Professional Documents
Culture Documents
الحمد هلل رب العالمين ,والصالة والسالم على رسوله األمين ,وعلى آله وصحبه أجمعين,
وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ,أما بعد:
فلقد أصبحت الحاجة إلى االستعانة بالجوانب اإلدارية في كثير من جوانب الحياة أمرا ً أساسيا ً
ومهماً؛ إذ إن األمور لم تعد من البساطة بحيث يستطيع الفرد أن يعالجها بالطرق التقليدية
المعتادة .وقد أصبح الفرد يعيش في خاليا من العالقات المتشابكة على كل صعيد ،والتي
تشمل جوانب الحياة الفردية واالجتماعية ،أو على مستوى العالقات المحلية والعالمية للهيئات
والمنظمات ،ويشتمل كل جانب من هذه الجوانب على جزئيات من الخاليا تشكل بحد ذاتها
دائرة من العالقات المتشابكة ,بحيث أصبح جانب معالجة األمور وإدارتها ،ومتابعتها متأثرا ً
في غالب األحيان بنسبة كبيرة من هذه العالقات ،وهنا تظهر الحاجة إلى الجانب اإلداري
الذي يطرح طرق الحل بشكل منظم ومبرمج ومتكامل ،ويلفت االنتباه إلى مسلّمات من نتاج
تجارب اآلخرين تختصر الوقت وتوفر الجهد ،وتعطي نتائج مثمرة وتساعد على تحقيق
األهداف بشكل أفضل.
ولكي يتضح هذا األمر البد من تحديد معنى اإلدارة بمفهومها البسيط ,ومن هنا نقول:
اإلدارة عبارة عن :عملية اجتماعية مستمرة ،تعمل على استغالل الموارد المتاحة استغالالً
أمثل عن طريق التخطيط والتنظيم والقيادة والرقابة للوصول إلى هدف محدد ,وبهذا فإن
اإلدارة بمفهومها الشامل لسلوك الفرد تشمل جوانب التصرف السلوكية له في بيته وعمله
ودعوته وتجارته ،مما يتيح له االستفادة من اإلمكانيات المختلفة أفضل استفادة باستخدام
أفضل وسيلة لتحقيق أفضل هدف ,فإذا اتضح لك هذا علمت مدى الخسارة التي يتحملها الفرد
والجماعة والمؤسسات والدول عند إدارتهم ألمورهم بالطرق التقليدية التي ال تأخذ باعتبارها
مثل هذا المفهوم ،أو قد تأخذ بجوانب منه دون الجوانب األخرى ،وقد خسر المسلمون كثيرا ً
من مواردهم وطاقاتهم واستخدمت وسائل تقليدية سطحية في إدارة شؤونهم ،وتبع ذلك
قصور واضح في تحقيق األهداف المرجوة ,هذا إن كانوا قد وضعوا ألنفسهم أهدافا ً عند
ممارستهم ألي عمل ,والمثل كفيل بجعل األمر أكثر وضوحاً ،ولك أن تقيس عليه أي واقع
تشاء على مستوى أسرتك ودعوتك وعملك.
وليكن هذا المثل مأخوذا ً من مجال الدعوة ،فإن استفادتك من تفهمك واستخدامك لمفاهيم
اإلدارة يعينك في أمور عدة ،فإن من مستلزمات اإلدارة الناجحة ما يذكره أحدهم في سطور
قليلة فيقول :إن قدرة المسؤولين وأرباب األعمال على تأمين مناخ عمل مالئم لمساعديهم
ومن يعمل تحت إشرافهم للعمل بإخالص وكفاية عالية تعد من مؤشرات النجاح في اإلدارة.
فمناخ العمل المالئم هو المناخ الذي يقود العاملين إلى جعل أهدافهم كأفراد متناسقة مع هدف
المجموعة بحيث تكون حصيلة تحقيق أهداف المجموعة أكبر من مجموع الجهود الفردية
لهؤالء العاملين ,وبالتالي هذا يعني تحقيق أهداف المؤسسة أو الشركة التي تعمل بها
المجموعة.
وعليه فإن من مستلزمات ج ْعل العاملين من الدعاة في الوسط الدعوي الواحد أن يهيَّأ لهم
المناخ المناسب للدعوة مما يجعلهم يوحدون جهودهم ويخلصون في تحقيق الهدف ،والعكس
الصحيح ،فإن عدم وجود مناخ صحي يثبط العاملين ،ويساعد على نمو الفردية في تحقيق
األهداف ،مما يؤدي إلى عدم تضافر الجهود ،والتأخر في تحقيق الهدف ،وقس على ذلك
كثيرا ً من مفاهيم اإلدارة التي تفيدك وتعينك على السير في أمورك بصورة واضحة
ومنظمة ،فإنك لو عدت إلى تعريفنا الذي ذكرناه آنفا ً سوف تجد أننا اعتبرنا التخطيط والتنظيم
والقيادة والرقابة دعائم اإلدارة المتكاملة ،ولتقريب الصورة أكثر نقول لك :لو توسعت في
الحديث عن كل جانب وربطه باألمثلة المختلفة من واقع حياة األفراد ،سيظهر لك كم نحن
بحاجة إلى القيادات التي تخطط وتنظم مسبقا ً لتحقيق أهداف مرسومة ثم تقود الجهود بمهارة
إدارية متقنة مع وجود الرقابة الدائمة للتأكد من صحة منهج السير رجاء تحقيق الهدف.
كم عانت الدعوة اإلسالمية من إهمال هذا األمر الذي يبدو بدهياً ،ولك أن تسأل نفسك هذه
تعان الدعوة من عدم التخطيط تعان الدعوة من عدم وضوح الهدف؟ ألم ِ األسئلة :ألم ِ
تعان الدعوة من فقدان القيادة القادرة على االستفادة من المصادر المتاحة ،ومن والتنظيم؟ ألم ِ
ضعف قدرتها على مراقبة نفسها ومحاسبتها عندما تحيد عن الطريق؟
لقد عكف الكثيرون من علماء اإلدارة على رسم خطوط عريضة لجوانب اإلدارة المهمة كي
يستفيد منها من يتحملون عبء المسؤولية في حياة األمم ،واستطاعوا من خالل التجربة أن
يضعوا نظما ً دقيقة مبرمجة لها أثرها الكبير في تسيير األمور بحكمة وروية ،وإدراك عميق
للنتائج ونسوق مثالً شائعا ً في علم اإلدارة وهو :اتخاذ القرار الذي يصفه أحد ال ُكتاب بقوله:
"يعتبر اتخاذ القرار بشكل عام من أهم العناصر وأكثرها أثرا ً في حياة األفراد وحياة
المنظمات اإلدارية ،وحتى في حياة الدول ،وتنبع أهمية هذا الموضوع من ارتباطه بعمل
اإلنسان اليومي أو حياته العائلية أو أي مجال من مجاالت النشاط اإلنساني" .فاألفراد هم
محور هذا الموضوع األساسي ،سواء بالنسبة للقيادات اإلدارية التي تتخذ القرارات لتوجيه
أعمالها ونشاطاتها ،أو بالنسبة للمرؤوسين الذين يشاركون في صنع القرارات ،أو في
تنفيذها ،أو يكونون هدفا ً لها ،كما تنبع أهمية هذا الموضوع من ناحية أخرى من ارتباطه
بتحقيق األهداف على اختالف أنواعها؛ إذ طالما هناك مجال لالختيار بين أكثر من بديل
للوصول إلى هدف ما كان هناك اتخاذ قرار وذلك باختيار البديل األفضل ،وهكذا تستمر
عملية اتخاذ القرارات طالما هناك عمل ونشاط لتحقيق أهداف مطلوبة.
وتتضح لك أهمية هذا الجانب إذا نظرت إلى الطريقة المثلى في اتخاذ القرار ،وإن اختلفت
المدارس اإلدارية في عرضها ،فإن من أساسياتها مراحل متتابعة لضمان السلوك األمثل في
الوصول إلى القرار األمثل كذلك ،وهذه المراحل هي -1 :تشخيص األمر محل القرار-2 .
تحليله ودراسة الجوانب المتعلقة به -3 .طرح البدائل المتاحة التخاذ القرار -4 .تقويم البدائل
بذكر سلبياتها وإيجابياتها ووزن كل منها على حدة -5 .اختيار القرار المالئم لهذا األمر.
وال تتوقف هذه العملية عند هذا الحد ،بل البد من متابعة تنفيذ القرار لمعرفة مدى النجاح
الذي حققه هذا القرار في تحقيق الهدف أو حل المشكلة المعنية ،وقد أوردنا هذا المثل في
سياق الحديث عن الحاجة إلى الجانب اإلداري في الحياة ،فلو عدنا إلى مثالنا السابق في
(مجال الدعوة) لوجدنا أن اتخاذ القرار بعفوية وارتجالية شائع اتخاذ القرار ويكاد يكون هو
القاعدة وما عداه هو الشاذ ،مع عظم شأن مثل هذه القرارات في حياة ومسيرة الدعوة؛ مما قد
يؤخر مسيرة الدعوة اإلسالمية مراحل ومراحل ،مع أنه لو اُستُعين بالمدرسة اإلدارية اآلنفة
الذكر لكان أجدر؛ فإن مما يعيب قراراتنا أنها ال تنظر إلى األمور بشمولية وسعة أفق ،وال
تبحث عن البدائل المطروحة قبل اتخاذ القرار ،وال ينظر إلى اآلثار التي يتركها تنفيذ القرار
في الواقع.
وإن المتمعن في نصوص الكتاب والسنة ليلمس وبوضوح أمثلة عديدة لما ندعو إليه ،وإن
سيرة النبي -صلى هللا عليه وسلم -فيها أمثلة كثيرة نرجو أن نوفق إلى عرضها ،واإلشارة
إليها في المستقبل القريب إن شاء هللا .1وفق هللا الجميع إلى ما يحب ويرضى ,والحمد هلل
رب العالمين.