You are on page 1of 62

‫نصائح العباد‬

‫شرح‬

‫محمد نووي بن عمر الجاوي‬

‫على‬

‫املنبهات على اإلستعداد ليوم املعاد‬


‫تأليف‬

‫شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن‬

‫أحمد بن حجر العسقالني‬

‫(‪ 258 777‬هـ)‬


‫بسم اهلل الرحمن لرحيم‬

‫أرفع الصفات‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده‬


‫العلم َ‬
‫الحمد هلل الذى جعل َ‬
‫خص من شاء من عباده بالمآثر الحكمية‪ ،‬وأشهد أن‬ ‫ال شريك له الذى ّ‬
‫خصه اهلل تعالى بجميع كماالت العبودية‪ ،‬وصلى‬ ‫محمدا عبده ورسوله الذى ّ‬
‫اهلل على سيدنا محمد الذى مألّ اهلل تعالى قلبه صلى اهلل عليه وسلم من جالله‬
‫جل وعال‪ ،‬وعينه صلى اهلل عليه وسلم من جماله األسنى فصار صلى‬
‫األعلى ّ‬
‫اهلل عليه وسلم مسرورا منصورا‪ ،‬وعلى آله وأصحابه والسالكين على منهجه‬
‫فنالوا خيرا وافرا‪.‬‬

‫سا ِوى محمد نووى بن عمر الجاوي‪:‬‬


‫الم َ‬
‫(أما بعد)‪ :‬فيقول المرتجى غَ ْف َر َ‬
‫هذا شرح وضعته على الكتاب المشتمل على المواعظ للعالمة الحافظ الشيخ‬
‫شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن أحمد الشافعي الشهير بابن خجر‬
‫العسقالني ثم المصري تغمده اهلل تعالى برحمته آمين‪ ،‬وسميته‪( :‬نصائح العباد‬
‫ات على اإلستعداد ليوم المعاد)‪ .‬وأسأل اهلل الكريم أن‬ ‫فى بيان ٍ‬
‫ألفاظ منبه ٍ‬
‫ينفع به المسلمين‪ ،‬وأن يجعله ذخيرة إلى يوم الدين آمين‪.‬‬

‫يم) وتسن عند ابتداء كل أمور غير مح ّقرات‪ ،‬فإن‬ ‫الرِح ِ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫(بِس ِم ِ‬
‫اهلل َّ‬ ‫ْ‬
‫تركها فى أولها أتة بها فى أثنائها بقوله "بسم اهلل فى أوله وآخره"‪( .‬الحم ُد ِ‬
‫هلل‬
‫ات ْْ) وهي أزمنةٌ محدودةٌ‪ ،‬وهي من‬ ‫كل ِح ْي ٍن) أي زمان قل أوكثر (وأَوقَ ٍ‬ ‫فى ِّ‬
‫َْ‬
‫العطف من اهلل ومن غيره ( َعلَى َر ُس ْو ِله)‬
‫ُ‬ ‫الصالةُ) أي‬
‫عام ( َو َّ‬‫خاص على ٍ‬ ‫عطف ٍ‬
‫الخل ِْق) وهو كل ما أوجده اهلل تعالى على تقدي ٍر‬ ‫ف َ‬ ‫إلى كافّة الخلق (أَش َْر ِ‬
‫ْ َ‬
‫ات ِْ) أي المخلوقات مطلقا أو التى فى األرض‪ ،‬فهي‬ ‫أوجب ْته الحكمةُ (والبَ ِريَّ ْ‬
‫من عطف المرادف أو من عطف الخاص على العام‪ ،‬فسيدنا محمد صلى اهلل‬
‫أفضل الخلق كلهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عليه وسلم‬

‫هات على اإلستعداد ليوم المعاد)‬


‫المستحضرة فى الذهن ( ُمنبِّ ٌ‬
‫َ‬ ‫( َه ِذهِ) أي‬
‫التأهب ألجل ِ‬
‫وقت الرجوِع إلى اهلل تعالى (فإ ّن منها) أي المنبهات‬ ‫أي على ّ‬
‫شرة)‬
‫الع َ‬
‫(ما يكون َمثْـنَى) أي زوجين زوجين (ومنها ما يكون ثُالَثَى‪ ،‬إلى تمام َ‬
‫آثار‪،‬‬
‫األخيار خمسةٌ وأربعون‪ ،‬والبواقى ٌ‬
‫ُ‬ ‫وأربع عشرَة‪،‬‬
‫وجملةُ المقاالت مائتان َ‬
‫التبرك بإتيان حديثين شريفين جليلين‪:‬‬
‫وأنا اآلن أريد َ‬

‫فالحديث األول)‪ :‬أجازني به العالمة الشيخ محمد الخطيب الشامي ثم‬


‫ُ‬ ‫(‬
‫المدني الحنبلي وهو ابن عثمان بن عباس بن عثمان‪ ،‬عن مشايخه متصال إلى‬
‫ذر الغِفاري رضي اهلل عنه عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيما يرويه‬ ‫أبى ّ‬
‫ْم على نَـ ْف ِسي‬ ‫ادي إني َح َّرْم ُ ُّ‬ ‫عن رلبه عز وجل‪ ،‬قال تعالى‪(( :‬يا ِعب ِ‬
‫ت الظل َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ض ٌّ‬‫ادي ُكلُّ ُك ْم َ‬ ‫وجعلْتُهُ بـيـنَ ُكم مح َّرما فال تَظَالَموا‪ ،‬يا ِعب ِ‬
‫ال إالَّ من َه َديْـتُهُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َْ ْ ُ َ ً‬
‫فاستَطْعِ ُمونى‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فاستَـ ْه ُد ْونى أ َْهد ُك ْم‪ ،‬يا عبَادي ُكلُّ ُك ْم َجائِ ٌع إالّ من أَط َْع ْمتُهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ادي‬ ‫ادي ُكلُّ ُكم َعا ٍر إالّ من َكسوتُهُ فاستَ ْكسونى أَ ْكس ُكم‪ ،‬يا ِعب ِ‬ ‫أُطْعِم ُكم‪ ،‬يا ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫فاستَـغْ ِفرونى أَغْ ِف ْر لَ ُك ْم‪،‬‬ ‫َّها ِر وأنا أَغْ ِف ُر ُّ‬ ‫ِ‬
‫وب جميعا ْ‬ ‫الذنُ َ‬ ‫إِنَّ ُك ْم تُ ْخطئُو َن بِاللَّْي ِل َوالنـ َ‬
‫ض ُّرونِي َولَ ْن تَـ ْبـلُغُوا نَـ ْفعِي فَـتَـ ْنـ َف ُعونِي‪ ،‬يا‬ ‫ض ِّري فَـتَ ُ‬ ‫ادي إِنَّ ُك ْم لَ ْن تَـ ْبـلُغُوا َ‬ ‫يا ِعب ِ‬
‫َ‬
‫ْب َر ُج ٍل‬ ‫س ُك ْم َو ِجنَّ ُك ْم َكانُوا على أَتْـ َقى قَـل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ادي لو أ َّ‬ ‫ِعب ِ‬
‫َن أ ََّولَ ُك ْم َوآخ َرُك ْم َوإنْ َ‬ ‫َ‬
‫َن أ ََّولَ ُكم و ِ‬ ‫ْكي َشيئًا‪ ،‬يا ِعب ِ‬ ‫اح ٍد ِمنْ ُك ْم ما َز َ‬
‫آخ َرُك ْم‬ ‫ادي لو أ َّ‬ ‫اد ذلك في مل ِ‬ ‫وِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اح ٍد ما نَـ َقص ذلك من مل ِ‬ ‫ْب رج ٍل و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْكي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫س ُك ْم َوجنَّ ُك ْم َكانُوا على أَفْ َج ِر قَـل ِ َ ُ َ‬ ‫َوإنْ َ‬
‫اح ٍد‬‫يد و ِ‬ ‫آخرُكم وإِنْس ُكم و ِجنَّ ُكم قَاموا في ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ادي لو أ َّ‬ ‫شيئا‪ ،‬يا ِعب ِ‬
‫صع َ‬ ‫َ‬ ‫َن أ ََّولَ ُك ْم َو َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ص‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ت ُك َّل إِنْ ٍ‬ ‫سأَلُونِي فَأَ ْعطَْي ُ‬
‫ص ذلك م َّما ع ْندي إالّ كما يَـ ْنـ ُق ُ‬ ‫سان َم ْسأَلَتَهُ ما نَـ َق َ‬ ‫َ‬ ‫فَ َ‬
‫يها لَ ُك ْم ثُ َّم أ َُوفِّي ُك ْم‬ ‫ُح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِْم ْخيَ ُ‬
‫صَ‬ ‫ط إذا أُ ْدخ َل الْبَ ْح َر‪ ،‬يا عبَادي إنما ه َي أَ ْع َمالُ ُك ْم أ ْ‬
‫وم َّن إال‬ ‫غير ذلك فال يَـلُ َ‬ ‫اهان فَ َم ْن َو َج َد َخ ْيـ ًرا فَـلْيَ ْح َم ْد اهللَ‪َ ،‬وَم ْن َو َج َد َ‬ ‫إِيَّ َ‬
‫سهُ))‪.‬‬ ‫نَـ ْف َ‬
‫(والحديث الثانى)‪ :‬أجازني به العالمة السيد أحمد المرصفي المصري‬
‫بعد أن أجازني به السيد عبد الوهاب بن ألحمد فرحات الشافعي‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى اهلل‬‫مشايخه مسلسال باألولية إلى عبد اهلل بن عمرو بن العاص عن ّ‬
‫الر ْح َم ُن تبارك وتعالى ْار َح ُموا َم ْن فِي‬ ‫الر ِ‬
‫اح ُمو َن يَـ ْر َح ُم ُه ْم َّ‬ ‫عليه وسلم أنه قال‪َّ (( :‬‬
‫الس َم ِاء))‪ ،‬والمعنى‪ :‬الراحمون لمن فى األرض من‬ ‫ِ‬
‫األرض يَـ ْر َح ْم ُك ْم من في َّ‬
‫آدمي وحيوان لم يؤمر بقتله باإلحسان إليهم يحسن الرحمن إليهم‪ ،‬اِ ْرحموا من‬
‫غير عاقل بالشفقة‬
‫تستطيعون أن ترحموه من أصناف مخلوقاته تعالى ولو َ‬
‫عليهم ودعائكم لهم بالرحمة والمغفرة يرحمكم المالئكة‪ ،‬ومن رحمته عامة‬
‫ألهل السماء الذين هم أكثر من أهل األرض‪ .‬وال يجوز لشخص أن يدعو‬
‫لجميع المسلمين بغفر جميع ذنوبهم أو يدعو لفقير بنحو مائة دينار وليس له‬
‫جهة يتسهل منها ذلك ويقول هذا من الرحمة بالخلق ألنه مخالف لنصوص‬
‫الشرع اهـ‪ .‬رؤي الغزالي فى النوم فقيل له‪ :‬ما فعل اهلل بك؟‪ ،‬فقال أوقفني بين‬
‫فصرت أذكر أعمالي‪ ،‬فقال‪ :‬لم أقبلها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫علي؟‪،‬‬
‫قدمت ّ‬
‫َ‬ ‫يديه‪ ،‬وقال لي‪ :‬بم‬
‫وأنت‬
‫قبلت منك ذات يوم نزلت ذبابةٌ على مداد قلمك لتشرب منه َ‬ ‫وإنما ُ‬
‫أخذت حظها رحمة بها‪ ،‬ثم قال تعالى‪ :‬امضوا‬ ‫ْ‬ ‫كت الكتابة حتى‬
‫تكتب فتر َ‬
‫الجزم‬
‫ُ‬ ‫بعبدي إلى الجنة‪ .‬وفى قوله صلى اهلل عليه وسلم "يرحمكم" روايتان‪،‬‬
‫والرفع على أنه جملة دعائية‪ ،‬وهو أولى ألن دعائه‬
‫ُ‬ ‫على أنه جواب األمر‪،‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم غير مردود‪.‬‬
‫ومن أسباب حسن الخاتمة‪ :‬المواظبة على هذا الدعاء‪ ،‬وهو‪" :‬اللهم أك ِرْم‬
‫هذه األمةَ المحمديةَ بجميل عوائدك فى الدارين إكراما لمن جعلتها من أمته‬
‫صلى اهلل عليه وسلم "‪.‬‬

‫اللهم‬
‫ومنها‪ :‬المواظبة على هذا الدعاء بين سنة الصبح وفرضه‪ ،‬وهو‪ّ " :‬‬
‫اغفر ألمة سيدنا محمد‪ ،‬اللهم ارحم أمة سيدنا محمد‪ ،‬اللهم استر أمة سيدنا‬
‫محمد‪ ،‬اللهم اجبر أمة سيدنا محمد‪ ،‬اللهم أصلِ ْح أمة سيدنا محمد‪ ،‬اللهم‬
‫ِ‬
‫عاف أمةَ سيدنا محمد‪ ،‬اللهم احفظ أمة سيدنا محمد‪ ،‬اللهم ارحم أمة سيدنا‬
‫محمد رحمة عامة يا رب العالمين‪ ،‬اللهم اغفر ألمة سيدنا محمد مغفرة عامة‬
‫فر ْج عن أمة سيدنا محمد فرجا عاجال يا رب‬
‫يا رب العالمين‪ ،‬اللهم ّ‬
‫العالمين"‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬مالزمة هذا الدعاء‪ ،‬وهو‪" :‬يا رب كل شيء بقدرتك على كل شيء‬
‫اغفر لي كل شيء‪ ،‬وال تسألني عن كل شيء‪ ،‬وال تحاسبني فى كل شيء‪،‬‬
‫ْ‬
‫وأعطني كل شيء"‪ .‬اهـ‬

‫اب الثُـنَائي‬
‫بَ ُ‬
‫وفيه ثالثون موعظة‪ ،‬أربعة أخبار والباقى آثار‪ .‬ونعنى باألخبار أقوال النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وباآلثار أقوال الصحابة والتابعين‪.‬‬

‫فم ْنهُ) أي فالمقالة األولى من المنبهات الثنائية (ما ُروي عن النبي صلى‬ ‫( ِ‬
‫ضل ِم ْنـ ُهما‪ :‬ا ِإليْما ُن بِ ِ‬
‫اهلل َوالنَـ ْف ُع‬ ‫َ‬ ‫صلَتَان الَ َش ْي َء أَفْ َ ُ َ‬
‫اهلل عليه وسلم أنه قال‪َ :‬خ ْ‬
‫ْم ْسلِ ِم ْي َن) بالمقال أو بالجاه أو بالمال أو بالبدن‪ .‬قال رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫ِ‬
‫لل ُ‬
‫َصبَ َح‬ ‫عليه وسلم‪" :‬من أَصبح الَ يـ ْن ِوي الظُلْم َعلَى أ ٍ ِ‬
‫َحد غُف َر لَهُ َما َجنَى‪َ ،‬و َم ْن أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َْ َ َ‬
‫ض ِاء حاج ِ‬ ‫يـن ِوي نصرَة المظْلُوِ‬
‫َج ِر َح َّج ٍة َم ْبـ ُرْوَرْة"‪ .‬وقال‬ ‫ت لَهُ كأ ْ‬ ‫الم ْسلِ ِم َكانَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬
‫َْ ُ ْ َ َ ْ َ‬
‫ض ُل األ ْع َمال‬ ‫َّاس‪َ ،‬وأَفْ َ‬‫اس لِلن ِ‬
‫اد إِلَى اهللِ تعالى أَنْـ َف ُع النَ ِ‬ ‫ب العِب ِ‬
‫َح ُّ َ‬ ‫عليه السالم‪" :‬أ َ‬
‫ف َع ْنهُ َك ْرباً أ َْو‬ ‫الم ْؤِم ِن‪ ،‬يَط ُْر ُد َع ْنهُ ُج ْو ًعا أ َْو يَ ْك ِش ُ‬
‫ْب ُ‬ ‫الس ُرْوِر َعلَى قَـل ِ‬‫ال ُ‬ ‫إِ ْد َخ ُ‬
‫الشر ُك بِاهللِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صلَتَان الَ َش ْي َء أَ ْخبَ ُ‬ ‫يـ ْق ِ‬
‫ث) أي أنجس (م ْنـ ُه َما‪ْ :‬‬ ‫ض ْى لَهُ َديْـنًا"‪َ ( .‬و َخ ْ‬ ‫َ‬
‫والض ُّر لِل ُْم ْسلِ ِم ْي َن) فى أبدانهم أو أموالهم‪ ،‬فإن جميع أوامر اهلل تعالى ترجع‬ ‫ُ‬
‫الصالةَ‬
‫يموا َّ‬ ‫ِ‬
‫إلى خصلتين‪ :‬التعظيم هلل تعالى والشفقة لخلقه‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬أَق ُ‬
‫ك" [لقمان‪:‬‬ ‫الزَكاةَ" [البقرة‪ ،]37 :‬وقوله تعالى‪" :‬ا ْش ُك ْر لِي َولَِوالِ َديْ َ‬ ‫َوآتُوا َّ‬
‫‪.]43‬‬

‫فقلت‬
‫ُ‬ ‫مررت فى بعض سياحتي براهب‪،‬‬ ‫روي عن أويس أنه قال‪ُ " :‬‬
‫رد المظالم وخ ّفة الظهر من‬
‫ياراهب‪ ،‬ما أول درجة يرقاها المريد؟‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫عمل وعليه تبعةٌ أومظلمةٌ‪.‬‬
‫التبعات‪ ،‬فإنه ال يصعد للعبد ٌ‬
‫س ِة ال ُْعلَ َم ِاء)‬ ‫ِ‬
‫السالَ ُم‪َ :‬علَْي ُك ْم ب ُم َجالَ َ‬
‫ِ‬
‫ال) النبي ( َعلَْيه َ‬ ‫( َو) المقالة الثانية (قَ َ‬
‫ْح َك َم ِاء) أي العالمين بذات اهلل تعالى المصيبين‬ ‫أي العاملين (و ْ ِ‬
‫است َم ِاع َكالَِم ال ُ‬ ‫َ‬
‫ْح ْك َم ِة) أي‬ ‫ت بِنُوِر ال ِ‬ ‫الميِّ َ‬
‫ْب َ‬ ‫ِ‬
‫فى أقوالهم وأفعالهم (فَِإ َّن اهللَ تَـ َعالَى يُ ْحيي الْ َقل َ‬
‫ِ ِ‬
‫المطَ ِر) وفى رواية الطبراني عن أبى‬ ‫الم ْيتَةَ ب َماء َ‬
‫ض َ‬ ‫العلم النافع ( َك َما يُ ْحيِي األَ ْر َ‬
‫ماء"‪ .‬وفى رواية‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الح َك َ‬ ‫العلَماءَ َو َخالطُوا ُ‬ ‫اء َو َسائلُوا ُ‬ ‫س ْوا ال ُكبَر َ‬‫حنيفة " َجال ُ‬
‫ط ال ُكبَراَ َء" أي فإ ّن العلماء ثالثة‬ ‫الح َكماَ َء َو َخالِ ْ‬
‫ب ُ‬ ‫صاح ْ‬
‫"جالِس العلماء و ِ‬
‫َ ْ ََُ َ َ‬
‫أقسام‪ :‬العلماء بأحكام اهلل تعالى وهم أصحاب الفتوى‪ ،‬والعلماء بذات اهلل‬
‫فقط‪ ،‬وهم الحكماء ففى مداخلتهم تهذيب لألخالق ألنهم أشرقت قلوبهم‬
‫بمعرفة اهلل وأشرقت أسرارهم بأنوار جالل اهلل والعلماء بالقسمين وهم الكبراء‬
‫فإن مخالطة أهل اهلل تكسب أحواال سنية والنفع باللحظ فوق النفع باللفظ‬
‫فمن نفعك لحظه نفعك لفظه ومن ال فال‪ .‬وكان السهروردي يطوف فى بعض‬
‫مسجد الخيف بمنى يتصفح الوجوه‪ ،‬فقيل له فيه‪ ،‬فقال‪ :‬إن هلل عبادا إذا‬
‫نظروا إلى شخص أكسبوه سعادة فأنا أطلب ذلك‪ .‬قال النبي صلى اهلل عليه‬
‫ث‬ ‫العلماء وال ُف َق ِ‬
‫هاء فَـي ْبتَِليهم اهلل بِثَالَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫وسلم‪َ " :‬سيَأْتي َزَما ٌن َعلى أ َُّمتي يَف ُّرْون َ‬
‫سلِّط اهللُ تعالى عليهم‬ ‫بلِيَّ ٍ‬
‫الها يَـ ْرفَ ُع اهللُ البركةَ من كسبهم‪ ،‬والثانيةُ يُ َ‬ ‫ات‪ ،‬أ ُْو َ‬ ‫َ‬
‫سلطاناً ظالما‪ ،‬والثالثة يخرجون من الدنيا بغير ٍ‬
‫إيمان"‪.‬‬

‫( َو) المقالة الثالثة ( َع ْن أَبِ ْى بَ ْك ٍر الصديق رضي اهلل عنه‪َ :‬م ْن َد َخ َل ال َق ْبـ َر‬
‫ب البَ ْح َر بِالَ َس ِف ْيـنَ ٍة) أي فيغرق غرقا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫بالَ َزاد) أي من العمل الصالح (فَ َكأَنَّ َما َرك َ‬
‫ت في‬
‫ال خالص له إالّ بمن ينقذه‪ ،‬كما قال صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬ما الميّ ُ‬
‫ث" أي الطالب ألن يغاث‪.‬‬ ‫قبرهِ إالّ كالغَريق ِّ‬
‫المغو ِ‬

‫( َو) المقالة الرابعة ( َع ْن ُع َم َر رضي اهلل عنه) نقل عن الشيخ عبد المعطي‬
‫ف لِ ْي‬ ‫السمالوي‪" :‬أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال لجبريل عليه السالم‪ِ :‬‬
‫ص ْ‬
‫خصرتُها‪،‬‬
‫ْ‬ ‫والشجر أقالماً لَما‬
‫ُ‬ ‫البحار ِم ً‬
‫دادا‬ ‫ُ‬ ‫ات ُع َم َر‪ ،‬فقال‪ :‬لوكانت‬ ‫حسنَ ِ‬
‫ََ‬
‫عمر حسنةٌ من حسنات أبى بكر"‪.‬‬ ‫ف لِي ح ِ‬ ‫ِ‬
‫سنَات أبى بكر‪ ،‬فقال‪ُ :‬‬ ‫فقال‪ :‬ص ْ ْ َ َ‬
‫ال) أي فال تتغوى أمور الدنيا وال‬ ‫صالِ ِح األَ ْعم ِ‬ ‫( ِع ُّز ال ُدنْـيا بِالم ِ ِ ِ ِ‬
‫ال َوع ُّز اآلخ َرة بِ َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫لصلح إالّ باألموال وال تتغوى أمور اآلخرة وال تصلح إالّ باألعمال الصالحة‪.‬‬

‫( َو) المقالة الخامسة ( َع ْن ُعثْ َما َن رضي اهلل عنه‪َ :‬ه ُّم ال ُدنيَا ظُل َْمةٌ فِ ْى‬
‫ْب‪ ،‬وه ُّم ِ‬
‫اآلخ َرةِ نُـ ْوٌر فِى ال َقل ِ‬
‫ْب) أي الحزن فى األمور المتعلقة بالدنيا صار‬ ‫ْ‬ ‫ال َقل ِ َ َ‬
‫مظلِما فى القلب‪ ،‬والحز ُن فى األمور المتعلقة باآلخرة صار ِّ‬
‫منوًرا للقلب‪.‬‬
‫همنا وال َم ْبل َغ علمنا‪.‬‬
‫اللهم ال تجعل الدنيا أكبر ّ‬

‫( َو) المقالة السادسة ( َع ْن َعلِ ٍّي رضي اهلل عنه) وكرم وجهه ( َم ْن َكا َن فِ ْى‬
‫ار فِ ْى‬
‫ت النَ ُ‬ ‫صيَ ِة َكانَ ْ‬
‫ب الم ْع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫الجنَّةُ ف ْى طَلَبه‪َ ،‬وَم ْن َكا َن ف ْى طَلَ ِ َ‬
‫ت َ‬ ‫ب العِل ِْم َكانَ ْ‬
‫طَلَ ِ‬
‫طَلَبِ ِه) أي من اشتغل فى العلم النافع الذى ال يجوز للبالغ العاقل جهله كان‬
‫فى الحقيقة طالبا للجنة ولرضا اهلل تعالى‪ ،‬ومن كان مريدا للمعصية كان فى‬
‫الحقيقة طالبا للنار ولسخط اهلل تعالى‪.‬‬

‫صى اهللَ َك ِريْ ٌم)‬ ‫ٍ‬


‫( َو) المقالة السابعة ( َع ْن يَ ْحيَى بْ ِن ُم َعاذ رضي اهلل عنه‪َ :‬ما َع َ‬
‫أي حميد الفعال‪ ،‬وهو من يكرم نفسه بالتقوى وباإلحتراس عن المعاصى ( َوالَ‬
‫مصيب فى‬ ‫ضلها (علَى ِ‬
‫اآلخ َرةِ َح ِك ْي ٌم) أي‬ ‫آثر ال ُدنْـيَا) أي ال ق ّدمها وال ف ّ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أفعاله‪ ،‬وهو من يمنع نفسه من مخالفة عقله السليم‪.‬‬

‫ش) اسمه سايمان بن مهران الكوفي (رضي‬ ‫( َو) المقالة الثامنة ( َع ِن األَ ْع َم ِ‬
‫بح ِديْنِ ِه‪َ ،‬وَم ْن‬ ‫صِ‬
‫ف ِر ِ‬ ‫ت األَ ُ‬
‫لس ُن َع ْن َو ْ‬ ‫س َمالِ ِه التَـ ْق َوى َكلَّ ْ‬
‫اهلل عنه‪َ :‬م ْن َكا َن َرأْ ُ‬
‫ان ِديْنِ ِه) والمعنى من‬ ‫ف ُخسر ِ‬
‫َْ‬
‫صِ‬
‫ت األَل ُ‬
‫ْس ُن َع ْن َو ْ‬ ‫س َمالِ ِه ال ُدنْـيَا َكلَّ ْ‬
‫َكا َن َرأْ ُ‬
‫أسس‬ ‫تمسك على التقوى بامتثال أوامر اهلل تعالى واجتناب المعاصى بأن ّ‬
‫أفعاله بموافقات الشرع فله حسنات كثيرة ال تحصى‪ ،‬ومن تمسك على أمور‬
‫سيئات كثيرة عجزت األلسن عن ذكر ذلك بالعدد‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مخالفات للشرع فله‬

‫( َو) المقالة التاسعة ( َع ْن ُس ْفيَا َن الثَـ ْوِري رضي اهلل عنه) وهو شيخ اإلمام‬
‫صيَ ٍة) ناشئة ( َع ْن َش ْه َوةٍ) أي اشتياق النفس إلى شيء (فَِإنَّهُ يُـ ْر َجي‬
‫مالك ( ُك ُّل م ْع ِ‬
‫َ‬
‫صيَ ٍة) نشأت ( َع ْن كِْب ٍر) أي دعوى الفضل (فَِإنَّهُ‬ ‫غُ ْفرانُـ َها) أي المعصية (وُك ُّل م ْع ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫صيةَ إِبلِيس َكا َن أَصلُها) أي المعصية ( ِمن ِ‬ ‫ِ‬
‫الك ْب ِر) يزعم‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫الَ يُـ ْر َجي غُ ْف َرانُـ َها ألَ َّن َم ْع َ ْ ْ َ‬
‫َصلُ َها‬
‫السالم ( َكا َن أ ْ‬
‫َ‬ ‫خير من سيدنا آدم ( َو) أل ّن ( َزلَّةَ) سيدنا ( َ‬
‫آدم) عليه‬ ‫أنه ٌ‬
‫ش ْه َوةِ) بسبب اشتياقه إلى ذوق ثمرة شجرة الشهوة المنهي عنها‪.‬‬ ‫ِم َن ال َ‬
‫ض الزه ِ‬
‫َّاد) وهم الذين احتقروا الدنيا ولم‬ ‫( َو) المقالة العاشرة ( َع ْن بَـ ْع ِ ُ‬
‫تحمله ( َو ُه َو‬
‫ب َذنْـبًا) أي ّ‬ ‫يبالوا بها‪ ،‬بل أخذوا منها قدر ضرورتهم ( َم ْن أَ ْذنَ َ‬
‫بتحمله (فَِإ َّن اهللَ يُ ْد ِخلُهُ النَ َار َو ُه َو يَـ ْب ِكى) ألن‬
‫ك) أي والحال أنه يفرح ّ‬ ‫ض َح ُ‬‫يَ ْ‬
‫حياء من اهلل‬ ‫ِ‬ ‫حقه أن يندم ويستغفر اهلل تعالى لذلك ( َوَم ْن أَطَ َ‬
‫اع َو ُه َو يَـ ْبكى) ً‬
‫ِ‬
‫تعالى وخوفا منه تعالى على تقصيره فى تلك الطاعة (فَِإ َّن اهللَ يُ ْدخلُهُ َ‬
‫الجنَّةَ‬
‫ك) أي يفرح غاية الفرح لحصول مطلوبه وهو عفو اهلل تعالى‪.‬‬ ‫ض َح ُ‬
‫َو ُه َو يَ ْ‬

‫الح َك َم ِاء) أي األولياء‪( :‬الَ تَ ْح ِق ُرْوا‬ ‫ض ُ‬ ‫( َو) المقالة الحادية عشرة ( َع ْن بَـ ْع ِ‬
‫ِ‬ ‫ش َّع ِ‬ ‫ِ‬
‫ار)‬
‫ب الكبَ ُ‬ ‫الصغَ َار) أي ال ُتع ّدوها صغارا (فَِإنَّـ َها الَ تَـتَ َ ُ‬
‫ب م ْنـ َها ال ُذنُـ ْو ُ‬ ‫ب ِّ‬‫ال ُذنُـ ْو َ‬
‫وأيضا ربما يكون غضب اهلل تعالى فى تلك الصغار‪.‬‬

‫صغِ ْيـ َرةَ َم َع‬‫( َو) المقالة الثانية عشرة (عن النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬الَ َ‬
‫ص َرا ِر) فإنها بالمواظبة عليها تَـ َعظّم فتصير كبيرًة‪ ،‬وأيضا أنها على عزم‬ ‫ا ِإل ْ‬
‫استدامتها تصير كبيرًة فإن نية المرء فى المعاصى كانت معصية ( َوالَ َكبِْيـ َرَة َم َع‬
‫ا ِإل ْستِغْ َفا ِر) أي التوبة بشروطها فإن التوبة تمحو أثر الخطيئة وإن كانت كبيرة‪.‬‬
‫روى هذا الحديث الديلمي عن ابن عباس‪ ،‬لكن بتقديم الجملة األخيرة عن‬
‫األولى‬

‫(و) المقالة الثالثة عشرة (قِيل‪ :‬ه ُّم العا ِر ِ‬


‫ف الثنَاءُ) أي مراد العارف باهلل‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ‬
‫الثناء على اهلل تعال بجميل صفاته (وه ُّم ِ‬
‫الزاه ِد ال ُد َعاءُ) أي مراد ْ‬
‫المع ِرض عن‬ ‫ََ َ‬
‫الزا ئد قدر الحاجة من الدنيا بقلبه الدعاء‪ ،‬وهو التضرع إلى اهلل تعالى بسؤال‬
‫الز ِاه ِد‬ ‫ِ‬
‫العا ِرف َربُّهُ) ال الثواب وال الجنة ( َو َه َّم َ‬
‫ما عنده من الخير (ألَ َّن َه َّم َ‬
‫سهُ) أي منفعة نفسه من الثواب والجنة ففرق بين من همته الحور ومن همته‬ ‫نَـ ْف ُ‬
‫رفع الستور‪.‬‬

‫الح َك َم ِاء) أي أطبّاء القلوب‪ ،‬وهم‬ ‫ض ُ‬ ‫( َو) المقالة الرابعة عشرة ( َع ْن بَـ ْع ِ‬
‫ت م ْع ِرفَـتُهُ بِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫األولياء (من تَـوهَّم أ َّ ِ‬
‫اهلل) والمعنى من ظن‬ ‫َن لَهُ َوليًّا أ َْولَى م َن اهلل قَـلَّ ْ َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫َّم‬
‫أن له ناصرا أقرب من اهلل وأكثر نصرًة منه فإنه لم يعرف اهلل تعالى ( َوَم ْن تَـ َوه َ‬
‫ِِ‬
‫ت َم ْع ِرفَـتُهُ بِنَـ ْفسه) أي ومن ظن أن له ّ‬
‫عدوا‬ ‫َن لَهُ َع ُد ًّوا أَ ْع َدى ِم ْن نَـ ْف ِس ِه قَـلَّ ْ‬
‫أ َّ‬
‫واللوامة فإنه لم يعرف نفسه‪.‬‬ ‫أقوى من نفسه األمارة ّ‬
‫الصدِّيْ ِق رضي اهلل عنه فِ ْى قَـ ْولِ ِه‬ ‫( َو) المقالة الخامسة عشرة ( َع ْن أَبِى بَ ْك ٍر ِّ‬
‫اد فِي الْبَـ ِّر َوالْبَ ْح ِر" [الروم‪ ]34 :‬قال) أي أبو بكر فى‬ ‫سُ‬ ‫تَـ َعاَلى‪" :‬ظَ َه َر الْ َف َ‬
‫بالسب‬ ‫سا ُن)‬ ‫ِّ‬ ‫تفسير ذلك ("البَـ ّر ُه َو اللِسا ُن‪َ ،‬والبَ ْحر ُه َو ال َقل ُ ِ‬
‫ّ‬ ‫س َد الل َ‬‫ْب؛ فَإ َذا فَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ْب)‬ ‫ِ‬ ‫مثال (ب َك ْ ِ‬
‫س َد ال َقل ُ‬ ‫س‪ )،‬أي األشخاص من بنى آدم ( َوإذَا فَ َ‬ ‫ت َعلَْيه النُـ ُف ْو ُ‬ ‫َ‬
‫ت َعلَْي ِه الَمالَئِ َكةُ"‪ ).‬قيل‪ :‬الحكمة فى أن اللسان واحد تنبيه‬ ‫بالرياء مثال (بَ َك ْ‬
‫يهمه وفى خي ٍر‪ .‬وقيل‪ :‬أل ّن اللسان‬ ‫للعبد فى أنه ال ينبغى أن يتكلم إالّ فيما ّ‬
‫الذاكر بكل لغات كان ذكره للمذكور الواحد وهو اهلل تعالى‪ ،‬وكذلك القلب‬
‫بخالف نحو العين واألذن فإنه يتع ّدد‪ ،‬قيل ألن الحاجة إلى السمع والبصر‬
‫أكثر من الحاجة إلى الكالم اهـ‪ .‬وإنما شبّه القلب بالبحر لشدة عُ ْمقه واتساعه‬
‫اهـ‪.‬‬
‫الملُ ْو َك َعبِْي ًدا) فإن‬
‫صيِّـ ُر ُ‬ ‫( َو) المقالة السادسة عشرة (قِ ْي َل‪" :‬إِ َّن ال َ‬
‫ش ْه َو َة تُ َ‬
‫العبِْي َد ُملُ ْوًكا) ألن العبد بصبره ينال ما‬ ‫صيِّـ ُر َ‬‫الص ْبـ َر يُ َ‬
‫من أحب شيئا فهو عبده ( َو َ‬
‫قصة سيدنا الكريم ابن الكريم ابن‬ ‫يريد (أالَ تَـ َرى) أي أال يصل علمك (إِلَى) ّ‬
‫ف) الصديق ابن يعقوب الصبور ابن إسحاق الحليم‬ ‫الكريم لبن الكريم (يُـ ْو ُس َ‬
‫األواه هليهم السالم ( َوُزلَْي َخا؟ ") فإنها أحبت سيدنا يوسف‬ ‫ابن إبراهيم الخليل ّ‬
‫نعاية الحب وهو يصبر على مكرها وأذيّتها‪.‬‬

‫ِ‬
‫( َو) المقالة السابعة عشرة (قِ ْي َل‪" :‬طُْوبَى) أي الخير الكثير (ل َم ْن َكا َن َع ْقلُهُ‬
‫أ َِم ْيـ ًرا) بأن يقتدي بمراد عقله الكامل ( َو َه َواهُ) أي ميالن نفسه إلى ما التشتهيه‬
‫هالك شدي ٌد‬ ‫َس ْيـ ًرا) أي ممنوعا من ذلك ( َوَويْ ٌل) أي ٌ‬ ‫من غير داعية الشرع (أ ِ‬
‫َس ْيـ ًرا") أي ممنوعا‬ ‫(لِمن َكا َن َهواهُ أ َِميـرا) بأن أرسلها إلى مشتهياتها (و َع ْقلُهُ أ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ًْ‬ ‫َْ‬
‫من نحو التفكر فى نعم اهلل تعالى وفى عظمته تعالى‪.‬‬

‫ب َر َّق ّْ قَـلْبُهُ) فيقبل‬ ‫( َو) المقالة الثامنة عشرة (قِ ْي َل‪َ " :‬م ْن‬
‫تَـ َر َك ال ُذنُـ ْو َ‬
‫فى المطعوم والملبوس وغيرهما‬ ‫الح َر َام)‬
‫النصيحة ويخشع لها ( َوَم ْن تَـ َر َك َ‬
‫ت فِ ْك َرتُهُ") على مصنوعات اهلل تعالى الدالة على إحياء اهلل‬ ‫ص َّف ْ‬ ‫( َوأَ َك َل َ‬
‫الحالَ َل َ‬
‫تأمل‬
‫تعالى الخلق بعد الموت وعلى وحدته تعالى وقدرته وعلمه‪ ،‬وذلك بأن ّ‬
‫بفكره وتدبّر بعقله أن اهلل تعالى خلقه من نطفة فى الرحم فجعلها علقةً ثم‬
‫وشق لها سمعا وبصرا‬
‫مضغةً ثم خلق منها لحما وعظما وعروقا وأعصابا ّ‬
‫سهل الخروج للجنين من بطن أمه وألهمه ارتضاغ الثدي وجعله فى‬
‫وأعضاء ثم ّ‬
‫ً‬
‫أول األمر بال أسنان ثم أنبت له األسنا َن ثم أسقطها وأزالها عند سبع سنين ثم‬
‫أعادها مرة أخرى وجعل اهلل تعالى أحوال العبد متغيرة من ِ‬
‫صغر إلى كبر ومن‬
‫شباب إلى هرم ومن صحة إلى سقم وجعل العبد كل يوم ينام ويستيقظ‪،‬‬
‫وكذلك شعوره وأظفاره كلما سقط منها رجع إلى ما كان‪ ،‬وكذلك الليل والنهار‬
‫يتناوبان كلما ذهب أحدهما جاء اآلخر‪ ،‬وكذلك الشمس والقمر والنجوم‬
‫والسحاب والمطر كلها تجىء وتذهب‪ ،‬وكذلك القمر ينمحق كل شهر ثم‬
‫يتكامل ثم ينمحق‪ ،‬وكذلك الكسوف للشمس والقمر حيث يذهب الضوء‬
‫منها ثم يعود‪ ،‬وكذلك األرض تكون يابسة ثم يُـ ْنبت اهللُ فيها النبات ثم يذهب‬
‫قادر‬
‫منها فتعود يابسة ثم تنبت مرة بعد أخرى‪ ،‬فالذى ق َدر على ذلك كله ٌ‬
‫الفكر فى ذلك‬
‫على إحياء الموتى بعد فنائهم فى األرض‪ ،‬فعلى العبد أن يُ ْكثر َ‬
‫حتى يقوى إيمانه بالبعث بعد الموت ويعلم أن اهلل يبعثه ويجازيه بأعماله‪ ،‬فعلى‬
‫قدر قوة إيمانه بذلك يجتهد فى الطاعات واجتناب المخالفات للشرع‪.‬‬

‫ض األَنْبِي ِاء‪" :‬أ ِ‬


‫َط ْع ِن ِْ ْي فِ ْي َما‬ ‫( َو) المقالة التاسعة عشرة (أ ُْو ِح َي إِلَى بَـ ْع ِ‬
‫َ‬
‫ك") أي فيما دعوتك إلىما فيه الصالح ونهيتك‬ ‫ص ْحتُ َ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ك َوالَ تَـ ْعصن ْى ف ْي َما نَ َ‬
‫أ ََم ْرتُ َ‬
‫عما فيه الفساد‪.‬‬

‫ان ِ‬ ‫ضو ِ‬ ‫ِ‬ ‫( َو) المقالة العشرون (قِ ْي َل‪" :‬إِ ْك َم ُ‬


‫اهلل تَـ َعالَى‬ ‫الع ْق ِل اتِّـبَاعُ ِر ْ َ‬
‫ال َ‬
‫اب َس َخ ِط ِه") أي فخالف ذلك جنون‪.‬‬ ‫و ِْ‬
‫اجتنَ ُ‬ ‫َ‬
‫اض ِل والَ وطَن للِج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ِل")‬ ‫( َو) المقالة الحادية والعشرون (ق ْي َل‪" :‬الَ غُ ْربَةَ لل ْف ِ َ َ َ ْ‬
‫أي بلد كان‪،‬‬ ‫معظَّما عند الناس فى ّ‬ ‫مكرما َ‬‫أي المتصف بالعلم والعمل كان َ‬
‫فكان كل بلد عنده وطنا ولوكان غريبا‪ ،‬والجاهل بخالف ذلك‪.‬‬

‫اع ِة ِعنْ َد ِ‬
‫اهلل قَ ِريْـبًا َكا َن‬ ‫( َو) المقالة الثانية والعشرون (قيل‪َ " :‬م ْن َكا َن بِالطَ َ‬
‫شا‬‫اس غَ ِريْـبًا") أي من استأنس باشتغال طاعة اهلل تعالى صار ُم ْستَـ ْو ِح ً‬ ‫بَـ ْي َن النَ ِ‬
‫عن الناس‪.‬‬
‫الم ْع ِرفَ ِة‪َ ،‬ك َما أ َّ‬
‫َن‬ ‫(و) المقالة الثالثة والعشرون (قِيل‪" :‬حرَكةُ ًْ الطَ ِ ِ‬
‫اعة َدل ْي ُل َ‬
‫َ‬ ‫ْ َ ََ‬ ‫َ‬
‫الحيَاةِ") والمعنى أن إتيان العبد الطاعة هلل تعالى عالمة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح َرَكةَ الج ْس ِم َدل ْي ُل َ‬
‫ت‪ ،‬أل ّن‬
‫قلت قلّ ْ‬
‫على معرفته هلل‪ ،‬فإذا كثرت الطاعة كثرت المعرفة‪ ،‬وإذا ْ‬
‫الظاهر مرآة الباطن‪.‬‬

‫َصلُ‬ ‫ال النَبِ ُّي صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬أ ْ‬


‫( َو) المقالة الرابعة والعشرون (قَ َ‬
‫ب ال ُدنْـيا) وهي ما زاد عن الحاجة (وأَصل ج ِمي ِع ِ‬
‫الفتَ ِن َم ْن ُع‬ ‫َج ِم ْي ِع َ‬
‫َ ُْ َ ْ‬ ‫الخطَايَا ُح ُّ َ‬
‫الع ْش ِر َوال َزَكاةِ") وهذا من عطف العام على الخاص‪ ،‬ألن العشر خاص بالزروع‬ ‫ُ‬
‫والثمار‪ ،‬والزكاة شاملة لذلك ولزكاة النقد واأنعام ولزكاة البدن‪.‬‬

‫الم ِق ُّر بِالتَـ ْق ِ‬


‫ص ْْي ِر) أي بالعجز عن‬ ‫ِ‬
‫( َو) المقالة الخامسة والعشرون (ق ْي َل‪ُ :‬‬
‫الطاعة (أب ًدا م ْحمو ٌد‪ ،‬وا ِإلقـْرار بِالتَـ ْق ِ‬
‫ص ْي ِر َعالَ َمةُ ال َقبُـ ْو ِل) ألنه إشارة إلى عدم‬ ‫َ َ ُْ َ َ ُ‬
‫العجب والكبر‪.‬‬

‫( َو) المقالة السادسة والعشرون (قِ ْي َل‪ُ :‬ك ْف َرا ُن النِ ْع َم ِة لُْؤٌم) أي عدم شكر‬
‫ص ْحبَةُ األَ ْح َم ِق) وهي واضع الشيء فى غير‬ ‫النعمة دليل على دناءة النفس ( َو ُ‬
‫محله مع العلم بقبحه ( ُش ْؤٌم) أي غير مبارك‪ ،‬كما روى الطبراني عن بشير أنه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قال‪ِ " :‬‬
‫اص ِرم األَ ْح َم َق" بكسر الهمزة والراء أي اقطع ّ‬
‫وده‪،‬‬ ‫ْ‬
‫سراقة وقد يسرق طبعك منه‪.‬‬ ‫والمعنى ال تصاحبه لقبح حالته وألن الطباع ّ‬
‫صلَ ِ‬
‫تان َم ْن‬ ‫النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪َ " :‬خ ْ‬ ‫وروى الترمذي عن ابن عمر أ ّن َّ‬
‫وم ْن لَ ْم تَ ُكونَا فِ ِيه لَ ْم يَ ْكتُْبهُ اهللُ َشاكِراً وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كانَتا فيه َكتَبَهُ اهلل شاكراً صابًِرا‪َ ،‬‬
‫صابًِرا‪َ :‬م ْن نَظََر في ِدينِ ِه إلى َم ْن ُه َو فَـ ْوقَهُ فاقـْتَ َدى بِهِ ونَظََر في ُدنْياهُ إلى َم ْن‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ُهو ُدونَهُ فَح ِم َد اهلل على ما فَ َّ ِ ِ‬
‫ضلَهُ بِه َعلَْيه َكتَبَهُ اهلل شاكراً صابًِرا‪َ ،‬‬
‫وم ْن نَظََر في‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف َعلى ما فاتَهُ لَ ْم‬ ‫ِدينِ ِه إلى من ُهو ُدونَهُ ونَظَر في ُدنْياهُ إلى من ُهو فَـوقَهُ فَ ِ‬
‫أس َ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ‬
‫يَ ْكتُْبهُ اهلل شاكِراً وال صابًِرا" اهـ‪ .‬هذا الحديث جامع لجميع أنواع الخير‪.‬‬

‫المجزو‪:‬‬
‫ّ‬ ‫( َو) المقالة السابعة والعشرون (قال الشاعر‪ ):‬من بحر الكامل‬

‫(يَا َم ْن بِ ُدنْـيَاهُ ا ْشتَـغَ ْل ‪ ...‬قَ ْد غَ َّرهُ طُْو ُل األَ َمل‬

‫أ ََو لَ ْم يَـ َز ْل فِ ْى غَ ْفلَ ٍة ‪َ ...‬حتَّى َدنَا ِم ْنهُ األَ َجل‬

‫الع َمل‬ ‫المو ُ ِ‬


‫وقُ َ‬
‫ص ْن ُد ْ‬
‫ت يَأت ْي بَـغْتَةً ‪َ ...‬وال َق ْبـ ُر ُ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫ت إِالَّ بِاألَ َجل)‬ ‫صبِ ْر َعلى أ َْه َوال َها ‪ ...‬الَ ْ‬
‫مو َ‬ ‫إِ ْ‬

‫الدنْيا َأم ُّر ِم َن َّ‬


‫الص ْب ِر‬ ‫وروى الديلمي أنّه صلى اهلل عليه وسلم قال‪" :‬تَـ ْر ُك ُّ‬
‫َح ٌد إِالَّ أَ ْعطَاهُ اهللُ ِمثْ َل َما‬
‫يل اهلل‪َ ،‬والَ يَـ ْتـ ُرُك َها أ َ‬‫وف في َسبِ ِ‬ ‫السي ِ‬ ‫ِ‬
‫وأ َش ُّد م ْن َحط ِْم َّ ُ‬
‫اس‪ ،‬فإنه من‬ ‫ض الثَـنَ ِاء ِم َن النَ ِ‬‫ش ْب ِع َوبُـغْ ُ‬ ‫اء‪َ ،‬وتَـ ْرُك َها قِلَّةُ األَ ْك ِل َوال َ‬ ‫يُـ ْع ِطى ال ُ‬
‫ش َه َد َ‬
‫أحب الثناء من الناس أحب الدنيا ونعيمها ومن سره النعيم كل النعيم فليدع‬
‫الدنيا والثناء من الناس"‪ .‬وروى ابن ماجه أنه صلى اهلل عليه وسلم قال‪" :‬من‬
‫اآلخرةَ جمع اهلل َشملَه وجعل ِغناه في قَـ ْلبِ ِه وأَتَـ ْته ال ُّدنْـيا ر ِ‬ ‫ِ‬
‫اغ َمةً‪َ ،‬وَم ْن‬‫َ ُ َ َ‬ ‫كانت نِيَّتُهُ َ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ َ َ ُ‬
‫الدنْـيَا فَـ َّر َق اهللُ َعلَْي ِه أ َْم َرهُ َو َج َع َل فَـ ْق َرهُ بين َع ْيـنَـ ْي ِه ولم يَأْتِهِ ِم َن ُّ‬
‫الدنْـيَا‬ ‫كانت نِيَّتُهُ ُّ‬
‫ِ‬
‫ب لَهُ"‪.‬‬‫إِالَّ َما ُكت َ‬
‫الش ْبلِ ِّي‬
‫ف ب ِن جح َد ٍر ( ِ‬
‫َْ‬ ‫(و) المقالة الثامنة والعشرون ( َعن أبِى ب ْك ٍر) ُدلَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫َرِح َمهُ اهلل) بغدادي المولد والمنشأ صحب الجنيد ومن فى عصره مالكي‬
‫المذهب عاش سبعا وثمانين سنة ومات سنة أربع وثالثين وثالثمائة وقبره‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال) فى مناجاته إلهي (إنّي‬ ‫ين) باهلل تعالى (قَ َ‬ ‫العا ِرف َ‬
‫ببغداد ( َو ُه َو م ْن ُعظَ َماء َ‬
‫سنَاتِي َم َع فَـ ْق ِري) أي احتياجي للحسنات‬ ‫ب أَ ْنَ أ ََهب لَ َ ِ‬ ‫أِ‬
‫ك َجم ْي َع َح َ‬ ‫َ‬ ‫ُح ُّ‬
‫ب ّْ َسيِّ ِد ْي) بحذف‬ ‫ف الَ تُ ِح ُّ‬ ‫ض ْع ِفي) أي عجزي عن إكثار العبادات (فَ َك ْي َ‬ ‫( َو ُ‬
‫ي‬ ‫ب لِ ْي) أي تسمح لي ( َج ِم ْي َع َسيِّئَاتي َم َع ِغنَ َ‬
‫اك َم ْوالَ َ‬ ‫حرف النداء (أَ ْن تَـ َه َ‬
‫َعنِّي) أي عذابي فإ ّن سيئاتي ال تضرك وحسناتي ال تنفعك‪ ،‬وقد أجازني بعض‬
‫الفضالء أن أقرأ بعد صالة الجمعة سبع مرات هذه األبيات الثالثة من بحر‬
‫الوافر‪:‬‬

‫الج ِح ْيم‬
‫أقوى َعلى نا ِر َ‬ ‫ت لِل ِْف ْر َد ْو ِ‬
‫س أ َْهالً ‪َ ...‬والَ َ‬ ‫إلَ ِهي لَ ْس ُ‬

‫الع ِظ ْي ِم‬ ‫ب لِ ْي تَـ ْوبَةً َوا ْغ ِف ْر ذُنُـ ْوبي ‪ ...‬فَِإنَّ َ‬


‫ك غَافِ ُر ال َذنْ ِ‬
‫ب ِْ َ‬ ‫فَـ َه ْ‬

‫َو َع ِاملْنِ ْي ُم ًع َاملَةَ ال َك ِريْ ِم ‪َ ...‬وتُـثْبِتُنِي َعلَى النَـ ْه ِج ال َق ِويْ ِم‬

‫(حكاية) قدم الشبلي على ابن مجاهد فعانقه ابن مجاهد وقبل بين عينيه‬
‫فسئل عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬رأيت النبي صلى اهلل عليه وسلم فى النوم وقد أقبل‬
‫الشبلي‪ ،‬فقام النبي صلى اهلل عليه وسلم إليه وقبل بين عينيه‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل أتفعل هذا بالشبلي؟ قال نعم‪ ،‬إنه لم يصل فريضة إال وهو يقرأ خلفها‬
‫ول ِم ْن أَنْـ ُف ِس ُك ْم} إلى آخر اآليتين ويقول‪ :‬صلى اهلل عليك يا‬
‫اء ُك ْم َر ُس ٌ‬
‫{لََق ْد َج َ‬
‫محمد‪ ،‬فسألت الشبلي عما يقوله بعد الصالة فذكر مثله‪.‬‬

‫ِ ِ‬
‫ت أَ ْن تَستَأن َ‬
‫س‬ ‫ال) أي الشبلي (إ َذا أ ََر ْد َ‬
‫( َو) المقالة التاسعة والعشرون (قَ َ‬
‫ك) أي فاقطع‬ ‫ش ِم ْن نَـ ْف ِس َ‬ ‫باهلل) أي يسكن قلبك مع اهلل وال ينفر منه (فَ ِ‬
‫استَـ ْوح ْ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫مودات نفسك‪ .‬سئل الشبلي بعد موته عن حاله فى المنام‪ ،‬فقال‪ :‬قال اهلل لي‪:‬‬
‫ّ‬
‫غفرت لك؟‪ ،‬قلت بصالح عملي‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ .‬قلت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫بم‬
‫يا أبا بكر أتدرى َ‬
‫بإخالص عبوديتي‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ .‬قلت‪ :‬بحجي وصومي وصالتي‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ .‬قلت‬
‫بهجرتي للصالحين ولطلب العلم‪ .‬قال‪ :‬ال‪ .‬قلت‪ :‬إلهي فبِ َم؟‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫أتذكر حين كنت تمشى فى درب بغداد فوجدت هرة صغيرة قد أضعفها البرد‬
‫وهي تنزوى من شدته فأخذتها رحمة لها وأدخلتها فى فَـ ْر ٍو كان عليك وقايةً‬
‫لها‪ ،‬فقلت‪ :‬نعم‪ .‬فقال تعالى‪ :‬برحمتك لتلك الهرة رحمتك‪.‬‬

‫صلَ ِة) أي‬ ‫الو ْ‬


‫ال) أي الشبلي (لَْو ذُقـْتُ ْم َحالَ َو َة َ‬ ‫( َو) المقالة الثالثون (قَ َ‬
‫ال ُق ْرب مع اهلل تعالى (لَ َع َرفْـتُ ْم َم َر َارةَ ال َق ِط ْيـ َع ِة) أي البُـ ْعد عنه تعالى‪ ،‬فإنه عذاب‬
‫اللهم ْارُزقْنِي‬
‫عظيم عند أهل اهلل تعالى‪ .‬وكان من دعائه صلى اهلل عليه وسلم‪َّ " :‬‬
‫ك"‪.‬‬ ‫الش ْو َق إِلَى لَِقائِ َ‬ ‫لَ َّذةَ النَّظَ ِر إِلَى َو ْج ِه َ‬
‫ك ال َك ِريْ ِم َو َّ‬

‫(‪ )4‬باب الثالثي‬


‫وفيه خمس وخمسون موعظة‪ ،‬سبعة أحبار والباقى آثار‪.‬‬

‫َصبَ َح)‬ ‫المقالة األولى (روي عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنَّهُ قَ َ‬
‫ال‪َ :‬م ْن أ ْ‬
‫أنما‬ ‫الم َع ِ‬
‫اش فَ َك َّ‬ ‫ِ‬
‫أي دخل فى وقت الصباح ( َو ُه َو يَ ْش ُك ْو) إلى الناس (ض ْي َق َ‬
‫يَ ْش ُك ْو َربَّهُ) والشكاية ال تليق إال إلى اهلل‪ ،‬فإنها من جملة الدعاء‪ .‬أما الشكاية‬
‫إلى الناس فهي من عالمات عدم الرضا بقسمة اهلل تعالى له‪ ،‬كما روي عن عبد‬
‫ُعلِّ ُم ُك ْم‬
‫اهلل بن مسعود قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬أَالَ أ َ‬
‫ائيل؟ "‪،‬‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ات التي تَ َكلَّم بِها موسى علَي ِه َّ ِ‬ ‫ال َكلِم ِ‬
‫السالَ ُم ح ْي َن َج َاوَز البَ ْح َر ببَن ْي إ ْس َر َ‬ ‫َ َ ُْ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫الم ْشتَ َكى َوأَنْ َ‬ ‫الح ْم ُد َوإِلَْي َ‬ ‫فَـ ُقلْنَا بـلَى يا رسو َل ِ‬
‫ك ُ‬ ‫ك َ‬ ‫اللهم لَ َ‬
‫ال‪(( :‬قولوا ّ‬ ‫اهلل‪ ،‬قَ َ‬ ‫َ َ َ ُْ‬
‫الع ِظ ْي ِم))‪ .‬قال األعمش فما تركتهن‬ ‫اهلل ِ‬
‫ِ‬
‫الم ْستَـ َعا ُن َوالَ َح ْو َل َوالَ قُـ َّوةَ إِالَّ بِ َ‬
‫العل ِّي َ‬ ‫ُ‬
‫منذ سمعتهن من ٍ‬
‫شقيق األسدي الكوفي‪ ،‬وهو عن عبد اهلل بن مسعود رضي‬
‫اهلل عنه‪ .‬قال األعمش أتاني ٍ‬
‫آت فى المنام‪ ،‬فقال‪ :‬يا سليمان زد فى هذه‬
‫صالَ َح أ َْم ِرنَا ُكلِّ ِه"‪َ ( .‬وَم ْن‬ ‫اد فِ ْيـنَا‪َ ،‬ونَ ْسأَلُ َ‬
‫ك َ‬
‫ك َعلَى فَس ٍ‬
‫َ‬ ‫الكلمات " َونَ ْستَعِ ْيـنُ َ‬
‫اخطًا َعلى ِ‬
‫اهلل)‬ ‫أَصبح) أي دخل فى الصباح (ألموِر ال ُدنْـيا ح ِزيـنا فَـ َق ْد أَصبح س ِ‬
‫َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ َ ًْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ‬
‫والمعنى من حزن على أمور الدنيا فقد غضب على اهلل‪ ،‬ألنه لم يرض بقضاء‬
‫اهلل ولم يصبر على بالئه ولم يؤمن بقدره ألن مل ما وقع فى الدنيا فهو بقضاء‬
‫ب ثـُلُثَا ِديْنِ ِه) أي ألن الشريعة‬ ‫اهلل تعالى وقدره (ومن تَـو َ ِ ِ ِ ِ‬
‫اض َع لغَن ٍّي لغنَاهُ فَـ َق ْد ذَ َه َ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫أن يكون تعظيم الناس ألجل صالحه وألجل علمه دون التعظيم ألجل ماله‪،‬‬
‫فإن من أكرم المال أهان العلم والصالح‪.‬‬

‫سره‪ :‬ال ب ّد لكل مؤمن فى‬


‫قال سيدي عبد القادر الجيالني ق ّدس اهلل ّ‬
‫سائر أحواله من ثالثة أشياء أمر يمتثله ونهي يجتنبه وقدر يرضى به‪ ،‬فأقل‬
‫حاالت المؤمن ال يخلو فيها من أحد هذه األشياء الثالثة‪ ،‬فينبغى له أن يلزم‬
‫همها قلبه ويح ّدث بها نفسه ويأخذ الجوارح بها فى سائر أحواله اهـ‪.‬‬

‫ث الَ تُ ْد َر ُك‬ ‫الصدِّيْ ِق ر ِ‬


‫ض َي اهللُ َع ْنهُ‪ :‬ثَالَ ٌ‬ ‫(و) المقالة الثانية ( َعن أَبِي ب ْك ٍر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫المنَى) بصم الميم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫بثَالَث) أي ثالث خصال ال تطلب بثالثة أشياء (الغنَى ب ُ‬
‫اب‬
‫شبَ ً‬ ‫جمع منية‪ ،‬أي فال يحصل الغنى باألمانى بل بالقسمة من اهلل تعالى ( َوال َ‬
‫بالحنّاء ونحوه (و ِ‬
‫الص َّحةُ‬ ‫اب) فال يحصل الشباب بخضاب الشعر ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫الخ َ‬ ‫بِ ِ‬
‫َ‬
‫بِاألَ ْد ِويَِة) فال تحصل الصحة بنفس األدوية با بشفاء اهلل تعالى‪.‬‬

‫ضي اهلل َع ْنهُ‪ :‬حسن التَـود ِ‬


‫ُّد) أي المحبة‬ ‫ِ‬
‫ُُْ َ‬ ‫(و) المقالة الثالثة ( َع ْن عُ َم َر َر َ ُ‬
‫الع ْقل) كما روى ابن حبان والطبراني والبيهقى عن جابر بن‬ ‫ف َ‬ ‫اس نِ ْ‬
‫ص ُ‬ ‫(إِلَى النَ ِ‬
‫ص َدقَةٌ)) أي‬ ‫عبد اهلل أ ّن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪ُ (( :‬م َد َاراةُ النَ ِ‬
‫اس َ‬
‫مالطفة الناس بالقول والفعل يثاب هليها ثواب الصدقة‪ ،‬وكان من مدارته صلى‬
‫اهلل عليه وسلم أنه ال يذم طعاما وال ينهر خادما وال يضرب امرأة‪ .‬والمداراة‬
‫الس َؤ ِال) أي للعلماء‬
‫هي ترك الدنيا ألجل الدين عكس المداهنة ( َو ُح ْس ُن ُ‬
‫ف العِل ِْم) ألن العلم يحصل به ( َو ُح ْس ُن التَ ْدبِْي ِر) أي إجراء األمور على‬‫ص ُ‬‫(نِ ْ‬
‫ش ِة) وهي مكسب اإلنسان الذى يعيش بسببه‪.‬‬ ‫المعِ ْي َ‬
‫ف َ‬ ‫علم العواقب (نِ ْ‬
‫ص ُ‬

‫أقل‬ ‫ِ‬
‫(و) المقالة الرابعة ( َع ْن ُعثْ َما َن َرض َي اهللُ َع ْنهُ‪َ " :‬م ْن تَـ َر َك ال ُدنْـيَا) بأن ّ‬
‫َحبَّهُ اهللُ تَـ َعالَى) ألنه ترك الرياء‬ ‫الشبع واألكل وأبغض الثناء من الناس (أ َ‬
‫المالَئِ َكةُ) ألنه ال يتعب الكتبة الذين يكتبون‬ ‫َحبَّهُ َ‬ ‫بأَ‬ ‫والتفاخر ( َوَم ْن تَـ َر َك ال ُذنُـ ْو َ‬
‫ِِ‬
‫َحبَّهُ‬
‫الم ْسلم ْي َن) أي قطعه عنهم (أ َ‬ ‫س َم الطَ َم َع َع ِن ُ‬ ‫السيئات ( َوَم ْن َح َ‬
‫الم ْسلِ ُم ْو َن") ألنه ال يكدر قلوبهم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫إن ِم ْن نَعِ ْي ِم‬
‫ضي اهللُ َع ْنهُ) وكرم وجهه ( َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫(و) المقالة الخامسة ( َع ْن َعل ٍّي َر َ‬
‫ك ا ِإل ْسالَ ُم نِ ْع َمةً) فإن أعظم نعم اهلل للعبد إخراجه من العدم إلى‬ ‫ال ُدنْـيَا يَ ْك ِف ْي َ‬
‫ك‬ ‫إن ِم َن ال ُ‬
‫شغْ ِل يَ ْك ِف ْي َ‬ ‫الوجود‪ ،‬وإخراجه من ظلمات الكفر إلى نور اإلسالم ( َو َّ‬
‫اعةُ ُشغْالً) فطاعة اهلل تعالى أعظم اإلستغال ( َوإِ َّن ِم َن العِ ْبـ َرةِ) أي العِظة‬ ‫الطَ َ‬
‫ت ِع ْبـ َرةً) فإن الموت أكبر المواعظ للناس‪.‬‬ ‫الم ْو ُ‬
‫ك َ‬ ‫(يَ ْك ِف ْي َ‬

‫ض َي اهللُ َع ْنهُ‪َ :‬ك ْم ِم ْن‬ ‫اهلل بْ ِن مسعو ٍد ر ِ‬


‫َ ْ ُْ َ‬
‫(و) المقالة السادسة ( َعن َع ْب ِد ِ‬
‫ْ‬
‫ُم ْستَ ْد َر ٍج) أي مأخوذ قليال قليال (بِالنِ ْع َم ِة) بإكثارها ( َعلَْي ِه‪ ،‬وَك ْم ِم ْن َم ْفتُـ ْو ٍن) أي‬
‫ممتحن بالبالء (بِالثَـنَ ِاء) أي بكثرة ثناء الناس ( َعلَْي ِه‪ ،‬وَك ْم ِم ْن َمغْ ُرْوٍر) أي‬ ‫َ‬
‫ستُّ ِر) أي بستر اهلل عيوبه ( َعلَْي ِه)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مطمئن قلبه فى الدنيا وغافل عن اآلخرة (بالتَ َ‬
‫(و) المقالة السابعة ( َع ْن داود النبي) (قال‪ :‬أوحي فى الزبور‪( )،‬حق على‬
‫العاقل) (أن ال يشتغل إال بثالث) (تزود لمعاد‪( )،‬ومؤونة لمعاش‪( )،‬وطلب لذة‬
‫بحالل)‪.‬‬

‫وعن أبي هريرة أنه قال‪ :‬قال النبي‪ :‬ثالث منجيات‪ ،‬وثالث مهلكات‪،‬‬
‫وثالث درجات وثالث كفارات‪ ،‬أما المنجيات فخشية اهلل تعالى فى السر‬
‫والعالنية‪ ،‬والقصد فى الفقر والغنى‪ ،‬والعدل فى الرضاء والغضب‪ ،‬وأما‬
‫المهلكات فشح شديد‪ ،‬وهوى متبع‪ ،‬وإعجاب المرء بنفسه‪ .‬وأما الدرجات‬
‫فإفشاء السالم‪ ،‬وإطعام الطعام‪ ،‬والصالة بالليل والناس نيام‪ .‬وأما الكفارات‬
‫فإسباغ الوضوء فى السبرات ونقل األقدام إلى الجماعات‪ ،‬وانتظار الصالة بعد‬
‫الصالة‪.‬‬
‫وقال جبريل‪ :‬يا محمد عش ما شئت فإنك ميت‪ ،‬واحبب من شئت فإنك‬
‫مفارقها‪ ،‬واعمل ما شئت فإنك مجزي به‪.‬‬

‫قال النبي‪ :‬ثالث نفر يظلهم اهلل تحت ظل عرش يوم ال ظل إال ظله‪:‬‬
‫المتوضىء فى المكاره والماشي إلى المساجد فى الظلم‪ ،‬ومطعم الجائع‪.‬‬
‫وقيل إلبراهيم ألي شيء اتخذك اهلل خليال؟ قال بثالثة أشياء‪ :‬اخترت أمر اهلل‬
‫تعالى على أمر غيره‪ ،‬وما إهتممت بما تكفل اهلل لي‪ ،‬وما تعشيت وما تغديت‬
‫إال مع الضيف‪.‬‬

‫صص‪ .‬ذكر اهلل تعالى‪ ،‬ولقاء‬


‫وعن بعض الحكماء‪ :‬ثالثة أشياء تفرج الغُ َ‬
‫أوليائه‪ ،‬وكالم الحكماء‪.‬‬
‫وعن الحسن البصري من ال أدب له ال علم له‪ ،‬ومن ال صبرله ال دين له‪،‬‬
‫ومن ال ورع له ال زلفى له‪.‬‬

‫وروي أن رجال خرج من بني إسرائيل إلى طلب العلم فبلغ ذلك نبيهم‬
‫فبعث إليه (النبي) فأتاه (الرجل) فقال له‪ :‬يا فتى‪ ،‬أعظك بثالث خصال فيها‬
‫علم األولين واألخرين‪ ،‬خف اهلل فى السر والعالنية‪ ،‬وامسك لسانك عن‬
‫الخلق ال تذكرهم إال بخير‪ ،‬وانظر (حبزك) الذي تأكله حتى يكون من‬
‫الحالل‪ .‬فامتنع الفتى عن الخروج‪.‬‬

‫وروي أن رجال من بني إسرائيل جمع ثالثين تابوتا من العلم ولم ينتقع‬
‫بعلمه‪ ،‬فأوحى اهلل تعالى إلى نبيهم أن قل لهذا الجامع لو جمعت كثيرا من‬
‫العلم لم ينفعك إال أن تعمل بثالثة أشياء‪ :‬ال تحب الدنيا فليس بدار‬
‫المؤمنين‪ ،‬وال تصاحب الشيطان فليس برفيق المؤمنين‪ ،‬وال تؤذ أحدا فليس‬
‫بحرفة المؤمنين‪.‬‬

‫وعن أبي سليمان الداراني أنه قال فى المناجاة‪ :‬إلهي‪ ،‬لئن طالبتني بذنبي‬
‫ألطلبنك بعفوك ولئن طالبتني ببخلي ألطلبنك بسخائك‪ ،‬ولئن أدخلتني النار‬
‫ألخبرت أهل النار بأني أحبك‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬أسعد الناس من له قلب عالم‪ ،‬وبدن صابر‪ ،‬وقناعة بما فى اليد‪.‬‬
‫وعن إبراهيم النخعي إنما هلك من هلك قبلكم بثالث خصال‪ :‬بفضول‬
‫الكالم‪ ،‬وفضول الطعام‪ ،‬وفضول المنام‪.‬‬
‫وعن يحيى بن معاذ الرازي‪ :‬طوبى لمن ترك الدنيا قبل أن تتركه‪ ،‬وبني قبره‬
‫قبل أن يدخله‪ ،‬وأرضى ربه قبل أن يلقاه‪.‬‬

‫وعن علي‪ :‬من لم يكن عنده سنة اهلل وسنة رسوله وسنة أوليائه فليس فى‬
‫يده شيء‪ .‬قيل له‪ :‬ما سنة اهلل؟ قال‪ :‬كتمان السر‪ .‬وقيل‪ :‬ما سنة الرسول؟‬
‫قال‪ :‬إحتمال األذى عن الناس‪ .‬وكانوا من قبلنا يتواصون بثالث خصال‬
‫ويتكاتبون بها‪ :‬من عمل آلخرته كفاه اهلل أمر دينه ودنياه‪ .‬ومن أحسن سريرته‬
‫أحسن اهلل عالنياته‪ ،‬ومن أصلح ما بينه وبين اهلل أصلح اهلل ما بينه وبين الناس‪.‬‬
‫وعن علي‪ :‬كن عند اهلل خير الناس‪ ،‬وكن عند النفس شر الناس‪ ،‬وكن عند‬
‫الناس رجال من الناس‪.‬‬

‫[قيل] أوحى اهلل تعالى إلى عزير النبي قال‪ :‬يا عزير‪ ،‬إذا أذنبت ذنبا‬
‫صغيرا فال تنظر إلى صغره وانظر إلى من الذي أذنبت له‪ ،‬وإذا أصابك خير‬
‫يسير فال تنظر إلى صغره وانظر إلى من الذي رزقك‪ ،‬وإذا أصابك بلية فال‬
‫إلي مساويك‪.‬‬
‫تشكوني إلى خلقي كما ال أشكوك إلى مالئكتي إذا صعدت ّ‬
‫وعن حاتم األصم‪ :‬ما من صباح إال ويقول الشيطان لي ما تأكل؟ وما تلبس؟‬
‫وأين تسكن؟ فأقول له‪ :‬آكل الموت‪ ،‬وألبس الكفن‪ ،‬وأسكن القبر‪.‬‬
‫وعن النبي‪ :‬من خرج من ظل المعصية إلى عز الطاعة أغناه اهلل تعالى من غير‬
‫مال‪ ،‬وأيده من غير جند‪ ،‬وأعزه من غير عشيرة‪.‬‬

‫وروي أنه عليه السالم خرج ذات يوم على أصحابه فقال‪ :‬كيف‬
‫أصبحتم؟ فقالوا‪ :‬أصبحنا مؤمنين باهلل‪ .‬فقال‪ :‬وما عالمة إيمانكم؟ قالوا‪ :‬نصبر‬
‫على البالء‪ .‬ونشكر على الرخاء‪ ،‬ونرضى بالقضاء‪ .‬فقال عليه السالم‪ :‬أنتم‬
‫مؤمنون حقا ورب الكعبة‪.‬‬

‫أوحى اهلل تعالى إلى بعض األنبياء‪ :‬من لقيني وهو يحبني أدخلته جنتي‪،‬‬
‫ومن لقيني وهو يخافني جنبته ناري‪ ،‬ومن لقيني وهو يستحي مني أنسيت‬
‫الحفظة ذنوبه‪.‬‬

‫وعن عبد اهلل بن مسعود‪ :‬أد ما افترض اهلل عليك تكن أعبد الناس‪،‬‬
‫واجتنب محارم اهلل تكن أزهد الناس‪ ،‬وارض بما قسم اهلل لك تكن أغنى‬
‫الناس‪.‬‬
‫وعن صالح المرقدي أنه مر ببعض الديار فقال‪ :‬أين أهلك األولون‪ ،‬وأين‬
‫عمارك الماضون‪ ،‬وأين سكانك األقدمون؟ فهتف به هاتف‪ :‬انقطعت أثارهم‪،‬‬
‫وبليت تحت التراب أجسامهم‪ ،‬وبقيت أعمالهم قالئد فى أعناقهم‪.‬‬
‫ضل على من شئت فأنت أميره‪ ،‬واسأل عمن شئت فأنت أسيره‪،‬‬
‫وعن علي‪ :‬تَـ َف ّ‬
‫واستغن عمن شئت فإنك نظيره‪.‬‬

‫وعن يحيى بن معاذ (رحمة اهلل عليه)‪ :‬ترك الدنيا كلها أخذها كلها‪ ،‬فمن‬
‫تركها كلها أخذها كلها‪ ،‬ومن أخذها كلها تركها كلها‪ ،‬فأخذها فى تركها وتركها‬
‫فى أخذها‪.‬‬

‫وعن إبراهيم بن األدهم رحمه اهلل أنه قيل له‪ :‬بم وجدت الزهد؟ قال‪:‬‬
‫بثالثة أشياء‪ :‬رأيت القبر موحشا وليس معي مؤنس‪ ،‬ورأيت طريقا طويال وليس‬
‫معي زاد‪ ،‬ورأيت الجبار قاضيا وليس معي حجة‪.‬‬
‫وعن الشبلي رحمه اهلل (وهو من عظماء العارفين قال‪ :‬إلهي! أحب أن‬
‫أهب لك جميع حسناتي مع فقري وضعفى‪ ،‬فكيف ال تحب سيدي أن تهب‬
‫لي جميع سيئاتي مع غناك موالي عني! وقال‪ :‬إذا أردت أن تستانس باهلل‬
‫فاستوحش من نفسك‪ .‬وقال‪ :‬لو ذقتم حالوة الوصلة لعرفتم مرارة القطيعة‪.‬‬
‫وعن سفيان الثوري رحمه اهلل أنه سئل عن األنس باهلل تعالى‪ ،‬ما هو؟ فقال‪ :‬أن‬
‫ال تستأنس بكل وجه صبيح وال بصوت طيب وال بلسان فصيح‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما أنه قال‪ :‬الزهد ثالثة أحرف‪ :‬زاي وهاء ودال‪،‬‬
‫فالزاي زاد للمعاد‪ ،‬والهاء هدى للدين‪ ،‬والدال دوام على الطاعة‪.‬‬
‫وقال فى موضع أخر‪ :‬الزهد ثالثة أحرف‪ :‬الزاي ترك الزينة‪ ،‬والهاء ترك الهوى‪،‬‬
‫والدال ترك الدنيا‪.‬‬

‫وعن حامد اللفاف رحمه اهلل أنه قال أتاه رجل فقال له أوصني‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫اجعل لدينك غالفا كغالف المصحف‪ .‬قيل له‪ :‬ما غالف الدين؟ قال‪ :‬ترك‬
‫الكالم إال ما ال بد منه‪ ،‬وترك الدنيا إال ما ال بد منه‪ ،‬وترك مخالطة الناس إال‬
‫ما ال بد منه‪ .‬ثم اعلم أن أصل الزهد اإلجتناب عن المحارم‪ ،‬كبيرها وصغيرها‪،‬‬
‫وأداء جميع الفرائض‪ ،‬يسيرها وعسيرها‪ ،‬وترك الدنيا على أهلها‪ ،‬قليلها‬
‫وكثيرها‪.‬‬

‫وعن لقمان الحكيم أنه قال البنه‪ :‬يا بني‪ ،‬إن الناس ثالثة أثالث‪ :‬ثلث‬
‫هلل‪ ،‬وثلث لنفسه‪ ،‬وثلث للدود‪ .‬فأما ما هو هلل (من المرء) فروحه‪ ،‬وما هو‬
‫لنفسه فعمله‪ ،‬وأما ما للدود فجسمه‪.‬‬
‫وعن علي كرم اهلل وجهه أنه قال‪ :‬ثالثة يزدن فى الحفظ ويذهبن البلغم‪:‬‬
‫السواك‪ ،‬والصوم‪ ،‬وقراءة القرآن‪.‬‬

‫وعن كعب األخبار رضي اهلل عنه‪ :‬الحصون للمؤمنين ثالث‪ :‬المسجد‬
‫حصن‪ ،‬وذكر اهلل حصن‪ ،‬وقراءة القرآن حصن‪.‬‬

‫وعن بعض الحكماء أنه قال‪ :‬ثالث من كنز اهلل تعالى ال يعطيها اهلل إال‬
‫من أحبه‪ :‬الفقر‪ ،‬والمرض‪ ،‬والصبر‪.‬‬

‫وعن ابن عباس (رضي اهلل عنهما) حين سئل‪ :‬ما خير األيام؟ وما خير‬
‫الشهور؟ وما خير األعمال؟ فقال‪ :‬خير األيام يوم الجمعة‪ ،‬وخير الشهور شهر‬
‫رمضان‪ ،‬وخير األعمال الصلوات الخمس لوقتها‪ .‬فمضى على ذلك ثالثة أيام‬
‫فبلغ عليا رضي اهلل عنه أن ابن عباس (رضي اهلل عنهما) سئل عن ذلك‬
‫فأجاب بكذا فقال علي (رضي اهلل عنه)‪ :‬لو سئل العلماء والحكماء والفقهاء‬
‫من المشرق إلى المغرب لما أجابوا بمثل ما أجاب به ابن عباس‪ ،‬إال أني‬
‫أقول‪ :‬خير األعمال ما يقبل اهلل تعالى منك‪ ،‬وخير الشهور ما تتوب فيه إلى‬
‫اهلل توبة نصوحا‪ ،‬وخير األيام ما تخرج فيه من الدنيا إلى اهلل تعالى مؤمنا باهلل‪.‬‬
‫وقال شاعر‪:‬‬

‫أما ترى كيف يبلينا الجديدان • ونحن نلعب فى سر وإعالن‬

‫ال تركنن إلى الد نيا ونعمتها • فإن أوطانها ليست بأوطان‬

‫واعمل لنفسك من قبل الممات فال • تغررك كثرة أصحاب وإخوان‬


‫وقيل‪ :‬إذا أراد اهلل بعبد خيرا فقهه فى الدين‪ ،‬وزهد فى الدنيا‪ ،‬وبصره‬
‫بعييوب نفسه‪.‬‬

‫وعن رسول اهلل أنه قال‪ :‬حبب إلي من دنياكم ثالث‪ :‬الطيب‪ ،‬والنساء‪،‬‬
‫وجعلت قرة عيني فى الصالة‪ ،‬وكان معه أصحابه جلوسا فقال أبو بكر‬
‫الصديق (رضي اهلل عنه)‪ :‬صدقت يا رسول اهلل‪ ،‬وحبب إلي من الدنيا ثالث‪:‬‬
‫النظر إلى وجه رسول اهلل‪ ،‬وإنفاق مالي على رسول اهلل‪ ،‬وأن يكون ابنتي تحت‬
‫رسول اهلل‪ .‬فقال عمر (رضي اهلل عنه)‪ :‬صدقت يا أبا بكر‪ ،‬وحبب إلي من‬
‫الدنيا ثالث‪ :‬األمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬والثوب الخلق‪ .‬فقال‬
‫عثمان (رضي اهلل عنه)‪ :‬صدقت يا عمر‪ ،‬وحبب إلي من الدنيا ثالث‪ :‬إشباع‬
‫الجيعان‪ ،‬وكسوة العريان‪ ،‬وتالوة القرآن‪ .‬فقال علي (رضي اهلل عنه)‪ :‬صدقت‬
‫يا عثمان‪ ،‬وحبب إلي من الدنيا ثالث‪ :‬الخدمة للضيف‪ ،‬والصوم فى الصيف‪،‬‬
‫والضرب بالسيف‪ .‬فبينما هم كذلك إذ جاء جبرائيل وقال‪ :‬أرسلني اهلل تبارك‬
‫وتعالى لما سمع مقالتكم وأمرك أن تسألني عما أحب إن كنت من أهل الدنيا‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ما تحب إن كنت من أهل الدنيا؟ فقال‪ :‬إرشاد الضالين‪ ،‬ومؤانسة‬
‫الغرباء القانتين‪ ،‬ومعاونة أهل العيال المعسرين‪ .‬وقال جبرائيل‪ :‬يحب رب العزة‬
‫جل جالله من عباده ثالث خصال‪ :‬بذل اإلستطاعة‪ ،‬والبكاء عند الندامة‪،‬‬
‫والصبر عند الفاقة‪.‬‬

‫وعن بعض الحكماء‪ :‬من اعتصم بعقله (أي اعتمد) ضل‪ ،‬ومن استغنى‬
‫بماله قل‪ ،‬ومن عز بمخلوق ذل‪.‬‬
‫وعن بعض الحكماء‪ :‬ثمرة المعرفة ثالث خصال‪ :‬الحياء من اهلل تعالى‪،‬‬
‫والحب فى اهلل‪ ،‬واألنس باهلل‪.‬‬

‫وعن النبي عليه السالم أنه قال‪ :‬المحبة أساس المعرفة‪ ،‬والعفة عالمة‬
‫اليقين‪ ،‬ورأس اليقين التقوى والرضى بتقدير اهلل تعالى‪.‬‬

‫وعن سفيان بن عيينة (رضي اهلل تعالى) قال‪ :‬من أحب اهلل أحب من أحبه‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬ومن أحب من أحب اهلل تعالى أحب ما أحب فى اهلل تعالى‪ ،‬ومن‬
‫أحب ما أحب فى اهلل تعالى أحب أن ال يعرفه الناس‪.‬‬

‫وعن النبي صالة والسالم أنه قال‪ :‬صدق المحبة فى ثالث خصال‪ :‬أن‬
‫يختار كالم حبيبه على كالم غيره‪ ،‬ويختار مجالسة حبييه على مجالسة غيره‪،‬‬
‫ويختار رضى حبيبه على رضى غيره‪.‬‬

‫وعن وهب بن منبه اليماني (رضي اهلل عنه)‪ :‬مكتوب فى التوراة الحريص‬
‫فقير وإن كان ملك الدنيا‪ ،‬والمطيع مطاع وإن كان مملوكا‪ ،‬والقانع غني وإن‬
‫كان جائعا‪.‬‬

‫وعن بعض الحكماء‪ :‬من عرف اهلل لم يكن له مع الخلق لذة‪ ،‬ومن عرف‬
‫الدنيا لم يكن له فيها رغبة ومن عرف عدل اهلل تعالى لم يتقدم إليه الخصماء‪.‬‬
‫وعن ذي النون المصري‪ :‬كل خائف هارب‪ ،‬وكل راغب طالب‪ ،‬وكل آنس‬
‫باهلل مستوحش عن نفسه‪ .‬وقال [ذو النون]‪ :‬العارف باهلل تعالى أسير‪ ،‬وقلبه‬
‫بصير‪ ،‬وعمله هلل كثير‪ .‬وقال‪ :‬العارف باهلل تعالى وفى‪ ،‬وقلبه ذكي‪ ،‬وعمله هلل‬
‫زكي‪.‬‬
‫وعن أبي سليمان الداراني أنه قال‪ :‬أصل كل خير فى الدنيا واآلخرة‬
‫الخوف من اهلل‪ ،‬ومفتاح الدنيا الشبع‪ ،‬ومفتاح اآلخرة الجوع‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬العبادة حرفة‪ ،‬حانوتها الخلوة‪ ،‬ورأس مالها التقوى‪ ،‬وربحها الجنة‪.‬‬
‫قال مالك بن دينار‪ :‬أحسن ثالثا بثالث حتى تكون من المؤمنين‪ :‬الكبر‬
‫بالتواضع‪ ،‬والحرص بالقناعة‪ ،‬والحسد بالنصيحة‪.‬‬

‫باب الرباعي‬
‫روي عن رسول اهلل أنه قال ألبي ذر الغفاري رضي اهلل عنه‪ :‬يا أبا ذر‪،‬‬
‫جدد السفينة فإن البحر عميق‪ ،‬وخد الزاد كامال فإن السفر بعيد‪ ،‬وخفف‬
‫الحمل فإن العقبة كؤود‪ ،‬وأخلص العمل فإن الناقد بصير‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬

‫فرض على الناس أن يتوبوا • لكن ترك الذنوب أوجب‬

‫والصبر فى النائبات صعب • لكن فوت الثواب أصعب‬

‫والدهر فى صرفه عجيب • لكن غفلة الناس أعجب‬

‫وكل ما قد يجي قريب • ولكن الموت من ذاك أقرب‬

‫وعن بعض الحكماء‪ :‬أربعة حسن ولكن أربعة منها أحسن‪ :‬الحياء من‬
‫الرجال حسن ولكنه من المرأة أحسن؛ والعدل من كل أحد حسن ولكنه من‬
‫األمراء أحسن؛ والتوبة من الشيخ حسن ولكنها من الشباب أحسن؛ والجود‬
‫من األغنياء حسن ولكنه من الفقراء أحسن‪.‬‬

‫وعن بعض الحكماء‪ :‬أربعة قبيح لكن أربعة منها أقبح‪ :‬الذنب من الشاب‬
‫قبيح ومن الشيخ أقبح؛ واإلشتغال بالدنيا من الجاهل قبيح ومن العالم أقبح؛‬
‫والتكسل فى ا لطاعة من جميع الناس قبيح ومن العلماء والطلبة أقبح؛ والتكبر‬
‫من األغنياء قبيح ومن الفقراء أقبح‪.‬‬

‫وقال النبي عليه السالم‪ :‬الكواكب ألهل السماء أمانة‪ ،‬فإذا انتثرت كان‬
‫القضاء على أهل السماء؛ وأهل بيتي أمان ألمتي فإذا زال أهل بيتي كان‬
‫القضاء على أمتي؛ وأنا أمان ألصحابي فإذا ذهبت كان القضاء على أصحابي‪،‬‬
‫والجبال أمان ألهل األرض فإذا ذهبت كان القضاء على أهل األرض‪.‬‬

‫وعن أبي بكر الصديق أنه قال‪ :‬أربعة تمامها بأربعة‪ :‬تمام الصالة بسجدتي‬
‫السهو‪ ،‬والصوم بصدقة الفطر‪ ،‬والحج بالفدية‪ ،‬واإليمان بالجهاد‪.‬‬

‫وعن عبد اهلل بن المبارك‪ :‬من صلى كل يوم إثنتي عشرة ركعة فقد أدى‬
‫حق الصالة‪ ،‬ومن صام كل شهر ثالثة أيام فقد أدى حق الصيام‪ .‬ومن قرأكل‬
‫يوم مائة آية فقد أدى حق القراءة‪ ،‬ومن تصدق فى جمعة بدرهم فقد أدى حق‬
‫الصدقة‪.‬‬
‫وقال عمر (رضي اهلل عنه)‪ :‬البحور أربعة‪ :‬الهوى بحر الذنوب‪ ،‬والنفس‬
‫بحر الشهوات‪ ،‬والموت بحر األعمار‪ ،‬والقبر بحر الندامات‪.‬‬
‫وعن عثمان (رضي اهلل عنه)‪ :‬وجدت حالوة العبادة فى أربعة أشياء‪ :‬أولها‬
‫فى أداء فرائض اهلل‪ ،‬والثاني فى اجتناب محارم اهلل‪ ،‬والثالث فى األمر‬
‫بالمعروف ابتغاء ثواب اهلل‪ ،‬والرابع فى النهي عن المنكر اتقاء غضب اهلل‪.‬‬
‫وقال أيضا (رضي اهلل عنه)‪ :‬أربعة ظاهرهن فضيلة وباطنهن فريضة‪ :‬مخالطة‬
‫الصالحين فضيلة واإلقتداء بهم فريضة؛ وتالوة القرآن فضيلة والعمل به‬
‫فريضة وزيارة القبور فضيلة واإلستعداد لها فريضة؛ وعيادة المريض فضيلة‬
‫واتخاذ الوصية منه فريضة‪.‬‬

‫وعن علي (رضي اهلل عنه) أنه قال‪ :‬من اشتاق إلى الجنة سارع إلى‬
‫الخيرات‪ ،‬ومن أشفق من النار انتهى عن الشهوات‪ ،‬ومن تيقن بالموت‬
‫انهدمت عليه اللذات‪ ،‬ومن عرف الدنيا هانت عليه المصيبات‪.‬‬

‫وعن النبي عليه السالم أنه قال‪ :‬الصالة عماد الدين والصمت أفضل‪،‬‬
‫والصدقة تطفى عضب الرب والصمت أفضل‪ ،‬والصوم جنة من النار والصمت‬
‫أفضل‪ ،‬والجهاد ِسنام الدين والصمت أفضل‪.‬‬

‫قيل أوحى اهلل تعالى إلى نبي من األنبياء من بني إسرائيل وقال‪ :‬صمتك‬
‫عن الباطل لي صوم‪ ،‬وحفظك الجوارح عن المحارم لي صالة‪ ،‬وإياسك عن‬
‫الخلق لي صدقة‪ ،‬وكفك األذى عن المسلمين لي جهاد‪.‬‬

‫وعن عبد اهلل بن مسعود (رضي اهلل عنه) قال‪ :‬أربعة من ظلمة القلب‪:‬‬
‫بطن شبعان من غير مباالة‪ ،‬وصحبة الظالمين‪ ،‬ونسيان الذنوب الماضية‪،‬‬
‫وطول األمل‪ .‬وأربعة من نور القلب‪ :‬بطن جائع من حذر‪ ،‬وصحبة الصالحين‪،‬‬
‫وحفظ الذنوب الماضية‪ ،‬وقصر األمل‪.‬‬
‫وعن حاتم األصم (رحمة اهلل تعالى) أنه قال‪ :‬من ادعى أربعة بال أربعة‬
‫فدعواه كذب‪ :‬من ادعى حب اهلل ولم ينته عن محارم اهلل فدعواه كذب‪ ،‬ومن‬
‫ادعى حب النبي عليه السالم وكره الفقراء والمساكين فدعواه كذب‪ ،‬ومن‬
‫ادعى حب الجنة ولم يتصدق فدعواه كذب‪ ،‬ومن ادعى خوف النار ولم ينته‬
‫عن الذنوب فدعواه كذب‪.‬‬

‫وعن النبي عليه السالم أنه قال‪ :‬عالمة الشقاوة أربعة‪ :‬نسيان الذنوب‬
‫الماضية وهي عند اهلل تعالى محفوظة؛ وذكر الحسنات الماضية وال يدري‬
‫أقبلت أم ردت؛ ونظره إلى من فوقه فى الدنيا؛ ونظره إلى من دونه فى الدين‪.‬‬
‫بقول اهلل‪ :‬أردته ولم يردني‪ ،‬فتركته‪ .‬وعالمة السعادة أربعة‪ :‬ذكر الذنوب‬
‫الماضية‪ ،‬ونسيان الحسنات الماضية‪ ،‬ونظره إلى من فوقه فى الدين‪ ،‬ونظره‬
‫إلى من دونه فى الدنيا‪.‬‬

‫وعن بعض الحكماء أن شعائر اإليمان أربعة‪ :‬التقوى والحياء والشكر‬


‫والصبر‪.‬‬
‫روي أنه صلى اهلل عليه وسلم قال‪ :‬ذروة اإليمان أربع خالل‪ :‬الصبر‬
‫للحكم والرضا بالقدر واإلخالص للتوكل واإلستسالم للرب‪ ،‬رواه أبو نُعيم‪.‬‬
‫وعن النبي أنه قال‪ :‬األمهات أربعة‪ :‬أم األدوية‪ ،‬وأم األداب‪ ،‬وأم العبادات‪ ،‬وأم‬
‫األماني؛ فأم األدوية قلة األكل‪ ،‬وأم األداب قلة الكالم‪ ،‬وأم العبادات قلة‬
‫الذنوب‪ ،‬وأم األماني الصبر‪.‬‬

‫وقال عليه السالم‪ :‬أربعة جواهر فى جسم بني آدم يزيلها أربعة أشياء‪ .‬أما‬
‫الجواهر‪ :‬فالعقل‪ ،‬والدين‪ ،‬والحياء‪ ،‬والعمل الصالح‪ .‬فالغضب يزيل العقل‪،‬‬
‫والحسد يزيل الدين‪ ،‬والطمع يزيل الحياء‪ ،‬والغيبة تزيل العمل الصالح‪.‬‬
‫وعن النبي أنه قال‪ :‬أربعة فى الجنة خير من الجنة‪ :‬الخلود فى الجنة خير من‬
‫الجنة‪ ،‬وخدمة المالئكة فى الجنة خيرمن الجنة‪ ،‬وجوار األنبياء فى الجنة خير‬
‫من الجنة‪ ،‬ورضى اهلل تعالى فى الجنة خير من الجنة‪ .‬وأربعة من النار شر من‬
‫النار‪ :‬الخلود فى ا لنار شر من النار‪ ،‬وتوبيح المالئكة الكفار فى النار شر من‬
‫النار‪ ،‬وجوار الشيطان فى النار شر من النار‪ ،‬وغضب اهلل تعالى فى النار شر‬
‫من النار‪.‬‬

‫وعن بعض الحكماء حين سئل‪ :‬كيف أنت؟ فقال‪ :‬أنا مع المولى على‬
‫الموافقة ومع النفس على المخالفة‪ ،‬ومع الخلق على النصيحة‪ ،‬ومع الدنيا‬
‫على الضرورة‪.‬‬

‫واختار بعض الحكماء أربع كلمات من أربع كتب هذه هي من التوراة‪ :‬من‬
‫رضي بما أعطاه اهلل تعالى استراح فى الدنيا واآلخرة؛ ومن اإلنجيل‪ :‬من هدم‬
‫الشهوات عز فى الدنيا واآلخرة؛ ومن الزبور‪ :‬من تفرد عن الناس نجا فى الدنيا‬
‫واآلخرة؛ ومن الفرقان‪ :‬من حفظ اللسان سلم فى الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫وعن عمر (رضي اهلل عنه)‪ :‬واهلل ما ابتليت ببلية إال وكان هلل تعالى علي‬
‫فيها أربع نعم‪ ،‬أولها إذا لم تكن فى ذنبي‪ ،‬والثانى إذا لم تكن أعظم منها‪،‬‬
‫والثالث إذا لم تكن محرم الرضاء بها‪ ،‬والرابع أني أرجو الثواب عليها‪.‬‬
‫وعن عبد اهلل بن المبارك قال‪ :‬إن رجال حكيما جمع األحاديث فاختار منها‬
‫أربعين ألفا‪ ،‬ثم اختار منها أربعة أالف‪ ،‬ثم اختار منها أربعمائة‪ ،‬ثم اختار منها‬
‫أربعين‪ ،‬ثم اختار منها أربع كلمات إحداهن‪ :‬ال تثقن بإمرأة على كل حال‪،‬‬
‫والثانية‪ :‬ال تغتر بالمال على كل حال‪ ،‬والثالثة‪ :‬ال تحمل معدتك ما ال تطيقه‪،‬‬
‫والرابعة‪ :‬ال تجمع من العلم ما ال ينفعك‪.‬‬

‫وعن محمد بن أحمد رحمه اهلل فى قول اهلل عز وجل‪ :‬وسيدا وحصورا‬
‫ونبيا من الصالحين‪ .‬قال‪ :‬ذكر اهلل يحيى سعيدا وهو عبده ألنه [أي يحيى]‬
‫كان غالبا على أربعة أشياء‪ :‬على الهوى‪ ،‬وعلى إبليس‪ ،‬وعلى اللسان‪ ،‬وعلى‬
‫الغضب‪.‬‬
‫وعن علي (رضي اهلل عنه)‪ :‬ال يزال الدين والدنيا قائمين ما دام أربعة‬
‫أشياء ما دام األغنياء ال يبخلون بما خولوا‪ ،‬وما دام العلماء يعملون بما علموا‪،‬‬
‫وما دام الجهالء ال يستكبرون عما لم يعلموا‪ ،‬وما دام الفقراء ال يبيعون‬
‫آخرتهم بدنياهم‪.‬‬

‫وعن النبي أنه قال‪ :‬إن اهلل تع الى يحتج يوم القيامة بأربعة أنفس على أربعة‬
‫أجناس من الناس‪ :‬على األغنياء بسليمان بن داوود‪ ،‬وعلى العبيد بيوسف‬
‫وعلى المرضى بأيوب‪ ،‬وعلى الفقراء بعيسى‪ ،‬عليهم السالم‪.‬‬

‫وعن سعد بن بالل (رحمه اهلل) أن العبد إذا أذنب من اهلل تعالى عليه‬
‫بأربع خصال‪ :‬ال يحجب عنه الرزق‪ ،‬وال يحجب عنه الصحة‪ ،‬وال يظهرعليه‬
‫الذنب‪ ،‬وال يعاقبه عاجال‪.‬‬

‫وعن حاتم األصم رحمه اهلل أنه قال‪ :‬من صرف أربعا إلى أربع وجد الجنة‪:‬‬
‫النوم إلى القبر‪ ،‬والفخر إلى الميزان‪ ،‬والراحة إلى الصراط‪ ،‬والشهوة إلى‬
‫الجنة‪.‬‬
‫وعن حامد اللفاف رحمه اهلل أنه قال‪ :‬اربعة طلبناها فى أربعة‪ ،‬فأخطأنا‬
‫طرقها‪ ،‬فوجدناها فى أربعة أخرى‪ :‬طلبنا الغنى فى المال فوجدناه فى القناعة‪،‬‬
‫وطلبنا الراحة فى الثورة فوجدناها فى قلة المال‪ ،‬وطلبنا اللذات فى النعمة‬
‫فوجدناها فى البدن الصحيح‪ ،‬وطلبنا الرزق فى األرض فوجدناه فى السماء‪.‬‬
‫وعن علي رضي اهلل عنه أنه قال‪ :‬أربعة أشياء قليلها كثير‪ :‬الوجع‪ ،‬والفقر‪،‬‬
‫والنار‪ ،‬والعداوة‪.‬‬

‫وعن حاتم األصم أنه قال‪ :‬أربعة أشياء ال يعرف قدرها إال أربعة‪ :‬الشباب‬
‫ال يعرف قدره إال الشيوخ‪ ،‬والعافية ال يعرف قدرها إال أهل البالء‪ ،‬والصحة ال‬
‫يعرف قدرها إال المرضى‪ ،‬والحياة ال يعرف قدرها إال الموتى‪ .‬قال الشاعر أبو‬
‫نواس‪:‬‬

‫ذنوبي إن فكرت فيها كثيرة • ورحمة ربي من ذنوبي أوسع‬

‫وما طمعي فى صالح إن عملته • ولكنني فى رحمة اهلل أطمع‬

‫هو اهلل موالي الذي هو خالقي • وإني له عبد أقر وأخضع‬

‫فإن يك غفران فذلك رحمة • وإن تكن األخرى فما أنا أصنع‬

‫قال النبي‪ :‬إذا كان يوم القيامة يوضع الميزان فيؤتى بأهل الصالة فيوفون‬
‫أجورهم بالميزان‪ ،‬ثم يؤتى بأهل الصوم فيوفون أجورهم بالميزان‪ ،‬ثم يؤتى بأهل‬
‫البالء ال ينصب لهم ميزان وال ينشر لهم ديوان فيوفون أجورهم بغير حساب‬
‫حتى يتمنى أهل العافية أن لو كانوا بمنزلتهم من كثرة ثواب اهلل تعالى‪.‬‬
‫وعن بعض الحكماء‪ :‬يستقبل ابن آدم أربع نهبات‪ :‬ينتهب ملك الموت‬
‫روحه‪ ،‬وينتهب الورثة ماله‪ ،‬وينتهب الدود جسمه‪ ،‬وينتهب الخصماء يوم‬
‫القيامة عرضه‪.‬‬

‫وعن بعض الحكماء‪ :‬من اشتغل بالشهوات فال بد له من النساء‪ ،‬ومن‬


‫اشتغل بجمع المال فال بد له من الحرام‪ ،‬ومن اشتغل بمنافع المسلمين فال بد‬
‫له من المداراة‪ ،‬ومن اشتغل بالعبادة فال بد له من العلم‪.‬‬

‫وعن علي (رضي اهلل عنه) أن أصعب األعمال أربع خصال‪ :‬العفو عند‬
‫الغضب‪ ،‬والجود فى العسرة‪ ،‬والعفة فى الخلوة‪ ،‬وقول الحق لمن يخافه أو‬
‫يرجوه‪.‬‬

‫وفى الزبور‪ :‬أوحى اهلل تعالى إلى داوود عليه السالم أن العاقل الحكيم ال‬
‫يخلو من أربع ساعات‪ :‬ساعة فيها يناجي ربه‪ ،‬وساعة فيها يحاسب نفسه‪،‬‬
‫وساعة يمشي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه‪ ،‬وساعة فيها يخلى بين‬
‫نفسه وبين لذاتها الحالل‪.‬‬

‫وقال بعض الحكماء‪ :‬جميع العبادات (من العبودية) أربعة‪ :‬الوفاء‬


‫بالعهود‪ ،‬والمحافظة بالحدود‪ ،‬والصبر على المفقود‪ ،‬والرضى بالوجود‪.‬‬
‫باب الخماسي‬
‫روي عن النبي‪ :‬من أهان خمسة خسر خمسة‪ :‬من استخف بالعلماء‬
‫خسر الدين‪ ،‬ومن استخف باألمراء خسر الدنيا‪ ،‬ومن استخف بالجيران خسر‬
‫المنافع‪ ،‬ومن استخف باألقوياء خسر المودة‪ ،‬ومن استخف بأهله خسر طيب‬
‫المعيشة‪.‬‬

‫وقال النبي عليه السالم‪ :‬سيأتي زمان على أمتي يحبون خمسا وينسون‬
‫خمسا‪ :‬يحبون الدنيا وينسون العقبى‪ ،‬يحبون الدور وينسون القبور‪ ،‬ويحبون‬
‫المال وينسون الحساب‪ ،‬يحبون العيال وينسون الحق‪ ،‬ويحبون النفس‬
‫وينسون اهلل‪ ،‬هم مني برآء وأنا منهم بريء‪.‬‬

‫وقال النبي عليه السالم‪ :‬ال يعطى اهلل ألحد خمسا إال وقد أعد له خمسا‬
‫أخرى‪ :‬ال يعطيه الشكر إال وقد أعد له الزيادة‪ ،‬وال يعطيه الدعاء إال وقد أعد‬
‫له اإلستجابة‪ ،‬وال يعطيه اإلستغفار إال وقد أعد له الغفران‪ ،‬وال يعطيه التوبة إال‬
‫وقد أعد له القبول‪ ،‬وال يعطيه الصدقة إال وقد أعد له التقبل‪.‬‬

‫وعن أبي بكر الصديق رضي اهلل عنه‪ :‬الظلمات خمس والسرج لها‬
‫خمس‪ :‬حب الدنيا ظلمة والسراج له التقوى‪ ،‬والذنب ظلمة والسراج له‬
‫التوبة‪ ،‬والقبر ظلمة والسراج لها ال إله إال اهلل محمد رسول اهلل‪ ،‬واآلخرة ظلمة‬
‫والسراج لها العمل الصالح‪ ،‬والصراط ظلمة والسراج لها اليقين‪.‬‬

‫وعن عمر (رضي اهلل عنه) أنه قال‪ :‬موقوفا عليه أو مرفوعا إلى النبي‪ :‬لوال‬
‫ادعاء الغيب لشهدت على خمس نفر أنهم أهل الجنة‪ :‬الفقير صاحب العيال‪،‬‬
‫والمرأة الراضى عنها زوجها‪ ،‬والمتصدق بمهرها على زوجها‪ ،‬والراضي عنه‬
‫أبواه‪ ،‬والتائب من الذنوب‪.‬‬

‫وعن عثمان (رضي اهلل عنه)‪ :‬خمس هن عالمة المتقين‪ :‬أولها أن ال‬
‫يجالس إال من يصلح الدين معه ويغلب الفرج واللسان‪ ،‬وإذا أصابه شيء‬
‫عظيم من الدنيا يراه وباال‪ ،‬وإذا أصابه شيء قليل من الدين اغتنم ذلك‪ ،‬وال‬
‫يمأل بطنه من الحالل خوفا من أن يخالطه حرام‪ ،‬ويرى الناس كلهم قد نجوا‬
‫ويرى نفسه قد هلكت‪.‬‬

‫وعن علي (رضي تعالى عنه)‪ :‬لو ال خمس خصال لصار الناس كلهم‬
‫صالحين‪ :‬أولها القناعة بالجهل‪ ،‬والحرص على الدنيا‪ ،‬والشح بالفضل‪ ،‬والرياء‬
‫فى العمل‪ ،‬واإلعجاب بالرأي‪.‬‬

‫وعن جمهور العلماء (رحمة اهلل عليهم أجمعين) أن اهلل تعالى أكرم نبيه‬
‫محمدا (صلعم) بخمس كرمات‪ :‬أكرمه باإلسم والجسم والعطاء والخطاء‬
‫والرضاء‪ :‬أما االسم فنداه بالرسالة ولم يناده باالسم‪ ،‬كما نادى جميع األنبياء‬
‫مثل آدم ونوح وإبراهيم وغيرهم؛ وأما الجسم فإذا دعا النبي شيأ فأجاب هو‬
‫بنفسه عنه‪ ،‬ولم يفعل ذلك لسائر األنبياء؛ وأما العطاء فأعطاه بال سؤال؛ وأما‬
‫الخطاء فذكر العفو قبل ذنبه حيث قال عفا اهلل عنك؛ وأما الرضى فلم يرد‬
‫عليه فديته وال صدقته وال نفقته؛ كما ردها على سائر األنبياء‪.‬‬

‫وعن عبد اهلل بن عمرو بن العاص (رضي اهلل عنهما)‪ :‬خمس من كن فيه‬
‫سعد فى الدنيا واألخرة‪ :‬أولها أن يذكر ال إله إال اهلل محمد رسول اهلل وقتا‬
‫بعدوقت‪ ،‬وإذا ابتلى ببلية قال إنا هلل وإنا إليه راجعون وال حول وال قوة إال باهلل‬
‫العلي العظيم‪ ،‬وإذا أعطي بنعمة قال‪ :‬الحمد هلل رب العالمين شكرا للنعمة‪،‬‬
‫وإذا ابتدأ فى شيء قال بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬وإذا أفرط منه ذنبا قال‬
‫أستغفراهلل العظيم وأتوب إليه‪.‬‬

‫وعن الحسن البصري (رحمه اهلل) أنه قال‪ :‬مكتوب فى التوراة خمسة‬
‫أحرف‪ :‬أن الغنية فى القناعة‪ ،‬وأن السالمة فى العزلة‪ ،‬وأن الحرمة فى رفض‬
‫الشهوات‪ ،‬وأن التمتع فى أيام طويلة‪ ،‬وأن الصبر فى أيام قليلة‪.‬‬

‫وعن النبي‪ :‬إغتنم خمسا قبل خمس‪ :‬شبابك قبل هرمك‪ ،‬وصحتك قبل‬
‫سقمك‪ ،‬وغناك قبل فقرك‪ ،‬وحياتك قبل موتك‪ ،‬وفراغك قبل شغلك‪.‬‬

‫وعن يحيى بن معاذ الرازي (رحمه اهلل)‪ :‬من كثر شبعه كثر لحمه‪ ،‬ومن كثر‬
‫لحمه كثرت شهوته‪ ،‬ومن كثرت شهوته كثرت ذنوبه‪ ،‬ومن كثرت ذنوبه قسى‬
‫قلبه‪ ،‬ومن قسى قلبه غرق فى آفات الدنيا وزينتها‪.‬‬

‫وعن سفيان الثوري أنه قال‪ :‬اختار الفقراء خمسا واختار األغنياء خمسا‪:‬‬
‫اختار الفقراء راحة النفس‪ ،‬وفراغة القلب‪ ،‬وعبودية الرب‪ ،‬وخفة الحساب‪،‬‬
‫والدرجة العليا‪ ،‬واختار األغنياء تعب النفس‪ ،‬وشغل القلب‪ ،‬وعبودية الدنيا‪،‬‬
‫وشدة الحساب‪ ،‬والدرجة السفلى‪.‬‬

‫وعن عبد اهلل األنطاكي (رحمه اهلل)‪ :‬خمسة هن من دواء القلب‪ :‬مجالسة‬
‫الصالحين‪ ،‬وقراءة القرآن‪ ،‬وخالء البطن‪ ،‬وقيام الليل‪ ،‬والتضرع عند الصباح‪.‬‬

‫وعن جمهور العلماء أن الفكرة على خمسة أوجه‪ :‬فكرة فى آيات اهلل‬
‫يتولد منها التوحيد واليقين‪ ،‬وفكرة فى آالء اهلل يتولد منها المحبة‪ ،‬وفكرة فى‬
‫وعد اهلل تعالى يتولد منها الرغبة‪ ،‬وفكرة فى وعيد اهلل يتولد منها الهيبة‪ ،‬وفكرة‬
‫فى تقصير نفسه عن الطاعة مع إحسان اهلل إليه يتولد منها الحياء‪.‬‬

‫وعن بعض الحكماء [قولهم]‪ :‬بين يدي التقوى خمس عقبات من جاوزها‬
‫نال التقوى‪ ،‬أولها‪ :‬اختيار الشدة على النعمة‪ ،‬وثانيها‪ :‬اختيار الجهد على‬
‫الراحة‪ ،‬وثالثها‪ :‬اختيار الذل على العز‪ ،‬ورابعها‪ :‬اختيار السكوت على‬
‫الفضول‪ ،‬وخامسها‪ :‬اختيار الموت على الحياة‪.‬‬

‫وعن النبي عليه السالم‪ :‬النجوى يحصن األسرار‪ ،‬الصدقة تحصن‬


‫األموال‪ ،‬واإلخالص يحصن األعمال‪ ،‬والصدق يحصن األقوال‪ ،‬والمشورة‬
‫تحصن األراء‪.‬‬

‫[و] قال النبي عليه السالم‪ :‬إن فى جمع المال خمسة أشياء‪ :‬العناء فى‬
‫جمعه‪ ،‬والش غل عن ذكر اهلل تعالى بإصالحه‪ ،‬والخوف من سالبه وسارقه‪،‬‬
‫واحتمال اسم البخيل لنفسه‪ ،‬ومفارقة الصالحين من أجله‪ ،‬وفى تفريقه خمسة‬
‫أشياء‪ :‬راحة النفس من طلبه‪ ،‬والفراغ لذكر اهلل من حفظه‪ ،‬واألمن من سالبه‬
‫وسارقه‪ ،‬واكتساب اسم الكريم لنفسه‪ ،‬ومصاحبة الصالحين لفراقه‬
‫وعن سفيان الثوري (رحمه اهلل)‪ :‬ال يجتمع فى هذا الزمان ألحد مال إال وعنده‬
‫خمس خصال‪ :‬طول األمل‪ ،‬وحرص غالب‪ ،‬وشح شديد‪ ،‬وقلة الورع‪ ،‬ونسيان‬
‫اآلخرة‪.‬‬
‫قال القائل‪:‬‬

‫ياخاطب الدنيا إلى نفسه • إن لها فى كل يوم خليال‬


‫تستنكح البعل وقد وطئت • فى موضع أخر منه بديال‬

‫ما أقبل الدنيا لخطابها • لقتلهم [فيها] قتيال قتيال‬

‫إني لمغتر وإن البالء • يعمل فى جسمي قليال قليال‬

‫تزودوا للموت زادا فقد • نادى المنادي الرحيل الرحيال‬

‫وعن حاتم األصم (رحمه اهلل) أنه قال‪ :‬العجلة من الشيطان إال فى خمس‬
‫مواضع فإنها من سنن رسول اهلل‪ :‬إطعام الضيف إذا نزل‪ ،‬وتجهيز الميت إذا‬
‫مات‪ ،‬وتزويج البنت إذا بلغت‪ ،‬وقضاء الدين إذا وجب‪ ،‬والتوبة من الذنوب‬
‫إذا فرط‪.‬‬

‫وقال محمد بن الدوري‪ :‬شقي إبليس بخمسة أشياء‪ :‬لم يقر بالذنب‪ ،‬ولم‬
‫يندم‪ ،‬ولم يلم نفسه‪ ،‬ولم يعزم على التوبة‪ ،‬وقنط من رحمة اهلل؛ وسعد آدم‬
‫بخمسة أشياء‪ :‬أقر بالذنب‪ ،‬وندم عليه‪ ،‬والم نفسه‪ ،‬وأسرع فى التوبة‪ ،‬ولن‬
‫يقنط من رحمة اهلل‪.‬‬

‫عن شقيق البلخي (رحمه اهلل) أنه قال‪ :‬عليكم بخمس خصال فاعملوها‪:‬‬
‫اعبدوا اهلل بقدر حاجتكم إليه‪ ،‬وخذوا من الدنيا بقدر عمركم فيها‪ ،‬وأذنبوا اهلل‬
‫بقدر طاقتكم على عذابه‪ ،‬وتزودوا فى الدنيا بقدر مكثكم فى القبر‪ ،‬واعملوا‬
‫للجنة بقدر ما تريدون فيها المقام‪.‬‬

‫وقال عمر (رضي اهلل عنه) رأيت جميع األخالء فلم أر خليال أفضل من‬
‫حفظ اللسان‪ ،‬ورأيت جميع اللباس فلم أر لباسا أفضل من الورع‪ ،‬ورأيت‬
‫جميع المال فلم أر ماالً أفضل من القناعة‪ ،‬ورأيت جميع البر فلم أر برا‬
‫أفضل من النصيحة‪ ،‬ورأيت جميع األطعمة فلم أر طعاما ألذ من الصبر‪.‬‬

‫وعن بعض الحكماء أنه قال‪ :‬الزهد خمس خصال‪ :‬الثقة باهلل‪ ،‬والتبري‬
‫عن الخلق‪ ،‬واإلخالص فى العمل‪ ،‬واحتمال الظلم‪ ،‬والقناعة فى اليد‪.‬‬

‫وعن بعض العباد أنه قال فى المناجاة‪ :‬إلهي طول األمل غرني‪ ،‬وحب‬
‫الدنيا أهلكني‪ ،‬والشيطان أضلني‪ ،‬والنفس األمارة بالسوء عن الحق‪ ،‬منعتني‪،‬‬
‫وقرين السوء على المعصية أعانني فأغثني يا غياث المستغيثين‪ ،‬فإن لم‬
‫ترحمني فمن ذا الذي يرحمني غيرك‪.‬‬

‫قال النبي عليه السالم‪ :‬سيأتي على أمتي زمان يحبون الخمس وينسون‬
‫الخمس‪ :‬يحبون الدنيا وينسون اآلخرة‪ ،‬ويحبون الحياة وينسون الموت‪،‬‬
‫ويحبون القصور وينسون القبور‪ ،‬ويحبون المال وينسون الحساب‪ ،‬ويحبون‬
‫الخلق وينسون الخالق‪.‬‬

‫وقال يحيى بن معاذ الرازي (رحمه اهلل) فى المناجاة‪ :‬إلهي‪ ،‬ال يطيب‬
‫الليل إال بمناجاتك‪ ،‬وال يطيب النهار إال بطاعتك‪ ،‬وال تطيب الدنيا إال‬
‫بذكرك‪ ،‬وال تطيب اآلخرة إال بعفوك‪ ،‬وال تطيب الجنة إال برؤيتك‪.‬‬

‫باب السداسي‬
‫قال النبي‪ :‬ستة أشياء هن غريبة فى ستة مواضع‪ :‬المسجد غريب فيما بين‬
‫قوم ال يصلون فيه‪ ،‬والمصحف غريب فى منزل قوم ال يقرأون فيه‪ ،‬والقرآن‬
‫غريب فى جوف الفاسق‪ ،‬والمرأة المسلمة الصالحة غريبة فى يد رجل ظالم‬
‫سيئ الخلق‪ ،‬والرجل المسلم الصالح غريب فى يد امرأة رديّة سيئة الخلق‪،‬‬
‫والعالم غريب بين قوم ال يستمعون إليه‪ .‬ثم قال (النبي عليه السالم)‪ :‬إن اهلل‬
‫تعالى ال ينظر إليهم يوم القيامة نظر الرحمة‪.‬‬

‫وقال النبي‪ :‬ستة لعنتهم ولعنهم اهلل تعالى‪ ،‬وكل نبي مجاب الدعوات‪:‬‬
‫الزائد فى كتاب اهلل تعالى‪ ،‬والمكذب بقدر اهلل تعالى‪ ،‬والمتسلط بالجبروت‬
‫ليعز من أذله اهلل ويذل من أعزه اهلل‪ ،‬والمستحل لحرم اهلل تعالى‪ ،‬والمستحل‬
‫من عترتي ما حرم اهلل‪ ،‬وتارك لسنتي‪ ،‬فإن اهلل تعالى ال ينظر إليهم يوم القيامة‬
‫نظر الرحمة‪.‬‬

‫قال أبو بكر الصديق‪ :‬إن إبليس قائم أمامك‪ ،‬والنفس عن يمينك‪،‬‬
‫والهوى عن يسارك‪ ،‬والدنيا عن خلفك‪ ،‬واألعضاء عن حولك‪ ،‬والجبار فوقك‬
‫(يعني بالقدرة ال بالمكانة)؛ فإإلبليس لعنه اهلل يدعوك إلى ترك الدين‪ ،‬والنفس‬
‫تدعوك إلى المعصية‪ ،‬والهوى يدعوك إلى الشهوة‪ ،‬والدنيا تدعوك إلى اختيارها‬
‫على اآلخرة‪ ،‬واألعضاء تدعوك إلى الذنوب‪ ،‬والجبار يدعوك إلى الجنة‬
‫والمغفرة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬واهلل يدعو إلى الجنة والمغفرة فمن أجاب إبليس‬
‫ذهب عنه الدين‪ ،‬ومن أجاب النفس ذهب عنه الروح‪ ،‬ومن أجاب الهوى‬
‫ذهب عنه العقل‪ ،‬ومن أجاب الدنيا ذهب [ذهبت] عنه اآلخرة‪ ،‬ومن أجاب‬
‫األعضاء ذهبت عنه الجنة‪ ،‬ومن أجاب اهلل تعالى ذهبت عنه السيئات ونال‬
‫جميع الخيرات‪.‬‬
‫وقال عمر (رضي اهلل تعالى عنه)‪ :‬إن اهلل تعالى كتم ستة فى ستة‪ :‬كتم‬
‫الرضاء فى الطاعة‪ ،‬وكتم الغضب فى المعصية‪ ،‬وكتم اسمه األعظم فى القرآن‪،‬‬
‫وكتم ليلة القدر فى شهر رمضان‪ ،‬وفى نسخة وكتم أولياءه فيما بين الناس‬
‫وكتم الموت فى العمر‪ ،‬وكتم الصالة والوسطى فى الصالة‪.‬‬

‫وقال عثمان (رضي اهلل عنه)‪ :‬إن المؤمن فى ستة أنواع من الخوف‪:‬‬
‫أحدها من قبل اهلل تعالى أن يأخذ منه اإليمان‪ ،‬والثاني من قبل الحفظة أن‬
‫يكتبوا عليه ما يفتضح به يوم القيامة‪ ،‬والثالث من قبل الشيطان أن يبطل‬
‫عمله‪ ،‬والرابع من قبل ملك الموت أن يأخذه فى غفلة بغتة‪ ،‬والخامس من‬
‫قبل الدنيا أن يغتر بها وتشغله عن اآلخرة‪ ،‬والسادس من قبل األهل والعيال أن‬
‫يشتغل بهن فى شغلونه عن ذكر اهلل تعالى‪.‬‬

‫وعن علي (رضي اهلل عنه) أنه قال‪ :‬من جمع ستة خصال لم يدع للجنة‬
‫مطلبا وال عن النار مهربا‪ :‬أولها عرف اهلل تعالى فأطاعه‪ ،‬وعرف الشيطان‬
‫فعصاه‪ ،‬وعرف اآلخرة فطلبها‪ ،‬وعرف الدنيا فرفضها‪ ،‬وعرف الحق فاتبعه‪،‬‬
‫وعرف الباطل فاجتنبه‪ .‬وقال [اإلمام علي] أيضا‪ :‬النعم ستة أشياء‪ :‬اإلسالم‪،‬‬
‫والقرآن‪ ،‬ومحمد رسول اهلل‪ ،‬والعافية‪ ،‬والستر‪ ،‬والغني عن الناس‪.‬‬

‫وعن يحيى بن معاذ الرازي (رحمه اهلل)‪ :‬العلم دليل العمل‪ ،‬والفهم وعاء‬
‫العلم‪ ،‬والعقل قائد للخير‪ ،‬والهوى مركب للذنوب‪ ،‬والمال رداء المتكبرين‪،‬‬
‫والدنيا سوق اآلخرة‪.‬‬
‫وقال أبو ذر جمهر‪ :‬ست خصال تعدل جميع الدنيا‪ :‬الطعام المريء‪،‬‬
‫والولد الصالح‪ ،‬والزوجة الموافقة‪ ،‬والكالم المحكم‪ ،‬وكمال العقل‪ ،‬وصحة‬
‫البدن‪.‬‬

‫وعن الحسن البصري (رحمه اهلل)‪ :‬لو ال األبدال لخسفت األرض وما‬
‫فيها‪ ،‬ولو ال الصالحون لهلك الطالحون‪ ،‬ولو ال العلماء لصار الناس كلهم‬
‫كالبهائم‪ ،‬ولو ال السلطان ألهلك [الناس] بعضهم بعضا‪ ،‬ولو ال الحمقاء‬
‫لخربت الدنيا‪ ،‬ولو ال الريح ألنتن كل شيئ‪.‬‬

‫وعن بعض الحكماء أنه قال‪ :‬من لم يخش اهلل لم ينج من زلة اللسان‪،‬‬
‫ومن لم يخش قدومه على اهلل لم ينج قلبه من الحرام والشبهة‪ ،‬ومن لم يكن‬
‫أئسا عن الخلق لم ينج من الطمع‪ ،‬ومن لم يكن حافظا على عمله لم ينج من‬
‫الرياء‪ ،‬ومن لم يستعن باهلل على إحتراس قلبه لم ينج من الحسد‪ ،‬ومن لم ينظر‬
‫إلى من هو أفضل منه علما وعمال لم ينج من العجب‪.‬‬

‫وعن الحسن البصري أنه قال‪ :‬إن فساد القلوب عن ستة أشياء‪ ،‬أولها‪:‬‬
‫يذنبون برجاء التوبة‪ ،‬ويتعلمون العلم وال يعملون [به]‪ ،‬وإذا عملوا ال‬
‫يخلصون‪ ،‬ويأكلون رزق اهلل وال يشكرون‪ ،‬وال يرضون بقسمة اهلل‪ ،‬ويدفنون‬
‫موتاهم وال يعتبرون‪ .‬وقال [الحسن البصري] أيضا‪ :‬من أراد الدنيا واختارها‬
‫على اآلخرة عاقبه اهلل بست عقوبات‪ ،‬ثالث فى الدنيا وثالث فى اآلخرة؛ أما‬
‫الثالث التي هي فى الدنيا فأمل ليس له منتهى‪ ،‬وحرص غالب ليس له قناعة‪،‬‬
‫وأخذ منه حالوة العبادة‪ .‬وأما الثالث التي هي فى اآلخرة فهول يوم القيامة‪،‬‬
‫والحساب الشديد‪ ،‬والحسرة الطويلة‪.‬‬
‫وقال أحنف بن قيس (رضي اهلل عنه)‪ :‬ال راحة للحسود‪ ،‬وال مروة‬
‫للكذوب‪ ،‬وال حيلة للبخيل‪ ،‬وال وفاء للملوك‪ ،‬وال سؤدد لسيئ الخلق‪ ،‬والراد‬
‫لقضاء اهلل‪ .‬وسئل (عن) بعض الحكماء‪ :‬هل يعرف العبد إذا تاب أن توبته‬
‫قبلت أم ردت؟ قال‪ :‬ال أحكم فى ذلك‪ ،‬ولكن لذلك عالمة‪ :‬إحداها أن يرى‬
‫نفسه غير معصومة من المعصية‪ ،‬ويرى فى قلبه الفرح غائبا والحزن شاهدا‪،‬‬
‫ويقرب أهل الخير ويباعد أهل الشر‪ ،‬ويرى القليل من الدنيا كثيرا ويرى الكثير‬
‫من عمل اآلخرة قليال‪ ،‬ويرى قلبه مشتغال بما ضمن من اهلل تعالى فارغا عما‬
‫ضمن اهلل تعالى منه‪ ،‬ويكون حافظ اللسان دائم الفكرة الزم الغم والندامة‪.‬‬

‫وقال يحيى بن معاذ (رحمه اهلل)‪ :‬من أعظم اإلغترار عندي التمادي فى‬
‫الذنوب على رجاء العفو من غير ندامة‪ ،‬وتوقع القرب من اهلل تعالى بغير‬
‫طاعة‪ ،‬وانتظار زرع الجنة ببذر النار‪ ،‬وطلب دار المطيعين بالمعاصي‪ ،‬وانتظار‬
‫الجزاء بغير عمل‪ ،‬والتمني على اهلل عز وجل مع اإلفراط‪.‬‬

‫يرجو النجاة وال يسلك مسلكها • إن السفينة ال تجري على اليبس‬

‫وقال أحنف بن قيس حين سئل‪ :‬ما خير ما يعطى العبد؟ قال‪ :‬عقل‬
‫غريزي‪ ،‬قيل‪ :‬فإن لم يكن؟ قال‪ :‬أدب صالح‪ ،‬قيل‪ :‬فإن لم يكن؟ قال‪:‬‬
‫صاحب موافق‪ ،‬قيل‪ :‬فإن لم يكن؟ قال‪ :‬قلب مرابط‪ ،‬قيل‪ :‬فإن لم يكن؟‬
‫قال‪ :‬طول الصمت‪ ،‬قيل‪ :‬فإن لم يكن؟ قال‪ :‬موت حاضر‪.‬‬
‫باب السباعي‬
‫عن أبي هريرة (رضي اهلل عنه) عن النبي‪ :‬سبعة نفر يظلهم اهلل يوم القيامة‬
‫تحت ظل عرشه يوم ال ظل إال ظله أولها‪ :‬إمام عادل‪ ،‬وشاب نشأ فى عبادة‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬ورجل ذكر اهلل خاليا ففاضت عيناه دمعا من خشية اهلل تعالى‪،‬‬
‫ورجل قلبه متعلق بالمسجد حتى يرجع إليه‪ ،‬ورجل تصدق بصدقة فأخفأها فلم‬
‫تعلم شماله بما صنعت يمينه‪ ،‬ورجالن تحابا فى اهلل‪ ،‬ورجل دعته امرأة ذات‬
‫جمال إلى نفسها فأبى وقال إني أخاف اهلل تعالى‪.‬‬

‫وقال أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه‪ :‬البخيل ال يخلو من إحدى السبع‪:‬‬
‫إما أن يموت فيرثه من يبذل ماله وينفقه لغير ما أمر اهلل تعالى‪ ،‬أو يسلط اهلل‬
‫عليه سلطانا جائرا فيأخذه منه بعد تذليل نفسه‪ ،‬أو يهيج له شهوة يفسد عليه‬
‫ماله‪ ،‬أو يبدو له رأي فى بناء أو عمارة فى أرض خراب فيذهب فيه ماله‪ ،‬أو‬
‫يصيب له نكبة من نكبات الدنيا من غرق أو حرق أو سرقة وما أشبه ذلك‪ ،‬أو‬
‫يصيبه علة دائمة فينفق ماله فى مداواتها‪ ،‬أو يدفنه فى موضع من المواضع‬
‫فينساه فال يجده‪.‬‬

‫قال عمر (رضي اهلل عنه)‪ :‬من كثر ضحكه قلت هيبته‪ ،‬ومن استخف‬
‫بالناس استُ ِخف به‪ ،‬ومن أكثرفى شيء عرف به‪ ،‬ومن كثر كالمه كثر سقطه‪،‬‬
‫ومن كثر سقطه قل حياؤه‪ ،‬ومن قل حياؤه قل ورعه‪ ،‬ومن قل ورعه مات قلبه‪.‬‬

‫وعن عثمان (رضي اهلل عنه) أنه قال فى قوله تعالى‪ :‬وكان تحته كنز لهما‬
‫وكان أبوهما صالحا قال‪ :‬الكنز لوح من ذهب وعليه سبعة أسطر مكتوب فى‬
‫إحداها عجبت لمن عرف الموت وهو يضحك‪ ،‬وعجبت لمن عرف الدنيا‬
‫فانية وهو يرغب فيها‪ ،‬وعجبت لمن عرف أن األمور بأقدار وهو يغتم للفوات‪،‬‬
‫وعجبت لمن عرف الحساب وهو يجمع ماال‪ ،‬وعجبت لمن عرف النار وهو‬
‫يذنب‪ ،‬وعجبت لمن عرف اهلل يقينا وهو يذكر غيره‪ ،‬وعجبت لمن عرف‬
‫الجنة يقينا وهو يستريح بالدنيا‪ ،‬وعجبت لمن عرف الشيطان عدوا فأطاعه‪،‬‬
‫وسئل عن علي (رضي اهلل عنه)‪ :‬ما أثقل من السماء وما أوسع من األرض‪ ،‬وما‬
‫أغنى من البحر‪ ،‬وما أشد من الحجر‪ ،‬وما أحر من النار‪ ،‬وما أبرد من‬
‫الزمهرير‪ ،‬وما أمر من السم؟ فقال علي (رضي اهلل عنه)‪ :‬البهتان على البرايا‬
‫أثقل من السماء‪ ،‬والحق أوسع من األرض‪ ،‬وقلب القانع أغنى من البحر‪،‬‬
‫وقلب المنافق أشد من الحجر‪ ،‬والسلطان الجائر أحر من النار‪ ،‬والحاجة من‬
‫اللئيم أبرد من الزمهرير‪ ،‬والصبر أمر من السم‪( .‬وقيل النميمة أمر من السم)‪.‬‬
‫وقال النبي عليه السالم‪ :‬الدنيا دار من ال دار له‪ ،‬ومال من ال مال له‪ ،‬ولها‬
‫يجمع من ال عقل له‪ ،‬ويشتغل بشهوتها من ال فهم له‪ ،‬وعليها يعاقب من ال‬
‫علم له‪ ،‬ولها يحسد من ال لب له‪ ،‬ولها يسعى من ال يقين له‪.‬‬

‫وعن جابر بن عبد اهلل األنصاري (رضي اهلل عنه) عن النبي أنه قال‪ :‬ما‬
‫زال يوصيني جبرائيل بالجار حتى ظننت أنه يجعله وارثا‪ ،‬وما زال يوصيني‬
‫بالنساء حتى ظننت أنه سيحرم طالقهن‪ ،‬وما زال يوصيني بالمملوكين حتى‬
‫ظننت أنه يجعل لهم وقتا يعتقون فيه‪ ،‬وما زال يوصيني بالسواك حتى ظننت‬
‫أنه فريضة‪ ،‬وما زال يوصيني بالصالة فى الجماعة حتى ظننت أنه ال يقبل اهلل‬
‫تعالى صالة إال فى الجماعة‪ ،‬وما زال يوصيني بقيام الليل حتى ظننت أنه ال‬
‫نوم بالليل‪ ،‬وما زال يوصيني بذكر اهلل حتى ظننت أنه ال ينفع قول إال به‪.‬‬
‫وقال النبي عليه السالم‪ :‬سبعة ال ينظر إليهم الخالق يوم القيامة وال‬
‫يزكيهم ويدخلهم النار‪ :‬الفاعل‪ ،‬والمفعول به‪ ،‬والناكح بيده‪ ،‬وناكح البهيمة‪،‬‬
‫ون اكح المرأة من دبرها‪ ،‬والجامع بين المرأة وابنتها‪ ،‬والزاني بحليلة جاره‪،‬‬
‫والمؤذي جاره حتى يلعنه‪.‬‬

‫وقال النبي‪ :‬الشهداء سبعة سوى المقتول فى سبيل اهلل‪ ،‬أولهم‪ :‬المبطون‬
‫شهيد‪ ،‬والغريق شهيد‪ ،‬وصاحب ذات الجنب شهيد‪ ،‬والمطعون شهيد‪،‬‬
‫والحريق شهيد‪ ،‬والميت تحت الهدم شهيد‪ ،‬والمرأة التي ماتت عن الوالدة‬
‫شهيد‪.‬‬

‫وعن بن عباس (رضي اهلل عنهما)‪ :‬حق على العاقل أن يختار سبعا على‬
‫سبع‪ :‬الفقر على الغني‪ ،‬والذل على العز‪ ،‬والتواضع على الكبر‪ ،‬والجوع على‬
‫الشبع‪ ،‬والغم على السرور‪ ،‬والدون على المرتفع‪ ،‬والموت على الحياة‪.‬‬

‫باب الثماني‬
‫قال النبي عليه السالم‪ :‬ثمانية أشياء ال تشبع من ثمانية‪ :‬العين من النظر‪،‬‬
‫واألرض من المطر‪ ،‬واألنثى من الذكر‪ ،‬والعالم من العلم‪ ،‬والسائل من‬
‫المسئلة‪ ،‬والحريص من الجمع‪ ،‬والبحر من الماء‪ ،‬والنار من الحطب‪.‬‬

‫وقال أبو بكر الصديق (رضي اهلل عنه) ثمانية أشياء هن زينة لثمانية أشياء‪:‬‬
‫العف اف زينة الفقر‪ ،‬والشكر زينة النعمة‪ ،‬والصبر زينة البالء‪ ،‬والحلم زينة‬
‫العلم‪ ،‬والتذلل زينة المتعلم‪ ،‬وكثرة البكاء زينة الخوف‪ ،‬وترك المنة زينة‬
‫اإلحسان‪ ،‬والخشوع زينة الصالة‪.‬‬

‫وقال عمر (رضي اهلل عنه)‪ :‬من ترك فضول الكالم منح الحكمة‪ ،‬ومن‬
‫ترك فضول النظر منح خشوع القلب‪ ،‬ومن ترك فضول الطعام منح لذة‬
‫العبادة‪ ،‬ومن ترك فضول الضحك منح الهيبة‪ ،‬ومن ترك المزاح منح البهاء‪،‬‬
‫ومن ترك حب الدنيا منح حب اآلخرة‪ ،‬ومن ترك االشتغال بعيوب غيره منح‬
‫اإلصالح لعيوب نفسه‪ ،‬ومن ترك التجسس فى كيفية اهلل تعالى منح البراءة من‬
‫النفاق‪.‬‬

‫وعن عثمان (رضي اهلل عنه) أنه قال‪ :‬عالمات العارفين ثمانية أشياء‪ :‬قلبه‬
‫مع الخوف والرجاء‪ ،‬ولسانه مع الحمد والثناء‪ ،‬وعيناه مع الحياء والبكاء‪،‬‬
‫وإرادته مع الترك والرضاء (يعني ترك الدنيا وطلب رضا مواله)‪.‬‬

‫وعن علي (رضي اهلل عنه)‪ :‬ال خير فى صالة ال خشوع فيها‪ ،‬وال خير فى‬
‫صوم ال امتناع فيه عن اللغو‪ ،‬وال خير فى قراءة ال تدبر فيها‪ ،‬وال خير فى علم‬
‫ال ورع فيه‪ ،‬وال خير فى مال ال سخاوة فيه‪ ،‬وال خير فى أخوة ال حفظ فيها‪،‬‬
‫وال خير فى نعمة ال بقاء لها‪ ،‬وال خير فى دعاء ال إخالص فيه‪.‬‬
‫باب التساعي‬
‫قال النبي‪ :‬أوحى اهلل تعالى إلى موسى بن عمران فى التوراة أن أمهات‬
‫الخطايا ثالثة‪ :‬الكبر‪ ،‬والحسد‪ ،‬والحرص‪ ،‬فنشأمنها ستة فصرن تسعة‪ :‬األولى‬
‫من الستة الشبع‪ ،‬والنوم‪ ،‬والراحة‪ ،‬وحب األموال‪ ،‬وحب الثناء والمحمدة‪،‬‬
‫وحب الرياسة‪.‬‬

‫وقال أبو بكر الصديق (رضي اهلل عنه)‪ :‬العباد ثالثة أصناف‪ ،‬لكل صنف‬
‫ثالث عالمات يعرفون بها‪ :‬صنف يعبدون اهلل تعالى على سبيل الخوف‪،‬‬
‫وصنف يعبدون اهلل على سبيل الرجاء‪ ،‬وصنف يعبدون اهلل على سبيل الحب؛‬
‫فلألول ثالث عالمات‪ :‬يستحقر نفسه‪ ،‬ويستقل حسناته‪ ،‬ويستكثر سيئاته؛‬
‫وللثاني ثالث عالمات‪ :‬يكون قدوة الناس فى جميع الحاالت‪ ،‬ويكون أسخى‬
‫الناس كلهم بالمال فى الدنيا‪ ،‬ويكون أحسن الظن باهلل فى الخلق كلهم؛‬
‫وللثالث ثالثة عالمات‪ :‬يعطي ما يحبه وال يبالي بعد أن يرضى ربه‪ ،‬ويعمل‬
‫بسخط نفسه بعد أن يرضى ربه‪ ،‬ويكون فى جميع الحاالت مع سيده فى أمره‬
‫ونهيه‪.‬‬

‫وقال عمر (رضي اهلل عنه)‪ :‬إن ذرية الشيطان تسعة‪ :‬زليتون‪ ،‬ووثين‪،‬‬
‫ولقوس‪ ،‬وأعوان‪ ،‬وهفاف‪ ،‬ومرة‪ ،‬والمسوط‪ ،‬وداسم‪ ،‬وولهان‪ .‬فأما زليتون فهو‬
‫صاحب األسواق فنصب فيها رايته؛ وأما وثين فهو صاحب المصيبات؛ وأما‬
‫أعوان فهو صاحب السلطان‪ ،‬وأما هفاف فهو صاحب الشراب‪ ،‬وأما مرة فهو‬
‫صاحب المزامير‪ ،‬وأما لقوس فهو صاحب المجوس‪ ،‬وأما المسوط فهو‬
‫صاحب األخبار يلقيه ا فى أفواه الناس وال يجدون لها أصال؛ وأما الداسم فهو‬
‫صاحب البيوت إذا دخل الرجل المنزل ولم يسلم ولم يذكر اسم اهلل تعالى‬
‫أوقع فيما بينهم [بينهما] المنازعة حتى يقع الطالق والخلع والضرب؛ وأما‬
‫ولهان فهو يوسوس فى الوضوء والصالة والعبادات‪.‬‬

‫وقال عثمان (رضي اهلل عنه)‪ :‬من حفظ الصلوات الخمس لوقتها ودوام‬
‫عليها أكرمه اهلل بتسع كرامات‪ .‬أولها‪ :‬أن يحبه اهلل‪ ،‬ويكون بدنه صحيحا‪،‬‬
‫وتحرسه المالئكة‪ ،‬وتنزل البركة فى داره‪ ،‬ويظهر على وجهه سيماء الصالحين‪،‬‬
‫ويلين اهلل قلبه‪ ،‬ويكور على صراط المستقيم كالبرق الالمع‪ ،‬وينجيه اهلل من‬
‫النار‪ ،‬وينزله اهلل فى جوار الذين ال خوف عليهم وال هم يحزنون‪.‬‬

‫وعن علي (رضي اهلل عنه)‪ :‬البكاء على ثالثة أوجه‪ ،‬أحدها من خوف‬
‫عذاب اهلل تعالى‪ ،‬والثاني من رهبة السخط‪ ،‬والثالث من خشية القطيعة‪ .‬فأما‬
‫األول فهو كفارة الذنوب‪ ،‬وأما الثاني فهو طهارة للعيوب‪ ،‬وأما الثالث فهو‬
‫الوالية مع رضى المحبوب؛ فثمرة كفارة الذنوب النجاة من العقوبات‪ ،‬وثمرة‬
‫طهارة العيوب النعيم المقيم والدرجات العلى‪ ،‬وثمرة الوالية مع رضى‬
‫المحبوب حسن البشارة من اهلل تعالى بالرضى والرؤية‪ ،‬وزيارة المالئكة زيادة‬
‫الفضيلة‪.‬‬

‫باب العشاري‬
‫قال رسول اهلل‪ :‬عليكم بالسواك فإن فيه عشر خصال‪ :‬يطهر الفم‪،‬‬
‫ويرضي الرب‪ ،‬ويسخط الشيطان‪ ،‬ويحبه الرحمن والحفظة‪ ،‬ويشد اللثة‪،‬‬
‫ويقطع البلغم‪ ،‬ويطيب النكهة‪ ،‬ويطفئ المرة‪ ،‬ويجلي البصر‪ ،‬ويذهب البخرة‪،‬‬
‫وهو من السنة‪ .‬ثم قال عليه السالم‪ :‬والصالة بالسواك أفضل من سبعين‬
‫صالة بغير سواك‪.‬‬

‫وقال أبو بكر الصديق (رضي اهلل عنه)‪ :‬ما من عبد رزقه اهلل عشر خصال‬
‫إال وقد نجا من اآلفات والعاهات كلها‪ ،‬وصار فى درجة المقربين‪ ،‬ونال درجة‬
‫المتقين‪ :‬أولها صدق دائم معه قلب قانع‪ ،‬والثاني صبر كامل معه شكر دائم‪،‬‬
‫والثالث فقر دائم معه زهد حاضر‪ ،‬والرابع فكر دائم معه بطن جائع‪،‬‬
‫والخامس حزن دائم معه خوف متصل‪ ،‬والسادس جهد دائم معه بدن‬
‫متواضع‪ ،‬والسابع رفق دائم معه رحم حاضر‪ ،‬والثامن حب دائم معه حياء‪،‬‬
‫والتاسع علم نافع معه حلم دائم‪ ،‬والعاشر إيمان دائم معه عقل ثابت‪.‬‬

‫وقال عمر (رضي اهلل عنه)‪ :‬عشرة ال تصلح بغير عشرة‪ :‬ال يصلح العقل‬
‫بغير ورع‪ ،‬وال الفضل بعير علم‪ ،‬وال الفوز بغير خشية‪ ،‬وال السلطان بغير‬
‫عدل‪ ،‬وال الحسب بغير أدب‪ ،‬وال السرور بغير أمن‪ ،‬وال الغنى بغير جود‪ ،‬وال‬
‫الفقر بغير قناعة‪ ،‬وال الرفعة بغير تواضع‪ ،‬وال الجهاد بغير توفيق‪.‬‬

‫وقال عثمان (رضي اهلل عنه)‪ :‬أضيع األشياء عشرة‪ :‬عالم ال يسأل عنه‪،‬‬
‫وعلم ال يعمل به‪ ،‬ورأي صواب ال يقبل‪ ،‬وسالح ال يستعمل‪ ،‬ومسجد ال‬
‫يصلى فيه‪ ،‬ومصحف ال يقرأ عنه‪ ،‬ومال ال ينفق منه‪ ،‬وخيل ال يركب‪ ،‬وعلم‬
‫الزهد فى بطن من يريد الدنيا‪ ،‬وعمر طويل ال يتزود [صاحبه] فيه لسفره‪.‬‬
‫وقال علي (رضي اهلل عنه)‪ :‬العلم خير ميراث‪ ،‬واألدب خير حرفة‪ ،‬والتقوى‬
‫خير زاد‪ ،‬والعبادة خير بضاعة‪ ،‬والعمل الصالح خير قائد‪ ،‬وحسن الخلق خير‬
‫قرين‪ ،‬والحلم خير وزير‪ ،‬والقناعة خير غني‪ ،‬والتوفيق خير عون‪ ،‬والموت خير‬
‫مؤدب‪.‬‬

‫وقال عليه السالم‪ :‬عشرة من هذه األمة هم كفار باهلل العظيم ويظنون أنهم‬
‫المؤمنون‪ :‬القاتل بغير حق‪ ،‬والساحر‪ ،‬والديوث الذي ال يغار على أهله‪ ،‬ومانع‬
‫الزكاة‪ ،‬وشارب الخمر‪ ،‬ومن وجب عليه الحج فلم يحج‪ ،‬والساعي فى الفتن‪،‬‬
‫وبائع السالح من أهل الحرب‪ ،‬وناكح المرأة فى دبرها‪ ،‬وناكح ذات رحم‬
‫محرم‪ .‬إن علم هذه األفعال حالال فقد كفر‪.‬‬

‫وقال النبي‪ :‬ال يكون العبد فى السماء وال فى األرض مؤمنا حتى يكون‬
‫وصوال‪ ،‬وال يكون وصوال حتى يكون مسلما‪ ،‬وال يكون مسلما حتى يسلم‬
‫الناس من يده ولسانه‪ ،‬وال يكون مسلما حتى يكون عالما‪ ،‬وال يكون عالما‬
‫حتى يكون بالعلم عامال‪ ،‬وال يكون بالعلم عامال حتى يكون زاهدا‪ ،‬وال يكون‬
‫زاهدا حتى يكون ورعا‪ ،‬وال يكون ورعا حتى يكون متواضعا‪ ،‬وال يكون‬
‫متواضعا حتى يكون عارفا بنفسه‪ ،‬وال يكون عارفا بنفسه حتى يكون عاقال فى‬
‫كالمه‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬رأى يحيى بن معاذ الرازي (رحمه اهلل) فقيها راغبا فى الدنيا فقال‪:‬‬
‫يا صاحب العلم والسنة‪ ،‬قصوركم قيصرية‪ ،‬وبيوتكم كسروية‪ ،‬ومساكنكم‬
‫قارونية‪ ،‬وأبوابكم طالوتية‪ ،‬وثيابكم جالوتية‪ ،‬ومذاهبكم شيطانية‪ ،‬وضياعكم‬
‫ماردية‪ ،‬وواليتكم فرعونية‪ ،‬وقضائكم عاجيلية أصحاب رشوة غشاشية‪،‬‬
‫ومماتكم جاهلية فأين المحمدية‪ .‬وقال‪:‬‬

‫أيها المناجي ربه بأنواع الكالم • والطالب مسكنه فى دار السالم‬


‫والمتسوف للتوبة عاما بعد عام • وما أراك منصفا لنفسك بين األنام‬

‫إنك لو رافقت يومك يا غافل بالصيام • وأحييت طول ليلك بالقيام‬

‫واقتصرت بالقليل من الماء والطعام • لكنت أحرى أن تنال شرف المقام‬

‫والكرامة العظيمة من رب األنام • والرضوان األكبر من ذي الجالل واإلكرام‬

‫وقال بعض الحكماء‪ :‬عشر خصال يبغصها اهلل سبحانه وتعالى من عشرة‬
‫أنفس‪ :‬البخل من األغنياء‪ ،‬والكبر من الفقراء‪ ،‬والطمع من العلماء‪ ،‬وقلة‬
‫الحياء من النساء‪ ،‬وحب الدنيا من الشيوخ‪ ،‬والكسل من الشباب‪ ،‬والجور من‬
‫السلطان‪ ،‬والجبن من الغزاة‪ ،‬والعجب من الزاهد‪ ،‬والرياء من العباد‪.‬‬

‫وقال رسول اهلل‪ :‬العافية على عشرة أوجه‪ ،‬خمسة فى الدنيا وخمسة فى‬
‫اآلخرة؛ فأما التي فى الدنيا [فهي] العلم‪ ،‬والعبادة‪ ،‬والرزق من الحالل‪،‬‬
‫والصبر على الشدة‪ ،‬والشكر على النعمة‪ ،‬وأما التي فى اآلخرة فإنه يأتيه ملك‬
‫الموت بالرحمة واللطف‪ ،‬وال يروعه منكر ونكير فى القبر‪ ،‬ويكون آمنا فى‬
‫الفزع األكبر‪ ،‬وتمحى سيئاته وتقبل حسناته‪ ،‬ويمر على الصراط كالبرق‬
‫الالمع‪ ،‬ويدخل الجنة فى السالمة‪.‬‬

‫وقال أبو الفضل رحمه اهلل‪ :‬سمى اهلل تعالى كتابه بعشرة أسماء‪ :‬قرآنا‪،‬‬
‫وفرقانا‪ ،‬وكتابا‪ ،‬وتنزيال‪ ،‬وهدى‪ ،‬ونورا‪ ،‬ورحمة‪ ،‬وشفاء‪ ،‬وروحا‪ ،‬وذكرا؛ أما‬
‫القرآن والفرقان والكتاب والتنزيل فمشهور‪ ،‬وأما الهدى والنور والرحمة‬
‫والشفاء [فقد] قال اهلل تعالى‪ :‬يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم‬
‫وشفاء لما فى الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين‪ ،‬قد جاءكم من اهلل نور وكتاب‬
‫مبين‪ ،‬وأما الروح فقال‪ :‬وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا‪ ،‬وأما الذكر فقال‪:‬‬
‫وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس‪.‬‬

‫وقال لقمان البنه‪ :‬يابني إن الحكمة أن تعمل عشرة أشياء‪ :‬أحدها تحيى‬
‫القلب الميت‪ ،‬وتجلس المسكين‪ ،‬وتتقي مجالس الملوك‪ ،‬وتشرف الوضيع‪،‬‬
‫وتحرر العبيد‪ ،‬وتؤوي الغريب‪ ،‬وتغني الفقير‪ ،‬وتزيد ألهل الشرف شرفا وللسيد‬
‫سؤددا‪ .‬وهي أفضل من المال‪ ،‬وحرز من الخوف‪ ،‬وعدة فى الحرب‪ ،‬وبضاعة‬
‫حين يربح‪ .‬وهي شفيعة حين يعتريه (العبد) الهول‪ ،‬وهي دليلة حين ينتهي به‬
‫اليقين إلى النفس‪ ،‬وهي سترة حين ال يستره ثوب‪.‬‬

‫وقال بعض الحكماء‪ :‬ينبغي للعقل إذا تاب أن يفعل عشر خصال‪،‬‬
‫إحداها إستغفار باللسان‪ ،‬وندم بالقلب‪ ،‬وإقالع بالبدن‪ ،‬والعزم أن ال يعود‬
‫[إلى المعصية] أبدا‪ ،‬وحب اآلخرة‪ ،‬وبغض الدنيا‪ ،‬وقلة الكالم‪ ،‬وقلة األكل‬
‫والشرب حتى يتفرغ للعلم والعبادة‪ ،‬وقلة النوم‪ .‬وقال اهلل تعالى‪ :‬كانوا قليال‬
‫من الليل ما يهجعون وباألسحار هم يستغفرون‪.‬‬

‫قال أنس بن مالك (رضي اهلل عنه)‪ :‬إن األرض تنادي كل يوم بعشر‬
‫كلمات وتقول‪ :‬يا ابن آدم‪ ،‬تسعى على ظهري ومصيرك فى بطني‪ ،‬وتعصي‬
‫على ظهري وتعذب فى بطني‪ ،‬وتضحك على ظهري وتبكي فى بطني‪ ،‬وتفرح‬
‫على ظهري وتحزن فى بطني‪ ،‬وتجمع المال على ظهري وتندم فى بطني‪،‬‬
‫وتأكل الحرام على ظهري وتأكلك الديدان فى بطني‪ ،‬وتختال على ظهري‬
‫وتذل فى بطني‪ ،‬وتمشي مسرورا على ظهري وتقع حزينا فى بطني‪ ،‬وتمشي فى‬
‫نور على ظهري وتقع فى الظلمات فى بطني‪ ،‬وتمشي على المجامع على‬
‫ظهري وتقع وحيدا فى بطني‪.‬‬

‫قال رسول اهلل‪ :‬من كثر ضحكه عوقب بعشر عقوبات‪ :‬أولها يموت قلبه‪،‬‬
‫ويذهب الماء على وجهه‪ ،‬ويشمت به الشيطان‪ ،‬ويغضب عليه الرحمن‪،‬‬
‫ويناقش به يوم القيامة‪ ،‬ويعرض عنه النبي يوم القيامة‪ ،‬وتلعنه المالئكة‪ ،‬ويبغضه‬
‫أهل السموات واألرضين‪ ،‬وينسى كل شيء‪ ،‬ويفتضح يوم القيامة‪.‬‬

‫وقال الحسن البصري (رحمه اهلل)‪ :‬يوما بينما أنا أطوف أزقة البصرة وفى‬
‫أسواقها مع شاب عابد فإذا أنا بلغنا بطبيب وهو جالس على الكرسي بين يديه‬
‫رجال ونساء وصبيان بأيديهم قوارير فيها ماء‪ ،‬وكل واحد منهم يستوصف دواء‬
‫لدائه‪ ،‬فقال‪ :‬فتقدم الشاب إلى الطبيب فقال‪ :‬أيها الطبيب هل عندك دواء‬
‫يغسل الذنوب‪ ،‬ويشفى مرض القلوب؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬هات‪ ،‬فقال‪ :‬خذ‬
‫مني عشر أشياء‪ :‬خذ عروق شجرة الفقر مع عروق شجرة التواضع‪ ،‬واجعل‬
‫فيها هليلج التوبة‪ ،‬واطرحه فى هاون الرضاء‪ ،‬واسحقه بمنجار القناعة‪ ،‬واجعله‬
‫فى قدر التقى‪ ،‬وصب عليه ماء الحياء‪ ،‬واغله بنار المحبة‪ ،‬واجعله فى قدح‬
‫الشكر‪ ،‬وروحه بمروحة الرجاء‪ ،‬واشربه بملعقة الحمد ‪ ...‬فإنك إن فعلت‬
‫ذلك فإنه ينفعك من كل داء وبالء فى‬

‫وقيل بعض الملوك خمسة من العلماء والحكماء فأمرهم أن يتكلم كل‬


‫واحد بحكمة‪ ،‬فتكلم كل واحد منهم بحكمتين فصارت عشرا‪ .‬فقال األول‪:‬‬
‫خوف الخالق آمن وأمنه كفر‪ ،‬وأمن المخلوق عتق وخوفه رق‪ .‬وقال الثاني‪:‬‬
‫الرجاء من اهلل تعالى غني يضره فقر‪ ،‬واليأس عنه فقر ال ينفع معه غني‪ .‬وقال‬
‫الثالث‪ :‬ال يضر معه غني القلب فقر الكيس‪ ،‬وال ينفع مع فقر القلب غني‬
‫الكيس‪ .‬وقال الرابع‪ :‬ال يزداد غني القلب مع الجود إال غنى‪ ،‬وال يزداد فقر‬
‫القلب مع غني الكيس إال فقرا‪ .‬وقال الخامس‪ :‬أخذ القليل من الخير خير‬
‫من ترك الكثير من الشر‪ ،‬وترك الجميع من الشر خير من أخذ القليل من‬
‫الخير‪.‬‬

‫وقال ابن عباس (رضي اهلل تعالى عنه) عن النبي‪ :‬عشرة أصناف من أمتي‬
‫ال يدخلون الجنة إال من تائب‪ ،‬أولهم القالع‪ ،‬والجيوف‪ ،‬والقتات‪ ،‬والدبوب‪،‬‬
‫والديوث‪ ،‬وصاحب العرطبة‪ ،‬وصاحب الكوبة‪ ،‬والعتل‪ ،‬والزنيم‪ ،‬والعاق لوالديه‬
‫قيل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ما القالع؟ قال‪ :‬الذي يمشي بين يديه األمراء‪ .‬وقيل‪ :‬ما‬
‫الجيوف؟ قال‪ :‬النباش‪ ،‬وقيل‪ :‬ما القتات؟ قال‪ :‬النمام‪ ،‬وقيل ما الدبوب؟ قال‪:‬‬
‫الذي يجمع فى بيته الفتيات للفجور‪ ،‬وقيل‪ :‬ما الديوث؟ قال‪ :‬الذي ال يغار‬
‫على أهله‪ ،‬وقيل ما صاحب العرطبة؟ قال‪ :‬الذي يضرب بالطبل‪ ،‬وقيل‪ :‬ما‬
‫صاحب الكوبة؟ قال‪ :‬الذي يضرب الطنبور‪ ،‬وقيل‪ :‬ما العتل؟ قال‪ :‬الذي ال‬
‫يعفو عن الذنب وال يقبل العذر‪ ،‬وقيل‪ :‬ما الزنيم؟ قال‪ :‬الذي ولد من الزنى‬
‫ويقعد على قارعة الطريق فيغتاب الناس‪ ،‬والعاق مشهور‪.‬‬

‫قال النبي‪ :‬عشرة نفر لن يقبل اهلل تعالى صالتهم‪ :‬رجل صلى وحيدا بغير‬
‫قراءة‪ ،‬ورجل ال يؤدي الزكاة‪ ،‬ورجل يؤم قوما وهم له كارهون‪ ،‬ورجل مملوك‬
‫آبق‪ ،‬ورجل شارب الخمرمدمن‪ ،‬وامرأة باتت وزوجها ساخط عليها‪ ،‬وامرأة حرة‬
‫تصلى بغير خمار‪ ،‬وآكل الربى‪ ،‬واإلمام الجائر‪ ،‬ورجل ال تنهاه صالته عن‬
‫الفحشاء والمنكر ال يزداد من اهلل إال بعدا‪.‬‬
‫وقال النبي‪ :‬ينبغي للداخل فى المسجد عشر خصال‪ :‬أولها أن يتعاهد‬
‫خفيه أو نعله‪ ،‬وأن يبدأ برجله اليمنى‪ ،‬وأن يقول إذا دخل بسم اهلل وسالم على‬
‫رسول اهلل وعلى مالئكة اهلل‪ ،‬اللهم افتح لنا أبواب رحمتك إنك أنت الوهاب‪،‬‬
‫وأن يسلم على أهل المسجد‪ ،‬وأن يقول إذا لم يكن فيه أحد السالم علينا‬
‫وعلى عباد اهلل الصالحين‪ ،‬وأن يقول أشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمدا رسول‬
‫اهلل وال يمر بين يدي المصلى‪ ،‬وأن ال يعمل بعمل الدنيا وال يتكلم بكالم‬
‫الدنيا‪ ،‬وأن ال يخرج حتى يصلى ركعتين‪ ،‬وأن ال يدخل إال بوضوء‪ ،‬وأن يقول‬
‫إذا قام سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب‬
‫إليك‪.‬‬

‫وعن أبي هريرة (رحمه اهلل) عن النبي‪ :‬الصالة عماد الدين وفيها عشر‬
‫خصال‪ :‬زين الوجه‪ ،‬ونور القلب‪ ،‬وراحة البدن‪ ،‬وأنس فى القبر‪ ،‬ومنزل‬
‫الرحمة‪ ،‬ومفتاح السماء‪ ،‬وثقل الميزان‪ ،‬ومرضاة الرب‪ ،‬وثمن الجنة‪ ،‬وحجاب‬
‫من النار؛ ومن أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين‪.‬‬

‫وعن عائشة عن النبي أنه قال‪ :‬إذا أراد اهلل تعالى أن يدخل أهل الجنة فى‬
‫الجنة بعث إليهم ملكا ومعه هدية وكسوة من الجنة‪ ،‬فإذا أرادوا أن يدخلوها‬
‫قال لهم الملك‪ :‬قفوا‪ ،‬إن معي هدية من رب العالمين‪ .‬قالوا وما تلك الهدية؟‬
‫فيقول الملك‪ :‬هي عشرة خواتم مكتوب على أحدها‪ :‬سالم عليكم طبتم‬
‫فادخلوها خالدين؛ وفى الثاني مكتوب‪ :‬رفعت عنكم األحزان والهموم؛ وفى‬
‫الثالث مكتوب‪ :‬وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون؛ وفى الرابع مكتوب‪:‬‬
‫ألبسناكم الحلل والحلى؛ وفى الخامس مكتوب‪ :‬وزوجناهم بحور عين‪ ،‬إني‬
‫جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون؛ وفى السادس مكتوب‪ :‬هذا‬
‫جزاءكم اليوم بما فعلتم من الطاعة؛ وفى السابع مكتوب‪ :‬صرتم شبابا ال‬
‫تهرمون أبدا؛ وفى الثامن مكتوب‪ :‬صرتم آمنين وال تخافون أبدا؛ وفى التاسع‬
‫مكتوب‪ :‬رافقتم األنبياء والصديقين والشهداء والصالحين؛ وفى العاشر‬
‫مكتوب‪ :‬سكنتم فى جوار الرحمن ذي العرش الكريم؛ ثم يقول الملك‬
‫أدخلوها بسالم آمنين‪ .‬فيدخلون الجنة ويقولون الحمد هلل الذي أذهب عنا‬
‫الحزن إن ربنا لغفور شكور‪ ،‬الحمد هلل الذي صدقنا وعده وأورثنا األرض نتبوأ‬
‫من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين‪.‬‬

‫وإذا أراد اهلل أن يدخل أهل النار فى النار بعث إليهم ملكا ومعه عشرة‬
‫خواتم أولها مكتوب‪ :‬أدخلوها ال تموتون فيها أبدا وال تحيون وال تخرجون؛‬
‫وفى الثاني مكتوب‪ :‬خوضوا فى العذاب ال راحة لكم؛ وفى الثالث مكتوب‪:‬‬
‫يئسوا من رحمتي؛ وفى الرابع مكتوب‪ :‬أدخلوها فى الهم والغم والحزن أبدا؛‬
‫وفى الخامس مكتوب‪ :‬لباسكم النار‪ ،‬وطعامكم الزقوم‪ ،‬وشرابكم الحميم‪،‬‬
‫ومهادكم النار‪ ،‬وغواشيكم النار؛ وفى السادس مكتوب‪ :‬هذا جزائكم اليوم بما‬
‫فعلتم من معصيتي؛ وفى السابع مكتوب‪ :‬سخطي عليكم فى النار أبدا؛ وفى‬
‫الثامن مكتوب‪ :‬عليكم اللعنة بما تعمدتم من الذنوب الكبائر ولم تتوبوا ولم‬
‫تندموا؛ وفى التاسع مكتوب‪ :‬قرنائكم الشياطين فى النارأبدا؛ وفى العاشر‬
‫مكتوب‪ :‬اتبعتم الشيطان وأردتم الدنيا وتركتم اآلخرة فهذا جزائكم‪.‬‬
‫وعن بعض الحكماء‪ :‬طلبت عشرة فى عشرة مواطن فوجدتها فى عشرة‬
‫أخرى‪ :‬طلبت الرفعة فى التكبر فوجدتها فى التواضع‪ ،‬وطلبت العبادة فى‬
‫الصالة فوجدتها فى الورع‪ ،‬وطلبت الراحة فى الحرص فوجدتها فى الزهد‪،‬‬
‫وطلبت نور القلب فى صالة النهار جهرا فوجدته فى صالة الليل سرا‪ ،‬وطلبت‬
‫نور القيامة فى الجود والسخاوة فوجدته فى العطش والصوم‪ ،‬وطلبت الجواز‬
‫على الصراط فى أضحية فوجدتها فى الصدقة‪ ،‬وطلبت النجاة من النار فى‬
‫المباحات فوجدتها فى ترك الشهوات‪ ،‬وطلبت حب اهلل تعالى فى الدنيا‬
‫فوجدتها [ته] فى ذكر اهلل تعالى‪ ،‬وطلبت العافية فى المجامع فوجدتها فى‬
‫العزلة‪ ،‬وطلبت نور القلب فى المواعظ وقراءة القرآن فوجدتها فى التفكر‬
‫والبكاء‪.‬‬

‫وقال ابن عباس (رضي اهلل عنهما) فى قوله تعالى‪ :‬وإذ ابْـتَـلَى إبراهيم ربُه‬
‫بكلمات فأَتَ َّم ُه َّن قال‪ :‬عشر خصال من السنة‪ ،‬خمس فى الرأس وخمس فى‬
‫البدن؛ فأما فى الرأس السواك [فهي]‪ ،‬والمضمضة‪ ،‬واإلستنشاق‪ ،‬وقص‬
‫الشارب‪ ،‬والحلق‪ .‬وأما فى البدن [فهي] نتف اإلبط‪ ،‬وتقليم األظفار‪ ،‬وحلق‬
‫العانة‪ ،‬والختان‪ ،‬واإلستنجاء‪.‬‬

‫وعن ابن عباس قال‪ :‬من صلى على النبي واحدة صلى اهلل عليه عشرة‬
‫(‪ )4‬ومن سبه مرة سب اهلل عليه عشرة مرات؛ أال ترى لقوله تعالى للوليد بن‬
‫مغيرة لعنة اهلل عليه حين سب النبي مرة واحدة سبه اهلل عشر مرات فقال‪ :‬وال‬
‫َّاع للخير ُم ْعتَ ٍد أ ٍ‬
‫َثيم‪ُ ،‬عتُ ٍّل بع َد ذالك‬ ‫ش ٍاء بنَ ِم ٍ‬
‫يم‪َ ،‬من ٍ‬ ‫تُ ِط ْع َّ‬
‫كل َحالَّفٍ َمهي ٍن‪َ ،‬ه َّما ٍز َم َّ‬
‫األولين يعني‬
‫أساطير َّ‬ ‫ُ‬ ‫َزنِيم‪ ،‬أ ْن كان ذا مال وبنين‪ ،‬إذا تُـ ْتلى عليه آياتُنا قال‬
‫يكذب بالقرآن‪.‬‬

‫وقال إبراهيم بن أدهم (رحمه اهلل) حين سألوه عن قوله تعالى أدعوني‬
‫أستجب لكم‪ ،‬وإنا ندعو فلم يستجب لنا‪ .‬فقال‪ :‬ماتت قلوبكم من عشرة‬ ‫ْ‬
‫أشياء‪ :‬أولها أنكم عرفتم اهلل ولم تؤدوا حقه‪ ،‬وقرأتم كتاب اهلل ولم تعملوا به‪،‬‬
‫وادعيتم عداوة إبليس وواليتموه‪ ،‬وادعيتم حب الرسول وتركتم أثره وسنته‪،‬‬
‫وادعيتم حب الجنة ولم تعملوا لها‪ ،‬وادعيتم خوف النار ولم تنتهوا عن‬
‫الذنوب‪ ،‬وادعيتم أن الموت حق ولم تستعدوا له‪ ،‬واشتغلتم بعيوب غيركم‬
‫وتركتم عيوب أنفسكم‪ ،‬وتأكلون رزق اهلل وال تشكرونه‪ ،‬وتدفنون موتاكم وال‬
‫تعتبرون‪.‬‬

‫وقال النبي‪ :‬ما من عبد وأمة دعا بهذا الدعاء فى ليلة عرفة ألف مرة وهي‬
‫عشر كلمات لم يسأل اهلل شيئا إال أعطاه ما لم يدع بقطيعة رحم أومأثم‪ ،‬أولها‬
‫سبحان الذي فى السماء عرشه‪ ،‬سبحان الذي فى األرض ملكه وقدرته‪،‬‬
‫سبحان الذي فى البر سبيله‪ ،‬سبحان الذي فى الهوى روحه‪ ،‬سبحان الذي فى‬
‫النار سلطانه‪ ،‬سبحان الذي فى األرحام علمه‪ ،‬سبحان الذي فى القبور‬
‫قضاؤه‪ ،‬سبحان الذي رفع السماء بال عمد‪ ،‬سبحان الذي وضع األرض‪،‬‬
‫سبحان الذي ال ملجأ وال منجأ منه إال إليه‪.‬‬

‫__________‬
‫(‪ )4‬عشرة‪( :‬هكذا فى األصل) والصحيح عشرا‪.‬‬

‫وعن ابن عباس (رضي اهلل عنهما) أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ذات يوم‬
‫إلبليس عليه اللعنة‪ :‬كم أحباؤك من أمتي؟ قال‪ :‬عشر نفر أولهم اإلمام‬
‫الجائر‪ ،‬والمتكبر‪ ،‬والغني الذي ال يبالي من أين يكتسب المال وفى ماذا‬
‫ينفق‪ ،‬والعالم الذي صدق األمير على جوره‪ ،‬والتاجر الخائن‪ ،‬والمحتكر‪،‬‬
‫والزاني‪ ،‬وآكل الربا‪ ،‬والبخيل الذي ال يبالي من أين يجمع المال‪ ،‬وشارب‬
‫الخمر مدمن عليها‪ .‬ثم قال النبي صلي اهلل عليه وسلم‪ :‬فكم أعداؤك من‬
‫أمتي؟ قال‪ :‬عشرون نفرا أولهم أنت يا محمد فإني أبغضك‪ ،‬والعالم العامل‬
‫بالعلم‪ ،‬وحامل القرآن إذا عمل بما فيه‪ ،‬والمؤذن هلل فى خمس صلوات‪،‬‬
‫ومحب الفقراء والمساكين واليتامى‪ ،‬وذو قلب رحيم‪ ،‬والمتواضع للحق‪،‬‬
‫وشاب نشأ فى طاعة اهلل تعالى‪ ،‬وآكل الحالل‪ ،‬والشابان متحابان فى اهلل‪،‬‬
‫والحريص على الصالة فى الجماعة‪ ،‬والذي يصلى بالليل والناس نيام‪ ،‬والذي‬
‫يمسك نفسه عن الحرام‪ ،‬والذي ينصح (وفى رواية‪ :‬يدعو لألخوان) وليس فى‬
‫قلبه شيء‪ ،‬والذي يكون أبدا على وضوء‪ ،‬وسخي‪ ،‬وحسن الخلق‪ ،‬والمصدق‬
‫ربه بما ضمن اهلل له‪ ،‬والمحسن إلى مستورات األرامل‪ ،‬والمستعد للموت‪.‬‬

‫وقال وهب ابن منبه‪ :‬مكتوب فى التوراة من تزود فى الدنيا صار يوم‬
‫القيامة آمنا من عذاب اهلل‪ ،‬ومن ترك الحسد صار يوم القيامة محمودا على‬
‫رؤوس الخالئق‪ ،‬ومن ترك حب الرياسة صار يوم القيامة عزيزا عند الملك‬
‫الجبار‪ ،‬ومن ترك الفضول فى الدنيا صار ناعما فى األبرار ومن ترك الخصومة‬
‫فى الدنيا صار من الفائزين‪ ،‬ومن ترك البخل فى الدنيا صار مذكورا عند رؤوس‬
‫الخالئق‪ ،‬ومن ترك الراحة فى الدنيا صار يوم القيامة مسرورا‪ ،‬ومن ترك الحرام‬
‫فى الدنيا صار يوم القيامة فى جوار األنبياء‪ ،‬ومن ترك النظر فى الحرام فى‬
‫الدنيا أفرح اهلل عينه يوم القيامة فى الجنة‪ ،‬ومن ترك الغنى فى الدنيا واختار‬
‫الفقر بعثه اهلل يوم القيامة مع الوليين والنبيين‪ ،‬ومن قام بحوائج الناس فى الدنيا‬
‫قضى اهلل تعالى حوائجه فى الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن أراد أن يكون فى قبره مؤنس‬
‫فليقم فى ظلمة الليل وليصل‪ ،‬ومن أراد أن يكون فى ظل عرش الرحمن فليكن‬
‫زاهدا‪ ،‬ومن أراد أن يكون حسابه يسيرا فليكن ناصحا لنفسه وإخوانه‪ ،‬ومن‬
‫أراد أن يكون المالئكة زائرين [به] فليكن ورعا‪ ،‬ومن أراد أن يسكن فى‬
‫بحبوحة الجنة فليكن ذاكر اهلل بالليل والنهار‪ ،‬ومن أراد أن يدخل الجنة بغير‬
‫حساب فليتب إلى اهلل توبة نصوحا‪ ،‬ومن أراد أن يكون غنيا فليكن راضيا بما‬
‫قسم اهلل تعالى‪ ،‬ومن أراد أن يكون مع اهلل فقيها فليكن خاشعا‪ ،‬ومن أراد أن‬
‫يكون حكيما فليكن عالما‪ ،‬ومن أراد أن يكون سالما من الناس فال يذكر أحدا‬
‫إال بخير وليعتبر فيها [الناس] من أي شيء خلقت‪ ،‬ولماذا خلقت‪ ،‬ومن أراد‬
‫الشرف فى الدنيا واآلخرة فليختر األخرة على الدنيا‪ ،‬ومن أراد الفردوس‬
‫والنعيم الذي ال يفنى ال يضيع عمره فى فساد الدنيا‪ ،‬ومن أراد الجنة فى‬
‫الدنيا واآلخرة فعليه بالسخاوة ألن السخي قريب إلى الجنة وبعيد من النار‪،‬‬
‫ومن أراد أن ينور قلبه بالنور التام فعليه بالتفكر واإلعتبار‪ ،‬ومن أراد أن يكون‬
‫لديه بدن صابر ولسان ذاكر وقلب خاشع فعليه بكثرة اإلستغفار للمؤمنين‬
‫والمؤمنات والمسلمين والمسلمات‪.‬‬

You might also like