‫خرج الفيلسوف اليوناني ديوجين ذات مرة إلى السوق حامالً بيده مصبا ًحا في وضح النهار‪،‬‬

‫فأخذ يدور في السوق‪ ،‬يبحث في األماكن الضيقة وفي الزوايا‪ ،‬عندما سألوه عن "ماذا يبحث"؛‬
‫قال‪" :‬أفتش عن إنسان"‪.‬‬

‫كثيرا في اإلنسان الذي في داخلنا؛ فما أحوجنا لذلك الكائن‬

‫إن صدمة هذه اإلجابة تجعلنا نفكر ً‬
‫الذي أصبح يضمحل شيئًا فشيئًا‪.‬‬

‫ٌ‬
‫كائن‬ ‫إن مفردة (إنسان) لها دالالت عظيمة ومضيئة؛ فهو يدل على األُنس‪ ،‬وحاجته لإليناس‪ ،‬وأنه‬
‫اجتماعي ال يستطيع أن يعيش بمفرده‪ ،‬له دور حيوي في العالقات‪ ،‬ومع الناس والكائنات من‬
‫ضا إنسان له عالقة وطيدة بالنسيان‪ ،‬ينسى البشاعة‪ ،‬ينسى المواقف المسيئة‪ ،‬وينسى‬
‫حوله‪ ،‬وهو أي ً‬
‫الخذالن‪ ،‬ينسى الحروب والدماء‪ ،‬ويتذكر فقط الجمال‪..‬‬

‫إن ما تفعله السمراء الرائعة (أوبرا وينفري) من خدمات إنسانية‪ ،‬وما تقدمه من تعليم وإيواء‬
‫للفقراء والمحرومين‪ ،‬واحتضان لليتامى والمقطوعين لهو عمل إنساني عظيم وعميق‪ ،‬يشاركها‬
‫ضميرا حيًّا‪.‬‬
‫ً‬ ‫في ذلك كثير من الرائعين الذين يملكون‬

‫الذي أريد قوله‪ :‬إنك لن تحقق إنسانيتك حتى تفكر بغيرك‪ ،‬تساعد‪ ،‬تسامح‪ ،‬تبذل‪ ،‬تفكر‪ ،‬وما أعظم‬
‫الدين وأجمله‪ ،‬وذلك عندما يحثك المصطفى ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أن‬
‫"أحب الناس إلى هللا أنفعهم" ‪" ،‬أن تحب ألخيك ما تحبه لنفسك"‪ ،‬أن "تبسمك في وجه أخيك‬
‫صدقة"‪ ،‬حتى "إماطة األذى عن الطريق" تدل على أنك تفكر بغيرك‪ ،‬ونصوص غزيرة جدًّا في‬
‫هذا الشأن‪.‬‬
 ‫يقول محمود درويش‪:‬‬
‫وأنت تعدُّ فطورك‪ ،‬فك ْر بغيرك‬
‫ال تنس قوت الحما ْم‬
‫تخوض حروبك فك ْر بغيرك‬ ‫ُ‬ ‫وأنت‬
‫ال تنس من يطلبون السال ْم‬
‫وأنت تسدد فاتورة الماء‪ ،‬فك ْر بغيرك‬
‫من يرضعون الغما ْم‬
‫وأنت تعودُ إلى البيت‪ ،‬بيتِك‪ ،‬فك ْر بغيرك‬
‫ال تنس شعب الخيا ْم‬
‫وأنت تنا ُم و تحصي الكواكب‪ ،‬فك ْر بغيرك‬
‫ثمة من لم يج ْد حي ًزا للمنا ْم‬
‫وأنت تحر ُر نفسك باالستعارات‪ ،‬فك ْر‬
‫بغيرك‬
‫من فقدوا حقهم في الكالم ْ‬
‫وأنت تفكر باآلخرين البعيدين‪ ،‬فك ْر‬
‫بنفسك‬
‫ٌ‬
‫قل‪ :‬ليتني شمعة في الظالم‬ ‫ْ‬

‫نعم‪ ..‬إنها االشتراكية في أروع صورها‬

‫وما يحز في نفسي كثيرا أن هناك أصوات تصدح ليالً ونهارا ً قائلة "أن االشتراكية كفر"‬

‫ولكن ما يقولونه ال يهمني‬

‫فأنا أحاول أن أكون ذلك الشخص الذي يبحث عنه الفيلسوف اليوناني "ديوجين"‪.‬‬