهو ال يزال يحرم على امل�سلمني‪ ،‬حيث مل يكن‬ ‫جتنب هذه الدهون‪.‬‬
‫ذبح هذه احليوانات حال ًال‪ ،‬ح�سب ال�شريعة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫ولكن �أين تذهب دهون هذه اخلنازير؟‬
‫وبالتايل‪ ،‬مت حظرها مرة �أخرى‪.‬‬ ‫يتم ذبح جميع اخلنازير يف امل�سالخ حتت مراقبة ق�سم‬
‫الآن‪ ،‬ا�صبحت ال�شركات متعددة اجلن�سيات‪ ،‬تواجه‬ ‫الأغذية‪ .‬وكان ال�صداع الذي ي�ؤرق ق�سم الغذاء هو‬
‫نق�ص ًا �شديد ًا يف املبيعات‪ ،‬حيث ت�أتي ن�سب عالية من‬ ‫التخل�ص من الدهون التي يتم �إزالتها من هذه اخلنازير‪.‬‬
‫دخلها من بيع ب�ضائعهم �إىل البلدان الإ�سالمية‪ .‬ولكي‬ ‫ر�سميا‪ ،‬كان يتم حرقها (منذ حوايل ‪� 60‬سنة)‪ .‬بعد ذلك‬
‫جتني املليارات من الدوالرات من �أرباح �صادراتها �إىل‬ ‫فكروا يف اال�ستفادة منها ‪.‬‬
‫العامل الإ�سالمي‪ ،‬قرروا �أخري ًا البدء بلغة (الرتميز‬ ‫�أوال‪ ،‬مت جتربتها يف �صنع ال�صابون وجنحت التجربة‪.‬‬
‫‪ ،) Code‬حيث ال يعرف معناها اال امل�س�ؤولون يف �إدارة‬ ‫ثم‪ ،‬مت ت�شكيل �شبكة كاملة ملعاجلتها كيميائيا وتعبئتها‬
‫الغذاء ‪ ،‬وتركت الرجل العادي ال يعرف عنها �أي �شيء‪.‬‬ ‫وت�سويقها‪ ،‬وا�شرتتها �شركات الت�صنيع الأخرى‪ .‬يف‬
‫وهكذا‪ ،‬بد�ؤوا ا�ستخدام الرمز ‪ ،E‬وهذه املكونات‪E-‬‬ ‫غ�ضون ذلك‪ ،‬و�ضعت جميع الدول االوروبية قاعدة �أن كل‬
‫موجودة يف معظم منتجات ال�شركات متعددة اجلن�سيات‪،‬‬ ‫املواد الغذائية‪ ،‬ومنتجات العناية ال�شخ�صية واملنظفات‬
‫مبا يف ذلك‪ ،‬على �سبيل املثال ال احل�صر‪:‬‬ ‫الطبية يجب كتابة مكوناتها على غالفها‪ .‬لذلك‪ ،‬مت‬
‫معجون الأ�سنان‪ ،‬كرمي احلالقة‪ ،‬علكة‪� ،‬شوكوالتة‪،‬‬ ‫�إدراج هذا املكون كدهن اخلنزير‪.‬‬
‫حلويات‪ ،‬ب�سكويت‪ ،‬معلبات‪ ،‬فواكه معلبة‪ ،‬ومنها ما‬ ‫كل الذين عا�شوا يف �أوروبا على مدى ال�سنوات الـ ‪40‬‬
‫يجري ا�ستخدامها يف بع�ض الأدوية‪...‬كالفيتامينات‪.‬‬ ‫املا�ضية يعرفون هذه احلقيقة‪ .‬ولكن‪ ،‬مت حظر هذه‬
‫ومع بداية ا�ستخدام هذه املنتجات يف جمتمعاتنا‬ ‫املنتجات من قبل الدول الإ�سالمية يف ذلك الوقت‪،‬‬
‫الإ�سالمية دون متييز �أو معرفة‪ ...‬بد�أت جمتمعاتنا‬ ‫الحتوائها على دهن اخلنزير‪ ،‬ما �أدى �إىل عجز يف‬
‫تواجه م�شاكل مثل املجون‪ ،‬والوقاحة واالختالط‬ ‫امليزان التجاري للدول الأوروبية‪.‬‬
‫اجلن�سي‪.‬لذلك‪ ،‬يطلب من جميع امل�سلمني‪� ،‬أو الذين ال‬ ‫بالعودة بالزمن‪ ،‬و�إذا كنت ترتبط بطريقة �أو ب�أخرى‬
‫ياكلون حلم اخلنزير‪ ،‬فح�ص مكونات اال�صناف التي‬ ‫ببالد جنوب �شرق �آ�سيا والهند‪ ،‬فبالت�أكيد انك تعرف‬
‫يتم ا�ستخدامها يوميا‪ ،‬ومقارنتها مع القائمة التالية من‬ ‫العامل الذي �أدى الثارة احلرب الأهلية عام ‪1857‬م‪.‬‬
‫الرموز‪� .‬إذا وجدت �أي من املكونات املذكورة �أدناه‪ ،‬يجب‬ ‫يف ذلك الوقت‪ ،‬كانت ذخرية البنادق ت�صنع يف �أوروبا‪،‬‬
‫جتنب تلك املنتجات فورا‪ ،‬الحتوائها على دهن اخلنزير‪.‬‬ ‫وتنقل �إىل �شبه القارة الهندية من خالل البحر‪ .‬والذي‬
‫كان ي�ستغرق �شهرا للو�صول �إىل هناك‪ .‬وكان البارود‬
‫يف�سد ب�سبب التعر�ض للرطوبة‪.‬‬
‫وح�صلوا على فكرة طالء الر�صا�ص والذخرية بالدهون‪،‬‬
‫‪* E100. E110. E120. E140. E141. E153. E210. E213. E214.‬‬
‫التي كانت دهن اخلنزير‪ .‬وكان يجب ازالة طبقة الدهون‬
‫‪E216.E234. E252. E270. E280. E325. E326. E 327. E334.‬‬
‫بخد�شها بوا�سطة الأ�سنان قبل ا�ستخدامها‪ .‬وعند‬
‫‪E335. E336.E337. E422. E430. E431. E432. E433. E434.‬‬
‫انت�شار هذه املعلومات‪ ،‬رف�ض بع�ض اجلنود‪ ،‬ومعظمهم‬
‫‪E435. E436. E440.E470. E471. E472. E473. E474. E475.‬‬
‫من امل�سلمني وبع�ض النباتيني‪ ،‬القتال‪ ،‬والذي �أدى يف‬
‫‪E476. E477. E478. E481.E482. E483. E491. E492. E493.‬‬
‫نهاية املطاف �إىل حرب �أهلية‪.‬‬
‫* ‪E494. E495. E542. E570. E572.E621. E631. E635. E904‬‬
‫فطن الأوروبيون لهذه امل�شكلة‪ ،‬وبدال من كتابة دهن‬
‫اخلنزير‪ ،‬قاموا بكتابة دهون حيوانية‪.‬‬
‫* نقالً عن بريدالقراء‪chabek@gmail.com ،‬‬ ‫كذلك‪ ،‬يعرف هذه احلقيقة �أولئك الذين عا�شوا يف �أوروبا‬
‫منذ عام ‪ .1970‬وعندما ُ�سئلت ال�شركات امل�ص ِّنعة من‬
‫اإلعجاز‪ ,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪33‬‬
‫قرآن‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫الرمحن علمّ القرآن ‪ -‬آايت قرآنية للتدبر‬


‫القا�ضي امل�ست�شار ال�شيخ ح�سني يو�سف غزال*‬
‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬يقول اهلل تعاىل‪َ }:‬و ُن ْن ِ�ش َئ ُك ْم‬
‫�إنها حتثك على البحث والنظر يف بدء خلقك – �أفر�أيتم‬ ‫فيِ َما لاَ َت ْع َل ُمونَ {‪�( .‬سورة الواقعة)‪.‬‬
‫ما متنون – ليلفتك �إىل النظر يف قطرة املني التي منها‬ ‫هناك لقطات للم�صور حني يبلغ نظره م�شهد رائع يف‬
‫ن�ش�أت من �أن�ش�أها ؟ ومن قدرها ومن جعلها موجبة ال‬ ‫الطبيعة �أو يف الكون في�سارع �إىل ت�سجيل هذه اللقطة ثم‬
‫�سالبة ؟ وت�أمل الت�سا�ؤل الذي يحرك عقلك ‪� -‬أَ�أَ ْنت ُْم‬ ‫يحدث بها من حوله �أو من يحب من قريب �أو �صديق ‪.‬‬
‫ت َْخ ُل ُقو َن ُه أَ� ْم َن ْحنُ الخْ َ ا ِل ُقونَ – �إنه ت�سا�ؤل هل هذا من‬ ‫كذلك هناك لقطات يف الآيات القر�آنية الكرمية ت�ستدعي‬
‫�صنع اخلالق �أم من �صنعكم �أنتم الب�شر �إنه ت�سا�ؤل لي�س‬ ‫االنتباه وتوقظ العقل وحترك الفكر‬
‫لتحتار �أي الفريقني ولكنه ت�سا�ؤل ي�ضعك �أمام الت�سليم‬ ‫ولقد ا�ستوقفتني هذه الآية الكرمية } َو ُن ْن ِ�ش َئ ُك ْم فيِ َما لاَ‬
‫عن قناعة ب�أن القدرة الإلهية هي التي دبرت وقدرت‬ ‫َت ْع َل ُمونَ { �سورة الواقعة ‪-61-‬‬
‫و�شاءت ‪ ,‬بل �إن القدرة الإلهية تتجاوز مبد أ� �إيجادكم �إىل‬ ‫وت�أملتها مرار ًا‪ ،‬قال تعاىل } ُث َّم ا ْر ِج ِع ا ْل َب َ�ص َر َك َّر َتينْ ِ {‬
‫�أمور �أكرب من ذلك و�أخطر‬ ‫واملراد بالتثنية التكرار مرة بعد مرة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪َ -‬و َما َن ْحنُ بمِ َ ْ�س ُبو ِق َني (‪َ )60‬ع َلى �أنْ ُن َبدِّ َل �أ ْم َثا َل ُك ْم‬ ‫وكنت �أجد يف كل مرة مط ًال يده�ش العقل ويلقي �أمامه‬
‫َو ُن ْن ِ�ش َئ ُك ْم فيِ َما لاَ َت ْع َل ُمونَ (‪– )61‬‬ ‫�أبعاد ًا و�آفاق ًا ي�سرح فيها اخليال ‪ ..‬هل فكرت �أخي امل�سلم‬
‫�أي �أننا �أيها النا�س ل�سنا عاجزين �أن نبدلكم ب�أنا�س‬ ‫يف بدء خلقك و�أنك ن�ش�أت من تلك القطرة من املاء و�أن‬
‫�آخرين‬ ‫هناك ع�شرات القطرات تذهب �سدى ال يتم لها التلقيح‬
‫ً‬
‫كما �أنه ميكن للم�شيئة الإلهية �أن توجدكم خلقا �آخر‬ ‫مع تلك البوي�ضة يف الرحم ‪� ,‬أمل يخطر يف ذهنك �أنه كان‬
‫اليخطر ببالكم كنهه �أو يدخل حتت ت�صوركم �إدراكه‬ ‫من اجلائز جدا ان تكون نطفة غري خملقة؟ وبالتايل ان‬
‫ميكن �أن يكون يف هذا العامل �أو يف عوامل �أخرى مغيبة‬ ‫ال تظهر اىل هذا الوجود وان الذي �شاء ايجادك ميكن �أن‬
‫عنكم ‪.‬‬ ‫ال ي�شاءه �أو �أن ي�شاء �إيجادك خلق ًا �أخر يف هذا الكوكب �أو‬
‫و�إن كان كرب عليكم ت�صديق ذلك ف�إنا نحيلكم �إىل �أمر‬ ‫يف كوكب �أخر ‪� ...‬إن جولة الفكر وت�أمل العقل يبد�أ عملها‬
‫تعلمونه جيد ًا‪َ } :‬و َل َق ْد َع ِل ْمت ُُم ال َّن�شْ�أَ َة الُْ أولىَ َف َلوْلاَ ت ََذ َّك ُرونَ‬ ‫من هذه النقطة ‪ :‬كيف جئت ؟‬
‫(‪{ )62‬‬ ‫كان بالإمكان �أن ال جتيء ؟ كان بالإمكان �أن تكون خلق ًا‬
‫�أي �إن علمكم ومعرفتكم مببد�أ ن�ش�أتكم – على النحو‬ ‫�أخر‬
‫الذي �أ�سلفنا – يكفي �أن يكون واعظ ًا لكم ومف�ضي ًا بكم‬ ‫ثم ت�أمل معي هذا الت�سل�سل يف الآيات ‪:‬‬
‫�إىل الت�سليم والت�صديق باخلالق العظيم الذي منَّ عليكم‬ ‫}�أَ َف َر َ�أ ْيت ُْم َما تمُْ ُنونَ (‪� )58‬أَ�أَ ْنت ُْم ت َْخ ُل ُقو َن ُه �أ ْم َن ْحنُ‬
‫َ‬
‫بااليجاد حيث كان من املمكن �أن ال تب�صروا هذا الوجود‬ ‫الخْ َ ا ِل ُقونَ (‪َ )59‬ن ْحنُ َق َّد ْر َنا َب ْي َن ُك ُم المْ َ ْوتَ َو َما َن ْحنُ‬
‫‪.‬‬ ‫بمِ َ ْ�س ُبو ِق َني (‪َ )60‬ع َلى �أَنْ ُن َبدِّ َل أَ� ْم َثا َل ُك ْم َو ُن ْن ِ�ش َئ ُك ْم فيِ َما‬
‫ثم ت�أمل معي �أخي القارئ هذا اخلطاب الإلهي الرقيق‬ ‫لاَ َت ْع َل ُمونَ (‪َ )61‬و َل َق ْد َع ِل ْمت ُُم ال َّن� أَشْ� َة الْ أُولىَ َف َلوْلاَ ت ََذ َّك ُرونَ‬
‫الودود يف الدعوة �إىل الت�صديق به وعدم جحوده ‪:‬‬ ‫(‪ {)62‬من الآية ‪ 62 – 58‬الآيات يف �سورة الواقعة‬
‫} َن ْحنُ َخ َل ْق َنا ُك ْم َف َلوْلاَ ُت َ�صدِّ ُقونَ (‪ { )57‬الواقعة ‪57‬‬ ‫�أل�ست ترى �أخي القارئ �أن ربك يخاطبك من خالل‬
‫فاهلل �سبحانه يخاطبنا بكل حمبة ورفق �إنه خطاب للعقل‬ ‫اجلماعة – �أفر�أيتم – ب�أن ت�ستعمل ‪-‬الر�ؤية – التي ت�شمل‬
‫والإح�سا�س وال�شعور تلم�س فيه الرفق والود واللني‬ ‫الب�صر والب�صرية وتتعداه �إىل الفكر والعقل والت�أمل ‪,‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪34‬‬
‫قرآن‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫ال َّر ْح َم ِن ِمنْ َت َفا ُو ٍت َفا ْر ِج ِع ا ْل َب َ�ص َر َه ْل َت َرى ِمنْ ُف ُطو ٍر‬ ‫وت�أمل كلمة – لوال – التي حتثنا على الت�صديق باخلالق‬
‫(‪( { )3‬تبارك)‬ ‫العظيم والإميان مبا يخربنا به ‪ ,‬و�إن مل ت�صغوا �إىل هذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫�أي عندما تت�أمل ال�سماء ال جتد �إال تنا�سقا و�إبداعا و�إذا‬ ‫النداء اللطيف الرقيق ف�إليكم هذه الدالئل املرتكزة على‬
‫حاولت �أن جتد عيب ًا و�أنت حتدق يف �أنحاء ال�سماء ف�إن‬ ‫العقل والفكر وامل�شاهدة ‪� } :‬أَ َف َر َ�أ ْيت ُْم َما تمُْ ُنونَ (‪ { )58‬؟‬
‫ب�صرك �سريتد خا�سئ ًا خائب ًا ذلي ًال‬ ‫�أي ت�أملوا الن�ش�أة الأوىل وكيف وجدمت ‪.‬؟ و�أنه كان‬
‫قال تعاىل ‪ُ } :‬ث َّم ا ْر ِج ِع ا ْل َب َ�ص َر َك َّر َتينْ ِ َي ْن َق ِل ْب ِ�إ َل ْي َك ا ْل َب َ�ص ُر‬ ‫بالإمكان �أن ال توجدوا او ان توجدوا يف خلق �آخر �أبعد‬
‫ري (‪( { )4‬امللك ‪)4‬‬ ‫َخ ِا�س ًئا َوهُ َو َح ِ�س ٌ‬ ‫من نطاق ت�صوركم ‪.‬‬
‫ثم ذكرت الآية بعد ال�سمع والب�صر ‪-‬الأفئدة – ويراد بها‬ ‫والآن وقد وجدت على �سطح الب�سيطة و�إن وجودك‬
‫العقل‬ ‫�سبقته امل�شيئة الإلهية ‪ ,‬يقول ابن عربي مت�صور ًا الرحمن‬
‫لتتدبر وتفكر يف القدرة الإلهية ‪ :‬يف مواقع النجوم قال‬ ‫يخاطب الإن�سان ‪:‬‬
‫تعاىل ‪َ } :‬فلاَ �أُ ْق ِ�س ُم بمِ َ َوا ِق ِع ال ُّن ُج ِوم (‪َ )75‬و�إِ َّن ُه َل َق َ�س ٌم َل ْو‬ ‫يا �صورة �أن�س �سرها معنائي ما خلقت للأمر ترى لوالئي‬
‫َت ْع َل ُمونَ َع ِظي ٌم (‪{ )76‬‬ ‫�شئناك ف�أن�ش�أناك خلق ًا ب�شر ًا ت�شاهدنا يف �أكمل الأ�شياء‬
‫يف اختالف الليل والنهار ‪ ,‬يف خلق ال�سموات والأر�ض‬ ‫ويف احلديث ال�شريف ‪ << :‬ما �شاء اهلل كان وما مل ي�ش�أ‬
‫يف ما خلق وذر�أ وبر أ� يف الأر�ض من ح�شرات وحيوانات‬ ‫مل يكن >>‬
‫ونباتات يف ال�سحاب امل�سخر بني ال�سماء والأر�ض ‪ ,‬ويف‬ ‫ف�إذا كان وجودك مب�شيئة اهلل فاعلم �أن وجودك م�ؤقت‬
‫�أنف�سكم �أفال تب�صرون ويف التفكري يف ما اكت�شفه علماء‬ ‫و�أنك وجدت لزمن حدده اهلل ور�سمه لك فال تغرنك‬
‫الف�ضاء من وجود ماليني املجرات التي كل منها حتوي‬ ‫احلياة الدنيا وال ت�سرت�سل يف مباهجها وا�ستعمل عقلك‬
‫على ماليني النجوم ‪� ,‬إن هذا عامل �آخر ولتعلمن نب�أه بعد‬ ‫ملاذا وجدت ؟ و�أين م�صريك؟ وما هي الغاية من وجودك؟‬
‫حني ‪.‬‬ ‫�إذا رجعنا �إىل الآية ‪َ } :‬ن ْحنُ َخ َل ْق َنا ُك ْم َف َلوْلاَ ُت َ�صدِّ ُقونَ‬
‫�إن التفكر يف كل ذلك يو�صلك �إىل خالق الكون ‪.‬‬ ‫(‪( { )57‬الواقعة ‪)57‬‬
‫ويقول النبي �صلى اهلل عليه و�سلم (( تفكروا يف املخلوق‬ ‫جند فيها نداء خفي ًا للت�صديق بالذي خلقك والتعرف‬
‫وال تفكروا يف اخلالق ))‬ ‫على الذي �أوجدك ويف احلديث القد�سي ((ابن �آدم‬
‫لقد ذكرت الآية الكرمية ‪� :‬أن اهلل �سبحانه وهب الإن�سان‬ ‫�أطلبني جتدين ف�إذا وجدتني وجدت كل �شيء و�إذا ُفتُّك‬
‫ال�سمع والب�صر والعقل ليطل بها على العامل وبالتايل‬ ‫فاتك كل �شيء و�أنا �أحب �إليك من كل �شيء ))‬
‫لرت�شده �إىل اخلالق العظيم و�أنه �إذا �أهملها يكون‬ ‫وت�أتي الآية الكرمية } َواللهَّ ُ �أَ ْخ َر َج ُك ْم ِمنْ ُب ُط ِون �أُ َّم َها ِتك ْمُ‬
‫حما�سب ًا قال تعاىل ‪:‬‬ ‫ال�س ْم َع َوالْ أَ ْب َ�صا َر َوالَْ أ ْف ِئ َد َة‬
‫لاَ َت ْع َل ُمونَ َ�ش ْي ًئا َو َج َع َل َل ُك ُم َّ‬
‫ُ‬
‫ال�س ْم َع َوا ْل َب َ�ص َر َوا ْل ُف َ�ؤا َد ُك ُّل أ�و َل ِئ َك َكانَ َع ْن ُه َم ْ�س ُئولاً‬
‫} �ِإنَّ َّ‬ ‫َل َع َّل ُك ْم َت�شْ ُك ُرونَ (‪( { )78‬النحل ‪)78‬‬
‫(‪( { )36‬الإ�سراء ‪)36‬‬ ‫لتلفتنا �إىل �أن اهلل �سبحانه جعل لك منافذ تطل بها على‬
‫ويقول علماء التوحيد ‪� :‬إن �أول مايجب على العبد معرفة‬ ‫الكون من حولك ‪.‬‬
‫اهلل‬ ‫وبد�أ بال�سمع لأنه مفتاح للتفاهم مع حميطك وبه تدرك‬
‫قال تعاىل ‪ (( :‬فاعلم �أنه ال �إله �إال اهلل )) وركزت على‬ ‫الألفاظ والأ�صوات وكما قيل – ال�صوت موهبة ال�سماء‬
‫كلمة – فاعلم – التي تطلب منك العلم باهلل ومعرفته فال‬ ‫– فتطرب ل�شدو الأطيار ورنني الأوتار وخرير الأنهار‬
‫يكفي جمرد النطق بال�شهادتني لتكون م�سلم ًا بل ال بد من‬ ‫وحفيف الأ�شجار ثم ثنى بالب�صر لتطل به على العامل‬
‫قرن النطق بالعلم واملعرفة واليقني ‪,‬‬ ‫الأر�ضي ب�سهوله وجباله وبحاره وعلى العامل العلوي يف‬
‫وقالوا يف الآية الكرمية ‪ (( :‬وما خلقت اجلن والإن�س �إال‬ ‫�أبعاد ال�سماء وكواكبها و�شم�سها وقمرها قال تعاىل ‪:‬‬
‫ليعبدون ))�أن املراد ب – يعبدون – يعرفوين ‪.‬‬ ‫} ا َّل ِذي َخ َلقَ َ�س ْب َع َ�س َما َو ٍات ِط َبا ًقا َما َت َرى فيِ َخل ِقْ‬

‫اإلعجاز‪ ,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪35‬‬
‫قرآن‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫الكرمية – لأنه �أوتي نور ًا و مل ينتفع به بينما هي مل توهب‬ ‫ف�إذا تعرفت على ربك ‪ ,‬و�أنه هو الذي منَّ عليك بالإيجاد‬
‫هذا النور‪.‬‬ ‫�صرت مدين ًا له بال�شكر على �إيجادك وبالتايل الإمتثال‬
‫و قد �أخذ ال�شاعر املتنبي هذا املعنى يف قوله ‪:‬‬ ‫لأوامره واخل�ضوع لطاعته ‪.‬‬
‫و ما انتفاع �أخي الدنيا بناظره‬ ‫يقول ربنا �سبحانه ‪ (( :‬وهديناه النجدين )) �أي عرفنا‬
‫�إذا ا�ستوت عنده االنوار و الظلم‪.‬‬ ‫الإن�سان طريق اخلري وطرق ال�شر ليختار واحدة منهما‬
‫�أي من كان عنده نظر ومل يفرق بني الظلمة و النور فما‬ ‫و�أنه حما�سب على هذا االختيار ‪ ,‬فقد منحه اهلل العقل‬
‫نفع هذا النظر ؟ فيكون و الأعمى �سواء‪ (( .‬و من كان يف‬ ‫والفكر والإرادة ليت�صرف ب�إرادته كما ي�شاء ويختار وما‬
‫هذه �أعمى فهو يف االخرة �أعمى )) ثم تبعه �أبو العالء‬ ‫عليه �إال �أن يزن الأمور بعقله ثم ينفذ ما ي�شاء ب�إرادته‪,‬‬
‫ان مل يكن ر�شد‬ ‫ف�صاغ الفكرة على طريقته ‪ :‬‬ ‫قال تعاىل‪ } :‬وما كنا معذبني حتى نبعث ر�سو ًال )) قالوا‬
‫الفتى نافع ًا فغ ّيه �أنفع من ر�شده‪.‬‬ ‫الر�سول هو العقل ولذا ال يحا�سب املجنون ‪.‬‬
‫�أي �إذا مل ي�ستفد الإن�سان من عقله و ر�شده يكون من ال‬ ‫و�إن الدعوة �إىل ا�ستعمال العقل والفكر جندها ترتدد‬
‫عقل له �أف�ضل منه‪.‬‬ ‫كثري ًا يف قر�آننا الكرمي فكلمة – يعقلون – وردت يف �أكرث‬
‫و�إذا كان العقل م�صباحك فا�سمع معي �إر�شاد نبيك عليه‬ ‫من خم�سني مو�ضع ًا وكلمة ‪ -‬يتفكرون –وردت يف �أكرث من‬
‫ال�صالة و ال�سالم يف بيان حقيقة هذه الدنيا التي قدمت‬ ‫ع�شرين مو�ضع ًا ومثلها كلمة – يفقهون –‬
‫ا�ستظل حتت �شجرة‬ ‫َّ‬ ‫عليها (( ما �أنا يف الدنيا �إال كراكب‬ ‫على �سبيل املثال قال تعاىل ‪َ } :‬و َل ُه ْاخ ِتلاَ ُف ال َّل ْي ِل َوال َّن َها ِر‬
‫ثم راح وتركها ))‪.‬‬ ‫�أَ َفلاَ َت ْع ِق ُلونَ (‪ { )80‬امل�ؤمنون (‪)80‬‬
‫�إن وجودك يا �صديقي يف عمر الزمن كا�سرتاحة امل�سافر‬ ‫ال�ص ُّم ا ْل ُب ْك ُم ا َّل ِذينَ لاَ َي ْع ِق ُلونَ‬ ‫اب ِع ْن َد اللهَّ ِ ُّ‬ ‫} �إِنَّ َ�ش َّر ال َّد َو ِّ‬
‫الذي تعب من �سفره فجل�س ي�ستظل حتت �شجرة ومن ثم‬ ‫(‪{ )22‬الأنفال (‪)22‬‬
‫يتابع ال�سري يف رحلته الأبدية ‪.‬‬ ‫} ُق ْل َه ْل َي ْ�س َت ِوي ا َلْ أ ْع َمى َوال َب ِ�ص ُري �أ َف َت َت َفك ُرونَ (‪{50‬‬
‫َّ‬ ‫لاَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فاحلديث ال�شريف ير�شدنا �إىل �أمرين ‪:‬‬ ‫الأنعام (‪)50‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫للِهَّ‬
‫} ُق ْل �إِنمَّ َ ا �أَ ِعظك ْم ِب َو ِاح َد ٍة أ�نْ َتقو ُموا ِ َمثنى َوف َرا َدى‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪� -1-‬أن احلياة ق�صرية جد ًا وهي يف عمر الزمن كالفرتة‬
‫التي ي�سرتيح فيها امل�سافر ‪.‬‬ ‫ُث َّم َت َت َف َّك ُروا { �سب�أ ‪� 46‬أخي القارئ �إن الذي يف�صلك عن‬
‫‪� -2-‬إن احلياة الدنيا لي�ست نهاية املطاف بل هناك‬ ‫البهائم – العقل – فال تهمله واجعله �سالحك يف التدبر‬
‫حلقات �أخرى �أ�شري �إليها(( ا�سرتاح ثم راح))‬ ‫يف عواقب الأمور حتى ت�صل �إىل �شاطئ ال�سالمة قال‬
‫�أي تابع ال�سري فيما قدره اهلل ‪ ,‬يقول �سيدنا �إبراهيم ‪(( :‬‬ ‫تعاىل حكاية عن الذين �أهملوا عقولهم (( وقالوا لو كنا‬
‫�إين مهاجر �إىل ربي )) فنحن يف هجرة دائمة ولكن �أىل‬ ‫ن�سمع �أو نعقل ما كنا يف �أ�صحاب ال�سعري ))‬
‫ْ‬
‫وت�أتي الآية الفا�صلة يف هذا ال�صدد } ولقد َذ َر�أ َنا لجِ َ َه َّن َم‬
‫�أين ؟ �إىل ربك رب ال�سموات رب العر�ش العظيم ‪.‬‬
‫و�إذا كانت احلياة ق�صرية و�أنك �ستتابع بعدها امل�سرية‬ ‫وب لاَ َي ْف َق ُهونَ ِب َها َو َل ُه ْم‬ ‫َك ِث ًريا ِمنَ الجْ ِ نِّ َوالْ إِ ْن ِ�س َل ُه ْم ُق ُل ٌ‬
‫فا�سمع معي و�صف ربك لنهاية هذه احلياة ‪:‬‬ ‫�أَعْينُ ٌ لاَ ُي ْب ِ�ص ُرونَ ِب َها َو َل ُه ْم �آَ َذا ٌن لاَ َي ْ�س َم ُعونَ ِب َها �أُو َل ِئ َك‬
‫} كَلاَّ �إِ َذا َب َل َغ ِت الترَّ َا ِق َي (‪َ )26‬و ِق َيل َمنْ َر ٍاق (‪َ )27‬وظنََّ‬ ‫َكالْ أَ ْن َع ِام َب ْل هُ ْم �أَ َ�ض ُّل أُ�و َل ِئ َك هُ ُم ا ْل َغا ِف ُلونَ (‪{179‬‬
‫ال�س ِاق (‪� )29‬إِلىَ َر ِّب َك‬ ‫�أَ َّن ُه ا ْل ِف َر ُاق (‪َ )28‬وا ْل َت َّف ِت َّ‬
‫ال�س ُاق ِب َّ‬ ‫الأعراف (‪)179‬‬
‫َي ْو َم ِئ ٍذ المْ َ َ�س ُاق (‪ { )30‬القيامة ‪30-26‬‬ ‫فهذه الآية الكرمية تف�صل بني الب�شر وغريهم ممن مل‬
‫�إنه ت�سل�سل بالغي مده�ش مع هذه القافية – ق‪ -‬تراق ‪,‬‬ ‫يوهبوا عق ًال للتدبر والتب�صر ‪.‬‬
‫راق – فراق – �ساق – امل�ساق –‬ ‫و�إذا كان العقل هو امل�صباح الذي ي�ست�ضيء به الإن�سان‬
‫�إنها تطرق ال�سمع مبطارق ال�ضرب وطبول احلرب وتطرق‬ ‫يف حياته ليميز بني اخلري وال�شر وبني ما ي�ضره وينفعه‬
‫امل�شاعر والأحا�سي�س مبطارق الهلع والرهبة واخل�شوع �إنه‬ ‫ف�إذا �أهمله �صاحبه و�سلك طريق اخلظ�آ متجنب ًا ال�صواب‬
‫وتفجع الأحبة‬ ‫رهبة املوت ولوعة احلزن وخ�شوع العواطف ّ‬ ‫وم�شى يف الظالم دون �أن ي�ضيء امل�صباح يكون ال فرق‬
‫لقد �أخذت الروح تغادر �أع�ضاء ج�سمك ع�ضو ًا فع�ضواً‬ ‫بينه وبني البهائم بل يكون �أ�ضل منها – كما ت�صرح الآية‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪36‬‬
‫قرآن‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫�سفرة �شاقة يف بحر خ�ضم حتتاج فيها �إىل �سفينة – من‬ ‫حتى بلغت الرتاقي �أي �أعال ال�صدر و�صاح قائل ‪ :‬هل‬
‫االعمال ال�صاحلة –تقوى على مواجهة الأمواج العاتية ‪.‬‬ ‫من طبيب ؟ هل من راق ؟ _ �أي يرقي ويداوي و�أيقنت‬
‫‪� ((-2‬أكرث الزاد ف�إن ال�سفر طويل ))‬ ‫�أنك �ستفارق والتفت ال�ساق بال�ساق فلم تعد تقوى على‬
‫�أي �أنك يف �سفرك حتتاج �إىل الكثري من زاد – التقوى –‬ ‫الوقوف ولو حاولت ال�صطكت الركبتان والتوت �إحدى‬
‫حتى ال ينفذ زادك يف و�سط الطريق‬ ‫ال�ساقني على الأخرى من ارتخاء القوى وانهيار البنية ‪,‬‬
‫قال تعاىل (( وتزودوا ف�إن خري الزاد التقوى ))‬ ‫ونادى مناد �إىل �أين ينتهي الفراق ؟‬
‫‪ ((-3‬خفف احلمل ف�إن العقبة ك�ؤود ))‬ ‫يومئذ امل�ساق )) ‪.‬‬ ‫وي�أتي اجلواب ‪� (( :‬إىل ربك ٍ‬
‫�أي �أن هذه ال�سفرة فيها عقبات �صعاب ال ي�ستطيع عبورها‬ ‫ها �أنت قادم �إىل ربك فريد ًا كما �أتيت �إىل هذا الكون‬
‫�إال من خف حمله – من الذنوب –ف�إذا كان حملك ثقي ًال‬ ‫فريد ًا‬
‫�أرهقك و�صعب عليك متابعة ال�سري خ�صو�ص ًا �أن الطريق‬ ‫قال تعاىل ‪َ } :‬و َل َق ْد ِج ْئ ُت ُمو َنا ُف َرا َدى َك َما َخ َل ْق َنا ُك ْم �أَ َّو َل‬
‫غري �سالكة ‪.‬‬ ‫َم َّر ٍة َو َت َر ْكت ُْم َما َخ َّو ْل َنا ُك ْم َو َرا َء ُظ ُهو ِر ُك ْم {‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قال تعاىل حكاية عن بع�ضهم ‪َ }:‬وهُ ْم َي ْحمِ لونَ �أ ْوزا َرهُ ْم‬ ‫الأنعام (‪)94‬‬
‫َع َلى ُظ ُهور ِِه ْم �أَلاَ َ�سا َء َما َي ِز ُرونَ { – االنعام ‪31‬‬ ‫يقول �أبو العتاهية بهذا ال�صدد ‪:‬‬
‫‪� ((-4‬أخل�ص النية ف�إن الناقد ب�صري ))‬ ‫كم ر�أينا من عزيز طويت عنه الك�شوح �صاح منه برحيل‬
‫�أي اجعل عملك خال�ص ًا لوجه ربك الكرمي ال ي�شوبه رياء‬ ‫�صائح الدهر ال�صدوح �سوف يغدو املرء يوم ًا ج�سد ًا ما‬
‫�أو غر�ض لأنه �سبحانه ال يقبل من الأعمال �إال اخلال�ص‬ ‫فيه روح كلنا يف غفلة واملوت يغدو ويروح‬
‫وربك ناقد ب�صري ال تخفى عليه خافية ‪.‬‬ ‫ويقول �أحمد �شوقي معار�ض ًا ابن �سينا يف ق�صيدته ‪:‬‬
‫قال تعاىل ‪َ } :‬و َل َق ْد َخ َل ْق َنا الْ ِإ ْن َ�سانَ َو َن ْع َل ُم َما ُت َو ْ�س ِو ُ�س ِب ِه‬ ‫هبطت �إليك من املحل الأرفع‬
‫ِيد (‪� { )16‬سورة ق‬ ‫َنف ُْ�س ُه َو َن ْحنُ �أَ ْق َر ُب ِ إ� َل ْي ِه ِمنْ َح ْب ِل ا ْل َور ِ‬ ‫ّ‬
‫ورقاء ذات تدلل وترفع‬
‫قال �أبو متام ال�شاعر ‪:‬‬ ‫في�صف مغادرة الروح ‪:‬‬
‫ً‬
‫و�أخل�ص لدين اهلل �صدرا ونية‬ ‫ملا نعيت �إىل املنازل غودرت دكاً‬
‫ً‬
‫ف�إن الذي تخفيه يوما �سيظهر‬ ‫ومثلك يف املنازل ما ُنعي‬
‫تذكر وفكر يف الذي �أنت �صائر‬ ‫�آذنتها بنوى فقالت ليت مل‬
‫�إليه غد ًا �إن كنت ممن يفكر‬ ‫ت�صل احلبال وليتها مل تقطع‬
‫فال بد يوم ًا �أن ت�صري حلفرة‬ ‫فزعت وما خفيت عليها غاية‬
‫ب�أثنائها تطوى �إىل يوم تن�شر‬ ‫لكنّ من يرد القيامة يفزع‬
‫�أمام هذه الو�صايا ال�شريفة الي�سعك �إال �أن تقف مدهو�شاً‬ ‫أزمعت فانه ّلت دموعك رقة‬ ‫� ِ‬
‫م�أخوذ ًا من روعة الت�صوير وبراعة التمثيل و�إيجاز‬ ‫ولو ا�ستطعت �إقامة مل ُتزمعي‬
‫العبارة ولطف الإ�شارة مع جزالة اللفظ وبالغة القول‬ ‫بان الأحبة يوم بينك كلهم‬
‫وقوة الأداء وال غرو فقد �أثر عن النبي �صلى اهلل عليه‬ ‫وذهبت باملا�ضي وباملتوقع‬
‫و�سلم قوله ‪:‬‬ ‫�إن هذا ي�ؤذن ب�أن مهمتك يف هذه الدنيا قد انتهت و�أنك‬
‫(( �أوتيت جوامع الكلم )) فهذه الو�صايا ت�شهد بالإعجاز‬ ‫مهي أ� لعبور مراحل �أخرى يف �سفرك الطويل �أنك قادم‬
‫والإيجاز ال يجاريه فيها �أرباب الف�صاحة وال �أئمة البالغة‬ ‫�إىل ربك ولب�س معك من ر�صيد �إال ماقدمت من عمل‬
‫‪.‬‬ ‫�صالح‬
‫وبعد ‪:‬ع�سى �أن �أكون �أو�صلت جزء ًا من الر�سالة – لأن‬ ‫و�إذا كان يهمك �أن تنجو مما ي�صادفك من �أهوال يف هذه‬
‫الر�سالة طويلة – (( وقد ُوعظت �إن حفظت )) و�صدق‬ ‫ال�سفرة الرهيبة فا�سمع معي و�صية نبيك حممد �صلى‬
‫اهلل العظيم القائل‪َ } :‬و ُن ْن ِ�ش َئ ُك ْم فيِ َما لاَ َت ْع َل ُمونَ {‪.‬‬ ‫اهلل عليه و�سلم وهي ت�شمل �أربع نقاط ‪:‬‬
‫‪ ((-1‬ج ّدد ال�سفينة ف�إن البحر عميق )) �أي �إنك �أمام‬
‫*أستاذ علم املرياث يف كلية الرشيعة دار الفتوى‪.‬ومؤلف كتاب املرياث عىل املذاهب األربعة‪ ,‬وكتاب‬
‫الكمبيوتر يف املرياث‪.‬‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪37‬‬
‫بيئة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫الفساد البييئ‬
‫براً‪ ...‬وحبراً‪ ...‬وجواً‪...‬‬
‫د‪� .‬أحمد مليجي*‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫جاءت تعاليم ال�سنة النبوية ال�شريفة لرتبينا على احرتام البيئة ومكوناتها فجعلت �إماطة الأذى واحلجر وال�شوكة‬
‫والعظم عن الطريق من حما�سن الأعمال و�شعبة من �شعب الإميان‪ ...‬يقول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يف هذا‬
‫الباب‪( :‬الإميان ب�ضع و�سبعون‪� -‬أو ب�ضع و�ستون – �شعبة‪ ،‬ف�أف�ضلها قول ال �إله �إال اهلل‪ ،‬و�أدناها �إماطة الأذى عن‬
‫الطريق‪ .‬واحلياء �شعبة من الإميان)(‪ .)1‬وعن �أبي ذر‪ ،‬ر�ضي اهلل عنه‪ .‬قال ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬عر�ضت‬
‫علي �أعمال �أمتي ح�سنها و�سيئها فوجدت من حما�سن �أعمالها الأذى مياط عن الطريق‪ ،‬ووجدت من م�ساوئ �أعمالها‬
‫النخامة تكون يف امل�سجد ال تدفن)(‪.)2‬‬
‫ويف حديث �أبي ذر‪ ،‬ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬عن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ...( :‬و�إماطتك احلجر وال�شوكة والعظم عن‬
‫طريق النا�س �صدقة)(‪.)3‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ويف حديث البخاري وم�سلم عن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‪( :‬ما من م�سلم يغر�س غر�سا �أو يزرع زرعا في�أكل منه‬
‫طري �أو �إن�سان �أو بهيمة �إال كان له به �صدقة)‪....‬‬
‫‪ ....‬وجاءت ال�شريعة ال�سمحة لتح ِّرم الف�ساد ومتنعه بال�ضرب على �أيدي املف�سدين‪ ،‬وت�ضع من بني مقا�صدها احلفاظ‬
‫على النف�س‪ ،‬مما ي�ستلزم احلفاظ على احلياة وحت ّري العافية والبحث عن الوقاية والعالج والتغذية‪ ،‬وال�سعي وراء‬
‫�سالمة ما فينا و�سالمة ما حولنا‪ ،‬وهو ما ا�صطلح عليه با�سم البيئة‪.‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪38‬‬
‫بيئة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫يف رحاب الاية املعجزة‪:‬‬


‫}ظ َه َر ال َف َ�سا ُد فيِ البرَ ِّ َوا ْل َب ْح ِر بمِ َ ا َك َ�س َب ْت �أَ ْي ِدي ال َّن ِ‬
‫ا�س ِل ُي ِذي َق ُهم َب ْع َ�ض ا َّل ِذي َعمِ ُلوا َل َع َّل ُه ْم‬ ‫يقول احلق عز وجل‪َ :‬‬
‫َي ْر ِج ُعونَ {‪[.‬الروم‪.]41 :‬‬
‫الف�ساد كم�صطلح قر�آين‪:‬‬
‫اال�صطالح اللغوي‪:‬‬
‫الف�ساد‪ :‬نقي�ض ال�صالح‪ ،‬وقوله تعاىل‪( :‬وي�سعون يف الأر�ض ف�ساد ًا)‪ :‬ن�صب ف�ساد ًا لأنه مفعول له �أراد ي�سعون يف الأر�ض‬
‫للف�ساد‪ .‬واملف�سدة‪ :‬خالف امل�صلحة‪....‬‬
‫الداللة ال�شرعية‪:‬‬
‫الف�ساد يف داللة القر�آن وال�سنة وفق تف�سري اجلاللني هو اخلروج عن حد االعتدال بالكفر وال�شرك والتعويق عن‬
‫الإميان وباملعا�صي و�إهالك احلرث والن�سل وقتل النف�س بغري حق وال�سعي �إىل قطع الطريق‪ ،‬والنهب والبغي والتخريب‬
‫والعثو والعودة �إىل حياة اجلاهلية بكل مظاهرها‪ .‬تلكم الف�ساد والإف�ساد والقائمون عليه مف�سدون‪.‬‬
‫املفهوم املعا�صر‪:‬‬
‫يف ع�صرنا هذا‪ ،‬يت�سع مفهوم الف�ساد ليطال كل مناحي احلياة بتمثالت جديدة ومتظهرات وم�سميات وليدة هذا‬
‫الزمان‪ ،‬فنجد الف�ساد يف الت�صور‪ ،‬والف�ساد يف املمار�سة وال�سلوك‪ ،‬والإف�ساد يف املحيط ويف الأنظمة الإيكولوجية �أو‬
‫ما ي�سمى ا�صطالح ًا بالتلوث البيئي‪ ،‬كما جند �أي�ض ًا الف�ساد �أو التلوث الأخالقي‪ ،‬والف�ساد الإيديولوجي‪ ،‬والف�ساد يف‬
‫الكلمات واملفاهيم وامل�صطلحات‪ .‬حيث الف�ساد موجود بوجود الفعل الإن�ساين‪ ،‬حتى �أ�صبح ل�سان حالنا يدعو لتخليق‬
‫املمار�سات وجماالت احلياة املهنية واملجاالت البيئية ليعود االعتبار بذلك لل�ضوابط والقواعد الأخالقية وال�شرعية‪.‬‬
‫مدخـل‪:‬‬
‫ال بد من التطرق لبع�ض مظاهر الف�ساد املرتبطة بالأن�شطة الب�شرية والتي تطال املاء والهواء والرتبة وانعكا�ساتها‬
‫ال�سلبية على �صحة الإن�سان و�إنتاجيته‪ .. .‬ثم ال بد من �ضرورة �أخذ العرب من النتائج الوخيمة التي حلقت بالإن�سان‬
‫عندما خ�ضع لغريزته واتبع هواه فت�صرف ب�أنانية مطلقة وق ّدم م�صلحته اخلا�صة على امل�صلحة العامة‪ ...‬ف�أف�سد يف‬
‫الأر�ض بعد �إ�صالحها وحلت به امل�صائب والكوارث وهي بالن�سبة للعارفني باهلل نوع من �أنواع الأخذ الرباين للأمم‬
‫م�ستوى َاخلالفة وارت�ضت حكم الأهواء‪:‬‬ ‫َ‬ ‫املتمردة َالتي تخلت عن َ منهج اهلل ومل ترق �إىل‬
‫( َو َك َذ ِل َك أ� ْخ ُذ َر ِّب َك �إِ َذا �أ َخ َذ ال ُق َرى َو ِه َي َظالمِ َ ٌة �إِنَّ �أ ْخذ ُه �أ ِلي ٌم �ش ِدي ٌد ) (هود ‪� .)102‬إماطة الأذى واحلفاظ على البيئة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫�س ّنة يف الإ�سالم‬

‫اإلعجاز‪ ,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪39‬‬
‫بيئة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫‪� ...‬إن املجتمعات الب�شرية التي تعاقبت على الأر�ض‬ ‫وكان الإن�سان �أكرب املت�ضررين‪ .‬فكان عليه �آنذاك مراجعة‬
‫�أحدثت تغيريات على الو�سط الذي كانت تعي�ش فيه‪.‬‬ ‫نف�سه‪ ...‬فجاءت التقارير تلو التقارير‪ ،‬من املنظمات‬
‫ف�أنتجت نفايات وف�ضالت وقذفت بها يف الو�سط الطبيعي‬ ‫الدولية وغري الدولية‪ ،‬احلكومية منها وغري احلكومية‪،‬‬
‫بدون �أخذ �أية �إجراءات وقائية‪ ،‬وبذلك تكون قد د�شنت‬ ‫كلها ت�صب يف اجتاه واحد‪( :‬لنوقف هذا النزيف!) مما‬
‫بداية مل�سل�سل التلوث الذي مل تنته حلقاته بعد‪ .‬وقد ظل‬ ‫يدل على تنامي الوعي والإهتمام ب�إ�شكالية البيئة دولي ًا‬
‫هذا التلوث بدون عواقب تذكر يف مرحلته الأوىل‪ ،‬لكن‬ ‫و�إقليمي ًا ووطني ًا‪.‬‬
‫�سرعان ما حتول‪ ،‬مع التطور ال�صناعي والفالحي خالل‬ ‫فكان م�ؤمتر الأمم املتحدة للبيئة الب�شرية يف ا�ستكهومل‬
‫القرنني املا�ضيني‪� ،‬إىل كارثة �أتت على كل مكونات احلياة‬ ‫�سنة ‪ 1972‬وكانت قمة الأر�ض يف ريو دي جانريو �سنة‬
‫من ماء وتربة وهواء‪ .‬فـ (ظهر الف�ساد يف الرب والبحر مبا‬ ‫‪ 1992‬والتي �صاغت برنامج عمل طموح (جدول �أعمال‬
‫ك�سبت �أيدي النا�س)‪.‬‬ ‫القرن ‪.)Agenda 21()21‬‬
‫وكان م�ؤمتر ال�سكان والتنمية بالقاهرة ‪ 1994‬وم�ؤمتر‬
‫التنمية الب�شرية يف كوبنهاغن �سنة ‪ 1995‬وم�ؤمتر‬
‫امل�ستوطنات الب�شرية يف ا�سطنبول �سنة ‪ 1996‬ثم‬
‫قمة (ريو ‪� )5 +‬سنة ‪ 1997‬وقمة (ريو ‪ )10 +‬للتنمية‬
‫امل�ستدامة �سنة ‪ 2002‬يف جوهان�سبورغ والزال امل�شكل‬
‫الف�ساد والإف�ساد ظلم وعك�سهما ال�صالح‬
‫والإ�صالح‬
‫املكون األسايس للحياة‪ :‬املاء‬ ‫البيئي قائم ًا �شاهد ًا على خيبة الأمل بالن�سبة للعديد من‬
‫الإلتزامات والتعهدات التي بقيت حرب ًا على ورق‪� ،‬آية‬
‫ال تزال القدرة على احل�صول على املياه النقية حاجة‬ ‫واحدة تتكلم عن حدوث الظاهرة (ظاهرة الف�ساد)‪،‬‬
‫عاجلة للب�شر يف كثري من البلدان‪ ،‬ويعزى جانب من‬ ‫وعن مكان حدوثها (يف الرب والبحر‪ ،‬ويعترب الغالف‬
‫امل�شكلة �إىل التلوث فيما يرجع اجلانب الآخر �إىل نق�ص‬ ‫اجلوي الذي مل ينج من الف�ساد هو الآخر‪ ،‬تابع ًا للرب)‬
‫وعن امل�س�ؤول عن حدوثها (بفعل الإن�سان) وعن املت�ضرر‬
‫يف املوارد املائية‪.‬‬ ‫منها (فالعواقب والكوارث البيئية تلحق ال�ضرر بالوجود‬
‫ويعترب املاء من املنظور الإ�سالمي �أ�سا�س الوجود‪...‬‬ ‫الإن�ساين) والعربة من هذا تقت�ضي االقتداء باملنهج‬
‫و�أ�صل كل الأحياء‪َ }...‬واللهَّ ُ َخ َلقَ ُك َّل َدا َّب ٍة ِّمن َّماءٍ َفمِ ْن ُهم‬ ‫الرباين (رجوع الإن�سان �إىل خالقه) لأن حدوث الف�ساد‬
‫َّمن يمَْ ِ�شي َع َلى َب ْط ِن ِه َو ِم ْن ُهم َّمن يمَْ ِ�شي َع َلى ر ِْج َلينْ ِ َو ِم ْن ُهم‬ ‫وما يرتتب عنه من �أ�ضرار يقت�ضي الوقوف عند الظاهرة‬
‫َّمن يمَْ ِ�شي َع َلى �أَ ْر َب ٍع َي ْخ ُلقُ اللهَّ ُ َما َي َ�شا ُء �ِإنَّ اللهَّ َ َع َلى ُك ِّل‬ ‫وتفكيك عنا�صرها وحتليل �أ�سبابها بهدف معاجلة‬
‫َ�ش ْيءٍ َق ِدي ٌر{ (النور‪... ،)45 :‬‬ ‫م�سبباتها لتجنب الوقوع فيها ثانية‪.‬‬
‫�آية نزلت منذ خم�سة ع�شر قرن ًا مل يكن الإن�سان �آنذاك‬
‫لذا‪ ،‬فقد اهتم به الإ�سالم �أميا اهتمام وحث على‬ ‫يعرف �شيئ ًا عن التلوث وانعكا�ساته اخلطرية على التنوع‬
‫االقت�صاد يف ا�ستعماله واحلفاظ عليه من التلوث‪ .‬فكان‬ ‫البيولوجي وال عن التنمية امل�ستدامة وال عن التغريات‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم تكفيه كمية قليلة من املاء‬ ‫املناخية ب�سبب االنحبا�س احلراري وال عن ظاهرة‬
‫للإغت�سال والو�ضوء‪ .‬ففي حديث عبداهلل بن عمرو بن‬ ‫البيوت الزجاجية‪...‬‬
‫العا�ص‪ ،‬ر�ضي اهلل عنه‪� ،‬أن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫ولأن هذا البحث يدور حول الآية املعجزة‪ ،‬فهو يركز‬
‫�أ�سا�س ًا على م�س�ؤولية الإن�سان جتاه حميطه املتكون من‬
‫ات�سع مفهوم الف�ساد لي�ضم التلوث البيئي‬ ‫الرتبة والهواء واملاء‪ .‬لذا كان ال بد �أن نتوقف عند بع�ض‬
‫والأخالقي والعقائدي‬ ‫التهديدات التي تطال املجال البيئي من جراء �أن�شطة‬
‫ب�شرية غري م�س�ؤولة يف قطاعات �شتى (من فالحة‬
‫و�سلم مر ب�سعد وهو يتو�ض�أ‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا ال�سرف؟‬ ‫و�صناعة ومنط عي�ش وغريها) والتي تت�سبب يف الإخالل‬
‫قال‪� :‬أيف الو�ضوء �إ�سراف؟ قال‪ :‬نعم و�إن كنت على نهر‬ ‫بالتوازنات البيئية‪.‬‬
‫جار(‪ .)4‬وجاء يف �صحيح البخاري �أن الر�سول �صلى‬ ‫بع�ض مظاهر الف�ساد يف الرب والبحر‪:‬‬
‫اهلل عليه و�سلم قال‪( :‬ال يبولن �أحدكم يف املاء الدائم)‬
‫(الراكد الذي ال يجري)‪....‬‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪40‬‬
‫بيئة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫العاملية لل�صحة ما بني ‪ 3‬و ‪ 4‬ماليني �شخ�ص ًا �سنوي ًا‬ ‫‪ ....‬و�أكرث �أ�شكال تلوث املياه انت�شار ًا ناجت عن ف�ضالت‬
‫من جراء �أمرا�ض متعلقة بجودة املاء (كالإ�سهال‪،‬‬ ‫الب�شر احلاملة للأمرا�ض‪ .‬ويف هذا ال�صدد‪ ،‬يفيد تقرير‬
‫والت�سممات والأمرا�ض الطفيلية‪... .)...‬‬ ‫(برنامج الأمم املتحدة للبيئة) (‪ )PNUE‬ل�سنة ‪2002‬‬
‫‪�....‬أما بالن�سبة ملعاجلة املياه امل�ستعملة و�إعادة‬ ‫ب�أن كمية املياه امل�ستعملة التي تقذفها الدول النامية يف‬
‫ا�ستعمالها‪ ،‬فلنا يف الإعجاز البيولوجي جل�سم الإن�سان‬ ‫تزايد نتيجة التعمري ال�سريع والنمو الدميغرايف املتزايد‪.‬‬
‫(وخا�صة اجلهاز البويل) خري مثال حيث �أن كمية الدم‬ ‫طالت النفايات الرب والبحر والهواء‬
‫التي ي�ضخها القلب خالل اليوم الواحد عرب ال�شرايني‬ ‫واملناخ‪.‬‬
‫والأوردة تقدر بحوايل خم�سة �إىل ع�شرة �آالف لرت‪ .‬ف�إذا‬
‫علمنا �أن متو�سط حجم الدم عند الإن�سان يعادل خم�س‬ ‫ف�إذا علمنا �أن مدينة �صغرية ال يتجاوز عدد �سكانها ‪300‬‬
‫لرتات‪ ،‬خل�صنا �إىل �أن ج�سم الإن�سان ي�ستعمل ويعيد‬ ‫�ألف ن�سمة ترمي كل ثانية مرت ًا مكعب ًا من املاء امللوث‪،‬‬
‫ا�ستعمال كل لرت من املاء �ألفني �إىل ثالث �آالف مرة‬ ‫والذي يحتوي كل ميليلرت منه (�أي جزء من �ألف من‬
‫حتى ت�ستنفذ �صالحيته وي�صبح غري قابل للإ�ستعمال‬ ‫اللرت) على مليوين �أو ثالثة ماليني من اجلراثيم‪ ،‬و�إذا‬
‫فيتخل�ص منه اجل�سم على �شكل ال�سائل البويل‪( .‬وَفيِ‬ ‫علمنا �أن مرت ًا مكعب ًا من مياه ال�صرف يلوث ‪ 25‬مرت ًا‬
‫�أَن ُف ِ�س ُك ْم َ�أ َف َال ُت ْب ِ�ص ُرونَ ) (الذاريات‪.)21 :‬‬ ‫مكعب ًا من املياه ال�صاحلة لل�شرب‪� ،‬أ�صبح الأمر وا�ضح ًا‬
‫على �ضرورة �إيقاف هذه الكارثة البيئية وب�شكل ا�ستعجايل‬
‫حتى ال ينفلت زمام الأمور ون�صل �إىل نقطة الالعودة‪.‬‬
‫ومن حكمة اهلل عز وجل ورحمته بنا �أن حبا الوديان‬
‫والأنهار بقدرة الت�صفية الذاتية (‪)auto- purification‬‬
‫وهي خا�صية ذات �أهمية ق�صوى بالن�سبة مل�صري‬
‫الكائنات احليوانية والنباتية والإن�سان‪ ،‬لكنها تبقى‬
‫حمدودة وتتقل�ص فعاليتها كلما زاد حجم النفايات �أو‬
‫نق�صت كمية املاء املتدفقة‪ .‬ولي�س من الغريب �أن يجيء‬
‫يف تقرير برنامج الأمم املتحدة للبيئة ل�سنة ‪� 2002‬أن ما‬
‫يناهز ن�صف �أنهار العامل ت�شكو من التلوث‪.‬‬
‫ومن �أهم �أ�سباب تلوث املياه‪:‬‬
‫‪-‬غياب معاجلة املياه امل�ستعملة‪.‬‬
‫‪�-‬إلقاء النفايات ال�صناعية مبا�شرة يف الوديان‪.‬‬
‫‪-‬ت�سربات خمازن حامالت النفط‪.‬‬
‫‪-‬بقايا املخ�صبات واملبيدات امل�ستعملة يف الزراعة‪.‬‬
‫‪-‬الأمطار احلم�ضية‪.‬‬
‫وال يزال �شبح املوت يخيم على املجتمعات الب�شرية‬
‫خ�صو�ص ًا يف البلدان النامية‪ ،‬فيح�صد ح�سب املنظمة‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪41‬‬
‫بيئة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫اللذان يعتربان �سما قات ًال يق�ضي على النباتات والغابات‬ ‫املكون احليوي الثاين‪ :‬الهواء‬
‫والبحريات ويت�سبب يف �إتالف املن�ش�آت‪.‬‬
‫يحتوي الهواء على غازات حيوية و�أخرى �سامة‪.. .‬‬
‫فمن نعمة قد ي�صبح ماء املطر نقمة لأن درجة احلم�ضية‬ ‫‪ ...‬ومن �أخطر �أنواع التلوث ذاك الذي يطال الهواء‬
‫التي يحتوي عليها تذيب �أمالح الأملنيوم ال�سامة التي ت�أتي‬
‫والذي من �أهم م�صادره الدخان الناجت عن احرتاق‬
‫على احليوانات والنباتات املجهرية فتدمرها مما ي�ؤدي‬ ‫املواد‪ ...‬فهناك ثالثة م�صادر �أ�سا�سية �سببها الرئي�سي‬
‫�إىل ندرة يف الأ�سماك التي تتغذى عليها‪ .‬وقد �شوهدت‬ ‫هو الإن�سان‪ ،‬ت�ؤدي كلها �إىل تلوث الهواء‪:‬‬
‫هذه الظاهرة يف ال�شمال ال�شرقي للقارة الأمريكية‬ ‫‪-‬ا�ستخدام الطاقة‪.‬‬
‫و�أوروبا وم�ؤخر ًا يف ال�صني‪ (.‬أَ� َف َر�أَ ْيت ُُم ا َملا َء ا َّل ِذي َت�شْ َر ُبونَ‬
‫‪-‬انبعاث الغازات من ال�سيارات وال�شاحنات‪.‬‬
‫‪� ،‬أَ أَ�نت ُْم َ�أنزَ ْل ُت ُمو ُه ِمنَ املُزْ ِن َ�أ ْم َن ْحنُ املُ ِنز ُلونَ ‪َ ،‬ل ْو َن َ�شا ُء‬
‫‪-‬الإنتاج ال�صناعي‪.‬‬
‫َج َع ْل َنا ُه �أُ َجاج ًا َف َل ْو َال َت�شْ ُك ُرونَ ) (الواقعة‪)70-68 :‬‬
‫ومن املعلوم �أن الأ�ضرار الناجتة عن الدخان ال تقت�صر‬
‫على �صحة الإن�سان فح�سب بل تتعداها �إىل �أ�ضرار بيئية‬
‫نذكرمن بينها‪ :‬االنحبا�س احلراري والتغريات املناخية‬
‫و�إفقار طبقة الأوزون وهطول الأمطار احلم�ضية‪.‬‬
‫ظاهرة االنحبا�س احلراري‪:‬‬
‫لقد ت�ضاعفت انبعاثات ثاين �أك�سيد الكربون (‪)CO2‬‬
‫ثالث مرات خالل �أقل من ن�صف قرن من الزمن‪ .‬يرتاكم‬
‫هذا الغاز يف الطبقات العليا للغالف اجلوي للأر�ض‬
‫حيث يعمل على حفظ حرارة الأر�ض لكونه يعك�س جزء ًا‬
‫منها ومينعها من الت�سرب �إىل الف�ضاء اخلارجي كما هو‬
‫ال�ش�أن مع البيوت البال�ستيكية �أو الزجاجية‪ .‬ويذهب‬
‫كثري من العلماء على �أن الغازات ذات مفعول االنحبا�س‬
‫احلراري مثل ثاين �أك�سيد الكربون وامليثان (‪)Methane‬‬
‫وغريهما قد تت�سبب يف ارتفاع تدريجي حلرارة الياب�سة‬
‫وما يرتتب عنها من تغريات مناخية هامة‪.‬‬
‫يزداديف الأنهار والبحار ظاهرة ثقب الأوزون‪:‬‬
‫يف‬ ‫الثلج‬ ‫ذوبان‬ ‫فمن املتوقع كنتيجة لهذا �أن‬
‫القطبني وبالتايل ترتفع ن�سبة املياه‬
‫وما يتبع ذلك من فيا�ضانات قد تغرق بع�ض املناطق غاز الأوزون (‪ )O3‬متواجد يف غالف رقيق يف الطبقة‬
‫العليا من الغالف اجلوي (على علو ‪ 25‬كيلومرت)‪ .‬وحدث‬ ‫ال�ساحلية‪.‬‬
‫�أن قرع ناقو�س الإنذار �سنة ‪ 1985‬ب�ش�أن ثقب وقع يف طبقة‬ ‫ال�ضبابي‪:‬‬ ‫الدخان‬ ‫ظاهرة‬
‫الأوزون فوق القارة القطبية اجلنوبية (‪)antarctique‬‬ ‫ال�ضبابي‬ ‫الدخان‬ ‫وجود‬ ‫الوا�ضحة‬ ‫الهواء‬ ‫تلوث‬ ‫مظاهر‬ ‫من‬
‫الغازات فتوجهت �أ�صابع االتهام �إىل مركبات حتتوي على‬ ‫(‪ )Smog‬فوق بع�ض املدن الكربى نتيجة انبعاث‬
‫من امل�صانع وال�سيارات‪ .‬وتبني الدرا�سات �أن هناك‬
‫ازدياد ًا يف الوفيات مع ارتفاع تركيز املواد الهبائية عن�صري الكلور (‪ )CI‬الفليور (‪ )F‬من �أبرزها مركب‬
‫الدقيقة العالقة‪ ... ،‬فمع وجود �ضوء ال�شم�س‪ ،‬تتفاعل الكلورور فليورو كربون (‪ )CFC‬وت�ستعمل هذه املركبات‬
‫هذه الغازات فت�شكل كثافة عالية من الدخان ميكن يف �صناعة الثالجات‪.‬‬
‫مالحظاته معلق ًا يف الهواء على علو كيلومرتات قليلة من ‪ ...‬ومن النتائج الهامة املرتتبة على ا�ستنزاف الأوزون‬
‫زيادة الأ�شعة فوق البنف�سجية املنبعثة من ال�شم�س والتي‬ ‫الأر�ض‪.‬‬
‫ظاهرة الأمطار احلم�ضية‪:‬‬
‫من بني الغازات ال�سامة املوجودة يف الدخان غازان ي�ستقبلها �سطح الأر�ض‪ .‬ومن املحتمل �أن ت�سجل زيادة يف‬
‫م�س�ؤوالن عن تكون االمطار احلم�ضية وهما ثاين �أك�سيد �سرطانات اجللد غري اخلبيثة التي ت�صيب يف املقام الأول‬
‫الكربيت (‪ )SO2‬وثاين �أك�سيد النيرتوز (‪ .)NO2‬هذان �أ�صحاب الب�شرة البي�ضاء �إذا مل تتخذ التدابري الالزمة‪.‬‬
‫الأخريان يتفاعالن مع ذرات املاء فينتجان على التوايل املكون احليوي الثالث‪ :‬الرتبة‬
‫حم�ض الكربيتيك (‪ )H2SO4‬وحم�ض النيرتيك (‪� )HNO3‬إن الإنتاج الزراعي رهني بنمو النبات‪ ،‬ولكي ينمو النبات‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪42‬‬
‫بيئة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫�أما يف امليدان املتعلق بال�صحة‪ ،‬فمن �أهم م�شاكل الإن�سان‬


‫املرتبطة بوفرة النيرتات يف املياه ال�صاحلة لل�شرب نذكر‬ ‫ال بد له من تغذية متوازنة من �أمالح معدنية وماء‬
‫ت�سمم امل�ستهلك بالنيرتات وما ينتج عنه من الإ�صابة‬ ‫و�شم�س‪...‬من هنا كان التفكري يف �إ�ضافة الأ�سمدة �أو‬
‫مبر�ض تنف�سي عند الر�ضيع �أو احتمال الإ�صابة بداء‬ ‫املخ�صبات لتعوي�ض النق�ص املعدين الذي يطال الرتبة‬
‫ال�سرطان عن طريق النيرتوزامني (‪.)Nitrosamines‬‬ ‫من جراء امت�صا�ص الأمالح املعدنية من طرف جذور‬
‫�إن الكريات احلمر املوجودة يف دمائنا حتتوي على مادة‬
‫الهيموغلوبني (‪ )Hemoglobine‬وهو ال�صبغ التنف�سي‬ ‫الرتبة يف خطر وكذلك الأطفال ّ‬
‫الر�ضع‬
‫الأحمر امل�س�ؤول عن حمل الأك�سجني �إىل الأن�سجة‬
‫واخلاليا والتخل�ص من ثاين �أك�سيد الكربون‪ .‬وقد ي�سبب‬ ‫النبات وجني الغلة وحتويلها من احلقل �إىل امل�ستهلك‪.‬‬
‫تركيز النيرتات يف غذاء الر�ضيع (عن طريق املاء �أو‬ ‫غري �أن �إ�ضافة الأ�سمدة التي �أريد بها حت�سني النمو‬
‫احلليب) �إىل حتول هذا ال�صباغ التنف�سي هيموغلويني‬ ‫واملردودية بالن�سبة للنبات‪� ،‬أخذت �أبعادًا خطرية‪ .‬فعن‬
‫�إىل �صبغ �آخر خمالف للأول يدعى ميتهيموغلويني‬ ‫�أي ربح نتكلم �إذن؟ �إن كنا نتحدث عن الربح املادي‪،‬‬
‫(‪ ،)Methemoglobine‬ال ي�ستطيع بالقيام بعملية نقل‬ ‫فهذه نظرة �ضيقة وم�ؤقتة وجد �أنانية لأن يف املقابل هناك‬
‫الأك�سيجني‪ ،‬في�صاب الر�ضيع بالدوران واالختناق‪ .‬وهذه‬ ‫خ�سارة ج�سيمة يف ميدان البيئة وال�صحة واالقت�صاد‪.‬‬
‫الظاهرة يطلق عليها ظاهرة الر�ضيع الأزرق ‪Syndrome‬‬ ‫ظاهرة التخ�صب‪:‬‬
‫‪.....des bebes bleus‬‬ ‫وحتى تكون الفكرة �أو�ضح‪� ،‬سن�ضرب مثا ًال لهذا‪ :‬عندما‬
‫املكون احليوي الرابع‪ :‬التنوع البيولوجي‬ ‫يريد املزارع الرفع من املردودية‪ ،‬يقوم يف غالب الأحيان‬
‫�إن الرثوات النباتية واحليوانية تكت�سي �أهمية �أ�سا�سية‬ ‫ب�إ�ضافة �أ�سمدة حتتوي عموم ًا على �أمالح معدنية نذكر‬
‫يف حفظ التوازن البيئي وتوفري متطلبات الأمن الغذائي‪،‬‬ ‫منها البوتا�سيوم (‪ )+K‬والنيرتات والفو�سفاط‪ .‬فيعلق‬
‫بيد �أنها غري �أزلية لذا يجب العمل على احلفاظ عليها‬ ‫الأول باملركب املكون من الذبال (‪ )Humus‬واملادة‬
‫وت�أمني ا�ستمراريتها‪.‬‬ ‫الغروانية (‪ )Colloides‬لأن لديه �شحنة موجبة يف حني‬
‫فا�ستنزاف الرثوات احليوانية من �صيد وقن�ص مفرطني‪،‬‬ ‫يت�سرب جزء كبري من النيرتات والفو�سفاط �إىل �أعماق‬
‫ي�ؤدي �إىل تراجع يف التنوع البيولوجي‪ .‬ولعل العدد الهائل‬ ‫طبقات الرتبة ب�سبب �شحنتيها ال�سالبتني في�صل �إىل‬
‫للف�صائل احليوانية والنباتية التي انقر�ضت �أو يف طور‬ ‫املياه اجلوفية‪... ،‬‬
‫االنقرا�ض �أو مهددة باالنقرا�ض يربز لنا خطورة الو�ضع‪.‬‬ ‫ظاهرة الت�صحر‪:‬‬
‫كما �أن التلوث الناجت عن طريق رمي النفايات ال�صلبة‬ ‫�إن الإنتاج الزراعي املكثف و�إزالة الأ�شجار و�إتالف‬
‫وال�سائلة وا�ستعمال املبيدات الأ�سمدة واملواد امل�شعة قد‬ ‫الغابات ي�ؤدي �إىل تعرية الأرا�ضي وا�ستنزاف الرتبة مما‬
‫يلحق �أ�ضرار ًا بالأو�ساط التي تعي�ش فيها هذه الكائنات‬ ‫يرتتب عنه فقدان الأر�ض لقدرتها الإنتاجية يف الزراعة‬
‫امل�سخرة خلدمتنا‪.‬‬ ‫والرعي وبالتايل عجزها عن حتقيق الأمن الغذائي‪.‬‬
‫مثل ال�سفينة يف احلديث ال�شريف‪:‬‬ ‫كما �أن الرتبة تتعر�ض لل�ضياع ب�سبب الإجنراف والتملح‬
‫يقول ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم (مثل القائم على‬ ‫وعدم مالءمة �أ�ساليب الري مما ي�ؤدي �إىل الت�صحر‬
‫حدود اهلل والواقع فيها كمثل قوم ا�ستهموا على �سفينة‬ ‫(‪ )Desertification‬ومبا �أن الغطاء النباتي يحدد م�ستوى‬
‫ف�أ�صاب بع�ضهم �أعالها وبع�ضهم �أ�سفلها فكان الذين يف‬ ‫الت�ساقطات ف�إن الطرق الزراعية املكثفة وغري املالئمة‬
‫�أ�سفلها �إذا ا�ستقوا من املاء مروا على من فوقهم فقالوا‬ ‫من �ش�أنها �إحداث تغيريات عميقة يف دورات املياه على‬
‫لو �أنا خرقنا يف ن�صيبنا خرقا ومل ن�ؤذ من فوقنا ف�إن‬ ‫م�ستوى القارات م�سببة بذلك تغريات مناخية على‬
‫يرتكوهم وما �أرادوا هلكوا جميع ًا و�إن �أخذوا على �أيديهم‬ ‫ال�صعيد اجلهوي‪.‬‬
‫جنوا وجنوا جميع ًا) (‪.)5‬‬ ‫ظاهرة الر�ضيع الأزرق‪:‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪43‬‬
‫بيئة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫ض‬ ‫�‬ ‫سكان ا ألر‬ ‫كل �‬


‫ة‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫س‬ ‫�‬ ‫يف‬
‫واحدة ف�إ‬
‫غرقت باجلميع ذا ثقبها بع�ضهم‬ ‫‪ ...‬وبعد الوقوف عند هذا احلديث ال�شريف‪ ،‬لرنجع �إىل‬
‫واقع ال�سفينة املر لن�س�أل �أنف�سنا‪:‬‬
‫�‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ا‬
‫ج‬ ‫وا‬ ‫ة‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫خلل‬ ‫ا‬ ‫سان خليفة وعلى‬ ‫‪-‬وهل ثقب طبقة الأوزون �إال بداية ثقب يف ال�سفينة؟‬
‫حل‬ ‫ا‬ ‫ب‬
‫والزرع وال�ضرع فاظ على الن�سل‬ ‫‪-‬وهل تدمري املكونات الأ�سا�سية للحياة �إال تك�سري‬
‫لل�سفينة؟‬
‫‪-‬وهل انبعاث الغازات ال�سامة يف الهواء �إال (خنق) الوطني والعاملي وما ميكن فعله يف كال احلالتني‪ ،‬فعلى‬
‫ال�صعيد الوطني‪ ،‬يجب �إقرار �سيا�سات بيئية وا�ضحة‬ ‫ال�سفينة؟‬
‫‪-‬وهل رمي النفايات ال�صناعية والف�ضالت يف الأنهار وفعالة ومالئمة للواقع املعي�شي‪ ،‬من بينها �إعادة التن�شئة‬
‫االجتماعية (االهتمام بالطفل كرجل الغد) على �أ�سا�س‬ ‫واملحيطات �إال �إغراق لهذه ال�سفينة؟‬
‫احرتام املجال البيئي (وهو ما ا�صطلح عليه با�سم الرتبية‬ ‫اخلامتـة‪:‬‬
‫�إن الهدف من هذا البحث املتوا�ضع الذي ارتكز �أ�سا�س ًا البيئية)‪ ،‬ولنا يف تعاليم القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية‬
‫على الآية املعجزة‪� ،‬آية حدوث ظاهرة الف�ساد يف الرب ال�شريفة خري مرجع يعتز به امل�سلم �أميا اعتزاز (�إن اهلل‬
‫والبحر وحتديد امل�س�ؤول عنها واملت�ضرر الرئي�سي منها �أعزنا بالإ�سالم‪ ،‬فمن ابتغى العزة يف غري الإ�سالم‪� ،‬أذله‬
‫هو دق ناقو�س الإنذار على �أن حتقيق التنمية التي هي اهلل)‪.‬‬
‫�ضالة كل جمتمع ال ينبغي �أبد ًا �أن يتم على ح�ساب التوازن ‪ ....‬و�أن كل خلل م�صدره �سلوك �إن�ساين قد ي�ؤدي �إىل‬
‫فقدان التوازن وطغيان يف امليزان‪ ،‬مما يف�ضي �إىل‬ ‫الأيوكولوجي‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬كان ال بد على الإن�سان �أن ي�ستخدم (ورقة) اخلراب والهالك وغرق ال�سفينة‪ .‬وكما �أن لكل ظاهرة‬
‫اخلالفة يف الأر�ض وامل�س�ؤولية التي ترتتب عليها‪ ،‬منطلقاتها‪ ،‬ف�إن الف�ساد ينطلق من اخلروج عن ال�سياق‬
‫م�س�ؤولية �إدارة ثرواتها وتدبري مواردها واحرتام وجود الإ�سالمي يف احلركة واحلياة واالبتعاد عن النمط‬
‫الكائنات التي حتيى عليها والتي �سخرها اهلل خلدمة هذا الرباين واملنهاج الإلهي الذي ي�ؤطر اجلود ككل‪.‬‬
‫الإن�سان‪ ..‬فكان عليه �أن ينطلق من الد�ستور الذي �أنزله وحيث ان ال�سفينة التي تكلم عنها احلديث ال�شريف‬
‫اهلل �إليه وحتديد ًا من �أول �آية �أنزلت على النبي حممد هي ال�صورة املجازية لهذا التعبري على م�ستوى القيادة‬
‫وح�سن تدبريها وت�أمني احلياة بداخلها‪ ،‬واحلديث عن‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم من �سورة العلق‬
‫}اقر أ� با�سم ربك اللذي خلق{ (العلق‪ )1 :‬فيتعامل مع التدبري يجرنا �إىل احلديث عن ربان هذه ال�سفينة والذي‬
‫الكون وفق املنهاج الذي ر�سمه له رب العزة‪ ،‬فيكون م�ستغ ًال من املفرو�ض �أن ي�ستمد تعاليم القيادة من م�صادر‬
‫برفق‪ ،‬ال مت�سلط ًا بعنف‪� ،‬شاكر ًا لأنعم اهلل ال كافر ًا بها ثابتة ال يطالها اخلط�أ والتقادم‪ ،‬ومراجع تتوفر على‬
‫(كما جاء يف �سورة النمل على ل�سان �سليمان عليه ال�سالم �أدوات وتقنيات تتجاوز �سلطة الزمان واملكان يف م�سار‬
‫عندما �سمع منلة ت�أمر �إخوتها بولوج م�ساكنها خوف ًا من هذه ال�سفينة وهذا لن جنده �إال يف كتاب اهلل و�سنة‬
‫�أن يحطمهن �سليمان وجنوده وهم ال ي�شعرون)‪ .‬وعندما ر�سوله �صلى اهلل عليه و�سلم }واهلل يعلم املف�سد من‬
‫نتكلم عن الإن�سان نق�صد البعد الفردي واجلماعي‪ .‬فعلى امل�صلح{(البقرة‪.)220 :‬‬
‫امل�ستوى الفردي‪ ،‬تطال امل�س�ؤولية كل فرد يف املجتمع‬
‫ح�سب موقعه ودرجته وقد �أو�ضح لنا الر�سول الأكرم �صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم عموم امل�س�ؤولية يف احلديث ال�صحيح‪...‬‬
‫(كلكم راع وكلكم م�س�ؤول عن رعيته‪)...‬‬
‫�أما على امل�ستوى اجلماعي‪ ،‬فينبغي التمييز بني امل�ستويني‬
‫* وللراغبني مبتابعة البحث بكامله العودة اىل املوقع ‪www.eajaz.org‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪44‬‬
‫لغة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫اللعب واللهو والتجارة ‪...‬‬


‫إجعاز بياين حممك‬
‫املهند�س الدكتور عبد الدائم كحيل*‬

‫�أن يراه ليكون حجة عليه يوم لقاء اهلل عز وجل‪.‬‬


‫�سوف نتع َّمق قلي ًال يف كلمات تدل على اللهو واللعب‬
‫مث ًال وهي �أمور تخ�ص احلياة الدنيا‪ ،‬ونرى كيف تناولها‬
‫القر�آن‪ ،‬وهل ميكن لأكرب �أدباء العامل �أن يرتبوا مثل هذه‬
‫الكلمات بنف�س هذا الرتتيب لتعطي املعنى الدقيق دائم ًا؟‬
‫اللهو والتجارة‬
‫لنت�أمل �أواخر �سورة اجلمعة حيث يقول تعاىل‪:‬‬
‫} َو�إِ َذا َر َ�أ ْوا تجِ َ ا َر ًة أَ� ْو َل ْه ًوا ا ْن َف ُّ�ضوا �إِ َل ْي َها َو َت َركوك قا ِئ ًما‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ي ِمنَ ال َّل ْه ِو َو ِمنَ الت َِّجا َر ِة َواللهَّ ُ َخ رْ ُي‬ ‫ُق ْل َما ِع ْن َد اللهَّ ِ َخ رْ ٌ‬
‫ال َّرا ِز ِقنيَ{ [اجلمعة‪ .]11 :‬وهنا لو د ّققنا النظر جند‬
‫"اللهو" تكرر مرتني ولكن ب�صيغتني خمتلفتني‪:‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪( -‬تجِ َ ا َر ًة �أَ ْو َل ْه ًوا)‪ :‬التجارة ت�سبق اللهو‪.‬‬ ‫لنت�أمل هذه املعجزة البيانية يف ترتيب الكلمات‬
‫(منَ ال َّل ْه ِو َو ِمنَ الت َِّجا َر ِة) اللهو ي�سبق التجارة‪.‬‬ ‫‪ِ -‬‬ ‫وا�ستخدامها يف القر�آن الكرمي‪ ،‬ع�سى �أن نتذوق حالوة‬
‫وال�س�ؤال‪ :‬هل هناك حكمة بيانية من هذا الرتتيب؟‬ ‫الإعجاز‪...‬‬
‫يف بداية الآية جند �أن جماعة من النا�س تركوا النبي‬ ‫�آيات كثرية يف كتاب اهلل تعاىل من ّر عليها دون �أن ندرك‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم يخطب على املنرب‪ ،‬وذهبوا عندما‬ ‫الإعجاز الذي �أودعه اهلل يف كلماتها وعباراتها‪� .‬إن بالغة‬
‫�سمعوا بقافلة يف اخلارج‪ ،‬و�أ�سرعوا لينظروا ما فيها من‬ ‫القر�آن ال يتذ َّوقها �إال من �أحب القر�آن و�أ�صبح هذا الكتاب‬
‫ب�ضائع لي�شرتوا منها‪ .‬فنزلت هذه الآيات الكرميات يف‬ ‫العظيم كل �شيء يف حياته! و�إنني �أقول وبثقة تامة‪ :‬يف كل‬
‫�أواخر �سورة اجلمعة‪َ } :‬يا أَ� ُّي َها ا َّل ِذينَ �آَ َم ُنوا ِإ� َذا ُنو ِد َي‬ ‫�آية من �آيات القر�آن هناك معجزة بيانية رائعة‪ ،‬ال ميكن‬
‫ا�س َع ْوا �إِلىَ ِذ ْك ِر اللهَّ ِ َو َذ ُروا‬ ‫لب�شر �أن ي�أتي مبثلها‪.‬‬
‫ل�صلاَ ِة ِمنْ َي ْو ِم الجْ ُ ُم َع ِة َف ْ‬ ‫ِل َّ‬ ‫ومن خالل هذا املقال �سوف نرى بلغة "الإح�صاء" ومبا‬
‫َ‬
‫ي لك ْم �إِنْ كنت ُْم َت ْعل ُمونَ { [اجلمعة‪.]9 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ا ْل َب ْي َع ذ ِلك ْم خ رْ ٌ‬ ‫ال يقبل ال�شك �أن الإعجاز ال يقت�صر على علم الفلك �أو‬
‫(منْ َي ْو ِم‬ ‫وهنا تتجلى لطيفة بيانية �أخرى يف قوله تعاىل‪ِ :‬‬ ‫الطب �أو الأر�ض‪ ...‬بل هناك �إعجاز بالغي حمكم ميكن‬
‫الجْ ُ ُم َع ِة) مل يقل تعاىل‪( :‬يوم اجلمعة) فقط لأن ذلك‬ ‫لأي �إن�سان �أن يراه حتى ولو مل يكن يفقه �شيئ ًا من اللغة‬
‫�سيعني كل �أوقات ال�صالة يف يوم اجلمعة �أي ال�صلوات‬ ‫العربية!‬
‫(منْ َي ْو ِم الجْ ُ ُم َع ِة) �أي من بع�ض يوم‬ ‫اخلم�س‪ ،‬بل قال‪ِ :‬‬ ‫وقد ت�ستغرب عزيزي القارئ من هذا الكالم! فكيف‬
‫ً‬
‫اجلمعة‪ ،‬وح َّدد بذلك وقت حمددا وهو وقت الظهر‪.‬‬ ‫ميكن لإن�سان ملحد ال ينطق العربية �أن يتذوق بالغة‬
‫�إذ ًا يف بداية الآية هناك حدث وقع وكان �سبب ًا يف نزول‬ ‫القر�آن وهو ال ي�ؤمن به �أ�ص ًال؟ ونقول �إنه لن يتذوق حالوة‬
‫الآيات وهو القافلة التجارية وذهاب النا�س �إليها فبد�أت‬ ‫هذا الإعجاز‪ ،‬ولكن �سرياه كما يرى نف�سه‪ .‬لأن اهلل تعاىل‬
‫الآية بكلمة (التجارة) ثم (اللهو)‪ ،‬لأنهم بعد ذهابهم‬ ‫مل ينزل هذا القر�آن جلماعة من العرب تعي�ش قبل �أربعة‬
‫للقافلة �سي�شرتون بع�ض الأ�شياء ومن ثم �سيتحادثون‬ ‫ع�شر قرن ًا! بل �أنزله جلميع الب�شر ولكافة الع�صور‪.‬‬
‫ويتل ّهون ب�أ�شياء دنيوية ويخ�سرون العلم الذي جاء به‬ ‫واهلل تعاىل يعلم �أنه �سي�أتي زمن على النا�س لن ي�صبح‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬ ‫للبالغة العربية مكان ًا يف عقولهم �أو قلوبهم‪ ،‬فهل هذا‬
‫ي‬ ‫للهَّ‬
‫والآن عندما نت�أمل قوله تعاىل‪ُ } :‬ق ْل َما ِع ْن َد ا ِ َخ رْ ٌ‬ ‫يعني �أن املعجزة البالغية �ستتوقف؟ بالطبع ال‪ ،‬لأن اهلل‬
‫ِمنَ ال َّل ْه ِو َو ِمنَ الت َِّجا َر ِة{ جند �أن هذا الكالم مل ينزل‬ ‫�أودع �أ�شكا ًال �أخرى من الإعجاز البالغي ميكن لكل ملحد‬
‫اإلعجاز‪ ,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪45‬‬
‫لغة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫[الطور‪.]12-11 :‬‬ ‫موجه جلميع الب�شر �إىل يوم‬‫يف طائفة من النا�س بل هو ّ‬


‫�أي �أن هذه الكلمة خا�صة بالكفار مل ترد �إال معهم‪ ،‬وك�أن‬ ‫القيامة‪ ،‬ولذلك بد أ� باللهو لأنه هو الأكرث �شيوع ًا والأكرث‬
‫اهلل يريد �أن يعطينا �إ�شارة لطيفة �إىل �أن الكافر من‬ ‫تنوع ًا وي�شمل الغناء والأحاديث اليومية وامل�سل�سالت وكل‬
‫�صفته اللهو واللعب والعبث‪� ،‬أما امل�ؤمن فحياته مليئة‬ ‫ما ال نفع فيه‪.‬‬
‫بالعمل واجلد والأهداف‪ ،‬وهذا هو �أ�سا�س النجاح يف‬ ‫كلمة (اللعب) يف القر�آن‬
‫احلياة‪.‬‬ ‫تكرر اللعب يف القر�آن ‪ 20‬مرة مع م�شتقاته‪ ،‬و�سبحان‬
‫و�سبحان اهلل! لقد خ�ص�ص اهلل هذه الكلمة ال ت�أتي �إال‬ ‫اهلل‪ ،‬عندما تت َّبعتُ هذه الكلمات يف كتاب اهلل وجدتُ‬
‫يف احلديث عن الكفار وامللحدين واملكذبني‪ ،‬لأنه اللعب‬ ‫�شيئ ًا حمري ًا‪ ،‬فكل كلمة تخت�ص با�ستخدام حمدد ودقيق‪،‬‬
‫�صفتهم‪ ،‬و�سوف يالقون اهلل يوم القيامة‪ ،‬وال �أدري ماذا‬ ‫وك�أننا �أمام برنامج هند�سي متكامل‪ ،‬كل كلمة فيه ال ت�أتي‬
‫�سيكون موقف امللحدين من هذا اللقاء وماذا �سيقولون‬ ‫�إال مع كلمة �أخرى منا�سبة لها‪ ،‬و�سن�شرح ذلك من خالل‬
‫للخالق عز وجل وهم الذين �أنكروا اهلل فكيف �سيقابلونه!‬ ‫الأمثلة‪.‬‬
‫‪ -5‬كلمة ( َل ِع ٌب) تكررت �أربع مرات يف القر�آن‪ ،‬و�سبحان‬ ‫لقد جاءت هذه الكلمة على ‪� 8‬صيغ (‪� 8‬أ�شكال)‪ ،‬وكل‬
‫اهلل جميع الآيات جاءت لتتحدث عن الدنيا! لنقر�أ هذه‬ ‫�صيغة تخت�ص باحلديث عن �شيء حمدد‪ ،‬كما يلي‪:‬‬
‫الآيات حيث وردت كلمة ( َل ِع ٌب)‪:‬‬ ‫‪ -1‬كلمة ( َن ْل َع ُب) وردت مرة واحدة وجاء ا�ستخدامها مع‬
‫ي‬ ‫َ‬
‫‪َ } -‬و َما الحْ َ َيا ُة ال ُّد ْن َيا �إِلاَّ َل ِع ٌب َول ْه ٌو َولل َّدا ُر ا آ ِخ َر ُة َخ رْ ٌ‬
‫لْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الكفار يف قوله تعاىل‪َ } :‬و َلئِنْ َ�س�أَ ْل َت ُه ْم َل َي ُقو ُلنَّ �إِنمَّ َ ا ُك َّنا‬
‫ِل َّل ِذينَ َي َّت ُقونَ �أَ َفلاَ َت ْع ِق ُلونَ { [الأنعام‪.]32 :‬‬ ‫و�ض َو َن ْل َع ُب ُق ْل �أَ ِباللهَّ ِ َو آَ� َيا ِت ِه َو َر ُ�سو ِل ِه ُك ْنت ُْم ت َْ�س َت ْه ِز ُئونَ {‬‫َن ُخ ُ‬
‫‪َ } -‬و َما َه ِذ ِه الحْ َ َيا ُة ال ُّد ْن َيا �إِلاَّ َل ْه ٌو َو َل ِع ٌب َو�إِنَّ ال َّدا َر الْ آَ ِخ َر َة‬ ‫[التوبة‪.]65 :‬‬
‫َل ِه َي الحْ َ َي َوانُ َل ْو َكا ُنوا َي ْع َل ُمونَ { [العنكبوت‪.]64 :‬‬ ‫‪ -2‬كلمة ( َي ْل َع ْب) وردت مرة واحدة وجاءت فقط يف ق�صة‬
‫‪�} -‬إِنمَّ َ ا الحْ َ َيا ُة ال ُّد ْن َيا َل ِع ٌب َو َل ْه ٌو َو�إِنْ ُت�ؤ ِْم ُنوا َو َت َّت ُقوا ُي�ؤْ ِت ُك ْم‬ ‫�سيدنا يو�سف على ل�سان �إخوته‪ ،‬يقول تعاىل‪�( :‬أَ ْر ِ�س ْل ُه‬
‫أُ� ُجو َر ُك ْم َولاَ َي�س َْ�أ ْل ُك ْم َ أ� ْم َوا َل ُك ْم{ [حممد‪.]36 :‬‬ ‫َم َع َنا َغدً ا َي ْر َت ْع َو َي ْل َع ْب َو�إِ َّنا َل ُه لحَ َ ا ِف ُظونَ { [يو�سف‪.]12 :‬‬
‫‪ -3‬كلمة ( َي ْل َع ُبوا) وردت مرتني‪ ،‬والعجيب �أن الآيتني‬
‫اخ ٌر‬ ‫}اع َل ُموا �أَنمَّ َ ا الحْ َ َيا ُة ال ُّد ْن َيا َل ِع ٌب َو َل ْه ٌو َوزِي َن ٌة َو َت َف ُ‬ ‫‪ْ -‬‬ ‫تخت�صان بالكفار‪ ،‬يقول تعاىل‪:‬‬
‫ْلاَ‬ ‫َ‬ ‫لْ‬
‫َب ْي َن ُك ْم َوتكاث ٌر فيِ ا أ ْم َو ِال َوا أو ِد{ [احلديد‪.]20 :‬‬‫َ‬ ‫لْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫لاَ‬
‫و�ضوا َو َي ْل َع ُبوا َحتَّى ُي قوا َي ْو َم ُه ُم ال ِذي‬
‫َّ‬ ‫‪َ } -‬ف َذ ْرهُ ْم َي ُخ ُ‬
‫انظروا كيف ارتبط اللعب هنا باحلياة الدنيا يف جميع‬ ‫وعدُونَ { [الزخرف‪.]83 :‬‬ ‫ُي َ‬
‫الآيات حيث وردت هذه الكلمة‪ ،‬لي�ؤكد لنا اهلل �أن احلياة‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫لاَ‬
‫و�ضوا َو َيل َع ُبوا َحتَّى ُي قوا َي ْو َم ُه ُم ال ِذي‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫‪} -‬فذ ْرهُ ْم َيخ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الدنيا بالفعل هي لعب ولهو‪.‬‬
‫‪ -6‬كلمة ( َل ِع ًبا) تكررت �أي�ضا �أربع مرات مثل �سابقتها‪،‬‬‫ً‬ ‫وعدُونَ { [املعارج‪.]42 :‬‬ ‫ُي َ‬
‫وهنا جند �إعجاز ًا مبهر ًا‪ ،‬ولكن لنت�أمل هذه الآيات‬ ‫�إذ ًا الآية ذاتها تكررت بنف�س الكلمات‪ ،‬لي�ؤكد لنا اهلل على‬
‫الأربعة‪:‬‬ ‫�ضرورة �أن نرتك ه�ؤالء امللحدين ليخو�ضوا �ضد الدين‬
‫َ‬
‫‪َ } -‬يا �أ ُّي َها ا َّل ِذينَ �آ َم ُنوا لاَ َتت َِّخ ُذوا ا َّل ِذينَ ات ََّخ ُذوا ِدي َن ُك ْم‬ ‫َ‬ ‫ولي�ستهزئوا ويلعبوا يف �أفكارهم وكالمهم‪ ،‬فهم البد �أن‬
‫َاب ِمنْ َق ْب ِل ُك ْم َوا ْل ُك َّفا َر‬ ‫هُ ُز ًوا َو َل ِع ًبا ِمنَللهَّ َا َّل ِذينَ أُ�و ُتوا ا ْل ِكت َ‬ ‫يالقوا ذلك اليوم الذي �سيكون كال�صاعقة بالن�سبة لهم‪.‬‬
‫�أَ ْو ِل َيا َء َوا َّت ُقوا ا ِإ�نْ ُك ْنت ُْم ُم�ؤ ِْم ِننيَ) [املائدة‪.]57 :‬‬ ‫‪ -4‬كلمة ( َي ْل َع ُبونَ ) �أي�ض ًا وردت خم�س مرات والآيات‬
‫اخلم�سة تتحدث عن الكفار كما يلي‪:‬‬
‫وها هُ ُز ًوا َو َل ِع ًبا َذ ِل َك‬ ‫ال�صلاَ ِة ات ََّخ ُذ َ‬ ‫‪َ } -‬و�ِإ َذا َنا َد ْيت ُْم ِ�إلىَ َّ‬ ‫‪ُ } -‬ث َّم َذ ْرهُ ْم فيِ َخ ْو ِ�ض ِه ْم َي ْل َع ُبونَ { [الأنعام‪.]91 :‬‬
‫ِب�أَ َّن ُه ْم َق ْو ٌم لاَ َي ْع ِق ُلونَ { [املائدة‪.]58 :‬‬ ‫‪�} -‬أَ َو َ أ� ِمنَ َ�أ ْه ُل ا ْل ُق َرى َ أ�نْ َي ْ�أ ِت َي ُه ْم َب�أْ ُ�س َنا ُ�ض ًحى َوهُ ْم‬
‫‪َ } -‬و َذ ِر ا َّل ِذينَ ات ََّخ ُذوا ِدي َن ُه ْم َل ِع ًبا َو َل ْه ًوا َو َغ َّر ْت ُه ُم الحْ َ َيا ُة‬ ‫َي ْل َع ُبونَ { [الأعراف‪.]98 :‬‬
‫ال ُّد ْن َيا) [الأنعام‪.]70 :‬‬
‫‪} -‬ا َّل ِذينَ ات ََّخ ُذوا ِدي َن ُه ْم َل ْه ًوا َو َل ِع ًبا َو َغ َّر ْت ُه ُم الحْ َ َيا ُة‬ ‫}ما َي�أْ ِت ِيه ْم ِمنْ ِذ ْك ٍر ِمنْ َر ِّب ِه ْم محُْ َد ٍث ِ�إلاَّ ْ‬
‫ا�س َت َم ُعو ُه َوهُ ْم‬ ‫‪َ -‬‬
‫ال ُّد ْن َيا َفا ْل َي ْو َم َن ْن َ�ساهُ ْم َك َما َن ُ�سوا ِل َقا َء َي ْو ِم ِه ْم َه َذا َو َما‬ ‫َي ْل َع ُبونَ { [الأنبياء‪.]2 :‬‬
‫َكا ُنوا ِب�آَ َيا ِت َنا َي ْج َحدُونَ { [الأعراف‪.]51 :‬‬ ‫‪َ } -‬ب ْل هُ ْم فيِ َ�ش ٍّك َي ْل َع ُبونَ { [الدخان‪.]9 :‬‬
‫انظروا معي كيف �أن الآيات الأربع تتحدث عن اتخاذ‬ ‫‪َ } -‬ف َو ْي ٌل َي ْو َم ِئ ٍذ ِل ْل ُم َك ِّذ ِب َني ا َّل ِذينَ هُ ْم فيِ َخ ْو ٍ�ض َي ْل َع ُبونَ {‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪46‬‬
‫لغة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫‪ .]36‬وهنا جاء الت�أكيد بكلمة ( ِ�إنمَّ َ ا) ليلفت االنتباه �أكرث‪،‬‬ ‫الكفار للدين لعب ًا‪� ،‬أي �أن كلمة ( َل ِع ًبا) ت�أتي دوم ًا للتعبري‬
‫فنحن نعلم �أن كلمة (�إن) حرف ت�أكيد وبالتايل يجب �أن‬ ‫عن دين الكفار وكيف يتخذون الدين وال�صالة لعب ًا‪،‬‬
‫ننتبه �إىل �أن احلياة الدنيا بالفعل هي لهو ولعب‪.‬‬ ‫وينبغي �أن ننتبه �إىل �أن كلمة ( َل ِع ٌب) وردت مع الدنيا‬
‫}اع َل ُموا �أَنمَّ َ ا الحْ َ َيا ُة ال ُّد ْن َيا َل ِع ٌب َو َل ْه ٌو‬
‫‪ -4‬يقول تعاىل‪ْ :‬‬ ‫وكلمة ( َل ِع ًبا) وردت مع الدين‪ ،‬وكالهما تكرر �أربع‬
‫ْلاَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اخ ٌر َب ْي َن ُك ْم َو َت َكا ُث ٌر فيِ الْ أ ْم َو ِال َوالْ أو ِد َك َم َث ِل‬ ‫َوزِي َن ٌة َو َت َف ُ‬ ‫مرات‪ ،‬ف�سبحان اهلل!‬
‫َغ ْي ٍث �أَ ْع َج َب ا ْل ُك َّفا َر َن َبا ُت ُه ُث َّم َي ِه ُيج َفترَ َا ُه ُم�صْ َف ًّرا ث َّمُ‬ ‫‪ -7‬كلمة (لاَ ِع ِبنيَ) تكررت مرتني يف الآيات التالية‪:‬‬
‫اب َ�ش ِدي ٌد َو َم ْغ ِف َر ٌة ِمنَ اللهَّ ِ‬ ‫َي ُكونُ ُح َط ًاما وَفيِ الْ آَ ِخ َر ِة َع َذ ٌ‬ ‫ال�س َما َء َوالْ أَ ْر َ�ض َو َما َب ْي َن ُه َما لاَ ِع ِبنيَ{‬
‫‪َ } -‬و َما َخ َل ْق َنا َّ‬
‫َو ِر�ضْ َوا ٌن َو َما الحْ َ َيا ُة ال ُّد ْن َيا ِ�إلاَّ َمتَا ُع ا ْل ُغ ُرورِ{ [احلديد‪:‬‬ ‫[الأنبياء‪.]16 :‬‬
‫‪ .]20‬وهنا نالحظ �أن الآية تبد�أ بفعل �أمر يف قوله تعاىل‪:‬‬ ‫َ‬
‫ال�س َما َو ِات َوالْ أ ْر َ�ض َو َما َب ْي َن ُه َما لاَ ِع ِبنيَ{‬
‫‪َ } -‬و َما َخ َل ْق َنا َّ‬
‫(اع َل ُموا) ف�إذا كانت الآيات الثالثة ال�سابقة مل تلفت‬ ‫ْ‬ ‫[الدخان‪.]38 :‬‬
‫انتباهك ومل تدرك هذه احلقيقة‪ ،‬فالآية الرابعة ت�أتي‬ ‫ً‬
‫وت�أملوا كيف �أن هذه الكلمة ت�أتي دوما يف نف�س ال�سياق‪،‬‬
‫لتقول لك ب�صراحة بل وت�أمرك ب�أن تعلم �أن احلياة الدنيا‬ ‫ولكن جاءت الآية الأوىل لتتحدث عن ال�سماء ( َو َما َخ َل ْق َنا‬
‫لعب ولهو‪.‬‬ ‫ال�س َما َء) ولكي ال يظن �أحد �أن اهلل قد خلق بقية ال�سموات‬ ‫َّ‬
‫والآن الحظوا معي هذا التدرج الرائع يف م�ستويات‬ ‫لعب ًا‪ ،‬فجاءت الآية التالية لت�شمل كل ال�سموات فقال‪:‬‬
‫الت�أكيد على هذه احلقيقة‪:‬‬ ‫ال�س َما َو ِات) فت�أملوا هذه الدقة وال�شمول يف‬ ‫( َو َما َخ َل ْق َنا َّ‬
‫‪َ ( -1‬و َما الحْ َ َيا ُة ال ُّد ْن َيا ِ�إلاَّ َل ِع ٌب َو َل ْه ٌو) لفت انتباه و�إ�شارة‬ ‫تكرار الكلمات‪.‬‬
‫عادية‪.‬‬ ‫‪ -8‬كلمة (اللاَّ ِع ِبنيَ) وردت مرة واحدة يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪َ ( -2‬و َما َه ِذ ِه الحْ َ َيا ُة ال ُّد ْن َيا ِ�إلاَّ َل ْه ٌو َو َل ِع ٌب) �إ�شارة �أكرب ‪.‬‬ ‫} َقا ُلوا �أَ ِج ْئ َت َنا ِبالحْ َ ِّق أَ� ْم �أَ ْن َت ِمنَ اللاَّ ِع ِبنيَ) [الأنبياء‪:‬‬
‫‪�ِ ( -3‬إنمَّ َ ا الحْ َ َيا ُة ال ُّد ْن َيا َل ِع ٌب َو َل ْه ٌو) ت�أكيد‪.‬‬ ‫‪ ]55‬والآية جاءت يف �سياق ق�صة �سيدنا �إبراهيم عليه‬
‫(اع َل ُموا �أَنمَّ َ ا الحْ َ َيا ُة ال ُّد ْن َيا َل ِع ٌب َو َل ْه ٌو) ت�أكيد �أكرب‪.‬‬‫‪ْ -4‬‬ ‫ال�سالم‪� .‬إذ ًا هذه الكلمة خا�صة بكالم الكفار يف زمن‬
‫وال�شيء املحري �أن هذه العبارة مل ترد يف القر�آن �إال يف‬ ‫�إبراهيم‪.‬‬
‫هذه املوا�ضع الأربعة وجميعها تتحدث عن الدنيا‪ ،‬ماذا‬ ‫اللهو واللعب‬
‫يعني ذلك؟ لي�ؤكد لنا اهلل تعاىل على حقيقة هذه الدنيا‬ ‫وردت عبارة ( َل ِع ٌب َو َل ْه ٌو) و ( َل ْه ٌو َو َل ِع ٌب) �أربع مرات‬
‫و�أنها فع ًال جمرد لهو ولعب‪ .‬و�سبحان اهلل! نحن نعلم �أن‬ ‫يف القر�آن‪ ،‬والعجيب �أنها جميعها تتحدث عن احلياة‬
‫الآيات الأربعة حيث ذكر اللهو واللعب نزلت يف فرتات‬ ‫الدنيا‪ ،‬وجميعها جاءت بت�سل�سل وتدرج يف الت�أكيد على‬
‫متباعدة يف مكة واملدينة‪ ،‬وبعد ذلك مت ترتيبها ح�سب‬ ‫حقيقة �أن احلياة الدنيا هي جمرد لعب ولهو‪ ،‬لنت�أمل هذه‬
‫ترتيب �سور القر�آن‪ ،‬فكيف جاء هذا الت�سل�سل العجيب؟‬ ‫الآيات الأربع‪:‬‬
‫البد �أنه بقدرة اهلل تعاىل‪ ،‬فهو الذي �أنزل كتابه وهو‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لاَّ‬
‫‪ -1‬يقول تعاىل‪َ } :‬و َما الحْ َ َيا ُة ال ُّد ْن َيا �إِ ل ِع ٌب َول ْه ٌو َولل َّدا ُر‬
‫الذي رتبه ليكون معجز ًا يف كل �شيء‪ ،‬حتى يف ترتيب هذه‬ ‫ي ِل َّل ِذينَ َي َّت ُقونَ �أَ َفلاَ َت ْع ِق ُلونَ { [الأنعام‪.]32 :‬‬ ‫الْ آَ ِخ َر ُة َخ رْ ٌ‬
‫الكلمات‪ ،‬وهذا الإعجاز ميكن لكل الب�شر �أن يروه وال �أحد‬ ‫ت�أملوا كيف بد�أت هذه الآية بكلمة ( َو َما) وهي كلمة‬
‫ينكره وال يحتاج لدرا�سة �أ�ساليب البالغة وقواعد اللغة‪،‬‬ ‫عادية ت�ستخدم للفت االنتباه فقط‪ ،‬حيث �أراد اهلل �أن‬
‫بل هو وا�ضح و�ضوح ال�شم�س‪ ،‬لأن كل كلمة ت�أتي يف �سياق‬ ‫يلفت انتباهنا �إىل �أن الدنيا هي جمرد لعب ولهو‪.‬‬
‫حمدد وت�ستخدم ا�ستخدام ًا حمدد ًا من �أول القر�آن وحتى‬ ‫‪ -2‬يقول تعاىل‪َ } :‬و َما َه ِذ ِه الحْ َ َيا ُة ال ُّد ْن َيا �إِلاَّ َل ْه ٌو َو َل ِع ٌب َو إِ�نَّ‬
‫�آخره‪ ،‬فهل هذا العمل مبقدور ب�شر؟‬ ‫ال َّدا َر الْ آَ ِخ َر َة َل ِه َي الحْ َ َي َوانُ َل ْو َكا ُنوا َي ْع َل ُمونَ { [العنكبوت‪:‬‬
‫(ه ِذ ِه) ليلفت االنتباه �أكرث‬ ‫‪ .]64‬وهنا جاء ا�سم الإ�شارة َ‬
‫* وللراغبني مبتابعة البحث بكامله مراجعة املوقع‬ ‫ً‬
‫فهو يتكلم عن حياتنا الدنيا التي نعرفها جيدا والتي‬
‫‪www. kaheel7.com‬‬ ‫نعي�شها‪.‬‬
‫‪ -3‬يقول تعاىل‪�ِ } :‬إنمَّ َ ا الحْ َ َيا ُة ال ُّد ْن َيا َل ِع ٌب َو َل ْه ٌو َو�ِإنْ ُت�ؤ ِْم ُنوا‬
‫َو َت َّت ُقوا ُي�ؤْ ِت ُك ْم أُ� ُجو َر ُك ْم َولاَ َي�س َْ�أ ْل ُك ْم َ أ� ْم َوا َل ُك ْم{ [حممد‪:‬‬

‫اإلعجاز‪ ,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪47‬‬
‫بريد القراء‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫"التكفني ووضع اجلمثان يف الرتاب الطريقة املثىل دلفن املوىت"‪...‬‬


‫علامء أمريكيون يوصون ابت ِّباع الرشيعة اإلسالمية حفاظاً عىل البيئة*‬

‫�أو�صى علماء �أمريكيون با ِّتباع طريقة حمددة يف دفن املوتى‪ ،‬تتوافق مع ال�شريعة الإ�سالمية‪ .‬ونقلت جملة "بيزن�س‬
‫�إن�سايدر" الأمريكية‪ ،‬الإثنني ‪ 13‬نوفمرب‪/‬ت�شرين الثاين ‪ ،2017‬عن العلماء قولهم‪� ،‬إن "الطريقة التقليدية يف دفن‬
‫املوتى هي الأف�ضل‪� ،‬أي بو�ضع اجلثمان يف الرتاب مغلف ًا ب�أغطية ميكنها التحلل"‪ ،‬وهي الطريقة التي تتوافق مع‬
‫ال�شريعة الإ�سالمية‪ .‬ودر�س العلماء طرق دفن املوتى التي تختلف بني الثقافات والأديان والأزمنة املختلفة‪ ،‬لإيجاد‬
‫الطريقة املثلى لدفن املوتى‪ ،‬التي من �ش�أنها حماية البيئة من �أخطار ج�سيمة‪ ،‬ح�سب املجلة‪ .‬و�أكد العلماء �أن "دفن‬
‫اجلثمان يف الرتاب �أمر من �ش�أنه �إنقاذ البيئة املحيطة به من �أخطار كثرية"‪ ،‬م�شددين على �أن "ا�ستخدام التوابيت‬
‫�أو حرق اجلثامني طريقتان تت�سببان ب�أ�ضرار بيئية �ضخمة"‪ .‬و�أو�ضحوا �أن "دفن املوتى داخل توابيت يلوث الرتبة‬
‫باملواد الكيميائية امل�ستخدمة يف �صناعة تلك التوابيت‪ ،‬خا�صة �أن متبعي تلك الطريقة يعاجلون اجلثة قبل دفنها مبادة‬
‫الفورمالني ال�سامة‪ ،‬لإبطاء حتللها‪ ،‬وهو ما ي�ضاعف �أخطار دخول تلك املواد اخلطرة �إىل الرتبة"‪ .‬وتتبع بع�ض ال�شعوب‬
‫طريقة حرق اجلثث‪ ،‬وهو ما ا�ستنكره العلماء �أي�ض ًا‪ ،‬ح�سب املجلة؛ �إذ �إن "حرق اجلثة ونرث رمادها يف البيئة املحيطة‬
‫ي�ؤدي �إىل �إطالق املعادن الثقيلة والغازات ال�سامة وغريها من املواد ال�ضارة‪� ،‬إىل البيئة"‪.‬‬
‫ودعا العلماء �إىل "دفن املوتى ب�صورة طبيعية‪ ،‬بو�ضع اجلثث يف �أغطية ميكنها التحلل بعد �إمتام عملية الدفن"‪،‬‬
‫م�ؤكدين �أن هذه الطريقة "ت�ساعد على احلفاظ على الطبيعة لفرتة �أطول‪ ،‬كما �أنه من الأف�ضل جت ُّنب ا�ستخدام‬
‫ال�صخور واملعادن لتغليف املقابر"‪.‬‬

‫* نق ًال عن‪www.huffpostarabi.com 14/11/2017 :‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪48‬‬
‫قانون‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫اإلجعاز القرآين‬
‫يف القانون ادلويل اإلنساين‬
‫د‪ .‬عبد الرحمن بن جميل ق�صا�ص*‬
‫يف حايل الأمن وال�سالم‪ ،‬وهذا يدل على �شمولية �أحكام‬
‫الإ�سالم‪ ،‬و�سماحته‪ ،‬وعدله بني بني الب�شر‪.‬‬
‫وكما �أن الإ�سالم �أمر بجهاد وقتال من ع�صى اهلل تعاىل‬
‫ور�سله عليهم ال�صالة وال�سالم ف�إنه جعل لذلك غايات‬
‫عظيمة‪ ،‬و�أرفق معها حقوق ًا ال بد �أن يحافظ عليها‪ ،‬لعلها‬
‫تت�ضح لنا من خالل ا�ستعرا�ض بع�ض هذه الإر�شادات‬
‫للحقوق الإن�سانية يف حال احلرب فيما ي�أتي‪:‬‬
‫الت�شريع الإ�سالمي هو �أكمل الت�شريعات و�أعدلها و�أمتها‬
‫و�أ�صلحها حلياة الإن�سان واحتياجاته يف احلياة‪ ،‬ومنذ‬
‫تنزّل القر�آن الكرمي على نب ّينا حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‬
‫اكتمل به الدين الإ�سالمي احلنيف‪ ،‬ف�صار كتاب اهلل‬
‫هو املرجع الأول للت�شريع يف حياة امل�سلمني ومعه ال�سنة‬
‫النبوية املطهرة التي ف�صلت الت�شريع القر�آين تف�صي ًال‬
‫كام ًال متكام ًال لقوله تعاىل‪} :‬ما فرطنا يف الكتاب من‬
‫�شيء{ وبهذا يكون الت�شريع الإ�سالمي هو الأ�سبق من كل‬
‫ت�شريع و�ضعي‪ ،‬ومن كل قانون دويل يخ�ص حياة الإن�سان ‪ -1‬حترمي قتل النف�س التي ح ّرم اهلل �إال باحلق‪ :‬وقال‬
‫وعالقات الأمم مع بع�ضها يف حالتي ال�سلم واحلرب‪ ،‬اهلل تعاىل‪َ ...}:‬و َال َت ْق ُت ُلوا ال َّنف َْ�س ا َل ِتي َح َّر َم اللهَّ ُ ِإ� َّال ِبالحْ َ ِّق‬
‫وهذا البحث يثبت �أ�سبقية القر�آن الكرمي يف جمال حقوق َذ ِل ُك ْم َو َّ�صا ُكم ِب ِه َل َع َّل ُك ْم َت ْع ِق ُلونَ {(الأنعام ‪ ،)151‬وقال‬
‫اهلل تعاىل يف و�صف عباده امل�ؤمنني} َوا َّل ِذينَ َال َي ْد ُعونَ َم َع‬ ‫الإن�سان يف حال احلرب على القانون الدويل‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫للهَّ‬
‫حال احلروب‪ ،‬كيف ا ِ �إِ َلها � َآخ َر َوال َي ْق ُت ُلونَ ال َّنف َْ�س ا َل ِتي َح َّر َم ا إِ�ال ِبالحْ َ ِّق‬ ‫�سلب كث ٍري من حقوقه َ‬‫�شهد الإن�سان َ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ال‪ ،‬وقد �سلب الكثري من حقوقه �أثناء ال�سلم والرخاء‪َ ،‬وال َيزْ نونَ َو َمن َيف َعل ذ ِلك َيلقَ أ�ثاما {(الفرقان‪.)68 :‬‬
‫قال الطربي رحمه اهلل تعاىل‪( :‬ال تقتلوا �أيها النا�س‬
‫�أ�سبقية القر�آن يف بيان احلقوق التي ن�ص عليها القانون الدويل النف�س التي حرم اهلل قتلها �إال باحلق‪ ،‬وحقها �أن ال تقتل‬
‫�إال بكفر بعد �إ�سالم‪� ،‬أو زنا بعد �إح�صان‪� ،‬أو ق َود نف�س‪،‬‬ ‫فمن باب �أوىل �أن يتعر�ض �آنئذ للظلم والقهر‪.‬‬
‫وجاء الإ�سالم الدين اخلالد من�صف ًا للإن�سان يف حالة و�إن كانت كافرة مل يتقدم كفرها �إ�سالم‪ ،‬ف�أال يكون تقدم‬
‫احلرب كما كان من�صف ًا له من قبل‪ ،‬ففيه الإن�صاف‪ :‬قتلها‪ ،‬لها عهد و�أمان)‪.‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪49‬‬
‫قانون‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫َب ْي َن ُه َما َف إِ�نْ َب َغ ْت �إِ ْح َداهُ َما َع َلى الْ أُ ْخ َرى َف َقا ِت ُلوا ا َّل ِتي‬ ‫وقال �أبو ال�سعود رحمه اهلل تعاىل‪�( :‬أي ح ّرم قتلها ب�أن‬
‫َت ْب ِغي َحتَّى َت ِفي َء ِ�إلىَ �أَ ْم ِر اللهَّ ِ َف ِ�إنْ َفا َء ْت َف�أَ�صْ ِل ُحوا َب ْي َن ُه َما‬ ‫ع�صمها بالإ�سالم‪� ،‬أو بالعهد فيخرج منها احلربي)‪.‬‬
‫ِبا ْل َع ْد ِل َو�أَ ْق ِ�س ُطوا �ِإنَّ اللهَّ َ ُي ِح ُّب المْ ُق ِْ�س ِطنيَ{ [احلجرات‪:‬‬ ‫وقال البغوي رحمه اهلل تعاىل‪( :‬حرم اهلل تعاىل قتل‬
‫‪.]9‬‬ ‫امل�ؤمن‪ ،‬واملعاهد �إال باحلق‪� ،‬إال مبا �أبيح قتله من ردة‪� ،‬أو‬
‫قال الطربي رحمه اهلل تعاىل‪( :‬هذا �أمر من اهلل �أمر‬ ‫ق�صا�ص‪� ،‬أو زنا يوجب الرجم)‪.‬‬
‫به الوالء كهيئة ما تكون الع�صبة بني النا�س‪ ،‬و�أمرهم �أن‬ ‫فهذا ما ن�ص اهلل تبارك وتعاىل بالنهي عنه ت�أكيد ًا‪ ،‬و�إال‬
‫ي�صلحوا بينهما‪ ،‬ف�إن �أبوا قاتل الفئة الباغية‪ ،‬حتى ترجع‬ ‫فهو داخل يف جملة النهي عن الفواح�ش ما ظهر منها وما‬
‫�إىل �أمر اهلل‪ ،‬ف�إذا رجعت �أ�صلحوا بينهما‪ ،‬و�أخربوهم �أن‬
‫احلرب من وجهة نظر الإ�سالم ال تربر �إهدار حقوق النا�س‬
‫امل�ؤمنني �إخوة فا�صلحوا بني �أخويكم)‪ .‬قال‪( :‬وال يقاتل‬
‫الفئة الباغية �إال الإمام)‪.‬‬ ‫بطن‪.‬‬
‫وقال القرطبي رحمه اهلل تعاىل‪( :‬قال العلماء ال تخلو‬ ‫تقول املبادئ الأ�سا�سية لقانون (جنيف)‪:‬‬
‫الفئتان من امل�سلمني يف اقتتالهما‪� ،‬إما �أن يقتتال على‬ ‫(ح�صانة الذات الب�شرية‪ :‬لي�ست احلرب مربر ًا لالعتداء‬
‫�سبيل البغي منهما جميع ًا‪� ،‬أو ال‪ ،‬ف�إن كان الأول‪ ،‬فالواجب‬ ‫على حياة من ال ي�شاركون يف القتال‪� ،‬أو الذين مل يعودوا‬
‫يف ذلك �أن مي�شي بينهما مبا ي�صلح ذات البني‪ ،‬ويثمر‬ ‫قادرين على ذلك)‪.‬‬
‫املكا َّفة واملوادعة‪ ،‬ف�إن مل يتحاجزا‪ ،‬ومل ي�صطلحا‪،‬‬ ‫فالقر�آن الكرمي ن�ص على هذا املبد�أ‪ :‬ب�أن النف�س و�إن‬
‫و�أقامتا على البغي‪� ،‬صري �إىل مقاتلتهما‪.‬‬ ‫كانت كافرة �إال �أنها مع�صومة الدم‪ ،‬طاملا �أنها مل ت�صب‬
‫و�أما �إن كان الثاين وهو �أن تكون �إحداهما باغية على‬ ‫دم ًا حرام ًا‪ ،‬و�إن احلرب لي�ست م�سوغ ًا لالعتداء على‬
‫الأخرى؛ فالواجب �أن تقاتل فئة البغي �إىل �أن تكف‬ ‫حياة من ال يحمل ال�سالح‪ ،‬وي�شارك يف القتال‪ ،‬ولذلك‬
‫وتتوب‪ ،‬ف�إن فعلت‪ ،‬ا�صلح بينها وبني املبغي عليها بالق�سط‬ ‫جاء النهي من النبي �صلى اهلل علي و�سلم ت�أكيد ًا على‬
‫والعدل)‪.‬‬ ‫مفهوم هذه الآية‪ :‬عن ابن عبا�س ر�ضي اهلل تعاىل عنهما‪،‬‬
‫قال‪ :‬كان ر�سول اهلل �صلى اهلل وعليه و�سلم �إذا بعث‬
‫ال مربر لقتل املدنيني وال الن�ساء عموم ًا وال الذر ّية‬
‫جيو�شه‪ ،‬قال‪�" :‬أخرجوا ب�سم اهلل‪ ،‬تقاتلون يف �سبيل اهلل‬
‫من كفر باهلل‪ ،‬ال تغدروا‪ ،‬وال تغلوا‪ ،‬وال متثلوا وال تقتلوا‬
‫الولدان‪ ،‬وال �أ�صحاب ال�صوامع"‪ .‬ومر النبي �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم يف غزوة بامر�أة مقتولة‪ ،‬والنا�س عليها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"ما كانت هذه لتقاتل‪� ،‬أدرك خالد ًا‪ ،‬فقل له‪ :‬ال تقتل ذرية‬
‫وال ع�سيف ًا"‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب الإ�صالح بني املتقاتلني من امل�ؤمنني‪ :‬قال اهلل‬
‫تعاىل‪َ } :‬و�إِنْ َطا ِئ َفت َِان ِمنَ المْ ُ�ؤ ِْم ِن َني ا ْق َت َت ُلوا َف�أَ�صْ ِل ُحوا‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪50‬‬
‫قانون‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫}منْ �أَ ْج ِل َذ ِل َك َك َت ْب َنا َع َلى َب ِني �إِ ْ�س َرا ِئ َيل َ�أ َّن ُه َمن‬ ‫تعاىل‪ِ :‬‬ ‫والقانون الدويل الإن�ساين مل ينتبه �إىل �أهمية هذا الأمر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َقت ََل َنفْ�س ًا ِب َغ رْ ِي َنف ٍْ�س �أ ْو َف َ�س ٍاد فيِ الأ ْر ِ�ض َف َك�أنمَّ َ ا َقت ََل ال َّن َ‬
‫ا�س‬ ‫يف حماية الإن�سانية من ويالت احلرب‪ ،‬لذا ف�إنه ال يتخذ‬
‫ا�س َجمِ يع ًا{(املائدة‪:‬‬ ‫َجمِ يع ًا َو َمنْ �أَ ْح َي َاها َف َك َ�أنمَّ َ ا �أَ ْح َيا ال َّن َ‬
‫التمثيل بالأج�ساد يف الإ�سالم حم ّرم‬
‫نف�سا بغري �سبب من ق�صا�ص‪� ،‬أو ف�ساد‬ ‫‪� ،)32‬أي‪ :‬ومن قتل ً‬
‫يف الأر�ض‪ ،‬وا�ستحل قتلها بال �سبب وال جناية‪ ،‬فك�أمنا‬ ‫هذا الإجراء �إال عند تخوفه من عدم تطبيق �أطراف‬
‫قتل النا�س جميع ًا‪ :‬لأنه ال فرق عنده بني نف�س ونف�س‪.‬‬ ‫النزاع االتفاقيات التي ن�صت على مبادئ القانون الدويل‬
‫قال الرازي رحمه اهلل تعاىل‪( :‬املراد من �إحياء النف�س‪:‬‬ ‫الإن�ساين‪ ،‬ب�شان الأ�شخا�ص املحمني‪.‬‬
‫تخلي�صها من املهلكات‪ ،‬مثل‪ :‬احلرق‪ ،‬والغرق‪ ،‬واجلوع‬ ‫‪ -3‬يف ن�صرة امل�ست�ضعفني‪ :‬قال اهلل تعاىل‪َ } :‬و َما َل ُك ْم َال‬
‫املفرط‪ ،‬والربد واحلر املفرطني)‪.‬‬ ‫ُت َقا ِت ُلونَ فيِ َ�س ِب ِيل اللهَّ ِ َوالمْ ُ ْ�س َت ضْ� َع ِف َني ِمنَ ال ِّر َج ِال َوال ِّن َ�سا ِء‬
‫ويف هذا تقرير ملبد�أ �إن�ساين يف حال احلرب غاية يف‬ ‫َوا ْل ِو ْل َد ِان ا َّل ِذينَ َي ُقو ُلونَ َر َّب َنا أَ� ْخ ِر ْج َنا ِمنْ َه ِذ ِه ال َق ْر َي ِة‬
‫الأهمية فاحلياة غالية وهبة من اهلل تعاىل ويف �إحيائها‬ ‫الظالمِ ِ �أَ ْه ُل َها َو ْاج َعل َّل َنا ِمن َّلد َ‬
‫ُنك َو ِلي ًّا َو ْاج َع ْل َّل َنا ِمن‬ ‫َّ‬
‫يت�شوف يف احلرب لإراقة‬ ‫�صالح للنا�س والإ�سالم ال ّ‬ ‫ُنك َن ِ�صري ًا{ (الن�ساء ‪.)75‬‬ ‫َّلد َ‬
‫الدماء بل يخو�ض احلرب لي�أمن النا�س على حياتهم‬ ‫�أي‪ :‬ال عذر لكم يف ترك املقاتلة‪ ،‬وقد بلغ حال امل�ست�ضعفني‬
‫ويدركوا احلياة احلقيقية يف ظل حماية الإ�سالم لهم‪.‬‬ ‫من الرجال والن�ساء والولدان من امل�سلمني �إىل ما بلغ يف‬
‫وفيه‪ :‬العناية باجلرحى واملر�ضى من �أ�سرى احلرب‪،‬‬ ‫ال�ضعف‪ ،‬فهذا حثّ �شديد على القتال‪ ،‬وبيان العلة التي‬
‫واملدنيني امل�صابني من جراء احلرب‪ ،‬والتي اتفق القانون‬ ‫لها �صار القتال واج ًبا‪ ،‬وهو ما يف القتال من تخلي�ص‬
‫الدويل الإن�ساين على �ضرورة العناية بهم‪.‬‬ ‫ه�ؤالء امل�ؤمنني من �أيدي الكفرة لأن هذا اجلمع �إىل‬
‫اجلهاد يجري جمرى فكاك الأ�سري‪.‬‬
‫ويف هذا داللة على حر�ص الإ�سالم على ا�ستنقاذ‬
‫امل�ست�ضعفني من الرجال والن�ساء وال�صبيان املتربمني‬
‫من القيام ب�أر�ض الكفر‪ ،‬وال يجدون �إىل اخلروج منها‬
‫�سبي ًال‪ ،‬كما كان حال بع�ض امل�ست�ضعفني من �أهل مكة‬
‫قبل الفتح‪ .‬وهذه الن�صرة من الأعمال الإن�سانية التي ال‬
‫تقل �أهمية عن حماية املدنيني‪ ،‬و�أ�سرى احلرب‪ ،‬واملر�ضى‬
‫واجلرحى‪.‬‬
‫وقد �أكد القر�آن الكرمي على �ضرورة القتال لأجل ا�ستنقاذ‬
‫ه�ؤالء‪ ،‬بينما وقف القانون الدويل الإن�ساين عند فر�ض‬
‫احلماية لهم يف احلرب‪ ،‬دون اتخاذ الإجراءات الالزمة‬
‫لوقف احلرب‪ ،‬ورفع الظلم عنهم‪.‬‬
‫‪ -4‬املحافظة على حياة النا�س حتى يف احلرب‪ :‬قال اهلل‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪51‬‬
‫قانون‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫ي�ضرب بال�سيوف ونحوها تعذيب ًا بل قت ًال وال ي�سمح لأحد‬ ‫‪ -5‬النهي عن الإ�سراف يف القتل‪ :‬قال اهلل تعاىل } َو َمن‬
‫بت�شويه الإن�سان واالعتداء على ج�سده ح ًيا كان‪ ،‬او ميت ًا‬ ‫ُق ِت َل َم ْظ ُلوم ًا َف َق ْد َج َع ْل َنا ِل َو ِل ِّي ِه ُ�س ْل َطان ًا َف َال ُي ْ�س ِرف فيِّ ال َقت ِْل‬
‫يقول اهلل �سبحانه وتعاىل‪َ } :‬ف ِإ� َذا َل ِقيت ُُم ا َّل ِذينَ َك َف ُروا‬ ‫ن�صور ًا{ (الإ�سراء‪)33 :‬‬ ‫ِ�إ َّن ُه َكانَ َم ُ‬
‫اب{ (حممد‪ )4 :‬وقال اهلل تعاىل �ش�أنه �آمر ًا‬ ‫َف َ�ض ْر َب ال ِّر َق ِ‬ ‫نهي امل�ؤمن �إذا ويل دما ملقتول �أن ي�سرف يف قتل القاتل‬
‫وحي َر ُّب َك �إِلىَ‬ ‫املالئكة عليهم ال�صالة وال�سالم‪�} :‬إِ ْذ ُي ِ‬ ‫ب�أن ميثل به �أو يقت�ص من غري القاتل ويف هذا �أمران‪:‬‬
‫وب‬ ‫ا َملال ِئ َك ِة �أَنيِّ َم َع ُك ْم َف َث ِّبتُوا ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا َ�س�أُ ْل ِقي فيِ ُق ُل ِ‬ ‫الأول‪ :‬العدل ب�أن ال يقتل غري الظامل‪ ،‬وقد تقدم تقريره‪.‬‬
‫ا َّل ِذينَ َك َف ُروا ال ُّر ْع َب َفا ضْ� ِر ُبوا َف ْو َق الأَ ْع َن ِاق َوا�ضْ ِر ُبوا‬ ‫الثاين‪� :‬أن ي�صان امليت ويعامل معاملة كرمية‪ ،‬وقد اتفق‬
‫ِم ْن ُه ْم ُك َّل َب َن ٍان{ (الأنفال‪.)12 :‬‬ ‫القانون الدويل الإن�ساين يف هذا‪ ،‬و�أكد عليه‪.‬‬
‫الإ�سالم حفظ حقوق الإن�سان‪ ،‬و�أكرمه حي ًا وميت ًا‪ ،‬حتى‬ ‫‪ -6‬ال قتال �إال ملن اعتدى وظلم‪�:‬إن االعتداء ال�شرعي‬
‫�أثناء القتال‪ ،‬فال ي�ضرب �إال يف مقتل‪ ،‬حتى ميوت كرمي ًا‪،‬‬ ‫بالقتال واجلهاد يف �سبيل اهلل تعاىل ال يقع �إال على‬
‫كما عا�ش كذلك‪.‬‬ ‫الظاملني املعتدين الذين يعتدون على الدين و�أهله‬
‫وقد اتفق القانون الدويل الإن�ساين على هذا الأمر‪ ،‬فن�ص‬ ‫و�أموالهم وحقوقهم حتى ينتهوا عما هم عليه‪� ،‬أو يتوبوا‬
‫على حظر ا�ستخدام الأ�سلحة اجلرثومية‪ ،‬والكيماوية‬ ‫�إىل اهلل تعاىل‪ ،‬قال اهلل العليم احلكيم �سبحانه‪} :‬‬
‫وبع�ض �أنواع املتفجرات‪.‬‬ ‫َو َقا ِت ُلوا فيِ َ�س ِب ِيل اللهَّ ِ ا َّل ِذينَ ُي َقا ِت ُلو َن ُك ْم َو َال َت ْع َتدُوا �إِنَّ اللهَّ َ َال‬
‫‪ -8‬جزاء الإن�سان امل�ؤمن املقاتل يف �سبيل اهلل تعاىل‬ ‫ُي ِح ُّب املُ ْعت َِدينَ َوا ْق ُت ُل َوهُ ْم َح ْيثُ َث ِق ْف ُت ُم َوهُ ْم َو أَ� ْخ ِر ُجوهُ م ِّمنْ‬
‫�أن ين�صره اهلل‪ :‬وي�ؤيده على عدوه‪ ،‬يقول اهلل الكرمي‬ ‫َح ْيثُ �أَ ْخ َر ُجو ُك ْم َوا ْل ِف ْت َن ُة �أَ َ�ش ُّد ِمنَ ال َقت ِْل َو َال ُت َقا ِت ُل َوهُ ْم ِع َند‬
‫�سبحانه‪َ } :‬و َل َق ْد َ�س َب َق ْت َك ِل َم ُت َنا ِل ِع َبا ِد َنا املُ ْر َ�س ِلني َ ِ�إ َّن ُه ْم‬ ‫احل َر ِام َحتَّى ُي َقا ِت ُلو ُك ْم ِفي ِه َف ِإ�ن َقا َت ُلو ُك ْم َفا ْق ُت ُل َوهُ ْم‬ ‫ا َمل ْ�س ِج ِد َ‬
‫ن�صو ُرونَ َو ِإ�نَّ ُج َند َنا َل ُه ُم ال َغا ِل ُبونَ { (ال�صافات‪:‬‬ ‫َل ُه ُم ا َمل ُ‬ ‫َك َذ ِل َك َجزَ ا ُء ال َكا ِف ِرينَ َف�إِ ِن ان َت َه ْوا َف ِ�إنَّ اللهَّ َ َغ َفو ٌر َّر ِحي ٌم‬
‫‪.)173-171‬‬ ‫َو َقا ِت ُل َوهُ ْم َحتَّى َال َت ُكونَ ِف ْت َن ٌة َو َي ُكونَ الدِّ ينُ للِهَّ ِ َف ِإ� ِن ان َت َه ْوا‬
‫ن�ص ُر ُر ُ�س َل َنا‬ ‫وقال اهلل القوي العزيز �سبحانه‪�} :‬إِ َّنا َل َن ُ‬ ‫احل َر ُام ِب َّ‬
‫ال�ش ْه ِر‬ ‫ال�ش ْه ُر َ‬ ‫الظالمِ ِ َني َّ‬ ‫َف َال ُع ْد َوانَ �إِ َّال َع َلى َّ‬
‫وم ا أَل�شْ َهادُ{ (‬ ‫َوا َّل ِذينَ � َآم ُنوا فيِ َ‬
‫احل َيا ِة ال ُّد ْن َيا َو َي ْو َم َي ُق ُ‬ ‫ا�ص َف َم ِن ْاعت ََدى َع َل ْي ُك ْم َف ْاع َتدُوا‬ ‫احل َر ِام َوالحْ ُ ُر َماتُ ِق َ�ص ٌ‬ ‫َ‬
‫ن�ص َرنَّ اللهَّ ُ‬ ‫غافر‪ )51 :‬ويقول اهلل �سبحانه وتعاىل‪َ } :‬و َل َي ُ‬ ‫َع َل ْي ِه بمِ ِ ْث ِل َما ْاعت ََدى َع َل ْي ُك ْم َوا َّت ُقوا اللهَّ َ َو ْاع َل ُموا أَ�نَّ اللهَّ َ َم َع‬
‫ن�ص ُر ُه ِإ�نَّ اللهَّ َ َل َق ِو ٌّي َع ِزيزٌ{ (احلج‪.)40 :‬‬ ‫َمن َي ُ‬ ‫املُ َّت ِقنيَ{ (البقرة‪.)194-190 :‬‬
‫‪ -9‬من قاتل يف �سبيل اهلل تعاىل فقتل فهو �شهيد‪ :‬يغفر‬ ‫فال ُيقاتَل �إن�سان م�سامل منزو عن احلروب و�أهلها‪،‬‬
‫ذنبه‪ ،‬ويكرم عند ربه �سبحانه‪ ،‬قال اهلل العلي العظيم‬ ‫وال ُيعتدى عليه �أبد ًا‪ ،‬و�إذا �أعلن لنا املقاتل ا�ست�سالمه‬
‫�سبحانه‪َ } :‬و َال َت ُقو ُلوا لمِْن ُي ْق َت ُل فيِ َ�س ِب ِيل اللهَّ ِ �أَ ْم َواتٌ َب ْل‬ ‫وانتهاءه عن القتال ف�إنه يجب علينا حقن دمه‪ ،‬وحفظ‬
‫�أَ ْح َيا ٌء َو َل ِكن َّال َت�شْ ُع ُرونَ { (البقرة ‪ ،)154‬وقال‪} :‬واهلل‬ ‫ماله‪ ،‬و�أهله وم�ساملته‪.‬‬
‫ويل الذين �آمنوا �سبحانه{ وقال}‪َ :‬و َل ِئن ُق ِت ْلت ُْم فيِ َ�س ِب ِيل‬ ‫ويف هذا يتفق القانون الدويل الإن�ساين مع هذا احلق‬
‫ي ممِّ َّ ا َي ْج َم ُعونَ {‬ ‫اللهَّ ِ �أَ ْو ُمت ُّْم لمَ َ ْغ ِف َر ٌة ِّمنَ اللهَّ ِ َو َر ْح َم ٌة َخ رْ ٌ‬ ‫القر�آين‪ .‬يقول القانون‪( :‬احرتام �شخ�ص اخل�صم الذي‬
‫(�آل عمران‪ .)157 :‬وقال ربنا العظيم �سبحانه‪} :‬‬ ‫يلقي ال�سالح‪� ،‬أو مل يعد قادر ًا على القتال)‪.‬‬
‫ب ا َّل ِذينَ ُق ِت ُلوا فيِ َ�س ِب ِيل اللهَّ ِ �أَ ْم َوات ًا َب ْل أَ� ْح َيا ٌء‬ ‫َو َال تحَْ َ�س نَ َّ‬ ‫‪ -7‬الرحمة باملقاتل اخل�صم وعدم التمثيل بالأج�ساد‪ :‬ال‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪52‬‬
‫قانون‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫ِع َند َر ِّب ِه ْم ُي ْر َز ُقونَ َف ِر ِح َني بمِ َ ا �آ َتاهُ ُم اللهَّ ُ ِمن َف�ضْ ِل ِه‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫القر آ�‬ ‫َو َي ْ�س َت ْب ِ�ش ُرونَ ِبا َّل ِذينَ لمَْ َي ْل َح ُقوا ِب ِهم ِّمنْ َخ ْل ِف ِه ْم �أَ َّال َخ ْو ٌف‬
‫س‬ ‫ر‬ ‫ك‬
‫و�شموالً يف مي �أو�‬ ‫َع َل ْي ِه ْم َو َالهُ ْم َي ْحزَ ُنونَ { (�آل عمران‪ ،)170-169 :‬ويقول‬
‫عاباً‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫�‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫ا‬
‫ظرة‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫اهلل العزيز �سبحانه‪ِّ } :‬ل َي ْب ُل َو َب ْع َ�ض ُكم ِب َب ْع ٍ�ض َوا َّل ِذينَ ُق ِت ُلوا‬
‫الإن�سانية‬ ‫فيِ َ�س ِب ِيل اللهَّ ِ َف َلن ُي ِ�ض َّل أَ� ْع َما َل ُه ْم َ�س َي ْه ِد ِيه ْم َو ُي�صْ ِل ُح َبا َل ُه ْم‬
‫اجل َّن َة َع َّر َف َها َل ُه ْم{ (حممد‪.)6-4 :‬‬ ‫َو ُي ْد ِخ ُل ُه ُم َ‬
‫ويف هذا �إ�شارة �إىل �أن الذي يقتل يف امليدان يجب �أن‬
‫ا‬ ‫ر‬ ‫ه‬‫ش‬ ‫�‬‫ا أل‬
‫ة‬ ‫ئ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫و حلرم‬ ‫يحرتم دينه ويعطى احلق �أن يدفن ح�سب معتقده‪ ،‬فيجب‬
‫املهادنة واملفاو�ضاخلواطر‬ ‫�إكرام القتلى يف املعارك‪ ،‬ودفنهم بالطريقة املنا�سبة‪،‬‬
‫ة‬ ‫و�أن تكون مقابرهم ظاهرة ي�سهل اال�ستدالل عليها‪.‬‬
‫وبذلك يلتقي القانون الدويل الإن�ساين مع هذا احلق‬
‫الذي �أوجبه القر�آن الكرمي‪.‬‬
‫‪� -10‬أن ال ُيعتدى على الإن�سان بالقتل‪ ،‬وال بالقتال يف فالإن�سان ي�أمن على نف�سه يف هذه الفرتة‪� ،‬أيا كان م�شربه‬
‫الأ�شهر احلرم‪ ،‬وال يف مكة املكرمة‪ :‬يقول اهلل العليم او معتقده‪ ،‬فتو�ضع احلرب‪ ،‬وت�أمن النفو�س فيها‪ .‬ومل‬
‫ال�ش ُهو ِر ِع َند اللهَّ ِ ا ْث َنا َع َ�ش َر تتو�صل الدول يف اتفاقياتها الدولية �إىل هذا املبد�أ رغم‬ ‫�سبحانه وتعاىل‪�} :‬إِنَّ ِع َّد َة ُّ‬
‫ال�س َم َو ِات َوالأَ ْر َ�ض ِم ْن َها �أهميته‪.‬‬ ‫َاب اللهَّ ِ َي ْو َم َخ َلقَ َّ‬ ‫َ�ش ْهر ًا فيِ ِكت ِ‬
‫أَ� ْر َب َع ٌة ُح ُر ٌم َذ ِل َك الدِّ ينُ ال َق ِّي ُم َف َال ت َْظ ِل ُموا ِف ِيهنَّ �أَ ْن ُف َ�س ُك ْم ‪ -11‬الإجارة يف احلرب‪ ،‬و�إبالغ امل�أمن‪ :‬قال اهلل تعاىل }‬
‫ا�ست ََجا َر َك َف َ�أ ِج ْر ُه َحتَّى َي ْ�س َم َع َك َ‬
‫الم‬ ‫َو َقا ِت ُلوا املُ�شْ ِر ِك َني َكا َّف ًة َك َما ُي َقا ِت ُلو َن ُك ْم َكا َّف ًة َو ْاع َل ُموا أَ�نَّ َو�ِإنْ أَ� َح ٌد ِّمنَ املُ�شْ ِر ِك َني ْ‬
‫اللهَّ َ َم َع املُ َّت ِقنيَ{(التوبة ‪ ،)36‬وقال اهلل القوي العزيز اللهَّ ِ ُث َّم �أَ ْب ِل ْغ ُه َم�أْ َم َن ُه َذ ِل َك ِب�أَ َّن ُه ْم َق ْو ٌم َّال َي ْع َل ُمونَ { (التوبة‬
‫‪)6‬‬ ‫احلرب و�سيلة لن�صرة امل�ست�ضعفني‬
‫والغر�ض من هذا �أن من قدم دار احلرب �إىل دار‬
‫احل َر ِام ِقت ٍَال ِفي ِه ُق ْل ِقتَا ٌل الإ�سالم يف اداء ر�سالة‪� ،‬أو جتارة‪� ،‬أو طلب �صلح‪� ،‬أو‬ ‫ال�ش ْه ِر َ‬‫�سبحانه‪َ } :‬ي�س أَْ� ُلو َن َك َع ِن َّ‬
‫احل َر ِام مهادنة‪� ،‬أو حمل جزية‪� ،‬أو نحو ذلك من الأ�سباب فطلب‬ ‫ري َو َ�ص ٌّد َعن َ�س ِب ِيل اللهَّ ِ َو ُك ْف ٌر ِب ِه َوالمْ َ ْ�س ِج ِد َ‬ ‫ِفي ِه َك ِب ٌ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫َو إِ� ْخ َر ُاج أَ� ْه ِل ِه ِم ْن ُه َ أ�كْبرَ ُ ِع َند اللهَّ ِ { (البقرة ‪ )217‬ويقول من الإمام‪� ،‬أو نائبه �أمانا‪� ،‬أعطي �أمانا ما دام مرتددا يف‬
‫حل ُر ُم دار الإ�سالم‪ ،‬وحتى يرجع �إىل م�أمنه ووطنه‪ ،‬ويف ذلك‬ ‫ان�س َلخَ الأَ�شْ ُه ُر ا ُ‬‫ربنا الكبري املتعايل �سبحانه } َف�ِإ َذا َ‬
‫َفا ْق ُت ُلوا املُ�شْ ِر ِك َني َح ْيثُ َو َجدتمُّ ُ َوهُ ْم َو ُخ ُذ َوهُ ْم َو ْاح ُ�ص ُر َوهُ ْم من احلكم‪ ،‬رجاء �إ�سالمه مما يراه من �أخالق امل�سلمني‪،‬‬
‫ال�صال َة َو�آ َت ُوا وتعاملهم وهديهم‪ .‬واهلل �أعلم‪.‬‬ ‫َوا ْق ُعدُوا َل ُه ْم ُك َّل َم ْر َ�ص ٍد َف�ِإن تَا ُبوا َو َ�أ َقا ُموا َّ‬
‫ال َّز َكا َة َف َخلُّوا َ�س ِبي َل ُه ْم ِ�إنَّ اللهَّ َ َغ ُفو ٌر َّر ِحي ٌم{ (التوبة‪ )5 :‬والإجارة يف احلرب حتقق كثري ًا من احلماية التي ي�سعى‬
‫احل َرام �إليها القانون الدويل الإن�ساين‪� ،‬إذ يعطي احلق لأفراد‬ ‫وقال املوىل �سبحانه‪َ } :‬و َال ُت َقا ِت ُل َوهُ ْم ِع َند ا َمل ْ�س ِج ِد َ‬
‫ِ‬
‫َحتَّى ُي َقا ِت ُلو ُك ْم ِفي ِه َف ِ�إن َقا َت ُلو ُك ْم َفا ْق ُت ُل َوهُ ْم َك َذ ِل َك َجزَ ا ُء اجلي�ش �أن يحمي من �أراد حمايته ممن يرجى اخلري‬
‫فيه‪� ،‬أو منه‪.‬‬ ‫ال َكا ِف ِرينَ { (البقرة‪.)191 :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ويف هذا �إ�شاعة للأمن والأمان على ال�صعيد الدويل‪ ،‬وال �شك �أن املبد�أ و�إن كان متعارفا عليه دوليا‪� ،‬إال �أنه لي�س‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪53‬‬
‫قانون‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫بهذا التو�سع يف الإ�سالم‪� ،‬إذ الإ�سالم يعطي حق الإجارة و�إبالغ امل�أمن لكل فرد م�سلم دون النظر �إىل مكانته الع�سكرية‪.‬‬
‫‪ -12‬حقوق الأ�سري حمفوظة يف الإ�سالم‪ :‬للخ�صم الذي يقاتل امل�سلمني حقوق‪ ،‬ويحب �أن ت�ؤدى �إليه وال يعتدى عليه‪ ،‬بل‬
‫اب َحتَّى �إِ َذا �أَ ْث َخن ُت ُم َوهُ ْم‬ ‫يكرم‪ ،‬ويطعم ويدعى �إىل الإ�سالم‪ ،‬قال اهلل تبارك وتعاىل‪َ } :‬ف�إِ َذا َل ِقيت ُُم ا َّل ِذينَ َك َف ُروا َف َ�ض ْر َب ال ِّر َق ِ‬
‫احل ْر ُب �أَ ْو َزا َر َها{ (حممد‪ )4 :‬وقال اهلل تعاىل ذكره يف �صفات الأبرار‪:‬‬ ‫َف ُ�ش ُّدوا ال َو َث َاق َف�إِ َّما َمن ًّا َب ْع ُد َو إِ� َّما ِف َدا ًء َحتَّى ت ََ�ض َع َ‬
‫الط َع َام َع َلى ُح ِّب ِه ِم ْ�س ِكين ًا َو َي ِتيم ًا َو�أَ ِ�سري ًا ِ�إنمَّ َ ا ُن ْط ِع ُم ُك ْم ِل َو ْج ِه اللهَّ ِ َال ُن ِري ُد ِمن ُك ْم َجزَ ا ًء َو َال ُ�ش ُكور ًا{ (الإن�سان‪:‬‬ ‫} َو ُي ْط ِع ُمونَ َّ‬
‫ُ‬
‫‪ .)8،9‬ويقول اهلل الغفور �سبحانه‪َ } :‬يا �أَ ُّي َها ال َّن ِب ُّي ُقل لمِّ َن فيِ �أَ ْي ِدي ُكم ِّمنَ ا أَل ْ�س َرى إِ�ن َي ْع َل ِم اللهَّ فيِ ُق ُلو ِب ُك ْم َخ رْي ًا ُي�ؤْ ِت ُك ْم َخ رْي ًا‬
‫ممِّ َّ ا أُ� ِخ َذ ِمن ُك ْم َو َي ْغ ِف ْر َل ُك ْم َواللهَّ ُ َغ ُفو ٌر َّر ِحي ٌم{ (الأنفال‪.)70 :‬‬
‫وهنا يتفق القانون الدويل الإن�ساين مع القر�آن الكرمي‪ ،‬يف فر�ض احلماية الواجبة لأ�سرى احلرب‪.‬‬
‫اخلال�صة‪ :‬والإ�سالم يف تطبيقه لهذا احلق القر�آين ال يفرق بني جن�س‪� ،‬أو لون‪� ،‬أو معتقد‪ ،‬بعك�س القانون الدويل الإن�ساين‪،‬‬
‫ويتميز الإ�سالم يف التايل‪:‬‬
‫•الأ�سبقية‪ ،‬فقد �سبق القر�آن الكرمي يف بيان احلقوق التي ن�ص عليها القانون الدويل الإن�ساين يف مبادئه‪.‬‬
‫•ال�شمولية يف النظرة الإن�سانية‪ ،‬فرغم الزخم الهائل يف مبادئ تلك االتفاقيات‪� ،‬إال �أن القر�آن الكرمي �أو�سع منها‬
‫ا�ستيعا ًبا‪ ،‬و�أخ�صر منها عبارة‪ ،‬وذلك لأن القر�آن ال ينظر �إىل دين وال �إىل انتماء‪ ،‬بل ينظر �إىل الآدمية التي ينبغي �أن‬
‫يعامل بها �أ�سرى احلرب‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫•االنفراد بحقوق مل يتو�صل �إليها القانون الدويل الإن�ساين يف اتفاقياته الأربع‪ ،‬من ذلك‪ :‬وجوب الإ�صالح بني الأطراف‬
‫املتنازعة‪ ،‬ون�صرة امل�ست�ضعفني‪ ،‬ووجود �أ�شهر حرم يو�ضع فيها القتال واحلرب‪.‬‬
‫هذه بع�ض حقوق الإن�سان يف حال احلرب على �ضوء الن�صو�ص القر�آنية‪ ،‬وهي تدل على غريها من احلقوق وت�شري �إليها‪.‬‬

‫* وللراغبني مبتابعة البحث بكامله مع املراجع كاملة العودة اىل املوقع ‪www.eajaz.org‬‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪54‬‬
‫آثار‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫قصة مقام إبراهمي عليه السالم‬


‫حممد احلربي*‬

‫من مل ي�سمع عن مقام �إبراهيم عليه ال�سالم عند الكعبة امل�شرفة يف امل�سجد احلرام؟‬
‫ع�صور و�أزمان وتغريات واهتمام من خلفاء وملوك مرت على هذا املقام مذ �أن رفع �إبراهيم قواعد البيت العتيق‪.‬‬
‫ويف هذا ال�سياق‪� ،‬أو�ضح الباحث يف �ش�ؤون احلرمني ال�شريفني‪ ،‬حميي الدين الها�شمي‪� ،‬أنه " ُم ْذ �أمر اهلل تعاىل النبي‬
‫�إبراهيم وابنه النبي �إ�سماعيل‪( ،‬عليهما ال�سالم)‪ ،‬ب�أن يرفعا قواعد البيت احلرام‪ ،‬وبعد �أن انتهيا من البناء‪� ،‬أنزل‬
‫اهلل لهما احلجر الأ�سود واملقام من اجلنة"‪ ،‬م�شريا �إىل "�أنهما من يواقيت اجلنة"‪.‬‬
‫وقال الها�شمي يف حديث مع "العربية‪.‬نت"‪" :‬هذا ن�ص ما ورد عن الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يف حديث برواية‬
‫الرتمذي‪ :‬الركن واملقام ياقوتتان من اجلنة طم�س اهلل نورهما ولوال ذلك لأ�ضاءتا ما بني امل�شرق واملغرب"‪.‬‬
‫و�أ�ضاف الها�شمي �أن حجر املقام عليه �صورة قدمني حمفورتني بال�صخرة‪ ،‬فيما يروى �أنه "بعد اكتمال بناء البيت‬
‫العتيق وقف �سيدنا �إبراهيم عليه ال�سالم على احلجر‪ ،‬فغا�صت قدماه تخليدا لذكرى بنائه للبيت احلرام‪ ،‬وظل عرب‬
‫الأزمان مال�صقا للكعبة امل�شرفة و�أحد معامل بيت اهلل احلرام يف مكة املكرمة"‪)1(.‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪55‬‬
‫آثار‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫و�أ�شار الها�شمي �إىل �أن املقام "كان مك�شوفا للنا�س‪ ،‬لكن ب�سبب كرثة مل�س النا�س له تغري �أثر القدمني وم�سح مكان‬
‫الأ�صابع‪ .‬ويف عهد النبي حممد عند فتح مكة يف ال�سنة الثامنة للهجرة‪ ،‬وبعد نزول الآية الكرمية "واتخذوا من‬
‫مقام �إبراهيم م�صلى"‪ ،‬قام الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم وال�صحابة ب�إبعاده عن الكعبة امل�شرفة �إىل موقعه احلايل‬
‫مب�سافة تقدر ب�أكرث من ‪� 10‬أمتار بقليل مائال جلهة ال�شرق‪ ،‬وذلك ت�سهيال للطائفني‪ ،‬ومتكينا للم�صلني بال�صالة خلف‬
‫املقام كما ذكر يف الآية الكرمية"‪)2( .‬‬

‫و�أ�ضاف الها�شمي �أن "هناك �آية �أخرى يف القر�آن الكرمي تذكر املقام‪" :‬فيه �آيات بينات مقام �إبراهيم"‪ ،‬لأن املقام‬
‫من املعجزات اخلالدة للنا�س"‪.‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪56‬‬
‫آثار‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫تغطيته وترمميه‬
‫وذكر امل�ؤرخون �أن �أول من غطى املقام من احلكام هو اخلليفة العبا�سي املهدي‪ ،‬وذلك عام ‪ 161‬للهجرة‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫زاد عليه اخلليفة املتوكل عام ‪ 236‬للهجرة‪ ،‬و�صب عليه الذهب والف�ضة لتقويته حيث �إنه حجر رخو‪.‬‬
‫وبينّ الها�شمي �أنه "يف العهد ال�سعودي وحتديدا يف عهد امللك في�صل‪ ،‬وبعد �أن �أمر بتو�سعة املطاف و�إزالة كل ما يعيق‬
‫الطائفني من املباين‪ ،‬مت تركيب بلورة من الزجاج وغطاء فوقها من النحا�س‪ ،‬وكان ذلك يف �شهر رجب من عام ‪1387‬‬
‫للهجرة‪ ،‬كما مت جتديده بعد �أعمال الرتميم التي ح�صلت يف عهد امللك فهد عام ‪ 1417‬للهجرة‪ ،‬ومت و�ضع فوقه زجاج‬
‫بلوري مقاوم للحرارة والك�سر‪ ،‬وغطاء من النحا�س املغطى بالذهب"‪.‬‬
‫* ‪/https://www.alarabiya.net/ar/saudi-today‬‬
‫‪24/01/2017‬‬

‫(‪ )1‬الإعجاز"‪ :‬تنوعت �أقوال املف�سرين يف �سر حفرتي‬


‫القدمني‪ ،‬ومنهم من قال �أن �سيدنا �إبراهيم حفرهما‬
‫ليثبت قدميه من الإنزالق يف الطني عند رفع الأحجار‬
‫الثقيلة‪.‬‬
‫(‪")2‬الإعجاز"‪َ :‬كانَ المْ َ َق ُام �إِلىَ َج ْن ِب ا ْل َب ْي ِت‪َ ،‬و َكا ُنوا‬
‫ال�س ُي ِول‪َ ،‬و َكا ُنوا َي ُطو ُفونَ َخ ْل َف ُه َف َق َال‬ ‫َي َخا ُفونَ َع َل ْي ِه َغ َل َب َة ُّ‬
‫«ه ْل ت َْدرِي �أَ ْينَ‬ ‫ُع َم ُر ِل ْل ُم َّط ِل ِب ْب ِن �أَ ِبي َو َد َاع َة َّ‬
‫ال�س ْهمِ ِّي‪َ :‬‬
‫َكانَ َم ْو ِ�ض ُع ُه ا َلْ أ َّو ِل؟» َق َال‪َ :‬ن َعمْ‪َ ،‬ق َّد ْرتُ َما َب ْي َن ُه َو َبينْ َ‬
‫اب‪َ ،‬و َما َب ْي َن ُه َو َبينْ َ‬‫الحْ َ َج ِر الْ أَ ْ�س َو ِد‪َ ،‬و َما َب ْي َن ُه َو َبينْ َ ا ْل َب ِ‬
‫َز ْمزَ ٍم‪َ ،‬و َما َب ْي َن ُه َو َبينْ َ ال ُّر ْك ِن ِع ْن َد الحْ َ َج ِر َق َال‪َ « :‬ف�أَ ْينَ‬
‫ِمق َْدا ُر ُه؟» َق َال‪ِ :‬ع ْن ِدي َق َال‪َ « :‬ت�أْ ِتي بمِ ِ ق َْدا ِر ِه» َف َجا َء‬
‫بمِ ِ ق َْدا ِر ِه‪َ ،‬ف َو َ�ض َع ُه َم ْو ِ�ض ُع ُه الْ آنَ ‪( .‬م�صنف عبد الرزاق‬
‫‪)47‬عنْ َم ْع َم ٍر َ‪،‬عنْ ُح َم ْي ٍد َ‪،‬عنْ مجُ َ ِاه ٍد)‪.‬‬ ‫ال�صنعاين (‪َ /5‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪57‬‬
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫خرافات حتمل امس"املعلومة الطبية"‬


‫زين العابدين حماد*‬
‫"�أعظم عدو للمعرفة لي�س اجلهل‪ ،‬بل وهم املعرفة"‬ ‫عناوين كثرية تطالعك يف ك ّل حلظة على مواقع مذيلة‬
‫(�ستيفن هوكينج)‪.‬‬ ‫بكلمة «�صحة» �أو «طب» �أو "معلومة علمية"‪ 10":‬حقائق‬
‫يجب �أن تعرفها عن داء كذا‪�« ."...‬إليكم هذا الفيتامني‬
‫للوقاية من ال�سرطان»‪�« .‬أكرث من تناول البندورة للوقاية‬
‫اجل ّو البارد ي�سبب الزكام والر�شح‪:‬‬ ‫من �سرطان الربو�ستاتا»‪.‬‬
‫لطاملا ارتبط الزكام‪� ،‬أو كما ُ‬
‫ا�صطلح على ت�سميته‬ ‫غالب ًا‪ ،‬ما ت�أتيك تلك العناوين لت�سلبك‪ ،‬ك�أن ّ‬
‫تد�س بني‬
‫بالر�شح‪ ،‬بف�صل ال�شتاء‪ .‬فكلما اقرتبت ب�شائر ف�صل‬ ‫كلماتها كلمة «خبيث» �أو «ع�ضال» �أو «�صحة جن�سية»‬
‫الربد‪ ،‬ازدادت املقاالت الطبية التي تدعو �إىل االحرتاز‬ ‫�أو «خلطة مذهلة»‪ ،‬وغالب ًا ما يكون ر ّد فعل القارئ هو‬
‫من هذا الفايرو�س عرب ن�شر �سل�سلة من الإجراءات‬ ‫ت�صديق تلك «املقاالت» التي ت�أتي يف معظمها بال ذكر‬
‫الوقائية‪ .‬لكن‪ ،‬للإن�صاف‪ ،‬يبقى هذا االرتباط يف �إطار‬ ‫للم�صادر‪ .‬مقاالت �أقرب �إىل «اخلرافة» منها �إىل الواقع‬
‫«ال�شعبوية»‪ ،‬فالدرا�سات العلمية ت�شري �إىل �أن الزكام‬ ‫العلمي‪ .‬وهذا �أ�سو أ� ما يف احلكاية‪ .‬وما يزيد الطني بلة هو‬
‫بغ�ض النظر عن درجة‬ ‫ي�صيب الإن�سان يف �أي ف�صل ّ‬ ‫انت�شار و�سائل التوا�صل االجتماعي وال�شبكات «العلمية»‬
‫احلرارة‪ ،‬وذلك الرتباطه بفريو�سات متعددة الأنواع قد‬ ‫والإخبارية‪ ،‬وتهافتها على �إيراد معلومات طبية‪ ،‬من دون‬
‫�أدنى اهتمام مبدى �صحتها‪.‬‬
‫تباغت يف �أي ف�صل‪ .‬وما عدا ذلك‪ ،‬ال «ميزة» لف�صل‬ ‫يف ظ ّل تلك الطفرة‪ ،‬قد يبدو من املفيد‪� ،‬أو من الواجب‪،‬‬
‫ال�شتاء‪ ،‬با�ستثناء الإ�شارة �إىل �أن �سبب زيادة العدوى يف‬ ‫الإ�ضاءة على بع�ض تلك «اخلرافات» التي مل تثبتها‬
‫اجلو البارد ب�شكل عام هو �سلوك النا�س (التجمعات يف‬ ‫الدرا�سات العلمية وال الطب ال�سريري وال غريهما‪.‬‬
‫�أماكن مغلقة)‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن بع�ض الفريو�سات متتلك‬
‫معدل بقاء �أطول يف تلك الأجواء‪.‬‬
‫الفيتامينات وال�صحة‪:‬‬
‫ال تكاد تخلو �صيدلية من وجود عبوات «‪،»Multivitamin‬‬
‫وهي التي �شاع ا�ستخدامها كثري ًا يف الآونة الأخرية‪،‬‬
‫بحجة حاجة اجل�سم �إليها وحت�سني ال�صحة العامة وحتى‬
‫املدعم بدرا�سات طبية‪،‬‬
‫الوقاية من الأمرا�ض‪ .‬يف الواقع ّ‬
‫ف�إن حاجة اجل�سم �إىل الفيتامينات ميكن توفريها من‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪58‬‬
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫التقرحات اله�ضمية هي �شكوى �شائعة يف العيادات‬ ‫الأغذية التي نتناولها يومي ًا‪ ،‬ولو بكميات قليلة‪.‬‬
‫اله�ضمية‪ ،‬ومن �أهم �أ�سبابها التناول املفرط مل�ضادات‬ ‫وعليه‪ ،‬ف�إن تناول املك ّمالت الغذائية لن يفيد اجل�سم‬
‫االلتهاب (ا�سربين وبروفني وال�ستريوئيدات)‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫ب�شيء‪ ،‬و�سيتم طرحه عن طريق البول‪ ،‬هذا مع الأخذ‬
‫�إىل اجلرثومة امللوية البوابية ‪� .Helicobacter pylori‬أما‬ ‫بعني االعتبار �أن الإفراط يف تناول تلك املك ّمالت قد ي�ؤدي‬
‫بالن�سبة �إىل التوتر والقلق‪ ،‬فلي�سا من الأ�سباب امل�سببة‬ ‫�إىل ا�ضطرابات �صحية‪ .‬هذا يف املبد�أ‪ ،‬ولكن يف بع�ض‬
‫لها لكنهما قد يفاقمان من �أعرا�ضها (زيادة حمو�ضة‬ ‫احلاالت قد يحتاج البع�ض �إىل مثل تلك املكمالت‪� ،‬إذ‬
‫يخ�ص الأغذية‪ ،‬ف�إن و�سائل‬
‫الع�صارة املعدية)‪ .‬ويف ما ّ‬ ‫ي�صبح تناولها �ضروري ًا يف حال كان لديك �أعرا�ض نق�ص‬
‫حماية جدار املعدة من غ�شاء خماطي وبكربونات كافية‬ ‫�أحدها �أو جمموعة منها‪ ،‬وهذا الأمر يق ّرره الطبيب‪.‬‬
‫للتعامل معها‪ ،‬لكنها قد ته ّيج القولون وت�سبب �أعرا�ض ًا‬ ‫فيتامني ‪ :B17‬العالج ال�سحري لل�سرطان‬
‫ه�ضمية غري مريحة‪.‬‬ ‫انت�شر عرب موقع «فاي�سبوك» م�ؤخر ًا مقطع فيديو‪،‬‬
‫ي�شرح فيه الراوي عن الفوائد «ال�سحرية» لفيتامني‬
‫‪« B17‬االميغدالني»‪ ،‬يف عالجه لل�سرطان‪ ،‬م�شري ًا �إىل‬
‫من بريد القراء‪ ،‬نق ًال عن جريدة الأخبار ‪� 23‬آب ‪.2017‬‬ ‫�أن «الغرب وال�شركات الطبية �أخفت هذه احلقائق‬
‫*‬

‫املذهلة عن النا�س طمع ًا بالربح املادي»‪ .‬وقد لقي هذا‬


‫املقطع امل�ص ّور تفاع ًال كبري ًا من قبل النا�س‪ ،‬ولكن ماذا‬
‫عن حقيقة هذه املعلومة؟ تقول الدرا�سات ب�أنه جرى‬
‫�إلـى الأحـبـة الـقـراء‪:‬‬ ‫ا�ستعمال الأميغدالني لعالج ال�سرطان يف �سبعينيات‬
‫ّ‬
‫ي�س ّر جملة "الإعجاز" تلقي كل البحوث‬ ‫القرن املا�ضي يف الواليات املتحدة‪ ،‬لكن ب�سبب �س ّميته ‬
‫(ينتج ال�سيانيد عند تفككه داخل اجل�سم) وعدم وجود واملقاالت الهادفة اىل تنوير املجتمع وتثقيفه ب�صرف‬
‫�أدلة على فائدته يف عالج ال�سرطانات‪ ،‬ال بل �إنه يف بع�ض النظر عن هوية الكاتب‪ ،‬ومعتقده‪ ،‬وطائفته‪ ،‬و�إنتمائه‪.‬‬
‫احلاالت زاد من حجم بع�ضها‪ ،‬وهو الأمر الذي دفع وال �شرط لها �إال �أن يتقيد ب�أ�صول البحث العلمي‪ ،‬والبعد‬
‫مبنظمة ال�صحة والغذاء الأمريكية ‪ FDA‬لإيقاف اعتماده عن التحري�ض‪ ،‬والنقد الهدام‪ ،‬وعن ال�سيا�سة‪ ،‬و�أن يكون‬
‫هاج�سه بعث الأمل يف نفو�س النا�س لتخطي �آثار احلرب‬ ‫كعالج لل�سرطان‪.‬‬
‫وبناء املجتمع املت�سامح‪.‬‬ ‫التوتر والأغذية واحلرقة وقرحة املعدة‬
‫يعتقد عدد من الأ�شخا�ص �أن تناول الأغذية احلارقة‬
‫والبهارات ميكن �أن تت�سبب تقرحات ه�ضمية‪ ،‬كما تناول‬
‫عدد من ال�صفحات هذه العالقة املفرت�ضة بني القرحة‬
‫اله�ضمية والقلق والتوتر �أي�ض ًا‪ .‬لكن‪ ،‬يف احلقيقة‪،‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪59‬‬
‫بريد القراء‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫نسخ ممزية من القرآن الكرمي*‬


‫بال�صور‪� -‬أقدم م�صحف للقر�آن الكرمي فى التاريخ الإ�سالمي! (‪)1‬‬
‫ر�صدت كامريا م�صرية �أقدم م�صحف �شريف للقر�آن الكرمي فى التاريخ الإ�سالمي‪ ،‬ومكون من ‪ 1087‬ورقة ويزن ‪80‬‬
‫كلغ‪ ،‬مكتوب على جلد غزال‪ ،‬وحمفوظ داخل غالف خم�ص�ص له‪ .‬ويوجد امل�صحف باملكتبة املركزية للمخطوطات‬
‫الإ�سالمية �ضمن املقتنيات الإ�سالمية يف م�صر‪.‬‬

‫�أ�ضخم ن�سخة من امل�صحف ال�شريف بطول ‪� 208‬أمتار يف‬


‫ال�صني (‪)2‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪60‬‬
‫بريد القراء‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫�إزاحة ال�ستار عن �أكرب ن�سخة قر�آنية مكتوبة بخط اليد‬ ‫خالل الدورة الـ‪ 20‬لندوة علم قومية هوي ال�صينية‬
‫يف اوزبك�ستان (‪)3‬‬ ‫يف مدينة "ت�شيوانت�شو"‪ ،‬والدورة الثالثة ملنتدى رجال‬
‫الأعمال‪ ،‬مت خالل املنتدى عر�ض القر�آن من فن ق�ص‬
‫الورق بطول ‪� 208‬أمتار وعر�ض ‪ 1.15‬مرت ًا ووزن ‪ 86‬كلغ‬
‫الذي ا�ستغرق انتاجه �سنتني ون�صف‪ ،‬ما جذب �أنظار‬
‫امل�شاركني يف املنتدى‪.‬‬
‫والقر�آن من فن ق�ص الورق من عمل �شيو جيون (يو�سف)‬
‫وزوجته ما هوي جيون‪ .‬وقال يو�سف ب�أن الدين اال�سالمي‬
‫ولد يف مكة املكرمة وجلب االجداد القر�آن اىل ال�صني‬
‫قبل �أكرث من �ألف �سنة من خالل طريق احلرير البحرية‪.‬‬
‫ويف الوقت احلايل‪ ،‬باتت الثقافة اال�سالمية ذات جذور‬
‫عميقة يف ال�صني‪ ،‬مما جعله يعيد عر�ض القر�آن على‬
‫طريق الثقافة ال�صينية‪.‬‬

‫متت ازاحة ال�ستار عن �أكرب ن�سخة قر�آنية مكتوبة‬


‫بخط اليد‪ ،‬ا�ستغرقت كتابتها خم�س �سنوات يف مدينة‬
‫"�سمرقند" يف اوزبك�ستان‪ .‬و�أفادت وكالة الأنباء القر�آنية‬
‫الدولية (ايكنا) �أن هذه الن�سخة القر�آنية املخطوطة‬
‫قد كتبت بيد الفنان "�شوكت ع�صمت اوف" من �أ�صل‬
‫طاجيكي مبدينة "�سمرقند" يف اوزبك�ستان‪ .‬قد كتبت‬
‫هذه الن�سحة بخط الن�سخ العربي يف ‪� 311‬صفحة وبطول‬
‫‪ 1.5‬مرت وعر�ضها ‪� 86‬سم وهذه الن�سخة من الكتاب‬
‫ال�سماوي وزنها ‪ 100‬كجم‪ .‬وبامكان امل�ؤلف �أن ي�سجل‬ ‫وذكر يو�سف‪� ،‬أنه زار م�سجد "ال�شيخ زايد بن �سلطان" يف‬
‫ا�سم هذه الن�سخة القر�آنية املخطوطة كاجناز فريد يف‬ ‫�أبوظبي‪ ،‬وقد جذبته تقنية النحت والتقنيات الزخرفية‬
‫كتاب "غيني�س" العاملي لالرقام العاملية‪ .‬وقد كتب هذا‬ ‫االخرى يف امل�سجد‪ .‬واكرث من ذلك‪ ،‬فقد دفعته الزهور‬
‫الفنان قبل ‪� 10‬سنوات ن�سخة �أخرى من القر�آن �أقل وزن ًا‬ ‫املزينة على جدار امل�سجد اىل التفكري يف فن ق�ص الورق‬
‫من الن�سخة احلالية التي كان طولها ‪ 1‬مرت ووزنها حوايل‬ ‫ال�صيني‪ .‬وبعد فرتة من التفكري‪ ،‬قرر �صنع قر�آن من ورق‬
‫‪ 40‬كجم‪ .‬جدير بالذكر �أن التخ�ص�ص الرئي�سي للفنان‬ ‫الأرز ال�صيني بفن ق�ص الورق ال�صيني‪ .‬واخريا‪ ،‬وبعد‬
‫هو الهند�سة امليكانيكية‪.‬‬ ‫عامني ون�صف من العمل اجلاد‪ ،‬اكمل يو�سف باال�شرتاك‬
‫* من بريد القراء‪.‬‬
‫(‪� )1‬صحيفة الديار ‪2014/9/22‬‬ ‫مع ‪ 80‬فني خمت�ص يف ق�ص الورق من �صناعة القر�آن‬
‫(‪ )2‬موقع ايكنا(وكالةالأنباء القر�آنية الدولية)‪.‬‬ ‫من ورق الأرز ال�صيني‪.‬‬
‫(‪ )3‬موقع ايكنا‪.‬‬ ‫الآن‪ ،‬لدى يو�سف ‪ 6‬ن�سخ من القر�آن من ورق الأرزال�صيني‬
‫ويريد �أن يتربع بن�سخة اىل مكة املكرمة‪ ،‬وقال �إذا كان‬
‫لدي الفر�صة‪� ،‬أريدالتربع بن�سخة اىل مكة لالحتفاظ بها‬‫ّ‬
‫على طريق احلج ب�شكل دائم‪ ،‬ليعر�ض فن ال�صني وثقافة‬
‫ال�صني للم�سلمني العاملني عند قراءة القر�آن الكرمي‪.‬‬
‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪61‬‬
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

bits of information per second despite the talk we subject ourselves to. But he had
fact that you are inundated with 11 million a strong relationship with Allah (swt), and
pieces of information coming from all your thus he knew his worth to Allah (swt).
nerve endings! Most of that is just noise, The fifth skill? He transferred his positive
meaning information that distracts us from reality to others. He taught people how to
making positive change. What we choose see the good. He taught us not to belittle
to process then in turn reflects where we any good deed, even a smile to someone.
put our energy. So noise is information that When Mu'adh bin Jabal was sent to Yemen,
is negative, false or simply unnecessary, the Prophet (PBUH) told him:
whereas signals are pieces of information "Make things easy and do not make things
that are true and reliable and alert us to hard. Tell people of glad tidings, and do not
possibilities. The Prophet (PBUH) focused push them away." (Bukhari)
on signals, meaning things that he could He reminded us always that the door to
actually use. For example, if he focused God is always open. When a man came
on all the noise that was telling him that to Prophet (PBUH) confessing that he had
everyone was out to get them, he would not done impermissible things with a woman
have been able to utilize the opportunities he was not married to, the Prophet (PBUH)
when they came up. But when the Muslims recited the following verse to him:
migrated to Madina, the Prophet (PBUH) "And establish prayer at the two ends
conducted a population census- he even of the day and at the approach of the
created a signal, because that information night. Indeed, good deeds do away with
would come in handy. He then set up a misdeeds. That is a reminder for those who
new market so the Muslims could begin to remember" (Qur'an, 11:114).
work and trade. What he could have done That is why the companions were the best
was worry about imminent attacks from of people. They internalized the positive
the Mekkans. It's not that there wasn't that genius of the Prophet (PBUH), and created
threat, but he gave them the attention that their own positive realities.
they needed, and not more. He could have So are you a positive genius ?
focused his energy on arming the Muslims,
but he dealt with that aspect by concluding *Source: SuhaibWebb.com 23/11/2017.
treaties with the different communities in Complete article is found on the web site
Madina for protection. He then worked on www.IslamiCity.com.
getting the companions settled.
" ‫" ا إلعـجـاز‬
An important aspect is he did not have the .‫دينية علمية غري �سيا�سية‬-
issue of internal noise. Sometimes we are .‫تبحث يف �إعجا َزيْ القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية ال�شريفة‬-
our own worst enemy with the negative .‫ي�ساهم يف �إعدادها باحثون ومفكرون لبنانيون‬-
.‫ال تتوخى الربح واال�شرتاك فيها جماين‬-
‫ما على الراغبني باحل�صول على ن�سخة منها �سوى مراجعة مركز املنتدى وتزويده با�سم‬-
‫ ا�شرتك جما ًنا يف جملة الإعجاز‬.‫ال�شخ�ص �أو امل�ؤ�س�سة مع ذكر العنوان ورقم الهاتف‬

‫م‬2018 ‫ شتاء‬، ‫هـ‬١٤٣9‫ ربيع اآلخر‬،‫ السنة الحادية عرشة‬،‫العدد الرابع واالربعون‬,‫اإلعجاز‬

62
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

shakura? - Should I not be a thankful coming. Moreover, the Prophet (PBUH) did
servant?" (Bukhari) not focus on the problems of the present,
This is why we are taught to attach a sincere but saw each step (no matter how small)
intention to everything we do. This gives as him getting closer to his finish line. And
what we do meaning. You can give current that made what he went through worth it,
things in your life meaning by attaching a and it gave him energy to continue. It is
sincere intention to them (for example, your not about how far or near the goal actually
halal income), but once you know what is is, but where we perceive it is. If you want
truly meaningful to you, you can change to encourage people to donate money for
your present situation to include those a cause, what encourages people more
things (starting a hobby outside work for is knowing that, for example, you have
example). Moreover, it is about diversifying. already raised 10% .If you tell people you
If we only attach meaning to our jobs, and need to raise 100,000$ and you have
forget our family and friends, pretty soon already raised 10,000$, it is easier to get
we will find ourselves drained. The Prophet people to donate than to tell them you need
(PBUH) was balanced. He spent quality to raise 90,000$ and you have nothing. At
time with his family. Aisha (ra) said that the the end, the amount you have to raise is
Prophet (PBUH) would joke with them, talk the same, but it is our perception that gives
to them, and even race with Aisha (ra). He us the energy to move towards the goal.
spent quality time with the companions. So that is what our brain responds to.
Amr bin al-Aas (ra) said that the Prophet When the Prophet (PBUH) was migrating
(PBUH) was so attentive to him he thought from Makkah to Madina under dangerous
he was the best companion! He ensured circumstances, he said to Suraqa bin
his time with his Lord was about quality Malik (who was initially trying to kill the
too, as we saw with the hadith (tradition of Prophet!): "What about a day when you will
the Prophet) above. be wearing the bracelets of Kisra."" Suraqa
Thirdly, he knew how to propel himself more was shocked. "Kisra?!" And the Prophet
quickly towards his goal. Achor explains (PBUH) said "Yes, Kisra the son of Hermuz"
that the closer we perceive ourselves to be (the leader of the powerful Persian empire).
to our goal, the faster we move towards it, Simply by being en route to the safety of
like a runner finishing a race - he speeds Madina, the Prophet (PBUH) saw his finish
up. Allah subhanahu wa ta'ala (Exhalted line as closer. And he was confident about
is He) promises in the Qur'an that He will reaching his target.
make after hardship ease. The conviction Fourthly, he canceled out the noise, and
in that alone meant the Prophet (PBUH) focused on the signals. Achor says in the
knew that there would be something good book that your brain can process only 40

‫م‬2018 ‫ شتاء‬، ‫هـ‬١٤٣9‫ ربيع اآلخر‬،‫ السنة الحادية عرشة‬،‫العدد الرابع واالربعون‬,‫اإلعجاز‬

63
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

Five Skills of a Positive Genius


that Prophet Muhammad (PBUH) Had
BY: Jinan Youssef*

The Prophet Muhammad (PBUH) was They missed Makkah and recited poetry
a positive genius- someone who sees about it. So what did the Prophet (PBUH)
that he has the ability to do something do? He prayed to God to make Madina
about the negative realities in the world, as beloved to them as Makkah. He knew
by the grace of God. In his book, Before that his du`a' (supplications) could change
Happiness, Shawn Achor lists the five skills reality. And it did- after the conquest of
of a positive genius, and I could see each Makkah, the Prophet (PBUH) and many of
one in the Prophet (PBUH). the companions went back to Madina.
The first skill is choosing the most valuable Secondly, the Prophet (PBUH) knew what
reality. Our biggest mistake sometimes is was meaningful to him. Achor defines
believing that our negative perception is "meaning markers" as things in your
the only reality that exists. Now what was life that matter to you, which you use to
the Prophet's (PBUH) reality? He was draw mental maps to success. Without
an orphan, no brothers or sisters, with a meaning, we burn out. This can be applied
handful of believers who were harassed to things like activism or our jobs to things
and abused by the wider society. When like prayer. When we get tired of praying,
his uncle and wife passed away, there was it is because we have not connected to
literally nothing preventing Quraish from the meaning of prayer, or we forgot along
murdering him- and we know they tried. the way. It becomes a chore. Similarly with
And this is reality, is it not? He could have activism, we burn out because we forget
focused on that. He could have been so what gave it meaning to begin with. We get
consumed by that reality that he could tired and then maybe leave it. When Aisha,
not see anything else. But when his uncle radi Allahu 'anha (May Allah be pleased
passed away, he focused on Taif. When with her), saw the Prophet (PBUH) praying
Taif fell apart, he knew he had the hajj for so long that his feet became swollen,
(holy pilgrimage) season to look forward she said to him:
to because all the tribes would come to "O Messenger of Allah, why do you
Makkah from all over Arabia. But things undergo so much hardship despite the fact
were not easy for the Prophet (PBUH) even that Allah has pardoned for you your earlier
after migrating to Madina. Actually, they and later sins?"
were difficult. The companions became ill. He (PBUH) responded: "Afala akuna abdan

‫م‬2018 ‫ شتاء‬، ‫هـ‬١٤٣9‫ ربيع اآلخر‬،‫ السنة الحادية عرشة‬،‫العدد الرابع واالربعون‬,‫اإلعجاز‬

64
‫مقال حر‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫حممد فر�شوخ‬
‫تربّصوا‬
‫الزي واللغات والعادات‪ ،‬وتتطور الأ�سلحة والتقنيات‪،‬‬
‫متر الأيام وال�سنون والقرون‪ ،‬ويتطور م�ستوى معي�شة النا�س ويتغري ّ‬
‫متف�ش واملر�ض �سارٍ‪ ،‬وكذلك القتل والعنف‬
‫م�ست�شر واجلهل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وو�سائل االت�صال ورفاهية العي�ش‪ ،‬ومع ذلك يبقى الفقر‬
‫والعبث والتهجري والتمييز العن�صري والديني‪.‬‬
‫باحل�ساب يعلم املثقفون �أن ما ينفق على احلروب وما ينهب من ثروات ال�شعوب كفيل ب�إزالة الفقر واجلهل واملر�ض‬
‫من على �سطح كوكب الأر�ض بالكل ّية‪ .‬و�إذا بالتطور العلمي يقدم للإن�سانية جي ًال من �أ�سلحة الدمار ال�شامل‪ ،‬كفي ًال‬
‫بتدمري احلياة على �سطح الأر�ض وب�إبادة الأجنا�س �إىل درجة جعلت �أثرياء الأر�ض يحلمون وي�سعون �إىل ت�أمني حيا ٍة‬
‫هانئة �آمنة خارج هذا الكوكب‪.‬‬
‫مل يعد خافي ًا �أن حفن ًة من الب�شر ال�ساديني امل�ستغلني وعائالت معروفة الأ�سماء واالنتماء‪ ،‬يتالعبون ب�أ�سعار النقد‬
‫واملعادن الثمينة وير�أ�سون �أ�ضخم بنوك العامل‪ ،‬بيدهم مقاليد النفط والغاز واملعادن والأخ�شاب‪ ،‬ي�سيطرون على‬
‫�صناعة الدواء فيخفون عقاقري رخي�صة الثمن بالغة الأثر‪ ،‬وينتجون �أدوية ال تخفى �سمومها وال �آثارها اجلانبية‬
‫اخلطرة على النا�س وب�أ�سعار جنونية‪.‬‬
‫هم الآن يف طور ال�سيطرة على املواد الغذائية الأ�سا�سية يف العامل ال بل قاموا بتعديل القمح وبع�ض احلبوب وراثي ًا‬
‫بحيث ي�صبح �صاحل ًا لال�ستهالك وغري ٍ‬
‫�صالح للزراعة‪ ،‬مما ي�ضطر دول العامل ال�سترياد قمحهم القبيح با�ستمرار‪.‬‬
‫باتوا على و�شك �إدارة العامل ب�أ�سره عرب �إمرباطورية عاملية تتحكم باالقت�صاد والنقد وال�سيا�سة والإعالم حتت‬
‫ال�شعار امل�سمى "عوملة"‪.‬‬
‫�أكرث من ذلك �إنهم يخططون ال�ستعباد �سكان الأر�ض جميع ًا عرب رقائق رقمية بد�أت ببطاقات الهاتف وبطاقات‬
‫االئتمان‪ ،‬وبطاقات الهوية‪ ،‬ولوحات ال�سيارت ثم تلغى الأوراق النقدية وت�ستبدل مبعلومات رقمية والغاية النهائية هي‬
‫التو�صل �إىل زرع الرقائق يف حلم كل �إن�سان بحيث ي�سهل التعرف �إليه وعلى مقدار الرثوة لديه وحتى الو�صول‬
‫�إليه ولرمبا الق�ضاء عليه‪� ،‬إذا ما غ�ضبوا عليه‪.‬‬
‫يريدون من الدول احلرة امل�ستقلة �أن ت�صبح �ألعوبة ب�أيديهم‪� ،‬سلطتها حملية وال ت�أثري لها يف ال�سيا�سات الإقليمية وال‬
‫العاملية‪ ،‬ولن يكون لها �سوى الدور القذر يف �إخ�ضاع النا�س و�إلزامهم بتنفيذ الأوامر العاملية‪.‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪65‬‬
‫الكلمة االخيرة‬ ‫والسنة‬ ‫يف القرآن‬

‫بع�ض ما ذكرناه قد حتقق وبع�ضه قيد التنفيذ وبع�ضه الأ�صعب ال ميكن حتقيقه قبل ع�شر او ع�شرين �سنة‪ ،‬ولي�س الهدف‬
‫من ذكره �إحباط النا�س وال دفعهم �إىل اال�ست�سالم‪ ،‬بل لكي ينتبه النا�س �إىل ان ما يبثه الإعالم املبهرج وما يجري يف‬
‫ينظره اقت�صاديون معينون �إمنا هو حلقات مدرو�سة من م�شروع كبري يجري تنفيذه بهدوء‬ ‫امليدان وما ّ‬
‫وعلى مراحل ال تثري االنتباه وال الغ�ضب‪.‬‬
‫ال يعني ذلك �أن هذا املخطط غري قابل للمقاومة �أو االعرتا�ض‪� ،‬أو �أنه �سيجري تطبيقه ال حمالة‪ ،‬ف�أمامه بع�ض‬
‫العقبات وامل�صاعب‪ ،‬و�أهم عقبة تعرت�ضه هي الوعي والإدراك وهنا بيت الق�صيد‪.‬‬
‫ثمة من يخ ّدر النا�س بربامج الرتفيه والتوا�صل "االجتماعي" الوهمي والواهم‪ ،‬واللغو واللهو والألعاب الرتفيهية‬
‫واجلن�س والغناء والرق�ص واملخدرات (بع�ضها رقمي)‪ ،‬بحيث ي�شغل اهتمام النا�س بالتوافه ويثنيهم عن التح�صيل‬
‫العلمي والثقافة احلقيقية وعن التفكر مبا يجري علن ًا ويف اخلفاء‪ ،‬فيقتلون �شهامة الإبن ورجولة الأب وحياء املر�أة‬
‫ويحولون النا�س �إىل �أرقام و�أفراد ال �أ�سرة جتمعهم وال جمتمع يحميهم‪ ،‬وال دولة ت�صون حقوقهم‪.‬‬
‫كيف تتم تنمية الوعي والإدراك عند النا�س؟ ال�سبيل واحد ال ثاين له‪ ،‬وهو يف ا�ستعادة االن�سان �إن�سانيته ورحمته‬
‫وعاطفته وتوجهه ال�سليم‪ ،‬هو يف عودته �إىل الثوابت التي ت�صون له مثله العليا وحتفظ عليه ق َي َمه و�أخالقه‪� ،‬إنه الدين‪،‬‬
‫وال نق�صد بالدين التزمت �أو التع�صب‪ ،‬بل �أن يدرك االن�سان �أنه مل يخلق عبثا‪ ،‬و�أنه خليفة اهلل يف الأر�ض و�أنه مك ّلف‬
‫ب�إقامة العدل و�إحقاق احلقوق وموا�ساة املحتاج والأخذ على يد ال�شرير واملغت�صب واملجرم‪ .‬الفرد �ضعيف ويف‬
‫اجلماعة ق ّوة‪ ،‬بذلك يرتقي ال�شعور االن�ساين والتطور احل�ضاري‪.‬‬
‫امل�سلمون لي�سوا ال�ضحية الوحيدة ب�سبب هذه امل�شاريع الغا�صبة‪� ،‬إمنا �سكان الأر�ض جميع ًا ولذلك ف�إن ّ‬
‫توجه النا�صحني‬
‫لتوعية الغافلني يجب �أن ي�شمل النا�س كل النا�س‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ } :‬و َما أَ� ْر َ�س ْل َن َ‬
‫اك ِ�إلاَّ َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َني { [الأنبياء‪.]107 :‬‬
‫مل تتغري �أدوار ال�صراع عرب التاريخ فالطغاة كرث والأر�ض تطويهم والزمان ي�أتي بغريهم وال يرث الأر�ض �إال الطيبون‬
‫وال�صاحلون‪.‬‬

‫ربنا ج ّل وعال‪ ،‬ال يقف على احلياد‪ ،‬بل ميهل وال يهمل‪ ،‬قال �سبحانه‪َ }:‬فترَ َ َّب ُ�صوا �إِ َّنا َم َع ُك ْم ُمترَ َ ِّب ُ�صونَ { [التوبة‪.]52 :‬‬
‫وال دواء وال عالج �إال بالتوعية والعلم والإعالم ومقارعة احلجة باحلجة وبالإعداد ليوم املواجهة‪ ،‬فال�صراع م�ستمر وال‬
‫ي�أ�س وال كلل‪.‬‬

‫عزيزي القارئ‪،‬‬
‫�ضع هذه املجلة يف املكتب �أويف البيت واترك املجال ملن حتب لكي ّ‬
‫يطلع عليها‪.‬‬
‫وال تهملها �أو تخزنها باك ًرا‪ ،‬فقد يكون لك فيها �أجر تذكري النا�س باهلل ع ّز‬
‫وج ّل‪ .‬قال تعاىل }كال انها تذكرة فمن �شاء ذكره{‪.‬‬

‫اإلعجاز‪,‬العدد الرابع واالربعون‪ ،‬السنة الحادية عرشة‪ ،‬ربيع اآلخر‪١٤٣9‬هـ ‪ ،‬شتاء ‪2018‬م‬

‫‪66‬‬
6.500 m
Pre-Press , Printing & Post-Press
Magazine - Brochures
Cataloges - Books - Stationary
Labels - Packaging
Flex - Backlit PP - Vinyl Print & Cut - Foam Board
Banners - Unipoles - Posters

Jnah -Next to BHV


Beirut - Lebanon
Tel: 961 1 856962
Tel: 961 1 707375
Fax: 961 1 859962
WWW.ipexpp.com
info@ipexpp.com

,
‫علمية ‪ -‬دينية ‪ -‬فصلية‬
‫ت�صدر عن منتدى االعجاز العلمي يف القر�آن الكرمي وال�سنة‪-‬لبنان‬

‫بريوت‪ ,‬لبنان‬
‫جادة الراشدين ‪ -‬تقاطع بسرتس الصنائع‬
‫سنرت مونتي مارينا ‪ -‬بلوك ‪ C‬ط‪3‬‬
‫هاتف‪- +9611346699 :‬فاكس‪+ 9611346688 :‬‬
‫بريد إلكرتوين‪iijazforum@gmail.com:‬‬
‫‪www.iijazforum.org‬‬
‫‪,‬‬

You might also like