You are on page 1of 4

‫لعدد ‪- 40‬السنة الرابعة – محرم ‪1411‬هـ‪ ،‬آب ‪1990‬م‬

‫الغرب والشرق واألوسط‬


‫ترجمة وعرض‪ :‬د‪ .‬نبيل صبحي‬ ‫تأليف‪ :‬برنارد لويس‬ ‫الغرب والشرق واألوسط‬ ‫كتاب في مقال‪:‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫واحد من كتب عدة ألفها المستشرق البروفيسور (لويس)‪ ،‬وهو مجموعة محاضرات ألقاها في جامعة (إنديانا )بالواليات المتحدة األميركية عام‬
‫المعرب فلقد صدر عام ‪1965‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪1963‬م‪ ،‬نشرت في العام نفسه‪ ،‬أما الكتاب‬

‫و (برنارد لويس) أستاذ دراسات الشرق األوسط بجامعة لندن‪ ،‬ورئيس قسم التاريخ في كلية الدراسات األفريقية والشرقية‪ ،‬والكتاب طريف‬
‫وهام إذ أن موضوعه ال يزال مطروحا ً في ساحة الصراع الفكري في العالم اإلسالمي عامة‪ ،‬وفي الشرق العربي خاصة‪ ،‬فبعد الصدمة المرعبة‬
‫التي أصابت َح َملة األفكار المهزومة من جراء المد اإلسالمي العارم الذي اكتسح كل األيديولوجيات الهجينة‪ ،‬يحاول القوميون العلمانيون‬
‫وأضرابهم «ال َع ْو َم» مرة أخرى على سطح األحداث‪ ،‬متمسحين باإلسالم دون تغيير جوهري في قناعتهم ومقوالتهم‪ ،‬يقولون… بألسنتهم‪:‬‬
‫اإلسالم تراث… أي‪« :‬بالعربي الفصيح »ال مكان له اآلن في حياة الجماهير!!» اإلسالم دين‪ ،‬على النمط األوروبي‪ ،‬أي‪ :‬يجب أن يبقى معزوالً‬
‫في زوايا أماكن العبادة‪ ،‬بين اإلنسان وربه!!‪ ،‬اإلسالم… عامل من عوامل كثيرة صاغت القومية العربية… أي بصريح العبارة …ثانوي‬
‫التأثير!!‬

‫كل هذا التهافت… هو محاولة يائسة ـ لعلها األخيرة ـ لمنع اإلسالميين من توعية الناس باالنفصام الكامل بين القومية العلمانية واإلسالم‪ ،‬فهما‬
‫يسيران على خطين متوازين ال يلتقيان‪ ،‬العروبة في المفهوم اإلسالمي الواضح هي اللسان‪ ،‬والمسلمون على اختالف عناصرهم حملوا وأحبوا‬
‫لغة القرآن الكريم‪ ،‬بل عن الكثير من المسلمين ـ من غير العرب ـ كانوا من أبرز علماء اللغة الحبيبة الراقية التي يدعو لنشرها اإلسالميون‬
‫الواعون بين ألف مليون مسلم‪ ،‬ويحاربون بالقلب واليد واللسان كل أعدائها من شعوبيين ومتفرنجين… وعمالء تنصير…‬

‫وطرافة الكتاب‪ ،‬في هذه األجواء‪ ،‬هي كشفه‪ ،‬بدون مواربة‪ ،‬القوى التي َد َلفت منها وعبرتها التأثيرات الغربية واألفكار المستوردة إلى‬
‫ومزقت وحدتها‪ ،‬وبعثرت المسلمين في تكتالت عرقية شوفينية متحاربة‪ ،‬ومهّدت للغزو االستعماري‬ ‫المجتمعات المسلمة‪ ،‬فهدّمت خالفتها‪ّ ،‬‬
‫االقتصادي والعسكري والثقافي‪.‬‬

‫و «برنارد لويس» هو الشاهد الغربي الصريح الذي يفضح أصول الدعوات القومية الليبرالية العلمانية‪ ،‬والماركسية التي وفدت إلى الشرق‬
‫األوسط وكلها نتاج حضارة غربية يهودية نصرانية‪.‬‬

‫والشرق األوسط في تحديد (لويس) الواسع هو البالد المسلمة بمجتمعاتها التي اختلفت جذور عناصرها ولغاتها في الماضي‪ ،‬ثم ذابت كليا ً تقريبا ً‬
‫في بوتقة اإلسالم وعالميته الرحبة‪ ،‬فهي اآلن رغم كل التدخالت األجنبية والتأثيرات الخارجية‪ ،‬مجتمعات متماسكة قوية‪ ،‬سمات ثقافتها‬
‫وحضارتها وتقاليدها مستمدة من معين واحد هو اإلسالم‪.‬‬

‫الفصل األول‪:‬‬

‫بعد التحديد الجغرافي لتعبير (الشرق األوسط) يعترف (لويس) بالهوية العقائدية الواضحة لهذه المنطقة الهامة من العالم‪ ،‬فيقول بالحرف‪:‬‬
‫«منذ ثالثة عشر قرنا ً ونصف القرن‪ ،‬والشرق األوسط هو ارض اإلسالم‪ ،‬وهو يمثل قلب العالم اإلسالمي جغرافيا وفكريا ً وروحياً‪ ،‬ففيه ُولد‬
‫إيمان المسلمين‪ ،‬وعلى أرضه صيغت للمرة األولى الحضارة اإلسالمية» (ص )‪ ،14‬وفي سياق حديثه عن حكام الدولة اإلسالمية‪ ،‬قال‪« :‬وكانت‬
‫عقيدتهم التي حملوها‪ ،‬ولغتهم التي نشروها‪ ،‬وهي لغة قرآنهم‪ ،‬هي األساس والوسيلة لحضارتهم الفتية الحديث‪ ،‬والتي أسهم في بناءها أناس‬
‫من شعوب متعددة‪ .‬ولكنها كانت تنشر باللغة العربية‪ ،‬وت ُكتب في إطار األفكار اإلسالمية‪ ،‬وتوزن بالمعايير اإلسالمية» (ص ‪).17‬‬

‫ويعترف (لويس) بتسامح اإلسالم فيقول« ‪:‬لقد اندحرت النصرانية‪ ،‬ولكنها لم تتحكم بظهور اإلسالم في الشرق األوسط‪ ،‬لقد تناقص عدد‬
‫النصارى في الشرق األوسط بعد الفتح اإلسالمي بعد أن انتقل بعضهم إلى اإلسالم‪ ،‬وبازدياد عدد المسلمين الجدد باإلضافة إلى المسلمين‬
‫الفاتحين أصبح النصارى أقلية‪ ،‬غير أنه بقي لهم وزن ال بأس به‪ ،‬كما كان من «حرية» العقيدة والعبادة‪ ،‬وأدوا بسبب تسامح الدولة اإلسالمية‬
‫دورا ً صغيراً‪ ،‬ولكنه مهم‪ ،‬في بناء المدينة اإلسالمية الشهيرة‪ ،‬وعندما جاء الصليبيون يحملون معهم «تراثا ً» ضخما ً من التعصب والشك أثروا‬
‫على عالقة النصارى بجيرانهم المسلمين‪ ،‬وأضعفوا الوثيق من الصالت التي كانت قائمة قبل قيام الحروب الصليبية» (ص‪ …« ،)22‬وفي عهد‬
‫الفتوحات العربية كان لليهود مجتمعات محدودة منتشرة في كل الشرق األوسط‪ ،‬وقد اسهم الفاتحون المسلمون في تحسين حال هذه المجتمعات‬
‫اليهودية من ناحية األمن والمعاش» (ص‪).24‬‬

‫ويختتم (لويس) الفصل األول بذكر الفرق بين مفهوم الدين عند الغربيين وعند المسلمين فيقول‪« :‬للدين مفاهيم مختلفة في أذهان مختلف‬
‫الناس‪ ،‬ففي الغرب يعين الدين بصورة رئيسية نظام إيمان وعبادة‪ ،‬يتميز عن الوالء الوطني والسياسي‪ ،‬ويعتبر في هذا العصر ثانويا ً بالنسبة‬
‫للوالءين السابقين المذكورين‪ .‬أما بالنسبة للمسلمين فالدين يعني أكثر من ذلك بكثير‪ ،‬فاإلسالم يشمل في معناه ما تعنيه في الغرب كلمة‬
‫(الحضارة)… و(الدين)… مجتمعين»‪« ،‬ولجميع الشعوب اإلسالمية قاسم مشترك واحد من اإليمان والوالء للشريعة اإلسالمية‪ ،‬يطبعها بطابع‬
‫هوية واحدة يبقى ويدوم حتى ولو فقد اإليمان وأهملت الشريعة» (ص ‪ …« ،)30‬والوحدة التي تجمع هذه الشعوب على قاسمها المشترك هي‬
‫عقيدة‪ :‬ال إله إال هللا وأن محمدا ً رسول هللا‪ ،‬وثانياً‪ :‬القرآن والسنة‪ ،‬وثالثاً‪ :‬النظام الماهر المعقد المبني على نظرية اإلسالم الدينية‪ ،‬وعلى الفقه‬
‫الذي استند إليه‪ ،‬فتعاليم اإلسالم المنبعثة من منابعه األصلية تضم باإلضافة إلى المعتقدات والعبادات‪ ،‬تشريعا ً يمكن تسميته بلغة الغرب‪ :‬الحقوق‬
‫المدنية والحقوق الجنائي ة‪ ،‬وحتى الحقوق الدستورية‪ ،‬فكل مسلم مؤمن يعتقد أن هذه التشريعات اإلسالمية جاءت من النبع نفسه‪ ،‬ولها سلطة‬
‫وقوة التشريعات االعتقادية والعبادية‪ ،‬ولقد وضع فقهاء المسلمين‪ ،‬أسس «التقاليد» السياسية للمجتمعات اإلسالمية‪ ،‬وبقيت هذه «التقاليد»‬
‫سائدة المفعول لقرون طويلة‪ ،‬وكان لتاريخ المسلمين األوائل رصيد ضخم من القوة المعنوية في قلوب المسلمين» (ص ‪ 30‬ـ ‪).31‬‬

‫مقابلة بين نظريتين‪:‬‬

‫ويتابع (لويس) الحديث عن نظرة المسلمين إلى غيرهم من أهل الكتاب ويقابلها بنظرة أوروبا النصرانية المعاصرة إلى اإلسالم فيقول‪« :‬وفي‬
‫نظر العالم اإلسالمية كانت النصرانية واليهودية دينين سماويين وأصلهما حقيقة إيمانية صحيحة عند المسلمين‪ .‬وهما حلقتان قديمتان في‬
‫سلسلة األديان السماوية التي اكتملت باإلسالم في رسالة محمد بن عبد هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وكل ما في الديانتين من عقائد احتفظ بها‬
‫اإلسالم واعتبرها وقدّر ها‪ .‬أما ما عدا ذلك فكان من الزيادات والتشويهات والتحريفات‪ ،‬لذلك فالنصرانية في حالتها التي آلت إليها‪ ،‬ومعها‬
‫محرفة منسوخة»‪« ،‬وفي نظرة‬ ‫ّ‬ ‫«الحضارة النصرانية» التي بنيت على أساس تلك الحالة‪ ،‬ليست كاملة في نظر المسلمين‪ ،‬فهي ناقصة‬
‫المسلمين هذه إلى الحضارة النصرانية والنصرانية نفسها تسامح وتساهل أكثر بكثير مما في نظرة أوروبا النصرانية المعاصرة التي تنظر إلى‬
‫اإلسالم على أنه كله باطل وشر…‪ ،‬وهذه النظرة المتسامحة من المسلمين تنعكس في المعاملة الحسنة‪ ،‬والتسامح الكبير الذي يلقاه أتباع‬
‫الديانة النصرانية في المجتمعات اإلسالمية بالرغم من موقف النصارى كديانة منافسة لإلسالم» (ص ‪ 38‬ـ ‪).39‬‬

‫من الذي بدأ التغريب؟!! يقول (لويس)‪« :‬إن حملة نابليون على مصرة عام ‪1719‬م كانت أول شرارة في طريق التغريب… ثم افتتحت عهداً دام‬
‫قرنا ً ونصف القرن من التدخل المباشر األنكلو ـ فرنسي في أمور الشرق» (ص‪ ،)44‬ويضيف (لويس)‪« :‬في فترة قرن ونصف القرن من‬
‫السيطرة األنكلو ـ فرنسية في الشرق األوسط‪ ،‬مضافة إلى الفترة األطول من تأثير التغريب في تركيا‪ ،‬أحدث هذا التأثير والسيطرة تغييرات‬
‫واسعة عميقة غير قابلة للعودة إلى الوراء‪ ،‬على مختلف مستويات الوجود االجتماعي‪ ،‬ومن الطبيعي أن تكون أسباب هذه التغييرات نتيجة‬
‫أعمال الحكام الغربيين الذين كانوا أكثرهم يمثلون المحافظة والحذر في سياستهم‪ ،‬إال أن أكثر التغييرات الجذرية العنيفة التي حدثت قام بها‬
‫(متغربو) الشرق األوسط من حكامه الشرقيين بعزم وشجاعة» (ص‪).48‬‬

‫ما هي نتائج التغريب؟‬

‫يقول (لويس)‪« :‬وما بين آونة وأخرى يطرح مفكروا الشرق األوسط في األعوام األخيرة سؤاالً يجتاح إلى جواب‪ :‬ما هي نتيجة عملية‬
‫التغريب؟… «وهذا سؤال يجدر بنا أن نوجهه ألنفسنا نحن الغربيين‪ ،‬لقد كانت عادتنا التي تعودناها في العالم الغربي هي‪ :‬كلما اتجه الشرقيون‬
‫إلينا كلما ازداد تمسكنا بالغرب‪ ،‬لنجعل أنفسنا مثاالً للفضيلة والتقدم‪ ،‬فإذا تشبهوا بنا عددنا ذلك أمرا ً حسناً‪ ،‬وإذا لم يكونوا كذلك عددنا ذلك سوءاً‬
‫وشرا ً» (ص‪).60‬‬

‫ويختم (لويس) الفصل الثاني قائالً ‪:‬والتغريب الذي كان من عمل الغربيين… بل كان أكثره من عمل المتغربين من أبناء الشرق‪ ،‬جاء بتغييرات‬
‫يُشك كثيرا ً في قيمتها‪ .‬أول هذه التغييرات هو االنحالل السياسي الذي أدى إلى تفتيت المنطقة وتجزئتها فقبل ذلك التاريخ كان في الشرق األوسط‬
‫نظام سياسي مستقر… رما لم يكن كل السالطين الذين تعاقبوا على الحكم محبوبين من رعاياهم‪ ،‬ولكنهم كانوا في موضع احترام‪ ،‬واألهم من‬
‫ذلك أنه لم يكن هناك خالف على مشروعية الحكم ألنه (عاهل) آخر خالفة إسالمية تضم جميع مسلمي العالم تقريبا ً‪.‬‬

‫ثم عزل السلطان وهُدمت الخالفة‪ ،‬وقام مقامه عدد من الملوك والرؤساء الديكتاتوريين الذي دبروا أمرهم لمدة معينة‪ ،‬وربحوا تصفيق وتأييد‬
‫شعوبهم‪ ،‬ولكنهم لم يكونوا أبدا ً موضع الرضى التام والقبول الطبيعي‪ ،‬والوالء األكيد الذي كان ممنوحا ً لحكومة السلطان الشرعية‪ ،‬وهذا الوالء‬
‫والرضى جعال السلطان غير محتاج للضغط والعنف واإلرهاب والديماغوجية السياسية في الحكم‪ ،‬وبضياع الشرعية والوالء خسر أهل الشرق‬
‫األوسط هويتهم الواحدة القديمة‪ ،‬فبعد أن كان كل مواطن عضوا ً في دولة إسالمية كبيرة لها ألف سنة أو تزيد من التراث والتاريخي‪ ،‬وجد الناس‬
‫أنفسهم مواطنين لسلسلة من الدول التابعة‪ ،‬والوحدات السياسية الجديدة المفتعلة‪ ،‬والتي تحاول اآلن إيجاد جذور لها في ضمير الشعب ووالئه‪.‬‬
‫ف وانهيار النظام السياسي القديم‪ ،‬على أية حالة‪ ،‬انحال ٌل اجتماعي وثقافي مواز له‪ ،‬ربما كان النظام القديم في حالة تفسخ‪ ،‬ولكنه‪،‬‬ ‫َب نَ ْ‬
‫س َ‬ ‫وصاح َ‬
‫على كل حال‪ ،‬كان قائما ً بوظيفته‪ ،‬حيث كانت الوالءات والمسؤوليات واضحة الحدود والمعالم‪ ،‬تجمع جميع فئات الشعب في إطار واحد‪ ،‬ثم‬
‫سخر منها ومن القيم القديمة‪ ،‬وقام محلها مجموعة من المؤسسات والقوانين والمقاييس الوضعية المستوردة من‬ ‫ُد ِّّمرت األساليب القديمة و ُ‬
‫الغرب والتي بقيت لمدة طويلة غريبة عن أحاسيس وآمال المسلمين في الشرق األوسط‪ ،‬باإلضافة لكونها تافهة بالنسبة لحاجتهم» (ص ‪ 61‬ـ‬
‫‪).62‬‬

‫من أين جاءت االشتراكية للشرق األوسط؟؟‬

‫يقول (لويس) عن االشتراكية في الشرق األوسط‪ « :‬بدأت االشتراكية في الشرق األوسط بواسطة فئات صغيرة كشكل غامض من أشكال تقليد‬
‫(الموضة) األوروبية‪ ،‬وقليل من الكتاب أيدوها بج ٍد واهتمام مثلما أيدها السوري النصراني (شبلي شميّل) الذي عاش ما بين ‪ 1860‬ـ ‪1917‬م‪،‬‬
‫والكاتب النصراني المصري (سالمة موسى) الذي عاش ما بين ‪ 1887‬ـ ‪1959‬م‪ ،‬واتبع االثنان األنموذج الغربي لالشتراكية‪ ،‬حيث اتبع شميّل‬
‫مدرية (جوريه )الفرنسية‪ ،‬واتبع موسى الفابيّين اإلنكليز‪ ،‬وفي فلسطين (المنتدبة) قامت اشتراكية ديمقراطية على النفط األوروبي بين أوساط‬
‫العمالية اليهودية؟؟ ‪..» «..‬بدأت حركة جديدة بعد نجاح حزب العمال البريطاني سنة ‪ ،1945‬وكانت بريطانيا في ذلك الوقع في راس قائمة الدول‬
‫الكبرى‪ ،‬وكانت االشتراكية في رأس القائمة في بريطانيا‪ ،‬لذا فقد اعتقد الناس أن االشتراكية شيء جيد‪ ،‬باإلضافة إلى أنها العالج للمشاكل‬
‫االقتصادية المتعاظمة في الشرق األوسط‪ ،‬وهكذا ظهرت مجموعة من األحزاب االشتراكية في مختلف بالد المنطقة كان أهمها‪:‬‬

‫الحزب العربي االشتراكي الذي أسسه أكرم الحوراني في سورية عام ‪1950‬م ثم توجد حزب مشيل عفلق‪ :‬البعث العربي سنة ‪1953‬م وسمي‬
‫حزب البعث العربي االشتراكي» (ص ‪ 95‬ـ ‪).96‬‬

‫ويتابع (لويس)‪« :‬كانت االشتراكية (فوق الريح) في سنوات ‪1950‬م وما بعدها‪ ،‬تماما ً كما كانت سابقتها الحركة الليبرالية قبل قرن من الزمان‪،‬‬
‫وكسابقتها ربحت االشتراكية عددا ً من المتعلمين‪ ،‬ولكنهم لم يكونوا هم الذين جاؤوا بها إلى كرسي الحكم والسيطرة‪ ،‬فالثورة االشتراكية‪ ،‬مثل‬
‫الدستورية الليبرالية‪ ،‬فُرضَت من فوق‪ ،‬لم تأت تلبية لطلب شعبي أو رغبة جماهيرية‪ ،‬وال جاءت نتيجة النتصار الحركة االشتراكية أو نجاح‬
‫الطبقة العاملة‪ ،‬بل كانت نتيجة قرار نظام حكم عسكري( »ص‪ ،)98‬ويختم (لويس) الفصل الثالث بقوله‪« :‬قد يأتي يوم يجد فيه اشتراكيّو الشرق‬
‫األوسط نظامهم يتساقط هباء كما جرى للديمقراطيين من قبلهم‪ ،‬وينتهون إلى الخيبة والضياع‪ ،‬وقد يتعلمون من أخطاء أسالفهم فيصلحون‬
‫ويتأقلمون ويسيطرون» (‪).103‬‬

‫مصادر األفكار الوطنية والقومية‪:‬‬

‫يبدأ (لويس) الفصل الرابع بقوله‪ :‬إدخال هرطقة القومية العلمانية‪ ،‬أو عبادة الذات الجماعية‪ ،‬كانت أرسخ المظالم التي أوقعها الغرب على‬
‫الشرق األوسط‪ ،‬ومع ذلك كانت أقل المظالم ذكرا ً وإعالنا ً…‪ ،‬إنه لمن المحزن حقا ً أن يؤرخ اإلنسان المراحل المتعاقبة التي مرت» (ص‪).105‬‬

‫«كانت الدولة العثمانية آخر وأطول الدول اإلسالمية العالمية الكبيرة التي حكمت الشرق األوسط من أيام الخلفاء الراشدين‪ ،‬وفي هذه الدولة كان‬
‫والء المسلمين األساسي لإلسالم‪ ،‬وللدولة التي تجد واقع اإلسالم السياسي‪ ،‬وللخالفة التي اكتسبت الصفة الشرعية بالمبايعة على مرور الزمن‪،‬‬
‫والتي كانت تسوس أمور الناس‪ ،‬وكان المعارضون والمتردون والثائرون يسعون لتغيير الوزراء أو الحكام أو حتى الخالفة الحاكمة كلها‪،‬‬
‫ولكنهم لم يسعوا أبدا ً لتغيير أساس الوالء لدولة اإلسالم ولوحدة هويته( »ص‪).109‬‬

‫ويتابع (لويس)‪« :‬وعلى المنحى نفسه مشى المواطنون العرب في الدولة العثمانية قبل أن يتأثروا باألفكار األوروبية( »ص‪ …« .)109‬ولقد‬
‫كانت فكرة قيام الدولة على أساس األرض والوطن القومي غريبة أجنبية بالنسبة لهم حتى إن كلمة )‪ (ARABIA‬اإلنكليزية ليس لها مثيل في‬
‫اللغة العربية‪ ،‬وكذلك األتراك لم يخترعوا كلمة «تركيا» إال حديثاً‪ ،‬وهي من أصل أوروبي» (ص‪).110‬‬

‫«ظهرت (الفكرة الوطنية) في مصر على يد رفاعة الطهطاوي بعد ما عاش خمس سنوات في باريس‪ ،‬وكان ذلك في أواسط القرن التاسع عشر»‬
‫(‪« ،)116‬وأطلق في مصر شعار (مصر للمصريين) الصحفي النصراني «سليم نقاش» وع ّممه اليهودي «أبو نظارة» (ص‪« ،)122‬وما بين‬
‫‪ 1860‬ـ ‪1870‬م نشر بطرس البستاني فكرة الوطنية‪ ،‬وكان هناك المثقفون العرب النصارى في بيروت وجبل لبنان حيث القت فكرة( الوطنية)‬
‫صدى وردّة فعل» (ص‪).120‬‬

‫الدونمة‪ ..‬أثاروا فكرة الطورانية المتعصبة‪:‬‬

‫«ولقد تسربت فكرة القومية العرقية من أواسط وشرقي أوروبا عبر أقنية عدة‪ ،‬ولقد كان الالجئون البولنديون على الغالب أو الناقلين‪ ،‬عندما‬
‫ذهبوا لتركيا بعد فشل ثورتهم عام ‪1848‬م‪ ،‬ولقد بقي قسم كبير منهم فيها واعتنقوا اإلسالم‪ ،‬واحتلوا مناصب هامة في الدولة العثمانية‪ ،‬وكان‬
‫أهدهم «الكونت قسطنطين بورزيسكي»‪ ،‬وقد سمى نفسه بعد ذلك «مصطفى جالل الدين باشا»!! ونشر عام ‪1869‬م كتابا ً بالفرنسية في‬
‫اسطنبول إسمه (أتراك األمس وأتراك اليوم)‪ ،‬وحاول (بورزيسكي) جهده إلثبات أن األتراك هم من العرق األبيض مثل شعوب أوروبا‪ ،‬وينتمون‬
‫لما أسماه العرق (الطوراني ـ اآلري)» (ص ‪ 162‬ـ ‪ ،)172‬ويتابع (لويس) كالمه «ولقد كان األتراك أكثر من العرب والعجم نسيانا ً لتاريخهم‬
‫الماضي‪ ،‬فلقد كانوا ال يفكرون بأية هوية أخرى غير اإلسالم‪ ،‬ولكن المستشرقين عن قصد أو عن غير قصد! ساعدوا األتراك على استعادة‬
‫هويتهم القومية الضائعة‪ ،‬وعلى الدعوة إلى حركة قومية تركية جديدة» (ص ‪« ،)172‬ولما جاء السلطان عبد الحميد‪ ،‬أخمد هذا االتجاه القومي‪،‬‬
‫ولم يظهر بعد ذلك إال عام ‪1908‬م عندما تبنته حركة الشبيبة التركية» (ص‪).129‬‬

‫ولقد عارض الشاعر اإلسالمي الكبير محمد عاكف هذا التيار القومي وقاومه‪ ،‬ولما ثار قومه األلبان سنة ‪1912‬م ضد الدولة العثمانية كتب‬
‫موجها ً كالمه إليهم قائالً‪« :‬إن ملتكم هي اإلسالم‪ ..‬فما هي هذه القومية القبلية؟ هل العرب أفضل من الترك أو أن (الالظ) أفضل من الشركس‬
‫والكرد‪ ،‬أم أن الفرس أفضل من الصينيين؟ بماذا تفضلونهم؟ ماذا دهاكم هل تقسمون اإلسالم إلى أجزاء متعددة‪ ،‬إن الرسول الكريم نفسه سفّه‬
‫العصبية القبلية‪ ،‬وليس باستطاعة الترك العيش بدون العرب‪ ،‬ومن يقول غير هذا فهو مجنون‪ ،‬والترك بالنسبة للعرب عينهم اليمنى وساعدهم‬
‫األيمن‪ ،‬فلتكن ألبانيا لكم إنذاراً‪ ،‬ما هذه السياسة المتخبطة‪،‬وما هو هذا الهدف الشرير؟ إسمعوها مني‪ ،‬أنا األلباني‪ :‬ال أقول أكثر من أسفي على‬
‫بالدي المبتالة» (ص ‪ 135‬ـ ‪136).‬‬

‫ويتابع (لويس) كالمه عن جذور الحركات القومية في الشرق اإلسالمي‪ ،‬فيقول‪« :‬لقد حاول بعض القوميين العرب المتطرفين‪ ،‬في عدة‬
‫مناسبات‪ ،‬إيجاد أسس للقومية العربية الحديثة منذ عهد محمد علي… بل عهد صالح الدين األيوبي‪ ..‬بل الخليفة عمر بن الخطاب‪ ..‬بل عهد‬
‫حمورابي!! وبدون تعليق أهمية خاصة على هذه التصورات الخيالية الطارئة‪ ،‬يجب أن نقول‪ :‬إن إحساس العرب بهويتهم المتميزة هو أمر قديم‬
‫عميق الجذور‪ ،‬وفي العصر الجاهلي وبداية العهد اإلسالمي كان عند العرب شعور عنصري ارستقراطي‪ ،‬تحول بعد قيام الدولة اإلسالمية‬
‫العالمية إلى نوع من اإلحساس بقيمتهم الثقافية باعتبارهم أصحاب اللغة العربية لغة القرآن» (ص ‪ 131‬ـ ‪).132‬‬
‫ثم يقول‪« :‬وافتخار العرب له ما يبرره في لغتهم الرائعة‪ ،‬وفي أدبهم الغني العظيم‪ ،‬وقد عبروا عبر األجيال عن هذا الفخر‪ ،‬إال أن العروبة ـ‬
‫كحركة سياسية وكفكرة ـ تقول‪ :‬إن العرب يشكلون أمة لها حقوقها القومية… هذا الشكل من العروبة لم يظهر إال في أواخر القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫وبقي أول األمر محدودا ً بمجموعة صغيرة من الناس ال تمثل الشعب العربي‪ ،‬وكان أكثر هذه المجموعة من النصارى»‪« ،‬والفئة الصغيرة من‬
‫المتعلمين الذين بشروا بالبعث العربي لم يالقوا صدى مناسباً‪ ،‬حتى أن الثورة العربية التي نظمها اإلنكليز لم تكن ناجحة ال في دعوتها‪ ،‬وال في‬
‫أهدافها‪ ،‬كما أومت بذلك القصة الرسمية المروية» (ص ‪« )133‬وبعد أن ُح ِّرم العرب من والئهم الديني وخالفتهم الزائلة‪ ،‬عاشوا في وحدات‬
‫سياسية مصطنعة خلقها المحتل‪ ،‬أصبحوا تحت رحمة حكم أجنبي يمارسه أسيادهم… المشركون» (ص‪).133‬‬

‫ويخصص (لويس) الفصل الخامس لثورة اإلسالم‪ ،‬فيقول في أوله‪« :‬ومنذ بدء التغلغل الغربي في العالم اإلسالمي حتى يومنا هذا كانت أهم‬
‫الحركات الفكرية المتميزة المهمة األصلية التي قامت في وجههم‪ ،‬حركات إسالمية» (ص‪« ،)148‬وأقوى الحركات الثورية التي قامت والتي‬
‫كسبت أقوى التأييد‪ ،‬وأثارت حماس أغلب الجماهير كانت دينية شعبية في أصولها‪ ،‬وفي شعاراتها‪ ،‬وفي األسلوب الذي عبرت به عن غايتها‬
‫وسبيلها» (ص‪« )148‬وأول ردود فعل المفكرين المسلمين لواقع االنحطاط والضعف الذي أصاب المسلمين ‪..‬كانت دينية وليست قومية»‬
‫(ص‪« ،)149‬وعندما بدأ الهجوم على العالم اإلسالمي لم يكن موجها ً إلى القلب بل إلى األطراف‪ ،‬ولم يكن السالطين أو الوزراء أو الجنراالت أو‬
‫المتعلمون هم الذين قادوا معركة المقاومة بل كانوا الزعماء الدينيون الشعبيون هم الذين استطاعوا إيقاظ وتوجيه عواطف جياشة وطاقات‬
‫جبارة» (ص‪ )154‬ويذكر (لويس) من جملة زعماء المقاومة اإلسالمية في أطراف العالم اإلسالمي‪( :‬أحمد بريلوي) في الهند ضد اإلنكليز‬
‫و(شامل) في داغستان ضد الروس‪ ،‬و(عبد القادر الجزائري) في شمالي أفريقية ضد الفرنسيين‪.‬‬

‫وبعد أن يشتط (لويس) في مدح السير (أحمد خان) الذي أفتى بإبطال الجهاد ضد اإلنكليز‪ ،‬ويخص جمال الدين األفغاني بالنقد القاسي‪ ،‬ويشيد‬
‫بالحركة الكمالية التي هدمت الخالفة… يعود فيعترف« ‪:‬كان للمنظمات اإلسالمية أبز األلوية في المعركة مع الغرب ما بين عام ‪ 1945‬ـ‬
‫‪1955‬م‪ ،‬وكان لدعوتها بتأكيد قيم العقيدة اإلسالمية رد فعل قوي‪ ،‬فلقد كانت أقرب إلى مشاعر الطبقات الكادحة المظلومة التي تكره مستغليها‬
‫من األسياد المتغربين مثلما تكره الغربيين أنفسهم» (ص‪ )173‬ويختم (لويس) الفصل الخامس بقوله‪:‬‬

‫«الشيء الواضح الوحيد هو أن من بين جميع الحركات الكبرى التي هزت الشرق األوسط في آخر قرن ونصف القرن‪ ،‬كانت الحركات اإلسالمية‬
‫وحدها أصلية في تمثيلها لمطامح أهل هذه المنطقة‪ ،‬فالليبرالية والفاشية والوطنية‪ ،‬والقومية‪ ،‬والشيوعية واالشتراكية‪ ،‬كلها أوروبية األصل‬
‫مهما أقلمها وعدلها أتباعها في الشرق األوسط‪ ،‬والمنظمات اإلسالمية هي الوحيدة التي تنبع من تراب المنطقة وتعبر عن مشاعر الكتل‬
‫الجماهيرية المسحوقة» (ص‪).179‬‬

‫أميركا تخلق اآلن أنظمة تعاديها معاداة معتدلة!‬

‫ويخصص (لويس) الفصل السادس واألخير من الكتاب للسياسة ومكانة الشرق األوسط السياسية في األجواء العالمية‪ ،‬وأهم فكرة تضمنها هذا‬
‫الفصل جاءت في سياق الحديث عن دور أميركا في تغيير حكومة لبنان عام ‪1958‬م وعن تدخل الحكومة األميركية مباشرة «إلزاحة حكومة‬
‫موالية لها وإحالل حكومة أخرى أخف مواالة لها من الحكومة الراحلة‪ ،‬وبالتالي أكثر قابلية للحياة» (ص‪ )194‬ويقول (لويس‪):‬‬

‫«الحق أن هذه الطريقة أحلّت السالم‪ ،‬وقطعت الطريق على قيام حكومة مناهضة ألميركا‪ ،‬وأصبح هدف السياسة الغربية في الشرق األوسط‬
‫عمالً صعباً‪ ،‬وهو قيام حكومات لها قابلية الحياة!… على أن تكون استعداداتها العدوانية نحو الغرب… محدودة» (ص‪ )194‬ويتابع (لويس)‬
‫قوله ‪:‬وبقيت هذه السياسة منذ ذلك الوقت حتى اآلن‪ ،‬وهي تشجيع بل إنشاء أنظمة حكم تعارض أميركا معارضة… معتدلة‪ ،‬والظاهر أن هذه‬
‫الغاية هي الهدف األساسي للسياسة األميركية في الشرق األوسط» (ص‪)¨195‬‬

‫هذا المقال مأخوذ من مقال منشور في مجلة األمة (العدد الثامن والعشرون ـ السنة الثالثة) كانون الثاني‪.‬‬

You might also like