Professional Documents
Culture Documents
يعد ابن خلدون من أهم العلماء الذين تفخر بهم الحضارة العربية
الإسلامية ،فهو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضع أسسه الحديثة ،وتوصل
إلى نظريات باهرة في علم اجتماع حول قوانين العمران ونظرية العصبية،
وبناء الدولة وأطوارها ( عمرانها وازدهارها وسقوطها ) .امتاز ابن خلدون بسعة
اطلاعه على ما كتبه القدامى على أحوال البشر وعلاقاتهم ،وقدرته على
استعراض الآراء ونقدها ،ودقة الملاحظة وحرية التفكير وإنصاف أصحاب الآراء المخالفة لرأيه.
وقد كان لخبرته في الحياة السياسية والإدارية وفي القضاء ،إلى جانب أسفاره الكثيرة من موطنه
الأصيل تونس وبقية بلاد شمال أفريقيا إلى بلدان أخرى مثل مصر والحجاز والشام ،أثر بالغ في
موضوعية وعلمية كتاباته في التاريخ وعلم الاجتماع .سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل إليه
مؤلف الكتاب الاستاذ الدكتور محمد محمود الجوهري وهو من أوائل المصريين إن لم يكن
أول مصري يحصل على درجة الدكتوراه في علم الفولكلور في عام 1966م ،من معهد جامعى
متخصص في هذا العلم .وهو من أكبر معاهد الفولكلور في العالم ويتبع لجامعة بون بألمانيا.
ثم عاد إلى الوطن مصر وأسهم بنفسه ومن خلال التعاون مع زملائه وطلابه بدفع الحركة
العلمية للفولكلور المصري ،مع التشديد على صفة "العلمية" .فمجال العمل الإعلامى
الجماهيرى في الفولكلور كان وما يزال مفتوحا على مصراعيه لمن ينحو منحى التبسيط أو
1
المتاجرة أحيانا .ولكن الدراسة الحقة لتراثنا الشعبي كانت تقتضي ممن يتصدى لها جهدا دؤوبا
متصلا ،متعاونا مع كل من لديه كفاءة وجلد لترسيخ الفهم العلمى المنضبط لهذا الميدان من
ميادين البحث و الدراسة.
يتضمن الكتاب عدة محاور تم تصنيفها في أربعة أبواب ،تناول الباب الأول موضوع علم
الاجتماع نشأته وبداية تطوره وحدوده ،وتم في الباب الثاني استجلاء كينونة علم الاجتماع
وقضايا المجتمع كما تم عرض خلاصة النظرية المعاصرة في علم الاجتماع ،وتضمن الباب
الثالث ميادين الدراسة في علم الاجتماع العقبات والصعوبات التي واجهها ويواجهها كحقل جديد
يشق طريقه في مجال البحث العلمي ،واختص الباب الرابع بموضوع علم الاجتماع التطبيقي
منهجيته التي تميزت بإبراز استخدام ما هو مهمل في منهجية علم الاجتماع و المؤشرات
الاجتماعية .علم الاجتماع التطبيقي لا يعني مناهج البحث وطرقه أو كيفية استخدامه بل هو
عبارة عن مواضيع ومشاكل وحالات اجتماعية معاصرة مترجمة الى بحوث سهله الفهم بعيدة
عن التعقيدات الأكاديمية في تعابيرها ومصطلحاتها .وعلى الرغم من قصر الفترة الزمنية التي لا
تتعدى الربع قرن ،إلا ان رواد علم الاجتماع التطبيقي وباحثيه استطاعوا أن يجمعوا ما
يستطيعون جمعه لجعله مادة متخصصة .في هذا السياق ،وبين ثنايا هذا الكتاب القيم والهام،
سنحاول تلخيص ما جاء فيه ،حيث تضمن الكتاب عدة محاور تم تصنيفها في أربعة أبواب هي:
الباب الأول :تم استعراض موضوع علم الاجتماع وحدوده.
الباب الثاني :ناقش موضوع المجتمع وعرض خلاصة النظرية المعاصرة في علم الاجتماع.
الباب الثالث :حدد ميادين الدراسة في علم الاجتماع.
العلاقات من آثار .ويعد علم الاجتماع من أطرف الأبحاث الاجتماعية وأكثرها جذبا للناس ،لكنه
ليس أسهلها ولا أبسطها في البحث .لأن العلاقات الإنسانية – التي تمثل موضوع هذا العلم –
يمكن أن تكون معقدة أشد التعقيد .إضافة إلى صعوبة هذا البحث ،بل ويعوقه أحيانا ،أن أهم
جوانب العلاقات الإنسانية ليس واضحا للعيان ،وليس باديا ظاهرا (خاصة من حيث المعنى الذي
يضفيه أطراف العلاقة عليها) ،كما أن بعض جوانبه لا يمكن ملاحظته ملاحظة مباشرة.
2
النسق الاجتماعي:
والنسق الاجتماعي Social Systemهو أهم وحدة في دراسة علم الاجتماع .ويتكون النسق
الاجتماعي من مجموعة من الناس الذين يعيشون معا ويشتركون في واحد أو أكثر من الأنشطة
المشتركة والتي يتم القيام بها بشكل جماعي .وترتبط المجموعة برابطة معينة أو عدد من
الروابط والصلات .وقد يكون النسق الاجتماعي صغيرا ،كأن يتكون من زوجين يعيشان معا في
أسرة واحدة ،وقد يكون كبير الحجم كمصنع كبير يضم آلاف العمال ،أو جيش يضم مئات الآلاف
من الأفراد .بعض الأنساق الاجتماعية لا يدوم سوى لحظات عابرة ،كذلك الحشد من الناس الذين
يتجمعون حول حادث عابر في الطريق العام ،وبعضها يستمر حيا متماسكا متصلا عبر أجيال
طويلة كإحدى القبائل على سبيل المثال.
يخلق كل نسق اجتماعي عددا من الوقائع أو الأحداث الاجتماعية ،أو ما يسمى أحيانا
الظواهر الاجتماعية ،وهي عبارة عن أشكال أو أنماط منتظمة ومتكررة من السلوك يفرضها هذا
النسق على الأفراد الداخلين فيه .وفي حالة النسق الاجتماعي الكبير المستمر تنشأ بطبيعة
الحال ملايين من تلك الوقائع أو الأحداث الاجتماعية أو الظواهر التي يهتم عالم الاجتماع
بدراستها .من الطبيعي والمنطقي أن مثل هذا العدد الكبير من الوقائع لا يمكن دراسته دفعة
واحدة ،ولا إحصاؤه إحصاء شاملا ووافيا .لذلك يتحتم علينا تقسيمه أو تصنيفه إلى فئات أصغر،
فندرس الوقائع المتصلة بكل من :السكان ،والمدن ،والطبقات الاجتماعية ،والعمل ،والتنظيمات،
والحياة الأسرية ،والجريمة ،والحرب ،والتغير الاجتماعي ،والترويح ،والشيخوخة ،والذوق الفني...
إلخ .وهذا التصنيف إلى فئات من هذا النوع يمثل مجالات أو ميادين الدراسة والبحث في علم
الاجتماع .ومن خلال ذلك يصبح بإمكاننا التعرف على عدد من الوقائع والأحداث الاجتماعية التي
تمكن علم الاجتماع على امتداد تاريخه من إلقاء الضوء عليها ودراستها.
ملاحظات:
يعاني علم الاجتماع في الوقت الحاضر ،من انقلابات عنيفة .فهو يقف حائرا أمام العلاقات
بين البشر والمجموعات الاجتماعية التي لم تعد تعرف كيف تعطي معنى لوجودها .ولم يعد
قادرا على إخفاء عجزه عن فهم انبثاق الجديد وتفسيره ،وتحليل الآخر والمختلف ،وتخليصنا من
معارفنا "المنتجة" والمتقهقرة.
3
علم الاجتماع منفتح على الشك ،وحس التمييز ،وغير المنتظر ،وعلى القدرات الخلاقة للبشر
"هذه الحيوانات الخرقاء التي تحب بشغف أن تتشاجر على جهلها ".هذه الاختلاجات وقلق عالم
الاجتماع أمام الانفصال الحالي بين الكلمات والمعاني ،بين الإشارات والأفكار ،بين مصائرنا
الأسبق في القاهرة ،وأستاذ علم الاجتماع يستحق الدراسة المتأنية ،ومحاولة إسقاط نموذجه
على البحث والدراسة في كافة موضوعات علم الاجتماع ،وتقديمه لمختلف المجتمعات أملا في
Moustafa.alkafry@gmail.com
الطبعة :الثالثة
منشورات :دار المسيرة للنشر والتوزيع ،شركة جمال أحمد محمد
حيف واخوانه ،الأردن – عمان – العبدلي
4